ناسخ التواريخ حياة الإمام سيد الشهداء الحسين عليه السلام المجلد 2-1

اشارة

سرشناسه:سپهر، محمدتقی بن محمدعلی ، ‫ ‫1216 - 1297ق.

عنوان و نام پديدآور:ناسخ التواریخ: حیاه الامام سید الشهداالحسین «علیه السلام»/ محمد تقی سپهر(لسان المللک) ؛ ترجمه و تحقیق سیدعلی جمال شرف.

مشخصات نشر: ‫قم ‫: مدین ، 1427ق.- = 2007م.- ‫ = 1386 -

مشخصات ظاهری:4 ‫ ج.

شابک: ‫دوره ‫: ‫ 964-8901-52-X ؛ ‫ج. 1 ‫: ‫ 964-8901-48-1 ؛ ‫ 964-8901-51-1

يادداشت:عربی.

يادداشت:ج.3- 4 (چاپ اول: 1427ق. = 2007م. = 1386).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:حسین بن علی (ع)، امام سوم، 4 - 61ق -- سرگذشتنامه

شناسه افزوده:اشرف ، علی

رده بندی کنگره: ‫ BP41/4 ‫ / س18ن2 1386

رده بندی دیویی: ‫ 297/953

شماره کتابشناسی ملی:1042143

وضعيت ركورد:ركورد كامل

خیراندیش دیجیتالی : بیادبود مرحوم حاج سید مصطفی سید حنایی

ص: 1

ناسخ التواريخ حياة الإمام سيد الشهداء الحسين عليه السلام-الجزء الاول

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ناسخ التواريخ

حياة الإمام الحسين عليه السلام

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين ، سيما سبطه سيد الشهداء ، وسلطان المظلومين ، وزين السموات والأرضين ، وزينة عرش ربّ العالمين في يوم الدين ، ومن جعله اللّه عبرة المؤمنين ، الإمام الحسين عليه السلام ، وأولاده وأصحابه واخوته وأخواته ، وجميع المستشهدين بين يديه .

أمّا بعد :

فإنّ ناسخ التواريخ ، مرجع معتمد عند الكتاب والمثقفين والخطباء ، وهو كأيّ كتاب له أنصار ومعارضون ، بل وخصوم أحيانا ، ولكنّه - وحديثي عنه بمقدار ما إطلعت عليه من حياة الإمام الحسين عليه السلام - كتاب موثق ، لا يكاد المؤلف ينقل فيه شيئا إلاّ ويذكر مصدره ، سوى بعض الموارد النادرة جدا .

ص: 3

ومن الغريب أنّ بعض المعاصرين يهجم على هذا الكتاب ، ويدّعي أنّه كثير ما يتفرّد في نقل بعض الروايات ، وهذا الكلام قد لا يكون بمستوى من المتانة ، سيما إذا

عرفنا أنّ المؤلف يسند ما ينقله الى المصدر ، بيد أنّنا حينما نراجع المصدر المطبوع لا نجد ما ينقله المؤلف ، وهذا في الواقع من موارد قوة الكتاب لا ضعفه ، ولم يحصل هذا إلاّ في مورد أو موردين من حياة الإمام الحسين عليه السلام . ومن عادة المؤلف عند نقله لمثل هذه الأخبار تقديم مقدمات تؤكد أنّه تتبع الخبر ، وراجع المصادر ، ولم ينقله متعجّلا متساهلا ، فهو يقول في نقل قصة تدخل محمد بن كثير في خضم أحداث الكوفة أيام مسلم بن عقيل عليهماالسلام :

« يقول المؤلف : نظرت وبحثت ، وأنا أسطر هذه الصفحات في كتاب بحار الأنوار ، والعوالم ، وكتاب زبدة الفكرة ، وكتاب اللهوف ، وكتب الشيخ المفيد ، وكتاب ابن شهرآشوب ، وكتاب اعلام الورى ، وبحر اللئالي ، والفي ، والطبري ، وكتاب مروج الذهب ، وكتاب الفصول المهمة ، وكتاب تذكرة خواص الأمة ، وكتاب شرح الشافية ، وكتاب كشف الغمة ، وكتاب اليافعي ، وكتاب الطريحي ، وكتاب أعثم الكوفي ، والمعيني ، وأبو مخنف ، وكتاب مطالب السؤول ، وكتاب عبد اللّه بن محمد رضا الحسيني المعروف بجلاء العيون ، وفي مئات الكتب والمجلدات العربية والفارسية التي ألفها العلماء العظام في مقتل الحسين عليه السلام ، ولم أجد في أيّ واحدة منها قصة تدخّل محمد بن كثير في نصرة مسلم بن عقيل بهذا التفصيل الذي يأتي .

ولما كان ابن أعثم الكوفي من علماء أهل السنة والجماعة ، وله إحاطة ودراية في جمع السير ، وهو يروي في الغالب عن ابن إسحاق وابن هشام ، رأيت من المؤسف أن لا آخذ ما كتبه بنظر الاعتبار ، فهو يقول : . .» .

فهو في الحقيقة أسند ما نقله الى مصدره بعد التفحّص ، وعدم وجوده في النسخ المطبوعة المتوفرة بين أيدينا لا ينقص من قدر الكتاب ، وإنّما يؤكد نقص المصدر المطبوع ، وربما وقعت نسخة بيد المؤلف أتم وأكمل من النسخ التي توفرت عند محققي المصدر الذي نقل عنه المؤلف من قبيل كتاب « الفتوح » لابن أعثم .

ص: 4

قال صاحب الذريعة(1) : ناسخ التواريخ ، فارسي ، مبسط ، مطوّل ، للأديب المطّلع الخبير ، مستوفي الديوان ، ميرزا محمد تقي الكاشاني ، مقيم طهران ، والملقّب ب-« لسان

الملك » ، والمعروف ب-« سپهر » ، المعمّر نيفا وثمانين سنة ، والمتوفي قبل الزوال من يوم الأربعاء 27 ربيع الثاني 1297 ، كما أرخه ابنه في مقدمة المجلد الخامس المطبوع .

شرع في تحريره في أواسط سلطنة محمد شاه بن عباس ميرزا ابن فتح علي شاه القاجار ، سنة 1258 ، وفرغ من كتابه الأول في مجلدين كبيرين سنة 1263 .

أولهما : حوادث ما قبل الهبوط الى ولادة المسيح عليه السلام .

وثانيهما : من ولادة المسيح الى الهجرة .

وخرج من كتابه الثاني في وقائع بعد الهجرة مجلدات عديدة ، ستة منها مرتبة .

فالمجلّد الأول : في وقائع زمان النبي صلى الله عليه و آله من الهجرة الى الوفاة ، سنويا ، وذكر فيه جميع ملوك الأرض من معاصريه .

والمجلد الثاني : يشتمل على خمسة فصول : لأبي بكر ، عمر ، عثمان ، والأصحاب ، وهذا الكتاب ترجمة لكتاب الإستيعاب ، لابن عبد البر ، بإسقاط أحاديثه ، وخامس فصولها ، كتاب أمثال العرب وأيامها .

والمجلد الثالث : في أحوال أمير المؤمنين عليه السلام ، وما وقع في زمانه ، وأحوال الملوك من معاصريه ، وخطبه ، وهذا المجلد لولده ميرزا هداية اللّه ، الملقب بلسان الملك بعد

وفاة والده ، وهو مشتمل على خمسة فصول أيضا :

الجمل ، شرع فيه في 10 شعبان 1282 ، وفرغ منه 23 رمضان نفس السنة .

صفين ، فرغ منه في الأحد 20 صفر 1284 .

ص: 5


1- تفضّل علينا الأخ الفاضل السيد إبراهيم ابن السيد نوري إيزد خواه ، حفظه اللّه ورحم أباه ، بمرجعة المصادر بحثا عن حياة المؤلف ، فلم يجد له ترجمة - فيما توفر لديه من مصادر - إلاّ في الذريعة ، وأعيان الشيعة ، ولغت نامه دهخدا ، وفيات معاصرين لمحمد القزويني ، مجمع الفصحاء 1/556 وما بعدها .

والخوارج والنهروان ومقتل أمير المؤمنين عليه السلام ، وبعض خطبه والتابعين ، وذكر فيه من روى عن النبي صلى الله عليه و آله ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام ، وعن الحسن والحسين عليهماالسلام ، وهذا كلّه ترجمة لكتاب رجال الشيخ الطوسي من أول من روي عن النبي الى آخر من روى عن الحسين عليه السلام ، ولما كان غرضه ذكر التابعين فقط لم يذكر فيه رواة سائر الأئمة المذكورين في رجال الطوسي ، وفي آخر الكتاب أورد الكلمات القصار للأمير عليه السلام وحكمه ومواعظه ، على ترتيب حروف الهجاء ، وأحصاها في 13328 كلمة ، وهو عين « غرر الحكم » للامدي .

والمجلد الرابع : في أحوال فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، ألفه 1294 ، وعدّ في أوله من تصانيفه 14 مجلدا ، وأنّ تاريخ الصديقة عليهاالسلام هذا هو تاسع المطبوع منها ، طبع بأمر ناصر الدين شاه .

والمجلد الخامس : أحوال ثاني الأئمة ، الحسن بن علي عليهماالسلام ، ط 1302 مع مقدمة لولد المؤلف ، الملقب بعد أبيه بلسان الملك .

والمجلد السادس : أحوال الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهماالسلام .

فهذه الستة مع المجلدين الأولين تمام ثمانية مجلدات ، خرجت من كتاب ناسخ التواريخ مرتبا ، وبقي تواريخ سائر الأئمة حيث أدركه المنون .

وقال صاحب أعيان الشيعة : الميرزا محمد تقي خان الكاشاني مستوفي الديوان ، الملقب ب-« لسان الملك » ، المتخلص ب-« سپهر » ، كان فاضلا متبحرا أديبا ، أريبا ، بصيرا ، مطّلعا ، خبيرا ، له كتاب أسرار الأنوار في مناقب الأئمة الأطهار ، وكتاب براهين العجم في قوانين المعجم ، فارسي ، في العروض والقافية ، وقوانين الأشعار الفارسية ، كتبه بأمر إعتماد الدولة الميرزا آقا خان الصدر الأعظم النوري ، مطبوع ،

وله ناسخ التواريخ ، فارسي كبير في غاية البسط ، مطبوع . . . الى آخر ما ذكره صاحب الذريعة ، ثم قال :

وكان عزمه إتمام تواريخ الأئمة ، فعاجله أجله المحتوم ، وتوفي يوم الأربعاء 17 ربيع الثاني 1297 عن ولدين : الميرزا هداية الملقب ب-« بلسان الملك » ، وعباس قلي .

ص: 6

وذكر دهخدا في « لغت نامه » : أنّه نقل بعد وفاته الى النجف الأشرف حيث دفن هناك .

وفي الختام ، أسأل اللّه تعالى بالحسين عليه السلام وجدّه وأبيه وأمه وأخيه ، والتسعة المعصومين الميامين من ذريته عليهم السلام ، أن يتقبّل منّا هذا القليل ، ويغفر لنا ولوالدينا ، ولا يحرمنا خدمة الحسين عليه السلام وذريّاتنا في الدنيا والآخرة ، ويجعلنا من الآخذين بثأره مع ولده الحجة القائم من آل محمد عليهم السلام ، ويعجل في فرجهم إنّه سميع الدعاء .

سيد علي جمال أشرف

قم المقدسة

1/5/1427

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحیم

يقول عبد الرحمن وخادم السلطان ، محمد تقي لسان الملك ، المستوفي الأول في الديوان الأعلى :

لما إنتهيت من كتاب الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام شرعت في كتاب نور عين المصطفى ، ومهجة قلب المرتضى ، وشقيق الحسن المجتبى ، وفلذة كبد فاطمة الزهرا عليهاالسلام ، الحسين بن علي بن أبي طالب ، سلام اللّه تعالى عليه وعلى آبائه وأخلافه المعصومين الطاهرين الى يوم الدين .

وهذا هو المجلد السادس من الكتاب الثاني من :

« ناسخ التواريخ »

والآن أرى من الصواب أن أسطر عدّة أحاديث عن بدو خلق الحسين بن علي عليهماالسلام ، ثم أتعرض الى إختلاف الروايات والرواة في تاريخ ولادته عليه السلام سنة وشهرا ويوما ، ثم أذكر المختار عندي ، وإنّما أذكر الروايات المختلفة في ذلك ليكون القارى ء في سعة لإختيار ما يراه من بين تلك الأخبار فيما لو كان المختار عندي غير مقنع له .

اللّهم وفقني للإتمام بالنبي وآله الكرام .

ص: 9

ص: 10

ذكر بدو خلق الحسين بن علي عليهماالسلام وخلق نوره

الحقيقة المحمدية هي السرّ الأول على الإطلاق . . وقد سبقت المبتدأ والمنتهى ، وسبقت الأرض والسما ، كانت حيث لم يكن العقل « الكياني » الذي يدرك الكليات ، ولم يكن ثمة محدد لجهات الصور المكانية التي يتحدّد بها الشهور والسنين . . . فلا جرم

أن لا نتمكن من تحديد السنة والشهر التي إنبثق فيها نور الحسين ، وهو المشتق من نور العدد الأول محمد صلى الله عليه و آله .

وقد قلت مرة :

لقاى حق بخفا نداشت نام ونشان

كه ظهور محمد شد آن خجسته لقا

وما أخبرنا به المعصوم من ظهور النور المقدس لمحمد وآله قبل عدّة آلاف سنة من خلق آدم الصفي عليه السلام فهو كناية عن المتناهي في حيز السنين والشهور .

والآن فلنتابع الحديث :

قال عبد اللّه بن نور اللّه في الجزء السابع عشر من العوالم :

في كتاب المحتضر للحسن بن سليمان من كتاب السيد حسن بن كبش مما أخذه من المقتضب أيضا مسندا عن سلمان الفارسي قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا سلمان خلقني اللّه من صفاء نوره ، فدعاني فأطعته ، وخلق من نوري عليا فدعاه إلى طاعته فأطاعه ، وخلق من نوري ونور علي عليه السلام فاطمة فدعاها فأطاعته ،

ص: 11

وخلق منّي ومن علي ومن فاطمة الحسن والحسين ، فدعاهما فأطاعاه ، فسمانا اللّه - عزّ وجل - بخمسة أسماء من أسمائه ، فاللّه المحمود وأنا محمد ، واللّه العلي وهذا علي ، واللّه فاطر وهذه فاطمة ، وللّه الإحسان وهذا الحسن ، واللّه المحسن وهذا

الحسين ، ثم خلق من نور الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق اللّه سماء مبنية أو أرضا مدحية أو هواء أو ماء أو ملكا أو بشرا ، وكنّا بعلمه أنوارا نسبحه ونسمع له ونطيع(1) .

وروي أيضا في كنز الفوائد(2) عن ابن مسعود : إنّ اللّه تعالى خلقني وخلق عليا

والحسن والحسين من نور قدسه ، فلمّا أراد أن ينشئ خلقه فتق نوري وخلق منه السماوات والأرض ، وأنا واللّه أجلّ من السماوات والأرض ، وفتق نور علي وخلق منه العرش والكرسي ، وعلي واللّه أجلّ من العرش والكرسي ، وفتق نور الحسن وخلق منه الحور العين والملائكة ، والحسن واللّه أجلّ من الحور العين والملائكة ، وفتق نور الحسين وخلق منه اللوح والقلم ، والحسين واللّه أجلّ من اللوح والقلم(3) .

وفي كتاب منهج التحقيق بإسناده قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله(4) قال : إنّ اللّه تعالى خلق أربعة عشر نورا من نور عظمته قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فهي أرواحنا ، فقيل له : يا ابن رسول اللّه عدّهم بأسمائهم ، فمن هؤاء الأربعة عشر نورا ؟ فقال : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين وتاسعهم قائمهم ، ثم عدّهم بأسمائهم ، ثم قال : نحن واللّه الأوصياء الخلفاء من بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله(5) .

ص: 12


1- المحتضر : 267 ح353 ، بحارالأنوار : 25/ 6 باب 1 .
2- في البحار : « كنز جامع الفوائد » مخطوط .
3- بحارالأنوار : 36/73 باب 37 .
4- في البحار : « عن أبي جعفر عليه السلام» .
5- بحارالأنوار : 25/4 باب 1 ح7 .

ذكر ولادة الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام

اشارة

في مصباح المتهجد : خرج الى القاسم بن العلاء الهمداني - وكيل أبي محمد - توقيعا من صاحب الأمر ( عج ) مفاده أنّ مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان ، وفيه - بعد ما ذكر دعاء ليوم الثالث من شعبان : قال ابن عياش : سمعت الحسين بن علي بن سفيان البزوفري يقول : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلاميدعو به في هذا اليوم ، وقال : هو من أدعية اليوم الثالث من شعبان ، وهو مولد الحسين عليه السلام(1) .

وفي كتاب العوالم عن مصباح المتهجد عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام : ولد

الحسين بن علي عليهماالسلام لخمس ليالي خلون من شعبان سنة أربعة من الهجرة(2) .

وفي المناقب لابن شهرآشوب : ولد الحسين عليه السلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما(3) .

وفي روضة البحار : ولد الحسين عليه السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة(4) .

وفي شرح الشافية : ولد عليه السلام يوم الخميس الثالث من شعبان سنة أربع من الهجرة .

وفي مرآة الجنان في عبرة اليقظان لليافعي : إنّه ولد سنة خمس للهجرة ، وقيل : في شعبان سنة أربع للهجرة .

وفي جنات الخلود ذكر الاختلاف في ولادته فروى يوم الخميس ويوم الثلاثاء ، وروى الثالث ، والخامس ، من شعبان ، وروى السنة الثالثة ، والسنة الرابعة من الهجرة .

ص: 13


1- مصباح المتهجد : 828 .
2- العوالم : 7 باب 1 ولادته عليه السلام ح 1 .
3- المناقب : 4/76 ، العوالم : 7 باب 1 ولادته عليه السلام ح 1 .
4- البحار : 44/202 .

وفي الإرشاد للمفيد : ولد عليه السلام في المدينة لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة(1) ، بعد أخيه الحسن بعشرة أشهر وعشرين يوما .

وروي أنّه لم يكن بينه وبين أخيه إلاّ الحمل ، والحمل ستة أشهر(2) .

وفي مقاتل الطالبيين : كان مولده عليه السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة(3) .

وفي أعلام الورى : ولد عليه السلام بالمدينة يوم الثلاثاء ، وقيل : يوم الخميس لثلاث

خلون من شعبان ، وقيل : لخمس خلون منه سنة أربع من الهجرة ، وقيل : ولد آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة(4) .

وفي كشف الغمة : ولد عليه السلام بالمدينة لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، علقت البتول عليهاالسلام به بعد أن ولدت أخاه الحسن عليه السلام بخمسين ليلة .

وكذلك قال الحافظ الجنابذي .

وقال الحافظ عبد العزيز الجنابذي [ في كتاب معالم العترة الطاهرة ] : ... ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة(5) .

وقال ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة : ولد عليه السلام سنة أربع من الهجرة في شعبان(6) .

وقال ابن سعد في الطبقات : علقت به فاطمة عليهاالسلام لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة ، فكان بين ذلك وبين ولادة الحسن خمسون ليلة ،

ووضعته في شعبان لليال خلون منه سنة أربع(7).

ص: 14


1- الإرشاد 2/133 .
2- أعلام الورى : 214 .
3- مقاتل الطالبيين : 51 .
4- أعلام الورى : 214 .
5- كشف الغمة 2/40 .
6- تذكرة الخواص : 210 .
7- تذكرة الخواص : 210 .

وفي مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ولد في الخامس من شعبان في السنة الرابعة(1) .

وفي الفصول المهمة في فضائل الأئمة : إنّ فاطمة علقت بالحسين بعد خمسين يوم من ولادة الحسن وولدته في شعبان سنة أربع(2) .

وقال الفاضل المجلسي في « جلاء العيون » : إنّه عليه السلام ولد يوم الخميس أو الثلاثاء سنة أربع للهجرة في الثالث أو الخامس من شعبان .

وقال الشيخ الطوسي في التهذيب : ولد عليه السلام آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل : يوم الخميس ثالث عشر شهر رمضان(3) .

وقال الشيخ ابن نما في مثير الأحزان : ولد عليه السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، وقيل : أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث .

وكانت مدة حمله ستة أشهر ، ولم يولد لستة سواه وعيسى ، وقيل : يحيى عليهم السلام(4) .

[ قولنا المختار ]

بعد أن سردنا الإختلاف في الروايات نحاول الآن تحديد المختار عندنا فنقول :

قررنا في كتاب الإمام الحسن عليه السلام في المجلد الخامس من الكتاب : أنّ ولادة الحسن عليه السلام كانت في النصف من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة وفاقا للكثير من الأحاديث والأخبار الدالة على ذلك .

وذكر في كشف الغمة : إنّ فاطمة حملت بالحسين بعد خمسين ليلة من ولادة الحسن عليه السلام ، وكذلك قال الحافظ الجنابذي .

وقال ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة : إنّ فاطمة علقت بالحسين في الخامس من ذي القعدة بعد خمسين يوم من ولادة الحسن عليه السلام .

ص: 15


1- مطالب السؤول : 2/21 .
2- الفصول المهمة : 170 .
3- التهذيب 6/41 باب 15 .
4- مثير الأحزان : 16 .

وفي الفصول المهمة في فضائل الأئمة أيضا : إنّ فاطمة علقت بالحسين بعد ولادة الحسن عليه السلام بخمسين ليلة .

وكانت مدّة الحمل ستة أشهر كما قال المفيد في الإرشاد : روي أنّه لم يكن بينه وبين أخيه إلاّ الحمل والحمل ستة أشهر .

وقد نصت أكثر الأخبار المذكورة أنّ يوم الولادة كان الخميس الخامس من الشهر ، كما ذكر ابن نما أنّه كان في الخامس من ربيع الأول ، واُختلف في السنة ، وذكر

ابن نما أيضا أنّها كانت في السنة الثالثة في آخر ربيع الأول ، وذكر الشيخ الطوسي في

التهذيب أنّها آخر ربيع الأول سنة ثلاث للهجرة . ..

من هنا يتبين أنّ ولادته عليه السلام كانت :

يوم الخميس الخامس من شهر جمادى الاُولى في السنة الثالثة من الهجرة . هذا فيما لو كانت مدة الحمل ستة أشهر .

أو تكون ولادته :

يوم الخميس الخامس من شعبان في السنة الثالثة من الهجرة . . .وهذا هو الأقرب للصواب لما ذهب اليه أكثر العلماء والمحدثين من أنّ ولادته عليه السلام كانت في شعبان . .

ولكن بناء على هذا القول ستكون ولادة الحسين عليه السلام بعد ولادة الحسن عليه السلام بعشرة أشهر وعشرين يوما ، وتكون مدة الحمل تسعة أشهر .

هذا ، وقد روى ابن بابويه بإسناده عن الصادق عليه السلام وابن شهرآشوب وصاحب فضائل الصحابة وفي علل الشرائع مسندا عن عبد الرحمن بن المثنى الهاشمي - والحديث يتكلّم عن فترة قبل الولادة - قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك من أين جاء لولد الحسين عليه السلام الفضل على ولد الحسن عليه السلام ؟ وهما يجريان في شرع واحد ؟ فقال : لا أراكم تأخذون به ، إنّ جبرئيل عليه السلام نزل على محمد صلى الله عليه و آله وما ولد الحسين عليه السلام بعد ، فقال له : يولد لك غلام تقتله أمتك من بعدك ، فقال : يا جبرئيل

لا حاجة لي فيه ، فخاطبه ثلاثا ، ثم دعا عليا عليه السلام فقال له : إنّ جبرئيل يخبرني

ص: 16

عن اللّه - عزّ وجل - أنّه يولد لك غلام تقتله أمتك من بعدك ، فقال : لا حاجة لي فيه يا رسول اللّه ، فخاطب عليا عليه السلام ثلاثا ، ثم قال : إنّه يكون فيه وفي ولده الإمامة والوراثة والخزانة ، فأرسل إلى فاطمة عليهاالسلام : إنّ اللّه يبشرك بغلام تقتله أمتي من بعدي ، فقالت فاطمة : ليس لي فيه حاجة يا أبت ، فخاطبها ثلاثا ، ثم أرسل إليها لابد أن يكون فيه الإمامة والوراثة والخزانة ، فقالت له : رضيت عن اللّه - عزّ وجل - ، فعلقت وحملت بالحسين عليه السلام ، فحملت ستة أشهر ، ثم وضعته ، ولم يعش مولود قط لستة أشهر غير الحسين بن علي وعيسى ابن مريم(1) ، وقيل : يحيى عليه السلام . . .

ذكر فترة حمل فاطمة بالحسين عليهماالسلام

في المجلد السابع عشر من العوالم(2) عن كتاب الخرائج والجرائح عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن الحسين بن الحسن عن يحيى بن عبد الحميد عن شريك بن حماد عن أبي ثوبان الأسدي - وكان من أصحاب أبي جعفر - عن الصلت بن المنذر عن المقداد بن الأسود الكندي :

إنّ النبي صلى الله عليه و آله خرج في طلب الحسن والحسين ، وقد خرجا من البيت ، وأنا معه فرأيت أفعى على الأرض ، فلمّا أحست بوطى ء النبي صلى الله عليه و آله قامت ونظرت وكانت أعلى من النخلة وأضخم من البكر ، يخرج من فيها النار ، فهالني ذلك ، فلمّا رأت رسول اللّه صلى الله عليه و آله صارت كأنّها خيط ، فالتفت إليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : ألا تدري ما تقول هذه يا أخا كندة ؟ قلت : اللّه ورسوله أعلم ، قال : قالت : الحمد للّه الذي لم يمتني حتى جعلني حارسا لابني رسول اللّه ، وجرت في الرمل - رمل الشعاب - ،

ص: 17


1- بحارالأنوار : 25/254 باب 9 ، علل الشرائع : 1/206 باب 156 العلة التي من أجلها صارت الامامة في ولد الحسين عليه السلام ح 3 .
2- في الحديث فضيلة للحسنين عليهماالسلام بعد الولادة وبيان لفترة الحمل بالحسين عليه السلام وإنّما ذكرته كاملا تحاشيا لتقطيع الحديث وتفكيك الخبر . من المتن .

فنظرت إلى شجرة لا أعرفها بذلك الموضع لأني ما رأيت فيه شجرة قط قبل يومي ذلك ، ولقد أتيت بعد ذلك اليوم أطلب الشجرة فلم أجدها ، وكانت الشجرة أظلتهما بورق وجلس النبي بينهما ، فبدأ بالحسين فوضع رأسه على فخذه الأيمن ، ثم وضع رأس الحسن على فخذه الأيسر ، ثم جعل يرخي لسانه في فم الحسين ، فانتبه الحسين ، فقال : يا أبة ، ثم عاد في نومه ، فانتبه الحسن وقال : يا أبة وعاد في نومه ، فقلت : كأنّ الحسين أكبر ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ للحسين في بواطن المومنين معرفة مكتومة سل أمه عنه ، فلمّا إنتبها حملهما على منكبه .

ثم أتيت فاطمة فوقفت بالباب ، فأتت حمامة وقالت : يا أخا كندة ، قلت : من أعلمك أنّي بالباب ، فقالت : أخبرتني سيدتي أنّ بالباب رجلا من كندة من أطيبها أخبارا يسألني عن موضع قرّة عيني ، فكبر ذلك عندي ، فوليتها ظهري كما كنت أفعل حين أدخل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منزل أم سلمة ، فقلت لفاطمة : ما منزلة الحسين ؟ قالت : إنّه لما ولدت الحسن أمرني أبي أن لا ألبس ثوبا أجد فيه اللذة حتى أفطمه ، فأتاني أبي زائرا فنظر إلى الحسن وهو يمص الثدي فقال : فطمته ؟ قلت : نعم ،

قال : إذا أحبّ علي الاشتمال فلا تمنعيه ، فإنّي أرى في مقدم وجهك ضوءا ونورا ، وذلك أنّك ستلدين حجة لهذا الخلق .

فلمّا تمّ شهر من حملي وجدت في سخنة ، فقلت لأبي ذلك ، فدعا بكوز من ماء فتكلّم عليه وتفل عليه وقال : إشربي ، فشربت فطرد اللّه عنّي ما كنت أجد ، وصرت في الأربعين من الأيام فوجدت دبيبا في ظهري كدبيب النمل في بين الجلدة والثوب ، فلم أزل على ذلك حتى تمّ الشهر الثاني ، فوجدت الاضطراب والحركة ، فواللّه لقد تحرك وأنا بعيد عن المطعم والمشرب ، فعصمني اللّه كأنّي شربت لبنا حتى تمت الثلاثة

أشهر وأنا أجد الزيادة والخير في منزلي ، فلمّا صرت في الأربعة آنس اللّه به وحشتي

ولزمت المسجد لا أبرح منه إلاّ لحاجة تظهر لي ، فكنت في الزيادة والخفة في الظاهر والباطن حتى تمت الخمسة .

فلمّا صارت الستة كنت لا أحتاج في الليلة الظلماء إلى مصباح ، وجعلت أسمع إذا خلوت بنفسي في مصلاي التسبيح والتقديس في باطني ، فلمّا مضى فوق ذلك تسع

ص: 18

ازددت قوة ، فذكرت ذلك لأم سلمة ، فشدّ اللّه بها أزري ، فلمّا زادت العشر غلبتني عيني وأتاني آت فمسح جناحه على ظهري ، فقمت وأسبغت الوضوء وصلّيت ركعتين ثم غلبتني عيني فأتاني آت في منامي وعليه ثياب بيض ، فجلس عند رأسي ونفخ في وجهي وفي قفاي ، فقمت وأنا خائفة ، فأسبغت الوضوء وأديت أربعا ، ثم غلبتني عيني فأتاني آت في منامي فأقعدني ورقاني وعوذني ، فأصبحت وكان يوم أم سلمة فدخلت في ثوب حمامة ، ثم أتيت أم سلمة فنظر النبي صلى الله عليه و آله إلى وجهي ، فرأيت أثر السرور في وجهه ، فذهب عنّي ما كنت أجد وحكيت ذلك للنبي صلى الله عليه و آلهفقال : أبشري ، أمّا الأول فخليلي عزرائيل الموكل بأرحام النساء ، وأمّا الثاني فخليلي ميكائيل الموكل بأرحام أهل بيتي فنفخ فيك ، قلت : نعم ، فبكى ، ثم ضمني إليه وقال :

وأمّا الثالث فذاك حبيبي جبرئيل يخدمه اللّه ولدك فرجعت ، فنزل تمام الستة(1) .

ذكر ولادته عليه السلام وتسميته

روى ابن بابويه بإسناده أنّ صفية بنت عبد المطلب ولت فاطمة عند ولادة الحسين(2) .

وفي عيون المعجزات : روى العلائي في كتابه يرفع الحديث الى صفية بنت عبد المطلب قالت : لما سقط الحسين من بطن أمه وكنت وليتها عليهاالسلام قال النبي صلى الله عليه و آله : يا عمة هلمي إليّ ابني ، فقلت : يا رسول اللّه إنا لم ننظفه بعد ، فقال : يا عمة أنت تنظفينه ؟ إنّ اللّه - تبارك وتعالى - قد نظفه وطهره .

وروي أنّ رسول

اللّه صلى الله عليه و آله قام اليه وأخذه ، فكان يسبح ويهلل ويمجد صلوات اللّه

عليه(3) .

ص: 19


1- بحارالأنوار : 43/271 باب 12 ، العوالم : 12 ح 1 ، الخرائج : 2/841 ح 60 .
2- العوالم : 12 باب 2 ج 2 ، أمالي الصدوق : 117 ح 5 .
3- العوالم : 12 باب 2 ح 4 ، عيون المعجزات : 63 .

وروي عن صفية أيضا قالت :. . . فدفعته إلى النبي صلى الله عليه و آله فوضع النبي لسانه في فيه وأقبل الحسين على لسان رسول اللّه يمصه ، قالت : فما كنت أحسب رسول اللّه يغذوه

إلاّ لبنا أو عسلا ، فقبّل النبي بين عينيه ثم دفعه إليّ وهو يبكي ويقول : لعن اللّه قوما هم قاتلوك يا بني ، يقولها ثلاثا ، فقلت : فداك أبي وأمي ومن يقتله ؟ قال : الفئة الباغية من بني أمية لعنهم اللّه (1) .

وفي المناقب لابن شهرآشوب عن كتاب الأنوار : إنّ اللّه تعالى هنأ النبي صلى الله عليه و آله

بحمل الحسين عليه السلام وولادته ، وعزّاه بقتله ، فعرفت فاطمة فكرهت ذلك ، فنزلت : « وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ »(2) .

فحمل النساء تسعة أشهر ، ولم يولد مولود لستة أشهر عاش غير عيسى والحسين عليهماالسلام(3) ، وكانت مدّة الحمل بهما ستة أشهر والرضاع عامين ، فيكون الحمل والفصال ثلاثون شهرا(4) .

ذكر الملائكة الذين أنجاهم اللّه ببركة ولادة الحسين عليه السلام

في كمال الدين بإسناده عن ابن عباس : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّ للّه - تبارك وتعالى - ملكا يقال له « دردائيل » كان له ستة عشر ألف جناح ،

ص: 20


1- العوالم : 13 باب 2 ح 3 ، بحارالأنوار : 43/243 باب 11 ، روضه الواعظين : 1/155 ، أمالي الصدوق :117 ح 5 .
2- الأحقاف : 15 .
3- العوالم : 21 باب 2 ح 14 ، المناقب : 3/209 .
4- سيأتي حديث أنّ « لعيا » قبّلت فاطمة عند ولادة الحسين عليه السلام . من المتن

ما بين الجناح إلى الجناح هواء ، والهواء كما بين السماء إلى الأرض ، فجعل يوما يقول في نفسه : أفوق ربّنا - جل جلاله - شيء ؟ فعلم اللّه - تبارك وتعالى - ما قال ، فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان وثلاثون ألف جناح ، ثم أوحى اللّه - عزّ وجل - إليه أن طر ، فطار مقدار خمسين عاما ، فلم ينل رأس قائمة من قوام العرش ، فلمّا علم اللّه - عزّ وجل - إتعابه أوحى إليه : أيّها الملك عد إلى مكانك ، فأنا عظيم فوق كلّ عظيم وليس فوقي شيء ولا أوصف بمكان ، فسلبه اللّه أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة .

فلمّا ولد الحسين بن علي عليهماالسلام ، وكان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة ، أوحى اللّه

- عزّ وجل - إلى مالك خازن النار : أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد ، وأوحى إلى رضوان خازن الجنان : أن زخرف الجنان وطيبها لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا ، وأوحى اللّه - تبارك وتعالى - إلى الحور العين تزين وتزاورن

لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا ، وأوحى اللّه - عزّ وجل - إلى الملائكة أن

قوموا صفوفا بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا ، وأوحى اللّه - تبارك وتعالى - إلى جبرئيل عليه السلام : أن اهبط إلى نبيي محمد في ألف قبيل ، والقبيل ألف ألف من الملائكة ، على خيول بلق مسرجة ملجمة عليها قباب الدر والياقوت ، ومعهم ملائكة يقال لهم « الروحانيون » بأيديهم أطباق من نور أن هنئوا محمدا بمولوده ، وأخبره يا جبرئيل : أنّي قد سمّيته الحسين ، وهنئه وعزّه وقل له : يا محمد يقتله شرار أمتك على شرار الدواب فويل للقاتل وويل للسائق وويل للقائد ، قاتل الحسين أنا منه بريء وهو منّي بريء لأنّه لا يأتي يوم القيامة أحد إلاّ

وقاتل الحسين عليه السلام أعظم جرما منه ، قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أنّ مع اللّه إلها آخر ، والنار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع اللّه إلى الجنة .

قال : فبينا جبرئيل عليه السلام يهبط من السماء إلى الأرض إذ مرّ بدردائيل ، فقال له دردائيل : يا جبرئيل ما هذه الليلة في السماء هل قامت القيامة على أهل الدنيا ؟ قال : لا ولكن ولد لمحمد مولود في دار الدنيا وقد بعثني اللّه - عزّ وجل - إليه لأهنئه

ص: 21

بمولوده ، فقال الملك : يا جبرئيل بالذي خلقك وخلقني إذا هبطت إلى محمد فأقرئه منّي السلام وقل له : بحق هذا المولود عليك إلاّ ما سألت ربّك أن يرضى عني فيرد عليّ أجنحتي ومقامي من صفوف الملائكة .

فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله ، فهنأه كما أمره اللّه - عزّ وجل - وعزاه ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : تقتله أمتي ؟ فقال له : نعم يا محمد ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : ما هؤاء بأمتي ، أنا بريء منهم ، واللّه - عزّ وجل - بريء منهم ، قال جبرئيل : وأنا بريء منهم ، يا محمد .

فدخل النبي صلى الله عليه و آله على فاطمة عليهاالسلام ، فهنأها وعزاها ، فبكت فاطمة عليهاالسلام ، وقالت : يا ليتني لم ألده ، قاتل الحسين في النار ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : وأنا أشهد بذلك يا فاطمة ، ولكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام يكون منه الأئمة الهادية بعده .

ثم قال عليه السلام : والأئمة بعدي الهادي علي ، والمهتدي الحسن ، والناصر الحسين ، والمنصور علي بن الحسين ، والشافع محمد بن علي ، والنفاع جعفر بن محمد ، والأمين موسى بن جعفر ، والرضا علي بن موسى ، والفعال محمد بن علي ، والمؤمن علي بن محمد ، والعلام الحسن بن علي ، ومن يصلي خلفه عيسى ابن مريم عليه السلام القائم عليه السلام ، فسكتت فاطمة عليهاالسلام من البكاء ، ثم أخبر جبرئيل عليه السلام النبي صلى الله عليه و آلهبقصة الملك وما أصيب به .

قال ابن عباس : فأخذ النبي صلى الله عليه و آله الحسين عليه السلام ، وهو ملفوف في خرق من صوف ، فأشار به إلى السماء ثم قال : اللّهم بحق هذا المولود عليك ، لا بل بحقك عليه وعلى جدّه محمد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب إن كان للحسين بن علي ابن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائيل ورد عليه أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة ، فاستجاب اللّه دعاءه وغفر للملك وردّ عليه أجنحته وردّه إلى صفوف الملائكة ، فالملك لا يعرف في الجنة إلاّ بأن يقال : هذا مولى الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1) .

ص: 22


1- العوالم : 16 باب 2 ح 5 ، كمال الدين : 1/282 ح 36 ، البحار : 43/248 ح 24 .

نجاة صلصائيل ببركة ولادة الحسين عليه السلام

في كتاب الغيبة في حديث طويل عن الصادق عليه السلام أنه قال : كان ملك بين المومنين يقال له : « صلصائيل » بعثه اللّه في بعث ، فأبطأ فسلبه ريشه ودقّ جناحيه وأسكنه في

جزيرة من جزائر البحر إلى ليلة ولد الحسين عليه السلام ، فنزلت الملائكة واستأذنت اللّه في تهنئة جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتهنئة أمير المومنين عليه السلام وفاطمة عليهاالسلام ، فأذن اللّه لهم ، فنزلوا أفواجا من العرش ومن سماء سماء ، فمروا بصلصائيل وهو ملقى بالجزيرة ، فلمّا نظروا إليه وقفوا فقال لهم : يا ملائكة ربّي إلى أين تريدون وفيم هبطتم ؟ فقالت له الملائكة : يا صلصائيل قد ولد في هذه الليلة أكرم مولود ولد في الدنيا بعد جده رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأبيه علي وأمه فاطمة وأخيه الحسن ، وهو الحسين ، وقد استأذنا اللّه في تهنئة حبيبة

محمد صلى الله عليه و آله لولده فأذن لنا ، فقال صلصائيل : يا ملائكة اللّه إنّي أسألكم باللّه ربّنا وربّكم وبحبيبه محمد صلى الله عليه و آله وبهذا المولود أن تحملوني معكم إلى حبيب اللّه وتسألونه وأسأله أن يسأل اللّه بحق هذا المولود الذي وهبه اللّه له أن يغفر لي خطيئتي ويجبر كسر جناحي

ويردّني إلى مقامي مع الملائكة المقربين. فحملوه وجاءوا به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فهنئوه بابنه الحسين عليه السلام ، وقصوا عليه قصة الملك ، وسألوه مسألة اللّه والإقسام عليه بحقّ الحسين عليه السلام أن يغفر له خطيئته ويجبر كسر جناحه ويردّه إلى مقامه مع الملائكة المقربين .

فقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله فدخل على فاطمة عليهاالسلام ، فقال لها : ناوليني ابني الحسين ، فأخرجته إليه مقموطا يناغي جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فخرج به إلى الملائكة فحمله على بطن كفه ، فهللوا وكبروا وحمدوا اللّه - تعالى - وأثنوا عليه فتوجه به إلى القبلة

نحو السماء فقال : اللّهم إنّي أسألك بحقّ ابني الحسين أن تغفر لصلصائيل خطيئته وتجبر

كسر جناحه وتردّه إلى مقامه مع الملائكة المقربين ، فتقبل اللّه - تعالى - من النبي صلى الله عليه و آله ما أقسم به عليه وغفر لصلصائيل خطيئته وجبر كسر جناحه وردّه إلى مقامه مع الملائكة المقربين(1) .

ص: 23


1- بحار الأنوار : 43/ 258 باب 11 ، العوالم : 17 باب 2 ح 6 .

ذكر نجاة فطرس ببركة ولادة الحسين عليه السلام

في كتاب السرائر بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ فطرس ملك كان يطوف بالعرش فتلكأ في شيء من أمر اللّه ، فقصّ اللّه جناحه ورمى به على جزيرة من جزائر البحر .

وذكر الطوسي في المصباح : إنّ اللّه تعالى كان خيّره بين عذابه في الدنيا أو في الآخرة ، فاختار عذاب الدنيا ، فكان معلقا بأشفار عينيه في جزيرة في البحر ، لا يمرّ

به حيوان ، وتحته دخان منتن غير منقطع(1) .

وفي أمالي الصدوق : إنّ الحسين بن علي عليهماالسلام لما ولد أمر اللّه - عزّ وجلّ - جبرئيل عليه السلام أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنى ء رسول

اللّه صلى الله عليه و آله . . . فهبط جبرئيل فمرّ على جزيرة في البحر القي فيها « فطرس » فعبد اللّه - تبارك وتعالى - فيها سبعمائة

عام ، فلمّا أحسّ الملائكة نازلين سأل من مرّ به منهم عما أوجب لهم ذلك ، فقال : ولد

للحاشر النبي الاُمي أحمد من ابنته ووصيه ولد يكون منه أئمة الهدى الى يوم القيامة ،

فقال : يا جبرئيل إحملني معك لعل محمدا صلى الله عليه و آله يدعو لي .

قال : فحمله ، فلمّا دخل جبرئيل على النبي صلى الله عليه و آله هنأه من اللّه - عزّ وجلّ - ومنه وأخبره بحال فطرس ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : قل له : تمسّح بالمولود وعد الى مكانك ، فتمسح فطرس بالحسين بن علي عليهماالسلام وارتفع .

فقال : يا رسول اللّه ، أما إنّ أمتك ستقتله وله عليّ مكافأة ألاّ يزوره زائر إلاّ أبلغته عنه ، ولا يسلّم عليه مسلّم إلاّ أبلغته سلامه ، ولا يصلّي عليه مصلّ إلاّ أبلغته

صلاته ، ثم إرتفع وعرج الى موضعه وهو يقول :

من مثلي وأنا عتاقة الحسين بن علي وفاطمة وجده أحمد الحاشر(2) .

ص: 24


1- العوالم : 18 باب 2 ح8 .
2- بحار الأنوار 43/250 باب 11 ، العوالم : 17 باب 2 ح6 ، الأمالي للصدوق : 137 المجلس 28 ، مستطرفات السرائر : 580 ، المناقب 4/74 . وقد مزج المؤلف بين روايتين من الأمالي والمناقب .

ذكر رضاع الحسين عليه السلام وجعل الأئمة من صلبه

روى الصحابة والتابعين كما روى ابن شهرآشوب في المناقب : أنّه إعتلت فاطمة عليهاالسلام لما ولدت الحسين عليه السلام وجفّ لبنها ، فطلب رسول

اللّه صلى الله عليه و آله مرضعا فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصها ، فيجعل اللّه له في إبهام رسول اللّه صلى الله عليه و آله رزقا يغذوه .

ويقال : بل كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يدخل لسانه في فيه فيغره كما يغر الطير فرخه ، فجعل اللّه له في ذلك رزقا ، ففعل ذلك أربعين يوما وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1) .

وفي المناقب بإسناده عن برة ابنة أمية الخزاعي قالت : لما حملت فاطمة بالحسن خرج النبي صلى الله عليه و آله في بعض وجوهه ، فقال لها : إنّك ستلدين غلاما قد هنأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتى أصير إليك ، فدخلت على فاطمة حين ولدت الحسن وله ثلاث ما أرضعته ، فقلت لها : أعطنيه حتى أرضعه ، فقالت : كلا ، ثم أدركتها رقة الأمهات فأرضعته ، فلمّا جاء النبي صلى الله عليه و آله قال لها : ما ذا صنعت ؟ قالت : أدركني عليه رقّة الأمهات فأرضعته ، فقال : أبى اللّه - عزّ وجلّ - إلاّ ما أراد .

فلمّا حملت بالحسين قال لها : يا فاطمة إنّك ستلدين غلاما قد هنأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتى أجيء إليك ولو أقمت شهرا ، قالت : أفعل ذلك ، وخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بعض وجوهه ، فولدت فاطمة الحسين عليه السلام ، فما أرضعته حتى جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال لها : ما ذا صنعت ؟ قالت : ما أرضعته ، فأخذه فجعل لسانه في فمه ، فجعل الحسين يمص حتى قال النبي صلى الله عليه و آله : إيها حسين إيها حسين ، ثم قال : أبى اللّه إلاّ ما يريد ، هي فيك وفي ولدك ، يعني الإمامة(2) .

ص: 25


1- المناقب 4/50 ، بحار الأنوار 43/254 باب 11 .
2- المناقب 4/51 .

وفي علل الشرائع في ذيل المذكور في فضل أبناء الحسين عليه السلام على أبناء الحسن عليه السلام

قال الصادق عليه السلام : . . . فكفلته أم سلمة ، وكان رسول اللّه يأتيه في كلّ يوم فيضع لسانه في فم الحسين عليه السلام فيمصه حتى يروى ، فأنبت اللّه تعالى لحمه من لحم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولم يرضع من فاطمة عليهاالسلام ولا من غيرها لبنا قط ، فلمّا أنزل اللّه - تبارك وتعالى - فيه « وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي » ، فلو قال : أصلح لي ذريتي كانوا كلّهم أئمة ، لكن خصّ هكذا(1) .

وفي الكافي بسنده عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كَانَ يُؤتَى بِهِ الْحُسَيْنُ فَيُلْقِمُهُ لِسَانَهُ فَيَمُصُّهُ فَيَجْتَزِئُ بِهِ ، وَ لَمْ يَرْتَضِعْ مِنْ أُنْثَى(2) .

وفي الكافي أيضا بسنده عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال : وَلَمْ يَرْضَعِ الْحُسَيْنُ مِنْ فَاطِمَةَ عليه السلام وَلاَ مِنْ أُنْثَى كَانَ يُؤتَى بِهِ النَّبِيَّ فَيَضَعُ إِبْهَامَهُ فِي فِيهِ فَيَمُصُّ مِنْهَا مَا يَكْفِيه الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَ ، فَنَبَتَ لَحْمُ الْحُسَيْنِ عليه السلام مِنْ لَحْمِ رَسُولِ اللَّهِ وَدَمِهِ ، وَلَمْ يُولَدْ لِسِتَّةِ

أَشْهُرٍ إِلاَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليهماالسلام وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ(3) .

وفي أمالي الصدوق عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : وأقبل جيران أم أيمن إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالوا : يا رسول اللّه ، إنّ أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء ، لم تزل تبكي حتى أصبحت .

فبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أم أيمن فجاءته، فقال لها: يا أم أيمن، لاأبكى اللّه عينيك إنّ جيرانك أتوني وأخبروني أنّك لم تزلي الليل تبكين أجمع، فلا أبكى اللّه عينك ، ما الذي

أبكاك ؟ قالت : يا رسول اللّه ، رأيت رؤا عظيمة شديدة ، فلم أزل أبكي الليل أجمع ،

فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله : فقصيها على رسول اللّه ، فإن اللّه ورسوله أعلم، فقالت: تعظم عليّ أن أتكلّم بها، فقال لها: إنّ الرؤا ليست على ما ترى، فقصيها على رسول اللّه .

ص: 26


1- علل الشرائع 1/205 باب 156 ، العوالم : 24 باب 3 ح4 .
2- الكافي 1/465 باب مولد الحسين بن علي عليهماالسلام .
3- الكافي 1/465 باب مولد الحسين بن علي عليهماالسلام .

قالت : رأيت في ليلتي هذه كأنّ بعض أعضائك ملقى في بيتي ، فقال لها رسول اللّه : نامت عينك يا أم أيمن ، تلد فاطمة الحسين فتربينه وتلينه ، فيكون بعض أعضائي في بيتك .

فلمّا ولدت فاطمة الحسين عليهماالسلام فكان يوم السابع أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره فضة وعقّ عنه ، ثم هيأته أم أيمن ولفته في برد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم أقبلت به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال صلى الله عليه و آله : مرحبا بالحامل والمحمول يا أم أيمن ، هذا تأويل رؤاك(1) .

وفي تفسير القمي في تفسير قوله : « وَوَصَّيْنَا الإِْنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي » إنّ اللّه أخبر رسوله صلى الله عليه و آله وبشره بالحسين قبل حمله . . وعبّر عن رسول اللّه بالإنسان كما يعبّر العرفاء المحققون عن الحقيقية المحمدية

بالإنسان الكامل والإنسان الكبير ، والعالم الكبير ، والصورة الجامعة ، والعنوان الظاهر ، ومادة الخلق . .

وعنى بقوله : « بوالديه » الحسن والحسين عليهماالسلام ، وذلك أنّ الإمام كالأب ، بل هو أرأف من الأب بالنسبة الى الاُمة ، وقرأ جماعة بإسقاط الألف « ولديه » أي وصى محمدا بالإحسان لولديه الحسن والحسين .

ولا يخفى أنّ الآيات الكريمة وأحاديث أئمة الهدى الشريفة تستبطن عدة معاني ، فلا ينافي هذا أن يحسن كلّ إنسان لأبويه ، ويسعى في خيرهم وإكرامهم(2) .

ص: 27


1- الأمالي للصدوق : 82 المجلس 19 ح1 .
2- في تفسير القمي : قال : الإحسان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقوله : « بِوالِدَيْهِ » إنّما عنى الحسن والحسين عليهماالسلام ، ثم عطف على الحسين عليه السلام فقال : « حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً » وذلك أنّ اللّه أخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبشّره بالحسين عليه السلام قبل حمله . .

قال : « حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً » وذلك أنّ اللّه أخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبشره بالحسين عليه السلام قبل حمله ، وأنّ الإمامة تكون في ولده إلى يوم القيامة ، ثم أخبره بما يصيبه من القتل والمصيبة في نفسه وولده ، ثم عوضه بأن جعل الإمامة في عقبه ، وأعلمه أنّه يقتل ، ثم يردّه إلى الدنيا وينصره حتى يقتل أعداءه ويملكه الأرض وهو قوله « وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ » ، قوله « وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ » ، فبشّر اللّه نبيه صلى الله عليه و آله أن أهل بيتك يملكون الأرض ويرجعون إلى الدنيا ويقتلون أعداءهم ، وأخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاطمة عليهاالسلام بخبر الحسين وقتله ، فحملته كرها .

ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام : فهل رأيتم أحدا يبشر بولد ذكر فتحمله كرها ، أي أنّها اغتمت وكرهت لما أخبرها بقتله ، ووضعته كرها لما علمت من ذلك ، وكان بين الحسن والحسين عليهماالسلام طهر واحد ، وكان الحسين عليه السلام في بطن أمه ستة أشهر ، وفصاله أربعة وعشرون شهرا ، وهو قول اللّه « وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً »(1) .

وأقلّ الطهر عشرة أيام فيوافق هذا الخبر ما روي من أنّ بين حمل الحسن والحسين ستة أشهر وعشرة أيام .

وفي الكافي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ : لَمَّا عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله نَزَلَ بِالصَّلاَةِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، فَلَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ زَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله سَبْعَ رَكَعَاتٍ

شُكْراً لِلَّهِ ، فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ(2) . . .

ولا ينبغي أن يداخل النفس شيء من هذا الحديث الصحيح ، فلا يقال : أنّ الصلاة كانت سبعة عشر ركعة قبل ولادة الحسنين عليهماالسلام ، وذلك لأنّ الفرائض وولادة الحسنين عرضت على الرسول في المعراج ، بل منذ يوم أخذ الميثاق : « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » ، فزاد النبي إذ ذاك ركعات الشكر .

ص: 28


1- تفسير القمي 2/296 سورة الأحقاف .
2- الكافي 3/487 باب النوادر .

وفي عيون الأخبار عن علي بن الحسين عليهماالسلام(1) : ... ولد الحسين عليه السلام وجاء النبي صلى الله عليه و آله فقال : هلمي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره فبكى ، فقالت : بأبي أنت وأمي مم بكاؤ ؟ قال : على ابني هذا ، قلت : إنّه ولد الساعة يا رسول اللّه ؟! فقال : تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم اللّه شفاعتي، ثم قال: يا سلمى(2) لاتخبري فاطمة بهذا فإنّها قريبة عهد بولادته.

ثم قال لعلي : أي شيء سميت ابني هذا ؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول اللّه ، وقد كنت أحبّ أن أسميه حربا ! ! فقال النبي صلى الله عليه و آله : ولا أسبق باسمه ربّي - عزّ وجلّ - .

ثم هبط جبرئيل

عليه السلام فقال : يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول لك : علي منك كهارون من موسى ، سمّ ابنك هذا باسم ابن هارون ، قال النبي صلى الله عليه و آله : وما اسم ابن هارون ؟ قال : شبير ، قال النبي صلى الله عليه و آله : لساني عربي ، قال جبرئيل عليه السلام : سمه الحسين .

فلمّا كان يوم سابعه عقّ عنه النبي صلى الله عليه و آله بكبشين أملحين وأعطى القابلة فخذا ودينارا ، ثم حلق رأسه وتصدّق بوزن الشعر ورقا ، وطلى رأسه بالخلوق ، فقال : يا سلمى(3) الدم فعل الجاهلية(4) .

ص: 29


1- أنهى العلماء سند هذا الخبر الى أسماء بنت عميس ، وقد ذكرت في القسم الخاص برسول اللّه صلى الله عليه و آله ذيل قصة فتح خيبر نسب أسماء بنت عميس وأخواتها وأزواجهن وأولادهن ، وبينت هناك أنّ أسماء كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب في الحبشة يوم زفاف فاطمة عليهاالسلاموولادة الحسنين ، وقدمت الى المدينة يوم فتح خيبر ، والتي كانت حاضرة في الزفاف والولادة إنّما هي سلمى ، فلا جرم أن يكون راوي الخبر سلمى كما أشرنا الى ذلك في الحديث عن ولادة الحسن عليه السلام . من المتن .
2- في المصدر : « أسماء » إلاّ أنّ المؤلف ذكر « سلمى » بناء على رأيه المذكور قبل قليل في الهامش .
3- في المصدر : « أسماء » إلاّ أنّ المؤلف ذكر « سلمى » بناء على رأيه المذكور قبل قليل في الهامش .
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2/25 باب 31 .

قالت : ثم وضعه في حجره ثم قال : يا أبا عبد اللّه عزيز عليّ ، ثم بكى ، فقلت : بأبي أنت وأمي فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأول فما هو ؟ قال : أبكي على ابني هذا تقتله

فئة باغية كافرة من بني أمية لعنهم اللّه ، لا أنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامة ، يقتله رجل يثلم الدين ويكفر باللّه العظيم .

ثم قال : اللّهم إنّي أسألك فيهما ما سألك إبراهيم في ذريته ، اللّهم أحبّهما وأحبّ من يحبّهما ، والعن من يبغضهما مل ء السماء والأرض(1) .

ذكر اسمه وكناه وألقابه وشمائله ونقش خاتمه

اشارة

في علل الشرائع عن علي بن الحسين(2) عليهماالسلام قال : أهدى جبرئيل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله اسم الحسن بن علي عليهماالسلام وخرقة حرير من ثياب الجنة ، واشتق اسم الحسين من اسم الحسن(3) .

وفي العلل أيضا قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي سميت ابنيّ هذين باسم ابني هارون شبرا وشبيرا(4) .

وفيه أيضا قال النبي صلى الله عليه و آله : يا فاطمة اسم الحسن والحسين في ابني هارون شبر

وشبير لكرامتهما على اللّه - عزّ وجلّ -(5) .

وروي في المناقب لابن شهرآشوب : الحسن والحسين اسمان من أسامي أهل الجنة ، ولم يكونا في الدنيا .

ص: 30


1- الأمالي للطوسي : 736 المجلس 13 ح32 ، بحار الأنوار 44/250 باب 31 .
2- في المصدر : « عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهماالسلام قال : . . » .
3- علل الشرائع 1/139 باب 116 ح9 .
4- علل الشرائع 1/139 باب 116 ح8 .
5- علل الشرائع 1/139 باب 116 ح6 .

وروي عن جابر : قال النبي صلى الله عليه و آله : سمي الحسن حسنا لأنّ بإحسان اللّه قامت السماوات والأرضون ، واشتق الحسين من الإحسان وعلي والحسن اسمان من أسماء اللّه تعالى ، والحسين تصغير الحسن(1) .

وفي علل الشرائع : لما ولدت فاطمة

عليهاالسلام الحسن جاءت به إلى النبي صلى الله عليه و آله فسماه حسنا ، فلمّا ولدت الحسين عليه السلام جاءت به إليه فقالت : يا رسول اللّه ، هذا أحسن من هذا ، فسماه حسينا(2) .

وفي الكافي عن الرضا عليه السلام إِنَّهُ قَالَ : لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ هَبَطَ جَبْرَئِيلُ بِالتَّهْنِئَةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُسَمِّيَهُ وَيُكَنِّيَهُ وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ وَيَعُقَّ عَنْهُ وَيَثْقُبَ أُذُنَهُ ، وَكَذَلِكَ كَانَ حِينَ وُلِدَ الْحُسَيْنُ عليه السلام أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ فَأَمَرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ .

قَالَ : وَكَانَ لَهُمَا ذُؤابَتَانِ فِي الْقَرْنِ الأْيْسَرِ ، وَكَانَ الثَّقْبُ فِي الأْذُنِ الُْيمْنَى فِي شَحْمَةِ الأْذُنِ ، وَفِي الْيُسْرَى فِي أَعْلَى الأْذُنِ ، فَالْقُرْطُ فِي الُْيمْنَى وَالشَّنْفُ فِي الْيُسْرَى .

وَ قَدْ رُوِيَ : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله تَرَكَ لَهُمَا ذُؤابَتَيْنِ فِي وَسَطِ الرَّأْسِ ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنَ الْقَرْنِ(3) .

وروى الجنابذي : أنّ عليا عليه السلام سمى الحسن حمزة ، والحسين جعفرا ، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا وقال له : إنّي قد أمرت أن أغيّر اسم ابني هذين ، قال : فما شاء اللّه ورسوله ، قال : فهما الحسن والحسين .

ويظهر من كلامه أنه بقي الحسن عليه السلام مسمى حمزة إلى حين ولد الحسين ، واللّه أعلم(4) .

ص: 31


1- المناقب 3/398 فصل في معالي أمورهما عليهماالسلام .
2- علل الشرائع 1/139 باب 116 ح10 .
3- الكافي 6/33 ح6 .
4- كشف الغمة 1/518 الثالث في تسميته عليه السلام ، وفيه : « ويظهر من كلامه أنّه بقي الحسن عليه السلام مسمى حمزة إلى حين ولد الحسين ، وغيّرت أسماؤما عليهماالسلام وقتئذ ، وفي هذا نظر لمتأمله ، أو يكون قد سمى الحسن وغيّره ، ولما ولد الحسين وسمى جعفرا غيّره ، فتكون التسمية في زمانين والتغيير كذلك » .

[ كنيته عليه السلام ]

في كشف الغمة : كنيته أبو عبد اللّه لا غير ، وأمّا ألقابه فكثيرة :

الرشيد ، والطيب ، والوفي ، والسيد ، والزكي ، والمبارك ، والتابع لمرضاة اللّه ، والسبط .

فكلّ هذه كانت تقال له وتطلق عليه ، وأشهرها « الزكي » ، لكن أعلاها رتبة ما لقّبه به رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قوله عنه وعن أخيه : إنّهما سيدا شباب أهل الجنة ، فيكون السيد أشرفها ، وكذلك السبط ، فإنّه صحّ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : حسين سبط من الأسباط .

وذكر ابن الخشاب من ألقابه : الدليل على ذات اللّه (1) - عزّ وجلّ - .

قال ابن شهرآشوب في المناقب :

اسمه : الحسين ، وفي التوراة شبير ، وفي الإنجيل طاب .

وكنيته : أبو عبد اللّه ، والخاص أبو علي .

وألقابه : الشهيد السعيد ، والسبط الثاني ، والإمام الثالث ، والمبارك ، والتابع لمرضاة اللّه ، المتحقق بصفات اللّه ، والدليل على ذات اللّه ، أفضل ثقاة اللّه ، المشغول ليلا ونهارا بطاعة اللّه ، الشاري بنفسه للّه ، الناصر لأولياء اللّه ، المنتقم من أعداء اللّه ، الإمام المظلوم ، الأسير المحروم ، الشهيد المرحوم ، القتيل المرجوم ، الإمام الشهيد ، الولي الرشيد ، الوصي السديد ، الطريد الفريد ، البطل الشديد ، الطيب الوفي ، الإمام

الرضي ، ذو النسب العلي ، المنفق الملي ، أبو عبد اللّه الحسين بن علي ، منبع الأئمة ، شافع الأمة ، سيد شباب أهل الجنة ، وعبرة كلّ مؤن ومؤنة ، صاحب المحنة الكبرى ، والواقعة العظمى ، وعبرة المومنين في دار البلوى ، ومن كان بالإمامة أحقّ وأولى ، المقتول بكربلاء ، ثاني السيد الحصور يحيى ابن النبي الشهيد زكريا ، الحسين بن علي المرتضى ، زين المجتهدين ، وسراج المتوكلين ، مفخر أئمة المهتدين ، وبضعة كبد سيد المرسلين ، نور العترة الفاطمية ، وسراج الأنساب العلوية ،

ص: 32


1- كشف الغمة 2/4 الرابع في كنيته ولقبه عليه السلام .

وشرف غرس الأحساب الرضوية ، المقتول بأيدي شرّ البرية ، سبط الأسباط ، وطالب الثأر يوم الصراط ، أكرم العتر ، وأجل الأسر ، وأثمر الشجر ، وأزهر البدر ، معظم مكرم موقر منظف مطهر ، أكبر الخلائق في زمانه في النفس ، وأعزّهم في الجنس ، أذكاهم في العرف ، وأوفاهم في العرف ، أطيب العرق ، وأجمل الخلق ، وأحسن الخلق ، قطعة النور ، ولقلب النبي سرور ، المنزه عن الإفك والزور ، وعلى تحمل المحن والأذى صبور ، مع القلب المشروح حسور ، مجتبى الملك الغالب ، الحسين بن علي بن أبي طالب(1) .

هكذا نمّق علماء الإمامية ألقاب الحسين عليه السلام وجمعوها ، ونحن اقتفينا آثارهم في ذلك .

[ حليته وشمائله ]

في المناقب لابن شهرآشوب أيضا وغيره عن الصحابة والتابعين : أنّ فاطمة أتت بإبنيها الحسن والحسين إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقالت : إنحل ابني هذين يا رسول اللّه ، وفي رواية : هذان ابناك فورثهما شيئا ، فقال : أمّا الحسن فله هيبتي وسؤدي ، وأمّا الحسين فله جرأتي وجودي ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : رضيت يا رسول اللّه ، فلذلك كان الحسن حليما مهيبا ، والحسين نجدا جوادا(2) .

وفي الإرشاد والروضة والأعلام وشرف المصطفى وجامع الترمذي وإبانة العكبري من ثمانية طرق رواه أنس وأبو حنيفة : أنّ الحسين عليه السلام كان يشبه النبي من صدره إلى رأسه ، والحسن يشبه به من صدره إلى رجليه(3) .

وفي المناقب : وكانت فاطمة عليهاالسلام ترقّص ابنها حسنا عليه السلام وتقول :

أشبه أباك يا حسن

واخلع عن الحق الرسن

واعبد إلها ذا منن

ولا توال ذا الإحن

ص: 33


1- المناقب 4/76 فصل في تواريخه وألقابه عليه السلام .
2- المناقب 3/396 فصل في معالي أمورهما عليهماالسلام .
3- المناقب 3/397 .

وقالت للحسين عليه السلام :

أنت شبيه بأبي

لست شبيها بعلي(1)

وفي العوالم : روي في بعض الكتب المعتبرة(2) : أنّ الحسين بن علي عليهماالسلام كان إذا جلس في المكان المظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان كثيرا ما يقبّل جبينه ونحره(3) .

وفي المناقب لابن شهرآشوب عن الترمذي في الجامع : كان ابن زياد يدخل قضيبا في أنف الحسين عليه السلام ويقول : ما رأيت مثل هذا الرأس حسنا(4) .

[ نقش خاتمه ]

ورد في أخبار الصحابة والتابعين ، وروي في أمالي الصدوق عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال : كان للحسين بن علي عليهماالسلام خاتمان ، نقش أحدهما « لا إله إلاّ اللّه عدّة للقاء اللّه » ، ونقش الآخر « إنّ اللّه بالغ أمره » ، وكان نقش خاتم علي بن

الحسين عليهماالسلام « خزي وشقي قاتل الحسين بن علي »(5) .

وفي الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان في خاتم الحسن والحسين

« الحمد للّه »(6)(7) .

وفي أمالي الصدوق عن محمد بن مسلم قال : سألت الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام

عن خاتم الحسين بن علي عليهماالسلام إلى من صار ؟ وذكرت له أنّي سمعت أنّه أخذ

ص: 34


1- المناقب 3/388 فصل في محبة النبي صلى الله عليه و آله إياهما عليهماالسلام .
2- في العوالم : « عن الطبري عن طاوس اليماني » .
3- بحار الأنوار 44/187 باب 25 .
4- المناقب 4/75 فصل في معالي أموره عليه السلام .
5- الأمالي للصدوق : 131 المجلس 27 .
6- بحار الأنوار 43/258 باب 11 ح42 .
7- في الكافي 6/473 باب نقش الخواتيم : وَفِي خَاتَمِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهماالسلام « حَسْبِيَ اللَّهُ » .

من إصبعه فيما أخذ ؟ قال عليه السلام : ليس كما قالوا ، إنّ الحسين عليه السلام أوصى إلى ابنه علي بن الحسين عليه السلام ، وجعل خاتمه في إصبعه ، وفوّض إليه أمره كما فعله رسول

اللّه صلى الله عليه و آله

بأمير المومنين

عليه السلام ، وفعله أمير المومنين بالحسن عليه السلام ، وفعله الحسن بالحسين عليه السلام ، ثم صار ذلك الخاتم إلى أبي عليه السلام بعد أبيه ، ومنه صار إليّ ، فهو عندي ، وإنّي ألبسه كلّ

جمعة وأصلّي فيه .

قال محمد بن مسلم : فدخلت إليه يوم الجمعة وهو يصلّي ، فلمّا فرغ من الصلاة مدّ إليّ يده ، فرأيت في إصبعه خاتما نقشه « لا إله إلاّ اللّه عدّة للقاء اللّه » ، فقال : هذا خاتم جديّ أبي عبد اللّه الحسين بن علي(1) .

ومن هنا يتّضح أنّ الخاتم الذي قطعوا إصبع الحسين عليه السلام وسلبوه يوم الطف غير هذا الخاتم الذي توارثه الإئمة إماما بعد إمام .

ذكر محبة النبي صلى الله عليه و آله للحسين عليه السلام

نبدأ بذكر بعض الأخبار الخاصة في فضل الحسين عليه السلام ومحبة النبي صلى الله عليه و آله له :

ففي الأمالي للصدوق عن حذيفة بن اليمان قال : رأيت النبي صلى الله عليه و آله آخذا بيد الحسين بن علي عليه السلام وهو يقول : يا أيّها الناس ، هذا الحسين بن علي فاعرفوه ، فوالذي نفسي بيده ، إنّه لفي الجنة ، ومحبّيه في الجنة ، ومحبّي محبّيه في الجنة(2) .

وروى الفاضل المجلسي عن أمالي الشيخ بإسناده عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله حامل الحسين عليه السلام وهو يقول : اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه(3) .

ص: 35


1- الأمالي للصدوق : 144 المجلس 29 ح13 .
2- الأمالي للصدوق : 596 المجلس 87 ح4 .
3- الأمالي للطوسي : 249 المجلس 9 ، بحار الأنوار 43/264 باب 12 ح16 .

وفي كامل الزيارات عن يعلى العامري(1) : أنّه خرج من عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى طعام دعي إليه ، فإذا هو بحسين عليه السلام يلعب مع الصبيان ، فاستقبله النبي صلى الله عليه و آله أمام القوم ، ثم بسط يديه ، فطفر الصبي ها هنا مرة وها هنا مرة ، وجعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يضاحكه حتى أخذه ، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى تحت قفائه ، ووضع فاه على فيه وقبّله ، ثم قال :

حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ اللّه من أحبّ حسينا ، حسين سبط من الأسباط(2) .

وروى الفاضل المجلسي بسند معتبر عن أم سلمة أنّها قالت : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله

يلبس ولده الحسين عليه السلام حلّة ليست من ثياب الدنيا ، فقلت له : يا رسول

اللّه ما هذه الحلّة ؟ فقال : هذه هدية أهداها إليّ ربّي للحسين عليه السلام ، وإنّ لحمتها من زغب جناح جبرئيل ، وها أنا ألبسه إياها ، وأزينه بها ، فإنّ اليوم يوم الزينة ، وإنّي أحبّه(3) .

وروى أيضا بإسناد معتبر عن سلمان الفارسي قال : كان الحسين عليه السلام على فخذ

رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يقبله ويقول : أنت السيد بن السيد أبو السادة ، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة ، أنت الحجة ابن الحجة أبو الحجج ، تسعة من صلبك ، وتاسعهم قائمهم(4) .

وروى أيضا : إنّ النبي صلى الله عليه و آله بينما هو يخطب على المنبر إذ خرج الحسين عليه السلامفوطئ في ثوبه فسقط فبكى ، فنزل النبي صلى الله عليه و آله عن المنبر فضمه إليه وقال : قاتل اللّه الشيطان ، إنّ الولد لفتنة ، والذي نفسي بيده ما دريت أنّي نزلت عن منبري(5) .

ص: 36


1- في المتن : « عن يعلى بن العامري » وما أثبتناه من المصدر .
2- كامل الزيارات : 52 الباب 14 ح12 .
3- بحار الأنوار 43/271 باب 12 ح38 .
4- المناقب 4/70 فصل في محبة النبي إياه عليه السلام ،بحار الأنوار 43/295 باب 12 .
5- المناقب 4/71 فصل في محبة النبي إياه عليه السلام ،بحار الأنوار 43/295 باب 12 ،

وروي أنّه خرج النبي صلى الله عليه و آله من بيت عائشة ، فمرّ على بيت فاطمة ، فسمع الحسين

يبكي ، فقال : ألم تعلمي أن بكاءه يؤيني(1) .

وروي أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يصلّي يوما في فئة ، والحسين صغير بالقرب منه ، فكان النبي صلى الله عليه و آله إذا سجد جاء الحسين فركب ظهره ، ثم حرّك رجليه وقال : حل حل ، فإذا أراد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يرفع رأسه أخذه فوضعه إلى جانبه ، فإذا سجد عاد على ظهره وقال : حل حل ، فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبي صلى الله عليه و آله من صلاته .

فقال يهودي : يا محمد إنّكم لتفعلون بالصبيان شيئا ما نفعله نحن ؟ ! فقال النبي صلى الله عليه و آله : أما لو كنتم تؤنون باللّه ورسوله لرحمتم الصبيان ، قال : فإنّي أومن باللّه وبرسوله ، فأسلم لما رأى كرمه مع عظم قدره(2) .

وفي المناقب قال أبو رافع : كنت ألاعب الحسين عليه السلام وهو صبي بالمداحي(3) ، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته قلت : احملني ، فيقول : أتركب ظهرا حمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأتركه ، فإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت : لا أحملك كما لم تحملني ، فيقول : أما ترضى أن تحمل بدنا حمله رسول اللّه ، فأحمله(4) .

وفي المناقب أيضا عن الرضا عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى الحسين .

وفي المناقب : روى الطبريان في الولاية والمناقب والسمعاني في الفضائل بأسانيد معتبرة : أنّه مرّ الحسين على عبد اللّه بن عمرو بن العاص فقال عبد اللّه :

ص: 37


1- المناقب 4/71 فصل في محبة النبي إياه عليه السلام ،بحار الأنوار 43/295 باب 12 .
2- المناقب 4/71 فصل في محبة النبي إياه عليه السلام ،بحار الأنوار 43/296 باب 12 .
3- المداحي : هي أحجار مثل القرصة كانوا يحفرون حفيرة ويدحون فيها تلك الأحجار ، فإن وقع الحجر فقد غلب صاحبها ، وركب ظهر صاحبه ، وإن لم يقع غُلب . من المتن . وهو موجود في العوالم نقلا عن الجزري قال : دحا أي رمى وألقى ، ومنه حديث أبي رافع قال : كنت أُلاعب الحسن والحسين بالمداحي : هي أحجار . . .
4- المناقب 4/72 فصل في محبة النبي إياه عليه السلام .

من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز ، وما كلمته منذ ليالي صفين ، فأتى به أبو سعيد الخدري إلى الحسين عليه السلام ، فقال الحسين : أتعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء وتقاتلني وأبي يوم صفين ؟ واللّه إنّ أبي

لخير مني ، فاستعذر وقال : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لي : أطع أباك ! فقال له الحسين عليه السلام : أما سمعت قول اللّه تعالى « وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما » ، وقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّما الطاعة في المعروف ، وقوله : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؟(1) .

وروي : أنّ جبرئيل نزل يوما فوجد الزهراء نائمة والحسين قلقا على عادة الأطفال مع أمهاتهم ، فقعد جبرئيل يلهيه عن البكاء حتى استيقظت ، فأعلمها رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك(2) .

وروي عن ابن عباس قال رسول

اللّه صلى الله عليه و آله : رأيت في الجنة قصرا من درة بيضاء لا صدع فيها ولا وصل ، فقلت : حبيبي جبرئيل لمن هذا القصر ؟ قال : للحسين ابنك ، ثم تقدّمت أمامه ، فإذا أنا بتفاح ، فأخذت تفاحة ففلقتها ، فخرجت منها حوراء كأنّ مقاديم النسور أشفار عينيها ، فقلت : لمن أنت ؟ فبكت ثم قالت : لابنك الحسين(3) .

وفي الكافي بإسناده عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام : رَقَى النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله حَسَناً وَحُسَيْناً فَقَالَ : أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا عَامَّةً مِنْ شَرِّ السَّامَّةِ وَالْهَامَّةِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ، ثُمَّ الْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إِلَيْنَا فَقَالَ : هَكَذَا كَانَ يُعَوِّذُ إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ(4) .

وفي التهذيب عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله كَانَ فِي الصَّلاَةِ وَإِلَى جَانِبِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَلَمْ يُحِرِ الْحُسَيْنُ بِالتَّكْبِيرِ ،

ص: 38


1- المناقب 4/73 فصل في معالي أموره عليه السلام .
2- المناقب 4/75 فصل في معالي أموره عليه السلام .
3- المناقب 4/75 فصل في معالي أموره عليه السلام .
4- الكافي 2/569 باب الحرز والعوذة ح3 .

ثُمَّ كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَلَمْ يُحِرِ الْحُسَيْنُ عليه السلام التَّكْبِيرَ ، وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ

صلى الله عليه و آله يُكَبِّرُ وَيُعَالِجُ الْحُسَيْنُ عليه السلام التَّكْبِيرَ فَلَمْ يُحِرْ ، حَتَّى أَكْمَلَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ ، فَأَحَارَ الْحُسَيْنُ عليه السلام التَّكْبِيرَ فِي السَّابِعَةِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : فَصَارَتْ سُنَّةً(1) .

وروى الديلمي في فردوس الأخبار عن أمير المومنين عليه السلام : أنّ موسى بن عمران سأل ربّه - عزّ وجلّ - فقال : يا رب إنّ أخي هارون مات فاغفر له ، فأوحى اللّه : أن

يا موسى لو سألتني في الأولين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب ، فإنّي أنتقم له منه(2) .

وروى أيضا عنه عليه السلام : إنّ موسى بن عمران سأل ربّه زيارة قبر الحسين بن علي ، فزاره في سبعين ألف من الملائكة(3) .

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه - ثلاثا - يعني الحسين بن علي(4) .

وعن أبي سعيد عنه صلى الله عليه و آله : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، إلاّ(5) ابني الخالة عيسى ويحيى بن زكريا(6) .

ذكر فضائل الحسين عليه السلام ومحبة النبي صلى الله عليه و آله إياه عليه السلام

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : الحسن والحسين يوم القيامة عن جنبي عرش الرحمن بمنزلة الشنفين من الوجه(7) .

ص: 39


1- تهذيب الأحكام 2/67 باب 8 ح11 .
2- بحار الأنوار 43/315 باب 12 .
3- المناقب 4/127 فصل في زيارته عليه السلام .
4- بحار الأنوار 43/315 باب 12 .
5- ترجم المؤلف « إلاّ » ب-« حتى » .
6- بحار الأنوار 43/316 باب 12 .
7- الأمالي للطوسي : 350 المجلس 12 ، بحار الأنوار 43/316 باب 12 .

وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه و آله قال : سألت الفردوس ربّها فقالت : أي ربّ زيّنّي

فإن أصحابي وأهلي أتقياء أبرار ، فأوحى اللّه - عزّ وجلّ - إليها : ألم أزيّنك بالحسن والحسين(1) .

وعن حذيفة عنه صلى الله عليه و آله : الحسين أعطي من الفضل ما لم يعط أحد من ولد آدم ما خلا(2) يوسف بن يعقوب(3) .

وقال علي عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كشف عن أربية(4) الحسين عليه السلام فقبّل زبّه ، وقام فصلّى من غير أن يتوضأ(5) .

روى ابن شهرآشوب في المناقب عن ابن عباس قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و آلهوعلى

فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي ، وهو تارة يقبل هذا وتارة يقبل هذا ، إذ هبط جبرئيل بوحي من ربّ العالمين ، فلمّا سرى عنه قال : أتاني جبرئيل من ربّي فقال : يا محمد إنّ ربّك يقرأ عليك السلام ويقول : لست أجمعهما ، فإفد أحدهما بصاحبه ، فنظر النبي إلى إبراهيم فبكى ، ونظر إلى الحسين فبكى ، وقال : إنّ إبراهيم أمه أمة ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأم الحسين فاطمة وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أؤر حزني على حزنهما ، يا جبرئيل يقبض إبراهيم ، فديته بالحسين .

قال : فقبض بعد ثلاث ، فكان النبي إذا رأى الحسين مقبلا قبّله وضمه إلى صدره ورشف ثناياه وقال : فديت من فديته بابني إبراهيم(6) .

ص: 40


1- بحار الأنوار 43/306 باب 12 .
2- ترجم المؤلف « ما خلا » بمعنى « حتى » فقال : « حتى يوسف لم يعط ما أعطي الحسين عليه السلام » .
3- بحار الأنوار 43/316 باب 12 .
4- الأربية : أصل الفخذ .
5- بحار الأنوار 43/317 باب 12 ح75 .
6- المناقب 4/81 فصل في المفردات .

وروي إنّ جبرئيل عليه السلام نزل يوما فوجد الزهراء عليهاالسلام نائمة ، والحسين في مهده يبكي ، فجعل يناغيه ويسلّيه حتى استيقظت ، فسمعت صوت من يناغيه فالتفتت فلم تر أحدا ، فأخبرها النبي صلى الله عليه و آله أنّه كان جبرئيل(1) عليه السلام .

وفي كتاب الفصول المهمة في معرفة الإئمة من مصنفات أهل السنة والجماعة : قال البغوي يرفعه إلى أم سلمة قال : كان جبرئيل عند النبي صلى الله عليه و آله والحسين معي ، فتركته فذهب إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال جبرئيل : أتحبّه يا محمد ؟ قال : نعم ، قال : أما إنّ أمتك ستقتله ، وإن شئت أريتك تربة الأرض التي يقتل بها ، فبسط جناحه إلى الأرض فأراه أرضا يقال لها « كربلاء »(2) .

في إثبات أنّ أبناء فاطمة عليهاالسلام أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كلّ بني أم ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة ، فإنّي أنا أبوهم وعصبتهم(3) .

وفي معجم الطبراني بإسناده عن ابن عباس ، وأربعين المؤن وتاريخ الخطيب بأسانيدهم إلى جابر قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - جعل ذرية كلّ نبي من صلبه خاصة ، وجعل ذريتي من صلبي ومن صلب علي بن أبي طالب ، إنّ كلّ بني بنت ينسبون إلى أبيهم ، إلاّ أولاد فاطمة فإنّي أنا أبوهم(4) .

وقيل في قوله « ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ » إنّما نزل في نفي التبني لزيد بن حارثة ، وأراد بقوله « مِنْ رِجالِكُمْ » البالغين في وقتكم ، والإجماع على أنّهما لم يكونا بالغين فيه(5) .

ص: 41


1- بحار الأنوار 44/187 باب 25 .
2- كشف الغمة 2/60 الثاني عشر في مصرعه ومقتله عليه السلام .
3- بحار الأنوار 43/228 باب 9 .
4- المناقب 2/387 فصل في المفردات .
5- المناقب 2/387 فصل في المفردات .

قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح قول أمير المومنين عليه السلام في بعض أيام صفين حين رأى ابنه الحسن عليه السلام يتسرع إلى الحرب : أملكوا عنّي هذا الغلام لا يهدني ، فإنّي أنفس بهذين - يعني الحسن والحسين - عن الموت ، لئلا ينقطع بهما نسل رسول اللّه (1) .

فإن قلت : أيجوز أن يقال للحسن والحسين وولدهما أبناء رسول اللّه وولد رسول اللّه وذرية رسول اللّه ونسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قلت : نعم ، لأنّ اللّه سماهم أبناءه في قوله تعالى « نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ » ، وإنّما عنى الحسن والحسين ، ولو أوصى لولد فلان بمال دخل فيه أولاد البنات ، وسمّى اللّه تعالى عيسى ذرية إبراهيم ، ولم يختلف

أهل اللغة في أنّ ولد البنات من نسل الرجل .

فإن قلت : فما تصنع بقوله تعالى « ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ » ؟ قلت : أسألك عن أبوته لإبراهيم بن مارية ، فكلما تجيب به عن ذلك فهو جوابي عن الحسن والحسين عليهماالسلام ، والجواب الشامل للجميع أنّه عنى زيد بن الحارثة ، لأنّ العرب كانت تقول زيد بن محمد على عادتهم في تبني العبيد ، فأبطل اللّه تعالى ذلك ، ونهى عن سنة

الجاهلية ، وقال : إنّ محمدا ليس أبا لواحد من الرجال البالغين المعروفين بينكم ، وذلك لا ينفي كونه أبا لأطفال لم يطلق عليهم لفظة الرجال كإبراهيم وحسن وحسين .

وروى المسعودي عن ابن عباس عن العباس بن عبد المطلب قال : كنت عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ أقبل علي بن أبي طالب ، فلمّا رآه أسفر في وجهه ، فقلت : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! إنّك لتسفر في وجه هذا الغلام ؟ فقال : يا عم رسول اللّه ، واللّه للّه أشدّ حبّا له مني ، ولم يكن نبي إلاّ وذريته الباقية بعده من صلبه ، وإنّ ذريتي من صلب هذا ، إنّه إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم لا بأسماء آبائهم(2) سترا من اللّه عليهم ، إلاّ هذا وشيعته ، فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحة ولادتهم(3) .

ص: 42


1- بحار الأنوار 43/234 باب 9 .
2- في المصدر : « باسمائهم وأسماء أمهاتهم » .
3- مروج الذهب 2/428 ذكر خلافة الحسن عليه السلام .

وفي إحتجاج موسى بن جعفر عليه السلام مع هارون الرشيد في حديث طويل سيأتي تفصيله في محلّه ، دليل على أنّ أبناء فاطمة عليهاالسلام أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

قال هارون : لم جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آلهويقولون لكم : يا بني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ وأنتم بنو علي ، وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبي صلى الله عليه و آله جدكم من قبل أمكم .

فقلت : يا أمير المومنين لو أنّ النبي صلى الله عليه و آله نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟ فقال : سبحان اللّه ، ولم لا أجيبه ؟ بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك ، فقلت له : لكنه صلى الله عليه و آله لا يخطب إليّ ولا أزوجه ، فقال : ولم ؟ فقلت : لأنّه صلى الله عليه و آلهولدني ولم يلدك ، فقال : أحسنت يا موسى .

ثم قال : كيف قلتم إنّا ذرية النبي صلى الله عليه و آله ، والنبي صلى الله عليه و آله لم يعقب ، وإنّما العقب للذكر لا للأنثى ، وأنتم ولد البنت ، ولا يكون لها عقب ؟ فقلت : أسألك يا أمير المومنين بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلاّ ما أعفيتني عن هذه المسألة ، فقال : لا أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي ، وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا أنهي إليّ ، ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب اللّه تعالى ، وأنتم تدعون

معشر ولد علي أنّه لا يسقط عنكم منه بشيء ألف ولا واو إلاّ وتأويله عندكم ، واحتججتم بقوله - عزّ وجلّ - : « ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ » ، وقد استغنيتم

عن رأي العلماء وقياسهم . فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ قال : هات ، قلت :

أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم « وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ » من أبو عيسى يا أمير المومنين ؟ فقال : ليس لعيسى أب ، فقلت : إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم السلام من طريق مريم عليهاالسلام ، وكذلك ألحقنا بذراري النبي صلى الله عليه و آله من قبل أمّنا فاطمة عليهاالسلام ، أزيدك يا أمير المومنين ؟ قال : هات ، قلت :

ص: 43

قول اللّه - عزّ وجلّ - « فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ » ولم يدع أحد أنّه أدخل النبي صلى الله عليه و آله تحت الكساء عند المباهلة للنصارى إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين ، فكان تأويل قوله تعالى « أَبْناءَنا » الحسن والحسين ، و« نِساءَنا » فاطمة ، « وَأَنْفُسَنا » علي بن أبي طالب عليه السلام .

على أنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ جبرئيل عليه السلام قال يوم أحد : يا محمد إنّ هذه لهي المواساة من علي ، قال : لأنّه منّي وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا منكما يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم قال : لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي ، فكان كما مدح اللّه تعالى به خليله عليه السلام إذ يقول : « فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ » .

إنّا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرئيل أنّه منّا ، فقال : أحسنت يا موسى أرفع إلينا حوائجك ، فقلت له : أول حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده وإلى عياله ، فقال : ننظر إن شاء اللّه (1) .

وعن أبي الجارود قال : قال أبو جعفر عليه السلام : يا أبا الجارود ، ما يقولون في الحسن والحسين عليهماالسلام ؟ قلت : ينكرون عليهما أنّهما ابنا رسول

اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : فبأي شيء احتججتم عليهم ؟ قال : قلت : بقول اللّه في عيسى عليه السلام : « وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ » إلى قوله « كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ » ، فجعل عيسى من ذرية إبراهيم ، واحتججنا عليهم بقوله تعالى « فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ » .

ثم قال : فأي شيء قالوا ؟ قال : قلت : قالوا : قد يكون ولد البنت من الولد ولا يكون من الصلب ، قال : فقال أبو جعفر عليه السلام : واللّه يا أبا الجارود ، لأعطينكم من

كتاب اللّه آية يسمي لصلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا يردّها إلاّ كافر ، قال : قلت : جعلت فداك ، وأين ؟ قال : حيث قال : « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ »

ص: 44


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1/83 باب 7 .

إلى قوله « وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ » فسلهم يا أبا الجارود : وهل يحلّ لرسول اللّه نكاح حليلتيهما ؟ فإن قالوا : نعم ، فكذبوا واللّه ، وإن قالوا : لا ، فهما واللّه ابنا رسول اللّه لصلبه ، وما حرمن عليه إلاّ للصلب(1) .

وعن يحيى بن يعمر العامري قال : بعث إليّ الحجاج ، فقال : يا يحيى ، أنت الذي تزعم أنّ ولد علي من فاطمة ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قلت له : إن أمنتني تكلّمت ، قال : فأنت آمن ، قلت له : نعم ، أقرأ عليك كتاب اللّه ، إنّ اللّه يقول : « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا » إلى أن قال : « وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ » وعيسى كلمة اللّه وروحه ألقاها إلى العذراء البتول ، وقد نسبه اللّه تعالى إلى إبراهيم عليه السلام ، قال : ما دعاك إلى نشر هذا وذكره ؟ قلت : ما استوجب اللّه - عزّ وجلّ - على أهل العلم في علمهم « لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ » الآية ، قال : صدقت ، ولا تعودنّ لذكر هذا ولا نشره(2) .

وعن عامر الشعبي أنّه قال : بعث إليّ الحجاج ذات ليلة فخشيت ، فقمت فتوضأت وأوصيت ، ثم دخلت عليه ، فنظرت فإذا نطع منشور والسيف مسلول ، فسلّمت عليه ، فردّ عليّ السلام ، فقال : لا تخف ، فقد أمنتك الليلة وغدا إلى الظهر ، وأجلسني عنده ، ثم أشار فأتي برجل مقيد بالكبول والأغلال ، فوضعوه بين يديه فقال : إنّ هذا الشيخ يقول : إنّ الحسن والحسين كانا ابني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! ليأتيني بحجة من القرآن وإلاّ لأضربن عنقه ، فقلت : يجب أن تحلّ قيده فإنّه إذا احتج فإنّه لا

محالة يذهب ، وإن لم يحتج فإنّ السيف لا يقطع هذا الحديد ، فحلّوا قيوده وكبوله ، فنظرت فإذا هو سعيد بن جبير ، فحزنت بذلك وقلت : كيف يجد حجة على ذلك من القرآن .

ص: 45


1- الإحتجاج 2/324 .
2- بحار الأنوار 43/228 باب 9 .

فقال له الحجاج : ائتني بحجّة من القرآن على ما ادعيت وإلاّ أضرب عنقك ، فقال له : إنتظر ، فسكت ساعة ، ثم قال له مثل ذلك ، فقال : إنتظر ، فسكت ساعة ، ثم قال له مثل ذلك ، فقال : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، ثم قال : « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ » إلى قوله « وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ » ، ثم سكت ، وقال للحجاج : اقرأ ما بعده ، فقرأ « وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى » ، فقال سعيد : كيف

يليق ها هنا عيسى ؟ قال : إنّه كان من ذريته ، قال : إن كان عيسى من ذرية إبراهيم ولم يكن له أب ، بل كان ابن ابنته فنسب إليه مع بعده ، فالحسن والحسين أولى أن ينسبا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله مع قربهما منه ، فأمر له بعشرة آلاف دينار ، وأمر بأن يحملوها معه إلى داره ، وأذن له في الرجوع .

قال الشعبي : فلمّا أصبحت قلت في نفسي قد وجب عليّ أن آتي هذا الشيخ فأتعلم منه معاني القرآن ، لأنّي كنت أظن أنّي أعرفها ، فإذا أنا لا أعرفها ، فأتيته فإذا هو في المسجد وتلك الدنانير بين يديه يفرقها عشرا عشرا ويتصدق بها ، ثم قال : هذا كلّه ببركة الحسن والحسين عليهماالسلام ، لئن كنّا أغممنا واحدا لقد أفرحنا ألفا ، وأرضينا اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله(1) .

وكان سعيد بن جبير على إمامة الجماعة ثم القضاء في مكة من قبل الحجاج ، غير أنّ سعيدا كان يقول بكفر بالحجاج ، فكان يتحيّن الفرص للخروج عليه ، فلمّا خرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث على عبد الملك بن مروان خرج معه سعيد بن جبير ، فلمّا هزم عبد الرحمن خرج سعيد هاربا من الحجاج الى مكة ، فأخذه والي مكة وبعث به الى الحجاج فقتله(2) .

ومن المناسب أن نذكر هنا نسب عيسى على نبينا وآله وعليه السلام من قبل أمه فنقول :

ص: 46


1- بحار الأنوار 43/229 باب 9 .
2- وقد أتينا على أخباره وقصة شهادته في كتابنا في القسم الخاص بأمير المؤمنين عليه السلام ضمن الحديث عن التابعين . من المتن .

هو عيسى ابن مريم ابنة يوقيم ويقال له : أدركيم ، ويسمى بالعربية « عمران » ، وعمران ابن متن بن ايليعازر بن ايليود بن آكين بن زادوق ، بن عازور ، بن ايلياقيم ، بن أبيود ، بن زورابابل ، بن شلتائيل ، بن يوكانيا ، بن يوشيا ، بن آمون ، بن منسي ، بن حزقيا ، بن آحاز ، بن يوثام ، بن عوزيا ، بن يورام ، بن يهوشافاط ، بن آسي ، بن أبيا ، بن رحبعام ، بن سليمان ، بن داود ، بن ايسا ، بن عوبيد ، بن باعاز ، بن سالا ، بن نحسون ، بن عمييناداب ، بن آرام ، بن حصرون بن فارص ، بن يهودا ، بن يعقوب ، بن إسحاق ، وإسحاق بن إبراهيم الخليل .

وما أشّد العجب أن يسمي اللّه - تبارك وتعالى - عيسى ابن إبراهيم وبينهما من الآباء واحدا وأربعين أبا ، ومن السنين الفا ومائتين واثنين وستين سنة ، ولا يسمي أعداء آل الرسول الحسن والحسين عليهماالسلام أبناء لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ! !

ذكر شدّة محبة النبي صلى الله عليه و آله للحسنين عليهماالسلام

وفيه خمسة وثلاثون حديثا من الخاصة والعامة :

في أمالي المفيد عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : خرج علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله آخذا بيد الحسن والحسين عليهماالسلام فقال : إنّ ابني هذين ربيتهما صغيرين ودعوت لهما كبيرين ، وسألت اللّه تعالى لهما ثلاثا ، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة ، سألت اللّه لهما أن يجعلهما طاهرين مطهرين زكيين ، فأجابني إلى ذلك ، وسألت اللّه أن يقيهما وذريتهما وشيعتهما النار ، فأعطاني ذلك ، وسألت اللّه أن يجمع الأمة على محبتهما ،

فقال : يا محمد إنّي قضيت قضاء وقدّرت قدرا ، وإنّ طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس ، وسيخفرون ذمتك في ولدك ، وإنّي أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك ألاّ أحلّه محل كرامتي ، ولا أسكنه جنتي ، ولا أنظر إليه بعين رحمتي إلى يوم القيامة(1) .

ص: 47


1- الأمالي للمفيد : 78 المجلس 9 ح3 .

وفي جامع الترمذي وفضائل أحمد وشرف المصطفى وفضائل السمعاني وأمالي ابن شريح وابانة ابن بطة : إنّ النبي صلى الله عليه و آله أخذ بيد الحسن والحسين فقال : من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي في الجنة يوم القيامة .

وقد نظمه أبو الحسين في نظم الأخبار فقال :

أخذ النبي يد الحسين وصنوه

يوما وقال وصحبه في مجمع

من ودّني يا قوم أو هذين أو

أبويهما فالخلد مسكنه معي(1)

وفي جامع الترمذي بسند صحيح قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله للحسن والحسين عليهماالسلام : إنّكما من ريحان اللّه (2) .

وفي رواية عتبة بن غزوان : أنّه وضعهما في حجره وجعل يقبّل هذا مرة وهذا مرة ، فقال قوم : أتحبّهما يا رسول اللّه ؟ فقال : ما لي لا أحبّ ريحانتي من الدنيا(3) .

وفي تاريخ بغداد عن خولة بنت حكيم : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج وهو محتضن أحد ابني ابنته حسنا أو حسينا ، وهو يقول : إنّكم لتجنبون وتجهلون وتبخلون ، وإنّكم لمن

ريحان اللّه (4) .

وفي جامع الترمذي وإبانة العكبري وكتاب السمعاني بالإسناد عن أسامة بن زيد قال : طرقت على النبي صلى الله عليه و آله ذات ليلة في بعض الحاجة ، فخرج وهو مشتمل على شيء ما أدري ما هو ، فلمّا فرغت من حاجتي فقلت : ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟ فكشفه فإذا هو الحسن والحسين على وركيه ، فقال : هذان ابناي وابنا ابنتي ، اللّهم إنّي أحبّهما فأحبهما وأحبّ من يحبّهما(5) .

وفي جامع الترمذي إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : اللهم إنّي أحبّهما وأحبّ من أحبّهما .

وقال أبو الحويرث : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : اللّهم أحبّ حسنا وحسينا ، وأحبّ من يحبّهما .

ص: 48


1- بحار الأنوار 43/28 .
2- المناقب 3/383 فصل في محبة النبي صلى الله عليه و آله إياهما عليهماالسلام .
3- المناقب 3/383 فصل في محبة النبي صلى الله عليه و آله إياهما عليهماالسلام .
4- المناقب 3/382 .
5- المناقب 3/382 .

وعن معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ حبّ علي قذف في قلوب المومنين فلا يحبّه إلاّ مؤن ، ولا يبغضه إلاّ منافق ، وإنّ حبّ الحسن والحسين قذف في قلوب المومنين والمنافقين والكافرين ، فلا ترى لهم ذاما .

ودعا النبي الحسن والحسين قرب موته فقبّلهما وشمّهما ، وجعل يرشفهما وعيناه تهملان .

وفي صحيح البخاري وغيره ومسند الرضا عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله قال : الولد ريحانة ، والحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا(1) .

وعن ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه و آله والحسن والحسين جالسان على فخذيه : من أحبّني فليحبّ هذين .

وعن ابن مسعود وأبي هريرة قالا : خرج علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه الحسن والحسين ، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه ، وهو يلثم هذا مرة ، وهذا مرة ، حتى انتهى إلينا ، فقال له رجل : يا رسول اللّه إنّك لتحبّهما ؟ فقال : من أحبّهما فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني(2) .

وعن ابن عمر قال : كنّا جلوسا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ مرّ به الحسن والحسين ، وهما صبيان ، فقال : هات ابني أعوّذهما بما عوّذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحاق ،

فقال : أعيذكما بكلمات اللّه التامة من كلّ عين لامة ومن كلّ شيطان وهامة .

وجاء في أكثر التفاسير : أنّ النبي كان يعوّذهما بالمعوذتين ، ولهذا سميت المعوذتين .

ومن كثرة عوّذ النبي قال ابن مسعود وغيره : أنّهما عوذتان وليستا من القرآن الكريم(3) .

وعن زر بن حبيش ( وهو من رجال أميرالمؤمنين عليه السلام ) عن ابن مسعود قال : كان النبي صلى الله عليه و آله يصلّي ، فجاء الحسن والحسين عليهماالسلام فارتدفاه ، فلمّا رفع رأسه

ص: 49


1- المناقب 3/382 .
2- المناقب 3/382 .
3- المناقب 3/384 .

أخذهما أخذا رفيقا ، فلمّا عاد عادا ، فلمّا إنصرف أجلس هذا على فخذه الأيمن ، وهذا على فخذه الأيسر ، ثم قال : من أحبّني فليحبّ هذين ، وكانا عليهماالسلام حجة اللّه لنبيه صلى الله عليه و آله في المباهلة ، وحجة اللّه من بعد أبيهما أمير المومنين عليه السلام على الأمة في الدين ، والمنّة للّه (1) .

أيضا عن علماء العامة أحمد بن حنبل وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما وابن ماجة في السنن وابن بطة في الإبانة وأبو سعيد في شرف النبي والسمعاني في فضائل الصحابة بأسانيدهم عن أبي حازم عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه و آله : من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني(2) .

وروى زاذان عن سلمان رضى الله عنه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول في الحسن والحسين عليهماالسلام : اللّهم إنّي أحبّهما فأحبّهما وأحبّ من أحبّهما(3) .

وفي جامع الترمذي بإسناده عن أنس بن مالك قال : سئل رسول اللّه : أيّ أهل بيتك أحبّ إليك ؟ قال : الحسن والحسين ، وقال صلى الله عليه و آله : من أحبّ الحسن والحسين أحببته ، ومن أحببته أحبّه اللّه ، ومن أحبّه اللّه أدخله الجنة ، ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه اللّه ، ومن أبغضه اللّه أدخله(4) النار(5) .

وروى أحمد بن حنبل في المسند عن أبي هريرة : كان رسول اللّه يقبّل الحسن والحسين ، فقال عيينة - وفي رواية غيره : الأقرع بن حابس - : إنّ لي عشرة ما قبّلت واحدا منهم قط ، فقال صلى الله عليه و آله : إن كان قد نزع الرحمة من قلبك فما أصنع بك ، من لم يرحم صغيرنا ويعزز كبيرنا فليس منّا(6) .

ص: 50


1- الإرشاد 2/28 ، بحار الأنوار 43/275 باب 12 .
2- المناقب 3/381 .
3- الإرشاد 2/27 .
4- في المصدر : « خلده » .
5- المناقب 3/382 .
6- المناقب 3/384 .

وروى يحيى بن أبي كثير وسفيان بن عيينة بإسنادهما أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بكاء الحسن والحسين وهو على المنبر ، فقام فزعا ثم قال : أيّها الناس ، ما الولد إلاّ

فتنة ، لقد قمت إليهما وما معي عقلي(1) .

وروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال : عطش المسلمون عطشا شديدا ، فجاءت فاطمة بالحسن والحسين إلى النبي صلى الله عليه و آله فقالت : يا رسول اللّه ، إنّهما صغيران لا يحتملان العطش ، فدعا الحسن فأعطاه لسانه فمصه حتى ارتوى ، ثم دعا الحسين فأعطاه لسانه ، فمصه حتى ارتوى(2) .

قال أبو(3) حازم عن أبي هريرة قال : رأيت النبي يمصّ لعاب الحسن والحسين كما يمص الرجل التمرة(4)(5) .

وفي تفسير أبي يوسف بإسناده عن ابن مسعود قال : حمل رسول اللّه الحسن والحسين على ظهره ، الحسن على أضلاعه اليمنى ، والحسين على أضلاعه اليسرى ، ثم مشى وقال : نعم المطي مطيكما ، ونعم الراكبان أنتما ، وأبوكما خير منكما(6) .

وروي أن النبي صلى الله عليه و آله ترك لهما ذؤبتين في وسط الرأس .

وروي أنّ النبي أخذ بيديه جميعا بكتفي الحسن والحسين وقدماهما على قدم رسول اللّه ويقول : ترق عين بقة ، قال : فرقي الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول اللّه ، ثم قال له : افتح فاك ، ثم قبّله ، ثم قال : اللّهم أحبّه فإنّي أحبّه .

ورى جماعة أنّه قال : حزقة حزقة ترق عين بقة ، اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه .

ص: 51


1- المناقب 3/385 .
2- المناقب 3/384 ، بحار الأنوار 43/283 باب 12 .
3- في المصدر : « ابن » .
4- في المصدر : « الثمرة » .
5- المناقب 3/385 .
6- المناقب 3/388 فصل في محبة النبي صلى الله عليه و آله إياهما عليهماالسلام .

والحزقة : القصير الصغير الخطى ، وعين بقة : أصغر الأعين ، وقال : أراد بالبقة فاطمة ، فقال للحسين : يا قرة عين بقة ترق ، وكانت فاطمة عليهاالسلام ترقّص ابنها حسنا عليه السلام وتقول :

أشبه أباك يا حسن

واخلع عن الحق الرسن

واعبد إلها ذا منن

ولا توال ذا الإحن

وقالت للحسين عليه السلام :

أنت شبيه بأبي

لست شبيها بعلي

وفي مسند الموصلي : أنّه كان يقول أبو بكر للحسن عليه السلام وأباه يسمع :

أنت شبيه بالنبي

لست شبيها بعلي

وعلي يتبسم .

وكانت أم سلمة تربي الحسن وتقول :

بأبي يا ابن علي

أنت بالخير ملي

كن كأسنان خلي

كن ككبش الخولي

وكانت أم فضل - إمرأة العباس - تربي الحسين وتقول :

يا ابن رسول اللّه

يا ابن كثير الجاه

فرد بلا أشباه

أعاذه إلهي

من أمم الدواهي(1)

وروى الخركوشي في اللوامع وفي شرف النبي أيضا والسمعاني في الفضائل والترمذي في الجامع والثعلبي في الكشف والواحدي في الوسيط وأحمد بن حنبل في الفضائل وروى الخلق عن عبد اللّه بن بريدة قال : سمعت أبي يقول : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يخطب على المنبر ، فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران ، يمشيان ويعثران ، فنزل رسول اللّه من المنبر ، فحملهما ووضعهما بين يديه ، ثم قال : « إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ » إلى آخر كلامه .

ص: 52


1- المناقب 3/388 .

وقد ذكره أبو طالب الحارثي في قوت القلوب إلاّ أنّه تفرّد بالحسين(1) بن علي(2) .

وعن ابن حماد [ عن أبيه ] : أنّ النبي صلى الله عليه و آله برك للحسن والحسين فحملهما وخالف بين أيديهما وأرجلهما وقال : نعم الجمل جملكما(3) .

وقال المقدام بن معديكرب : قال النبي صلى الله عليه و آله : حسن منّي وحسين من علي . وقال صلى الله عليه و آله : هما وديعتي في أمتي(4) .

وفي شرف النبي صلى الله عليه و آله عن عبد العزيز بإسناده عن النبي صلى الله عليه و آله : أنّه كان جالسا فأقبل الحسن والحسين ، فلمّا رآهما النبي صلى الله عليه و آله قام لهما واستبطأ بلوغهما إليه ، فاستقبلهما وحملهما على كتفيه ، وقال : نعم المطي مطيكما ، ونعم الراكبان أنتما ، وأبوكما خير منكما(5) .

وروى ابن بطة بإسناده عن جابر قال : دخلت على النبي والحسن والحسين على ظهره ، وهو يجثو بهما ويقول : نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما(6) .

وروي أنّه كان الحسن والحسين يركبان ظهر النبي ويقولان : حل حل(7) ، ويقول : نعم الجمل جملكما .

وروى السمعاني في الفضائل بإسناده عن عمر بن الخطاب قال : رأيت الحسن والحسين على عاتقي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقلت : نعم الفرس لكما ، فقال رسول اللّه : ونعم الفارسان هما (8).

ص: 53


1- في المصدر : « الحسن » .
2- المناقب 3/385 .
3- المناقب 2/387 فصل في المفردات .
4- المناقب 2/387 فصل في المفردات ، بحار الأنوار 43/285 باب 12 .
5- المناقب 3/388 فصل في محبة النبي صلى الله عليه و آله إياهما عليهماالسلام ، بحارالأنوار 43 285 باب 12 ح51 .
6- المناقب 2/387 فصل في المفردات .
7- وهي كلمة يقولها العربي لزجر الناقة وسوقها .
8- المناقب 2/387 فصل في المفردات .

وعن علي عليه السلام قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : يا علي لقد أذهلني هذان الغلامان - يعني الحسن والحسين عليهماالسلام - أن أحبّ بعدهما أحدا أبدا ، إنّ ربّي أمرني أن أحبّهما وأحبّ من يحبّهما(1) .

وروي أيضا عن أبي ذر الغفاري قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقبّل الحسن

والحسين عليهماالسلام وهو يقول : من أحبّ الحسن والحسين عليهماالسلام وذريتهما مخلصا لم تلفح(2) النار وجهه(3) .

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أبغض الحسن والحسين جاء يوم القيامة وليس على وجهه لحم ، ولم تنله شفاعتي(4) .

وروى أحمد بن حنبل في الفضائل والمسند والترمذي في الجامع وابن ماجة في السنن وابن بطة في الإبانة والخطيب في التأريخ والموصلي في المسند والواعظ في شرف المصطفى والسمعاني في الفضائل وأبو نعيم في الحلية من ثلاثة طرق وابن حبيش التميمي عن الأعمش وروى الدار قطني بالإسناد عن ابن عمر قال : قال صلى الله عليه و آله : ابناي هذان سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما(5) .

وعن عمران بن الحصين قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لي : يا عمران إنّ لكلّ شيء موقعا من القلب ، وما وقع موقع هذين الغلامين من قلبي شيء قط ، فقلت : كلّ هذا يا رسول اللّه ؟ قال : يا عمران ، وما خفي عليك أكثر ، إنّ اللّه أمرني بحبّهما(6) .

ص: 54


1- كامل الزيارات : 50 الباب 14 ح1 .
2- في المصدر : « . . . وذريتهما مخلصا لم تلفح النار وجهه ولو كانت ذنوبه بعدد رمل عالج إلاّ أن يكون ذنبا يخرجه من الإيمان » .
3- كامل الزيارات : 51 الباب 14 ح4 .
4- كامل الزيارات : 51 الباب 14 ح7 .
5- المناقب 3/394 .
6- كامل الزيارات : 50 الباب 14 ح2 .

وعن أبي ذر الغفاري قال : أمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحبّ الحسن والحسين عليهماالسلامفأنا أحبّهما وأحبّ من يحبّهما لحبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله إياهما(1) .

وعن أم سلمة وعن ميمونة وعن علي عليه السلام قال : رأينا رسول اللّه قد أدخل رجله في اللحاف ، أو في الشعار ، فاستسقى الحسن ، فوثب النبي صلى الله عليه و آله الى ماء كان هناك فجعله في قدح(2) ، ثم وضعه في يد الحسن ، فجعل الحسين يثب عليه ورسول اللّه يمنعه ، فقالت فاطمة : كأنّه أحبّهما إليك يا رسول اللّه ، قال : ما هو بأحبّهما إليّ ولكنه استسقى أول مرة ، وإنّي وإياك وهذين النجدين(3) يوم القيامة في مكان واحد(4) .

وروي عن أنس بن مالك قال : سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أيّ أهل بيتك أحبّ إليك ؟ قال : الحسن والحسين ، وكان يقول لفاطمة عليهاالسلام : ادعي إليّ ابني ، فيشمّهما ويضمّهما إليه(5) .

وعن جابر قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ الجنة تشتاق إلى أربعة من أهلي قد أحبّهم اللّه وأمرني بحبّهم : علي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، والمهدي عليهم السلام الذي يصلّي خلفه عيسى ابن مريم عليهماالسلام(6) .

ومن كتاب الأربعين عن جابر بن عبد اللّه قال : دخلت على النبي صلى الله عليه و آله وهو يمشي على أربع والحسن والحسين على ظهره ويقول : نعم الجمل جملكما ، ونعم الحملان أنتما(7) .

ص: 55


1- كامل الزيارات : 50 الباب 14 ح3 .
2- في المصدر : « فوثب النبي إلى منيحة لنا فمصّ من ضرعها ، فجعله في قدح » .
3- ترجمها المؤلف : « واين دو صاحب نجد . .» وفي المصدر : « وإنّي وإياك وهذين وهذا المنجدل يوم القيامة في مكان واحد » .
4- المناقب 3/385 فصل في محبة النبي صلى الله عليه و آله إياهما عليهماالسلام .
5- كشف الغمة 1/520 الخامس فيما ورد في حقه من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
6- كشف الغمة 1/526 الخامس فيما ورد في حقه من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
7- بحار الأنوار 43/304 باب 12 .

وروي أنّ العباس جاء يعود النبي صلى الله عليه و آله في مرضه ، فرفعه وأجلسه في مجلسه على سريره ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : رفعك اللّه يا عم ، فقال العباس : هذا علي يستأذن ، فقال : يدخل ، فدخل ومعه الحسن والحسين عليهم السلام ، فقال العباس: هؤاء ولدك يا رسول اللّه صلّى اللّه عليك ؟ قال : هم ولدك يا عم ، أتحبّهما ؟ قال : نعم ، قال : أحبّك اللّه كما أحبّهما(1) .

ذكر الأحاديث التي دلت على تحريم ولد فاطمة عليهاالسلام على النار

في معاني الأخبار بإسناد متين عن الحسن بن موسى الوشا البغدادي قال: كنت بخراسان مع علي بن موسى الرضا عليه السلام في مجلسه وزيد بن موسى حاضر قد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم ويقول : نحن ونحن ، وأبو الحسن عليه السلام مقبل على قوم يحدّثهم ، فسمع مقالة زيد ، فألتفت إليه فقال : يا زيد أغرّك قول بقالي الكوفة : إنّ

فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريّتها على النار ؟ واللّه ما ذلك إلاّ للحسن والحسين

وولد بطنها خاصة ، فإمّا أن يكون موسى بن جعفر عليه السلام يطيع اللّه ويصوم نهاره ويقوم ليله وتعصيه أنت ثم تجيئان يوم القيامة سواء ! لأنت أعزّ على اللّه - عزّ وجلّ - منه ! إنّ علي بن الحسين عليه السلام كان يقول : لمحسننا كفلان من الأجر ولمسيئنا ضعفان من العذاب .

وقال الحسن الوشاء : ثم إلتفت إليّ فقال : يا حسن كيف تقرؤون هذه الآية « قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ » ؟ فقلت : من الناس من يقرأ « إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ » ، ومنهم من يقرأ (إنه عمل غير صالح) ، فمن قرأ « إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ » نفاه عن أبيه ، فقال عليه السلام : كلا ، لقد كان ابنه ، ولكن لما عصى اللّه - عزّ وجلّ - نفاه اللّه عن أبيه ، كذا من كان منّا لم يطع اللّه - عزّ وجلّ - فليس منّا ، وأنت إذا أطعت اللّه فأنت منّا أهل البيت(2) .

ص: 56


1- كشف الغمة 1/527 الخامس فيما ورد في حقه من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
2- معاني الأخبار : 105 باب معنى ما روي أن فاطمة أحصنت فرجها .

وفي معاني الأخبار أيضا عن محمد بن مروان قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : هل قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريّتها على النار ؟ قال : نعم ، عنى بذلك الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم(1) .

وروي مثل ذلك في عيون أخبار الرضا عليه السلام ومصباح الأنوار عن أبي عبد اللّه عليه السلام .

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام بإسناده عن ياسر قال: خرج زيد بن موسى أخو أبي الحسن عليه السلام بالمدينة وأحرق وقتل - وسيأتي تفصيله في محلّه إن شاء اللّه - وكان يسمى زيد النار ، فبعث إليه المأمون فأسر وحمل إلى المأمون ، فقال المأمون : إذهبوا به إلى أبي الحسن ، قال ياسر : فلمّا أدخل إليه قال له أبو الحسن : يا زيد أغرّك قول سفلة أهل

الكوفة إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريّتها على النار ؟ ذاك للحسن والحسين خاصة ، إن كنت ترى أنّك تعصي اللّه وتدخل الجنة وموسى بن جعفر أطاع اللّه ودخل الجنة ، فأنت إذا أكرم على اللّه - عزّ وجلّ - من موسى بن جعفر ، واللّه ما ينال أحد ما عند اللّه - عزّ وجلّ - إلاّ بطاعته ، وزعمت أنّك تناله بمعصيته ، فبئس ما زعمت .

فقال له زيد : أنا أخوك وابن أبيك ، فقال له أبو الحسن عليه السلام : أنت أخي ما أطعت

اللّه - عزّ وجلّ - ، إنّ نوحا عليه السلام قال : « رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ » ، فقال اللّه - عزّ وجلّ - : « يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ » ، فأخرجه اللّه - عزّ وجلّ - من أن يكون من أهله بمعصيته(2) .

ذكر فضائل الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما الصلاة والسلام

في أمالي الصدوق بإسناده عن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة زيّن عرش ربّ العالمين بكلّ زينة ، ثم يؤى بمنبرين من نور ، طولهما مائة ميل ، فيوضع أحدهما عن يمين العرش

ص: 57


1- معاني الأخبار : 105 باب معنى ما روي أن فاطمة أحصنت فرجها .
2- معاني الأخبار : 105 باب معنى ما روي أن فاطمة أحصنت فرجها .

والآخر عن يسار العرش ، ثم يؤى بالحسن والحسين عليهماالسلام فيقوم الحسن على أحدهما والحسين على الآخر ، يزين الربّ - تبارك وتعالى - بهما عرشه كما يزين المرأة قرطاها .

وفي الأمالي أيضا بإسناده عن جابر بن عبد اللّه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يقول لعلي بن أبي طالب عليه السلام قبل موته بثلاث : سلام اللّه عليك يا أبا الريحانتين ، أوصيك بريحانتي من الدنيا ، فعن قليل ينهد ركناك ، واللّه خليفتي عليك ، فلمّا قبض

رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال علي عليه السلام : هذا أحد ركني الذي قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا ماتت فاطمة عليهاالسلام قال علي عليه السلام : هذا الركن الثاني الذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وفي كتاب الخصال عن أبي عمر قال : كان على الحسن والحسين عليهماالسلام تعويذان حشوهما من زغب جناح جبرائيل عليه السلام .

وعن أم عثمان أم ولد علي بن أبي طالب عليه السلام قالت : كانت لآل رسول اللّه صلى الله عليه و آله قطيفة يجلس عليها جبرئيل لا يجلس عليها غيره وإذا خرج طويت ، وكان إذا عرج إنتفض فيسقط من زغب ريشه ، فيقوم فيتبعه ويجعله في تمائم الحسن والحسين(1) .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أراد أن يتمسك بعروة اللّه الوثقى التي قال اللّه تعالى في كتابه ، يعني قوله تعالى « لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيُؤمِنْ بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لاَ انْفِصامَ لَها وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» ، فليوال علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام ، فإنّ اللّه يحبّهما من فوق عرشه(2) .

وروي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّه قال: قرّة عيني النساء وريحانتيّ الحسن والحسين عليهماالسلام(3) .

ص: 58


1- كشف الغمة : 1/549 السادس في علمه عليه السلام .
2- كامل الزيارات : 51 الباب الرابع عشر .
3- كامل الزيارات : 51 الباب الرابع عشر ح8 .

وروى في كتاب الإرشاد : قال رسول اللّه : إنّ الحسن والحسين شنفا العرش ، وإنّ الجنة قالت : يا ربّ أسكنتني الضعفاء والمساكين ؟ ! فقال اللّه لها : ألا ترضين أنّي

زينت أركانك بالحسن والحسين ، قال : فماست كما تميس العروس فرحا(1) .

وفي أمالي الشيخ عن النبي صلى الله عليه و آله قال : الحسن والحسين يوم القيامة عن جنبي عرش الرحمن - تبارك وتعالى - بمنزلة الشقين من الوجه(2) .

وفي الكفاية عن طارق بن شهاب قال : قال أمير المومنين عليه السلام للحسن والحسين : أنتما إمامان بعقبي(3) ، وسيدا شباب أهل الجنة ، والمعصومان ، حفظكما اللّه ولعنة اللّه على من عاداكما(4) .

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله : الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما ، وأمهما أفضل نساء أهل الأرض(5) .

وفي كتاب قرب الإسناد قال رسول

اللّه صلى الله عليه و آله : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما ، أمّا الحسن فأنحله الهيبة والحلم ، وأمّا الحسين فأنحله

الجود والرحمة(6) .

وفي كتاب الخصال : أتت فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بإبنيها الحسن والحسين عليهماالسلام

إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في شكواه الذي توفي فيه ، فقالت : يا رسول

اللّه هذان ابناك فورثهما شيئا ، قال : أمّا الحسن فإنّ له هيبتي وسؤدي ، وأمّا الحسين فإنّ له جرأتي وجودي(7) . وروي في الإرشاد مثله .

ص: 59


1- كامل الزيارات : 51 الباب الرابع عشر .
2- الإرشاد : 2/ 127 باب طرف من فضائل الحسين عليه السلام ، الأمالي للطوسي : 350 المجلس الثاني عشر .
3- في المصدر : « بعدي » .
4- كفاية الأثر : 221 باب ما جاء عن أمير المومنين عليه السلام .
5- عيون أخبارالرضا عليه السلام : 2/ 62 باب 31 .
6- قرب الإسناد : 53 و54 الجزء الأول ، وهما حديثان في المصدر .
7- الخصال : 1/77 نحل النبي صلى الله عليه و آله الحسن والحسين عليهماالسلام خصلتين .

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام بالإسناد عن علي بن أبي طالب عليه السلام(1) قال : إنّ الحسن والحسين كانا يلعبان عند النبي صلى الله عليه و آله حتى مضى عامة الليل ، ثم قال لهما : إنصرفا إلى أمكما ، فبرقت برقة فما زالت تضيء لهما حتى دخلا على فاطمة ، والنبي صلى الله عليه و آله ينظر إلى البرقة ، فقال : الحمد للّه الذي أكرمنا أهل البيت(2) .

وفي الأمالي : عن ابن أبي نعيم قال : شهدت ابن عمر وأتاه رجل فسأله عن دم البعوضة ، فقال : ممن أنت ؟ قال : من أهل العراق ، قال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوضة وقد قتلوا ابن رسول اللّه ، وسمعت رسول اللّه يقول : إنّهما ريحانتي من الدنيا ، يعني الحسن الحسين عليهماالسلام(3) .

وفي الأمالي : عن أبي عبد اللّه الصادق جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه محمد بن علي

الباقر عن أبيه عليه السلام قال : مرض النبي صلى الله عليه و آله المرضة التي عوفي منها ، فعادته فاطمة عليهاالسلام سيدة النساء ومعها الحسن والحسين ، قد أخذت الحسن بيدها اليمنى وأخذت الحسين بيدها اليسرى ، وهما يمشيان وفاطمة بينهما حتى دخلوا منزل عائشة ، فقعد الحسن عليه السلام على جانب رسول اللّه الأيمن ، والحسين على جانب رسول اللّه الأيسر ، فأقبلا يغمزان ما يليهما من بدن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فما أفاق النبي صلى الله عليه و آله من نومه ، فقالت فاطمة للحسن والحسين : حبيبيّ إنّ جدّكما قد غفا فانصرفا ساعتكما هذه ودعاه حتى يفيق وترجعان إليه ، فقالا : لسنا ببارحين في وقتنا هذا ، فاضطجع الحسن على عضد النبي صلى الله عليه و آله الأيمن والحسين على عضده الأيسر ، فغفيا ، وانتبها قبل أن ينتبه النبي صلى الله عليه و آله ، وقد كانت فاطمة عليهاالسلام لما ناما انصرفت إلى منزلها ، فقالا لعائشة : ما فعلت أمنا ؟ قالت : لما نمتما رجعت إلى منزلها .

فخرجا في ليلة ظلماء مدلهمة ذات رعد وبرق ، وقد أرخت السماء عزاليها ، فسطع لهما نور فلم يزالا يمشيان في ذلك النور ، والحسن قابض بيده اليمنى على يد الحسين

ص: 60


1- في المتن : « عن الرضا عليه السلام » .
2- عيون أخبارالرضا 7 : 2/ 39 باب 31 ح121 .
3- الأمالي للصدوق : 143 المجلس29 .

اليسرى ، وهما يتماشيان ويتحدثان حتى أتيا حديقة بني النجار ، فلمّا بلغا الحديقة حارا ، فبقيا لا يعلمان أين يأخذان ، فقال الحسن للحسين عليهماالسلام : إنا قد حرنا وبقينا على حالتنا هذه وما ندري أين نسلك ، فلا عليك أن ننام في وقتنا هذا حتى نصبح ، فقال له الحسين عليه السلام : دونك يا أخي فافعل ما ترى ، فاضطجعا جميعا واعتنق كلّ واحد منهما صاحبه وناما .

وانتبه النبي صلى الله عليه و آله من نومته التي نامها ، فطلبهما في منزل فاطمة فلم يكونا فيه وافتقدهما ، فقام عليه السلام قائما على رجليه وهو يقول : إلهي وسيدي ومولاي هذان

شبلاي خرجا من المخمصة والمجاعة ، اللّهم أنت وكيلي عليهما ، فسطع للنبي نور فلم يزل يمضي في ذلك النور حتى أتى حديقة بني النجار ، فإذا هما نائما قد اعتنق كلّ واحد منهما صاحبه ، وقد تقشعت السماء فوقهما كطبق ، فهي تمطر كأشدّ مطر ما رآه الناس قط ، وقد منع اللّه - عزّ وجلّ - المطر منهما في البقعة التي هما فيها نائمان لا يمطر عليهما قطرة وقد اكتنفتهما حية لها شعرات كآجام القصب وجناحان ، جناح قد غطت به الحسن وجناح قد غطت به الحسين ، فلمّا أن بصر بهما النبي تنحنح فانسابت الحية وهي تقول : اللّهم إنّي أشهدك وأشهد ملائكتك أن هذين شبلا نبيك قد حفظتهما عليه ودفعتهما إليه سالمين صحيحين .

فقال لها النبي صلى الله عليه و آله : أيّتها الحية ممن أنت ؟ قالت : أنا رسول الجن إليك ، قال : أي الجن ؟ قالت : جن نصيبين ، نفر من بني مليح نسينا آية من كتاب اللّه - عزّ وجلّ -

فبعثوني إليك لتعلمنا ما نسينا من كتاب اللّه ، فلمّا بلغت هذا الموضع سمعت مناديا

ينادي : أيّتها الحية ، هذان شبلا رسول اللّه فاحفظيهما من الآفات والعاهات ومن طوارق الليل والنهار ، فقد حفظتهما وسلّمتهما إليك سالمين صحيحين .

وأخذت الحية الآية وانصرفت ، وأخذ النبي صلى الله عليه و آله الحسن فوضعه على عاتقه الأيمن ، ووضع الحسين على عاتقه الأيسر ، وخرج علي عليه السلام فلحق برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال له بعض أصحابه : بأبي أنت وأمي ادفع إليّ أحد شبليك أخفف عنك ، فقال : امض فقد سمع اللّه كلامك وعرف مقامك ، وتلقاه آخر فقال : بأبي أنت وأمي ادفع

ص: 61

إليّ أحد شبليك أخفف عنك ، فقال : امض فقد سمع اللّه كلامك وعرف مقامك ، فتلقاه علي عليه السلام فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ادفع لي أحد شبلي وشبليك حتى أخفف عنك ، فالتفت النبي صلى الله عليه و آله إلى الحسن فقال : يا حسن هل تمضي إلى كتف أبيك ؟ فقال له : واللّه يا جداه إنّ كتفك لأحبّ إليّ من كتف أبي ، ثم إلتفت إلى الحسين عليه السلام فقال : يا حسين هل تمضي إلى كتف أبيك ؟ فقال له : واللّه يا جداه إنّي لأقول لك كما قال أخي الحسن ، إنّ كتفك لأحبّ إليّ من كتف أبي ، فأقبل بهما إلى منزل فاطمة عليهاالسلام وقد ادخرت لهما تميرات فوضعتها بين أيديهما فأكلا وشبعا وفرحا .

فقال لهما النبي صلى الله عليه و آله : قوما الآن فاصطرعا ، فقاما ليصطرعا وقد خرجت فاطمة

في بعض حاجتها ، فدخلت فسمعت النبي وهو يقول : إيه يا حسن شدّ على الحسين فاصرعه ، فقالت له : يا أبة وا عجباه ! أتشجّع هذا على هذا ؟ ! أتشجّع الكبير على الصغير ؟! فقال لها : يا بنية ، أما ترضين أن أقول أنا : يا حسن شدّ على الحسين فاصرعه ، وهذا حبيبي جبرئيل يقول : يا حسين شدّ على الحسن فاصرعه(1) .

وفي كشف الغمة : عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهماالسلام قال : مرض النبي صلى الله عليه و آله فأتاه جبرئيل بطبق فيه رمان وعنب ، فأكل النبي منه فسبح ، ثم دخل عليه الحسن والحسين فتناولا منه فسبح الرمان والعنب ، ثم دخل علي فتناول منه فسبح أيضا ، ثم دخل رجل من أصحابه فأكل فلم يسبح ، فقال جبرئيل : إنّما يأكل هذا نبي أو وصي أو ولد نبي(2) .

وعن الحسن البصري وأم سلمة : أنّ الحسن والحسين دخلا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله

وبين يديه جبرئيل ، فجعلا يدوران حوله يشبهانه بدحية الكلبي ، فجعل جبرئيل يومي بيده كالمتناول شيئا ، فإذا في يده تفاحة وسفرجلة ورمانة ، فناولهما وتهلل وجهاهما ، وسعيا إلى جدهما ، فأخذ منهما ، فشمّهما ، ثم قال : صيرا إلى أمكما بما معكما وابدءا بأبيكما ، فصارا كما أمرهما ، فلم يأكلوا حتى صار النبي إليهم فأكلوا جميعا ، فلم يزل كلّما أكل منه عاد إلى ما كان حتى قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ص: 62


1- الأمالي للصدوق : 444 .
2- المناقب : 3/390 .

قال الحسين عليه السلام : فلم يلحقه التغيير والنقصان أيام فاطمة بنت رسول اللّه حتى توفيت ، فلمّا توفيت فقدنا الرمان ، وبقي التفاح والسفرجل أيام أبي ، فلمّا استشهد أمير المومنين فقد السفرجل ، وبقي التفاح على هيئته عند الحسن حتى مات في سمه ، وبقيت التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء ، فكنت أشمها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي ، فلمّا إشتد عليّ العطش عضضتها وأيقنت بالفناء .

قال علي بن الحسين عليه السلام : سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة ، فلمّا قضى نحبه وجد ريحها في مصرعه ، فالتمست ولم ير لها أثر ، فبقي ريحها بعد الحسين ، ولقد زرت قبره فوجدت ريحها تفوح من قبره ، فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فيلتمس ذلك في أوقات السحر ، فإنّه يجده إذا كان مخلصا(1) .

وفي المناقب لابن شهرآشوب بإسناده عن موسى بن جعفر عليهماالسلام في قوله تعالى : « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ » قال : الحسن والحسين ، «وَطُورِ سِينِينَ » قال : علي بن أبي طالب ، « وَهذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ » قال : محمد ، « لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » ، قال : الأول - يعني أبا بكر - ، « ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ » ببغضه أمير المومنين ، « إِلاّ

الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » علي بن أبي طالب « فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ» يا محمد ولاية علي بن أبي طالب « أَلَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ »(2) .

وفي كتاب الأمالي : أخبرنا أبو الفتح الحفار بن عباس وأبو رافع عن ابن عباس قال : كنّا جلوسا مع النبي صلى الله عليه و آله إذ هبط عليه الأمين جبرئيل عليه السلام ومعه جام من البلور الأحمر مملوءة مسكا وعنبرا ، وكان إلى جنب رسول اللّه صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب عليه السلام

وولداه الحسن الحسين عليهماالسلام ، فقال له : السلام عليك ، اللّه يقرأ عليك السلام ويحييك بهذه التحية ، ويأمرك أن تحيي بها عليا وولديه .

قال ابن عباس : فلمّا صارت في كفّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله هلّل ثلاثا ، وكبّر ثلاثا ، ثم قالت بلسان ذرب طلق : بسم اللّه الرحمن الرحيم « طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ

ص: 63


1- المناقب : 3/ 391 فصل في معجزاتهما .
2- المناقب : 3/ 393 فصل في معالي أمورهما .

الْقُرْآنَ لِتَشْقى »، فاشتمها النبي صلى الله عليه و آله وحيّا بها عليا عليه السلام ، فلمّا صارت في كفّ علي عليه السلام

قالت : بسم اللّه الرحمن الرحيم « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » ، فاشتمها علي عليه السلام وحيّا بها الحسن عليه السلام ، فلمّا صارت في كفّ الحسن قالت : بسم اللّه الرحمن الرحيم « عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ » ، فاشتمها الحسن عليه السلام وحيّا بها الحسين عليه السلام ، فلمّا صارت في كفّ الحسين عليه السلام قالت : بسم اللّه الرحمن الرحيم « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ » ، ثم ردّت إلى النبي صلى الله عليه و آله فقالت : بسم اللّه الرحمن الرحيم « اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ » .

قال ابن عباس : فلا أدري إلى السماء صعدت أم في الأرض توارت بقدرة اللّه - عز وجلّ -.

وفي كتاب المعالم : أنّ ملكا نزل من السماء على صفة الطير فقعد على يد النبي فسلّم عليه بالنبوة ، وعلى يد علي فسلّم عليه بالوصية ، وعلى يد الحسن والحسين فسلّم عليهما بالخلافة ، فقال رسول اللّه : لم لم تقعد على يد فلان ، فقال : أنا لا أقعد في أرض عصي عليها اللّه فكيف أقعد على يد عصت اللّه (1) .

وروى ركن الأئمة عبد الحميد بن ميكائيل بإسناده عن عائشة قالت : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله جائعا لا يقدر على ما يأكل فقال لي : هاتي رداي ، فقلت : أين تريد ؟ قال : إلى فاطمة ابنتي ، فانظر إلى الحسن والحسين فيذهب بعض ما بي من الجوع ، فخرج حتى دخل على فاطمة عليهاالسلام فقال : يا فاطمة أين ابناي ؟ فقالت : يا رسول اللّه خرجا من الجوع وهما يبكيان ، فخرج النبي صلى الله عليه و آله في طلبهما فرأى أبا الدرداء ، فقال : يا عويمر ، هل رأيت ابني ؟ قال : نعم يا رسول اللّه هما نائمان في ظلّ حائط

بني جدعان ، فانطلق النبي فضمهما وهما يبكيان وهو يمسح الدموع عنهما ، فقال له أبو الدرداء : دعني أحملهما ، فقال : يا أبا الدرداء دعني أمسح الدموع عنهما ،

ص: 64


1- المناقب : 3/ 392 فصل في معجزاتهما .

فو الذي بعثني بالحقّ نبيا لو قطر قطرة في الأرض لبقيت المجاعة في أمتي إلى يوم القيامة ، ثم حملهما وهما يبكيان وهو يبكي .

فجاء جبرئيل فقال : السلام عليك يا محمد ، ربّ العزة - جل جلاله - يقرئك السلام ويقول : ما هذا الجزع ؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا جبرئيل ما أبكي جزعا بل أبكي من ذلّ الدنيا ، فقال جبرئيل : إنّ اللّه - تعالى - يقول : أيسرّك أن أحوّل لك أحدا ذهبا ولا ينقص لك مما عندي شيء ؟ قال : لا ، قال : لم ؟ قال : لأنّ اللّه - تعالى - لم يحبّ

الدنيا ، ولو أحبّها لما جعل للكافر أكملها ، فقال جبرئيل عليه السلام : يا محمد ادع بالجفنة المنكوسة التي في ناحية البيت ، قال : فدعا بها ، فلمّا حملت فإذا فيها ثريد ولحم كثير ، فقال : كل يا محمد وأطعم ابنيك وأهل بيتك ، قال : فأكلوا فشبعوا ، قال : ثم أرسل بها إليّ فأكلوا وشبعوا وهي على حالها ، قال : ما رأيت جفنة أعظم بركة منها ، فرفعت عنهم فقال النبي صلى الله عليه و آله : والذي بعثني بالحق لو سكت لتداولها فقراء أمتي إلى يوم القيامة (1) .

وروى الطبري(2) بإسناده عن سلمان قال : كنّا حول النبي صلى الله عليه و آله فجاءت أم أيمن فقالت : يا رسول اللّه لقد ضلّ الحسن والحسين وذلك عند ارتفاع النهار ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : قوموا فاطلبوا ابني ، فأخذ كلّ رجل تجاه وجهه وأخذت نحو النبي صلى الله عليه و آله فلم يزل حتى أتى سفح الجبل ، وإذا الحسن والحسين عليهماالسلام ملتزق كلّ واحد منهما بصاحبه ، وإذا شجاع قائم على ذنبه يخرج من فيه شبه النار ، فأسرع إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فالتفت مخاطبا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم أنساب فدخل بعض الأجحرة ، ثم أتاهما فأفرق بينهما ومسح وجوههما وقال : بأبي وأمي أنتما ما أكرمكما على اللّه ، ثم

حمل أحدهما على عاتقه الأيمن والآخر على عاتقه الأيسر ، فقلت : طوباكما نعم المطية مطيتكما ، فقال رسول اللّه : ونعم الراكبان هما ، وأبوهما خير منهما(3) .

ص: 65


1- بحارالأنوار : 43/ 309 باب 12 .
2- في البحار : « عن الطبراني » .
3- بحارالأنوار : 43/ 308 باب 12 .

وروي في المراسيل : أنّ الحسن والحسين كانا يكتبان فقال الحسن للحسين : خطي أحسن من خطك ، وقال الحسين : لا بل خطي أحسن من خطك ، فقالا لفاطمة : احكمي بيننا ، فكرهت فاطمة أن تؤي أحدهما فقالت لهما : سلا أباكما ، فسألاه ، فكره أن يؤي أحدهما فقال : سلا جدكما رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال صلى الله عليه و آله : لا أحكم بينكما حتى أسأل جبرئيل ، فلمّا جاء جبرئيل قال : لا أحكم بينهما ولكن إسرافيل يحكم بينهما ، فقال إسرافيل : لا أحكم بينهما ولكن أسأل اللّه أن يحكم بينهما .

فسأل اللّه - تعالى - ذلك فقال - تعالى - : لا أحكم بينهما ولكن أمهما فاطمة تحكم بينهما ، فقالت فاطمة : احكم بينهما يا ربّ ، وكانت لها قلادة ، فقالت لهما : أنا أنثر بينكما جواهر هذه القلادة فمن أخذ منها أكثر فخطّه أحسن ، فنثرتها ، وكان جبرئيل وقتئذ عند قائمة العرش ، فأمره اللّه - تعالى - أن يهبط إلى الأرض وينصف الجواهر بينهما كيلا يتأذى أحدهما ، ففعل ذلك جبرئيل إكراما لهما وتعظيما(1) .

وروي في بحار الأنوار : أنّ أعرابيا أتى الرسول صلى الله عليه و آله فقال له : يا رسول اللّه ، لقد صدت خشفة غزالة وأتيت بها إليك هدية لولديك الحسن والحسين ، فقبلها النبي صلى الله عليه و آله ودعا له بالخير ، فإذا الحسن عليه السلام واقف عند جده فرغب إليها فأعطاه

إياها ، فما مضى ساعة إلاّ والحسين عليه السلام قد أقبل ، فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها

فقال : يا أخي من أين لك هذه الخشفة ؟ فقال الحسن عليه السلام : أعطانيها جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فسار الحسين عليه السلام مسرعا إلى جده فقال : يا جداه أعطيت أخي

خشفة يلعب بها ولم تعطني مثلها ، وجعل يكرر القول على جده وهو ساكت لكنه يسلي خاطره ويلاطفه بشيء من الكلام حتى أفضى من أمر الحسين عليه السلام إلى أنّ همّ يبكي .

ص: 66


1- بحار الأنوار : 43/ 309 باب 12 .

فبينما هو كذلك إذ نحن بصياح قد ارتفع عند باب المسجد ، فنظرنا فإذا ظبية ومعها خشفها ومن خلفها ذئبة تسوقها إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتضربها بأحد أطرافها حتى أتت بها إلى النبي صلى الله عليه و آله ، ثم نطقت الغزالة بلسان فصيح وقالت : يا رسول اللّه قد كانت لي خشفتان إحداهما صادها الصياد وأتى بها إليك وبقيت لي هذه الأخرى وأنا بها مسرورة ، وإنّي كنت الآن أرضعها فسمعت قائلا يقول : أسرعي أسرعي يا غزالة بخشفك إلى النبي محمد وأوصليه سريعا ، لأنّ الحسين واقف بين يدي جده وقد همّ أن يبكي والملائكة بأجمعهم قد رفعوا رؤوسهم من صوامع العبادة ، ولو بكى الحسين عليه السلام لبكت الملائكة المقربون لبكائه ، وسمعت أيضا قائلا يقول : أسرعي يا غزالة قبل جريان الدموع على خدّ الحسين عليه السلام ، فإن لم تفعلي سلطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفك ، فأتيت بخشفي إليك يا رسول اللّه وقطعت مسافة بعيدة ، ولكن طويت لي الأرض حتى أتيتك سريعة ، وأنا أحمد اللّه ربّي على أن جئتك قبل جريان دموع الحسين عليه السلام على خده .

فارتفع التهليل والتكبير من الأصحاب ، ودعا النبي صلى الله عليه و آله للغزالة بالخير والبركة ،

وأخذ الحسين عليه السلام الخشفة وأتى بها إلى أمه الزهراء عليهاالسلام ، فسرت بذلك سرورا عظيما(1).

وروي مرفوعا إلى إسحاق بن سليمان الهاشمي عن أبيه قال : كنّا عند أمير المومنين هارون الرشيد ، فتذاكروا علي بن أبي طالب فقال أمير المومنين هارون : تزعم العوام أنّي أبغض عليا وولده حسنا وحسينا ، ولا واللّه ما ذلك كما يظنون ولكن ولده هؤاء طالبنا بدم الحسين معهم في السهل والجبل حتى قتلنا قتلته ثم أفضى إلينا هذا الأمر فخالطناهم فحسدونا وخرجوا علينا فحلوا قطيعتهم .

واللّه لقد حدثني أبي المهدي عن أبي جعفر المنصور عن محمد بن علي بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن عباس قال : بينما نحن عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ أقبلت فاطمة عليهاالسلام تبكي فقال لها النبي صلى الله عليه و آله : ما يبكيك ؟ قالت : يا رسول اللّه إنّ الحسن والحسين

ص: 67


1- بحارالأنوار : 43/312 باب 12 .

خرجا فواللّه ما أدري أين سلكا ؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله : لا تبكين فداك أبوك ، فإن اللّه - جلّ وعزّ - خلقهما وهو أرحم بهما ، اللّهم إن كانا أخذا في بر فاحفظهما وإن كانا أخذا في بحر فسلّمهما .

فهبط جبرئيل عليه السلام فقال : يا أحمد لا تغتم ولا تحزن هما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة وأبوهما خير منهما ، وهما في حظيرة بني النجار نائمين وقد وكّل اللّه بهما ملكا يحفظهما .

قال ابن عباس : فقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقمنا معه حتى أتينا حظيرة بني النجار ، فإذا الحسن معانق الحسين ، وإذا الملك قد غطاهما بأحد جناحيه ، فحمل النبي صلى الله عليه و آله الحسن وأخذ الحسين الملك والناس يرون أنّه حاملهما ، فقال له أبو بكر وأبو أيوب الأنصاري : يا رسول اللّه ألا نخفف عنك بحمل أحد الصبيين ؟ فقال : دعاهما فإنّهما

فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة وأبوهما خير منهما . ثم قال : واللّه لأشرفنّهما

اليوم بما شرفهما اللّه فخطب فقال :

أيّها الناس ألا أخبركم بخير الناس جدا وجدة ؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : الحسن والحسين ، جدهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجدتهما خديجة بنت خويلد ، ألا أخبركم - أيّها الناس - بخير الناس أبا وأما ؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : الحسن والحسين

أبوهما علي بن أبي طالب وأمهما فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله ، ألا أخبركم - أيّها الناس - بخير الناس عما وعمة ؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : الحسن الحسين عمهما جعفر بن أبي طالب وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب ، أيّها الناس ، ألا أخبركم بخير الناس خالا وخالة ؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : الحسن والحسين خالهما القاسم بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخالتهما زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ألا إن أباهما في الجنة ، وأمهما في الجنة ، وجدهما في الجنة ، وجدتهما في الجنة ، وخالهما في الجنة ، وخالتهما في الجنة ، وعمهما في الجنة ، وعمتهما في الجنة ، وهما في الجنة ، ومن أحبّهما في الجنة ، ومن أحبّ

من أحبّهما في الجنة(1) .

ص: 68


1- كشف الغمة : 1/ 523 الخامس فيما ورد في حقه من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وفي كتاب الإرشاد والروضة والأعلام وشرف النبي صلى الله عليه و آله وجامع الترمذي وإبانة العكبري من ثمانية طرق رواه أنس وأبو جحيفة : أنّ الحسين كان يشبه النبي صلى الله عليه و آله من صدره إلى رأسه ، والحسن يشبه به من صدره إلى رجليه(1) .

وفي المناقب : واجتمع أهل القبلة على أنّ النبي قال : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا(2) .

ويمكن أن يكون كلامه صلى الله عليه و آله كناية عن أنّهما خليفتان وإمامان سواء كانا حاكمين

ظاهرا آخذين بحقّهما في الخلافة أو أنّهما مظلومان مقهوران ، فهما الإمامان بالحقّ ووجود الخلافة الظاهرية وعدمها لا تؤثر في سلطانهما شيء .

ومن فرط محبة رسول اللّه للحسنين وعظم فضيلتهما أضاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ركعتين الى نافلة المغرب عند ولادة الحسن وركعتين عند ولادة الحسين(3) .

وفي تفسير فرات بن إبراهيم : عن ابن عباس(4) في قوله تعالى « يُؤتِكُمْ كِفْلَيْنِ

مِنْ رَحْمَتِهِ » يعني حسنا وحسينا قال : ما ضرّ من أكرمه اللّه أن يكون من شيعتنا ما أصابه في الدنيا ولو لم يقدر على شيء يأكله إلاّ الحشيش(5) .

وروي مرفوعا إلى أسامة بن زيد : أن النبي صلى الله عليه و آله كان يقعده على فخذه ، ويقعد الحسين على الفخذ الأخرى ويقول : اللّهم إرحمهما فإنّي أرحمهما(6) .

ص: 69


1- بحارالأنوار : 43/ 293 باب 12 .
2- المناقب : 3/ 394 فصل في معالي أمورهما .
3- في الحديث كما في علل الشرائع باب 15 ح 1 : فلمّا أن ولد الحسن عليه السلام أضاف إليها ركعتين شكرا للّه - عزّ وجلّ - فلمّا أن ولد الحسين عليه السلام أضاف إليها ركعتين شكرا للّه - عزّ وجل - .
4- في تفسير فرات : علي بن محمد الزهري معنعنا عن جابر الأنصاري عن أبي جعفر عليه السلام .
5- بحار الأنوار : 43/ 307 باب 12 فضائلهما ومناقبهما .
6- بحارالأنوار : 43/ 305 باب 12 فضائلهما ومناقبهما ، كشف الغمة : 1/ 528 ، ورواه البخاري في الأدب .

وروي مرفوعا إلى ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوبا « لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله علي حبيب اللّه الحسن والحسين صفوة اللّه فاطمة أمة اللّه على باغضيهم لعنة اللّه »(1) .

وروي عن محمد بن أحمد بن علي بن شاذان بإسناده عن ابن عباس قال : كنت جالسا بين يدي النبي صلى الله عليه و آله ذات يوم وبين يديه علي وفاطمة والحسن والحسين إذ هبط جبرئيل عليه السلام ومعه تفاحة ، فحيّا بها النبي صلى الله عليه و آله فتحيّا بها النبي صلى الله عليه و آلهوحيّا بها علي بن أبي طالب ، فتحيّا بها علي وقبّلها وردّها إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فتحيّا بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحيّا بها الحسن ، وتحيّا بها الحسن وقبّلها وردّها إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فتحيّا بها رسول اللّه وحيّا بها الحسين ، فتحيّا بها الحسين وقبّلها وردّها إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فتحيّا بها وحيّا بها فاطمة ، فتحيّت بها وقبّلتها وردّتها إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فتحيّا بها الرابعة وحيّا بها علي بن أبي طالب ، فتحيّا بها علي بن أبي طالب ، فلمّا همّ أن يردّها إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله سقطت التفاحة من بين أنامله ، فانفلقت بنصفين ، فسطع منها نور حتى بلغ إلى السماء الدنيا ، فإذا عليها سطران مكتوبان : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تحيّة من اللّه - تعالى - إلى محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين سبطي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمان لمحبّيهم يوم القيامة من النار(2) .

وبإسناده قال عمر : سمعت رسول

اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّ فاطمة وعليا والحسن والحسين في حظيرة القدس في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن - عزّ وجل(3) .

وبإسناده عن زاذان عن سلمان قال : أتيت النبي صلى الله عليه و آله فسلّمت عليه ثم دخلت على فاطمة عليهاالسلام فقالت : يا عبد اللّه هذان الحسن والحسين جائعان يبكيان

ص: 70


1- كشف الغمة 1/526 ، بحار الأنوار : 43/ 303 باب 12 فضائلهما ومناقبهما .
2- الأمالي للصدوق : 596 المجلس 87 ح3 ، بحار الأنوار : 43/307 باب 12 فضائلهما ومناقبهما .
3- كشف الغمة 1/526 ، بحار الأنوار : 43/ 303 باب 12 فضائلهما ومناقبهما .

فخذ بأيديهما فاخرج بهما إلى جدهما ، فأخذت بأيديهما وحملتهما حتى أتيت بهما إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : ما لكما يا حسناي ؟ قالا : نشتهي طعاما يا رسول اللّه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم أطعمهما - ثلاثا - .

قال : فنظرت فإذا سفرجلة في يد رسول اللّه صلى الله عليه و آله شبيهة بقلة من قلال هجر ، أشدّ بياضا من الثلج وأحلى من العسل وألين من الزبد ، ففركها صلى الله عليه و آله بإبهامه فصيرها نصفين ، ثم دفع إلى الحسن نصفها وإلى الحسين نصفها ، فجعلت أنظر إلى النصفين في أيديهما وأنا أشتهيها ، قال : يا سلمان هذا طعام من الجنة لا يأكله أحد حتى ينجو من الحساب(1) .

وروى أبو عبد اللّه المفيد النيسابوري في أماليه قال الرضا عليه السلام : عري الحسن والحسين - صلوات اللّه عليهما - وأدركهما العيد فقالا لأمهما : قد زينوا صبيان المدينة

إلاّ نحن فما لك لا تزيننا ؟ فقالت : إنّ ثيابكما عند الخياط فإذا أتاني زينتكما ، فلمّا

كانت ليلة العيد أعادا القول على أمهما ، فبكت ورحمتهما فقالت لهما ما قالت في الأولى ، فردوا عليها .

فلمّا أخذ الظلام قرع الباب قارع ، فقالت فاطمة : من هذا ؟ قال : يا بنت رسول اللّه ، أنا الخياط جئت بالثياب ، ففتحت الباب فإذا رجل ومعه من لباس العيد ، قالت فاطمة : واللّه لم أر رجلا أهيب سيمة منه ، فناولها منديلا مشدودا ثم

انصرف ، فدخلت فاطمة ففتحت المنديل فإذا فيه قميصان ودراعتان وسروالان ورداءان وعمامتان وخفان أسودان معقبان بحمرة ، فأيقظتهما وألبستهما ، فدخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهما مزينان فحملهما وقبّلهما ، ثم قال : رأيت الخياط ؟ قالت : نعم يا رسول اللّه ، والذي أنفذته من الثياب ، قال : يا بنية ما هو خياط ، إنّما هو رضوان

خازن الجنة ، قالت فاطمة : فمن أخبرك يا رسول اللّه ؟ قال : ما عرج حتى جاءني وأخبرني بذلك(2) .

ص: 71


1- بحار الأنوار : 43/ 308 باب 12 فضائلهما ومناقبهما .
2- المناقب : 3/391 ، بحار الأنوار : 43/ 289 باب 12 فضائلهما ومناقبهما .

روي عن جماعة من الصحابة قالوا : دخل النبي صلى الله عليه و آله دار فاطمة عليهاالسلام فقال : يا فاطمة إنّ أباك اليوم ضيفك ، فقالت عليهاالسلام : يا أبت إنّ الحسن والحسين يطالباني بشيء من الزاد فلم أجد لهما شيئا يقتاتان به ، ثم إنّ النبي صلى الله عليه و آله دخل وجلس مع علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام ، وفاطمة متحيرة ما تدري كيف تصنع ؟

ثم إنّ النبي صلى الله عليه و آله نظر إلى السماء ساعة وإذا بجبرئيل عليه السلام قد نزل وقال : يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك : قل لعلي وفاطمة والحسن الحسين : أي شيء يشتهون من فواكه الجنة ؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ويا فاطمة ويا حسن ويا حسين إنّ ربّ العزّة علم أنّكم جياع فأي شيء تشتهون من فواكه الجنة ؟ فأمسكوا عن الكلام ولم يردوا جوابا حياء من النبي صلى الله عليه و آله ، فقال الحسين عليه السلام : عن إذنك يا أباه يا أمير المومنين ، وعن إذنك يا أماه يا سيدة نساء العالمين ، وعن إذنك يا أخاه الحسن الزكي ، أختار لكم شيئا من فواكه الجنة ؟ فقالوا

جميعا : قل يا حسين ما شئت فقد رضينا بما تختاره لنا ، فقال : يا رسول اللّه ، قل

لجبرئيل : إنّا نشتهي رطبا جنيا ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : قد علم اللّه ذلك .

ثم قال : يا فاطمة قومي وادخلي البيت وأحضري إلينا ما فيه ، فدخلت فرأت فيه طبقا من البلور مغطى بمنديل من السندس الأخضر وفيه رطب جني في غير أوانه ، فقال النبي : يا فاطمة « أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ » كما قالت مريم بنت عمران .

فقام النبي صلى الله عليه و آله وتناوله وقدمه بين أيديهم ، ثم قال : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، ثم أخذ رطبة واحدة فوضعها في فم الحسين عليه السلام ، فقال: هنيئا مريئا لك يا حسين ، ثم أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن وقال : هنيئا مريئا يا حسن ، ثم أخذ رطبة ثالثة فوضعها في فم فاطمة الزهراء عليهاالسلام وقال لها : هنيئا مريئا لك يا فاطمة الزهراء ، ثم أخذ رطبة رابعة فوضعها في فم علي عليه السلام وقال: هنيئا مريئا لك يا علي، ثم ناول عليا رطبة أخرى والنبي صلى الله عليه و آله يقول له : هنيئا مريئا لك يا علي، ثم وثب النبي صلى الله عليه و آله قائما ثم جلس، ثم أكلوا جميعا من ذلك الرطب، فلمّا اكتفوا وشبعوا ارتفعت المائدة إلى السماء بإذن اللّه - تعالى - .

ص: 72

فقالت فاطمة : يا أبة لقد رأيت اليوم منك عجبا ! فقال : يا فاطمة ، أمّا الرطبة الأولى التي وضعتها في فم الحسين وقلت له : هنيئا يا حسين ، فإنّي سمعت ميكائيل وإسرافيل يقولان : هنيئا لك يا حسين ، فقلت أيضا موافقا لهما في القول ، ثم أخذت الثانية فوضعتها في فم الحسن ، فسمعت جبرئيل وميكائيل يقولان : هنيئا لك يا حسن ، فقلت أنا موافقا لهما في القول ، ثم أخذت الثالثة فوضعتها في فمك يا فاطمة ، فسمعت الحور العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان وهن يقلن : هنيئا لك يا فاطمة ، فقلت موافقا لهن بالقول ، ولما أخذت الرابعة فوضعتها فم علي سمعت النداء من قبل الحق - سبحانه وتعالى - يقول : هنيئا مريئا لك يا علي فقلت موافقا لقول اللّه

- عزّ وجلّ - ، ثم ناولت عليا رطبة أخرى ثم أخرى وأنا أسمع صوت الحق - سبحانه وتعالى - يقول : هنيئا مريئا لك يا علي ، ثم قمت إجلالا لربّ العزة - جلّ جلاله - فسمعته يقول :

يا محمد وعزتي وجلالي لو ناولت عليا من هذه الساعة إلى يوم القيامة رطبة رطبة لقلت له : هنيئا مريئا بغير انقطاع(1) .

وروي عن سلمان الفارسي قال : أهدي إلى النبي صلى الله عليه و آله قطف من العنب في غير أوانه ، فقال لي : يا سلمان ائتني بولدي الحسن والحسين ليأكلا معي من هذا العنب .

قال سلمان الفارسي : فذهبت أطرق عليهما منزل أمهما ، فلم أرهما فأتيت منزل

أختهما أم كلثوم فلم أرهما ، فجئت فخبرت النبي صلى الله عليه و آله بذلك فاضطرب ووثب قائما وهو يقول : وا ولداه وا قرة عيناه من يرشدني عليهما فله على اللّه الجنة ، فنزل جبرئيل من السماء وقال : يا محمد علام هذا الانزعاج ؟ فقال : على ولدي الحسن والحسين ، فإني خائف عليهما من كيد اليهود ، فقال جبرئيل : يا محمد بل خف عليهما من كيد المنافقين ، فإنّ كيدهم أشدّ من كيد اليهود ، واعلم يا محمد إن ابنيك الحسن والحسين نائمان في حديقة أبي الدحداح ، فصار النبي صلى الله عليه و آله من وقته وساعته إلى

ص: 73


1- بحار الأنوار : 43/310 باب 12 فضائلهما ومناقبهما .

الحديقة ، وأنا معه ، حتى دخلنا الحديقة وإذا هما نائمان وقد اعتنق أحدهما الآخر وثعبان في فيه طاقة ريحان يروح بها وجهيهما ، فلمّا رأى الثعبان النبي صلى الله عليه و آله ألقى ما كان في فيه فقال : السلام عليك يا رسول اللّه ، لست أنا ثعبانا ولكني ملك من ملائكة

اللّه الكروبيين غفلت عن ذكر ربّي طرفة عين فغضب عليّ ربّي ومسخني ثعبانا كما ترى وطردني من السماء إلى الأرض ، وإنّي منذ سنين كثيرة أقصد كريما على اللّه فأسأله أن يشفع لي عند ربّي عسى أن يرحمني ويعيدني ملكا كما كنت أولا « إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » .

قال : فجثا النبي صلى الله عليه و آله يقبلهما حتى استيقظا فجلسا على ركبتي النبي صلى الله عليه و آله فقال لهما النبي صلى الله عليه و آله : انظرا يا ولدي هذا ملك من ملائكة اللّه الكروبيين قد غفل عن ذكر ربّه طرفة عين فجعله اللّه هكذا وأنا مستشفع بكما إلى اللّه - تعالى - فاشفعا له ، فوثب

الحسن والحسين عليهماالسلام فأسبغا الوضوء وصليا ركعتين وقالا : اللّهم بحقّ جدنا الجليل الحبيب محمد المصطفى وبأبينا علي المرتضى وبأمنا فاطمة الزهراء إلاّ ما رددته إلى حالته الأولى ، قال : فما استتم دعاءهما فإذا بجبرئيل قد نزل من السماء في رهط من الملائكة وبشّر ذلك الملك برضى اللّه عنه وبردّه إلى سيرته الأولى ، ثم ارتفعوا به إلى السماء وهم يسبحون اللّه - تعالى - ، ثم رجع جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه و آله وهو متبسم وقال : يا رسول اللّه ، إنّ ذلك الملك يفتخر على ملائكة السبع السماوات ويقول لهم : من مثلي وأنا في شفاعة السيدين السبطين الحسن والحسين(1) .

وحكي عن عروة البارقي قال : حججت في بعض السنين فدخلت مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله فوجدت رسول اللّه جالسا وحوله غلامان يافعان وهو يقبل هذا مرة وهذا أخرى ، فإذا رآه الناس يفعل ذلك أمسكوا عن كلامه حتى يقضي وطره منهما ، وما يعرفون لأي سبب حبه إياهما ، فجئته وهو يفعل ذلك بهما فقلت : يا رسول اللّه هذان ابناك ؟ فقال :

ص: 74


1- بحار الأنوار : 43/ 313 باب 12 فضائلهما ومناقبهما .

إنّهما ابنا ابنتي وابنا أخي وابن عمي وأحبّ الرجال إليّ ومن هو سمعي وبصري ومن نفسه نفسي ونفسي نفسه ومن أحزن لحزنه ويحزن لحزني .

فقلت له : قد عجبت يا رسول اللّه من فعلك بهما وحبك لهما ! فقال لي : أحدثك أيّها الرجل إنّي لما عرج بي إلى السماء ودخلت الجنة إنتهيت إلى شجرة في رياض الجنة فعجبت من طيب رائحتها ، فقال لي جبرئيل : يا محمد لا تعجب من هذه الشجرة فثمرها أطيب من ريحها ، فجعل جبرئيل يتحفني من ثمرها ويطعمني من فاكهتها ، وأنا لا أمل منها ، ثم مررنا بشجرة أخرى فقال لي جبرئيل : يا محمد كل من هذه الشجرة فإنّها تشبه الشجرة التي أكلت منها الثمر فهي أطيب طعما وأذكى رائحة ، قال : فجعل جبرئيل يتحفني بثمرها ويشمني من رائحتها ، وأنا لا أمل منها ، فقلت : يا أخي جبرئيل ما رأيت في الأشجار أطيب ولا أحسن من هاتين الشجرتين ! فقال لي : يا محمد أتدري ما اسم هاتين الشجرتين ؟ فقلت : لا أدري ، فقال : إحداهما الحسن والأخرى الحسين ، فإذا هبطت يا محمد إلى الأرض من فورك فأت زوجتك خديجة وواقعها من وقتك وساعتك فإنه يخرج منك طيب رائحة الثمر الذي أكلته من هاتين الشجرتين ، فتلد لك فاطمة الزهراء ثم زوجها أخاك عليا ، فتلد له ابنين فسم أحدهما الحسن والآخر الحسين .

قال رسول

اللّه صلى الله عليه و آله : ففعلت ما أمرني أخي جبرئيل فكان الأمر ما كان ، فنزل إليّ جبرئيل بعد ما ولد الحسن والحسين فقلت له : يا جبرئيل ما أشوقني إلى تينك الشجرتين ، فقال لي : يا محمد إذا اشتقت إلى الأكل من ثمرة تينك الشجرتين فشم الحسن والحسين .

قال : فجعل النبي صلى الله عليه و آله كلما اشتاق إلى الشجرتين يشم الحسن والحسين ويلثمهما

وهو يقول : صدق أخي جبرئيل عليه السلام ، ثم يقبل الحسن والحسين ويقول : يا أصحابي إنّي أود أني أقاسمهما حياتي لحبي لهما ، فهما ريحانتاي من الدنيا ، فتعجب الرجل من

وصف النبي صلى الله عليه و آله للحسن والحسين(1) .

ص: 75


1- بحار الأنوار : 43/ 314 باب 12 فضائلهما ومناقبهما .

وروى ابن شهرآشوب في المناقب : بإسناده عن محمد بن علي عليه السلام أنه قال : أذنب رجل ذنبا في حياة رسول اللّه فتغيب حتى وجد الحسن والحسين في طريق خال فأخذهما فاحتملهما على عاتقيه وأتى بهما النبي فقال : يا رسول اللّه إنّي مستجير باللّه

وبهما ، فضحك رسول اللّه حتى ردّ يده إلى فمه ثم قال للرجل : اذهب وأنت طليق ، وقال للحسن والحسين : قد شفعتكما فيه ، أي فتيان ، فأنزل اللّه تعالى « وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً » .

وفي البحار والمناقب لابن شهرآشوب : استفتى أعرابي عبد اللّه بن الزبير وعمرو بن عثمان فتواكلا ، فقال : اتقيا اللّه فإني أتيتكما مسترشدا أمواكلة في الدين ؟ فأشارا عليه بالحسن والحسين فأفتياه ، فأنشأ أبياتا منها

جعل اللّه حر وجهيكما

نعلين سبتا يطؤما الحسنان(1)

وروي أن رجلا نذر أن يدهن بقارورة رجلي أفضل قريش ، فسأل عن ذلك فقيل : إنّ مخرمة أعلم الناس اليوم بأنساب قريش فاسأله عن ذلك ، فأتاه وسأله وقد خرف وعنده ابنه المسور ، فمدّ الشيخ رجليه وقال : ادهنهما ، فقال المسور ابنه للرجل : لا تفعل أيّها الرجل فإن الشيخ قد خرف ، وإنّما ذهب إلى ما كان في الجاهلية

وأرسله إلى الحسن والحسين عليهماالسلام وقال : ادهن بها أرجلهما فهما أفضل الناس وأكرمهم اليوم(2) .

وفي حديث مدرك بن أبي زياد قلت لابن عباس وقد أمسك للحسن ثم الحسين بالركاب وسوى عليهما : أنت أسن منهما تمسك لهما بالركاب ؟ ! فقال : يا لكع وما تدري من هذان ، هذان ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أوليس مما أنعم اللّه عليّ به أن أمسك لهما وأسوي عليهما(3) .

ص: 76


1- المناقب : 3/ 400 فصل في مكارم أخلاقهما 8
2- بحار الأنوار : 43/ 318 باب 13 .
3- بحار الأنوار : 43/319 باب 13 ، المناقب : 3/400 فصل في مكارم أخلاقهما عليهماالسلام .

وفي عيون المحاسن عن الروياني : أن الحسن والحسين مرا على شيخ يتوضأ ولا يحسن فأخذا في التنازع يقول كلّ واحد منهما : أنت لا تحسن الوضوء ، فقالا : أيّها الشيخ كن حكما بيننا ، يتوضأ كلّ واحد منّا ، فتوضئا ثم قالا : أيّنا يحسن ؟ قال : كلاكما تحسنان الوضوء ، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن وقد تعلم الآن منكما وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمة جدكما(1) .

وروي عن الباقر عليه السلام قال : ما تكلّم الحسين بين يدي الحسن إعظاما له ، ولا تكلم محمد بن الحنفية بين يدي الحسين عليه السلام إعظاما له(2) .

وفي تاريخ البلاذري قال : إنصرف النبي صلى الله عليه و آله إلى منزل فاطمة فرآها قائمة خلف بابها ، فقال : ما بال حبيبتي هاهنا ؟ ! فقالت : ابناك خرجا غدوة وقد غبي على خبرهما ، فمضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقفو آثارهما حتى صار إلى كهف جبل فوجدهما نائمين وحية مطوقة عند رأسهما ، فأخذ حجرا وأهوى إليها ، فقالت : السلام عليك يا رسول اللّه ، واللّه ما نمت عند رأسهما إلاّ حراسة لهما ، فدعا لها بخير ، ثم حمل الحسن على كتفه اليمنى ، والحسين على كتفه اليسرى ، فنزل جبرئيل فأخذ الحسين وحمله ، فكانا بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن : حملني خير أهل الأرض ، ويقول الحسين : حملني خير أهل السماء(3) .

ذكر الآيات والأحاديث الناصة على إمامة الحسين بن علي عليهماالسلام

نشرع أولا في الآيات التي أوّلها الأئمة الطاهرين سلام اللّه عليهم بالنص على إمامة الحسين عليه السلام :

ص: 77


1- بحار الأنوار : 43/ 319 باب 13 .
2- بحار الأنوار : 43/ 319 باب 13 .
3- مثير الأحزان : 21 مولد الحسين عليه السلام .

قال أبو عبد اللّه عليه السلام وقد ذكر عنده الحسين عليه السلام : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ » وقال - عزّ وجلّ - : « وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً » وقال : « وَهذَا النَّبِيُّ

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤمِنِينَ » أي الأئمة(1) .

عن أبي هريرة قال : سألت رسول

اللّه صلى الله عليه و آله عن قوله « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ » قال : جعل الإمامة في عقب الحسين يخرج من صلبه تسعة من الأئمة منهم مهدي هذه الأمة(2) .

المفضل بن عمر قال : سألت الصادق عليه السلام عن هذه الآية ، قال : يعني بهذه الآية الإمامة ، جعلها في عقب الحسين إلى يوم القيامة ، فقلت : كيف صارت في ولد الحسين دون ولد الحسن ؟ فقال : إنّ موسى وهارون كانا نبيين ومرسلين أخوين فجعل اللّه النبوة في صلب هارون دون صلب موسى . . ثم ساق الحديث إلى قوله : وهو الحكيم في أفعاله « لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ »(3) .

وروي في قوله « فِي عَقِبِهِ » أي في آل محمد(4) .

وروى حماد بن عيسى الجهني عن الصادق عليه السلام قال : لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين ، إنّما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب(5) .

زيد بن علي في هذه الآية لا تصلح الخلافة إلاّ فينا(6) .

وفي الخبر : لما حضرت الحسين عليه السلام الوفاة لم يجز له أن يردّها إلى ولد أخيه لقول اللّه تعالى « وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ » فكان ولده أقرب إليه رحما من ولد أخيه ، وأولاده هكذا أولى بها ، فأخرجت هذه الآية ولد الحسن عن الإمامة وصيرتها إلى ولد الحسين ، فهي فيهم أبدا إلى يوم القيامة ،

ص: 78


1- المناقب : 4/46 فصل في المقدمات ، يعني أنّه عليه السلام قال : لفظ « هذا» اشارة الى النبي صلى الله عليه و آله والذين اتبعوه هم الأئمة عليهم السلام .
2- المناقب : 4/46 فصل في المقدمات .
3- المناقب : 4/46 فصل في المقدمات .
4- المناقب : 4/47 فصل في المقدمات .
5- المناقب : 4/47 فصل في المقدمات .
6- المناقب : 4/382 فصل في المقدمات .

ولقول اللّه تعالى « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » فكان علي بن الحسين بدم أبيه أولى وبالقيام به أحرى .

وقال عبد اللّه بن الحسين : إنّ الإمامة في ولد الحسن والحسين لأنّهما سيدا شباب أهل الجنة ، وهما في الفضل سواء ، إلاّ إنّ للحسن على الحسين فضلا بالكبر والتقديم ،

فكان الواجب أن تكون الإمامة إذا في ولد الأفضل ، فقال الربيع بن عبد اللّه : إنّ موسى وهارون كانا نبيين مرسلين وكان موسى أكبر من هارون وأفضل ، فجعل اللّه النبوة في ولد هارون دون ولد موسى ، وكذلك جعل اللّه - عزّ وجلّ - الإمامة في ولد

الحسين دون ولد الحسن لتجري في هذه سنن من قبلها من الأمم حذو النعل بالنعل ، فبلغ ذلك الصادق عليه السلام فقال : أحسنت يا ربيع .

وروى موسى بن جعفر والحسين بن علي عليهماالسلام في قوله تعالى « الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ » قال : هذه فينا أهل البيت(1) .

وروى أبو بصير عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى « قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » الوصية لعلي بعدي(2) .

وروي عن الباقر عليه السلام في قراءة علي عليه السلام ، وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمد « فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » لرسول اللّه والإمام بعده .

ذكر الأحاديث التي نص فيها النبي صلى الله عليه و آله على إمامة الحسين عليه السلام

روى ابن شهرآشوب عن الصحابة والتابعين عن سلمان الفارسي قال : كان الحسين على فخذ رسول اللّه وهو يقبله ويقول : أنت السيد ابن السيد

ص: 79


1- المناقب : 4/ 47 فصل في المقدمات .
2- المناقب ج : 4/ 48 .

أبو السادة ، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة ، أنت الحجة ابن الحجة أبو الحجج تسعة من صلبك ، وتاسعهم قائمهم(1) .

وفي كفاية الأثر بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقول

للحسين عليه السلام : أنت الإمام ابن الإمام وأخو الإمام ، تسعة من صلبك أئمة أبرار ، والتاسع قائمهم(2) .

وفي كفاية الأثر بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله

يقول للحسين عليه السلام : يا حسين أنت الإمام ابن الإمام ، تسعة من ولدك أئمة أبرار ، تاسعهم قائمهم ، فقيل : يا رسول اللّه كم الأئمة بعدك ؟ قال : اثنا عشر تسعة من صلب الحسين(3) .

ذكر الأحاديث التي روتها فاطمه عن رسول اللّه في النص على إمامة الحسين عليه السلام

في كفاية الأثر بإسناده عن زينب بنت علي عليهماالسلام عن فاطمة عليهاالسلام قالت : كان دخل إليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند ولادتي الحسين عليه السلام فناولته إياه في خرقة صفراء ، فرمى بها وأخذ خرقة بيضاء ولفه فيها ، ثم قال : خذيه يا فاطمة فإنّه إمام ابن إمام أبو الأئمة

التسعة من صلبه ، أئمة أبرار ، والتاسع قائمهم(4) .

وروي عن أبي ذر رضى الله عنه قال : سمعت فاطمة عليهاالسلام تقول : سألت أبي عليه السلام عن قول اللّه - تبارك وتعالى - « وَعَلَى الأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ » قال : هم الأئمة بعدي : علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسين ، هم رجال الأعراف

ص: 80


1- المناقب : 4/70 فصل في محبة النبي إياه عليه السلام .
2- كفاية الأثر : 28 باب ما جاء عن أبي سعيد الخدري .
3- كفاية الأثر : 30 باب ما جاء عن أبي سعيد الخدري .
4- كفاية الأثر : 193 باب ما جاء عن فاطمة عليهاالسلام .

لا يدخل الجنة إلاّ من يعرفهم ويعرفونه ، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وينكرونه ، لا يعرف اللّه إلاّ بسبيل معرفتهم(1) .

وروي عن سهل بن سعد الأنصاري قال : سألت فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الأئمة ، فقالت : كان رسول اللّه يقول لعلي عليه السلام : يا علي أنت الإمام والخليفة بعدي ، وأنت أولى بالمومنين من أنفسهم ، فإذا مضيت فابنك الحسن أولى بالمومنين من أنفسهم ، فإذا مضى الحسن فابنك الحسين أولى بالمومنين من أنفسهم ، فإذا مضى الحسين فابنك علي بن الحسين أولى بالمومنين من أنفسهم ، فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمومنين من أنفسهم ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر أولى بالمومنين من أنفسهم ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى بالمومنين من أنفسهم ، فإذا مضى موسى فابنه علي أولى بالمومنين من أنفسهم ، فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمومنين من أنفسهم ، فإذا مضى محمد فابنه علي أولى بالمومنين من أنفسهم ، فإذا مضى علي فابنه الحسن أولى بالمومنين من أنفسهم ، فإذا مضى الحسن فالقائم المهدي أولى بالمومنين من أنفسهم ، يفتح اللّه - تعالى - به مشارق الأرض ومغاربها ، فهم أئمة الحق وألسنة الصدق ، منصور من نصرهم ، مخذول من خذلهم(2) .

ذكر الأحاديث التي رواها أمير المومنين عن النبي في النص على إمامة الحسين

في كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الاثنا عشر في حديث طويل : قال أمير المومنين : يا رسول اللّه أفلا تسميهم لي ؟ قال : نعم ، أنت الإمام والخليفة بعدي تقضي

ديني وتنجز عداتي ، وبعدك ابناك الحسن والحسين ، وبعد الحسين ابنه علي زين العابدين ، وبعده ابنه محمد يدعى بالباقر ، وبعد محمد ابنه جعفر يدعى بالصادق ،

ص: 81


1- كفاية الأثر : 194 باب ما جاء عن فاطمة عليهاالسلام .
2- كفاية الأثر : 195 باب ما جاء عن فاطمة عليهاالسلام .

وبعد جعفر ابنه موسى يدعى بالكاظم ، وبعد موسى ابنه علي يدعى بالرضا ، وبعد علي ابنه محمد يدعى بالزكي ، وبعد محمد ابنه علي يدعى بالنقي ، وبعد علي ابنه الحسن

يدعى بالأمين ، والقائم من ولد الحسين سميي وأشبه الناس بي ، يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما(1) .

وفي كمال الدين في حديث طويل عن علي عليه السلام : قلت : يا رسول اللّه سمهم لي ؟ فقال : ابني هذا ، ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام ، ثم ابني هذا ، ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام ، ثم ابن له يقال له : علي(2) .

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام بسند معتبر عن الحسين بن علي عليهماالسلام قال : سئل أمير المومنين عليه السلام عن معنى قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي مخلف فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي ، من العترة ؟ فقال : أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين ، تاسعهم مهديهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله حوضه(3) .

ذكر ما روي عن أمير المومنين علي خاصة في النص على إمامة الحسين عليه السلام

في كتاب العوالم عن كتاب كفاية الأثر بإسناده عن طارق بن شهاب قال : قال أمير المومنين عليه السلام للحسن والحسين : أنتما إمامان بعقبي ، سيدا شباب أهل الجنة ، والمغصوبان(4) ، حفظكما اللّه ولعنة اللّه على من عاداكما(5) .

ص: 82


1- كفاية الأثر : 213 باب ما جاء عن أمير المومنين عليه السلام .
2- كمال الدين : 1/284 باب 24 ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله .
3- عيون أخبارالرضا عليه السلام : 1/57 باب 6 النصوص على الرضا عليه السلام بالإمامة .
4- في المصدر : « أنتما إمامان بعدي . .والمعصومان » .
5- كفاية الأثر : 221 باب ما جاء عن أمير المومنين عليه السلام .

وفي اكمال الدين عن الأصبغ بن نباتة قال : خرج علينا أمير المومنين علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن عليه السلام وهو يقول : خرج علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم ويدي في يده هكذا وهو يقول : خير الخلق بعدي وسيدهم أخي هذا ، وهو إمام كلّ مسلم ومولى كلّ مؤن بعد وفاتي ، ألا وإنّي أقول : خير الخلق بعدي وسيدهم ابني هذا ، وهو إمام كلّ مؤن ومولى كلّ مؤن بعد وفاتي ، ألا وإنه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخير الخلق وسيدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء ، أما إنه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة(1) .

وروى الشيخ إبراهيم بن محمد الحموينى - وهو من أجلة علماء أهل السنة والجماعة - في كتاب فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين بإسناد معتبر مناشدة علي عليه السلام في مسجد الرسول أيام خلافة عثمان حيث اجتمع المهاجرين

والانصار وتحدثوا في فضائل قريش ، فقيل لعلي : مالك لا تتحدث يا أبا الحسن ؟ فقام علي عليه السلام يناشدهم وقد ذكرت الحديث بطوله في كتاب خلافة عثمان وانقل منه هنا موضع الحاجة:

قال : أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قام خطيبا ولم يخطب بعد ذلك فقال : يا أيّها الناس إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي فتمسكوا

بهما لا تضلوا ، فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ

الحوض ، فقام عمر بن الخطاب وهو شبه المغضب فقال : يا رسول اللّه أكلّ أهل بيتك ؟ قال : لا ولكن أوصيائي منهم ، أولهم أخي ووزيري وخليفتي في أمتي وولي كلّ مؤن ومؤنة بعدي ، هو أولهم ، ثم ابني الحسن ، ثم ابني الحسين ،

ثم تسعة من ولد الحسين ، واحد بعد واحد ، حتى يردوا عليّ الحوض شهداء للّه

ص: 83


1- كمال الدين : 1/ 259 باب 24 ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله .

في أرضه وحججه على خلقه وخزان علمه ومعادن حكمته ، من أطاعهم فقد أطاع اللّه ومن عصاهم فقد عصى اللّه ؟ فقالوا كلّهم : نشهد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال ذلك(1) .

وروى أيضا أبو الحسن الفقيه بن شاذان عن طريق علماء أهل السنة والجماعة عن أمير المومنين عليه السلام قال : واللّه لقد خلفني رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أمته ، فأنا حجة اللّه عليهم بعد نبيه ، وإنّ ولايتي لتلزم أهل السماء كما تلزم أهل الأرض ، وإنّ الملائكة لتتذاكر فضلي وذلك تسبيحها عند اللّه ، أيّها الناس اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد لا تأخذوا يمينا وشمالا فتضلوا ، أنا وصي نبيكم وخليفته ، وإمام المتقين والمومنين

وأميرهم ومولاهم ، وأنا قائد شيعتي إلى الجنة وسائق أعدائي إلى النار ، أنا سيف اللّه

على أعدائه ورحمته على أوليائه ، أنا صاحب حوض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولوائه وصاحب مقامه وشفاعته ، أنا والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين عليهم السلامخلفاء اللّه في أرضه ، وأمناؤ على وحيه ، وأئمة المسلمين بعد نبيه ، وحجج اللّه على بريته(2) .

وروى ابن الجوزي من أجلة علماء العامة في كتاب « تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة » بإسناده عن واثلة بن الأسقع أنّه قال : أتيت فاطمة أسألها عن علي عليه السلام فقالت : توجه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجلست أنتظر حتى جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفجلس ومعه علي والحسن والحسين عليهم السلام ، أخذ كلّ واحد منهما بيده حتى دخل ، فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه ، فأجلس حسنا وحسينا كلّ واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم ثوبه أو قال : كساء ، ثم تلا هذه الآية « إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » ، ثم قال : اللّهم هؤاء أهل بيتي وأهل بيتي حقا(3)(4) .

ص: 84


1- الإحتجاج : 1/149 احتجاجه عليه السلام على جماعة كثيرة .
2- مائة منقبة : 59 المنقبة 32 .
3- بحار الأنوار : 35/ 217 باب 5 .
4- في المصدر : « أحق » بدل « حقا » .

وروى ابن الجوزى أيضا عن ثعلبي عن سفيان الثوري وسعيد بن جبير في قوله تعالى « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ » قال : علي وفاطمة « بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ »قال : رسول اللّه صلى الله عليه و آله « يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤلُؤ وَالْمَرْجانُ » قال : الحسن والحسين عليهماالسلام(1) .

ذكر تفويض الإمام الحسن أمر الخلافة والامامة عند الوفاة للحسين بن علي عليهماالسلام

في كتاب بحار الأنوار وكتاب العوالم وكتاب أعلام الورى وغيرها من كتب الخاصة والعامة :

لما حضرت الحسن الوفاة قال : يا قنبر انظر هل ترى وراء بابك مؤنا من غير آل محمد ؟ فقال : اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : امض فادع لي محمد بن علي ،

قال : فأتيته فلمّا دخلت عليه قال : هل حدث إلاّ خير ؟ قلت : أجب أبا محمد فعجل عن شسع نعله فلم يسوه ، فخرج معي يعدو ، فلمّا قام بين يديه سلم ، فقال له الحسن : اجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلام يحيا به الأموات ويموت به الأحياء ، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى ، فإن ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض ، أما علمت أنّ اللّه - عزّ وجلّ - جعل ولد إبراهيم أئمة وفضل بعضهم على بعض ، وآتى داود زبورا ،

وقد علمت بما استأثر اللّه محمدا صلى الله عليه و آله ، يا محمد بن علي إنّي لا أخاف عليك الحسد ، وإنما وصف اللّه - تعالى - به الكافرين ، فقال : « كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ » ولم يجعل اللّه للشيطان عليك سلطانا ، يا محمد بن علي ألا

أخبرك بما سمعت من أبيك عليه السلام فيك ؟ قال : بلى ، قال : سمعت أباك يقول يوم البصرة : من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ محمدا ، يا محمد بن علي لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك ، يا محمد بن علي أما علمت أنّ الحسين بن

ص: 85


1- بحار الأنوار : 37/64 باب 50 .

علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي ، وعند اللّه في الكتاب الماضي وراثة النبي أصابها في وراثة أبيه وأمه ، علم اللّه أنكم خير خلقه فاصطفى منكم محمدا ، واختار محمد عليا ، واختارني علي للإمامة ، واخترت أنا الحسين .

فقال له محمد بن علي : أنت إمامي وسيدي ، وأنت وسيلتي إلى محمد ، واللّه لوددت أنّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ، ألا وإنّ في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء ، ولا تغيره بعد الرياح ، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم ، أهم بإبدائه

فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل ، وإنه لكلام يكل به لسان الناطق ويد الكاتب ولا يبلغ فضلك ، وكذلك يجزي اللّه المحسنين ولا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ ، الحسين أعلمنا علما ، وأثقلنا حلما ، وأقربنا من رسول اللّه رحما كان إماما قبل أن يخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم اللّه أن أحدا خير منّا ما اصطفى محمدا صلى الله عليه و آله ، فلمّا اختار محمدا واختار محمد عليا إماما ، واختارك علي بعده ، واخترت الحسين بعدك سلمنا ، ورضينا بمن هو الرضا وبمن نسلم به من المشكلات(1) .

ذكر ظهور إمامة الحسين بن علي وخلافته في سنة خمسين للهجرة

في كتاب أسرار الأنوار في مناقب الأئمة الأطهار عدّة أبيات في مدح الحسين بن علي عليهماالسلام أحببت أن أصدر بها الكلام عن ظهور إمامة الحسين بن علي عليهماالسلام :

جنگ را چون حسين شير نبود

هيچ شيرى چون دلير نبود

شير كز پيشت شير حق راند

بر همه شيرها سبق راند

دل وجان جز بسوى شه نكرد

جن پى شاه داد وآه نكرد

نيك وبد رشته زو به پيوسته است

سر هر رشته هم بدو بسته است

دوسترا جمله در ترازو اوست

شمر را نيز زور بازو اوست

ص: 86


1- بحار الأنوار : 44/174 باب 24 .

تن أو در غزا چو خسته شدى

آفرينش همه شكسته شدى

آفرينش همه تن أو بود

زين زهر شى ء رگى ز خون بگشود

خون چو از خلق أو بخاك چكيد

خون گرست آن يزيد وشمر پليد

گر چه در خون ز دشمن آغشته است

هم نگهدار دشمن أو گشته است

هيچ از ينسن كريم نامد مرد

كه دوا مينهند بكيفر درد

اين گهر از صدف شرف جسته است

صدف از بحر لم يزل رسته است

وقد ذكرت في القسم الخاص بالحسن عليه السلام أنّ الإمام علي أوصى الى ولده الحسن وأشهد على ذلك الشهود يقول سليم بن قيس الهلالي : شهدت وصية علي بن أبي طالب عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام ، وأشهد على وصيته الحسين عليه السلامومحمدا وجميع ولده وجميع رؤاء أهل بيته وشيعته عليه السلام ، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح ، ثم قال : يا بني أمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ودفع إليّ كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين عليه السلام ، ثم أقبل على ابنه الحسين عليه السلامفقال : وأمرك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تدفعه إلى ابنك علي بن الحسين ، ثم أقبل على علي بن الحسين عليه السلام فقال : وأمرك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تدفع وصيتك إلى ابنك محمد بن علي فأقرأه من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومني السلام(1) .

فلمّا حضرت الحسن الوفاة اوصى الى الحسين ودفع اليه الكتب والسلاح ومواريث الامامة ومواريث الأنبياء والاسم الأعظم ، وكان ذلك في الثامن والعشرين من شهر صفر المظفر من سنة خمسين للهجرة ، وهو اليوم الأول الذي تصدى فيه الإمام الحسين للامامة الظاهرية ولهداية الأمة ، فانبرى الى إعلان الطاعة والولاء له عليه السلام محمد بن الحنفية وعبد اللّه بن عباس وعبد اللّه بن جعفر وغيرهم من علماء الأصحاب وزعماء الشيعة ، وصار الحسين لهم ملجأ في الملمّات ، وحلّ المشاكل والمعضلات ، وبيان السنن والفرائض والواجبات .

ص: 87


1- بحار الأنوار : 42/250 باب 127 .

ذكر طغيان معاوية في قتل الشيعة ونهبهم بعد شهادة الحسن عليه السلام

اضطر معاوية الى مداراة الشيعة وترك ملاحقتهم واذيتهم وقتلهم وسلب أموالهم لوجود الإمام الحسن عليه السلام وهو الإمام صاحب المهابة في قلوب الناس أعداءا وأصدقاءا وهو صاحب المكانة في قلوب المسلمين والمقرب من رسول ربّ العالمين ، وكان الناس يحرضون الحسن على أخذ حقه وترك المصالحة مع معاوية والقيام بالسيف وكان معاوية يخاف من ذلك ويضطر الى المداهنة والمداراة واستعمال السياسة والرفق مع شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان الشيعة يدخلون الشام ويتعرضون لمعاوية وهو يدفع اليهم عطاءهم من بيت المال ، فيرجعون الى أمصارهم سالمين غانمين ، كما ذكرنا ذلك في كتاب الوفود ، ولم يكن عطاء معاوية وتحمله ومداراته نابعا من حلمه وسخائه ، كلا وإنّما كان ذلك بمقتضى السياسة والدهاء ورعاية مصالح السلطان ومقتضيات الحكم ، فكان إذا بذل بحكم الاضطرار والضرورة إنّما كان ذلك ضمن صفقات بيع وشراء مدروسة من قبل ، وإذا عفا عن تمرد واغمض عن عصيان إنّما يكون بداعي تفادي الضرر الأعظم وطلبا للسلامة ، ولك أن ترى معاوية بعد وفاة الحسن عليه السلام حيث أنّه سلّط سيفه على رقاب الشيعة رجالا ونساءا ، ولاحقهم تحت كلّ حجر ومدر ، وسلبهم ونهبهم وعرضهم الى الوان العذاب .

أقول : في سنة خمسين للهجرة بعد شهادة الحسن عليه السلام عزم معاوية بن أبي سفيان على الحج واصطحب معه ابنه يزيد ، روى الفاضل المجلسي عن كتاب سليم بن قيس في كتاب الفتن وعن الإحتجاج في كتاب الروضة بإسناده عن عمر بن أبي سلمة : إنّه قدم معاوية حاجا في خلافته المدينة واستقبله أهل المدينة ، فنظر فإذا الذي استقبله من قريش أكثر من الأنصار ، فسأل عن ذلك ، فقيل : إنّهم يحتاجون ليست لهم دواب ، فالتفت معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة فقال : يا معشر الأنصار ما لكم

ص: 88

لا تستقبلوني مع إخوانكم من قريش ؟ فقال قيس ، وكان سيد الأنصار وابن سيدهم : أقعدنا يا أمير المومنين إن لم يكن لنا دواب ، قال معاوية : فأين النواضح ؟ فقال قيس : أفنيناها يوم بدر ويوم أحد وما بعدهما في مشاهد رسول اللّه حين ضربناك وأباك على الإسلام حتى « ظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ » وأنتم كارهون ، فسكت معاوية(1) ، قال قيس : أما إن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : سترون بعدي أثره ، قال معاوية : فما أمركم به ؟ فقال : أمرنا أن نصبر حتى نلقاه ، قال : فاصبروا حتى تلقوه .

وقد كشف معاوية هنا عن شناعة عقيدته حيث قال : اصبروا حتى تلقوه ، فكأنه يقول لهم : إنّكم من السذاجة بمكان بحيث أنّكم تظنون أنّكم ستلقونه يوم القيامة .

ثم قال قيس : يا معاوية تعيّرنا بنواضحنا ، واللّه لقد لقيناكم عليها يوم بدر ، وأنتم جاهدون على إطفاء نور اللّه ، وأن يكون كلمة الشيطان هي العليا ، ثم دخلت أنت وأبوك كرها في الإسلام الذي ضربناكم عليه .

فقال معاوية : كأنّك تمنّ علينا بنصرتكم إيانا ، فللّه ولقريش بذلك المنّ والطول ، ألستم تمنون علينا يا معشر الأنصار بنصرتكم رسول اللّه ، وهو من قريش ، وهو ابن عمّنا ومنّا ، فلنا المن والطول أن جعلكم اللّه أنصارنا وأتباعنا فهداكم بنا .

فقال قيس : إنّ اللّه بعث محمدا صلى الله عليه و آله رحمة للعالمين ، فبعثه إلى الناس كافة ، وإلى الجن والإنس والأحمر والأسود والأبيض ، اختاره لنبوته واختصه برسالته ، فكان أول من صدقه وآمن به ابن عمه علي بن أبي طالب ، وأبو طالب يذبّ عنه ويمنعه ، ويحول بين كفار قريش وبين أن يردعوه ويؤوه ، وأمره أن يبلغ رسالة ربّه ، فلم يزل ممنوعا من الضيم والأذى حتى مات عمّه أبو طالب ، وأمر ابنه بموازرته فوازره ونصره ، وجعل نفسه دونه في كلّ شديدة وكلّ ضيق وكلّ خوف ، واختص اللّه بذلك عليا عليه السلام من بين قريش ، وأكرمه من بين جميع العرب والعجم ، فجمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله جميع بني عبد المطلب ، فيهم أبو طالب وأبو لهب ، وهم يومئذ أربعون رجلا ،

ص: 89


1- في المصدر : « فقال معاوية : اللّهم غفرا » .

فدعاهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخادمه علي عليه السلام ورسول اللّه صلى الله عليه و آله في حجر عمه أبي طالب ، فقال : أيّكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كلّ مؤن من بعدي ، فأمسك القوم حتى أعادها ثلاثا ، فقال علي عليه السلام : أنا يا رسول اللّه ، فوضع رأسه في حجره وتفل في فيه وقال :

اللّهم املأ جوفه علما وفهما وحكما ، ثم قال لأبي طالب : يا أبا طالب اسمع الآن لابنك وأطع ، فقد جعله اللّه من نبيه بمنزلة هارون من موسى ، وآخى صلى الله عليه و آله بين علي وبين نفسه .

فلم يدع قيس شيئا من مناقبه إلاّ ذكرها واحتج بها ، وقال : منهم جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين اختصه اللّه بذلك من بين الناس ، ومنهم حمزة سيد الشهداء ، ومنهم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، فإذا وضعت من قريش رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته وعترته الطيبين فنحن واللّه خير منكم يا معشر قريش وأحبّ الى اللّه ورسوله وإلى أهل بيته منكم ، لقد قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاجتمعت الأنصار إلى أبي ، ثم قالوا : نبايع سعدا ، فجاءت قريش فخاصمونا بحقه وقرابته ، فما

يعدو قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار أو ظلموا آل محمد ، ولعمري ما لأحد من الأنصار ولا لقريش ولا لأحد من العرب والعجم في الخلافة حق مع علي بن أبي طالب عليه السلام وولده من بعده .

فغضب معاوية وقال : يا ابن سعد عمن أخذت هذا وعمن رويته وعمن سمعته ؟ أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته ؟

فقال قيس : سمعته وأخذته ممن هو خير من أبي وأعظم عليّ حقا من أبي ، قال : من ؟ قال : علي بن أبي طالب عليه السلام ، عالم هذه الأمة وصدّيقها الذي أنزل اللّه فيه « قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » فلم يدع قيس آية نزلت في علي عليه السلام إلاّ ذكرها ، قال معاوية : فإنّ صديقها أبو بكر ، وفاروقها عمر « والذي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » عبد اللّه بن سلام ، قال قيس : أحقّ بهذه الأسماء وأولى بها الذي أنزل اللّه فيه « أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » ،

ص: 90

والذي نصبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بغدير خم فقال : من كنت مولاه أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه ، وقال في غزوة تبوك : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي .

وكان معاوية يومئذ بالمدينة فعند ذلك نادى مناديه وكتب بذلك نسخة إلى عماله : ألا برئت الذمة ممن روى حديثا في مناقب علي وأهل بيته ، وقامت الخطبة في كلّ مكان على المنابر بلعن علي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة منه والوقيعة في أهل بيته واللعنة لهم بما ليس فيهم عليهم السلام .

ثم إنّ معاوية مرّ بحلقة من قريش ، فلمّا رأوه قاموا إليه غير عبد اللّه بن عباس فقال له : يا ابن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلاّ لموجدة عليّ بقتالي إياكم يوم صفين ؟ يا ابن عباس إن ابن عمي عثمان قتل مظلوما ! قال ابن عباس : فعمر بن الخطاب قد قتل أيضا مظلوما ؟ قال : فتسلم الأمر إلى ولده وهذا ابنه ، قال :

إنّ عمر قتله مشرك ، قال ابن عباس : فمن قتل عثمان ؟ قال : قتله المسلمون ، قال : فذلك أدحض لحجتك وأحل لدمه إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلاّ بحق ، قال : فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته فكف لسانك يا ابن عباس وأربع على نفسك ، قال : فتنهانا عن قراءة القرآن ؟ قال : لا ، قال : فتنهانا

عن تأويله ؟ قال : نعم ، قال : فنقرؤ ولا نسأل عن ما عنى اللّه به ؟ قال : نعم ، قال : فأيما أوجب علينا قراءته أو العمل به ؟ قال : العمل به ، قال : فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى اللّه بما أنزل علينا ؟ قال : يسأل عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله

أنت وأهل بيتك ، قال : إنّما أنزل القرآن على أهل بيتي فاسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط واليهود والنصارى والمجوس ؟ قال : فقد عدلتني بهؤاء ؟ قال : لعمري ما أعدلك بهم إلاّ إذا نهيت الأمة أن يعبدوا اللّه بالقرآن وبما فيه من أمر أو نهي أو حلال أو حرام أو ناسخ أو منسوخ أو عام أو خاص أو محكم أو متشابه وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا ، قال معاوية : فاقرءوا القرآن ولا ترووا شيئا مما أنزل اللّه فيكم ومما قال رسول اللّه وارووا ما سوى ذلك ، قال ابن عباس : قال اللّه

ص: 91

تعالى في القرآن « يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » ، قال معاوية : يا ابن عباس اكفني نفسك وكف عني لسانك وإن كنت لا بد فاعلا فليكن سرا فلا تسمعه أحدا علانية ، ثم رجع إلى منزله فبعث إليه مائة ألف درهم ، ثم إشتد البلاء بالأمصار كلّها على شيعة علي وأهل بيته(1) .

ثم رجع معاوية الى الشام وانصرف الى تدبير أمر مملكته وتشييد اركان سلطنته وشدّد الوطأة على شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام .

وفي هذه السنة : ماتت جويرية زوجة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد أتينا على أخبارها في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ماتت في المدينة ، وقال اليافي : أنها توفيت سنة ست وخمسين .

ذكر وقائع سنة احدى وخمسين وطغيان معاوية في محاربة شيعة علي

في كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أبان بن أبي عياش عنه أنه قال : دعا معاوية قراء أهل الشام وقضاتهم فأعطاهم الأموال وبثهم في نواحي الشام ومدائنها يروون الروايات الكاذبة ويضعون لهم الأصول الباطلة ويخبرونهم بأن عليا قتل عثمان ويتبرأ من أبي بكر وعمر ، وأن معاوية يطلب بدم عثمان ومعه أبان بن عثمان وولد عثمان حتى استمالوا أهل الشام واجتمعت كلمتهم ولم يزل معاوية على ذلك عشرين سنة ذلك عمله في جميع أعماله حتى قدم عليه طغاة أهل الشام وأعوان الباطل المنتزلون له بالطعام والشراب يعطيهم الأموال ويقطعهم القطائع حتى نشأ عليه الصغير وهرم عليه الكبير وهاجر عليه الأعرابي ، وترك أهل الشام لعن الشيطان وقالوا لعن علي وقاتل عثمان ، فاستقر على ذلك جهلة الأمة واتباع أئمة الضلالة والدعاة إلى النار . .

ص: 92


1- البحار : 33/257 باب 20 ح 530 ، الإحتجاج : 2/293 ، كشف الغمة : 1/425 .

قال أبان بن سليم(1) : كان لزياد ابن سمية كاتب يتشيع ، وكان لي صديقا ، فأقرأني كتابا كتبه معاوية إلى زياد جواب كتابه إليه : أما بعد ، فإنّك كتبت إليّ تسألني عن العرب من أكرم منهم ومن أهين ، ومن أقرب ، ومن أبعد ، ومن آمن منهم ، ومن أحذر ، وفي رواية أخرى : ومن أؤمن منهم ومن أخيف ، وأنا يا أخي أعلم الناس بالعرب ، انظر إلى هذا الحي من اليمن فأكرمهم في العلانية وأهنهم في السرّ ، فإنّي كذلك أصنع بهم ، أكرمهم في مجالسهم وأهينهم في الخلاء ، إنّهم أسوأ الناس عندي حالا ، ويكون فضلك وعطاؤ لغيرهم سرا منهم ، وانظر إلى ربيعة بن نزار فأكرم أمراءهم وأهن عامتهم ، فإنّ عامتهم تبع لأشرافهم وساداتهم ، وانظر إلى مضر فاضرب بعضها ببعض ، فإنّ فيهم غلظة وكبرا ونخوة شديدة ، فإنّك إذا فعلت ذلك وضربت بعضهم ببعض كفاك بعضهم بعضا ، ولا ترض بالقول منهم دون الفعل ، ولا بالظن دون اليقين ، وانظر إلى الموالي ومن أسلم من الأعاجم فخذهم بسنة عمر بن الخطاب ، فإنّ في ذلك خزيهم وذلهم ، أن ينكح العرب فيهم ولا ينكحونهم ، وأن يرثوهم العرب ولا يرثوا العرب ، وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم ، وأن يقدموا في المغازي يصلحون الطريق ويقطعون الشجر ، ولا يؤ أحد منهم العرب في صلاة ، ولا يتقدم أحد منهم في الصف الأول إذا أحضرت العرب إلاّ أن يتم الصف ، ولا تول أحدا منهم ثغرا من ثغور المسلمين ولا مصرا من أمصارهم ، ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين ولا أحكامهم ، فإن هذه سنة عمر فيهم وسيرته ، جزاه عن أمة محمد وعن بني أمية خاصة أفضل الجزاء .

فلعمري لولا ما صنع هو وصاحبه وقوتهما وصلابتهما في دين اللّه لكنا وجميع

هذه الأمة لبني هاشم الموالي ، ولتوارثوا الخلافة واحدا بعد واحد كما يتوارث أهل كسرى وقيصر ، ولكن اللّه - جلّ وعزّ - أخرجها من بني هاشم وصيّرها إلى

ص: 93


1- في المصدر : « أبان عن سليم » .

بني تيم بن مرة ، ثم خرجت إلى عدي بن كعب ، وليس في قريش حيان أذل منهما ولا أنذل ، فأطمعنا فيها وكنا أحقّ بها منهما ومن عقبهما ، لأنّ فينا الثروة والعزّ ، ونحن أقرب إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الرحم منهما ، ثم نالها صاحبنا عثمان بشورى ورضا من العامة بعد شورى ثلاثة أيام من الستة ، ونالها من نالها قبله بغير شورى ، فلمّا قتل صاحبنا عثمان مظلوما نلناها به لأن « مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ » جعل اللّه « لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » .

ولعمري يا أخي لو كان عمر سن دية العبد نصف دية المولى لكان أقرب إلى التقوى ، ولو وجدت السبيل إلى ذلك ورجوت أن تقبله العامة لفعلت ، ولكني قريب عهد بحرب فأتخوف فرقة الناس واختلافهم عليّ ، وبحسبك ما سنه عمر فيهم وهو خزي لهم وذل .

وفي رواية أخرى : يا أخي لو أن عمر سن دية الموالي على النصف من دية العربي فذلك أقرب للتقوى لما كان للعرب فضل على العجم .

فإذا جاءك كتابي هذا فأذل العجم وأهنهم وأقصهم ولا تستعن بأحد منهم ولا تقض لهم حاجة ، فو اللّه إنك لابن أبي سفيان خرجت من صلبه ، وقد كنت حدثتني وأنت - يا أخي - عندي صدوق : إنك قرأت كتاب عمر إلى الأشعري بالبصرة ، وكنت يومئذ كاتبه وهو عامل بالبصرة ، وأنت أنذل الناس عنده ، وأنت يومئذ ذليل النفس ، تحسب أنك مولى لثقيف .

ولو كنت تعلم يومئذ يقينا كيقينك اليوم أنّك ابن أبي سفيان لأعظمت نفسك وأنفت أن تكون كاتبا لدعي الأشعريين ، وأنت تعلم ونحن نعلم يقينا أنّ أبا سفيان كان يحذو حذو أمية بن عبد شمس ، وحدثني ابن أبي المعيط : أنّك أخبرته أنّك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري ، وبعث إليه بحبل طوله خمسة أشبار وقال له : أعرض من قبلك من أهل البصرة ، فمن وجدت من الموالي ومن أسلم من الأعاجم قد بلغ خمسة أشبار فقدمه فاضرب عنقه ، فشاورك أبو موسى في ذلك فنهيته ، وأمرته أن يراجع فراجعه ، وذهبت أنت بالكتاب إلى عمر .

ص: 94

وإنّما صنعت ما صنعت تعصبا للموالي ، وأنت يومئذ تحسب أنّك ابن عبد ثقيف ، فلم تزل تلتمس حتى رددته عن رأيه وخوفته فرقة الناس فرجع ، وقلت له يومئذ وقد عاديت أهل هذا البيت : أخاف أن يثوروا إلى علي فينهض بهم فيزيل ملكك ، فكف عن ذلك .

وما أعلم يا أخي ولد مولود من أبي سفيان أعظم شؤا عليهم منك حين رددت عمر عن رأيه ونهيته عنه ، وخبرني أن الذي صرفت به عن رأيه في قتلهم أنك قلت : إنك سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : لتضربنكم الأعاجم على هذا الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا ، وقال : ليملأن اللّه أيديكم من الأعاجم وليصيرن أسدا لا يفرون ، فليضربن أعناقكم وليغلبنكم على فيئكم ، فقال لك وقد سمع ذلك من علي يرويه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : فذلك الذي دعاني إلى الكتاب إلى صاحبك في قتلهم ، وقد كنت عزمت على أن أكتب إلى عمالي في سائر الأمصار ، فقلت لعمر : لا تفعل يا أمير المومنين فإني لست آمن أن يدعوهم علي عليه السلام إلى نصرته وهم كثير ، وقد علمت شجاعة علي وأهل بيته وعداوته لك ولصاحبك ، فرددته عن ذلك ، فأخبرتني أنّك لم ترده عن ذلك إلاّ عصبية ، وإنّك لم ترجع عن رأيه جبنا ، وحدثتني أنّك ذكرت ذلك لعلي في إمارة عثمان ، فأخبرك أنّ أصحاب الرايات السود .

وفي رواية أخرى : وخبرتني أنّك سمعت عليا في إمارة عثمان يقول : إن أصحاب

الرايات السود التي تقبل من خراسان هم الأعاجم ، وأنهم الذين يغلبون بني أمية على ملكهم ويقتلونهم تحت كلّ كوكب ، فلو كنت يا أخي لم ترد عمر عن ذلك لجرت سنة ولاستأصلهم اللّه وقطع أصلهم ، وإذا لإستنت به الخلفاء بعده حتى لا يبقى منهم شعر ولا ظفر ولا نافخ نار ، فإنهم آفة الدين فما أكثر ما قد سن عمر في هذه الأمة بخلاف سنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فتابعه الناس عليها وأخذوا بها ، فتكون هذه مثل واحدة منهن ، فمنهن تحويله المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وصاع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومده ، وحين غيره وزاد فيه ، ونهيه الجنب عن التيمم ، وأشياء كثيرة

ص: 95

شتى أكثر من ألف باب أعظمها وأحبّها إلينا وأقرها لأعيننا تنزيله الخلافة عن بني هاشم وعن أهلها ومعدنها ، لأنها لا تصلح إلاّ لهم ، ولا تصلح الأرض إلاّ بهم ، فإذا

قرأت كتابي هذا فاكتم ما فيه ومزقه .

قال : فلمّا قرأ زياد الكتاب ضرب به الأرض ثم أقبل إليّ فقال : ويلي مما خرجت وفيما دخلت ، كنت من شيعة آل محمد فدخلت في شيعة آل الشيطان وحزبه وفي شيعته ، من يكتب مثل هذا الكتاب ؟ إنما واللّه مثلي كمثل إبليس أبى أن يسجد لآدم كبرا وكفرا وحسدا(1) .

ذكر كتب معاوية الى عماله في جميع الأمصار يأمرهم بقتل شيعة علي وإستاصال شأفتهم

اشارة

كتب معاوية إلى جميع البلدان : انظروا من قامت عليه البينة أنه يحبّ عليا وأهل بيته فامحوه عن الديوان وكتب كتابا آخر انظروا من قبلكم من شيعة علياتهمتموه بحبّه فاقتلوه وإن لم تقم عليه البينة فقتلوهم .

وكتب معاوية إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه وشفع ذلك بنسخة أخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤاء القوم ، فنكّلوا به وأهدموا داره ، فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة حتى أن الرجل من شيعة علي عليه السلامليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه ، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا

ص: 96


1- بحار الأنوار : 33/262 .

مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع(1) والمنازل حتى إنتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان ، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها .

فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليهماالسلام فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل إلاّ هو خائف على دمه أو طريد في الأرض .

ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين عليه السلام ولي عبد الملك بن مروان فاشتد على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه وموالاة من يدعي من الناس أنهم أيضا أعداؤ ، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم وأكثروا من الغض من علي عليه السلاموعيبه والطعن فيه والشنئان له حتى أن إنسانا وقف للحجاج ، ويقال : إنه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب ، فصاح به : أيّها الأمير إنّ أهلي عقوني فسموني عليا ، وإنّي فقير بائس ، وأنا إلى صلة الأمير محتاج ، فتضاحك له الحجاج وقال : للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا(2) .

وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كلّ كورة ، وعلى منبر يلعنون عليا ويبرءون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام ، فاستعمل عليهم زياد ابن سمية وضم إليه البصرة ، فكان يتتبع الشيعة ، وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام ، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر ، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل ، وطرفهم وشردهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم ، وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق : ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة ،

ص: 97


1- بحار الأنوار : 44/126 باب 21 .
2- شرح نهج البلاغة : 11/46 .

وكتب إليهم : أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم ، واكتبوا لي بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته .

ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ، ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثر ذلك في كلّ مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب اسمه وقربه وشفعه ، فلبثوا بذلك حينا .

ثم كتب إلى عماله : أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفيوجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإن هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله .

فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وألقي إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن ، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء اللّه (1) .

[ وفاة عتبان بن مالك ]

وتوفي في هذه السنة عتبان بن مالك بن عمر بن العجلان الانصاري السالمي ثم من بني عوف ابن الخزرج من الطبقة الأولى ، شهد بدر واحد ويوم الخندق ، كف بصره على عهد النبي صلى الله عليه و آله وليس في الصحابة من يسمى بعتبان إلاّ هذا ، صحب النبي صلى الله عليه و آله ولم تصل الينا رواية عنه .

ص: 98


1- شرح نهج البلاغة : 11/ 44 ذكر بعض ما مني به آل البيت من الأذى .

[ شهادة عمرو بن الحمق الخزاعي ]

وفي هذه السنة نال عمرو بن الحمق الخزاعي شرف الشهادة ، وكان عمرو من صناديد أصحاب الإمام علي عليه السلام وحواريه كما ذكرنا ذلك في كتاب أمير المؤمنين ، ويعد في أصحاب الإمام الحسن عليه السلام وهو الذي ورد فيه أنّه أرسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله

سرية فقال لهم : إنكم تضلون ساعة كذا من الليل ، فخذوا ذات اليسار فإنكم تمرون برجل في شاته فتسترشدونه ، فيأبى أن يرشدكم حتى تصيبوا من طعامه ، فيذبح لكم كبشا فيطعمكم ثم يقوم فيرشدكم ، فأقرءوه منّي السلام وأعلموه أني قد ظهرت بالمدينة ، فمضوا فضلوا الطريق فقال قائل منهم : ألم يقل لكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله : تياسروا فافعلوا ، فمروا بالرجل الذي قال لهم رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفاسترشدوه ، فقال لهم الرجل : لا أفعل حتى تصيبوا من طعامي ، ففعلوا فأرشدهم الطريق ونسوا أن يقرءوه السلام من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال لهم الرجل ، وهو عمرو بن الحمق : أ ظهر النبي صلى الله عليه و آله بالمدينة ؟ فقالوا : نعم فلحق به ولبث معه ما شاء اللّه . ثم قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إرجع إلى الموضع الذي منه هاجرت فإذا تولى أمير المومنين فأته .

فانصرف الرجل حتى إذا نزل أمير المومنين عليه السلام الكوفة أتاه فأقام معه بالكوفة ، ثم إن أمير المومنين عليه السلام قال له : لك دار ؟ قال : نعم ، قال : بعها واجعلها في الأزد ، فإني غدا لو غبت لطلبت فمنعك الأزد حتى تخرج من الكوفة متوجها إلى حصن الموصل فتمر برجل مقعد فتقعد عنده ، ثم تستسقيه فيسقيك ويسألك عن شأنك فأخبره وادعه إلى الإسلام فإنه يسلم ، وامسح بيدك على وركيه فإن اللّه يمسح ما به وينهض قائما فيتبعك ، وتمر برجل أعمى على ظهر الطريق فتستسقيه فيسقيك ويسألك عن شأنك فأخبره وادعه إلى الإسلام فإنه يسلم ، وامسح بيدك على عينيه فإن اللّه - عزّ وجل - يعيده بصيرا فيتبعك ، وهما يواريان بدنك في التراب ، ثم تتبعك

الخيل ، فإذا صرت قريبا من الحصن في موضع كذا وكذا رهقتك الخيل فانزل عن فرسك ومر إلى الغار فإنه يشترك في دمك فسقة من الجن والإنس(1) .

ص: 99


1- بحار الأنوار : 44/ 130 باب 21 .

وروي أنّه سمع عمرو بن الحمق يحدّث عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه سمع رسول اللّه في المسجد الحرام - أو في مسجد المدينة - يقول : يا عمرو هل لك في أن أريك آية الجنّة يَأْكُلُ الطَّعامَ ويشرب الشراب وَيَمْشِي فِي الأَسْواقِ ، وآية النار يأكل الطعام ويشرب الشراب ويمشي في الأسواق ؟ فقلت : نعم بأبي أنت وأميّ فأرنيها ، فأقبل عليّ عليه السلام يمشي حتّى سلم وجلس ، فقال النبيّ : يا عمرو هذا وقومه آية الجنّة . ثمّ أقبل معاوية

حتى سلّم فجلس ، فقال النبيّ : يا عمرو هذا وقومه آية النار(1) .

وكان عمرو بن الحمق الخزاعي شيعة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فلمّا استشهد علي عليه السلام وضع طوق الرقية للحسن بن علي عليهماالسلام في رقبته وأقرّ بامامته ، ولم يكن أمام معاوية وأصحابه من خيار مادام الحسن عليه السلام حيّا إلاّ أن يتحملوا عمرو ، فلمّا استشهد الحسن عليه السلام ولى معاوية زيادا الكوفة فاتاه عمارة بن عقبة بن أبي معيط ، فقال : إنّ عمرو بن الحمق يجتمع اليه من شيعة أبي تراب ، فقال له عمرو بن حريث : ما يدعوك الى رفع ما لا تيقنه ولا تدري ما عاقبته ، فقال زياد : كلاكما لم يصب ، أنت حيث تكلمت في هذا علانية وعمرو حين يردك عن كلامك ، قوما الى عمرو بن الحمق فقولا له : ما هذه الزرافات التي تجتمع عندك من أرادك أو ادرت كلامه ففي المسجد(2) .

فلمّا سمع عمرو بن الحمق بذلك عرف أنّ وقت تنفيذ وصية الإمام علي عليه السلام قد حان فترك الكوفة وانحاز إلى شهر زور من الموصل . وكتب إليه معاوية : أمّا بعد فإنّ اللّه أطفأ النائرة وأخمد الفتنة وجعل العاقبة للمتّقين ! ولست بأبعد أصحابك همّة ولا

أشدّهم في سوء الأثر صنعا ، كلّهم قد أسهل بطاعتي وسارع إلى الدخول في أمري ، وقد بطأ بك ما بطأ ، فادخل فيما دخل فيه [ الناس ] يمح عنك سالف ذنوبك ونحي داثر حسناتك ، ولعلّي لا أكون لك دون من كان قبلي إن أبقيت واتّقيت ووفيت وأحسنت ، فاقدم عليّ آمنا في ذمة اللّه وذمّة رسوله ، محفوظا من حسد القلوب وإحن الصدور وَكَفى بِاللّهِ شَهِيداً .

ص: 100


1- بحار الأنوار : 34/277 الباب 34 .
2- تاريخ الطبري : 5/236 سنة 50 .

فلم يقدم عليه عمرو بن الحمق ، ولم يرد على كتابه ، وكان عمرو يراقب الوضع ومعه الرجلان الذين شفيا ببركته وكانا يحرسانه ويتفقدانه ويصعدان على التل لرصد المنطقة ، وفي ذات يوم أخبرا عمرو أنّ خيلا قادمة نحوهم ، فعمل عمرو بوصية الإمام علي عليه السلام ، فترك جواده ودخل المغارة فخرج عليه في الغار تنين اسود فلدغه فبرد في مكانه ، فوصلت الخيل ونزل الجند يبحثون ، فوجدوا حصانه فعرفوا أنّه عمرو فتتبعوا أثره حتى دخلوا عليه في الغار فوجدوه ميتا ، وأرادوا أن يحملوه ،

فكانوا كلما حملوا منه عضوا تقطع في ايديهم لما أثر فيه سم التنين فقطعوا رأسه ورفعوه على السنان وحملوه الى معاوية ، فبعث به معاوية إلى إمرأته [ وهي في سجنه ] ، فوضع في حجرها فقالت : سترتموه عنّي طويلا وأهديتموه إليّ قتيلا ، فأهلا وسهلا من هديّة غير قالية ولا بمقلية، بلّغ أيّها الرسول عنّي معاوية ما أقول : طلب

اللّه بدمه ، وعجّل له الويل من نقمه ، فقد أتى أمرا فريّا وقتل برّا تقيا ، فأبلغ أيّها

الرسول معاوية ما قلت .

فبلّغ الرسول معاوية ما قالت ، فبعث إليها فقال لها : أنت القائلة ما قلت ؟ قالت : نعم غير ناكلة عنه ولا معتذرة منه . قال لها : أخرجي من بلادي . قالت : أفعل ، فواللّه ما هو لي بوطن ولا أحنّ فيها إلى شحن ( سجن ) ، ولقد طال بها سهري ، واشتهر بها عبري وكثر فيها ديني من غير ما قرّت به عيني .

فقال عبد اللّه بن أبي سرح الكاتب : يا أمير المومنين إنّها منافقة فألحقها بزوجها . فنظرت إليه فقالت : يا من بين لحييه كجثمان الضفدع ، ألا قتلت من أنعمك خلعا وأصفاك بكساء ، إنّما المارق المنافق من قال بغير الصواب ، واتّخذ العباد كالأرباب ،

فأنزل كفره في الكتاب .

فأومأ معاوية إلى الحاجب بإخراجها ، فقالت : وا عجباه من ابن هند يشير إليّ ببنانه ويمنعني نوافذ لسانه ، أما واللّه لأبقرنّه(1) بكلام عتيد كنوافذ الحديد ، أو ما أنا

بآمنة بنت الرشيد(2) .

ص: 101


1- في المتن : « لانقرنه» .
2- بحار الأنوار :297/34 الباب 34 .

وفي الخلاصة والكشي أنّ الحسين بن علي عليهماالسلام كتب كتابا طويلا الى معاوية وقال فيه عن عمرو بن الحمق :

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه وصفرت لونه ، بعد ما أمنته وأعطيته من عهود اللّه ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل ، ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافا بذلك العهد(1) .

وعمرو هذا هو الذي جلس على صدر عثمان بن عفان يوم الدار وطعنه تسع طعنات كما ذكرنا ذلك مفصلا في حياة عثمان .

وفي هذه السنة أيضا :

وجّه معاوية ابنه يزيد لغزو القسطنطينية وسيّر معه جيشا كثيفا، فنزل يزيد في دير مرّان، وغزا بالجيش سفيان بن عوف حتى بلغ أرض الروم، فاصاب الناس في غزاتهم قحط وجوع وغلاء ومرض شديد ويزيد يشرب الخمر ويلهو بالصيد، فبلغ ذلك معاوية فكتب اليه يامره بالالتحاق بهم عاجلا حتى يصيبه ما أصابهم ولو كلفه ذلك حياته ، فخرج يزيد بجيشه الى بعلبك والتحق بسفيان بن عوف وقاد الجيش حتى بلغ سور القسطنطينة ، فخرج اليه جيش ملك الروم وكان يدعى « قسطنط » ويلقب بپوكانا فدارت بينهم رحى الحرب الطاحنة ، فتوفي خالد بن زيد بن كلب بن ثعلبة بن عبداللّه بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار ، وأمه هند بنت سعد بن عمرو بن إمرؤ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأكبر ، المعروف بأبي أيوب الانصاري(2) فلمّا حضرته الوفاة قال: ادفنوني تحت أقدامكم ، أما أني سأحدثكم بحديث - ما كنت محدثكم به لولا ما حضرني من الاجل - سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : من مات ولا يشرك باللّه شيئا دخل الجنة .

ص: 102


1- بحار الأنوار 44/212 باب 27 .
2- وقد مرّ ذكره في المجلدات السابقة من ناسخ التواريخ من المتن .

فلمّا مات ركب يزيد وجيشه وساروا بنعشه حتى دفنوه عند السور ، فاشرف الروم من أعالي الحصون وعلموا أن أحد عظماء المسلمين قد مات .

فلمّا دفنوه رفع يزيد - عليه اللعنة - عقيرته وصاح باعلى صوته :

يا أهل القسطنطينية، هذا رجل من أكابر أصحاب محمد نبينا صلى الله عليه و آله وقد دفناه حيث ترون، وواللّه لئن تعرضتم له لأهدمن كلّ كنيسة في أرض الاسلام ولا يضرب ناقوس بأرض العرب أبدا .

ثم قفل يزيد راجعا بجيشه، فكان الروم يتعاهدون قبره ويرمّمونه ، ويعلّقون عليه القناديل ، ويستسقون به ، ويستشفون به .

حوادث سنة اثنتين وخمسين للهجرة وقتل سمرة بن جندب أهل البصرة

اشارة

ذكرنا فيما سبق أن زياد بن أبيه أتى الكوفة وخلف سمرة بن جندب على البصرة فقتل ثمانية آلاف من الناس بينهم سبعة وأربعين رجلاً قد جمع القران، ولم يكن لهؤلاء ذنب سوى حبّ علي بن أبي طالب بل قتل بعضهم على الظنة والتهمة على الولاء لعلي .

ولما عاد زياد الى البصرة لدفع الخوارج قال لسمرة : هل تخاف أن تكون قد قتلت أحدا بريئا؟ قال : لو قتلت اليهم مثلهم ما خشيت .

[ محاربة الخوارج ]

أقبل زياد من الكوفة فصعد المنبر في المسجد الجامع في البصرة وقال يحرض الناس على قتال الخوارج :

يا أهل البصرة واللّه لتكفنني هؤلاء أو لأبدأنّ بكم، واللّه لئن أفلت منهم رجل لأبدأن بكم، ثم لا تأخذون العام من عطائكم درهما واحدا .

فلمّا سمع أهل البصرة هذه الكلمات قاموا يدا واحدة لحرب الخوارج وأعدوا للقتال عدته .

ص: 103

وخرج قريب بن مرة الأزدي وزحاف الطائي كانا عابدين مجتهدين من أهل البصرة فخرجا في أيام معاوية في إمارة زياد واختلف الناس أيهما كان الرئيس فاعترضا الناس فلقيا شيخا ناسكا من بني ضبيعة من ربيعة بن نزار فقتلاه وكان يقال له رؤة الضبعي وتنادى الناس فخرج رجل من بني قطيعة من الأزد وفي يده السيف فناداه الناس من ظهور البيوت الحرورية أنج بنفسك فنادوه لسنا حرورية نحن الشرط فوقف فقتلوه .

فبلغ أبا بلال مرداس بن أدية خبرهما فقال : قريب لا قربه اللّه وزحاف لا عفا اللّه عنه، ركباها عشواء مظلمة، فدعا عليهما واستقبح فعلهما رغم أنّه كان من الخوارج .

ثم جعلا لا يمران بقبيلة إلاّ قتلا من وجدا حتى مرا على بني علي بن سود من الأزد وكانوا رماة كان فيهم مائة يجيدون الرمي فرموهم رميا شديدا فصاحوا يا بني علي البقيا لا رماء بيننا فقال رجل من بني علي بن سود

لا شيء للقوم سوى السهام

مشحوذة في غلس الظلام

فعرد عنهم الخوارج وخافوا الطلب واشتقوا مقبرة بني يشكر حتى نفذوا إلى مزينة ينتظرون من يلحق بهم من مضر وغيرها فجاءهم ثمانون وخرجت إليهم بنو طاحية من بنو سود وقبائل من مزينة وغيرها فاستقتلت الخوارج ووصل جيش زياد الذي خرج لحربهم فحاربت حتى قتلت عن آخرها، وقتل قريب وزحاف(1) .

ومنهم - أي من الخوارج - عروة بن جدير أحد بني ربيعة بن حنظلة من بني تميم، ويعرف بعروة بن أدية، وأدية جدة له جاهلية، وكان له أصحاب وأتباع وشيعة فقتله زياد في خلافة معاوية صبرا .

[ ذكر هرب الفرزدق من زياد ]

الفرزدق شاعر يكنى أبو فراس واسمه همام بن غالب بن صعصعة، وهو الذي مدح الإمام السجاد عليه السلام في بيت اللّه الحرام اثناء الطواف في قصيدة مطلعها :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

ص: 104


1- شرح نهج البلاغة 4/136 .

وسيأتي الحديث عنه وذكر حسبه ونسبه وقصائده وأحواله وأقواله في الجزء الخاص بالامام زين العابدين عليه السلام ولكننا سنذكر هنا للمناسبة قصته مع زياد بن أبيه .

مرّ الفرزدق على قبيلة بني منقر ونزل عند شاعر يقال له « لعين »، فخرجت له اخته وكانت تدعى « ظميا » فنظر اليها الفرزدق فرأى في جدائلها أفعى عظيمة فوثب اليها وأخرجها من شعرها ورمى بها ثم ضم ظميا اليه ليقبلها فدفعته ظميا وابعدته عنها فغضب الفرزدق وانشأ يهجوها :

وأهون غير المنقرية أنّها

شديدٌ ببطن الحنظليّ لصوقها

رأت منقرا اسودا قصارا وأبصرت

فتىً دارميا كالهلال يروقها

فما أنا هجت المنقرية للصبا

ولكنها استعصت عليها عروقها

فلمّا إنتشر هذا الخبر بين القبائل استعدى صناديد بني منقر وبني نهشل وفقيم

لدى زياد فامر زياد باحضاره ، فلمّا سمع الفرزدق بذلك هرب وأتى الى عيسى بن خصيلة ليلاً وقال له :

إنّ الرجل أخافني وجميع من كنت أرجوه لفظني وإنّي أشدّ غيبتي عندك .

قال : مرحبا بك، فكان عنده ثلاث ليالٍ، ثم قال : إنّه قد بدا لي أن ألحق بالشام، فقال : ما أحببت، إن أقمت معي ففي الرحب والسعة وإن شخصت فهذه ناقة أرحبية أمتعك بها، قال : فركب بعد ليل وانطلق في مسيره وقال :

كفاني بها البهزى حملان من أبى

من الناس والجاني تخاف جرائمه(1)

ومن كان يا عيسى يؤنب ضيفهفضيفك مجنور(2)مهنى مطاعمه

فقال تعلّم أنّها أرحبيةوأنّ لك الليل الذي أنت جاشمه

فأصبحت والملقى ورائي وحنبلوما صدرت حتى تلا الليل عاتمه

ص: 105


1- في الطبري : « حباني » .
2- في الطبري : « محبور » .

تزاور عن أهل الحفين(1)كأنّهاظليم تبارى جنح ليل نعائمه

رأت بين عينيها دويّة وانجلىلها الصبح عن صغل أسيل مخاطمه

كأنّ شراعا فيه مثنى(2) زمامهامن الساج(3) لولا خطمها وملاغمه

فارتحل لا يلوي على شى ء كلّما حلّ في موضع ارتحل عنه حتى وصل الى المدينة وكان عليها سعيد بن العاص واليا من قبل معاوية فوقف عليه وقال: هذا مقام العائذ من حلّ به(4) لم يصب دما ولا مالاً .

فقال سعيد : قد أجرت إن لم تصب مالاً ولا دما، من أنت ؟ قال : أنا همام بن غالب بن صعصعة، وقد أثنيت على الأمير، فإن رأى أن يأذن لي فأسمعته فليفعل، قال : هات فأنشده قصيدة مطلعها :

وكوم تنعم الأضياف عينا

وتصبح في مباركها ثقالا

فقام الحطيئة فشق ما بين رجلين حتى تجاوز الى الفرزدق وقال : قل ما شئت فقد

أدركت من مضى ولا يدركك من بقي، وقال لسعيد بن العاص : هذا واللّه الشعر، لا يعلل به منذ اليوم .

فلم يزل الفرزدق بالمدينة مرة وبمكة مرة، وقال هذه الأبيات وبعث بها الى زياد ابن أبيه :

ألا من مبلغ عني زيادا

مغلغلة يجبّ(5) بها البريد

بأني قد فررت الى سعيدولا يسطاع ما يحمي سعيد

فررت اليه من ليث هزبروعاد(6) عن فريسته الأسود

ص: 106


1- في الطبري : « حفير » .
2- في الطبري : « مجرى » .
3- في الطبري : « بدجلة » .
4- في الطبري : « العائذ من رجل لم يصب...» .
5- في الطبري : « يخبّ » .
6- في الطبري : « تفادى » .

فإن شئت إنتسبت الى النصارىوإن شئت فناسبني(1) اليهود

وان ئت إنتسبت الى فقيمفناسبني وناسبت القرود

وأبغضهم اليّ بنو فقيمولكن سوف آتي ما أريد(2)

فلمّا سمع زياد ابن أبيه هذه الأبيات قال : ما كنت لأنوي له شرا ولو قد أتاني لامنته وأعطيته وقربته وسررته، فبلغ ذلك الفرزدق فقال :

تذكر هذا القلب من شوقه ذكرا

تذكر شوقا ليس ناسيه عصرا

نذكر ظمياء التي ليس ناسيا

وان كان أدنى عينها حججا عشرا

وما مغزل بالغور غور تهامة

ترعى أراكا من مخارمها نضرا

من العوج حواء المدامع ترعوي

الى رشاء طفل تخال به فترا

أصابت بأعلى ولولا أنّ حباله

فما استمسكت حتى حسبت بها نفرا

بأحسن من ظمياء يوم لقيتها

ولا مزنة راحت غمامتها قصرا

إذا أوعدوني عند ظمياء ساءها

وعيدي وقالت لا تقولوا له هجرا

دعاني زياد لو يريد عطائهم

رجال كثير قدترى بهم فقرا

قعود لدى الأبواب طلاب حاجة

عوان من الحاجات أو حاجة بكرا

فلمّا خشيت أن يكون عطاؤه

أداهم سودا أو محدرجة سمرا

فزعت الى حرف اضر بنينها

سرى الليل واستعراضها البلد القفرا

تنفس من بهو من الجوع واسع

إذا مد حيز وما شراسيفها الضفرا

تراها إذا صام النهار كانّما

تسامى فتيقا أو تخالسه خطرا

وان أعرضت زوراء أو شمّرت بها

فلاة ترى منها مخارمها غبرا

تعدين عن صهب الحصى وكانما

طحن به من كلّ رضراضة جمرا

على ظهر عاد كان متونه

ظهور ألا يضحي فيافيه حمرا

يؤم بها المومات من لن ترى له

الى ابن أبي سفيان جاخا ولا عذرا

ص: 107


1- في الطبري : « انتسبت الى اليهود » .
2- في الطبري : « ما تريد » .

وحضنين من ظلماء ليل سريته

بأغيد قد كان النعاس له سكرا

رماه الكرى في الرأس حتى كأنه

أمير جلاميد تركن به وقرا

جررنا وفديناه حتى كأنما

سقاه الكرى في كلّ منزلة خمرا

فلا تعجلاني صاحبيّ فربّما

سبقت بورد الماء غادية كدرا

[ وفاة عقيل بن أبي طالب ]

وفي هذه السنة توفي عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي وقيل : سنة احدى وخمسين، يكنى أبا يزيد، وأولاد أبي طالب : طالب وهو الأكبر والثاني عقيل والثالث جعفر والرابع علي عليه السلام وأمهم فاطمة بنت أسد، وطالب أسن من عقيل بعشر سنين وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين وجعفر أسن من علي عليه السلامبعشر سنين، وكان عقيل أنسب العرب ، ولكنّه كان مبغضا اليهم ، لأنّه كان يعدّ مساويهم ، وكان في قريش أربعة يتحاكم اليهم ويوقف عند قولهم في علم النسب :

عقيل بن أبي طالب ، ومخرمة بن نوفل الزهري ، وأبو جهم بن حذيفة العدوي ،

وحويطب بن عبد العزى العمري .

وكان عقيل أفضلهم ، وهو من الطبقة الثانية من المهاجرين، أسلم في السنة الثامنة للهجرة، وكان أسرع الناس جوابا ، ودخل على معاوية وقد كفّ بصره ، فأجلسه على سريره وقال له : يا بني هاشم أنتم تصابون في أبصاركم، فقال له عقيل : وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم(1) .

وقد مرّ الكلام عن عقيل مفصلاً في ما سبق من أجزاء ناسخ التواريخ فلا نطيل الكلام هنا .

[وفاة نعيمان بن عمرو]

وتوفي في هذه السنة نعيمان بن عمرو من الطبقة الأولى من المهاجرين، شهد العقبة الآخرة ولازم النبي صلى الله عليه و آله وشهد معه المشاهد كلّها .

ص: 108


1- الدرجات الرفيعة : 161 .

وكان يشرب الخمر كثيرا فأتي به الى النبي صلى الله عليه و آله فجلده ثم أتي به فجلده مرارا

فقال عمر بن الخطاب : اللّهم العنه فما أكثر ما يشرب، فقال النبي : لا تلعنه فأنه يحب

اللّه ورسوله(1) .

وقد مرّ ذكره وذكر مزاحه في حياة النبي صلى الله عليه و آله .

[وفاة سفيان بن عون]

وتوفي في هذه السنة سفيان بن عون(2) بن معقل الأزدي من التابعين كان مع أبي عبيدة في واقعة اليرموك فسرحه الى عمر يطلب منه العون فذهب وعاد الى الشام كما ذكرنا في حياة عمر بن الخطاب، ولاه معاوية على الصواف، ثم سيّره بجيش الى بلاد الروم فتوفي فيها .

[وفاة عبد اللّه بن أبي معقل]

وفي هذه توفي عبد اللّه بن أبي معقل بن عبديهم(3) المزني وكنيته « أبو سعيد » وكان من البكائين ويعد في الطبقة الثالثة من المهاجرين .

[وفاة ميمونة بنت الحارث]

وفي هذه السنة توفيت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه و آله .

[وفاة أبي موسى الأشعري]

وفي هذه السنة توفي أبو موسى الأشعري واسمه عبداللّه بن قيس وهو من الطبقة الثانية من المهاجرين وأمه طيبة(4) بنت وهب من عك، قيل : كان له صوت حسن ، فسمعه النبي صلى الله عليه و آله يقرأ القران فقال صلى الله عليه و آله : إنّ عبداللّه بن قيس أعطي مزمارا من مزامير آل داود .

ص: 109


1- الطبقات الكبرى : 2/395 .
2- في المتن « بن عوف » .
3- يبدو أنّها « نهيك » .
4- في الطبقات الكبرى : « وأم أبي موسى ظبية بنت وهب من عك » .

استعمله النبي صلى الله عليه و آله على قبيلة زبيد وعدن وساحل اليمن وأقره على ذلك أبو بكر، واستعمله عمر بن الخطاب على البصرة وكانت له ولاية الكوفة أيام عثمان(1)، ولما حضرته الوفاة احضر أولاده فقال لهم :

إذا أنا متّ فلا تؤذنوا بموتي أحدا ولا يتبعني صوت ولا ناد، ولكن ممشى أحدكم

بحذاء ركبتي من السرير، وأنا بريء ممن حلق وسلق وخرق .

[وفاة كعب بن عجرة]

وفي هذه السنة توفي في المدينة كعب بن عجرة بن كعب بن أمية بن عدي بن عبيد بن الحارث البلوى وكنيته أبو محمد . وكان حليفا للانصار وقيل : حليفا للحارث بن خزرج .

[وفاة جماعة]

وقيل : توفي في هذه السنة اليافعي عمران بن حصين الخزاعي وأبو بكر الثقفي وجرير بن عبيداللّه البجلي ونفيع بن الحارث .

وتوفي في هذه السنة الشاعر المجيد حسان بن ثابت الانصاري وكان أحسن المخضرمين(2) وقيل : كان إذا أخرج لسانه قرع بطرفه طرف أرنبته، وكان يقول : ما يسرني به مقول من العرب واللّه لو وضعته على شعر لحلقه أو على صخر لفلقه .

[شهادة حجر بن عدي]

وفي هذه السنة نال سعادة الشهادة حجر بن عدي كما في الاستيعاب لابن عبد البر وهو حجر بن عدي بن معاوية بن جبلة بن الادبر الكندي، وإنّما سمي « الادبر » لانّه ضرب بالسيف على إليته فسمي الادبر، يكنى أبا عبد الرحمن، كوفي، كان من فضلاء الصحابة، وكان من زعماء أصحاب علي المرتضى، وكان يوم صفين على الميمنة وفي النهروان على الميسرة .

ص: 110


1- وقد ذكرنا حياته ونسبه وحكومته بين علي عليه السلام ومعاوية مفصلاً في ما سبق من مجلدات ناسخ التواريخ . من المتن .
2- وقد ذكرنا حياته وأشعاره في حياة النبي صلى الله عليه و آله من كتاب ناسخ التوايخ .

ولما ولي معاوية زيادا العراق وماوراءها وأظهر من الغلظة وسوء السيرة ما اظهر(1) خلعه حجر، وحصبه يوما في تأخير الصلاة، فاشتد ذلك على زياد وكتب فيه الى معاوية، وكان معاوية يتحين الفرصة بحجر لما عرف به من تشيعه لعلي عليه السلام فكتب الى زياد يأمره أن يبعث بحجر وأصحابه اليه في الحديد .

فلمّا بلغ الكتاب زيادا استقوى به وطلب حجرا، فسارع عبداللّه بن خليفة الطائي - ابن عم عدي بن حاتم الطائي - فأخذ حجرا واخفاه في قبيلته فطلبه زياد فتوارى ، فبعث اليه الشرط وهم من أهل باخمرا(2) فأخذوه ، فخرجت أخته النوار

فقالت : يا معشر طيء أتسلمون عبداللّه بن خليفة ! فشدّ الطائيون على الشرط فضربوهم وانتزعوا منهم عبداللّه بن خليفة ، فرجعوا الى زياد فأخبروه وهو في المسجد الجامع، فوثب على عدي بن حاتم وهو في المسجد فقال له مغضبا : ائتني بعبداللّه بن خليفة قال : وما له، فأخبره، قال : فهذا شيء كان في الحي لا علم لي به ، [ قال واللّه لتأتينّي به قال : لا واللّه لا آتيك به أبدا ] أجيئك بابن عمّي تقتله ! واللّه لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه . فغضب زياد ابن أبيه غضبا شديدا وأمر به الى السجن .

فلم يبق بالكوفة يمانيّ ولا ربعي ولا غيرهما إلاّ أتاه وكلمه وقالوا : تفعل

هذا بعدي بن حاتم صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ ! قال : فاني أخرجه على شرط قالوا : ما هو ؟ قال : يخرج ابن عمه من قبيلته ولا يدخل الكوفة ما دام لي بها سلطان، فأتى عدي فأخبر بذلك، فقال : نعم، فبعث عدي الى عبد اللّه بن خليفة فقال : إنّ هذا قد لجّ في أمرك... فالحق بالجبلين، فخرج، فجعل عبد اللّه يكتب الى عدي .. فكتب :

ص: 111


1- كما مرّ في مجلدات ناسخ التواريخ . من المتن .
2- في الطبري : « وهم من أهل الحمراء » .

تذكّرت ليلى والشبيبة أعصرا

وذكر الصبا برح على من تذكّرا

وولى الشباب فافتقدت غصونه(1)

فيالك من وجد به حين أدبرا

فدع عنك تذكار الشباب وفقده

واشبابه إذ بان عنك فأجمرا(2)

وبكّ على الخلان لما تحرموا(3)ولم يجدوا عن منهل الموت مصدرا

دعتهم مناياهم ومن حان يومه

من الناس فاعلم أنه لن يؤرا

أولئك كانوا شيعة لي وموئلا

إذا اليوم ألفي ذا احتدام مذكرا

وما كنت أهوى بعدهم متعللا

بشئ من الدنيا ولا أن أعمرا

أقول ولا واللّه أنسى ادكارهم

سجيس الليالى أو أموت فأقبرا

على أهل عذراء السلام مضاعفا

من اللّه وليسق الغمام الكنهدرا(4)

ولاقى بها حجر من اللّه رحمة

فقد كان أرضى اللّه حجر وأعذرا

ولا زال هطال(5) ملث وديمة

على قبر حجر أذ(6) ينادى فيحشرا

فيا حجر من للخيل تدمى نحورها

وللملك المغزى إذا ما تغشمرا

ومن صادق(7) بالحق بعدك ناطق

بتقوى ومن إن قيل بالجور غيرا

فنعم أخو الاسلام كنت وإنني

لاطمع أن تؤى الخلود وتحبرا

وقد كنت تعطى السيف فيالحرب حقه

وتعرف معروفا وتنكر منكرا

فيا أخوَينا من تميم(8) عصمتما

وبشرتما بالصالحات(9) فأبشرا

ص: 112


1- في الطبري : « غضونه » .
2- في الطبري : « فاقصرا » .
3- في الطبري : « تخرموا » .
4- في الطبري : « الكنورا » .
5- في الطبري : « تهطال » .
6- في الطبري : « أو » .
7- في الطبري : « صادع » .
8- في الطبري : « هميم » .
9- في الطبري : « يسرتما للصالحات » .

ويا إخوتا من حضرموت وغالب

وشيبان لقيتم جنانا مبشرا(1)

سعدتم فلم اسمع بأصوب منكم

حجاجا لدى الموت الجليل وأصبرا

سأبكيكم ما لاح نجم وغرد ال-

حمام ببطن الواديين وقرقرا

فقلت ولم أظلم لغوث(2) بن طيئ

متى كنت أخشى بينكم أن أسيرا

هبلتم ألا قاتلتم عن أخيكم

وقد ذب(3) حتى مال ثم تجورا

تفرجتم(4) عني فغودرت مسلما

كأنّي غريب من(5) إياد وأعصرا

فمن لكم مثلى لدى كلّ غارة

ومن لكم مثلي إذا البأس أصحرا

ومن لكم مثلى إذا الحرب قلصت

وأوضع فيها المستميت وشمرا

فها أناذا آوي(6) بأجبال طئ

طريدا ولو شاء الاله لغيرا

نفاني عدوى ظالما عن مهاجري

رضيت بما شاء الاله وقدرا

وأسلمنى قومي بغير(7) جناية

كأن لم يكونوا لي قبيلا ومعشرا

فما كنت أخشى أن أرى متغربا

لحى اللّه من لاحى عليه وكثرا

ولاقى الردى القوم الذين تحزبوا

علينا وقالوا قول زور ومنكرا

فلا يدّعى(8) قوم لغوث بن طئ

إذا(9) دهرهم أشقى بهم وتغيرا

فلم أغزهم في المعلمين ولم أثر

عليهم عجاجا بالكويفة أكدرا

فبلغ خليلي إن رحلت مشرقا

جديلة والحيين معنا وبحترا

ص: 113


1- في الطبري : « حسابا ميسرا » .
2- في الطبري : « أغوث » .
3- في المتن : « وقددت » .
4- في الطبري : « ففرجتم » .
5- في الطبري : « في » .
6- في الطبري : « داري » .
7- في الطبري : « لغير » .
8- في الطبري : « يدعنى » .
9- في الطبري : « لان » .

ألم تذكروا يوم العذيب أليتى

أمامكم ألا أرى الدهر مدبرا

وكري على مهران والجمع حابس(1)

وقتلي الهمام المستميت المسورا

ويوم جلولاء الوقيعة لم ألم

ويوم نهاوند الفتوح وتسترا

وتنسونني يوم الشريعة والقنا

بصفين في أكتافكم(2) قد تكسرا

جزى ربّه عني عدي بن حاتم

برفضي وخذلاني جزاء موفرا

أتنسى بلائي سادرا يا ابن حاتم

عشية ما أغنت عديك حذمرا(3)

فدافعت عنك القوم حتى تخاذلوا

وكنت أنا الخصم الالد العذورا

فولوا وما قاموا مقامي كأنما

رأوني ليثا بالاباءة مخدرا

نصرتكم إذ خان القريب وأنقض(4) ال-

بعيد وقد أفردت نصرا مؤرا

فكان جزائي أن أجرر(5) بينكم

سحيبا(6) وأن أولى الهوان وأوسرا

كأنى لم أركب جوادا لغارة

ولم أترك القرن الكمي مقطرا

ولم أعترض بالسيف منكم(7) مغيرة

إذا النكس مشى القهقرى ثم جرجرا(8)

وأخيرا أخذ زياد ابن أبيه حجر بن عدي وأحد عشر رجلا من أصحابه

وأرسلهم مع الجلاوزة والحراس الى دمشق فلمّا صاروا على أميال من الكوفة أنشأت هند بنت زيد بن محزمة الأنصاري(9) على رواية عبوس المنصوري في كتاب زبدة الفكرة وعلى رواية المسعودي في مروج الذهب : أنشأت ابنة حجر تقول :

ص: 114


1- في الطبري : « حاسر » .
2- في الطبري : « اكتافهم » .
3- في الطبري : « حذمرا » .
4- في الطبري : « انعط » .
5- في الطبري : « اجرد » .
6- في الطبري : « سجينا » .
7- في الطبري : « خيلا » .
8- الطبري 5/281 .
9- في الطبري : « هند ابنة زيد بن مخرمة الانصارية وكانت تتشيّع » .

ترفّع أيها القمر المنير

تبصر هل ترى حجرا يسير

يسير الى معاوية بن حرب

ليقتله كما زعم الأمير

ويصلبه على بابي دمشق

وتأكل من محاسنه النسور

تجبرت الجبابر بعد حجر

وطاب لها الخورنق والسدير

وأصبحت البلاد له محولاً

كأن لم يحيها مزن مطير

ألا يا حجر حجر بني عدي

تلقتك السلامة والسرور

أخاف عليك ما أدري عديا

وشيخا في دمشق له زئير

ألا يا ليت(1) حجرا مات موتا

ولم ينحر كما نحر الجزور

فان يهلك فكل زعيم قومالى هلك من الدنيا يصير

وهكذا ساروا بحجر وأصحابه يطوون المنازل حتى صاروا على عشرة أميال من دمشق تقدم البريد بأخبارهم الى معاوية ، وأنّهم جاؤوا بحجر وأصحابه مقيدين بالحديد ، فبعث برجل أعور مع آخرين من الجلاوزة لاستقبالهم في مرج عذراء، فلمّا أشرف على حجر وأصحابه قال رجل منهم : إن صدق الزجر فإنّه سيقتل منّا النصف وينجو الباقون، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: أما ترون الرجل المقبل مصابا بإحدى عينيه، فلمّا وصل اليهم قال لحجر: إنّ أمير المؤمنين قد أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان والمتولي لأبي تراب وقتل أصحابك، إلاّ أن ترجعوا عن كفركم وتلعنوا صاحبكم وتتبرأوا منه، فقال حجر وجماعة ممن كان معه وهم خمسة: إنّ الصبر على حر(2) السيف لأيسر علينا مما تدعونا اليه، ثم القدوم على اللّه وعلى نبيه وعلى صفيّه(3) أحبّ الينا من دخول النار، وأجاب ستة ممن كان معه الى البراءة من علي لينجوا بانفسهم وينالوا السلامة، فلمّا قدم حجر ليقتل قال: دعوني أصلي ركعتين ،فجعل يطول في صلاته، فقيل له: أجزعا من الموت؟

ص: 115


1- في المتن : « ألا ناديت» .
2- في المروج : « حد » .
3- في المروج : « وصيه » .

فقال: لا ولكني ما تطهرت للصلاة قط إلاّ صليت وما صليت قط أخف من هذه وكيف لا أجزع وإنّي لارى قبرا مفتوحا وسيفا مشهورا وكفنا منشورا .

ثم قدموا الخمسة الاخرين من أصحاب حجر فقطعوا رؤوسهم وعادوا الى معاوية، وانتشر الخبر في الأمصار وسارت به الركبان الى جميع البلدان .

فلمّا سمع الحسين بن علي عليهماالسلام كتب الى معاوية :

أما بعد: أو لست القاتل حجرا أخا كندة والمصلحين(1) العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع وَلا يَخافُونَ في اللّه لَوْمَةَ لائِمٍ ثم قتلتهم ظلما

وعدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤدة ولا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا(2) بإحنة تجدها في نفسك(3)

ولما قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه حج ذلك العام فلقي الحسين بن علي عليه السلام فقال : يا أبا عبد اللّه هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه وشيعة أبيك ؟ فقال : وما صنعت بهم ؟ قال : قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم، فضحك الحسين عليه السلام ثم قال : خصمك القوم يا معاوية، لكننا لو قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم ولا أقبرناهم، ولقد بلغني وقيعتك في علي عليه السلام وقيامك بنقصنا واعتراضك بني هاشم بالعيوب، فإذا فعلت ذلك فارجع في نفسك ثم سلها الحق عليها ولها، فإن لم تجدها أعظم عيبا في(4) أصغر عيبك فيك فقد ظلمناك يا معاوية ولا توترن غير قوسك ولا ترمين غير غرضك ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب، فإنك واللّه قد أطعت فينا رجلا ما قدم إسلامه ولا حدث نفاقه ولا نظر لك فانظر لنفسك ودع(5) يعني عمرو بن العاص(6) .

ص: 116


1- في البحار : « المصلين» .
2- في المتن : « الا» .
3- بحار الأنوار : 44/212 باب 27 .
4- في البحار : « فما» .
5- في البحار : « أو دع» .
6- البحار 44/129 باب 21 .

وروى ابن عبد البر والفاضل المجلسي: لما بلغ الربيع بن زياد الحارثي - وكان عاملاً لمعاوية على خراسان - خبر قتل حجر صعد المنبر بعد أن صلّى صلاة الظهر جماعة وقال: أيّها الناس إنّه قد حدث في الإسلام حدث عظيم لم يكن منذ قبض اللّه نبيه مثله، بلغني أنّ معاوية قتل حجرا وأصحابه ، فإن يك عند المسلمين غِيَرٌ فسبيل ذلك ، وإن لم يكن عندهم غير ، فأسأل اللّه أن يقبضني اليه ، وأن يعجل بذلك، فقال :

اللّهم أن كان للربيع عندك خير فاقبضه اليك وعجل(1).

ولما بلغ عائشة الخبر قالت: أما واللّه إن كان لجمجمة العرب عزّ ومنعة وفقه، ثم أنشأت قول لبيد :

ذهب الذين يعاش فيأكنافهم

وبقيت في خلف كجلد الاجرب

لا ينفعون ولا يرّجى خيرهم

ويعاب فاتلهم وإن لم يسغب

وبالجملة : فإنّ فضل حجر وجلالة قدره عظيمة جدا وقد عده الفضل بن شاذان من كبار التابعين وزعمائهم وزهادهم .

وروى الكشي عن يعقوب بن شيبه بإسناده عن حجر بن عدي قال : قال لي علي عليه السلام : كيف تصنع أنت إذا ضربت وأمرت بلعنتي ؟ قلت له : كيف أصنع ؟ قال : العني ولا تبرأ منّي فإني على دين اللّه ، قال : ولقد ضربه محمد بن يوسف وأمره أن يلعن عليا وأقامه على باب مسجد صنعاء ، قال : فقال : إن الأمير أمرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه اللّه (2) .

ويستفاد من البرقي وابن داود وكتاب الخلاصة : أنّ حجر بن عدي من أصحاب الصادق عليه السلام، قال الكشي : حجر بن عدي من أصحاب الصادق عليه السلام وهو غير حجر بن عدي الذي كان من أصحاب الإمام علي والحسن عليهماالسلام .

وكانت شهادته سنة خمسين هجرية وقيل : سنة ثلاثة وخمسين .

ص: 117


1- الاستيعاب بهامش الإصابة 1/359 باختلاف .
2- رجال الكشي : 101 حجر بن عدي الكندي .

ذكر حوادث سنة ثلاث وخمسين من كتاب سيد الشهداء عليه السلام

اشارة

وفيها بعث معاوية جيشا الى الروم بقيادة عبد الرحمن [بن] أم الحكم الثقفي .

وفيها فتحت رودس جزيرة في البحر ففتحها جنادة بن أبي أمية الأزدي - وكان من أمراء العسكر - فنزلها العرب وزرعوا واتخذوا بها أموالاً وقصورا ومواشي يرعونها حولها، فاذا أمسوا أدخلوها الحصن ولهم ناطور يحذرهم ما في البحر ممن يريدهم بكيد واتخذوا بها حصونا حصينة تحميهم من مداهمة الأعداء وصنعوا المراكب والسفن التي تطوي البحار، فكانوا أشدّ شى ء على الروم فيتعرضونهم في البحر فيقطعون سفنهم، وكان معاوية يدرّ لهم الأرزاق والعطاء وكان العدو قد خافهم، فلمّا مات معاوية سنة ستين أقفلهم يزيد(1) واستعاد الروم الجزيرة لأنّ يزيد لم يكن كأبيه في السياسة والتحرك والنظرة .

[هلاك زياد بن أبيه]

وهلك في هذه السنة زياد بن أبيه ويكنى أبا المغيرة وأمه سمية أمة الحرث بن كلدة بن عمرو بن علاج الثقفي والحارث بن كلدة كان متطببا(2)، وأمه سمية كانت زانية مشهورة من ذوات الرايات، ثم أنها تزوجت من عبد رومي يدعى عبيد بن أسيد كان يرعى الغنم في الطائف، فلمّا سافر أبو سفيان الى الطائف دخل على سمية وزنى بها ولهذا السبب استلحق(3) معاوية زيادا .

ولما كان زياد مجهول الاب كان يدعى زياد ابن أبيه، أو ينسب الى أمه ويقال زياد ابن سمية، أو زياد بن عبيد ، لأنّه ولد على فراش عبيد، ثم دعي زياد بن أبي سفيان بعد أن استلحقه معاوية .

ص: 118


1- انظر الطبري 5/288 .
2- وقد مرّ بيان حاله مفصلا في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
3- وقد مرّ مفصلاً قصة إستلحاقه في كتاب الإمام الحسن عليه السلام من مجلدات ناسخ التواريخ .

أسلم في عهد أبي بكر، فلمّا تولى عمر بن الخطاب أمر الخلافة بعثه في إصلاح فساد وقع في اليمن فرجع من وجهه وخطب خطبة لم يسمع الناس مثلها وكان أبو سفيان وعلي وعمرو بن العاص حاضر فقال عمرو(1) : أما واللّه لو كان هذا الغلام قرشيا لساق العرب بعصاه فقال أبو سفيان : أما واللّه إنّ أباه قرشي وإنّي لأعرفه فقال علي عليه السلام : ومن هو يا أبا سفيان ؟ قال : أنا الذي وضعته في رحم أمه ، ثم قال :

أما واللّه لولا خوف شخص

يراني يا علي من الأعادي

لأظهر أمره صخر بن حرب

ولم يخف المقالة في زياد

وقد طالت مجاملتي ثقيفا

وتركي فيهم ثمر الفؤاد

وعنى بقوله « لولا خوف شخص » عمر بن الخطاب .

وكان لسمية ثلاثة أولاد هم : نفيع ويكنى أبا بكرة وهو عربي ونافع وهو من

الموالي وزياد نسبوه الى أبي سفيان وقالوا : إنّه قرشي ! وفي ذلك يقول يزيد بن المفرغ :

انّ زيادا ونافعا وأبا

بكرة عندي من أعجب العجب

انّ رجالاً ثلاثة خلقوا

في رحم انثى مخالفي النسب

ذا قرشي فما يقول وذا

مولى وهذا بزعمه عربي

وبالجملة فقد مرّ ذكر سيرته وأخلاقه وعداوته لأمير المؤمنين عليه السلام وأولاده وشيعته .

ولما حان حينه وقرب أجله في هذه السنة كتب الى معاوية : إنّي قد ضبطت العراق بشمالي ويميني فارغة، يعني فولني الحجاز أشغل يميني به، وبعث الكتاب بيد الهيثم بن الأسود النخعي، فاستجاب له معاوية وحقق له أمله فكتب له عهده على الحجاز ( مكة ويثرب ) مع الهيثم، قال الطبري : خطب ستة أشهر في مكة والمدينة .

ص: 119


1- في المتن : « عمر» .

وقال عبوس المنصوري في تاريخ بني أمية : فلمّا بلغ ذلك عبداللّه بن عمر قال للناس : ارفعوا أيديكم بالدعاء ، ورفع يديه ثم قال : اللّهم اكفنا يمين زياد، فقال الناس جميعا : آمين، فعرض له الطاعون في يمينه فقتله .

وذكرت مصادر أخرى أنّه نوى أن يستعرض أهل الكوفة جميعا ويامرهم بسب أمير المؤمنين علي عليه السلام ولعنه والبراءة منه ومن أبى قتله(1)، فخرجت طاعونة في يده فاحضر الاطباء فامروه بقطعها، فأرسل الى شريح - وكان قاضيه - فقال : حدث بي ما ترى وقد أمرت بقطعها فأشر عليّ فقال له : بك رزق معلوم وأجل مقسوم، وأنّي أكره إن كانت لك مدة أن تعيش في الدنيا بلا يمين، وإن كان قد دنى أجلك أن تلقى ربّك مقطوع اليد، فإذا سألك لم قطعتها قلت بغضا في لقائك، فتركها فمات، فخرج شريح فسألوه فأخبرهم بما أشار عليه، فلاموه وقالوا : هلا أشرت عليه بقطعها، فقال : إنّما استشارني، والمستشار مؤتمن، ولولا الامانة في المشورة لوددت أنّه قطع يده يوما، ورجله يوما، وسائر جسده يوما .

بالجملة ؛ توفي زياد في شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين، وصلى عليه خالد بن أسد ودفن بالثوية الى جانب الكوفة، وقيل : أنّه خلف ألف دينار من الذهب الخالص وقميصين وازارين ولم يخلف عقارا وكان يقول : مادام ملكنا قائما فالدنيا لنا، وإن زال عنّا فالذي يجزينا من الدنيا أقلها . وكانت مدة عمره خمس وخمسين سنة، وولى العراق خمس سنين ، وخلف اربعين ولدا ذكرا وانثى .

ولما بلغ معاوية موت زياد أنشأ يقول:

وأفردت سهما في الكنانة واحدا

سيرمى به أو يكسر السهم كاسره

ص: 120


1- أنساب الأشراف : 5/284 وفيه بإسناده : « عن القاسم بن النضر العبسي عن أبيه عن عمه قال : أرسل الينا زياد لنلعن عليا ونبرأ منه، فإنّا لمجتمعون إذ أغفيت اغفاءة، فرأيت رجلاً أسود فراعني، فقلت له: من أنت ؟ فقال : أنا النقاد ذو الرقبة، أرسلت الى هذا الشاتم صاحب الرحبة، فأتانا رسول زياد فقال : انصرفوا فإنّ الأمير عليل، فعرضت له الأكلة فمات بعد ثلاثة أيام . ثم أنشد شعرا....

ورثاه حارثه بن بدر الغداني قائلاً :

أبا المغيرة والدنيا مغيّرة

وان من غرّت الدنيا لمغرور

قد كان عندك للمعروف معرفة

وكان عندك للتنكير تنكير

لو خلّد الخير والاسلام ذا شرف

اذا يخلّدك الاسلام والخير

ورثاه شاعر من بني ضبة :

إذا كنت من نادى السماحة والندى

فناد زيادا أو أخا لزياد

يجبك امرء يعطي على الحمد ما له

إذا ضن بالمعروف كلّ جواد

ومالي لا أثني عليه وإنّما

طريفي من معروفه وتلادي

قال عجلان حاجب زياد : أصبت في غداة واحدة عشرين ألف دينارا من الذهب الخالص وألف سيف فقيل : له كيف ذلك ؟ قال : استعرض زياد الفا من جنده في يوم واحد فأعطى كلّ واحد منهم مائتى دينار وسيفا، فلمّا خرجوا من عنده أعطاني كلّ واحد منهم عشرة دنانير والقى الي سيفه(1) .

وكان زياد معروفا بحصافة العقل ! ! وفصاحة الكلام ومن كلماته :

ليس العاقل من يحتال للأمر الذي وقع فيه، وإنّما العاقل من يحتال للأمر قبل أن يقع فيه .

وكتب اليه رجل يشكو اليه ابنه، فكتب اليه زياد : ربما كان عقوق الولد من سوء تأديب الوالد .

ومن كلماته : تأخير جزاء المحسن لوم وتعجيل عقوبة المسيء طيش .

وكتب اليه معاوية : أما بعد، فاعزل حريث بن جابر عن العمل فاني لا أذكر مقاماته بصفين إلاّ كانت حزازة في صدري .

ص: 121


1- أنساب الأشراف : 5/226 وفيه : « قال عجلان حاجب زياد : أصبت في غداة واحدة ألفي ألف درهم وألفي سيف، أعطى زياد العطاء فأعطاني كلّ رجل نصف عطائه وسيفه » .

فكتب اليه زياد : أما بعد، فخفض عليك يا أمير المؤمنين فإنّ حريثا قد سبق شرفا لا يرفعه معه عمل ولا يضيعه معه عزل .

ومن كلماته : يقول : هما طريقان للعامة : الطاعة والسيف ، وكان المغيرة يقول : لا واللّه حتى يحملوا على سبعين طريقا غير السيف .

وسئل ما هو الحظ السعيد ؟ قال : أن يطول عمرك، وترى في عدوك ما يسرك .

ومن كلماته : أحسنوا الى أهل الخراج فانكم لا تزالون سمانا ما سمنوا .

وقال أيضا : ما قرأت كتاب رجل قط إلاّ عرفت عقله منه .

وقال أيضا في خطبة له : استوصوا بثلاثة منكم خيرا : الشريف والعالم والشيخ،

فواللّه لا ياتيني وضيع بشريف يستخف به إلاّ إنتقمت منه ولا شاب بشيخ يستخف به إلاّ أوجعته ضربا ، ولا جاهل بعالم يستخف به إلاّ نكلت به .

وقال لابنه عبيد اللّه : عليك بالحجّاب وإنّما اجترأت الرعاة على السباع بكثرة نظرها اليها .

وقال أيضا : لا يستكمل المرؤة عند من يحوّج أهله الى غيره .

وكتب الى عماله : أميطوا الحدود عن ذوي المروات .

وقال أيضا : اشتر بعض دينك ببعض والا ذهب كله .

وشكي اليه عماله فكتب : من أماله الباطل قوّمه الحق .

وفاة جبلة بن الايهم الغساني

جبلة بن الايهم من ملوك الغسانيين، وقد مرّ معنا في الكتاب الأول من ناسخ التواريخ قصة خراب سد مأرب وذكرنا أنّ عمرو بن عامر بن مزيقيا هاجر بأهله وعشيرته من سبا ونزل عند عين تسمى غسان فقيل لهم غسانيون وقد ذكرنا ملك كل واحد من ملوكهم في المجلد الأول والمجلد الثاني كلّ في محله، حتى وصل الملك الى جبلة الذي اسلم في عهد عمر بن الخطاب وقد ذكرنا قصة اسلامه وارتداده ومعاركه مع المسلمين في كتاب عمر بن الخطاب، وكان جبلة يعيش عند سلاطين الروم ونزل في القسطنطينية، قال عبد اللّه بن مسعدة الفزاري لما غلب المسلمون في الشام

ص: 122

وبعض بلاد الروم، بعثني معاوية ألى قسطنط ملك الروم فلمّا دخلت عليه وجدت عنده رجلا على سرير من ذهب، فإبتدأني بالكلام فقلت له: من أنت ؟ ومن اين ؟ قال : أنا رجل غلبني الشقاء أنا جبلة بن الأيهم الغساني، ثم قال : إذا إنصرفت الى منزلك فالقني لاحدثك، فلمّا إنصرفت سارعت اليه فقال لي : كيف ترى صاحبك معاوية ؟ هل تراه يفي لى بالعهد ولا يخون، إذا أنا خرجت من الروم والتحقت به ، فقلت له : اشترط لنفسك ما تشاء فإنّ معاوية سيجيبك اليه ، فقال : أن يقطعني أرض البثينة ( في الشام ) فإنّها منازلنا ، وعشرين قرية من غوطة الشام، وأن يفرض لجماعتنا ، وأن يحسن جوارنا ويحسن جوائزنا .

فلمّا رجعت الى معاوية أخبرته بما قال جبلة، فقال معاوية: أنا أعطيه ذلك ، وكتب اليه كتابا بيد ابن بشر بن براء بن معرور الانصاري وقيل كان اسمه تميم، فما أدركه البريد إلاّ وقد مات(1) .

وقد أتينا على أخبار جبله في المجلدات السابقة فلا نطيل هنا .

[وفاة فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس الانصاري]

وفي هذه السنة توفي فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس الأنصاري الأوسي، يكنى أبا محمد، من الطبقة الثانية من الانصار، كان أول من بشر بوصول النبي صلى الله عليه و آلهالى المدينة وكان شاعرا فاضلاً، وشهد أحد والخندق والمشاهد كلّها وحضر بيعة الشجرة، ولاه معاوية على قضاء دمشق، وكان يستخلفه عليها أحيانا إذا غاب عنها ، إنتقل في هذه السنة الى العام الاخر، ودفن في الباب الصغير .

[وفاة وردان]

وفي هذه السنة توفي وردان غلام عمرو بن العاص، يكنى أبا عبد اللّه، كان من سبي اصفهان، وكان معروفا بحصافة العقل ورزانة الرأي، وكان عمرو بن العاص لا يقطع بامر إلاّ باستشارته، وكان ملازما لعمرو، بنى سوقا في فسطاط مصر وسمي باسمه، ولاه معاوية خراج مصر بعد هلاك عمرو .

ص: 123


1- البداية والنهاية : 8/68 .

[وفاة سعيد بن العاص]

وتوفي في هذه السنة وكان واليا على المدينة من قبل معاوية وقد حج بالناس .

[وفاة الربيع بن زياد الحارثي]

وفي هذه السنة توفي الربيع بن زياد الحارثي وكان واليا على خراسان من قبل زياد بن أبيه وقد أشرنا اليه ضمن الحديث عن شهادة حجر بن عدي، فأمّا أن يقال : إنّ شهادة حجر كانت سنة ثلاث وخمسين ، أو يقال : إنّ خبر شهادته وصلت الى الربيع سنة ثلاث وخمسين .

بالجملة : لما بلغ الربيع شهادة حجر قال : لا تزال العرب تقتل صبرا بعده، ولو نفرت عند قتله لم يقتل رجل منهم صبرا ولكنها أقرت وذلت . فمكث بعد هذا الكلام جمعة ثم خرج في ثياب بياض في يوم الجمعة فقال : أيّها الناس إنّي قد مللت الحياة ، وأنا داع بهذه الدعوة فامّنوا ، ثم رفع يديه بعد الصلاة وقال : اللّهم إن كان لي عندك

خير فاقبضني اليك عاجلاً . وأمّن الناس ، فخرج ما تورات ثيابه حتى سقط فحمل الى بيته فمات(1) .

[استخلاف عبد الرحمن وسمرة]

وفي هذه السنة استخلف معاوية - بعد أن هلك زياد - عبد الرحمن بن خالد بن اسيد وعلى البصرة سمرة بن جندب ثم عزله بعد ستة أشهر فقال سمرة : لعن اللّه معاوية

واللّه لو أطعت اللّه كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا(2) . ولما ابتليت بهذه البلية .

ذكر حوادث سنة أربع وخمسين

اشارة

وفي هذه السنة كان مشتى محمد بن مالك وصائفة معن بن يزيد أرض الروم وكانوا يقاتلون جيش قسطنط .

وفيها فتح فتح جنادة بن أبي أمية جزيرةً في البحر يقال لها أرواد .

ص: 124


1- تاريخ الطبري 5/291 .
2- تاريخ الطبري 5/291 .

[عزل سعيد بن العاص عن المدينة واستعمال مروان]

وفيها عزل معاوية سعيد بن العاص عن المدينة واستعمل عليها مروان بن الحكم وكان سبب ذلك أنّ معاوية كان يغري بين مروان وسعيد بن العاص فكتب الى سعيد بن العاص وهو على المدينة: اهدم دار مروان ولا تبقي لها عين ولا أثر، فلم يهدمها فأعاد عليه الكتاب بهدمها، فلم يفعل، فعزله وولى مروان .

فلمّا ولي مروان بن الحكم كتب اليه معاوية يأمره بقبض أموال سعيد بن العاص بالحجاز، وأرسل اليه الكتاب مع ابنه عبد الملك ، فخبّره أنّه لو كان شيئا غير كتاب أمير المؤمنين معاوية لتجافيت، فدعا سعيد بن العاص بالكتابين اللذين كتب بهما معاوية أليه في هدم دار مروان فذهب بهما الى مروان، فاستحى مروان من ذلك وأبى أن يقبض أمواله، فكتب سعيد بن العاص الى معاوية يعاتبه فكتب اليه معاوية يتنصل من ذلك وأنّه عائد الى أحسن ما يعهده، وأخذ باستمالته .

[عزل سمرة عن البصرة]

وفيها عزل معاوية سمرة بن جندب عن البصرة واستعمل عليها عبد اللّه بن عمر بن غيلان، وكان على الكوفة عبداللّه بن خالد بن اسيد .

[استعمال عبيد اللّه بن زياد على خراسان]

وفيها وفد عبيد اللّه بن زياد الى معاوية فقال له : لو استعملتني، فقال له معاوية : لو استعملك أبوك استعملتك، فقال له عبيداللّه : أنشدك اللّه أن يقولها اليّ أحد بعدك : لو ولاّك أبوك وعمك لوليتك .

فلمّا قال عبيد اللّه ما قال ولاّه خراسان، ثم قال له حين ولاّه : إنّي قد عهدت اليك مثل عهدي الى عمالي، ثم أوصيك وصية القرابة لخاصتك عندي : لا تبيعن كثيرا بقليل، وخذ لنفسك من نفسك، واكتف فيما بينك وبين عدوك بالوفاء تخف عليك المؤونة وعلينا منك، وافتح بابك للناس تكن في العلم منهم أنت وهم سواء، وإذا عزمت على أمر فأخرجه الى الناس ولا يكن لأحد فيه مطمع

ص: 125

ولا يرجعن عليك وأنت تستطيع وإذا لقيت عدوك فغلبوك على ظهر الأرض فلا يغلبوك على بطنها ، وإن احتاج أصحابك الى أن تؤاسيهم بنفسك فآسهم .

واتق اللّه ولا تؤثرن على تقوى اللّه شيئا، فإنّ في تقواه عوضا، وق عرضك من أن تدنسه، وإذا أعطيت عهدا فف به، ولا تبيعن كثيرا، بقليل، ولا تخرجن منك أمرا حتى تبرمه، فاذا خرج فلا يردن عليك وإذا لقيت عدوك فكن أكثر من معك، وقاسمهم على كتاب اللّه ولا تطمعن أحدا في حقه ولا تؤيسن أحدا من حق له، ثم ودعه .

فسار عبيد اللّه بن زياد الى خراسان وخرج معه الجعد بن قيس يرجز بين يديه بمرثية زياد . فقطع الطريق حتى وصل الى ولايته فعمل على تنظيم تلك البلدان والأمصار، ثم قطع نهر جيحون الى جبال بخارى مع جيشه، ففتح راميثن ونصف الاسكندرية(1) ولقي عبيد اللّه بن زياد الترك ببخارى ومع ملكهم إمرأته فلمّا هزمهم أعجلوها عن لبس خفيها فلبست احدهما وبقي الآخر، فأصابه المسلمون فقوّم الجورب بمائتي ألف درهم . فلازمه من الاتراك ألفان كلّهم جيد الرمي بالنشاب .

وأقام عبيداللّه بخراسان سنتين .

وكان عبيد اللّه معروفا بشدة البأس .

* * *

وحج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم وكان واليا على المدينة .

* * *

وتوفي فيها ثوبان مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، يكنى أبا عبد اللّه وكان غلاما فاشتراه النبي واعتقه، وهو من الطبقة الثالثة من المهاجرين، وكان ملازما للنبي صلى الله عليه و آله، وسافر بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله الى الشام وسكن في حمص وتوفي فيها ودفن هناك وكانت له فيها صدقات .

* * *

ص: 126


1- في الطبري : « نصف بيكند » .

وتوفي فيها زوجة النبي صلى الله عليه و آله سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد ود بن النضر بن مالك بن جندب بن عامر بن لؤى بن غالب القرشية العامرية، ويكنى أبو الأسود، وامها شموس بنت قيس بن عمر بن زيد بن لبيد بن خداش، وقد أتينا على أخبارها في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلا نكرر .

* * *

وتوفي فيها حكيم بن حزام وأبو قتادة واسامة بن زيد ومخرمة بن نوفل، وقد مر الحديث عنهم في المجلدات السالفة من ناسخ التواريخ .

* * *

وفيها بعث الى معاوية بعض خراج اليمن فلمّا وصلوا الى المدينة أخذها الحسين بن علي عليه السلام وفرقها في أهل بيته ومواليه وكتب الى معاوية :

من الحسين بن علي عليه السلام الى معاوية بن أبي سفيان ، أمّا بعد ، فإنّ عيرا مرّت بنا من اليمن تحمل مالا وحللاً وعنبرا وطيبا اليك لتودعها خزائن دمشق وتعل بها بعد النهل ببني أبيك وإنّي احتجت اليها فأخذتها، والسلام .

فكتب اليه معاوية : من عبد اللّه معاوية أمير المؤمنين الى الحسين بن علي سلام عليك ، أمّا بعد ، فإنّ كتابك ورد عليّ تذكر أن عيرا مرت بك من اليمن تحمل مالا وحللاً وعنبرا وطيبا اليّ لاودعها خزائن دمشق، وأعل بها بعد النهل بني أبي، وإنّك احتجت اليها فأخذتها، ولم تكن جديرا بأخذها إذ نسبتها اليّ لأنّ الوالي أحقّ بالمال ، ثم عليه المخرج منه ، وأيم اللّه لو تركت ذلك حتى صار اليّ لم أبخسك حظّك

منه ، ولكن قد ظننت يا ابن أخي أنّ في رأسك نزوة، وبودّي أن يكن ذلك في زماني فأعرف لك قدرك وأتجاوز عن ذلك ، ولكنّي واللّه أتخوف أن تبتلي بمن لا ينظرك فواق ناقة ، وكتب في أسفل كتابه :

يا حسين بن علي ليس ما

جئت بالسائغ يوما في العلل

أخذك المال ولم تؤمر به

إنّ هذا من حسين لعجل

قد أجزناها ولم نغضب لها

واحتملنا من حسين ما فعل

ص: 127

يا حسين بن علي ذا الأمل

لك بعدي وثبة لا تحتمل

وبودّي أنّني شاهدها

فاليها منك بالخلق الأجل

إنّني أرهب أن تصلى بمن

عنده قد سبق السيف العذل

حوادث سنة خمس وخمسين

وفي هذه السنة عزل معاوية عبد اللّه بن خالد بن أسيد عن الكوفة، وولاها الضحاك بن قيس .

وفيها عزل معاوية عبد اللّه بن عمرو بن غيلان عن البصرة وولاها عبيد اللّه بن زياد، وكان سبب ذلك أنّه خطب عبد اللّه بن عمرو بن غيلان على منبر البصرة فحصبه جبير بن الضحاك من بني ضبة فعرفه عبد اللّه وأمر بقطع يده فقطعت، فقال :

السمع والطاعة والتسليم

خير واعفى لبني تميم

فأتته بنو ضبة فقالوا : إنّ صاحبنا جنى ما جنى على نفسه وقد بالغ الأمير في عقوبته ونحن لا نأمن أن يبلغ خبره أمير المؤمنين معاوية فيأتي من قبله عقوبة تخص أو تعم، فإن رأى الأمير أن يكتب لنا كتابا يخرج به أحدنا الى أمير المؤمنين يخبره أنّه

قطعه على شبهة وأمر لم يتضح، فكتب لهم بعد ذلك الى معاوية،فامسكوا الكتاب حتى بلغ رأس السنة ، فوجه الى معاوية ووافاه الضبيون فقالوا: يا أمير المؤمنين إنّه قطع

صاحبنا ظلما وها كتابه اليك وقرأ الكتاب فقال: أما القود من عمالي فلا يصح ولا سبيل اليه ، ولكن إن شئتم وديت صاحبكم ، قالوا : فده، فوداه من بيت المال وعزل عبد اللّه، وقال لهم: اختاروا من تحبّون أن اُولّي بلدكم ، قالوا : يتخيّر لنا أمير المؤمنين، وقد علم رأي أهل البصرة في ابن عامر، فقال: هل لكم في ابن عامر فهو من قد عرفتم في شرفه وعفافه وطهارته، قالوا: أمير المؤمنين أعلم ، فجعل يردد ذلك عليهم ليسبرهم، ثم قال: قد ولّيت عليكم ابن أخي عبيد اللّه بن زياد، فعزل عبد اللّه بن

عمرو وولّى عبيد اللّه بن زياد البصرة ، وولى عبيد اللّه أسلم بن زرعة خراسان .

* * *

ص: 128

وفي هذه السنة توفي سعد بن أبي وقاص وهو سعد بن مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ويكنى مالك بأبي وقاص ويكنى سعد بأبي اسحاق، شهد مع النبي صلى الله عليه و آله المشاهد كلّها وقال له النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم سدد رميته وأجب دعوته، وقد أتينا على أخبار رميه وأخباره في حرب العجم وتخلفه عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام في مجلدات ناسخ التواريخ .

جعله عمر بن الخطاب في الشورى وعده علماء السنة والجماعة من العشرة المبشرة بالجنة ، وخلف أربعين ولدا بين ذكر وانثى ، ومنهم عمر بن سعد عليه اللعنة الذي كان يوم الطف سببا في شهادة سيد الشهداء عليه السلام .

* * *

وتوفي في هذه السنة سحبان وائل وهو سحبان بن زفر بن أياس بن عبد شمس الوائلي وكان يضرب به المثل في الفصاحة دخل يوما على معاوية وعنده خطباء القبائل فلمّا رأوه خرجوا لعلمهم بقصورهم عنه فقال سبحان :

لقد علم الحي اليمانون أنّني

إذا قلت أما بعد إنّي خطيبها

فقال له معاوية: أخطب فقال: انظروا لي عصا تقيم من أودي فقالوا : وماتصنع

بها وأنت بحضرة أمير المؤمنين ؟ فقال : ما كان يصنع بها موسى وهو يخاطب ربّه ، فأخذها وتكلم من الظهر الى أن قاربت العصر ، ما تنحنح ولا سعل ولا توق ولا ابدأ في معنى فخرج عنه وقد بقيت عليه بقية ، فقال معاوية : الصلاة فقال : الصلاة أمامك ، ألسنا في تحميد وتمجيد وعظة وتنبيه ، وتذكير ووعد ووعيد ؟ فقال معاوية : أنت أخطب العرب ، قال : العرب وحدها ؟ بل أخطب الجن والانس ، قال : كذلك أنت(1) .

* * *

وفي هذه السنة توفي كعب بن عمرو الانصاري ، وارقم بن أبي الأرقم .

ص: 129


1- البداية والنهاية 8/74 .

حوادث سنة ست وخمسين

[ أخذ البيعة ليزيد ]

كان معوية يريد أخذ البيعه ليزيد في السنة الثالثة والخمسين من الهجرة قبل أن يموت زياد بن أبيه ، فكتب بذلك الى زياد يستشيره ، فاخبر زياد عبيد بن كعب النميري وقال :...ان معاوية كتب اليّ يزعم أنّه قد عزم على بيعه يزيد ، وهو يتخوف نفرة الناس ويرجو مطابقتهم ، ويستشيرني ... ويزيد صاحب رسلة وتهاون ، مع ما قدأولع به من الصيد واللهو ، فالق أمير المؤمنين مؤديا عني فاخبره عن فعلات يزيد وقل رويدك بالامر فأحرى لك أن يتم لك ما تريد ولا تعجل فإنّ دركا في تأخير خير من تعجيل عاقبته الفوت . فقال عبيد له : أفلا غير هذا ، قال : ما هو ؟ قال : لا

تفسد على معاوية رأيه ولا تمقت اليه ابنه ، وألقى أنا يزيد سرّا من معاوية فاخبره عنك أن أمير المؤمنين كتب اليك يستشيرك في بيعته وأنك تخوف خلاف الناس لهنات ينقمونها عليه ، وأنك ترى له ترك ما ينقم عليه ، فيستحكم لأمير المؤمنين الحجة على الناس ، ويسهل لك ما تريد ، فتكون قد نصحت يزيد وارضيت أمير المؤمنين ، فسلمت مما تخاف من علاقة أمر الأمة ، فقال زياد : لقد رميت الأمر بحجره ، اشخص على بركة اللّه ، فقدم على يزيد فذاكره ذلك ، وكتب زياد الى معاوية يأمره بالتؤدة ، والا يعجل فقبل ذلك معاوية ، وكف يزيد عن كثير مما كان يصنع ، ثم قدم عبيد على زياد فاقطعه قطيعة في سيورغال .

وهكذا بقي الأمر الى أن مات زياد ودخلت سنة ست وخمسين فعزم معاوية على أخذ البيعة ليزيد ، فدعا الضحاك بن قيس الفهري فقال له : إذا جلست على المنبر فرغت من بعض موعظتي وكلامي فاستأذني للقيام فاذا أذنت لك فاحمد اللّه تعالى واذكر يزيد وقل فيه الذي يحق له عليك من حسن الثناء ثم ادعني الى توليته من بعدي ، فاني قد رأيت وأجمعت على توليته ، ثم دعا عبد الرحمن بن عثمان الثقفي

ص: 130

وعبد اللّه بن مسعدة الفزاري وثور بن معن السلمي وعبد اللّه بن عضاة الأشعري ، فامرهم أن يقوموا إذا فرغ الضحاك وأن يصدقوا قوله ويدعوه الى يزيد .

فلمّا أصبح الصباح خرج معاوية على الناس ودعا بكتاب فقرأه على الناس باستخلاف يزيد إن حدث به حدث الموت فيزيد ولي العهد ، فتكلّم القوم بعده على ما يروقه من الدعوة الى يزيد فالتفت معاوية الى الأحنف بن قيس - وكان من الوافدين من العراق - وقال ألا تتكلّم يا أبا بحر ؟ فقام الأحنف فقال :

إنّ الناس قد أمسوا في منكر زمان قد سلف ومعروف زمان يؤتنف ، ويزيد حبيب قريب ، فإن توّله عهدك عن غير كبر مفن ومرض مضن فقد حلبت الدهور وجربت الاُمور وعرفت من تسند اليه عهدك ومن توله الأمر من بعدك ، فاقتصر على من يأمرك ولا يقدر لك ويشير عليك ولا ينظر لك(1) .

واتضح من كلام الأحنف بن قيس أنّه كان يدعو معاوية للتخلي عن الحكم ليزيد وهذا ما لا يرضاه أحد ، فكلام الأحنف كان في الحقيقة تحريضا على معاوية ، فغضب الضحاك فقام الثانية ، فقال : إنّ أهل العراق أهل النفاق فلا تسمع اليهم يا معاوية وادفع رأيهم في نحورهم وكلامهم في صدورهم ولا تسمع ترهاتهم ، ثم قام عبد الرحمن بن عثمان وقال مثل قوله .

ثم قام رجل من الأزد فقال : يا معاوية أنت أمير المؤمنين فاذا متّ فامير المؤمنين يزيد ، فمن أبى فهذا ، وأخذ بقائم سيفه فسلّه ، فقال له معاوية : اقعد فأنت من أخطب الناس .

فكان معاوية أول من بايع لابنه بولاية العهد وجعل الخلافة ملكا موروثا وجعلها كسروية وسلك فيها مسلك الجبابرة ، في ذلك يقول عبد اللّه (2) بن همام السلولي :

ص: 131


1- الامامة والسياسة : 1/138 باختلاف .
2- في المروج : « عبد الرحمن » .

فان تأتوا برملة أو بهند

نبايعها بامرة مؤمنينا

إذا ما مات كسرى قام كسرى

فبعد ثلاثة متنا سقينا

فيالهفا لو أنّ لنا انوفا

ولكن لا نعود كما عنينا

اذا لضربتم حتى تعودوا

بمكة تلعقون بها السخينا

حسينا الغيظ حتى لو شربنا

دماء بني أمية ما روينا

لقد ضاعت رعيتكم وأنتم

تصيدون الأرانب غافلينا

ثم إنّه وفد أهل الكوفة على معاوية حين خطب لابنه يزيد بالعهد بعده وفي أهل

الكوفة هانئ بن عروة المرادي - وكان سيدا في قومه - فقال يوما في مسجد دمشق والناس حوله : العجب لمعاوية يريد أن يقسرنا على بيعة يزيد وحاله حاله وما ذاك واللّه بكائن ، وكان في القوم غلام من قريش جالسا ، فتحمل الكلمة إلى معاوية ، فقال معاوية : أنت سمعت هانئا يقولها ؟ قال : نعم ، قال : فاخرج فأت حلقته فإذا خفّ الناس عنه فقل له : أيّها الشيخ قد وصلت كلمتك إلى معاوية ولست في زمن أبي بكر وعمر ولا أحبّ أن تتكلّم بهذا الكلام فإنّهم بنو أمية وقد عرفت جرأتهم وإقدامهم ولم يدعني إلى هذا القول لك إلاّ النصيحة والإشفاق عليك ، فانظر ما يقول فأتني به. فأقبل الفتى إلى مجلس هانئ ، فلمّا خف من عنده دنا منه فقص عليه الكلام وأخرجه مخرج النصيحة له ، فقال هانئ : واللّه يا ابن أخي ما بلغت نصيحتك كلّ ما أسمع ، وإن هذا الكلام لكلام معاوية أعرفه ، فقال الفتى : وما أنا ومعاوية واللّه ما

يعرفني ، قال : فلا عليك إذا لقيته فقل له يقول لك هانئ واللّه ما إلى ذلك من سبيل ، إنهض يا ابن أخي راشدا.

فقام الفتى فدخل على معاوية فأعلمه فقال : نستعين باللّه عليه.

ثم قال معاوية بعد أيام للوفد : ارفعوا حوائجكم وهانئ فيهم فعرض عليه كتابه فيه ذكر حوائجه فقال : يا هانئ ما أراك صنعت شيئا زد ، فقام هانئ فلم يدع حاجة عرضت له إلاّ وذكرها ، ثم عرض عليه الكتاب ، فقال : أراك قصرت

ص: 132

فيما طلبت زد ، فقام هانئ فلم يدع حاجة لقومه ولا لأهل مصره إلاّ ذكرها ، ثم عرض عليه الكتاب ، فقال : ما صنعت شيئا زد ، فقال : يا أمير المومنين حاجة بقيت ، قال : ما هي ؟ قال : أن أتولّى أخذ البيعة ليزيد ابن أمير المؤمنين بالعراق ، قال : إفعل فما زلت لمثل ذلك أهلا ، فلمّا قدم هانئ العراق قام بأمر البيعة ليزيد(1)(2) .

وأنفذ معاوية الكتب ببيعة يزيد الى الأمصار ، وكتب معاوية الى مروان بن الحكم ، وكان عامله على المدينة يعلمه باختياره يزيد ، ومبايعته إياه بولاية العهد ،

ويامره بمبايعته وأخذ البيعة له على من قبله ، فلمّا قرأ مروان ذلك خرج مغضبا في أهل بيته واخواله من بني كنانة حتى أتى دمشق فنزلها ودخل على معاوية يمشي بين السماطين حتى إذا كان منه بقدر ما يسمعه صوته سلم وتكلم بكلام كثير يوبخ به معاوية منه : أقم الاُمور يابن أبي سفيان ، واعدل عن تأميرك الصبيان واعلم أنّ لك من قومك نظراء ، وأنّ لك على منواتهم وزراء ، فقال له معاوية : أنت نظير أمير المؤمنين وعدته في كلّ شديدة وعضده والثاني من بعد ولي عهده ، وجعله ولي عهد يزيد فاستخفه بهذه الأكاذيب ورده الى المدينة ، ثم إنّه عزله عنها وولاّها الوليد

بن عتبة بن أبي سفيان .

[ذكر من رفض بيعة يزيد]

قال عبوس المنصوري في كتاب زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة في القسم الخاص ببني أمية : كتب معاوية بكتاب فقرأه على الناس باستخلاف يزيد إن حدث به حدث الموت فيزيد وليّ العهد ، فاستوسق له الناس على البيعة ليزيد غير خمسة نفر ، هم : الحسين بن علي عليه السلام وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة ، فارسل معاوية الى الحسين بن علي عليهماالسلام :يابن اخي قد استوسق

ص: 133


1- شرح نهج البلاغة : 18/ 407 سعة الصدر وما ورد في ذلك من حكايات .
2- إفتراء واضح على هذا الصحابي الجليل ، انظر تنقيح المقال للمامقاني رحمه الله .

الناس لهذا الأمر خلا خمسة نفر أنت تقودهم فما رأيك الى هذا الخلاف(1) [ قال : أنا أقودهم ؟ قال : نعم ] قال : فأرسل اليهم فإن بايعوا كنت رجلا منهم والا لم تكن عجلت عليّ بأمر ، قال : وتفعل : قال : نعم ، قال : فأخذ عليه ألاّ يخبر بحديثهم أحدا .

ثم أرسل بعده الى ابن الزبير ، فقال له : قد استوسق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر من قريش ، فما اربك الى هذا الخلاف ؟ فاجابه ابن الزبير مثل جواب الحسين وقال : فإرسل اليهم فإن بايعوا كنت رجلاً منهم ، قال : وتفعل ؟ قال : نعم ، قال : فأخذ عليه ألاّ يخبر بحديثهم أحدا ، قال : يا أمير المؤمنين نحن في حرم اللّه وعهد اللّه

سبحانه ثقيل ، فابى عليه وخرج .

ثم ارسل بعده الى ابن عمر فكلمه بكلام هو ألين من كلام صاحبه ، فقال

: أني كرهت أن ادع أمة محمد بعدي كالضأن لا راعي لها ، وقد استوسق الناس لهذا الأمر إلاّ خمسة نفر من قريش ، فما إربك من هذا الخلاف ؟ قال : هل لك في أمر يذهب الذم ويحقن الدم وتدرك به حاجتك ؟ قال : وددت ، قال : تبرز سريرك ثم أجى ء فابايعك على أني ادخل بعدك فيما تجتمع عليه الأمة ، فواللّه لو أنّ الأمة اجتمعت بعدك على عبد حبشي لدخلت فيما تدخل فيه الأمة ، قال : وتفعل ؟ قال : نعم ، ثم خرج فاتى منزله فاطبق بابه وجعل الناس يجيئون فلا يأذن لهم .

فارسل الى عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : يابن أبي بكر بأية يد اورجل تقدم

على معصيتي قال : أرجو أن يكون ذلك خيرا لي فقال : واللّه لقد هممت أن أقتلك ، قال : لو فعلت اتبعك اللّه به لعنة في الدنيا وأدخلك به في الآخرة النار .

ولم يذكر معاوية عبد اللّه بن عباس ، وكان يسكن الطائف - كما روى الطبري - واتخذ فيها ضيعة وكان قد كف بصره فقال ابن عباس : أنا أعمى فلا حرج عليّ ، فليس لمعاوية أن يأخذ البيعة منّي ليزيد ، وما تنفعه بيعتي ، ولا ينفعه رضاي ولا يضره رفضي .

ص: 134


1- في الطبري : « فما اربك الى..» .

وبالجملة : فإنّ معاوية رأى الصلاح في أن لا يشدّد على هؤلاء النفر في أخذ البيعة وسلك معهم سبيل المسامحة ، ومكث بالمدينة ما شاء اللّه ثم خرج الى مكة ، ثم

رجع الى المدينة فالتقى الحسين بن علي عليهماالسلام وعبد اللّه بن الزبير وعبد اللّه بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وقال لهم : إنّكم عصيتم أمري فلم أواخذكم والآن سأقوم في الناس خطيبا فإياكم والمخالفة والعصيان والرد عليّ ، فاقسم باللّه لئن ردّ عليّ

أحدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع اليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف الى رأسه .. ثم خرج وخرجوا معه حتى رقى المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال : إنّ الحسين بن علي عليهماالسلام وعبد اللّه بن الزبير وعبد اللّه بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر بايعوا يزيدا

بولاية العهد ، فسكت القوم خوفا من السيف ، ثم ركب رواحله وانصرف وكاد القوم ومكر بهم ، وكم الافواه واطفأ ما في نفوس الناس المتربصين .

[وفاة جويرية زوج النبي صلى الله عليه و آله]

وفي هذه السنة توفيت جويرية بنت الحرث بن أبي ضرار بن أبي حبيب بن عائذ بن مالك بن خزيمة الخزاعية ، زوج النبي صلى الله عليه و آله وصلى عليها مروان بن الحكم ودفنت في المدينة ، وقد أتينا على أخبارها في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله في غزوة المريسع ذيل الحديث عن أزواج النبي صلى الله عليه و آله .

وفيها توفي قثم بن عباس بن عبد المطلب برواية اليافعي والذي أعلمه أنّه قتل في معركة سمرقند كما ذكرت ذلك في قصة سعيد بن عثمان .

حوادث سنة سبع وخمسين

اشارة

لما أخذ معاوية البيعة ليزيد كما اسلفنا وبعد ذلك بايام جاء موسم الحج فحج الحسين بن علي عليه السلام(1) وعبد اللّه بن جعفر وعبد اللّه بن عباس معه وقد جمع الحسين بن علي عليه السلام بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم من حج منهم

ص: 135


1- في الإحتجاج : « فلمّا كان قبل موت معاوية بسنتين حج الحسين بن علي عليه السلام » .

ومن لم يحج ومن الأنصار ممن يعرفونه وأهل بيته ثم لم يدع أحدا من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومن أبنائهم والتابعين ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ جمعهم فاجتمع عليه بمنى أكثر من ألف رجل والحسين عليه السلام في سرادقه عامتهم التابعون وأبناء الصحابة .

فقام الحسين عليه السلام فيهم خطيبا ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد فإن الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم وإنّي أريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدقوني وإن كذبت فكذبوني اسمعوا مقالتي واكتموا قولي ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم من أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون فإني أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب واللّه متم نوره ولو كره الكافرون(1)

وذكرهم أن قال : أنشدكم اللّه أتعلمون أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان أخا

رسول اللّه حين آخى بين أصحابه فآخى بينه وبين نفسه ، وقال : أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أنشدكم اللّه هل تعلمون أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه ثم ابتنى فيه عشرة منازل تسعة له وجعل عاشرها في وسطها لأبي ثم سدّ كلّ باب شارع إلى المسجد غير بابه فتكلم في ذلك من تكلم فقال : ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه ولكن اللّه أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه ، ثم نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره وكان يجنب في المسجد ومنزله في منزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله فولد لرسول اللّه صلى الله عليه و آله فيه أولاد ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أفتعلمون أنّ عمر بن الخطاب حرص على كوة قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد فأبى عليه ثم خطب فقال : إنّ اللّه أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وغير أخي وابنيه ؟ قالوا : اللّهم نعم .

ص: 136


1- الإحتجاج 2/296 .

قال : أنشدكم اللّه أتعلمون أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله نصبه يوم غدير خم فنادى له بالولاية وقال : ليبلغ الشاهد الغائب ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال له في غزوة تبوك أنت منّي بمنزلة هارون من موسى وأنت ولي كلّ مؤن بعدي ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأت إلاّ به وبصاحبته وابنيه ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أنشدكم اللّه أتعلمون أنّه دفع إليه اللواء يوم خيبر ثم قال : لأدفعها إلى رجل يحبه اللّه ورسوله ويحب اللّه ورسوله كرار غير فرار يفتحها اللّه على يديه ؟

قالوا : اللّهم نعم .

قال أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعثه ببراءة وقال : لا يبلغ عني إلاّ أنا أو رجل

مني ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم ينزل به شديدة قط إلاّ قدمه لها ثقة به وأنه لم يدعه باسمه قط إلاّ يقول : يا أخي وادعوا إليّ أخي ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أفتعلمون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قضى بينه وبين جعفر وزيد ، فقال : يا علي أنت وأنا منك وأنت وليّ كلّ مؤن بعدي ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أتعلمون أنّه كانت له من رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلّ يوم خلوة وكل ليلة دخلة إذا سأله أعطاه وإذا سكت ابتدأه ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فضله على جعفر وحمزة حين قال لفاطمة : زوجتك خير أهل بيتي أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكبرهم علما ؟ قالوا : اللّهم نعم.

قال : أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : أنا سيد ولد آدم وأخي علي سيد العرب وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة والحسن والحسين ابناي سيدا شباب أهل الجنة ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمره بغسله وأخبره أن جبرئيل عليه السلام يعينه ؟ قالوا : اللّهم نعم .

ص: 137

قال : أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال في آخر خطبة خطبها إنّي قد تركت فيكم الثقلين كتاب اللّه وأهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضلوا ؟ قالوا : اللّهم نعم(1) .

فما ترك الحسين شيئا أنزل اللّه فيهم من القرآن إلاّ قاله وفسره ولا شيئا قاله الرسول في أبيه وأمه وأهل بيته إلاّ رواه ، وكل ذلك يقول الصحابة : اللّهم نعم قد سمعناه وشهدناه ، ويقول التابعون : اللّهم قد حدثنا من نصدقه ونأتمنه ، حتى لم يترك شيئا إلاّ قاله .

ثم قد ناشدهم أنّهم قد سمعوه يقول : من زعم أنّه يحبني ويبغض عليا فقد كذب ليس يحبني ويبغض عليا ؟ فقال له قائل : يا رسول اللّه وكيف ذلك ؟ قال : لأنّه منّي

وأنا منه من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض اللّه ؟ فقالوا : اللّهم نعم قد سمعنا .

وتفرقوا على ذلك

وتفرقوا على ذلك(2)

وقد ذكرنا ذلك مفصلاً في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأشبعناها بحثا وبيانا فلا نطيل هنا ، ذلك أنّنا إذا أردنا ذلك مفصلا هنا أيضا للزم علينا أن نعيد كتاب رسول

اللّه صلى الله عليه و آله كلّه في هذا المقام .

* * *

وفي هذه السنة كان مشتى عبد اللّه بن قيس بأرض الروم .

وفيها عزل معاوية مروان بن الحكم عن المدينة وولى عليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وهو الذي حج بالناس في هذه السنة .

وكان على الكوفة الضحاك بن قيس وعلى البصرة وإيران وخراسان عبيد اللّه بن زياد ابن أبيه .(3) .

* * *

ص: 138


1- بحار الأنوار : 33/182 باب 17 .
2- بحار الأنوار : 33/182 باب 17 .
3- في الطبري والكامل والبداية والنهاية : « وعلى خراسان سعيد بن عثمان » .

وفي هذه السنة توفي شداد بن اوس بن المنذر بن النجار وهو من الطبقة الثالثة من الأنصار وشهد اليرموك والجابية - كما مرّ مفصلاً في كتاب عمر بن الخطاب - ثم إنّه سافر الى بيت المقدس وسكن بها وكان ناسكا زاهدا متعبدا حتى أتى عليه خمسة وسبعون عاما فوافاه الاجل ودفن في بيت المقدس .

* * *

وفيها توفي شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وكان سادن الكعبة وبقيت السدانة في ولده ، وكان يقيم الحج ويأم الجماعة في الصلاة فلمّا إنقضى من عمره ثمان وخمسين سنة عرج راحلاً الى العالم الاخر .

* * *

وتوفي في هذه السنة عبدالرحمن بن أبي بكر على ستة أميال من مكة ، في نومة قد نامها ( موت الفجأة ) كنيته أبو محمد ، وكنية ابنه محمد أبو عتيق ، وهو من الطبقة الثالثة من المهاجرين ، أمه أم رومان وأم عائشة فهو شقيقها ، وذكر بعضهم أنّ وفاته كانت سنة ثلاث وخمسين وقيل : خمس وخمسين ، بعث اليه معاوية بمائة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية ، فأبى وردّها .

قال مؤلف الكتاب : عندي أنّ وفاة عائشة وعبد الرحمن في أواخر سنة ثمان وخمسين أو أوائل سنة تسع وخمسين ، وذلك أنّهما خاصما معاوية في المدينة أواخر سنة ثمان وخمسين ، ثم خرج معاوية الى مكة وزار البيت الحرام مطلع سنة تسع وخمسين ، ثم رجع الى الشام كما ذكرنا قبل قليل(1) .

* * *

ص: 139


1- وقد ذكرنا حياة عبد الرحمن في الجاهلية والاسلام في ما مرّ من مجلدات ناسخ التواريخ . من المتن .

وفي هذه السنة توفيت عائشة بنت أبي بكر زوج النبي صلى الله عليه و آله وكنيتها أم عبد اللّه ، توفيت في المدينة ، ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان سنة سبع وخمسين وقيل : ثمان وخمسين ، أو تسع وخمسين ، ولها ست وستين سنة وصلى عليها نفس الليلة أبو هريرة ودفنت في البقيع .

* * *

وفيها توفي عبد اللّه السعدي العميري(1) .

حوادث سنة ثمان وخمسين

اشارة

وفي هذه السنة غزا مالك بن عبد اللّه الخثعمي أرض الروم وقاتل جيوش قسطنط بامر معاوية بن أبي سفيان .

وفيها قتل يزيد بن شجرة في البحر في السفن .

وفيهاولى معاوية الكوفة لعبد الرحمن بن عبد اللّه بن عثمان بن ربيعة الثقفي ابن أم الحكم وام الحكم هي أخت معاوية ، وعزل عنها الضحاك بن قيس .

وقد أتينا على أخبار المستورد بن علقمة الخارجي فيكتاب الحسن بن علي عليه السلام

وقلنا : إنّه خرج في طائفة من الخوارج الذين بايعوه ، فحبسهم المغيرة بن شعبة فلمّا

مات المغيرة خرجوا من السجن فجمع حيان بن ظبيان السلمي وكان من صناديد الخوارج فجمع أصحابه اليه وقام فيهم خطيبا : فحمد اللّه واثنى عليه ثم قال لهم :

أما بعد : فإنّ اللّه كتب علينا الجهاد فمنّا من قضى نحبه فاولئك الأبرار الفائزون بفضلهم ، ومنّا من يكون ينتظر فهو من سلفنا القاضين نحبهم السابقين باحسان فمن كان منكم يريد اللّه وثوابه فليسلك سبيل أصحابه واخوانه يؤته اللّه - عزّ وجلّ - ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة واللّه يحب المحسنين .

ص: 140


1- في الكامل : « وفي هذه السنة مات عبد اللّه بن عامر وقيل : سنة تسع وخمسين ، وعبد اللّه بن قدامة السعدي وله صحبة ، وقيل : هو عبد اللّه بن عمرو بن وقدان السعدي ، وإنّما قيل له : السعدي لأنّ أباه استرضع في بني سعد بن بكر وهو من بني عامربن لؤى » .

فقام معاذ بن جوين الطائي(1) فقال :

يا أهل الاسلام إنّا لو علمنا أنّا لو تركنا جهاد الظلمة وانكار الجور كان لنا به عند اللّه عذرا لكان تركه ايسر علينا واخف من ركوبه ولكنا قد علمنا واستيقنا أنّه لا عذر لنا وقد جعل اللّه لنا القلوب والأسماع حتى ننكر الظلم ونغيّر الجور ونجاهد الظالمين .

ثم قال ابسط يدك نبايعك ، فبايعه وبايعه القوم فضربوا على يد حيّان بن ظبيان فبايعوه ، وذلك في إمارة عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثقفي ابن أخت معاوية ،

ثم إنّهم عزموا على قتال المسلمين وخرجوا في الكوفة ، وسنأتي على تفصيل ذلك في المواضع المناسبة .

[وفاة عقبة بن عامر]

وفيها توفي عقبة بن عامر بن عبس الجهني من جهينة بن زيد بن سود بن اسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، كنيته : أبو حماد وقيل : أبو أسيد ، ويقال : أبو أسد ،

وقيل : أبو سعاد ، وقيل : أبو اسود ، وقيل : أبو عمار ، ويقال : أبو عامر ، شهد صفين(2) وسافر الى مصر ، واختط بدمشق دارا جنب قنطرة بني سنان ناحية باب توما ، وكان يخضب بالسواد ويقول :

نسوّد أعلاها وتأبى أصولها

مات في مصر ودفن في فسطاط ، ولم يكن في الصحابة أحد يسمى عقبة بن عامر غيره .

[وفاة جبير بن مطعم]

وفيها توفي جبير بن مطعم وهو جبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف بن قصي النوفلي القرشي كنيته أبو محمد وقيل : أبو عدي أمه أم جميل بنت سعيد بن بنيعامر بن لؤى ، اسلم يوم خيبر وقيل : يوم الفتح ، أبوه من أشراف قريش .

ص: 141


1- في المتن : « بن حوير » وما أثبتناه من الطبري .
2- قال في الكامل : 3/256 : « شهد صفين مع معاوية »

قال عبوس المنصوري : كان يحرس النبي صلى الله عليه و آله أيام الجاهلية فقال النبي صلى الله عليه و آله

يوم بدر : لو كان مطعم حيا لوهبت له هؤلاء النتنى يعني أهل القليب ، ليد له كانت عند النبي صلى الله عليه و آله .

قيل : إنّ جبير أول من لبس الطيلسان في المدينة .

كانت مدة حياته ثمان وخمسون سنة .

[وفاة عبيد اللّه بن عباس]

وفيها توفي عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب وكان أصغر من عبد اللّه بن عباس بسنة ، كنيته أبو محمد ، أمه لبابة بنت الحارث بن مزن الهلالية ، له ترجمة كاملة

في مجلدات ناسخ التواريخ .

حوادث سنة تسع وخمسين

اشارة

وفيها عزل عبد الرحمن بنأم الحكم عن الكوفة ، واستعمل عليها النعمان بن بشير الانصاري .

[ولاية عبد الرحمن بن زياد خراسان]

وفي هذه السنة ولى معاوية عبد الرحمن بن زياد بن سمية خراسان وكان سبب ذلك أنّه قدم عبد الرحمن وافدا على معاوية فقال : يا أمير المؤمنين أما لنا حق ؟ قال : بلى ، قال : فماذا توليني ؟ قال : بالكوفة النعمان رشيد ، وهو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وعبيد اللّه بن زياد على البصرة وخراسان وعباد بن زياد على سجستان ، ولست أرى عملاً يشبهك إلاّ أن أشركك في عمل أخيك عبيد اللّه قال : أشركني ، فإنّ عمله واسع يحتمل الشركة ، فولاه خراسان .

[وفود عبيد اللّه بن زياد على معاوية]

وفي هذه السنة وفد عبيد اللّه بن زياد في أهل العراق الى معاوية فقال له : ائذن لوفدك على منازلهم وشرفهم فاذن لهم ، ودخل الأحنف في آخرهم وكان سيى ء المنزلة من عبيد اللّه ، فلمّا نظر اليه معاوية رحب به وأجلسه معه على سريره ثم تكلّم

ص: 142

القوم فاحسنوا الثناء على عبيد اللّه والأحنف ساكت فقال : مالك يا أبا بحر لا تتكلّم قال : إن تكلّمت خالفت القوم فقال : إنهضوا فقد عزلته عنكم واطلبوا واليا ترضونه ، فلم يبق في القوم أحد إلاّ أتى رجلاً من بني أمية ، أو من أشراف أهل الشام

كلّهم يطلب ، وقعد الأحنف في منزله فلم يأت أحدا ، فلبثوا أياما ، ثم بعث اليهم معاوية فجمعهم ، فلمّا دخلوا عليه قال : من اخترتم ؟ فاختلفت كلمتهم وسمّى كلّ فريق منهم رجلاً والأحنف ساكت ، فقال : له معاوية : مالك يا أبا بحر لا تتكلم قال :

إن ولّيت علينا أحدا من أهل بيتك لم نعدل بعبيد اللّه أحدا ، وإن ولّيت من غيرهم فانظر في ذلك ، قال معاوية : فإنّي قد أعدته عليكم ، ثم أوصاه بالأحنف وقبّح رأيه في مباعدته ، فلمّا هاجت الفتنة لم يف لعبيد اللّه غير الأحنف .

[ قصة يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري مع ابني زياد ]

وفي هذه السنة كان يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري وعباد بن زياد بن أبيه على سجستان من قبل عبيد اللّه بن زياد ، فعزم والي خوارزم على حرب المسلمين فخرج اليه عباد بن زياد فأصاب الجند مع عباد ضيق في أعلاف دوابهم فقال ابن مفرغ :

ألا ليت اللحى كانت حشيشا

فنعلفها دواب المسلمينا

وكان عباد بن زياد عظيم اللحية فأنهى شعره الى عباد فطلبه فهرب منه وهجاه قائلاً :

إذا اودى معاوية بن حرب

فبشر شعب رحلك بانصداع

فأشهد أن أمك لم تباشر

أبا سفيان واضعة القناع

ولكن كان أمرا فيه لبس

على وجل شديد وارتياع

وقال أيضا :

ألا أبلغ معاوية بن حرب

مغلغلة عن الرجل اليماني

أتغضب أن يقال أبوك عفّ

وترضى أن يقال أبوك زان

فأشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الاتان

ص: 143

ولما هجا ابن المفرغ عبادا فارقه فطوى السهل والحزن لا يلوي على شى ء مقبلاً الى البصرة وعبيد اللّه يومئذ وافد على معاوية ، فكتب عباد الى عبيد اللّه ببعض ما هجاه به فلمّا قرأ عبيد اللّه الشعر دخل على معاوية فأنشده إياه واستأذنه في قتل ابن المفرغ ، فامر معاوية باحضاره الى الشام ، فلمّا دخل على معاوية خاف أن يبعث به الى عباد أو عبيد اللّه فيقتلاه ، فبكى عند معاوية فقال معاوية : اذهب فقد عفونا عنك .

[وفاة أسامة بن زيد]

وتوفي في هذه السنة أسامة بن زيد وهو أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى الكلبي ، وأمه بركة وكنيتها أم ايمن مولاة رسول اللّه ، وكان يلقب

« حبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله » وقد أتينا على أخباره في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكتاب الأصحاب والخلفاء .

ذكر ابن عبد البر : أنّ وفاته كانت سنة أربع وخمسين ، وذهب عبوس المنصوري

واليافعي وجماعة آخرون الى أنها كانت سنة تسع وخمسين .

وكان عمر إذا لقيه يقول : السلام عليك أيها الأمير ، فيقول أسامة : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، كيف تخاطبني بالامرة ؟ فيقول عمر : مات رسول اللّه وأنت أمير عليّ .

مات بالجرف وحمل الى المدينة فدفن في بقيع الغرقد .

[ وفاة قيس بن سعد بن عبادة ]

وفي هذه السنة توفي قيس بن سعد بن عبادة وقد أتينا على أخباره وشجاعته ونخوته وكرمه في مجلدات ناسخ التواريخ سيما في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام ، قيل : إنّه لما مرض في المدينة كان أشراف المدينة يعودونه كلّ يوم ، ثم قل عواده لاجل ماله على الناس من القرض ، فامر مناديه فنادى : من كان لقيس بن سعد عليه دين فهو منه في حل [ فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه من كثرة العواد (1)] .

ص: 144


1- البداية والنهاية 4/103 .

[ وفاة أبي محذورة ]

وفيها توفي أبو محذورة القرشي الجمحي ، وقد اختلفوا فياسمه فقيل : سمره وقيل : سلمان بن سمرة وقيل : سلمة ، جعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله مؤذن لعتاب بن اسيد في مكة . وقد أتينا على أخباره في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كتاب الأصحاب .

[ وفاة سعيد بن العاص ]

وفيها توفي سعيد بن العاص بن أمية ، وقد أتينا على أخباره في كتاب عثمان وغيره من مجلدات ناسخ التواريخ ، وكان سعيد رجلاً فصيحا سمحا ! ! .

اعتزل في خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ولم يشهد الجمل وصفين ، وقدم على معاوية فولاه على المدينة ثم عزله وولى مكانه مروان بن الحكم .

[ وفاة عبد اللّه بن عامر بن كريز ]

وفيها توفي عبد اللّه بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي العبثمي ، وهو ابن خالة عثمان بن عفان ، وقد أتينا على أخباره في كتاب عثمان وكتاب أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلا نكرر .

[ وفاة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ]

وفيها توفي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وكان لخالد بن الوليد ولدان ، احدهما عبد الرحمن والاخر مهاجر ، وكان عبد الرحمن مع معاوية عدوا لعلي عليه السلام ، وكان مهاجر مع علي عليه السلام شهد معه الجمل وصفين .

لما أراد معاوية أخذ البيعة ليزيد استشار جماعة من أهل الشام فقالوا له : لا يصلح لولاية العهد إلاّ عبد الرحمن بن خالد لشجاعته ونجدته وسماحته فثقل ذلك على معاوية ، فتربص به حتى مرض فدعى له طبيبا يهوديا وأمره أن يحتال في قتله ويسقيه سما ، فقتله ، فلمّا سمع مهاجر بخبره خرج الى الشام ولبث فيها أياما متنكرا يطلب الطبيب ، حتى خرج الطبيب اليهودي من عند معاوية ذات يوم فهجم عليه فقتله بأخيه ، ثم رجع .

ص: 145

ذكر أخبار الحطيئة الشاعر

الحطيئة الشاعر ، واسمه جرول بن أوس بن مالك بن جوية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار ، يكنى أبا مليكة ، كان من فحول الشعراء ومقدميهم وفصحائهم ، وكان يتصرف في جميع فنون الشعر من مدح وهجاء وفخر ، ويجيد في جميع ذلك ، وكان ذا شرّ وسفه ، وكان إذا غضب على قبيلة إنتمى الى أخرى وهجا الأولى ، زعم مرة أنّه من عمرو بن علقمة من بني الحارث بن سدوس وانتمى مرة الى ذهل بن ثعلبة واخرى الى بني عوف بن عمر .

كان كثير الهجا فلم يسلم من سنان لسانه أحد ، وكان من أولاد الزنا ، قال الكلبي : كان الحطيئة مغموز النسب ، وكان من أولاد الزنا .

قيل : إنّ أوس بن مالك تزوج بنت رياح بن عوف الشيباني وكان له أمة يقال لها : الضراء(1) فأعلقها بالحطيئة ورحل عنها وكان لبنت رياح أخ يقال له :الافقم ، فولدت الحطيئة فجاءت به شبيها بالافقم ، فقالت لها مولاتها : من أين هذا الصبي ؟ فقالت لها : من أخيك ، وهابت أن تقول لها : من زوجك ، فشبهته بأخيها ، فقالت لها : صدقت ، وسمّته جردل ، فلمّا كبر لقب ب-« الحطيئة » .

ولقب بالحطيئة لقصره وقربه من الأرض ، والحطأة بمعنى القصر ، وقيل : سمي الحطيئة لأنّه ضرط ضرطة بين قوم ، فقيل له : ما هذا ؟ فقال : إنّما هو حطيئة ، فسمي

حطيئة ، والحطأة بمعنى الضرطة ، ولعله لقب بهذا اللقب لأنّه كان قبيحا دميما جشعا دنى ء النفس كثير الشر رذلاً لئيما .

وكان من المخضرمين ادرك الجاهلية والاسلام وارتد واسره المسلمون فاسلم ، قال ابن قتيبة : ولم نعلم اسلامه في عصر النبي صلى الله عليه و آله إلاّ ما روي عنه في خلافة أبي بكر في ردة العرب :

ص: 146


1- في المتن : « صراء » .

أطعنا رسول اللّه إذ كان بيننا

فيا لعباد اللّه ما لأبي بكر

أيورثها بكر إذا مات بعده

وتلك وحق اللّه قاصمة الظهر

وبالجملة : مات أوس وترك ابنين من الحرة ، وتزوج الضراء رجل من بني عبس ، فولدت له رجلين ، فكانا أخوي الحطيئة من أمه ، فقبلت بنت رياح الحطيئة وربّته ، فكان كأنّه أحدهما ، فأتى الحطيئة أخويه من أوس بن مالك وقد كانت أمه لما اعتقتها بنت رياح اعترفت أنّها اعتلقت من أوس بن مالك ، فقال لهم : أفردوا اليّ

من مالكم قطعة فقالا : لا ولكن أقم معنا فنحن نواسيك ، فقال :

أأمرتماني أن أقيم عليكما

كلا لعمر أبيكما الحنّاق

عبدان سيرهما يسل بضبعه

سل الأجير قلائص الوراق

فجاء الى أمه فسألها من أبوه فخلطت عليه فقالت له : أوس مرة والافقم مرة

وغيرهما ثالثة ، فقال شعرا :

تقول لي الضراء لست لواحد

ولا اثنين فانظر كيف شرك أولائكا

وأنت إمرء تبغي أبا قد ضللته

هبلت ألما تستفيق من ضلالكا

فغضب عليها فلحق باخوته بني الافقم فقال يمدحهم :

ان اليمامة خير ساكنها

أهل القرية من بني ذهل

الضامنون لمال جارهم

حتى يتم نواهض البقل

قوم إذا إنتسبوا ففرعهم

فرعي واثبت أصلهم أصلي

وسألهم ميراثه من الافقم فاعطوه نخلات من نخل أبيهم ، فقال :

ليهن تراثي لامرء غير ذلة

صنانير أخدان لهن حفيف

ثم لم تقنعه النخيلات وقد أقام فيهم زمانا فسألهم ميراثه كاملاً من الافقم فلم يعطوه شيئا وضربوه فغضب وقال :

تمنيت بكرا أن يكونوا عمارتي

وقومي وبكر شر تلك القبائل

إذا قلت بكريّ نبوتم بحاجتي

فياليتني من غير بكر بن وائل

ص: 147

ثم قلب الشعر الذي مدحهم فيه فقال :

ان اليمامة شر ساكنيها

أهل القرية من بني ذهل

روي أنّه لما حضرته الوفاة اجتمع اليه قومه فقالوا : هذا أخر يومك من الدنيا ، وانك لم تنل منها شيئا والموت لا مفر منه فأوص بما ينفعك في آخرتك ، فقال : مالي ميراث لولدي كاملاً وليس لبناتي شى ء(1) قالوا : ليس هكذا قضى اللّه لهن ؟ قال : لكني هكذا قضيت .

وقال : ويل للشعر من راوية السوء .

وقالوا : فاوص للفقراء بشى ء ، قال : أوصيهم بالالحاح في المسألة فانها تجارة لا تبور واست المسؤل أضيق ، ( واوصي الناس أن لا يبذلوا لهم مثقال ذرة بل يمنعونهم ولا يعطونهم شيئا ) .

فقالوا له : ما تقول في عبدك وقد خدمك عمرا ؟ قال : اشهدوا أنّه عبد قن ما دام في عبس رجلاً حيا .

قالوا : فما توصي لليتامى ؟ قال : كلوا أموالهم ونيكوا أمهاتهم .

فقالوا له : اوص ، فقال : أبلغوا آل ضب أنّه شاعر حيث يقول :

لكل جديد لذة غير أنني

وجدت جديد الموت غير لذيذ

قالوا : ويحك اوص بما ينفعك ، قال : ابلغوا آل الشماخ أنّ أخاهم أشعر العرب

حيث يقول :

وظلت باعراق صياما كأنها

رماح نجاها وجهة الريخ راكز

فقالوا : اوص رحمك اللّه ، قال : ابلغوا كندة أن إمرى ء القيس أشعر العرب

حيث قال :

فيا لك من ليل كأن نجومه

بأمراس كتان الى صم جندل(2)

ص: 148


1- في الأغاني2/196 : الوصية مفصلة وفيها :« قالوا : فما تقول في مالك ؟ قال : للانثى من ولدي مثل حظ الذكر ، قالوا :... » .
2- في الأغاني : « بكل مغار الفتل شدّت بيذبل » .

قالوا : اتق اللّه ودع عنك هذا واوص بما ينفعك في آخرتك ، قال : أبلغوا الانصار أن صاحبهم أشعر العرب حيث يقول :

يغشون حتى ما تهر كلابهم

لا يسألون عن السواد المقبل

فغضب أولاده وثاروا في وجهه وقالوا : هذا لا يغني عنك شيئا فقل غير ما أنت فيه ، فاوصاهم بالشعر وقال :

الشعر صعب وطويل سلّمه

إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه

زلّت به الى الحضيض قدمه

والشعر لا يسطيعه من يظلمه

يريد أن يعربه فيعجمه

ولم يزل من حيث يأتي يخدمه

من يسم الأعداء يبق ميسمه

فقالوا له : دع عنك هذا الهراء وأوص ، فبكى فقالوا : مم بكاؤك ؟ قال : للشعر يقرأه راوية السوء ولا يجيد قراءته ، ثم قال : احملوني على أتان واتركوني راكبها وطوفوا بي على هذا التل حتى أموت لأنّ الكريم لا يموت على الحمار ، فحملوه على أتان وجعلوا يذهبون به ويجيئون عليها حتى مات وهو يقول :

قد عجّل الدهر والأحداث يتمكما

فاستغنيا بوشيك إنّني غان

ودلّيان في غبرا مظلمة

كما تدلى دلاة بين أشطان

وفي الاغاني بإسناده عن الأصمعي قال : كان الحطيئة جشعا سؤولا ملحّا دني النفس كثير الشرّ قليل الخير بخيلاً قبيح المنظر رث الهيئة مغمور(1) النسب فاسد الدين وما تشاء أن تقول في شعر شاعر من عيب إلاّ وجدته وقلّما تجد ذلك في شعره(2) .

قال أبو عبيدة : بخلاء العرب أربعة : الحطيئة وحميد الأرقط وأبو الأسود الدوئلي وخالد بن صفوان .

ص: 149


1- في الأغاني : « معموز » .
2- الاغاني 2/163 .

وقال المدائني : مرّ ابن حمامة بالحطيئة وهو جالس بفناء بيته فقال : السلام

عليكم ، فقال : قلت ما لا ينكر ، قال : إنّي خرجت من عند أهلي بغير زاد ، فقال : ما

ضمنت لأهلك قراك ، قال : أفتأذن لي أن آتي ظلّ بيتك فاتفيأ به ؟ قال : دونك الجبل يفى ء عليك قال : أنا ابن حمامة ، قال : إنصرف وكن ابن أيّ طائر شئت .

قال الأصمعي : لم ينزل ضيف قط بالحطيئة إلاّ هجاه ، فنزل به رجل من بني أسد

- قيل أنّه صخر بن أعيى - فسقاه شربة من لبن ، فلمّا شربها قال :

لما رأيت أن من يبتغي القرى

وان ابن أعيى لا محالة فاضحى

شددت حيازيم ابن أعيى بشربة

على ظماء شدّت أصول الجوانح

ولم أك مثل الكاهلي وعرسه

بغى الودّ من ومطروفة العين طامح

غدا باغيا يبغي رضاها وودها

وغابت له غيب إمرء غير ناصح

دعت ربها ألاّ يزال بفاقة

ولا يغتدي إلاّ رأى حد بارح

فأجابه صخر :

ألا قبّح اللّه الحطيئة إنّه

على كلّ ضيف ضافه هو سائح

دفعت اليه وهو يخنق كلبه

ألا كلّ كلب لا أبا لك نابح

بكيت على مذق خبيث قريبه

ألا كلّ عبسي على الزاد شائح

وقال الحطيئة حين حضرته الوفاة وكان على ظهر حمار :

لا أحد ألأم من حطيئه

هجا بنيه وهجا المريئه

من لؤمه مات على فريئه(1)

وهذه الأبيات تدل على طول عمر الحطيئة حيث يقول :

وآثرت ادلاجي على ليل حرّة

هضيم الحشا حسانة المتجرّد

إذا ارتفعت فوق الفراش حسبتها

تخاف البنات الحضر ما لم تشدد

وادماء حرجوج تاللت موهنا

بسوطى فارمدت نجاء الخفيدد

ص: 150


1- الاغاني 2/198 ، والفرية : الاتان .

ترى بين لحييها إذا ما ترغمت

لغاما كبيت العنكبوت الممدد

وتشرب بالقعب الصغير وإن تقد

بمشفرها يوما الى الحي تنقد

تزور إمرى ء يؤتي على الحمد ماله

ومن يعط أثمان المكارم يحمد

ترى البخل لا يبقي على المرء ماله

وتعلم أنّ الشح غير مخلّد

كسوب ومتلاف إذا ما سألته

تهلل واهتز اهتزاز المهند

متى تأته تعشوا الى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

تزور إمرى ء أن يؤتك اليوم نائلا

بكفيك لا يمنعك من نائل الغد

وروى يونس : أن الحطيئة خرج في سفر له ومعه إمرأته أمامة وابنته مليكة ، فنزل منزلاً وسرح ذودا له ثلاثا ، فلمّا قام للرواح فقد احداها فقال :

أذئب القفر أم ذئب أنيس

أصاب البكر أم حدث الليالي

ونحن ثلاثة وثلاث زود

لقد جار الزمان على عيالي

قال أبو عبيدة : كان الحطيئة بذيا هجاءً ، فالتمس ذات يوم إنسانا يهجوه فلم يجده ، وضاق عليه ذلك ، إذ اطلع من ركي حوض فراى وجهه ، فأنشأ يقول :

أبت شفتاي اليوم إلاّ تكلما

بشر فما أدري لمن أنا قائله

أرى لي وجها شوه اللّه خلقه

فقبح من وجه وقبح حامله

وتزوج كلب بن كبش الضراء أم الحطيئة فهجاه الحطيئة هجا أمه فقال :

ولقد رأيتك في النساء فسؤتني

وأبي بنيك فساءني في المجلس

إنّ الذليل لمن يزور ركابه

رهط ابن جحش في الخطوب الحوّس

أبلغ بني جحش بإنّ نجارهم

لؤم وأنّ أباهم كالهجرس

وقال يهجو أمه أيضا :

جزاك اللّه شرا من عجوز

ولقاك العقوق من البنين

فقد ملّكت أمر بنيك حتى

تركتهم أدق من الطحين

فان تخلي وأمرك لا تصولي

بمشتد قواه ولا متين

لسانك مبرد لا خير فيه

ودرّك درّ جارية دهين

ص: 151

وقال يهجو أمه أيضا :

تنحي فاجلسي منّي بعيدا

أراح اللّه منك العالمينا

أغربالاً إذا استودعت سرا

وكانونا على المتحدثينا

حياتك ما علمت حياة سوء

وموتك قد يسر الصالحينا

وقال يهجو أباه :

لحاك اللّه ثم لحاك حقا

أبا ولحاك من عم وخال

فنعم الشيخ أنت على المخازي

وبئس الشيخ أنت لدى المقال

روي أن الحطيئة كان سؤولا جشعا ، فقدم المدينة وقد أرصدت له قريش العطايا ، والناس في سنة مجدبة ، وسخطة من خليفة ، فمشى أشراف أهل المدينة بعضهم الى بعض ، فقالوا : قد قدم علينا هذا الرجل وهو يأتي الرجل من أشرافكم يسأله ، فإن أعطاه جهد نفسه بهرها ، وإن حرمه هجاه ، فأجمع رأيهم على أن يجعلوا له شيئا معدا يجمعونه بينهم له ، فجمعوا له أربعمائة دينار ، وظنّوا أنّهم قد أغنوه ، فأتوه فقالوا : هذه صلة آل فلان وهذه صلة آل فلان وهذه صلة آل فلان ، فأخذها ، فظنوا أنهم قد كفوه عن المسألة ، فاذا هو يوم الجمعة قد استقبل الإمام ماثلاً ينادي : من يحملني على بغلين ؟

قال المفضل : إنّ الحطيئة أفحمته السنة ، فنزل ببني مقلد بن يربوع ، فمشى بعضهم الى بعض وقالوا : إنّ هذا الرجل لا يسلم أحد من لسانه فتعالوا حتى نسأله عما يحب فنفعله وعما يكره فنجتنبه ، فأتوه فقالوا له : يا أبا مليكة إنّك اخترتنا على سائر العرب ووجب حقك علينا ، فمرنا بما تحب أن نفعله وبما تحب أن ننتهي عنه ، فقال : لا تكثروا زيارتي فتملوني ولا تقطعوها فتوحشوني ولا تجعلوا فناء بيتي مجلسا لكم ولا تسمعوا بنتي غناء شبانكم فإنّ الغناء رقية الزنا .

قال : فأقام عندهم ، وجمع كلّ رجل منهم ولده وقال : لئن تغنى أحد منكم والحطيئة مقيم بين أظهرنا لأضربنه ضربة بسيفي أخذت منه ما أخذت ، فلم يزل مقيما فيما يرضى حتى إنجلت عنه السنة فارتحل وهو يقول :

ص: 152

جاورت آل مقلد فحمدته

اذ ليس كلّ أخي جوار يحمد

أيام من يرد الصنيعة يصطنع

فينا ومن يرد الزهادة يزهد

فأما خبره مع الزبرقان بن بدر الذي ذكرناه في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله : النبي صلى الله عليه و آله كان ولّى الزبرقان عملاً وأقرّه أبو بكر بعد النبي على عمله ، ثم قدم على عمر في سنة

مجدبة ليؤدي صدقات قومه ، فلقيه الحطيئة ومعه ابناه أوس وسوادة وبناته وإمرأته ، فقال له الزبرقان وقد عرفه ولم يعرفه الحطيئة : أين تريد ؟ قال : العراق ، فقد حطمتنا

هذه السنة ، قال : وتصنع ماذا ؟ قال : وددت أن أصادف بها رجلاً يكفيني مؤنة عيالي ، وأصفيه مدحي أبدا ، فقال له الزبرقان : قد أصبته ، فهل لك فيه يوسعك لبنا وتمرا ، ويجاورك أحسن جوار وأكرمه ، فقال له الحطيئة : هذا وأبيك العيش وما كنت أرجو هذا كلّه ، قال : فقد أصبته ، قال : عند من ؟ قال : عندي ، قال : ومن أنت ؟ قال : الزبرقان بن بدر ، قال : وأين محلك ؟ قال : اركب هذه الإبل واستقبل مطلع الشمس ، وسل عن القمر حتى تأتي منزلي ، سر الى أم شذرة - وهي أم الزبرقان وهي أيضا عمة الفرزدق - وكتب اليها : أن أحسني اليه وأكثري له التمر واللبن ، وقيل : بل وكله الى زوجته بنت صعصعة المجاشعية . ولحق الحطيئة بزوجته ونزل عندهم ، وذلك في عام صعب مجدب ، فأكرمته المرأة وأحسنت اليه .

فبلغ ذلك بغيض بن عامر من بني أنف الناقة ، وبلغ اخوته وبني عمه فاغتنموها ،

وكانوا ينازعون الزبرقان الشرف ، وكانوا أشرف من الزبرقان ، إلاّ أنّه قد كان استعلاهم بنفسه ، وكان الحطيئة دميما سيء الخلق لا تأخذه العين ومعه عيال كذلك ، فلمّا رأت أم شذرة حاله هان عليها وقصرت به ، ونظر بغيض وبنو أنف الناقة الى ما تصنع به أم شذرة ، فأرسلوا اليه : أن ائتنا فأبى عليهم وقال : إنّ من شأني التقصير والغفلة ، ولست بالذي أحمل على صاحبها ذنبها ، فلمّا ألحّ عليه بنو أنف الناقة ، وكان

رسولهم اليه شماس بن لأي وعلقمة بن هوذة وبغيض بن شماس والخبل الشاعر ، قال له : لست بحامل على الرجل ذنب غيره ، فإن تركت وجفيت تحوّلت اليكم ،

ص: 153

فأطمعوه ووعدوه وعدا عظيما ، فلمّا لم يجبهم دسوا الى هنيدة زوجة الزبرقان : إنّ الزبرقان إنّما يريد أن يتزوج ابنته مليكة ، وكانت جميلة كاملة ، فظهرت من المرأة للحطيئة جفوة ، وهي في ذاك تداريه ، فلمّا ألحوا على الحطيئة أجابهم ، فتحمّل معهم .

فلمّا قدم الزبرقان سأل عنه فاخبر بقصته ، فنادى في قومه ، فركب الزبرقان فرسه وأخذ رمحه وسار حتى وقف على نادي بني شماس القريعيين(1) ، فقال : ردّوا عليّ جاري ، فقالوا : ما هو لك بجار وقد اطرحته وضيعته ، فألمّ أن يكون بين الحيين حرب فحضرهم أهل الحجا(2) من قومهم... فخيروا الحطيئة فاختار بغيضا ورهطه .

وهجا الزبرقان بغيضا فقال :

أرى ابلي بجوف الماء حلت

واعوزها الماء الرواء

تحلّي يوم ورد الناس ابلي

وتصدر وهي محنقة ظماء

ألم أك جار شماس بن لأي

فأسلمني وقد نزل البلاء

فقلت تحولي يا أم بكر

الى حيث المكارم والعلاء

وجدنا بيت بهدلة بن عوف

تعالى سمكه ودحى الفناء

وما اضحى لشماس بن لأي

قديم في الفعال ولا رياء

سوى أن الحطيئة قال قولا

فهذا من مقالته جزاء

فحينئذ قال الحطيئة يهجو الزبرقان ويناضل عن بغيض قصيدته التي يقول فيها :

ألا قالت أمامة هل تعزى

فقلت امام قد غلب العزاء

إذا ما لعين قد فاض الدمع منها

أقول بها قذى وهو البكاء

لعمرك ما رأيت المرء تبقى

طريقته وإن طال البقاء

على ريب المنون تداولته

فافنته وليس له فناء

إذا ذهب الشباب فبان منه

فليس لما مضى منه لقاء

الا ابلغ ابن كعب بن عوف

وهل قوم على خلق سواء

ص: 154


1- في المتن : « القرينين » وما أثبتناه من الأغاني .
2- في المتن : « أهل الحجاز » .

عطاردها وبهدلة بن عوف

فهل يشفي صدوركم الشفاء

الم اك نائيا فدعوتموني

فجاءتني المواعد والدعاء

الم أك جاركم ويكون بيني

وبينكم المودّة والاخاء

ولما كنت جاركم أبيتم

وشر مواطن الحسب الاباء

ولما كنت جارهم حبوني

وفيكم كان لو شئتم حباء

ولما أن مدحت القوم قلتم

هجوت وما يحل لي الهجاء

فلم أقصب لكم حسبا ولكن

حدوت بحيث يستمع الجداء

فلا وأبيك ما ظلمت قريع

ولا عنفوا بذاك ولا أساؤا

لعثرت جارهم أن ينعشوها

فيعثر بعدهم نعم وشاؤا

وإنّي قد علقت بحبل قوم

اعانهم على الحسب الثراء

الم أك نائيا فتركتموني

لكلب من دثاركم عواء

هم المتحفزون على المنايا

بمال الجار دلهم الوفاء

هم القوم الذين إذا المت

من الايام مظلمة أضاؤا

إذا نزل الشتاء بدار قوم

تجنب دار بيتهم الشتاء

فأبقوا لا أبا لكم عليهم

فان ملامة المولى شقاء

فإنّ شعاركم لهم شعار

وان نماءكم لهم نماء

وإنّ أباهم الأولى أبوكم

وذان صدورهم لكم براء

وإنّ بلاءهم ما قد علمتم

على الأيام إن نفع البلاء

وثغر لا يقام به كفوكم

ولم يك دونهم لكم كفاء

بجمهور يحار الطرف فيه

يظل معضلاً منه الفضاء

وقال أيضا يهجو الزبرقان ويداري بغيضا :

واللّه ما معشر لاموا إمرء جنبا

في آل شماس بن لأي بأكياس

ما كان ذنب بغيض لا أبا لكم

في بائس جاء يحدوا آخر الناس

لقد مريتكم لو أن درتكم

يوما يجيء بها مسحيوابساسي

وقد مدحتكم عمدا لارشدكم

كيما يكون لكم متحي وامراسي

ص: 155

لمابدا لي منكم عيب انفسكم

ولم يكن بجراحي فيكم آسي

ازمعت يأسا متينا من نوالكم

ولن ترى طاردا للحر كالياس

جار لقوم لطالوا هون منزله

وغادروه مقيما بين ارماس

ملّوا قراه وهرته كلابهم

وجرحوه بانياب واضراس

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي

من يفعل الخير لا يعدم جوائزه

لا يذهب العرف بين اللّه والناس

ما كان ذنبي إن فلّت معولكم

من آل لأي صفاة أصلها رأس

قد ناضلوكم فسلوا من كنائنهم

مجدا تليداونبلاً غير أنكاس

فلمّا سمع الزبرقان هذه الأبيات غضب واستعدى عليه عمر بن الخطاب ، فأرسل

اليه عمر واستحضره فاستنشده فانشده ، فلم يعرف عمر ما إذا كانت الأبيات مدحا أم ذما ، فقال عمر لحسان : أتراه هجاه ؟ قال : نعم وسلح عليه ، فحبسه عمر ، فقال وهو في الحبس :

أعوذ بجدّك أني إمرء

سقتني الأعادي اليك سجالا

فأنّك خير من الزبرقان

أشدّ نكالاً واجى نوالا

تحنن علي هداك المليك

فان لكل مقام مقالا

ولا تأخذّني بقول الوشاة

فان لكل زمان رجالا

فان كان ما زعموا صادقا

فسيقت اليك نسائي وجالا

حواسر لا يشتكين الوجا

أيخفضن آلاً ويرفعن آلا

فأرسل اليه عمر وقد كلّمه فيه عمرو بن العاص ، فأخرجه من السجن وقال له :

إياك وهجاء الناس ، قال : إذا يموت عيالي جوعا هذا مكسبي ومنه معاشي ، فغضب عمر وقال : عليّ بالكرسي فأتي به فجلس عليه ثم قال : أشيروا علي في الشاعر ، فإنّه يقول الهجر وينسب بالحرم ويمدح الناس ويذمهم بغير ما فيهم ، ما أراني إلاّ قاطعا لسانه ، ثم قال : عليّ بالطست فأتي به ، ثم قال : عليّ بالسكين ، فقالوا : لا يعود يا

أمير المؤمنين ، فقال الحطيئة :

ص: 156

ماذا تقول لافراخ بذي مرخ

زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

القيت كاسبهم في قعر مظلمة

فاغفر عليك سلام اللّه يا عمر

أنت الإمام الذي من بعد صاحبه

القى اليك مقاليد النهى البشر

ما آثروك بها إذ قدموك لها

لكن لأنفسهم قد كانت الأثر

فامنن على صبية بالرمل مسكنهم

بين الأباطح تغشاهم بها القرر

أهلي فداؤك كم بيني وبينهم

من عرض داوية يخفى بها الخبر

فبكى عمر ، فقال عمرو بن العاص : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أعدل

من رجل يبكي على تركة الحطيئة ! ! ! .

ثم إنّ عمر أطلق الحطيئة ، وأخذ عليه أن لا يتعرّض بلسانه للمسلمين واشترى

منه أعراض المسلمين بثلاثة الاف درهم دفعها اليه من بيت المال ! ! فقال الحطيئة :

وأخذت أطراف الكلام فلم تدع

شتما يضرّ ولا مديحا ينفع

وحميتني عرض اللئيم فلم يخف

ذمي وأصبح آمنا لا يفزع

ولم يزل الحطيئة في بني قريع(1) يمدحهم حتى رحل عنهم ، فاعطاه بغيض مائة بعير فقال الحطيئة :

لا يبعد اللّه إذ ودّعت أرضهم

أخي بغيضا ولكن غيره بعدا

لا يبعد اللّه من يعطي الجزيل ومن

يحبوا الجليل وما أكدى ولا نكدا

ومن يلاقيه بالمعروف مبتهجا

إذا اجرهد صفا المذموم أو صلدا

لاقيته ثلجا تندى أنامله

ان يعطك اليوم لم يمنعك ذاك غدا

إنّي لرافده ودّي ومنصرتي

وحافظ غيبه إن غاب أو شهدا

قيل : إنّه أتى كعب بن زهير وكان الحطيئة راوية زهير وآل زهير في الشعر ، فقال له : قد علمت روايتي لكم وانقطاعي اليكم وقد ذهب الفحول غيري وغيرك فلو قلت شعرا تذكر فيه نفسك وتضعني موضعا بعدك ، فقال كعب :

ص: 157


1- في المتن : « قريح» .

فمن للقوافي شأنها من يحوكها

إذا ما نوى كعب وفوّز جرول

كفيتك لا تلقى من الناس واحدا

تنحّل منها مثل ما تتنحّل

تقول فلا نعيا بشيء نقوله

ومن قائليها من يسيء ويجمل

يثقفها حتى تلين متونها

فيقصر عنها كلّ ما يتمثل

فاعترضه مزرّد بن ضرار واسمه يزيد وهو أخو الشماخ فقال :

باستك إذ خلّفتني خلف شاعر

من الناس لم آكف ولم أتنحّل

فإن تخشنا أخشن(1)وإن تتنحّلا

وإن كنت أفتى منكما أتنحّل

فلست كحسان الحسام بن ثابتولست كشماخ ولا كالمخبّل

قال أبو عبيدة : بينا سعيد بن العاص يعشي الناس بالمدينة ، والناس يخرجون

أولاً أولاً ، إذ نظر على بساطه الى رجل قبيح المنظر رثّ الهيئة جالس مع أصحاب سمرة فذهب الشرط يقيمونه فأبى أن يقوم ، وحانت من سعيد التفاتة فقال : دعوا الرجل ، فتركوه وخاضوا في أحاديث العرب وأشعاره مليا ، فقال لهم الحطيئة : واللّه ما أصبتم جيد الشعر ولا شاعر العرب ، فقال له سعيد : أتعرف من ذلك شيئا ؟ قال : نعم ، قال : فمن أشعر العرب ؟ قال : الذي يقول :

لا أعد الاقتار عدما ولكن

فقد من رزيته الإعدام

وأنشدها حتى أتى عليها ، فقال له : من يقولها ؟ قال : أو دواد الايادي ، قال : ثم من ؟ قال : الذي يقول :

أفلح بما شئت فقد يدرك بال-

جهل وقد يخادع الأريب

ثم أنشدها حتى فرغ منها ، قال : من يقولها ؟ قال : عبيد بن الأبرص ، ثم أنشد

الحطيئة :

الشعراء فاعلمن أربعة

فشاعر لا يرتجى لمنفعة

وشاعر ينشد وسط المعمعة

وشاعر آخر لا يجري معه

وشاعر يقال خمر في دعة

ص: 158


1- في الأغاني : « تخشبا اخشب» .

فقال سعيد : ومن أنت ؟ قال : الحطيئة ، قال : فرحب به سعيد ، ثم قال : أسأت بكتماننا نفسك منذ الليلة ، ووصله وكساه .

ومضى لوجهه الى عتيبة بن النهاس العجلي فسأله ، فقال له : ما أنا على عمل اعطيك من عدده ولا في مالي فضل عن قومي ، قال له : فلا عليك وانصرف ، فقال له بعض قومه : لقد عرضتنا ونفسك للشر ، قال : وكيف ؟ قالوا : هذا الحطيئة وهو هاجينا أخبث هجاء ، فقال : ردّه ، فردّه اليه ، فقال له : لم كتمتنا نفسك كأنك كنت تطلب العلل علينا ، اجلس فلك عندنا ما يسرك ، فجلس فقال له : من أشعر العرب ؟ قال : الذي يقول :

ومن يجعل المعروف من دون عرضه

يفرّه ومن لا يتق الشتم يشتم

فقال له عتيبة : إنّ هذا من مقدمات أفاعيك ، ثم قال لوكيله : اذهب معه الى

السوق فلا يطلب شيئا إلاّ أشتريه له فجعل يعرض عليه الخز ورقيق الثياب فلا يريدها ويومى ء الى الكرابيس والأكيسة الغلاظ فيشتريها له حتى قضى اربه ثم مضى ، فلمّا جلس عتيبة في نادي قومه أقبل الحطيئة ، فلمّا رآه عتيبة قال : هذا مقام العائذ بك يا أبا مليكة من خيرك وشرك ، قال : كنت قلت بيتين فاستمعهما ، ثم أنشأ يقول :

سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلاً

فسيان لا ذم عليك ولا مدح

وأنت إمرؤ لا الجود منك سجية

فتعطي ولا يعدي على النائل الوجد

وقال أبو عبيدة : إنّ الحطيئة أراد ترك زوجته فقال :

عدّي السنين إذا هممت برحلة

ودعى الشهور فانهن قصار

فاتته زوجته فقالت له :

اذكر تحنننا اليك وشوقنا

واذكر بناتك انهن صغار

فقال الحطيئة : حطّوا لا رحلت لسفر أبدا .

وقال أبو عبيدة : لم تقل العرب بيتا أصدق من بيت الحطيئة :

ص: 159

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

لا يذهب العرف بين اللّه والناس

فقيل له : فقول طرفة :

ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا

وياتيك بالاخبار من لم تزود

فقال : من يأتيك بها ممن زودت أكثر وليس بيت مما قالته الشعراء إلاّ وفيه مطعن إلاّ قول الحطيئة : «لا يذهب العرف بين اللّه والناس»

قال عبوس المنصوري في كتاب بني اُمية : إنّ أفضل ما قاله الحطيئة :

أقلوا عليهم لا أبا لابيكم

من اللؤم أو سدوا المكان الذي سدوا

أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى

وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا

وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها

وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا

وأقول إنّي لم أر هذه الأبيات للحطيئة في أيّ مصدر أو إنّني نسيت مصدرها .

وفي الختام : قد يشكل علي مستشكل فيقول : أي ضرورة تقتضي الاطالة في سرد أخبار الحطيئة اللئيم وتصحيح أشعاره ونقل كلامه سيما في كتاب الحسين بن علي عليهماالسلام الذي لا يتحمل الفضول ولا تستسيغه العقول .

والجواب : أولاً : إنّ سياق ناسخ التواريخ قائم على الإحاطة والموسوعية ،

وشرطنا أن نذكر أيّ قصة أو حكاية بحيث نغني القارى ء من مراجعة الكتب والمصادر إلاّ ما ندر .

وثانيا : إنّ الناس تختلف أذواقهم فمنهم من يميل الى طلب النكات الأدبية

والكلمات العربية ، ومنهم من يبحث عن أخبار المصيبة وأحاديث الرزية ، ولما كان هذا الكتاب جامعا لكلا المذاقين ، فالعلماء إذا تعبوا من قراءة الأحاديث توجهوا الى قراءة الأدب فترقى مداركهم لفهم معاني الأحاديث ، والادباء إذا ملوا من الأدب وقراءة الشعر العربي شرعوا بقراءة الحديث فينفعهم في كسب الآخرة وأجرها .

ص: 160

ذكر إحتجاج الحسين بن علي عليهماالسلام مع معاوية وذكر أصحابه أيام معاوية

اشارة

في كتاب العوالم عن بعض الصحابة والتابعين وفي المناقب والإحتجاج عن موسى بن عقبة أنه قال : لقد قيل لمعاوية : إن الناس قد رموا أبصارهم إلى الحسين عليه السلام فلو قد أمرته يصعد المنبر ويخطب فإنّ فيه حصرا أو في لسانه كلالة ، فقال لهم معاوية : قد ظننا ذلك بالحسن فلم يزل حتى عظم في أعين الناس وفضحنا ، فلم يزالوا به حتى قال للحسين : يا أبا عبد اللّه لو صعدت المنبر فخطبت ، فصعد الحسين عليه السلام المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وصلى على النبي

صلى الله عليه و آله ، فسمع رجلا يقول : من هذا الذي يخطب ؟ فقال الحسين عليه السلام :

نحن حزب اللّه الغالبون وعترة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الأقربون وأهل بيته الطيبون وأحد الثقلين الذين جعلنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثاني كتاب اللّه تبارك وتعالى الذي فيه تفصيل كلّ شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمعول علينا في تفسيره لا يبطئنا تأويله بل نتبع حقائقه فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة أن كانت بطاعة اللّه ورسوله مقرونة قال اللّه عز وجل : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ» وقال : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً» وأحذركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان بكم فإنه لكم عدو مبين فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم : « وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ » ، فتلقون للسيوف ضربا ، وللرماح وردا ، وللعمد حطما ، وللسهام غرضا ، ثم لا يقبل من نفس « إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً » .

قال معاوية : حسبك يا أبا عبد اللّه قد بلغت(1)

ص: 161


1- الإحتجاج 2/298 .

وروى ابن شهرآشوب : أنّه دخل الحسين عليه السلام على معاوية وعنده أعرابي يسأله حاجة فأمسك وتشاغل بالحسين ، فقال الأعرابي لبعض من حضر : من هذا الذي دخل ؟ قالوا : الحسين بن علي ، فقال الأعرابي للحسين : أسألك يا ابن بنت رسول اللّه لما كلمته في حاجتي ، فكلمه الحسين عليه السلام في ذلك فقضى حاجته ، فقال الأعرابي :

أتيت العبشمي فلم يجد لي

إلى أن هزه ابن الرسول

هو ابن المصطفى كرما وجودا

ومن بطن المطهرة البتول

وإن لهاشم فضلا عليكم

كما فضل الربيع على المحول

فقال معاوية : يا أعرابي أعطيك وتمدحه ؟ فقال الأعرابي : يا معاوية أعطيتني من حقه وقضيت حاجتي بقوله(1) .

وروي عن الصحابة والتابعين : أنّه قال عمرو بن العاص للحسين عليه السلام : يا ابن علي ما بال أولادنا أكثر من أولادكم ؟ فقال عليه السلام :

بغاث الطير أكثرها فراخا

وأم الصقر مقلاة نزور

فقال : ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه في شواربكم ؟ فقال عليه السلام : إن نساءكم نساء بخرة فإذا دنا أحدكم من إمرأته نكهت في وجهه فيشيب منه شاربه .

فقال : ما بال لحاكم أوفر من لحانا ؟ فقال عليه السلام : «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً » .

فقال معاوية : بحقي عليك إلاّ سكت فإنه ابن علي بن أبي طالب ، فقال عليه السلام :

إن عادت العقرب عدنا لها

وكانت النعل لها حاضرة

قد علم العقرب واستيقنت

أن لا لها دنيا ولا آخرة(2)

ص: 162


1- المناقب 4/82 .
2- المناقب 4/51 فصل في معجزاته عليه السلام .

وروى ابن شهرآشوب عن الصحابة والتابعين : أنه قال مروان بن الحكم يوما للحسين بن علي عليه السلام : لو لا فخركم بفاطمة بما كنتم تفتخرون علينا ؟ فوثب

الحسين عليه السلام ، وكان عليه السلام شديد القبضة ، فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته على عنقه حتى غشي عليه ثم تركه ، وأقبل الحسين عليه السلام على جماعة من قريش فقال : أنشدكم باللّه إلاّ صدقتموني إن صدقت :

أتعلمون أنّ في الأرض حبيبين كانا أحبّ إلى رسول اللّه منّي ومن أخي ، أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي ؟ قالوا : لا .

قال : وإنّي لا أعلم أن في الأرض ملعون بن ملعون غير هذا وأبيه طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، واللّه ما بين جابرس وجابلق أحدهما بباب المشرق والآخر بباب المغرب رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى للّه ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤ عن منكبك .

قال محمد بن الشائب - راوي الحديث - : فواللّه ما قام مروان من مجلسه حتى غضب فانتفض وسقط رداؤ عن عاتقه(1)

وروى الكشي : أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية وهو عامله على المدينة : أما بعد ، فإن عمرو بن عثمان ذكر أن رجالا من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي ، وذكر أنه لا يأمن وثوبه ، وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنّه لا يريد الخلاف يومه هذا ، ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده ، فاكتب إليّ برأيك في هذا والسلام .

فكتب إليه معاوية : أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين ، فإياك أن تعرض للحسين في شيء واترك حسينا ما تركك ، فإنا لا نريد أن تعرض له في شيء ما وفى ببيعتنا ولم ينز على سلطاننا ، فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته والسلام .

ص: 163


1- بحار الأنوار : 44/ 206 باب 27 .

وكتب معاوية إلى الحسين بن علي عليه السلام : أما بعد ، فقد إنتهت إلي أمور عنك إن كانت حقا فقد أظنك تركتها رغبة فدعها ولعمر اللّه إن من أعطى اللّه عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإن كان الذي بلغني باطلا فإنك أنت أعزل الناس لذلك وعظ نفسك فاذكر ولعهد اللّه أوف فإنك متى تنكرني أنكرك ومتى تكدني أكدك ، فاتق شقك عصا هذه الأمة وأن يردهم اللّه على يديك في فتنة ، فقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ودينك ولأمة محمد صلى الله عليه و آله ولا يستخفنك السفهاء والذين لا يعلمون .

فلمّا وصل الكتاب إلى الحسين عليه السلام كتب إليه : أما بعد ، فقد بلغني كتابك ، تذكر أنّه قد بلغك عنّي أمور أنت لي عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير ، فإنّ الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلاّ اللّه ، وأما ما ذكرت أنّه انتهى إليك عنّي فإنّه إنّما رقاه إليك الملاقون المشاءون بالنميم ، وما أريد لك حربا ولا عليك خلافا ، وأيم اللّه إنّي

لخائف للّه في ترك ذلك ، وما أظن اللّه راضيا بترك ذلك ولا عاذرا بدون الإعذار فيه

إليك وفي أوليائك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين .

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة ، والمصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ، ولا يخافون في اللّه لومة لائم ، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من

بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤدة ، لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ، ولا بإحنة تجدها في نفسك ؟

أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله العبد الصالح ، الذي أبلته العبادة فنحل جسمه وصفرت لونه ، بعد ما آمنته وأعطيته من عهود اللّه ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل ، ثم قتلته جرأة على ربّك ، واستخفافا بذلك العهد ؟

أو لست المدعي زياد ابن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف ، فزعمت أنّه ابن أبيك ، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فتركت سنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله تعمدا ، وتبعت هواك بغير هدى من اللّه ، ثم سلّطته على العراقين يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم ويسمل أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنّك لست من هذه الأمة وليسوا منك ؟

ص: 164

أو لست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنّهم كانوا على دين علي عليه السلام ، فكتبت إليه أن أقتل كلّ من كان على دين علي ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك ، ودين علي عليه السلام واللّه الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك ، وبه جلست مجلسك الذي جلست ، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين .

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد واتق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن تردهم إلى فتنة ، وإنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ، ولا أعظم نظرا لنفسي ولديني ولأمة محمد صلى الله عليه و آله وعلينا أفضل من أن أجاهدك ، فإن فعلت فإنّه قربة إلى اللّه ، وإن تركته فإنّي أستغفر اللّه لديني ، وأسأله توفيقه

لإرشاد أمري .

وقلت فيما قلت : إنّي إن أنكرتك تنكرني ، وإن أكدك تكدني ، فكدني ما بدا لك ، فإنّي أرجو أن لا يضرّني كيدك في ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، على أنّك قد ركبت بجهلك وتحرضت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط ، ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود

والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلاّ لذكرهم

فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا ، فأبشر يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب .

واعلم أن للّه تعالى كتابا « لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها » ، وليس اللّه بناس لأخذك بالظنة وقتلك أوليائه على التهم ونفيك أوليائه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر ويلعب بالكلاب ، لا أعلمك إلاّ وقد خسرت نفسك وتبرت دينك وغششت رعيتك وأخربت أمانتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع التقى لأجلهم والسلام .

فلمّا قرأ معاوية الكتاب ، اظلمت الدنيا في عينيه وقال : لقد كان في نفسه ضب ما أشعر به .

ص: 165

فقال يزيد : يا أمير المومنين أجبه جوابا تصغر إليه نفسه وتذكر فيه أباه بشر

فعله ، ودخل عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، فقال له : معاوية أما رأيت ما كتب به الحسين ، قال : وما هو ؟ قال : فاقرأه الكتاب ، فقال : وما يمنعك أن تجيبه بما يصغر إليه نفسه وإنّما قال ذلك في هوى معاوية ، فقال يزيد : كيف رأيت يا أمير المومنين رأيي ، فضحك معاوية فقال : أما يزيد فقد أشار عليّ بمثل رأيك ، قال عبد اللّه : فقد أصاب يزيد . فقال معاوية : أخطأتما أرأيتما لو أني ذهبت لعيب علي محقا ما عسيت أن أقول فيه ، ومثلي لا يحسن أن يعيب بالباطل وما لا يعرف ، ومتى ما عبت رجلا بما لا يعرفه الناس لم يحفل بصاحبه ولا يراه الناس شيئا كذبوه ، وما عسيت أن أعيب حسينا ، وو اللّه ما أرى للعيب فيه موضعا وقد رأيت أن أكتب إليه أتوعده وأتهدده ، ثم رأيت ألا أفعل ولا أمحله(1) .

فلم يتعرض له بما يسوءه وفرض له ألف ألف درهم من بيت المال وكان يصله دائما .

وروي أيضا : لما كان مروان على المدينة خطب الناس فوقع في أمير المومنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلمّا نزل عن المنبر أتى الحسين بن علي أبي طالب عليه السلامفقيل له : إن مروان قد وقع في علي ، قال : فما كان في المسجد الحسن ؟ قالوا : بلى ، قال : فما قال له شيئا ؟ قالوا : لا ، قال : فقام الحسين مغضبا حتى دخل على مروان فقال له : يا ابن الزرقاء ، ويا ابن آكلة القمل ، أنت الواقع في علي ؟ قال له مروان : إنك صبي لا عقل

لك ! ! فقال له الحسين : ألا أخبرك بما فيك وفي أصحابك وفي علي ، فإن اللّه تعالى يقول : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا » فذلك لعلي وشيعته « فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ » فبشر بذلك النبي العربي لعلي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام(2) .

ص: 166


1- رجال الكشي : 48 .
2- بحار الأنوار : 44/ 210 باب 27 .

وفي الكافي : اسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَةُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَفْرِضَ لِشَبَابِ قُرَيْشٍ ، فَفَرَضَ لَهُمْ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام : فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ : مَا اسْمُكَ ؟ فَقُلْتُ : عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، فَقَالَ : مَا اسْمُ أَخِيكَ ؟ فَقُلْتُ : عَلِيٌّ ، قَالَ : عَلِيٌّ وَعَلِيٌّ مَا يُرِيدُ أَبُوكَ أَنْ يَدَعَ أَحَداً مِنْ وُلْدِهِ إِلاّ سَمَّاهُ عَلِيّاً ، ثُمَّ فَرَضَ لِي فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : وَيْلِي عَلَى ابْنِ الزَّرْقَاءِ دَبَّاغَةِ الْأَدَمِ لَوْ وُلِدَ لِي مِائَةٌ لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أُسَمِّيَ أَحَداً مِنْهُمْ إِلاّ عَلِيّاً(1) .

وفي المناقب أيضا : إنّ معاوية سافر الى المدينة ، فسمع من عماله ومن الناس أنّ العيون متجهة الى الحسين ، فخشي أن يجتمع اليه شيعته ويكونوا جيشا عظيما لا قبل له بهم ، فدعا معاوية مروان بن الحكم فقال له : أشر عليّ في الحسين ، فقال : أرى أن

تخرجه معك إلى الشام وتقطعه عن أهل العراق وتقطعهم عنه ، فقال : أردت واللّه أن تستريح منه وتبتليني به ، فإن صبرت عليه صبرت على ما أكره ، وإن أسأت إليه قطعت رحمه ، فأقامه وبعث إلى سعيد بن العاص فقال له : يا أبا عثمان أشر عليّ في الحسين ، فقال : إنّك واللّه ما تخاف الحسين إلاّ على من بعدك وإنك لتخلف له قرنا إن

صارعه ليصرعنه وإن سابقه ليسبقنه ، فذر الحسين بمنبت النخلة يشرب الماء ويصعد في الهواء ولا يبلغ إلى السماء(2) .

* * *

[ وفاة أبي هريرة ]

توفي في هذه السنة أبي هريرة وهو ابن دوس بن عبد اللّه بن عدنان بن زهير بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن النضر بن الأزد بن الغواص ، كنيته أبو هريرة ، وله في الجاهلية والاسلام أكثر من مائة اسم والأصح أنّه سمي في الجاهليةبعبد شمس وعبد عمرو وفي الاسلام عبد اللّه وعبد الرحمن ، اسلم عام الفتح ،

ص: 167


1- الكافي 6/19 باب الأسماء والكنى .
2- المناقب 4/81 .

وكان دائبا على حفظ الحديث ! ! ، ولكنه ضعيف عند العلماء الشيعة خاصة ، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب : إنّه توفي سنة ثمان وخمسين ، وقال عبوس المنصوري في كتاب بني أمية : إنّه توفي سنة تسع وخمسين .

* * *

وحج بالناس في هذه السنة عثمان محمد بن أبي سفيان ، وكان الوالي على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وعلى الكوفة النعمان بن بشير ، وعلى البصرة عبيد اللّه

بن زياد ، وعلى سجستان عباد بن زياد - أخو عبيد اللّه بن زياد - ، وعلى كرمان شريك بن الأعور .

وفي هذه السنة كانت غزوة مالك بن عبد اللّه سورانية(1) ودخول جنادة بن أبي امية ردوس وهدمه مدينتها .

ذكر الآيات والأخبار المأولة بشهادة الإمام الحسين بن علي عليه السلام

قبل أن نذكر حوادث ملك يزيد بن معاوية ، نذكر الآيات المأولّة بشهادة الإمام الحسين عليه السلام ونذكر الأحاديث والأخبار التي تتحدّث عن شهادته عليه السلام ليعلم الجميع أنّ تكليف الأنبياء والأئمة غير تكليف سائر الناس .

إعلم أنّ الانسان الكبير - يعني الإمام عليه السلام - هو قلب الخلق وروح عالم الإمكان

وعقله هو العقل الكلّ ، ونفسه هو النفس الأول ، وجسمه هو العرش الأعظم الذي يحدد العالم ، وهو متصرّف في كلّ الخلق وناظر له ، ولا واللّه فإنّ الناس يجهلون أنفسهم ويذهلون ، وهو ممازج لحقيقة الأشياء ومتحد بها ، كما أنّ أعضاء الناس تحيا بقوة القلب وقوة النفس ، وكلّ شيء في عالم الإمكان فهو حي بالامام ،

ص: 168


1- في الطبري : « سورية » .

وكلّ أثر يظهر من الأشياء فهو بقوة الإمام ، وإن كان بحسب الظاهر بضرر الإمام ، وكلّ المخلوقات تنتفع بضرره بشكل ما من دون أن تلتفت الى ذلك ، ولذلك بكت السماء دما على شهادة الحسين عليه السلام ، وما رفع حجر ولا مدر إلاّ كان تحته دم عبيط ، وهذا هو المعنى الذي تضمنته الأبيات التي ذكرناها في بدو إمامته :

دوست را جمله در ترازو اوست

شمر را نيز زور بازو اوست

تن أو در غزا چو خسته شدى

آفرينش همه شكسته شدى

آفرينش همه تن أو بود

زين زهر شى ء رگى ز خون بگشود

تبين مما مضى أنّ الحسين عليه السلام أقدم عالما على الشهادة ، بحكم المصلحة التي لا يعلمها إلاّ اللّه ، بل إنّه كان يرى يومه المشهود ، ويرى الواقعة بكل تفاصيلها دون

زيادة أو نقصان ، وكان يعرف عدد معسكر المخالفين ويعرف القاتلين باسمائهم وخصوصياتهم ، ويرى مصارع الشهداء واحدا واحدا .

ولا يقال : لماذا ألقى بنفسه الى التهلكة ؟ لأنّ تكليف الإمام غير تكاليف

الخاص والعام ، كما كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله واجبات ومحضورات خاصة به لا تشاركه الأمة فيها .

والآن نعود الى صلب البحث ونبتدأ بالآيات المأولّة في شهادته :

قال اللّه تعالى : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالآْخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً » .

في تفسير العياشي : عن أبي جعفر عليه السلام في قوله «كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)

قال : نزلت في الحسن بن علي عليه السلام أمره اللّه بالكف(1) عن قتال معاوية واتباعه وهم كافرون .

ص: 169


1- بحار الأنوار 44/217 باب 28 .

قال الباقر عليه السلام : واللّه الذي صنعه الحسن بن علي عليه السلام كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس(1) واللّه لفيه نزلت هذه الآية (أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ » .

وفي كتاب البرقي بإسناد معتبر عن الحسن بن زياد العطار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه - عزّ وجل - « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ » قال : نزلت في الحسن بن علي عليهماالسلام أمره اللّه بالكف ، قال : قلت : « فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ » قال : نزلت في الحسين بن علي عليه السلام كتب اللّه عليه وعلى أهل الأرض أن يقاتلوا معه(2)

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : لو قاتل معه أهل الأرض لقتلوا كلّهم .

« قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » إلى خروج القائم عليه السلامفإن معه النصر والظفر(3) قال اللّه : « قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى »الآية . «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً »(4) .

في تفسير العياشي عن جابر عن أبي جعفر(5) عليه السلام : في قوله « وَمَنْ قُتِلَ

مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً » قال : هو الحسين بن علي عليهماالسلام قتل مظلوما ، ونحن أولياؤ ، والقائم منّا إذا قام طلب بثأر الحسين عليه السلامفيقتل حتى يقال : قد أسرف في القتل ، وقال : المقتول الحسين ، ووليه القائم والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله « إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً »

ص: 170


1- كناية عن الكف عن قتال معاوية والمصالحة معه . من المتن .
2- بحار الأنوار 44/220 باب 28 .
3- بحار الأنوار 44/218 باب 28 .
4- تفسير العياشي 1/257 من سورة النساء .
5- في تفسير العياشي : « عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام » .

فإنّه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل رسول اللّه - عليهم الصلاة والسلام - يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما(1) .

وفي الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه - عزّ وجل - : « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ » قال : نزلت في الحسين عليه السلاملو قتل أهل الأرض به ما كان سرفا(2) .

« يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي

وَادْخُلِي جَنَّتِي » .

في كنز جامع الفوائد عن دارم بن فرقد قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : اقرؤ سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم فإنّها سورة الحسين بن علي عليهماالسلام وارغبوا فيها رحمكم اللّه تعالى ، فقال له أبو أسامة وكان حاضر المجلس : وكيف صارت هذه السورة للحسين عليه السلام خاصة ؟ فقال : ألا تسمع إلى قوله تعالى « يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ »

الآية إنّما يعني الحسين بن علي عليهماالسلام فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية ، وأصحابه من آل محمد صلى الله عليه و آله هم الراضون عن اللّه يوم القيامة ، وهو راض عنهم ، وهذه السورة في الحسين بن علي عليهماالسلام وشيعته وشيعة آل محمد خاصة من أدمن قراءة «والفجر» كان مع الحسين بن علي عليهماالسلام في درجته في الجنة « إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ »(3) .

ذكر إخبار اللّه أنبياءه بشهادة الحسين عليه السلام

وروي بعض مؤلفات الأصحاب مرسلاً : أن آدم لما هبط إلى الأرض لم ير

حواء ، فصار يطوف الأرض في طلبها ، فمر بكربلاء فاغتم وضاق صدره من غير سبب ، وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتى سال الدم من رجله ،

ص: 171


1- بحار الأنوار 44/218 باب 28 .
2- بحارالأنوار 44/219 ، باب 28 - الآيات المؤلة لشهادته صلوات اللّه عليه وأنه يطلب اللّه بثأره : 17 .
3- بحار الأنوار 44/218 باب 28 .

فرفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به ، فإني طفت جميع الأرض وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض ؟ فأوحى اللّه إليه : يا آدم ما حدث منك ذنب ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما ، فسال دمك موافقة لدمه ، فقال آدم : يا ربّ أيكون الحسين نبيا ؟ قال : لا ولكنه سبط النبي محمد ، فقال : ومن القاتل له ؟ قال : قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض ، فقال آدم : فأي شيء أصنع يا جبرئيل ؟ فقال : العنه يا آدم ، فلعنه أربع مرات ، ومشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حواء هناك(1) .

وروي أيضا : أن نوحا لما ركب في السفينة طافت به جميع الدنيا ، فلمّا مرت بكربلاء أخذته الأرض ، وخاف نوح الغرق ، فدعا ربّه وقال : إلهي طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض ، فنزل جبرئيل وقال : يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمد خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء ، فقال : ومن القاتل له يا جبرئيل ؟ قال : قاتله لعين أهل سبع سماوات وسبع أرضين ، فلعنه نوح أربع مرات ، فسارت السفينة حتى بلغت الجودي واستقرت عليه .

وروي أيضا : أن إبراهيم عليه السلام مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرسا فعثرت به وسقط إبراهيم وشج رأسه وسال دمه ، فأخذ في الاستغفار وقال : إلهي أي شيء حدث مني ، فنزل إليه جبرئيل وقال : يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء فسال دمك موافقة لدمه ، قال : يا جبرئيل ومن يكون قاتله ؟ قال : لعين أهل السماوات والأرضين ، والقلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربّه ، فأوحى اللّه تعالى إلى القلم أنك استحققت الثناء بهذا اللعن ، فرفع إبراهيم عليه السلام يديه ولعن يزيد لعنا كثيرا ، وأمن فرسه بلسان فصيح فقال إبراهيم لفرسه : أي شيء عرفت حتى تؤن على دعائي ؟ فقال : يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك

عليّ ، فلمّا عثرت وسقطت عن ظهري عظمت خجلتي ، وكان سبب ذلك من يزيد لعنه اللّه تعالى .

ص: 172


1- بحار الأنوار 44/243 .

وروى صناديد الرواة : أن إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات فأخبره الراعي أنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما ، فسأل ربّه عن سبب ذلك ، فنزل جبرئيل وقال : يا إسماعيل سل غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك فقال لها : لم لا تشربين من هذا الماء ؟ فقالت بلسان فصيح : قد بلغنا أنّ ولدك الحسين عليه السلام سبط محمد يقتل هنا عطشانا ، فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزنا عليه ، فسألها عن قاتله ، فقالت : يقتله لعين أهل السماوات والأرضين والخلائق أجمعين ، فقال إسماعيل : اللّهم العن قاتل الحسين عليه السلام(1) .

وروي أيضا : أن موسى كان ذات يوم سائرا ومعه يوشع بن نون ، فلمّا جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله وانقطع شراكه ودخل الحسك في رجليه وسال دمه ، فقال : إلهي أي شيء حدث منّي ؟ فأوحى إليه أن هنا يقتل الحسين وهنا يسفك دمه ، فسال دمك موافقة لدمه ، فقال : ربّ ومن يكون الحسين ؟ فقيل له : هو سبط محمد المصطفى وابن علي المرتضى ، فقال : ومن يكون قاتله ؟ فقيل : هو لعين السمك في البحار ، والوحوش في القفار ، والطير في الهواء ، فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمن يوشع بن نون على دعائه ، ومضى لشأنه .

وروي : أن سليمان كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء ، فمر ذات يوم وهو سائر في أرض كربلاء فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتى خاف السقوط ، فسكنت الريح ونزل البساط في أرض كربلاء ، فقال سليمان للريح : لم سكنتي ؟ فقالت : إنّ هنا يقتل الحسين عليه السلام ، فقال : ومن يكون الحسين ؟ فقالت : هو سبط محمد المختار وابن علي الكرار ، فقال : ومن قاتله ؟ قالت : لعين أهل السماوات والأرض يزيد ، فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه ، وأمن على دعائه الإنس والجن ، فهبت الريح وسار البساط .

ص: 173


1- بحار الأنوار 44/244 .

وروي : أنّ عيسى كان سائحا في البراري ومعه الحواريون ، فمروا بكربلاء فرأوا أسدا كاسرا قد أخذ الطريق ، فتقدم عيسى إلى الأسد فقال له : لم جلست في هذا الطريق ولا تدعنا نمر فيه ؟ فقال الأسد بلسان فصيح : إنّي لم أدع لكم الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين عليه السلام ، فقال عيسى عليه السلام : ومن يكون الحسين ؟ قال : هو سبط محمد النبي الأمي وابن علي الولي ، قال : ومن قاتله ؟ قال : قاتله لعين الوحوش والذباب والسباع أجمع ، خصوصا أيام عاشوراء ، فرفع عيسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمن الحواريون على دعائه ، فتنحى الأسد عن طريقهم ومضوا لشأنهم(1) .

وروى صاحب الدر الثمين في تفسير قوله تعالى « فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ »

أنه رأى ساق العرش وأسماء النبي والأئمة عليهم السلام فلقنه جبرئيل قل : يا حميد بحق محمد يا عالي بحق علي يا فاطر بحق فاطمة يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الإحسان ، فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه وقال : يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي ، قال جبرئيل : ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب ، فقال : يا أخي وما هي ؟ قال : يقتل عطشانا غريبا وحيدا فريدا ليس له ناصر ولا معين ولو تراه يا آدم وهو يقول : وا عطشاه وا قلة ناصراه حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان فلم يجبه أحد إلاّ بالسيوف وشرب الحتوف فيذبح ذبح الشاة من قفاه ، وينهب رحله أعداؤ وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان كذلك سبق في علم الواحد المنان ، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى .

ومن تاريخ محمد النجار شيخ المحدثين بإسناد مرفوع إلى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال : لما أراد اللّه أن يهلك قوم نوح أوحى إليه أن شق ألواح الساج ، فلمّا شقها لم يدر ما يصنع بها ، فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة ، ومعه تابوت بها مائة

ص: 174


1- بحار الأنوار 44/245 .

ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار ، فسمر بالمسامير كلّها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير ، فضرب بيده إلى مسمار فأشرق بيده وأضاء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء ، فتحير نوح فأنطق اللّه المسمار بلسان طلق ذلق : أنا على اسم

خير الأنبياء محمد بن عبد اللّه صلى الله عليه و آله ، فهبط جبرئيل فقال له : يا جبرئيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله ؟ فقال : هذا باسم سيد الأنبياء محمد بن عبد اللّه أسمره على أولها

على جانب السفينة الأيمن ، ثم ضرب بيده إلى مسمار ثان فأشرق وأنار ، فقال نوح : وما هذا المسمار ؟ فقال : هذا مسمار أخيه وابن عمه سيد الأوصياء علي بن أبي طالب فأسمره على جانب السفينة الأيسر في أولها ، ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار ، فقال جبرئيل : هذا مسمار فاطمة فأسمره إلى جانب مسمار أبيها ، ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار ، فقال جبرئيل : هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه ، ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فزهر وأنار وأظهر النداوة ، فقال جبرئيل : هذا مسمار الحسين فأسمره إلى جانب مسمار أبيه ، فقال نوح : يا جبرئيل ما هذه النداوة ؟ فقال : هذا الدم ، فذكر قصة الحسين عليه السلام وما تعمل الأمة به ، فلعن اللّه قاتله وظالمه وخاذله(1) .

وفي الخصال عن الرضا عليه السلام قال : لما أمر اللّه - عزّ

وجل - إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم عليه السلام أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده وأنه لم يؤر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده عليه بيده فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب ، فأوحى اللّه - عزّ وجل - إليه : يا إبراهيم من أحبّ خلقي إليك ، فقال : يا ربّ ما خلقت خلقا هو أحبّ إلي من حبيبك محمد صلى الله عليه و آله فأوحى اللّه تعالى إليه : أفهو

أحبّ إليك أم نفسك ؟ قال : بل هو أحبّ إليّ من نفسي ، قال : فولده أحب إليك أم ولدك ؟ قال : بل ولده ، قال : فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح

ص: 175


1- بحار الأنوار 44/230 باب 30 .

ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال : يا ربّ بل ذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبي ، قال : يا إبراهيم فإنّ طائفة تزعم أنّها من أمة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي ، فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك وتوجع قلبه وأقبل يبكي فأوحى اللّه - عزّ و جل - إليه : يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب وذلك قول اللّه - عزّ وجل - « وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ »(1) .

تبيّن من هذا الحديث أنّ الفداء إنّما هو جزع إبراهيم على ولده فهذا الجزع هو الذي صار فداء للجزع على الحسين ، والمفدى عنه لابد أن يكون أفضل من المفدى به ، ولما كان الحسين أفضل من إسماعيل ، فمن الطبيعي أن يفدي إبراهيم جزعه على الحسين الذبح العظيم بجزعه على إسماعيل .

وعلماء الإمامية ذهبوا الى أنّ الأئمة الاثني عشر أفضل من الأنبياء اُولي العزم فلا يقاس بهم اذن باقي الأنبياء . فلا يمكن أن يكون الحسين فداءا لإسماعيل ، إلاّ أن يقال : إنّ إسماعيل لو صار فداءا للحسين وهو جدّ النبي والأئمة فكيف يولد هؤلاء ، ولذلك عفي إسماعيل من التتوج بتاج الشهادة وتوّج به الحسين(2) .

ص: 176


1- الخصال 1/58 قول النبي صلى الله عليه و آله : أنا ابن الذبيحين .
2- قال المجلسي في البحار 44/ 226 : « أقول : قد أورد على هذا الخبر إعضال وهو أنه إذا كان المراد بالذبح العظيم قتل الحسين عليه السلام لا يكون المفدى عنه أجل رتبة من المفدى به ، فإن أئمتنا صلوات اللّه عليهم أشرف من أولي العزم عليهم السلام فكيف من غيرهم مع أن الظاهر من استعمال لفظ الفداء التعويض عن الشيء بما دونه في الخطر والشرف . وأجيب بأن الحسين عليه السلام لما كان من أولاد إسماعيل فلو كان ذبح إسماعيل لم يوجد نبينا وكذا سائر الأئمة وسائر الأنبياء عليهم السلام من ولد إسماعيل عليه السلام ، فإذا عوض من ذبح إسماعيل بذبح واحد من أسباطه وأولاده وهو الحسين عليه السلام ، فكأنه عوض عن ذبح الكل وعدم وجودهم بالكلية بذبح واحد من الأجزاء بخصوصه ولا شك في أن مرتبة كلّ السلسلة أعظم وأجل من مرتبة الجزء بخصوصه . وأقول : ليس في الخبر أنه فدى إسماعيل بالحسين بل فيه أنه فدى جزع إبراهيم على إسماعيل بجزعه على الحسين عليه السلام ، وظاهر أن الفداء على هذا ليس على معناه بل المراد التعويض ولما كان أسفه على ما فات منه من ثواب الجزع على ابنه عوضه اللّه بما هو أجل وأشرف وأكثر ثوابا وهو الجزع على الحسين عليه السلام . والحاصل : أن شهادة الحسين عليه السلام كان أمرا مقررا ولم يكن لرفع قتل إسماعيل حتى يرد الإشكال ، وعلى ما ذكرنا فالآية تحتمل وجهين : الأول : أن يقدر مضاف أي فديناه بجزع مذبوح عظيم الشأن ، والثاني : أن يكون الباء سببية أي فديناه بسبب مذبوح عظيم بأن جزع عليه ، وعلى التقديرين لا بد من تقدير مضاف أو تجوز في إسناد في قوله « فَدَيْناهُ »واللّه يعلم .

وقد ذكرت في المجلد الأول من ناسخ التواريخ ضمن الكلام عن حياة إسماعيل أن لا أحد في الوجود يستحق تاج هذه الشهادة التي تكون مفتاح للشفاعة العامة سوى الحسين عليه السلام .

وفي الإحتجاج عن سعد بن عبد اللّه قال : سألت القائم عليه السلام عن تأويل « كهيعص » ، قال عليه السلام : هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع اللّه عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد عليه وآله السلام ، وذلك أن زكريا سأل اللّه ربّه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلمه إياها ، فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن عليهم السلام سري عنه همه وانجلى كربه وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة ، فقال عليه السلام ذات يوم : إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ، فأنبأه اللّه - تبارك وتعالى - عن قصته ، فقال : « كهيعص » فالكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة الطاهرة والياء يزيد وهو ظالم الحسين والعين عطشه والصاد صبره ، فلمّا سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه : إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده ، إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ، إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ، إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما ، ثم كان يقول : إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر

ص: 177

فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم أفجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده ، فرزقه اللّه يحيى وفجعه به وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك(1) .

وفي كامل الزيارة عن بريد العجلي قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : يا ابن رسول اللّه أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره اللّه في كتابه حيث يقول « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا » أكان إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم ؟ فقال عليه السلام : إنّ إسماعيل مات قبل إبراهيم ، وإن إبراهيم كان حجة للّه قائما صاحب شريعة ، فإلى من أرسل إسماعيل إذن ؟ قلت : فمن كان جعلت فداك ؟ قال : ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي بعثه اللّه إلى قومه فكذبوه

وقتلوه وسلخوا وجهه ، فغضب اللّه عليهم له ، فوجه إليه سطاطائيل ملك العذاب ، فقال له : يا إسماعيل أنا سطاطائيل ملك العذاب وجهني ربّ العزة إليك لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت ، فقال له إسماعيل : لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل ، فأوحى اللّه إليه : فما حاجتك يا إسماعيل ؟ فقال إسماعيل : يا ربّ إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولأوصيائه بالولاية وأخبرت خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي عليهماالسلام من بعد نبيها وإنك وعدت الحسين أن تكره إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به ، فحاجتي إليك يا ربّ أن تكرني إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي ما فعل كما تكر الحسين ، فوعد اللّه إسماعيل بن حزقيل ذلك فهو يكر مع الحسين بن علي عليه السلام(2) .

وقد أتيت على أخبار اسماعيل بن يحزقئيل في المجلد الأول من ناسخ التواريخ ، وحزقيل معرب يحزقئيل ، وإذا وقع الاختلاف بين الأحاديث والتاريخ فالمعول على أحاديث الامامية الصحيحة ، وفي غير هذه الصورة فباب الاجتهاد مفتوح أمام الناس . وهذا الحديث مسطور في علل الشرائع وكامل الزيارة بعدة طرق واختلاف الالفاظ .

ص: 178


1- بحار الأنوار 44/ 223 باب 30 .
2- بحار الأنوار 44/237 باب 30 .

ذكر أخبار الكتب السالفة بشهادة الحسين عليه السلام

في أمالي الصدوق عن سالم بن أبي جعدة قال : سمعت كعب الأحبار يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول اللّه يقتل ولا يجف عرق دواب أصحابه حتى يدخلوا الجنة فيعانقوا الحور العين ، فمر بنا الحسن عليه السلام ، فقلنا : هو هذا ، قال : لا ، فمر بنا الحسين ، فقلنا : هو هذا ، قال : نعم(1) .

وروي بإسناد معتبر عن جماعة من أشياخ العرب قالوا : غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم فوجدنا فيها مكتوبا :

أيرجو معشر قتلوا حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

قالوا : فسألنا منذ كم هذا في كنيستكم ؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام .

وفي مثير الأحزان عن سليمان الأعمش قال : بينا أنا في الطواف أيام الموسم إذا رجل يقول : اللّهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تغفر ، فسألته عن السبب ، فقال : كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين إلى يزيد على طريق الشام فنزلنا أول مرحلة رحلنا من كربلاء على دير للنصارى والرأس مركوز على رمح ، فوضعنا الطعام ونحن نأكل إذا بكف على حائط الدير يكتب عليه بقلم حديد سطرا بدم :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

فجزعنا جزعا شديدا وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذه فغابت فعاد أصحابي .

وحدث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه أنه قال : غزونا بلاد الروم فأتينا كنيسة

من كنائسهم قريبة من القسطنطينية وعليها شيء مكتوب ، فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية فإذا هو مكتوب هذا البيت .

وذكر أبو عمرو الزاهد في كتاب الياقوت قال : قال عبد اللّه بن الصفار صاحب أبي حمزة الصوفي : غزونا غزاة وسبينا سبيا وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى

ص: 179


1- بحار الأنوار 44/224 باب 30 .

فأكرمناه وأحسنا إليه ، فقال لنا : أخبرني أبي عن آبائه أنّهم حفروا في بلاد الروم

حفرا قبل أن يبعث محمد العربي بثلاثمائة سنة فأصابوا حجرا عليه مكتوب بالمسند هذا البيت ، والمسند كلام أولاد شيث عليه السلام .

وفي المناقب لابن شهرآشوب : أنّ قس بن ساعدة الأيادي - وهو من حكماء العرب وكهانهم ، وقد أتينا على أخباره في المجلد الثاني من ناسخ التواريخ - قال قبل

مبعث النبي :

تخلف المقدار منهم عصبة ثاروا

بصفين وفي يوم الجمل

والتزم الثار الحسين بعده

واحتشدوا على ابنه حتى قتل

ذكر إخبار اللّه تعالى نبيه صلى الله عليه و آله بشهادة الحسين عليه السلام

ذكرنا بعض هذه الأخبار في قصة رضاع الحسين عليه السلام ومحبة النبي صلى الله عليه و آله له ، ونذكر بعضها الاخر هنا :

في كتاب العوالم : قال أصحاب الحديث : فلمّا أتت على الحسين سنة كاملة هبط على النبي اثنا عشر ملكا على صور مختلفة أحدهم على صورة بني آدم يعزونه ويقولون : إنه سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل وسيعطى مثل أجر هابيل ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ولم يبق ملك إلاّ نزل إلى النبي يعزونه والنبي يقول : اللّهم اخذل خاذله واقتل قاتله ولا تمتعه بما طلبه(1) .

عن أشعث بن عثمان عن أبيه عن أنس بن أبي سحيم قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله

يقول : إن ابني هذا يقتل بأرض العراق فمن أدركه منكم فلينصره ، فحضر أنس مع الحسين كربلاء وقتل معه .

ص: 180


1- بحار الأنوار 44/246 باب 30 .

روى عبد الصمد بن أحمد بإسناده عن عائشة قالت : دخل الحسين على النبي وهو غلام يدرج ، فقال : أي عائشة ألا أعجبك لقد دخل عليّ آنفا ملك ما دخل عليّ قط ، فقال : إن ابنك هذا مقتول وإن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها ، فتناول ترابا أحمر فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة فأخرجته يوم قتل وهو دم .

وروي مثل هذا عن زينب بنت جحش .

وفي العوالم أيضا : عن عبد اللّه بن يحيى قال : دخلنا مع علي إلى صفين ، فلمّا حاذى نينوى نادى : صبرا يا عبد اللّه ، فقال : دخلت على رسول اللّه وعيناه تفيضان ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ما لعينيك تفيضان أغضبك أحد ؟ قال : لا ، بل كان عندي جبرئيل فأخبرني أنّ الحسين يقتل بشاطئ الفرات ، وقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم فمدّ يده فأخذ قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا ، واسم الأرض كربلاء ، فلمّا أتت عليه سنتان خرج النبي إلى سفر فوقف في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه ، فسئل عن ذلك فقال : هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها «كربلاء» يقتل فيها ولدي الحسين وكأنّي أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها وكأنّي أنظر الى السبايا على أقتاب المطايا

وقد أهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه اللّه ، فو اللّه ما ينظر أحد إلى رأس الحسين ويفرح إلاّ خالف اللّه بين قلبه ولسانه وعذبه اللّه عذابا أليما .

ثم رجع النبي من سفره مغموما مهموما كئيبا حزينا فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين وخطب ووعظ الناس ، فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين وقال : اللّهم إن محمدا عبدك ورسولك وهذان أطايب عترتي وخيار أرومتي وأفضل ذريتي ومن أخلفهما في أمتي وقد أخبرني جبرئيل أن ولدي هذا مقتول بالسم والآخر شهيد مضرج بالدم ، اللّهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء ، اللّهم ولا تبارك في قاتله وخاذله وأصله حر نارك واحشره في أسفل درك الجحيم .

ص: 181

قال : فضج الناس بالبكاء والعويل ، فقال لهم النبي : أيّها الناس أتبكونه ولا تنصرونه ، اللّهم فكن أنت له وليا وناصرا ، ثم قال : يا قوم إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي وأرومتي ومزاج مائي وثمرة فؤدي ومهجتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ألا وإنّي لا أسألكم في ذلك إلاّ ما أمرني ربّي أن أسألكم عنه ،

أسألكم عن المودة في القربى واحذروا أن تلقوني غدا على الحوض وقد آذيتم عترتي وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم ألا أنه سيرد عليّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة : الأولى راية سوداء مظلمة قد فزعت منها الملائكة ، فتقف علي فأقول لهم : من أنتم ؟ فينسون ذكري ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب ، فأقول لهم : أنا أحمد نبي العرب والعجم ، فيقولون : نحن من أمتك ، فأقول : كيف خلفتموني من بعدي في أهل بيتي وعترتي وكتاب ربّي ، فيقولون : أما الكتاب فضيعناه ، وأما العترة فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض ، فلمّا أسمع ذلك منهم أعرض عنهم وجهي فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم ، ثم ترد علي راية أخرى أشدّ سوادا من الأولى ، فأقول لهم : كيف خلفتموني من بعدي في الثقلين كتاب اللّه وعترتي ؟ فيقولون : أما الأكبر فخالفناه ، وأما الأصغر فمزقناهم كلّ ممزق ، فأقول : إليكم عني ، فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم ، ثم ترد علي راية تلمع وجوههم نورا ، فأقول لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمة محمد المصطفى ، ونحن بقية أهل الحق ، حملنا كتاب ربّنا وحللنا حلاله وحرمنا حرامه وأحببنا ذرية نبينا محمد ونصرناهم من كلّ ما نصرنا به أنفسنا وقاتلنا معهم من ناواهم ، فأقول لهم : أبشروا فأنا نبيكم محمد ، ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم ، ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويين مستبشرين ، ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الآبدين(1) .

ص: 182


1- بحار الأنوار 44/248 .

ذكر إخبار اللّه نبيه صلى الله عليه و آله بشهادة الحسن والحسين عليهماالسلام

روي عن الأصحاب والتابعين عن أم سلمة قالت : دخل رسول اللّه ذات يوم ودخل في أثره الحسن والحسين عليهماالسلام وجلسا إلى جانبيه فأخذ الحسن على ركبته اليمنى والحسين على ركبته اليسرى ، وجعل يقبل هذا تارة وهذا أخرى ، وإذا بجبرئيل قد نزل وقال : يا رسول اللّه إنك لتحب الحسن والحسين ؟ فقال : وكيف لا أحبّهما وهما ريحانتاي من الدنيا وقرتا عيني ، فقال جبرئيل : يا نبي اللّه إن اللّه قد حكم عليهما بأمر فاصبر له ، فقال : وما هو يا أخي ؟ فقال : قد حكم على هذا الحسن أن يموت مسموما ، وعلى هذا الحسين أن يموت مذبوحا ، وإن لكل نبي دعوة مستجابة ، فإن شئت كانت دعوتك لولديك الحسن والحسين ، فادع اللّه أن يسلمهما من السم والقتل ، وإن شئت كانت مصيبتهما ذخيرة في شفاعتك للعصاة من أمتك يوم القيامة ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا جبرئيل أنا راض بحكم ربّي لا أريد إلاّ ما يريده ، وقد أحببت أن تكون دعوتي ذخيرة لشفاعتي في العصاة من أمتي ويقضي اللّه في ولدي ما يشاء(1) .

وروي عن بعض الثقات الأخيار : أن الحسن والحسين عليهماالسلام دخلا يوم عيد إلى حجرة جدهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالا : يا جداه اليوم يوم العيد وقد تزين أولاد العرب بألوان اللباس ولبسوا جديد الثياب وليس لنا ثوب جديد وقد توجهنا لذلك إليك ، فتأمل النبي حالهما وبكى ولم يكن عنده في البيت ثياب يليق بهما ولا رأى أن يمنعهما فيكسر خاطرهما ، فدعا ربّه وقال : إلهي اجبر قلبهما وقلب أمهما ، فنزل جبرئيل ومعه حلتان بيضاوان من حلل الجنة ، فسر النبي صلى الله عليه و آله وقال لهما : يا سيدي شباب أهل الجنة خذا أثوابا خاطها خياط القدرة على قدر طولكما ، فلمّا رأيا الخلع بيضا

ص: 183


1- بحار الأنوار 44/241 باب 30 .

قالا : يا جداه كيف هذا وجميع صبيان العرب لابسون ألوان الثياب ، فأطرق النبي ساعة متفكرا في أمرهما ، فقال جبرئيل : يا محمد طب نفسا وقرّ عينا ، إنّ صابغ صبغة اللّه - عزّ وجل - يقضي لهما هذا الأمر ويفرح قلوبهما بأي لون شاءا ، فامر يا محمد

بإحضار الطست والإبريق فأحضرا ، فقال جبرئيل : يا رسول اللّه أنا أصب الماء على هذه الخلع وأنت تفركهما بيدك فتصبغ لهما بأي لون شاءا ، فوضع النبي حلة الحسن في الطست ، فأخذ جبرئيل يصب الماء ثم أقبل النبي على الحسن وقال له : يا قرة عيني بأي لون تريد حلتك ؟ فقال : أريدها خضراء ، ففركها النبي بيده في ذلك الماء فأخذت بقدرة اللّه لونا أخضر فائقا كالزبرجد الأخضر ، فأخرجها النبي وأعطاها الحسن فلبسها ، ثم وضع حلة الحسين في الطست وأخذ جبرئيل يصب الماء ، فالتفت النبي إلى نحو الحسين ، وكان له من العمر خمس سنين وقال له : يا قرة

عيني أي لون تريد حلتك ؟ فقال الحسين : يا جد أريدها حمراء ففركها النبي بيده في ذلك الماء فصارت حمراء كالياقوت الأحمر ، فلبسها الحسين ، فسر النبي بذلك ، وتوجه الحسن والحسين إلى أمهما فرحين مسرورين ، فبكى جبرئيل عليه السلام لما شاهد تلك الحال ، فقال النبي : يا أخي جبرئيل في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي وتحزن ؟ فباللّه عليك إلاّ ما أخبرتني ؟ فقال جبرئيل : اعلم يا رسول اللّه أن

اختيار ابنيك على اختلاف اللون فلابد للحسن أن يسقوه السم ويخضر لون جسده من عظم السم ، ولا بد للحسين أن يقتلوه ويذبحوه ويخضب بدنه من دمه ، فبكى النبي وزاد حزنه لذلك(1) .

في كتاب ا لعوالم بإسناده عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه و آله قال : لما أسري بي أخذ جبرئيل بيدي فأدخلني الجنة وأنا مسرور ، فإذا أنا بشجرة من نور مكللة بالنور في أصلها ملكان يطويان الحلي والحلل إلى يوم القيامة ، ثم تقدمت أمامي فإذا أنا بتفاح لم أر تفاحا هو أعظم منه ، فأخذت واحدة ففلقتها فخرجت عليّ منها حوراء كأن

ص: 184


1- بحار الأنوار 44/245 باب 30 .

أجفانها مقاديم أجنحة النسور ، فقلت : لمن أنت ؟ فبكت وقالت : لابنك المقتول ظلما الحسين بن علي بن أبي طالب ، ثم تقدمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد وأحلى من العسل ، فأخذت رطبة فأكلتها وأنا أشتهيها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي ، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ففاطمة حوراء إنسية ، فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة(1) .

وروي في بعض تأليفات أصحابنا : أن الحسن عليه السلام لما دنت وفاته ونفدت أيامه وجرى السم في بدنه تغير لونه واخضر ، فقال له الحسين عليه السلام : ما لي أرى لونك مائلا إلى الخضرة فبكى الحسن عليه السلام وقال : يا أخي لقد صح حديث جدي في وفيك ، ثم اعتنقه طويلا وبكيا كثيرا ، فسئل عليه السلام عن ذلك فقال : أخبرني جدي قال : لما دخلت ليلة المعراج روضات الجنان ومررت على منازل أهل الإيمان رأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة إلاّ إن أحدهما من الزبرجد الأخضر والآخر من الياقوت الأحمر ، فقلت : يا جبرئيل لمن هذان القصران ؟ فقال : أحدهما للحسن والآخر للحسين عليهماالسلام ، فقلت : يا جبرئيل فلم لم يكونا على لون واحد ؟ فسكت ولم يرد جوابا ، فقلت : لم لا تتكلم ؟ قال : حياء منك ، فقلت له : سألتك باللّه إلاّ ما

أخبرتني ، فقال : أما خضرة قصر الحسن فإنه يموت بالسم ويخضر لونه عند موته ، وأما حمرة قصر الحسين فإنه يقتل ويحمر وجهه بالدم ، فعند ذلك بكيا وضج الحاضرون بالبكاء والنحيب(2) .

وفي كامل الزيارات بإسناده عن أمير

المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : زارنا رسول اللّه ذات يوم فقدمنا إليه طعاما ، وأهدت إلينا أم أيمن صحفة من تمر وقعبا من

لبن وزبد ، فقدمنا إليه فأكل منه ، فلمّا فرغ قمت فسكبت على يديه ماء ، فلمّا غسل يده مسح وجهه ولحيته ببلة يديه ، ثم قام إلى مسجد في جانب البيت فخر ساجدا ،

ص: 185


1- بحار الأنوار 44/240 باب 30 .
2- بحار الأنوار 44/145 باب 22 .

فبكى فأطال البكاء ، ثم رفع رأسه ، فما اجترأ منا أهل البيت أحد يسأله عن شيء ، فقام الحسين يدرج حتى يصعد على فخذي رسول اللّه ، فأخذ برأسه إلى صدره ووضع ذقنه على رأس رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثم قال : يا أبة ما يبكيك ؟ فقال : يا بني إنّي نظرت إليكم اليوم فسررت بكم سرورا لم أسر بكم مثله قط ، فهبط إلي جبرئيل فأخبرني أنكم قتلى وأن مصارعكم شتى ، فحمدت اللّه على ذلك وسألته لكم الخيرة ، فقال له : يا أبة فمن يزور قبورنا ويتعاهدها على تشتتها ؟ قال : طوائف من أمتي يريدون بذلك بري وصلتي أتعاهدهم في الموقف وآخذ بأعضادهم فأنجيهم من أهواله وشدائده(1) . وفي كامل الزيارات وأمالي الطوسي مثله بإسناد آخر وأدنى تفاوت .

وفي كامل الزيارات بإسناده عن ابن عباس قال : الملك الذي جاء إلى محمد صلى الله عليه و آله

يخبره بقتل الحسين كان جبرئيل الروح الأمين منشور الأجنحة باكيا صارخا قد حمل من تربته وهو يفوح كالمسك ، فقال رسول اللّه : وتفلح أمة تقتل فرخي ، أو قال : فرخ ابنتي ؟ قال جبرئيل : يضربها اللّه بالاختلاف فيختلف قلوبهم(2) . وفي كامل الزيارات بإسناد آخر مثله .

وفي العوالم عن سلمان الفارسي(3) قال : وهل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول اللّه يعزيه في ولده الحسين ويخبره بثواب اللّه إياه ويحمل إليه تربته مصروعا

عليها مذبوحا مقتولا طريحا مخذولا ، فقال رسول اللّه : اللّهم اخذل من خذله واقتل

من قتله واذبح من ذبحه ولا تمتعه بما طلب .

قال عبد الرحمن : فواللّه لقد عوجل الملعون يزيد ولم يتمتع بعد قتله ولقد أخذ مغافصة بات سكران وأصبح ميتا متغيرا كأنه مطلي بقار أخذ على أسف وما بقي أحد ممن تابعه على قتله أو كان في محاربته إلاّ أصابه جنون أو جذام أو برص وصار ذلك وراثة في نسلهم لعنهم اللّه(4) .

ص: 186


1- بحار الأنوار 44/234 باب 30 .
2- بحار الأنوار 44/237 باب 30 .
3- في المصدر : « سليمان» .
4- بحار الأنوار 44/237 .

وفي الأمالي للطوسي بإسناده عن أنس بن مالك : أن عظيما من عظماء الملائكة استأذن ربّه - عزّ وجل - في زيارة النبي فأذن له ، فبينما هو عنده إذ دخل عليه الحسين فقبله النبي وأجلسه في حجره ، فقال له : الملك أتحبه ؟ قال : أجل أشدّ الحب إنه ابني ، قال له : إن أمتك ستقتله ، قال : أمتي تقتل ولدي ؟ قال : نعم ، وإن شئت أريتك من التربة التي يقتل عليها ؟ قال : نعم ، فأراه تربة حمراء طيبة الريح ، فقال : إذا صارت هذه التربة دما عبيطا فهو علامة قتل ابنك هذا ، قال سالم بن أبي الجعد : أخبرت أن الملك كان ميكائيل عليه السلام(1) .

وفي العوالم بإسناده عن زينب بنت جحش قالت : كان رسول اللّه ذات يوم عندي نائما فجاء الحسين فجعلت أعلله مخافة أن يوقظ النبي ، فغفلت عنه فدخل ، واتبعته فوجدته وقد قعد على بطن النبي صلى الله عليه و آله فوضع زبيته في سرة النبي فجعل يبول عليه ، فأردت أن آخذه عنه ، فقال رسول اللّه : دعي ابني يا زينب حتى يفرغ من بوله ، فلمّا فرغ توضأ النبي صلى الله عليه و آله وقام يصلي ، فلمّا سجد ارتحله الحسين ، فلبث النبي صلى الله عليه و آله حتى نزل ، فلمّا قام عاد الحسين فحمله حتى فرغ من صلاته ، فبسط النبي يده وجعل يقول : أرني أرني يا جبرئيل ، فقلت : يا رسول اللّه لقد رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك صنعته قط ؟ قال : نعم ، جاءني جبرئيل فعزاني في ابني الحسين ، وأخبرني أنّ أمتي تقتله وأتاني بتربة حمراء(2) .

وفي العوالم عن أبي سلمة عن عائشة : أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أجلس حسينا على فخذه وجعل يقبله ، فقال جبرئيل : أتحب ابنك هذا ؟ قال : نعم ، قال : فإن أمتك ستقتله بعدك ، فدمعت عينا رسول اللّه ، فقال له : إن شئت أريتك من تربته التي يقتل عليها ؟ قال : نعم ، فأراه جبرئيل ترابا من تراب الأرض التي يقتل عليها وقال : تدعى الطف(3) .

ص: 187


1- بحار الأنوار 44/229 .
2- بحار الأنوار 44/229 باب 30 .
3- بحار الأنوار 44/231 .

وفي العوالم عن أنس : أن ملك المطر استأذن أن يأتي رسول اللّه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله لأم سلمة : املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد ، فجاء الحسين ليدخل فمنعته ، فوثب حتى دخل ، فجعل يثب على منكبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويقعد عليهما ، فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : فإن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل

فيه ، فمد يده فإذا طينة حمراء ، فأخذتها أم سلمة فصيرتها إلى طرف خمارها ، قال ثابت : فبلغنا أنه المكان الذي قتل به بكربلاء(1) .

وفي الإرشاد للمفيد بإسناده عن أم الفضل بنت الحارث : أنّها دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالت : يا رسول اللّه رأيت الليلة حلما منكرا ! قال : وما هو ؟ قالت : إنه شديد ، قال : وما هو ؟ قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قد قطعت ووضعت في حجري ، فقال رسول اللّه : خيرا رأيت ، تلد فاطمة غلاما فيكون في حجرك ، فولدت فاطمة عليهاالسلام الحسين عليه السلام ، قالت : وكان في حجري كما قال رسول اللّه ، فدخلت به يوما على النبي فوضعته في حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول اللّه تهرقان بالدموع ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ما لك ؟ قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي يقتل ابني هذا ، وأتاني بتربة حمراء من تربته(2) .

وروي بإسناد معتبر عن أم سلمة أنها قالت : خرج رسول اللّه من عندنا ذات ليلة ، فغاب عنا طويلا ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة ، فقلت له : يا رسول اللّه ما لي أراك شعثا مغبرا ؟ فقال : أسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له «كربلاء» فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط دماءهم فها هو في يدي ، وبسطها إليّ فقال : خذيها فاحفظي بها فأخذتها ، فإذا هي شبه تراب أحمر ، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت

ص: 188


1- بحار الأنوار 44/231 .
2- بحار الأنوار 44/239 .

بها ، فلمّا خرج الحسين عليه السلام من مكة متوجها نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كلّ يوم وليلة وأشمها وأنظر إليها ، ثم أبكي لمصابه ، فلمّا كان في اليوم العاشر من المحرم ، وهو اليوم الذي قتل فيه عليه السلام أخرجتها في أول النهار ، وهي بحالها ثم عدت إليها آخر النهار ، فإذا هي دم عبيط فصحت في بيتي وبكيت وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداوهم بالمدينة ، فيتسرعوا بالشماتة ، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه فحقق ما رأيت(1) .

وفي العوالم بإسناده عن أم سلمة قالت : جاء جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : إن أمتك تقتله - يعني الحسين - بعدك ، ثم قال : ألا أريك من تربته ؟ قالت : فجاء بحصيات فجعلهن رسول اللّه في قارورة ، فلمّا كان ليلة قتل الحسين قالت أم سلمة : سمعت قائلا يقول :

أيّها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

قد لعنتم على لسان داود

وموسى وصاحب الإنجيل

قالت : فبكيت ، ففتحت القارورة فإذا قد حدث فيها دم(2) .

وفي أمالي الصدوق بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان النبي صلى الله عليه و آله في بيت أم سلمة ، فقال لها : لا يدخل عليّ أحد ، فجاء الحسين عليه السلام وهو طفل ، فما ملكت معه شيئا حتى دخل على النبي ، فدخلت أم سلمة على أثره ، فإذا الحسين على صدره وإذا النبي يبكي ، وإذا في يده شيء يقلبه ، فقال النبي : يا أم سلمة إن هذا جبرئيل يخبرني

أن هذا مقتول ، وهذه التربة التي يقتل عليها ، فضعيه عندك فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي ، فقالت أم سلمة : يا رسول اللّه سل اللّه أن يدفع ذلك عنه ، قال : قد فعلت

فأوحى اللّه - عزّ وجل - إليّ أن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين ، وأن له شيعة يشفعون فيشفعون ، وأن المهدي من ولده ، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين وشيعته ، هم واللّه الفائزون يوم القيامة .

ص: 189


1- بحار الأنوار 44/240 .
2- بحار الأنوار 44/225 باب 30 .

وفي الأمالي للطوسي بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : بينا الحسين عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ أتاه جبرئيل ، فقال : يا محمد ، أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : أما إن أمتك ستقتله ، فحزن رسول اللّه لذلك حزنا شديدا ، فقال جبرئيل : أيسرك أن أريك التربة التي يقتل فيها ؟ قال : نعم ، قال : فخسف جبرئيل ما بين مجلس رسول اللّه إلى كربلاء حتى التقت القطعتان هكذا ، وجمع بين السبابتين ، فتناول بجناحيه من التربة فناولها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم دحيت الأرض أسرع من طرف العين ، فقال رسول اللّه : طوبى لك من تربة وطوبى لمن يقتل فيك .

وفي كامل الزيارات أبي عن سعد عن محمد بن عبد الحميد عن أبي جميلة عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : نعى جبرئيل عليه السلام الحسين عليه السلام إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفي بيت أم سلمة ، فدخل عليه الحسين وجبرئيل عنده فقال : إن هذا تقتله أمتك ، فقال رسول اللّه : أرني من التربة التي يسفك فيها دمه ، فتناول جبرئيل قبضة من تلك التربة ، فإذا هي تربة حمراء .

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام أيضا قال : لما ولدت فاطمة الحسين جاء جبرئيل إلى رسول اللّه فقال له : إن أمتك تقتل الحسين من بعدك ، ثم قال : ألا أريك من تربتها ؟ فضرب بجناحه فأخرج من تربة كربلاء ، فأراها إياه ثم قال : هذه التربة التي يقتل عليها .

وفي الإرشاد :بإسناده عن أم سلمة قالت : بينا رسول اللّه ذات يوم جالسا والحسين جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع ، فقلت له : يا رسول اللّه ما لي أراك تبكي جعلت فداك ؟ قال : جاءني جبرئيل فعزاني بابني الحسين ، وأخبرني أن طائفة من أمتي تقتله لا أنالها اللّه شفاعتي .

وفي كامل الزيارات أيضا بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منزل فاطمة والحسين في حجره إذ بكى وخر ساجدا ثم قال : يا فاطمة يا بنت محمد ، إنّ العلي الأعلى تراءى لي في بيتك هذا ساعتي هذه في أحسن صورة وأهيأ هيئة وقال لي : يا محمد أتحبّ الحسين ؟ فقلت : نعم قرة عيني وريحانتي وثمرة فؤدي

ص: 190

وجلدة ما بين عيني ، فقال لي : يا محمد - ووضع يده على رأس الحسين - بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله وناصبه وناواه ونازعه ، أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة ، وسيد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين ، وأبوه أفضل منه وخير ، فأقرئه السلام وبشره بأنه راية الهدى ومنار أوليائي وحفيظي وشهيدي على خلقي وخازن علمي وحجتي على أهل السماوات وأهل الأرضين والثقلين الجن الإنس .

وفي كامل الزيارات أيضا بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام يقول : لما أن هبط جبرئيل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقتل الحسين أخذ بيد علي فخلا به مليا من النهار فغلبتهما عبرة فلم يتفرقا حتى هبط عليهما جبرئيل ، فقال لهما : ربكما يقرئكما السلام ويقول : قد عزمت عليكما لما صبرتما ، قال : فصبرا(1) .

وروي في بعض مؤلفات الأصحاب : أن رسول اللّه كان يوما مع جماعة من أصحابه مارا في بعض الطريق وإذا هم بصبيان يلعبون في ذلك الطريق ، فجلس النبي صلى الله عليه و آله عند صبي منهم وجعل يقبل ما بين عينيه ويلاطفه ، ثم أقعده على حجره وكان يكثر تقبيله ، فسئل عن علة ذلك ، فقال صلى الله عليه و آله : إنّي رأيت هذا الصبي يوما يلعب مع الحسين ورأيته يرفع التراب من تحت قدميه ويمسح به وجهه وعينيه ، فأنا أحبه لحبه لولدي الحسين ، ولقد أخبرني جبرئيل أنه يكون من أنصاره في وقعة كربلاء(2) .

وفي كتاب سليم بن قيس الهلالي بإسناده عن عبد اللّه بن جعفر : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يقتل ابني الحسن بالسم ويقتل ابني الحسين بالسيف يقتله طاغ بن طاغ دعي ابن دعي(3) .

ص: 191


1- بحار الأنوار 44/231 باب 30 .
2- بحار الأنوار 44/242 باب 30 .
3- بحار الأنوار 33/ 267 باب 20 .

وفي أمالي الصدوق : عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من سره أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن منزلي ويمسك قضيبا غرسه ربّي - عزّ وجل - ثم قال له : كن فيكون ، فليتول علي بن أبي طالب ، وليأتم بالأوصياء من ولده ، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ، إلى اللّه أشكو أعداءهم من أمتي ، المنكرين لفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي ، وايم اللّه لتقتلن ابني بعدي الحسين لا أنالهم اللّه شفاعتي(1) .

وفي بصائر الدرجات : والأوصياء من ذريته إنهم الأئمة من بعدي هم عترتي من لحمي ودمي رزقهم اللّه فضلي وعلمي وويل للمنكرين فضلهم من أمتي القاطعين صلتي واللّه ليقتلن ابني لا أنالهم اللّه شفاعتي(2) .

وفي المناقب لابن شهرآشوب وجلاء العيون : عن ابن عباس سألت هند عائشة أن تسأل النبي تعبير رؤا ، فقال : قولي لها فلتقصص رؤاها ، فقالت : رأيت كأن الشمس قد طلعت من فوقي والقمر قد خرج من مخرجي ، وكان كوكبا خرج من القمر أسود فشد على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعها فاسود الأفق لابتلاعها ، ثم رأيت كواكب بدت من السماء وكواكب مسودة في الأرض إلاّ إن المسودة أحاطت بأفق الأرض من كلّ مكان فاكتحلت عين رسول اللّه صلى الله عليه و آله بدموعه ثم قال : هي هند اخرجي يا عدوة اللّه ، مرتين ، فقد جددت علي أحزاني ونعيت إليّ أحبابي ، فلمّا خرجت قال : اللّهم العنها والعن نسلها ، فسئل عن تفسيرها ، فقال عليه السلام : أما الشمس التي طلعت عليها فعلي بن أبي طالب عليه السلام والكوكب الذي خرج كالقمر أسود فهو معاوية مفتون فاسق جاحد للّه ، وتلك الظلمة التي زعمت ورأت كوكبا يخرج من القمر أسود فشد على شمس خرجت من الشمس

ص: 192


1- الأمالي للصدوق : 36 المجلس 9 .
2- بحار الأنوار 44/258 باب 31 .

أصغر من الشمس فابتلعها فاسودت فذلك ابني الحسين عليه السلاميقتله ابن معاوية فتسود الشمس ويظلم الأفق ، وأما الكواكب السود في الأرض أحاطت بالأرض من كلّ مكان فتلك بنو أمية(1) .

وفي كتاب كفاية الأثر عن عبد اللّه بن عباس قال : دخلت على النبي صلى الله عليه و آله والحسن على عاتقه والحسين على فخذه يلثمهما ويقبلهما ويقول : اللّهم وال من والاهما وعاد من عاداهما ، ثم قال : يا ابن عباس ، كأنّي به وقد خضبت شيبته من دمه ، يدعو فلا يجاب ، ويستنصر فلا ينصر ، قلت : فمن يفعل ذلك يا رسول اللّه ؟ قال : شرار أمتي ، ما لهم ؟ لا أنالهم اللّه شفاعتي(2) .

وروى ابن نما في مثير الأحزان عن ابن عباس قال : لما إشتد برسول اللّه صلى الله عليه و آله

مرضه الذي مات فيه ضم الحسين عليه السلام إلى صدره يسيل من عرقه عليه ، وهو يجود بنفسه ويقول : ما لي وليزيد ، لا بارك اللّه فيه ، اللّهم العن يزيد ، ثم غشي عليه طويلا وأفاق وجعل يقبل الحسين وعيناه تذرفان ويقول : أما إنّ لي ولقاتلك مقاما بين يدي اللّه - عزّ وجل -(3) .

وفي كامل الزيارات عن محمد بن علي عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنتي جنة عدن غرسها ربّي بيده فليتول عليا ويعرف فضله والأوصياء من بعده ويتبرى من عدوي أعطاهم اللّه فهمي وعلمي ، هم عترتي من لحمي ودمي أشكو إلى ربّي عدوهم من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي ، واللّه ليقتلن ابني ثم لا تنالهم شفاعتي(4) . وروي في بصائر الدرجات مثله عن الصادق عليه السلام بادنى تفاوت .

ص: 193


1- بحار الأنوار 44/263 باب 31 .
2- بحار الأنوار 36/285 باب 41 .
3- بحار الأنوار 44/266 باب 31 .
4- كامل الزيارات : 71 الباب 22 .

وروي عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا دخل الحسين عليه السلام اجتذبه إليه ثم يقول لأمير المومنين عليه السلام: امسكه، ثم يقع عليه فيقبله ويبكي فيقول: يا أبة لم تبكي؟ فيقول : يا بني أقبل موضع السيوف منك وأبكي ، قال : يا أبة وأقتل ؟ قال : إي واللّه

وأبوك وأخوك وأنت ، قال : يا أبة فمصارعنا شتى ؟ قال : نعم يا بني ، قال : فمن يزورنا

من أمتك؟ قال: لايزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلاّ الصديقون من أمتي(1).

وفي كامل الزيارات عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان الحسين بن علي ذات يوم في حجر النبي صلى الله عليه و آله يلاعبه ويضاحكه ، فقالت عائشة : يا رسول

اللّه ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي ؟ فقال لها : ويلك ، وكيف لا أحبه ولا أعجب به وهو ثمرة فؤدي وقرة عيني ، أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب اللّه له حجة من حججي ، قالت :

يا رسول اللّه حجة من حججك ؟ قال : نعم ، وحجتين من حججي ، قالت : يا رسول اللّه حجتين من حججك ؟ قال : نعم وأربعة ، قال : فلم تزل تزاده ويزيد ويضعف حتى بلغ تسعين حجة من حجج رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأعمارها . وفي أمالي الطوسي مثله .

وفي تفسير فرات بن إبراهيم معنعنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان الحسين مع أمه تحمله فأخذه النبي صلى الله عليه و آله وقال : لعن اللّه قاتلك ولعن اللّه سالبك وأهلك اللّه المتوازرين عليك وحكم اللّه بيني وبين من أعان عليك ، قالت فاطمة الزهراء : يا أبت أي شيء تقول ؟ قال : يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل وكأنّي أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم ، قالت : يا أبة وأين هذا الموضع الذي تصف ؟ قال : موضع يقال له كربلاء ، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة ، يخرج عليهم شرار أمتي لو أن أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه ، وهم المخلدون في النار ، قالت : يا أبة فيقتل ؟ قال : نعم ، يا بنتاه وما قتل قتلته أحد كان قبله

ويبكيه السماوات والأرضون والملائكة والوحش والنباتات والبحار والجبال ،

ص: 194


1- بحار الأنوار 44/261 باب 31 .

ولو يؤن لها ما بقي على الأرض متنفس ، ويأتيه قوم من محبينا ليس في الأرض أعلم باللّه ولا أقوم بحقنا منهم ، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم ، أولئك مصابيح في ظلمات الجور ، وهم الشفعاء ، وهم واردون حوضي غدا ، أعرفهم إذا وردوا عليّ بسيماهم ، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا ، وهم قوام الأرض ، وبهم ينزل الغيث ، فقالت فاطمة الزهراء عليهاالسلام : يا أبة إنا للّه وبكت ، فقال لها : يا بنتاه إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا بذلوا «أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا » فما عند اللّه خير من الدنيا وما فيها قتلة أهون من ميتة ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ومن لم يقتل فسوف يموت ، يا فاطمة بنت محمد أما تحبين أن تأمرين غدا بأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش ؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة ؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه ؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار يأمر النار فتطيعه يخرج منها من يشاء ويترك من يشاء ؟ أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند اللّه ؟ فما ترين اللّه صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك إذا أفلجت

حجته على الخلائق وأمرت النار أن تطيعه ؟ أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك وتأسف عليه كلّ شيء ؟ أما ترضين أن يكون من أتاه زائرا في ضمان اللّه ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت اللّه واعتمر ، ولم يخل من الرحمة طرفة عين ، وإذا مات مات شهيدا ، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ، ولم يزل في حفظ اللّه

وأمنه حتى يفارق الدنيا ؟ قالت : يا أبة سلمت ورضيت وتوكلت على اللّه ، فمسح على قلبها ومسح عينيها ، وقال : إنّي وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقر عيناك ويفرح قلبك(1) . وروى في كامل الزيارات عن الصادق عليه السلام مثله .

ص: 195


1- بحار الأنوار 44/264 باب 31 .

قالت أسماء(1) :. . . . فلمّا ولدت فاطمة الحسين عليه السلام نفستها به فجاءني النبي فقال : هلم ابني يا أسماء ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام ، قالت : وبكى رسول اللّه ثم قال : إنه سيكون لك حديث ، اللّهم العن قاتله ، لا تعلمي فاطمة

بذلك ، قالت سلمى : فلمّا كان في يوم سابعه جاءني النبي فقال : هلمي ابني ، فأتيته به ، ففعل به كما فعل بالحسن وعق عنه كما عق عن الحسن كبشا أملح ، وأعطى القابلة الورك ورجلا ، وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقا ، وخلق رأسه بالخلوق ، وقال : إن الدم من فعل الجاهلية ، قالت : ثم وضعه في حجره ثم قال : يا أبا عبد اللّه

عزيز عليّ ثم بكى ، فقلت : بأبي أنت وأمي فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأول فما هو ؟ قال : أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية ، لعنهم اللّه لا أنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامة ، يقتله رجل يثلم الدين ويكفر باللّه العظيم ، ثم قال : اللّهم إنّي أسألك فيهما ما سألك إبراهيم في ذريته ، اللّهم أحبّهما وأحبّ من يحبهما والعن من يبغضهما مل ء السماء والأرض(2) .

وفي أمالي الصدوق بإسناده عن الأصبغ ابن نباتة قال : بينا أمير المومنين عليه السلام

يخطب الناس وهو يقول : سلوني قبل أن تفقدوني فواللّه لا تسألوني عن شيء مضى ولا عن شيء يكون إلاّ نبأتكم به ، فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال : يا أمير المومنين أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة ؟ فقال له : أما واللّه لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنك ستسألني عنها ، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلاّ وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل الحسين ابني .

وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه(3). وروى في كامل الزيارات مثله .

ص: 196


1- وقد ذكرت في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذيل قصة فتح خيبر وفي كتاب أمير المؤمنين عليه السلاموكتاب الإمام الحسن عليه السلام : أنّ أسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب في الحبشة أيام زفاف فاطمة عليهاالسلام وأنّ هذه القابلة كانت سلمى أختها ، وإشتبه الرواة أو النساخ لإشتهار أسماء ، فكتبوا اسمها بدل اسم أختها .
2- بحار الأنوار 44/250 باب 31 .
3- بحار الأنوار 42/146 باب 124 .

وفي الأمالي للصدوق بإسناده عن ابن عباس قال : كنت مع أمير المومنين عليه السلام في خرجته إلى صفين ، فلمّا نزل بنينوى وهو بشط الفرات قال بأعلى صوته : يا ابن عباس ، أتعرف هذا الموضع ؟ قلت له : ما أعرفه يا أمير المومنين ، فقال عليه السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي ، قال : فبكى طويلا حتى أخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معا ، وهو يقول : أوه أوه ما لي ولآل أبي سفيان ، ما لي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر ، صبرا يا أبا عبد اللّه ، فقد لقي أبوك

مثل الذي تلقى منهم ، ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة فصلى ما شاء اللّه أن يصلي ، ثم ذكر نحو كلامه الأول إلاّ أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال : يا ابن عباس ، فقلت : ها أنا ذا ، فقال : ألا أحدثك بما رأيت في منامي آنفا عند

رقدتي ؟ فقلت : نامت عيناك ورأيت خيرا يا أمير المومنين ، قال : رأيت كأنّي برجال قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلدوا سيوفهم وهي بيض تلمع وقد خطوا حول هذه الأرض خطة ، ثم رأيت كأن هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض تضطرب بدم عبيط ، وكأنّي بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث ، وكان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول فإنكم تقتلون على أيدي شرار الناس وهذه الجنة يا أبا عبد اللّه إليك مشتاقة ، ثم يعزونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشر فقد أقر اللّه به عينك « يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ » ثم انتبهت هكذا والذي نفس علي بيده لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسم صلى الله عليه و آله أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا وهذه أرض كرب وبلاء يدفن فيها الحسين عليه السلاموسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمة ، وإنها لفي السماوات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس .

ثم قال لي : يا ابن عباس اطلب في حولها بعر الظباء فو اللّه ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران ، قال ابن عباس : فطلبتها فوجدتها مجتمعة ،

ص: 197

فناديته : يا أمير المومنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي ، فقال علي عليه السلام : صدق اللّه ورسوله ، ثم قام عليه السلام يهرول إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي بعينها ، أتعلم يا ابن عباس ما هذه الأبعار ؟ هذه قد شمها عيسى ابن مريم ، وذلك أنّه مرّ بها

ومعه الحواريون فرأى هاهنا الظباء مجتمعة وهي تبكي فجلس عيسى وجلس الحواريون معه فبكى وبكى الحواريون وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى ، فقالوا : يا روح اللّه وكلمته ما يبكيك ؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ؟ قالوا : لا ، قال : هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد صلى الله عليه و آله وفرخ الحرة الطاهرة البتول شبيهة أمي ويلحد فيها ، طينة أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا يكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء ، فهذه الظباء تكلمني وتقول : إنها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض ، ثم ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمها وقال : هذه بعر الظباء على هذه الطيب لمكان حشيشها ، اللّهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه فيكون له عزاء وسلوة(1) .

قال : فبقيت إلى يوم الناس هذا وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء ، ثم قال بأعلى صوته : يا ربّ عيسى ابن مريم لا تبارك في قتلته والمعين عليه والخاذل له ، ثم بكى بكاء طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا ، ثم أفاق فأخذ البعر فصره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك ، ثم قال : يا ابن عباس ، إذا رأيتها تنفجر دما عبيطا ويسيل منها دم عبيط فاعلم أن أبا عبد اللّه قد قتل بها ودفن .

قال ابن عباس : فواللّه لقد كنت أحفظها أشدّ من حفظي لبعض ما افترض اللّه

- عزّ وجل - علي وأنا لا أحلها من طرف كمي ، فبينما أنا نائم في البيت إذا انتبهت فإذا

هي تسيل دما عبيطا ، وكان كمي قد امتلأ دما عبيطا ، فجلست وأنا باك وقلت : قد قتل واللّه الحسين ، واللّه ما كذبني علي قط في حديث حدثني ولا أخبرني بشيء قط

ص: 198


1- بحار الأنوار 44/253 .

أنه يكون إلاّ كان كذلك لأن رسول اللّه كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت واللّه المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين ثم طلعت الشمس ورأيت كأنها منكسفة ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط ، فجلست وأنا باك فقلت : قد قتل واللّه الحسين وسمعت صوتا من ناحية البيت وهو يقول :

اصبروا آل الرسول

قتل الفرخ النحول

نزل الروح الأمين

ببكاء وعويل

ثم بكى بأعلى صوته وبكيت فأثبت عندي تلك الساعة ، وكان شهر المحرم يوم عاشوراء لعشر مضين منه فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك ، فحدثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه فقالوا : واللّه لقد سمعنا ما سمعت ونحن في

المعركة ولا ندري ما هو فكنا نرى أنه الخضر عليه السلام(1) . وروى في اكمال الدين مثله .

وفي أمالي الصدوق بإسناده عن هرثمة بن أبي مسلم قال : غزونا مع علي بن أبي طالب عليه السلام صفين ، فلمّا انصرفنا نزل بكربلاء فصلى بها الغداة ثم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام « يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... بِغَيْرِ

حِسابٍ » ، فرجع هرثمة إلى زوجته وكانت شيعة لعلي عليه السلام فقال : ألا أحدثك عن وليك أبي الحسن ؟ نزل بكربلاء فصلى ثم رفع إليه من تربتها فقال : واها لك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام « يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... بِغَيْرِ حِسابٍ » قالت : أيّها الرجل فإن أمير المومنين عليه السلام لم يقل إلاّ حقا ، فلمّا قدم الحسين عليه السلام قال هرثمة : كنت في البعث الذين بعثهم عبيد اللّه بن زياد لعنهم اللّه ، فلمّا رأيت المنزل والشجر ذكرت الحديث ، فجلست على بعيري ثم صرت إلى الحسين عليه السلام فسلمت عليه وأخبرته بما سمعت من أبيه في ذلك المنزل الذي نزل به الحسين ، فقال : معنا أنت أم علينا ؟ فقلت : لا معك ولا عليك ، خلفت صبية أخاف عليهم عبيد اللّه بن زياد ، قال :

ص: 199


1- بحار الأنوار 44/255 .

فامض حيث لا ترى لنا مقتلا ولا تسمع لنا صوتا ، فوالذي نفس حسين بيده لا يسمع اليوم واعيتنا أحد فلا يعيننا إلاّ كبه اللّه لوجهه في نار جهنم(1) .

وفي بصائر الدرجات بسنده عن سويد(2) بن غفلة قال : أنا عند أمير المومنين عليه السلام إذ أتاه رجل فقال : يا أمير المومنين جئتك من وادي القرى وقد مات خالد بن عرفطة ، فقال له أمير المومنين : إنه لم يمت ، فأعادها عليه ، فقال له علي

عليه السلام : لم يمت والذي نفسي بيده لا يموت ، فأعادها عليه الثالثة ، فقال : سبحان اللّه أخبرك أنه مات

وتقول : لم يمت ، فقال له علي عليه السلام : لم يمت والذي نفسي بيده لا يموت حتى يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جماز ، قال : فسمع بذلك حبيب فأتى أمير المومنين

فقال له : أناشدك في وإنّي لك شيعة وقد ذكرتني بأمر لا واللّه ما أعرفه من نفسي ، فقال له علي عليه السلام : إن كنت حبيب بن جماز فتحملنها فولى حبيب بن جماز ، وقال : إن كنت حبيب ابن جماز لتحملنها ، قال أبو حمزة : فواللّه ما مات حتى بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي عليه السلام وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب صاحب رايته(3) . وقد ذكرت في كتاب أمير المؤمنين أخبار مروره

عليه السلام بكربلاء وماشاكلها .

وفي ارشاد المفيد عن سويد بن غفلة مثله وفيه : قال : أنا حبيب بن جماز ، قال : إياك أن تحملها ، ولتحملنها فتدخل بها من هذا الباب ، وأومأ بيده إلى باب الفيل(4) .

وفي اكمال الدين بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام قال : خير الخلق وسيدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء ، أما إنه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة (5).

ص: 200


1- بحار الأنوار 44/256 .
2- في المتن : « سعيد» .
3- بحار الأنوار 44/259 باب 31 .
4- الإرشاد : 1/ 329 .
5- كمال الدين 1/259 باب 24 .

وفي كامل الزيارات بإسناده عن أبي عبد اللّه الجدلي قال : دخلت على أمير المومنين عليه السلام والحسين إلى جنبه فضرب بيده على كتف الحسين ، ثم قال : إن هذا يقتل ولا ينصره أحد ، قال : قلت : يا أمير المومنين واللّه إن تلك لحياة سوء ، قال : إن ذلك لكائن .

وفي كامل الزيارات :بإسناده عن ابن أبي الخطاب مثله .

وفي كامل الزيارات بإسناده عن هانئ بن هانئ عن علي عليه السلام قال : ليقتل الحسين قتلا وإنّي لأعرف تربة الأرض التي يقتل عليها قريبا من النهرين .

وفي الإرشاد عن إسماعيل بن زياد قال : إن عليا عليه السلام قال للبراء بن عازب ذات يوم : يا براء يقتل ابني الحسين وأنت حي لا تنصره ، فلمّا قتل الحسين عليه السلام كان البراء بن عازب يقول : صدق واللّه علي بن أبي طالب قتل الحسين ولم أنصره ، ثم يظهر على ذلك الحسره الندم .

وفي العوالم روي في بعض الكتب المعتبرة عن لوط بن يحيى عن عبد اللّه بن قيس قال : كنت مع من غزا مع أمير المومنين عليه السلام في صفين وقد أخذ أبو أيوب الأعور السلمي الماء وحرزه عن الناس ، فشكا المسلمون العطش فأرسل فوارس على كشفه فانحرفوا خائبين فضاق صدره فقال له ولده الحسين عليه السلام : أمضي إليه يا أبتاه ؟ فقال : امض يا ولدي ، فمضى مع فوارس فهزم أبا أيوب عن الماء وبنى خيمته وحط فوارسه وأتى إلى أبيه وأخبره ، فبكى علي عليه السلام ، فقيل له : ما يبكيك يا أمير المومنين وهذا أول فتح ببركة الحسين عليه السلام ؟ فقال : ذكرت أنه سيقتل عطشانا بطف كربلاء حتى ينفر فرسه ويحمحم ويقول : الظليمة الظليمة لأمة قتلت ابن بنت نبيها(1) .

وفي الديوان المنسوب إلى أمير المومنين عليه السلام :

حسين إذا كنت في بلدة

غريبا فعاشر بآدابها

فلا تفخرن فيهم بالنهى

فكل قبيل بألبابها

ص: 201


1- بحار الأنوار 44/266 باب 31 .

ولو عمل ابن أبي طالب

بهذا الأمور كأسبابها

ولكنه اعتام أمر الإله

فأحرق فيهم بأنيابها

عذيرك من ثقة بالذي

ينيلك دنياك من طابها

فلا تمرحن لأوزارها

ولا تضجرن لأوصابها

قس الغد بالأمس كي تستريح

فلا تبتغي سعي رغابها

كأنّي بنفسي وأعقابها

وبالكربلاء ومحرابها

فتخضب منا اللحى بالدماء

خضاب العروس بأثوابها

أراها ولم يك رأي العيان

وأوتيت مفتاح أبوابها

مصائب تأباك من أن ترد

فأعدد لها قبل منتابها

سقى اللّه قائمنا صاحب

القيامة والناس في دأبها

هو المدرك الثأر لي يا حسين

بل لك فاصبر لأتعابها

لكل دم ألف ألف وما يقصر

في قتل أحزابها

هنالك لا ينفع الظالمين

قول بعذرإعتابها

حسين فلا تضجرن للفراق

فديناك أضحت لتخرابها

سل الدور تخبرأفصح بها

بأن لا بقاء لأربابها

أنا الدين لا شك للمومنين

بآيات وحيإيجابها

لنا سمة الفخر في حكمها

فصلت علينا بإعرابها

فصل على جدك المصطفى

وسلم عليه لطلابها(1)

وفي كشف الغمة والإرشاد روى عبد اللّه بن شريك العامري قال : كنت أسمع أصحاب علي إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون : هذا قاتل الحسين وذلك قبل أن يقتل بزمان طويل(2) .

ص: 202


1- ديوان الإمام على عليه السلام : 52 ، البحار : 44/267 باب 31 .
2- بحار الأنوار 44/263 باب 31 .

وفي قرب الإسناد بإسناده عن محمد بن الحنفية(1) قال : مرّ علي بكربلاء في اثنين من أصحابه قال: فلمّا مرّ بها ترقرقت عيناه للبكاء ثم قال: هذا مناخ ركابهم وهذا ملقى رحالهم وهاهنا تهراق دماؤم،طوبى لك من تربة عليك تهراق دماء الأحبة(2).

كامل الزيارات بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال علي للحسين : يا أبا عبد اللّه أسوة أنت قدما ، فقال جعلت فداك ما حالي ؟ قال : علمت ما جهلوا وسينتفع عالم بما علم ، يا بني اسمع وأبصر من قبل يأتيك ، فو الذي نفسي بيده ، ليسفكن بنو أمية دمك ثم لا يريدونك عن دينك ولا ينسونك ذكر ربك ، فقال الحسين عليه السلام : والذي نفسي بيده حسبي وأقررت بما أنزل اللّه وأصدق نبي اللّه ولا أكذب قول أبي(3) .

وفي بعض كتب المقاتل عن محمد بن الحنفية : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : يا أبا محمد ويا أبا عبد اللّه كأنّي بكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من هاهنا فاصبرا « حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ » ثم قال : يا أبا عبد اللّه أنت شهيد هذه الأمة فعليك بتقوى اللّه والصبر على بلائه(4) .

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضا : إنّه نظر الى الحسن وهو يبكي عند وفاته وقال : يا بني أتجزع على أبيك وغدا تقتل بعدي مسموما مظلوما ويقتل أخوك بالسيف هكذا وتلحقان بجدكما وأبيكما وأمكما(5) .

وروي في أمالي الصدوق بإسناد معتبر : أن الحسين بن علي عليهماالسلام دخل يوما إلى الحسن عليه السلام ، فلمّا نظر إليه بكى فقال له : ما يبكيك يا أبا عبد اللّه ؟ قال : أبكي لما يصنع بك ، فقال له الحسن عليه السلام : إن الذي يؤى إليّ سم يدس إليّ فأقتل به ولكن

ص: 203


1- في المصدر : « محمد بن عيسى عن القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام » .
2- بحار الأنوار 44/ 258 باب 31 .
3- بحار الأنوار 44/262 باب 31 .
4- بحار الأنوار 42/292 باب 127 .
5- بحار الأنوار 42/283 باب 127 .

لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه و آله وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء رمادا ودما ، ويبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار(1) .

وفي كشف الغمة والإرشاد روى سالم بن أبي حفصة قال : قال عمر بن سعد للحسين عليه السلام : يا أبا عبد اللّه إن قبلنا ناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك ، فقال له الحسين : إنهم ليسوا سفهاء ولكنهم حلماء ، أما إنه يقرّ عيني أن لا تأكل بر العراق بعدي إلاّ قليلا(2) .

وفي كامل الزيارات بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ الحسين عليه السلام خرج من مكة قبل التروية بيوم فشيعه عبد اللّه بن الزبير فقال : يا أبا عبد اللّه قد حضر الحج

وتدعه وتأتي العراق ؟ فقال : يا ابن الزبير لأن أدفن بشاطئ الفرات أحبّ إلي من أن أدفن بفناء الكعبة(3) .

وفي كامل الزيارات بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : كتب الحسين بن علي عليهماالسلام من مكة إلى محمد بن علي : بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم أما بعد فإن من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام(4) .

وروي أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال : كتب الحسين بن علي إلى محمد بن علي من كربلاء : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم أما بعد ، فكأن الدنيا لم تكن وكان الآخرة لم تزل والسلام .

ص: 204


1- بحار الأنوار 45/218 باب 40 .
2- بحار الأنوار 44/263 باب 31 .
3- بحار الأنوار 45/86 بقية الباب 37 .
4- بحار الأنوار 45/87 بقية الباب 37 .

وفي كامل الزيارات عن صادق آل محمد صلى الله عليه و آله قال الحسين عليه السلام : والذي نفس حسين بيده لا يهنئ بني أمية ملكهم حتى يقتلوني وهم قاتلي ، فلو قد قتلوني لم يصلوا جميعا أبدا ولم يأخذوا عطاء في سبيل اللّه جميعا أبدا ، إن أول قتيل هذه الأمة أنا وأهل بيتي ، والذي نفس حسين بيده لا تقوم الساعة وعلى الأرض هاشمي يطرف .

وفي كامل الزيارات بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال : لما صعد الحسين بن علي عليهماالسلام عقبة البطن قال لأصحابه : ما أراني إلاّ مقتولا ، قالوا : وما ذاك يا أبا عبد اللّه ؟ قال : رؤا رأيتها في المنام ، قالوا : وما هي ؟ قال : رأيت كلابا تنهشني أشدّها علي كلب أبقع(1) .

وفي كامل الزيارات أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إن الحسين عليه السلام صلّى بأصحابه الغداة ثم إلتفت إليهم فقال : أشهد أنّه قد أذنت في قتلكم ، يا قوم فاتقوا اللّه واصبروا(2) .

وفي كتاب الخرائج والجرائح من معجزاته صلوات اللّه عليه أنه لما أراد العراق قالت له أم سلمة : لا تخرج إلى العراق فقد سمعت رسول اللّه يقول : يقتل ابني الحسين

بأرض العراق وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة ، فقال : إنّي واللّه مقتول كذلك ، وإن

لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا ، وإن أحببت أن أريك مضجعي ومصرع أصحابي ، ثم مسح بيده على وجهها ففسح اللّه عن بصرها حتى رأيا ذلك كله ، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضا في قارورة أخرى وقال عليه السلام : إذا فاضت دما فاعلمي أني قتلت ، فقالت أم سلمة : فلمّا كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دما فصاحت ، ولم يقلب في ذلك اليوم حجر ولا مدر إلاّ وجد تحته دم عبيط(3) .

ص: 205


1- بحار الأنوار 45/88 .
2- بحار الأنوار 45/86 بقية الباب 37 ، وفيه : « إن اللّه قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر » .
3- بحار الأنوار 45/89 بقية الباب 37 .

ذكر عزم معاوية على اتمام أخذ البيعة ليزيد عليه اللعنة بولاية العهد

كان معاوية يفكر باخذ البيعة ليزيد مدة سبع سنين وكان يخاف من الناس فكان يضطرب احيانا فيكتم مكنونه ويطفح بما فيه احيانا أخرى ، فهو يعلم أنّ يزيد سفاح يسفك الدم الحرام ويشرب الخمر ويزني ويلعب بالكلاب والقرود والفهود ويحب الصيد ، فلا يجد في الناس من يحبه ويرضخ لبيعته ، حتى أقربائه وقومه يخالفونه في ذلك ، كما ذكرنا عن مروان بن الحكم أنّه لما سمع بذلك خرج من المدينة الى الشام واسمع معاوية كلاما خشنا ونهاه عن نيته .

وكان أول ما أقدم عليه معاوية أن كتب الى عماله سنة ثلاث وخمسين بلغهم عن عزمه في أخذ البيعة ليزيد فكتب اليه مروان بن الحكم وسعيد بن العاص وعبد اللّه بن عامر : لا تعجل حتى نرى ما يقول أهل المدينة ، فخمدت فورت معاوية مدة من الزمان ، فدعى يزيد وأمره بالذهاب الى الحج وأوصاه ببذل المال للشريف والوضيع واستمالت القلوب بالدينار والدرهم ، وكان معاوية يعطي المقارب والمباعد ويلطف به حتى استوثق له البعض ، ولكن الأكثر كان ساخطا عليه ويأبى البيعة له ، ومعاوية يحضّ الناس على بيعته ويستميلهم الى ذلك .

فبعث الى عبد اللّه بن الزبير فيمن بعث اليهم فاحضره عنده واستشاره في أمر

يزيد ، فقال عبد اللّه : يا معاوية اتخذ من الناس أخا من نصحك وقال لك الحق وجها لوجه ، حقق النظر فيما عزمت عليه وقلبه ظاهرا وباطنا ، فإنّك إن ندمت فقد فاتك الأوان ولا تستطيع إصلاح ما أفسدت ، فإنّ الكلمة إذا خرجت منك صرت في وثاقها ولا تستطيع ردّها ، فاعلم يا معاوية أنّ نفسي صافية والوساوس بعيدة عني ، ولا أكتم ما في داخلي ، فضحك معاوية وقال : يا بن أخي إن لم تكن حملت على أخيك يزيد وقلت فيه ما أحببت فإنّك كنت معروفا بالشجاعة من قبل .

ص: 206

ثم بعث الى الأحنف بن قيس فدعاه وقال : ما تقول في بيعة يزيد ؟ فقال الأحنف : نخافك إن صدقنا ونخاف اللّه إن كذبنا فاعذرني واستشر غيري .

وبقي معاوية يمهد لبيعة يزيد ويحسب لذلك الساعات والأيام حتى دخلت سنة خمس وخمسين ، فدعا الناس الى الشام وتحدّث الى زعماء القوم ، فقام اليه محمد بن عمرو بن خزام ، وليس في الناس مدني غيره فقال : إنّ يزيد عرف بالمال والثروة والمروءة ، ولكنّك لو خضت في الأمر بما هو أحسن ، ونظرت فيه من جوانبه لكان أمتن .

فدعا معاوية عبد اللّه بن عمر بن الخطاب وحاوره في أمر يزيد فقال عبد اللّه : أنّ ما تدعو اليه لا يقيسه العقل ، فانظر من تولي أمر أمة محمد ، فإنّك مسؤول غدا يوم القيامة إذا وضعت الموازين ، فلمّا سمع معاوية مقالة عبد اللّه تنفس الصعداء وقال : يا بن عمر نعم ما رأيت وقد قلت قولا موزونا يقبله العقل ولا نحملك أكثر من هذا ، ولكن إعلم أن ليس في أولاد الصحابة أحد باق غير يزيد وقليل آخرين ، ويزيد أحبّ أولادي إليّ وخيرهم عندي ، فلمّا بلغ الكلام الى هذا المبلغ سكت الناس ولم يردّوا جوابا وقاموا الى منازلهم .

وفي غداة غد دعا معاوية الضحاك بن قيس وقال له : إنّي ساقوم اليوم بين صناديد القوم وزعماء الأمصار واتكلم في ولاية يزيد ، فاذا التأم الجمع وقام المجلس على ساق فقم أنت وحثني على الكلام وزين لي المقام وادعوني الى بيعة يزيد ، فقال الضحاك : سمعا وطاعة .

فلمّا اجتمع القوم وغص المجلس باهله قام معاوية خطيبا فحمد اللّه واثنى عليه وصلى على النبي وذكر نعم اللّه ومننه وعظم الاسلام والدعوة اليه وتكلم في تفسير قوله تعالى « وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ » ثم ساق الحديث بدهاء دون انقطاع حتى بلغ بالمدح والثناء على يزيد ووصفه بطهارة الذيل وشجاعة الذات وسماحة الطبع وحصافة العقل ، فقام الضحاك - وكان يتحين الفرصة - فقال :

ص: 207

مهلا يا أميرالمؤمنين ، إعلم أن لا دوام في هذه الدنيا لأحد ولا مفرّ من الموت الذي لابد منه ، فلابد أن تعهد بالأمر الى رجل من بعدك لئلا تترك هذه الأمة بلا راع يقوم

بأمرها ويرعاها ويزيد رجل قوي ربيته في كنفك وترعرع بين يديك وقد قوى عوده على عينك وغذيته العلم والفضل ، فاجعله وليا من بعدك وادعوا الناس الى بيعته وطاعته ، لينعم الجميع في ظله وينالوا عطفه وودّه ، فتأمن البلدان والأمصار ويكون لها سورا وحصنا ، وتامن به الطرق للسالكين والتجار ، قال الضحاك قوله ثم وقف ساكتا .

فقام سعيد بن العاص وقال : يزيد هو الرجاء وملجأ الضعفاء وكهف المساكين والفقراء به يعم الأمن والأمان للخاص والعام ، فهو يقضي حاجة المحتاجين ، ويدفع الظلم عن المظلومين ، ويجيب دعوة السائلين ، ويكون خير خلف لخير سلف ، وليس اليوم غيره يليق بالخلافة ، ولا يوجد من يزيد في ذلك على يزيد .

فقال معاوية : اقعد يا أبا أمية فقد أنصفت في الكلام ولم تبق شيئا مما يقال .

فقام يزيد المقنع فقال : يا معاوية أنت أمير المؤمنين - وأشار الى معاوية - فاذا متّ فامير المؤمنين يزيد - وأشار اليه - ، فمن أبى فهذا ، وأخذ بقائم سيفه فسلّه ، فقال

له معاوية : اقعد فأنت من أخطب الناس .

ثم قام الحصين بن نمير السكوني فقال : واللّه يا معاوية إن لم تولي يزيد وخرجت من هذه الدنيا فإنّك ظالم لأمة محمد ، لأنّك تركتها وليس عليها راع ، فالتفت معاوية

الى الأحنف بن قيس وقال : ما تقول يا أبا بحر ؟ فقال الأحنف : يا أمير المؤمنين أنت

أعلم بيزيد في ليله ونهاره ، وسرّه وعلانيته ، ومدخله ومخرجه ، فإن كنت تعلمه للّه

تعالى وللامة رضا فلا تشاور فيه ، وإن كنت تعلم فيه غير ذلك فلا تزوده الدنيا وأنت صائر الى الآخرة ، وإنّما علينا أن نقول سمعنا وأطعنا . فشكره معاوية وأكرمه ،

ثم قام الناس فبايعوا يزيدا وانصرفوا الى منازلهم .

ص: 208

كتاب معاوية الى مروان بن الحكم يامره يأخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة

لما انتهى معاوية من مجلس أخذ البيعة ليزيد كتب كتابا الى مروان بن الحكم عامله على المدينة وذكر فيه أنّ صناديد أهل الشام وشخصيات مصر ومشاهير العراق وعظماء الجزيرة وسائر الأمصار حضروا عندي وبايعوا ليزيد بولاية العهد وقد اخترته لذلك فاذا قرأت كتابي فخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة ، والسلام .

فلمّا وصل الكتاب الى مروان جمع أهل المدينة في مسجد النبي فصعد المنبر وخطب فقال : أيّها الناس إعلموا أنّ معاوية قد كبر سنّه ودقّ عظمه وضعفت قواه وولّت عنه أيام الشباب فهو يستعد للآخرة ، وقد رأى لكم ما يجمع أمركم ويؤمن سبلكم ويمحو الكفر والفساد ويرضى اللّه ويصلح أمة محمد المصطفى ، وأحبّ أن يرى رأيكم فيه فماذا تقولون ؟ فقام جماعة من جوانب المسجد فقالوا كلمة واحدة : رضينا وما عسى نقول فيما يرضي اللّه إلاّ السمع والطاعة .

فقال مروان : اختار لكم معاوية ولم يأل وقد استخلف عليكم رجلا مجبول على المروءة وطبيعته الفتوة يقطع دابر الفساد ويسير بالعدل والاقتصاد ويسير بسيرة الخلفاء الراشدين بالسداد والرشاد ، وهو ابنه المفضل عنده يزيد .

فلمّا سمع الناس اسم يزيد اطرقوا وسكتوا ولم يجب احد ، فغضب عبد الرحمن بن

أبي بكر بن أبي قحافة وغلت مراجله فقام وقال : كذبت واللّه يا مروان وكذب معاوية ، فإنّ يزيد بعيد عن الأوصاف التي وصفته بها ونحن لا نبايع يزيد ولا نخضع رقابنا له ولا نرضى بخلافته ، فغضب مروان وقال : من هذا الذي تكلم ؟ هذا الذي انزل اللّه فيه « قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما » ، فاشتد غضب عبد الرحمن فصاح : يا مروان بلغ بك الأمر أن تتأوّل القران في حقّي أو لست ابن طريد رسول اللّه ، ثم قام الى مروان فأخذ برجله وأنزله من المنبر ، فقام بعض من حضر من بني أمية وخاف

ص: 209

الجميع أن تقع الفتنة ، فسمعت عائشة مقالته فقامت ووضعت عليها الحجاب وخرجت في لمة من نسائها فلمّا وصلت الى باب المسجد خاف الناس وقالوا : نقسم عليك باللّه يا أم المؤمنين إلاّ ما قلت الحق ، فقالت : لا أقول إلاّ الحق ثم التفتت الى مروان وقالت : يا مروان أنت القائل لاخي ما قلت ؟ فسكت مروان ولم يرد جوابا ، فرجعت عائشة وانصرف مروان الى منزله وكتب الى معاوية بما جرى ، فلمّا وصل الكتاب الى معاوية قرأه وقال لمن كان حاضرا في مجلسه : هذا مروان يشتكي من عبد الرحمن وإنّي إعلم أنّ ما قاله عبد الرحمن ليس من عنده وإنّما حرضوه على ذلك وعلموه ما يقول ونحن نعفو ونحلم عنه ونتغافل ، وطوى الكتاب ولم يرد على مروان وعزم على السفر الى المدينة لاصلاح هذا الأمر .

سفر معاوية الى الحج عن طريق المدينة لتاكيد بيعة يزيد عليه اللعنة

لما سمع معاوية بما فعله عبد الرحمن مع مروان وانزاله من المنبر أمام الناس واعتراضه على بيعة يزيد عزم على السفر الى المدينة ليطفى ء الفتنة ويخمد النار ويحقق ما يريد بالرفق والمداراة ، فلمّا قارب موسم الحج شدّ الرحال وخرج الى المدينة فلمّا وصلها خرج الناس لاستقباله وكان فيهم الحسين عليه السلام فلمّا نظر اليه معاوية قال : عرفتكم بالحقد والحسد وعرفت خصومتكم وعداوتكم ومنازعتكم من قبل ، فقال الحسين عليه السلام : مهلا يا معاوية فاني لست اهلا لهذه المقالة فاعرف ماذا تقول واعدل في قولك ، فقال : بل أنتم أهل لهذه المقالة ، لقد أردتم أمرا وأراد اللّه

غيره ، وفعل اللّه ما أراد .

ثم مضى الى قصر الامارة وجلس للناس فدخلوا عليه يحيونه ويسلمون عليه ، فجاء الحسين عليه السلام وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزبير فاستاذنوا فلم يأذن لهم ، فسخطوا عليه وعزموا على السفر الى مكة .

ص: 210

أما معاوية فقد خرج الى المسجد فصعد المنبر وخطب بالناس وأخذ في حديثه يمينا وشمالا حتى انتهى به الى يزيد فقال : أيّها الناس من بالخلافة من يزيد في فضله

وعقله وموضعه وما اظن قوما بمنتهين حتى تصيبهم بوائق تجتث أصولهم ، وقد أنذرت إن أغنت النذر ، ثم قال : إذا بايع الحسين بن علي ، وعبد اللّه ، وعبد الرحمن

بن أبي بكر ، وعبد اللّه بن الزبير ، فقد أحسنوا ، وإلاّ فإنّهم يلقون منّي ما يكرهون ، وهدّدهم بالسوء والقتل ، ونزل عن المنبر .

فسمعت عائشة بمقالته وتهديده فاستشاطت غضبا ، ودخلت على معاوية فقالت : أتعلم يا معاوية ما فعلت وما أنت فاعل ، قتلت أخي محمد في مصر ، وأحرقته بالنار التي أججتها له ، ثم أقبلت الى المدينة تهدّد أخي الآخر عبد الرحمن وتخيفه وتزعجه ، وتهدّد أولاد الصحابة بالعذاب والتنكيل ، ما يؤمنك أن اُقعد لك رجلا يقتلك بدم أخي ؟

فقال لها : مهلا يا أمّ المؤمنين لا تغضبي لغير سبب ، فلست أنا القاتل محمدا ، ولا أمرت بذلك ، أخرجه علي بن أبي طالب الى مصر ، وأرسلت عمرو بن العاص فتقاتلا فقتل أخوك ، فلا أمرت ولا أردت ، وإنّي في بيت أمن في المدينة ، فقالت له :

بلغني أنّك ذكرت الحسين بن علي وأخي عبد الرحمن وابن أختي عبد اللّه بن الزبير وعبد اللّه بن عمر بسوء ، وأنّك تهددتهم بالقتل ؟ فقال : لا واللّه إنّهم أعزّ عندي من عيني ، وإنّي لا أحبّ لهؤلاء أن يصيبهم مكروه من أحد ، ولكنّي أخذت البيعة لابني يزيد ، وقد أقرّ بذلك القريب والبعيد والكبير والصغير ، فماذا تقولين ؟ هل يصحّ لي أن أنقض البيعة وأنكث العهد ؟ فقالت عائشة : لا تنقض العهد ، ولكن ارفق بهم فإنّهم يصيرون الى ما تحبّ إن شاء اللّه ، وإعلم أنّك إن آذيتهم خرجت عليك وآذيتك ، واذكر اللّه واحذر تقلب الدنيا ، فإنّها لا تفي لأحد ، واعمل ما لا تندم عليه . فقال

معاوية : أفعل ما تحبّين ولا اُخالف ما تقولين . فقامت عائشة وانصرفت الى منزلها .

فطلب معاوية هؤلاء الأربعة فقيل له انهم خرجوا الى مكة ، فتامل ساعة ثم قال : ادعوا لي عبد اللّه بن عباس فلمّا حضر ابن عباس اكرمه معاوية وقربه وقال له : يا بن عباس ، إنّي ما رأيت بني هاشم غرباء لاننا أبناء عبد مناف

ص: 211

وكلنا رجال متكافؤون وسيوف لغمد واحد ورماة قوس واحد ، واليوم فرق بيننا طلب الملك وقد سكتم يوم كان الخلاف بين تيم وعدي وداريتم أبا بكر وعمر ولم تخاصموهم ، فلمّا وصل الأمر الينا انقلبتم علينا ، فقتل عثمان بين اظهركم ولم ينكر ذلك منكم منكر ، فقاتلتكم ونازعتكم حتى جاءني الأمر بفضل اللّه ، ومع ذلك لم انظر اليكم إلاّ نظر الحفاوة والتكريم والعطف ، ورفعت مقامكم عندي وضاعفت لكم العطاء ، وأنتم لا تزدادون إلاّ إصرارا في الخلاف واعراضا عن الاعتراف وما رضيتموني للخلافة يوما ، سيما الحسين بن علي فقد بلغني عنه كلام لو تركه كان له خيرا ، وقد رايتم علي بن أبي طالب ومعه المهاجرين والأنصار أقاموا الحرب على ساقها وإشتدت اوارها بيننا ولكن اللّه نصرني بفضله وأعطاني ما أملته وليس فيكم اليوم مثل علي والحسن .

فقال ابن عباس : أما ما قلت من اننا أبناء عبد مناف فقد صدقت ولك أن تطمع في مودتنا وموادعتنا ولكنّك اليوم طلبت شيئا يوجب عليك أن ترفق وتلين القلوب ، وأما ما ذكرت من عطائك لنا فإنّك أهل لذلك ، وهو من سخائك ومروأتك ، وليس منك بعجيب ، وأمّا ما قلت : أنّه ليس فيكم اليوم مثل علي والحسن ، فاحذر أن تعود اليه فإنّ الحسين ابن أبيه وليس على وجه الأرض ابن لرسول اللّه غيره ، فقال معاوية : حسنا ما تقول وإنّي قد سمعت نصيحتك وقبلتها ، ثم

عزم على المسير الى مكة .

معاوية ياخذ ابن عباس معه الى مكة ليكلم الحسين عليه السلام

مضى معاوية الى مكة وأخذ معه ابن عباس ليكلم الحسين في بيعة يزيد ، فلمّا وصل الى مكة خرج الناس كبارا وصغارا لاستقباله وكان فيهم الحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد اللّه بن الزبير وعبد اللّه بن عمر ، فقال معاوية

ص: 212

للحسين : مرحبا يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال لعبد عبد الرحمن : مرحبا يا ابن الصديق ، وقال لعبد اللّه بن عمر : مرحبا يا ابن الفاروق ، وقال لعبد اللّه بن الزبير : مرحبا يا ابن حواري رسول اللّه ، ثم أمر بأربعة أفراس فاركبهم عليها وأخذ يتلطف اليهم بالكلام حتى دخلوا مكة ، وكان معاوية مدة مقامه فيها يبعث اليهم بالعطايا والهدايا والخلع وبعث للحسين خلعا ثلاثا وكسوة فقبل الثلاثة وردها الحسين فلم يقل معاوية شيئا ، ولم يذكر بيعة يزيد .

ثم إنّه دعا الحسين يوما فرحب به واكرمه وقربه ثم قال له : اسمع مقالتي ولا ترد علي ، فقد أخذت البيعة ليزيد من جميع البلدان ، وبايع كبار القوم وزعماء الأمصار ، وأخرت المدينة لأنّهم قوم يزيد ورهطه ، فلمّا كتبت اليهم ادعوهم للبيعة تخلف بعضهم فعسر علي ذلك ، وأنت إن كنت تعلم رجلا خير من يزيد وأفضل منه يليق بالخلافة ويقوم بواجب الأمة فعرفنيه حتى استخلفه وابرء ذمتي من هذا الدين الثقيل ، فقال الحسين : مهلا يا معاوية كأنّك لا تعلم أنّ في الاُمة من هو أفضل من يزيد وأبي يزيد يصلح للخلافة واقامة أمر الأمة ؟ فقال معاوية : كانك تعني نفسك ؟ قال : نعم وليس ذلك ببعيد عني ، فقال معاوية : اذا أخبرك ، فإنّ أمك أفضل من أم يزيد وفضلها عليها معروف ، وأما أبوك فله السابقة في الاسلام والهجرة والقرابة وله من رسول اللّه منزلة ليست لاحد من الخلق ، ولكن يزيد واللّه خير لامة محمد منك ،

فقال الحسين : من هو يزيد حتى تفضله علي وتقول : إنّه خير للامة مني ؟ فقال معاوية : مهلا عن شتم يزيد فإنّك لو ذكرت عنده لم يذكرك بخير ، فقال الحسين : لأنّي

أقول ما أعلم منه ويقول ما يعلم مني ، فقال معاوية : قم أبا عبد اللّه وانظر لنفسك

واحذر أهل الشام فإنّهم أعداؤك وأعداء أبيك ولو سمعوا ما تقول في يزيد لانقلبوا عليك واثاروا الفتنة ، فقام الحسين وانصرف الى أهله .

ثم دعا عبد الرحمن بن أبي بكر ، فلمّا أراد معاوية أن يتكلّم قاطعه عبد الرحمن

وقال : يا معاوية إنّا نكلك الى اللّه فلا تقل ما يضرنا واعلم اننا لا نبايع يزيد إلاّ أن

ص: 213

تجعلها شورى فيختار الناس خليفة لأنفسهم ، فقال معاوية : إنّي عرفتك جيدا وعرفت خصالك وستبتلي عاجلا بعاقبة عملك وتقع فيما أعددته لك ، فقال عبد الرحمن : وسيعاقبك اللّه في الدنيا والآخرة إن فعلت ذلك ، فقال معاوية : اللّهم اكفني

هذا الشيخ ، ولا تظهرن لأهل الشام فإنّي أخشى عليك منهم ، فقال عبد الرحمن : إنّي لا أخاف إلاّ اللّه وأنت يا معاوية ، دعنا عنك ولا تدعنا الى بيعة يزيد ، ثم قام مغضبا وانصرف .

ثم دعا عبد اللّه بن عمر ، وقال له : علمت انك تحب العافية وتختار طريق المؤالفة وتميل الى الدعة ولا تحب المخالفة ، وقد دخل الناس جميعا في هذه البيعة فلا تخالفهم

ولا تستثقل خلافته ، فقال عبد اللّه : يا معاوية قد كان قبلك خلفاء وكان لهم بنون عرفوا بالصلاح والزهد والعبادة والعلم والحلم وليس ابنك بخير من ابنائهم فلم يروا في ابنائهم ما رأيت في ابنك ، واعلم إنّي لا اُخالفك ولكن ان استقام أمر الناس

فسادخل فيما دخلوا والا فساعتزل وافرغ نفسي للعبادة ، واكون في المسلمين كاحدهم ، فقال معاوية : نعم ما قلت قم وانصرف واعلم الشاميين أن ليس عندك خلاف .

ثم دعا عبد اللّه بن الزبير ، فلمّا نظر اليه قال له : ثعلب رواغ كلما خرجت من جحر انجحرت في آخر ، يا ابن الزبير كن صادقا ولا تراوغ ولا تخالف في بيعة يزيد واعلم أنها لا تليق بك وليس لها غير يزيد ، فقال عبد اللّه : يا معاوية إنّي ما أردت

خلافك ولكنك تبغي الفتنة وتخالف السنة وتغير سيرة السلف ، فاجعلها شورى ولا تخص بها يزيد فإنّ خلافة رسول اللّه أمر خطير وصعب غير يسير ، وستسأل غدا يوم القيامة انك لمن قلدتها ومن خلفت عليها بعدك ، فانظر يا معاوية في عاقبة هذا الأمر ، وتفكر فيه وقلّب وجوهه ، فقال معاوية : دع عنك هذا الكلام يا شيخ وانصرف واحذر أهل الشام ولا تعد الى مثل هذا الكلام فاني احتمل منك ما لا يحتمله أهل الشام ، فقام ابن الزبير وانصرف الى أهله .

ص: 214

اقامة معاوية في مكة وانفاذه العطايا الى شيوخ القبائل وزعماء القوم

لما رأى معاوية إباء الحسين بن علي عليهماالسلام وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزبير القى رحله في مكة وبذل للقرشيين واخرج لكل قوم عطائهم وجوائزهم ولم يخرج لبني هاشم جائزة ولا عطاء فخرج اليه عبد اللّه بن عباس فقال له : يا معاوية أخرجت للناس جوائزهم وعطاياهم ومنعت بني هاشم فاين هذا من جودك وكرمك ؟ فقال معاوية : واللّه ما لكم عندي جائزة ولا عطاء حتى يبايع صاحبكم ، فقال ابن عباس : فقد أبى غير الحسين واجزتهم ، فقال معاوية : لا تقس الحسين بغيره ، فقال ابن عباس : واللّه لئن لم تفعل وتعطي بني هاشم لاقولن للناس ما تعلم ولاتركنهم عليك خوارج ، فضحك معاوية وقال : لا بل أعطيكم جوائزكم وأفعل ما تحبّ ، وأضاعف لكم العطاء ، فبعث بها اليهم ، وبعث الى الحسين أكثر من غيره من بني هاشم ، فأخذ بني هاشم وردها الحسين عليه السلام ، ثم مضى معاوية راجعا الى الشام .

حيلة معاوية في اتهام الحسين بانه بايع يزيد

لما عجز معاوية عن أخذ البيعة من الحسين بن علي عليهماالسلام وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد اللّه بن عمر وعبد بن الزبير بكل حيلة ووسيلة ، ترك مكة ورجع الى الشام ، وفي تلك السنة ماتت عائشة ومات عبد الرحمن كما ذكرنا ، فعاد معاوية مرة ثانية الى مكة سنة تسع وخمسين ، وكان الحسين وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزبير في مكة ومعاوية مهتم ببيعة يزيد لا يشغله عنها شاغل ، فامر فنصب له منبر في فناء الكعبة ، ودعا الحسين وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزبير ، فلمّا حضروا عنده قال لهم : قد علمتم سيرتي فيكم وصلتي لأرحامكم وحملي ما كان منكم ويزيد أخوكم وابن عمكم أردت أن تقدموه باسم الخلافة .

ص: 215

فقال عبد اللّه بن الزبير : نخيّرك بين ثلاث خصال ، قال : اعرضهن ، قال : تصنع كما صنع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أو كما صنع أبو بكر ، أو كما صنع عمر ، قال معاوية : ما صنعوا ؟ قال : قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يستخلف أحدا ، فارتضى الناس أبا بكر ، قال : ليس فيكم مثل أبي بكر ، وأخاف الاختلاف ، قال : صدقت ، فاصنع كما صنع أبو بكر ، فإنّه عهد الى رجل من قاصية قريش ليس من بني أبيه فاستخلفه ، وإن شئت فاصنع كما صنع عمر ، جعل الأمر شورى في ستة نفر ، ليس فيهم أحد من ولده ، ولا من بني أبيه ، قال معاوية : هل عندك غير هذا ؟ قال : لا ، ثم قال : فأنتم ؟ قالوا : قولنا قوله .

فقال لهم : فإنّي عازم على الرجوع وإنّي قد قائم بمقالة وخاطب في المسجد فلا تلقوا بأنفسكم في التهلكة ولا تشتروا لها التلف ، وإنّي أخشى عليكم أهل الشام .

فخرج معهم الى المسجد وصعد المنبر ، فحمد اللّه واثنى عليه ووعظ ونصح ثم ساق الحديث الى أن قال : لا تتبعوا الهوى ولا تسمعوا إلاّ الى الصدق ، وقد بلغني أنّ

قوما قالوا : إنّ الحسين بن علي وعبد اللّه بن عمر وعبد بن الزبير أبوا بيعة يزيد ، فقد كذبوا وافتروا على هؤلاء النفر بهتانا عظيما ، فإنّي دعوتهم فأجابوا وعرضت عليهم فسارعوا ، وإنّما ذكرت ذلك لكم ليخرج الناس من الشك الى اليقين ولا يعيبوا هؤلاء النفر ولا ينسبوا اليهم الكذب والبهتان ، وهم في المجلس حاضرون يسمعون ما أقول ، ومن لا يصدّق فيقم ويسألهم ليتيقن ، إنّ هؤلاء النفر دعاهم أميرالمؤمنين فوجدهم واصلين مطيعين وقد بايعوا وسلموا .

والقوم سكوت لم يتكلموا شيئا حذر القتل ، فوثب أناس من أهل الشام وقادة العسكر فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن كان رابك منهم ريب فحل بيننا وبينهم كي نضرب أعناقهم ، فقال معاوية : سبحان اللّه ما أحلّ دماء قريش عندكم يا أهل الشام. . . . فهدأهم بهذه الكلمات وغيرها ، ولم يتكلّم من هؤلاء النفر من أبناء العظماء بكلمة ، لأنّهم تيقنوا الموت إن تكلّم أحدهم ، ثم ارتحل معاوية راجعا الى الشام .

ص: 216

فلقي الناس اولئك النفر فقالوا لهم : زعمتم أنّكم لا تبايعون فلم رضيتم واعطيتم وبايعتم ؟ قالوا : واللّه ما فعلنا ، فقالوا : ما منعكم أن تردّوا على الرجل ؟ قالوا : كادنا وخفنا القتل . فتعجب أهل مكة من دهاء معاوية ومكره وخديعته .

مرض معاوية الذي هلك فيه

قلنا : إنّ معاوية احتال على الناس ووقر أسماعهم بالكذب على الحسين عليه السلام وعبد اللّه بن الزبير وعبد اللّه بن عمر ، وأنّهم بايعوا يزيدا ، ثم مضى راجعا الى

الشام ، فنزل في الطريق في منزل وخرج نصف الليل لقضاء الحاجة ، فمرّ ببئر يستقي منها الناس ، فأدلى رأسه فيها ، فهبّت ريح من داخل البئر وضربت وجه معاوية ، فتغيرت حاله ومرض بالفالج ، وضربته اللقوة واعوجّ فمه ، فرجع الى فراشه .

وفي الصباح تسامع الناس خبر مرضه فسارع أمراء العسكر الى عيادته ، فقال معاوية : كلّ بلاء يصيب الناس أمّا أن يكون عقوبة على معصية أو بلاء يمن به اللّه على عباده الصالحين بلطفه ورحمته ، وأرجو أن أكون من عباده الصالحين وأشكر اللّه ، وإن مرض منّي عضو فما اُحصي صحيحي ، وإن عجزت يوما فإنّي كنت قادرا عمرا ، والحمد للّه الذي لم يقطع عنّي فضله وبرّه وكرمه أبدا ، وقد تجاوزت السبعين

وأنا اتمتع بالنعم ولا تبارحني الراحة ، فرحم اللّه من دعا لي بالعافية وذكرني عند

ربّه ، فدعا له الحاضرون ثم انصرفوا(1) .

ص: 217


1- سير اعلام النبلاء : 3/156 وفية : « حج معاوية فاطلع في بئر عادية فضربته اللقوة فدخل داره بمكة وارخى حجابه واعتم بعمامة سوداء على شقه الذي لم يصب ثم اذن للناس فحمد اللّه واثنى عليه ثم قال : أيّها الناس إنّ ابن آدم بعرض بلاء أما مبتلى ليؤجر أو معاقب بذنب وأما مستعتب ليعتب وما اعتذر من واحدة من ثلاث ، فإن ابتليت فقد ابتلي الصالحون قبلي وإن عوقبت فقد عوقب الخاطئون قبلي وما آمن أن أكون منهم ، وإن مرض عضو منّي فما اُحصي صحيحي ولو كان الأمر الى نفسي وما كان لي على ربّي أكثر مما اعطاني فأنا ابن بضع وستين فرحم اللّه من دعا لي بالعافية فواللّه لئن عتب علي بعض خاصتكم لقد كنت حدبا على عامتكم فعج الناس يدعون له وبكى » .

فلمّا خلى بنفسه نظر في أفعاله وأعماله وبكى بكاءا عاليا فدخل عليه مروان بن الحكم وقال : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لما ضيعت من عمري فقد كنت قادرا على فعل الخير كثير ولم أفعل ، وأخاف أن يكون ما ابتليت به عقوبة لي لما كان منّي من دفع علي بن أبي طالب وما فعلت بحجر بن عدي وأصحابه ولولا هواي في يزيد لابصرت رشدي(1) . ولما ضحك اليوم عدوي ولا بكى محبي . وتكلم بكلام كثير مثل هذا .

ثم رحل معاوية عن ذلك المكان حتى صار الى الشام فدخل الى منزله ، إشتد عليه مرضه وكان في مرضه يرى أشياء لا تسره ، وكان يصرخ ويصيح : اسقوني اسقوني فكان يشرب الماء الكثير فلا يروى وكان ربما غشي عليه فاذا أفاق من غشوته ينادي باعلى صوته : يا ابن أبي طالب لم نازعتك في الخلافة ؟ يا حجر بن عدي ويلي منك ، يا عمرو بن الحمق ، مالي ولك(2) ؟ ويقول : إن تعاقب فبذنوبي وإن تغفر فإنّك أرحم الراحمين .

ثم اغمي عليه فقالت إمرأة من قريش : مات أمير المؤمنين ، ففتح معاوية عينيه وجعل يقول :

إذا متّ مات الجود وانقطع الندى

من الناس إلاّ من قليل مصرد

وردت اكف السائلين وامسكوا

من الدين والدنيا بخلف مجدد

ثم جعل معاوية يضرب بيده الى تعويذ كان في عنقه فقطعه ورمى به وجعل يقول :

ص: 218


1- الفتوح لابن أعثم : 2/60 .
2- في الفتوح 2/61 : « ما لي وما لك يا حجر بن عدي مالي ومالك يا عمرو بن الحمق مالي ومالك يا ابن أبي طالب إن تعاقب فبذنوبي وإن تغفر فإنّك غفور رحيم » .

وإذا المنية انشبت اظفارها

الفيت كلّ تميمة لا تنفع

فقال له يزيد - وكان يزيد حاضرا عنده - : يا ابتاه عجل علي بالبيعة قبل موتك

فقد ازف الأمر فإنّك إن لم تذكر البيعة لي خشيت أن ألقى من آل أبي تراب مثلما لقيت ، ومعاوية ساكت لا يتكلم بشيء .

فلمّا كان من يوم غد الأربعاء دعا معاوية بوزرائه وقواده وخاصته وأهل بيته فأحضرهم مجلسه ثم أمر الحاجب أن لا يحجب عنه الناس ، فجعل الناس يدخلون ويسلمون فينظرون اليه ثقيلا مدنفا فيخرجون الى الضحاك بن قيس وهو صاحب شرطته فيقولون : ذهب واللّه أمير المؤمنين وكأن البيعة من بعده تخرج من آل أبي سفيان الى آل أبي تراب لا واللّه لا نرضى بذلك أبدا ، ثم اجتمع الناس الى الضحاك بن قيس ومسلم بن عقبة المري فقالوا : إنّما أنتما صاحبا أمير المؤمنين وقد حضره من الأمر ما قد علمتما ادخلا اليه والقياه إسألاه أن يوصي الى ابنه يزيد فإنّه لنا رضى ، فعندها بادر الضحاك ومسلم بن عقبة فسألاه عن نفسه ، فقال معاوية : أصبحت واللّه ثقيل الوزر عظيم الذنب ، أرجو ربّا رحيما ، وأخشى عذابا أليما ، ، فقال له الضحاك : أطال اللّه عمر الخليفة

وزاد في عمره ألف عام ، ولكن لابد من كلمة تسمعها ، فإنّ الناس قد اضطربوا وضجوا واختلفوا بسرعة ، هذا وأنت حي فكيف إن حدث بك أمر فماذا ترى أن يكون حال الناس .

ثم تكلّم مسلم بن عقبة فقال : إنّا نرى الناس ونسمع كلامهم ، ونرى أنّ الأمر في يزيد وهواهم له وهو لهم رهنا فبادر الى بيعته من قبل أن يعتقل لسانك ، فقال : صدقت يا مسلم إنّه لم يزيل رأيي من يزيد وهل يستقيم الناس لغير يزيد ؟ ليتها في ولدي وذريتي الى يوم الدين ، وأن لا تعلو ذرية أبي تراب على ذرية آل أبي سفيان ، ولكن أخروا لي هذا الأمر الى غد فهذا يوم الأربعاء وهو يوم نحس لا يبرم فيه أمر إلاّ كانت عاقبته شرا .

ص: 219

ذكر بيعة معاوية مع يزيد وما وعظه به ونصحه به من نصائح سنة تسع وخمسين

أراد معاوية أن يؤخر البيعة ليزيد عن يوم الأربعاء فأبى الضحاك بن قيس ومسلم بن عقبة المزني وقالا : إنّ الناس مجتمعون بالباب وليس يجوز أن ينصرفوا دون أن تعقد البيعة ليزيد . فقال معاوية : فادخلا اليّ اذا الناس ، فخرجا واختارا سبعين رجلا من صناديد قريش وأهل الشام ، فلمّا دخلوا على معاوية سلّموا فرد عليهم السلام ردا ضعيفا ثم قال : يا أهل الشام كيف رضاكم عني ؟ فقالوا : خير الرضا ، لقد كنت لنا أبا رؤوفا وكهفا منيعا ، تصلنا بالجوائز وتفرق فينا العطايا وتنيلنا احسانك ونعمك ، وأخذ كلّ منهم يقرظه ويثني عليه خيرا ثم انهم سبوا علي بن أبي طالب وقالوا فيه القبيح وقالوا : إنّه سار الينا من العراق فقتل سراتنا وأباد

خضراءنا ولسنا نحبّ أن تصير الخلافة الى ولده فاجعلها في ولدك يزيد فإنّه لنا رضى ولجميع المسلمين ومن مال عنه برأسه في بيعته ملنا عليه بسيوفنا هكذا وجدنا بانفسنا دون نفسه . فسر معاوية بما سمع من كلام أهل الشام ونشط لذلك ثم استوى جالسا وأمر بجميع من على الباب من الناس بالدخول عليه فدخلوا حتى غصت الدار بهم ، فاقبل معاوية بوجهه ثم قال : أيّها الناس إنّكم قد علمتم أنّ كلّ شيء في

هذه الدنيا الى زوال وقد حضرني من القضاء المحتوم ما ترون فسلوني من تحبّون أن اولي عليكم فقالوا بكلمة واحدة : إنّا رضينا بابنك يزيد ، فوله عهدك فهو الرضا لنا ،

فقال معاوية مرة ثانية : إنّي قد سمعت اذا كلامكم غير أنّي قادم على ربّ رحيم لا يتعاظمه ذنب أن يغفره ، وإنّه يسألني عن الصغير والكبير ، فسلوني من تحبّون أن اولي عليكم ؟ فضج الناس باجمعهم وقالوا : نريد أن تولي علينا يزيد فنعم الخلف والمستخلف ، فعندها قال معاوية للضحاك بن قيس : بايع ليزيد فبايع الضحاك وبايع مسلم بن عقبة وبايع الناس بالبيعة حتى بايع الناس أجمعين ثم خرجوا .

ص: 220

وأمر معاوية لابنه يزيد أن يلبس ثياب الخلافة ويخرج الى الناس فيصعد المنبر ويخطب ، فخرج يزيد على رأسه عمامة معاوية ، ومعه سيفه وخاتمه ، وقد لبس قميص عثمان الذي قتل عثمان فيه ملطخا بالدم حتى صعد المنبر ، فلم يزل يخطب ويتكلّم الى أن انتصف النهار ، ثم نزل عن المنبر وقد بايعه الصغير والكبير ، فدخل على أبيه معاوية ، فنظر اليه معاوية وقال : ما صنعت ؟ قال : قد بايعني الناس ودخلوا في طاعتي فرحين مسرورين ، فدعا معاوية بالضحاك بن قيس ومسلم بن عقبة فقال لهما : أخرجا ما في وسادتي ، فأخرجا كتابا كتب فيه بخطّه قبل :

بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما عهده معاوية بن أبي سفيان الى ابنه يزيد إنّه قد بايعه وعهد اليه وجعل له الخلافة من بعده وأمره بالرعية والقيام بهم والإحسان اليهم وقد سماه أمير المؤمنين وأمره أن يسير بسيرة أهل العدل والأنصاف ، وأن يعاقب على الجرم ويجازي على الإحسان ، وأن يحفظ هذا الحي من قريش خاصة ، وأن يبعد قاتل الأحبة ( يريد علي بن طالب ) ، وأن يقدّم بني أمية وآل عبد شمس على بني هاشم ، وأن يقدّم آل المظلوم المقتول أمير المؤمينن عثمان بن عفان على آل أبي تراب وذريته ، فمن قرى ء عليه هذا الكتاب وقبله حقّ قبوله يبادر الى طاعة أميره يزيد بن معاوية ، فمن أجابه فأهلا ، ومن تأبّى عليه وامتنع فضرب الرقاب أبدا حتى يرجع الحقّ الى أهله والسلام على من قرى ء عليه وقبل كتابي هذا .

ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه الى الضحاك بن قيس وقال : انظر إذا أصبحت أن تصعد المنبر وتقرأ هذا الكتاب على الصغير والكبير وتسمع مقالهم ، فقال الضحاك : إنّي فاعل ذلك غدا .

ثم أقبل معاوية على يزيد فقال : يا بني خبرني الآن ماذا أنت صانع بهذه الأمة اتسير فيهم بسيرة أبي بكر الذي قاتل أهل الردة وقاتل في سبيل اللّه حتى مضى والناس عنه راضون ؟ فقال : إنّي لا اُطيق أن أسير بسيرة أبي بكر ، لكني آخذ الرعية بكتاب اللّه وسنة رسوله ، فقال معاوية : أتسير بهم بسيرة عمر بن الخطاب الذي مصر الأمصار وفتح الديار وجند الأجناد وفرض الفروض ودوّن الدواوين ؟

ص: 221

فقال يزيد : لا يتهيأ لي أن أصنع كما صنع عمر ، ولكني آخذ الناس بكتاب اللّه والسنة ، فقال معاوية : يا بني أتسير بهم بسيرة ابن عمنا عثمان ، الذي أكلها في حياته

وورثها بعد مماته واستعمل أقاربه ؟ فقال يزيد : قد خبرتك أنّ الكتاب بيني وبينهم ،

به أطالبهم وعليه أقاتلهم ، فتنفس معاوية الصعداء وقال : يا بني إنّي من أجلك آثرت الدنيا على الآخرة ودفعت حق علي بن أبي طالب وحملت الوزر على ظهري وإنّي لخائف انك لا تقبل وصيتي فتقتل خيار قومك ثم تعدو على حرمة ربك فتقتلهم بغير الحق ، ثم ياتيك اليوم بغتة فلا دنيا تصيب ولا آخرة تجيب ، يا بني إنّي جعلت هذا مطمعا لك ولولدك من بعدك وإنّي موصيك بوصية فاقبلها فإنّك تحمد عاقبتها : كن حازما صارما ، وانظر إن تلم بك نائبة أن تثب وثوب الشهم البطل ، ولا تجبن جبن الضعيف الوكل ، فإنّي كفيتك الحل والترحال وجوامع الكلام والنطق ونهاية البلاغة ودفع المؤنة وسهولة الحفظ ، ولقد وطأت لك يا بني البلاد ، وذللت لك رقاب العرب الصعاب ، وأقمت لك الملك من بعدي تمهيدا ، فعليك يا بني من الاُمور ما قرب مأخذه وسهل مطلبه .

واعلم يا بني ، إنّ سياسة الخلافة لا تتمّ لك إلاّ بثلاث : بجأش ربيط ، وكفّ ندي ، وخلق رحيب ، وثلاث أخر : علم ظاهر ، وخلق طاهر ، ووجه طلق ، ثم تردف ذلك بعشر أخر : بالصبر والأناة ، والتودّد ، والوقار ، والسكينة ، والمروءة الظاهرة ، والشجاعة ، والسخاء ، والإحتمال للرعية بما تحبّ وتكره .

ولقد علمت يا بني إنّي كنت في أمر الخلافة خائفا شبقا فيها شهوانيا أصبح عليها جزعا وامسي هلعا حتى اعطاني الناس ثمرة قلوبهم ، وبادروا الى طاعتي فادخل يا بني في هذه الدنيا في حلالها واخرج من حرامها وانصف الرعية وأقسم فيئهم بالسوية .

واعلم يا بني إنّي أخاف عليك من هذه الأمة أن ينازعك في هذا الأمر الذي قد رفعت لك قواعده خصوصا عدة نفر من قريش منهم : عبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزبير وشبيه أبيه الحسين بن علي فاما عبد اللّه بن عمر فإنّه رجل صدق

ص: 222

قد توحش من الناس وانس الى العبادة ورضي بالوحدة فترك الدنيا وتخلى منها ، فهو لا يأخذ منها شيئا ، فاقرأه منّي السلام وتعاهده بالعطاء الموفر أفضل التعاهد .

وأما عبد اللّه بن الزبير ، فما أخوفني انك تلقى منه عنتا ، فإنّه صاحب خلل في القول وزلل في الراي وضعف في النظر مفرط في الاُمور ، مقصر في الحقوق ، وإنّه سيجثو لك كما يجثو الأسد في عرينه ويراوغك رواغ الثعلب فاذا أمكنته منك فرصة لعب بك كيف يشاء فكن له يا بني كذلك اجزه صاعا بصاع واحذه حذو النعل ، إلاّ أن يدخل لك في الصلح والبيعة والتوبة فاقمه على ما يريد .

وأما الحسين بن علي فاواه اواه يا يزيد ماذا أقول لك فيه ، فاحذر أن لا يتعرض لك ومد له حبلا طويلا وذره يضرب في الأرض حيث شاء ولا تؤذه ولكن أرعد له وأبرق ، وإياك والمكاشفة له في محاربة بسلّ سيف أو محاربة طعن رمح ، ثم أعطه ووقّره وبجّله ، فإن جاءك أحد من أهل بيته فوسع عليهم وأرضهم ، فإنّهم أهل بيت لا يرضيهم إلاّ الرضا ، ولا يسعهم إلاّ المنزلة الرفيعة(1) .

وإياك يا بني أن تلقى اللّه بدمه فتكون من الهالكين ، فإنّ ابن عباس حدثني فقال : إنّي حضرت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو في السبات وقد ضم الحسين بن علي الى صدره وهو يقول : هذا من اطايب ارومتي وانوار عترتي وخيار ذريتي لا بارك اللّه فيمن لا يحفظه بعدي ، قال ابن عباس : ثم اغمي على النبي ساعة ثم أفاق وقال : يا حسين إنّ لي ولقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربّي وخصومة وقد طابت نفسي اذ جعلني اللّه خصيما من قتلك يوم القيامة .

يا بني هذا حديث ابن عباس وأنا احدثك عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : أتاني جبرئيل يوما فخبرني وقال : يا محمد إنّ أمتك ستقتل ابنك حسينا وقاتله لعين هذه الأمة ، ولقد لعن النبي صلى الله عليه و آله ، يا بني ، قاتل الحسين مرارا ، ولقد رايتني كيف كنت احتمله في حياتي واضع له رقبتي وهو يواجهني بالكلام الذي يمضني ويؤلم قلبي فلا اجيبه ولا أقدر على حيلة فإنّه بقية أهل الأرض في يومه هذا وقد اعذر من انذر .

ص: 223


1- جعل المؤلف هذه الفقرة امتدادا لوصف ابن الزبير .

ثم أقبل الضحاك ومسلم بن عقبة فقال لهما معاوية : اشهدا على مقالتي هذه فواللّه إن فعل بي الحسين كلّ ما يسوأني لاحتملته أبدا ، ولم يكن اللّه يسألني عن دمه ، أفهمت عني ما اوصيتك به يا يزيد ؟(1)

ذكر ما آل اليه معاوية وسنة وفاته وسنة شهادة سيد الشهداء

ذهب أكثر المؤرخين الى إنّ وفاة معاوية كانت في سنة ستين للهجرة وشهادة الإمام الحسين بن علي عليهماالسلام كانت يوم عاشوراء سنة احدى وستين ، واختلفوا في يوم عاشوراء ، فذهب بعض المحدثين الى أنّه يوم الجمعة وذهب آخرون الى أنّه يوم السبت وقال بعضهم : إنّه يوم الاثنين وقال صاحب العوالم : فأما ما تقوله العامة من أنّه قتل يوم الإثنين فباطل هو شيء قالوه بلا رواية(2) .

أقول : روي أنّه صم الدهر جميعا إلاّ في العيدين لأنّ الحسين قتل في يوم الجمعة أو الاثنين ، والترديد فيه ليس للجهل بالتاريخ - كما يقول الشيعة - إنّما هو اشارة الى

أن قتل الحسين كان منذ يوم السقيفة وكانت يوم الاثنين حيث ابعد أهل البيت عن حقهم واغتصبت الخلافة منهم ودفعت للغربا ، وأقصيت عن علي المرتضى ، وإن كان قتله ظاهرا كان يوم الجمعة .

ولو رجعنا القهقرى وحسبنا بحساب الزيجات فلا يكون عاشوراء سنة احدى وستين يوم الجمعة ولا السبت ولا الاثنين ، وإنّما يكون عاشوراء يوم الجمعة سنة ستين ، فالصواب إذن أنّ وفاة معاوية سنة تسع وخمسين وشهادة الحسين عليه السلام سنة ستين بعد الظهر من يوم عاشوراء .

ص: 224


1- الفتوح 2/66 .
2- البحار 44/199 .

قال عبد اللّه بن نور اللّه في المجلد السابع عشر من العوالم : وكان أول المحرم الذي قتل فيه يوم الأربعاء أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات وإذا كان ذلك كذلك فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر من المحرم يوم الإثنين(1) .

ولا يصح ذلك إلاّ سنة ستين وقد ورد في ذلك عدة أحاديث مذكورة في العوالم .

قال ابن الخشاب : حدثنا حرب بإسناده عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال : مضى أبو عبد اللّه الحسين بن علي أمه فاطمة بنت رسول اللّه صلوات اللّه عليهم أجمعين

وهو ابن سبع وخمسين سنة في عام الستين من الهجرة في يوم عاشوراء .

وفي مناقب ابن شهرآشوب : ومضى قتيلا يوم عاشوراء وهو يوم السبت العاشر من المحرم قبل الزوال ، ويقال : يوم الجمعة بعد صلاة الظهر ، وقيل : يوم الإثنين بطف

كربلاء بين نينوى والغاضرية من قرى النهرين بالعراق سنة ستين من الهجرة ، ويقال : سنة إحدى وستين ، ودفن بكربلاء من غربي الفرات(2) .

وقد ذكرت في ذيل الحديث الدال على أنّ شهادته عليه السلام كانت سنة ستين : إنّ أكثر المحدثين والمؤرخين ذهبوا الى أنّ شهادته كانت سنة إحدى وستين ، ولكني اخترت سنة ستين لأنّ ذلك ينسجم مع حساب الزيجات واللّه أعلم .

ذكر إشتداد العلة على معاوية ووصيته لابنه يزيد

وفد عبيد اللّه بن زياد عليهما اللعنة مع جماعة من العراق على معاوية فاستقبلهم معاوية وكان في مرضه ، فجددوا البيعة ليزيد ثم إلتفت معاوية الى يزيد فقال : يا بني إنّي كفيتك الرجال والترحال ووطأت لك الأشياء وذللت لك الأعداء وأخضعت لك أعناق العرب ، وإنّي لا أتخوف أن ينازعك في هذا الأمر الذي أثبت إلاّ أربعة نفر

ص: 225


1- بحارالأنوار 44/200 .
2- بحارالأنوار 44/ 199 .

من قريش : الحسين بن علي وعبد اللّه بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد اللّه بن عمر ، فأما ابن عمر فرجل قد أوقذته العبادة وإذا لم يبق أحد غيره بايعك ، وأما الحسين فإن أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه فإن خرج عليك وظفرت به فاصفح عنه ، فإنّ له رحما ماسة وحقّا عظيما ، وأمّا ابن أبي بكر فرجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئا صنع مثلهم ليس له همة إلاّ النساء واللهو ، وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد ، ويراوغك مرواغة الثعلب ، فاذا أمكنته الفرصة وثب فذاك ابن الزبير ، فإن هو فعلها بك فقدرت عليه ، فقطعه إربا إربا(1) .

ذكر وفاة معاوية بن أبي سفيان سنة تسع وخمسين

لما مرض معاوية وإشتدت علته كان يغشى عليه ساعة بعد ساعة وكان يزيد عند أمه في حوارين فدعا معاوية صاحب شرطته الضحاك بن قيس الفهري ومسلم بن عقبة المري فقال : ابلغا يزيد وصيتي : انظر أهل الحجاز فإنّهم أصلك فأكرم من قدم عليك منهم ، وتعاهد من غاب ، وانظر أهل العراق ، فإن سألوك أن تعزل عنهم كلّ يوم عاملا فافعل ، فإنّ عزل عامل أحبّ اليك من أن يشهر عليك مائة ألف سيف ، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك ، فإن ترى بك شيئا من عدوك فانتصر بهم ، فاذا أصبتهم فاردد أهل الشام الى بلادهم فإنّهم إن أقاموا بغير بلادهم غيرت أخلاقهم .

ص: 226


1- المناقب : 4/87 وفيه : « فلمّا قربت وفاة معاوية قال لابنه يزيد : لا ينازعك في هذا الأمر إلاّ أربعة الحسين بن علي وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر فأما ابن عمر فإنه زاهد ويبايعك إذا لم يبق أحد غيره وأما ابن أبي بكر فإنه مولع بالنساء واللهو وأما ابن الزبير فإنه يراوغك روغان الثعلب ويجثم عليك جثوم الأسد فإن قدرت عليه فقطعه إربا إربا وأما الحسين فإن أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه فإن قدرت عليه فاصفح عنه فإن له رحما ماسة وحقا عظيما .

قال ذلك حينما اشتدت عليه اللقوة ، وضعفت أعضاؤه ، فكان يبكي ويقول : لقد ابتليت في جنيتي(1) فرحم اللّه عبدا دعا لي بالعافية ، ولئن ابتليت فقد ابتلي الصالحون قبلي . فقال له مروان بن الحكم : أتجزع عند الموت ؟ فقال : يا مروان أخاف أن يكون هذا عقوبة من ربّي ، ولولا هواي في يزيد لابصرت رشدي ، وكان المرض يشتد عليه ساعة بعد ساعة وهو يقول :

لعمري لقد عمرت في الملك برهة

وذلت لي الدنيا بوقع المآثر

واوتيت جم المال والعلم والنهى

وأمسيت افناء الملوك الجبابر

فاضحى الذي قد كان منّي يسرني

كبرق مضى في الذاهبات الغوابر

فياليتني لم أمس في الملك ليلة

ولا عشت في اللذات عيش النواضر

وكنت كذي طمرين عاش ببلغة

من العيش حتى زار ضنك المقابر

فلمّا ثقل معاوية وحدّث الناس أنّه الموت قال لأهله : احشوا عيني اثمدا واوسعوا رأسي دهنا ففعلوا وبرّقوا وجهه بالدهن ثم مهد له فجلس وقال : اسندوني ثم قال : ائذنوا للناس ليسلّموا قياما ولا يجلس أحد ، فجعل الرجل يدخل فيسلم قائما فيراه مكتحلا مدهنا فيقول : يقول الناس هو لما به وهو أصحّ الناس ، فلمّا خرجوا من عنده قال معاوية :

وتجلدي للشامتين اريهم

إنّي لريب الدهر لا أتضعضع

وإذا المنية انشبت اظفارها

الفيت كلّ تميمة لا تنفع

قال في تاريخ بني اُمية : إنّ البيتين قرأهما معاوية ، وقال بعضهم : إنّ معاوية قرأ البيت الأول واجابه أحد الحاضرين بالبيت الثاني ولا يصح عندي .

وبقي معاوية يتململ تململ السليم ويقول : مالي ولحجر وأصحابه يا ليتني رجل من قريش بذي طوى ولم أل من هذا الأمر شيئا ، ثم شمر عن ساعديه فكشفهما فكانا كعرجون يابس فقال : وهل الدنيا إلاّ ما جربنا وذقنا واللّه لوددت إنّي لن اعمر فوق ثلاث حتى القى ربّي ، ثم قال لابنته قلّبيني وهو يقول :

ص: 227


1- في المصادر : « وقد رميت في احسني» وقد ترجمها المؤلف : « ولقد ابتليت بحنيتي» « ولقد ابتليت بالعقاب على جنايتي » .

لا يبعدن ربيعة بن مكدم

وسقى الغوادي قبره بذنوب

قيل : إنّ هذا آخر ما قاله معاوية ، فلمّا مات معاوية خرج الضحاك بن قيس الى المسجد ولم يكلم احدا حتى صعد المنبر واكفان معاوية على يديه وقال : أيّها الناس ، إنّ معاوية قد مات وهذه أكفانه ونحن مدرجوه فيها ومجهزوه في ساعة ، فمن أراد أن يشهده فليحضر بين الصلاتين ، ثم نزل وكتب الى يزيد : « كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِْكْرامِ » ، اُعزيك بوفاة أمير

المؤمنين واهنؤك بالخلافة إنّا للّه وإنّا اليه راجعون ، فاذا قرأت كتابي هذا فعجل لتأخذ البيعة مرة ثانية من الناس والسلام .

فلمّا وصل الكتاب وقرأه يزيد بكى بكاءا عاليا وامتطى الزمان ورجع مسرعا حتى دخل دمشق بعد ثلاثة أيام من وفاة معاوية ، فاستقبله الناس بالبكاء والعويل وبكى يزيد بكاء عاليا وتوجه الى قبر أبيه فوقف عليه يبكي ثم رجع ودخل القصر الاخضر - الذي بناه معاوية - ولبس عمامة خز وتقلد بسيف حمائله من خيوط الذهب ، وكانت الغرف معدة والأستار مسدلة والفرش مبسوطة والوسائد مرصوفة والكراسي منصوبة فوطى ء بقدمه على كرسي الخلافة واذن للناس اذنا عاما فدخلوا يعزونه ويهنونه ، كما سيأتي .

وكان عند معاوية قميص رسول اللّه وبعض شعره وقراضة أظفاره صلى الله عليه و آله ، فلمّا حضرته الوفاة أوصى أن يكفن بقميص النبي ويحشى شعره في فمه وأنفه ويوضع معه أظفاره ، وخلوا بين معاوية وأرحم الراحمين .

قال الشيعة : إنّ معاوية لم يكن مخلصا في وصيته ولا متيقنا بما يقول ، إنّما كان ينافق حتى النفس الأخير ، ويخدع الناس ليبايعوا ليزيد ، وليس هذا أول منافق أوصى أن يكفن بقميص النبي صلى الله عليه و آله فقد كفن عبد اللّه أبي بن سلول بقميص النبي صلى الله عليه و آله

وهو ممن اتفق علماء السنة والامامية على أنّه رأس المنافقين . كما ذكرنا ذلك في كتاب

رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

بالجملة : توفي معاوية ليلة الخميس النصف من رجب الأصم سنة تسع وخمسين للهجرة ودفن في مقبرة باب الصغير وقيل : دفن بين باب الصغير وباب جابيه ،

ص: 228

وكان عمره نيفا وتسعين سنة . كان عاملا لعمر بن الخطاب على الشام خلفا لأخيه يزيد من سنة ثمان عشر للهجرة وبقي على ولاية الشام اثنين وعشرين ثم تربع على كرسي الخلافة في غرة ربيع الثاني سنة احدى واربعين وبقي في الخلافة تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وخمسة عشر يوما ، واتفق المؤرخون والمحدثون عموما على أنّ مدة خلافته كانت تسع عشرة سنة وأشهر ، واتفق الجميع أيضا على أنّ أول خلافته كانت سنة احدى واربعين وسميت تلك السنة بعام الجماعة ، وبهذا لا يبقى مجال للشك من أنّ وفاته كانت سنة تسع وخمسين وكانت شهادة الحسين سنة ستين .

خلف معاوية ثلاثة أولاد عبد الرحمن ويزيد عليه اللعنة وعبد اللّه ، وخمس بنات هند وعاتكة ورملة وصفية وعائشة .

ذكر خلافة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سنة تسع وخمسين

قال عبوس المنصوري في كتاب زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة في قسم بني امية : ولد يزيد عليه اللعنة في سنة ست وعشرين كنيته أبو خالد ، أمه ميسون بنت بحدل بن انيف الكلابية ، تزوجها معاوية من البادية فحملت بيزيد ، فسأمت بعد مدة من فراق الأحبة والغربة وضجرت وحنت الى الوطن فقالت :

للبس عباءة وتقر عيني

أحبّ اليّ من لبس الشفوف

وبيت تخفق الأرياح فيه

أحبّ اليّ من قصر منيف

وأصوات الرياح بكل فج

أحبّ اليّ من نقر الدفوف

وكلب ينبح الاضياف منه

أحبّ اليّ من هر الوف

وبكر يتبع الاضعان صعب

أحبّ اليّ من بغل زفوف

واكل الضب واليربوع دأبي

أحبّ اليّ من اكل الرغيف

وخرق من بني عمي نجيب

أحبّ اليّ من علج عنيف

ص: 229

فلمّا سمع معاوية هذه الأبيات طلقها وارجعها الى أهلها .

وفي كتاب تجارب السلف لهندو شاه : إنّ أبا ميسون بجدل كان له غلام يدعى سفاح وكان يحب ميسون ويبادلها العشق والغرام فوقع عليها فحملت ثم انتقلت الى بيت معاوية ثيبا فلم ينكشف أمرها لانها كانت في بداية الحمل ، فلمّا ظهر الحمل تبناه معاوية وسمى ولدها يزيدا . وبقيت عنده حتى ضجرت فطلقها معاوية وارجعها الى أهلها فاقامت في حوارين .

وكان يزيد يحب الشراب والصيد وغيرها من المنكرات المحضورات فكان يسافر الى حوارين يلهو بما يهوى ويلقى أمه وكان يكثر السفر الى هناك حتى أنّه كان فيها لما توفي معاوية فكتب اليه الضحاك بن قيس ومسلم ابن عقبة كتابا كما ذكرنا يخبراه بموت معاوية فلمّا بلغه البريد قال يزيد :

جاء البريد بقرطاس يخب به

فاوجس القلب من قرطاسه فزعا

قلنا لك الويل ماذا في صحيفتكم

قال الخليفة أمسى مثبتا وجعا

فمادت الأرض كادت أن تميد بنا

كأن أغبر من اركانها انقطعا

ثم انبعثنا الى خوص مزممة

نرمي الفجاج بها لا تأتلي سرعا

فما نبالي إذا بلغن ارجلنا

ما مات منهن بالمزمار أو ضلعا

لما انتهينا وباب الدار منصفق

وصوت رملة راع القلب فانصدعا

اودى ابن هند فاودى المجد يتبعه

كانا جميعا فماتا قاطنين معا

اغر ابلج يستسقي الغمام به

لو قارع الناس عن احسابهم قرعا

لايرقع الناس ما اوهى ولو جهدوا

ان يرقعوه ولا يوهون ما رقعا

أنشد هذه الأبيات ورجع الى دمشق فوصلها بعد ثلاثة أيام فتوجه الى قبر معاوية في باب الصغير وقيل : بين باب الصغير وباب جابية ، فوقف عليه ودعا له ثم توجه الى بيته فلم يأذن لأحد ثلاثة أيام .

ص: 230

ذكر خلافة يزيد بن معاوية

ذكرنا فيما مضى أنّ معاوية مات ليلة الخميس النصف من رجب سنة تسع وخمسين وجاء يزيد بعد ثلاثة أيام الى دمشق وتوجه الى قبر أبيه ثم دخل البيت ثلاثة أيام ثم خرج يوم الأربعاء الحادي والعشرين من رجب الى المسجد حزينا مغموما ، فصعد المنبر ليخطب في الناس ، فخشي الضحاك بن قيس أن يحصر ويصيبه العي ، فقام الى المنبر ووقف الى جانبه ، فعرف يزيد ما أراد ، فقال له : يا ضحاك ، أجئت تعلّم بني عبد شمس الكلام ، ثم بدأ بالخطبة فقال : أيّها الناس إنّ معاوية كان

عبدا للّه أنعم عليه ثم قبضه اليه ، ولا اُزكيه على اللّه ، هو أعلم به إن شاء عفى عنه ، وإن شاء عاقبه .

وروي أنّه قال : الحمد للّه الذي ما شاء صنع ، ومن شاء أعطى ، ومن شاء منع ، ومن شاء خفض ، ومن شاء رفع ، إنّ معاوية حبل من حبال اللّه ، مدّه اللّه ما شاء أن

يمدّه ، ثم قطعه حين أراد قطعه ، وكان دون من كان قبله وخيرا ممن يأتي بعده ، وقد صار الى اللّه ، فإن شاء عاقبه ، وإن شاء رحمه ، ولست أعتذر من جهل ، ولا أثنى على طلب علم ، فإن أحبّ اللّه شيئا يسّره ، وإن كرهه غيّره .

ثم نزل ودخل وأذن للناس إذنا عاما ، فدخل عليه الناس لا يدرون يعزونه بوفاة معاوية أم يهنوه بالخلافة ، فقام عصام بن صيفي فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، أصبحت قد رزيت خليفة للّه ، وأعطيت خليفة اللّه ، ومنحت هبة اللّه ، قضى معاوية نحبه ، فغفر اللّه ذنبه ، وأعطيت بعده الرياسة

فاحتسب منه . فدعاه يزيد وأجلسه بالقرب منه .

ثم قام عبد اللّه بن مازن فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين رزيت خير الاباء وسميت خير الأسماء ومنحت أفضل العطاء ، فهناك اللّه العطية ، وأعانك على الرعية ، فقد أصبحت قريش مفجوعة بعد سائسها ، مسرورة لما أحسن اللّه اليها بالخلافة

ص: 231

والعقب من بعده ، ثم إن شاء اللّه أعطاك الذي لا فوقها ، وقد أراد الملحدون عوقها عنك ، فيأبى اللّه إلاّ سوقها اليك حتى قلدوك طوقها . فقال يزيد لعنه اللّه : اقترب منّي يا ابن مازن ثم أجلسه الى جانبه .

ثم قام عبد اللّه بن همام فقال : آجرك اللّه يا أمير المؤمنين على الرزية ، وصبّرك على المصيبة ، وبارك لك في العطية ، ومنحك حمية الرعية ، مضى معاوية لسبيله ، غفر اللّه له وأورده موارد السرور ، ووفقك لصالح الاُمور ، وقد رزيت جليلاً ، وأعطيت جزيلا ، فحييت بالرسالة ، وولّيت السياسة ، أصبت بأعظم المصائب ، ومنحت أفضل الرغائب ، فاحتسب عند اللّه أعظم الرزية ، وأشكره أفضل العطية ، وأحدث لخالقك حمدا ، واللّه يمتعنا بك ، ويحفظ لك وعليك . وأنشأ يقول :

اصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقة

واشكر أباك الذي بالملك أصفاكا

لا رزء اعظم في الاقوام قد علموا

مما رزيت ولا عقبى كعقباكا

أصبحت راعي أهل الأرض كلّهم

فأنت ترعاهم واللّه يرعاكا

وفي معاوية الباقي لنا خلف

إذا نعيت ولا تسمع بمنعاكا

فدعاه يزيد وأكرمه وقرّب مجلسه ، ثم تقدّم الناس الى يزيد بالتعزية والتهنئة ، وأجازهم يزيد على قدر منازلهم ، وأعطاهم عطاياهم .

ذكر خطاب يزيد لأهل الشام وإخبارهم بعداوته لأهل العراق

دعا يزيد صناديد الشام وصعد المنبر فقال : نحن أهل الحقّ ، وأنصار الدين ، فأبشروا يا أهل الشام ، فإنّ الخير لم يزل فيكم وسيكون بيني وبين أهل العراق حربا شديدا وقد رأيت في منامي كأنّ نهرا يجري بيني وبينهم دما عبيطا ، وجعلت أجهد في منامي أن أجوز ذلك النهر فلم أقدر على ذلك حتى جاءني عبيد اللّه بن زياد فجازه بين يدي وأنا أنظر اليه .

ص: 232

فأجابه أهل الشام وقالوا : يا أمير المؤمنين امض بنا حيث شئت وأقدم بنا على من أحببت فنحن بين يديك وسيوفنا يعرفها أهل العراق في يوم صفين فقال لهم يزيد : أنتم لعمري كذلك وقد كان أمير المؤمنين معاوية لكم كالاب البار بالولد ، وكان من العرب أمجدها وأحمدها وأحمزها ، واعظمها خطرا وارفعها ذكرا وانداها أنامل واوسعها فواضل واسماها الى الفرع الباسق لا تعتريه الفهاهة في بلاغته ولا تدخله اللكنة في منطقه . . .

قال أعثم الكوفي : فصاح به صائح من أقاصي الناس وقال : كذبت واللّه يا عدو اللّه ما كان معاوية واللّه بهذه الصفة ، وإنّما هذه صفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهذه أخلاقه واخلاق أهل بيته لا معاوية ولا أنت ، فاضطرب الناس وطلب الرجل فلم يقدر عليه وسكت الناس ، وقام الى يزيد رجل من شيعته يقال له عطاء بن أبي صيفي فقال : يا أمير المؤمنين لا تلتفت الى مقالة الأعداء ، وقد اعطيت خلافة اللّه من بعد

أبيك فأنت خليفتنا وابنك معاوية ولي العهد بعدك لا نريد به بدلا ولا نبغي عنه حولا والسلام ، ففرح يزيد بهذه الكلمات وقام خطيبا فقال : أيّها الناس . . . لقد وليت هذا الأمر ولست أقصر عن طلب حق ولا اعذر من تفريط في باطل . . . ثم جلس فصاح الناس من كلّ جانب سمعا وطاعة وبايع الناس باجمعهم يزيد بن معاوية وابنه معاوية بن يزيد من بعده(1) .

ذكر إرسال يزيد كتبا الى الأمصار لإبلاغهم بموت معاوية وخلافته عليه اللعنة

اشارة

إعلم إنّي قد أخذت على ذمّتي أن يسيل قلمي بكلّ حديث أو خبر بحيث يستغني قارى ء كتابي عن مراجعة أيّ كتاب آخر ، فأيّ قصّة وجدتها في كتب المؤرخين والمحدثين أدرجتها في كتابي ما دامت في حيز الإمكان ولم تدخل دائرة المحالات ،

ص: 233


1- الفتوح لابن أثم 2/73 .

فلتتنصل الجماعة التي تنكر المعجزات والآيات من إنكارها ، ولتتراجع الجماعة التي تعدّ نفسها من المسلمين وهي تستبعد بعض الأخبار الغريبة لمجرد أنّها بعيدة عن العقل ، فالإنسان المحدود الغير بعيد النظر ينكر بعض الاُمور المحسوسة لمجرد أنّه لم

يرها مع أنّ مكوناتها مادية محسوسة ، وهي مصنوعة توجدها الأيدي البشرية ، فكيف يقر ويعترف بتصرف النفوس القوية في الأشياء الكونية الخارجة عن الدائرة المادية والحسية ، فلو نقل مخبر أنّ ثمة آلات وأدوات تستطيع من خلالها أن تربطك خلال ثوان معدودة وأنت في شرق الأرض بغربها تتكلّم وتسمع الجواب ، لاستسخفه السامع وقال : إنّه كلام جزافي لا يعقل ، فلمّا اخترعوا التلغراف صدقوا واعترفوا .

لم أقصد من هذه الكلمات إثبات المعجزات والآيات ، إنّ ذلك يستدعي مقدّمات وإثباتات وحجج أخرى ، وإنّما أردت أن أعذر نفسي في تحرير الأخبار ، وأردع العقول الناقصة عن فضول الكلام .

وسأشير الى أسماء بعض الكتب المؤلفة في شهادة الإمام الحسين عليه السلام ليعلم القارى ء أنّ ما يرد في كتابي من معجزات وآيات إنّما هي مأخوذة من مصنفات صناديد الشيعة والسنة :

كتاب الإرشاد للشيخ المفيد .

كتاب اللهوف للسيد ابن طاووس .

مثير الأحزان للشيخ جعفر .

مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني .

الكتاب الكبير للسيد محمد بن أبي طالب .

كتب المناقب لعلماء الامامية المتقدمين وجماعة من فحول الزيدية .

مروج الذهب للمسعودي .

المناقب لابن شهرآشوب .

ص: 234

كشف الغمة .

بحار الأنوار .

العوالم .

تاريخ الطبري .

تاريخ ابن أعثم الكوفي .

مقتل أبي مخنف .

المناقب للخوارزمي .

خواص الأمة في معرفة الأئمة لابن الجوزي .

مطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعي .

الفصول المهمة في فضائل الأئمة .

زبدة الفكرة للمنصوري - تاريخ بني أمية - .

روضة الشهداء .

والكتب المؤلفة في هذا المجال كثيرة جدّا عربية وفارسية ، لم نذكرها وأسماء مؤلفيها تجنبا للاطالة ، إضافة الى أنّنا سنذكرها في ذيل الأخبار التي ننقلها عنها .

* * *

[ عودة الى الموضوع ]

لما جلس يزيد على كرسي السلطنة نوى أن يكتب الى عماله في جميع البلدان والأمصار ليأخذوا البيعة مجددة من الناس ، فكتب الى عماله نسخة واحدة :

بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من عبد اللّه يزيد أمير المؤمنين الى فلان ، أمّا بعد ، فإنّ معاوية كان عبدا من عباد اللّه أكرمه اللّه بالولاية واستخلفه ومكن له ، فعاش بقدر

ومات بأجل ، فرحمه اللّه ، فقد عاش حميدا رضيا ومات برا تقيا ، ويجب أن تأخذ أهل عملك الأصاغر منهم والأكابر ، البرّ منهم والفاجر ، تجديدا لبيعتنا والإنقياد لأمرنا والتسارع الى طاعتنا أخذا شديدا بلا رخصة ولا تأخير ، والسلام .

ص: 235

أرسل يزيد هذا الكتاب الى عماله ، ولكن همّته كانت في الأربعة الذين أبوا مبايعته وهم الحسين بن علي عليهماالسلام وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد اللّه بن عمر ، وعبد اللّه بن الزبير ، فلمّا تربع على عرش السلطنة كان عبد الرحمن بن أبي بكر ميتا

كما ذكرنا ، وكان عامله على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، فكتب اليه :

أمّا بعد فخذ حسينا وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ، ليست فيه رخصة حتى يبايعوا .

وقال : يا أبا محمد أنفذ كتابي اليهم فمن لم يبايعك فانفذ اليّ برأسه مع جواب كتابي هذا والسلام . وأخبره أنّ معاوية حذّره من آل أبي تراب وأوصاه أن يحارب آل أبي تراب بآل أبي سفيان إنتقاما لدم المظلوم عثمان لأنّهم أنصار الحقّ وطلاب العدل .

فلمّا ورد كتاب يزيد على الوليد بن عتبة وقرأه قال : إنّا للّه وإنّا اليه راجعون يا ويح الوليد بن عتبة من أدخله في هذه الامارة ، ما لي وللحسين ابن فاطمة(1) .

ثم بعث الى مروان بن الحكم لأنّ يزيد أمره أن يستشيره فأراه الكتاب فقرأه فاسترجع ثم قال : يرحم اللّه أمير المؤمنين معاوية فقال الوليد : أشر علي برايك في

هؤلاء القوم كيف أصنع ؟ فقال مروان : أمّا عبد اللّه بن عمر فإنّي لا أراه ينازع في

هذا الأمر أحدا إلاّ تأتيه الخلافة عفوا ، فذر ابن عمر ، وأمّا اولئك تبعث اليهم فيهذه

الساعة فتدعوهم الى البيعة والدخول في طاعة يزيد ، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم ، وإن أبوا ذلك قدّمهم واضرب أعناقهم قبل أن يدروا بموت معاوية ، فإنّهم إن علموا ذلك وثب كلّ رجل فاظهر الخلاف ودعا الى نفسه ، فعند ذلك أخاف أن يأتيك من قبلهم ما لا قبل لك به ، وما لا تقوم له . وواللّه أن لو كنت في موضعك لم أراجع الحسين بكلمة واحدة حتى أضرب رقبته كائنا في ذلك ما كان .

ص: 236


1- الفتوح 2/75 .

فأطرق الوليد بن عتبة الى الأرض ساعة ثم رفع رأسه وقال : لا تستصغر القوم فإن طلبناهم الآن ماذا يقولون ؟ فقال مروان : اواه أيّها الأمير لا تجزع مما قلت لك

فإنّ آل أبي تراب هم الأعداء في قديم الدهر لم يزالوا ، وهم الذين قتلوا الخليفة عثمان بن عفان ، ثم ساروا الى أمير المؤمنين فحاربوه ، وبعد فإنّي لست آمن أيّها الأمير أنّك إن لم تعاجل الحسين بن على خاصة أن تسقط منزلتك عند أمير المؤمنين يزيد ، فأطرق الوليد ودمعت عيناه ثم قال : مهلا ويحك يا مروان عن كلامك هذا ، وأحسن القول في ابن فاطمة فإنّه بقية ولد النبيين .

ثم بعث الوليد بن عتبة عمرو بن عثمان الى الحسين بن علي وعبد اللّه بن الزبير فدعاهم - وكان ذلك في اليوم الثالث من شعبان - فاقبل اليهم الرسول، فلم يصب القوم في منازلهم فمضى نحو المسجد فاذا القوم عند قبر النبي صلى الله عليه و آله فسلم عليهم ثم قام وقال :

أجيبوا الأمير، فقال الحسين: يفعل اللّه ذلك إذا نحن فرغنا عن مجلسنا هذا إن شاء اللّه .

فانصرف الرسول الى الوليد فأخبره بذلك وأقبل عبد اللّه بن الزبير على الحسين بن علي فقال : يا أبا عبد اللّه أنّ هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للناس

وإنّي قد أنكرت ذلك وبعثه في هذه الساعة الينا ، ودعاءه إيانا بمثل هذا الوقت ، أترى في أيّ أمر طلبنا ؟ فقال الحسين : إنّي أظنّ أنّ طاغيتهم قد هلك وبعث الينا ليأخذ البيعة علينا ليزيد قبل أن يفشو في الناس الخبر .

فقال ابن الزبير : صدقت وأنا ما أظن غيره وإنّ ذلك كذلك ، فما ترى أن تصنع إن دعيت الى بيعة يزيد أبا عبد اللّه ؟ قال : أصنع أن لا اُبايع أبدا ، لأنّ الأمر إنّما كان لي من بعد أخي الحسن فصنع معاوية ما صنع وحلف لأخي الحسن أنّه لا يجعل الخلافة لأحد من بعده من ولده ، وأن يردّها اليّ إن كنت حيّا ، فإن كان معاوية قد خرج من دنياه ولم يف لي ولا لأخي الحسن بما كان ضمن ، فقد واللّه أتانا ما لا قوام لنا به ، كيف أبايع يزيد ؟ ويزيد رجل فاسق معلن الفسق ، يشرب الخمر ويلعب بالكلاب والفهود ويبغض بقية آل الرسول ؟ لا واللّه لا يكون ذلك أبدا(1) .

ص: 237


1- الفتوح 2/76 .

فبينما هما كذلك في هذه المحاورة ، إذ رجع اليهم الرسول ، فقال : أبا عبد اللّه إنّ الأمير قاعد لكما خاصة فقوما اليه ، فزبره الحسين بن علي ثم قال : انطلق الى أميرك

لا أم لك فمن أحبّ أن يصير اليه منا فإنّه صائر اليه ، وأمّا أنا فإنّي أصير اليه الساعة

إن شاء اللّه تعالى .

فرجع الرسول أيضا الى الوليد بن عتبة فقال : أما الحسين بن علي خاصة فقد اجاب وها هو صائر اليك في أثري ، فقال مروان بن الحكم : غدر واللّه الحسين ، فقال الوليد : مهلا فليس مثل الحسين يغدر فلا يقول شيئا ثم لا يفعل ، ثم قال : ثم أقبل الحسين على من بحضرته فقال : قوموا الى منازلكم فاني صائر الى هذا الرجل فانظر ما عنده وما يريد ؟ فقال له ابن الزبير : جعلت فداك يا بن رسول اللّه إنّي خائف عليك أن يحبسونك عندهم فلا يفارقونك أبدا دون أن تبايع أو تقتل(1) ، فقال الحسين : إنّي لا أدخل عليه حتى أكون على إمتناع ولا أعطي المقادة والمذلّة من نفسي ، فقد علمت أن واللّه إنّه جاء من الأمر ما لا قوام به ، ولكن قضاء اللّه

ماض فيّ .

ثم ثار الحسين بن علي الى منزله ثم دعا ثلاثين رجلا من أهل بيته ومواليه وشيعته فاعلمهم بشأنه ثم قال : كونوا بباب هذا الرجل فإنّي ماض اليه ومكلمه ، فإن سمعتم أنّ صوتي قد علا وسمعتم كلامي وصحت بكم يا آل الرسول فادخلوا واقتحموا من غير إذن ، ثم إشهروا السيوف ، ثم اقتلوا من يريد قتلي .

ثم خرج الحسين من منزله ، واوقف من كان معه على باب الوليد ثم دخل الحسين على الوليد بن عتبة فسلم عليه فرد عليه ، قال : ومروان بن الحكم هناك جالس في مجلس الوليد ، وقد كان بين مروان وبين الوليد منافرة ومفاوضة ، فاقبل الحسين على الوليد فقال : أصلح اللّه الأمير ، والصلاح خير من الفساد والصلة خير من الخشناء والشحناء ، وقد آن لكما أن تجتمعا ، فلم يجيباه في هذا بشيء ،

ص: 238


1- الفتوح 2/78 .

فقال الحسين : هل أتاكم من معاوية خبر فإنّه كان عليلا وقد طالت علته ، فكيف حاله الآن ، فتأوه الوليد وتنفس الصعداء وقال : أبا عبد اللّه آجرك اللّه في معاوية

فقد كان لك عم صدق ، وقد ذاق الموت وهذا كتاب يزيد ، فقال الحسين : إنّا للّه وإنّا

اليه راجعون ، جزى اللّه معاوية بعمله ، ولكن لماذا دعوتني ؟ فقال : دعوتك للبيعة فقد اجتمع عليه الناس(1) ، فقال الحسين : أيّها الأمير ، إنّ البيعة لا تكون سرا ، ولكن إذا دعوت الناس غدا فادعنا معهم . فقال الوليد : انصرف على اسم اللّه حتى تاتينا مع جماعة الناس ، فقال مروان : أيّها الأمير ، إن فاتك الثعلب لم تر إلاّ غباره ، احبس

الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه ، فالتفت اليه الحسين مغضبا وقال : يا بن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو كذبت يا ابن اللخناء وبيت اللّه لقد هيجت عليك وعلى صاحبك منّي حربا طويلا ، ثم أقبل الحسين على الوليد وقال : أيّها الأمير إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وبنا فتح اللّه وبنا يختم

اللّه ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون اينا احق بالبيعة والخلافة(2) .

وسمع من بالباب الحسين فهموا بفتح الباب واشهار السيوف ، فخرج اليهم الحسين سريعا وأمرهم بالانصراف الى منازلهم ، وأقبل الحسين الى منزله ، فقال مروان بن الحكم للوليد بن عتبة : عصيتني لا واللّه لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا ، فقال مروان : ويحك يا مروان إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني ودنياي واللّه ما أحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت منه من مال الدنيا وملكها وإنّي قتلت حسينا ، سبحان اللّه أأقتل حسينا أن قال : لا أبايع ، واللّه إنّي لأظنّ أنّ إمرء

يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند اللّه يوم القيامة لا ينظر اللّه اليه ولا يزكيه

وله عذاب اليم .

ص: 239


1- الفتوح 2/78 .
2- الفتوح 2/80 .

فقال له مروان : إذا كان هذا رأيك فقد أصبت ونعم الأمير ، ولكن مثلك أن يكون سائحا في البراري والجبال ، ولا يلي أمور الخلائق والخلفاء والسلاطين ، ثم خرج مروان مغضبا .

وأصبح الحسين من الغد فخرج من منزله ليستمع الأخبار فاذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه فقال : أبا عبد اللّه إنّي لك ناصح فاطعني ترشد وتسدد ، فقال الحسين : وما ذلك ، قل حتى اسمع ؟ فقال مروان : أقول : إنّي آمرك ببيعة يزيد فإنّه خير لك في دينك ودنياك ، فقال الحسين : إنّا للّه وإنّا اليه راجعون ، وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان . وطال الحديث بينهما فقال الحسين : ويحك يا مروان أتمدح يزيد وتقول باطلا ؟ ! ولو أنّ أهل المدينة دفعوا معاوية عن الخلافة وبقروا بطنه وعملوا بما أمرهم رسول اللّه لما ابتلاهم اللّه بيزيد(1) .

فغضب مروان من كلام الحسين ثم قال : واللّه لا تفارقني أو تبايع ليزيد بن معاوية صاغرا ، فانكم آل أبي تراب قد ملئتم كلاما واشربتم بغض آل أبي سفيان ، فقال الحسين : ويلك يا مروان إليك عني ، فإنّك رجس وإنّا أهل بيت الطهارة الذين أذهب اللّه عنهم الرجس ، فنكس مروان رأسه لا ينطق بشيء ، فقال له الحسين : ابشر يابن الزرقاء بكل ما تكره من الرسول صلى الله عليه و آله يوم تقدم على ربك فيسألك جدي عن حقي وحق يزيد ، فمضى مروان مغضبا حتى دخل على الوليد بن عتبة يخبره بما سمع من الحسين(2) ويشكوه اليه .

ص: 240


1- في الفتوح 2/82 : « ... اليك عني يا عدو اللّه فإنّا أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله والحق فينا وبالحق تنطق السنتنا وقد سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء أبناء الطلقاء فاذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه فواللّه لقد رآه أهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به فابتلاهم اللّه بابنه يزيد ، زاده اللّه في النار عذابا » .
2- الفتوح 2/83 .

فلمّا سمع الوليد من مروان وعلم أنّه لا يقدر على شيء مع الحسين بعث الى عبد اللّه بن الزبير ، فدعاه فأرسل اليه ابن الزبير : أيّها الأمير لا تعجل فاني لك على ما تحب ، وأنا صائر اليك إن شاء اللّه ، فابى الوليد بن عتبة ذلك ، وجعل يرسل اليه رسولا بعد رسول حتى أكثر عليه من الرسل ، وجعل أصحاب الوليد بن عتبة ينادون عبد اللّه بن الزبير ويقولون : يابن الكاهلية واللّه لتاتين الأمير أو لنقتلنك ، فقال ابن الزبير : لا تعجلوني حتى ابعث الى الأمير من ياتيني برايه وأمره ، فبعث اليه أخاه جعفر بن الزبير فقال : كف عن عبد اللّه فإنّك قد أفزعته وذعرته بكثرة رسلك وهو آتيك غدا إن شاء اللّه فمر رسلك فلينصرفوا عنا ، فقال الوليد : سهل طلبت وما مثلي ومثل أخوك إلاّ كما قال اللّه تعالى : « إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ » فأمرهم بالإنصراف عنه .

أما ابن الزبير فإنّه قال : أخرج الى مكة ، وإنّي أعلم أنّ الوليد يطلبني فليخرج جماعة منكم على الجادة وأنا آخذ طريق الفرع ، فتفرّق عنه اخوته ، ومضى عبد اللّه ومعه أخوه جعفر ليس معهما ثالث ، فأخذ على مجهول الطريق الى مكة ، وأصبح الوليد فتفقد أولاد الزبير ، وعلم أنّ عبد اللّه قد هرب الى مكة ، فغضب لذلك وضاق به ذرعا ، فقال له مروان : إنّ الأمير إذا استشار أمراء المعرفة والنصيحة وأشاروا عليه فلم يقبل فيكون قد أخطأ وضيع الحزم ، والآن فأنا أعلم أنّه ما أخطأ طريق مكة ، فسرح في طلبه الرجال من قبل أن يمعن في المسير ، فبعث راكبا من بني أمية في ثمانين راكبا ، فطلبوه فلم يقدروا عليه فرجعوا .

ثم أرسل الى كلّ من شيعة عبد اللّه بن الزبير فأخذه وحبسه ، وفيمن حبس يومئذ ابن عم لعبد اللّه بن عمر يقال له : عبد اللّه بن أبي مطيع(1) ، وأمه يقال لها :

العجماء بنت عامر بن الفضل بن عفيف بن كلب(2)الخزاعي ، فمشى رجال من

ص: 241


1- في الفتوح : « ابن مطيع» .
2- في الفتوح : « ابن الفضل بن كليب الخزاعية » .

بني عدي الى عبد اللّه بن عمر فقالوا : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ صاحبنا عبد اللّه بن أبي مطيع قد حبس مظلوما لا ذنب له ، واللّه لنخرجنه أو لنموتن من دونه ، فقال لهم ابن عمر : لا تعجلوا بالفتنة ولا تسارعوا اليها .

ثم أرسل ابن عمر الى مروان بن الحكم فدعاه اليه فنصحه وقال : فإنّ الظلم مرتعه وخيم ولا تأخذوا بالظنة والتهمة ، فإنّكم إن إستقمتم أعانكم اللّه ، وإن ظلمتم

وكلكم اللّه الى أنفسكم ، فكفّوا عن صاحبنا هذا عبد اللّه بن مطيع وخلّوا سبيله ، فإنّا لا نعلم أنّ لكم عليه سبيل ولا حقّ تحبسونه به ، فإن زعمتم أنّ عليه دين قضيته عنه ، وإن زعمتم أنّكم خفتموه فأنا زعيم به ، وإن كنتم إنّما حبستموه على الظن فإنّا

لا ندع صاحبنا يحبس مظلوما ، فقال مروان : إنّما حبسناه بأمر يزيد ، ولا عليكم أن تكتبوا في ذلك الى يزيد ونكتب أيضا ، فإنّه لا يكون إلاّ ما تحبّون .

فوثب أبو الجمهري وحذيفة العدوي(1) فقالا : نكتب وتكتبون وابن أبي مطيع(2) محبوس ؟ ! لا واللّه لا يكون ذلك أبدا ، ثم وثب بنو عدي فجعلوا يحضرون حتى صاروا الى باب السجن ، فاقتحموا على عبد اللّه ، فأخرجوه وأخرجوا كلّ من كان في السجن ، ولم يتعرض اليهم أحد ، فاغتم لذلك الوليد ، فعندها كتب الوليد بن عتبة الى يزيد بن معاوية يخبره بما كان من أهل المدينة وما كان من ابن الزبير وأمر السجن ، ثم ذكر له بعد ذلك أمر الحسين بن علي عليهماالسلام فكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، الى عبد اللّه يزيد أمير المؤمنين من وليد بن عتبة بن أبي سفيان ، أمّا بعد فإنّ الحسين بن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة فرأيك في أمره والسلام .

فكتب اليه يزيد : أمّا بعد فاذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه وبيّن لي

في كتابك كلّ من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي والسلام .

ص: 242


1- في الفتوح : « فوثب أبو جهم بن خليفة العدوي فقال :...» .
2- في الفتوح : « وابن العجماء » .

وروي أنّه لما ورد الكتاب على يزيد غضب لذلك غضبا شديدا وكان إذا غضب انقلبت عيناه فعاد أحول ، فكتب الى الوليد بن عتبة : أمّا بعد فاذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة ثانيا على أهل المدينة بتوكيد منك عليهم ، وذر عبد اللّه بن الزبير فإنّه لن يفوتنا ، ولن ينجو منا أبدا ، ما دام حيا ، فإن فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنة الخيل ولك عندي الجائزة والحظ الأوفر والنعمة واحدة ، والسلام .

فلمّا ورد الكتاب على الوليد بن عتبة وقرأه تعاظم ذلك وقال : لا حول ولا قوة إلاّ باللّه ، لا واللّه لا يراني اللّه قاتل الحسين بن علي وأنا لا أقتل ابن بنت

رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولو أعطاني يزيد الدنيا بحذافيرها(1) .

ص: 243


1- الفتوح 2/84 .

ص: 244

ناسخ التواريخ حياة الإمام سيد الشهداء الحسين عليه السلام-الجزء الثاني

اشارة

ص: 245

ص: 246

الإمام الحسين عليه السلام يزور قبر جده رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويشكو اليه من الظلم

اشارة

قال محمد بن أبي طالب الحسيني الحائري في كتابه المقتل(1) : وخرج الحسين عليه السلام

من منزله ذات ليلة بعد منتصف الليل ، وأقبل إلى قبر جده صلى الله عليه و آله فقال : السلام عليك يا رسول اللّه ، أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك ، وسبطك الذي خلفتني في أمتك ، فاشهد عليهم - يا نبي اللّه - إنّهم قد خذلوني وضيعوني ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك ، قال : ثم قام فصف قدميه ، فلم يزل راكعا ساجدا .

قال : وأرسل الوليد إلى منزل الحسين عليه السلام لينظر أخرج من المدينة أم لا ، فلم يصبه في منزله ، فقال : الحمد للّه الذي خرج ولم يبتلني بدمه . قال : ورجع الحسين إلى

منزله عند الصبح .

فلمّا كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر أيضا وصلى ركعات ، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول : اللّهم هذا قبر نبيك محمد وأنا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللّهم إنّي أحبّ المعروف وأنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام

بحقّ القبر ومن فيه إلاّ اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى(2) .

ص: 247


1- اسم كتابه : تسلية المجالس وزينة المجالس» .
2- بحارالأنوار 44/328 .

الحسين عليه السلام يرى جده صلى الله عليه و آله في المنام :

قال : ثم جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفي ، فإذا هو برسول اللّه قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله

وبين يديه حتى ضم الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال :

حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرملا بدمائك مذبوحا بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمتي وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى وظمآن لا تروى وهم مع ذلك يرجون شفاعتي لا أنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامة ، حبيبي يا حسين إنّ أباك وأمك وأخاك قدموا عليّ وهم مشتاقون إليك ، وإنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلاّ بالشهادة .

قال : فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر إلى جده ويقول : يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك ، فقال له رسول اللّه : لابد لك

من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة وما قد كتب اللّه لك فيها من الثواب العظيم ، فإنك وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة .

قال : فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعا مرعوبا فقص رؤاه على أهل بيته وبني عبد المطلب ، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غما من أهل بيت رسول اللّه ، ولا أكثر باك ولا باكية منهم .

قال : وتهيأ الحسين عليه السلام للخروج من المدينة ، ومضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودعها ، ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن ففعل كذلك ، ثم رجع إلى منزله وقت الصبح(1) .

محمد بن الحنفية يحاور الحسين عليه السلام :

فأقبل إليه أخوه محمد بن الحنفية وقال : يا أخي أنت أحبّ الخلق إليّ وأعزهم عليّ ، ولست واللّه أدخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحقّ بها

ص: 248


1- بحارالأنوار 44/329 .

منك لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي ومن وجب طاعته في عنقي لأن اللّه قد شرفك علي وجعلك من سادات أهل الجنة .

تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثم ابعث رسلك إلى الناس ثم ادعهم إلى نفسك فإن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت اللّه على ذلك ، وإن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك ، إنّي أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك ، فيقتتلون فتكون إذا لأول الأسنة غرضا ، فإذا خير هذه الأمة كلّها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلّها أهلا(1) .

فقال له الحسين عليه السلام : فاين أذهب ؟ قال : انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك ، وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن فإنهم أنصار جدك وأبيك وهم أرأف الناس وأرقهم قلوبا وأوسع الناس بلادا ، فإن اطمأنت بك الدار وإلاّ لحقت بالرمال وشعوب الجبال وجزت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ، ويحكم اللّه بينا وبين القوم الفاسقين .

قال : فقال الحسين عليه السلام : يا أخي واللّه لو لم يكن ملجأ ولا مأوى لما بايعت

يزيد بن معاوية .

فقطع محمد بن الحنفية الكلام وبكى فبكى الحسين عليه السلام معه ساعة ثم قال : يا أخي جزاك اللّه خيرا ، فقد نصحت وأشرت بالصواب وأنا عازم على الخروج إلى مكة وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي ، وأمرهم أمري ورأيهم رأيي ، وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا ، لا تخفي عني شيئا من أمورهم .

ثم دعا الحسين بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية ، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق ، وأن الجنة والنار حق وَأَنَّ السّاعَةَ

ص: 249


1- بحار الأنوار 44/326 باب 37 .

آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا

مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه و آله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام ، فمن قبلني بقبول الحقّ فاللّه أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي اللّه بيني وبين القوم بالحق وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ، وهذه وصيتي يا أخي إليك وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ .

قال : ثم طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه .

فلمّا همّ الحسين بالشخوص إلى المدينة أقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة حتى مشى فيهن الحسين عليه السلام فقال : أنشدكن اللّه أن تبدين هذا الأمر معصية للّه ولرسوله ، قالت له نساء بني عبد المطلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء ، فهو عندنا كيوم مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي وفاطمة والحسن عليهم السلام ، فننشدك اللّه جعلنا اللّه فداك من الموت ، فيا حبيب الأبرار من أهل القبور ، وأقبلت بعض عماته تبكي وتقول أشهد يا حسين لقد سمعت الجن ناحت بنوحك وهم يقولون :

وإن قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقابا من قريش فذلت

حبيب رسول اللّه لم يك فاحشا

أبانت مصيبتك الأنوف وجلت(1)

وقلن أيضا :

ابكوا حسينا سيدا

ولقتله شاب الشعر

ولقتله زلزلتم و

لقتله انكسف القمر

واحمرت آفاق السماء

من العشية والسحر

وتغيرت شمس البلاد

بهم وأظلمت الكور

ذاك ابن فاطمة المصاب

به الخلائق والبشر

أورثتنا ذلا به

جدع الأنوف مع الغرر(2)

ص: 250


1- بحار الأنوار 44/328 باب 37 .
2- بحار الأنوار 45/89 .

فقالت له أم سلمة : يا بني لا تحزني بخروجك إلى العراق ، فإني سمعت جدك يقول : يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها « كربلاء » ، فقال لها : يا أماه وأنا واللّه أعلم ذلك ، وإنّي مقتول لا محالة ، وليس لي من هذا بد ، وإنّي واللّه

لأعرف اليوم الذي أقتل فيه ، وأعرف من يقتلني ، وأعرف البقعة التي أدفن فيها ، وإنّي أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي ، وإن أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي .

ثم أشار عليه السلام إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه

وموضع عسكره وموقفه ومشهده ، فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا وسلمت أمره إلى اللّه .

فقال لها : يا أماه قد شاء اللّه - عزّ وجلّ - أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما وعدوانا ، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيدين ، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا ولا معينا .

فقالت أم سلمة : وعندي تربة دفعها إليّ جدك في قارورة ، فقال : واللّه إنّي

مقتول كذلك ، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا ، ثم أخذ تربة فجعلها في قارورة وأعطاها إياها وقال : اجعليها مع قارورة جدّي ، فإذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت(1) .

عمر بن علي يحاور الحسين عليه السلام :

وعن عمر النسابة فيما ذكره في آخر كتاب الشافي في النسب بإسناده إلى جده محمد بن عمر قال : سمعت أبي عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام يحدث أخوالي آل عقيل قال : لما امتنع أخي الحسين عليه السلام عن البيعة ليزيد بالمدينة دخلت عليه فوجدته خاليا ، فقلت له : جعلت فداك يا أبا عبد اللّه حدثني أخوك أبو محمد الحسن عن أبيه عليهماالسلام ، ثم سبقتني الدمعة وعلا شهيقي ، فضمني إليه وقال : حدثك أني مقتول ؟

ص: 251


1- بحار الأنوار 44/330 باب 37 .

فقلت : حوشيت يا ابن رسول اللّه ، فقال : سألتك بحق أبيك بقتلي خبرك ؟ فقلت : نعم ، فلولا ناولت وبايعت ! !

فقال : حدثني أبي أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخبره بقتله وقتلي ، وأن تربتي تكون بقرب تربته ، فتظن أنّك علمت ما لم أعلمه ؟ وأنه لا أعطي الدنية من نفسي أبدا ، ولتلقين فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريتها من أمته ، ولا يدخل الجنة أحد آذاها في ذريتها(1) .

ثم إنّ الحسين عليه السلام عزم على السفر الى مكة وأعدّ المحامل لاخواته وبناته وأمر القاسم بن الحسن عليهماالسلام بملازمة المحامل ، وأمر واحدا وعشرين من أصحابه وأهل بيته بالاستعداد للسفر منهم أبو بكر بن علي ومحمد بن علي وعثمان بن علي والعباس بن علي وعبد اللّه بن مسلم بن عقيل وعلي بن الحسين الأكبر وعلي بن الحسين الأصغر عليهم السلام .

الحسين عليه السلام يودع قبر جده :

ثم أتى قبر جده رسول اللّه صلى الله عليه و آله والتزمه وبكى بكاءا شديدا وقال : بأبي أنت وامي لقد خرجت من جوارك كرها وفرّق بيني وبينك وأخذت بالأنف قهرا أن أبايع يزيد بن معاوية شارب الخمور وراكب الفجور ، فإن فعلت كفرت وإن أبيت قتلت ، فها أنا خارج من جوارك على الكره ، فعليك منّي السلام يا رسول اللّه .

ثم أخذته نعسة فرأى في منامه رسول اللّه وإذا هو قد ضمه الى صدره وقبّل ما بين عينيه وقال : يا بني لقد لحق بي أبوك وامك واخوك وهم مجتمعون في دار الحيوان ولكنا مشتاقون اليك ، فعجل بالقدوم الينا واعلم يا بني إنّ لك في الجنة درجة مغشاة بنور اللّه فلست تنالها الاّ بالشهادة ، وما أقرب قدومك علينا(2) .

ص: 252


1- اللهوف : 26 المسلك الأول .
2- انظر المنتخب للطريحي : 410 .

خروج الحسين عليه السلام الى مكة :

فسار الحسين إلى مكة خائفا مترقبا كخروج موسى بن عمران وهو يقرأ « فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ » .

روي عن سكينة بنت الحسين عليهماالسلام أنها قالت : لمّا خرجنا من المدينة ما كان أشدّ خوفا منا أهل البيت(1) .

ثم إنّ الحسين عليه السلام لزم الطريق الأعظم ، فقال له أهل بيته : لو تنكبت عن الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب ، فقال : لا واللّه لا أفارقه حتى يقضي اللّه ما هو قاض(2) . قالَ عليه السلام : اَتَخافُونَ الطَلَبَ ؟ قالُوا : اَجَلْ ، قالَ : اَخافُ اَنْ اَحْيدَ الطَّريقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ، وَاَنْشأَ يَقُولُ :

اِذِ الْمَرءَ لا يَحْمي بَنيهِ وَعِرْسَهُ

وَعِتْرَتَهُ كانَ اللَّئيمَ المُسَبّبا

وَمِنْ دونِ ما يبغي يَزيد بِنا غَدا

نَخُوضُ بِحارَ الْمَوت شَرقَا وَمَغرِبَا

وَنَضْرِبُ ضَرْبا كالحَريقِ مُقَدَّما

اِذا ما رَآهُ ضَيْغَمٌ فَرَّ مَهْرَبا(3)

قال أبو سعيد المقري : لما خرج الحسين عليه السلام من المسجد الحرام متوجها إلى العراق تمثل بقول يزيد بن المفرغ :

لا ذعرت السوام في غسق الليل

مغيرا ولا دعوت يزيدا

يوم أعطى من المهانة ضيما

والمنايا ترصدنني أن أحيدا(4)

الملائكة تأتي لاغاثة الحسين عليه السلام :

لما سار أبو عبد اللّه من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسومة في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة ، فسلموا عليه وقالوا : يا حجة اللّه على خلقه بعد جده وأبيه

ص: 253


1- المنتخب : 411 .
2- المنتخب : 411 .
3- مقتل أبي مخنف : 16 .
4- بحارالأنوار 44/332 باب 37 .

وأخيه ، إنّ اللّه سبحانه أمد جدك بنا فِي « مَواطِنَ كَثِيرَةٍ » ، وإن اللّه أمدك بنا ، فقال

لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها ، وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني ، فقالوا : يا حجة اللّه مرنا نسمع ونطع ، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك ؟ فقال : لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.

الجن يأتون لنصرة الإمام الحسين عليه السلام :

وأتته أفواج مسلمي الجن فقالوا : يا سيدنا نحن شيعتك وأنصارك فمرنا بأمرك

وما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كلّ عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك ، فجزاهم الحسين خيرا وقال لهم : أو ما قرأتم كتاب اللّه المنزل على جدي رسول اللّه « أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ » وقال سبحانه « لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ » وإذا أقمت بمكاني فبما ذا يبتلي هذا الخلق المتعوس وبما ذا يختبرون ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء ، وقد اختارها اللّه يوم دحا الأرض وجعلها معقلا لشيعتنا ، ويكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة ، ولكن تحضرون يوم السبت ، وهو يوم عاشوراء الذي في آخره أقتل ، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي ، ويسار برأسي إلى يزيد لعنه اللّه .

فقالت الجن : نحن واللّه يا حبيب اللّه وابن حبيبه لولا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك ، فقال صلوات اللّه عليه لهم : نحن واللّه أقدر عليهم منكم ولكن « لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ »(1) .

مع عبد اللّه بن أبي مطيع :

فبينما الحسين كذلك بين مكة والمدينة إذ لحق به عبد اللّه بن أبي القريشي وقال له : جعلت فداك إنّي أنصحك إذا دخلت مكة فلا تبرحن منها فهي حرم اللّه والامان للناس ، فقم فيها وتألف أهلها وخذ البيعة على كلّ من دخلها من الناس

ص: 254


1- بحار الأنوار 44/330 باب 37 .

وعدهم العدل ورفع الجور عنهم واقم فيها خطباء يخطبوا ويذكروا على المنابر شرفك ويشرحوا فضلك ويخبروا : إنّ جدك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وإنّ أباك علي بن أبي طالب وانك أولى بهذا الأمر من غيرك .

إياك أن تذكر مدينة الكوفة ، فانها بلد مشؤوم قتل فيها أبوك وأخوك ، ولا تبرح من حرم اللّه تعالى فإنّ معك أهل الحجاز واليمن كلّها ، وسيقدم اليك الناس من الافاق وينصرفون الى أمصارهم ويدعون الى بيعتك ، فاقبل نصيحتي وسر مسددا ، فواللّه إن قبلت لترشدنّ .

ورود الحسين بن علي عليهماالسلام الى مكة المعظمة :

خرج الحسين بن علي عليهماالسلام من المدينة ليلة الأحد الثامن والعشرين من شهر رجب الأصم بعد أن مضى من الليل شطره ودخل مكة يوم الجمعة الثالث من شهر شعبان المعظم وهو يقرأ : « وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ » .

أمّا الوليد بن عتبة فإنّه لما علم بأنّ الحسين عليه السلام توجه الى مكة أرسل الى عبد اللّه بن عمر بن الخطاب فاحضره ودعاه الى بيعة يزيد ، فقال عبد اللّه : إذا بايع الناس بايعت(1) ، فتركه لحاله لأنّه علم أنّه لا يتوجه اليهم ضرر من عبد اللّه ، فخرج عبد اللّه متوجها الى مكة أيضا .

ودخل الحسين عليه السلام الى مكة ، ففرح بها أهلها فرحا شديدا ، وجعلوا يختلفون اليه بكرة وعشية وإشتد ذلك على عبد اللّه بن الزبير ، لأنّه قد كان طمع أن يبايعه أهل مكة ، فلمّا قدم الحسين عليه السلام شقّ ذلك عليه غير أنّه لا يبدي ما في قلبه الى الحسين ، يختلف اليه يصلي بصلاته ويقعد عنده ، وهو مع ذلك يعلم أنّه لايبايعه أحد من أهل مكة والحسين بن علي فيها ، لأنّ الحسين عندهم أعظم في أنفسهم من ابن الزبير(2) .

ص: 255


1- تذكرة الخواص : 214 .
2- الفتوح : 2/89 .

عبد اللّه بن عباس وعبد اللّه بن عمر يكلمان الحسين عليه السلام :

وأقبل عبد اللّه بن عباس وعبد اللّه بن عمر بن الخطاب جميعا حتى دخلا على

الحسين ، فقال ابن عمر : أبا عبد اللّه اتق اللّه الذي اليه معادك ، فقد عرفت من عداوة

أهل هذا البيت لكم وظلمهم إياكم ، وقد ولى الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية ولست آمن أن يميل الناس اليه لمكان هذه الصفراء والبيضاء ، فيقتلوك ويهلك فيك أهل بيتك وبشر كثير ، فاني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يقول : حسين مقتول ولئن

قتلوه وخذلوه ، ولم ينصروه ليخذلهم اللّه يوم القيامة ، وأنا أشير عليك أن تدخل في

صلح ما دخل فيه الناس وتبايع يزيد ، واصبر كما صبرت لمعاوية من قبل فلعل اللّه أن يحكم بينك وبين القوم .

فقال له الحسين : أبا عبد الرحمن ، أنا أبايع يزيد وأدخل في صلحه ؟ فقال

عبد اللّه : صدقت أبا عبد اللّه قال النبي صلى الله عليه و آله في حياته مالي وليزيد ، لا بارك اللّه في يزيد ، وإنّه يقتل ولدي وولد ابنتي ، والذي نفسي بيده لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلاّ خالف اللّه بين قلوبهم وألسنتهم .

ثم بكى ابن عباس وبكى معه الحسين ، وقال : يابن عباس تعلم أني ابن بنت رسول اللّه ؟ فقال ابن عباس : اللّهم نعم نعلم ونعرف ما في الدنيا أحد هو ابن بنت

رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله غيرك ، وإنّ نصرك لفرض على هذه الأمة كفريضة الصلاة والزكاة التي لا يقدر أن يقبل أحدهما دون الاخرى ، فقال الحسين : يابن عباس ، فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله من داره وقراره ومولده وحرم رسوله ومجاورة قبره ومسجده وموضع مهاجره ، فتركوه خائفا مرعوبا لا يستقر في قرار ولا يأوي في موطن يريدون في ذلك قتله وسفك دمه وهو لم يرتكب ذنبا وهم يرون ذلك فرض عليهم ؟

فقال ابن عباس : ما أقول فيهم انهم كفروا باللّه ورسوله ثم تلا قوله تعالى : « وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ

ص: 256

الصَّلاةَ إِلاّ وَهُمْ كُسالى »(1) أمّا أنت يابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فإنّك رأس الفخار برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وابن نظيرة البتول ، فلا تظن يابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّ اللّه غافلا عما يعمل الظالمون بك ، وأنا أشهد أنّ من رغب عن مجاورتك ، وطمع في محاربتك ، فقد طمع في محاربة نبيك محمد وما له في الآخرة من خلاق . فقال الحسين عليه السلام : اللّهم أشهد . فقال ابن عباس : جعلت فداك ، بأبي أنت وامي يابن بنت رسول اللّه كأنك تريدني الى نفسك وتريد منّي أن انصرك واللّه الذي لا اله إلاّ هو ، أني لو ضربت بين

يديك بسيفي هذا حتى انخلع جميعا من كفي ، لما كنت ممن أفي من حقك عشر العشر .

فقال ابن عمر : مهلا ذرنا من هذا يابن عباس ، ثم أقبل ابن عمر على الحسين عليه السلام

فقال : أبا عبد اللّه مهلا عما قد عزمت عليه وارجع معنا من هنا الى المدينة وبايع يزيد وادخل في صلح القوم ، ولا تغب عن وطنك وحرم جدك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وإن أحببت أن لا تبايع فأنت متروك حتى ترى برأيك ، فإنّ يزيد بن معاوية عسى أن لا يعيش إلاّ قليلا فيكفيك اللّه أمره .

فقال الحسين عليه السلام : أبا عبد الرحمن أسألك باللّه أنا عندك على خطأ من أمري هذا ، فإن كنت عندك على خطأ فردّني، فإنّي أخضع وأسمع وأطيع؟ فقال ابن عمر: اللّهم لا ، ولم يكن اللّه تعالى يجعل ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله على خطأ أو نسيان أو سهو ، وليس مثلك من طهارته وصفوته من الرسول صلى الله عليه و آله ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف ويقاتلوك ولا طاقة لك بهم فيعود الأمر الى اسوء ما نتوقع عاقبة ، فارجع معنا الى المدينة ، وإن لم تحب أن تبايع فلا تبايع أبدا واقعد في منزلك .

فقال الحسين عليه السلام : هيهات يا بن عمر ، إنّ القوم لا يتركوني . . أما تعلم أبا

عبد الرحمن أنّ من هوان الدنيا على اللّه تعالى أنّه أتى برأس يحيى بن زكريا عليهماالسلام الى حاكم من حكام بني اسرائيل ، أما تعلم أبا عبد الرحمن أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الشمس الى الغروب سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون

ص: 257


1- التوبة : 54 .

ويشترون كلّهم كأنهم لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجل اللّه عليهم فأخذهم بعد ذلك أخذ

عزيز مقتدر ، اتق اللّه أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي واذكرني في صلاتك فوالذي بعث جدي محمد بشيرا ونذيرا لو أن أباك عمر بن الخطاب أدرك زماني لنصرني كنصرته جدي ، وقام من دوني قيامه بين يدي جدي ، يابن عمر فان كان الخروج معي مما يصعب عليك ويثقل فأنت في أوسع العذر ، ولكن لا تتركن لي الدعاء في دبر كلّ صلاة ، واجلس عن القوم ولا تعجل بالبيعة لهم حتى تعلم الى ما تؤول الاُمور . فقال عبد اللّه : إنّ اللّه خيّر جدّك بين الدنيا والآخرة فاختار جدك الآخرة على الدنيا ، وأنت ابن المصطفى وفلذة كبد المرتضى ليس لك من الدنيا حظ وليس لأهل بيتك من متعها شيئا ، وقد جعل اللّه لكم النعيم الخالد وذخر لكم حظكم الى الآخرة ،

قال ذلك ثم بكى وودع الحسين عليه السلام ومضى .

ثم أقبل الحسين على عبد اللّه بن عباس فقال : يا ابن عباس انك ابن عم والدي

ولم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك وكنت مع والدي تشير عليه بما فيه الرشاد ، وقد كان يستنصحك ويستشيرك فتشير عليه بالصواب ، فامض الى المدينة في حفظ اللّه وكلائه ولا تخفي عليّ شيئا من أخبارك فاني مستوطن هذا الحرم ومقيم فيه أبدا ما رأيت أهله يحبونني وينصرونني فاذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم ، واستعصمت بالكلمة التي قالها إبراهيم الخليل عليه السلام يوم القي في النار : حسبي اللّه ونعم الوكيل ، فكانت النار عليه بردا وسلاما ، فبكى ابن عباس وابن عمر في ذلك الوقت بكاء شديدا ، والحسين يبكي معهما ساعة ثم ودعهما وانصرفوا جميعا(1) .

كتاب يزيد عليه اللعنة الى ابن عباس في أمر الحسين عليه السلام :

لما علم يزيد بخروج الحسين بن علي عليهماالسلام وعبد اللّه بن الزبير الى مكة والامتناع عن بيعته غضب على الوليد بن عتبة وعزله في شهر رمضان المبارك وولى مكانه عمرو بن سعيد الأشدق ، وكتب الى عبد اللّه بن عباس مكتوبا :

ص: 258


1- الفتوح : 2/60 وما بعدها .

أمّا بعد فإنّ ابن عمك حسينا وعدو اللّه ابن الزبير التويا ببيعتي ولحقا بمكة مرصدين للفتنة معرضين انفسهما للهلكة فاما ابن الزبير فإنّه صريع الفناء وقتيل السيف غدا .

وأمّا الحسين فقد أحببت الاعذار اليكم أهل البيت مما كان منه وقد بلغني أن

رجالا من شيعته من أهل العراق يكاتبونه ويكاتبهم ويمنّونه الخلافة ويمنيهم الامرة وقد تعلمون ما بيني وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتائج الأرحام وقد قطع ذلك الحسين وبته ، وأنت زعيم أهل بيتك وسيد أهل بلادك ، فالقه فاردده عن السعي في الفرقة ، وردّ هذه الأمة عن الفتنة ، فإن قبل منك وأناب اليك فله عندي الأمان والكرامة الواسعة ، واجري عليه ما كان أبي يجريه على أخيه ، فإن طلب الزيادة فاضمن له ما اريك اللّه أنفذ ضمانك وأقوم له بذلك ، وله عليّ الأيمان المغلظة

والمواثيق المؤكدة بما تطمئن به نفسه ، ويعتمد في كلّ الاُمور عليه ، عجل بجواب كتابي وبكلّ حاجة لك اليّ وقبلي والسلام .

وكتب في أسفل الكتاب :

يا أيها الركب الغادي مطيته

على عذافرة في سيرها قحم

أبلغ قريشا على نأي المزار بها

بيني وبين الحسين اللّه والرحم

وموقف بفناء البيت أنشده

عهد الاله غدا يوفى به الذمم

هنئتم قومكم فخرا بامكم

أم لعمري حسان عفة كرم

هي التي لا يداني فضلها أحد

بنت الرسول وخير الناس قد علموا

إنّي لاعلم أو ظنا لعالمه

والظن يصدق أحيانا فينتظم

أن سوف يترككم ما تدعون به

قتلى تهاديكم العقبان والرخم

يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ سكنت

وامسكوا بحبال السلم واعتصموا

قد غرت الحرب من قد كان قبلكم

من القرون وقد بادت بها الامم

فانصفوا قومكم لا تهلكوا بذخا

فربّ ذي بذخ زلت به القدم

ص: 259

فكتب اليه ابن عباس :

أما بعد فقد ورد كتابك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكة ، فاما ابن الزبير فرجل منقطع عنا برأيه وهواه يكاتمنا مع ذلك أضغانا يسرها في صدره يوري علينا وري الزناد ، لا فكّ اللّه أسيرها فأرى في أمره ما أنت تراه ، وأمّا الحسين فإنّه لما نزل مكة وترك حرم جده ومنازل آبائه سألته عن مقدمه فاخبرني : أن عمالك بالمدينة أساؤا اليه وعجلوا عليه بالكلام الفاحش ، فاقبل الى حرم اللّه مستجيرا به وسألقاه فيما أشرت اليه ولن ادع النصيحة فيما يجمع اللّه به الكلمة ويطفي النائرة ويخمد به الفتنة ويحقن به دماء الأمة ، فاتق اللّه في السر والعلانية ولا تبيتن ليلة وأنت تريد لمسلم

غائلة ولا ترصده بمظلمة ولا تحفر له مهواة فكم من حافر لغيره حفرا وقع فيه وكم من مؤمل أملا لم يؤت أمله وخذ بحظلك من تلاوة القرآن ونشر السنة وعليك بالصيام والقيام لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها ، فإنّ كلّ ما اشتغلت به عن

اللّه يضرّ ويفنى ، وكلّ ما اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع ويبقى والسلام(1) .

كتب أهل الكوفة الى الحسين عليه السلام :

لما انتشر خبر اقامة الحسين عليه السلام في مكة سارع الناس من القاصي والداني الى لقائه وكانوا يتزايدون يوما بعد يوم ، وتوافد عليه كبار القوم وزعماؤهم ، فلمّا بلغ

ذلك أهل الكوفة فرحوا واجتمعوا في بيت سليمان بن صرد الخزاعي وقالوا : قد علمتم أنّ معاوية الظالم الجائر قد مات وقعد موضعه ابنه يزيد شارب الخمر ، وهذا الحسين بن علي قد خالفه ولم يبايع وصار الى مكة ، فماذا أنتم فاعلون ؟ فقام سليمان خطيبا فيهم ، فحمد اللّه وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه و آله وعلى أهل بيته ، ثم قال : يا معاشر الناس إنّكم قد علمتم بأنّ معاوية قد صار الى ربّه وقدم على عمله وسيجزيه اللّه تبارك وتعالى بما قدم ، وقد قعد موضعه ابنه يزيد وقد بايعه جماعة من سخفاء العقول وسفهاء الحلوم ، أيّها الناس اسمعوا وعوا .

ص: 260


1- تذكرة الخواص : 215 .

إنّ معاوية قد هلك وإن حسينا قد نقض(1) على القوم ببيعته وقد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه ، فإن خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل في نفسه .

قالوا: لا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا ونبذل مالنا دونه ، فاكتبوا إليه. فأخذ عليهم سليمان بن صرد بذلك ميثاقا وعهدا ، انهم لا يغدرون ولا ينكبون ثم قال : اكتبوا اليه

كتابا من جماعتكم أنكم له كما ذكرتم ، وسلوه القدوم عليكم ، قالوا : أفلا تكفينا أنت

الكتاب له ، قال : لا بل تكتب جماعتكم ، فكتب القوم الى الحسين بن علي عليهماالسلام :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ للحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد البجلي وحبيب بن مظاهر وشيعته المومنين والمسلمين من أهل الكوفة سلام عليك ، فإنا نحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو .

أما بعد : فالحمد للّه الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضى منها ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال اللّه دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعدا له كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ ، إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل اللّه أن يجمعنا بك على الحق ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت

إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء اللّه .

ثم سرحوا بالكتاب مع عبد اللّه بن مسمع الهمداني وعبد اللّه بن وائل وأمروهما بالنجا ، فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين بمكة لعشر مضين من شهر رمضان . فقرأ الحسين كتاب أهل الكوفة فسكت ولم يجبهم بشيء . وأقام الرسل في مكة .

ص: 261


1- النقض يستعمل فيما اُبرم والحسين عليه السلام لم يبرم بيعة ليزيد ولا لأبيه من قبل حتى يقال أنّه نقض البيعة معه ، بل إنّ معاوية وابنه لعنهما اللّه قد نقضا مع الحسين عليه السلام ويشهد لذلك وثيقة الصلح التي وقعها معاوية مع الحسن عليه السلام ، وكان فيها أنّ الخلافة تكون بعد معاوية للحسن عليه السلام ، وإن لم يكن فلأخيه الحسين عليه السلام ، ولم أجد هذا التعبير إلاّ فيما حكاه المجلسي عن الإرشاد للمفيد الذي ينقل عنه صاحب الناسخ ، والموجود « وهذا الحسين قد خالفه» أو « إمتنع الحسين من بيعة يزيد » أو ما شابهها . المترجم .

ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب وأنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبد اللّه وعبد الرحمن ابني عبد اللّه بن زياد الأرحبي وعمارة بن عبد اللّه

السلولي إلى الحسين عليه السلام ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة ، وهو مع ذلك يتأبى ولا يجيبهم .

ثم كتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن رويم وعروة بن قيس وعمر بن حجاج الزبيدي ومحمد بن عمرو التيمي :

بسم اللّه الرحمن الرحيم الى الحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين ، أما بعد ، فقد أخضر الجنات وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار ، فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة والسلام .

وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب .

ثم إنّ أهل الكوفة لما رأوا الجواب لا يصل اليهم ولم يقدم عليهم سرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد اللّه الحنفي وكتبوا إليه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى الحسين بن علي من شيعته من المومنين والمسلمين ، أما بعد ، فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ، ثم العجل العجل والسلام(1) .

قال أعثم الكوفي : خرج مائة وخمسون من أشراف الكوفة يعجلون السير نحو الحسين عليه السلام ومعهم كتب أهل الكوفة من الرجل والرجلين والثلاثة ، واعلنوا طاعتهم له عليه السلام واستعدادهم لنصرته وهم يسألونه القدوم عليهم(2) .

ص: 262


1- بحار الأنوار 44/332 باب 37 ، الفتوح : 2/93 وما بعدها .
2- في الفتوح : « ثم قدم عليه بعد ذلك قيس بن مسهر الصيداوي وعبد اللّه بن وال التميمي ومعهم جماعة نحو خمسين ومائة كتاب كل كتاب بين رجلين وثلاث وأربع ، يسألونه القدوم عليهم . .» .

كتاب الحسين عليه السلام الى أهل الكوفة وارسال مسلم بن عقيل الى الكوفة :

مما لا يخفى أنّ النبي صلى الله عليه و آله وأئمة الهدى عليهم السلام يعلمون مكنون خواطر المنافق ومستور ضمير الموافق ، كما شرحنا ذلك في كتاب سيد المرسلين ، ولكنهم كانوا يعملون بالظاهر حيث صلى النبي صلى الله عليه و آله على جنازة عبد اللّه بن أبي سلول ، وكان إذا حكم بين اثنين حكم بينهم بالبينات والايمان وهو يعلم حقيقة الأمر ، وكذلك الأمر بالنسبة الى سيد الشهداء فإنّه كان يعلم أنّه سيدخل كربلاء ويكون فيها غرضا لسيوف وسهام البلاء ، إلاّ أنّه أراد أن يتم الحجة على الناس لئلا يقولوا : أنّه ألقى بنفسه الى التهلكة ، فاقام في مكة حتى وصله اثنا عشر ألف كتاب وضاق الأمر على أشراف الكوفة وساداتها وزعمائها ، فمهد لدعوته وهندس لهم كتابا وصفه بما هذه صورته :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، من الحسين بن علي إلى الملأ من المومنين والمسلمين ، أما بعد ، فإن هانئا وسعيدا قدما عليّ بكتبكم وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم ، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم : أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل اللّه أن يجمعنا بك على الحق والهدى ، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إليّ بأنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء اللّه ، فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذلك للّه والسلام(1) .

ودعا الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة

بن عبد اللّه السلولي وعبد الرحمن بن عبد اللّه الأزدي وغيرهم من صناديد الكوفة ،

وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف ، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك . فودعه مسلم وخرج في النصف من شهر رمضان المبارك من مكة وطوى المنازل - كما سيأتي تفصيله - حتى وصل الكوفة يوم الخامس من شوال .

ص: 263


1- و 2 بحار الأنوار 44/ 334 باب 37 .

رجوع مسلم الى الحسين عليه السلام :

فلمّا قطع مسلم منزلا أو أقل أو أكثر من الطريق رأى من جهة اليمين صيادا اصطاد ظبية فصرعها وذبحها ، فتطير مسلم فرجع الى الحسين عليه السلام وقال له : يابن رسول اللّه إنّي تطيرت من سفري هذا ، وخشيت أن لا أفعل ما أمرتني ، وأن لا أوفق في أمري ، فقال له الحسين عليه السلام : إن كنت خائفا فرجعت فلا حرج عليك تقيم معي وابعث رجلا آخر مكانك ، فقال مسلم : بأبي أنت وامي ، إنّي إنّما رجعت اليك لأنّي أرى أنّ إخبارك بما أرى فرض عليّ وإلاّ فلا مشت بي قدم في طريق معصيتك ، ولو عبرت بحار الماء والنيران ، يا ابن رسول اللّه إنّما خشيت أن أحرم من النظر الى وجهك المبارك ، فجئت لأجدّد عهدا بك ، ثم إنّه استعد للخروج وقبّل أقدام الإمام عليه السلام ، وودعه وبكى بكاءا شديدا وقال : جعلت فداك ، إنّي أعلم أنّي لا أراك بعد يومي هذا ، فبكى الحسين عليه السلام وضمّه الى صدره وعانقه عناقا حارا .

فمضى مسلم وهو يبكي ولم ترقأ له دمعة فقيل له : ممّ بكاؤك يا مسلم ؟ فقال : أبكي لفراق الحسين عليه السلام ، ففراقه لم يبق لي صبرا .

فأقبل مسلم حتى أتى المدينة وبدأ بقبر النبي صلى الله عليه و آله فصلى في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله

وودع من أحبّ من أهله واحبائه ، وأخذ أولاده معه واستأجر دليلين من قيس ، فأقبلا به يتنكبان الطريق فضلا عن الطريق ، وأصابهما عطش شديد فعجزا عن السير ، فأومأ له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهم ذلك ، فسلك مسلم ذلك السنن ، ومات الدليلان عطشا ، فوصل مسلم ومن معه بحشاشة انفسهم الى المضيق فاصابوا الماء فشربوا واستراحوا .

كتاب مسلم من الطريق الى الحسين عليه السلام :

تطير مسلم من موت الدليلين فكتب من الموضع المعروف بالمضيق للحسين عليه السلام :

أما بعد ، فإني أقبلت من المدينة مع دليلين لي فحادا عن الطريق فضلا ، وإشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا ، وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج

ص: 264

إلاّ بحشاشة أنفسنا ، وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت ، وقد تطيرت من توجهي هذا ، فإن رأيت أعفيتني(1) عنه وبعثت غيري والسلام .

جواب الإمام الحسين على كتاب مسلم :

فكتب إليه الحسين عليه السلام : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي الى ابن عمه مسلم بن عقيل ، أما بعد ، فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلاّ الجبن ، فامض لوجهك الذي وجهتك فيه ، يا ابن العم ، إنّي سمعت جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : ما منا أهل البيت من تطير ولا يتطير به ، فاذا قرأت كتابي فامض على ما أمرتك والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته .

في دخول مسلم بن عقيل عليه السلام الكوفة :

فلمّا قرأ مسلم الكتاب قال : أمّا هذا فلست أتخوفه على نفسي ، فأقبل ومن معه يجد السير حتى دخل الكوفة ، وَسارَ حَتّى وَصَلَ الْكُوفَةَ فَنَزَلَ لَيْلاً في دار سُلَيْمانِ بْنِ صُرَدٍ وَقيلَ في دارِ الُْمخْتارِ بْنِ اَبي عُبَيْدَةَ الثَّقَفي رحمه الله فَجَعَلَ النّاسُ يَخْتَلِفونَ اِلَيْهِ فَاَقْرَاهُمْ كِتابَ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَجَعَلوا يَبْكُونَ وَيَنْتَحِبونَ ، فَقامَ عابِسِ الْبَكْري(2) فَحَمَدَ اللّهَ وَاَثْنى عَلَيْهِ وَذَكَرَ النَبِيُّ صلى الله عليه و آله فَصَلَّى عَلَيْهِ وَاَقْبَلَ عَلَى مُسْلِمٍ عليه السلام وَقالَ :

اِنِّي لَسْتُ اَعْلَمُ ما في قُلوبِ النّاسِ وَلكِنْ اَخْبِرُكَ بِما في نَفْسي اِذا دَعَوْتُمُوني

اَجَبْتُكُم وَاَضْربُ بِسَيْفي عَدُوَّكُم حَتّى اَلْقَى اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ جَلَسَ .

وَقامَ حَبيبُ بْنُ مُظاهِرٍ وَقالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللّهُ قَدْ قَضَيْتَ ما عَلَيْكَ وَاَنا وَاللّهِ عَلَى مِثْلِ ذلِكَ .

ص: 265


1- في المتن : « فاني رأيتُ أعفيتني » .
2- كذا في المتن وفي مقتل أبي مخنف والموجود في الفتوح وغيره من المصادر : « عابس بن أبي شبيب الشاكري » .

قالَ اَبُو مَخْنَفْ(1) : وَجَعَلَ اَهْلُ الْكُوفَةِ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ عَشْرَةً بَعْدَ عَشْرَةٍ وَعِشْرينَبَعْدَ عِشْرينَ وَاَقَلَّ وَاَكْثَرَ حَتى بايَعَهُ في ذلِكَ اليَومْ ثَمانونَ اَلْف رَجُلٍ(2) .

فلمّا رأى مسلم كثرة من بايعه من الناس كتب الى الحسين عليه السلام أن قد بايع لك عشرون ألف وعلى رواية أبي مخنف : ثمانون ألف فعجل بالقدوم .

كتاب الحسين عليه السلام الى مشايخ أهل البصرة :

وكتب الحسين عليه السلام الى أشراف البصرة :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام اَمّا بَعْدُ فَاِنَّ اللّهَ اصطَفى مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله عَلَى جَميعِ خَلْقِهِ وَاَكْرَمَهُ بِنُبُوَّتِهِ وَحَباهُ بِرِسالَتِهِ ثُمَّ قَبَضَهُ اِلَيْهِ مُكَرَّما وَقَدْ نَصَحَ الْعِبادَ وَبَلَّغَ رِسالاتِ رَبِّهِ وَكانَ اَهْلُهُ وَاَصْفِياؤُهُ اَحَقُّ بِمَقامِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَدْ تَاَمَّرَ عَلَيْنا قَوْمٌ فَسَلَّمْنا وَرَضينا كَراهَةَ الْفِتْنَةِ وَطَلَبَ الْعافِيَةِ وَقَدْ بَعَثْتُ اِلَيْكُمْ بِكتابي هذا وَاَنا اَدْعُوكُمْ اِلَى كِتابِ اللّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ فَاِنْ السنة قد أميتت ، فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا اَمْري اَهْدِكُمْ اِلَى سَبيلِ الرَّشادِ وَالسَّلامُ(3) .

ودفع الكتاب الى رجل يدعى سليمان ويكنى أبا رزين وبرواية ابن نما «ذراع السدوسي» وأمره بالتعجيل ، فخرج سليمان يجد السير الى البصرة واوصل الكتاب الى أشرافها مثل الأحنف بن قيس والمنذر بن الجارود ويزيد بن مسعود النهشلي وقيس بن الهيثم وغيرهم من أشراف البصرة فأخذوا الكتاب وقرأوه واظهروا الفرح والسرور به .

كلام يزيد بن مسعود مع أشراف البصرة :

فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد ، فلمّا حضروا قال :

ص: 266


1- وكان أبو مخنف حاضرا يومئذ ، لأنّ أبو مخنف كنية لوط بن يحيى ويحيى من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام كما ذكرنا ذلك في كتاب الإمام علي عليه السلام ولوط من أصحاب الحسن والحسين عليهماالسلام ، فهو شاهد عيان وروايته أصدق من رواية غيره . من المتن .
2- مقتل أبي مخنف : 21 .
3- انظر الطبري 5/357 .

يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم ؟ فقالوا : بخ بخ أنت واللّه فقرة الظهر ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطا ، وتقدمت فيه فرطا ، قال : فإني قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه ، فقالوا : إنما واللّه نمنحك النصيحة ونحمد لك الرأي فقل نسمع .

فقال : إنّ معاوية مات فأهون به واللّه هالكا ومفقودا ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها(1) أمرا ظن أن قد أحكمه وهيهات والذي أراد اجتهد واللّه ففشل وشاور فخذل ، وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتأمر عليهم مع قصر حلم وقلة علم لا يعرف من الحق موطأ قدمه ، فأقسم باللّه قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين .

وهذا الحسين بن علي ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنه وقدمته وقرابته ، يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية وإمام قوم وجبت للّه به الحجة وبلغت به الموعظة ولا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا في وهدة الباطل ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول اللّه ونصرته ، فواللّه لا يقصر أحد عن نصرته إلاّ أورثه اللّه الذل في ولده والقلة في عشيرته ، وها أنا قد لبست للحرب لامتها ، وادرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ، ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم اللّه ردّ الجواب .

فتكلمت بنو حنظلة فقالوا : أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك إن رميت بنا أصبت وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض واللّه غمرة إلاّ خضناها ولا تلقى واللّه شدّة إلاّ لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت .

ص: 267


1- في المتن : « عقدها أمرا» .

وتكلمت بنو سعد بن زيد فقالوا : أبا خالد إن أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك وقد كان صخر بن قيس(1) أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا وبقي عزنا فينا فأمهلنا نراجع المشورة ويأتيك رأينا .

وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا : يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤ لا نرضى إن غضبت ولا نقطن إن ظعنت والأمر إليك فادعنا نجبك ومرنا نطعك والأمر لك إذا شئت .

فقال : واللّه يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع اللّه السيف عنكم أبدا ولا زال سيفكم فيكم .

ثم كتب إلى الحسين صلوات اللّه عليه : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، أما بعد ، فقد وصل إلي كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك وإن اللّه لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة وأنتم حجة اللّه على خلقه ووديعته في أرضه تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها فأقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق بني تميم وتركتهم أشدّ تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها وقد ذللت لك رقاب بني سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استحل برقها فلمع .

فلمّا قرأ الحسين الكتاب قال : ما لك آمنك اللّه يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش .

أما الأحنف بن قيس فكتب إليه : أما بعد « فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ » . فاشار اليه من خلال هذه الاية الى غدر أهل الكوفة وعدم وفائهم .

ص: 268


1- وقد ذكرنا تقاعد صخر بن قيس الملقب بالاحنف عن نصرت علي عليه السلام ومنعهم عن القتال مع عائشة في كتاب الجمل . من المتن .

وأما المنذر بن جارود فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيد اللّه بن زياد لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد اللّه ، وكانت بحرية بنت المنذر بن جارود تحت عبيد اللّه بن زياد ، فأخذ عبيد اللّه الرسول فحبسه وهدده وتوعده وسأله عن اسماء من ارسل اليهم من أهل البصرة ، ثم إنّه دعاهم وقال لهم : إنّكم تعرفون أبي زياد وفتكه وقد عرفتم سفكه للدماء وأنا ابنه وثمرة من شجرته فاياكم والمخالفة والعصيان والا ففي ذلك هلاككم ثم أمر برسول الحسين عليه السلامفصلبه ، ثم صعد المنبر فخطب وتوعد أهل البصرة على الخلاف وإثارة الإرجاف(1) .

وروي أنّ أهل البصرة تجهزوا للخروج الى الحسين عليه السلام ، فبلغهم قتله قبل أن يسيروا اليه ، فجزعوا من انقطاعهم عنه(2) .

نزول مسلم عليه السلام الكوفة وعلم النعمان بن بشير به وعزل النعمان وولايةابن زياد :

لم يكن أهل الكوفة يحسبون للنعمان بن بشير حسابا ، فأقبلوا يبايعون مسلم أفواجا أفواجا ، ويعلنون نصرتهم للحسين عليه السلام واستعدادهم للقتال بين يديه ، فبلغ النعمان بن بشير ذلك وقيل له : أتجلس في قصرك ناعم البال وهذه الكوفة تموج بأهلها ، وتنقلب عليك ، وتحوّل نهارك ليلا ، وتظلم الأفق في عينيك ؟ إنّك إن نجوت من هذه الداهية ، وأفلتّ من هذه الطخية العمياء ، فاشكر ربّك على سلامتك وسلامة عملك . فخرج من قصر الإمارة مغضبا حتى دخل المسجد الأعظم فنادى فيالناس فاجتمعوا اليه فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد فاتقوا اللّه عباد اللّه ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة فإن فيها تهلك الرجال وتسفك الدماء وتغصب الأموال ، إنّي لا أقاتل من لا يقاتلني ولا آتي على من لم يأت علي ، ولا أنبه نائمكم ولا أتحرش بكم ولا آخذ بالقرف ولا الظنة

ص: 269


1- بحار الأنوار 44/338 باب 37 .
2- المصدر السابق .

ولا التهمة ولكنكم [ إن ] أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم فو اللّه

الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن لي منكم ناصر ، أما إنّي أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل .

فقام إليه عبد اللّه بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال له : إنه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم وهذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك رأي المستضعفين ، فقال له النعمان : أن أكون من المستضعفين في طاعة اللّه أحبّ إلي من أن

أكون من الأعزين(1) في معصية اللّه ، ثم نزل.

كتاب عبد اللّه الحضرمي الى يزيد :

وخرج عبد اللّه بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية كتابا :

أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة وبايعه الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب ، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك ، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف(2) .

وكان هذا أول كتاب يحرض يزيد - عليه اللعنة - على قتل سيد الشهداء ، ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص مثل ذلك ، ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ، فلمّا وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرحون مولى معاوية - وكان معاوية يقربه ويلاطفه حتى جعله وزيرا له - فقال : ما رأيك أن الحسين قد نفذ إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ فمن ترى أن أستعمل على الكوفة ، وكان يزيد عاتبا على عبيد اللّه بن زياد ، وسرحون يعلم أنّ مفتاح هذه المشكلة في طبع ابن الزياد الفاتك السفاح ، فقال له سرحون : أرأيت لو نشر لك معاوية حيا ما كنت آخذا برأيه ؟ قال : بلى ، قال : فأخرج سرحون عهد عبيد اللّه على الكوفة وقال : هذا رأي معاوية مات وقد أمر بهذا الكتاب ، فضم المصرين إلى عبيد اللّه . فقال له يزيد : أفعل ابعث بعهد عبيد اللّه بن زياد إليه .

ص: 270


1- في المتن : « من الاغرين » .
2- بحار الأنوار 44/336 باب 37 .

عهد يزيد بولاية الكوفة الى ابن زياد :

فكتب إلى عبيد اللّه : أما بعد فإنه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة ويخبرونني أن ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام(1) . ثم دفع الكتاب الى مسلم بن عمرو الباهلي ثم أمره أن يجدّ السير الى عبيد اللّه بن زياد .

كتاب آخر الى ابن زياد :

كان يزيد قلقا من أهل الكوفة والبصرة وكان يريد القضاء على مسلم في اسرع ما يمكن ، وإلاّ لم يقر له قرار ، فكتب الى عبيد اللّه بن زياد كتابا آخر قال فيه :

من يزيد بن معاوية الى عبيد اللّه بن زياد أمّا بعد ، فقد بلغني أنّ أهل الكوفة قد اجتمعوا على البيعة للحسين بن علي ، وقد كتبت اليك كتابا فاعمل عليه ، فإنّي لا أجد سهما أرمي به عدوي أجرى ء منك ، فاذا قرأت كتابي هذا فارتحل من وقتك وساعتك ، وإياك والإبطاء والتواني ، واجتهد ولا تبق من نسل علي بن أبي طالب أحدا ، واطلب مسلم بن عقيل طلب الخرزة واقتله وابعث اليّ برأسه ، والسلام .

خطبة ابن زياد في البصرة :

فلمّا وصل عهد يزيد الى عبيد اللّه فرح بولايته على المصرين وأمر أن يجتمع الناس كبيرهم وصغيرهم وشريفهم ووضيعهم في المسجد ، ثم صعد المنبر وقال :

يا أهل البصرة ، إنّ الخليفة يزيد قد ولاني الكوفة وقد عزمت على المسير اليها وقد استخلفت عليكم أخي عثمان بن زياد ، فاسمعوا له وأطيعوا ، وإياكم والأراجيف فواللّه إن بلغني أنّ رجلا منكم خالف أمره لأقتلن عزيزه(2) ولآخذن الأدنى بالأقصى حتى تستقيموا .

ص: 271


1- بحار الأنوار 44/336 باب 37 .
2- في الفتوح 2/101 : « عريفه» ، إلاّ أنّ المؤلف قرأها كما كتبها أي عزيزه وترجمها بالأولاد .

ثم نزل عن المنبر فلمّا كان من الغد نادى في الناس واخرج معه أهله ومواليه وحشمه ووجوه أهل البصرة الذين دعاهم الإمام الحسين عليه السلام لنصرته من قبيل المنذر بن الجارود العبدي وشريك بن الأعور الحارثي ، وخرج معه مسلم بن عمرو الباهلي اِلاّ مالِكُ بْنُ مُشَيِّعْ فَاِنَّهُ تَعَذَّرَ عِنْدَهُ وَشَكى وَجَعَا في خاصِرَتِهِ وَقالَ اِنِّي لاحِقٌ بِالأَميرِ .

حيلة ابن زياد :

فَسارَ اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه حَتّى بلغ قريبا من الْكُوفَةَ وَعَلَيْهِ ثِيابٌ بِيضٌ وَعِمامَةٌ

سَوْداءٌ مُلَثَّمَا كَلِثامِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، ثم تقلد سيفه وتوشح قوسه وتكنن بكنانته وأخذ في يده قضيبا ، واستوى على بغلته الشهباء ، وَكانَ قُدُومُهُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَقَدْ اِنْصَرَفَ النّاسُ مِنَ الْصَّلوةِ فنزل ومعه أصحابه بظاهر الكوفة ، والناس يَتَوَقَّعونَ قُدومَ

الْحُسَيْنِ عليه السلام ويقولون : إنّه الحسين وأصحابه نزل بظهر الكوفة ، أمّا عبيد اللّه بن زياد فانتظر حتى مضى من الليل شطرا فركب وركب معه أصحابه يحوطونه عن يمينه وشماله وأمامه وخلفه وذلك في ليلة مقمرة فخرج اليه الناس وهم َيَقُولونَ : قَدِمْتَ خَيْرَ مَقْدَمٍ يَابْنَ بِنْتَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .

فقالت إمرأة : اللّه أكبر ابن رسول اللّه وربّ الكعبة فتصايح الناس ، قالوا : إنّا معك أكثر من أربعين الفا ، فَلَمّا رَأى عبيد اللّه اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه تَباشُرَهُمْ بِالْحُسَيْنِ عليه السلام سائَهُ ذلِكَ وقفّ شعره ، وكانت تنزل الكلمات على بدنه كالسياط ، إلاّ إنّه لم يكلّمهم

ولا ردّ عليهم شيئا .

ثم إنّهم أبلغوا النعمان بن بشير أنّ الحسين عليه السلام قد دخل الكوفة ، فأمر النعمان حراسه أن يغلقوا باب القصر ، وصعد هو الى أعلى القصر ، وسار عبيد اللّه حتى وافى القصر ، فناداه بعض من كان معه : افتح الباب لابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وشتموه وسبّوه ، فاطلع عليه النعمان وهو يظنّه الحسين عليه السلام ، فقال : يا بن رسول اللّه ، اُنشدك اللّه إلاّ تنحيت ، واللّه ما أنا بمسلّم اليك أمانتي ، وما لي في قتالك من أرب .

ص: 272

دخول ابن زياد قصر الامارة :

ثم فتح عبيد اللّه بن زياد لثامه وقال : افتح لا فتحت ، فقد طال ليلك ، وسمعها انسان خلفه فنكص الى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على أنّه الحسين عليه السلام فقال : يا قوم ابن مرجانة والذي لا اله غيره(1) ، وصاح مسلم بن عمرو الباهلي : تأخروا هذا الأمير عبيد اللّه بن زياد ، فتساقط القوم ووطى ء بعضهم بعضا وتفرقوا وهم يلعنونه وفتح له النعمان فدخل القصر .

خطبة ابن زياد في الكوفة :

وأصبح فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخرج اليهم فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال :

أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين يزيد ولاني مصركم وثغركم وفيئكم وأمرني بانصاف مظلومكم واعطاء محرومكم والإحسان الى سامعكم ومطيعكم كالوالد البر وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي فليتق إمرء على نفسه ، الصدق ينبى ء عنك لا الوعيد ، ثم قال : فابلغوا هذاالرجل الهاشمي مقالتي ليتقي غضبي . ثم نزل ودخل القصر .

وأخذ العرفاء بالناس أخذا شديدا فقال : اكتبوا الى العرفاء : من فيكم من طلبة أمير المؤمنين ؟ ومن فيكم من أهل الحرورية وأهل الريب الذين شأنهم الخلاف والنفاق والشقاق ؟ فمن يجيء لنا بهم فبرى ء ، ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف ولا يبغي علينا باغ ، فمن لم يفعل برئت منه الذمة وحلال لنا دمه وماله ، وأيّما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه الينا صلب على باب داره ، واُلغيت العرافة من العطاء(2) .

ص: 273


1- الإمام الحسين عليه السلام في بحار الأنوار : 156 .
2- الإرشاد : 2/43 ، البحار : 44/340 باب 37 .

وأمر مناديه ينادي في قبائل العرب : أن اثبتوا على بيعة يزيد بن معاوية قبل أن يبعث اليكم من الشام رجالا يقتلون رجالكم ويسبون حرمكم .

فَلَمّا سَمِعَ اَهْلُ الْكُوفَةِ جَعَلَ يَنْظُرُ بَعْضُهُم بَعْضا وَيَقُولونَ ما لَنا وَالدُّخولُ بَيْنَ السَّلاطينَ وَنَقَضوا بَيْعَةَ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَبايَعوا يَزيدَ لَعَنَهُ اللّه .

اين أهل هذا المصر ؟

وَكانَ مُسْلِمٌ عليه السلام قَدْ اَصْبَحَ في ذلِكَ الْيَوْمِ مَوْعُوكا وقد سمع الخبر فبقي متفكرا كيف يصنع مع هذه البلية فَلَمْ يَخْرُج لِلْصَّلاةِ ، فَلَمّا كانَ وَقْتُ الظُّهْرِ خَرَجَ اِلَى الْمَسْجِدِ فَاَذَّنَ وَاَقامَ وَصَلَّى وَحْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ مَعَهُ اَحَدٌ ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ اِذا هُوَ بِغُلامٍ فَقالَ لَهُ : يا غُلامُ ما فَعَلَ اَهْلُ هذا المِصْرِ ؟ فَقالَ : يا سَيِّدي اِنَّهُمْ نَقَضُوا بَيْعَةَ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَبايَعُوا يَزيدَ لَعَنَهُ اللّه ، فَلَمّا سَمِعَ كَلامَ الْغُلامِ صَفَقَ يَدا عَلَى يَدٍ وَجَعَلَ يَخْتَرِقُ الشَوارِعَ حَتّى بَلَغَ مَحَلَّةَ بَني خُزَيْمَةَ فَوَقَفَ هُناكَ بِاِزاء بَيْتٍ شاهِقٍ ، فَخَرَجَتْ مِنْ ذلِكَ الْبَيْتِ جارِيَةٌ فَقالَ لَها : لِمَنْ هذِهِ الدّارُ ؟ فَقالَتْ : لِهاني بْنِ عُرْوَةَ ، قالَ لَها : اِدْخُلي عَلَيْهِ وَقُولي لَهُ رَجُلٌ بِالبابِ ، فَاِنْ سَألَكِ عَنْ اِسْمي قُولي لَهُ اِنَّهُ مُسْلِمُ بْنُ عَقيلٍ عليه السلام ، فَدَخَلَتِ الْجارِيَةُ ثُمَّ خَرَجَتْ وَقالَتْ لَهُ : اِدْخُلْ يا سَيِّدي وَكانَ هاني يَوْمَئذٍ عَليلاً(1) .

مسلم في بيت هاني :

فنزل مسلم في دار هاني فرحب به هاني واكرمه وافرغ له بيتا مع حرمه وجعلت الشيعة تختلف الى مسلم في دار هاني ويبايعون للحسين عليه السلام سرا ومسلم بن عقيل يكتب أسماءهم ويأخذ عليهم العهود والمواثيق لا يركنون ولا يغدرون(2) .

تخطيط هاني ومسلم لقتل ابن زياد :

وَجَلَسا يَتَحَدَّثانِ حَتّى اَتى حَديثَهُما اِلَى عُبَيْدَ اللّهِ بْنِ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه .

ص: 274


1- مقتل أبي مخنف : 27 .
2- الفتوح : 2/103 .

فَقالَ هاني : يا سَيِّدي اِنَّهُ مِنْ اَصْدِقائي وَسَيَبْلُغُهُ مَرَضي وَرُبَما يَأتي يُعَوِّدُني فَاِذا جاءَ فَخُذْ هذا السَّيْفَ وَادْخُلِ الَْمخْدَعَ ، فَاِذا جَلَسَ فَدُونَكَهُ فَاقْتُلْهُ ، وَاحْذَرْ اَنْ يَفُوتَكَ فَاِنْ فاتَكَ قَتَلَكَ وَقَتَلَني ، وَالعَلامَةُ بَيْني وَبَيْنَكَ اِذا قَلَعْتُ عِمامَتي عَنْ رَأسي وَاَضَعُها عَلَى الأَرْضِ، فَاِذا رَأَيْتَ ذلِكَ فَاخْرُجْ عَلَيْهِ وَاقْتُلْهُ، فَقالَ مُسْلِمٌ عليه السلام: اَفْعَلْ اِن شاءَ اللّه.

فَاَرْسَلَ هاني اِلَى اِبْنِ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه يَسْتَجْفيهِ فَاَرْسَلَ اِلَيْهِ مُعْتَذرِا وَقالَ : ما عَلِمْتُ

بِعِلَّتِكَ وَاِنِّي رائحٌ اِلَيْكَ الْعَشِيَّةَ ، فَلَمّا صَلَّى اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه صَلاةَ الْعِشاءِ اَقْبَلَ يَعُودُ هاني وَمَعهُ حاجِبُه ،ُ فَقيلَ لِهاني : اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه بِالبابِ يُريد الدُّخولَ عَلَيْكَ ، فَقالَ هاني لِجارِيَتِهِ : اِدْفَعي السَّيْفَ لِمُسْلِمٍ عليه السلام فَدَفَعَتْهُ اِلَيْهِ فَاَخَذَهُ وَدَخَلَ الَْمخْدَعَ .

ثُمَّ دَخَلَ اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه وَجَلَسَ اِلَى جانِبِهِ وَحاجِبُهُ قائمٌ عَلَى رَأْسِهِ فَجَعَلَ يُحادِثُهُ وَيَسْألُهُ عَنْ حالِهِ وَهاني يَشْكُو الَّذي يَجِدُهُ وَهُوَ مَعَ ذلِكَ يَسْتَبْطي خُروجَ مُسْلِمٍ عليه السلام ، فَخَلَعَ عِمامَتَهُ وَوَضَعها عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ وَضَعَها عَلَى رَأسِهِ وَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذلِكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ وَمُسْلِمٌ لَمْ يَخْرُجْ فَجَعَلَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ لِيُسْمِعَ مُسْلِما ما يَقُولْ وَهُوَ يَتَمَثَّلُ بِهذِهِ الأبياتِ :

مَا الإِنْتِظارْ بِسَلْمي لا تُحَييها

حَيُّوا سُلَيْمى وَحَيُّوا مَنْ يُحَيِّيها

هَلْ شَرْبَةٌ عَذْبَةٌ اُسْقى عَلَى ظَمَاء

وَلَوْ تَلْفِتُ وَكانَتْ مُنْيَتي فيها

فَاِنْ اَحَسَّتْ سُلَيْمى مِنْكَ داهِيَةً

فَلَسْتَ تَاَمَنْ يَوْما مِنْ دَواهيها

وَجَعَلَ يُرَدِّدُ هذِهِ الأَبياتَ وَاِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه لا يَفْطِنْ فَقالَ : ما بالُ الرَّجُلْ يَهذي فَقيلَ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ ثُمَّ قامَ اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه وَرَكِبَ فَرَسَهُ وَانْصَرَفَ .

فَخَرَجَ مُسْلِمٌ عليه السلام فَقالَ لَهُ هاني مَا الَّذي مَنَعَكَ مِنْ قَتْلِهِ ؟ قالَ : خصلتان : أما أحدهما فإنّي هممت بالخروج فتعلقت بي إمرأة وقالت : نشدتك اللّه إن قتلت ابن زياد في دارنا فبكت في وجهي ، وأمّا الاخرى فقد تذكرت حديثا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّ الايمان قيد الفتك ولا يفتك مسلم . فقال هاني : أما واللّه لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا ، لقد عرضتني ونفسك للخطر والهلاك .

ص: 275

وخاف هانى ء بن عروة عبيد اللّه على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، وكان يجلس احيانا على باب داره .

فَلَمّا دَخَلَ اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه قَصْرَ الإِمارَةَ دَعى مَوْلَىً لَهُ يُقالُ لَهُ «مَعْقِلْ» وَكانَ داهِيَةً دَهماءَ ، فَاَعْطاهُ ثَلاثَةَ آلافْ دِرْهِمَ وَقالَ لَهُ : خُذْ هذِهِ الدَّراهِمْ وَاسْأَلْ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَقيلٍ واَعْطِهِا لَهُ وَقُلْ لَهُ : اِسْتَعن بِها عَلَى عَدُوِّكَ وَاَظْهِرْ لَهُ الإِخْلاصِ وَأْتِني بِخَبَرِهِ .

احتيال معقل للوصول الى مسلم عليه السلام :

فَاَخَذَ مَعْقِلُ الدَّراهِمِ وَدخل المسجد فراى رجلا عليه ملابس بيض وَهُوَ يُصَلِّي في الْمَسْجِدِ فقال معقل في نفسه لابد أن يكون هذا من شيعة علي بن أبي طالب ، فجاء

حتى جلس عنده ، وكان الرجل مسلم بن عوسجة ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ قامَ اِلَيْهِ

مَعْقِل لَعَنَهُ اللّه وَاعْتَنَقَهُ وَاَظْهَرَ لَهُ الإِخْلاصْ وَقالَ : يا عَبْدِ اللّهِ اِعْلَم اَنِّي رَجُلٌ شامِي وَقَدْ اَنْعَمَ اللّهُ تَعالى عَلَيَّ بِحُبِّ اَهْلِ الْبَيْتِ عليهم السلام وَمَعي ثَلاثَةُ آلافْ دِرْهَمٍ وَقَدْ اَحْبَبْتُ

اَنْ اَلْقَى الرَّجُلَ الَّذي يُبايِعُ النّاسَ لإِبْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَقَدْ اَتَيْتُكَ لِتَقْبَلَ مِنّي هذِهِ الدَّراهِمَ وَتَدْخِلَني عَلَى صاحِبِكَ فَاِنّي ثِقَةٌ مِن ثِقاتِهِ وَعِنْدي كِتمانُ اَمْرِهِ .

فَقالَ مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ عليه السلام يا اَخَ الْعَرَبَ اُعْزُبْ عَنْ هذا الكَلامَ ما لَنا وَلأَهْلَ الْبَيْتِ وَما اَصابَ الَّذي اَرْشَدَكَ اِلَيَّ .

فَقالَ مَعْقِلُ : اِنْ كُنْتَ لَمْ تَطْمَئنَّ بِي فَخُذِ الْمَواثيقَ وَالعُهُودَ عَلَيَّ ثُمَّ حَلَفَ لَهُ بِالإِيمان المؤُكَّدَةِ وقال : إن شئت أخذت بيعتي قبل لقائه .

فظن مسلم بن عوسجة أنّ القول ما يقول ! :

فظن مسلم بن عوسجة أنّ القول ما يقول ، وأنّ معقل صادقا في كلامه فقال : أحمد اللّه على لقائك إياي فقد سرني ذلك لتنال الذي تحبّه ، ولينصرنّ اللّه بك أهل بيت

نبيه ، ولقد ساءني معرفة الناس إياي بهذا الأمر قبل أن يتمّ مخافة هذا الطاغية وسطوته .

ص: 276

فقال له معقل : لا يكون إلاّ خيرا خذ البيعة علي فأخذ بيعته وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن وليكتمن فاعطاه من ذلك مارضي به ، ثم قال له : اختلف الي أياما في منزلي فاني طالب لك الاذن على صاحبك وأخذ يختلف مع الناس فطلب له الاذن فاذن له وأخذ مسلم بن عقيل بيعته وأمر أبا ثمامة الصائدي بقبض المال منه ، وهو الذي كان يقبض أموالهم وما يعين به بعضهم بعضا ويشتري لهم به السلاح ، وكان بصيرا وفارسا من فرسان العرب ووجوه الشيعة ، وأقبل ذلك الرجل يختلف اليهم فهو أول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج اليه ابن زياد من أمرهم فكان يخبره به وقتا فوقتا .

ابن زياد يدعو هانى ء :

لما اطلع ابن زياد على الحال دعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وكانت رويحة بنت عمرو تحت هانئ بن عروة وهي أم يحيى بن هانئ ، فقال لهم : ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا ؟ فقالوا : ما ندري وقد قيل : إنه

يشتكي ، قال : قد بلغني أنه قد برئ وهو يجلس على باب داره ، فألقوه ومروه أن لا يدع ما عليه من حقنا فإني لا أحبّ أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب . فأتوه حتى وقفوا عليه عشية وهو جالس على بابه وقالوا له : ما يمنعك من لقاء الأمير ؟ فإنه قد ذكرك وقال : لو أعلم أنه شاك لعدته ، فقال لهم : الشكوى تمنعني ، فقالوا : قد بلغه أنك تجلس كل عشية على باب دارك وقد استبطأك والإبطاء والجفاء لا يحتمل السلطان ، أقسمنا عليك لما ركبت معنا ، فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببغلته فركبها .

خوف هاني من الدخول على ابن زياد :

فلمّا دنا هانى ء من القصر كأنّ نفسه أحست ببعض الذي كان فقال لحسان بن أسماء بن خارجة : يا ابن الأخ إنّي واللّه لهذا الرجل لخائف ، فماترى ؟ فقال : يا عم

واللّه ما أتخوف عليك شيئا ، ولم تجعل على نفسك سبيلا ، ولم يكن حسان يعلم في أي شيء بعث إليه عبيد اللّه ، ولم يعلم شيئا من قصة معقل .

ص: 277

اعتداء ابن زياد على هاني :

فجاء هانئ حتى دخل على عبيد اللّه بن زياد وعنده القوم ، فلمّا طلع قال عبيد اللّه : أتتك بخائن رجلاه . فلمّا دنا من ابن زياد وعنده شريح القاضي إلتفت نحوه فقال

متمثلا بشعر عمرو بن معديكرب :

أريد حباءه ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد(1)

وقد كان أول ما قدم مكرما له ملطفا ، فقال له هانئ : وما ذاك أيّها الأمير ؟ قال : إيه يا هانئ بن عروة ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المومنين وعامة المسلمين ؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الجموع والسلاح والرجال في الدور حولك وظننت أن ذلك يخفى علي ؟ قال : ما فعلت ذلك وما مسلم عندي .

الجاسوس ! الجاسوس ! :

قال ابن زياد : بلى قد فعلت ، فلمّا كثر بينهما وأبى هانئ إلاّ مجاحدته ومناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فقال : يا معقل اخرج اليه وكذبه ، فجاء حتى وقف بين يديه وقال : مرحبا بك يا هانى ء أتعرفني ؟ قال : نعم ، وعلم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم فقال : نعم اعرفك منافقا كافرا ، ثم إلتفت الى ابن زياد فقال : اسمع منيصدق مقاتلي ، فو اللّه ما كذبت واللّه ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشيء من أمره حتى جاءني يسألني النزول ، فاستحييت من ردّه وداخلني من ذلك ذمام فضيفته وآويته ، فأما إذ قد علمت فخل سبيلي حتى ارجع اليه وآمره أن يخرج من داري فيذهب حيث شاء ، فأخرج من ذمامه وجواره(2) .

ابن زياد يطلب مسلم من هانى ء :

فقال له ابن زياد : واللّه لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به ، ولا مفر لك ولا خلاص ولات حين مناص ، قال : لا واللّه لا أجيئك به أبدا ، أجيئك بضيفي تقتله ؟ وسيفي

ص: 278


1- بحار الأنوار : 44/343 باب 37 .
2- الفتوح 2/108 .

بيدي فيكون ذلك علي عارا الى الأبد ، قال : واللّه لتأتيني به موثقا ، قال : واللّه لا آتيك به ، فلمّا كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال : أصلح اللّه الأمير

خلني وإياه حتى أكلمه ، فقام فخلا به ناحية من ابن زياد ، وهما منه بحيث يراهما فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان .

كلام مسلم بن عمرو وهانى ء :

فقال له مسلم : يا هانئ أنشدك اللّه أن تقتل نفسك وأن تدخل البلاء في عشيرتك ، فواللّه إنّي لأنفس بك عن القتل ، إن هذا من أقرباء ابن زياد وابن عم يزيد ، وليسوا قاتليه ولا ضائريه فادفعه إليهم فإنّه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة ، إنما تدفعه إلى السلطان ، فقال هانئ : واللّه إن علي في ذلك الخزي والعار أن

أدفع جاري وضيفي وهو رسول ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنا حي صحيح أسمع وأرى شديد الساعد كثير الأعوان ، واللّه لو لم يكن لي إلاّ واحد وليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه ، فأخذ يناشده وهو يقول : واللّه لا أدفعه إليه أبدا . فسمع ابن زياد

لعنه اللّه ذلك(1) .

ابن زياد يحبس هاني :

فلمّا علم ابن زياد أنّ هانى ء لا يسلم مسلما قال : ادنوه مني ، فأدنوه منه فقال : واللّه لتأتيني به أو لأضربن عنقك ، فقال هانئ : إذا واللّه تكثر البارقة حول دارك ، فقال ابن زياد : وا لهفاه عليك أبالبارقة تخوفني ، وهو يظن أن عشيرته سيمنعونه .

ثم قال : ادنوه منّي فأدني منه ، فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسالت الدماء على وجهه ولحيته ونثر لحم جبينه وخده على لحيته حتى كسر القضيب ، وضرب هانئ يده على قائم سيف شرطي وجاذبه الرجل ومنعه . فقال عبيد اللّه : خذوه ، فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه ، فقال : اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به(2) .

ص: 279


1- بحار الأنوار : 44/347 باب 37 .
2- بحار الأنوار 44/347 باب 37 .

والقصة الى هذا الحد يتفق على نقلها أكثر المؤرخين والمحدثين ، كما ورد في كتاب اللهوف وروضة البحار وغيرها من الكتب وليس فيها شيئا خاصا عن شجاعة هانى ء وبطولته .

بطولة هانى ء في مجلس ابن زياد :

لكن أبو مخنف لوط بن يحيى ذكر في كتابه المقتل : أنّ هاني لما ضربه ابن زياد هجم عليه كالليث المغضب ، فَجَذَبَ هاني سَيْفَهُ وَاَهوى بِهِ اِلَى اِبْنِ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه ، وَكانَ عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسَوَةٌ وَمِطْرَفُ خَزٍ فَقَطَعَهُما وَجَرَحَهُ جُرْحا مُنْكَرا . فَاعْتَرَضَهُ مَعْقِلُ فَقَطَعَ وَجْهَهُ نِصْفَينِ . فَقالَ اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه : دونَكُمُ الرَّجُلَ . فَجَعَلَ هاني يَضْرِبُ فِيهِمْ يَمينا وَشِمالاً وَهُوَ يَقُولُ : وَيْلَكُمْ لَوْ كانَتْ رِجلي عَلَى طِفْلٍ مِنْ آلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله لا اَرْفَعُها حَتّى تُقْطَعْ ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَمْسَةَ وَعِشْرينَ مَلْعُونا فَتَكاثَرَتْ عَلَيْهِ الرِّجالُ وَاَخَذوهُ اَسيرا وَاَوْقَفوهُ بَيْنَ يَدَي اِبْنِ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه وَكانَ بِيَدِهِ عَمُودٌ مِنْ حَديدٍ فَضَرَبَهُ عَلَى اُمِّ رَأْسِهِ وَرَماهُ في الطّامُورَةِ(1) .

وقد ذكرنا سابقا أنّ يحيى من أصحاب الإمام علي المرتضى وابنه أبو مخنف من أصحاب الحسن والحسين عليهماالسلام وكان يعيش في الكوفة ويشاهد هذه الأحداث بعينه ، فيقتضي أن يكون إخباره أقرب الى الصدق من إخبار غيره وهو شاهد عيان حاضر في الميدان ، وإن كان موقف هاني في مثل هذا المجلس يبدو عجيبا .

قيام قبيلة مذحج :

فلمّا جرح هاني والقي في الحبس اَتى الصّائِحُ اِلَى مِذْحِجٍ ، فَاَقْبَلَ عَمْرو بْنُ الحَجّاجِ الدِّيناري - وكانت ابنته رويحة تحت هانى ء - في اَرْبَعَةِ آلافِ فارِسٍ فَاَحاطُوا بِقَصْرِ الإِمارَةِ وَنادَوا : يَابْنَ زِيادٍ تَقْتُلُ صاحِبَنا وَلَمْ يَخْلَعْ طاعَةً وَلَمْ يُفارِقْ جَماعَةً ، ثُمَّ نادَوا : يا هاني اِنْ كُنْتَ حَيّا فَكَلِّمْنا فَقَدْ اَتَوْكَ بَنوا عَمِّكَ وَقَوْمُكَ مَذْحِجْ يَقْتُلونَ عَدُوَّكَ .

ص: 280


1- مقتل أبي مخنف : 32 .

شريح يشهد كاذبا :

فَلَمّا سَمِعَ اِبْنُ زِيادٍ كَلامَهُمْ قالَ لِشُرَيْحِ القاضي : اُخْرُج اِلَيْهِمْ وَاَعْلِمْهُمْ اَنَّ صاحِبَهُمْ حَيٌّ وَاَنَّ الأَميرَ قَدْ خَباهُ لإَِشياء يَسْأَلُهُ عَنْها .

فَخَرَجَ اِلَيْهِمْ وَقالَ لَهُمْ : صاحِبُكُمْ جالِسٌ مَعَ الأَميرَ يَسْأَلُهُ عَنْ اَشْياءَ وَهذِهِ السّاعَةِ يَخْرُجُ اِلَيْكُمْ . فَرَجَعوا وَقالوا : اَلْحَمْدُ للّهِ عَلَىْ السَّلامَةَ .

موقف اسماء بن خارجة :

فلمّا رأى اسماء بن خارجة ما صنعوا بهانى ء قام فقال : أيّها الأمير أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به هشمت أنفه ووجهه وسيلت دماءه على لحيته وزعمت انك تقتله ، فقال عبيد اللّه : وانك لهاهنا وأنت ممن ينبغي قتله ، فامر به فلهز

وتعتع واجلس ناحية ، فقال محمد بن الأشعث : قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أم علينا ، إنّما الأمير مؤدب .

فخرج عبيد اللّه بن زياد فصعد المنبر ومعه أشراف الناس وشرطه وحشمه فقال : أمّا بعد أيّها الناس فاعتصموا بطاعة اللّه وطاعة أئمتكم ولا تفرقوا تهلكوا

وتذلوا وتقتلوا وتجفوا فتحرموا ، إنّ أخاك من صدقك ، وقد أعذر من انذر .

خروج مسلم بن عقيل :

ثم ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون ويقولون : قد جاء ابن عقيل ، فدخل عبيد اللّه القصر مسرعا وأغلق أبوابه ، فقال عبد اللّه بن حازم : أنا واللّه رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هانئ ، فلمّا ضرب وحبس ركبت فرسي فكنت أول داخل الدار على مسلم بن عقيل بالخبر ، وإذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين : يا عبرتاه يا ثكلاه ، فدخلت على مسلم فأخبرته الخبر ، فأمرني أن أنادي في أصحابه ، وقد ملأ بهم الدور حوله كانوا فيها أربعة آلاف رجل ، فقال ناد : يا منصور أمت ، فناديت فتنادى أهل الكوفة واجتمعوا عليه . فعقد مسلم لرؤوس الأرباع كندة

ص: 281

ومذحج وتميم وأسد ومضر وهمدان وتداعى الناس واجتمعوا ، فما لبثنا إلاّ قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس والسوق(1) .

خوف ابن زياد من جيش ابن عقيل :

فضاق بعبيد اللّه أمره وكان أكثر عمله أن يمسك باب القصر وليس معه إلاّ ثلاثون رجلا من الشرط وعشرون رجلا من أشراف الناس وأهل بيته وخاصته وأقبل من نأى عنه من أشراف الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين ، وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم وهم يرمونهم بالحجارة ويشتمونهم ويذكرون ابن زياد وأمه وأباه وأهله أنّهم أبناء زنا . فدعا ابن زياد كثير بن شهاب وأمره أن يخرج فيمن أطاعه في مذحج فيسير في الكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب ويحذرهم عقوبة السلطان ، وأمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس ، وقال مثل ذلك للقعقاع الذهلي وشبث بن ربعي التميمي وحجار بن أبجر السلمي وشمر بن ذي الجوشن العامري ، وحبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس .

اجواء الخوف والرعب :

فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم ، وخرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة ، فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الأشعث عبد الرحمن بن شريح الشيباني ، فلمّا رأى ابن الأشعث كثرة من أتاه تأخر عن مكانه وجعل محمد بن الأشعث وكثير بن شهاب والقعقاع بن ثور الذهلي وشبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم ويخوفونهم السلطان حتى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم ، فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار الروميين ودخل القوم معهم .

ص: 282


1- بحارالأنوار : 44/ 348 باب 37 .

فقال كثير بن شهاب : أصلح اللّه الأمير معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس ومن شرطك وأهل بيتك ومواليك فأخرج بنا إليهم ، فأبى عبيد اللّه وعقد لشبث بن ربعي لواء وأخرجه وأقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء وأمرهم شديد ، فبعث عبيد اللّه إلى الأشراف فجمعهم ثم أشرفوا على الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة وخوفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة وأعلموهم وصول الجند من الشام إليهم .

تفرق أهل الكوفة عن مسلم :

وتكلم كثير بن شهاب حتى كادت الشمس أن تجب فقال : أيّها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر ولا تعرضوا أنفسكم للقتل ، فإن هذه جنود أمير المومنين

يزيد قد أقبلت وقد أعطى اللّه الأمير عهدا لئن تممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء ويفرق مقاتليكم في مغازي الشام ، وأن يأخذ البريء منكم بالسقيم والشاهد بالغائب حتى لا يبقى له بقية من أهل المعصية إلاّ أذاقها وبال ما جنت أيديها .

وتكلم الأشراف بنحو من ذلك . فلمّا سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون وكانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجيء الرجل إلى ابنه أو أخيه ويقول : غدا تأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر انصرف ، فيذهب به فينصرف ، فما زالوا يتفرقون العشرة والعشرين حتى أمسى ابن عقيل وصلى المغرب وما معه إلاّ ثلاثون نفسا في المسجد .

فلمّا رأى أنه قد أمسى وليس معه إلاّ أولئك النفر خرج متوجها إلى أبواب كندة ، فلم يبلغ الأبواب إلاّ ومعه منهم عشرة ، ثم خرج من الباب وإذا ليس معه إنسان يدله ، فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق ولا يدله على منزله ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو ، فمضى على وجهه متلددا في أزقة الكوفة(1) .

ص: 283


1- بحار الأنوار 44/348 باب 37 .

دخول مسلم بن عقيل دار محمد بن كثير وتورط محمد وابنه مع ابن زياد :

يقول المؤلف : نظرت وبحثت وأنا اسطر هذه الصفحات في كتاب بحار الأنوار ، والعوالم ، وكتاب زبدة الفكرة ، وكتاب اللهوف ، وكتب الشيخ المفيد ، وكتاب ابن شهرآشوب ، وكتاب اعلام الورى ، وبحر اللئالي ، والفي ، والطبري ، وكتاب مروج الذهب ، وكتاب الفصول المهمة ، وكتاب تذكرة خواص الأمة ، وكتاب شرح الشافية ، وكتاب كشف الغمة ، وكتاب اليافعي ، وكتاب الطريحي ، وكتاب أعثم الكوفي ، والمعيني ، وأبو مخنف ، وكتاب مطالب السؤول ، وكتاب عبد اللّه بن محمد رضا الحسيني المعروف بجلاء العيون ، وفي مئات الكتب والمجلدات العربية والفارسية التي ألفها العلماء العظام في مقتل الحسين عليه السلام ، ولم أجد في أيّ واحدة منها قصة تدخّل محمد بن كثير في نصرة مسلم بن عقيل بهذا التفصيل الذي يأتي .

غربة وحيرة :

ولما كان ابن أعثم الكوفي من علماء أهل السنة والجماعة ، وله إحاطة ودراية في جمع السير ، وهو يروي في الغالب عن ابن اسحاق وابن هشام ، رأيت من المؤسف أن لا آخذ ما كتبه بنظر الاعتبار ، فهو يقول :

لما تفرق الناس عن مسلم واختلط الظلام استوى مسلم على فرسه ومضى يخرج من الكوفة وهو لا يعرف الطريق فمضى يطوف في بعض الأزقة فرآه سعيد بن الأحنف فعرفه فقال له : الى اين يا سيدي ومولاي في مثل هذا الوقت ؟ فقال : أريد أن أخرج من هذا البلد الى مأمن ، حتى يجتمع اليّ بعض من بايعني من القوم فينصرونني ، فقال سعيد بن الأحنف : لا أدعك تذهب أبدا فقد جعلوا المدينة عليك سجنا مقفلا واحاطوا بك وملاؤا الأزقة والسكك بالجنود والحرس ، فأين ذهبت قبضوا عليك وأسروك ، فقال مسلم : فماذاترى ؟ قال : تعال معي حتى أدلّك على الطريق وأهديك الى مكان تأمن فيه ، فجاء به حتى وقف على باب دار محمد بن كثير ، فنادى : يا محمد بن كثير أسرع واستقبل مسلما ، فخرج محمد من الدار مسرعا واستقبل مسلما استقبالا مبجلا وحمد اللّه على ما أنعم عليه وأكرمه باستضافة مسلم ، وأدخله الى بيته وجعله في موضع لا يدخله أحد غيره ، وهيأ له ما يلزمه .

ص: 284

تورط محمد بن كثير :

وكان أصحاب عبيد اللّه بن زياد يطوفون في الأزقة والمحلات ويدخلون كل موضع ومكان بحثا عن مسلم بن عقيل ، فكأنهم احسوا بموضعه فأرسلوا الى ابن زياد يخبرونه بذلك ففرح ابن زياد فرحا شديدا ، وأمر ابنه خالد أن يخرج مع فوج من الجنود ويحاصروا دار محمد بن كثير ويهجموا عليه مغافصة وعلى حين غرة ، فحاصروه ولم يكن معه اعوان ولا أنصار فامسكوا به وبابنه دون قتال ولا جدال فلا ضربوا سيفا ولا سفكوا دما ، فارسلوا بهما الى ابن زياد وفتشوا البيت فلم يجدوا عينا ولا أثرا . فرجع خالد الى قصر الامارة .

فلمّا سمع بذلك سليمان بن صرد الخزاعي والمختار بن أبي عبيدة الثقفي وورقاء بن عازب وجماعة آخرون من أشراف الكوفة تعاهدوا على الخروج غداة غد للهجوم على ابن زياد لانقاذ محمد وابنه والخروج بعد ذلك خارج الكوفة يتلقون الحسين عليه السلام لينصروه ويقاتلوا معه أعداءه ، فتعاقدوا على ذلك وتعاهدوا وارسلوا الى قبائلهم ليستعدوا ويخرجوا غداة الغد لقتال ابن زياد .

وصول جيش الشام الى الكوفة :

فلمّا أصبح الصباح وصل عامر بن الطفيل ومعه عشرة الاف رجل من جند الشام والتحق بابن زياد ففرح ابن زياد واستقوى بهم ، فارسل الى محمد بن كثير فلمّا حضر عنده سبه وشتمه وتكلم معه كلاما غليظا ، فقال محمد : يا ابن زياد اعرف قدرك والزم حدك ولا تقل ما لا يليق بك فاني اعرف حسبك ونسبك واعلم استلحاق معاوية لزياد وما فعله في ذلك من فتنة وفساد ، فبينا كان محمد يتكلم ارتفعت أصوات طبول الحرب تصم الاذان وتخرق الصماخ واذ بأربعين ألف رجل أو ما يقرب من ذلك قد حاصروا قصر الامارة واصطفوا حوله صفوفا ، فاشتد غضب ابن زياد وقال : يا بن كثير أقسم بيزيد أن ليس على كلامي مزيد لتاتيني بمسلم أو لاضربن عنقك ، فقال له : أنت أحقر من أن تمس شعرة مني .

ص: 285

فسكت ابن زياد وأطرق برأسه الى الأرض وكتم غضبه وفكر في عواقب فعله ، وإن كانت تلك الكلمات ثقيلة عليه ، وهو لا يطيق سماعها ، ثم رفع رأسه وقال : يا بن كثير أيّهما أحبّ اليك أهلك وعشيرتك أم مسلم بن عقيل ؟ فقال : يا بن زياد إنّ اللّه حافظ ابن عقيل وناصره ومعينه ، وأنا لي ثلاثون ألف سيف متعطشة للدماء تحيط الآن بقصر الإمارة ، فغضب ابن زياد ولم يعد يحتمل الصبر عليه ، فأخذ دواة كانت أمامه فرمى بها محمد ، فأصابته في جبهته فشجته وسال الدم على وجهه ، فوثب محمد الى سيف فأخذه وهجم على ابن زياد ، فأحاط به أشراف الكوفة ومنعوه من الوصول اليه .

استشهاد محمد بن كثير وابنه :

فلمّا رأى معقل ذلك وكان من قبل قد جرحه هاني كما ذكرنا ، حمل على محمد فوثب عليه محمد كالليث الغضبان وضربه بسيفه فقطه نصفين ، فلمّا رأى ابن زياد اقدام محمد وشجاعته تنحى جانبا ونادى بغلمانه : اقتلوه ولا تبقوه ، فأحاطوا به من كلّ جانب وتكاثروا عليه ومحمد يقاتلهم يمينا وشمالا ، فقتل منهم اثنين ، ثم إنّه عثر

بوتد فسقط الى الأرض فانتهزوها فرصة فحملوا عليه وقتلوه .

بطولة ابنه محمد وشهادته :

أمّا ابن محمد فقد سلّ سيفا وقاتل وهو يريد الوصول الى باب القصر ، فقاتل قتال الأبطال فقتل عشرين حتى وصل الى باب القصر فطعنه غلام في ظهره بالرمح فسقط شهيدا ، وكان جيش الشام مشغولا بقتال الكوفيين على الباب يتبادلون معهم الضرب والطعان بالسيوف والسنان وهم يتعجبون ويتأهبون لصبر الكوفيين وجلدهم ، فقال ابن زياد : إنّما يقاتل أهل الكوفة لمكان محمد بن كثير وابنه فاقطعوا رأسيهما وارموا بها الى الناس ليرونهم فيفت في عضد المقاتلين ويموت حماسهم ، فقطعوا الرؤوس ورموا بها من اعلى الشرف بين الناس فعلموا ان محمد وابنه قد قتلا ولكنهم استمروا في القتال حتى انتهى النهار ونزل عليهم الظلام فانصرف كل واحد الى أهله ولم يبق منهم ولا رجل واحد في الميدان .

ص: 286

خروج مسلم من دار محمد بن كثير :

فلمّا سمع مسلم بن عقيل بالخبر خرج من مكمنه في دار محمد بن كثير وهو لا يعلم الى اين يذهب ، وكان ابن زياد على وجل من أهل الكوفة وانقلابهم عليه ، وفي نفس الوقت كان جادا في البحث عن مسلم بن عقيل غاية الجد ، ولهذا فرق جنده وهم اثنا عشر ألف في شوارع الكوفة وازقتها ومناطقها فلم يترك محلة إلاّ وجعل فيها جماعة من عسكره سيما في الليل فأخذوا كل المعابر والسبل ، فلمّا خرج مسلم لقته جماعة من الحراس فسألوه : من أنت ؟ والى اين تريد ؟ فقال : أنا رجل من بني فزارة اريد الرجوع الى قومي ، فقالوا له : ارجع فليس هذا طريقك ، فرجع مسلم ومشى في طريق آخر حتى وصل الى دار البيع ، وكان خالد بن عبيد اللّه بن زياد في اثني عشر ألف حراسا على تلك المحلة ، فرجع من هناك وأخذ يمينا وشمالا في السكك والأزقة حتى وصل الى الكناسة ، وكان هناك خادم الشامي في الفي رجل فمر مسلم بشجاعة واقدام من هناك وعبر الى سوق الحدادين فرآه رجل يقال له الحارث ، فقال في نفسه : لا يكون هذا الفارس المتعجل الذي مرّ من هنا إلاّ مسلم بن عقيل ، وكان الوقت يقارب الفجر ، فجاء راكضا مسرعا الى قصر الامارة وقال لنعمان الحاجب : رأيت مسلما وهو يدخل سوق الحدادين ويتجه نحو باب البصرة ، فركب نعمان في خمسين فارسا وتبعوه ، فلمّا سمع مسلم وقع حوافر الخيل عرف انهم في طلبه ، فنزل عن ظهر جواده وضربه فانطلق الجواد مسرعا ودخل مسلم في شارع آخر ، فاتبع الفرسان الجواد حتى لحقوه في محلة الحلاجين فوجدوه دون فارس فأخذوه ورجعوا به الى ابن زياد فاخبروه بالخبر .

فأمر ابن زياد أن يشددوا الحراسة ويأخذوا الطرقات وينصبوا الكمائن ويشددوا على المخارج والمداخل ، وأمر مناديه فنادى في الكوفة : من دلنا على مسلم أو جاءنا به فله من مال الدنيا ما يغنيه ، ويكون من أهل الزلفى والقربى عند الأمير ، فطمع بذلك المتهافتين على الذهب والفضة ، وخرجوا في طلب مسلم لا يفترون ليلا ونهارا .

ص: 287

ساعة في بيت اللّه :

أمّا مسلم فبعد أن أفلت من نعمان الحاجب ومن معه من الفرسان ، جعل يطوف في الأزقة لا يدري الى اين يذهب وقد أثر فيه الجوع والعطش ، حتى وجد نفسه في زقاق مسدود فجعل يذهب يمينا وشمالا وهو في حيرة من أمره إذ رأى مسجدا خرابا فدخله وجلس في زاوية منه حتى غربت الشمس وهبط الظلام فلفع الكون بالسواد فخرج من المسجد وجعل يمر من زقاق الى زقاق حتى عبر على دور بني جبلة وهم جماعة من كندة ، فالتفت فراى بنيانا منيفا عاليا فجلس في فنائه يستريح ساعة ، وكانت الدار لامرأة يقال لها طوعة وهي أم ولد كانت للاشعث بن قيس فاعتقها وتزوجها اسيد الحضرمي فولدت له بلالا ، وكان بلال قد خرج في حاجة له فتأخر فقلقت أمه له فوقفت على الباب تنتظره .

دخول مسلم دار طوعة :

فلمّا رآها مسلم سلم عليها فردت عليه السلام ، فقال لها : يا أمة اللّه اسقيني ماء ، فسقته وجلس ودخلت ثم خرجت فقالت : يا عبد اللّه ألم تشرب ؟ قال : بلى ، قالت : فاذهب إلى أهلك ، فسكت ، ثم أعادت مثل ذلك فسكت ، ثم قالت في الثالثة : سبحان اللّه يا عبد اللّه ، قم عافاك اللّه إلى أهلك فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك ، فقام وقال : يا أمة اللّه ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة فهل لك في أجر ومعروف ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم ، قالت : يا عبد اللّه وما ذاك ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذبني هؤاء القوم وغروني وأخرجوني ، قالت : أنت مسلم ؟ قال : نعم ، قالت : ادخل .

فدخل إلى بيت دارها غير البيت الذي تكون فيه ، وفرشت له وعرضت عليه العشاء ، فلم يتعش(1) .

ص: 288


1- بحار الأنوار 44/350 باب 37 .

لا تخبرن احدا من الناس :

ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه ، فقال لها : واللّه إنه ليريبني كثرة دخولك إلى هذا البيت وخروجك منه منذ الليلة ، إن

لك لشأنا ! قالت له : يا بني اله عن هذا ، قال : واللّه لتخبريني ، قالت له : أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء ، فألح عليها فقالت : يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشيء مما أخبرك به ، قال : نعم ، فأخذت عليه الأيمان ، فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت(1) .

مجى ء ابن زياد الى المسجد :

ولما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل طال على ابن زياد وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع قبل ذلك ، فقال لأصحابه : أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا ، فأشرفوا فلم يجدوا أحدا ، قال : فانظروهم لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم ، فنزعوا تخاتج المسجد وجعلوا يخفضون بشعل النار في أيديهم وينظرون ، وكانت أحيانا تضيء لهم وتارة لا تضيء لهم كما يريدون ، فدلوا القناديل وأطنان القصب تشد بالحبال ثم يجعل فيها النيران ثم تدلى حتى تنتهي إلى الأرض ، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر ، فلمّا لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد بتفرق القوم .

ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر ، وخرج أصحابه معه ، وأمرهم فجلسوا قبيل العتمة ، وأمر عمر بن نافع فنادى : ألا برئت الذمة من رجل من الشرط أو العرفاء والمناكب أو المقاتلة صلى العتمة إلاّ في المسجد ، فلم يكن إلاّ ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس ، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة وأقام الحرس خلفه وأمرهم بحراسته من أن يدخل إليه من يغتاله ، وصلى بالناس .

ص: 289


1- بحار الأنوار 44/350 باب 37 .

ثم صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت ذمة اللّه من رجل وجدناه في داره ، ومن جاء به فله ديته ، اتقوا اللّه عباد اللّه والزموا الطاعة وبيعتكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا . يا حصين بن نمير ثكلتك أمك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ولم تأتني به ، وقد سلطتك على دور أهل الكوفة ، فابعث مراصد على أهل الكوفة ودورهم ، وأصبح غدا واستبرئ الدور وجس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل ، وكان الحصين بن نمير على شرطه وهو من بني تميم ، ثم دخل ابن زياد القصر وقد عقد لعمرو بن حريث راية وأمره على الناس .

فلمّا أصبح جلس مجلسه وأذن للناس فدخلوا عليه ، وأقبل محمد بن الأشعث فقال : مرحبا بمن لا يستغش ولا يتهم ، ثم أقعده إلى جنبه(1) .

رؤيا مسلم :

فَلَمّا طَلَعَ الْفَجْرُ رَفَعَ مسلم رَأْسَهُ فَاِذا هُوَ بِالْمِرأَةِ واقِفَةٌ وَفي يَدها اِناء فيهِ ماءٌ فَناوَلَتْهُ الإِناءَ فَاَخَذَهُ فَقالَتْ لَهُ : يا سَيِّدي ما رَاَيْتُكَ رَقَدْتَ هذِهِ اللَّيْلَةَ .

فَقالَ : اِنّي رَقَدْتُ وَرَأَيْتُ عَمِّي اَمير الْمُؤْمِنينَ عليه السلام وَهُوَ يَقُولُ : اَلْوَحا اَلْوَحا اَلْعَجَلْ اَلْعَجَلْ ، وَما اَظُنُّ اِلاّ اِنَّها آخِرُ حَياتي مِنَ الدُّنيا وأولها من الآخرة .

بلال يبلغ ابن زياد عن مسلم :

فَلَمّا اَصْبَحَ الْغُلامُ خَرَجَ مُسْرِعا حَتّى اَتى قَصْرَ الإِمارَةِ وَنادى : النَّصيحَةَ

النَّصيحَةَ ، فَقالَ لَهُ اَبوهُ : وَاَيُّ نَصيحَةٍ اَتَيْتَ بِها ؟ فَقالَ : اُمّي صارَت تُجيرُ الأَعْداءَ ، قالَ : وَاَيُّ عَدُوٍّ اَجارَتْهُ ؟ قالَ : مُسْلِمُ بْنِ عَقيلٍ عليه السلام في دارِنا . فَسَمِعَهُ اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه فَقالَ : ما يَقُولُ الْغُلامُ ؟ قالَ اَبُوهُ : يَقُولُ : اِنَّ مُسْلِمَ عليه السلام في دارِنا .

فَقامَ اِلَيْهِ اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه فَطَوَّقَهُ بِطَوْقٍ مِنْ ذَهَبٍ وَتَوَجَّهَ بِتاجٍ مِنْ لُجَيْنٍ وَاَرْكَبَهُ عَلَى سابِقٍ مِنَ الْخَيْلِ(2) .

ص: 290


1- بحار الأنوار 44/350 باب 37 .
2- مقتل أبي مخنف : 35 .

روى صاحب البحار والعوالم : أنّ ابن زياد بعث محمد بن الأشعث وعبيد اللّه بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس ، وقال ابن أعثم الكوفي : بعث مع محمد بن الأشعث ثلاثمائة رجل من صناديد أصحابه ، وقال أبو مخنف : ثُمَّ دَعى بِمُحَمَّدِ بْنِ

الأَشْعَثْ وَضَمَّ اِلَيْهِ خَمِسمائَةَ فارِسٍ .

حرب مسلم مع جيش ابن زياد :

فَساروا حَتّى اَتَوا دارَ الْعَجوزِ فَسَمِعَتْ صَهيلَ الْخَيلِ وَقَعْقَعَةُ اللُّجُمِ وَزَعقاتِ

الرِّجالِ فَاَخْبَرَتْ مُسْلِمَ بِذلِكَ . فَقالَ مُسْلِمُ : ما طَلِبَ الْقَوْمُ غَيري ، فَقالَ لَها : هاتي سَيْفي ، فَقامَ وَشَدَّ وَسْطَهُ بِمَنْطَقَتِهِ وَتَدَرَّعَ بِدِرْعِهِ وَخَرَجَ اِلَى الْقَوْمِ وَهُوَ يَهُزُّ سَيْفَهُ .

قال عمرو بن دينار وغيره : لقد كان من قوته أنّه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت .

فلمّا همّ بالخروج قالَتْ لَهُ الْعَجُوزُ : يا سَيِّدي اَراكَ تَاَهَّبْتَ لِلْمَوتِ ؟ قالَ : وَاللّهِ اَجَلْ لابُدَّ مِنَ الْمَوْتِ ثُمَّ خرج كالصاعقة وسلط عليهم سيفه يصب عليهم سوط عذاب كأنّه شرر الجحيم ولسان الأفاعي وَقاتَلَهُمْ قِتالاً شَديدا وَقَتَلَ مِنْهُمْ مائَةَ وَثَمانينَ فارِسا وَانْهَزَمَ الباقُونَ .

فَلَمّا نَظَرَ اِبْنُ الأَشْعَثُ اِلَى شُجاعَةِ مُسْلِمٍ عليه السلام اَرْسَلَ اِلَى اِبْنِ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه اَدْرِكني بِالْخَيْلِ وَالرِّجالِ فَاَرْسَلَ اِلَيْهِ خَمْسمائَةَ فارِسٍ فَخَرَجَ اِلَيْهِمْ مُسْلِمِ بْنِ عَقيلٍ عليه السلامفَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظيمةً فتفرق الناس عنه وولوه ادبارهم ، فَاَرْسَلَ اِبْنُ الأَشْعَثْ اِلَى اِبْنِ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه اَدْرِكني بِالْخَيلِ وَالرِّجالِ .

فَاَنْفَذَ اِلَيْهِ اِبْنِ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه يَقُولُ : ثَكَلَتْكَ اُمُّكَ وَعَدَموكَ قَوْمُكَ رَجُلٌ واحِدٌ يَقْتُلُ مِنْكُمْ هذِهِ الْمَقْتَلَةَ الْعَظيمَةَ ؟ فَكَيْفَ لَوْ اَرْسَلْتُكَ اِلَى مَنْ هُوَ اَشَدُّ بَأْسَا وَاَصْعَبُ مِراسا يَعْني بِذلِكَ الْحُسَيْنُ عليه السلام(1) .

ص: 291


1- مقتل أبي مخنف : 36 .

فَكَتَبَ اِلَيْهِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثْ يَقُولُ : اَتَظُنُّ اَنَّكَ اَرْسَلْتَني اِلَى بَقّالٍ مِنْ بَقالي الْكُوفَةِ اَوْ اِلَى جَرْمَقانٍ مِنْ جَرامِقَةِ الْحيرَةِ اَلَمْ تَعْلَمْ أيّها الأمير اِنَّكَ بعثتني اِلَى بَطَلٍ ضَرْغامٍ وسيف حسام في كف بطل همام من آل خير الانام(1) .

فَاَنْفَذَ اِلَيْهِ اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه خَمسمائَةَ فارِسٍ(2) ، وَقالَ : أن أعطه الأمان فإنّك لن تقدر عليه إلاّ بالأمان(3) ، فحمل عليه القوم فقاتلهم مسلم كالليث الغضبان وهو

يرتجز ويقول :

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع

فأنت بكأس الموت لا شك جارع

فصبرا لامر اللّه جل جلاله

فحكم قضاء اللّه في الخلق ذائع

وجعل يضربهم بسيفه وهم ينكشفون أمامه كالجراد المنتشر ويتدافعون ويطأ بعضهم بعضا ، فلمّا رأى محمد بن الأشعث ذلك علم أنّه لا يقدر عليه إلاّ بالامان فصاح : يا مسلم لا تقتل نفسك لك الامان ، فَقالَ : لا اَمانَ لَكُمْ يا اَعْداءَ اللّهِ وَاَعْداءَ رَسُولِهِ ، وجعل يرتجز بابيات حمران بن مالك الخثعمي :

أقسمت لا أقتل إلاّ حرا

وإن رأيت الموت شيئا نكرا

أكره أن اُخدع أو اُغرا

ردّ شعاع الشمس فاستقرا

أو يخلط البارد سخنا مرا

كلّ إمرء يوما ملاق شرا

اضربكم ولا أخاف ضرا

فعل غلام قط أن يفرا

وكلّ ذي عذر سيلقى عذرا

أيضا ويصلى في المعاد حرا

وجعل يحمل عليهم كرة بعد كرة ويثخنهم بالجراح ويقتلهم ، فخرج اليه من أهل الكوفة رجل يقال له : بكر بن حمران ، فاختلفا بالضرب والطعان فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا ، فصار مسلم كالصاعقة وضربه بسيفه ضربة كانت كشرر

ص: 292


1- الفتوح : 2/114 .
2- مقتل أبي مخنف : 36 .
3- الفتوح 2/114 .

الجحيم على هامة بكر فولى منهزما ، ثم قتل آخر ، فلمّا رأى أهل الكوفة ذلك أشرفوا عليه من فوق السطوح وأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في اطنان القصب ثم يرمونها عليه من فوق البيت ، فلمّا رأى ذلك تنحى جانبا ليبتعد عن الحجارة والنار قليلا ثم إلتفت اليهم وقال : مالكم ترموني بالاحجار كما ترمى الكفار وأنّا من أهل بيت الأنبياء الأبرار ، ألا ترعون حق رسول اللّه في ذريته(1) ، فكانت كلماته في آذان اولئك القوم الجاهلين كالماء في الغربال .

وقوع مسلم في الحفيرة :

فَاَقْبَلَ عَلَيْهِمْ لَعينٌ وَقالَ لَهُمْ : اَنَا اَنْصِبُ لَهُ شَرَكا لا يَخْلُصُ مِنْهُ . قالوا : بِماذا ؟ قالَ : نَحْفِرُ لَهُ بِئْرا في الطَّريقِ وَنَطُمُّها بِالْدَّغَلِ وَالتُّرابِ وَنَحْمِلُ عَلَيْهِ وَنَنْهَزِمُ قدّامَهُ ، وَاَرْجو اَنْ لا يَفْلُتَ مِنها ، فَفَعَلوا ذلِكَ وَمُسْلِمٌ عليه السلام لا يَعْلَمْ بِما فَعَلوا مِنَ الْمَكْرِ ، ثُمَّ حَمَلوا عَلَيْهِ وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَانْهَزَموا بَيْنَ يَدَيْهِ فَوَقَعَ في الْبِئْرِ ، فَاَحاطُوا بِهِ مِنْ كُلِّ جانِبٍ وَمكانٍ وضربوه بكل سيف وسنان ، فَاَخْرَجُوهُ اِلَيْهِمْ .

فَضَرَبَهُ اِبْنُ الأَشْعَثْ لَعَنَهُ اللّه عَلَى مَحاسِنِ وَجْهِهِ فَلَعِبَ السَّيْفُ في عِرْنينِ اَنْفِهِ فَسَقَطَتْ اَضْراسُهُ وَاَخَذوه اَسيرا(2) .

وروي أنّ محمد بن الأشعث سلبه سيفه ودرعه ، فقال في ذلك عبد اللّه بن الزبير الأسدي فيما نسب اليه :

أتركت مسلم لا تقاتل دونه

حذر المنية أن تكون صريعا

وقتلت وافد آل بيت محمد

وسلبت أسيافا له ودروعا

مسلم يطلب جرعة من الماء :

وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر وقد إشتد به العطش ، وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الإذن فيهم : عمارة بن عقبة بن أبي معيط ، وعمرو بن حريث ، ومسلم بن عمرو ، وكثير بن شهاب ، وإذا قلة باردة موضوعة على الباب ، فقال

ص: 293


1- الفتوح 2/114 .
2- مقتل أبي مخنف : 37 .

مسلم : اسقوني من هذا الماء ، فقال له مسلم بن عمرو : أتراها ما أبردها لا واللّه لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم ، فقال له ابن عقيل : ويحك من أنت ؟ فقال : أنا الذي عرف الحق إذ أنكرته ونصح لإمامه إذ غششته وأطاعه إذ خالفته ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال له ابن عقيل : لأمك الثكل ما أجفاك وأقطعك وأقسى قلبك ، أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني(1) .

وبعث عمرو بن حريث غلاما له فجاءه بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء فقال له : اشرب ، فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فيه فلا يقدر أن يشرب ، ففعل ذلك مرة ومرتين ، فلمّا ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثنيتاه في القدح فقال : الحمد للّه لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته(2) .

بكاء مسلم على الإمام الحسين عليه السلام :

فتساند مسلم الى الحائط وبكى ، فقال له عبيد اللّه بن العباس السلمي : إن من يطلب مثل الذي طلبت إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك ، قال : إنّي واللّه ما لنفسي بكيت ، ولا لها من القتل أرثي ، وإن كنت لم أحبّ لها طرفة عين تلفا ، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ ، أبكي للحسين عليه السلام وآل الحسين .

ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال : يا عبد اللّه إنّي أراك واللّه ستعجز عن أماني ، فهل عندك خير ، تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسينا فإني لا أراه إلاّ قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خارج غدا وأهل بيته ويقول : إن ابن عقيل بعثني إليك وهو أسير في أيدي القوم لا يرى أنه يمسي حتى يقتل ، وهو يقول : ارجع - فداك أبي وأمي - بأهل بيتك ولا يغرك أهل الكوفة ، فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل ، إن أهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي . فقال ابن الأشعث : واللّه لأفعلن ، ولأعلمن ابن زياد أني قد آمنتك(3) .

ص: 294


1- بحار الأنوار 44/354 باب 37 .
2- الإرشاد 2/58 .
3- الإرشاد 2/58 .

مسلم عليه السلام في مجلس ابن زياد :

وخرج رسول ابن زياد فامر بادخاله اليه ، فلمّا دخل على ابن زياد لم يسلم

عليه ، فقال له الحرسي : سلم على الأمير ، فقال : اسكت ويحك واللّه ما هو لي بامير ، فقال ابن زياد : لا عليك سلمت أم لم تسلم فإنّك مقتول ، فقال له مسلم : أن قتلتني فلقد قتل من هو شرّ منك من هو خير مني ، فقال ابن زياد : لعمري لتقتلن ، قال : كذلك ؟ قال : نعم ، قال : فدعني أوصي الى بعض قومي ، قال : إفعل .

فنظر مسلم الى جلساء عبيد اللّه بن زياد ، وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا عمر إنّ بيني وبينك قرابة ولي اليك حاجة وقد يجب عليك لي نجح حاجتي وهي سرّ ، فامتنع عمر أن يسمع منه ، فقال له عبيد اللّه بن زياد : لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك .

فقام معه فجلس حيث ينظر اليهما ابن زياد ، فَقالَ عليه السلام : اَوَّلُ وَصِيَّتي شَهادَةُ اَنْ لا اِلهَ اِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَاَنَّ عَلِيّا وَلِيُّ اللّهِ ، والثّانِيَةُ تَبيعونَ دِرْعي هذا وَتوفونَ عَنّي اَْلفَ دِرْهَمٍ اِقْتَرَضْتُها في بَلَدِكُمْ هذا ، وَالثّالِثَةَ اَنْ تَكْتُبُوا اِلَى سَيِّديَ الْحُسَيْنُ عليه السلام اَنْ يَرْجَعَ عَنْكُمْ ، فَقَدْ بَلَغَني اَنَّهُ خَرَجَ عليه السلام بِنِسائِهِ وَاَولادِهِ وَاَخافُ اَنْ يُصيبَهُ ما اَصابَني .

فَقالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ : اَمّا ما ذَكَرْتَ مِنَ الشَّهادَةِ فَكُلُّنا نُقِرُّ بِها ، وَاَمّا ما ذَكَرْتَ مِنْ بَيْعِ دِرْعِكَ وَقضاءِ دَيْنِكَ فَنَحْنُ اَوْلى اِنْ شِئْنا قَضَيْنا وَاِنْ شِئْنا لَمْ نَقْضِهِ ، وَاَمّا الْحُسَيْنُ عليه السلام فَلابُدَّ اَنْ يُقْدَمَ عَلَيْنا وَنُذيقَهُ الْمَوْتُ غُصَّةٍ بَعْدَ غُصَّةٍ ، ثُمَّ الْتَفَتَ اِلَى اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه وَاَخْبَرَهُ بِما اَوْصاهُ .

فَقالَ اِبْنُ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه : إنّه لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن ، قَبَّحَكَ اللّهُ مِنْ مُسْتَودَعٍ سِرا ، وَاللّهِ لَوْ اَنَّهُ باحَ إلَيَّ سِرَّهُ لَكَتَمْتُ عَلَيْهِ وَقَضَيْتُ حاجَتَهُ ، وَلكِنْ منْ حَيْثُ اَفْشَيْتَ سِرَّهُ فَلا يَخْرُجَ اِلَى حَرْبِ الْحُسَيْنِ عليه السلام غَيْرُكَ(1) .

ص: 295


1- مقتل أبي مخنف : 38 .

كلام بين مسلم وابن زياد :

ثم إلتفت ابن زياد الى مسلم فقال : إيه يا ابن عقيل ، خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين والقحت الفتنة ، فقال مسلم : كذبت يا ابن زياد ، إنّما شق عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وأمّا الفتنة فإنّما ألقحها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف ، وأنا أرجو أن يرزقني اللّه الشهادة على يدي شر بريته ، فقال ابن زياد : إنّ نفسك منتك ما حال اللّه دونه ولم يرك اللّه له أهلا ، فقال مسلم : فمن أهله إذا لم نكن نحن أهله ؟ فقال ابن زياد : يزيد بن معاوية ، فقال مسلم : الحمد للّه رضينا باللّه حكما بيننا وبينكم ، فقال ابن زياد : أتظن أنّ لكم في هذا الأمر شيء ؟ فقال مسلم : لا واللّه لا أظنّ وإنّما

أنا على يقين ، فقال ابن زياد : أريد أن تخبرني - يا ابن عقيل - لماذا أتيت الى هذا البلد ، شتت أمرهم وفرقت كلمتهم ورميت بعضهم على بعض ، فقال مسلم : ما لهذا أتيت ، ولكنكم اظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتأمرتم على الناس بغير رضى وحملتموهم على غير ما أمركم اللّه به ، وعملتم فيهم باعمال كسرى وقيصر ، فاتيناهم لنامر فيهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر وندعوهم الى حكم الكتاب والسنة وكنا أهل ذلك(1) .

فقال ابن زياد : وما أنت وذاك يا فاسق ؟ لم لم تعمل فيهم بذلك إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر ؟ ! فقال مسلم : أنا أشرب الخمر ؟ ! ! أما واللّه إنّ اللّه ليعلم أنّك تعلم أنّك غير صادق وأنّك قد قلت بغير علم وإنّي لست كما ذكرت وأنّك أحق بشرب الخمر منّي واولى بها ومن يلغ في دماء المسلمين ولغا فيقتل النفس التي حرم اللّه قتلها ويسفك الدم الذي حرم اللّه على الغضب والعداوة وسوء الظن وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا .

ص: 296


1- الفتوح 2/117 .

فجعل ابن زياد يشتم عليا والحسن والحسين ، فقال له مسلم : أنت وأبوك احق

بالشتيمة فاقض ما أنت قاض(1) ، فقال ابن زياد : اين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف ؟ فدعا بكر بن حمران الأحمري فقال له : اصعد فليكن أنت الذي تضرب عنقه ، فقال مسلم : واللّه لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني ، وما كان مسلم يستعطف ابن زياد أو يلومه بكلامه هذا وإنّما أراد أن يقول له : إنّك لست من قريش ، وإنّك ابن زنا لا تمت الينا بقرابة ولا صلة .

فصعد به وهو يكبر ويستغفر اللّه ويصلّي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويقول : اللّهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا ثم خذلونا وقتلونا .

فَلَمّا صَعَدَ بِهِ قالَ مُسْلِمٌ عليه السلام : دَعني اُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَافْعَلْ ما بَدا لَكَ ، فَقالَ : لَيْسَ اِلَى ذلِكَ سَبيلٌ ، ثُمَّ بَكى مُسْلِمٌ عليه السلام وَاَنْشَاَ يَقُولُ :

جَزَى اللّهُ عَنَّا قَوْمَنا شَرَّ ما جَزى

شِرارَ الْمَوالي بَلْ اَعَقَّ وَاَظْلَما

هُمُ مَنَعُونا حَقَّنا وَتَظاهَروا

عَلَيْنا وَراموا اَنْ نَذِلَّ وَنُرْغَما

اَغارُوا عَلَيْنا يَسْفِكونَ دِمائَنا

وَلَمْ يَرْقَبوا فِينا ذِماما وَلا دَما

فَنَحْنُ بَنُو الُْمختارِ لا خَلْقَ مِثْلُنا

نَبِيٌّ اَبَتْ اَرْكانُهُ اَنْ تُهَدَّما

فَاُقْسِمُ لَوْلا جَيْشُكُمْ آلَ مِذْحِجٍ

وَفِرسانُها وَالْحُرُّ كانَ الْمُقدّما(2)

فقال بكر بن حمران : الحمد للّه الذي أقادني منك ، وضربه ضربة لم تعمل شيئا ، فقال له مسلم : أو ما يكفيك في خدش وفاء منّي بدمك أيّها العبد ؟ فلمّا سمع ابن زياد

بذلك قال : وفخرا عند الموت ؟ ! .

ثم إنّه ضربه ضربة ثانية فقتله ، ونزل مذعورا، فقال له ابن زياد: ما شأنك؟ فقال : أيّها الأمير ، رأيت ساعة قتلته رجلا أسود سيى ء الوجه حذائي عاضا على اصبعه - أو قال: شفتيه - ففزعت فزعا لم أفزعه قط، فقال ابن زياد: لعلك دهشت فتخيلت.

ص: 297


1- الفتوح 2/118 .
2- مقتل أبي مخنف : 39 .

وفي كتاب عبد اللّه بن محمد رضا الحسيني : لما صعد بكر به الى أعلى القصر وأراد قتله شلّت يده ، فنزل الى ابن زياد فزعا مرعوبا ، فأخبر ابن زياد فأرسل رجلا آخر ، فلمّا صعد وأراد قتل مسلم رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فدهش ومات ، فأرسل ابن زياد رجلا شاميا ، فصعد اليه فضرب عنقه ورمى برأسه من أعلى القصر ثم أتبعه بجسده .

مقتل هانى ء بن عروة :

فامر ابن زياد بقتل هانى ء ، فقام محمد بن الأشعث إلى عبيد اللّه بن زياد فكلمه في هانئ بن عروة فقال : إنك قد عرفت موضع هانئ من المصر وبيته في العشيرة وقد علم قومه إنّي وصاحبي سقناه إليك وأنشدك اللّه لما وهبته لي فإني أكره عداوة المصر

وأهله ، فوعده أن يفعل ، ثم بدا له وأمر بهانئ في الحال فقال : أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه ، فأخرج هانئ حتى أتي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف ، فجعل يقول : وا مذحجاه ولا مذحج لي اليوم ، يا مذحجاه يا مذحجاه ، أين مذحج ؟

قال المسعودي في مروج الذهب : وهو - اي هانى ء - يومئذ يركب في أربعة آلاف

دارع وثمانية الاف راجل ، وإذا أجابتها أحلافها من كندة وغيرها كان في ثلاثين ألف دارع(1) .

فلمّا رأى أن أحدا لا ينصره ، جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال : أما من عصا أو سكين أو حجارة أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه ، ووثبوا إليه فشدوه وثاقا ، ثم قيل له : أمدد عنقك ، فقال : ما أنا بها بسخي ، وما أنا بمعينكم على نفسي ، فضربه مولى لعبيد اللّه بن زياد تركي يقال له « رشيد » بالسيف فلم يصنع شيئا ، فقال له هانئ : إلى اللّه المعاد اللّهم إلى رحمتك ورضوانك ، ثم ضربه أخرى فقتله .

وفي مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة يقول عبد اللّه بن الزبير الأسدي ، وقيل : ان قائلها الفرزدق وعبد اللّه بن الزبير الأسدي رواها عنه :

ص: 298


1- مروج الذهب 3/59 .

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هانئ في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشم السيف وجهه

وآخر يهوي من جدار قتيل

أصابهما أمر اللعين فأصبحا

أحاديث من يسري بكل سبيل

ترى جسدا قد غير الموت لونه

ونضح دم قد سال كل مسيل

فتى كان أحيا من فتاة حيية

وأقطع من ذي شفرتين صقيل

أيركب أسماء الهماليج آمنا

وقد طالبته مذحج بذحول

تطيف حواليه مراد وكلّهم

على رقبة من سائل ومسئول

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم

فكونوا بغايا أرضيت بقليل(1)

ثم أمر ابن زياد فسحبوهما في الأزقة والأسواق ، ثم أمر بصلبهما في سوق الغنم ، فَبَلَغَ ذلِكَ مَذْحَجِ فَحَمَلَتْ عَلَيْهِمْ فَفَرَّقُوهُمْ وَاَخَذوا مُسْلِما وَهانيا وَصَلُّوا عَلَيْهِما وَدَفَنوهُما(2) .

ابن زياد يرسل براس مسلم وهانى ء الى الشام :

ولما قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة بعث ابن زياد برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي والزبير بن الأروح التميمي إلى يزيد بن معاوية ، وأمر كاتبه أن يكتب إلى يزيد بما كان من أمر مسلم وهانئ ، فكتب الكاتب - وهو عمرو بن نافع - فأطال فيه ، وكان أول من أطال في الكتب ، فلمّا نظر فيه عبيد اللّه كرهه وقال : ما هذا التطويل وهذه الفضول ؟ اكتب : أما بعد فالحمد اللّه الذي أخذ لأمير المومنين

بحقه وكفاه مؤونة عدوه ، أخبر أمير المومنين أن مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، وإنّي جعلت عليهما المراصد والعيون ودسست إليهما الرجال وكدتهما حتى أخرجتهما ، وأمكن اللّه منهما ، فقدمتهما وضربت أعناقهما وقد بعثت إليك برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي والزبير بن الأروح التميمي ،

ص: 299


1- بحار الأنوار 44/357 باب 37 .
2- انظر مقتل أبي مخنف : 40 .

وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة ، فليسألهما أمير المومنين عما أحبّ من أمرهما فإن عندهما علما وورعا وصدقا والسلام(1) .

وكان هذا أول رأس من أهل البيت يحمل الى دمشق .

كتاب يزيد الى ابن زياد :

فكتب إليه يزيد : أما بعد فإنك لم تعدوا أن كنت كما أحبّ ، وعملت عمل الحازم

وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، وقد أغنيت وكفيت وصدقت ظني بك ورأيي فيك وقد دعوت رسوليك وسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت فاستوص بهما خيرا ، وإنه قد بلغني أن حسينا قد توجه نحو العراق فضع المناظر والمسالح واحترس واحبس على الظنة واقتل على التهمة واكتب إليّ في كلّ يوم ما يحدث من خبر إن شاء اللّه (2) .

ثم دفع الكتاب الى هاني بن أبي حية والزبير بن الأروح وأمر فصلب الراسان على باب دمشق(3) .

فلمّا بلغ يزيد خروج الحسين عليه السلام واقترابه من الكوفة استولى عليه الخوف فاراد أن يحرض ابن زياد على قتال آل الرسول ، فكتب إلى ابن زياد : قد بلغني أن حسينا قد سار إلى الكوفة وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان وبلدك من بين البلدان وابتليت به من بين العمال ، وعندها تعتق أو تعود عبدا كما تعبد العبيد(4) .

وفي هذه العبارات تلويح وإشارات الى أنّ زياد بن أبيه كان يدعى ابن عبيد وعبيد كان عبد لبني ثقيف ،ثم استلحقه معاوية بأبي سفيان وقد ذكرنا القصة مفصلة في كتاب الإمام الحسن عليه السلام .

ص: 300


1- بحار الأنوار 44/357 باب 37 .
2- بحار الأنوار 44/357 باب 37 .
3- الفتوح 2/121 .
4- بحار الأنوار 44/357 باب 37 .

ذكر شهادة محمد وإبراهيم أبناء مسلم بن عقيل عليهم السلام

اشارة

لا يخفى أنّ قصة شهادة محمد وإبراهيم ابنا مسلم بن عقيل لم أرها في كتب المتقدمين إلاّ قليلا ، وقد أشار اليها ابن أعثم الكوفي فقال : إنّه لما حبس ابن زياد هانى ء خرج مسلم من بيته وجمع اليه شيعته وارسل أبناءه الى بيت شريح القاضي ليكونا في حمايته ، ولم يذكر اسمهما ولا قصة شهادتهما ، وفي العوالم : إنّه بعد قتل الحسين عليه السلام اسر ولدا مسلم مع من اسر من أهل البيت ، فأخذهما ابن زياد وحبسهما ، وذكر في روضة الشهداء قصة شهادتهما مفصلة وكذلك ذكرها مختصرة صاحب حبيب السير عن روضة الشهداء .

وأنا أنقل قصتهما عن روضة الشهداء بتصرف لأنّ اسلوبه اسلوب خطابي يناسب مجالس العزاء واستدرار الدموع واثارة الزفرات ، ولا ينسجم مع منهجية المؤرخين والمحدثين ، فصاحب الروضة قد يستعمل بعض العبارات التي تردها العقول وتلوح للناظر أقرب الى الفضول ، وهو اسلوب منمق يعتمد التلفيق والتأليف ، ويليق بالقراء ، وممدوح وجميل في محلّه ، أمّا المؤرخ والمحدّث الذي ينقل

الأحداث والوقائع المتداولة يدا بيد وصدر بصدر من دون زيادة ولا نقصان ، إلاّ أن يعمل فيها بلاغته وأدبه الشخصي لإيضاح غامض ، أو فصاحته وبيانه للتعبير عن واقع قد يحتاج الى تهذيب .

حكم ابن زياد في ابني مسلم :

لقد بقي ابنا مسلم في بيت شريح القاضي حتى استشهد مسلم فأبلغوا ابن زياد أنّ في البلد أولاد مسلم بن عقيل وهما مختفيان ، فأمر ابن زياد أن ينادي المنادي : أنّ من وجد في بيته أولاد مسلم فدمه هدر وداره تهدم وماله ينهب .

فلمّا سمع شريح بذلك جاء اليهما وبكى عندهما بكاءا شديدا ، فقالا له : ما يبكيك ؟ فقال : إعلما أنّ مسلما قد قتل وأنّه قد ودع هذه الدنيا الفانية وسكن في الجنان العالية ،

ص: 301

فلمّا سمعا ذلك منه بكيا بكاءا عاليا وشقّا جيبهما وناديا : وا ابتاه وا غربتاه ، فقال شريح : لا تصرخا ولا ترفعا أصواتكما يا ابني أخي ، ولا تسعيا في دماكما ولا في دميابن زياد يطلبكما ، وقد توعد من يخفيكما وآلى أن لا يستقر حتى يجدكما ، فابتلعا غصتهما وكسّرا الصرخات في أعماقهما وخنقا عبراتهما خوفا من ابن زياد ، فقال لهما شريح : إنّكما نور عيني ومهجة قلبي ، وقد فكرت في أمركما ، فرأيت أن أرى لكما رجلا أمينا يأخذكما الى مدينة جدّكما ويوصلكما الى أهلكما ، ثم إلتفت الى ولد أسد وقال له : اخرج بهما هذه الليلة الى خارج الكوفة وانظر فإنّه بلغني أنّ قافلة تخرج اليوم نحو المدينة ، فسلّمهما الى رجل أمين يوصلهما الى هناك ، ودفع لكلّ واحد منهما خمسين دينارا ، فلمّا جن الليل وعم الظلام خرج ابنه أسد بهما الى خارج المدينة .

فلمّا خرجوا كانت القافلة قد انفصلت وتوغلت في المسير فنظر أسد فرأى شبحا من بعيد ، فالتفت اليهما وقال : أرى أنّ هذا الشبح البعيد هو سواد القافلة المنطلقة ، فعجلا بالمسير حتى تصلا اليها ، ثم أرسلهما وقفل راجعا ، فركض أولاد مسلم يتخبّطان في الصحراء يمينا وشمالا ، وهما لا يعرفان الطريق ، فتعبا ولم يدركا القافلة ، وضيعا الطريق فمضيا حتى وقعا على جماعة من أهل الكوفة ، فعرفوهما فأخذوهما الى ابن زياد ، فأمر بهما فحبسا ، ثم كتب الى يزيد إنّ ابني مسلم في الحبس فامر فيهما بأمرك .

السجان يطلق سراحهما :

أمّا السجان ، وكان يدعى مشكور ، فإنّه كان من شيعة أهل البيت عليهم السلام فإنّه اغتم لما يسمع من حنينهم وانينهم سبع أو ثمان سنين ، فخدمهما وهيأ لهما المكان المناسب وقدم لهما الطعام والشراب .

وبقي معهما هكذا حتى أتاهما ذات ليلة لما جن الليل وتلفعت الافاق بسربال

الظلام فقال لهما : اخرجا ، فاخرجهما الى طريق القادسية ودفع اليهما خاتمه وقال لهما : فليكن هذا علامة عندكما فاذا بلغتما القادسية اذهبا الى أخي وادفعا اليه

ص: 302

هذا الخاتم ليقوم على خدمتكما ويسيركما الى المدينة ، ثم رجع مشكور وانطلق الغلامان ولكنهما سرعان ما ضيعا الطريق مرة أخرى فبقيا يطوفان حتى ادركهما الصباح وانبلج نور الفجر فوجدا انفسهما على مشارف الكوفة ولم يتقدما شيئا في الطريق فخافا خوفا شديدا أن يقعا مرة أخرى في يد ابن زياد ، فالتفتا يمينا وشمالا ،

فوجدا عينا ونخلا فدخلا فيه وتسلقا على أغصان شجرة ليستريحا هناك ساعة .

فجاءت أمة لتأخذ الماء من العين ، فرأت صورة الغلامين منعكسة في الماء ، فكلّمتهما ولاطفتهما ودعتهما الى البيت ، وأخبرتهما أنّ سيدتها من محبي آل محمد عليهم السلام ، وأنّها ستفرح بهما أشدّ الفرح ، حتى أقنعتهما وذهبت بهما الى البيت .

فلمّا رأتهما سيّدتها فرحت بهما فرحا شديدا ، وأعتقت الأمة لوجه اللّه هدية على فعلها الخير ، وأخذت الغلامين الى موضع في الدار لا يدخله أحد فاخفتهما ، وعرضت عليهما الطعام ، وأوصت وصيفتها أن لا تخبر زوجها بما جرى ، وأن يبقى الأمر سرّا بينهم .

قتل مشكور السجان :

هذا ما كان من أمر اطفال مسلم وأمّا مشكور السجان فقد طلبه ابن زياد وسأله

عن الغلامين ، فقال : اطلقتهما قربة الى اللّه تعالى ، فقال ابن زياد : أما خفت مني ؟ قال : أنا لا أخاف إلاّ اللّه ، يا بن زياد بالأمس قتلت أبوهما واليوم ماذا تريد بهما

وهما طفلان صغيران ؟ فغضب ابن زياد غضبا شديدا فقال : الآن نأمر بك فتضرب عنقك ، فقال مشكور : لا أخسر رأسا ضحيت به في سبيل المصطفى ، فأمر ابن زياد أن يجلد خمسمائة سوط ثم يضرب عنقه ، فلمّا ضربوه السوط الأول قال : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، فلمّا ضربوه الثاني قال : اللّهم ثبتني وانزل علي الصبر ، فلمّا ضربوه

الثالث قال : اللّهم زد حبي لال محمد وذرية نبيك صلى الله عليه و آله ، فلمّا ضربوه الرابع والخامس قال : اللّهم الحقني بالمصطفى وآله وذريته ، ثم سكت حتى جلدوه خمسمائة سوط وهو لا يقول شيئا ، فلمّا أتموا جلده قال : اسقوني قليلا من الماء ، فقال ابن زياد : اضربوا عنقه ولا تسقوه فليمت عطشانا ، وكان عمرو بن الحارث حاضرا فتشفع

ص: 303

الى ابن زياد فقبل منه ذلك واطلقه له ، فأخذه الى بيته وجعل يعالجه ففتح مشكور عينيه وقال : السلام عليكم لقد ارتويت من ماء الكوثر ، قال ذلك ثم سلم روحه الى بارئها .

أطفال مسلم في بيت الحارث :

أمّا أطفال مسلم فقد قامت تلك المرأة ووصيفتها على خدمتهما والاهتمام بهما وقدمت لهما الطعام والماء فاكلا وناما .

ثم إنّ ابن زياد نادى في شوارع الكوفة : أنّ من جاءني بأولاد مسلم بن عقيل فله الجائزة العظمى ، وكان زوج تلك المرأة من جملة من طلبهما ، فلمّا جنّ الليل أقبل

الى داره وهو تعبان من كثرة الطلب ، فقالت له زوجته الصالحة : أين كنت فإنّي أرى في وجهك آثار التعب ؟ قال : قد نادى ابن زياد في أزقة الكوفة : أنّ من جاءني بأولاد مسلم بن عقيل كان له عندي الجائزة العظمى ، وقد خرجت في الطلب ، فلم أجد لهما أثرا ولا خبرا .

فقالت له زوجته : يا ويلك ، أما تخاف من اللّه ؟ ما لك وأولاد الرسول ؟ تسعى الى الظالم بقتلهم فلا تغرنك الدنيا ، قال : اطلب الجائزة من الأمير(1) وما أنت وهذا الكلام قومي واحضري لي الطعام فإنّي جائع ، فقامت المرأة المسكينة فاحضرت له الطعام فأكل ونام .

وقوع اطفال مسلم بيد الحارث :

أمّا أبناء مسلم فقد استيقظ محمد - وكان الأكبر - من نومه فقال لأخيه إبراهيم : يا أخي اجلس فإنّ هلاكنا قد قرب فقال له أخوه : وما رأيت يا أخي ؟ قال : بينما أنا نائم وإذا بأبي واقف عندي وإذا بالنبي صلى الله عليه و آله وعلي والحسن والحسين عليهم السلاموسيدة

الكونين عليهاالسلام وقوف ، وهم يقولون لأبي : ما لك تركت أولادك بين الأعداء ؟ فقال لهما أبي : وها هما باثري قادمين ، فقال له أخوه : واللّه يا أخي فقد رأيت مثل ما رأيت ،

فتعانقا وجعلا يبكيان .

ص: 304


1- المنتخب 2/980 مج 7 .

فسمع الحارث بن عروة همهمة بكائهما وهو بين النائم واليقظان فقال لزوجته : ماهذه الهمهمة ؟ فلم ترد عليه الجواب كانها لم تسمع ، فقعد وطلب مصباحا ، فتناوم أهل البيت كلّهم كأنّهم لم يسمعوا ، ولم تعد المرأة تقوى على القيام ، فقام واشعل المصباح وأراد فتح الباب ، ومانعته فضربها وفتح الباب وإذا بهما يبكيان بصوت عال فقال لهما : من أنتما ؟ فظناه من أهل البيت وهو شيعة لال محمد عليهم السلامفقالا له : اننا يتيما مسلم بن عقيل ، فقال الحارث : إنّي أتعبت اليوم فرسي ونفسي في طلبكما وأنتما عندي وفي بيتي !

ثم إنّه لطمها لطمة أكبتهما على الأرض وتهشم وجهيهما من شدّة الضربة ، ثم إنّه كتفهما كتافا وثيقا ، وخرج وأحكم عليهما قفل الباب . فتوسلت به زوجته وقبلت يده ورجله ونصحته وخوفته اللّه ورسوله والآخرة ، فلم يقبل منها وكانت كلماتها تمرّ في اذنيه كما يمرّ الماء من الغربال .

مقتل اطفال مسلم :

فلمّا أصبح اللّه بالصباح قام الحارث وحمل سلاحه وأخذ أطفال مسلم وخرج الى شاطى ء النهر ليضرب عنقهما هناك ، وخرجت من ورائه زوجته تبكي وتنوح وتتوسل ، وكلما اقتربت من الحارث هددها بالسيف وارجعها عنه حتى وصل الى شاطى ء النهر ، فدعا غلامه واعطاه السيف وقال له : اقتلهما ، فقال الغلام : إنّي أستحي من محمد المصطفى أن أقتل طفلين بريئين من أهل بيته ، لا واللّه ما فعلت ذلك أبدا . فقال الحارث : إذن أقتلك أولا ، ثم قصد الغلام ، فعلم الغلام أنّ الرحمة نزعت

من قلب الحارث وأنّه مقتول لا محالة ، فجعل يدافع عن نفسه فتصارعا وأخذ كلّ منهم بتلابيب الآخر ، حتى سقط الحارث على الأرض ، فأراد الغلام أن يضربه بالسيف ، فوثب الحارث فأخذ السيف من يده ، فمد الغلام يده الى سيفه فاخرجه من غلافه وضرب به الحارث ، فراغ عنها وكان الحارث مقاتلا ماهرا ، ثم ضرب الغلام على يده فقطعها ، فامسك به الغلام بيده اليمنى لكي لا يضربه ضربة اخرى .

ص: 305

فبينا هم كذلك إذ وصلت زوجته وابنه ، فسارع ابنه واحتضن الغلام وقال لابيه : ماذا تريد بهذا الغلام فهو أخي وابن أمي في الرضاعة فلم يرد عليه الحارث إلاّ بضربة سيف أردت الغلام قتيلا .

ثم قال لابنه : عجل واضرب عنق الغلامين ، فقال له ابنه : لا واللّه لا أتعرض لآل الرسول بسوء ، ولا أمكنك من ذلك ، وإمرأته قائمة تبكي وتتوسل اليه وتقول : لماذا تقتل غلامين لم يرتكبا ذنبا ، ما ضرّك أن تذهب بهما الى ابن زياد فيحكم فيهما بحكمه ؟ فقال : إنّ شيعة هذين في البلد كثيرون وأخاف أن أغلب عليهما فاحرم من عطاء الأمير ، ثم حمل سيفه وقصدهما ، فتعلّقت به زوجته ووعظته وذكرته بالاخرة ، وتوسّلت اليه أن يرتدع عن هذا الفعل ، فغضب الحارث منها وضربها بالسيف ، فجرحها جراحة منكرة ، فسارع اليه ابنها وأمسك بيده لئلا يتبعها بضربة ثانية تقضي عليها ، وقال له : ما لك يا أبة ؟ إرجع الى نفسك ، أراك لا تعرف نفسك ، ولا تميز القريب من الغريب .

وكان الغضب قد أعمى الحارث ، فرفع سيفه وأهوى به على ابنه فقتله ، ثم ركض الى ابني مسلم كالذئب المتوحش المجنون ، فبكيا وتضرعا اليه أن يكفّ عنهما فلم يلتفت اليهما ، فقالا : اذن دعنا نصلي ركعات ، فقال : لا أدعكما تصليان ، فكان كلما أخذ بيد احدهما ليقتله تعلق به الاخر وقال : اقتلني قبله فلا طاقة لي على رؤية أخي مذبوحا ، فقتل محمد أولا ورمى برأسه على التراب ورمى ببدنه في الماء ، فهرول إبراهيم الى رأس أخيه ، فاحتضنه وضمه الى صدره وجعل يبكي بكاءا عاليا ، فأخذ الحارث الراس من إبراهيم فقتله ورمى ببدنه في الماء .

حمل الحارث الرؤوس الى ابن زياد :

فجعل الحارث رأسيهما في مخلاة وجاء الى قصر الامارة فوضعها بين يدي ابن زياد ، فقال ابن زياد : ما هذا ؟ قال : رؤوس أعدائك قطعتها واتيتك بها لتعطيني

ص: 306

الجائزة التي وعدت بها ، فقال ابن زياد : واي عدو هذا ؟ قال : أبناء مسلم بن عقيل ، فامر ابن زياد فغسلوهما ووضعوهما في طبق وجعلوهما أمامه ، ثم قال لحارث : ويلك أما خشيت اللّه فيهما وهما غلامان صغيران قتلتهما وجئت براسيهما ؟ والحال أنّي قد كتبت الى يزيد أن يحكم فيهما بحكمه ، وقلت له : أردت ان ابعث بهما اليك حيين ، فلو كتب اليّ أن إبعثهما إليّ حيين فماذا أنا صانع ، لم لم تأتيني بهما حتى أحكم

فيهما بحكمي ؟ فقال الحارث : خشيت أن يغلبني الناس عليهما فيأخذونهما منّي فاحرم من جائزتك ، فقال ابن زياد : فلو كنت أرسلت اليّ بخبرهما سرّا فابعث اليك من تسلّمهما اليه ، فسكت الحارث وبقي مطرقا برأسه الى الأرض .

قتل الحارث بامر ابن زياد :

كان لابن زياد نديم يقال له مقاتل ، وكان يتشيع وكان ابن زياد عالما بحبه لأهل البيت إلاّ أنّه كان يتغافل عنه لملاحة كلامه وجميل عباراته وحسن معاشرته ، فقال له ابن زياد : يا مقاتل عليك بالحارث فإنّه قتل طفلي مسلم ولم ينتظر فيهما حكمي فخذه واقتله بأيّ قتلة شئت ، في نفس الموضع الذي قتلهما فيه ثم ارم بجثته في الماء ،

ففرح مقاتل ايما فرح وقال : واللّه لو أنّ ابن زياد أعطاني سلطانه لما فرحت به كفرحي بقتل هذا الخبيث ، ثم إنّه أخذه فأوثقه كتافا ونزع عمامته من رأسه ، وأخذ يجرّه في أسواق الكوفة ويحدث الناس بما فعله الخبيث وهو يحمل رأسي ابني مسلم يعرضهما على الناس ويتظلم لهما ، فكان الناس ينظرون ويسمعون ويبكون ويلعنون الحارث .

فلمّا وصلوا الى شاطى ء الماء وجدوا غلاما مقطعا وشابا مقتولا وإمرأة مطروحة مجروحة ، فتعجبوا من خبث الحارث ، فالتفت الحارث الى مقاتل فقال له : اطلقني اذهب الى موضع من الأرض اختفي فيه وأنا اعطيك عشرة الاف دينار ولا انسى يدك عندي ، فقال له مقاتل : لو اعطيتني الدنيا بحذافيرها ما اطلقتك وأنا اطلب من اللّه الجنة عوضا عن قتلك .

ص: 307

فلمّا نظر مقاتل الى موضع قتل الاطفال بكى وجعل يتمرغ بدمائهم ، ثم أمر غلامه فقال : اقطع يديه ، فقطعها ، ثم قال : اقطع رجليه ، فقطعها ، ثم أمر ففقئت عيناه ، وقطعت اذناه ، ثم أمر فشقوا بطنه وحشوها باعضائه التي قطعوها وأثقلوه بالحجارة ورموا به في الماء ، فلم يقبله الماء ودفعه الى الشاطى ء ففعلوا ذلك ثلاثة والماء لا يقبله ، فأثقلوه بالحديد والحجارة والقوه في البئر والقوا عليه الشوك والحشيش والتراب ، فلم تقبله الأرض ، فامر فاحرقوه وذروا رماده في الريح .

وأمّا رأسي ولدي مسلم فقد رموا بهما الى الماء ، فخرجت أجسادهما من اعماق الماء وجاءت حتى اتصلت بها الرؤوس وتقارب الجسدان حتى تعانقا ومضيا مع تيار الماء .

ذكر خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكة الى العراق

اشارة

خرج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة ليلة الأحد الثامن والعشرين من شهر رجب الأصم ، ودخل مكة يوم الجمعة الثالث من شعبان ، وأقام في مكة المعظمة شهر شعبان وشهر رمضان وشوال وذا القعدة وخرج من مكة الى العراق يوم الثلاثاء الثامن من ذي الحجة .

قال الطريحي في المنتخب : إنّ يزيد بن معاوية دسّ مع الحجاج ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية وأمرهم بقبض الحسين عليه السلام سرّا ، وإن لم يتمكّنوا منه يقتلوه غيلة على كلّ حال اتفق ، فعلم الحسين عليه السلام فخرج من مكة عازما الى العراق(1) .

وفي رواية الشيخ المفيد : وكان توجه الحسين عليه السلام من مكة الى العراق في يوم مسلم بالكوفة وهو يوم التروية ، وقتل عليه السلام لتسع خلون من ذي الحجة يوم عرفة .

ص: 308


1- انظر المنتخب : 424 .

وفي رواية ابن أعثم الكوفي كما مرّ قبل قليل ، أنّ مسلم قضى ليلة في بيت محمد بن كثير فيكون خروجه يوم الاثنين السابع من ذي الحجة وشهادته يوم عرفة .

الواقدي وزرارة مع الحسين عليه السلام :

روى السيد بإسناده عن الواقدي زرارة بن صالح قالا : لقينا الحسين بن على عليهماالسلام قبل خروجه الى العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة ، وأنّ قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلاّ اللّه تعالى ، فقال عليه السلام : لولا تقارب الأشياء وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكن أعلم يقينا أنّ هناك مصرعي ومصرع أصحابي ولا ينجو منهم إلاّ ولدي علي(1) .

خطبة الحسين عليه السلام في مكة :

ولما أراد الحسين التوجه إلى العراق يوم التروية طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل من إحرامه وجعلها عمرة ، لأنه لم يتمكن من تمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة .

فلمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا في أهله وأصحابه فقال : الحمد للّه وما شاء اللّه ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه وصلى اللّه على رسوله وسلم ، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن منّي أكراشا جوفا وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضى اللّه رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول اللّه لحمته ، وهي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقر بهم عينه وتنجز لهم وعده ، من كان فينا باذلا مهجته ، موطنا على لقاء اللّه نفسه ، فليرحل معنا ، فإنّي

راحل مصبحا إن شاء اللّه (2) .

ص: 309


1- اللهوف : 61 المسلك الأول ، البحار : 44/363 باب 37 ،.
2- بحار الأنوار 44/366 باب 37 .

محمد ابن الحنفية والحسين عليه السلام :

فلمّا بلغت هذه الكلمات الى محمد بن الحنفية جاء مسرعا إلى الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة فقال له : يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعزّ من بالحرم وأمنعه ، فقال : يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت ، فقال له ابن الحنفية : فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البر فإنك أمنع الناس به ولا يقدر عليك أحد ، فقال : أنظر فيما قلت .

وفي الخبر إنّ الإمام الحسين عليه السلام تفأل بالقرآن الكريم قبيل خروجه الى العراق ، فجاءت هذه الاية : « كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ » فقال : صدق اللّه وصدق رسوله .

فلمّا كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام ، فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ بزمام ناقته وقد ركبها فقال : يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال : بلى ، قال : فما حداك على

الخروج عاجلا ؟ قال : أتاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد ما فارقتك فقال : يا حسين اخرج فإن اللّه قد شاء أن يراك قتيلا ، فقال محمد بن الحنفية : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، فما معنى حملك هؤاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟ قال : فقال لي صلى الله عليه و آله : إن اللّه قد شاء أن يراهن سبايا ، فسلم عليه ومضى(1) .

ابن عباس وابن الزبير :

وجاءه عبد اللّه بن العباس وعبد اللّه بن الزبير فأشارا عليه بالإمساك ، فقال لهما : إن رسول اللّه قد أمرني بأمر وأنا ماض فيه ، فخرج ابن عباس وهو يقول :

وا حسيناه(2) .

ص: 310


1- بحار الأنوار 44/366 باب 37 .
2- بحار الأنوار 44/ 365 .

عبد اللّه بن عمر مع الحسين عليه السلام :

ثم جاء عبد اللّه بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال وحذره من القتل والقتال ، فقال : يا أبا عبد الرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا على اللّه تعالى أن

رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ؟ وفي رواية : وسيهدى رأسي الى ابن الزانية يزيد ، أما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئا ؟ فلم يعجل اللّه عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام ، اتق اللّه يا أبا عبد الرحمن ولا تدع نصرتي .

ابن سعيد يرسل جماعة لارجاع الحسين عليه السلام :

فلمّا سمع عمرو بن سعيد وكان عامل يزيد على المدينة بخروج الحسين عليه السلامالى

العراق خاف أن يجتمع اليه الناس ويزلزلوا سلطان يزيد ، فلمّا خرج الحسين عليه السلام من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد أخوه ليردوه فأبى عليهم وتضاربوا بالسياط ومضى عليه السلام على وجهه ، فبادروه وقالوا : يا حسين ألا تتقي اللّه تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة ؟ فقال : « لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ»(1) .

ابن عباس يبشر ابن الزبير ! :

يأس الناس جميعا من إقامة الحسين عليه السلام في مكة وكان أثقل الناس على ابن الزبير ، لأنّه يعلم أن لا أحد ينظر اليه مادام الحسين عليه السلام فيها فلمّا خرج الحسين عليه السلام

من مكة مرّ ابن عباس بابن الزبير وجعل يقول : قرت عينك يا ابن الزبير ، وتمثل بابيات طرفة بن العبد :

يا لك من قبرة بمعمر

خلا لك الجو فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري

قد رحل الصياد عنك فابشري

ص: 311


1- بحار الأنوار 44/369 .

ورفع الفخ فماذا تحذري

لابد من صيدك يوما فاصبري

هذا الحسين خارج فابشري

الى العراق راجيا للظفر

واعلم أنّ هذه الأبيات قد قالها طرفة بن العبد أيام صباه في صيد قبرة ، وقد

ذكرتها في المجلد الثاني من كتابي ناسخ التواريخ وكتاب أمثال العرب ، ولا يبعد أن يكون البيت الأخير منها فقط قد أضافه ابن عباس للمناسبة أو أن الآخرين أضافوه ونسبوه الى ابن عباس .

تعامل الحسين عليه السلام مع قافلة اليمن :

ثم سار الحسين عليه السلام حتى مرّ بالتنعيم ، فلقي هناك عيرا تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية فيها مقدار من البرود والورس وأشياء أخرى نفيسة ، فأخذ عليه السلام الهدية لأن حكم أمور المسلمين إليه ، وقال لأصحاب الجمال : من أحبّ أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنا معه صحبته ومن يحب أن يفارقنا أعطينا كراه بقدر ما قطع من الطريق ، فمضى معه قوم وامتنع آخرون(1) .

رسالة عبد اللّه بن جعفر الى الحسين عليه السلام :

وألحقه في هذا المنزل عبد اللّه بن جعفر بابنيه عون ومحمد وكتب على أيديهما كتابا يقول فيه : أما بعد ، فإني أسألك باللّه لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا ، فإني مشفق عليك من هذا التوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنك علم المهتدين ورجاء المومنين ، ولا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي والسلام .

وصار عبد اللّه إلى عمرو بن سعيد وسأله أن يكتب إلى الحسين عليه السلام أمانا ويمنيه ليرجع عن وجهه ، وكتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يمنيه فيه الصلة ويؤنه على نفسه ، وأنفذه مع يحيى بن سعيد فلحقه يحيى وعبد اللّه بن جعفر بعد نفوذ ابنيه

ص: 312


1- اللهوف : 66 المسلك الأول .

ودفعا إليه الكتاب وجهدا به في الرجوع فقال : إنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المنام وأمرني بما أنا ماض له ، فقالوا له : ما تلك الرؤا ؟ فقال : ما حدثت أحدا بها ولا أنا محدث بها أحدا حتى ألقى ربّي عزّ وجل ، فلمّا يئس منه عبد اللّه بن جعفر أمر ابنيه

عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ورجع مع يحيى بن سعيد إلى مكة(1) .

ابن الحنفية يودع الإمام عليه السلام :

وفي مقتل أبي مخنف : لما خرج الحسين عليه السلام من مكة قاصدا الكوفة جعل طريقه

على المدينة ليجدد عهدا بزيارة قبر الرسول ويودع جده صلى الله عليه و آله فلحقه محمد بن الحنفية وبكى عنده كثيرا ثم قالَ لَهُ : واللّه يا اَخي لا اَقْدِرُ اَقْبِضُ قائِمَ سَيْفي وَلا كَعْبَ رُمْحي ، ثُمَّ لا فَرِحْتُ بَعْدَكَ اَبَدا ، ثُمَّ وَدَّعَهُ وَقالَ : اَسْتَوْدِعُكَ اللّه تَعالى مِنْ شَهيدٍ مَظْلُومٍ(2) .

كلام الحسين عليه السلام مع الذين منعوه من الخروج :

ودخل عليه هاشم المخزومي(3) فقال : قد بلغني انك تريد العراق وإنّي مشفق عليك من ذلك أنّك ترد الى قوم فيهم الامراء ومعهم بيوت الأموال ، ولا آمن أنّك يقاتلك من أنت أحبّ اليه من أبيه وأمه ميلا الى الدنيا والدرهم ، فقال له الحسين عليه السلام :جزاك اللّه خيرا فقد علمت انك أمرت بنصح ومهما يقضي اللّه من أمر فهو كائن ولابد لي من الخروج(4) .

فَقالَ لَهُ اِبْنُ عَبّاسٍ : وَاللّهِ لَوْ اَعْلَمُ اَنَّكَ تُطيعُني لأَخَذْتُ ناصِيَتَكَ حَتّى يَجْمَعُ اللّهُ النّاسَ عَلَيْنا . فدعا له الإمام عليه السلام وجزاه خيرا .

ص: 313


1- بحار الأنوار 44/364 باب 37 .
2- مقتل أبي مخنف : 42 .
3- في الفتوح : 2/112 : « فدخل عليه عمرو بن عبد الرحمن بن هاشم المخزومي فقال : يابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّي أتيت اليك بحاجة أريد أن أذكرها لك ، فأنا غير غاش لك فيها فهل لك أن تسمعها ؟ فقال الحسين عليه السلام : هات فواللّه ما أنت عندي بسيء الرأي فقل ما أحببت ، فقال : . . .» .
4- انظر الفتوح 2/122 .

ودخل أبو بكر بن الحارث بن هشام على الحسين عليه السلام فقال : يا ابن عم إنّ الرحم

يظائرني عليك ولا ادري كيف أنا في النصيحة لك ؟ فقال : يا أبا بكر ما أنت ممن يستغش ولا يتهم ، فقل ، فقال أبو بكر : كان أبوك أقدم سابقة وأحسن في الاسلام أثرا ، وأشدّ باسا ، والناس له أرجى ، ومنه أسمع ، وعليه أجمع ، فسار الى معاوية والناس مجتمعون عليه إلاّ أهل الشام ، وهو أعزّ منه ، فخذلوه وتثاقلوا عنه حرصا على الدنيا وضنّا بها ، فجرعوه الغيظ وخالفوه حتى صار الى ما صار اليه من كرامة اللّه ورضوانه ، ثم صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا ، وقد شهدت ذلك كلّه ورأيته ، ثم أنت تريد أن تسير الى الذين عدوا على أبيك وأخيك تقاتل بهم أهل الشام وأهل العراق ، ومن هو أعدّ منك وأقوى ، والناس منه أخوف وله أرجى ، فلو بلغهم مسيرك اليهم لاستطغوا الناس بالأموال وهم عبيد الدنيا ، فيقاتلك من وعدك أن ينصرك ويخذلك من أنت أحبّ اليه ممن ينصره ، فاذكر اللّه في نفسك ، فقال الحسين عليه السلام : جزاك اللّه خيرا يا ابن عم ، فقد اجهدك رأيك ومهما يقض اللّه يكن ، فقال : إنّا للّه ، وعند اللّه نحتسب يا أبا عبد اللّه ، ثم دخل على الحارث بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي وهو يقول :

كم ترى ناصحا يقول فيقضي

وضنينا بالعيب يلفى نصيحا

فقال : وما ذلك ؟ فاخبره بما قال للحسين ، فقال : نصحت له وربّ الكعبة(1) .

لقاء الحسين عليه السلام والفرزدق :

وخرج الحسين عليه السلام يطوي الطريق الى الكوفة فلقيه الفرزدق الشاعر همام بن غالب في ذات عرق قال الفرزدق : حججت بأمي في سنة ستين فبينما أنا أسوق بعيرها حتى بلغت ذات عرق فرأيت فسطاطا فسألت : لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل : للحسين بن علي عليهماالسلام ، فأتيته فرأيته يقرأ القرآن فسلمت عليه وقلت له : أعطاك اللّه سؤك وأملك فيما تحب بأبي أنت وأمي يا ابن رسول اللّه ما أعجلك عن الحج ؟

ص: 314


1- مروج الذهب 3/56 .

قال : لو لم أعجل لأخذت ، لأنّ يزيد أمر عمرو بن سعيد في جماعة أن يقتلوا الحسين عليه السلام غيلة ، ثم قال لي : أخبرني عن الناس خلفك ؟ فقلت : الخبير سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك والقضاء ينزل من السماء واللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ،

قال : صدقت للّه الأمر من قبل ومن بعد وكل يوم ربّنا هُوَ فِي شَأْنٍ ، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد اللّه على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سيرته ، فقلت له : أجل بلغك اللّه ما تحب

وكفاك ما تحذر ، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها وحرك راحلته وقال : السلام عليك ، ثم إفترقنا(1) .

الحسين عليه السلام وابنه علي الأكبر عليه السلام :

ثم سار صلوات اللّه عليه من ذات عرق حتى نزل الثعلبية وقت الظهيرة ، فوضع رأسه فرقد ثم استيقظ فقال : قد رأيت هاتفا يقول : أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنة ، فقال له ابنه علي : يا أبة أفلسنا على الحق ؟ فقال : بلى يا بني والذي إليه مرجع العباد ، فقال : يا أبة إذن لا نبالي بالموت ، فقال له الحسين عليه السلام : جزاك اللّه يا بني خير ما جزى ولدا عن والد ، ثم بات عليه السلام في الموضع .

لقاء الحسين عليه السلام وأبي هرة :

فلمّا أصبح إذا برجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرة الأزدي قد أتاه ، فسلم عليه ثم قال : يا ابن رسول اللّه ما الذي أخرجك عن حرم اللّه وحرم جدك محمد صلى الله عليه و آله ؟ فقال الحسين عليه السلام : ويحك أبا هرة إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وايم اللّه لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم اللّه ذلا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلطن عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم إمرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم(2) .

ص: 315


1- بحار الأنوار 44/364 باب 37 .
2- بحار الأنوار 44/367 باب 37 .

لقاء الحسين عليه السلام برجل من العراق :

وفي كتاب تاريخ عن الرياشي بإسناده قال : حججت فتركت أصحابي وانطلقت أتعسف الطريق وحدي ، فبينما أنا أسير إذ رفعت طرفي إلى أخبية وفساطيط ، فانطلقت نحوها حتى أتيت أدناها فقلت : لمن هذه الأبنية ؟ فقالوا : للحسين عليه السلام ، قلت : ابن علي وابن فاطمة عليهماالسلام ؟ قالوا : نعم ، قلت : في أيّها هو ؟ قالوا : في ذلك الفسطاط فانطلقت نحوه ، فإذا الحسين عليه السلام متك على باب الفسطاط يقرأ كتابا بين يديه ، فسلمت فرد علي فقلت : يا ابن رسول اللّه بأبي أنت وأمي ما أنزلك في هذه الأرض القفراء التي ليس فيها ريف ولا منعة ؟ قال : إن هؤاء أخافوني وهذه كتب أهل الكوفة وهم قاتلي ، فإذا فعلوا ذلك ولم يدعوا للّه محرما إلاّ انتهكوه بعث اللّه

إليهم من يقتلهم حتى يكونوا أذل من قوم الأمة(1) .

كتاب الوليد الى ابن زياد :

وفي الخبر : واتصل الخبر بالوليد بن عتبة أمير المدينة - وكان واليا عليها من قبل يزيد وكان يداري الحسين عليه السلام ولذلك عزله يزيد - بأن الحسين عليه السلام توجه إلى العراق ، فكتب إلى ابن زياد : أما بعد فإن الحسين قد توجه إلى العراق وهو ابن فاطمة وفاطمة بنت رسول اللّه فاحذر يا ابن زياد أن تأتي إليه بسوء فتهيج على نفسك وقومك أمرا في هذه الدنيا لا يصده شيء ولا تنساه الخاصة والعامة أبدا ما دامت الدنيا ، قال : فلم يلتفت ابن زياد إلى كتاب الوليد(2) .

لقاء الحسين عليه السلام مع الطرماح :

وروي أن الطرماح بن حكم كان يحمل الميرة لأهله على عادة أهل أجأ وفيد حيث كانوا يمتارون لسنة كاملة ، ويعدون طعام الحاج وطعام دوابهم في فيد قال الطرماح : لقيت حسينا وقد امترت لأهلي ميرة ، فقلت : أذكرك في نفسك لا يغرنك

ص: 316


1- بحار الأنوار 44/367 باب 37 .
2- بحار الأنوار 44/367 باب 37 .

أهل الكوفة فواللّه لئن دخلتها لتقتلن ، وإنّي لأخاف أن لا تصل إليها ، فإن كنت مجمعا على الحرب فانزل أجأ ، فإنه جبل منيع ، واللّه ما نالنا فيه ذل قط ، وعشيرتي

يرون جميعا نصرك فهم يمنعونك ما أقمت فيهم ، فقال : إن بيني وبين القوم موعدا أكره أن أخلفهم ، فإن يدفع اللّه عنا فقديما ما أنعم علينا وكفى ، وإن يكن ما لا بد منه ففوز وشهادة إن شاء اللّه . ثم حملت الميرة إلى أهلي وأوصيتهم بأمورهم وخرجت أريد الحسين عليه السلام فلقيني سماعة بن زيد النبهاني فأخبرني بقتله فرجعت(1) .

ابلاغ ابن زياد اقبال الحسين الى الكوفة :

ولما بلغ عبيد اللّه بن زياد إقبال الحسين عليه السلام من مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطه حتى نزل القادسية ونظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان ، وما بين القادسية إلى القطقطانة ، ومنع أيّ واحد من المرور من أيّ معبر إلاّ بإذنه(2) .

كتاب الحسين عليه السلام الى أشراف أهل الكوفة :

ولما بلغ الحسين الحاجز من بطن الرمة بعث إلى أهل الكوفة كتابا - ولم يكن أصحابه عليه السلام علموا بخبر مسلم بن عقيل عليهماالسلام - وقال فيه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى وجوه إخوانه المومنين

والمسلمين ، سلام عليكم ، فإني أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلاّ هو ، أما بعد؛ فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا ، فسألت اللّه أن يحسن لنا الصنيع ، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية ، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه ، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته(3) .

وكان الكتاب الذي اُرسل اليه عليه السلام قبل شهادة مسلم بسبعة وعشرين يوما من تاريخ كتابه هذا .

ص: 317


1- بحار الأنوار 44/369 باب 37 .
2- بحار الأنوار 44/ 369 باب 37 .
3- بحار الأنوار 44/ 369 باب 37 .

كتاب عبد اللّه بن يقطر :

فطوى الإمام عليه السلام الكتاب وختمه بختمه ودفعه الى عبد اللّه بن يقطر ، فلمّا وصل عبد اللّه الى القادسية اعترضه الحصين بن نمير ليفتشه ، فأخرج عبد اللّه الكتاب ومزقه ، فحمله الحصين إلى ابن زياد مكتوفا(1) .

شجاعة وشهادة ابن يقطر في قصر ابن زياد :

فلمّا مثل بين يديه قال له : من أنت ؟ قال : أنا رجل من شيعة أمير المومنين علي بن أبي طالب وابنه عليهماالسلام ، قال : فلماذا خرقت الكتاب ؟ قال : لئلا تعلم ما فيه ، قال : وممن الكتاب وإلى من ؟ قال : من الحسين بن علي إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم ، فغضب ابن زياد فقال : واللّه لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤاء القوم أو تصعد المنبر وتلعن الحسين بن علي وأباه وأخاه وإلاّ قطعتك إربا إربا ، فقال

ابن يقطر : أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأما لعنة الحسين وأبيه وأخيه فأفعل ، فصعد المنبر وحمد اللّه وصلى على النبي وأكثر من الترحم على علي وولده صلوات اللّه عليهم ، ثم لعن عبيد اللّه بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أمية عن آخرهم ، ثم قال : أنا رسول الحسين إليكم وقد خلفته ببطن الرمة فأجيبوه .

فأمر به عبيد اللّه بن زياد أن يرمى من فوق القصر فرمي فوقع إلى الأرض مكتوفا ، فتكسرت عظامه وبقي به رمق ، فأتاه رجل يقال له « عبد الملك بن عمير اللخمي » فذبحه ، فقيل له في ذلك وعيب عليه ، فقال : أردت أن أريحه(2) .

لقاء الحسين عليه السلام مع عبد اللّه بن مطيع :

ثم أقبل الحسين من الحاجز من بطن الرمة يسير نحو العراق فانتهى إلى ماء من

مياه العرب ، فإذا عليه عبد اللّه بن مطيع العدوي وهو نازل به ، فلمّا رأى الحسين

عليه السلام قام إليه فقال : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول اللّه ما أقدمك ؟ واحتمله وأنزله ، فقال له الحسين عليه السلام : كان من موت معاوية ما قد بلغك وكتب إليّ أهل العراق يدعونني إلى

أنفسهم . فقال له عبد اللّه بن مطيع : أذكرك اللّه يا ابن رسول اللّه وحرمة الإسلام

ص: 318


1- بحار الأنوار 44/369 باب 37 .
2- بحار الأنوار 44/369 باب 37 .

أن تنهتك ، أنشدك اللّه في حرمة قريش ، أنشدك اللّه في حرمة العرب ، فواللّه لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا ، واللّه إنها لحرمة الإسلام تنهتك وحرمة قريش وحرمة العرب ، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض نفسك لبني أمية ، فأبى الحسين عليه السلام إلاّ أن يمضي(1) .

وكان عبيد اللّه بن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام وإلى طريق البصرة فلا يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج ، فأقبل الحسين عليه السلام لا يلتفت الى شيء حتى لقي الأعراب فسألهم ، فقالوا : لا واللّه ما ندري غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج(2) .

لقاء الحسين عليه السلام مع زهير بن القين :

وحدث جماعة من فزارة ومن بجيلة قالوا : كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة ، وكنا نساير الحسين عليه السلام فلم يكن شيء أبغض علينا من أن ننازله في منزل خوفا من بني أمية ، فإذا سار الحسين عليه السلام فنزل في منزل لم نجد بدا من أن ننازله ، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب ، فبينا نحن جلوس نتغذى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى سلم ، ثم دخل فقال : يا زهير بن القين إن أبا عبد اللّه الحسين بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأنما على رؤوسنا الطير ، فقالت له إمرأته - وهي ديلم بنت عمرو - : سبحان اللّه ، أيبعث إليك ابن رسول اللّه ثم لا تأتيه ؟ لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت . فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقوض وحمل إلى الحسين عليه السلام ، ثم قال لامرأته ديلم : أنت طالق ، الحقي بأهلك فإني لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلاّ خير ، ثم أعطاها مالها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها ، فقامت إليه وبكت وودعته وقالت : خار اللّه لك أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام(3) .

ص: 319


1- بحار الأنوار 44/ 371 .
2- بحار الأنوار 44/ 371 .
3- بحار الأنوار 44/ 372 .

ثم قال لأصحابه : من أحبّ منكم أن يتبعني وإلاّ فهو آخر العهد ، إنّي سأحدثكم حديثا : إنا غزونا البحر ففتح اللّه علينا وأصبنا غنائم فقال لنا سلمان رحمه اللّه : أفرحتم بما فتح اللّه عليكم وأصبتم من الغنائم ؟ فقلنا : نعم ، فقال : إذا أدركتم سيد

شباب آل محمد فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم ، فأما أنا فأستودعكم اللّه (1) .

زينب عليهاالسلام تسمع هاتفا :

ولما نزل عليه السلام الخزيمية أقام بها يوما وليلة ، فلمّا أصبح أقبلت إليه أخته زينب عليهاالسلام فقالت : يا أخي ألا أخبرك بشيء سمعته البارحة ؟ فقال الحسين عليه السلام : وما ذاك ؟ فقالت : خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف وهو يقول :

ألا يا عين فاحتفلي بجهد

ومن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا

بمقدار إلى إنجاز وعد

فقال لها الحسين عليه السلام : يا أختاه كل الذي قضي فهو كائن(2) .

وصول خبر شهادة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة للحسين عليه السلام

وقال المفيد رحمه الله وروى عبد اللّه بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان قالا : لما قضينا حجتنا لم تكن لنا همة إلاّ اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره ، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود ، فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حتى رأى الحسين عليه السلام فوقف الحسين عليه السلام

كأنه يريده ثم تركه ومضى ، ومضينا نحوه فقال : أحدنا لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا لنسأله فإن عنده خبر الكوفة ، فمضينا حتى انتهينا إليه فقلنا : السلام عليك ، فقال :

وعليكما السلام ، قلنا : ممن الرجل ؟ قال : أسدي ، قلنا له : ونحن أسديان ، فمن أنت ؟

قال : أنا بكر ، فانتسبنا له ثم قلنا له : أخبرنا عن الناس وراءك ؟ قال : نعم ، لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق ، فأقبلنا حتى لحقنا بالحسين فسايرناه حتى نزل في زبالة ممسيا ، فجئناه حين

ص: 320


1- بحار الأنوار 44/372 .
2- بحار الأنوار 44/372 .

نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام ، فقلنا له : يرحمك اللّه إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك به علانية وإن شئت سرا ، فنظر إلينا وإلى أصحابه ثم قال : ما دون هؤاء سر ، فقلنا له : رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس ؟ فقال : نعم ، قد أردت مسألته ، فقلنا : قد واللّه استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته ، وهو إمرؤمنا ذو رأي وصدق وعقل ، وإنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهانئ ، ورآهما يجران في السوق بأرجلهما ، فقال : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، يردد ذلك مرارا ، فقلنا له : ننشدك اللّه في نفسك وأهل بيتك إلاّ انصرفت من مكانك هذا ، وإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة ، بل نتخوف أن يكونوا عليك ، فنظر إلى بني مسلم فقال : ما ترون ، فقد قتل مسلم ؟ فقالوا : واللّه ما نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق ، فأقبل علينا الحسين عليه السلام فقال : لا خير في العيش بعد هؤاء ، فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير ، فقلنا له : خار اللّه لك ، فقال : يرحمكم اللّه ، فودعناه وانصرفنا ، فقال له بعض أصحابه : إنك واللّه ما أنت مثل مسلم بن عقيل ولو قدمت الكوفة لكان أسرع الناس إليك ، فسكت عليه السلام(1) لأنّه كان يستحضر الخاتمة في ذهنه .

بكاء بنت مسلم عليه السلام :

قال ابن أعثم في كتابه : كان لمسلم بن عقيل بنت عمرها ثلاثة عشر سنة ، كانت

تعيش مع بنات الحسين عليه السلام فلمّا سمع الحسين عليه السلام خبر شهادة مسلم ، دخل الخيمة

ودعا ابنة مسلم وجعل يمسح على رأسها ويتحنن عليها زيادة على المعتاد ، فاحست البنت بشى ء فقالت : يا ابن رسول اللّه مالي اراك تصنع بي ما يصنع باليتامى هل قتل

والدي ؟ فلم يتمالك الحسين عليه السلام فبكى وقال لها : يا ابنتي أنا أبوك واختي أمك وبناتي أخواتك وابنائي اخوانك ، فرفعت ابنة مسلم صوتها بالبكاء والنحيب ، فسمع أولاد مسلم بكاءها ، فرموا عمائمهم الى الأرض وبكوا بكاءا عاليا ، وبكى أهل البيت كلّهم ، وقد فجع الحسين عليه السلام بمقتل مسلم عليه السلام فجيعة عظيمة .

ص: 321


1- بحار الأنوار 44/373 .

لقاء الفرزدق مرة ثانية :

يبدو أنّ الفرزدق رجع من مكة والتقى الإمام مرة ثانية في زبالة فسلم عليه ثم قال : يا ابن رسول اللّه كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته ؟ فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا ثم قال : رحم اللّه مسلما ، فلقد صار إلى روح اللّه وريحانه وتحيته ورضوانه ، أما إنه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ، ثم أنشأ يقول :

فإن تكن الدنيا تعد نفيسة

فدار ثواب اللّه أعلى وأنبل

وإن تكن الأبدان للموت أنشئت

فقتل إمرئ بالسيف في اللّه أفضل

وإن تكن الأرزاق قسما مقدرا

فقلة حرص المرء في الرزق أجمل

وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به الحر يبخل

وصول خبر مقتل عبد اللّه بن يقطر الى الحسين عليه السلام :

وفي منزل زبالة أتاه خبر عبد اللّه بن يقطر - رسول الحسين عليه السلام الذي مرّ ذكره - ، فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا ، فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم فإذا فيه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، أما بعد ، فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد اللّه بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس عليه ذمام .

فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه وإنما فعل ذلك لأنه عليه السلام علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهلها فكره أن يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون على ما يقدمون .

لقاء الحسين عليه السلام مع عبد اللّه بن الحر :

وسار الحسين عليه السلام حتى نزل في قصر بني مقاتل فاذا هو بفسطاط مضروب ورمح منصوب وسيف معلق وفرس واقف على مذودة ، فقال الحسين عليه السلام : لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل : لرجل يقال له عبد اللّه بن الحر الجعفي - وكان من فرسان الكوفة

ص: 322

وشجعانها وأسخياءها ! - فأرسل الحسين عليه السلام رجلا من أصحابه من قبيلة ابن الحر يقال له : الحجاج بن مسروق الجعفي ، فأقبل حتى دخل عليه في فسطاطه ، فسلّم عليه فردّ السلام ثم قال : ما وراءك ؟ فقال الحجاج : هذا الحسين بن علي يدعوك الى نصرته فإن قاتلت بين يديه اجرت ، وإن متّ فإنّك استشهدت ، فقال له عبد اللّه : واللّه ما خرجت من الكوفة إلاّ مخافة أن يدخلها الحسين بن علي عليهماالسلام وأنا فيها فلا أنصره ، لأنّه ليس له في الكوفة شيعة ولا أنصار إلاّ قد مالوا الى الدنيا إلاّ من عصم اللّه منهم .

فأقبل الحجاج الى الحسين عليه السلام فخبّره بذلك ، فقام الحسين عليه السلام ثم سار اليه ، فلمّا دخل وسلّم وثب عبد اللّه بن الحر من صدر المجلس ، وجلس الحسين عليه السلام ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال :

أمّا بعد ، فإنّ أهل مصركم هذا كتبوا إليّ وخبّروني أنّهم مجتمعون على نصرتي ، وأن يقوموا دوني ، ويقاتلوا عدوي ، وأنّهم سألوني القدوم عليهم فقدمت ، ولست أدري القوم على ما زعموا(1) ، لأنّهم أعرضوا عن الحقّ ، وأنت يا بن الحر فاعلم أنّ اللّه مؤاخذك بما كسبت ، وأنا أدعوك الى نصرتي ، فإن أجبتني فإنّ جدّي المصطفى يكون شفيعك يوم القيامة ويعطيك ما يسرّك .

فقال عبد اللّه : واللّه يا بن بنت رسول اللّه لو كان لك بالكوفة أعوان يقاتلون معك لكنت أنا أشدّهم على عدوك ، ولكن أصحابك قليل ، ولا أشكّ أنّهم يقتلون ، فما أنا صانع لك وحدي ، فأنشدك اللّه أن تطلب منّي هذه المنزلة ، وأنا أواسيك بكلّ ما أقدر عليه ، وهذه فرسي ملجمة واللّه ما طلبت عليها شيئا إلاّ أذقته حياض الموت ، ولا طلبت أنا عليها فلحقت ، وخذ سيفي هذا فواللّه ما ضربت به إلاّ قطعت .

فقال له الحسين عليه السلام : يا ابن الحر ما جئناك لفرسك وسيفك إنّما أتيناك لنسألك النصرة لعلك توفق للشهادة معنا ، فإن كنت قد بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا

ص: 323


1- الفتوح 2/130 .

في شى ء من مالك ، فإنّي سمعت جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : ما سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا إلاّ أكبه اللّه على وجهه في نار جهنم ، ثم قام من عنده وهو يتلو : « وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً »(1) ، ثم خرج من عنده وسار الى الكوفة .

ندم عبد اللّه على تركه نصرة الحسين عليه السلام :

وروي أنّه نَدِمَ عَبْدُ اللّهِ الْجُعْفي عَلَى قُعُودِهِ عَنْ نُصْرَةِ الْحُسَيْنُ عليه السلام وَجَعَلَ يَضْرِبُ يَدَهُ عَلَى الأُخرى وَيَقُولُ : ما فَعَلْتُ بِنَفسي وَاَنْشَأَ يَقُولُ :

فَيا لَكَ حَسْرَةً ما دُمْتِ حَيّا

تُرَدَّدُ بَيْنَ صَدْري وَالتَراقي

حُسَيْنُ حَيْثُ يَطْلُبُ نَصْرَ مِثلي

عَلَى اَهْلِ الْعَداوَةِ وَالشِقاقِ

مَعَ اِبْنِ الْمُصْطَفى رُوحي فِداهُ

فَوَيْلي يَوْمَ تَوديعِ الْفِراقِ

فَلَوْ اَنِّي اُواسيهِ بِنَفْسي

لَنِلْتُ الْفَوْزَ في يَوْمِ التَّلاقي

لَقَدْ فازَ الَّذي نَصَروا حُسَيْنا

وَخابَ الآخَرونَ ذووا النِّفاقِ(2)

لقاء عمر بن لوذان :

فلمّا كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا ، ثم سار حتى مرّ ببطن العقبة ، فنزل عليها فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له « عمر بن لوذان(3) » قال له : أين تريد ؟ قال له الحسين : الكوفة ، فقال له الشيخ : أنشدك اللّه لما انصرفت فواللّه ما تقدم إلاّ على الأسنة وحد السيوف ، وإن هؤاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا ، فأما على هذه الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل ، فقال له : يا عبد اللّه ليس يخفى علي الرأي ولكن

اللّه تعالى لا يغلب على أمره ، ثم قال عليه السلام : واللّه لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلط اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم .

ص: 324


1- الفتوح 2/131 .
2- الفتوح 2/132 .
3- في المتن : « عمرو بن يوازن » .

مع الحر بن يزيد الرياحي :

ثم سار عليه السلام من بطن العقبة حتى نزل شراف ، فلمّا كان السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء وأكثروا ، ثم سار حتى انتصف النهار ، فبينما هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه ، فقال له الحسين عليه السلام : اللّه أكبر ، لم كبرت ؟ فقال : رأيت النخل ، قال جماعة ممن صحبه : واللّه إن هذا المكان ما رأينا فيه نخلة قط ، فقال الحسين عليه السلام : فما ترونه ؟ قالوا : واللّه نراه أسنة الرماح وآذان الخيل ، فقال : وأنا واللّه أرى ذلك .

ثم قال عليه السلام : ما لنا ملجأ نلجأ إليه ونجعله في ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد ؟ فقلنا له : بلى ، هذا ذو جشم(1) إلى جنبك فمل إليه عن يسارك ، فإن سبقت إليه فهو كما تريد ، فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه ، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيناها وعدلنا ، فلمّا رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا ، كأن أسنتهم اليعاسيب وكأن راياتهم أجنحة الطير ، فاستبقنا إلى ذي جشم فسبقناهم إليه ، وأمر الحسين عليه السلام بأبنيته فضربت(2) .

الإمام يسقي جيش الحر :

وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حر الظهيرة ، والحسين وأصحابه معتمون متقلدون أسيافهم ، فقال الحسين عليه السلام لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا ، ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقى آخر حتى سقوها عن آخرها .

فقال علي بن الطعان المحاربّي : كنت مع الحر يومئذ ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلمّا رأى الحسين عليه السلام ما بي وبفرسي من العطش قال : أنخ الراوية ، والراوية عندي السقاء ، ثم قال : يا ابن الأخ ، أنخ الجمل ، فأنخته فقال : اشرب ،

ص: 325


1- في المتن : « ذو خشب » في الموارد كلّها .
2- بحار الأنوار 44/374 باب 37 .

فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء ، فقال الحسين : أخنث السقاء ، أي اعطفه ، فلم أدر كيف أفعل ، فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسي(1) .

خطبة الحسين في منزل ذو جشم

خطبة الحسين في منزل ذو جشم(2) :

فلم يزل الحر موافقا للحسين عليه السلام حتى حضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين عليه السلام الحجاج بن مسروق أن يؤن ، فلمّا حضرت الإقامة خرج الحسين عليه السلام في إزار ورداء ونعلين ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال :

أيّها الناس إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم : أن أقدم علينا فليس لنا إمام لعل اللّه أن يجمعنا وإياكم على الهدى والحق ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم ، فسكتوا عنه ولم يتكلموا كلمة .

النداء العجيب :

روي في الأمالي عن الحر بن يزيد قال : وبلغ عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه الخبر وإن الحسين عليه السلام قد نزل الرهيمة ، فأسرى إليه حر بن يزيد في ألف فارس ، قال الحر : فلمّا خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين عليه السلام نوديت ثلاثا : يا حر أبشر بالجنة ، فالتفت فلم أر أحدا ، فقلت : ثكلت الحر أمه يخرج إلى قتال ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويبشر بالجنة(3) .

حوار الحسين عليه السلام مع الحر :

فلمّا خرج الحسين عليه السلام للصلاة وثب الحر بن يزيد فقال : السلام عليك يا ابن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته ، فقال الحسين : وعليك السلام ، من أنت يا عبد اللّه ؟

ص: 326


1- بحار الأنوار 44/374 باب 37 .
2- في المتن : « ذو خشب» .
3- الأمالي للصدوق : 153 المجلس 30 .

فقال : أنا الحر بن يزيد ، فقال : يا حر أعلينا أم لنا ؟ فقال الحر : واللّه يا ابن رسول اللّه لقد بعثت لقتالك ، وأعوذ باللّه أن أحشر من قبري وناصيتي مشدودة إلي ويدي مغلولة إلى عنقي وأكب على حر وجهي في النار ، يا ابن رسول اللّه أين تذهب ؟ ارجع إلى حرم جدك فإنك مقتول(1) .

صلاة الإمام وخطبته :

فلمّا كان عند صلاة الظهر فأمر الحسين عليه السلام ابنه فأذن وأقام(2) ، فقال الحسين عليه السلام

للحر : أتريد أن تصلي بأصحابك ؟ فقال الحر : لا بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك ، فصلى بهم الحسين عليه السلام ، ثم دخل فاجتمع عليه أصحابه ، وانصرف الحر إلى مكانه

الذي كان فيه ، فدخل خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه خمسمائة من أصحابه ، وعاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه ، ثم أخذ كل رجل منهم بعنان فرسه وجلس في ظلها .

فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين عليه السلام أن يتهيئوا للرحيل ففعلوا ، ثم أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام ، فاستقدم الحسين وقام فصلى بالقوم ثم سلم وانصرف إليهم بوجهه ، فحمد اللّه وأثنى عليه وقال :

أما بعد ، أيّها الناس فإنكم إن تتقوا اللّه وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى للّه عنكم ونحن أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤاء المدعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، فإن أبيتم إلاّ الكراهة لنا والجهل بحقنا ،

وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت عليّ به رسلكم انصرفت عنكم .

فقال له الحر : أنا واللّه ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر ، فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه : يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ ، فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه ، فقال له الحر : لسنا من هؤاء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا أنا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد اللّه بن زياد .

ص: 327


1- بحارالأنوار 44/313 باب 37 .
2- بحارالأنوار 44/313 باب 37 .

فقال الحسين عليه السلام : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثم قال لأصحابه : فقوموا فاركبوا فركبوا ، وانتظر حتى ركبت نساؤ فقال لأصحابه : انصرفوا .

الحر يمانع الحسين عليه السلام :

فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين للحر : ثكلتك أمك ما تريد ؟ فقال له الحر : أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان ، ولكن واللّه ما لي من ذكر أمك من سبيل إلاّ بأحسن ما نقدر عليه .

فقال له الحسين عليه السلام : فما تريد ؟ قال : أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد اللّه بن زياد ، فقال : إذا واللّه لا أتبعك ، فقال : إذا واللّه لا أدعك ، فترادّا القول ثلاث مرات ، فلمّا كثر الكلام بينهما قال له الحر : إنّي لم أؤمر بقتالك إنّماأمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة ، فإذ أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة يكون بيني وبينك نصفا ، حتى أكتب إلى الأمير عبيد اللّه بن زياد فلعل اللّه أن يرزقني العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك ، فخذ هاهنا(1) .

الحسين عليه السلام ياذن لاصحابه بالرجوع :

في عن كتاب نور العيون عن سكينة بنت الحسين عليه السلام : كنت جالسة في الفسطاط إذ سمعت صوت البكاء من خلف الفسطاط ، فسكتُّ خوفا من اطّلاع الأخوات وساير النّسوة ، فخرجت فرأيت أبي جالساً وأصحابه حوله ، فسمعت أبي يقول لهم : يا قوم اعلموا أنّكم جئتم معي لعلمكم بأنّي اذهب الى جماعة بايعوني بألسنتهم وقلوبهم ، والآن لم يكن لهم مقصد إلاّ قتلي وقتل من يجاهد بين يديّ وسبي حريمي بعد سلبهم ، واخشى أنكم لا تعلمون أو تعلمون وتستحون ، والخدع عندنا أهل البيت عليهم السلام محرم ، فمن كره منكم ذلك فلينصرف ، فالليل ستير والسبيل غير خطير ، والوقت ليس بهجير ومن آسانا بنفسه كان معنا في الجنان نجيا من غضب الرحمن ،

ص: 328


1- بحار الأنوار 44/ 376 باب 37 .

وقد قال جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ولدي الحسين عليه السلام يقتل بطفّ كربلا غريباً وحيداً عطشاناً ، فمن نصره فقد نصرني ونصر ولده القائم ، ومن نصرنا بلسانه فهو في حزبنا يوم القيامة .

قالت سكينة : واللّه ما أتمّ كلامه الاّ وتفرّق القوم من نحو عشرة وعشرين فلم يَبْقَ معه الاّ ما ينقص عن الّثمانين ويزيد عن السّبعين ، فنظرت الى أبي فوجدته قد

نكس رأسه في حزن وكرب ، فلمّا رأيت ذلك خنقتني العبرة ، فرددتها ولزمت السّكوت ، وتوجّهت الى السّماء وقلت : اللّهمّ إنّهم خذلونا فاخذلهم ولا تجعل لهم دعاءا مسموعا ، ولا تجعل لهم في الأرض مسكناً ولا شرفا ، وسلّط عليهم الفقر الى القبر ، ولا ترزقهم شفاعة جدّنا يوم القيامة فاستجيبت دعوة الطاهرة .

بكاء أم كلثوم ومواساتها الحسين عليه السلام :

فرجعت الى الفسطاط وتنهمل دموعي ، فنظرت عمّتي امّ كلثوم اليّ فقالت : ما لك ؟ فقصصت القصّة لها ، فلمّا سمعت ذلك نادت : وا جدّاه وا عليّاه وا حسناه وا حسيناه وا قلّة ناصراه أين الخلاص من الأعداء ليتهم يقنعون في العداء ، تركت جوار جدك وسلكت بنا بعد المدى ، فعلا منها الوجيب وكثر منا حولها النحيب ، وسمع أبي بكائهنّ فخرج من الفسطاط باكيا فدخل على فسطاطهنّ فقال : ما هذا البكاء ؟ فقربت عمّتي وقالت : يا أخي ، رُدّنا الى حرم جدّنا . فقال : يا أختاه ليس

لي الى ذلك سبيل أمّا رأيت ممانعة الحر بالأمس ؟ فقالت : أجل ، ذكّرهم محلّ جدّك وأبيك وجدّتك وأخيك . فقال : ذكرتهم فلم يذكروا واوعظتهم فلم يسمعوا كلامي ولم يرعوا ملامي ، فما لهم غير قتلي سبيلا ولابد أن تروني على الثّرى جديلاً ، ولكن اوصيكم بتقوى اللّه ربّ البرية والصبر على البلية والكظم عند نزول الرزيّة ، وبهذا وعدكم جدّكم ، ولا خلف لما وعد ووعدتكم(1) .

ص: 329


1- انظر الدمعة الساكبة 4/271 .

كلام الحر مع الحسين عليه السلام :

فتياسر الحسين عليه السلام عن طريق العذيب والقادسية وسار الحر في أصحابه يسايره وهو يقول له : يا حسين إنّي أذكرك اللّه في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ، فقال لله الحسين عليه السلام : يا حر أفبالموت تخوفني ؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني فيسحتكم اللّه بعذاب عظيم ؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فخوفه ابن عمه وقال : أين تذهب فإنك مقتول ؟ فقال :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذ ما نوى حقا وجاهد مسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وودع مجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم

كفى بك ذلا أن تعيش وترغما

قال الفاضل المجلسي : وزاد محمد بن أبي طالب قبل البيت الأخير هذا البيت :

أقدم نفسي لا أريد بقاءها

لتلقى خميسا في الوغى وعرمرما

الطرماح دليل قافلة الحسين عليه السلام :

ثم أقبل الحسين عليه السلام على أصحابه وقال : هل فيكم أحد يعرف الطريق على غير الجادة ؟ فقال الطرماح : نعم يا ابن رسول اللّه ، أنا أخبر الطريق ، فقال الحسين عليه السلام : سر بين أيدينا ، فسار الطرماح واتبعه الحسين عليه السلام وأصحابه ، وجعل الطرماح يرتجز ويقول :

يا ناقتي لا تذعري من زجري

وامضي بنا قبل طلوع الفجر

بخير فتيان وخير سفر

آل رسول اللّه آل الفخر

السادة البيض الوجوه الزهر

الطاعنين بالرماح السمر

الضاربين بالسيوف البتر

حتى تحلي بكريم النجر

الماجد الجد رحيب الصدر

أصابه اللّه لخير أمر

عمره اللّه بقاء الدهر

يا مالك النفع معا والضر

أمدد حسينا سيدي بالنصر

على الطغاة من بقايا الكفر

على اللعينين سليلي صخر

يزيد لا زال حليف الخمر

وابن زياد عهر بن العهر

ص: 330

فلمّا سمع الحر ذلك تنحى عنه وكان يسير بأصحابه ناحية والحسين عليه السلام في ناحية(1) .

الحسين عليه السلام يحدث ولده برؤياه :

قال عقبة بن سمعان : فسرنا معه ساعة فخفق عليه السلام وهو على ظهر فرسه خفقة ، ثم انتبه وهو يقول : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين فقال : مم حمدت اللّه واسترجعت ؟ قال : يا

بني إنّي خفقت خفقة فعن لي فارس على فرس وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا ، فقال له : يا أبت لا أراك اللّه سوءا ، ألسنا على الحق ؟ قال : بلى واللّه الذي مرجع العباد إليه ، فقال : فإننا إذا ما نبالي أن نموت محقين ، فقال له الحسين عليه السلام : جزاك اللّه من ولد خير ما جزى ولدا عن والده(2) .

وصول كتاب ابن زياد الى الحر :

فلمّا أصبح نزل وصلى بهم الغداة ثم عجل الركوب وأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم ، فيأتيه الحر بن يزيد فيرده وأصحابه ، فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا ، فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات بالمكان الذي نزل به الحسين فإذا راكب على نجيب له عليه سلاح متنكبا قوسا مقبلا من الكوفة ، فوقفوا جميعا ينتظرونه ، فلمّا انتهى إليهم سلم على الحر وأصحابه ولم يسلم على الحسين وأصحابه ، ودفع إلى الحر كتابا من عبيد اللّه بن زياد

لعنه اللّه ، فإذا فيه :

أما بعد ؛ فجعجع بالحسين حين بلغك كتابي هذا ويقدم عليك رسولي ولا تنزله إلاّ بالعراء في غير خضر وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام .

ص: 331


1- بحار الأنوار 44/378 باب 37 .
2- بحار الأنوار 44/379 باب 37 .

فلمّا قرأ الكتاب قال لهم الحر : هذا كتاب الأمير عبيد اللّه يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني كتابه ، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ أمره فيكم .

فنظر يزيد بن المهاجر الكندي وكان مع الحسين عليه السلام إلى رسول ابن زياد فعرفه فقال له : ثكلتك أمك ، ما ذا جئت فيه ؟ قال : أطعت إمامي ووفيت ببيعتي ، فقال له ابن المهاجر : بل عصيت ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، وكسبت العار والنار ، وبئس الإمام إمامك ، قال اللّه - عزّ وجل - : « وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَيَوْمَ

الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ » فإمامك منهم .

الحر يأخذ الحسين عليه السلام بالنزول :

وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية ، فقال له الحسين عليه السلام : دعنا ويحك ننزل هذه القرية أو هذه - يعني نينوى والغاضرية - أو هذه - يعني شفية - ، قال : لا واللّه ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إليّ عينا عليّ .

فقال له زهير بن القين : إنّي واللّه لا أرى أن يكون بعد الذي ترون إلاّ أشدّ مما ترون ، يا ابن رسول اللّه إن قتال هؤاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به ، فقال الحسين عليه السلام : ما كنت لأبدأهم بالقتال(1) .

خطبة الحسين عليه السلام في أصحابه :

فقام الحسين خطيبا في أصحابه ، فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر جده رسول اللّه صلى الله عليه و آله فصلى عليه ، ثم قال :

إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون وإن الدنيا تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤن في لقاء ربّه حقا حقا فإني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما .

ص: 332


1- بحار الأنوار 44/379 باب 37 .

جواب الأصحاب على خطاب الحسين عليه السلام :

فقام زهير بن القين فقال : قد سمعنا - هداك اللّه - يا ابن رسول اللّه مقالتك ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها .

ووثب هلال بن نافع البجلي فقال : واللّه ما كرهنا لقاء ربّنا وإنا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك .

وقام برير بن خضير فقال : واللّه يا ابن رسول اللّه لقد من اللّه بك علينا أن نقاتل بين يديك فيقطع فيك أعضاؤا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة .

ثم إن الحسين عليه السلام ركب وسار كلما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه أخرى ، فقال له زهير : فسر بنا حتى ننزل بكربلاء ، فإنها على شاطئ الفرات فنكون هنالك ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنا اللّه عليهم ، فدمعت عينا الحسين عليه السلام ، ثم قال : اللّهم إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء(1) .

ورود الحسين عليه السلام ارض كربلاء :

فلمّا وصل الحسين الى كربلاء ، وَقَفَتْ فَرَسه وكلما همزها لم تنبعث خطوة ، فَنَزَلَ عَنْها وَرَكِبَ اُخرى فَلَمْ تَنْبَعِثْ خُطْوَةٌ واحِدَةٌ ، وَلَمْ يَزَلْ يَرْكَبُ فَرَسا بَعْدَ فَرَسٍ حَتّى رَكِبَ سَبْعَةِ اَفْراسٍ أو ثمانية ، وَهُنَّ عَلَى هذا الحالِ ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ قالَ : يا قَومُ ما اِسْمُ هذِهِ الأَرْض ؟ قالوا : اَرْضُ الغاضِرِيَّةِ . قالَ : فَهَلْ لَها اِسْمٌ غَيْرَ هذا ؟ قالوا : تُسمّى نَيْنَوا . قالَ : اَهَلْ لَها اِسْمٌ غَيْرَ هذا ؟ قالوا : شاطِئ الْفُراتِ . قالَ : اَهَلْ لَها اِسْمٌ غَيْرَ هذا ؟ قالوا : تُسمّى كَرْبَلاء .

فَعِنْدَ ذلِكَ تَنَفَّسَ الصُّعَداءُ وَقالَ : اَرْضُ كَرْبٍ وَبَلاء ، ثُمَّ قالَ : اَنْزِلوا هاهُنا مَناخُ رِكابِنا هاهُنا سفكُ دِمائنا هاهُنا وَاللّهِ هتكُ حَريمُنا هاهُنا وَاللّهِ قتلُ رِجالِنا هاهُنا وَاللّهِ ذبحُ اَطْفالِنا وههُنا وَاللّهِ تُزارُ قُبورُنا وَبِهذِهِ التُّرْبَةِ وَعَدَني جَدِّي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَلا خُلْفَ لِقَوْلِهِ ، ثُمَّ نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وكان ذلك يوم الخميس الثاني من محرم .

ص: 333


1- بحار الأنوار 44/379 باب 37 .

وجلس الحسين عليه السلام يصلح سيفه وَاَنْشَأَ يَقُولُ :

يا دَهْرُ اُفٍّ لَكَ مِنْ خَليلِ

كَمْ لَكَ بِالإِشراقِ وَالأَصيلِ

مِنْ طالِبٍ بِحَقِّهِ قَتيلِ

وَالدَّهْرُ لا يَقْنَعُ بِالبَديلِ

وَكُلُّ حَيٍّ سالِكُ سَبيلي

ما اَقْرَبَ الْوَعْدُ مِنَ الرَّحيلِ

وَاِنَّما الأَمْرُ اِلَى الجَليلِ

سُبْحانَ رَبِّي ما لَهُ مثيلِ

قالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام : وَجَعَلَ يُرَدِّدُ هذِهِ الأَبيات فَحَفِظْتُها مِنْهُ وَخَنَقَتْنِيَ الْعَبْرَةُ وَلَزِمْتُ السُّكوتَ ، وَاَمّا عَمَّتي زَيْنَبُ عليهاالسلام لَمّا سَمِعَتْ بِذلِكَ بَكَتْ وَاَظْهَرَتَ الْحُزْنَ وَالْجَزَعَ ، وَاَقْبَلَتْ تَجُرُّ اَذْيالَها نَحْوَ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَقالَتْ لَهُ : يا اَخي وَقُرَّةَ عَيني لَيْتَ الْمَوْتَ اَعْدَمَني الْحَياة يا خَليفَةَ الماضينَ وَجمالَ الباقينَ ، فَنَظَرَ اِلَيْهَا الْحُسَيْنُ عليه السلام وَقالَ : يا اُخْتاهُ لا يَذْهَبَنَّ بِحِلْمِكِ الشَّيْطانُ ، فَاِنَّ اَهْلَ الأَرْضِ يَمُوتونَ وَاَهْلَ السَّماءِ لا يَبْقُونَ وَكُلُّ شَيءٍ هالِكٌ اِلاّ وَجْهُهُ لَهُ الْحُكُمْ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، فَاَيْنَ اَبي وَجَدِّي اللَّذانِ هُما خَيْرٌ مِنِّي وَلي ولكل مسلم بِهِما اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ، وترقرقت عيناه بالدموع وقال : لو ترك القطا لنام(1) .

ثُمَّ عَزّاها وَقالَ لَها : يا اُخْتاهْ بِحَقِّي عليك اِذا اَنَا قُتِلْتُ فَلا تَشُقِّي عَلَيَّ جَيْبا وَلا تَخْمِشي عَلَيَّ وَجْها(2) .

فاجتمعت النسوة والاطفال وجعلوا يبكون وخرت زينب عليهاالسلام مغشيا عليها فقام إليها الحسين عليه السلام فصب على وجهها الماء(3) فلمّا أفاقت عزّاها وسلاّها وأمرها بالصبر وارجعها الى خيمتها .

ونزل الحسين عليه السلام في موضعه ذلك ونزل الحر بن يزيد الرياحي حذاءه في جيشه .

ص: 334


1- وأول من قال هذا المثل هو عمرو بن أمامة كما ذكرنا ذلك فيكتابنا أمثال العرب ، وهو يقال لمن ابتلى ببلية مفاجئة . منه رحمه الله .
2- مقتل أبي مخنف : 50 .
3- الإرشاد 2/93 .

كتاب الإمام الحسين عليه السلام الى أهل الكوفة :

ودعا الحسين بدواة وبيضاء وكتب إلى أهل الكوفة كتابا قال فيه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وعبد اللّه بن وال وجماعة المومنين ، أما بعد ؛ فقد علمتم أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد قال في حياته : من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنة رسول اللّه يعمل في عباد اللّه بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل كان حقيقا على اللّه أن يدخله مدخله وقد علمتم أن هؤاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام اللّه وحرموا حلاله وإنّي أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم فلكم بي أسوة وإن لم تفعلوا ونقضتم عهودكم وخلعتم بيعتكم فلعمري ما هي منكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي والمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وسيغني اللّه عنكم والسلام .

ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي(1) .

عدد كتب الحسين عليه السلام الى أهل الكوفة :

إعلم أنّ الحسين عليه السلام كتب كتابين الى أهل الكوفة منذ أن خرج من مكة الى أن ورد كربلاء ، بعث الأول مع عبد اللّه بن يقطر ، وقد ذكرنا تفاصيل ذلك فيما مضى وما

جرى عليه من القاء القبض والرمي من سطح دار الامارة ، والاخر حمله قيس بن مسهر الصيداوي ، ولكن كتب التاريخ والأخبار لم توضح الامر ، فمنهم من ذكر الكتاب الأول ولم يذكر الكتاب الثاني ، ومنهم من ذكر الكتابين ولم يحدد الحامل لهما ، هل هو عبد اللّه بن يقطر أو قيس بن مسهر .

ص: 335


1- بحار الأنوار 44/382 .

وما وصل اليه استقرائي أنّ الكتاب الأول أنفذه الحسين عليه السلام بيد عبد اللّه بن يقطر ، وجرى عليه ما جرى وقتله ابن زياد ، والكتاب الثاني الذي نحن بصدده حمله قيس بن مسهر ، فأخذه الحصين بن نمير المكلف بمراقبة الحدود والطرقات وارسله الى ابن زياد فقتله .

كلام الحسين عليه السلام في شهادة قيس بن مسهر :

ولما بلغ الحسين قتل قيس استعبر باكيا ثم قال : اللّهم اجعل لنا ولشيعتنا عندك منزلا كريما واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

جواب بعض أصحاب الحسين عليه السلام :

فوثب إلى الحسين عليه السلام هلال بن نافع البجلي فقال : يا ابن رسول اللّه أنت تعلم أن جدك رسول اللّه لم يقدر أن يشرب الناس محبته ولا أن يرجعوا إلى أمره ما أحبّ وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر يلقونه بأحلى من العسل ويخلفونه بأمر من الحنظل حتى قبضه اللّه إليه وأن أباك عليا قد كان في مثل ذلك فقوم

قد أجمعوا على نصره وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين حتى أتاه أجله فمضى إلى رحمة اللّه ورضوانه وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضر إلاّ نفسه واللّه مغن عنه فسر بنا راشدا معافا مشرقا إن شئت وإن شئت مغربا فواللّه ما أشفقنا من قدر اللّه ولا كرهنا لقاء ربّنا وإنا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك .

ثم وثب إليه برير بن خضير الهمداني فقال : واللّه يا ابن رسول اللّه لقد من اللّه بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطع فيه أعضاؤا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة بين أيدينا لا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم أف لهم غدا ماذا يلاقون ينادون بالويل والثبور في نار جهنم(1) .

ص: 336


1- بحار الأنوار 44/383 .

كلام الحسين عليه السلام مع أهل بيته :

فجمع الحسين عليه السلام ولده وإخوته وأهل بيته ثم نظر إليهم فبكى ساعة ، ثم قال : اللّهم إنا عترة نبيك محمد وقد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدنا وتعدت بنو أمية علينا اللّهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين .

ثم أقبل على أصحابه فقال : الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه

ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون(1) .

اعلام ابن زياد بورود الحسين عليه السلام كربلاء :

فنزل القوم كربلاء وأقبل الحر حتى نزل حذاء الحسين عليه السلام ، ثم كتب إلى ابن زياد يخبره بنزول الحسين بكربلاء ، وأنّه سايره الى هناك ولكنه لا يقوى على قتاله . وكتب ابن زياد لعنه اللّه إلى الحسين عليه السلام : أما بعد ؛ يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء وقد كتب إليّ أمير المومنين يزيد أن لا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية والسلام .

فلمّا ورد كتابه على الحسين عليه السلام وقرأه رماه من يده ثم قال : لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فقال له الرسول :جواب الكتاب أبا عبد اللّه ، فقال :

ما له عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب ، فرجع الرسول(2) .

ابن زياد يقترح على عمر بن سعد :

فلمّا رجع الرسول إليه فخبره بذلك فغضب عدو اللّه من ذلك أشدّ الغضب وإلتفت

إلى عمر بن سعد وأمره بقتال الحسين ، وقد كان ولاه الري قبل ذلك فاستعفى عمر من ذلك(3) فالحسين ابن فاطمة وسبط النبي المصطفى وابن علي المرتضى ، فقال ابن

زياد : دع عنك هذه الكلمات الفارغة فإنّ بلاد أمير المؤمنين وسيعة وسلطنته رفيعة

وهو لا يوليها إلاّ من أخلص له في الخدمة وحارب الحسين وقتله ، فإن كنت كارها لذلك فاردد إلينا عهدنا ، فقال له : أمهلني هذه الليلة حتى انظر في أمري واخبرك برأيي غداة غد .

ص: 337


1- بحار الأنوار 44/382 باب 37 .
2- بحار الأنوار 44/382 باب 37 .
3- بحار الأنوار 44/384 .

فَنَهَضَ مِنْ وَقْتِهِ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ اَوْلادُ اْلْمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَقالوا لَهُ : يَابْنَ سَعْدٍ تَخْرُجُ اِلَى حَرْبِ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَاَبُوكَ سادِسُ الإِسْلامِ وأحد العشرة المبشرة .

ودخل عليه حمزة بن المغيرة بن شيبة(1) وهو من أقربائه وقيل : ابن أخته فقال : أنشدك اللّه أن تسير الى الحسين بن علي ، فإنّك تأثم بربك وتقطع رحمك ومالك ولسلطان الأرض اتق اللّه أن تقدم يوم القيامة بدم الحسين ابن فاطمة ، فقال له عمر :

أمهلني هذه الليلة انظر في أمري .

نظر عمر بن سعد في قتال الحسين عليه السلام :

فبات ليلته ساهرا يخير نفسه بين ملك الري وقتل الحسين عليه السلام ، فلمّا أصبح الصباح سمعوه وهو ينشد هذه الأبيات :

فَوَ اللّهِ ما اَدْري وَاِنِّي لَحائرُ

اُفَكِّرُ في اَمْري عَلَى خَطَرَيْنِ

أَاَتْرُكُ مُلْكَ الرَيِّ وَالرَيُّ مُنْيَتي

اَمْ اَرْجِعُ مأثوما بِقَتْلِ حُسَيْنِ

حُسَيْنُ اِبْنُ عَمِّي وَالحوادِثِ جُمَّةٌ

لَعَمري وَلَي في الرَيِّ قُرَةُ عَيْنِ

وَاِنَّ اِلهَ الْعَرْشِ يَغْفِرُ زَلَّتي

وَلَوْ كُنْتُ فِيها اَظْلِم الثَّقَلَينِ

اَلا اِنَّما الدُّنيا لخَيْرِ مُعَجَّلٍ

وَما عاقِلٌ باعَ الوُجُودُ بِدَيْنِ

يَقُولُونَ اِنَّ اللّهَ خالِقُ جَنَّةٍ

وَنارٍ وَتَعْذيبٍ وَغِلِّ يَدَيْنِ

فَاِنْ صَدَقوا فيما يَقُولونَ اِنَّني

اَتُوبُ اِلَى الرَّحمنِ مِنْ سَنَتَيْنِ

وَاِنْ كَذِبوا فُزْنا بِدُنيا عَظيمَةٍ

وَمُلْكٍ عَقيمٍ دائمِ الْحِجلَيْنِ

وفي الخبر : أنّه لما أنشد هذه الأبيات سمع هاتفا اَجابَهُ يَقُولُ :

اَلا اَيُّها النَّغْلُ الَّذي خابَ سَعْيُهُ

وَراحَ مِنَ الدُّنيا بِبَخْسَةِ عَيْنِ

سَتَصْلى جَحيما لَيْسَ يُطْفى لَهيبُها

وَسَعْيُكَ مِنْ دونَ الرِّجالِ بِشَيْنِ

اِذا اَنْتَ قاتَلْتَ الْحُسَيْنَ بْنَ فاطِمٍ

وَاَنْتَ تَراهُ اَشْرَفُ الثَّقَلَيْنِ

فَلا تَحْسَبَنَّ الرَيُّ يا اَخْسَرَ الوَرى

تَفُوزُ بِهِ مِنْ بَعْدِ قَتْلِ حُسَيْنِ(2)

ص: 338


1- في الفتوح 2/141 : « شعبة » .
2- مقتل أبي مخنف : 52 .

ومع ذلك بقي عمر بن سعد طوال الليل يزن قتل الحسين عليه السلام بحكومة الري ، ويعيش جهنم وهولها مرة ويسيل لعابه لامارة الري أخرى حتى غلبته نفسه الامارة بالسوء واركسته في حضيض جهنم فصار يطلب دم الحسين عليه السلام ، وأصبح عند ابن زياد ، فسمعه يقول : من يقتل الحسين عليه السلام ويأخذ العهد بولاية الري عشرة

سنين ؟ فقال له ابن سعد : أنا لها يا أمير .

خطبة ابن زياد وتجهيز الجيش :

ثم جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة ، ثم خرج فصعد المنبر ثم قال :

أيّها الناس إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون وهذا أمير المومنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسنا إلى الرعية يعطي العطاء في حقه قد أمنت السبل على عهده وكذلك كان أبوه معاوية في عصره وهذا ابنه يزيد من بعده يكرم العباد ويغنيهم بالأموال ويكرمهم وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة وأمرني أن أوفرها عليكم وأخرجكم إلى حرب عدوه الحسين فاسمعوا له وأطيعوا . ثم نزل عن المنبر ووفر الناس العطاء وأمرهم أن يخرجوا إلى حرب الحسين عليه السلام(1) .

وَاَوَّلُ رايَةٍ سارَتْ لِحَرْبِ الْحُسَيْنِ عليه السلام رايَةَ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ لَعَنَهُ اللّه ، وَتَحْتَها سِتَةُ آلافِ فارِسٍ(2) وقيل : تسعة الاف ، ثم أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا وإنا نريد أن نوجه بك إلى حرب الحسين ، فتمارض شبث وأراد أن يعفيه ابن زياد ، فأرسل إليه :

أما بعد ؛ فإن رسولي أخبرني بتمارضك وأخاف أن تكون من الذين إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤنَ إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعا .

ص: 339


1- بحار الأنوار 44/ 385 باب 37 .
2- مقتل أبي مخنف : 54 .

فاستصعب شبث ترك الدنيا ومخالفة ابن زياد ، فأقبل إليه شبث بعد العشاء لئلا ينظر إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلة ، فلمّا دخل رحب به وقرب مجلسه وقال : أحبّ أن تشخص إلى قتال هذا الرجل عونا لابن سعد عليه ، فقال : أفعل أيّها الأمير(1) . فعَقَدَ لَهُ رايَةً وَضمَّ اِلَيهِ اَرْبَعَةَ آلافِ فارِسٍ .

ثُمَّ دَعى بِعُروَةِ بْنِ قَيْسٍ لَعَنَهُ اللّه وَعَقَد لَهُ رايَةً وَضَمَّ اِلَيْهِ اَرْبَعَةَ آلافِ فارِسٍ ، ثُمَّ دَعى بِسِنانِ بْنِ اَنَسٍ وَعَقَدَ لَهُ رايَةً عَلَى عشرة الاف فارس وقيل : اَرْبَعَةِ آلافِ فارِسٍ(2) والحصين بن نمير السكوني في أربعة الاف ، وشمر بن ذي الجوشن الضبابي في أربعة الاف ، ومضاير بن رهينة المازني في ثلاثة الاف ، ويزيد بن ركاب الكلبي في الفين ، ونضر بن خرشة في الفين ، ومحمد بن الأشعث في ألف فارس ، وعبد اللّه الحصين في ألف فارس ، وفي شرح الشافية : وعقد ابن زياد راية لخولي بن يزيد الأصبحي في عشرة الاف فارس ، واخرى لكعب بن طلحة في ثلاثة الاف ، وحجار بن ابجر في ألف ، وكان الحر بن يزيد الرياحي من قبل - كما مر - في ثلاثة الاف .

عدد عساكر ابن زياد المعلون :

إعلم أنّ علماء الأخبار والمؤرخين اختلفوا في عدد الجيش الذي خرج الى قتال

الحسين عليه السلام ، والذين أحصيتهم أنا ثلاثة وخمسين بالتفصيل الذي ذكرته قبل قليل ، والفاضل المجلسي حينما ذكر أصحاب الرايات ومن خرج معهم وأحصاهم قال : فذلك عشرون الفا ، ثم قال : فما زال يرسل اليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون الفا ، وقال السيد في اللهوف : إنّهم عشرون الفا ، وقال أبو مخنف : فَتَكامَلوا ثَمانُونَ اَلْفَ فارِسٍ مِنْ اَهْلِ الْكُوفَةِ لَيْسَ فِيهِمْ شامِيٌّ وَلا حِجازِيٌّ(3) ، واحصاهم ابن شهرآشوب في خمسة وثلاثين ، وابن أعثم الكوفي عشرين الفا ، وابن الجوزي في تذكرة الخواص ستة الاف ، واليافعي في تاريخه اثنين وعشرين الفا ، وفي شرح الشافية خمسين ألف فارس ، وفي مطالب السؤول اثنين وعشرين الفا .

ص: 340


1- بحار الأنوار 44/385 باب 37 .
2- مقتل أبي مخنف : 54 .
3- مقتل أبي مخنف : 54 .

وانهاهم بعضهم الى مائة ألف ومائتي ألف بل قال بعضهم : ثمانمائة ألف ، وتفصيل ذلك يلزم التطويل .

ولكن ما توصلت اليه بعد الفحص هو أنّ اختلاف الرواة في هذه الروايات نشأ مما يلي :

إنّ الحسين عليه السلام لو كان قد وصل الكوفة قبل ابن زياد أو كان مسلم بن عقيل قد قتل ابن زياد في دار هانى ء لالتحق به دون شك أكثر من مائة ألف سيف من الكوفة والبصرة وعرب البادية ولاجتمع اليه الناس يوما بعد يوم من المدينة واليمن والحجاز وغيرها من البلدان ، كما بايع مسلم أربعون الفا قبل وصول ابن زياد الى الكوفة ، وهذا الأمر كان واضحا عند يزيد وازلامه في السلطة ولهذا سارعوا الى إعداد جيش قوامه مائة ألف أو مائتي ألف ، وكتبوا الى جميع الأمصار والبلدان التي كانت تحت سلطانهم ليحملوا الناس ويرسلوا كل من يقوى على حمل السلاح الى الكوفة ليقاتلوا الحسين عليه السلام وكتبوا الى زعماء العرب واحدا واحدا أن يقبلوا الى الكوفة مع ما عندهم من الرجال .

فلو كان الأمر كذلك لما كان جيش ابن زياد أقل من ثمانمائة الف ، ولانتشر ذلك أيضا على الألسن ، لأنّهم يسمعون ذلك من زعماء القوم وأصحاب الجرائد التي كانت تمثل الديوان الذي يحصي أعداد المقاتلين .

ولكن لا يخفى على ذوي الألباب أنّ تجهيز ثمانمائة ألف مقاتل وإرسالهم الى الطف بهذه العجالة ليس بالأمر ألهيّن كما أنّ ليس من اليسير إعداد الإمدادات اللوجستية من قبيل الطعام وعلف الدواب وما شاكل لمثل هذا العدد الكبير ، ويكفي لمحاربة الاثنين والسبعين ثمانية الاف فما فائدة ثمانمائة الفا ، وذلك أنّ الحسين عليه السلام إذا كان يقاتل بالقدرة الإلهية وبقوة الإمامة ، فإنّ عشرة أضعاف هذا العدد يفنيهم بإشارة واحدة من يده ، وإذا كان القتال حسب القوة الجسمانية والقدرات البشرية فيكفي سبعمائة لقتال السبعين .

ص: 341

عدد عسكر الإمام الحسين عليه السلام :

وأمّا أصحاب الحسين عليه السلام فقد قال الفاضل المجلسي : إنّهم أربعين راجلا واثنين وثلاثين فارسا ، وقال محمد بن أبي طالب : إنّهم اثنين وثلاثين فارسا واثنين وثمانين

راجلا ، وروي عن الإمام محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام : إنّهم خمسة وأربعين فارسا

ومائة راجل ، وفي كتاب اعلام الورى : ثلاثة وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ، وفي تذكرة الخواص لابن الجوزي : سبعون فارسا ومائة راجل ، وقيل : ثلاثون فارسا ومائة راجل ، وفي شرح الشافية لأبي فراس في مناقب آل الرسول ومثالب بني العباس : انهم كانوا ألف مقاتل ، وفي مروج الذهب : ألف فارس ومائة راجل(1) ، وفي المجلد السابع عشر من عوالم عبد اللّه بن نور اللّه : اثنان وثلاثون فارسا واربعون

راجلا ، وفي جلاء العيون لعبد اللّه بن محمد رضا الحسيني : اثنان وثلاثون فارسا واربعون راجلا ، وفي زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة للمنصوري : اثنان وثلاثون فارسا واربعون راجلا ، وفي مرآة الجنان لليافعي : اثنان وثمانون بين فارس وراجل ، وفي تاريخ الطبري : اربعون فارسا ومائة راجل ، وفي تاريخ المعيني : قتل مع الحسين عليه السلام سبعة من أولاد علي عليه السلاموثلاثة من أولاد الحسين عليه السلام وسبعة وثمانون من أصحابه عليه السلام .

وهكذا اختلف علماء الأخبار والمحدثين والمؤرخين في عدد عسكر الإمام عليه السلام وعسكر ابن زياد ولو أردنا استقصاء جميع الكتب العربية والفارسية التي انظر فيها الآن وأنا اسود هذه الأوراق لضاق بنا المقام وسأم القارى ء وأصابه الملل ، فلا جرم أنّي ساقتصر على ذكر المختار عندي بعد استقصائي للاراء واستيعابي لما ذكروه ، حيث تبين لي أنّ عدد عسكر الإمام عليه السلام لا يزيد على المائة والأربعين كما أنّ عسكر ابن سعد لا يقلّ عن العشرين الفا .

ص: 342


1- في مروج الذهب : 3/61 : « وهو - أي الحسين عليه السلام - في مقدار خمسمائة فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مائة راجل » .

وإذا قبلنا الروايات المختلفة فأقصى ما يمكن أن يقال في عسكر ابن زياد واحدا وخمسين الفا ، لأنّني ذكرت أمراء الجيش وتعداد من دخل تحت إمرتهم ، ولكن اجتهادي يدلني على أنّ ابن زياد جهز واحدا وخمسين الفا وعين لهم الامراء وجعل يرسلهم الى كربلاء على التوالي فلمّا قتل الحسين عليه السلام كان مجموع عسكره ثلاثين الفا ، فلا حاجة لئن يبعث بالباقين بعد أن قتل الحسين عليه السلام . والعلم عند اللّه .

عودة الى الكلام :

خرج عمر بن سعد الى قتال الحسين عليه السلام اطاعة لامر ابن زياد فصدق في حقه ما قاله له أمير المؤمنين عليه السلام :

روى محمد بن سيرين أنّ أمير المؤمنين عليه السلام نظر يوما الى عمر بن سعد وهو بعد شاب فقال له : ويحك يا ابن سعد كيف بك إذا قمت يوما مقاما تخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار(1) .

ومع ذلك عزم عمر بن سعد على قتل الحسين عليه السلام فأخذ عهد الري وتوجه الى كربلاء .

وصول عمر بن سعد بن أبي وقاص في جيشه الى كربلاء :

لما وصل عمر بن سعد الى كربلاء ضرب خيمته وأمر العسكر فضربوا خيامهم ووقف بازاء الحسين عليه السلام موقف المحارب ، وكان ذلك يوم السبت السادس من شهر محرم الحرام .

فلمّا استقر به المقام بعث إلى الحسين عليه السلام عروة بن قيس الأحمسي فقال له : ائته فسله ما الذي جاء بك ؟ وما تريد ؟ وكان عروة ممن كتب إلى الحسين فاستحيا منه أن يأتيه ، فقال له : أيّها الأمير إنّي كنت أكاتب الحسين وأنا استحي أن أسير اليه ،

فإن رأيت أن تبعث غيري(2) ، فعرض ذلك على الرؤاء الذين كاتبوه ، وكلّهم أبى

ذلك وكرهه .

ص: 343


1- تذكرة الخواص : 223 ، مثير الأحزان : 50 .
2- الفتوح 2/142 .

رسول ابن سعد يأتي عند الحسين عليه السلام :

فقام إليه كثير بن عبد اللّه الشعبي ، فقال له : أنا أذهب إليه وواللّه لئن شئت لأفتكن به ، فقال له عمر بن سعد : ما أريد أن تفتك به ولكن ائته فسله ما الذي جاء به ؟ فأقبل كثير إليه فلمّا رآه أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام : أصلحك اللّه يا أبا عبد اللّه قد جاءك شر أهل الأرض وأجرؤ على دم وأفتكهم ، وقام إليه

فقال له : ضع سيفك ، قال : لا واللّه ولا كرامة ، إنما أنا رسول إن سمعتم كلامي بلغتكم ما أرسلت إليكم وإن أبيتم انصرفت عنكم ، قال : فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك ، قال : لا واللّه لا تمسه ، فقال له : أخبرني بما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنو منه فإنك فاجر ، فاستبا وانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر .

فدعا عمر بن سعد قرة بن قيس الحنظلي فقال له : ويحك الق حسينا فسله ما جاء

به ؟ وما ذا يريد ؟ فأتاه قرة فلمّا رآه الحسين مقبلا قال : أتعرفون هذا ؟ فقال حبيب

بن مظاهر : هذا رجل من حنظلة تميم ، وهو ابن أختنا ، وقد كنت أعرفه بحسن الرأي ، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد(1) ، فَقالَ لَهُ زُهَيْرٌ :اِلْقِ سِلاحَكَ وَادْخُلْ . فَقالَ : حُبَّا وَكَرامَةً ، فاَلْقى سِلاحَهُ وَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَقَبَّلَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقالَ : يا مَولايَ مَا الَّذي جاءَ بِكَ اِلَيْنا وَاَقْدَمَكَ عَلَيْنا ؟ فَقالَ عليه السلام : كتب الي أهل مصركم هذا أن أقدم فاما إذا كرهتموني فأنا انصرف عنكم ، فَقالَ : لعنهم اللّه إنّ الَّذينَ كاتَبوكَ هُمُ الْيَومَ مِنْ خواصِ اِبْنِ زِيادٍ لَعَنَهُ اللّه . فَقالَ لَهُ حبيب : ويحك يا قرة اين تذهب الى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه ايدك اللّه بالكرامة ، فَقالَ : يا مَوْلايَ مَنْ الَّذي يَخْتارُ النّارَ عَلَى الجَنَّة ، ارجع الى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي ، فانصرف الى عمر بن سعد واخبره الخبر(2) .

ص: 344


1- بحار الأنوار 44/384 باب 37 .
2- مقتل أبي مخنف : 55 .

مكاتبة ابن سعد وابن زياد لعنهما اللّه :

فقال عمر بن سعد : أرجو أن يعافيني اللّه من حربه وقتاله . وكتب إلى عبيد اللّه ابن زياد :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد ؛ فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه وما ذا يطلب ، فقال : كتب إليّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم يسألوني القدوم إليهم ففعلت ، فأما إذا كرهتموني وبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم .

قال حسان بن قائد العبسي : وكنت عند عبيد اللّه بن زياد حين أتاه هذا الكتاب

فلمّا قرأه قال :

الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو

النجاة وَلات حِينَ مَناصٍ

وكتب إلى عمر بن سعد : أما بعد ؛ فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت ، فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام .

فلمّا ورد الجواب على عمر بن سعد قال : قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية ، فلم يعرض ابن سعد على الحسين ما أرسل به ابن زياد لأنه علم أن الحسين لا يبايع يزيد أبدا(1) .

حبيب بن مظاهر يستنصر بني أسد :

وأقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام فقال : يا ابن رسول اللّه ، هاهنا حي من بني أسد بالقرب منا أتأذن لي في المصير إليهم فأدعوهم إلى نصرتك ، فعسى اللّه أن يدفع بهم عنك ، قال : قد أذنت لك ، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل متنكرا حتى أتى إليهم فعرفوه أنه من بني أسد ، فقالوا : ما حاجتك ؟ فقال : إنّي قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم ، أتيتكم أدعوكم إلى نصر ابن بنت نبيكم ، فإنه في عصابة من المومنين ، الرجل منهم خير من ألف رجل ، لن يخذلوه ولن يسلموه أبدا ، وهذا عمر ابن سعد قد أحاط به ، وأنتم قومي وعشيرتي وقد أتيتكم بهذه النصيحة فأطيعوني

ص: 345


1- بحار الأنوار 44/384 باب 37 .

اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا والآخرة ، فإني أقسم باللّه لا يقتل أحد منكم في سبيل اللّه مع ابن بنت رسول اللّه صابرا محتسبا إلاّ كان رفيقا لمحمد صلى الله عليه و آله في عليين ، فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له : عبد اللّه بن بشر فقال : أنا أول من يجيب إلى هذه الدعوة ، ثم جعل يرتجز ويقول :

قد علم القوم إذا تواكلوا

وأحجم الفرسان إذ تناضلوا

أني شجاع بطل مقاتل

كأنني ليث عرين باسل

ثم تبادر رجال الحي حتى التأم منهم تسعون رجلا ، فأقبلوا يريدون الحسين عليه السلام ، وخرج رجل في ذلك الوقت من الحي غلبت عليه طينة النفاق حتى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال ، فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يقال له : الأزرق ، فضم إليه أربعمائة فارس ووجه نحو حي بني أسد ، فبينما أولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين عليه السلام في جوف الليل إذا استقبلتهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات ، وبينهم وبين عسكر الحسين اليسير ، فناوش القوم بعضهم بعضا واقتتلوا قتالا شديدا ، وصاح حبيب بن مظاهر بالأزرق : ويلك ما لك وما لنا ؟ انصرف عنا ودعنا يشقى بنا غيرك ، فأبى الأزرق أن يرجع وعلمت بنو أسد أنه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيهم ، ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام فخبره بذلك ، فقال عليه السلام : لا حول ولا قوة إلاّ باللّه (1) .

ذكر منع عمر بن سعد الماء على الحسين وأهل بيته عليهم السلام

اشارة

ثُمَّ اِنَّ اِبْنِ سَعْدٍ لما كان يكره قتال الحسين عليه السلام وعلم أنّ الحسين عليه السلام لا يجيبه الى ما يريد عَبَرَ الْفُراتَ وَقال للحسين عليه السلام :

فلنجلس ساعة ونتحدث فيما يكون فيه صلاح أمرنا ، فاذن له الحسين عليه السلام بذلك فخْرج لَيْلَة وََبْسُط بِساطا وَدْعا الْحُسَيْنَ عليه السلام وَتَحَدثا حَتّى مْضى مِنَ اللَّيلِ شَطْرُهُ .

ص: 346


1- بحار الأنوار 44/387 .

كتاب خولي الى ابن زياد :

وَكانَ خِوَلِّي بْنِ يَزيد مِنْ اَقْسَى النّاسِ قَلبا عَلَى الْحُسَيْن عليه السلام فَلَمّا رَأى ذلِكَ كَتَبَ اِلَى اِبْنِ زِيادٍ يَقُولُ :

اَمّا بَعْدُ ؛ اَيُّهَا الأَميرُ اِنَّ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ يَخْرُجُ في كُلُّ لَيْلَةٍ ويبسط بساطا وَيَدْعو الْحُسَيْنُ عليه السلام وَيَتَحَدِّثانِ حَتّى يَمضي مِنَ اللَّيلِ شطره وَقَدْ اَدْرَكَتْهُ عَلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام

الرَّحْمَةُ وَالرَّأْفَةُ فَأْمُرْهُ اَنْ يَنْزِلْ عَنْ حُكْمِكَ وَيصَيِّر الأَمْرَ اِلَيَّ وَاَنَا اَكْفيكَ اَمْرَهُ .

أمر ابن زياد بمنع ماء الفرات :

فَلَمّا قَرَأَ اِبْنُ زِيادٍ كِتابُ خِوَلِّي كَتَبَ اِلَى اِبْنِ سَعْدٍ :

اَمّا بَعْدُ ؛ يَابْنَ سَعْدٍ قَدْ بَلَغَني اَنَّكَ في كُلِّ لَيْلَةٍ تَخْرُجُ وَتَبْسُطُ بِساطَا وَتَدْعُو الْحُسَيْنُ عليه السلام وَتَتَحَدَّثُ مَعَهُ حَتّى يَمْضي مِنَ اللَّيلِ شَطْرُهُ فَاِذا قَرَأَتْ كِتابي فَأْمُرْهُ اَنْ يَنْزِلَ عَلَى حُكْمي فَاِنْ اَطاعَ وَاِلاّ اِمْنَعْهُ مِنْ شُرْبِ الماءِ فَاِنّي حَلَّلْتُهُ عَلَى الْيَهودِ وَالنَّصارى وَحَرَّمْتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى اَهْلِ بَيْتِهِ(1) فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي النقي عثمان أمير المؤمنين المظلوم(2) .

فلمّا قرأ عمر بن سعد الكتاب بعث في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة ، وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، ومنعوهم أن يسقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام(3) ، أي في اليوم السابع من المحرم .

شماتة عبد اللّه بن الحصين ودعاء الحسين عليه السلام عليه :

ونادى عبد اللّه بن حصين الأزدي وكان عداده في بجيلة قال بأعلى صوته : يا حسين ألا تنظرون إلى الماء كأنه كبد السماء واللّه لا تذوقون منه قطرة واحدة حتى تموتوا عطشا ، فقال الحسين عليه السلام : اللّهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا .

ص: 347


1- مقتل أبي مخنف : 56 .
2- المناقب : 4/97 فصل في مقتله عليه السلام .
3- الإرشاد : 2/86 .

قال حميد بن مسلم : واللّه لعدته في مرضه بعد ذلك ، فواللّه الذي لا إله غيره ، لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغر ثم يقيئه ، ويصيح : العطش العطش ، ثم يعود ويشرب حتى يبغر ثم يقيئه ، ويتلظى عطشا ، فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه(1) .

وقال ابن الجوزي : وناداه عمرو بن الحجاج : يا حسين هذا الماء تلغ فيه الكلاب وتشرب منه خنازير أهل السواد والحمر والذئاب ولا تذوق منه واللّه قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم(2) .

الحسين عليه السلام يحفر بئرا في كربلاء :

وأضر العطش بالحسين وأصحابه ، فأخذ الحسين عليه السلام فأسا وجاء إلى وراء خيمة النساء ، فخطا في الأرض تسع عشر خطوة نحو القبلة ، ثم حفر هناك فنبعت له عين من الماء العذب ، فشرب الحسين عليه السلام وشرب الناس بأجمعهم وملئوا أسقيتهم ، ثم غارت العين فلم ير لها أثر .

وبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى عمر بن سعد : أمّا بعد ؛ بلغني أن الحسين يحفر الآبار ويصيب الماء فيشرب هو وأصحابه ، فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت وضيق عليهم ولا تدعهم يذوقوا الماء ، وافعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان ، فعندها ضيق عمر بن سعد عليهم غاية التضييق(3) .

العباس عليه السلام يستقي الماء :

فلمّا إشتد العطش بالحسين دعا بأخيه العباس فضم إليه ثلاثين فارسا وعشرين

راكبا وبعث معه عشرين قربة ، فأقبلوا في جوف الليل حتى دنوا من الفرات ، فقال عمرو بن الحجاج : من أنتم ؟ فقال رجل من أصحاب الحسين عليه السلاميقال له « هلال بن نافع البجلي » : ابن عم لك جئت أشرب من هذا الماء ، فقال عمرو : اشرب هنيئا ،

ص: 348


1- بحار الأنوار 44/389 باب 37 .
2- تذكرة الخواص : 223 .
3- بحار الأنوار 44/387 باب 37 .

فقال هلال : ويحك تأمرني أن أشرب والحسين بن علي ومن معه يموتون عطشا ؟ فقال عمرو : صدقت ولكن أمرنا بأمر لا بد أن ننتهي إليه ، فصاح هلال بأصحابه فدخل العباس كالليث مع جماعته الى الفرات ، وصاح عمرو بالناس ، واقتتلوا قتالا شديدا ، فكان قوم يقاتلون وقوم يملؤون حتى ملؤوها ، ولم يقتل من أصحاب الحسين أحد ، ثم رجع القوم إلى معسكرهم ، فشرب الحسين ومن كان معه ، ولذلك سمي العباس عليه السلام السقاء(1) .

يزيد بن الحصين ينصح ابن سعد :

فعندها ضيق الأمر عليهم فلمّا أصبح الصباح إشتد عليهم الأمر والعطش ، فروي في شرح الشافية ومطالب السؤول : إنّ يزيد بن حصين الهمداني - وكان زاهدا - قال : ائذن لي يا ابن رسول اللّه لآتي هذا ابن سعد فأكلمه في أمر الماء فعساه يرتدع ، فقال له : ذلك إليك ، فجاء الهمداني إلى عمر بن سعد ، فدخل عليه فلم يسلم عليه ، قال : يا أخا همدان ما منعك من السلام عليّ ألست مسلما أعرف اللّه ورسوله ؟ فقال له الهمداني : لو كنت مسلما كما تقول لما خرجت إلى عترة رسول اللّه صلى الله عليه و آلهتريد قتلهم ، وبعد هذا ماء الفرات تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها ، وهذا الحسين بن علي وإخوته ونساؤ وأهل بيته يموتون عطشا قد حلت بينهم وبين ماء الفرات

أن يشربوه ، وأنت تزعم أنك تعرف اللّه ورسوله ، فأطرق عمر بن سعد خجلا ، ثم قال : يا أخا همدان ما أجد نفسي تجيبني إلى ترك الري لغيري ، فرجع يزيد بن حصين فقال للحسين عليه السلام : يا ابن رسول اللّه قد رضي أن يقتلك بولاية الري(2) .

لقاء الحسين عليه السلام وعمر بن سعد :

وكان عمر بن سعد يكره قتال الحسين فبعث اليه يطلب الاجتماع به فاجتمعا خلوة فقال له عمر : ما جاء بك ؟ فقال : أهل الكوفة ، فقال : ما عرفت ما فعلوا بكم ؟

ص: 349


1- بحار الأنوار 44/387 باب 37 .
2- كشف الغمة 2/ 48 .

فقال : من خادعنا في اللّه انخدعنا له ، فقال له عمر : قد وقعت الآن فما ترى ؟ فقال : دعوني ارجع فاقيم بمكة أو المدينة أو اذهب الى بعض الثغور فاقيم به كبعض أهله .

وقد وقع في بعض النسخ : إنّ الحسين عليه السلام قال لعمر بن سعد : دعوني أمضي الى المدينة أو الى يزيد فاضع يدي في يده ولا يصح ذلك عنه فإنّ عقبة بن سمعان قال : صحبت الحسين من المدينة الى العراق ولم أزل معه الى أن قتل واللّه ما سمعته قال ذلك(1) .

كتاب ابن سعد لابن زياد :

لما سمع عمر كلام الحسين عليه السلام قال : اكتب الى ابن زياد بذلك فلعله يرضى بذلك ،

ثم رجع عمر إلى مكانه وكتب إلى عبيد اللّه بن زياد :

أما بعد ؛ فإن اللّه قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة ، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى ، أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، أو أن يأتي أمير المومنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه ، وفي هذا لك رضى وللأمة صلاح .

وقد ذكرنا قبل قليل أنّ الحسين عليه السلام لم يقل أبدا أنّه يأتي يزيد فيضع يده في يده ، نعم قد يكون ابن سعد تقول ذلك على الحسين عليه السلام لعله يلين جانب ابن زياد بهذه الكلمة .

[ شمر يحرض على الحسين عليه السلام ]

فلمّا قرأ عبيد اللّه الكتاب قال : هذا كتاب ناصح مشفق على قومه ، فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال : أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وأتى جنبك ؟ واللّه لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة ولتكونن أولى بالضعف والعجز ، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن ، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه ، فإن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة وإن عفوت كان ذلك لك .

ص: 350


1- تذكرة الخواص : 224 .

فقال ابن زياد : نعم ما رأيت الرأي رأيك ، أخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي ، فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما وإن هم أبوا فليقاتلهم ، فإن فعل فاسمع له وأطع وإن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش ، فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه .

وكتب إلى عمر بن سعد : إنّي لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعتذر عنه ولا لتكون له عندي شفيعا ، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إلي سلما ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون ، فإن قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره وظهره فإنه عات ظلوم ، ولست أرى أن هذا يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلت هذا به ، فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنا قد أمرناه بأمرنا والسلام .

فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد اللّه بن زياد إلى عمر بن سعد(1) .

بين شمر وابن سعد :

قال الواقدي : ولما وصل شمر الى عمر بن سعد ناداه عمر بن سعد : لا اهلا واللّه بك ولا سهلا يا ابرص لا قرّب اللّه دارك ولا ادنى مزارك وقبح ما جئت به واللّه إنّي

لاظنك نهيته عما كتبت به اليه وأفسدت علينا أمرا قد كنّا رجونا أن يصلح ، واللّه لا

يستسلم حسين ، إنّ نفس أبيه بين جنبيه(2) .

ثم قرأ الكتاب وقال : واللّه لقد ثنيته عما كان في عزمه واذعرته ولقد اذعن ولكنك شيطان فعلت ما فعلت . فقال له : أخبرني ما أنت صانع أتمضي لأمر

ص: 351


1- بحار الأنوار 44/389 باب 37 .
2- تذكرة الخواص : 224 ، بحار الأنوار 44/391 باب 37 .

أميرك وتقاتل عدوه وإلاّ فخل بيني وبين الجند والعسكر ، قال : لا ولا كرامة لك ولكن أنا أتولى ذلك فدونك فكن أنت على الرجالة(1).

ثم إنّ اِبْنُ سَعْدٍ عزم على قتال الحسين عليه السلام فدَعا بِحِجْرِ بْنِ الحُرِّ وَعَقَدَ لَهُ رايَةً عَلَى اَرْبَعَةِ آلافِ فارِسٍ ، وَاَمَرَهُ اَنْ يَنْزِلَ عَلَى مَشْرَعَةِ الغاضِرِيَّةِ ، وَيَمْنَعُ الْحُسَيْنَ عليه السلام

مِنْ شِرْبِ الماءِ ، ثُمَّ دَعَى بِشِبْثِ بْنِ رَبْعي وَعَقَدَ لَهُ رايَةً عَلَى اَلفِ فارِسٍ ، وَاَمَرهُ أَنْ يَنْزِل عَلَى مَشْرَعَةِ الْغاضِريَّةِ ، وَيَمْنَعَ الْحُسَيْنَ عليه السلام مِنْ شِربِ الماءِ ، فَنَزَلا جَميعا عَلَى الْمَشْرَعَةِ(2) .

جواب الحسين عليه السلام لرسول ابن سعد :

أراد ابن سعد أن يطلع الحسين عليه السلام على كتاب ابن زياد فلعله يثنيه عن عزمه ويضعف جانبه فيخلي الميدان فلا تقع الحرب ، فبعث عمر الى الحسين عليه السلام فاخبره بما جرى فقال الحسين عليه السلام : واللّه لا وضعت يدي في يد ابن مرجانة أبدا وانشد :

لا ذعرت السوام في غسق الليل(3)

مغيرا ولا ذعرت يزيدا

يوم أعطى من المهانة ضيما

والمنايا يرصدنني أن احيدا

وهذه هي المرة الثانية التي يتمثل بها الإمام عليه السلام بشعر يزيد بن المفرغ .

بين الحسين عليه السلام وعمر بن سعد :

ثم أرسل الحسين إلى عمر بن سعد : إنّي أريد أن أكلمك فألقني الليلة بين عسكري وعسكرك ، فخرج إليه ابن سعد في عشرين ، وخرج إليه الحسين في مثل ذلك ، فلمّا التقيا أمر الحسين عليه السلام أصحابه فتنحوا عنه وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبر ، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحوا عنه وبقي معه ابنه حفص وغلام له يقال له لاحق(4) .

ص: 352


1- بحار الأنوار 44/391 باب 37 .
2- مقتل أبي مخنف : 56 .
3- تذكرة الخواص : 224 .
4- الفتوح : 2/147 .

فقال له الحسين عليه السلام : ويلك يا ابن سعد أما تتقي اللّه الذي إليه معادك ؟ أتقاتلني وأنا ابن من علمت يا هذا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ ذر هؤاء القوم وكن معي فإنه أقرب لك إلى اللّه تعالى ، فقال عمر بن سعد : أخاف أن يهدم داري ، فقال الحسين عليه السلام : أنا أبنيها لك ، فقال : أخاف أن تؤذ ضيعتي ، فقال الحسين عليه السلام : أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز ، فقال : لي عيال وأخاف عليهم ، ثم سكت ولم يجبه إلى شيء ، فانصرف عنه الحسين عليه السلام وهو يقول : ما لك ذبحك اللّه على فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك ، فواللّه إنّي لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلاّ يسيرا ، فقال ابن سعد : في الشعير كفاية عن البر ، مستهزئا بذلك القول(1) .

الإمام عليه السلام يأذن لاصحابه وأهل بيته في الانصراف :

فلمّا علم الحسين عليه السلام أنّ القوم قد عزموا على قتاله جمع أصحابه وأهل بيته وقام فيهم خطيبا .

قال علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام : فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم ، وأنا إذ ذاك مريض ، فسمعت أبي يقول لأصحابه : أثني على اللّه أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء ، اللّهم إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفهمتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين ، أما بعد ؛ فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر وأوصل من أهل بيتي ، فجزاكم اللّه عني خيرا ، ألا وإنّي لأظن يوما لنا من هؤاء ، ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم حرج منّي ولا ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا(2) وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سوادكم

ومدائنكم فإنّ القوم إنّما يطلبونني ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري(3) .

ص: 353


1- بحار الأنوار 44/ 387 باب 37 ، الفتوح : 2/147 .
2- بحار الأنوار 44/392 باب 37 .
3- الفتوح 2/149 .

جواب أهل البيت :

فقال له إخوته وأبناؤ وبنو أخيه وابنا عبد اللّه بن جعفر : لم نفعل ذلك ، لنبقى بعدك ؟ لا أرانا اللّه ذلك أبدا ، بدأهم بهذا القول العباس بن علي وأتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه ، فقال الحسين عليه السلام : يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم بن عقيل فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم ، فقالوا : سبحان اللّه ما يقول الناس ؟ نقول إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا لا واللّه ما نفعل ذلك ، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلنا ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح اللّه العيش بعدك .

جواب الأصحاب :

وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال : أنحن نخلي عنك ؟ وبما نعتذر إلى اللّه في أداء حقك ؟ لا واللّه حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، واللّه لا نخليك حتى يعلم اللّه أنا قد حفظنا غيبة رسول اللّه فيك ، أما واللّه لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أذرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرة ، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا .

وقام زهير بن القين فقال : واللّه لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة وإن اللّه يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤاء الفتيان من أهل بيتك .

وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد ، فجزاهم الحسين خيرا ، وانصرف إلى مضربه(1) .

ص: 354


1- بحار الأنوار 44 /394 .

وفي كتاب جلاء العيون لعبد اللّه بن محمد رضا الحسيني : إنّ الحسين عليه السلام كشف لهم بعد هذه المقالة عن مقاماتهم في الجنة فرأوا الحور والقصور فزاد ذلك في يقينهم فلم يشعروا بالم السيوف والسنان ، وكانوا يبادرون الى الشهادة ويتعجلون القتل(1) .

محمد بن بشير يسمع باسر ابنه :

وقيل لمحمد بن بشر الحضرمي في تلك الحال قد أسر ابنك بثغر الري ، فقال : عند اللّه أحتسبه ونفسي ، ما أحبّ أن يؤر وأنا أبقى بعده ، - يعني أنّه يحبّ أن يقتل بين يدي الحسين عليه السلام - ، فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال : رحمك اللّه أنت في حل من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك ، فقال : أكلتني السباع حيا إن فارقتك ، قال : فأعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار(2) .

ذكر الامان الذي حمله شمر من ابن زياد الى العباس واخوته :

غضب ابن زياد من مماطلة عمر بن سعد في حرب الحسين عليه السلام فكتب اليه كتابا ارسله بيد شمر بن ذي الجوشن ، فقام اليه رجل يقال له جرير بن عبد اللّه بن مخلد الكلابي(3) فقال : أيّها الأمير لو أذنت لي بالكلام ، فإنّي أحبّ أن أقول شيئا ، فقال :

قل ما أحببت ، فقال : إنّ علي بن أبي طالب قد كان عندنا ها هنا بالكوفة فخطب الينا بنت عمنا فزوجناه بنتا يقال لها : « ام البنين بنت حزام » فولدت له : عبد اللّه

ص: 355


1- في علل الشرائع : 1/ 229 باب 163 علة إقدام أصحاب الحسين عليهم السلام ح 1 : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضى الله عنه قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي قال : حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال : حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له : أخبرني عن أصحاب الحسين عليهم السلام وإقدامهم على الموت ؟ فقال : إنهم كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم من الجنة ، فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها وإلى مكانه من الجنة .
2- بحار الأنوار 44/392 باب 37 .
3- في الفتوح : عبد اللّه بن محل بن حزام العامري .

وجعفر والعباس وعثمان ، فهم أبناء عمومتنا ، وهم مع الحسين عليه السلام أخيهم فإن رسمت لنا أن نكتب اليهم كتابا بأمان منك عليهم متفضلا ، فقال ابن زياد : اكتبوا اليهم بما أحببتم ولهم عندي الأمان .

فكتب جرير بن عبد اللّه الكتاب ودفعه الى غلام يقال له عرفان فقال : سر بهذا الكتاب الى عبد اللّه والعباس وجعفر وعثمان بني علي بن أبي طالب فإنّهم في عسكر الحسين عليه السلام فادفع اليهم هذا الكتاب واحذر ان يراه غيرهم فانظر ماذا يردون عليك ، فلمّا ورد كتاب جرير بن عبد اللّه على بني علي نظروا فيه ثم قالوا له : قل لخالنا ابن عبد اللّه لا حاجة لنا في أمانك فإنّ أمان اللّه خير من أمان ابن مرجانة ، فرجع الغلام الى الكوفة فخبر جرير بما كان من جواب القوم ، فعلم جرير ان القوم مقتولون(1) .

وكذا كان الشمر فإنّه كان من قبيلة ابن عبد اللّه فلمّا خرج من الكوفة حمل معه أمانا من ابن زياد ، فلمّا اذن الحسين عليه السلام لأصحابه وأهل بيته بالانصراف في تلك الليلة - كما ذكرنا ذلك قبل قليل - أقبل شمر بن ذي الجوشن لعنه اللّه فنادى : أين بنو أختي عبد اللّه وجعفر والعباس وعثمان ؟ فقال الحسين عليه السلام : أجيبوه وإن كان فاسقا ، فإنّه بعض أخوالكم ، فقالوا له : ما شأنك ؟ فقال : يا بني أختي أنتم آمنون فلا تقتلوا

أنفسكم مع أخيكم الحسين عليه السلام ، وألزموا طاعة أمير المومنين يزيد ! فناداه العباس بن علي عليهماالسلام : تبت يداك ولعن ما جئت به من أمانك يا عدو اللّه ، أتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة عليهماالسلام وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء(2) أتؤمننا وابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا أمان له ؟ فرجع الشمر إلى عسكره مغضبا(3) .

ص: 356


1- انظر الفتوح 2/148 .
2- في المتن : « في طاعة الغناء وأولاد اللخناء » .
3- اللهوف : 87 المسلك الثاني .

الأصحاب يتنظفون ويطلون :

روى الفاضل المجلسي : فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلا .

فلمّا كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاطه فضرب ، وأمر بجفنة فيها مسك كثير فجعل فيها نورة ثم دخل ليطلي .

فروي أن برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن ، فقال له عبد الرحمن : يا برير أتضحك ؟ ما هذه ساعة باطل ، فقال برير : لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ، وإنما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه ، فواللّه ما هو إلاّ أن نلقى هؤاء القوم بأسيافنا نعاجلهم ساعة ثم نعانق الحور العين(1) .

لا يخفى ان معسكر الحسين عليه السلام كان فاقدا للماء في ذلك الوقت فمن الممكن انهم كانوا قد تصرفوا في تركيب النورة بحيث صارت تزيل الشعر وتنظف الجسم من دون الحاجة الى الماء .

رؤيا الحسين عليه السلام :

قال في المناقب : فلمّا كان وقت السحر خفق الحسين برأسه خفقة ، ثم استيقظ فقال: أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة ؟ فقالوا : وما الذي رأيت ، يا ابن رسول اللّه ؟

فقال : رأيت كأن كلابا قد شدّت علي لتنهشني وفيها كلب أبقع رأيته أشدّها علي ، وأظن أن الذي يتولى قتلي رجل أبرص من بين هؤاء القوم ، ثم إنّي رأيت بعد ذلك جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه جماعة من أصحابه ، وهو يقول لي : يا بني أنت شهيد آل محمد ، وقد استبشر بك أهل السماوات وأهل الصفيح الأعلى ، فليكن إفطارك عندي الليلة ، عجل ولا تؤر ، فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء ، فهذا ما رأيت وقد أزف الأمر واقترب الرحيل من هذه الدنيا لا شك في ذلك(2) .

ص: 357


1- بحار الأنوار 44/ 393 باب 37 .
2- الفتوح 2/153 .

كلام برير مع ابن سمير وشمر :

وبات الحسين تلك الليلة ليلة الجمعة التاسع من محرم الحرام ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد ، فمرت بهم خيل لابن سعد تحرسهم وإن حسينا عليه السلام ليقرأ « وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ » ، فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له عبد اللّه ابن سمير(1) ، وكان مضحاكا وكان شجاعا بطلا فارسا فاتكا فقال : نحن وربّ الكعبة الطيبون ميزنا بكم ، فقال له برير بن الخضير : يا فاسق أنت يجعلك اللّه من الطيبين ؟ قال له : من أنت ويلك ؟ قال : أنا برير بن الخضير فتسابا(2) .

فنادى شمر : نحن الطيبون وأنتم الخبيثون وقد ميزنا منكم ، فناداه برير : يا عدو اللّه أمثلك يكون من الطيبين ؟ والحسين بن علي واخوته ليسوا كذلك ، ما أنت بهيمة لا تعقل ، فابشر بالنار يوم القيامة والعذاب الاليم ، فصاح به شمر وقال : أيّها المتكلم

فإنّك مقتول بأسيافنا عن قريب ، فقال له برير : يا عدو اللّه أبالموت تخوفني ، واللّه ان الموت أحبّ الينا من الحياة معكم ، واللّه لا نال شفاعة محمد صلى الله عليه و آلهقوم أراقوا دماء ذريته وأهل بيته .

وأقبل رجل من أصحاب الحسين الى برير فقال له : رحمك اللّه يا برير ، إنّ أبا عبد اللّه يقول لك : ارجع الى موضعك ، ولا تخاطب القوم ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح قومه وابلغ في الدعاء فلقد نصحت وابلغت في النصح(3) ، رضينا بقضاء اللّه ، فرجع برير .

ص: 358


1- في المتن : « سخير » في المواضع كلّها .
2- بحار الأنوار 45/4 .
3- الفتوح 2/153 .

حفر الخندق :

ثم خرج الحسين الى أصحابه فأمرهم أن يقرّب بعضهم بيوتهم من بعض ، وأن يدخلوا الأطناب بعضها فيبعض ، وأن يكونوا بين البيوت ، فيقابلوا القوم من وجه واحد ، والبيوت من ورائهم ، وأن يحفروا خندقا ، فحفروا الخندق وطرحوا فيه الحطب والقصب ليشعلوه عند الحاجة اليه ، فلا يصل اليهم العدو إلاّ من وجه واحد .

اعتراف جند ابن سعد بشجاعة أصحاب الحسين عليه السلام :

قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد : ويحك ، أقتلتم ذرية رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال : عضضت بالجندل إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية ، تحطم الفرسان يمينا وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية أو الاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيره ، فما كنا فاعلين لا أم لك ؟(1) ، ثم انشأ يقول :

قوم إذا نودوا لدفع ملمة

والخيل بين مدعس ومكردس

لبسوا القلوب على الدروع كأنهم

يتهافتون إلى ذهاب الأنفس

أصحاب الأرض يبحثون عن الماء :

فلمّا انقضت ليلة العاشر وأصبح الصباح ضاق الأمر على أصحاب الحسين وأهل بيته وكضهم العطش فامر الحسين عليه السلام أخاه العباس ان ينتدب بعض الانصار ويحفروا بئرا ، فجعلوا يبحثون عن الماء وكلّما حفروا لم يجدوا ، وإنّما فعل ذلك الحسين عليه السلام في المرّة السابقة فحصل على الماء في أول ضربة على الأرض لأنّه عليه السلام استعمل المعجزة ، كما مرّ فيما مضى .

هجوم القوم واستمهال الحسين عليه السلام :

ثم ان الشمر حرض عمر بن سعد على القتال فنادى عمر بن سعد : يا خيل اللّه

اركبي وأبشري بالجنة ، فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر ، والحسين عليه السلام

ص: 359


1- شرح نهج البلاغة 3/263 أباة الضيم وأخبارهم .

جالس أمام بيته يصلح سيفه(1) إذ خفق برأسه على ركبتيه ، وسمعت أخته الصيحة فدنت من أخيها وقالت : يا أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت ؟ فرفع الحسين عليه السلام رأسه فقال : يا أختاه إنّي رأيت الساعة جدي محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسن وهم يقولون : يا حسين إنك رائح إلينا عن قريب ، وفي بعض الروايات : غدا ، وفي رواية : إنّي رأيت رسول اللّه الساعة في المنام وهو يقول لي : إنك تروح إلينا ، فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل ، فقال لها الحسين : ليس لك الويل يا أختاه ، اسكتي رحمك اللّه ، مهلا لا تشمتي بنا القوم .

فقال له العباس بن علي عليهماالسلام : يا أخي أتاك القوم ، فنهض ثم قال : اركب أنت يا

أخي حتى تلقاهم وتقول لهم : ما لكم ؟ وما بدا لكم ؟ وتسألهم عما جاء بهم ، فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا ، فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر ، فقال لهم العباس : ما بدا لكم ؟ وما تريدون ؟ قالوا : قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه وتبايعوا يزيد أو نناجزكم ، قال : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد اللّه فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا فقالوا : القه وأعلمه ثم القنا بما يقول لك ، فانصرف العباس راجعا إلى الحسين عليه السلام يخبره الخبر(2) .

فجاء العباس إلى الحسين عليه السلام وأخبره بما قال القوم فسكت الحسين عليه السلامواطرق الى الأرض ثم رفع رأسه واستشار أصحابه في أمر الحرب والعباس واقف ، فقال : ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤرهم إلى غد وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أني قد أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار(3) .

فرجع اليهم العباس وأصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفونهم عن قتال الحسين(4) . فسألهم العباس ذلك فتوقف عمر بن سعد وإلتفت الى الشمر وقال :

ما الراي ؟ انمهلهم الى غداة غد ؟ فقال الشمر : أنت الأمير على هذا الجيش ولو كان

ص: 360


1- في البحار وغيره : « محتبئبسيفه » .
2- بحارالأنوار 44/391 باب 37 .
3- بحارالأنوار 44/391 باب 37 .
4- بحارالأنوار 44/391 باب 37 .

الامر اليّ لما أمهلتهم ساعة واحدة ، فقال عمر : ليتني لم ارض بهذه الامارة ولم ابتلي بهذه البلية(1) ، فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي : واللّه لو أنهم من الترك والديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم ، فكيف وهم آل محمد صلى الله عليه و آله ، فأجابوهم إلى ذلك(2) .

فرجع العباس من عندهم ومعه رسول من قبل عمر بن سعد يقول : إنّا قد أجلناكم الى غد ، فإن استسلمتم سرحنا بكم الى عبيد اللّه بن زياد ، وإن أبيتم فلسنا

بتاركيكم ، فانصرف العسكران الى خيامهم وباتوا تلك الليلة(3) .

وقائع ليلة الجمعة ليلة العاشر من المحرم سنة ستين للهجرة

اشارة

روى أبو حمزة عن الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام قال : لما كان اليوم الذي استشهد فيه أبو عبد اللّه عليه السلام جمع أهله وأصحابه في ليلة ذلك اليوم فقال لهم : يا أهلي وشيعتي اتخذوا هذا الليل جملا لكم وانجوا بانفسكم فليس المطلوب غيري ولو قتلوني ما فكروا فيكم ، فانجوا بانفسكم رحمكم اللّه ، فانتم في حل وسعة من بيعتي وعهد اللّه

الذي عاهدتموني ، فقال اخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد : واللّه يا سيدنا أبا عبد اللّه لا تركناك أبدا ، ايش يقول الناس : تركوا إمامهم وسيدهم وكبيرهم وحده حتى قتل ، ونبلوا بيننا وبين اللّه عذرا ، وحاشا للّه ان يكون ذلك أبدا او نقتل دونك فقال عليه السلام : يا قوم إنّي غدا أقتل وتقتلون كلكم حتى لا يبقى منكم احد ، فقالوا : الحمد للّه الذي اكرمنا بنصرتك وشرفنا بالقتل معك ، أو لا ترضى ان نكون معك في درجتك يا بن بنت رسول اللّه (4) .

ص: 361


1- انظر الفتوح 2/152 .
2- اللهوف :
3- انظر الفتوح 2/152 .
4- الهداية الكبرى : 204 .

الحسين عليه السلام يخبر بشهادة القاسم وعبد اللّه :

فقال : جزاكم اللّه خيرا ، دعا لهم بخير ، فاصبح وقتل وقتلوا معه اجمعون ، فقال له القاسم بن الحسن عليهماالسلام : فأنا فيمن يقتل ، فاشفق عليه فقال له : يا بني كيف الموت عندك قال : يا عم احلى من العسل ، فقال :إي واللّه ، فداك عمك ، إنّك أحد من يقتل من الرجال معي بعد ان تبلى ببلاء عظيم ، وابني عبد اللّه ، فقال :

يا عم ويصلون الى النساء ؟ حتى يقتل عبد اللّه وهو رضيع ؟ فقال : فداك عمك يقتل عبد اللّه إذا جفت روحه(1) عطشا وصرت الى خيمنا فطلبت ماءا ولبنا فلا اجد قط ، فأقول أنا : ولوني ابني لاشربه من فيّ(2) فياتونني به فيضعونه على يدي ، فاحمله لادنيه من في فيرميه فاسق لعنه اللّه ، بسهم فينحره وهو يناغي ، فيفيض دمه في كفي ، فارفعه الى السماء وأقول : اللّهم صبرا واحتسابا فيك ، فتعجلني(3) الأسنة منهم والنار تستعر في الخندق الذي في ظهر الخيم ، فاكر عليهم في أمرّ أوقات في الدنيا(4) فيكون ما يريد اللّه ، فبكى وبكينا ، وارتفع البكاء والصراخ من ذراري رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الخيم ، ويسأله(5) زهير بن القين وحبيب بن مظاهر عن علي فيقولون : يا سيدنا ، فسيدنا علي ؟ فيشيرون اليّ ، ماذا يكون من حاله(6) ؟ فيقول مستعبرا : ما كان اللّه ليقطع نسلي من الدنيا ، فكيف يصلون [ اليه ] ، وهو أبو ثمانية أئمة(7) ؟

ص: 362


1- في الهداية : « روحي » .
2- في الهداية : « فاقول : ناولوني عبد اللّه أشرب من فيه » .
3- في الهداية : « فتلحقني » .
4- في الهداية : « في آخر اوقات بقائي في دار الدنيا »
5- في الهداية : « ويسألني » .
6- في الهداية : « فيقولان : يا سيدنا علي الى ما يكون من حاله ؟ » .
7- الهداية الكبرى : 204 .

الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف :

لما جنّ الليل ليلة العاشر ولفّع الظلام أرجاء الكون امتحن الحسين عليه السلام

من معه ، ففي تفسير الإمام عليه السلام : فقال الحسين عليه السلام لعسكره : أنتم في حلّ من بيعتي فالحقوا بعشائركم ومواليكم ، وقال لأهل بيته : قد جعلتكم في حل من مفارقتي ، فإنكم لا تطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقوادهم(1) وما المقصود غيري فدعوني والقوم فإن اللّه - عزّ وجلّ - يعينني ولا يخليني من حسن نظره كعاداته في أسلافنا الطيبين .

فأما عسكره ففارقوه ، وأما أهله الأدنون من أقربائه فأبوا .

وقد ذكرت سابقا ان المسعودي قال في مروج الذهب ان أصحاب الإمام عليه السلام

كانوا ألف فارس ومائة راجل ، فيمكن ان يكونوا قد تفرقوا عنه في هذه الليلة ولم يبق معه سوى اثنين وسبعين فقط .

فاما الذين بقوا معه فقالوا : لا نفارقك ويحزننا ما يحزنك ويصيبنا ما يصيبك وأنا أقرب ما نكون إلى اللّه إذا كنا معك .

فقال لهم : فإن كنتم قد وطنتم أنفسكم على ما وطنت نفسي عليه فاعلموا أن اللّه إنما يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره ، وأن اللّه وإن كان خصني مع من مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا من الكرامات بما يسهل علي معها احتمال المكروهات فإن لكم شطر ذلك من كرامات اللّه تعالى ، واعلموا أن الدنيا حلوها ومرها حلم والانتباه في الآخرة ، والفائز من فاز فيها والشقي من شقي فيها(2) .

وهكذا قضى الحسين عليه السلام ومن معه تلك الليلة حتى الصباح لهم دوي كدوي النحل بين قائم وقاعد وراكع وساجد ، ومتوسل ومتضرع ومبتهل ومهلل ومسبح .

ص: 363


1- في التفسير : « وقواهم » .
2- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 218 حديث نعيم القبر وعذابه ، بحارالأنوار 45/90 .

ذكر يوم عاشوراء واعظم رزية وقعت في عالم الايجاد وحيز الكون والفساد

اشارة

لما أصبح صباح يوم عاشوراء صلى الحسين عليه السلام صلاة الغداة فروي عن علي بن الحسين أنه قال : ثم رفع الحسين عليه السلام يديه وقال : اللّهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدّة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من كرب يضعف عنه الفؤد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّي إليك عمن سواك ففرجته وكشفته فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة(1) .

فَلَمّا فَرَغَ من مناجاته اِسْتَدْعى بِدِرْعِ جَدِّهِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَتَعَمَّمَ بِعَمامَتِهِ السَّحابِ(2)(3) وَتَقَلَّدَ بِسَيْفِ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وخرج من الفسطاط وأمر بحفيرته التي حول عسكره فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد(4) .

وروى ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات أنّه أقبل بوجهه على أصحابه فقال : ان اللّه قد اذن في قتلكم فعليكم بالصبر ، وفي بعض الأخبار : أنّه قال : كلكم تقتلون

الا علي بن الحسين عليهماالسلام .

خرق الشمر عند رؤية الخندق :

فأقبل القوم يجولون حول بيت الحسين فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان ألقي فيه ، فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته : يا حسين أتعجلت بالنار قبل يوم القيامة ؟ فقال الحسين عليه السلام : من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن ؟ فقالوا : نعم ، فقال له : يا ابن راعية المعزى أنت أَوْلى بِها صِلِيًّا ،

ص: 364


1- بحار الأنوار 45/4 بقية الباب 37 .
2- كانت خوذة تغطي الرأس والوجه والرقبة وتحفظها من مس السيوف والرماح . منه رحمه الله .
3- مقتل أبي مخنف : 64 .
4- بحار الأنوار 44/316 باب 37 .

ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك ، فقال له : دعني حتى أرميه فإن الفاسق من أعداء اللّه وعظماء الجبارين وقد أمكن اللّه منه ، فقال له

الحسين عليه السلام : لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم بقتال(1) .

هلاك ثلاثة من عسكر ابن سعد بدعاء الحسين عليه السلام :

وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له يقال له : ابن أبي جويرية المزني ، فلمّا نظر إلى النار تتقد صفق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب حسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا ، فقال الحسين عليه السلام : من الرجل ؟ فقيل : ابن أبي جويرية المزني ، فقال الحسين عليه السلام : أتعيرني بالنار وأنا قادم على ربّ كريم ، ثم قال : اللّهم أذقه عذاب النار في الدنيا ، فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق(2) ، فَعِنْدَ ذلِكَ كَبَّرَ اَصْحابُ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَقالوا : يا لَها مِنْ دَعْوَةٍ ما اَسْرَعَ اِسْتِجابَتُها ! وَاِذا بِمُنادٍ يُنادي مِنَ السَّماءِ : تُهْنيكَ الإِجابَةُ يَابْنَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .

قالَ مَروانُ بْنُ وائل : لَمّا رَأَيْتُ ذلِكَ مِنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام رَجَعْتُ عَنْ قِتالِهِ ، فَقالَ لِي عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ : ما بالَكَ رَجَعْتَ عَنْ قِتالِهِ ؟ فقلت : وَاللّهِ اِنِّي رَاَيْتُ ما لَمْ تَرَوْنَ مِنْ اَهْلِ هذا الْبَيْتِ ، وَاللّهِ لا قاتَلْتُ الْحُسَيْنَ عليه السلام اَبَدا ، ثُمَّ حَدَّثَهُ بِما رَآهُ(3) .

ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له : تميم بن حصين الفزاري فنادى : يا حسين ويا أصحاب حسين ، أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات ؟ واللّه لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعا ، فقال الحسين عليه السلام : من الرجل ؟ فقيل : تميم بن حصين ، فقال الحسين : هذا وأبوه من أهل النار ، اللّهم اقتل

هذا عطشا في هذا اليوم ، فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه ، فوطئته الخيل بسنابكها فمات(4) .

ص: 365


1- بحار الأنوار 45/4 بقية الباب 37 .
2- بحار الأنوار 44/316 باب 37 .
3- مقتل أبي مخنف : 69 .
4- بحار الأنوار 45/4 بقية الباب 37 .

ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له : محمد بن أشعث بن قيس الكندي فقال : يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول اللّه ليست لغيرك ؟ فتلا الحسين هذه الآية : « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً »الآية ، ثم قال : واللّه إن محمدا لمن آل إبراهيم وإن العترة الهادية لمن آل محمد ، من الرجل ؟ فقيل : محمد بن أشعث بن قيس الكندي ، فرفع الحسين عليه السلامرأسه إلى السماء فقال : اللّهم أر محمد بن الأشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا ، فعرض له عارض ، فخرج من العسكر يتبرز فسلط اللّه عليه عقربا فلدغته(1) في حشفته فمات بادي العورة يتخبط بغائطه .

اصطفاف الجيشين :

فعبا الحسين عليه السلام أصحابه بعد صلاة الغداة ، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ، فجعل زهير بن القين في عشرين في ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهر في عشرين في ميسرة أصحابه ، وأعطى رايته العباس أخاه(2) ، ووقف هو وبقية عسكره في القلب ، وجعلوا البيوت وراءهم .

وأصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم فعبأ أصحابه ، وخرج فيمن معه من الناس ، وهم ثلاثون الفا ما بين فارس وراجل ، نحو الحسين عليه السلام ، وكان على ميمنته عمرو بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عروة بن قيس وعلى الرجالة شبث بن ربعي(3) ، ووقف هو في جماعة كبيرة من عسكره في القلب .

الحسين عليه السلام يرفع المصحف :

ثم ان الحسين عليه السلام دعى ببعير عال فركب عليه وأخذ المصحف ونشره ونادى :

« بيني وبينكم كتاب اللّه وسنّة جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ، فانزل اللّه عليه حينئذ النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام وخيره بين النصر على الأعداء ولقاء اللّه فاختار لقاء اللّه .

ص: 366


1- بحارالأنوار : 44/ 316 باب 37
2- انظر الإرشاد 2/95 .
3- انظر الإرشاد 2/95 .

قال عبد اللّه بن محمد رضا الحسيني في كتاب جلاء العيون : وحضر عنده جماعة من الجن واستأذنوه في القتال ، فلم يأذن لهم الحسين عليه السلام وأصر على الشهادة ولقاء اللّه .

برير يعظ أهل الكوفة :

فقال برير بن خضير : يا ابن رسول اللّه تأذن لي فأخرج إليهم فأكلمهم ؟ فأذن له ، فخرج إليهم فقال : يا معشر الناس إن اللّه - عزّ وجلّ - بعث محمدا بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً ، وهذا ماء الفرات تقع(1) فيه خنازير السواد وكلابها وقد حيل بينه وبين ابنه ، فقالوا : يا برير(2) فقد أكثرت الكلام فاكفف فواللّه ليعطشن الحسين كما عطش من كان قبله(3) ، إشارة الى عثمان بن عفان الذي قتل عطشانا .

خطبة الحسين عليه السلام واستشهاده بكبار الصحابة :

ودعا الحسين عليه السلام براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته : يا أهل العراق [ وجلهم يسمعون ] ، فقال : أيّها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي ، وحتى أعذر اليكم ، فإن أعطيتموني النصف [ كنتم بذلك أسعد وإن لم تعطوني النصف ] من أنفسكم فاجمعوا رأيكم « ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصّالِحِينَ » .

ثم حمد اللّه وأثنى عليه وذكر اللّه بما هو أهله وصلى على النبي وعلى ملائكته وعلى أنبيائه [ فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ منه في منطق ] ، ثم قال :

أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ؟ ثم راجعوا أنفسكم وعاتبوهم ، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن نبيكم وابن وصيه وابن عمه

ص: 367


1- في البحار : « تلغ » .
2- في البحار : « يزيد » .
3- بحار الأنوار 44/316 باب 37 ، وفيه هذه الكلمات ليزيد بن الحصين الهمداني من أصحاب الحسين عليه السلام .

وأول مؤن مصدق لرسول اللّه صلى الله عليه و آله بما جاء به من عند ربّه ؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عمي ؟ أوليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي ؟ أو لم يبلغكم ما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لي ولأخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة ؟ فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق ، واللّه ما تعمدت كذبا مذ علمت أن اللّه يمقت عليه أهله ، وإن كذبتموني

فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم ، اسألوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله لي ولأخي ، أ ما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟

رد الشمر وجواب ابن مظاهر :

فقال له شمر بن ذي الجوشن : أنا أعبد اللّه على حرف إن كنت ادري(1) ما تقول ، - وهو إشارة الى قوله تعالى : « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالآْخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ » - .

فقال له حبيب بن مظاهر : واللّه إنّي لأراك تعبد اللّه على سبعين حرفا ، وأنا أشهد أنك صادق ، ما تدري ما يقول ، قد طبع اللّه على قلبك .

الحسين عليه السلام يخاطب أفرادا من أهل الكوفة :

ثم قال لهم الحسين عليه السلام : فإن كنتم في شك من هذا ، أفتشكون أني ابن بنت نبيكم ؟ فواللّه ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري ، فيكم ولا في غيركم ، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته ؟ أو مال لكم استهلكته ؟ أو بقصاص من جراحة ؟ فأخذوا لا يكلمونه ، فنادى : يا شبث بن ربعي ، يا حجار بن أبجر ، يا قيس بن الأشعث ، ويا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ : أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجند ؟

ص: 368


1- في المصادر بصيغة الغائب في المواضع كلّها .

انكار الأشعث وجواب الحسين عليه السلام :

فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ، ولكن انزل على حكم بني عمك ، فإنهم لن يروك إلاّ ما تحب ، فقال لهم الحسين عليه السلام : لا واللّه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر لكم فرار العبيد . ثم نادى : يا عباد اللّه إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ وأعوذ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ. ثم إنه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان بعقلها(1) .

برير يكلم أهل الكوفة :

ثم ان الحسين عليه السلام دعى بفرس رسول اللّه المرتجز فاستوى عليه وتقدم نحو القوم في نفر من أصحابه ، وبين يديه برير بن خضير ، فقال له الحسين عليه السلام : كلّم القوم ، فتقدم برير فقال : يا قوم اتقوا اللّه فإن ثقل محمد صلى الله عليه و آله - إشارة الى قوله صلى الله عليه و آله : أني تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي - قد أصبح بين أظهركم ، هؤاء ذريته وعترته وبناته وحرمه ، فهاتوا ما عندكم ، وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم ؟ فقالوا : نريد أن نمكن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم .

فقال لهم : برير أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه ؟ ويلكم يا أهل الكوفة ، أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم اللّه عليها ؟ يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد وحلأتموهم عن ماء الفرات ، بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته ، ما لكم ؟ لا سقاكم اللّه يوم القيامة ، فبئس القوم أنتم .

فقال له نفر منهم : يا هذا ما ندري ما تقول ، فقال برير : الحمد للّه الذي زادني فيكم بصيرة ، اللّهم إنّي أبرأ إليك من فعال هؤاء القوم ، اللّهم ألق بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان ، فجعل القوم يرمونه بالسهام ، فرجع برير إلى ورائه(2) .

ص: 369


1- بحار الأنوار 45/5 بقية الباب 37 .
2- بحار الأنوار 45/5 بقية الباب 37 .

مناشدة الحسين عليه السلام :

ثم وثب الحسين

عليه السلام متوكئا على سيفه ، فنادى بأعلى صوته فقال : أنشدكم اللّه هل تعرفوني ؟ قالوا : نعم ، أنت ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسبطه .

قال : أنشدكم اللّه هل تعلمون أن جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أنشدكم اللّه هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمد ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أنشدكم اللّه هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب عليهماالسلام ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أنشدكم اللّه هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاما ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : أنشدكم اللّه هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة عم أبي ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : فأنشدكم اللّه هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : فأنشدكم اللّه هل تعلمون أن هذا سيف رسول اللّه وأنا متقلده ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : فأنشدكم اللّه هل تعلمون أن هذه عمامة رسول اللّه أنا لابسها ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : فأنشدكم اللّه هل تعلمون أن عليا كان أولهم إسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلما ، وأنه ولي كل مؤن ومؤنة ؟ قالوا : اللّهم نعم .

قال : فبم تستحلون دمي وأبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ولواء الحمد في يدي جدي يوم القيامة ؟ قالوا : قد علمنا ذلك

كله ، ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا .

فأخذ الحسين عليه السلام بطرف لحيته [ وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة ] ، ثم قال : إشتد غضب اللّه على اليهود حين قالوا : عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ، وإشتد غضب اللّه على

النصارى حين قالوا : الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ، وإشتد غضب اللّه على المجوس حين عبدوا النار من دون اللّه ، وإشتد غضب اللّه على قوم قتلوا نبيهم ، وإشتد غضب اللّه

ص: 370

على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم(1) ، أما واللّه لا أجيبهم الى شيء مما يريدون حتى القى اللّه وأنا مخضب بدمي ، ثم قال لهم : فلم تستحلون دمي ؟ قالوا : بغضا وعدوانا .

وصية الحسين عليه السلام لأهل بيته :

ثم رجع الحسين

عليه السلام الى فسطاطه فروت زينب عليهاالسلام : إنّي نظرت الى أخي الحسين عليه السلام راجعا الى الفسطاط فدخلت خيمتي ، وهو لا يعلم أنّي كنت انظر اليه ، فلمّا توسط الخيمة نادى : يا زينب ، فقلت : لبيك يا أخي ، فنادى : يا أم كلثوم ، ثم

قال : يا رقية ويا صفية ويا سكينة ويا فاطمة الصغرى ، فلمّا حضرنا جميعا ، قلن : يا

أبا عبد اللّه ألك حاجة ؟ فقال : حاجتي اوصيكن إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيبا ، ولا تلطمن علي خدا ، ولا تخدشن علي وجها ، فقالت زينب : يا أخي هذا كلام من أيقن القتل ! فقال عليه السلام : هو كذلك ، فلمّا سمعت زينب عليهاالسلام ذلك منه صرخت : وا ثكلاه وا محمداه وا علياه وا حسناه وا حسيناه وا ضعفاه وا غربتاه وا قلة ناصراه ، فقال لها الحسين عليه السلام : يا أختاه تعزي بعزاء اللّه فإنّ سكان السموات بفنون وأهل الأرض يموتون ولا يبقى إلاّ اللّه فلا يذهبن بحلمك الشيطان ، فقالت زينب : فاخرج بنا من هنا حتى لا تقتل ، فبكى الحسين عليه السلام وسالت دموعه على وجهه ثم قال لها : لو ترك القطا ليلا لنام .

ثم إنّ الحسين

عليه السلام أخذته سنة فافاق وهو يقول : رأيت الساعة جدي رسول اللّه وهو يقول : يا بني اصبر الساعة تأتي الينا .

فلمّا انتهى الحسين عليه السلام من وصاياه الى أهل بيته رجع الى الميدان .

ما هو السر في كثرة خطب الحسين عليه السلام :

هكذا كان الأنبياء والأوصياء يغتمون ويتألمون لاممهم ان يسلكوا طريق الغواية

والضلالة ويكونوا لجهنم حطبا ، وذكر بعض العرفاء : ان نوح على نبينا وآله

ص: 371


1- بحار الأنوار 44/316 باب 37 .

وعليه السلام دعا على قومه شفقة عليهم فطهر الأرض من وجودهم بالطوفان ، لأنّه كان يعلم أنّهم يصرون على الكفر والضلال ولا يلدوا إلاّ فاجرا كفارا ، فيزداد

عذابهم يوم القيامة ، وهكذا بقية الأنبياء من قبيل إبراهيم وموسى وعيسى ويحيى وزكريا وجرجيس عليهم السلام - ولا يناسب ذكر احوالهم هنا - كلّهم كانوا لا يهمهم ما ينالهم من التعذيب والمعاناة وإنّما كانوا يهتمون لاممهم ويتأسفون عليهم وكذا كان سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه و آله ، يتحمل الكثير من المعاناة من اجل ان يهدي واحدا من المشركين الى الصراط المستقيم ، وهكذا كان الحسين عليه السلام وهو ابن النبي وثمر تلك الشجرة وشعاع ذلك النور ، فهو يعلم ان شهادته مقدرة وقد جرى بها القلم ولذا سافر الى العراق ، ولكنه خطب كل تلك الخطب ، وحاججهم وكرر نصحه ومواعظه لهم لعل مشركا منهم يتشرف بالدين ويهتدي الى الصراط المستقيم ، كما تحول الحر بن يزيد الرياحي من تحت الثرى الى فوق الثريا ، بل ارتقى من المقام الهيولاني الى محل العقل الأول .

زهير بن القين يعظ الكوفيين :

ثم ان الحسين عليه السلام نظر الى عساكر الكوفة كانها السيل الهادر والغمام المظلم المتراكم وعمر بن سعد واقف في قلب العسكر ، فَخَرَجَ اِلَيْهِمْ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ وَنادى بِاَعْلَى صَوتِهِ : اَيُّهَا النّاسُ اِنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ النَّصيحَةُ وَنَحْنُ وَاَنْتُمْ عَلَى دينٍ واحدٍ ، وَقَدْ اِبْتَلانا اللّهُ بِذُرِيَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله لِيَنْظُرَ ما نَحْنُ وَاَنْتُمْ صانِعُونَ ، وَاَنَا اَدْعُوكُمْ اِلَى نُصْرَتِهِ وَخُذلانِ الطُّغاةِ .

فَلَمّا سَمِعُوا كَلامَ زُهَيْرٍ قالوا : لَنْ نَبْرَحَ حَتّى نَقْتُلَ صاحِبَكُمْ وَمَنْ يُتابِعَهُ اَوْ يُبايِعَ لِيَزيدَ . فَقالَ لَهُمْ زُهَيْرُ : عِبادَ اللّهِ [اِنَّ الدُّنيا دارُ فَناءٍ وَزوالٍ مُتَصَرِّفَةً بِاَهْلِها مِنْ حالٍ اِلَى حالٍ فَالْمَغْرُورُ مَنْ اِغْتَرَّ بِها وَرَكَنَ اِلَيْها] وَاِنَّ الْحُسَيْن عليه السلام اَحَقُّ بِالنُّصْرَةِ وَالْمَوَدَّةِ مِنْ اِبْنِ سُمَيَّةَ ، فَاِنْ اَنْتُمْ لَمْ تَنْصُروهُ فَلا تُقاتِلوهُ وَخَلّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَزيدَ لَعَلَّهُ يَرْضى مِنْهُ بِدونِ قَتْلِهِ .

ص: 372

فَرَماهُ الشِّمرَ سَهْما وَقالَ لَهُ : اِمْسِكْ عَنّا فَقَدْ اَبْرَمْتَنا بِكَثْرَةِ كَلامِكَ . فَقالَ لَهُ زُهَيْرُ : [يَابْنَ البَوالِ عَلَى عَقِبَيْهِ] اِنّما اَنْتَ بَهيمَةٌ ، فَابْشِرْ بِالنّارِ وَالْعَذابِ الأَليمِ . فَقالَ لَهُ الشِّمْرُ : اِنِّي قاتِلُكَ وَقاتِلُ صاحِبَكَ . فَقالَ لَهُ زُهَيْرُ : يا وَيْلَكَ اَتُخَوِّفُني بِالْقَتْلِ مَعَ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَهُوَ اَحَبُّ اِلَيَّ مِنَ الْحَياةِ مَعَكُمْ .

ثُمَّ اَقْبَلَ عَلَى اَصحابِهِ وَقالَ : مَعاشِرَ الْمُهاجِرينَ وَالأَنْصارِ لا يَغُرَّنَّكُمْ كَلامُ هذا الْكَلْبِ الْمَلْعونِ وَاَشباهِهِ ، فَاِنَّهُ لا يَنالُ شَفاعَةَ مُحَمَّدَ صلى الله عليه و آله قَط ، اِنَّ قَوْما قَتَلَوا ذريته وقتلوا مَنْ نَصَرَهُمْ فَاِنَّهُمْ في جَهَنَّمَ خالِدونَ اَبَدا .

قالَ فَجاءَ رَجُلٌ مِنْ اَصْحابِ الْحُسَيْنِ عليه السلام اِلَى زُهَيرٍ وَقالَ لَهُ : اِنَّ الْحُسَيْنُ عليه السلاميَقُولُ

لَكَ : اَقْبِلْ فَلَعَمْري لَقَدْ نَصَحْتَ وَتَكَلَّمْتَ ، فَرَجَعَ زُهَيْرٌ اِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام(1) .

خطبة الحسين عليه السلام في الميدان :

ثم ان الحسين عليه السلام أقبل على القوم فقال : أيّها الناس اعلموا ان الدنيا دار فناء وزوال ، متغيرة باهلها من حال الى حال ، معاشر الناس ، عرفتم شرائع الاسلام وقرأتم القران وعلمتم ان محمدا رسول الملك الديان ، ووثبتم على قتل ولده ظلما وعدوانا ، معاشر الناس ، أما ترون الى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات يشربه اليهود والنصارى والكلاب والخنازير وآل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يموتون عطشا ؟ !

فقالوا له : اِقْصِرْ عَنْ هذا الكَلامِ فَلَنْ تَذوقَ الماءَ وَلا اَحَدٌ مِنْ اَصْحابِكَ بَلْ تَذوقُ الْمَوْتَ غُصَّةً بَعْدَ غُصَّةً .

فَلَمّا سَمِعَ كَلامَهُمْ رَجَعَ اِلَى اَصْحابِهِ وَقالَ لَهُمْ م اِنَّ الْقَوْمَ اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَاَنْسيهُمْ ذِكْرَ اللّهِ اُولئكَ حِزبُ الشَّيْطانِ « اَلا اِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الخاسِرونَ »

ثُمَّ اَنْشَأَ عليه السلام يَقُولُ :

تَعَدَّيْتُمُ يا شَرَّ قَوْمٍ بِبَغْيِكُمْ

وَخالَفْتُمُوا فِينا النَبِيَّ مُحَمَّدا

اَما كانَ خَيْرُ الْخَلْقِ اَوصاكُمْ بِنا

اَما كانَ جَدِّي خَيْرَةَ اللّهِ اَحْمَدا

ص: 373


1- مقتل أبي مخنف : 58 .

اَما كانَت الزَّهْراءُ اُمّيِ وَوالدي

عَلِيّا اَخا خَيْرَ الأَنامِ مُسَدَّدا

لُعِنْتُمْ وَاُخْزِيْتُم بِما قَدْ جَنَيْتُمْ

سَتَصْلَونَ نارا حَرُّها قَدْ تَوَقَّدا

ثم ابتدأ بخطبته المباركة فقال :

الحمد للّه الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال ، متصرفة بأهلها حالا بعد حال ، فالمغرور من غرته والشقي من فتنته ، فلا تغرنكم هذه الدنيا ، فإنها تقطع رجاء من ركن إليها ، وتخيب طمع من طمع فيها ، وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم اللّه فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم ، وأحل بكم نقمته ، وجنبكم رحمته ، فنعم الربّ ربّنا وبئس العبيد أنتم ، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه و آله ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر اللّه العظيم ، فتبا لكم ولما تريدون ، إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، هؤاء قوم كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ.

فخاف عمر بن سعد ان ينقلب عليه عسكره من سماع كلمات الإمام عليه السلام فقال عمر : ويلكم كلموه فإنه ابن أبيه واللّه لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع ولما

حصر ، فكلموه .

شمر يكلم الإمام الحسين عليه السلام :

فتقدم شمر فقال : يا حسين ما هذا الذي تقول ، أفهمنا حتى نفهم ؟ فقال : أقول : اتقوا اللّه ربّكم ولا تقتلوني فإنه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي ، فإني ابن بنت

نبيكم ، وجدتي خديجة زوجة نبيكم ، ولعله قد بلغكم قول نبيكم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة(1) .

خطبة الإمام عليه السلام واتمامه الحجة عليهم :

فامر عمر بن سعد فأحاطوا بالحسين من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة ، فخرج عليه السلام حتى أتى الناس فاستنصتهم ، فأبوا أن ينصتوا حتى قال لهم :

ص: 374


1- بحار الأنوار 45/5 بقية الباب 37 .

ويلكم ما عليكم أن تنصتوا إلي ؟ فتسمعوا قولي ، وإنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد ، فمن أطاعني كان من المرشدين ومن عصاني كان من المهلكين ، وكلكم عاص لأمري غير مستمع قولي ، فقد ملئت بطونكم من الحرام ، وطبع على قلوبكم ، ويلكم ألا تنصتون ؟ ألا تسمعون ؟ فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا : أنصتوا له .

فقام الحسين عليه السلام ثم قال : تبا لكم أيتها الجماعة وترحا ، أفحين استصرختمونا

ولهين متحيرين فأصرخناكم مؤين مستعدين سللتم علينا سيفا في رقابنا وحششتم علينا نار الفتن جناها(1) عدوكم وعدونا ، فأصبحتم إلبا على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، إلاّ الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه ، من غير حدث كان منا ولا رأي تفيل لنا ، فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا وتركتمونا تجهزتموها والسيف لم يشهر ، والجأش طامن ، والرأي لم يستحصف ، ولكن أسرعتم علينا كطيرة الدبا(2) ، وتداعيتم اليها كتداعي الفراش ، فقبحا لكم ، فإنما أنتم من طواغيت الأمة ، وشذاذ الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ونفثة الشيطان ، وعصبة الآثام ، ومحرفي الكتاب ، ومطفئ السنن ، وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيري عترة الأوصياء ، وملحقي العهار بالنسب ، ومؤي المومنين ، وصراخ أئمة المستهزءين « الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ » ، وأنتم ابن حرب وأشياعه تعتمدون ، وإيانا تخاذلون ، أجل واللّه الخذل فيكم معروف ، وشجت عليه عروقكم ، وتوارثته أصولكم وفروعكم ، وثبتت عليه قلوبكم ، وغشيت صدوركم ، فكنتم أخبث شيء سنخا للناصب وأكلة للغاصب ، ألا لعنة اللّه على الناكثين الذين ينقضون الأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ، فأنتم واللّه هم .

ص: 375


1- في البحار : « خبأها » .
2- في البحار : « الذباب » .

ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة(1) والذلة ، وهيهات ما آخذ الدنية ، أبى اللّه ذلك ورسوله ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية لا تؤر مصارع اللئام على مصارع الكرام ، ألا قد أعذرت وأنذرت ، ألا إنّي زاحف بهذه الأسرة على قلة الأعوان(2) وخذلة الأصحاب ، ثم أنشأ يقول :

فإن نهزم فهزامون قدما

وإن نهزم فغير مهزمينا

وما إن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا(3)

إذا ما الموت رفع عن أناسكلاكله أناخ بآخرينا

فافنى ذلكم سروات قوميكما أفنى القرون الأولينا

فلو خلد الملوك اذن خلدناولو بقي الكرام اذن بقينا

فقل للشامتين بنا أفيقواسيلقى الشامتون كما لقينا

[ ألا ] ثم لا تلبثون بعدها إلاّ كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى ، وتقلق بكم قلق المحور ، عهد عهده إليّ أبي عن جدي ، فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثم لا يكن عليكم غمة ثم اقضوا الي فَلا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، اللّهم احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسني يوسف ، وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة ، ولا يدع فيهم أحدا إلاّ قتله قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم ، فإنهم غرونا وكذبونا وخذلونا وأنت ربّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ .

ص: 376


1- في البحار : « القلة » .
2- في البحار : « العتاد » .
3- الأبيات الى هنا في البحار .

لقاء الحسين عليه السلام وعمر بن سعد :

ثم قال عليه السلام : أين عمر بن سعد ؟ ادعوا لي عمر ، فدعي له ، وكان كارها لا يحب أن يأتيه ، فقال : يا عمر ، أنت تقتلني تزعم أن يوليك الدعي بن الدعي بلاد الري وجرجان ؟ واللّه لا تتهنأ بذلك أبدا ، عهدا معهودا ، فاصنع ما أنت صانع ، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، ولكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة يتراماه الصبيان ويتخذونه غرضا بينهم .

فاغتاظ عمر من كلامه ثم صرف بوجهه عنه ونادى بأصحابه : ما تنتظرون به احملوا بأجمعكم ، إنما هي أكلة واحدة .

ثم إن الحسين دعا بفرس رسول اللّه صلى الله عليه و آله المرتجز فركبه وعبأ أصحابه(1) ، ونادى : أما من مغيث يغيثنا لوجه اللّه ؟ أما من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه ؟

توبة الحر بن يزيد :

فلمّا رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين وعليه ان يغض

النظر عن شفيع يوم المحشر ويقاتل سبط النبي صلى الله عليه و آله ، قال لعمر بن سعد : أي عمر

أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ قال : إي واللّه قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي ، قال : أفما لكم فيما عرضه عليكم رضى ؟ قال عمر : أما لو كان الأمر إلي لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ، فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له : قرة بن قيس ، فقال له : يا قرة هل سقيت فرسك اليوم ؟ - وهو تعريض بالقوم ، لأنّهم لم يمنعوا الماء على الدواب ومنعوا ذرية رسول اللّه صلى الله عليه و آله - قال : لا ، قال : فما تريد أن تسقيه ؟ قال قرة : فظننت واللّه أنه يريد أن يتنحى ولا يشهد القتال فكره أن أراه حين يصنع ذلك ، فقلت له : لم أسقه ، وأنا منطلق فأسقيه ، فاعتزل

ذلك المكان الذي كان فيه ، فواللّه لو أنه اطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين .

ص: 377


1- بحار الأنوار 45/7 بقية الباب 37 .

فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا ، فقال له مهاجر بن أوس : ما تريد يا ابن يزيد ؟ أتريد أن تحمل ؟ فلم يجبه ، فأخذه مثل الأفكل - وهي الرعدة - فقال له المهاجر : إن أمرك لمريب واللّه ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ، ولو قيل لي : من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك ؟ فقال له الحر : إنّي واللّه أخير

نفسي بين الجنة والنار ، فواللّه لا أختار على الجنة شيئا ، ولو قطعت وأحرقت(1).

وفي شرح الشافية : ثم إلتفت الى ابنه علي وقال : يا بني لا صبر لي على النار ، فسر بنا الى الحسين عليه السلام لننصره ونقاتل بين يديه ، فلعل اللّه تعالى يرزقنا الشهادة التي لا انقطاع لها ، فقال له ابنه : حبا وكرامة ، ثم ضرب فرسه قاصدا إلى الحسين عليه السلام ويده على رأسه وهو يقول : اللّهم إليك أنبت فتب عليّ ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك(2)

فلمّا اقترب الحر من الحسين عليه السلام نَزَلَ عَنْ ظَهْرِ جَوادِهِ فقبل الأرض وسجد وَهُوَ يَبْكي بُكاءا شَديدا ، فقال له الحسين عليه السلام : من تكون ؟ اِرْفَع رَأْسَكَ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ وقال للحسين عليه السلام : جعلت فداك ، أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع وجعجع بك وما

ظننت أن القوم يبلغون منك ما أرى ، وأنا تائب إلى اللّه تعالى فهل ترى لي من توبة ؟

فقال الحسين عليه السلام : نعم يتوب اللّه عليك فانزل ، فقال : أنا لك فارسا خير مني لك راجلا(3) [ وإلى النزول يصير آخر أمري ] فقال له الحسين عليه السلام : فاصنع يرحمك اللّه ما بدا لك(4) .

فاستقدم أمام الحسين عليه السلام فقال : يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر ، أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ،

ص: 378


1- بحار الأنوار 45/9 بقية الباب 37 .
2- انظر اللهوف : 102 المسلك الثاني .
3- اللهوف : 102 المسلك الثاني .
4- بحار الأنوار 45/9 بقية الباب 37 .

ثم عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه وأخذتم بكلكله ، وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه إلى بلاد اللّه العريضة ، فصار كالأسير في أيديكم ، لا يملك لنفسه نفعا

ولا يدفع عنها ضرا ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري تشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابهم وها هم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم اللّه يوم الظمأ .

فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل فأقبل حتى وقف أمام الحسين عليه السلام ، ونادى عمر بن سعد : يا دريد أدن رايتك ، فأدناها ، ثم وضع سهما في كبد قوسه ثم رمى وقال : اشهدوا أنّي أول من رمى(1) .

ذكر قتال أصحاب الحسين عليه السلام مع عسكر ابن سعد

اشارة

كانت جماعة من وجوه الكوفة لا تحب قتال الحسين عليه السلام فتخسر الدارين ، ولذا كانوا يماطلون في القتال ولا يميلون الى الاستعجال ، ويتمنون ان تتحول المواجهة الى

مسامحة ، فكانت الرسل تترى بينهم ويتبادلون الكتب والرسائل الى ضحى عاشوراء ، حتى تبيّن أنّ ابن النبي صلى الله عليه و آله لا يستسلم للذلّة ، وأنّ عبيد اللّه بن زياد لا يتحوّل عن بغضه وحقده وضغائنه لسبط النبي المرسل ، فعزم الجانبان على المواجهة والقتال .

مبارزة ابن عمير مع غلام زياد :

وتبارزوا فبرز يسار مولى زياد بن أبي سفيان وبرز إليه عبد اللّه بن عمير فقال له يسار : من أنت ؟ فانتسب له ، فقال : لست أعرفك حتى يخرج إليّ زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر ، فقال عبد اللّه بن عمير : يا ابن الفاعلة وبك

ص: 379


1- بحار الأنوار 45/9 بقية الباب 37 .

رغبة عن مبارزة أحد من الناس ، ثم شدّ عليه فضربه بسيفه حتى برد ، وإنه لمشغول بضربه إذ شدّ عليه سالم مولى عبيد اللّه بن زياد ، فصاحوا به قد رهقك العبد ، فلم يشعر حتى غشيه فبدره بضربة اتقاها ابن عمير بيده اليسرى فأطارت أصابع كفه ، ثم شدّ عليه فضربه حتى قتله ، وأقبل وقد قتلهما جميعا وهو يرتجز ويقول :

إن تنكروني فأنا ابن كلب

أنا إمرؤذو مرة وعصب

ولست بالخوار عند السلب(1)

أصحاب الحسين عليه السلام يرمون جيش الكوفة بالنبال :

وحمل عمرو بن الحجاج على ميمنة أصحاب الحسين عليه السلام فيمن كان معه من أهل الكوفة ، فلمّا دنا من الحسين عليه السلام جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على الرماح ، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الحسين عليه السلامبالنبل فصرعوا منهم رجالا وجرحوا منهم آخرين .

مسلم بن عوسجة يقتل ابن خوزة :

وجاء رجل من بني تميم يقال له عبد اللّه بن جوزة(2) فأقدم على عسكر الحسين عليه السلام ، فناداه القوم : إلى أين ثكلتك أمك ؟ فقال : إنّي أقدم على ربّ رحيم وشفيع مطاع ، فقال الحسين عليه السلام لأصحابه : من هذا ؟ فقيل له : هذا ابن جوزة التميمي ، فقال : اللّهم جره إلى النار ، فاضطرب به فرسه في جدول فوقع وتعلقت رجله اليسرى في الركاب وارتفعت اليمنى ، وشدّ عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمنى فأطارت ، وعدا به فرسه فضرب برأسه كل حجر وكل شجر حتى مات وعجل اللّه بروحه إلى النار(3) .

ص: 380


1- في البحار وغيره : « النكب » .
2- في البحار وغيره : « خوزة » .
3- بحار الأنوار 45/12 بقية الباب 37 .

مبارزة الحر واستشهاد ابنه :

فثارت الغيرة في نفس الحر فتقدم وقال للحسين عليه السلام : لما وجهني عبيد اللّه إليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي : أبشر يا حر بخير ، فالتفت فلم أر أحدا ، فقلت : واللّه ما هذه بشارة وأنا أسير إلى الحسين ، وما أحدث نفسي باتباعك ، فقال :

لقد أصبت أجرا وخيرا .

فقال الحر : يا ابن رسول اللّه كنت أول خارج عليك فائذن لي لأكون أول قتيل بين يديك وأول من يصافح جدك غدا ، وإنما قال الحر لأكون أول قتيل بين يديك والمعنى يكون أول قتيل من المبارزين وإلاّ فإن جماعة كانوا قد قتلوا في الحملة الأولى كما ذكر ، فكان أول من تقدم إلى براز القوم فبرز مستميتا كالليث الغضبان وجعل ينشد ويقول :

آليت لا أقتل حتى أقتلا

أضربهم بالسيف ضربا معضلا

لا ناقل عنهم ولا معللا

لا عاجز عنهم ولا مبدلا

أحمي الحسين الماجد المؤلا

ثم جعل يرتجز ويقول :

إنّي أنا الحر ونجل الحر

أشجع من ذي لبد هزبر

ولست بالجبان عند الكر

لكنني الوقاف عند الفر

ثُمَّ اَنَّ الحُرَّ إلتفت الى ولده وقالَ : اِحْمِلْ يا بُنَيَّ عَلَى الْقَوْمِ الظّالِمينَ ، فَحَمَلَ الْغُلامُ عَلَى الْقَوْمِ وَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُ(1) حَتّى قُتِلَ . وفي شرح الشافية : أنّه قتل أربعة وعشرين ، وفي مقتل أبي مخنف : قتل سبعين ثم قتل ، فَلَمّا رآهُ اَبُوهُ مَقتولاً فَرِحَ بِذلِكَ فَرَحا شَديدا وَقالَ : اَلْحَمْدُ للّهِ الَّذي رَزَقَكَ الشَّهادَةَ بَيْنَ يَدَي مَوْلانا الْحُسَيْن عليه السلام(2) .

ص: 381


1- مقتل أبي مخنف : 84 .
2- مقتل أبي مخنف : 84 .

وذكر جمال الدين المحدث من ثقاة محدثي أهل السنة والجماعة في كتاب روضة الأحباب : أنّه لما ارتجز الحر سمع إرجوزته أخوه مصعب وكان في عسكر ابن سعد فحمل على الحر وزعم العسكر أنّه حمل على أخيه ، فلمّا وصل اليه رحب به وقال : يا أخي لقد ارشدتني وهديتني وإنّي جئت تائبا ، فاتى به الحر الى الحسين عليه السلام فتاب وقبل الحسين عليه السلام توبته فوقف في الصف مع الانصار .

شجاعة الحر وشهادته :

ثم رجع الحر وهو يرتجز :

إنّي أنا الحر ومأوى الضيف

اضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حل بارض الخيف

اضربكم ولا أرى من حيف

فطلب المبارز فثقل ذلك على ابن سعد ، فدعى بصفوان بن حنظلة وكان معروفا بالشجاعة والشهامة ما بين الاقران ، وقال له : ابرز الى الحر وانصحه اولاً لعله يرجع الينا ، فإن أبى فاقتله ، فبرز صفوان شاكي السلاح ، فلمّا دنى من الحر جعل ينصحه وقال : عدلت عن إمام زمانك يزيد الى الحسين عليه السلام ؟ فقال : يا صفوان إنّي عهدتك رجلا عاقلا وإنّي لاعجب من كلامك ، أتشير عليّ أن أترك الحسين عليه السلام واكون مع يزيد ابن الزنا وشارب الخمر ؟ فغضب صفوان وحمل على الحر وطعنه بالرمح فاتقاه الحر وطعنه في صدره طعنة خرجت من ظهره ، وكان لصفوان أخوة ثلاث ، فحملوا على الحر انتقاما لاخيهم ، فأخذ الحر احدهم من منطقته وأرداه من ظهر جواده الى الأرض ، فكسر اضلاعه وهشم عظامه ، ثم حمل على الاخر بالسيف وسقى الأرض من دمه ، وحمل على الثالث فانهزم ولحقه الحر فاختطفه برمحه والحقه باخوته ثم وقف مكانه يطلب المبارز .

وروي أن الحر لما لحق بالحسين عليه السلام قال رجل من تميم يقال له : يزيد بن سفيان أما واللّه لو لحقته لأتبعته السنان ، فبينما هو يقاتل وإن فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه وإن الدماء لتسيل ، إذ قال الحصين بن نمير : يا يزيد هذا الحر الذي

ص: 382

كنت تتمناه ، قال : نعم ، فخرج إليه فما لبث الحر أن قتله بسيفه(1) ، وانشأ يقول :

اَكُونُ اَميرا غادِرا وَاِبْنَ غادِرٍ

اِذا كُنْتُ قاتَلْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ فاطِمَه

وَنفسي عَلَى خِذلانِهِ وَاعْتِزالِهِ

وَبَيْعَةِ هذا النّاكِثِ الْعَهْدِ لائمِه

فَيا نَدَمي اَنْ لا اَكُونَ نَصَرْتُهُ

الا كُلُّ نَفْسٍ لا تُواسيهِ نادِمِه

اَهِمُّ مِرارا اَنْ اَسيرَ بِجَحْفَلٍ

اِلَى فِئَةٍ زاغَتْ عَنِ الْحَقِّ ظالِمَه

فَكُفُّوا وَاِلاّ زُرْتُكُمْ بِكَتائِبٍ

اَشَدُّ عَلَيْكُمْ مِنْ زُحُوفِ الدّيالِمَه

سَقى اللّهُ اَرواحَ الَّذينَ تَوازَروا

عَلَى نَصْرِهِ سَحا مِنَ الْغَيْثِ دائمَه

وَقَفْتُ عَلَى اَجْسادِهِمْ وَقُبُورِهِمْ

فَكادَ الْحَشى يَنْفَتُّ وَالْعَيْنُ ساجِمَه

لَعَمْري لَقَدْ كانوا مصاليتَ في الْوَغى

سِراعا اِلَى الْهَيْجا لُيُوثٌ ضَراغِمَه

تَواسَوا عَلَى نَصْرِ اِبْنِ بِنْتِ نَبِيِّهِمْ

بِاَسْيَافِهِمْ اسادُ خَيْلٍ قَشاعِمَه(2)

ثم حمل على القوم كالبرق الخاطف والريح العاصف فقتل منهم جماعة ، وجعل يبكي من شدّة غيرته وتبرمه من القوم وهو يرتجز :

اضرب في اعراضكم بالسيف

ضرب غلام لم يخف من حيف

انصر من حل بارض الخيف

نسل علي الطهر مقري الضيف

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ وَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُ حَتّى قَتَلَ نَيْفا وَثمانينَ فارِسا ، فَقالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ : وَيْلَكُمْ اَرْشِقُوهُ بِالنَّبْلِ ، فَجَعَلوا يَرْشِقُونَهُ بِالنَّبْلِ حَتّى صارَ جِلْدُهُ كَالْقُنْفُذِ(3) ، وعقروا فرسه فقاتل راجلا حتى صرع فاحتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتى وضعوه بين يدي الحسين عليه السلام وبه رمق ، فجَعَلَ الحسين عليه السلام يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ : وَاللّهِ ما اَخْطَاَتْ اُمُّكَ حَيْثُ سَمَّتْكَ حُرّا وَاللّهِ اِنَّكَ حُرٌّ في الدُّنيا والآخِرَةِ ، ثُمَّ اِسْتَغْفَرَ لَهُ وقيل : إنّه رثاه - وقيل : بل رثاه علي بن الحسين عليه السلام - واَنْشَأَ يَقُولُ :

ص: 383


1- بحار الأنوار 45/12 بقية الباب 37 .
2- مقتل أبي مخنف : 84 .
3- مقتل أبي مخنف : 85 .

فَنِعْمَ الحُرُّ حُرُّ بَني رياحِ

صَبُورٌ عِنْدَ مُشْتَبَكِ الرِّماحِ

وَنِعْمَ الحُرُّ في رَهْجِ المَنايا

اِذا الأَبْطالُ تَخْطُرُ في الصِّفاحِ

وَنِعْمَ الحُرِّ اِذْ واسى حُسَيْنا

وَفازوا بِالهِدايَةِ وَالفَلاحِ

ونعم الحر إذ نادى حسينا

فَجادَ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الصِّياحِ

فيا ربّي اضفه في جنان

وزوجه من الحور الملاح

شهادة مصعب وغلام الحر :

ثم برز بعد الحر أخوه مصعب فاستأذن سيد الشهداء ، ثم حمل على أهل الكوفة

حملة ثقيلة وقاتل قتالا شديدا حتى قتل .

وكان للحر غلام في معسكر ابن سعد فلمّا رأى مولاه الحر وابنه علي وأخاه مصعب مجدلين ثارت حميته وصار كالمارد ، فحمل على جيس ابن سعد يمينا وشمالا يقتل منهم من أصابه بسيفه حتى وصل الى الحسين عليه السلام فاعتذر اليه وقال : يا ابن

رسول اللّه إنّي اعتذر اليك ان قتلت القوم قبل استئذانك ، فاني ما تمالكت نفسي مذ

رأيت مقتل هؤلاء الأحرار والآن فاذن لي حتى أقاتل المعاندين وأنال الشهادة بين يديك ، فدعا له الحسين عليه السلام بخير ، فركب فرسه واقتحم الميدان يقاتل فقتل جماعة من الفرسان ثم قتل والتحق بمولاه في الرفيق الأعلى .

شهادة برير بن خضير :

ثم ان ا لحرب قامت على ساقها وكشر الموت عن انيابه ، فحمل أصحاب الحسين عليه السلام ارواحهم على الأكف ، واستسلموا للموت ، وسارعوا الى البراز ، ونادوا : السلام عليك يا ابن رسول اللّه فرد عليهم الحسين عليه السلام ثم قال : ونحن على الأثر ثم قرأ « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » .

ثم برز برير بن خضير الهمداني بعد الحر [وكان من عباد اللّه الصالحين] فبرز كالليث الغضبان وهو يقول :

أنا برير وأبي خضير

ليث يروع الأسد عند الزئر

يعرف فينا الخير أهل الخير

أضربكم ولا أرى من ضير

كذاك فعل الخير من برير

ص: 384

وجعل يحمل على القوم وهو يقول : اقتربوا منّي يا قتلة المومنين ، اقتربوايا قتلة أولاد البدريين ، اقتربوا منّي يا قتلة أولاد رسول ربّ العالمين وذريته الباقين ، [وكان برير أقرأ أهل زمانه] ، فلم يزل يقاتل حتى قتل ثلاثين رجلا ، فبرز إليه رجل يقال له : يزيد بن معقل فقال لبرير : يا طاغي يا ضال ، أشهد أنك من المضلين ، فقال له برير : هلم فلندع اللّه أن يلعن الكاذب منا وأن يقتل المحق منا المبطل ، فتصاولا

فضرب يزيد لبرير ضربة خفيفة لم يعمل شيئا وضربه برير ضربة قدت المغفر ووصلت إلى دماغه فسقط قتيلا ، فحمل رجل من أصحاب ابن زياد فقتل بريرا وكان يقال لقاتله : بحير بن أوس الضبي ، فجال في ميدان الحرب وجعل يقول :

سلي تخبري عني وأنت ذميمة

غداة حسين والرماح شوارع

ألم آت أقصى ما كرهت ولم يحل

غداة الوغى والروع ما أنا صانع

معي مزني لم تخنه كعوبه

وأبيض مشحوذ الغرارين قاطع

فجردته في عصبة ليس دينهم

كديني وإنّي بعد ذاك لقانع

وقد صبروا للطعن والضرب حسرا

وقد جالدوا لو أن ذلك نافع

فأبلغ عبيد اللّه إذ ما لقيته

بأني مطيع للخليفة سامع

قتلت بريرا ثم جلت لهمة

غداة الوغى لما دعا من يقارع(1)

[ثم ذكر له بعد ذلك أن بريرا كان من عباد اللّه الصالحين] وجاءه ابن عم له وقال : ويحك يا بحير قتلت برير بن خضير ، فبأي وجه تلقى ربك غدا ؟ قال : فندم الشقي وأنشأ يقول :

فلو شاء ربّي ما شهدت قتالهم

ولا جعل النعماء عند ابن جائر

لقد كان ذا عارا علي وسبة

يعير بها الأبناء عند المعاشر

فيا ليت أني كنت في الرحم حيضة

ويوم حسين كنت ضمن المقابر

فيا سوأتا ما ذا أقول لخالقي

وما حجتي يوم الحساب القماطر

ص: 385


1- بحار الأنوار 45/16 .

شهادة وهب بن عبد اللّه الكلبي :

ثم برز من بعده وهب بن عبد اللّه بن حباب الكلبي .

واعلم ان الطريحي ذكر مبارزين يوم الطف باسم وهب ، احدهما وهب بن وهب ، وكان نصرانيا وكانت أمه معه ، آمن على يد الحسين عليه السلام ولازمه حتى استهد معه في كربلاء ، والاخر وهب بن عبد اللّه وكان حاضر مع أمه أيضا ، وإنّي فحصت فلم اجد سوى وهب واحد ، وقد ذكر الطريحي احوال وهب هذا وقسمها على الاسمين فذكر قسم منها باسم وهب بن وهب والقسم الاخر باسم وهب بن عبد اللّه والعلم عند اللّه .

فبرز وهب بن عبد اللّه فارسا وهو يرتجز :

إن تنكروني فأنا ابن الكلب

سوف تروني وترون ضربي

وحملتي وصولتي في الحرب

أدرك ثأري بعد ثأر صحبي

وأدفع الكرب أمام الكرب

ليس جهادي في الوغى باللعب

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة ، فرجع إلى أمه وكان اسمها قمر ، فوقف عليها فقال : يا أماه أرضيت ؟ فقالت : ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السلام ، فقالت إمرأته : باللّه لا تفجعني في نفسك ، فقالت أمه : يا بني لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن رسول اللّه فيكون غدا في القيامة شفيعا لك بين يدي اللّه .

وكان بين عرس وهب وبين يوم الطف سبعة عشر يوما وكان يصعب على إمرأته فراقه فقالت : يا وهب إنّي اعلم انك إذا قتلت في نصرة ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آلهدخلت الجنة وضاجعت الحور فتنساني ، فيجب أن آخذ منك عهدا بمحضر الحسين عليه السلام في ذلك فاقبل وهب وإمرأته الى الحسين عليه السلام فقالت : يا بن رسول اللّه لي حاجتان : الأولى : إنّه إذا مضى عنّي وهب فابقى بلا محام ولا كفيل فسلمني الى أهل بيتك ، والثانية : إذا قتل وهب فيضاجع الحور فتكون شاهدا على أن لا ينساني ، فلمّا سمع الحسين عليه السلام كلامها بكى بكاءا شديدا ، ثم أجاب سؤلها وطيب خاطرها ، فبرز وهب الى القتال وهو يرتجز :

ص: 386

إنّي زعيم لك أم وهب

بالطعن فيهم تارة والضرب

ضرب غلام مؤن بالرب

حتى يذيق القوم مرّ الحرب

إنّي إمرؤذو مرة وعصب

ولست بالخوار عند النكب

حسبي إلهي من عليم حسبي

فلم يزل يقاتل يمينا وشمالا حتى قتل تسعة عشر فارسا واثني عشر راجلا ، ثم قطع رجل يمينه فأخذ السيف بشماله فقطع رجل من كندة شماله ، فأخذت إمرأته عمودا وأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول اللّه ، فقال لها : كنت تنهيني عن نصرة الحسين عليه السلام والآن جئت تحرضينني ؟ قالت : لا تلمني يا وهب ، فاني عفت الحياة وتركت الدنيا منذ سمعت نداء الحسين عليه السلام وهو ينادي : وا غربتاه وا قلة ناصراه وا وحدتاه ، أما من ذاب يذب عنا ؟ أما من مجير يجيرنا ؟ قال وهب : ارجعي فإنّ الجهاد مرفوع عن النساء ، قالت : لن أعود أو أموت معك ،ولما كان وهب قد قطعت فأخذ طرف ثوبها باسنانه ليرجعها فافلتت منه فاستغاث وهب بالحسين عليه السلام وناداه ، فقال الحسين : جزيتم من أهل بيتي خيرا ارجعي إلى النساء بارك اللّه فيك ، فإنّه ليس عليكن قتال ، قالت : سيدي دعني فإنّ القتل أهون من الأسر في ايدي بني أمية ، فقال عليه السلام : يصيبك ما يصيب أهل بيتي وحالك كحالهم ، وردها بلين الكلام ، فانصرفت وجعل يقاتل حتى سقط على الأرض مثقلا بالجراح ، فذهبت إمرأته تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلاما له فضربها بعمود كان معه فشدخها وقتلها ، وهي أول إمرأة قتلت في عسكر الحسين .

ثم أخذ أسيرا فأتي به عمر بن سعد فقال : ما أشدّ صولتك ؟ ثم أمر فضربت عنقه ، ورمي برأسه إلى عسكر الحسين عليه السلام ، فأخذت أمه الرأس فقبتله وقالت : الحمد للّه الذي بيض وجهي بشهادتك بين يدي أبي عبد اللّه ، ثم قالت : الحكم للّه يا أمة السوء

أشهد أنّ النصارى في بيعها والمجوس في كنائسها خير منكم ، ثم رمت بالرأس إلى

ص: 387

عسكر ابن سعد فأصابت به صدر قاتله فقتلته ، ثم شدّت بعمود الفسطاط فقتلت رجلين ، فقال لها الحسين عليه السلام : اجلسي فقد وضع الجهاد عن النساء ، فإنّك وابنك مع جدّي في الجنة ، فرجعت وهي تقول : إلهي لا تقطع رجائي ، فقال لها الحسين عليه السلام : لا يقطع اللّه رجاك يا أم وهب(1) .

شهادة عمرو بن خالد وابنه :

ثم برز من بعده عمرو بن خالد الأزدي وهو يقول :

إليك يا نفس إلى الرحمن

فأبشري بالروح والريحان

اليوم تجزين على الإحسان

قد كان منك غابر الزمان

ما خط في اللوح لدى الديان

لا تجرعي فكل حي فان

والصبر أحظى لك بالأماني

يا معشر الأزد بني قحطان

ثم قاتل حتى قتل .

ثم تقدم ابنه خالد بن عمرو وهو يرتجز ويقول :

صبرا على الموت بني قحطان

كي ما تكونوا في رضى الرحمن

ذي المجد والعزة والبرهان

وذي العلى والطول والإحسان

يا أبتا قد صرت في الجنان

في قصر ربّ حسن البنيان

ثم تقدم فلم يزل يقاتل حتى قتل .

شهادة سعد بن حنظلة :

ثم برز من بعده سعد بن حنظلة التميمي وهو يقول :

صبرا على الأسياف والأسنه

صبرا عليها لدخول الجنه

وحور عين ناعمات هنه

لمن يريد الفوز لا بالظنه

يا نفس للراحة فاجهدنه

وفي طلاب الخير فارغبنه

ثم حمل وقاتل قتالا شديدا ثم قتل .

ص: 388


1- بحار الأنوار 45/18 .

شهادة عمير بن عبد اللّه :

وخرج من بعده عمير بن عبد اللّه المذحجي وهو يرتجز ويقول :

قد علمت سعد وحي مذحج

أني لدى الهيجاء ليث محرج

أعلو بسيفي هامة المدجج

وأترك القرن لدى التعرج

فريسة الضبع الأزل الأعرج

ولم يزل يقاتل حتى قتله مسلم الضبابي وعبد اللّه البجلي.

شهادة مسلم بن عوسجة :

ثم برز من بعده مسلم بن عوسجة وهو يرتجز :

إن تسألوا عني فإني ذو لبد

من فرع قوم من ذرى بني أسد

فمن بغانا حائد عن الرشد

وكافر بدين جبار صمد

ثم قاتل قتالا شديدا(1) ، والقى بنفسه على عسكر الأعداء كالريح الصرصر والبرق الخاطف ، فبرز اليه رجل من عسكر ابن سعد فطعنه مسلم برمحه في خاصرته اليمنى فاخرج الرمح من خاصرته اليسرى ، ثم تقدم آخر فضربه فخر من فرسه الى الأرض ، وهكذا كان يقتل ويطعن ويقاتل حتى قتل خمسين ، فلمّا اثخن بالجراح وضعف عن القتال ، فصرع مسلم بن عوسجة ، فسقط إلى الأرض وبه رمق ، فاسرع اليه الحسين كالصقر المنقض على فريسته ومعه حبيب بن مظاهر فقال له الحسين عليه السلام : رحمك اللّه يا مسلم « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » ، ثم دنا منه حبيب فقال : يعز عليّ مصرعك ، يا مسلم ، أبشر بالجنة ، فقال له قولا ضعيفا : بشرك اللّه بخير ، فقال له حبيب : لولا أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إليّ بكل ما أهمك ، فقال مسلم : فإني أوصيك بهذا ، وأشار إلى الحسين عليه السلام فقاتل دونه حتى تموت ، فقال حبيب : لأنعمنك عينا(2) ، فالتفت الى الحسين عليه السلام وقال : يا بن رسول اللّه ساتقدم لابشر جدك وأباك بقدومك ، ثم مات .

ص: 389


1- بحار الأنوار 45/19 .
2- بحار الأنوار 45/20 .

وصاحت جارية له : يا سيداه يا ابن عوسجتاه ، فنادى أصحاب ابن سعد

مستبشرين : قتلنا مسلم بن عوسجة ، فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم أمهاتكم ، أما إنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلون عزكم ، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة ؟ أما والذي أسلمت له ، لرب موقف له في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تلتام خيول المسلمين(1) .

شهادة ابن مسلم بن عوسجة :

في كتاب روضة الأحباب : كان لمسلم ولد شاب وكانت أمه معه ، فخرج بعد مقتل أبيه كالاسد يزئر فقال الحسين عليه السلام : يا فتى قتل أبوك ولو قتلت فالى من

تلتجى ء أمك في هذا القفر ؟ فارد ان يرجع فجاءته أمه وقالت : يا بني تختار سلامة نفسك على نصرة ابن بنت رسول اللّه ؟ فلا ارضى عنك أبدا ، فبرز الشاب وقاتل قتال الأبطال وأمه تنادي خلفه : ابشر يا بني ستسقى من يد ساقي الكوثر ، فلم يزل يقاتل الى ان قتل ثلاثين فارسا ثم قتل .

شهادة هلال بن نافع :

وفي روضة الأحباب : برز بعد مسلم هلال بن نافع البجلي وكان شابا حسنا بديع الجمال رشيق القامة وكانت له مخطوبة لم يضاجعها بعد ، ولما رأت نافعا برز تعلقت بأذياله وبكت بكاءا شديدا وقالت : الى اين تمضي وعلى من اعتمد بعدك ، فسمع الحسين عليه السلام ذلك فقال له : يا نافع ان أهلك لا يطيب لها فراقك فلو رأيت ان تختار سرورها على البراز ، فقال : يا بن رسول اللّه لو لم انصرك اليوم فبماذا اجيب

غدا رسول اللّه وبرز وهو يرتجز :

أرمي بها معلمة أفواقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

مسمومة تجري بها أخفاقها

ليملأن أرضها رشاقها

ص: 390


1- بحار الأنوار 45/20 .

وكان هلال بطلا شجاعا إذا رمى لا يخطى ء الهدف أبدا ، وكان معه ثمانون نبلة في كنانته ، فقتل بكل نبلة رجلا ، فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه ، ثم ضرب يده إلى سيفه فاستله وجعل يقول :

أنا الغلام اليمني البجلي

ديني على دين حسين وعلي

إن أقتل اليوم فهذا أملي

فذاك رأيي وألاقي عملي

فبرز اليه رجل من عسكر ابن سعد يقال له : « قيس » فبارده هلال بضربة من سيفه عجل به الى مطامير النيران ، ثم قتل ثلاثة عشر رجلا ، فتكاثروا عليه ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح ، فكسروا عضديه وأخذ أسيرا ، فامر شمر فضربت عنقه .

شهادة نافع بن هلال البجلي :

كان نافع بن هلال البجلي يقاتل قتالا شديدا ويرتجز ويقول :

أنا ابن هلال البجلي

أنا على دين علي

ودينه دين النبي

فبرز إليه مزاحم بن حريث من بني قطيعة فقال : أنا على دين عثمان ، فقال له نافع : أنت على دين الشيطان ، فحمل عليه نافع فقتله .

الحملة الجماعية :

فصاح عمرو بن الحجاج بالناس : يا حمقى أتدرون من تقاتلون ؟ تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوما مستميتين ، لا يبرز منكم إليهم أحد إلاّ قتلوه على قلتهم ، واللّه لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم ، فقال له عمر بن سعد : الرأي ما رأيت ، فأرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم ، وقال : لو خرجتم إليهم وحدانا لأتوا عليكم مبارزة .

ودنا عمرو بن الحجاج من أصحاب الحسين عليه السلام فقال : يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام ، فقال الحسين عليه السلام : يا ابن الحجاج أعلي تحرض الناس أنحن مرقنا من الدين وأنتم ثبتم عليه ، واللّه لتعلمن أينا المارق من الدين ومن هو أولى بصلى النار .

ص: 391

ثم حمل عمرو بن الحجاج في ميمنته من نحو الفرات فاضطربوا ساعة(1) ، ثم حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة فثبتوا له ، وقاتلهم أصحاب الحسين عليه السلامقتالا شديدا ففتح تنين الموت فكيه وكشر ذئب الاجل عن انيابه ، وكان أصحاب الحسين عليه السلام يقاتلون شوقا الى الشهادة كاشتياق الشاب الذي خط عارضاه الى عروسه ، فحملوا كالليث ، وكشعلة من النار الجوالة ، وإنما هم اثنان وثلاثون فارسا وجماعة من الرجالة ، فلا يحملون على جانب من أهل الكوفة إلاّ كشفوهم ، فدعا عمر بن سعد بالحصين بن نمير - وكان الحصين معدن الحقد والضغائن - في خمسمائة من الرماة ، فاقتبلوا حتى دنوا من الحسين وأصحابه فرشقوهم بالنبل ، وحمل الشمر كالخنزير الوحشي ، وحمل عمرو بن الحجاج كالذئب المتوحش ، واجتمعوا جمعيا على سلالة أسد اللّه وخلاصة عالم الامكان ، فثبت لهم أصحاب الحسين عليه السلام على قلة العدد ، ولكنهم كانوا كالتنين المجروح وكان كل واحد منهم ينزل كالصاعقة على الجماعة فيدمرها ، فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم ، ويقتل من أصحاب عمر المائة فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم . فاحاطوا بخيام الحسين عليه السلام وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين عليه السلام يتخللون فيشدون على الرجل [يعرض وينهب] فيرمونه عن قريب فيصرعونه فيقتلونه(2) .

[فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وقاتلوهم حتى انتصف النهار] وإشتد القتال ولم يقدروا أن يأتوهم إلاّ من جانب واحد لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوضوها عن أيمانهم وشمائلهم ، فقال ابن سعد : احرقوا الحطب الذي جمعه الحسين عليه السلام في الخندق بالنار فاضرموها(3) ، فقال الحسين عليه السلام : دعوهم يحرقوها فإنهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم ، فكان كما قال عليه السلام ، وأتاه شبث بن ربعي وقال : أفزعنا النساء ثكلتك أمك ، فاستحيا .

ص: 392


1- بحار الأنوار 45/20 .
2- بحار الأنوار 45/21 .
3- في البحار : « أحرقوها - اي خيام الحسين وابنيته - بالنار فأضرموا فيها » .

وأخذوا لا يقاتلونهم إلاّ من وجه واحد ، وشدّ أصحاب زهير بن القين فقتلوا أبا غدرة(1) الضبابي من وجوه أصحاب شمر(2) .

وروى صاحب المناقب من كتاب بستان الطرف عن الحسن البصري قال : لما كانت هذه الحملة جماعية وقامت الحرب على ساق واشتعل أوارها أشدّ الاشتعال وفتح الاجل يديه ليحصد ارواح المقاتلين ، قتل من عسكر ابن سعد جماعة كبيرة وسافروا الى السعير ، واستشهد من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة ، ومن جملة المقتولين من أصحاب الحسين عليه السلام في الحملة الأولى :

نعيم بن عجلان الانصاري ، وعمران بن كعب بن حارث الأشجعي ، وحنظلة بن عمرو الشيباني ، وقاسط بن زهير(3) ، وكرش بن ظهير(4) ، وكنانة بن عتيق ، وعمرو بن ضبيعة بن الضبعي(5) ، وضرغامة بن مالك ، وعامر بن مسلم ، وسيف بن مالك النميري ، وعبد الرحمن بن عبد اللّه الكدري(6) الأرحبي ، ومجمع بن عبد اللّه (7) العائذي ، وحيان بن الحارث السلماني الأزدي(8) ، وعمرو الجندعي(9) والحلاسى بن عمرو الراسبي(10) ، وسوار بن أبي عمير الفهمي الهمداني(11) ، وعمارة بن أبي

ص: 393


1- في البحار وغيره : « عذرة » .
2- بحار الأنوار 45/64 بقية الباب 37 .
3- في المتن : « ظهير » .
4- لا يوجد في المناقب .
5- في المناقب : « عمرو بن مشيعة » .
6- لا يوجد في المناقب : « بن عبد اللّه الكدري » .
7- لا يوجد في المناقب : « بن عبد الله »
8- في المناقب : « حباب بن الحارث » .
9- في المناقب : « الجندي » .
10- في المناقب : « الجلاس بن عمرو الراسبي » .
11- في المناقب : « سوار بن أبي حمير الفهمي » .

سلامة الدالابي(1) ، والنعمان بن عمرو الراسبي ، وزاهر بن عمرو مولى ابن الحمق ، وجبلة بن علي الشيباني ، ومسعود بن الحجاج ، وأبو الحجاج(2) ، وعبد اللّه بن عروة الغفاري ، وزهير بن بشير الخثعمي ، وعمار بن حسان بن شريح الطائي(3) ، وعبد اللّه بن عمير ، واسلم بن كثير الأزدي الأعرجي(4) ، وزهير بن سليم الأزدي ، وعبد اللّه بن يزيد بن ثبيت القيسي ، وعبيد اللّه بن يزيد بن ثبيت القيسي(5) ، وهؤلاء ثلاثون ، وعشرة من موالي الحسين عليه السلام ، واثنان من موالي أمير المومنين عليه السلام .

حمي الوطيس ولكنهم ذكروا اللّه :

فلمّا رأى ذلك عمرو بن عبد اللّه الانصاري المعروف بأبي ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام : يا أبا عبد اللّه نفسي لنفسك الفداء ، هؤاء اقتربوا منك ولا واللّه لا تقتل حتى أقتل دونك ، وأحبّ أن ألقى اللّه ربّي وقد صليت هذه الصلاة ، فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال : ذكرت الصلاة جعلك اللّه من المصلين ، نعم هذا أول وقتها ، ثم قال : سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي ، فقال الحصين بن نمير : إنها لا تقبل ، فقال حبيب بن مظاهر : لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول اللّه وتقبل منك يا مختار(6) .

فَغَضِبَ الْحُصَيْنُ لَعَنَهُ اللّه مِنْ كَلامِهِ فَبَرَزَ اِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ :

دونَكَ ضَرْبَ السَّيْفِ يا حَبيبُ

وافاكَ لَيْثٌ بَطَلٌ نَجيبُ

في كَفِّهِ مُهَنَّدٌ قَضيبُ

كَاَ نَّهُ مِنْ لَمْعِهِ حَليبُ

ثُمَّ نادى : يا حَبيبُ اُبْرُزْ اِلَى مَيْدانِ الْحَرْبِ وَمُكافَحَةِ الْطَعْنِ وَالضَّرْبِ .

ص: 394


1- في المناقب : « عمار بن أبي سلامة الدالاني » .
2- لا يوجد في المناقب : « أبو الحجاج » .
3- لا يوجد في الماقب : « بن شريح الطائي » .
4- في المناقب : « مسلم بن كثير » .
5- في المناقب : « عبد اللّه وعبيد اللّه ابنا زيد البصري » .
6- بحار الأنوار 45/21 بقية الباب 37 .

حبيب في الميدان :

فَلَمّا سَمِعَ حَبيبٌ ، وَكانَ واقِفا بِاَزاءِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَوَدَّعَهُ وَقالَ : يا مَوْلايَ اِنِّي اُحِبُّ اَنْ اُتِمَّ صَلاتي في الْجَنَّةِ ، وَاَقْرَأَ جَدَّكَ وَاَباكَ وَاَخَاكَ مِنْكَ السَّلامَ ، ثُمَّ بَرَزَ وَهُوَ يَقُولُ(1) :

اَنَا حَبيبٌ وَاَبي مُظهِرُ

وَفارِسُ الْهَيْجاءِ لَيْثُ قَسْوَرُ

وَأنتم عند العديد أكثر

ونحن أوفى منكم واصبر

اَيْضا وَفي كُلِّ الأُمورِ اَقْدَرُ

وأنتم عند الوفاء أغدر

وَنحن اَعلى حُجَّةً وَاَظْهَرُ

حقا وانعى منكم واعذر

وفي يميني صارم مذكر

وَفيكُمُ نارُ الْجَحيمِ تُسْعَرُ

اختلاف العلماء في اسم والد حبيب :

اختلف علماء الرجال في ضبط اسم والد حبيب ، فذهب جماعة الى ما هو المشهور على الالسن والافواه فقالوا : مظاهر ، ومنهم من ضبطه : مظهر على وزن مطهر كالعلامة - اعلى اللّه مقامه - في الخلاصة وقال : مظهر بفتح الظاء المعجمة والهاء

المشددة ، وكذا هو في هذه الأرجوزة ، وهذا يقتضي أنّه كان يسمى مظهر ، ولو كان مظاهر لاختلفت القافية مع المصارع الاخرى في الرجز ، ورعاية حرف الروي عند العرب شرط في الشعر وليس كذلك عند العجم ، واللّه اعلم .

شهادة حبيب :

فلمّا أتمّ رجزه حَمَلَ عَلَى الْحُصَيْنِ وَضايَقَهُ في مَجالِهِ وَضَرَبَهُ عَلَى اُمِّ رَأْسِهِ وَقَطَعَ خَيْشُومه(2) ، فسقط الحصين الى الأرض من هول ما أصابه ، وَهَمَّ اَنْ يَأْخُذَ رَأْسَهِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ اَصْحابُهُ وَاسْتَنْقَذوهُ مِنْ يَدِهِ ، ولما لم يكن الجرح صعبا رجع الى الميدان ثانيا ، وكان حبيب يقاتل يمينا وشمالا بجسده الذي أتعبته السنين الطوال ، وقامته المنحنية ، وهو يرتجز ويقول :

ص: 395


1- مقتل أبي مخنف : 78 .
2- في مقتل أبي مخنف : « خيشوم جواده » .

أقسم لو كنا لكم أعدادا

لو شطركم وليتم الأكتادا

يا شر قوم حسبا وآدا

وشرهم قد علموا اندادا

فباع نفسه للّه وقاتل القوم يحمل عليهم يمينا وشمالا ، فقال محمد بن أبي طالب : فقتل اثنين وستين رجلا(1) ، ثم حمل عليه رجل من بني تميم فطعنه بالرمح وقد كمن له ، فخرّ لوجهه على الأرض ، ثم إنّه قام ليقتل عدوه الذي طعنه ، فجاءه الحصين بن نمير فضربه بالسيف على هامته فخر صريعا ، فنزل اليه واحتز رأسه وعلقه في عنق الفرس .

وقيل أيضا : ان الذي احتز رأسه رجل يقال له : بديل بن صريم ، وعلقه في عنق

فرسه وذهب به الى مكة ، فرآه ابن حبيب وكان غلاما مراهقا فقتله وأخذ منه الرأس ودفنه ، وهذا الخبر ليس بمعتمد عندي ، لأنّه ليس في مكة من يذهب اليه صريم لينال منه الجائزة إذا حمل له رأس حبيب ، وكان يومها عبد اللّه بن الزبير بن العوام قد ادعى الخلافة في مكة ولم يكن بين عبد اللّه وحبيب عداوة تذكر بحيث يطوى بديل كل تلك المسافة ورأس حبيب معلق كالقلادة في عنق فرسه ، ولو كان حمله للراس بداعي الطمع لاخذه الى الكوفة البتة ، واللّه اعلم .

فهد مقتله الحسين عليه السلام فقال : عند اللّه احتسب نفسي وحماة أصحابي ، وقال : للّه درك يا حبيب لقد كنت فاضلا تختم القران في ليلة واحدة .

فَقامَ اِلَيْهِ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ وَقالَ : بِاَبي اَنْتَ وَاُمّي يَابْنَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما هذا الإِنْكِسارُ الَّذي اَراهُ في وَجْهِكَ ؟ اَلَسْتَ تَعْلَمُ اِنّا عَلَى الْحَقِّ ؟

قالَ : بَلى وَاِلهَ الْخَلْقِ اِنِّي لأََعْلَمُ عِلْمَا يَقينا اِنِّي وَاِيّاكُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدى ، فَقالَ زُهَيْرٌ : اِذا لا نُبالي وَنَحْنُ نَصيرُ اِلَى الْجَنَّةِ وَنَعيمِها(2) .

ص: 396


1- البحار :
2- مقتل أبي مخنف : 79 .

الصلاة أمام السيوف والنبال :

فقال الحسين عليه السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد اللّه تقدما أمامي حتى أصلي

الظهر ، فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف .ووقف النصف الاخر يدافعون عنهم .

وأن سعيد بن عبد اللّه الحنفي تقدم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلما أخذ الحسين عليه السلام يمينا وشمالا قام بين يديه ، فما زال يرمي به حتى سقط إلى الأرض

وهو يقول : اللّهم العنهم لعن عاد وثمود اللّهم أبلغ نبيك السلام عني وأبلغه ما لقيت

من ألم الجراح ، فإني أردت بذلك نصرة ذرية نبيك ، ثم مات ، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح(1) .

وقيل : صلى الحسين ع وأصحابه فرادى بالإيماء(2) .

كلام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه :

فَقامُ الْحُسَيْنُ عليه السلام وَصَلّى بِاَصْحابِهِ صَلاةَ الظُّهْرِ ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ قالَ :

يا أصحابي ، اِنَّ هذِهِ الْجَنَّةُ قَدْ فُتِحَتْ اَبْوابُها وَاتَّصَلَتْ اَنْهارُها وَاَيْنَعَتْ ثِمارُها وَزُيِّنَتْ قُصُورُها وَتُؤلِّفَتْ وِلدانُها وَحُورُها ، وَهذا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالشُّهَداءُ الَّذينَ قُتِلُوا مَعَهُ وَاَبي وَاُمِّي يَتَوَقَّعُونَ قُدُومَكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَتَباشَرونَ بِكُمْ وَهُمْ مُشْتاقُونَ اِلَيْكُمْ ، فَحامُوا عَنْ دِينِكُمْ وَذِبّوا عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله(3) .

فَلَمّا سَمِع أهل البيت كلامه ضَجُّوا بِالْبُكاءِ وَالنَّحيبِ وخرجوا من الخيمة وصاحوا : يامعاشر المسلمين ويا عصبة المؤمنين ، حامُوا عَنْ دِينِكُمْ وَذِبّوا عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَعَنْ اِمامِكُمْ وَاِبْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ ، فَقَدْ اِمْتَحَنَكُمْ اللّهَ تَعالى بِنا ، فَاَنْتُمْ فانتم جيراننا في جَوارِ جَدِّنا وَالكِرامُ عَلَيْنا وَاَهْلُ مَوَدَّتِنا فَدافِعوا بارَكَ اللّهُ فِيكُمْ عَنّا .

ص: 397


1- بحار الأنوار 45/21 بقية الباب 37 .
2- بحار الأنوار 45/21 بقية الباب 37 .
3- مقتل أبي مخنف : 79 .

جواب الأصحاب :

فَلَمّا سَمِع الأصحاب هذه الكلمات ضَجُّوا بِالْبُكاءِ وَالنَّحيبِ وَقالُوا : نُفُوسُنا دُونَ اَنْفُسَكُمْ وَدِماؤنا دونَ دِمائِكُمْ وَاَرْواحُنا لَكُمُ الْفِداءُ ، وَاللّهِ لا يَصِلُ اِلَيْكُمْ اَحَدٌ بِمَكْروهٍ وَفينا الْحَياةُ وَقَدْ وَهَبْنا لِلسُّيُوفِ نُفُوسَنا وَلِلطَيْرِ اَبْدانَنا فَلَعَلَّهُ نَقيكُمْ زَحْفَ الصُّفُوفِ وَنَشْرَبُ دُونَكُمْ الْحُتوفَ فَقَدْ فازَ مَنْ كَسَبَ الْيَوْمَ خَيْرا وَكانَ لَكُمْ مِنَ الْمَنونِ مُجيرا(1) .

شهادة زهير :

ثُمَّ بَرَزَ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ وَهُوَ يَرْتَجِزْ وَيَقُولُ(2) :

أنا زهير وأنا ابن القين

وفي يميني مرهف الحدين

أذودكم بالسيف عن حسين

ان حسينا أحد السبطين

ابن علي طاهر الجدين

من عترة البر التقي الزين

ذاك رسول اللّه غير المين

يا ليت نفسي قسمت قسمين

وعن إمام صادق اليقين

اضربكم محاميا عن ديني

اضربكم ولا أرى من شين

اضربكم ضرب غلام زين

بابيض واسمر ردين

ثم نزل الى الميدان كالصاعقة المحرقة فحمل على قلب عسكر الكفار ، وقاتلهم عن اليمين وعن الشمال ، وقتل الرجال وصرع الأبطال ، فروى محمد بن أبي طالب : أنّه قتل مائة وعشرين رجلا ، فشد عليه كثير بن عبد اللّه الشعبي ومهاجر بن اوس التميمي ، وكانا يرصدانه فقتلاه ، فقال الحسين عليه السلام حين صرع زهير : لا يبعدك اللّه يا زهير ، ولعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير .

ص: 398


1- مقتل أبي مخنف : 74 .
2- مقتل أبي مخنف : 74 .

شهادة أبي ثمامة :

ثم تقدم أبو ثمامة الصيداوي فقال : السلام عليك يا أبا عبد اللّه ثم برز الى الميدان وهو يرتجز ويقول :

عزاء لآل المصطفى وبناته

على حبس خير الناس سبط محمد

عزاء لزهراء النبي وزوجها

خزانة علم اللّه من بعد احمد

عزاء لأهل الشرق والغرب كلّهم

وحزنا على حبس الحسين المسدد

فمن مبلغ عني النبي وبنته

بان ابنكم في مجهد أي مجهد

فقاتل قتال شديدا .

شهادة الحجاج بن مسروق :

وبرز بعده الحجاج بن مسروق وكان مؤذن الحسين عليه السلام وقيل : أنّه كان يمسك له الزمام إذا ركب ، فتقدم أمام الحسين عليه السلام وانشأ يقول :

أقدم حسينا هاديا مهديا

اليوم نلقى جدك النبيا

ثم أباك ذا الندى عليا

ذاك الذي نعرفه وصيا

والحسن الخير الرضي الوليا

وأسد اللّه الشهيد الحيا

وذا الجناحين الفتى الكميا

وفاطم والطاهر الزكيا

ومن مضى من قبله تقيا

فاللّه قد صيرني وليا

في حبكم أقاتل الدعيا

واشهد اللّه الشهيد الحيا

لتبشروا يا عترة النبيا

بجنة شرابها مريا

والحوض حوض المرتضى عليا

فاستأذن الحسين عليه السلام فاذن له فبرز الى حومة الميدان فقاتل حتى قتل خمسة عشر ثم ادركته السعادة ففاز بالشهادة ، وفي شرح الشافية ان الحجاج بن مسروق وغلامه مبارك قتلا مائة وخمسين ثم قتلا .

شهاة يحيى بن كثير :

ثم تقدم من بعده يحيى بن كثير الانصاري فاستأذن الحسين عليه السلام فاذن له فبرز وهو يرتجز ويقول :

ص: 399

ضاق الخناق بابن سعد وابنه

بلقاهما لفوارس الانصار

ومهاجرين مخضبين رماحهم

تحت العجاجة من دم الكفار

خضبت على عهد النبي محمد

واليوم تخضب من دم الفجار

خانوا حسينا والحوادث جمة

ورضوا يزيدا والرضا في النار

فاليوم نشعلها بحد سيوفنا

بالمشرفية والقنا الخطار

هذا على ابن الأوس فرض واجب

والخزرجية وفتية النجار

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ فابدى شجاعة وشهامة عظيمة ، قال أبو مخنف : وَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُ حَتّى قَتَلَ خَمْسينَ فارِسا ، وفي شرح الشافية : قتل اربعين ، ثُمَّ قُتِلَ .

شهادة يحيى بن سليم :

ثم تقدم يحيى بن سليم المازني فاستأذن ، ثم برز وهو يرتجز :

لاضربن القوم ضربا فيصلا

ضربا شديدا في العداة معجلا

لا عاجزا فيها ولا مولولا

ولا أخاف اليوم موتا مقبلا

لكنني كالليث أحمي أشبلا

فقاتل وقتل جماعة ثم قتل .

شهادة حنظلة بن سعد :

وجاء حنظلة بن سعد الشامي(1) فوقف بين يدي الحسين يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره وأخذ ينادي : يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ ، يا قوم لا تقتلوا حسينا فَيُسْحِتَكُمْ اللّه بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ، فقال له الحسين : يا ابن سعد إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين ،

ص: 400


1- في البحار : « الشبامي » .

قال : صدقت جعلت فداك ، أفلا نروح إلى ربّنا فنلحق بإخواننا ؟ فقال له : رح إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى ، فقال : السلام عليك يا ابن رسول اللّه ، صلى اللّه عليك وعلى أهل بيتك وجمع بيننا وبينك في جنته ، [قال : آمين آمين] ، ثم استقدم فقاتل قتالا شديدا فحملوا عليه فقتلوه رحمة اللّه عليه .

شهادة عبد الرحمن بن عبد اللّه :

ثم خرج عبد الرحمن بن عبد اللّه اليزني وهو يقول(1) :

أنا ابن عبد اللّه من آل يزن

ديني على دين حسين وحسن

أضربكم ضرب فتى من اليمن

أرجو بذاك الفوز عند المؤمن

ثم حمل فقاتل حتى قتل(2) .

شهادة عمرو بن قرظة :

فخرج عمرو بن قرظة الأنصاري فاستأذن الحسين عليه السلام فأذن له فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد وجمع بين سداد وجهاد ، وكان لا يأتي إلى الحسين سهم إلاّ اتقاه بيده ، ولا سيف إلاّ تلقاه بمهجته ، فلم يكن يصل إلى الحسين سوء حتى أثخن بالجراح ، فالتفت إلى الحسين وقال : يا ابن رسول اللّه أوفيت ؟ قال : نعم ، أنت أمامي في الجنة ، فأقرئ

رسول اللّه منّي السلام وأعلمه أني في الأثر ، فبرز وهو يرتحز ويقول :

قد علمت كتيبة الأنصار

أن سوف أحمي حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس ساري(3)

دون حسين مهجتي وداري

فقاتل حتى قتل(4) .

ص: 401


1- بحار الأنوار 45/23 بقية الباب 37 .
2- بحار الأنوار 45/22 بقية الباب 37 .
3- في البحار : « شاري » .
4- بحار الأنوار 45/22 بقية الباب 37 .

شهادة جون مولى أبي ذر :

ثم تقدم جون مولى أبي ذر الغفاري ، [وكان عبدا أسود] ، فقال له الحسين : أنت في إذن مني ، فإنما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقنا ، فقال : يا ابن رسول

اللّه ، أنا في الرخاء الحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ، واللّه إن ريحي لمنتن ، وإن حسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفس علي بالجنة ، فتطيب ريحي ، ويشرف حسبي ويبيض وجهي ، لا واللّه لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم .

ثم برز للقتال وهو ينشد ويقول :

كيف يرى الفجار ضرب الأسود

بالمشرفي القاطع المهند

بالسيف صلتا عن بني محمد

أذب عنهم باللسان واليد

أرجو بذلك الفوز عند المورد

من الإله الأحد الموحد

إذ لا شفيع عنده كأحمد

ثم قاتل حتى قتل ، فوقف عليه الحسين عليه السلام وقال : اللّهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع الأبرار ، وعرف بينه وبين محمد وآل محمد .

وروي عن الباقر عليه السلام عن علي بن الحسين عليه السلام : أن الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى ، فوجدوا جونا بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك رضوان اللّه عليه(1) .

شهادة عمرو بن خالد :

ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي فقال للحسين عليه السلام : يا أبا عبد اللّه قد هممت أن

ألحق بأصحابي وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا ، فقال له الحسين :

تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة ، فتقدم فقاتل حتى قتل(2) .

ص: 402


1- بحار الأنوار 45/23 .
2- بحار الأنوار 45/23 .

شهادة سويد بن عمرو :

فتقدم سويد بن عمرو بن أبي المطاع ، وكان شريفا كثير الصلاة ، فقاتل قتال الأسد الباسل ، وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح ، فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون : قتل الحسين ، فتحامل وأخرج سكينا من خفه وجعل يقاتل حتى قتل(1) .

شهادة قرة بن أبي قرة :

ثم خرج من بعده قرة بن أبي قرة الغفاري وهو يرتجز ويقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

بأني الليث لدى الغبار(2)

لأضربن معشر الفجار

بكل عضب ذكر بتارضربا وجيعا عن بني الأخيار

رهط النبي السادة الأبرار(3)

فقاتل حتى قتل .

شهادة مالك بن انس :

وخرج من بعده مالك بن أنس المالكي وهو يرتجز ويقول :

قد علمت مالكها والدودان

والخندفيون وقيس عيلان

بأن قومي آفة الأقران

لدى الوغى وسادة الفرسان

مباشرو الموت بطعن آن

لسنا نرى العجز عن الطعان

آل علي شيعة الرحمن

آل زياد شيعة الشيطان

ثم حمل فقاتل حتى قتل ، وقال ابن نما : اسمه أنس بن حارث الكاهلي(4) .

ص: 403


1- بحار الأنوار 45/23 بقية الباب 37 .
2- في البحار : « الغيار » .
3- بحار الأنوار 45/24 بقية الباب 37 .
4- بحار الأنوار 45/25 .

شهادة عمرو بن مطاع :

ثم خرج من بعده عمرو بن مطاع الجعفي فاستأذن شبل حيدر الكرار فاذن له فبرز وهو يقول :

أنا ابن جعف وأبي مطاع

وفي يميني مرهف قطاع

وأسمر في رأسه لماع

يرى له من ضوئه شعاع

اليوم قد طاب لنا القراع

دون حسين الضرب والسطاع

يرجى بذاك الفوز والدفاع

عن حر نار حين لا انتفاع

صلى عليه الملك المطاع

ثم حمل فقاتل حتى قتل فارتحل من هذا الدنيا الفانية الى الدار الباقية(1) .

شهادة شاب قتل أبوه في المعركة :

ثم خرج شاب قتل أبوه في المعركة ، وكانت أمه معه ، فقالت له أمه : اخرج يا بني وقاتل بين يدي ابن رسول اللّه ، فخرج فقال الحسين : هذا شاب قتل أبوه ولعل أمه تكره خروجه ، فقال الشاب : أمي أمرتني بذلك وقلدتني بهذا السيف لارفع رأسها غدا في القيامة ، فبرز وهو يقول :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤد البشير النذير

[علي وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير]

له طلعة مثل شمس الضحى له

غرة مثل بدر منير(2)

وقاتل حتى قتل وحز رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام ، فحملت أمه رأسه فضمته الى صدرها وقالت : أحسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرة عيني ، ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته ، وأخذت عمود خيمته وحملت عليهم وهي تقول :

ص: 404


1- بحار الأنوار 45/25 .
2- بحار الأنوار 45/27 بقية الباب 37 .

أنا عجوز سيدي ضعيفه

خاوية بالية نحيفه

أضربكم بضربة عنيفه

دون بني فاطمة الشريفه

وضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسين عليه السلام بصرفها ودعا لها(1) .

شهادة جنادة بن الحارث :

ثم خرج جنادة بن الحارث الأنصاري بعد ان استأذن وهو يقول :

أنا جناد وأنا ابن الحارث

لست بخوار ولا بناكث

عن بيعتي حتى يرثني وارث

اليوم شلوي في الصعيد ماكث

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل ستة عشر وقتل .

شهادة عمرو بن جنادة :

ثم خرج من بعده عمرو بن جنادة وهو يقول :

أضق الخناق من ابن هند وارمه

من عامه بفوارس الأنصار

ومهاجرين مخضبين رماحهم

تحت العجاجة من دم الكفار

خضبت على عهد النبي محمد

فاليوم تخضب من دم الفجار

واليوم تخضب من دماء أراذل

رفضوا القرآن لنصرة الأشرار

طلبوا بثأرهم ببدر إذ أتوا

بالمرهفات وبالقنا الخطار

واللّه ربّي لا أزال مضاربا

في الفاسقين بمرهف بتار

هذا على الأزدي حق واجب

في كل يوم تعانق وكرار

وذكر بعضهم هذه الأبيات في بيان احوال يحيى بن كثير الانصاري ، فربما كان

تواردا أو انتحالا ، ثم ان روح عمرو بن جنادة نزلت عن ظهر مركب البدن وسط الميدان وحلقت الى روح الجناج .

شهادة عابس بن شبيب ومولاه شوذب :

وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري معه شوذب مولى شاكر ، وقال : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع ؟ قال : ما أصنع ؟ أقاتل حتى أقتل ، قال : ذاك الظن بك ،

ص: 405


1- بحار الأنوار 45/28 .

فتقدم بين يدي أبي عبد اللّه حتى يحتسبك كما احتسب غيرك ، فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب ، وهذا يوم نرفع فيه أقدامنا من الثرى لنضعها على هامة الثريا .

فتقدم فسلم على الحسين عليه السلام وقال : يا أبا عبد اللّه ، أما واللّه ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحبّ إلي منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشيء أعز علي من نفسي ودمي لفعلت ، السلام عليك يا أبا عبد اللّه ،

أشهد أني على هداك وهدى أبيك ، ثم مضى بالسيف نحوهم(1) ، فأخذ ينادي : ألا رجل ؟ ألا رجل(2) ؟

قال ربيع بن تميم : فلمّا رأيته مقبلا عرفته وقد كنت شاهدته في المغازي ، وكان أشجع الناس ، فقلت : أيّها الناس ، هذا أسد الأسود ، هذا ابن أبي شبيب ، لا يخرجن إليه أحد منكم(3) .

فأخذ ينادي : ألا رجل ؟ ألا رجل ؟ فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة من كل جانب ، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ثم شدّ على الناس ، فواللّه لقد رأيت يكرد أكثر من مائتين من الناس ، ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب ، فسقط من ظهر جواده بعد ان اثخنه الجراح من طعن بالرماح وضرب بالسيوف ورمي بالنبال والحجارة ، فنزلوا اليه واحتزوا رأسه .

قال ربيع بن تميم : فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة ، هذا يقول : أنا قتلته ، والآخر يقول كذلك ، فقال عمر بن سعد : لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد ، حتى فرق بينهم بهذا القول(4) .

شهادة عبد اللّه وعبد الرحمن الغفاريان :

ثم جاءه عبد اللّه وعبد الرحمن ابنا عروة بن حراق الغفاريان فقالا : يا أبا عبد اللّه السلام عليك إنه جئنا لنقتل بين يديك وندفع عنك ، فقال : مرحبا بكما ادنوا

ص: 406


1- بحار الأنوار 45/28 بقية الباب 37 .
2- بحار الأنوار 45/28 بقية الباب 37 .
3- بحار الأنوار 45/28 بقية الباب 37 .
4- بحار الأنوار 45/28 بقية الباب 37 .

مني ، فدنوا منه وهما يبكيان ، فقال : يا ابني أخي ما يبكيكما ؟ فواللّه إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين ، فقالا : جعلنا اللّه فداك ، واللّه ما على أنفسنا نبكي

ولكن نبكي عليك ، نراك قد أحيط بك ولا نقدر على أن ننفعك ، فقال : جزاكما اللّه يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين ، ثم استقدما وقالا : السلام عليك يا ابن رسول اللّه ، فقال : وعليكما السلام ورحمة اللّه وبركاته ، فقاتلا حتى قتلا .

شهادة الغلام التركي :

ثم خرج غلام تركي كان للحسين عليه السلام [وكان قارئا للقرآن] ، وفي بحر اللئالي أنّه كان غلاما اشتراه الحسين ووهبه لابنه زين العابدين عليه السلام ، وفي كتاب روضة الأحباب أنّه لما استأذن الغلام للبراز قال له الإمام الحسين عليه السلام : استأذن من سيدك السجاد عليه السلام ، فاستاذن الإمام عليه السلام فاذن له فودعه وودع أهل البيت عليهم السلام وبرز وجعل يقاتل ويرتجز ويقول :

البحر من طعني وضربي يصطلي

والجو من سهمي ونبلي يمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي

ينشق قلب الحاسد المبجل

فقتل سبعين رجلا ، فاراد الإمام زين العابدين ان ينظر الى غلامه وهو يقاتل فامر فرفعوا له طرف الخيمة ، فرجع اليه الغلام بعد ان قتل جماعة وجاهدا جهادا عظيما ، فودع الإمام ثانيا ورجع الى الميدان يقاتل ، ثم إنّه سقط صريعا من شدّة العطش وكثرة الجراحات وجهد القتال ، فجاءه الحسين عليه السلام كالصقر إذا جلى على فريسته ، فبكى ووضع خده على خده ، ففتح عينه فرأى الحسين عليه السلام ، فتبسم ثم صار إلى ربّه رضوان اللّه عليه .

شهادة يزيد بن زياد :

ثم برز يزيد بن زياد بن الشعثاء فرماهم بثمانية أسهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم ، وكان كلما رمى قال الحسين عليه السلام : اللّهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة ، فحملوا عليه ضربا وطعنا فقتلوه .

ص: 407

شهادة أبو عمرو النهشلي :

ثم برز أبو عمرو النهشلي ، وكان متهجدا كثير الصلاة ، وقال ابن نما : حدث مهران مولى بني كاهل قال : شهدت كربلاء مع الحسين عليه السلام ، فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا شديدا لا يحمل على قوم إلاّ كشفهم ، كالذئب إذا شدّ بالمعز ثم يرجع إلى

الحسين عليه السلام ويرتجز ويقول :

أبشر هديت الرشد تلقى أحمدا

في جنة الفردوس تعلو صعدا

فقلت : من هذا ؟ فقالوا : أبو عمرو النهشلي ، فاعترضه عامر بن نهشل أحد بني اللات من ثعلبة فقتله ، واجتز رأسه .

شهادة يزيد بن المهاجر :

وخرج يزيد بن مهاجر ، وكان يكنى أبا الشعشاء من بني بهدلة من كندة ، وهو يرتجز ويقول :

أنا يزيد وأبي المهاجر

كأنني ليث بغيل خادر

يا ربّ إنّي للحسين ناصر

ولابن سعد تارك وهاجر(1)

فقتل خمسة من أصحاب عمر بالنشاب ، فحملوا عليه فقتلوه فالتحق بقافلة الشهداء في الجنان .

شهادة سيف بن أبي الحارث ومالك بن عبد اللّه :

وتقدم سيف بن أبي الحارث بن سريع ومالك بن عبد اللّه بن سريع الجابريان بطن من همدان ، يقال لهم : بنو جابر ، أمام الحسين عليه السلام ثم التقيا فقالا : عليك السلام يا ابن رسول اللّه ، فقال : عليكما السلام ، ثم قاتلا حتى قتلا.

وكان يأتي الحسين عليه السلام الرجل بعد الرجل فيقول : السلام عليك يا ابن رسول اللّه ، فيجيبه الحسين ويقول : وعليك السلام ، ونحن خلفك ، ثم يقرأ « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » حتى قتلوا عن آخرهم .

ص: 408


1- بحار الأنوار 45/31 .

ذكر جماعة من شهداء الطف الذين لم يذكروا في بحار الأنوار وبعض الكتب الاخرى

اشارة

اعلم ان ما اعتمده بعد الفحص في مصنفات أهل السنة ومؤلفات الشيعة الامامية الاثنا عشرية هو اجتهادي الذي اوصلني الى ان عدد الشهداء يوم عاشوراء أكثر من اثنين وسبعين شهيدا ، وقد اختلف العلماء في ذلك فذكر المسعودي - كما مرّ سابقا - أنّهم ألف شهيد ، أما ما اشتهر على الألسن أنّهم إثنان وسبعين فهو العدد الذي خرج مع الحسين عليه السلام من المدينة ولازموه ، ولكن العدد لم ينحصر في ذلك وإنّما التحق جماعة بهم في مكة وفي الطريق ، وتفرق عنهم جماعة بعد ان جعلهم الحسين عليه السلام في حل من بيعته ، والتحق بهم ثلاثون ليلة العاشر من عسكر ابن سعد ، فلا ضرورة للالتزام بالقول بأنّ الشهداء هم إثنان وسبعون وليس أكثر .

فلنذكر - اذن - الأسماء ا لتي لم يذكرها الفاضل المجلسي ويذكر الرواة الذين ذكروا ذلك ، وقد ذكرنا فيما سبق ما ذكره الفاضل المجلسي وزدنا عليه خمسة هم :

الأول : علي بن الحر بن يزيد الرياحي .

الثاني : مصعب أخو الحر .

الثالث : ابن مسلم بن عوسجة .

الرابع : يحيى بن كثير .

الخامس : عبد الرحمن بن عروة .

وقد ذكرنا مصدر كل واحد في محله ، ونذكر الآن جماعة من الشهداء لم يذكروا في البحار وغيره .

شهادة زياد بن مصاهر الكندي :

زياد بن مصاهر الكندي ، قال عبد اللّه بن محمد رضا الحسيني في المجلد الثاني من كتابه جلاء العيون : ثم برز - بعد مالك بن أنس - زياد بن مصاهر الكندي ، فحمل على عسكر ابن سعد فقتل تسعة وقتل .

ص: 409

إبراهيم بن الحسين :

قال أبي مخنف(1) : وَبَرَزَ مِنْ بَعْدِهِ اِبراهيمُ بْنُ الْحُسَيْنُ وَهُوَ يَقُولُ :

اِقْدِمْ حُسَيْنُ الْيَوْمَ تَلقى اَحْمَدا

ثُمَّ اَباكَ الطّاهِرَ الْمُؤَيّدا

وَالْحَسَنِ الْمَسْمومِ ذاكَ الأَسْعَدا

وَذاالْجَناحَيْنِ حَليفَ الشُّهَدا

وَحَمْزَةَ اللَّيْثَ الكَمِّي السَيِّدا

في الْجَنَّةِ الْفِردوسِ فازوا سُعَدا

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ كالليث الغاضب فَقَتَلَ خَمْسينُ فارِسا وَقُتِلَ ، وقيل : أربعة وثمانين من ابطالهم وجعل يرتجز :

أضرب منكم مفصلا وساقا

ليهرق اليوم دمي اهراقا

وترزق الموت أبا اسحاق

اعني بني الفاجرة الفساقا

شهادة علي بن مظاهر :

قال أبو مخنف وكذا قال في شرح الشافية : ثُمَّ بَرَزَ مِنْ بَعْدِهِ عَلِيُّ بْنُ مُظاهِرِ الأَسَدي وَهُوَ يَرْتَجِزْ وَيَقُولُ :

اَقْسَمْتُ لَوْ كُنّا لَكُمْ اَعْدادا

اَوْ شَطْرَكُمْ وليتم(2) الأنكادا

يا شَرَّ قَوْمٍ حَسبا وَزادالا حَفِظَ اللّهُ لَكُمْ اَولادا

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ حَتّى قَتَلَ سَبْعينَ فارِسا وَقُتِلَ .

وهذه الأرجوزة التي ارتجز بها علي بن مظاهر تختلف قليلا عن الأرجوزة التي ارتجز بها حبيب بن مظاهر .

شهادة معلى بن علي :

وَبَرَزَ مِنْ بَعْدِهِ الْمُعَلى بن علي ، كما في شرح الشافية وأبي مخنف ، وَكانَ مَعْرُوفا بِالشُّجاعَةِ وَهُوَ يَرْتَجِزْ وَيَقُولُ :

ص: 410


1- وهو لوط بن يحيى ويحيى من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وابنه لوط المكنى أبو مخنف من أصحاب الإمامين الحسن والحسين عليهماالسلام وكان شاهد عيان حينئذٍ فلا يصح أن يقال أنّ كلامه عار عن الصحة بالكلية . من المتن .
2- في مقتل أبي مخنف : « لَكُنْتُمْ » .

اَنَا الْمُعَلى حافِظا لا اَجْلي(1)

دِيني عَلَى دينِ محمد(2) وَعَلِيِّ

اَذِبُّ حَتّى يَنَقَضّى(3) اَجَلَيضَرْبَ غُلامٍ لا(4) يَخْفِ مِنْ وَجَلِ

اَرْجُو ثَوابَ الخالِق(5) الأَزَلِيّلِيَخْتِمَ اللّهُ بِخَيْرٍ عَمَلي

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ وَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُ حَتّى قَتَلَ أربعة وستين(6) فارِسا ثُمَّ حملوا عليه من كل جانب ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح حتى أخذ اسيرا فقال له ابن سعد : ما أشدّ نصرتك لصاحبك ؟ ثم أمر به فضربت عنقه .

شهادة الطرماح بن عدي :

وَبَرَزَ مِنْ بَعْدِهِ الطِّرِماحُ وَهُوَ يَقُولُ :

اَنَا الطِّرِماحُ شَديدُ الضَّرْبِ

وَقَدْ وَثِقْتُ بالإِلهِ الرَبِّ(7)

اِذا نَضيتُ بِالْهِياجُ عَضْبييَخْشى قَريني في الْقِتالِ غَلْبي

فَدونَكُمْ فَقَدْ قَسَيْتُ قَلْبيعَلَى الطُّغاةِ لَوْ بِذاكَ صَلبي

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمَ وَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُ حَتّى قَتَلَ سَبْعينَ فارِسا وَكَبا بِهِ جَوادُهُ فَاَرْداهُ اِلَى الأَرْضِ صَريعا ، فَاَحاطَتْ بِهِ الْقَوْمُ وَاحْتَزُّوا رَأْسَهُ .

شهادة محمد بن مطاع :

في شرح الشافية : ثم برز محمد بن مطاع فاستاذن الإمام فاذن له فقاتل حتى قتل ثلاثين ثم قتل .

ص: 411


1- في أبي مخنف : « لأجلي » .
2- في أبي مخنف : « النبي » .
3- في مقتل أبي مخنف : « يتقضى » .
4- في مقتل أبي مخنف : « لَمْ » .
5- في مقتل أبي مخنف : « خالقي » .
6- في مقتل أبي مخنف : « خمسين » .
7- في مقتل أبي مخنف : « ربّي » .

شهادة جابر بن عروة :

وَبَرَزَ مِنْ بَعْدِهِ جابِرُ بْنُ عُرْوَةِ الْغِفاري ، وَكانَ شَيْخا كَبيرا قَدْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ

اللّهِ صلى الله عليه و آله يَوْمَ بَدْرٍ وَوَقعاتٍ غَيْرَها ، فَجَعَلَ يُعَصِّبُ حاجِبَيْهِ وَيَرْفَعُهُما عَنْ عَيْنَيْهِ وَالْحُسَيْنُ عليه السلام يَنْظُرُ اِلَيْهِ وَيَقُولُ : شَكَرَ اللّهُ سَعْيَكَ يا شَيْخُ ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ وَهُوَ يَرْتَجِزْ وَيَقُولُ :

قَدْ عَلِمَتْ حَقّا بَنُو غِفارِ

وَخِنْدِفٌ ثُمَّ بَنُو نِزارِ

بِنَصْرِنا لأَِحْمَدِ الُْمخْتارِ

يا قَوْمِ حامُوا عَنْ بَني الأَطهارِ

الطيِّبينَ السّادَةِ الأَخْيارِ

صَلّى عَلَيْهِمْ خالِقُ الأَبْرارِ

ثُمَّ حَمَلَ وَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُ حَتّى قَتَلَ ثَمانينَ فارِسا وَقُتِلَ فسافر الى عليين على اجنحة الرحمة .

شهادة مالك بن داود :

وَبَرَزَ مِنْ بَعْدِهِ مالِكُ بْنُ داودَ فسلم على الإمام عليه السلام ، وجعل يقاتل وَهُوَ يَرْتَجِزْ وَيَقُولُ :

اِلَيْكُمْ مِنْ مالِكِ الضَّرغامِ

ضَرْبَ فَتىً يَحْمي عَنِ الكِرامِ

يَرْجُو ثَوابَ اللّهِ ذي الإِنعامِ

سُبْحانَهُ مِنْ مَلِكٍ عَلاّمِ

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ وَلَمْ يَزَلْ حَتّى قَتَلَ سِتّينَ فارِسا وَقُتِلَ .

شهادة عبد الرحمن الكدري وأخيه :

في شرح الشافية ثم برز عبد الرحمن الكدري واخوه فقاتلوا قتال الأبطال حتى قتلوا جماعة كبيرة ثم قتلوا .

شهادة مالك بن اوس :

وروى ابن أعثم الكوفي : ثم خرج مالك بن اوس المالكي وهو من العلماء والرواة الموثوقين ، فجرد سيفه فيهم يحصد الرؤوس ثم قدم روحه في سبيل سيد الشهداء .

شهادة انيس بن معقل :

روى ابن أعثم الكوفي : ثم خرج انيس بن معقل الأصبحي ، فباع نفسه للّه وقال للحسين عليه السلام : السلام عليك يا بن رسول اللّه ثم برز نحو القوم وهو يرتجز ويقول :

ص: 412

أنا انيس وأنا ابن معقل

وفي يميني نصل سيف مصقل

اعلو بها الهامات وسط القسطل

عن الحسين الماجد المفضل

ابن رسول اللّه خير مرسل

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل(1) .

ذكر اسماء جماعة من شهداء الطف الذين لم يذكرهم بعض علماء الأخبار والتاريخ في كتبهم

ذكرنا فيما مضى اسماء الشهداء الذين استشهدوا بين يدي الحسين يوم عاشوراء بناءا على ما توصلنا اليه بالاستقراء واستقصاء الكتب المعتبرة ، وروى السيد ابن طاووس بإسناده زيارة عن الإمام المنتظر صاحب الأمر صلوات اللّه عليه ، وفيها اسماء الشهداء من بني هاشم ومن الانصار ، وتتضمن اسماء جملة من الانصار التي لم تذكر اسماؤهم في كتب علماء الأخبار والتاريخ وسوف نذكرها في محلها من كتاب الزيارة ان شاء اللّه .

والآن نذكر الأسماء التي نص عليها الإمام في الزيارة ولم يذكروا في كتب التاريخ ، ليتضح ان عدد شهداء يوم الطف لم يكن مقتصرا على الاثنين وسبعين شهيدا .

فمن الشهداء الذين لم يذكرهم المؤرخون : سليمان مولى الحسين عليه السلام .

قارب مولى الحسين عليه السلام .

منجح مولى الحسين عليه السلام .

سعد بن بشر بن عمر الحضرمي .

يزيد بن الحصين الهمداني المشرفي القاري .

عمر بن كعب الانصاري .

عبد اللّه بن عمير الكلبي .

ص: 413


1- الفتوح 2/162 .

انس بن كاهل الأسدي .

شبيب بن عبد اللّه النهشلي .

الحجاج بن زيد السعدي .

حوى بن مالك الضبعي .

يزيد بن ثبيت القيسي .

قنعب بن عمرو النميري .

سالم مولى عامر بن مسلم .

زيد بن معقل الجعفي .

جندب بن حجر الخولاني .

سعيد مولى عمر بن خالد الصيداوي .

سالم مولى بني المدينة الكلبي .

القاسم بن حبيب الأزدي .

عمر بن جندب الحضرمي .

شبيب بن الحارث بن سريع .

وهذه اسماء ثمانين من الشهداء المذكورين في كتاب الزيارة ، قتل منهم جماعة في الحملة الأولى ، ذكرناهم في ما مضى ، وقتل جماعة مبارزة ، بالتفصيل الذي ذكرناه ، وسيأتي الكلام عن شهداء بني هاشم عليهم السلام .

ذكر احوال شباب بني هاشم الذين استشهدوا في عاشوراء بين يدي الحسين عليه السلام

سبب تقدم الانصار في القتال والشهادة :

الذي ينقدح في خاطري : هو ان شباب بني هاشم كانوا من الرجولة والشهامة بمكان لا يسمحون معه أبدا للانصار ان يتقدمونهم الى ساحة الوغى ويسبقونهم الى الفوز بالشهادة ، وكذا الحسين عليه السلام فإنّه معدن المرؤة والفتوة والرجولة والكرامة ،

ص: 414

ولا يمكن أبدا ان يرضى بتقدم أنصاره وابنائه واخوته وأبناء اخوته ويقدم سلامة نفسه على سلامتهم ، فلابد ان نعلم اذن ان تأخره وتأخرهم لم يكن بدافع السلامة وإنّما هو تدبير يحتوي على حكمتين .

الأولى : ان تقديم الانصار والأحبة فيه من الاجر ما لا يحصل بالتقدم عليهم ، فهو يحتسبهم واحدا واحدا عند اللّه ويصبر على مصابهم والنظر الى مصارعهم وهم يقطعون بالسيوف والرماح والنبال ويخرون الى الأرض الواحد تلو الاخر ، فيحتسب الاجر عليهم عند اللّه .

الثانية : وهي أفضل من الأولى ، وهي ان الأنبياء والأوصياء كانت تتركز هممهم وجهودهم كلّها على التربية ورحمة الأمة والشفقة عليها وكانت محبتهم لاممهم تفوق محبتهم لاولادهم وآبائهم وامهاتهم ، ولهذا أذن الحسين عليه السلام لأنصاره أولا أن يقتلوا ، فإنّ أثم قتلهم أخف - نسبة - من أثم قتل أولاد الأئمة ، ثم أذن لبني هاشم لأنّ أثم قتلهم - نسبة - أخف من أثم قتل الإمام نفسه ، ليوفر في كلّ مرة فرصة جديدة لتوبة القوم وإنابتهم ، ماداموا لم يتصدوا لقتل الإمام عليه السلام ، ولهذا لم يترك عليه السلام نصحهم وموعظتهم الى آخر لحظة من حياته بالرغم من أنّ أنصاره وأهل بيته قتلوا جميعا وقد اثخنته الجراح ، ولكنّه بحكم منصب الولاية والامامة الموهوبة له كان يحبّ جميع عباد اللّه فينصحهم ويعظهم ويستنصرهم ويستغيث ويطلب المعين ، فلعل في القوم من يحرر نفسه من شراك الجهل وينجو من الجحيم ، وإلاّ فهو في تلك الحالة كان يعلم أنّ الناصر والمعين لا يغنيان عنه شيئا ، وقد جاءت أرواح المخلوقات جميعا الى نصرته ، وتوسّلت اليه في حمايته والدفاع عنه ، ولكنه أبى ولم يقبل منها ، السلام عليك يا أبا عبد اللّه بأبي أنت وامي .

عودة الى سياق الحديث :

لما قضى الأصحاب ما عليهم ولم يبق فيهم رجل يبرز الى ميدان الحرب اذن الإمام الحسين عليه السلام لبني هاشم ان يبرزوا الى ساحات الوغى وينزلوا ميادين

ص: 415

القتال والنزال ، فتقدم أبناء أمير المؤمنين عليه السلام وأبناء الحسن بن علي عليهماالسلام وأبناء الحسين بن علي عليهماالسلام ، وأولاد جعفر وعقيل ومسلم رضوان اللّه عليهم اجمعين ، فودع بعضهم بعضا وعزموا على الجهاد .

شهادة عبد اللّه بن مسلم :

وكان أول من خرج عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، قال أبو الفرج : وامه رقية بنت علي بن أبي طالب ، وفي بحر اللئالي : إنّ الإمام عليه السلام قال له : أنت في حل من بيعتي فلم يمض على شهادة أبيك مسلما زمانا فخذ بيد أمك العجوز واخرج من هذه الواقعة الهائلة ، فقال : بأبي أنت وامي إنّي واللّه لست ممن يؤثر دنياه الفانية

على الآخرة الباقية ، فارجو ان تقبلني حتى اضحي بين يديك ، فاذن له الحسين عليه السلام وهو معدن الكرم والكرامة ، فبرز عبد اللّه كالليث الغضبان فشد على القوم وهو يرتجز ويقول :

اليوم ألقى مسلما وهو أبي

وفتية بادوا على دين النبي

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب

لكن خيار وكرام النسب

من هاشم السادات أهل الحسب(1)

فحمل على القوم ثلاث حملات قتل منهم تسعين وعجل بارواحهم الى دار البوار وبئس القرار ، ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي وأسد بن مالك ، وروي ان السهم أصابه وهو واضع يده على جبينه فاثبته في راحته وجبهته فسقط من ظهر فرسه ، ويستفاد من فقرات الزيارة ان راميه هو عمرو بن صبيح الصيداوي .

شهادة محمد بن مسلم :

ثم خرج محمد بن مسلم بن عقيل ، لما رأى أخاه مرملا بدمائه تقدم كالنمر المجروح فاستأذن الإمام متوسلا اليه فاذن له ، فبرز الى الميدان وقتل عدة من الأبطال ثم قتله

أبو جرهم الأزدي ولقيط بن أياس الجهني ، فسقي من رحيق الشهادة ودخل في صف الشهداء ، رضوان اللّه عليه ، وربما كان هذا محمد الأكبر من أولاد مسلم .

ص: 416


1- الفتوح 2/164 .

شهادة سبعة من أولاد عقيل

جعفر بن عقيل :

ثم تقدم أبناء عقيل ، فاول من برز منهم جعفر بن عقيل غير مكترث بالقوم فاستاذن للقتال فاذن له فحمل وهو يرتجز ويقول :

أنا الغلام الأبطحي الطالبي

من معشر في هاشم وغالب

ونحن حقا سادة الذوائب

هذا حسين أطيب الاطائب

من عترة البر التقي العاقب

فقاتل قتالا شديدا فقتل خمسة عشر من فارسا ، وقال ابن شهرآشوب : قتل رجلين ، ثم قتله بشر بن حوطة الهمداني ، قال أبو الفرج : أمه أم الثغر بنت عامر العامري . وروي عن حميد بن مسلم وأبي جعفر الباقر عليه السلام : قتله عروة بن عبد اللّه الخثعمي .

عبد الرحمن بن عقيل :

ثم خرج من بعده أخوه عبد الرحمن بن عقيل وهو يقول :

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشم وهاشم اخواني

كهول صدق سادة الاقران

هذا حسين شامخ البنيان

وسيد الشيب مع الشبان

فقتل سبعة عشر فارسا ، ثم قتله عثمان بن خالد الجهني .

عبد اللّه بن عقيل :

ثم خرج من بعده عبد اللّه بن عقيل بن أبي طالب ، فقاتل قتالا شديدا ثم قتله عثمان بن خالد بن أشيم الجهني وبشر بن حوط القابضي ، وروى سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم : ان عبد اللّه هذا هو عبد اللّه الأصغر وامه ام ولد .

عبد اللّه الأكبر :

ثم خرج من بعده أخوه عبد اللّه الأكبر وأمه أم ولد أيضا ، فقاتل قتالا عظيما ، روى المدائني : اشترك في قتله عثمان بن خالد الجهني ورجل من همدان .

ص: 417

موسى بن عقيل :

قال أبو مخنف :ثُمَّ بَرَزَ مِنْ بَعْدِهِ مُوسى بْنُ عَقيلٍ فسلم على الإمام عليه السلام واتجه نحو الميدان وَهُوَ يَرْتَجِزْ وَيَقُولُ :

يا مَعْشَرَ الكُهُولِ وَالشُبّانِ

اَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ وَالسِّنانِ

اَحْمي عَنِ الْفِتْيَةِ وَالنِّسْوانِ

وَعِنْ اِمامِ الإِنْسِ ثُمَّ الجانِ

اُرْضي بِذاكَ خالِقَ الإِنسانِ

سُبْحانَهُ ذُو الْمَلِكَ المنان(1)

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ وَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُ حَتّى قَتَلَ سَبْعينَ فارِسا ثُمَّ قُتِلَ .

وذكر ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة عون في أبناء عقيل ، وقال أنّه قتل يوم الطف .

وذكر الفاضل المجلسي علي بن عقيل في عداد شهداء كربلاء ، فيكون أبناء عقيل الذين قتلوا مع الحسين عليه السلام سبعة عدا مسلم عليه السلام ، وهو يتفق مع أبيات سراقة الباهلي التي انشدها في رثاء آل علي ونسبها المسعودي الى مسلم بن قتيبة مولى بني هاشم ، والأبيات :

يا عين بكي بعبرة وعويل

واندبي ان ندبت آل الرسول

تسعة منهم لصلب علي

قد ابيدوا وتسعة لعقيل

وابن عم النبي عونا أخاهم

ليس فيما ينوبهم بخذول

وسمي النبي غودر فيهم

قد علوه بصارم مصقول

واندبي كهلهم فليس إذا ما

عدّ في الخير كلّهم في الكهول

لعن اللّه حيث حل زيادا

وابنه والعجوز ذات البعول

ولو احتسبنا أحفاد عقيل الذين سنذكرهم فيكونون أكثر من هذا العدد ، فهم :

محمد بن أبي سعيد بن عقيل ويقال له : الأحول ، أمه أم ولد ، ركب فرسه ولبى نداء ربّه وجاهد بين يدي إمامه عليه السلام حتى قتله لقيط بن ياسر الجهني رماه بسهم .

ص: 418


1- في مقتل أبي مخنف : « الديان » .

جعفر بن محمد بن عقيل ذكروه في شهداء كربلاء وروي أنّه قتل يوم الحرة .

احمد بن محمد بن عقيل برز كالليث الغضبان واتجه نحو الميدان وهو يرتجز ويقول :

اليوم أتلو حسبي وديني

بصارم تحمله يميني

أحمي به عن سيدي وديني

ابن علي طاهر أمين

فقاتل قتالا شديدا فقتل ثمانين فارسا ثم قتل .

شهادة ثلاثة من أولاد جعفر الطيار

ثم تقدم أولاد جعفر الطيار رضوان اللّه عليهم ، فاول من تقدم منهم :

محمد بن عبد اللّه بن جعفر ، برز وهو يرتجز ويقول :

نشكوا الى اللّه من العدوان

قتال قوم في الردى عميان

قد تركوا معالم القران

ومحكم التنزيل والتبيان

واظهروا الكفر مع الطغيان

ثم قاتل حتى قتل عشرة انفس ثم قتله عامر بن نهشل التميمي(1) .

وبرز من بعده عون بن عبد اللّه بن جعفر وهو يرتجز ويقول :

إن تنكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان الأزهر

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا في المحشر

ثم قاتل حتى قتل من القوم ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلا ، ثم قتله عبد اللّه بن بطة الطائي ، وقال بعضهم : قتله عبد اللّه بن قطنة التيهاني .

عبيد اللّه بن عبد اللّه بن جعفر ، قال جماعة أنّه قتل يوم الطف بين يدي الحسين عليه السلام .

ص: 419


1- البحار :

عدد أولاد الإمام الحسن عليه السلام والذين حضر كربلاء منهم

اشارة

اعلم ان أهل الأخبار والمحدثين وعلماء النسب اختلفوا في عدد أولاد الحسن عليه السلام

وقد ذكرت أولاده وأحفاده عليه السلام طبقة بعد طبقة في كتابي هذا ناسخ التواريخ في حياة الإمام الحسن عليه السلام وتبين هناك المختار عندي فلا نطيل هنا ،انني ساقتصر هنا على تعداد اسمائهم وذكر من حضر الطف منهم تأكيدا على ما مضى .

وقد اختلف علماء النسب في عددهم بين ثمانية وسبعة عشر ، وصرحوا باسماء بعضهم وذكروا بعضا دون التصريح باسمائهم ، أما ما اوصلني اليه بحثي في الكتب المعتمدة وعرفتهم باسمائهم فهم عشرين وهم :

الأول : زيد . الثاني : الحسن المثنى . الثالث : حسين الأثرم . الرابع : علي الأكبر . الخامس : علي الأصغر . السادس : جعفر . السابع : عبد اللّه الأكبر . الثامن : عبد اللّه الأصغر . التاسع : القاسم . العاشر : عبد الرحمن . الحادي عشر : احمد . الثاني عشر : اسماعيل . الثالث عشر : يعقوب ، قال ابن الجوزي : اسماعيل ويعقوب أمهما جعدة

بنت الأشعث بن قيس الكندي وقد تفرد بهذا القول . الرابع عشر : عقيل . الخامس عشر : محمد الأكبر . السادس عشر : محمد الأصغر . السابع عشر : حمزة . الثامن عشر : أبو بكر . التاسع عشر : عمر . العشرون : طلحة .

وقد حضر من هؤلاء سبعة في كربلاء ولازموا ركب سيد الشهداء الحسين عليه السلام ، وهم :

الأول : الحسن المثنى . الثاني : عبد اللّه الأكبر . الثالث : عبد اللّه الأصغر . الرابع : القاسم . الخامس : عمر . السادس : أبو بكر . السابع : احمد . وروي أيضا زيد بن الحسن عليه السلام كان ممن حضر كربلاء .

أمّا الحسن بن الحسن المعروف بالحسن المثنى ، فقد خطب الحسن بن الحسن إلى

عمه الحسين عليه السلام إحدى ابنتيه فقال له الحسين : اختر يا بني أحبّهما إليك ،

ص: 420

فاستحيا الحسن ولم يحر جوابا ، فقال الحسين عليه السلام : فإني قد اخترت لك ابنتي فاطمة وهي أكثرهما شبها بأمي فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1) .

قال أبو نصر البخاري : فاولدت فاطمة للحسن المثنى ثلاثة أولاد : الأول : عبد اللّه ويقال له : عبد اللّه المحض ، والثاني : إبراهيم ويقال له : إبراهيم الغمر ، الثالث : الحسين ويقال له : الحسن المثلث ، وقد ذكرنا هؤلاء وأحفادها بطنا بعد بطن في كتاب الإمام الحسن عليه السلام .

الحسن المثنى :

وكان الحسن بن الحسن حضر مع عمه الحسين بن علي عليه السلام الطف ، فقاتل حتى ارتث ، فلمّا قتل الحسين وأسر الباقون من أهله كان فيه رمق ، فجاءه أسماء بن خارجة بن عتبة بن الحصين بن حذيفة بن بدر الفزاري ، وكان يكنى أبا احسان ، فانتزعه من بين الأسرى ، فشفع فيه لأنّ أم الحسن المثنى « خولة بنت منظور » كانت فزارية ، وقال : واللّه لا يوصل إلى ابن خولة أبدا ، فقال ابن زياد : دعوا لأبي حسان ابن أخته ، فأخذه أبو حسان الى الكوفة وداوى جراحه ثم ارسله الى المدينة .

وبهذا يتضح ان خبر زواج القاسم بن الحسن في كربلاء من فاطمة بنت الحسين عليه السلام من اكاذيب الرواة ، فالحسين كانت له بنتان : فاطمة التي زوجها من الحسن المثنى ، وسكينة ، وقال بعضهم : كان له بنت أخرى تسمى زينب ، ولو قبلنا الأخبار غير المعتمدة فنقول : كانت له بنت أخرى تسمى فاطمة ، وهي فاطمة الصغرى التي تركها الحسين عليه السلام في المدينة ولا يمكن ان نقول ان القاسم تزوج بفاطمة الصغرى هذه في كربلاء وهي في المدينة .

فالحسن المثنى قاتل في كربلاء إلاّ أنّه لم ينل سعادة الشهادة ورجع سالما الى المدينة .

ص: 421


1- الإرشاد 2/25 .

عمر بن الحسن :

حضر عمر بن الحسن عليه السلام في كربلاء ورجع منها سالما وكان صغيرا واسر مع أهل البيت وسار الى الشام ، فقال له يزيد بن معاوية يوما : أتصارع عبد اللّه ابني ، فقال : ما فيّ قوة للصراع ولكن اعطني سكينا وأعطه سكينا ، فاما أن يقتلني فالحق بجدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام وأما أن أقتله فالحقه بجدّه أبي سفيان وأبيه معاوية ، فنظر اليه يزيد شزرا وقال :

شنشنة اعرفها من أخزم

ما تلد الحية إلاّ حية(1)

ثم إلتفت يزيد الى جلسائه فقال : انظروا هل أخضر ازاره ؟ ففحصوه فقالوا : إنّه لم يحتلم بعد ، فلم يقتله ، فرجع مع أهل البيت الى المدينة .

واستشهد في كربلاء خمسة من أولاد الحسن عليه السلام :

الأول : القاسم بن الحسن عليهماالسلام ، الثاني : عبد اللّه الأكبر ، الثالث : عبد اللّه الأصغر ، الرابع : أبو بكر ، الخامس : احمد بن الحسن عليه السلام ، وقد ذكر الفاضل المجلسي يحيى بن الحسن فيمن استشهد يوم عاشوراء ، ولم اعثر عليه في أيّ مصدر من كتب الانساب ، فليس بمعتمد عندي ان يكون للحسن عليه السلام ولد يسمى يحيى ، فلم يستشهد

في الطف سوى خمسة من أولاد الحسن عليهم السلام .

شهادة القاسم بن الحسن عليهماالسلام :

ثم برز القاسم بن الحسن عليهماالسلام وهو غلام مراهق ، فلمّا نظر الحسين اليه قد برز يفدي عمه بروحه اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غشي عليهما ، فلمّا أفاقا

ص: 422


1- تمثل يزيد بهذا المثل وأصله : إنّ أبا أخزم كنية لجد حاتم الطائي وكان ابنه أخزم خشن الطبع شريرا فمات في شبابه وترك عدة اطفال صغار فلمّا كبروا هجموا على جدهم فخدشوا وجهه ورأسه بأيديهم فذكر أبو أخزم خشونة طبع ابنه فقال :ان بني رملوني بالدم شنشنة أعرفها من أخزم من المتن .

بادر القاسم الى عمه وجعل يتوسل اليه ليأذن له والحسين عليه السلام يأبى فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتى سكت الإمام عليه السلام ، فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن الحسن

سبط النبي المصطفى والمؤتمن

هذا حسين كالاسير المرتهن

بين أناس لا سقوا صوب المزن

وكان وجهه كفلقة القمر ، فقاتل قتالا شديدا ، ونادى في القوم : هل من مبارز ؟ ففي شرح الشافية : فبرز اليه رجل يعد بالف فارس ، فحمل عليه القاسم كالريح الصرصر والبرق الخاطف فضربه بالسيف ضربة أرداه من ظهر فرسه صريعا يخور في دمه ، ثم طلع على القوم كالشمس إذا أشرقت في الظلام ورمى بنفسه في ميدان القتال فقتل على صغر سنه خمسة وثلاثين رجلا وروي سبعين رجلا من العتاة الطغاة .

قال حميد بن مسلم : كنت في عسكر ابن سعد ، فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه

قميص وإزار ونعلان ، قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنه كان اليسرى ، فقال عمرو بن سعد الأزدي : واللّه لأشدّن عليه ، فقلت : سبحان اللّه وما تريد بذلك ، واللّه لو ضربني ما بسطت إليه يدي ، يكفيه هؤاء الذين تراهم قد احتوشوه ، قال : واللّه لأفعلن ، فشد عليه ، فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف ، ووقع الغلام لوجهه ونادى : يا عماه . فجاء الحسين كالصقر المنقض ، فتخلل الصفوف وشدّ شدّة الليث الحرب ، فضرب عمرا قاتله بالسيف ، فاتقاه بيده فأطنها من المرفق ، فصاح ثم تنحى عنه العسكر خوفا ، وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من الحسين ، فاستقبلت القاسم بصدورها وجرحته بحوافرها ووطئته حتى مات الغلام ، فانجلت الغبرة فإذا بالحسين قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجله ، فقال الحسين : يعز واللّه على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك أو يعينك فلا يغني عنك ، بعدا لقوم قتلوك .

ص: 423

ثم احتمله ، فكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض وقد وضع صدره على صدره ، [فقلت في نفسي : ما يصنع ؟] ، فجاء حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته ، ثم قال : اللّهم انك تعلم انهم دعونا لينصرونا فخذلونا واعانوا علينا أعدائنا ، اللّهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا ولا تغفر لهم أبدا .

ثم قال : صبرا يا بني عمومتي صبرا يا أهل بيتي لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا(1) .

ثم قال : اللّهم ان كنت حبست عنا النصر في الدار الدنيا فاجعل ذلك ذخرا لنا في الآخرة وانتقم لنا من القوم الظالمين .

شهادة عبد اللّه الأكبر ابن الحسن عليه السلام :

ثم خرج بعده عبد اللّه الأكبر ابن الحسن عليهماالسلام وكان يكنى بأبي بكر ، وهو يرتجز ويقول :

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة

أكيلكم بالسيف كيل السندرة

فقتل أربعة عشر رجلا ، ثم قتله هاني بن ثبيت الحضرمي بعد ان كمن له فقتله غيلة وسود وجهه بهذا الذنب العظيم الى أبد الابدين .

قال أبو الفرج : كان أبو جعفر الباقر عليه السلام يذكر ان حرملة بن كاهل الأسدي قتله .

وعبد اللّه هذا الملقب بعبد اللّه الأكبر والمكنى بأبي بكر أكبر من القاسم ، وقد اتفق علماء السير أنّ القاسم لم يبلغ الحلم ، وإن كنت لا اعتمد على هذا الخبر ، ولكنّي أقوي صغر سنّ القاسم بما ذكره في تذكرة الأئمة من عمر القاسم يوم الطف كان تسعة سنين .

وبالرغم من أنّ عبد اللّه كان أكبر من القاسم إلاّ أنّ القاسم سبقه الى الميدان وفاز بالشهادة قبله ، أمّا عبد اللّه الأصغر فسيأتي الحديث عن شهادته عند الحديث عن شهادة الحسين عليه السلام .

ص: 424


1- بحار الأنوار 45/35 بقية الباب 37 .

شهادة أبي بكر واحمد :

وذكروا اثنين آخرين من أبناء الحسن عليه السلام في عداد شهداء الطف ، وهم ضمن العشرين الذين ذكرناهم قبل قليل ، وسأذكر خبر كل واحد منهم واذكر مستنده واللّه اعلم .

أبو بكر بن الحسن :

وهو غير عبد اللّه الأكبر المكنى أبا بكر كما ذكر المحدثون ، وفي الزيارة قاتل عبد اللّه الأكبر حرملة بن كاهل الأسدي ، أمّا أبو بكر فمقتول بسهم عبد اللّه الغنوي ، وام أبي بكر أم ولد قال بعضهم اسمها : نفيلة ، كما أشرنا الى ذلك في كتاب الإمام الحسن عليه السلام ، وقال الفاضل المجلسي اعتمادا على رواية أبي مخنف : ان قاتله عبد اللّه الغنوي .

قال أبو مخنف لوط بن يحيى : وَبَرَزَ مِنْ بَعْدِهِ اَخُوهُ اَحْمَدَ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتَّةَ عَشَرَ سَنَةً ، وكان شجاعا قوي القلب سمح الطبع صبيح الوجه لم ير مثله في جماله ، فَحَمَلَ

عَلَى الْقَوْمِ وهو يرتجز ويقول :

إنّي أنا نجل الإمام ابن علي

أضربكم بالسيف حتى يفلل

نحن وبيت اللّه اولى بالنبي

أطعنكم بالرمح وسط القسطل

وَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُ حَتّى قَتَلَ ثَمانينَ فارِسا ، وَرَجَعَ اِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام وَقَدْ غارَتْ عَيْناهُ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ ، فَنادى : يا عَمّاهُ هَلْ مِنْ شِرْبَةِ ماءٍ اُبَرِّدُ بِها كَبَدي وَاَتَقوّى بِها عَلَى اَعْداءِ اللّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام : يَابْنَ اَخي اِصْبِرْ قَليلاً حَتّى تَلْقى جَدَّكَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَيَسْقيكَ شَرْبَةً مِنَ الْماءِ لا تُظْمَأُ بَعْدَها اَبَدا .

فَرَجَعَ الْغُلامُ اِلَى الْقَوْمِ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ وَاَنْشَاَ يَقُولُ :

اِصْبِرْ قَليلاً فَالْمُنى بَعْدَ الْعَطَش

فَاِنَّ رُوحي في الْجِهادِ تَنْكَمِش

لا اَرْهَبُ الْمَوْتَ اِذِ الْمَوْتَ وَحْش

وَلَمْ اَكُنْ عِنْدَ اللِّقاءِ ذا رَعَشْ

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَمْسينَ فارِسا وَهُوَ يَرْتَجِزْ وَيَقُولُ :

ص: 425

اِلَيْكُمْ مِنْ بَني الُْمخْتارِ ضَرْبا

يَشيبُ لِهَوْلِهِ رَأْسُ الرَّضيعِ

يُبيدُ مَعاشِرَ الكُفّارِ جَمْعَا

بِكُلِّ مُهَنَّدٍ عَضْبٍ قَطيعِ

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ سِتّينَ فارِسا ثُمَّ قُتِلَ .

شهادة عبد اللّه بن علي :

ثم تقدم أشبال أسد اللّه حيدر الكرار فاول من تقدم منهم عبد اللّه الأصغر وكنيته أبو بكر ، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي بن مسلم بن جندل بن نهشل بن دارم التميمية ، فاستاذن الإمام عليه السلام ثم برز وهو يرتجز ويقول :

شيخي علي ذو الفخار الاطول

من هاشم الصدق الكريم المضل

هذا حسين بن النبي المرسل

عنه نحامي بالحسام المصقل

نفديه نفسي من اخ مبجل

فقاتل قتالا شديدا ، ففي روضة الأحباب : فقتل واحدا وعشرين رجلا ، ثم قتل .

واختلفوا في قاتله .

ففي كتاب الزيارة : قاتله هاني بن ثبيت الحضرمي ، وفي العوالم : قاتله زجر بن بدر النخعي ، وقال جماعة : قتله عبد اللّه بن عقبة الغنوي .

قال أبو الفرج : لم يعرف قاتله ، وروى المدائني : أنّه وجد مقتولا بين القتلى ولم يعرف قاتله ، وروي عن أبي جعفر عليه السلام : ان رجلا من همدان قتله ، واللّه أعلم .

عمر بن علي :

ثم برز من بعده أخوه عمر بن علي وهو يقول :

أضربكم ولا أرى فيكم زجر

ذاك الشقي بالنبي قد كفر

يا زجر يا زجر تدان من عمر

لعلك اليوم تبوأ من سقر

شر مكان في حريق وسعر

لأنك الجاحد يا شر البشر

ثم حمل على زجر بن بدر قاتل أخيه عبد اللّه الأصغر فبارزه فقتله ، واستقبل

القوم وجعل يضرب بسيفه ضربا منكرا وهو يقول :

خلوا عداة اللّه خلوا عن عمر

خلوا عن الليث العبوس المكفهر

يضربكم بسيفه ولا يفر

وليس فيها كالجبان المنجحر

ص: 426

فلم يزل يقاتل حتى قتل(1) .

وقد ذكرت كتب المقاتل مبارزات عمر بن علي ، وعدوه في شهداء كربلاء ، والذي استقر عليه استقرائي واستقصائي لأولاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، كما ذكرت ذلك في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام ان عمر بن علي قد يكون حضر في كربلاء إلاّ أنّه لم يستشهد ، فينبغي الآن ان نتعرض لشيء من احوال عمر بن علي فنقول :

ذكر عمر بن علي :

كان لأمير المؤمنين عليه السلام ثمانية عشر ولدا ، فيهم ولدان يسميان عمر ، عمر الأكبر وعمر الأصغر ، فاما عمر الأصغر فلم يذكر عنه أحد خبر ولا أثر وأمه أم حبيبة بنت ربيعة(2) ، وأمّا عمر الأكبر فامه الصهباء ، جاء بها خالد بن الوليد في سبي عين تمر أيام حرب الردّة في خلافة أبي بكر فاشتراها علي عليه السلام ثم تزوجها فأولدها عمر الأكبر ورقية وهما توأمان ، وكان عمر الأكبر يكنى أبو القاسم وقال ابن خداع ! : كنيته أبو حفص .

وكان عمر الأكبر ذا لسان وفصاحة وجود وعفة ، واجتاز في سفر كان له في بيوت من بنى عدى فنزل عليهم ، وكانت سنة قحط ، فجاءه شيوخ الحى فحادثوه وأعترض رجل مارا له شارة فقال : من هذا ؟ فقالوا : سالم بن قتة ، وله انحراف عن بنى هاشم . فاستدعاه وسأله عن أخيه سليمان بن قتة ، وكان سليمان من الشيعة ، فخبره أنه غائب ، فلم يزل عمر يلطف له في القول ويشرح له في الادلة حتى رجع عن انحرافه عن بني هاشم ، وفرق عمر أكثر زاده ونفقته وكسوته عليهم ، فلم يرحل عنهم بعد يوم وليلة حتى غيثوا وأخصبوا ، فقالوا : هذا أبرك الناس حلا ومرتحلا .

ص: 427


1- بحار الأنوار 45/36 بقية الباب 37 .
2- كما ذكرنا ذلك في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام في ذكر أولاده . من المتن .

وكانت هداياه تصل إلى سالم بن قتة ، فلمّا مات عمر قال سالم يرثيه :

صل الآله على قبر تضمن من

نسل الوصي على خير من سئلا

قد كنت أكرمهم كفا وأكثرهم

علما وأبركهم حلا ومرتحلا(1)(2)

تبين مما ذكرنا ان عمر الأكبر لم يقتل في كربلاء .

وقال جماعة : إنّه خرج ليلة عاشوراء فارا من معسكر الحسين عليه السلام ، فنزل في الجوالق ، فسمي أولاده أولاد الجواليق ، وهذا أيضا لا يركن اليه ، وذلك لأنّ أهل السير اتفقوا على أنّه قاتل يوم عاشوراء ، فربما كان مثل الحسن المثنى وقع مجروحا في ارض المعركة ثم قام ورجع سالما ، والعلم عند اللّه .

* * *

وذكروا اسمين آخرين لو أضفناهما الى أولاد أمير المؤمنين صار عددهم عشرين ، وهما :

المحسن ، وإنّما لم يذكره المؤرخون لأنّه اُسقط ، فلم يعد في أولاد أمير المؤمنين عليه السلام .

والاخر إبراهيم ، قال محمد بن علي بن حمزة : إنّه قتل يومئذ إبراهيم بن علي وامه أم ولد ، ولكنه يتفرد بهذا الخبر وما سمعت بهذا عن غيره ولا رأيت لابراهيم في شيء من كتب الانساب ذكرا .

أبناء الإمام علي عليه السلام من أم البنين

اشارة

ومن أولاد أمير المؤمنين عليه السلام الذين فازوا بالشهادة في كربلاء أولاد أم البنين ، وفي الخبر : إنّ الإمام علي عليه السلام قال لأخيه عقيل : انك عارف بانساب العرب فاريد ان تختار لي إمرأة ولدتها الفحولة من العرب لتلد لي فارسا بطلا شجاعا ،

ص: 428


1- عمدة الطالب : 361 .
2- وقد أتينا على أخبار عمر الأكبر في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام مفصلا من المتن .

فقال عقيل : اين أنت عن أم البنين الكلابية ، فإنّ أباءها أشجع العرب ، فتزوجها أمير المؤمنين عليه السلاموهي فاطمة بنت خزام بن خالد بن ربيعة بن لوي بن كعب بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، وقد ذكرنا نسبها مفصلا في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام فلا نكرر .

فولدت أم البنين لأمير المؤمنين عليه السلام أربعة أولاد هم : الأول : العباس الأكبر ، الثاني : عبد اللّه الأكبر ، الثالث : جعفر الأكبر ، الرابع : عثمان الأكبر ، ولهذا كنيت فاطمة بام البنين ، وقد استشهد هؤلاء الأربعة كلّهم في طف كربلاء .

شهادة عبد اللّه بن علي :

روي ان العباس قال لأخيه عبد اللّه الأكبر وكان يكنى أبو محمد : تقدم بين يدي حتى اراك واحتسبك ، فبرز عبد اللّه وهو ابن أسد اللّه والمتشوق للقاء الأعداء وكان

عمره تسعة عشر سنة ولم يكن له ولد ، وجعل يرتجز ويقول :

أنا ابن ذي النجدة والافضال

ذاك علي الخير ذو الفعال

سيف رسول اللّه ذو النكال

في كل قوم ظاهر الاهوال

فشهر سيفه عليهم وقاتل أعداء اللّه ، حتى قتله هاني بن ثبيت الحضرمي ، وروي

ان عبد اللّه الأكبر كان عمره خمسة وعشرين سنة .

شهادة جعفر بن علي :

ثم برز من بعده أخوه جعفر وكنيته أبو عبد اللّه ، وأمه أم البنين كما ذكرنا ، فقال له العباس : تقدم وقاتل ، فحمل وهو يرتجز ويقول :

إنّي أنا جعفر ذو المعالي

ابن علي الخير ذي النوال

حسبي لعمي شرفا وخالي

احمي حسينا ذا الندى المفضال

فقاتل حتى قتله هاني بن ثبيت الحضرمي أيضا ، وفي رواية صاحب العوالم : قتله خولي الأصبحي ، رماه بسهم فوقع في شقيقته ، أو في عينه ، فخر من فرسه صريعا .

ص: 429

شهادة عثمان بن علي :

ثم برز من بعده أخوه عثمان الأكبر بن علي وأمه أم البنين وكان يكنى أبو عمر ، وكان ابن احدى وعشرين سنة ولم يكن له ولد ، وروي عن علي عليه السلام أنه قال عند ولادته : إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون ، فحمل على القوم بامر العباس وهو يقول :

إنّي أنا عثمان ذو المفاخر

شيخي علي ذو الفعال الظاهر

وابن عم للنبي الطاهر

أخي حسين خيرة الأخاير

وسيد الكبار والأصاغر

بعد الرسول والوصي الناصر

فقاتل قتالا شديدا ، فرماه خولي بن يزيد الأصبحي على جبينه فسقط عن فرسه ، وجز رأسه رجل من بني أبان بن دارم(1) .

شهادة محمد بن علي :

وبرز محمد الأصغر بن أمير المؤمنين عليه السلام وأمه أم ولد ، فقاتل وقتل جماعة حتى قتله رجل من بني تميم من بني أبان بن دارم .

شهادة عون بن علي :

ومن أبناء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الذين فازوا بعز الشهادة عون بن علي .

اعلم ان اسماء بنت عميس التي مرّ بيان حالها في الكثير من مجلدات ناسخ التواريخ تزوجت أولا جعفر بن أبي طالب ، فولدت له عبد اللّه بن جعفر وبعد شهادة جعفر تزوجها أبو بكر بن أبي قحافة ، فولدت له محمد ، ثم تزوجها أمير المؤمنين عليه السلام فولدت له عون ، فعبد اللّه بن جعفر ومحمد بن أبي بكر وعون بن علي اخوة من ام .

أمّا شهادة عون بن علي يوم الطف ، فإنّي لم أجدها في كتب المقاتل من قبيل : بحار الأنوار ، والعوالم ، واعلام الورى ، ومنتخب الطريحي ، والمناقب لابن شهرآشوب ، والخوارزمي ، وابن أعثم الكوفي ، واللهوف ، ومقتل أبي مخنف ، وابن الجوزي ، ومروج الذهب ، والطبري ، والفصول المهمة ، وشرح الشافية ، وزبدة الفكرة لعبوس

ص: 430


1- بحار الأنوار 45/37 بقية الباب 37 .

المنصوري ، وكتاب الجلاء لعبد اللّه بن محمد رضا الحسيني ، وغيرها من الكتب العربية والفارسية التي يطول المقام بذكرها تفصيلا ، ولكنّي اكتفيت بما ذكره صاحب روضة الأحباب ، وهو من أجلة علماء أهل السنة والجماعة وموثقيهم ، عن بحر اللئالي .

وكان عون صبيح المنظر مليح المنطق ورث الشجاعة من أبيه حيدر الكرار ، تقدم الى أخيه الحسين عليه السلام فاستاذنه في القتال ، فقال : كيف تقاتل هذا الجمع الكثير

والجم الغفير ؟ فقال : من كان باذلا فيك مهجته لم يبال بالكثرة والقلة ، فبكى الحسين عليه السلام واذن له ، فحمل عون على القوم وقتل مقتلة عظيمة فاحتوشه الفان من القوم ففرقهم يمينا وشمالا ، وتخلل الصفوف مقبلا الى الحسين عليه السلام وفي رأسه ووجهه جراحات فقبله الحسين عليه السلام وقال له : احسنت لقد أصبت بجراحات كثيرة فاصبر هنيئة ، قال عون : سيدي أردت أن أحظى منك وأتزود من رؤيتك مرة اخرى ، ولا ينبغي أن أعرض دونك ، وقد أجهدني العطش ، ائذن لي حتى أرجع وأفديك بروحي ، فأذن له ورجع وأمر الحسين عليه السلام أن يركبوه جوادا غير الذي كان تحته ، فركب وحمل على القوم فاعترضه صالح بن سيار ، وكان صالح قد شرب الخمر على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فأمر أمير المؤمنين بجلده ، فجلده عون ، فكان قلبه يتميّز

حقدا وغيضا على عون ، فلمّا رآه جريحا ظمآنا مجهدا انتهز الفرصة وحمل عليه فشتمه ، فحمل عليه عون فكسر الكلمات في فمه وطعنه برمحه فاورده جهنم ، فأقبل اليه أخوه بدر بن سيار فألحقه بأخيه ، فكمن له خالد بن طلحة وضربه بالسيف فخر عون صريعا وهو يقول : بسم اللّه وباللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقضى نحبه ، ورحل الى ربّه ، رضوان اللّه عليه .

العباس بن علي عليهماالسلام :

ومن أبناء أمير المؤمنين الذين فازوا بالشهادة العباس بن علي عليهماالسلام .

اعلم ان بعض العلماء قالوا : ان العباس بن علي عليهماالسلام استشهد ليلة العاشر من المحرم وقال أكثر أهل السير والأخبار : إنّه استشهد يوم عاشوراء .

ص: 431

وكان لأمير المؤمنين عليه السلام ولدان كل منهما يسمى العباس ، فكان يسمى احدهما العباس الأكبر والاخر العباس الأصغر ، فربما كان المستشهد ليلة العاشر هو العباس الأصغر لأنّه كان فيمن ذهب تلك الليلة للاستسقاء فاستشهد حينئذ .

وأمّا العباس الأكبر فهو الذي يكنى أبو فاضل ويلقب بالسقاء كما مرّ ذكره ، ويقال له أبو قربة أيضا ، وكان صاحب لواء الحسين عليه السلام يوم الطف ، وهو أكبر أبناء

ام البنين عليهاالسلام ، والرابع من أبناء أمير المؤمنين عليه السلام ، بعد الحسن والحسين عليهماالسلامومحمد بن الحنفية ، وكان رجلا وسيما جميلا يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الأرض ، وكان يقال له : قمر بني هاشم ، تزوج من لبابة بنت عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب ، وكان له ولدان : الفضل وعبيد اللّه ، وله ثلاثة اخوة من امه ، ولم يعقب منهم

احد ، قدمهم العباس جميعا يوم الطف ليطمئن الى تضحيتهم ويرى مصارعهم فيحتسب الاجر بذلك عند اللّه ، فحاز مواريثهم ثم تقدم فقتل فورثهم وإياه الفضل وعبيد اللّه ، فمات الفضل فورثه عبيد اللّه ، قيل : فنازعه عمر بن علي بن أبي طالب في الميراث ، لأنّه أخو العباس لامه وأبيه فتصالحا ، وليس بصحيح لأنّ عمر شقيق العباس الأصغر واخو العباس الأكبر لابيه فكيف يمكن ان ينازع عبيد اللّه بن العباس في الميراث ؟

إشتباه المجلسي رحمه الله :

وقد عد الفاضل المجلسي عليه الرحمة عمر في عداد الشهداء ، ثم ذكر منازعته

عبيد اللّه بن العباس على الميراث بعد صفحة واحدة واقتفى جماعة أثره في هذه القصة ، والسيف قد ينبو والجواد قد يكبو ، ومن كانت مصنفاته ومؤلفاته العربية والفارسية لا تقل عن مليون بيت فهو معفو عن مئات الاضعاف من مثل هذه الشطحة ، ولا مصون من السهو والنسيان إلاّ المعصوم .

قتال أبي الفضل العباس عليه السلام :

أن العباس لما رأى وحدته عليه السلام أتى أخاه وقال : بأبي أنت وامي ، قد ضاق صدري وسئمت من الحياة وأريد أن أطلب ثأري من هؤاء المنافقين ، فهل

ص: 432

من رخصة ؟ فبكى الحسين عليه السلام بكاء شديدا ثم قال : يا أخي أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرق عسكري ، فالح العباس عليه في المسألة ، فقال الحسين عليه السلام : فاطلب لهؤاء الأطفال قليلا من الماء ، فذهب العباس ووعظهم وحذرهم فكانت كلماته كالماء الزلال في الرقة والسيف القاطع في الحدة ولكنها لم تنفع تلك القلوب القاسية كالسندان ، فرجع إلى أخيه فأخبره ، فسمع الأطفال ينادون : العطش العطش ، فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة وقصد نحو الفرات(1) وهو يرتجز ويقول :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا

حتى اواري في المصاليت القا

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا

ولا أخاف طارقا إن طرقا

بل اضرب الهام وافري المفرقا

إنّي أنا العباس اغدو بالسقا

ولا أخاف الشرّ عند الملتقى

فنزل عليهم كالصاعقة والصقر المنقض على فريسته ، والشهاب الخارّ بالنار ، فكشفهم عن الشريعة ، وكانوا أربعة الاف موكلين بالفرات ك كأنّهم سدّ الإسكندر في تراصهم وتماسكهم ومنعتهم ، ففرّقهم وجعلهم كالأمواج يتلو بعضهم بعضا ، والعباس شبل الأسد الضرغام وملاعب الأسنة والسيوف منذ نعومة الأظفار ، ثابت لا يزول صامد أمام تلك الفلول فقد اعمل فيهم سيفه فكان الريح الصرصر والبرق الخاطف للبصر ، فتقرقوا ذات اليمين وذات الشمال وانكفأت ميمنتهم على ميسرتهم وميسرتهم على ميمنتهم ، فأثارها عليه فصار الهواء غبارا كالقار وصبغ الأرض بدمائهم فقتل في هذه الحملة ثمانين من ابطالهم وقرب للرجال آجالهم ، وهو يرتجز ويقول :

أقاتل القوم بقلب مهتد

أذب عن سبط النبي احمد

اضربكم بالصارم المهند

حتى تحيدوا عن قتال سيدي

إنّي أنا العباس ذو التودد

نجل علي المرتضى المؤيد

ص: 433


1- بحار الأنوار 45/41 بقية الباب 37 .

فانهزم القوم ورجحوا الفرار على القرار فاقحم العباس فرسه الفرات كالليث الغاضب ، وكان قد اجهده القتال وكضه العطش ففت كبده فمد يده الى الماء ليغترف منه فتذكر عطش سيد الشهداء عليه السلام فرمى الماء من يده وملأ القربة وخرج من الشريعة مسرعا لعله يبرد تلك الأكباد الحرى التي تنتظره في الخيام وهو يرتجز ويقول :

يا نفس من بعد الحسين هوني

فبعده لا كنت ان تكوني

هذا حسين شارب المنون

وتشربين بارد المعين

هيهات ما هذا فعال ديني

ولا فعال صادق اليقين

شهادة العباس بن علي عليهماالسلام :

فقطعوا عليه الطريق واحاطوا به من كل جانب ، فحاربهم كأسد الشرى المدافع عن أشباله وحصد رؤوسهم كسيف القضاء ، فكمن له نوفل الأزرق وروي كمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي ، فضربه على يمينه فقطعها ، فأخذ السيف بشماله وحمل على القوم وهو يقول :

واللّه ان قطعتم يميني

إنّي احامي أبدا عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

نجل النبي الطاهر الامين

نبي صدق جاءنا بالدين

مصدقا بالواحد الامين

فقاتل حتى ضعف من كثرة الجراح وشدّة النزف ، فكمن له حكيم بن الطفيل نوفل الأزرق من وراء نخلة فضربه على شماله فبراها من الزند ، فحمل القربة باسنانه ، وجعل يرتجز :

يا نفس لا تخشي من الكفار

وابشري برحمة الجبار

مع النبي السيد المختار

مع جملة السادات والاطهار

قد قطعوا ببغيهم يساري

فاصلهم يا ربّ حر النار

وجعل يهمز فرسه ليوصله الى معسكر أخيه ، فجاءه سهم فاصاب القربة واريق ماؤها ، ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره ، ثم ضربه حكيم بن الطفيل بعمود من حديد على رأسه فانقلب عن فرسه ، وصاح الى أخيه الحسين عليه السلام : ادركني ،

ص: 434

فانقض عليه الحسين عليه السلام كالشهاب الثاقب ، فوجده مطروحا الى جنب المشرعة مجروحا عطشانا قطيع الكفين مبضع الجسد فبكى بكاءا شديدا وقال : الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي ، وانشأ يقول :

تعديتم يا شر قوم ببغيكم

وخالفتم دين ا لنبي محمد

أما كان خير الرسل أوصاكم بنا

أما نحن من نجل النبي المسدد

أما كانت الزهراء أمي دونكم

أما كان من خير البرية احمد

لعنتم واخزيتم بما قد جنيتم

فسوف تلاقوا حر نار توقد

وقد أنشد الإمام عليه السلام هذه الأبيات في موضع آخر باختلاف يسير كما مر ، فقد يكون قد قرأها مرتين بالاختلاف .

وروى عبد اللّه بن محمد الحسيني في جلاء العيون : إنّ الإمام رثى العباس عليه السلام

بهذه الأبيات :

احق الناس ان يبكى عليه

فتى ابكى الحسين بكربلاء

اخوه وابن والده علي

أبو الفضل المضرج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه خوف

وجاد له على عطش بماء

روي عن الإمام السجاد عليه السلام قال : رحم اللّه العباس فلقد آثر وابلى وفدى أخاه

بنفسه حتى قطعت يداه ، فأبدله اللّه بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كجعفر بن أبي طالب ، وأنّ للعباس عند اللّه - عزّ وجلّ - منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة .

وروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام مثله باختلاف يسير ، وكان العباس يوم استشهد ابن أربع وثلاثين سنة .

بكاء أم البنين عليهاالسلام :

قالوا : وكانت أم البنين أم هؤلاء الاخوة الأربعة القتلى تخرج الى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة واحرقها ، فيجتمع الناس اليها يسمعون منها ، وليس عجيبا ان يبكي الناس لبكائها ، وإنّما العجيب ان كان مروان يجيء فيمن يجيء فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي ، وهو أعدى أعداء آل محمد صلى الله عليه و آله .

ص: 435

إشتباه ابن شهرآشوب :

اعلم ان ابن شهرآشوب ذكر في مناقبه شهادة القاسم بن الحسين بعد شهادة العباس عليه السلام ، ونسب له رجزا كان قد نسبه قبل صفحة للقاسم بن الحسن عليه السلام ، والحال ان الحسين ليس له ولد باسم القاسم ، ولكنه سهو من قلمه الشريف وليس ذاك بعجيب ، رحمة اللّه عليه .

علي الأكبر ابن الحسين عليهماالسلام :

لم يبق مع الحسين عليه السلام بعد شهادة العباس عليه السلام من يقوى على ركوب الخيل والقتال مع الأعداء إلاّ ولده علي الأكبر ، وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود بن موسى القطان الثقفي ، وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة ، لم يكن على وجه الأرض أشبه منه برسول اللّه صلى الله عليه و آله خلقا وخلقا ومنطقا ، كان اسمه كاسم جده وكنيته ككنيته فهو علي وكنيته أبو الحسن ، ورث الشجاعة من علي المرتضى وكان معروفا في الناس بجميع المحاسن والمحامد ، قال معاوية يوما : من احق الناس بهذا الامر ؟ فقالوا له : لا نعرف احدا احق بهذا الأمر منك ، فقال : لا اولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن علي جده رسول اللّه وفيه شجاعة بني هاشم وسخاء بني أمية ! وزهو ثقيف .

خروج علي الأكبر الى الميدان :

لما رأى علي الأكبر أهل بيته مجزرين كالاضاحي وأباه عطشانا وحيدا فريدا بين الأعداء ، تقدم الى أبيه فقال : جعلت فداك ، لا طاقة لي على الصبر فاذن لي حتى انتقم من هؤلاء الظالمين ، والح في الاستئذان ، فاذن له عليه السلام ، فجاء الى حرم اللّه ومخدرات سرادق العصمة فودعهن ، فارتفعت صرخات الهاشميات : وا محمداه .

وفي كتاب روضة الأحباب : ان الحسين عليه السلام البس عليا بيده لامة حربه واسبغ

عليه درعا ومغفرا من الفولاد والادم من بقية ما ترك علي المرتضى عليه السلام واركبه على العقاب ، فلمّا توجه نحو الميدان بكى الحسين عليه السلام بكاءا شديدا ، ورفع سبابته نحو

السماء وقال : اللّهم إشهد على هؤاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا

ص: 436

وخلقا ومنطقا برسولك ، كنا إذا إشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه ، اللّهم أمنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا .

ثم صاح الحسين عليه السلام بعمر بن سعد : ما لك قطع اللّه رحمك ولا بارك اللّه لك في أمرك وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم رفع الحسين عليه السلام صوته وتلا : « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » ،

شهادة علي الأكبر عليه السلام :

ثم حمل علي بن الحسين على القوم فكانت طلعته المنورة تذكر بالنبي صلى الله عليه و آلهوقوته تعيد الى الاذهان حملات المرتضى علي عليه السلام وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

من عصبة جد أبيهم النبي

واللّه لا يحكم فينا ابن الدعي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلام هاشمي علوي

فلم يزل يقاتل حتى ضج الناس من كثرة من قتل منهم فكان كأنه الكرار بيده ذو الفقار وهو يقاتل القاسطين في صفين وكأنه الذئب إذا شدّ في قطيعة الغنم وكانوا كأنهم الجراد المنتشر ينكشفون بين يديه ويطأ بعضهم رؤوس بعض ، حتى قتل على عطشه مائة وعشرين رجلا من فحول ابطالهم ، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال : يا أبة العطش قد قتلني وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوى بها على الأعداء ؟ وكان قد تسربل بالدم سربالا فنظر اليه الحسين عليه السلام فبكى وقال : يا بني يعز على محمد وعلى علي بن أبي طالب وعلي أن تدعوهم فلا يجيبوك وتستغيث بهم فلا يغيثوك ، يا بني هات لسانك ، فأخذ بلسانه فمصه ودفع إليه خاتمه وقال : امسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوك فإني أرجو أنك لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا ، فرجع إلى القتال وهو يقول :

ص: 437

الحرب قد بانت لها الحقائق

وظهرت من بعدها مصادق

واللّه ربّ العرش لا نفارق

جموعكم أو تغمد البوارق(1)

فلم يزل يقاتل قتالا شديدا حتى صبغ الأرض بدمائهم ، وأطعم سيفه من رؤوسهم ، وجال فيهم فزلزل الأرض تحت أقدامهم ، حتى قتل في هذه الحملة ثمانين أيضا والحقهم بدار البوار ، فضعف من شدّة الجراحات ونزف الدم فاغتنمها منقذ بن مرة العبدي فرصة فضربه على مفرق رأسه ضربة صرعته ، وضربه الناس بأسيافهم من كل جانب ، ثم اعتنق فرسه فاحتمله الفرس يركض به يمينا وشمالا وكلما مرّ على جماعة من الأعداء ضربوه ، فقطعوه بسيوفهم إربا إربا .

فلمّا بلغت الروح التراقي قال رافعا صوته : يا أبتاه هذا جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا ، وهو يقول : العجل العجل فإن لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة ، فصاح الحسين عليه السلام وقال : قتل اللّه قوما قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى رسوله وعلى انتهاك حرمة الرسول ، وعلى الدنيا بعدك العفا .

ثم ان الحسين عليه السلام أقبل الى ولده وشق الصفوف حتى إذا وصل اليه وجعل يصيح ويصرخ وهو يكرر من قول : ولدي علي حتى إذا وصل اليه نزل وأخذ رأسه ووضعه في حجره وضم صدره الى صدره ، ووضع خده على خده ، ففتح علي عليه السلام عينيه في وجهه وكان به رمق فقال : يا أبة أرى أبواب السماء قد انفتحت وحور الجنان قد نزلن من السماء بايديهن كؤوس الماء وهن يدعونني الى الجنة ، وأنا رائح معهن الى الجنان واوصيك بهؤلاء النسوة لا يخمشن علي وجها ، قال ذلك ثم فاضت روحه الطاهرة ، فحمل الحسين عليه السلام فلذة كبده الى الخيمة ، فارتفعت من أهل البيت صرخات : يا ثمرة فؤاداه ويا قرة عيناه .

ص: 438


1- بحار الأنوار 45/42 بقية الباب 37 .

قال حميد بن مسلم : فكأني أنظر إلى إمرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور [وتقول : يا حبيباه يا ثمرة فؤداه يا نور عيناه] فسألت عنها ، فقيل : هي زينب بنت علي عليهماالسلام وجاءت وانكبت عليه ، فجاء الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط(1) ، وقال : البكاء أمامكن .

قال ابن شهرآشوب : كان علي الأكبر ابن خمس وعشرين سنة يوم الطف(2) ،

والأصح أنّه كان ابن ثماني عشرة .

شهادة عبد اللّه بن الحسين عليهماالسلام :

ورد في الكتب المعتبرة ان طفلا خرج من خيام الحسين عليه السلام بعد مقتل علي الأكبر ، وكانت الحادثة المهولة قد أثرت فيه فخرج ووجهه كالزئبق المترجرج وفي اذنيه قرطان من اللؤلؤ يتذبذبان لما أصابه من رعدة في رأسه وبدنه ، خرج من الخيمة بعد خائفا وجلا مرعوبا مذعورا ينظر يمينا وشمالا فحمل عليه هاني بن بعيث فقتله .

ولم يذكر علماء النسب هذا الطفل الشهيد ، وقد فحصت عنه فظهر لي ان اسمه عبد اللّه بن الحسين عليه السلام ، ويستفاد من الأحاديث والأخبار أنّ للحسين ابن يقال له عبد اللّه ، وقال بعضهم : إنّ علي الأصغر لقب ، وهو نفسه عبد اللّه ، وهذا القول ليس

بمعتمد أيضا ، وذلك لإنّ وجود علي الأكبر وعلي الأصغر يقتضي وجود علي الأصغر أيضا .

وما ذكر في بحار الأنوار(3) وغيره من الكتب : فلمّا قتل هذا الغلام صارت شهر

بانو تنظر اليه ولا تتكلم كالمدهوشة ، فهو عار عن الصحة أيضا ، وذلك لأنّ شهربانو توفيت في النفاس عند ولادة علي بن الحسين عليهماالسلام ، ولم تحضر كربلاء بين يدي سيد الشهداء عليه السلام ، والعلم عند اللّه .

ص: 439


1- بحار الأنوار 45/44 .
2- بحار الأنوار 45/42 بقية الباب 37 .
3- في البحار : وخرج غلام وبيده عمود من تلك الأبنية وفي اذنيه درتان وهو مذعور فجعل يلتفت يمينا وشمالا وقرطاه يتذبذبان ، فحمل عليه هانى ء بن ثبيت فقتله ، فصارت شهربانو تنظر اليه ولا تتكلّم كالمدهوشة .

ذكر مبارزة الحسين عليه السلام

اشارة

لم يبق في معسكر الحسين عليه السلام من يقوى على امتطاء الجياد وحمل السلاح والقتال ، بقي الحسين عليه السلام وحيدا فريدا فتقدم الى الميدان راسخا صامدا كالطود الشامخ لا تزحزحه العواصف ، ولا تزلزله النوازل ، ولو ان التزلزل عرض على ساحة وجوده المقدس لتزلزل عالم الامكان ، وهو وإن كان قاصدا عالم اللاهوت بيد أنّه لم يعطل ما يقتضيه عالم الناسوت ، فيما كانت تلك المصائب والالام من الفداحة بحيث لو أنّها ألقت بظلالها على أبي قبيس وجبل حراء لتصدع وتناثر ، إلاّ أنّه عاملها بحلمه وحمل أثقالها ولم يخلي مقامه ، فإنّ اللّه تعالى قد أناط قوام الخلق

بمقامه وجعل لواء وجود عالم الايجاد بيد بقائه عليه السلام ، تبارك اللّه احسن الخالقين .

فالحسين عليه السلام في تلك الحال يهتم بمحبته لهذه الأمة ولا يألوا جهدا من الكشف عن محبته لعل في القوم من يثوب الى رشده ويهجر الضلالة التي تخيم على قلبه ، فنادى برفيع صوته : هل من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه ؟ هل من موحد يخاف اللّه فينا ؟ هل من مغيث يرجو اللّه في اغاثتنا ؟

قال الطريحي في منتخبه : إنّ الحسين عليه السلام لما كان في موقف كربلاء أتته أفواج الجن وقالوا له : نحن أنصارك فمرنا بما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل عدو لكم لفعلنا ، فجزّاهم

خيرا وقال لهم : إنّي لا اُخالف قول جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث أمرني بالقدوم عليه عاجلا ، وإنّي رقدت الآن ساعة ، فرأيت جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد ضمّني الى صدره ، وقبّل ما بين عيني ، وقال لي : يا حسين إنّ اللّه - عزّ وجلّ - قد شاء أن يراك

مقتولا ملطخا بدمائك مخضبا شيبك بدمائك مذبوحا من قفاك ، فقد شاء اللّه أن يرى حرمك سبايا على أقتاب المطايا ، وإنّي واللّه سأصبر حتى يحكم اللّه بأمره وهو خير

الحاكمين(1) .

ص: 440


1- المنتخب : 450 المجلس العاشر من الجزء الثاني .

وفي مقتل الخوارزمي : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله للحسين عليه السلام : إنّ لك في الجنة درجة لن تنالها إلاّ بالشهادة ، فلذا صبر سيد الشهداء على جراحات السيف والسنان .

عزم الإمام زين العابدين عليه السلام على الذبّ عن الحسين عليه السلام :

فلمّا سمع الإمام زين العابدين عليه السلام إستغاثة الحسين

عليه السلام وكان مريضا لا يقدر أن يقلّ سيفه ، فأخذ رمحا ، وروي سيفا ، واعتمد على عصا وخرج الى الميدان وام كلثوم تنادي خلفه : يابن أخي إرجع ، فقال : يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال الحسين عليه السلام : يا أم كلثوم خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد صلى الله عليه و آله .

وداع الحسين عليه السلام :

ثم إنّه نادى : يا سكينة يا فاطمة يا زينب يا أم كلثوم عليكن منّي السلام ، فعلت أصواتهن بالبكاء وصحن : الوداع الوداع الفراق الفراق ، ونزعت سكينة مقنعتها وقالت : يا أبه استسلمت للموت ، فالى من تكلنا ؟ فبكى الحسين عليه السلام وقال : يا نور عيني كيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له ولا معين ؟ ورحمة اللّه ونصرته لا تفارقكم في الدنيا ولا في الآخرة ، فاصبري على قضاء اللّه ولا تشكي ، فإنّ الدنيا فانية والآخرة باقية ، ثم ضم سكينة الى صدره وانشأ يقول :

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي

منك البكاء إذا الحمام دهاني

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

ما دام منّي الروح في جثماني

وإذا قتلت فأنت اولى بالذي

تأتينه يا خيرة النسوان

فقالت : يا أبة ردّنا الى حرم جدّنا ، فقال : هيهات « لو ترك القطا لنام » وتمثل قائلا :

لقد كان القطاة بارض نجد

قرير العين لم يجد الغراما

تولته البزاة فهيمته

ولو ترك القطا لغفا وناما

وكان الحسين عليه السلام يحب سكينة حبا جما وفيها يقول :

ص: 441

لعمرك إنّني لاحبّ دارا

تكون بها سكينة والرباب

أحبّهما وابذل جل مالي

وليس لعاتب عندي عتاب

واسم سكينة «أمينة» وإنّما غلب عليها سكينة وهو لقب وامها الرباب التي ذكرها

الحسين عليه السلام في الأبيات المذكورة وهي الرباب بنت إمرى ء القيس .

توديع اسرار الامامة :

فلمّا انتهى الحسين عليه السلام من كلامه مع سكينة ، دعا ولده علي بن الحسين ودفع اليه اسرار الامامة والخلافة ، وكان عليه السلام عالما بما سيكون بكل جزئياته وتفاصيله(1) ، ولهذا فقد اودع ودائع الأنبياء والأوصياء والكتب عند أم سلمة عند خروجه من المدينة وأمرها ان تدفعها الى ابنه علي بن الحسين عليهماالسلام بعد رجوعه من سفره .

قال الباقر عليه السلام : ان الحسين عليه السلام لما حضره الذي حضره استدعى ابنته فاطمة الكبرى واودع عندها صحيفة ملفوفة ووصية ظاهرة لأنّ علي بن الحسين عليهماالسلام كان فيه مرض الاسهال ، وكان الناس لا يظنون به الصحة في مرضه ، فلمّا شوفي من مرضه سلمته أخته الوصية والصحيفة وهي الآن عندنا .

وروي أنّ الإمام السجاد عليه السلام هو أكبر أبناء الإمام الحسين عليه السلام وكان الباقر حاضرا معه في كربلاء وكان عمره أربع سنين ، وإنّما سمي علي الأكبر الشهيد في الطف بالاكبر نسبة الى علي الأصغر .

الثوب العتيق :

ثم قال الحسين عليه السلام لاخته زينب عليهاالسلام : ائتيني بثوب عتيق لا يرغب فيه اجعله تحت ثيابي لئلا اجرد بعد قتلي ، فاني مقتول مسلوب ، فاحضرت له ثوبا وكان ضيقا فقال : لا ان هذا لباس أهل الذمة ، ائتيني بثوب فضفاض اوسع من هذا ، فاحضرته له ففزره بيده لكي لا يطمع فيه احد ، فلبسه تحت ثيابه ، ولبس قطيفة خز واسبغ على نفسه درعه البتراء ، وحمل سلاحه فارتفعت أصوات النساء بالبكاء والنحيب .

ص: 442


1- قال مستشهدا بمثل للتعبير عن أقلّ ما سيجري الى أكبر الحوادث التي ستمر عليهم : كان عالما بكلّ شيء « من عين النملة الى عين الشمس » .

الجوهرة الأخيرة في خزينة الحسين عليه السلام :

لم يكن عمر علي الأصغر أكثر من ستة أشهر ، وكان جائعا عطشانا لأنّ ثدي امه

جف من اللبن لشدة ما بها من العطش ، فتقدّم الحسين عليه السلام الى باب الخيمة فقال : ناولوني عليا ابني الطفل حتى اودعه ، فناولوه الصبي فجعل يقبله وهو يقول : ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدك محمد المصطفى خصمهم ، فجاء به الحسين حتى وقف أمام العسكر وكأنّه يناجي ربّه ويقول : الهي هذه هي الجوهرة الأخيرة في خزينتي وسأقدمها أيضا في سبيلك ، ثم خاطب عساكر أهل الكوفة فقال : يا شيعة آل أبي سفيان ان كنت مذنبا عندكم فما ذنب هذا الصغير فاسقوه جرعة من الماء لقد جف اللبن في ثدي أمه ، فلم يجبه أحد فبينا هو يخاطبهم إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فوقع في حلقوم علي الأصغر فقتله ، فسال الدم فجعل الإمام يتلقى الدم حتى امتلأت كفه فرمى به الى السماء ، قال الباقر عليه السلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة

الى الأرض ، ثم قال الحسين عليه السلام : هون علي ما نزل بي أنّه بعين اللّه ، ثم قال : لا يكون أهون عليك من فصيل ، اللّهم ان كنت حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا .

قال ابن الجوزي ، وهو من علماء أهل السنة والجماعة : فنودي من السماء : دعه يا حسين فإنّ له مرضعة في الجنة(1) .

روى صاحب العوالم : ان الحسين عليه السلام رمّل علي الأصغر بدمه ، وفي شرح الشافية : نزل من جواده فصلى عليه وحفر له بجفن السيف ودفنه .

الحسين عليه السلام يخير ابن سعد بين ثلاث خصال :

قال الطريحي : ثم إنّ الحسين عليه السلام أقبل على عمر بن سعد وقال له : اُخيرك في ثلاث خصال قال : وما هي ؟ قال : تتركني حتى ارجع الى المدينة الى حرم جدي رسول اللّه ، قال : ما لي الى ذلك سبيل ، قال : اسقوني شربة من الماء

ص: 443


1- تذكرة الخواص : 227 .

فقد نشفت كبدي من الظمأ ، فقال : ولا الى الثانية سبيل ، قال : وإن كان لابد من قتلي فليبرز اليّ رجل بعد رجل ، فقال : ذلك لك ، فحمل على القوم وهو يقول :

أنا ابن علي الطهر من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

وجدي رسول اللّه أكرم من مشى

ونحن سراج اللّه في الأرض يزهر

وفاطم أمي من سلالة احمد

وعمي يدعى ذا الجناحين جعفر

وفينا كتاب اللّه انزل صادقا

وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر

ونحن أمان اللّه للناس كلّهم

نسر بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي محبنا

بكأس رسول اللّه ما ليس ينكر

إذا ما أتى يوم القيامة ظامئا

الى الحوض يسقيه بكفيه حيدر

إمام مطاع اوجب اللّه حقه

على الناس جمعا والذي كان ينظر

وشيعتنا في الناس أكرم شيعة

ومبغضنا يوم القيامة يخسر

فطوبى لعبد زارنا بعد موتنا

بجنة عدن صفوها لا يكدر(1)

عدد دواب الحسين عليه السلام :

اعلم ان الحسين عليه السلام كانت له دابتان لا غير وفقا للمصادر المعتبرة ، احدهما فرس رسول اللّه صلى الله عليه و آله المرتجز ، والاخرى جمل يدعى المسناة(2) ، وأمّا الفرس المسمى بذي الجناح فاني لم اجده في أيّ مصدر أو كتاب من كتب التاريخ والأخبار ، وذو الجناح لقب شمر بن لهيعة الحميري ، ولم اسمع بهذا الاسم يطلق على فرس ، وإذا كان ثمة فرس يقال له : جناح ، فهو لا علاقة له بذي الجناح المنسوب للحسين عليه السلام ، وإذا كان ثمة فرس عند النبي صلى الله عليه و آله يقال له : جناح فهو أيضا غير ذي الجناح ، وكيف كان فليس ثمة فرس يسمى بهذا الاسم .

ص: 444


1- المنتخب : 439 .
2- قد يكون المؤلف فهم ذلك مما رواه المجلسي والمفيد والسيد وابن نما وغيرهم فقالوا : وإشتد العطش بالحسين عليه السلام فركب المسناة يريد الفرات . . . ففهم من ركب المسناة أنّ المسناة هي اسم دابة ركبها الإمام عليه السلام ! واللّه العالم .

واحد أمام ثلاثين ألف :

ثم خرج الحسين عليه السلام للحرب فاول من برز له - وفقا للاتفاق مع ابن سعد ان يبرز له رجل رجل - تميم بن قحطبة كأنه نمر متعطش للدماء ، وكان من ابطال الشام(1) ، فاختطف الحسين عليه السلام رأسه كالبرق الخاطف ، وهكذا برز اليه الرجل تلو الرجل والبطل بعد البطل والحسين عليه السلام يسقيهم كؤوس المنية ، حتى صبغ الأرض بدمائهم وتجاوز عدد القتلى حد الحصر والإحصاء ، فعلم ابن سعد ان الحسين عليه السلامسيأتي على القوم ولا يبقي منهم احدا ، فنادى وقال : ويل لكم أتدرون لمن تقاتلون ؟ هذا ابن الانزع البطين هذا ابن قتال العرب ، فاحملوا عليه من كل جانب ، فنقض عهده وأمر العسكر بالهجوم عليه عليه السلام .

أراجيز الإمام الحسين عليه السلام :

فحمل القوم عليه حملة رجل واحد فكانوا كالطوفان المتمرد ، والحسين عليه السلامشبل أسد اللّه وحليف السيف ثابت لا يتزعزع وهو يرتجز ويقول :

كفر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب اللّه ربّ الثقلين

قتل القوم عليا وابنه

حسن الخير كريم الطرفين

حنقا منهم وقالوا أجمعوا

احشروا الناس الى حرب الحسين

يا لقوم من أناس رذل

جمعوا الجمع لأهل الحرمين

ثم ساروا وتواصوا كلّهم

باجتياحي لرضاء الملحدين

لم يخافوا اللّه في سفك دمي

لعبيد اللّه نسل الكافرين

وابن سعد قد رماني عنوة

بجنود كوكوف الهاطلين

لا لشيء كان منّي قبل ذا

غير فخري بضياء الفرقدين

بعلي الخير من بعد النبي

والنبي القرشي الوالدين

خيرة اللّه من الخلق أبي

ثم أمي فأنا ابن الخيرتين

ص: 445


1- انظر اعلام الورى :

فضة قد خلصت من ذهب

فأنا الفضة وابن الذهبين

من له جد كجدي في الورى

او كشيخي فأنا ابن العلمين

فاطم الزهراء أمي وأبي

قاصم الكفر ببدر وحنين

عبد اللّه غلاما يافعا

وقريش يعبدون الوثنين

يعبدون اللات والعزى معا

وعلي كان صلى القبلتين

فأبي شمس وامي قمر

وأنا الكوكب وابن القمرين

وله في يوم أحد وقعة

شفت الغل بعض المشكرين

ثم في الأحزاب والفتح معا

كان فيها حتف أهل الفيلقين

في سبيل اللّه ماذا صنعت

أمة السوء معا بالعترتين

عترة البر النبي المصطفى

وعلي الورد يوم الجحفلين

وأضاف الطريحي وابن شهرآشوب اليها الأبيات التالية :

فاطم الزهراء أمي وأبي

وارث الرسل ومولى الثقلين

طحن الأبطال لما برزوا

يوم بدر وباحد وحنين

واخو خيبر إذ بارزهم

بحسام صارم ذي شفرتين

والذي اودى جيوشا أقبلوا

يطلبون الوتر في يوم حنين

من له عم كعمي جعفر

وهب اللّه له اجنحتين

جدي المرسل مصباح الهدى

وأبي الموفي له بالبيعتين

بطل قرم هزبر ضيغم

ماجد سمح قوي الساعدين

عروة الدين علي ذاكم

صاحب الحوض مصلي القبلتين

مع رسول اللّه سبعا كاملا

ما على الأرض مصل غير ذين

ترك الأوثان لم يسجد لها

مع قريش مذ نشا طرفة عين

وأبي كان هزبرا ضيغما

يأخذ الرمح فيطعن طعنتين

كتمشي الأسد بغيا فسقوا

كأس حتف من نجيع الحنظلين

ص: 446

وروى أبو مخنف هذه الأبيات ولكنه لم يذكرها جميعا :

ذهب من ذهب في ذهب

ولجين في لجين في لجين

فله الحمد علينا واجب

ما جرى بالفلك احدى النيرين

خصه اللّه بفضل وتقى

فأنا الزاهر وابن الأزهرين

ترك الأصنام منذ خصه

ورقا بالحمد فوق النيرين

واباد الشرك في حملته

برجال أترفوا في العسكرين

وأنا ابن العين والاذن التي

اذعن الخلق لها في الخافقين

نحن أصحاب العبا خمستنا

قد ملكنا شرقها والمغربين

ثم جبريل لنا سادسنا

ولنا البيت كذا والمشعرين

وكذا المجد بنا مفتخر

شامخا يعلو به في الحسبين

فجزاه اللّه عنا صالحا

خالق الخلق ومولى المشعرين

عروة الدين علي المرتضى

صاحب الحوض معز الحرمين

يفرق الصفان من هيبته

وكذا أفعاله في الخافقين

والذي صدق بالخاتم منه

حين ساوى ظهره في الركعتين

شيعة المختار طيبوا انفسا

فغدا تسقون من حوض اللجين

فعليه اللّه صلى ربّنا

وحباه تحفة بالحسنين

أشجع رجال العالم :

فحمل عليهم كالليث الغضبان بائعا نفسه على اللّه وكر على ميمنتهم وهو يقول :

القتل اولى من ركوب العار

والعار اولى من دخول النار

فسلط عليهم سيفه كالصاعقة التي تصب على رؤوسهم حمم النيران ، وترك جثثهم أشلاء كالتلال ، فهزم ميمتنهم وفرقهم تفريقا ، ثم حمل على الميسرة وهو يرتجز ويقول :

أنا الحسين بن علي

آليت ان لا انثني

احمي عيالات أبي

أمضي على دين النبي

ص: 447

فحمل على الميسرة كالسيل الجارف ، ولكن سجال الحرب وثقل الحديد وشدّة النزف من الجراحات الكثيرة وحرارة الشمس في هاجرة النهار ، شددت عليه العطش ، فطلب الماء وهو يلوك بلسانه وينادي العطش ، ومع ذلك بقي صامدا لا يتزعزع في الميدان ، قال السيد : قال بعض الرواة : فواللّه ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته اربط جأشا منه .

قال عبد اللّه بن عماد : فواللّه ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما من الحسين عليه السلام ، واللّه ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، وإن كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه إنكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب .

فروى ابن شهرآشوب ومحمد بن أبي طالب : ولم يزل يقاتل حتى قتل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلا ، ثم رجع الى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم .

ثم نادى أمراء العسكر فجمعوا شتات عساكرهم وحرضوهم على القتال فتكاملوا ثلاثين الفا واتحدت سيوفهم على قتل سليل سيد «لولاك» وتقطيع بدن من خلق لاجله الافلاك ، والإمام يحمل عليهم وحده رغم ما به من العطش والغربة والجراحات ، فلا يدري أحد ماذا كان يصنع بهم عضده المقدس ، فيجري سيفه فيهم كالنار ، ولا يدري أحد كيف كان يمض في الدروع والخوذ الفولادية .

نداء الغيور في جيش لا غيرة له :

فحملوا عليه من كل جانب ، وكانت الرماة أربعة آلاف ، فرموه بالسهام والحجارة ، واحاطوا به ، فحالوا بينه وبين رحله ، فصاح بهم : ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعرابا ، فناداه شمر فقال : ما تقول يا ابن فاطمة ؟ قال : أقول : أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح ،

ص: 448

فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا ، فقال شمر : لك هذا ، ثم صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل فاقصدوه في نفسه ، فلعمري لهو كفو كريم ، فقصده القوم(1) .

فتَوَجَّهَ الحسين عليه السلام نَحْوَ الْقَوْمِ وَقالَ : يا وَيْلَكُمْ عَلَى م تُقاتِلوني ؟ عَلَى حَقٍّ تَرَكْتُهُ ؟ اَمْ عَلَى سُنَّةٍ غَيَّرْتُها ؟ اَمْ عَلَى شَريعَةٍ بَدَّلْتُها ؟ فَقالوا : بَلْ نُقاتِلُكَ بُغْضا مِنّا لإَِبيكَ وَما فَعَلَ بِاَشْياخِنا يَوْمَ بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ ، فَلَمّا سَمِعَ كَلامَهُمْ بَكى وانشأ يقول :

يا رَبِّ لا تَتْرُكَني وَحيدا

فقَدْ ترى الكفار وَالْجُحودا

قَدْ صَيَّرونا بَيْنَهُمْ عَبيدا

يُرْضُونَ في فِعالِهِمْ يَزيدا

اَمّا اَخي فَقَدْ مَضى شَهيدا

مُعَفَّرا بِدَمِهِ وَحيدا

في وَسْطِ قاعٍ مُفْرَدا بَعيدا

وَاَنْتَ بِالْمِرصادِ لَنْ تَحيدا

نداء الحسين عليه السلام لأصحابه :

وَجَعَلَ يَنْظُرُ يَمينا وَشِمالاً فَلَمْ يَرَ اَحَدا مِنْ اَنْصارِهِ اِلاّ مَنْ صافَحَ التُّرابُ جَبينَهُ وَمَنْ قَطَعَ الْحِمامُ اَنينَهُ فَنادى عليه السلام :

يا مُسْلِمَ بْنَ عَقيلٍ وَيا هاني بْنِ عُرْوَةَ وَيا حَبيبُ بْنُ مُظاهِرٍ وَيا زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ وَيا يَزيدُ بْنُ مُظاهِرٍ ويا يحيى بن كثير ويا هلال بن نافع ويا إبراهيم بن الحصين ويا عمير بن المطاع ويا أسد الكلبي ويا عبد اللّه بن عقيل ويا مسلم بن عوسجة ويا داود بن الطرماح ويا حر الرياحي ويا علي بن الحسين ويا اَبْطالَ الصَّفا وَيا فُرْسانَ الْهَيْجا ما لي اُناديكُمْ فَلا تُجيبُونَ وَاَدْعُوكُمْ فَلا تَسْمَعُونَ اَنْتُمْ نِيامٌ اَرْجُوكُمْ تَنْتَبِهُونَ اَمْ حالَتْ مَنيتكم عَنْ اِمامِكُمْ فَلا تَنْصُرُوهُ هذِهِ نِساءُ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آلهلِفَقْدِكُمْ قَدْ عَلاهُنَّ

النُّحُولِ فَقُوموا عَنْ نَوْمَتِكُمْ اَيُّهَا الكِرامُ وَادْفَعوا عَنْ حُرَمِ الرَّسُولِ الطُّغاةِ اللِّئامَ وَلكِنْ صَرَعَكُمْ وَاللّهِ رَيْبَ الْمَنونِ وَغَدَرَ بِكُمْ الدَّهْرَ الْخَئونُ وَاِلاّ لَما كُنْتُمْ عَنْ نُصْرَتي تُقَصِّرونَ وَلا عَنْ دَعْوَتي تَحْتَجِبونَ فَها نَحْنُ عَلَيْكُمْ مُفْتَجِعونَ وَبِكُمْ لاحِقونَ فَاِنّا للّهِ وَاِنّا اِلَيْهِ راجِعونَ ثُمَّ اَنْشَأَ يَقُولُ :

ص: 449


1- بحار الأنوار 45/50 بقية الباب 37 .

قَوْمٌ اِذا نُودوا لِدَفْعِ مُلمَّةٍ

وَالْخَيْلُ بَيْنَ مَدَعَسٍ وَمُكَرْدَسِ

لَبِسوا الْقُلوبَ عَلَى الدُّروعَ وَاَقْبَلوا

يَتَهافَتُونَ عَلَى ذِهابِ الأَنْفُسِ

نَصَروا الْحُسَيْنَ فَيالَها مِنْ فَتْيَةٍ

عافُوا الحَياةَ وَاَلْبَسُوا مِنْ سُنْدِسِ

ورود الحسين عليه السلام الى شريعة الماء :

فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من الماء ، فكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه باجمعم فجرد فيهم صارمه فجعل رؤوسهم تتناثر كأنها اوراق كرمة إشتد بها الريح في الخريف ، فروى سيفه من دمائهم وقصد الشريعة ليروي عطشه ، فاصطفوا أمامه كأنّهم السد المنيع صفا بعد صف ، وكان على الشريعة الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي وكانا في أربعة الاف رجل ، فتنادوا : هذا الحسين عليه السلام قد حمل على الشريعة فامنعوه ، فإنّه أن شرب منه جرعة أفناكم عن آخركم ، فكشفهم الحسين عليه السلام وأقحم الفرس على الفرات فلمّا اولغ الفرس برأسه ليشرب ، وكان عطشانا كفارسه ، قال الحسين عليه السلام : أنت عطشان وأنا عطشان واللّه لا ذقت الماء حتى تشرب ، فلمّا سمع الفرس كلام الحسين عليه السلام شال رأسه ولم يشرب كأنّه قد فهم الكلام(1) ، فقال الحسين عليه السلام : إشرب فأنا أشرب ، فمد الحسين عليه السلام يده فغرف من الماء ، فرماه الحصين بن نمير بسهم فاصاب فمه الشريف ، فجرى الدم .

وروى الشيخ المفيد : ان الحسين قد ركب المسناة(2) حينئذ ، فنادى فارس : يا حسين أتلتذ بشرب الماء وقد هتكت حرمك ، فنفض الماء من يده وحمل على القوم فكشفهم فاذا الخيمة سالمة ، فتبين ان كلام الفارس كان مكيدة .

ص: 450


1- كذا التعبير في البحار وغيره ولا ادري لماذا يعبر « كأنه فهم الكلام » ولا يعبر « لأنّه فهم الكلام » أو عبارة أخرى تؤكد على تحقق الفهم ! ، أمّا الذي لم يفهم كلام الحسين عليه السلام فهو شمر وأصحابه الذي يقول : ما ندري ما تقول يا بن فاطمة عليهاالسلام أفهمنا حتى نفهم .
2- يبدو من عبارة المؤلف كما ذكرنا قبل قليل إنّه فهم من قول الشيخ المفيد : « فركب المسناة » أنّ المسناة اسم للبعير الذي كان الحسين عليه السلام يركبه حينئذ .

الوداع الأخير :

ثم ان الحسين عليه السلام ودع أهل بيته وعياله مرة أخرى ونادى : يا زينب يا أم كلثوم يا سكينة . . . فجمعهم جميعا فاجتمعن حوله باكباد محترقة وقلوب منكسرة وعيون عبرى يعلوهن الاضطراب بما لا يمكن ان يتصوره الى مخلوق ولايحرره اي قلم ولا يبينه أيّ لسان ، فأمرهن بالصبر والسكون وأمرهن أن يلبسن ثيابا استعدادا للاسر ، وقال لهم : استعدوا للبلاء واعلموا ان اللّه حافظكم وحاميكم وسينجيكم من شر الأعداء ويجعل عاقبة أمركم الى خير ويعذب اعاديكم بانواع البلاء ويعوضكم اللّه عن هذه البلية أنواع النعم والكرامة فلا تشكوا ولا تقولوا بالسنتكم ما ينقص من قدركم .

هجوم الصقر المجروح على الجراد المنتشر :

ثم إنّه حمل على القوم كالليث المغضب ، وقاتل قتال المستميت الايس من الحياة فكان يكرّ فيهم فينكشفون بين يديه كالجراد المنتشر فلمّا رأى عمر بن سعد ذلك أمر الرماة ان يرموه ، فاثاروا عليه النبال كالمطر الهطال ، فجعل الحسين عليه السلاملا يلحق منهم احدا إلاّ بعجه بسيفه فقتله ، والسهام تأخذه من كلّ ناحية ، وهو يتقبّلها بنحره

وصدره حتى صار جسمه كالقنفذ ، لأنّه ما ولّى في قتال قط ، وقال عليه السلام : يا أمة السوء بئس ما خلفتم محمدا في عترته ، أما أنّكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد اللّه فتهابوا

من قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي ، وأيم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون .

فصاح به الحصين بن مالك السكوني فقال : يا ابن فاطمة وبماذا ينتقم لك منا ؟ قال : يلقي بأسكم بينكم ويسفك دماءكم ثم يصب عليكم العذاب الأليم .

ثم حمل عليهم يسقيهم كؤوس المنية ويرديهم صرعى أينما توجه يسوقهم بين يديه وينثر الموت فوق رؤوسهم فصاح عمر بن سعد : إرموه بالنبال ، فرماه أربعة الاف رام دفعة واحدة وصوبوا اليه سهامهم .

ص: 451

عدد جراحات الحسين عليه السلام :

كانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ ، فروي أنّه كانت فيه ثلاث وثلاثين ضربة سوى السهام .

وقال صاحب المناقب والسيد : أصابته اثنتان وسبعون جراحة .

وقال أبو مخنف : ثلاثة وثلاثون طعنة وأربعة وثلاثون ضربة .

وقال الباقر عليه السلام : أصيب الحسين عليه السلام ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح وضربة بسيف أو رمية بسهم . وروي ثلاثمائة وستون جراحة .

وقيل : ألف وتسعمائة جراحة وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ ، وروي أنّها كانت كلّها في مقدمه .

سقوط الحسين عليه السلام من فرسه :

ثم رماه أبو الحتوف الجعفي بسهم وكان قد كمن له ، فوقع السهم في جبهته ، فنزعه من جبهته فسالت الدماء على وجهه ولحيته ، فقال عليه السلام : اللّهم إنك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤاء العصاة ، اللّهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على وجه الأرض منهم أحدا ولا تغفر لهم أبدا(1) .

فبينما هو واقف [إذ أتاه حجر فوقع في جبهته] فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب ، فوقع السهم في صدره ، وفي بعض الروايات على قلبه ، فخرج من ظهره ، رماه به خولي الأصبحي ، وروي أبو قدامة العامري ، فقال الحسين عليه السلام : بسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي إنّك تعلم أنّهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه ، فانبعث الدم كالميزاب فوضع يده على الجرح ، فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة ، ثم وضع يده ثانيا فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته وقال : هكذا أكون حتى ألقى جدي رسول اللّه وأنا مخضوب بدمي وأقول : يا رسول اللّه قتلني فلان وفلان(2) .

ص: 452


1- بحار الأنوار 45/50 بقية الباب 37 .
2- بحار الأنوار 45/52 بقية الباب 37 .

ولما أثخن بالجراح وقف ليستريح ساعة فطعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته - غيلة - طعنة فسقط عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن ثم قام صلوات اللّه عليه .

خروج زينب عليهاالسلام :

وكانت زينب واقفة تراقب الميدان فلمّا رأت ذلك خرجت من الفسطاط وهي تنادي : وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه ليت السماء أطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل(1) .

ثم التفتت الى ابن سعد فقالت : يا عمر بن سعد أيقتل أبو عبد اللّه وأنت تنظر إليه(2) ؟ فاغرورقت عينا عمر بالدموع وصرف وجهه عنها .

شهادة عبد اللّه بن الحسين عليهماالسلام :

فلبثوا هنيئة ثم عادوا إليه وأحاطوا به ، فخرج عبد اللّه بن الحسن بن علي عليهم السلام ، وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام ، فلحقته زينب بنت علي عليهماالسلام لتحبسه ، فقال الحسين عليه السلام : احبسيه يا أختي ، فأبى وامتنع امتناعا شديدا وقال : لا واللّه لا أفارق عمي ، وأهوى أبجر بن كعب إلى الحسين عليه السلام بالسيف ، فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة ، أتقتل عمي ؟ فضربه بالسيف ، فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلد ، فإذا هي معلقة ، فنادى الغلام : يا أماه ، فأخذه الحسين عليه السلام فضمه إليه وقال : يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإن اللّه يلحقك بآبائك الصالحين ، فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه الحسين عليه السلام(3) .

ص: 453


1- بحار الأنوار 45/52 بقية الباب 37 .
2- بحار الأنوار 45/55 بقية الباب 37 .
3- بحار الأنوار 45/52 بقية الباب 37 .

مصرع الحسين عليه السلام :

فَلَمّا نَظَرَ الشِّمْرُ اِلَى ذلِكَ اَقْبَلَ اِلَى عُمَرِ بْنِ سَعْدٍ وأشار عليه فامر عمر بن سعد

يتَفَرَّقوا عَلَيْهِ ثَلاثَ فِرَقْ ، فِرْقَةٌ بِالنِّبالِ وَالسِّهامِ ، وَفِرْقَةٌ بِالسُّيُوفِ وَالرِّماحِ ، وَفِرْقَةٌ بِالنّارِ وَالحِجارَةِ ، فَجَعَلوا يَرْشِقونَهُ بِالسِّهامِ وَيَطْعَنُونَهُ بِالرِّماحِ وَيَضْرِبُونَهُ بِالسُّيوفِ حَتّى اَثْخَنُوهُ بِالجِراحِ ، وَخَرَّ صَريعا مَغْشيا عَلَيْهِ .

فَلَمّا اَفاقَ مِنْ غَشْيَتِهِ وَثَبَ لِيَقُومَ لِلْقِتالِ فَلَمْ يَقْدَرْ فَبَكى بُكاءً شَديدا وَنادى : وا جَدّاهُ وا مُحَمَّداهُ وا أبا القاسماه وا اَبتاهُ وا عَلِيّاهُ وا اَخاهُ وا حَسَناهُ وا جعفراه وا حمزتاه وا عقيلاه وا عباساه وا غُرْبَتاهُ وا عَطَشاهُ وا غَوْثاهُ وا قِلَّةَ ناصِراهُ ، أَأُقْتَلُ مَظْلوما وَجَدِّي محمد الْمُصْطَفى وَاُذْبَحُ عَطْشانا وَاَبي عَلِيٍّ الْمُرْتَضى وَاُتْرَكُ مَهْتُوكا وَاُمِّي فاطِمَةُ الزَّهْراء .

قال أبو مخنف : ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ وَبَقِيَ ثَلاثَ ساعاتٍ مِنَ النَّهارِ وَالْقَوْمُ يعلمون أنّه

حي ولكنهم يهابون الاقدام عليه .

فَقَصَدَهُ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ يقال له : « مالك بن البسر الكندي ، فشتمه فَضَرَبَهُ عَلَى مِفْرَقِ رَأْسِهِ فَشَقَّ هامَتَهُ ، فَقالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام : لا اَكَلْتَ بِيَمينِكَ وَلا شَرِبْتَ بِها وَحَشَرَكَ اللّهُ مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمينَ ، وكان على رأسه برنس فامتلأ دما ، فالقى البرنس فجاء الكندي وأخذ البرنس وكان من خز ، فلمّا قدم بعد الواقعة على إمرأته فجعل يغسل الدم عنه .

وروي فَاَخَذَ الكِنْدي اَلْبَيْضَةَ وَانْطَلَقَ بِها اِلَى زَوْجَتِهِ وَقالَ لَها : هذِهِ بَيْضَةُ

الْحُسَيْنِ عليه السلام فَاغْسِليها مِنْ دَمِها ، فَبَكَتْ وَقالَتْ : وَيْلَكَ قَتَلْتَ الْحُسَيْنَ وَسَلَّبْتَ سِلاحَهُ ؟ اخرج عني حشى اللّه قبرك نارا ، وَاللّهِ لَسْتَ اَنْتَ لي بَعْلاً وَلا اَنا لَكَ اَهْلاً وَلا جُمِعْتُ اَنَا وَاَنْتَ تَحْتَ سَقْفِ بَيْتٍ(1) .

ص: 454


1- مقتل أبي مخنف :

فلم يزل بعد ذلك فقيرا باسوء حال ويبست يداه وكانتا في الشتاء ينضحان دما وفي الصيف تصيران يابستين كأنهما عودان .

وفي رواية أبي مخنف : فَوَثَبَ اِلَيْها لِيَلْطِمَها فَانْحازَتْ عَنْهُ فَاصابَ يَدَهُ مِسْمارُ البابِ فَحَمَلَتْ عَلَيْهِ فَقَطَعَها مِنْ مَرْفَقِها ، وَلَمْ يَزَلْ فَقيرا حَتّى هَلَكَ والتحق بدار البوار .

فعندها صاح شمر : ما وقوفكم ؟ وما تنتظرون بالرجل ؟ فاول من ابتدر الى حرب اللّه ورسوله زرعة بن شريك فضربه بالسيف على كتفه ، وضرب الحسين عليه السلام زرعة فصرعه بالرغم من ضعفه وجراحاته وعطشه ، وقال : صبرا على قضائك يا ربّ لا اله سواك يا غياث المستغيثين ، فصاح شمر : علي بالنار احرق خيام الحسين على من فيها ، فقال له الحسين عليه السلام : يا ابن ذي الجوشن أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي ؟ احرقك اللّه بالنار .

ثم ابْتَدَرَ اِلَيْهِ اَرْبَعُونَ رَجُلاً من أمراء القوم وسراتهم كُلٌّ مِنْهُمْ يُريدُ حَزَّ نَحْرِهِ ، فرماه الحصين بن نمير بسهم في فيه ، ورماه أبو أيوب الغنوي بسهم في حلقه ، وضربه نصر بن خرشة بالسيف ، وضربه عمرو بن الخليفة الجعفي على عاتقه ، وطعنه صالح بن وهب المزني بالرمح في خاصرته ، فوقع الى الأرض ، ثم استوى جالسا ، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ، ثم رماه سنان أيضا بسهم فوقع في نحره ، فسقط عليه السلام وجلس قاعدا ، فنادى عمر بن سعد : ويلكم ثكلتكم أمهاتكم عَجِّلوا عَلَيْهِ ، فاقبل شبث بن ربعي شاهرا سيفه فنظر اليه الحسين عليه السلام فارتعدت يده ورمى السيف من يده وفر هاربا وهو يقول : معاذ اللّه يا حسين ان ا لقى اللّه بدمك .

فَاَقْبَلَ اِلَيْهِ سَنانُ بْنُ اَنَسٍ وكان ابرص قصير الوجه فقال لشبث مستهزءا به : ثَكَلَتْكَ اُمُّكَ وَعَدَمُوكَ قَوْمُكَ لِمَ رَجَعْتَ عَنْ قَتْلِهِ ؟ فَقالَ : يا وَيْلَكَ اِنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيْهِ في وَجْهي فَاَشْبَهَتا عَيْني رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فارعدت وفقدت قوتي فَقالَ لَهُ : يا وَيْلكَ اِعْطِني السَّيْفَ فَاَنا اَحَقُّ مِنْكَ بِقَتْلِهِ .

ص: 455

فَاَخَذَ السَّيْفَ وَهَمَّ اَنْ يَعْلُو رَأْسَهُ فَنَظَرَ اِلَيْهِ فَارْتَعَدَّ سَنانٌ وَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ وَوَلّى هارِبا ، فَاَقْبَلَ اِلَيْهِ الشِّمْرُ وَقالَ : ثَكَلَتْكَ اُمُّكَ ما اَرْجَعَكَ عَنْ قَتْلِهِ ؟ فَقالَ : يا وَيْلَكَ اِنَّهُ فَتَحَ في وَجْهي عَيْنَيْهِ فَذَكَرْتُ شُجاعَةَ اَبيهِ ففرت هاربا ، فبدر اليه خولي بن يزيد الأصبحي فأخذته رعدة وفر هاربا ، فَقالَ الشِّمْرُ : يا وَيْلَكم اِنَّكم لَجَبناء في الْحَرْبِ ، هَلُموا اِلَيَّ بِالسَّيْفِ ، فَوَ اللّهِ ما اَحَدٌ اَحَقُّ مِنّي بِدَمِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَاَخَذَ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ وَرَكِبَ صَدْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَلَمْ يَرْهَبْ مِنْهُ وَقالَ : لا تَظُنُّ اِنِّي كَمَنْ اَتاكَ فَلَسْتُ اَرُدُّ عَنْ قَتْلِكَ يا حُسَيْنُ عليه السلام .

فَقالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام : مَنْ اَنْتَ ؟ فَلَقَدْ اِرْتَقَيْتَ مُرْتَقىً عظيما طالَما قَبَّلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ لَهُ : اَنَا الشِّمْرُ بن ذي الجوشن الضُّبابي ، فَقالَ لَهُ الْحُسَيْنُ

عليه السلام : اَما تَعْرِفُني ؟ فَقالَ : بَلى اَنْتَ الْحُسَيْنُ عليه السلام وَاَبُوكَ علي الْمُرْتَضى وَاُمُّكَ فاطمة الزَّهراءُ وَجَدَّكَ محمد الْمُصْطَفى صلى الله عليه و آله وَجَدَّتُكَ خَديجَةُ الْكُبرى ، فَقالَ لَهُ : وَيْحَكَ اِذا عَرَفْتَني فَلِمَ تَقْتُلُني ؟ فَقالَ لَهُ : اَطْلُبُ بِقَتْلِكَ الجائزَةَ مِنْ يَزيدَ بن معاوية ، فَقالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام : اَيَّما اَحَبُّ اِلَيْكَ شَفاعَةُ جَدِّي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله اَمْ جائَزةُ يَزيدَ ؟ فَقالَ : دانِقٌ مِنْ جائزَةِ

يَزيدَ اَحَبُّ اِلَيَّ مِنْكَ وَمِنْ شَفاعَةِ جَدِّكَ وَاَبيكَ ، فَقالَ لَهُ : اِذا كانَ لابُدَّ مِنْ قَتْلي فَاسْقِني شَرْبَةً مِنَ الْماءِ .

فَقالَ : هَيْهاتَ هَيْهاتَ وَاللّهِ ما تَذُوقُ الْماءِ اَوْ تَذُوقُ الْمَوْتَ غُصَّةً بَعْدَ غُصَّةٍ وَجُرْعَةً بَعْدَ جُرْعَةٍ ، ثُمَّ قالَ : يَابْنَ اَبي تُرابٍ اَلَسْتَ تَزْعَمُ اَنَّ اَبَاكَ عَلَى الْحَوْضِ يَسْقي مَنْ اَحَبَّ ؟ اِصْبِرْ قَليلاً حَتّى يَسْقيكَ اَبُوكَ .

فَقالَ عليه السلام : سَالْتُكَ بِاللّهِ اِلاّ ما كَشَفْتَ لي عَنْ لِثامِكَ لأَنْظُرَ اِلَيْكَ ، قالَ : فَكَشَفَ لَهُ عَنْ لِثامِهِ ، فَاِذا هُوَ اَبْرَصٌ اَعْوَرٌ لَهُ بُوزٌ كَبُوزِ الْكَلْبِ وَشَعْرٌ كَشَعْرِ الْخِنْزيرِ ، فَقالَ لَهُ الإِمامُ عليه السلام : صَدَقَ جَدِّي رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله ، فَقالَ لَهُ الشِّمْرُ : وَما قالَ جَدُّكَ رَسُولِ اللّهِ ؟

قالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ لأَِبي : يا عَلِي يَقْتُلُ وَلَدَكَ هذا اَبْرَصٌ اَعْوَرٌ لَهُ بُوزٌ كَبُوزِ الْكَلْبِ وَشَعْرٌ كَشَعْرِ الْخِنزيرِ ، فَقالَ لَهُ : يُشَبِّهُني جَدَّكَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالْكِلابِ وَاللّهِ لأََذْبَحَنَّكَ مِنَ الْقَفا جَزاءً لِما شَبَّهَني جَدُّكَ ، ثُمَّ اَكَبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَجَعَلَ يَحُزُّ اَوْداجَهُ بِالسَّيْفِ وَهُوَ يَقُولُ :

ص: 456

اَقْتُلُكَ الْيَوْمَ وَنَفْسي تَعْلَمُ

عِلْمَا يَقينا لَيْسَ فيهِ مَغْرَمُ

ولا مجال لا ولا تكتّم

اَنَّ اَباكَ خَيْرَ مَنْ يُكَلِّمُ

بَعْدَ النَّبيِّ الْمُصْطَفى الْمُعَظَّمُ

اَقْتُلُكَ الْيَوْمَ وَسَوْفَ اَنْدَمُ

وَاَنَّ مَثوايَ غَدا جَهَنَّمُ

افيض دمك بالتراب بقّم

ولا لاولاد النبي ارحم

فضربه بسيفه اثنتا عشرة ضربة ثم جز رأسه صلوات اللّه عليه ثم رفع رأسه على القناة ، فكبر العسكر ثلاث تكبيرات وتزلزلت الأرض واظلم الشرق والغرب وأخذت الناس الرجفة والصواعق وأمطرت السماء دما عبيطا . وقد اتفق علماء العامة والخاصة على أنّ السماء أمطرت دما عند مقتل الحسين عليه السلام ، ولا يمكن أن يكون غير ذلك ، فوجوده المقدّس روح عالم الإمكان ومهجته ، فاذا تعذّبت الروح وتألمت المهجة ، فلابد أن تظهر آثار ذلك على البدن ، ولذلك لم يبق شيء من ابتداء عالم الأمر - فاتحة الموجودات - الى نهاية عالم الخلق - خاتمة المكونات - إلاّ وتأثّر وتضرّر ، وإن استعصى شمر ويزيد وعبيد اللّه .

وَنادى مُنادٍ مِنَ السَّماءِ : قُتِلَ وَاللّهِ الإِمامُ بْنُ الإمامِ اَخُو الإِمامِ اَبُو الأَئمَةِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَبي طالِبٍ عليه السلام .

وفي مقتل ابن طاووس : أنّ هاتفا هتف قائلا :

أن الرماح الواردات صدورها

نحو الحسين تقاتل التنزيلا

ويهللون بأن قتلت وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

فكأنما قتلوا أباك محمدا

صلى عليه وآله(1) جبريلا(2)

وروى أبو مخنف عن أم كلثوم قالت : سمعت بعد قتل الحسين عليه السلام هاتِفا اَسْمَعُ صَوْتَهُ وَلا اَرى شَخْصَهُ وَهُوَ يَقُولُ :

ص: 457


1- في مثير الأحزان : « صلى عليه اللّه أو جبريلا » .
2- مثيرالأحزان : 108 نوح الجن على الحسين عليه السلام وفيه : « سمع بالبصرة ينشد ليلا » .

وَاللّهِ ما جِئْتُكُمْ حَتّى بَصَرْتَ بِهِ

بِالطَفِّ مُنْعَفِرَ الْخَدَّيْنِ مَنْحُورا

وَحَوْلِهِ فِتْيَةٌ تُدْمى نُحُورِهُمُ

مِثلُ الْمَصابيحِ يَغْشَونَ الدُّجى نورا

وَقَدْ رَكضْتُ رِكابي كَيْ اُصادِفَهُ

مِنْ قَبْلِ يَلْثِمُ وَسْطَ الْجَنَّةِ الْحورا

فردني قدر واللّه بالغه(1)

وَكانَ اَمْرُ قَضاءِ اللّهِ مَقْدُورا

كانَ الْحُسَيْنُ سِراجا يُسْتَضاءُ بِهِوَاللّهُ يَعْلَمُ اَنِّي لَمْ اَقُلْ زُورا

فَقُلْتُ لَهُ بِحَقِّ مَعْبُودِكَ مَنْ اَنْتَ ؟ فَقالَ : اَنَا مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْجِنِّ جِئْتُ اَنَا وَقَوْمي اَنْصُرُ الْحُسَيْنُ عليه السلام فَوَجَدْناهُ قَدْ قُتِلَ .

فلمّا قتل صلوات اللّه عليه ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء

مظلمة فيها ريح حمراء لا ترى فيها عين ولا أثر حتى ظن القوم أن العذاب قد جاءهم ، فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم(2) ، فجاء عندئذ رجل على عمر بن سعد وصرخ : أبشر أيّها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين عليه السلام(3) .

وقد اختلفوا في قاتل الحسين عليه السلام فقال بعضهم : قاتل سيد الشهداء رجل مجهول من قبيلة مذحج ، وهي رواية ضعيفة جدا ، وقال جماعة : قاتله خولي بن يزيد الأصبحي ، وقال جماعة : سنان بن أنس النخعي ، واتفق جماعة على أنّه شمر بن ذي الجوشن ، وهو أصحّ الأقوال ، وقد يكون خولي وسنان اعانوه على ذلك .

س وقد وقعت هذه الواقعة المهولة يوم الجمعة سنة ستين للهجرة .

اللّهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك اللّهم العن العصابة التي جاهدت الحسين عليه السلام وشايعت وتابعت على قتله اللّهم العنهم جميعا .

انتهى الجزء الثاني من كتاب حياة الإمام سيد الشهداء الحسين عليه السلام ويليه الجزء الثالث ويبدأ بالوقائع المتأخرة على شهادته عليه السلام .

ص: 458


1- في مقتل أبي مخنف : « دَنى اِلَى اَجَلٍ وَاللّهُ قَدَّرَهُ » .
2- بحار الأنوار 45/56 بقية الباب 37 .
3- بحار الأنوار 45/56 بقية الباب 37 .

فهرست الجزء الأول

ص: 459

ص: 460

ذكر بدو خلق الحسين بن علي عليهماالسلام وخلق نوره··· 11

ذكر ولادة الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام··· 13

[ قولنا المختار ]··· 15

ذكر فترة حمل فاطمة بالحسين عليهماالسلام··· 17

ذكر ولادته عليه السلام وتسميته··· 19

ذكر الملائكة الذين أنجاهم اللّه ··· 20

ببركة ولادة الحسين عليه السلام··· 20

نجاة صلصائيل ببركة ولادة الحسين عليه السلام··· 23

ذكر نجاة فطرس ببركة ولادة الحسين عليه السلام··· 24

ذكر رضاع الحسين عليه السلام وجعل الأئمة من صلبه··· 25

ذكر اسمه وكناه وألقابه وشمائله ونقش خاتمه··· 30

[ كنيته عليه السلام ]··· 32

[ حليته وشمائله ]··· 33

[ نقش خاتمه ]··· 34

ذكر محبة النبي صلى الله عليه و آله للحسين عليه السلام··· 35

ذكر فضائل الحسين عليه السلام ومحبة النبي صلى الله عليه و آله إياه عليه السلام··· 39

في إثبات أنّ أبناء فاطمة عليهاالسلام أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 41

ذكر شدّة محبة النبي صلى الله عليه و آله للحسنين عليهماالسلام··· 47

وفيه خمسة وثلاثون حديثا من الخاصة والعامة··· 47

ذكر الأحاديث التي دلت على تحريم ولد فاطمة عليهاالسلام على النار··· 56

ذكر فضائل الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما الصلاة والسلام··· 57

ذكر الآيات والأحاديث الناصة على إمامة الحسين بن علي عليهماالسلام··· 77

ذكر الأحاديث التي نص فيها النبي صلى الله عليه و آله على إمامة الحسين عليه السلام··· 79

ص: 461

ذكر الأحاديث التي روتها فاطمه عن رسول اللّه في النص على إمامة الحسين عليه السلام··· 80

ذكر الأحاديث التي رواها أمير المومنين عن النبي في النص على إمامة الحسين···

81

ذكر ما روي عن أمير المومنين علي خاصة في النص على إمامة الحسين عليه السلام··· 82

ذكر تفويض الإمام الحسن أمر الخلافة والامامة عند الوفاة للحسين بن علي عليهماالسلام··· 85

ذكر ظهور إمامة الحسين بن علي وخلافته في سنة خمسين للهجرة··· 86

ذكر طغيان معاوية في قتل الشيعة ونهبهم بعد شهادة الحسن عليه السلام··· 88

ذكر وقائع سنة احدى وخمسين وطغيان معاوية في محاربة شيعة علي··· 92

ذكر كتب معاوية الى عماله في جميع الأمصار يأمرهم بقتل شيعة علي ...··· 96

[ وفاة عتبان بن مالك ]··· 98

[ شهادة عمرو بن الحمق الخزاعي ]··· 99

حوادث سنة اثنتين وخمسين للهجرة وقتل سمرة بن جندب أهل البصرة··· 103

[ محاربة الخوارج ]··· 103

[ ذكر هرب الفرزدق من زياد ]··· 104

[وفاة عقيل بن أبي طالب]··· 108

[وفاة نعيمان بن عمرو]··· 108

[وفاة سفيان بن عون]··· 109

[وفاة عبد اللّه بن أبي معقل]··· 109

[وفاة ميمونة بنت الحارث]··· 109

[وفاة أبي موسى الأشعري]··· 109

[وفاة كعب بن عجرة]··· 110

[وفاة جماعة]··· 110

[شهادة حجر بن عدي]··· 110

ذكر حوادث سنة ثلاث وخمسين من كتاب سيد الشهداء عليه السلام··· 118

[هلاك زياد بن أبيه]··· 118

وفاة جبلة بن الايهم الغساني··· 122

[وفاة فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس الانصاري]··· 123

[وفاة وردان]··· 123

[وفاة سعيد بن العاص]··· 124

ص: 462

[وفاة الربيع بن زياد الحارثي]··· 124

[استخلاف عبد الرحمن وسمرة]··· 124

ذكر حوادث سنة أربع وخمسين··· 124

[عزل سعيد بن العاص عن المدينة واستعمال مروان]··· 125

[عزل سمرة عن البصرة]··· 125

[استعمال عبيد اللّه بن زياد على خراسان]··· 125

حوادث سنة خمس وخمسين··· 128

حوادث سنة ست وخمسين··· 130

[ أخذ البيعة ليزيد ]··· 130

[ذكر من رفض بيعة يزيد]··· 133

[وفاة جويرية زوج النبي صلى الله عليه و آله]··· 135

حوادث سنة سبع وخمسين··· 135

وتفرقوا على ذلك··· 138

حوادث سنة ثمان وخمسين··· 140

[وفاة عقبة بن عامر]··· 141

[وفاة جبير بن مطعم]··· 141

[وفاة عبيد اللّه بن عباس]··· 142

حوادث سنة تسع وخمسين··· 142

[ولاية عبد الرحمن بن زياد خراسان]··· 142

[وفود عبيد اللّه بن زياد على معاوية]··· 142

[ قصة يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري مع ابني زياد ]··· 143

[وفاة أسامة بن زيد]··· 144

[ وفاة قيس بن سعد بن عبادة ]··· 144

[ وفاة أبي محذورة ]··· 145

[ وفاة سعيد بن العاص ]··· 145

[ وفاة عبد اللّه بن عامر بن كريز ]··· 145

[ وفاة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ]··· 145

ذكر أخبار الحطيئة الشاعر··· 146

ص: 463

ذكر إحتجاج الحسين بن علي عليهماالسلام مع معاوية وذكر أصحابه أيام معاوية··· 161

[ وفاة أبي هريرة ]··· 167

ذكر الآيات والأخبار المأولة بشهادة الإمام الحسين بن علي عليه السلام··· 168

ذكر إخبار اللّه أنبياءه بشهادة الحسين عليه السلام··· 171

ذكر أخبار الكتب السالفة بشهادة الحسين عليه السلام··· 179

ذكر إخبار اللّه تعالى نبيه صلى الله عليه و آله بشهادة الحسين عليه السلام··· 180

ذكر إخبار اللّه نبيه صلى الله عليه و آله بشهادة الحسن والحسين عليهماالسلام··· 183

ذكر عزم معاوية على اتمام أخذ البيعة ليزيد عليه اللعنة بولاية العهد··· 206

كتاب معاوية الى مروان بن الحكم يامره يأخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة···

209

سفر معاوية الى الحج عن طريق المدينة لتاكيد بيعة يزيد عليه اللعنة··· 210

معاوية ياخذ ابن عباس معه الى مكة ليكلم الحسين عليه السلام··· 212

اقامة معاوية في مكة وانفاذه العطايا الى شيوخ القبائل وزعماء القوم··· 215

حيلة معاوية في اتهام الحسين بانه بايع يزيد··· 215

مرض معاوية الذي هلك فيه··· 217

ذكر بيعة معاوية مع يزيد··· 220

وما وعظه به ونصحه به من نصائح سنة تسع وخمسين··· 220

ذكر ما آل اليه معاوية وسنة وفاته··· 224

وسنة شهادة سيد الشهداء··· 224

ذكر إشتداد العلة على معاوية··· 225

ووصيته لابنه يزيد··· 225

ذكر وفاة معاوية بن أبي سفيان··· 226

سنة تسع وخمسين··· 226

ذكر خلافة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان··· 229

سنة تسع وخمسين··· 229

ذكر خلافة يزيد بن معاوية··· 231

ذكر خطاب يزيد لأهل الشام وإخبارهم بعداوته لأهل العراق··· 232

ذكر إرسال يزيد كتبا الى الأمصار لإبلاغهم بموت معاوية وخلافته عليه اللعنة··· 233

[ عودة الى الموضوع ]··· 235

فهرست الجزء الأول··· 459

ص: 464

فهرست الجزء الثاني

ص: 465

ص: 466

الإمام الحسين عليه السلام يزور قبر جده رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويشكو اليه من الظلم··· 247

الحسين عليه السلام يرى جده صلى الله عليه و آله في المنام··· 248

محمد بن الحنفية يحاور الحسين عليه السلام··· 248

عمر بن علي يحاور الحسين عليه السلام··· 251

الحسين عليه السلام يودع قبر جده··· 252

خروج الحسين عليه السلام الى مكة··· 253

الملائكة تأتي لاغاثة الحسين عليه السلام··· 253

الجن يأتون لنصرة الإمام الحسين عليه السلام··· 254

مع عبد اللّه بن أبي مطيع··· 254

ورود الحسين بن علي عليهماالسلام الى مكة المعظمة··· 255

عبد اللّه بن عباس وعبد اللّه بن عمر يكلمان الحسين عليه السلام··· 256

كتاب يزيد عليه اللعنة الى ابن عباس في أمر الحسين عليه السلام··· 258

كتب أهل الكوفة الى الحسين عليه السلام··· 260

كتاب الحسين عليه السلام الى أهل الكوفة وارسال مسلم بن عقيل الى الكوفة··· 263

رجوع مسلم الى الحسين عليه السلام··· 264

كتاب مسلم من الطريق الى الحسين عليه السلام··· 264

جواب الإمام الحسين على كتاب مسلم··· 265

في دخول مسلم بن عقيل عليه السلام الكوفة··· 265

كتاب الحسين عليه السلام الى مشايخ أهل البصرة··· 266

كلام يزيد بن مسعود مع أشراف البصرة··· 266

نزول مسلم عليه السلام الكوفة وعلم النعمان بن بشير به وعزل النعمان ...··· 269

كتاب عبد اللّه الحضرمي الى يزيد··· 270

عهد يزيد بولاية الكوفة الى ابن زياد··· 271

ص: 467

كتاب آخر الى ابن زياد··· 271

خطبة ابن زياد في البصرة··· 271

حيلة ابن زياد··· 272

دخول ابن زياد قصر الامارة··· 273

خطبة ابن زياد في الكوفة··· 273

اين أهل هذا المصر ؟··· 274

مسلم في بيت هاني··· 274

تخطيط هاني ومسلم لقتل ابن زياد··· 274

احتيال معقل للوصول الى مسلم عليه السلام··· 276

فظن مسلم بن عوسجة أنّ القول ما يقول !··· 276

ابن زياد يدعو هانى ء··· 277

خوف هاني من الدخول على ابن زياد··· 277

اعتداء ابن زياد على هاني··· 278

الجاسوس ! الجاسوس !··· 278

ابن زياد يطلب مسلم من هانى ء··· 278

كلام مسلم بن عمرو وهانى ء··· 279

ابن زياد يحبس هاني··· 279

بطولة هانى ء في مجلس ابن زياد··· 280

قيام قبيلة مذحج··· 280

شريح يشهد كاذبا··· 281

موقف اسماء بن خارجة··· 281

خروج مسلم بن عقيل··· 281

خوف ابن زياد من جيش ابن عقيل··· 282

اجواء الخوف والرعب··· 282

تفرق أهل الكوفة عن مسلم··· 283

دخول مسلم بن عقيل دار محمد بن كثير وتورط محمد وابنه مع ابن زياد··· 284

ص: 468

غربة وحيرة··· 284

تورط محمد بن كثير··· 285

وصول جيش الشام الى الكوفة··· 285

استشهاد محمد بن كثير وابنه··· 286

بطولة ابنه محمد وشهادته··· 286

خروج مسلم من دار محمد بن كثير··· 287

ساعة في بيت اللّه ··· 288

دخول مسلم دار طوعة··· 288

لا تخبرن احدا من الناس··· 289

مجى ء ابن زياد الى المسجد··· 289

رؤيا مسلم··· 290

بلال يبلغ ابن زياد عن مسلم··· 290

حرب مسلم مع جيش ابن زياد··· 291

وقوع مسلم في الحفيرة··· 293

مسلم يطلب جرعة من الماء··· 293

بكاء مسلم على الإمام الحسين عليه السلام··· 294

مسلم عليه السلام في مجلس ابن زياد···

295

كلام بين مسلم وابن زياد··· 296

مقتل هانى ء بن عروة··· 298

ابن زياد يرسل براس مسلم وهانى ء الى الشام··· 299

كتاب يزيد الى ابن زياد··· 300

ذكر شهادة محمد وإبراهيم أبناء مسلم بن عقيل··· 301

حكم ابن زياد في ابني مسلم··· 301

السجان يطلق سراحهما··· 302

قتل مشكور السجان··· 303

أطفال مسلم في بيت الحارث··· 304

ص: 469

وقوع اطفال مسلم بيد الحارث··· 304

مقتل اطفال مسلم··· 305

حمل الحارث الرؤوس الى ابن زياد··· 306

قتل الحارث بامر ابن زياد··· 307

ذكر خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكة الى العراق··· 308

الواقدي وزرارة مع الحسين عليه السلام··· 309

خطبة الحسين عليه السلام في مكة··· 309

محمد ابن الحنفية والحسين عليه السلام··· 310

ابن عباس وابن الزبير··· 310

عبد اللّه بن عمر مع الحسين عليه السلام··· 311

ابن سعيد يرسل جماعة لارجاع الحسين عليه السلام··· 311

ابن عباس يبشر ابن الزبير !··· 311

تعامل الحسين عليه السلام مع قافلة اليمن··· 312

رسالة عبد اللّه بن جعفر الى الحسين عليه السلام··· 312

ابن الحنفية يودع الإمام عليه السلام··· 313

كلام الحسين عليه السلام مع الذين منعوه من الخروج··· 313

لقاء الحسين عليه السلام والفرزدق··· 314

الحسين عليه السلام وابنه علي الأكبر عليه السلام···

315

لقاء الحسين عليه السلام وأبي هرة··· 315

لقاء الحسين عليه السلام برجل من العراق··· 316

كتاب الوليد الى ابن زياد··· 316

لقاء الحسين عليه السلام مع الطرماح··· 316

ابلاغ ابن زياد اقبال الحسين الى الكوفة··· 317

كتاب الحسين عليه السلام الى أشراف أهل الكوفة··· 317

كتاب عبد اللّه بن يقطر··· 318

شجاعة وشهادة ابن يقطر في قصر ابن زياد··· 318

ص: 470

لقاء الحسين عليه السلام مع عبد اللّه بن مطيع··· 318

لقاء الحسين عليه السلام مع زهير بن القين··· 319

زينب عليهاالسلام تسمع هاتفا··· 320

وصول خبر شهادة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة للحسين عليه السلام··· 320

بكاء بنت مسلم عليه السلام··· 321

لقاء الفرزدق مرة ثانية··· 322

وصول خبر مقتل عبد اللّه بن يقطر الى الحسين عليه السلام··· 322

لقاء الحسين عليه السلام مع عبد اللّه بن الحر··· 322

ندم عبد اللّه على تركه نصرة الحسين عليه السلام··· 324

لقاء عمر بن لوذان··· 324

مع الحر بن يزيد الرياحي··· 325

الإمام يسقي جيش الحر··· 325

خطبة الحسين في منزل ذو جشم··· 326

النداء العجيب··· 326

حوار الحسين عليه السلام مع الحر··· 326

صلاة الإمام وخطبته··· 327

الحر يمانع الحسين عليه السلام··· 328

الحسين عليه السلام ياذن لاصحابه بالرجوع··· 328

بكاء أم كلثوم ومواساتها الحسين عليه السلام··· 329

كلام الحر مع الحسين عليه السلام··· 330

الطرماح دليل قافلة الحسين عليه السلام··· 330

الحسين عليه السلام يحدث ولده برؤياه··· 331

وصول كتاب ابن زياد الى الحر··· 331

الحر يأخذ الحسين عليه السلام بالنزول··· 332

خطبة الحسين عليه السلام في أصحابه··· 332

جواب الأصحاب على خطاب الحسين عليه السلام··· 333

ص: 471

ورود الحسين عليه السلام ارض كربلاء··· 333

كتاب الإمام الحسين عليه السلام الى أهل الكوفة··· 335

عدد كتب الحسين عليه السلام الى أهل الكوفة··· 335

كلام الحسين عليه السلام في شهادة قيس بن مسهر··· 336

جواب بعض أصحاب الحسين عليه السلام··· 336

كلام الحسين عليه السلام مع أهل بيته··· 337

اعلام ابن زياد بورود الحسين عليه السلام كربلاء··· 337

ابن زياد يقترح على عمر بن سعد··· 337

نظر عمر بن سعد في قتال الحسين عليه السلام··· 338

خطبة ابن زياد وتجهيز الجيش··· 339

عدد عساكر ابن زياد المعلون··· 340

عدد عسكر الإمام الحسين عليه السلام··· 342

عودة الى الكلام··· 343

وصول عمر بن سعد بن أبي وقاص في جيشه الى كربلاء··· 343

رسول ابن سعد يأتي عند الحسين عليه السلام··· 344

مكاتبة ابن سعد وابن زياد لعنهما اللّه ··· 345

حبيب بن مظاهر يستنصر بني أسد··· 345

ذكر منع عمر بن سعد الماء على الحسين وأهل بيته··· 346

كتاب خولي الى ابن زياد··· 347

أمر ابن زياد بمنع ماء الفرات··· 347

شماتة عبد اللّه بن الحصين ودعاء الحسين عليه السلام عليه··· 347

الحسين عليه السلام يحفر بئرا في كربلاء··· 348

العباس عليه السلام يستقي الماء···

348

يزيد بن الحصين ينصح ابن سعد··· 349

لقاء الحسين عليه السلام وعمر بن سعد··· 349

كتاب ابن سعد لابن زياد··· 350

ص: 472

[ شمر يحرض على الحسين عليه السلام ]··· 350

بين شمر وابن سعد··· 351

جواب الحسين عليه السلام لرسول ابن سعد··· 352

بين الحسين عليه السلام وعمر بن سعد···

352

الإمام عليه السلام يأذن لاصحابه وأهل بيته في الانصراف··· 353

جواب أهل البيت··· 354

جواب الأصحاب··· 354

محمد بن بشير يسمع باسر ابنه··· 355

ذكر الامان الذي حمله شمر من ابن زياد الى العباس واخوته··· 355

الأصحاب يتنظفون ويطلون··· 357

رؤيا الحسين عليه السلام··· 357

كلام برير مع ابن سمير وشمر··· 358

حفر الخندق··· 359

اعتراف جند ابن سعد بشجاعة أصحاب الحسين عليه السلام··· 359

أصحاب الأرض يبحثون عن الماء··· 359

هجوم القوم واستمهال الحسين عليه السلام··· 359

وقائع ليلة الجمعة ليلة العاشر من المحرم سنة ستين للهجرة··· 361

الحسين عليه السلام يخبر بشهادة القاسم وعبد اللّه ··· 362

الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف··· 363

ذكر يوم عاشوراء واعظم رزية وقعت في عالم الايجاد وحيز الكون والفساد···

364

خرق الشمر عند رؤية الخندق··· 364

هلاك ثلاثة من عسكر ابن سعد بدعاء الحسين عليه السلام··· 365

اصطفاف الجيشين··· 366

الحسين عليه السلام يرفع المصحف···

366

برير يعظ أهل الكوفة··· 367

خطبة الحسين عليه السلام واستشهاده بكبار الصحابة··· 367

ص: 473

رد الشمر وجواب ابن مظاهر··· 368

الحسين عليه السلام يخاطب أفرادا من أهل الكوفة··· 368

انكار الأشعث وجواب الحسين عليه السلام··· 369

برير يكلم أهل الكوفة··· 369

مناشدة الحسين عليه السلام··· 370

وصية الحسين عليه السلام لأهل بيته··· 371

ما هو السر في كثرة خطب الحسين عليه السلام··· 371

زهير بن القين يعظ الكوفيين··· 372

خطبة الحسين عليه السلام في الميدان··· 373

شمر يكلم الإمام الحسين عليه السلام··· 374

خطبة الإمام عليه السلام واتمامه الحجة عليهم··· 374

لقاء الحسين عليه السلام وعمر بن سعد··· 377

توبة الحر بن يزيد··· 377

ذكر قتال أصحاب الحسين عليه السلام مع عسكر ابن سعد··· 379

مبارزة ابن عمير مع غلام زياد··· 379

أصحاب الحسين عليه السلام يرمون جيش الكوفة بالنبال··· 380

مسلم بن عوسجة يقتل ابن خوزة··· 380

مبارزة الحر واستشهاد ابنه··· 381

شجاعة الحر وشهادته··· 382

شهادة مصعب وغلام الحر··· 384

شهادة برير بن خضير··· 384

شهادة وهب بن عبد اللّه الكلبي··· 386

شهادة عمرو بن خالد وابنه··· 388

شهادة سعد بن حنظلة··· 388

شهادة عمير بن عبد اللّه ··· 389

شهادة مسلم بن عوسجة··· 389

شهادة ابن مسلم بن عوسجة··· 390

ص: 474

شهادة هلال بن نافع··· 390

شهادة نافع بن هلال البجلي··· 391

الحملة الجماعية··· 391

حمي الوطيس ولكنهم ذكروا اللّه ··· 394

حبيب في الميدان··· 395

اختلاف العلماء في اسم والد حبيب··· 395

شهادة حبيب··· 395

الصلاة أمام السيوف والنبال··· 397

كلام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه··· 397

جواب الأصحاب··· 398

شهادة زهير··· 398

شهادة أبي ثمامة··· 399

شهادة الحجاج بن مسروق··· 399

شهاة يحيى بن كثير··· 399

شهادة يحيى بن سليم··· 400

شهادة حنظلة بن سعد··· 400

شهادة عبد الرحمن بن عبد اللّه ··· 401

شهادة عمرو بن قرظة··· 401

شهادة جون مولى أبي ذر··· 402

شهادة عمرو بن خالد··· 402

شهادة سويد بن عمرو··· 403

شهادة قرة بن أبي قرة··· 403

شهادة مالك بن انس··· 403

شهادة عمرو بن مطاع··· 404

شهادة شاب قتل أبوه في المعركة··· 404

شهادة جنادة بن الحارث··· 405

شهادة عمرو بن جنادة··· 405

شهادة عابس بن شبيب ومولاه شوذب··· 405

ص: 475

شهادة عبد اللّه وعبد الرحمن الغفاريان··· 406

شهادة الغلام التركي··· 407

شهادة يزيد بن زياد··· 407

شهادة أبو عمرو النهشلي··· 408

شهادة يزيد بن المهاجر··· 408

شهادة سيف بن أبي الحارث ومالك بن عبد اللّه ··· 408

ذكر جماعة من شهداء الطف الذين لم يذكروا في بحار الأنوار ...··· 409

شهادة زياد بن مصاهر الكندي··· 409

إبراهيم بن الحسين··· 410

شهادة علي بن مظاهر··· 410

شهادة معلى بن علي··· 410

شهادة الطرماح بن عدي··· 411

شهادة محمد بن مطاع··· 411

شهادة جابر بن عروة··· 412

شهادة مالك بن داود··· 412

شهادة عبد الرحمن الكدري وأخيه··· 412

شهادة مالك بن اوس··· 412

شهادة انيس بن معقل··· 412

ذكر اسماء جماعة من شهداء الطف الذين لم يذكرهم بعض علماء الأخبار ...···

413

ذكر احوال شباب بني هاشم الذين استشهدوا في عاشوراء بين يدي الحسين عليه السلام··· 414

سبب تقدم الانصار في القتال والشهادة··· 414

عودة الى سياق الحديث··· 415

شهادة عبد اللّه بن مسلم··· 416

شهادة محمد بن مسلم··· 416

شهادة سبعة من أولاد عقيل··· 417

جعفر بن عقيل··· 417

عبد الرحمن بن عقيل··· 417

عبد اللّه بن عقيل··· 417

ص: 476

عبد اللّه الأكبر··· 417

موسى بن عقيل··· 418

شهادة ثلاثة من أولاد جعفر الطيار··· 419

عدد أولاد الإمام الحسن عليه السلام والذين حضر كربلاء منهم··· 420

الحسن المثنى··· 421

عمر بن الحسن··· 422

شهادة القاسم بن الحسن عليهماالسلام··· 422

شهادة عبد اللّه الأكبر ابن الحسن عليه السلام··· 424

شهادة أبي بكر واحمد··· 425

أبو بكر بن الحسن··· 425

شهادة عبد اللّه بن علي··· 426

عمر بن علي··· 426

ذكر عمر بن علي··· 427

أبناء الإمام علي عليه السلام من أم البنين··· 428

شهادة عبد اللّه بن علي··· 429

شهادة جعفر بن علي··· 429

شهادة عثمان بن علي··· 430

شهادة محمد بن علي··· 430

شهادة عون بن علي··· 430

العباس بن علي عليهماالسلام··· 431

إشتباه المجلسي ؛··· 432

قتال أبي الفضل العباس عليه السلام··· 432

شهادة العباس بن علي عليهماالسلام··· 434

بكاء أم البنين عليهاالسلام··· 435

إشتباه ابن شهرآشوب··· 436

علي الأكبر ابن الحسين عليهماالسلام··· 436

خروج علي الأكبر الى الميدان··· 436

شهادة علي الأكبر عليه السلام··· 437

ص: 477

شهادة عبد اللّه بن الحسين عليهماالسلام··· 439

ذكر مبارزة الحسين عليه السلام··· 440

عزم الإمام زين العابدين عليه السلام على الذبّ عن الحسين عليه السلام··· 441

وداع الحسين عليه السلام··· 441

توديع اسرار الامامة··· 442

الثوب العتيق··· 442

الجوهرة الأخيرة في خزينة الحسين عليه السلام··· 443

الحسين عليه السلام يخير ابن سعد بين ثلاث خصال··· 443

عدد دواب الحسين عليه السلام··· 444

واحد أمام ثلاثين ألف··· 445

أراجيز الإمام الحسين عليه السلام··· 445

أشجع رجال العالم··· 447

نداء الغيور في جيش لا غيرة له··· 448

نداء الحسين عليه السلام لأصحابه··· 449

ورود الحسين عليه السلام الى شريعة الماء··· 450

الوداع الأخير··· 451

هجوم الصقر المجروح على الجراد المنتشر··· 451

عدد جراحات الحسين عليه السلام··· 452

سقوط الحسين عليه السلام من فرسه··· 452

خروج زينب عليهاالسلام··· 453

شهادة عبد اللّه بن الحسين عليهماالسلام··· 453

مصرع الحسين عليه السلام··· 454

فهرست الجزء الثاني··· 465

ص: 478

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.