ناسخ التواريخ حياة الإمام سيد الشهداء الحسين عليه السلام المجلد 4-3

اشارة

سرشناسه:سپهر، محمدتقی بن محمدعلی ، ‫ ‫1216 - 1297ق.

عنوان و نام پديدآور:ناسخ التواریخ: حیاه الامام سید الشهداالحسین «علیه السلام»/ محمد تقی سپهر(لسان المللک) ؛ ترجمه و تحقیق سیدعلی جمال شرف.

مشخصات نشر: ‫قم ‫: مدین ، 1427ق.- = 2007م.- ‫ = 1386 -

مشخصات ظاهری:4 ‫ ج.

شابک: ‫دوره ‫: ‫ 964-8901-52-X ؛ ‫ج. 1 ‫: ‫ 964-8901-48-1 ؛ ‫ 964-8901-51-1

يادداشت:عربی.

يادداشت:ج.3- 4 (چاپ اول: 1427ق. = 2007م. = 1386).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:حسین بن علی (ع)، امام سوم، 4 - 61ق -- سرگذشتنامه

شناسه افزوده:اشرف ، علی

رده بندی کنگره: ‫ BP41/4 ‫ / س18ن2 1386

رده بندی دیویی: ‫ 297/953

شماره کتابشناسی ملی:1042143

وضعيت ركورد:ركورد كامل

خیراندیش دیجیتالی : بیادبود مرحوم حاج سید مصطفی سید حنایی

ص: 1

ناسخ التواريخ حياة الإمام سيد الشهداء الحسين عليه السلام-الجزء الثالث

اشارة

ص: 2

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحوادث الواقعة بعد شهادة سيد الشهداء في أرض كربلاء

فرس الحسين عليه السلام

لما صرع الحسين عليه السلام جعل فرسه يحامي عنه ، ويثب على الفارس فيخبطه عن سرجه ويدوسه حتى قتل الفرس - كما في رواية العوالم - أربعين رجلا ، ثم تمرغ في دم الحسين عليه السلام ، وقصد نحو الخيمة ، وله صهيل عال وهو يضرب بيديه ، فَلَمّا نَظَرَ اِلَى فَرَسِ الْحُسَيْنِ عليه السلام عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ قالَ : يا وَيْلَكُمْ آتوني بِهِ ، وَكانَ مِنْ جِيادِ خَيْلِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَرَكِبوا في طَلَبِهِ ، فَلَمّا اَحَسَّ الْجَوادُ بِالطَلَبِ جَعَلَ يَلْطِمُ بِيَدِهِ وَرِجْلَيْهِ وَيُمانِعُ عَنْ نَفْسِهِ حَتّى قَتَلَ خَلْقا كَثيرا ، وَلَمْ يَقْدِروا عَلَيْهِ ، فَصاحَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ : دَعُوهُ حَتّى نَنْظُرُ ما يَصْنَعُ(1) ؟

فأقبل فرس الحسين عليه السلام وقد عدا من بين أيديهم أن لا يؤذ ، فوضع ناصيته

ص: 3


1- مقتل أبي مخنف : 102 .

في دم الحسين عليه السلام ثم أقبل يركض نحو خيمة النساء ، وهو يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة حتى مات(1) ، وروي أنّه القى بنفسه في الماء ولم يخرج .

فَلَمّا سَمِعَتْ مخدرات العصمة صهيله ارتفع منهن العويل والصراخ وخرجن نادبات ، وخرجت سكينة فَهَتَكَتْ خِمارِها وَنادَتْ : وا اَبتاهُ وا حُسَيْناهُ وا قَتيلاهُ وا غُرْبَتاهُ وا بُعْدَ سَفَراهُ وا طُولَ كُرْبَتاهُ هذا الْحُسَيْنُ بِالْعَراء مَسْلُوبَ الْعِمامَةِ وَالرِّداء وَاَنْشَأَتْ تَقُولُ :

ماتَ الْفَخارُ وَماتَ الْجُودُ وَالْكَرَمُ

وَاغْبَرَّتِ الأَرْضُ وَالآفاقُ وَالحَرَمُ

وَاَغْلَقَ اللّهُ اَبْوابَ السَّماءِ فَما

تَرْقى لَهُمْ دَعْوَةٌ تُجْلى بِهِا الْهِمَمُ

يا اُخْتَ قُومي اُنْظُري هذا الْجَوادَ اَتى

يُنَبِّئْكِ اَنَّ اِبْنَ خَيْرَ الْخَلْقِ مُخْتَرَمُ

ماتَ الْحُسَيْنُ فَيا لَهْفي لِمَصْرَعِهِ

وَصارَ يَعْلُو ضِياءَ الأُمَّةِ الظُّلَمُ

يامَوْتُ هَلْ مِنْ فِدا يامَوْتُ هَلْ عِوَضٌ

اللّهُ رَبِّي مِنَ الفُجّارِ يَنْتَقِمُ

وَصَرَخَتْ اُمَّ كُلْثُومٍ وَهَتَكَتْ خِمارَها وَاَنْشَأَتْ تَقُولُ :

مُصيبَتي فَوْقَ اَنْ اَرْثي بِاَشعاري

وَاَنْ يُحيطَ بِها عِلْمي وَاَفْكاري

شَرَّفْتُ بِالْكَأسِ في صِنْوٍ فُجِعْتُ بِهِ

وَكُنْتُ مِنْ قَبْلُ اَرْعى كُلَّ ذي جارِ

فَالْيَوْمُ اَنْظُرُهُ بِالتُّرْبِ مُنْجَدِلاً

لَوْلا التَّحَمُّلُ طاشَتْ فِيهِ اَفكاري

كَأَنَّ صُورَتَهُ في كُلِّ ناحِيَةٍ

شَخْصٌ يُلايِمُ اَوْهامي وَاَخْطاري

جاءَ الْجَوادُ فَلا اَهْلاً بِمَقْدَمِهِ

اِلاّ بِوَجْهِ حُسَيْنٍ طالِبِ الثّارِ

ما لِلْجَوادِ لَحاهُ اللّهُ مِنْ فَرَسٍ

اَنْ لا يُجندل دونَ الضَّيْغَمِ الضاري

يا نفس صبرا على الدنيا ومحنتها

هذا الحسين الى ربّ السما ساري

فَلَمّا سَمِعَ باقي الْحُرَمَ شِعْرَها خَرَجْنَ فَنَظَرْنَ اِلَى الْفَرَسِ عارِيا وَالسَّرْجُ خالِيا ، فَجَعَلْنَ يَلْطَمْنَ ويخمشن الْخُدودَ وَيَشْقُقْنَ الْجُيُوبَ وَيُنادينَ : وا مُحَمَّداهُ وا عَلِيّاهُ

ص: 4


1- البحار : 45/60

وا حَسَناهُ وا حُسَيْاهُ اَلْيَوْمَ ماتَ مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفى اَلْيَوْمَ ماتَ عَلِيٌّ الْمُرْتَضى اَلْيَوْمَ ماتَتْ فاطِمَةُ الزَّهْراءُ .

ثُمَّ بَكَتْ اُمُّ كُلْثُومٍ وَاَوْمَتْ اِلَى اُخْتِها زَيْنَبَ وَاَنْشَاَتْ تَقُولُ :

لَقَدْ حَمَّلَتنا في الزَّمانِ نَوائبُهُ

وَمَزَّقْنا اَيْنابُهُ وَمَخالِبُهُ

وَجارَ(1) عَلَيْنا الدَّهْرُ في دارِ غُرْبَةٍ

وَدَبَّتْ بِما نَخْشى عَلَيْنا عَقارِبُهُ

وَاَفْجَعْنا بِالأَقْرَبَيْنِ وَشَتَّتَتْ

يَداهُ لَنا شَمْلاً عَزيزا مَطالِبُهُ

وَاَرْدى(2) اَخي وَالْمُرْتَجى لِنَوائبي

وَعَمَّتْ رَزاياهُ وَجَلَّتْ مَصائبُهُ

حُسَيْنٌ لَقَدْ اَمْسى بِهِ التُربُ مُشْرِقا

وَاَظْلَمَ مِنْ دِينِ الإِلهِ مَذاهِبُهُ

لَقَدْ حَلَّ بي مِنْهُ الَّذي لَوْ يَسيرُهُ

اَناخَ عَلَى رَضْوى تَداعَتْ جَوانِبُهُ

وَيُحْزِنُني اَنِّي اَعيشُ وَشَخْصُهُ

مُغيبٌ وَفي تَحْتِ التّرابِ تَرائبُهُ

فَكَيْفَ يُعَزّى فاقِدٌ شَطْرَ نَفْسِهِ

فَجانِبُهُ حَيٌّ وَقَد ماتَ جانِبُهُ

فَلَمْ يَبْقَ لي رُكْنٌ اَلُوذُ بِظِلِّهِ(3)

اِذا غالَني في الدَّهرِ ما لا اُغالِبُهُ

تُمَزِقُنا اَيْدي الزَّمانُ وَجَدِّنا

رَسُولُ الَّذي عَمَّ الأَنامِ مَواهِبُهُ

قالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسٍ : فَنَظَرْتُ اِلَى الْجَوادِ وَقَدْ رَجَعَ مِنَ الْخَيْمَةِ وَقَصَدَ الْفُراتَ وَرَمى بِنَفْسِهِ فيهِ ، وَذُكِرَ اَنَّهُ يَظْهَرُ عِنْدَ صاحِبِ الزَّمانِ عليه السلام .

قالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسٍ أيضا : قالَ اَميرُ الْمُؤْمِنينَ عليه السلام يَوْمَ صِفِّينَ - كما ذكرنا في كتاب صفين - وَقَدْ اَخَذَ الأَعْوَرُ السِّلْمي الماءَ عَلَى الْمُؤْمِنينَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ اَحَدٌ ، فَبَعَثَ اِلَيْهِ الْحُسَيْنُ عليه السلام فَكَشَفَهُ عَنْهُ ، فَلَمّا رَأَى ذلِكَ اَميرُ الْمُؤْمِنينِ عليه السلام قالَ : وَلَدي هذا يُقْتَلُ بِكَرْبَلاء عَطْشانا وَيَنْفُرُ فَرَسُهُ وَيُحَمْحِمُ وَيَقُولُ في حَمْحَمَتِهِ : الظَّليْمَةُ الظَّليْمَةُ مِنْ اُمَّةٍ قَتَلَتْ اِبْنِ بِنْتِ نَبيِّها وَهُمْ يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ الَّذي جاءَ بِهِ اِلَيْهِمْ .

ص: 5


1- في المتن : « وأجنا » .
2- في المتن : « واودى » .
3- في المتن : « بركنه » .

ثُمَّ اِنَّ اَميرُ الْمُؤْمِنينِ عليه السلام قالَ :

اَرَى الْحُسَيْنَ قَتيلاً قَبْلَ مَصْرَعِهِ

عَلْما يَقينا بَاَنْ يَبْلي بِاَسْرارِ

اِذْ كُلُّ ذي نَفْسٍ اَوْ غَيْرِ ذي نَفَسٍ

كُلٌّ اِلَى اَجَلٍ يَجْري بِمِقْدارٍ(1)(2)

فما أمر زمان أغبر وجلاولا أرى اليوم صفوا بعد إمرار

صيحة جبرائيل

في الخبر : إنّ الحسين لما قتل أتاهم آت وهم في المعسكر فصرخ ، فزبر ، فقال لهم : وكيف لا أصرخ ورسول اللّه قائم ينظر إلى الأرض مرة ، وينظر إلى حربكم مرة ، وأنا أخاف أن يدعو اللّه على أهل الأرض فأهلك فيهم ، فقال بعضهم لبعض : هذا إنسان مجنون ، وقال بعضهم : تاللّه ما صنعنا بأنفسنا ؟ قتلنا لابن سمية سيد شباب أهل الجنة ؟

قال الراوي : فقلت للسيد السجاد : جعلت فداك من هذا الصارخ ؟ قال : ما نراه إلاّ جبرئيل ، أما إنّه لو أذن له فيهم لصاح بهم صيحة يخطف منها أرواحهم من أبدانهم إلى النار ، ولكن أمهل لهم « لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ »(3) .

وروى ابن قولويه في كامل الزيارات بسنده عن الحلبي قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : لما قتل الحسين عليه السلام سمع أهلنا قائلا يقول بالمدينة : اليوم نزل البلاء على هذه الأمة ، فلا ترون فرحا حتى يقوم قائمكم ، فيشفي صدوركم ، ويقتل عدوكم ، وينال بالوتر أوتارا ، ففزعوا منه وقالوا : إنّ لهذا القول لحادثا قد حدث ما لا نعرفه ، فأتاهم خبر قتل الحسين عليه السلام بعد ذلك ، فحسبوا ذلك ، فإذا هي تلك الليلة التي تكلّم فيها المتكلّم(4) .

ص: 6


1- في المتن : « ومقداري » .
2- مقتل أبي مخنف : 105 .
3- بحار الأنوار : 45/ 172 باب 39 .
4- كامل الزيارات : 336 الباب 108 .

سلب الحسين عليه السلام

لما قتل الحسين عليه السلام طمع اُولئك الكفار في سلاحه وسلبه ، فسلب برنسه - وكان من خزّ - مالك بن بشر الكندي ، ومرت الإشارة الى ذلك .

وأخذ عمامته أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي ، وروي جابر بن يزيد الأودي ، فاعتم بها فصار معتوها ، وروي فصار مجذوما .

وأخذ سراويله أبحر بن كعب التميمي ، فلبسها فصار زمنا مقعدا من رجليه ، وروي أنّ يداه يبستا ، فكانتا في الشتاء ينضحان دما وفي الصيف يجفان كأنّهما عود .

وقال ابن شهرآشوب : أخذ سراويله بجير بن عمر الجرمي(1) ، وتفرد ابن شهر آشوب بهذا القول .

وأخذ قطيفة له عليه السلام كانت من خز قيس بن الأشعث الكندي ، فقيل له : قيس القطيفة ، وروى الخوارزمي أنّه صار مجذوما ، ففارقه أهله وألقوه على المزابل ، فكانت الكلاب تأكل من لحمه وهو حي .

وأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي ، فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره ، وكان في قميصه مائة وبضع عشرة ما بين رمية وطعنة وضربة .

وأخذ ثوبه جعونة بن حوية الحضرمي ، فلبسه فتغيّر وجهه وامتعط شعره وبرص بدنه .

وأخذ نعليه الأسود بن خالد الأزدي ، فأخذه المختار - كما سيأتي إن شاء اللّه - ، فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحّط بدمه حتى دخل جهنم منكوسا .

وأخذ سيفه جميع بن الخلق الأزدي ، وروي الأسود بن حنظلة من تميم ، وقيل : أخذ سيفه القلافس النهشلي ، قال محمد بن زكريا : إنّه وقع بعد ذلك الى حبيب بن بديل .

ص: 7


1- في المناقب : « بحير بن عمير الجرمي » .

وهذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار ، لأنّه مذخور ومصون مع أمثاله من ذخائر النبوة والإمامة .

قال ابن شهرآشوب : وأخذ القوس والحلل الرحيل بن خيثمة الجعفي وهاني بن شبيب الحضرمي وجرير بن مسعود الحضرمي وثعلبة الأسود الأوسي(1)(2) .

ويستفاد من الأخبار أنّ الحسين عليه السلام أفرغ على نفسه درعين ، أحدهما يقال لها : البتراء ، وكانت سابغة ، أخذها عمر بن سعد ، فأخذها منه المختار بعد قتله ومنحها لقاتله أبو عمرة ، والأخرى أخذها مالك بن بشر الكندي فصار مجنونا .

رضّ الحسين عليه السلام

ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين عليه السلام فيوطيء الخيل ظهره ، فانتدب من اُولئك الكفار عشرة وهم : الأول : إسحاق بن حوية ، الثاني : الأخنس بن مرثد ، الثالث : حكيم بن الطفيل السنبسي ، الرابع : عمر بن صبيح الصيداوي ، الخامس : رجاء بن منقذ العبدي ، السادس : سالم بن خيثمة الجعفي ، السابع : صالح بن وهب الجعفي ، الثامن : واعظ بن ناعم ، التاسع : هاني بن ثبيت الحضرمي ، العاشر : اسيد بن مالك .

فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم حتى رضّوا ظهره وصدره ، وجاء هؤاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد ، فقال أسيد بن مالك أحد العشرة :

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر

بكلّ يعبوب شديد الأسر

فقال ابن زياد : من أنتم ؟ فقالوا : نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا جناجن صدره ، فأمر لهم بجائزة يسيرة ، [قال أبو عمرو الزاهد : فنظرنا في

هؤاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا] وهؤاء أخذهم المختار فشد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا(3) .

ص: 8


1- المناقب : 4/ 111 فصل في مقتله .
2- في المناقب : « ونعليه الأسود الأوسي » أي وأخذ نعليه .
3- بحار الأنوار : 45/60 .

الهجوم على الخيام :

فأقبل أعداء اللّه حتى أحدقوا بالخيمة ومعهم شمر فقال : ادخلوا فاسلبوا بزتهن ، فارتفعت أصوات نساء آل البيت عليهم السلام : وا محمداه وا علياه وا حسناه وا حسيناه ، فدخل القوم الكفار ، فأخذوا ما كان في الخيمة حتى إنّهم انتزعوا السوار من الساعد والقرط من الاذن ، فأفضوا إلى قرط كان في أذن أم كلثوم أخت الحسين عليه السلام فأخذوه وخرموا أذنها ، حتى كانت المرأة لتنازع ثوبها على ظهرها حتى تغلب عليه ، ثم مال الناس على الورس والحلي والحلل والإبل فانتهبوها(1) .

قال حميد بن مسلم : فانتهينا مع شمر بن ذي الجوشن إلى علي بن الحسين عليهماالسلام ، وهو منبسط على فراش ، وهو شديد المرض ، ومع شمر جماعة من الرجالة ، فقالوا له : ألا نقتل هذا العليل ؟ فقلت : سبحان اللّه أتقتل الصبيان ؟ إنّما هذا صبي ، وإنّه لما به ، فلم أزل حتى دفعتهم عنه ، فجروا النطع من تحته فأخذوه ، ورموا الإمام عليه السلام على الأرض فكبوه على وجهه ، فَلَمّا نَظَرَتْ اُمُّ كُلْثُومٍ اِلَى ذلِكَ بَكَتْ وَاَنْشَأَتْ تَقُولُ :

اَضْحَكَني الدَّهْرُ وَاَبْكاني

وَالدَّهْرُ ذُو صَرفٍ وَاَلْوانِ

فسَلْ بِنا في تِسْعَةٍ صُرّعوا

بِالطَفِّ اَضْحَوا رَهْنَ اَكْفانِ

وَسِتَّةٌ لَيْسَ يُجازي بِهِمْ

بَنُو عَقيلٍ خَيْرُ فِرْسانِ

وَاللَّيْثُ عَوْنٌ وَمعينا معا(2)

فذِكْرُهُمُ جَدَّدَ اَحْزاني(3)(4)

ص: 9


1- البحار : 45/60 .
2- في مقتل أبي مخنف : « واَخُوهُ مُعينٌ » .
3- في البحار : 45/243 عن المناقب لابن شهرآشوب : الكميت : أضحكني الدهر وأبكاني والدهر ذو صرف وألوانلتسعة بالطف قد غودروا صاروا جميعا رهن أكفانوستة لا يتجازى بهم بنو عقيل خير فرسانثم علي الخير مولاهم ذكرهم هيج أحزاني
4- مقتل أبي مخنف : 107 .

وجاء عمر بن سعد فصاحت النساء في وجهه وبكين ، فقال لأصحابه : لا يدخل أحد منكم بيوت هؤاء النساء ، ولا تعرضوا لهذا الغلام المريض ، فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهن ليستترن به ، فقال : من أخذ من متاعهم شيئا فليردّه ، فواللّه ما ردّ أحد منهم شيئا ، فوكل بالفسطاط وبيوت النساء وعلي بن الحسين جماعة ممن كان معه ، وقال : احفظوهم لئلا يخرج منهم أحد(1) ، فبكت أم كلثوم أيضا وقالت :

قفوا ودعونا قبل بعدكم عنا

وداعا فإنّ الجسم من أجلكم مضنى

فقد نقضت مني الحياة وأصبحت

علي فجاج الأرض من بعدكم سجنا

سلام عليكم ما أمر فراقكم

فياويلتا من قبل ذا اليوم قد متنا

وإنّي لأرثى للغريب وإنّني

غريب بعيد الدار والأهل والمغنا

اذا طلعت شمس النهار ذكرتكم

وإن غربت جددت من أجلكم حزنا

لقد كان عيشي بالأحبة صافيا

وما كنت أدري أنّ صحبتنا تفنى

زمان نعمنا فيه حتى إذا انقضى

بكينا على أيامنا بدم أقنى

فواللّه قد ضاق اشتياقي اليكم

ولم يدع التغميض لي بعدكم جفنا

وقد بارحتني لوعة البين والأسى

وقد صرت دون الخلق لي مفزعا سنا

وقد رحلوا عني أحبة خاطري

فما أحد منهم على غربتي حنا

عسى ولعل الدهر يجمع بيننا

ويرجع أيام الهنا مثل ما كنا

قالَتْ زَيْنَبُ بِنْتِ اَميرُ الْمُؤْمِنينِ عليه السلام : كُنْتُ في ذلِكَ الْوَقْتِ واقِفَةً في الْخَيْمَةِ اِذْ دَخَلَ رَجُلٌ اَزْرَقُ الْعَيْنَيْنِ فَاَخَذَ ما كانَ في الْخَيْمَةِ وَنَظَرَ اِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلاموَهُوَ عَلَى نَطْعٍ مِنَ الأَديمِ وَكانَ مَريضا ، فَجَذَبَ النَّطْعِ مِنْ تَحْتِهَ وَرَماهُ اِلَى الأَرْضِ ، وَالْتَفَتَ اِلَيَّ وَاَخَذَ الْقِناعَ مِنْ رَاسِي وَنَظَرَ اِلَى قُرْطَيْنِ كانا في اُذُنَيَّ فَجَعَلَ يُعالِجُهُما وَهُوَ يَبكي حَتّى نَزَعَهُما . فَقُلْتُ : تَسْلُبُني وَاَنْتَ تَبْكي ؟ فَقالَ : اَبكي لِمُصابِكُمْ اَهْلَ الْبَيْتِ . فَقُلْتُ لَهُ :

قَطَعَ اللّهُ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ وَاَحْرَقَكَ اللّهُ تَعَالى بِنارِ الدُّنيا قَبْلَ نارِ الآخِرَةِ .

ص: 10


1- بحار الأنوار : 45/ 59 بقية الباب 37 .

فَما مَضَتِ الأَيّامُ حَتّى ظَهَرَ الُْمخْتارُ بْنُ اَبي عُبَيْدَةَ الثَّقَفي يَطْلُبُ بِثارِ الْحُسَيْنِ عليه السلامفي

الْكُوفَةِ ، فَوَقَعَ ذلِكَ الْمَلْعُونُ بِيَدِهِ ، فَلَمّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ قالَ لَهُ : ما صَنَعْتَ يَوْمَ كَرْبَلا ؟ قالَ : اَتَيْتُ اِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَاَخَذَتْ نَطْعَا مِنْ تَحْتِهِ وَاَخَذْتُ قِناعَ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيِّ وَقُرْطَيْها . فقالَ المختار : فَما قالَتْ لَكَ ؟ قالَ : قالَتْ : قَطَعَ اللّهُ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ وَاَحْرَقَكَ اللّهِ بِنارِ الدُّنيا قَبْلَ الآخِرَةِ .

قالَ الُْمخْتارُ رحمه الله : فَوَ اللّهِ لأَُجيبَنَّ دَعْوَةِ الطّاهِرَةِ الْمَظْلُومَةِ زينب عليهاالسلام .

ثُمَّ قَدَّمَهُ وَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَاَحْرَقَهُ بِالنّارِ(1) .

وروي أيضا عن فاطمة الصغرى قالت : كنت واقفة بباب الخيمة وأنا أنظر إلى أبي وأصحابي مجززين كالأضاحي على الرمال ، والخيول على أجسادهم تجول ، وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي ؟ أيقتلوننا ؟ أو يأسروننا ؟ فإذا برجل على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه ، وهن يلذن بعضهن ببعض ، وقد أخذ ما عليهن من أخمرة وأسورة ، وهن يصحن : وا جداه وا أبتاه وا علياه وا قلة ناصراه وا حسناه ، أما من مجير يجيرنا ؟ أما من ذائد يذود عنا ؟

قالت : فطار فؤدي وارتعدت فرائصي ، فجعلت أجيل بطرفي يمينا وشمالا على عمتي أم كلثوم خشية منه أن يأتيني .

فبينا أنا على هذه الحالة وإذا به قد قصدني ، ففررت منهزمة وأنا أظن أنّي أسلم منه ، وإذا به قد تبعني ، فذهلت خشية منه ، وإذا بكعب الرمح بين كتفي ، فسقطت على وجهي ، فخرم أذني وأخذ قرطي ومقنعتي ، وأخذ خلخالا كان في رجلي ، وهو يبكي ، فقلت : يا عدو اللّه ، تسلبني وتبكي ؟ فقال : وكيف لا أبكي وأنا أسلب ثياب بنت رسول اللّه ، فقلت : اردد عليّ ثوبي واتركني ؟ فقال : أخاف أن يسلبك غيري ، وترك الدماء تسيل على خدّي ، ورأسي تصهره الشمس ، وولّى راجعا إلى الخيم ، وأنا مغشي عليّ .

ص: 11


1- مقتل أبي مخنف : 107 .

وإذا أنا بعمّتي عندي تبكي وهي تقول : قومي نمضي ما أعلم ما جرى على البنات وأخيك العليل ، فقمت وقلت : يا عمتاه هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النظار ، فقالت : يا بنتاه وعمتك مثلك ! فرأيت رأسها مكشوفة ومتنها قد أسود من الضرب ، فما رجعنا إلى الخيمة إلاّ وهي قد نهبت وما فيها ، وأخي علي بن الحسين مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والأسقام ، فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا(1) .

الطرماح يرى النبي صلى الله عليه و آله في أرض المصرع

روى أبو مخنف عن الطِّرْماحُ بْنُ عَدِيٍ رحمه الله قال : كُنْتُ في الْقَتْلى وَقَدْ وَقَعَ فيَّ جِراحاتٌ ، وَلَوْ حَلَفْتُ لَكُنْتُ صادِقا ، اِنِّي كُنْتُ غَيْرَ نائمٍ اِذْ اَقْبَلَ عِشرونَ فارِسا وَعَلَيْهِمْ ثِيابٌ بيضٌ يَفُوحُ مِنها الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرْ ، فَجاؤا حَتّى صارُوا قريبا مِنْ جَسَدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فقلت في نفسي : هذا عبيد اللّه بن زياد يريد أن يمثل بجسد الحسين عليه السلام ، فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ اِلَيْهِ وَاَجْلَسَهُ قَريبا مِنْهُ ، وكانوا قد حملوا الرؤوس الى الكوفة ، فاَوْمى بِيَدِهِ اِلَى الْكُوفَةِ وَاِذا بِرَأْسِهِ قَدْ اَقْبَلَ فَرَكَبَّهُ عَلَى الْجَسَدَ ، فَعادَ مِثْلُ ما كانَ بَقُدْرَةِ اللّهِ تَعالى وَهُوَ يَقُولُ : يا وَلَدي قَتَلوكَ أتراهم ما عرفوك ؟ وَمِنْ شُرْبِ الْماءِ مَنَعوكَ مَا اَشَدَّ جُرْأتَهُمْ عَلَى اللّهِ .

ثُمَّ الْتَفَتَ اِلَى مَنْ كانَ عِنْدَهُ فَقالَ : يا اَبي يا آدَمُ وَيا اَبي اِبراهيمُ وَيا اَبي اِسْماعيلُ وَيا اَخي مُوسى وَيا اَخي عِيسى ، اَما تَرَوْنَ ما صَنَعَتِ الطُّغاةُ بِوَلَدي ؟ لا اَنالَهُمُ اللّهُ شَفاعَتي ، فَتَاَمَّلْتُهُ فَاِذا هُوَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله(2) .

رؤيا ابن عباس يوم عاشوراء

روى الطريحي عن ابن عباس قال : كنت نائما في منزلي في المدينة قابلة الظهر ، فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو مقبل من نحو كربلاء وهو شعث أغبر ، والتراب على شيبته ، وهو باكي العين حزين القلب ، ومعه قارورتان مملوأتان دما ، فقلت له :

ص: 12


1- بحار الأنوار : 45/ 59 بقية الباب 37 .
2- مقتل أبي مخنف : 108 .

يا رسول ا للّه ما هذه القارورتان المملوأتان دما ؟ فقال : هذه فيها من دم الحسين عليه السلام ، وهذه الأخرى من دم أهل بيته وأصحابه ، وإنّي رجعت الآن من دفن ولدي الحسين ، وهو مع ذلك لا يفيق من البكاء والنحيب .

فاستيقضت من نومي فزعا مرعوبا حزينا على الحسين عليه السلام ، ولم أعلم بقتله ، فبقيت في الهمّ والغمّ أربعة وعشرين يوما حتى جاء الناعي الى المدينة بقتل الحسين عليه السلام ، وفي تلك الساعة كان مقتله(1) .

ذكر عدد شهداء يوم الطف

اشارة

اختلف علماء الأخبار والمؤرخون في عدد شهداء كربلاء ، فقال المسعودي : قاتل بين يدي الحسين عليه السلام ألف فارس .

واختلفوا أيضا في عدد شهداء بني هاشم ، فذكروا من سبعة عشر فصاعدا ، حتى أنهى عبد اللّه بن محمد رضا الحسيني فى كتاب الجلاء شهداء بني هاشم الى ثلاثين شهيدا ، وأنا ذكرتهم بالأسماء والعلائم - الأنصار وأهل البيت - بعد استقرائي واستيعابي لكتب علماء العامة ومؤلفات صناديد الاثني عشرية .

زيارة الناحية المقدسة

ويناسب في المقام أن نذكر الزيارة التي رواها السيد ابن طاووس ، وأسندها الى قائم آل محمد عليه السلام ، وقد ذكر فيها أسماء أكثر الشهداء وهي هذه :

سلامه على أهل بيت جده عليهم السلام

السلام عليك يا أول قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل صلّى اللّه عليك وعلى أبيك إذ قال فيك : قتل اللّه قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا كأني بك بين يديك ماثلا وللكافرين قاتلا قائلا :

ص: 13


1- المنتخب للطريحي : 458 المجلس 10 .

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت اللّه أولى بالنبي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلام هاشمي عربي

واللّه لا يحكم فينا ابن الدعي

حتى قضيت نحبك ولقيت ربك أشهد أنك أولى باللّه وبرسوله وأنك ابن رسوله وحجته وأمينه وابن حجته وأمينه حكم اللّه على قاتلك مرة بن منقذ بن النعمان العبدي لعنه اللّه وأخزاه ومن شركه في قتلك وكانوا عليك ظهيرا أصلاهم اللّه جَهَنَّمَ

وَساءَتْ مَصِيراً وجعلنا اللّه من ملاقيك ومرافقي جدك وأبيك وعمك وأخيك وأمك المظلومة وأبرأ إلى اللّه من أعدائك أولي الجحود والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته .

السلام على عبد اللّه بن الحسين الطفل الرضيع المرمي الصريع المتشحط دما المصعد دمه في السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه لعن اللّه راميه حرملة بن كاهل الأسدي وذويه .

السلام على عبد اللّه بن أمير المؤنين مبلي البلاء والمنادي بالولاء في عرصة كربلاء المضروب مقبلا ومدبرا لعن اللّه قاتله هانئ بن ثبيت الحضرمي .

السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤنين المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه الفادي له الواقي الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه لعن اللّه قاتله يزيد بن الرقاد الجهني(1) وحكيم بن الطفيل الطائي .

السلام على جعفر بن أمير المؤنين الصابر بنفسه محتسبا والنائي عن الأوطان مغتربا المستسلم للقتال المستقدم للنزال المكثور بالرجال لعن اللّه قاتله هانئ بن ثبيت الحضرمي .

السلام على عثمان بن أمير المؤنين سمي عثمان بن مظعون لعن اللّه راميه بالسهم خولي بن يزيد الأصبحي الإيادي والأباني الداري(2) .

ص: 14


1- في المتن : « الحيتي » .
2- في المتن : « الدارمي » .

السلام على محمد بن أمير المؤنين قتيل الأباني الداري(1) لعنه اللّه وضاعف عليه العذاب الأليم وصلى اللّه عليك يا محمد وعلى أهل بيتك الصابرين .

السلام على أبي بكر بن الحسن بن علي الزكي الولي المرمي بالسهم الردي لعن اللّه قاتله عبد اللّه بن عقبة الغنوي .

السلام على عبد اللّه بن الحسن الزكي لعن اللّه قاتله وراميه حرملة بن كاهل الأسدي .

السلام على القاسم بن الحسن بن علي المضروب على هامته المسلوب لأمته حين نادى الحسين عمه فجلى عليه عمه كالصقر وهو يفحص برجليه التراب والحسين يقول : بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدك وأبوك ، ثم قال : عز واللّه على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو أن يجيبك وأنت قتيل جديل فلا ينفعك هذا واللّه يوم كثر واتره وقل ناصره جعلني اللّه معكما يوم جمعكما وبوأني مبوأكما

ولعن اللّه قاتلك عمر بن سعد بن عروة بن نفيل الأزدي وأصلاه جحيما وأعد له عذابا أليما .

السلام على عون بن عبد اللّه بن جعفر الطيار في الجنان حليف الإيمان ومنازل الأقران الناصح للرحمن التالي للمثاني والقرآن لعن اللّه قاتله عبد اللّه بن قطبة النبهاني(2) .

السلام على محمد بن عبد اللّه بن جعفر الشاهد مكان أبيه والتالي لأخيه وواقيه ببدنه لعن اللّه قاتله عامر بن نهشل التميمي .

السلام على جعفر بن عقيل لعن اللّه قاتله وراميه بشر بن حوط الهمداني .

السلام على عبد الرحمن بن عقيل لعن اللّه قاتله وراميه عثمان بن خالد بن أشيم(3) الجهني .

ص: 15


1- في المتن : « الايادي الدارمي » .
2- في المتن : « التيهاني » .
3- في المتن : « اسد » .

السلام على القتيل ابن القتيل عبد اللّه بن مسلم بن عقيل ولعن اللّه قاتله عامر بن صعصعة وقيل : أسد بن مالك .

السلام على أبي عبيد اللّه (1) بن مسلم بن عقيل ولعن اللّه قاتله وراميه عمرو بن صبيح الصيداوي

السلام على محمد بن أبي سعيد بن عقيل ولعن اللّه قاتله لقيط بن ناشر الجهني .

سلامه على أصحاب جده عليه السلام

السلام على سليمان مولى الحسين بن أمير المؤنين ولعن اللّه قاتله سليمان بن عوف الحضرمي .

السلام على قارب مولى الحسين بن علي .

السلام على منجح مولى الحسين بن علي .

السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي القائل للحسين وقد أذن له في الإنصراف : أنحن نخلي عنك وبم نعتذر عند اللّه من أداء حقك لا واللّه حتى أكسر في صدورهم رمحي هذا وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولا أفارقك ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك حتى أموت معك وكنت أول من شرى نفسه وأول شهيد شهد للّه (2) وقضى نحبه ففزت ورب الكعبة شكر اللّه استقدامك ومواساتك إمامك إذ مشى إليك وأنت صريع فقال : يرحمك اللّه يا مسلم بن عوسجة وقرأ ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) لعن اللّه المشتركين في قتلك عبد اللّه الضبابي وعبد اللّه بن خشكارة

البجلي ومسلم بن عبد اللّه الضبابي .

السلام على سعد بن عبد اللّه الحنفي القائل للحسين وقد أذن له في الإنصراف :

لا واللّه لا نخليك حتى يعلم اللّه أنا قد حفظنا غيبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيك واللّه لو أعلم

ص: 16


1- في المتن : « عبد اللّه » .
2- في المتن : « وأول شهيد من شهداء اللّه » .

أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أذرى ويفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك وكيف أفعل ذلك وإنما هي موتة أو قتلة واحدة ثم هي بعدها الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا فقد لقيت حمامك وواسيت إمامك ولقيت من اللّه الكرامة في دار المقامة حشرنا اللّه معكم في المستشهدين ورزقنا مرافقتكم في أعلى عليين .

السلام على بشر بن عمر(1) الحضرمي شكر اللّه لك قولك للحسين وقد أذن لك في الإنصراف : أكلتني إذن السباع حيا إن فارقتك وأسأل عنك الركبان وأخذلك مع قلة الأعوان لا يكون هذا أبدا .

السلام على يزيد بن حصين الهمداني المشرقي(2) القاري المجدل بالمشرفي .

السلام على عمر بن كعب الأنصاري .

السلام على نعيم بن عجلان الأنصاري .

السلام على زهير بن القين البجلي القائل للحسين وقد أذن له في الإنصراف : لا واللّه لا يكون ذلك أبدا أترك ابن رسول اللّه أسيرا في يد الأعداء وأنجو لا أراني اللّه ذلك اليوم .

السلام على عمرو بن قرظة الأنصاري .

السلام على حبيب بن مظاهر الأسدي .

السلام على الحر بن يزيد الرياحي .

السلام على عبد اللّه بن عمير الكلبي .

السلام على نافع بن هلال بن نافع البجلي(3) المرادي .

السلام على أنس بن كاهل الأسدي .

ص: 17


1- في المتن : « عمرو » .
2- في المتن : « المشرفي » .
3- في المتن : « نافع بن نافع البجلي » .

السلام على قيس بن مسهر الصيداوي .

السلام على عبد اللّه وعبد الرحمن ابني عروة بن حراق الغفاريين .

السلام على جون(1) بن حوى مولى أبي ذر الغفاري .

السلام على شبيب بن عبد اللّه النهشلي .

السلام على الحجاج بن زيد السعدي .

السلام على قاسط وكرش ابني ظهير التغلبيين .

السلام على كنانة بن عتيق .

السلام على ضرغامة بن مالك .

السلام على حوى بن مالك الضبعي .

السلام على عمرو بن ضبيعة الضبعي .

السلام على زيدا(2) بن ثبيت القيسي .

السلام على عبد اللّه وعبيد اللّه ابني يزيد بن ثبيت القيسي .

السلام على عامر بن مسلم .

السلام على قعنب بن عمرو التمري .

السلام على سالم مولى عامر بن مسلم .

السلام على سيف بن مالك .

السلام على زهير بن بشر الخثعمي(3) .

السلام على زيد بن معقل الجعفي .

السلام على الحجاج بن مسروق الجعفي .

السلام على مسعود بن الحجاج وابنه .

ص: 18


1- في المتن : « عون » .
2- في المتن : « يزيد » .
3- في المتن : « بن الخثعمي » .

السلام على مجمع بن عبد اللّه العائذي .

السلام على عمار بن حسان بن شريح الطائي .

السلام على حباب(1) بن الحارث السلماني الأزدي .

السلام على جندب بن حجر(2) الخولاني .

السلام على عمر(3) بن خالد الصيداوي .

السلام على سعيد مولاه .

السلام على يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي(4) .

السلام على زاهد مولى عمرو بن الحمق الخزاعي .

السلام على جبلة بن علي الشيباني .

السلام على سالم مولى بني المدنية الكلبي .

السلام على أسلم بن كثير الأزدي الأعرج .

السلام على زهير بن سليم الأزدي .

السلام على قاسم بن حبيب الأزدي .

السلام على عمر بن جندب الحضرمي .

السلام على أبي ثمامة عمر(5) بن عبد اللّه الصائدي .

السلام على حنظلة بن سعد الشبامي(6) .

السلام على عبد الرحمن بن عبد اللّه بن الكدر(7) الأرحبي .

ص: 19


1- في المتن : « حيان » .
2- في المتن : « حجير » .
3- في المتن : « عمرو » .
4- في المتن : « يزيد بن مظاهر الكندي » .
5- في المتن : « عمر » .
6- في المتن : « الشيباني » .
7- في المتن : « الكدري » .

السلام على عمار بن أبي سلامة الهمداني .

السلام على عابس بن أبي شبيب الشاكري .

السلام على شوذب مولى شاكر .

السلام على شبيب بن الحارث بن سريع .

السلام على مالك بن عبد بن سريع .

السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي حمير الفهمي(1) الهمداني .

السلام على المرتث معه عمرو بن عبد اللّه الجندعي .

السلام عليكم يا خير أنصار السلام عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ بوأكم اللّه مبوأ الأبرار أشهد لقد كشف اللّه لكم الغطاء ومهد لكم الوطاء وأجزل لكم العطاء وكنتم عن الحق غير بطاء وأنتم لنا فرطاء ونحن لكم خلطاء في دار البقاء والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته(2) .

ذكر تسريح الرؤوس وأهل البيت الى الكوفة

اشارة

ثم إنّ عمر بن سعد سرح برأس الحسين عليه السلام يوم عاشوراء مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم إلى ابن زياد(3) ، فلما دفع الرأس إلى خولي الأصبحي

ليحمله إلى ابن زياد أقبل به خولي ليلا ، فوجد باب القصر مغلقا .

فأتى به منزله وله إمرأتان ، إمرأة من بني أسد وأخرى حضرمية يقال لها « النوار » ، فآوى إلى فراشها ، فقالت له : ما الخبر ؟ فقال : جئتك بالذهب ، هذا رأس

الحسين معك في الدار ، فقالت : ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ ! واللّه لا يجمع رأسي ورأسك وسادة أبدا .

ص: 20


1- في المتن : « أبي عمير النهمي » .
2- بحار الأنوار : 45/ 64 بقية الباب 37 .
3- بحار الأنوار : 45/ 62 بقية الباب 37 .

قالت : فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار ودعا الأسدية فأدخلها عليه ، فما زلت واللّه أنظر إلى نور مثل العمود يسطع من الإجانة التي فيها رأس الحسين عليه السلامإلى السماء ، ورأيت طيورا بيضا ترفرف حولها وحول الرأس(1) ، وسَمِعْتُ حَوْلَهُ دَوِيّا كَدَوِيِّ الرَّعْدِ فَعَلِمْتُ اَنَّهُ تَسْبيحُ المَلائكَةِ .وسَمِعْتُ الرَّأْسَ يَقْرَأُ اِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ، فَكانَ آخِرُ قِرائَتِهِ : « وَسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَموا اَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ »(2) .

تقسيم الرؤوس على أمراء العسكر

ثم أمر عمر بن سعد برؤوس الباقين من أهل بيته وأصحابه فنظفت وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن إلى الكوفة ، وقسمها على القبائل ليتقربوا بذلك إلى عبيد اللّه بن

زياد ، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث الكندي ، وجاءت هوازن باثني عشر رأسا ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن ، وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسا ، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس ، وجاءت سائر الناس بثلاثة عشر رأسا ، فأقبلوا بها حتى قدموا الكوفة .

وأقام ابن سعد بقية يوم العاشر ويوم الحادي عشر إلى الزوال ، فجمع قتلاه فصلّى عليهم ودفنهم ، وترك الحسين وأصحابه عليهم السلام ، من قطع رأسه ومن لم يقطع رأسه ، منبوذين بالعراء(3) ،

حرق الخيام بأمر ابن سعد

ثم ركب عمر بن سعد في جماعة من عسكره حتى جاء الى خيام أهل بيت خير الأنام ، فأمر بحرقها كلّها ، وأن لا يتركوا منها شيئا إلاّ أشعلوا فيه النار ، فتعالت

صرخات مخدرات الرسالة : وا غوثاه وا ذلاه وا محمداه وا علياه وا حسناه وا حسيناه .

ص: 21


1- بحار الأنوار : 45/ 125 باب 39 .
2- مقتل أبي مخنف : 115 .
3- بحار الأنوار : 45/ 62 بقية الباب 37 .

قال حميد بن مسلم : رأيت إمرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد ، فلما رأت ذلك أخذت سيفا ، وأقبلت نحو الفسطاط فقالت : يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول اللّه لا حكم إلاّ للّه يا لثارات رسول اللّه ، فأخذها زوجها وردّها الى رحله(1) .

ثم أشعلوا في الخيمة النار ، فخرجن بنات رسول اللّه صلى الله عليه و آله حواسر مسلبات حافيات باكيات راكضات والى جسد الحسين عليه السلام مبادرات فصحن وضربن وجوههن .

ندبة زينب عليهاالسلام

فخرجت زينب بنت علي عليهماالسلام وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : وا محمداه صلّى عليك مليك السماء ، هذا حسين مرمل بالدماء ، مقطع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، إلى اللّه المشتكى ، وإلى محمد المصطفى ، وإلى علي المرتضى ، وإلى حمزة سيد الشهداء ، وا محمداه ، هذا حسين بالعراء ، يسفي عليه الصبا ، قتيل أولاد البغايا ، يا حزناه يا كرباه ، اليوم مات جدّي رسول اللّه ، يا أصحاب محمداه ، هؤاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا .

ثم قالت : يا محمداه بناتك سبايا ، وذريتك مقتلة ، تسفي عليهم ريح الصبا ، وهذا حسين مجزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء ، بأبي من عسكره في يوم الإثنين نهبا ، بأبي من فسطاطه مقطع العرى ، بأبي من لا هو غائب فيرتجى ، ولا جريح فيداوى ، بأبي من نفسي له الفداء ، بأبي المهموم حتى قضى بأبي العطشان حتى مضى بأبي من شيبته تقطر بالدماء بأبي من جده رسول إله السماء ، بأبي من هو سبط نبي الهدى ، بأبي محمد المصطفى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء ، بأبي من ردّت عليه الشمس حتى صلّى .

ص: 22


1- اللهوف : 130 ، مثيرالأحزان : 77 ، البحار : 45/57 بقية الباب 37 .

فأبكت واللّه كلّ عدو وصديق ، ثم إنّ سكينة اعتنقت جسد أباها الحسين عليه السلام(1) ، وجعلت تبكي بكاءا شديدا يفسر الصخر الأصم ، فاجتمع عدّة من الأعراب حتى جرّوها عنه وزجروها .

ترحيل أهل البيت عليهم السلام من كربلاء

ثم رحل عمر بن سعد بمن تخلّف من عيال الحسين عليه السلام ، وحمل نساءه على أحلاس أقتاب بغير وطاء ، مكشفات الوجوه بين الأعداء ، وأركبوا بعضهم في محامل بغير غطاء ، وجعلوا الجامعة في عنق الإمام السجاد عليه السلام ، وربطوا رجليه من تحت بطن الناقة لمرضه وضعفه لئلا يسقط عن ظهر الناقة ، وساقوهم كما يساق سبي الترك والروم في أشد المصائب والهموم .

روى ابن قولويه في كتاب الكامل بسنده عن السيد السجاد عليه السلام : إنّه لما أصابنا بالطف ما أصابنا ، وقتل أبي عليه السلام ، وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله ، وحملت حرمه ونساؤ على الأقتاب يراد بنا الكوفة ، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا فيعظم ذلك في صدري ، ويشتدّ لما أرى منهم قلقي ، فكادت نفسي تخرج ، وتبيّنت ذلك منّي عمّتي زينب بنت علي الكبرى ، فقالت : ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدّي وأبي وإخوتي ؟ فقلت : وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرجين بدمائهم مرملين بالعراء مسلبين لا يكفنون ولا يوارون ولا يعرج عليهم أحد ولا يقربهم بشر كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر .

مواساة زينب عليهاالسلام للامام السجاد عليه السلام

فقالت زينب عليهاالسلام : لا يجزعنّك ما ترى ، فواللّه إنّ ذلك لعهد من رسول اللّه صلى الله عليه و آلهإلى جدّك وأبيك وعمّك ، ولقد أخذ اللّه ميثاق أناس من هذا الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السماوات ، أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة

ص: 23


1- اللهوف : 130 ، بحار الأنوار : 45/ 57 بقية الباب 37 .

فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرجة ، وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلاّ ظهورا ، وأمره إلاّ علوا . فقلت : وما هذا العهد ؟ وما هذا الخبر ؟

فقالت : حدثتني أم أيمن أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله زار منزل فاطمة عليهاالسلام في يوم من الأيام فعملت له صلى الله عليه و آله حريرة ، وأتاه علي عليه السلام بطبق فيه تمر ، ثم قالت أم أيمن : فأتيتهم بعس فيه لبن وزبد ، فأكل رسول اللّه وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلاممن تلك الحريرة ، وشرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وشربوا من ذلك اللبن ، ثم أكل وأكلوا من ذلك التمر بالزبد ، ثم غسل رسول اللّه يده ، وعلي يصبّ عليه الماء ، فلمّا فرغ من غسل يده مسح وجهه ، ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين نظرا عرفنا فيه السرور في وجهه ، ثم رمق بطرفه نحو السماء مليا ، ثم وجّه وجهه نحو القبلة ، وبسط يديه يدعو ، ثم خرّ ساجدا وهو ينشج ، فأطال النشوج ، وعلا نحيبه وجرت دموعه ، ثم رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنّها صوب المطر .

فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين ، وحزنت معهم لما رأينا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهبناه أن نسأله ، حتى إذا طال ذلك ، قال له علي ، وقالت له فاطمة : ما يبكيك يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ لا أبكى اللّه عينيك ، وقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك .

فقال : يا أخي سررت بكم سرورا ما سررت مثله قط ، وإنّي لأنظر إليكم وأحمد اللّه على نعمته عليّ فيكم إذ هبط علي جبرئيل فقال : يا محمد إنّ اللّه - تبارك

وتعالى - إطلع على ما في نفسك ، وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك ، فأكمل لك النعمة ، وهنأك العطية بأن جعلهم وذرياتهم ومحبّيهم وشيعتهم معك في الجنة ، لا يفرق بينك وبينهم ، يحيون كما تحيا ، ويعطون كما تعطى ، حتى ترضى وفوق الرضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ، ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك ويزعمون أنّهم من أمتك ، براء من اللّه ومنك ، خبطا خبطا ، وقتلا قتلا ، شتى مصارعهم ، نائية قبورهم ، خيرة من اللّه لهم ولك فيهم ، فاحمد اللّه - جلّ وعزّ - على خيرته ، وارض بقضائه ، فحمدت اللّه ورضيت بقضائه بما اختاره لكم .

ص: 24

ثم قال جبرئيل : يا محمد ، إنّ أخاك مضطهد بعدك ، مغلوب على أمتك ، متعوب من أعدائك ، ثم مقتول بعدك ، يقتله أشرّ الخلق والخليقة ، وأشقى البرية ، نظير عاقر

الناقة ، ببلد تكون إليه هجرته ، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده ، وفيه على كلّ حال يكثر بلواهم ، ويعظم مصابهم .

وإنّ سبطك هذا - وأومأ بيده إلى الحسين عليه السلام - مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك بضفة الفرات بأرض تدعى « كربلاء » ، من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك ، في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفنى حسرته ، وهي أطهر بقاع الأرض وأعظمها حرمة ، وإنّها لمن بطحاء الجنة ، فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله ، وأحاطت بهم كتائب أهل الكفر واللعنة تزعزعت الأرض من أقطارها ، ومادت الجبال وكثر اضطرابها ، واصطفقت البحار بأمواجها ، وماجت السماوات بأهلها غضبا لك يا محمد ولذريتك . .(1) وقد ذكرنا الحديث بتمامه في محلّه .

ثم إنّهم ساقوا أهل البيت في ذلّ الأسر وعنت العدو الى الكوفة ، وهم يبكون طول الطريق وينحبون .

حديث الصادق عليه السلام في البكاء على الحسين عليه السلام

روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : لما قتل الحسين عليه السلام أقامت إمرأته الكلبية عليه مأتما وبكت ، وبكين النساء والخدم حتى جفّت دموعهن وذهبت ، فبينا هي كذلك إذ رأت جارية من جواريها تبكي ودموعها تسيل ، فدعتها فقالت لها : ما لك أنت من بيننا تسيل دموعك ؟ قالت : إنّي لما أصابني الجهد شربت شربة سويق ، قال : فأمرت بالطعام والأسوقة ، فأكلت وشربت وأطعمت وسقت ، وقالت : إنّما نريد بذلك أن نتقوّى على البكاء على الحسين عليه السلام(2) .

ص: 25


1- بحار الأنوار : 45/ 179 باب 39 .
2- بحار الأنوار : 45/ 170 باب 39 .

ذكر دفن شهداء بني هاشم في أرض كربلاء

اشارة

ولما انفصل ابن سعد يوم الحادي عشر بعد انقضاء ثلثي اليوم عن كربلاء خرج قوم من بني أسد يوم الثاني عشر ، فصلوا على تلك الجثث الطواهر المرملة بالدماء ، ودفنوها على ما هي الآن عليه .

وقال المفيد : دفنوا الحسين عليه السلام حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجليه ، وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السلام ، وجمعوهم ودفنوهم جميعا معا ، ودفنوا العباس بن علي عليه السلام في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن(1) .

وقال ابن شهرآشوب : وكانوا يجدون لأكثرهم قبورا ويرون طيورا بيضا(2) .

وليس بالضرورة أن يكون الشهداء مدفونين في موضع واحد ، فالروايات والأخبار تتحدّث عن الأغلب ، فحبيب بن مظاهر والحر بن يزيد الرياحي لهم قبور مستقلة ، وكذلك الغلام الأسود ، كما ذكرنا في ما مضى ما روي عن الإمام السجاد عليه السلام من أنّهم وجدوا جثته بعد عشرة أيام ورائحة المسك تفوح منه .

ثم إنّ أكثر الشهداء دفنوا يوم الثاني عشر من المحرم ، أي بعد ثلاثة أيام من شهادتهم ، والمتفق عليه بين علماء الإمامية وفقا لأحاديثهم الصحيحة أنّ الإمام لا يتولّى تجهيزه إلاّ إمام مثله ، فلما قتل الحسين عليه السلام لم يكن على وجه الأرض إمام سوى ابنه علي بن الحسين السجاد عليه السلام فلابد أن يكون هو الذي تولّى دفن الحسين عليه السلام ، كما روى عبد اللّه بن محمد رضا الحسيني في كتابه جلاء العيون عن الإمام الباقر عليه السلام : إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام حضر بقدرة الإمامة أرض كربلاء حين الدفن ، وتولّى الصلاة على أبيه ودفنه ثم رجع الى الكوفة ،

ص: 26


1- بحار الأنوار : 45/ 107 باب 39 .
2- المناقب : 4/ 112 .

وكذلك روى الفاضل المجلسي بسنده الى الرضا عليه السلام : إنّ الإمام السجاد عليه السلام جاء الى كربلاء متنكرا وتولى الصلاة على أبيه ودفنه ثم عاد .

وروى الكشي في رجاله قال : دخل على الرضا عليه السلام جماعة من الواقفة فيهم علي بن أبي حمزة وابن السراج وابن المكاري فقال علي بعد كلام جرى بينهم وبينه في إمامته : إنّا روينا عن آبائك عليهم السلام أنّ الإمام لا يلي أمره إلاّ إمام مثله ؟ فقال له أبو الحسن عليه السلام : فأخبرني عن الحسين بن علي كان إماما أو غير إمام ؟ قال : كان إماما ، قال : فمن ولي أمره ؟ قال : علي بن الحسين عليهماالسلام ، قال : وأين كان علي بن الحسين ؟ كان محبوسا في يد عبيد اللّه بن زياد ، قال : خرج وهم كانوا لا يعلمون حتى ولي أمر

أبيه ثم انصرف ، فقال له أبو الحسن : إنّ هذا الذي أمكن علي بن الحسين أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه ، فهو يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد ويلي أمر أبيه(1) .

إجمالا : فقد دفن جسد الحسين عليه السلام ، وهو مقطع الأعضاء ممزّق بجراحات

السيوف والأسنة ، ومهشّم بحوافر الخيل .

مدى صحة حكاية فضة والأسد عند رضّ جسد الحسين عليه السلام

وما ذكر في بعض الروايات من أنّ فضة إستأذنت زينب عليهاالسلام عندما أرادوا إجراء الخيل على جسد الحسين عليه السلام ، فخرجت الى أسد فكلّمته ، فجاء الأسد وربض عند جسد الإمام ، فمنع الخيل من أن تتقدّم اليه أو تجري عليه ، فالظاهر أنّ المقدر على الإمام عليه السلام أن يتحمل كلّ المصائب والالام ، ومنها إجراء الخيل على جسده المبارك ، وهذا ما تدلّ عليه الأحاديث والأخبار أيضا ، واللّه أعلم(2) .

ص: 27


1- بحار الأنوار : 45/ 169 باب 39 ، رجال الكشي : 463 .
2- روي في الكافي : 1/465 باب مولد الحسين بن علي عليه السلام ، وبحار الأنوار : 45/169 باب 39 : لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام أَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يُوطِئُوهُ الْخَيْلَ ، فَقَالَتْ فِضَّةُ لِزَيْنَبَ عليهاالسلام : يَا سَيِّدَتِي إِنَّ سَفِينَةَ كُسِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَخَرَجَ إِلَى جَزِيرَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَسَدٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الْحَارِثِ أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله ، فَهَمْهَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى وَقَفَهُ عَلَى الطَّرِيقِ ، وَالأَسَدُ رَابِضٌ فِي نَاحِيَةٍ فَدَعِينِي أَمْضِي إِلَيْهِ وَأُعْلِمُهُ مَا هُمْ صَانِعُونَ غَداً ، قَالَ : فَمَضَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ : يَا أَبَا الْحَارِثِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَتْ : أَتَدْرِي مَا يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا غَداً بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ؟ يُرِيدُونَ أَنْ يُوطِئُوا الْخَيْلَ ظَهْرَهُ ، قَالَ : فَمَشَى حَتَّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى جَسَدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَأَقْبَلَتِ الْخَيْلُ ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ قَالَ لَهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لَعَنَهُ اللَّهُ : فِتْنَةٌ لا تُثِيرُوهَا انْصَرِفُوا ، فَانْصَرَفُوا . قال آية اللّه الشيخ حبيب اللّه الكاشاني في كتاب تذكرة الشهداء - ترجمة السيد علي أشرف : ومقتضى الجمع بين الأخبار : أنّ عمر بن سعد أمر عشرة من الفرسان ، فأجالوا خيولهم على بدن الحسين عليه السلام يوم العاشر ، وأراد أن يأمر العسكر جميعا بالجولان عليه يوم غد لكي لا يبقى من جسده الشريف أثر ولا يشيد له قبر فلم يتيسر له ذلك . يريد الجاحدون ليطفؤوه ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّه فلابد أن يبقى قبره منارا بزيارته ينال الشيعة الدرجات العالية ، ولهذا سارع الأسد اليه ، فدافع عنه وحرسه ، ومنع الأعداء من إعفاء أثره . ومن أراد التفصيل في ذلك فليرجع الى الكتاب المذكور .

ورود أهل بيت النبوة والرسالة الى الكوفة

اشارة

في كتاب روضة الأحباب : أمر ابن زياد في يوم ورود آل محمد الكوفة أن لا يخرج

أحد من أهل الكوفة مع ا لسلاح ، وأمر بعشرة آلاف فارس أن يأخذوا السكك والأسواق والطرق والشوارع ، خوفا من الناس أن تحركهم الحمية والغيرة على أهل البيت إذا رأوهم في تلك الحالة ، وأمر أن تجعل الرؤوس في أوساط المحامل أمام النساء ، ويطاف بهم في الشوارع والأسواق حتى يغلب على الناس الخوف والرهبة(1) .

فلما سمع أهل الكوفة بورود السبايا خرجوا جميعا ، فلما رأوا أهل البيت في تلك الحالة جعلوا يبكون وينوحون ، وندم الكثير من العسكر مما صنعوا ، فعضّوا أنامل الندم ، فقال علي بن الحسين عليهماالسلام بصوت ضعيف : أتنوحون وتبكون لأجلنا ؟ فمن قتلنا ؟

ص: 28


1- الكبريت الأحمر :

كلام سهل مع الشيخ الكوفي

قالَ سَهْلُ الشَّهْرزُوري : اَقْبَلْتُ في تِلْكَ السَّنَةِ مِنَ الْحَجِّ فَدَخَلْتُ الْكُوفَةَ فَرَأَيْتُ الأَسْواقَ مُعَطَّلَةً وَالدَّكاكينُ مُقَفَّلَةً وَالنّاسُ ما بَيْنَ باكٍ وَضاحِكٍ ، فَدَنَوْتُ اِلَى شَيْخٍ مِنْهُمْ وَقُلْتُ : ما لي اَرى النّاسَ بَيْنَ باكٍ وَضاحِكٍ ؟ اَلَكُمْ عيدٌ لَسْتُ اَعْرِفُهُ ؟ فَاَخَذَ بِيَدي وَعَدَلَ بي عَنِ الطَّريقِ ثُمَّ بَكى بُكاءً عالِيا وَقالَ : سَيِّدي ما لَنا عِيدٌ وَلكِنْ بُكاؤُهُمْ وَاللّهِ مِنْ اَجْلِ عَسْكَرَيْنِ عَسْكَرٌ ظافِرٌ وَالآخَرُ مَقْتُولٌ . فَقُلْتُ : وَمَنْ هُما ؟ فَقالَ : عَسْكَرُ الْحُسَيْنِ عليه السلام مَقْتُولٌ وَعَسْكَرُ اِبْنِ زِيادٍ ظافِرٌ ، ثُمَّ بَكَى بُكاءً عالِيا وَقالَ :

مَرَرْتُ عَلَى اَبياتِ آلِ مُحَمَّدٍ

فَلَمْ اَرَها اَمْثالَها يَوْمَ حَلَّتِ

فَلا يُبْعِدِ اللّهُ الدِّيارَ وَاَهْلَها

وَاِنْ اَصْبَحَتْ مِنْهُمْ بِزَعمي تَخَلَّتِ

اَلَمْ تَرَ اَنَّ الشَمْسَ اَضْحَتْ مَريضَةً

بِقَتْلِ حُسَيْنٍ وَالبِلادِ اِضْمَحَلَّتِ

وَكانوا غِياثا ثُمَّ اَضْحَوا رَزِيَّةً

لَقَدْ عَظُمَتْ تِلْكَ الرَّزايا وَجَلَتِ

اَلَمْ تَرَ اَنَّ الْبَدْرَ اَضْحى مُمَرِّضا

لِقَتلى رَسُولِ اللّهِ لَما تَوَلَّتِ

وَاِنَّ قَتيلَ الطَفِّ مِنْ آلِ هاشِمٍ

اَذَلَّ رِقابَ الْمُسْلِمينَ فَذَلَّت

قَتيلاً ظَما ما عَلَّهُ الْقَوْمُ شِرْبَةً

وَقَدْ نَهَلَتْ مِنْهُ الرِّماحُ وَعَلَتْ

فَلَيْتَ الَّذي اَهوى اِلَيْهِ بِسَيْفِهِ

اَصابَ بِهِ يُمْنى يَدَيْهِ فَشَلَّت

قالَ سَهْلٌ : فَمَا اسْتَتَمَّ كَلامُهُ حَتّى سَمِعْتُ الْبُوقاتَ تُضْرَبُ وَالرّاياتُ تَخْفِقُ وَاِذا بِالْعَسْكَرِ قَدْ دَخَلَ الْكُوفَةَ وَسَمِعْتُ صَيْحَةً عَظيمَةً(1) ، وَاِذا بِالرؤوس تلوح على الرماح تقدم أهل البيت وهم أسارى ، كأنّهم سبايا الكفار ، فجاؤا حتى وقفوا على باب الكوفة .

فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر اليهم ، فأشرفت إمرأة من الكوفيات فقالت : من أي الأسارى أنتن ؟ فقلن : نحن اسارى آل محمد ، فنزلت المرأة من سطحها ، فجمعت لهن أزرا وملاءً ومقانع ، وأعطتهن فتغطين(2) .

ص: 29


1- مقتل أبي مخنف : 112 .
2- اللهوف : 143 .

وكان مع النساء علي بن الحسين عليه السلام قد نهكته العلّة ، والحسن بن الحسن المثنى ، وكان قد واسى عمّه وإمامه في الصبر على الرماح ، وإنّما ارتث ، وقد اُثخن بالجراح ، كما مرّ مفصلا ، وكان معهم أيضا زيد وعمر ولدا الحسن السبط عليه السلام(1) .

خطبة زينب عليهاالسلام

قال بشير بن خزيم الأسدي : ونظرت إلى زينب بنت علي عليهماالسلام يومئذ ، ولم أر واللّه خفرة قطّ أنطق منها ، كأنّما تفرع عن لسان أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا ، فارتدت الأنفاس ، وسكنت الأجراس ، ثم قالت :

الحمد للّه والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ، أما بعد : يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر ، أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنة ، إنّما مثلكم كمثل التي « نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ » ألا وهل فيكم إلاّ الصلف والعجب والشنف والكذب وملق الإماء وغمز الأعداء ، أو كمرعى على دمنة ، أو كفضة على ملحودة ، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط اللّه عليكم وفي العذاب أنتم خالدون .

أتبكون وتنتحبون إي(2) واللّه فابكوا ، فإنّكم واللّه أحقّ بالبكاء(3) ، فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فلقد بليتم(4) بعارها ، ومنيتم بشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا ، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ، ومقرّ سلمكم ، وآسى كلمكم ، ومفزع نازلتكم ، والمرجع اليه عند مقالتكم ، ومدرة حججكم ، ومنارة محجتكم ،

ص: 30


1- البحار : 45/108 باب 39 .
2- في المتن : « أنتم خالدون ، إي أجل واللّه فابكوا » .
3- لا يوجد في البحار : « فابكوا فإنّكم واللّه أحقّ بالبكاء » .
4- في البحار : « ذهبتم » .

ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم(1) ، وساء ما تزرون ليوم بعثكم ، فتعسا تعسا ، ونكسا نكسا(2) ، فلقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤم بغضب من اللّه ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة .

أتدرون ويلكم يا أهل الكوفة أي كبد لمحمد فريتم ؟ وأي عهد نكثتم ؟ وأي كريمة له أبرزتم ؟ وأي حرمة له هتكتم ؟ وأي دم له سفكتم ؟ لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدا ، لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سواء فقماء - وفي بعضها خرقاء شوهاء - طلاع الأرض وملاء السماء ، أفعجبتم أن قطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفنكم المهل ، فإنّه - عزّ وجلّ - لا يخفره البدار ، ولا يخاف عليه فوت الثأر ،

وإنّ ربّكم لبالمرصاد ، ثم أنشأت تقول :

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم

ماذا صنعتم وأنتم آخر الأمم

بأهل بيتي وأولادي ومكرمتي

منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

إنّي لأخشى أن يحلّ بكم

مثل العذاب الذي أودى على إرم

قال : فواللّه لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ، ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى أخضلت لحيته ، ورفع يديه الى السماء وهو يقول : بأبي أنتم وأمي(3) كهولهم خير الكهول ، وشبابهم خير الشباب ، ونسلهم نسل كريم ، وفضلهم فضل عظيم ، ثم أنشأ يقول :

كهولهكم خير الكهول ونسلهم

إذا عد نسل لا يبور ولا يخزى

فقال علي بن الحسين : يا عمّة اسكتي ، ففي الباقي من الماضي اعتبار ، وأنت بحمد اللّه عالمة غير معلمة ، فهمة غير مفهمة ، إنّ البكاء والحنين لا يردّان من قد أباده الدهر .

ص: 31


1- في البحار : « وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم ومدرة سنتكم » .
2- في البحار : « وبعدا لكم وسحقا » .
3- بحار الأنوار : 45/ 108 باب 39 وفي الخطبة اختلافات أشرنا الى بعضها .

خطبة فاطمة الصغرى عليهاالسلام

وروى زيد بن موسى بن جعفر عليه السلام [قال : حدثني أبي عن جدي عليهم السلام] قال : خطبت فاطمة الصغرى فقالت :

الحمد للّه عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأؤن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و آله ، وأنّ ولده ذبحوا بشطّ الفرات بغير ذحل ولا ترات ، اللّهم إنّي أعوذ بك من أن أفتري عليك الكذب ، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه ، من أخذ العهود لوصيه علي بن أبي طالب ، المسلوب حقّه ، المقتول من غير ذنب ، كما قتل ولده بالأمس ، في بيت من بيوت اللّه تعالى ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضيما

في حياته ولا عند مماته ، حتى قبضته إليك محمود النقيبة ، طيب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم يأخذه - اللّهم - فيك لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته - يا ربّ - للإسلام صغيرا ، وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل ناصحا لك ولرسولك صلواتك عليه وآله ، حتى قبضته إليك زاهدا في الدنيا ، غير حريص عليها ، راغبا في الآخرة ، مجاهدا لك في سبيلك ، رضيته واخترته ، وهديته إلى صراط مستقيم .

أمّا بعد ، يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فإنّا أهل بيت ابتلانا اللّه بكم وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا ، وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجته في الأرض لبلاده ولعباده ، أكرمنا اللّه بكرامته ، وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه و آله على كثير ممن خلق تفضيلا بينا ، فكذبتمونا وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا ، كأنّا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدّنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت ، لحقد متقدّم قرّت بذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم ، افتراء منكم على اللّه ، ومكرا مكرتم ، وَاللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ .

ص: 32

فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا ، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة ، والرزايا العظيمة « فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ » تبّا لكم ، فانتظروا اللعنة والعذاب ، وكأن قد حلّ بكم ، وتواترت من السماء نقمات ، فَيُسْحِتَكُمْ بما كسبتم ، وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ .

ويلكم أتدرون أيّة يد طاعنتنا منكم ؟ وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا ؟ أم بأيّة رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا ؟ قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم ، وختم على سمعكم وبصركم ، وسوّل لكم الشيطان وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة ، فأنتم لا تهتدون .

تبّا لكم يا أهل الكوفة ، أي ترات لرسول اللّه قبلكم ، وذحول له لديكم ، بما غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي ، وبنيه عترة النبي الطاهرين الأخيار ، وافتخر بذلك مفتخر فقال :

نحن قتلنا عليا وبني علي

بسيوف هندية ورماح

وسبينا نساءهم سبي ترك

ونطحناهم فأيّ نطاح

بفيك أيّها القائل الكثكث ولك الأثلب ، افتخرت بقتل قوم زكّاهم اللّه وطهرهم ، وأذهب عنهم الرجس ، فاكظم ، وأقع كما أقعى أبوك ، وإنّما لكلّ إمرئ ما قدمت يداه ، وحسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا اللّه عليكم :

فما ذنبنا أن جاش دهرا بحورنا

وبحرك ساج لا يواري الدعامصا

ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً

فَما لَهُ مِنْ نُورٍ .

قال: فارتفعت الأصوات بالبكاء، وقالوا: حسبك يا ابنة الطيبين، فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا ، وأضرمت أجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبيها وجدّتها السلام(1) .

ص: 33


1- بحار الأنوار : 45/ 111 .

خطبة أم كلثوم

قال السيد ابن طاووس : وخطبت أم كلثوم بنت علي عليه السلام في ذلك اليوم [من وراء كلّتها رافعة صوتها بالبكاء] فقالت :

يا أهل الكوفة ، سوأة لكم ، ما لكم ؟ خذلتم حسينا وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثيتموه(1) ، وسبيتم نساءه وبكيتموه(2) ، فتبّا لكم وسحقا .

ويلكم أتدرون أيّ دواه دهتكم ؟ وأيّ وزر على ظهوركم حملتم ؟ وأيّ دماء سفكتموها ؟ وأيّ كريمة أصبتموها ؟ وأيّ صبية سلبتموها ؟ وأيّ أموال انتهبتموها ؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي ، ونزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا إنّ حزب اللّه هم الفائزون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون ، ثم قالت :

قتلتم أخي صبرا فويل لأمكم

ستجزون نارا حرّها يتوقّد

سفكتم دماء حرم اللّه سفكها

وحرّمها القرآن ثم محمد

ألا فأبشروا بالنار إنّكم غدا

لفي سقر حقّا يقينا تخلدوا

وإنّي لأبكي في حياتي على أخي

على خير من بعد النبي سيولد

بدمع غزير مستهل مكفكف

على الخدّ منّي ذائبا ليس يجمد

فضجّ الناس بالبكاء والحنين والنوح ، ونشر النساء شعورهن ، ووضعن التراب على رؤوسهن ، وخمشن وجوههن ، وضربن خدودهن ، ودعون بالويل والثبور ، وبكى الرجال ، فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم(3) .

خطبة الإمام السجاد عليه السلام

ثم إنّ زين العابدين عليه السلام أومأ إلى الناس أن اسكتوا فسكتوا ، فقام قائما فحمد اللّه وأثنى عليه ، وذكر النبي وصلّى عليه ، ثم قال :

ص: 34


1- في اللهوف : « وورثتموه » .
2- في اللهوف : « ونكبتموه » .
3- البحار : 45/112 .

أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم ، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات ، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله ، أنا ابن من قتل صبرا ، وكفى بذلك فخرا .

أيّها الناس ، ناشدتكم باللّه ، هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه ، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة ، وقاتلتموه وخذلتموه ؟ فتبّا لما قدمتم

لأنفسكم وسوأة لرأيكم ، بأيّة عين تنظرون إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ يقول لكم : قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي ؟

فارتفعت أصوات الناس من كلّ ناحية ، ويقول بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون .

فقال عليه السلام : رحم اللّه إمرأ قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في اللّه وفي رسوله وأهل بيته ، فإنّ لنا في رسول اللّه أسوة حسنة .

فقالوا بأجمعهم : نحن كلّنا يا ابن رسول اللّه سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك يرحمك اللّه ، فإنّا حرب لحربك وسلم لسلمك ، ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا .

فقال عليه السلام : هيهات هيهات ، أيّها الغدرة المكرة ، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل ؟ كلاّ وربّ الراقصات ،

فإنّ الجرح لما يندمل ، قتل أبي صلوات اللّه عليه بالأمس وأهل بيته معه ، ولم ينسني

ثكل رسول اللّه ، وثكل أبي وبني أبي ، ووجده بين لهاتي ، ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغصصه يجري في فراش صدري ، ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا ، رضينا منكم رأسا برأس ، فلا لنا ولا علينا ، ثم قال :

لا غرو إن قتل الحسين وشيخه

قد كان خيرا من حسين وأكرما

فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي

أصيب حسين كان ذلك أعظما

قتيل بشط النهر روحي فداؤ

جزاء الذي أرداه نار جهنما

ص: 35

حديث مسلم الجصاص

وفي بحار الأنوار وغيره من كتب الأخبار : روي عن مسلم الجصاص قال : دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة ، فبينما أنا أجصص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة ، فأقبلت على خادم كان معنا فقلت : ما لي أرى الكوفة تضج ؟ قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد ، فقتل هو وأولاده وأصحابه وأهل بيته ، وجاؤوا برؤوسهم وعيالهم الى الكوفة ، وخرجت النظارة تتفرج عليهم ، فقلت : من هذا الخارجي ؟ فقال : الحسين بن علي عليه السلام ، قال : فتركت الخادم حتى خرج ، ولطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن يذهب ، وغسلت يدي من الجص ، وخرجت من ظهر القصر ، وأتيت إلى الكناس .

فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شقّة تحمل على أربعين جملا ، فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة عليهاالسلام ، وإذا بعلي بن الحسين عليهماالسلام على بعير بغير وطاء ، وأوداجه تشخب دما ، وهو مع ذلك يبكي ويقول :

يا أمة السوء لا سقيا لربعكم

يا أمة لم تراع جدنا فينا

لو أننا ورسول اللّه يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيّرونا على الأقتاب عارية

كأنّنا لم نشيّد فيكم دينا

بني أمية ما هذا الوقوف على

تلك المصائب لا تلبون داعينا

تصفقون علينا كفّكم فرحا

وأنتم في فجاج الأرض تسبونا

أليس جدي رسول اللّه ويلكم

أهدى البرية من سبل المضلينا

يا وقعة الطف قد أورثتني حزنا

واللّه يهتك أستار المسيئينا

قال : فصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم أم كلثوم وقالت : يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام

ص: 36

- والصدقة المحرمة على أهل البيت إنّما هي الصدقة الواجبة ، ولكن أم كلثوم كرهت مطلق الصدقة - وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض .

قال : كلّ ذلك والناس يبكون على ما أصابهم ، ثم إنّ أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم :

يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤم ؟ فالحاكم بيننا وبينكم اللّه يوم فصل القضاء .

فنطحت زينب عليهاالسلام جبينها بمقدم المحمل

فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت ، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام ، وهو رأس زهري قمري ، أشبه الخلق برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولحيته كسواد السبج قد انتصل منها الخضاب ، ووجهه دارة قمر طالع ، والريح تلعب بها يمينا وشمالا ،

فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها ، فنطحت جبينها بمقدّم المحمل حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها ، وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول :

يا هلالا لما استتم كمالا

غاله خسفه فأبدا غروبا

ما توهمت يا شقيق فؤدي

كان هذا مقدرا مكتوبا

يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها

فقد كاد قلبها أن يذوبا

يا أخي قلبك الشفيق علينا

ما له قد قسى وصار صليبا

يا أخي لو ترى عليا لدى الأسر

مع اليتم لا يطيق وجوبا

كلما أوجعوه بالضرب نادا

ك بذلّ يفيض دمعا سكوبا

يا أخي ضمّه إليك وقرّبه

وسكّن فؤده المرعوبا

ما أذلّ اليتيم حين ينادي

بأبيه ولا يراه مجيبا(1)

ص: 37


1- البحار : 45/113 .

دخول أهل البيت مجلس ابن زياد

قتل حامل الرأس الشريف

ثم إنّ ابن زياد جلس في القصر واذن للناس إذنا عاما ، فأمر فاحضرت الرؤوس ، وجيء برأس الحسين فوضع بين يديه في طشت من ذهب .

إعلم إنّهم اختلفوا فيمن حمل الرأس المبارك ، ففي روضة الأحباب : حمل الرأس الى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي وبشر بن مالك ، فجاء بشر وهو يقول :

املأ ركابي فضة وذهبا

إنّي قتلت الملك المحجبا

ومن يصلي القبلتين في الصبى

قتلت خير الناس أما وأبا

وخيرهم إذ ينسبون النسبا

فقال ابن زياد : ويحك فإن علمت أنّه خير الناس أما وأبا لم قتلته إذا واللّه ما تلقى

منّي خيرا إلاّ الحقتك به ، فأمر بضرب عنقه ، فعجّل اللّه بروحه الى النار .

وفي الفصول المهمة : إنّ حامل الرأس سنان بن أنس جاء الى ابن زياد وهو ينشد الأبيات المذكورة ، فأمر ابن زياد بقتله .

وفي صواعق ابن حجر : إنّ ابن زياد أمر بقتل حامل الرأس ومنشد الأبيات من دون تصريح باسم أي واحد منهما .

وقال المسعودي : جاء بالرأس رجل من مذحج وأنشد الأبيات ، فأرسله ابن زياد مع الرأس الى يزيد بن معاوية .

والأقوال في ذلك كثيرة ، والذي يبدو للنظر أنّ الخبر الأول أقرب الى الصحة ، والعلم عند اللّه .

وكيف كان فقد وضع الرأس الشريف أمام ابن زياد ، ففرح بذلك فرحا شديدا وتبسم ، وأخذ قضيبا قيل : أنّه عود ، وقيل : أنّه شفرة رقيقة ، وجعل يضرب بها ثنايا

الحسين عليه السلام وهو يقول : إنّه كان حسن الثغر ، فقال زيد ابن أرقم ، وكان صحابيا كبر سنّه ودقّ عظمه : إرفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فواللّه الذي لا إله إلاّ هو

ص: 38

لقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقبّل موضع قضيبك من فيه ، ثم إنتحب باكيا ، فقال له : أبكى اللّه عينيك يا عدو اللّه ، لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك .

فقال زيد : يا بن زياد لأحدثنّك حديثا هو أغلظ عليك من هذا ، رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقعد حسنا على فخذه اليمنى وحسينا على فخذه اليسرى ، فوضع يده على يافوخ كلّ واحد منهما وقال : اللّهم إنّي أستودعك إياهما وصالح المؤنين - يعني علي بن أبي طالب عليه السلام - ، فكيف كان وديعتك لرسول اللّه صلى الله عليه و آله(1) .

ثم رفع زيد صوته يبكي وخرج وهو يقول : ملك عبد حرا فاتخذهم قلدا ، أنتم معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة حتى يقتل خياركم ويستعبد أشراركم ، رضيتم بالذلّ ، فبعدا لمن رضى بالذل(2) .

وأخرج البخاري في الحسين عليه السلام نحو هذا أيضا من حديث محمد بن سيرين

قال : أتي عبيد اللّه بن زياد برأس الحسين عليه السلام فجعل في طست ، فجعل ينكت ثناياه بقضيب ، فبكى أنس بن مالك وقال : كان أشبههم برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان مخضوبا بالوسمة(3) .

قال هشام بن محمد : وكان كاهن ابن زياد حاضرا فقال : قم فضع قدمك على فم عدوك ، فقام ابن زياد فوضع قدمه على الفم المقدس(4) .

وروى الشعبي : وكان عند ابن زياد قيس بن عباد ، فالتفت اليه ابن زياد فقال له : ما تقول فيّ وفي حسين ؟ فقال : يأتي يوم القيامة جده وأبوه وأمه فيشفعون فيه ،

ويأتي جدك وأبوك وأمك فيشفعون فيك ، فغضب ابن زياد وأقامه من المجلس(5) .

ص: 39


1- بحار الأنوار : 45/ 118 باب 39 .
2- البحار : 45/117 باب 39 .
3- العمدة : 401 ح 818 فصل في مناقب الحسن والحسين عليهماالسلام .
4- تذكرة الخواص : 231 .
5- تذكرة الخواص لابن الجوزي : 231 .

وقال المدائني : كان ممن حضر الواقعة رجل من بكر بن وائل يقال له : جابر ، فلما

رأى ما صنع ابن زياد في مجلسه قال في نفسه : للّه عليّ أن لا أصيب عشرة من المسلمين خرجوا على ابن زياد إلاّ خرجت معهم ، فلما غلب المختار وطلب بدم الحسين عليه السلام وأخذ بثاره والتقى العسكرين برز هذا الرجل وهو يقول :

وكلّ عيش قد أراه فاسدا

إلاّ مقام الرمح في ظلّ الفرس

ثم حمل على صفوف ابن زياد ، فصاح يا ملعون يا ابن الملعون ويا خليفة الملعون ، فتفرّق الناس عن ابن زياد ، فالتقيا بطعنتين فوقعا قتيلين .

وروي أنّ قاتل ابن زياد إبراهيم بن مالك الأشتر كما سيأتي في محلّه إن شاء اللّه (1) .

وقال صاحب روضة الأحباب وهو من أكابر علماء أهل السنة والجماعة : إنّ ابن زياد بعد ضرب ثنايا الحسين بالقضيب ، حمل الرأس على يديه وجعل ينظر اليه ، فارتعدت يداه فوضع الرأس على فخذه ، فقطرت قطرة من الدم من نحره الشريف على ثوبه ، فخرقه حتى إذا وصل الى فخذه جرحه حتى خرج من الجهة الأخرى ، وصار جرحا منكرا ، فكلّما عالجه لم يتعالج حتى ازداد نتنا وعفونة ، ولم يزل يحمل معه المسك لإخفاء تلك العفونة حتي هلك ، فلما قتله إبراهيم بن مالك الأشتر في ظلمة الليل لم يعرفه فقال : قتلت رجلا كانت تفوح منه رائحة المسك ، فلما فتّشوه وجدوه ابن زياد .

كلام زينب عليهاالسلام مع ابن زياد

فأدخل عيال الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما على ابن زياد ، فأوقفهم بين يديه كأنّهم أسرى الكفار ، فدخلت زينب أخت الحسين عليه السلام في جملتهم متنكرة ومضت حتى جلست ناحية وحفّت بها إماؤا ، فقال ابن زياد : من هذه التي

انحازت فجلست ناحية ومعها نساؤا ؟ فلم تجبه زينب ، فأعاد القول ثانية

ص: 40


1- تذكرة الخواص : 232 .

وثالثة يسأل عنها ، فقالت له بعض إمائها : هذه زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأقبل عليها ابن زياد وقال : الحمد للّه الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم ، فقالت زينب عليهاالسلام : الحمد للّه الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه و آله وطهّرنا من الرجس تطهيرا ، إنّما يفتضح الفاسق(1) وهو غيرنا .

فقال ابن زياد : كيف رأيت صنع اللّه بأخيك وأهل بيتك ؟ فقالت : ما رأيت إلاّ جميلا ، هؤاء قوم كتب اللّه عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع اللّه بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ، ثكلتك أمك يا ابن مرجانة .

فغضب وكأنّه همّ بها ، فقال له عمرو بن حريث : إنّها إمرأة والمرأة لا تؤخذ بشيء من منطقها ، فقال لها ابن زياد : شفانا اللّه من طاغيتك الحسين والعصاة المردة

من أهل بيتك ، فقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن كان هذا شفاؤ فقد اشتفيت .

فقال ابن زياد : هذه سجاعة ، ولعمري لقد كان أبوك سجاعا شاعرا ، فقالت : يا ابن زياد ما للمرأة والسجاعة ، وإنّ لي عن السجاعة لشغلا ، وإنّي لأعجب ممن يشتفّى بقتل أئمته ، ويعلم أنّهم منتقمون منه في آخرته(2) .

كلام أم كلثوم والإمام السجاد عليهماالسلام

فقالت له أم كلثوم : يا ابن زياد أن كان قرّت عينك بقتل الحسين عليه السلام فقد كان عين رسول اللّه تقرّ برؤيته ، وكان يقبّله ويمصّ شفتيه ، ويحمله هو وأخوه على ظهره ، فاستعد غدا للجواب .

ثم التفت ابن زياد إلى علي بن الحسين فقال : من هذا ؟ فقيل : علي بن الحسين ، فقال : أليس قد قتل اللّه علي بن الحسين ؟ فقال علي : قد كان لي أخ يسمى علي بن الحسين قتله الناس ، فقال : بل اللّه قتله ، فقال علي : « اللّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها »، فقال ابن زياد : ولك جرأة على جوابي ؟

ص: 41


1- بحار الأنوار : 45/ 117 باب 39 .
2- بحار الأنوار : 45/ 115 باب 39 .

إذهبوا به فاضربوا عنقه(1) . فتعلّقت به زينب عمّته وقالت : يا ابن زياد حسبك من دمائنا ، واعتنقته وقالت : واللّه لا أفارقه ، فإن قتلته فاقتلني معه .

فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة ، ثم قال : عجبا للرحم ، واللّه إنّي لأظنّها ودّت

أنّي قتلتها معه ، دعوه(2) ، فإنّي أراه لما به مشغول(3) .

فقال علي عليه السلام لعمّته : اسكتي يا عمّة حتى أكلّمه ، ثم أقبل عليه السلام فقال : أبالقتل تهددني يا ابن زياد ؟ أما علمت أنّ القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة(4) ؟

فقال له علي : إن كان بينك وبين هؤاء النساء رحم فأرسل معهن من يؤيهن ، فقال : تؤيهن أنت وكأنّه استحيا(5) .

ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين عليهماالسلام وأهله فحملوا إلى دار إلى جنب المسجد

الأعظم ، فقالت زينب بنت علي عليهماالسلام : لا يدخلن علينا عربية إلاّ أم ولد أو مملوكة ، فإنّهن سبين وقد سبينا(6) .

روى صاحب العوالم عن أمالي الصدوق : لما جيء برأس الحسين عليه السلام أمر فوضع بين يديه في طست من ذهب ، وجعل يضرب بقضيب في يده على ثناياه ويقول : لقد أسرع الشيب إليك يا با عبد اللّه ، فقال زيد بن أرقم مه ، فإنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يلثم حيث تضع قضيبك ، فقال : يوم بيوم بدر .

ثم أمر بعلي بن الحسين عليهماالسلام فغلّ وحمل مع النسوة والسبايا إلى السجن(7) ، ثم أمر باحضارهم ، ودار معهم الكلام الذي مرّ ذكره .

ص: 42


1- بحار الأنوار : 45/ 117 باب 39 .
2- الإرشاد : 2/ 116 .
3- إعلام الورى : 251 الفصل الرابع .
4- اللهوف : 160 المسلك الثالث .
5- الأمالي للطوسي : 252 المجلس التاسع ، بحار الأنوار : 45/ 167 باب 39 .
6- بحار الأنوار : 45/ 118 باب 39 .
7- الأمالي للصدوق : 165 المجلس 31 ، بحار الأنوار : 45/ 154 باب 39 .

مقتل عبد اللّه بن عفيف الأزدي

ثم إنّ ابن زياد أمر بأهل البيت فاخرجوا من مجلسه ، وقام هو فخرج وصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال :

الحمد للّه الذي أظهر الحقّ وأهله ، ونصر أمير المؤنين وأشياعه ، وقتل الكذاب ابن الكذاب .

فما زاد على هذا الكلام شيئا حتى قام إليه عبد اللّه بن عفيف الأزدي ، وكان من خيار الشيعة وزهادها ، وكانت عينه اليسرى ذهبت في يوم الجمل والأخرى في يوم صفين ، وكان يلازم المسجد الأعظم فيصلي فيه إلى الليل ، فقال : يا ابن مرجانة إنّ الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه ، يا عدو اللّه أتقتلون أبناء النبيين وتتكلّمون بهذا الكلام على منابر المؤنين ؟

فغضب ابن زياد ثم قال : من هذا المتكلّم ؟ فقال : أنا المتكلّم يا عدو اللّه ، تقتل

الذرية الطاهرة التي قد أذهب اللّه عنهم الرجس وتزعم أنّك على دين الإسلام ؟ وا غوثاه ! أين أولاد المهاجرين والأنصار ؟ لا ينتقمون من طاغيتك اللعين بن اللعين على لسان محمد رسول ربّ العالمين ، فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت أوداجه وقال : عليّ به ،فبادر إليه الجلاوزة من كلّ ناحية ليأخذوه ، فقامت الأشراف من الأزد من بني عمه فخلصوه من أيدي الجلاوزة وأخرجوه من باب المسجد ، وانطلقوا به إلى منزله .

فقال ابن زياد : إذهبوا إلى هذا الأعجمي الأعمى ، أعمى الأزد ، أعمى اللّه قلبه كما أعمى عينه ، فأتوني به ، فانطلقوا ، فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم ، وبلغ ذلك إلى ابن زياد ، فجمع قبائل مضر وضمهم إلى محمد بن الأشعث وأمرهم بقتال القوم ، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى قتل بينهم جماعة من العرب ، ووصل أصحاب ابن زياد إلى دار عبد اللّه بن عفيف ، فكسروا الباب واقتحموا عليه ، فصاحت ابنته أتاك القوم من حيث تحذر ، فقال : لا عليك ناوليني سيفي ، فناولته إياه ، فجعل يذب عن نفسه ويقول :

ص: 43

أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر

عفيف شيخي وابن أم عامر

كم دارع من جمعكم وحاسر

وبطل جدلته مغادر

وجعلت ابنته تقول : يا أبت ليتني كنت رجلا أخاصم بين يديك اليوم هؤاء الفجرة قاتلي العترة البررة ، وجعل القوم يدورون عليه من كلّ جهة ، وهو يذبّ عن نفسه ، فلم يقدر عليه أحد ، وكلما جاءوا من جهة قالت : يا أبة قد جاءوك من جهة كذا حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به ، فقالت بنته : وا ذلاه يحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به ، فجعل يدير سيفه ويقول :

أقسم لو يفسح لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري(1)

وكنت منكم قد شفيت غلّتيإن لم يكن ذا اليوم قومي تخفري

أم كيف لي والأصبحي قد أتىبالجيش يكسر كلّ غضنفر

لو أنصفوني واحدا فواحداأفنيتم بموردي ومصدري

يا ويحهم والسيف أبدا مشرفالا ينبغي إلاّ مقر الحنجر

ويح ابن مرجان الدعي وقد أتىويزيد إذ يؤتى بهم في المحشر

والحكم فيه للإله وخصمهمخير البرية أحمد مع حيدر

فقتل منهم خمسين فارسا وثلاثة وعشرين راجلا ، فما زالوا به حتى أخذوه ، ثم حمل فأدخل على ابن زياد ، فلما رآه قال : الحمد للّه الذي أخزاك ، فقال له عبد اللّه بن عفيف : يا عدو اللّه وبما ذا أخزاني اللّه ؟

واللّه لو فرج لي عن بصري

ضاق عليك موردي ومصدري

فقال ابن زياد : يا عدو اللّه ما تقول في عثمان بن عفان ؟ وإنّما قال له ذلك لأنّه يعلم أنّ عبد اللّه بن عفيف من شيعة علي ، فأراد أن يستدرجه الى سبّ عثمان ليكون له مبررا في قتله فلا يلام عليه ، فقال عبد اللّه : يا عبد بني

ص: 44


1- بحار الأنوار : 45/ 119 باب 39 .

علاج(1) يا ابن مرجانة ، وشتمه ، ما أنت وعثمان إن أساء أم أحسن ، وأصلح أم أفسد ، واللّه تعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحق ، ولكن سلني عن أبيك وعنك وعن يزيد وأبيه ، فقال ابن زياد : واللّه لا سألتك عن شيء أو تذوق الموت ، فقال عبد اللّه بن عفيف : الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، أما إنّي قد كنت أسأل اللّه ربّي أن يرزقني الشهادة قبل أن تلدك أمك ، وسألت اللّه أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه وأبغضهم إليه ، فلما كفّ بصري يئست من الشهادة ، والآن الحمد للّه الذي رزقنيها بعد اليأس منها ، وعرفني الإجابة منه في قديم دعائي(2) ثم أنشأ يقول :

صَحَوْتُ وَوَدَّعْتُ الْصَّبا وَالْغَوانيا

وَقُلْتُ لأَِصْحابي اَجيبوا الْمُناديا

وَقُولوا لَهُ اِذْ قامَ يَدْعُوا اِلَى الْهُدى

وَقَتْلِ الْعِدى لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ داعِيا

وَقُوموا لَهُ اِذْ شَدَّ لِلْحَرْبِ اُزْرَهُ

فَكُلُّ امْرئ يُجْزى بِما كانَ ساعِيا

وَقُودوا اِلَى الأَعْداءِ كُلَّ مُضَمِّرٍ

لُحُوقٍ وَقُودوا السّابِحاتِ النّواجيا

وَسيروا اِلَى الأَعْداءِ بِالْبيضِ وَالْقَنا

وَهُزوا حِرابَا نَحْوَهُمْ وَالْعَواليا

وَابكوا لِخَيْرِ الْخَلْقِ جَدَّا وَوالدا

حُسَيْنٌ لأَِهْلِ الأَرضِ لا زالَ هاديا

واَبْكوا حُسَيْنَا مَعْدَنَ الْجُودِ وَالتُّقى

وَكَانَ لِتَضْعيفِ الْمَثوبَةِ راجِيا

واَبْكوا حُسَيْنَا كُلَّما ذَرَّ شارِقٌ

وَعِنْدَ غُسوقِ اللَّيْلِ فَاَبْكوا اِماميا

وَيَبْكي حُسَيْنَا كُلَّ حافٍ وَناعِلٍ

وَمِنْ راكِبٍ في الأَرْضِ اَوْ كانَ ماشيا

لَحَى اللّهُ قَوْمَا كاتَبوهُ لِغَدْرِهِمْ(3)

وَما فيهُمُ مَنْ كانَ لِلدينِ حاميا

وَلا مَنْ وَفي بِالْعَهْدِ اِذْ حُمَى الْوَغى

وَلا زاجِرا عَنْهُ الْمُضِلِّيْنَ ناهيا

وَلا قائلاً لا تَقْتُلُوه فَتَخْسَروا

وَمَنْ يَقْتُلَ الزّاكينَ يَلْقى الْمخازيا

ص: 45


1- أي يا عبد الكفرة والمجوس، وكان كلامه هذا موجها الى زياد ابن أبيه، لأنّه ولد من زنا على فراش عبيد ، وكان عبيد عبدا ، كما مرّ مفصلا في كتاب أمير المؤمنين والإمام الحسن عليهماالسلام ، وهذا يقتضي أن يكون ابن زياد عبدا ، ثم قال له : يا بن مرجانة الزانية . من المتن .
2- بحار الأنوار : 45/ 119 باب 39 .
3- في المتن : « وغرروه » .

وَلَمْ يَكُ اِلاّ ناكِثا اَوْ مُعانِدا

وَذا فَجْرَةٍ يَأتي اِلَيْهِ وَعاديا

وَاَضْحى حُسَيْنٌ لِلْرِّماحِ دَرِيَّةً

فَغُودِرَ مَسْلوبا عَلَى الطَّفِ ثاويا

قَتيلاً كأنَ لَمْ يَعْرِفِ النّاسَ اَصْلَهُ

جَزَىَ اللّهُ قَوْما قاتَلُوهُ الَْمخازيا

فَيا لَيْتَني اِذْ ذاكَ كُنْتُ لَحِقْتُهُ

وَضارَبْتُ عَنْهُ الْفاسِقينَ الأعاديا(1)

وَدافَعْتُ عَنْهُ ما اسْتَطَعْتُ مُجاهِدا

وَاَغْمَدْتُ سَيْفي فيهِمُ وَسَنانِيا

وَلكِنّ عُذري واضِحٌ غَيْرَ مُخْتَفٍ

وَكانَ قُعُودي ظِلَةٌ مِنْ ضَلاليا

وَيا لَيْتَني غُودِرْتُ فِيمَنْ اَجابَهُ

وَكُنْتُ لَهُ في مَوْضِعِ الْقَتْلِ فادِيا

وَيا لَيْتَني يوم الطفوف فديته(2)

وَاَهْلي وأولادي(3) جَميعا وَماليا

تَزَلْزَلَتِ الآفاقُ مِنْ عُظْمِ فقده(4)

وَاَضْحى لَهُ الْحِصْنُ الُْمحَصَّنُ خاوِيا

وَقَدْ زالَتِ الأَطْوادِ مِنْ عُظْمِ قَتْلِهِ

وَاَضْحى لَهُ صم(5) الشّناخيب هاوِيا

وَقَدْ كُسِفَتْ شَمْسُ الضُّحى لِمُصابِهِ

وَاَضْحَتْ لَهُ الآفاقُ جَهْرا بَواكيا

فَيا اُمَّةً ضَلَّتْ عَنِ الْحَقِّ وَالْهُدى

اَنيبوا فَاِنَّ اللّهُ في الْحُكْمِ عالِيا

وَتُوبُوا اِلَى التَّوابِ مِنْ سُوءِ فِعْلِكُمْ

وَاِنْ لَمْ تَتُوبُوا تُدْرِكُونَ الْمخازيا

وَكُونوا ضِرابا بِالسُّيوفِ وَبِالقَنا

تَفُوزُ كَما فازَ الَّذي كانَ ساعيا

وَاِخْوانُنا كانوا اِذا اللَّيْلُ جَنَّهُمْ

تَلَوْ طولَهُ الْقُرْآنَ ثُمَّ الْمَثانيا

اَصابَهُمُ اَهْلَ الشِّقاوَةِ وَالغِوى

فَحَتّى مَتى لا يَبْعَثُ الْجَيْشُ عاديا

عَلَيْهِمْ سَلامُ اللّهِ ما هَبَّتِ الصَّبا

وَما لاحَ نَجْمٌ اَوْ تَحَدَّر هاويا(6)(7)

ص: 46


1- في مقتل أبي مخنف : « مُفاديا » .
2- في مقتل أبي مخنف : « جاهَدْتُ عَنْهُ بِاُسْرَتي » .
3- في مقتل أبي مخنف : « وَخِلاّني » .
4- في مقتل أبي مخنف : « قَتْلِهِ » .
5- في مقتل أبي مخنف : « سامى » .
6- في مقتل أبي مخنف : « هاديا » .
7- مقتل أبي مخنف : 118 .

فأصغى ابن زياد الى أبياته ، ثم قال : اضربوا عنقه فضربت عنقه وصلب(1) جسده المطهر في المسجد .

وفي المنتخب للطريحي : فعند ذلك خرجت نار من القصر كادت تحرقه ، فقام ابن زياد عن سريره هاربا ، ودخل بعض بيوته(2) خوفا منها ، فلمّا خمدت خرج مرة

اُخرى الى مجلسه .

غضب ابن زياد على جندب بن عبد اللّه الأزدي

من العجيب أنّ هذا الحادث لم يؤثر في شراسة ابن زياد ووحشيته ، فدعا بجندب بن عبد اللّه الأزدي ، وكان جندب شيخا كبيرا قد دقّ عظمه وضعف بدنه ، فقال : يا عدو اللّه ألست صاحب أبي تراب ؟ قال : بلى لا أعتذر منه ولا أبرأ اليك من ذلك ، فقال ابن زياد : أظن أنّي أتقرب الى اللّه تعالى بدمك ، فقال جندب : واللّه ما يقرّبك

دمي الى اللّه ولكنه يباعدك منه ، [وبعد فإنّه لم يبق من عمري إلاّ أقلّه وما أكره أن يكرمني اللّه بهوانك] ، فقال ابن زياد : أخرجوه عنّي فإنّه شيخ قد خرف وذهب عقله ، فاخرج عنه وخلّي سبيله(3) .

روى ابن سعد في الطبقات : إنّ مرجانة أم ابن زياد جاءت عنده فقالت لابنها : يا خبيث قتلت ابن رسول اللّه ؟ واللّه لا ترى الجنة أبدا .

وهكذا كان ابن زياد لا يصغي الى من ينصحه ، فكلّ من نصحه كان كلامه كالماء في الغربال أو كطاحونة تطحن الماء .

الطواف بالرأس المقدس في الأسواق

أراد ابن زياد أن يعلن للناس عن قتل الحسين عليه السلام ، ويزرق فيهم اليأس لئلا يفكر أحدهم بالخروج عليه ، فلما أصبح عبيد اللّه بن زياد بعث برأس الحسين عليه السلام

ص: 47


1- بحارالأنوار : 45/ 119 باب 39 .
2- المنتخب للطريحي : 466 المجلس العاشر الحزء الثاني .
3- الفتوح : 2/180 .

فدير به في سكك الكوفة وقبائلها ، فروي عن زيد بن أرقم : أنّه مرّ به عليّ وهو على رمح ، وأنا في غرفة لي ، فلما حاذاني سمعته يقرأ « أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ

وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً » فقفّ - واللّه - شعري عليّ وناديت : رأسك يا ابن رسول اللّه أعجب وأعجب(1) .

فطاف عمر بن جابر المخزومي بالرأس المقدس بأمر ابن زياد في سكك الكوفة وأسواقها ، فروى ابن شهرآشوب : أنّه صلب رأس الحسين عليه السلام في إحدى السكك في الكوفة ، فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله : « إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ

وَزِدْناهُمْ هُدىً » فلم يزدهم ذلك إلاّ ضلالا ، فحمل من هناك فصلب في مكان آخر على الشجرة فسمع منه « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ »(2)

وفي شرح الشافية وكتاب تظلم الزهراء عليهاالسلام مسندا عن الحارث بن وكيدة قال : [كنت فيمن حمل رأس الحسين] فسمعته يقرأ سورة الكهف ، فجعلت أشك في نفسي وأنا أسمع نغمة أبي عبد اللّه ، فقال لي : يا ابن وكيدة ، أما علمت إنّا معشر الأئمة أحياء عند ربّنا [نرزق] ؟ فقلت في نفسي : أسترق رأسه ، فقال : يا ابن وكيدة ، ليس لك إلى ذلك سبيل ، إنّ سفكهم دمي أعظم عند اللّه من تسييرهم إياي ، فذرهم « فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَْغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ »(3) .

طلب ابن زياد عهد الري من ابن سعد

قال علماء الأخبار : لما فرغ عبيد اللّه بن زياد من كلامه مع أهل بيت الرسالة وجرى بينه وبينهم ما جرى ، أراد أن يلقي بلائمة قتل الحسين على ذمة عمر بن سعد ويبرء نفسه من هذا العمل الشنيع ، فأحضر عمر وقال له : ائتني بالكتاب الذي كتبته إليك في معنى قتل الحسين عليه السلام ومناجزته ، فقال : ضاع ، فقال : لتجيئنني به أتراك

ص: 48


1- بحار الأنوار : 45/ 121 باب 39 .
2- المناقب : 4/ 60 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام ، بحار الأنوار : 45/ 304باب 46 .
3- دلائل الإمامة : 78 ذكر ولده عليه السلام .

معتذرا في عجائز قريش ؟ قال عمر : واللّه لقد نصحتك في الحسين نصيحة لو إستشارني بها أبي سعد كنت قد أديت حقه ، فقال عثمان بن زياد أخو عبيد اللّه : صدق واللّه لوددت أنّه ليس من بني زياد رجل إلاّ وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة وأن حسينا لم يقتل ، قال عمر بن سعد : واللّه ما رجع أحد بشرّ مما رجعت ، أطعت عبيد اللّه وعصيت اللّه وقطعت الرحم(1) .

قصيدة عبد اللّه بن الحر في رثاء الحسين عليه السلام

في تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة : ورثاه عبد اللّه بن الحر فقال :

يقول أمير غادر أي غادر

ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه

ونفسي على خذلانه واعتزاله

وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

فيا ندمي ألاّ أكون نصرته

ألا كلّ نفس لا تسدد نادمه

وإنّي على أن لم أكن من حماته

لذو حسرة ما إن تفارق لازمه

سقى اللّه أرواح الذين تأزروا

على نصره سقيا من الغيث دائمه

وقفت على اطلالهم ومجالهم

فكاد الحشى ينفض والعين ساجمه

لعمري لقد كانوا سراعا الى الوغى

مصاليت في الهيجا حماة خضارمه

تأسوا على نصر ابن بنت نبيهم

بأسيافهم آساد غيل ضراغمه

فإن يقتلوا في كلّ نفس بقية

على الأرض قد أضحت لذلك واجمه

وما أن رأى الرائون أفضل منهم

لدى الموت سادات وزهر قماقمه

أيقتلهم ظلما ويرجو ودادنا

فدع خطة ليست لنا بملائمه

لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم

فكم ناقم منا عليكم وناقمه

أهم مرارا أن أسير بجحفل

الى فئة زاغت عن الحق ظالمه

فكفّوا وإلاّ زرتكم في كتائب

أشدّ عليكم من زحوف الديالمه

ولما بلغ ابن زياد هذه الأبيات طلبه فقعد على فرسه ونجا منه(2) .

ص: 49


1- مثيرالأحزان : 109 ، بحار الأنوار :45/ 118 باب 39 .
2- تذكرة الخواص : 243 .

قال الشعبي : سمع أهل الكوفة قائلا يقول في الليل :

أبكي قتيلا بكربلاء

مضرج الجسم بالدماء

أبكي قتيل الطغاة ظلما

بغير جرم سوى الوفاء

أبكي قتيلا بكى عليه

من ساكن الأرض والسماء

هتّك أهلوه واستحلوا

ما حرم اللّه في الاماء

يا بأبي جسمه المعرى

إلاّ من الدين والحياء

كلّ الرزايا له عزاء

وما لذا الرزء من عزاء

روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين عليه السلام : الأول : مسجد الأشعث ، والثاني : مسجد جرير ، والثالث : مسجد سماك ، والرابع : مسجد شبث بن ربعي(1) .

ذكر إنتشار خبر شهادة سيد الشهداء عليه السلام في البلدان والأمصار

اشارة

مرّ فيما مضى من هذا الكتاب المبارك ذيل الأخبار التي تحدّثت عن شهادة الحسين عليه السلام أنّ النبي صلى الله عليه و آله أعطى لأم سلمة قبضة من التراب الأحمر فقال : خذيها فاحتفظي بها ، فاذا صارت دما عبيطا فاعلمي أنّ ولدي الحسين قد قتل ، فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر ، فوضعتها في قارورة وشدّت رأسها واحتفظت بها .

فلما خرج الحسين عليه السلام من مكة متوجها نحو العراق كانت تخرج تلك القارورة في كلّ يوم وليلة ، وتشمّها وتنظر إليها ، ثم تبكي لمصابه .

فلما كان في اليوم العاشر من المحرم - وهو اليوم الذي قتل فيه عليه السلام - أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ، ثم عادت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط ،

ص: 50


1- بحار الأنوار : 45/ 189 باب 39 .

فصاحت في بيتها وبكت وكظمت غيظها مخافة أن يسمع أعداؤم بالمدينة فيتسرعوا بالشماتة ، فلم تزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه فحقّق ما رأت(1) .

مراثي الجن في مصيبة الحسين عليه السلام

وروى الزهري أيضا مسندا عن أم سلمة قالت : فَصَبَرْتُ حَتّى اِذَا جَنَّ اللَّيْلَ رَقَدْتُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ التُّرابُ ، فَقُلْتُ : يا رَسُولَ اللّهِ جُعِلْتُ فِداكَ ما هذا التُّرابُ الَّذي اَراهُ عَلَى رَأْسِكَ وَلِحْيَتِكَ ؟ قالَ : يا اُمَّ سَلَمَةَ الآنَ رَجَعْتُ مِنْ دَفْنِ وَلَديَ الْحُسَيْنِ عليه السلام(2) .

قالَتْ اُمُّ سَلَمَةَ : فانْتَبَهْتُ فَزِعَةً مَرعُوبَةً فَسَمِعْتُ بِالْمَدينَةِ جِنِيَّةً تُنْشِدُ وَتَقُولُ :

اَلا يا عَيْنُ فاحتفلي بجهدي

وَمَنْ يَبْكي عَلَى الشُّهَداءِ بَعْدي

عَلَى رَهْطٍ تَقودُهُمْ الْمَنايا

اِلَى مُتَجَبِّرٍ في الْمُلْكِ وَغْدِ

وسمع أيضا جنية اخرى تَقُولُ :

مَسَحَ النبي جَبينَهُ

فَلَهُ بَريقٌ في الْخُدودِ

اَبواهُ مِنْ عَلْيا قُرَيشٍ

وَجَدَّهُ خَيْرُ الْجُدودِ

زَحَفوا اِلَيْهِ بِالْقَنا

شَرَّ البَرِيَّةِ وَالْوُفُودِ

قَتَلوك يا بن الرسول(3)

فاسَكَنوا نارَ الْخُلُودِ

وكان أول من علم في مكة بقتل الحسين عليه السلام ابن عباس ، فقد روى ابن الجوزي مسندا عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيما يرى

النائم نصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة ، فقلت : يا رسول اللّه ما هذه القارورة ؟

قال : دم الحسين وأصحابه ما زلت ألتقطه منذ اليوم ، [قال : فنظرنا فاذا قد قتل الحسين في ذلك اليوم(4)] .

ص: 51


1- بحار الأنوار : 44/ 240 .
2- مقتل أبي مخنف : ، بحار الأنوار : 45/ 230 باب 42 .
3- في مقتل أبي مخنف : « قتلوه ظُلْما وَيْلَهُمْ » .
4- تذكرة الخواص : 241 .

كتاب ابن زياد الى يزيد وعمرو بن سعيد والي المدينة يخبرهما بقتل الحسين عليه السلام

اشارة

لما انتهى ابن زياد من قتل الحسين ومن معه ، ونهبوا ثقله ، وسلبوا ما في رحل أهل بيت خير الأنام ، أمر بعلي بن الحسين السجاد عليه السلام ، فوضعت الجامعة في عنقه ، وغلّت يداه ورجلاه ، وأمر بأهل البيت عليهم السلام الى فحبسوا ، ثم كتب الى يزيد بن معاوية يخبره بما جرى ويستأمره فيهم وفي الرؤوس ، وكتب كتابا آخر الى أمير المدينة ، وكان عليها عمرو بن سعيد بن العاص ، يذكر له الرزية العظمى التي وقعت بالحسين وأهل بيته ، ثم دفع كتاب يزيد الى رسول أمره أن يعجّل في المسير ، وقال الشيخ المفيد : وتقدم إلى عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال : انطلق حتى تأتي عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فبشره بقتل الحسين عليه السلام .

قال عبد الملك : فركبت راحلتي وسرت نحو المدينة ، فلقيني رجل من قريش ، فقال : ما الخبر ؟ فقلت : الخبر عند الأمير تسمعه إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ قتل واللّه الحسين .

وصول خبر شهادة الحسين عليه السلامالى ابن سعيد

فلمّا دخلت على عمرو بن سعيد قال : ما وراك ؟ فقلت : ما سرّ الأمير ! قتل الحسين بن علي ، فقال : اخرج فناد بقتله ، فناديت فلم أسمع واللّه واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي حين سمعوا النداء بقتله ، ثم دخلت على عمرو بن سعيد ، فلما رآني تبسّم إليّ ضاحكا ثم أنشأ متمثّلا بقول عمرو بن معديكرب :

عجت نساء بني زياد عجّة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

ثم قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان .

ص: 52

خطبة ابن سعيد في المدينة

ثم صعد المنبر فأعلم الناس بقتل الحسين عليه السلام ودعا ليزيد وقال في خطبته : إنّها لدمة بلدمة وصدمة بصدمة ، - إشارة الى قتل عثمان - كم خطبة بعد خطبة ، وموعظة بعد موعظة « حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ » ، واللّه لوددت أنّ رأسه في بدنه وروحه في جسده أحيانا كان يسبّنا ونمدحه ، ويقطعنا ونصله ، كعادتنا وعادته ، ولم يكن من أمره ما كان ، ولكن كيف نصنع بمن سلّ سيفه يريد قتلنا إلاّ أن ندفعه عن أنفسنا ، فقام عبد اللّه بن السائب فقال : لو كانت فاطمة حيّة فرأت رأس الحسين لبكت عليه ، فجبهه عمرو بن سعيد وقال : نحن أحقّ بفاطمة منك ! أبوها عمنا وزوجها أخونا وابنها ابننا ، لو كانت فاطمة حيّة لبكت عينها ، وحرت كبدها ، وما لامت من قتله ودفعه عن نفسه(1) ! !

سماع عبد اللّه بن جعفر بخبر الحسين عليه السلام

فدخل موالي عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ، فنعى إليه ابنيه - عون ومحمد - فاسترجع ، فقال أبو السلاسل مولى عبد اللّه : هذا ما لقينا من الحسين بن علي ، فحذفه عبد اللّه بن جعفر بنعله ، ثم قال : يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا ؟ واللّه لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه ، واللّه إنّه لمما يسخي بنفسي عنهما ، ويعزي عن المصاب بهما ، إنّهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه ، ثم أقبل على جلسائه فقال : الحمد للّه عزّ عليّ مصرع الحسين أن لا أكن آسيت حسينا بيدي فقد آساه ولداي .

سماع أم لقمان بخبر الحسين عليه السلام

فخرجت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين عليه السلامحاسرة ، ومعها أخواتها أم هانئ وأسماء ورملة وزينب بنات عقيل تبكي قتلاها بالطف ، وهي تقول :

ص: 53


1- بحار الأنوار : 45/ 121 باب 39 .

ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

هاتف في المدينة

روي : لما كان الليل في ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد بقتل الحسين عليه السلام بالمدينة سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي يسمعون صوته ولا يرون شخصه :

أيّها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

من نبي ومرسل وقتيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل

قال الفاضل المجلسي : سمع في الهواء بالمدينة قائل :

يا من يقول بفضل آل محمد

بلغ رسالتنا بغير تواني

قتلت شرار بني أمية سيدا

خير البرية ماجدا ذا شأن

ابن المفضّل في السماء وأرضها

سبط النبي وهادم الأوثان

بكت المشارق والمغارب بعد ما

بكت الأنام له بكلّ لسان

هاتف آخر في المدينة

روي أيضا في كامل الزيارة مسندا عن أبي عبد اللّه قال عليه السلام : لما قتل الحسين عليه السلام سمع أهلنا قائلا بالمدينة يقول : اليوم نزل البلاء على هذه الأمة ، فلا يرون فرحا حتى

يقوم قائمكم ، فيشفي صدوركم ، ويقتل عدوكم ، وينال بالوتر أوتارا ، ففزعوا منه وقالوا : إنّ لهذا القول لحادثا قد حدث ما نعرفه ، فأتاهم بعد ذلك خبر الحسين وقتله ، فحسبوا ذلك فإذا هي تلك الليلة التي تكلّم فيها المتكلّم .

فقلت له : جعلت فداك إلى متى أنتم ونحن في هذا القتل والخوف والشدّة ؟ فقال : حتى مات سبعون فرخا أخو أب ويدخل وقت السبعين ، فإذا دخل وقت السبعين أقبلت الآيات تترى كأنّها نظام ، فمن أدرك ذلك قرت عينه(1) .

ص: 54


1- بحار الأنوار : 45/ 172 باب 39 ، كامل الزيارات : 336 الباب 108 .

الغراب يخبر فاطمة في المدينة

عن علي بن الحسين عليه السلام قال : لما قتل الحسين بن علي جاء غراب فوقع في دمه ، ثم تمرغ ثم طار ، فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم السلام ، وهي الصغرى ، فرفعت رأسها فنظرت إليه فبكت بكاء شديدا وأنشأت تقول :

نعب الغراب فقلت من تنعاه

ويلك يا غراب

قال الإمام فقلت من

قال الموفق للصواب

إنّ الحسين بكربلا

ء بين الأسنة والضراب

فابكي الحسين بعبرة

ترجي الإله مع الثواب

قلت الحسين فقال لي

حقّا لقد سكن التراب

ثم استقل به الجناح

فلم يطق ردّ الجواب

فبكيت مما حلّ بي

بعد الدعاء المستجاب(1)(2)

فقيل : إنّ هذا الغراب كان أول من جاء بخبر مقتل الحسين الى المدينة ، ولم يسبقه أحد قط .

إعلم أنّي تفحصت فوجدت أنّه إن كان للحسين عليه السلام بنتان تسميان فاطمة فيقتضي أن تكون فاطمة التي تركها في المدينة هي فاطمة الصغرى ، وأمّا فاطمة التي حضرت معه كربلاء فقد كانت متزوجة من ابن عمها الحسن المثنى ، فولدت له ثلاثة أولاد وبنتان ، وهم : عبد اللّه المحض ، وإبراهيم الغمر ، والحسن المثلث ، وأمّا البنات : فزينب وأم كلثوم ، وقد أتينا على اخبارهم في كتاب الإمام الحسن عليه السلام ، وأما فاطمة

التي حضرت كربلاء والتي عبّر عنها بعضهم بفاطمة الصغرى ، فلم أقف عليها ،والعلم عند اللّه .

ص: 55


1- قال محمد بن علي : فنعتته لأهل المدينة فقالوا : قد جاءتنا بسحر عبد المطلب فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين بن علي عليه السلام .
2- بحار الأنوار : 45/ 172 .

ما قالته أم سلمة حين سمعت بخبر الحسين عليه السلام

في مسند أحمد بن حنبل بإسناده إلى سهل قال : قالت أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه و آله

حين جاءها نعي الحسين بن علي ، لعنت أهل العراق وقالت : قتلوه قتلهم اللّه ، غرّوه

وأذلّوه لعنهم اللّه ، فإنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد جاءته فاطمة عليهاالسلام عشية ببرمة قد صنعت فيها عصيدة تحملها في طبق حتى وضعتها بين يديه ، فقال لها : أين ابن عمك ؟ قالت : هو في البيت ، قال : إذهبي فادعيه وائتيني بابنيه ، قالت : وجاءت تقود

ابنيها كلّ واحد منهما بيد وعلي عليه السلام يمشي بأثرها حتى دخلوا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله

فأجلسهما في حجره ، وجلس علي عليه السلام عن يمينه ، وجلست فاطمة عليهاالسلام عن يساره .

قالت أم سلمة : فاجتذب من تحتي كساء خيبريا كان بساطا لنا ، فلفّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأخذ طرفي الكساء ، وألوى بيده اليمنى إلى ربّه - عزّ وجل - وقال : اللّهم هؤاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، قلت : يا رسول اللّه ، ألست من أهلك قال : بلى(1) .

وروي أنّها لما بلغها قتل الحسين عليه السلام قالت : أو قد فعلوها ؟ ملأ اللّه بيوتهم نارا وقبورهم نارا(2) .

مقالة حسن البصري حين سمع بشهادة الحسين عليه السلام

لما بلغ الحسن البصري قتل الحسين بكى حتى اختلج صدغاه ثم قال : وا ذلّ أمة قتلت ابن نبيها ، واللّه ليردّن رأس الحسين الى جسده ، ثم لينتقمن له جده وأبوه من

ابن مرجانة(3) .

مقالة الربيع بن خيثم لما بلغه قتل الحسين عليه السلام

لما بلغ الربيع بن خيثم قتل الحسين بكى وقال : لقد قتلوا فتية لو رآهم رسول

اللّه صلى الله عليه و آله لأحبّهم ، وأطعمهم بيده وأجلسهم على فخذه(4) .

ص: 56


1- بحار الأنوار : 45/ 198 باب 39 .
2- تذكرة الخواص : 240 .
3- تذكرة الخواص : 240 .
4- تذكرة الخواص : 240 .

مقالة أسماء بنت عقيل

لما أتي نعي الحسين عليه السلام إلى المدينة خرجت أسماء بنت عقيل بن أبي طالب في جماعة من نسائها حتى انتهت إلى قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلاذت به وشهقت عنده ، ثم التفتت إلى المهاجرين والأنصار وهي تقول :

ما ذا تقولون إن قال النبي لكم

يوم الحساب وصدق القول مسموع

خذلتم عترتي أو كنتم غيبا

والحقّ عند ولي الأمر مجموع

أسلمتموهم بأيدي الظالمين فما

منكم له اليوم عند اللّه مشفوع

ما كان عنه غداة الطف إذ حضروا

تلك المنايا ولا عنهن مدفوع

فما رأينا باكيا ولا باكية أكثر مما رأينا ذلك اليوم(1)

مقالة مروان بن الحكم عليه اللعنة

في كتاب العوالم وتاريخ البلاذري أنّه : لما وافى رأس الحسين المدينة سمعت الواعية من كلّ جانب ، فقال مروان بن الحكم :

ضربت دوسر فيهم ضربة

أثبتت أوتاد ملك فاستقر

وهذا القول ليس بمعتمد ، وإن كان إنشاد مروان لهذا الشعر ، وإظهاره الفرح والسرور ليس ببعيد ولا عجيب .

وأنشد مروان أيضا :

يا حبّذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدين

كأنّه بات بمجسدين

شفيت منك النفس يا حسين(2)

مقالة ابن الزبير لما بلغه قتل الحسين عليه السلام

لما بلغ عبد اللّه بن الزبير قتل الحسين عليه السلام خطب بمكة وقال :

ألا إنّ أهل العراق قوم غدر فجر ، ألا وإنّ أهل الكوفة شرارهم ، إنّهم دعوا الحسين ليولوه عليهم ليقيم أمورهم وينصرهم على عدوهم ويعيد معالم الإسلام ،

ص: 57


1- الأمالي للمفيد : 319 المجلس 38 ، بحار الأنوار : 45/ 188 باب 39 .
2- بحار الأنوار : 45/ 124 باب 39 .

فلما قدم عليهم ثاروا عليه ليقتلوه ، قالوا له : إن لم تضع يدك في يد الفاجر الملعون ابن زياد الملعون ، فيرى فيك رأيه ، فاختار الوفاة الكريمة على الحياة الذميمة ، فرحم اللّه حسينا ، وأخزى قاتله ، ولعن من أمر بذلك ورضي به .

أفبعد ما جرى على أبي عبد اللّه ما جرى يطمئن أحد الى هؤلاء ؟ أو يقبل عهود الفجرة الغدرة ؟ أما واللّه لقد كان صواما بالنهار قواما بالليل ، وأولى بنبيهم من الفاجر ابن الفاجر ، واللّه ما كان يستبدل بالقران الغناء ، ولا بالبكاء من خشية اللّه الحداء ، ولا بالصيام شرب الخمور ، ولا بقيام الليل الزمور ، ولا بمجالس الذكر الركض في طلب الصيود واللعب بالقرود، قتلوه فسوف يلقون غيا، ألا لعنة اللّه على الظالمين، ثم نزل(1) .

ثم إنّه بعث الى عبد اللّه بن عباس ليبايعه وقال : أنا أولى من يزيد الفاسق الفاجر ، وقد علمت سيرتي وسيرته ، وسوابق أبي الزبير مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسوابق معاوية ، فامتنع ابن عباس وقال : الفتنة قائمة ، وباب الدماء مفتوح ، ومالي ولهذا إنّما

أنا رجل من المسلمين(2) .

كتاب يزيد الى ابن عباس

فبلغ ذلك يزيد بن معاوية فكتب الى ابن عباس :

سلام عليك ، أمّا بعد ، فقد بلغني أنّ الملحد في حرم اللّه دعاك لتبايعه فأبيت عليه ، وفاء منك لنا ، فانظر من بحضرتك من أهل البيت ومن يرد عليك من البلاد ، فاعلمهم حسن رأيك فينا وفي ابن الزبير ، وأنّ ابن الزبير إنّما دعاك لطاعته والدخول في بيعته لتكون له على الباطل ظهيرا ، وفي المأثم شريكا ، وقد اعتصمت في بيعتنا طاعة منك لنا ، ولما تعرف من حقّنا ، فجزاك اللّه من ذي رحم خير ما جازى به الواصلين أرحامهم الموفين بعهودهم ، فما أنس من الأشياء ما أنا بناس برّك(3) ، وتعجيل صلتك بالذي أنت أهله ، فانظر من يطلع عليك من الافاق فحذرهم زخارف ابن الزبير ، وجنّبهم لقلقة لسانه ، فإنّهم منك أسمع ولك أطوع والسلام .

ص: 58


1- تذكرة الخواص : 241 .
2- تذكرة الخواص : 247 .
3- في المتن : « فما أنسى من الأشياء وما أنا بناس برك » .

جواب ابن عباس على كتاب يزيد

فكتب اليه ابن عباس : بلغني كتابك تذكر أني تركت بيعة ابن الزبير وفاء مني لك ، ولعمري ما أردت حمدك ولا ودّك ، تراني كنت ناسيا قتلك حسينا وفتيان بني المطلب ، مضرجين بالدماء ، مسلوبين بالعراء ، تسفي عليهم الرياح ، وتنتابهم الضباع ، حتى أتاح اللّه لهم قوما واروهم ، فما أنسى ما أنسى طردك حسينا من حرم اللّه وحرم رسوله ، وكتابك الى ابن مرجانة تأمره بقتله ، وإنّي لأرجو من اللّه أن يأخذك عاجلا حيث قتلت عترة نبيه محمد صلى الله عليه و آله ورضيت بذلك .

وأمّا قولك أنّك غير ناس برّي ، فاحبس أيّها الإنسان برّك عنّي وصلتك ، فإنّي حابس عنك ودّي ، ولعمري إنّك ما تؤتينا مما لنا من في قبلك إلاّ اليسير ، وإنّك لتحبس عنّا منه العرض الطويل .

ثم إنّك سألتني أن أحثّ الناس على طاعتك ، وأن اخذلهم عن ابن الزبير ، فلا مرحبا ولا كرامة ، تسألني نصرتك ومودتك ، وقد قتلت ابن عمي ، وأهل رسول اللّه ، مصابيح الهدى، ونجوم الدجى، غادرتهم جنودك بأمرك صرعى في صعيد واحد قتلى .

أنسيت انفاذ أعوانك الى حرم اللّه لتقتل الحسين ؟ فما زلت ورائه تخيفه حتى أشخصته الى العراق عداوة منك للّه ورسوله ولأهل بيته الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فنحن أولئك لا آباؤك الجفاة الطغاة الكفرة الفجرة أكباد الابل والحمير الأجلاف أعداء اللّه وأعداء رسوله الذين قاتلوا رسول اللّه في كلّ موطن ، وجدّك وأبوك هم الذين ظاهروا على اللّه ورسوله ، ولكن إن سبقتني قلّ أن آخذ منك ثاري في الدنيا ، فقد قتل النبيون قبلي ، وكفى باللّه ناصرا ، ولتعلمنّ نبأه بعد حين .

ثم إنّك تطلب مودّتي ، وقد علمت لما بايعتك ما فعلت ذلك إلاّ وأنا اعلم أنّ ولد أبي وعمي أولى بهذا الأمر منك ومن أبيك ، ولكنكم معتدين مدعين ، أخذتم ما ليس لكم بحقّ ، وتعديتم الى من له الحق ، وإنّي على يقين من اللّه أن يعذبكم كما عذب

قوم عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين .

ص: 59

يا يزيد وإنّ من أعظم الشماتة حملك بنات رسول اللّه وأطفاله وحرمه من العراق الى الشام أسارى مجلوبين مسلوبين تري الناس قدرتك علينا ، وأنّك قد قهرتنا ، واستوليت على آل رسول اللّه ، وفي ظنّك أنّك أخذت بثار أهلك الكفرة الفجرة يوم بدر ، وأظهرت الإنتقام الذي كنت تخفيه ، والأضغان التي تكمن في قلبك كمون النار في الزناد ، وجعلت أنت وأبوك دم عثمان وسيلة الى اظهارها ، فالويل لك من ديان يوم الدين .

وواللّه لئن أصبحت آمنا من جراحة يدي ، فما أنت بآمن من جراحة لساني ، بفيك الكثكث(1) ، وأنت المفند(2) المثبور ، ولك الاثلب(3) وأنت المذموم ، ولا يغرنّك أن ظفرت بنا اليوم ، فواللّه لئن لم نظفر بك اليوم لنظفرن غدا بين يدي الحاكم العدل

الذي لا يجوز في حكمه ، وسوف يأخذك سريعا أليما ، ويخرجك من الدنيا مذموما مدحورا أثيما ، فعش - لا أبا لك - ما استطعت ، فقد ازداد عند اللّه ما اقترفت والسلام

على من اتبع الهدى(4) .

جواب كتاب ابن زياد وأمر يزيد بإرسال الأسرى ورؤوس الشهداء

اشارة

لما قرأ يزيد كتاب عبيد اللّه بن زياد وما جاء فيه من خبر قتل الحسين بن علي عليهماالسلام ، قال ابن نما : أن يزيد بن معاوية بعث بمقتل الحسين إلى المدينة محرز(5) بن حريث بن مسعود الكلبي من بني عدي بن حباب ورجلا آخر(6) ، وكانا من أفاضل

ص: 60


1- الكثكث : بكسر الكاف فتات الحجارة والتراب وبفتح الكاف أيضا .
2- الفند : ضعف الرأي .
3- الاثلب : التراب .
4- تذكرة الخواص : 247 .
5- في المتن : « مجرب » وما اثبتناه من المصدر .
6- في مثير الأحزان : « من بهراء » وفي البحار : « يهرا » .

أهل الشام(1) ، وإن كان ابن زياد قد أبلغهم من قبل ، ولكن يزيد أراد أن يجدد على أهل البيت أحزانهم ويذكرهم بقهره وغلبتهم مرة أخرى .

ثم إنّه كتب الى ابن زياد جواب كتابه ، وأمره بتسريح الرؤوس وأهل البيت الى الشام ، وحمل أموالهم وأثقالهم معهم ، فلما اطلع ابن زياد على الكتاب أمر باحضار الرأس المقدس بين يديه ، ثم أمر حجاما فقال : قوره ، فقوره ، وأخرج لغاديده(2) ونخاعه وما حوله من اللحم(3) .

انفاذ الرأس المقدس الى الشام

روى السيد أنّ ابن زياد دعا مخفر بن تغلب العائذي ، وأمر بحمل رؤوس الشهداء ، وقال الشيخ المفيد : دفع ابن زياد رأس الحسين عليه السلام إلى زحر بن قيس ، ودفع إليه رؤوس أصحابه وسرحه إلى يزيد بن معاوية ، وأنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبي ظبيان في خمسين(4) فارسا من أهل الكوفة(5) ، وأمر بنساء الحسين عليه السلام وصبيانه فجهزوا ، وأمر بعلي بن الحسين عليهماالسلام فغلّ بغلّ في عنقه .

وحمل أهل بيت الرسول المختار صلى الله عليه و آله على غير وطاء مكشفات الوجوه ليس عليهن خمار ، والحقهم بشمر بن ذي الجوشن في جماعة من العسكر ، وأمرهم بالتعجيل واللحاق بزحر بن قيس ، فأسرع شمر حتى لحق بزحر في أول منزل .

قصة الرجل الذي تعلق باستار الكعبة وهو يقول اللّهم اغفر لي وما أراك فاعلا

فنزل العسكر ، ونزل الحراس الخمسون ، وجعلوا الرأس المقدس في صندوق بين أيديهم ، وجعلوا يشربون الخمر ويتبادلون الكؤوس حتى ثملوا وناموا ، ولم يشرب أحدهم معهم .

ص: 61


1- مثيرالأحزان : 94 ، بحار الأنوار : 45/ 123 باب 39 .
2- اللغاديد : ما بين الحنك وصفحة العنق من اللحم .
3- تذكرة الخواص : 233 .
4- في الارشاد : « جماعة » .
5- بحار الأنوار : 45/ 124 باب 39 ، الإرشاد : 2/ 116 .

قال : فلما جنّ الليل سمعت رعدا ورأيت برقا ، فإذا أبواب السماء قد فتحت ، ونزل آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ونبينا محمد صلى الله عليه و آله ، ومعهم جبرئيل وخلق من الملائكة ، فدنا جبرئيل من التابوت ، فأخرج الرأس وضمّه إلى نفسه وقبله ، ثم كذلك فعل الأنبياء كلّهم ، وبكى النبي صلى الله عليه و آله على رأس الحسين ، فعزاه الأنبياء . فقال له جبرئيل عليه السلام : يا محمد صلى الله عليه و آله إنّ اللّه تعالى أمرني أن أطيعك في أمتك ، فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض وجعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : لا يا جبرئيل ، فإنّ لهم معي موقفا بين يدي اللّه يوم القيامة .

قال : ثم صلّوا عليه ، ثم أتى قوم من الملائكة وقالوا : إنّ اللّه - تبارك

وتعالى - أمرنا بقتل الخمسين ، فقال لهم النبي صلى الله عليه و آله : شأنكم بهم ، فجعلوا يضربون بالحربات ،

ثم قصدني واحد منهم بحربته ليضربني فقلت : الأمان الأمان يا رسول اللّه ، فقال : إذهب فلا غفر اللّه لك ، فلما أصبحت رأيت أصحابي كلّهم جاثمين رمادا(1) .

قال السيد ابن طاووس وصاحب المناقب : روي أنّ جماعة رأوا رجلا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول : اللّهم اغفر لي وما أراك فاعلا ، فقالوا له : يا عبد اللّه اتق اللّه ولا تقل مثل هذا ، فإنّ ذنوبك لو كانت مثل قطر الأمطار وورق الأشجار فاستغفرت اللّه غفرها لك ، فإنّه غفور رحيم ، فقال سأخبركم بقصتي ، فقال : اعلموا أننا كنّا خمسين نفرا ممن سار مع رأس الحسين إلى الشام ، وكنّا إذا أمسينا وضعنا الرأس في التابوت وشربنا الخمر حول التابوت ، فشرب أصحابي ليلة حتى سكروا(2) . . ثم سرد القصة . .

وصول أهل البيت الى كربلاء في الأربعين

لا يخفى أنّ ثقاة المحدثين والمؤرخين قد اتفقوا على أنّ عمر بن سعد بعث برؤوس الشهداء بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام الى ابن زياد ، ثم سرح أهل البيت الى الكوفة ، فجرى ما جرى لهم في مجلس ابن زياد من شماتته بهم واسائته لهم .

ص: 62


1- بحار الأنوار : 45/ 125 باب 39 ، اللهوف : 171 المسلك الثالث .
2- بحار الأنوار : 45/ 125 باب 39 ، اللهوف : 171 المسلك الثالث .

ثم إنّه أمر بهم فحبسوا وكتب الى يزيد بن معاوية يستأمره في ما يصنع بالرؤوس والأسرى ، فكتب يزيد اليه يامره بتسريحهم الى الشام ، فسرحهم ابن زياد الى الشام .

فيلزم من ذلك انقضاء فترة زمانية منذ يوم عاشوراء الى أن أرسل ابن زياد الكتاب الى يزيد ، وهيأ الرؤوس والأسرى ، ووصول الرسول الى الشام وعودته بالجواب ، وتسريحهم بأثقالهم الى الشام ، فلا يبعد أن تكون المدة التي انقضت في هذه

الامور ولوازمها أربعين يوما ، فمن السائغ أن نقول : إنّ أهل البيت وصلوا الى كربلاء

يوم الأربعين ، أي في العشرين من شهر صفر في طريقهم الى الشام ، فاقاموا هناك المآتم والعزاء ، وارتفعت أصواتهم بالعويل والبكاء ، وكان جابر قد خرج من المدينة مبادرا الى زيارة الحسين عليه السلام في كربلاء ، فالتقوا جميعا يوم العشرين من صفر عند سيد الشهداء عليه السلام .

أمّاإذا قلنا أنّهم حضروا يوم الأربعين ، العشرين من صفر في طريق عودتهم من الشام ، فإنّ ذلك مما لا يقبله عاقل ، وذلك لأنّنا نحتاج أن نضاعف المدة التي قررناها

ضعفين ، ومع ذلك لا يمكن أن يصادف رجوعهم يوم العشرين من صفر ، سيما إذا لاحظنا ما اكتنف تلك الرحلة من حمل النساء والأطفال والمرضى والجرحى من قبيل الإمام زين العابدين عليه السلام والحسن المثنى وغيرهم ، فلا يمكن أن تكون حركتهم بشكل يجعلهم قادرين على الحضور في كربلاء يوم العشرين من صفر حتى لو كانوا قد سرحوا نحو الشام يوم العاشر من المحرم .

رجعنا الى الكلام

دخول أهل البيت الى القادسية

لما أمر يزيد بن معاوية بتسريح الرؤوس وسبايا آل الرسول ، وأن يطاف بهم في البلدان ليكونوا عبرة لشيعة علي بن أبي طالب ، فييأسوا من خلافة آل علي ، ويرضخوا لخلافة يزيد ، فجعلوا يطوفون بهم ويتعمدون إذلالهم والشماتة بهم ، ويدورون بهم على القرى والقصبات حتى لو أدى ذلك الى إبعاد المسافة عليهم ،

ص: 63

وكان دأب النساء والأطفال البكاء على قتلاهم ، فكان كلما دمعت لهم عين ضربوهم بكعب الرمح وآذوهم ، وعلى هذه الحال سيروهم حتى وصلوا الى الْقادِسِيَّةَ اَنْشَأَتْ اُمُّ كُلْثؤمٍ عليهاالسلام تَقُولُ :

ماتَتْ رِجالي وَاَفْنَى الدَّهْرُ ساداتي

وَزادَني حَسراتٍ بَعْدَ لَوْعاتي

صال اللِّئامُ عَلَيْنا بَعْدَ ما عَلِموا

اَنّا بَناتُ رَسُولٍ بِالْهَدى ياتي(1)

يُسَيِّرونا عَلَى الأَقْتابِ عارِيَةً

كَاَنَّنا فِيْهِم بَعْضُ القسيمات(2)

عزّ عليك(3) رَسُولَ اللّهِ ما صَنَعُوا

بِاَهْلِ بَيْتِكَ يا نور(4) الْبَريّاتِ

كَفَرْتُمْ بِرَسُولِ اللّهِ وَيْلَكُمُ

ايديكم(5) مِنْ سُلوكٍ في الضّلالاتِ(6)

دخول أهل البيت الى الموصل

قال صاحب روضة الأحباب ، وهو من ثقاة علماء أهل السنة والجماعة : لما قاربوا الموصل كتب شمر الى واليها : أن تلقّانا فقد جئنا بالفتح والظفر ورؤوس الأعداء ، وأعدوا لدخولنا الزينة والزاد ، فلما قرأ والي الموصل الكتاب جمع أشراف المدينة وعرض عليهم الكتاب ، فقالوا : لا نرضى بهذا الذلّ ، ولا نقبل بهذا الأمر الفضيع ، ولا نستسلم لهذه الفضيحة المشينة ، وحاشا أن نتركهم يدخلون علينا رأس الحسين عليه السلام .

فكتب والي الموصل الى شمر : إنّ أهل هذا البلد من شيعة علي المرتضى ، ومحبّي آل العبا ، فلا آمن عليكم إن دخلتم الفتنة ، وأن يثوروا في وجوهكم فيطردوكم

ص: 64


1- في مقتل أبي مخنف : « بالهدايات » .
2- في متقل أبي مخنف : « الْغَنيماتِ » .
3- في مقتل أبي مخنف : « يَعْزُزْ عَلَيْكَ » .
4- في مقتل أبي مخنف : « خَيْرَ » .
5- في مقتل أبي مخنف : « اَهْديكُم » .
6- مقتل أبي مخنف : 119 .

ويخرجوكم صاغرين ، فانزل خارج البلد وسأمدكم بالزاد والعلف ، فقبل شمر نصيحة الوالي ، ونزل على فرسخ من الموصل ، وأنزل الرأس المقدس من الرمح ، وجعله على صخرة كانت هناك ، فروي أنّه قطرة منه قطرة دم ، فكانت تفور كلّ سنة وتغلي ، وينبع منها الدم يوم عاشوراء ، وكان الناس يجتمعون عندها فيبكون ويقيمون المآتم والعزاء ، واستمر الأمر كذلك سنين عديدة حتى اختفت تلك الصخرة على عهد مروان بن الحكم حيث نقلت من ذلك الموضع الى مكان آخر ولا يعلم أين صارت ، فبنوا مكانها بناءا سموه « مشهد النقطة » .

دخول أهل البيت الى تكريت

قالَ اَبُو مَخْنَفٍ : وَسارُوا بِالسَّبايا وَالرُّؤوسِ اِلَى شَرْقي الْجَصّاصَةِ وَعَبَروا تِكْريْتَ ، وكَتَبوا اِلَى عامِلِهِ اَنْ تَلَقانا فَاِنَّ مَعَنا رَأْسُ خارِجيٍّ ، فَلَمّا قَرَأَ الْكِتابَ اَمَرَ بِاَعْلامٍ فَنُشِرَتْ وَالْبُوقاتُ فَضُرِبَتْ وَالْمَدينَةِ فَزُيِّنَتْ ، وَجاءَ النّاسُ مِنْ كُلِّ جانِبٍ وَمَكانٍ ، ثُمَّ خَرَجَ الْوالي فَتَلَقّاهُمْ ، وَكانَ كُلُّ مَنْ سَأَلَهُمْ قالوا : هذا رَأْسُ خارِجِيٍّ خَرَجَ عَلَى يَزيدَ فَقَتَلَهُ اِبْنُ زِيادٍ .

فَقالَ لَهُمْ رَجُلٌ نَصْرانيٌّ : يا قَوْمِ اِنِّي كُنْتُ بِالْكُوفَةِ وَقَدْ قُدِّمَ هذا الرَّأْسُ وَلَيْسَ هُوَ رَأْسُ خارِجِيٍّ بَلْ هُوَ رَأْسُ الْحُسَيْنِ عليه السلام . فَلَمّا سَمِعوا ذلِكَ تغيروا وضَرَب النصارى النّواقيسَ اِعْظاما لَهُ وَقالوا : اِنّا بَرِئْنا مِنْ قَوْمٍ قَتَلَوا اِبْنَ بِنْتَ نَبِيِّهِمْ(1) ، ونحن لا نرضى أن يدخلوا بلدنا ولو لساعة من الزمان ، ولا نرضى أن ينزلوا عندنا .

أهل البيت في وادي النخلة

فَبَلَغَهُمْ ذلِكَ فَلَمْ يَدْخُلُوها ، ثُمَّ عبروا مِنْ تِكْريتَ وَاَخَذَوا عَلَى طَريقِ الْبَرِّ ، ثُمَّ عَلَى دَيْرِ عُرْوَةَ ، ثُمَّ عَلَى صَلْيَتا ، ثُمَّ عَلَى وادِي النَّخْلَةِ فَنَزَلوا فِيها وَباتوا .

فَسَمِعُوا نِساءَ الْجِنِّ يَبْكينَ عَلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام وَيَقُلْنَ :

ص: 65


1- مقتل أبي مخنف : 123 .

نِساءَ الْجِنِّ اَسْعِدْنَ

نِساءَ الْهاشِميّاتُ

بَناتِ الْمُصْطَفى اَحْمَدَ

يَبْكينَ شَجِيّاتْ

يُوَلْوِلْنَ وَيَنْدِبْنَ

بُدُورَ الْفاطِميّات

وَيَلْبِسْنَ ثِيابَ السُّودِ

لِبْسا لِلْمُصيباتِ

وَيَلْطِمْنَ خُدودا كَا

لدَّنانيرَ نَقِيّاتْ

وَيَنْدِبْنَ حُسَيْنا

عَظُمَتْ تِلْكَ الرَّزيّاتُ

وَيَبْكينَ وَيَنْدِبْنَ

مُصابَ الأَحْمَدِيّاتْ

في بلدة لبا

ثُمَّ دَخَلوا مِنْ وادِي النَّخْلَةِ وَاَخَذَوا عَلَى اَرْميناءَ ، وَسارُوا حَتّى وَصَلوا اِلَى لبا(1) ، وَكانَتْ عامِرَةً بِالنّاسِ ، فَخَرَجَتِ الْكُهُولُ وَالشُبّانُ يَنْظُرونَ اِلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، ويُصَلُّونَ عَلَى جَدِّهِ وَاَبيهِ وَيَلْعَنونَ مَنْ قَتَلَهُ ، وَهُمْ يَقُولُونَ يا قَتَلَةَ اَولادِ الأَنْبياءِ ، اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِنا ، فلما سمع أمراء العسكر ذلك أمروا بقتلهم وتخريب بلدهم ،

فهجموا عليهم وخربوا بلادهم ، واَخَذوا عَلَى الْكُحَيْلِ(2) .

لا يخفى أنّنا قد أتينا على ذكر دخولهم الى الموصل برواية صاحب روضة الأحباب غير أنّنا لا نعرض عن ذكر ذلك برواية أبي مخنف لما في القصة من تفاوت .

ورود أهل البيت الى الموصل برواية أبي مخنف

قال : وَاَنْفَذوا اِلَى عامِلِ المُوصِلٍ : اَنْ تَلَقَانا مَعَنا رَأْسُ الْحُسَيْنِ عليه السلام . فَلَمّا قَرَأَ

الْكِتابَ اَمَرَ بِاَعْلامٍ فَنُشِرَتْ ، وَالْمَدينَةِ فَزُيِّنَتْ ، وَتَداعَتِ النّاسُ مِنْ كُلِّ جانِبٍ وَمَكانٍ ، وَخَرَجَ الْوالي فَتَلَقّاهُمْ عَلَى سِتَّةِ اَميالٍ . فَقالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : مَا الْخَبَرْ ؟ فَقالوا : رَأْسُ خارِجِيٍّ خَرَجَ بِاَرْضِ الْعِراقِ قَتَلَهُ عُبَيْدُ اللّهُ بْنُ زِيادٍ ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ اِلَى يَزيدَ ، فَقالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : يا قَوْمِ هذا رَأْسُ الْحُسَيْنِ عليه السلام .

ص: 66


1- في مقتل أبي مخنف : « لينا» .
2- مقتل أبي مخنف : 123 .

فَلَمّا تَحَقَقَّوا ذلِكَ اِجْتَمَعُوا في اَرْبَعة اَلافِ(1) فارِسٍ مِنَ الأَْوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَتَحالَفوا اَنْ يَقْتُلُوهُمْ وَيَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَأْسُ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَيَدْفُنُوهُ عِنْدَهُمْ لِيَكُونَ فَخْرا لَهُمْ اِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ .

في نصيبين

فَلَمّا سَمِعوا ذلِكَ لَمْ يَدْخُلُوها ، وَاَخَذوا عَلَى تَلِّ اعَفْرٍ ، ثُمَّ عَلَى جَبَلِ سَنْجارٍ ، فَوَصَلوا اِلَى نَصيبَيْنِ فَنَزَلوا وَشَهَروا الرَّأْسَ وَالسَّبايا . فَلَمّا رَاَتْ زَيْنَبُ ذلِكَ بَكَتْ وَاَنْشَأَتْ تَقُولُ :

أَتُشْهِرونا في الْبَريةِ عَنْوَةً

وَوالدِنا اَوحى اِلَيْهِ جَليلُ

كَفَرْتُمْ بِرَبِّ الْعَرْشِ ثُمَّ نَبِيِّهِ

كَاَنْ لَمْ يَجِئكُمْ في الزَّمانِ رَسُولُ

لَحاكُمُ اِلهَ الْعَرْشِ يا شَرَّ اُمَّةٍ

لَكُمْ في لَظى يَوْمَ الْمَعادِ عَويلُ

في دعوات

خرجوا من نصيبين صباحا وَجَعَلوا يَسيرونَ اِلَى عَيْنِ الْوَرْدِ ، وَاَتَوا اِلَى قَريبِ دَعَواتٍ ، وَكَتَبوا اِلَى عامِلِها : اَنْ تَلَّقانا فَاِنَّ مَعَنا رَأْسُ الْحُسَيْنِ عليه السلام .

فَلَمّا قَرَأَ الْكِتابَ اَمَرَ بِضَرْبِ الْبُوقاتِ ، وَخَرَجَ يَتَلَقّاهُمْ ، فَشَهَروا الرَّأْسَ وَدَخَلَوا مِنْ بابِ الأَرْبَعينِ ، فَنَصَبوا رَأْسَ الْحُسَيْنِ عليه السلام في الرُّحْبَةِ مِنْ زَوالِ الشَّمْسِ اِلَى

الْعَصْرِ ، والمنادي ينادي : هذا رأس خارجي خرج على يزيد بن معاوية ، وَاَهْلُها طائِفَةٌ يَبْكُونَ وَطائِفَةٌ يَضْحَكُونَ .

وَباتُوا ثَمِلينَ مِنَ الْخُمورِ اِلَى الصَّباحِ ، فَلَمّا اِرْتَحَلوا مِنَ الْغَداةِ بَكَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَاَنْشَأَ يَقُولُ :

لَيْتَ شِعْري أعاقِل في الدياجي

باتَ مِنْ فُجْعَةِ الزَّمانِ يُناجي

اَنَا نَجْلُ الإِمامِ ما بالُ حَقِّي

ضائعٌ بَيْنَ عُصْبَةٍ اَعْلاجِ

ص: 67


1- في مقتل أبي مخنف : « أربعين ألف» .

في الخبر : أن تِلْكَ الرُّحْبَةُ الَّتي نُصِبَ فيها رَأْسُ الْحُسَيْنِ عليه السلام لا يَجْتازُ فيها اَحَدٌ الا وَتُقْضى حاجَتُهُ اِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ .

في قنسرين

وَاَتَوا اِلَى قِنِّسْرينَ ، وَكانَتْ عامِرَةً بِاَهْلِها ، وكان أهلها من شيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فَلَمّا بَلَغَهُمْ ذلِكَ اَغْلَقُوا الأَبْوابَ ، وَجَعَلوا يَلْعَنُونَهُمْ وَيَرْمونَهُمْ بِالْحِجارَةِ وَيَقُولُونَ : يا فَجَرَةُ يا قَتَلَةَ اَوْلادِ الأَنْبياءِ وَاللّهِ لا دَخَلْتُمْ بَلَدَنا وَلَوْ قُتِلْنا عَنْ آخِرِنا . فَرَحَلوا عَنْهُمْ ، فَبَكَتْ اُمُّ كُلْثُومٍ وَاَنْشَأَتْ تَقُولُ :

كَمْ تَنْصِبونَ لَنَا الأَقْتابَ عارِيَةً

كَاَنَّنا مِنْ بَناتِ الرُّومِ في الْبَلِدِ

اَلَيْسَ جَدِّي رَسُولُ اللّهِ وَيْلَكُمُ

هُوَ الَّذي دَلَّكُمْ قَصْدا اِلَى الرَشَدِ

يا اُمَّةَ السّوءَ لا سَقْيا لِرَبْعِكُمُ

اِلاّ عَذابا كما اَخْنى عَلَى لبدِ

في معرة النعمان

وَاَتَوا اِلَى مَعَرَّةِ النّعْمانِ وَاسْتَقْبَلُوهُمْ وَفَتَحوا لَهُمْ الأَبوابَ وَقَدَّمُوا لَهُمُ الأَكْلَ وَالشِّرْبَ ، وَبَقَوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ .

في بيت شيزر

فلما أصبح الصباح رَحَلوا مِنْ معرة النعمان ، وَنَزَلوا شَيرَزْ ، وَكانَ فِيها شَيْخٌ كَبيرٌ فَقالَ : يا قَوْمِ هذا رَأْسُ الْحُسَيْنِ عليه السلام بن علي المرتضى وفلذة كبد فاطمة الزهرا فلا تدخلوهم بلدكم فتفارقوا طريق محمد وآل محمد الى الأبد ، فَتحالَفوا اَنْ لا يَجُوزوا

في بَلَدِهِمْ ، فَلَمّا عايَنوا ذلِكَ مِنْهُمْ لَمْ يَدْخُلُوها .

وَساروا إلى كَفْرَ طابٍ ، وَكانَ حِصْنا صَغيرا ، فَغَلَقُوا عَلَيْهِمْ بابَهُ ، فَتَقَدَّمَ اِلَيْهِمْ خِوَلِّي فَقالَ : اَلَسْتُمْ في طاعَتِنا فَاسْقُونا الْماءَ ، فَقالوا : وَاللّهِ لا نُسْقيكُمْ قَطْرَةً واحِدَةً وَاَنْتُمْ مَنَعْتُمُ الْحُسَيْنَ عليه السلام وَاَصْحابُهُ الْماءَ .

في سيبور

فَرَحَلَوا مِنْهُ وَاَتَوا سَيْبُورَ ، فَاَنْشَأَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَقُولُ :

ص: 68

سادَ الْعُلُوجُ فَما تَرْضى بَذا الْعَرَبِ

وَصارَ يَقْدِمُ رَأْسَ الأُمَةِ الذَّنْبُ

يا لِلْرِّجالِ وَما يَأْتي الزَّمانُ بِهِ

مِنَ الْعَجيبِ الَّذي ما مِثْلُهُ عَجَبُ

آلُ الرَّسُولِ عَلَى الأَقْتابِ عارِيَةً

وَآلُ مَرْوانَ تَسْري تَحْتَهُمْ نُجُبُ

وَكانَ فيها شَيْخٌ كَبيرٌ وَقَدْ شَهِدَ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ ، فَجَمَعَ اَهْلَ سَيْبُورَ الْمَشايِخَ وَالشُبّانَ مِنْهُمْ فَقالَ : يا قَوْمِ هذا رَأْسُ الْحُسَيْنِ عليه السلام قَتَلَهُ هؤلاءِ اللُّعَناءَ . فَقالوا : وَاللّهِ ما يَجُوزُ في مَدينَتِنا . فَقالَ الْمَشايِخُ : يا قَوْمِ اِنَّ اللّهَ كَرِهَ الْفِتْنَةَ وَقَدْ مَرَّ هذا الرَّأْسُ في جَميعِ الْبُلْدانِ وَلَمْ يُعارِضُهُ اَحَدٌ فَدَعُوهُ يَجُوزُ في بَلَدِكُمْ . فَقالَ الشُبّانُ : وَاللّهِ لا كانَ ذلِكَ اَبَدا . ثُمَّ عَمَدوا عَلَى الْقَنْطَرَةِ فَقَطَعُوها فَخَرَجوا عَلَيْهِمْ شاكينَ في السِّلاحِ . فَقالَ لَهُمْ خِوَلِّي : اِلَيْكُمْ عَنّا ، فَحَمَلوا عَلَيْهِ وَعَلَى اَصْحابِهِ فَقاتَلُوهُمْ قِتالاً شَديدا ، فَقُتِلَ مِنْ اَصْحابِ خِوَلِّي سِتْمائَةَ فارِسٍ ، وَقُتِلَ مِنَ الشُبّانِ جماعة(1) .

فَقالَتْ اُمُّ كُلْثُومٍ : ما يُقالُ لِهذِهِ الْمَدينَةِ ؟ فَقالُوا : سَيْبُورَ ، فَقالَت عليهاالسلام : اَعْذَبَ اللّهُ شَرابَهُمْ وَاَرْخَصَ اللّهُ اَسْعارَهُمْ وَرَفَعَ اَيْدي الْظَّلَمَةِ عَنْهُمْ .

قالَ اَبُو مَخْنَفٍ : فَلَوْ اَنَّ الدُّنيا مَمْلُوَّةٌ ظُلْما وَجَوْرا لَمّا نالَهُمْ اِلاّ قِسْطا وَعَدْلاً .

في حماه

ثُمَّ ساروا حَتّى وَصَلوا حَما ، فَغَلَّقُوا الأَبوابَ في وُجوهِهِمْ وَرَكَبوا السُّورَ وَقالوا : يا قتلة اولاد الأنبياء ، وَاللّهِ لا تَدْخُلُونَ بَلَدِنا وَلَوْ قُتِلنا عَنْ آخِرنا .

في حمص

فَلَمّا سَمِعُوا ذلِكَ اِرْتَحَلوا وَسارُوا اِلَى حَمْصٍِ وَكَتَبوا اِلَى صاحِبِها : اِنَّ مَعَنَا رَأْسُ

الْحُسَيْنِ عليه السلام ، وَكانَ اَميرُها خالِدِ بْنِ النَّشيطِ ، فَلَمّا قَرَأَ الْكِتابَ اَمَرَ بِاَعْلامٍ فَنُشِرَتْ وَالْمَدينَةِ فَزُيِّنَتْ وَتَداعَى النّاسُ مِنْ كُلِّ جانِبٍ وَمَكانٍ ، وَخَرَجَ فَتَلَقّاهُمْ عَلَى مَسيرِ ثَلاثة اَمْيالٍ وَشَهَروا الرَّأْسَ وَساروا حَتّى اَتَوا حَمْصَ فَدَخَلوا الْبابَ ، فَازْدَحَمَتِ النّاسُ بِالْبابِ فَرَمَوْهُمْ بِالْحِجارَةِ حَتّى قُتِلَ سِتَّةٌ وَعِشرونَ فارِسا ، وَاَغْلَقُوا الْبابَ

ص: 69


1- في مقتل أبي مخنف : « خمس فوارس » .

في وُجوهِهِمْ فَقالوا : يا قَوْمِ اَكُفْرٌ بَعْدَ اِيمانٍ وَضَلالٌ بَعْدَ هُدىً ؟ ! فَخَرَجوا وَقَفُوا عِنْدَ كَنيْسَةِ قِسّيسٍ ، وَهِيَ دارٌ لِخالِدِ بْنِ النَّشيطِ ، فَتَحالَفوا اَنْ يَقْتُلوا خِوَلِّي وَيَأْخُذوا مِنْهُ الرَّأْسَ لِيَكُونَ فَخْرا لَهُمْ اِلَى يَوْمَ الْقِيمَةِ .

في بعلبك

فَبَلَغَهُمْ ذلِكَ فَرَحَلوا عَنْهُمْ خائفينَ وَاَتَوا بَعَلْبَكَّ وَكَتَبوا اِلَى صاحِبِها : اِنَّ مَعَنَا رَأْسُ الْحُسَيْنِ عليه السلام نحمله الى أمير المؤمنين يزيد ، فَاَمَرَ بِالْجَوارِ اَنْ يُضْرِبْنَ الدُّفُوفَ وَنُشِرَتِ الأَعلامُ وَضُرِبَتِ البُوقاتُ وَأَخَذوا الْخَلوقُ وَالسُّكْرَ وَالسَّويقَ وَباتوا ثَمِلَيْنَ ، فَقالَتْ اُمُّ كُلْثُومٍ عليهاالسلام : ما يُقالُ لِهذِهِ الْبَلْدَةِ ؟ فَقالوا : بَعَلْبَكَّ . فَقالَتْ : اَبادَ اللّهُ خَضْراءَهُمْ وَلا اَعْذَبَ اللّهُ شَرابَهُمْ وَلا رَفَعَ اللّهُ اَيْدي الظَّلَمَةِ عَنْهُمْ .

قالوا : فَلَوْ اَنَّ الدُّنيا مَملُوءَةٌ عَدْلاً وَقِسْطا لَمّا نالَهُمْ اِلاّ ظُلْمٌ وَجَورٌ .

في دير الراهب

وَباتُوا تِلْكَ اللَّيْلةِ وَرَحَلوا مِنْهُ وَاَدْرَكَهُمْ المِساءُ عِنْدَ صَوْمَعَةِ راهِبٍ ، فَاَنْشَأَ زَيْنُ الْعابِدينَ عليه السلام يَقُولُ :

هُوَ الزَّمانُ فَما تُفْنى عَجائبُهُ

عَنِ الكرامِ وَلا تفنى(1) مَصائِبُهُ

فَلَيْتَ شِعْري اِلَى كَمْ ذا تُجاذِبُناصُروفُهُ وَاِلَى كَمْ ذا نُجاذِبُهُ

يُسَيِّرونا عَلَى الأَقْتابِ عارِيَةًوَسائِقُ الْعَيْسِ يُحْمى عَنْهُ غارِبُهُ

كَاَنَّنا مِنْ سَبايا الرُّومِ بَيْنَهُمُاَوْ كُلَّما قالَهُ الُْمخْتارْ كاذِبُهُ

كَفَرْتُمْ بِرَسُولِ اللّهِ وَيْلَكُمُيا اُمَّةَ السُّوءِ قَدْ ضاقَتْ مَذاهِبُهُ

فَلَما جَنَّ اللَّيْلَ دَفَعُوا الرَّأْسَ اِلَى جانِبِ الصَّوْمَعَةِ(2) ، ونزلوا على دير للنصارى ، ووضعوا الرأس المقدس في موضع الى جنب الصومعة ، فوضععوا الطعام وجلسوا ليأكلو .

ص: 70


1- في مقتل أبي مخنف : « تَهْدأ » .
2- مقتل أبي مخنف : 125 .

لا يخفى أنّ قصة إسلام الراهب ومعجزة الرأس المقدس مسطورة في كتب المؤرخين والمحدثين السنة والشيعة المعتبرة باختلافات يسيرة ، فقد ذكرها الفاضل المجلسي وصاحب كتاب الخرائج والمنتخب للطريحي وروضة الأحباب وغيرها ، فجمعت الألفاظ ونقدتها وقررت منها ما يلي :

لما نزلوا على دير الراهب جعلوا الرأس المقدس في صندوق ، وجلسوا يأكلون ويشربون ويغنون ، فينا هم كذلك وإذا بكفّ من حديد تكتب في حائط الدير :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

فجزعوا من ذلك جزعا شديدا وأهوى بعضهم إلى الكف ليأخذها فغابت ، ثم عادوا إلى الطعام ، فإذا الكف قد عادت تكتب :

فلا واللّه ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

فقاموا إليها فغابت ، ثم عادوا إلى الطعام فعادت تكتب :

وقد قتلوا الحسين بحكم جور

وخالف حكمهم حكم الكتاب(1)

قال أبو مخنف يحيى بن لوط : قالَ سَهْلٌ : فَهَتَفَ هاتِفٌ يَقُولُ :

اَتَرْجُوا اُمَّةً قَتَلَتْ حُسَيْنا

شَفاعَةَ أحمد(2) يَوْمَ الْحِسابِ

وَقَدْ غَضِبوا الإِلهَ وَخالَفوهُوَلَمْ يَخْشَوهُ في يَوْمِ الْمَآبِ

اَلا لَعَنَ الإِلهَ بَني زِيادٍوَاَسْكَنَهُمْ جَهَنَّمَ في الْعَذابِ

فامتنعوا وما هناؤا بالأكل(3) ، فَلَمّا عَسْعَسَ اللَّيْلُ سَمِعَ الرّاهِبُ دَوِيا كَدَوِيِّ الرَّعْدِ وَتَسْبيحا وَتَقْديسا وَاسْتَأْنَسَ مِنْ اَنْوارٍ ساطِعَةً ، فَاَطْلَعَ الرّاهِبُ رَأْسَهُ مِنَ الْصَّوْمَعَةِ فَنَظَرَ اِلَى بابٍ قَدْ فَتِحَ مِنَ السَّماءِ وَالْمَلائكَةُ يَنْزِلونَ كَتائبا كَتائبا وَيَقُولونَ : السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله السَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِ اللّهِ .

ص: 71


1- بحار الأنوار : 45/ 185 .
2- في مقتل أبي مخنف : « جَدِّهِ » .
3- بحار الأنوار : 45/ 185 .

فَجَزَعَ الرّاهِبُ جَزَعَا شَديدا ، فَلَمّا اَصْبَحوا هَمُّوا بِالرَّحيلِ ، فَاَشْرَفَ الرّاهِبُ عَلَيْهِمْ وَنادى : مَنْ زَعيمُ الْقَوْمِ ؟ فَقالوا : خِوَلِّي بْنُ يَزيدَ . فَقالَ الرّاهِبُ : وَمَا الَّذي مَعَكُمْ ؟ قالُوا : رَأْسُ خارِجِيٍّ خَرَجَ بِاَرْضِ الْعِراقِ قَتَلَهُ عُبَيْدُ اللّهِ بْنِ زِيادٍ . فَقالَ : مَا اِسْمُهُ ؟ قالُوا : الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَبي طالِبٍ عليه السلام ، وَاُمُّهُ فاطِمَةُ الزَّهراءِ وَجَدَّهُ مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفى صلى الله عليه و آله . فَقالَ الرَّاهِبُ : تَبّا لَكُمْ وَلِما جِئْتُمْ في طاعَتِهِ لَقَدْ صَدَقَتِ الأَخْبارِ في قَوْلِهِا اِنَّهُ اِذا قُتِلَ هذا الرَّجُلُ تَمْطُرُ السَّماءِ دَمَا ، وَلا يَكُونُ هذا اِلاّ بِقَتْلِ نَبِيٍّ اَوْ وَصِيِّ نَبِيٍّ .

ثُمَّ قالَ : اُريدُ اَنْ تَدْفَعُوا اِلَيَّ هذا الرَّأْسَ ساعَةً واحِدَةً وَاَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ . فَقالَ خِوَلِّي : ما كُنْتُ بِالذَّي اَكْشِفُهُ اِلاّ عِنْدَ يَزيدَ وَاَأْخُذَ مِنْهُ الْجائزَةَ . فَقالَ الرّاهِبُ : وَكَمْ جائزَتُكَ ؟ فَقالَ لَهُ : بُدْرَةٌ فِيها عَشَرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ . فَقالَ الرّاهِبُ : اَنَا اُعْطيكَ الْبَدْرَةَ . فَقالَ : اَحْضِرْها ، فَاَحْضَرَها الرّاهِبُ وَدَفَعَها اِلَيْهِمْ ، فدعا خولي خازنه فدفعها له وأمر أن يعطى الرأس ، فَدَفَعوا لَهُ الرَّأْسَ ، فَاَخَذهُ الرّاهِبُ فطيبه بالمسك والكافور وجعله على قطعة من الحرير ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُهُ وَيَبْكي وَيَقُولُ : يَعُزُّ وَاللّهِ عَلَيَّ يا اَبا عَبْدِ اللّهِ اَنْ لا اُواسيكَ بِنَفْسي ، وَلكِنْ يا اَبا عَبْدِ اللّهَ اِذا لَقيتَ جَدَّكَ المصطفى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آلهفَاشْهَدْ لي اَنِّي اَشْهَدُ اَنْ لا اِلهَ اِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ وَاَشْهَدُ اَنَّ عَلِيّا وَلِيُّ اللّهِ(1) ، أسلمت على يديك وأنا مولاك .

وفي بحر اللئالي وشرح الشافية وغيرها من الكتب : فتكلّم رأس الحسين عليه السلام

مع الراهب ، وضمن له الشفاعة يوم القيامة .

ثم إنّ الراهب دَفَعَ الرَّأْسَ اِلَيْهِمْ ، فَجَعلوا يَقْتَسِمونَ الدَّراهِمَ في منزل آخر ، وَاِذا هِيَ بِاَيْديِهِمْ خَزَفٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْها من جهة : « لا تحسبن اللّه غافلا عما يعمل الظالمون » وعلى الجهة الثانية : « وَسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَموا اَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » . فَقالَ خِوَلِّيُّ : إنّا للّه وإنّا اليه راجعون خسرنا الدنيا والآخرة ، ثم قال لأصحابه : اُكْتُمُوا هذا الْخَبَرَ .

ص: 72


1- مقتل أبي مخنف : 129 .

وفي الخبر : أنّ هذا الراهب خرج من صومعته وسكن بين الجبال والوديان مشتغلا بالعبادة والزهد حتى وافاه الأجل .

في حران

قال صاحب روضة الأحباب ، وهو من ثقاة علماء أهل السنة : كان رجل يهودي يقال له : يحيى الحراني ، وكان يعيش على تل يشرف على مدينة حران ، فلما ساروا بأهل البيت من دير الراهب النصراني الى حران سمع أنّ جماعة من النساء والأطفال والأسرى من الصغار والكبار معهم عدد كبير من الرؤوس المرفوعة على الرماح ستدخل حران .

فخرج يحيى من منزله ونزل من التل ووقف على قارعة الطريق ينتظر قدوم الأسرى ، فلاحت له بيارق عساكر ابن زياد ، فنظر فراى رؤوسا مرفوعة على أطراف الأسنة ، وأهل البيت يساقون خلفها كأنّهم أسرى الكفار ، فوقع نظره على رأس ابن المصطفى ، فسطع نوره في عينه ، فحقّق النظر ، واذا بشفتي الحسين تتمتمان ، فاقترب منه وأنصت له فسمعه يقول : « وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون » ، ففزع يحيى ودهش لبه من هذه الاية العظمى ، وارتعدت فرائصه لما سمع منه ، فسارع الى رجل من العسكر ساهما واجما وقال له : لمن هذا الرأس ؟ فقال : رأس الحسين بن علي المرتضى ، قال : ومن أمه ؟ قال : فاطمة بنت محمد المصطفى ، قال : ومن هؤلاء الأسرى ؟ قال : أهل بيت الحسين عليه السلام .

فبكى يحيى بكاءا شديدا وقال : الحمد للّه الذي عرفني الحق ، ودلني على الصراط المستقيم ، فعلمت أنّ أيّ صراط سوى صراط محمد ضلال مبين ، ومن سلك غير صراطه فهو في جهنم من المخلدين ، وهذا ظلم وجور وحزن وألم وبلاء لا يحل إلاّ في أهل بيت النبيين ، وهذه الرزية العظمى برهان على أحقية هؤلاء المظلومين ، فاعلن اسلامه ونطق بالشهادتين .

فعزم على أن يقدّم لأهل البيت ما عنده من الطعام ومما رزقه اللّه ، فمنعه العسكر وتوعدوه وهددوه بسلطان يزيد وسطوته ، غير أنّ يحيى هام في حبّ الحسين عليه السلام ،

ص: 73

وصار حاله كحال أيّ محبّ لا يعبأ بالنفع والضرر ، فشهر سيفه وقاتلهم قتالا شديدا حتى قتل ونال سعادة الشهادة ، فدفنوه في باب حران ، وعرف بعد ذلك بيحيى الشهيد .

دخول أهل بيت رسول اللّه ورؤوس الشهداء الى الشام

اشارة

وسار القوم برأس الحسين عليه السلام ونسائه والأسرى من رجاله ، فلما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر - وكان في جملتهم - فقالت : لي إليك حاجة ، فقال : ما حاجتك ؟ فقالت : إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة ، وتقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحونا عنها ، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذه الحال ، فأمر في جواب سؤلها أن يجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه وكفرا ، وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة حتى أتى بهم باب دمشق فوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي(1) .

فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال لهم : الحمد للّه الذي قتلكم وأهلككم وقطع قرن الفتنة ، فلم يأل عن شتمهم .

فلما انقضى كلامه قال له علي بن الحسين عليه السلام : أما قرأت كتاب اللّه - عز وجل - ؟ قال : نعم ، قال : أما قرأت هذه الآية « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي

الْقُرْبى » ؟ قال : بلى ، قال : فنحن أولئك ، ثم قال : أما قرأت « وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » ؟ قال : بلى ، قال : فنحن هم ، فهل قرأت هذه الآية « إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » ؟ قال : بلى ، قال : فنحن هم .

ص: 74


1- اللهوف : 174 المسلك الثالث ، بحار الأنوار : 45/ 127 باب 39 .

فرفع الشامي يده إلى السماء ثم قال : اللّهم إنّي أتوب إليك - ثلاث مرات - ، اللّهم إنّي أبرأ إليك من عدو آل محمد ومن قتلة أهل بيت محمد ، لقد قرأت القرآن ، فما شعرت بهذا قبل اليوم(1) ، ثم قال : هل لي من توبة ، فقال له عليه السلام : نعم إن تبت تاب اللّه عليك وأنت معنا ، فقال : أنا تائب ، فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل(2) .

قصة سهل الساعدي

روى صاحب المناقب بإسناده عن سهل بن سعد قال : خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام ، فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار قد علقوا الستور والحجب والديباج ، وهم فرحون مستبشرون ، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول ، فقلت في نفسي : لا نرى لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن ، فرأيت قوما يتحدّثون فقلت : يا قوم لكم بالشام عيد لا نعرفه نحن ؟ قالوا : يا شيخ نراك أعرابيا ، فقلت : أنا سهل بن سعد قد رأيت محمدا صلى الله عليه و آله ، قالوا : يا سهل ما أعجبك السماء لا تمطر دما والأرض لا تنخسف بأهلها ، قلت : ولم ذاك ؟ قالوا : هذا رأس الحسين عليه السلام عترة محمد صلى الله عليه و آله يهدى من أرض العراق ، فقلت : وا عجباه يهدى رأس الحسين والناس يفرحون ؟ قلت : من أي باب يدخل ؟ فأشاروا إلى باب يقال له : « باب ساعات » .

قال : فبينا أنا كذلك حتى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضا ، فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإذا أنا من ورائه رأيت نسوة على جمال بغير وطاء ، فدنوت من أولاهم فقلت : يا جارية من أنت ؟ فقالت : أنا سكينة بنت الحسين ، فقلت لها : ألك حاجة إلي ؟ فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمعت حديثه ، قالت : يا سعد قل لصاحب هذا الرأس أن يقدم الرأس أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه ولا ينظروا إلى حرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ص: 75


1- بحار الأنوار : 45/ 154 باب 39 ، الأمالي للصدوق : 165 المجلس 31 .
2- اللهوف : 177 المسلك الثالث .

قال سهل : فدنوت من صاحب الرأس فقلت له : هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعين دينارا(1) ، قال : ما هي ؟ قلت : تقدم الرأس أمام الحرم ، ففعل ذلك ، فدفعت إليه ما وعدته(2) .

قالَ سهل بن سعد : وَرَاَيْتُ رَوْشَنا عالِيا فيهِ خَمْسَةِ نِسْوَةٍ وَمَعَهُنَّ عَجُوزٌ مُحَدْودَبَةُ

الظَّهْرِ ، فَلَمّا صارَتْ بِاَزاءِ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَثَبَتِ الْعَجُوزُ وَاَخَذَتْ حَجَرا وَضَرَبَتْ بِهِ ثَنايا الْحُسَيْنِ عليه السلام .

فَلَمّا رَاَيْتُ ذلِكَ قُلْتُ : اللّهُمَّ اَهْلِكها وَاَهْلِكْهُنَّ مَعَها بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ . قالَ : فَما اسْتَتَّمَ كَلامي اِلاّ وَتَهَدَّمَ الرَّوْشَنُ فَهَلَكَتْ وَهَلَكْنَ مَعَها(3) .

الرجل الشامي يبشر يزيد

قال أبو مخنف : فَاَقْبَلَ رَجُلٌ من أهل الشام يتعجل الخبر اِلَى يَزيدَ وَقالَ لَهُ : اَقَرَّ اللّهُ عَيْنَكَ اَيُّهَا الْخَليفَةُ . فَقالَ لَهُ : بِماذا ؟ قالَ لَهُ : بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ عليه السلام . فَقالَ لَهُ : لا اَقَرَّ اللّهُ عَيْنَيْكَ . ثُمَّ اَمَرَ بِهِ فَحُبِسَ وَاَمَرَ بِمائَةٍ وَعِشْرينَ رايَةٍ وَاَمَرَهُمْ اَنْ يَسْتَقْبِلوا رَأْسَ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَاَقْبَلَتِ الرّاياتُ وَمِنْ تَحْتِها التَّكْبيرُ وَالتَّهْليلُ(4) .

كلام الرأس المقدس ورثاء الهاتف

وسمع الكثير من أهل الشام الرأس المقدس وهو يقول مرة بعد مرة ، وكرة بعد كرة : « لا حول ولا قوة إلاّ باللّه » ، وَاِذا بِهاتِفٍ يَنْشِدُ وَيَقُولُ :

جاؤا بِرَأْسِكَ يَابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ

مُتَرَمِّلاً بِدِمائِهِ تَرْميلا

لا يَوْمَ اَعْظَمُ حَسْرَةً مِنْ يَوْمِهِ

وَاَراهُ رَهْنا لِلْمَنُونِ قَتيلا

فَكَاَنَّما بِكَ يَابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ

قَتَلوا جِهارا عامِدينَ رَسُولا

ص: 76


1- في المصدر : « أربعمائة دينار » .
2- بحار الأنوار : 45/ 127 باب 39 .
3- مقتل أبي مخنف : 132 .
4- مقتل أبي مخنف : 133 .

قتلوك عطشانا ولما يرقبوا

في قتلك التأويل والتنزيلا

وَيُكَبِّرونَ إذا قُتِلْتَ وَاِنَّما

قَتَلوا بِكَ التَّكْبيرِ وَالتَّهْليلا

وَدَخَلَ النّاسُ مِنْ بابِ الْخَيْزُرانِ ، وَاِذا قَدْ اَقْبَلوا يحملون الرؤوس ، وَاِذا السَّبايا عَلَى الْمَطايا بِغَيْرِ وِطاءٍ ، فقال رجل من أهل الشام الجفاة : ما رأينا سبايا أحسن من هؤاء فمن أنتم ؟ فقالت سكينة ابنة الحسين : نحن سبايا آل محمد صلى الله عليه و آله(1) .

قال المنهال بن عمرو : أنا واللّه رأيت رأس الحسين حين حمل ، وأنا بدمشق ، وبين يديه رجل يقرأ الكهف حتى بلغ قوله « أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً » ، فأنطق اللّه الرأس بلسان ذرب ذلق فقال : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي(2) .

شماتة ابن طلحة ورد الإمام السجاد عليه السلام

في الخبر أنّه لما بلغ إبراهيم بن طلحة بن عبيد اللّه دخول الأسرى خرج مسرعا لاستقبال علي بن الحسين عليه السلام ، وقال تشفيا وشماتة : يا علي بن الحسين من غلب ؟ وفي رواية : وكان علي بن الحسين يغطي رأسه وهو في المحمل ، فقال له : علي بن الحسين : إذا أردت أن تعلم من غلب ودخل وقت الصلاة فأذن ثم أقم(3) .

إشارة الى أنّ الذي يذكر بصوت عال بعد ذكر اللّه في الاذان إنّما هو جدي محمد المصطفى صلى الله عليه و آله ، فلابد أن يكون أولاده أبد الآبدين هم القاهرون الغالبون لا غيرهم .

وإبراهيم بن طلحة هذا كان في صفين في جيش طلحة والزبير .

ص: 77


1- الأمالي للصدوق : 165 المجلس 31 ، بحار الأنوار : 45/ 154 باب 39 .
2- الخرائج والجرائح : 2/ 577 ، بحار الأنوار : 45/ 188 باب 39 .
3- الأمالي للطوسي : 677 ، بحار الأنوار : 45/177 باب 39 .

افتخار الشمر وجواب أم كلثوم

رفعوا رؤوس الشهداء على الأسنة والرماح ، وَرَأْسُ الْحُسَيْنِ عليه السلام بِيَدِ شِمْرٍ وَهُوَ يَقُولُ : اَنَا صاحِبُ الرُّمْحِ الطَّويلِ اَنَا قاتِلُ ذي الدَّينِ الأَصيلِ اَنَا قَتَلْتُ اِبْنُ سَيِّدِ الْوَصِييَّنَ وَاَتَيْتُ بِرَأْسِهِ اِلَى اَميرِ الْمُؤْمِنينَ .

فَقالَتْ لَهُ اُمِّ كُلْثُومٍ عليهاالسلام : كَذِبْتَ يا لَعينُ ابْنُ اللَّعينِ اَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْقَوْمِ الظّالِمينَ يا وَيْلَكَ تَفْتَخِرُ على يزيد الملعون ابن الملعون بِقَتْلِ مَنْ ناغاهُ في الْمَهْدِ جَبْرَئيلَ وَميكائيلَ وَمَنِ اسْمُهُ مَكْتُوبٌ عَلَى سُرادِقِ عَرْشِ رَبِّ الْعالَمينَ وَمَنْ خَتَمَ اللّهُ بِجَدِّهِ الْمُرْسَلينَ وَقَمَعَ بِاَبيهِ الْمُشْركينَ ؟ فَمِنْ اَيْنَ مِثلُ جَدِّي مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفى صلى الله عليه و آله وَاَبي عَلِيِّ الْمُرْتَضى عليه السلام وَاُمِّي فاطِمَةُ الزَّهْراءِ عليهاالسلام صلوات اللّه وسلامه عليهم اجمعين .

فَاَقْبَلَ عَلَيْهَا خِوَلِّي وَقالَ : تَأْبينَ إلاّ الشُّجاعَةَ وَاَنْتِ بِنْتِ الشُّجاعِ .

قالَ : وَاَقْبَلَ مِنْ بَعْدِهِ رَأْسُ الْحُرِّ بْنِ يَزيدِ الرِّياحي ، وَاَقْبَلَ مِنْ بَعْدِهِ رَأْسُ العَبّاسِ عليه السلاميَحْمِلُهُ قَشْعَمِ الْجُعْفي ، وَاَقْبَلَ مِنْ بَعْدِهِ رَأْسُ عَوْنٍ عليه السلام بن علي بن أبي طالب يَحْمِلُهُ سِنانُ بْنُ اَنَسٍ النخعي ، وَاَقْبَلَتِ الرُّؤُوسُ عَلَى اَثَرِهِمْ .

فانشأ السجاد عليه السلام يقول :

اُقادُ ذَليلاً في دِمِشْقَ كَاَنَّني

مِنَ الزَّنُجِ عَبْدٌ غابَ عَنْهُ نَصيرُ

وَجَدِّي رَسُولُ اللّهِ في كُلِّ مَشْهَدٍ

وَشَيْخي اَميرُ الْمُؤْمِنينَ وزيرُ

فَيا لَيْتَ اُمِّي لَمْ تَلِدْني وَلَمْ اَكُنْ

يَزيدُ يَراني في البِلادِ اَسيرُ(1)

فروي أنّ بعض فضلاء التابعين لما شاهد رأس الحسين عليه السلام بالشام أخفى نفسه شهرا من جميع أصحابه ، فلما وجدوه بعد إذ فقدوه سألوه عن ذلك ، فقال : ألا ترون ما نزل بنا ؟(2)

كيف كان لما وصل أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله مع رؤوس الشهداء الى باب قصر يزيد وقفوا هناك ينتظرون الإذن .

ص: 78


1- مقتل أبي مخنف : 132 .
2- اللهوف : 174 المسلك الثالث .

دخول أهل بيت الرسول المختار الى مجلس يزيد بن معاوية

زحر بن قيس ويزيد بن معاوية

كان قواد العسكر قد احتبسوا أهل البيت على باب قصر يزيد إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل على يزيد ، فقال له يزيد : ويلك ما وراك ؟ وما عندك ؟ قال : أبشر يا أمير المؤنين بفتح اللّه ونصره ، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد اللّه أو القتال ، فاختاروا القتال على الإستسلام ،

فعدونا عليهم مع شروق الشمس ، فأحطنا بهم من كلّ ناحية حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم ، جعلوا يهربون إلى غير وزر ويلوذون منا بالآكام والحفر لواذا كما لاذ الحمام من الصقر ! ! فواللّه يا أمير المؤنين ما كان إلاّ جزر جزور ، أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم ! ! ! فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مرملة وخدودهم معفرة تصهرهم الشمس ، وتسفي عليهم الريح ، زوارهم الرخم والعقبان .

فأطرق يزيد هنيئة ثم رفع رأسه وقال : قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، أما لو كنت صاحبه لعفوت عنه .

بينا هم كذلك إذ دخل مخفر بن ثعلبة العائذي ، وكان مأمورا من قبل ابن زياد في حمل السبايا الى الشام ، فرفع صوته فقال : هذا مخفر بن ثعلبة أتى أمير المؤنين بالفجرة اللئام ، فأجاب علي بن الحسين عليه السلام : ما ولدت أم مخفر أشرّ وألأم ، ولكن قبح اللّه ابن مرجانة(1) .

ص: 79


1- الإرشاد : بحار الأنوار : 45/ 129 باب 39 .

وفي رواية ابن نما : إنّ يزيد هو الذي أجاب مخفر ، وعندي أنّ هذا أقرب الى الصحة ، لأنّ السيد السجاد عليه السلام لم يكن يتكلّم مع الكفار من أهل العناد إلاّ قليلا ، وكان يزيد يتكلّم أحيانا بكلمات من هذا القبيل ليفهم الناس أنّه لم يرض بقتل الحسين عليه السلام ، والعلم عند اللّه .

سكر يزيد وأشعاره المصرحة بالكفر

ثم دخل شمر بن ذي الجوشن يحمل رأس الحسين عليه السلام ، فأمر يزيد بانزاله من الرمح ، فانزلوه ، وجعلوه في طشت من ذهب ، وجعلوه بين يديه ، وكان يزيد ثملا من الخمرة فرحان مسرورا من رؤية رأس عدوه فأنشأ يقول :

يا حسنه يلمع باليدين

يلمع في طست من اللجين

كأنما حف بوردتين

كيف رأيت الضرب يا حسين

شفيت غلّي من دم الحسين

يا ليت من شاهد في الحنين

يرون فعلي اليوم بالحسين

وهكذا استمر في شرب المدام ليزداد فرحا وسرورا ، فلما أخذت الخمرة منه مأخذها أنشأ يقول :

نفلق هاما من رجال أعزة

علينا وهم كانوا أعف وأصبر

وأكرم عند اللّه منا محلة

وافضل في كلّ الامور وأفخر

عدونا وما العدوان إلاّ ضلالة

عليهم ومن يعدو على الحق يخسر

فان تعدلوا فالعدل الفاه نافعا

اذا ضمنا يوم القيامة محشر

ولكننا فزنا بملك معجل

وان كان في العقباء نار تسعّر

ثم أمر أن يدخلوا عليه رؤوس الشهداء ، فادخلوها فجعل ينظر اليها ، فسمع غرابا ينعب ، فأبدى كفره وطغيانه ، وأفلت أمره من يده ، فترك التمويه والخديعة والسياسة ونطق بما شهد بكفره ، فأنشأ يقول :

لما بدت تلك الرؤوس وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيروني

صاح الغراب فقلت صح أو لاتصح

فلقد قضيت من النبي ديوني

ص: 80

ولما كان قد تطير من الغراب وجعله دلالة على زوال ملكه خاطبه قائلا :

يا غراب البين ما شئت فقل

إنّما تندب أمرا قد فعل

كلّ ملك ونعيم زائل

وبنات الدهر يلعبن بكلّ

حرمان شمر من عطاء يزيد

وكان شمر بن ذي الجوشن يراقب يزيدا ، فلما رآه ثملا جذلان أنشأ يخاطب يزيدا بلا خوف ولا وجل - مع أنّ ابن زياد قتل قائلها من قبل كما ذكرنا - فقال :

اِمْلأ رِكابي فِضَّةً اَوْ ذَهَبا

اِنِّي قَتَلْتُ السَيِّدُ الْمُحجبا

قَتَلْتُ خَيْرَ النّاسِ اُمّا وَاَبا

وَخيرهم إذ ينسبون النسبا

واكرم الناس جميعا حسبا

وَمَنْ عَلَى الْخَلْقِ مَعا مُنْتَصِبا

طَعَنْتُهُ بِالْرُّمْحِ حَتّى اِنْقَلَبا

ضَرَبْتُهُ بِالْسَّيْفِ حتى نحبا

فَنَظَرَ اِلَيْهِ شَزْرا وَقالَ لَهُ : اِذا عَلِمْتَ اَنَّهُ خَيْرُ النّاسِ اُمّا وَاَبا فَلِمَ قَتَلْتَهُ ؟ اَمْلأََ اللّهُ رِكابَكَ نارا وَحَطَبا ، قالَ : اَطْلِبُ مِنْكَ الْجائزَةَ ، [فَلَكَزَهُ يَزيدٌ لَعَنَهُ اللّه بِذُبالِ سَيْفِهِ] وَقالَ لَهُ : لا جائِزَةَ لَكَ عِنْدي ، فَوَلّى هارِبا(1) خائفا قد خسر الدنيا والاخرة .

كلام يزيد الملعون عن الحسين عليه السلام

ثم أقبل على أهل مجلسه فقال : إنّ هذا كان يفخر علي ويقول : أبي خير من أب يزيد ، وأمي خير من أمه ، وجدي خير من جده ، وأنا خير منه ، فهذا الذي قتله .

فأمّا قوله أنّ أبي خير من أب يزيد ، فلقد حاج أبي أباه فقضى اللّه لأبي على أبيه ،

وأمّا قوله أنّ أمي خير من أم يزيد ، فلعمري لقد صدق إنّ فاطمة بنت رسول اللّه خير من أمي ، وأمّا قوله جدي خير من جده ، فليس لأحد يؤن باللّه واليوم الآخر يقول بأنّه خير من محمد ، وأمّا قوله بأنّه خير منّي فلعله لم يقرأ هذه الآية « قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » .

وكان عبد الرحمن بن الحكم قاعدا في مجلس يزيد فقال :

ص: 81


1- مقتل أبي مخنف : 135 .

لهام بجنب الطف أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي النسب الوغل

سمية أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول اللّه ليست بذي نسل(1)

فضربه يزيد على صدره وأسرّ إليه وقال : سبحان اللّه أفي هذا الموضع ؟ أما يسعك السكوت ؟

قال يزيد : فلعن اللّه ابن مرجانة إذ أقدم على مثل الحسين بن فاطمة ، لو كنت صاحبه لما سألني خصلة إلاّ أعطيته إياها ، ولدفعت عنه الحتف بكلّ ما استطعت ، ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى اللّه أمرا فلم يكن له مرد(2) .

ثم أمر يزيد فاحضر أهل البيت ، وكانوا قد اوقفوا ثلاث ساعات أو أقل أو أكثر من ذلك على باب قصره ينتظرون الاذن ، فلما دخلوا وقعت أعينهم على يزيد ، وكان على رأسه تاج مكلل بالدر والياقوت ، جالسا على سرير ، وحوله رجال من قريش ، ورأس الحسين عليه السلام في طشت من ذهب بين يديه .

حديث الإمام الرضا عليه السلام في لعن يزيد

عن الرضا عليه السلام قال : لما حمل رأس الحسين بن علي عليهماالسلام إلى الشام أمر يزيد لعنه اللّه فوضع ونصبت عليه مائدة ، فأقبل هو لعنه اللّه وأصحابه يأكلون ويشربون الفقاع ، فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع في طست تحت سريره وبسط عليه رقعة الشطرنج ، وجلس يزيد عليه اللعنة يلعب بالشطرنج [ويذكر الحسين وأباه وجده صلى الله عليه و آله ويستهزئ بذكرهم] ، فمتى قمر صاحبه تناول الفقاع فشربه ثلاث مرات ، ثم صبّ فضلته على ما يلي الطست من الأرض .

فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع واللعب بالشطرنج ، ومن نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين عليه السلام ، وليلعن يزيد وآل زياد يمحو اللّه - عز وجل - بذلك ذنوبه ولو كانت بعدد النجوم(3) .

ص: 82


1- بحار الأنوار : 45/ 131 باب 39 .
2- بحار الأنوار : 45/ 131 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/22 باب 30 ، الفقيه : 4/419 ، الدعوات : 162 ، بحار الأنوار : 45/ 176 باب 39 .

أهل بيت الرسالة في مجلس يزيد

اشارة

قال علي بن الحسين عليه السلام : أدخلنا على يزيد ونحن اثنا عشر مغللون ، فلما وقفنا بين يديه [قلت : أنشدك اللّه يا يزيد ما ظنك برسول اللّه لو رآنا على هذه الحال ؟] وقالت فاطمة بنت الحسين : يا يزيد بنات رسول اللّه سبايا ؟

فبكى الناس وبكى أهل داره حتى علت الأصوات ، فقال علي بن الحسين : فقلت وأنا مغلول : أتأذن لي في الكلام ؟ فقال : قل ولا تقل هجرا ، فقال : لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر ، ما ظنك برسول اللّه لو رآني في الغل ؟ [فقال لمن حوله : حلوه(1)] .

ثم قال لعلي بن الحسين : يا ابن الحسين أبوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني ، فصنع اللّه به ما قد رأيت ! فقال علي بن الحسين : « ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ »فقال يزيد لابنه خالد : اردد عليه ، فلم يدر خالد ما يرد عليه ، فقال له يزيد : قل : « ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ »(2) .

وروى الراوندي - وهو من ثقاة الرواة - : أنّه لما حمل علي بن الحسين عليه السلام إلى يزيد همّ بضرب عنقه ، فوقفه بين يديه وهو يكلمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله ، وعلي عليه السلام يجيبه حسب ما يكلمه ، وفي يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه ، وهو يتكلّم ، فقال له يزيد : أكلمك وأنت تجيبني وتدير أصابعك بسبحة في يدك ! فكيف يجوز ذلك ؟

فقال حدثني أبي عن جدي : أنّه كان إذا صلّى الغداة وانفتل لا يتكلّم حتى يأخذ سبحة بين يديه فيقول : اللّهم إنّي أصبحت أسبحك وأمجدك وأحمدك وأهللك

ص: 83


1- مثيرالأحزان : 99 ، بحار الأنوار : 45/132 باب 39 .
2- الإرشاد : 2/ 120 ، إعلام الورى : 253 ، بحار الأنوار : 45/ 135 باب 39 .

بعدد ما أدير به سبحتي ، ويأخذ السبحة ويديرها ، وهو يتكلّم بما يريد من غير أن يتكلّم بالتسبيح ، وذكر أنّ ذلك محتسب له ، وهو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه ، فإذا أوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول ووضع سبحته تحت رأسه ، فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت ، ففعلت هذا اقتداء بجدي . فقال له يزيد : لست أكلم أحدا منكم إلاّ ويجيبني بما يعوذ به(1)(2) .

ثم التفت يزيد الى الإمام السجاد فقال : يا علي بن الحسين ، الحمد للّه الذي قتل أباك ، فقال علي بن الحسين : لعنة اللّه على من قتل أبي ، فغضب يزيد وأمر بضرب عنقه ، فقال علي بن الحسين : فإذا قتلتني فبنات رسول اللّه من يردّهم إلى منازلهم ،

وليس لهم محرم غيري ؟! فقال : أنت تردّهم إلى منازلهم .

ثم دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده ، ثم قال له : يا علي بن الحسين أتدري ما الذي أريد بذلك ؟ قال : بلى تريد أن لا يكون لأحد عليّ منّة غيرك ، فقال يزيد : هذا واللّه ما أردت(3) .

ثم أمر يزيد بالحبال فقطعت عنهم جميعا ، ثم وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه في طشت من ذهب ، وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه ! ! فرآه علي بن الحسين فلم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبدا(4) .

تمثل يزيد بأبيات تدلّ على كفره

لما حضر الرأس المقدس بين يدي يزيد جعل ينكت عليه بالخيزران ويقول :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم انتقم

من بني أحمد ما كان فعل

ص: 84


1- الدعوات : 61 ، بحار الأنوار : 45/ 200 باب 39 .
2- في الدعوات : « بما يفوز به » .
3- تفسير القمي : 2/ 352 ، بحار الأنوار : 45/ 168 باب39 .
4- مثيرالأحزان : 99 ، بحار الأنوار : 45/ 132 .

قد أخذنا من علي ثارنا

وقتلنا الفارس الليث البطل

وقتلنا القرن من ساداتهم

وعدلناه ببدر فانعدل

فجزيناهم ببدر مثلها

وباحد يوم أحد فاعتدل

لو رأوه لاستهلوا فرحا

ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

وكذاك الشيخ أوصاني به

فاتبعت الشيخ فيما قد سأل

وتمثل أيضا بأبيات للحصين بن الحمام فقال :

صبرنا وكان الصبر منا سجية

وأسيافنا يفرين هاما ومعصما

نفلق هاما من رؤوس احبة

الينا وهم كانوا أعقّ وأظلما(1)

فقالت سكينة : ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ، ولا رأيت كافرا ولا مشركا شرّا منه ولا أجفى منه(2) ، لأنّه كان يسمع بنات رسول اللّه يصحن ويولولن وهو لم يكترث بهن ، بل جعل يضرب رأس الحسين بالخيزران ويتمثل بالأبيات التي مرت .

شعر ابن الزبعرى وشعر يزيد

لا يخفى أنّ المحدثين والمؤرخين من قبيل الفاضل المجلسي وصاحب العوالم ومؤلف اللهوف وأبي مخنف وصاحب روضة الأحباب وابن أبي الحديد والطريحي والمسعودي وصاحب اعلام الورى وابن اعثم الكوفي والخوارزمي والطبري والواقدي واليافعي وابن شهرآشوب ومؤلف الفصول المهمة والخرائج والجرائح والصواعق وابن الجوزي وصاحب الجلاء عبد اللّه بن محمد رضا الحسيني وصاحب كشف الغمة والمغازي وغيرهم من المؤلفين بالعربية والفارسية الذين يطول بذكرهم المقام لم يميزوا بوضوح في مؤلفاتهم بين أبيات ابن الزبعرى وأبيات يزيد ، فبعضهم نسبها جميعا ليزيد وبعضهم لابن الزبعرى ، لأنّهم لم يسمعوا أبيات ابن الزبعرى ولم يعرفوها .

ص: 85


1- تذكرة الخواص : 235 .
2- الأمالي للصدوق : 165 المجلس 31 ، بحار الأنوار :45/ 154 باب 39 .

والواجب يقتضي أن أذكر قصيدة ابن الزبعرى التي قالها في معركة أحد وذكرتها مفصلة في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ليتميز شعر يزيد عن شعر ابن الزبعري الذي يقول :

يا غراب البين ما شئت فقل

إنّما تنعق أمر قد فعل

إنّ للخير وللشرّ مدى

وسواء قبر مثر ومقل

كلّ خير ونعيم زائل

وبنات الدهر يلعبن بكل

أبلغا حسان عني آية

فقريض الشعر يشفي ذا العلل

كم ترى في الحرب من جمجمة

وأكف قد أبينت ورجل

وسرابيل حسان سلبت

عن كماة غودروا في المنتزل

كم قتلنا من كريم سيد

ماجد الجدين مقدام بطل

صادق النجدة قرم بارع

غير رعديد لدى وقع الأسل

فسل المهراس من ساكنه

من كراديس وهام كالحجل

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

حين حطت بفناء بركها

واستحر القتل في الأشل

ثم حفوا عند ذاكم رقّصا

رقص الحفان تعدو في الجبل

فقتلنا النصف من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

لا ألوم النفس إلاّ اننا

لو كررنا لفعلنا المفتعل

بسيوف الهند تعلو هامهم

تبرد الغيظ ويشفين الغلل

والآن يمكن التمييز بين شعر يزيد وابن الزبعرى ، ومعرفة أبيات كلّ واحد منهما ، وما هي الأبيات التي تمثّل بها يزيد ، وما اضافه منه أو تمثّل به بأدنى تغيير ، كما أنّ يزيد بن معاوية تمثّل ببيتين من قصيدة عبد اللّه بن الزبعرى عند دخول رؤوس الشهداء عليه - كما مرّ ذكره - ، وتمثّل في هذا الموقف ببيتين من القصيدة والباقي إنشاءا منه ، وابن الزبعرى كان يسمى عبد اللات في غزوة أحد ، فلما أسلم سماه الرسول صلى الله عليه و آله عبد اللّه - كما ذكرنا من قبل - . ونعود الآن الى الكلام .

ص: 86

إعتراض أبي برزة على يزيد

ثم دعا يزيد بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه السلام ، فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال : ويحك يا يزيد ، أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة ؟ أشهد لقد رأيت النبي يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول : أنتما سيدا شباب أهل الجنة ، فقتل اللّه قاتلكما ، ولعنه وأعد له جهنم وَساءَتْ مَصِيراً ، فغضب يزيد وأمر بإخراجه فأخرج سحبا(1) .

ثم قام سمرة بن جندب بن جنادة وقال : قطع اللّه يديك يا يزيد ، لطالما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقبلهما ، فاضطرب يزيد وقال : لولا صحبتك مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله لامرت بضرب عنقك ، فقال سمرة : عجبي منك أنّك ترعى صحبتي من رسول اللّه وتقتل ابن رسول اللّه ! فلما سمع الناس كلامه ضجوا بالبكاء حتى خافوا الفتنة .

ثم جعلت إمرأة من بني هاشم في دار يزيد تندب على الحسين عليه السلام وتنادي : وا حبيباه يا سيد أهل بيتاه يا ابن محمداه يا ربيع الأرامل واليتامى يا قتيل أولاد الأدعياء .

فلما رأت زينب ما صنع يزيد برأس اخيها أهوت الى جيبها فشقته ، ونادت بصوت حزين يفزع القلوب : يا حسيناه يا حبيب رسول اللّه يا ابن مكة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء يا ابن بنت المصطفى ، [فأبكت واللّه كلّ من كان في المجلس ويزيد ساكت] (2) .

ص: 87


1- اللهوف : 177 المسلك الثالث ، مثيرالأحزان : 100 ، بحار الأنوار : 45/132 باب 39 ، وقد ترجم المؤلف « فاخرج سحبا » أنّه خرج يجرّ أذياله مغضبا .
2- اللهوف : 177 المسلك الثالث ، مثيرالأحزان : 100 حالة زينب عند رؤتها رأس الحسين 7 ، الإحتجاج : 2/ 307 احتجاج زينب بنت علي بن أبي طالب ، بحار الأنوار : 45/ 132 باب 39 .

قال ابن طاووس : فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر فقال : يا أمير المؤنين هب لي هذه الجارية يعني - فاطمة بنت الحسين - فأرعدت وظنت أنّ ذلك جائز لهم ، فأخذت بثياب عمتها زينب ، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون ، فقالت : أوتمت وأستخدم ؟ ! فقالت زينب للشامي : كذبت واللّه ولؤمت ، واللّه ما ذلك لك ولا له .

فغضب يزيد وقال : كذبت واللّه إنّ ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت ، قالت : كلا واللّه ما جعل اللّه لك ذلك إلاّ أن تخرج من ملتنا وتدين بغيرها .

فاستطار يزيد غضبا وقال : إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك وأخوك ، قالت زينب : بدين اللّه ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وأبوك وجدك إن كنت مسلما ، قال : كذبت يا عدوة اللّه ، قالت له : أنت أمير تشتم ظالما وتقهر لسلطانك ، فكأنّه استحيا(1) وسكت .

وعاد الشامي فقال : هب لي هذه الجارية ، فقال له يزيد : اعزب ، وهب اللّه لك حتفا قاضيا .

فقالت أم كلثوم للشامي : اسكت يا لكع الرجال قطع اللّه لسانك وأعمى عينيك وأيبس يديك وجعل النار مثواك ، إنّ أولاد الأنبياء لا يكونون خدمة لأولاد الأدعياء ، فواللّه ما استتم كلامها حتى أجاب اللّه دعاءها في ذلك الرجل ، فقالت :

الحمد للّه الذي عجّل لك العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ، فهذا جزاء من يتعرّض لحرم

رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وفي رواية السيد : فقال الشامي : من هذه الجارية ؟ فقال يزيد : هذه فاطمة بنت الحسين ، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب ، فقال الشامي : الحسين بن فاطمة وعلي بن أبي طالب ؟ قال : نعم ، فقال الشامي : [لعنك اللّه] يا يزيد تقتل عترة نبيك

ص: 88


1- لا يقال : فكأنّه إستحيا فسكت ، بل الأولى أن يقال : فأفحمته وحجتّه وألقمته حجرا فقهرته فسكت .

وتسبي ذريته ، واللّه ما توهمت إلاّ أنّهم سبي الروم ، فقال يزيد : واللّه لألحقنك بهم ، ثم أمر به فضرب عنقه(1) .

ويبدو من البعيد جدا أن يكون يزيد قد أمر بضرب عنقه وقتله ، فكيف يتصوّر أن يكون هذا الشامي جاهلا بهم لا يعرفهم بعد أن طافوا بهم بتلك الصورة - التي بيّناها - مع رؤوس الشهداء في دمشق ، ومع أنّ هذا الشامي كان من المقربين عند يزيد بحيث كان يناسب حضوره قريبا من يزيد في مجلسه ، إن لم نقل أنّه كان على اطلاع بأخبار كربلاء ، وأسماء الشهداء ، ومنازل أهل البيت بالتفصيل ؟

خطبة الحوراء زينب عليهاالسلام

فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب عليهماالسلام فقالت :

الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، وصلّى اللّه على رسوله وآله أجمعين ، صدق اللّه كذلك يقول : ( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤنَ » .

أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى ، أنّ بنا على اللّه هوانا ، وبك عليه كرامة ، وأنّ ذلك لعظم خطرك

عنده ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسرورا ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور متسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، مهلا مهلا أنسيت قول اللّه تعالى « وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ » .

أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول اللّه سبايا ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، والدني والشريف ، ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي ، وكيف يرتجى

ص: 89


1- بحار الأنوار : 45/ 137 .

مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء ، ونبت لحمه بدماء الشهداء ، وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن ، والإحن والأضغان ، ثم تقول غير متأثّم ولا مستعظم :

لأهلّوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

منتحيا على ثنايا أبي عبد اللّه سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك ، وكيف لا تقول ذلك ؟ وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشافة ، بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه و آله ، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ، وتهتف بأشياخك زعمت أنّك تناديهم ، فلتردن وشيكا موردهم ، ولتودّنّ أنّك شللت وبكمت ، ولم يكن قلت ما قلت ، وفعلت ما فعلت .

اللّهم خذ بحقّنا ، وانتقم من ظالمنا ، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، وقتل حماتنا .

فواللّه ما فريت إلاّ جلدك ، ولا حززت إلاّ لحمك ، ولتردن على رسول اللّه بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع اللّه شملهم ، ويلمّ شعثهم ، ويأخذ بحقّهم « وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » ، حسبك باللّه حاكما ، وبمحمد خصيما ، وبجبرئيل ظهيرا ، وسيعلم من سوى لك ، ومكنك من رقاب المسلمين « بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً » ، وأيكم شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً .

ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك ، إنّي لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكبر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرى ، ألا فالعجب كلّ العجب ، لقتل حزب اللّه النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفوها أمهات الفراعل ، ولئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما ، حين لا تجد إلاّ ما قدمت يداك « وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ » ، فإلى اللّه المشتكى ، وعليه المعول .

ص: 90

فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فواللّه لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها ، وهل رأيك إلاّ فند ، وأيامك إلاّ عدد ، وجمعك إلاّ بدد ، يوم يناد المناد « أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ » .

فالحمد للّه الذي ختم لأولنا بالسعادة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل اللّه أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة ، إنّه رحيم ودود ، وحَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .

فارتبك يزيد لما سمع هذه الكلمات الغاضبة ، فأراد أن يداري الموقف فقال :

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون الموت على النوائح

ثم استشار أهل الشام فيما يصنع بهم ، فقالوا : لا تتخذ من كلب سوء جروا ، فقال له النعمان بن بشير : انظر ما كان الرسول يصنعه بهم فاصنعه بهم(1) .

ثم إنّ يزيد أمر بنساء الحسين عليه السلام فحبسن مع علي بن الحسين عليه السلام في محبس لا يكنهم من حرّ ولا قرّ حتى تقشرت وجوههم .

ولم يرفع ببيت المقدس حجر على وجه الأرض إلاّ وجد تحته دم عبيط(2) .

وهكذا كان يزيد الملعون يحضر أهل البيت كرة بعد كرة الى مجلسه ، وهو لا يبارح الخمرة والقمار .

[إسلام رسول ملك الروم]

وروي عن زين العابدين عليه السلام قال : لما أتي برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد كان يتخذ مجالس الشرب ، ويأتي برأس الحسين عليه السلام ويضعه بين يديه ويشرب عليه ، فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم ، وكان من أشراف الروم وعظمائهم ، فقال : يا ملك العرب هذا رأس من ؟ قال : ما لك ولهذا الرأس ؟ قال : إنّي إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كلّ شيء شاهدته ، فأحببت أن أخبره بقضية هذا الرأس

ص: 91


1- مثيرالأحزان : 101 ، اللهوف : 181 المسلك الثالث ، الإحتجاج : 2/ 307 ، بحار الأنوار : 45/ 133 باب 39 .
2- الأمالي للصدوق : 167 المجلس 31 ، بحار الأنوار : 45/ 140 باب 39 .

وصاحبه ليشاركك في الفرح والسرور ، قال : هذا رأس الحسين بن علي ، قال : ومن أمه ؟ قال : فاطمة بنت رسول اللّه ، فقال النصراني : أف لك ولدينك ، لي دين أحسن من دينكم ،إنّ أبي من حفدة داود عليه السلام ، وبيني وبينه آباء كثيرة ، والنصارى يعظمون قدري ويأخذون من تراب قدمي تبركا بأنّي من الحوافد ، وقد قتلتم ابن بنت نبيكم وليس بينه وبينه إلاّ أم واحدة ، فقبّح اللّه دينكم .

ثم قال ليزيد : ما اتصل إليك حديث كنيسة الحافر ؟ قال : قل ، قال : بين عمان والصين بحر مسيرة سنة ، فيه جزيرة ليس بها عمران إلاّ بلدة واحدة في الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين ، ما على وجه الأرض مدينة مثلها ، منها يحمل الكافور والعنبر والياقوت ، أشجارها العود ، وهي في أكف النصارى ، فيها كنائس كثيرة ، أعظمها كنيسة الحافر ، في محرابها حقة ذهب معلقة فيها حافر حمار ، يقولون : كان يركبه عيسى عليه السلام ، وحول الحقة مزين بأنواع الجواهر والديباج ، يقصدها في كلّ عام عالم من النصارى ، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم ، لا بارك اللّه فيكم ولا في دينكم .

فقال يزيد : اقتلوه لئلا يفضحني في بلاده ، فلما أحس بالقتل قال : تريد أن تقتلني ؟ قال : نعم ، قال : اعلم أنّي رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول : يا نصراني

أنت من أهل الجنة ، فتعجبت من كلامه ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأن محمدا رسوله ، ثم نهض إلى الرأس فضمه إلى صدره وقبّله وبكى ، فقتل(1) .

[عالم يهودي يوبخ يزيد]

روى السيد وابن نما : إنّ رأس الجالوت - وكان من أحبار اليهود - قال : واللّه إنّ بيني وبين داود لسبعين أبا ، وإنّ اليهود تلقاني فتعظمني ، وأنتم ليس بين

ابن نبيكم وبينه إلاّ أب واحد قتلتم ولده(2) . وَاَنْتُمْ بِالأَمْسِ كانَ نَبِيُّكُمْ بَيْنَ اَظْهُرِكُمْ وَالْيَوْمُ وَثَبْتُمْ عَلَى وُلْدِهِ فَقَتَلْتُمُوهُ ، فَتَبَّا لَكُمْ وَلِدِينِكُمْ . فَقالَ يَزيدُ : لَوْلا اَنْ بَلَغَني عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله اَنَّهُ قالَ : مَنْ قَتَلَ مُعاهِدا كُنْتُ خَصْمُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ لَقَتَلْتُكَ ،

ص: 92


1- مثيرالأحزان : 104 ، اللهوف : 190 .
2- اللهوف : 188 المسلك الثالث ، مثير الأحزان : 82 .

فَقالَ رَأْسُ الجالُوتِ : يا يَزيدُ يَكُونُ خَصْمَ مَنْ قَتَلَ مُعاهِدا ، وَلا يَكُونُ خَصْمَ مَنْ قَتَلَ وَلَدَهُ .

ثُمَّ قالَ رَأْسُ الجالُوتِ : يا اَبا عَبْدِ اللّهِ اِشْهَدْ لي عِنْدَ جَدِّكَ ، فَاَنَا اَشْهَدُ اَنَّ لا اِلهَ اِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُه .

فَقالَ لَهُ يَزيدَ الآنَ خَرَجْتَ مِنْ دِينِكَ وَدَخَلْتَ في دِينِ الإِسلامِ فَقَدْ بَرِئنا مِنْكَ ، ثُمَّ اَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ(1) .

[اسلام الجاثليق]

فَبَيْنَما هُوَ كَذلِك اِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ جاثّليقُ النَّصارى ، وَكانَ شَيْخا كَبيرا ، فَنَظَرَ اِلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَقالَ : ما هذا اَيُّهَا الْخَليفَةُ ؟ فَقالَ : هذا رَأْسُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَبي طالِبٍ عليه السلام ، وَاُمُّهُ فاطَمِةُ عليهاالسلام بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ : فَبِمَ اِسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ ؟ قالَ : لأَِنَّ اَهْلَ الْعِراقِ دَعَوْهُ لِلْخِلافَةِ ، فَقَتَلَهُ عامِلي عُبَيْدَ اللّهِ بْنُ زِيادٍ ، وَبَعَثَ اِلَيَّ بِرَأْسِهِ .

فَقالَ لَهُ جاثَّليقُ النَّصارى : اِعْلَمْ اِنِّي كُنْتُ السّاعَةَ في الْبُقْعَةِ راقِدا اِذْ سَمِعْتُ رَجْفَةً شَديدَةً ، فَنَظَرْتُ وَاِذا بِغُلامٍ شابٍ كَأَنَّهُ الشَّمْسُ ، وَقَدْ نَزَلَ مِنَ السَّماءِ وَمَعَهِ رِجالٌ ، فَقُلْتُ لِبَعْضِهِمْ : مَنْ هذا ؟ فَقالَ لي : رَسُولُ اللّهِ وَالْمَلائكَةُ يَعزّونَهُ بِوَلَدِهِ الْحُسَيْنِ عليه السلام .

ثُمَّ قالَ : اِرْفَعِ الرَّأْسُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْكَ يا وَيْلَكَ وَاِلاّ اَهْلَكَكَ اللّهُ . فَقالَ لَهُ يَزيدُ : جِئْتِنا بِاَحْلامِكَ الكاذِبَةَ ؟ يا غِلْمانُ خُذوهُ . فَجَعَلوا يَسْحَبُونَهُ ، ثُمَّ اَمَرَ بِضَرْبِهِ ، فَاَوْجَعُوهُ ضَرْبا . فَنادى : يا اَبا عَبْدِ اللّهِ ، اِشْهَدْ لي عِنْدَ جَدِّكَ ، فَاَنَا اَشْهَدُ اَنَّ لا اِلهَ اِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُه .

فَغَضِبَ يَزيدَ فَقالَ : اِسْلُبوهُ رُوحَهُ . فَقالَ : يا يَزيدُ اِنْ شِئْتَ تَضْرِب ، وَاِنْ شِئْتَ

لَمْ تَضْرِبْ ، فَهذا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله واقِفٌ بِاَزائي وَبِيَدِهِ قَميصٌ مِنْ نُورٍ وَتاجٌ مِنْ نُورٌ ، وَهُوَ يَقُولُ لي : لَيْسَ بَيْني وَبَيْنَكَ اَنْ اُتَوِّجَكَ بِهذا التّاجِ وَاُلَبِّسُكَ هذا الْقَميصَ اِلاّ اَنْ تَخْرُج مِنَ الدُّنيا ، ثُمَّ اَنْتَ رَفيقي في الجَنَّةِ ، ثُمَّ قَضى نَحْبَهُ رحمه الله(2) .

ص: 93


1- مقتل أبي مخنف : 136 .
2- مقتل أبي مخنف : 136 .

[النصراني يروي ليزيد مناقب الحسين عليه السلام]

روى في كتاب العوالم عن بعض مؤفات أصحابنا مرسلا : أنّ نصرانيا أتى رسولا

من ملك الروم - قسطنط الملقب ب-( لوكانا ) - إلى يزيد ، وقد حضر في مجلسه الذي أتي إليه فيه برأس الحسين ، فلما رأى النصراني رأس الحسين عليه السلامفي طشت من ذهب بين يدي يزيد بكى وصاح وناح حتى ابتلت لحيته بالدموع ، ثم قال :

اعلم يا يزيد إنّي دخلت المدينة تاجرا في أيام حياة النبي ، وقد أردت أن آتيه بهدية ، فسألت من أصحابه : أي شيء أحب إليه من الهدايا ؟ فقالوا : الطيب أحب إليه من كلّ شيء ، وإنّ له رغبة فيه .

فحملت من المسك فأرتين ، وقدرا من العنبر الأشهب ، وجئت بها إليه ، وهو يومئذ في بيت زوجته أم سلمة - رضي اللّه عنها - ، فلما شاهدت جماله ازداد لعيني من

لقائه نورا ساطعا ، وزادني منه سرور ، وقد تعلق قلبي بمحبته ، فسلمت عليه ووضعت العطر بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ قلت : هدية محقرة أتيت بها إلى حضرتك ، فقال لي : ما اسمك ؟ فقلت : اسمي عبد الشمس ، فقال لي : بدل اسمك ، فإنّي أسميك عبد الوهاب ، إن قبلت منّي الإسلام قبلت منك الهدية .

فنظرته وتأملته فعلمت أنّه نبي ، وهو النبي الذي أخبرنا عنه عيسى عليه السلام حيث قال : إنّي مبشر لكم بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ، فاعتقدت ذلك وأسلمت على يده في تلك الساعة ، ورجعت إلى الروم وأنا أخفي الإسلام ، ولي مدة من السنين وأنا مسلم [مع خمس من البنين وأربع من البنات ، وأنا اليوم وزير ملك الروم ، وليس لأحد من النصارى اطلاع على حالنا] .

واعلم يا يزيد إنّي يوم كنت في حضرة النبي صلى الله عليه و آله ، وهو في بيت أم سلمة ، رأيت هذا العزيز الذي رأسه وضع بين يديك [مهينا حقيرا] قد دخل على جده من باب الحجرة ، والنبي فاتح باعه ليتناوله وهو يقول : مرحبا بك يا حبيبي حتى أنّه تناوله وأجلسه في حجره ، وجعل يقبل شفتيه ويرشف ثناياه ، وهو يقول : بعد عن رحمة اللّه من قتلك لعن اللّه من قتلك يا حسين وأعان على قتلك ، والنبي صلى الله عليه و آله مع ذلك يبكي .

ص: 94

فلما كان اليوم الثاني كنت مع النبي في مسجده إذ أتاه الحسين مع أخيه الحسن عليهماالسلام وقال : يا جداه قد تصارعت مع أخي الحسن ولم يغلب أحدنا الآخر ، وإنما نريد أن نعلم أينا أشد قوة من الآخر ؟ فقال لهما النبي : حبيبيّ يا مهجتي إنّ التصارع لا يليق بكما ، ولكن إذهبا فتكاتبا ، فمن كان خطه أحسن كذلك تكون قوته أكثر .

فمضيا وكتب كلّ واحد منهما سطرا وأتيا إلى جدهما النبي فأعطياه اللوح ليقضي بينهما ، فنظر النبي إليهما ساعة ، ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما ، فقال لهما :

يا حبيبيّ إني نبي أمي لا أعرف الخط ، إذهبا إلى أبيكما ليحكم بينكما وينظر أيكما أحسن خطا .

فمضيا إليه وقام النبي أيضا معهما ودخلوا جميعا إلى منزل فاطمة عليهاالسلام ، فما كان إلاّ ساعة وإذا النبي مقبل وسلمان الفارسي معه ، وكان بيني وبين سلمان صداقة ومودة ، فسألته كيف حكم أبوهما ؟ وخطّ أيّهما أحسن ؟ قال سلمان - رضوان اللّه عليه - : إنّ

النبي لم يجبهما بشيء ، لأنّه تأمل أمرهما وقال : لو قلت خط الحسن أحسن كان يغتم الحسين ، ولو قلت خط الحسين أحسن كان يغتم الحسن ، فوجههما إلى أبيهما ، فقلت : يا سلمان بحقّ الصداقة والأخوة التي بيني وبينك ، وبحقّ دين الإسلام إلاّ ما أخبرتني

كيف حكم أبوهما بينهما ؟ فقال : لما أتيا إلى أبيهما وتأمل حالهما رقّ لهما ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما ، فقال لهما : امضيا إلى أمكما فهي تحكم بينكما .

فأتيا إلى أمهما وعرضا عليها ما كتبا في اللوح وقالا : يا أماه إنّ جدنا أمرنا أن نتكاتب فكل من كان خطه أحسن تكون قوته أكثر ، فتكاتبنا وجئنا إليه فوجهنا إلى أبينا ، فلم يحكم بيننا ووجهنا إليك ، فتفكرت فاطمة بأن جدهما وأباهما ما أرادا كسر خاطرهما ، أنا ما ذا أصنع ؟ وكيف أحكم بينهما ؟ فقالت لهما : يا قرتي عيني إني أقطع قلادتي على رأسكما فأيكما يلتقط من لؤؤا أكثر كان خطه أحسن ، وتكون قوته أكثر ، وكان في قلادتها سبع لؤؤت ، ثم إنها قامت فقطعت قلادتها

ص: 95

على رأسهما ، فالتقط الحسن ثلاث لؤؤت والتقط الحسين ثلاث لؤؤت ، وبقيت الأخرى ، فأراد كلّ منهما تناولها ، فأمر اللّه تعالى جبرئيل بنزوله إلى الأرض وأن

يضرب بجناحه تلك اللؤؤة ويقدها نصفين ، فأخذ كلّ منهما نصفا .

فانظر يا يزيد كيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يدخل على أحدهما ألم ترجيح الكتابة ، ولم يرد كسر قلبهما ، وكذلك أمير المؤنين وفاطمة عليهماالسلام ، وكذلك ربّ العزة لم يرد كسر قلب أحدهما ، بل أمر من قسم اللؤؤة بينهما لجبر قلبهما ، وأنت هكذا تفعل بابن بنت رسول اللّه ، أف لك ولدينك يا يزيد .

ثم إنّ النصراني نهض إلى رأس الحسين عليه السلام واحتضنه وجعل يقبله وهو يبكي ويقول : يا حسين اشهد لي عند جدك محمد المصطفى ، وعند أبيك علي المرتضى ، وعند أمك فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليهم أجمعين ولعن اعداءهم(1) .

[في خرابة الشام]

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : لما أتي بعلي بن الحسين عليه السلام الى يزيد بن معاوية عليهما لعائن اللّه ومن معه جعلوه في بيت ، وكان حائطه متهاويا ، فقال بعضهم : إنما جعلنا

في هذا البيت ليقع علينا فيقتلنا ، فراطن الحرس فقالوا : انظروا إلى هؤاء يخافون أن يقع عليهم البيت وإنما يخرجون غدا فيقتلون ، قال علي بن الحسين : لم يكن فينا أحد يحسن الرطانة غيري ، والرطانة عند أهل المدينة الرومية(2) . بأبي أنت وامي حقا لا يحسن غيرك لغة الوحش والطير والجن والإنس .

[كلام يزيد مع أهل البيت]

وروي أن يزيدا احضر أهل البيت يوما ثم التفت فقال لزينب عليهاالسلام : تكلمي ، فقالت : هو المتكلم - تعني الإمام زين العابدين عليه السلام - فأنشد السجاد عليه السلام :

ص: 96


1- بحار الأنوار : 45/ 190 ح36 .
2- الخرائج والجرائح : 2/753 الباب 15 ، بصائر الدرجات : 337 باب 12 ، المناقب : 4/145 ، بحار الأنوار : 45/177 باب 39 .

لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم

وأن نكف الأذى عنكم وتؤونا

واللّه يعلم أنا لا نحبكم

ولا نلومكم أن لا تحبونا

فقال : صدقت يا غلام ، ولكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين ، والحمد للّه الذي قتلهما وسفك دماءهما(1) .

فقال علي بن الحسين عليه السلام : يا ابن معاوية وهند وصخر لم تزل النبوة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد ، ولقد كان جدي علي بن أبي طالب في يوم بدر وأحد والأحزاب في يده راية رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار .

ثم قال علي بن الحسين : ويلك يا يزيد إنك لو تدري ما ذا صنعت وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي إذا لهربت في الجبال وافترشت الرماد ودعوت بالويل والثبور أن يكون رأس أبي الحسين بن فاطمة وعلي منصوبا على باب مدينتكم ، وهو وديعة رسول اللّه فيكم ، فأبشر بالخزي والندامة غدا إذا جمع الناس ليوم القيامة(2) .

فلما انتسب السجاد إلى النبي صلى الله عليه و آله وتكلم بهذه الكلمات مع يزيد غضب اللعين غضبا شديدا فقال يزيد لجلوازه : أدخله في هذا البستان واقتله وادفنه فيه ، فدخل به إلى البستان وجعل يحفر ، فأنشأ الإمام السجاد عليه السلام يقول :

اُناديكَ يا جَدّاهُ يا خَيْرَ مُرْسَلٍ

حَبيبِكَ مَقْتُولٌ وَنَسْلُكَ ضايِعُ

وَآلِكَ اَمْسُوا كالإِماءِ بِذِلَّةٍ

تُشاعُ لَهُمْ بَيْنَ الأَنامِ فَجائِعُ

يُرَوِّعُهُمْ بِالسَبِّ مَنْ لا يَروعُهُ

سَبابٌ وَلا راعَ النَبييَّنَ رائعُ

وَدائعُ اَمْلاكٍ وَاَفلاكَ اَصْبَحُوا

لِجَوْرِ يَزيدِ بْنِ الدَّعِيِّ وَدائعُ

فَلَيْتَكَ يا جَدّاهُ تَنْظُرُ حالَنا

نُسامُ وَنُشرى كَالإِماءِ نُبايعُ(3)

ص: 97


1- بحار الأنوار : 45/ 176 .
2- بحار الأنوار : 45/ 136 .
3- مقتل أبي مخنف : 140 .

ثم وقف السجاد يصلي ، فلما هم بقتله ضربته يد من الهواء فخر لوجهه وشهق ودهش ، فرآه خالد بن يزيد وليس لوجهه بقية فانقلب إلى أبيه وقص عليه ، فأمر بدفن الجلواز في الحفرة وإطلاقه(1) .

ثم التفت يزيد الى أهل البيت فقال : قبح اللّه ابن مرجانة لو كانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم على هذا(2) . قال ذلك ثم أمر بارجاعهم فادخلوهم الى خرابة كانت مسجدا .

[أهل البيت في دار يزيد]

وأمر يزيد - لعنه اللّه - بأن يصلب الرأس على باب داره ، وأمر بأهل بيت الحسين عليه السلام أن يدخلوا داره ، فلما دخلت النسوة دار يزيد لم يبق من آل معاوية ولا أبي سفيان أحد إلاّ استقبلهن بالبكاء والصراخ والنياحة على الحسين عليه السلام ، وألقين ما عليهن من الثياب والحلي ، وأقمن المأتم عليه ثلاثة أيام(3) .

[هجوم هند على يزيد]

وخرجت هند بنت عبد اللّه بن عامر بن كريز إمرأة يزيد ، وكانت قبل ذلك في حرم الحسين(4) عليه السلام حتى شقت الستر وهي حاسرة ، فوثبت إلى يزيد وهو في مجلس عام ، وكان المجلس غاصا بالرجال والصناديد ، فقالت : يا يزيد أرأس ابن فاطمة بنت رسول اللّه مصلوب على فناء بابي ؟ ! فوثب إليها يزيد فغطاها وقال : نعم ، فاعولي عليه يا هند وأبكي على ابن بنت رسول اللّه وصريخة قريش عجل عليه ابن زياد لعنه اللّه فقتله ، قتله اللّه ، ثم إنّ يزيد أنزلهم في داره الخاصة ، فما كان يتغدى ولا يتعشى حتى يحضر علي بن الحسين(5) .

ص: 98


1- المناقب : 4/ 173 ، بحار الأنوار : 45/ 176 .
2- الإرشاد : 2/ 120 ، بحار الأنوار : 45/ 136 باب 39 .
3- بحار الأنوار : 45/ 142 باب 39 .
4- في البحار : « وكانت قبل ذلك تحت الحسين عليه السلام » .
5- بحار الأنوار : 45/ 142 باب 39 .

[كلام السجاد عليه السلام والمنهال]

وخرج زين العابدين عليه السلام يوما يمشي في أسواق دمشق ، فاستقبله المنهال بن عمرو فقال له : كيف أمسيت يا ابن رسول اللّه ؟ قال : أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمدا عربي ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمدا منها ، وأمسينا معشر أهل بيته ونحن مغصوبون مقتولون مشردون فإِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ مما أمسينا فيه يا منهال ، وللّه در مهيار حيث قال :

يعظمون له أعواد منبره

وتحت أرجلهم أولاده وضعوا

بأي حكم بنوه يتبعونكم

وفخركم أنكم صحب له تبع

لا يخفى انه ورد في بعض الأخبار : ودعا يزيد يوما بعلي بن الحسين عليه السلام ، فقال له : أتصارع هذا - يعني ابنه خالدا - ؟ فقال له علي : لا ولكن أعطني سكينا وأعطه سكينا ثم أقاتله(1) ، ولكني ذكرت في قصة شهداء الطف أنّ هذا الكلام صادق - عندي - على عمر بن الحسن عليه السلام وعبد اللّه بن يزيد عليه اللعنة ، ولا نكرر الكلام هنا مرة ثانية .

كيف كان ، فان يزيد الملعون كان يطأطأ رأسه لما يراه من آيات تظهر من الرأس المقدس وكرامات يشاهدها من أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله ، فربما خالجه الندم ، ولكن سوء فطرته وخبث طينته لا تتركه يدع أذى أهل البيت والإنتقام منهم ما استطاع الى ذلك سبيلا ، وان كان في هذا الوقت يتظاهر بالتعامل معهم بالرأفة والرعاية والحفاوة مراعاة للسياسة ، وتدبير أمور السلطنة .

[يزيد يأمر الخطيب بسب آل الرسول]

وأحضر يزيد يوما أهل البيت وأمر بمنبر وخطيب وقال للخطيب اصعد واذكر مناقبنا ومثالب أعدائنا ، فصعد الخطيب المنبر وأكثر الوقيعة في علي والحسين عليهماالسلام

ص: 99


1- انظر : مثيرالأحزان : 105 ، اللهوف : 193 ، بحار الأنوار : 45/143 باب 39 .

وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد لعنهما اللّه ، فذكرهما بكل جميل ، فصاح به علي بن الحسين عليه السلام : ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار .

ثم قال علي بن الحسين عليه السلام : يا يزيد ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات للّه فيهن رضا ولهؤاء الجلساء فيهن أجر وثواب ، فأبى يزيد عليه ذلك ، فقال الناس : يا أمير المؤنين ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا ، فقال : إنّه إن صعد لم ينزل إلاّ بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان ، فقيل له : يا أمير المؤنين ، وما قدر ما يحسن هذا ! فقال : إنّه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا ، فلم يزالوا به حتى أذن له ، فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم خطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، ثم قال :

أيها الناس أعطينا ستا وفضلنا بسبع : أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤنين ، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا ، ومنا الصديق ، ومنا الطيار ، ومنا أسد اللّه وأسد رسوله ، ومنا سبطا هذه الأمة ، من عرفني

فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي .

أيها الناس أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حج ولبى ، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، أنا ابن من بلغ به

جبرئيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دَنا فَتَدَلّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلاّ اللّه ، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه بسيفين وطعن برمحين وهاجر الهجرتين وبايع البيعتين وقاتل ببدر وحنين ولم يكفر باللّه طرفة عين ، أنا ابن صالح

المؤنين ووارث النبيين وقامع الملحدين ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين

ص: 100

وزين العابدين وتاج البكاءين وأصبر الصابرين وأفضل القائمين من آل ياسين رسول ربّ العالمين ، أنا ابن المؤد بجبرئيل المنصور بميكائيل ، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين والمجاهد أعداءه الناصبين وأفخر من مشى من قريش أجمعين وأول من أجاب واستجاب للّه ولرسوله من المؤنين وأول السابقين وقاصم المعتدين ومبيد المشركين وسهم من مرامي اللّه على المنافقين ولسان حكمة العابدين وناصر دين اللّه وولي أمر اللّه وبستان حكمة اللّه

وعيبة علمه ، سمح سخي بهي بهلول زكي أبطحي رضي مقدام همام صابر صوام مهذب قوام قاطع الأصلاب ومفرق الأحزاب أربطهم عنانا وأثبتهم جنانا وأمضاهم عزيمة وأشدهم شكيمة أسد باسل يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة وقربت الأعنة طحن الرحى ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم ليث الحجاز وكبش العراق مكي مدني خيفي عقبي بدري أحدي شجري مهاجري من العرب سيدها ومن الوغى ليثها وارث المشعرين وأبو السبطين الحسن والحسين ذاك جدي علي بن أبي طالب .

ثم قال : أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيدة النساء(1) ، أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن المقتول ظلما ، أنا ابن المجزوز الرأس من القفا ، أنا ابن العطشان حتى قضى ، أنا ابن طريح كربلا ، أنا ابن مسلوب العمامة والردا ، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السما ، أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض ، والطير في الهواء ، أنا ابن من رأسه على السنان يهدى ، أنا ابن من حرمه من العراق الى الشام تسبى .

أيّها الناس ، إنّ اللّه تعالى وله الحمد ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن حيث جعل راية الهدى والعدل والتقى فينا ، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا .

فلم يزل يقول : أنا أنا حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد - لعنه اللّه - أن يكون فتنة ، فأمر المؤن فقطع عليه الكلام .

ص: 101


1- بحار الأنوار : 45/ 137 باب 39 .

فلما قال المؤن : اللّه أكبر اللّه أكبر ، قال علي : لا شيء أكبر من اللّه ، فلما قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، قال علي بن الحسين : شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي ،

فلما قال المؤن : أشهد أن محمدا رسول اللّه ، التفت من فوق المنبر إلى يزيد فقال : محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد ؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت ، وإن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته ؟ فلم يجبه يزيد ، وفرغ المؤن من الأذان والإقامة ، وتقدم يزيد فصلى صلاة الظهر(1) .

[يهودي يوبخ يزيد]

وروي أنه كان في مجلس يزيد هذا حبر من أحبار اليهود فقال : من هذا الغلام يا أمير المؤنين ؟ قال : هو علي بن الحسين ، قال : فمن الحسين ؟ قال : ابن علي بن أبي طالب ، قال : فمن أمه ؟ قال : أمه فاطمة بنت محمد ، فقال الحبر : يا سبحان اللّه ، فهذا بن بنت نبيكم قتلتموه في هذه السرعة ، بئسما خلفتموه في ذريته ، واللّه لو ترك فينا

موسى بن عمران سبطا من صلبه لظننا أنا كنا نعبده من دون ربنا ، وأنتم إنما فارقكم نبيكم بالأمس ، فوثبتم على ابنه فقتلتموه ، سوءة لكم من أمة .

فأمر به يزيد فوجئ في حلقه ثلاثا ، فقام الحبر وهو يقول : إن شئتم فاضربوني ، وإن شئتم فاقتلوني أو فذروني ، فإني أجد في التوراة أن من قتل ذرية نبي لا يزال ملعونا أبدا ما بقي ، فإذا مات يصليه اللّه نار جهنم(2) .

[سكينة عليهاالسلام تقص رؤياها على يزيد]

ونقل في كتاب الطريحي وبحار الأنوار والعوالم وغيرها من الكتب المعتبرة رؤيا لسكينة عليهاالسلام رأتها في الشام وفي الفاظهم ادنى تفاوت ويبدو يزيد الملعون في هذا الخبر مظهرا للندم والتأثر وهو عندي معتمد لأنّه كان يتعامل مع أهل بيت النبوة بالحفاوة والتكريم في هذه الايام ثم انه سرحهم بعد ذلك الى المدينة .

ص: 102


1- بحار الأنوار : 45/ 137 باب 39 .
2- بحار الأنوار : 45/ 139 باب 39 .

فروي انه لما كان يزيد في هذه الايام يتعامل مع أهل البيت بالرفق والمداراة قالت له سكينة بنت الحسين عليه السلام ذات يوم : يا يزيد رأيت البارحة رؤا إن سمعتها مني قصصتها عليك ، فقال يزيد : هاتي ما رأيتي ، قالت :

بينما أنا ساهرة وقد كللت من البكاء بعد أن صليت ودعوت اللّه بدعوات ، فلما رقدت عيني رأيت أبواب السماء قد تفتحت ، وإذا أنا بنور ساطع من السماء إلى الأرض ، وإذا أنا بوصائف من وصائف الجنة ، وإذا أنا بروضة خضراء ، وفي تلك الروضة قصر ، وإذا أنا بخمس مشايخ يدخلون إلى ذلك القصر وعندهم وصيف ، فقلت : يا وصيف أخبرني لمن هذا القصر ؟ فقال : هذا لأبيك الحسين ، أعطاه اللّه تعالى ثوابا لصبره ، فقلت : ومن هذه المشايخ ؟ فقال : أما الأول فآدم أبو البشر ، وأما

الثاني فنوح نبي اللّه ، وأما الثالث فإبراهيم خليل الرحمن ، وأما الرابع فموسى الكليم ، فقلت له : ومن الخامس الذي أراه قابضا على لحيته باكيا حزينا من بينهم ؟ فقال لي : يا سكينة ، أما تعرفيه ؟ فقلت : لا ، فقال : هذا جدك رسول اللّه ، فقلت له : إلى أين

يريدون ؟ فقال : إلى أبيك الحسين ، فقلت : واللّه لألحقن جدي وأخبرنه بما جرى علينا ، فسبقني ولم ألحقه .

فبينما أنا متفكرة وإذا بجدي علي بن أبي طالب وبيده سيفه وهو واقف ، فناديته : يا جداه قتل واللّه ابنك من بعدك ، فبكى وضمني إلى صدره وقال : يا بنية صبرا واللّه

المستعان ، ثم إنّه مضى ولم أعلم إلى أين ، فبقيت متعجبة كيف لم أعلم به . فبينما أنا

كذلك إذا بباب قد فتح من السماء ، وإذا بالملائكة يصعدون وينزلون على رأس أبي .

فلما سمع يزيد ذلك لطم على وجهه وبكى وقال : ما لي ولقتل الحسين .

وفي رواية أخرى : أن سكينة قالت : ثم أقبل عليّ رجل دري اللون قمري الوجه حزين القلب ، فقلت للوصيف : من هذا ؟ فقال : جدك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فدنوت منه وقلت له : يا جداه قتلت واللّه رجالنا وسفكت واللّه دماؤا وهتكت واللّه حريمنا وحملنا على الأقتاب من غير وطاء نساق إلى يزيد ، فأخذني إليه وضمني إلى صدره ، ثم أقبل على آدم ونوح وإبراهيم وموسى ثم قال لهم : أما ترون

ص: 103

إلى ما صنعت أمتي بولدي من بعدي ؟ ثم قال الوصيف : يا سكينة اخفضي صوتك فقد أبكيتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ثم أخذ الوصيف بيدي فأدخلني القصر ، وإذا بخمس نسوة قد عظم اللّه خلقتهن وزاد في نورهن ، وبينهن إمرأة عظيمة الخلقة ناشرة شعرها وعليها ثياب سود ، وبيدها قميص مضمخ بالدم ، وإذا قامت يقمن معها وإذا جلست يجلسن معها ، فقلت للوصيف : ما هؤاء النسوة اللاتي قد عظم اللّه خلقتهن ؟ فقال : يا سكينة ، هذه حواء أم البشر ، وهذه مريم ابنة عمران ، وهذه خديجة بنت خويلد ، وهذه هاجر ، وهذه سارة ، وهذه التي بيدها القميص المضمخ وإذا قامت يقمن معها وإذا جلست يجلسن معها هي جدتك فاطمة الزهراء ، فدنوت منها وقلت لها : يا جدتاه قتل واللّه أبي وأوتمت على صغر سني ، فضمتني إلى صدرها وبكت شديدا ، وبكين النساء كلهن وقلن لها : يا فاطمة يحكم اللّه بينك وبين يزيد يوم فصل القضاء(1) . ثم إنها التفت الي وقالت : كفي صوتك يا سكينة فقد قطعت نياط قلبي ، هذا قميص أبيك الحسين لا يفارقني حتى القى اللّه . فلما سمع يزيد ذلك ختم على فمه بختم الندامة والأحزان ، فلم

يرد عليها بشيء بل قام وانصرف الى منزله(2) .

رؤيا هند زوجة يزيد

ونقل عن هند زوجة يزيد أنها قالت في تلك الليلة : كنت أخذت مضجعي فرأيت بابا من السماء وقد فتحت والملائكة ينزلون كتائب كتائب إلى رأس الحسين عليه السلام ، وهم يقولون : السلام عليك يا أبا عبد اللّه ، السلام عليك يا ابن رسول اللّه ، فبينما أنا كذلك إذ نظرت إلى سحابة قد نزلت من السماء وفيها رجال كثيرون ،

وفيهم رجل درّي اللون قمري الوجه ، فأقبل يسعى حتى انكب على ثنايا الحسين يقبلهما وهو يقول :

ص: 104


1- المنتخب : 480 .
2- في المنتخب والبحار : « ثم إنّ يزيد تركها ولم يعبأ بقولها » .

يا ولدي قتلوك ؟ أتراهم ما عرفوك ؟ ومن شرب الماء منعوك ؟ يا ولدي أنا جدك رسول اللّه ، وهذا أبوك علي المرتضى ، وهذا أخوك الحسن ، وهذا عمك جعفر ، وهذا عقيل ، وهذان حمزة والعباس ، ثم جعل يعدد أهل بيته واحدا بعد واحد .

قالت هند : فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة ، وإذا بنور قد انتشر على رأس الحسين عليه السلام ، فجعلت أطلب يزيد ، وهو قد دخل إلى بيت مظلم ، وقد دار وجهه إلى الحائط ، وهو يقول : ما لي وللحسين ، وقد وقعت عليه الهمومات ، فقصصت عليه المنام وهو منكس الرأس(1) يفكر فيما يفعله ليجبر قلوب أهل البيت ويطبب جراحهم ! !

يزيد يستدعي أهل البيت ليقضي حوائجهم ويردهم الى وطن جدهم

اشارة

فلما أصبح استدعى يزيد الملعون بحرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2) والتفت الى علي بن

الحسين عليه السلام فقال له : إذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن ، فقال : الأولى : أن تريني وجه سيدي وأبي ومولاي الحسين عليه السلام ، فأتزود منه وأنظر إليه وأودعه ، والثانية : أن ترد علينا ما أخذ منا ، والثالثة : إن كنت عزمت على قتلي أن توجه مع هؤاء النسوة من يردهن إلى حرم جدهن صلى الله عليه و آله .

فقال : أمّا وجه أبيك فلن تراه أبدا ، وأمّا قتلك فقد عفوت عنك ، وأمّا النساء فما يؤّيهن إلى المدينة غيرك ، وأمّا ما أخذ منكم فأنا أعوضكم عنه أضعاف قيمته ، فقال عليه السلام : أمّا مالك فما نريده وهو موفر عليك ، وإنما طلبت ما أخذ منّا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله ومقنعتها وقلادتها وقميصها ، فأمر برد ذلك وزاد عليه مائتي دينار ، فأخذها زين العابدين عليه السلام وفرّقها في الفقراء والمساكين(3) .

ص: 105


1- بحار الأنوار : 45/ 195 .
2- بحار الأنوار : 45/ 195 .
3- مثيرالأحزان : 106 ، اللهوف : 194 ، بحار الأنوار : 45/144 باب 39 .

ثم التفت يزيد الى حرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال لهن : أيّما أحبّ إليكن المقام عندي أو الرجوع إلى المدينة ولكم الجائزة السنية ؟ قالوا : نحب أولا أن ننوح على الحسين عليه السلام ، قال : افعلوا ما بدا لكم ، ثم أخليت لهن الحجر والبيوت في دمشق ، ولم تبق هاشمية ولا قرشية إلاّ ولبست السواد على الحسين ، وندبوه سبعة أيام .

تسريح أهل البيت الى المدينة

فلما كان اليوم الثامن دعاهن يزيد وعرض عليهم المقام بدمشق فأبوا ذلك وقالوا بل ردنا إلى المدينة فإنه مهاجر جدنا صلى الله عليه و آلهفقال للنعمان بن بشير صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله جهز هؤاء بما يصلحهم وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا وابعث معهم خيلا وأعوانا ثم كساهم وحباهم وفرض لهم الأرزاق والأنزال .

فأحضر لهم المحامل وزينها وأمر بالأنطاع الإبريسم وصب عليها الأموال وقال : يا أم كلثوم خذوا هذا المال عوض ما أصابكم ، فقالت أم كلثوم : يا يزيد ما أقل حياءك وأصلب وجهك ؟ ! تقتل أخي وأهل بيتي وتعطيني عوضهم(1)(2) .

ثم دعا بعلي بن الحسين عليه السلام فقال له : لعن اللّه ابن مرجانة ، أما واللّه لو كنت صاحبه ما سألني خلّة إلاّ أعطيتها إياه ولدفعت عنه الحتف بكل ما قدرت عليه ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى اللّه ما رأيت ، فكاتبني وأنه إليّ كلّ حاجة تكون لك .

ثم أوصى بهم الرسول ، فخرج بهم الرسول يسايرهم ، فيكون أمامهم ، فإذا نزلوا تنحّى عنهم وتفرق هو وأصحابه كهيئة الحرس ، ثم ينزل بهم حيث أراد أحدهم الوضوء ، ويعرض عليهم حوائجهم ويلطفهم حتى دخلوا المدينة(3) .

يزيد يتبرّء من قتل الحسين عليه السلام

فلما شعر أهل الشام بما فعله يزيد من ظلم وقتله سيد الشهداء الحسين عليه السلام ظهرت عليهم علامات الغضب والكراهية والتمرد على يزيد فعلم يزيد بذلك ،

ص: 106


1- بحار الأنوار : 45/ 195 باب 39 .
2- بحار الأنوار : 45/145 باب 39 .
3- بحار الأنوار : 45/145 باب 39 .

فعند ذلك خشى يزيد على نفسه من القتال وقال للناس : أتظنون اني قتلت الحسين ؟ فلعن اللّه من قتله ، إنّما قتله ابن مرجانة .

ثم أمر باحضار قادة الجيش وأمراء العسكر ، من قبيل شبث بن ربعي ومصائب بن وهيبة وشمر بن ذي الجوشن الضبابي وسنان بن أنس النخعي وخولي بن يزيد الأصبحي وغيرهم ، فحضروا بين يديه ، فقال لشبث بن ربعي : ويلك أنا أمرتك بقتل الحسين ؟ فقال : لا لعن اللّه قاتله ، فقال : فمن قتله ؟ قال : إنّما قتله مصائب بن وهيبة ، فالتفت اليه يزيد وكلمه بنفسه الكلمات فاجابه مصائب بمقالة شبث .

ولم يزالوا كذلك الى أن وصل السؤل الى خولي بن يزيد الأصبحي فتحير في جوابه فوقف ساكتا وجعل بعضهم ينظر الى بعض ، فقال لهم : ما لي أراكم ينظر بعضكم الى بعض ؟ من قتل الحسين ؟ فقالوا : قتله قيس بن الربيع ، فقال قيس : لي الأمان ؟ قال : لك الأمان ، قال : إنّ من جيّش الجيوش وجمع العساكر وبذل الأموال هو الذي قتله ، فقال : من فعل ذلك ؟ فقال : هو أنت واللّه يا يزيد .

فغضب منه فقام من مجلسه ، ودخل منزله ، ووضع الطشت الذي فيه رأس الحسين بين يديه في مكان مظلم ، وجعل يبكي ويلطم على وجهه ويقول : ما لي وللحسين ؟

ورود أهل البيت الى كربلاء مرة ثانية

في كتاب اللهوف والعوالم والمنتخب للطريحي : ولما رجعت نساء الحسين عليه السلام وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق قالوا للدليل - النعمان بن بشير - : مرّ بنا على

طريق كربلاء ، فوصلوا إلى موضع المصرع فوجدوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل رسول اللّه قد وردوا لزيارة قبر سيد الشهداء الحسين عليه السلام ، فوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أياما(1) ، ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة .

ص: 107


1- اللهوف : 194 المسلك الثالث ، بحار الأنوار 45/ 146 باب 39 .

لا يخفى أنني ذكرت في ذيل قصة خروج أهل البيت من الكوفة الى الشام الحجة كاملة تامة من استحالة خروج سفير ابن زياد من الكوفة الى الشام حاملا رسالة من ابن زياد يستأمر فيها يزيد في أمر الأسرى ورجوعه بالجواب أن يحملهم الى الشام فيجهزهم ابن زياد ويرسلهم اليه فيبقون هناك مدة ثم يعودون الى كربلاء في العشرين من صفر الموافق ليوم الأربعين من شهادة سيد الشهداء الحسين عليه السلام .

ولم يسجل أي مصدر من المصادر المعتبرة قصة دخولهم الى كربلاء يوم الاربعين بالضبط بحيث يكون مقيدا بقيدا الأربعين ، فلا مانع من أن نقول انهم وردوا كربلاء مرة اخرى في طريق رجوعهم من المدينة الى الشام .

وما ذكره صاحب روضة الشهداء وتبعه عليه صاحب حبيب السير لا يقبله عاقل ، والمعتمد عندي انهم مروا على كربلاء يوم الأربعين في طريق خروجهم من الكوفة الى الشام ، والعلم عند اللّه - .

كيف كان ، فإنّهم لما قاربوا المدينة نزل علي بن الحسين عليه السلام فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه(1) .

وقالت حينئذٍ فاطمة بنت علي عليهماالسلام : قلت لأختي زينب عليهاالسلام : قد وجب علينا حق هذا - تعني النعمان بن بشير - لحسن صحبته لنا ، فهل لك أن نصله ؟ فقالت : واللّه ما

لنا ما نصله به إلاّ أن نعطيه حلينا ، فأخذت سواري ودملجي وسوار أختي ودملجها ، وجمعنا له قليلا من المال ، فبعثنا بها إليه واعتذرنا من قلّتها ، وقلنا : هذا بعض جزائك لحسن صحبتك إيانا ، فقال النعمان : لو كان الذي صنعته للدنيا كان في دون هذا رضاي ، ولكن - واللّه - ما فعلته إلاّ للّه وقرابتكم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2) ، فارجع ما أرسلوه له وودعهم وقفل راجعا .

ص: 108


1- اللهوف : 197 .
2- بحار الأنوار 45/ 146 باب 39 .

محمد بن الحنفية يستقبل أهل البيت

اشارة

روى ابو مخنف قال : ثم علي بن الحسين عليه السلام خرج من عند قبر جده رسول اللّه ودخل على عمه محمد بن الحنفية وأخبره بقتل أبيه ، فبكى حتى غشي عليه ، فلما أفاق من غشوته قام وتدرّع بدرعه ، وتقلّد بسيفه ، وركب جواده ، وصعد الجبل والناس يشاهدونه ، وغاب وما ظهر إلاّ في وقت ظهر فيه المختار(1) .

وهذه الرواية لا تتفق مع عقائد الشيعة ، وإنّي لم أعثر على أي مصدر من كتب العلماء المؤلفة في المقاتل تنص على أنّ محمد بن الحنفية خرج لاستقبال أهل البيت ، إلاّ ما رأيته في كتاب « مفتاح البكاء » ولم أجد مانعا من نقله هنا ، قال :

ان محمد بن الحنفية لما سمع بمجيى ء أهل البيت خرج بسرعة ، فلما نظر الى الاعلام السود خرّ من الفرس الى الأرض مغشيا عليه ، فقيل للسجاد عليه السلام : أدرك عمك ، فإنّه كاد أن يهلك ، فجاء باكيا اليه وأخذ رأس عمه في حجره حتى أفاق ، فلما نظر الى ابن أخيه تأوه وقال : يا ابن أخي ، أين أخي ؟ أين قرة عيني ؟ أين ثمرة فؤادي ؟ أين خليفة أبي ؟ أين الحسين أخي ؟ فقال : يا عماه ، أتيتك يتيما ، قتلوا رجالنا ، وأسروا نساءنا ، يا ليت كنت حاضرا حتى ترى أخيك كيف يستغيث فلا يغاث ، وكيف يستعين فلا يعان ، وقتلوه عطشانا ، وكل الحيوانات ريان ، فصاح محمد صيحة عالية حتى غشي عليه ، فلما أفاق ، قال : يا ابن أخي ، كيف جرى عليكم ؟ فكان عليه السلام يحكي ما جرى عليهم ومحمد يبكي .

أبيات أم كلثوم

وأما أم كلثوم فحين رأت جدران المدينة جعلت تبكي وتقول :

مدينة جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات والأحزان جئنا

ألا فأخبر رسول اللّه عنا

بأنا قد فجعنا في أبينا

ص: 109


1- لم يوجد في النسخة المطبوعة من كتاب مقتل أبي مخنف ، وقد نقل هذا النص بالحرف صاحب أسرار الشهادة في المجلس الرابع والاربعين عن بعض نسخ أبي مخنف .

وأن رجالنا بالطف صرعى

بلا روس وقد ذبحوا البنينا

وأخبر جدنا أنا أسرنا

وبعد الأسر يا جدا سبينا

ورهطك يا رسول اللّه أضحوا

عرايا بالطفوف مسلبينا

وقد ذبحوا الحسين ولم يراعوا

جنابك يا رسول اللّه فينا

فلو نظرت عيونك للأسارى

على أقتاب الجمال محملينا

رسول اللّه بعد الصون صارت

عيون الناس ناظرة إلينا

وكنت تحوطنا حتى تولت

عيونك ثارت الأعدا علينا

أفاطم لو نظرت إلى السبايا

بناتك في البلاد مشتتينا

أفاطم لو نظرت إلى الحيارى

ولو أبصرت زين العابدينا

أفاطم لو رأيتينا سهارى

ومن سهر الليالي قد عمينا

أفاطم ما لقيتي من عداك

ولا قيراط مما قد لقينا

فلو دامت حياتك لم تزالي

إلى يوم القيامة تندبينا

وعرج بالبقيع وقف وناد

أيا ابن حبيب ربّ العالمينا

وقل يا عم يا حسن المزكى

عيال أخيك أضحوا ضائعينا

أيا عماه إنّ أخاك أضحى

بعيدا عنك بالرمضا رهينا

بلا رأس تنوح عليه جهرا

طيور والوحوش الموحشينا

ولو عاينت يا مولاي ساقوا

حريما لا يجدن لهم معينا

على متن النياق بلا وطاء

وشاهدت العيال مكشفينا

مدينة جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات والأحزان جئنا

خرجنا منك بالأهلين جمعا

رجعنا لا رجال ولا بنينا

وكنا في الخروج بجمع شمل

رجعنا حاسرين مسلبينا

وكنا في أمان اللّه جهرا

رجعنا بالقطيعة خائفينا

ومولانا الحسين لنا أنيس

رجعنا والحسين به رهينا

فنحن الضائعات بلا كفيل

ونحن النائحات على أخينا

ونحن السائرات على المطايا

نشال على جمال المبغضينا

ص: 110

ونحن بنات يس وطه

ونحن الباكيات على أبينا

ونحن الطاهرات بلا خفاء

ونحن المخلصون المصطفونا

ونحن الصابرات على البلايا

ونحن الصادقون الناصحونا

ألا يا جدنا قتلوا حسينا

ولم يرعوا جناب اللّه فينا

ألا يا جدنا بلغت عدانا

مناها واشتفى الأعداء فينا

لقد هتكوا النساء وحملوها

على الأقتاب قهرا أجمعينا

وزينب أخرجوها من خباها

وفاطم واله تبدي الأنينا

سكينة تشتكي من حر وجد

تنادي الغوث ربّ العالمينا

وزين العابدين بقيد ذل

وراموا قتله أهل الخؤنا

فبعدهم على الدنيا تراب

فكأس الموت فيها قد سقينا

وهذي قصتي مع شرح حالي

ألا يا سامعون ابكوا علينا(1)

بشير ينعى الحسين عليه السلام

قال بشير بن حذلم : فلما قربنا من المدينة نزل علي بن الحسين عليه السلام فحط رحله وضرب فسطاطه ، وأنزل نساءه وقال يا بشير : رحم اللّه أباك لقد كان شاعرا ، فهل تقدر على شيء منه ؟ قلت : بلى يا ابن رسول اللّه ، إنّي لشاعر ، قال : فادخل المدينة

وانع أبا عبد اللّه .

قال بشير : فركبت فرسي وركزت حتى دخلت المدينة ، فلما بلغت مسجد النبي صلى الله عليه و آله رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قتل الحسين فادمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج

والرأس منه على القناة يدار

ثم قلت : هذا علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم أعرفكم مكانه(2) .

ص: 111


1- بحار الأنوار 45/198 .
2- بحار الأنوار 45/ 147 باب 39 .

قيام القيامة في المدينة

كانت صرخة بشير في المدينة ينعى الحسين عليه السلام كأنّها نفخة الصور ، قال بشير : فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلاّ برزن من خدورهن مكشوفة شعورهن مخمشة وجوههن ضاربات خدودهن يدعون بالويل والثبور وينادين : وا محمداه وا حسيناه ، وكان كيوم مات فيه المصطفى أو كيوم القيامة ، فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوما أمرّ على المسلمين منه ، وسمعت جارية تنوح على الحسين فتقول :

نعى سيدي ناع نعاه فأوجعا

وأمرضني ناع نعاه فأفجعا

فعيني جودا بالدموع وأسكبا

و جودا بدمع بعد دمعكما معا

على من دهى عرش الجليل فزعزعا

فأصبح هذا المجد والدين أجدعا

على بن نبي اللّه وابن وصيه

وإن كان عنا شاحط الدار أشسعا

ثم قالت : أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبد اللّه ، وخدشت منا قروحا لما تندمل ، فمن أنت رحمك اللّه ؟ فقلت : أنا بشير بن حذلم ، وجهني مولاي علي بن الحسين عليهما

الصلاة والسلام ، وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد اللّه ونسائه .

قال : فتركوني مكاني وبادروا ، فضربت فرسي حتى رجعت إليهم ، فوجدت

الناس قد أخذوا الطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط ، والناس يصرخون : وا محمداه وا حسيناه وأصوات البكاء تملأ الفضاء(1) .

روي أنّ أم سلمة خرجت وبيدها فاطمة بنت الحسين وهي تبكي بكاءا شديدا ، وخرجت أم البنين تبكي على الحسين عليه السلام ولم تذكر أولادها الشهداء .

وكان علي بن الحسين عليه السلام داخلا ومعه خرقة يمسح بها دموعه ، وخلفه خادم معه كرسي ، فوضعه له وجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة ، وارتفعت أصوات الناس بالبكاء وحنين الجواري والنساء ، والناس من كلّ ناحية يعزونه ، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة(2) .

ص: 112


1- بحار الأنوار 45/ 148 .
2- بحار الأنوار 45/ 148 .

خطبة الإمام السجاد عليه السلام

فأومأ السيد السجاد عليه السلام بيده أن اسكتوا ، فسكنت فورتهم ، فقال عليه السلام :

الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ بارئ الخلائق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلى وقرب فشهد النجوى نحمده على عظائم الأمور وفجائع الدهور وألم الفجائع ومضاضة اللواذع وجليل الرزء وعظيم المصائب الفاضعة الكاظة الفادحة الجائحة .

أيها الناس إنّ اللّه - وله الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة وثلمة في الإسلام عظيمة قتل أبو عبد اللّه وعترته وسبي نساؤ وصبيته وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان وهذه الرزية التي لا مثلها رزية .

أيها الناس فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أية عين منكم تحبس دمعها وتضن عن انهمالها فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بأمواجها والسماوات بأركانها والأرض بأرجائها والأشجار بأغصانها والحيتان ولجج البحار والملائكة المقربون وأهل السماوات أجمعون .

أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله ؟ أم أي فؤد لا يحن إليه ؟ أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ؟

أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الأمصار كأنّا أولاد ترك وكابل من غير جرم اجترمناه ولا مكروه ارتكبناه ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها « ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الأَوَّلِينَ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ »

واللّه لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما ازدادوا

على ما فعلوا بنا فإِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ من مصيبة ما أعظمها وأوجعها

وأفجعها وأكظها وأفظها وأمرّها وأفدحها فعند اللّه نحتسب فيما أصابنا وما بلغ بنا إنّه عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ .

قال : فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان وكان زمنا فاعتذر إليه - صلوات

ص: 113

اللّه عليه - بما عنده من زمانة رجليه ، فأجابه بقبول معذرته وحسن الظن فيه ، وشكر له وترحم على أبيه(1) . وقد أتينا على ذكره في بعض مجلدات ناسخ التواريخ .

الى مسجد النبي صلى الله عليه و آله

وكان دخولهم المدينة يوم الجمعة فتجدّدت الأحزان واشتملت عليهم المصائب ، وصاروا مابين باك وناحب ، وأقبلت أهل المدينة بأسرها ، فلم يبق في المدينة مخدّرة إلاّ وبرزت من خدرها ، ولبسوا السّواد ، وصاروا يدعون بالويل والثّبور ، فلم ير الاّ باكياً وباكيةً ونادبةً وناعية حتى حنت جدران المدينة وحيطانها ، وجاؤا على هذه الهيئة حتى دخلوا مسجد النبي صلى الله عليه و آله ، فأخذت زينب عليهاالسلام بعضادة مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقالت : « يا جدّاه أنا ناعية اليك أخي الحسين عليه السلام » ، وهي لا تجفّ لها عبرة ولا تفترّ من البكاء ودموعها جارية على خدّيها .

وأقبلت امّ كلثوم الى مسجد رسول اللّه باكية العين حزينة القلب ، فقالت : السّلام عليك يا جدّاه ، إنّي ناعية اليك ولدك الحسين عليه السلام صلوات اللّه وسلامه عليه .

وروي : فحنّ القبر حنيناً عالياً ، وضجّت النّاس بالبكاء والنّحيب .

ثمّ أقبل علي بن الحسين الى قبر جدّه ومرّغ خدّيه وبكى وأنشد يقول :

اُناجيك يا جدّاه يا خير مرسل

حبيبك مقتول ونسلك ضائع

اُناجيك محزونا عليك مؤجّلاً

أسيراً ومالي حامياً ومدافع

سبينا كما تُسبى الإماء ومسَّنا

من الضرّ ما لا تحتمله الأضائع

أيا جدّ يا جدّاه بعدك أظهرت

اُميّة فينا مكرهاً والشّنائع

فضج الناس بالبكاء والنحيب وهم يندبون ويصرخون : « وا محمداه وا علياه وا حسناه وا حسيناه » ، واقامت الرّجال والنّساء يندبون الحسين عليه السلام في المدينة خمسة عشر يوماً . أما نساء بني هاشم فقد لبسن السواد والمسوح ، وكن لا يشتكين من حر ولا برد ، وكان علي بن الحسين عليه السلام يعمل لهن الطعام للمأتم(2) .

ص: 114


1- بحار الأنوار 45/ 149 .
2- المحاسن 2/ 420 25 ح195 ، بحار الأنوار 45/ 188 باب 39 ح33 .

بكاء الإمام السجاد عليه السلام على أبيه الحسين عليه السلام

روي السيد ابن طاووس باسناده عن الصادق عليه السلام أنه قال : إنّ زين العابدين عليه السلام

بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره وقائما ليله ، فإذا حضر الإفطار جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول : كل يا مولاي ، فيقول : قتل ابن رسول اللّه عليه السلام جائعا ، قتل ابن رسول اللّه

عليه السلام عطشانا ، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبتل طعامه من دموعه ، ثم يمزج شرابه بدموعه ، فلم يزل كذلك حتى لحق باللّه - عزّ وجل - .

وحدث مولى له أنه برز يوما إلى الصحراء ، قال : فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة ، فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه ، وأحصيت عليه ألف مرة يقول : لا إله إلاّ اللّه حقا حقا ، لا إله إلا اللّه تعبدا ورقا ، لا إله إلا اللّه إيمانا وتصديقا وصدقا ، ثم رفع رأسه من سجوده وإنّ لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دموع عينيه ، فقلت : يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقلّ ، فقال لي : ويحك إنّ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان نبيا ابن نبي له اثنا عشر ابنا ، فغيب اللّه واحدا منهم ، فشاب

رأسه من الحزن ، واحدودب ظهره من الغم ، وذهب بصره من البكاء ، وابنه حي في دار الدنيا ، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين ، فكيف ينقضي حزني ويقلّ بكائي ؟

وها أنا أتمثل وأشير إليهم عليهم السلام فأقول :

من مخبر الملبسينا بانتزاحهم

ثوبا من الحزن لا يبلى ويبلينا

إنّ الزمان الذي قد كان يضحكنا

بقربهم صار بالتفريق يبكينا

حالت لفقدهم أيامنا فغدت سودا

وكانت بهم بيضا ليالينا(1)

ص: 115


1- اللهوف : 209 المسلك الثالث ، بحارالأنوار 45/ 149 باب 39 . أما المؤلف فقد نسب في ترجمته للنص قوله « وها أنا أتمثل وأشير اليهم فأقول : » الى الامام عليه السلام ، والظاهر أنه ليس كذلك وانما هو من كلام السيد رحمه الله .

وفي كتاب الفصول المهمة : وكان من جملة من كان معهم أم سكينة بنت الحسين عليه السلام

وهي الرباب بنت إمرى ء القيس ، فلما وصلت الى المدينة ، وأقامت قليلا ، خطبها الأشراف من قريش ، فقالت : ما كنت لاتخذ حموا بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وبقيت بعده سنة لم يظللها سقف(1) ، وكانت لا تشتكي حرا ولا بردا ، وتبكي ليلها ونهارها .

وروى عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ، ولا رئي في دار هاشمي دخان خمس حجج حتى قتل عبيد اللّه بن زياد(2) .

إختلاف الأقوال في موضع دفن الرأس المقدس

في كامل الزيارة بسنده عن يزيد بن عمر بن طلحة قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام

وهو بالحيرة : أما تريد ما وعدتك ؟ قال : قلت : بلى - يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤنين عليه السلام - قال : فركب وركب إسماعيل ابنه معه وركبت معهم حتى إذا جاز الثوية ، وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهم ، فصلّى فصلّى إسماعيل وصلّيت ، فقال لإسمعيل : قم فسلم على جدّك الحسين بن علي عليه السلام ، فقلت : جعلت فداك أليس الحسين عليه السلام بكربلاء ؟ فقال : نعم ، ولكن لما حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى(3) لنا فدفنه بجنب أمير المؤنين(4) .

ص: 116


1- الفصول المهمة : 196 .
2- بحار الأنوار 45/ 386 باب 49 . وقد ترجم المؤلف رحمه الله قوله عليه السلام : « ولا رئي في دار هاشمي دخان خمس حجج . .» ، بقوله : « ولا رئي دخان يتصاعد من مطابخهم » . وقد لا يكون هذا هو المقصود فقط بقرينة الاكتحال والاختضاب . . .
3- ترجم المؤلف رحمه الله قوله عليه السلام : « مولى » بالغلام فقال : « سرقه غلام لنا » ، ولعل المقصود بالمولى أعم من ذلك حيث أنّه يشمل من والاهم وأحبهم عليهم السلام .
4- كامل الزيارات : 34 الباب التاسع ح4 ، الكافي 4/ 571 باب موضع رأس الحسين عليه السلام ، فرحة الغري : 64 الباب 6 ، بحار الأنوار 45/ 178باب 39 ح4 .

وكذلك بسند عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أن الملعون عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه لما بعث رأس الحسين عليه السلام إلى الشام ردّ إلى الكوفة ، فقال : أخرجوه عنها لا يفتن به أهلها ، فصيّره اللّه عند أمير المؤنين عليه السلام ، فالرأس مع الجسد والجسد مع الرأس(1) .

قوله : « فالرأس مع الجسد » أي بعد ما دفن هناك ظاهرا ألحق بالجسد(2) .

وروي في الكافي والتهذيب رواية تدلّ على كون رأسه عليه السلام مدفونا عند قبر أمه فاطمة صلّى اللّه عليهما(3) .

ويؤيد هذا الخبر ما رواه صاحب المناقب عن الإمام أبي العلاء الحافظ بإسناده : أنّ يزيد بن معاوية حين قدم عليه رأس الحسين عليه السلام بعثه إلى المدينة ، فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم ، وضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان ، ثم بعث بثقل الحسين ومن بقي من أهله معهم ، وجهزهم بكلّ شيء ، ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلاّ أمر لهم بها وبعث برأس الحسين عليه السلام إلى عمرو بن سعيد بن العاص ، وهو إذ ذاك عامله على المدينة ، فقال عمرو : وددت أنّه لم يبعث به إليّ ، ثم أمر عمرو به فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة(4) . وقال ابن نما : قال قوم : إنّ عمرو بن سعيد دفنه بالمدينة .

وعن منصور بن جمهور : أنّه دخل خزانة يزيد بن معاوية لما فتحت ، فوجد به جونة حمراء ، فقال لغلامه سليم : احتفظ بهذه الجونة فإنّها كنز من كنوز بني أمية ،

ص: 117


1- كامل الزيارات : 36 الباب 9 ، بحار الأنوار 45/ 178 باب 39 .
2- في البحار 45/178 : « قوله : فقال أي قال عبيد اللّه ، قوله : قوله فالرأس مع الجسد أي بعد ما دفن هناك ظاهرا اُلحق بالجسد بكربلاء ، أو صعد به مع الجسد إلى السماء كما في بعض الأخبار ، أو أن بدن أمير المؤنين - صلوات اللّه عليه - كالجسد لذلك الرأس ، وهما من نور واحد .
3- في البحار 45/178 : « وقد روي غير ذلك من الأخبار في الكافي والتهذيب تدل على كون رأسه عليه السلام مدفونا عند قبر والده صلّى اللّه عليهما ، واللّه العالم » .
4- بحار الأنوار 45/ 144 باب 39 .

فلما فتحها إذا فيها رأس الحسين عليه السلام وهو مخضوب بالسواد ، فقال لغلامه : ائتني بثوب ، فأتاه به فلفه ، ثم دفنه بدمشق عند باب الفراديس عند البرج الثالث مما يلي المشرق .

وحدثني جماعة من أهل مصر : أن مشهد الرأس عندهم يسمونه مشهد الكريم

عليه من الذهب شيء كثير يقصدونه في المواسم ويزورونه ، ويزعمون أنه مدفون هناك ، والذي عليه المعول من الأقوال أنّه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه(1) .

وروي : أن سليمان بن عبد الملك بن مروان رأى النبي صلى الله عليه و آله في المنام كأنّه يبره ويلطفه ، فدعا الحسن البصري فسأله عن ذلك ، فقال : لعلك اصطنعت إلى أهله معروفا ؟ فقال سليمان : إنّي وجدت رأس الحسين عليه السلام في خزانة يزيد بن معاوية ، فكسوته خمسة من الديباج وصليت عليه في جماعة من أصحابي وقبرته .

فقال الحسن : إنّ النبي صلى الله عليه و آله رضي منك بسبب ذلك ، وأحسن إلى الحسن ، وأمر له بالجوائز .

وقالوا أيضا : أنّ رأسه عليه السلام صلب بدمشق ثلاثة أيام ، ومكث في خزائن بني أمية حتى ولي سليمان بن عبد الملك ، فطلبه فجيء به ، وهو عظيم أبيض ، فجعله في سفط وطيّبه ، وجعل عليه ثوبا ، ودفنه في مقابر المسلمين بعد ما صلّى عليه ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى المكان يطلب منه الرأس ، فأخبر بخبره فسأل عن الموضع الذي دفن فيه فنبشه وأخذه ، واللّه أعلم ما صنع به ، فالظاهر من دينه أنّه بعثه إلى كربلاء ، فدفن مع جسده عليه السلام .

قال صاحب العوالم : والمشهور بين علمائنا الإمامية أنّه دفن رأسه مع جسده ، ردّه علي بن الحسين عليه السلام ، وقد وردت أخبار كثيرة في أنّه مدفون عند قبر أمير المؤنين عليه السلام(2) .

وورد في روضة الشهداء : أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام حمل رؤوس الشهداء جميعا معه الى كربلاء ودفنها هناك .

ص: 118


1- مثيرالأحزان : 107 .
2- بحار الأنوار 45/ 145 باب 39 .

حمل الرأس المقدس الى القاهرة

اشارة

قال عبوس المنصوري الدوادار في كتاب زبدة الافكار في تاريخ بني أمية : حمل الرأس المقدس في زمان بني العباس من الشام الى عسقلان ، ودفن في مشهد عسقلان ، فلما خافوا غلبة الافرنج حملوا الرأس المقدس الى القاهرة .

وفي العوالم وبعض كتب المتقدمين اشارة الى حمل الرأس المقدس الى مصر ولكنهم لم يفصلوا ذلك ، ولذا وجدت من الواجب علي أن أتعرض الى بيان ذلك .

قال محمد بن علي بن يوسف بن ميسر - وهو من علماء التاريخ - : قصد أفضل بن أمير الجيوش في جيش عظيم بيت المقدس ، فلما وصل الى تلك الأرض ارسل الى أبناء ارتق وقال لهم : خير لكم أن تسلموا المدينة بسلام قبل أن نتراسل بالسهام ونتبادل النبال وتحصد السيوف الرؤوس .

فلم يستجب أهل المدينة الى ما قاله واعتمدوا على جيش الترك ، فآذوا الرسول وأغلقوا الأبواب وتحصنوا داخل المدينة ، فأمر أفضل أن يتحرك الجيش ويحاصروا القلعة فنصبوا المنجنيق ، فثلموا في السور ثلمة ، فاضطر سكان القلعة ان يسلموا ويخضعوا ، فعفا أفضل عنهم وعاملهم بالحسنى وأطلق أبناء ارتق ، وكان اسم أحدهما سكمان والاخر ايلغزى ، ثم توجه الى عسقلان ، وكانت ثغر المسلمين مع الافرنج ، فقصد الى موضع دفن رأس الحسين بن علي عليه السلام فنبشه وأخرج الرأس المقدس فطيبه وعطره ، ووضعه في صندوق ، وبنى له مشهدا عظيما ، فلما جهز البناء ، ضم الرأس المقدس الى صدره وحمله ماشيا على قدميه حتى وضعه في تلك المقبرة بيده ودفنه هناك .

إشارة الى حال الملك أفضل

روي أنّ أمير الجيوش بدر الجمالي بنى مشهد عسقلان ، وأتمه ابنه أفضل ، وأفضل هذا هو المعروف بشاهنشاه ، والملقب بالملك الأفضل ، وهو من وزراء المستنصر والمستعلى من خلفاء بني فاطمة الذين حكموا مصر ، كما سيأتي بيان ذلك في محله من هذا الكتاب إن شاء اللّه .

ص: 119

قال ابن خلكان : وخلّف الافضل من الأموال ما لم يسمع بمثله : خلّف ستمائة ألف ألف دينار عينا ، ومائتين وخمسين اردبّا دراهم نقد مصر ، وخمسة وسبعين ألف ثوب ديباج أطلس ، وثلاثين راحلة أحقاق ذهب عراقي ، ودواة ذهب فيها جوهر قيمته اثنا عشر ألف دينار ، ومائة مسمار من ذهب وزن كلّ مسمار مئة مثقال ، في عشرة مجالس في كلّ مجلس عشرة مسامير على كلّ مسمار منديل مشدود مذهب بلون من الالوان أيما أحب منها لبسه ، وخمسمائة صندوق كسوة لخاصه من دق تنيس ودمياط ، وخلف من الرقيق والخيل والبغال والمراكب والطيب والتجمل والحلي ما لم يعلم قدره إلاّ اللّه سبحانه وتعالى ، وخلف خارجا عن ذلك من البقر والجواميس والغنم ما يُستحى من ذكر عدده ، وبلغ ضمان ألبانها في سنة وفاته ثلاثين ألف دينار ، ووجد في تركته صندوقان كبيران فيهما إبر ذهب برسم النساء والجواري(1) .

عودة الى قصة رأس الحسين عليه السلام

في الخبر : انهم أخرجوا الرأس المقدس من مشهد الرأس في عسقلان فكان غضا كأنّه دفن الساعة ، وكان الدم عليه عبيطا جديدا ، وكانت تفوح منه رائحة المسك ، فحملوه الى القاهرة في اليوم الثامن من جمادى الآخر سنة 548 ، فوضعوه في الكافور ، ثم جعلوه في السرداب ، ونقلوه من هناك الى قصر الزمرد جنب قبة الديلم بباب دهليز الخدمة ، ودفنوه هناك . فكان الناس إذا مروا أمام القبر قبّلوا الأرض .

وزاره الأمير سيف المملكة والقاضي المؤتمن لدى ابن السكين يوم الثلاثاء العشر من جمادى الآخرة ، وكانوا ينحرون عند القبر ابلاً كثيرة يوم عاشوراء ويذبحون البقر والغنم وينوحون ويبكون باصوات عالية ويلعنون قتلة الحسين عليه السلامويتبرؤون منهم ، وكان الأمر كذلك الى أن طويت صفحة الدولة الفاطمية .

ص: 120


1- وفيات الأعيان 2/375 ترجمة 286 .

وروى ابن عبد القاهر في كتاب تاريخ مصر : إنّ الصالح طلائع بن رزيك ، وكان من اُمراء مصر ، أراد أن يبني مسجدا في محلّة « زويلة » قرب باب القاهرة وينقل رأس الحسين عليه السلام من قصر الزمرد اليه ، ليكون هذا الفخر له ولاسرته ، فلم يرض أهل القصر ، فاضطر الى بناء المسجد وشيده بالرخام .

وفي الخبر أنّ السلطان ناصر لما أخذ بعض أهل مصر ، قالوا له : إنّ أحد الخدام الذين كانت لهم منزلة في الدولة الناصرية له علم بكنز من الاموال والاثقال والذهب والفضة مدفون في القصر المذكور ، فأمر بإحضاره ، فلما سأله لم يسمع منه الجواب الشافي ، فأمر صلاح الدين بتعذيبه ، فاخذه الجلاوزة وحبسوا على رأسه الخنافس ، وهو عذاب لا يحتمله انسان ، لان هذه الحشرة تحفر الرأس وتحدث في الدماغ ثلمة حتى يموت الإنسان ، ولكن الجلاوزة لم يجدوا أي تأثر على وجه الخادم وبقي ساكنا لا يبدو عليه أي اضطرار أو انزعاج ، فلما فتحوا رأسه وجدوا الخنافس كلها ميتة ، فأعادوا الكرة فوجدوها بعد قليل ميتة ، وكرروا ذلك عدة مرات فلم يحصدوا سوى الخيبة ولم يروا أثرا سوى موت الخنافس ، فتعجب صلاح الدين من ذلك ، فسأله وقال : أصدقني ما سرك وما سبب موت هذه الخنافس ؟ فقال : إنّي لا أعلم سببا ولا أعرف سرا إلاّ أنّي حملت رأس الحسين عليه السلام على رأسي ، فقال له : وأيّ سرّ وسبب أعظم من هذا ؟ فعفا عنه وأطلقه .

وفي أيام الصالحية في عهد ولاية الامير جمال الدين بن يغمور على القاهرة - سنة نيف وأربعين وستمائة - سقطت شمعة من يد أحد الخزان فشبت النار في بعض الأشياء التي كانت في مشهد الرأس ، وتعالت ألسنة النار ، فانبرى الامير جمال الدين بنفسه الى اخماد النار ، وهو يقول :

قالوا يغضب للحسين ولم يزل

بالنفس للهول المخوف معرضا

حتى انضوا ضوء الحريق وأصبح

المسود من تلك المخاوف أبيضا

أرضى الاله بما أتى فكأنه

بين الأنام بفعله موسى الرضا

ص: 121

وفي أيام الأفضلية كانوا يفرشون المسجد الحسيني يوم عاشوراء بالحصر ، وربما فرشوا الحصير مقلوبا ، فيجلس الملك الافضل في صدر المجلس ، ويجلس القاضي والشخصيات الكبيرة عن يمينه شماله ، ويأتي الشعراء والقراء ويقرؤون قصائدهم ومراثيهم بالتناوب ، فترتفع أصوات الناس بالبكاء والنحيب ، ثم يفرشون سفرة من النطع تكفي للآلاف ويضعون فيها ما هو المرسوم في مجالس العزاء من خبز الشعير وأنواع الخبز والحبوبات والمخللات والعسل والفطائر ، فاذا صار الزوال يخرج الناس بالبكاء والنحيب فيطوفون في أسواق القاهرة فتغلق الدكاكين وتعطل الأسواق والحوانيت الى الليل .

ولم تكن هذه السنة مستحدثة في مصر بعد أن دفن فيها الرأس المقدس وإنّما كان هو دأب الشيعة في مصر منذ بداية قيام الدولة الفاطمية هناك .

وفي أيام الأخشيدية والكافورية كان جند كافور وسودان أرض المغرب يؤذون الشيعة ويضايقونهم ، فكانوا ينزلون الى الشوارع والأسواق فيسألون من يواجهونه : من خالك ؟ فاذا قال : معاوية ، خلوا سبيله وتركوه وشأنه ، واذا سكت ، يؤذنه ويعتدون عليه ويأخذون ما كان معه ، واذا استفردوا به ولم يجدوا مدافعا يدفع عنه سلبوه ما عليه من ثياب .

وكانت مراسم العزاء قائمة في مصر حتى تصرمت أيام الدولة الفاطمية ، ولا زال الناس الى اليوم - أي سنة 1291 ه - يقصدون المشهد الحسيني المعروف في مصر للزيارة ويرعون للمشهد حرمته وآدابه .

ذكر بكاء السماء والأرض والجن والإنس والوحش والطير وجميع المخلوقات على الحسين عليه السلام

بكاء السماء

في كتاب كامل الزيارة بسنده عن عروة بن الزبير بن العوام قال : سمعت أبا ذر وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر فهذا قليل

ص: 122

في اللّه ، فقال : ما أيسر هذا ! ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن علي عليه السلام قتلا - أو قال : ذبح ذبحا - واللّه لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة أعظم قتيلا منه ، وإنّ اللّه سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا ، ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس ، وإنّكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله لبكيتم - واللّه - حتى تزهق أنفسكم ، وما من سماء يمرّ به روح

الحسين عليه السلام إلاّ فزع له سبعون ألف ملك يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة ، وما من سحابة تمرّ وترعد وتبرق إلاّ لعنت قاتله ، وما من يوم إلاّ وتعرض روحه على رسول اللّه فيلتقيان(1) .

دماء تغلي تحت أحجار بيت المقدس

أيضا في كتاب العوالم وغيره عن رجل من أهل بيت المقدس أنّه قال : واللّه لقد عرفنا أهل بيت المقدس ونواحيها عشية قتل الحسين بن علي عليه السلام ، قالوا : وكيف ذلك ؟ قال : ما رفعنا حجرا ولا مدرا وصخرا إلاّ ورأينا تحتها دما يغلي ، واحمرت الحيطان كالعلق ، ومطرنا ثلاثة أيام دما عبيطا ، وسمعنا مناديا ينادي في جوف الليل يقول :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

معاذ اللّه لا نلتم يقينا

شفاعة أحمد وأبي تراب

قتلتم خير من ركب المطايا

وخير الشيب طرا والشباب

وانكسفت الشمس ثلاثا ثم تجلت عنها ، وانشبكت النجوم ، فلما كان من الغد أرجفنا بقتله ، فلم يأت علينا كثير شيء حتى نعي إلينا الحسين عليه السلام(2) .

حديث ميثم عن يوم عاشورا

أيضا في الأمالي للصدوق وعلل الشرائع عن جبلة المكية قال : سمعت ميثم التمار - قدس اللّه روحه - يقول : واللّه لتقتل هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر يمضين منه ،

ص: 123


1- كامل الزيارات : 73 الباب 23 ، بحار الأنوار 45/ 219 باب 40 .
2- كامل الزيارات : 77 الباب 24 ، بحار الأنوار 45/205 .

وليتخذن أعداء اللّه ذلك اليوم يوم بركة ، وإنّ ذلك لكائن ، قد سبق في علم اللّه تعالى ذكره ، أعلم ذلك لعهد عهده إلي مولاي أمير المؤنين - صلوات اللّه عليه - . ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحر والطير في السماء ، ويبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض ومؤنو الإنس والجن ، وجميع ملائكة السماوات والأرضين ، ورضوان ومالك وحملة العرش ، وتمطر السماء دما ورمادا .

ثم قال : وجبت لعنة اللّه على قتلة الحسين كما وجبت على المشركين « الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ » ، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس .

قال جبلة : فقلت له : يا ميثم فكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي قتل فيه الحسين يوم بركة ؟ فبكى ميثم رضى الله عنه ، ثم قال : يزعمون لحديث يضعونه أنه اليوم الذي تاب اللّه فيه على آدم ، وإنما تاب اللّه على آدم في ذي الحجة ، ويزعمون أنه اليوم الذي قبل اللّه فيه توبة داود ، وإنما قبل اللّه - عزّ وجلّ - توبته في ذي الحجة ، ويزعمون أنه اليوم الذي أخرج اللّه فيه يونس من بطن الحوت ، وإنما أخرج اللّه - عزّ وجلّ - يونس من بطن الحوت في ذي الحجة ، ويزعمون أنه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي ، وإنما اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ في يوم الثامن عشر من ذي الحجة ، ويزعمون أنه اليوم الذي فلق اللّه - عزّ وجلّ - فيه البحر لبني إسرائيل ، وإنما كان ذلك في ربيع الأول .

ثم قال ميثم : يا جبلة اعلمي أنّ الحسين بن علي سيد الشهداء يوم القيامة ، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة ، يا جبلة إذا نظرت إلى الشمس حمراء كأنّها دم عبيط فاعلمي أن سيد الشهداء الحسين قد قتل .

قالت جبلة : فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة ، فصحت حينئذ وبكيت وقلت : قد واللّه قتل سيدنا الحسين بن علي عليه السلام(1) .

ص: 124


1- علل الشرائع 1/ 227 162 ، الأمالي للصدوق : 126 المجلس السابع والعشرون ، بحار الأنوار 45/202 باب 40 ح4 .

إخبار أمير المؤمنين عن قتل الحسين عليهماالسلام وبكاء السماء عليه

عن إبراهيم النخعي قال : خرج أمير المؤنين - صلوات اللّه عليه - فجلس في المسجد واجتمع أصحابه حوله ، وجاء الحسين عليه السلام حتى قام بين يديه ، فوضع يده على رأسه فقال : يا بني إنّ اللّه عيّر أقواما في القرآن فقال : « فَما بَكَتْ

عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ » ، وأيم اللّه ليقتلنك ثم تبكيك السماء والأرض(1) .

وزاد في تفسير علي بن إبراهيم قال : وما بكت السماء والأرض إلاّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي(2) . وروي هذا الحديث بالفاظ عدة في مصادر كثيرة .

بكاء السماء والارض على الحسين عليه السلام

في قرب الإسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : زوروا الحسين عليه السلام ولا تجفوه ، فإنه سيد شباب الشهداء و(3)سيد شباب أهل الجنة ، وشبيه يحيى بن زكريا ، وعليهما بكت السماء والأرض(4) .

وفي الأمالي للشيخ الطوسي عن الحسين بن أبي فاختة قال : كنت أنا وأبو سلمة السراج ويونس بن يعقوب والفضيل بن يسار عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له : جعلت فداك ، إنّي أحضر مجالس هؤاء القوم فأذكركم في نفسي فأي شيء أقول ؟ فقال : يا حسين إذا حضرت مجالس هؤاء فقل : اللّهم أرنا الرخاء والسرور ، فإنّك تأتي على ما تريد .

قال : فقلت : جعلت فداك ، إنّي أذكر الحسين بن علي عليه السلام فأي شيء أقول إذا ذكرته ؟ فقال : قل : صلّى اللّه عليك يا با عبد اللّه ، تكررها ثلاثا .

ص: 125


1- كامل الزيارات : 88 الباب 28 ، بحار الأنوار 45/ 209 باب 40 ح16 .
2- تفسير القمي 2/ 291 ، بحار الأنوار 45/ 201 باب 40 .
3- في قرب الإسناد : « أو » .
4- قرب الإسناد 1/ 48 ، بحار الأنوار 45/201 باب 40 .

ثم أقبل علينا وقال : إنّ أبا عبد اللّه لما قتل بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ، ومن يتقلّب في الجنة والنار ، وما يرى وما لا يرى ، إلاّ

ثلاثة أشياء فإنّها لم تبك عليه ، فقلت : جعلت فداك ، وما هذه الثلاثة الأشياء التي لم تبك عليه ؟ فقال : البصرة ودمشق وآل الحكم بن أبي العاص(1) .

وما أكثر الأحاديث في هذا المعنى في كامل الزيارة وغيره من الكتب مروية عن أبي عبد اللّه عليه السلام بالفاظ شتى لم نذكرها تجنبا للاطالة والاطناب .

عن محمد الحميري أيضا باسناده عن زرارة - وكان من أصحاب الصادق عليه السلام - قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا زرارة إنّ السماء بكت على الحسين أربعين صباحا بالدم ، وإنّ الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد ، وإنّ الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف والحمرة ، وإنّ الجبال تقطعت وانتثرت ، وإنّ البحار تفجرت ، وإنّ الملائكة بكت أربعين صباحا على الحسين ، وما اختضبت منّا إمرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد - لعنه اللّه - ، وما زلنا في عبرة

بعده ، وكان جدي إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته ، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه ، وإنّ الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء والسماء من الملائكة .

ولقد خرجت نفسه عليه السلام فزفرت جهنم زفرة كادت الأرض تنشق لزفرتها ، ولقد خرجت نفس عبيد اللّه بن زياد ويزيد بن معاوية - لعنهم اللّه - فشهقت جهنم شهقة لولا أنّ اللّه حبسها بخزانها لأحرقت من على ظهر الأرض من فورها ، ولو يؤن لها ما بقي شيء إلاّ ابتلعته ، ولكنها مأمورة مصفودة ، ولقد عتت على الخزان غير مرة حتى أتاها جبرئيل فضربها بجناحه فسكنت ، وإنها لتبكيه وتندبه ، وإنّها لتتلظى على قاتله ، ولولا من على الأرض من حجج اللّه لنقضت الأرض وأكفأت ما عليها ، وما تكثر الزلازل إلاّ عند اقتراب الساعة .

ص: 126


1- الأمالي للطوسي 2/54 المجلس الثاني ، بحار الأنوار 45/ 201 باب 40 ح3 .

وما عين أحبّ إلى اللّه ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه ، وما من باك يبكيه إلاّ وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه ، ووصل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأدى حقنّا ، وما من عبد يحشر إلاّ عيناه باكية إلاّ الباكين على جدي ، فإنّه يحشر وعينه قريرة والبشارة

تلقاه والسرور على وجهه ، والخلق في الفزع وهم آمنون ، والخلق يعرضون وهم حداث الحسين عليه السلام تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون سوء الحساب ، يقال لهم : ادخلوا الجنة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه ، وإنّ الحور لترسل إليهم : أنا قد اشتقناكم مع الولدان المخلدين ، فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة ، وإنّ أعداءهم من بين مسحوب بناصيته إلى النار ، ومن قائل « فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ » ، وإنّهم ليرون منزلهم وما يقدرون أن يدنوا إليهم ولا يصلون إليهم ، وإنّ الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم ومن خزانهم على ما أعطوا من الكرامة ، فيقولون : نأتيكم إن شاء اللّه ، فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم فيزدادون إليهم شوقا إذا هم خبروهم بما هم فيه من الكرامة وقربهم من الحسين عليه السلام ، فيقولون : الحمد للّه الذي كفانا الفزع الأكبر وأهوال القيامة ونجانا مما كنا نخاف ، ويؤون بالمراكب والرحال على النجائب فيستوون عليها ، وهم في الثناء على اللّه والحمد للّه والصلاة على محمد وعلى آله حتى ينتهوا إلى منازلهم(1) .

وفي كامل الزيارات باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ الحسين - صلوات اللّه عليه - بكى لقتله السماء والأرض واحمرتا ، ولم تبكيا على أحد قط إلاّ

على يحيى بن زكريا والحسين بن علي صلوات اللّه عليهم(2) .

أيضا في الجزء السابع عشر من العوالم باسناده عن أبي بصير قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام وأحدثه فدخل عليه ابنه ، فقال له : مرحبا ، وضمه وقبّله ، وقال :

ص: 127


1- كامل الزيارات : 80 الباب 26 ، بحار الأنوار 45/ 206 باب 40 ح13 .
2- كامل الزيارات : 89 الباب 28 ، بحار الأنوار 45/ 209 باب 40 ح17 .

حقّر اللّه من حقّركم ، وانتقم ممن وتركم ، وخذل اللّه من خذلكم ، ولعن اللّه من قتلكم ، وكان اللّه لكم وليا وحافظا وناصرا ، فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء ، ثم بكى وقال : يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم ، يا أبا بصير إنّ فاطمة لتبكيه

وتشهق فتزفر جهنم زفرة لولا أنّ الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض ، فيكبحونها ما دامت باكية ويزجرونها ، ويوثقون من أبوابها مخافة على أهل الأرض فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة ، وإنّ البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على بعض ، وما منها قطرة إلاّ بها ملك موكل ، فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نارها بأجنحته وحبس بعضها على بعض مخافة على الدنيا ومن فيها ومن على الأرض ، فلا تزال الملائكة مشفقين يبكون لبكائها ويدعون اللّه ويتضرعون إليه ويتضرع أهل العرش ومن حوله ، وترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس للّه مخافة على أهل الأرض ، ولو أن صوتا من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل الأرض وتقلعت الجبال وزلزلت الأرض بأهلها .

قلت : جعلت فداك ، إنّ هذا الأمر عظيم ! ! قال : غيره أعظم منه ما لم تسمعه ، ثم قال : يا با بصير ، أما تحبّ أن تكون فيمن يسعد فاطمة ؟ ! فبكيت حين قالها ، فما قدرت على المنطق ، وما قدرت على كلامي من البكاء ، ثم قام إلى المصلى يدعو ، وخرجت من عنده على تلك الحال ، فما انتفعت بطعام ، وما جاءني النوم ، وأصبحت صائما وجلا حتى أتيته ، فلما رأيته قد سكن سكنت ، وحمدت اللّه حيث لم تنزل بي عقوبة(1) .

وفي كامل الزيارات باسناده عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلاميقول : كان الذي قتل الحسين عليه السلام ولد زنا ، والذي قتل يحيى بن زكريا ولد زنا .

ص: 128


1- كامل الزيارات : 82 الباب 26 ، بحار الأنوار45/ 208 باب 40 ح14 .

وقال : إحمرت السماء حين قتل الحسين - صلوات اللّه عليه - سنة ، ثم قال : بكت السماوات والأرض على الحسين وعلى يحيى بن زكريا ، وحمرتها بكاؤا(1) .

وروي مسندا عن حنان قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما تقول في زيارة قبر الحسين بن علي عليه السلام ، فإنّه بلغنا عن بعضهم أنها تعدل حجة وعمرة ؟ قال : لا تعجب ، ما أصاب من يقول هذا كله ! ولكن زره ولا تجفه ، فإنّه سيد شباب الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ، وشبيه يحيى بن زكريا ، وعليهما بكت السماء والأرض(2) .

وروى هذا الحديث ابن الوليد وجماعة من المشايخ عن حنان بن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السلام مثله سواء(3) .

وفي قصص الراوندي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنّ الحسين بن علي عليه السلامبكى لقتله السماء والأرض واحمرتا ، ولم تبكيا على أحد قط إلاّ على يحيى بن زكريا عليه السلام(4) .

وروي في عيون الأخبار عن الرضا عليه السلام : أنه بكت السماوات السبع والأرضون لقتله(5) .

وفي أخبار الصحابة والتابعين والمناقب لابن شهرآشوب وأبو نعيم في دلائل النبوة والنسوي في المعرفة قالت نضرة الأزدية : لما قتل الحسين عليه السلام أمطرت السماء

دما ، وحبابنا وجرارنا صارت مملؤة دما .

وقال قرظة بن عبيد اللّه : مطرت السماء يوما نصف النهار على شملة بيضاء ، فنظرت فإذا هو دم ، وذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب فإذا هو دم ، وإذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام .

ص: 129


1- كامل الزيارات : 93 الباب 28 ، بحار الأنوار 45/213 باب 40 ح31 .
2- كامل الزيارات : 91 الباب 28 ، بحار الأنوار 45/ 211 باب 40 ح27 .
3- كامل الزيارات : 91 الباب 28 .
4- قصص الأنبياء للراوندي : 220 فصل3 ح292 .
5- عيون أخبارالرضا عليه السلام 1/ 299 باب 28 ، بحار الأنوار 45/ 201 باب 40 .

وروى أسامة بن شبيب بإسناده عن أم سليم قالت : لما قتل الحسين مطرت السماء مطرا كالدم ، حتى احمرت منه البيوت والحيطان . وروى قريبا من ذلك في الإبانة .

وفي تفسير القشيري والفتال(1) : قال السدي : لما قتل الحسين بكت عليه السماء ، وعلامتها حمرة أطرافها .

وقال محمد بن سيرين : اخبرنا أن حمرة أطراف السماء لم تكن قبل قتل الحسين عليه السلام .

وفي تاريخ النسوي(2) روى حماد بن زيد باسناده قال : تعلم هذه الحمرة في الأفق مم هي ؟ ثم قال : من يوم قتل الحسين عليه السلام . وروى هذا الحديث أبو عيسى الترمذي .

وفي المناقب لابن شهرآشوب باسناده : لما قتل الحسين ارتفعت حمرة من قبل المشرق وحمرة من قبل المغرب ، فكادتا يلتقيان في كبد السماء ستة أشهر .

وفي تاريخ النسوي(3) قال أبو قبيل : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي . أي القيامة .

وبالإسناد عن أم حيان قالت : يوم قتل الحسين أظلمت علينا ثلاثا ، ولم يمس أحد من زعفرانهم شيئا فجعله على وجهه إلاّ احترق ، ولم يقلب حجر ببيت المقدس إلاّ أصبح تحته دما عبيطا . والأحاديث بهذا المعنى كثيرة في كتب المناقب .

وبالإسناد عن يعقوب عن إسماعيل عن علي بن مسهر عن جدته قالت : كنت أيام الحسين جارية شابة ، فكانت السماء أياما علقة .

وبالإسناد عن يعقوب عن نضرة الأزدية قالت : لما أن قتل الحسين عليه السلام مطرت السماء دما ، فأصبحنا وكلّ شيء لنا ملئان دما(4) .

ص: 130


1- في المتن : « فتاك » . وما أثبتناه من المصدر .
2- في المتن : « النبوي » .
3- في المتن : « النبوي » .
4- المناقب 4/ 54 ، بحار الأنوار 45/ 215 باب 40 ح 38 وما بعده .

وفي إرشاد المفيد عن محمد بن سيرين قال : لم تر هذه الحمرة في السماء إلاّ بعد قتل الحسين عليه السلام(1) .

قال صاحب العوالم : يحتمل أن يراد به اشتداد الحمرة وزيادتها .

وفي الأمالي للطوسي بإسناده عن عمار بن أبي عمار قال : أمطرت السماء يوم قتل الحسين عليه السلام دما عبيطا(2) .

روي أيضا في أول الجزء الخامس من صحيح مسلم في تفسير قوله تعالى « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ » قال : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام بكت السماء ، وبكاؤا حمرتها .

وروى الثعلبي في تفسير هذه الآية : أنّ الحمرة التي مع الشفق لم يكن قبل قتل الحسين عليه السلام .

وروى الثعلبي أيضا يرفعه قال : مطرنا دما بأيام قتل الحسين عليه السلام(3) .

وفي كامل الزيارات أيضا باسناده عن علي بن مسهر القرشي قال : حدثتني جدتي : أنّها أدركت الحسين بن علي حين قتل - صلوات اللّه عليه - قالت : فمكثنا سنة

وتسعة أشهر والسماء مثل العلقة مثل الدم ما ترى الشمس(4) .

وفي كامل الزيارات أيضا محمد بن جعفر باسناده عن محمد بن سلمة قال : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام أمطرت السماء ترابا أحمر(5) .

وفي كامل الزيارات باسناده عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال : إنّ السماء لم تبك منذ وضعت إلاّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهماالسلام ، قلت : أي شيء كان بكاؤا ؟ قال : كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم(6) .

ص: 131


1- بحار الأنوار 45/ 219 باب 40 ، الإرشاد 2/132 ، إعلام الورى 220 الفصل الثالث .
2- الأمالي للطوسي : 333 المجلس الحادي عشر .
3- بحار الأنوار 45/ 217 باب 40 ح40 .
4- كامل الزيارات : 89 الباب 28 ، بحار الأنوار 45/210 باب 40 ح19 .
5- كامل الزيارات : 90 الباب 28 ، بحار الأنوار 45/211 باب 40 ح25 .
6- كامل الزيارات : 91 ح12 .

أيضا قال علي بن الحسين في خطبته قبل دخول المدينة - التي ذكرناها مفصلا فيما مضى - : فلقد بكت السبع الشداد لقتله . . الى قوله . . : والسموات بأركانها .

وفي كامل الزيارات أيضا باسناده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : ما بكت السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاّ على الحسين بن علي - صلوات اللّه عليهما - فإنّها بكت عليه أربعين يوما(1) .

وفي قصص الأنبياء عليهم السلام عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : « لَمْ نَجْعَلْ

لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا » قال : يحيى بن زكريا لم يكن له سميّ قبله ، والحسين بن علي لم يكن له سميّ قبله ، وبكت السماء عليهما أربعين صباحا ، وكذلك بكت الشمس عليهما ، وبكاؤا أن تطلع حمراء وتغيب حمراء ، وقيل : أي بكى أهل السماء وهم الملائكة(2) .

وفي كامل الزيارات باسناده عن عبد اللّه بن هلال قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام

يقول : إنّ السماء بكت على الحسين بن علي عليهماالسلام ويحيى بن زكريا ، ولم تبك على أحد غيرهما ، قلت : وما بكاؤا ؟ قال : مكثوا أربعين يوما تطلع الشمس بحمرة وتغرب بحمرة ، قلت : فذلك بكاؤا ؟ قال : نعم(3) .

وفي كامل الزيارات علي بن الحسين باسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ » قال : لم تبك السماء أحدا منذ قتل يحيى بن زكريا حتى قتل الحسين عليه السلام فبكت عليه(4) .

وروى محمد بن جعفر الرزاز باسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : احمرت السماء حين قتل الحسين بن علي سنة ، ثم قال : بكت السماء والأرض على الحسين بن علي سنة ، وعلى يحيى بن زكريا ، وحمرتها بكاؤا(5) .

ص: 132


1- كامل الزيارات : 90 الباب 28 ، بحار الأنوار 45/ 211 باب 40 ح23 .
2- قصص الأنبياء للراوندي : 220 فصل 3 ، بحار الأنوار 45/218 باب 40 ح45 .
3- كامل الزيارات : 91 الباب 28 ، بحار الأنوار 45/ 210 باب 40 ح18 .
4- كامل الزيارات : 89 الباب 28 ، قصص الأنبياء للراوندي : 220 فصل 3 ، بحار الأنوار 45/ 210 باب 40 ح20 .
5- بحار الأنوار 45/ 210 باب 40 ح21 .

وروى عن عبد الخالق بن عبد ربّه قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا » الحسين بن علي لم يكن له من قبل سميا ، ويحيى بن زكريا لم يكن له من قبل سميا ، ولم تبك السماء إلاّ عليهما أربعين صباحا ، قال : قلت : ما بكاؤا ؟ قال : كانت تطلع حمراء وتغرب حمراء(1) .

وروى محمد بن جعفر الرزاز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : لم تبك السماء إلاّ على الحسين بن علي ويحيى بن زكريا عليه السلام(2) .

وروي مسندا عن الحسن بن زياد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وقاتل الحسين ولد زنا ، ولم تبك السماء على أحد إلاّ عليهما ، قال :

قلت : وكيف تبكي ؟ قال : تطلع الشمس في حمرة وتغيب في حمرة(3) .

وكذا حدث محمد بن جعفر باسناده مثله(4) .

وروي بطريق آخر عن أبي سلمة عن جعفر بن محمد عليهماالسلام قال : لم تبك السماء الا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهماالسلام .

وروى ابن شهرآشوب قال : قال الصادق عليه السلام : بكت السماء على الحسين أربعين صباحا بالدم(5) .

وروى زرارة بن أعين عن الصادق عليه السلام قال : بكت السماء على يحيى بن زكريا وعلى الحسين بن علي عليه السلام أربعين صباحا ، ولم تبك إلاّ عليهما ، قلت : فما بكاؤا ؟ قال : كانت الشمس تطلع حمراء وتغيب حمراء(6) .

وقال ابن حجر السني المتعصب في شرح الهمزية :

ص: 133


1- كامل الزيارات : 90 الباب 28 ، بحار الأنوار 45/ 211 باب 40 ح22 .
2- كامل الزيارات : 90 الباب 28 ، بحار الأنوار 45/211 باب 40 ح24 .
3- بحار الأنوار 45 /212 باب 40 ح28 .
4- كامل الزيارات : 91 الباب 28 .
5- المناقب 4/ 54 . وفيه : « يوما » بدل « صباحا » .
6- المناقب 4/ 54 . وفيه : « يوما » بدل « صباحا » .

مما ظهر يوم قتله من الآيات : أن السماء مطرت دما ، وأن أوانيهم ملئت دما ، وأن السماء اشتد سوادها لانكساف الشمس حينئذ ، حتى رؤيت النجوم واشتد الظلام حتى ظن الناس أن القيامة قد قامت ، وأن الكواكب ضربت بعضها بعضا ، وأنّه لم يرفع حجر إلاّ يرى تحته دم عبيط ، وأن الورس انقلب رمادا ، وأن الدنيا اظلمت ثلاثة أيام ، ثم ظهرت الحمرة ، وقيل : احمرت ستة أشهر ، ثم لا زالت الحمرة ترى بعد ذلك .

وقال ابن سيرين : اخبرنا : أن الحمرة التي مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين .

وقال ابن الجوزي في كتاب تذكرة خواص الامة : قال جدي أبو الفرج في كتاب « التبصرة » : لما كان الغضبان يحمر وجهه عند الغضب ، فليستدل بذلك على غضبه وانه أمارة السخط ، والحق سبحانه ليس بجسم ، فاظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الأفق ، وذلك دليل على عظم الجناية(1) .

وقال ابن سعد في الطبقات : إنّ هذه الحمرة لم تر في السماء قبل أن يقتل حسين .

وروي بطرق عديدة عن هلال بن ذكوان قال : لما قتل الحسين مكثنا شهرين أو ثلاثة ، كأنّما لطخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر الى غروب الشمس . قال : وخرجنا في سفر فمطرنا مطرا بقي أثره في ثيابنا مثل الدم(2) .

وقال ابن سعد : ما رفع حجر في الدنيا إلاّ وتحته دم عبيط ، ولقد مطرت السماء

دما بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطعت .

وقال السدي : لما قتل الحسين بكت السماء وبكاؤها حمرتها(3) .

أبيات على الحجر في شهادة الحسين عليه السلام

وقال ابن سيرين : وجد قبل مبعث النبي صلى الله عليه و آله بخمس مائة سنة حجر عليه مكتوب بالسريانية ، فنقلوه الى العربية فاذا هو :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

ص: 134


1- تذكرة الخواص : 246 .
2- تذكرة الخواص : 246 .
3- تذكرة الخواص : 246 .

وقال سليمان بن يسار : وجد حجر عليه مكتوب :

لابد أن ترد القيامة فاطم

وقميصها بدم الحسين ملطخ

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

والصور في يوم القيامة ينفخ(1)

أخبار بكاء المخلوقات على الحسين عليه السلام

روى في البحار عن أبي جعفر عليه السلام قال : بكت الإنس والجن والطير والوحش على الحسين بن علي عليه السلام حتى ذرفت دموعها(2) .

وفي كامل الزيارات باسناده عن كثير بن شهاب الحارثي قال : بينا نحن جلوس عند أمير المؤنين عليه السلام في الرحبة إذا طلع الحسين عليه فضحك علي حتى بدت نواجذه ، ثم قال : إنّ اللّه ذكر قوما فقال : « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ » ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ليقتلن هذا ولتبكين عليه السماء والأرض(3) .

وفي البحار مسندا عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام : أنّ الحسين بن علي عليه السلام دخل يوما إلى الحسن عليه السلام ، فلما نظر إليه بكى ، فقال له : ما يبكيك يا أبا عبد اللّه ؟ قال : أبكي لما يصنع بك ؟ فقال له الحسن عليه السلام : إنّ الذي يؤى إليّ سمّ يدسّ إليّ فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل ، يدّعون أنّهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه و آله ، وينتحلون دين الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء رمادا ودما ، ويبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار(4) .

ص: 135


1- تذكرة الخواص : 246 .
2- كامل الزيارات : 79 الباب 26 ، بحار الأنوار 45/ 205 باب 40 ح8 .
3- كامل الزيارات : 92 الباب 28 ، بحار الأنوار 45/212 باب 40 ح29 .
4- الأمالي للصدوق : 115 المجلس الرابع والعشرون ، بحار الأنوار 45/218 باب 40 ح44 .

ذكر بكاء الأرض على الحسين بن علي عليهماالسلام

نرى في معظم الأحاديث والأخبار التي مرت علينا أن الأرض والسماء يبكيان على الحسين عليه السلام معا ، ولكننا نجد في بعض الأخبار ذكر لبكاء الأرض خاصة على الحسين عليه السلام .

ففي كتاب كامل الزيارات باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي فأشخصه إلى الشام ، فلما دخل عليه قال له : يا أبا جعفر أشخصناك لنسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري ، ولا أعلم في الأرض خلقا ينبغي أن يعرف أو عرف هذه المسألة إن كان إلاّ واحد .

فقال أبي : ليسألني أمير المؤنين عما أحب ، فإن علمت أجبت ذلك ، وإن لم أعلم قلت : لا أدري ، وكان الصدق أولى بي .

فقال هشام : أخبرني عن الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب بما استدل به الغائب عن المصر الذي قتل فيه على قتله ؟ وما العلامة فيه للناس ؟ فإن علمت ذلك وأحببت فأخبرني هل كان تلك العلامة لغير علي عليه السلام في قتله ؟ فقال له أبي : يا أمير المؤنين إنّه لما كان تلك الليلة التي قتل فيها أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليه السلاملم

يرفع حجر عن وجه الأرض إلاّ وجد تحته دم عبيط حتى طلع الفجر ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها هارون أخو موسى عليه السلام ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون ، وكذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى ابن مريم ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها شمعون بن حمون الصفا ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب عليه السلام ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها الحسين بن علي عليه السلام .

قال : فتربد وجه هشام حتى انتقع لونه ، وهمّ أن يبطش بأبي ، فقال له أبي : يا أمير المؤنين الواجب على العباد الطاعة لإمامهم ، والصدق له بالنصيحة ، وإنّ الذي دعاني إلى أن أجبت أمير المؤنين فيما سألني عنه معرفتي له بما يجب له عليّ من الطاعة ، فليحسن أمير المؤنين الظن ، فقال له هشام : انصرف إلى أهلك إذا شئت ،

ص: 136

قال : فخرج ، فقال له هشام عند خروجه : أعطني عهد اللّه وميثاقه أن لا توقع هذا الحديث إلى أحد حتى أموت ، فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه(1) .

وفي البحار باسناده الى الزهري انه حضر يوما مجلس الوليد بن عبد الملك مع جماعة ، فقال الوليد : أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي ؟ فقال الزهري : بلغني أنه لم يقلب حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط(2) .

ذكر ضجيج الملائكة في حضرة الرب الجليل وبكائهم على ذرية نبي آخر الزمان

اشارة

قال الإمام زين العابدين عليه السلام في خطبته في مجلس يزيد بن معاوية في الشام - كما مرّ فيما مضى - : أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء .

وقال أيضا في خطبته على مشارف المدينة بعد رجوعهم من الشام : ولقد بكت السبع الشداد لقتله . . الى أن قال : والملائكة المقربين وأهل السموات أجمعون .

وفي علل الشرائع : قال الراوي : قلت لأبي جعفر عليه السلام : يا ابن رسول اللّه ألستم كلكم قائمين بالحق ؟ قال : بلى ، قلت : فلم سمي القائم قائما ؟ قال : لما قتل جدي الحسين ضجت الملائكة إلى اللّه - عزّ وجلّ - بالبكاء والنحيب وقالوا : إلهنا وسيدنا

أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك ، وخيرتك من خلقك ، فأوحى اللّه - عزّ وجل - إليهم : قرّوا ملائكتي ، فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين ، ثم

كشف اللّه - عزّ وجل - عن الأئمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة ، فسرت الملائكة بذلك ، فإذا أحدهم قائم يصلّي ، فقال اللّه - عزّ وجل - : بذلك القائم أنتقم منهم(3) . « أدركني بأبي أنت وأمي » .

ص: 137


1- كامل الزيارات : 75 الباب 24 ، بحار الأنوار 45/203 باب 40 ح5 .
2- البحار 45/ 216 باب 40 .
3- علل الشرائع 1/160 باب 129 ، بحار الأنوار45/221 باب 41 ح4 .

إقامة الملائكة عند قبر الحسين عليه السلام

في كامل الزيارات باسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة(1) .

أيضا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكون

الحسين إلى يوم القيامة ، فلا يأتيه أحد إلاّ استقبلوه ، ولا يمرض أحد إلاّ عادوه ، ولا يموت أحد إلاّ شهدوه(2) .

وفي كامل الزيارات أيضا : إنّ على قبر الحسين أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ، قال محمد بن مسلم : يحرسونه(3) .

رؤية النبي صلى الله عليه و آله وجه علي عليه السلام في السماء الخامسة

في كتاب المعراج الصدوق بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليه السلامقال : قال النبي صلى الله عليه و آله : ليلة أسري بي إلى السماء ، فبلغت السماء الخامسة نظرت إلى صورة علي بن أبي طالب ، فقلت : حبيبي جبرئيل ، ما هذه الصورة ؟ فقال جبرئيل : يا محمد اشتهت الملائكة أن ينظروا إلى صورة علي ، فقالوا : ربنا إنّ بني آدم في دنياهم يتمتعون غدوة وعشية بالنظر إلى علي بن أبي طالب حبيب حبيبك محمد صلى الله عليه و آله ، وخليفته ووصيه وأمينه ، فمتعنا بصورته قدر ما تمتع أهل الدنيا به ، فصور لهم صورته من نور قدسه - عزّ وجل - ، فعلي عليه السلام بين أيديهم ليلا ونهارا يزورونه ، وينظرون إليه غدوة وعشية .

وقال جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام : فلما ضربه اللعين ابن ملجم على رأسه صارت تلك الضربة في صورته التي في السماء ، فالملائكة ينظرون إليه غدوة وعشية ويلعنون قاتله ابن ملجم .

ص: 138


1- كامل الزيارات : 84 الباب 27 ، بحار الأنوار 45/222 باب 41 ح8 .
2- كامل الزيارات : 85 الباب 27 ح10 ، بحار الأنوار 45 223 باب 41 .
3- كامل الزيارات : 85 الباب 27 ، بحار الأنوار 45 223 باب 41 .

فلما قتل الحسين بن علي - صلوات اللّه عليه - هبطت الملائكة وحملته حتى أوقفته مع صورة علي في السماء الخامسة ، فكلما هبطت الملائكة من السماوات العلى ، وصعدت ملائكة السماء الدنيا فمن فوقها إلى السماء الخامسة لزيارة صورة علي عليه السلام والنظر إليه وإلى الحسين بن علي متشحطا بدمه لعنوا يزيد وابن زياد وقاتل الحسين بن علي - صلوات اللّه عليه - إلى يوم القيامة .

قال الأعمش : قال لي الصادق عليه السلام : هذا من مكنون العلم ومخزونه لا تخرجه إلاّ إلى أهله(1) .

بكاء الملائكة على الحسين عليه السلام وملازمتهم قبره

وفي الأمالي للصدوق باسناده قال أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام : إنّ أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي عليه السلام ، فلم يؤن لهم في القتال ، فرجعوا في الإستئذان وهبطوا وقد قتل الحسين عليه السلام ، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ، ورئيسهم ملك يقال له : « منصور »(2) . وفي كامل الزيارات مثله .

وفي الأمالي للشيخ الطوسي باسناده قال أبو عبد اللّه عليه السلام : لما كان من أمر الحسين بن علي ما كان ضجت الملائكة إلى اللّه تعالى وقالت : يا ربّ يفعل هذا بالحسين صفيك وابن نبيك ؟ قال : فأقام اللّه لهم ظلّ القائم عليه السلام وقال : بهذا أنتقم له من ظالميه(3) .

وفي كامل الزيارات عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ما لكم لا تأتونه يعني قبر الحسين عليه السلام ، فإنّ أربعة آلاف ملك يبكون عند قبره إلى يوم القيامة(4) . وروي هذا الحديث بعدة طرق عن أبي عبد اللّه عليه السلام .

ص: 139


1- بحار الأنوار 45/ 229 ح24 .
2- الأمالي للصدوق : 638 المجلس 92 ، كامل الزيارات : 119 الباب 41 ، بحار الأنوار 45/220 باب 41 ح2 .
3- الأمالي للطوسي : 814 المجلس 14 ، بحار الأنوار 45/221باب 41 ح3 .
4- كامل الزيارات : 83 الباب 27 ، بحار الأنوار 45/222 باب 41 ح6 .

وروي بطريق آخر أيضا عن حماد بن عيسى عن ربعي قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام بالمدينة : أين قبور الشهداء ؟ فقال : أليس أفضل الشهداء عندكم ؟ والذي نفسي بيده إنّ حوله أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة(1) .

وروى ابن الوليد باسناده مثله .

وفي طريق آخر باسناده عن الثمالي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ اللّه وكّل بقبر الحسين أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس ، وإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملك وصعد أربعة آلاف ملك ، فلم يزل يبكونه حتى يطلع الفجر(2) .

وفي طريق آخر عن هارون قال : سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام وأنا عنده ، فقال : ما لمن زار قبر الحسين ؟ فقال : إنّ الحسين لما أصيب بكته حتى البلاد ، فوكّل اللّه به أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة(3) .

وروى أبو عبيدة الحذاء(4) عن حريز قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك ، ما أقل بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق إليكم ؟ فقال : إنّ لكلّ واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته ، فإذا

انقضى ما فيها مما أمر به عرف أن أجله قد حضر ، وأتاه النبي صلى الله عليه و آله ينعى إليه نفسه ، وأخبره بما له عند اللّه ، وإنّ الحسين عليه السلام قرأ صحيفته التي أعطيها وفسر له ما يأتي وما يبقى ، وبقي منها أشياء لم تنقض ، فخرج إلى القتال ، وكانت تلك الأمور التي بقيت أن

الملائكة سألت اللّه في نصرته فأذن لهم ، فمكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك حتى قتل ، فنزلت وقد انقطعت مدته وقتل - صلوات اللّه عليه - ، فقالت الملائكة : يا ربّ

أذنت لنا في الإنحدار وأذنت لنا في نصرته ، فانحدرنا وقد قبضته !

ص: 140


1- بحار الأنوار 45/ 223 باب 41 ح13 .
2- كامل الزيارات : 85 الباب 27 ، بحار الأنوار 45/223 باب 41 ح15 .
3- بحار الأنوار 45/ 223 باب 41 ح16 .
4- في المصدر : « البزاز » .

فأوحى اللّه - تبارك وتعالى - إليهم أن الزموا قبته حتى ترونه ، وقد خرج فانصروه ، وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته ، وإنكم خصصتم بنصرته والبكاء عليه ، فبكت الملائكة تقربا وجزعا على ما فاتهم من نصرته ، فإذا خرج عليه السلام يكونون أنصاره(1) . وروي في الكافي عن حريز مثله .

في كامل الزيارات باسناده عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إني كنت

بالحير ليلة عرفة، وكنت أصلي وثمّ نحو من خمسين ألفا من الناس، جميلة وجوههم، طيبة أرواحهم ، وأقبلوا يصلّون بالليل أجمع ، فلما طلع الفجر سجدت ، ثم رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا ؟ ! فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّه مرّ بالحسين بن علي عليه السلامخمسون ألف

ملك وهو يقتل ، فعرجوا إلى السماء ، فأوحى اللّه إليهم : مررتم بابن حبيبي وهو يقتل

فلم تنصروه؟! فاهبطوا إلى الأرض، فاسكنوا عند قبره شعثا غبرا إلى أن تقوم الساعة(2).

وروي أيضا عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : هبط أربعة آلاف ملك يريدون القتال مع الحسين فلم يؤن لهم في القتال ، فرجعوا في الإستئمار ، فهبطوا وقد قتل الحسين - رحمة اللّه عليه ولعن قاتله ومن أعان عليه ومن شرك في دمه - فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ، رئيسهم ملك يقال له « منصور » فلا يزوره زائر إلاّ استقبلوه ، ولا يودعه مودع إلاّ شيعوه ، ولا يمرض إلاّ عادوه ،

ولا يموت إلاّ صلوا على جنازته واستغفروا له بعد موته ، فكل هؤاء في الأرض ينتظرون قيام القائم عليه السلام(3) .

وفي كامل الزيارات باسناده عن محمد بن قيس قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : عند قبر الحسين عليه السلام أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة(4) . وروى بطريق آخر عن هارون عن أبي عبد اللّه عليه السلام مثله .

ص: 141


1- كامل الزيارات : 87 الباب 27 ، بحار الأنوار 45/225 باب 41 ح18 .
2- كامل الزيارات : 115 الباب 39 ، بحار الأنوار 45/407 باب 50 ح13 .
3- كامل الزيارات : 192 الباب 77 ، بحار الأنوار 45/226 باب 41 ح21 .
4- كامل الزيارات : 84 الباب 27 ح6 .

وروي أيضا عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته في طريق المدينة ونحن نريد مكة فقلت : يا ابن رسول اللّه ما لي أراك كئيبا حزينا منكسرا ؟ فقال : لو

تسمع ما أسمع لشغلك عن مساءلتي ، فقلت : وما الذي تسمع ؟ قال : ابتهال الملائكة إلى اللّه - جلّ وعزّ - على قتلة أمير المؤنين وقتلة الحسين عليه السلام ، ونوح الجن ، وبكاء الملائكة الذين حوله وشدة جزعهم ، فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو شراب أو نوم(1) ؟

أهل البيت يسمعون هاتفا ينشد أبياتا في طريق الشام

في كتاب العوالم : قال الطبري وسمع أهل البيت نوح الملائكة في أول منزل نزلوا قاصدين إلى الشام :

أيها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

من نبي ومرسل وقتيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل(2)

نداء من العرش الى من قتل الحسين عليه السلام

في الأمالي للصدوق عن عبد اللّه بن لطيف التفليسي قال : قال الصادق عليه السلام : لما ضرب الحسين بن علي عليه السلام بالسيف ثم ابتدر ليقطع رأسه نادى مناد من قبل ربّ العزة - تبارك وتعالى - من بطنان العرش فقال : ألا أيّتها الأمة المتحيرة الظالمة بعد

نبيها لا وفقكم اللّه لأضحى ولا فطر .

ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام : لا جرم واللّه ما وفقوا ولا يوفقون أبدا حتى يقوم ثائر الحسين عليه السلام(3) .

يحتمل أن يكون المراد من عدم التوفيق لفطر ولا أضحى باعتبار أن من لا يعرف امام الحقّ ولا يكون في طاعته فإنّه لن يكون موفقا لادراك أي توفيق ولا إقامة أي سنة .

ص: 142


1- بحار الأنوار 45/ 226 باب 41 ح19 .
2- المناقب 4/ 63 .
3- الأمالي للصدوق : 168 المجلس 31 ، الكافي 4/170 باب النوادر ، بحار الأنوار 45/ 217 باب 40 ح42 .

ملك البحار يخبر النبي صلى الله عليه و آله بشهادة الحسين عليه السلام

في كامل الزيارات عن هشام بن سعد قال : أخبرني المشيخة أن الملك الذي جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأخبره بقتل الحسين بن علي كان ملك البحار ، وذلك أن ملكا من ملائكة الفردوس نزل على البحر ونشر أجنحته عليها ، ثم صاح صيحة وقال : يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن ، فإنّ فرخ الرسول مذبوح ، ثم حمل من تربته في أجنحته إلى السماوات ، فلم يلق ملكا فيها إلاّ شمها ، وصار عنده لها أثر ، ولعن قتلته

وأشياعهم وأتباعهم(1) .

توكيل سبعين ألف ملك بالحسين عليه السلام

روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : وكل اللّه بالحسين بن علي سبعين ألف ملك يصلون عليه كلّ يوم شعثا غبرا منذ يوم قتل إلى ما شاء اللّه ، يعني بذلك قيام القائم عليه السلام(2) .

الأمر بالسكوت عند زيارة الحسين عليه السلام لمكان الملائكة

في كامل الزيارات محمد الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه الأصم قال : وحدثنا الهيثم بن واقد

عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد الملك بن مقرن عن أبي عبد اللّه عليه السلامقال :

إذا زرتم أبا عبد اللّه عليه السلام فالزموا الصمت إلاّ من خير ، وإنّ ملائكة الليل والنهار من الحفظة تحضر الملائكة الذين بالحائر ، فتصافحهم فلا يجيبونها من شدة البكاء ، فينتظرونهم حتى تزول الشمس وحتى ينور الفجر ، ثم يكلمونهم ويسألونهم عن أشياء من أمر السماء ، فأما ما بين هذين الوقتين فإنّهم لا ينطقون ولا يفترون عن البكاء والدعاء ، ولا يشغلونهم في هذين الوقتين عن أصحابهم ، فإنّهم شغلهم بكم إذا نطقتم .

ص: 143


1- كامل الزيارات : 67 الباب 21 ، بحار الأنوار 45/221 باب 41 ح5 .
2- كامل الزيارات : 84 الباب 27 ، بحار الأنوار 45/ 222 باب 41 ح9 .

قلت : جعلت فداك وما الذي يسألونهم عنه ؟ وأيهم يسأل صاحبه ، الحفظة أو أهل الحائر ؟ قال : أهل الحائر يسألون الحفظة ، لأن أهل الحائر من الملائكة لا يبرحون ، والحفظة تنزل وتصعد .

قلت : فما ترى يسألونهم عنه ؟ قال : إنهم يمرون إذا عرجوا بإسماعيل صاحب الهواء ، فربما وافقوا النبي صلى الله عليه و آله عنده وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من مضى منهم ، فيسألونهم عن أشياء وعمن حضر منكم الحائر ، ويقولون : بشروهم بدعائكم ، فتقول الحفظة : كيف نبشرهم وهم لا يسمعون كلامنا ؟ فيقولون لهم : باركوا عليهم وادعوا لهم عنا فهي البشارة منا ، وإذا انصرفوا فحفوهم بأجنحتكم حتى يحسوا مكانكم ، وإنا نستودعهم الذي لا تضيع ودائعه ، ولو يعلموا ما في زيارته من الخير ، ويعلم ذلك الناس لاقتتلوا على زيارته بالسيوف ، ولباعوا أموالهم في إتيانه .

وإنّ فاطمة عليهاالسلام إذا نظرت إليهم ، ومعها ألف نبي ، وألف صديق ، وألف شهيد ، ومن الكروبيين ألف ألف يسعدونها على البكاء ، وإنها لتشهق شهقة فلا تبقي في السماوات ملك إلاّ بكى رحمة لصوتها ، وما تسكن حتى يأتيها النبي فيقول : يا بنية قد أبكيت أهل السماوات وشغلتهم عن التقديس والتسبيح فكفى حتى يقدسوا ، فإِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ ، وإنها لتنظر إلى من حضر منكم فتسأل اللّه لهم من خير ، ولا تزهدوا في إتيانه ، فإن الخير في إتيانه أكثر من أن يحصى(1) .

ذكر نوح جماعة من الجن علي الحسين عليه السلام

ذكرنا بعض أشعار الجن في النوح على أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام في ذيل بعض الروايات ، ولا بأس بتكرار بعضها في هذا الموضع للمناسبة باعتبار أننا فتحنا بابا تحت هذا العنوان .

ص: 144


1- كامل الزيارات : 86 الباب27 ، بحار الأنوار 45/ 224 باب 41 ح17 .

ففي كتاب العوالم بالاسناد الى عبد اللّه بن حسان الكناني قال : بكت الجن على الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت :

ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بأهل بيتي وإخواني ومكرمتي

من بين أسرى وقتلى ضرجوا بدم(1)

في كامل الزيارات : أبي وجماعة مشايخي عن سعد عن محمد بن يحيى المعاذي عن عباد بن يعقوب عن عمرو بن ثابت عن عمرو بن عكرمة قال : أصبحنا ليلة قتل الحسين بالمدينة فإذا مولى لنا يقول : سمعنا البارحة مناديا ينادي ويقول :

أيها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم

من نبي ومرسل وقتيل

قد لعنتم على لسان بن داود

وذي الروح حامل الإنجيل(2)

وروى حكيم بن داود باسناده عن داود الرقي قال : حدثتني جدتي : إنّ الجن لما قتل الحسين عليه السلام بكت عليه بهذه الأبيات :

يا عين جودي بالعبر

وابكي فقد حق الخبر

ابكي ابن فاطمة الذي

ورد الفرات فما صدر

الجن تبكي شجوها

لما أتى منه الخبر

قتل الحسين ورهطه

تعسا لذلك من خبر

فلأبكينك حرقة

عند العشاء وبالسحر

ولأبكينك ما جرى

عرق وما حمل الشجر(3)

وفي أمالي الصدوق باسناده عن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه و آله قالت : ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي إلاّ الليلة ، ولا أراني إلاّ وقد أصبت بابني ، قالت : وجاءت الجنية منهم تقول :

ص: 145


1- كامل الزيارات : 95 الباب 29 ، بحار الأنوار 45/ 237 باب 43 .
2- كامل الزيارات : 97 الباب 29 ، بحار الأنوار 45/ 238 باب 43 ح6 .
3- كامل الزيارات : 97 الباب 29 ، بحار الأنوار 45/ 238 باب 43 .

ألا يا عين فانهملي بجهد

فمن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا

إلى متجبر في ملك عبد(1)

وروي هذا الحديث في كامل الزيارات والمناقب لابن شهرآشوب وأمالي النيشابوري وأمالي الطوسي .

وفي المناقب القديم باسناده عن عمرو بن ثابت مثله إلاّ أنّه قال : « ألا يا عين فاحتفلي بجهدي »(2) .

وفي مجالس المفيد وأمالي الطوسي عن شيخ من بني تميم كان يسكن الرابية قال : سمعت أبي يقول : ما شعرنا بقتل الحسين عليه السلام حتى كان مساء ليلة عاشوراء ، فإنّي لجالس بالرابية ، ومعي رجل من الحي ، فسمعنا هاتفا يقول :

واللّه ما جئتكم حتى بصرت به

بالطف منعفر الخدين منحورا

وحوله فتية تدمى نحورهم

مثل المصابيح يعلون الدجى نورا

وقد حثثت قلوصي كي أصادفهم

من قبل ما أن يلاقوا الخرد الحورا

فعاقني قدر واللّه بالغه

وكان أمرا قضاه اللّه مقدورا

كان الحسين سراجا يستضاء به

اللّه يعلم أني لم أقل زورا

صلى الإله على جسم تضمنه

قبر الحسين حليف الخير مقبورا

مجاورا لرسول اللّه في غرف

وللوصي وللطيار مسرورا

فقلنا له : من أنت يرحمك اللّه ؟ قال : أنا وآلي من جن نصيبين أردنا مؤزرة الحسين عليه السلام ومواساته بأنفسنا ، فانصرفنا من الحج فأصبناه قتيلا .

وفي كامل الزيارات باسناده عن أحمد بن عمرو بن مسلم عن الميثمي قال : خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين بن علي عليه السلام ، فمروا بقرية يقال لها : « شاهي » إذ أقبل عليهم رجلان ، شيخ وشاب ، فسلّما عليهم ، قال : فقال الشيخ :

ص: 146


1- الأمالي للصدوق : 139 المجلس 29 ح2 .
2- المناقب 4/62 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام .

أنا رجل من الجن ، وهذا ابن أخي أردنا نصر هذا الرجل المظلوم ، فقال لهم الشيخ الجني : قد رأيت رأيا ، فقال الفتية الإنسيون : وما هذا الرأي الذي رأيت ؟ قال : رأيت أن أطير فآتيكم بخبر القوم فتذهبون على بصيرة ، فقالوا له : نعم ما رأيت ، فغاب يومه وليلته ، فلما كان من الغد إذا هم بصوت يسمعونه ولا يرون الشخص وهو يقول : الأبيات ، إلاّ أنّه لم يذكر : « فعاقني قدر واللّه بالغه » ، ولا « صلى الإله على جسم تضمنه » .

فأجابه بعض الفتية من الإنسيين يقول

اذهب فلا زال قبر أنت ساكنه

إلى القيامة يسقى الغيث ممطورا

وقد سلكت سبيلا أنت سالكه

وقد شربت بكأس كان مغزورا

وفتية فرغوا للّه أنفسهم

وفارقوا المال والأحباب والدورا(1)

روى حكيم بن داود عن أبي زياد القندي قال : كان الجصاصون يسمعون نوح الجن حين قتل الحسين عليه السلام في السحر بالجبانة ، وهم يقولون :

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش

وجده خير الجدود

وفي كامل الزيارات باسناد معتبر : كانت الجن تنوح على الحسين بن علي عليه السلام

تقول :

لمن الأبيات بال-

طف على كره بنينه

تلك أبيات الحسين

يتجاوبن الرنينة(2)

وروى حكيم بن داود عن ليلى قالت : سمعت نوح الجن على الحسين بن علي عليه السلام

وهي تقول :

ص: 147


1- كامل الزيارات : 94 الباب 29 ، الأمالي للطوسي : 19 المجلس 3 ، االأمالي للمفيد : 320 المجلس 38 .
2- كامل الزيارات : 95 .

يا عين جودي بالدموع فإنما

يبكي الحزين بحرقة وتفجع

يا عين ألهاك الرقاد بطيبة

من ذكر آل محمد وتوجع

باتت ثلاثا بالصعيد جسومهم

بين الوحوش وكلّهم في مصرع

وفي مناقب ابن شهرآشوب وغيره من الكتب : قال الإمام زين العابدين عليه السلام في خطبته في مجلس يزيد : أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض والطير في الهواء .

وروى حكيم بن داود باسناده عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : بينما الحسين عليه السلام يسير في جوف الليل ، وهو متوجه إلى العراق ، وإذا برجل يرتجز ويقول :

يا ناقتي لا تذعري من زجر

وشمري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان وخير سفر

حتى تحلي بكريم القدر

بماجد الجد رحيب الصدر

أبانه اللّه لخير أمر

ثمة أبقاه بقاء الدهر

فقال الحسين بن علي عليه السلام :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف مجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم

كفى بك ذلا أن تذل وترغما(1)

وفي كتاب مثير الأحزان : وكان نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله منهم المسور بن مخرمة ، ورجال يستمعون نوح الجن ويبكون(2) .

وفي العوالم : إنّ هاتفا سمع بالبصرة ينشد ليلا :

إنّ الرماح الواردات صدورها

نحو الحسين تقاتل التنزيلا

ويهللون بأن قتلت وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

فكأنما قتلوا أباك محمدا

صلى عليه اللّه أو جبريلا(3)

ص: 148


1- كامل الزيارات : 95 الباب29 .
2- مثيرالأحزان : 108 .
3- مثيرالأحزان : 108 ، بحار الأنوار 45/235 باب 43 .

ونسب ابن الجوزي في كتاب « نور في فضائل الايام والشهور » هذه الأبيات الى جن :

لقد جئن نساء الجن

يبكين شجيات

ويلطمن خدودا كال-

دنانير نقيات

ويلبسن ثياب السود

بعد القصبيات(1)

وفي المناقب لابن شهرآشوب روي عن بنت مالك الخزاعية أنها سمعت نوح الجن على الحسين عليه السلام :

يا ابن الشهيد ويا شهيدا عمه

خير العمومة جعفر الطيار

عجبا لمصقول أصابك حده

في الوجه منك وقد علاك غبار(2)

وقال إبانة ابن بطة : أنه سمع من نوحهم :

أيا عين جودي ولا تجمدي

وجودي على الهالك السيد

فبالطف أمسى صريعا فقد

رزينا الغداة بأمر بدي

ومن نوحهم :

احمرت الأرض من قتل الحسين كما

اخضر عند سقوط الجونة العلق

يا ويل قاتله يا ويل قاتله

فإنه في سعير النار يحترق

ومن نوحهم :

أبكي ابن فاطمة الذي

من قتله شاب الشعر

ولقتله زلزلتم

ولقتله خسف القمر

واحمرت آفاق السماء

من العشية والسحر

وتغبرت شمس البلاد

بهم وأظلمت الكور

ذاك بن فاطمة المصاب

به الخلائق والبشر

أورثتنا ذلا به

جدع الأنوف مع الغرر(3)

ص: 149


1- مثيرالأحزان : 109 .
2- المناقب 4/ 62 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام .
3- كامل الزيارات : 97 الباب 29 ، المناقب 4/ 63 .

ومن نوحهم :

نساء الجن يبكين

من الحزن شجيات

ويسعدن بنوح لل-

نساء الهاشميات

ويندبن حسينا

عظمت تلك الرزيات

ويلطمن خدودا كال-

دنانير نقيات(1)

ذكر بكاء الوحوش على أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام

في كامل الزيارات باسناده عن الحارث الأعور قال : قال علي عليه السلام : بأبي وأمي الحسين المقتول بظهر الكوفة ، واللّه ، كأنّي أنظر إلى الوحوش مادّة أعناقها على قبره ، من أنواع الوحش ، يبكونه ويرثونه ليلا حتى الصباح ، فإذا كان ذلك فإياكم والجفاء(2) .

وفي علل الشرائع وأمالي الصدوق في حديث ميثم قال أمير المؤمنين عليه السلام في حديث : أنه يبكي عليه كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات(3) .

وفي كامل الزيارات باسناده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : بكت الإنس والجن والطير والوحش على الحسين بن علي عليه السلام حتى ذرفت دموعها(4) . ورواه عدة من المشايخ بعدة طرق مثله .

وفي أمالي الصدوق باسناده عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في حديث إخبار الحسن أخيه الحسين عليهماالسلام بشهادته قال : ويبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار(5) .

ص: 150


1- المناقب 4/ 62 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام .
2- كامل الزيارات : 79 الباب 26 ح2 .
3- علل الشرائع 1/227 .
4- كامل الزيارات : 79 الباب 26 .
5- الأمالي للصدوق : 115 المجلس 24 .

ذكر بكاء الطير على أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام

اشارة

في المناقب لابن شهرآشوب في خطبة الإمام السجاد عليه السلام في مجلس يزيد الملعون : أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض والطير في الهواء .

الغراب يخبر فاطمة الصغرى

روي في كتاب المناقب القديم باسناد معتبر عن المفضل بن عمر الجعفي عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السلام قال : لما قتل الحسين بن علي جاء غراب فوقع في دمه ، ثم تمرغ ، ثم طار ، فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين بن علي عليه السلام ، وهي الصغرى ، فرفعت رأسها فنظرت إليه ، فبكت بكاء شديدا وأنشأت تقول :

نعب الغراب فقلت من

تنعاه ويلك يا غراب

قال الإمام فقلت من

قال الموفق للصواب

إنّ الحسين بكربلاء

بين الأسنة والضراب

فابكي الحسين بعبرة

ترجي الإله مع الثواب

قلت الحسين فقال لي

حقا لقد سكن التراب

ثم استقل به الجناح

فلم يطق رد الجواب

فبكيت مما حل بي

بعد الدعاء المستجاب

قال محمد بن علي : فنعتته لأهل المدينة ، فقال بعض المنافقين : قد جاءتنا بسحر عبد المطلب ، فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين بن علي عليه السلام(1) ولم يسبقه

أحد في نقل الخبر الى المدينة(2) .

ص: 151


1- بحار الأنوار 45/171 باب 39 ح19 .
2- لقد ذكرت هذه القصة في محلها ، ولم أجدها إلاّ عن هذا الطريق ، وإنّما كررتها هنا لمناسبة الحديث عن بكاء الطيور عليه عليه السلام . من المتن .

الحمام الراعبي يلعن قتلة الحسين عليه السلام

في كامل الزيارات عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : اتخذوا الحمام الراعبية في بيوتكم فإنّها تلعن قتلة الحسين عليه السلام(1) .

وباسناده عن داود بن فرقد قال : كنت جالسا في بيت أبي عبد اللّه عليه السلام ، فنظرت إلى الحمام الراعبي يقرقر طويلا ، فنظر إليّ أبو عبد اللّه عليه السلام فقال : يا داود أتدري ما يقول هذا الطير ؟ قلت : لا واللّه جعلت فداك ، قال : تدعو على قتلة الحسين بن علي عليه السلام ، فاتخذوه في منازلكم(2) .

وحدث جماعة من المشايخ بطرق مختلفة مثله .

البومة لا تأوي إلاّ الى الخراب بعد قتل الحسين عليه السلام

في العوالم باسناده عن الحسين بن أبي غندر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سمعته يقول في البومة ، قال : هل أحد منكم رآها بالنهار ؟ قيل له : لا تكاد تظهر بالنهار ، ولا تظهر إلاّ ليلا ، قال : أما إنّها لم تزل تأوي العمران أبدا ، فلما أن قتل الحسين عليه السلام آلت على نفسها أن لا تأوي العمران أبدا ، ولا تأوي إلاّ الخراب ، فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتى يجنها الليل ، فإذا جنها الليل فلا تزال ترن على الحسين عليه السلام حتى تصبح(3) .

وروى محمد بن جعفر الرزاز باسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ البومة لتصوم النهار ، فإذا أفطرت تدلهت على الحسين عليه السلام حتى تصبح(4) .

وفي كامل الزيارات : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا يعقوب رأيت بومة بالنهار تنفس قط ؟ فقال : لا ، قال : وتدري لم ذلك ؟ قال : لا ، قال : لأنها تظل يومها

ص: 152


1- كامل الزيارات : 98 الباب 30 ح1 .
2- كامل الزيارات : 98 الباب 30 ح2 .
3- كامل الزيارات : 98 الباب 31 ح1 .
4- بحار الأنوار 45/214 باب 40 ح36 . وفي كامل الزيارات : « اندبت » بدل « تهدلت » .

صائمة على ما رزقها اللّه ، فإذا جنها الليل أفطرت على ما رزقت ، ثم لم تزل ترنم على الحسين بن علي عليه السلام حتى تصبح(1) .

وفي كامل الزيارات أيضا عن الرضا عليه السلام قال الراوي : قال لي : ترى هذه البومة كانت على عهد جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله تأوي المنازل والقصور والدور ، وكانت إذا أكل الناس الطعام تطير وتقع أمامهم ، فيرمى إليها بالطعام وتسقي ، ثم ترجع إلى مكانها ، فلما قتل الحسين عليه السلام خرجت من العمران إلى الخراب والجبال والبراري ، وقالت : بئس الأمة أنتم ، قتلتم ابن بنت نبيكم ، ولا آمنكم على نفسي(2) .

الطير الملطخ بالدم يخبر الطيور بقتل الحسين عليه السلام

وروى الأصحاب في مؤلفاتهم من طريق أهل البيت عليهم السلام ما أخرجه الفاضل المجلسي وصاحب العوالم من أنه : لما استشهد الحسين عليه السلام بقي في كربلاء صريعا ودمه على الأرض مسفوحا ، وإذا بطائر أبيض قد أتى ، وتمسح بدمه ، وجاء والدم يقطر منه ، فرأى طيورا تحت الظلال على الغصون والأشجار ، وكل منهم يذكر الحب والعلف والماء ، فقال لهم ذلك الطير المتلطخ بالدم : يا ويلكم أتشتغلون بالملاهي وذكر الدنيا والمناهي والحسين في أرض كربلاء في هذا الحر ملقى على الرمضاء ظامئ مذبوح ودمه مسفوح ؟ !

فعادت الطيور كلّ منهم قاصدا كربلاء ، فرأوا سيدنا الحسين عليه السلام ملقى في الأرض جثة بلا رأس ولا غسل ولا كفن ، قد سفت عليه السوافي ، وبدنه مرضوض قد هشمته الخيل بحوافرها ، زواره وحوش القفار ، وندبته جن السهول والأوعار ، قد أضاء التراب من أنواره ، وأزهر الجو من أزهاره ، فلما رأته الطيور تصايحن وأعلن بالبكاء والثبور ، وتواقعن على دمه يتمرغن فيه ، وطار كلّ واحد منهم إلى ناحية يعلم أهلها عن قتل أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام .

ص: 153


1- كامل الزيارات : 99 الباب 31 ح4 .
2- كامل الزيارات : 99 الباب 31 ح2 .

فمن القضاء والقدر أنّ طيرا من هذه الطيور قصد مدينة الرسول ، وجاء يرفرف والدم يتقاطر من أجنحته ، ودار حول قبر سيدنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعلن بالنداء : ألا قتل الحسين بكربلاء ، ألا ذبح الحسين بكربلاء ، فاجتمعت الطيور عليه وهم يبكون عليه وينوحون .

فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح ، وشاهدوا الدم يتقاطر من الطير لم يعلموا ما الخبر حتى انقضت مدة من الزمان ، وجاء خبر مقتل الحسين علموا أن ذلك الطير كان يخبر رسول اللّه بقتل ابن فاطمة البتول وقرة عين الرسول .

شفاء بنت اليهودي ببركة دم الحسين عليه السلام

وقد نقل أنه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير إلى المدينة كان في المدينة رجل يهودي ، وله بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة والجذام قد أحاط ببدنها ، فجاء ذلك الطائر والدم يتقاطر منه ، ووقع على شجرة يبكي طول ليلته ، وكان اليهودي قد أخرج ابنته - تلك المريضة - إلى خارج المدينة إلى بستان ، وتركها في البستان الذي جاء الطير ووقع فيه ، فمن القضاء والقدر أن تلك الليلة عرض لليهودي عارض ، فدخل المدينة لقضاء حاجته ، فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة إلى البستان التي فيها ابنته المعلولة ، والبنت لما نظرت أباها لم يأتها تلك الليلة لم يأتها نوم لوحدتها ، لأنّ أباها كان يحدّثها ويسلّيها حتى تنام ، فسمعت عند السحر بكاء الطير وحنينه ، فبقيت تتقلّب على وجه الأرض إلى أن صارت تحت الشجرة التي عليها الطير ، فصارت كلما حنّ ذلك الطير تجاوبه من قلب محزون .

فبينما هي كذلك إذ وقع قطرة من الدم فوقعت على عينها ففتحت ، ثم قطرة أخرى على عينها الأخرى فبرأت ، ثم قطرة على يديها فعوفيت ، ثم على رجليها فبرأت ، وعادت كلما قطرت قطرة من الدم تلطخ به جسدها ، فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحسين عليه السلام .

فلما أصبحت أقبل أبوها إلى البستان ، فرأى بنتا تدور ، ولم يعلم أنها ابنته ، فسألها أنه كان لي في البستان ابنة عليلة لم تقدر أن تتحرك ؟ فقالت ابنته : واللّه أنا ابنتك ،

ص: 154

فلما سمع كلامها وقع مغشيا عليه ، فلما أفاق قام على قدميه ، فأتت به إلى ذلك الطير ، فرآه واكرا على الشجرة يئن من قلب حزين محترق مما رأى مما فعل بالحسين عليه السلام ، فقال له اليهودي : أقسمت عليك بالذي خلقك أيها الطير أن تكلمني بقدرة اللّه تعالى ؟ فنطق الطير مستعبرا وحدثه بالقصة من أولها الى آخرها . . . فلما سمع اليهودي ذلك تعجب وقال : لولم يكن الحسين ذا قدر رفيع عند اللّه ما كان دمه شفاء من كلّ داء ، ثم أسلم اليهودي وأسلمت البنت وأسلم خمسمائة من قومه(1) .

حزن العصافير يوم عاشوراء

عن بعض كتب المناقب القديمة بالاسناد عن الفتح بن شخرف(2) العابد يقول : أفت الخبز للعصافير كلّ يوم ، فكانت تأكل ، فلما كان يوم عاشوراء فتت لها فلم تأكل ، فعلمت أنّها امتنعت لقتل حسين بن علي عليه السلام(3) .

ذكر تأثر الأشجار والنباتات بقتل الحسين عليه السلام

اشارة

في بعض كتب المناقب المعتبرة أنه روي بالاسناد عن هند بنت الجون قالت : نزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بخيمة خالتها أم معبد ومعه أصحاب له ، فكان من أمره في الشاة ما قد عرفه الناس ، فقال في الخيمة هو وأصحابه حتى أبرد ، وكان يوم قائظ شديد حره ، فلما قام من رقدته دعا بماء ، فغسل يديه فأنقاهما ، ثم مضمض فاه ومجه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتها - ثلاث مرات - ، واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه وذراعيه ، ثم مسح برأسه ورجليه ، وقال : لهذه العوسجة شأن ، ثم فعل من كان معه من أصحابه مثل ذلك ، ثم قام فصلّى ركعتين ، فعجبت وفتيات الحي من ذلك ، وما كان عهدنا ولا رأينا مصليا قبله .

ص: 155


1- بحار الأنوار 45/ 191 باب 39 .
2- في المتن : « شنجرف » .
3- بحار الأنوار 45/310 باب 46 .

فلما كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتى صارت كأعظم دوحة عادية وأبهى وخضد اللّه شوكها ، وساخت عروقها ، وكثرت أفنانها ، واخضر ساقها وورقها ، ثم أثمرت بعد ذلك وأينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق ورائحة العنبر وطعم الشهد ، واللّه ما أكل منها جائع إلاّ شبع ، ولا ظمآن إلاّ روي ، ولا سقيم إلاّ برأ ، ولا ذو حاجة وفاقة إلاّ استغنى ، ولا أكل من ورقها بعير

ولا ناقة ولا شاة إلاّ سمنت ودر لبنها ، ورأينا النماء والبركة في أموالنا منذ يوم نزل ، وأخصبت بلادنا وأمرعت ، فكنا نسمي تلك الشجرة « المباركة » ، وكان ينتابنا من حولنا من أهل البوادي يستظلون بها ، ويتزودون من ورقها في الأسفار ، ويحملون معهم في الأرض القفار ، فيقوم لهم مقام الطعام والشراب .

فلم تزل كذلك وعلى ذلك أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمارها واصفر ورقها ، فأحزننا ذلك وفرقنا له ، فما كان إلاّ قليل حتى جاء نعي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإذا هو قد قبض ذلك اليوم ، فكانت بعد ذلك تثمر ثمرا دون ذلك في العظم والطعم والرائحة ، فأقامت على ذلك ثلاثين سنة .

فلما كانت ذات يوم أصبحناإذا بها قد تشوكت من أولها إلى آخرها ، فذهبت نضارة عيدآنها، وتساقط جميع ثمرها ، فما كان إلاّ يسيرا حتى وافى مقتل أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فما أثمرت بعد ذلك لا قليلا ولا كثيرا ، وانقطع ثمرها ، ولم نزل ومن حولنا نأخذ من ورقها ونداوي مرضانا بها ، ونستشفي به من أسقامنا ، فأقامت على ذلك برهة طويلة ، ثم أصبحنا ذات يوم فإذا بها قد انبعثت من ساقها دما عبيطا جاريا ، وورقها ذابلة تقطر دما كماء اللحم ، فقلنا : أن قد حدث عظيمة ، فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقع الداهية .

فلما أظلم الليل علينا سمعنا بكاء وعويلا من تحتها ، وجلبة شديدة ورجة وسمعنا صوت باكية تقول :

أيا ابن النبي ويا ابن الوصي

ويا من بقية ساداتنا الأكرمينا

ص: 156

ثم كثرت الرنات والأصوات ، فلم نفهم كثيرا مما كانوا يقولون ، فأتانا بعد ذلك قتل الحسين عليه السلام ، ويبست الشجرة وجفت ، فكسرتها الرياح والأمطار بعد ذلك ، فذهبت واندرس أثرها(1) .

قال عبد اللّه بن محمد الأنصاري : فلقيت دعبل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول فحدثته بهذا الحديث فلم ينكره . وقال دعبل : فقلت في قصيدتي :

زر خير قبر بالعراق يزار

واعص الحمار فمن نهاك حمار

لم لا أزورك يا حسين لك الفدا

قومي ومن عطفت عليه نزار

ولك المودة في قلوب ذوي النهى

وعلى عدوك مقتة ودمار

يا ابن الشهيد ويا شهيدا عمه

خير العمومة جعفر الطيار

وروي عن سعيدة بنت مالك الخزاعية : أنها أدركت تلك الشجرة فأكلت من ثمرها على عهد علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأنّها سمعت تلك الليلة نوح الجن ، فحفظت من جنية منهن :

يا ابن الشهيد ويا شهيدا عمه

خير العمومة جعفر الطيار

عجبا لمصقول أصابك حده

في الوجه منك وقد علاه غبار(2)

صار الورس دما

في تاريخ بغداد وإبانة العكبري : أنّ رجلا ممن شهد قتل الحسين كان يحمل ورسا فصار ورسه دما .

وروى محمد بن الحكم عن أمه قالت : انتهب الناس ورسا من عسكر الحسين ، فما استعملته إمرأة إلاّ برصت ، ورأيت النجم كان فيه النيران يوم قتل الحسين ، يعني بالنجم النبات(3) .

وقال السيد السجاد عليه السلام : فلقد بكت السبع الشداد لقتله . . . الى قوله : والأشجار بأغصانها .

ص: 157


1- بحار الأنوار 45/234 ح1 .
2- بحار الأنوار 45/234 ح1 .
3- المناقب 4/ 55 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام ، بحار الأنوار 45/ 300 باب 46 .

ذكر تأثّر البحار والجبال بشهادة الحسين عليه السلام

اشارة

في كتب القدماء ومؤلفات الأصحاب : عن كعب الأحبار حين أسلم في أيام خلافة عمر بن الخطاب ، وجعل الناس يسألونه عن الملاحم التي تظهر في آخر الزمان ، فصار كعب يخبرهم بأنواع الأخبار ، والملاحم والفتن التي تظهر في العالم .

ثم قال : وأعظمها فتنة وأشدّها مصيبة لا تنسى إلى أبد الآبدين مصيبة الحسين عليه السلام ، وهي الفساد الذي ذكره اللّه تعالى في كتابه المجيد حيث قال : « ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ » ، وإنما فتح الفساد بقتل هابيل بن آدم وختم بقتل الحسين عليه السلام ، أولا تعلمون أنه يفتح يوم قتله أبواب السماوات ، ويؤن السماء بالبكاء فتبكي دما ، فإذا رأيتم الحمرة في السماء قد ارتفعت فاعلموا أنّ السماء تبكي حسينا . وساق الحديث الى أن قال :

وإنّه يسمى في السماء : حسينا المذبوح ، وفي الأرض أبا عبد اللّه المقتول ، وفي البحار الفرخ الأزهر المظلوم ، وإنّه يوم قتله تنكسف الشمس بالنهار ، ومن الليل ينخسف القمر ، وتدوم الظلمة على الناس ثلاثة أيام ، وتمطر السماء دما ، وتدكدك الجبال ، وتغطمط البحار ، ولولا بقية من ذريته وطائفة من شيعته الذين يطلبون بدمه ويأخذون بثأره لصب اللّه عليهم نارا من السماء أحرقت الأرض ومن عليها(1) .

وفي كلام أبي ذر الغفاري - الذي مرّ سابقا - قال : أيّها الناس ، وإنّكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله لبكيتم - واللّه - حتى تزهق أنفسكم(2) .

ص: 158


1- بحار الأنوار 45/315 باب 46 .
2- كامل الزيارات : 73 الباب 23 .

حديث ميثم في بكاء الأشياء على الحسين عليه السلام

وفي علل الشرائع وأمالي الصدوق عن ميثم التمار عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث : أنه يبكي عليه كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحر والطير في السماء(1) .

وقال السيد السجاد عليه السلام في خطبته على مشارف المدينة : وبكت البحار بأمواجها .

وقال الإمام الحسن بن علي عليه السلام لأخيه الحسين عليه السلام عند وفاته وهو يخبره عن يوم الطف : ويبكي عيك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار .

وفي حديث أبي بصير المشار اليه عن الصادق عليه السلام : وإنّ البحار تكاد أن تفقت فيدخل بعضها على بعض .

ذكر بكاء الملائكة والأنبياء وأوصيائهم وفاطمة عليهم السلام على الحسين عليه السلام

اشارة

ذكرت فيما سبق صيحة جبرئيل ونوح ملائكة الرب الجليل كلّ في محله ، وكذلك ذكرت رؤيا أم سلمة وابن عباس وإخبار النبي إياهم بشهادة الحسين عليه السلامسيد الشهداء ، وذكرت أيضا بكاء فاطمة عليهاالسلام على ولدها منذ الولادة وفيمناسبة ذكرت فيها مصيبته .

وفي كتب المناقب وأمالي المفيد : أنّ زر النائحة رأت فاطمة عليهاالسلام فيما يرى النائم أنها وقعت على قبر الحسين تبكي وأمرتها أن تنشد :

أيها العينان فيضا

واستهلا لا تغيضا

وابكيا بالطف ميتا

ترك الصدر رضيضا

لم أمرضه قتيلا

لا ولا كان مريضا(2)

ص: 159


1- علل الشرائع 1/ 227 باب 162 ، الأمالي للصدوق : 126 المجلس 27 .
2- المناقب 4/63 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام .

مشاهدات الرجل الأسدي

روي في بعض كتب الأصحاب عن الصحابة والتابعين قالوا : حكي عن رجل أسدي قال : كنت زارعا على نهر العلقمي بعد ارتحال العسكر ، عسكر بني أمية ، وكنت أفكر في حرب الحسين بن علي عليهماالسلام الحق مع ابن زياد ، فلما انقضى يوم عاشوراء - وكان يوم الجمعة - وتصرم السبت ، أمر ابن سعد جيشه يوم الأحد أن يرتحلوا من كربلاء الى الكوفة ، فرحلوا وتركوا أجساد الشهداء في تلك البيداء ، فأمنت السبل من حركة الجيش ، فخرجت مع أهلي الى مزرعتي أتفقد زرعي ، فرأيت عجائب لا أقدر أحكي إلاّ بعضها ، منها :

أنه إذا هبت الرياح تمر عليّ نفحات كنفحات المسك والعنبر ، وإذا سكنت أرى نجوما تنزل من السماء إلى الأرض ، ويرقى من الأرض إلى السماء مثلها ، وأنا منفرد مع عيالي ، ولا أرى أحدا أسأله عن ذلك ، وعند غروب الشمس يقبل أسد من القبلة فأولي عنه إلى منزلي ، فإذا أصبح وطلعت الشمس وذهبت من منزلي أراه مستقبل القبلة ذاهبا ، فقلت في نفسي : إنّ هؤاء خوارج قد خرجوا على عبيد اللّه بن زياد فأمر بقتلهم ، وأرى منهم ما لم أره من سائر القتلى ! ! ! فواللّه هذه الليلة لا بد من المساهرة لأبصر هذا الأسد يأكل من هذه الجثث أم لا ؟

فلما صار عند غروب الشمس ، وإذا به أقبل فحققته وإذا هو هائل المنظر ، فارتعدت منه وخطر ببالي : إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني ، وأنا أحاكي نفسي بهذا ، فمثلته وهو يتخطى القتلى حتى وقف على جسد كأنّه الشمس إذا طلعت ، فبرك عليه ، فقلت : يأكل منه ، وإذا به يمرغ وجهه عليه ، وهو يهمهم ويدمدم ، فقلت :

اللّه أكبر ، ما هذه إلاّ أعجوبة .

فجعلت أحرسه حتى اعتكر الظلام ، وإذا بشموع معلقة ملأت الأرض ، وإذا ببكاء ونحيب ولطم مفجع ، فقصدت تلك الأصوات فإذا هي تحت الأرض ، ففهمت من ناع فيهم يقول : وا حسيناه وا إماماه ، فاقشعر جلدي ، فقربت من الباكي

ص: 160

وأقسمت عليه باللّه وبرسوله : من تكون ؟ فقال : إنّا نساء من الجن ، فقلت : وما شأنكنّ ؟ فقلن : في كلّ يوم وليلة هذا عزاؤا على الحسين الذبيح العطشان ، فقلت : هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد ؟ قلن : نعم ، أتعرف هذا الأسد ؟ قلت : لا ، قلن : هذا أبوه علي بن أبي طالب ، فرجعت ودموعي تجر على خدي(1) .

في إثبات أن مصيبة الحسين عليه السلام أعظم المصائب والرد على من قال أنّه عليه السلام لم يقتل

اشارة

في علل الشرائع باسناده عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي قال : قلت لأبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : يا ابن رسول اللّه ، كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، واليوم الذي ماتت فيه فاطمة عليهاالسلام ، واليوم الذي قتل فيه أمير المؤنين عليه السلام ، واليوم الذي قتل فيه الحسن عليه السلام بالسم ؟

فقال : إنّ يوم الحسين عليه السلام أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام ، وذلك أن أصحاب الكساء الذي كانوا أكرم الخلق على اللّه تعالى كانوا خمسة ، فلما مضى عنهم النبي

صلى الله عليه و آله بقي أمير المؤنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فكان فيهم للناس عزاء وسلوة ،

فلما مضت فاطمة عليهاالسلام كان في أمير المؤنين والحسن والحسين للناس عزاء وسلوة ، فلما مضى منهم أمير المؤنين عليه السلام كان للناس في الحسن والحسين عزاء وسلوة ، فلما مضى الحسن عليه السلام كان للناس في الحسين عليه السلامعزاء وسلوة ، فلما قتل الحسين

عليه السلام لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة ، فكان ذهابه كذهاب جميعهم ، كما كان بقاؤ كبقاء جميعهم ، فلذلك صار يومه أعظم مصيبة .

قال عبد اللّه بن الفضل الهاشمي : فقلت له : جعلت فداك يا ابن رسول اللّه ، فلم لم

يكن للناس في علي بن الحسين عزاء وسلوة مثل ما كان لهم في آبائه عليهم السلام ؟

ص: 161


1- بحار الأنوار 45/193 باب 39 .

فقال : بلى إنّ علي بن الحسين كان سيد العابدين ، وإماما ، وحجة على الخلق بعد آبائه الماضين ، ولكنه لم يلق رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولم يسمع منه ، وكان علمه وراثة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و آله ، وكان أمير المؤنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلامقد

شاهدهم الناس مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أحوال في آن يتوالى ، فكانوا متى نظروا إلى أحد منهم تذكروا حاله مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقول رسول اللّه له وفيه ، فلما مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على اللّه - عزّ وجلّ - ، ولم يكن في أحد منهم فقد جميعهم إلاّ في فقد الحسين عليه السلام ، لأنّه مضى آخرهم ، فلذلك صار يومه أعظم الأيام مصيبة .

قال عبد اللّه بن الفضل الهاشمي : فقلت له : يا ابن رسول اللّه ، فكيف سمت العامة

يوم عاشوراء يوم بركة ؟

فبكى عليه السلام ، ثم قال : لما قتل الحسين عليه السلام تقرب الناس بالشام إلى يزيد ، فوضعوا له الأخبار ، وأخذوا عليه الجوائز من الأموال ، فكان مما وضعوا له أمر هذا اليوم ، وأنه

يوم بركة ، ليعدل الناس فيه من الجزع والبكاء والمصيبة والحزن إلى الفرح والسرور والتبرك والإستعداد فيه ، حكم اللّه ما بيننا وبينهم .

رد على من قال أن الحسين عليه السلام لم يقتل

ثم قال عليه السلام لعبد اللّه بن الفضل الهاشمي : يا ابن عم ، وإنّ ذلك لأقلّ ضررا على الإسلام وأهله مما وضعه قوم انتحلوا مودتنا وزعموا أنهم يدينون بموالاتنا ، ويقولون بإمامتنا ، زعموا أنّ الحسين عليه السلام لم يقتل ، وأنه شبّه للناس أمره كعيسى ابن مريم ، فلا لائمة إذن على بني أمية ولا عتب ، على زعمهم ، يا ابن عم من زعم أن الحسين عليه السلام لم يقتل فقد كذب رسول اللّه

صلى الله عليه و آله وعليا ، وكذب من بعده الأئمة

عليهم السلامفي إخبارهم بقتله ، ومن كذّبهم فهو كافر باللّه العظيم ، ودمه مباح لكل من سمع ذلك منه .

قال عبد اللّه بن الفضل : فقلت له : يا ابن رسول اللّه ، فما تقول في قوم من شيعتك يقولون به ؟ فقال عليه السلام : ما هؤاء من شيعتي ، وإني بريء منهم .

قال : فقلت : فقول اللّه تعالى « وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ » ؟ قال : إنّ أولئك مسخوا ثلاثة أيام ثم ماتوا ،

ص: 162

ولم يتناسلوا ، وإنّ القردة اليوم مثل أولئك ، وكذلك الخنازير وسائر المسوخ ما وجد منها اليوم من شيء فهو مثله ، لا يحل أن يؤل لحمه ، ثم قال عليه السلام : لعن اللّه الغلاة والمفوضة ، فإنّهم صغروا عصيان اللّه ، وكفروا به وأشركوا ، وضلوا وأضلوا ، فرارا من إقامة الفرائض وأداء الحقوق(1) .

في عيون أخبار الرضا عليه السلام أيضا باسناده عن أبي الصلت الهروي في حديث قال : قلت : يا ابن رسول اللّه إنّ في سواد الكوفة قوما يزعمون أن الحسين بن علي عليه السلام لم يقتل ، وأنّه ألقي شبهه(2) على حنظلة بن أسعد الشامي ، وأنّه رفع إلى السماء كما رفع عيسى ابن مريم عليه السلام ، ويحتجون بهذه الآية « وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤمِنِينَ سَبِيلاً » ؟ فقال : كذبوا عليهم غضب اللّه ولعنته ، وكفروا بتكذيبهم لنبي اللّه صلى الله عليه و آله في إخباره بأن الحسين بن علي عليه السلام سيقتل ، واللّه لقد قتل الحسين عليه السلام ، وقتل من كان خيرا من الحسين أمير المؤنين والحسن بن علي عليهماالسلام ، وما منا إلاّ مقتول ، وإنّي واللّه لمقتول بالسم ، باغتيال من يغتالني ، أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أخبره به جبرئيل عن ربّ العالمين - عزّ وجلّ - ، وأما قول اللّه - عزّ وجلّ - « وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤمِنِينَ سَبِيلاً » ، فإنّه يقول : لن يجعل اللّه لكافر على مؤن حجة ، ولقد أخبر اللّه - عزّ وجلّ - عن كفار قتلوا النبيين بغير الحق ، ومع قتلهم إياهم لن يجعل اللّه لهم على أنبيائه عليهم السلام سبيلا من طريق الحجة(3) .

وفي الإحتجاج عن الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال : ورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام عليّ على يد محمد بن عثمان العمري بخطه عليه السلام : أمّا قول من زعم أنّ الحسين لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال(4) .

ص: 163


1- علل الشرائع 1/ 225 باب 162 ح1 .
2- فهم المؤلف من هذه العبارة أنّ أول من ألقيت عليه هذه الشبهة هو حنظلة بن أسعد الشامي .
3- عيون أخبارالرضا عليه السلام 2/ 203 باب 46 ح5 .
4- بحار الأنوار 44/ 271 باب 32 ح3 .

ذكر العلة التي من أجلها لم يدفع اللّه القتل وظلم الظالمين عن الأنبياء والأوصياء والأولياء

اشارة

في بصائر الدرجات باسناده عن ضريس قال : قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وأناس من أصحابه حوله : إنّي أعجب من قوم يتولوننا ويجعلوننا أئمة ، ويصفون بأن طاعتنا عليهم مفترضة كطاعة اللّه ، ثم يكسرون حجتهم ، ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم ، فينقصون حقّنا ، ويعيبون بذلك على من أعطاه اللّه برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا . أترون أنّ اللّه - تبارك وتعالى - افترض طاعة أوليائه على عباده ، ثم يخفى عنهم أخبار السماوات والأرض ، ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم .

فقال له حمران : جعلت فداك ، يا أبا جعفر رأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب عليه السلام والحسن والحسين عليهماالسلام ، وخروجهم وقيامهم بدين اللّه ، وما أصيبوا به من قبل الطواغيت إياهم ، والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : يا حمران إنّ اللّه - تبارك وتعالى - قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثم أجراه ، فتقدّم علم من رسول اللّه إليهم في ذلك ، قام علي والحسن والحسين عليهم السلام ، ويعلم صمت من صمت منا ، ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر اللّه وإظهار الطواغيت عليهم سألوا اللّه دفع ذلك عنهم وألحوا فيه في إزالة ملك الطواغيت إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد ، وما كان الذي أصابهم من ذلك يا حمران لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوا اللّه فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من اللّه أراد أن يبلغها ، فلا تذهبن فيهم المذاهب بك(1) .

ص: 164


1- بصائر الدرجات : 124 باب 5 ح3 .

إبتلاء الأولياء من غير ذنب

وفي الخصال القطان باسناده عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : إنّ أيوب عليه السلام ابتلي سبع سنين من غير ذنب ، وإنّ الأنبياء لا يذنبونّ لأنّهم معصومون مطهرون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا ، وقال عليه السلام : إنّ أيوب عليه السلام من جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ، ولا قبحت له صورة ، ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح ، ولا استقذره أحد رآه ، ولا استوحش منه أحد شاهده ، ولا تدود شيء من جسده ، وهكذا يصنع اللّه - عزّ وجلّ - بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه ، وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره بجهلهم بما له عند ربّه

- تعالى ذكره - من التأييد والفرج ، وقد قال النبي صلى الله عليه و آله : أعظم الناس بلاء الأنبياء ، ثم

الأمثل فالأمثل ، وإنما ابتلاه اللّه - عزّ وجلّ - بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد اللّه أن يوصله إليه من عظائم نعمه

تعالى متى شاهدوه ليستدلوا بذلك على أن الثواب من اللّه - تعالى ذكره - على ضربين : استحقاق واختصاص ، ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ، ولا فقيرا لفقره ، ولا مريضا لمرضه ، وليعلموا أنه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء متى شاء كيف شاء بأي سبب شاء ، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء ، وشقاوة لمن شاء ، وسعادة لمن شاء ، وهو - عزّ وجلّ - في جميع ذلك عدل في قضائه ، وحكيم في أفعاله ، لا يفعل بعباده إلاّ الأصلح لهم ، ولا قوة لهم إلاّ به(1) .

تفسير « ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ »

عن عبد اللّه بن بكير قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه - عزّ وجلّ - « ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » ، فقال : هو « وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » قلت له : ما أصاب عليا وأشباهه من أهل بيته من ذلك ، فقال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يتوب إلى اللّه - عزّ وجلّ - كلّ يوم سبعين مرة من غير ذنب(2) .

ص: 165


1- الخصال 2/ 399 ح108 ، بحار الأنوار 44/ 275 باب 33 ح3 .
2- قرب الإسناد : 79 .

وفي معاني الأخبار بطريق آخر عن علي بن رئاب قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه - عزّ وجلّ - « وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ

كَثِيرٍ » أرأيت ما أصاب عليا وأهل بيته هو بما كسبت أيديهم ، وهم أهل بيت طهارة معصومون ، فقال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يتوب إلى اللّه - عزّ وجلّ - ويستغفره في كلّ يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب ، إنّ اللّه - عزّ وجل - يخص أولياءه بالمصائب

ليأجرهم عليها من غير ذنب(1) .

275 العلة التي من أجلها سلّط اللّه عدوّه على الحسين عليه السلام :

وفي إكمال الدين والإحتجاج وعلل الشرائع عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح - قدس اللّه روحه - مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال له : أريد أن أسألك عن شيء ، فقال له : سل عما بدا لك ، فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن علي عليه السلامأهو ولي اللّه ؟ قال : نعم ، قال : أخبرني عن قاتله أهو عدو اللّه ؟ قال : نعم ، قال الرجل : فهل يجوز أن يسلط اللّه عدوه على وليه ؟

فقال له أبو القاسم - قدس اللّه روحه - : إفهم عنّي ما أقول لك ، اعلم أنّ اللّه - عزّ وجلّ - لا يخاطب الناس بشهادة العيان ولا يشافههم بالكلام ، ولكنه - عزّ وجل - بعث إليهم رسولا من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ، فلو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاءوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْواقِ ، قالوا لهم : أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله ، فنعلم أنّكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه ،

فجعل اللّه - عزّ وجلّ - لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار ، فغرق جميع من طغى وتمرد ، ومنهم من ألقي في النار فكانت عليه بردا وسلاما ، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبنا ، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون وجعل له العصا اليابسة ثعبانا

ص: 166


1- معانيالأخبار : 383 ح15 .

فتَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ ، ومنهم من ابراء الأكمه والأبرص وأحياء الموتى بإذن اللّه- عزّ وجلّ - ، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، ومنهم من انشق له القمر وكلمه البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك .

فلما أتوا بمثل هذه المعجزات وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير اللّه - عزّ وجلّ - ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في

حال غالبين ، وفي أخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين ، وفي حال مقهورين ، ولو جعلهم - عزّ وجلّ - في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون اللّه - عزّ وجلّ - ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ، ولكنه - عزّ وجلّ - جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أنّ لهم عليه السلام إلها هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله ، وتكون حجة اللّه تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل ولِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ .

قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق : فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن الحسين بن روح - قدس اللّه روحه - من الغد وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني فقال لي : يا محمد بن إبراهيم لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ أحب إلي من أن أقول في دين اللّه - تعالى ذكره - برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ، ومسموع عن الحجة - صلوات اللّه عليه -(1) .

ص: 167


1- علل الشرائع 1/241 باب 177 ، الإحتجاج 2/471 ، بحار الأنوار 44/ 273 باب 33 ح1 .

وفي الخصال باسناده ابن بشر الهمداني قال : قلت لأبي إسحاق : متى ذلّ الناس ؟ قال : حين قتل الحسين بن علي عليه السلام ، وادعي زياد ، وقتل حجر بن عدي(1) .

ذكر ثواب البكاء في مصيبة الحسين وسائر أئمة الهدى عليهم السلام

اشارة

في الخصال في حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - اطلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منّا وإلينا(2) .

ثم قال : كلّ عين يوم القيامة باكية ، وكل عين يوم القيامة ساهرة إلاّ عين من اختصه اللّه بكرامته ، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمد عليهم السلام(3) .

وفي مجالس المفيد وأمالي الطوسي باسناد معتبر عن الحسين بن علي عليهماالسلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه فينا دمعة ، إلاّ بوأه اللّه بها في الجنة حقبا(4) .

وفي تفسير علي بن إبراهيم باسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان علي بن الحسين عليهماالسلام يقول : أيما مؤن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليه السلام دمعة حتى تسيل على خده بوأه اللّه بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا ، وأيما مؤن دمعت عيناه دمعا

حتى تسيل على خده لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه اللّه مبوأ صدق في الجنة ،

ص: 168


1- الخصال 1/181 ح248 .
2- الخصال 2/634 .
3- الخصال 2/624 .
4- الأمالي للمفيد : 340 المجلس 40 ، الأمالي للطوسي :611 المجلس 4 .

وأيما مؤن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خديه من مضاضة ما أوذي فينا صرف اللّه عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار(1) .

وروى في كامل الزيارات وكتاب ثواب الأعمال مثله(2) .

ثواب البكاء على الحسين عليه السلام

روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال لفضيل : تجلسون وتحدثون ؟ قال : نعم جعلت فداك ، قال : إنّ تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا رحم اللّه من أحيا أمرنا ، يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر(3) .

ومثله ما رواه البرقي باسناده عن فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر اللّه ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر(4) .

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر اللّه له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر(5) .

ثواب المهموم لما وقع على الحسين عليه السلام من الظلم

في مجالس المفيد وأمالي الطوسي عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهماالسلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمه لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل اللّه . ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب(6) .

ص: 169


1- تفسير القمي 2/ 291 .
2- كامل الزيارات : 100 الباب 32 ، ثواب الأعمال : 83 .
3- قرب الإسناد 1/18 .
4- المحاسن 1/63 باب 86 ح110 .
5- تفسير القمي 2/292 ثواب بكاء الحسين عليه السلام .
6- الأمالي للطوسي : 511 المجلس 4 ، الأمالي للمفيد : 338 المجلس 40 .

وفي أمالي الطوسي عن محمد بن أبي عمارة الكوفي قال سمعت جعفر بن محمد عليهماالسلام يقول : من دمعت عينه دمعة لدم سفك لنا ، أو حق لنا أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا ، أو لأحد من شيعتنا ، بوأه اللّه - تعالى - بها في الجنة حقبا(1) .

ثواب البكاء على الحسين عليه السلام

أيضا في كامل الزيارة باسناده عن فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر(2) .

وفيه أيضا عن بكر بن محمد عن فضيل وابن فضالة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرم اللّه وجهه على النار(3) .

وروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : لكل سرّ ثواب إلاّ الدمعة فينا(4) .

يقول عليه السلام : إنّ كتمان أي سرّ من أسرارنا أهل البيت له ثواب إلاّ البكاء على مصائبنا فإنّه لا يحتمل الرياء والسمعة ، مع أن كتمان أي مصيبة والصبر عليها يوجب الثواب العظيم والأجر الكريم إلاّ البكاء على مصيبتنا ، فإنّه لا ينبغي كتمانها والصبر

عليها ، ومع أنّ لكل شيء من الطاعة ثواب مقدر إلاّ الدمعة فيهم فإنه لا تقدير لثوابها .

حديث مسمع في زيارة الحسين عليه السلام والبكاء عليه

في كامل الزيارات باسناده عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : يا مسمع أنت من أهل العراق ، أما تأتي قبر الحسين عليه السلام؟ قلت : لا أنا رجل مشهور عند أهل البصرة وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة ، وعدونا كثير من أهل القبائل من النصاب وغيرهم ، ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثلون بي .

ص: 170


1- الأمالي للطوسي :491 المجلس 7 .
2- كامل الزيارات : 103 الباب 32 ح8 .
3- كامل الزيارات : 104 الباب 32 ح10 .
4- بحار الأنوار 4/287 باب 34 .

قال لي : أفما تذكر ما صنع به ؟ قلت : نعم ، قال : فتجزع ؟ قلت : إي واللّه وأستعبر

لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ ، فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي ، قال : رحم اللّه دمعتك ، أما إنك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا ، والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ، ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنا ، أما إنك سترى عند موتك حضور آبائي لك ، ووصيتهم ملك الموت بك ، وما يلقونك به من البشارة أفضل ، ولملك الموت أرق عليك وأشد رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها .

قال : ثم استعبر واستعبرت معه ، فقال : الحمد للّه الذي فضلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل البيت بالرحمة ، يا مسمع إنّ الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤنين عليه السلام رحمة لنا ، وما بكى لنا من الملائكة أكثر ، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا ، وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلاّ رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه ، فإذا سالت دموعه على خده ، فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرها حتى لا يوجد لها حر ، وإنّ الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض ، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه ، حتى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه ، يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، ولم يستق بعدها أبدا ، وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل ، أحلى من العسل ، وألين من الزبد ، وأصفى من الدمع ، وأذكى من العنبر ، يخرج من تسنيم ويمر بأنهار الجنان ، يجري على رضراض الدر والياقوت ، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء ، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام ، قدحانه من الذهب والفضة وألوان الجوهر ، يفوح في وجه الشارب منه كلّ فائحة حتى يقول الشارب منه : يا ليتني تركت ها هنا لا أبغي بهذا بدلا ولا عنه تحويلا .

أما إنك يا ابن كردين ممن تروى منه ، وما من عين بكت لنا إلاّ نعمت بالنظر إلى الكوثر وسقيت منه من أحبنا ، وإنّ الشارب منه ليعطى من اللذة والطعم والشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا .

ص: 171

وإنّ على الكوثر أمير المؤنين عليه السلام وفي يده عصا من عوسج يحطم بها أعداءنا ، فيقول الرجل منهم : إنّي أشهد الشهادتين ! فيقول : انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك ، فيقول : تبرأ منّي إمامي الذي تذكره ، فيقول : ارجع إلى ورائك فقل للذي كنت تتولاه وتقدمه على الخلق ، فاسأله إذا كان خير الخلق عندك أن يشفع لك ، فإن خير الخلق من يشفع حقيق أن لا يرد إذا شفع ، فيقول : إني أهلك عطشا ، فيقول له : زادك اللّه ظمأ وزادك اللّه عطشا .

قلت : جعلت فداك وكيف يقدر على الدنو من الحوض ولم يقدر عليه غيره ، فقال : ورع عن أشياء قبيحة ، وكف عن شتمنا أهل البيت إذا ذكرنا ، وترك أشياء اجترى عليها غيره ، وليس ذلك لحبنا ولا لهوى منه لنا ، ولكن ذلك لشدة اجتهاده في عبادته وتدينه ، ولما قد شغل نفسه به عن ذكر الناس ، فأما قلبه فمنافق ، ودينه النصب ، واتباعه أهل النصب ، وولاية الماضين وتقدمه لهما على كلّ أحد(1) .

ثواب البكاء على آل محمد عليهم السلام

في أمالي الصدوق : قال الرضا عليه السلام : من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلسا يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب(2) .

وروى في عيون أخبار الرضا عليه السلام مثله .

وفي اللهوف للسيد بن طاوس : روي عن آل الرسول عليهم السلام أنهم قالوا : من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن بكى أبكى عشرين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى واحدا فله الجنة ، ومن تباكى فله الجنة(3) .

ص: 172


1- كامل الزيارات : 101 الباب 32 ح6 .
2- الأمالي للصدوق : 73 المجلس 17 .
3- اللهوف : 10 المقدمة ، بحار الأنوار 44/288 باب 34 .

ذكر الأحاديث التي وردت في ثواب البكاء على الحسين عليه السلام خاصة

في تفسير علي بن إبراهيم عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان علي بن الحسين عليهماالسلاميقول : أيما مؤن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليه السلام دمعة حتى تسيل على خده بوأه اللّه

بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا(1) . وروى مثله في كامل الزيارات .

وفي كامل الزيارات بسنده عن أبي هارون المكفوف قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام ، في حديث طويل : ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه - عزّ وجلّ - ، ولم يرض له بدون الجنة(2) .

وفيه عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال : إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليه السلام ، فإنّه فيه مأجور(3) .

وفي أمالي الطوسي عن المفيد بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كلّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام(4) .

وفيه عن المفيد أيضا بسنده عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلاميقول : إنّ الحسين بن علي عند ربّه - عزّ وجلّ - ينظر إلى معسكره ومن حلّه من الشهداء معه ، وينظر إلى زواره ، وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنزلتهم عند اللّه - عزّ وجلّ - من أحدكم بولده ، وإنّه ليرى من يبكيه فيستغفر له ويسأل آباءه عليهم السلام أن يستغفروا له ، ويقول : لو يعلم زائري ما أعد اللّه له لكان فرحه أكثر من جزعه ، وإنّ زائره لينقلب وما عليه من ذنب(5) .

ص: 173


1- كامل الزيارات : 100 الباب 32 ، تفسير القمي 2/291 ثواب بكاء الحسين عليه السلام .
2- كامل الزيارات : 100 الباب 32 ، بحار الأنوار 44/291 باب 34 ح33 .
3- كامل الزيارات : 100 الباب 32 ح2 .
4- الأمالي للطوسي : 161 المجلس 6 .
5- بحار الأنوار 44/281 باب 34 ح13 .

أيضا عن عبد اللّه بن بكير قال : حججت مع أبي عبد اللّه عليه السلام - في حديث طويل - فقلت : يا ابن رسول اللّه لو نبش قبر الحسين بن علي عليه السلام هل كان يصاب في قبره شيء ؟ فقال : يا ابن بكير ما أعظم مسائلك ! إنّ الحسين عليه السلام مع أبيه وأمه وأخيه في منزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله معه يرزقون ويحبرون ، وإنّه لعن يمين العرش متعلق به يقول : يا ربّ أنجز لي ما وعدتني ، وإنّه لينظر إلى زواره ، وإنّه أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده ، وإنّه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ، ويسأل أباه الإستغفار له ، ويقول : أيّها الباكي لو علمت ما أعدّ اللّه لك لفرحت أكثر مما حزنت ، وإنّه ليستغفر له من كلّ ذنب وخطيئة(1) .

وفي تأليفات بعض الأصحاب : روي أنّه لما أخبر النبي صلى الله عليه و آله ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين ، وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاء شديدا وقالت : يا أبة متى يكون ذلك ؟ قال : في زمان خال مني ومنك ومن علي ، فاشتد بكاؤا وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له ؟ فقال النبي : يا فاطمة إنّ نساء أمتي

يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كلّ سنة ، فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال ،

وكل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنة ، يا فاطمة كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ عين بكت على مصاب الحسين ، فإنّها ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ

بنعيم الجنة(2) .

وروي عن الباقر عليه السلام أنه قال : من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ، ولو مثل جناح البعوضة ، غفر اللّه له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر(3) .

ص: 174


1- كامل الزيارات : 103 الباب 32 ، بحار الأنوار 98/64 باب 9 ح49 .
2- بحار الأنوار 44/293 ح37 .
3- بحار الأنوار 44/293 باب 34 .

ذكر حديث « أنا قتيل العبرة » المروي عن سيد الشهداء عليه السلام

في الأمالي للصدوق باسناده عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : قال أبو عبد اللّه الحسين بن علي عليه السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤن إلاّ استعبر(1) . وروى مثله عن أبي بصير عنه عليه السلام .

وفي كامل الزيارات باسناده عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كنّا عنده فذكرنا الحسين - عليه السلام وعلى قاتله لعنة اللّه - ، فبكى أبو عبد اللّه عليه السلام ، وبكينا ، ثم رفع رأسه فقال : قال الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤن

إلاّ بكى(2) .

وفي كامل الزيارات باسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : نظر أمير المؤنين عليه السلامإلى

الحسين فقال : يا عبرة كلّ مؤن ، فقال : أنا يا أبتاه ؟ قال : نعم يا بني(3) .

وفيه أيضا عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة(4) .

وفيه أيضا عن أبي عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسين عليه السلام عند أبي عبد اللّه عليه السلامفي

يوم قط فرأي أبو عبد اللّه عليه السلام متبسما في ذلك اليوم إلى الليل ، وكان عليه السلام يقول : الحسين عليه السلام عبرة كلّ مؤن(5) .

وفيه أيضا عنه الى قوله : في ذلك اليوم والليل .

ص: 175


1- المناقب 4/87 فصل في مقتله عليه السلام ، كامل الزيارات : 108 الباب 36 ، الأمالي للصدوق : 137 المجلس 28 ، بحار الأنوار 44/284 باب 34 ح19 .
2- كامل الزيارات : 108 الباب 36 ح6 .
3- كامل الزيارات : 108 الباب 36 ح1 .
4- كامل الزيارات : 108 الباب 36 ح4 .
5- كامل الزيارات : 108 الباب 36 ح2 .

ذكر الأحاديث الواردة في يوم عاشوراء وأيام محرم

في أمالي الصدوق باسناده عن الرضا عليه السلام قال : إنّ المحرم شهر كان أهل الجاهلية

يحرّمون فيه القتال ، فاستحلت فيه دماؤا ، وهتك فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول اللّه حرمة في أمرنا .

إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب البلاء إلى يوم الإنقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام .

ثم قال عليه السلام : كان أبي عليه السلام إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا ، وكانت الكئابة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام(1) .

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام وأمالي الصدوق باسناده عن الريان بن شبيب قال : دخلت على الرضا عليه السلام في أول يوم من المحرم ، فقال : يا ابن شبيب أصائم أنت ؟ قلت : لا ، فقال : إنّ هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا عليه السلام ربّه - عزّ وجلّ - فقال : « رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ » فاستجاب اللّه له ، وأمر الملائكة فنادت زكريا « وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى » ، فمن صام هذا اليوم ثم دعا اللّه - عزّ وجلّ - استجاب اللّه له كما استجاب اللّه لزكريا .

ثم قال : يا ابن شبيب ، إنّ المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته ، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ، ولا حرمة نبيها ، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، فلا غفر اللّه لهم ذلك أبدا .

ص: 176


1- الأمالي للصدوق : 128 المجلس 27 ح2 .

يا ابن شبيب ، إن كنت باكيا لشيء فإبك للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فإنّه ذبح كما يذبح الكبش ، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ، ما لهم في الأرض شبيهون ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤن لهم ، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم عليه السلام ، فيكونون من أنصاره وشعارهم « يالثارات الحسين عليه السلام » .

يا ابن شبيب ، لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده عليهم السلام : أنّه لما قتل جدي الحسين عليه السلام أمطرت السماء دما وترابا أحمر .

يا ابن شبيب ، إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر اللّه لك كلّ ذنب أذنبته ، صغيرا كان أو كبيرا ، قليلا كان أو كثيرا .

يا ابن شبيب ، إن سرّك أن تلقى اللّه - عزّ وجلّ - ولا ذنب عليك فزر الحسين عليه السلام .

يا ابن شبيب ، إن سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلى الله عليه و آله فالعن قتلة الحسين .

يا ابن شبيب ، إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين بن علي عليه السلام فقل متى ذكرته : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما .

يا ابن شبيب ، إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا ، فلو أن رجلا أحبّ حجرا لحشره اللّه - عزّ وجلّ - معه يوم القيامة(1) .

وفي أمالي الصدوق باسناده عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل اللّه - عزّ وجلّ -

ص: 177


1- عيون أخبارالرضا عليه السلام 1/299 باب 28 ح58 .

يوم القيامة يوم فرحه وسروره ، وقرّت بنا في الجنان عينه ، ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادخر ، وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد اللّه بن زياد وعمر بن سعد ، لعنهم اللّه إلى أسفل درك من النار(1) .

في حرمة صوم يوم عاشوراء

في كتاب الكافي باسناده عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ وَعَاشُورَاءَ مِنْ شَهْرِ الُْمحَرَّمِ ؟ فَقَالَ : تَاسُوعَاءُ يَوْمٌ حُوصِرَ فِيهِ الْحُسَيْنُ عليه السلام

وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِكَرْبَلاءَ ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَيْلُ أَهْلِ الشَّامِ ، وَأَنَاخُوا عَلَيْهِ ، وَفَرِحَ ابْنُ مَرْجَانَةَ وَعُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِتَوَافُرِ الْخَيْلِ وَكَثْرَتِهَا ، وَاسْتَضْعَفُوا فِيهِ الْحُسَيْنَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - وَأَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَيْقَنُوا أَنْ لا يَأْتِيَ الْحُسَيْنَ عليه السلامنَاصِرٌ ، وَلا يُمِدَّهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ ، بِأَبِي الْمُسْتَضْعَفُ الْغَرِيبُ .

ثُمَّ قَالَ : وَأَمَّا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَيَوْمٌ أُصِيبَ فِيهِ الْحُسَيْنُ عليه السلام صَرِيعاً بَيْنَ أَصْحَابِهِ ،

وَأَصْحَابُهُ صَرْعَى حَوْلَهُ عُرَاةً ، أَفَصَوْمٌ يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ؟ كَلاَّ وَرَبِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَا هُوَ يَوْمَ صَوْمٍ ، وَمَا هُوَ إِلاَّ يَوْمُ حُزْنٍ وَمُصِيبَةٍ دَخَلَتْ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الأَرْضِ ، وَجَمِيعِ الْمُؤمِنِينَ ، وَيَوْمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ لابْنِ مَرْجَانَةَ وَآلِ زِيَادٍ وَأَهْلِ الشَّامِ ، غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى ذُرِّيَّاتِهِمْ ، وَذَلِكَ يَوْمٌ بَكَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ بِقَاعِ الأَرْضِ خَلا بُقْعَةِ الشَّامِ ، فَمَنْ صَامَهُ أَوْ تَبَرَّكَ بِهِ حَشَرَهُ اللَّهُ مَعَ آلِ زِيَادٍ مَمْسُوخُ الْقَلْبِ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ ، وَمَنِ ادَّخَرَ إِلَى مَنْزِلِهِ ذَخِيرَةً أَعْقَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى نِفَاقاً فِي قَلْبِهِ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ ، وَانْتَزَعَ الْبَرَكَةَ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَوُلْدِهِ ، وَشَارَكَهُ الشَّيْطَانُ فِي جَمِيعِ ذَلِك(2) .

ص: 178


1- عيون أخبارالرضا عليه السلام 1/298 باب 28 ، علل الشرائع 1/227 باب 162 ، الأمالي للصدوق : 129 المجلس 27 ح4 ، المناقب 4/86 فصل في مقتله عليه السلام .
2- الكافي 4/147 باب صوم عرفة وعاشوراء ح7 .

وفي أمالي الطوسي باسناده عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال : ذاك يوم قتل الحسين عليه السلام ، فإن كنت شامتا فصم .

ثم قال : إنّ آل أمية لعنهم اللّه ومن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشام نذروا نذرا إن قتل الحسين عليه السلام ، وسلم من خرج إلى الحسين ، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان ، أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم ، يصومون فيه شكرا ، فصارت في آل أبي سفيان سنّة إلى اليوم في الناس ، واقتدى بهم الناس جميعا لذلك ، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك اليوم(1) .

وفي الكافي : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ ؟ فَقَالَ : عَنْ صَوْمِ ابْنِ مَرْجَانَةَ تَسْأَلُنِي ؟ ذَلِكَ يَوْمٌ صَامَهُ الأَدْعِيَاءُ مِنْ آلِ زِيَادٍ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، وَهُوَ يَوْمٌ يَتَشَأَّمُ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَيَتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الإِسْلامِ ، وَالْيَوْمُ الَّذِي يَتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الإِسْلامِ لا يُصَامُ وَلا يُتَبَرَّكُ بِهِ ، وَيَوْمُ الإِثْنَيْنِ يَوْمُ نَحْسٌ قَبَضَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيهِ نَبِيَّهُ ، وَمَا أُصِيبَ آلُ مُحَمَّدٍ إِلاَّ فِي يَوْمِ الإِثْنَيْنِ ، فَتَشَأَّمْنَا بِهِ وَتَبَرَّكَ بِهِ عَدُوُّنَا ، وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَتَبَرَّكَ بِهِ ابْنُ مَرْجَانَةَ ، وَتَشَأَّمَ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ - ، فَمَنْ صَامَهُمَا أَوْ تَبَرَّكَ بِهِمَا لَقِيَ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - مَمْسُوخَ الْقَلْبِ ، وَكَانَ حَشْرُهُ مَعَ الَّذِينَ سَنُّوا صَوْمَهُمَا وَالتَّبَرُّكَ بِهِمَا(2) .

وفي كتاب المصباح : روى عبد اللّه بن سنان قال : دخلت على سيدي أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السلام في يوم عاشوراء ، فألفيته كاسف اللون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤؤالمتساقط ، فقلت : يا ابن رسول اللّه ، مم بكاؤ ؟ لا أبكى اللّه عينيك ، فقال لي : أو في غفلة أنت ؟ أما علمت أنّ الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم ؟ فقلت : يا سيدي فما قولك في صومه ؟ فقال لي : صمه من غير تبييت ،

ص: 179


1- الأمالي للطوسي : 766 المجلس 63 ، بحار الأنوار 45/95 بقية الباب 37 ح41 .
2- الكافي 4/146 باب صوم عرفة وعاشوراء ح5 .

وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملا ، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول اللّه ، وانكشفت الملحمة عنهم ، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعا في مواليهم ، يعزّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله مصرعهم ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيا لكان صلى الله عليه و آله هو المعزّى بهم .

قال : وبكى أبو عبد اللّه عليه السلام حتى اخضلّت لحيته بدموعه ، ثم قال : إنّ اللّه - جلّ ذكره - لما خلق النور خلقه يوم الجمعة في تقديره في أول يوم من شهر رمضان ، وخلق الظلمة في يوم الأربعاء يوم عاشوراء في مثل ذلك يعني يوم العاشر من شهر المحرم في تقديره ، وجعل لكلّ منهما شرعة ومنهاجا(1) . . . الى آخر الخبر .

ذكر معالي شهداء الطف ومنزلتهم

روى الفاضل المجلسي رحمه الله عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام أنّه قال : المؤنون يبتلون ، ثم يميزهم اللّه عنده ، إنّ اللّه لم يؤن المؤنين من بلاء الدنيا ومرائرها ، ولكن آمنهم من العمى والشقاء في الآخرة .

ثم قال : كان الحسين بن علي عليه السلام يضع قتلاه بعضهم على بعض ، ثم يقول : قتلانا قتلى النبيين وآل النبيين(2) .

وفي كتاب الخرائج باسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال الحسين بن علي عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : يا بني إنّك ستساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين ، وهي أرض تدعى عمورا ، وإنّك تستشهد بها ، ويستشهد معك جماعة من أصحابك ، لا يجدون ألم مس الحديد ، وتلا : « قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ » تكون الحرب عليك

ص: 180


1- مصباح المتهجد : 782 زيارة أخرى في يوم عاشوراء .
2- الغيبة للنعماني : 211 باب 12 ، وبحار الأنوار 45/80 بقية الباب 37 ح5 .

وعليهم بردا وسلاما ، فأبشروا ، فواللّه لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا ، ثم أمكث ما شاء اللّه فأكون أول من تنشق عنه الأرض ، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤنين عليه السلام ، وقيام قائمنا وحياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم لينزلن عليّ وفد من السماء من عند اللّه لم ينزلوا إلى الأرض قط ، ولينزلن إليّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة ، ولينزلن محمد وعلي ، وأنا وأخي وجميع من منّ اللّه عليه في حمولات من حمولات الرب ، خيل بلق من نور ، لم يركبها مخلوق ، ثم ليهزن محمد صلى الله عليه و آلهلواءه ، وليدفعنه إلى قائمنا مع سيفه ، ثم إنا نمكث من بعد ذلك ما شاء اللّه ، ثم إنّ اللّه يخرج من مسجد الكوفة عينا من دهن وعينا من لبن وعينا من ماء .

ثم إنّ أمير المؤنين عليه السلام يدفع إليّ سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيبعثني إلى الشرق والغرب ، ولا آتي على عدو إلاّ أهرقت دمه ، ولا أدع صنما إلاّ أحرقته ، حتى أقع إلى الهند فأفتحها ، وإنّ دانيال ويونس يخرجان إلى أمير المؤنين عليه السلام يقولان : صدق اللّه ورسوله ، ويبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلا ، فيقتلون مقاتلتهم ، ويبعث بعثا إلى الروم فيفتح اللّه لهم ، ثم لأقتلنّ كلّ دابة حرم اللّه لحمها حتى لا يكون على وجه الأرض إلاّ الطيب ، وأعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل ، ولأخيرنهم بين الإسلام والسيف ، فمن أسلم مننت عليه ، ومن كره الإسلام أهرق اللّه دمه ، ولا يبقى رجل من شيعتنا إلاّ أنزل اللّه إليه ملكا يمسح عن وجهه التراب ، ويعرّفه أزواجه ومنازله في الجنة ، ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد ولا مبتلى إلاّ كشف اللّه عنه بلاءه بنا أهل البيت ، ولتنزلنّ البركة من السماء إلى الأرض حتى أنّ الشجرة لتقصف بما يريد اللّه فيها من الثمر ، وليأكلن ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء ، وذلك قول اللّه تعالى : « وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا » .

ص: 181

ثم إنّ اللّه ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض وما كان فيها ، حتى أن الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعلمون(1) .

وفي كامل الزيارات في باب كفر قتلة الحسين عليه السلام وإخبار أنبياء السلف بذلك ، قال في وصية عيسى على نبينا وآله وعليه السلام : قال : يا بني إسرائيل العنوا قاتله ، وإن أدركتم أيامه فلا تجلسوا عنه ، فإنّ الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء مقبل غير مدبر(2) .

وفي إكمال الدين باسناده عن ابن نباتة في حديث عن علي عليه السلام : وخير الخلق وسيدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء ، أما إنّه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة(3) .

وفي علل الشرائع وأمالي الصدوق في حديث ميثم التمار : قال ميثم : يا جبلة اعلمي أنّ الحسين بن علي سيد الشهداء يوم القيامة ، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة(4) .

في فضل زيارة قبر الحسين بن علي عليهماالسلام

في المناقب لابن شهرآشوب عن إسحاق بن عمار : قال الصادق عليه السلام : ليس ملك في السماوات والأرض إلاّ وهم يسألون اللّه تعالى أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السلام ، ففوج ينزل وفوج يعرج(5) .

ص: 182


1- الخرائج والجرائح 2/848 فصل في الرجعة ، بحار الأنوار 45/80 الباب 37 . . وفي البحار : « يعملون » بدل « يعلمون » .
2- كامل الزيارات : 67 الباب 21 .
3- كمال الدين 1/259 باب 24 .
4- علل الشرائع 1/227 باب 162 ، الأمالي للصدوق : 126 المجلس 27 .
5- الكافي 4/588 ، كامل الزيارات : 113 الباب 39 ، المناقب 4/127 .

وروى الديلمي أيضا قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ موسى بن عمران سأل ربّه - عزّ وجل - زيارة قبر الحسين بن علي ، فزاره في سبعين ألفا من الملائكة(1) .

وروى أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام قال : وكّل اللّه بقبر الحسين أربعة آلاف ملكا شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة ، فمن زاره عارفا بحقّه شيعوه حتى يبلغوه مأمنه ، وإن مرض عادوه غدوة وعشيا ، وإذا مات شهدوا جنازته ، واستغفروا له إلى يوم القيامة(2) .

وروي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الباقر عليه السلام قَالَ : مُرُوا شِيعَتَنَا بِزِيَارَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَإِنَّ زِيَارَتَهُ تَدْفَعُ الْهَدْمَ وَالْغَرَقَ وَالْحَرَقَ وَأَكْلَ السَّبُعِ ، وَزِيَارَتُهُ مُفْتَرَضَةٌ

عَلَى مَنْ أَقَرَّ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام بِالإِمَامَةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ(3) .

وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : مَا بَيْنَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ(4) .

وروي عن الكاظم عليه السلام : من زار قبر الحسين عارفا بحقه غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر(5) .

وروي عن الصادق عليه السلام : كان الحسين ذات يوم في حجر النبي صلى الله عليه و آله يلاعبه ويضاحكه ، فقالت عائشة : ما أشد إعجابك بهذا الصبي ؟ فقال لها : ويلك كيف

ص: 183


1- بحار الأنوار 43/315 باب 12 .
2- المناقب 4/128 فصل في زيارته عليه السلام ، الكافي 4/581 باب فضل زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام ح6 .
3- الأمالي للصدوق : 143 المجلس 29 ، من لا يحضره الفقيه 2/582 باب ثواب زيارة النبي والأئمة عليهم السلام ح3177 .
4- ثواب الأعمال : 96 ثواب من زار قبر الحسين عليه السلام ، من لا يحضره الفقيه 2/579 باب ثواب زيارة النبي والأئمة : ح 3168 ، المناقب 4/128 فصل في زيارته عليه السلام .
5- الأمالي للصدوق : 142 المجلس 29، ثواب الأعمال : 85 ثواب من زار قبر الحسين عليه السلام ، المناقب 4/128 فصل في زيارته عليه السلام .

لا أحبّه ولا أعجب به ؟ وهو ثمرة فؤدي ، وقرة عيني ، أما إنّ أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب اللّه له حجة من حججي . قالت : يا رسول اللّه حجة من حججك ؟ قال : نعم حجتين من حججي . قالت : حجتين من حججك ؟ قال : نعم وثلاث .

قال : فلم تزل تزاده ويزيد ويضعفه حتى بلغ سبعين حجة من حجج رسول اللّه بأعمارها(1) .

ثم قال : يا عائشة من أراد اللّه له الخير قذف في قلبه حب الحسين وحب زيارته ، ومن زار الحسين عارفا بحقه كتبه اللّه في أعلى عليين مع الملائكة المقربين .

وفي الرسالة المقنعة والمزار للكليني بإسناده عن الرضا عليه السلام قال : من زار قبر أبي عبد اللّه عليه السلام بشط الفرات كان كمن زار اللّه فوق عرشه(2) .

ذكرنا من قبل حديث أم أيمن الذي روته زينب الكبرى عليهاالسلام للامام السجاد عليه السلام

حينما رحلوا عن كربلاء ومروا على مصارع الشهداء ، فجعل الإمام عليه السلام يجود بنفسه فلما رأته عمته في تلك الحال حدثته بحديث أم أيمن الذي نقلناه في محله ووعدنا أن نذكر ذيله في الموضع المناسب له وجاء الآن وقت الوفاء بالوعد فنقول :

فقال جبرئيل فيما أخبر به النبي صلى الله عليه و آله عن مصرع الحسين عليه السلام : فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله ، وأحاطت به كتائب أهل الكفر واللعنة ، تزعزعت الأرض من أقطارها ، ومادت الجبال وكثر اضطرابها ، واصطفقت البحار بأمواجها ، وماجت السماوات بأهلها ، غضبا لك يا محمد ولذريتك ، واستعظاما لما ينتهك من حرمتك ، ولشرّ ما تكافى ء به في ذريتك وعترتك ، ولا يبقى شيء من ذلك إلاّ استأذن اللّه - عزّ وجلّ - في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة اللّه

ص: 184


1- الأمالي للطوسي : 866 المجلس 63 ، كامل الزيارات : 68 الباب 22 ، المناقب 4/128 فصل في زيارته عليه السلام .
2- كامل الزيارات : 147 الباب 59 ، ثواب الأعمال : 85 ثواب من زار قبر الحسين عليه السلام ، تهذيب الأحكام 6/45 باب 16 ، المناقب 4/128 فصل في زيارته عليه السلام .

على خلقه بعدك ، فيوحي اللّه إلى السماوات والأرض والجبال والبحار ومن فيهن : إني أنا اللّه الملك القادر الذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع ، وأنا أقدر فيه على

الإنتصار والإنتقام ، وعزّتي وجلالي لأعذبن من وتر رسولي وصفيي ، وانتهك حرمته ، وقتل عترته ، ونبذ عهده ، وظلم أهله عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين . فعند ذلك يضج كلّ شيء في السماوات والأرضين بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك .

فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى اللّه - عزّ وجلّ - قبض أرواحها بيده ، وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت والزمرد مملؤة من ماء الحياة ، وحلل من حلل الجنة ، وطيب من طيب الجنة ، فغسلوا جثثهم بذلك الماء ، وألبسوها الحلل ، وحنطوها بذلك الطيب ، وصلّت الملائكة صفا صفا عليهم ، ثم يبعث اللّه قوما من أمتك ، لا يعرفهم الكفار ، لم يشركوا في تلك الدماء

بقول ولا فعل ولا نية ، فيوارون أجسامهم ، ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق ، وسببا للمؤنين إلى الفوز ، وتحفه ملائكة من كلّ سماء مائة ألف ملك في كلّ يوم وليلة ، ويصلّون عليه ويطوفون عليه ، ويسبحون اللّه عنده ، ويستغفرون اللّه لمن زاره ، ويكتبون أسماء من يأتيه زائرا من أمتك متقربا إلى

اللّه تعالى وإليك بذلك ، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم ، ويوسمون في وجوههم بميسم نور عرش اللّه : « هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء » ، فإذا كان

يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار يدل عليهم ويعرفون به ، وكأنّي بك يا محمد بيني وبين ميكائيل ، وعلي امامنا ، ومعنا من ملائكة

اللّه ما لا يحصى عددهم ، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتى ينجيهم اللّه من هول ذلك اليوم وشدائده ، وذلك حكم اللّه وعطاؤ لمن زار قبرك يا محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يريد به غير اللّه - عزّ وجلّ - . وسيجتهد أناس

ممن حقّت عليهم اللعنة من اللّه والسخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره ، فلا يجعل اللّه - تبارك وتعالى - لهم إلى ذلك سبيلا .

ص: 185

ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : فهذا أبكاني وأحزنني .

قالت زينب : فلما ضرب ابن ملجم لعنه اللّه أبي عليه السلام ، ورأيت عليه أثر الموت منه قلت له : يا أبة حدثتني أم أيمن بكذا وكذا ، وقد أحببت أن أسمعه منك ، فقال : يا بنية

الحديث كما حدثتك أم أيمن ، وكأنّي بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد أذلاء خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس ، فصبرا صبرا ، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما للّه على

ظهر الأرض يومئذ ولي غيركم وغير محبيكم وشيعتكم ، ولقد قال لنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : حين أخبرنا بهذا الخبر إنّ إبليس لعنه اللّه في ذلك اليوم يطير فرحا فيجول الأرض كلّها بشياطينه وعفاريته ، فيقول : يا معاشر الشياطين قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة ، وبلغنا في هلاكهم الغاية ، وأورثناهم النار إلاّ من اعتصم بهذه العصابة ، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم ، وحملهم على عداوتهم ، وإغرائهم بهم وأوليائهم حتى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم ، ولا ينجو منهم ناج ، ولقد صدق عليهم إبليس - وهو كذوب - أنّه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح ، ولا يضر مع محبتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر .

قال زائدة : ثم قال علي بن الحسين عليه السلام بعد أن حدثني بهذا الحديث : خذه إليك ما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولا لكان قليلا(1) .

وفي المنتخب عن ابن وهب قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وهو في مصلاه ، فجلست حتى قضى صلاته ، فسمعته وهو يناجي ربّه ويقول :

اللّهم يا من خصنا بالكرامة ووعدنا الشفاعة وحملنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية وأعطانا علم ما مضى [وعلم] ما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا اغفر لي ولإخواني وزوار [قبر] أبي عبد اللّه الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما الذين أنفقوا أموالهم في حبه

وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا وسرورا أدخلوه

ص: 186


1- كامل الزيارات : 263 الباب الثامن والثمانون فضل كربلاء .

على نبيك محمد صلى الله عليه و آله وإجابة منهم لأمرنا وغيظا أدخلوه على عدونا أرادوا بذلك رضوانك اللّهم فكافهم عنا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف [واصحبهم] واكفهم شر كلّ جبار عنيد وكل ضعيف من خلقك أو شديد وشر شياطين الإنس والجن وأعطهم أفضل ما أمّلوه منك في غربتهم عن أوطانهم وما آثرونا على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم اللّهم إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافا منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلبت على قبر أبي عبد اللّه عليه السلام وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي حزنت لأجلنا واحترقت بالحزن لنا وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا اللّهم [إني] أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش الأكبر وتدخلهم الجنة وتسهل عليهم الحساب إنّك أنت الكريم الوهاب .

فما زال - صلوات اللّه عليه - يدعو لأهل الإيمان ولزوار قبر الحسين عليه السلام ، وهو ساجد في محرابه ، فلما رفع رأسه أتيت اليه وسلّمت عليه ، وتأملت وجهه واذا هو كاسف اللّه اللون ، متغير الحال ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر على خديه كالؤلؤ الرطب ، فقلت : يا سيدي ممّ بكاؤك ؟ لا أبكى اللّه لك عينا ، وما الذي حلّ بك ؟ فقال لي : أو في غفلة عن هذا اليوم ؟ أما علمت أنّ جدّي الحسين قد قتل في مثل هذا اليوم ، فبكيت لبكائه وحزنت لحزنه ، فقلت : يا سيدي فما الذي أفعل في مثل هذا اليوم ؟ فقال لي : يا بن وهب زر الحسين عليه السلام من بعيد أقصى ومن قريب أدنى ، وجدد الحزن عليه ، وأكثر البكاء والشجون له ، فقلت : يا سيدي لو أنّ الدعاء الذي سمعته منك وأنت ساجد كان لمن لا يعرف اللّه تعالى لظننت أنّ النار لا تطعم منه شيئا ، واللّه

لقد تمنيت أنّي كنت زرته قبل أن أحج ، فقال لي : [فما أقربك منه] ؟ فما الذي يمنعك من زيارته يا بن وهب ؟ ولم تدع ذلك ؟ فقلت : جعلت فداك لم أدر أن الأجر يبلغ هذا كلّه حتى سمعت دعاءك لزواره ، فقال لي : يا بن وهب ، وإنّ الذي يدعو لزواره

ص: 187

في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض ، فإياك أن تدع زيارته لخوف من أحد ، فمن تركها لخوف رأى الحسرة والندم حتى إنّه يتمنى أن قبره نبذه ، يا بن وهب أما تحب أن يرى اللّه شخصك ؟ أما تحب أن تكون غدا فيمن يأتي وليس عليه ذنب فيتبع به ؟ أما تحب أن تكون غدا فيمن يصافحه رسول اللّه يوم القيامة ، قلت : يا سيدي فما قولك في غير تبييت ؟ فقال لي : لا تجعله صوم يوم كامل ، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنّه في ذلك الوقت إنجلت الهيجاء عن آل الرسول ، وانكشفت الغمة عنهم ، ومنهم في الأرض ثلاثون قتيلا من مواليهم من أهل البيت ، يعزّ على رسول اللّه مصرعهم ، ولو كان حيا لكان هو المعزّى بهم ، قال : وبكى الصادق عليه السلام حتى اخضلت لحيته بدموعه ، ولم يزل حزينا كئيبا طول يومه ذلك ، وأنا معه أبكي لبكائه ، وأحزن لحزنه(1) .

وروى الديلمي في كتاب الفردوس عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : [قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله] : إنّ موسى بن عمران سأل ربّه - عزّ وجلّ - فقال : يا ربّ إنّ أخي هارون مات فاغفر له ، فأوحى اللّه تعالى إليه : يا موسى لو سألتني في الأولين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّي أنتقم له من قاتله(2) .

وقال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ موسى بن عمران سأل ربّه زيارة قبر الحسين بن علي ، فزاره في سبعين ألف من الملائكة(3) .

وفي كامل الزيارات عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا دخل الحسين عليه السلام جذبه إليه ثم يقول لأمير المؤنين عليه السلام : أمسكه ، ثم يقع عليه فيقبّله ويبكي ، يقول : يا أبة لم تبكي ؟ فيقول : يا بني أقبّل موضع السيوف منك ، قال :

ص: 188


1- المنتخب 2/316 المجلس الخامس ، بحار الأنوار 98/8 باب 1 ح30 ، االكافي 4/582 باب فضل زيارة الحسين عليه السلام ، ثواب الأعمال : 94 ثواب من زار قبر الحسين عليه السلام ، ، كامل الزيارات : 116 الباب 40 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2/47 باب 31 ح179 .
3- المناقب 4/127 فصل في زيارته عليه السلام .

يا أبة وأقتل ؟ قال : إي واللّه ، وأبوك وأخوك وأنت ، قال : يا أبة فمصارعنا شتى ؟ قال : نعم يا بني ، قال : فمن يزورنا من أمتك ؟ قال : لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلاّ الصديقون من أمتي(1) .

وفي تفسير فرات عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان الحسين مع أمه تحمله ، فأخذه النبي صلى الله عليه و آله وقال : لعن اللّه قاتلك ، ولعن اللّه سالبك ، وأهلك اللّه المتوازرين عليك ، وحكم اللّه بيني وبين من أعان عليك ، قالت فاطمة الزهراء : يا أبت أي شيء تقول ؟ قال : يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي ، وهو يومئذ في عصبة كأنّهم نجوم السماء ، يتهادون إلى القتل ، وكأنّي أنظر إلى معسكرهم ،

وإلى موضع رحالهم وتربتهم ، قالت : يا أبة وأين هذا الموضع الذي تصف ؟ قال : موضع يقال له « كربلاء » ، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة ، يخرج عليهم شرار أمتي ، لو أنّ أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه ، وهم المخلدون في النار .

قالت : يا أبة فيقتل ؟ قال : نعم يا بنتاه ، وما قتل قتلته أحد كان قبله ، ويبكيه السماوات والأرضون والملائكة والوحش والنباتات والبحار والجبال ، ولو يؤن لها ما بقي على الأرض متنفس ، ويأتيه قوم من محبينا ليس في الأرض أعلم باللّه ولا أقوم بحقنا منهم ، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم ، أولئك مصابيح في ظلمات الجور ، وهم الشفعاء ، وهم واردون حوضي غدا ، أعرفهم إذا وردوا عليّ بسيماهم ، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا ، وهم قوام الأرض ، وبهم ينزل الغيث .

فقالت فاطمة الزهراء عليهاالسلام : يا أبة إنّا للّه وبكت ، فقال لها : يا بنتاه إنّ أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا ، بذلوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ

ص: 189


1- كامل الزيارات :70 الباب22 ح4 .

فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا ، فما عند اللّه خير من الدنيا وما فيها ، قتلة أهون من ميتة ، ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ، ومن لم يقتل فسوف يموت ، يا فاطمة بنت محمد أما تحبين أن تأمرين غدا بأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش ؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة ؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض ، فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه ؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار ، يأمر النار فتطيعه يخرج منها من يشاء ويترك من يشاء ؟ أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به ، وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند اللّه ؟ فما ترين اللّه صانع بقاتل ولدك

وقاتليك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجته على الخلائق ، وأمرت النار أن تطيعه ؟ أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك وتأسف عليه كلّ شيء ؟ أما ترضين أن يكون من أتاه زائرا في ضمان اللّه ، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت اللّه واعتمر ، ولم يخل من الرحمة طرفة عين ، وإذا مات مات شهيدا ، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ، ولم يزل في حفظ اللّه وأمنه حتى يفارق الدنيا ؟ قالت : يا أبة سلّمت ورضيت وتوكلت على اللّه ، فمسح على قلبها ومسح عينيها وقال : إنّي وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقرّ عيناك ويفرح قلبك(1) .

وفي الأمالي للشيخ الطوسي عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد عليهماالسلام يقولان : إنّ اللّه - تعالى - عوض الحسين عليه السلام من قتله أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعد أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره .

ص: 190


1- تفسير فرات الكوفي : 171 ومن سورة التوبة ، كامل الزيارات : 68 الباب 22 ، بحار الأنوار44/264 باب 31 ح22 .

قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : هذه الخلال تنال بالحسين عليه السلامفما له في نفسه ؟ قال : إنّ اللّه - تعالى - ألحقه بالنبي ، فكان معه في درجته ومنزلته ، ثم تلا أبو عبد اللّه عليه السلام : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ »الآية(1) .

وفي كامل الزيارات عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا حسين من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي عليه السلام إن كان ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة حسنة ومحى عنه سيئة حتى إذا صار في الحائر كتبه اللّه

من المفلحين المنجحين حتى إذا قضى مناسكه كتبه اللّه من الفائزين حتى إذا أراد الإنصراف أتاه ملك فقال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقرئك السلام ويقول لك : استأنف

العمل ، فقد غفر لك ما مضى(2) .

وروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ما من أحد يوم القيامة إلاّ وهو يتمنى أنّه من زوار الحسين لما يرى مما يصنع بزوار الحسين عليه السلام من كرامتهم على اللّه تعالى(3) .

وفي كامل الزيارات عن عبد اللّه بن حماد البصري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال لي : إنّ عندكم - أو قال : في قربكم - لفضيلة ما أوتي أحد مثلها ، وما أحسبكم تعرفونها كنه معرفتها ، ولا تحافظون عليها ولا على القيام بها ، وإنّ لها لأهلا خاصة

قد سموا لها واعطوها بلا حول منهم ولا قوة ، إلاّ ما كان من صنع اللّه لهم وسعادة حباهم بها ورحمة ورأفة وتقدم ، قلت : جعلت فداك ، وما هذا الذي وصفت ولم تسمه ؟ قال : زيارة جدّي الحسين عليه السلام ، فإنّه غريب بأرض غربة يبكيه من زاره ، ويحزن له من لم يزره ، ويحترق له من لم يشهده ، ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجليه في أرض فلاة ولا حميم قربه ولا قريب ، ثم منع الحق ، وتوازر عليه أهل الردّة حتى قتلوه وضيعوه ، وعرضوه للسباع ، ومنعوه شرب ماء الفرات

ص: 191


1- الأمالي للطوسي : 713 المجلس 11 ، بشاره المصطفى : 211 ، بحار الأنوار 44/221 باب 29 ح1 .
2- تهذيب الأحكام 6/43 باب 16 ، كامل الزيارات : 132 الباب 49 ح1 .
3- كامل الزيارات : 135 الباب 50 ح1 .

الذي يشربه الكلاب ، وضيعوا حقّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ووصيته به وبأهل بيته ، فأمسى مجفوا في حفرته ، صريعا بين قرابته وشيعته ، بين أطباق التراب ، قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جده والمنزل الذي لا يأتيه إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان

وعرفه حقّنا .

فقلت له : جعلت فداك ، قد كنت آتيه حتى بليت بالسلطان وفي حفظ أموالهم ، وأنا عندهم مشهور ، فتركت للتقية إتيانه ، وأنا أعرف ما في إتيانه من الخير ، فقال :

هل تدري ما فضل من أتاه ؟ وما له عندنا من جزيل الخير ؟ فقلت : لا ، فقال : أما الفضل فيباهيه ملائكة السماء ، وأما ما له عندنا فالترحم عليه كلّ صباح ومساء ، ولقد حدثني أبي أنه لم يخل مكانه منذ قتل من مصلّ يصلّي عليه من الملائكة أو من الجن أو من الإنس أو من الوحش ، وما من شيء إلاّ وهو يغبط زائره ويتمسح به ، ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره .

ثم قال : بلغني أنّ قوما يأتونه من نواحي الكوفة ، وناسا من غيرهم ، ونساء يندبنه ، وذلك في النصف من شعبان ، فمن بين قارئ يقرأ(1) ، وقاص يقص ، ونادب يندب ، وقائل يقول المراثي ، فقلت له : نعم جعلت فداك ، قد شهدت بعض ما تصف ، فقال : الحمد للّه الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا ، وجعل عدونا

من يطعن عليهم من قرابتنا أو غيرهم يهدرونهم ويقبحون ما يصنعون(2) .

وروي عن أبي حمزة الثمالي قال : خرجت في آخر زمان بني مروان إلى زيارة قبر الحسين عليه السلام ، مستخفيا من أهل الشام ، حتى انتهيت إلى كربلاء ، فاختفيت في ناحية القرية ، حتى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر ، فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال لي : انصرف مأجورا فإنك لا تصل إليه ، فرجعت فزعا ، حتى

ص: 192


1- فهم المؤلف رحمه الله من هذه العبارة أنّهم يقرأون القرآن ، وكذلك ترجمها فقال : « من بين قارى ء للقرآن » .
2- كامل الزيارات : 324 الباب 108 ، بحار الأنوار 98/73باب 10 ح21 .

إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتى إذا دنوت منه خرج إليّ الرجل فقال لي : يا هذا إنّك لا تصل إليه ، فقلت له : عافاك اللّه ، ولم لا أصل إليه ؟ وقد أقبلت من الكوفة

أريد زيارته ، فلا تحل بيني وبينه ، عافاك اللّه ، وأنا أخاف إن أصبح فيقتلوني أهل

الشام إن أدركوني ها هنا ، فقال لي : اصبر قليلا ، فإن موسى بن عمران عليه السلام سأل اللّه أن يأذن له في زيارة قبر الحسين بن علي ، فأذن له ، فهبط من السماء في سبعين ألف ملك ، فهم بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر ، ثم يعرجون إلى السماء .

فقلت له : فمن أنت عافاك اللّه ؟ قال : أنا من الملائكة الذين أمروا بحراسة قبر الحسين عليه السلام والإستغفار لزواره ، فانصرفت وقد كاد أن يطير عقلي لما سمعت منه ، فأقبلت لما طلع الفجر نحوه ، فلم يحل بيني وبينه أحد ، فدنوت من القبر وسلّمت عليه ، ودعوت اللّه على قتلته ، وصلّيت الصبح ، وأقبلت مسرعا مخافة أهل الشام(1) .

وفي كامل

الزيارات عن صفوان بن مهران الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : أهون ما يكتسب زائر الحسين عليه السلام في كلّ حسنة ألف ألف حسنة والسيئة واحدة ، وأين الواحدة من ألف ألف ، ثم قال : يا صفوان أبشر ، فإنّ للّه ملائكة معها قضبان من نور ، فإذا أراد الحفظة أن تكتب على زائر الحسين عليه السلام سيئة قالت الملائكة للحفظة : كفّي ، فتكفّ ، فإذا عمل حسنة قالت لها : اكتبي ، أولئك الذين يبدل اللّه

سيئاتهم حسنات(2) .

وفي كتاب ثواب الأعمال عن حنان بن سدير قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : زوروه - يعني قبر الحسين عليه السلام - ولا تجفوه ، فإنّه سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة(3) .

وروى علي بن أسباط عن زرارة عن أحدهما عليهماالسلام أنه قال : يا زرارة ما في الأرض مؤنة إلاّ وقد وجب عليها أن تسعد فاطمة عليهاالسلام في زيارة الحسين عليه السلام ،

ص: 193


1- كامل الزيارات : 111 الباب 38 ح2 .
2- كامل الزيارات : 330 الباب 108 ح5 .
3- ثواب الأعمال : 97 ثواب من زار قبر الحسين عليه السلام .

ثم قال : يا زرارة إنّه إذا كان يوم القيامة جلس الحسين عليه السلام في ظل العرش ، وجمع اللّه زواره وشيعته ليبصروا من الكرامة والنصرة والبهجة والسرور إلى أمر لا يعلم صفته إلاّ اللّه ، فيأتيهم رسل أزواجهم من الحور العين من الجنة فيقولون : إنّا رسل

أزواجكم إليكم يقلن : إنّا قد اشتقناكم وأبطأتم عنّا ، فيحملهم ما هم فيه من السرور

والكرامة على أن يقولوا لرسلهم : سوف نجيئكم إن شاء اللّه (1) .

وفي كامل الزيارات عن ذريح المحاربي قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما ألقى من قومي ومن بني إذا أنا أخبرتهم بما في إتيان قبر الحسين عليه السلام من الخير ، إنّهم يكذبوني ويقولون : إنك تكذب على جعفر بن محمد ، قال : يا ذريح دع الناس يذهبون حيث شاءوا ، واللّه إنّ اللّه ليباهي بزائر الحسين والوافد يفده الملائكة المقربون وحملة

عرشه ، حتى أنّه ليقول لهم : أما ترون زوار قبر الحسين أتوه شوقا إليه وإلى فاطمة بنت رسول اللّه ؟ أما وعزّتي وجلالي وعظمتي لأوجبن لهم كرامتي ، ولأدخلنهم جنتي التي أعددتها لأوليائي ولأنبيائي ورسلي ، يا ملائكتي هؤاء زوار الحسين حبيب محمد رسولي ، ومحمد حبيبي ، ومن أحبني أحب حبيبي ، ومن أحب حبيبي أحب من يحبه ، ومن أبغض حبيبي أبغضني ، ومن أبغضني كان حقا عليّ أن أعذبه بأشدّ عذابي ، وأحرقه بحر ناري ، وأجعل جهنم مسكنه ومأواه ، وأعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين(2) .

وبإسناده عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه أو أبا جعفر عليهماالسلام يقول : من أحب أن يكون مسكنه الجنة ومأواه الجنة فلا يدع زيارة المظلوم ، قلت : ومن هو ؟ قال : الحسين بن علي صاحب كربلاء ، من أتاه شوقا إليه وحبّا لرسول اللّه وحبّا لأمير المؤنين وحبّا لفاطمة أقعده اللّه على موائد الجنة يأكل معهم ، والناس في الحساب(3) .

ص: 194


1- بحار الأنوار 98/75 باب 10 ح25 .
2- كامل الزيارات : 143 الباب 56 ح5 .
3- كامل الزيارات : 141 الباب 55 ح2 .

وروي عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال : من أراد اللّه به الخير قذف في قلبه حب الحسين عليه السلام وحب زيارته ، ومن أراد اللّه به السوء قذف في قلبه بغض الحسين وبغض زيارته(1) .

وفي كامل الزيارات عن زيد الشحام قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما لمن زار قبر الحسين عليه السلام ؟ قال : كان كمن زار اللّه في عرشه ، قلت : ما لمن زار أحدا منكم ؟ قال : كمن زار رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2) .

وفي كامل الزيارات أيضا عن بشير الدهان قال : كنت أحج في كلّ سنة ، فأبطأت سنة عن الحج ، فلما كان من قابل حججت ودخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال لي : يا بشير ما أبطأك عن الحج في عامنا الماضي ؟ قلت : جعلت فداك ، ما كان لي على الناس خفت ذهابه غير أنّي عرفت عند قبر الحسين عليه السلام ، فقال لي : ما فاتك شيء مما كان فيه أهل الموقف ، يا بشير من زار قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقّه كان كمن زار اللّه في عرشه(3) .

وعن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ زائر الحسين بن علي عليهماالسلام زائر رسول اللّه صلى الله عليه و آله(4) .

وعن سيف التمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : زائر الحسين عليه السلاممشفع

يوم القيامة لمائة رجل ، كلّهم قد وجبت لهم النار ممن كان في الدنيا من المسرفين(5) .

وفي كامل الزيارات عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام - في حديث - : وإنّ الزائر له - يعني الحسين عليه السلام - لا يتناهى له دون الحوض وأمير المؤنين عليه السلام قائم على الحوض

يصافحه ويرويه من الماء ، وما يسبقه أحد إلى وروده الحوض حتى يروى ،

ص: 195


1- كامل الزيارات : 142 الباب 55 ح3 .
2- كامل الزيارات : 147 الباب 59 ح1 .
3- كامل الزيارات : 149 الباب 59 ح11 .
4- كامل الزيارات : 150 باب 60 ح2 .
5- كامل الزيارات : 165 الباب 68 ح2 .

ثم ينصرف إلى منزله من الجنة معه ملك من قبل أمير المؤنين يأمر الصراط أن يذل له ، ويأمر النار أن لا يصيبه من لفحها شيء ، حتى يجوزها ومعه رسوله الذي بعثه أمير المؤنين عليه السلام(1) .

وفيه أيضا عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام - في حديث طويل - قال : أتاه رجل فقال له : يا ابن رسول اللّه ، هل يزار والدك ؟ فقال : نعم ويصلّى عنده ، وقال : يصلي خلفه ولا يتقدم عليه ، قال : فما لمن أتاه ؟ قال : الجنة إن كان يأتم به ، قال : فما لمن تركه رغبة عنه ؟ قال : الحسرة يوم الحسرة ، قال : فما لمن أقام عنده ؟ قال : كلّ

يوم بألف شهر ، قال : فما للمنفق في خروجه إليه والمنفق عنده ؟ قال : درهم بألف درهم ، قال : فما لمن مات في سفره إليه ؟ قال : تشيعه الملائكة تأتيه بالحنوط والكسوة من الجنة ، وتصلّي عليه إذا كفن ، وتكفنه فوق أكفانه ، وتفرش له الريحان تحته ، وتدفع الأرض حتى تصور من بين يديه مسيرة ثلاثة أميال ، ومن خلفه مثل ذلك ، وعند رأسه مثل ذلك ، وعند رجليه مثل ذلك ، ويفتح له باب من الجنة إلى قبره ، ويدخل عليه روحها وريحانها حتى تقوم الساعة ، قلت : فما لمن صلّى عنده ؟ قال : من صلّى عنده ركعتين لم يسأل اللّه شيئا إلاّ أعطاه إياه ، قلت : ما لمن اغتسل

من ماء الفرات ثم أتاه ؟ قال : إذا اغتسل من ماء الفرات وهو يريده تساقطت عنه خطاياه كيوم ولدته أمه ، قلت : فما لمن يجهز إليه ولم يخرج لعلة تصيبه ؟ قال : يعطيه

اللّه بكل درهم أنفقه مثل أحد من الحسنات ، ويخلف عليه أضعاف ما أنفق ، ويصرف عنه البلاء مما قد نزل ليصيبه ، ويدفع عنه ، ويحفظ في ماله .

قلت : فما لمن قتل عنده جار عليه سلطان فقتله ؟ قال : أول قطرة من دمه يغفر له بها كلّ خطيئة ، وتغسل طينته التي منها خلق الملائكة حتى تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين ، ويذهب عنها ما كان خالطها من أجناس طين أهل الكفر ، ويغسل قلبه ويشرح ويملأ إيمانا ، فيلقى اللّه وهو مخلص من كلّ ما يخالطه الأبدان

ص: 196


1- كامل الزيارات : 122 الباب 44 ، بحار الأنوار98/78 باب 10 .

والقلوب ، ويكتب له شفاعة في أهل بيته وألف من إخوانه ، وتولى الصلاة عليه الملائكة مع جبرئيل وملك الموت عليهم السلام ، ويؤى بكفنه وحنوطه من الجنة ، ويوسع قبره عليه ويوضع له مصابيح في قبره ، ويفتح له باب من الجنة ، وتأتيه الملائكة بالطرف من الجنة ، ويرفع بعد ثمانية عشر يوما إلى حظيرة القدس ، فلا يزال فيها مع أولياء اللّه حتى تصيبه النفخة التي لا تبقي شيئا ، فإذا كانت النفخة الثانية وخرج من قبره كان أول من يصافحه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤنين والأوصياء ، ويبشرونه ويقولون له : الزمنا ، ويقيمونه على الحوض فيشرب منه ، ويسقي من أحب ، قلت : فما لمن حبس في إتيانه ؟ قال : له بكل يوم يحبس ويغتم فرحة يوم القيامة .

قلت : فإن ضرب بعد الحبس في إتيانه ؟ قال : له بكل ضربة حوراء ، وبكل وجع يدخل عليه ألف ألف حسنة ، ويمحى بها عنه ألف ألف سيئة ، ويرفع له بها ألف ألف درجة ، ويكون من محدثي رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى يفرغ من الحساب ، ويصافحه حملة العرش ويقال له : سل ما أحببت ، ويؤى بضاربه للحساب ، فلا يسأل عن شيء ، ولا يحتسب بشيء ، ويؤذ بضبعيه حتى ينتهي به إلى ملك فيحيزه ويتحفه بشربة من الحميم ، وشربة من الغسلين ، ويوضع على مقال في النار ، ويقال له : ذق ما قدمت يداك فيما أتيت إلى هذا الذي ضربته ، وهو وفد اللّه ووفد رسوله ، ويؤى بالمضروب إلى باب جهنم فيقال : انظر إلى ضاربك وما قد لقي ، فهل شفيت صدرك وقد اقتص لك منه ؟ فيقول : الحمد للّه الذي انتصر لي ولولد رسوله منه(1) .

ذكر حدود الحائر

لما جرى ذكر الحائر في بعض الروايات التي ذكرناها في فضل زيارة الحسين عليه السلام

تعين علينا أن نتعرض الى بيان حدود الحائر فنقول :

ص: 197


1- كامل الزيارات : 123 الباب 44 ح2 ، بحار الأنوار98/78 باب 10 ح39 .

قال ابن إدريس في السرائر : المراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد عليه ، قال : لأن ذلك هو الحائر حقيقة ، لأن الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء . وذكر الشهيد في الذكرى أنّ في هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوكل

بإطلاقه على قبر الحسين عليه السلام ليعفيه فكان لا يبلغه بإعجاز سيد الشهداء .

وقد اختلف كلام الأصحاب في حدّ الحائر ، فقيل : إنّه ما أحاطت به جدران الصحن ، فيدخل فيه الصحن من جميع الجوانب والعمارات المتصلة بالقبة المنورة والمسجد الذي خلفها ، وقيل : إنّه القبة الشريفة حسب ، وقيل : هي مع ما اتصل بها من العمارات كالمسجد والمقتل والخزانة وغيرها .

وقد نقل من كبار أهل البلدة المشرفة : أنّ الحائر هو السعة التي عليها الحصار الرفيع من القبلة واليمين واليسار ، وأما الخلف فما ندري ما حده ، وقالوا : هذا الذي

سمعنا من جماعة من قبلنا ، ولا يبعد أن يكون ما انخفض من هذا الصحن الشريف يكون داخلا في الحائر دون ما ارتفع منها(1) .

ذكر فضل زيارة يوم عرفة والعيدين

في أمالي الشيخ الصدوق وكتاب ثواب الأعمال عن بشير الدهان قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ربما فاتني الحج فأعرف عند قبر الحسين ؟ قال : أحسنت يا بشير ، أيما مؤن أتى قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقّه ، في غير يوم عيد ، كتبت له عشرون حجة ، وعشرون عمرة ، مبرورات متقبلات ، وعشرون غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل ، ومن أتاه في يوم عيد كتبت له مائة حجة ومائة عمرة ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل ، ومن أتاه في يوم عرفة عارفا بحقّه كتبت له ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل .

ص: 198


1- انظر بحار الأنوار 98/117 تذنيب .

فقلت له : وكيف بمثل الموقف ؟ قال : فنظر إليّ شبه المغضب ، ثم قال : يا بشير إنّ المؤن إذا أتى قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة ، واغتسل بالفرات ، ثم توجه إليه كتب اللّه - عزّ وجلّ - له بكلّ خطوة حجة بمناسكها ، ولا أعلمه إلاّ قال : وغزوة(1) .

وفي ثواب الأعمال ومعاني الأخبار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين بن علي عليه السلام عشية عرفة ، قلت : قبل نظره إلى أهل الموقف ؟ قال : نعم ، قلت : وكيف ذاك ؟ قال : لأنّ في أولئك أولاد زنا ، وليس في هؤاء أولاد زنا(2) .

وفي كتاب ثواب الأعمال عن داود الرقي قال : سمعت أبا عبد اللّه وأبا الحسن موسى بن جعفر وأبا الحسن علي بن موسى عليهم السلام وهم يقولون : من أتى قبر الحسين عليه السلام بعرفة قلبه اللّه ثلج الفؤد(3) . أي أنّه ينقلب مطمئن القلب باليقين في عقائده ، أو أنّه ينقلب ثلج الفؤاد مسرورا مغفورا له .

وفي ثواب الأعمال أيضا عن عبد اللّه بن مسكان قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - يتجلّى لزوار قبر الحسين عليه السلام قبل أهل عرفات ، فيفعل ذلك بهم ويقضي حوائجهم ويغفر ذنوبهم ويشفعهم في مسائلهم ، ثم يثنّي بعرفات ، فيفعل ذلك بهم(4) .

وفي كامل الزيارات عن بشير الدهان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول وهو نازل

بالحيرة(5) ، وعنده جماعة من الشيعة ، فأقبل إليّ بوجهه فقال : يا بشير أحججت العام ؟ قلت : جعلت فداك ، لا ولكن عرفت بالقبر قبر الحسين عليه السلام ، فقال : يا بشير

واللّه ما فاتك شيء مما كان لأصحاب مكة بمكة ، قلت : جعلت فداك ، فيه عرفات فسره لي ، فقال : يا بشير إنّ الرجل منكم ليغتسل على شاطئ الفرات ، ثم يأتي

ص: 199


1- الأمالي للصدوق : 143 المجلس 29 ح11 .
2- معاني الأخبار : 391 باب نوادر المعاني ، بحار الأنوار 98/85باب 12 ح4 .
3- ثواب الأعمال : 90 ثواب من زار قبر الحسين عليه السلام .
4- ثواب الأعمال : 90 ثواب من زار قبر الحسين عليه السلام .
5- ترجمها المؤلف : « بالحائر » .

قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقّه ، فيعطيه اللّه بكل قدم يرفعها ويضعها مائة حجة مقبولة ومائة عمرة مبرورة ومائة غزوة مع نبي مرسل ، يا بشير أسمع وأبلغ من احتمل قلبه : من زار الحسين عليه السلام يوم عرفة كان كمن زار اللّه في عرشه(1) .

وفي كامل الزيارات عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من فاتته عرفة بعرفات فأدركها بقبر الحسين عليه السلام لم تفته ، وإنّ اللّه - تبارك وتعالى - ليبدأ بأهل قبر الحسين عليه السلام قبل أهل العرفات ، ثم يخاطبهم بنفسه(2) .

وفي كتاب المصباح وكامل الزيارات عن محمد بن الحسين عن أبي عبد اللّه عليه السلام

قال : سمعته يقول : إذا كان يوم عرفة نظر اللّه إلى زوار قبر الحسين عليه السلام فيقول : ارجعوا مغفورا لكم ما مضى ، ولا يكتب على أحد منهم ذنب سبعين يوما من يوم ينصرف(3) .

وفي كامل الزيارات عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من زار قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة كتب اللّه له ألف ألف حجة مع القائم ، وألف ألف عمرة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعتق ألف ألف نسمة ، وحملان ألف ألف فرس في سبيل اللّه ، وسماه اللّه عبدي الصديق آمن بوعدي ، وقالت الملائكة : فلان صدّيق ، زكّاه اللّه من فوق

عرشه ، وسمي في الأرض كروبا(4) .

وفي كامل الزيارات أيضا عن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من كان معسرا فلم يتهيأ له حجة الإسلام فليأت قبر الحسين عليه السلام ، وليعرف عنده ، فذلك يجزيه عن حجة الإسلام ، أما إنّي لا أقول : يجزي ذلك عن حجة الإسلام إلاّ للمعسر ، فأما الموسر إذا كان قد حج حجة الإسلام ، فأراد أن يتنفل بالحج أو العمرة ومنعه من ذلك شغل دنيا أو عائق ، فأتى قبر الحسين عليه السلام في يوم عرفة أجزأه ذلك عن أداء الحج أو العمرة ، وضاعف اللّه له ذلك أضعافا مضاعفة .

ص: 200


1- كامل الزيارات : 171 الباب 70 ح9 .
2- كامل الزيارات : 170 الباب 70 ح5 ، بحار الأنوار 98/87 باب 12 ح14 .
3- كامل الزيارات : 171 الباب 70 ح 8 .
4- كامل الزيارات : 172 الباب 70 ح10 .

قال : قلت : كم تعدل حجة ؟ وكم تعدل عمرة ؟ قال : لا يحصى ذلك ، قلت : مائة ؟ قال : ومن يحصي ذلك ؟ قلت : ألف ؟ قال : وأكثر ، ثم قال : « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها » إنّ اللّه واسع كريم(1) .

وفى كامل الزيارة أيضا عن جعفر الصادق عليه السلام : من زار قبر الحسين عليه السلام ليلة من ثلاث ليال غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، قال : قلت : أي الليالي جعلت فداك ؟ قال : ليلة الفطر وليلة الأضحى وليلة النصف من شعبان(2) .

وروى في كامل الزيارة أيضا عن ميثم التمار عن الباقر عليه السلام قال : من زار ليلة عرفة أرض كربلاء وأقام بها حتى يعيد ثم ينصرف وقاه اللّه شرّ سنته(3) .

وهذا الراوي - أي ميثم المذكور في سند هذه الرواية هو غير ميثم التمار المعروف ، وذلك أنّ ميثم التمار الشهيد المعروف لم يدرك صحبة الإمام الباقر عليه السلام(4) .

وفي كتاب الإقبال عن ابان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من زار الحسين عليه السلام ليلة من ثلاث غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، قال : قلت : وأي الليالي ؟ فذكر ليلة الأضحى(5) .

وفي المصباح عن أبي عبد اللّه عليه السلام يقول : من أتى قبر الحسين عليه السلام بعرفة بعثه اللّه يوم القيامة ثلج الفؤد(6) .

وفي المصباح أيضا عن رفاعة النحاس قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال لي : يا رفاعة أما حججت العام ؟ قلت : جعلت فداك ما كان عندي ما أحج به ، ولكني عرّفت عند قبر حسين بن علي عليهماالسلام ، فقال لي : يا رفاعة ما قصرت عما كان

ص: 201


1- كامل الزيارات : 173 ح12 .
2- كامل الزيارات : 180 الباب 72 ح6 .
3- مصباح المتهجد : 716 دعاء الموقف لعلي بن الحسين 8 .
4- الموجود في مصباح المتهجد : « عن ابن ميثم التمار » .
5- إقبال الأعمال : 421 فصل فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام .
6- مصباح المتهجد : 715 دعاء الموقف لعلي بن الحسين 7 .

أهل منى فيه ، لولا أنّي أكره أن يدع الناس الحج لحدثتك بحديث لا تدع زيارة قبر الحسين عليه السلام أبدا ، ثم نكت الأرض وسكت طويلا ، ثم قال : أخبرني أبي قال : من خرج إلى قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه غير مستكبر ، صحبه ألف ملك عن يمينه ، وألف ملك عن يساره ، وكتب له ألف حجة ، وألف عمرة مع نبي أو وصي نبي(1) .

في فضل زيارة سيد الشهداء عليه السلام في شهر رجب وشعبان ورمضان والأوقات الخاصة

في الأمالي عن بشير الدهان عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : من زار الحسين عليه السلاميوم

عرفة عارفا بحقّه كتب اللّه له ثواب ألف حجة وألف عمرة وألف غزوة مع نبي مرسل ، ومن زاره أول يوم من رجب غفر اللّه له البتة(2) .

وفي كامل الزيارة عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : من زار الحسين عليه السلام ليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة عرفة في سنة واحدة كتب اللّه له ألف حجة مبرورة وألف عمرة متقبلة ، وقضيت له ألف حاجة من حوائج الدنيا والآخرة(3) .

وفي كامل الزيارات عن زيد الشحام عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : من زار الحسين عليه السلام ليلة النصف من شعبان غفر اللّه له ما تقدّم من ذنوبه وما تأخر ، ومن زاره يوم عرفة كتب اللّه له ثواب ألف حجة متقبلة وألف عمرة مبرورة ، ومن زاره يوم عاشوراء فكأنّما زار اللّه فوق عرشه(4) .

ص: 202


1- مصباح المتهجد : 715 دعاء الموقف لعلي بن الحسين عليه السلام .
2- كامل الزيارات : 182 الباب 73 ح2 .
3- كامل الزيارات : 170 الباب 70 ح6 .
4- كامل الزيارات : 174 الباب 71 ح6 ، بحار الأنوار 98/ 105 باب 14 ح15 .

وروي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وأبو حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهماالسلام قالا : قالا : من أحبّ أن يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي فليزر قبر أبي عبد اللّه الحسين بن علي عليه السلام في النصف من شعبان ، فإنّ أرواح النبيين عليهم السلام يستأذنون اللّه في زيارته فيؤن لهم ، منهم خمسة أولو العزم من الرسل ، قلنا : من هم ؟ قال : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد - صلّى اللّه عليهم أجمعين - ، قلنا له : ما معنى أولي العزم ؟ قال : بعثوا إلى شرق الأرض وغربها جنّها وإنسها(1) .

وفي كامل الزيارات أيضا عن ابن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إذا كان النصف من شعبان نادى مناد من الأفق الأعلى زائري الحسين عليه السلام : إرجعوا مغفورا لكم ، ثوابكم على ربّكم ومحمد نبيكم(2) .

وروى البرقي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من زار أبا عبد اللّه عليه السلام ثلاث سنين متواليات لا فصل فيها في النصف من شعبان غفر له ذنوبه(3) .

وفي كامل الزيارات أيضا عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : من زار الحسين عليه السلام ليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة عرفة في سنة واحدة كتب اللّه له ألف حجة مبرورة وألف عمرة متقبلة ، وقضيت له ألف حاجة من حوائج الدنيا والآخرة(4) .

وفيه أيضا عن الباقر عليه السلام : زائر الحسين عليه السلام في النصف من شعبان يغفر له ذنوبه ، ولن يكتب عليه سيئة في سنة حتى يحول عليه الحول ، فإن زار في السنة المقبلة غفر اللّه له ذنوبه(5) .

ص: 203


1- كامل الزيارات : 179 الباب 72 ح2
2- كامل الزيارات : 180 الباب 72 ح3 .
3- كامل الزيارات : 180 الباب 72 ح4 .
4- كامل الزيارات : 181 الباب 72 ح7 .
5- كامل الزيارات : 181 الباب 72 ح5 .

أيضا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام : في أي شهر نزور الحسين عليه السلام ؟ قال : في النصف من رجب والنصف من شعبان(1) .

وفي كامل الزيارات أيضا عن داود بن فرقد(2) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من زار قبر الحسين عليه السلام في كلّ جمعة غفر اللّه له البتة ، ولم يخرج من الدنيا وفي نفسه حسرة منها ، وكان مسكنه في الجنة مع الحسين بن علي عليهماالسلام ، ثم قال : يا داود من لا يسرّه أن يكون في الجنة جار الحسين عليه السلام ؟ قلت : من لا أفلح(3) .

وفيه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إذا كان ليلة القدر فيها يفرق كلّ أمر حكيم نادى مناد تلك الليلة من بطنان العرش : إنّ اللّه قد غفر لمن زار قبر الحسين عليه السلام في هذه الليلة(4) .

وروي عنه أيضا : من زار قبر الحسين عليه السلام في شهر رمضان ومات في الطريق لم يعرض ولم يحاسب ، ويقال له : ادخل الجنة آمنا(5) .

وقال عليه السلام أيضا : ومن زار أول يوم من رجب غفر اللّه له البتة(6) .

وفي الإقبال عن البرقي قال : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام : ما لمن زار الحسين بن علي عليهماالسلام في النصف من شعبان من الثواب ؟ فقال : من زار الحسين عليه السلام في النصف من شعبان يريد به اللّه - عزّ وجلّ - وما عنده لا عند الناس غفر اللّه له في تلك الليلة

ذنوبه ، ولو أنّها بعدد شعر معزى كلب ، ثم قيل له : جعلت فداك يغفر اللّه - عزّ

وجلّ - له الذنوب كلّها ؟ قال : أتستكثر لزائر الحسين عليه السلام هذا ؟ كيف لا يغفرها وهو في حدّ من زار اللّه - عزّ وجلّ - في عرشه(7) .

ص: 204


1- كامل الزيارات : 182 الباب 73 ح1 .
2- في المصدر : « داود بن يزيد » .
3- كامل الزيارات : 183 الباب 74 ح3 .
4- كامل الزيارات : 184 ح5 .
5- كامل الزيارات : 330 الباب 108 ح7 .
6- كامل الزيارات : 172 الباب 70 .
7- إقبال الأعمال : 711 فصل فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام .

وفي حديث آخر عن الصادق عليه السلام : يغفر اللّه لزائر الحسين عليه السلام في نصف شعبان ما تقدّم من ذنبه وما تأخر(1) .

وفي الإقبال عن مقاتل البلخي عن جعفر بن محمد عليه السلام أنّه سئل عن زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام(2) ، فقيل : هل في ذلك وقت هو أفضل من وقت ؟ فقال : زوروه في كلّ وقت ، وفي كلّ حين ، فإنّ زيارته عليه السلام خير موضوع ، فمن أكثر منها فقد استكثر من الخير ، ومن قلّل قلّل له ، وتحروا بزيارتكم الأوقات الشريفة ، فإنّ الأعمال الصالحة فيها مضاعفة ، وهي أوقات مهبط الملائكة لزيارته .

قال : فسئل عن زيارته في شهر رمضان ؟ فقال : من جاءه عليه السلام خاشعا محتسبا مستقيلا مستغفرا ، فشهد قبره في إحدى ثلاث ليال من شهر رمضان : أول ليلة من الشهر ، أو ليلة النصف ، أو آخر ليلة منه ، تساقطت عنه ذنوبه وخطاياه التي اجترحها كما يتساقط هشيم الورق بالريح العاصف ، حتى أنّه يكون من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه ، وكان له مع ذلك من الأجر مثل أجر من حجّ في عامه ذلك واعتمر ، ويناديه ملكان يسمع نداءهما كلّ ذي روح إلاّ الثقلين من الجن والإنس ، يقول أحدهما : يا عبد اللّه طهرت فاستأنف العمل ، ويقول الآخر : يا عبد اللّه أحسنت فأبشر بمغفرة من اللّه وفضل(3) .

وفي الإقبال عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السلام في هذه الآية « فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » قال : هي ليلة القدر يقضى فيها أمر السنة من حج وعمرة ، أو رزق ، أو أجل ، أو أمر ، أو سفر ، أو نكاح ، أو ولد ، إلى سائر ما يلاقي ابن آدم مما يكتب له

ص: 205


1- إقبال الأعمال : 712 .
2- في المصدر : « روينا ذلك بإسنادنا إلى أبي المفضل الشيباني قال حدثنا أبو محمد شعيب بن محمد بن مقاتل البلخي بنوقان طوس في مشهد الرضا عليه السلام قال حدثني أبي عن أبي بصير الفتح بن عبد الرحمن القمي عن علي بن محمد بن فيض بن مختار عن أبيه عن جعفر بن محمد عليه السلامأنه سئل . .» .
3- إقبال الأعمال : 10 .

أو عليه في بقية ذلك الحول من تلك الليلة إلى مثلها من عام قابل ، وهي في العشرة الأواخر من شهر رمضان ، فمن أدركها ، أو قال : يشهدها عند قبر الحسين عليه السلاميصلّي عنده ركعتين ، أو ما تيسر له ، وسأل اللّه تعالى الجنة واستعاذ به من النار ، آتاه اللّه تعالى ما سأل ، وأعاذه مما استعاذ منه ، وكذلك إن سأل اللّه تعالى أن يؤيه من خير ما فرق وقضى في تلك الليلة ، وأن يقيه من شرّ ما كتب فيها ، أو دعا اللّه وسأله - تبارك وتعالى - في أمر لا إثم فيه رجوت أن يؤى سؤه ، ويوقى محاذيره ، ويشفع في عشرة من أهل بيته ، كلّهم قد استوجبوا العذاب ، واللّه إلى سائله وعبده بالخير أسرع(1) .

وفي بشارة المصطفى عن داود الرقي قال الباقر عليه السلام : من زار الحسين عليه السلام ليلة النصف من شعبان غفرت له ذنوبه(2) .

وفي التهذيب عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُصَافِحَهُ مِائَةُ أَلْفِ نَبِيٍّ وَعِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ فَلْيَزُرْ قَبْرَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، فَإِنَّ أَرْوَاحَ النَّبِيِّينَ عليه السلام تَسْتَأْذِنُ اللَّهَ فِي زِيَارَتِهِ فَيُؤذَنُ لَهُمْ(3) .

وفي مصباح الزائر عن الصادق عليه السلام قال : من زار الحسين عليه السلام في النصف من شعبان كتب اللّه - عزّ وجلّ - له ألف حجة(4) .

وفي مصباح الزائر أيضا عن الكاظم عليه السلام قال : ثلاث ليال من زار الحسين عليه السلام فيهن غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر : ليلة النصف من شعبان ، وليلة ثلاث وعشرين من رمضان ، وليلة العيد(5) .

ص: 206


1- إقبال الأعمال : 211 دعاء الحسن بن علي 8 في ليلة القدر .
2- بشارة المصطفى : 77 .
3- تهذيب الأحكام 6/48 16 ح24 .
4- بحار الأنوار 98/100 باب 13 ح35 .
5- بحار الأنوار 98/101 ح36 .

وفي الإقبال عن جابر الجعفي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من بات عند قبر الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء لقي اللّه يوم القيامة ملطخا بدمه ، وكأنّما قتل معه في عرصة كربلاء(1) .

وفي التهذيب وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : عَلامَاتُ الْمُؤمِنِ خَمْسٌ : صَلاةُ الْخَمْسِينَ ، وَزِيَارَةُ الأَرْبَعِينَ ، وَالتَّخَتُّمُ فِي الَْيمِينِ ، وَتَعْفِيرُ الْجَبِينِ ، وَالْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(2) .

في فضل الإنفاق في طريق زيارة الحسين عليه السلام

في كتاب كامل الزيارات عن ابن سنان قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك إنّ أباك كان يقول في الحج : يحسب له بكلّ درهم أنفقه ألف درهم ، فما لمن ينفق في المسير إلى أبيك الحسين عليه السلام ؟ فقال : يا ابن سنان ، يحسب له بالدرهم ألف وألف ، حتى عدّ عشرة ، ويرفع له من الدرجات مثلها ، ورضا اللّه خير له ، ودعاء محمد صلى الله عليه و آله ودعاء أمير المؤنين والأئمة عليهم السلام خير له(3) .

وفي كامل الزيارات أيضا بإسناده عن هشام بن سالم في حديث : سألت الباقر عليه السلام فقلت : فما للمنفق في خروجه إليه - يعني زيارة الحسين عليه السلام - والمنفق عنده ؟ قال : الدرهم بألف درهم(4) .

وفي التهذيب عن علي بن ميمون الصائغ قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا علي بلغني أنّ أناسا من شيعتنا تمرّ بهم السنة والسنتان وأكثر من ذلك لا يزورون الحسين بن علي عليه السلام ؟ ! قلت : جعلت فداك ، إنّي لأعرف أناسا كثيرا بهذه الصفة ،

ص: 207


1- إقبال الأعمال : 558 فصل فيما نذكره من فضل المبيت عند الحسين عليه السلام .
2- تهذيب الأحكام 6/52 16 ح37 .
3- كامل الزيارات : 128 الباب 46 ح4 .
4- كامل الزيارات : 128 الباب 46 ح3 .

قال : أما واللّه لحظّهم أخطئوا ، وعن ثواب اللّه زاغوا ، وعن جوار محمد صلى الله عليه و آله في الجنة تباعدوا ، قلت : فإن أخرج عنه رجلا جزى ذلك عنه ؟ قال : نعم ، وخروجه لنفسه أعظم أجرا ، وخير له عند ربّه(1) .

ذكر الأخبار الدالة على وجوب زيارة الحسين عليه السلام

في كامل الزيارات عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام - في حديث طويل - : قلت : جعلت فداك ، ما تقول فيمن ترك زيارته - يعني الحسين عليه السلام - وهو يقدر على ذلك ؟ قال : أقول : إنّه قد عقّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعقّنا ، واستخفّ بأمر هو له(2)(3) .

وفيه أيضا عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عمن ترك الزيارة زيارة قبر الحسين بن علي من غير علّة ؟ قال : هذا رجل من أهل النار(4) .

وفي أمالي الصدوق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلامقال : مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي عليهماالسلام ، فإنّ زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السبع ، وزيارته مفترضة على من أقرّ للحسين بالإمامة من اللّه - عزّ وجلّ -(5) .

وفي كامل الزيارات عن أم سعيد الأحمسية عن أبي عبد اللّه عليه السلام قالت : قال لي : يا أم سعيد تزورين قبر الحسين ؟ قلت : نعم ، فقال لي : زوريه فإنّ زيارة قبر الحسين واجبة على الرجال والنساء(6) .

ص: 208


1- تهذيب الأحكام 6/45 باب 16 ، كتاب المزار : 225 باب 29 النوادر ح 7 .
2- كامل الزيارات : 127 الباب 46 ح2 .
3- أي بأمر هو نافع ومفيد له منه رحمه الله .
4- كامل الزيارات : 193 الباب 78 ح5 .
5- الأمالي للصدوق : 143 المجلس 29 ح10 .
6- كامل الزيارات : 122 الباب 43 ح3 .

وفيه أيضا عن عبد الرحمن بن كثير مولى أبي جعفر عليه السلام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : لو أنّ أحدكم حجّ دهره ثم لم يزر الحسين بن علي عليهماالسلام لكان تاركا حقّا من حقوق اللّه وحقوق رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ لأنّ حقّ الحسين عليه السلام فريضة من اللّه واجبة على كلّ مسلم(1) .

وفيه أيضا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : من لم يأت قبر الحسين عليه السلام

من شيعتنا كان منتقص الإيمان منتقص الدين(2) .

وفيه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من لم يأت قبر الحسين عليه السلام وهو يزعم أنّه لنا شيعة حتى يموت ، فليس هو لنا بشيعة(3)(4) .

وفيه أيضا عن حنان بن سدير قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام فدخل عليه رجل فسلّم عليه وجلس ، فقال أبو جعفر عليه السلام : من أي البلدان أنت ؟ فقال له الرجل : أنا رجل من أهل الكوفة ، وأنا محبّ لك موال ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : أفتزور قبر الحسين عليه السلام في كلّ جمعة ؟ قال : لا ، قال : ففي كلّ شهر ؟ قال : لا ، قال : ففي كلّ سنة ؟ قال : لا ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : إنّك لمحروم من الخير(5) .

وفيه أيضا عن سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : عجبا لأقوام يزعمون أنّهم شيعة لنا ، ويقال : إنّ أحدهم يمرّ به دهره ولا يأتي قبر الحسين عليه السلام جفاء منه وتهاون وعجز وكسل ، أما واللّه لو يعلم ما فيه من الفضل ما تهاون ولا كسل(6) .

ص: 209


1- كامل الزيارات : 122 الباب 43 ح4 .
2- كامل الزيارات : 193 الباب 78 ح1 ، بحار الأنوار 98/4 باب 1 ح13 .
3- كامل الزيارات : 193 الباب 78 ح3 .
4- تتمة الحديث : « وإن كان من أهل الجنة فهو من ضيفان أهل الجنة »
5- كامل الزيارات : 291 الباب 97 ح5 .
6- كامل الزيارات : 292 الباب 97 ح8 .

قال الفاضل المجلسي في كتاب المزار من بحار الأنوار : إعلم أنّ ظاهر أكثر أخبار

هذا الباب ، وكثير من أخبار الأبواب الآتية ، وجوب زيارته صلوات اللّه عليه ، بل كونها من أعظم الفرائض وآكدها ، ولا يبعد القول بوجوبها في العمر مرة مع القدرة ، وإليه كان يميل الوالد العلامة نور اللّه ضريحه(1) .

ذكر فضل أرض كربلاء

روي بسند معتبر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قبر الحسين عليه السلام عشرون ذراعا في عشرين ذراعا مكسّرا روضة من رياض الجنة(2) .

وروى الفاضل المجلسي في كتاب المزار من بحار الأنوار : أربع بقاع ضجت إلى اللّه أيام الطوفان : البيت المعمور فرفعه اللّه ، والغري ، وكربلاء ، وطوس(3) .

وروي بسند معتبر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ أرض الكعبة قالت : من مثلي وقد بني بيت اللّه على ظهري ، يأتيني الناس مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، وجعلت حرم اللّه

وأمنه ، فأوحى اللّه إليها : أن كفّي وقرّي ، ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلاّ بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر ، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك ، ولولا من تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك ، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت ، فقرّي واستقرّي ، وكوني ذنبا متواضعا ذليلا مهينا غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء ، وإلاّ سخت بك وهويت بك في نار جهنم(4) .

وروي أيضا عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : خلق اللّه - تبارك وتعالى - أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدسها وبارك عليها ،

ص: 210


1- بحار الأنوار 98/10 باب 1 .
2- كامل الزيارات : 272 الباب 89 ح5 .
3- فرحة الغري :70 الباب 6 ، بحار الأنوار 98/106 باب 15 ح2 .
4- كامل الزيارات : 267 الباب 88 ، بحار الأنوار 98/106 باب 15 ح3 .

فما زالت قبل خلق اللّه الخلق مقدسة مباركة ، ولا تزال كذلك حتى يجعلها اللّه أفضل أرض في الجنة ، وأفضل منزل ومسكن ، يسكن اللّه فيه أولياءه في الجنة(1) .

وروي أيضا عن علي بن الحسين السجاد عليه السلام : إتخذ اللّه أرض كربلاء حرما آمنا مباركا قبل أن يخلق اللّه أرض الكعبة ويتّخذها حرما بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنّه إذا زلزل اللّه - تبارك وتعالى - الأرض وسيّرها رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية ، فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة ، لا يسكنها إلاّ النبيون والمرسلون ، أو قال : أولو العزم من الرسل ، وأنّها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض ، يغشي نورها أبصار أهل الجنة جميعا ، وهي تنادي : أنا أرض اللّه المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة(2) .

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : الغاضرية هي البقعة التي كلّم اللّه فيها موسى بن عمران عليه السلام ، وناجى نوحا فيها ، وهي أكرم أرض اللّه عليه ، ولولا ذلك ما استودع اللّه فيها أولياءه وأنبياءه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية(3) .

وقال أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام : الغاضرية تربة من بيت المقدس(4) .

وروي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يقبر ابني بأرض يقال لها « كربلاء » ، هي البقعة التي كانت فيها قبة الإسلام التي نجّا اللّه عليها المؤنين الذين آمنوا مع نوح في الطوفان(5) .

ص: 211


1- كامل الزيارات : 268 الباب 88 ح4 .
2- كامل الزيارات : 268 الباب 88 ح5 .
3- كامل الزيارات : 269 الباب 88 ح6 .
4- كامل الزيارات : 269 الباب 88 ح7 .
5- كامل الزيارات : 269 الباب 88 ح8 .

أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : زوروا كربلاء ولا تقطعوه ، فإنّ خير أولاد الأنبياء ضمنته ، ألا وإنّ الملائكة زارت كربلاء ألف عام من قبل أن يسكنه جدي الحسين عليه السلام ، وما من ليلة تمضي إلاّ وجبرائيل وميكائيل يزورانه ، فاجتهد يا يحيى أن لا تفقد من ذلك الموطن(1) .

وروي عن الصادق عليه السلام أيضا : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - فضل الأرضين والمياه بعضها على بعض ، فمنها ما تفاخرت ، ومنها ما بغت ، فما من ماء ولا أرض إلاّ عوقبت لتركها التواضع للّه ، حتى سلّط اللّه المشركين على الكعبة ، وأرسل إلى زمزم

ماء مالحا حتى أفسد طعمه ، وإنّ أرض كربلاء وماء الفرات أول أرض ، وأول ماء قدّس اللّه - تبارك وتعالى - فبارك اللّه عليهما فقال لها : تكلّمي بما فضّلك اللّه تعالى ، فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض ، قالت : أنا أرض اللّه المقدسة المباركة ، الشفاء في تربتي ومائي ، ولا فخر ، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك ، ولا

فخر على من دوني ، بل شكرا للّه ، فأكرمها وزاد في تواضعها [و زادها لتواضعها] ، وشكرها اللّه بالحسين عليه السلام وأصحابه .

ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام : من تواضع للّه رفعه اللّه ، ومن تكبر وضعه اللّه تعالى(2) .

وروي عن الإمام السجاد عليه السلام في قوله تعالى « فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا » قال : خرجت من دمشق حتى أتت كربلاء فوضعته في موضع قبر الحسين عليه السلام ثم رجعت من ليلتها(3) .

وروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : مرّ أمير المؤنين عليه السلام بكربلاء في أناس من أصحابه ، فلما مرّ بها أغرورقت عيناه بالبكاء ثم قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملقى

رحالهم ، وهنا تهرق دماؤم ، طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبة(4) .

ص: 212


1- كامل الزيارات : 269 الباب 88 ح10 .
2- كامل الزيارات : 271 ح15 .
3- تهذيب الأحكام 6/73 باب 22 ، الأنوار 98/116 باب 15 ح45 .
4- كامل الزيارات : 269 الباب 88 ح11 .

وروي عن الإمام السجاد عليه السلام في حديث أن جبرئيل جاء الى النبي صلى الله عليه و آله وقال : وإنّ سبطك هذا - وأومأ بيده إلى الحسين عليه السلام - مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك بضفة الفرات بأرض يقال لها « كربلاء » من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفنى حسرته ، وهي أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمة ، يقتل فيها سبطك وأهله ، وأنّها من بطحاء الجنة(1) .

وروي عنه عليه السلام أيضا أنّه قال : كأنّي بالقصور وقد شيّدت حول قبر الحسين عليه السلام ، وكأنّي بالأسواق قد حفّت حول قبره ، فلا تذهب الأيام والليالي حتى يسار إليه من الآفاق(2) .

وروي عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام أيضا قال : البركة من قبر الحسين بن علي عليهماالسلام عشرة أميال(3) .

وقال عليه السلام في حديث آخر : حرمة قبر الحسين عليه السلام فرسخ في فرسخ من أربعة جوانب القبر(4) .

وفي حديث آخر عن إسحاق بن عمار قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : إنّ لموضع قبر الحسين بن علي عليهماالسلام حرمة معلومة ، من عرفها واستجار بها أجير ، قلت : فصف

لي موضعها جعلت فداك ؟ قال : إمسح من موضع قبره اليوم ، فإمسح خمسة وعشرين ذراعا من ناحية رجليه ، وخمسة وعشرين ذراعا مما يلي وجهه ، وخمسة وعشرين ذراعا من خلفه ، وخمسة وعشرين ذراعا من ناحية رأسه ، وموضع قبره منذ يوم دفن روضة من رياض الجنة ، ومنه معراج يعرج فيه بأعمال زواره إلى السماء(5) .

ص: 213


1- كامل الزيارات : 263 الباب 88 .
2- صحيفة الرضا 7 : 77 ، بحار الأنوار 98/114 باب 15 ح36 .
3- بحار الأنوار 98/116 ح41 .
4- كامل الزيارات : 271 الباب 89 ، بحار الأنوار 98/111 ح25 .
5- كامل الزيارات : 272 الباب 89 ح4 .

قال الفاضل المجلسي : الوجه في هذه الأخبار ترتب هذه المواضع في الفضل ، فالأقصى خمسة فراسخ وأدناه من المشهد فرسخ ، وأشرف الفرسخ خمس وعشرون ذراعا ، وأشرف الخمس العشرين ذراعا عشرون ذراعا ، وأشرف العشرين ما شرف به ، وهو الجدث نفسه(1) .

وظاهر أقوال العلماء : أنّ تربة الإستشفاء والسجود والسبحة تؤخذ من جميع هذه المواضع ، والأحوط أن تؤخذ تربة الإستشفاء مما دون الفرسخ وثلث الفرسخ ، والأشرف من ذلك أن تؤخذ مما دون الميل ، والأفضل أن تؤخذ مما حول الضريح المقدس .

ذكر فضل التربة المقدسة

روي عن الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلامأنّه قال : لا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به ، فإنّ كلّ تربة لنا محرمة إلاّ تربة جدّي الحسين بن علي عليهماالسلام ، فإنّ اللّه - عزّ وجلّ - جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا(2) .

وروي عن الرضا عليه السلام : كلّ طين حرام كالميتة والدم وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ ما خلا طين قبر الحسين عليه السلام ، فإنّه شفاء من كلّ داء(3) .

وروي عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال : لو أنّ مريضا من المؤنين يعرف حقّ أبي عبد اللّه عليه السلام وحرمته وولايته أخذ من طين قبره مثل رأس أنملة كان له دواء(4) .

ص: 214


1- بحار الأنوار 98/112 باب 15 .
2- عيون أخبارالرضا 7 1/103 باب 8 ، بحار الأنوار 98/118 باب 16 ح1 .
3- الأمالي للطوسي : 913 المجلس 11 ، بحار الأنوار 98/120 باب 16 ح7 .
4- كامل الزيارات : 277 الباب 91 ح8 .

وروي بسند موثق عن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه السلام فينتفع به ، ويأخذ غيره فلا ينتفع به ؟ فقال : لا واللّه الذي لا إله إلاّ هو ما يأخذه أحد وهو يرى أنّ اللّه ينفعه به إلاّ نفعه اللّه به(1) .

وروي بسند معتبر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : في طين قبر الحسين عليه السلام الشفاء من كلّ داء ، وهو الدواء الأكبر(2) .

وفي حديث آخر عنه عليه السلام قال : طين قبر الحسين عليه السلام فيه شفاء ، وإن أخذ على رأس ميل(3) .

وروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من أصابته علّة فبدأ بطين قبر الحسين عليه السلام شفاه اللّه من تلك العلّة إلاّ أن تكون علّة السام(4) .

وروي بسند معتبر عن رجل قال : بعث إليّ أبو الحسن الرضا عليه السلام من خراسان ثياب رزم ، وكان بين ذلك طين ، فقلت للرسول : ما هذا ؟ قال : طين قبر الحسين عليه السلام ، ما كان يوجه شيئا من الثياب ولا غيره إلاّ يجعل فيه الطين ، وكان يقول : هو أمان بإذن اللّه (5) .

وروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : حنّكوا أولادكم بتربة الحسين عليه السلام فإنه أمان(6) .

وروي أنّه سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام قال : آخذ من طين قبر الحسين عليه السلام يكون عندي أطلب بركته ؟ قال : لا بأس بذلك(7) .

ص: 215


1- كامل الزيارات : 274 الباب 91 ح1 .
2- كامل الزيارات : 275 الباب 91 ح4 .
3- كامل الزيارات : 275 ح5 .
4- كامل الزيارات : 274 الباب 91 ح6 .
5- كامل الزيارات : 278 ح1 .
6- كامل الزيارات : 278 ح2 .
7- كامل الزيارات : 278 ح3 .

وروي عنه عليه السلام قال : إنّ في طين الحائر الذي فيه الحسين عليه السلام شفاء من كلّ داء ، وأمانا من كلّ خوف(1) .

وعنه عليه السلام أيضا قال : إنّ عند رأس الحسين بن علي عليه السلام لتربة حمراء فيها شفاء من كلّ داء إلاّ السام(2) .

وعنه عليه السلام أيضا قال : الطين كلّه حرام كلحم الخنزير ، ومن أكله ثم مات منه لم أصلّ عليه ، إلاّ طين قبر الحسين عليه السلام ، فإنّ فيه شفاء من كلّ داء ، ومن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء(3) .

وعنه عليه السلام أيضا قال : ولكن الشيء اليسير منه - أي من طين قبر الحسين عليه السلام - مثل الحمصة(4) .

وقال عليه السلام في حديث آخر : يؤذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين ذراعا(5) .

وقال عليه السلام أيضا : يؤذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر سبعين باعا في سبعين باعا(6) .

وروي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال : طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كلّ داء ، وأمان من كلّ خوف ، وهو لما أخذ له(7) .

وروى أنّه سئل جعفر بن محمد عليه السلام عن طين الأرمني يؤذ للكسر أيحل أخذه ؟ قال : لا بأس به ، أما إنّه من طين قبر ذي القرنين ، وطين قبر الحسين بن علي عليه السلام خير منه(8) .

ص: 216


1- كامل الزيارات : 278 ح5 .
2- كامل الزيارات : 279 الباب 93 ح1 .
3- كامل الزيارات : 285 الباب 95 ح1 .
4- كامل الزيارات : 286 الباب 95 ح3 .
5- الكافي 4/588 باب النوادر ، بحار الأنوار 98/130 باب 16 ح50 .
6- بحار الأنوار 98/131 ح55 .
7- طب الأئمة : : 52 في طين قبر الحسين عليه السلام .
8- مصباح المتهجد : 732 فصل في تمام الصلاة في مسجد الكوفة . . .

وفي حديث معتبر عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كنت بمكة - وذكر في حديثه - قلت : جعلت فداك إنّي رأيت أصحابنا يأخذون من طين الحائر ليستشفون به ، هل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء ؟

قال : يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، وكذلك قبر جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكذلك طين قبر الحسن ، وعلي ، ومحمد ، فخذ منها ، فإنّها شفاء من كلّ سقم ، وجنّة مما تخاف ، ولا يعدلها شيء من الأشياء التي يستشفى بها إلاّ الدعاء ، وإنّما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها ، وقلّة اليقين لمن يعالج بها ، فأمّا من أيقن أنّها له شفاء إذا يعالج بها كفته بإذن اللّه من غيرها مما يعالج به ، ويفسدها الشياطين والجن

من أهل الكفر ، منهم يتمسحون بها ، وما تمرّ بشيء إلاّ شمّها ، وأما الشياطين وكفار

الجن ، فإنّهم يحسدون بني آدم عليها ، فيتمسحون بها ليذهب عامة طيبها ، ولا يخرج الطين من الحائر إلاّ وقد استعد له ما لا يحصى منهم ، وأنّه لفي يد صاحبها وهم يتمسّحون بها ، ولا يقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحائر ، ولو كان من التربة شيء يسلم ما عولج به أحد إلاّ برأ من ساعته .

فإذا أخذتها فاكتمها ، وأكثر عليها من ذكر اللّه تعالى ، وقد بلغني أنّ بعض من يأخذ من التربة شيئا يستخفّ به حتى أنّ بعضهم ليطرحها في مخلاة البغل والحمار ، وفي وعاء الطعام وما يمسح به الأيدي من الطعام والخرج والجوالق ، فكيف يستشفي به من هذا حاله عنده ؟ ولكن القلب الذي ليس فيه يقين من المستخف بما فيه صلاحه يفسد عليه عمله(1) .

قال الفاضل المجلسي رحمه الله : المشهور بين العلماء أنّ أكل التراب والطين حرام مطلقا ، إلاّ طين قبر الحسين عليه السلام إذا اُخذ بقصد الشفاء لا شهوة ، والأحوط أن يؤخذ بقدر الحمصة أو العدسة ، والأحوط أيضا أن تؤخذ التربة من موضع قريب من القبر ، وأن يقرأ عليها الأدعية ، ويراعي فيها الآداب المروية في أخذها ،

ص: 217


1- كامل الزيارات : 280 الباب 93 ح5 .

وكذا يراعي وقت الأخذ وما ورد فيه من الأدعية والآداب ، أما تربة سائر قبور الأنبياء وأئمة الهدى صلوات اللّه عليهم أجمعين ، فلا ينبغي أكلها ، ولا بأس بأخذها

للتبرك أو بغرض مسحها على البدن ، فتربة قبور الأنبياء والأولياء مفتاح البهجة ومصباح الظلمة(1) .

ذكر شروط أخذ التربة من قبر الحسين بن علي عليهماالسلام

روي بعدة أسانيد عن الحارث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّي رجل كثير العلل والأمراض وما تركت دواء إلاّ تداويت به ؟ فقال لي : أين أنت عن طين قبر الحسين بن علي عليه السلام ، فإنّ فيه شفاء من كلّ داء ، وأمنا من كلّ خوف ، فإذا أخذته فقل هذا الكلام : اللّهم إنّي أسألك بحقّ هذه الطينة وبحقّ الملك الذي أخذها وبحقّ النبي الذي قبضها وبحقّ الوصي الذي حلّ فيها صلّ على محمد وآل محمد وأهل بيته وإفعل بي كذا وكذا .

ثم قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : أما الملك الذي أخذها فهو جبرئيل عليه السلام ، وأراها النبي صلى الله عليه و آله فقال : هذه تربة ابنك الحسين تقتله أمتك من بعدك ، والذي قبضها فهو محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأما الوصي الذي حلّ فيها فالحسين عليه السلام والشهداء رضي اللّه عنهم .

قلت : قد عرفت جعلت فداك الشفاء من كلّ داء ، فكيف الأمن من كلّ خوف ؟ فقال : إذا خفت سلطانا أو غير سلطان فلا تخرجن من منزلك إلاّ ومعك من طين قبر الحسين عليه السلام ، فتقول : اللّهم إنّي أخذته من قبر وليك وابن وليك فاجعله لي أمنا وحرزا لما أخاف وما لا أخاف ، فإنّه قد يرد ما لا يخاف .

ص: 218


1- انظر البحار 57/160 باب 33 .

قال الحارث بن المغيرة : فأخذت كما أمرني وقلت ما قال لي ، فصحّ جسمي ، وكان لي أمانا من كلّ ما خفت وما لم أخف كما قال أبو عبد اللّه عليه السلام ، فما رأيت مع ذلك بحمد اللّه مكروها ولا محذورا(1) .

وروي باسناد معتبر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ اللّه جعل تربة جدّي الحسين عليه السلام شفاء من كلّ داء ، وأمانا من كلّ خوف ، فإذا تناولها أحدكم فليقبلها ويضعها على عينيه ، وليمرّها على سائر جسده وليقل : اللّهم بحقّ هذه التربة وبحقّ من

حلّ بها وثوى فيها وبحقّ أبيه وأمه وأخيه والأئمة من ولده وبحقّ الملائكة الحافّين به

إلاّ جعلتها شفاء من كلّ داء وبرأ من كلّ مرض ونجاة من كلّ آفة وحرزا مما أخاف وأحذر ، ثم ليستعملها(2) .

وقال عليه السلام في حديث آخر : إذا تناول أحدكم من طين قبر الحسين عليه السلام فليقل : اللّهم إنّي أسألك بحقّ الملك الذي تناوله والرسول الذي بوأه والوصي الذي ضمن فيه أن تجعله شفاء من كلّ داء كذا وكذا ، ويسمي ذلك الداء(3) .

وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : إذا أخذت طين قبر الحسين عليه السلام فقل : اللّهم بحقّ هذه التربة وبحقّ الملك الموكّل بها والملك الذي كربها وبحقّ الوصي الذي هو فيها صلّ على محمد وآل محمد واجعل هذا الطين شفاء من كلّ داء وأمانا من كلّ خوف ، فإن فعل ذلك كان حتما شفاء من كلّ داء وأمانا من كلّ خوف(4) .

والأحاديث في فضل زيارة الحسين عليه السلام وشرف أرض كربلاء وأنّ الشفاء في

تربته خارجة عن حدّ الإحصاء ، والإسترسال في نقلها يخرجنا عن سياق الكتاب .

ص: 219


1- الأمالي للطوسي : 713 المجلس 11 ، بشاره المصطفى : 214 ، بحار الأنوار 98/118 باب 16 ح2 .
2- الأمالي للطوسي : 813 المجلس 11 ، بحار الأنوار 98/119 باب 16 .
3- كامل الزيارات : 280 الباب 93 ح3 .
4- كامل الزيارات : 280 الباب 93 ح4 .

ذكر جور السلاطين على قبر الحسين عليه السلام

في الأمالي للشيخ الطوسي باسناده عن يحيى بن المغيرة الرازي قال : كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق ، فسأله جرير عن خبر الناس ، فقال : تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين عليه السلام وأمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت ، فرفع جرير يديه وقال : اللّه أكبر ، جاءنا فيه حديث عن رسول اللّه صلى الله عليه و آلهأنّه قال : لعن اللّه قاطع السدرة - ثلاثا - ، فلم نقف على معناه حتى الآن ، لأنّ القصد

بقطعه تغيير مصرع الحسين عليه السلام حتى لا يقف الناس على قبره(1) .

وفيه أيضا باسناده يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : خرجت أيام ولاية موسى بن عيسى الهاشمي في الكوفة من منزلي فلقيني أبو بكر بن عياش ، فقال لي : امض بنا يا يحيى إلى هذا ، فلم أدر من يعني ، وكنت أجل أبا بكر عن مراجعة ، وكان راكبا حمارا له ، فجعل يسير عليه وأنا أمشي مع ركابه ، فلما صرنا عند الدار المعروفة بدار

عبد اللّه بن حازم التفت إليّ فقال لي : يا ابن الحماني ، إنّما جررتك معي وجشمتك معي أن تمشي خلفي لأسمعك ما أقول لهذا الطاغية . فقلت : من هو ؟ يا أبا بكر ، قال :

هذا الفاجر الكافر موسى بن عيسى ، فسكتّ عنه ، ومضى وأنا أتبعه حتى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى وبصر به الحاجب وتبينه ، وكان الناس ينزلون عند الرحبة ، فلم ينزل أبو بكر هناك ، وكان عليه يومئذ قميص وإزار وهو محلول الإزار .

قال : فدخل على حمار ، وناداني : تعال يا ابن الحماني ، فمنعني الحاجب ، فزجره أبو بكر ، وقال له : أتمنعه يا فاعل وهو معي ، فتركني ، فما زال يسير على حماره حتى

دخل الإيوان ، فبصر بنا موسى وهو قاعد في صدر الإيوان على سريره وبجنبي السرير رجال متسلحون ، وكذلك كانوا يصنعون ، فلما أن رآه موسى ، رحب به وقربه وأقعده على سريره ، ومنعت أنا حين وصلت إلى الإيوان أن أتجاوزه ،

ص: 220


1- الأمالي للطوسي : 523 المجلس 11 ، بحار الأنوار 45/398 باب 50 ح7 .

فلما استقر أبو بكر على السرير التفت فرآني حيث أنا واقف ، فناداني : تعال ويحك ، فصرت إليه ونعلي في رجلي ، وعليّ قميص وإزار ، فأجلسني بين يديه .

فالتفت إليه موسى فقال : هذا رجل تكلّمنا فيه ، قال : لا ، ولكني جئت به شاهدا عليك . قال : في ماذا ؟ قال : إنّي رأيتك وما صنعت بهذا القبر . قال : أيّ قبر ؟ قال : قبر الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وكان موسى قد وجه إليه من كربه وكرب جميع أرض الحائر وحرثها وزرع الزرع فيها .

فانتفخ موسى حتى كاد أن ينقد ، ثم قال : وما أنت وذا ؟ قال : اسمع حتى أخبرك ، اعلم أنّي رأيت في منامي كأنّي خرجت إلى قومي بني غاضرة ، فلما صرت بقنطرة الكوفة اعترضني خنازير عشرة تريدني ، فأغاثني اللّه برجل كنت أعرفه من بني أسد فدفعها عني ، فمضيت لوجهي ، فلما صرت إلى شاهي ضللت الطريق ، فرأيت هناك عجوزا فقالت لي : أين تريد أيّها الشيخ ؟ قلت : أريد الغاضرية . قالت لي : تبطن هذا الوادي ، فإنّك إذا أتيت آخره اتضح لك الطريق .

فمضيت ففعلت ذلك ، فلما صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير جالس هناك ، فقلت : من أين أنت أيها الشيخ ؟ فقال لي : أنا من أهل هذه القرية . فقلت : كم تعدّ من

السنين ؟ فقال : ما أحفظ ما مضى من سني وعمري ، ولكن أبعد ذكري أنّي رأيت الحسين بن علي عليهماالسلام ومن كان معه من أهله ومن تبعه يمنعون الماء الذي تراه ولا يمنع الكلاب ولا الوحوش شربه ، فاستفظعت ذلك وقلت له : ويحك أنت رأيت هذا ؟ قال : إي والذي سمك السماء ، لقد رأيت هذا أيّها الشيخ وعاينته ، إنّك وأصحابك هم الذين يعينون على ما قد رأينا مما أقرح عيون المسلمين ، إن كان في الدنيا مسلم . فقلت : ويحك وما هو ؟ قال : حيث لم تنكروا ما أجرى سلطانكم إليه . قلت : ما أجرى إليه ؟ قال : أيكرب قبر ابن النبي صلى الله عليه و آله وتحرث أرضه ؟ قلت : وأين القبر ؟ قال : ها هو ذا أنت واقف في أرضه ، فأمّا القبر فقد عمي عن أن يعرف موضعه .

ص: 221

قال أبو بكر بن عياش : وما كنت رأيت القبر قبل ذلك الوقت قط ولا أتيته في طول عمري .

فقلت : من لي بمعرفته ؟ فمضى معي الشيخ حتى وقف بي على حير له باب وآذن ، وإذا جماعة كثيرة على الباب ، فقلت للآذن : أريد الدخول على ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فقال : لا تقدر على الوصول في هذا الوقت . قلت : ولم ؟ قال : هذا وقت زيارة إبراهيم خليل اللّه ومحمد رسول اللّه ومعهما جبرئيل وميكائيل في رعيل من الملائكة كثير .

قال أبو بكر بن عياش : فانتبهت وقد دخلني روع شديد وحزن وكآبة ، ومضت بي الأيام حتى كدت أن أنسى المنام ، ثم إضطررت إلى الخروج إلى بني غاضرة لدين كان لي على رجل منهم ، فخرجت وأنا لا أذكر الحديث ، حتى إذ صرت بقنطرة الكوفة لقيني عشرة من اللصوص ، فحين رأيتهم ذكرت الحديث ورعبت من خشيتي لهم ، فقالوا لي : ألق ما معك وانج بنفسك، وكانت معي نفيقة ، فقلت : ويحكم أنا أبو بكر بن عياش ، وإنّما خرجت في طلب دين لي ، واللّه اللّه لا تقطعوني عن طلب ديني وتضروا بي في نفقتي ، فإنّي شديد الإضاقة ، فنادى رجل منهم : مولاي وربّ الكعبة لا يعرض له . ثم قال لبعض فتيانهم : كن معه حتى تصير به إلى الطريق الأيمن .

قال أبو بكر : فجعلت أتذكر ما رأيته في المنام ، وأتعجب من تأويل الخنازير حتى صرت إلى نينوى ، فرأيت واللّه الذي لا إله إلاّ هو الشيخ الذي كنت رأيته في منامي بصورته وهيئته ، رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء ، فحين رأيته ذكرت الأمر

والرؤا ، فقلت : لا إله إلاّ اللّه ما كان هذا إلاّ وحيا ، ثم سألته كمسألتي إياه في المنام ، فأجابني ثم قال لي : امض بنا ، فمضيت فوقفت معه على الموضع وهو مكروب، فلم يفتني شيء في منامي إلاّ الآذن والحير ، فإنّي لم أر حيرا ولم أر آذنا ، فاتق اللّه أيّها الرجل ، فإنّي قد آليت على نفسي ألا أدع إذاعة هذا الحديث ، ولا زيارة ذلك الموضع وقصده وإعظامه ، فإنّ موضعا يأتيه إبراهيم ومحمد وجبرئيل

ص: 222

وميكائيل عليهم السلام لحقيق بأن يرغب في إتيانه وزيارته ، فإنّ أبا حصين حدثني أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : من رآني في المنام فإياي رأى ، فإنّ الشيطان لا يتشبه بي .

فقال له موسى : إنّما أمسكت عن إجابة كلامك لأستوفي هذه الحمقة التي ظهرت منك ، وباللّه لئن بلغني بعد هذا الوقت أنّك تتحدّث بهذا لأضربنّ عنقك وعنق هذا الذي جئت به شاهدا عليّ .

فقال أبو بكر : إذن يمنعني اللّه وإياه منك ، فإنّي إنّما أردت اللّه بما كلمتك به . فقال له : أتراجعني يا عاص ، وشتمه ، فقال له : اسكت أخزاك اللّه وقطع لسانك ، فأرعد موسى على سريره ، ثم قال : خذوه ، فأخذ الشيخ عن السرير وأخذت أنا ، فواللّه لقد مرّ بنا من السحب والجر والضرب ما ظننت أنّنا لا نكثر الأحياء أبدا ، وكان أشد ما مرّ بي من ذلك أن رأسي كان يجرّ على الصخر ، وكان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي ، وموسى يقول : اقتلوهما بني كذا وكذا ، بالزاني لا يكنى ، وأبو بكر يقول له :

أمسك قطع اللّه لسانك وانتقم منك ، اللّهم إياك أردنا ، ولولد وليك غضبنا ، وعليك توكلنا .

فصير بنا جميعا إلى الحبس ، فما لبثنا في الحبس إلاّ قليلا ، فالتفت إليّ أبو بكر ورأى ثيابي قد خرقت وسالت دمائي ، فقال : يا حماني قد قضينا للّه حقا ، واكتسبنا في يومنا هذا أجرا ، ولن يضيع ذلك عند اللّه ولا عند رسوله .

فما لبثنا إلاّ مقدار غداءة ونومة حتى جاءنا رسوله فأخرجنا إليه ، وطلب حمار أبي بكر فلم يوجد ، فدخلنا عليه فإذا هو في سرداب له يشبه الدور سعة وكبرا ، فتعبنا في المشي إليه تعبا شديدا ، وكان أبو بكر إذا تعب في مشيه جلس يسيرا ، ثم يقول : اللّهم إنّ هذا فيك فلا تنسه ، فلمّا دخلنا على موسى ، وإذا هو على سرير له ،

فحين بصر بنا ، قال : لا حيّا اللّه ولا قرّب من جاهل أحمق يتعرّض لما يكره ، ويلك

يا دعي ما دخولك فيما بيننا معشر بني هاشم ؟ فقال له أبو بكر : قد سمعت كلامك واللّه

حسبك . فقال له : اخرج قبحك اللّه ، واللّه لئن بلغني أنّ هذا الحديث شاع أو ذكر عنك

لأضربن عنقك .

ص: 223

ثم التفت إليّ وقال : يا كلب ، وشتمني ، وقال : إياك ثم إياك أن تظهر هذا ، فإنّه إنّما

خيل لهذا الشيخ الأحمق شيطان يلعب به في منامه ، اخرجا عليكما لعنة اللّه وغضبه .

فخرجنا وقد يئسنا من الحياة ، فلما وصلنا إلى منزل الشيخ أبي بكر وهو يمشي وقد ذهب حماره ، فلمّا أراد أن يدخل منزله التفت إليّ وقال : احفظ هذا الحديث وأثبته عندك ، ولا تحدّثن هؤاء الرعاع ، ولكن حدّث به أهل العقول والدين(1) .

أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقري الخياط من أبناء العامة ، إلاّ أنّه من محبّي أهل البيت ، وكان عابدا ثقة ، واشتهر بين الناس بكنيته .

جور المتوكل العباسي على قبر الحسين عليه السلام

في كتاب العوالم ومؤلفات بعض العلماء باسنادهم عن إبراهيم الديزج قال : بعثني المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين عليه السلام ، وكتب معي إلى جعفر بن محمد بن عمار القاضي : أعلمك أنّي قد بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لنبش قبر الحسين ، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتى تعرف فعل أو لم يفعل .

قال الديزج : فعرفني جعفر بن محمد بن عمار ما كتب به إليه ، ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمار ثم أتيته ، فقال لي : ما صنعت ؟ فقلت قد فعلت ما أمرت به ، فلم أر شيئا ولم أجد شيئا . فقال لي : أفلا عمقته ؟ قلت : قد فعلت ، وما رأيت .

فكتب إلى السلطان : إنّ إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئا ، وأمرته فمخره بالماء وكربه بالبقر .

قال أبو علي العماري : فحدثني إبراهيم الديزج ، وسألته عن صورة الأمر ، فقال لي : أتيت في خاصة غلماني فقط ، وإنّي نبشت فوجدت بارية جديدة وعليها بدن الحسين بن علي ، ووجدت منه رائحة المسك ، فتركت البارية على حالتها وبدن الحسين على البارية ، وأمرت بطرح التراب عليه ، وأطلقت عليه الماء ،

ص: 224


1- الأمالي للطوسي : 323 المجلس 11 ح97 .

وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه فلم تطأه البقر ، وكانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه ، فحلفت لغلماني باللّه وبالأيمان المغلظة لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه(1) .

ويحتمل أن يكون إبراهيم الديزج قد كذب فيما إدعاه من نبش القبر الشريف ، ولو أنّه كان صادقا في ذلك فلا عجب في ذلك ، لأنّ نبش القبر الشريف ليس أعجب وأعظم من حزّ الرأس المقدس .

وروى الشيخ الطوسي عن المفضل بن محمد بن عبد الحميد قال : دخلت على إبراهيم الديزج - وكنت جاره - أعوده في مرضه الذي مات فيه ، فوجدته بحال سوء ، وإذا هو كالمدهوش وعنده الطبيب ، فسألته عن حاله ، وكانت بيني وبينه خلطة وأنس يوجب الثقة بي والإنبساط إلي ، فكاتمني حاله ، وأشار لي إلى الطبيب ، فشعر الطبيب بإشارته ، ولم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله ، فقام فخرج وخلا الموضع ، فسألته عن حاله فقال : أخبرك واللّه وأستغفر اللّه :

إنّ المتوكل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين عليه السلام ، فأمرنا أن نكربه ونطمس أثر القبر ، فوافيت الناحية مساء معنا الفعلة والروزكاريون معهم المساحي والمرور ، فتقدّمت إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر وحرث أرضه ، فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر ونمت ، فذهب بي النوم فإذا ضوضاء شديدة وأصوات عالية ، وجعل الغلمان ينبهونني ، فقمت وأنا ذعر فقلت للغلمان : ما شأنكم ؟ قالوا : أعجب شأن . قلت : وما ذاك ؟ قالوا : إنّ بموضع القبر قوما قد حالوا

بيننا وبين القبر ، وهم يرموننا مع ذلك بالنشاب ، فقمت معهم لأتبيّن الأمر ، فوجدته

كما وصفوا ، وكان ذلك في أول الليل من الليالي البيض ، فقلت : إرموهم ، فرموا فعادت سهامنا إلينا ، فما سقط سهم منها إلاّ في صاحبه الذي رمى به فقتله ، فاستوحشت لذلك وجزعت وأخذتني الحمى والقشعريرة ، ورحلت عن القبر لوقتي ووطنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدّم إليّ به .

ص: 225


1- الأمالي للطوسي : 623 المجلس 11 ح100 ، بحار الأنوار 45/394 باب 50 .

قال أبو برزة : فقلت له : قد كفيت ما تحذر من المتوكل ، قد قتل بارحة الأولى وأعان عليه في قتله المنتصر ، فقال لي : قد سمعت بذلك ، وقد نالني في جسمي ما لا أرجو معه البقاء .

قال أبو برزة : كان هذا في أول النهار ، فما أمسى الديزج حتى مات .

وفي الخبر : إنّ المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة عليهاالسلام ، فسأل العلماء عن ذلك(1) ، فقالوا له : قد وجب عليه القتل ، إلاّ أنّه من قتل أباه لم يطل له عمر . قال : ما أبالي إذا أطعت اللّه بقتله أن لا يطول لي عمر ، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر(2)(3) .

المستفاد من هذه الأخبار : أنّ إبراهيم الديزج اُمر مرتين بحرث القبر المطهر ، لما يكنّه المتوكل من عداوة وبغضاء لأهل بيت رسول اللّه ، وسعيه في محو آثار قبر ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإن لم يوفق لذلك .

وفي أمالي الطوسي أيضا عن القاسم بن أحمد بن معمر الأسدي الكوفي ، وكان له علم بالسيرة وأيام الناس ، قال : بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم أنّ أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فيصير إلى قبره منهم خلق كثير ، فأنفذ قائدا من قواده ، وضمّ إليه كتفا من الجند كثيرا ليشعب قبر الحسين عليه السلام ، ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره .

فخرج القائد إلى الطف ، وعمل بما أمر ، وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فثار أهل السواد به واجتمعوا عليه وقالوا : لو قتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منا عن زيارته ، ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا ، فكتب بالأمر إلى الحضرة ، فورد كتاب المتوكل إلى القائد بالكفّ عنهم والمسير إلى الكوفة مظهرا أن مسيره إليها في مصالح أهلها والإنكفاء إلى المصر .

ص: 226


1- في المصدر : « فسأل رجلا من الناس عن ذلك » .
2- الأمالي للطوسي : 723 المجلس 11 ح102 .
3- وسيأتي تفصيل القتل وخلافة المنتصر في محله إن شاء اللّه . من المتن .

فمضى الأمر على ذلك حتى كانت سنة سبع وأربعين ، فبلغ المتوكل أيضا مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام ، وأنّه قد كثر جمعهم كذلك ، وصار لهم سوق كبير ، فأنفذ قائدا في جمع كثير من الجند ، وأمر مناديا ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبر الحسين عليه السلام ، ونبش القبر وحرث أرضه ، وانقطع الناس عن الزيارة ، وعمل على تتبع آل أبي طالب عليهم السلام والشيعة - رضي اللّه عنهم - ، فقتل - بيد ولده المنتصر - ولم يتم له ما قدر(1) .

وفي المناقب لابن شهرآشوب : روى جماعة من الثقات أنّه لما أمر المتوكل بحرث قبر الحسين عليه السلام ، وأن يجري الماء عليه من العلقمي أتى زيد المجنون وبهلول المجنون إلى كربلاء ، فنظرا إلى القبر وإذا هو معلق بالقدرة في الهواء ، فقال زيد : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » ، وذلك أنّ الحراث حرث سبع عشرة مرّة والقبر يرجع إلى حاله ، فلما نظر الحراث إلى ذلك آمن باللّه وحلّ البقر ، فأخبر المتوكل ، فأمر بقتله(2) .

قال الفاضل المجلسي : زيد المجنون ، ولكنه ذو عقل سديد ورأي رشيد ، وإنما لقّب بالمجنون ، لأنّه أفحم كلّ لبيب ، وقطع حجة كلّ أديب ، وكان لا يعي من الجواب ، ولا

يمل من الخطاب ، فسمع بخراب بنيان قبر الحسين عليه السلام ، وحرث المكان ، فعظم ذلك عليه واشتد حزنه وتجدد مصابه بسيده الحسين عليه السلام ، وكان مسكنه يومئذ بمصر .

فلما غلب عليه الوجد والغرام لحرث قبر الإمام عليه السلام خرج من مصر ماشيا هائما على وجهه شاكيا وجده إلى ربه ، وبقي حزينا كئيبا حتى بلغ الكوفة ، وكان البهلول يومئذ بالكوفة ، فلقيه زيد المجنون وسلّم عليه ، فردّ عليه السلام ، فقال له البهلول : من أين لك معرفتي فلم ترني قط ؟ فقال زيد : يا هذا اعلم أنّ قلوب المؤنين

ص: 227


1- الأمالي للطوسي : 823 المجلس 11 ح103 .
2- المناقب 4/64 فصل في محبة النبي إياه 7 ، بحار الأنوار 45/ 401 باب 50 جور الخلفاء على قبره الشريف .

جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ، فقال له البهلول : يا زيد ما الذي أخرجك من بلادك بغير دابة ولا مركوب ؟ فقال : واللّه ما خرجت إلاّ من شدّة وجدي وحزني ، وقد بلغني أنّ هذا اللعين أمر بحرث قبر الحسين عليه السلام وخراب بنيانه وقتل زواره ، فهذا الذي أخرجني من موطني ونغص عيشي وأجرى دموعي وأقل هجوعي ، فقال البهلول : وأنا واللّه كذلك ، فقال له : قم بنا نمضي إلى كربلاء

لنشاهد قبور أولاد علي المرتضى .

قال : فأخذ كلّ بيد صاحبه حتى وصلا إلى قبر الحسين عليه السلام ، وإذا هو على حاله لم يتغير ، وقد هدموا بنيانه ، وكلما أجروا عليه الماء غار وحار واستدار بقدرة العزيز الجبار ، ولم يصل قطرة واحدة إلى قبر الحسين عليه السلام ، وكان القبر الشريف إذا جاءه الماء يرتفع أرضه بإذن اللّه تعالى ، فتعجب زيد المجنون مما شاهده وقال : انظر يا بهلول « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ.... وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » .

قال : ولم يزل المتوكل يأمر بحرث قبر الحسين عليه السلام مدة عشرين سنة والقبر على حاله لم يتغير ولا يعلوه قطرة من الماء ، فلما نظر الحارث إلى ذلك قال : آمنت باللّه

وبمحمد رسول اللّه ، واللّه لأهربن على وجهي وأهيم في البراري ولا أحرث قبر الحسين ابن بنت رسول اللّه ، وإنّ لي مدة عشرين سنة أنظر آيات اللّه وأشاهد براهين آل بيت رسول اللّه ولا أتعظ ولا أعتبر .

ثم إنّه حلّ الثيران وطرح الفدان ، وأقبل يمشي نحو زيد المجنون وقال له : من أين أقبلت يا شيخ ؟ قال : من مصر ، فقال له : ولأي شيء جئت إلى هنا وإنّه لأخشى عليك من القتل ، فبكى زيد وقال : واللّه قد بلغني حرث قبر الحسين عليه السلام ، فأحزنني ذلك وهيج حزني ووجدي ، فانكب الحارث على أقدام زيد يقبّلهما وهو يقول : فداك أبي وأمي ، فواللّه يا شيخ من حين ما أقبلت إليّ أقبلت إليّ الرحمة ، واستنار

قلبي بنور اللّه ، وإنّي آمنت باللّه ورسوله ، وأنّ لي مدة عشرين سنة وأنا أحرث هذه

الأرض ، وكلما أجريت الماء إلى قبر الحسين عليه السلام غار وحار واستدار ولم يصل إلى

ص: 228

قبر الحسين منه قطرة ، وكأنّي كنت في سكر وأفقت الآن ببركة قدومك إليّ ، فبكى زيد وتمثل بهذه الأبيات :

تاللّه إن كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما

فبكى الحارث وقال : يا زيد قد أيقظتني من رقدتي وأرشدتني من غفلتي ، وها أنا الآن ماض إلى المتوكل بسرمن رأى أعرّفه بصورة الحال ، إن شاء أن يقتلني وإن شاء أن يتركني ، فقال له زيد : وأنا أيضا أسير معك إليه وأساعدك على ذلك .

قال : فلما دخل الحارث إلى المتوكل وخبّره بما شاهد من برهان قبر الحسين عليه السلام

استشاط غيظا وازداد بغضا لأهل بيت رسول اللّه ، وأمر بقتل الحارث ، وأمر أن يشدّ في رجله حبل ويسحب على وجهه في الأسواق ، ثم يصلب في مجتمع الناس ، ليكون عبرة لمن اعتبر ، ولا يبقى أحد يذكر أهل البيت بخير أبدا .

وأما زيد المجنون فإنّه ازداد حزنه واشتد عزاؤ وطال بكاؤ ، وصبر حتى أنزلوه

من الصلب والقوه على مزبلة هناك ، فجاء إليه زيد فاحتمله إلى الدجلة وغسله وكفنه وصلّى عليه ودفنه ، وبقي ثلاثة أيام لا يفارق قبره ، وهو يتلو كتاب اللّه عنده .

فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع صراخا عاليا ونوحا شجيا وبكاء عظيما ، ونساء بكثرة منشرات الشعور مشققات الجيوب مسودات الوجوه ، ورجالا بكثرة يندبون بالويل والثبور ، والناس كافة في اضطراب شديد ، وإذا بجنازة محمولة على أعناق الرجال ، وقد نشرت لها الأعلام والرايات ، والناس من حولها أفواجا قد إنسدت الطرق من الرجال والنساء .

قال زيد : فظننت أنّ المتوكل قد مات ، فتقدّمت إلى رجل منهم وقلت له : من يكون هذا الميت ؟ فقال : هذه جنازة جارية المتوكل ، وهي جارية سوداء حبشية ، وكان اسمها « ريحانة » ، وكان يحبّها حبّا شديدا ، ثم إنّهم عملوا لها شأنا عظيما ،

ودفنوها في قبر جديد ، وفرشوا فيه الورد والرياحين والمسك والعنبر ، وبنوا عليها

ص: 229

قبة عالية ، فلما نظر زيد إلى ذلك ازدادت أشجانه وتصاعدت نيرانه ، وجعل يلطم وجهه ويمزق أطماره ويحثي التراب على رأسه ، وهو يقول : وا ويلاه وا أسفاه عليك يا حسين ، أتقتل بالطف غريبا وحيدا ظمآن شهيدا ، وتسبى نساؤ وبناتك وعيالك ، وتذبح أطفالك ، ولم يبك عليك أحد من الناس ، وتدفن بغير غسل ولا كفن ، ويحرث بعد ذلك قبرك ليطفئوا نورك ، وأنت ابن علي المرتضى وابن فاطمة الزهراء ، ويكون هذا الشأن العظيم لموت جارية سوداء ، ولم يكن الحزن والبكاء لابن محمد المصطفى .

قال : ولم يزل يبكي وينوح حتى غشي عليه ، والناس كافة ينظرون إليه ، فمنهم من رقّ له ، ومنهم من جنى عليه ، فلمّا أفاق من غشوته أنشد يقول :

أيحرث بالطف قبر الحسين

ويعمر قبر بني الزانيه

لعل الزمان بهم قد يعود

ويأتي بدولتهم ثانيه

ألا لعن اللّه أهل الفساد

ومن يأمن الدنية الفانيه

قال : إنّ زيدا كتب هذه الأبيات في ورقة وسلّمها لبعض حجاب المتوكل ، فلما قرأها اشتد غيظه ، وأمر بإحضاره فأحضر ، وجرى بينه وبينه من الوعظ والتوبيخ ما أغاظه حتى أمر بقتله ، فلما مثل بين يديه سأله عن أبي تراب من هو استحقارا له ، فقال : واللّه إنّك عارف به وبفضله وشرفه وحسبه ونسبه ، فواللّه ما يجحد فضله إلاّ

كلّ كافر مرتاب ، ولا يبغضه إلاّ كلّ منافق كذاب ، وشرع يعدد فضله ومناقبه حتى ذكر منها ما أغاظ المتوكل ، فأمر بحبسه فحبس .

فلما أسدل الظلام وهجع جاء إلى المتوكل هاتف ورفسه برجله وقال له : قم وأخرج زيدا من حبسه وإلاّ أهلكك اللّه عاجلا ، فقام هو بنفسه وأخرج زيدا من حبسه وخلع عليه خلعة سنية ، وقال له : اطلب ما تريد ، قال : أريد عمارة قبر الحسين عليه السلام ، وأن لا يتعرض أحد لزواره ، فأمر له بذلك ، فخرج من عنده فرحا مسرورا ، وجعل يدور في البلدان وهو يقول :

من أراد زيارة الحسين عليه السلام فله الأمان طول الأزمان(1)

ص: 230


1- بحار الأنوار 45/ 403 باب 50 جور الخلفاء على قبره الشريف .

وفي أمالي الطوسي عن أبي عبد اللّه الباقطاني قال : ضمني عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان إلى هارون المصري(1) ، وكان قائدا من قواد السلطان ، أكتب له ، وكان بدنه كلّه أبيض شديد البياض حتى يديه ورجليه كانا كذلك ، وكان وجهه أسود شديد السواد كأنّه القير ، وكان يتفقأ مع ذلك مدة منتنة .

قال : فلما آنس بي سألته عن سواد وجهه فأبى أن يخبرني ، ثم إنّه مرض مرضه الذي مات فيه ، فقعدت فسألته ، فرأيته كأنّه يحبّ أن يكتم عليه ، فضمنت له الكتمان فحدثني .

قال : وجهني المتوكل أنا والديزج لنبش قبر الحسين عليه السلام وإجراء الماء عليه ، فلما عزمت على الخروج والمسير إلى الناحية رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المنام ، فقال : لا تخرج مع الديزج ولا تفعل ما أمرتم به في قبر الحسين عليه السلام . فلما أصبحنا جاءوا يستحثونني في المسير ، فسرت معهم حتى وافينا كربلاء ، وفعلنا ما أمرنا به المتوكل ،

فرأيت النبي صلى الله عليه و آله في المنام فقال : ألم آمرك ألا تخرج معهم ولا تفعل فعلهم ، فلم تقبل حتى فعلت ما فعلوا ، ثم لطمني وتفل في وجهي ، فصار وجهي مسودا كما ترى ، وجسمي على حالته الأولى(2) .

وفي أمالي الطوسي عن عبد اللّه بن رابية(3) الطوري قال : حججت سنة سبع وأربعين ومائتين ، فلما صدرت من الحج صرت إلى العراق فزرت أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليه السلام على حال خيفة من السلطان ، وزرته ثم توجهت إلى زيارة الحسين عليه السلام ، فإذا هو قد حرثت أرضه ومخر فيها الماء ، وأرسلت الثيران العوامل في الأرض ، فبعيني وبصري كنت أرى الثيران تساق في الأرض فتنساق لهم حتى إذا حاذت مكان القبر حادت عنه يمينا وشمالا ، فتضرب بالعصي الضرب الشديد

ص: 231


1- في المصدر : « المعري ».
2- الأمالي للطوسي : 623 المجلس 11 ح101 .
3- في المصدر : « دانية » .

فلا ينفع ذلك فيها ، ولا تطأ القبر بوجه ولا سبب ، فما أمكنني الزيارة ، فتوجهت إلى بغداد ، وأنا أقول في ذلك :

تاللّه إن كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاك بنو أبيه بمثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا

في قتله فتتبعوه رميما

فلما قدمت بغداد سمعت الهائعة ، فقلت : ما الخبر ؟ قالوا : سقط الطائر بقتل جعفر المتوكل ، فعجبت لذلك وقلت : إلهي ليلة بليلة(1) .

وفي المناقب لابن شهرآشوب : أخذ المسترشد من مال الحائر وكربلاء وقال : إنّ القبر لا يحتاج إلى الخزانة ، أنفق على العسكر ، فلما خرج قتل هو وابنه الراشد(2)(3) .

وروى أبو عبد الرحمن بن أحمد بن حنبل بإسناده عن الأعمش قال : أحدث رجل على قبر الحسين عليه السلام فأصابه وأهل بيته جنون وجذام وبرص ، وهم يتوارثون الجذام إلى الساعة(4) .

وفي الخبر أيضا : إنّ مصعب بن الزبير لما توجه إلى عبد الملك بن مروان يقاتله وبلغ الحير دخل فوقف على قبر أبي عبد اللّه عليه السلام ثم قال : يا أبا عبد اللّه أما واللّه لئن كنت غصبت نفسك ما غصبت دينك ، ثم انصرف وهو يقول :

وإنّ الأولى بالطف من آل هاشم

تأسوا فسنوا للكرام التأسيا(5)

ص: 232


1- الأمالي للطوسي : 104 المجلس 11 ح104 .
2- المناقب 2/347 فصل في قضاياه حال حياة النبي 9 ، بحار الأنوار 45/ 401 باب 50 جور الخلفاء على قبره الشريف .
3- وسيأتي تفصيل ذلك في محله إن شاء اللّه . من المتن .
4- المناقب 4/64 فصل في محبة النبي إياه عليه السلام ، بحار الأنوار 45/ 401 باب 50 جور الخلفاء على قبره الشريف .
5- بحار الأنوار 45/200 باب 39 ح42 .

وفي أمالي الطوسي : المفيد باسناده عن معاوية بن وهب قال : كنت جالسا عند جعفر بن محمد عليهماالسلام إذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر فقال : السلام عليك ورحمة اللّه ، فقال له أبو عبد اللّه : وعليك السلام ورحمة اللّه ، يا شيخ ، ادن مني ، فدنا منه وقبّل يده وبكى ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : وما يبكيك يا شيخ ؟ قال له : يا ابن رسول اللّه أنا مقيم على رجاء منكم منذ نحو من مائة سنة ، أقول هذه السنة ، وهذا الشهر ، وهذا اليوم ، ولا أراه فيكم ، فتلومني أن أبكي ؟

فبكى أبو عبد اللّه عليه السلام ثم قال : يا شيخ إن أخرت منيتك كنت معنا ، وإن عجلت كنت يوم القيامة مع ثقل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال الشيخ : ما أبالي ما فاتني بعد هذا يا ابن رسول اللّه ، فقال له أبو عبد اللّه : يا شيخ إنّ رسول اللّه قال : إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب اللّه المنزل ، وعترتي أهل بيتي ، تجيء

وأنت معنا يوم القيامة .

ثم قال : يا شيخ ما أحسبك من أهل الكوفة ؟ قال : لا ، قال : فمن أين ؟ قال : من سوادها جعلت فداك .

قال : أين أنت من قبر جدي المظلوم الحسين ؟ قال : إنّي لقريب منه ، قال : كيف إتيانك له ؟ قال : إنّي لآتيه وأكثر ، قال : يا شيخ ذاك دم يطلب اللّه تعالى به ، ما

أصيب ولد فاطمة ولا يصابون بمثل الحسين ، ولقد قتل عليه السلام في سبعة عشر من أهل بيته نصحوا للّه وصبروا في جنب اللّه ، فجزاهم اللّه أحسن جزاء الصابرين ، إنّه إذا

كان يوم القيامة أقبل رسول اللّه ومعه الحسين ويده على رأسه يقطر دما ، فيقول : يا

ربّ سل أمتي فيم قتلوا ابني .

وقال عليه السلام : كلّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين(1) .

وفي رشح الشافية عن مناقب السعداء عن أبي الجارود قال : حفر عند قبر الحسين عليه السلام عند رأسه وعند رجليه أول ما حفر ، فأخرج مسك أذفر لم يشكوا فيه(2) .

ص: 233


1- الأمالي للطوسي : 161 المجلس 6 ، بحار الأنوار 45/313 باب 46 ح14 .
2- الأمالي للطوسي : 713 المجلس 11 ح90 .

وفي مقاتل الطالبيين عن محمد بن الحسين الأشناني قال : بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفا ، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها ، وساعدني رجل من العطارين على ذلك ، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل حتى أتينا نواحي الغاضرية ، وخرجنا منها نصف الليل ، فسرنا بين مسلحتين وقد ناموا حتى أتينا القبر فخفي علينا ، فجعلنا نشمه ونتحرى جهته حتى أتيناه ، وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه وأحرق ، وأجري الماء عليه ، فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق ، فزررناه وأكببنا عليه ، فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط كشيء من الطيب ، فقلت للعطار الذي كان معي : أي رائحة هذه ؟ فقال : لا واللّه ما شممت مثلها كشيء من العطر ، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدّة مواضع .

فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة حتى صرنا إلى القبر ، فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه(1) .

ذكر معاجز الإمام الحسين بن علي عليهماالسلام وإخباره بالمغيبات

اشارة

في كتاب العوالم عن المناقب لابن شهرآشوب : روى عبد العزيز بن كثير : أنّ قوما أتوا إلى الحسين عليه السلام وقالوا : حدثنا بفضائلكم ؟ قال : لا تطيقون وانحازوا عني لأشير إلى بعضكم ، فإن أطاق سأحدثكم ، فتباعدوا عنه ، فكان يتكلّم مع أحدهم حتى دهش ووله ، وجعل يهيم ولا يجيب أحدا ، وانصرفوا عنه(2) .

إخباره عليه السلام بقتل ابن الزبير في كتاب الإبانة عن بشر بن عاصم قال : سمعت ابن الزبير يقول : قلت

ص: 234


1- مقاتل الطالبيين : 396 .
2- المناقب 4/ 51 فصل في معجزاته عليه السلام ، بحار الأنوار 44/183 باب 25 ح11 .

للحسين بن علي عليه السلام : إنّك تذهب إلى قوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك ، فقال : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن يستحل بي مكة عرض به(1)(2) .

[أما تستحي يا أعرابي]

في الخرائج والجرائح عن جابر الجعفي عن السيد السجاد عليه السلام قال : أقبل أعرابي إلى المدينة ليختبر الحسين عليه السلام لما ذكر له من دلائله ، فلما صار بقرب المدينة خضخض ودخل المدينة ، فدخل على الحسين ، فقال له أبو عبد اللّه الحسين عليه السلام : أما تستحيي يا أعرابي أن تدخل إلى إمامك وأنت جنب ؟ ! فقال : أنتم معاشر العرب إذا دخلتم خضخضتم ، فقال الأعرابي : قد بلغت حاجتي مما جئت فيه ، فخرج من عنده فاغتسل ورجع إليه ، فسأله عما كان في قلبه(3) .

إني أدلك على من قتل غلماني

في الخرائج والجرائح أيضا روي عن مندل بن هارون بن صدقة عن الصادق عليه السلامعن آبائه عليهم السلام قال : إذا أراد الحسين عليه السلام أن ينفذ غلمانه في بعض أموره قال لهم : لا تخرجوا يوم كذا اخرجوا يوم كذا ، فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم ، فخالفوه مرة وخرجوا ، فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم ، واتصل الخبر إلى الحسين عليه السلام فقال : لقد حذّرتهم فلم يقبلوا منّي ، ثم قام من ساعته ودخل على الوالي ، فقال الوالي : بلغني قتل غلمانك فآجرك اللّه فيهم ، فقال الحسين عليه السلام : فإنّي أدلّك على من قتلهم فاشدد يدك بهم ، قال : أو تعرفهم يا ابن رسول اللّه ؟ قال : نعم ، كما أعرفك ، وهذا منهم ، فأشار بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي ، فقال الرجل : ومن أين قصدتني بهذا ؟ ومن أين تعرف أني منهم ؟ فقال له الحسين عليه السلام :

ص: 235


1- المناقب 4/52 فصل في معجزاته 7 ، بحار الأنوار 44/185 باب 25 ح12 .
2- كما سيأتي ذكره في محله إن شاء اللّه . من المتن .
3- الخرائج والجرائح 1/246 الباب الرابع في معجزات الحسين عليه السلام ، بحار الأنوار 44/181 باب 25 .

إن أنا صدقتك تصدقني ؟ قال : نعم واللّه لأصدقنك ، فقال : خرجت ومعك فلان وفلان ، وذكرهم كلّهم ، فمنهم أربعة من موالي المدينة والباقون من جيشان المدينة ، فقال الوالي : وربّ القبر والمنبر لتصدقني أو لأهرقن لحمك بالسياط ، فقال الرجل : واللّه ما كذب الحسين ولصدق ، وكأنّه كان معنا ، فجمعهم الوالي جميعا ، فأقروا جميعا

فضرب أعناقهم(1) .

عقاب من شارك في قتله عليه السلام

وفي المناقب لابن شهرآشوب عن القاسم بن الأصبغ قلت لرجل من بني دارم : ما غير صورتك ؟ قال : قتلت رجلا من أصحاب الحسين ، وما نمت ليلة منذ قتلته إلاّ أتاني في منامي آت فينطلق بي إلى جهنم فيقذف بي فيها حتى أصبح ، قال : فسمعت بذلك جارة له فقالت : ما يدعنا ننام الليل من صاحبه(2) .

وروى الفاضل المجلسي عن ابن عيينة قال : أدركت من قتلة الحسين رجلين : أمّا أحدهما فإنّه طال ذكره حتى كان يلفه ، وفي رواية : كان يحمله على عاتقه .

وأمّا الآخر فإنّه كان يستقبل الراوية فيشربها إلى آخر ولا يروي ، وذلك أنّه نظر إلى الحسين وقد أهوى إلى فيه بماء وهو يشرب فرماه بسهم ، فقال الحسين عليه السلام : لا أرواك اللّه من الماء في دنياك ولا في آخرتك(3) .

وفي طريق آخر قال الراوي : رأيت ابنا لأحد الرجلين قد أصابه الجنون .

وروي أيضا عن ابن عطية قال : [سمعت جدي أبا أمي بزيعا قال :] كنّا نمر ونحن غلمان [زمن خالد] على رجل في الطريق جالس أبيض الجسد أسود الوجه ، وكان الناس يقولون : خرج - لعنة اللّه عليه - على الحسين(4) .

ص: 236


1- الخرائج والجرائح 1/246 الباب الرابع في معجزات الحسين عليه السلام ، بحار الأنوار 44/181 باب 25 ح5 .
2- المناقب 4/58 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام .
3- المناقب 4/55 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام ، بحار الأنوار 45/300 باب 46 .
4- الأمالي للطوسي : 727 المجلس 44 ، بحار الأنوار 45/322 باب 46 ح17 .

وروى الفاضل المجلسي عن ثواب الأعمال قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ آل أبي سفيان قتلوا الحسين بن علي - صلوات اللّه عليه - فنزع اللّه ملكهم ، وقتل هشام زيد بن علي

فنزع اللّه ملكه ، وقتل الوليد يحيى بن زيد فنزع اللّه ملكه(1) .

الرجل الذي أعمى اللّه عينيه في اليقظة

وفي المناقب لابن شهرآشوب باسناده عن أبي رجاء العطاردي قال : لا تذكروا أهل البيت إلاّ بخير ، فدخل عليه رجل من حاضري كربلاء ، وكان يسبّ الحسين عليه السلام وأهوى اللّه عليه نجمين فعميت عيناه .

الرجل الذي عميت عيناه في المنام

وفي المناقب لابن شهرآشوب أنّه سئل رجل من عسكر ابن سعد(2) عن عمائه فقال : كنت حضرت كربلاء وما قاتلت ، فنمت فرأيت شخصا هائلا قال لي : أجب رسول اللّه ، فقلت : لا أطيق ، فجرني إلى رسول اللّه ، فوجدته حزينا وفي يده حربة ، وبسط قدامه نطع وملك قبله قائم في يده سيف من النار يضرب أعناق القوم ، وتقع النار فيهم فتحرقهم ، ثم يحيون ويقتلهم أيضا هكذا ، فقلت : السلام عليك يا رسول اللّه ، واللّه ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت سهما ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : ألست كثّرت السواد ؟ فسلمني وأخذ من طست فيه دم فكحلني من ذلك الدم ، فاحترقت عيناي ، فلما انتبهت كنت أعمى(3) .

إحتراق رجل بفتيلة المصباح

روى أبو عبد اللّه الدامغاني في سوق(4) العروس أنّهم تذاكروا ليلة أمر الحسين ، وأنّه من قتله رماه اللّه ببلية في جسده ، فقال رجل : فأنا ممن قتله وما أصابني سوء .

ص: 237


1- ثواب الأعمال : 220 عقاب من قتل الحسين عليه السلام ، بحار الأنوار 45/ 308 باب 46 ح10 .
2- في المصدر : « عبد اللّه الرياح القاضي الأعمى » .
3- المناقب 4/58 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام .
4- في المصدر وغيره : « شوف العروس » .

ثم إنّه قام ليصلح الفتيلة بإصبعه فأخذت النار كفّه ، فخرج صارخا حتى ألقى نفسه في الفرات ، فواللّه رأيناه يدخل رأسه الماء والنار على وجه الماء ، فإذا خرج

رأسه سرت النار إليه ، وكان ذلك دأبه حتى هلك(1) .

الرجل الذي سقاه علي عليه السلام قطرانا

في بستان الواعظين : قال الفضل بن الزبير : كنت قاعدا عند السدي ، فجاء رجل فجلس إليه ، فإذا منه ريح القطران . فقال له السدي : أتبيع قطرانا ؟ قال : لا ، قال له : ما هذه الرائحة ؟ قال : شهدت عسكر عمر بن سعد ، فكنت أبيع منهم أوتاد الحديد ، فلما قتل الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ، أتيت في العسكر فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في النوم-، والحسين عليه السلام وعلي عليه السلام معهما ، وهو يسقي الماء من قتل من أصحاب

الحسين عليه السلام ، فاستسقيته فأبى أن يسقيني ، فقال لي : ألست ممن أعان علينا ؟ فقلت : بلى ، كنت أبيعهم أوتاد الحديد ، فقال لعلي عليه السلام : اسقه قطرانا ، قال : فناولني قدحا فشربت منه ، فكنت ثلاثة أيام أبول القطران ، ثم ذهب عني وبقيت هذه الرائحة علي .

فقال السدي : كل من خبز البر وكل من كلّ النبات ، واشرب من ماء الفرات ، فما أراك تعاين الجنة ولا محمدا أبدا(2) .

خبر الرجل الذي أخذ البيضة التي على رأس الحسين عليه السلام

وروي في مدينة المعاجز : أنّ رجلا من كندة أخذ البيضة التي على رأس الحسين عليه السلام ، فانطلق إلى منزله وقال لزوجته : خذي هذه البيضة التي كانت على رأس الحسين ، فاغسليها من الدم ، وتكون عندك وديعة ، قال : فبكت وقالت : يا ويلك قتلت الحسين عليه السلام ، وسلبته البيضة ؟ ! واللّه لا اجتمعت أنا وأنت أبدا ،

ص: 238


1- المناقب 4/58 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام .
2- المناقب 4/58 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام ، مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني 4/87 ح 159 .

فوثب إليها فانزاحت عن اللطمة ، فأصابت يده الباب ، فدخل فيها مسمار ، فعملت عليه فقطعها من مرفقه ، ولم يزل فقيرا حتى مات ، وعجّل اللّه بروحه إلى النار وبئس القرار(1) .

إحتراق رجل بفتيلة المصباح

وروي في مدينة المعاجز أيضا عن السدي قال : أضافني رجل في ليلة كنت أحبّ الجليس ، فرحبت به وقربته وأكرمته ، وجلسنا نتسامر ، وإذا به ينطلق بالكلام كالسيل إذا قصد الحضيض ، فطرقت له فانتهى في سمره الى طفّ كربلاء ، وكان قريب العهد من قتل الحسين عليه السلام ، فتأوهت الصعداء وتزفرت كملا ، فقال : ما بالك ؟ قلت : ذكرت مصابا يهون عنده كلّ مصاب ، قال : أما كنت حاضرا يوم الطف ؟ قلت : لا والحمد للّه ، قال : أراك تحمد على أي شيء ؟ قلت : على الخلاص من دم الحسين عليه السلام ، لأن جدّه صلى الله عليه و آله قال : إنّ من طولب بدم ولدي الحسين يوم القيامة لخفيف الميزان ، قال : قال هكذا جده ؟ قلت : نعم ، وقال صلى الله عليه و آله : ولدي الحسين يقتل ظلما وعدوانا ، ألا

ومن قتله يدخله في تابوت من نار ويعذب بعذاب نصف أهل النار ، وقد غلت يداه ورجلاه ، وله رائحة يتعوذ أهل النار منها ، هو ومن شايع وبايع أو رضي بذلك « كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ » بدلوا بجلود غيرها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ ساعة ويسقون من حميم جهنم ، فالويل لهم من عذاب جهنم ، قال : لا تصدق هذا الكلام يا أخي ، قلت : كيف هذا ؟ وقد قال صلى الله عليه و آله : لا كذبت ولا كذبت .

قال : ترى قالوا : قال رسول اللّه : قاتل ولدي الحسين لا يطول عمره ؟ وها أنا وحقّك قد تجاوزت التسعين مع أنّك ما تعرفني ، قلت : لا واللّه ، قال : أنا الأخنس بن

زيد ، قلت : وما صنعت يوم الطف ؟

قال : أنا الذي أمرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطي جسم الحسين بسنابك الخيل وهشمت أضلاعه ، وجررت نطعا من تحت علي بن الحسين وهو عليل حتى كببته على وجهه ، وخرمت أذني صفية بنت الحسين لقرطين كانا في أذنيها .

ص: 239


1- مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني 4/92 ح163 .

قال السدي : فبكى قلبي هجوعا وعيناي دموعا ، وخرجت أعالج على إهلاكه ، وإذا بالسراج قد ضعفت ، فقمت أزهرها ، فقال : اجلس ، وهو يحكي متعجبا من نفسه وسلامته ، ومدّ إصبعه ليزهرها ، فاشتعلت به ، ففركها في التراب فلم تنطف ، فصاح بي أدركني يا أخي ، فكببت الشربة عليها ، وأنا غير محب لذلك ، فلما شمت النار رائحة الماء ازدادت قوة ، وصاح بي : ما هذه النار ؟ وما يطفئها ؟ قلت : ألق نفسك في النهر .

فرمى بنفسه ، فكلما ركس جسمه في الماء اشتعلت في جميع بدنه كالخشبة البالية في الريح البارح ، هذا وأنا أنظره ، فواللّه الذي لا إله إلاّ هو لم تطفأ حتى صار فحما ، وسار على وجه الماء .

أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ(1)

خبر الرجل الذي حمل رأس أحد الشهداء

أيضا روى عبد الملك بن عمير أنّه كان لي جار من بني مساعدة ، جسده ووجهه أسود ، ورأسه أبيض ، فقلت له يوما : ما هذا الذي بك يا فلان ؟ قال : يا أخي اعلم أنّي شهدت عسكر ابن زياد - لعنه اللّه - ، وأخذت من بعض الرؤس الذي لاصحاب الحسين ، فأصبحت كما تراني ، ومع ذلك إنّي أرى في منامي أنّ الرأس كلّ ليلة يكلمني ويرميني في النار ، وقد علموا بذلك أهلي ، فإذا علموا أنّي قد نمت أيقظوني(2) .

قصة الرجل الذي جعل رأس الحسين عليه السلام في المخلاة

روى هلال بن معاوية قال : رأيت رجلا يحمل رأس الحسين عليه السلام في مخلاة فرسه ، فسمعت اُذناي ووعى قلبي والرأس يقول : فرّقت بين رأسي وجسدي فرّق اللّه بين لحمك وعظمك وجعلك آية ونكالا للعالمين ، فرفع سوطا كان معه ولم يزل يضرب به الرأس حتى سكن .

ص: 240


1- بحار الأنوار 45/321 باب 46 .
2- مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني 4/120 ح182 .

قال : فرأيت ذلك الرجل وقد أتي به إلى المختار بن أبي عبيد ، فشرح لحمه ، وألقاه للكلاب وهو حي ، وكلما قطعت منه قطعة صاح وغلب على عقله ، فيتوسل حتى يؤوب إليه عقله ، ثم يفعل به مثل ذلك حتى جعله عظاما مجردة ، ثم أمر به فقطعت مفاصله ، فأتيت المختار فأخبرته بفعله وبما سمعت من كلام الرأس(1) .

خبر الرجل الذي أومأ اليه النبي صلى الله عليه و آله باصبعه فعميت عيناه

عن أبي الحصين قال : رأيت شيخا مكفوف البصر ، فسألته عن السبب ، فقال لي : إنّي من أهل الكوفة ، وقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المنام ، وبين يديه طشت فيه دم عظيم من دم الحسين عليه السلام ، وأهل الكوفة كلّهم يعرضون عليه فيلطخهم بالدم - دم الحسين عليه السلام - ، حتى انتهيت إليه ، وعرضت عليه ، فقلت : يا رسول اللّه ، واللّه ما ضربت بسيف ، ولا رميت بسهم ، ولا كثرت السواد عليه ، فقال لي : صدقت ألست من أهل الكوفة ؟ فقلت : بلى ، فقال : فلم لا نصرت ولدي ؟ ولم لا أجبت دعوته ؟ ولكنك هويت قتلة الحسين عليه السلام ، وكنت من حزب ابن زياد .

ثم إنّ النبي أومى إليّ بأصبعه ، فأصبحت أعمى ، فواللّه ما يسرني أن يكون لي حمر النعم ، ووددت أن أكون شهيدا بين يدي الحسين عليه السلام(2) .

الحداد الذي رأى القيامة في الرؤيا

في منتخب المجالس والعوالم وغيرها من المصادر عن رجل كوفي حداد قال : لما خرج العسكر من الكوفة لحرب الحسين بن علي جمعت حديدا عندي ، وأخذت آلتي وسرت معهم ، فلما وصلوا طنبوا خيمهم ، بنيت خيمة وصرت أعمل أوتادا للخيم ، وسككا ومرابط للخيل ، وأسنة للرماح ، وما اعوج من سنان أو خنجر أو سيف ، كنت بكل ذلك بصيرا ، فصار رزقي كثيرا ، وشاع ذكري بينهم ، حتى أتى الحسين مع عسكره .

ص: 241


1- مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني 4/100 ح166 .
2- مدينة المعاجز 4/100 ح167 ، منتخب الطريحي : 320 .

فارتحلنا إلى كربلاء وخيّمنا على شاطئ العلقمي ، وقام القتال فيما بينهم ، وحموا الماء عليه وقتلوه وأنصاره وبنيه .

وكان مدّة إقامتنا وارتحالنا تسعة عشر يوما ، فرجعت غنيا إلى منزلي ! ! والسبايا معنا ، فعرضت على عبيد اللّه ، فأمر أن يشهروهم إلى يزيد إلى الشام .

فلبثت في منزلي أياما قلائل ، وإذا أنا ذات ليلة راقد على فراشي ، فرأيت طيفا :

كأنّ القيامة قامت والناس يموجون على الأرض كالجراد إذا فقدت دليلها ، وكلّهم دالع لسانه على صدره من شدّة الظماء ، وأنا أعتقد بأنّ ما فيهم أعظم مني عطشا ، لأنّه كَلّ سمعي وبصري من شدّته ، هذا غير حرارة الشمس يغلي منها دماغي ، والأرض تغلي كأنّها القير إذا أشعل تحته نار ، فخلت أن رجلي قد تقلعت قدماها ، فواللّه العظيم لو إنّي خيّرت بين عطشي وتقطيع لحمي حتى يسيل دمي لأشربه لرأيت شربه خيرا من عطشي .

فبينا أنا في العذاب الأليم والبلاء العميم إذا أنا برجل قد عمّ الموقف نوره ، وابتهج

الكون بسروره ، راكب على فرس ، وهو ذو شيبة ، قد حفّت به ألوف من كلّ نبي ووصي وصديق وشهيد وصالح ، فمرّ كأنّه ريح أو سيران فلك ، فمرت ساعة وإذا أنا بفارس على جواد أغر له وجه كتمام القمر ، تحت ركابه ألوف ، إن أمر ائتمروا ، وإن زجر انزجروا ، فاقشعرت الأجسام من لفتاته ، وارتعدت الفرائص من خطراته ، فتأسفت على الأول ما سألت عنه خيفة من هذا ، وإذا به قد قام في ركابه وأشار إلى أصحابه ، وسمعت قوله : خذوه ، وإذا بأحدهم قاهر بعضدي كلبة حديد خارجة من النار ، فمضى بي إليه ، فخلت كتفي اليمنى قد انقلعت ، فسألته الخفة ، فزادني ثقلا ، فقلت له : سألتك بمن أمرك عليّ ، من تكون ؟ قال : ملك من ملائكة الجبار ، قلت : ومن هذا ؟ قال : علي الكرار ، قلت : والذي قبله ؟ قال : محمد المختار ، قلت : والذي حوله ؟ قال : النبيون والصديقون والشهداء والصالحون والمؤنون ، قلت : أنا ما فعلت حتى أمرك علي ؟ قال : إليه يرجع الأمر ، وحالك حال هؤاء .

ص: 242

فحققت النظر وإذا بعمر بن سعد أمير العسكر ، وقوم لم أعرفهم ، وإذا بعنقه سلسلة من حديد والنار خارجة من عينيه وأذنيه ، فأيقنت بالهلاك ، وباقي القوم منهم مغلل ، ومنهم مقيد ، ومنهم مقهور بعضده مثلي .

فبينا نحن نسير وإذا برسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي وصفه الملك جالس على كرسي عال يزهو - أظنه من اللؤؤ- ورجلين ذي شيبتين بهيتين عن يمينه ، فسألت الملك عنهما ، فقال : نوح وإبراهيم ، وإذا برسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : ما صنعت يا علي ؟ قال : ما تركت

أحدا من قاتلي الحسين إلاّ وأتيت به .

فحمدت اللّه تعالى على أني لم أكن منهم ، ورد إليّ عقلي ، وإذا برسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : قدموهم ، فقدموهم إليه ، وجعل يسألهم ويبكي ، ويبكي كلّ من في الموقف لبكائه ، لأنّه يقول للرجل : ما صنعت بطف كربلاء بولدي الحسين ؟ فيجيب : يا رسول اللّه أنا حميت الماء عنه ، وهذا يقول : أنا قتلته ، وهذا يقول : أنا وطئت صدره

بفرسي ، ومنهم من يقول : أنا ضربت ولده العليل .

فصاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله : وا ولداه وا قلة ناصراه وا حسيناه وا علياه ، هكذا جرى عليكم بعدي أهل بيتي ، انظر يا أبي آدم ، انظر يا أخي نوح ، كيف خلفوني في ذريتي ، فبكوا حتى ارتج المحشر ، فأمر بهم زبانية جهنم يجرونهم أولا فأولا إلى النار .

وإذا بهم قد أتوا برجل فسأله ، فقال : ما صنعت شيئا ؟ فقال : أما كنت نجارا ؟ قال : صدقت يا سيدي ، لكني ما عملت شيئا إلاّ عمود الخيمة لحصين بن نمير ، لأنّه انكسر من ريح عاصف فوصلته ، فبكى وقال : كثرت السواد على ولدي ، خذوه إلى النار ، وصاحوا : لا حكم إلاّ للّه ولرسوله ووصيه .

قال الحداد : فأيقنت بالهلاك ، فأمر بي فقدموني ، فاستخبرني فأخبرته ، فأمر بي إلى النار ، فما سحبوني إلاّ وانتهبت ، وحكيت لكل من لقيته .

وقد يبس لسانه ، ومات نصفه ، وتبرأ منه كلّ من يحبّه ، ومات فقيرا ، لا رحمه اللّه .

وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ(1)

ص: 243


1- بحار الأنوار 45/ 319 باب 46 .

استشار الإمام عليه السلام في الزواج فخالفه فافتقر

في الخرائج والجرائح أيضا : أنّ رجلا صار إلى الحسين عليه السلام فقال : جئتك أستشيرك في تزويجي فلانة ، فقال : لا أحبّ ذلك لك ، وكانت كثيرة المال ، وكان الرجل أيضا مكثرا .

فخالف الحسين ، فتزوج بها ، فلم يلبث الرجل حتى افتقر ، فقال له الحسين عليه السلام : قد أشرت إليك ، فخلّ سبيلها ، فإنّ اللّه يعوضك خيرا منها .

ثم قال : وعليك بفلانة فتزوجها ، فما مضت سنة حتى كثر ماله ، وولدت له ولدا ذكرا ، ورأى منها ما أحبّ(1) .

خبر فرعون الذي مدّ يده ليضرب وجه الحسين عليه السلام فيبست يده

في مدينة المعاجز عن الراوندي : كان الحسين عليه السلام مع فرعون هذه الأمة(2) ، فمدّ يده ليضرب على وجه الحسين عليه السلام ، فيبست يده ، فتضرّع إليه ليدعو ربّه فتردّ إليه يده ، فدعا فصلحت(3) .

ظهور الحسين عليه السلام بعد الشهادة لأبي جعفر عليه السلام

روى الراوندي عن أبي جعفر عليه السلام قال : خرجت مع أبي عليه السلام إلى بعض أمواله ، فلما صرنا في الصحراء استقبله شيخ ، فنزل إليه أبي وسلّم عليه ، فجعلت أسمعه وهو يقول : جعلت فداك ، ثم تساءلا طويلا ، ثم ودعه أبي ، وقام الشيخ فانصرف ، وأبي ينظر خلفه حتى غاب شخصه عنه ، فقلت لأبي : من هذا الشيخ الذي سمعتك تعظمه في مسائلتك ؟ قال : يا بني هذا جدك الحسين(4) .

قصة حبابة الوالبية

وفي رجال الكشي باسناده عن صالح بن ميثم قال : دخلت أنا وعباية الأسدي

ص: 244


1- الخرائج والجرائح 1/248 الباب 4 .
2- ترجم المؤلف عبارة « مع فرعون هذه الامة » بقوله : « رجل فظ غليظ » .
3- الخرائج والجرائح 2/930 .
4- الخرائج والجرائح 2/819 .

على حبابة الوالبية ، فقال لها : هذا ابن أخيك ميثم ؟ قالت : ابن أخي واللّه حقّا ، ألا أحدثكم بحديث عن الحسين بن علي عليهماالسلام ؟ فقلت : بلى .

قالت : دخلت عليه وسلّمت فردّ السلام ورحّب ، ثم قال : ما بطأ بك عن زيارتنا والتسليم علينا يا حبابة ؟ قلت : ما بطأني إلاّ علّة عرضت ، قال : وما هي ؟

قالت : فكشفت خماري عن برص ، فوضع يده على البرص ودعا ، فلم يزل يدعو حتى رفع يده ، وكشف اللّه ذلك البرص .

ثم قال : يا حبابة إنّه ليس أحد على ملّة إبراهيم في هذه الأمة غيرنا وغير شيعتنا ،

ومن سواهم منها براء(1) .

وروي في دعوات الراوندي وبصائر الدرجات مثله باختلاف يسير .

خلص يده من يدها

في التهذيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ إمرأة كانت تطوف وخلفها رجل ، فأخرجت ذراعها فقال بيده حتى وضعها على ذراعها ، فأثبت اللّه يد الرجل في ذراعها حتى قطع الطواف ، وأرسل إلى الأمير ، واجتمع الناس ، وأرسل إلى الفقهاء ، فجعلوا يقولون : اقطع يده فهو الذي جنى الجناية ، فقال : ها هنا أحد من ولد محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقالوا : نعم ، الحسين بن علي عليهماالسلام قدم الليلة ، فأرسل إليه ، فدعاه

فقال : انظر ما لقي ذان ، فاستقبل الكعبة ورفع يديه ، فمكث طويلا يدعو ، ثم جاء إليهما حتى خلص يده من يدها ، فقال الأمير : ألا تعاقبه بما صنع ؟ قال لا(2) .

شهادة الصبي على أمه

في المناقب لابن شهرآشوب عن صفوان بن مهران قال سمعت الصادق عليه السلام

يقول : رجلان اختصما في زمن الحسين عليه السلام في إمرأة وولدها ، فقال هذا لي ، وقال هذا لي ، فمر بهما الحسين عليه السلام ، فقال لهما : في ما ذا تمرجان ؟ قال أحدهما : إنّ الامرأة لي ،

ص: 245


1- رجال الكشي : 115 حبابة الوالبية ح183 ، بصائر الدرجات : 270 باب 3 .
2- تهذيب الأحكام 5/470 باب 26 ، بحار الأنوار 44/183 باب 25 ح10 .

فقال للمدعي الأول : اقعد ، فقعد ، وكان الغلام رضيعا ، فقال الحسين : يا هذه أصدقي من قبل أن يهتك اللّه سترك ، فقالت : هذا زوجي والولد له ، ولا أعرف هذا ، فقال عليه السلام : يا غلام ما تقول هذه ؟ أنطق بإذن اللّه تعالى ، فقال له : ما أنا لهذا ولا لهذا ، وما أبي إلاّ راع لآل فلان ، فأمر عليه السلام برجمها .

قال جعفر عليه السلام : فلم يسمع أحد نطق ذلك الغلام بعدها(1) .

شفاء عبد اللّه بن شداد من الحمى

في المناقب لابن شهرآشوب عن زرارة بن أعين سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يحدث عن آبائه : أنّ مريضا شديد الحمى عاده الحسين ، فلما دخل من باب الدار طار الحمى عن الرجل ، فقال له : رضيت بما أوتيتم به حقّا حقّا ، والحمى يهرب عنكم ، فقال له الحسين عليه السلام : واللّه ما خلق اللّه شيئا إلاّ وقد أمره بالطاعة لنا .

قال : فإذا نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبيك ، قال : أليس أمير المؤنين أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوا أو مذنبا لكي تكوني كفارة لذنوبه ، فما بال هذا . وكان المريض عبد اللّه بن شداد بن الهادي الليثي(2) .

إحياء المرأة الميتة

في الخرائج والجرائح عن أبي خالد الكابلي عن يحيى ابن أم الطويل قال : كنّا عند الحسين عليه السلام إذ دخل عليه شاب يبكي ، فقال له الحسين : ما يبكيك ؟ قال : إنّ والدتي توفيت في هذه الساعة ولم توص ، ولها مال ، وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئا حتى أعلمك خبرها ، فقال الحسين عليه السلام : قوموا بنا حتى نصير إلى هذه الحرة .

فقمنا معه حتى انتهينا إلى باب البيت الذي فيه المرأة ، وهي مسجاة ، فأشرف على البيت ودعا اللّه ليحييها حتى توصي بما تحب من وصيتها ، فأحياها اللّه ،

وإذا المرأة جلست وهي تتشهد ، ثم نظرت إلى الحسين عليه السلام فقالت : ادخل البيت يا مولاي ، ومرني بأمرك .

ص: 246


1- المناقب 4/51 فصل في معجزاته عليه السلام .
2- المناقب 4/51 فصل في معجزاته عليه السلام .

فدخل وجلس على مخدة ، ثم قال لها : وصّي يرحمك اللّه ، فقالت : يا ابن رسول اللّه إنّ لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا ، وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك ، والثلثان لابني هذا إن علمت أنه من مواليك وأوليائك ، وإن كان مخالفا فخذه إليك ، فلا حقّ للمخالفين في أموال المؤنين ، ثم سألته أن يصلّي عليها ، وأن يتولى أمرها ، ثم صارت المرأة ميتة كما كانت(1) .

يا أصبغ أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه لأبي دون

في المناقب لابن شهرآشوب عن الأصبغ بن نباتة قال : سألت الحسين عليه السلام فقلت : سيدي أسألك عن شيء أنا به موقن ، وأنّه من سرّ اللّه ، وأنت المسرور إليه ذلك السر ، فقال : يا أصبغ أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه لأبي دون يوم مسجد قبا ؟ قال : هذا الذي أردت ، قال : قم ، فإذا أنا وهو بالكوفة ، فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتد إليّ بصري ، فتبسم في وجهي فقال : يا أصبغ إنّ سليمان بن داود أعطي الريح غدوها شهر ورواحها شهر ، وأنا قد أعطيت أكثر مما أعطي سليمان ، فقلت : صدقت واللّه يا ابن رسول اللّه ، فقال : نحن الذين عندنا

علم الكتاب ، وبيان ما فيه ، وليس لأحد من خلقه ما عندنا ، لأنّا أهل سرّ اللّه ، فتبسم في وجهي ثم قال : نحن آل اللّه وورثة رسوله ، فقلت : الحمد للّه على ذلك ، ثم قال لي : ادخل .

فدخلت فإذا أنا برسول اللّه صلى الله عليه و آله محتب في المحراب بردائه ، فنظرت فإذا أنا بأمير المؤنين قابض على تلابيب الأعسر - عمر بن الخطاب - ، فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله

يعضّ على الأنامل وهو يقول - لأبي بكر - : بئس الخلف خلفتني أنت وأصحابك عليكم لعنة اللّه ولعنتي(2) .

ص: 247


1- الخرائج والجرائح 1/245 باب 4 .
2- المناقب 4/52 فصل في معجزاته عليه السلام .

إستسقاء الحسين عليه السلام لأهل الكوفة في عهد علي عليه السلام

في عيون المعجزات للمرتضى عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عليهماالسلام قال : جاء أهل الكوفة إلى علي عليه السلام فشكوا إليه إمساك المطر ، وقالوا له : استسق لنا ، فقال للحسين عليه السلام : قم واستسق ، فقام وحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبي وقال : اللّهم معطي الخيرات ومنزل البركات أرسل السماء علينا مدرارا واسقنا غيثا مغزارا واسعا غدقا مجللا سحا سفوحا فجاجا تنفس به الضعف من عبادك وتحيي به الميت من بلادك آمين ربّ العالمين .

فما فرغ عليه السلام من دعائه حتى غاث اللّه تعالى غيثا بغتة ، وأقبل أعرابي من بعض نواحي الكوفة فقال : تركت الأودية والآكام يموج بعضها في بعض(1) .

تم الجزء الثالث من حياة الإمام الحسين عليه السلام

ص: 248


1- عيون المعجزات : 64 ، بحار الأنوار 44/187 باب 25 ح16 .

ناسخ التواريخ حياة الإمام سيد الشهداء الحسين عليه السلام-الجزء الرابع

اشارة

ص: 249

ص: 250

بسم الله الرحمن الرحیم

بقية معجزات سيد الشهداء عليه السلام

دعاء الحسين على ابن جويرة

في عيون المعجزات عن عطاء بن السائب عن أخيه قال : شهدت يوم الحسين - صلوات اللّه عليه - فأقبل رجل من تيم يقال له : « عبد اللّه بن جويرة » ، فقال : يا حسين ، فقال صلوات اللّه عليه : ما تشاء ؟ فقال : أبشر بالنار ، فقال عليه السلام : كلا إنّي أقدم على ربّ غفور ، وشفيع مطاع ، وأنا من خير إلى خير ، من أنت ؟ قال : أنا ابن جويرة ، فرفع يده الحسين حتى رأينا بياض إبطيه وقال : اللّهم جرّه إلى النار .

فغضب ابن جويرة ، فحمل عليه ، فاضطرب به فرسه في جدول ، وتعلّق رجله بالركاب ، ووقع رأسه في الأرض ، ونفر الفرس فأخذ يعدو به ويضرب رأسه بكلّ حجر وشجر ، وانقطعت قدمه وساقه وفخذه ، وبقي جانبه الآخر متعلقا في الركاب ، فصار - لعنه اللّه - إلى نار الجحيم(1) .

ص: 251


1- بحار الأنوار 44/187 باب 25 .

فهوى بيده ليضرب بها وجه الحسين عليه السلام فأيبسها اللّه

في الخرائج والجرائح : خرج الحسن والحسين عليهماالسلام حتى أتيا نخل العجوة للخلاء ، فهويا إلى مكان ، وولّى كلّ واحد منهما بظهره إلى صاحبه ، فرمى اللّه بينهما بجدار

يستتر به أحدهما عن صاحبه ، فلما قضيا حاجتهما ذهب الجدار وارتفع من موضعه ، وصار في الموضع عين ماء وإجانتان ، فتوضيا وقضيا ما أرادا .

ثم انطلقا حتى صارا في بعض الطريق عرض لهما رجل فظ غليظ ، فقال لهما : ما خفتما عدوكما من أين جئتما ؟ فقالا : إنّنا جئنا من الخلاء ، فهمّ بهما ، فسمعوا صوتا

يقول : يا شيطان ، أتريد أن تناوي ابني محمد صلى الله عليه و آله ، وقد علمت بالأمس ما فعلت ، وناويت أمهما ، وأحدثت في دين اللّه ، وسلكت غير الطريق .

وأغلظ له الحسين عليه السلام أيضا ، فهوى بيده ليضرب بها وجه الحسين عليه السلام فأيبسها اللّه من عند منكبه ، فأهوى باليسرى ففعل اللّه به مثل ذلك ، ثم قال : أسألكما بحقّ

جدكما وأبيكما لما دعوتما اللّه أن يطلقني ، فقال الحسين عليه السلام : اللّهم أطلقه واجعل له في هذا عبرة واجعل ذلك عليه حجة ، فأطلق اللّه يده .

فانطلق قدّامهما حتى أتى عليا عليه السلام ، وأقبل عليه بالخصومة ، فقال : أين دسستهما - وكأنّ هذا كان بعد يوم السقيفة بقليل - ، فقال علي عليه السلام : ما خرجا إلاّ للخلاء ، وجذب رجل منهم عليا حتى شقّ رداءه ، فقال الحسين عليه السلام للرجل : لا أخرجك اللّه من الدنيا حتى تبتلى بالدياثة في أهلك وولدك ، وقد كان الرجل يقود ابنته إلى رجل من العراق .

فلما خرجا إلى منزلهما قال الحسين للحسن عليه السلام : سمعت جدّي يقول : إنّما مثلكما مثل يونس إذ أخرجه اللّه من بطن الحوت ، وألقاه بظهر الأرض ، وأنبت عليه شجرة من يقطين ، وأخرج له عينا من تحتها ، فكان يأكل من اليقطين ويشرب من ماء العين ، وسمعت جدي يقول : أمّا العين فلكم ، وأما اليقطين فأنتم عنه أغنياء ، وقد قال اللّه في يونس : « وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ » ،

ص: 252

ولسنا نحتاج إلى اليقطين ، ولكن علم اللّه حاجتنا إلى العين فأخرجها لنا ، وسنرسل إلى أكثر من ذلك فيكفرون ويمتعون إلى حين ، فقال الحسن عليه السلام : قد سمعت هذا(1) .

بعض معاجز يوم عاشوراء

وفي شرح الشافية وغيره من الكتب : أنّه أصابوا إبلا في عسكر الحسين عليه السلاميوم قتل ، فنحروها وطبخوها فصارت مثل العلقم(2) .

وفي رواية : نحرت إبل الحسين عليه السلام فاذا لحمها يتوقّد نارا .

وكان رجل خرج على الحسين عليه السلام ثم جاء يحمل ورسا وزعفرانا ، فكلما دقّوا الزعفران صار نارا ، فلطخت إمرأة على يدها فصارت برصاء ، ونحر البعير فكلما حزّ بالسكين صار نارا ، فطبخوه فصارت القدر نارا(3) .

وكان مع الحسين عليه السلام ورس وطيب فاقتسموه ، فلما صاروا الى بيوتهم صار الورس رمادا ، وما تطيبت إمرأة بذلك الطيب إلاّ وبرصت .

ووجد الشمر - لعنه اللّه - في ثقل الحسين عليه السلام ذهبا ، فأعطى بعضه لابنته فدفعته الى صائغ يصوغ لها منه حليا ، فلما أدخله النار صار هباءا ، وقيل : صار نحاسا .

فأخبرت الشمر - لعنه اللّه - بذلك ، فدعا بصائغ فدفع اليه باقي الذهب وقال : أدخله النار بحضرتي ، ففعل الصائغ فكان هباءا(4) ، وقيل : عاد نحاسا(5) .

ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ويقدمهم عمر بن سعد

روى محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة عن حذيفة قال : سمعت الحسين بن علي يقول : واللّه ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ويقدمهم عمر بن سعد ،

ص: 253


1- الخرائج والجرائح 2/845 .
2- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2/90 .
3- مناقب آل أبي طالب : 4/55 .
4- مثير الأحزان : 82 .
5- شرح الشافية : 376 ، وانظر : كشف الغمة 2/56 .

وذلك في حياة النبي صلى الله عليه و آله ، فقلت له : أنبأك بهذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : لا ، فأتيت النبي فأخبرته ، فقال : علمي علمه وعلمه علمي ، وإنّا لنعلم بالكائن قبل كينونته(1) .

نور جبين الحسين عليه السلام

روى الفاضل المجلسي عن طاوس اليماني : أنّ الحسين بن علي عليه السلام كان إذا جلس في المكان المظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان كثيرا ما يقبّل جبينه ونحره .

وروي أنّ جبرئيل عليه السلام نزل يوما فوجد الزهراء عليهاالسلام نائمة والحسين في مهده يبكي ، فجعل يناغيه ويسليه حتى استيقظت ، فسمعت صوت من يناغيه ، فالتفتت فلم تر أحدا ، فأخبرها النبي صلى الله عليه و آله أنّه كان جبرئيل عليه السلام(2) .

الحسين عليه السلام يخبر بمقتله

في مدينة المعاجز عن محمد بن جرير الطبري باسناده عن أبي محمد الواقدي وزرارة بن صالح قالا : لقينا الحسين قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث ليال فأخبرناه بضعف الناس في الكوفة ، وأنّ قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ونزل من الملائكة عدد لا يحصيهم إلاّ اللّه ، وقال : لولا تقارب الأشياء ، وحبوط الأجر ، لقاتلتهم بهؤاء ، ولكن أعلم علما أنّ هناك مصرعي ومصارع أصحابي ، لا ينجو منهم إلاّ ولدي علي(3) .

وروى محمد بن جرير الطبري باسناده عن عبد اللّه بن عباس قال : أتيت

الحسين وهو يخرج إلى العراق فقلت له : يا ابن رسول اللّه لا تخرج ، فقال : يا ابن عباس ، أما علمت إن منعتني من هناك ، فإنّ مصارع أصحابي هناك ، قلت له : فأنّى لك ذلك ؟ قال : بسرّ سرّه لي وعلم أعطيته(4).

ص: 254


1- دلائل الإمامة : 75 ذكر ولده عليه السلام .
2- بحار الأنوار 44/187 باب 25 .
3- دلائل الإمامة : 74 .
4- دلائل الإمامة : 74 .

أيضا روى أبو جعفر باسناده عن إبراهيم بن سعيد ، وكان مع زهير بن القين حين صحب الحسين كما أخبر ، قال : قال الحسين له : يا زهير ، اعلم أنّ ها هنا مشهدي ، ويحمل هذا - وأشار إلى رأسه - من جسدي زحر بن قيس ، فيدخل به على يزيد يرجو نواله ، فلا يعطيه شيئا(1) .

سبع يخبر الحسين عليه السلام عن حال أهل الكوفة

في مدينة المعاجز عن راشد بن مزيد قال : شهدت الحسين بن علي وصحبته من مكة حتى أتينا الققطانة ، ثم استأذنته في الرجوع فأذن ، فرأيته وقد استقبله سبع ، فكلّمه فوقف له ، قال : ما حال الناس بالكوفة ؟ قال : قلوبهم معك وسيوفهم عليك ، قال : ومن خلفت بها ؟ قال : ابن زياد ، وقد قتل مسلم بن عقيل ، قال : وأين تريد ؟ قال : عدن . .(2) .

استخراج العنب من سارية المسجد

في مدينة المعاجز عن أبي محمد عبد اللّه بن محمد قال : حدثنا سعيد بن شرفي بن القطامي عن زفر بن يحيى عن كثير بن شاذان قال : شهدت الحسين بن علي وقد اشتهى عليه ابنه علي الأكبر عنبا في غير أوانه ، فضرب بيده إلى سارية المسجد ، فأخرج له عنبا وموزا فأطعمه وقال : ما عند اللّه لأوليائه أكثر(3) .

إخضرار النخلة اليابسة

في مدينة المعاجز عن أبي عبد اللّه عليه السلام(4) قال : خرج الحسين بن علي عليه السلام في بعض أسفاره ومعه رجل من ولد الزبير بن العوام يقول بإمامته ، فنزلوا في طريقهم بمنزل تحت نخل يابس من العطش ، ففرش للحسين تحتها ، وبإزائه نخل ليس عليها رطب ، قال : فرفع يده ودعا بكلام لم أفهمه ، فاخضرّت النخلة وعادت إلى حالها ،

ص: 255


1- دلائل الإمامة : 74 .
2- دلائل الإمامة : 74 .
3- دلائل الإمامة : 75 .
4- قال المؤلف : « في مدينة المعاجز عن رجل من أولاد الزبير بن العوام قال : . .» .

وحملت رطبا ، فقال الجمال الذي اكترى منه : هذا سحر واللّه ، فقال الحسين : ويلك إنّه ليس بسحر ، ولكنها دعوة ابن نبي مستجابة ، ثم صعدوا النخلة فجنوا منها ما كفاهم جميعا(1) .

كتاب الحسين عليه السلام الى بني هاشم

في بصائر الدرجات باسناده عن حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ذكرنا خروج الحسين وتخلّف ابن الحنفية عنه فقال أبو عبد اللّه : يا حمزة إنّي سأحدّثك في

هذا الحديث ولا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا ، إنّ الحسين لما فصل متوجها دعا بقرطاس وكتب :

بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى بني هاشم ، أمّا بعد ، فإنّه من ألحق

بي منكم استشهد معي ، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح والسلام(2) .

ربما تصور البعض من هذا الكتاب أنّ محمد بن الحنفية تقاعس وتقاعد عن الخروج مع الحسين عليه السلام ، ولا يصح ذلك فقد ذكرنا في ذيل حديثنا عن خروج الحسين عليه السلام من مكة متجها نحو العراق : أنّ محمد بن الحنفية ودّع الإمام الحسين عليه السلام

واعتذر اليه فقال :

إنّي واللّه ليحزنني فراقك ، وما أقعدني عن المسير معك إلاّ لأجل ما أجده من المرض الشديد ، فواللّه - يا أخي - ما أقدر أن أقبض على قائم سيف ولا كعب رمح ، فواللّه لا فرحت بعدك أبدا ، ثم بكى شديدا حتى غشي عليه ، فلما أفاق من غشيته قال : يا أخي استودعك اللّه من شهيد مظلوم ، وودعه الحسين عليه السلام وسار .

فهو إنّما تخلّف عن الحسين عليه السلام لمرضه الشديد ، فهو معذور إذن ، ثم إنّ هذا الكتاب لم يكن خاصا بمحمد بل كان خطابا لبني هاشم عامة ممن له قدرة على الحركة والجهاد سوى المعذورين منهم لمرض أو شبهه .

ص: 256


1- دلائل الإمامة : 76 .
2- بصائر الدرجات : 481 باب 9 ح1 .

ختمه على الحصاة

في مدينة المعاجز باسناده عن جعفر بن زيد بن موسى عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قالوا(1) : جاءت أم أسلم يوما إلى النبي صلى الله عليه و آله ، وهو في منزل أم سلمة ، فسألتها عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقالت : خرج في بعض الحوائج والساعة يجيئ ، فانتظرته عند أم سلمة حتى جاء صلى الله عليه و آله ، فقالت أم أسلم : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ، إنّي قد قرأت الكتب وعلمت لكلّ نبي وصي ، فموسى كان له وصي في حياته ووصي بعد موته ، وكذلك عيسى ، فمن وصيك يا رسول اللّه ؟ فقال لها : يا أم أسلم وصيي في حياتي وبعد مماتي واحد ، ثم قال لها : يا أم أسلم من فعل فعلي هذا فهو وصيي ، ثم ضرب بيده إلى حصاة من الأرض ففركها بأصبعه ، فجعلها شبه الدقيق ، ثم عجنها ، ثم طبعها بخاتمه ، ثم قال : من فعل فعلي هذا فهو وصيي في حياتي وبعد مماتي .

فخرجت من عنده ، فأتيت أمير المؤنين عليه السلام فقلت : بأبي أنت واُمي أنت وصي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : نعم يا أم أسلم ، ثم ضرب بيده إلى حصاة ففركها فجعلها كهيئة الدقيق ، ثم عجنها وختمها بخاتمه ، ثم قال : يا اُم أسلم من فعل فعلي هذا فهو وصيي .

فأتيت الحسن عليه السلام ، وهو غلام ، فقلت له : يا سيدي أنت وصي أبيك ؟ فقال : نعم يا اُم أسلم ، وضرب بيده وأخذ حصاة ففعل بها كفعلهما .

فخرجت من عنده فأتيت الحسين عليه السلام - وإنّي لمستصغرة لسنه - فقلت له : بأبي أنت وامي ، أنت وصي أخيك ؟ فقال : نعم يا اُم أسلم ايتيني بحصاة ، ثم فعل كفعلهم .

فعمرت أم أسلم حتى لحقت بعلي بن الحسين بعد قتل الحسين عليه السلام في منصرفه ، فسألته : أنت وصي أبيك ؟ فقال : نعم ، ثم فعل كفعلهم صلوات اللّه عليهم أجمعين(2) .

ص: 257


1- قال المؤلف : « باسناده عن أم أسلم » .
2- الكافي 1/355 ح15 .

هلاك الرامي من العطش بدعاء الحسين عليه السلام

في كتاب ثاقب المناقب عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة قال : حدثني من شهد عسكر الحسين عليه السلام : أنّ الحسين لما غلب على عسكره العطش ركب المسناة يريد الفرات ، فقال رجل من بني أبان بن دارم : حولوا بينه وبين الماء ، ورمى بسهم فأثبته

في حنكه ، فقال عليه السلام : اللّهم اظمئه اللّهم اظمئه .

فواللّه ما لبث الرجل إلاّ يسيرا حتى صبّ اللّه عليه الظمأ .

قال القاسم بن الأصبغ : لقد رأيته وبين يديه قلال فيها الماء ، وإنّه ليقول : ويلكم

اسقوني قتلني الظمأ ، فيعطى القلة أو العس الذي كان أحدهما مرويا أهل بيت ، فيشربه ثم يقول : ويلكم اسقوني قتلني الظمأ .

قال : فواللّه ما لبث إلاّ يسيرا حتى انقد بطنه انقداد بطن البعير .

وفي رواية أخرى : النار توقد من خلفه ، والثلج موضوع من قدامه ، وهو يقول : اسقوني(1) .

وروى ابن شهرآشوب : أنّ رجلا من كلب رماه بسهم فشكّ شدقه ، فقال الحسين : لا أرواك اللّه ، فعطش الرجل حتى ألقى نفسه في الفرات وشرب حتى مات(2) .

إظهار النبي وعلي والحسن لجابر

في ثاقب المناقب عن جابر بن عبد اللّه قال : لما عزم الحسين بن علي عليهماالسلام على الخروج إلى العراق أتيته فقلت له : أنت ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأحد سبطيه ، لا أرى إلاّ أنّك تصالح كما صالح أخوك الحسن ، فإنّه كان موفقا راشدا .

فقال لي : يا جابر ، قد فعل أخي ذلك بأمر اللّه وأمر رسوله ، وإنّي أيضا أفعل بأمر اللّه وأمر رسوله ، أتريد أن أستشهد لك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليا وأخي الحسن بذلك الان ؟ .

ص: 258


1- الثاقب في المناقب : 341 ح3 .
2- المناقب 4/55 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام .

ثم نظرت فإذا السماء قد انفتح بابها ، وإذا رسول اللّه وعلي والحسن وحمزة وجعفر وزيد نازلين عنها حتى استقروا على الأرض ، فوثبت فزعا مذعورا ، فقال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا جابر ، ألم أقل لك في أمر الحسن قبل الحسين : لا تكون مؤنا

حتى تكون لأئمتك مسلّما ، ولا تكن معترضا ؟ أتريد أن ترى مقعد معاوية ومقعد الحسين ابني ومقعد يزيد قاتله لعنه اللّه ؟ قلت : بلى يا رسول اللّه .

فضرب برجله الأرض فانشقت ، وظهر بحر فانفلق ، ثم ضرب فانشقت هكذا حتى انشقت سبع أرضين وانفلقت سبعة أبحر ، فرأيت من تحت ذلك كلّه النار ، فيها سلسلة قرن فيها الوليد بن مغيرة وأبو جهل ومعاوية الطاغية ويزيد ، وقرن بهم مردة الشياطين ، فهم أشدّ أهل النار عذابا .

ثم قال صلى الله عليه و آله : ارفع رأسك ، فرفعت ، فإذا أبواب السماء متفتحة ، وإذا الجنة أعلاها ، ثم صعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومن معه إلى السماء ، فلما صار في الهواء صاح بالحسين : يا بني الحقني ، فلحقه الحسين عليه السلام ، وصعدوا حتى رأيتهم دخلوا الجنة من أعلاها ، ثم نظر إلي من هناك رسول اللّه ، وقبض على يد الحسين وقال : يا جابر ، هذا ولدي معي ها هنا ، فسلّم له أمره ولا تشكّ لتكون مؤنا .

قال جابر : فعميت عيناي إن لم اكن رأيت ما قلت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1) .

أربعة أملاك يسقون الحسين عليه السلام ماء

في ثاقب المناقب عن كتاب البستان عن محمد بن سنان قال : سئل علي بن موسى الرضا عليهماالسلام عن الحسين بن علي عليهماالسلام وأنّه قتل عطشانا ؟

قال : مه ، من أين ذلك ؟ ! وقد بعث اللّه تعالى إليه أربعة أملاك من عظماء الملائكة ، هبطوا إليه وقالوا له : اللّه ورسوله يقرءان عليك السلام ويقولان : اختر إن شئت إمّا تختار الدنيا بأسرها وما فيها ونمكنك من كلّ عدو لك ، أو الرفع إلينا ، فقال

الحسين عليه السلام : وعلى رسول اللّه السلام ، بل الرفع إليه .

ودفعوا إليه شربة من الماء فشربها ، فقالوا له : أما إنّك لا تظمأ بعدها أبدا(2) .

ص: 259


1- الثاقب في المناقب : 322 ح1 .
2- الثاقب في المناقب : 327 ح1 .

خط الحسين عليه السلام باصبعه على الأرض فجرى نهر

في ثاقب المناقب عن الرضا عليه السلام قال : هبط على الحسين عليه السلام ملك ، وقد شكا إليه أصحابه العطش ، فقال : إنّ اللّه تعالى يقرئك السلام ويقول : هل لك من حاجة ؟ فقال الحسين عليه السلام : هو السلام ومن ربّي السلام ، وقال : قد شكا إليّ أصحابي - ما هو أعلم به مني - من العطش . فأوحى اللّه تعالى إلى الملك : قل للحسين : خط لهم بأصبعك خلف ظهرك يرووا .

فخط الحسين بأصبعه السبابة ، فجرى نهر أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، فشرب منه هو وأصحابه ، فقال الملك : يا ابن رسول اللّه ، تأذن لي أن أشرب منه ، فإنّه لكم خاصة ، وهو الرحيق المختوم الذي « خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ » . فقال الحسين عليه السلام : إن كنت تحب أن تشرب منه فدونك(1) .

الحسين عليه السلام يروي القاسم عليه السلام بخاتمه

وروي أن القاسم بن الحسن عليهماالسلام لما رجع إلى عمه الحسين عليه السلام من قتال الخوارج قال : يا عماه العطش ، أدركني بشربة من الماء ، فصبره الحسين عليه السلاموأعطاه خاتمه وقال له : حطّه في فمك فمصه .

قال القاسم عليه السلام : فلمّا وضعته في فمي كأنّه عين ماء ، فارتويت وانقلبت إلى الميدان(2) .

وروى أبو مخنف : أنّ الحسين حمل على الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وكانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة ، وأقحم الفرس على الفرات ، فلمّا أولغ الفرس برأسه ليشرب قال عليه السلام : أنت عطشان وأنا عطشان ، واللّه لا أذوق الماء حتى تشرب ، فلما سمع الفرس كلام الحسين شال رأسه ولم يشرب - كأنّه فهم الكلام - . فقال الحسين : اشرب فأنا أشرب ، فمدّ الحسين يده فغرف من الماء ،

ص: 260


1- الثاقب في المناقب : 327 ح2 .
2- مدينة المعاجز 3/496 ح63 .

فقال فارس : يا أبا عبد اللّه تتلذذ بشرب الماء وقد هتكت حرمتك ، فنفض الماء من يده وحمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة(1) .

ما عندك من عجائب أبيك عليه السلام ؟

روى الراوندي عن الباقر عليه السلام عن أبيه عليه السلام أنّه قال : صار جماعة من الناس بعد الحسن إلى الحسين عليهماالسلام فقالوا : يابن رسول اللّه ، ما عندك من عجائب أبيك عليه السلامالتي كان يريناها ؟ فقال : هل تعرفون أبي ؟ قالوا : كلنا نعرفه .

فرفع سترا كان على باب بيت ، ثم قال : انظروا في البيت ، فنظروا ، فقالوا : هذا أمير المؤنين عليه السلام ، ونشهد أنّك(2) خليفة اللّه حقّا وأنك ولده(3) .

مسح بيده على عيني نجاد فعاد بصيرا

في ثاقب المناقب باسناده عن الباقر عليه السلام قال : حدثني نجاد مولى أمير المؤنين

صلوات اللّه عليه وآله ، قال : رأيت أمير المؤنين صلوات اللّه عليه يرمي نصالا ، ورأيت الملائكة يردّون عليه أسهمه ، فعميت ، فذهبت إلى مولاي الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما ، فشكوت ذلك إليه . فقال : لعلك رأيت الملائكة تردّ على أمير المؤنين أسهمه ؟ فقلت : أجل . فمسح بيده على عيني فرجعت بصيرا بقوة اللّه تعالى(4) .

شلّت يد الرجل الذي سلب قميص الحسين عليه السلام

روي في مدينة المعاجز أنّه لما قتل أصحاب الحسين عليه السلام كلّهم ، وتفانوا وابيدوا ، ولم يبق معه أحد ، بقي عليه السلام يستغيث فلا يغاث ، وأيقن بالموت ، فأتى إلى نحو الخيمة ، وقال لاخته : يا اختاه ائتيني بثوب عتيق لا يرغب أحد فيه من القوم أجعله تحت ثيابي ، لئلا اُجرد منه بعد قتلي .

ص: 261


1- المناقب 4/58 .
2- في المتن : « أنّه » .
3- خرائج الراوندي 811/2 ح20 ، مدينة المعاجز 3/75 ح739 .
4- الثاقب في المناقب : 344 ح1 .

قال : فارتفعت أصوات النسوة بالبكاء والنحيب ، ثم اُوتي بثوب فخرقه ومزقه من أطرافه ، وجعله تحت ثيابه ، وكان له سروال جديد فخرقه أيضا ، لئلا يسلب منه .

فلما قتل عمد إليه رجل ، فسلبهما منه وتركه عريانا بالعراء مجردا على الرمضاء ، فشلت يداه في الحال(1) .

إسوداد وجه الجمال

في مدينة المعاجز أيضا قال الراوي : رأيت رجلا بمكة شديد السواد ، له بدن وخلق غابر وهو ينادي : أيها الناس ! دلوني على أولاد محمد .

فأشار بعضهم وقال : مالك ؟ قال : أنا فلان بن فلان ، قالوا : كذبت إنّ فلانا كان صحيح البدن ، صبيح الوجه ، وأنت شديد السواد ، غابر الخلق . قال : وحقّ محمد إنّي لفلان ، اسمعوا حديثي :

اعلموا أنّي كنت جمال الحسين عليه السلام ، فلمّا أن صرنا إلى بعض المنازل برز للحاجة وأنا معه ، فرأيت تكة لباسه ، وكان أهداها له ملك فارس حين تزوج بنت أخيه شاه زنان بنت يزدجرد ، فمنعني هيبته أن أسأله إياها ، فدرت حوله لعل أن أسرقها فلم أقدر عليها !

فلما صار القوم بكربلاء ، وجرى ما جرى ، وصارت أبدانهم ملقاة تحت سنابك الخيل ، وأقبلنا نحو الكوفة راجعين ، فلما أن صرت إلى بعض الطريق ، ذكرت التكة فقلت في نفسي : قد خلا ما عنده .

فصرت إلى موضع المعركة ، فقربت منه ، فإذا هو مرمل بالدماء ، قد جُزّ رأسه من قفاه ، وعليه جراحات كثيرة من السهام والرماح ، فمددت يدي إلى التكة ، وهممت أن أحلّ عقدها ، فرفع يده وضرب بها يدي ، فكادت أوصالي وعروقي تتقطع ، ثم أخذ التكة من يدي ، فوضعت رجلي على صدره ، وجهدت جهدي لاُزيل إصبعا

ص: 262


1- منتخب الطريحي : 451 ، مدينة المعاجز 4/67 ح142 .

من أصابعه فلم أقدر ، فأخرجت سكينا كان معي ، فقطعت أصابعه ، ثم مددت يدي إلى التكة ، وهممت بحلّها ثانية ، فرأيت خيلا أقبلت من نحو الفرات ، وشممت رائحة لم أشمّ رائحة أطيب منها ، فلمّا رأيتهم قلت : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، إنّما أقبلوا هؤاء لينظروا إلى كلّ إنسان به رمق ، فصرت بين القتلي ، وغاب عني عقلي من شدة الجزع ، فإذا رجل يقدمهم ، كأنّ وجهه الشمس ، وهو ينادي : أنا محمد رسول اللّه ، والثاني ينادي : أنا حمزة أسد اللّه ، والثالث ينادي : أنا جعفر الطيار ، والرابع ينادي : أنا الحسن بن علي ، وكذلك علي .

وأقبلت فاطمة وهي تبكي وتقول : حبيبي وقرة عيني ، أبكي على رأسك المقطوع ؟ أم على يديك المقطوعتين ؟ أم على بدنك المطروح ؟ أم على أولادك الأسارى ؟

ثم قال النبي صلى الله عليه و آله : أين رأس حبيبي وقرة عيني الحسين ؟ فرأيت الرأس في كفّ النبي صلى الله عليه و آله ووضعه على بدن الحسين عليه السلام ، فاستوى جالسا فاعتنقه النبي صلى الله عليه و آله وبكى ، ثم قال : يا بني أراك جائعا عطشان ، ما لهم أجاعوك وأظماؤ ؟ لا أطعمهم اللّه ولا أسقاهم يوم الظمأ .

ثم قال : حبيبي قد عرفت قاتلك ، فمن قطع أصابعك ؟ فقال الحسين : هذا الذي بجنبي يا جداه ، فقيل لي : أجب رسول اللّه يا شقي ، فأفقت بين يديه ، فقال : يا عدو

اللّه ما حملك على قطع أصابع حبيبي وقرة عيني الحسين ؟ فقلت : يارسول اللّه ! لست

ممن أعان على قتله . قال : الذي قطع إصبعا واحدة أكبر .

ثم قال النبي صلى الله عليه و آله : إخسأ يا عدو اللّه ، غيّر اللّه لونك ، فقمت فإذا أنا بهذه الحالة ، فما بقي أحد ممن حضر إلاّ لعنه ودعا عليه ، ألا لعنة اللّه على القوم الظالمين(1) .

وروي في المجلد السابع من العوالم عن سعيد بن المسيب قال : لما استشهد سيدي ومولاي الحسين عليه السلام وحجّ الناس من قابل دخلت على علي بن الحسين عليهماالسلام

ص: 263


1- مدينة المعاجز 4/67 ح143 .

فقلت له : يا مولاي قد قرب الحج ، فما ذا تأمرني ؟ فقال : امض على نيتك وحج ، فحججت ، فبينما أطوف بالكعبة ، وإذا أنا برجل مقطوع اليدين ووجهه كقطع الليل المظلم ، وهو متعلّق بأستار الكعبة وهو يقول : اللّهم ربّ هذا البيت الحرام اغفر لي

وما أحسبك تفعل ، ولو تشفع في سكان سماواتك وأرضك وجميع ما خلقت لعظم جرمي .

قال سعيد بن المسيب : فشغلت وشغل الناس عن الطواف حتى حفّ به الناس واجتمعنا عليه ، فقلنا : يا ويلك لو كنت إبليس ما كان ينبغي لك أن تيأس من رحمة اللّه ، فمن أنت ؟ وما ذنبك ؟ فبكى وقال : يا قوم أنا أعرف بنفسي وذنبي وما جنيت ،

فقلنا له : تذكره لنا .

فقال : أنا كنت جمالا لأبي عبد اللّه عليه السلام لما خرج من المدينة إلى العراق ، وكنت أراه إذا أراد الوضوء للصلاة يضع سراويله عندي ، فأرى تكة تغشى الأبصار بحسن إشراقها ، وكنت أتمناها تكون لي ! إلى أن صرنا بكربلاء ، وقتل الحسين وهي معه ، فدفنت نفسي في مكان من الأرض .

فلما جنّ الليل خرجت من مكاني ، فرأيت من تلك المعركة نورا لا ظلمة ، ونهارا لا ليلا ، والقتلى مطرحين على وجه الأرض ، فذكرت لخبثي وشقائي التكة ، فقلت : واللّه لأطلبن الحسين وأرجو أن تكون التكة في سراويله فآخذها ، ولم أزل أنظر في وجوه القتلى حتى أتيت إلى الحسين عليه السلام ، فوجدته مكبوبا على وجهه ، وهو جثة بلا رأس ، ونوره مشرق مرمل بدمائه ، والرياح سافية عليه ، فقلت : هذا واللّه الحسين ، فنظرت إلى سراويله كما كنت أراها ، فدنوت منه وضربت بيدي إلى التكة لآخذها ، فإذا هو قد عقدها عقدا كثيرة ، فلم أزل أحلّها حتى حللت عقدة منها ، فمدّ يده اليمنى

وقبض على التكة ، فلم أقدر على أخذ يده عنها ، ولا أصل إليها ، فدعتني النفس الملعونة إلى أن أطلب شيئا أقطع به يديه ، فوجدت قطعة سيف مطروح فأخذتها ، واتكيت على يده ، ولم أزل أحزّها حتى فصلتها عن زنده ، ثم نحيتها عن التكة ، ومددت يدي إلى التكة لأحلّها ، فمدّ يده اليسرى فقبض عليها ، فلم أقدر على

ص: 264

أخذها ، فأخذت قطعة السيف فلم أزل أحزّها حتى فصلتها عن التكة ، ومددت يدي إلى التكة لآخذها ، فإذا الأرض ترجف ، والسماء تهتز ، وإذا بغلبة عظيمة ، وبكاء ونداء وقائل يقول : وا ابناه وا مقتولاه وا ذبيحاه وا حسيناه وا غريباه ، يا بني

قتلوك وما عرفوك ؟ ومن شرب الماء منعوك ؟

فلما رأيت ذلك صعقت ورميت نفسي بين القتلى ، وإذا بثلاث نفر وامرأة ، وحولهم خلائق وقوف ، وقد امتلأت الأرض بصور الناس وأجنحة الملائكة ، وإذا بواحد منهم يقول : يا ابناه يا حسين فداك جدك وأبوك وأخوك وأمك ، وإذا بالحسين عليه السلام قد جلس ورأسه على بدنه ، وهو يقول : لبيك يا جداه يا رسول اللّه ، ويا أبتاه يا أمير المؤنين ، ويا أماه يا فاطمة الزهراء ، ويا أخاه المقتول بالسم عليكم مني السلام ، ثم إنّه بكى وقال : يا جداه قتلوا - واللّه - رجالنا يا جداه ، سلبوا - واللّه - نساءنا يا جداه ، نهبوا - واللّه - رحالنا يا جداه ، ذبحوا - واللّه - أطفالنا يا جداه ، يعزّ - واللّه - عليك أن ترى حالنا ، وما فعل الكفار بنا .

وإذا هم جلسوا يبكون حوله على ما أصابه ، وفاطمة تقول : يا أباه يا رسول اللّه أما ترى ما فعلت أمتك بولدي ؟ أتأذن لي أن آخذ من دم شيبه وأخضب به ناصيتي ، وألقى اللّه - عزّ وجل - وأنا مختضبة بدم ولدي الحسين ، فقال لها : خذي ونأخذ يا فاطمة .

فرأيتهم يأخذون من دم شيبه وتمسح به فاطمة ناصيتها ، والنبي وعلي

والحسن عليهم السلام يمسحون به نحورهم وصدورهم وأيديهم إلى المرافق ، وسمعت رسول اللّه يقول : فديتك يا حسين ، يعزّ واللّه عليّ أن أراك مقطوع الرأس ، مرمل الجبينين ، دامي النحر ، مكبوبا على قفاك قد كساك الذارئ من الرمول ، وأنت طريح مقتول ، مقطوع الكفين ، يا بني من قطع يدك اليمنى وثنى باليسرى ؟

فقال : يا جداه كان معي جمال من المدينة ، وكان يراني إذا وضعت سراويلي للوضوء ، فيتمنى أن يكون تكتي له ، فما منعني أن أدفعها إليه إلاّ لعلمي أنّه صاحب هذا الفعل ، فلما قتلت خرج يطلبني بين القتلى ، فوجدني جثة بلا رأس ، فتفقّد سراويلي ، فرأى التكة ، وقد كنت عقدتها عقدا كثيرة ، فضرب بيده إلى التكة

ص: 265

فحلّ عقدة منها ، فمددت يدي اليمنى فقبضت على التكة ، فطلب في المعركة فوجد قطعة سيف مكسور فقطع به يميني ، ثم حلّ عقدة أخرى ، فقبضت على التكة بيدي اليسرى كي لا يحلّها فتنكشف عورتي ، فحزّ يدي اليسرى ، فلما أراد حلّ التكة حس بك فرمى نفسه بين القتلى .

فلما سمع النبي كلام الحسين بكى بكاء شديدا ، وأتى إلي بين القتلى إلى أن وقف نحوي فقال : ما لي وما لك يا جمال ؟ تقطع يدين طالما قبّلهما جبرئيل وملائكة اللّه

أجمعون وتباركت بها أهل السماوات والأرضين ، أما كفاك ما صنع به الملاعين من الذل والهوان ؟ هتكوا نساءه من بعد الخدور وانسدال الستور ، سود اللّه وجهك يا جمال في الدنيا والآخرة ، وقطع اللّه يديك ورجليك ، وجعلك في حزب من سفك دماءنا وتجرأ على اللّه ، فما استتم دعاءه حتى شلّت يداي وحسست بوجهي كأنّه ألبس قطعا من الليل مظلما ، وبقيت على هذه الحالة ، فجئت إلى هذا البيت أستشفع ، وأنا أعلم أنه لا يغفر لي أبدا ، فلم يبق في مكة أحد إلاّ وسمع حديثه وتقرّب إلى اللّه بلعنته ، وكلّ يقول : حسبك ما جنيت يا لعين « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ »(1) .

قصة الأسد الذي حضر عند مصرع الحسين عليه السلام

في مدينة المعاجز قال : وحكي عن رجل أسدي قال : كنت زارعا على نهر العلقمي بعد ارتحال العسكر - عسكر بني أمية - فرأيت عجائب لا أقدر أحكي إلاّ بعضها ، منها :

أنّه إذا هبت الرياح تمرّ عليّ نفحات كنفحات المسك والعنبر ، إذا سكنت أرى نجوما تنزل من السماء إلى الأرض ، ويرقى من الأرض إلى السماء مثلها ، وأنا منفرد مع عيالي ولا أرى أحدا أسأله عن ذلك ، وعند غروب الشمس يقبل أسد من القبلة ، فأولي عنه إلى منزلي ، فإذا أصبح وطلعت الشمس وذهبت من منزلي أراه

ص: 266


1- بحار الأنوار 45/316 باب 46 .

مستقبل القبلة ذاهبا فقلت في نفسي : إنّ هؤاء خوارج قد خرجوا على عبيد اللّه بن زياد ، فأمر بقتلهم وأرى منهم ما لم أره من سائر القتلى ، فواللّه هذه الليلة لابد من المساهرة لأبصر هذا الأسد يأكل من هذه الجثث أم لا ؟

فلما صار عند غروب الشمس وإذا به أقبل فحققته وإذا هو هائل المنظر ، فارتعدت منه وخطر ببالي إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني ، وأنا أحاكي نفسي بهذا ، فمثلته وهو يتخطى القتلى حتى وقف على جسد كأنّه الشمس إذا طلعت ، فبرك عليه فقلت : يأكل منه وإذا به يمرغ وجهه عليه ، وهو يهمهم ويدمدم ، فقلت : اللّه أكبر ما هذه إلاّ أعجوبة ، فجعلت أحرسه حتى اعتكر الظلام ، وإذا بشموع معلقة

ملأت الأرض ، وإذا ببكاء ونحيب ولطم مفجع ، فقصدت تلك الأصوات ، فإذا هي تحت الأرض ، ففهمت من ناع فيهم يقول : وا حسيناه وا إماماه ، فاقشعر جلدي ، فقربت من الباكي وأقسمت عليه باللّه وبرسوله من تكون ، فقال : إنّا نساء من الجن ،

فقلت : وما شأنكن ؟ فقلن : في كلّ يوم وليلة هذا عزاؤا على الحسين الذبيح العطشان ، فقلت : هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد ؟ قلن : نعم أتعرف هذا الأسد ؟ قلت : لا ، قلن : هذا أبوه علي بن أبي طالب ، فرجعت ودموعي تجري على خدي(1) .

ذكر جملة من فضائل الحسين بن علي عليهماالسلام

اشارة

لا يخفى أن فضائل الحسين عليه السلام لا يمكن أن يحيط بها بنان أو لسان ، ولا يحصرها باب أو كتاب ، بل إنّ ملائكة السموات لا يمكنها إدراك درجاته ، فكيف بي وأنا لا اساوي ذرة صغيرة أن أُلقي بنفسي في هذا اليم العميق ؟

وما توفيقي إلاّ باللّه العلي العظيم

ص: 267


1- بحار الأنوار 45/193 باب 39 .

حمل خديجة بفاطمة وحمل فاطمة بالحسين عليهم السلام

في كتاب مسائل البلدان باسناده عن سلمان الفارسي رضى الله عنه قال : دخلت على فاطمة عليهاالسلام والحسن والحسين عليهماالسلام يلعبان بين يديها ، ففرحت بهما فرحا شديدا ، فلم ألبث حتى دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقلت : يا رسول اللّه أخبرني بفضيلة هؤاء لأزداد لهم حبّا ، فقال : يا سلمان ليلة أسري بي إلى السماء أدارني جبرئيل في سماواته وجناته ، فبينا أنا أدور قصورها وبساتينها ومقاصيرها إذ شممت رائحة طيبة ، فأعجبتني تلك الرائحة ، فقلت : يا حبيبي ما هذه الرائحة التي غلبت على روائح الجنة كلّها ؟ فقال : يا محمد تفاحة خلقها اللّه - تبارك وتعالى - بيده منذ ثلاثمائة ألف عام ، ما ندري ما يريد بها ، فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التفاحة ، فقالوا : يا محمد ربّنا السلام يقرأ عليك السلام ، وقد أتحفك بهذه التفاحة ، قال رسول

اللّه صلى الله عليه و آله : فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل .

فلمّا هبط بي إلى الأرض أكلت تلك التفاحة ، فجمع اللّه ماءها في ظهري ، فغشيت خديجة بنت خويلد ، فحملت بفاطمة من ماء تلك التفاحة ، فأوحى اللّه - عزّ وجل - إليّ : أن قد ولد لك حوراء إنسية ، فزوّج النور من النور ، فاطمة من علي ، فإنّي قد

زوجتها في السماء ، وجعلت خمس الأرض مهرها ، وستخرج فيما بينهما ذرية طيبة ، وهما سراجا الجنة الحسن والحسين ، ويخرج من صلب الحسين أئمة يقتلون ويخذلون ، فالويل لقاتلهم وخاذلهم(1) .

لعيا قابلة الحسين عليه السلام

في مدينة المعاجز عن ابن عباس : قال : لما أراد اللّه تعالى أن يهب لفاطمة الزهراء الحسين عليهماالسلام . . . فلما وقعت في طلقها أوحى اللّه - عزّ

وجلّ - إلى لعيا ، وهي حوراء من حور الجنة ، وأهل الجنان إذا أرادوا أن ينظروا إلى شئ حسن نظروا إلى لعيا ، ولها سبعون ألف وصيفة ، وسبعون ألف قصر ، وسبعون ألف مقصورة ،

ص: 268


1- تأويل الآيات الظاهرة : 240 سورة الرعد .

وسبعون ألف غرفة مكللة بأنواع الجواهر والمرجان ، وقصر لعيا أعلى من تلك القصور ، ومن كلّ قصر في الجنة ، إذا أشرفت عليها نظرت جميع ما في الجنة ، وأضاءت الجنة من ضوء خدها وجبينها .

فأوحى اللّه إليها أن اهبطي إلى دار الدنيا إلى بنت حبيبي محمد صلى الله عليه و آله ، فانسي لها وأوحى اللّه إلى رضوان خازن الجنان : أن زخرف الجنة وزينها كرامة لمولود يولد في دار الدنيا ، وأوحى اللّه إلى الملائكة : أن قوموا صفوفا بالتسبيح والتقديس والثناء

على اللّه تعالى ، وأوحى اللّه تعالى إلى جبرائيل وميكائيل وإسرافيل : أن اهبطوا إلى

الأرض في قنديل من الملائكة . قال ابن عباس : والقنديل ألف ألف ملك .

فبينما هم قد هبطوا من سماء إلى سماء ، وإذا في السماء الرابعة ملك يقال له « صرصائيل » له سبعون ألف جناح قد نشرها من المشرق إلى المغرب ، وهو شاخص نحو العرش ، لأنّه ذكر في نفسه فقال : ترى اللّه يعلم ما في قرار هذا البحر ؟

وما يسير في ظلمة الليل وضوء النهار ؟ فعلم اللّه تعالى ما في نفسه ، فأوحى اللّه

تعالى إليه : أن أقم في مكانك لا تركع ولا تسجد عقوبة لك لما فكرت .

قال : فهبطت لعيا على فاطمة عليهاالسلام وقالت لها : مرحبا بك يا بنت محمد كيف حالك ؟ قالت لها : بخير ، ولحق فاطمة عليهاالسلام الحياء من لعيا لم تدر ما تفرش لها ، فبينما هي متفكرة إذ هبطت حوراء من الجنة ومعها درنوك من درانيك الجنة ، فبسطته في منزل فاطمة ، فجلست عليه لعيا .

ثم إنّ فاطمة عليهاالسلام ولدت الحسين عليه السلام في وقت الفجر ، فقبلته لعيا ، وقطعت سرته ونشفته بمنديل من مناديل الجنة ، وقبّلت عينيه وتفلت في فيه وقالت له : بارك اللّه

فيك من مولود وبارك في والديك . وهنأت الملائكة جبرائيل وهنى ء جبرائيل محمدا صلى الله عليه و آله سبعة أيام بلياليها .

فلما كان في اليوم السابع قال جبرائيل : يا محمد ائتنا بابنك حتى نراه . قال : فدخل النبي صلى الله عليه و آله على فاطمة ، وأخذ الحسين عليه السلام ، وهو ملفوف بقطعة صوف صفراء ، فأتى به إلى جبرائيل فحلّه ، وقبّل بين عينيه وتفل في فيه وقال : بارك اللّه فيك

ص: 269

من مولود وبارك اللّه في والديك يا صريع كربلاء ، ونظر إلى الحسين عليه السلاموبكى ، وبكى النبي صلى الله عليه و آله ، وبكت الملائكة .

وقال له جبرائيل : اقرأ فاطمة ابنتك مني السلام وقل لها : تسميه الحسين ، فقد سماه اللّه جل اسمه ، وإنّما سمي الحسين لأنّه لم يكن في زمانه أحسن منه وجها .

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا جبرائيل تهنئني وتبكي ؟ ! قال : نعم يا محمد آجرك اللّه في مولودك هذا . فقال : يا حبيبي جبرائيل ومن يقتله ؟ قال : شرذمة من امتك يرجون شفاعتك لا أنالهم اللّه ذلك . فقال النبي صلى الله عليه و آله : خابت اُمة قتلت ابن بنت نبيها . قال جبرائيل : خابت ثم خابت من أمر اللّه وخاضت في عذاب اللّه .

ودخل النبي صلى الله عليه و آله على فاطمة فأقرأها من اللّه السلام وقال لها : يا بنية سميه الحسين ، فقد سماه اللّه الحسين . فقالت : من مولاي السلام وإليه يعود السلام والسلام

على جبرائيل ، وهنأها النبي صلى الله عليه و آله وبكى ، فقالت : يا أبتا تهنئني وتبكي ؟ ! قال : نعم يا بنية آجرك اللّه في مولودك هذا .

فشهقت شهقة وأخذت في البكاء وساعدتها لعيا ووصائفها ، ثم قالت : يا أبتاه من يقتل ولدي وقرة عيني وثمرة فؤدي ؟ قال : شرذمة من امتي يرون شفاعتي لا أنالهم اللّه ذلك . قالت فاطمة : خابت امة قتلت ابن بنت نبيها . قالت لعيا : خابت ثم

خابت من رحمة اللّه وخاضت في عذابه ، يا أباه اقرأ جبرائيل عني السلام وقل له : في أي موضع يقتل ؟ قال : في موضع يقال له « كربلاء » ، فإذا نادى الحسين لم يجبه أحد منهم ، فعلى القاعد عن نصرته لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين ، إلاّ أنّه لن

يقتل حتى يخرج من صلبه تسعة من الائمة ، ثم سماهم بأسمائهم إلى آخرهم ، وهو الذي يخرج في آخر الزمان مع عيسى بن مريم ، فهؤاء مصابيح الرحمن وعروة الإسلام ، محبّهم يدخل الجنة ، ومبغضهم يدخل النار .

قال : وعرج جبرائيل وعرجت الملائكة وعرجت لعيا ، ولعيا تفتخر على الحور العين بأنّها قابلة الحسين(1) .

ص: 270


1- مدينة المعاجز 3/426 ح5 .

وروى السيد المرتضى في عيون المعجزات قال : روي أنّ فاطمة عليهاالسلام ولدت الحسن والحسين من فخذها الأيسر(1) .

ملك يخبر النبي صلى الله عليه و آله أنّ يزيد قاتل الحسين عليه السلام

في مدينة المعاجز : أنّ ملكا من ملائكة الصفيح الأعلى اشتاق لرؤة النبي صلى الله عليه و آله ، واستأذن ربّه بالنزول إلى الأرض لزيارته ، وكان ذلك الملك لم ينزل إلى الأرض أبدا منذ خلقت ، فلما أراد النزول أوحى اللّه تعالى إليه يقول : أيّها الملك أخبر محمدا : أنّ رجلا من أمته اسمه « يزيد » يقتل فرخه الطاهر ابن الطاهرة نظيرة البتول مريم بنت عمران ، فقال الملك : لقد نزلت إلى الأرض وأنا مسرور برؤة نبيك محمد ، فكيف أخبره بهذا الخبر الفضيع ؟ وإنّني لأستحيي منه أن أفجعه بقتل ولده ، فليتني لم أنزل إلى الأرض ، فنودي الملك من فوق رأسه : أن افعل ما أمرت به .

فدخل الملك إلى رسول اللّه ونشر أجنحته بين يديه وقال : يا رسول اللّه اعلم أنّي استأذنت ربّي في النزول إلى الأرض شوقا لرؤتك وزيارتك ، فليت ربّي كان حطم أجنحتي ولم آتك بهذا الخبر ، ولكن لابد من إنفاذ أمر ربّي - عزّ وجل - اعلم يا محمد

أنّ رجلا من أمتك اسمه « يزيد » زاده اللّه لعنا في الدنيا وعذابا في الآخرة يقتل فرخك الطاهر ابن الطاهرة ، ولم يتمتع قاتله في الدنيا من بعده إلاّ قليلا ، ويأخذه اللّه

مقاصا له على سوء عمله ، ويكون مخلدا في النار ، فبكى النبي بكاء شديدا وقال : أيّها

الملك هل تفلح أمة بقتل ولدي وفرخ ابنتي ؟ فقال : لا يا محمد ، بل يرميهم اللّه باختلاف قلوبهم وألسنتهم في دار الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب أليم(2) .

لما خلق اللّه آدم رأى خمس سطور مكتوبات

روى ابن بابويه عن عبد اللّه بن العباس قال : قال رسول اللّه لعلي بن أبي طالب عليه السلام : لما خلق اللّه تعالى ذكره آدم ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وأسكنه جنته ، وزوّجه حواء أمته ، فوقع طرفه نحو العرش ، فإذا هو بخمس سطور مكتوبات ، قال آدم : يا ربّ ما هؤاء ؟ قال تعالى : هؤاء الذين إذا شفعوا

ص: 271


1- عيون المعجزات : 59 .
2- بحار الأنوار 45/314 باب 46 .

بهم إلى خلقي شفعتهم ، فقال آدم : يا ربّ بقدرهم عندك ما اسمهم ؟ فقال : أمّا الأول فأنا المحمود وهو محمد ، والثاني فأنا العالي وهذا علي ، والثالث فأنا الفاطر وهذه فاطمة ، والرابع فأنا المحسن وهذا الحسن ، والخامس فأنا ذو الإحسان وهذا الحسين ، كلّ يحمد اللّه تعالى(1) .

خلق اللّه أصحاب الكساء بسبعة آلاف سنة قبل الخلق

عن معاذ بن جبل عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : إنّ اللّه تعالى خلقني وعليا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام ، قلت : فأين كنتم يا رسول اللّه ؟ قال : قدام العرش نسبح اللّه ونقدسه ونمجده ، قلت : على أي مثال ؟ قال : أشباح

نور حتى إذا أراد اللّه أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ، ثم قذفنا في صلب آدم ، ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ، لا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر ، يسعد بنا قوم ويشقى آخرون ، فلما صيرنا إلى صلب عبد المطلب أخرج ذلك النور فشقه نصفين ، فجعل نصفه في عبد اللّه ، ونصفه في أبي طالب ، ثم أخرج النصف الذي لي إلى آمنة بنت وهب ، والنصف الآخر إلى فاطمة بنت أسد ، فأخرجتني آمنة ، وأخرجت عليا فاطمة .

ثم أعاد - عزّ وجل - العمود إليّ فخرجت مني فاطمة، وأعاده إلى علي فخرج الحسن والحسين ، يعني من النصفين جميعا ، فما كان من نور علي صار في ولد الحسن ، وما كان من نوري صار في ولد الحسين، فهو ينتقل في الأمة من ولده إلى يوم القيامة(2).

أبو حمزة يسأل السجاد عليه السلام عن ثلاث خصال

في مدينة المعاجز عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام قال : قلت له : أسألك جعلت فداك عن ثلاث خصال انفي عني فيه التقية ، فقال : ذلك لك ، قلت : أسألك عن فلان وفلان ، قال : فعليهما لعنة اللّه بلعناته كلّها ، ماتا واللّه وهما كافران مشركان باللّه العظيم .

ص: 272


1- علل الشرائع 1/135 باب 116 ح2 .
2- دلائل الإمامة : 59 معرفة ولادة أبي محمد الحسن بن علي عليهماالسلام .

ثم قلت : الأئمة يحيون الموتى ويبرءون الأكمه والأبرص ويمشون على الماء ؟ قال : ما أعطى اللّه نبيا شيئا قط إلاّ وقد أعطاه محمدا صلى الله عليه و آله ، وأعطاه ما لم يكن عندهم .

قلت : وكلّ ما كان عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقد أعطاه أمير المؤنين عليه السلام ؟ قال : نعم ، ثم الحسن والحسين عليهماالسلام ، ثم من بعد كلّ إمام إماما إلى يوم القيامة مع الزيادة التي تحدث في كلّ سنة ، وفي كلّ شهر ، ثم قال : إي واللّه في كلّ ساعة(1) .

الحسين عليه السلام حجة على مدينتين إحداهما في المشرق والأخرى في المغرب

في بصائر الدرجات المفيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال الحسن بن علي عليه السلام : إنّ للّه مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ، عليهما سور من حديد ، وعلى كلّ مدينة ألف ألف باب مصراعين من ذهب ، وفيها سبعون ألف ألف لغة ، يتكلّم كلّ لغة بخلاف لغة صاحبتها ، وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما ، وما عليهما حجة غيري وغير أخي الحسين(2) .

هذه هدية أهداها إلي ربي للحسين عليه السلام

روي عن هشام بن عروة عن أم سلمة أنّها قالت : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يلبس ولده الحسين عليه السلام حلّة ليست من ثياب الدنيا ، فقلت له : يا رسول اللّه ما هذه الحلّة ؟ فقال : هذه هدية أهداها إليّ ربّي للحسين عليه السلام ، وإنّ لحمتها من زغب جناح جبرئيل ، وها أنا ألبسه إياها وأزيّنه بها ، فإنّ اليوم يوم الزينة ، وإنّي أحبّه(3) .

تحفة من الجنة يأكلها الحسين عليه السلام

في ثاقب المناقب عن جابر رضى الله عنه قال : أهديت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أترجة من أترج الجنة ، ففاح ريحها بالمدينة ، حتى كاد أهل المدينة أن يعتبقوا بريحها ، فلما أصبح رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منزل أم سلمة - رضي اللّه عنها -، دعا بالاترجة فقطعها خمس قطع ، فأكل واحدة ، وأطعم عليا واحدة ، وأطعم فاطمة واحدة ،

ص: 273


1- بصائر الدرجات : 269 باب 3 ح2 .
2- بصائر الدرجات : 338 باب 12 ، بحار الأنوار 26/192 باب 14 ح7 .
3- بحار الأنوار 43/271 باب 12 .

وأطعم الحسن واحدة ، وأطعم الحسين واحدة ، فقالت له أم سلمة : ألست من أزواجك ؟ قال : بلى يا أم سلمة ، ولكنّها تحفة من تحف الجنة أتاني بها جبرئيل ، أمرني أن آكل منها وأطعم عترتي . يا أم سلمة ، إنّ رحمنا أهل البيت موصولة بالرحمن ، منوطة بالعرش ، فمن وصلها وصله اللّه ، ومن قطعها قطعه اللّه (1) .

قصة وادي العقيق

في ثاقب المناقب عن سعيد بن المسيب قال : إنّ السماء طشت على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليلا ، فلما أصبح صلى الله عليه و آله قال لعلي عليه السلام : انهض بنا إلى العقيق ننظر إلى حسن الماء في حفر الأرض .

قال علي عليه السلام : فاعتمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على يدي فمضينا ، فلما وصلنا إلى العقيق نظرنا إلى صفاء الماء في حفر الأرض ، قال علي عليه السلام : يا رسول اللّه ، لو أعلمتني من الليل لاتخذت لك سفرة من الطعام . فقال : يا علي ، إنّ الذي أخرجنا إليه لا يضيعنا .

فبينا نحن وقوف ، إذ نحن بغمامة قد أظلتنا ببرق ورعد حتى قربت منا ، فألقت بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله سفرة عليها رمان ، لم تر العيون مثلها ، على كلّ رمانة ثلاثة أقشار : قشر من اللؤؤ، وقشر من الفضة ، وقشر من الذهب ، فقال صلى الله عليه و آله لي : قل : بسم اللّه وكل يا علي ، هذا أطيب من سفرتك .

وكشفنا عن الرمان ، فإذا فيه ثلاثة ألوان من الحبّ : حبّ كالياقوت الأحمر ، وحبّ كاللؤؤالأبيض ، وحبّ كالزمرد الأخضر ، فيه طعم كلّ شئ من اللّذة . فلما أكلت ذكرت فاطمة والحسن والحسين ، فضربت بيدي إلى ثلاث رمانات ، ووضعتهن في كمي ، ثم رفعت السفرة .

ثم انقلبنا نريد منازلنا ، فلقينا رجلان من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال أحدهما : من أين أقبلت يا رسول اللّه ؟ قال : من العقيق ، قال : لو أعلمتنا لاتخذنا لك سفرة تصيب منها ، فقال : إنّ الذي أخرجنا لم يضيعنا . وقال الاخر : يا أبا الحسن ،

ص: 274


1- الثاقب في المناقب : 61 ح13 .

إنّي أجد منكما رائحة طيبة ، فهل كان عندكم ثم طعام ؟ فضربت يدي إلى كمي لاعطيهما رمانة فلم أر في كمي شيئا ، فاغتممت من ذلك .

فلما افترقنا ومضى النبي صلى الله عليه و آله إلى منزله وقربت من باب فاطمة عليهاالسلام وجدت في كمي خشخشة ، فنظرت فإذا الرمان في كمي ، فدخلت وألقيت رمانة إلى فاطمة ، والاخريين إلى الحسن والحسين ، ثم خرجت إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فلما رآني قال : يا أبا الحسن ، تحدثني أم أحدثك ؟ فقلت : حدثني يا رسول اللّه ، فإنّه أشفى للغليل ، فأخبر

بما كان ، فقلت : يا رسول اللّه ، كأنّك كنت معي(1) .

وروى السيد الرضي هذا الحديث في كتاب المناقب الفاخرة باختلاف يسير وقال بعده : إنّ الرجل الذي أراد علي عليه السلام أن يعطيه الرمانة فلم يجدها كان أبو بكر .

قول اللّه وملائكته لأهل العباء : هنيئا

مشارق الأنوار للبرسي عن ابن عباس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه استدعى يوما ماء وعنده أمير المؤنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فشرب النبي صلى الله عليه و آله ثم ناوله الحسن عليه السلام فشرب ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : هنيئا مريئا يا أبا محمد ، ثم ناوله الحسين عليه السلام فشرب ، ثم قال له النبي صلى الله عليه و آله : هنيئا مريئا ، ثم ناوله الزهراء عليهاالسلامفشربت ، فقال لها النبي صلى الله عليه و آله : هنيئا مريئا يا أم الأبرار الطاهرين ، ثم ناوله عليا عليه السلام .

قال : فلما شرب سجد النبي صلى الله عليه و آله ، فلما رفع رأسه ، فقال له بعض أزواجه : يا رسول اللّه شربت ، ثم ناولت الماء للحسن عليه السلام فلما شرب قلت له : هنيئا مريئا ، ثم ناولته الحسين عليه السلام فشرب ، فقلت له كذلك ، ثم ناولته فاطمة فلما شربت قلت لها ما قلت للحسن والحسين ، ثم ناولته عليا فلما شرب سجدت ، فما ذاك ؟ فقال لها : إنّي لما

شربت الماء قال لي جبرئيل والملائكة معه : هنيئا مريئا يا رسول اللّه ، ولما شرب الحسن قالوا له كذلك ، ولما شرب الحسين وفاطمة قال جبرئيل والملائكة : هنيئا مريئا ، فقلت كما قالوا ، ولما شرب أمير المؤنين قال اللّه له : هنيئا مريئا يا وليي

وحجتي على خلقي ، فسجدت للّه شكرا على ما أنعم اللّه عليّ في أهل بيتي(2) .

ص: 275


1- الثاقب في المناقب : 58 ح9 .
2- بحار الأنوار 73/57 باب 105 ح1 .

جبرئيل يحمل لهما نبقا وخرنوبا

في ثاقب المناقب عن الحسين عليه السلام قال : دخلت مع الحسن عليه السلام على جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعنده جبرئيل عليه السلام في صورة دحية الكلبي ، وكان دحية إذا قدم من الشام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله حمل لي ولأخي خرنوبا ونبقا وتينا ، فشبهناه بدحية بن خليفة الكلبي ، وإنّ دحية كان يجعلنا نفتش كمه ، فقال جبرئيل عليه السلام : يا رسول اللّه ، ما يريدان ؟ قال : إنّهما شبهاك بدحية بن خليفة الكلبي ، وإنّ دحية كان يحمل لهما إذا قدم من الشام نبقا وتينا وخرنوبا ، قال : فمدّ جبرئيل عليه السلام يده إلى الفردوس الأعلى ، فأخذ منه نبقا وخرنوبا وسفرجلا ورمانا ، فملأنا به حجرنا .

قال : فخرجنا مستبشرين ، فلقينا أبونا أمير المؤنين علي عليه السلام ، فنظر إلى ثمرة لم ير مثلها في الدنيا ، فأخذ من هذا ، ومن هذا واحدا واحدا ، ودخل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يأكل ، فقال : يا أبا الحسن ، كل وادفع إليّ أوفر نصيب ، فإنّ جبرئيل عليه السلام أتى به آنفا(1) .

نزول الفاكهة من الجنة على آل العباء

في ثاقب المناقب عن علي بن الحسين قال : اشتكى الحسن بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام وبرئ ، ودخل بعقبة مسجد النبي صلى الله عليه و آله ، فسقط في صدره ، فضمه النبي صلى الله عليه و آله ، وقال : فداك جدك تشتهي شيئا ؟ قال : نعم ، أشتهي خربزا ، فأدخل النبي صلى الله عليه و آله يده تحت جناحه ، ثم هزه إلى السقف .

فإذا هو قد دخل من الباب وثوبه من طرف حجره معطوف ، ففتحه بين يدي النبي صلى الله عليه و آله ، وكان فيه بطيختان ، ورمانتان ، وسفرجلتان ، وتفاحتان ، فتبسم النبي صلى الله عليه و آله وقال : الحمد للّه الذي جعلكم مثل خيار بني إسرائيل ، ينزل إليكم رزقكم من جنات النعيم ، إمض فداك جدك وكل أنت وأخوك وأبوك وأمك ، وخبأ لجدك نصيبا .

ص: 276


1- الثاقب في المناقب : 312 ح1 .

فمضى الحسن عليه السلام ، وكان أهل البيت عليهم السلام يأكلون من سائر الأعداد ويعود ، حتى قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فتغيّر البطيخ ، فأكلوه فلم يعد ، ولم يزالوا كذلك حتى قبضت فاطمة عليهاالسلام ، فتغيّر الرمان ، فأكلوه فلم يعد ، ولم يزالوا كذلك حتى قبض أمير المؤنين عليه السلام ، فتغيّر السفرجل ، فأكلوه فلم يعد ، وبقيت التفاحتان معي ومع أخي ، فلما كان يوم آخر عهدي بالحسن ، وجدتها عند رأسه وقد تغيّرت ، فأكلتها ، وبقيت الأخرى معي

وروي عن أبي محيص أنّه قال : كنت بكربلاء مع عمر بن سعد - لعنه اللّه - فلما ركب الحسين عليه السلام العطش ، استخرجها من ردائه واشتمها وردّها ، فلما صرع عليه السلام

فتشته فلم أجدها ، وسمعت صوتا من رجال رأيتهم ، ولم يمكني الوصول إليهم : أنّ الملائكة تتلذذ بروائحها عند قبره عند طلوع الفجر وقيام النهار .

وروي هذا الحديث بعدة طرق وبالفاظ مختلفة فروى أبو موسى في مصنفه فضائل البتول عليهاالسلام : أنّ جبرئيل جاء بالرمانتين ، والسفر جلتين ، والتفاحتين ، وأعطى الحسن والحسين عليهماالسلام ، وأهل البيت يأكلون منها ، فلما توفيت فاطمة عليهاالسلام

تغيّر الرمان والسفرجل ، والتفاحتان بقيتا معهما ، فمن زار الحسين عليه السلاممن مخلصي شيعته بالاسحار وجد رائحتها(1) .

كعك وزبيب وتمر من الجنة

في ثاقب المناقب بأسانيد معتبرة قال : دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على فاطمة عليهاالسلام ، وذكر فضل نفسها ، وفضل زوجها وابنيها في حديث طويل ، فقالت عليهاالسلام : يا رسول اللّه ، واللّه لقد بات ابناي جائعين ، فقال : يا فاطمة ، قومي فهاتي العفاص من المسجد ، قالت : يا رسول اللّه ما لنا من عفاص ، قال : يا فاطمة قومي ، فإنّه من أطاعني فقد أطاع اللّه ، ومن عصاني فقد عصى اللّه .

ص: 277


1- الثاقب في المناقب : 53 ح2 .

فقامت فاطمة إلى المسجد ، فإذا هي بعفاص مغطى ، فوضعته قدام النبي صلى الله عليه و آله ، فإذا هو طبق مغطى بمنديل شامي ، فقال : عليّ بعلي وأيقظي الحسن والحسين .

ثم كشف عن الطبق ، فإذا فيه كعك أبيض يشبه كعك الشام ، وزبيب يشبه زبيب الطائف ، وتمر يشبه العجوة ، فقال لهم النبي صلى الله عليه و آله : كلوا(1) .

نزول الرمان من الجنة

فى ثاقب المناقب أيضا باسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : مطروا بالمدينة مطرا جودا ، فلمّا أن انقشعت السحابة خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومعه عدّة من أصحابه المهاجرين والأنصار ، وعلي عليه السلام ليس في القوم ، فلما خرجوا من باب المدينة ، جلس النبي صلى الله عليه و آله ينتظر عليا ، وأصحابه حوله .

فبينما هو كذلك ، إذ أقبل على من المدينة ، فقال له جبرئيل عليه السلام : يا محمد ، هذا علي قد أتاك ، نقي الكفين ، نقي القلب ، يمشي كمالا ، ويقول صوابا ، تزول الجبال ولا يزول .

فلما دنا من النبي صلى الله عليه و آله ، أقبل يمسح وجهه بكفه ، ويمسح به وجه علي ، ويمسح به وجه نفسه ، وهو يقول : أنا المنذر وأنت الهادي من بعدي ، فأنزل اللّه على نبيه كلمح

البصر : « إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ » .

فقال النبي صلى الله عليه و آله، ثم ارتفع جبرئيل عليه السلام ، ثم رفع رأسه ، فإذا هو بكفّ أشد بياضا من الثلج ، قد أدلت رمانة ، أشدّ خضرة من الزمرد ، فأقبلت الرمانة تهوي إلى النبي صلى الله عليه و آله بضجيج ، فلما صارت في يده ، عضّ منها عضات ، ثم دفعها إلى علي عليه السلام

وقال له : كل ، وأفضل لابنتي وابني - يعني الحسن والحسين عليهم السلام - ، ثم التفت إلى الناس وقال : أيّها الناس ، هذه هدية من عند اللّه إلي ، وإلى وصيي ، وإلى ابتني ، وإلى سبطي ، فلو أذن اللّه لي أن آتيكم منها لفعلت ، فاعذروني عافاكم اللّه .

قال سلمان : جعلت فداك ، فما كان ذلك الضجيج ؟ فقال : إنّ الرمانة لما اجتنيت ضجت الشجرة بالتسبيح . قال : جعلت فداك ، ما تسبيح الشجرة ؟ قال :

ص: 278


1- الثاقب في المناقب : 55 ح6 .

سبحان من سبحت له الشجر الناظرة ، سبحان ربّي الجليل ، سبحان من قدح من قضبانها النار المضيئة ، سبحان ربّي الكريم ، ويقال : إنّه من تسبيح مريم عليهاالسلام(1) .

نزول الثريد والرطب من الجنة

في مدينة المعاجز عن علي عليه السلام قال : أتاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منزلي ، ولم يكن طعمنا منذ ثلاثة أيام ، فقال لي : يا علي هل عندك من شئ ؟ فقلت : والذي أكرمك بالكرامة ما طعمت أنا وزوجتي وابناي منذ ثلاثة أيام . فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا فاطمة ادخلي البيت وانظري هل تجدين شيئا ؟ فقالت : خرجت الساعة ، فقلت : يا رسول اللّه ، أدخلها أنا ؟ فقال : ادخل بسم اللّه ، فدخلت فإذا بطبق عليه رطب ، وجفنة من

ثريد ، فحملتها إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : أرأيت الرسول الذي حمل هذا الطعام ؟ فقلت : نعم . فقال : كيف هو ؟ قلت : من بين أحمر وأخضر وأصفر ، فقال : كلّ خط من جناح جبرئيل عليه السلام مكلل بالدر والياقوت ، فأكلنا من الثريد حتى شبعنا ، فما رؤ الأخذ من أصابعنا وأيدينا(2) .

الحورية المكتوب على ذقنها « الحسين »

في كتاب جامع الأخبار روي عن النبي صلى الله عليه و آله من قال : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ »بنى اللّه له في الجنة سبعين ألف قصر من ياقوتة حمراء ، في كلّ قصر سبعون ألف بيت من لؤؤبيضاء ، في كلّ بيت سبعون ألف سرير من زبرجد خضراء ، فوق كلّ سرير سبعون ألف فراش من سندس وإستبرق ، وعليه زوجة من الحور العين ، ولها سبعون ألف ذؤبة مكللة بالدر والياقوت ، مكتوب على خدها الأيمن محمد رسول اللّه ، وعلى خدها الأيسر علي ولى اللّه ، وعلى جنبيها الحسن ، وعلى ذقنها الحسين ، وعلى شفتيها « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » .

قلت : يا رسول اللّه لمن هذه الكرامة ؟ قال : لمن يقول بالحرمة والتعظيم « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ »(3) .

ص: 279


1- الثاقب في المناقب : 56 ح7 .
2- الثاقب في المناقب : 57 ح8 .
3- جامع الأخبار : 42 الفصل 22 .

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة

في الجزء الثالث من كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم باسناده عن حذيفة بن اليمان قال : سألتني أمي متى عهدك بالنبي صلى الله عليه و آله ؟ فقلت لها : منذ كذا وكذا ، فنالت مني وسبتني ، فقلت لها : دعيني فإنّي آتي النبي فأصلي معه المغرب ، ثم لا أدعه حتى يستغفر لي ولك .

قال : فأتيت النبي صلى الله عليه و آله فصلّيت معه المغرب ، فصلّى النبي العشاء ، ثم انفتل فتبعته ، فعرض له عارض فناجاه ، ثم ذهب فاتبعته ، فسمع صوتي فقال : من هذا ؟ فقلت : حذيفة ، قال : ما لك ؟ فحدثته بالأمر ، قال : غفر اللّه لك ولأمك .

ثم قال : أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل ؟ قلت : بلى ، قال : هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة ، استأذن ربّه - عزّ وجل - أن يسلّم

عليّ ، ويبشرني أنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأنّ فاطمة سيدة نساء العالمين(1) .

حضور أصحاب الكساء عند المؤمن والكافر عند الإحتضار

عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال : إذا بلغت نفس المؤن الحنجرة ، وأهوى ملك الموت بيده إليها يرى قرة عين ، ويقال له : انظر عن يمينك ، فيرى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليا وفاطمة والحسن والحسين ، فيقولون له : الينا إلى الجنة ، واللّه لو بلغت روح عدونا

إلى صدره ، فأهوى ملك الموت بيده إليها ، لابد أن يقال : انظر عن يسارك ، فيرى منكرا ونكيرا يهددانه بالعذاب ، نعوذ باللّه منه(2) .

سقف بيتهم عرش ربّ العالمين

روى شرف الدين النجفي في كتاب تأويل الآيات الباهرة باسناده عن عبد اللّه بن عجلان السكوني قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : بيت علي وفاطمة من حجرة

ص: 280


1- بشارة المصطفى : 276 ، بحار الأنوار 37/79 باب 50 .
2- مدينة المعاجز 3/363 ح90 .

رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وسقف بيتهم عرش ربّ العالمين ، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش ، معراج الوحي والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحا ومساء ، وفي كلّ ساعة وطرفة عين ، والملائكة لا ينقطع فوجهم ، فوج ينزل وفوج يصعد ، وإنّ اللّه - تبارك وتعالى - كشط لإبراهيم عليه السلام عن السماوات حتى أبصر العرش ، وزاد اللّه في قوة ناظره ، وإنّ اللّه زاد في قوة ناظر محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وكانوا يبصرون العرش ولا يجدون لبيوتهم سقفا غير العرش ، فبيوتهم مسقفة بعرش الرحمن ، ومعارج معراج الملائكة والروح ، فوج بعد فوج ، بلا انقطاع لهم ، وما من بيت من بيوت الأئمة منّا إلاّ وفيه معراج الملائكة لقول اللّه - عزّ وجل -

« تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ » .

قال : قلت : « مِنْ كُلِّ أَمْرٍ » ؟ قال : بكل أمر ، قلت : هذا التنزيل ؟ قال : نعم(1) .

رؤية إبراهيم أنوارهم الى جانب العرش

وفي خبر معتبر عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : لمّا خلق اللّه إبراهيم الخليل كشف له عن بصره ، فنظر في جانب العرش نورا ، فقال : إلهي وسيدي ما هذا النور ؟ قال : يا إبراهيم هذا محمد صفيي ، فقال : إلهي وسيدي ، إنّي أرى بجانبه نورا آخر ؟ قال : يا إبراهيم هذا علي ناصر ديني ، قال : إلهي وسيدي ، إنّي أرى بجانبهما نورا آخر ثالثا يلي النورين ؟ قال : يا إبراهيم هذه فاطمة تلي أباها وبعلها ، فطمت محبيها من النار ، قال : إلهي وسيدي إنّي أرى نوران يليان الأنوار الثلاثة ؟ قال : يا إبراهيم هذان الحسن والحسين يليان أباهما وأمهما وجدهما ، قال : إلهي وسيدي إنّي أرى تسعة أنوار قد أحدقوا بالخمسة الأنوار ؟ قال : يا إبراهيم هؤاء الأئمة من ولدهم ، قال : إلهي وسيدي وبمن يعرفون ؟ قال : يا إبراهيم أولهم علي بن الحسين ، ومحمد ولد علي ، وجعفر ولد محمد ، وموسى ولد جعفر ، وعلي ولد موسى ، ومحمد ولد علي ، وعلي ولد محمد ، والحسن ولد علي ، ومحمد ولد الحسن القائم المهدي .

ص: 281


1- تأويل الآيات الظاهرة : 792 سورة القدر .

قال : إلهي وسيدي وأرى عدة أنوار حولهم لا يحصي عدتهم إلاّ أنت ؟ قال : يا إبراهيم هؤاء شيعتهم ومحبوهم ، قال : إلهي وسيدي بم يعرف شيعتهم ومحبوهم ؟ قال : يا إبراهيم بصلاة الإحدى والخمسين ، والجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، والقنوت قبل الركوع ، وسجدتي الشكر ، والتختم باليمين .

قال إبراهيم : اجعلني إلهي من شيعتهم ومحبيهم ، قال : قد جعلتك منهم ، فأنزل تعالى فيه : « وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لاَءِبْراهِيمَ إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » صدق اللّه تعالى ورسوله(1) .

قال المفضل بن عمر : إنّ إبراهيم عليه السلام لما أحس بالممات روى هذا الخبر وسجد ، فقبض في سجدته(2) .

وروى شرف الدين النجفي في كتاب تأويل الآيات الباهرة باسناده : سأل جابر بن يزيد الجعفي جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن تفسير هذه الآية « وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْراهِيمَ » ، فقال عليه السلام : إنّ اللّه سبحانه لما خلق إبراهيم قال إبراهيم : اللّهم اجعلني من شيعة أمير المؤنين(3) .

كان الحسين عليه السلام يثب من حجر جبرئيل عليه السلام الى حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله

روي عن الأصبغ بن نباتة قال : دخلت على أمير المؤنين عليه السلام والحسن والحسين عليهماالسلام عنده وهو ينظر اليهما نظرا شديدا ، فقلت له : بارك اللّه لك فيهما ، وبلغهما آمالهما في أنفسهما ، واللّه إنّي لأراك تنظر اليهما نظرا شديدا ، فتطيل النظر

اليهما ، فقال : نعم يا أصبغ ، ذكرت لهما حديثا ، فقلت : حدثني به جعلت فداك ، فقال :

ص: 282


1- الفضائل : 158 .
2- في المتن ما ترجتمه : « إنّ أبا حنيفة لما أحس بالممات » ، والظاهر أنّه ترجم إبراهيم بأبي الحنيفية ، فإشتبه الأمر على النساخ وكتبوها « حنيفة » .
3- تأويل الآيات الظاهرة : 485 سورة الصافات .

كنت في ضيعة لي فاقبلت نصف النهار في شدّة الحر ، وأنا جائع ، فقلت لإبنة محمد صلى الله عليه و آله أعندك شئ تطعمينيه ؟ فقامت لتهئ لي شيئا ، حتى إذا انفتلت من الصلاة قد احضرت ، فأقبل الحسن والحسين عليهماالسلام حتى جلسا في حجرها ، فقالت لهما : ما حبسكما وأبطاكما عني ؟ قالا : حبسنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجبرئيل عليه السلام ، فقال الحسن : أنا كنت في حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله والحسين عليه السلام في حجر جبرئيل عليه السلام ، فكنت أنا أثب من حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى حجر جبرئيل عليه السلام ، وكان الحسين عليه السلام يثب من حجر جبرئيل إلى حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، حتى إذا زالت الشمس قال جبرئيل عليه السلام : قم فصلّي إنّ الشمس قد زالت ، فعرج جبرئيل عليه السلام إلى السماء ، وقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله فجئنا .

فقلت : يا أمير المؤنين في أي صورة نظر إليه الحسن والحسين عليهماالسلام ؟ فقال : في الصورة التي كان ينزل فيها على رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فلما حضرت الصلاة خرجت فصليت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلما انصرف من صلاته قلت : يارسول اللّه ، إنّي كنت في ضيعة لي ، فجئت نصف النهار ، وأنا جائع ، فسألت ابنة محمد صلى الله عليه و آله : هل عندك شئ تطعمينيه ؟ فقامت لتهئ لي شيئا ، حتى إذا أقبل ابناك الحسن والحسين عليهماالسلام حتى جلسا في حجر اُمّها ، فسألتهما ما أبطاكما ؟ وما حبسكما عني ؟ فسمعتهما يقولان : حبسنا جبرئيل ورسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقلت : كيف حبسكما جبرئيل ورسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال الحسن عليه السلام : كنت أنا في حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والحسين عليه السلام في حجر جبرئيل عليه السلام ، فكنت أنا أثب من حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى حجر جبرئيل ، وكان الحسين يثب من حجر جبرئيل إلى حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : صدق إبناي ما زلت أنا وجبرئل عليه السلام نزهو بهما منذ أصبحنا إلى أن زالت الشمس ، قلت : يارسول اللّه بأي صورة كانا يريان جبرئيل عليه السلام ؟ فقال : بالصورة التي كان ينزل فيها عليّ(1) .

ص: 283


1- مختصر بصائر الدرجات : 68 .

إسلام النصراني عند ركوب البحر

في بستان الواعظين : روي عن محمد بن إدريس قال : رأيت بمكة اسقفا وهو يطوف بالكعبة ، فقلت له : ما الذي رغب بك عن دين آبائك ؟ فقال : تبدّلت خيرا منه ، فقلت له : كيف ذلك ؟ قال : ركبت البحر ، فلما توسطنا البحر إنكسر بنا المركب ،

فعلوت لوحا ، فلم تزل الأمواج تدفعني حتى رمتني في جزيرة من جزائر البحر ، فيها أشجار كثيرة ، ولها ثمر أحلى من الشهد ، وألين من الزبد ، وفيها نهر جار عذب ،

فحمدت اللّه على ذلك ، وقلت : آكل من الثمر وأشرب من هذا النهر حتى يأتيني اللّه بالفرج .

فلما ذهب النهار خفت على نفسي من الدواب ، فعلوت شجرة من تلك الأشجار ، فنمت على غصن منها ، فلما كان في جوف الليل ، فإذا بدابة على وجه الماء تسبح اللّه ، وتقول : لا إله إلاّ اللّه العزيز الجبار ، محمد رسول اللّه النبي المختار ، علي بن أبي طالب سيف اللّه على الكفار ، فاطمة وبنوها صفوة الجبار ، على مبغضيهم لعنة اللّه

الجبار ، ومأواه جهنم وبئس القرار .

فلم تزل تكرر هذه الكلمات حتى طلع الفجر ، ثم قالت : لا إله إلاّ اللّه صادق الوعد والوعيد ، محمد رسول اللّه الهادي الرشيد ، علي ذو البأس الشديد ، وفاطمة وبنوها خيرة الربّ الحميد ، فعلى مبغضيهم لعنة الربّ المجيد .

فلما وصلت البر ، فإذا رأسها رأس نعامة ، ووجهها وجه إنسان ، وقوائمها قوائم بعير ، وذنبها ذنب سمكة .

فخشيت على نفسي الهلكة ، فهربت بنفسي أمامها ، فوقفت ثم قالت لي : إنسان ؟ قف وإلاّ هلكت ، فوقفت ، فقالت : ما دينك ؟ فقلت : النصرانية ، فقالت : ويحك ارجع إلى دين الإسلام ، فقد حللت بفناء قوم من مسلمي الجن لا ينجو منهم إلاّ من كان مسلما ، قلت : وكيف الإسلام ؟ قالت : تشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه ، فقلتها ، فقالت : تمم إسلامك بموالاة علي بن أبي طالب وأولاده ، والصلاة عليهم ، والبراءة من أعدائهم ، قلت : ومن أتاكم بذلك ؟ فقالت : قوم منّا

ص: 284

حضروا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسمعوه يقول : إذا كان يوم القيامة تأتي الجنة فتنادي بلسان طلق : يا إلهي قد وعدتني تشدّ أركاني وتزيني ، فيقول الجليل جلّ جلاله : قد شددت أركانك ، وزينتك بابنة حبيبي فاطمة الزهراء ، وبعلها علي بن أبي طالب ، وابنيها الحسن والحسين ، والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام .

ثم قالت الدابة : المقام تريد أم الرجوع إلى أهلك ؟ قلت لها : الرجوع ، قالت : اصبر حتى يجتاز مركب .

وإذا مركب يجري ، فأشارت إليهم فدفعوا إليها زورقا ، فلما علوت معهم فإذا في المركب اثنا عشر رجلا ، كلّهم نصارى ، فأخبرتهم خبري ، فأسلموا عن آخرهم(1) .

ميكائيل عليه السلام يهزّ مهد الحسين عليه السلام

في ثاقب المناقب روي عن أم أيمن - رضي اللّه عنها - قالت : مضيت ذات يوم إلى منزل سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء عليهاالسلام لأزورها في منزلها ، وكان يوما حارا من أيام الصيف ، فأتيت إلى باب دارها ، وإذا أنا بالباب مغلق ، فنظرت من شقوق الباب ، وإذا بفاطمة الزهراء عليهاالسلام نائمة عند الرحى ، ورأيت الرحى تدور وتطحن البر ، وهي تدور من غير يد تديرها ، والمهد أيضا إلى جانبها ، والحسين عليه السلام نائم فيه ، والمهد يهتزّ ولم أر من يهزه ، ورأيت كفّا تسبح للّه قريبا من كفّ فاطمة الزهراء .

قالت أم أيمن : فتعجبت من ذلك ، فتركتها ومضيت إلى سيدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وسلمت عليه وقلت : يا رسول اللّه إنّي رأيت اليوم عجبا ، ما رأيت مثله أبدا . فقال

لي : ما رأيت يا أم أيمن ؟ فقلت : إنّي قصدت منزل فاطمة الزهراء ، فلقيت الباب مغلقا ، فإذا أنا بالرحى تطحن البر ، وهي تدور من غير يد تديرها ، ورأيت مهد الحسين بن فاطمة يهتزّ من غير يد تهزّه ، ورأيت كفّا يسبح للّه قريبا من كفّ فاطمة

الزهراء ، ولم أر شخصه ، فقال : يا أم أيمن اعلمي أنّ فاطمة الزهراء صائمة ، وهي متعبة جائعة ، والزمان قيض ، فألقى اللّه عليها النعاس فنامت ، فسبحان من لا ينام ،

ص: 285


1- مدينة المعاجز 3/136 ح796 .

فوكّل اللّه ملكا يطحن عنها قوت عيالها ، وأرسل اللّه ملكا آخر يهزّ مهد ولدها الحسين عليه السلام لئلا يزعجها عن نومها ، ووكّل اللّه تعالى ملكا آخر يسبح اللّه - عزّ وجلّ - قريبا من كفّ فاطمة يكون ثواب تسبيحه لها ، لأنّ فاطمة عليهاالسلام لم تفتر عن ذكر اللّه - عزّ وجل - ، فإذا نامت جعل اللّه ثواب تسبيح ذلك الملك لفاطمة عليهاالسلام .

فقلت : يا رسول اللّه أخبرني من يكون الطحان ؟ ومن الذي يهزّ مهد الحسين عليه السلام ويناغيه ؟ ومن المسبح ؟ فتبسّم النبي صلى الله عليه و آله ضاحكا وقال : أمّا الطحان فهو جبرائيل ،

وأمّا الذي يهزّ مهد الحسين عليه السلام فهو ميكائيل ، وأمّا الملك المسبّح فهو إسرافيل(1) .

الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة

في مدينة المعاجز عن أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام أنّه قال : أتيت يوما جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فرأيت أبي بن كعب جالسا عنده ، فقال جدي : مرحبا بك يا زين السماوات والارض ! فقال أبي : يا رسول اللّه ! وهل أحد سواك زين السماوات والارض ؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا أبي بن كعب والذى بعثني بالحقّ نبيا ، إنّ الحسين بن علي في السماوات أعظم مما هو في الأرض ، واسمه مكتوب عن يمين العرش :

إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة .

ثم إنّ النبي صلى الله عليه و آله أخذ بيد الحسين عليه السلام وقال : أيّها الناس ! هذا الحسين بن علي ألا فاعرفوه وفضّلوه كما فضّله اللّه - عزّ وجل -، فواللّه لجدّه على اللّه أكرم من جدّ يوسف بن يعقوب ، هذا الحسين جدّه في الجنة ، وجدته في الجنة ، وامه في الجنة ، وأبوه

في الجنة ، وأخوه في الجنة ، وعمه في الجنة ، وعمته في الجنة ، وخاله في الجنة ، وخالته

في الجنة ، ومحبّوهم في الجنة ، ومحبّو محبّيهم في الجنة(2) .

جبرئيل خادم لأهل البيت

ابن بابويه بإسناده عن أبي ذر رضى الله عنه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول :

ص: 286


1- منتخب الطريحي 246 - 245 ، مدينة المعاجز 4/46 ح130 .
2- منتخب الطريحي : 203 ، مدينة المعاجز 4/51 ح133 .

افتخر إسرافيل على جبرئيل فقال : أنا خير منك ، فقال : ولم أنت خير مني ؟ قال : لأنّي صاحب الثمانية حملة العرش ، وأنا صاحب النفخة في الصور ، وأنا أقرب الملائكة إلى اللّه - عزّ وجل - .

فقال له جبرئيل : أنا خير منك ، فقال له إسرافيل : وبما ذا أنت خير مني ؟ قال : لأنّي أمين اللّه على وحيه ورسوله إلى الأنبياء والمرسلين ، وأنا صاحب الخسوف والقرون ، وما أهلك اللّه أمة من الأمم إلاّ على يدي .

فاختصما إلى اللّه - تبارك وتعالى - فأوحى إليهما : اسكتا ، فوعزتي وجلالي لقد خلقت من هو خير منكما ، قالا : يا ربّ وتخلق من هو خير منّا ونحن خلقتنا من نور ؟ فقال اللّه : نعم ، وأوحى إلى حجب القدرة انكشفي ، فانكشفت ، فإذا على ساق العرش مكتوب : لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، وعلي وفاطمة والحسن والحسين خير خلق اللّه .

فقال جبرئيل : يا ربّ فأسألك بحقّهم عليك أن تجعلني خادمهم ، فقال اللّه تعالى : قد فعلت ، فجبرئيل من أهل البيت وإنّه لخادمنا(1) .

وفي مدينة المعاجز عن ابن مسعود - في حديث طويل - : إنّ عمر بن سعد دخل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فتغير لونه صلى الله عليه و آله ، وأخبر الحسين عليه السلام أنّ قاتله عمر بن سعد(2) .

ص: 287


1- تأويل الآيات الظاهرة : 803 سورة لم يكن .
2- مدينة المعاجز السيد هاشم البحراني 4/61 ح140 : روي عن ابن مسعود قال : بينا نحن جلوس عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجده ، إذ دخل علينا فتية من قريش ومعهم عمر بن سعد - لعنه اللّه - ، فتغيّر لون رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فقلنا له : يا رسول اللّه ما شأنك ؟ فقال : إنا أهل بيت اختار اللّه لنا الاخرة على الدنيا ، وإنّي ذكرت ما يلقى أهل بيتي من امتي من بعدي من قتل وضرب وشتم وسب وتطريد وتشريد ، وان أهل بيتي سيشردون ويطردون ويقتلون ، وان أول رأس يحمل على رأس رمح في الإسلام رأس ولدي الحسين عليه السلام ، أخبرني بذلك أخي جبرائيل عن الرب الجليل ، وكان الحسين عليه السلام حاضرا عند جده في ذلك الوقت ، فقال : يا جداه فمن يقتلني من امتك ؟ فقال : يقتلك شرار الناس ، وأشار النبي صلى الله عليه و آله إلى عمر بن سعد - لعنه اللّه - ، فصار أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا رأوا عمر بن سعد داخلا من باب المسجد ، يقولون : هذا قاتل الحسين صلى الله عليه و آله ، قال : وجعل عمر بن سعد كلّما لقي الحسين عليه السلاميقول : يا أبا عبد اللّه إنّ في قومنا أناسا سفهاء يزعمون أنّي أقتلك . فيقول له الحسين عليه السلام : واللّه إنّهم ليسوا بسفهاء ، ولكنهم أناس حلماء ، أما انه ستقرّ عيني حيث لا تأكل من برّ الري من بعد قتلي إلاّ قليلا ، ثم تقتل من بعدي عاجلا .

فديت من فديته بإبني إبراهيم

السيد ابن طاوس في كتاب الطرائف روى الحنابلة باسانيدهم ، وصاحب الدر النظيم باسناده عن ابن عباس قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و آله وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي ، تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام بوحي من ربّ العالمين ، فلما سرى عنه قال : أتاني جبرئيل من ربّي - عزّ وجل - فقال : يا محمد إنّ ربّك يقرأ عليك السلام ويقول : لست أجمعهما

لك فإفد أحدهما بصاحبه .

فنظر النبي إلى إبراهيم فبكى ، ونظر إلى الحسين فبكى ، فقال : إنّ إبراهيم أمه أمة ،

ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأم الحسين فاطمة ، وأبوه علي ابن عمي ، لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أوثر حزني على حزنهما ، يا جبرئيل تقبض إبراهيم ، فقد فديت الحسين به .

قال : فقبض بعد ثلاثة أيام ، فكان النبي صلى الله عليه و آله إذا رأى الحسين عليه السلام مقبلا قبله وضمه إلى صدره ورشف ثناياه وقال : فديت من فديته بابني إبراهيم(1) .

رؤيا هند

في مدينة المعاجز : إنّ هند - ام معاوية - جاءت إلى دار رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند وقت الصبح ، فدخلت وجلست إلى جانب عائشة ، وقالت : يا بنت أبي بكر إنّي رأيت رؤا عجيبة ، واريد أن أقصها عليك لتقصي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وذلك قبل إسلام ولدها معاوية ، فقالت لها عائشة : خبّريني بها حتى أخبر بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ص: 288


1- الطرائف 1/202 ح289 .

فقالت : إنّي رأيت في نومي شمسا مشرقة على الدنيا كلّها ، فولد من تلك الشمس قمر ، فأشرق نوره على الدنيا كلّها ، ثم ولد من ذلك القمر نجمان زاهران ، قد أزهر من نورهما المشرق والمغرب ، فبينما أنا كذلك إذ بدت سحابة سوداء مظلمة كأنّها الليل المظلم ، فولد من تلك السحابة السوداء حية رقطاء ، فدبت الحية إلى النجمين فابتلعتهما ، فجعلوا الناس يبكون ويتأسفون ذلك على النجمين .

قال : فجاءت عائشة إلى النبي صلى الله عليه و آله وقصت الرؤا عليه ، فلما سمع النبي صلى الله عليه و آله كلامها تغيّر لونه ، واستعبر وبكى وقال :

يا عائشة أمّا الشمس المشرقة فأنا ، وأمّا القمر فهي فاطمة ابنتي ، وأمّا النجمان فهما الحسن والحسين عليهماالسلام ، وأمّا السحابة السوداء فهي معاوية - لعنه اللّه - ، وأمّا الحية الرقطاء فهي يزيد - لعنه اللّه -(1) .

نصرة الجن

في مدينة المعاجز : إنّ الحسين لما كان في موقف كربلاء أتته أفواج من الجن الطيارة ، وقالوا له : يا حسين نحن أنصارك فمرنا بما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كلّ عدو

لكم لفعلنا ، فجزاهم خيرا وقال لهم : إنّي لا اُخالف قول جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آلهحيث أمرني بالقدوم عليه عاجلا ، وإنّي الان قد رقدت ساعة ، فرأيت جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد ضمني إلى صدره ، وقبّل ما بين عيني وقال لي : يا حسين ، إنّ اللّه - عزّ وجل - قد شاء أن يراك مقتولا ملطخا بدمائك مختضبا شيبك بدمائك مذبوحا من قفاك ، وقد شاء اللّه أن يرى حرمك سبايا على أقتاب المطايا ، وإنّي واللّه سأصبر

حتى يحكم اللّه بأمره وهو خير الحاكمين(2) .

ص: 289


1- منتخب الطريحي : 226 ، مدينة المعاجز 4/58 ح138 .
2- منتخب الطريحي : 463 ، مدينة المعاجز 4/60 ح139 .

عرض روح الحسين عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله

وفي كامل الزيارات بإسناده عن عروة بن الزبير قال : قال أبو ذر : ما من يوم إلاّ تعرض روح الحسين على رسول اللّه فيلتقيان(1) .

الحسين كشف الغطاء لأصحابه حتى رأوا منازلهم من الجنة

ابن بابويه في العلل باسناده سئل الإمام الصادق عليه السلام عن أصحاب الحسين عليه السلام كيف إقدامهم على الموت ؟ فقال : إنّهم كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم من الجنة ، فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها وإلى مكانه من الجنة(2) .

حصاة أم غانم

روى ابن شهرآشوب : أنّ غانم ابن أم غانم دخل المدينة ومعه أمه ، وسأل : هل تحسّون رجلا من بني هاشم اسمه علي ؟ قالوا : نعم ، هو ذاك ، قال : فدلوني على علي بن عبد اللّه بن عباس ، فقلت له : معي حصاة ختم عليها علي والحسن والحسين عليهم السلام وسمعت أنه يختم عليها رجل اسمه « علي » ، فقال علي بن عبد اللّه بن عباس : يا عدو اللّه كذبت على علي بن أبي طالب وعلى الحسن والحسين ، وصار بنو هاشم يضربونني حتى أرجع عن مقالتي ، ثم سلبوا منّي الحصاة .

ص: 290


1- في كامل الزيارات 73 الباب 23 ح11 عن عروة بن الزبير قال : سمعت أبا ذر وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر فهذا قليل في اللّه تعالى ، فقال : ما أيسر هذا ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن علي عليهماالسلام قتلا - أو قال : ذبح ذبحا - واللّه لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة أعظم قتلا منه [بعد قتل الحسين أعظم قتلا منه] وإنّ اللّه سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا ويبعث ناقما [قائما] من ذريته فينتقم من الناس ، وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار وسكان الجبال في الغياض والآكام أهل السماء من قتله لبكيتم ، واللّه حتى تزهق أنفسكم ، وما من سماء يمر به روح الحسين عليه السلام إلاّ فزع له سبعون ألف ملك يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة ، وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلاّ لعنت قاتله ، وما من يوم إلاّ وتعرض روحه على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيلتقيان .
2- علل الشرائع 1/229 باب 163 ح1 .

فرأيت في ليلتي في منامي الحسين عليه السلام وهو يقول لي : هاك الحصاة يا غانم ، وامض إلى علي ابني فهو صاحبك ، فانتبهت والحصاة في يدي .

فأتيت علي بن الحسين عليه السلام فختمها وقال لي : إنّ في أمرك لعبرة ، فلا تخبر به أحدا ، فقال في ذلك غانم ابن أم غانم :

أتيت عليا أبتغي الحق عنده

وعند علي عبرة لا أحاول

فشدوا ثاقي ثم قال لي اصطبر

كأنّي مخبول عراني خابل

فقلت لحاك اللّه واللّه لم أكن

لأكذب في قولي الذي أنا قائل

وخلى سبيلي بعد ضنك فأصبحت

مخلاته نفسي وسربي سائل

[فأقبلت يا خير الأنام مؤما

لك اليوم عند العالمين أسائل]

وقلت وخير القول ما كان صادقا

ولا يستوي في الدين حق وباطل

ولا يستوي من كان بالحق عالما

كآخر يمسي وهو للحق جاهل

وأنت الإمام الحق يعرف فضله

وإن قصرت عنه النهى والفضائل

وأنت وصي الأوصياء محمد

أبوك ومن نيطت إليه الوسائل(1)

الملائكة زوار قبر الحسين عليه السلام

في أمالي الشيخ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ما خلق اللّه خلقا أكثر من الملائكة ، وإنّه لينزل كلّ يوم سبعون ألف ملك ، فيأتون البيت المعمور فيطوفون به ، فإذا هم طافوا به نزلوا فطافوا بالكعبة ، فإذا طافوا بها أتوا قبر النبي صلى الله عليه و آله فسلّموا عليه ، ثم أتوا قبر أمير المؤنين عليه السلام فسلّموا عليه ، ثم أتوا قبر الحسين عليه السلام فسلّموا عليه ، ثم عرجوا ، وينزل مثلهم أبدا إلى يوم القيامة .

وقال عليه السلام : من زار أمير المؤنين عليه السلام عارفا بحقه ، غير متجبر ، ولا متكبر ، كتب اللّه له أجر مائة ألف شهيد ، وغفر اللّه ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، وبعث من الآمنين ، وهوّن عليه الحساب ، واستقبلته الملائكة ، فإذا انصرف شيعته إلى منزله ، فإن مرض عادوه ، وإن مات تبعوه بالاستغفار إلى قبره .

ص: 291


1- المناقب 4/136 فصل في معجزاته عليه السلام .

قال : ومن زار الحسين عليه السلام عارفا بحقّه كتب اللّه له ثواب ألف حجة مقبولة ، وألف عمرة مقبولة ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر(1) .

تابوت قاتل الحسين عليه السلام في جهنم

في البحار عن بعض الصحابة قال : رأيت النبي صلى الله عليه و آله يمصّ لعاب الحسين كما يمصّ الرجل السكرة وهو يقول : حسين مني وأنا من حسين ، أحبّ اللّه من أحبّ حسينا ، وأبغض اللّه من أبغض حسينا ، حسين سبط من الأسباط ، لعن اللّه قاتله .

فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : يا محمد ، إنّ اللّه قتل بيحيى بن زكريا سبعين ألفا من المنافقين ، وسيقتل بابن ابنتك الحسين سبعين ألفا ، وسبعين ألفا من المعتدين ، وإنّ

قاتل الحسين في تابوت من نار ، ويكون عليه نصف عذاب أهل الدنيا ، وقد شدّت يداه ورجلاه بسلاسل من نار ، وهو منكس على أم رأسه في قعر جهنم ، وله ريح يتعوّذ أهل النار من شدّة نتنها ، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم ، لا يفتر عنه ويسقى من حميم جهنم(2) .

حديث كعب الأحبار عن فساد البرّ والبحر بعد قتل الحسين عليه السلام

عن كعب الأحبار حين أسلم في أيام خلافة عمر بن الخطاب ، وجعل الناس يسألونه عن الملاحم التي تظهر في آخر الزمان ، فصار كعب يخبرهم بأنواع الأخبار والملاحم والفتن التي تظهر في العالم .

ثم قال : وأعظمها فتنة وأشدّها مصيبة لا تنسى إلى أبد الآبدين مصيبة الحسين عليه السلام ، وهي الفساد الذي ذكره اللّه تعالى في كتابه المجيد حيث قال : « ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ » ، وإنّما فتح الفساد بقتل هابيل بن آدم وختم بقتل الحسين عليه السلام ، أو لا تعلمون أنّه يفتح يوم قتله أبواب السماوات ويؤن السماء بالبكاء ، فتبكي دما ، فإذا رأيتم الحمرة في السماء قد ارتفعت فاعلموا أنّ السماء

تبكي حسينا .

ص: 292


1- الأمالي للطوسي : 412 المجلس 8 ح22 .
2- بحار الأنوار 45/314 باب 46 .

فقيل : يا كعب لم لا تفعل السماء كذلك ولا تبكي دما لقتل الأنبياء ممن كان أفضل من الحسين ؟

فقال : ويحكم إنّ قتل الحسين أمر عظيم ، وإنّه ابن سيد المرسلين ، وإنّه يقتل علانية مبارزة ظلما وعدوانا ، ولا تحفظ فيه وصية جدّه رسول اللّه ، وهو مزاج مائه ، وبضعة من لحمه ، يذبح بعرصة كربلاء ، فوالذي نفس كعب بيده ، لتبكينه زمرة من الملائكة في السماوات السبع ، لا يقطعون بكاءهم عليه إلى آخر الدهر ، وإنّ البقعة التي يدفن فيها خير البقاع ، وما من نبي إلاّ ويأتي إليها ويزورها ويبكي على مصابه ، ولكربلاء في كلّ يوم زيارة من الملائكة والجن والإنس ، فإذا كانت ليلة الجمعة ينزل إليها تسعون ألف ملك يبكون على الحسين ويذكرون فضله .

وإنّه يسمى في السماء حسينا المذبوح ، وفي الأرض أبا عبد اللّه المقتول ، وفي البحار الفرخ الأزهر المظلوم ، وإنّه يوم قتله تنكسف الشمس بالنهار ، ومن الليل ينخسف القمر ، وتدوم الظلمة على الناس ثلاثة أيام ، وتمطر السماء دما ، وتدكدك الجبال ، وتغطمط البحار ، ولو لا بقية من ذريته ، وطائفة من شيعته الذين يطلبون بدمه ويأخذون بثأره لصب اللّه عليهم نارا من السماء أحرقت الأرض ومن عليها .

ثم قال كعب : يا قوم كأنّكم تتعجبون بما أحدثكم فيه من أمر الحسين عليه السلام ، وإنّ اللّه تعالى لم يترك شيئا كان أو يكون من أول الدهر إلى آخره إلاّ وقد فسّره لموسى عليه السلام ، وما من نسمة خلقت إلاّ قد رفعت إلى آدم في عالم الذر وعرضت عليه ، ولقد عرضت عليه هذه الأمة ، ونظر إليها وإلى اختلافها وتكالبها على هذه الدنيا الدنية ، فقال آدم : يا ربّ ما لهذه الأمة الزكية وبلاء الدنيا ، وهم أفضل الأمم ؟ فقال له : يا آدم إنّهم اختلفوا فاختلفت قلوبهم ، وسيظهرون الفساد في الأرض كفساد قابيل حين قتل هابيل ، وإنّهم يقتلون فرخ حبيبي محمد المصطفى .

ص: 293

ثم مثّل لآدم عليه السلام مقتل الحسين ومصرعه ووثوب أمة جدّه عليه ، فنظر إليهم فرآهم مسودّة وجوههم ، فقال : يا ربّ ابسط عليهم الإنتقام كما قتلوا فرخ نبيك الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام(1) .

صبرا يا بني الكرام

في معاني الأخبار باسناده عن علي بن الحسين عليه السلام قال : لما إشتدّ الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام نظر إليه من كان معه ، فإذا هو بخلافهم ، لأنّهم كلّما إشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم ، وارتعدت فرائصهم ، ووجبت قلوبهم ، وكان الحسين عليه السلام وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم ، وتهدئ جوارحهم ، وتسكن نفوسهم ، فقال بعضهم لبعض : انظروا لا يبالي بالموت !

فقال لهم الحسين عليه السلام : صبرا بني الكرام ، فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤ والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة ، فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ؟ وما هو لأعدائكم إلاّ كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب ، إنّ أبي حدثني عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنّ الدنيا سجن المؤن وجنة الكافر ، والموت جسر هؤاء إلى جناتهم ، وجسر هؤاء إلى جحيمهم ، ما كذبت ولا كذبت(2) .

إنكم تقتلون غدا كلكم ولا يفلت منكم رجل

في الخرائج والجرائح عن علي بن الحسين عليه السلام قال : كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها ، فقال لأصحابه : هذا الليل فاتخذوه جنة ، فإنّ القوم إنّما يريدونني ، ولو

قتلوني لم يلتفتوا إليكم ، وأنتم في حلّ وسعة ، فقالوا : واللّه لا يكون هذا أبدا ، فقال : إنّكم تقتلون غدا كلّكم ولا يفلت منكم رجل ، قالوا : الحمد للّه الذي شرّفنا بالقتل معك .

ص: 294


1- بحار الأنوار 45/315 باب 46 .
2- معاني الأخبار : 288 باب معنى الموت .

ثم دعا فقال لهم : ارفعوا رؤوسكم وانظروا ، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم

ومنازلهم من الجنة ، وهو يقول لهم : هذا منزلك يا فلان ، فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزلته من الجنة(1) .

لا يوم كيوم الحسين عليه السلام . . رحم اللّه العباس عليه السلام

في الخصال وأمالي الصدوق عن ثابت بن أبي صفية قال : نظر سيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام إلى عبيد اللّه بن عباس بن علي بن أبي طالب فاستعبر ، ثم قال : ما من يوم أشدّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله من يوم أحد ، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب ، أسد اللّه وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة ، قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب .

ثم قال عليه السلام : ولا يوم كيوم الحسين عليه السلام ، أزدلف عليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنّهم من هذه الأمة ، كلّ يتقرب إلى اللّه - عزّ وجلّ - بدمه ، وهو باللّه يذكرهم فلا يتعظون ، حتى قتلوه بغيا وظلما وعدوانا .

ثم قال عليه السلام : رحم اللّه العباس ، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه ، فأبدله اللّه - عزّ وجل - بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب ، وإنّ للعباس عند اللّه - تبارك وتعالى - منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة(2) .

تمني الشهداء أن يكونوا مع الحسين عليه السلام

في كامل الزيارة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ما من شهيد إلاّ وهو يحبّ لو أنّ الحسين بن علي عليه السلام حيّ حتى يدخلون الجنة معه(3) .

ص: 295


1- بحار الأنوار 44/298 باب 35 ح3 .
2- الأمالي للصدوق : 462 المجلس 70 ح10 .
3- كامل الزيارات : 111 الباب 37 ، بحار الأنوار 44/298 باب 35 .

ذكر مكارم أخلاق الحسين بن علي عليهماالسلام

اشارة

لا ينقضي عجبي من نفسي - أنا العبد - أن أحمل قلمي ودفتري لأتناول مكارم أخلاق الحسين عليه السلام ، فادبج بها الصفحات وأحصرها في السطور والكلمات ! وكيف يمكن للعقول الناقصة والنفوس الملوثة ، والخواطر الخاطئة ، أن تتناول بأيديها الكليلة اللامتناهي من الأمور ، والحال أنّ كلّ ما خلق اللّه - تبارك وتعالى - من المحاسن والمكارم منذ بداية الخلق الى منتهاه ، وما كان وسيكون وما هو كائن ، فهو رشحات من أخلاق الحسين وأصحاب الكساء عليهم السلام .

والبحر المحيط لا يكال بالمكاييل ، والأفلاك لا تقاس بالأشبار ، ولكن عظماء الدين أذنوا لنا أن نغترف ، فسمحنا لأنفسنا أن نتناول ما ينفعنا - كعوام - ونذكر ما

ينفع من هو أشدّ وأقوى منّا في هذا الميدان ، تماما بمقدار ما تنتفع المرأة العجوز من

شعاع الشمس النافذة من الكوة أو سم الخياط .

هذا ، وإنّ جميع ما في هذا الكتاب من الأول الى الأخير إنّما هو حكاية عن مكارم أخلاق الحسين عليه السلام ، فلنعرج الآن على ما يناسب هذا العنوان فنقول :

استجابة دعوة المساكين

روى الفاضل المجلسي عن تفسير العياشي عن مسعدة قال : مرّ الحسين بن علي عليه السلام بمساكين قد بسطوا كساء لهم ، وألقوا عليه كسرا ، فقالوا : هلمّ يا ابن رسول اللّه ، فثنى وركه فأكل معهم ، ثم تلا إنّ اللّه « لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ » .

ثم قال : قد أجبتكم فأجيبوني ، قالوا : نعم يا ابن رسول اللّه ، فقاموا معه حتى أتوا

منزله ، فقال للجارية : أخرجي ما كنت تدخرين(1) .

أداء الحسين عليه السلام دين اُسامة بن زيد

روى ابن شهرآشوب عن عمرو بن دينار قال : دخل الحسين على أسامة بن زيد وهو مريض ، وهو يقول : وا غماه ، فقال له الحسين عليه السلام : وما غمّك يا أخي ؟

ص: 296


1- تفسير العياشي 2/257 من سورة النحل ، بحار الأنوار 44/189 باب 26 .

قال : ديني ، وهو ستون ألف درهم ، فقال الحسين : هو عليّ ، قال : إنّي أخشى أن أموت ، فقال الحسين : لن تموت حتى أقضيها عنك .

قال : فقضاها قبل موته ، وكان عليه السلام يقول شرّ خصال الملوك الجبن من الأعداء ، والقسوة على الضعفاء ، والبخل عند الإعطاء(1) .

عطاء الحسين عليه السلام للفرزدق

في كتاب أنس المجلس : أنّ الفرزدق أتى الحسين عليه السلام لما أخرجه مروان من المدينة فأعطاه عليه السلام أربعمائة دينار ، فقيل له : إنّه شاعر فاسق مشهر ، فقال عليه السلام : إنّ خير مالك ما وقيت به عرضك ، وقد أصاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله كعب بن زهير ، وقال في عباس بن مرداس : اقطعوا لسانه عنّي(2) .

إشارة الى البذل له ليكفّ لسانه ، وقد أتينا على قصته في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

قصة سؤال الأعرابي عن أكرم الناس في المدينة

روي أنّه قدم أعرابي المدينة ، فسأل عن أكرم الناس بها ، فدلّ على الحسين عليه السلام ، فدخل المسجد فوجده مصليا ، فوقف بإزائه وأنشا ٔ:

لم يخب الآن من رجاك ومن

حرك من دون بابك الحلقه

أنت جواد وأنت معتمد

أبوك قد كان قاتل الفسقه

لولا الذي كان من أوائلكم

كانت علينا الجحيم منطبقه

فسلّم الحسين عليه السلام وقال : يا قنبر ، هل بقي شيء من مال الحجاز ؟ قال : نعم ، أربعة آلاف دينار ، فقال : هاتها قد جاء من هو أحقّ بها منّا ، ثم نزع برديه ولف الدنانير

فيهما ، وأخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابي وأنشأ :

خذها فإنّي إليك معتذر

واعلم بأنّي عليك ذو شفقه

لو كان في سيرنا الغداة عصا

أمست سمانا عليك مندفقه

لكن ريب الزمان ذو غير

والكفّ مني قليلة النفقه

ص: 297


1- المناقب 4/65 فصل في مكارم أخلاقه عليه السلام
2- المناقب 4/65 .

فأخذها الأعرابي وبكى ، فقال له : لعلك استقللت ما أعطيناك ؟ قال : لا ولكن كيف يأكل التراب جودك(1) .

أثر الجراب على ظهر الحسين عليه السلام

في المناقب لابن شهرآشوب عن شعيب بن عبد الرحمن الخزاعي قال : وجد على ظهر الحسين بن علي يوم الطف أثر ، فسألوا زين العابدين عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين .

عطاؤه لمعلم ابنه

وفي البحار : إنّ عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسين الحمد ، فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار ، وألف حلة ، وحشا فاه درّا ، فقيل له في ذلك ، قال : وأين يقع هذا

من عطائه - يعني تعليمه - وأنشد الحسين عليه السلام :

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها

على الناس طرّا قبل أن تتفلت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت

ولا البخل يبقيها إذا ما تولت

وروي أنّه مرّ بمساكين وهم يأكلون كسرا لهم على كساء ، فسلّم عليهم ، فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم وقال : لولا أنّه صدقة لأكلت معكم ، ثم قال : قوموا إلى منزلي ، فأطعمهم وكساهم ، وأمر لهم بدراهم .

استرضاؤه محمد بن الحنفية

وحدّث الصولي عن الصادق عليه السلام : أنّه جرى بينه وبين محمد بن الحنفية كلام ، فكتب ابن الحنفية إلى الحسين :

أمّا بعد ، يا أخي ، فإنّ أبي وأباك علي ، لا تفضلني فيه ولا أفضلك ، وأمّك فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولو كان مل ء الأرض ذهبا ملك أمي ما وفت بأمك ، فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتى تترضاني ، فإنك أحقّ بالفضل منّي ، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته .

ص: 298


1- المناقب 4/65 .

ففعل الحسين عليه السلام ذلك ، فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء(1) .

لا يخفى أني مقام محمد بن الحنفية ومنزلته أعظم وأكبر من أن أدركها أنا العبد أو أستطيع وصفها وبيانها ، لكنه لما لم يكن معصوما فلعله لم يكن يعرف سرّ الإمام ، فربما تكدر خاطره أحيانا من بعض الاُمور الغامضة عليه .

منازعة الحسين عليه السلام مع الوليد بن عقبة

روى ابن شهرآشوب : أنّه كان بين الحسين وبين الوليد بن عقبة منازعة في ضيعة ، فتناول الحسين عليه السلام عمامة الوليد عن رأسه وشدّها في عنقه ، وهو يومئذ وال على المدينة ، فقال مروان : باللّه ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره ! فقال الوليد : واللّه ما قلت هذا غضبا لي ، ولكنّك حسدتني على حلمي عنه ، وإنّما كانت الضيعة له ،

فقال الحسين : الضيعة لك يا وليد ، وقام(2) .

لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل

وقيل له يوم الطف : انزل على حكم بني عمك ، قال : لا واللّه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد ، ثم نادى : يا عباد اللّه إنّي عذت بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤن بيوم الحساب .

وقال عليه السلام : موت في عزّ خير من حياة في ذلّ .

وأنشأ عليه السلام في يوم قتله :

الموت خير من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

واللّه ما هذا وهذا جاري

قال ابن نباتة :

الحسين الذي رأى القتل في العزّ

حياة والعيش في الذل قتلا

روى إبانة ابن بطة : قال عبد اللّه بن عبيد أبو عمير : لقد حجّ الحسين بن علي خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وإنّ النجائب تقاد معه(3) .

ص: 299


1- المناقب 4/65 .
2- المناقب 4/68 .
3- المناقب 4/68 .

وروي أنّه قيل له : ما أعظم خوفك من ربّك ؟ فقال : لا يأمن يوم القيامة إلاّ من خاف اللّه في الدنيا(1) .

بكاء الحسين عليه السلام عند قبر خديجة عليهاالسلام

في عيون المجالس أنّ أنس بن مالك ساير الحسين عليه السلام ، فأتى قبر خديجة فبكى ، ثم قال : إذهب عني ، قال أنس : فاستخفيت عنه ، فلمّا طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا :

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه

فارحم عبيدا إليك ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدي

طوبى لمن كنت أنت مولاه

طوبى لمن كان خائفا أرقا

يشكو إلى ذي الجلال بلواه

وما به علّة ولا سقم

أكثر من حبّه لمولاه

إذا اشتكى بثّه وغصّته

أجابه اللّه ثم لباه

إذا ابتلي بالظلام مبتهلا

أكرمه اللّه ثم أدناه

فنودي :

لبيك لبيك أنت في كنفي

وكلما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي

فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاك عندي يجول في حجب

فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبت الريح في جوانبه

خر صريعا لما تغشاه

سلني بلا رغبة ولا رهب

ولا حساب إنّي أنا اللّه

في المناقب لابن شهرآشوب : وله عليه السلام :

يا أهل لذّة دنيا لا بقاء لها

إنّ اغترارا بظلّ زائل حمق(2)

وله عليه السلام أيضا :

ص: 300


1- المناقب 4/69 .
2- المناقب 4/69 .

سبقت العالمين إلى المعالي

بحسن خليقة وعلو همه

و لاح بحكمتي نور الهدى في

ليال في الضلالة مدلهمه

يريد الجاحدون ليطفئوه

ويأبى اللّه إلاّ أن يتمه(1)

قصة الحسين عليه السلام مع الغلام الذي كان يؤاكل كلبا

روي عن الحسين بن علي عليه السلام أنّه قال : صحّ عندي قول النبي صلى الله عليه و آله : أفضل الأعمال

بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤن بما لا إثم فيه .

فإنّي رأيت غلاما يؤكل كلبا ، فقلت له في ذلك ، فقال : يا ابن رسول اللّه ، إنّي مغموم أطلب سرورا بسروره ، لأنّ صاحبي يهودي أريد أفارقه ، فأتى الحسين عليه السلامإلى صاحبه بمائتي دينار ثمنا له ، فقال اليهودي : الغلام فدى لخطاك ، وهذا البستان له ، ورددت عليك المال ، فقال عليه السلام : وأنا قد وهبت لك المال ، فقال : قبلت المال ووهبته للغلام ، فقال الحسين : أعتقت الغلام ووهبته له جميعا .

فقالت إمرأته : قد أسلمت ووهبت زوجي مهري ، فقال اليهودي : وأنا أيضا أسلمت وأعطيتها هذه الدار(2) .

تحريره جارية بطاقة ريحان

في كشف الغمة قال أنس : كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت عليه جارية فحيّته بطاقة ريحان ، فقال لها : أنت حرة لوجه اللّه ، فقلت : تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها

فتعتقها ؟ ! قال : كذا أدبنا اللّه ، قال اللّه تعالى : « وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها » ، وكان أحسن منها عتقها(3) .

ص: 301


1- المناقب 4/72 فصل في محبة النبي إياه عليه السلام .
2- المناقب 4/75 فصل في معالي أموره عليه السلام .
3- كشف الغمة 2/31 الثامن في ذكر شيء من كلامه عليه السلام .

يا حسن وددت أن لسانك لي وقلبي لك

قيل : وقال يوما لأخيه الحسن عليه السلام : يا حسن وددت أنّ لسانك لي وقلبي لك(1) .

وقيل : وكتب إليه الحسن عليه السلام يلومه على إعطاء الشعراء ، فكتب إليه : أنت أعلم منّي بأنّ خير المال ما وقى العرض(2) .

أنت حرّ لوجه اللّه ولك ضعف ما كنت أعطيك

رويت أنّه جنى له غلام جناية توجب العقاب عليه ، فأمر به أن يضرب ، فقال : يا مولاي « وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ » ، قال : أخلوا عنه ، فقال : يا مولاي « وَالْعافِينَ عَنِ

النّاسِ » ، قال : قد عفوت عنك ، قال : يا مولاي « وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » ، قال : أنت حرّ لوجه اللّه ، ولك ضعف ما كنت أعطيك(3) .

ما أقلّ ولد الحسين عليه السلام

وذكر ابن عبد ربّه في الجزء الرابع من كتاب العقد قال : قيل لعلي بن الحسين عليه السلام : ما أقلّ ولد أبيك ؟ فقال : العجب كيف ولدت له ! كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء(4) .

كلّ الكبر للّه

روى الفاضل المجلسي بأسانيده : قال رجل للحسين عليه السلام : إنّ فيك كبرا ! فقال : كلّ الكبر للّه وحده ، ولا يكون في غيره ، قال اللّه تعالى : ( وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤمِنِينَ »(5)

ص: 302


1- ترجمها المؤلف فقال : « وددت أنّ لسانك الذي يعد آية للرحمة الإلهية ومعدن الحلم والصبر يكون لي ، وقلبي الذي يعد سدا سديدا وسندانا حديدا أمام العدو لك .
2- كشف الغمة 2/31 الثامن في ذكر شيء من كلامه عليه السلام .
3- كشف الغمة 2/31 .
4- اللهوف : 94 المسلك الثاني .
5- تأويل الآيات الظاهرة : 670 سورة المنافقون ، بحار الأنوار 44/198 باب 26 .

المعروف بقدر المعرفة

روى الخوارزمي في كتابه : أنّ أعرابيا جاء إلى الحسين بن علي عليه السلام فقال : يا ابن رسول اللّه قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أدائه ، فقلت في نفسي : أسأل أكرم الناس ، وما رأيت أكرم من أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال الحسين : يا أخا العرب ، أسألك عن ثلاث مسائل ، فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال ، وإن أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال ، وإن أجبت عن الكل أعطيتك الكل ، فقال الأعرابي : يا ابن رسول اللّه ، أمثلك يسأل عن مثلي ، وأنت من أهل العلم والشرف ! فقال الحسين عليه السلام : بلى سمعت جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : المعروف بقدر المعرفة ، فقال الأعرابي : سل عما بدا لك ، فإن أجبت وإلاّ تعلّمت منك ، ولا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ .

فقال الحسين عليه السلام : أي الأعمال أفضل ؟ فقال الأعرابي : الإيمان باللّه .

فقال الحسين عليه السلام : فما النجاة من المهلكة ؟ فقال الأعرابي : الثقة باللّه .

فقال الحسين عليه السلام : فما يزين الرجل ؟ فقال الأعرابي : علم معه حلم .

فقال : فإن أخطأه ذلك ؟

فقال : مال معه مروءة .

فقال : فإن أخطأه ذلك ؟

فقال : فقر معه صبر .

فقال الحسين عليه السلام : فإن أخطأه ذلك ؟

فقال الأعرابي : فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه ، فإنّه أهل لذلك .

فضحك الحسين عليه السلام ورمى بصرة إليه فيها ألف دينار ، وأعطاه خاتمه ، وفيه فص قيمته مائتا درهم ، وقال : يا أعرابي أعط الذهب إلى غرمائك ، واصرف الخاتم في نفقتك ، فأخذ الأعرابي وقال : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » الآية(1) .

ص: 303


1- بحار الأنوار 44/196 باب 26 ح11 .

حكم المحرم إذا أصاب بيض النعام

قال الفاضل المجلسي : روي في بعض مؤفات أصحابنا عن أبي سلمة قال : حججت مع عمر بن الخطاب ، فلما صرنا بالأبطح ، فإذا بأعرابي قد أقبل علينا ، فقال : يا أمير المؤنين إنّي خرجت وأنا حاج محرم ، فأصبت بيض النعام ، فاجتنيت وشويت وأكلت ، فما يجب عليّ ؟ قال : ما يحضرني في ذلك شيء ، فاجلس لعل اللّه يفرج عنك ببعض أصحاب محمد صلى الله عليه و آله .

فإذا أمير المؤنين عليه السلام قد أقبل والحسين عليه السلام يتلوه ، فقال عمر : يا أعرابي هذا علي بن أبي طالب عليه السلام فدونك ومسألتك ، فقام الأعرابي وسأله ، فقال علي عليه السلام : يا أعرابي سل هذا الغلام عندك - يعني الحسين - ، فقال الأعرابي : إنّما يحيلني كلّ واحد منكم على الآخر ، فأشار الناس إليه ، ويحك هذا ابن رسول اللّه فاسأله ، فقال الأعرابي : يا ابن رسول اللّه ، إنّي خرجت من بيتي حاجا وقص عليه القصة .

فقال له الحسين : ألك إبل ؟ قال : نعم ، قال : خذ بعدد البيض الذي أصبت نوقا فاضربها بالفحولة ، فما فصلت فاهدها إلى بيت اللّه الحرام ، فقال عمر : يا حسين النوق يزلقن ، فقال الحسين : يا عمر إنّ البيض يمرقن ، فقال : صدقت وبررت .

فقام علي عليه السلام وضمّه إلى صدره وقال : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(1) .

خوف الحسين عليه السلام من اللّه

في المجلد السابع من العوالم عن جامع الأخبار : كان الحسين عليه السلام إذا توضأ تغيّر لونه ، وارتعدت مفاصله ، فقيل له في ذلك ، فقال : حقّ لمن وقف بين يدي اللّه الملك

الجبار أن يصفرّ لونه ، ويرتعد مفاصله(2) .

ص: 304


1- بحار الأنوار 44/197 باب 26 ح12 .
2- جامع الأخبار : 65 الفصل 29 وفيه : « علي بن الحسين عليهماالسلام » بدل : « الحسين عليه السلام » ، وفي المناقب 4/14 والبحار 43/339 عن الناقب و77/346 عن فلاح السائل عن كتاب اللؤلؤيات « الحسن بن علي عليهماالسلام » .

وفي المناقب لابن شهرآشوب : قيل له : ما أعظم خوفك من ربّك ؟ فقال : لا يأمن يوم القيامة إلاّ من خاف اللّه في الدنيا(1) .

خضاب الحسين عليه السلام

في العوالم عن الكافي باسناده عن أبي شيبة الأسدي قال : سألت أبا عبد اللَّهِ عليه السلام

عن خضاب الشعر ، فقال : خضب الحسين وأبو جعفر عليهماالسلام بالحناء والكتم(2) .

وروي أيضا عن أبي عبد اللَّهِ عليه السلام : قُتلَ الحسين عليه السلام وهو مختضب بالوسمة(3) .

ذكر ثواب لعن قاتلي الحسين عليه السلام

اشارة

مرّ في ما مضى في هذا الكتاب المبارك أنّ آدم صفي اللّه كان أول من عرف جلالة قدر الحسين عليه السلام ولعن قاتليه ، ثم تلاه في ذلك الأنبياء والمرسلين ، فلعنوا قاتليه ، فلا نكرر .

وقد ورد في كامل الزيارات عن كعب الأحبار أنّه قال : أول من لعن قاتل الحسين بن علي عليه السلام إبراهيم خليل الرحمن ، لعنه وأمر ولده بذلك ، وأخذ عليهم العهد والميثاق ، ثم لعنه موسى بن عمران ، وأمر أمته بذلك ، ثم لعنه داود وأمر بني إسرائيل

بذلك ، ثم لعنه عيسى وأكثر أن قال : يا بني إسرائيل العنوا قاتله ، وإن أدركتم أيامه

فلا تجلسوا عنه ، فإنّ الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء ، مقبل غير مدبر ، وكأنّي أنظر

إلى بقعته ، وما من نبي إلاّ وقد زار كربلاء ووقف عليها ، وقال : إنّك لبقعة كثيرة الخير ، فيك يدفن القمر الأزهر(4) .

ص: 305


1- المناقب 4/69 .
2- الكافي 6/481 باب الخضاب ح9 .
3- الكافي 6/483 باب السواد والوسمة .
4- كامل الزيارات : 67 الباب 21 ح2 .

الصادق عليه السلام يلعن قتلة الحسين عليه السلام

في العوالم عن كامل الزيارات باسناده عن داود الرقي قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذا استسقى الماء ، فلما شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه ، ثم قال لي : يا داود لعن اللّه قاتل الحسين عليه السلام ، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام

ولعن قاتله إلاّ كتب اللّه له مائة ألف حسنة ، وحطّ عنه مائة ألف سيئة ، ورفع له مائة

ألف درجة ، وكأنّما أعتق مائة ألف نسمة ، وحشره اللّه تعالى يوم القيامة ثلج الفؤد(1) .

الرضا عليه السلام يلعن قتلة الحسين عليه السلام

في عيون الأخبار باسناده عن الريان بن شبيب : يا ابن شبيب ، إن سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلى الله عليه و آله فالعن قتلة الحسين .

يا ابن شبيب ، إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين بن علي عليه السلام ، فقل متى ذكرته : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما(2) .

وفي عيون الأخبار أيضا عن الرضا عليه السلام : من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج

فليذكر الحسين عليه السلام وليلعن يزيد وآل زياد ، يمحو اللّه - عزّ وجلّ - بذلك ذنوبه ولو كانت بعدد النجوم(3) .

اللّهم العن يزيد وآل زياد

اللّه يلعن قاتل الحسين عليه السلام

في تفسير الإمام العسكري عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لما نزلت « وَإِذْ أَخَذْنا

مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ » الآية في اليهود ، أي الذين نقضوا عهد اللّه ، وكذبوا رسل اللّه ، وقتلوا أولياء اللّه : أفلا أنبئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأمة ؟ قالوا :

بلى يا رسول اللّه ، قال : قوم من أمتي ينتحلون أنّهم من أهل ملتي ، يقتلون

ص: 306


1- كامل الزيارات : 106 الباب 34 ح1 .
2- عيون أخبار الرضا 7 1/299 باب 28 ح1 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2/22 باب 30 .

أفاضل ذريتي ، وأطايب أرومتي ، ويبدلون شريعتي وسنتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين ، كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى ، ألا وإنّ اللّه يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث

على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم ، ألا ولعن اللّه قتلة الحسين عليه السلام ومحبيهم وناصريهم والساكتين عن لعنهم من غير تقية يسكتهم ، ألا وصلّى اللّه على الباكين على الحسين رحمة وشفقة واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظا وحنقا ، ألا و إنّ الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته ، ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم المقتدين بهم براء من دين اللّه ، إنّ اللّه ليأمر ملائكته المقربين أن يتلقوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسين إلى الخزان في الجنان ، فيمزجوها بماء الحيوان فتزيد عذوبتها وطيبها ألف ضعفها ، وإنّ الملائكة ليتلقّون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسين يتلقونها في الهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغساقها وغسلينها فيزيد في شدّة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها ، يشدّد بها على المنقولين إليها من أعداء آل محمد عذابهم(1) .

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ستة لعنهم اللّه

روى الفاضل المجلسي عن الخصال باسناده عن علي بن الحسين عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ستة لعنهم اللّه وكلّ نبي مجاب : الزائد في كتاب اللّه ، والمكذب بقدر اللّه ، والتارك لسنتي ، والمستحل من عترتي ما حرّم اللّه ، والمتسلط بالجبروت ليذلّ

من أعزّه اللّه ويعزّ من أذلّه اللّه ، والمستأثر بفيء المسلمين المستحل له(2) .

قصة كامل مع عمر بن سعد

في بحار الأنوار والعوالم عن بعض مؤفات المعاصرين : أنّه لما جمع ابن زياد - لعنه اللّه - قومه لحرب الحسين عليه السلام كانوا سبعين ألف فارس ، فقال ابن زياد : أيّها الناس من منكم يتولى قتل الحسين وله ولاية أي بلد شاء ؟ فلم يجبه أحد منهم .

ص: 307


1- تفسيرالإمام العسكري : 863 ح258 ، بحار الأنوار 44/304 باب 36 ح17 .
2- الخصال 1/338 ستة ملعونون ح41 .

فاستدعى بعمر بن سعد - لعنه اللّه - وقال له : يا عمر ، أريد أن تتولّى حرب الحسين بنفسك ، فقال له : اعفني من ذلك ، فقال ابن زياد : قد أعفيتك يا عمر ، فاردد علينا عهدنا الذي كتبنا إليك بولاية الري ، فقال عمر : أمهلنا الليلة ، فقال له : قد أمهلتك .

فانصرف عمر بن سعد إلى منزله وجعل يستشير قومه وإخوانه ومن يثق به من أصحابه ، فلم يشر عليه أحد بذلك ، وكان عند عمر بن سعد رجل من أهل الخير يقال له « كامل » ، وكان صديقا لأبيه من قبله ، فقال له : يا عمر ما لي أراك بهيئة وحركة ؟ فما الذي أنت عازم عليه ؟ وكان كامل - كاسمه - ذا رأي وعقل ودين كامل .

فقال له ابن سعد لعنه اللّه : إنّي قد وليت أمر هذا الجيش في حرب الحسين ، وإنّما قتله عندي وأهل بيته كأكلة آكل أو كشربة ماء ، وإذا قتلته خرجت إلى ملك الري ، فقال له كامل : أف لك يا عمر بن سعد ، تريد أن تقتل الحسين ابن بنت رسول اللّه ؟ أف لك ولدينك يا عمر ، أسفهت الحقّ وضللت الهدى ؟ أما تعلم إلى حرب من تخرج ولمن تقاتل ؟ إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، واللّه لو أعطيت الدنيا وما فيها على قتل رجل واحد من أمة محمد لما فعلت ، فكيف تريد تقتل الحسين بن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ وما الذي تقول غدا لرسول اللّه إذا وردت عليه وقد قتلت ولده وقرة عينه وثمرة فؤده ، وابن سيدة نساء العالمين ، وابن سيد الوصيين ؟ وهو سيد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين ، وإنّه في زماننا هذا بمنزلة جدّه في زمانه ، وطاعته فرض علينا كطاعته ، وإنّه

باب الجنة والنار ، فاختر لنفسك ما أنت مختار ، وإنّي أشهد باللّه إن حاربته أو قتلته

أو أعنت عليه أو على قتله لا تلبث في الدنيا بعده إلاّ قليلا .

فقال له عمر بن سعد : فبالموت تخوفني ؟ وإنّي إذا فرغت من قتله أكون أميرا على سبعين ألف فارس ، وأتولى ملك الري ، فقال له كامل : إنّي أحدّثك بحديث صحيح أرجو لك فيه النجاة إن وفقت لقبوله :

اعلم أنّي سافرت مع أبيك سعد إلى الشام ، فانقطعت بي مطيتي عن أصحابي وتهت وعطشت ، فلاح لي دير راهب ، فملت إليه ونزلت عن فرسي ، وأتيت إلى باب الدير لأشرب ماء ، فأشرف علي راهب من ذلك الدير وقال : ما تريد ؟ فقلت له :

ص: 308

إنّي عطشان ، فقال لي : أنت من أمة هذا النبي الذين يقتل بعضهم بعضا على حبّ الدنيا مكالبة ، ويتنافسون فيها على حطامها ؟ فقلت له : أنا من الأمة المرحومة ، أمة محمد صلى الله عليه و آله .

فقال : إنّكم أشرّ أمة ، فالويل لكم يوم القيامة ، وقد غدوتم إلى عترة نبيكم وتسبون نساءه ، وتنهبون أمواله ، فقلت له : يا راهب ، نحن نفعل ذلك ؟ قال : نعم وإنّكم إذا فعلتم ذلك عجت السماوات والأرضون والبحار والجبال والبراري والقفار والوحوش والأطيار باللعنة على قاتله ، ثم لا يلبث قاتله في الدنيا إلاّ قليلا ، ثم يظهر رجل يطلب بثأره ، فلا يدع أحدا شرك في دمه إلاّ قتله وعجل اللّه بروحه إلى النار .

ثم قال الراهب : إنّي لأرى لك قرابة من قاتل هذا الابن الطيب ، واللّه إنّي لو أدركت أيامه لوقيته بنفسي من حرّ السيوف ، فقلت : يا راهب ، إنّي أعيذ نفسي أن أكون ممن يقاتل ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : إن لم تكن أنت فرجل قريب منك ، وإنّ قاتله عليه نصف عذاب أهل النار ، وإنّ عذابه أشدّ من عذاب فرعون وهامان ، ثم ردم الباب في وجهي ودخل يعبد اللّه تعالى ، وأبى أن يسقيني الماء .

قال كامل : فركبت فرسي ولحقت أصحابي ، فقال لي أبوك سعد : ما بطأك عنّا يا كامل ؟ فحدثته بما سمعته من الراهب ، فقال لي : صدقت .

ثم إنّ سعدا أخبرني أنّه نزل بدير هذا الراهب مرة من قبلي فأخبره أنّه هو الرجل الذي يقتل ابن بنت رسول اللّه ، فخاف أبوك سعد من ذلك ، وخشي أن تكون أنت قاتله ، فأبعدك عنه وأقصاك ، فاحذر يا عمر أن تخرج عليه يكون عليك نصف عذاب أهل النار .

قال : فبلغ الخبر ابن زياد - لعنه اللّه - فاستدعى بكامل وقطع لسانه ، فعاش يوما أو بعض يوم ومات رحمه اللّه (1) .

ص: 309


1- بحار الأنوار 44/305 باب 36 .

ذكر كفر قتلة سيد الشهداء وأنّهم أبناء زنا وشدة عذابهم

اشارة

في عيون الأخبار باسانيد متعددة عن الرضا عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ قاتل الحسين بن علي عليه السلام في تابوت من نار ، عليه نصف عذاب أهل الدنيا ، وقد شدت يداه ورجلاه بسلاسل من نار ، منكس في النار حتى يقع في قعر جهنم ، وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربّهم من شدّة نتنه ، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم ، مع جميع من شايع على قتله ، كلّما نضجت جلودهم بدّل اللّه - عزّ وجل - عليهم الجلود حتى يذوقوا العذاب الأليم ، لا يفتر عنهم ساعة ، ويسقون من حميم جهنم ، فالويل لهم من عذاب اللّه تعالى في النار(1) .

عذاب قتلة الحسين عليه السلام

في صحيفة الرضا عليه السلام وعيون الأخبار عن الرضا عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ موسى بن عمران سأل ربّه - عزّ جل - فقال : يا ربّ إنّ أخي هارون مات فاغفر له ، فأوحى اللّه تعالى إليه : يا موسى لو سألتني في الأولين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، فإنّي أنتقم له من قاتله(2) .

وفي كتاب ثواب الأعمال باسناده عن عيص بن القاسم قال : ذكر عند أبي عبد اللّه عليه السلام قاتل الحسين عليه السلام ، فقال بعض أصحابه : كنت أتمني أن ينتقم اللّه منه في الدنيا ، قال : كأنّك تستقل له عذاب اللّه ، وما عند اللّه أشدّ عذابا وأشدّ

نكالا منه(3) .

ص: 310


1- عيون أخبار الرضا 7 2/47 باب 31 ح178 .
2- عيون أخبار الرضا 7 2/47 باب 31 ح179 .
3- ثواب الأعمال : 216 عقاب من قتل الحسين عليه السلام .

وفي أمالي الشيخ عن الحسن بن أبي فاختة قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّي أذكر الحسين بن علي عليه السلام ، فأي شيء أقول إذا ذكرته ؟ فقال : قل : صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه (1) ، تكررها ثلاثا(2) .

وفي ثواب الأعمال باسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ في النار منزلة لم يكن يستحقها أحد من الناس إلاّ بقتل الحسين بن علي ويحيى بن زكريا عليه السلام(3) .

وفي كامل الزيارات باسناده عن عمرو بن هبيرة قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله والحسن والحسين في حجره ، يقبّل هذا مرة ، وهذا مرة ، ويقول للحسين : إنّ الويل لمن يقتلك(4) .

وفي كامل الزيارات باسناده عن سعد الإسكاف قال : قال أبو جعفر عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من سرّه أن يحيا محياي ويموت مماتي ، ويدخل جنة عدن ، فيلزم قضيبا غرسه ربّي بيده ، فليتول عليا والأوصياء من بعده ، وليسلّم لفضلهم ، فإنّهم الهداة المرضيون ، أعطاهم اللّه فهمي وعلمي ، وهم عترتي من لحمي ودمي ، إلى اللّه

أشكو عدوّهم من أمتي ، المنكرين لفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي ، واللّه ليقتلن ابني ، لا أنالهم اللّه شفاعتي(5) .

إخبار اللّه نبيه موسى بما يجري في عاشوراء

روى الفاضل المجلسي عن كتب الأخبار قال : إنّ موسى بن عمران رآه إسرائيلي

ص: 311


1- استبدل المؤلف لفظ « صلى اللّه عليك » بلفظ « السلام عليك » فقال : « تقول ثلاثا : السلام عليك يا أبا عبد اللّه » ، ولكل لفظ خصوصيته فينبغي التوقف على لفظ الرواية .
2- الأمالي للطوسي : 45 المجلس 2 ، بحار الأنوار 44/301 باب 36 ح7 .
3- ثواب الأعمال : 216 عقاب من قتل الحسين عليه السلام .
4- كامل الزيارات : 70 الباب 22 ح5 .
5- كامل الزيارات : 69 الباب 22 ح3 .

مستعجلا ، وقد كسته الصفرة ، واعترى بدنه الضعف ، وحكم بفرائصه الرجف ، وقد اقشعر جسمه ، وغارت عيناه ونحف ، لأنّه كان إذا دعاه ربّه للمناجاة يصير عليه ذلك من خيفة اللّه تعالى ، فعرفه الإسرائيلي ، وهو ممن آمن به ، فقال له : يا نبي اللّه

أذنبت ذنبا عظيما ، فاسأل ربّك أن يعفو عني ، فأنعم وسار .

فلما ناجى ربّه قال له : يا ربّ العالمين ، أسألك وأنت العالم قبل نطقي به ، فقال تعالى : يا موسى ما تسألني أعطيك ، وما تريد أبلغك ، قال : ربّ إنّ فلانا عبدك الإسرائيلي أذنب ذنبا ويسألك العفو ، قال : يا موسى أعفو عمن استغفرني ، إلاّ قاتل الحسين . قال موسى : يا ربّ ومن الحسين ؟ قال له : الذي مرّ ذكره عليك بجانب الطور ، قال : يا ربّ ومن يقتله ؟

قال : يقتله أمة جدّه الباغية الطاغية في أرض كربلاء ، وتنفر فرسه وتحمحم وتصهل ، وتقول في صهيلها : الظليمة الظليمة من أمة قتلت ابن بنت نبيها ، فيبقى ملقى

على الرمال من غير غسل ولا كفن ، وينهب رحله ، ويسبى نساؤ في البلدان ، ويقتل ناصره ، وتشهر رؤوسهم مع رأسه على أطراف الرماح ، يا موسى صغيرهم يميته العطش ، وكبيرهم جلده منكمش ، يستغيثون ولا ناصر ، ويستجيرون ولا خافر .

قال : فبكى موسى عليه السلام وقال : يا ربّ وما لقاتليه من العذاب ؟ قال : يا موسى عذاب يستغيث منه أهل النار بالنار ، لا تنالهم رحمتي ، ولا شفاعة جده ، ولو لم تكن كرامة له لخسفت بهم الأرض .

قال موسى : برئت إليك اللّهم منهم وممن رضي بفعالهم ، فقال سبحانه : يا موسى كتبت رحمة لتابعيه من عبادي ، واعلم أنّه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرمت جسده على النار(1) .

ص: 312


1- بحار الأنوار 44/307 باب 36 .

ذكر أنّ قتلة الإمام الحسين عليه السلام وأتباعهم أبناء زنا

كان معاوية أول نغل حيث نسب الى أربعة كما ذكر الزمخشري ذلك برواية أهل السنة والجماعة ، قال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار : كان معاوية يعزى إلى أربعة(1) . . ثم إنّه نسبه الى غلام أبي سفيان وأوعز أنّ ذلك كان سببا مهما في حمل معاوية على استخلاف يزيد لقتل الحسين عليه السلام .

وقد أتينا على أخبار نسب معاوية في كتاب الإمام الحسن عليه السلام فلا نكرر ، كما أننا ذكرنا نسب يزيد في هذا الكتاب وقلنا أن أمه ميسون بنت بجدل الكلبية أمكنت عبد أبيها عن نفسها ، فحملت يزيد - لعنه اللّه - ، فلما حملها معاوية من البادية الى قصره كانت حاملا به ، فلما ولدته ادعاه معاوية ، ثم إنّ ميسون كرهت معاوية وهجته وصارت الى حوارين .

وإلى هذا أشار النسابة الكلبي(2) بقوله :

فإن يكن الزمان أتى علينا

بقتل الترك والموت الوحي

فقد قتل الدعي وعبد كلب

بأرض الطف أولاد النبي

أراد بالدعي عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه ، فإنّ أباه زياد ابن سمية كانت أمه سمية مشهورة بالزنا ، فلما طلقها الحارث بن كلدة الطبيب العربي ، صارت الى الطائف ، فتزوجت أبي عبيد عبد بني علاج من ثقيف ، وهي على الزنا ، فزنا بها أبو سفيان في إحدى أسفاره الى الطائف ، فأولدها زيادا ، ولم يكن يعرف لزياد أب ، وكانت عائشة تسميه : زياد ابن أبيه ، لأنّه ليس له أب معروف ، حتى بلغ الكهولة من العمر ادعاه معاوية وصار أخوه ، فسماه الناس « الدعي » ، والدعي هو ابن الزنا ،

ص: 313


1- بحار الأنوار 33/200 باب 17 .
2- قال المؤلف : « النسابة البكري » هنا وفي الموضع الذي يأتي .

وقد ذكرنا ترجمة زياد ابن أبيه وقصة استلحاقه في كتاب الخلفاء وكتاب أمير المؤمنين عليه السلام وكتاب الإمام الحسن عليه السلام .

ومراد النسابة الكلبي بعبد كلب : يزيد بن معاوية ، لأنّه من عبد بجدل الكلبي .

وأمّا عمر بن سعد - لعنه اللّه - فقد نسبوا أباه سعدا إلى غير أبيه ، وإنّه من رجل من بني عذرة ، كان خدنا لأمه ، وقد شهدت بذلك أمه ، ويشهد بذلك قول معاوية - لعنه اللّه - حين قال سعد لمعاوية : أنا أحقّ بهذا الأمر منك ، فقال له معاوية : يأبى عليك

ذلك بنو عذرة ، وضرط له ، وأشار الى ذلك السيد الحميري فقال :

قدما تداعوا زنيما ثم سادهم

لولا خمول بني سعد لما سادوا(1)

وفي كامل الزيارات باسناده عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قاتل الحسين بن علي ولد زنا(2) .

وروي بطريق آخر عن كليب بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وكان قاتل الحسين عليه السلام ولد زنا ، ولم تبك السماء إلاّ عليهما(3) .

ذكر إنتقام اللّه من قتلة الحسين عليه السلام في الرجعة وعلّة تأخير عذابهم وعلّة قتل أولادهم

اشارة

في كتاب العوالم باسناده عن عبد اللّه بن بكر الأرجاني قال : صحبت أبا عبد اللّه عليه السلام في طريق مكة من المدينة ، فنزل منزلا يقال له « عسفان » ، ثم مررنا بجبل أسود على يسار الطريق وحش ، فقلت : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما أوحش هذا الجبل ؟ ما رأيت في الطريق جبلا مثله .

ص: 314


1- انظر بحار الأنوار 44/307 باب 36 .
2- كامل الزيارات : 78 الباب 25 ح8 .
3- كامل الزيارات : 77 الباب 25 ح9 .

فقال : يا ابن بكر ، أتدري أيّ جبل هذا ؟ هذا جبل يقال له « الكمد » ، وهو على واد من أودية جهنم ، فيه قتلة أبي الحسين صلوات اللّه عليه ، استودعهم اللّه فيه ، تجري من تحته مياه جهنم من الغسلين والصديد والحميم الآن ، وما يخرج من جهنم ، وما يخرج من طينة خبال ، وما يخرج من لظى ، وما يخرج من الحطمة ، وما يخرج من سقر ، وما يخرج من الجحيم ، وما يخرج من الهاوية ، وما يخرج من السعير ، وما مررت بهذا الجبل في مسيري فوقفت إلاّ رأيتهما يستغيثان ويتضرّعان ، وإنّي لأنظر إلى قتلة أبي فأقول لهما : إنّ هؤاء إنّما فعلوا لما أسّستما ، لم ترحمونا إذ وليتم ، وقتلتمونا وحرمتمونا ، ووثبتم على حقّنا ، واستبددتم بالأمر دوننا ، فلا رحم اللّه من رحمكما ،

ذوقا وبال ما صنعتما ، وما اللّه بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ(1) .

قال صاحب العوالم : في كامل الزيارات مثله ، وفيه زيادة تتضمن كفر الثلاثة ونفاقهم ولعنهم وشديد عذابهم(2) .

ص: 315


1- بحار الأنوار : 20/188 الباب 3 ح49 .
2- في كامل الزيارات : 326 الباب 108 ح2 : وبهذا الإسناد عن عبد اللّه الأصم عن عبد اللّه بن بكر الأرجاني قال : صحبت أبا عبد اللّه عليه السلام في طريق مكة من المدينة ، فنزلنا منزلا يقال له « عسفان » ، ثم مررنا بجبل أسود عن يسار الطريق موحش ، فقلت له : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما أوحش هذا الجبل ؟ ما رأيت في الطريق مثل هذا ، فقال لي : يا ابن بكر ، أتدري أي جبل هذا ؟ قلت : لا ، قال : هذا جبل يقال له « الكمد » ، وهو على واد من أودية جهنم ، وفيه قتلة أبي الحسين عليه السلام ، استودعهم فيه ، تجري من تحتهم مياه جهنم من الغسلين والصديد والحميم ، وما يخرج من جب الجوي ، وما يخرج من الفلق من اثام ، وما يخرج من طينة الخبال ، وما يخرج من جهنم ، وما يخرج من لظى ، ومن الحطمة ، وما يخرج من سقر ، وما يخرج من الحميم ، وما يخرج من الهاوية ، وما يخرج من السعير ، وما مررت بهذا الجبل في سفري فوقفت به إلاّ رأيتهما يستغيثان إليّ ، وإنّي لأنظر إلى قتلة أبي وأقول لهما : إنّما هؤاء فعلوا ما أسستما ، لم ترحمونا إذ وليتم ، وقتلتمونا وحرمتمونا ، ووثبتم على قتلنا [حقنا] ، واستبددتم بالأمر دوننا ، فلا رحم اللّه من يرحمكما ، ذوقا وبال ما قدمتما ، وما اللّه بظلام للعبيد ، وأشدّهما تضرعا واستكانة الثاني ، فربما وقفت عليهما ليتسلى عني بعض ما في قلبي ، وربما طويت الجبل الذي هما فيه ، وهو جبل الكمد ، قال : قلت له : جعلت فداك ، فإذا طويت الجبل فما تسمع ؟ قال : أسمع أصواتهما يناديان عرج علينا نكلمك ، فإنا نتوب ، وأسمع من الجبل صارخا يصرخ بي : أجبهما وقل لهما : اخسئوا فيها ولا تكلمون ، قال : قلت له : جعلت فداك ومن معهم ؟ قال : كلّ فرعون عتا على اللّه ، وحكى اللّه عنه فعاله ، وكل من علم العباد الكفر ، فقلت : من هم ؟ قال : نحو بولس الذي علم اليهود أن يد اللّه مغلولة ، ونحو نسطور الذي علم النصارى أن عيسى المسيح ابن اللّه وقال لهم : هم ثلاثة ، ونحو فرعون موسى الذي قال : أنا ربكم الأعلى ، ونحو نمرود الذي قال : قهرت أهل الأرض وقتلت من في السماء ، وقاتل أمير المؤنين عليه السلام ، وقاتل فاطمة ومحسن ، وقاتل الحسن والحسين عليهم السلام ، فأما معاوية وعمرو فما يطمعان في الخلاص ، ومعهم كلّ من نصب لنا العداوة وأعان علينا بلسانه ويده وماله ، قلت له : جعلت فداك ، فأنت تسمع ذا كلّه ولا تقرع ؟ قال : يا ابن بكر ، إنّ قلوبنا غير قلوب الناس ، إنّا مطيعون مصفون مصطفون ، نرى ما لا يرى الناس ، ونسمع ما لا يسمع الناس ، وإنّ الملائكة تنزل علينا في رحالنا ، وتتقلب في فرشنا ، وتشهد طعامنا ، وتحضر موتانا ، وتأتينا بأخبار ما يحدث قبل أن يكون ، وتصلي معنا ، وتدعو لنا ، وتلقي علينا أجنحتها ، وتتقلب على أجنحتها صبياننا ، وتمنع الدواب أن تصل إلينا ، وتأتينا مما في الأرضين من كلّ نبات في زمانه ، وتسقينا من ماء كلّ أرض نجد ذلك في آنيتنا ، وما من يوم ولا ساعة ولا وقت صلاة إلاّ وهي تتهيأ لها ، وما من ليلة تأتي علينا إلاّ وأخبار كلّ أرض عندنا ، وما يحدث فيها ، وأخبار الجن ، وأخبار أهل الهواء من الملائكة ، وما من ملك يموت في الأرض ويقوم غيره إلاّ أتانا خبره ، وكيف سيرته في الذين قبله ، وما من أرض من ستة أرضين إلى السابعة إلاّ ونحن نؤى بخبرهم ، فقلت : جعلت فداك ، فأين منتهى هذا الجبل ؟ قال : إلى الأرض السابعة [السادسة] ، وفيها جهنم على واد من أوديته ، عليه حفظة أكثر من نجوم السماء وقطر المطر وعدد ما في البحار وعدد الثرى ، قد وكّل كلّ ملك منهم بشيء ، وهو مقيم عليه لا يفارقه ، قلت : جعلت فداك ، إليكم جميعا يلقون الأخبار ؟ قال : لا ، إنّما يلقى ذلك إلى صاحب الأمر ، وإنا لنحمل ما لا يقدر العباد على الحكومة فيه فنحكم فيه ، فمن لم يقبل حكومتنا جبرته الملائكة على قولنا ، وأمرت الذين يحفظون ناحية أن يقسروه على قولنا ، وإن كان من الجن من أهل الخلاف والكفر أوثقته وعذبته حتى يصير إلى ما حكمنا به ، قلت : جعلت فداك ، فهل يرى الإمام ما بين المشرق والمغرب ، فقال : يا ابن بكر ، فكيف يكون حجة اللّه على ما بين قطريها وهو لا يراهم ولا يحكم فيهم ؟ وكيف يكون حجة على قوم غيب لا يقدر عليهم ولا يقدرون عليه ؟ وكيف يكون مؤيا عن اللّه وشاهدا على الخلق وهو لا يراهم ؟ وكيف يكون حجة عليهم وهو محجوب عنهم ؟ وقد جعل بينهم وبينه أن يقوم بأمر ربّه فيهم ، واللّه يقول « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ » يعني به من على الأرض ، والحجة من بعد النبي صلى الله عليه و آلهيقوم مقام النبي صلى الله عليه و آلهمن بعده ، وهو الدليل على ما تشاجرت فيه الأمة ، والآخذ بحقوق الناس ، والقيام بأمر اللّه ، والمنصف لبعضهم من بعض ، فإذا لم يكن معهم من ينفذ قوله وهو يقول « سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ » ، فأي آية في الآفاق غيرنا أراها اللّه أهل الآفاق ؟ وقال : « ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها »فأي آية أكبر منا ؟ واللّه إنّ بني هاشم وقريشا لتعرف ما أعطانا اللّه ، ولكن الحسد أهلكهم كما أهلك إبليس ، وإنّهم ليأتوننا إذا اضطروا وخافوا على أنفسهم ، فيسألونا فنوضح لهم ، فيقولون : نشهد أنّكم أهل العلم ، ثم يخرجون فيقولون : ما رأينا أضلّ ممن اتبع هؤاء ، ويقبل مقالتهم ، قلت : جعلت فداك أخبرني عن الحسين عليه السلام لو نبش كانوا يجدون في قبره شيئا ؟ قال : يا ابن بكر ، ما أعظم مسائلك ؟ الحسين عليه السلام مع أبيه وأمه وأخيه الحسن في منزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحبون كما يحبى ، ويرزقون كما يرزق ، فلو نبش في أيامه لوجد ، وأما اليوم فهو حي عند ربّه يرزق ، وينظر إلى معسكره ، وينظر إلى العرش متى يؤر أن يحمله ، وإنّه لعلى يمين العرش متعلق يقول : يا ربّ أنجز لي ما وعدتني ، وإنّه لينظر إلى زواره ، وهو أعرف بهم وبأسماء آبائهم وبدرجاتهم وبمنزلتهم عند اللّه من أحدكم بولده وما في رحله ، وإنّه ليرى من يبكيه فيستغفر له رحمة له ، ويسأل أباه الإستغفار له ، ويقول : لو تعلم أيّها الباكي ما أعد لك لفرحت أكثر مما جزعت ، فليستغفر له كلّ من سمع بكاءه من الملائكة في السماء وفي الحائر ، وينقلب وما عليه من ذنب .

ص: 316

في المناقب لابن شهرآشوب باسناده عن علي بن الحسين عليه السلام قال : خرجنا مع الحسين ، فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلاّ وذكر يحيى بن زكريا ، وقال يوما : من هوان الدنيا على اللّه أنّ رأس يحيى أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل .

ص: 317

وفي حديث مقاتل(1) عن زين العابدين عليه السلام عن أبيه عليه السلام : أنّ إمرأة ملك بني إسرائيل كبرت وأرادت أن تزوج بنتها منه للملك ، فاستشار الملك يحيى بن زكريا فنهاه عن ذلك ، فعرفت المرأة ذلك ، وزيّنت بنتها وبعثتها إلى الملك ، فذهبت ولعبت بين يديه ، فقال لها الملك : ما حاجتك ؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا ، فقال الملك : يا

بنية حاجة غير هذه ، قالت : ما أريد غيره .

وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه ، فخيّر بين ملكه وبين قتل يحيى فقتله ، ثم بعث برأسه إليها في طشت من ذهب ، فأمرت الأرض فأخذتها ، وسلّط اللّه عليهم بخت نصر ، فجعل يرمي عليهم بالمناجيق ولا تعمل شيئا .

فخرجت عليه عجوز من المدينة فقالت : أيّها الملك ، إنّ هذه مدينة الأنبياء لا تنفتح إلاّ بما أدلّك عليه ، قال : لك ما سألت ، قالت : ارمها بالخبث والعذرة ، ففعل

فتقطعت ، فدخلها ، فقال : عليّ بالعجوز ، فقال لها : ما حاجتك ؟ قالت : في المدينة دم

يغلي ، فاقتل عليه حتى يسكن ، فقتل عليه سبعين ألفا حتى سكن .

يا ولدي يا علي ، واللّه لا يسكن دمي حتى يبعث اللّه المهدي ، فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا(2) .

وقد ذكرنا قصة قتل يحيى في آخر المجلد الأول من الكتاب الأول من ناسخ التواريخ .

في كتاب عقاب الأعمال باسناده عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلامقال : سمعته يقول : القائم واللّه يقتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها(3) .

وفي كامل الزيارات باسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : تلا هذه الآية « إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهادُ » ، قال : الحسين بن علي منهم ، ولم ينصر بعد ، ثم قال : واللّه لقد قتل قتلة الحسين عليه السلام ، ولم يطلب بدمه بعد(4) .

ص: 318


1- قال المؤلف : « وفي كتاب مقاتل » .
2- المناقب 4/85 فصل في مقتله عليه السلام .
3- ثواب الأعمال وعقابها : 217 عقاب من قتل الحسين عليه السلام .
4- كامل الزيارات : 63 الباب 18 ح2 .

وباسناده أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول في قول اللّه - عزّ وجلّ - « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ » قال : علي والحسن والحسين عليهم السلام .

تفسير فلا عدوان إلاّ على الظالمين

في كامل الزيارات باسناده عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تبارك وتعالى : « فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ » قال : أولاد قتلة الحسين عليه السلام(1) .

وروى عثمان بن عيسى مثله ، وفي تفسير العياشي أيضا قال : الظالمين ذرية قتلة الحسين عليه السلام .

وفي العوالم في قوله تعالى : « فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ » قال : لا يعتدي اللّه على أحد إلاّ على نسل قتلة الحسين(2) .

تفسير وقضينا الى بني إسرائيل

في كامل الزيارات باسناده عن صالح بن سهل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه - عزّ وجلّ - « وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ »

قال : قتل أمير المؤنين عليه السلام ، وطعن الحسن بن علي عليه السلام ، « وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً » قتل الحسين بن علي عليه السلام ، « فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما » قال : إذا جاء نصر الحسين عليه السلام « بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ » قوما يبعثهم اللّه قبل قيام القائم عليه السلام لا يدعون وترا لآل محمد إلاّ أحرقوه « وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً »(3) .

تفسير ومن قتل مظلوما

في كتاب العوالم باسناد معتبر قال الراوي : سألت عن أبي عبد اللّه عليه السلام

في قوله تعالى « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً »قال : ذلك قائم آل محمد يخرج فيقتل بدم الحسين عليه السلام ،

ص: 319


1- كامل الزيارات : 63 الباب 18 ح4 .
2- تفسير العياشي 1/87 من سورة البقرة ح216 .
3- كامل الزيارات : 62 الباب 18 ح1 .

فلو قتل أهل الأرض لم يكن مسرفا ، وقوله « فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ » لم يكن ليصنع شيئا يكون سرفا .

ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يقتل - واللّه - ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها(1) .

القائم عليه السلام يقتل ذرية قتلة الحسين عليه السلام

في علل الشرائع وعيون الأخبار عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام : يا ابن رسول اللّه ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها ؟ فقال عليه السلام : هو كذلك .

فقلت : فقول اللّه - عزّ وجل - « وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى » ما معناه ؟ فقال : صدق اللّه في جميع أقواله ، لكن ذراري قتلة الحسين يرضون أفعال آبائهم ويفتخرون بها ، ومن رضي شيئا كان كمن أتاه ، ولو أنّ رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند اللّه شريك القاتل ، وإنّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم .

فقلت له : بأي شيء يبدأ القائم فيهم إذا قام ؟ قال : يبدأ ببني شيبة ويقطع أيديهم ،

لأنّهم سراق بيت اللّه - عزّ وجل -(2) .

في المناقب لابن شهرآشوب قال الصادق عليه السلام : قتل بالحسين مائة ألف [وما طلب بثأره ، وسيطلب بثأره(3)] .

علّة عدم مسخ قتلة الحسين عليه السلام

في تفسير الإمام والإحتجاج :. . . ثم قال علي بن الحسين عليه السلام : إنّ اللّه تعالى مسخ هؤاء لإصطياد السمك ، فكيف ترى عند اللّه - عزّ وجلّ - يكون حال من

ص: 320


1- كامل الزيارات : 63 الباب 18 ح5 .
2- علل الشرائع 1/229 باب 164 ح1 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1/273 باب 28 .
3- المناقب 4/81 فصل في المفردات .

قتل أولاد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهتك حريمه ؟ إنّ اللّه تعالى ، وإن لم يمسخهم في الدنيا ، فإنّ

المعدّ لهم من عذاب اللّه في الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ .

فقيل له : يا ابن رسول اللّه ، فإنّا قد سمعنا منك هذا الحديث ، فقال لنا بعض النصاب : فإن كان قتل الحسين عليه السلام باطلا فهو أعظم من صيد السمك في السبت ، أفما كان يغضب اللّه على قاتليه كما غضب على صيادي السمك ؟

قال علي بن الحسين عليه السلام : قل لهؤاء النصاب : فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه ، فأهلك اللّه تعالى من شاء منهم كقوم نوح وفرعون ، ولم يهلك إبليس ، وهو أولى بالهلاك ، فما باله أهلك هؤاء الذين قصروا عن إبليس في عمل الموبقات ، وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات ، ألا كان ربّنا - عزّ وجلّ -

حكيما بتدبيره وحكمه فيمن أهلك وفيمن استبقى ، فكذلك هؤاء الصائدون للسمك في السبت ، وهؤاء القاتلون للحسين عليه السلام ، يفعل في الفريقين ما يعلم أنّه أولى بالصواب والحكمة ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون(1) .

وقال الباقر عليه السلام : لما حدث علي بن الحسين بهذا الحديث قال له بعض من في مجلسه : يا ابن رسول اللّه كيف يعاتب اللّه ويوبخ هؤاء الأخلاف على قبائح أتى بها أسلافهم وهو يقول : « وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى » ؟ فقال زين العابدين عليه السلام : إنّ القرآن نزل بلغة العرب ، فهو يخاطب فيه أهل اللسان بلغتهم ، يقول الرجل لتميمي قد أغار قومه على بلد وقتلوا من فيه : أغرتم على بلد كذا ، [ويقول العربي أيضا : ونحن فعلنا ببني فلان ، ونحن سبينا آل فلان ، ونحن خربنا بلد كذا] لا يريد أنّهم باشروا ذلك ، ولكن يريد هؤاء بالعذل وأولئك بالافتخار ، أنّ قومهم فعلوا كذا ، وقول اللّه - عزّ وجلّ - في هذه الآية إنّما هو توبيخ لأسلافهم وتوبيخ العذل على هؤاء الموجودين ، لأنّ ذلك هو اللغة التي أنزل بها القرآن ، ولأنّ هؤاء الأخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم ، مصوّبون ذلك لهم ، فجاز أن يقال لهم : أنتم فعلتم ، أي إذ رضيتم قبيح فعلهم(2) .

ص: 321


1- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 270 ح137 .
2- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 271 ، بحار الأنوار 45/296 باب 45 .

ذكر بعض ما إنتقم اللّه به من قتلة الحسين عليه السلام في الدنيا

اشارة

في كتاب بصائر الدرجات بإسناده عن عبدالرحمن الغنوي عن سليمان(1) قال: وهل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول اللّه يعزيه في ولده الحسين ، ويخبره بثواب اللّه إياه ، ويحمل إليه تربته مصروعا عليها مذبوحا مقتولا طريحا مخذولا ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اللّهم اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، واذبح من ذبحه ، ولا تمتعه بما طلب .

قال عبد الرحمن : فواللّه لقد عوجل الملعون يزيد ، ولم يتمتع بعد قتله ، ولقد أخذ مغافصة ، بات سكران وأصبح ميتا متغيرا كأنّه مطلي بقار ، أخذ على أسف ، وما بقي أحد ممن تابعه على قتله أو كان في محاربته إلاّ أصابه جنون أو جذام أو برص ، وصار ذلك وراثة في نسلهم(2) .

عذاب ابن زياد في الدنيا

في كتب المناقب والكتب المعتبرة مسندا عن عبد الملك بن كردوس عن حاجب ابن زياد لعنه اللّه قال : دخلت القصر خلف عبيد اللّه بن زياد - لعنه اللّه - فاضطرم في وجهه نارا ، فقال هكذا بكمه على وجهه ، فقال : هل رأيت ؟ قلت : نعم ، فأمرني أن أكتم ذلك(3) .

وفي كتاب عقاب الأعمال باسناده عن عمار بن عمير التيمي قال : لما جيء برأس عبيد اللّه بن زياد - لعنه اللّه - ورؤوس أصحابه عليهم غضب اللّه ، قال : انتهيت إليهم

والناس يقولون : قد جاءت ، فجاءت حية تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخر عبيد اللّه بن زياد - لعنة اللّه عليه - ، ثم خرجت فدخلت في المنخر الآخر(4) .

ص: 322


1- في المتن : « سلمان » .
2- كامل الزيارات : 61 الباب 17 ح8 ، بحار الأنوار 45/309 باب 46 .
3- بحار الأنوار 45/309 باب 46 .
4- ثواب الأعمال : 219 عقاب من قتل الحسين عليه السلام .

وفي المناقب لابن شهرآشوب وكتاب ابن بطة والترمذي وخصائص النطنزي - واللفظ للأول - عن عمارة بن عمير أنّه لما جيء برأس ابن زياد ورؤوس أصحابه إلى المسجد انتهيت إليهم والناس يقولون : قد جاءت ، قد جاءت ، فجاءت حية تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخره ، ثم خرجت من المنخر الآخر ، ثم قالوا : قد جاءت قد جاءت ، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا(1) .

عذاب الكافر عند الإحتضار وعذاب عمر بن سعد

روى السيد المرتضى رضى الله عنه عن خبر رواه النعماني في كتاب التسلي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : إذا احتضر الكافر حضره رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعلي صلوات اللّه عليه ، وجبرئيل ، وملك الموت ، فيدنو إليه علي عليه السلام فيقول : يا رسول اللّه إنّ هذا كان يبغضنا أهل البيت فأبغضه ، فيقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا جبرئيل إنّ هذا كان يبغض اللّه

ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه ، فيقول جبرئيل لملك الموت : إنّ هذا كان يبغض اللّه ورسوله وأهل بيته فأبغضه وأعنف به .

فيدنو منه ملك الموت فيقول : يا عبد اللّه أخذت فكاك رقبتك ؟ أخذت أمان براءتك ؟ تمسكت بالعصمة الكبرى في دار الحياة الدنيا ؟ فيقول : وما هي ؟ فيقول : ولاية علي بن أبي طالب ، فيقول : ما أعرفها ، ولا أعتقد بها ، فيقول له جبرئيل : يا

عدو اللّه وما كنت تعتقد ؟ فيقول له جبرئيل : أبشر يا عدو اللّه بسخط اللّه وعذابه في النار ، أما ما كنت ترجو فقد فاتك ، وأما الذي كنت تخاف فقد نزل بك .

ثم يسلّ نفسه سلا عنيفا ، ثم يوكل بروحه مائة شيطان ، كلّهم يبصق في وجهه ، ويتأذّى بريحه ، فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النار يدخل إليه من فوح ريحها ولهبها ، ثم إنّه يؤى بروحه إلى جبال برهوت ، ثم إنّه يصير في المركبات بعد أن يجري في كلّ سنخ مسخوط عليه حتى يقوم قائمنا أهل البيت ، فيبعثه اللّه فيضرب عنقه ، وذلك قوله « رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ » .

ص: 323


1- المناقب 4/60 فصل في آياته بعد وفاته عليه السلام .

واللّه لقد أتي بعمر بن سعد بعد ما قتل ، وإنّه لفي صورة قرد في عنقه سلسلة ، فجعل

يعرف أهل الدار وهم لا يعرفونه ، واللّه لا يذهب الأيام حتى يمسخ عدونا مسخا ظاهرا ، حتى أنّ الرجل منهم ليمسخ في حياته قردا أو خنزيرا ، ومن ورائهم عَذابٌ غَلِيظٌ ومِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً .

لا يخفى أنّه لا يلزم أن نقول بالتناسخ لأننا ننكر تعلق الروح بجسد آخر ، ولا ننكر تغير جسمه إلى صورة أخرى ، فيمكن حمله على التغيير في الجسد المثالي أو أجزاء جسده الأصلي إلى الصور القبيحة(1) .

وفي عقاب الأعمال عن محمد بن علي الحلبي قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ آل أبي سفيان قتلوا الحسين بن علي عليه السلام فنزع اللّه ملكهم ، وقتل هشام زيد بن علي فنزع اللّه ملكه ، وقتل الوليد يحيى بن زيد فنزع اللّه ملكه(2) .

ذكر إنشاد المراثي والأشعار فيه عليه السلام

في أمالي الصدوق باسناده عن أبي عمار المنشد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال لي : يا أبا عمار ، أنشدني في الحسين بن علي عليه السلام ، فأنشدته فبكى ، ثم أنشدته فبكى ، فواللّه ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار .

فقال لي : يا أبا عمار من أنشد في الحسين بن علي عليه السلام فأبكى خمسين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين فبكى فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين فتباكى فله الجنة(3) .

ص: 324


1- بحار الأنوار 45/312 باب 46 .
2- ثواب الأعمال : 220 عقاب من قتل الحسين عليه السلام .
3- كامل الزيارات : 104 الباب 33 ، ثواب الأعمال : 84 ثواب من أنشد في الحسين عليه السلام شعرا فبكى ، الأمالي للصدوق : 141 المجلس 29 ح6 .

وفي كامل الزيارات وثواب الأعمال مثله .

وفي رجال الكشي باسناده عن زيد الشحام قال : كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام ، ونحن جماعة من الكوفيين ، فدخل جعفر بن عفان على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقرّبه وأدناه ، ثم قال : يا جعفر ؟ قال : لبيك ، جعلني اللّه فداك ، قال : بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين عليه السلام وتجيد ؟ فقال له : نعم جعلني اللّه فداك ، فقال : قل .

فأنشده عليه السلام ومن حوله حتى صارت له الدموع على وجهه ولحيته ، ثم قال : يا جعفر - واللّه - لقد شهدك ملائكة اللّه المقربون ها هنا يسمعون قولك في الحسين عليه السلام ، ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر ، ولقد أوجب اللّه تعالى لك - يا جعفر - في ساعته الجنة

بأسرها ، وغفر اللّه لك .

فقال : يا جعفر ، ألا أزيدك ؟ قال : نعم يا سيدي ، قال : ما من أحد قال في الحسين عليه السلام شعرا فبكى وأبكى به إلاّ أوجب اللّه له الجنة وغفر له(1) .

وفي كامل الزيارات أيضا عن عبد اللّه بن غالب قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فأنشدته مرثية الحسين عليه السلام ، فلما انتهيت إلى هذا الموضع :

لبلية تسقوا حسينا

بمسقاة الثرى غير التراب

فصاحت باكية من وراء الستر : وا أبتاه(2) .

وروي عن أبي هارون المكفوف قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال لي : أنشدني ، فأنشدته ، فقال : لا ، كما تنشدون ، وكما ترثيه عند قبره ، فأنشدته :

امرر على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكيه

فلما بكى أمسكت أنا ، فقال : مر ، فمررت ، ثم قال : زدني زدني ، فأنشدته :

يا مريم قومي فاندبي مولاك

وعلى الحسين فاسعدي ببكاك

ص: 325


1- رجال الكشي : 289 في جعفر بن عفان الطائي ح508 .
2- كامل الزيارات : 105 الباب 33 ح3 .

فبكى وتهايج النساء ، فلما أن سكتن قال لي : يا أبا هارون من أنشد في الحسين عليه السلام فأبكى عشرة فله الجنة ، ثم جعل ينقص واحدا واحدا حتى بلغ الواحد ، فقال : من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة ، ثم قال : من ذكره فبكى فله الجنة(1) .

وفي ثواب الأعمال عن أبي هارون المكفوف قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : يا أبا هارون أنشدني في الحسين عليه السلام ، فأنشدته ، فقال لي : أنشدني كما ينشدون - يعني بالرقة - ، فأنشدته هذا الشعر :

امرر على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكيه

فبكى ثم قال : زدني ، فأنشدته القصيدة الأخرى ، فبكى ، وسمعت البكاء من خلف الستر .

فلما فرغت قال : يا أبا هارون من أنشد في الحسين عليه السلام شعرا فبكى وأبكى عشرة كتب لهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعرا فبكى وأبكى خمسة كتب له الجنة ، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعرا فبكى وأبكى واحدا كتب لهم الجنة ، ومن ذكر الحسين عليه السلام عنده فخرج من عينيه مقدار جناح ذبابة كان ثوابه على اللّه - عزّ وجلّ - ، ولم يرض له بدون الجنة(2) .

وفي ثواب الأعمال أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من أنشد في الحسين بيتا من شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين بيتا فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة ، فلم يزل حتى قال : ومن أنشد في الحسين بيتا فبكى - وأظنه قال : أو تباكى - فله الجنة(3) .

ص: 326


1- كامل الزيارات : 105 الباب 33 ح5 .
2- ثواب الأعمال : 83 ثواب من أنشد في الحسين عليه السلام شعرا .
3- ثواب الأعمال : 84 ثواب من أنشد في الحسين عليه السلام شعرا ، بحار الأنوار 44/289 باب 34 ح29 .

ذكر بعض ما قيل فيه عليه السلام من المراثي

في المجالس للمفيد والأمالي للشيخ الطوسي بإسنادهما عن إبراهيم بن داحة قال : أول شعر رثي به الحسين بن علي عليه السلام قول عقبة بن عمرو السهمي من بني سهم بن عوف بن غالب :

إذا العين قرت في الحياة وأنتم

تخافون في الدنيا فأظلم نورها

مررت على قبر الحسين بكربلاء

ففاض عليه من دموعي غزيرها

فما زلت أرثيه وأبكي لشجوه

ويسعد عيني دمعها وزفيرها

وبكيت من بعد الحسين عصائبا

أطافت به من جانبيها قبورها

سلام على أهل القبور بكربلاء

وقل لها مني سلام يزورها

سلام بآصال العشي وبالضحى

تؤيه نكباء الرياح ومورها

ولا برح الوفاد زوار قبره

يفوح عليهم مسكها وعبيرها(1)

وفي كتاب مثير الأحزان قال : مرّ سليمان بن قتة العدوي مولى بني تميم بكربلاء بعد قتل الحسين عليه السلام بثلاث ، فنظر إلى مصارعهم ، فاتكأ على فرس له عربية وأنشأ :

مررت على أبيات آل محمد

فلم أرها أمثالها يوم حلت

ألم تر أنّ الشمس أضحت مريضة

لفقد حسين والبلاد اقشعرت

وكانوا رجاء ثم أضحوا رزية

لقد عظمت تلك الرزايا وجلت

وتسألنا قيس فنعطي فقيرها

وتقتلنا قيس إذا النعل زلت

وعند غني قطرة من دمائنا

سنطلبهم يوم بها حيث حلت

فلا يبعد اللّه الديار وأهلها

وإن أصبحت منهم برغم تخلت

وإنّ قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقاب المسلمين فذلت

وقد أعولت تبكي النساء لفقده

وأنجمنا ناحت عليه وصلت

ص: 327


1- الأمالي للطوسي : 532 المجلس 9 ، الأمالي للمفيد : 324 المجلس 38 ، بحار الأنوار 45/242 باب 44 ح1 .

وفي بحار الأنوار والعوالم : حدث المرزباني قال : دخل أبو الرمح إلى فاطمة بنت الحسين بن علي عليهماالسلام فأنشدها مرثية في الحسين عليه السلام :

أجالت على عيني سحائب عبرة

فلم تصح بعد الدمع حتى ارمعلت

تبكي على آل النبي محمد

وما أكثرت في الدمع لا بل أقلت

أولئك قوم لم يشيموا سيوفهم

وقد نكأت أعداؤم حين سلت

وإنّ قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقابا من قريش فذلت

فقالت فاطمة : يا أبا رمح ، هكذا تقول ؟ قال : فكيف أقول جعلني اللّه فداك ؟ قالت : قل :

أذل رقاب المسلمين فذلت

فقال : لا أنشدها بعد اليوم إلاّ هكذا(1) .

وفي العوالم عن دعبل الخزاعي قال : دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا عليه السلام في مثل هذه الأيام ، فرأيته جالسا جلسة الحزين الكئيب ، وأصحابه من حوله ، فلما رآني مقبلا قال لي : مرحبا بك يا دعبل ، مرحبا بناصرنا بيده ولسانه ، ثم

إنّه وسع لي في مجلسه وأجلسني إلى جانبه ، ثم قال لي : يا دعبل أحبّ أن تنشدني شعرا ، فإنّ هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيام سرور كانت على أعدائنا خصوصا بني أمية ، يا دعبل من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحدا كان أجره على اللّه ، يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره اللّه معنا في زمرتنا ، يا دعبل من بكى على مصاب جدي الحسين غفر اللّه له ذنوبه البتة .

ثم إنّه عليه السلام نهض وضرب سترا بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين عليه السلام ، ثم التفت إليّ وقال لي : يا دعبل إرث الحسين ، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيا ، فلا تقصر عن نصرنا ما استطعت ، قال دعبل : فاستعبرت وسالت عبرتي وأنشأت أقول :

ص: 328


1- مثير الأحزان : 110 مرور سليمان بمصارع الحسين عليه السلام .

أفاطم لو خلت الحسين مجدلا

وقد مات عطشانا بشط فرات

إذا للطمت الخد فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي

نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان وأخرى بطيبة

وأخرى بفخ نالها صلواتي

قبور ببطن النهر من جنب كربلاء

معرسهم فيها بشط فرات

توفوا عطاشا بالعراء فليتني

توفيت فيهم قبل حين وفاتي

إلى اللّه أشكو لوعة عند ذكرهم

سقتني بكأس الثكل والفضعات

إذا فخروا يوما أتوا بمحمد

وجبرئيل والقرآن والسورات

وعدوا عليا ذا المناقب والعلا

وفاطمة الزهراء خير بنات

وحمزة والعباس ذا الدين والتقى

وجعفرها الطيار في الحجبات

أولئك مشئومون هندا وحربها

سمية من نوكى ومن قذرات

هم منعوا الآباء من أخذ حقهم

وهم تركوا الأبناء رهن شتات

سأبكيهم ما حج للّه راكب

وما ناح قمري على الشجرات

فيا عين بكيهم وجودي بعبرة

فقد آن للتسكاب والهملات

بنات زياد في القصور مصونة

وآل رسول اللّه منهتكات

وآل زياد في الحصون منيعة

وآل رسول اللّه في الفلوات

ديار رسول اللّه أصبحن بلقعا

وآل زياد تسكن الحجرات

وآل رسول اللّه نحف جسومهم

وآل زياد غلظ القصرات

وآل رسول اللّه تدمى نحورهم

وآل زياد ربة الحجلات

وآل رسول اللّه تسبى حريمهم

وآل زياد آمنوا السربات

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم

أكفا من الأوتار منقبضات

سأبكيهم ما ذر في الأرض شارق

ونادى منادي الخير للصلوات

وما طلعت شمس وحان غروبها

وبالليل أبكيهم وبالغدوات(1)

ص: 329


1- بحار الأنوار 45/257 باب 44 ح15 .

ولدعبل الخزاعي أيضا :

أأسبلت دمع العين بالعبرات

وبت تقاسي شدة الزفرات

وتبكي لآثار لآل محمد

فقد ضاق منك الصدر بالحسرات

ألا فابكهم حقا وبل عليهم

عيونا لريب الدهر منسكبات

ولا تنس في يوم الطفوف مصابهم

وداهية من أعظم النكبات

سقى اللّه أجداثا على أرض كربلاء

مرابيع أمطار من المزنات

وصلى على روح الحسين حبيبه

قتيلا لدى النهرين بالفلوات

قتيلا بلا جرم فجيعا بفقده

فريدا ينادي أين أين حماتي

أنا الظامى العطشان في أرض غربة

قتيلا ومطلوبا بغير ترات

وقد رفعوا رأس الحسين على القنا

وساقوا نساء ولها خفرات

فقل لابن سعد عذب اللّه روحه

ستلقى عذاب النار باللعنات

سأقنت طول الدهر ما هبت الصبا

وأقنت بالآصال والغدوات

على معشر ضلوا جميعا وضيعوا

مقال رسول اللّه بالشبهات

ولدعبل أيضا :

يا أمة قتلت حسينا عنوة

لم ترع حق اللّه فيه فتهتدي

قتلوه يوم الطف طعنا بالقنا

بكل أبيض صارم ومهند

ولطال ما ناداهم بكلامه

جدي النبي خصيمكم في المشهد

جدي النبي أبي علي فاعلموا

والفخر فاطمة الزكية محتدي

يا قوم إنّ الماء يشربه الورى

ولقد ظمئت وقل منه تجلدي

قد شفّني عطشى وأقلقني الذي

ألفاه من ثقل الحديد المؤد

فأتاه سهم من يد مشئومة

من قوس ملعون خبيث المولد

يا عين جودي بالدموع وجودي

وابكي الحسين السيد بن السيد(1)

ص: 330


1- بحار الأنوار 45/275 باب 44 .

وفي المناقب لابن شهرآشوب لدعبل :

هلا بكيت على الحسين وأهله

هلا بكيت لمن بكاه محمد

فلقد بكته في السماء ملائك

زهر كرام راكعون وسجد

لم يحفظوا حق النبي محمد

إذ جرعوه حرارة ما تبرد

قتلوا الحسين فأثكلوه بسبطه

فالثكل من بعد الحسين مبدد

هذا حسين بالسيوف مبضع

وملطخ بدمائه مستشهد

عار بلا ثوب صريع في الثرى

بين الحوافر والسنابك يقصد

كيف القرار وفي السبايا زينب

تدعو بفرط حرارة يا أحمد

يا جدّ إنّ الكلب يشرب آمنا

ريا ونحن عن الفرات نطرد

يا جدّ من ثكلي وطول مصيبتي

ولما أعاينه أقوم وأقعد(1)

ولدعبل الخزاعي من قصيدته الطويلة :

جاءوا من الشام المشومة أهلها

للشوم يقدم جندهم إبليس

لعنوا وقد لعنوا بقتل إمامهم

تركوه وهم مبضع مخموس

وسبوا فوا حزني بنات محمد

عبرى حواسر ما لهن لبوس

تبا لكم يا ويلكم أرضيتم

بالنار ذل هنالك المحبوس

بعتم بدنيا غيركم جهلا بكم

عز الحياة وإنّه لنفيس

أخسر بها من بيعة أموية

لعنت وحظ البائعين خسيس

بؤا لمن بايعتم وكأنني

بأمامكم وسط الجحيم حبيس

يا آل أحمد ما لقيتم بعده

من عصبة هم في القياس مجوس

كم عبرة فاضت لكم وتقطعت

يوم الطفوف على الحسين نفوس

صبرا موالينا فسوف نديلكم

يوما على آل اللعين عبوس

ما زلت متبعا لكم ولأمركم

وعليه نفسي ما حييت أسوس

ص: 331


1- المناقب 4/116 .

وفي بحار الأنوار لزينب بنت فاطمة البتول عليهماالسلام :

تمسك بالكتاب ومن تلاه

فأهل البيت هم أهل الكتاب

بهم نزل الكتاب وهم تلوه

وهم كانوا الهداة إلى الصواب

إمامي وحد الرحمن طفلا

وآمن قبل تشديد الخطاب

علي كان صديق البرايا

علي كان فاروق العذاب

شفيعي في القيامة عند ربّي

نبيي والوصي أبو تراب

وفاطمة البتول وسيدا من

يخلد في الجنان مع الشباب

على الطف السلام وساكنيه

وروح اللّه في تلك القباب

نفوسا قدست في الأرض قدما

وقد خلصت من النطف العذاب

مضاجع فتية عبدوا فناموا

هجودا في الفدافد والشعاب

علتهم في مضاجعهم كعاب

بأوراق منعمة رطاب

وصيرت القبور لهم قصورا

مناخا ذات أفنية رحاب

لئن وارتهم أطباق أرض

كما أغمدت سيفا في قراب

كأنمار إذا جاسوا رواض

وآساد إذا ركبوا غضاب

لقد كانوا البحار لمن أتاهم

من العافين والهلكى السغاب

فقد نقلوا إلى جنات عدن

وقد عيضوا النعيم من العقاب

بنات محمد أضحت سبايا

يسقن مع الأسارى والنهاب

مغبرة الذيول مكشفات

كسبي الروم دامية الكعاب

لئن أبرزن كرها من حجاب

فهن من التعفف في حجاب

أيبخل في الفرات على حسين

وقد أضحى مباحا للكلاب

فلي قلب عليه ذو التهاب

ولي جفن عليه ذو انسكاب

في بحار الأنوار والعوالم : ومن مرثية زينب بنت فاطمة أخت الحسين عليه السلام

حين أدخلوا دمشق :

ص: 332

أما شجاك يا سكن

قتل الحسين والحسن

ظمآن من طول الحزن

وكل وغد ناهل

يقول يا قوم أبي

علي البر الوصي

وفاطم أمي التي

لها التقى والنائل

منّوا على ابن المصطفى

بشربة يحيا بها

أطفالنا من الظما

حيث الفرات سائل

قالوا له لا ماء لا

إلاّ السيوف والقنا

فانزل بحكم الأدعيا

فقال بل أناضل

حتى أتاه مشقص

رماه وغد أبرص

من سقر لا يخلص

رجس دعي واغل

فهلّلوا بختله

واعصوصبوا لقتله

وموته في نضله

قد أقحم المناضل

وعفروا جبينه

وخضبوا عثنونه

بالدم يا معينه

ما أنت عنه غافل

وهتكوا حريمه

وذبحوا فطيمه

وآثروا كلثومه

وسقيت الحلائل

يسقن بالتنايف

بضجة الهواتف

وأدمع ذوارف

عقولها زوائل

يقلن يا محمد

يا جدنا يا أحمد

قد أسرتنا الأعبد

وكلنا ثواكل

تهدى سبايا كربلاء

إلى الشئام والبلا

قد انتعلن بالدما

ليس لهن ناعل

إلى يزيد الطاغيه

معدن كلّ داهيه

من نحو باب الجابيه

بجاحد وخالل

ص: 333

حتى دنا بدر الدجى

رأس الإمام المرتجى

بين يدي شر الورى

ذاك اللعين القاتل

يظل في بنانه

قضيب خيزرانه

ينكت في أسنانه

قطعت الأنامل

أنامل بجاحد

وحافد مراصد

مكابد معاند

في صدره غوائل

طوائل بدريه

غوائل كفريه

شوهاء جاهليه

ذلت لها الأفاضل

فيا عيوني اسكبي

على بني بنت النبي

بفيض دمع ناضب

كذاك يبكي العاقل(1)

وروى ابن شهرآشوب للشافعي في رثاء الحسين عليه السلام :

تأوه قلبي والفؤد كئيب

وأرق نومي فالسهاد عجيب

ومما نضى جسمي وشيّب لمّتي

تصاريف أيام لهن خطوب

فمن مبلغ عني الحسين رسالة

وإن كرهتها أنفس وقلوب

ذبيح بلا جرم كأنّ قميصه

صبيغ بماء الأرجوان خضيب

فللسيف إعوال وللرمح رنة

وللخيل من بعد الصهيل نحيب

تزلزلت الدنيا لآل محمد

وكادت لهم صم الجبال تذوب

وغارت نجوم واقشعرت كواكب

وهتك أستار وشق جيوب

يصلى على المبعوث من آل هاشم

ويغزى بنوه إنّ ذا لعجيب

لئن كان ذنبي حب آل محمد

فذلك ذنب لست عنه أتوب

هم شفعائي يوم حشري وموقفي

إذا ما بدت للناظرين خطوب(2)

ص: 334


1- بحار الأنوار 45/286 باب 44 .
2- المناقب 4/124 ، بحار الأنوار 45/253 باب 44 .

وروى الفاضل المجلسي وصاحب العوالم لكافي الكفاة الصاحب اسماعيل بن عباد :

يا أصل عترة أحمد لولاك لم

يك أحمد المبعوث ذا أعقاب

ردتّ عليك الشمس وهي فضيلة

بهرت فلم تستر بكف نقاب

لم أحك إلاّ ما روته نواصب

عادتك فهي مباحة الأسلاب

عوملت يا تلو النبي وصنوه

بأوابد جاءت بكل عجاب

قد لقبوك أبا تراب بعد ما

باعوا شريعتهم بكف تراب

أتشك في لعني أمية بعد ما

كفرت على الأحرار والأطياب

قتلوا الحسين فيا لعولي بعده

ولطول حزني أو أصير لما بي

فسبوا بنات محمد فكأنما

طلبوا ذحول الفتح والأحزاب

رفقا ففي يوم القيامة غنية

والنار باطشة بصوت عقاب(1)

وللسيد المرتضى رضى الله عنه في رثاء الحسين عليه السلام :

خليلي من شهر المحرم غلني

مصاب له عيناي أسبلتا دما

وذلت رقاب المسلمين لأجله

وهدّ قوى الإسلام قصرا وهدّما

ومثّل لي يوم الحسين بن فاطم

غريب بشاطى ء نينوى يشتكي الظما

وقد أحدقت خيل الضلال به ولم

يجد ناصرا يحمي له منهم حما

فلما رأى أن لا مناص من الردى

تدرّع درعا للوغى وتحزّما

وصال بجيش المارقين مشمّرا

وتحسبه بالقوم سرحا وضيغما

يفلق هامات الكماة بصارم

اذا ما رآه الموت في الروع أحجما

فلله موتور تراه لما به

من السيف أمضى بل من الليث أهجما

الى أن هوى فوق الثرى عن جواده

بسهم لخولي الأصبحي به دما

كأنّي به والصافنات عواكف

عليه وشمر فوقه قد تحكما

ونادت به لما رأته مجدلا

أبي كنت ملجاناإذا الخطب أبهما

ص: 335


1- بحار الأنوار 45/284 باب 44 .

كأنّي به يومي اليها بطرفه

ثلاثا كذا لم يستطع أن يكلما

كأنّي بشمر قد علاه بظلمه

وحكّم في نحر الحسين مخذما

دعت زينب عمّتا مات والدي

وأصبح وجه الدين أجدع مظلما

فلما رأت وجه الحسين متربا

رهين المنايا شيبه قد تعندما

أكبّت عليه تلثم الخدّ حاسرا

وتدعو أباها والنبي المكرما

فيالك من رزء عظيم مصابه

بكته الورى والطير والارض والسما

وللرضي

رضى الله عنه :

كربلاء لا زلت كربا وبلا

ما لقي عندك آل المصطفى

كم على تربك لما صرعوا

من دم سال ومن دمع جرى

وضيوف لفلاة قفرة نزلوا

فيها على غير قرى

لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا

بحدى السيف على ورد الردى

تكسف الشمس شموس منهم

لا تدانيها علوا وضيا

وتنوش الوحش من أجسادهم

أرجل السبق وأيمان الندا

ووجوها كالمصابيح فمن

قمر غاب ومن نجم هوى

غيرتهن الليالي وغدا

جائر الحكم عليهن البلى

يا رسول اللّه لو عاينتهم

و هم ما بين قتل وسبا

من رميض يمنع الظل ومن

عاطش يسقي أنابيب القنا

ومسوق عاثر يسعى به

خلف محمول على غير وطا

جزروا جزر الأضاحي نسله

ثم ساقوا أهله سوق الإما

قتلوه بعد علم منهم

إنّه خامس أصحاب الكسا

ميت تبكي له فاطمة

و أبوها وعلي ذو العلا(1)

ليس هذا لرسول اللّه ياأمة الطغيان والغي جزا

ص: 336


1- بحار الأنوار 45/249 باب 44 .

يا قتيلا قوّض الدهر به

عمد الدين وأعلام الهدى

لو رسول اللّه يحيى بعده

قعد اليوم عليه للعزا

يا جبال المجد عزا وعلا

وبدور الأرض نورا وسنا

لا أرى حزنكم ينسى ولا

رزءكم يسلى وان طال المدى

وله

رضى الله عنه أيضا :

شغل الدموع عن الديار بكاؤا

لبكاء فاطمة على أولادها

لم يخلفوها في الشهيد وقد رأى

دفع الفرات يذاد عن ورادها

أترى درت أن الحسين طريدة

لقنا بني الطرداء عند ولادها

كانت مآتم بالعراق تعدها

أموية بالشام من أعيادها

ما راقبت غضب النبي وقد غدا

زرع النبي مظنة لحصادها

جعلت رسول اللّه من خصمائها

فلبئس ما ادخرت ليوم معادها

نسل النبي على صعاب مطيها

و دم الحسين على رؤوس صعادها

وا لهفتاه لعصبة علوية

تبعت أمية بعد ذل قيادها

جعلت عران الذل في آنافها

و غلاظ وسم الضيم في أجيادها

واستأثرت بالأمر عن غيابها

وقضت بما شاءت على أشهادها

إن قوضت تلك القباب فإنها

خرت عماد الدين قبل عمادها

يروي مناقب فضلها أعداؤا

أبدا فيسندها إلى أضدادها

يا فرقة ضاعت دماء محمد

و بنيه بين يزيدها وزيادها

صغرا بمال اللّه مل ء أكفها

و أكف آل اللّه في أصفادها

ضربوا بسيف محمد أبناءه

ضرب الغرائب عدن بعد ذيادها

طلبت ترات الجاهلية عندها

و شفت قديم الغل من أحقادها

زعمت بأنّ الدين سوّغ قتلها

أو ليس هذا الدين عن أجدادها

إنّ الخلافة أصبحت مروية

عن شعبها ببياضها وسوادها

طمست منابرها زمان أمية

تنزو ذئابهم على أعوادها

ص: 337

يا يوم عاشوراء كم لك لوعة

تترقص الأحشاء من إيقادها

هي صفوة اللّه التي أوحي بها

و قضى أوامره إلى أمجادها

ما عدت إلاّ عاد قلبي علة

حزني ولو بالغت في إيرادها(1)

وللرضي رضى الله عنه أيضا :

وخرّ للموت لا كفّ يقلّبه

إلاّ بوطى ء من الجرد المخاصير

ظمآن يلسي نجيع الموت غلّته

عن بارد من عباب الماء عرّور

كأنّ بيض المواضي وهي تنهبه

نار تحكّم في جسم من النور

للّه ملقى على الرمضاء غص به

فم الردى بعد إقدام وتشمير

تحنوا عليه الربا طورا وتستره

عن النواظر أذيال الأعاصير

تهابه الوحش إذ تدنو لمصرعه

وقد أقام ثلاثا غير مقبور

والنقع يسحب من أذياله وله

على الغزالة جيب غير مزرور

وكلّ يوم لآل المصطفى قمر

يهوي بوقع المباضيع المباتير

وكلّ يوم لهم بيضاء صافية

يشوبها الدهر من رنق وتكدير

يا جدّ لا زال لي هم يحرّضني

على الدموع ووجد غير مقهور

إنّ السلوّ لمحذور على كبدي

وما السلوّ على قلبي بمحظور

وللسيد محمد مهدي الطباطبائي الملقب ب-« بحر العلوم » :

اللّه أكبر ماذا الحادث الجلل

فقد تزلزل سهل الأرض والجبل

ما هذه الزفرات الصاعدات أسىً

كأنّها عن لهيب القلب تشتعل

ما للعيون عيون الدمع جارية

منها تخدّ خدودا وهي تنهمل

كأنّ نفخة صور الحشر قد فجأت

فالناس سكر ولا سكر ولا ثمل

قد هلّ عاشورا وغمّ الهلال به

كأنّما هو من شؤم به زحل

قامت قيامة أهل البيت وانكسرت

سفن النجاة وفيها العلم والعمل

ص: 338


1- بحار الأنوار 45/249 باب 44 .

وارتجّت الأرض والسبع الشداد وقد

أصاب أهل السموات العلى الوجل

واهتزّ من دهش عرش الجليل فلو

لا اللّه ماسكه أهوى به الميل

جلّ الإله فليس الحزن بالغه

لكنّ قلبا حواه حزنه جلل

وللسيد بحر العلوم أيضا :

هذا مصاب الذي جبريل خادمه

ناداه في المهد إذ نيطت تمائمه

هذا مصاب الشهيد المستضام ومن

فوق السموات قد قامت مآتمه

سبط النبيأبو الأطهار والده

الكرار مولى أقام الدين صارمه

صنو الزكي حنى قلب البتول له

أقسومة ليس فيها من يقاسمه

مطهّر ليس يغشى الريب ساحته

وكيف يغشى من الرحمن عاصمه

للّه طهر تولّى اللّه عصمته

أرداه رجس عظيمات جرائمه

للّه مجد سما الأفلاك رفعته

ماذا العلى قبل ما مادت دعائمه

ضيف ألمّ بأرض وردها شرع

قضى بها وهو ظامي القلب جائعه

لهفي على الآل صرعى فيالطفوف فما

غير العليل بذاك اليوم سالمه

حزن طويل أبى أن ينجلي أبدا

حتى يقوم بأمر اللّه قائمه

وله أيضا :

كيف السلو ونار القلب تلتهب

والعين خلف قذاها دمعها سرب

لا صبر في فادح عمّت رزيته

حتى اعترى الكل عنه الحزن والوصب

ألقى المصاب على الإسلام كلكله

فكل منتسب للدين مكتسب

كيف العزاء وجثمان الحسين على

الرمضاء عار جريح بالثرى ترب

والرأس في رأس ميال يطاف به

ويقرع السن منه شامت طرب

وروى الفاضل المجلسي لبعض التابعين :

يا حسين بن علي

يا قتيل بن زياد

يا حسين بن علي

يا صريعا في البوادي

لو رأت فاطم بكّت

بدموع كالعهاد

ص: 339

لو رأت فاطم ناحت

نوح ورقاء بوادي

ولقامت وهي ولها

وتبكّي وتنادي

ولدي سبط نبي

قدّ بالسمر الشداد

آه من شمر بغي

كافر وابن زياد

لعن اللّه يزيدا

وابن حرب لعن عاد

هم أعادي لرسول اللّه

أبناء أعادي

ولهم عاجل خزي

وعذاب في التناد

ومهاد في الجحيم

إنها شر مهاد(1)

ولخالد بن معدان :

جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد

مترملا بدمائه ترميلا

قتلوك عطشانا ولم يترقّبوا

في قتلك التنزيل والتأويلا

وكأنما بك يا ابن بنت محمد

قتلوا جهارا عامدين رسولا

ويكبرون بأن قتلت وإنّما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

رورى الفاضل المجلسي للسوسي(2) :

لهفي على السبط وما ناله

قد مات عطشانا بكرب الظما

لهفي لمن نكس عن سرجه ليس

من الناس له من حما

لهفي على بدر الهدى إذ علا

في رمحه يحكيه بدر الدجى

لهفي على النسوة إذ برزت

تساق سوقا بالعنا والجفا

لهفي على تلك الوجوه التي

أبرزن بعد الصون بين الملا

لهفي على ذاك العذار الذي علاه

بالطف تراب العرا

لهفي على ذاك القوام الذي

حناه بالطف سيوف العدا

ص: 340


1- بحار الأنوار 45/289 باب 44 .
2- في المتن : « لموسى » .

وله :

كم دموع ممزوجة بدماء

سكبتها العيون في كربلاء

لست أنساه بالطفوف غريبا

مفردا بين صحبه بالعراء

وكأنّي به وقد خرّ في الترب

صريعا مخضبا بالدماء

وكأنّي به وقد لحظ النسوان

يهتكن مثل هتك الإماء

وله :

جودي على حسين

يا عين بانغزار

جودي على الغريب

إذا الجار لا يجار

جودي على النساء

مع الصبية الصغار

جودي على القتيل

مطروح في القفار

وله :

ألا يا بني الرسول

لقد قلّ الإصطبار

ألا يا بني الرسول

خلت منكم الديار

ألا يا بني الرسول

فلا قرّ لي قرار

وله :

لا عذر للشيعي يرقأ دمعه

ودم الحسين بكربلاء أريقا

يا يوم عاشوراء لقد خلفتني

ما عشت في بحر الهموم غريقا

فيك استبيح حريم آل محمد

وتمزقت أسبابهم تمزيقا

أأذوق ري الماء وابن محمد

لم يرو حتى للمنون أذيقا

وله :

وكَلّ جفني بالسهاد

مذ عرس الحزن في فؤدي

ناع نعى بالطفوف بدرا

أكرم به رائحا وغادي

نعى حسينا فدته روحي

لما أحاطت به الأعادي

في فتية ساعدوا وواسوا

وجاهدوا أعظم الجهاد

حتى تفانوا وظل فردا

ونكسوه عن الجواد

ص: 341

وجاء شمر إليه حتى

جرعه الموت وهو صاد

وركب الرأس في سنان

كالبدر يجلو دجى السواد

واحتملوا أهله سبايا

على مطايا بلا مهاد

وله أيضا :

أأنسى حسينا بالطفوف مجدلا

ومن حوله الأطهار كالأنجم الزهر

أأنسى حسينا يوم سير برأسه

على الرمح مثل البدر في ليلة البدر

أأنسى السبايا من بنات محمد

يهتكن من بعد الصيانة والخدر(1)

وقال أبو الفرج ابن الجوزي :

أحسين والمبعوث جدك بالهدى

قسما يكون الحق فيه مسائلي

لو كنت شاهد كربلاء لبذلت في

تنفيس كربك جهد بذل الباذل

وسقيت حدّ السيف من أعدائكم

جللا وحدّ السمهري الذابل

لكنني أخرت عنك لشقوتي

فبلابلي بين الغري وبابل

إذ لم أفز بالنصر من أعدائكم

فأقل من حزن ودمع سائل

وله(2) أيضا :

يا حر صدري يا لهيب الحشا

انهد ركني يا أخي والقوا

كنت أخي ركني ولم يبق لي

ذخر ولا ركن ولا ملتجا

ولابن الجوزي أيضا :

وكنت أرجوك فقد خانني

ما كنت أرجوه فخاب الرجا

أيا ابن أمي لو تأملتني

رأيت مني ما يسر العدا

حلّ بأعدائك ما حلّ بي

من ألم السير وذل السبا

ويا شقيقي أنا أفديك من

يومك هذا وأكون الفدا

ولا هنأني العيش يا سيدي

ما عشت من بعدك أو أدفنا(3)

ص: 342


1- بحار الأنوار 45/244 باب 44 .
2- في البحار : « آخر »
3- في البحار هذا وما قبله واحد .

وله(1) أيضا :

يامن رأى حسينا شلوا لدى الفرات(2)

والرأس منه عال في ذروة القناة

وزينب تنادي قد قتلوا حماتييا جدّ لو ترانا أسرى مهتكات

قال صاحب العوالم : ورأيت في بعض مؤفات بعض ثقات المعاصرين بعض المراثي فأحببت إيرادها للشيخ الخليعي :

لم أبك ربعا للأحبة قد خلا

وعفا وغيره الجديد وأمحلا

كلا ولا كلفت صحبي وقفة

في الدار إن لم اشف ضبا عللا

ومطارح النادي وغزلان النقا

والجزع لم أحفل بها متغزلا

وبواكر الأظعان لم أسكب لها

دمعا ولا خل نأى وترحلا

لكن بكيت لفاطم ولمنعها

فدكا وقد أتت الخؤون الأولا

إذ طالبته بإرثها فروى لها

خبرا ينافي المحكم المتنزلا

لهفي لها وجفونها قرحى وقد

حملت من الأحزان عبئا مثقلا

وقد اغتدت منفية وحميها

متطيرا ببكائها متثقلا

تخفي تفجعها وتخفض صوتها

وتظل نادبة أباها المرسلا

تبكي على تكدير دهر ما صفا

من بعده وقرير عيش ما حلا

لم أنسها إذ أقبلت في نسوة

من قومها تروي مدامعها الملا

وتنفست صعدا ونادت أيها

الأنصار يا أهل الحماية والكلا

أترون يا نجب الرجال وأنتم

أنصارنا وحماتنا أن نخذلا

ما لي وما لدعي تيم ادعى

إرثي وضل مكذبا ومبدلا

أعليه قد نزل الكتاب مبينا

حكم الفرائض أم علينا نزلا

أم خصه المبعوث منه بعلم ما

أخفاه عنّا كي نضل ونجهلا

ص: 343


1- في البحار : « آخر » .
2- في البحار : « الفلاة » .

أم أنزلت آي بمنعي إرثه

قد كان يخفيها النبي إذا تلا

أم كان في حكم النبي وشرعه

نقص فتممه الغوي وكملا

أم كان ديني غير دين أبي فلا

ميراث لي منه وليس له ولا

قوموا بنصري إنها لغنيمة

لمن اغتدى لي ناصرا متكفلا

واستعطفوه وخوفوه واشهدوا

ذلي له وجفاه لي بين الملا

إن لجّ في سخطي فقد عدم الرضى

من ذي الجلال وللعقاب تعجلا

أو دام في طغيانه فقد اقتنى

لعنا على مرّ الزمان مطولا

أين المودة والقرابة يا ذوي

الأيمان ما هذي القطيعة والقلا

أفهل عسيتم إن توليتم بأن

تمضوا على سنن الجبابرة الأولى

وتنكبوا نهج السبيل بقطع ما

أمر الإله عباده أن يوصلا

ولقد أزالكم الهوى وأحلكم

دار البوار من الجحيم وأدخلا

ولسوف يعقب ظلمكم أن تتركوا

ولدي برمضاء الطفوف مجدلا

في فتية مثل البدور كواملا

عرض المحاق بها فاضحت آفلا

وأقوم من خلل اللحود حزينة

والقوم قد نزلت بهم غير البلاء

ويروعني نقط القنا بجسومهم

ويسوؤي شكل السيوف على الطلى

فأقبل النحر الخضيب وأمسح

الوجه التريب مضمخا ومرملا

ويقوم سيدنا النبي ورهطه

متلهفا متأسفا متقلقلا

فيرى الغريب المستضام النازح

الأوطان ملقى في الثرى ما غسلا

وتقوم آسية وتأتي مريم

يبكين من كربي بعرصة كربلاء

ويطفن حولي نادبات الجن إش--

-فاقا علي يفضن دمعا مسبلا

وتضج أملاك السماء لعبرتي

وتعج بالشكوى إلى ربّ العلى

وأرى بناتي يشتكين حواسرا

نهب المعاجر والهات ثكلا

وأرى إمام العصر بعد أبيه في

صفد الحديد مغللا ومعللا

وأرى كريم مؤلي في ذابل

كالبدر في ظلم الدياجي يجتلي

يهدى إلى الرجس اللعين فيشتفي

منه فؤد بالحقود قد امتلا

ص: 344

ويظل يقرع منه ثغرا طال ما

قدما ترشفه النبي وقبلا

ومضلل أضحى يوطئ عذره

ويقول وهو من البصيرة قد خلا

لو لم يحرم أحمد ميراثه

لم يمنعوه أهله وتأولا

فأجبته إصر بقلبك أم قذا

في العين منك عدتك تبصرة الجلا

أو ليس أعطاها ابن خطاب لحي--

-درة الرضا مستعتبا متنصلا

أتراه حلل ما رآه محرما

أم ذاك حرم ما رآه محللا

يا راكبا تطوي المهامة عيسه

طي الردا وتجوب أجواز الفلا

عرج بأكناف الغري مبلغا

شوقي وناد بها الإمام الأفضلا

ومن العجيب تشوقي لمزار من

لم يتخذ إلاّ فؤدي منزلا

فاحبس وقل يا خير من وطئ الثرى

وأعزهم جارا وأعذب منهلا

لو شئت قمت بنصر بضعة أحمد

الهادي بعقد عزيمة لن تحللا

ورميت أعداء الرسول بجمرة

من حد سيفك حرها لا يصطلى

لكن صبرت لأن تقام عليهم

حجج الإله ولن ترى أن تعجلا

كيلا يقولوا إن عجلت عليهم

كنا نراجع أمرنا لو أمهلا

مولاي يا جنب الإله وعينه

يا ذا المناقب والمراتب والعلا

إحياؤ العظم الرميم وردك

الشمس المنيرة والدجى قد أسبلا

وخضوعها لك في الخطاب وقولها

يا قادرا يا قاهرا يا أولا

وكلام أصحاب الرقيم وردهم

منك السلام وما استنار وما انجلى

وحديث سلمان ونصرته على

أسد الفرات وعلم ما قد أشكلا

لا يستفز ذوي النهى ويقل من

أن يرتضى ويجل من أن يذهلا

أخذ الإله لك العهود على الورى

في الذر لما أن برا وبك ابتلى

في يوم قال لهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ

وعلي مولاكم معا قالُوا بَلى

قسما بوردي من حياض معارفي

وبشربي العذب الرحيق السلسلا

ومن استجارك من نبي مرسل

ودعا بحقك ضارعا متوسلا

لو قلت إنّك ربّ كلّ فضيلة

ما كنت فيما قلته متنحلا

ص: 345

أو بحت بالخطر الذي أعطاك ربّ

العرش كادوني وقالوا قد غلا

فإليك من تقصير عبدك عذره

فكثير ما أنهى يراه مقللا

بل كيف يبلغ كنه وصفك قائل

واللّه في علياك أبلغ مقولا

ونفائس القرآن فيك تنزلت

وبك اغتدى متحليا متجملا

فاستجلها بكرا فأنت مليكها

وعلى سواك تجل من أن تجتلي

ولئن بقيت لأنظمن قلائد

ينسى ترصعها النظام الأولا

شهد الإله بأنني متبرئ

من حبتر ومن الدلام ونعثلا

وبراءة الخلعي من عصب الخنا

تبنى على أن البرا أصل الولا

وفي المنتخب للطريحي والعوالم قصيدة لابن حماد رحمه الله :

أهجرت يا ذات الجمال دلالا

وجعلت جسمي للصدود خبالا

وسقيتني كأس الفراق مرارة

ومنعت عذب رضابك السلسالا

أسفا كما منع الحسين بكربلا

ماء الفرات وأوسعوه خبالا

وسقوه أطراف الأسنة والقنا

ويزيد يشرب في القصور زلالا

لم أنس مولاي الحسين بكربلا

ملقى طريحا بالدماء رمالا

وا حسرتى كم يستغيث بجده

والشمر منه يقطع الأوصالا

ويقول يا جداه ليتك حاضر

فعساك تمنع دوننا الأنذالا

ويقول للشمر اللعين وقد علا

صدرا تربى في تقى ودلالا

يا شمر تقتلني بغير جناية

حقا ستجزى في الجحيم نكالا

واجتز بالعضب المهند رأسه

ظلما وهز برأسه العسالا

وعلا به فوق السنان وكبروا

للّه جل جلاله وتعالى

فارتجت السبع الطباق وأظلمت

وتزلزلت لمصابه زلزالا

وبكين أطباق السماء وأمطرت

أسفا لمصرعه دما قد سالا

يا ويلكم أتكبرون لفقد من

قتلوا به التكبير والتهليلا

تركوه شلوا في الفلاة وصيروا

للخيل في جسد الحسين مجالا

ولقد عجبت من الإله وحلمه

في الحال جل جلاله وتعالى

ص: 346

كفروا فلم يخسف بهم أرضا بما

فعلوا وأمهلهم به إمهالا

وعدا الحصان من الوقيعة عاريا

ينعى الحسين وقد مضى إجفالا

متوجها نحو الخيام مخضبا

بدم الحسين وسرجه قد مالا

وتقول زينب يا سكينة قد أتى

فرس الحسين فانظري ذا الحالا

قامت سكينة عاينته محمحما

ملقى العنان فأعولت إعوالا

فبكت وقالت وا شماتة حاسدي

قتلوا الحسين وأيتموا الأطفالا

يا عمتا جاء الحصان مخضبا

بدم الشهيد ودمعه قد سالا

لما سمعن الطاهرات سكينة

تنعى الحسين وتظهر الأعوالا

أبرزن من وسط الخدور صوارخا

يندبن سبط محمد المفضالا

فلطمن منهن الخدود وكشفت

منها الوجوه وأعلنت إعوالا

وخمشن منهن الوجوه لفقد من

نادى مناد في السماء وقالا

قتل الإمام ابن الإمام بكربلا

ظلما وقاسى منهم الأهوالا

وتقول يا جداه نسل أمية

قتلوا الحسين وذبحوا الأطفالا

يا جدنا فعلوا علوج أمية

فعلا شنيعا يدهش الأفعالا

يا جدنا هذا الحسين بكربلا

قد بضعوه أسنة ونصالا

ملقى على شاطئ الفرات مجدلا

في الغاضرية للورى أمثالا

ثم استباحوا في الطفوف حريمه

نهبوا السراة وقوضوا الأحمالا

وغدوا بزين العابدين مكتفا

فوق المطية يشتكي الأهوالا

يبكي أباه بعبرة مسفوحة

أسروه مضني لا يطيق نزالا

وأتوا به نحو الخيام وأمه

تبكي وتسحب خلفه الأذيالا

وتقول ليت الموت جاء ولم أر

هذي الفعال وأنظر الأنذالا

لو كان والده علي المرتضى

حيا لجدل دونه الأبطالا

ولفر جيش المارقين هزيمة

من سيفه لا يستطيع قتالا

يا ويلكم فستسحبون أذلة

وستحملون بفعلكم أثقالا

فعلى ابن سعد واللعين عبيده

لعن تجدد لا يزول زوالا

ص: 347

وعلى محمد ثم آل محمد

روح وريحان يدوم مقالا

وعليهم صلّى لمهيمن ما حدا

في البيد ركبان تسير عجالا

فمتى تعود لآل أحمد دولة

ونرى لملك الظالمين زوالا

يا آل أحمد أنتم سفن النجا

وأنا وحقكم لكم أتوالى

أرجوكم لي في المعاد ذريعة

وبكم أفوز وأبلغ الآمالا

فلأنتم حجج الإله على الورى

من لم يقل ما قلت قال محالا

واللّه أنزل هل أتى في مدحكم

والنمل والحجرات والأنفالا

والمرتقي من فوق منكب أحمد

منكم ولو رام السماء لنالا

وعليكم نزل الكتاب مفصلا

واللّه أنزله لكم إنزالا

نص بإذن اللّه لا من نفسه

ذو العرش نص به لكم إفضالا

فتكلم المختار لما جاءه

من ربه جبريلهم إرسالا

إذ قال هذا وارثي وخليفتي

في أمتي فتسمعوا ما قالا

أفديكم آل النبي وبمهجتي

وأبي وأبذل فيكم الأموالا

وأنا ابن حماد وليكم الذي

لم يرض غير كم ولم يتوالا

أصبحت معتصما بحبل ولائكم

جدا وإن قصر الزمان وطالا

وأنا الذي أهواكم يا سادتي

أرجو بذاك عناية ونوالا

بعد الصلاة على النبي محمد

ما غرد القمري وأرخى البالا(1)(2)

ص: 348


1- بحار الأنوار 45/256 باب 44 .
2- ولابن حماد : مصاب شهيد الطف جسمي أنحلا وكدر من دهري وعيشي ما حلافما هلّ شهر العشر إلاّ تجددت بقلبي أحزان توسدني البلىوأذكر مولاي الحسين وما جرى عليه من الأرجاس في طف كربلافواللّه لا أنساه بالطف قائلا لعترته الغر الكرام ومن تلاألا فانزلوا في هذه الأرض واعلموا بأنّي بها أمسي صريعا مجدلا وأسقى بها كأس المنون على ظما ويصبح جسمي بالدماء مغسلاولهفي له يدعو اللئام تأملوا مقالي يا شرّ الأنام وأرذلاألم تعلموا أنّي ابن بنت محمد ووالدي الكرار للدين كملافهل سنة غيرتها أو شريعة وهل كنت في دين الإله مبدلاأحللت ما قد حرم الطهر أحمد أحرمت ما قد كان قبل محللافقالوا له دع ما تقول فإننا سنسقيك كأس الموت غصبا معجلاكفعل أبيك المرتضى بشيوخنا ونشفي صدورا من ضغائنكم ملافأثنى إلى نحو النساء جواده وأحزانه منها الفؤد قد امتلاونادى ألا يا أهل بيتي تصبروا على الضر بعدي والشدائد والبلافإنّي بهذا اليوم أرحل عنكم على الرغم مني لا ملال ولا قلافقوموا جميعا أهل بيتي وأسرعوا أودعكم والدمع في الخد مسبلافصبرا جميلا واتقوا اللّه إنّه سيجزيكم خير الجزاء وأفضلافأثنى على أهل العناد مبادرا يحامي عن دين المهيمن ذي العلاوصال عليهم كالهزبر مجاهدا كفعل أبيه لن يزل ويخذلافمال عليه القوم من كلّ جانب فألقوه عن ظهر الجواد معجلاوخر كريم السبط يا لك نكبة بهاأصبح الدين القويم معطلافارتجت السبع الشداد وزلزلت وناحت عليه الجن والوحش في الفلاوراح جواد السبط نحو نسائه ينوح وينعى الظامئ المترملاخرجن بنيات البتول حواسرا فعاين مهر السبط والسرج قد خلافأدمين باللطم الخدود لفقده وأسكبن دمعا حره ليس يصطلىولم أنس زينب تستغيث سكينة أخي كنت لي حصنا حصينا وموئلاأخي يا قتيل الأدعياء كسرتني وأورثتني حزنا مقيما مطولاأخي كنت أرجو أن أكون لك الفدا فقد خبت فيما كنت فيه أؤلاأخي ليتني أصبحت عميا ولا أرى جبينك والوجه الجميل مرملا وتدعو إلى الزهراء بنت محمد أيا أم ركني قد وهى وتزلزلاأيا أم قد أمسى حبيبك بالعرا طريحا ذبيحا بالدماء مغسلاأيا أم نوحي فالكريم على القنا يلوح كالبدر المنير إذا انجلىونوحي على النحر الخضيب واسكبي دموعا على الخد التريب المرملاونوحي على الجسم التريب تدوسه خيول بني سفيان في أرض كربلاونوحي على السجاد في الأسر بعده يقاد إلى الرجس اللعين مغللافيا حسرة ما تنقضي ومصيبة إلى أن نرى المهدي بالنصر أقبلاإمام يقيم الدين بعد خفائه إمام له ربّ السماوات فضلاأيا آل طه يا رجائي وعدتي وعوني أيا أهل المفاخر والعلايمينا بأني ما ذكرت مصابكم أيا سادتي إلاّ أبيت مقلقلافحزني عليكم كلّ آن مجدد مقيم إلى أن أسكن الترب والبلاعبيدكم العبد الحقير محمد كئيب وقد أمسى عليكم معولايؤلكم يا سادتي تشفعوا له إذا ما أتى يوم الحساب ليسألافواللّه ما أرجو النجاة بغيركم غدا يوم آتي خائفا متوجلاإذا فرّ مني والدي ومصاحبي وعاينت ما قدمت في زمن الخلاومنوا على الحضار بالعفو في غد لأن بكم قدري وقدرهم علاعليكم سلام اللّه يا آل أحمد سلام على مرّ الزمان مطولا

ص: 349

ولأبي منصور بن علي القطيفي المعروف ب-« القطان » :

يا أيّها المنزل المحول

غاثك مستخفر هطول

أودى عليك الزمان لما

شجاك من أهله الرحيل

لا تغترر بالزمان واعلم

أن يد الدهر تستطيل

فإن آجالنا قصار فيه

وآمالنا تطول

تفنى الليالي وليس يفنى

شوقي ولا حسرتي تزول

لا صاحب منصف فأسلو به

ولا حافظ وصول

وكيف أبقى بلا صديق

باطنه باطن جميل

ص: 350

يكون في البعد والتداني

يقول مثل الذي أقول

هيهات قل الوفاء فيهم

فلا حميم ولا وصول

يا قوم ما بالنا جفينا

فلا كتاب ولا رسول

لو وجدوا بعض ما وجدنا

لكاتبونا ولم يحولوا

لكن خانوا ولم يجودوا

لنا بوصل ولم ينيلوا

قلبي قريح به كلوم

أفتنه طرفك البخيل

أنحل جسمي هواك حتى

كأنّه خصرك النحيل

يا قاتلي بالصدود رفقا

بمهجة شفها غليل

غصن من البان حيث مالت

ريح الخزامي به تميل

يسطو علينا بغنج لحظ

كأنّه مرهف صقيل

كما سطت بالحسين قوم

أراذل ما لهم أصول

يا أهل كوفان لم غدرتم

بنا وكم أنتم نكول

أنتم كتبتم إلي كتبا

وفي طوياتها ذحول

فراقبوا اللّه في خباي

فيه لنا فتية غفول

وأم كلثوم قد تنادي

ليس الذي حلّ بي قليل

تقول لما رأته خلوا

قد خسفت صدره الخيول

جاشت بشط الفرات تدعو

ما فعل السيد القتيل

أين الذي حين أرضعوه

ناغاه في المهد جبرئيل

أين الذي حين غمدوه

قبله أحمد الرسول

أين الذي جده النبي

وأمه فاطم البتول

أنا ابن منصور لي لسان

على ذوي النصب يستطيل

ماالرفض ديني ولااعتقادي

ولست عن مذهبي أحول(1)

ص: 351


1- بحار الأنوار 45/274 باب 44 .

وفي كتاب العوالم : إنّ أبا يوسف عبد السلام بن محمد القزويني ثم البغدادي قال

لأبي العلاء المعري : هل لك شعر في أهل بيت رسول اللّه ؟ فإنّ بعض شعراء قزوين يقول فيهم ما لا يقول شعراء تنوخ ، فقال له المعري : وما ذا تقول شعراؤم ؟ فقال : يقولون :

رأس ابن بنت محمد ووصيه

للمسلمين على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع

لا جازع منهم ولا متوجع

أيقظت أجفانا وكنت لها كرى

وأنمت عينا لم تكن بك تهجع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصم نعيك كلّ أذن تسمع

ما روضة إلاّ تمنت أنّها

لك مضجع ولخط قبر موضع

فقال المعري : وأنا أقول :

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش

وجده خير الجدود

وللصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عباد رحمه الله :

عين جودي على الشهيد القتيل

واترك الخد كالمحيل المحيل

كيف يشفي البكاء في قتل مولاي

إمام التنزيل والتأويل

ولو أنّ البحار صارت دموعي

ما كفتني لمسلم بن عقيل

قاتلوا اللّه والنبي ومولاهم

عليا إذ قاتلوا ابن الرسول

صرعوا حوله كواكب دجن

قتلوا حوله ضراغم خيل

إخوة كلّ واحد منهم ليث

عرين وحد سيف صقيل

أوسعوهم ضربا وطعنا ونحرا

وانتهابا يا ضلة من سبيل

والحسين الممنوع شربة ماء

بين حر الظبي وحر الغليل

مثكلا بابنه وقد ضمه

وهو غريق من الدماء الهمول

فجعوه من بعده برضيع

هل سمعتم بمرضع مقتول

ثم لم يشفهم سوى قتل نفس

هي نفس التكبير والتهليل

ص: 352

هي نفس الحسين نفس رسول اللّه

نفس الوصي نفس البتول

ذبحوه ذبح الأضاحي فيا

قلب تصدع على العزيز الذليل

وطئوا جسمه وقد قطعوه

ويلهم من عقاب يوم وبيل

أخذوا رأسه وقد بضعوه

إن سعي الكفار في تضليل

نصبوه على القنا فدمائي

لا دموعي تسيل كلّ مسيل

واستباحوا بنات فاطمة الزهراء

لما صرخن حول القتيل

حملوهن قد كشفن على الأقتاب

سبيا بالعنف والتهويل

يا لكرب بكربلاء عظيم

ولرزء على النبي ثقيل

كم بكى جبرئيل مما دهاه

في بنيه صلوا على جبرئيل

سوف تأتي الزهراء تلتمس الحكم

إذ حان محشر التعديل

وأبوها وبعلها وبنوها

حولها والخصام غير قليل

وتنادي يا ربّ ذبح أولادي

لماذا وأنت خير مديل

فينادي بمالك ألهب النار

وأجج وخذ بأهل الغلول

يا بني المصطفى بكيت وأبكيت

ونفسي لم تأت بعد بسؤل

ليت روحي ذابت دموعا فأبكي

للذي نالكم من التذليل

فولائي لكم عتادي وزادي

يوم ألقاكم على سلسبيل

لي فيكم مدائح ومراثي

حفظت حفظ محكم التنزيل

قد كفاها في الشرق والغرب فخرا

أن يقولوا هي من قيل إسماعيل

ومتى كادني النواصب فيكم

حسبي اللّه وهو خير وكيل

وللصاحب أيضا رحمه الله من قصيدة طويلة :

هم وكدوا أمر الدعي

يزيد ملفوظ السفاح

فسطا على روح الحسين

وأهله جم الجماح

صرعوهم قتلوهم نحروهم

نحر الأضاحي

يا دمع حي على انسجام

ثم حي على انسفاح

في أهل حي على الصلاة

وأهل حي على الفلاح

ص: 353

يحمي يزيد نساءه

بين النضائد والوشاح

وبنات أحمد قد كشفن

على حريم مستباح

ليت النوائح ما سكتن

عن النياحة والصياح

يا سادتي لكم ودادي

وهو داعية امتداحي

وبذكر فضلكم اغتباقي

كل يوم واصطباحي

لزم ابن عباد ولاءكم

الصريح بلا براح(1)

ولنتيجة الأشراف المعظم ومقتدانا المفخّم علي بن أبي الحسن المدعو بالرضا :

يا فاطم الطهر قومي غير قائمة

في جحفل من نساء هاشميات

بلطم خد وتشقيق الجيوب

وتحسير الشعور ونوح الأعجميات

ونحن مثل حمامات مطوقة

على القتيل بأرض الغاضريات

مقطع الشاو مذبوح القفاء و

مشقوق الرداء بحدّ السمهريات

فانظرن وجه تراب الطف من دمه

مخططا كبرود الحميات

يا ليت صم صماخي قبل أن قرعت

أذني بسبي بنات فاطميات

مكشفات على الأقتاب حاسرة

مصفودة بجسوم عبهريات

وقد إقتبس علي بن أبي الحسن هذه الأبيات من عقبة بن عمرو السهمي التي مرت فيما سبق :

اذا إغبرّت الآفاق واحمرت السما

وزعزعت الدنيا فأظلم نورها

وقفت على أرض الطفوف بدمعة

يساعدني من مقلتيّ غزيرها

فبكيت جسما بالعراء مرمّلا

تمرّ عليه العاصفات ومورها

وبكيت أجساما عراة دمية

مطهرة طافت عليه قبورها

فأسعدني شجوي وحزني ولوعتي

وأغور عيني دمعها وزفيرها

سلام على تلك القبور بكربلا

فتسليمها حق على من يزورها

أخص به أرضاإذا قمت عندها

يفوح عليك مسكها وعبيرها

ص: 354


1- بحار الأنوار 45/289 .

وقال أيضا :

لا أضحك اللّه سنا لا يعضّ على

شلى اليدين لفرط الحزن والأسف

على مصائب أولاد الرسول وما

جرى عليهم من العدوان والعسف

لا أشرقت شمس يوم صار ليلته

بدور آل رسول اللّه في خسف

لا أقمرت ليلة صارت صبيحتها

شموس آل رسول اللّه في كسف

ولا بكت عين من فاضت مدامعه

في طرفه ثم سالت منه في الطرف

يا عين جودي غزير الدمع من سرف

جرى عليهم فما بالدمع من سرف

نفسي فدا أنفس صارت نفوسهم

غداة طف رهين القتل والتلف

وقد عدّ الكميت الشاعر شهداء بني فاطمة عليهاالسلام ، أما شهداء بني هاشم فيربو عددهم على الثلاثين ، كما مرّ سابقا :

أضحكني الدهر وأبكاني

والدهر ذو صرف وألوان

لتسعة بالطف قد غودروا

صاروا جميعا رهن أكفان

وستة لا يتجازى بهم

بنو عقيل خير فرسان

ثم علي الخير مولاهم

ذكرهم هيج أحزاني

وروى ابن شهرآشوب للوفي السري :

أقام روح وريحان على جدث

ثوى الحسين به ظمآن آمينا

كأنّ أحشاءنا من ذكره أبدا

تطوى على الجمر أوتخشى السكاكينا

مهلا فما نقضوا أوتار والده

وإنّما نقضوا في قتله الدينا(1)

وفي المناقب لابن شهرآشوب لكشاجم :

إذا تفكرت في مصابهم

أثقب زند الهموم قاطعه

فبعضهم قربت مصارعه

وبعضهم بعدت مطارحه

أظلم في كربلاء يومهم

ثم تجلى وهم ذبائحه

ذل حماه وقل ناصره

ونال أقوى مناه كاشحه(2)

ص: 355


1- المناقب 4/116 .
2- المناقب 4/117 .

وفي المناقب أيضا لعوفي :

فيا بضعة من فؤد النبي

بالطف أجرت كثيبا مهيلا

ويا كبدا في فؤد البتولة

بالطف شلت فأضحت أكيلا

قتلت فأبكيت عين الرسول

وأبكيت من رحمة جبرئيلا

وله :

يا قمر أغاب حين لاحا

أورثني فقدك المناحا

يا نوب الدهر لم يدع لي

صرفك من حادث صلاحا

أبعد يوم الحسين ويحيى

أستعذب اللهو والمزاحا

يا بأبي أنفسا ظماة

ماتوا ولم يشربوا المباحا

يا بأبي غرة هداة

باكرها حتفها صباحا

يا سادتي يا بني علي

بكى الهدى بعدكم وناحا

يا سادتي يا بني إمامي

أقولها عنوة صراحا

أوحشتم الحجر والمساعي

آنستم القفر والبطاحا

أوحشتم الذكر والمثاني

والسور الطوّل الفصاحا

وله :

لم أنس للحسين وقد ثوى

بالطف مسلوب الرداء خليعا

ظمآن من ماء الفرات معطشا

ريان من غصص الحتوف نقيعا

يرنو إلى ماء الفرات بطرفه

فيراه عنه محرما ممنوعا

وللزاهي :

أعاتب عيني إذا قصرت

وأفني دموعي إذا ما جرت

لذكراكم يا بني المصطفى

دموعي على الخد قد سطرت

لكم وعليكم جفت غمضها

جفوني عن النوم واستشعرت

أمثل أجسادكم بالعراق

وفيها الأسنة قد كسرت

أمثلكم في عراص الطفوف

بدور تكسف إذ أقمرت

ص: 356

غدت أرض يثرب من جمعكم

كخط الصحيفة إذ أقفرت

وأضحى بكم كربلاء مغربا

لزهر النجوم إذ أغورت

كأنّي بزينب حول الحسين

ومنها الذوائب قد نشرت

تمرغ في نحره شعرها

وتبدي من الوجد ما أضمرت

وفاطمة عقلها طائر

إذ السوط في جنبها أبصرت

وللسبط فوق الثرى شيبة

بفيض دم النحر قد عفرت

ورأس الحسين أمام الرفاق

كغرة صبح إذا أسفرت

وله أيضا :

لست أنسى النساء في كربلاء

وحسين ظام فريد وحيد

ساجد يلثم الثرى وعليه

قضب الهند ركع وسجود

يطلب الماء والفرات قريب

ويرى الناس وهو عنه بعيد

وللناشي :

مصائب نسل فاطمة البتول

نكت حسراتها كبد الرسول

ألا بأبي البدور لقين كسفا

وأسلمها الطلوع إلى الأفول

ألا يا يوم عاشوراء رماني

مصابي منك بالداء الدخيل

كأنّي بابن فاطمة جديلا

يلاقي الترب بالوجه الجميل

يخرن في الثرى قدا ونحرا

على الحصباء بالخد التليل

صريعا ظل فوق الأرض أرضا

فوا أسفا على الجسم النحيل

أعاديه توطئه ولكن

تخطاه العتاق من الخيول

وقد قطع العداة الرأس منه

وعلوه على رمح طويل

وقد برز النساء مهتكات

يجززن الشعور من الأصول

يسرن مع اليتامى من قتيل

يخضب بالدماء إلى قتيل

فطورا يلتثمن بني علي

وطورا يلتثمن بني عقيل

وفاطمة الصغيرة بعد عز

كساها الحزن أثواب الذليل

تنادي جدها يا جد إنا

طلبنا بعد فقدك بالذحول

ص: 357

وللسيد المرتضى رضى الله عنه :

إنّ يوم الطف يوما

كان للدين عصيبا

لم يدع للقلب مني

في المسرات نصيبا

لعن اللّه رجالا

أترعوا الدنيا غصوبا

سالموا عجزا فلما

قدروا شنوا الحروبا

طلبوا أوتار بدر

عندنا ظلما وحوبا

وله :

لقد كسرت للدين في يوم كربلا

كسائر لا توسى ولا هي تجبر

فإما سبي بالرماح مسوق

وإما قتيل بالتراب معفر

وجرحى كما اختارت رماح وأنصل

وصرعى كما شاءت ضباع وأنسر(1)

وفي المناقب :

تبيت النشاوى من أمية نوما

وبالطف قتلى ما ينام حميمها

وما قتل الإسلام إلاّ عصابة

تأمر نوكاها ونام زعيمها

فأضحت قناة الدين في كف ظالم

إذا إعوج منها جانب لا يقيمها

وفي المجلد السابع من العوالم :

وا خجلة الإسلام من أضداده

ظفروا له بمعايب ومعاثر

آل العزير يعظمون حماره

ويرون فوزا لثمهم للحافر

وسيوفكم بدم ابن بنت نبيكم

مخضوبة لرضا يزيد الفاجر(2)

وفي رواية :

وا خجلة الإسلام من أضداده

ظفروا له بمعايب ومعاير

رأس ابن بنت محمد ووصيه

تهدى جهارا للشقي الفاجر

ص: 358


1- المناقب 4/119 .
2- المناقب 4/123 .

وفي المنتخب لمحمود الطريحي :

هجوعي وتلذاذي عليّ محرم

اذا هلّ في دور الشهور محرّم

أجدّد حزنا لا يزال مجدّدا

ولي مدمع هام همول مجسّم

وأبكي على الأطهار من آل هاشم

وما ظفرت أيدي أولي البغي منهم

هم العروة الوثقى هم معدن التقى

هم الشرف السامي ونور الهدى هم

هم عدة الداعي الى الرشد حبّهم

ينبئنا فيه الكتاب المعظّم

بهم نطقت مدحا من اللّه هل أتى

وطه ويس وعمّ ومريم

وجدّهم الهادي النبي واُمهم

بتول ومولانا علي أبوهم

يعزّ على المختار والطهر حيدر

وفاطمة بالطف رزء معظّم

وقد سار بالرهط الحسين بن فاطمة

لكتب من الطاغين بالخدع تقدم

الى أن أتى أرض الطفوف بأهله

فلم ينبعث مهر ولم يجر منسم

فقال فما هذي البقاع التي بها

وقفن الخيول السابقات فأعلم

فقالوا تسمى نينوى قال أوضحوا

فقالوا تسمى كربلا قال خيّموا

نعم هذه واللّه أخبر جدنا

بأنّ بها تسبى نسائي وتظلم

وفي هذه الأذقان تهوى الى الثرى

وفي هذه الأطفال بالرغم توتم

وفي هذه تبدو البنات حواسرا

وتوجع ضربا بالسياط وتشتم

وتخرم أقراط وتُدمى أساور

وتسلب خمر والخلاخل تقضم

وتستعطف النسوان آل أمية

فلم تر من يحنو عليها ويرحم

وسار بن سعد واللعين خوّلى

وشمر وطم الأرض جيش عرمرم

فلما أحاطوا بالحسين تنادبوا

وأكنفهم ليل من الكفر مظلم

وأقبلت الأعداء من كلّ وجهة

على الظلم واشتاقت اليهم جهنم

وصال إمامي بالطفاف مجدلا

كما صال بالأغنام ليث غشمشم

وجادلهم بالبيض ضربا وبالقنا

طعانا وروّى الأرض بالدم منهم

الى أن فنوا أصحابه ورجاله

وأضحى فريدا لفّه الترب والدم

ص: 359

فنادى ألا لا ناصر ومجاهد

يجاهد عن آل النبي ويغنم

فلم يلق إلاّ سمهريا يجيبه

وإلاّ يمانيا به الموت يعلم

وداروا عليه بالقسيّ فارسلت

لجثمانه نبل فرادى وتوأم

فأصدفه سهم الردى متشعبا

ثلاثا تلقاها الوريد المكرم

فجد له في الأرض ملقى على الثرى

طريحا له الذاري شراب ومطعم

فقالم اليه الشمر يسعى وقد جثى

على صدره والشمر رجس مزنّم

وأقبل مهر السبط نحو خيامه

يحمحم عريانا وينعى ويلطم

فلما رأين الطاهرات خرجن في

أذل السبا كلّ اليه تقدم

وبادرن نحو السبط وهو مرمل

يكلّمه شجوا ولا يتكلّم

رأت زينب صدر الحسين مرضضا

فصاحت ونار الحزن في تضرم

وصكّت من الوجد المبرح وجهها

فلم تر صبرا من جوى الثكل يعصم

تقول أخي قد كنت سورا لشملنا

فيا سورنا لم أنت فينا مهدم

أخي يا أخي قد كنت كنزا لفقرنا

فها أنت في أيدي العدى تتقسّم

أخي يا أخي قد كنت كهفا لعزنا

ألم ترنا بالذل نسبى ونشتم

أخي هذه النسوان بعدك ضيّع

أخي هذه الأطفال بعدك يوتّم

أخي زوّد الأطفال منك بأوبة

فليس سوى الباري وإياك يرحم

أخي زوّد الولهى سكينة نظرة

فمهجتها حرّى وعبرتها دم

أخي تهتوي التقبيل منك سكينة

وشمر لها بالسوط ضربا يؤلم

أخي فاطم الصغرى تحب التفاتة

وحقك هذا قلبها فيك مغرم

أخي بنتك الاخرى رقية ضمها

اليك فأحشاها من الوجد تضرم

تقول هلمي يا سكينة نرتمي

على والدي دعنا من الموت نسلم

وإلاّ فقومي ودعيه فإنّه

يروم ارتحالا بعده ليس يقدم

ولم أنس وجدا أم كلثوم تشتكي

الى جدها يا جد لو كنت تعلم

أيا جد هل تنظر حسينا مرملا

لأضلعه خيل العداة تحطّم

ص: 360

وهل تنظر السجاد بالقيد موثقا

يضرّ به التنكيل سحبا ويشتم

أيا جدّنا ساقوا عليا مكبلا

لينظره الطاغي يزيد المزنّم

أيا جدنا رأس الحسين يقلّه

سنان سنان بالقناة محكم

فيا لك مقتولا أصيب بقتله

ملائكة الرحمن والجن معهم

ويا لك من رزء عظيم أذا به

تقاس الرزايا كلّها وهو أعظم

ويا لك من يوم مهول تزلزلت

له الأرض والأطيار بالجوّ حوّم

ويا لك من حزن كأنّ مذاقه

على شيعة المختار صبر وعلقم

أتسبى كريمات الحسين على الضنا

ويكنف نسوان العلوج المخيّم

ألا لعن الرحمن آل أمية

وأشياخهم مع من تناسل منهم

وأتباعهم والتابعين لقولهم

ومن لهم بالقلب يهوى ويرحم

فيا عترة الهادي خذوها بمدحكم

مدبّجة كالدر حين ينظم

على كلّ بيت للمديح يتيمة

بأسماع من يهواكم تتقسّم

تزف اليكم كلّ عشر محرم

يتوق اليها الشاعر المترنم

مديحا لمحمود الطريحي عبدكم

له بأعاديكم من اللعن أسهم

موالي موالاكم معادي عدوكم

مودته في حبكم لا تكتم

بها يرتجي يوم القيامة شربة

من الحوض يا أهل الشفاعة منكم

خذوا لي وآبائي وأمي ووالدي

وولدي أمانا من أذى النار فارحموا

ورهطي وإخواني وقارين مدحتي

ومستمعيها واعطفوا وتكرّموا

وفي الخلد نرجو تدخلونا بجاهكم

فليس لنا إلاّ النبي وأنتم

صلاة وتسليم مساء وبكرة

من اللّه عدّ الذر تترى عليكم(1)

وفي المنتخب أيضا : وللخليعي :

جفون لا تملّ من الهمول

وجسم لا يفك من النحول

وقلب لا يفيق من الرزايا

لتذكار القتيل بن القتيل

ص: 361


1- المنتخب : 383 المجلس 7 .

قتيل أورث المختار حزنا

وأذكى النار في قلب البتول

قتيل وهو يسري والمنايا

أمام الركب يسرى بالحمول

قتيل بالطفوف أطال نوحي

وأسلمني الى الحزن الطويل

بنفسي وهو يسري مستدلا

وضوء سنائه هدي الدليل

يقول ألا اخبروني ما اسم أرض

أراني كارها فيها نزولي

أبينوا ما اسمها المشهور عنها

فقالوا كربلا يا ابن البتول

فقال هي البلاء وفي ثراها

تريق دماؤنا أيدي السفول

بها تضحى أعزّتنا أسارى

يلوح عليهم كرب الذليل

بها تسبى كرائمنا وفيها

يتامانا تعثّر بالذيول

الى الرحمن أستعدي وأشكو

على عصب رموني بالذحول

أضاعوا عهد جدّي عن قريب

وساقوني الى الورد الوبيل

ألا حطّوا رحالكم وقيلوا

فليس من المنية من مقيل

ومن رام النجاة وحاد عني

الى الدنيا ففي دعة الجليل

فقالوا ما لنا فيها خلود

وليس متاعها غير القليل

وكيف يلذّ بعدك طيب عيش

لأرباب البصائر والعقول

أما وأبيك لا نلوى وظل

السيوف مظلة الظل الظليل

فمرّ الى المضارب غير وانٍ

بقلب عاطف بر وصول

ونادى زينب يا أخت قومي

الى التوديع من قبل الرحيل

واُصيكم بتقوى اللّه إنّا

قبيل محمد خير القبيل

عليك بطاعة السجاد بعدي

محلّ الذكر والعلم الجزيل

وأن نودي بقتل أخيك بين

الورى فعليك بالصبر الجميل

وقولي في سبيل اللّه إنّي

رزيت فإنّه خير السبيل

ولطم الخدّ يقبح بالموالي

وشق الجيب يزري بالأصيل

ومرّ مشمرّا للحرب يسطو

على الأبطال بالسيف الصقيل

ص: 362

فلما أثخنوه وخر ملقىً

وراح المهر يعلن بالصهيل

برزن الطاهرات مهتكات

حيارى لا يقفن من العويل

ونادت زينب لما رأته

يجود بنفسه تحت الخيول

أخي هل للسبايا من وليّ

أخي هل لليتامى من كفيل

وخرّت فوقه تلقى دماه

براحتها على الخد الأسيل

وتدعو أمها الزهراء تطفي

بسحّ دموعها حرّ الغليل

ألا يا أمّ قومي واسعديني

على نكبات دهري واندبي لي

ترى هل أنت عالمة بأنّا

نجرّر بالحزون وبالسهول

وهل أخبرت بالسجاد أضحى

مع الأعداء في قيد ثقيل

عليلا يشتكي مرضا وأسرا

فوا أسفا على العاني العليل

وتدعو السبط وهو لقى رميل

يلاحظها بناظره الكليل

فيا للّه من نوب رمتنا

بأسهمها ومن خطب جليل

أيحمل رأس مولى الناس طرا

الى الأمصار في رمح طويل

وتهدى الطاهرات الى يزيد

سبايا بالمذلّة والخمول

ألا يا ابن النبي ومن هداني

بحبّكم الى نهج السبيل

مصابك يا قتيل الطف أدمى

جفوني لا البكاء على الطلول

وبعدي عن مزار ثراك أضنى

فؤادي لا مفارقة الخليل

وأنّ وليك الخلعي يرجو

الشفاعة منك في اليوم المهول

محبّكم وعارفكم يقينا

بايضاح المحجة والدليل

يواليكم ويبرء من عداكم

ولايصغي الى عذل العذول

ينوح عليكم ما دام حيا

ويبكيكم وما هو بالملول

لقد بلغ المنى عبد عطفتم

عليه وفاز منكم بالقبول(1)

ص: 363


1- المنتخب : 51 المجلس 3 .

وفي المنتخب لمفلح :

ألا إنّما الدنيا غرور وباطل

وما راغب عنها من الناس عاقل

زخارفها للجاهلين مصائد

لها شرك منصوبة وحبائل

وما هي إلاّ حية لان لمسها

ولامسها المغرور والسم قاتل

ولا خيرها يبقى ولا بؤس دائما

ولايبق إلاّ أجر ما أنت فاعل

وصاحبها كالضيف حلّ بمنزل

اذا ما انقضت أوطاره فهو راحل

وآمالنا فيها طوال بعيدة

وآجالنا فيها ليال قلائل

فكم واثق فيها أتاه نكالها

بياتا أتاه أو أتى وهو غافل

وتبّا لدنيا لا ينال نعيمها

لفضل وللمفضول فيها الفضائل

زبرجدها للأرذلين قلائد

وتقليدها للأفضلين سلاسل

وأعظم ما يبلى به المرء همّة

على الفلك الدوار والجد سافل

فهمّته لا ترتضي الدون منزلا

ولا جدّه يعلو الى من يحاول

اذا أنت لم تعط السعادة في الدنى

فسعيك مذموم ورأيك عادل

ولا العلم والتقوى ولا الجود ترفع

ولا كرم الأخلاق فيك فضائل

ولو كنت لقمانا وقسّا فصاحة

وعقلا فذو لوّ دعاتك قابل

ولو أنت أصبحت ابن سينا وحاتما

فما أنت إلاّ مارد ثم جاهل

ولو أنت أولاك الزمان سعادة

أتتك الأماني والردى عنك زائل

وأصبحت مخدوما ولو كنت خادما

وأمسيت مسؤولا ولو كنت سائل

ولا العلم والجهل القبيح بصائر

ولا أنت ما قد قلت زور وباطل

فوا أسفاكم يرفع الجدّ سفلة

وكم عند فقد الجد يخفض فاضل

فلا خير في دنيا بها الكلب يحتمى

ولا يحتمى أسد العرين جوافل

ولا نال منها ذو حجى من مراده

وما رام منها أحمق وهو حاصل

تسود على السادات فيها عبيدها

ويعلو على العالين فيها الأسافل

ويترك فيها قول آل محمد

ولولاهم ما قال للحق قائل

ص: 364

ولا قام للدين الحنيفي دعامة

ولا دل للشرع الشريف دلائل

ولا افترقت للمشركين جماعة

ولا اجتمعت للمسلمين قبائل

ولا عرف المعروف في الناس عارف

ولا فعل القربات للّه فاعل

فأموالهم للوافدين غنيمة

وعلمهم للطالبين مناهل

فآباؤهم في الجاهلية سادة

وأبناؤهم في المسلمين أفاضل

لهم خلق اللّه الزمان وأهله

وهم عنده للسائلين وسائل

يسود عليهم حبتر ثم نعثل

ونغل ابن صهّاك الجميع أراذل

فمنهم أجير لليهود معلّم

أبوه دعيّ ضائع الأصل جاهل

ومنهم أبوه جده ثم خاله

وعمته أم وأخت مماثل

له أمهات كلّهن عواهر

اذا عدّت؟؟؟ سبع كوامل

ومنهم أبوه قال عنه ابن سائب

ولوع بضرب الدف مفعول فاعل

له عاهر تزني وتأتي بجذرها

اليه وذاك النغل للجذر آكل

ونغل أبي سفيان يروى بأنّه

أبوه تزوّج أمه وهي حامل

فما لبثت إلاّ ثلاثة أشهر

وقالت هنيد نغلب وهو كامل

فتبا لدنيا هؤلاء ملوكها

فما ملكوها وهي واللّه طائل

وما هي إلاّ جيفة هم كلابها

ولا شك أنّ الكلب للميت آكل

فلو ساوت الدنيا جناح بعوضة

لكان لهم عنها من اللّه حائل

ولكنّها عند الإله رذيلة

ومرذولة فاستملكتها الأراذل

وضاقت الى آل النبي وجارها

فليس لهم إلاّ القبور منازل

فلا لهم بالشرق والغرب منزل

ولا مسلك إلاّ لهم فيه قاتل

بطوس وسامرا لهم وبطيبة

وبغداد أيضا والغريّ منازل

فما أنس لا أنس الطفوف ونارها

لها كلّ حين بين جنبي شاعل

فهل بعد يوم الطف يلتذ مؤمن

وهل حزنه يوم القيامة زائل

به صرعت أنصار آل محمد

وغالت به آل الرسول الغوائل

ونادى ابن سعد أيّها الجند اسلبوا

حريم حسين واقتلوا من يقاتلوا

ص: 365

فغار عليها القوم من كلّ جانب

فصارت سبايا تقتسمها القبائل

ينادين يا جداه صرنا غنيمة

ولم يبق للأيتام يا جد كافل

أيا جدنا أما الرجال فقتّلوا

أيا جدنا أما النسا فأرامل

أيا جدنا أما البنون فذبّحوا

أيا جدنا أما البنات ثواكل

أيا جدنا أما العدو فقاتل

أيا جدنا أما الصديق فخاذل

أيا جدنا في السبط تشكل بيضها

وتنقط يا جداه فيه العوامل

أيا جدنا بالسيف ينحر نحره

ويقطع يا جداه والذل باذل

أيا جدنا علّوا على الرمح رأسه

وجثمانه تلقى عليه الجنادل

أيا جدنا مات الحسين من الظما

ووحش الفلا من بارد الماء ناهل

أيا جدنا الوجه الذي لا يُرى له

الثكل ياجداه والذل باذل

أيا جدنا الوجه المصون عن الورى

فليس له من أعين الناس حائل

أيا جدنا الجيد الذي كان حاليا

قلائده مسلوبة وهو عاطل

فهل مثلنا خلق أصيب بمثلنا

وهل بعدنا جيل به الأمر نازل

ألا لعن الرحمن أول ظالم

فما ظلمه إلاّ الى الحشر شامل

وما قتل السبط الشهيد ورهطه

سوى عصبة حق الوصي تداول

وحازوا تراث المصطفى دمن أهله

وقالوا دخول الآل في الإرث باطل

ولما أزالوهم عن الملك عنوة

تداوله من بعد ذلك قبائل

وما الناس حتى الآن إلاّ ثلاثة

لهم غاصب أو خاذل أو مقاتل

وما فعل القوم الأواخر فيهم

نتائج ما قد قدّمته الأوائل

فهم أصّلوه والذي بعد فرّعوا

وفاعل أصل الفرع للفرع فاعل

عليهم من الرحمن لعن مجدّد

يدوم عليهم سرمدا متواصل

أيا سيّدي يا صاحب الحوض واللّوا

ومن حكمه يوم القيامة فاصل

أتاني رسول منك قال لأنني

رسول علي للرسالة حامل

يقول ومن يبدلنا من قصيدة

فإنّي له يوم القيامة كافل

ويرثي بها ابني الحسين ويبتدي

ألا إنّما الدنيا غرور وباطل

ص: 366

فما الحكم في رؤياك أضغاث حالم

وأمرك فرض والمخبّر عادل

فبادرت يا مولاي للأمر طائعا

فها أنا حين الأمر للجهد باذل

فقد أنزل الرحمن فيك مدائحا

بها الذكر والإنجيل والصحف نازل

فما بعد مدح اللّه يمدح مادح

ولا بعد قول اللّه يبلغ قائل

ولكن ذا جهد المقلّ وقد أتى

بأخباركم جهد المقلّين فاضل

فمدحكم تاج لها وقلائد

كما أن لها هجو الأعادي خلاخل

أيا سادتي يا آل بيت محمد

بكم مفلح يتلو على من يطاول

اذا عاقت الدنيا كفاني ولاكم

فلست أبالي ما بي الدهر فاعل

فأنتم حسامي إن أتاني مقاتل

وأنتم سهامي إن أتاني مناضل

وأنتم أماني في معادي من اللظى

وأنتم لساني إن أتاني مسائل

عليكم سلام اللّه ما عسعس الدجى

وما طلعت شمس وما الغيث نازل(1)

وروى الفاضل المجلسي عن الصنوبري :

يا خير من لبس النبوة

من جميع الأنبياء

وجدي على سبطيك وجد

ليس يؤن بانقضاء

هذا قتيل الأشقياء

وذا قتيل الأدعياء

يوم الحسين هرقت

دمع الأرض بل دمع السماء

يوم الحسين تركت باب

العز مهجور الفناء

يا كربلاء خلفت من

كرب علي ومن بلاء

كم فيك من وجه تشرب

ماؤ ماء البهاء

نفسي فداء المصطلي

نار الوغى أي اصطلاء

حيث الأسنة في الجوا

شن كالكواكب في السماء

فاختار درع الصبر حيث

الصبر من لبس السناء(2)

ص: 367


1- لم أجدها في النسخة المطبوعة من المنتخب .
2- بحار الأنوار 45/252 باب 44 .

وأبى إباء الأسد

إنّ الأسد صادقة الإباء

وقضى كريما إذ قضى

ظمآن في نفر ظماء

منعوه طعم الماء لا

وجدوا لماء طعم ماء

من ذا لمعفور الجواد

ممال أعواد الخباء

من للطريح الشلو

عريانا مخلى بالعراء

من للمحنط بالتراب

وللمغسل بالدماء

من لابن فاطمة المغيب

عن عيون الأولياء

وروى الفاضل المجلسي رحمه الله للجوهري :

عاشورنا ذا ألا لهفي على الدين

خذوا حدادكم يا آل ياسين

اليوم شقق جيب الدين وانتهبت

بنات أحمد نهب الروم والصين

اليوم قام بأعلى الطف نادبهم

يقول من ليتيم أو لمسكين

اليوم خضب جيب المصطفى بدم

أمسى عبير بخور الحور والعين

اليوم خرت نجوم الفخر من مضر

على مناخر تذليل وتوهين

اليوم أطفئ نور اللّه متقدا

وجررت لهم التقوى على الطين

اليوم هتك أسباب الهدى مزقا

وبرقعت غرة الإسلام بالهون

اليوم زعزع قدس من جوانبه

وطاح بالخيل ساحات الميادين

اليوم نال بنو حرب طوائلها

مما صلوه ببدر ثم صفين

اليوم جدل سبط المصطفى شرقا

من نفسه بنجيع غير مسنون

وقيل في رثائه :

يا كربلاء يا كربتي وزفرتي

كم فيك من ساق ومن جمجمة

ومن يمين للحسام بينت

للفاطميات العظام الحرمة

قد خر أركان العلى وانهدت

وغلقت أبوابه وسدت

تلك الرزايا عظمت وجلت

ص: 368

وقيل أيضا :

كم سيد لي بكربلاء فديته

السيد الغريب

كم سيد لي بكربلاء

للموت صدره وجيب

كم سيد لي بكربلاء

عسكره بالعرا نهيب

كم سيد لي بكربلاء

ليس لما يشتهي طبيب

كم سيد لي بكربلاء

خاتمه والرداء سليب

كم سيد لي بكربلاء

خضب من نحره المشيب

كم سيد لي بكربلاء

يسمع صوتي لا يجيب

كم سيد لي بكربلاء

ملثمه والرداء خضيب

كم سيد لي بكربلاء

ينقر في ثغره القضيب

وروي لدعبل :

حسب الذي قتل الحسين

من الخسارة والندامه

أنّ الشفيع لدى الإله

خصيمه يوم القيامه

ولدعبل رحمه الله أيضا :

منازل بين أكناف الغري

إلى وادي المياه إلى الطوي

لقد شغل الدموع عن الغواني

مصاب الأكرمين بني علي

أتى أسفي على هفوات دهر

تضاءل فيه أولاد الزكي

ألم تقف البكاء على حسين

وذكرك مصرع الحبر التقي

ألم يحزنك أن بني زياد

أصابوا بالترات بني النبي

وأن بني الحصان يمر فيهم

علانية سيوف بني البغي

وللرضي الموسوي نقيب النقباء البغدادي :

سقى اللّه المدينة من محل

لباب الودق بالنطف العذاب

وجاد على البقيع وساكنيه

رخي البال ملئان الوطاب

وأعلام الغري وما أساخت

معالمها من الحسب اللباب

ص: 369

وقبرا بالطفوف يضم شلوا

قضى ظمأ إلى برد الشراب

وبغدادا وسامرا وطوسا

هطول الودق منخرق العباب

بكم في الشعر فخري لا بشعري

وعنكم طال باعي في الخطاب

ومن أولى بكم مني وليا

وفي أيديكم طرف انتسابي(1)

ولأبي الحسن علي بن أحمد الجرجاني من قصيدة طويلة يمدح أهل البيت عليهم السلام :

وجدي بكوفان ما وجدي بكوفان

تهمي عليه ضلوعي قبل أجفان

أرض إذا نفحت ريح العراق بها

أتت بشاشتها أقصى خراسان

ومن قتيل بأعلى كربلاء على

جهد الصدى فتراه غير صديان

وذي صفائح يستسقى البقيع به

ري الجوانح من روح ورضوان

هذا قسيم رسول اللّه من أدم

قدّا معا مثل ما قد الشراكان

وذاك سبطا رسول اللّه جدهما

وجه الهدى وهما في الوجه عيناه

وا خجلتا من أبيهم يوم يشهدهم

مضرجين نشاوى من دم قان

يقول يا أمة حف الضلال بها

فاستبدلت للعمى كفرا بإيمان

ما ذا جنيت عليكم إذ أتيتكم

بخير ما جاء من آي وفرقان

ألم أجركم وأنتم في ضلالتكم

على شفا حفرة من حر نيران

ألم أؤف قلوبا منكم مزقا

فرقا مثارة بين أحقاد وأضغان

أما تركت كتاب اللّه بينكم

وآية الغر في جمع وقرآن

ألم أكن فيكم غوثا لمضطهد

ألم أكن فيكم ماء لظمآن

قتلتم ولدي صبرا على ظمإ

هذا وترجون عند الحوض إحساني

سبيتم ثكلتكم أمهاتكم

بني البتول وهم لحمي وجثماني

مزقتم ونكثتم عهد والدهم

وقد قطعتم بذاك النكث أقراني

يا ربّ خذ لي منهم إذ هم ظلموا

كرام رهطي وراموا هدم بنياني

ماذا تجيبون والزهراء خصمكم

والحاكم اللّه للمظلوم والجاني

ص: 370


1- المناقب 4/124 .

أهل الكساء صلاة اللّه ما نزلت

عليكم الدهر من مثنى ووحدان

أنتم نجوم بني حواء ما طلعت

شمس النهار وما لاح السماكان

ما زلت منكم على شوق يهيجني

والدهر يأمرني فيه وينهاني

حتى أتيتك والتوحيد راحلتي

والعدل زادي وتقوى اللّه إمكاني

هذي حقائق لفظ كلما برقت

ردت تلألؤها أبصار عميان

هي الحلي لبني طه وعترتهم

هي الردى لبني حرب ومروان

هي الجواهر جاء الجوهري بها

محبة لكم من أرض جرجان

إلى آخر ما مضى في رواية ابن شهرآشوب ، وزاد فيه :

زادوا عليه بحبس الماء غلته

تبا لرأي فريق فيه مغبون

نالوا أزمة دنياهم ببغيهم

فليتهم سمحوا منها بماعون

حتى يصيح بقنسرين راهبها

يا فرقة الغي يا حزب الشياطين

أتهزؤون برأس بات منتصبا

على القناة بدين اللّه يوصيني

آمنت ويحكم باللّه مهتديا

وبالنبي وحب المرتضى ديني

فجدلوه صريعا فوق جبهته

وقسموه بأطراف السكاكين

وأوقروا صهوات الخيل من أحن

على أساراهم فعل الفراعين

مصفدين على أقتاب أرحلهم

محمولة بين مضروب ومطعون

أطفال فاطمة الزهراء قد فطموا

من الثدي بأنياب الثعابين

يا أمة ولي الشيطان رايتها

ومكن الغي منها كلّ تمكين

ما المرتضى وبنوه من معاوية

ولا الفواطم من هند وميسون

آل الرسول عباديد السيوف فمن

هام على وجهه خوفا ومسجون

يا عين لا تدعي شيئا لغادية

تهمي ولا تدعي دمعا لمحزون

قومي على جدث بالطف فانتقضي

بكل لؤؤدمع فيك مكنون

يا آل أحمد إنّ الجوهري لكم

سيف يقطع عنكم كلّ موصون(1)

ص: 371


1- بحار الأنوار 45/278 .

وقال الصاحب أيضا في المراثي :

بلغت نفسي مناها

بالموالي آل طاها

برسول اللّه من حاز

المعالي وحواها

وببنت المصطفى من

أشبهت فضلا أباها

وبحب الحسن البالغ

في العليا مداها

والحسين المرتضى ي-

-وم المساعي إذ حواها

ليس فيهم غير نجم

قد تعالى وتناهى

عترة أصبحت الدنيا

جميعا في حماها

ما يحدث عصب البغي

بأنواع عماها

أردت الأكبر بالسم

وما كان كفاها

وانبرت تبغي حسينا

وعرته وعراها

منعته شربه والطير

قد أروت صداها

فأفاتت نفسه يا

ليت روحي قد فداها

بنته تدعو أباها

أخته تبكي أخاها

لو رأى أحمد ما

كان دهاه ودهاها

ورأى زينب إذ شمر

أتاها وسباها

لشكا الحال إلى اللّه

وقد كان شكاها

وإلى اللّه سيأتي

وهو أولى من جزاها

وفي البحار : ولغيره عاشورية طويلة انتخبت منها هذه الأبيات :

إذا جاء عاشوراء تضاعف حسرتي

لآل رسول اللّه وانهل عبرتي

هو اليوم فيه اغبرت الأرض كلها

وجوما عليهم والسماء اقشعرت

مصائب ساءت كلّ من كان مسلما

ولكن عيون الفاجرين أقرت

إذا ذكرت نفسي مصيبة كربلا

وأشلاء سادات بها قد تفرت

أضاقت فؤدي واستباحت تجارتي

وعظم كربي ثم عيشي أمرت

ص: 372

أريقت دماء الفاطميين بالملا

فلو عقلت شمس النهار لخرت

إلاّ بأبي تلك الدماء التي جرت

بأيدي كلاب في الجحيم استقرت

توابيت من نار عليهم قد أطبقت

لهم زفرة في جوفها بعد زفرة

فشتان من في النار قد كان هكذا

ومن هو في الفردوس فوق الأسرة

بنفسي خدود في التراب تعفرت

بنفسي جسوم بالعراء تعرت

بنفسي رؤوس معليات على القنا

إلى الشام تهدى بارقات الأسنة

بنفسي شفاه ذابلات من الظما

ولم تحظ من ماء الفرات بقطرة

بنفسي عيون غائرات سواهر

إلى الماء منها نظرة بعد نظرة

بنفسي من آل النبي خرائد

حواسر لم تقذف عليهم بسترة

تفيض دموعا بالدماء مشوبة

كقطر الغوادي من مدافع سرة

على خير قتلى من كهول وفتية

مصاليت أنجاد إذا الخيل كرت

ربيع اليتامى والأرامل فابكها

مدارس للقرآن في كلّ سحرة

وأعلام دين المصطفى وولاته

وأصحاب قربان وحج وعمرة

ينادون يا جداه أية محنة

تراه علينا من أمية مرت

ضغائن بدر بعد ستين أظهرت

وكانت أجنت في الحشا وأسرت

شهدت بأن لم ترض نفس بهذه

وفيها من الإسلام مثقال ذرة

كأنّي ببنت المصطفى قد تعلقت

يداها بساق العرش والدمع أذرت

وفي حجرها ثوب الحسين مضرجا

وعنها جميع العالمين بحسرة

تقول أيا عدل اقض بيني وبين من

تعدى على ابني بعد قهر وقسرة

أجالوا عليه بالصوارم والقنا

وكم جال فيهم من سنان وشفرة

على غير جرم غير إنكار بيعة

لمنسلخ من دين أحمد عرة

فيقضي على قوم عليه تألبوا

بسوء عذاب النار من غير فترة

ويسقون من ماء صديد إذا دنا

شوى الوجه والأمعاء منه تهدت

مودة ذي القربى رعوها كما ترى

وقول رسول اللّه أوصى بعترتي

ص: 373

فكم عجرة قد اتبعوها بعجرة

وكم غدرة قد ألحقوها بغدرة

هم أول العادين ظلما على الورى

ومن سار فيهم بالأذى والمضرة

مضوا وانقضت أيامهم وعهودهم

سوى لعنة باؤوا بها مستمرة

لآل رسول اللّه ودي خالصا

كما لمواليهم ولائي ونصرتي

وها أنا مذ أدركت حد بلاغتي

أصلي عليهم في عشيي وبكرتي

وقول النبي المرء مع من أحبه

يقوي رجائي في إقالة عثرتي

على حبّهم يا ذا الجلال توفني

وحرّم على النيران شيبي وكبرتي

ولعلي بن الحسين الدوادي :

بنو المصطفى المختار أحمد طهروا

وأثنى عليهم محكم السورات

بنو حيدر المخصوص بالدرجات

من اللّه والخواض في الغمرات

فروع النبي المصطفى ووصيه

وفاطم طابت تلك من شجرات

وسائلة لم تسكب الدمع دائبا

وتقذف نارا منك في الزفرات

فقلت على وجه الحسين وقد ذرت

عليه السوافي ثائر الهبوات

فقد غرقت منه المحاسن في دم

وأهدي للفجار فوق قناة

وحلئ عن ماء الفرات وقد صفت

موارده للشاء والحمرات

على أم كلثوم تساق سبية

وزينب والسجاد ذي الثفنات

أصيبوا بأطراف الرماح فأهلكوا

وهم للورى أمن من الهلكات

بهم عن شفير النار قد نجى الورى

فجازوهم بالسيف ذي الشفرات

فيا أقبرا حطت على أنجم هوت

وفرقن في الأطراف مغتربات

وليس قبورا هن بل هي روضة

منورة مخضرة الجنبات

وما غفل الرحمن عن عصبة طغت

وما هتكت ظلما من الحرمات

أمقروعة في كلّ يوم صفاتكم

بأيدي رزايا فتن كلّ صفات

فحتام ألقى جدكم وهو مطرق

غضيض وألقى الدهر غير موات

فيا ربّ غير ما تراه معجلا

تعاليت يا ربّي عن الغفلات

ص: 374

وللصاحب أيضا :

ما لعلي العلا أشباه

لا والذي لا إله إلاّ هو

مبناه مبني النبي تعرفه

وابناه عند التفاخر ابناه

لو طلب النجم ذات أخمصه

أعلاه والفرقدان نعلاه

يا بأبي السيد الحسين وقد

جاهد في الدين يوم بلواه

يا بأبي أهله وقد قتلوا

من حوله والعيون ترعاه

يا قبح اللّه أمة خذلت

سيدها لا تريد مرضاه

يا لعن اللّه جيفة نجسا

يقرع من بغضه ثناياه

وللصاحب أيضا :

برئت من الأرجاس رهط أمية

لما صح عندي من قبيح عذائهم

ولعنهم خير الوصيين جهرة

لكفرهم المعدود في شرّ دائهم

وقتلهم السادات من آل هاشم

وسبيهم عن جرأة لنسائهم

وذبحهم خير الرجال أرومة

حسين العلا بالكرب في كربلائهم

وتشتيتهم شمل النبي محمد

لما ورثوا من بغضه في فنائهم

وما غضبت إلاّ لأصنامها التي

أديلت وهم أنصارها لشقائهم

أيا ربّ جنبني المكاره واعف عن

ذنوبي لما أخلصته من ولائهم

أيا ربّ أعدائي كثير فزدهم

بغيظهم لا يظفروا بابتغائهم

أيا ربّ من كان النبي وأهله

وسائله لم يخش من غلوائهم

حسين توصل لي إلى اللّه إنني

بليت بهم فادفع عظيم بلائهم

فكم قد دعوني رافضيا لحبكم

فلم ينثني عنكم طويل عوائهم

وللصاحب أيضا :

أجروا دماء أخي النبي محمد

فلتجر غزر دموعنا ولتهمل

ولتصدر اللعنات غير مزالة

لعداه من ماض ومن مستقبل

وتجردوا لبنيه ثم بناته

بعظائم فاسمع حديث المقتل

ص: 375

منعوا الحسين الماء وهو مجاهد

في كربلاء فنح كنوح المعول

منعوه أعذب منهل وكذا غدا

يردون في النيران أوخم منهل

أيجزّ رأس ابن النبي وفي الورى

حي أمام ركابه لم يقتل

وبنو السفاح تحكموا في أهل حي

على الفلاح بفرصة وتعجل

نكت الدعي بن البغي ضواحكا

هي للنبي الخير خير مقبل

تمضي بنو هند سيوف الهند في

أوداج أولاد النبي وتعتلي

ناحت ملائكة السماء لقتلهم

وبكوا فقد سقوا كؤوس الذبل

فأرى البكاء على الزمان محللا

والضحك بعد الطف غير محلل

كم قلت للأحزان دومي هكذا

وتنزلي في القلب لا تترحل

وروى الفاضل المجلسي من قصيدة لجعفر بن عفان الطائي رحمه الله :

ليبك على الإسلام من كان باكيا

فقد ضيعت أحكامه واستحلت

غداة حسين للرماح ذرية

وقد نهلت منه السيوف وعلت

وغودر في الصحراء لحما مبددا

عليه عناق الطير باتت وظلت

فما نصرته أمة السوء إذ دعا

لقد طاشت الأحلام منها وضلت

ألا بل محوا أنوارهم بأكفهم

فلا سلمت تلك الأكف وشلت

وناداهم جهدا بحقّ محمد

فإنّ ابنه من نفسه حيث حلت

فما حفظوا قرب الرسول ولا رعوا

وزلت بهم أقدامهم واستزلت

أذاقته حرّ القتل أمة جده

هفت نعلها في كربلاء وزلت

فلا قدّس الرحمن أمة جده

وإن هي صامت للإله وصلت

كما فجعت بنت الرسول بنسلها

وكانوا حماة الحرب حين استقلت

وفي المراثي أيضا :

بكى الحسين لركن الدين حين وها

وللأمور العظيمات الجليلات

هل لامرئ عاذر في حزن دمعته

بعد الحسين ومسبى الفاطميات

أم هل لمكتئب من أجل فقدته

لذاذة العيش تكرار الفجيعات

مثل النجوم الدراري في مراتبها

إن غاب نجم بدا نجم لميقات

ص: 376

يا أمة السوء هاتوا ما حجاجكم

إذا برزتم لجبار السماوات

وأحمد خصمكم واللّه منصفه

بالحق والعدل منه لا المحابات

ألم أبين لكم ما فيه رشدكم

من الحلال ومن ترك الخبيثات

فما صنعتم أضل اللّه سعيكم

فيما عهدت إليكم في وصايات

أما بني فمقتول ومكبول

وهارب في رؤوس المشمخرات

وقد أخفتم بناتي بين أظهركم

ما ذا أردتم شفيتم من بنياتي

ينقلن من عند جبار يعاهده

إلى جبابر أمثال السبيات

أكان هذا جزائي لا أبا لكم

في أقربائي وفي أهل الحرمات

ردوا الجحيم فحلوها بسعيكم

ثم أخلدوا في عقوبات أليمات

في المراثي أيضا :

متى يشفيك دمعك من همول

ويبرد ما بقلبك من غليل

قتيل ما قتيل بني زياد

ألا بأبي ونفسي من قتيل

أريق دم الحسين فلم يراعوا

وفي الأحياء أموات العقول

فدت نفسي جبينك من جبين

جرى دمه على خد أسيل

أيخلو قلب ذي ورع تقي

من الأحزان والألم الطويل

وقد شرقت رماح بني زياد

بري من دماء بني الرسول

فؤدك والسلو فإن قلبي

سيأبى أن يعود إلى ذهول

فيا طول الأسى من بعد قوم

أدير عليهم كأس الأفول

تعاورهم أسنة آل حرب

وأسياف قليلات الفلول

بتربة كربلاء لهم ديار

ينام الأهل دارسة السلول

تحيات ومغفرة وروح

على تلك المحلة والحلول

وأوصال الحسين ببطن قاع

ملاعب للدبور وللقبول

برئنا يا رسول اللّه ممن

أصابك بالأذاء وبالذحول(1)

ص: 377


1- بحار الأنوار 45/282 باب 44 .

لما كان سلطان السلاطين العادل صاحب اليد والنوائل ، وارث تاج السلطنة الكامل ملك ملوك العجم ناصر الدين شاه رفع اللّه لواءه وأيّد بقاءه ساعيا دائما سعيا مشكورا في تقوية الدين المبين وترويج شريعة سيد المرسلين ، لذا شمل بألطافه ومراحمه خدام الحضرة بألطافه الملوكية وبذل النعم المتوافرة المتواصل حتى أغناهم ، وجعلهم يعيشون في رفاه الحال وفراغ البال بما منحهم وأعطاهم ، فتفرّغوا لطلب العلم وكسب المعارف .

وكان من جملتهم إبني الميرزا هدايت صنيع الدولة وربيب الحضرة الذي استخلصه لمنصب المستوفي الخاص المشمول بالإختصاص ، فجعله من عداد أجزاء التنظيمات الحسنة في دار الخلافة لبسط العدل والقسط ، فكان في فنون الفضائل محسودا من أمثاله ونظائره ، وفي الآداب ممدوح العجم والعرب ، قويا متمرسا في الشعر العربي والفارسي ، حتى دعاه أقرانه ب-« صاحب اللسانين وراكب البحرين » .

وهو وإن كان يسوق الكلام سياق الجاهلين إلاّ أنّه في هذه المرثية سلك سبيل المتأخرين ، وأهدى ثوابها - شكرا للنعمة - الى ساحة الحضرة السلطانية ، وهي هذه :

ما بال عيني لا تبكي الدما أسىً

على إمرى ء ماجد من آل يس

ما ذي الرزايا التي صُبت على ظمِى ء

معفر الخد مقطوع الشرايين

ما ذي المنايا التي أبدت نواجذها

لمصرع في الثرى منن غير تكفين

ما ذي المصائب قد قدّ الجيوب لها

وضعضعت عمد الإسلام والدين

هذا الصريع حسين من له سجدت

غلب الرقاب هم شم العرانين

هذا القتيل حسين من له خلقت

سبع الشداد وجنات الثمانين

فعين جودي لمن يبكي الرسول له

وليس ينساه حينا من أحايين

وابكي الدما لمن يبكي الوصي له

وما سوى اللّه في شجن وتأنين

لولا مخافة إلحاد وزندقة

لقلت ربّيإذا أبكي يواسيني

يا للرسول لأمر منكر عجب

قد لاح ممن هم من أهل سجين

ص: 378

يا للإله لقوم قاتلوا رجلا

من آل أحمد من غر الميامين

تبّا وتعسا لقوم أهرقوا دمه

بأمر طاغية كان ابن ميسون

لا برّد اللّه مثواهم ومضجعهم

ولم يزل كلّهم ملسوع تنين

وزادهم يوم يحييهم عذابهم

أذاقهم ماء يحموم وغسلين

يا ليت ما ولدت أماتهم ولدا

يحدّ في قتلهم سيفا بسكين

وليت قد عقمت حواء لم تلد

ومات آدم بين الماء والطين

وليت كان شهاب اللّه أحرقهم

وكان من قبل رجما للشياطين

وليت قاتلهم يوم الوغى ملك

دانت لديه ملوك الروم والصين

وليت كان مليك الأرض ناصره

وأدرك الثار منهم ناصر الدين

أبو المظفر شمى المجد ذو حسب

لا يبلغنّ به أيدي السلاطين

إن لم يكن يوم طف يبذل المهجا

فجاد فيه كنوزا للمساكين

لا زلت دهرك ملقى في بُلهنية

ما يزهر النور أكمام البساتين

ذكر عدد أولاد الحسين عليه السلام وأحوالهم

نقل الفاضل المجلسي عن كتاب الإرشاد أنّه كان للحسين عليه السلام ستة أولاد ، أربعة ذكور ، وهم : علي بن الحسين الأكبر ، كنيته أبو محمد ، أمه شهربان بنت كسرى يزدجرد ، والظاهر من كلام الشيخ المفيد أنّه يذهب الى أن علي بن الحسين زين العابدين كان أكبر أولاد الحسين عليه السلام .

والثاني : علي بن الحسين الأصغر ، قتل مع أبيه بالطف ، وقد تقدّم ذكره فيما سلف ، وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية .

والثالث : جعفر بن الحسين ، لا بقية له ، وأمه قضاعية ، وكانت وفاته في حياة الحسين .

والرابع : عبد اللّه بن الحسين ، قتل مع أبيه صغيرا ، جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه ، وقد مرّ ذكره .

ص: 379

وأما البنات : فالاولى : سكينة بنت الحسين ، وأمها الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي كلبية معدية ، وهي أم عبد اللّه بن الحسين عليه السلام .

والأخرى : فاطمة بنت الحسين ، وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد اللّه تيمية .

وذكر صاحب كتاب البدع وصاحب كتاب شرح الأخبار : أنّ عقب الحسين من ابنه علي الأكبر ، وأنّه هو الباقي بعد أبيه ، وأنّ المقتول هو الأصغر منهما ، وعليه نعول ، فإنّ علي بن الحسين الباقي كان يوم كربلاء من أبناء ثلاثين سنة ، وكان لعلي الأصغر المقتول نحو أثنتي عشرة سنة .

وتقول الزيدية : إنّ العقب من الأصغر ، وإنّه كان في يوم كربلاء ابن سبع سنين ، ومنهم من يقول : أربع سنين .

وفي كتب(1) النسب قال يزيد لعلي بن الحسين عليه السلام : وا عجبا لأبيك سمى عليا وعليا ! فقال عليه السلام : إنّ أبي أحبّ أباه فسمى باسمه مرارا(2) .

وفي المناقب لابن شهرآشوب : لما ورد بسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر أن يبيع

النساء ، وأن يجعل الرجال عبيد العرب ، وعزم على أن يحمل العليل والضعيف والشيخ الكبير في الطواف وحول البيت على ظهورهم ، فقال أمير المؤنين عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : أكرموا كريم قوم وإن خالفوكم ، وهؤاء الفرس حكماء كرماء ، فقد ألقوا إلينا السلام ، ورغبوا في الإسلام ، وقد أعتقت منهم لوجه اللّه حقّي وحقّ بني هاشم .

فقالت المهاجرون والأنصار : قد وهبنا حقّنا لك يا أخا رسول اللّه ، فقال : اللّهم فاشهد أنّهم قد وهبوا وقبلت وأعتقت . فقال عمر : سبق إليها علي بن أبي طالب عليه السلام ، ونقض عزمتي في الأعاجم .

ورغب جماعة في بنات الملوك أن يستنكحوهن ، فقال أمير المؤنين : تخيّرهن ولا تكرههن ، فأشار أكبرهم إلى تخيير شهربانويه بنت يزدجرد ، فحجبت وأبت ، فقيل لها : أيا كريمة قومها من تختارين من خطابك ؟ وهل أنت راضية بالبعل ؟

ص: 380


1- في المصدر : « كتاب » .
2- بحار الأنوار 45/ 329 باب 48 ح1 .

فسكتت ، فقال أمير المؤنين : قد رضيت وبقي الاختيار بعد سكوتها إقرارها ، فأعادوا القول في التخيير ، فقالت : لست ممن يعدل عن النور الساطع والشهاب اللامع الحسين ، إن كنت مخيرة ، فقال أمير المؤنين عليه السلام : لمن تختارين أن يكون وليك ؟ فقالت : أنت ، فأمر أمير المؤنين عليه السلام حذيفة بن اليمان أن يخطب ، فخطب وزوجت من الحسين .

قال ابن الكلبي : ولّى علي بن أبي طالب حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق ، فبعث بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ، فأعطاها علي ابنه الحسين عليه السلام ، فولدت منه عليا .

وقال غيره : إنّ حريثا بعث إلى أمير المؤنين ببنتي يزدجرد ، فأعطى واحدة لابنه الحسين ، فأولدها علي بن الحسين ، وأعطى الأخرى محمد بن أبي بكر ، فأولدها القاسم بن محمد ، فهما ابنا خاله(1) .

وفي كشف الغمة قال كمال الدين بن طلحة : كان له من الأولاد ذكور وإناث عشرة ، ستة ذكور ، وأربع إناث ، فالذكور : الأول : علي الأكبر ، والثاني : علي الأوسط ، وهو سيد العابدين ، والثالث : علي الأصغر ، والرابع : محمد ، والخامس : عبد اللّه ، والسادس : جعفر ، فأمّا علي الأكبر فإنّه قاتل بين يدي أبيه حتى قتل شهيدا ، وأما علي الأصغر فجاءه سهم وهو طفل فقتله .

وأما البنات : فالاولى : زينب ، والثانية : سكينة ، والثالثة : فاطمة ، - ولم يذكر الرابعة - .

وقيل : كان له أربع بنين وبنتان ، والأول أشهر .

قال ابن الخشاب : ولد له ستة بنين وثلاث بنات ، أما الأولاد : الأول : علي الأكبر الشهيد مع أبيه ، والثاني : علي الإمام سيد العابدين ، والثالث : علي الأصغر ، والرابع : محمد ، والخامس : عبد اللّه [الشهيد مع أبيه] ، والسادس : جعفر ، وأما البنات : الاولى : زينب ، والثانية : سكينة ، والثالثة : فاطمة .

ص: 381


1- بحار الأنوار 45/333 .

وقال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي : ولد الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهما ستة ، أربعة ذكور وابنتان : الأول : علي الأكبر ، وقتل مع

أبيه ، والثاني : علي الأصغر والثالث : جعفر ، والرابع : عبد اللّه ، وأما البنات :

فالاولى : سكينة ، والثانية : فاطمة .

قال : ونسل الحسين عليه السلام من علي الأصغر ، وأمه أم ولد ، وكان أفضل أهل زمانه .

وقد ذكر الإمام السجاد عليه السلام ولقبه بعلي الأصغر ، وقال : إنّ أمه أم ولد ، باعتبار أن شهربانو كانت مسبية ، وكانت تعد في الإماء .

وقال الزهري : ما رأيت هاشميا أفضل منه .

قلت : قد أخلّ الحافظ بذكر علي زين العابدين عليه السلام حيث قال : علي الأكبر وعلي الأصغر ، وأثبته حيث قال : ونسل الحسين من علي الأصغر ، فسقط في هذه الرواية علي الأصغر ، والصحيح أنّ العليين من أولاده ثلاثة(1) .

وفي المناقب : أبناؤ : الأول علي الأكبر الشهيد ، أمّه برة بنت عروة بن مسعود الثقفي ، والثاني : علي الإمام ، وهو علي الأوسط ، والثالث : علي الأصغر ، وهما من شهربانويه ، والرابع : محمد ، والخامس : عبد اللّه الشهيد وأمه الرباب بنت إمرئ القيس ، والسادس : جعفر ، وأمه قضاعية .

وبناته : الاولى : سكينة ، أمها رباب بنت إمرئ القيس الكندية ، والثانية : فاطمة ، أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد اللّه ، والثالثة : زينب ، وأعقب الحسين عليه السلام من ابن واحد ، وهو زين العابدين(2) .

وقد اتبع محمد رضا الحسيني الفاضل المجلسي في عدد أولاد الحسين عليه السلام ، فلا نكرر .

ص: 382


1- بحار الأنوار 45/332 .
2- المناقب 4/76 فصل في تواريخه وألقابه عليه السلام .

وفي كشف الغمة والمناقب : وكان يقال له - أي لعلي بن الحسين عليهماالسلام - ابن الخيرتين ، لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ للّه من عباده خيرتين ، فخيرته من العرب قريش ، ومن العجم فارس(1) .

وقال أبو الأسود في هذا المعنى :

وإنّ غلاما بين كسرى وهاشم

لأكرم من نيطت عليه التمائم

وقد اختار صاحب كتاب الفصول المهمة في معرفة الأئمة مختار الشيخ المفيد والفاضل المجلسي ، فلا نطيل الكلام في تكرار مقاله خوفا من الأطالة المملة .

وقال محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : كان له من الأولاد ذكور وإناث عشرة ، ستة ذكور وأربع إناث(2) ، وعدهم كما عدهم صاحب كشف الغمة ، ولم يسمي البنت الرابعة أيضا .

وقال ابن الجوزي وهو من فحول علماء العامة في كتابه تذكرة الخواص : أولاد الحسين عليه السلام : الأول : علي الأكبر ، قتل مع أبيه يوم كربلاء ، وأمه آمنة بنت أبي مرة بن عروة ابن مسعود الثقفي ، وأمها بنت أبي سفيان بن حرب ، والثاني : علي الأصغر وهو زين العابدين ، والنسل له ، وأمه أم ولد ، قال ابن قتيبة : كانت أسدية ، ويقال لها

« السلافة » ، وقيل : غزالة ، تزوجها بعد الحسين زبيد مولى الحسين عليه السلام ، فولدت له عبد اللّه ، فهو أخو علي زين العابدين لاُمه(3) ، ويقال : اسم زبيد « زيد » ، وعقبه ينزلون ينبع .

قال الزهري : زوجها من زبيد ولدها ، ثم أعتق زين العابدين جارية له فتزوجها ، فعابه عبد الملك بن مروان ، فكتب اليه زين العابدين : لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة ، أعتق رسول اللّه جويرية وصفية وتزوجهما ، وأعتق زيد بن حارثة وزوجه زينب بنت جحش بن عمته .

ص: 383


1- كشف الغمة 2/106 .
2- مطالب السؤول : 2/30 .
3- في المصدر : « بالرضاعة » .

وقال الزهري : كان علي بارا بأمه لم يأكل معها في قصعة قط ، فقيل له في ذلك ، فقال : أخاف أن أمدّ يدي الى ما وقعت عينها عليه فأكون عاقا لها .

وكان للحسين عليه السلام من الولد أيضا جعفر ، لا بقية له ، وأمه سلافة القضاعية ، وفاطمة أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد اللّه ، وعبد اللّه ، قتل مع أبيه يوم الطف ، وسكينة وأمها الرباب بنت إمرى ء القيس ، ومحمد ، قتل مع أبيه يوم الطف(1) .

هكذا عدّ ابن الجوزي أولاد الحسين عليه السلام كبيرهم وصغيرهم ، ذكرهم وأنثاهم ، ولكن أمّ الإمام السجاد عليه السلام شهربانو لم يزوجها بعد الحسين عليه السلام تفرّد به ابن الجوزي ، ولم يسمع من غيره إلاّ نادرا ، لأنّها توفيت في نفاسه .

وبالجملة : فإنّ كتب التاريخ والسير ، عربية كانت أو فارسية ، حصرت الاختلاف في عدد أولاد الحسين فيما ذكرناه من الأقوال السالفة ، ولم يخرج من هذه الأقوال أحد منهم إلاّ رواية رأيتها تذكر أن للحسين عليه السلام ولدا خامسا يسمى « عمر » عمره أربع سنوات ، مات بعد مقتل أبيه بفترة .

واعلم أنّ ما اخترته أنا العبد الفقير بعد التقصي وبذل الوسع : أنّ للحسين عليه السلام

أربع أولاد ، هم : علي الأكبر الشهيد ، وعلي الأوسط ، وهو الإمام ، وعلي الأصغر ، وعبد اللّه ، استشهد منهم ثلاثة يوم الطف بالتفصيل الذي ذكرناه ، وبقي منهم علي بن

الحسين زين العابدين ومنه العقب .

وكان له من البنات بنتين لا أكثر : فاطمة وسكينة .

وسيأتي الحديث عن أولاد الإمام زين العابدين عليه السلام في الكتاب الخاص به عليه السلام .

والآن ننتقل للحديث عن بناته عليه السلام .

ص: 384


1- تذكرة الخواص : 249 .

ذكر فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم السلام

لقد ذكرنا فيما سبق أنّ الحسين عليه السلام زوج ابنته فاطمة من ابن أخيه الحسن المثنى ، فأولدها عبد اللّه المحض ، وإبراهيم الغمر ، والحسن المثلث ، وزينب وأم كلثوم ، وعقب عبد اللّه المحض محمد « ذو النفس الزكية » ، وإبراهيم قتيل باخمرى ، وقد أتينا

على أخبارهم وأخبار أولادهم في ما سلف من كتاب الإمام الحسن عليه السلام ، فلا نكرر .

وتزوج فاطمة بعد الحسن المثنى عبد اللّه بن عمر بن عثمان بن عفان ، فأولدها محمد الديباج .

وخطبها عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري ، وكان واليا على المدينة ، فامتنعت عليه فآذاها وضيق عليها ، فبعثت الى يزيد بن عبد الملك تشكوه ، فشقّ على يزيد ذلك وغضب وقال : بلغ من أمر عبد الرحمن أن يتعرض لبنات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، من يسمعني موته وأنا على فراشي هذا ، ثم بعث اليه من طاف به المدينة في جبة صوف ، ثم عزله وأغرمه أمواله كلّها ، ومات فقيرا(1) .

وكانت فاطمة فائقة في الجمال والكمال والتقوى ومحمود الخصال ، وكانت في الحسن آية حتى دعيت بالحور العين ، وتوفيت في المدينة سنة سبع عشرة ومائة ، في نفس السنة التي توفيت فيها أختها سكينة .

ذكر سكينة بنت الحسين عليهماالسلام

سكينة بنت الحسين ، وأمها الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي كلبية معدية ، وهي أم عبد اللّه بن الحسين عليه السلام .

واسمها - أي سكينة - آمنة ، وقيل : أميمة ، لقبتها أمها بسكينة ، وقيل : إنّ اسمها أمينة ، وهو مصغر آمنة ، والأصح أنّ اسمها أميمة ، لما روي من أنّ عبد اللّه المحض

ص: 385


1- تذكرة ابن الجوزي : 251 .

سأل محمد بن السائب الكلبي النسابة : ما اسم سكينة بنت الحسين عليهماالسلام ؟ قال : أميمة ، قال : أصبت(1) . وعبد اللّه أعرف من غيره باسم خالته .

وسكينة كانت سيدة النساء وعقيلة قريش ، ذات عقل ورأي وسيرة حسنة ، وجمال فائق ، وقد أتينا على ذكر بعض ما مرّ بها من مصائب وآلام .

كان أول من تزوّجها مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد ! ! ! وهو الذي ابتكرها(2) ، والعوام جد مصعب هو أخو خديجة الكبرى زوجة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقيل : إنّ مصعب تزوجها قهرا لأنّها لم ترض بذلك ، ولكنه كان ذا سلطان فضيق عليها ، فكانت المصلحة في ذلك ، فولدت له فاطمة ، وجعل مصعب صداقها ستمائة ألف درهم ، فلما قتله عبد الملك بن مروان خطبها فقالت : أبعد ما قتل ابن الزبير ؟ لا

واللّه لا كان هذا أبدا .

ص: 386


1- وفيات الأعيان 2/331 .
2- قال السيد المقرم رحمه الله في كتابه « السيدة سكينة عليهاالسلام » : 109 : إنّ علماء النسب والتاريخ يشهدون بأنّ زوجها الأول عبد اللّه الأكبر ابن الإمام الحسن المجتبى سيد شباب أهل الجنة ، وهو أخو القاسم ، أمهما رملة ، استشهد يوم الطف قبل القاسم ، ومن هؤلاء الأعلام النسابة أبو الحسن العمري في القرن السادس في كتابه « المجدي » ، وأبو علي الطبرسي صاحب مجمع البيان في « اعلام الورى : 127 » عند ذكر أولاد الحسن عليه السلام ، والشيخ محمد الصبان في « اسعاف الراغبين » على هامش نور الأبصار للشبلنجي صفحة : 202 ، وقال أبو الفرج في الأغاني : 14/163 : أول أزواجها عبد اللّه بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قتل عنها ولم تلد منه ، وفي اعلام الورى : قتل قبل البناء بها ، وقال ابن حبيب في المحبر : 438 والمدائني في المترادفات : 64 المجموعة الأولى من نوادر المخطوطات : كان عبد اللّه بن الحسن أبا عذرها فمات عنها ، ومقتضاه البناء بها لارادت هذا المعنى من المثل . . . . إنّ السيدة الكريمة لم تستبد في الرأي في أمورها دون وليّها زين العابدين عليه السلام ، ومن المقطوع به إنّه لا يرى لأي زبيري أو أموي كفاءة لمصاهرته . . . ثم ساق رحمه الله الكلام لإثبات أنّ حديث تعدد أزواجها عليهاالسلامإنّما هو فرية مفضوحة وكذبة سخيفة ليس إلاّ ، فراجع .

وبالجملة ، فان مصعب لما هلك عنها تزوجها عبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام بن خويلد ، فولدت له عثمان الذي يقال له « قرير » .

ثم تزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان أخو عمر بن عبد العزيز ، ثم فارقها قبل الدخول بها(1) .

ثم تزوجها عمر بن عثمان بن عفان فأمره سليمان بن عبد الملك - وكان خليفة - بطلقها ففعل(2) .

وكانت سكينة ذات علم وبصيرة وفضل وأدب وسخاء ، وكانت تأوي الى منزلها الأدباء والشعراء والفضلاء(3) فتجيزهم على مقدارهم(4) ! ! ! .

وإجتمع على بابها ! جماعة من الشعراء لتخاير بينهم ، وكانوا يرضون بحكمهالما يعرفون من أدبها وبصارتها بالشعر ، فأحسنت ضيافتهم وأكرمتهم ، وكان فيهم الفرزدق وجريرا وكثير عزة ونصيب وجميل ، فنصبت بينها وبينهم ستارا ، وأذنت لهم ، فدخلوا عليها ، وكانت لها جارية قد روت الأشعار والأخبار وعلمتها الأدب ، فخرجت من عندها الجارية فقالت : أيّكم الفرزدق ؟ فقال :ها أنا ، فقالت : ألست القائل :

ص: 387


1- انظر تذكرة الخواص : 250 .
2- وفيات الأعيان 2/329 .
3- وفي كلامهم هذا موضع كبير للتأمل ، وهو لا يصمد أمام النقد ، لأنّه لا يناسب مخدرات الرسالة وعقائل الوحي ، وأين كلامهم هذا من كلام سيد الشهداء الحسين عليه السلام وهو يقول : وأما سكينة فغالب عليها الإستغراق في اللّه . وقد أجاد السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم حشره اللّه مع أجداده الطاهرين في الردّ على هذه الأباطيل وما شاكلها في كتابه السيدة سكينة عليهاالسلام فجزاه اللّه عن عمته خير الجزاء . ونحن إنّما نكتب ما قاله المؤلف رغما عنا ونبرأ الى اللّه منه ولا نقول به ولا نعتقده ، ولكننا ننقل ما قال للأمانة ، ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم .
4- تذكرة الخواص : 250 .

هما دلتاني من ثمانين قامة

كما انقضّ باز أقتم الريش كاسره

فلمااستوت رجلايفيالأرض قالتا

أحيّ فيرجى أم قتيل نحاذره

فقلت ارفعوا الأستار لا يشعروا بنا

وأقبلت في أعجاز ليل أبادره

أبادر بوّابين قد وكّلا بنا

وأحمر من ساج تبصّ مسامره

فقال : نعم ، فقالت : فما الذي دعاك الى إفشاء سرّك وسرّها ؟ هلاّ سترت عليها وعلى نفسك ؟ خذ هذه ألف دينار وإلحق بأهلك .

ثم قالت : أيّكم جرير ؟ فقال :ها أنا ، فقالت : ألست القائل :

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا

وقت الزيارة فاذهبي بسلام

تجري السواك على أغرّ كأنّه

برد تحدّر من بطون غمام

لو كان عهدك كالذي حدثتنا

لوصلت ذاك وكان غير ذمام

إنّي أواصل من أردت وصاله

بحبال لا صلف ولا لوام

قال : نعم ، قالت : وأي ساعة أحلى من ساعة الزيارة ؟ خذ هذه ألف وإلحق بأهلك .

ثم قالت : أيّكم كثير عزة ؟ فقال : ها أنا ذا ، فقالت : أنت القائل :

يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها

وأحسن شيء ما به العين قرّت

فقال : نعم ، قالت : أفسدت الحب بهذا التعريض ، خذ هذه ألف وانصرف .

وفي الأغاني قال كثير بدل البيت المذكور :

وأعجبني يا غرّ منك خلائق

كرام إذا عدّ الخلائق أربع

دنوّك حتى يدفع الجاهل الصبا

ودفعك أسباب المنى حين يطمع

فواللّه ما يدري كريم مماطل

أينساك إذ باعدت أو يتصدع

فقالت : ملّحت وشكلت .

ثم قالت : أيّكم نصيب ؟ فقال : ها أنا ذا ، فقالت : أنت القائل :

من عاشقين تواعدا وتراسلا

حتى إذا نجم الثريا حلقا

باتا بأنعم ليلة وألذّها

حتى إذا وضح الصباح تفرقا

ص: 388

فقال نصيب : نعم ، قالت : وهل في الحب تداني ؟ خذ هذه ألف دينار وانصرف .

وفي الأغاني أبيات نصيب هكذا :

ولولا أن يقال صبا نصيب

لقلت بنفسي النشأ الصغار

بنفسي كلّ مهضوم حشاها

اذا ظلمت فليس لها انتصار

فقالت : ربيتنا صغارا ومدحتنا كبارا .

ثم قالت : أيّكم جميل ؟ قال : ها أنا ذا ، فقالت : إنّ مولاتي تسلّم عليك ، ولم تزل مشتاقة اليك منذ سمعت قولك :

فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة

بوادي القرى إنّي إذا لسعيد

لكل حديث بينهن بشاشة

وكلّ قتيل بينهن شهيد

جزاك اللّه خيرا ، جعلت حديثنا بشاشة ، وقتيلنا شهيدا ، قد حكمنا لك على الجميع ، خذ هذه الأربعة آلاف دينار وانصرف راشدا .

وكانت الجارية تدخل على مولاتها في كلّ مرة ثم تخرج فتقول : أين فلان وتذكر شعره وتأتيه بالجائزة(1) .

قال ابن الجوزي : توفيت سكينة بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة ، وكان على المدينة خالد بن عبد اللّه بن الحرث بن الحكم ، فقال : انتظروني حتى أصلّي عليها ،

وخرج في حاجة . . . فاشتروا لها كافورا بثلاثين دينارا ، ثم أمر شيبة بن نصاح فصلى عليها(2) .

وقال ابن سعد : إنّها توفيت بمكة في هذه السنة ، وفي هذه السنة توفيت أختها فاطمة(3) .

ص: 389


1- تذكرة الخواص : 250 ، الأغاني 16/163 .
2- تذكرة الخواص : 251 .
3- وفي تذكرة الخواص : 251 : قال ابن سعد : توفيت بالمدينة سنة . . . ثم قال : وأما غير ابن سعد فإنّه قال : إنّها توفيت بمكة . .

وفي كتاب وفيات الأعيان : يروى أنّ سكينة وقفت على عروة بن أذينة ، وكان من أعيان العلماء ، فقالت له : أنت القائل :

اذا وجدت أوار الحب في كبدي

ذهبت نحو سقاء الماء أتبرد

هبني بردت ببرد الماء ظاهره

فمن لنار على الأحشاء تتقد

فقال لها : نعم ، فقالت : وأنت القائل :

قالت وأبثثتها سرّي فبحت به

قد كنت عنديتحب الستر فاستتري

ألست تبصر من حولي فقلت لها

غطي هواك وما ألقى على بصري

فقال : نعم ، فالتفتت الى جوارٍ كن حولها وقالت : هنّ حرائر إن كان خرج هذا من قلب سليم قط .

وكان لعروة المذكور أخ اسمه بكر ، فمات فرثاه عروة بقوله :

سرى همي وهمّ المرء يسري

وغاب النجم إلاّ قيد فتر

أراقب في المجرة كلّ نجم

تعرّض أو على المجرة تجري

لهم ما أزال له قرينا

كأنّ القلب أبطن حرّ جمر

على بكر أخي فارقت بكرا

وأي العيش يصلح بعد بكر

فلما سمعت سكينة هذا الشعر قالت : ومن هو بكر هذا ؟ فوصف لها ، فقالت : أهو ذلك الأسيود الذي كان يمرّ بنا ؟ قالوا : نعم ، قالت : لقد طاب بعده كلّ شيء حتى الخبز والزيت .

ويحكى أنّ بعض المغنين غنّى هذه الأبيات عند الوليد بن يزيد الأموي وهو في مجلس أنسه ، فقال للمغني : من يقول هذا الشعر ؟ فقال : عروة بن أذينة ، فقال الوليد : وأي العيش يصلح بعد بكر ؟ هذا العيش الذي نحن فيه .

وكان عروة كثير القناعة قليل البضاعة ، وله في ذلك أشعار سائرة ، وكان قد وفد من الحجاز على هشام بن عبد الملك بالشام في جماعة من الشعراء ، فلما دخلوا عليه عرف عروة فقال له : ألست القائل :

ص: 390

لقد علمت وما الإسراف من خلقي

إنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى اليه فيعييني تطلّبه

ولو قعدت أتاني لا يعيّيني

وما أراك فعلت كما قلت ، فإنّك أتيت من الحجز الى الشام في طلب الرزق ، فقال : لقد وعظت ياأمير المؤمنين ، فبالغت في الوعظ ، وأذكرت ما أنسانيه الدهر ، وخرج من فوره الى راحلته فركبها وتوجه راجعا الى الحجاز ، فمكث هشام يومه غافلا عنه ، فلما كان في الليل استيقظ من منامه وذكره ، وقال : هذا رجل من قريش قال حكمة ، ووفد إليّ فجبهته ورددته على حاجته ، وهو مع هذا شاعر لا آمن لسانه ، فلما أصبح سأل عنه ، فأخبر بانصرافه ، فقال : لا جرم ليعلمن أن الرزق سيأتيه ، ثم دعا بمولى له وأعطاه ألفي دينار وقال : الحق بهذه عروة بن أذينة ، فأعطه

إياها ، قال : فلم أدركه إلاّ وقد دخل بيته ، فقرعت عليه الباب ، فخرج فأعطيته المال ، فقال : أبلغ أمير المؤمنين السلام وقل له : كيف رأيت قولي ؟ سعيت فأكديت ، ورجعت الى بيتي فأتاني فيه رزقي .

ولمحمد بن إدريس المعروف بمرج كحل الأندلسي في معنى هذين البيتين وأحسن فيه :

مثل الرزق الذي تطلبه

مثل الظلّ الذي يمشي معك

أنت لا تدركه متّبعا

واذا ولّيت عنه تبعك

وفي كتاب الإسعاف : عروة ، كنيته « أبو عامر » ، وهو عروة بن أذينة بن الحارث بن يعمر بن عمرو بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الليثي الحجازي ، شاعر معروف .

وقد نسب صاحب الإسعاف ما دار بين سكينة وعروة الى إمرأة مجهولة .

وفي تاريخ اليافعي مثل ما في وفيات الأعيان لابن خلكان مما قاله في سكينة بلا تفاوت .

وقد اتفق أهل السير على تاريخ وفاتها في سنة سبع عشرة ومائة ، وقال اليافعي : إنّها دفنت في المدينة الطيبة ، وذهب جماعة من علماء العامة الى أنّها توفيت ودفنت خارج مكة في طريقها الى العمرة .

ص: 391

وقد أتى أبو الفرج الإصفهاني في كتاب الأغاني على أخبارها مفصلة فلا نسترسل في الكلام أكثر إلاّ بمقدار لا نبتلي معه بالإطالة والتكرار .

وقد ذكر صاحب الأغاني نسب الرباب أم سكينة فقال : هي الرباب بنت إمرى ء القيس بن عدي بن جابر بن كعب بن عليم بن كلب بن وبرة بن ثعلبة بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، وأمها هند بنت الربيع بن مسعود بن مروان بن حصين بن كعب بن عليم بن كلب ، وكانت للرباب منزلة عظيمة عند الحسين عليه السلام .

وفي رواية موثقة مسندة عن مالك بن أعين قال : سمعت سكينة بنت الحسين تقول : قال أبي لعمي الحسن في أمي(1) :

لعمرك إنّني لاحبّ دارا

تكون بها سكينة والرباب

أحبّهما وأبذل جلّ مالي

وليس لعاتب عندي عتاب

وزاد على البيتين :

فلست لهم وإن غابوا مضيعا

حياتي أو يغيبني التراب

قال أبو الفرج : أسلم إمرؤ القيس بن عدي في عهد عمر بن الخطاب . . . وما أمسى حتى خطب اليه علي عليه السلام ابنته الرباب على ابنه الحسين ، فزوّجه إياها .

وكانت الرباب من خيار النساء وأفضلهن ، فخطبت بعد قتل الحسين عليه السلامفقالت : ما كنت لأتخذ حما بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

قال أبو الفرج : رثت الرباب بنت إمرى ء القيس زوجها الحسين عليه السلام حين قتل فقالت :

إنّ الذي كان نورا يستضاء به

بكربلاء قتيل غير مدفون

سبط النبي جزاك اللّه صالحة

عنا وجنبت خسران الموازين

قد كنت لي جبلا صعبا ألوذ به

وكنت تصحبنا بالرحم والدين

من لليتامى ومن للسائلين ومن

يغني ويأوي اليه كلّ مسكين

واللّه لا أبتغي صهرا بصهركم

حتى أغيب بين الرمل والطين

ص: 392


1- في الأغاني : « عاتب عمي الحسن أبي في أمي فقال : ! ! ! » .

قال أبو الفرج (1) : اجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل وراوية نصيب وراوية الأحوص ، فافتخر كلّ واحد منهم بصاحبه وقال : صاحبي أشعر ،

ص: 393


1- قال السيد المقرم رحمه الله في كتابه السيدة سكينة عليهاالسلام : لقد جاء صاحب الأغاني بمنقصة تأباها الغيرة والشهامة حسبها القاصر فضيلة رابية أتحف بها خفرة من بنات الرسالة ، وتبعه من جاء بعده بحجة أنّ لها معرفة في الأدب وقوة العارضة في نقد الشعر ، وقد غفلوا عن مناقشة الحساب عندما يقفون في محكمة التحقيق ، فروى أبو الفرج عن المدائني وعن أبي عبد اللّه الزبيري إجتماع الشعراء في بيت سكينة للضيافة ، واختصموا عندها في المفاضلة بين جرير والفرزدق وكثير والأحوص وجميل ونصيب وأنها جلست في مكان تراهم ولا يرونها وأنها أخرجت وصيفة لها . . . ثم ذكر رحمه اللّه ما قاله علماء السنة في المدائني وأنّه من صنائع معاوية ، ثم ذكر الزبيري فقال : فلم يغب عن القارى ء شهادة العلماء بمعاداته لأهل البيت ، وأنّه يضع المنكرات فيهم فرواياته أوهى من بيت العنكبوت ، على أن المبرد ( في الكامل : 2/150 ) وابن قتيبة ( في عيون الأخبار : 4/146 ) ذكرا اجتماع الشعراء عند عبد الملك ابن مروان وتذاكرهم بيت نصيب « أهيم بدعد ما حييت فان أمت . . . . » ثم نقل ما ذكره الشعراء ، ثم قال : ويحدث المرزباني في الموشح : 189 : أن الاقيشر دخل على عبد الملك بن مروان فعاب بيت نصيب . . وأضاف رحمه اللّه : ثم إنّ ابن كثير ( في البداية : 9/262 ) ذكر اجتماع الشعراء عند عمر بن عبد العزيز وهم : الفرزدق وجرير وعمرو بن أبي ربيعة والأحوص وتفاضلهم ونقده لهم . فالمفاضلة بين الشعراء كانت عند عبد الملك أو عمر بن عبد العزيز ، ولكن المرواني أبا الفرج زحزحها الى ناحية السيدة سكينة تحريا للوقيعة بمصونات البيت الهاشمي بيت الشهامة والعفاف بيت الحجاب والغيرة ، وقد ظن أبو الفرج أن هذه المفتعلات مما يخفى مصدرها حتى العصور المستنيرة بالبحث والتدقيق ، وقد كان المصدر في هذا الحديث المدائني الذي ذكرنا توقف العلماء عن مروياته ، ثم هناك شيء يرشدنا الى كذب هذه المحاكمة عندها هو أن أبا الفرج لم يذكر لها بيتا في الأدب والعرفان ، ولو كانت سكينة بهذه المنزلة المزعومة لها من قوة العارضة والنقد لكثر منها الشعر كما كان لغيرها من رجال ونساء ولدوّنه أبو الفرج كما سجل لغيرها . ثم ذكر رحمه اللّه « بيت الضيافة » المزعوم وقال : على أنا لا نعرف هذا البيت الذي فتحته لضيافة الوافدين عليها متى كان ؟ أفي العهد الذي كانت فيه ذات أزواج « لو تحققت الأوهام » وهم يرضون لها محادثة الرجال الأجانب وكانوا يدرون عليها المال لتنفقه عليهم ؟ أو أنّها كانت تنفق على الأضياف وتجيز الشعراء من مالها الخاص بها ؟ الذي لم يرد به تاريخ أصلا ، أو أنّ الإمام السجاد أو الباقر عليهماالسلام يفيضان عليها المال لتنفقه على الأجانب ؟ ! ثم لماذا فتحت هذا المضيف والمرأة لا تمدح بالكرم وإنّما تمدح بالصون والعفاف ولم يعهد في النساء الهاشميات نظير لها في ذلك حتى سيدة النساء فاطمة عليهاالسلام وابنتها عقيلة الهاشميين زينب الكبرى ، والمعصومة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهم السلام ، وحكيمة بنت الإمام أبي جعفر الجواد عليه السلام الى غيرهن من فضليات نساء بني هاشم وكل منهن أجل من سكينة وأقدر على الإنفاق والعطاء ولو بنحو من خوارق العادات . أكانت سكينة متفردة عن حرائر قومها بالرغم مما تقرأه من الإنكار البالغ حده من جدها أمير المؤمنين عليه السلام في أمر المرأة . . والزامها بيتها واسدال الستر عليها لأنّه أحفظ في الصون وأمنع من طروق ما لا يحل بساحتها مما يقبحه العقل والعرف والدين والغيرة . .الخ الى أن قال : وكيف تتنكب سكينة عن سنن جدها الرسول صلى الله عليه و آله وتعاليم خليفته أمير المؤمنين عليه السلام وهي المتربية في بيت أخيها زين العابدين وابنه الباقر عليهماالسلام والمتأدبة بالآداب الإلهية ، وهي بعين رعايتهم ، لكن الرواة أبوا إلاّ الإسترسال وتشويه تلك السمعة الطيبة بما شاء لهم الهوى . وعلى هذا فإعرف حديث إجتماع الشعراء فيما رواه مصعب الزبيري العدو لبني هاشم ولا تذهب بك الظنون أيّها الحاذق الفطن .

فحكموا سكينة بنت الحسين بن علي عليهم السلام ، لما يعرفونه من عقلها وبصرها بالشعر ! فخرجوا يتقادون(1) ، حتى إستأذنوا عليها ، فأذنت لهم فذكروا لها الذي كان من أمرهم ، فقالت لراوية جرير : أليس صاحبك الذي يقول :

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا

حين الزيارة فارجعي بسلام

ص: 394


1- أي يتبارون في التفاخر بأصحابهم .

فأي ساعة أحلى للزيارة من الطروق ، قبّح اللّه صاحبك وقبّح شعره ، ألا قال :

فادخلي بسلام .

ثم قالت لراوية كثير : أليس صاحبك الذي يقول :

يقر بعيني ما يقرّ بعينها

وأحسن شيء ما به العين قرت

فليس شيء أقرّ لعينها من النكاح ، أفيحبّ صاحبك أن ينكح ؟ قبّح اللّه صاحبك وقبّح شعره .

ثم قالت لراوي جميل : أليس صاحبك الذي يقول :

فلو تركت عقلي معي ما طلبتها

ولكن طلابيها لما فات من عقلي

فما أرى بصاحبك من هوى ، إنّما يطلب عقله ، قبّح اللّه صاحبك وقبّح شعره .

ثم قالت لراوية نصيب : أليس صاحبك الذي يقول :

أهيم بدعد ما حييت فان أمت

فواحزنا من ذا يهيم بها بعدي

فما أرى له همة إلاّ من يتعشقها بعده ، قبّحه اللّه وقبّح شعره ، ألا قال :

أهيم بدعد ما حييت فان أمت

فلا صلحت دعد لذي خلّة بعدي

ثم قالت لراوية الأحوص : أليس صاحبك الذي يقول :

من عاشقين تواعدا وتراسلا

ليلاإذا نجم الثريا حلّقا

باتا بأنعم ليلة وألذها

حتى إذا وضح الصباح تفرّقا

قال : نعم ، قالت : قبّحه اللّه وقبّح شعره ، ألا قال : تعانقا .

فلم تثن على أحد منهم في ذلك اليوم ، ولم تقدّمه .

وروى الهيثم بن عدي مثل ذلك في جميعه إلاّ جميلا ، فإنّه خالف هذه الرواية ، وقال : فقالت لراوية جميل : أليس صاحبك الذي يقول :

فياليتني أعمى أصمّ تقودني

بثينة لا يخفى عليّ كلامها

قال : نعم ، قالت : رحم اللّه صاحبك كان صادقا في شعره ، كان جميلا كاسمه ، فحكمت له .

ص: 395

وروى أحمد بن الحارث باسناده عن عبيدة بن معمر بن المثنى : أنّ الفرزدق

خرج حاجا ، فلما قضى حجه خرج الى المدينة ، فدخل على سكينة بنت الحسين عليهماالسلام

مسلما ، فقالت له : يا فرزدق ، من أشعر الناس ؟ قال : أنا ، قالت : كذبت أشعر منك الذي يقول :

بنفسي من تجنّبه عزيز

علي ومن زيارته لمام

ومن أمسي وأصبح لا أراه

ويطرقنيإذا هجع النيام

فقال : واللّه لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه ، فأمرت به فاخرج ، ثم عاد اليها في اليوم الثالث ، فقالت : يا فرزدق ، من أشعر الناس ؟ فقال : أنا ، فقالت : كذبت صاحبك أشعر منك حيث يقول :

لولا الحياء لهاجني استعبار

ولزرت قبرك والحبيب يزار

كانت إذا هجر الضجيع فراشها

كتم الحديث وعفّت الأسرار

لا يلبث القرناء أن يتفرّقوا

ليل يكر عليهم ونهار

فقال : واللّه لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه ، فامرت به فأخرج ثم عاد اليها في اليوم الثالث ، فقالت : يا فرزدق من أشعر الناس ؟ فقال : أنا ، فقالت : كذبت ، صاحبك أشعر منك حيث يقول :

إنّ العيون التي في طرفها مرض

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وهنّ أضعف خلق اللّه أركانا

فقال : يا بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّ عليك حقا عظيما ، ضربت اليك من مكة أريد التسليم عليك ، فكان في دخولي اليك تكذيبي ومنعك إياي أن أسمعك ، وبي ما قد عيل معه صبري ، وهذه المنايا تغدو وتروح ، ولعلي لا أفارق المدينة حتى أموت . . . فضحكت سكينة ، وأمرت له بجارية ، ثم قالت : يا فرزدق ، أحسن صحبتها ، فإنّي آثرتك بها على نفسي(1) .

ص: 396


1- وسيأتي الحديث عن حياة الفرزدق الشاعر في كتاب الإمام زين العابدين عليه السلام ، كما سيأتي الكلام عن كلّ واحد من الشعراء المذكورين في محله . من المتن .

قال أبو الفرج : لما ماتت سكينة كان على المدينة خالد بن عبد الملك ، فأرسلوا اليه ، فآذنوه بالجنازة ، وذلك في أول النهار في حر شديد ، فأرسل اليهم : لا تحدثوا حدثا حتى أجيء فأصلي عليها ، فوضع بنو هاشم النعش في موضع المصلّى على الجنائز ، وجلسوا ينتظرونه ، ثم لم يزالوا ينتظرونه حتى صليت العتمة ، ولم يجيء ، ومكث الناس جلوسا حتى غلبهم النعاس ، فقاموا فأقبلوا يصلون عليها جمعا جمعا وينصرفون ، ونهض ابن أختها فاطمة ، محمد بن عبد اللّه المحض ، المعروف بالنفس الزكية ، فأتى عطارا كان يعرف عنده عودا ، فاشراه منه بأربعمائة دينار ، ثم أتى به ،

فسجر حول السرير ، حتى أصبح وقد فرغ منه ، فلما صلّيت الصبح أرسل إليهم : صلوا عليها وادفنوها ، فصلّى عليها شيبة بن نصاح(1) .

وذكر يحيى بن الحسن في خبره : إنّ عبد اللّه بن حسن هو الذي إبتاع لها العود بأربعمائة دينار .

وقال الفضل بن العباس اللهبي مفتخرا :

وأنا الأخضر من يعرفني

أخضر الجلدة في بيت العرب

من يساجلني يساجل ماجدا

يملأ الدلو الى عقد الكرب

إنّما عبد مناف جوهر

زيّن الجوهر عبد المطلب

كلّ قوم صيغة من تبرهم

وبنو عبد مناف من ذهب

نحن قوم قد بنى اللّه لنا

شرفا فوق بيوتات العرب

بنبي اللّه وابني عمه

وبعباس بن عبد المطلب(2)

وفي تاريخ المنصوري وتاريخ ابن الأثير سنة وفاتها نفس السنة التي ذكرناها ( 117 ه- ) ، ولم يذكرا سنة وفاة أختها فاطمة ، وهي نفس السنة التي توفيت فيها سكينة .

ص: 397


1- شيبة بن نصاح ، مولى أم سلمة المدني القاضي ، ولا أدري لم يصلي عليها شيبة والإمام زين العابدين عليه السلام موجود ، ولكنها قصة أبي الفرج ! !
2- الأغاني 16/360 وما بعدها .

ذكر كلمات الإمام الحسين عليه السلام المعجزة

لقد ذكرنا في طيّات هذا الكتاب المبارك الكثير من إحتجاجات الإمام الحسين عليه السلام ومناجاته وخطبه وكتبه وأراجيزه ، ورأينا من الخسارة أن لا نختمه بدعاء عرفة وإن كان معروفا ومشهورا ليكون ختامه مسك .

روى الفاضل المجلسي قال : روى بشر وبشير الأسديان : أنّ الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام خرج عشية عرفة يومئذ من فسطاطه متذللا خاشعا ، فجعل عليه السلاميمشي هونا هونا حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبل البيت ، ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين ، ثم قال(1) :

الحمد للّه الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانع ولا كصنعه صنع صانع وهو الجواد الواسع فطر أجناس البدائع وأتقن بحكمته الصنائع لا يخفى عليه الطلائع ولا تضيع عنده الودائع(2) جازي كلّ صانع ورائش كلّ قانع وراحم كلّ ضارع ومنزل المنافع والكتاب الجامع بالنور الساطع وهو للدعوات سامع وللدرجات رافع وللكربات دافع وللجبابرة قامع وراحم عبرة كلّ ضارع ودافع صرعة كلّ صارع فلا إله غيره ولا شيء يعدله ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

ص: 398


1- بحار الأنوار 95/214 باب 2 أعمال خصوص يوم عرفة وليلتها .
2- في البحار : « أتى بالكتاب الجامع وبشرع الإسلام النور الساطع وهو للخليفة صانع وهو المستعان على الفجائع » .

اللّهم إنّي أرغب إليك وأشهد بالربوبية لك مقرا بأنّك ربّي وأن إليك مردّي إبتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا وخلقتني من التراب ثم أسكنتني الأصلاب آمنا لريب المنون واختلاف الدهور فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم في تقادم الأيام الماضية والقرون الخالية لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إليّ في دولة أيام الكفرة الذين نقضوا عهدك وكذبوا رسلك لكنك أخرجتني رأفة منك وتحننا عليّ للذي سبق لي من الهدى الذي يسّرتني وفيه أنشأتني ومن قبل ذلك رؤت بي بجميل صنعك وسوابغ نعمتك فابتدعت خلقي من مني يمنى ثم أسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم وجلد ودم لم تشوّهني(1) بخلقي ولم تجعل إليّ شيئا من أمري ثم أخرجتني إلى الدنيا تاما سويا وحفظتني في المهد طفلا صبيا ورزقتني من الغذاء لبنا طريّا(2) مريّا وعطفت على قلوب الحواضن وكفلتني الأمهات الرحائم وكلأتني من طوارق الجان وسلّمتني من الزيادة والنقصان فتعاليت يا رحيم يا رحمان حتى إذا استهللت ناطقا بالكلام أتممت عليّ سوابغ الإنعام فربيتني زائدا في كلّ عام حتى إذا كملت فطرتي واعتدلت سريرتي أوجبت عليّ حجتك بأن ألهمتني معرفتك وروّعتني بعجائب فطرتك وأنطقتني لما ذرأت في سمائك وأرضك من بدائع خلقك ونبهتني لذكرك وشكرك وواجب طاعتك وعبادتك وفهمتني ما جاءت به رسلك ويسّرت لي تقبل مرضاتك ومننت عليّ في جميع ذلك بعونك ولطفك ثم إذ خلقتني من حر الثرى لم ترض لي يا إلهي بنعمة دون أخرى ورزقتني من أنواع المعاش وصنوف الرياش بمنك العظيم عليّ وإحسانك القديم إليّ حتى إذا أتممت عليّ جميع النعم وصرفت عنّي كلّ النقم لم يمنعك جهلي وجرأتي عليك أن دللتني على ما يقرّبني إليك ووفقتني لما يزلفني لديك فإن دعوتك أجبتني وإن سألتك أعطيتني وإن أطعتك

ص: 399


1- في البحار : « تشهرني » .
2- لا يوجد في البحار : « طريا » .

شكرتني وإن شكرتك(1) زدتني كلّ ذلك إكمالا لأنعمك عليّ وإحسانا إليّ فسبحانك سبحانك من مبدئ معيد حميد مجيد وتقدست أسماؤ وعظمت آلاؤ فأي أنعمك يا إلهي أحصي عددا أو ذكرا أم أي عطاياك أقوم بها شكرا وهي يا ربّ أكثر من أن يحصيها العادون أو يبلغ علما بها الحافظون ثم ما صرفت ودرأت عنّي اللّهم من الضرّ والضرّاء أكثر مما ظهر لي من العافية والسرّاء .

وأنا أشهدك يا إلهي بحقيقة إيماني وعقد عزمات يقيني وخالص صريح توحيدي وباطن مكنون ضميري وعلائق مجاري نور بصري وأسارير صفحة جبيني وخرق مسارب نفسي وخذاريف مارن عرنيني ومسارب صماخ سمعي وما ضمت وأطبقت عليه شفتاي وحركات لفظ لساني ومغرز حنك فمي وفكي ومنابت أضراسي وبلوغ حبائل بارع عنقي ومساغ مطعمي ومشربي وحمالة أم رأسي وجمل حمائل حبل وتيني وما اشتمل عليه تامور صدري ونياط حجاب قلبي وأفلاذ حواشي كبدي وما حوته شراسيف أضلاعي وحقاق مفاصلي وأطراف أناملي وقبض عواملي ودمي وشعري وبشري وعصبي وقصبي وعظامي ومخي وعروقي وجميع جوارحي وما انتسج على ذلك أيام رضاعي وما أقلّت الأرض مني ونومي ويقظتي وسكوني وحركتي وحركات ركوعي وسجودي أن لو حاولت واجتهدت مدى الأعصار والأحقاب لو عمرتها أن أؤي شكر واحدة من أنعمك ما استطعت ذلك إلاّ بمنّك الموجب عليّ شكرا آنفا جديدا وثناء طارفا عتيدا .

أجل ولو حرصت أنا والعادون من أنامك أن نحصي مدى إنعامك سالفة وآنفة لما حصرناه عددا ولا أحصيناه أبدا هيهات أنّى ذلك وأنت المخبر عن نفسك في كتابك الناطق والنبإ الصادق « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها » صدق كتابك اللّهم ونبؤ وبلغت أنبياءك ورسلك ما أنزلت عليهم من وحيك وشرعت لهم من دينك .

ص: 400


1- في البحار : « شكرتني زدتني » .

غير أنّي أشهد بجدي وجهدي ومبالغ طاقتي ووسعي وأقول مؤنا موقنا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فيكون موروثا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ فيضاده فيما ابتدع ولا وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ فيرفده فيما صنع سبحانه سبحانه سبحانه لَوْ كانَ

فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا وتفطرتا فسبحان اللّه الواحد الحقّ الأحد الصمد الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ والحمد للّه حمدا يعدل حمد ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وصلّى اللّه على خيرته من خلقه محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين المخلصين .

ثم اندفع عليه السلام في المسألة واجتهد في الدعاء وقال وعيناه تكفان دموعا(1) :

اللّهم إجعلني أخشاك كأنّي أراك وأسعدني بتقواك ولا تشقني بمعصيتك وخر لي في قضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت اللّهم إجعل غناي في نفسي واليقين في قلبي والإخلاص في عملي والنور في بصري والبصيرة في ديني ومتعني بجوارحي واجعل سمعي وبصري الوارثين منّي وانصرني على من ظلمني وارزقني مآربي وثأري وأقرّ بذلك عيني اللّهم إكشف كربتي واستر عورتي واغفر لي خطيئتي واخسأ شيطاني وفكّ رهاني واجعل لي يا إلهي الدرجة العليا في الآخرة والأولى .

اللّهم لك الحمد كما خلقتني فجعلتني سميعا بصيرا ولك الحمد كما خلقتني فجعلتني حيّا سويّا رحمة بي وكنت عن خلقي غنيا ربّ بما برأتني فعدلت فطرتي ربّ بما أنشأتني فأحسنت صورتي يا ربّ بما أحسنت بي وفي نفسي عافيتني ربّ بما كلأتني ووفقتني ربّ بما أنعمت عليّ فهديتني ربّ بما آويتني ومن كلّ خير آتيتني وأعطيتني ربّ بما أطعمتني وسقيتني ربّ بما أغنيتني وأقنيتني ربّ بما أعنتني وأعززتني ربّ بما ألبستني من ذكرك الصافي ويسّرت لي

ص: 401


1- البلد الأمين : 253 .

من صنعك الكافي صلّ على محمد وآل محمد وأعنّي على بوائق الدهر وصروف الأيام والليالي ونجني من أهوال الدنيا وكربات الآخرة وإكفني شرّ ما يعمل الظالمون في الأرض .

اللّهم ما أخاف فاكفني وما أحذر فقني وفي نفسي وديني فاحرسني وفي سفري فاحفظني وفي أهلي ومالي وولدي فاخلفني وفيما رزقتني فبارك لي وفي نفسي فذللني وفي أعين الناس فعظمني ومن شرّ الجن والإنس فسلّمني وبذنوبي فلا تفضحني وبسريرتي فلا تخزني وبعملي فلا تبتلني ونعمك فلا تسلبني وإلى غيرك فلا تكلني إلى من تكلني إلى القريب يقطعني أم إلى البعيد يتجهمني أم إلى المستضعفين لي وأنت ربّي ومليك أمري أشكو إليك غربتي وبعد داري وهواني على من ملكته أمري اللّهم فلا تحلل بي غضبك فإن لم تكن غضبت عليّ فلا أبالي سواك غير أن عافيتك أوسع لي فأسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض والسماوات وانكشفت به الظلمات وصلح عليه أمر الأولين والآخرين أن لا تميتني على غضبك ولا تنزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى قبل ذلك لا إله إلاّ أنت ربّ البلد الحرام والمشعر الحرام والبيت العتيق الذي أحللته البركة وجعلته للناس أمنة .

يا من عفا عن العظيم من الذنوب بحلمه يا من أسبغ النعمة بفضله يا من أعطى الجزيل بكرمه يا عدّتي في كربتي يا مونسي في حفرتي يا ولي نعمتي يا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب و ربّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وربّ محمد خاتم النبيين وآله المنتجبين ومنزل التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم ومنزل كهيعص وطه ويس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ أنت كهفي حين تعييني المذاهب في سعتها وتضيق عليّ الأرض برحبها لولا رحمتك لكنت من المفضوحين وأنت مؤدي بالنصر على الأعداء ولولا نصرك لي لكنت من المغلوبين يا من خصّ نفسه بالسمو والرفعة وأولياؤ بعزّه يعتزّون يا من جعلت له

ص: 402

الملوك نير المذلة على أعناقهم فهم من سطواته خائفون تعلم خائِنَةَ الأْعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ وغيب ما تأتي به الأزمان والدهور يا من لا يعلم كيف هو إلاّ هو يا

من لا يعلم ما يعلمه إلاّ هو يا من كبس الأرض على ماء وسد الهواء بالسماء يا من له أكرم الأسماء يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا يا مقيض الركب ليوسف في البلد القفر ومخرجه من الجب وجاعله بعد العبودية ملكا يا راد يوسف على يعقوب بعد أن إبيضت عيناه من الحزن فهو كظيم يا كاشف الضرّ والبلاء عن أيوب يا ممسك يد إبراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنه وفناء عمره يا من استجاب لزكريا فوهب له يحيى ولم يدعه فردا وحيدا يا من أخرج يونس من بطن الحوت يا من فلق البحر لبني إسرائيل فأنجاهم وجعل فرعون وجنوده من المغرقين يا من أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته يا من لم يعجل على من عصاه من خلقه يا من استنقذ السحرة من بعد طول الجحود وقد غدوا في نعمته يأكلون رزقه ويعبدون غيره وقد حادّوه ونادّوه وكذبوا رسله يا اللّه يا بديء لا بدء لك يا دائما لا نفاد لك يا حي يا قيوم يا محي الموتى يا من هو قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ يا من قلّ له شكري فلم يحرمني وعظمت خطيئتي فلم يفضحني ورآني على المعاصي فلم يخذلني يا من حفظني في صغري يا من رزقني في كبري يا من أياديه عندي لا تحصى يا من نعمه عندي لا تجازى يا من عارضني بالخير والإحسان وعارضته بالإساءة والعصيان يا من هداني بالإيمان قبل أن أعرف شكر الامتنان يا من دعوته مريضا فشفاني وعريانا فكساني وجائعا فأطعمني وعطشانا فأرواني وذليلا فأعزني وجاهلا فعرفني ووحيدا فكثرني وغائبا فردني ومقلاّ فأغناني ومنتصرا فنصرني وغنيا فلم يسلبني وأمسكت عن جميع ذلك فابتدأني فلك الحمد يا من أقال عثرتي ونفس كربتي وأجاب دعوتي وستر عورتي وذنوبي وبلغني طلبتي ونصرني على عدوي وإن أعدّ نعمك ومننك وكرائم منحك لا أحصيها .

ص: 403

يا مولاي أنت الذي أنعمت أنت الذي أحسنت أنت الذي أجملت أنت الذي أفضلت أنت الذي مننت أنت الذي أكملت أنت الذي رزقت أنت الذي أعطيت أنت الذي أغنيت أنت الذي أقنيت أنت الذي آويت أنت الذي كفيت أنت الذي هديت أنت الذي عصمت أنت الذي سترت أنت الذي غفرت أنت الذي أقلت أنت الذي مكنت أنت الذي أعززت أنت الذي أعنت أنت الذي عضدت أنت الذي أيدت أنت الذي نصرت أنت الذي شفيت أنت الذي عافيت أنت الذي أكرمت تباركت ربّي وتعاليت فلك الحمد دائما ولك الشكر واصبا .

ثم أنا يا إلهي المعترف بذنوبي فاغفرها لي أنا الذي أخطأت أنا الذي أغفلت أنا الذي جهلت أنا الذي هممت أنا الذي سهوت أنا الذي اعتمدت أنا الذي تعمدت أنا الذي وعدت أنا الذي أخلفت أنا الذي نكثت أنا الذي أقررت إلهي أعترف بنعمتك عندي وأبوء بذنوبي فاغفر لي يا من لا تضرّه ذنوب عباده وهو الغني عن طاعتهم والموفق من عمل منهم صالحا بمعونته ورحمته فلك الحمد إلهي أمرتني فعصيتك ونهيتني فارتكبت نهيك فأصبحت لا ذا براءة فأعتذر ولا ذا قوة فأنتصر فبأي شيء أستقبلك يا مولاي أبسمعي أم ببصري أم بلساني أم برجلي أليس كلّها نعمك عندي وبكلّها عصيتك يا مولاي فلك الحجة والسبيل عليّ يا من سترني من الآباء والأمهات أن يزجروني ومن العشائر والإخوان أن يعيروني ومن السلاطين أن يعاقبوني ولو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت عليه منّي إذا ما أنظروني ولرفضوني وقطعوني فها أنا ذا بين يديك يا سيدي خاضعا ذليلا حقيرا لا ذو براءة فأعتذر ولا قوة فأنتصر ولا حجة لي فأحتج بها ولا قائل لم أجترح ولم أعمل سوءا وما عسى الجحود لو جحدت يا مولاي فينفعني وكيف وأنّى ذلك وجوارحي كلّها شاهدة عليّ بما قد علمت يقينا غير ذي شكّ أنّك سائلي عن عظائم الأمور وأنّك الحكيم العدل الذي لا يجور وعدلك مهلكي ومن كلّ عدلك مهربي فإن تعذبني فبذنوبي يا مولاي بعد حجتك عليّ وإن تعف عنّي فبحلمك وجودك وكرمك .

ص: 404

لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من المستغفرين لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الموحدين لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الوجلين لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الراجين الراغبين لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من السائلين لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي

كنت من المهلّلين المسبحين لا إله إلاّ أنت ربّي وربّ آبائي الأولين .

اللّهم هذا ثنائي عليك ممجدا وإخلاصي موحدا وإقراري بآلائك معدّا وإن كنت مقرّا أنّي لا أحصيها لكثرتها وسبوغها وتظاهرها وتقادمها إلى حادث ما لم تزل تتغمدني به معها مذ خلقتني وبرأتني من أول العمر من الإغناء بعد الفقر وكشف الضرّ وتسبيب اليسر ودفع العسر وتفريج الكرب والعافية في البدن والسلامة في الدين ولو رفدني على قدر ذكر نعمك علي جميع العالمين من الأولين والآخرين لما قدرت ولا هم على ذلك تقدّست وتعاليت من ربّ عظيم كريم رحيم لا تحصى آلاؤ ولا يبلغ ثناؤ ولا تكافى نعماؤ وصلّ على محمد وآل محمد وأتمم علينا نعمتك وأسعدنا بطاعتك سبحانك لا إله إلاّ أنت .

اللّهم إنّك تجيب دعوة المضطر إذا دعاك وتكشف السوء وتغيث المكروب وتشفي السقيم وتغني الفقير وتجبر الكسير وترحم الصغير وتعين الكبير وليس دونك ظهير ولا فوقك قدير وأنت العلي الكبير يا مطلق المكبل الأسير يا رازق الطفل الصغير يا عصمة الخائف المستجير يا من لا شريك له ولا وزير صلّ على محمد وآل محمد وأعطني في هذه العشية أفضل ما أعطيت وأنلت أحدا من عبادك من نعمة توليها وآلاء تجددها وبلية تصرفها وكربة تكشفها ودعوة تسمعها وحسنة تتقبلها وسيئة تغفرها إنّك لَطِيفٌ خَبِيرٌ وعَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

اللّهم إنّك أقرب من دعي وأسرع من أجاب وأكرم من عفا وأوسع من أعطى وأسمع من سئل يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ليس كمثلك مسؤول ولا سواك مأمول دعوتك فأجبتني وسألتك فأعطيتني ورغبت إليك فرحمتني

ص: 405

ووثقت بك فنجيتني وفزعت إليك فكفيتني اللّهم فصل على محمد عبدك ونبيك وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين وتمم لنا نعماءك وهنئنا عطاءك واجعلنا لك شاكرين ولآلائك ذاكرين آمين ربّ العالمين .

اللّهم يا من ملك فقدر وقدر فقهر وعصي فستر واستغفر فغفر يا غاية الراغبين ومنتهى أمل الراجين يا من أحاط بكلّ شيء علما ووسع المستقيلين رأفة وحلما اللّهم إنّا نتوجه إليك في هذه العشية التي شرفتها وعظمتها بمحمد نبيك ورسولك وخيرتك وأمينك على وحيك اللّهم صلّ على البشير النذير السراج المنير الذي أنعمت به على المسلمين وجعلته رحمة للعالمين اللّهم فصلّ على محمد وآله كما محمد أهل ذلك يا عظيم فصلّ عليه وعلى آل محمد المنتجبين الطيبين الطاهرين أجمعين وتغمدنا بعفوك عنّا فإليك عجت الأصوات بصنوف اللغات واجعل لنا في هذه العشية نصيبا في كلّ خير تقسمه ونور تهدي به ورحمة تنشرها وعافية تجلّلها وبركة تنزلها ورزق تبسطه يا أرحم الراحمين اللّهم إقلبنا في هذا الوقت منجحين مفلحين مبرورين غانمين ولا تجعلنا من القانطين ولا تخلنا من رحمتك ولا تحرمنا ما نؤّله من فضلك ولا تردّنا خائبين ولا من بابك مطرودين ولا تجعلنا من رحمتك محرومين ولا لفضل ما نؤّله من عطاياك قانطين يا أجود الأجودين ويا أكرم الأكرمين إليك أقبلنا موقنين ولبيتك الحرام آمين قاصدين فأعنا على منسكنا وأكمل لنا حجّنا واعف اللّهم عنّا فقد مددنا إليك أيدينا وهي بذلة الإعتراف موسومة اللّهم فأعطنا في هذه العشية ما سألناك واكفنا ما استكفيناك فلا كافي لنا سواك ولا ربّ لنا غيرك نافذ فينا حكمك محيط بنا علمك عدل قضاؤ إقض لنا الخير واجعلنا من أهل الخير اللّهم أوجب لنا بجودك عظيم الأجر وكريم الذخر ودوام اليسر فاغفر لنا ذنوبنا أجمعين ولا تهلكنا مع الهالكين ولا تصرف عنّا رأفتك برحمتك يا أرحم الراحمين .

ص: 406

اللّهم اجعلنا في هذا الوقت ممن سألك فأعطيته وشكرك فزدته وتاب إليك فقبلته وتنصّل إليك من ذنوبه فغفرتها له يا ذا الجلال والإكرام اللّهم وفقنا وسددنا

واعصمنا وإقبل تضرعنا يا خير من سئل ويا أرحم من استرحم يا من لا يخفى عليه إغماض الجفون ولا لحظ العيون ولا ما استقر في المكنون ولا ما انطوت عليه مضمرات القلوب ألا كلّ ذلك قد أحصاه علمك ووسعه حلمك سبحانك وتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا تسبح لك السماوات والأرض وما فيهن وإن من شيء إلاّ يسبح بحمدك فلك الحمد والمجد وعلو الجدّ يا ذا الجلال والإكرام والفضل والإنعام والأيادي الجسام وأنت الجواد الكريم الرؤوف الرحيم أوسع عليّ من رزقك وعافني في بدني وديني وآمن خوفي وأعتق رقبتي من النار اللّهم لا تمكر بي ولا تستدرجني ولا تخذلني وادرأ عنّي شرّ فسقة الجن والإنس .

ثم رفع عليه السلام صوته وبصره إلى السماء و عيناه قاطرتان كأنّها مزادتان وقال :

يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين صلّ على محمد وآل محمد وأسألك اللّهم حاجتي التي إن أعطيتها لم يضرّني ما منعتني وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني أسألك فكاك رقبتي من النار لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك لك الملك ولك الحمد وأنت على كلّ شيء قدير يا ربّ يا ربّ يا رب(1) .

فلم يكن له عليه السلام جهد إلاّ قوله يا ربّ يا ربّ بعد هذا الدعاء ، وشغل من حضر ممن كان حوله وشهد ذلك المحضر عن الدعاء لأنفسهم ، وأقبلوا على الإستماع له عليه السلام والتأمين على دعائه قد اقتصروا على ذلك لأنفسهم ، ثم علت أصواتهم بالبكاء معه وغربت الشمس وأفاض عليه السلام وأفاض الناس معه(2) .

ص: 407


1- بحار الأنوار 95/216 باب 2 أعمال خصوص يوم عرفة وليلتها .
2- الى هنا في البلد الأمين وفي البحار تتمة لم ينقلها المؤلف بالرغم من أنّه أسند روايته الى البحار ، والتتمة هي بعد قوله عليه السلام يا ربّ يا ربّ يا ربّ : إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيرا في فقري إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولا في جهلي إلهي إنّ اختلاف تدبيرك وسرعة طواء مقاديرك منعا عبادك العارفين بك عن السكون إلى عطاء واليأس منك في بلاء إلهي مني ما يليق بلؤي ومنك ما يليق بكرمك إلهي وصفت نفسك باللطف والرأفة لي قبل وجود ضعفي أفتمنعني منهما بعد وجود ضعفي إلهي إن ظهرت المحاسن مني فبفضلك ولك المنّة عليّ وإن ظهرت المساوي منّي فبعدلك ولك الحجّة عليّ إلهي كيف تكلني وقد توكلت لي وكيف أضام وأنت الناصر لي أم كيف أخيب وأنت الحفي بي ها أنا أتوسل إليك بفقري إليك وكيف أتوسل إليك بما هو محال أن يصل إليك أم كيف أشكو إليك حالي وهو لا يخفى عليك أم كيف أترجم بمقالي وهو منك برز إليك أم كيف تخيب آمالي وهي قد وفدت إليك أم كيف لا تحسن أحوالي وبك قامت إلهي ما ألطفك بي مع عظيم جهلي وما أرحمك بي مع قبيح فعلي إلهي ما أقربك منّي وأبعدني عنك وما أرأفك بي فما الذي يحجبني عنك إلهي علمت باختلاف الآثار وتنقلات الأطوار أن مرادك منّي أن تتعرف إليّ في كلّ شيء حتى لا أجهلك في شيء إلهي كلّما أخرسني لؤي أنطقني كرمك وكلما آيستني أوصافي أطمعتني مننك إلهي من كانت محاسنه مساوي فكيف لا تكون مساويه مساوي ومن كانت حقائقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي إلهي حكمك النافذ ومشيتك القاهرة لم يتركا لذي مقال مقالا ولا لذي حال حالا إلهي كم من طاعة بنيتها وحالة شيدتها هدم اعتمادي عليها عدلك بل أقالني منها فضلك إلهي إنّك تعلم أنّي وإن لم تدم الطاعة منّي فعلا جزما فقد دامت محبة وعزما إلهي كيف أعزم وأنت القاهر وكيف لا أعزم وأنت الآمر إلهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار فاجمعني عليك بخدمة توصلني إليك كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيبا إلهي أمرت بالرجوع إلى الآثار فارجعني إليك بكسوة الأنوار وهداية الإستبصار حتى أرجع إليك منها كما دخلت إليك منها مصون السرّ عن النظر إليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إلهي هذا ذلّي ظاهر بين يديك وهذا حالي لا يخفى عليك منك أطلب الوصول إليك وبك أستدل عليك فاهدني بنورك إليك وأقمني بصدق العبودية بين يديك إلهي علمني من علمك المخزون وصني بسرك المصون إلهي حققني بحقائق أهل القرب واسلك بي مسلك أهل الجذب إلهي أغنني بتدبيرك لي عن تدبيري وباختيارك عن اختياري وأوقفني على مراكز اضطراري إلهي أخرجني من ذل نفسي وطهرني من شكي وشركي قبل حلول رمسي بك أنتصر فانصرنيعليك أتوكل فلا تكلني وإياك أسأل فلا تخيبني وفي فضلك أرغب فلا تحرمني وبجنابك أنتسب فلا تبعدني وببابك أقف فلا تطردني إلهي تقدس رضاك أن تكون له علة منك فكيف يكون له علة مني إلهي أنت الغني بذاتك أن يصل إليك النفع منك فكيف لا تكون غنيا عني إلهي إنّ القضاء والقدر يمنيني وإنّ الهوى بوثائق الشهوة أسرني فكن أنت النصير لي حتى تنصرني وتبصرني وأغنني بفضلك حتى أستغني بك عن طلبي أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحدوك وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجئوا إلى غيرك أنت المونس لهم حيث أوحشتهم العوالم وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم ما ذا وجد من فقدك وما الذي فقد من وجدك لقد خاب من رضي دونك بدلا ولقد خسر من بغي عنك متحولا كيف يرجى سواك وأنت ما قطعت الإحسان وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة الامتنان يا من أذاق أحباءه حلاوة المؤنسة فقاموا بين يديه متملقين ويا من ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بين يديه مستغفرين أنت الذاكر قبل الذاكرين وأنت البادي بالإحسان قبل توجه العابدين وأنت الجواد بالعطاء قبل طلب الطالبين وأنت الوهاب ثم لما وهبتنا من المستقرضين إلهي اطلبني برحمتك حتى أصل إليك واجذبني بمنك حتى أقبل إليك إلهي إنّ رجائي لا ينقطع عنك وإن عصيتك كما إنّ خوفي لا يزايلني وإن أطعتك فقد دفعتني العوالم إليك وقد أوقعني علمي بكرمك عليك إلهي كيف أخيب وأنت أملي أم كيف أهان وعليك متكلي إلهي كيف أستعز وفي الذلة أركزتني أم كيف لا أستعز وإليك نسبتني إلهي كيف لا أفتقر وأنت الذي في الفقراء أقمتني أم كيف أفتقر وأنت الذي بجودك أغنيتني وأنت الذي لا إله غيرك تعرفت لكل شيء فما جهلك شيء وأنت الذي تعرفت إلي في كلّ شيء فرأيتك ظاهرا في كلّ شيء وأنت الظاهر لكل شيء يا من استوى برحمانيته فصار العرش غيبا في ذاته محقت الآثار بالآثار ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار يا من احتجب في سرادقات عرشه عن أن تدركه الأبصار يا من تجلى بكمال بهائه فتحققت عظمته من الإستواء كيف تخفى وأنت الظاهر أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ والحمد للّه وحده .

ص: 408

ص: 409

وفي مهج الدعوات نسب هذا الحرز للحسين عليه السلام :

بسم اللّه يا دائم يا ديموم يا حيّ يا قيوم(1) يا كاشف الغم يا فارج الهم يا باعث الرسل يا صادق الوعد اللّهم إن كان لي عندك رضوان وودّ فاغفر لي ومن إتبعني من إخواني وشيعتي وطيّب ما في صلبي برحمتك يا أرحم الراحمين وصلّى اللّه على(2) محمد وآله أجمعين(3) .

وفي كتاب نثر الدرر قال :

خطب الحسين عليه السلام فقال : أيّها الناس نافسوا في المكارم ، وسارعوا الى المغانم ، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوه ، واكسبوا الحمد بالنجح ، ولا تكتسبوا بالمطل ذما ، فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأى أنّه لا يقوم بشكرها فاللّه له بمكافاته ، فإنّه

أجزل عطاء وأعظم أجرا .

واعلموا أنّ حوائج الناس إليكم من نعم اللّه عليكم ، فلا تملّوا النعم فتحور نقما .

واعلموا أنّ المعروف مكسب حمدا ومعقب أجرا ، فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسرّ الناظرين ويفوق العالمين ، ولو رأيتم اللؤ رأيتموه شحّا مشوها شوه منه القلوب وفقس دونه الأبصار .

أيّها الناس من جاد ساد ، ومن بخل رذل ، وإنّ أجود الناس من أعطى من لا يرجوه ، وإنّ أعفى الناس من عفا عن قدرة ، وإنّ أوصل الناس من وصل من قطعه ، والأصول على مغارسها بفروعها تسمو ، فمن تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا ، ومن أراد اللّه - تبارك وتعالى - بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت حاجته ،

وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه ، ومن نفّس كربة مؤن فرج اللّه عنه كرب الدنيا والآخرة ، ومن أحسن أحسن اللّه إليه وَاللّهُ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ(4) .

ص: 410


1- في المهج : « الرحمن الرحيم » .
2- في المهج : « سيدنا محمد » .
3- مهج الدعوات : 11 حرز آخر للإمام حسين عليه السلام .
4- كشف الغمة 2/29 الثامن في ذكر شيء من كلامه عليه السلام ، بحار الأنوار 75/121 باب 20 مواعظ الحسين بن أمير المؤن .

ومن خطبة له عليه السلام أيضا في نثر الدرر :

وخطب عليه السلام فقال : إنّ الحلم زينة ، والوفاء مروءة ، والصلة نعمة ، والإستكبار صلف ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والغلو ورطة ، ومجالسة أهل الدناءة شرّ ، ومجالسة أهل الفسق ريبة(1) .

ومن دعائه عليه السلام : اللّهم لا تستدرجني بالإحسان ولا تؤبني بالبلاء(2) .

وقال عليه السلام : صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤلك فأكرم وجهك عن ردّه(3) .

وقال عليه السلام : إنّ الناس عبيد المال ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم ، فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون(4) .

وقال عليه السلام : من أتانا لم يعدم خصلة من أربع : آية محكمة ، وقضية عادلة ، وأخا مستفادا ، ومجالسة العلماء(5) .

وروى ابن شهرآشوب : سئل الحسين عليه السلام : لم افترض اللّه - عزّ

وجلّ - على عبيده الصوم ؟ قال : ليجد الغني مس الجوع فيعود بالفضل على المساكين(6) .

وفي تفسير الثعلبي قال الصادق عليه السلام : قال الحسين بن علي عليهماالسلام : إذا صاح النسر قال : يا ابن آدم عش ما شئت آخره الموت ، وإذا صاح الغراب قال : إنّ في البعد من الناس أنس ، وإذا صاح القنبر قال : اللّهم العن مبغضي آل محمد ، وإذا صاح الخطاف قرأ : الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، ويمدّ الضّالِّينَ كما يمدّها القارئ(7) .

ص: 411


1- كشف الغمة 2/30 الثامن في ذكر شيء من كلامه عليه السلام .
2- كشف الغمة 2/31 الثامن في ذكر شيء من كلامه عليه السلام .
3- كشف الغمة 2/32 الثامن في ذكر شيء من كلامه عليه السلام .
4- كشف الغمة 2/32 الثامن في ذكر شيء من كلامه عليه السلام .
5- كشف الغمة 2/32 الثامن في ذكر شيء من كلامه عليه السلام .
6- المناقب 4/68 فصل في مكارم أخلاقه عليه السلام .
7- المناقب 4/68 فصل في مكارم أخلاقه عليه السلام .

ذكر بعض الحجب والعوذات

ذكر ابن طاوس في كتابه مهج الدعوات عدة حجب للنبي وأئمة الهدى صلوات اللّه عليهم أجمعين وروى لسيد الشهداء عليه السلام هذا الحجاب :

يا من شأنه الكفاية وسرادقه الرعاية يا من هو الغاية والنهاية يا صارف السوء والسواية والضرّ إصرف عنّي أذية العالمين من الجن والإنس أجمعين بالأشباح النورانية وبالأسماء السريانية وبالأقدام(1) اليونانية وبالكلمات العبرانية بما نزل في الألواح من يقين الإيضاح إجعلني اللّهم في حرزك وفي حزبك وفي عياذك وفي سترك وفي كنفك من كلّ شيطان مارد وعدو راصد ولئيم معاند وضدّ كنود ومن كلّ حاسد ببسم اللّه استشفيت وبسم اللّه استكفيت وعلى اللّه توكلت وبه استعنت وإليه استعديت على كلّ ظالم ظلم وغاشم غشم وطارق طرق في ليل غسق وزاجر زجر فاللّه خير حافظا وهو أرحم الراحمين(2) .

وفي مصباح الكفعمي : وكان دعاؤ عليه السلام أن يقول بعد صلاة الفريضة : اللّهم إنّي

أسألك بكلماتك ومعاقد عرشك وسكان سماواتك وأرضك وأنبيائك ورسلك أن تستجيب لي فقد رهقني من أمري عسرا فأسألك أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تجعل لي من عسري يسرا(3) .

الى هنا انتهى

المجلد السادس من ناسخ التواريخ في حياة الإمام الحسين عليه السلام

ص: 412


1- في المهج : « الاقلام » .
2- مهج الدعوات : 298 حجاب الحسين بن علي عليهماالسلام .
3- المصباح للكفعمي : 304 الفصل 30 .

فهرست الجزء الثالث

ص: 413

ص: 414

الحوادث الواقعة بعد شهادة سيد الشهداء في أرض كربلاء··· 3

فرس الحسين عليه السلام··· 3

صيحة جبرائيل··· 6

سلب الحسين عليه السلام··· 7

رضّ الحسين عليه السلام··· 8

الهجوم على الخيام··· 9

الطرماح يرى النبي صلى الله عليه و آله في أرض المصرع··· 12

رؤيا ابن عباس يوم عاشوراء··· 12

ذكر عدد شهداء يوم الطف··· 13

زيارة الناحية المقدسة··· 13

سلامه على أهل بيت جده··· 13

ذكر تسريح الرؤوس وأهل البيت الى الكوفة··· 20

تقسيم الرؤوس على أمراء العسكر··· 21

حرق الخيام بأمر ابن سعد··· 21

ندبة زينب عليهاالسلام··· 22

ترحيل أهل البيت : من كربلاء··· 23

مواساة زينب عليهاالسلام للامام السجاد عليه السلام··· 23

حديث الصادق عليه السلام في البكاء على الحسين عليه السلام··· 25

ذكر دفن شهداء بني هاشم في أرض كربلاء··· 26

مدى صحة حكاية فضة والأسد عند رضّ جسد الحسين عليه السلام··· 27

ورود أهل بيت النبوة والرسالة الى الكوفة··· 28

كلام سهل مع الشيخ الكوفي··· 29

خطبة زينب عليهاالسلام··· 30

ص: 415

خطبة فاطمة الصغرى عليهاالسلام··· 32

خطبة أم كلثوم··· 34

خطبة الإمام السجاد عليه السلام··· 34

حديث مسلم الجصاص··· 36

فنطحت زينب عليهاالسلام جبينها بمقدم المحمل··· 37

دخول أهل البيت مجلس ابن زياد··· 38

قتل حامل الرأس الشريف··· 38

كلام زينب عليهاالسلام مع ابن زياد··· 40

كلام أم كلثوم والإمام السجاد عليهماالسلام··· 41

مقتل عبد اللّه بن عفيف الأزدي··· 43

غضب ابن زياد على جندب بن عبد اللّه الأزدي···

47

الطواف بالرأس المقدس في الأسواق··· 47

طلب ابن زياد عهد الري من ابن سعد··· 48

قصيدة عبد اللّه بن الحر في رثاء الحسين عليه السلام··· 49

ذكر إنتشار خبر شهادة سيد الشهداء عليه السلام في البلدان والأمصار··· 50

مراثي الجن في مصيبة الحسين عليه السلام··· 51

كتاب ابن زياد الى يزيد وعمرو بن سعيد والي المدينة يخبرهما بقتل الحسين عليه السلام··· 52

وصول خبر شهادة الحسين عليه السلام الى ابن سعيد··· 52

خطبة ابن سعيد في المدينة··· 53

سماع عبد اللّه بن جعفر بخبر الحسين عليه السلام··· 53

سماع أم لقمان بخبر الحسين عليه السلام··· 53

هاتف في المدينة··· 54

هاتف آخر في المدينة··· 54

الغراب يخبر فاطمة في المدينة··· 55

ما قالته أم سلمة حين سمعت بخبر الحسين عليه السلام··· 56

مقالة حسن البصري حين سمع بشهادة الحسين عليه السلام··· 56

مقالة الربيع بن خيثم لما بلغه قتل الحسين عليه السلام··· 56

ص: 416

مقالة أسماء بنت عقيل··· 57

مقالة مروان بن الحكم عليه اللعنة··· 57

مقالة ابن الزبير لما بلغه قتل الحسين عليه السلام··· 57

كتاب يزيد الى ابن عباس··· 58

جواب ابن عباس على كتاب يزيد··· 59

جواب كتاب ابن زياد وأمر يزيد بإرسال الأسرى ورؤوس الشهداء··· 60

انفاذ الرأس المقدس الى الشام··· 61

قصة الرجل الذي تعلق باستار الكعبة وهو يقول اللّهم اغفر لي وما أراك فاعلا··· 61

وصول أهل البيت الى كربلاء في الأربعين··· 62

رجعنا الى الكلام··· 63

دخول أهل البيت الى القادسية··· 63

دخول أهل البيت الى الموصل··· 64

دخول أهل البيت الى تكريت··· 65

أهل البيت في وادي النخلة··· 65

في بلدة لبا··· 66

ورود أهل البيت الى الموصل برواية أبي مخنف··· 66

في نصيبين··· 67

في دعوات··· 67

في قنسرين··· 68

في معرة النعمان··· 68

في بيت شيزر··· 68

في سيبور··· 68

في حماه··· 69

في حمص··· 69

في بعلبك··· 70

في دير الراهب··· 70

في حران··· 73

ص: 417

دخول أهل بيت رسول اللّه ورؤوس الشهداء الى الشام··· 74

قصة سهل الساعدي··· 75

الرجل الشامي يبشر يزيد··· 76

كلام الرأس المقدس ورثاء الهاتف··· 76

شماتة ابن طلحة ورد الإمام السجاد عليه السلام··· 77

افتخار الشمر وجواب أم كلثوم··· 78

دخول أهل بيت الرسول المختار الى مجلس يزيد بن معاوية···

79

زحر بن قيس ويزيد بن معاوية··· 79

سكر يزيد وأشعاره المصرحة بالكفر··· 80

حرمان شمر من عطاء يزيد··· 81

كلام يزيد الملعون عن الحسين عليه السلام··· 81

حديث الإمام الرضا عليه السلام في لعن يزيد··· 82

أهل بيت الرسالة في مجلس يزيد··· 83

تمثل يزيد بأبيات تدلّ على كفره··· 84

شعر ابن الزبعرى وشعر يزيد··· 85

إعتراض أبي برزة على يزيد··· 87

خطبة الحوراء زينب عليهاالسلام··· 89

[إسلام رسول ملك الروم]··· 91

[عالم يهودي يوبخ يزيد]··· 92

[اسلام الجاثليق]··· 93

[النصراني يروي ليزيد مناقب الحسين عليه السلام]··· 94

[في خرابة الشام]··· 96

[كلام يزيد مع أهل البيت]··· 96

[أهل البيت في دار يزيد]··· 98

[هجوم هند على يزيد]··· 98

[كلام السجاد عليه السلام والمنهال]··· 99

[يزيد يأمر الخطيب بسب آل الرسول]··· 99

ص: 418

[يهودي يوبخ يزيد]··· 102

[سكينة عليهاالسلام تقص رؤياها على يزيد]··· 102

رؤيا هند زوجة يزيد··· 104

يزيد يستدعي أهل البيت ليقضي حوائجهم ويردهم الى وطن جدهم··· 105

تسريح أهل البيت الى المدينة··· 106

يزيد يتبرّء من قتل الحسين عليه السلام··· 106

ورود أهل البيت الى كربلاء مرة ثانية··· 107

محمد بن الحنفية يستقبل أهل البيت··· 109

أبيات أم كلثوم··· 109

بشير ينعى الحسين عليه السلام··· 111

قيام القيامة في المدينة··· 112

خطبة الإمام السجاد عليه السلام··· 113

الى مسجد النبي صلى الله عليه و آله··· 114

بكاء الإمام السجاد عليه السلام على أبيه الحسين عليه السلام··· 115

إختلاف الأقوال في موضع دفن الرأس المقدس··· 116

حمل الرأس المقدس الى القاهرة··· 119

إشارة الى حال الملك أفضل··· 119

عودة الى قصة رأس الحسين عليه السلام··· 120

ذكر بكاء السماء والأرض والجن والإنس والوحش والطير وجميع المخلوقات ...··· 122

بكاء السماء··· 122

دماء تغلي تحت أحجار بيت المقدس··· 123

حديث ميثم عن يوم عاشورا··· 123

إخبار أمير المؤمنين عن قتل الحسين عليهماالسلام وبكاء السماء عليه··· 125

بكاء السماء والارض على الحسين عليه السلام··· 125

أبيات على الحجر في شهادة الحسين عليه السلام··· 134

أخبار بكاء المخلوقات على الحسين عليه السلام··· 135

ص: 419

ذكر بكاء الأرض على الحسين بن علي عليهماالسلام··· 136

ذكر ضجيج الملائكة في حضرة الرب الجليل وبكائهم على ذرية نبي آخر الزمان··· 137

إقامة الملائكة عند قبر الحسين عليه السلام··· 138

رؤية النبي صلى الله عليه و آله وجه علي عليه السلام في السماء الخامسة··· 138

بكاء الملائكة على الحسين عليه السلام وملازمتهم قبره··· 139

أهل البيت يسمعون هاتفا ينشد أبياتا في طريق الشام··· 142

نداء من العرش الى من قتل الحسين عليه السلام··· 142

ملك البحار يخبر النبي صلى الله عليه و آله بشهادة الحسين عليه السلام··· 143

توكيل سبعين ألف ملك بالحسين عليه السلام··· 143

الأمر بالسكوت عند زيارة الحسين عليه السلام لمكان الملائكة··· 143

ذكر نوح جماعة من الجن علي الحسين عليه السلام··· 144

ذكر بكاء الوحوش على أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام··· 150

ذكر بكاء الطير على أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام··· 151

الغراب يخبر فاطمة الصغرى··· 151

الحمام الراعبي يلعن قتلة الحسين عليه السلام··· 152

البومة لا تأوي إلاّ الى الخراب بعد قتل الحسين عليه السلام··· 152

الطير الملطخ بالدم يخبر الطيور بقتل الحسين عليه السلام··· 153

شفاء بنت اليهودي ببركة دم الحسين عليه السلام··· 154

حزن العصافير يوم عاشوراء··· 155

ذكر تأثر الأشجار والنباتات بقتل الحسين عليه السلام··· 155

صار الورس دما··· 157

ذكر تأثّر البحار والجبال بشهادة الحسين عليه السلام··· 158

حديث ميثم في بكاء الأشياء على الحسين عليه السلام··· 159

ذكر بكاء الملائكة والأنبياء وأوصيائهم وفاطمة : على الحسين عليه السلام···

159

مشاهدات الرجل الأسدي··· 160

في إثبات أن مصيبة الحسين عليه السلام أعظم المصائب والرد على من قال ...··· 161

رد على من قال أن الحسين عليه السلام لم يقتل··· 162

ص: 420

ذكر العلة التي من أجلها لم يدفع اللّه القتل وظلم الظالمين ...··· 164

إبتلاء الأولياء من غير ذنب··· 165

تفسير ( ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ )··· 165

275 العلة التي من أجلها سلّط اللّه عدوّه على الحسين عليه السلام···

166

ذكر ثواب البكاء في مصيبة الحسين وسائر أئمة الهدى··· 168

ثواب البكاء على الحسين عليه السلام··· 169

ثواب المهموم لما وقع على الحسين عليه السلام من الظلم··· 169

ثواب البكاء على الحسين عليه السلام··· 170

حديث مسمع في زيارة الحسين عليه السلام والبكاء عليه··· 170

ثواب البكاء على آل محمد··· 172

ذكر الأحاديث التي وردت في ثواب البكاء على الحسين عليه السلام خاصة··· 173

ذكر حديث « أنا قتيل العبرة » المروي عن سيد الشهداء عليه السلام··· 175

ذكر الأحاديث الواردة في يوم عاشوراء وأيام محرم··· 176

في حرمة صوم يوم عاشوراء··· 178

ذكر معالي شهداء الطف ومنزلتهم··· 180

في فضل زيارة قبر الحسين بن علي عليهماالسلام··· 182

ذكر حدود الحائر··· 197

ذكر فضل زيارة يوم عرفة والعيدين··· 198

في فضل زيارة سيد الشهداء عليه السلام في شهر رجب وشعبان ورمضان ...··· 202

في فضل الإنفاق في طريق زيارة الحسين عليه السلام··· 207

ذكر الأخبار الدالة على وجوب زيارة الحسين عليه السلام··· 208

ذكر فضل أرض كربلاء··· 210

ذكر فضل التربة المقدسة··· 214

ذكر شروط أخذ التربة من قبر الحسين بن علي عليهماالسلام··· 218

ذكر جور السلاطين على قبر الحسين عليه السلام··· 220

جور المتوكل العباسي على قبر الحسين عليه السلام··· 224

ص: 421

ذكر معاجز الإمام الحسين بن علي عليهماالسلام وإخباره بالمغيبات··· 234

إخباره عليه السلام بقتل ابن الزبير··· 234

[أما تستحي يا أعرابي]··· 235

إني أدلك على من قتل غلماني··· 235

عقاب من شارك في قتله عليه السلام··· 236

الرجل الذي أعمى اللّه عينيه في اليقظة··· 237

الرجل الذي عميت عيناه في المنام··· 237

إحتراق رجل بفتيلة المصباح··· 237

الرجل الذي سقاه علي عليه السلام قطرانا··· 238

خبر الرجل الذي أخذ البيضة التي على رأس الحسين عليه السلام··· 238

إحتراق رجل بفتيلة المصباح··· 239

خبر الرجل الذي حمل رأس أحد الشهداء··· 240

قصة الرجل الذي جعل رأس الحسين عليه السلام في المخلاة··· 240

خبر الرجل الذي أومأ اليه النبي صلى الله عليه و آله باصبعه فعميت عيناه··· 241

الحداد الذي رأى القيامة في الرؤيا··· 241

استشار الإمام عليه السلام في الزواج فخالفه فافتقر··· 244

خبر فرعون الذي مدّ يده ليضرب وجه الحسين عليه السلام فيبست يده··· 244

ظهور الحسين عليه السلام بعد الشهادة لأبي جعفر عليه السلام··· 244

قصة حبابة الوالبية··· 244

خلص يده من يدها··· 245

شهادة الصبي على أمه··· 245

شفاء عبد اللّه بن شداد من الحمى··· 246

إحياء المرأة الميتة··· 246

يا أصبغ أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه لأبي دون···

247

إستسقاء الحسين عليه السلام لأهل الكوفة في عهد علي عليه السلام··· 248

فهرست الجزء الثالث··· 413

ص: 422

فهرست الجزء الرابع

ص: 423

ص: 424

بقية معجزات سيد الشهداء عليه السلام··· 251

دعاء الحسين على ابن جويرة··· 251

فهوى بيده ليضرب بها وجه الحسين عليه السلام فأيبسها اللّه ··· 252

بعض معاجز يوم عاشوراء··· 253

ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ويقدمهم عمر بن سعد···

253

نور جبين الحسين عليه السلام··· 254

الحسين عليه السلام يخبر بمقتله··· 254

سبع يخبر الحسين عليه السلام عن حال أهل الكوفة··· 255

استخراج العنب من سارية المسجد··· 255

إخضرار النخلة اليابسة··· 255

كتاب الحسين عليه السلام الى بني هاشم··· 256

ختمه على الحصاة··· 257

هلاك الرامي من العطش بدعاء الحسين عليه السلام··· 258

إظهار النبي وعلي والحسن لجابر··· 258

أربعة أملاك يسقون الحسين عليه السلام ماء··· 259

خط الحسين عليه السلام باصبعه على الأرض فجرى نهر··· 260

الحسين عليه السلام يروي القاسم عليه السلام بخاتمه··· 260

ما عندك من عجائب أبيك عليه السلام ؟··· 261

مسح بيده على عيني نجاد فعاد بصيرا··· 261

شلّت يد الرجل الذي سلب قميص الحسين عليه السلام··· 261

إسوداد وجه الجمال··· 262

قصة الأسد الذي حضر عند مصرع الحسين عليه السلام··· 266

ذكر جملة من فضائل الحسين بن علي عليهماالسلام··· 267

حمل خديجة بفاطمة وحمل فاطمة بالحسين··· 268

ص: 425

لعيا قابلة الحسين عليه السلام··· 268

ملك يخبر النبي صلى الله عليه و آله أنّ يزيد قاتل الحسين عليه السلام··· 271

لما خلق اللّه آدم رأى خمس سطور مكتوبات··· 271

خلق اللّه أصحاب الكساء بسبعة آلاف سنة قبل الخلق···

272

أبو حمزة يسأل السجاد عليه السلام عن ثلاث خصال··· 272

الحسين عليه السلام حجة على مدينتين إحداهما في المشرق والأخرى في المغرب···

273

هذه هدية أهداها إلي ربي للحسين عليه السلام··· 273

تحفة من الجنة يأكلها الحسين عليه السلام··· 273

قصة وادي العقيق··· 274

قول اللّه وملائكته لأهل العباء : هنيئا··· 275

جبرئيل يحمل لهما نبقا وخرنوبا··· 276

نزول الفاكهة من الجنة على آل العباء··· 276

كعك وزبيب وتمر من الجنة··· 277

نزول الرمان من الجنة··· 278

نزول الثريد والرطب من الجنة··· 279

الحورية المكتوب على ذقنها « الحسين »··· 279

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة··· 280

حضور أصحاب الكساء عند المؤمن والكافر عند الإحتضار··· 280

سقف بيتهم عرش ربّ العالمين··· 280

رؤية إبراهيم أنوارهم الى جانب العرش··· 281

كان الحسين عليه السلام يثب من حجر جبرئيل عليه السلام الى حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 282

إسلام النصراني عند ركوب البحر··· 284

ميكائيل عليه السلام يهزّ مهد الحسين عليه السلام··· 285

الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة··· 286

جبرئيل خادم لأهل البيت··· 286

فديت من فديته بإبني إبراهيم··· 288

رؤيا هند··· 288

نصرة الجن··· 289

عرض روح الحسين عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 290

ص: 426

الحسين كشف الغطاء لأصحابه حتى رأوا منازلهم من الجنة··· 290

حصاة أم غانم··· 290

الملائكة زوار قبر الحسين عليه السلام··· 291

تابوت قاتل الحسين عليه السلام في جهنم··· 292

حديث كعب الأحبار عن فساد البرّ والبحر بعد قتل الحسين عليه السلام···

292

صبرا يا بني الكرام··· 294

إنكم تقتلون غدا كلكم ولا يفلت منكم رجل··· 294

لا يوم كيوم الحسين عليه السلام . . رحم اللّه العباس عليه السلام··· 295

تمني الشهداء أن يكونوا مع الحسين عليه السلام··· 295

ذكر مكارم أخلاق الحسين بن علي عليهماالسلام··· 296

استجابة دعوة المساكين··· 296

أداء الحسين عليه السلام دين اُسامة بن زيد··· 296

عطاء الحسين عليه السلام للفرزدق··· 297

قصة سؤال الأعرابي عن أكرم الناس في المدينة··· 297

أثر الجراب على ظهر الحسين عليه السلام··· 298

عطاؤه لمعلم ابنه··· 298

استرضاؤه محمد بن الحنفية··· 298

منازعة الحسين عليه السلام مع الوليد بن عقبة··· 299

لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل··· 299

بكاء الحسين عليه السلام عند قبر خديجة عليهاالسلام··· 300

قصة الحسين عليه السلام مع الغلام الذي كان يؤاكل كلبا··· 301

تحريره جارية بطاقة ريحان··· 301

يا حسن وددت أن لسانك لي وقلبي لك··· 302

أنت حرّ لوجه اللّه ولك ضعف ما كنت أعطيك··· 302

ما أقلّ ولد الحسين عليه السلام··· 302

كلّ الكبر للّه ··· 302

المعروف بقدر المعرفة··· 303

حكم المحرم إذا أصاب بيض النعام··· 304

خوف الحسين عليه السلام من اللّه ··· 304

خضاب الحسين عليه السلام··· 305

ص: 427

ذكر ثواب لعن قاتلي الحسين عليه السلام··· 305

الصادق عليه السلام يلعن قتلة الحسين عليه السلام··· 306

الرضا عليه السلام يلعن قتلة الحسين عليه السلام··· 306

اللّه يلعن قاتل الحسين عليه السلام··· 306

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ستة لعنهم اللّه ··· 307

قصة كامل مع عمر بن سعد··· 307

ذكر كفر قتلة سيد الشهداء وأنّهم أبناء زنا وشدة عذابهم···

310

عذاب قتلة الحسين عليه السلام··· 310

إخبار اللّه نبيه موسى بما يجري في عاشوراء··· 311

ذكر أنّ قتلة الإمام الحسين عليه السلام وأتباعهم أبناء زنا··· 313

ذكر إنتقام اللّه من قتلة الحسين عليه السلام في الرجعة وعلّة تأخير عذابهم ...··· 314

تفسير فلا عدوان إلاّ على الظالمين··· 319

تفسير وقضينا الى بني إسرائيل··· 319

تفسير ومن قتل مظلوما··· 319

القائم عليه السلام يقتل ذرية قتلة الحسين عليه السلام··· 320

علّة عدم مسخ قتلة الحسين عليه السلام··· 320

ذكر بعض ما إنتقم اللّه به من قتلة الحسين عليه السلام في الدنيا··· 322

عذاب ابن زياد في الدنيا··· 322

عذاب الكافر عند الإحتضار وعذاب عمر بن سعد··· 323

ذكر إنشاد المراثي والأشعار فيه عليه السلام··· 324

ذكر بعض ما قيل فيه عليه السلام من المراثي··· 327

ذكر عدد أولاد الحسين عليه السلام وأحوالهم··· 379

ذكر فاطمة بنت الحسين بن علي··· 385

ذكر سكينة بنت الحسين عليهماالسلام··· 385

ذكر كلمات الإمام الحسين عليه السلام المعجزة··· 398

ذكر بعض الحجب والعوذات··· 412

فهرست الجزء الرابع··· 423

ص: 428

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.