الانوار النعمانیه المجلد 4

اشارة

سرشناسه:جزایری، نعمت الله بن عبدالله، ق 1112 - 1050

عنوان قراردادی:[الانوار النعمانیه فی بیان معرفه النشاه الانسانیه]

عنوان و نام پديدآور:الانوار النعمانیه/ تالیف نعمه الله الموسوی الجزائری

مشخصات نشر:بیروت - لبنان - دارالقاریء 1429

مشخصات ظاهری:4ج

عنوان دیگر:الانوار النعمانیه فی بیان معرفه النشاه الانسانیه

موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه

موضوع:ادبیات عربی -- مجموعه ها

موضوع:احادیث شیعه -- قرن ق 12

ص :1

اشارة

الانوار النعمانیه

تالیف نعمه الله الموسوی الجزائری

ص :2

تتمة الباب الثاني

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

نور في بعض التراكيب المشكلة

و "الأخبار الدقيقة و المسائل الفقهية و غيرها اعلم أنّه قد تقدّم أنّ الأحتياج الى علم النحوّ اشدّ من الأحتياج الى غيره،فلا بأس بأن نبدأ ببعض تراكيبه و نثره(و تفسيره)

أنّ هند المليحة الحسناء و اى من أضمرت لخلّ وفاء

يرفع هند و المليحة و نصب الحسناء و تحقيقه أنّ الهمزة فعل أمر و النون للتوكيد و الأصل اين بهمزة مكسورة و ياء ساكنة للمخاطبة و نون مشدّده للتوكيد،ثمّ حذفت الياء للألتقاء الساكنين،و هند منادى،و المليحة نعت لها على اللفظ،و الحسناء إمّا نعت لها على الموضع و إما بتقدير أمدح،و أمّا نعت لمفعول به محذوف اي عدي يا هند المرأة الحسناء،و على الوجهين الأوّلين فيكون انّما أمرها بأيقاع الوعد الوفي من غير أن يعيّن لها الموعود،و قوله اي مصدر نوعي منصوب بفعل الأمر، و الأصل و أيا مثل و اي من أضمرت،و قوله أضمرت بالتأنيث محمول على معنى من و من النثر قولهم أنّ قائم،بتشديد أنّ و رفع قائم،و الجواب عنه انّ أصله إن أنا قائم،فحذفت همزة أنا إعتباطا،و أدغمت نون ان في نونها،و حذفت ألفها في الوصل و ان المخففة هنا مهملة عن العمل، و مثله قوله تعالى لكنّا هو اللّه ربّي و الأصل لكن هو اللّه ربّي و من الشعر المتعلق بالمسائل الفقهية ما كتبه الرشيد يوما الى القاضي ابي يوسف و هو هذان البيتان

فأن ترفقي يا هند فالرفق أيمن و ان تخرقي يا هند فالخرق أشأم

فأنت طلاق و الطلاق عزيمة ثلاث و من يخرق أعقّ و أظلم

فقال ما ذا يلزمه اذا رفع الثلاث و اذا نصبها؟قال ابو يوسف فقلت هذه مسألة نحويّة فقهيّة و لا آمن الخطاء ان قلت فيها برأيي،فأتيت الكسائي و هو في فراشه فسألته فقال ان رفع ثلاثا طلقت واحدة لأنّه قال أنت طالق ثمّ أخبر و انّ الطلاق التامّ ثلاث و ان نصبها طلقت ثلاثا لأنّ معناه أنت طالق ثلاثا و ما بينهما جملة معترضة،فكتبت بذلك الى الرشيد فأرسل الىّ بجوائز فوجّهت بها الى الكسائي و قال المحقق ابن هشام الصواب ان كلا من الرفع و النصب محتمل لوقوع الثلاث و لوقوع الواحدة،أمّا الرفع فلأنّ أل في الطلاق امّا لمجاز الجنس كما تقول زيد الرجل اى هو الرجل المعتدّ به،و إمّا للعهد الذكرى مثلها في فعصى فرعون الرسول،اى هذا الطلاق المذكور عزيمة ثلاث، و لا يكون للجنس الحقيقي لئلاّ يلزم الإخبار عن العامّ بالخاصّ كما يقال للحيوان انسان و ذلك باطل،اذ ليس كلّ حيوان انسانا و لا كلّ طلاق عزيمة ثلاث،فعلى العهديّة تقع الثلاث و على

ص:3

الجنسية تقع واحدة كما قال الكسائي و أمّا النصب فلأنّه يحتمل لأن يكون على المفعول المطلق و حينئذ يقتضى وقوع الثلاث اذ المعنى فأنت طالق ثلاثا ثمّ أعترض بينهما بقوله و الطلاق عزيمة، و ان يكون حالا من الضمير المستتر في عزيمة و حينئذ لا يلزم وقوع الثلاث لأنّ الطلاق عزيمة اذا كان ثلاثا فأنّما يقع ما نواه،هذا ما يقتضيه معنى هذا اللفظ و أمّا الذى أراده الشاعر المعين فهو الثلاث لقوله بعد

فبيني بها ان كنت غير رفيقة و ما لأمرء بعد الثلاث مقدم

أقول هذا كله انّما يصح على مذاهب الجمهور من وقوع الطلقات الثلاث بلفظ واحد في مجلس واحد،و أمّا الذى ذهب إليه علماء أهل البيت عليهم السّلام من حكم هذا الطلاق فهو أمّا البطلان او وقوع طلقة واحدة فقط،و قد بقى على هذا المبحث اعتراضات كثيرة حررّناها في حواشينا على مغنى ابن هشام.و من النثر مسألة العقرب و الزنبور الّتي وقعت بين سيبويه و الكسائى

و كان من خبرهما انّ سيبويه قدّم على البرامكة فعزم يحيى بن خالد على الجمع بينهما،فجعل لذلك يوما فلمّا حضر سيبويه تقدّم اليه الفراء و خلف الأحمر فسأله خلف عن مسئلة فأجاب فيها فقال له أخطأت ثمّ سأل ثانية و ثالثة و هو يجيبه و يقول له أخطأت،فقال هذا سوء أدب فأقبل عليه الفرّاء انّ فى هذا الرجل حدّة و عجلة،فسأله فأجابه فقال أعد النظر،فقال لست أكلّمكما حتّى يحضر صاحبكما،فحضر الكسائى فقال له تسألني او أسألك؟فقال له سيبويه سل أنت فسأله عن هذا المثال:و هو كنت أظن انّ العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فاذا هو هي او فاذا هو ايّاها،فقال له سيبويه فاذا هو هى و لا يجوز النصب:و سأله عن أمثال ذلك نحو خرجت فاذا عبد اللّه القائم او القائم بالنصب فقال كلّ ذلك بالرفع،فقال له الكسائى العرب ترفع كلّ ذلك و تنصبه؟فقال يحيى قد أختلفتما و انتما رئيسا بلديكما فمن يحكم بينكما،فقال له الكسائى هذه العرب ببابك قد سمع منهم أهل البلدين فيحضرون و يسألون،فقال يحيى و جعفر أنصفت فأحضروا فوافقوا الكسائى، فاستكان سيبويه و أمر له يحيى بعشرة آلاف فخرج الى شيراز و أقام بها حتّى مات،و قد رأينا قبره و لكن لم نزره لأنّه منهم.

و يقال انّ العرب أرشوا على ذلك او أنّهم علموا منزلة الكسائي عند الرشيد و يقال انّهم انّما قالوا القول في الكسائى و لم ينطقوا بالنصب و انّ سيبويه قال ليحيى مرهم ان ينطقوا بذلك فانّ ألسنتهم لا تطوع به،و قد نظم هذا ابو الحسن حازم بن محمّد الأنصاري حاكيا هذه الواقعة و المسألة فقال:

و العرب قد تحذف الأخبار بعد اذا إذا عنت فجأة الأمر الذى دهما

و ربّما نصبوا بالحال بعد اذا او بعد ما رفعوا من بعدها ربما

فان توالى ضميران إكتسابهما وجه الحقيقة من أشكاله غمما

ص:4

لذاك أعيت على الأفهام مسألة أهدت الى سيبويه الحتف و الغمما

قد كانت العقرب العوجاء أحسبها قدما أشدّ من الزنبور وقع حما

و في الجواب عليها هل اذا هو هي او هل اذا هو ايّاها قد أختصما

و خطّأ ابن زياد و ابن حمزة فى ما قال فيها ابو بشر و قد ظلما

و غاظ عمروا عليّ في حكومته يا ليته لم يكن في أمرها حكما

كغيظ عمرو عليّا في حكومته يا ليته لم يكن في أمرها حكما

و فجّع ابن زياد كلّ منتحب من أهله اذ غدا منه يفيض دما

كفجعة بن زياد كلّ منتحب من أهله اذ غدا منه يفيض دما

و أصبحت بعده الأنفاس باكية في كلّ طرس كدمع سحّ و أنسجما

و ليس يخلو أمرأ من حاسد اضم لو لا التنافس في الدنيا لما اضما

و الغبن في العلم اشجى محنة علمت و أبرح الناس شجوا عالم هضما

و قوله و ربّما نصبوا اي ربّما على الحال بعد أن رفعوا ما بعد اذا على الأبتداء فيقولون فاذا زيد جالسا،و قوله ربما فى آخر البيت بالتخيف توكيد لربّما في أوّله بالتشديد،و غمما في آخر البيت الثالث بفتح الغين كناية عن الأشكال و الخفاء،و غمما فى آخر البيت الرابع بضمّها جمع غمّة و ابن زياد هو الفراء و اسمه يحيى و ابن حمزة الكسائي و اسمه علي،و ابو بشر سيبويه و اسمه عمرو،و الف ظلما للتثنية ان بنيته للفاعل و للأطلاق انّ بنيته للمفعول،و عمرو و علىّ الأوّلان سيبويه و الكسائى و الاخران ابن العاص و مولانا أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عليه السّلام،و حكما الأوّل والد الفراء و الثانى زياد بن ابيه عليهما اللّعنة و العذاب و النيران و ابنه المشار اليه هو المرسل في قتل ابي عبد اللّه الحسين عليه السّلام،و اضم كغضب وزنا و معنى و أعجام ضاد و هضم مبني للمفعول اى لم يوفّ حقّه و امّا سؤال الكسائى فجوابه ما قال سيبويه فاذا هو هي هذا وجه الكلام مثل فاذا هي بيضاء و امّا فاذا هو ايّاها فان ثبت فخارج عن القياس و ظرف فيه معنى وجدت و رايت فجاز له ان ينصب المفعول و هو مع ذلك ظرف فيه مخبر به عن الإسم بعده انتهى،و هو خطأ لأنّ المعاني لا تنصب المفاعيل الصحيحة.و الثانى انّ ضمير النصب أستعير في مكان ضمير الّرفع قاله ابن مالك و الثالث انّه مفعول به و الأصل فاذا هو يساويها ثمّ حذف الفعل فأنفصل الضمير و الرابع انّه مفعول مطلق و الأصل فاذا هو يلسه لسعتها ذهب اليه الأعلم الخامس انّه منصوب على الحال من الضمير في الخبر المحذوف و الأصل فاذا هو ثابت مثلها ثمّ حذف المضاف فأنفصل الضمير و أنتصب في اللّفظ على الحال على سبيل النيابة،و هذا كلّه ما كان يخفى على سيبويه لكنّه لمّا كان

ص:5

خلاف المشهور بين الفصحاء انكره سيبويه:و هو لفظ عجمي و معناه بالعربيّة رائحة التفاح قال ابراهيم الجزينى سمّى بذلك لأنّ وجنتيه كانتا كأنّهما تفّاحتان،و سبب قراءته النّحو على ما ذكره أهل النحو انّه جاء الى حماد بن سلمة لكتابة الحديث فاستملى منه قوله صلّى اللّه عليه و آله ليس من أصحابي أحد الاّ و لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء،فقال سيبويه ليس أبو الدرداء فصاح به حماد لحنت يا سيبويه انّما هذه استثناء فقال لأطلبن علما لا يلحنني معه أحد،ثمّ مضى و لزم الأخفش و غيره،و روينا عن ابن هشام الخضراوى انّ السبب هو انّه جاء الى حماد بن سلمة فقال ما تقول في رجل رعف بالصلوة؟،ضمّ العين فقال له حماد لحنت يا سيبويه انّما هو رعف بكسر العين فقال لأطلبنّ علما الحديث،و نهض الى الخليل و حكى له ما جرى فقال الخليل ما ردّ عليك به فهو الفصيح و ما قلت انت لغة غير فصيحة فلزم الخليل من ساعته الى ان بزغ فى صناعة الأعراب.

و روى الخطيب فى تاريخه عن الفرّاء انّ الكسائي ايضا انّما تعلّم النحو على كبر

و ذلك انّه مشى يوما حتّى اعيى ثمّ جلس الى قوم ليستريح معهم فقال قد عيّيت بالتّشديد بلا همزة فقالوا له لا تجالسنا و انت تلحن قال و كيف؟قالوا ان أردت من التعب فقل اعييت و ان أردت من انقطاع الحيلة و التحيّر في الأمر فقل عييت مخففّا فقام من ساعته فلزم حمّادا حتّى تقدّم عنده فخرج الى البصرة فلقى الخليل قد مات و جلس موضعه يونس فتكلّم معه فأقرّ له يونس في مسائل، و انّما سمّي الكسائي لأنّه لمّا قرأ على حمزة كان يلتفّ بكساء فقال أصحاب حمزة له الكسائي و مات سيبويه سنة ثمانين و مائة و امّا الكسائى فمات سنة تسع و ثمانين و مائة.و منها أيضا ما ينسب الى الأمام زين العابدين عليه السّلام حيث قال

عتبت على الدنيا فقلت الى متى أكابدها بؤسه ليس ينجلى

أ كلّ شريف قد على بجدوده حرام عليه العيش غير محلّل

فقالت نعم يا أبن الحسين رميتكم بسهم عنادى حين طلّقني علي

و قال المسيح عليه السّلام انا الّذي كفأت الدنيا على وجهها فليس لى زوج يموت و لا بيت يخرب،اجتمعت عند رابعة عدّة من الفقهاء و الزّهّاد

فذمّوا الدّنيا و هي ساكتة فلمّا فرغوا أقالت من أحبّ شيئا اكثر من ذكره لمّا يحمد و امّا يذم فان كانت الدنيا في قلوبكم لا شىء فلم تذكرونها،و من الأشعار الجيّدة قول شيخنا البهائي ره

في قصيدة طويلة و هي:

ص:6

سرى البرق من نجد فهيّج تذكاري عهودا بخروي و العذيب و ذي قار (1)

و هيّج من أشواقنا كلّ كامن و اججّ في أحشائنا لاهب النار

ألا يا لييلات العذيب و حاجر سقيت بهام من بني المزن مدرار

و يا جيرة بالمازمين خيامهم عليكم سلام اللّه من نازح الدار

خليلي مالي و الزمان كانّما يطا لبني فى ان بأوتار

فابعد أحبابي و اخلى مرابعى و ابدلنى من كلّ صفو بأكدار

و عادل بي من كان أقصى مرامه من المجد ان يسمو الى عشر معشار

أ لم يدر انّى لا اذلّ لخطبه و ان سامني خسفا و ارخص تسعاري

مقامي بفرق الفرقدين فما الذّى يؤثّره مسعاه في خفض مقدار

و انّي امرء لا يدرك الدهر غايتى و لا تصل الأيدى الى سر أغوار

اخالط ابناء الزمان بمقتضى عقولهم كي لا يفوهوا باتكار

و اظهر انّي مثلهم تستفزني صروف الليالي باختلال و امرار

و يضجرني خطب المهول لقاؤه و يطربنى الشادى بعود و مزمار

و يضمى فؤادي ناهد الثّدي كاعب باسمر طّار و احور سحّار

و انّي لأسخى(سخى)بالدّموع لوقفة(قتاظ) على طلل بال و دارس اجحار

و ما علموا انّى امرء لا يروعني توالى الرّزايا فى عشّي و ابكار

اذا دك طود الصبر من وقع حارث فطود اصطباري شامخ غير منهار

الى آخر القصيدة و من الأشعار قوله:استقدر اللّه خير او ارضين به فبينما العسر ازدارت مياسير اخرج الأنباري بسنده الى الكلبي قال عاش عبيد بن شبرمة الجهرمي ثلثمائة سنة و ادرك الأسلام و دخل على معاوية و هو متخلّف،فقال حدّثني باعجب ما رأيت قال مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميّتا لهم فلمّا انتهيت اليهم اغرورقت عيناي بالدموع فتمثلت بقول الشاعر:

يا قلب أنّك من أسماء مغرور فاذكروا هل ينفعنك اليوم تذكير

قد بحت بالحبّ ما تخفيه من أحد حتّى جرت بك اطلاقا محاضير

تبغى أمورا فما تدرى اعاجلها ادنى لرشدك ام ما فيه تأخير

فاستقدر اللّه البيت،و بينما المرء في الأحياء مغتبط ان صار في الرّمس تعفوه الأعاصير

ص:7


1- (1) اساس لأمكنة

يبكى الغريب عليه ليس يعرفه و ذو قرابته فى الحىّ مسرور

فقال لى رجل أ تعرف من يقول هذا الشعر؟قلت لا قال انّ قائله هو الّذي دفنّاه الساعة و انت الغريب تبكي عليه ليس تعرفه،و هذا الذي خرج من قبره اقرب الناس اليه رحما و هو اسرّهم بموته،فقال معاوية لقد رايت عجبا فمن الميّت؟قال عنيز بن الوليد العذري و المحاضير جمع محضر و هو الفرس الكثير العدو و الأعاصير جمع أعصار و هى ريح تثير الغبار الى نحو السماء

و من الأشعار قول ابي الطيّب

امن ازديارك فى الدجّى الرّقباء اذ حيث كنت من الظلام ضياء

أمن فعل ماض فهو مفتوح الآخر لا مكسوره على انّه حرف كما توهّمه بعض الأفاضل:

و الأزديار-أبلغ من الزيارة،و الدال بدل عن التاء،و في متعلّق به لا يأمن لأنّ المعنى أنّهم آمنون دائما ان تزورى فى الدجا،و اذا ما تعليل او ظرف مبدل من محلّ فى دجا،و ضياء مبتدأ خبره حيث،و ابتدأ بالنكرة لتقدّم خبرها عليها ظرفا و لأنّها موصوفة فى المعنى لأنّ من الظّلام صفة لها في الأصل فلمّا قدمت عليها صارت حالا عنها و من للبدل و هى متعلّقة بمحذوف،و كان تامّة و هى و فاعلها خفض باضافة حيث،و المعنى اذ الضياء حاصل في كلّ موضع حصلت فيه بدلا من الظلامو من الأشعار قول ابى نواس الحكمي:

غير مأسوف على زمن ينقضى بالهمّ و الحزن

و ذلك انّ لفظ غير نكرة فلا يجوز وقوعه مبتدأ،و قد ذكر له النحاة ثلاثة أعاريب أوّلها ما قاله ابن الشجري و ابن مالك،من انّ غير مبتدء لا خبر له بل الذي أضيف اليه مرفوع يغني عن الخبر،و ذلك لأنّه فى معنى النفى،و الوصف بعده مخفوض لفظا،و هو في قوّة المرفوع بالأبتداء، فكأنّه قيل ما مأسوف على زمن ينقضى مصاحبا للهمّ و الحزن،فهو نظير ما مضروب الزيدان و النايب عن الفاعل و الظرف و ثانيها ما قاله ابن جنيّ من انّ غير خبر مقدّم و الأصل زمن ينقضي بالهمّ و الحزن غير مأسوف عليه،ثمّ قدّمت غير و ما بعدها،ثمّ حذف زمن دون صفته فعاد الضمير المجرور بعلي على غير مذكور فأتى بالأسم الظاهر مكانه،و ثالثهما ما صار اليه ابن الخشاب من انّ غير خبر لمحذوف و مأسوف مصدر جاء على مفعول كالميسور،و المراد به أسم الفاعل،و المعنى أنا غير آسف على زمن هذه صفته،و فيه من التكلّف ما لا يحتاج الى البيان،و منه أيضا:

أبى جوده لا البخل و استعجلت به نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله

ص:8

و قد روى البخل منصوبا و مجرورا:فالنصب على انّ لا زايدة مثلها في قوله ما منعك أن لا تسجد،و امّا الجرّ فعلى انّ لا إسم مضاف لأنّه اريد به اللفظ و شرحه انّ كلمة لا تكون للبخل و تكون للكرم،و ذلك أنّها اذا وقعت بعد قول القائل أعطني أو هل تعطيني كانت للبخل،و ان وقعت بعد قوله أ تمنعني عطاؤك،أو أ تحرمني نوالك كانت للكرم،و قيل هى غير زايدة أيضا في رواية النصب و ذلك على أن تجعل اسما مفعولا و البخل بدلا منها كما قاله الزجاج،و قال بعضهم لا مفعول به و البخل مفعول لأجله اي كراهيّة البخل مثل يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا اي كراهة ان تضلّوا،و قال الزمخشرى في أحاجيه هذا البيت غامض المعنى و ما رأيت أحدا فسّره،أقول الظاهر هو أنّ معنى البيت هذا و هو انّه مدح ذلك الكريم بأنّ جوده ابى ان ينطق بلا التّي للبخل اي التّي يقولها البخيل و أستعجلت بجوده نعم اى سبقت نعم الى جوده على لا حال كون نعم صادرة من فتى لا يمنع جوده للذي يريد قتله،يعني انّ الطالب لو طلب روحه لجاد بها كما قال بعده:

و لو لم يكن في كفّه غير نفسه لجاد بها فليتّق اللّه سائله

فعلى هذا يكون رواية قاتلة بالتاء الفوقانيّة،و يروى بالتحتانية من القول فيكون الهاء فيها عائدة الى نعم اي قائل هذه الّلفظة و هي نعم لا يمن جوده أحد و من الأشعار المروّحة للخاطر ما نقله شيخنا البهائى ره من خطّ جد"طاب ثراه"

الى كم تماد فى غرور و غفلة و كم هكذا نوم الى غير يقظة

لقد ضاع عمر ساعة منه تشترى بملأ السما و الأرض أيّة ضيعة

أ ترضى من العيش الرغيد و عيشة مع الملأ الأعلى بعيش البهيمة

فيادرة بين المزابل ألغيت و جوهرة بيعت بأبخس قيمة

أ فان بباق تشتريه سفاهة و سخطا برضوان و نار بجنّة

أ أنت صديق ام عدوّ لنفسه فانّك ترميها بكلّ مصيبة

و لو فعل الأعدا بنفسك بعض ما فعلت لمسبهم(كذا)بها بعض رحمة

فقد بعتها هونا عليك رخيصة و كانت بهذا منك غير حقيقة

كلفت بها دنيا كثيرا غرورها تقابلها في نصحها بالخديعة

اذا أقبلت ولّت و ان هى أحسنت أساءت و ان ضاقت فشوبا(ب)كدورة

و عيشك فيها ألف عام و ينقضي كعيشك فيها بعض يوم و ليلة

عليك بما يجدي عليك من التقى فأنّك في سهو عظيم و غفلة

تصلّي بلا قلب صلاة بمثلها يصير الفتى مستوجبا للعقوبة

تخاطبه أياك نعبد مقبلا على غيره فيها لغير ضرورة

ص:9

و لو ردّ من ناجاك للغير طرفة تميّزت من غيظ عليه و غيرة

تصلّي و قد أتممتها غير عالم تريدا احتياطا ركعة بعد ركعة

فويلك تدري من تناجيه معرضا و بين يدي من تنحنى غير مخبت

ذنوبك في الطاعات و هي كثيرة اذا عدّدت تكفيك عن كلّ زلّة

تقول مع العصيان ربّي غافر صدقت و لكن غافر بالمشيّة

فربّك رزّاق كما هو غافر فلم لا تصدّق فيهما بالسويّة

فكيف ترجى العفو من غير توبة و لست ترجى الرزق الاّ بحيلة

و ها هو بالأرزاق كفلّ نفسه و لم يتكفّل للأنام بجنّة

و ما زلت تسعى في الذي قد كفيته و تهمل ما كلّفته من وظيفة

تسىء به ظنّا و تحسن تارة على حسب ما يقضى الهوى بالقضيّة

و من الأشعار ايضا(1)قوله

لتقعدن مقعد القصيّ منّى ذا القاذورة المقلّي

او تحلفى بربّك العليّ انّي ابو ذيّاك الصبيّ

يروى به كسر ان و فتحها،فالكسر على الجواب،و الفتح على معنى او تحلفي على انّى ابو الصبىّ، قاله شخص غاب عن زوجته و جاء و قد ولدت ولدا،و يحكى أنها قالت في جوابه:

لا و الذّى ردّك يا صفي ما مسنيّ بعدك من إنسي

غير غلام واحد صبيّ بعد أمر دين من بني تليّ

و آخرين من بني عدي و خمسة كانوا على الطويّ

و ستّة جاؤا مع العشىّ و غير تركيّ و نصرانيّ

فقام اليها و سدّ فاها و قال اسكتي قبحّك اللّه لو لم أسدّ فاك لذكرت الجنّ الأنس و هذه المرأة المباركة قد أستقلّت هؤلاء المعدودين،و قول زوجها لذكرت الجنّ و الأنس مبالغة،نعم كانت تذكر مع هؤلاء الأقارب و الجيران لأنّ الذّين عدتهم انّما هم-من الطوائف البعيدة،و لا ريب انّ من الأصدقاء و الجيران اكثر من الأجانب،و شفقتها-لا رضي اللّه عنها-عليهم اكثر من الأباعد، و نظير هذه المرأة الكرديّة التّى نظم حالها شيخنا الشيخ بهاء الدين قدّس اللّه روحه حيث قال:

كان فى الأكراد شخص ذو سداد أمة ذات أشتهار بالفساد

ص:10

لم تخيّب من نوال طالبا لن تكفّن عن وصال راغبا

بابها مفتوحة للدّاخلين رجلها مرفوعة للفاعلين

فهى مفعول بها في كلّ حال فعلها تمييز أفعال الرجال

كان ظرفا مستقرّا و كرها جاء زيد قام عمر و ذكرها

جاءها بعض الليالي ذو أمل فاعتراها الابن في ذاك العمل

شقّ بالسكين فورا صدرها فى محاق الموت أخفى ذكرها

مكّن الغيلان في أحشائها خلّص الجيران من فحشائها

قال بعض القوم من أهل الملام لم قتلت الأمّ يا هذا الغلام

كان قتل المرء أولى يا فتى انّ قتل الأم شىء ما أتى

قال يا قوم أتركوا هذا العتاب ان قتل"الأم"ادنى للصواب

كنت لو أبقيتها فيما تريد كلّ يوم قاتل شخص(شخصاخ)جديد

انّها لو ما تذق حد الحسام كان شغلي دائما قتل الأنام

أيها المأسور فى قيد الذنوب أيّها المحروم من ستر العيوب

أنت في أسر الكلاب العاوية من قوى النفس النفور الغاوية

كل صبح و مساء لا تزال مع دواعي النفس فى قيل و قال

فاقتل النفس الكفور الجانية قتل كردىّ لأمّ زانية

أيّها الساقي أدر كأس المدام و اجعلن فى دورها عيشي مدام

خلّص الأرواح من قيد الهموم أطلق الأشباح من أسر الغموم

فالبهائى الحزين الممتحن من دواعى النّفس فى أسر المحن

و قد نظم رحمه اللّه تعالى هذا المضمون فى أشعر عجميّة (1)مضمونها انّ تلك المرأة الكرديّة مع كثرة هذه الجنايات اذا أتى وقت الصلاة قامت و صلّت:فتعجّب من قوّة هذا الوضوء و انّه كيف لم ينتقض مع هذه الجنايات التّى لا تحصى،فليس هذا الوضوء الاّ من باب سدّ اسكندر ذى القرنين.

ص:11


1- (1) تلك الاشعار الفارسية مذكورة في رسالة:(نان و جلوا)لشيخنا البهائي ره او لها بو در هرى بيره زنى كهنه رندى حيلة سازي بر فنى و آخرها: اين رضو از شنك رو محكمتر أست اين وضو نبود سد اسكندر است

و منها ما سأل الصلاح الصفدي عنه و هو قول قيس:

أصلّي فلا أدرى اذا ما ذكرتها أثنتين صلّيت الضحى ام ثمانيا

ما وجه الترديد بين الأثنين و الثمانية؟فقال كأنّه لكثرة السهو و أشتغال الفكر كان يعدّ الركعات بأصابعه ثمّ انّه يذهل فلا يدري هل الأصابع التّى ثناها هى التّى صلاّها،ام الأصابع المفتوحة؟قال بعض المتأخّرين و أقول للّه درّ الصلاح فى هذا الجواب الرائق الذّى صدر عن طبع أرقّ من السحر الحلال و ألطف من الخمر شيب بالزلال و ان كنّا نعلم أن قيسا لم يقصد ذلك.

و من الأشعار ما نقله صاحب التبيان قال قال ابو الحسن دخلت على المرتضى فأراني أبياتا قد عملها و هي هذا:

سرى طيف سعدى طارقا فاستفزنى هبوبا(سحيرا)و صحبي بالفلاة هجود

فلمّا انتبهنا للخيال الّذي سرى اذ الأرض قفر و المزار بعيد

فقلت لعيني عاودى النوم و اهجعي لعلّ خيالا طارقا سيعود

فقال لي خذ هذه الأبيات الى أخي الرضى و قل له لعلّه يتممّها في الأوقات المستقبلة فلمّا أتيت الى أخيه الرضا و رآها قال علىّ بالمحبرة،فأتوه بها فقال:

فردّت جوابا و الدموع بوادر و قد أنّ للشمل المشتّ ورود

فيهات من ذكرى حبيب تعرضّت لنا دون لقياها مهامه بيد

فعدت الى المرتضى بالخبر،فقال يعزّ علىّ اخى قتله الذكاء،فما كان الاّ يسيرا حتى مضى، و هذا ليس ببعيد فانّ الذكاء اذا غلب على الطبيعة احترقت السوداء فاذا أحترقت مات صاحبها، و قد وقع مثله لأبى تمام،و ذلك انّه مدح الخليفة يوما فقال في مدحه:

أقدام عمرو فى سماحة حاتم في حلم أعنف فى ذكاء اياس

فقال له الحاضرون يا ابا تمام ما هذا المدح الناقص؟كيف شبهّت الخليفة بأجلاف العرب؟و من اين لهؤلاء درجة الخليفة فضلا عن انه يشبّه لهم؟فقال لهم يا قوم هذا جائز و قد ورد فى الكلام الفصيح،فقالوا له هات الشاهد على هذا و لك ما طلبت،فقال أمهلوني هذه اللخطة حتّى أتفكّر، فسكتوا عنه فتأمّل لحظة حتّى احمرّ وجهه ثمّ أصفرّ و تقلبّت عليه ألوان،ثمّ قال لهم:

لا تنكروا ضربي له من دونه مثلا تعاطى بين كلّ الناس

اللّه قد ضرب الأجلّ لنوره مثلا كما المشكوة و المقباس

ص:12

فلمّا أنشد هذين الشعرين قال أريد الجائزة ولاية مصر سبع سنين،فكأنّ الخليفة أستكثرها، فقال وزيره أكتب له عهدا على ولاية مصر و لا يبقى لك الاّ الذكر الجميل،و هذا الرجل لا يبقى في الدّنيا أكثر من سبع أيام:فقال له الخليفة و كيف ذلك؟قال لأنّه لمّا شرع فى التفكر أخذ فى تعداد أشعار العرب فلم يجد هذا المثل ثمّ أخذ فى الأحاديث و عدّها فلم يجده أيضا،فأخذ في القرآن و تصفّحه على خاطره حتّى بلغ الى سورة النور فوجد هذا المثل فيها و قد احترقت طبيعته من قوّة هذه التخيّلات الكثيرة فى اللحظة الواحدة،فلونه هذا يدلّ على أنّ حياته لا تكون اكثر من سبعة أيّام،فقال ابو تمام قد صدق فيما قال و الآجال بيد اللّه تعالى فكتب الخليفة أحكاما على ولاية مصر فأخذها و أراد المسير اليها فمات فى اليوم السابع،و مثل هذا قد وقع كثيرا و من الأشعار قول سيّد العشّاق:

فأمّا عن هوى ليلي و تركى زيارتها فانّي لا أتوب

و ذلك لأن ظاهره انّه لا يتوب عن ترك الزيارة و هو معنى فاسد،و من ثمّ قال بعضهم ان الرواية يجب أن يكون و حتّى زيارتها،و لكن الّذي وجدناه فى ديوانه و توجّه المحقّقون الى تحقيق معناه هو لفظ الترك،و قد ذكر له وجوه:أحدها انّ المراد بالواو فى و تركي واو الحال،و المعنى انّي لا أتوب فى حال كوني تاركا لزيارتها من عدم تمكني منه،و ثانيها انّي لا أتوب عن ترك الزيارة لأنّي لم أفعله و لا توبة عمّا لم يفعل.

و ثالثها و هو الصواب ما ذكره بن الحاجب فى أماليه حيث قال و توجيهه انّ ذكر الترك لبيان ما يطلب منه،ثمّ قال فانّي لا أتوب ممّا يطلب منّي تركه،أ لا ترى انّه لو قال:و امّا من هوى ليلى و توبتى من زيارتها فانّى لا أتوب لكان مستقيما على انّ المعنى فانّى لا أتوب ممّا تطلب منّى التوبة منه لا على معنى فانّى لا أتوب من توبتي،اذ لا فرق بين ان يقول و تركي زيارتها او توبتي من زيارتها انتهى،و قبله:

ذكرتك و الحجيج لهم ضجيج بمكّة و القلوب لها وجوب

فقلت و نحن فى بلاد حرام به للّه أخلصت القلوب

أتوب اليك يا رحمن ممّا أسأت فقد تكاثرت الذنوب

فامّا عن هوى ليلي و تركي زيارتها فانّي لا أتوب

فكيف و عندها قلبي رهين اتوب اليك منها أو انيب

و من الأشعار قوله:

قال زيد سمعت صاحب بكر قايل قد وقعت فى اللأواء

ص:13

بجرّ زيد و رفع قائل و اللأواء و توجيه إعرابه انّ القال و القيل اسمان كما جاء فى الحديث من قوله نهى عن القيل و القال،فقال منصوب بسمعت،و صاحب منادى و الباء فيه متّصلة فى التقدير ببكر،و رفع اللأوار على الأبتداء،و خبره قوله ببكر،و رفع قائل على انّه خبر مبتداء محذوف اى هو قائل،وف أمر من و في يفي،و ترتيب الكلام في البيت على وجهه سمعت قال زيد يا صاح ببكر للأواء اي الشدّة و الضيق و هو قائل قد وقعت فف كما تقول وقعت فاعنيّ

و من الأشعار:

يا صاحب ملك الفؤاد عشيّة زار الحبيب بها خليل ناء

بجرّ صاحب و رفع الحبيب و خليل،و توجيه أعراب انّ صاحب منادى مرّ خم،و قوله بن أمر من بان يبين،و خليل فاعل ملك و معناه يا صاحب أبعد فقد ملك الفؤاد خليل ناء عشيّة زار الحبيب بها

و من الأشعار أيضا:

انّ ابي جعفر على فرسا او انّ عبد الاله ما ركبا

برفع جعفر و نصب فرسا و رفع عبد الاله،و توجيه أعراب أنّ أبى اسم ان و هو بمعنى والدي و على فعل و فاعل و مفعوله فرسا،و انّ من الأنين و هو فعل و فاعله عبد الاله،و التقدير انّ والدي جعفر ركب فرسا و لو شكى عبد الاله و انّ ما ركب والدي و منه ايضا:

أقول لخالدا يا عمر و لمّا علتنا بالسيوف المرهفات

بنصب خالدا و رفع السيوف و المرهفات،و توجيه أعرابه انّ الّلام من لخالدا فعل أمر من ولى يلي فانّ فعل الأمر ل بحرف واحد،و خالدا مفعول و علتناب اصله علت نابى،و الناب الجمل الكبير و حذفت الياء للألتقاء الساكنين،و السيوف فاعل علت،و التقدير أقول يا عمرول خالدا أي اتبعه و ألصق به و هذا القول قلته لمّا علت جملي السيوف المرهفات و منه ايضا:

اذا ما كنت في أرض غريبا يصيد بها ضراغمها البغاث

فكن ذا بزّة فالمرء يزرى به في الحيّ أثواب رثاث

برفع ضراغمها و البغاث،و توجيه أعرابه انّ البغاث و هو الطّير الصغير فاعل يصيد،و قوله بها ضراغمها جملة حاليّة محذوفة الواو لوجود الضمير في الجملة،و منه:

جاءك سلمان ابو هاشما و قد غدى سيّدها الحارث

و هذا البيت قيل أنّه من مغلق الأعراب،و توجيهه انّ جاء فعل ماض،و الكاف كاف التشبيه،و ابوها فاعل جاء،و شما من شام البرق يشيمه اذا نظر اليه و النون نون التوكيد الخفيفة

ص:14

و قد وقف عليها فأبدلها ألفا،و في شما ضمير فاعل لأنّ الأمر للمواجهة،و سيّدها مفعول شما، و الحارث فاعل غدى،و تقديره جاء أبوها كسلمان شما سيّدها و قد غدا الحارث و منه أيضا:

جاء بي خالدا فأهلك زيدا ربّك اللّه يا محمّد زيدا

ينصب خالدا و نصب ربّك اللّه و حر محمّد،و توجيه أعرابه أن جاء فعل ماض و قصر للضّرورة،و بي أصله ابي بمعنى والدي،و خالدا منصوب بوقوع الفعل عليه،و ربّك اللّه نصب على التحذير أي أتّق ربّك اللّه،و محم منادى مرخّم أي يا محمّد،و يأمر من ودي يدي اذا أعطاه ديته،و زيدا منصوب على أنّه مفعول به،و معناه أعط يا محمّد زيدا ديته،و منه،

من سعيد بن دعلج يا أبن هند تنج من كيده و من مسعودا

بنصب سعيد و مسعود،و توجيه أعرابه انّ من في الموضعين أمر من مان يمين و هو الكذب، و نصب سعيدا و مسعودا على المفعوليّة فكأنّه قال أكذب سعيد بن دعلج و أكذب مسعودا تنج، و منه أيضا:

خمر الشيب لمتّى تخميرا وحد ابي الى القبور البعيرا

ليت شعري اذا القيامة قامت و دعى بالحساب اين المصيرا

بنصب البعير و المصير و توجيهه أنّ خمرّ بمعنى خالط،و في حدى ضمير راجع الى الشيب، و البعيرا مفعول حدى،و المصيرا مفعول شعري،أي ليتني أشعر المصير اين يكون.و منه:

وردنا ماء مكّة فاستقينا من البئر الّتي حفر الأميرا

بنصب الأمير و توجيهه انّه مفعول لأستقينا كما تقول استقينا اللّه فاسقانا الغيث،و في حفر ضمير الفاعل و هو راجع الى الأمير لأنّه مقدّم تقديرا،و منه:

جاء البشير بقرطاس فخرّقه فوق المنابر عبد اللّه يا عمروا

بنصب عبد اللّه و عمروا،و توجيهه أنّ عبد مثنى و سقطت نونه بالأضافة،و التقدير عبدان اللّه،و نصب عمروا امّا على أنّه نكرة غير مقصودة،و امّا على أنّه مندوب حذف منه هاء السكت أي يا عمرواه،و منه:

ما أكلنا شيئا سوى الخبز الاّ انّه كان ذا خميرة فطيروا

برفع فطير،و توجيهه انّه أمر من طار يطير فهو أمر للجماعة بأن يفروا مسرعين عن أكل مثل هذا الخبر،و منه

اذا جاء شهر الصوم فافطر على مشويّه و كل النهار

ص:15

بنصب شهر و رفع النهار،و توجيهه انّ النهار فاعل جاء،و المراد به ولد الحباري و شهر منصوب على الطرفيّة،و تقديره اذا جاء و حصل ولد الحباري في شهر الصوم فافطر على ما ذبحت و شويت منه و كل،و منه:

استرزق اللّه و اطلب من خزائنه رزقا يثبك و انّ اللّه غفّارا

برفع لفظة اللّه الثانية و نصب غفّارا،و قد وجّهه ابو العباس أحمد بن يحيى تغلب بأنّ قوله و انّ فعل من الأنين بمعنى الشكاية و هو معطوف على أسترزق و لفظ اللّه الثاني فاعل يثبك و غفّارا حال من اللّه،و تقديره أسترزق اللّه و أنّ اليه و اطلب من خزائنه رزقا يثبك اللّه حال كونه غفّارا.و منه:

قيل لي أنظر الى السهام تجدها طايرات كما يطير الفراشا

بنصب الفراش،و توجيهه أن يكون مفعولا ثانيا لتجدها،أي تجدها كالفراش حال كونها طايرات كما تطير،و منه قول الفرزدق في مدح مولانا زين العابدين عليه السّلام

يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم

بنصب عرفان،و توجيهه انّه مفعول لأجله بتقدير الّلام،و منه:

أكلت دجاجتان و بطّتان كما ركب المهلّب بغلتان

و توجيهه أنّ الدجاج جمع دجاجة و تان اسم فاعل من تنى يتنو،و كذلك يريد بط جمع بطة و قد أضافه الى تان،و كذلك بغل رجل تان،أمثال هذا كثير نظما و نظرا،و منه:

مرّ كما انقضّ على كوكب عفريت جنّ في الدجا الأجدل

برفع كوكب،و توجيه أعرابه انّ الأجدل فاعل مرّ و كوكب فاعل إنقضّ،و تقديره مرّ الأجدل أي الصقر كما أنقض كوكب على عفريت جنّ في الدجا،و هنا بيت يتّفق فيه وجوه كثيرة بحسب التغيير،و هي أربعون ألف وجه و ثلثمائة و عشرون وجها،و البيت هذا:

علي أمام جليل عظيم فريد شجاع كريم حليم

و قلل شيخنا الشهيد قدّس اللّه روحه محازاة لقول بعض العلماء

لقلبي حبيب مليح ظريف بديع جميل رشيق لطيف

و هو من بحر المتقارب،و توجيه الوجوه فيهما انّ اللّفظين الأوّلين لها سورتان،فاذا ضربتا في مخرج الثالث صارت ستّة،فاذا ضربت في مخرج الرابع صارت اربعة و عشرين،فاذا أضربت في مخرج الخامس صارت مائة و عشرين،فاذا ضربت في الستة فسبعماة و عشرين،فاذا ضربت في السبعة فخمسة آلاف و أربعون،ثمّ في مخرج الثامن يبلغ ما قلناه و من لطائف الأشعار قوله:

سألته التقبيل في خدّه عشرا و ما زاد يكون أحتساب

ص:16

فمذ تعانقنا و قبّلته غلطت في العدّ فضاع الحساب

و منه أيضا:

ليست بأوطانك اللاّتى نشأت بها لكن ديار الّذي تهواه أوطان

خير المواطن ما للنّفس فيه هوى ثمّ الخياط مع الأحباب ميدان

كلّ الديار اذا فكّرت واحدة مع الحبيب و كلّ النّاس إخوان

أفدى الّذين دنوا و الهجر يبعدهم و النازحين و هم في القلب سكّانوا

كنّا و كانوا بأهنا العيش ثمّ نأوا كأنّنا قطّ ما كنّا و ما كانوا

و منه أيضا قول ابن الدهّان كتب بهما الى بعض الحكّام و قد عوفي من مرضه:

نذر الناس يوم برئك صوما غير انّي نذرت وحدي فطرا

عالما انّ يوم برئك عيد لا أرى صومه و ان كان نذرا

و قال أحمد بن الحكيم الكاتب كتبه الى بعض أصحابه في مرضه:

فديتك ليلى مذ مرضت طويل و دمعي لما لاقيت منك همول

أ أشرب كأسا او أسرّ بلذّة و يعجبني ظنّي و انت نحيل

و يضحك سنّي او تجفّ مدامعي و أصبوا الى لهو و أنت عليل

ثكلت اذن نفسي و قامت قيامتي و غال حياتي عند ذلك غول

و قال بعضهم:

و قائلة لمّا رأت شيب لّمتى و استره عن وجهها بخضاب

أتستر عني وجه حقّ بباطل و توهمني ماء بلمع سراب

فقلت لها كفّى ملامك انّها ملا بس أحزاني لفقد شبابي

و لبعضهم:

و حقّك ما خضبت مشيب رأسي رجاء ان يدوم لي الشباب

و لكنّي خشيت يراد منّي عقول ذوي المشيب فلا تصاب

و لبعضهم:

ص:17

و تاجر أبصرت عشاقه و الحرب فيما بينهم ثائر

قال علي ما أقتتلوا هتاهنا قلت على عينك يا تاجر

للشافعي:

لا يدرك الحكمة من عمره يكدع في مصلحة الأهل

و لا ينال العلم الاّ فتى خال من الأفكار و الشغل

لو انّ لقمان الحكيم الّذي سارت به الركبان بالفضل

بلى الفقر و عيال لما فرّق بين التيس و البغل

لبعضهم:

بقدر الصعود يكون الهبوط فايّاك و الرتب العالية

فكن في مكان اذا ما وقعت تقوم و رجلاك في عافية

لبعضهم:

ما عاينت عيناي في عطلتي أقل من حطي و من نحتي

قد بعت عبدي و حماري و قد أصبحت لا فوقي و لا تحتي

و قال بعضهم:

حتّام انت بما يلهيك مشتغل عن نحج قصدك من خمر الهوى ثمل

ترضى من الدهر بالعيش الذّميم الى كم ذا التواني و كم يغري بك الأمل

و تدّعي بطريق القوم معرفة و انت منقطع و القوم قد وصلوا

فآنهض الى ذروة العلياء مبتدرا عزما لترقى مكانا دونه الحيل

فان ظفرت و قد جاوزت مكرمة بقاؤها ببقاء اللّه متّصل

و ان قضيت بهم وجدا فأحسن ما يقال عنك قضى من وجده الرجل

و قال الشيخ ابو الفتح البستي:

زيادة المرء في دنياه نقصان و ربحه غير محض الخير خسران

و كلّ وجدان حظ لأثبات له فانّ معناه في التحقيق فقدان

ص:18

يا عامرا لخراب الدهر مجتهدا تاللّه هل لخراب الدهر عمران

و يا حريصا على الأموال تجمعها نسيت أنّ سرور المال أحزان

دع الفؤاد عن الدنيا و زخرفها فصفوها كدر و الوصل هجران

و القصيدة طويلة

فائدة سر بعد الطعام و لو خطوة كل بعد الشرب و لو لقمة نم بعد الحمّام و لو لحظة بل بعد الجماع و لو قطرة،و من أظرف الأشعار

قلت و قد لحّ في معاتبتي فظنّ انّ الملال من قبلي

خدّك ذا الأشعري حنفي و كان لي من أحمد المذاهب لي

حسنك ما زال شافعي ابدا يا مالكي كيف صرت معتزلي

و قال بشار بن برد:

يا قوم اذني لبعض الحيّ عاشقة و الأذن تعشق قبل العين أحيانا

قالوا بمن لا ترى تهوى فقلت لهم الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

و قال:

اذا ما المدح صار بلا نوال من الممدوح كان هو الهجاء

قال الرضى رضى اللّه عنه يخاطب الطايع:

مهلا أمير المؤمنين فانّنا في دوحة العليا لا نتفرّق

ما بيننا يوم الفخار تفاوت الكلّ منّا في السصيادة معرق

ألا الخلافة ميّزتك فاننّي أنا عاطل منها و أنت مطوّق

و قيل أنّه كان يوما عند الخليفة و هو يعبث بلحيته و يرفعها الى أنفه،فقال له الطايع أظنّك تشمّ رايحة الخلافة منها؟فقال بل رايحة النبوة،قال ابو عبد اللّه الزبيري اجتمع راوية جرير و راوية كثير و راوية الأحوص و راوية نصيب و أفتخر كلّ منهم و قال صاحبي أشعر،فحكموا السيدة سكينة بنت الحسين عليه السّلام بينهم لعقلها و بصيرتها،فخرجوا اليها و دخلوا عليها،فقالت و قد ذكروا لها أمرهم:أ راوية جرير:أ ليس صاحبك يقول:

ص:19

يقرّ بعيني ما تقرّ بعينها و أحسن شيء ما به العين قرّت

و ليس شيء أقرّ لعينها من النكاح أ فتحبّ صاحبك ان ينكح؟قبّح اللّه صاحبك و قبّح شعره،ثمّ قالت لراوية جميل أ ليس صاحبك الّذي يقول:

فلو تركت عقلي معي ما طلبتها و ان طلابيها لما فات من عقلي

فما أرادها و لكن طلب عقله،قبّح اللّه صاحبك و قبّح شعره،ثم قالت لراوية الأحوص أ ليس صاحب الّذي يقول:

من عاشقين تواعدا و تواصلا ليلا اذا نجم الثريّا حلّقا

باتا بأنعم ليلة و ألذّها حتّى اذا وضح الصباح تفرّقا

قبّح اللّه و قبّح شعره هلاّ قال تعانقنا؟و قال المتنبّي:

اذا أنت أكرمت الكريم ملكته و ان أنت أكرمت اللّئيم تمرّدا

فوضع الندى في موضع السيف بالعلى مضرّ كوضع السيف في موضع الندىّ

و كتب عليّ بن صلاح الدين بن يوسف ملك الشام الى الإمام الناصر لدين اللّه يشكو أخويه ابا بكر و عثمان و قد خالفا وصيّة أبيهم له:

مولاي أنّ ابا بكر و صاحبه عثمان قد غصبا بالسيف حقّ عليّ

و كان بالأمس قد ولاّه والده في عهده فأضاعا العهد حين و لي

فانظر الى حظ هذا الأسم كيف لقى من الأواخر ما لاقى من الأول

فخالفه و حلاّ عقد بيعته او الأمر بينهما و النصّ فيه جلي

فوقّع الخليفة الناصر على ظهر كتابه بهذه الأبيات:

وافى كتابك يا ابن يوسف منطقا بالحقّ يخبر أنّ أصلك طاهر

منعوا عليا إرثه اذ لم يكن بعد النبيّ له بيثرب ناصر

فاصبر فانّ غدا عليّ حسابهم و أبشر فناصرك الإمام الناصر

قال معاوية يوما لجارية بن قدام ما كان أهونك على قومك اذ سمّوك جارية؟فقال ما أهونك على قومك اذ سمّوك معاوية و هي الأنثى من الكلاب،و حكى عن الشريف المرتضى انّه

ص:20

كان جالسا في قبّة لها مشرف على الطريق فمرّ به ابن مطرّز! الشاعر يجرّ نعلاله بالية و هي تثير الغبار،فأمر بأحضاره و قال له أنشد أبياتك الّتي تقول فيها:

اذا لم تبلّغني اليكم ركائبي فلا وردت ماء و لا رعت العشبا

فأنشده أياها فلمّا أنتهى الى هذا البيت أشار الشريف الى نعله البالية و قال أ هذه كانت من ركائبك؟فأطرق المطرز ساعة ثمّ قال لمّا عادت هبات سيّدنا الشريف الى مثل قوله:

و خذ النوم من جفوني فانّي قد خلعت الكرى على العشّاق

عادت ركائبي الى مثل ما ترى لأنّك خلعت ما لا تملكه الى من لا يقبل،فاستحيا الشريف منه و أمر له بجائزة فأعطوه،قيل قدم لقمان من سفره فلقى غلاما له فقال ما فعل ابي؟قال مات قد ملكت أمري،قال فما فعلت أمّي؟قال ماتت.قال ذهب همّي،قال فما فعلت أختي؟قال ماتت، قال سترت عورتي،قال فما فعلت أمرأتي؟قال ماتت،قال جدّد فراشي،قال فما فعل أخي؟قال مات قال آه إنقطع ظهري،و كان الشيخ عز الدّين اذا قرأ القاري عليه من الكتاب و انتهى الى آخر باب من أبوابه لا يقف عليه بل يأمره ان يقرأ من الباب الّذي بعده و لو سطرا،و يقول ما أشتهى ان تكون ممّن يقف على الأبواب،و يقال انّ اياس بن معاوية نظر الى ثلاث نسوة فزعن من شيء، فقال هذه حامل،و هذه مرضع،و هذه بكر،فسئلن فكان الأمر كذلك،فقيل له من أين لك هذا؟فقال لمّا فزعن وضعت احديهنّ يدها على بطنها،و الأخرى على ثديها،الأخرى على فرجها،

و قال المعرى:

و النجم يستصغر الأبصار رؤيته و الذنب للطرف لا للنجم في الصغر

قال مسلم بن الوليد يمدح ابن مزيد الشيباني:

تراه في الأمن درع مضاعفة لا يأمن الدهر ان يدعى على عجل

لا يعبق الطيب خدّيه و مفرقه و لا يمسّح عينيه من الكحل

يقال أنّ هارون الرشيد لمّا سمع البيت الأوّل و فهم أنّه لمن و فيمن طلب ابن مزيد فأحضروا عليه ثياب ملوّنة ممصّرة،فلمّا نظر الرشيد في تلك الحال قال أكذّبت شاعرك يا يزيد،قال فيم يا أمير المؤمنين؟قال في قوله تراه في الأمن.....الخ،فقال يزيد لا و اللّه ما كذّبته و انّ الدرع عليّ ما فارقني و كشف ثيابه فاذا عليه درع،فأمر الرشيد بحمل خمسين ألف دينار الى يزيد و خمسة الآف دينار الى مسلم،و يقال انّه لمّا سمع البيت قال ما منتعتني من الطيب باقي عمري فما رأى بعد ذلك ظاهر

ص:21

الطيّب و لا مكتحلا،يقال أنّه كان أعطر الناس في زمانه و كان يقول اللّه بيني و بين مسلم حرمني أحب الأشياء.و من لطائف الأشعار قول ابي الحسن التهاميّ يرثي ابنه:

حكم المنيّة في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار

بينا يرى الأنسان فيها مخبرا حتّى يرى خبر من الأخبار

طبعت على كدر و انت تريدها صفوا من الأقذار و الأكدار

و مكلّف الأيّام ضدّ طباعها متطلّب في الماء جذوة نار

و للعيش نوم و المنيّة يقظة و المرء بينهما خيال سار

و النفس أن رضيت بذلك أو أبت منقادة بأزمّة المقدار

فاقضوا مآربكم عجالا انّما أعماركم سفر من الأسفار

و تراكضوا خيل الشباب و بادروا ان تستردّ فانهنّ عواري

فالدهر يشرق ان سقى و يعض ان يبني و يهدم ما بنى ببوار

ليس الزمان و ان حرصت مسالما حلف الزمان عداوة الأحرار

يا كوكبا ما كان أقصر عمره و كذا تكون كواكب الأسحار

و هلال أيّام مضى لم يستبد بدرا و لم يمهل بوقت سرار

عجل الخسوف عليه قبل أوانه فغطاه قبل مظنّة الأبدار

و كأنّ قلبي قبره و كأنّه في طيّه شرّ من الأشرار

ان يحتقر صفوا فربّ مفخّم يبدو ضئيل الشخص للنظّار

انّ الكواكب في علوّ محلّها لترى ضغارا و هي غير صغار

ولدا لمعزى بعضه فاذا أنقضى بعض الفتى فالكلّ في الأدبار

أبكيه ثم أقول معتذرا له زقفت حيث تركت ألئم دار

جاورت أعدائي و جاور ربّه شتّان بين جواره و جواري

انّى لأرحم حاسديّ لحرّ ما ضمّت صدورهم من الأوغار

نظروا صنيع اللّه بي فعيونهم في جنّة و قلوبهم في نار

لا ذنب لي قد رمت كتم فضايلي فكانّما برّقعت وجه نار

و سترتها بتواضع فتطلّعت أعناقها تعلو على الأستار

بسط الكلام مع الأحباب مطلوب و عليه جرى قول موسى عليه السّلام هي عصاي الآية و هيهنا سؤال و هو أنّ تكليم العبد للربّ سبحانه ميسّر كلّ وقت لكلّ أحد كما في الدعاء و نحوه،و كان

ص:22

ينبغي لموسى عليه السّلام ان لا يطيل الكلام بل يختصر و يشسكت،ليفوز بسماع الكلام مرّة أخرى فانّه أعظم اللّذتين،و الجواب أنّ تكليم موسى للحقّ سبحانه في ذلك الوقت ليس من قبيل التكليم الميسر في كلّ وقت،لأنّه جواب عن سؤاله تعالى و مكالمة له سبحانه كما يتكلّم جليس الملك الملك، و فرق بين تكليم الجليس للملك و بين سماع الملك كلام شخص محجوب عن بساط القرب يصيح خارج الباب،و هذا هو الميسّر لكلّ أحد،على أنّ موسى عليه السّلام لم يكن على يقين من أنّه ان أختصر و سكت فاز بالمخاطبة مرة أخرى،أ لا نرى كيف أجمل في قوله:و لي فيها مآرب أخرى،رجاء أن يسأل من تلك المآرب فيبسط الكلام مرّة أخرى

و قال شيخنا البهائي ره لا يبعد أن يكون عليه السّلام قد فهم أنّ سؤال الحقّ تعالى له انّما هو لمحض رفع الدهشة عنه،فأخذ يجري في كلامه مظهرا ارتفاع الدهشة،و انّ السؤال انّما هو لتقريره على أنّها كمن يريد تعجيب الحاضرين من قلب النحاس ذهبا فيقول ما هذا؟فيقولون نحاس فيخرجه لهم ذهبا،فأخذ موسى عليه السّلام في ذكر خواص العصا تأكيدا للإقرار بانّها عصا،فيكون بسط الكلام هذا أيضا للإستلذاذ وحده كما هو مشهور.دخل مامة دار المأمون و فيها روح بن عبادة،فقال له روح:المعتزلة حمقى،و ذلك أنّهم يزعمون انّ التوبة بأيديهم و انّهم يقدرون عليها متى شاؤا و هم مع ذلك دائما يسألون اللّه تعالى ان يتوب عليهم،فما معنى مسألتهم ايّاه ما هو بأيديهم؟و الأمر فيه اليهم لو لا الحمق؟فقال تمامة أ لست تزعم أنّ التوبة من اللّه و هو يطلبها من العباد ليس بأيديهم و لا يجدون اليه سبيلا؟فأجاب حتّى أجيب و في التواريخ أنّ معن بن زائدة كان يتصيّد،فعطش و لم يكن في تلك الحال مع غلمانه ماء،فبينما هو كذلك اذ مر به جاريتان من حيّ هناك،في جيد كلّ واحدة قربة من الماء فشرب منهما،و قال لغلمانه هل معكم شيء من نفقتنا؟فقالوا ليس معنا شيء،فدفع الى كلّ من الجاريتين عشرة من سهامه و كان نصالها من ذهب،فقالت أحديهما للأخرى ويحك ما هذه الشمائل الاّ لمعن بن زائدة،فليقل كلّ منّا في ذلك شيئا،فقالت أحديهما:

يركبّ في السهام نصال تبر و يرميها العدى كرما وجودا

فللمرضى علاج من جراح و أكفان لمن سكن اللّحودا

و قالت الأخرى:

و محارب من فرط جود بنائه عمّت مكارمه الأقارب و العدى

صنعت نصال سهامه من عسجد كي لا يعوّقه القتال عن الندى

ص:23

و من الآثار قولهم أنّ سر الحقيقة ممّا لا يمكن أن يقال،قال البهائي طاب ثراه له محملان أحدهما أنّه يخالف لظاهر الشريعة في نظر العلماء فلا يمكن قوله،و على هذا جرى قول مولانا زين العابدين عليه السّلام:

يا ربّ جوهر علم لو أبوح به لقيل أنت ممّن يعبد الوثنا

و لا ستحلّ رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتوا له حسنا

الثاني انّ العبارات قاصرة عن أدائه غير وافية ببيانه فكلّ عبارة قريبة الى الذهن من وجه بعيدة عنه من وجوه،كلّما أقبل فكري فيك شبرا فرّ ميلا،و على هذا جرى قول بعضهم:

و انّ قميصا خيط من نسج تسعة و عشرين حرفا عن معاليك قاصر

و من هذا يظهر أنّ قولهم إفشاء سرّ الربوبيّة كفر:له محملان أيضا فعلى المحمل الأوّل يراد بالكفر ما يقابل الأسلام،و على المحمل الثاني يراد بالكفر ما يقابل الأظهار اذا الكفر في اللغة الستر،فيكون معنى الكلام انّ كل ما يقال في كشف الحقيقة فهو سبب لأخفائها و ستر لها في الحقيقة.و من الأخبار ما روي انّه عشش ورشان في شجرة دار رجل،فلمّا همّت فراخه بالطيران زيّنت له أمرأته أخذها ففعل ذلك مرارا فشكا الورشان الى سليمان عليه السّلام و قال يا رسول اللّه أردت أن يكون لي أولاد من بعدي يذكرون اللّه،فزجر الرجل ثمّ أخذها بأمر أمرأته،فأعاد الورشان الشكوى،فقال لشيطانين اذا رأيتماه يصعد الشجرة فشقّاه نصفين،فلما أراد أن يصعد أعترضه سائل فذهب فأطعمه كسرة من خبز شعير،ثمّ صعد و أخذ الفراخ،فشكا الورشان،فقال لشيطانين فقالا إعترضنا ملكان فأخذا بعنقنا فطرحا في الخافقين.و من الأخبار اللّطيفة الّتي يروح الخاطر بها عند الملال ما رواه السيّد التقيّ ابن طاووس تغمّده اللّه برحمته في كتابه الأقبال من قوله عليه السّلام لو علم الناس ما في زيارة نصف شعبان من الثواب لقامت ذكور رجال على الخشب،و قد كنت ليلة من الليالي نائما و شيخنا الثقة صاحب كتاب بحار الأنوار جالس يؤلّف،فأيقظني من النوم و قال تفكّر في معنى هذا الحديث و قد كان مطرحا بينه و بين من حضر من تلامذته،فقلت له معناه أنّ الناس لو عملوا قدر ثواب زيارة مولانا الحسين عليه السّلام في نصف شعبان لقامت الرجال الذكور و هو الكاملون من الرجال على أرجل الخشب لو لم يكن لهم أرجل يقدرون بها على التوصل فاستحسنه و قال أنّ السيّد ابن طاووس ذكر غير هذا و هو أنّ معناه لو أنّ الناس علموا ذلك الثواب لتركوا التقية في زيارته عليه السّلام حتّى أنّ حكّام الجور يصلبونهم على الخشب فيقومون مصلّبين على الأخشاب،فقلت له هذا معنى لكنّ الأنصاف انّ الأوّل أظهر.و معنى ثالث ظريف سنح لبعض الأفاضل و كان يستحسنه و هو أنّ الناس لو عملوا ذلك الثواب لقامت ذكورهم على

ص:24

الخشب يعني لفعلوا الزنا مع كلّ أمرأة حتّى أيورتهم تقوم على الخشب لعلمهم بأنّ ثواب تلك الزيارة مكفّر لكلّ تلك الذنوب،و هذا معنى بعيد،و معنى رابع و هو ان يكون هذا كناية عن سرعة المبادرة.و من الأخبار قول مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام لو كان الموت يشترى لأشتراه أثنان كريم أبلج،و حريص ملهوف:و هذا يحتمل معاني.أوّلها انّ الكريم الأبلج انّما يشتري الموت عند تضائق الأمور عليه،و ذلك انّ الكريم اذا لم يكن عنده ما يعطى خصوصا وقت السؤال حصل له من الحالات ما يتمنّى معها الموت،و امّا الحريص فربّما حصل له شيء من نقصان المال بوجه من الوجوه حتّى صار يتمنّى الموت و لا يرى ذلك النقص في دنياه و ثانيها انّ الكريم لسخاء نفسه و مبله الى الإعطاء و طلب السائلين منه و إرادة الرفق و البقاء للمسلمين في الدنيا لو كان الموت يشترى لأشتراه و رفعه من بينهم حتّى لا يموت أحد و يكون نظام الأعطاء و السؤال على حاله.و امّا البخيل فمن شدّة حرصه على الدنيا لو كان الموت يشترى لأشتراه و جعله تحت قبضته حتّى يميت به من ينازعه في مال الدنيا و أسبابها فتخلوا الدنيا و أسبابها له،و ثالثها انّ البخيل من شدّة حرصه و إرادته لجمع كلّ شيء لو كان الموت يشترى لأشتراه و جعله من جملة أمواله و أسبابه و يحتمل معاني اخر.و من الأخبار قوله عليه السّلام انّ اللّه يكره البخيل في حياته و الكريم في مماته،قيل انّ الكراهة في الموضعين منصرفة الى القيد و المراد انّه تعالى يكره حياة البخيل و موت الكريم و الأظهر إبقاؤه على ظاهره و انّ المراد انّه سبحانه يكره البخيل في وقت حياته و يكره الكريم في وقت الممات أي الّذي يتكرّم عند موته كما هو الغالب على طباع الناس من انّهم اذا مرضوا و رأوا أمارات الموت بادروا الى الوصايا بالأمور الواجبة الّتي كانوا مصرّين على الأخلال بها مدّة حياتهم، و يجوز ان يراد من الكريم وقت الموت الّذي يكون غرضه الأضرار بالورثة او بعضهم فهو يحتال في إضرارهم بالوصايا الكثيرة و بهبة ماله لبعضهم دون بعض و نحو ذلك،و له معنى آخر دقيق لكنّه مأخوذ من كلامه عليه السّلام في موارد كثيرة و هو ان يكون المراد أنّه يبغض الّذي يبخل في الحياة و يريدها و يرجحها على غيره من الموت و ما بعده،و كذلك الكريم الّذي يريد الموت و يتكرّم بنفسه على الموت بل الّذي ينبغي ان يكون حال المؤمن عليه انّه لا يريد الاّ ما أراده اللّه تعالى له،ففي مدة الحياة يحبّها و اذا جاء الموت حبّه ايضا،كما كان مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام يمتدح به و هو المعنى العالي المراد من قوله عليه السّلام في دعاء التوجّه و محياي و مماتي للّه ربّ العالمين،يعني به كما تقدّم انّ حياتي و موتي للّه تعالى فلا أرحج منهما الاّ مار حجّه لي سبحانه و تعالى و قرّ به اليّ.و منه ما رواه في الكافي مسند الى ابي عبد اللّه عليه السّلام فقال و اللّه لو علم ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله،و لقد آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بينهما فما ظنّكم بساير الخلق،انّ علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله الاّ نبيّ مرسل او ملك مقرّب او عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للأيمان،فقال و انّما صار سلمان من العلماء

ص:25

لأنّه امرء منّا أهل البيت،فلذلك نسبته الى العلماء،و الأشكال انّما هو في قوله لقتله و هو يحتمل لمعان:اوّلها انّ اللّه تعالى قد أعطى سلمان من العلم ما لم يعطه ابا ذر و كان سلمان يتّقي ابا ذر في أظهار علمه و لو ظهر له لقال انّه ساحر لأنّه ليس بنبيّ و لا وصي نبيّ،و قوله عليه السّلام انّ علم العلماء اه لبيان انّ سلمان رضي اللّه عنه كان يحتمل ذلك و ثانيها انّ ضمير الفاعل راجع الى العلم و ضمير المفعول راجع الى ابي ذر و معناه انّ ابا ذر لو أعطى علم سلمان لما طاق تحمّله بل كان العلم قاتلا له و ثالثها انّ ابا ذر لو علم كلّ ما علمه سلمان لم يمكنه كتمانه فاذا أظهره قتله الناس لعدم فهمهم لمعانيه كما اتّفق ذلك في كثير من خواص الأئمّة عليهم السّلام كمحمّد بن سنان و جابر الجعفيّ ممّن أتّهمهم أهل الرجال بالغلوّ و أرتفاع القول و ذلك لأنّ الأئمّة عليهم السّلام ألقوا اليهم من أسرار علومهم ما لم يحدّثوا به غيرهم من الشيعة فاستغرب الشيعة تلك الأخبار لعدم موافقة غيرهم لهم على روايتها فطعنوا عليهم بهذا السبب و هذا السبب هو سبب رفعتهم و علوّ درجاتهم عند مواليهم فما فيه الجرح هو الذي فيه المدح،و قد حققنا هذا المقام في شرحنا على الأستبصار و يؤيد المعنى الأوّل ما ورد في حديث آخر من قوله عليه السّلام لو علم ابو ذر ما في قلب سلمان لقال رحم اللّه قاتل سلمان.و من الأخبار ما رواه شيخنا الكليني طاب ثراه عن الصادق عليه السّلام قال أسلم ابو طالب بحساب الجمل و عقد بيده ثلاثا و ستّين،و هذا الحديث من مشكلات الأخبار و قد ورد تفسيران في خبرين:الأوّل ما رواه صاحب كتاب الخرائج و الجرائح عن الداودي قال كنت عند ابي القاسم بن روح فسأله رجل ما معنى قول العبّاس للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّ عمّك ابا طالب قد اسلم بحساب الجم و عقد بيده ثلاثا و ستّين؟فقال عنى إله أحد جواد،و تفسير ذلك انّ الألف واحد و اللاّم ثلثون،و الهاء خمسة و الألف واحد و الحاء ثمانية،و الدال أربعة،و الجيم ثلاثة،و الواو ستّة،و الألف واحد، و الدال أربعة فذلك ثلاثة و ستّون،و مثله في كتاب الغيبة و معاني الأخبار للصدوق طاب ثراه.الثاني ما رواه ابن شهر آشوب في كتاب المناقب مسندا الى قتادة في حديث طويل قال فيه لمّا حضرت أبا طالب الوفاة دعى برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بكى،و قال يا محمّد انّي أخرج من الدنيا و مالي غمّ الاّ غمّك،الى ان قال صلّى اللّه عليه و آله يا عمّ انّك تخاف عليّ أذى أعادي و لا تخاف على نفسك غدا عذاب ربّي،فضحك ابو طالب و قال يا محمّد:

دعوتني و زعمت أنّك ناصحي و لقد صدقت و كنت قدما أمينا

و عقد على ثلاث و ستّين عقد الحنضر و البنصر و الأبهام على أصبعه الوسطى و أشار بأصبعه المسبحة يقول لا اله الا اللّه،و قال فيه شيخنا البهائي تغمده اللّه برحمته معنى ثالث و هو انّه أشار بحساب العقود الى كلمة سبّح من التسبيحة و هي(هو)التغطية أي غطّ و استر فانّه من النفائس و الأسرار،و قيل معناه انّه اسلم بثلاث و ستّين لغة كما روى عن الصادق عليه السّلام قال انّ ابا طالب

ص:26

أسلم بحساب الجمل قال بكلّ لسان.و من الأخبار ما رواه الكليني قدّس اللّه روحه عن المفضّل بن عمر عن الصادق عليه السّلام قال بين المرء و الحكمة نعمة العالم و الجاهل شقيّ بينهما،و هذا الخبر ايضا من مشكلات الأحاديث،و له وجوه أوّلها انّ النعمة بكسر النون منوّنا المراد به العقل الّذي يوصل العالم الى العمل بعلمه و يطلعه على الأسرار،و يوصل الجاهل الى التعلّم و الأخذ من العالم الربّاني،و الضمير راجع الى الحكمة و النعمة،و العالم شقيّ لتركه العمل و الجاهل شقيّ لتركه العلم،و ثانيها أنّ النعمة منوّن و العالم بيان لنعمة او بالأضافة و هي أمّا لاميّة او بيانيّة،و المراد ارشاده و هدايته،الجاهل شقيّ بينهما بين الحكمة و نعمة العالم،او بين المرء و الحكمة،و ثالثها ان يكون المراد انّ المرء من أوّل عقله و تمييزه الى بلوغه حدّ الحكمة متنعم بنعمة العلم و الجاهل من أوّل عمره الى منتهاه شقيّ محروم،و رابعها انّ النعمة بفتح النون المراد به التنعّم،و معناه انّ التنعّم يمنع المرء من تحصيل الحكمة و هي العمل بما يعلم،و العالم و الجاهل كلاهما شقيّ بين التنعّم و الحكمة،امّا العالم فشقيّ بسبب تنعّمه عن العمل بما يقتضي عمله،و الجاهل شقيّ بسبب التنعّم عن تحصيل العلم.و خامسها ما فهمه المحقّق الداماد ره حيث قال أي بين المرء و العلم نعمة هي العالم لكونه السبب الموصل ايّاه اليه،و الجاهل العادم العقل ذو القوّة الجاهليّة شقيّ بين العالم و العلم خائب ضائع السعي غير نائل ايّاه،و لو أراد العالم ايصاله اليه لشقائه الفطري و شقاوته الذاتية و نعمة يحتمل الأضافة البيانيّة و التنوين التمكّني التنكيري على ان يكون العالم بيانا لها و معينا ايّاها.و سادسها انّ قوله بين المرء و الحكمة نعمة جملة،و قوله العالم اه جملة اخرى، و النعمة ما يتنعّم به،و الشقا بمعنى التعب مثل قوله تعالى مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ أي لتتعب،فالعلم تعبان على تحصيل العلم،و الجاهل على فوات العلم عنه و عدم الوصول اليه بسهولة،و انّ العالم يميل الى الحكمة لكنّه من جهة الحرمان عن النعمة في ألم،و الجاهل يميل الى النعمة و هو من الحرمان من الحكمة في تعب و كلفة،و قد قيل فيه وجوه أخرى تركناها حذرا من التطويا.و من الأخبار المشكلة ما رواه الشيخ ره في الصحيح عن سعيد الأعرج قال سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ سلّم في ركعتين فسأله من خلفه يا رسول اللّه أحدث في الصلاة شيء؟قال و ما ذاك؟قالوا انّما صلّيت ركعتين،فقال أ كذلك يا ذا اليدين؟و كان يدعى ذا الشمالين،فقال نعم،فبنى على صلاته فأتم الصلاة أربعا،و قال انّ اللّه عزّ و جلّ هو الّذي أنساه رحمة للأمّة،أ لا ترى لو انّ رجلا صنع هذا لعير و قال ما تقبّل صلاتك فمن دخل عليه اليوم ذلك قال قد سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صارت أسوة و سجد سجدتين لمكان الكلام.اقول هذا الخبر قد وقع فيه التشاجر و النزاع و هو المعركة العظمى بين الصدوق ره و بين أكثر علمائنا رضوان اللّه عليهم فانّهم نفوه رأسا و طرحوا الأخبار الدالّة عليه و بالغوا التشنيع عليه،فممّن شنّع عليه من المتأخرين

ص:27

شينا المحقّق الشيخ بهاء الدين نوّر اللّه مرقده،و قال في جملة كلامه انّ نسبة السهو الى ابن بابويه أولى من نسبتها اليه صلّى اللّه عليه و آله،و قال أيضا عند قول ابن بابويه و ان وفّقنا اللّه صنّفنا كتابا في كيفيّة سهو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:الحمد للّه الّذي لم يوفّقه لتصنيف ذلك الكتاب.و امّا المتقدمون فمنهم سيّدنا الأجلّ المرتضى قدّس اللّه روحه فانّه قال بعد ما حكى كلام الصدوق ره:إعلم أنّ الّذي حكيت عمّا حكيت ممّا قد أثبتناه قد تكلّف ما ليس من شأنه فأبدى بذلك عن نقصه في العلم و عجزه،و لو كان ممّن وفق لرشده لما تعرض لما لا يحسنه و لا هو من صناعته،و لا يهتدي الى معرفته لكنّ الهوى مرد لصاحبه نعوذ باللّه من سلب التوفيق و نسأله العصمة من الظلال،و نستهديه في سلوك نهج الحق و واضح الطريق،و قال بعد نقله خبر ذي اليدين انّ هذا الخبر من الأخبار الأحاد الّتي لا تثمر علما و لا توجب عملا،و من عمل على شيء منها فعلى الظنّ يعتمد في عمله بها دون اليقين و قد نهى اللّه تعالى عن أتّباع الظنّ،و قال بعد كلام طويل و لسنا ننكر ان يغلب النوم الأنبياء عليهم السّلام في أوقات الصلاة حتّى تخرج فيقضونها بعد ذلك و ليس عليهم في ذلك عيب و لا نقص لأنّه ليس ينفكّ بشر من غلبة النوم و لأنّ النائم لا عيب عليه،و ليس كذلك السهو لأنّه نقص عن الكمال في الأنسان و هو عيب يختص به من أعتراه،و قد يكون من فعل الساهي تارة كما يكون من فعل غيره و النوم لا يكون الاّ من فعل اللّه تعالى،فليس من مقدور العباد على حالة و لو كان من مقدورهم لا يتعلّق به نقص و عيب لصاحبه لعمومه جميع البشر و ليس كذلك السهو،لأنّه يمكن التحرّز منه،و لأنّا وجدنا الحكماء يجتنبون ان يودعوا أموالهم و أسرارهم ذوي السهوّ و النسيان و لا يمنعون من إيداعه من تعتريه الأمراض و الأسقام،و وجدنا الفقهاء يطرحون ما يرويه ذوو السهو من الحديث الاّ أن يشركهم فيه غيرهم من ذوي اليقظة و الفطنة و الذّكاء و الحذاقة،فعلم فرق ما بين السهو و النوم بما ذكرنا،و لو جاز ان يسهو في الصلاة لجاز أن يسهو في الصيام حتّى يأكل و يشرب نهارا في شهر رمضان بين أصحابه و هم يشاهدونه و يستدركون عليه الغلط و ينبهّونه عليه بالتوقيف على ما جناه، و أجاز أن يجامع النساء في شهر رمضان نهارا ثمّ ذكر من هذا الباب أمور كثيرة و قال أنّ هذا ما(ممّا)لا يذهب اليه مسلم و لا غال و لا موحّد و لا يجيزه ملحد و هو لازم لمن حكيت عنه فيما أفتى به من سهو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و دلّ على ضعف عقله و سوء أختياره و فساد تخيّله.و قال ثمّ العجب حكمه بأنّ سهو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سهو من سواه من أمّته كافّة البشر من غيرها من الشيطان بغير علم فيما أدّعاه و لا حجّة و لا شبهة يتعلّق بها أحد من العقلاء اللّهمّ الاّ ان يدّعي الوحي في ذلك و يتبيّن به ضعف عقله لكافّة الألباء ثمّ العجب من قوله انّ سهو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من اللّه دون الشيطان لأنّه ليس للشيطان على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سلطان و انّما زعم انّ سلطانه على الّذين يتولّونه و الّذين هم به مشركون و على من أتّبعه من الغاوين،ثمّ هو يقول انّ هذا السهو الّذي من الشيطان يعمّ جميع البشر سوى الأنبياء

ص:28

و الأئمة عليهم السّلام،فكلّهم أولياء الشيطان و أنّهم غاوون اذا كان الشيطان عليهم سلطان و كان سهوهم منه دون الرحمن،و من لم يتيقّظ لجهله في هذا الباب كان في عداد الأموات انتهى كلام المرتضى ره.و الحقّ انّ الأخبار قد أستفاضت في الدلالة على ما ذهب اليه الصدوق،و كأنّه الأقوى و قد أشبعنا الكلام و الأستدلال على هذا المطلب الجليل في شرحنا على تهذيب الحديث و لكن حيث ذكرناه هنا فلا بأس بالأشارة الى نبذة ممّا هناك،فنقول أمّا تشنيع شيخنا البهائي ره فهو من جملة مطايباته و ظرائفه و تحقيق الوجه ما سيأتي.و أمّا علم الهدى طاب ثراه فهو و ان بالغ في التشنيع و لكنّه ليس من عدم علمه بجلالة الصدوق او انّه يعتقد و يعلم انّ ما قاله في شأنه هو الواقع،نعم قد ذهب علماؤنا رضوان اللّه عليهم الى تغليط بعضهم بعضا في مسائل الأجتهاد،و من ذهب منهم الى حكم من الأحكام تكلّم عليه مخالفوه و طعنوا فيه و جرحوه و نسبوه الى التخبّط في العقل و الفتوى حتّى لا يتابعه أحد في تلك الحكم و يرون مثله واجبا:و قد استثنوه من مسائل الغيبة و ادخلوه في الجائز منها،مع انّ هذه المسألة مسألة أصوليّة فكيف لا يطعنون على المخالف لهم،فيها و الاّ فالمرتضى و من شاركه في التشنيع كشيخنا المفيد أعلى اللّه مقامه قد أعتمدوا على الصدوق ره في الأخبار و الأحكام و نقلوها عنه و أعتمدوا على نقله،فكيف يقبلونها منه و ينسبونه الى الخروج عن الدين؟فليس الوجه فيه الاّ ما ذكرناه،و قد شاهد مثل هذا من أوثق مشايخنا و اورعهم و أتقاهم و أبعدهم من الأغراض و المنافسات.و امّا قوله ره انّ هذا خبر آحاد لا يوجب علما و لا عملا فالجواب عنه أمّا أوّلا فلان مدار أثبات الأحكام في هذه الأعصار و ما سبقها عليه،و ذلك انّ المرتضى ره كان قريب العهد بأعصار أجداده الطاهرين و كانت الأصول الأربعمائة و الكتب الخمسة آلاف كلّها موجودة عنده،و كان بينه و بين الأمام موسى بن جعفر عليهما السّلام مثل ما بين مولانا صاحب الزمان عليه السّلام و بين الأمام موسى عليه السّلام من الآباء،و قد كان متمكّنا من معرفة الأحاد و التواتر و بقيت الكتب و الأصول على هذا الحال الى زمن ابن أدريس ره فلمّا كان زمانه حصل الضياع في الأصول و الكتب بأسباب مختلفة،منها أنّ بعضها دخل خزائن الملوك فلم يخرج منها، و منها أنّ بعض سلاطين الجور و أئمّتهم أحرقوا بعضها،و منها أنّ الشيعة لمّا رأوا هذه الأصول الأربعة مدوّنة و هي مرتبة و أسهل تناولا من تلك الأصول و الكتب أهملو أستعمالها و نسخها الباعث لأستمرارها حتّى انتهى الحال الينا فلم نجد في هذا العصر الاّ ثلاثين اصلا تقريبا،فصار الأعتماد كلّه على أخبار الأحاد،و قد قبلنا خبر السكوني و النوفلي و أضرابهما.و امّا ثانيا فلأن حكاية سهو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد روى بما يقارب عشرين سندا و فيها مبالغة و أنكار على من أنكره كما روى عن ابي الصلت الهروي قال قلت للرضا عليه السّلام يا ابن رسول اللّه انّ في سواد الكوفة قوما يزعمون انّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يقع عليه السهو في صلاته،قال كذبوا لعنهم اللّه انّ الّذي لا يسهو هو اللّه

ص:29

الّذي لا اله الا هو،و بالجملة فهذا المضمون مرويّ بالطرق الصحيحة و الحسان و الموثقات و المجاهيل و الضعاف فأنكاره مشكل.

و امّا قوله ره و لسنا ننكر أن يغلب النوم آه فيرد عليه أنّه اذا أعترف بهذا لزمه ان يعترف بالمتنازع فيه أمّا من النقل فلأنّ الأخبار الدّالة على حكاية السهو أكثر من الأخبار الدّالة على حكاية النوم و قضاء الصلوات،و امّا من جهة العقل فلأنّ نفيه النقص عن غلبة النوم و أثباتها للسهو خلاف طور العقل و العادة فأنّه كما يمكن التحرز من النوم الكثير المفضي الى قضاء الصلاة بل هو هيهنا أمكن،فأنّ الأماكن الّتي يظنّ الأنسان فيها غلبة النوم في وقت الصلاة كشدّة التعب او السهر الى آخر الليل او نحو ذلك يمكنه ان يقعد انسانا يوقظه ذلك الوقت كالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأنّه كان كثير الأعوان و الجنود لما نام بذلك الوادي أحتاج فيه الى قضاء الصلاة بخلاف السهو فانّه ليس له وقت خاص يتمكّن الأنسان من التحرّز فيه،و هذا ظاهر غير خفيّ،مع أنّ كلام الصدوق ره تابع للأخبار في كون الّذي أسهاه هو اللّه تعالى و حينئذ فلا فرق بين النوم و السهو في أنّهما فعله سبحانه و تعالى فعلهما في نبيّه في موارد خاصّة.و امّا قوله ره لأنّا وجدنا الحكماء اه فالجواب عنه أنّ الحكماء انّما يجتنبون ايداع من كثر سهوه و كذلك الفقهاء انّما يجتنبون رواية من غلب عليه السهو لا من سهى في مورد خاص،و قد كان الباعث له على السهو في ذلك المورد ذلك الحكيم الّذي أودعه،و قوله طاب ثراه و لو جاز أن يسهواه الجواب عنه انّ تجويز السهو عليه في الصوم و فيما ذكرت من الأمثلة ان كان رحمة للأمّة جوّزناه عليه لكنّه جائز غير واقع،و ان لم يكن رحمة للأمّة مع أشتماله على نوع نقص فلا نجوزه خصوصا في تبليغ الأحكام فانّ السهو فيها ظاهر النقص و هو أرتفاع الوثوق بوعده و وعيده.و امّا قوله ثمّ العجب اه فلا عجب فيه بعد وروده في الأخبار الصحيحة و حاشا الصدوق من ان يتجرّى على هذا الخطب الجليل من غير مدرك يعتمد عليه، و امّا تعجّبه الأخير فلا يخفى ما فيه و ذلك لأنّ الصدوق ره أراد أقتباس الآية او هو خبر نقل لفظه من غير إرادة منه لتفسير معنى التولي و معناه إطاعة الشيطان فيما يلقيه من الوساوس و من ذا الّذي يخلو من هذا سوى المعصومين عليهم السّلام،و امّا الّذين هم به مشركون و الغاوون فهم فرق أخرى غير المؤمنين،فكأنّه قال انّ سلطان الشيطان على المؤمنين و على غيرهم،أمّا المؤمنون فبالقائه الوساوس و نحوها،و امّا غيرهم فهو الإخراج من النور الى الظلمات،مع أنّا لا نوافق الصدوق الاّ فيما نطق به النصّ الصحيح و هو إسهاؤه سبحانه له في خصوص الصلاة اذا عرفت هذا.فاعلم أنّ الذي حدى الأصحاب رضوان اللّه عليهم على إنكاره هو ثلاثة أمور:الأوّل الأجماع الّذي نقلوه،الثاني قولهم اذا تعارض العقل و النقل قدّم العقل و أوّل النقل أن أسكن و الاّ طرح،الثالث ما رواه شيخ الطائفة تغمّده اللّه برحمته بإسناده الى ابن بكير عن زرارة قال سألت ابا جعفر عليه السّلام

ص:30

هل سجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سجدتي السهو قطّ؟قال لا و لا يسجدهما فقيه،و الجواب أمّا عن الأوّل فهو ممنوع،و ذلك انّ الصدوق و شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد قد خالفاه صريحا و ظاهر كثير من المحدّثين الذهاب اليه حيث أنّهم نقلوا الأخبار الواردة في شأن السهو من غير تعرّض منهم لردّها فيكون كالموافقة السكوتيّة منهم،و امّا المعاصرون في هذه الأوقات فقد ذهب منهم المحقّق الكاشي و بعض مجتهدي العراق اليه،و أمّا الثاني فقد تقدّم القول فيه و انّ الدليل العقلي لا يقدّم مطلقا بل يقدّم اذا تأيّد بالنقل فيكون من باب تعارض النقلين في الحقيقة،و الاّ فالدلائل العقليّة غير تامّة في أنفسها فضلا عن أثبات الأحكام الشرعية بها.و أمّا عن الثالث فبأنّ راويه ابن بكير و حاله مشهورة فهو لا يعارض الأخبار الصحيحة مع أنّ القول بظاهره خلاف الوجدان مع أنّ التأويل جار فيه بأن يكون المراد أنّه لم يسجدهما كغيره في الكثير او الأنتهاء الى وساوس الشيطان فانّ ذلك أسهاء من الرحمن فتأمّل في هذا المقام راكبا جواد المرام و من الأخبار ما روى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:قال اللّه تعالى انّي وضعت خمسة أشياء في خمسة و الناس يطلبونها في خمسة أخرى فمتى يجدونها،انّي وضعت العزّ في طاعتي و الناس يطلبونه من أبواب السلاطين فمتى يجدون؟و وضعت العلم و الحكمة في الجوع و الناس يطلبونه في الشبع فمتى يجدونه؟و وضعت الراحة في الجنّة و الناس يطلبونها في الدنيا فمتى يجدوها؟و وضعت الغنى في القناعة و الناس يطلبونه بجمع المال فمتى يجدونه؟و وضعت رضاي في مخالفة الهوى و الناس يطلبونه في الهوى فلم يجدوه.و من الأخبار الرافعة للملال ما رواه الصدوق ره بأسناده الى الصادق عليه السّلام قال انّ اللّه تبارك و تعالى اوحى الى موسى بن عمران عليه السّلام ان أخرج عظام يوسف من مصر و وعده طلوع القمر و أبطأ طلوع القمر عليه الحديث،و الأشكال الوارد على هذا الحديث انّه مناف بظاهره لما روى من انّ الأنبياء و أوصيائهم لا يبقون في قبورهم فوق ثلاثة ايام بل يرفعهم اللّه تعالى الى جناب قربه فكيف بقيت عظام الصديق عليه السّلام الى زمن موسى عليه السّلام؟و الجواب أنّه يجوز ان يكون رفعه اللّه تعالى اليه ثمّ أنزله بعد لمصلحة خاصّة تجري على يدي موسى عليه السّلام مثل حكاية العجوز دلّته على العظام و نحوها،و قد أستدلّ بعض العلماء من هذا الحديث على جواز نقل الموتى و عظامهم الى المشاهد و الأماكن الشريفة و الأعتراض عليه من وجوه.أوّلها انّ هذا شرع من قبلنا و هو غير حجّة علينا،و ثانيها انّ المرويّ انّ عظام الصديق عليه السّلام قد كانت في صندوق مرمر في شطّ النيل بأعتبار انّ الماء أخذ الجرف الّذي دفن فيه،و حرمة المؤمن حيّا كحرمته ميّتا و أبقاؤه في الماء خلاف حرمته فمن ثمّ أمر بنقل عظامه.و ثالثها أنّ أحكام الأنبياء لا يستلزم جوازها كلّها في غيرهم من الأمّة فلعلّ هذا و امثاله من ذلك،على انّا روينا من بعض الكتب المشهورة أنّ الصديق عليه السّلام أوصى عند موته بأن يحمل تابوته الى وطنه و هو أرض كنعان،فلمّا مات منع أهل مصر أولياء يوسف عليه السّلام من نقله و قصدوا التبرك

ص:31

به،فبقى في مصر الى زمان موسى عليه السّلام،فلعلّ أمره سبحانه له بحمل تلك العظام مبنيّ على وصيّة الصديق عليه السّلام كما أنّ الأسكندر ره لمّا مات أوصى بأن يحمل نعشه الى بلاد الروم لأنّها بلاده و موطنه،و من الأيمان حبّ الأوطان نحو من ثمّ ذهب جماعة من الأصحاب الى التفصيل و هو أنّ الميّت ان أوصى بالنقل الى أحد الأماكن الشريفة جاز و الاّ فلا يجوز،مع أنّا لم نرو حديثا يدلّ على جواز النقل،لكنّ الشيخ ره أشار في كتاب المصباح الى أنّه وجد رواية تدل على النقل الى تلك البقاع المشرّفة،و القول ما قاله حذام،لكن بقي الكلام في أنّ ذلك الحديث الّذي أشار اليه لو نقل الينا لأطلعنا على موضع الدلالة و كيفيّتها لأنّ الأنظار مختلفة،و من ثمّ جاء الأختلاف في مسائل الأجتهاد(المسائل الأجتهادية خ ل)كما لا يخفى اذا عرفت هذا:فأعلم أنّ نقل الموتى مناف للأخبار الواردة بتعجيل حمل الميّت الى قبره.روى الصدوق طاب ثراه أنّه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا ألفينّ منكم رجلا مات له ميّت ليلا فانتظر به الصبح و لا رجلا مات له ميّت نهارا فانتظر به الليل، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس و لا غروبها عجّلوا بهم الى مضاجعهم يرحمكم اللّه،فقال الناس و انت يا رسول اللّه يرحمك اللّه و قد روى هذا المضمون في أخبار أخرى.مع أنّ النقل يحصل منه في الغالب المثلة في الميّت و نتن الرائحة و تأذّى الناس منه و ربّما أنتشر لحمه في الطريق و سال منه الدم و الصديد و هذا مناف للحرمة المأمور بأمتثالها،حتّى أنّه ورد أنّ غاسله ينبغي أن يلين مفاصله برفق و لا يجعله بين رجليه و غير ذلك من الأمور المنافية لأداء حق حرمته.و أمّا نقل العظام فهي أسوء حالا و أشنع فعلا في إستلزامها هتك الحرمة مع أمر زائد و هو نبش القبر الّذي لم يرد له نصّ و لا خبر،فاذن الأولى دفن الميّت في بلده و الملائكة الذين ينقلون الموتى نقلهم له خير من نقل أهله له و اللّه العالم بحقائق الأمور.و من الأخبار ما روي أنّه رأى عبد اللّه بن جعفر يماكس في درهم فقيل أ تماكس في درهم و أنت الّذي تجود بما تجود؟فقال نعم ذاك مالي جدت به و هذا عقلي بخلت به،منها ما رواه صاحب كتاب قرب الأسناد عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان قال من السماء و ماء البحر فاذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها فيقع فيها من ماء المطر فتخلق اللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة و اللؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة.و من الأخبار ما رواه الشيخ طاب ثراه بسند صحيح عن الصادق عليه السّلام قال لا ينقض الوضوء الاّ حدث و النوم حدث.و قد تكلم الفقهاء رضوان اللّه عليهم في هذا الحديث كلاما طويلا كثيرا و بعضهم حاول إرجاعه الى أحد الأشكال الأربعة،و أعترض من بعده عليه و بعضهم قال انّه ينتج و ان لم يكن على هيئة واحد من الأشكالات الأربعة كما تقول زيد مقتول بالسيف و السيف آلة حديديّة،فقد أنتج الصحيح و ليس على هيئة واحد منها،و الّذي ظهر لنا انّ الأمام عليه السّلام ما كان غرضه من القاء مثل هذه الأحكام الى عامّة الشيعة الاّ ايصالها الى أفهامهم و اين لهم بمعرفة

ص:32

الأشكالات المنطقيّة و البحث عن شرائطها؟بل مراده عليه السّلام الردّ على الجمهور في كلا جزئي الحديث،امّا قوله عليه السّلام لا ينقض الوضوء الاّ حدث فهو الردّ على ابي حنيفة و أضرابه ممّن قال بأنّ الرعاف ينقض الوضوء و كذا أكل ما مسته النار،و كذا التقبيل و لمس المرأة و نحوه ممّا ليس بحدث و امّا قوله عليه السّلام و النوم حدث فهو للردّ ايضا على جماعات منهم حيث قالوا انّ النوم في نفسه ليس بحدث ناقض و انّما هو ناقض باعتبار انّه مظنّة خروج الحدث،فانّ النائم لا يعلم بما يخرج منه،فلو نام و هو جالس و ملصق مقعده بالأرض و محترز من خروج الحدث على الوجه الأكمل لم ينقض وضوئه بذلك النوم.و الى هذا مال بعض أصحابنا و ربما دل عليه بعض الأخبار و هي محمولة على التقية.و منها ما روى انّ في كلام بعض الأنبياء صلوات اللّه عليهم انّ آدم لمّا هبط الى الدنيا و طلب الغذاء أحتاج اى ألف عمل حتّى خبز الخبز و زاد واحدا على الألف و هو ان يبرّده ثمّ يأكله،و من الأخبار المروحة للخاطر ما رواه الصدوق ما رواه الصدوق قدّس اللّه روحه باسناده الى ابي عبد الرحمن قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انّي ربّما حزنت فلا أعرف في أهل و لا مال و لا ولد،و ربّما فرحت فلا أعرف في أهل و لا مال و لا ولد،قال ليس من أحد الاّ و معه ملك و شيطان فاذا كان فرحه كان دنو الملك منه.و اذا كان حزنه كان دنوّ الشيطان منه و ذلك قول اللّه تبارك و تعالى اَلشَّيْطٰانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشٰاءِ وَ اللّٰهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ ،أقول هذا الخبر روى هكذا في سبب الفرح و الحزن من غير سبب معروف،و روى في خبر انّ السبب فيه دخول السرور على أهل البيت عليهم السّلام و دخول الحزن عليهم،فانّ الشيعة لكون طينتهم من طينة أهل البيت صاروا يفرحون بفرحهم يحزنون بحزنهم من حيث لا يشعرون،و في خبر آخر انّ السبب فيه هو كون الأنسان له أصدقاء و أحبّاء و هم متفرقون في البلدان فربّما حصل لبعضهم فرح فتحسّ النفس به فتفرح من حيث لا يشعر الأنسان بسببه ظاهرا و كذا في جانب الحزن .و لا تنافي بين هذه الأخبار لأنّها علامات و معرفات و قد يكون للشيء الواحد أسباب مختلفة.و من الأخبار ما رواه الصدوق أيضاى باسناده الى الباقر عليه السّلام قال ما أنزل اللّه تبارك و تعالى كتابا و لا وحيا الاّ بالعربية فكان يقع في مسامع الأنبياء عليهم السّلام بألسنة قومهم،و كان يقع في مسامع نبيّا صلّى اللّه عليه و آله بالعربيّة، فاذا كلّم به قومه كلّمهم بالعربيّة فيقع في مسامعهم بلسانهم و ما كان أحد يخاطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بايّ لسان خاطبه الاّ وقع في مسامعه بالعربيّة كلّ ذلك يترجم جبرئيل عليه السّلام تشريفا من اللّه عزّ و جلّ له.و من الأخبار ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال اذا أشتد الحر فابردوا بالصلاة فانّ الحرّ من قيح جهنّم،و اشتكت النار الى ربّها فاذن لها في نفسين نفس في الشتاء و نفس في الصيف،فشدّة ما تجدون من الحرّ من قيحها و ما تجدون من البرد زمهريرها.و من الأخبار ما روى عن الأمام ابي عبد اللّه الصادق عليه السّلام انّه قال من عرف الفصل من الوصل و الحركة من السكون فقد بلغ القرار في

ص:33

التوحيد،و يروى في المعرفة و قال شيخنا في الكشكول المراد بالحركة السلوك و بالسكون القرارة في عين أحديّة الذات و قد يعبّر بالوصل عن فناء العبد بأوصافه في أوصاف الحقّ،و هو التحقق بأسمائه تعالى المعبّر عنه بأحصاء الأسماء كما قال صلّى اللّه عليه و آله و من أحصاها دخل الجنّة.و من الأخبار المروّحة للخاطر ما رواه الكليني تغمده اللّه برحمته بسنده الى محمّد بن مسلم قال دخلت على ابي عبد اللّه عليه السّلام و عنده ابو حنيفة فقلت له جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة،فقال لي يا ابن مسلم هاتها فإنّ العالم بها جالس و أومى بيده الى ابى حنيفة قال قلت رأيت كأنّي دخلت داري و اذا أهلي خرجت عليّ فكسرت جوزا كثيرة و نثرته عليّ فتعجّبت من هذه الرؤيا،فقال ابو حنيفة انت رجل تخاصم و تجادل لئاما(ايّاماخ)في مواريث أهلك فبعد نصب(تعب ظ)شديد تنال حاجتك منهم ان شاء اللّه تعالى.فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام أصبت و اللّه يا أبا حنيفة،قال ثمّ خرج ابو حنيفة من عنده فقلت جعلت فداك انّي كرهت تعبير هذا الناصب،فقال يا ابن مسلم لا يسوئك اللّه فما يواطى تعبيرهم تعبيرنا و لا تعبيرنا تعبيرهم و ليس التعبير كما عبّره،قال قلت جعلت فداك فقولك أصبت و اللّه و تحلف عليه و هو مخطىء؟قال نعم حلفت عليه أنّه أصاب الخطأ،قال فقلت له فما تأويلها؟فقال يا ابن مسلم انّك تتمتّع بأمرأة نتعلم بها أملك فتخرق عليك ثيابا جددا فانّ القشر كسوة اللّب،قال ابن مسلم فو اللّه ما كان بين تعبيره و تصحيح الرؤيا الاّ صبيحة الجمعة،فلما كان غداة الجمعة انا جالس بالباب اذ مرّت بي جارية فأعجبتني،فأمرت غلامي فردها ثمّ أدخلها داري فتمتعت بها فاحسّت بي و بها اهلي فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب و بقيت أنا،فمزقت عليّ ثيابا كنت ألبسها في الأعياد.و روى أيضا أنه جاء موسى العطار الى ابي عبد اللّه عليه السّلام فقال له يا ابن رسول اللّه رأيت رؤيا هالتني رأيت صهرا لي ميّتا قد عانقني و قد خفت ان يكون الأجل قد أقترب فقال:يا موسى توقّع الموت صباحا و مساء فانّه ملاقينا،و معانقة الأموات للأحياء أطول لأعمارهم،فما كان أسم صهرك؟قال:حسين فقال:عليه السّلام أمّا أنّ رؤياك تدلّ على بقائك و زيارتك أبا عبد اللّه الحسين عليه السّلام،فانّ كلّ من عانق سمي الحسين عليه السّلام يزوره ان شاء اللّه تعالى،أقول هذان الخبران و ما روى في معناهما يدلان على تعبير الرؤيا،و في هذا المقام تحقيقات ذكرناها في شرحنا على الأستبصار و يزيد الأشارة هنا الى بعضها و هي أمور:

الأوّل في سبب الرؤيا و يكون بعضها صادقا و الآخر كاذبا و كلّ طائفة ذهب الى قول،امّا الحكماء فقد بنوا ذلك على أصلهم من أنطباع صور الجزئيات في النفوس الفلكي و صور الكليات في العقول المجرّدة و قالوا انّ النفس حالة النوم قد تتّصل بتلك المبادي الغالية فيحصل لها بعض الصور المخزونة في الخيال ببعض،فهذه هي الرؤيا الكاذبة،و قد أطالوا الكلام في تفصيل هذا،

ص:34

و حيث أنّ هذا الأصل الذي هو العقول و نفوس الأفلاك منفيّ بالشرع فلا فائدة في نقل ذلك الكلام.

و امّا أهل السنّة من المخالفين فقال الماذري منهم في شرح قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الرؤيا من اللّه و الحلم من الشيطان مذهب أهل السنّة في حقيقة الرؤيا انّ اللّه تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان،و هو سبحانه و تعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه النوم و اليقظة،فاذا خلق هذه الأعتقادات فكأنّه جعلها علما على أمور اخر يخلقها في ثاني الحال،و كان قد خلقها فاذا خلق في قلب النائم الطيران و ليس بطائر فاكثر ما فيه ان اعتقد أمرا على خلاف ما هو فيكون ذلك الأعتقاد علما على غيره كما يكون خلق اللّه تعالى الغيم علما على المطر و الجميع خلق اللّه و لكن يخلق الرؤيا و الأعتقادات الّتي جعلها علما على ما تيسّر بغير حضرة الشيطان.و خلق ما هو علم على ما يضرّه بحضرة الشيطان فنسب الى الشيطان مجازا لحضوره عندها و ان كان لا فعل له حقيقة، و هذا(في الفساد)كالأوّل اذ مبناه على أصل أفسد من الأصل.و هو ما ذهب اليه الأشاعرة من أنّ الأفعال كلّها من اللّه خيرها و شرّها.

و امّا الصوفية فقال أعلمهم و هو محي الدين الأعرابي ليس كلّ ما يراه الأنسان صحيحا و يجوز تعبيره،بل الصحيح ما كان من اللّه يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة امّ الكتاب و ما سوى ذلك أضغاث احلام لا تأويل لها،و هي على أنواع قد يكون من فعل الشيطان يلعب بالأنسان او يريد ما يحزنه و له مكائد يحزن بها بني آدم كما قال تعالى إِنَّمَا النَّجْوىٰ مِنَ الشَّيْطٰانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا و من لعب الشيطان به الأحتلام الّذي يوجب الغسل فلا يكون له تأويل،و قد يكون من حديث النفس كما يكون في أمر او حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر و العاشق يرى معشوقه و نحوه، و قد يكون من مزاج الطبيعة كمن غلب عليه الدم يرى الفصد و الحجامة و الحمرة و الرعاف و الرياحين و المزامير و النشاط و نحوه،و من غلب عليه الصفراء يرى النار و الشمع و السراج و الأشياء الصفر و الطيران في الهوى و نحوه،و من غلب عليه السوداء يرى الظلمة و السواد و الأشياء السود و صيد الوحش و الأهوال و الأموات و القبور و المواضع الخربة و كونه في مضيق لا منفذ له او تحت ثقل و نحوه،و من غلب عليه البلغم يرى البياض و المياه و الأنداء و الثلج و الوحل فلا تأويل لشيء منها.

و أمّا المتكلمون من الشيعة فقال سيّدنا الأجلّ علم الهدى تغمّده اللّه برحمته الواسعة في جواب سائل سأل منه ما القول في المنامات أ صحيحة هي أم باطلة؟و من فعل من هي؟و ما وجه صحّتها في الأكثر؟و ما وجه الأنزال عند رؤية المباشرة في المنام؟و ان كان فيها صحيح و باطل فما السبيل الى تمييز أحدهما من الآخر؟

ص:35

الجواب اعلم انّ النائم غير كامل العقل لأنّ النوم ضرب من السهو و السهو ينفي العلوم و لهذا يعتقد النائم الأعتقادات الباطلة لنقصان عقله و فقد علومه،و جميع المنامات انّما هي أعتقادات يبتديها النائم في نفسه و لا يجوز ان من فعل غيره فيه لأنّ من عداه من المحدّثين سواء كان بشرا او ملائكة او جنّا اجسام و الجسم لا يقدر أن يفعل في غيره أعتقادا أبتداء،بل و لا شيئا من الأجناس على هذا الوجه و انّما يفعل ذلك في نفسه على سبيل الأبتداء،و انّما قلنا انه لا يفعل في غيره جنس الأعتقادات متولّدا لأنّ الذي يعدّى الفعل من محلّ القدرة الى غيرها من الأسباب انّما هو الأعتمادات ما يولد الأعتقادات و ليس في جنس الأعتمادات يولد الأعتقادات،و لهذا لو أعتمد أحدنا على قلب غيره الدهر الطويل ما تولّد فيه شيء من الأعتقادات و قد بين و شرح في مواضع كثيرة،و القديم يقال هو القادان يفعل في قلوبنا ابتداء من غير سبب أجناس الأعتقادات و لا يجوز أن يفعل في قلب النائم إعتقاد لأن أكثر أعتقادات النائم جهل و يتأوّل الشيء على خلاف ما هو به لأنّه يعتقد انّه يرى و يمشي و انّه راكب و انّه على صفات كثيرة و كلّ ذلك على خلاف ما هو به و هو تعالى لا يفعل الجهل.

فلم يبق الاّ انّ الأعتقادات كلّها من جهة النائم،و قد ذكر المقالات ان المعروف بصالح قبّة كان يذهب الى انّ ما يراه النائم في منامه على الحقيقة،هذا جهل منه يضاهي جهل السوفسطائية ، لأنّ النائم يرى أنّ رأسه مقطوع و انّه قد مات و انّه قد صعد الى السماء و نحن نعلم ضرورة خلاف ذلك كلّه،و اذا جاز عند صالح هذا جاز ان يعتقد اليقظان في السراب انّه ماء،و في المرأى اذا كان في الماء انّه مكسور و هو على الحقيقة صحيح لضرب من الشبهة و اللبن فالا جاز ذلك في النائم و هو من الكمال ابعد و من النقص أقرب.

و ينبغي أن يقسم ما يتخيّل النائم أنّه الى أقسام ثلاثة،منها يكون من غير سبب يقتضيه و لا داع يدعو اليه أعتقادا مبتدأ،و منها ما يكون من وسواس الشيطان يفعل في داخل سمعه كلاما خفيّا يتضمن أشياء مخصوصة فيعتقد النائم اذا سمع ذلك الكلام انّه يراه فقد نجد كثيرا من النيّام يسمعون حديث من يتحدّث بالقرب منهم فيعتقدون انّهم يرون ذلك الحديث في منامهم،و منها ما يكون سببه و الداعي اليه خاطر يفعله اللّه تعالى او يأمر بعض الملائكة بفعله.و معنى هذا الخاطر ان يكون كلاما يفعل في داخل السمع فيعتقد النائم ايضا انّه ما يتضمّن ذلك الكلام،و المنامات الداعية الى الخير و الصلاح في الدين يجب ان يكون الى هذا الوجه مصروفة كما انّ ما يقتضي الشرّ منها الأولى ان تكون الى وسواس الشيطان مصروفة،و قد يجور على هذا فيما يراه النائم في منامه ثمّ يصحّ ذلك حتّى يراه في يقظته على حدّ ما يراه في منامه،و في كلّ منام يصح تأويله ان يكون سبب صحّته انّ اللّه تعالى يفعل كلاما في سمعه لضرب من المصلحة بأن شيئا يكون أو قد كان

ص:36

على بعض الصفات فيعتقد النائم انّ الّذي يسمعه هو ما يراه فاذا صحّ تأويله على ما يراه فما ذكرناه ان لم يكن ممّا يجوز ان يتّفق فيه الصحّة اتّفاقا فان في المنامات ما يجوز ان يصحّ بالأتفاق و ما يضيق فيه مجال نسبته الى الأتّفاق،فهذا الّذي ذكرناه يمكن ان يكون وجها فيه.

فأن قيل أ ليس قد قال ابو علي الجبائي في بعض كلامه في المنامات انّ الطبائع لا يجوز ان تكون مؤثّرة فيها لأنّ الطبائع لا يجوز على المذاهب الصحيحة ان تؤثّر في شيء،و انّه غير ممتنع مع ذلك ان يكون بعض الماكل يكثر عندها المنامات بالعادة كما أنّ فيها ما يكثر عنده بالعادة تخييل(تخيل)الأنسان و هو مستيقظ ما لا أصل له؟قلنا قد قال ذلك ابو علي و هو خطأ لأنّ تأثيرات المأكل بمجرى العادة على المذاهب الصحيحة اذا لم تكن مضافة الى الطبائع فهي من فعل اللّه تعالى فكيف يضيف التخيل الباطل و الأعتقاد الفاسد الى فعل اللّه تعالى،فأمّا المستيقظ الّذي استشهد به فالكلام فيه و الكلام في النائم واحد،و لا يجوز ان يضيف التخييل الباطل الى فعل اللّه تعالى في نائم و لا يقظان،فأمّا ما تخيّل من الفاسد و هو نائم فلا بدّ من ان يكون ناقص العقل في الحال و فاقد التمييز بسهو و ما يجري مجراه فيبتدي إعتقاد لا أصل له كما قلناه في النائم.

فان قيل فما قولكم في منامات الأنبياء عليهم السّلام؟و ما السبب في صحّتها حتى عدّ ما يرونه مضاحيا لما يسمعونه من الوحي؟قلنا الأخبار الواردة بهذا الجنس غير مقطوع على صحّتها و لا هي ممّا توجب العلم،و قد يمكن ان يكون اللّه تعالى أعلم النبيّ بوحي يسمعه من الملك على الوجه الموجب للعلم أنّي سأريك في منامك في وقت كذا ما يجب ان تعمل عليه فيقطع على صحّته من هذا الوجه لا مجرد رؤيته في المنام،و على هذا الوجه يحمل منام ابراهيم عليه السّلام في ذبح أبنه،و لو لا ما أشرنا اليه كيف كان يقطع ابراهيم عليه السّلام بأنّه متعبد بذبح ولده ثمّ أردف هذا بتأويل حديث من رآني فقد رآني،ثمّ قال و هذا الّذي رتبناه في المنامات و قسمناه أسدّ تحقيقا من كلّ شيء في أسباب المنامات.

فامّا ما يهذي به الفلاسفة في هذا الباب فهو ما تضحك منه الثكلى لأنّهم ينسبون ما صحّ من المنامات لما أعيتهم الحيل في ذكر سببه الى أنّ النفس أطّلعت على عالمها فأشرقت على ما يكون، و هذا الّذي يذهبون اليه في حقيقة النفس غير مفهوم و لا مضبوط فكيف اذا أضيف اليه الأطّلاع على عالمها،و ما هذا الأطلاع؟و الى أيّ شيء يشيرون بعالم النفس؟و لم يجب أن تعرف الكائنات عند هذا الأطلاع فكلّ هذا زخرفة و مخرفة لا يتحصّل منها شيء،و قول صالح قبّة مع أنّه تجاهل محض أقرب الى أن يكون مفهوما من قول الفلاسفة انتهى كلامه.

و المعتمد عندنا هو ما دلّت عليه الأخبار عن الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام لأنّ ما سواها تخمين و خرص روى الصدوق ره باسناده الى محمّد بن القاسم النوفلي قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام

ص:37

المؤمن قد يرى الرؤيا فيكون كما رآها،و ربّما راى الرؤيا فلا يكون شيئا؟فقال انّ المؤمن اذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة الى السماء فكل ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير و التدبير فهو الحقّ و كلّ ما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام،فقلت له و تصعد روح المؤمن الى السماء؟قال نعم،قلت حتّى لا يبقى منها شيء في بدنه؟فقال لا لو خرجت كلّها حتّى لا يبقى منها شيء اذا لمات فقلت فكيف تخرج؟فقال أما ترى الشمس في السماء في موضعها وضوئها و شعاعها في الأرض فكذلك الروح أصلها في البدن و حركتها ممدودة.

و روى أيضا بأسناده الى معاوية بن عمّار عن ابي جعفر عليه السّلام انّ العباد اذا نامو خرجت أرواحهم الى السماء فما رأت الروح في السماء فهو الحقّ و ما رأت في الهوى فهو الأضغاث(أضغاث أحلام)ألا أنّ الأرواح جنود مجنّدة فما تعارفت في الأرض و اذا تباغضت في السماء تباغضت في الأرض.

و روى أيضا بأسناده الى علي عليه السّلام قال سئلت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الرجل ينام فيرى الرؤيا فربّما كانت حقّا و ربّما كانت باطلا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا علي ما من عبد ينام الاّ عرج بروحه الى ربّ العالمين فما رأى عند رب العالمين فهو حقّ ثمّ اذا أمر اللّه العزيز الجبّار بردّ روحه الى جسده فصارت الروح بين السماء و الأرض فما رأته فهو أضغاث أحلام.

فهذه الأخبار تدل على انّ للروح عروجا الى الملكوت في عالم المنام،و فيه دلالة على ما قدمنا في نور الأرواح من أنّها ليست بمجرّدة بل هي أجسام لطيفة شفّافة قد تتّصف بأوصاف الجسمانيات و الذين قالوا بتجرّدها من الأصحاب ذهبوا الى أنّها تدخل في قالب مثالي مثل هذا القالب الاّ انّه ألطف منه فتصعد و تنزل به و هذا هو البدن الذي تستقرّ به الروح بعد الموت و بعد خراب هذا البدن،بل ذهب شيخنا المعاصر سلّمه اللّه تعالى الى جواز تعدّده و حمل عليه ما روى مستفيضا في الأخبار من حضور مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام عند الأموات و قد يموت في اللحظة الواحدة آلاف من الناس في مشارق الأرض و مغربها،فكيف يمكن حضوره عندهم مع البدن الواحد،و كذلك ما روى من انّ أربعين صحابيّا طلبوه الى الضيافة في ليلة واحدة في وقت واحد و لمّا أصبحوا قال كلّ واحد منهم انّ عليّا كان ضيفي البارحة و امّا نحن فقد أوّلنا هذه الأخبار تأويلا آخر و قد تقدّم.

و بالجملة فالروح اذا صعدت الى عالم الملكوت و طالعت الألواح السماوية و الدفاتر الألهيّة فان كانت لتلك الأرواح صفاء بالتنزّه عن شواغل البدن و علايقه و ان الأشياء كما هي فلا يحتاج تلك الرؤيا الى تعبير المعبّرين،و ان كانت مكدّرة بالعلائق و العوائق رأت الأشياء بصورة شبيهة بصورتها كما أنّ ضعيف البصر و مؤف العين يرى الأشياء على غير ما هي عليه،و العارف بعلّته

ص:38

يعرف انّ تلك الصورة شبيهة بأيّ شيء فيعبّرها و يكون كما قال،و يمكن ان يظهر اللّه عليه الأشياء في تلك الحالة بصورة تناسبها لمصالح كثيرة كما أنّ الأنسان قد يرى المال في نومه بصورة حيّة و قد يرى الدراهم بصورة عذرة.

و من هذا ظهر انّ معبّر الأحلام على الحقيقة و الأستمرار لا يكون الا من عرف بطبائع الناس و أمزجتها و حقائق ما أنطوت عليه سرائرهم حتّى يعرف الداء و الدواء،و لا يكون الاّ الأمام عليه السّلام،و من ثمّ ترى تعبيره عليه السّلام للأحلام قد يكون بغير ما يناسبها ظاهرا كما تقدّم في خبر محمّد بن مسلم الذي عبّره ابو حنيفة اولا و قد يكون لصدق الأحلام و كذبها سبب آخر و هو القاء الملائكة الى الروح العلوم و المعارف او هو سبحانه و تعالى من غير توسط ملك و الكذب من القاء الشياطين.

روى ابو بصير عن الباقر عليه السّلام قال سمعته يقول انّ لأبليس شيطانا يقال له مزع يملأ المشرق و المغرب في كلّ ليلة يأتي الناس في المنام.

و روى البرقي عن ابيه عن صفوان عن داود عن اخيه قال بعثني انسان الى ابي عبد اللّه عليه السّلام زعم انّه يفزع في منامه من أمرأة تأتيه،قال فصحت حتّى سمع الجيران،فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام:اذهب اليه فقل انّك لا تؤدّي الزكاة؟قال:بلى و اللّه انّي لا أوديها فقال قل له ان كنت تؤدّيها لا تؤدّيها الى أهلها.و في روة الكليني مسندا الى سعد بن ابي خلف عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:الرؤيا على ثلاثة وجوه بشارة من اللّه للمؤمن و تحذير من الشيطان و أضغاث أحلام،و فيها أيضا مسندا الى ابي بصير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك الرؤيا الصادقة و الكاذبة مخرجها من موضع واحد؟قال:صدقت،امّا الكاذبة المختلفة فأنّ الرجل يراها في اوّل ليلة في سلطانا لمردة الفسقة و انّما هي شيء يخيّل الى الرجل و هي كاذبة مخالفة لا خير فيها،و امّا الصادقة لا تختلف ان شاء اللّه تعالى الا ان يكون جنبا او ينام على غير طهور،و لم يذكر اللّه عزّ و جلّ حقيقة ذكره فانّها تختلف و تبطي على صاحبها.

فدلّت هذه الأخبار على انّ الشياطين يلقون الأكاذيب و الأباطيل،و قد يكون السبب فيه الخيالات النهاريّة المألوفة للأنسان في عالم اليقظة فانّ الأنسان اذا فكّر في شيء حال يقظته رآه حال منامه.و من هذا لم يعبر المعبّرون و العقلاء أحلام الشعراء و اضرابهم لأنّ الغالب عليهم التخييلات في الأكاذيب و الأباطيل،و قد اتى رجل الى ابن سيرين فقال له:اني رأيت البارحة كأنّ بيدي خاتما و انا أختم به على أفواه الناس و فروجهم،فقال له:ينبغي ان تكون مؤذّنا و هذا شهر رمضان فاذا أذّنت حرمت الأكل و الجماع فاخذ تعبيره من المناسبات.

ص:39

الأمر الثاني في بيان قوله صلّى اللّه عليه و آله:من رآني فقد رآني فانّ الشيطان لا يتخيّل بي قلنا قد قال سيّدنا الأجلّ المرتضى اعلى اللّه درجته في علّيّين فان قيل فما تأويل ما يروى من قوله صلّى اللّه عليه و آله من رآني فقد رآني فانّ الشيطان لا يتخيّل بي و قد علمنا ان الحقّ و المبطل و المؤمن و الكافر قد يرون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في النوم و يخبر كلّ واحد منهم بضدّ ما يخبر به الآخر فكيف يكون رأينا له في الحقيقة مع هذا؟قلنا هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الأحاد و لا معول على مثل ذلك،على انّه يمكن مع تسليم صحّته ان يكون المراد به من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة لأنّ الشيطان لا يتمثّل بي لليقظان فقد قيل انّ الشيطان ربّما تمثّل بصورة البشر و هذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر لأنّه قال من رآني فقد رآني فأثبت غيره رائيا له و نفسه مرئية،و في النوم لا رائي له على الحقيقة و لا مرئي و انّما ذلك في اليقظة،و لو حملناه على النوم لكان تقدير الكلام من اعتقد انّه يراني في منامه و ان كان غير راء له على الحقيقة فهو في الحكم كأنّه قد رآني و هذا عدول من ظاهر لفظ الخبر و تبديل لصيغته هذا كلامه ره.

اقول انّ هذا الخبر مروي عن الأئمّة عليهم السّلام في شأن المنامات و الأحلام صريح في انّ المراد انّه من رآني في المنام فقد رآني لأنّ الشيطان لا يتمثّل بصورتي و لا بصورة أحد من أهل بيتي،و امّا قوله أنّ المؤمن و الكافر يشاهده فالجواب عنه ان الظاهر انّه خطاب للمؤمنين لأنّهم المنتفعون برؤيته، و ان رآه واحد من الكفّار للأرتداع عن مذهبه الباطل فهو أيضا مؤمن في القديم زاغ عن الحقّ ايّاما إما بآبائه و امّهاته او بالشبهات ثمّ رجع اليه،و امّا انّ المؤمنين يرونه بالصور المختلفة فهو حقّ و ذلك لأنّ النبيّ و الأئمّة عليهم السّلام قد كانوا يظهرون للناس في عالم اليقظة على صفات مختلفة و صور متضادّة على قدر ما تحتمله عقولهم و أوهامهم كما تقدّم سابقا،و امّا إنّهم يفتون الناس الأحكام المتضادّة فقد كان هذا في عالم اليقظة ايضا خصوصا مولانا الصادق عليه السّلام فانّه كان يفتي شيعته بالفتاوي المتضادّة و يخالف بينهم لمصالحهم كما قال عليه السّلام الّذي خالفت بينهم و لولاه لأخذ الناس برقابهم،فالمصلحة الّتي تكون في اليقظة تكون في النوم أيضا و ذلك أنّ الناس مرضى و الأمام الطبيب الحاذق فهو يصف لكل داء دواءه.

و من ثمّ ترى الأطياف و الأحلام قد أختلفت في الحشيشة الّتي يسمّونها الناس بالتتن فبعضهم نقل أنّه راى الأمام عليه السّلام فنهاه عن شربها و استعمالها،و بعضهم نقل أنّه راى الأمام عليه السّلام و قد أمره بأستعمالها،و ذلك أنّ حكمها يختلف بأختلاف الطبائع و الأمزجة فربّما وافقت طبيعة و أضرّت باخرى كبعض الأدوية و العقاقير فكلا الطيفين حقّ.و حيث بلغ بنا الكلام الى هذا المقام فلا بأس بأرخاء العنان لتحقيق هذا المرام.

ص:40

فنقول هذه الحشيشة المذكورة لم يرد بخصوصها نص من الشارع مثل غيرها من سائر النبات فانّه لم يصل الينا في كلّ نبت حديث بخصوصه مع ان المنقول تواترا انّها لم تكن مستعملة في قديم الزمان و انّما حدثت في هذا المائة و هي المائة الحادية عشر و الآن جماعة،موجودون يقولون انّنا لم نرها في أول أعمارنا و انّما حدث أستعمالها في العشرة بعد الألف الى هذه الأعصار نعم ربّما حفر الناس الآبار و الحفاير و اخرجوا من تحت الأرض آلات استعمالها و هذا لا يدل على انّ تلك آلات لهذا بخصوصه اذ ربّما كانت آلة لغيره و من جهة أختلاف الأطياف و المنامات في تلقي الأحكام من المعصوم عليه السّلام أشكل الأمر في جعل الرؤيا دليلا شرعيّا يجب العمل به اذ ليس له قاعدة كليّة يجب اطرادها فيه.

و قد كان بعض المعاصرين يذهب الى تحريم صلاة الجمعة و يشنع على من يفعلها بل ربّما قال بكفره،ثمّ بعد برهة من الزمان مال الى وجوبها و فعلها فقيل له في ذلك فقال:انّي رأيت الأمام عليه السّلام بالمنام و أمرني بفعلها فصلاها مدّة ثمّ تركها و لعله قال أنّ الأمام نهاني عنها في المنام و ليس مثل هذا الاّ مفرا اذا أعيت عليه الأحكام.

و امّا الجمهور فقال الصفدي و هو من أفاضلهم قد تكلم الفقهاء فيمن رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أمره بأمر هل يلزم العمل له ام لا؟قالوا ان أمره بما يوافق أمره يقظة ففيه خلاف و ان أمره بما خالف أمره يقظة فان قلنا أنّ من رآه صلّى اللّه عليه و آله على الوجه المنقول في صفته فرؤياه حقّ فهذا من قبيل تعارض الدليلين و التعارض بأرجحهما و ما ثبت في اليقظة فهو ارجح فلا يلزمنا العمل بما أمره فيما خالف أمره يقظة.

اذا عرفت هذا فاعلم انّ جماعة من علماء العصر كالمولى علي نقي و شيخنا الشيخ فخر الدين الطريحي،و الشيخ التقي الشيخ عليّ بن سليمان البحريني،و بعض فضلاء البحرين و ربّما تابعهم بعض المتفقهين ذهبوا الى تحريمه حتّى أنّ المولى علي نقي تغمّده اللّه برحمته صنّف كتابا كبيرا في تحريمه و قد اطلعني عليه ولده لمّا كان يقرأ علي في علم العربيّة في شيراز و كان مجلّدا كبيرا، و الباقي على التحليل حتّى انّ التقيّ المجلسي طاب ثراه كان يشربه في صوم التطوع و يترك إستعماله في الصوم الواجب حذرا من كلام العوام و لهم على التحريم دلائل:

أوّلها ما روى عن مولانا الصادق عليه السّلام من قوله اذا رأيتم الناس قد أقبلوا على شيء فدعوه.و هذه الحشيشة قد أقبل عليها الناس اقبالا عظيما لا يمكن ردعهم عنه،حتى أنّ السلطان المرحوم الشاه عبّاس الأوّل قد عمل عليه الحرج و أحرق من يتجر به فيه فكان الناس يحفرون تحت الأرض مثل السراديب و يذهبون اليها و يشربونه هناك و في ذلك الحال يحرقون الخرق بقربهم حتّى لا تخرج رائحته و حتى تشتبه برائحتها و كانوا يشترونه في ذلك الوقت بوزن الدراهم بل و أغلى منها

ص:41

فلمّا رأى ذلك السلطان انّ ذلك الحرج لا ينفع قرّر عليه من مال الخراج مالا عظيما قصد به تعجيز الناس عن التجارة به و عن استعماله فما أزدادوا له الاّ حبّا و كرامة و الأغلب في تجارته الأرباح و الفوائد.

و ثانيها انّه من الأسراف الّذي وقع النهي عنه في الكتاب و السنة و ذلك انّه ربما كان للأنسان درهم واحد فانفقه فيه و بقي جائعا و ربّما حصل منه الضرر العظيم بسكره فانّا رأينا من شربه و سكر حتّى وقع في النار فأحترقت منه بعض الأعضاء و ربّما تكلّفت له أرباب الأموال حتّى صنعوا آلته و زيّنوها فكان مجموعهما ثلاثين ألف دينار و أزيد فهذا أسراف و الأسراف حرام فيكون التتن حراما.

و ثالثها أنّه من الخبائث المحرّمة في محكم الكتاب و السنة لأنّ النفوس تنفر عنه بل ربّما كان بعض شاربيه ذا مّا له و مادحا لمن لا يشربه.

و رابعها التأويل على الرؤيا و المنامات بان بعض الناس قد رأوا احد المعصومين عليهم السّلام و قد نهى عنه و ذمّ شاربيه.

و خامسها انّ الأشياء قبل ورود الشرع فيها على أقوال منها التحريم و اذا دار الشيء بين التحريم و الأباحة لم يخرج صاحبه من العهدة يقينا الاّ بتركه فوجب تركه و بعضهم ذكر له دلائل لا فائدة في نقلها لركاكتها،منها قوله أنّ قليان على وزن بلبان او انّه مشابهه في الصورة و الأستعمال فينبغي تركه،و اما نحن فليس لنا رغبة في أستعماله و قد مرّت علينا ايام طلب العلم في شيراز و أصفهان تقريبا من عشرين سنة و لا استعملناه لأنّه ربّما كان فيه تضييع الوقت و الآن ربّما استعملناه بتابعيّة اهل المجالس و لكنّ الحكم الشرعي لا ينبغي ان يهمل.و تحريم ما لم يسند الى دليل شرعيّ ممّا لا يجوز،و هذه الدلائل لا تفيده تحريما بل ربّما أفادته الأباحة،و ذلك لأنّ الجواب أمّا عن الدليل الأوّل فبان المراد من الناس جمهور المخالفين كما هو المفهوم من أصطلاح الأخبار و يدلّ عليه سياق الخبر الّذي ورد هذا فيه كما في الأستبصار و غيره مع انّه ليس بمطرد على ظاهره بل المراد به موارد خاصّة كالأحكام و العبادات الّتي لم ينص عليها الدليل الواحد بل يتعارض فيها الأدلّة فاذا تعارضت فيها الأدلّة فدع ما أقبل عليه الجمهور و اعرف انّ الحقّ في الأدلّة على نقيضه و خلافه و احمل ما وافق الناس على التقيّة،بل قوله عليه السّلام خذ بما أشتهر بين أصحابك ربما أشعر به، و ذلك أنّ المشهور بين علماء الشيعة في هذه الأعصار هو القول بتحليل التتن و جواز أستعماله.

و امّا الجواب عن الثاني و هو الأسراف فاعلم أوّلا انّ الأصحاب رضوان اللّه عليهم جعلوه من حكم الحرام كلّه و لكنّ المفهوم من الأخبار أنّه على قسمين حرام و مكروه فالأوّل ما قاله مولانا

ص:42

الصادق عليه السّلام انّما الأسراف فيما أتلف المال و أضر بالبدن و المراد من إتلاف المال صرفه في غير المصارف المقصودة للعقلاء.

و امّا الثاني فمثاله ما روى من انّ من شرب من ماء الفرات و ألقى بقية الكوز خارج الماء فقد أسرف،و قوله عليه السّلام انّ من الأسراف أن تجعل ثياب بدنك ثياب صونك،و قوله عليه السّلام انّ من الأسراف ان تعطي السائل السنبل بكلّ قبضتك الى غير ذلك،و ذكر جماعة من الأصحاب انّ الأسراف هو ان يتجاوز الأنسان حاله في الأنفاق و لهذا الكلام و جهان:

الأوّل انّ المراد حاله بالنظر الى أهل بلاده و هذه لا يطرد فيه الأسراف لأنّا شاهدنا أهل بعض البلاد الغالب عليهم الحرص و سوء المعاش مع ما فيهم من الثروة و الأموال فلو انّ أحدا تجاوز في الملبس و المأكل و نحوهما لم يكن مسرفا لأنّ المفروض قدرته على ذلك.

الثاني ان المراد حاله بالنظر الى ثروته و قدرته و هذا يتحقق فيه الأسراف كأن يكون تاجرا مثلا فينفق الأرباح في سنة و يتعدّى الى رأس المال او يستقرض و ينفق من غير ان يكون عند وجهه،و قد بقى هيهنا فرد آخر و هو أنّ الإنسان اذا تأنق بالمنازل و المجالس و الملابس و المناكح مع أمكان الأكتفاء بدونها فهل يعدّ مثل هذا من باب الأسراف الظاهر انّه لا يكون اسرافا بل ربما كان مستحبا لأن فيه أظهار نعم اللّه تعالى المأمور به في قوله تعالى:و امّا بنعمة ربك فحدّث،فقد ورد أنّ المراد التحديث بالفعل لا بالقول.

و كان الأئمّة عليهم السّلام يتأنّقون في المطاعم و الملابس و غيرها و امّا مولانا امير المؤمنين عليه السّلام و صبره و أستعماله لما خشن و جشب فقد ورد به العذر عن الصادق عليه السّلام سابقا و حينئذ فهذه الحشيشة من هذا الباب و هو ان الناس مالت أنفسهم اليها و كانوا قادرين على أثمانها فلا بأس بإستعمالها كغيرها.

و امّا حكاية الأسكار فهي غير مطردة،و ذلك أنّ الأنسان قد يسكر عن بعض المحلّلات، فمن عرف من حاله هذا و امثاله كان عليه حراما لا غير و اما التأنق في الله فانّما يكون حراما مع عدم القدرة لا غير،و اما الجواب عن الدليل الثالث و هي كونها من الخبائث فاعلم انّ الخبيث نقيض الطيّب و قد ورد الأمر بأكل الطيبات و أجتناب الخبائث و الطيّب في أصطلاح الأخبار و التفاسير يطلق على معان أربعة:

أوّلها ما هو مستلذّ للنفس،و ثانيها ما أحلّه الشارع،و ثالثها ما كان ظاهرا،و رابعها ما خلا عن الضرر في الروح و البدن،و جزم بعض الأصحاب بأنه حقيقة في الأوّل و هو المراد من قوله تعالى كُلُوا مِمّٰا فِي الْأَرْضِ حَلاٰلاً طَيِّباً و لكن الشائع في الأخبار هو الأطلاق الثاني و هذه الحشيشة

ص:43

غير خبيثة بواحد من الأمور اما الأول فلأنها عند أغلب الناس من أحسن الملاذ حتى بالغ الناس في أستعمالها.

و اما المعنى الرابع فلأنها اذا أضرت الأبدان كانت محرّمة عليه بخصوصه و ليس المراد من الخبيث ما تنفر عنه بعض الطباع و ذلك انّ كثيرا من المحلّلات تأبى عن أكلها طباع آحاد الناس و كثير من الطبائع تميل الى بعض المحرمات فيجاهدها صاحبها حتّى ترتدع،و قد جاء جندي الى رجل عالم صالح من مشايخنا فقال له:ايّما أعظم أجرا عند اللّه أنا أو أنت؟فقال له الجندي:بل أنا أعظم أجرا و ذلك أنّه اذا أصبح عليّ النهار مالت نفسي و نازعتني على فعل كلّ محرّم فأجاهدها و أزجرها الى الليل و انت اذا أصبحت لم يكن لنفسك همّة و لا رغبة الاّ في العلم و العبادة فاين أنا منك فصدّقه ذلك الشيخ،و ليس هذه الحشيشة الاّ مثل سائر النبات فانّ الناس لو عمدوا الى نبت آخر و عظّموه هذا التعظيم لم يكن حراما فليكن هذا من ذاك و بالجملة فالمراد من الخبيث ما خبّثه الشارع بالنهي عنه أو أستقذره عامّة العقلاء.

و امّا الجواب عن الدليل الرابع و هو المنامات فقد عرفته سابقا و انّه يختلف بأختلاف الأشخاص فربما كان نافعا لبعض الأبدان مضرّا للبعض الآخر فلا يدخل تحت قاعدة كلّيّة فلا يكون مدركا للأحكام الشرعية.

و امّا الجواب عن الخامس فهو ظاهر لأنّ الشرع قد ورد بها و أدرجها تحت القواعد الكلّيّة كغيرها من النبات قال اللّه تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً و قال ايضا كُلُوا مِمّٰا فِي الْأَرْضِ حَلاٰلاً طَيِّباً وَ لاٰ تَتَّبِعُوا خُطُوٰاتِ الشَّيْطٰانِ و قال سبحانه يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا رَزَقْنٰاكُمْ و قال تعالى وَ كُلُوا مِمّٰا رَزَقَكُمُ اللّٰهُ حَلاٰلاً طَيِّباً و لا تعتدوا و قال وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَأَخْرَجْنٰا بِهِ أَزْوٰاجاً مِنْ نَبٰاتٍ شَتّٰى كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعٰامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِأُولِي النُّهىٰ و قال عزّ من قائل وَ الْأَرْضَ مَدَدْنٰاهٰا وَ أَلْقَيْنٰا فِيهٰا رَوٰاسِيَ وَ أَنْبَتْنٰا فِيهٰا مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْزُونٍ و قال كُلُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا رَزَقْنٰاكُمْ وَ لاٰ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي، و قال وَ نَزَّلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً مُبٰارَكاً فَأَنْبَتْنٰا بِهِ جَنّٰاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ، و قال تعالى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّٰهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ وَ الطَّيِّبٰاتِ مِنَ الرِّزْقِ فهذه تسع آيات ملقاة الى من أنكر هذا المقال،و أمّا السنة فقد روى الصدوق طاب ثراه عن الصادق عليه السّلام انه قال:كلّ شيء لك طلق حتّى يرد عليك فيه ما يحرّمه،و الى الآن لم يرد دليل يحرّم هذا التتن سوى الأطياف و التشهيات.

و امّا الأجماع فقد أجمع الأصحاب قديما و حديثا على تحليل ما لم يرد النصّ بتحريمه و هذا أجماع قطعي لا ينكر،فبعد هذه الدلائل كلّها كيف يجوز أن يقال انّه لم يرد به نص و امّا قولهم بأنّه مثل بلبان فهو من الدلائل الباردة و لقد حدّثني بعضهم أنّ هذا الكلام لمّا حكوه للمولى حسين

ص:44

التستري ره ضحك و قال انّ آلة التتن نقيض البلبان و ذلك أنّ البلبان يحتاج الى نفخ الهوى فيه و آلة التتن تحتاج الى جذب الهوى منه و أخراجها عنه و بالجملة فالحكم بالتحريم مشكل و باللّه الأستعانة و التوفيق.

الأمر الثالث قد روى في كثير من الأخبار انّ الرّؤيا على ما تعبّر روى الكليني في الروضة عن معمّر بن خلاد قال سمعت ابا الحسن عليه السّلام يقول ربّما رأيت الرّؤيا فأعبّرها و الرؤيا على ما تعبّر،و روى بأسناده الى ابن الجهم قال:سمعت ابا الحسن عليه السّلام يقول:الرؤيا على ما تعبّر، و روى بأسناده الى ابن الجهم قال:سمعت ابا الحسن عليه السّلام يقول الرؤيا على ما تعبر فقلت له انّ بعض أصحابنا روى ان رؤيا الملك كانت أضغاث أحلام فقال ابو الحسن عليه السّلام انّ امرأة رأت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان جذع بيتها إنكسر فأتت رسول اللّه

صلّى اللّه عليه و آله فقصّت عليه الرؤيا،فقال لها النبي صلّى اللّه عليه و آله:يقدم عليك زوجك و يأتي و هو صالح و قد كان زوجها غائبا فقدم كما قال النبي صلّى اللّه عليه و آله ثمّ غاب عنها زوجها غيبة أخرى فرأت في المنام كأن جذع بيتها قد أنكسر فلقيت رجلا أعسر فقصّت عليه الرؤيا فقال لها الرجل السوء يموت زوجك قال:فبلغ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:الا كان عبّر لها خيرا.

و قوله ان رؤيا الملك كانت أضغاث احلام انها كانت أضغاث احلام لكن لمّا عبّرها الصديق عليه السّلام وقعت على ما عبّر فالأمام عليه السّلام أتى بالحديث شاهدا على تصديق مقالة الرجل،و اما الأعسر فهو الرجل المشؤوم او الّذي يعمل بيده اليسرى و هو من الشؤم ايضا و روى مسندا الى جابر بن يزيد عن ابى جعفر عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقول انّ رؤيا المؤمن ترفرف بين السماء و الأرض على رأسها صاحبها حتّى يعبرها لنفسه او يعبّرها له مثله،فاذا عبّرت لزمت الأرض فلا تقصّوا رؤياكم الاّ على من يعقل و قال:صلّى اللّه عليه و آله لا تقص الاّ على مؤمن خلا من الحسد و البغي.

و من كتاب تعبير الرؤيا للكليني جاء رجل الى الصادق عليه السّلام و قال رأيت انّ في بستاني كرما يحمل بطيخا فقال له:احفظ أمرأتك لا تحمل من غيرك،و أتاه رجل فقال:كنت في سفر فرأيت كأنّ كبشين ينتطحان على فرج أمرأتي و قد عزمت على طلاقها لما رأيت فقال عليه السّلام:أمسك أهلك انّها لمّا سمعت بقرب قدومك ارادت نتف المكان فعالجته بالمقراض.

و في هذه الأخبار أشكالان:الأوّل ما معنى هذا الربط و العليّة بين التعبير و الوقوع حتّى صار التعبير علّة في الوقوع؟حتّى قال عليه السّلام:المنام طائر اذا قص وقع،قلت هذا شيء لا نتحقّقه من حيث العقل و لكن الشرع ورد به فوجب قبوله كما وجب علينا قبول الأحكام من غير معرفة بتفاصيل عللها،و يمكن ان يكون العلّة فيه هو انّه يحصل من التعبير التفأل و التطيّر و قد عرفت ان التطيّر يضرّ من يتطير به فيكون الوقوع للطير(للتطير)الحاصل من التعبير و كذا التفأل،و امّا ان

ص:45

كثيرا من الرؤيا اذا عبّرت لم تقع فيمكن ان يقال ان الّذي يقع منها هو الّذي يصحّ عليه الوقوع لأنّك قد تحقّقت ان بعض أقسامه مستند الى الشياطين و الأفكار النهارية فهذا ممّا لا يصحّ عليه الوقوع و ان عبّره المعبّرون.

الأشكال الثاني قد عرفت انّ تعبير الرؤيا لا يعلمه الاّ من علم الأمزجة و الطبائع و ليس هو الاّ الأمام عليه السّلام فكيف جاءت هذه الأخبار دالّة على وقوع الرؤيا عند التعبير؟فاذا كان الحال هكذا فكلّ أحد يصدق عليه أنّه معبّر؟قلت فرق بين وقوع المنام عند تعبير العالم و وقوعه عند تعبير غيره،و حاصل الفرق ان ما وقع اوّلا هو الّذي كان في الواقع و نفس الأمر،و امّا الواقع عند تعبير الجاهل فهو الوقوع العادي فكأنّ اللّه سبحانه أجرى العادة بوقوع المنامات عند تعبير الجاهل و ان لم يكن معناها الواقعي هو هذا فتأمل في هذا المقام فانّه حريّ بالتأمّل.

الأمر الرابع روى الجليل علي بن ابراهيم ره في تفسيره باسناده الى مولانا الصادق عليه السّلام في سبب نزول قوله تعالى إِنَّمَا النَّجْوىٰ مِنَ الشَّيْطٰانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضٰارِّهِمْ شَيْئاً إِلاّٰ بِإِذْنِ اللّٰهِ أنّ فاطمة عليها السّلام رأت في منامها انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله همّ ان يخرج هو و فاطمة و علي و الحسن و الحسين عليهم السّلام من المدينة فخرجوا حتّى جاوزوا حيطان المدينة فتعرذض لهم طريقان فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات اليمين حتّى انتهى بهم الى موضع فيه نخل و ماء فاشترى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شاة كبرى و هي الّتي في أحد أذنيها نقط بيض فأمر بذبحها فلمّا اكلوا ماتوا في مكانهم فانتبهت فاطمة عليها السّلام باكية ذعرة فلم تخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بذلك فلمّا أصبحت جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بحمار فأركب عليه فاطمة عليها السّلام و أمر أن يخرج امير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السّلام من المدينة كما رأت فاطمة عليها السّلام في نومها فلمّا خرجوا من حيطان المدينة عرض له طريقان فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات اليمين كما رأت فاطمة عليها السّلام في نومها فمضى الى موضع فيه نخل و ماء فأمر عليّا عليه السّلام فاشترى شاة فأمر بذبحها فذبحت و شويت،فلمّا أرادوا أكلها قامت فاطمة و تنحّت ناحية منهم تبكى مخافة ان يموتوا فطلبها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى وقف عليها و هي تبكي،فقال ما شأنك يا بنيّة؟قالت يا رسول اللّه رايت كذا و كذا في نومي و قد فعلت انت كما رأيته فتنحيت عنكم فلا أراكم تموتون،فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى ركعتين ثمّ ناجى ربّه فنزل عليه جبرئيل عليه السّلام فقال يا محمّد هذا شيطان يقال له الدها و هو الذي أرى فاطمة عليها السّلام هذه الرؤيا و يرى المؤمنون في منامهم ما يغتمون به،فأمر جبرئيل فجاء به الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال له:أنت اريت فاطمة هذه الرؤيا؟فقال نعم يا محمّد فبزق عليه ثلاث بزقات فشجّه في ثلاث مواضع ثم قال جبرئيل لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله يا محمّد اذ رأيت في منامك شيئا تكرهه او رأى أحد من المؤمنين فليقل أعوذ بما عاذت به ملائكة اللّه المقربون و انبياء اللّه المرسلون و عباده

ص:46

الصالحون من شرّ ما رأيت من رؤياي و يقرء الحمد و المعوذتين و قل هو اللّه و يتفل عن يساره ثلاث تفلات فانّه لا يضره ما رأى،و أنزل اللّه على رسوله انّما النجوى من الشيطان.

و الأشكال الوارد على هذا الحديث هو انّه قد ورد في كثير من الأخبار انّ الشيطان ليس له تسلّط على أرباب العصمة عليهم السّلام بوجه من الوجوه فكيف تسلّط الدها حتّى فعل ما فعل؟و الجواب انّ هذا ليس من باب التسلّط و ذلك لما يتعقّبه من المعجزة الّتي هي الأتيان بذلك الشيطان و حبسه و أذلاله و اهانته و ليس هذا الاّ مثل ذلك الرجل الذي أتى اليها و قال لها أنّ عليّ بن ابي طالب عليه السّلام يريد أن يأخذ عليك أمرأة حتى غضبت فاتّضح لها الحال انّه رجل كذّاب.

و من الأخبار المروّحة للخاطر ما رواه الكليني طاب ثراه عن ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال يا ابا محمّد انّ الميّت منكم على هذا الأمر شهيد قال:قلت و ان مات على فراشه؟قال:أي و اللّه على فراشه حيّ عند ربّه يرزق،اقول ثواب الشهادة انّما حصّلوها من نياتهم و ذلك انّ نياتهم انّهم لو كانوا مع الأمام عليه السّلام لجاهدوا الكفّار معه و لو ظهر المهديّ عليه السّلام في كلّ وقت من الأوقات لكان من أنصاره و أعوانه و من هنا قال عليه السّلام انّي لأعدّ نفسي من شهداء كربلا و ذلك اني لو كنت معه لجاهدت أعداءه.

و من الأخبار المروّحة للخاطر ما روى مسندا الى محمّد بن الفضيل عن ابي الحسن الأول عليه السّلام قال:قلت له جعلت فداك الرجل من أخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه فأسأله عن ذلك فينكر ذلك و قد أخبرني عنه قوم ثقات فقال لي:يا محمّد كذّب سمعك و بصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون قسامة و قال لك قولا فصدّقه و كذّبهم لا تذيقن(يعن)عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروّته فتكون من الذين قال اللّه في كتابه الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم.

اقول قوله الشيء الذي اكرهه شامل لما كان في حقّ المنقول اليه او مطلقا كما هو المفهوم من التنظير بالآية،و امّا تكذيب القسامة فلا ينافي ثبوت الحدود عليه بالشاهدين او الأربعة لأنّ هذا الكلام عند غير الأمام،و قوله كذب سمعك و بصرك معناه ان ما ترى منه و تسمع من المكروهات ينبغي ان تتكلّف لها محامل سديدة و توجيهات قريبة او بعيدة و تقول انّما قال هذا او فعل هذا لهذا الوجه السائغ فتكون في هذه التوجيهات قد كذّبت سمعك و بصرك حيث انّهما اتّهماه و أخذا بظاهر كلامه من غير تأويل و الاّ فلا معنى لتكذيب العين بعد ان رأت و الأذن بعد أن سمعت.

و في الحديث أحمل ما سمعت من أخيك على سبعين محملا من محامل الخير فان عجزت فأقبل على نفسك و قل التقصير منك حيث أعيت عليك محامل الخير و في حديث آخر انّه سئل عليه السّلام بين الصدق و الكذب من المسافة؟فقال بينهما مقدار كف فوضع كفّه بين أذنه و عينه فقال ما رأيت

ص:47

فهو الصدق و ما سمعت فهو الكذب و هذا في مقام آخر و على كلّ تقدير فلعلّ مثل هذه الأخوان قد كانت في الأعصار السالفة،و امّا في هذه الأعصار فهم كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام أخوان هذا الزمان جواسيس العيوب،و كما قال الشاعر

كفاني اللّه شرّك يا ابن عمي فامّا الخير منك فقد كفاني

و في الخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من لم يقبل من متنصّل عذرا صادقا كان او كاذبا لم ينل شفاعتي،و لو انّ احدا أساء اليك من جانبك الأيمن ثمّ تحوّل الى جانبك الأيسر فاعتذر عندك فأقبل عذره،و أوصاف الأخوان هذه و كان في وقت شباب الزمان

أتى الزمان بنوه في شبيبته فسرّهم و أتيناه على الهرم

و ما أحسن جوابه لبعض مشايخنا

همو(و هم)على كلّ حال ادركوا هرما و نحن جئناه بعد الشيب و العدم

و من الأخبار المروّحة للخاطر ما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال أنّ اللّه يعذب الستّة بالستة:

العرب بالعصبيّة،و الدهاقين بالكبر،و الأمراء بالجور،و الفقهاء بالحسد و التجار بالخيانة و أهل الرستاق بالجهل،أقول المراد بالدهاقين رؤساهم و بأهل الرستاق عامّتهم.

و من الأخبار ما رواه صاحب كتاب ربيع الأبرار انّ أبليس قال:الهي انّ عبادك يحبّونك و يعصونك،و يبغضوني و يطيعوني؟فأتاه الجواب إني غفرت لهم ما أطاعوك بما أبغضوك و قبلت منهم أيمانهم و ان لم يطيعوني بما أحبّوني.

و من الأخبار المروّحة للخاطر ما روي عن عبد اللّه بن طلحة قال:سئلت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الوزغ؟فقال:رجس و هو مسخ كلّه فاذا قتلته فاغتسل،و قال عليه السّلام انّ ابي كان قاعدا في الحجر و معه رجل يحدّثه فاذا هو بوزغ يولول بلسانه،فقال ابي للرجل:أ تدري ما يقول هذا الوزغ؟قال:لا علم لي بما يقول قال:فانّه يقول:و اللّه لئن ذكرتم عثمان بشتمه لأشتمن عليّا حتّى تقوم منه هيهنا،قال:و قال ابي ليس يموت من بني أميّة ميّت الاّ مسخ وزغا،و قال عليه السّلام انّ عبد الملك بن مروان لمّا نزل به الموت مسخ وزغا فذهب من بين يدي من كان عنده و كان عنده ولده فلمّا ان فقدوه عظم ذلك عليهم فلم يدروا كيف يصنعون،ثمّ أجتمع أمرهم على أن يأخذوا جذعا فيضعوه كهيئة الرجل قال:ففعلوا ذلك و ألبسوا الجذع درع حديد ألقوه في الأكفان فلم يطّلع عليه أحد من الناس الاّ أنا و ولده.

أقول المشهور بين أصحابنا هو أستحباب الغسل عند قتل الوزغ و أستدلوا عليه بقول الصدوق ره انّ من قتل وزغا فعليه الغسل،و قال بعض العلماء ان العلّة في ذلك انّه يخرج عن ذنوبه فيغتسل منها،قال في المعتبر و عندي أن ما ذكره ابن بابويه ليس بحجّة و ما ذكره المعلّل ليس

ص:48

طائلا انتهى،و هذا الخبر صريح في الدلالة و لو أستندوا اليه لكان أوثق لهم،و الظاهر انّ الأصحاب رضوان اللّه عليهم انّما أهملوا ذكره و الأستدلال به لأنّه غير مذكور في الأصول الأربعة في بابه بل ذكره شيخنا الكليني ره في الروضة في الأخبار المتفرّقة.

و من الأخبار المروّحة للخاطر ما روى ان عيسى بن مريم عليه السّلام كان جالسا ذات يوم و عنده جبرئيل عليه السّلام فمرّ بهما رجل على ظهره خرمة حطب و بيده رغيف يأكله و كان يلعب و يضحك فقال جبرئيل عليه السّلام:عجبا لهذا الرجل يفعل ما ترى و ما بقي من عمره الاّ ساعة او ساعتان،فأنهى ذلك عيسى عليه السّلام الى من بحضرته فلمّا كان في اليوم الأنف مرّ رجل و على عاتقه حبل يخرج للأحتطاب فقال القوم:يا نبي اللّه أ لست قلت ما بقي من عمر هذا الرجل الا ساعة او ساعتان؟ قال أنّما قلت ذلك من جبرئيل فقالوا يا رسول اللّه ادع لنا ربّك يبيّن لنا هذا الأمر؟فسأل اللّه تعالى فأتاه جبرئيل عليه السّلام و قال له قل لهذا الرجل ليأتك بالخرمة الّتي ذهب بها امس،فخرج الرجل و جاء بالخرمة ففتحها عيسى عليه السّلام فاذا في وسطها حيّة أفعى فقال جبرئيل عليه السّلام رأيت في اللوح ان هذا الرجل تقتله هذه الحيّة و لكن سله ما فعل من الخير منذ فارقنا،فقال له عيسى عليه السّلام:ما فعلت من الخير أمس؟قال:ما فعلت شيئا الا إذ كنت آكل ذلك الخبز(الرغيف)فبقيت بقيّة فسألني رجل فأعطيته تلك البقية فقال جبرئيل عليه السّلام انّ اللّه تعالى قد دفع عنه ذلك البلاء بتلك الصدقة و زاد في عمره كذا سنة،و ذلك قوله سبحانه و تعالى يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتٰابِ .

أقول قد مضى أمثال هذا الخبر و أنّه لا منافاة بينه و بين ما روى في باب العلم من أنّ علمه سبحانه علمان علم أستأثر به فذلك الذي يمحو منه ما يشاء و يثبت و علم علّمه ملائكته و أنبيائه فذلك الذي لا يدخله محو و لا إثبات لئلاّ يكذّب الناس أنبياء اللّه تعالى لأن مثل المحو لم يستلزم التكذيب بل أستلزم التصديق على الوجه الأبلغ أمّا لو أخبروا بأمر فوقع خلافه كان منافيا لما تقرر في باب العلم على ما لا يخفى.

و من الأخبار المروّحة للبال ما روي من أنّه كان رجل في بني إسرائيل منهمكا في المعاصي فأتى في بعض أسفاره على بئر فاذا كلب قد لهث من العطش فرق له فأخذ عمامته و شدّ بخفّه و أستقى الماء و أروى الكلب فأوحى اللّه الى نبي ذلك الزمان أنّي قد شكرت له سعيه و غفرت له ذنبه لشفقته على خلق من خلقي،فسمع ذلك فتاب من المعاصي و صار ذلك سببا لتوبته و خلاصه من العقاب.

و من الأخبار المروّحة ما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال انّ للأسلام نيفا و سبعين شعبة أعلاها شهادة ان لا اله الا اللّه و أدناها إمالة الأذى عن الطريق،أقول روي في خبر أنّ رجلا مر بطريق وقع فيه

ص:49

ماء فوضع حجرا في الماء لتضع المارة رجلها عليه فلمّا جف الطريق مرّ به رجل آخر فرفعه فأوحى اللّه الى نبيّ ذلك الزمان اني قد غفرت لهما.

و من الأخبار المروّحة ما روى من قوله صلّى اللّه عليه و آله لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين،أقول روي انّ سببه هو أنّ أبا غرّة الشاعر اسر يوم بدر و جيء به الى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه تصدّق بي على عيالي و أعف عني عفى اللّه عنك،فقال عليه السّلام:على أن لا تعين عليّ بيد و لا لسان فعاهد على ذلك،فلمّا عاد قومه الى حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عاد معهم و كان يحرض القوم على القتال،فأسر و جيء به الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه تصدّق بي على عيالي و أعف عنّي عفى اللّه عنك، فقال صلّى اللّه عليه و آله العفو مكرمة لا تعد لها مكرمة و لكن لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين،و اللّه لا تجلس بمكة و تمسح لحيتك و تقول خدعت محمّدا مرّتين يا علي قم و أضرب عنقه فقام و ضرب عنقه.

و من الأخبار ما روى أنّه ذكر عند مولانا ابي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله النظر الى وجه العالم عبادة،فقال هو العالم الذي اذا نظرت اليه ذكرك الآخرة،و من كان خلاف ذلك فالنظر اليه فتنة.

و من الآثار ما حدّثني به بعض من أثق به ان قد حفر قبر في مشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام فوجد فيه لوح مكتوب فيه هذان البيتان:

بله يا قبر هل زالت محاسنها ام هل تغيّر ذاك المنظر النظر

لا(ما)أنت يا قبر لا روض و لا فلك فكيف يجمع فيك الشمس و القمر

و منها أيضا أنّ أمرأة كانت تبكي على قبر و هي بديعة الجمال فقيل لها لم تبكين على ميت تحت التراب؟فأنشدت هذين الشعرين:

فان تسئلاني عن هوى فاننّي رهينة هذا القبر يا فتياني

و إنّي لأستحييه و الترب بيننا كما كنت أستحييه و هو يراني

و من الأخبار المروّحة للخاطر ما روى من أنّه لما خلقت المرأة نظر اليها أبليس فقال:أنت سؤلي و موضع سرّي و نصف جندي و سهمي الذي أرمي به فلا أخطي و اذا أختصمت هي و زوجها في البيت فله في كلّ زاوية من زوايا البيت شيطان يصفق و يقول فرح اللّه من فرحني حتّى اذا أصطلحا خرجوا عميا يتعاوون و يقولون أذهب اللّه نور من ذهب بنورنا،و قيل أنّ عرش الرحمن ليهتزّ عند أفتراق الزوجين،و قيل أنّ فرحة أبليس اذا فرق بين المتحابّين كفرحته حين أخرج آدم من الجنّة.

ص:50

و من الأخبار ما رواه سيّدنا الأجلّ علم الهدى قدّس اللّه روحه من قوله صلّى اللّه عليه و آله انّ الميّت ليعذّب ببكاء الحيّ عليه،و في رواية أخرى انّ الميت يعذّب في قبره بالنياحة عليه،أقول أجاب عن هذا الحديث المرتضى ره قال:و الجواب اذا كنّا قد علمنا بأدلة العقل التي لا يدخلها الأحتمال و الأمتناع و المجاز قبح مؤاخذة أحد بذنب غيره و علمنا أيضا ذلك بأدلة السمع مثل قوله تعالى وَ لاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ فلا بدّ ان نصرف ما ظاهره بخلاف هذه الأدلة فالتي سئلنا عنها ان صحّت روايتها معناه انه من أوصى وصيا ان يناح عليه ففعل ذلك بأمره و عن أذنه فأنّه يعذّب بالنياحة عليه و ليس معنى يعذب بها ان يؤاخذ بفعل النياحة و انّما معناه أنّه يؤاخذ بأمره بها و وصيته بفعلها،و أنما قال النبي صلّى اللّه عليه و آله ذلك لأنّ في الجاهلية كانوا يرون البكاء عليهم و النوح فيأمرون و يؤكّدون الوصية بفعله،و هذا مشهور عنهم،ثمّ قال و يمكن ان يكون في قوله يعذب ببكاء أهله وجه آخر و هو ان يكون المعنى أنّ اللّه تعالى اذا أعلم ببكاء و أعزته عليه و ما لحقهم من الحزن و الهمّ تألّم بذلك فكان عذابا له و العذاب ليس بجار مجرى العقاب الذي لا يكون الاّ على ذنب متقدّم بل قد يستعمل كثيرا بحيث يشمل الألم و الضرر،أ لا ترى أنّ القائل قد يقول لمن أبتدأ بالضرر و الألم قد عذّبتني بكذا و كذا كما تقول أضررت بي و ألمتني و انّما لم يستعمل العقاب حقيقة في الألم المبتدا من حيث كان أشتقاق لفظه من العاقبة التي لا بدّ من تقدّم سبب لها و ليس هذا في العذاب انتهى و يمكن ان يوجّه بوجه ثالث و هو ان يكون المراد ما تعارف في كل الأعصار من انّهم ينوحون على الميت و يعدّدون أوصافه الجميلة عندهم مثل قتل الأقران،و صبة الغارات على المسلمين و نحو ذلك من الأوصاف التي يعذّب الميت عليها و هم ينوحون بها عليه.

و من الطرائف:ما نقله الزمخشري قال عظم على طيّ موت حاتم فأدّعى أخوه أن يخلفه، فقالت له أمّه:هيهات شتان ما بين خلقتكما وضعته فبقى سبعة أيّام لا يرضع حتّى القمت ثديي طفلا من الجيران و كنت أنت راضعا أحدهما(تأخذ الأخرخ)و آخذا الآخر بيدك فأنّى لك!.

و من الأخبار قوله صلّى اللّه عليه و آله انّ من البيان لسحرا،و هو يحتمل المدح و هو الأشهر في معناه، و الذم ايضا،امّا الأوّل فهو في أصله انّ من البيان بيانا غريبا على الأسماع يأتي عليها كالسحر، و امّا الثاني فمعناه انّ من البيان بيانا ممّوها كما ان السحر ممّوه.

و من الأخبار المروحة ما رواه الصدوق قدّس اللّه روحه بأسناده الى ابي بصير قال:سمعت الصادق عليه السّلام يحدّث عن ابيه عن آبائه عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما لأصحابه أيّكم يصوم الدهر؟فقال سلمان:أنا يا رسول اللّه،قال:فأيّكم يحيي الليل؟قال سلمان انا يا رسول اللّه،قال:

فأيّكم يختم القرآن في كلّ يوم؟فقال:سلمان انا يا رسول اللّه فغضب بعض أصحابه و هو عمر بن الخطاب فقال:يا رسول اللّه انّ سلمان رجل من الفرس يريد أنّ يفتخر علينا معاشر قريش،قلت

ص:51

أيّكم يصوم الدهر فقال:انا و هو أكثر ايّامه يأكل!و قلت ايكم يحيي الليل فقال:أنا و هو أكثر ليله نائم،و قلت ايّكم يختم القرآن في كل يوم فقال:أنا و هو أكثر ايّامه صامت،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله يا فلان أنى لك بمثل لقمان الحكيم سله فانّه ينبئك،فقال الرجل لسلمان يا ابا عبد اللّه أ ليس زعمت أنّك تصوم الدهر؟فقال:نعم فقال:رأيتك في أكثر نهارك تأكل؟فقال:ليس حيث تذهب اني أصوم الثلثة الأيام في الشهر و قال اللّه عزّ و جلّ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و اواصل شعبان بشهر رمضان فذلك صوم الدهر،فقال ا ليس زعمت انّك تحيي الليل؟فقال:نعم قال:أكثر ليلتك نائم فقال:ليس حيث تذهب و لكنّي سمعت حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول من بات على طهر فكأنّما أحيى اليل كلّه و انا أبيت على طهر فقال:أ ليس زعمت أنّك تختم القرآن في كلّ يوم؟قال:نعم، قال فأنت أكثر ايّامك صامت فقال:ليس حيث تذهب و لكني سمعت حبيبي رسول صلّى اللّه عليه و آله يقول لعليّ عليه السّلام يا ابا الحسن مثلك في أمتي مثل قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ فمن قرأها مرة فقد قرأ ثلث القرآن، و من قرأها مرّتين فقد قرأ ثلثي القرآن و من قرأها ثلاثا فقد ختم القرآن،فمن أحبّك بلسانه فقد كمل له ثلث الأيمان و من أحبّك بلسانه و قلبه فقد كمل له ثلثا الأيمان و من أحبّك بلسانه و قلبه و نصرك بيده فقد أستكمل الأيمان كلّه و الّذي بعثني بالحقّ يا علي لو أحبّك اهل الأرض كمحبة أهل السماء لما عذّب أحد بالنار،و أنا أقرأ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ في كل يوم ثلاث مرّات،فقام و كأنّه ألقم حجرا.

و من الأخبار ما روي عن سليمان عليه السّلام انّه قال:الغالب لهواه أشدّ من الذي يفتح البلاد وحده.و من الآثار انّ امرأة قرشيّة حلقت شعر رأسها و كانت أحسن الناس شعرا فقيل لها في ذلك؟فقالت أردت أن أغلق الباب فلمحني رجل و رأسي مكشوف فما كنت لأدع عليّ شعرا رآه من ليس بمحرم،و من الآثار أنّه نزل رجل على أخ له فشخص المنزول اليه في بعض حاجاته و قال لأمرأته يا زرقا أوصيك بضيفي هذا،فلمّا عاد بعد شهر قال لها:كيف ضيفنا قالت:ما أشغله بالعمى عن كلّ شيء و كان الضيف أطبق عينيه فلم ينظر اليها و الى المنزل الى ان عاد زوجها.

و من الأخبار ما روي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام قال كانت الفقهاء و الحكماء اذا كاتبوا بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهنّ رابعة:من كانت الآخرة همّه كفاه اللّه همّه من الدنيا، و من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته.و من أصلح فيما بينه و بين اللّه عزّ و جلّ أصلح اللّه فيما بينه و بين الناس.

اقول قد سبرنا هذا الخبر و جرّبنا مضمونه فرأيناه كما قال عليه السّلام و ذلك انا رأينا رجالا قد أتّصفوا بالصلاح و العلم و العمل و رأينا ألسنة المؤمنين تنالهم بسوء و تهمة فتعجبنا من ظاهر

ص:52

أحوالهم و ممّا يقول الناس فيهم،و لمّا تفحصنا عن أحوالهم باطنا ظهر لنا أنّ ما قاله الناس فيهم حق واقع و لكن ما علمنا طريق أطّلاع الناس على باطن حالهم سوى ما ذكرناه سابقا في تضاعيف الأنوار من ان اللّه سبحانه يرسل ملكا بصورة رجل فيظهر باطن ذلك الرجل للناس حتّى يعرفوه بما هو عليه من الصلاح و الفساد و لكن مثل هذا لا يكون برهانا شرعيّا يستدلّ به الدليل الشرعي على ذلك الباطن،نعم ربّما اتّهم بعض الناس شخصا بريئا ما قيل فيه لكن يظهر للناس بعد حين براءته مما قيل فيه و امّا ما ورد من قولهم عليهم السّلام لا يضرّك ما يقول الناس فيك اذا كنت صالحا عند اللّه فقد عرفت انّ المراد من الناس جمهور المخالفين و هؤلاء اذا كان حال الرجل عندهم حال سوء فهو دليل على حسن حاله عند اللّه.

و من الأخبار ما روي عن الصادق قال انّ العبد لفي فسحة من امره ما بينه و بين اربعين سنة فاذا بلغ أربعين سنة أوحى اللّه عزّ و جلّ الى ملائكته انّي قد عمّرت عبدي عمرا فغلّظا و شدّدا و تحفظا و اكتبا عليه قليل عمله و كثيره و صغيره و كبيره.

اقول ما معنى هذا التشديد عليه؟و ما كان التخفيف عنه قبل الأربعين؟قلت:يجوز ان يكون ذلك التخفيف اشارة الى ما روى من انّ الملك الّذي اسمه رقيب و هو كاتب الحسنات يقول لعتيد و هو كاتب السيئات اذا فعل العبد سيئة ارتقبه لعلّه يتوب فيرتقبه سبع ساعات فان تاب و الاّ كتبها عليه فيكون هذا الأنتظار و الأرتقاب فيما قبل الأربعين.

و من الأخبار ما روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال انّ قلوب بني آدم كلّها بين أصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف شاء،و قد ذكر سيّدنا المرتضى أعلى اللّه علاه فيه وجوها:الأول انّه قد ورد في اللغة و الشعر الفصيح اطلاق الأصبع على الأثر الحسن و معناه حينئذ انّه ما من آدميّ الاّ و قلبه بين نعمتين جليلتين حسنتين و هي نعم الآخرة لأنهما نوعان و وجه تسمية النعمة أصبعا لأنّه يشار بالأصبع الى النعمة،الثاني ما قاله ايضا او ذكر انه الأوضح و الأشبه بمذاهب العرب و هو ان يكون معناه يتيسر تصريف القلوب عليه كما يقال هذا الشيء في خنصري و تحت أصبعي و هو المراد من قوله تعالى وَ السَّمٰاوٰاتُ مَطْوِيّٰاتٌ بِيَمِينِهِ الثالث يجوز ان يكون القلب يشتمل عليه جسمان على شكل الأصبعين يحرّكه اللّه تعالى بهما و يقلّبه بهما.

اقول و يجوز ان يكون المراد بالأصبعين هنا النقطة السوداء و النقطة البيضاء اللّذان في قلب ابن آدم كما ورد في مستفيض الأخبار و انّ الأولى تتزايد بتزايد الذنوب حتّى يصير القلب كلّه أسود كما أنّ القلب بفعل أعمال البر يبيض شيئا فشيئا حتّى يصير القلب كلّه أبيض و يجوز ان يكون المراد بالأصبعين هنا او امره تعالى و نواهيه اللذين لا يكون التصديق بهما و الأذعان الاّ بالقلب فيكون أشارة الى الأوامر و النواهي و نسخهما في وقت دون آخر و يجوز أن يكون المراد

ص:53

بالأصبعين هنا اللطف و الخذلان فانّ من عمل ما يستحق به الألطاف منحه من الألطاف ما يكون هو جلّ شأنه عينه التي بها يبصر و سمعه الّذي به يسمع و قلبه الّذي به يفهم كما ورد في الحديث المشهور و من أستحقّ الخذلان بأعماله أهمله و نفسه حتّى يرد مورد المهالك.

و يجوز ان يكون المراد بالأصبعين هنا ما رويناه في هذا الكتاب من انّ على قلب كل واحد ملكا عن يمينه و شيطانا عن يساره فهذا يأمره بالخير و ذاك يأمره بالشرّ و سمى هذا أصبعا لأنّه مخلوق من مخلوقاته و هو سبحانه الّذي سلّطه على قلب بن آدم امتحانا له و ابتلاء،و يجوز ان يكون هذا الحديث أشارة الى الأسرار الألهية الّتي يفعلها سبحانه بقلب عبده من غير ان يطلعه عليها لأنّه الذي يحول بين المرء و قلبه لكن ذلك الصنع منه سبحانه لا يصل الى حدّ الألجاء و الأضطرار حتّى ينافي التكليف فيكون إشارة الى قول مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام عرفت اللّه بفسح العزائم و نقض الهمم و تحقيق هذا يحتاج الى مقام آخر.

و من الأخبار المروّحة من الملال ما رواه الصدوق ره بأسناده الى سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاة الصبح فلمّا سلّم قال:اين ابن عمي و قاضي ديني و منجز عدتي اين عليّ بن ابي طالب؟فأجابه بالتلبية لبّيك لبّيك يا رسول اللّه قال:يا علي أ تريد أن أعرفك فضلك من اللّه تعالى؟قال:نعم يا حبيبي قال:يا علي أخرج الى صحن المسجد فاذا طلعت الشمس فسلّم عليها قال:فخرج علي عليه السّلام الى صحن المسجد فلمّا طلعت الشمس قال لها السّلام عليك ايتها الشمس؟فقالت:و عليك السّلام يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكلّ شيء عليم قال:فضجت الصحابة قالوا:يا رسول اللّه بالأمس تقول لنا الأوّل و الآخر صفات اللّه تعالى؟!قال:نعم تلك صفات اللّه عزّ و جلّ و هو اللّه وحده لا شريك له يحيي و يميت و هو حيّ لا يموت بيده الخير و هو على كلّ شيء قدير،قالوا:فما بالنا نسمع الشمس تقول لعلي هذا فصار عليّ ربّا يعبد؟!فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:أستغفروا اللّه ثمّ توبوا اليه اما قولها يا أوّل فهو أوّل من آمن بي و صدّقني،و امّا قولها يا آخر فهو آخر من يكسر الأصنام،و امّا قولها يا ظاهر فهو و اللّه أظهر دين اللّه بالسيف،و امّا قولها يا باطن فهو باطن بطينة علمي،و امّا قولها يا من هو بكلّ شيء عليم،فو عزّة ربي ما علّمني ربّي شيئا الاّ علّمته عليّا و انّه بطرق السماء أعرف بها من طرق الأرض،ثمّ قال يا علي أدخل و افتخر.فدخل و هو يقول:

أنا للحرب اليها و بنفسي أطليها

نعمة من خالق الخلق بها قد خصّنيها و انا حامل لواء الحمد يوما أحتويها

و انا السابق في الأسلام طفلا و وجيها و لي الفضل على الناس بفاطم و ابيها

ثمّ فخري برسول اللّه اذ زوّجنيها و اذا أنزل ربّي آية علّمنيها

ص:54

و لقد زقّني العلم لكي صرت فقيها

و من الأخبار ما رواه الصدوق بأسناده الى مولانا الحسين عليه السّلام قال كنت مع عليّ بن ابي طالب يوما على الصفا و اذا هو بدراج يدرج على وجه الأرض على الصفا فوقف مولاي بأزائه فقال:السّلام عليك أيّها الدراج،فقال الدراج:عليك السّلام و رحمة اللّه و بركاته يا أمير المؤمنين،فقال علي عليه السّلام ايّها الدراج،فقال الدراج:عليك السّلام و رحمة اللّه و بركاته يا أمير المؤمنين،فقال علي عليه السّلام ايّها الدراج ما تصنع في هذا المكان؟قال:انا في هذا المكان منذ اربعمائة عام أسبّح اللّه تعالى و اقدسه و أحمده و أعبده حقّ عبادته فقال عليه السّلام انّه لصفاء نقيّ لا مطعم فيه و لا مشرب فمن اين مطعمك و مشربك؟قال:يا مولاي و حقّ من بعث ابن عمّك نبيّا و جعلك وصيا انّي كلّما جعت دعوت اللّه عزّ و جل لشيعتك و محبّيك فأشبع،و اذا عطشت دعوت اللّه على مبغضيك فأروى.

و من الآثار ما ورد في كلام الحكماء كما أنّ الذباب يتبع.واضع الجروح و يجتنب المواضع الصحيحة كذلك الشرار يتبعون معايب الناس فيذكرونها و يدفنون المحاسن،و من الآثار ما نقله صاحب كتاب ربيع الأبرار عن الشافعي قال بينا انا أدور في طلب العلم فدخلت بلدة من بلاد اليمن فرأيت أنسانا من وسطه الى أسفله بدن أمرأة و من وسطه الى فوقه بدنان مفترقان بأربع أربع أيد و رأسين و وجهين و هما يتقاتلان و يتلاطمان و يصطلحان و يأكلان و يشربان،ثمّ غبت عنهما سنين و رجعت فسألت عنهما فقيل لي أحسن اللّه عزاك في البدن الواحد فربط من أسفله بحبل وثيق و ترك حتّى ذبل فقطع و عهدي بالجسد الآخر في السوق ذاهبا و جائيا،قال:و رأيت في اليمن شيخا كبيرا يدور على بيوت الفتيان يعلّمهن الغنا فاذا حضرت الصلاة صلّى قاعدا.

و من الأخبار ما روى عن ابي الحسن موسى عليه السّلام انّه قال لرجل من أصحابه يا فلان أتّق اللّه و قل الحق و لو كان فيه هلاكك فأنّ فيه نجاتك،يا فلان أتّق ودع الباطل و ان كان فيه نجاتك فانّ فيه هلاكك،أقول لعلّك تقول أنّ هذا بظاهره ينافي ما ورد من الأمر بالتقيّة فأنّها لا تكون الاّ في قول الحقّ مع انّه روى في الأخبار و أنعقد عليه الأجماع انّ التقية تقتضي كتمان قول الحق بما يكون فيه ضرر أقلّ من الهلاك؟قلت يمكن الجواب عن هذا بوجهين:

الأوّل انّه عليه السّلام كان عالما بأحوال ذلك الرجل و بأنّه يكتم الحقّ من غير أن يصل الى حدّ التقية فهدّده عليه السّلام بهذه المبالغات.

ص:55

الثاني و هو الأظهر انّ المراد الخوف و التوهم من الهلاك كأن يقول اذا قلت الحقّ في هذه الواقعة فلعلّ الحاكم يقتلني أو يضرّني مع انّ ذلك الحاكم لم يعتدّ قتل من قال الحق و لا إضراره، و هذا كثير في هذه الأعصار.

و من الأخبار ما رواه الصدوق بأسناده الى الصادق عليه السّلام قال أنّ داود النبي عليه السّلام قال يا ربّ أخبرني من قريني في الجنة و نظيري في منازلي؟فأوحى اللّه تعالى اليه انّ ذلك متّى ابو يونس قال:

فأستأذن اللّه في زيارته،فأذن له فخرج هو و سليمان ابنه عليهما السّلام حتى أتيا موضعه فاذا هما ببيت من سعف،فقيل لهما:موفي السوق،فسألا عنه،فقيل لهما أطلباه في الحطّابين،فسألا عنه فقال لهما جماعة من الناس نحن ننتظره الآن حتى يجيء فجلسا ينتظرانه اذ أقبل و على رأسه و قر من حطب، فقام اليه الناس قألقى عنه الحطب و حمد اللّه،و قال من يشتري طيّبا بطيّب فساومه واحد و زاده آخر حتّى باعه من بعضهم قال فسلّما عليه فقال:أنطلقا بنا الى المنزل و أشتري طعاما بما كان معه، ثمّ طحنه و عجنه في نقير له،ثمّ أجّج نارا و أوقدها ثمّ جعل العجين في تلك النار و جلس معهما يتحدّث،ثمّ قام و قد نضجت خبزته فوضعها في النقير و فلقها و ذرّ عليها ملحا و وضع على جنبه مطهرة ماء و جلس على ركبتيه و أخذ لقمة فلمّا رفعها الى فيه قال:بسم اللّه،فلمّا أزدردها قال:

الحمد للّه ثمّ فعل مثل ذلك بأخرى و أخرى،ثمّ أخذ الماء فشرب منه فذكر اسم اللّه تعالى فلمّا وضعه قال:الحمد للّه،يا ربّ من ذا الذي أنعمت عليه و أوليته مثل ما أوليتني،قد صحّحت سمعي و بصري و يدي حتّى و قوّيتني حتّى ذهبت الى شجر لم أغرسه و لم أهتم بحفظه فجعلته لي رزقا و هيأت لي من أشتراه منّي فأشتريت بثمنه طعاما لم أزرعه،و سخرت لي النار فأنضجته و جعلته(جعلتني خ)آكله بشهوة أقوى به على طاعتك،فلك الحمد،قال:ثمّ بكى فقال داود لسليمان:يا بنيّ قم فانصرف بنا فانّي لم أر عبدا قط أشكر للّه من هذا صلّى اللّه عليه و عليهما.

و من الأخبار المروّحة ما رواه الصدوق ره بأسناده الى مولانا أمير المؤمنين علي عليه السّلام قال:

أنّي قلت اللهمّ لا تحوجني الى أحد من خلقك،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تقل هكذا فليس من أحد الاّ و هو محتاج الى الناس،قال:فقلت كيف أقول يا رسول اللّه؟قال:قل اللهمّ لا تحوجني الى شرار خلقك قلت يا رسول اللّه و من شرار خلقه؟قال الّذين اذا أعطوا منّوا و اذا منعواغ عابوا.

و من الآثار ما قاله الزمخشري في ربيع الأبرار قال:كان ببابل سبع مداين في كل مدينة أعجوبة:كان في أحديها تمثال الأرض فاذا التوى على الملك بعض أهل مملكته بخراجهم خرق أنهارها في التمثال فلا يطيقون سدّ الشقّ حتّى يعدلوا و ما لم يسدّ في التمثال لم يسدّ في ذلك البلد.

و في الثانية حوض اذا أراد الملك أن يجمعهم لطعامه أتى في كلّ واحد مما أحب من شراب فصبه في ذلك الحوض فأختلط الأشربة فكل من أراد شربه سقى منه كأنّه شرابه الّذي جاء به،و في

ص:56

الثالثة طبل اذا أرادوا ان يعلموا حال الغايب عن أهله قرعوه فان كان حيّا صوت و ان كان ميّتا لم يصوّت،و في الرابعة مرآة اذا أرادوا ان يعلموا حال الغائب ينظروا فيها فيبصروه على أيّ حالة هو عليها كأنّهم يشاهدوه،و في الخامسة أوّزة من نحاس فإذا دخل غريب صوّت صوتا يسمعه أهل المدينة،و في السادسة قاضيان جالسان على الماء فيأتي الخصمان فيمشي المحقّ على الماء حتّى يجلس مع القاضي و يرتطم المبطل،و في السابعة شجرة ضخمة اذ أجلس أحد تحتها تظلّ الى الألف فإذا زاد على الألف واحد جلسوا كلّهم في الشمس.

و من الآثار ما حكي عن بعضهم إنّه قال:رأيت ببلاد الهند شيخا كبيرا يسمّى فلان الصبور، فسألت بعضهم عن حاله،فقيل أنّه كان له حبيب في عنفوان شبابه فسافر يوما فخرج هذا الرجل الى وداعه فبكت احدى عينيه و لم تبك الأخرى،فقال لعينه:لأحرمنّك النظر الى محبوب الدنيا عقوبة لك على ما لم تساعديني على البكاء لفراق محبوبي،فمنذ ثمانين سنة غمض عينه و لم ينظر بها الى شيء.

و من الأخبار ما روي أنّ يوسف عليه السّلام كان له زوج حمام فلمّا فارق يوسف يعقوب عليه السّلام فكلّما أراد يعقوب أن يبتسم او يخاطب أحدا او يتكلم جاء الحمام و وقع بحذائه فذكّره عهد يوسف عليه السّلام فكان ينتقض عيشه.

و من الأخبار ما روي أنّ رجلين تنازعا في أرض فأنطق اللّه عزّ و جلّ لبنة في جدار تلك الأرض حتى قالت انّي كنت ملكا من ملوك الأرض ملكت الدنيا ألف سنة ثمّ متّ و صرت رميما ألف سنة فأخذني خزّاف فاتّخذ مني خزفا،فأستعملت مدّة ثمّ أنكسرت و بقيت ألف سنة خزفا ثمّ أخذني رجل و ضرب منّي لبنا فأنا في الجدار منذ كذا سنة فلم تتنازعا في هذا الأمر.

و من الأخبار ما روي انّ اللّه تعالى أوحى الى يعقوب أ تدري لم فرّقت بينك و بين يوسف كذا و كذا سنة؟لأنّك أشتريت جارية لها ولد ففرّقت بينهما بالبيع،فما لم يصل ولدها اليها لم أوصل اليك يوسف،و من الآثار ما نقله صاحب كتاب ربيع الأبرار قيل لكسرى أيّ الناس أحبّ اليك ان يكون عاقلا؟قال:عدوي قيل و كيف ذاك؟قال:لأنّه اذا كان عاقلا فأنّي منه في عافية.

و من الأخبار ما نقله الزمخشري قال:علي رضى اللّه عنه لعامل أنطلق على تقوى اللّه وحده لا شريك له،و تقول اذا قدمت الحي أرسلني اليكم أمير المؤمنين وليّ اللّه و خليفته لأخذ حق اللّه منكم في أموالكم فهل للّه في أموالكم من حقّ فتؤدوه الى وليّه؟فإن قال قائل لا فلا تراجعه!و إن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه او توعده الى آخر الحديث،ثمّ قال:قلت أنظر الى

ص:57

هذا لا البون الباين و التفاوت المتباين فإنّ فيه عبرة لمعتبر و دليلا لمن أفتكر (1)هذا أمير المؤمنين و سيّد المسلمين و وصي رسول رب العالمين يأمره في الصدقة بهذه الأوامر و يكلها الى ربّ المال من غير أكراه و لا إجبار و لا إستخلاف على صحّة دعواه،و هذا ابو بكر قاتل من منعها و سفك الدماء و يبا النساء و استرق الذّرية و سمّى مانعها مرتدين،أ فاتّباع أمير المؤمنين و سيد الوصيين و ابن عمّ رسول رب العالمين،و من ثبتت عصمته،و وجبت على الأمة طاعته،و نص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على أمامته أولى باتّباع؟ام من حرر على نفسه الخطأ،و أستقال ما تقلّده من الأمر و أقرّ انّه يقول في الأحكام رأيه و يفتي المسلمين بأجتهاده ام يصمّم الخصم على أعتقاده في أنّ كل مجتهد مصيب و ان هذا حلّ له قتال مانع الزكاة و سمّاه كافرا و لم يخالفه أحد،و أنّ ما فعله أمير المؤمنين من ترك القتال عليها الأبل تركها على ربّها بأمانته؟و هذا تفاوت عظيم و تباين شديد يدلّ كل متأمّل على أنّ أحد هذين المجتهدين مخطىء مأثوم في فعله انتهى،فانظر كيف أجرى اللّه الحجّة على لسانه.

و من الأخبار ما روي عن ابن المكندر قال خرجت الى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام و كان رجلا بدينا و هو متكي على غلامين له أسودين،فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا،لو جاءك الموت و أنت على هذا الحال؟قال فخلّى عن الغلامين من يده ثمّ تساندهما و قال لو جاءني الموت و انا في هذه الحال جائني و انا في طاعة من طاعات اللّه أكفّ بها نفسي عنك و عن الناس،فانّما كنت أخاف الموت لو جائني و أنا على معصية من معاصي اللّه،فقلت يرحمك اللّه أردت أن أعظك فوعظتني.

و من الأخبار ما روي عن محمّد بن الفضل قال لمّا كان في السنة الّتي بطش هارون بالبرامكة و قتل جعفر بن يحيى و حبس يحيى بن خالد و نزل بهم ما نزل كان ابو الحسن عليه السّلام واقفا بعرفة يدعو،ثمّ طأطأ رأسه فسأل عن ذلك؟فقال أنّي كنت أدعوا اللّه على البرامكة قد فعلوا بأبي ما فعلوا،فاستجاب اللّه لي فيهم اليوم فلمّا أنصرف لم يلبث الاّ يسيرا حتّى بطش بجعفر و حبس يحيى و تغيرت حالهم.

و من الأخبار ما روي عن سليمان الجعفري قال:كنت مع الرضا عليه السّلام في حائط و أنا أحدّثه أذا جاء عصفور فوقع بين يديه و أخذ يصيح و يكثر الصياح و يضطرب فقال أ تدري ما يقول؟قلت اللّه و رسوله و ابن عمّ رسوله أعلم قال:قد قال لي أنّ حيّة تريد أن تأكل فراخي في البيت فقم و خذ تلك النسعة و أدخل البيت و أقتل الحيّة قال فقمت و أخذت النسعة و دخلت البيت و اذا حيّة تجول في البيت فقتلتها.

ص:58


1- (3) افتكر من الامر:فكر(و هي عامية)

و من الأخبار ما أورده صاحب كتاب تاريخ نيشابور ان عليّ الرضا عليه السّلام دخل الى نيشابور في السفرة الّتي قضى له فيها بالشهادة كان في مهد بغلة شهباء عليها مركب من فضة فعرض له في الأسواق الأمامان المحدّثان ابو زرعة و محمّد بن أسلم فقالا ايّها الأمام ابن الأئمة بحقّ آبائك الطاهرين الاّ أريتنا وجهك المبارك الميمون و رويتنا حديثا عن آبائك عن جدّك فأستوقف البغلة و رفع المظلة و الناس قيام و كانوا بين صارخ و باك و ممزّق ثوبه و متمرغ في التراب و مقبّل حزام بغلته الى أن أنتصف النهار و جرت الدموع كالأنهار،فصاحت القضاة معاشر الناس أسمعوا فأملى عليه السّلام هذا الحديث و عدّ من المحابر أربع و عشرون الفا سوى الدوى،و المستملي ابو زرعة الرازي و محمّد بن أسلم فقال عليه السّلام:حدّثني ابي موسى بن جعفر الكاظم قال حدثني ابي جعفر بن محمّد الصادق قال حدثني لبي محمّد بن علي الباقر قال حدثني ابي علي بن الحسين زين العابدين قال:حدّثني ابي الحسين بن غلي شهيد كربلاء قال:حدّثني ابي علي بن ابي طالب شهيد أرض كوفة،قال:

حدثني أخي و ابن عمّي محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال حدثني جبرئيل عليه السّلام قال سمعت رب العزّة سبحانه و تعالى يقول كلمة لا اله الا اللّه حصني فمن قالها دخل حصني و من دخل حصني أمن من عذابي قال الأستاذ ابو القاسم القشيري انّ هذا الحديث بهذا السند بلغ بعض أمراء السامانيّة فكتبه بالذهب و أوصى أن يدفن معه فلمّا مات رأى في المنام فقيل له:ما فعل اللّه بك؟قال:غفر لي بتلفظي بلا اله الا اللّه و تصديقي محمّدا رسول اللّه و أنّي كتبت هذا الحديث بالذهب تعظيما و أحتراما.

و من الأخبار ما روى انّ زيد بن موسى بن جعفر عليهم السّلام خرج بالبصرة و أدّعى الى نفسه و أحرق دورا و أعيث ثمّ ظفر به و حمل الى المأمون قال زيد:لمّا دخلت على المأمون نظر اليّ ثمّ قال:اذهبوا به الى أخيه ابي الحسن علي بن موسى الرضا فتركني بين يديه ساعة واقفا،ثمّ قال:

يا يزيد سوء لك سفكت الدماء و أخفت السبيل و أخذت المال من غير حلّه غرّك حديث حمقى أهل الكوفة انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال ان فاطمة أحصنت فرجها فحرمها و ذرّيتها على النار،ان هذا لمن خرج من بطنها الحسن و الحسين فقط اما و اللّه ما نالوا ذلك الا بطاعة اللّه،و لئن أردت أن تنال بمعصية اللّه ما نالوا بطاعته انك اذا لأكرم على اللّه منهم،قال صاحب كشف الغمّة تغمده اللّه برحمته ظفر المأمون بيزيد و أنفاذه أيّاه الى أخيه و ظفر قبل هذا بمحمّد بن جعفر و عفوه عنه و قد خرجا و ادّعيا الخلافة و فعلا ما فعلا من العبث في بلاده يقوّي حجّة من ادّعى انّ المأمون لم يغدر به عليه السّلام و لا ركب منه ما أتّهم به محمّدا و زيدا لا يقاربان الرضا عليه السّلام في منزلته من اللّه سبحانه و لا من المأمون،و لم يكن له ذنب يقارب ذنوبهما بل لم يكن له ذنب أصلا فما وجه العفو هناك و الفتك هنا؟!.

ص:59

أقول وجهه انّ المأمون كان عالما بأنّ كلّ من يخرج عليه من العلويين لا يستتم أمره لعدم أنقياد الشيعة له و أن أطاعهم القليل ردّوا عنهم كما فعلوا مع زيد بن علي بن الحسين عليهما السّلام بخلاف الرضا عليه السّلام فانّه لو خرج لخرجت الشيعة و لتم الأمر بزعم المأمون و لهذه العلّة فتك الرشيد لعنه اللّه بموسى الكاظم عليه السّلام و الاّ فهو قد كان يعرف من قدره ما عرفه المأمون من قدر الرضا عليه السّلام.

و من الأخبار ما روي عن الجواد عليه السّلام سأل القاضي يحيى بن أكثم في مجلس المأمون فقال:

أخبرني عن رجل نظر الى أمرأة في أوّل النهار فكان نظره اليها حراما عليه فلمّا أرتفع النهار حلّت له.فلمّا زالت الشمس حرمت عليه فلمّا كان وقت العصر حلّت له فلمّا غربت الشمس حرمت عليه فلمّا طلع الفجر حلّت له ما حال هذه المرأة و بما ذا حلّت له و حرمت عليه؟فقال له يحيى بن اكثم لا و اللّه لا أهتدي الى جواب هذا السؤال فقال ابو جعفر عليه السّلام هذه أمة لرجل من الناس نظر اليها أجنبيّ في أوّل النهار فكان نظره اليها حراما عليه فلمّا أرتفع النهار إبتاعها من مولاها فحلّت له فلمّا كان الظهر أعتقها فحرمت عليه فلمّا كان وقت العصر تزوجها:فحلت له فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه فلمّا كان وقت العشاء الاخرة كفّر عن الظهار فحلّت له فلمّا كان نصف الليل طلّقها واحدة فحرمت عليه فلمّا كان الصبح راجعها فحلّت له قال فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم:هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسئلة بمثل هذا الجواب؟و يعرف القول فيما تقدّم من السؤال؟قالوا لا و اللّه انّ أمير المؤمنين أعلم و ما راى،فقال لهم:و يحكم انّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل و ان صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال.

و روى الصدوق طاب ثراه بأسناده الى الصادق عليه السّلام انّ المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا كالقردة و الخنازير و الذئب و الدبّ و الفيل،و الدعموص و الجريث و العقرب و السهيل، و الزهرة و العنكبوت،و القنفذ قال الصدوق:و الزهرة و سهيل دابتان و ليسا نجمين و لكن سمّى بهما النجمان كالحمل و الثور،قال و المسوخ جميعها لم يبق أكثر من ثلاثة أيام ثمّ ماتت و لم تتوالد و هذه الحيوانات على صورها سمّيت مسوخا استعارة،و عن الرضا عليه السّلام الفيل مسخ كل زنّاء، و الذئب كان أعرابيّا ديّوثا و الأرنب مسخ لأنّها كانت أمرأة تخون زوجها و لا تغتسل من حيضها، و الوطواط مسخ لأنّه كان يسرق تمور الناس،و القردة و الخنازير قوم من بني أسرائيل أعتدوا في السبت و الجريث و الضبّ فرقة من بني إسرائيل حين نزلت المائدتان على عيسى بن مريم عليهما السّلام لم يؤمنوا فتاهوا فوقعت فرقة في البحر و فرقة في البر و الفارة و هي الفويسقة و العقرب كانا نمّاما و الدب و الوزغ و الزنبور كان كل منهما لحاما يسرق في الميزان،و في خبر عن الرضا عليه السّلام انّ من جملتها الطاووس و الأرنب.

ص:60

و روى مرفوعا الى الأصبغ بن نباتة قالك جاء نفر الى أمير المؤمنين عليه السّلام فقالوا له:انّ المعتمد (1)يزعم انّك تقول هذا الجري مسخ قال:مكانكم حتّى أخرج اليكم فتناول ثوبه ثمّ خرج اليهم فمضى حتّى انتهى الى الفرات بالكوفة فصاح يا جرّي؟فأجابه لبّيك لبّيك قال من أنا قال أنت إمام المتقين و أمير المؤمنين،فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام فمن أنت،قال:انا ممّن عرضت عليه ولايتك فجهدتها و لم أقبلها فمسخت جريا و بعض هؤلاء الّذين معك يمسخون جريّا فقال أمير المؤمنين عليه السّلام بيّن قصّتك و ممّن كنت و مسخ معك؟قال نعم يا أمير المؤمنين كنّا أربعا و عشرين طائفة من بني إسرائيل قد تمرّدنا و طغينا و أستكبرنا و تركنا المدن لا نسكنها أبدا،و سكنا بالمفاوز رغبة منا في البعد عن المياه و أتانا آت أنت و اللّه أعرف به منّا فصرح صرخة فجمعنا في مجمع واحد و كنّا متفرقين في تلك المفاوز فقال ما لكم هربتم عن المدن و الأنهار و المياه و سكنتم هذه المفاوز؟فأردنا أن نقول لأنّا فوق العالم تعزّزا و تكبّرا فقال قد علمت ما في أنفسكم فعلى اللّه تتعززون و تتكبّرون؟فقلنا له:لا فقال:أ ليس قد أخذ عليكم العهد ان تؤمنوا بمحمّد بن عبد اللّه المكي؟فقلنا بلى،قال و قد أخذ عليكم العهد بولاية وصيّه و خليفته من بعده أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عليه السّلام،فسكتنا فلم نجب الاّ بألسنتنا و قلوبنا و نيّاتنا لم تقبلها و لم تقرّ بها،فقال أو تقولون بألسنتكم خاصّة؟ثمّ صاح بنا صيحة و قال لنا كونوا بإذن اللّه مسوخا كلّ طائفة جنسا،ثمّ أيّتها القفار كوني بإذن اللّه أنهارا تسكنك هذه المسوخ،و أتّصلي ببحار الدنيا و بأنهارها حتّى لا يكون ماء الاّ كانوا فيه فمسخنا و نحن أربعة و عشرون طائفة فمنّا من قال أيّها المقتدر عليه بقدرة اللّه تعالى فبحقّه عليك الاّ ما أغنيتنا غمّ الماء و أجعلنا على وجه الأرض كيف شئت،قال لك فعلت قال أمير المؤمنين عليه السّلام فبيّن لنا ما كان من أجناس المسوخ البريّة و البحريّة فقال:أمّا البحريّة فنحن الجري و الزقّ،و السلاحف،و المار ماهي و الزمّار،و السرطان و كلاب الماء،و الضفادع و بنت هرص و العرصان،و الكوسح و التمساح.

قال عليه السّلام و أمّا البريّة؟قال نعم يا أمير المؤمنين الوزغ،و الكلب و الدب و القرد و الخنازير و الضبّ و الحرباء و الورل و الخنافس و الأرنب و الضبع قال أمير المؤمنين عليه السّلام صدقت ايّها الجريّ فما فيك من طبع الأنسانيّة و خلقها؟قال الجريّ أفواهنا و كلّنا نحيض،قال أمير المؤمنين عليه السّلام صدقت ايّها الجرّيّ،قال الجرّي:يا أمير المؤمنين فهل من توبة،فقال عليه السّلام:الأجل يوم القيامة و هو اليوم المعلوم و اللّه خير حافظا و هو أرحم الراحمين،قال الأصبغ فسمعنا و اللّه ما قال ذلك الجريّ و وعيناه و كتبناه و عرضناه على أمير المؤمنين عليه السّلام و كان من دلائله.

ص:61


1- (4) كذا هي النسخ.

و في خبر آخر عن مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام في جملة مسلئل الراهب اعلم انّ اللّه عزّ و جلّ مسخ خمسا و عشرين طائفة منهم الدبّ و القرد،ثمّ قال بعد تعدادها امّا الأرنب فانّه كان أمرأة لا تغتسل من الحيض و الجنابة،و امّا الدب فانّه كان رجلا مخنّثا و أمّا الغراب فانّه كان رجلا نماما و امّا ابن العرس فانّه كان يجادل في اللّه بغير علم،و امّا الخنازير فأنّهم كانوا سبعمائة رجل من النصارى و هو الّذين أكلوا على مائدة موسى عليه السّلام أربعين يوما لم يؤمنوا به فمسخهم اللّه تعالى خنازير،و امّا القردة فأنّهم كانوا خمسمائة يهودي و هم الّذين أعتدوا في السبت و أصطادوا الحيتان،و امّا العنكبوت فانّها فأنّها كانت أمرأة ساحرة سحرت زوجها فمسخها اللّه تعالى،و امّا السلحفاة فانّه كانت أمرأة كيّالة تطفف الكيل،و أمّا القنفذ فأنّه كان رجلا ينبش القبور و يأخذ أكفان الموتى،و امّا السرطان فانّه كان متزوج من أمرأتين و كان يميل الى واحدة دون الأخرى، و أمّا الثعلب فانّه كان رجلا لصّا حراميّا يسرق الحاج و امّا الزنبور فانّه كان رجلا يكذّب العلماء، و امّا سهيل فأنه كان رجلا من اليمن فهو أول من أظهر مكر السلاطين،و امّا العقرب فانّه كان رجلا بخيلا من بني إسرائيل و هو يفسد في نساء العالمين،و امّا الوزغة فإنّها كانت إمرأة حسنة و لا تمنع نفسها من الرجال،و امّا الكلب فانّه كان رجلا يشهد الزور،و امّا الفأرة فإنها كانت إمرأة تزوّجت زوجين في مكان واحد و أحدهما لا يعلم بالآخر و امّا الحية فإنّها كانت رجلا حاكما يحكم بين الناس بغير حقّ الحديث.

و من الأخبار مسندا الى الأصبغ بن نباتة قال أمسكت لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السّلام بالركاب و هو يريد ان يركب فرفع رأسه ثمّ تبسم فقلت:يا أمير المؤمنين رأيتك رفعت رأسك و تبسمت؟قال:نعم يا أصبغ أمسكت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الشهباء فرفع رأسه الى السماء و تبسّم فقلت:يا رسول اللّه رفعت رأسك الى السماء و تبسمت؟قال:يا علي انه ليس من أحد يركب ثمّ يقرأ آية الكرسي ثمّ يقول أستغفر اللّه الّذي لا اله الاّ هو الحيّ القيوم و أتوب اليه اللّهم إغفر لي ذنوبي انّه لا يغفر الذنوب الا أنت الاّ قال السيد الكريم ملائكتي عبدي يعلم انّه لا يغفر الذنوب غيري فاشهدوا انّي غفرت له ذنوبه.

و من الأخبار ما رواه صاحب كشف الغمّة قال انّ هارون الرشيد لعنه اللّه بعث يوما الى موسى عليه السّلام على يدي ثقة له طبقا من السرقين الّذي هو على هيئة التين أراد إستخفافه فلمّا رفع الأزار عنه اذا هو من أحلى التين و أطيبه فاكل منه و أطعم الحامل منه و ردّ بعضه الى هارون،فلمّا تناوله هارون صار سرقينا في فيه و كان في يده تينا جنيا.

و من الأخبار ما روي انّ المأمون عليه اللعنة لمّا جعل الرضا وليّ العهد كره ذلك جماعة من حاشية المأمون خوفا من خروج الملك من بني العباس الى بني فاطمة فحصل لهم من الرضا عليه السّلام

ص:62

نفور و اتّفقوا على انّه اذا جاء الى المأمون لا يرفعون له الستر أيضا،فأزدادوا فيه عقيدة و رجعوا الى خدمته.

و من الأخبار قوله صلّى اللّه عليه و آله لا يموت لمؤمن ثلاثة من الأولاد فتمسّه النار الا تحلّه القسم،و في حلّه وجوه:الأول انّ العرب اذا أرادوا تقليل مكث الشيء و تقصير مدّته شبهوه بتحليل القسم، و ذلك ان يقول الرجل بعد حلفه ان شاء اللّه تعالى فيقولون ما يقيم فلان عندنا الاّ تحله القسم، و معنا لا تمسه النار الا قليلا،الثاني ما قال بعضهم من أنّ الاّ زائدة دخلت للتوكيد و تحلّه القسم منصوب على الوقت و الزمان و معناه فتمسه النار وقت تحلّة القسم الثالث و هو الأظهر أنّ القسم اشارة الى قوله تعالى وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا كٰانَ عَلىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا فمعناه انه لا يرد النار الاّ بقدر ما يبر اللّه به قسمه.

و من الأخبار الرقيقة المروحة خبر شقيق البلخي قال:خرجت حاجا في سنة تسع و اربعين و مأة فنزلت القادسية،فبينا أنا أنظر الى الناس في زينتهم و كثرتهم فنظرت الى فتى حسن الوجه فوق ثيابه ثياب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان و قد جلس منفردا،فقلت في نفسي هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلاّ على الناس في طريقهم و اللّه لأمضيّن اليه و لأوبخنه فدنوت منه،فلمّا رآني مقبلا قال:يا شقيق أجتنبوا كثيرا من الظنّ انّ بعض الظنّ إثم،ثمّ تركني و مضى فقلت في نفسي انّ هذا الأمر عظيم قد تكلّم بما في نفسي و تكلّم بإسمي و ما هذا الاّ عبد صالح لألحقنّه و لأسألنّه ان(يحلّني خ)يحالنيّ،فأسرعت في أثره فلم ألحقه و غاب عن عيني فلمّا نزلنا راقصة فاذا هو به يصلي و أعضاؤه تضطرب و دموعه تجري،فقلت هذا صاحبي أمضي اليه و أستحلّه،فصبرت حتّى جلس و أقبلت نحوه،فلمّا رآني مقبلا قال:يا شقيق أتل وَ إِنِّي لَغَفّٰارٌ لِمَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً ثُمَّ اهْتَدىٰ ثمّ تركني و مضى فقلت انّ هذا الفتى لمن الأبدال لقد تكلّم على سرّي مرتين،فلمّا نزلنا زبالة اذا بالفتى قائم على البئر و بيده ركوة يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر و انا أنظر اليه فرأيته قد رمق السماء و سمعته يقول شعرا:

أنت ربي اذا ظمئت من الماء و قوتي اذا أردت الطعاما

اللّهم سيّدي مالي غيرها فلا تعدمنيها،قال شقيق فو اللّه لقد رأيت البئر و قد إرتفع ماؤها فمدّ يده و أخذ الركوة و ملأها ماء فتوضأ و صلّى أربع ركعات ثمّ مال اليّ كثيب رمل فجعل يقبض بيده و يطرحه في الركوة و يحرّكه و يشرب،فأقبلت اليه و سلّمت عليه فردّ عليّ السّلام فقلت أطعمني من فضل ما أنعم اللّه عليك فقال يا شقيق لم تزل نعمة اللّه علينا ظاهرة و باطنة فأحسن ظنّك بربك،ثمّ ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق و سكّر فو اللّه ما شربت قطّ ألذّ منه و لا أطيب ريحا فشبعت و رويت و أقمت أياما لا أشتهي طعاما و لا شرابا ثمّ لم أره حتّى دخلنا مكة

ص:63

فرأيته ليلة الى جنب قبّة الشراب في نصف الليل قائما يصلّي بخشوع و أنين و بكاء فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل فلما رأى الفجر جلس في مصلاّه يسبح،ثمّ قام فصلّى الغداة و طاف بالبيت إسبوعا و خرج فتبعته و إذا له غاشية و موال و هو على خلاف ما رأيته في الطريق،و دار به الناس من حوله يسلّمون عليه،فقلت لبعض من رأيته يقرب من هذا الفتى؟فقال:هذا موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن ابي طالب عليهم السّلام،فقلت قد عجبت ان تكون هذه العجائب الاّ لمثل هذا السيّد و قد نظمه الشاعر:

شقيق البلخى عنه و ما شاهد منه و ما الّذي كان أبصر

قال لمّا حججت عاينت شخصا شاحب اللون ناحل الجسم أسمر

سائرا وحده و ليس له زاد فما زلت دائما أتفكّر

و توهمت انّه يسأل الناس و لم أدر أنّه الحجّ الأكبر

ثمّ عاينته و نحن نزول دون فيد (1)على الكثيب الأحمر

يضع الرمل في الأناء و يشربه فناديته و عقلي محيّر

إسقني شربة فناولني منه فعاينته سويقا و سكر

فسألت الحجيج من يك هذا قيل هذا الأمام موسى بن جعفر

و من الآثار انّه كان حكيم من حكماء اليونان قد ترك الدنيا فقيل له:لم لا تتخذ بيتا؟فقال:

لي بيت اوسع من كلّ البيوت،السماء سقفه،و الأرض سطحه فقيل له:لم لا تتخذ امرأة لعلّه يولد لك ولد يواريك في حفرتك؟فقال:إذا متّ فكلّ من يتأذى بجيفتي يدفنني،فقيل له:و لم سمّيت كلباغورس؟فقال:لأنّ صفة الكلب فيّ لأني أدور حول الصديق و أنهش العدو.

و في المحاضرات أنّه قيل لرجل من أبعد الناس سفرا؟قال من كان سفره في طلب أخ صالح، و سمع المأمون ابا العتاهية ينشد:

و إني لمحتاج الى ظلّ صاحب يرقّ و يصفو إن كدرت عليه

فقال:خذ مني الخلافة و أعطني هذا الصاحب،قيل لفيلسوف ما الصديق؟فقال:اسم على غير معنى حيوان غير موجود.

ص:64


1- (5) (فيد)منزل بطريق مكة

و من الأخبار ما رواه الصدوق طاب ثراه مسندا الى عبد السّلام بن صالح قال:قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام يا ابن رسول اللّه ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السّلام اذا خرج القائم عليه السّلام قتل ذراري الحسين عليه السّلام بفعال آبائهم؟فقال عليه السّلام:هو كذلك،قلت فقول اللّه عزّ و جلّ وَ لاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ ما معناه؟قال:صدق اللّه في جميع أقواله و لكن ذراري قتلة الحسين يرضون بأفعال آبائهم و يفتخرون بها و من رضى شيئا كان كمن أتاه و لو أنّ رجلا قتل بالمشرق فرضى بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند اللّه عزّ و جلّ شريك القاتل،و انّما يقتلهم القائم عليه السّلام منكم اذا قام؟قال يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم لأنّهم سراق بيت اللّه عزّ و جلّ.

اقول هذا الحديث مشكل و هو عامّ البلوى و ذلك أنّ مدار الناس على انّهم اذا سمعوا ظالما قتل رجلا او أخذ ماله او ضربه أستحسنوه،و قالوا:إنّه يستحق ما صنع به فعلى ما في هذا الحديث يكون من رضى بفعل ذلك الحاكم او غيره من الظالمين شريكه في الأثم و العدوان.

و من الأخبار ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السّلام انّه قيل له أخبرنا عن الطاعون فقال لهم عذاب جهنّم عذاب اللّه لقوم و رحمته لآخرين،قالوا:كيف تكون الرحمة عذابا؟قال اما تعرفون انّ نيران جهنّم عذاب على الكفّار و خزنة جهنّم معهم و هي رحمة عليهم،أقول لعلّ المراد انّ الطاعون هو من نقمات اللّه سبحانه و مؤاخذته للعاصين و الحال أنّه يعمّ العاصي و غيره فأوضحه عليه السّلام بأنّه محمود العاقبة بالنسبة الى غير العصاة،و ذلك أنّه يزيد في درجاتهم و يوفر حظوظهم من الثواب.

و من الأخبار ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال خير الصدقة ما أبقت غني و اليد العاملة خير من اليد السفلى،و أبدأ بمن تعول امّا قوله صلّى اللّه عليه و آله خير الصدقة ما أبقت غني فالظاهر انّ المراد به الحث على العطية الوافرة و ذكر سيّدنا المرتضى طاب ثراه معنى آخر و هو أنّ خير الصدقة ما تصدقت به من فضل قوتك و قوت عيالك فاذا خرجت صدقتك خرجت على أستغناء منك، و يؤيّده الحديث الآخر انّما الصدقة عن ظهر غنى،و امّا قوله صلّى اللّه عليه و آله و اليد العيا خير من اليد السفلى فقال:قوم يريد انّ اليد المعطية خير من اليد الآخذة و قال آخرون انّ العليا هي الآخذة و السفلى هي المعطية قال ابن قتيبة و لا أرى هؤلاء الاّ قوما أستطابوا السؤال فهم يحتجّون للدناءة،و قال سيّدنا المرتضى طاب ثراه انّ اليد هيهنا هي العطية و النعمة فكأنّه عليه السّلام اراد ان العطية الجزيلة خير من العطية القليلة،اقول و هذا معنى قوي و ان كان المتبادر هو الأوّل.

و في كتاب المناقب من روايات الجمهور ما رووه عن عبد اللّه بن عمر قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سأل بأيّ لغة خاطبك ربّك ليلة المعراج؟فقال:خاطبني بلغة عليّ بن ابي طالب فألهمني ان قلت يا رب انت خاطبتني ام علي؟فقال:يا أحمد انا شيء و ليس كالأشياء ول أقاس

ص:65

بالناس و لا أوصف بالأشياء،خلقتك من نوري و خلقت عليا من نورك فاطّلعت على سرائر قلبك فلم أجد الى قلبك أحبّ من علي بن ابي طالب فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك،و عن الحسن عليه السّلام انّه قال لرجل كيف طلبك للدنيا؟قال:شديد قال فهل أدركت منها ما تريد؟قال:لا قال فهذه الّتي تطلبها لم تدرك فكيف بالّي لم تطلبها.

و من الأخبار ما رواه الجمهور عن مجاهد قال:قال لي علي عليه السّلام جعت يوما بالمدينة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة فاذا انا بأمرأة قد جمعت مدرا (1)و ظننتها تريد بلّه، فأتيتها فقاطعتها كلّ ذنوب (2)على تمرة،فمددت ستّة عشر ذنوبا حتّى مجلت يداي،ثمّ أتيت الماء فأصبت منه،ثمّ أتيتها فقلت:يكفي هكذا بين يديها و بسط الراوي كفيه و جمعهما فعدّت لي ستّ عشرة تمرة فأتيت النبي صلّى اللّه عليه و آله فأخبرته و أكل معي.

و من الأخبار المروحة ما روي عن علي بن الحسين بن شابور قال:قحط الناس بسرّ من رأى في زمن ابي الحسن الأخير فأمر المتوكل بالخروج الى الأستسقاء فخرجوا ثلاثة أيّام يستسقون و يدعون فما سقوا فخرج الجاثليق في اليوم الرابع و الرهبان معه و النصارى الى الصحراء فخرج معه راهب فلمّا مد يده هطلت السماء بالمطر و خرجوا في اليوم الثاني فهطلت السماء،فشكّ أكثر الناس و تعجّبوا و صبوا الى دين النصرانيّة،فأنفذ المتوكل الى ابي الحسن عليه السّلام و كان محبوسا فأخرجه من حبسه و قال ألحق امّة جدك فقد هلكت،فقال:إني خارج من الغد و مزيل الشكّ ان شاء اللّه،فخرج الجاثليق في اليوم الثالث و الرهبان معه و خرج ابو الحسن عليه السّلام في نفر من أصحابه فلمّا بصر بالراهب و قد مدّ يده أمر بعض مماليكه ان يقبض على يده اليمنى و يأخذ ما بين أصبعيه ففعل و أخذ منه عظما أسود،فأخذه ابو الحسن عليه السّلام بيده و قال أستسق الآن فاستسقى و كانت السماء مغيمة فتشققّت و طلعت الشمس بيضاء فقال المتوكل ما هذا العظم يا ابا محمّد؟فقال عليه السّلام:

هذا الرجل عبر بقبر نبيّ من انبياء اللّه فوقع في يده هذا العظم و ما كشف عن عظم نبيّ الاّ هطلت بالمطر.

و من الأخبار المروحة ما روي عن صالح بن سعيد قال دخلت على ابي الحسن عليه السّلام يوم وروده سر من رأى فقلت له جعلت فداك في كلّ الأمور أرادوا أطفاء نورك حتّى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك؟فقال:هيهنا أنت يا ابن سعيد ثمّ أومى بيده فاذا بروضات أنيقات و أنهار جاريات و جنات فيها خيرات عطرات و ولدان كأنّهم اللؤلؤ المكنون،فحار بصري و كثر عجبي،فقال لي:حيث كنّا فهذا لنا يا ابن سعيد لنا في خان الصعاليك.

ص:66


1- (6) المدر قطع الطين
2- (7) الذنوب الدلو العظيم

و من الخبار ما روي انّ هبة اللّه بن ابي منصور الموصلي قال:كان بديار ربيعة كاتب نصراني يسمّى يوسف بن يعقوب،و كان بينه و بين والدي صداقة،قال فوافانا فنزل عند والدي فقال له والدي فيم قدمت في هذا الوقت؟قال دعيت الى حضرة المتوكل و لا أدري ما يراد منّي الاّ انّي اشتريت نفسي من اللّه بمائة دينار و قد حملتها لعلي بن محمّد بن الرضا عليه السّلام،فقال له والدي قد وفّقت في هذا و خرج الى حضرة المتوكل و جائنا بعد ايّام قلائل فرحا مستبشرا،فقال له والدي:

حدّثني حديثك،قال:صرت الى سرّ من رأى و ما دخلتها قطّ فنزلت في دار و قلت يجب ان نوصل المائة دينار الى ابن الرضا قبل مصيري الى باب المتوكل وقب ان يعرف أحد قدومي، و عرفت أنّ المتوكل قد منعه من الركوب و انّه ملازم لداره،فقلت كيف أصنع رجل نصراني أسأل عن دار الرضا أخاف أن يكون زيادة فيما أخاف،قال:ففكرت ساعة في ذلك فوقع في قلبي أن أركب و أخرج في البلد فلا أمنعه حيث يذهب لعلّي أعرف داره من غير أن أسأل أحدا،فجعلت الدنانير في كاغد و جعلتها في كمّي و ركبت فكان الحمار يتخرّق بي الشوارع و الأسواق يمرّ حيث يشاء الى ان صرت الى باب دار فوقف الحمار فجهدت ان يزول فلم يزل.فقلت للغلام سل لمن هذه الدار فسأل فقيل دار ابن الرضا،فقلت اللّه أكبر دلالة و اللّه مقنعة،قال:فاذا خادم أسود قد خرج فقال:أنت يوسف بن يعقوب،قلت نعم فقال:أنزل فاقعد في الدهليز،و دخل فقلت:هذه دلالة أخرى من أين عرف أسمي و اسم ابي و ليس في البلد من يعرفني و لا دخلته قطّ فخرج الخادم فقال المائة دينار التي في كمّك في الكاغد هاتها،فناولته ايّاها و قلت هذه ثالثة فرجع فقال:ادخل فدخلت و هو وحده فقال لي:يا يوسف ما بان لك؟فقلت يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن أكتفى فقال هيهات انّك لا تسلم و لكن يسلم ولدك فلان و هو من شيعتنا،يا يوسف انّ أقواما يزعمون انّ ولايتنا لا تنفع أمثالك كذبوا و اللّه انّها لتنفع إمض فيما وافيت له فانّك سترى ما تحبّ،فمضيت الى باب المتوكل فنلت كل ما أردت و أنصرفت،قال هبة اللّه:فلقيت أبنه و هو بعد هذا مسلم حسن التشيع،فأخبرني أنّ اباه مات على النصرانيّة و انّه أسلم بعد موت أبيه و كان يقول انا ببشارة مولاي عليه السّلام.

مسألة قوله تعالى وَ لَوْ أَنَّ مٰا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاٰمٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مٰا نَفِدَتْ كَلِمٰاتُ اللّٰهِ ،قال الشيخ شهاب الدين أحمد بن أدريس قاعدة لو أنّها اذا دخلت على ثبوتيين كانا منفيين او منفيين كانا ثبوتيين او نفى و ثبوت فالنفي ثبوت و الثبوت نفي و بالعكس،و اذا تقررت هذه القاعدة فيلزمك ان يكون كلمات اللّه قد نفدت و ليس كذلك.و نظير هذه الآية قول النبي صلّى اللّه عليه و آله نعم العبد صهيب لو لم يخف اللّه لم يعصه يقتضي أنّه خاف و عصى مع الخوف و هو

ص:67

أقبح و ذكر الفضلاء في الحديث وجوها امّا الآية فلم أر لأحد فيها و يمكن تخريجها على ما قالوه في الحديث غير انّي ظهر لي جواب عن الحديث و الآية جميعا سأذكره.

قال ابن عصفور لو في الحديث بمعنى ان لمطلق الشرط و ان لا يكون كذلك،و قال شمس الدين الخسر و شاهى لو في أصل اللغة لمطلق الربط و انّما أشتهرت في العرف بما ذكروا الحديث انما ورد المعنى اللغوي لها،و قال الشيخ عز الدين الشيء الواحد يكون له سببان فلا يلزم من عدم أحدهما عدمه و كذلك هيهنا الناس في الغالب انّما لم يعصوا لأجل الخوف فاذا ذهب الخوف عصوا فأخبر صلّى اللّه عليه و آله انّ صهيبا أجتمع له سببان يمنعانه عن المعصية الخوف و الأجلال.

و أجاب غيرهم بأنّ الجواب محذوف تقديره لو لم يخف اللّه عصاه،و الذي ظهر لي انّ لواصلها ان تستعمل للربط بين شيئين كما تقدّم ثمّ انّها ايضا تستعمل لقطع الربط تقول لو لم يكن زيد عالما لأكرمه أي لشجاعته جواب لسؤال سائل يقول انّه اذا لم يكن عالما لم يكن ربط بين عدم العلم و الاكرام فتقطع أنت ذلك الربط و ليس مقصودك ان تربط بين عدم العلم و الأكرام لأنّ ذلك ليس بمناسب و كذلك الحديث،و كذلك الآية لمّا كان الغالب على الناس ان يرتبط عدم عصيانهم بخوف اللّه تعالى فقطع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذلك الربط و قال لو لم يخف اللّه لم يعصه و لمّا كان الغالب على الأوهام انّ الأشجار كلّها اذا صارت أقلاما و البحر مدادا مع غيره يكتب به الجميع فيقول الوهم ما يكتب بهذا شيء الاّ نفد فقطع اللّه تعالى هذا الربط و قال ما نفدت أنتهى.

و من الأخبار ما روي انّ المتوكل عرض عسكره على علي الهادي عليه السّلام و أمر انّ كل فارس يملأ مخلاة فرسه طينا و يطرحونه في موضع واحد فصار كالجبل و اسمه تلّ المخالي و صعد هو و ابو الحسن عليه السّلام و قال انّما طلبتك لتشاهد خيولي،و كانوا قد لبسوا التخافيف (1)و حملوا السلاح و قد عرضوا بأحسن زينة،و أتمّ عدّة و أعظم هيئة،و كان غرضه كسر قلب من يخرج عليه،و كان يخاف من ابي الحسن عليه السّلام ان يأمر أحدا من أهل بيته بالخروج،فقال له ابو الحسن عليه السّلام فهلا أعرض عليك عسكري؟قال:نعم فدعى اللّه سبحانه فاذا بين السماء و الأرض من المشرق الى المغرب ملائكة مدحجون،فغشى على الخليفة فلمّا أفاق قال له ابو الحسين عليه السّلام نحن لا ننافسكم في الدنيا فانّا مشغولون بلآخرة فلا عليك شيء ممّا تظنّ.

و من الآثار ما روي انّه قال:مررت بصومعة راهب من رهبان الصين فناديته يا راهب فلم يجبني،فناديته الثانية فلم يجبني،فناديته الثالثة فأشرف عليّ قال يا هذا ما انا براهب انّما الراهب من رهب اللّه في سمائه،و عظّمه في كبريائه و صبر على بلائه و حمده على نعمائه،و تواضع لنعمته،

ص:68


1- (8) أي لباس الخوف

و ذل لعزته و استسلم لقدرته،و خضع لمهابته،و فكّر في حسابه و عقوبته فنهاره صائم و ليله قائم قد أسهره ذكر النار و مسئلة الجبّار،فذلك هو الراهب و امّا انا فكلب عقور حسبت نفسي في هذه الصومعة عن الناس لئلا أعقرهم،فقلت يا راهب فما الذي قطع الخلق عن اللّه عزّ و جلّ بعد اذ عرفوه؟فقال يا أخي لم يقطع الخلق عن اللّه الا حب الدنيا و زينتها لأنّها محل المعاصي و الذنوب، و العاقل من رمى بها على قلبه و تاب الى اللّه من ذنبه و أقبل على ما يقربه من ربّه.

و من السير ما كتبه العلاّمة المحقّق الطوسي الى صاحب حلب بعد فتح بغداد امّا بعد فقد نزلنا بغداد سنة خمس و خمسين و ستمائة فساء صباح المنذرين فدعونا ملكها الى طاعتنا فأبى فحق عليه القول فأخذناه أخذا و بيلا.و قد دعوناك الى طاعتنا فان أتيت فروح و ريحان و جنّة نعيم،و ان أبيت فلا سلطان منك عليك فلا تكن كالباحث عن حتفه بظلفه و الجادع مارن أنفه بكفّه و السّلام.

و من الآثار ما نقله الشيخ الورام تغمّده اللّه برحمته قال:انّ قوما كانوا مسافرين فحادوا عن الطريق فانتهوا الى راهب منفرد عن الناس،فسألوه فأشرف عليهم من صومعته فقالوا يا راهب انّا أخطأنا الطريق فكيف الطريق؟فأومأ برأسه الى السماء فعلم القوم ما أراد فقالوا انّا سائلوك فهل أنت مجيبنا؟فقال:أسألوا و لا تكثروا فانّ النهار لا يرجع،و انّ العمر لا يعود، و الطالب حثيث،فعجب القوم من كلامه فقالوا يا راهب علام الخلق غدا عند مليكهم؟فقال:

على نياتهم فقالوا:أوصينا،قال:تزودّوا على قدر سفركم فانّ خير الزاد ما بلغ البغية ثمّ ارشدهم الطريق و أدخل رأسه في صومعته.

و من الأخبار ما رواه الصدوق عن الباقر عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اربع لا يدخل بيتا واحدة منهنّ الأحزب و لم تعمده البركة:الخيانة و السرقة و شرب الخمر و الزنا،و روي أيضا بأسناده الى يحيى بن العلا قال:سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول خرج علي بن الحسين عليهما السّلام الى مكّة حاجّا حتّى انتهى الى واد بين مكّة و المدينة فاذا هو برجل يقطع الطريق،فقال له:علي بن الحسين عليهما السّلام ما ذا تريد،قال:أريد أن أقتلك و أخذ ما معك،قال:فأنا أقاسمك ما معي و أحاللك،فقال اللص:لا أفعل قال دع ممّا معي ما أبتلغ به فأبى عليه قال:فأين ربّك؟قال نائم قال:فاذا أسدان مقبلان بين يديه فأخذ هذا برأسه و هذا برجليه،قال:فقال زعمت انّ ربّك نائم.

و من الأخبار ما روي عن مولانا الباقر عليه السّلام قال أوصاني أبي فقال يا بنيّ فقال:يا بنيّ لا تصحبن خمسة و لا تحادثهم و لا ترافقهم في طريق،فقلت جعلت فداك يا ابه من هؤلاء الخمسة؟ فقال:لا تصحبّن فاسقا فانّه يبيعك بأكلة فما دونها فقلت يا أبه فما دونها؟قال يطمع فيها ثمّ لا ينالها،قال:قلت يا أبه و من الثاني؟قال:لا تصحبن البخيل فانّه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت اليه قال:فقلت و من الثالث قال لا تصحبنّ كذّابا فانّه بمنزلة السراب يبعد منك القريب و يقرب

ص:69

منك البعيد،قلت و من الرابع قال لا تصحبنّ أحمقا فأنّه يريد أن ينفعك فيضرك قلت يا ابه من الخامس قال:لا تصحبنّ قاطع رحم فانّي وجدته ملعونا في كتاب اللّه في ثلاثة مواضع.

و من الأخبار ما روي انّ علي بن الحسين دعا مملوكا مرتين فلم يجبه و أجابه في الثالثة فقال له:يا بني أما سمعت صوتي؟قال:بلى قال:فما لك لم تجبني؟قال أمنتك قال:الحمد للّه الّذي جعل مملوكي يأمنني،و كان بالمدينة كذا و كذا أهل بيت يأتيهم رزقهم و ما يحتاجون اليه، و لا يدرون من أين يأتيهم،فلمّا مات عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقدوا ذلك.

و من الأخبار ما روي عن الصادق عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قال سبحان اللّه غرس اللّه له بها شجرة في الجنّة،و من قال الحمد للّه غرس له بها شجرة في الجنّة و من قال لا اله الا اللّه غرس له بها شجرة في الجنّة،و من قال اللّه أكبر غرس اللّه له بها شجرة في الجنة فقال رجل من قريش و هو ابو بكر يا رسول اللّه انّ شجرنا في الجنّة لكثير؟قال بلى و لكن ايّاكم ان ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها و ذلك انّ اللّه عزّ و جلّ يقول يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لاٰ تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ .

و من الأخبار ما روي عن الصادق عليه السّلام قال سأل الحسين بن علي عليهما السّلام فقيل له كيف أصبحت يا ابن رسول اللّه؟قال:أصبحت و لي ربّ فوقي و النار أمامي،و الموت يطلبني و الحساب محدق بي و انا مرتهن بعملي لا أجد ما أحبّ و لا أدفع ما أكره و الأمور بيد غيري فان شاء عذّبني و ان شاء عفى عني فاي فقير أفقر منّي.

و قيل لعلي بن الحسين عليهما السّلام كيف أصبحت يا أبن رسول اللّه فقال:أصبحت مطلوبا بثمان:

اللّه تعالى يطلبني بالفرائض و النبي بالسنّة و العيال بالقوت،و النفس بالشهوة و الشيطان بالمعصية و الحافظان بصدق العمل و ملك الموت بالروح،و القبر بالجسد فأنا بين هذه الخصال مظوم.

و قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام كيف أصبحت قال:كيف يصبح من كان للّه عليه حافظان،و علم انّ خطاه مكتوبات في الديوان ان لم يرحمه ربّه فمرجعه الى النيران قال جابر الأنصاري دخلت علي أمير المؤمنين عليه السّلام يوما فقلت:كيف أصبحت يا أمير المؤمنين قال آكل رزقي قال جابر ما تقول في دار الدنيا؟قال ما تقول في دار اولها غمّ و آخرها الموت،قال:فمن أغبط الناس قال جسد تحت التراب أمن العقاب و يرجو الثواب.

و قيل لسلمان الفارسي كيف أصبحت؟قال:كيف أصبح من كان الموت غايته و القبر منزله،و الديدان جواره و ان لم يغفر له فالنار مسكنه و قيل لحذيفة كيف أصبحت؟قال:كيف أصبح من كان أسمه عبدا و يدفن غدا في القبر واحدا و يحشر بين يدي اللّه تعالى واحدا.

ص:70

و قيل للصادق عليه السّلام انّ رجلا رأى ربّه عزّ و جلّ في منامه فما يكون ذلك قال:ذاك رجل لا دين له انّ اللّه تعالى لا يرى في اليقظة و لا في المنام و لا في الدنيا و لا في الآخرة و قال عليه السّلام وقع بين سلمان الفارسي و بين رجل و هو عمر بن الخطاب كلام و خصومة فقال له رجل:من أنت يا سلمان؟فقال سلمان امّا أوّلى و أولك فنطفة قذرة و امّا آخري و آخرك فجيفة منتنة،فاذا كان يوم القيامة و وضعت الموازين فمن ثقلت موازينه فهو اللئيم،و الأخبار النادرة كثيرة لو أستقصيناها لطال الكتاب.

نور في المزاح و المطايبات و بعض الهزل و بعض المضحكات

و بعض الأجوبة المسكتة و ما ناسب هذا

اعلم ارشدك اللّه تعالى انّ الأرواح قد تكل من مطالعة العلوم و إدراكها فتحتاج الى التروّح تارة بالحكم العلميّة الرقيقة و تارة بالنزول الى عالم البشر و سلوك مسالكهم و ذلك لأنّ ادراكات العلوم لذات الروح و غذاؤها و اللذة اذا دامت على خلاف العادة يحصل منها الملال كالأطعمة الحسنة بالنسبة الى طبيعة البدن من ان تفرحها و تمرحها حتّى يحصل لها نشاط جديد و مزيد أقبال على المطالعات و الأدراكات و في حكمة آل داود حقّ على العاقل ان لا يغفل عن اربع ساعات فساعة فيها يناجي ربّه،و ساعة يحاسب نفسه،و ساعة يفضي الى أخوانه الّذين يصدقونه عن عيوب نفسه و ساعة يخلى بين نفسه و لذاتها فيهما يحلّ و يحمد،فانّ في هذه الساعة عونا لتلك الساعات و أجماما (1)للقلوب،و في رواية انّ هذه النفوس تملّ و هذه القلوب تدثر فأبتغوا لها طرائف الحكم و ملاهيا.

و عن ابن عبّاس انّه كان يقول عند ملله من دراسة العلم حمضوا(خوضوا)فيخوضون عند ذلك في الأخبار و الأشعار،فامّا المزاح و المطايبات فهو ممّا وردت الشريعة بأستحبابه و الأمر به سيما في السفر،و لكن ينبغي ان ينتهي الى قول الكذب و الى غضب الرفقاء،و قد روى انّ المؤمن هو الّذي يكون فرحه في وجهه و حزنه في قلبه،و قد كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يمزح يمزح أحيانا و كذلك الأئمّة عليهم السّلام و العلماء و الصلحاء و الأتقياء،فقد روى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يأكل تمرا مع علي عليه السّلام و كان يضع النوى قدّام علي عليه السّلام فلمّا فرغا قال:يا علي هذا النوى كلّه أمامك انّك لأكول،فقال يا رسول اللّه الأكول الّذي يأكل التمر و نواه يعني به النبي صلّى اللّه عليه و آله لأنّه لم يكن عنده نوى التمر، و مزاحه مع العجوز مشهور.

ص:71


1- (9) الجمام بالفتح الراحة

و روى انّه كان يجيء احيانا الى خواص أصحابه من ورائهم فيحتضنهم و يضع يديه على أعينهم حتّى يعرفوه من هو الى غير ذلك من الأخبار،و قد خطر بخاطر معاوية لعنه اللّه تعالى ان يداعب عقيل بن اب طالب و كان عقيل حاضر الجواب فقال له:يا عقيل اين ترى عمّك ابا لهب في النار؟قال:اذا دخلتها على يسار الداخل مفترشا عمّتك حمّالة الحطب فانظر أيهما أسوء حالا الناكح او المنكوح،و إمرأة ابي لهب هي امّ جميل بنت حرب بن اميّة عمّة معاوية.

و روى انّه سمع بعض العلماء رجلا يقول اين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟فقال له:يا هذا إقلب الكلام وضع يدك على من شئت،و من هذا القبيل ما وقع بين مؤمن الطاق و ابي حنيفة و ذلك انّ ابا حنيفة كان يوما جالسا عند مؤمن الطاق و اذا رجل يصيح من رأى لي الشابّ الضالّ؟فقال له مؤمن الطاق امّا الشاب الضال فلم نره و لكن رأينا الشايب المضل و هو هذا و أشار الى ابي حنيفة.

و روى أيضا أنّ ابا حنيفة قال له:مؤمن الطاق أعطني ضامنا أنّك ترجع بصورتك هذه و لعلك ترجع بصورة كلب او خنزير او قرد فكيف أعطيك من غير ضامن،و أجتمع بعض الأعراب مع أمرأة فلمّا قعد منها مقعد الرجل من المرأة ذكر معاده فأستعصم و قام عنها،و قال انّ من باع جنّة عرضها السماوات و الأرض بمقدار فتر بين رجليك لقليل معرفة بالمساحة.

و في المحاضرات انّه رأى مخنّث زنجيّا يفجر بروميّة،فقيل لهك ما يفعل ذلك؟قال يولج الليل في النهار.و فيها أيضا انّه نظر الحسن الى ذي زيّ حسن فسأل عنه فقيل هو ضارط يكسب بذلك المال،فقال ما طلب أحد الدنيا بما تستحقه سواه،قيل لضرّاط لا تضرط فالضراط شؤم قال فالشؤم جدير ان أخرجه من بطني و لا أحمله معي.

و من المحاضرات قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة بمن أقتديت في جواز المتعة؟قال بعمر بن الخطّاب،فقال:كيف هذا و عمر كان أشدّ الناس انكارا فيها؟قال:لأنّ الخبر الصحيح قد أتى انّه صعد المنبر فقال انّ اللّه و رسوله أحلا لكم متعتين و انّي أحرمهما عليكم و أعاقب عليهما،فقبلنا شهادته و لم نقبل تحريمه.

و عاتب الصاحب يوما رجلا زوّج أمّه،فقال:ما في الحلال بأسا،فقال كذا أحبّ ان يكون لغة لغة من اشتهى ان تنال أمّه،و قيل لأبن سيابة قد كرهت أمرأتك شيبك فمالت عنك،فقال انّما مالت الى الأبدال لقلّة المال،و اللّه لو كنت في سن نوح و شيبة إبليس،و خلقة منكر و نكير و معي مال لكنت أحبّ اليها من معترفي جمال يوسف و خلق داود و سنّ عيسى وجود حاتم و حلم أحنف.

ص:72

مرضت عجوز فأتاها أبنها بطبيب فرآها مزيّنة بأثواب مصوغة،فعرف حالها فقال الطبيب:

ما أحوجها الى زوج،فقال الأبن:ما للعجائز و الأزواج،فقالت: ويحك ألطبيب أعلم منك على كلّ حال،قيل لأبي علقمة فلان زوّج ابنته و ساق مهره و أعطى الختن كذا و كذا فالختن يكرمها، فقال لو فعل هذا إبليس ببناته لتنافست فيهنّ الملائكة المقرّبون.

و روي انّه دخل يزيد بن مسلم علي سليمان بن عبد الملك و كان ذميما فلمّا رآه سليمان قال قبّح اللّه رجلا أشركك في أمانته،فقال له يزيد:رأيتني يا أمير المؤمنين و الأمر عنّي مدبر و لو رأيتني و هو عليّ مقبل لأستكثرت منّي و أستعظمت مني ما أستحقرت فقال:أ ترى الحجاج وطأ لكم المنابر و ذلّل لكم الجبابر و هو يجيء يوم القيامة عن يمين أبيك و عن يسار أخيك فحيث كانا كان.

و روي أنّ بعض اليهود قال لعلي عليه السّلام ما دفنتم نبيّكم حتّى أختلفتم،فقال له:إنّما إختلفا عنه عنه لا فيه و لكنّكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتّى قلتم لنبيّكم إجعل لنا الها كما لهم آلهة قال:انكم قوم تجهلون،و قال معاوية لأبي الأسود:بلغني انّ عليا اراد ان يدخلك في الحكومة فعزمت عليك أي شيء كنت تصنع،فقال كنت آتي المدينة فاجمع الفا من المهاجرين و الفا من الأنصار فان لم أجدهم أتممهم من أبنائهم ثم أستحلفهم باللّه العظيم المهاجرون أحقّ ام الطلقاء، فتبسّم معاوية قال:اذن و اللّه ما أختلف عليك أثنان.

و روي انّ عمر بن الخطّاب كان يعس بالليل في المدينة أي يطوف مثل العس فسمع صوت رجل في بيته فارتاب بالحال،فتسور فوجد رجلا عنده غمرأة و خمر فقال:يا عدو اللّه أ ترى أنّ اله عزّ و جلّ يسترك و أنت على معصيته؟فقال الرجل:لا تعجل عليّ يا عمران كنت انا عصيت اللّه في واحدة فقد عصيته أنت في ثلاث،قال اللّه لا تجسسوا و إنّك قد تجسست،و قال و اتوا البيوت من ابوابها و قد تسوّرت،و قال و اذا دخلتم فسلّموا و ما سلّمت،فقال عمر:فهل عندك من خير إن عفوت عنك؟قال:بلى و اللّه لئن عفوت عنّي لا أعود الى مثلها ابدا فعفى عنه.

و روي انّ معاوية لعنة اللّه تعالى قال يوما لأهل الشام و عنده عقيل بن ابي طالب هذا ابو يزيد عندنا لو لا انّه علم ان لا خبر له من أخيه لما أقام عندنا و تركه فقال له عقيل أخي خير لي في ديني و أنت خير لي في دنياي،و قال له مرّة و انت معنا يا ابا يزيد؟قال و يوم بدر كنت معكم.

و من المطايبات انّ رجلا تركيّا سمع واعظا يقول من جامع امرأته مرّة بنى له طوف في الجنّة،فإن جامعها مرتين بنى له طوفان و هكذا حتّى يتم البيت في الجنّة فأتى الى إمرأته و حكى لها ففرحت،فلمّا أتى الليل و ناما قالت قم حتّى تؤسس لنا بيتا في الجنّة،فقاربها مرة و نام،فقالت له قم حتّى نبني فوق ذلك الأساس طوفا آخر،فقاربها مرة أخرى و ذهبت قوّته كلّها فنبّهته لبناء

ص:73

الطوف الثالث فقال لها:يا فلانة انّ الأطواف الّتي بنيناها لم تجفّ و طينها أخضر فنخاف ان ينهدم البنيان فدعيه حتّى يجف فتخلّص منها بهذه الحيلة.

و تزوج رجل بإمرأة قد مات عنها خمسة أزواج،فمرض السادس و أشرف فقالت الى من تكلني؟فقال الى الشقي السابع،و روى ايضا انّه لقي ابو العينا بعض إخوانه في السحر فجعل يعجب من بكوره و يقول يا عبد اللّه أ تركب في مثل هذا الوقت فقال الرجل:ابو العينا يشاركني في الفعل و يفردني بالتعجّب.

و دخل الوليد بن يزيد على هشام و على الوليد عمامة و شيء،فقال هشام:بكم أخذت عمامتك؟قال بألف درهم فقال هشام عمامة بألف؟أ يستكثر ذلك قال:يا أمير المؤمنين انّها لأكرم أطرافي و قد اشتريت انت جارية بعشرة آلاف لأخس اطرافك،و روي انّه تظلّم اهل الكوفة الى المأمون من عامل ولاّه عليهم فقال المأمون ما علمت في عمّالي أعدل منه فقام رجل من القوم فقال:يا أمير المؤمنين ما أحد أولى بالعدل و الأنصاف منك فاذا كان عاملنا بهذه الصفة فينبغي أن تساوي به أهل الأمصار حتّى يلحق كل بلد من عدله ما لحقنا،و اذا فعل امير المؤمنين فلا يصيبنا أكثر من ثلاث سنين،فضحك المأمون و عزل العامل عنهم.

و تزوج أعرابي امرأة أشرف منه حسبا و نسبا،فقال:يا هذه انّك مهزولة؟فقالت:هزالي أو لجني بيتك،و نظر رجل الى امرأتين يتلاعنان فقال:مرا لعنكما اللّه فإنكنّ صويحبات يوسف فقالت أحديهما يا عمّي فمن رمي به في الجب نحن ام أنتم؟.

جاءت امرأة الى عدي بن ارطاة تشكو من زوجها انّه عنين فقال عدي:انّي لأستحي انّ المرأة تذكر مثل هذا قالت:و لم لا أرغب فيما رغبت فيه امّك فلعلّ اللّه تعالى يرزقني ابنا مثلك، اتى الحجاج بإمرأة من الخوارج فقال:لمن حضره ما ترون فيها؟قالوا اقتلها فقالت:جلساء أخيك خير من جلسائك قال و من أخي قالت فرعون لمّا شاور جلسائه في موسى قالوا:أرجه و أخاه (1)و أبعث في المدائن حاشرين.

عاد المعتصم ابا الفتح بن خاقان و الفتح صغير فقال له:داري أحسن ام دار أبيك قال:

يا أمير المؤمنين دار أبي ما دمت فيها،و قالوا:صحب ذئب و ثعلب اسدا فاصطادوا عيرا و ظبيا و ارنبا،فقال الأسد للذئب:اقسم هذا بيننا فقال:العير لك و الظبي لي و الأرنب للثعلب فغضب الأسد و أخذ بحلق الذئب حتّى قطع رأسه و قال للثعلب اقسمه انت فقال:العير لغدائك و الظبي

ص:74


1- (10) أي احبسه و اخاه و اخر امره و لا تعجل بقتله

لعشائك و الأرنب تتفكه (1)به في الليل،فقال:من علّمك هذه القسمة العادلة؟قال:رأس الذئب الّذي بين يديك.

و قد أصطحب كلب و ديك فخرجا من البلد الى الصحراء فلمّا اتى عليهما الليل اقبلا الى شجرة عالية فصعدها الديك و بات على أغصانها و بات الكلب تحتها،فلمّا أتى وقت السحر صاح الديك كما هو عادته فسمعه ابن آوى فقصد الشجرة و اذا الديك فوقها فصاح اليه أيّها المؤذن رحمك اللّه انزل من فوق المنارة حتّى نصلّي جميعا فقال له:الديك نعم ننزل و لكنّ الأمام نائم تحت الشجرة فايقظه حتّى نصلي بصلاته فلمّا أتى الى تحت الشجرة حسّ الكلب به و قام اليه و قتله.

و روى انّ غرة قالت لبثينة تصدى لكثير و أطعميه في نفسك حتّى أسمع ما يجيبك ثمّ أقبلت عليه و غرّة تمشي ورائها مختفية و عرضت عليه الوصل فقاربها ثمّ قال:

رمتني على فوت(قرب)بثينة تولي شبابي و أرجحنّ شبابها

بعينين نجلاوين لو رقرقتهما لنئو الثريّا لأستهلّ سحابها

ثمّ قالت أولى لك بها نجوت و أنصرفتا يتضاحكان و روي أنّ كثيرا لمّا مات أتى الباقر عليه السّلام الى جنازته و رفها،و قال نصر بن سار لأعرابي:هل أتخمت قط؟قال:امّا من طعامك و طعام أبيك فلا يقال انّ نصر أحمّ من هذا الجواب ايّاما و قال ليتني خرست و لم أفه بسؤال هذا الشيطان.

و لمّا مات مولانا جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام قال ابو حنيفة امؤمن الطاق:مات امامك، قالك لكن امامك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم يعني ابليس و قال رجل لبشار لمّا ذهبت عيناه:ما الّذي عوضك اللّه بهما؟فقال:لا أرى مثلك،تزوّج اعمى امرأة فقالت:لو رأيت حسني و بياضي لعجبت،فقال:اسكتي لو كنت كما تقولين ما تركك البصراء،نظر حكيم الى معلم رديء الكتابة،فقال له:لو لا تعلم الصراع؟قال:لا أحسنه قال:هو ذا انت تعلم الكتابة و لا تحسنها.

قال ابو العيناك قال لي المتوكل يوما:هل رأيت طالبيّا حسن الوجه قط؟قلت:نعم رأيت ببغداد منذ ثلاثين سنة واحدا،قال:تجده كان يواجر و كنت تقود عليه،فقلت يا أمير المؤمنين:قد بلغ هذا من فراغي ادع موالي مع كثرتهم و أقود على الغرباء،فقال المتوكل للفتح:أردت أن

ص:75


1- (11) قوله تعالى فِيهِمٰا فٰاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمّٰانٌ (الفاكهة ما يتفكه به الانسان أي يغتنم بأكله رطبا كان او يابسا كالزبيب و الرطب و التين و البطيخ و الرمان ).

أشتفي منهم فاشتفى لهم منّي و قدم الى مائدة عليها ابو هفان و ابو العينا فالوذج،فقال ابو هفان:

لهذه أحر من مكانك في جهنّم،فقال له ابو العينا:ان كانت حارة فبردّها بشعرك.

و قال ابو العينا ادخل على المتوكل قد تنبأ فقال له:ما علامة نبوّتك؟قال:ان يدفع اليّ أحدكم امرأة فانّي أحبلها في الحال فقال:يا ابا العينا هل لك ان تعطيه بعض الأهل؟قال:انّما يعطيه من كفر به فضحك و خلاه،مرت جارية بقوم و معها طبق مغطّى فقال لها بعضهم:أيّ شيء معك في الطبق؟قالت:فلم غطّيناه،قالت أمرأة مزيد لمزيد:يا قرنان يا مفلس،قال:ان صدقت فواحدة من اللّه تعالى و الآخرى منك.

رفع مزيد مرة الى المدينة زق فارغ فأمر الأمير بضربه،فقال له:لم تضربني قال:لأنّ معك آلة الخمر،قال:و أنت أعزك اللّه معك آلة الزنا،قال الرشيد لبهلول من أحبّ الناس اليك؟قال:

من أشبع بطني،فقال:انا أشبعك فهل تحبّني؟قالك الحب بالنسيئة لا يكون.

ضرط ابن صغير لعبد الملك بن مروان في حجره،فقال له:قم الى الكنيف،فقال:أنا فيه، و كان عبد الملك شديد البخر،دخل ابراهيم الحراني الحمام فراى رجلا عظيم الذكر فقال لهك بكم يباع البغل؟فقال:لابل نحملك عليه من غير ثمن فلمّا خرج أرسل اليه بصلة و كسوة،و قال لرسوله قل له أكتم هذا الحديث فانّه كان مزاحا فردّه لو قبلت حمالتنا لقبلنا صلتك.

بنى بعض أكابر البصرة دارا و كان في جواره بيت العجوز يساوي عشرين دينارا و كان محتاجا في تربيع الدار فبذل لها فيه مائتي دينار فلم تبعه فقيل لها:انّ القاضيّ يحجر عليك لسفاهتك حيث ضيّعت مائتي دينار لما يساوي عشرين دينارا قالت:فلم لا يحجر على من يشتري بمائتين ما يساوي عشرين،و كان ببغداد رجل متعبّد اسمه رويم فعرض عليه القضاء فتولاّه فلقيه الجنيد يوما فقال:من أراد ان يستودع سره من لا يفشيه فعليه برويم فانّه كتم حب الدنيا اربعين سنة حتّى قدر عليها.

و حكى أنّه حضر منجّم في مجلس بعض الملوك و أخذ يخبر عن أحوال بعض العلويّات، فبلغه في المجلس انّ امرأته وجدت مع شخص يزني بها فأنشد بعض الظرفاء:

حديث المنجم في حكمه يحلّ لدنيا محلّ الحدث

يخبّر عن حادثات السماء و يجهل في بيته ما حدث

قال بعض العارفين لرجل من الأغنياء:كيف طلبك للدنيا فقال:شديد،قال:فهل ادركت منها ما تريد؟قال:لا قال:هذه التي صرفت عمرك في طلبها لم تحصل منها ما تريد فكيف

ص:76

التي لم تطلبها.سمع بعض الزّهّاد يوما من الأيّام شخصا يقول:اين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟فقال له الزاهد:يا هذا اقلب كلامك وضع يدك على من شئت.

حكي انّ بعض الأرقاء كان عند مالك يأكل الخاص و يطعمه الخشكار،فاستنكف الرقيق من ذلك فطلب البيع فباعه فاشتراه من يأكل النخالة و لا يطعمه شيئا فطلب البيع فباعه فشراه من لا يأكل شيئا و حلق رأسه و كان في الليل يجلسه و يضع السراج على رأسه بدلا من المنارة،فأقام عنده و لم يطلب البيع،فقال له النخاس:لأيّ شيء رضيت بهذه الحالة عند هذا الملك؟قال:

أخاف ان يشتريني في هذه المرة من يضع الفتيلة في عيني عوضا عن السراج،قال الفرزدق:لزياد الأعجم يا أغلف؟فقال:يا ابن النمامة؟كان بعضهم ابن ذميم فخطب له الى قوم فقال الأبن لأبيه يوما:بلغني انّ العروس،فقال الأب:يا بني بورى انّها عميا حتّى لا ترى سماجة وجهك.

كان بالبصرة رجل يقال له حوصلة و كان له جار يعشق ابنا له،فوجّه حوصلة ابنه الى بغداد و لم يعلم جاره بذلك،فجاء ليلة يطلبه و صاح بالباب أعطونا نارا،فقال حوصلة:المقدحة ببغداد،و قال بعض العلويّة لأبي العينا أ تبغضني و لا تصحّ صلاتك الاّ بالصلاة عليّ اذا قلت اللّهم صل على محمد و آل محمّد؟قال ابو العينا اذا قلت الطيبين الطاهرين خرجت منهم،سكر مزيد يوما فقالت امرأته اسأل اللّه ان يبغض النبيذ اليك،قال:و الرجال اليك.

قالت امرأة مزيد و كانت حبلى و نظرت الى قبح وجهه:الويل لي ان كان الذي في بطني يشبهك،فقال لها:الويل لي ان كان الذي في بطنك لا يشبهني.مر الفرزدق و هو راكب بغلة فضربها فضرطت فضحكت منه امرأة فالتفت اليها و قال:ما يضحكك فو اللّه ما حملتني انثى قطّ الا ضرطت؟فقالت له المرأة فقد حملتك امّك تسعة اشهر فالويل للناس من كثرة ضراطها،تنبأ رجل و ادّعى انّه موسى بن عمران و بلغ خبره الخليفة و قال من انت؟قال:موسى بن عمران الكليم،قال:و اين عصاك الّتي صار ثعبانا؟قال قل انا ربكم الأعلى كما قال فرعون حتّى أصيّرها ثعبانا كما فعل موسى.

تنبأت أمرأة على عهد المأمون فأوصلت اليه فقال لها من أنت؟قالت:انا فاطمة النبيّة،قال لها المأمون:أ تؤمنين بما جاء به محمّد و هو حقّ فانّ محمدا قال:لا نبي بعدي قالت صدق عليه السّلام فهل قال لا نبيّة بعدي؟قال المأمون لمن حضر امّا انا فقد انقطعت فمن كان عنده حجة فليأت بها و ضحك حتّى غطّى وجهه،

تنبأ آخر في أيام المستعصم فلمّا أحضر بين يديه قال له انت نبي؟قال:نعم قال الى من بعثت؟قال:اليك قال:اشهد انّك لسفيه احمق،قال:انّما يبعث الى كلّ قوم مثلهم،فضحك المعتصم و أمر له بشيء.

ص:77

و تنبأ آخر في خلافة المأمون فقال له ما انت؟قال:انا نبي؟قال:فما معجزتك؟قال سل ما شئت،و كان بين يديه قفل فقال:خذ هذا القفل فافتحه،فقال له:أصلحك اللّه لم أقل لك انّي حدّاد قلت انا نبي،فضحك المأمون و استتابه و أجازه.قرأ بعض المغفلين في بيوت بالرفع،فقال له شخص:يا أخي إنّما هو بالجرّ،فقال:يا مغفل اذا كان اللّه تعالى يقول في بيوت اذن اللّه ان ترفع تجرّها انت لماذا.

و سأل بعض المغفلين انسانا فاضلا قال له:كيف تنسب الى اللغة لغوي،فقال أخطأت في ضمّ اللام انّما الفصيح ما جاء في القرآن انّك لغويّ مبين،و حكى الشريف ابو معلّى قال:و لقد كنّا ليلة بأصفهان في دار الوزارة في جماعة من الرؤسا فلمّا ناموا سمعنا صراخا و صوتا مرتفعا و استغاثة فاذا الشيخ الأديب ابو جعفر القصّاص ينيك ابا علي الحسن الشاعر و ذلك يستغيث و يقول انّني شيخ أعمى فما يحملك على نيكي؟و ذلك لا يلتفت الى ان فرغ منه و سلّ منه كذراع البكر،و قام قائلا انّي كنت أتمنى ان انيك ابا العلا المعرّي لكفره و إلحاده ففاتني فلمّا رأيتك شيخا عمي فاضلا نكتك لأجله.

و يقال انّ الأشعث مرّ يوما فجعل الصبيان يعبثون به،فقال لهم:ويلكم سالم بن عبد اللّه يفرّق تمرا من صدقة عمر فمر الصبيان يعدون الى سالم بن عبد اللّه و عدا أشعث معهم،و قال:

ما يدريني لعلّه كان حقّا،رأت الضبع ظبية على حمار فقالت:اردفيني حمارك؟ثمّ سارت يسيرا فقالت:ما افره حمارنا،فقالت لها الظبية:انزلي قبل ان تقولي ما أفره حماري فما رأيت أطمع منك.

و حكي انّ بعضهم دخل بأمرد الى بيته و كان بينهما ما كان،فلمّا خرج الأمرد ادّعى انّه هو الفاعل،فقيل له ذلك فقال:فسدت الأمانات و حرم اللواط الاّ ان يكون بشاهدين.

و من هجاء بعض البخلاء:

رأى الضيف مكتوبا على باب فصحّفه صيفا فقام الى السيف

داره أقول له خبزا فمات من الخوف

فقلت له خيرا يظن بأنّني

في كتاب الحلي قال الأصمعي:تزوّجت اعرابيّة غلاما من الحي فمكثت معه ايّاما و وقع بينهما جدال،فخرج في نادي الحي و هو يقول:يا واسعة يعيّرها بذلك فقالت:بديهة:

انّي تنقّلت من بعد الخليل فتى مزراء ما له عقل و لا باه

ما غرني فيه الاحسن بنيته و منطق لنساء الحيّ تيّاه

ص:78

فقال لمّا خلا بي انت واسعة و ذاك من خجل منّي تغشاه

فقلت لمّا أعاد القول ثانية انت الفداء لمن قد كان يملاه

و يقال اهجى بيت قالته العرب قول الأخطل:

قوم اذا استنبح الأضياف كلبهم قالوا لأمّهم بولي على النار

فضيّقت فرجها بخلا ببولتها و لم تبل لهم الاّ بمقدار

قال الصفدي:اشتمل هذا البيت على عايب اولها انّهم لا يعطون للضيف شيئا حتّى يرضى بنباح كلابهم فيستبح منها،و ثانيها انّ لهم نارا قليلا تطفي ببول مرأة و ثالثها انّ أمّهم الّتي تخدمهم فليس لهم خدم غيرها و رابعها انّهم كسالى عن مباشرة امورهم حتّى تقوم بها امّهم و خامسها انّهم عاقّون لوالدتهم بحيث انّهم يمهنونها في الخدمة و سادسها عدم أدبهم لأنّهم يخاطبون امّهم بهذه المخاطبة الّتي تستحي الكرام الألتفات اليها و سابعها انّهم يتركون أمّهم عند مواقدهم لأنّهم قالوا لها:بولي و لم يقولوا لها قومي الى النار.

و ثامنها انّهم جبناء لا يوقدون لأنّهم يستيقظون يسمعون الحسّ الخفيّ من البعد و تاسعها أنّهم لا يتألّمون ممّا يصعد من رائحة البول اذا وقع في النار،و عاشرها الزام والدتهم بأن لا تبول و تدخّر ذلك لوقت الحاجة و الا فما كل وقت يطلب الأنسان الإراقة يجدها فتجد ذلك ألما مشقّة من أحتباس البول و حادي عشر إفراطهم في البخل الى غاية يشفقون معها على الماء ان يطفي به النار و ثاني عشرها انّهم يؤكدون بهذا القول عداوة المجوس للعرب لأنّ الفرس يعبدونها و هؤلاء يبولون عليها فيتأكّد الحقد.

و حكي انّ الرشيد سأل جعفر البرمكي عن جواريه؟فقال يا أمير المؤمنين:كنت في الليلة الماضية مضطجعا و عندي جاريتان و هما يكبساني فتناومت لأنظر صنيعهما و احداهما مكيّة و الأخرى مدنيّة،فمدّت المدنيّة يدها الى ذلك الشيء فلعبت به فانتصب قائما فوثبت المكيّة فقعدت عليه،فقالت المدنيّة انا أحق لأني حدثت عن نافع ابن عمرو عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:من أحيا أرضا ميتة فهي له فقالت المكيّة:و انا حدثت عن معمر عن عكرمة عن ابن عبّاس عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال ليس الصيد لمن أثاره انّما الصيد لمن قبضه فوجدت سندي الحديثين كما قالتا فضحك الرشيد حتّى أستلقى على ظهره فقال من تساوم منهما؟فقال هما و مولاهما بحكمك يا أمير المؤمنين و حملهما اليه،سأل بعض ما أمتع لذات الدنيا؟فقال:ممازحة الحبيب و غيبة الرقيب.

ص:79

و سأل بعض المتكلمين عن الروح فقال:هو الريح و النفس فقال له السائل:فحينئذ اذا تنفّس الأنسان خرجت نفسه،و اذا ضرط خرجت روحه فانقلب المجلس ضحكا،يقال انّ بعض السؤال اجتاز بقوم يأكلون،فقال:السّلام عليكم يا بخلاء؟فقالوا له:أ تقول انّا بخلاء قال فكذبوني بكسيرة.

اجتمع بنات حبيب المدنيّة عندها فقالت الكبرى يا بنيّة كيف تحبّين؟فقالت:يا أم ان يقدم زوجي من سفر فيدخل الحمام ثمّ يأتيه زوّاره المسلمون عليه فاذا فرغ أغلق الباب و ارخى الستر فيأتي ما أردته،فقالت:اسكتي ما صنعت شيئا،فقالت للوسطى:فقالت:ان يقدم زوجي من سفر فيضع ثيابه و اتاه جيرانه فلمّا صار الليل تطيّبت له و تهيّأت ثمّ أخذني على ذلك،فقالت:

ما صنعت شيئا فقالت للصغرى:فقالت ان يقدم زوجي من سفر و كان دخل الحمام و أطلى،ثمّ قدم و قد نزع سرواله فيدخل عليّ و يغلق الباب و يرخي الستر فيدخل ايره في حري و لسانه في فمي و اصبعه في إستي،فناكني في ثلاثة مواضع،فقالت:اسكتي فامّك تبول الساعة من الشهوة.

و مر الحجّاج متنكرا فرأته امرأة فقالت:الأمير و رب الكعبة،فقال:عندك من قرى قالت:

نعم خبز فطير و ماء نهر،فاحضرته فأكل و قال هل لك ان تصلحيني مع امرأتي فقالت:هل عندك من جماع يغني؟قال:نعم،قالت:فلا حاجة لك الى احد يصلح بينكما،و قال رجل للشعبي ما تقول في رجل اذا وطي امرأة تقول قتلتني او اوجعتني فقال:اقتلها و دمها في عنقي.

ظهر ابليس لعيسى عليه السّلام فقال له:أ لست تقول لن يصيبنا الاّ ما كتب اللّه عليك؟قال:

بل يقال:فارم نفسك من ذروة هذا الجبل فانّه ان قدّر لك السلامة تسلم،فقال له:يا ملعون انّ اللّه تعالى يختبر عباده و ليس للعبد أن يختبر ربّه،سأل اعرابي خالد بن الوليد و ألحّ في سؤاله و أطنب في الأبرام،فقال خالد:أعطوه بدرة يضعها في حر أمّه،فقال الأعرابي:و أخرى لأستهايا سيّدي لئلا تبقى فارغة.فضحك و أمر له بها ايضا.

قال بعض الخلفاء انّي لأبغض فلانا فقال له بعض الحاضرين:أوله خيرا تحبّه فانعم،فما لبث ان صار من جلسائه،سأل بعض الجند عن نسبه فقال:انا ابن اخت فلان فسمع ذلك اعرابي فقال:انّ الناس ينتسبون طولا و هذا الفتى ينتسب عرضا،خطب معاوية خطبة عجيبة فقال:ايّها الناس هل من خلل؟فقال رجل:من عرض الناس نعم من حلمك كخلل المنخل فقال:و ما هو قال:اعجابك بها و مدحك لها،انشد الفرزدق سليمان بن عبد الملك قصيدته الّتي يقول فيها:

فبتن بجانبي مصرعات و بتّ أفض أغلاق الختام

ص:80

فقال له: ويحك يا فرزدق أقررت عندي بالزنا و لا بدّ من حدّك،فقال كتاب درأ منّي الحد، قال:و اين؟قال قوله تعالى وَ الشُّعَرٰاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغٰاوُونَ الى قوله أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مٰا لاٰ يَفْعَلُونَ فضحك و أجازه،و من هذا أخذ صفي الدين قوله:

نحن الّذين أتى الكتاب مخبرا بعفاف أنفسنا و فسق الألسن

و قد حاجب بن زرارة علي انو شيروان و استأذن عليه فقال للحاجب سله من هو فقال:

رجل من العرب فلمّا مثل بين يديه قال له:انو شيروان من انت قال:سيّد العرب قال:أ ليس زعمت انّك واحد منهم؟فقال:انّي كنت كذلك و لكن لمّا اكرمني الملك بمكالمته صرت سيّدهم، فأمر بحشو فيه درأ.

دعا رجل آخر الى منزله و قال:لنأكل معك خبزا و ملحا،فظنّ الرجل انّ ذلك كناية عن طعام لذيذ،فمضى معه فلم يزد على الخبز و الملح فبينا هما يأكلان اذ وقف بالباب سائل فنهره صاحب المنزل فلم ينزجر فقال المدعو:يا هذا انصرف فانّك لو عرفت من صدق وعيده ما عرفت من صدق وعده لما تعرضت له.

قال الزمخشري في ربيع الأبرار مر رجل بأديب فقال:كيف طريق البغداد؟فقال:من هنا ثمّ مر به آخر فقال:كيف طريق كوفة؟فقال:من هنا فبادر مسرعا فقال:انّ مع ذلك المارّ الف و لام لا يحتاج اليهما منه،قال بعضهم:الدنيا مدوّرة و مدارها على ثلاث مدورات الدرهم و الدينار و الرغيف،وجد يهودي مسلما يأكل شوي في نهار شهر رمضان فأخذ يأكل معه فقال له المسلم:

يا هذا انّ ذبيحتنا لا تحل على اليهود،فقال:انا في اليهود مثلك في المسلمين،من كلامهم الكريم شجاع القلب و البخيل شجاع الوثبة،قال رجل للفرزدق متى عهدك بالزنايا يا ابا فراس فقال:منذ ماتت امرأتك يا فلان.

من كتاب المدهش في حوادث سنة 241 ماجت النجوم و تطايرت شرقا و غربا كالجراد من قبل غروب الشمس الى الفجر،و في السنة التي بعدها رجمت السويداء و هي ناحية من نواحي مصر فوزن منها حجر فكانت عشرة أرطال و زلزل في الري و جرجان و طبرستان و نيشابور و اصفهان و قم و قاشان و دامغان في وقت واحد فهلك في دامغان خمسة و عشرين الفا و تقطّعت جبال و دنا بعضها من بعض و وقع طائر ابيض بحلب و صاح اربعين صوتا ايّها الناس اتّقوا اللّه ثمّ طار و أتى من الغدو فعل ذلك ثمّ ما رأى بعدها و مات رجل في بعض اكوار الأهواز فسقط طائر على جنازته و صاح بالفارسيّة انّ اللّه قد غفر لهذا الميت و لمن حضر جنازته.

قال ولد الأحنف لجارية ابيه يا زانية؟فقالت:لو كنت زانية لأتيت بمثلك.

ص:81

و لمّا قتل جعفر بن يحيى البرمكي قال ابو نؤاس:و اللّه مات الكرم و الجود و الفضل و الأدب فقيل له:أ لم تكن تهجوه في حياته؟فقال:ذلك و اللّه لشقائي و ركوبي الى هواي و كيف يكون في الدنيا مثله في الجود و الأدب؟و لمّا سمع فيه قولي:

لقد غرّني من جعفر حسن بابه و لم ادر انّ اللوم حشو إهابه

و لست اذا أطنبت في مدح جعفر بأوّل انسان خوى في ثيابه

بعث اليّ بعشرين الف درهم و قال:غسل ثيابك بها قال رجل لأحمد بن خالد الوزير لقد أعطيت ما لم يعطه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قالك و كيف ذاك يا أحمق؟فقال:لأنّ اللّه تعالى يقول و لو كنت فظا غليظ القلب لأنفضّوا من حولك و انت فظّ غليظ و نحن لا نبرح من حولك،مدح بعض الشعراء صاحب شرطة،فقال:اما انّي أعطيك شيئا من مالي فلا يكون ابدا و لكن اجن جناية قتل حتّى لا أعاقبك بها.

دخلت غرّة على عبد الملك فأمرها بالدخول على زوجته عاتكة فلمّا دخلت قالت لها:

خبّريني عن قول كثير فيك:

قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه و غرّة ممطول معنّى غريمها

ما هذا الدين؟فقالت:قبلة فقالت عاتكة ك أنجزي وعدك و عليّ اثمه،قال ابو العينا:

أخجلني ابن صغير لعبد الرحمن بن خاقان قلت له:وددت انّ لي ابنا مثلك فقال:هذا بيدك قلت كيف ذلك؟قال:احمل ابي على إمرأتك تلد لك مثلي.

السبب في تسمية الأيّام الّتي في آخر البرد ايّام العجوز و هو ما يحكى انّ عجوزا كاهنة في العرب كانت تخبر قومها ببرد يقع و هم لا يكترثون بقولها حتّى جاء فأهلك زرعهم و ضروعهم فقيل ايّام برد العجوز و قال جار اللّه في كتاب ربيع الأبرار قيل الصواب انّها ايّام العجز أي آخر البرد و قيل انّ عجوزا طلب من أولادها ان يزوّجوها فشرطوا عليها ان تبرز الى الهواء سبع ليال ففعلت فماتت.

و ادّعت سجاح بنت الحارث النبوة في ايّام مسيلمة و قصدت حربه فأهدى اليها مالا و استأمنها حتّى أمنته و امنها فجاء اليها و استدعاها و قال لأصحابه اضربوا لها قبّة و حمّروها لعلّها تذكر الباه،ففعلوا فلمّا أتت قالت له أعرض ما عندك حتّى نتدارس،فلمّا خلت معه في القبّة قالت:اقرأ عليّ ما يأتيك جبرئيل فقال:اسمعي هذه الآية انكن معاشر النساء خلقن افواجا،و جعلن لنا ازواجا نولج فيكنّ ايلاجا ثمّ نخرجه منكنّ اخراجا،قالت:صدقت انّك نبيّ مرسل،فقال لها:

هل لك في ان اتزوّجك فيقال نبيّ تزوّج نبيّه؟فقالت:افعل ما بدا لك فقال لها:

ص:82

الا قومي الى المخدع فقد هيّ ء لك المضجع

و ان شئت فملغاة و ان شئت على الأربع

و ان شئت بثلثيه و ان شئت به أجمع

فقالت بل به اجمع فانّه اجمع للشمل،فضرب به بعض ظرفاء العرب لذلك مثلا و قال:

اعلم من سجاح،فأقامت عنده ثلاثا و خرجت الى قومها فقالوا كيف وجدتيه؟فقالت:لقد سألته فوجدت نبوته حقّا و انّي قد تزوّجته فقال قومه و مثلك يتزوج بغير مهر فقال مسيلمة:

مهرها انّي قد رفعت عنكم صلاة الفجر و العتمة،ثمّ اقامت بعد ذلك مدة في بني تغلب ثمّ أسلمت في اسلامها،و من مزخرفات مسيلمة:و الزارعات زرعا،و الحاصدات حصدا و الذاريات ذروا و الطاحنات طحنا و العاجنات عجنا فالآكلات أكلا فقال بعض ظرفاء العرب:و الخاريات خروا.

في المحاضرات نظرت امرأة من البادية في المرآة و كانت حسنة الصورة و كان زوجها رديء الصورة،فقالت له و المرآة في يدها:انّي لأرجو ان ندخل الجنّة انا و انت فقال:و كيف ذلك؟ فقالت:امّا انا لأنيّ ابتليت بك فصبرت،و امّا انت فلأنّ اللّه سبحانه انعم بي عليك فشكرت،لمّا تزوّج المهلب بديعة المطربة أراد الدخول بها فجاءها الحيض فقرأت و فار التنور،فقرأ هو سآوي الى جبل يعصمني من الماء،فقرأت هي لا عاصم اليوم من أمر اللّه الاّ من رحم اللّه.

كتب العبّاس الى القاضي بن قريعة فتوى ما يقول القاضي أدام اللّه ايّامه في يهودي زنا بنصرانيّة فولدت له ولدا جسمه للبشر و وجهه للبقر فما يرى القاضي في ذلك فليفتنا مأجورا؟ فأجاب هذا من أعدل الشهود على الملاعين اليهود انّهم أشربوا حبّ العجل في صدورهم فخرجوا من ايورهم،و رأى ان يعلق على اليهود رأس العجل و تربط مع النصرانيّة الساق مع الرجل و يسحبا سحبا على الأرض و ينادي عليهما ظلمات بعضها فوق بعض.

احمد بن علي بن الحسين المؤدب:

تصدر للتدريس كلّ مهوس بليد يسمّى بالفقيه المدرّس

يحقّ لأهل العلم ان ستموا به ببيت قديم شاع في كلّ مجلس

لقد هزلت حتّى بدا من هزالها كلاها و حتّى رامها كلّ مفلس

شعر

قد بلينا بأمير ظلم الناس و سبّح فهو كالجزّار فيهم يذكر اللّه و يذبح

ص:83

قال جار اللّه في كتاب ربيع الأبرار يقال:انّ من لا تعلم الاّ فنّا واحدا من العلم ينبغي ان يسمّى خصّ العلماء،حضرت الحطيئة الوفاة فقيل له اوص للمساكين بشيء من مالك،فقال:

اوصيت لهم بطول المسئله فانّها تجارة لن تبور،أتى بعض الزّهاد الى تاجر ليشتري قميصا،فقال له بعض الحاضرين:انّه فلان الزاهد فارخص عليه فغضب الزاهد و ولّى عنهما،و قالك جئت لنشتري بدراهمنا لا بأدياننا.

هلكت ابل اعرابي بأجمعها في يوم ففرح و قال:انّ موتا تخطّاني الى ابلي لعظم النعمة، قيل للبهلول أتعدّ مجانين بلدك؟قال هذا شيء يطول و لكنّ أعدّ العقلاء،ضلّ

لأعرابيّ بعير فحلف ان وجده ان يبيعه بدرهم واحد،فوجده فلم يحتمل قلبه ان يبيعه بذلك الثمن،فعمد الى سنّور و علّقه في عنقه و أخذ ينادي عليه:الجمل بدرهم و السنور بخمسمائة و لا أبيعهما الاّ معا فمر بعض الأعراب به و قال ما ارخص الجمل لو لا القلادة.

قال في المحاضرات:ادّعى رجل على آخر طنبورا عند بعض القضاة فأنكر المدّعى عليه و توجّه اليمين عليه فقال القاضي:قل ان كانت الطنبور عندي فايري في حر أخته،فقال و اي يمين هذه؟فقال القاضي هذه يمين الدعوى اذا كانت طنبورا.

قال بعض الخلفاء لبعض الزهّاد انّك لعظيم الزهد،فقال:انّك أزهد منّي قال:كيف ذلك؟ قال:لأنّك زهدت في نعيم دائم عظيم و زهدت انا في نعيم الدنيا الحقير المنقطع.تسمّى المائة سنة من التاريخ حمارا و سمّى مروان الحمار لأنّه كان على رأس المائة من دولة بني أميّة.

قيل للحسن البصري هلاّ يصلّي فانّ اهل السوق قد صلوا،فقال:اولئك قوم ان اتفقت سوقهم أخّروا الصلاة و ان كسدت عجّلوها.كان بعضهم في ايّام صغره أشدّ منه ورعا في ايّام كبره و قد أنشأ في هذا المعنى يقول:

عصيت هوى نفسي صغيرا و عند ما أتتني الليالي بالمشيب و بالكبر

أطعت الهوى عكس القضيّة ليتني خلقت كبيرا ثمّ عدت الى الصفر

قال بعض الحكماء حججت في بعض السنسن فبينما انا أطوف بالبيت اذا انا بأعرابي متوشّح بجلد غزال و هو يقول:

اما تستحي يا رب أنك خلقتني أناجيك عريانا و انت كريم

قال و حججت في العام القابل فرأيت الأعرابيّ و عليه ثياب و حشم و غلمان فقلت له:انت الّذي رأيتك في العام الماضي و انت تنشد ذلك البيت؟فقال:نعم خدعت كريما فانخدع.و شهد جماعة عند ابن شبرمة على فراخ نخل فقال لهم:كم عددها؟فقالوا:لا ندري فردّ شهادتهم فقال

ص:84

واحد منهم كم لك تقضي في هذا المسجد،فقال:ثلاثون سنة قالك كم فيه اسطوانة؟فخجل و قبل شهادتهم،و شهد عنده رجل فردّ شهادته و قال بلغني انّ جارية غنّت فقلت لها:أحسنت فقال:

قلت ذلك حين ابتدأت او حين سكتت فقال:حين سكتت فقال:انّما استحسنت سكوتها ايّها القاضي فقبل شهادته.

كان سائل و خلفه ابن صغير فسمع الصغير امرأة تصيح خلف جنازة و تقول يذهبون بك يا سيّدي الى بيت ليس فيه وطأ و لا غطأ و لا غداء و لا عشاء فقال:يا ابت انّما يأخذونه الى بيتنا.وجد بعض الأعراب رجلا مع امّه فقتلها فقيل له هلاّ قتلت الرجل و تركت امّك فقال كنت احتاج كلّ يوم ان اقتل رجلا،قيل لأبي العينا فما اشد عليك من ذهاب بصرك،فقال:قوم يبدوني بالسلام كنت احبّ ان ابدأهم و ربّما حدثت المعرض عنّي فكنت احبّ ان اعلم لأقطع كلامي عنه.

رمى المتوكل عصفورا فأخطأ فقال وزيره ابن جهدون:أحسنت يا سيدي فقال:أتهزأ بي كيف أحسنت؟قال:الى العصفور.و قال يوما لبعض الصبيان في أي باب من ابواب النحو انت فقال:في باب الفاعل و المفعول به فقال:انت في باب ابويك اذن.و قالت له قينة يا أعمى فقال:ما أستعين على قبح وجهك بشيء أنفع منه.

كان الجاحظ قبيح الصورة جدّا حتّى قال الشاعر:

لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا ما كان الاّ دون قبح الجاحظ

قال يوما لتلامذته ما أخجلني الاّ امرأة أتت بي الى صائغ فقالت:مثل هذا فبقيت حائرا في كلامها فلمّا ذهبت سألت الصائغ فقال:استعملتني لأصوغ لها صورة جنّي فقلت:لا أدري كيف صورته فأتت بك.من كلامهم اذا علم الثقيل انّه ثقيل فليس بثقيل.

قيل لأعرابي ما تسمّون المرق؟قالك السخين قيل فاذا برد؟قال:نحن لا نتركه يبرد.

قيل لأعرابي على مائدة بعض الخلفاء و قد حضر فالوذج و هو يأكل منه يا هذا انه لم يشبع منه احد الاّ مات فأمسك يده ثمّ ضرب بالخمس و قال:استوصوا بعيالي خيرا،حكى الأصمعي قال:نزلت في بعض الأخباء فنظرت الى قطع من القديد منظومة في خيط فأخذت في أكلها فلمّا استوفيتها أتت المرأة صاحبة الخباء و قالت:اين ما كان في الخيط؟فقلت:أكلته فقالت:ليس هذا ممّا يؤكل فانّي أخفض الجواري و كلّما اخفضت جارية علقت خفضتها في هذا الخيط.

قال أعرابي لآخر أقرضني عشرين درهما و أجّلني شهرا،قال امّا الدراهم فليست عندي و امّا الأجل فقد أجلّتك سنة.كان رجل جار الفيروز الديلمي فأراد بيع داره لدين ركبه فلمّا سامها و أخبر المشتري بالثمن قال البائع:هذا ثمن الدار فاين ثمن الجوار؟فقال:فهل يباع الجوار

ص:85

فقال:نعم جوار فيروز يباع بأضعاف ثمن الدار فلمّا بلغه ذلك بعث اليه بأضعاف ثمنها و قال له:

بعها على نفسك بورك لك فيها.

قال المنصور لبعض الخوارج و قد اتى به اسيرا أي اصحابي أشدّ اقداما في الحرب؟فقال:

انّي لا أعرفهم بوجوههم فانّي لم أر في الحرب الا قفاهم.سأل شقيق البلخي رجلا كيف يفعل فقراؤكم؟قالوا:ان وجدوا أكلوا و ان فقدوا صبروا.قال:كلّ كلاب بلخ كان هكذا،قال فأنتم؟قال:ان وجدنا آثرنا و ان فقدنا شكرنا قال يحيى بن معاذ من أكل حتّى شبع عوقب بثلاث ألقى الغطاء على قلبه و النعاس على عينيه و الكسل على بدنه.

اكل رجل من العرب عند معاوية فرآى على لقمته شعرة فقال:خذ الشعرة من لقمتك فقال:و انت كنت تلاحظني ملاحظة من يرى الشعرة لا و اللّه لا و اكلتك بعدها ابدا.و أكل آخر مع معاوية و جعل يمزق جديا على الخوان تمزيقا عنيفا و يأكله أكلا ذريعا فقال له معاوية انّك لحرد عليه كأنّ امّه نطحتك،فقال:و انّك لشفيق عليه كانّ امّه أرضعتك قيل لفيثاغورس ما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء اكثر ممّا يأتي الأغنياء ابواب العلماء فقال:لمعرفة العلماء بفضل الغنى و جهل الأغنياء بفضل العلم.

طوّل عائد عند مريض فقال له:طوّل جلوسك.في بعض التواريخ انّ بعض الأعراب في البادية اصابه حمى في ايّام القيظ فأتى الأبطح وقت الهاجرة فتعرى في شديد الحرّ و طلا بدنه بزيت و جعل يتقلّب في الشمس على الحصار و يقول سوف تعلمين يا حمى ما نزل بك و بمن ابتليت،عدلت عن الأمراء و أهل التزين و نزلت بي و ما زال يتمرغ حتّى عرق و ذهبت حماه،و قام فسمع في اليوم الثاني قائلا قد حمّ الأمير بالأمس فقال الأعرابي:انا و اللّه بعثتها اليه ثمّ ولّى هاربا.عرض على ابي مسلم فرس جواد فقال:لمن بحضرته لماذا يصلح هذا الفرس فقالوا:للغزو فقال:انّما يصلح لأن يركبه الأنسان و يفر من جار السوء.لبعضهم

لو ضرط الموسر في مجلس قالوا له يرحمك اللّه

لو عطس المفلس في مجلس سبّ و قالوا فيه ماساه

فمضرط المفلس عرنينه و معطس الموسر نعساه

قال الراغب في المحاضرات انّ بقزوين قرية أهلها متناهون في التشيّع فمر بهم رجل فسألوه عن اسمه فقال:عمر،فضربوه ضربا شديدا فقال:ليس اسمي عمر فتضربونني بل عمران،فقالوا هذه أشدّ من الأول فانّه عمر و فيه حرفان من اسم عثمان فهو احق بالضرب.

ص:86

قال بعض الأعراب لأبن عباس من يحاسب الناس يوم القيامة،فقال:يحاسبهم اللّه تعالى فقال الأعرابي:نجونا اذن و رب الكعبة،فقيل و كيف؟قال لأنّ الكريم لا يدقق في الحساب.كأنّ بعضهم يقول اللّهم احفظني من صديقي،فقيل له في ذلك فقال:لأنّي أتحرز من العدو و لا أقدر ان اتحرز من الصديق،قدّم قوم غريمهم الى الوالي و ادّعوا عليه بألف دينار فقال الوالي:ما ذا تقول فقال:صدقوا فيما ادّعوا لكنّي أسألهم انّ يمهلوني لأبيع عقاري و ابلي و غنمي ثمّ اوفيهم، فقالوا:ايّها الوالي ليس عنده ممّا يقول،فقال:قد سمعت شهادتهم بأفلاسي فكيف يطالبونني، فأمر بأطلاقه.

كان في بغداد رجل قد علته ديون كثيرة و هو مفلس فأمر القاضي ان لا يقرضه أحد شيئا و من أقرضه فليصبر عليه و لا يطالبه بدينه،و أمر بأن يركب على بغل و يطاف به في المجامع ليعرفه الناس و يحترزوا من معاملته،فطافوا به البلد ثمّ جاؤا به الى باب داره،فلمّا نزل عن البغل قال له صاحب البغل:أعطني أجرة بغلي،فقال:و في أي شيء كنّا من الصباح الى هذا الوقت يا أحمق.وقف إعرابي على قبر هشام بن عبد الملك و اذا بعض خدامه يبكي على قبره و يقول مالقينا بعدك،فقال الأعرابي:أما انّه لو نطق لأخبرك انّه لقى اشدّ ممّا لقيتم.

شعر

لا أشتكي زمني هذا فأظلمه و انّما اشتكى من اهل هذا الزمن

هم الذباب الّتي تحت الثياب فلا يكن الى أحد منهم بمؤتمن

قد كان لي كنز صبر فافتقرت الى إنفاقه في مداراتي لهم فغنى

قال ابو حنيفة لمؤمن الطاق:مات امامك يعني جعفر الصادق عليه السّلام،فقال له مؤمن الطاق:

لكنّ إمامك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم فضحك المهدي و أمر لمؤمن الطاق بعشرة الآف درهم قال في الكشكول:قد صمّم العزيمة بهاء الدين العاملي على ان يبني مكانا في النجف الأشرف لمحافظة نعال زوار ذلك الحرم الأقدس،و ان يكتب على ذلك المكان هذين البيتين الذين سنحا بالخاطر الفاتر و هما:

هذا الأفق المبين قد لاح لديك فاسجد متذللا و عفّر خديك

ذا طور سينين(سيناء)فاغضض الطرف به هذا حرم العزة فاخلع نعليك

شيخنا البهائي ره لما تشكى طول الأقامة في قزوين مع الأردو:

قد اجتمعت كل الفلاكات في فقوموا بنا نغدوا فقوموا بنا

ص:87

الأردو نغدوا

فمختلطات الهمّ فيه كثيرة فليس لها رسم و ليس لها حد

و أشكال آمالي أراها عقيمة و معكوسة فيها قضاياي يا سعد

فقم نرتحل عنهم فلا عدل فيهم و لكن لديهم عجمة مالها حد

فمن قلّة التمييز حالي سيء و فعلي معتّل و همّي ممتد

كأنّ على الأبصار منهم غشاوة فمن بين أيديهم و من خلفهم سد

قال رجل لحكيم:ما بال الرجل الثقيل اثقل على الطبع من الحمل الثقيل فقال:لأنّ الحمل الثقيل يشارك الروح الجسد في حمله و الرجل الثقيل تنفرد الروح بحمله كتب بعض الحكماء على باب داره لا يدخل داري شرّ فقال له بعض الحكماء:فمن اين تدخل امرأتك؟قال بعض الحكماء المرأة كلها شرّ و شرّ ما فيها غير انّه لا بد منها،كان لأبن الجوزي امرأة كانت تسمّى نسيم الصبا فطلّقها،ثمّ ندم على ما كان منه فحضرت يوما مجلس و عظه فعرفها،و اتّفق ان جلس امرأتان أمامها و حجباها عنه فأنشد مشيرا الى تينك المرأتين:

ايا جبلي نعمان باللّه خليّا نسيم الصبا يخلص الى نسيمها

ممّا ينسب الى ليلى:

باح مجنون عامر بهواه و كتمت الهوى فبحت بوجدي

و قالت ايضا:

باح مجنون عامر بهواه و كتمت الهوى فبحت

فاذا كانت القيامة نودي بوجدي

من قبيل الهوى تقدّمت وجدي

قيل لأشعب الطماع قد صرت شيخا كبيرا و بلغت هذا المبلغ و لا تحفظ من الحديث شيئا، فقال:بلى و اللّه ما سمع أحد عن عكرمة ما سمعت،قالوا فحدّثنا قال:سمعت عكرمة يحدث عن ابن عباس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:خلتان لا تجتمعان الاّ في مؤمن نسي عكرمة واحدة و نسيت انا الأخرى.

شعر

انّ القلوب بحار في مودّتها فاسئل فؤادك عنّي فهو يكفيني

لا أسأل الناس عمّا في ضمائرهم ما في ضميري لهم من ذاك يغنيني

ص:88

كتب بعض الأدباء الى القاضي بن قريعة ما يقول القاضي ايّده اللّه تعالى في رجل سمّى أبنه مداما و كنّاه ابو النداما،و سمّى ابنته الراح،و كنّاها ام الأفراح و يسمّى عبده الشراب،وليدته القهوة و كنّاها امّ النشوة،أ ينهى عن بطالته ام يترك على خلاعته؟فكتب في الجواب لو لفّت هذا لأبي حنيفة لأقعده خليفة و لعقد له رأيه و قائل تحتها من خالف رأيه و لو علمنا مكانه مسحنا اركانه فان اتبع هذه الأسماء أفعالا و هذه الكنى استعمالا علمنا انه قد احيا دولة المجون،و اقام لواء البزرحون فبايعناه و شايعناه و ان لم يكن الا اسماء سمّاها ماله بها من سلطان خلعنا طاعته و فرقنا جماعته فنحن امام فقال:احوج منّا الى امام قوان.

و قال الحسن عليه السّلام لمولانا علي بن ابي طالب صلوات اللّه عليه امّا ترى حب الناس للدنيا قال:هم اولادها أ فيلام المرء على حب والديه.قيل لحكيم:ما مثل الدنيا؟قال:هي أقل من ان يكون لها مثل.اراد بعض الأعراب السفر في اول السنة فقال:ان سافرت في المحرم كنت جديرا ان أحرم،و ان اسافر في صفر خشيت على يدي تصفر،فأخّر السفر الى شهر ربيع فلمّا سافر مرض و لم يحظ بطائل فقال:ظننته في ربيع الرياض فاذا هو من ربيع الأمراض.

قيل للحسن يا ابا سعيد اما رويت عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه لا يزداد الزمان الاّ شدة فما بال زمان عمر بن عبد العزيز؟قال:لا بدّ للتاس من تنفيس.صدع ملك فأمر الطبيب ان يضع قدميه في الماء الحار،فقال:خصي عنده اين الرأس من القدم؟فقال:اين وجهك من بيضتيك؟نزعتا فذهبت لحيتك.قال بصله دخلت سقاية بالكرخ فتوضأت فلمّا خرجت تعلّق السقا بي فقالت هات القيمة،فضرطت ضرطة و قلت خلّ الآن سبيلي فقد نقضت وضوئي،فضحك و خلاني.و لمّا اخذ محمّد بن سليمان صالح بن عبد القدوس ليوجه به الى المهدي قال له:أطلقني حتّى أفكّر لك فيولد لك ولد ذكر و لك يكن لمحمّد بن سليمان غير بنت واحدة،قال:بل اصنع ما هو أنفع لك فكر حتّى تفلت من يدي.

حمل بعض الصوفيّة طعاما الى طحّان ليطحنه فقال:انا مشغول،فقال:اطحنه و الاّ دعوت عليك و على حمارك و رحاك،قال:فأنت مجاب الدعوة؟قال:نعم،قال:فأدع اللّه عزّ و جلّ انّ يصير حنطتك دقيقا فهو أنفع لك و أسلم لدينك.دخل الشعبي الحمّام و فيه رجل مكشّف،فغمض عينيه،فقال له الرجل:يا شيخ متى ذهبت عيناك؟قال:مذ هتك اللّه سترك.أعترض رجل المأمون فقال:يا أمير المؤمنين أنا رجل من العرب،قال:ما ذاك بعجب قال:

و إنّي أريد الحج،قال:الطريق أمامك نهج،قال:و ليست لي نفقة،قال:سقط عنك الفرض، قال:انّي جئتك مستجديا لا مستفتيا،فضحك و امر له بصلة.

ص:89

قال الأصمعي مررت بكنّاس يكنس كنيفا بالبصرة و هو ينشد:

أضاعوني و أيّ فتى أضاعوا ليوم كريهة و سداد ثغر

فقلت له:أمّا سداد الكنيف فأنت مليّ به،و امّا الثغر فلا علم لنا بك كيف انت فيه،و كنت حديث ألسن و أردت العبث به فأعرض عنّي مليّا ثمّ أقبل عليّ فأنشد متمثّلا:

و اكرم نفسي انّني ان أهنتها و حقّك لم تكرم على احد بعدي

فقلت له و اللّه ما يكون من الهوان شيء أكثر ممّا بذلتها له فأيّ شيء أكرمتها فقال:بلى و اللّه انّ من الهوان لما هو شرّ ممّا أنا فيه فقلت و ما هو؟قال:الحاجة اليك و الى أمثالك من الناس.

قدم رجل عجوزا دلالة الى القاضي،فقال:أصلح اللّه القاضي زوّجتني هذه امرأة فلمّا دخلت بها وجدتها عرجاء،فقالت:أعزّ اللّه القاضي زوّجته امرأة يجامعها أم زوجته حمارة يحجّ عليها.قيل لأمرأة ظريفة:أبكر أنت قالت:أعوذ باللّه من الكساده.

قال ابو العينا:خطبت إمرأة فاستقبحتني،فكتب اليها:

فان تنفري من قبح وجهي فانّني اديب أريب لا عيي و لا فدم

فأجابت ليس لديوان الرسائل أريدك.خرجت حبّي المدنية في خوف الليل فلقيها إنسان فقال لها:أ تخرجين في هذا الوقت؟قالت:و لا أبالي ان لقيني شيطان فانا في طاعته او لقيني رجل فأنا في طلبه.غاب رجل عن امرأته فبلغها أنّه اشترى جارية فاشترت غلامين،فبلغ الخبر زوجها فجاء مبادرا و قال لها ما هذا؟فقالت:أما علمت انّ الرحا الى بغلين أحوج من البغل الى رحوين؟بع الجارية حتّى أبيع الغلامين،ففعل ذلك.

دخل ابو يونس فقيه مصر على بعض الخلفاء،فقال له:ما تقول في رجل اشترى شاة فضرطت فوثبت من استها بعرة ففقأت عين رجل على من الدية؟قال:على البائع،قال:و لم؟ قال:لأنّه باع شاة في استها منجنيق فلم يبرىء من العهدة.غضب سعيد بن وهب يوما على غلام له فأمر به فبطح و كشف عنه الثوب ليضربه فقال:يا ابن الفاعلة انّما غرّتك استك هذه حتّى اجترأت عليّ هذه الجرأة،و سأريك هوانها عليّ فقال الغلام:طال ما غرتك هذه الأست حتّى اجترأت على اللّه و سوف ترى هوانك،قال سعيد:فورد عليّ من جوابه ما حيّرني و أسقط السوط من يدي.

سأل اعرابي عبد الملك فقال:سل اللّه تعالى،فقال الأعرابي:قد سألته فأحالني عليك، فضحك و أعطاه.دخل إعرابي المخرج فخرج منه صوت،فجعل فتيان حضروه يضحكون منه، فخرج فقال:يا فتيان هل سمعتم شيئا في غير موضعه؟قال ابن ابي البغل لرجل ولد لي مولود فما اسميه:قال:لا تخرج من الأصطبل و سمّه ما شئت.دخل كلب مسجدا خرابا فبال على المحراب

ص:90

و في المسجد قرد نائم فقال للكلب:اما تخاف اللّه تبول في المحراب فقال الكلب:ما أحسن ما خلقك اللّه حتّى تتعصب له.و قالوا انّ جديا وقف على سطح يشتم ذئبا في الأرض،فقال له الذئب:لست الّذي تشتمني و لكن مكانك يفعل ذلك.

عدى كلب خلف ظبي قال الظبي:انّك لا تلحقني،قال:لم؟قال:لأنّي أعدو لنفسي و أنت تعدو لغيرك.وقف مطيع بن اياس على رجل يعرف بأبي العمير من أصحاب المعلي الخادم، فجعل يعبث به و يمازحه الى ان قال له:

أ لا أبلغ لديك ابا العمير أراني اللّه في استك نصف أيري

فقال له ابو العمير:يا ابا سلمى لوجدت بالأير كلّه لأحد جدت لي به لما بيننا من الصداقة لكنّك لحبك له لا تريده كلّه الاّ لك،فافحمه و لم يعاود العبث به و كان مطيع يرمي بالأبنة.جلس بعض الأعراب يبول وسط الطريق بالبصرة،فقيل له يا إعرابي أ تبول في طريق المسلمين؟فقال:

انا من المسلمين بلت في حقّي من الطريق.

قال ابو زيد النحوي:مرّ رجل من قيس و معه ابن له يريد الجمعة و ابو علقمة المعتوه على باب المسجد جالس،فقال الغلام لأبيه:أكلّم ابا علقمة،قال:لا فأعاد عليه الكلام ثلاثا،فقال له ابوه:أنت أعلم،فقال له الغلام:يا ابا علقمة مبال لحي قيس قليلة خفيفة المؤنة و لحي اليمن كثيرة عريضة شديدة المؤنة؟قال:من قول اللّه تعالى وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبٰاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لاٰ يَخْرُجُ إِلاّٰ نَكِداً مثل لحية أبيك،قال:فجذب القيسي يده من يد ابنه و دخل غمار الناس حياء و خجلا.سأل رجل رجلا ما اسمك؟قال:بحر قال:ابو من؟قال:ابو الفيض، قال:ابن من قال:ابن الفرات،قال:ما ينبغي لصديقك ان يزورك الاّ في زورق.و نظيره انّ رجلا سأل شابا ما اسم ابيك؟قال:عمر،فقال:ما اسم امّك؟قال:عائشة،قال:ما اسم عمك؟قال:

عثمان،ثمّ قال له:ما اسمك انت؟فقال:رجل من الحاضرين اسمه شمر،فضحك الحاضرون، و كنت انا شاهدت ذلك الشاب في العراق و قد كانوا اهل بيت عظيم،و كانوا من اهل السنة فتشيّعوا كلّهم و بقيت عليهم تلك الأسماء.

قدم عبد اللّه بن علي بعض الأمويين للقتل و جرّد السيف لقتله فضرط الأموي فأنزعج السياف فألقى السيف من يده،فضحك عبد اللّه بن علي و أمر بتخلية سبيل الأموي،فقال:هذا أيضا من الأدبار كنّا ندفع الموت بأسيافنا و نحن الآن ندفعه بأستاهنا.دخل اللصوص على رجل فقير ليس في بيته شيء و جعلوا يطلبون و يفتشون،فانتبه الرجل فقال:يا فتيان هذا الّذي تطلبونه في بالليل قد طلبناه بالنهار فلم نجده.دخل لص دار قوم فلم يجد فيها شيئا الاّ دواة،فكتب على الحائط عزّ عليّ فقركم و عناي.كان ابو الشمقمق اديبا شاعرا ظريفا و كان فقيرا حتّى انّه لم يجد

ص:91

ما يلبس و كان يجلس بالبيت فأتاه رجل فقال له:يا أخي انّ العارين في الدنيا أهل الثياب في الآخرة،قال:ان كان الّذي تقول حقّا لأكونن بزازا يوم القيامة.

نظر ابن سمانة الى مبارك التركي على دابّة،فرفع رأسه الى السماء و قال:يا رب هذا حمار له فرس و انا انسان و ليس لي حمار.سأل بعض المغاربة الجراوي للشاعر أي بروج السماء لك؟فقال:و اعجبا منك مالي بيت في الأرض فكيف يكون لي برج في السماء فضحك و أمر له بدار.لقيت امرأة من الأرذ المهلب و قد قدم من الحرب،فقالت:ايّها الأمير انّي نذرت ان وافيت سالما ان أقبّل يدك،و أصوم يوما،و تهب لي جارية سندية و ثلاثمائة درهم،فضحك المهلب و قال:وفينا بنذرك فلا تعاودي مثله فليس كلّ أحد يفي لك به.

سافر اعرابي فرجع خائبا فقال:ما ربحنا من سفرنا الاّ ما قصرنا من صلاتنا.خرج رجلان من خراسان الى بغداد في متجر لهما فمرض أحدهما و عزم الآخر على الرجوع،فقال لصاحبه:

ما أقول لمن يسألني عنك؟قال:قل لهم لمّا دخل بغداد اشتكى رأسه و أضراسه و وجد خشونة في صدره و غررا في طحاله،و خفقانا في فؤاده،و ضربانا في كبده،و ورما في ركبتيه،و رعشة في ساقيه،و ضعفا عن القيام على رجليه،فقال:بلغني انّ الأيجاز في كل شيء ممّا يستحبّ فأنا أكره ان أطوّل عليهم لكنّي أقول لهم قد مات.

نظر زياد الى رجل على مائدته قبيح الوجه يدرع في الأكل،فقال له:كم عيالك قال:

تسع بنات،قال:فأين هنّ منك؟قال:انا أجمل منهنّ و هن آكل منّي،قال:ما أحسن ما سألت و فرض لهنّ فرضا كان سبب غناه.سأل ابو العينا احمد بن صلالح حاجة فوجده ثمّ أقتضاه اياها فقال:حال دونها هذا المطر و الرحل،قال:فحاجتي صيفية،وقف سائل على باب فقال:

يا أهل الدار فبادر صاحب الدار قبل ان يتمّ السائل كلامه فقال:صنع اللّه لك فقال السائل:

يا ابن البطر أ كنت تصبر حتّى تسمع كلامي عسى جئت أدعوك الى دعوة.وقف سائل على باب قوم فقال:تصدّقوا عليّ فإني جائع،قالوا:لم نخبز بعد قال:فكف سويق؟قالوا:ما اشترينا بعد،قال:فشربة ماء فانّي عطشان،قال:ما أتانا السقا بعد،قال:فيسير دهن أضعه على رأسي،قالوا:و من اين الدهن؟قال:يا اولاد الزنا ما قعودكم هيهنا قوموا و سلوا معي.

وقف اعرابيّ على قوم يسألهم فقال احدهم:بورك فيك،و قال آخر:ما أكثر السؤال، فقال الأعرابي:ترانا اكثر من بورك فيك و اللّه لقد علّمكم اللّه كلمة ما تبالون معها و لو كنّا مثل ربيعة و مضر،كان لمزيد غلام و كان اذا بعثه في حاجة قد جعل بينه و بينه علامة اذا رجع سأله فقال:حنطة او شعير،فان كان عاد بقضاء الحاجة قال:حنطة و ان لم تقض الحاجة قال:شعير،

ص:92

فبعثه يوما في حاجة فلمّا انصرف قال له:حنطة او شعير؟قال:خرأ قال:ويلك و كيف ذاك قال:

لأنّهم لم يقضوا الحاجة و ضربوني و شتموك.

قال مطيع بن اياس عبرت جسر بغداد على بغلتي فاعترضني رجل اعمى و ظنني من الجند فقال:اللّهمّ سخّر الخليفة ان يعطي الجند ارزاقهم فيشتروا من التجار الأمتعة فتربح التجار عليهم فتكثر اموالهم فتجب فيها الزكاة عليهم فيتصدّقوا عليّ منها،فقلت له:يا أعمى سل اللّه ان يرزقك و لا تجعل بينك و بينه هذه الحوالات.و نظير هذا انّ سائلا في أصفهان أتى الى دار رجل غني فسأل شيئا،فنادى صاحب البيت لعبده و قال:يا جوهر قل لقنبر و قنبر لبلال يقل لعنبر و عنبر يقل لهذا السائل يرزقك اللّه،فلمّا سمع السائل رفع يديه الى السماء و قال:الهي قل لجبرئيل يقل لميكائيل و ميكائيل يقول(يقل خ)لأسرافيل و اسرافيل يقول(يقل خ)لعزرائيل حتّى يقبض روح هذا البخيل و انصرف.

حدّث الأصمعي عن يونس قال:صرت الى حيّ بني يربوع فلم أجد الاّ النساء و أضربي الجوع فقلت:هل لكن في الصلاة؟قلن ايم اللّه انّ لنا فيها رغبة،فاذّنت و تقدمت و كبرت و قرأت الحمد للّه رب العالمين،ثمّ قلت يا ايها الذين آمنوا اذا نزل بكم الضيف فلتقم ربّة البيت فتملأ قعبا زبدا و قعبا تمرا فانّ ذلك خير و أعظم اجرا،قال:فو اللّه ما فرغت من صلاتي و انقلبت الاّ و صحاف القوم حولي فأكلت حتّى شبعت فجاء رجال الحي فسمعت امرأة و هي تقول لزوجها يا فلان:ما سمعت قرآنا مثل الّذي قرأه ضيفنا اليوم،فقال لها زوجها:تبارك ربّنا انّه ليأمرنا بمكارم.

و قد خرج بعض السلاطين بكرة من منزله فلمّا بلغ الى رأس الطريق عثرت به الفرس فوقع الى الأرض فلمّا ركب رأى في رأس الطريق رجلا مقبلا فقال السلطان هذا رجل نحس مشؤوم لمّا رأيته عثرت بي الفرس فاذهبوا اضربوا عنقه،فلمّا سمع الرجل ذلك قال:أنت قاتلني و لكن لي كلمة أقولها،قال له:قل،قال:احلّفك و اقسم عليك أي الرجلين أنحس و أشأم انا أم أنت رأيتني عثرت بك الفرس و قمت سالما و انا رأيتك حصل لي القتل من رؤياك،فأيّنا أنحس على صاحبه فضحك السلطان فأمر له بجائزية كثيرة.قد تعارف بين الناس و في الطب انّ الرجل اذا عظم منخره كبر ذكره،و المرأة اذا أتسع فمها أتّسع فرجها.

و قد أعطى بعض السلاطين لرجل من أصحابه جارية بيضاء فاتّفق انّها كانت واسعة الفم و اخيه،فبقيت عند ذلك الرجل مدّة فزعمت في نفسها انّ الرجل لم يشعر بإتساع الموضعين، فقالت له يوما:ايّها الرجل هلم الي ان تعدّ عيوبي و أعدّ عيوبك،و قال:ليس فيك عيب لأنّك من حواري السلطان فقالت:لا بدّ من هذا فأخذت في تعداد عيوبه فلمّا فرغت قالت عدّ أنت،

ص:93

فقال:فمك واسع قولي اثنان فعلمت انّه علم و انقطعت عن الكلام و هذا الرجل قد كان راكبا مع السلطان و هو الشاه عبّاس الأوّل و اسم ذلك الرجل كل عناية و هو مضحكته،فلمّا بلغا الى طريق بين المنازل رأوا راكبا وثب من سطح بيت الى سطح بيت آخر و في اثناء طفرته ضرط ذلك الكلب فقال السلطان لذلك الرجل:هذه الضرطة أ هي لصاحب هذا البيت أم صاحب هذا البيت؟ فقال:أعزّ اللّه السلطان هذه الضرطة وقعت في الهوى و كلّ شيء هوائي فهو للسلطان لا لهذا و لا لهذا فضحك السلطان كثيرا.

و قد دخل يوما على ذلك السلطان و هو في بستانه يحرث و يزرع داخل البيت،فقال له:

يا مولاي ما تزرع هذا اليوم في هذا البستان المبارك؟فقال:أيورة الحمير،فقال:يا مولاي لا ترفع صوتك أخاف ان يكون الحرمات يسمعن هذا الكلام فيقلعنه قبل ان يخضّر و يخرج من الأرض.

و قد كان في بلاد العراق في أرض الجزائر رجل فقير و قد كان سعى و كسب بأنواع الكسب حتّى وقع بيده مائتا درهم تقيريبا فتزوّج بها امرأة و بقيت عنده ايّاما،فماتت فبكى عليها و صاح و كان يقول:و اي بمن وضعت مالي كلّه فيها و كان الحاضرون يضحكون من كلامه و هو يقصد الدراهم،و لمّا ماتت امرأة رجل بحراني أتى الى رجليها و جلس عندهما فبكى فقيل له:انّها امرأة ماتت و سيجيء غيرها،فقال بلسان البحرين:انّها امّ بكسر الهمزة لا زوجة فقالوا له:لم تجلس عند رأسها؟فقال:انّي ما رأيت الخير الاّ في رجليها.

و قد كان رجل بحراني نائما فوق مرتفع فسقط من ذلك المرتفع الى الأرض ليلا و قد كانت زوجته في الأرض فقالت:ما هذه الطقة؟قال:عباتي وقعت من فوق فقالت:وقعتها ثقيلة على الأرض؟قال:انا فيها.و كان ايضا رجل قد قال لأمرأته تعالي نروح الى بيت أبيك و قد كان بين المنزلين فرسخ او نحوه فقالت له زوجته:ربّما لقينا قاطع طريق فكيف نقاومه؟فقال لها:أضربه بعصاي هذه حتّى أقتله،فمضيا فلمّا توسط الطريق فاذا بفتى من أهل البصرة و خلفه عنزة تمشي فلمّا رأى تلك المرأة أعجبته فقال لزوجه بخشونة من الكلام تعال اقبض هذه العنزة،فقال:حبّا و كرامة فأخذ البصري تلك المرأة الى مكان قريب من زوجها و فعل بها ما فعل فلمّا فرغ ناداه هات العنزة و خذ امرأتك فأخذ الرجل عنزته و مضى،فقالت المرأة لزوجها:أ لم تقل اني أضرب قاطع الطريق بعصاي فأين عصاك هذا الوقت؟فقال لها:انّ هذا البصري ما ربح عليّ بل انا الّذي غلبته،قالت:و كيف غلبته؟فقال:هو كان معك و انا كنت انيك العنزة حتّى قطعت سفلها من النيك،اما سمتها تمعمع؟فقالت:نعم سمعتها،فقال:و ايضا تبعته و قلت له كلمة أحرقت بها قلبه،فقالت:كيف قلت له قال:قلت له ايّها الرجل حصّل لك كسا تأتي اليها كلّ وقت فانّ كساسة الناس ما تتّهيأ لك كلّ وقت،فحرقت كبده في هذه الكلمة.

ص:94

و قد تمتّع رجل بحراني بامرأة عجمية فلمّا أصبح سأله بعض اخوانه كيف وجدتها فقال:

وجدت فيها خصلتين من خصال الجنّة و هما البرد و السعة يعني انّها باردة و واسعة و كان رجل منهم في البصرة فلقيه رجل من أهلها و بيده حيّة عظيمة،فقال لذلك البحراني:أقسم عليك بحب ابي بكر الصدّيق الاّ ما لزمت هذه الحيّة فقال:انظر في ايّ شيء تحلفني و اي شيء يقبضني؟لأنّ اهل البحرين كلّهم مثل اهل الجزائر في كونهم شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام حتّى انّه حكى لي رجل ثقة فقال:انّ بحرانيا وضع في القبر فسأله الملكان عن ربّه و عن نبيّه فقال:اللّه ربّي و محمّد نبيّ،فسأله عن امامه فقال:انا من اهل البحرين يعني لا أحتاج الى السؤال عنه.

و قد سمعت من جماعة من الثقاة ان قافلة من اهل البحرين سافروا الى زيارة مولانا امير المؤمنين عليه السّلام فلمّا فرغوا و خرجوا الى قريب من بلد الحلّة كان بينهم رجل لا يخلوا من قلّة العقل فقالوا له:يا ابا حميد أعطاك الأمام براة مكتوبة؟فقال:لا فقالوا له:اذن لم يقبل زيارتك فها نحن كلنا أعطانا براوات بقبول الزيارة،فقال لهم:إنتظروني هنا ثمّ رجع فأتى الى الروضة الطاهرة و استقبل القبر و بكى و قال:يا مولاي ما التقصير الّذي وقع منّي حتّى لم تعطني براة مثل اصحابي،فخرجت اليه براة من المحجر الشريف مكتوب فيها ابو حميد عتيق من النار كتبه علي بن ابي طالب،فرجع الى أصحابه مسرورا فلمّا رأوها تبرّكوا بها و قيل لي:انّها الى الآن موجودة عند اولاده و ذراريه.

و قد جاء جماعة منهم الى البصرة فلمّا دخلوا شط البصرة أراد واحد من أهلها ان يعبث بهم،فقال لهم:كيف أحوال مخنثي البحرين أهم قليلون ام كثيرون؟فقام اليه رجل منهم فقال:

نعم قد قلّوا و ارسلونا نملأ هذه السفينة من مخنّثي البصرة و نرسلها الى هناك.

و نظير هذا انّ شابّا حسن الصورة من اهل اصفهان كان جالسا في السوق و هو مغرور بحسنه و جماله و يعبث بكل من يمر به،فمرّت به فتاة جميلة فقال لها:ايّتها المرأة كيف يباع القبل و الدبر عندكم؟فقالت له:امّا القبل فلا يباع بالموازين و المثاقيل امّا الدبر فأنت أعرف به منّي كيف يباع فانقطع عن الكلام.

و نقل عن ابن الراوندي انّه اتى يوما الى السوق فمرّ بدكّان يباع فيه الباقلا فرأى رجلا غنيّا اشترى باقلا و جلس يأكله فأكل لبّه و رمى قشوره،فقام من غير حمد اللّه تعالى و لا شكر،فرأى بعده رجلا فقيرا جاء الى تلك القشور فالتقطها من التراب و أكلها و حمد اللّه و شكره و قام،و ابن الراوندي واقف ينظر اليه فلمّا قام أتى الى ذلك الرجل و صفعه على رقبته و بالغ في ضربه و قال له:

ما طمع اللّه فينا و لا جرّأه علينا معاشر الفقراء الاّ انت و أمثالك،لأنّه نظر الى انّكم تحمدونه على القشور و الأغنياء ما يحمدونه على اللباب فعلم انّكم راضون بهذا.

ص:95

و نقل عنه ايضا انّه كان جالسا تحت حائط و ليس على رأسه قلنسوة فرفع يديه الى السماء و طلب من اللّه سبحانه ان يرزقه قلنسوة فاتّفق أنّ وراء ذلك الجدار رجلا كنّاسا كان يكنس كنيفا و كان في تلك الكنيف خلق قلنسوة بين الفضلات،فأخذها و رماها بمسحاته فوقعت على رأس ابن الراوندي،فلمّا نظر اليها راى ما عليها فأخذها و رمى بها في الهوى و قال:هذه اجعلها على رأس جبرئيلك ان كان رأسه مكشوفا بغير قلنسوة،هكذا كان حاله مع اللّه تعالى.

و قد تمتّع رجل من أصحابنا بإمرأة و كان ذلك الرجل فقيرا فصار القرار على درهمين تقريبا،فجامعها تلك الليلة خمس مرّات فلمّا أصبح طالبته بالدرهمين و لم يكن عنده شيء، فألحت عليه بحضور جماعة من المؤمنين فقالت:ايّها الناس انّه جامعها خمس مرّات و لم يعطها شيئا فقال لها:يا حبّابه تعالي ثمّ انّه نام و رفع أرجله و قال:تعالي جامعيني سبع مرّات،عوض الخمس مرّات،فقال الحاضرون:الحقّ مع العالم.

و تمتّع رجل من أصحابنا امرأة في شيراز و اعطاها محمّديّة و كان الوقت حارا فصعدنا السطح و امّا هو فغلق باب حجرته عليه و بقى مع المرأة،فلمّا قرب نصف الليل فاذا صوت المرأة قد ارتفع و هي تقول هلموا اليّ فقد قطع فرجها،فنزلنا اليهما فأتيت اليها و قلت ما جرى عليك؟ فقال:انّ الليل لم ينتصف و انّه قاربني عشرين مرة و ما صرت أطيق فهذه المحمّديّة يأخذها و يعفيني بقية الليل،فقلت له يا فلان:ما تقول في كلامها هذا فقال:انّها كذّابة ما بلغت العشرين فلزمني من يدي و قال تعال،فأتيت معه فأدخلني الحجرة و اذا هو قد خطّ المرات خطوطا في الجدار فعددتها و اذا هي ثمان عشرة فقال:انظر كيف كذبت عليّ،فقلت له يا فلان:أقسم عليك باللّه ما كان في نظرك الشريف الى وقت الصباح من مرة،فقال:و اللّه كان في خاطري اربعين مرة ليكون بإزاء كل نصف غازي مرة،ثمّ انّ المرأة أعطته المحمّديّة و انهزمت نصف الليل.

و قد اراد بعض المؤمنين ان يتمتّع في أصفهان فقالت له عجوز دلاّلة:انا أهديك على امرأة جميلة فأخذته الى بيت امأة فرأى امرأة تحت الأستار و الحجب فظنّ بها القبول و قد كان أعطى الدراهم للعجوز و أنصرفت فلمّا خلي معها و رفعت الحجب نظر الي وجهها و اذا لها من العمر ما تجاوز التسعين و لا يتكلّم الاّ بالدرادر لعدم الأسنان،ففكر في نفسه فانتهى فكره الى ان قال لها:

يا حبّابة أريد شيئا من الدهن فقامت و احضرته عنده فكشف رأسه و دهّنه دهنا جيدا،فقال لها:

نامي على اسم اللّه تعالى حتّى نقضي الحاجة فنامت فقدّم رأسه فقالت:ما تصنع؟فقال:قاعدة بلادنا ان يأتون النساء برؤوسهم،فقالت:خربّ اللّه بلادكم و هذا شيء ما يكون،فقال:انظري كيف يكون فقامت من تحته و قالت هذه دراهمك خذها لا بارك اللّه لك فيها فلم يقبل حتّى ضاعفت له الدراهم أضعافا كثيرة بالتماس كثير حتّى أخذها و خرج منها.

ص:96

و واحد آخر أيضا قد جرت عليه مثل هذه المقدّمة فلمّا خلي بها فرآها تزيد في العمر على عجائز بني اسرائيل قام و أخذ ابريقا الى الكنيف،فأخذ لفّافة عمامته و عصب بها ذكره حتى صار كالجاون الصغير فأقبل اليها و هو يتوجّع و يأنّ فانكشف لها،فقالت:ما هذه العصابة على ذكرك، فقال:انّ معي داء البشل و الطبيب أمرني بان أتمتّع امرأة عجوزا و ألفظ سم هذا الوجع فيها حتّى ابرأ،فصاحت من هذا الكلام و قالت:خذ دراهمك لا بارك اللّه لك فيها،فقال:هيهات هيهات لا أقبل هذا ابدا حتّى زادت على ما أعطاها زيادة وافرة فأخذها و مضى.

و قد جاء رجل الى مجلس واحد من العلماء فسمع انّ من جامع امرأته مرّة واحدة كان ثوابه مثل ثواب من قتل كافرا فجاء الى زوجته و نقل لها هذا الحديث ففرحت به،فلمّا جاء الليل قالت له:اما تقتل كافرا؟قال:بلى فجامعها مرّة و ناما،ثمّ ايقظته و قالت اجلس نقتل كافرا فأتاها مرّة أخرى فكررت عليه قتل الكفار تلك الليلة حتّى انتصف الليل،فاستلقى الرجل على قفاه من الضعف فقالت:ذهب الليل فقم نقتل كافرا فقام اليها و قال:يا أيتها المرأة إتقي اللّه تعالى في دمي فانّ سيف عليّ بن ابي طالب ذا الفقار لم يحط بقتل الكفّار في مدّة ستّين سنة و تريدني انا أن أقتل الكفّار كلّهم في ليلة واحدة.

و كان عند رجل من أهل البصرة هرّة مؤذية تسرق طعامهم و تفسد عليهم أمورهم و كلّما أبعدوها عن منزلهم رجعت اليه،فوضعوها فوق لوح و قيّروا رجليها و يديها فوقها و أجروها على وجه الماء،فأخذها الماء فاتّفق انّ حاكم البصرة كان في سفينة في الشط فرأى الهرة تصيح وسط الشط فأمر بها فأتى بها اليه،فعرف انّ صاحبها فعل بها هذا الفعل،فلمّا أتى بها الى البصرة كتب كتابة و وضع فيها خاتمه مضمون الكتابة انّ هذه الهرة لأجل خاطر الحاكم ينبغي ان يعفو صاحبها عن ذنبها و يجعلها في منزله،فعلّق الكتابة في عنقها و سيّبها فأتت الى بيت صاحبها فرآها صاحبها و الكاغذة في رقبتها معلّقة ففتحها و قرأها و اذا فيها حكم الحاكم و خاتمه في قبول الهرّة و ان صاحبها لا يخرجها من بيته و ان أخرجها أخرجه الحاكم من البصرة،فلمّا قرأه جمع مفاتيح بيته و حملها مع الهرة الى حضرة الحاكم فقال:ايّها الأمير هذه مفاتيح منزلي فسلّمها الى هذه الهرّة و انا أخرج من المنزل لأنّ هذه الهرة بدون حكم منكم و كاغذ كانت تخرب علينا و تفسد و الآن حكمكم معلّق في عنقها لا نقدر على اضرارها و لا إبعادها،فضحك الأمير و خلاّها.

و دخل اللص على دار رجل و كان البيت مظلما فوجد في البيت شيئا من الطحين و كان معه رداءه ففرش رداءه و مضى الى ان يأتي بالطحين ليضعه في الرداء،و كان صاحب المنزل يقظانا فمدّ يده الى رداء اللص و أخذه،فأتى اللص بالطحين و صبّه فوق الأزار يظنّ ان الأزار مطروح،فأراد رفع الأزار فلم يجده،فصاح به صاحب المنزل هذا لصّ،فقال اللص:قد علم

ص:97

أيّنا السارق انا او انت،فخرج اللص من غير رداء.و كان في العراق رجل مؤمن فقير و كان عنده حصير ينام عليه مع زوجته،فاذا أرادوا المواقعة ربّما تنجّس ذلك الحصير فقال لأمرأته:اذا أردنا ذلك الأمر إفرشي لنا القباء الخلق حتّى لا ينجّس الحصير،فقالت:هكذا يكون فأتت اليه ذلك اليوم من العصر،فقالت له:افرش القباء هذه الليلة،فقال:بلى فقضوا حاجتهم تلك الليلة فأتت اليه في اليوم الثاني و استأمرته في وضع القباء فأمرها فصارت كلّ يوم تبكّر عليه في هذا الأمر، فكلّ ذلك المؤمن من كثرة المجامعة فأتت اليه يوما تستأمره،فقام اليها و ضربها،و قال لها:

يا ملعونة انا قلت لك اذا أردنا قضاء هذه الحاجة فافرشي لنا خلق القبا و لم أقل لك افرشيه كلّ ليلة.

و قد غار جماعة من عساكر الروم على قبيلة من الأعراب فانهزمت أهل القبيلة و بقيت منهم امرأة عجوز في مكانهم لعدم قوّتها على المسير فأتى اليها رجلان او ثلاثة من عسكر الروم و قالوا لها:ايّتها العجوز نجامعك مرات على عدد أضراسك و كانت قليلة الأضراس،فعدوا أضراسها و تناوبوا عليها حتّى فرغوا من ذلك الحساب،فلمّا ركبوا و أدبروا عنها نادت اليهم و قالت هذه الرحى من ضروسي خفيت عليكم وقت العدّ،فرجعوا اليها و جامعوها مرّة،فلمّا ركبوا وضعت اصبعها على ضرس و قالت هذا ضرس مكسور تعدّيتم عنه،فرجعوا اليها فكانت كلمّا ركبوا تطالبهم بحساب رحاء أو سنّ أو ضرس الى ان عجزوا فولّوا عنها هاربين.و قيل للأعمش لم عمشت عينك؟فقال:من النظر الى الثقلاء.

قال صاحب الأغاني انّ رجلا قال لجرير من أشعر الناس؟قال:قم حتّى أعرفّك الجواب فأخذ بيده و جاء الى أبيه عطيّة و قد أخذ عنزة فاعتقلها و جعل يمتصّ ضرعها،فصاح به أخرج يا ابه،فخرج شيخ ذميم رثّ الهيئة و قد سال لبن العنز على لحيته،فقال:ترى هذا؟قال:نعم قال:اولا تعرفه؟قال:لا قال:هذا ابي أ فتدري لم كان يشرب من ضرع العنزة قال:لا قال:

مخافة ان يسمع صوت الحلب أحد فيطلب منه،ثمّ قال:أشعر الناس من فاخر بهذا الأب ثمانين شاعرا و قارعهم فغلبهم جميعا.

ذكر انّ الحجاج خرج يوما متنزّها فلمّا فرغ من تنزّهه صرف عنه أصحابه و انفرد بنفسه، فاذا هو بشيخ من بني عجل فقال له:من ايّن ايّها الشيخ؟قال:من هذه القرية قال:كيف ترون عمّالكم؟قال:شرّ عمّال يظلمون الناس و يستلّون أموالهم،قال:فكيف قولك في الحجاج؟قال:

ذلك ما ولى العراق أشرّ منه قبّحه اللّه تعالى و قبّح من استعمله قال تعرف من انا؟قال:لا قال:انا الحجّاج،فقال له:أ تعرف من انا قال:لا قال:انا مجنون بني عجل أصرع في كلّ يوم مرتين فضحك و أمر له بصلة.

ص:98

دخل شريك بن الأعور على معاوية و كان ذميما فقال له معاوية:انّك لذميم و الجميل خير من الذميم،و انّك لشريك و ما للّه شريك،و انّ اباك الأعور و الصحيح خير من الأعور فكيف سدت قومك؟!فقال له:انّك معاوية و ما معاوية في اللغة الاّ كلبة عوت فاستعوت الكلاب،و انّك لأبن صخر و السهل خير من الصخر،و انّك لأبن حرب و السلم خير من الحرب،و انّك ابن اميّة فصغرت فكيف صرت علينا امير المؤمنين ثمّ خرج من عنده و هو يقول:

ايشتمني معاوية بن حرب و سيفي صارم و معي لساني

و قال معاوية لرجل من اهل اليمن:ما كان أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة؟فقال:

أجهل من قومي قومك الّذين قالوا لمّا دعاهم الرسول اللّهم ان كان هذا هو الحقّ فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم،و لم يقولوا اللّهم ان كان هذا هو الحقّ فاهدنا اليه.

و خطب معاوية يوما فقال:انّ اللّه تعالى يقول وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاّٰ عِنْدَنٰا خَزٰائِنُهُ وَ مٰا نُنَزِّلُهُ إِلاّٰ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ فعلام تلوموني؟فقال له الأحنف:ما نلومنّك على ما في خزائن اللّه و لكن على ما أنزله اللّه من خزائنه و جعلته في خزائنك و حلت بيننا و بينه.

حكي انّ بعض الأكابر مرّ بامرأة من بعض أحياء العرب فقال لها:ممّن المرأة؟فقالت:من بني فلان،فقال:أ تكنون؟فقالت:نعم نكتني،فقال لها:معاذ اللّه و لو فعلته لأغتسلت،فأجابته على الفور و قالت:دع ذا أ تحسن العروض؟قال:نعم،قالت:قطع حوّلوا عنّا كنيستكم يا بني حمالة الحطب،قال:حولوا عن فاعلات ناكني فاعلن،فقالت:من الفاعل؟فقال:اللّه اكبر انّ للباغي مصرعا.مرّ رجل بابي بكر و معه ثوب،فقال له ابو بكر:أ تبيعه؟فقال:لا يرحمك اللّه، فقال له ابو بكر:لو تستقيمون لقوّمت السنتكم هلاّ قلت و يرحمك اللّه.قال شيخنا البهائي تغمّده اللّه برحمته اعتراض ابي بكر غير وارد على ذلك الرجل لإحتمال ان يكون قصده من قوله لا يرحمك اللّه معناه الظاهر.

قال الأصمعي:دخلت البادية و معي كيس فأودعته امرأة منهم،فلمّا طلبته أنكرته فقدّمتها الى شيخ من الأعراب فأقامت على إنكارها،فقال:ليس عليها الاّ اليمين،فقلت:كأنك لم تسمع قوله تعالى.

و لا تقبل لسارقة يمينا و لو حلفت بربّ العالمينا

فقال:صدقت،ثمّ تهدّدها فأقرت فردّت اليّ مالي،ثمّ التفت اليّ الشيخ فقال:في ايّ صورة تلك الآية فقلت في سورة:

ألا هبي بصحبك فأصبحينا و لا تبغي خمور الأندرينا

ص:99

فقال:سبحان اللّه لقد كنت أظنّها في سورة انّا فتحنا لك فتحا مبينا.قال الرشيد لمسكين سأله حاجة:ما بال الملوك و عندهم الأطباء لا تطول أعمارهم؟فقال المسكين:لأنّ الملوك يعطون رزقهم جملة فيأكلون و أرزاقنا تأتينا من خرت الأبرة فنأكلها شيئا فشيئا فنبقى حتّى نستوفيها، فعجب من جوابه و أعطاه عشرة الآف درهم فما أتت عليه أيّام حتّى مات،فقال الرشيد:جمعنا له رزقه فمات.

جلس كسرى يوما لمظالم العباد فتقدّم اليه رجل قصير و جعل يقول:انا مظلوم فلم يلتفت اليه،فقال الوزير:أنصف الرجل فقال:انّ القصير لا يظلمه أحد فقال:الّذي ظلمني أقصر منّي.قال حائك للأعمش:ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟قال:لا بأس بها على غير وضوء، قال:و شهادته قال:تقبل مع عدلين يشهدان معه.و قد كان رجل في أصفهان يقرأ في علم الحساب فدخل يوما على الوزير الأعظم الّذي بيده الموقوفات يريد منه شيئا من غلات الأوقاف فسأله الوزير في ايّ شيء تقرأ قال:في بحث القسمة من خلاصة الحساب فأراد الوزير ان يعبث به فقال له:كيف تقسم مائة ضرطة على تسعين لحية،فقال الرجل:قسمتها انّ الوزير سلّمه اللّه تعالى له من كلّ شيء فاذا رفع العشر تصير القسمة ظاهرة فضحك الوزير هو و الحاضرون.

و مضى رجل من أهل العراق الى قرية في خراسان اسمها جام و هي قرية الملاّ جامي في حياة الملأ المذكور،فلمّا أتى الرجل العراقي الى مسجدها أخذ في الصلاة و شدّ الحنك،فلمّا رآه أهل تلك القرية مواظبا على الصلاة متلبسا الثياب البيض تركوا الصلاة مع الملأ و أقبلوا الى الصلاة خلف ذلك الرجل،فوبخهم الجامي و قال:هذا عربي جاهل كيف تصلّون خلفه،فعزموا ان يجمعوا بينهما للمباحثة،فاجتمع الناس فلمّا جلسوا قال العراقي للجامي:ما معنى لا أعلم فقال:معناه(نميدانم)فصاح العراقي و قال:اشهدوا انّه قال(نميدانم)و هذه اللفظة معناها لا أعلم فظن الحاضرون من الأعاجم أنّه سأله مسئلة و قال للجامي:لا أعلم يعني لا أعلم هذه المسئلة فأقبلوا على الرجل و هجروا الجامي،فلمّا آل الحال الى هذا خرج الجامي من تلك القرية و خرج الناس لمشايعته فوقف على باب البلد فقال:ايّها الناس اوصيكم في هذا الرجل العربي فانّه رجل صالح فامضوا اليه و التمسوا لي منه شعرة من لحيته تكون معي في السفر أتبرّك بها فمضوا الى الشيخ فنتف شعرة و أرسلها له فأخذها و سافر،فقال اهل القرية:انّ لحية إمامنا تصلح للتبرّك فأتوه و طلبوا منه شعرة شعرة الى ان أتوا على آخرها،فبقى الرجل العربي معدوم اللحية فانهزم من بينهم.

و قد تنازع رجل شيعي و رجل سني في انّ الأفضل بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أ هو علي ابن ابي طالب؟او ابو بكر؟فتراضيا على انّهم يمشون فأول من يطلع عليهم في الطريق يكون حكما

ص:100

يرضون بقوله،فلمّا مشيا و اذا برجل قد طلع عليهما من رأس الطريق فأتوا اليه فقال له الشيعي:

انّا رضيناك حكما في مسئلة،فقال:ما هي؟قال:انا أقول انّ أفضل الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو علي بن ابي طالب عليه السّلام،فقال:و هذا ابن زانية ما يقول؟فلمّا سمع ذلك الرجل هذه الكلمة ولّى هاربا.

و حكي لي في مشهد أمير المؤمنين عليه السّلام رجل كان مخالفا ثمّ أستبصر فقال:انّي كنت أتوضأ بعد تشيّعي في مكان لم يكن فيه أحد،فتوضّأت وضوء الشيعة فمسحت رجلي فالتفت و اذا رجل من أكابر المخالفين فوق رأسي فعمدت الى رجلي فغسلتهما فقال لي:ما هذا الوضوء مسحت أوّلا ثمّ غسلت؟فقلت له هذه المسئلة قد وقع فيها الخلاف بين اللّه تعالى و بين ابي حنيفة فقال اللّه تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ و قال ابو حنيفة:و يجب غسل الرجلين في الوضوء فانا مسحت رجلي خوفا من اللّه تعالى ثمّ غسلت رجلي منكم،فضحك ذلك الرجل و انصرف.

قد يشدّ الأنسان في اصبعه او يده و نحوه ليتذكر به و يسمّى الرتيمة فهل في جسدك عرق او شعرة الاّ و هي تذكرك الخالق فما هذا النسيان البارد:

اذا لم تكن حاجاتنا في نفوسكم فليس بمغن عنه عقد الرتائم

ما أبيض الرغيف حتّى اسودّ وجه الضعيفك

ما أبيضّ وجه المرء في طلب العلا حتّى تسودّ وجهه في البيد

رأت فأرة جملا فجرّت خطامه فتبعها فلمّا وصل الى بيتها وقف و نادى بلسان حاله اما ان تتخذي دارا تليق بمحبوبك او محبوبا يليق بدارك،و انت اما ان تصلّي صلاة تليق بمعبودك او تتّخذ معبودا يليق بصلاتك،من لم يسمع كلام الصامت و لم يفهم عبادة الجامد فليس بفطن لا يغرنّك صفو العيش فالدرد في أسفل الكأس:

كان للقوم في الرجاجة باقي أنا وحدي شربت ذاك الباقي

و صلاح الأجسام سهل و لكن في صلاح العقول يعيى الطبيب

و سمّيتها ليلى و سمّيت دارها بنجد فلا ليلى اردت و لا نجدا

يا كاسبا من غير حل درهما و لعلّه في اجرة الحفّار

و ما حاجر الا بليلى و أهلها اذا لم تكن ليلى فلا كان حاجر

و ليس هوى العيون هوى صحيح اذا لم يتصل بهوى القلوب

و ليس يشين السيف ان لا ترى له لدى الضرب جفنا مذهبا و مفضضا

و ما اسفي الاّ على العمر ينقضي و ليس لنا في الأجتماع نصيب

ص:101

و ما الغل في الأعناق لموق حديدة و لكنّ ما من اللئيم هو القتل

و من يسأل الركبان عن كل غائب فلا بدّ ان يلقى بشيرا و ناعيا

أصحّ و أقوى ما سمعناه في الندى من الخبر المأثور منذ قديم

احاديث ترويها السيول عن الحيا عن البحر عن كف الأمير تميم

لا تتبعن كلّ دخان ترى فالنار قد توقد للكيّ

الهمم تتفاوت في جميع الحيوانات العنكبوت من حين يولد ينسج لنفسه بيتا و لا تقبل منّة الأمّ،و الحيّة تطلب ما حفره غيرها اذ طبعها الظلم،لمّا كان الطائر يحتاج ان يزق فرخه لم يحمل عليه الاّ تدبير بيضتين،و لمّا كانت الدجاجة تحضن و لا تزق كان بيضها أكثر،و لمّا كانت الرقة (1)لا تحضن و لا تزق صارت تبيض ستّين بيضة و تحفر لهنّ و تترك التراب عليهنّ،و بعد ايام ينبشن و يخرجن،اذا صبّ في القنديل ماء ثمّ صب عليه زيت صعد الزيت فوق الماء فيقول الماء:انا ربّيت شجرتك فاين الأدب لم ترتفع علي؟فيقول الزيت أنت في رضراض الأنهار تجري على طريق السلامة و انا صبرت على العصر و طحن الرحا و بالصبر يرفع القدر،فيقول الماء الاّ انّي انا الأصل فيقول الزيت استر عيبك فانّك لو تولّيت المصباح لأنطفأ.

كان داود عليه السّلام يقول في مناجاته الهي خرجت أسأل أطبّاء عبادك ان يداووا لي جرح خطيئتي و كلّهم عليك دلّني من امتطى على راحلة الشوق لم يشق عليه بعد السفر:

على قدر اهل العزم تأتي العزائم و تأتي على قدر الكرام الكرائم

كان بعض الأغنياء كثيرا الشكر فطال عليه الأمد فبطر و عصى فما زالت نعمته و لا تغيّرت حالته،فقال:يا ربّ تبدّلت طاعتي و ما تغيّرت نعمتي فهتف هاتف يا هذا لأيّام الوصال عندنا حرمة ضيّعتها و حفظناها،العود في بلادها خشب فاذا سوفر به الى طالبي الطيب عزّ البهائم تنظر العواقب هذا الأيّل يأكل الحيّات فيشتدّ عطشه فيحوم حول الماء فلا تشربه لعلمه انّ الماء ينفذ السمّ الى اماكن لا يبلغها الطعام،و من عادته ان يسقط قرنه في كلّ سنة و هو سلاحه فيختبي الى ان ينبت،هذه الحيّة تستتر طول الشتاء في الأرض فتخرج و قد غشّى بصرها فتحكه بأصول الراز يانج لأنّه يزيل الغشاء،اذا جلست في ظلام الليل بين يدي سيدك فاستعمل أخلاق الأطفال فانّ الطفل اذا طلب من ابيه شيئا فلم يعطه بكى:

يا سادتي هل يخطرنّ ببالكم من ليس يخطر غيركم في باله

ص:102


1- (12) الرقة العظيم من السلاحف يعني:(لاك بشت)او دويبة صغيرة

حاشاكم ان تغفلوا عن حال من هو غافل في حبّكم عن حاله

باتوا و خلفت ابكي في ديارهم قل للديار سفاك الرايح الغادي

و قل لأظعانهم حييت من ظعن و قل لواديهم حييت من وادي

قال البازي للديك:ما على وجه الأرض أقلّ وفاء منك أخذوك أهلك بيضة فحضنوك فلمّا خرجت جعلوا مهدك حجورهم،و مأيدتك أكفهم حتى اذا كبرت صرت لا يدنو منك احد الا طرت هيهنا و هيهنا،و انا أخذت مسنّا من الجبال فعلّموني ثم أرسلوني فجئت بالصوت لهم،فقال له:الديك لم نر بازيا مشويا في سفود و كم رأيت في سفود من ذيك البحتري:

و اذا تكامل للفتى من عمره خمسون و هو الى التقى لا يجنح

عكفت عليه المخربات فما له متأخّر عنها و لا متزجر

فاذا رأى الشيطان غرّه وجهه حيّا و قال فديت من لا يفلح

الفخر بالهمم العالية لا بالرمم البالية،من شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة،كان بيّاع لبن يخلط اللبن بالماء فجاء السيل فذهب بالغنم،فجعل يبكي و يقول اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلا:

أسائل عمّن لا أريد و انّما اريدكم من بينهم بسؤال

رأى رجل في طريق مكة امرأة فتبعها فقالت:مالك؟قال:قد سلب حبّك قلبي،قالت:

فلو رأيت أختي هذه فالتفت فلم ير أحدا،فقالت:ايها الكاذب في دعواه لو صدقت ما التفت، بات الفرزدق عند ديرانيّة فأكل طفيشلها (1)بلحم خنزير،و شرب خمرها،و فجر بها،و سرق كساها ثمّ قال:للّه درّ ابن المراغة يعني جريرا حيث يقول:

و كنت اذا نزلت بدار قوم رحلت مخزّية و تركت عارا

نظر اعرابي الى القمر حين طلع فأبصر به الطريق و قد خاف ان يضل،فقال:ما عسيت ان أقول ان قلت حسّنك اللّه فقد فعل او رفعك اللّه فقد فعل.نظر رجل حجازي الى هلال شهر رمضان و قال:قد جئتني بقرينك قطع اللّه أجلي ان لم أقطعك بالأسفار.قيل لأعرابي ما علمك بالنجوم؟قال:من الّذي لا يعلم أجذاع بيته.قيل لأعرابي ما أعددت للبرد قال:طول الرعدة.

ص:103


1- (13) الطفيشل نوع من المرق.

كان لأبن اسحاق الموصلي غلام يستقي له،فقال له يوما:يا فتح ما خبرك؟قال:خبري انّي لا أرى احدا في الدار أشقى منّي و منك،قال:كيف؟قال:لأنّك تطعمهم الخبز و أنا أسقيهم الماء، فضحك و أعتقه.إستطاب اسماعيل بن أحمد نيشابور ثمّ قال:نعم الوطن لو لا،قيل كيف؟قال:

كان ينبغي ان يكون مياهها الّتي في باطنها على ظاهرها و مشايخها الّذين في ظاهرها و في باطنها.الأيوان من بغداد على مرحلة بناه كسرى في نيف و عشرين سنة طوله مائة ذراع في عرض خمسين في سمك مائة،و لمّا بنى المنصور بغداد أحبّ ان ينقضه و يبنى بنقضه،فاستشار خالد بن برمك فنهاه فقال:هو آية الأسلام و من بناه علم انّ من هذا بناؤه لا يزيل أمرع الا نبي،و هو مصلّى علي بن ابي طالب،و المؤنة في نقضه اكثر من الأرتقاء،فقال:أبيت الاّ ميلا الى العجم فهدمت ثلمة،فبلغت النفقة عليها مالا كثيرا فأمسك،فقال له خالد:انا الآن أشير بهدمه لئلاّ يتحدّث بعجزك عنه فلم يفعل.

اعتل شابور ذو الأكتاف بالروم و كان أسيرا،فقالت له بنت الملك و قد عشقته:ما تشتهي؟ قال:شربة من ماء دجلة و شمّة من تراب اصطخر،فأتته بعد أيّام بماء و قبضة من تراب و قالت:

هذا من ماء دجلة و شمّة من تراب اصطخر،فأتته بعد أيّام بماء و قبضة من تراب و قالت:هذا من ماء دجلة و هذا من تربة ارضك،فشرب و اشتم بالوهم فنقّي من علته.

قيل لحكيم أيّ الأوقات أحمد للأكل؟قال:من قدر فاذا اشتهى،و امّا من لم يقدر فاذا وجده قيل لمدني بم تتسحّر الليلة؟قال:باليأس من فطور القابلة.

قيل لأبن الحارث ما تقول في الفالوذج؟قال:وددت انّها و ملك الموت قد اعتلجا في صدري،و اللّه لو انّ موسى لقي فرعون بفالوذجة لأمن و لكن لقيه بعصى.شكي الى ابي العينا مدني سوء الحال فقال له:ابشر فأنّ اللّه قد رزقك الأسلام و العافية،فقال:أجل و لكن بينهما جوع يقلقل الكبد.شكى رجل الى طبيب وجع البطن،فقال:أكلت سمكا و لحم بقر و بيضا و ماستا.فقال:انظر ان مت في هذا و الاّ فأرم بنفسك في حالق.

اشترى إعرابي غلاما فقيل يبول في الفراش،فقال:ان وجد فراشا فليبل عليه راشدا.و قال المأمون لأحمد بن يوسف:انّ أصحاب الصدقات تظلّموا منك،فقال:و اللّه يا أمير المؤمنين ما رضي أصحاب الصدقات عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى أنزل اللّه تعالى فيهم وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقٰاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهٰا إِذٰا هُمْ يَسْخَطُونَ فكيف يرضون عنّي، فاستضحك المأمون و قال له:تأمّل أحوالهم و أحسن النظر في أمرهم.

ص:104

دعا الرشيد ابا يوسف ليلا فسأله عن مسئلة فأفتاه فأمر له بمائة ألف درهم،فقال:ان رأى اميران يأمر بتعجيلها قبل الصبح،فقال:عجّلوها له،فقيل انّ الخازن في بيته و الأبواب مغلقة فحين دعي بي فتحت.

كان ابو الأسود يتشيّع و كان ينزل في بني قشير و هم عثمانية و كانوا يرمونه بالليل فاذا أصبح شكى ذلك فشكاهم مرّة،فقالوا له:ما نحن نرميك و لكنّ اللّه يرميك؟فقال:كذبتم و اللّه لو كان اللّه يرميني لما أخطأني،كان بعض أهل البصرة يتشيّع و كان له صديق يوافقه في المذهب فأودعه مالا فجحده،فأضطر الى ان قال لمحمّد بن سليمان و سأله ان يحضره و يحلّفه بحقّ علي عليه السّلام ففعل ذلك،فقال الرجل:أعزّ اللّه الأمير هذا الرجل صديقي و هو أعزّ عليّ و أجل من ان أحلف له بالبرائة من متخلف في ولايته و ايمانه،و لكنّي أحلف بالبرائة من متفق على ايمانهما و ولايتهما ابي بكر و عمر،فضحك محمّد بن سليمان و التزم المال و خلّى عن الرجل.

اتى عتاب بن ورقا بامرأة من الخوارج،فقال لها:يا عدوّة اللّه ما دعاك الى الخروج اما سمعت اللّه سبحانه يقول:

كتب القتل و القتال علينا و على الغانيات جرّ الذيول

قالت:يا عدو اللّه أخرجني قلة معرفتك بكتاب اللّه.قال المنصور لبعض الخوارج من اشدّ اصحابي اقداما كان في مبارزتك؟فقال:ما أعرفهم بوجوههم و لكنّي اعرف أقفيتهم فقل لهم يدبروا حتّى أصفهم فأغتاظ و أمر بقتله.

قال الحجاج لرجل من الخوارج:و اللّه انّي أبغضكم،فقال الخارجي:أدخل اللّه اشدّنا بغضا لصاحبه الجنّة،خفّف اشعب الصلاة مرة،فقال له بعض اهل المسجد:خففت الصلاة جدا؟قال:لأنّه لم يخالطها رياء.قال رجل لجواسيس الصقلى انّك من مدينة خسيسة فقال:امّا انا فيلزمني العار من قبل بلدي و امّا انت فيلزم العار اهل بلدك منك.

و في المثل(أبخل مارد)و هو رجل من ابن هلال بن عامر كان يسقي ابله في حوض فلمّا بقي في اسفل الحوض قليل ماء سلح فيه لئلا يشربه غيره،و فيه ابله من باقل و هو رجل من ثعلبة اشترى ظبيا باحدى عشر درهما،فسئل عن ثمنه ففتح يديه و أخرج لسانه يريد بذلك أحد عشر درهما فهرب الظبي من يده.

(أسرع من نكاح امّ خارجة)و هي عمرة بنت سعد كانوا يقولون لها خطب فتقول:نكح أي كلّ من يخطبها نكحها.

(أهيم من المقترش)و هو سعد بن مالك كان عاشقا لفاطمة بنت المنذر بن ماء السماء متيّما بها،و من حبّه لها انّه قطع ابهامه و جهّزه اليها.

ص:105

(أجود من فم كعب)هو كعب بن مادة رافق رفقة فعطشوا فآثرهم بالماء و مات عطشا.

(أجبن من صافن)هو طائر يتعلّق بالشجر برجليه و ينكس رأسه من الخوف يصاد فيصفر الى السحر.

(أجوع من زرعة)هي كلبة لبنى يربوع اماتوها جوعا.

(أحمق من عجل)بن لخيم بن صعب بن عدي بن بكر بن وائل قيل له ما سميت فرسك فقام و فقأ عينه و قال:سميته الأعور.

(أحمى من مجير الجراد)و هو مريخ بن سويد كان اذا نزل الجراد بأرضه منع الناس من التعرض له.

(احذر من الغراب)اوصى الغراب ولده فقال:يا بني اذا رميت فتلوصي قال انا اتلوص قبل ان أرمى(أحذر من الذئب)لأنّه ينام واحدى عينيه مفتوحة من الخوف(أحير من ضب)لأنّه اذا فارق حجره لا يهتدي اليه(ازنى من ظلمة)امرأة زنت اربعين سنة و استخنثت اربعين سنة و لمّا عجّزت اتّخذت تيسا و عنزا(معزا خ)فقيل لها في ذلك:فقالت:لأسمع أصوات الجماع.

(أسأل من فحلس)و هو سيّد عزيز كان اذا غزى قومه سألهم ان يجعلوا له قسما من الغنيمة و لجميع من عنده حتّى لناقته(أشأم من البسوس)و هي خالة معن بن مرة الشيباني كانت لها ناقة يقال لها شرّ ان فرآها كليب ترعى في حماه و قد كسّرت بيض طائر كان قد أجاره فرمى ضرعها بسهم فوثب جسّاس الى كليب فقتله فهاجت الحرب بين بكر و تغلب بن وابل بسببها اربعين سنة.

(أشأم من رغيف الحولاء)هي جنازة كانت في بعض أحياء العرب فأخذ منها رغيف فقتل عليه ألف رجل(أشغل من ذات النحيين)هي امرأة من تيم كانت تبيع السمن في الجاهليّة،فأتاها جواب الأنصاري يبتاع منها سمنا فلم يجد عندها أحدا فساومها فحلّت نحيا مملوا فنظر اليه و قال:

أمسكيه حتّى أنظر الى غيره،ثمّ فتحت له نحيا آخر فنظر فيه،و قال:أمسكيه فمسكت النحيين فلمّا شغل يديها قام اليها و جامعها و لم تقدر على دفعه فقضى حاجته و هرب(أظلم من حيّة)لأنّها لا تتخذ بيتا لنفسها و تدخل بيوت الغير فتخرجهم عنها.

(أحجم من حجّام ساباط)كان يحجم الجند فاذا بطل حجم امّه حتّى لا يقال انّه بئس الحجام فما زال يحجم امّه حتّى سرق دمها فماتت(أكبر من عجوز بني اسرائيل)و هي الّتي دلّت موسى عليه السّلام على تابوت يوسف عليه السّلام،و هي من ولد اسحاق عليه السّلام و عاشت اربعمائة سنة.(ألأم من أسلم)هو ابن ذرعة كان قد وليّ خراسان فقيل له:انّ الفرس كانت اذا مات لهم ميّت جعلوا في

ص:106

فيه درهما فنبش المقابر لذلك(الأم من راضع اللبن)هو رجل من بني تميم كان يرتضع ناقته و لا يحلبها لئلا يسمعه احد.

(أندم من الكسعي)و هو محارب بن قيس من بني كسع كان يرعى إبلا بواد معشب فرأى نبعة على صخرة فأعجبته،فقطعها و اتّخذ منها قوسا فمرّت به قطعان من حمر الوحش ليلا فرمى عشيرا فأنفذها،و أخرج السهم منها فأصاب الجبل فأرى نارا فظنّ انّه أخطأ ثمّ مرّ قطيع آخر فرماه فأنفذه كالأوّل و فعل ذلك مرارا،فعمد الى قوسه فكسره من حنقه،فلمّا أصبح رأى الحمر قتلن مضرّجة بالدم فندم و عضّ ابهامه فقطعها(أنمّ من صبح)لأنّه يهتك الأستار.

قال اعرابيّ لأبي الأسود الدؤلي:و كان الأعرابي أعور ما الشيء و نصف الشيء و لا شيء؟ فقال:امّا الشيء فالبصر،و امّا نصف الشيء فالأعور كما أنت،و امّا لا شيء فالأعمى.شمّ اعرابي أبطيه فقطب و قال:أخرجني اللّه من بينكما.و في ربيع الأبرار انّ مخنّثا لقي آخر و قد تاب فقال له:

من اين معاشك؟قال:بقيت لي بقية من الكسب القديم فقال له:انّ لحم الخنزير طريّا خير من قديده.أطعم رجل قوما أضرس أسنانهم فقيل له قد لعمري إقتصصت من كلّ ضرس يجني عليك في رغفانك.قيل لإعرابي كيف حزنك على ولدك؟قال:ما ترك حبّ الغدا و العشا لي حزنا.

مرّ سكران بمؤذّن رديء الحنجرة،فجلد به الأرض و جعل يدوس بطنه،فاجتمع عليه الناس فقال:ما بي رداءة صوته و لكن شماتة اليهود و النصارى بالمسلمين.قيل لأبي العينا:هل بقي في دهرنا من يلقي؟قال:نعم و لكن في البئر.و قال رجل لإبن سيرين إننا ننال منك فاجعلنا في حلّ،فقال:ما كنت لأحلّ لكم ما حرّم اللّه عليكم.مرّ رجل بأبي عليه بالضمير.قال رجل لبعض الأعراب لا أحسبك تحسن الجزاءة،فقال:بلى و أبيك انّي بها لحاذق أبعد الأثر و أعدّ المدر و استقبل الشيح،و استدبر الريح،واقعي اقعاع الظبي و أجفل إجفال النعام.

استأجر رجل حمّالا ليحمل معه قفصا فيه قوارير على ان يعلّمه ثلاث خصال ينتفع بها، فلمّا بلغ ثلث الطريق قال:هات الخصلة الأولى،فقال:من قال لك انّ الجوع خير من الشبع فلا تصدّقه،فقال:نعم،فلمّا بلغ نصف الطريق قال:هات الثانية و قال:من قال لك انّ المشي خير من الركوب فلا تصدّقه،قال:نعم،فلمّا انتهى الى باب الدار قال:هات الثالثة،قال:من قال لك انّه وجد حمّالا أرخص منك فلا تصدّقه،فرمى الحمّال بالقفص فكسر جميع القوارير، و قال:من قال لك انّه بقي في القفص قارورة واحدة فلا تصدّقه.

و في بعض المحاضرات الراغب الأصفهاني قال اياس لأهل مكة:قدمنا بلدكم فعرفنا خياركم من شراركم في يومين،قيل له كيف؟قال:كان معنا خيار و أشرار فلحق خيارنا بخياركم

ص:107

و شرارنا بشراركم فألف كلّ شكله.و فيها ايضا ترك المعاتبة دليل على قلّة الأكتراث بالصديق و قيل المعاتبة تزيل الموجدة اوكد للمحبّة ما كان بعد المعتبة.و فيها قول بشار:

يا قوم اذني لبعض الحي عاشقة و الأذن يعشق قبل العين احيانا

قالوا بما لا ترى تهذي فقلت لهم الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

كان رجل في بغداد و كان عنده كلب يتبع قطيع الغنم فاتّفق انّ ذلك الكلب قد مات و لأجل انّ صاحبه كان يحبّه دفنه في المقبرة،فبلغ الخبر الى قاضي بغداد فأمر بإحضاره و أفتى بإحراقه حيث أنّه دفن الكلب في مقابر المسلمين،فلمّا أخذوه للإحراق قال يا قوم لي حاجة الى القاضي فدنى منه و قال:ايّها القاضي انّ الكلب قد اوصى بوصية و أريد ان أعرضها على جنابك حتّى لا يبقى في عنقي لأنّي مقتول،فقال القاضي:و ما هي؟قال:انّ الكلب لمّا حضرته الوفاة اشرت اليه انّ هذا القطيع هو مالك فأوصى به لمن شئت،فأشار الى بيت مولانا القاضي و هذا قطيع الغنم حاضر فقال القاضي:ما كانت علّة المرحوم اما اوصى بشيء غير هذا الفاتحة انّ اللّه سبحانه يمنّ عليه بنعيم الآخرة،إمضّ سالما حتّى تأتينا بوصايا المرحوم فمضى الرجل سالما و اتى اليه بالقطيع.

قال الحجّاج لكاتبه:لا تجعلنّ مالي عند من لا أستطيع اخذه منه قال:و من لا يستطيع أن يأخذ منه ماله قال:المفلس.

و كان في أصفهان في زمن تأليف هذا الكتاب اخوان فامّا الأعلم منهما فقد كلّفه السلطان بأن يلي قضاء أصفهان كتب له سجلا و ارسل اليه خلعة فاخرة فلم يقبل بل اعطى من ماله مبلغا خطيرا للوزراء حتّى عاونوا على الأستعفاء عنها و امّا أخوه الآخر فقد بذل الأموال على تحصيلها حتّى وقعت في يده،فأتى الوزير الأعظم يوما من الأيّام يذكر عند السلطان محاسن الأخ الأوّل بانّه لم يقبل القضا مع وفور مداخلها و زيادة الجاه و الأعتبار فيها و ليس هذا الاّ من علوّ همّته، فضحك السلطان و قال:انّ اخاه و هو القاضي اعلى همّة منه و ذلك انّ القاضي طلّق الآخرة و عافها و هذا عاف الدنيا فالهمّة العالية لمن عاف الآخرة و طلّقها،فضحك الحاضرون من حسن كلامه و عبثه بالقاضي.

و قد كان بين رجلين منازعة في بعض الدعاوي فأتى أحدهما الى بيت القاضي و معه ظرف لبن و قد كان القاضي داخل البيت و رأى فلمّا خرج الى مجلس القضا اتى الآخر بكبش سمين الى بيت القاضي لكنّ القاضي لم يعلم به فلمّا تداعيا جعل الحق مع صاحب اللبن فأتى اليه خادمه يخبره بالكبش فقال:انّ الكبش اتى الي باللبن و اراقه في الأرض فبقينا بغير لبن فعرف القاضي

ص:108

مضمون كلامه فقال:أعيدا عليّ الدعوى فانّي كنت اتفكر في امور الآخرة و قد غفلت عن امور الدنيا فلمّا اعاد الكلام قال سبحان اللّه الحق مع هذا الرجل و انا أخذني الفكر فجعله مع صاحب الكبش.

و في كتاب ربيع الأبرار انّ ملانا امير المؤمنين عليه السّلام رأى اعرابيّا قد خفّف صلاته فعلاه بالدرة ليضربه على تلك الصلاة الخفيفة،فأعاد الأعرابي تلك الصلاة بتأنّ فقال له امير المؤمنين عليه السّلام:

هذه أحسن ام تلك فقال يا أمير المؤمنين:الأولى خير من الثانية لأنّ الأولى صلّيتها خوفا من ربّيك و امّا الثانية فقد صلّيتها خوفا منك فضحك عليه السّلام.و من الآثار ما نقل انّ الأشعث كان يصلّي خلف مروان بن عثمان في الصفّ الأوّل فضرط مروان فقطع ابن الأشعث صلاته و انصرف حتّى ظنّ الناس انّ تلك الضرطة منه و بقي مروان يصلي،فلمّا فرغ و انصرف الى منزله أتى اليه ابن الأشعث فقال له:أعطني الديّة،فقال:ايّ ديّة؟قال:ديّة الضرطة الّتي جعلتها على نفسي،فان تعطني ديّتها و الا اخبرت اهل المسجد و فضحتك بينهم فأعطاه ما أراد.

و من ذلك ما وجد في كتب السير انّ السلطان هولاكو لمّا أقبل بعسكره الى ارض بابل انهزم الناس عنه و قد بقى رجل واحد قد كان جالسا وحده،فسأله واحد من العسكر من انت و كيف بقيت؟قال:انا اللّه و لكنّي إله الأرض أما سمعت في السماء إله و في الأرض إله فانا اله الأرض فذهب ذلك الرجل و حكى للسلطان هولاكو،فأقبل ذلك السلطان يمشي اليه و سأله فقال:انا اله الأرض فقال:تقدر على ايّ شيء؟فقال:على كلّ شيء فنظر السلطان الى صبي كان معه و قال:

هذا الصبي فمه ضيّق فان كنت الها فوسّع فمه فقال ذلك الرجل:قد تعاقدت و تحالفت مع اله السماء بانّ توسعت ما بين السرة الى فوق على اله السماء و توسعة ما بين السرة الى تحت على انا فان اردت هذا فأنا قادر عليه فضحك السلطان و انصرف عنه.

و منه ايضا انّ رجلا بحرانيّا كان عنده امرأة سليطة فطبخت طعاما و قعد معها يأكل و كان الطعام مالحا فلم يقدر على اظهاره خوفا منها فقال:أقول ثمّ سكت ثمّ قال:أقول ثمّ سكت فقالت:ما تقول و رفع المسّ(المداس خ)و ضربته على رأسه فسال دمه فقام و وقف ناحية فقال:انا ما أترك شمخرتي و لا عطاس رأسي الطعام مالح مالح مالح.و رأيت في بعض الكتب انّ سكينة بنت الحسين عليه السّلام غضبت على رجل فأمرت بحلق لحيته فأتاه الحالق يحلقها فقال له:انفخ شدقيك حتّى احلق لحيتك فقال:أمروك بحلق لحيتي او بأن تعلّمني لعب الزمر فقال الحالقك هكذا يكون حلق الشعر؟فقال:اذا امرأتك حلقت ذلك الموضع من ينفخ لها طرفي شعرتها.شفرتها خ)فحكوا لسكينة فضحكت و تجاوزت عنه.

ص:109

و أتى رجل الى الوزير الأعظم الّذي ترجع اليه أمور القضاة و هو الّذي يعزل و ينصب لكن بالرشاوي و البرطيل فعمد الرجل الى دبة كبيرة و ملأها من التراب و الحجارة و الجصّ و النورة و وضع في رأسها قليلا من الدهن و أتى بها الى الوزير فلمّا رآها كتب له سجلا محكما على القضاء فأخذه و مضى الى بلاده فلمّا ارادوا ان يخرجوا من الدهن اطّلعوا على ما في الدبة من المكر و الحيلة،فأرسلوا و أخبروا الوزير فأرسل الوزير الى القاضي انّ ذلك السجل الّذي كتبناه لك فيه بعض الخلل و الغلط ارسله الينا لنصلحه و نرسله اليك،فكتب اليه القاضي اعزّ اللّه مولانا الوزير عن حال السجل الّذي امرتم لنا به و لا رأينا فيه خللا و لا غلطا و لكن ان كان شيء فالخلل و الغلط انّما وقع في الدبة فضحك الوزير و خلاّه.

و قد أعطى قضاة بعض البلدان لرجل و كان ذلك الوزير رحمة اللّه كلّ رجل أعطاه رشوة اكثر من القاضي الآخر عزل من أعطى القليل فأتى اليه ذلك الرجل لمّا كتب له كتابة على القضاء فقال:أعزّ اللّه الوزير انّي اكتريت دابة الى بلادي فاستكيرها راسا او راسين فضحك الوزير و عرف ما أراد.

و قد أراد السلطان المرحوم الشاه عبّاس الأول ان يعرض بعساكره فيراها فلمّا عرض بهم رأى بينهم ولدا جميلا حسن الصورة و اللباس و المركوب و السلاح فسأله مقرّره من دفتر السلطان فذكر شيئا قليلا فقال له الشاه:انّ وظيفتك هذه لا يفي بزيّك هذا و هيئتك هذه فلعلّك تمضي بالليل و تؤجر نفسك لمن يعمل بك فقال له ذلك الولد اعز اللّه السلطان انّ عبيده الأتراك قد أرخصوا هذه التجارة بكثرتهم حتّى انّهم لم يبقوا لأحد سببا فيها فضحك السلطان و أمر له بعطايا جزيلة.

و كان هذا السلطان رحمه اللّه يخرج في الليل بزي الفقراء يدور في بلده لينظر الظالم من المظلوم و يتصفّح احوال الناس فأتى ليلة الى بقّال فقال:ايّها البقّال انا رجل فقير و ليس عندي الاّ نصف فلس و أريد هذه الليلة لا أنام فأعطني بهذا النصف شمعة تشتعل الى الصباح فقال:الشمعة لا يكون هذا حالها و لكن أبيعك رأسا من الثوم كبيرا تضعه في دبرك فانّه يشتعل به الى الصباح و لا تقدر ان تنام فضحك و مضى عنه و لمّا أصبح الصباح و جلس على سرير الملك ارسل الى ذلك البقّال فلمّا دخل عليه و تعارفا خاف البقّال منه فأمّنه و أعطاه.

و قد أتى رجل بدوي الى بعض البلدان فاضافه صديق له و قدّم اليه فاوزج فلمّا شرب منها جرعة و رأى لطافتها وضع يده على دبره فقيل له في ذلك فقال:لئلا تخرج من هناك سريعا لنعومتها فقال له صديقه تعرف اسم هذه فقال له البدويّ نحن نقول في صلاتنا اهدنا الصراط المستقيم و اظنّ،هذا هو الصراط المستقيم فقال له:نعم هذا هو.و قدم اعرابي الى البلاد فقدّم اليه

ص:110

صديقه عنبا فصار يأكل العنقود بعنقوده فقال له صاحب البيت انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله امر ان يؤكل العنب اثنتين اثنتين فكيف تأكل أنت عنقودا عنقودا؟فقال:ذلك الحديث انّما روي في الباذنجان و الرقي.

قال التفتاز اني سمعت انّ بعض البغّالين كان يسوق بغلة في سوق بغداد و كان بعض عدول دار القضاء حاضرا،فضرطت البغلة فقال:البغال على ما هو دابهم بلحية العدل بكسر العين يعني احد شقي الوقر فقال بعض الظرفاء:افتح العين فانّ المولى حاضر.ثمّ قال:و ممّا يناسب هذا المقام انّ بعض أصحابي ممّن الغالب على لهجتهم امالة الحركات نحو الفتحة اتاني بكتاب فقلت له لمن هو؟فقال:لمولانا عمر بفتح العين فضحك الحاضرون فنظر اليّ كالمتعرّف سبب ضحكهم المسترشد لطريق الصواب فرمزت اليه بغض الجفن و ضم العين فتفطّن للمقصود و استطرف ذلك الحاضرون.و قد كان ابو العلا المعري يتعصّب لأبي الطيّب فحضر يوما مجلس المرتضى ره فذكر ابو الطيب فأخذ المرتضى في ذمّه و الأزراء عليه،فقال له المعري:لو لم يكن له من الشعر الاّ قصيدته اللامية و هي:

لك يا منازل في القلوب منازل أقفرت أنت و هنّ منك أو اهل

لكفى في فضله فغضب المرتضى و أمر بسحب المعري فسحب و ضرب،فلمّا أخرج قال المرتضى رحمه اللّه لمن بحضرته هل تدرون ما عني الأعمى عني قول المتنبي في أثناء قصيدته:

و اذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأنّي كامل

و لمّا بلغ الخبر الى ابي العلاء قال قاتله اللّه تعالى ما أشدّ فهمه و ذكاه و اللّه ما عنيت غيره.

و من المحاضرات انّه رأى رجل شيخا ينيك أتانا يوم الجمعة و هي تضرط و الشيخ يصلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال له رجل: ويحك تفعل هذا يوم الجمعة و مع ذلك تصلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:اما يجوز ان اشكر اللّه على أير يضرط الأتان منه.و سئل الأحنف ما بال أستاه الرجال يكون عليها الشعر أكثر من استاه النساء؟فقال:انّ استاه الرجال حمى و انّ استاه النساء مرعى.و منه قال ابو زيد للكتاف بقيت زمانا لا أجد امرأة تستوعب ما عندي فظفرت يوما بواحدة فكنت او لج فيها شيئا فشيئا حتّى استوعبت فقلت أ تأذنين في الأخراج فقد أدخلت فقالت سقطت بعوضة على نخلة فقالت للنخلة استمسكي لأطير فقالت النخلة:ما شعرت بوقوعك فكيف أشعر بطيرانك.و منه قالت امرأة لرجل يجامعها و يبطي الفراغ افرغ فقد ضاق قلبي فقال:لو صاق فرجك كنت قد فرغت منذ ساعات.و رأى رجل آخر و هو يبول و كان معه أير كأير حمار فقال:يا هذا كيف تحمل هذا الأير؟فقال:أ كبير هو؟فقال:نعم قال:إنّ امرأتي تستصغره.شكى رجل امرأة كثرة شعرتها فنتفت و كتبت الى محبها:فديتك سهّلت السبيل الّذي اشتكى به جوادك فيه الجفا من خشونة فان كنت تهوى ان تزور جنابنا فلا ترتبط عنّا فالهلال ابن ليلة.

ص:111

قال يزيد بن عروة لمّا مات كثير:لم تتخلّف امرأة بالمدينة و لا رجل عن جنازته و غلبت النساء عليه يبكيه و يذكرن عزّة في ندبتهنّ له فقال ابو جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام افرجوا عن جنازة كثير لأرفعها قال:فجعلنا ندفع عنها النساء و جعل محمّد بن علي عليهما السّلام يضربهنّ بكمّه و يقول تنحّين يا صواحبات يوسف فانتدبت له امرأة منهنّ فقالت:يا ابن رسول اللصدقت انّا لصواحباته و قد كنّا خيرا منكم له فقال ابو جعفر عليه السّلام لبعض مواليه احتفظ بها حتّى تجيئني بها فاذا انصرفت،قال:

فلمّا اتى بتلك المرأة كأنّها شرر النار فقال لها الباقر عليه السّلام انت القائلة انّكن ليوسف خيرا منّا؟ قالت:نعم تؤمنني غضبك يا ابن رسول اللّه دعوناه الى اللذات من المطعم و المشرب و التمتع و النعم و انتم معاشر الرجال القيتموه في الجب و بعتموه بأبخس الأثمان و حبستموه في السجن فايّنا كان أحنأ به و ارؤف؟فقال الباقر عليه السّلام:للّه درّك لن تغالب امرأة الاّ غلبت ثمّ قال لها الك بعل:

قالت:لي من الرجال من انا بعله فقال ابو جعفر عليه السّلام:ما اصدقك مثلك من تملك زوجها و لا يملكها قال:فلمّا انصرفت قال رجل من القوم:هذه بنت فلانة بنت متعقّب.

و قد تزوّج الثعالبي امرأة عجوزا،و ذلك انّه رأها محلاّة فظنّ أنّها مقبولة،فلمّا تزوجها انكشفت له سوء حالها فقال شعرا:

عجوز تشتهي أن تكون فتية و قد يبس الجنبان واحد و دب الظهر

تروح الى العطار تصلح شبابها و هل يصلح العطار ما أفسد الدهر

و ما غرّني الاّ خضاب بكفها و كحل بعينها و أثوابها الصفر

بنيت بها قبل المحاق بليلة فكان محاقا كلّه ذلك الشهر

و من هذا القبيل انّ واحدا من اخواننا الصالحين تمتّع بامرأة في شيراز فلمّا غلق عليها الأبواب و نظر الى وجهها فاذا هو كالشنّ البالي و ليس لها الاّ درادر تتكلّم فيها،قال:فغمضت عيني و قبضت على أنفي و أصبت منها مرّة،فلمّا فرغت أردت فتح الباب فقالت لا تفتحه و دعنا اليوم في عيشنا و ان لم ترد من القبل فهذا غيره حاضر،فعرفت الموت في المواقعة الأخرى فصحت الى أصحابي هلمّوا اليّ و خلصوني من هذا الموت الحاضر فأتوا الي و حلّوا الباب و أخرجوني منها.

و من هذا انّ رجلا من الأخوان تمتّع ايضا في شيراز و كان معنا في المدرسة المنصوريّة،قال:

فلمّا تكشفت لي و استلقت على قفاها نظرت الى ذلك الموضع و اذا هي غلفاء لم تختتن،فعمدت

ص:112

الى سكين صغير و أتيت به و ختنتها،فصاحت و جرى الدم،فلمّا قامت طالبتني بالجراحة فطالبتها بكروة الختان و غلبتها و أخذت منها القيمة لكن لا من جنس الدراهم و الدنانير.

و قيل لبصريّة أيّ الرجال تشتهين؟فقالت:ما أدري غير انّي أعلم انّ الأوّل داء و الثاني دواء،و الثالث شفاء،و من ربّع فنفسي له الفاداء.

و في المحاضرات انّ الحسن بن علي عليهما السّلام كان مطلاقا مذواقا فقيل له في ذلك:فقال:رأيت اللّه علّق بهما الغنى،فقال:و أنكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم ان يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله،و قال في موضع آخر:و ان يتفرّقا يغن اللّه كلا من سعته.

و في المحاضرات قال ابو الشمقمق لبعض من اراد التزويج تزوّج بقحبة،فقال:اسمع القحبة تكون أملح و أخرى بأنها تكون عالمة بما يحبّه الرجل،و تأخذ نفسها بالتنظف،و متى قلت لها يا زانية لم تأثم،و لأنّها يجتهد الاّ تأتيك بولد ثمّ انها تعلم انّك تعرفها فلا تتكبّر عليك.

و فيها ايضا انّه كان رجل قصد امرأة كلنت تفجر و تنفق،فطلّقها و تزوج بعفيفة فطلب منها ما كانت تأتي به الأولى،فعاد يوما الى داره و قدّمت المرأة اليه طعاما طيّبا،فقال من اين؟فقالت:

جاءني فلان و حمل طعاما و شرابا و حلواء فأكلنا و جامعني و هذا نصيبك،فقال:اذا تعاطيت هذا فايّاك و اخباري بتفاصيل ما يجري فانّي غيور.

و قد كانت مضحكة الشاه عبّاس الأوّل جالسا في المجلس فأمر السلطان رحمه اللّه تعالى جارية من جواريه بان تعبث به و تحمله على الكلام،و قيل انّ هذا هو أول يوم ذخل فيه مجلس السلطان،فأتت اليه و كشفت عن ما عندها و قالت:هذه المزرعة اذا كربت و زرعت في بلادكم ما يكون حاصلها؟و من البذر اذا رمي فيها ما يكون حاصله عند الحصاد؟فقام اليها ناعضا ذكره قابضا بيده فقال:ان كان سنبلة هذه المزرعة تجيء على هذا المقدار فمن البذر يجيء حاصله مائة منّ،و ان كان أصغر من هذا فحاصله قليل،فضحك السلطان و الحاضرون.

و قد كان لهذا السلطان صقر يصيد عليه و قد شغف بحبه،فقال للصقارين احتفظوا على هذا الصقر و اعلموا انّ كل من يأتي بخبر موته ضربت عنقه،فاتّفق بعد مدّة انّ ذلك الصقر قد مات،فتحيّر الصقارون في إخبار السلطان و يعلمون انّه يطلبه،فأتوا الى ذلك المضحكة و أخبروه بالحال،فقال:لا عليكم فدخل الى السلطان فقال:اين كنت؟قال كنت مع الصقّارين انظر الى الصقور،فقال له:رأيت صقري الفلاني؟فقال:نعم اعزك اللّه تعالى رأيته و لكن رأيت فيه أحوالا عجيبة،قال:و ما هنّ؟قال:رأيته مغمضا عينه ناشرا جناحيه و كلّما أتاه الصقّار بلحم لم يأكله و قد عقص برأسه فقال السلطان:فاذا مات؟فقال:اشهدوا ايها الحاضرون انّ السلطان أعزه اللّه تعالى هو الّذي تلفظ بموته الا انا و لا الصقّار،فضحك السلطان و لم يعاقب احدا على موته.

ص:113

و قد كانت عنده امرأة جميلة و كان السلطان له هوى فيها،فاراد ان يرسله بحاجة ليخلو له البيت،فقال له:يا عنايت ارسلك بخدمة يحصل لك منها فائدة كثيرة؟فقال:امرك فقال:انّ لنا في البلد الفلانية خيولا كثيرة فامض الى هناك و اعزل الذكور عن الأناث فكتب له كتابا و ارسله، فاتى الى منزله و قال لأمرأته انّ السلطان يريد ارسالي و لكن اعلم انه يريد ان يأتي اليك هذه الليلة و لكن أنا أختفي تحت الباب،فاذا جاء اليك و أرادك قولي له:تعالى نلهو و نلعب،فاجعلي نفسك فرسا و قولي له حتّى يكون حصانا فيأتي اليك و يصهل و يحمحم،و هذا يكون شأنك معه حتّى أخرج اليكما،فلمّا جاء الليل أخذ بيده عصا و اختفى تحت الباب،فلمّا جنّ الليل أتى السلطان الى تلك المرأة فلمّا دخل قال لها:انّي ارسلت فلانا في خدمة حتّى يخلو لنا البيت،فتحاكيا فلمّا اراد ان يقاربها قالت له:هلمّ الى الملاعبة،فقال لها:هو الأحسن،فقالت له:كن انت حصانا و انا فرسا،و اصهل و حمحم و تجيء اليّ فلمّا أخذا في ذلك اللهو و شرع السلطان في الصهيل خرج من تحت الباب و بيده تلك العصا فضرب السلطان بها ضربة شديدة،فصاح السلطان و نظر اليه و اذا هو الرجل فقال له:قاتلك اللّه انا ارسلتك بخدمة،فقال:انّك ارسلتني لأعزل الحصن عن الأفراس فها انا جئت لهذا،فعزل السلطان عن المرأة فعرف السلطان أنّه علم ما أراد.

و في المحاضرات انّه وقع بين مزيد و رجل خصومة،فقال الرجل:أ تخاصمني و قد نكت امرأتك كذا مرة،فعاد مزيد الى داره و قال:يا فلانة أ تعرفين فلانا؟فقالت:أي و اللّه ابو عينيه، فقال:ناكك و رب الكعبة اسئلك عن اسمه و تجيبيني بكنيته.

حكاية حملت زانية فلمّا وضعت أتت الى رجل عالم من أهل الحديث فقالت لهك سمّ لي هذا الولد،فقال سمّيه ابن كثير.حكاية أخرى تزوج رجل امرأة فأتت بولد صحيح لخمسة أشهر، فقالت له:سمّ ولدك،فقال:أسميه شاطر علي،لأنّه قطع مسافة تسع أشهر في خمسة أشهر.

و كان عند سلطان البصرة رجل مؤمن عالم يقوم بحوائج المؤمنين و هو مقدمهم عند ذلك السلطان،فأتى اليه جماعة من المؤمنين و طلبوا منه ان يمشي معهم الى ذلك السلطان ليسلموا عليه،فأتى معهم فوجدوا ذلك السلطان جالسا في أعلى قصره،فقال لهم ذلك الشيخ قفوا هنا حتّى أصعد أنا اليه و أطلب لكم الأذن،فلمّا صعد اليه وجده مشغولا ببعض الملاهي،فقال له:انّ العلماء واقفون يريدون الأذن و أنت أعزّك في اللّه شغل،و لكن أقول لهم يقرؤون الفاتحة من تحت و ينصرفون الى وقت آخر،فضحك و قال يا شيخ الفاتحة الّتي من تحت ما نريدها و لكن اطلبهم الى فوق.

و قد كان ذلك الشيخ و اسمه الشيخ عبد اللّه رجلا طلق اللسان حسن الصحبة،و اتّفق انّه مضى ليلا الى خدمة ذلك السلطان لقضاء بعض حوائج المؤمنين،فلمّا اراد القيام مطرت السماء

ص:114

فقال له السلطان:يا شيخ أنت رجل كبير السن و يسقّ عليك الحركة في هذا الوقت و لكن بات هذه الليلة عندنا و أنا أنام معك،فقبل منه فلمّا أراد النوم أمر السلطان بعض غلمان خزانته فوضعوا للشيخ فراشا و أخذ السلطان اللحاف بيده و وضعه فوق الشيخ و نام السلطان الى جنبه و غلمانه باتوا قربه،فلمّا انتصف الليل و قام ليسوّي اللحاف على الشيخ،فوضع يده فوق رجل الشيخ فاستيقظ الشيخ و ظنّ ان السلطان يريد واحدا من غلمانه ليفعل به ما يفعل،فقال له:أعز اللّه مولانا السلطان لا يغلط فهذا الغلام نائم في الجانب الآخر و انا فلان،فضحك السلطان في تلك الليلة ضحكا كثيرا،و قال:يا شيخ جئت لأتفقد أحوالك،فقال:يا مولاي هو ليل و خفت فيه على نفسي من الغلط.

و قد تشاتم رجلان فقال أحدهما للآخر:و اللّه لئن لم تسكت لأضربنّك صفعة أنقلك بها من البصرة الى مكّة،فقال له الآخر:احب ان تصفعني أخرى فتنقلني الى المدينة ليتم حجي على يديك.

و قد كان صفي الدين الحلي الشاعر جالسا يوما مع جماعة،فضرط فشاعت ضرطته في البلد فلم يتمكن من الأقامة في بلده،فخرج الى البصرة و الى غيرها و بقى أعواما كثيرة فتذكر بلده و قد طال الزمان فقد نسي أهل بلدي ما وقع منّي،فأتى الى الحلة فقبل ان يدخلها أتى الى خارج البلد و اذا بإمرأتين على شاطىء الفرات و هما يتحاكيان و هو يسمع،فقالت أحديهما للأخرى:

كم عمر ابنك من سنة،فقالت:و اللّه لا أعلم ضبط عدده و تريخه من سنة ضرطة صفي الدين الحلّي،فلمّا سمعها قال:جعلوها تاريخا فهم لا ينسونها ابدا فرجع و لم يدخل البلد الى ان مات.

و قد كان كسرى لابسا حله سنية القيمة فرآها مضحكته فاحتال في أخذها،فطلبها منه يوما، فقال:اذا أعطيتك هذه الحلّة الرفيعة فأيّ شيء اعطي الأمراء و العمّال حتّى يجيء في النظر هذا لا يكون؟فلمّا كان بعض الليالي بقي ذلك الرجل في المجلس حتى انتصف الليل و لا بقي الا هو و السلطان،فقال له السلطان:اذا بقيت الى هذا الوقت فبات هيهنا،فقال:يا مولاي ليس هنا لحاف أتغطى به،قال له السلطان:أغطيك في هذه الحلة،فقال:هذا مليح،فغطّاه بها و مضى الى داخل منزله،فعمد ذلك الرجل الى تلك الحلّة و خوى فيها و نام،فلمّا جاء الصبح أتى الفراشون اليه و قالوا له قم حتّى نفرش الفراش،فقال:لا أقوم حتّى يجيء السلطان و أقص عليه مناما رأيته في هذه الليلة،فجاء السلطان و قال له:قم من هذه النومة،فقال:يا مولاي رأيت طيفا أهالني رؤيته فقال:و ما هو؟قال:رأيت كأن ثورين قصدا نحوي و وضع أحدهما قرنيه في بطني و وضع الآخر قرنيه في ظهري فعصراني عصرة شديدة،فقال له السلطان:لا يكون خروت في ثيابك و في الحلة،

ص:115

فقام و قال:يا مولاي فما يكون هذا الخروأ هو من الثورين ام ليس الاّ منّي و قد أفتضحت عندك في شأن الحلّة،فضحك السلطان و قال:هي لك.

و كان يوما في المجلس مع السلطان و كان تحت السلطان بساط عالي القيمة فطلبه منه؟فقال السلطان:لا أعطيك هذا الاّ ان تخري مثقالا لا أزيد منه و لا أنقص،فقال:لك عليّ فقام و خرّى خروة كبيرة،فقال السلطان:كيف هذا؟قال:أعزّك اللّه خذ أنت مثقال:و الباقي لهؤلاء الأمراء الحاضرون أخاف ان يعتبوا عليّ اذا خرجوا من عندك فضحك السلطان و امر له بذلك البساط.

و في ربيع الأبرار للزمخشري انّه كان لرجل غلام من أكسل الناس،فأمره بشراء عنب و تين فأبطأ ثمّ جاء بأحدهما فضربه،و قال:ينبغي لك اذا ما أستقصيت حاجة ان تقضي حاجتين،ثمّ مرض فأمر ان يأتي بطبيب فأتى به و برجل آخر،فسأله فقال:اما ضربتني و أمرتني ان أقضي حاجتين في حاجة؟قال:بلى،قال:قد جئتك بطبيب فان رجاك و الاّ حفر هذا قبرك فهذا طبيب و هذا حفّار.

و في أمالي الرجاج أخبرنا ابو عبد اللّه اليزيدي عن عمّه ابي القاسم يرفعه الى ابي محمّد يحيى بن المبارك قال:عوتب دعبل بإنصرافه عن النساء،فتزوّج امرأة أقامت عنده ليلة،ثمّ خلاها فقيل له في ذلك؟فأنشأ يقول:

رأيت عجوزا و قد أقبلت فأبدت لعيني عن مبصعة

فصيّره الخلق دحداحة تدحرج في المشي كالبندقة

تخطط حاجبها بالمداد و تربط في عجزها مرفعة

و ثديان ثدي كبلوطة و آخر كالقرية المفهقة

و قد غاب رجل عن زوجته فتزوّجت بعده و ولدت أولادا،فجاء الزوج الأول فلزمته المرأة و قالت له:هؤلاء أولادك فانفق عليهم،فقال:يا قوم انا كنت في بلاد أخرى و ليس لي خبر بهذه الأولاد،فحاكته الى قاضي الحنفيّة فالحق الأولاد بالزوج الأوّل فقال:ايّها القاضي:أعزّك اللّه انا رجل فقير و ليس عندي ما أقوم بنفقتهم،فقال القاضي للحاضرين عنده:ليأخذ كلّ واحد منكم ولدا يربيه لأجل الثواب،و كان في المجلس رجل خصيّ فأعطاه ولدا فحمله على كتفه،فلمّا وصل الى السوق سأله رجل من اين لك هذا الولد و انت خصي؟فقال:نعم كنّا عند مولانا القاضي و قسّم أولاد الزنا على الحاضرين فهذا كان سهمي منهم.

و أعلم يا أخي أيقظك اللّه من الغفلة انّنا بهذين الكراسين أبعدناك عن دار الحضور و قرّبناك الى دار الغرور،فاستيقظ من هذه و كفّر الضحك بما روي عن الأئمّة الطاهرين عليهم أفضل

ص:116

الصلوات من انّ كفّارته ان تقول بعده ربي لا تمقتني،كما انّ كفارة ما يكون منك في المجلس هو ان تقول اذا أردت القيام،سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد للّه رب العالمين،و تذكّر انّ الدنيا ليست بدار فرح و لا مرح و ان أضحكت يوما ابكت ايّاما:

دنيا اذا ما أضحكت في يومها أبكت غدا تعسا لها من دار

فارفع طرفك و امسح دموع الضحك عن خدّيك ليكون المكان خاليا لدموع الحزن فقد جاء ذكر هادم اللذات الذي قال فيه صلّى اللّه عليه و آله أكثر و اذكر هادم اللذات،فها نحن قد أخذنا في تفاصيل أحواله.

نور في مقدمات الموت من الأمراض و دوائها

و ما ناسب هذا المقام

إعلم أرشدك اللّه تعالى انّ اللّه سبحانه بمنزلة المؤدّب و الناس بمنزلة الأطفال،و المؤدّب شأنه تأديب الأطفال بما تقتضيه المصلحة،فالأمراض كلّها تأديبات من الحكيم لمصالح لا يخفى بعضها.

منها ما رواه صاحب كتاب طب الأئمّة عليهم السّلام و هو من أخوان عبد اللّه بن ابي بسطام الزيات و اخوه الحسين بن ابي بسطام ذكرهما النجاشي ره رويا عن الصادق عليه السّلام رواه جدّه الحسين بن علي عليهم السّلام قال:عاد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السّلام سلمان الفارسي رضي اللّه عنه،فقال:

يا ابا عبد اللّه كيف أصبحت من علّتك؟قال:يا امير المؤمنين أحمد اللّه كثيرا و أشكو اليك كثرة الضجر،قال:فلا تضجر يا ابا عبد اللّه فما من أحد من شيعتنا يصيبه وجع الاّ بذنب قد سبق منه، و ذلك الوجع تطهير له،قال سلمان:فان كان الأمر على ما ذكرت و هو كما ذكرت فليس لنا في شيء من ذلك أجر خلا التطهير قال علي عليه السّلام:يا سلمان انّ لكم الأجر بالصبر عليه و التضرع الى اللّه تعالى عزّ اسمه و الدعاله بهما يكتب لكم الحسنات و يرفع لكم الدرجات،و امّا الوجع خاصّة فهو تطهير و كفارة،قال:فقبل سلمان ما بين عينيه و بكا،و قال:من كان يميّز لنا هذه الأشياء لولاك يا امير المؤمنين؟!.

و روى شيخنا الكليني عن الباقر عليه السّلام قال:قد كان الناس يعتبطون اعتباطا فلمّا كان زمن ابراهيم عليه السّلام قال:رب اجعل للموت علّة يؤجر بها الميت و يسلى بها عن المصاب قال:فأنزل اللّه البرصام ثمّ أنزل بعده الداء.و روي عن الصادق عليه السّلام قال:انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رفع رأسه الى

ص:117

السماء فتبسّم،فقيل يا رسول اللّه رأيناك رفعت رأسك الى السماء فتبسّمت؟قال:نعم لملكين هبطا من السماء الى الأرض يلتمسان عبدا صالحا مؤمنا في مصلّى فيه ليكتبا له عمله في يومه و ليلته فلم يجداه في مصلاه،فعرجا الى السماء فقالا ربّنا انّ عبدك فلان المؤمن التمسناه في مصلاه لنكتب عمله في يومه و ليلته فلم نصبه فوجدناه في حبالك،فقال اللّه عزّ و جلّ أكتبا لعبدي مثل ما كان يعمله في صحّته من الخير في يومه و ليلته ما دام في حبالي،فانّ عليّ ان اكتب له أجر ما كان يعمله اذا حبسته عنه،و كذلك اذا ضعف عن العمل لكبر فانّ اللّه يكتب له من الأعمال الصالحة مثل ما كان يعمله في نشاطه.

و منها انّ الأمراض زواجر للعبد عن المعاصي،فالأمراض بمنزلة الأسواط التي يضرب بها المؤدّب الولد بها،و منها انّ الأنسان اذا كان صحيح البدن كان غافلا عن الوصية نائما عنها و لا يوقظه الاّ المرض ان كان لبيبا و الاّ فأكثر الناس في غفلة حتّى عند الموت.روى صاحب روضة الواعظين انّه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من مات بغير وصية مات ميتة جاهليّة.

و قال صلّى اللّه عليه و آله لا ينبغي لأمرء مسلم ان يبيت ليلة الاّ و وصيته تحت رأسه.و قال الصادق عليه السّلام من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممّن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية.

و منها تحصيل الثواب لعوّاده روي عن الصادق عليه السّلام انّه اذا كان يوم القيامة نادى العبد الى اللّه عزّ و جلّ فيحاسبه حسابا يسيرا فيقولك ما منعك ان تعودني حين مرضت،فيقول المؤمن أنت ربّي و انا عبدك انت الحي القيّوم الّذي لا يصيبك ألم و لا نصب،فيقول عزّ و جلّ:من عاد مؤمنا فقد عادني،ثمّ يقول له أ تعرف فلان بن فلان؟فيقول نعم يا رب فيقول:ما منعك ان تعوده حين مرض؟أما انّك لو عدته لعدتني ثمّ لوجدتني به و عنده،ثمّ لو سألتني حاجة لقضيتها لك و لم أردّك عنها.و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال من عاد مريضا فله بكل خطوة خطاها حتّى يرجع الى منزله ألف ألف حسنة،و يمحي عنه سبعون ألف ألف سيئة،و يرفع له سبعون ألف ألف درجة و يوكل به سبعون ألف ألف ملك يعودونه في قبره و يستغفرون له يوم القيامة.

امّا وجع العين فلا عيادة فيه،و أعظم العائدين ثوابا من خفّف الجلوس عند المريض الاّ ان يعلم من حال المريض رضاه بطول الجلوس،و قدّر جلوس العيّادة على ما في الروايات مقدار حلب ناقة،و ينبغي أن يحمل معه الى المريض تفاحة او سفرجل أو أنرجة او لعقة من طيب او قطعة من عود لأنّ المريض يستريح الى كلّ من دخل عليه بها،كذا جاء في الرواية عن الصادق عليه السّلام و من تمام العيادة ان يضع احدى يديه على الاخرى او على جبهته،و ينبغي ان يطلب العائد من المريض الدعاء للعائد و ان يأذن المريض لكلّ العائدين لأنّ مستجاب الدعوة مخفي بينهم،فلعله الممنوع عن الدخول،و مرض الصبي كفّارة لذنوب والديه.

ص:118

و روي عن الباقر عليه السّلام قال حمّى ليلة تعدل عبادة سنة،و حمّى ليلتين تعدل عبادة سنتين، و حمى ثلاث ليال تعدل عبادة سبعين سنة،قال ابو حمزة:قلت فان لم يبلغ سبعين سنة؟قال:

فلأبيه و أمّه،قال:قلت فان لم يبلغا قال:فلقرابته،قال:فان لم يبلغ قرابته؟قال:لجيرانه.

و روي ان حمّى يوم كفّارة ذنوب سنة،و ذلك انّ ألمها يبقى في البدن سنة،و انّها تأخذ من البدن عافية سنة أيضا،و هي حظّ المؤمن من جهنّم لأنّها من قيحها،و ذلك لما عرفت من انّ نوعا من النار تحت الأرض فاذا فارت خرجت حرارتها فأصابت المياه سيّما رؤوس الجبال و ما فيها من المياه.

و ينبغي للمريض ان لا يشكر الى العوّاد فانّه ينقص الثواب،و امّا كيفية الشكوى فرواها جميل بن صالح عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:سئل عن حدّ الشكاية للمريض،فقال:انّ الرجل يقول حممت اليوم و سهرت البارحة و قد صدق و ليس هذا شكاة انّما الشكوى ان يقول لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد و يقول لقد اصابني ما لم يصب احدا،و ليس الشكوى ان يقول سهرت البارحة و حممت اليوم و نحو هذا.

و امّا التداوي و المضي الى الطبيب فقد ورد الأمر به قال النبي صلّى اللّه عليه و آله تداووا فانّ اللّه عزّ و جلّ لم ينزل داء الاّ و قد أنزل له شفاء و قال صلّى اللّه عليه و آله:تجنّب الدواء ما أحتمل بدنك من الداء،فاذا لم يحتمل الداء فالدواء.و عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال انّ نبيا من الأنبياء مرض،فقال:لا أتداوى حتّى يكون الّذي أمرضني هو الذي يشفيني،فأوحى اللّه عزّ و جلّ لا أشفيك حتّى تداوي فانّ الشفاء منّي.و قد قال موسى عليه السّلام يا ربّ ممّن الداء؟قال:منّي،قال:فلم أمرت المرضى بالطبيب؟ قال:ليطيب نفوسهم،فمن هذا سمّي الطبيب طبيبا.

فإن قلت ما فائدة رجوع المريض الى الطبيب الحاذق و الآخذ بدوائه؟قلت:لعلّ فائدته رفع استمرار المرض لا دفع الأجل فانّه لا يدفعه عن نفسه فكيف يدفعه عن غيره:

انّ الطبيب له في الطبّ معرفة ما دام في أجل الأنسان تأخير

حتّى اذا ما أنقضت أيّام مدته حار الطبيب و خانته العقاقير

نعم سيأتي أن شاء اللّه تعالى في تحقيق الأجل انّ منه الأجل القابل للزيادة و النقصان باعتبار إرتباطه بالأسباب كصلة الأرحام وصلة المساكين و فعل بعض الطاعات و العبادات، و حينئذ فيجوز ان يكون التداوي من جملة أسباب الزيادة و تركه من اسباب النقيصة حيث ورد الأمر به،و لا يلزم في التداوي الرجوع الى الأطبّاء و الحكماء بل الى من تركن النفس الى دواءه و لو كنّ العجائز و أضرابهن،فانّ كثيرا من الحرف الجائزة قد ضمّن الشارع أهلها ما يتلفونه كالقصار

ص:119

و الصائغ و صاحب الحمّام و نحوهم إحتياطا لأموال الناس،و هذا ايضا احتياطا في دمائهم حتّى لا يتحرى على الطب من لا معرفة له به و لا وقف على مفرداته و مخركباته و لا على تمييز العقاقير بعضها عن بعض كما هو الغالب في هذه الأعصار،و لهذا اسقط الشارع الضمان عنه اذا اخذ البراءة اما من المريض او من وليه.

و اعلم ان التداوي قد روي عن الأئمة عليهم السّلام على قسمين دعاء و دواء،فاما الدعاء فهو صالح لكل الأبدان كما سيأتي ان شاء اللّه تعالى،و اما الدواء فقد روي في بعض الأمراض ادوية لا تصلح ظاهرا و لا توافق كلّ الأبدان في جميع البلدان نعم ربما وافق طبائع أهل العراق و مكة و المدينة و ما والاها،و من ثم قال جماعة من الأصحاب انّ تلك الأدوية و المعالجات المذكورة في كتاب طب الأئمة و غيره من المروي عنهم عليهم السّلام انّما هو مخصوص بأهل تلك البلاد المذكورة،و لكنّ الحق ان في بعض الأخبار ما يدل على العموم مثل ما روي في غير حديث من الأستشفاء و المداواة بالعسل لقوله تعالى فِيهِ شِفٰاءٌ لِلنّٰاسِ فانّ القرآن لم ينزل لخصوص بلد دون اخرى،و حينئذ فالحق في الجواب هو ان ما ورد عنهم عليهم السّلام من انواع الدواء لأنواع الأمراض عام شامل للأبدان و البلدان.

نعم ينبغي للمريض ان يتعاطى تلك الأدوية من عزائم القلب و صميمه و ان لا يتوهم من شيء منها فإنك قدد تحققت انّ من تطيّر من شيء ضرّه ذلك الشيء،و قد شاهدنا جماعة من الأفاضل ممن ساءهم وفور الأخلاص يتداوون في خراسان بالأدوية المذكورة في طب الأئمة و غيره التي لو تداوى بها اهل تلك البلد لنالوا منها انواع الضرر بزعمهم،و حصل اولئك الأفاضل منها الشفاء العاجل،فليس السبب الا ما عرفت.

و أعظم انواع الدواء النافع ما روي عن الرضا عليه السّلام انّه قال:لو انّ الناس قصّروا في الطعام لأستقامت ابدانهم،و في الرواية انّ طبيبا نصرانيا دخل على مولانا الصادق عليه السّلام فقال له:يا ابن رسول اللّه أ في كتاب ربكم أم في سنّة نبيكم شيء من الطب؟فقال:نعم امّا كتاب ربنا فقوله تعالى كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لاٰ تُسْرِفُوا و اما سنة نبينا فقال صلّى اللّه عليه و آله:الحمية من الأكل رأس كل دواء، و الأسراف في الأكل رأس كل داء،فقام النصراني و هو يقول:و اللّه ما ترك كتاب ربكم و لا سنّة نبيكم شيئا من الطب لجالينوس،و قال عليه السّلام:ليس الحمية من الشيء تركه انّما الحمية من الشيء الأقلال منه،اذا عرفت هذا فالنتلوا عليك أدوية الأمراض الدعائية المروية عن ارباب العصمة عن(من ظ)أهل البيت عليهم السّلام التي جرّبها العلماء و الأخيار و استعملها الفضلاء في كل الأعصار.

اعلم انّ القرآن و آياته فيهما شفاء من جميع الأمراض خصوصا آية الكرسي فأنّي جرّبتها و كذا غيري فانها تحفظ من اللصوص و في الحروب و من هوام الأرض و دوابه و لو انّ احدا قرأها

ص:120

و دخل بين السيوف و الرماح لنجّاه اللّه تعالى بها من كل الأهوال و حفظها يتضاعف بتضاعف قرأها مرة أرسل اللّه تعالى ملكا يحفظه،و اذا قرأها مرتين ارسل اللّه اليه ملكين يحفظانه و هكذا الى خمس مرات فاذا قرأها خمسا قال اللّه تعالى للملائكة:خلوني انا أحفظه لا عليكم و حفظه.

رقية الحمى عن الصادق عليه السّلام هي كتابة آية الكرسي في اناء و ذرفه بجرعة ماء يشربه المريض،أخرى و هي رقية جبرئيل للنبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا حمّ فقرأ عليه بسم اللّه أشفيك من كل داء يؤذيك باسم اللّه و اللّه شافيك بسم اللّه خذها فليهنيك بسم اللّه الرحمن الرحيم فَلاٰ أُقْسِمُ بِمَوٰاقِعِ النُّجُومِ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ لتبر أنّ بإذن اللّه عز و جلّ و هذه العوذة من خزانت السماء السابعة، اخرى للحمى و غيرها قال الصادق عليه السّلام:حل ازرار قميصك و ادخل رأسك في جيبك و اذّن و أقم إقرأ الحمد سبع مرات.

أخرى عن مولانا الباقر عليه السّلام انّه كان اذا خمّ بل ثوبان و يطرح عليه احدهما فاذا جفّ طرح عليه الآخر و قال محمّد بن مسلم:سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:ما وجدنا للحمى مثل الماء البارد و الدعاء.

و قال ابن بكير:كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام و هو محموم فدخلت عليه مولاه له فقالت له:

كيف تجدك فديتك،و سألته عن حاله و عليه ثوب خضب قد طرحه على فخذيه و قالت له:لو تدثّرت حتّى تعرّق فقد ابرزت جسدك للريح،فقال:اللهم اولعتهم بخلاف نبيك صلّى اللّه عليه و آله قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الحمى من قيح جهنّم و ربما قال من فور جهنّم فاطعئوها بالماء البارد و اللّه الشافي.

رقية الصداع اشتكى رجل الى الصادق عليه السّلام الصداع فقال:ضع يدك على الموضع الّذي يصدعك و أقرأ آية الكرسي و فاتحة الكتاب و قل اللّه اكبر اللّه اكبر لا اله الا اللّه و اللّه اكبر اجلّ و اكبر ممّا اخاف و احذر اعوذ باللّه من عرق نعار و اعوذ باللّه من حر النار.اخرى رواها عمر بن حنظلة قال:شكوت الى ابي جعفر عليه السّلام صداعا يصيبني قال:فاذا اصابك فضع يدك على هامتك و قل لو كان معه آلهة كما تقولون اذا لأبتغوا الى ذي العرش سبيلا،و اذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل اللّه و الى الرسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدودا.

و صدع المأمون بطرسوس فلم ينفعه علاج،فوجّه اليه قيصر قلنسوة و كتب اليه بلغني صداعك فضع هذه على رأسك،تسكن فخاف انّها مسمومة فوضعت على رأس حاملها فلم تضره،وضعت على رأس مصدّع فسكن فوضعها على رأسه فسكن،فتعجب من ذلك ففتقت فاذا فيها بسم اللّه الرحمن الرحيم (كم من نعمة لله في عرق ساكن حمعسق) لاٰ يُصَدَّعُونَ عَنْهٰا وَ لاٰ يُنْزِفُونَ من كلام الرحمن خمدت النيران و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم.

ص:121

رقية العين عن امير المؤمنين عليه السّلام قال:اذا اشتكى احدكم عينه فاليقرأ عليها آية الكرسي و في قلبه انّه يبرأ و يعافى ان شاء اللّه تعالى،أخرى يقرأ على الماء ثلاث مرات و يغسل به وجهه:

فَكَشَفْنٰا عَنْكَ غِطٰاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وَ لَوْ نَشٰاءُ لَطَمَسْنٰا عَلىٰ أَعْيُنِهِمْ الى قوله يُبْصِرُونَ اخرى يكتب اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ الآية في جام بالتربة معجونا بماء زمزم ثم يغسله و يصيّره في قارورة و يكتحل منه بالميل.

و اما رقية الشبكور (1)فهي على ما قال مولانا الكاظم عليه السّلام ان يكتب اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ الآية ثلاث مرات في جام ثم يغسله و يصيّره في قارورة و يكتحل به فهو مجرّب.

رقية وجع يقرأ على دهن الياسمين و البنفسج مرات قوله تعالى كأن لم يسمعها كأن في اذنيه و قرأ انّ السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا و يصب في الأذن.

رقية وجع الضرس إقرأ فاتحة الكتاب ثلاث مرات و قل هو اللّه احد ثلاث مرات و يقول يا ضرس أبا لحار تسكنين أم بالبارد تسكنين أم بسم اللّه تسكنين أسكن سكنتك بالذي سكن له ما في السماوات و ما في الأرض و هو السميع العليم،قال من يحيي العظام و هي رميم الى قوله بكل خلق عليم اخرج منها فانّك رجيم و لنخرجنّهم منها الآية فخرج منها خائفا يترقّب،اخرى يأخذ مسمارا و يقرأ عليه ثلاث مرات فاتحة الكتاب و المعوذتين ثم يقرأ من يحيي العظام الى قوله عليم، ثم يقول يا ضرس فلان بن فلان أكلت الحار و البارد فبالحار تسكنين ثمّ يقرأ أوله ما سكن في الليل و النهار الآية شددت داء هذا الضرس من فلان بن فلانة باسم العلي العظيم ثمّ يضربه في حائط يقول:اللّه اللّه اللّه.

رقية رعاف يكتب على جبهة المرعوف بدمه او بالزعفران و قيل يا ارض ابلعي مائكي و يا سماء اقلعي الى آخره فانّه يسكن ان شاء اللّه تعالى.

رقية وسوسة القلب يقول فاذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه،و يقرأ المعوّذتين،و قال امير المؤمنين عليه السّلام اذا وسوس الشيطان الى احدكم فليتعوّذ باللّه و ليقل بلسانه و قلبه آمنت باللّه و رسوله مخلصا له الدين.

رقية وجع القلب يقرأ هذه الآيات على الماء و يشربه لَئِنْ أَنْجَيْتَنٰا مِنْ هٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّٰاكِرِينَ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ الى قوله أدهى و أمر إِنَّ اللّٰهَ يُمْسِكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولاٰ الى قوله غَفُوراً و امّا ضيق القلب فيقرأ سبع عشر يوما أ لم نشرح الى آخره كل يوم مرّتين مرة بعد الغداة و مرة بالعشاء رقية وجع البطن يقرء بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ

ص:122


1- (14) نقل هذه الكلمة العجيبة بين الالفاظ العربية و الحاق الالقف و اللام عليها عجيب.

مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ الى آخر الآية و يقرأ فاتحة الكتاب سبع مرات فانه جيد مجرّب أخرى يقرأ لَئِنْ أَنْجَيْتَنٰا مِنْ هٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّٰاكِرِينَ إِنَّ اللّٰهَ بِالنّٰاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مٰا هُوَ شِفٰاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ .

رقية وجع الظهر يقرء شَهِدَ اللّٰهُ الى قوله سَرِيعُ الْحِسٰابِ رقية احتباس البول يغسل رجليه و يكتب على ساقه اليسرى فَفَتَحْنٰا أَبْوٰابَ السَّمٰاءِ بِمٰاءٍ منهمر الى قوله لِمَنْ كٰانَ كُفِرَ اخرى ربّنا الذي في السماء تقدس اللهم اسمك في السماء و الأرض اللهم كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض اغفر لنا حوبنا و خطايانا انت رب الطيبين انزل رحمة من رحمتك و شفاء من شفائك على هذا الوجع فليبرأ.

رقية الولادة يقرأ هذه الأدعية في كوز مملوا ماء ثلاث مرات و تشرب المرأة و يصيب بين كتفيها و ثدييها فتضع الولد ان شاء اللّه تعالى:بسم اللّه الذي لا اله الا هو العزيز الكريم سبحان اللّه رب العرش العظيم الحمد للّه رب العالمين بسم اللّه الحليم الكريم سبحان اللّه رب السماوات و رب العرش الحمد للّه ربّ العالمين كأنّهم يوم يرون ما يوعدون.

رقية وجع الركبة عن ابي حمزة قال:عرض لي وجع في ركبتي فشكوت ذلك الى ابي جعفر عليه السّلام فقال:اذا انت صلّيت فقال:يا اجود من اعطى يا خير من سئل يا أرحم من استرحم إرحم ضعفي و قلّة حيلتي و اعفني من وجعي،قال:ففعلت فعوفيت.

رقية للخنازير عن الرضا عليه السّلام قال:خرج بجارية لنا خنازير في عنقها،قال:يا علي قل لها فلتقل:يا رؤوف يا رحيم يا سيدي،تكرره قال:فقلت فأذهب اللّه عزّ و جلّ عنها.

رقية الأبق و الضالة روي عن الرضا عليه السّلام قال اذا ذهب لك ضالّة فقل وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ الى قوله فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ ثم تقول انّك تهدي من الضلالة و تنجي من العمى و ترد الضالّة صلّ على محمّد و آله و اغفر لي و ردّ ضالّتي و صل على محمد و اله و سلّم.

رقيّة العين معمر بن خلاد قال:كنت مع الرضا عليه السّلام بخراسان على نفقاته فأمرني ان اتّخذ له غالية فلمّا أخذتها فأعجب بها فنظر اليها فقال لي:يا معمر انّ العين حقّ فاكتب في رقعة الحمد و قل هو اللّه احد و المعوذتين و آية الكرسي و اجعلها في غلاف القارورة.و روي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال:العين حقّ و ليس تأمنها منك على نفسك و لا منك على غيرك،فاذا خفت شيئا من ذلك فقل:ما شاء اللّه لا قوّة الا باللّه العلي العظيم ثلاثا و قال:اذا تهيّأ احدكم تهيئة تعجبه فليقرأ حين يخرج من منزله المعوذتين فانّه لا يضره باذن اللّه،و قال عليه السّلام من اعجبه من اخيه شيء فليبارك عليه فانّ العين حقّ.

ص:123

رقية فزع الصبيان اذا زلزلت الى آخر السورة فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا الى قوله امدا و آية شهد اللّه و قل ادعوا اللّه و من يتوكل على اللّه فهو حسبه انّ اللّه بالغ امره.

رقية النعاس يقرء و لمّا جاء موسى لميقاتنا الى قوله اوّل المؤمنين يقرأ على الماء و يمسح به رأسه و وجهه و ذراعيه،رقية الصرع و ما لنا الاّ نتوكّل على اللّه الآية.

رقية الثالول يأخذ صاحبه قطعة ملح و يمسحها بالثالول و يقرأ عليه ثلاث مرات لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية اللّه الى آخر السورة و يطرحها في تنور و ينصرف سريعا يذهب انشاء اللّه تعالى.

رقية البرص و الجذام يقرأ عليه و يكتب و يعلق عليه بسم اللّه الرحمن الرحيم يمحو اللّه ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب الحمد للّه فاطر السموات و الأرض جاعل الملئكة رسلا اولى اجنحة مثنى و ثلاث و رباع باسم فلان بن فلانه.شكى رجل الى ابي عبد اللّه عليه السّلام البرص فأمره ان يأخذ طين قبر الحسين عليه السّلام بماء السماء ففعل ذلك فبرأ.

رقية البهق يكتب على موضع البهق و ان من شيء الاّ عندنا خزائنه و ما ننزّله الا بقدر معلوم هل يسمعونكم اذ تدعون او ينفعونكم او يضرون.

رقية التعب و النصب من لحقه علّة في ساقه او تعب او نصب فليكتب عليه و لقد خلقنا السموات و الأرض و ما بينهما في ستة ايّام و ما مسنّا من لغوب.

رقية الجرب و الدمل و القوباء يقرأ عليه و يكتب و يعلّق عليه بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مٰا لَهٰا مِنْ قَرٰارٍ الآية مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهٰا نُخْرِجُكُمْ تارة أخرى اكبر و انت لا تكبر و الله يبقى و انت لا تبقى وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ .

رقية القولنج عن الأئمة عليهم السّلام قال:يكتب للقولنج امّ القرآن و قل هو اللّه احد و المعوذتين و يكتب اسفل ذلك اعوذ بوجه اللّه الكريم و بعزّته الّتي لا ترام و بقدرته الّتي لا يمتنع منها شيء من شرّ هذا الوجع و من شرّ ما فيه و من شرّ ما اجد فيه.

رقية الطحال يقرأ على كفّه اذا جاء نصر اللّه ثلاث مرات ثم يقرأ انّ الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا الى آخر الآية ثلاث مرّات ثمّ امسح بهما رأسه ثلاث مرات،اخرى يكتب و يعلق على هذا الموضع انّ اللّه يمسك السموات و الأرض الآية انّه من سليمان و انّه بسم اللّه الرحمن الرحيم.

رقية الحيّة و هي مجربة جرّبناه نحن و غيرنا يقرأ على قدح جديد ان أمكن و يكون فيه ماء و القراءة ثلاث مرات،و اذا شربها رسول الملسوع نفعت الملسوع و ان كان بعيدا،تقرأ الحمد و قل

ص:124

هو اللّه احد و قل يا ايها الكافرون و قل اعوذ برب الفلق و قل اعوذ برب الناس و تقول باسم اللّه و باللّه و من اللّه و الى اللّه و لا باق الا اللّه و لا واق الا اللّه و لا اله.غائب)الاّ اللّه لا يغلب اللّه غالب ربّ المشارق و المغارب ثمانية من الملائكة لا يأكلون و لا يشربون و عن ذكر اللّه لا يفترون يسبّحون و يهللون و يكبرون و يقدّسون سبّوح قدّوس رب الملائكة و الروح ما شاء اللّه كان و ما لم يشأ لم يكن سمع عندنا راق فاسترقا،فقال:انا الراقي و اللّه الواقي انّه قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم من شر تسعة و تسعين حيّة حيّات البرور و حيّات البحور و حيّات الزروع و حيّات التراب و حيّات الخراب و حيّات الماء و حيّات السماء،و اعوذ برب الأبصام من شر البظير و القصير و اسود الراس و الأرطب و الربربة و السلحوت و الأقب،و من شر حوريين و جوريين و شبّان و باران و بهران،و من شر الأرقم و الأدقم و الأفقم،و من شر البثن التي تقرّب النفس من النعش و الكفر و من شر غبراء كالمرة و صفراء كالزهرة،و من شر ام طاقتين مع ام الخرافس،و من شر الأسود الخالص كالليل الدامس،و من شر بنات حربا و السرطانية و حوريا و جوريا،و من شر الحيّة التي ترقد سنة و تقعد سنة،و من شر اسود الراس و الذنب و ابو نقطة،و من شر رئيس الخشاب.

ذكر عندنا آدم انه مشى على الحيّة فلسعته حيّة فاسوّد وجهه و ذوا جنبيه و صاح منها صيحة،فسمعه الرب فناداه الشافي السميع العليم و قال:يا آدم هذه من بركات الأرض و اشجاره(قسم)نسم الخلائق(بايدا)بادانها بكابكر طلسم طوسان طوسان طاب طاب حريا عالم بمشوثا ثويت شميثا غيثا سمخيثا برديثا جافوث(خافر)كهيج كهكهيج آمين رب موسى و هارون فناداه الشافي ايّتها الحيّة الحارّة المارّة عزمت عليك باللّه العظيم الأعظم و بكلمات اللّه الكريم الأكرم و بحق عيسى بن مريم و الكعبة و زمزم و الركن الأعظم و بمحمّد صاحب الحوض و الحرم عودي الى منشرك(بحق أ)بألف لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم،ايّتها الحيّة اجمعي سمّك في صدرك كما تجتمع الملائكة بالبيت المقدّس كلمة من كلمات اللّه تحرق الشجر الأخضر فان كان السم في المخ فيخرج الى العظم و ان كان في العظم فيخرج ال اللحم و ان كان في اللحم فيخرج الى الدم و ان كان في الدم فيخرج الى الجلد فيخرج الى الفضا بحق من خلق الفضا و بما نزل بخاتم سليمان بن داوود عليه السّلام انه من سليمان و انّه بسم اللّه الرحمن الرحيم،انّ شربة الملدوغ شفاء ان شربه المندوب كفى بألف لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم و صلّى اللّه على محمد و آله الطيبين الطاهرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

رقية أخرى بسم اللّه الرحمن الرحيم قل من يكلؤكم في الليل و النهار من حية و عقرب، و برية،يا دابتي اخرجي و لا تقتلي و تسلسلي و تسبسبي من المفاصل و العظام و اظهري و سمة تستحطان ذمة الفلفلي حجا لجا،لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية

ص:125

اللّه و تلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون،يا ايها السم الناقع اخرج بنور لامع،ان كنت بالمخ اخرج الى العظم،و ان كنت بالعظم اخرج الى اللحم،و ان كنت باللحم اخرج الى الجلد، و ان كنت بالجلد اخرج خارجا بحق ألف لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم،فسيكفيكهم اللّه و هو السميع العليم بسم اللّه الرحمن الرحيم يا ثمانية الملائكة لا يأكلون و لا يشربون و عن ذكر ربهم لا يفترون،سبوح سبوح قدوس قدوس ربنا و رب الملائكة و الروح،جانا ابونا يسعى فلسعته حية قال اقرأ كلما يا طلس طلوس بكاليك عزمت على تسعة و تسعين حية من حيات المدورات،و عن انار ان و امير الحنشاء،و عن الفقم و البقم و الأرقم و عن الملك الخافس كالليل الدامس و عن الساقي مع ام خراشا،و عن اللدغة التي ترقد سنة و تقعد سنة يا اها السم الناقع اخرج بنور وجه اللّه الساطع و بالضياء اللامع ان كنت بالمخ اخرج باللحم،و ان كنت باللحم اخرج بالدم،و ان كنت بالدم اخرج بالريش و ايبس يبوس الحشيش وطر طيران الريش بألف لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم،اعوذ بكلمات اللّه التامات من شر ما خلق اللّه من الشيطان الرجيم:

كفاك ربك كم يكفيك و كفه كميتها ككميت كان من كلكا

تكر كرا ككر الكر في كبدي يحكي مشكشكه كلت لك الغلكا

يكفيك ربك كف الكاف كافية يا كوكب كان يحكي كوكب الفلكا

ثم تقرأ الفاتحة سبع مرات و الأخلاص كذلك و آية الكرسي كذلك و تقول اللهم انا الراقي و انت الواقي و انا الراشف و انت الكاشف انّ شربة الملدوغ شفا و انّ شربة المندوب كفي.

رقية جربت و انا انظر مرارا الى من اراد ان يبقر خده او شيء من اعضاءه فليقرأ على رأس الأبرة هذا الدعاء مرة واحدة بسم اللّه الرحمن الرحيم يا للّه يا عزيز يا رحيم بحق هذا الأسم العظيم و بحق سليمان راعي الملك العظيم،و بحق ابراهيم الخليل جد الأنبياء و المرسلين و هذا ينفع اذا قرأ على النشتر في حال الفصد.

رقية الفصد اذا تقابلت العساكر فيأخذ رجل قبضة من التراب بيديه كليهما و يقرأ سورة و التين و الزيتون ثلاث مرات فاذا فرغ قال:بلى انه على كل شيء حاكم فيرمي التراب الذي في يده اليمنى على الجانب الأيسر،و الذي في يده اليسرى على الجانب الأيمن فان العسكر المقابل ينهزم باذن اللّه تعالى.

رقية اخرى يكتب آيات الفتح غي كاغد و يشد في السهم و يرمي به جانب العدو فانّه ينهزم ان شاء اللّه تعالى:

ص:126

الأولى أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسىٰ إِذْ قٰالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنٰا مَلِكاً نُقٰاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ ،قٰالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتٰالُ أَلاّٰ تُقٰاتِلُوا قٰالُوا وَ مٰا لَنٰا أَلاّٰ نُقٰاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنٰا مِنْ دِيٰارِنٰا وَ أَبْنٰائِنٰا فَلَمّٰا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتٰالُ تَوَلَّوْا إِلاّٰ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ بِالظّٰالِمِينَ .

الثانية لَقَدْ سَمِعَ اللّٰهُ قَوْلَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اللّٰهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِيٰاءُ سَنَكْتُبُ مٰا قٰالُوا وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِيٰاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذٰابَ الْحَرِيقِ .

الثالثة أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ فَلَمّٰا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتٰالُ إِذٰا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّٰاسَ كَخَشْيَةِ اللّٰهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَ قٰالُوا رَبَّنٰا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتٰالَ لَوْ لاٰ أَخَّرْتَنٰا إِلىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ،قُلْ مَتٰاعُ الدُّنْيٰا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقىٰ وَ لاٰ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً .

الرابعة وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبٰا قُرْبٰاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمٰا وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ،قٰالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قٰالَ إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ .

الخامسة قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللّٰهُ قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيٰاءَ لاٰ يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَ لاٰ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمىٰ وَ الْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمٰاتُ وَ النُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلّٰهِ شُرَكٰاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشٰابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّٰهُ خٰالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُوَ الْوٰاحِدُ الْقَهّٰارُ .

السادسة إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ وَ طٰائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَ اللّٰهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتٰابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضىٰ وَ آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّٰهِ وَ آخَرُونَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَ أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ وَ أَقْرِضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً وَ مٰا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّٰهِ هُوَ خَيْراً وَ أَعْظَمَ أَجْراً وَ اسْتَغْفِرُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

رقية لحل المربوط ذكره شيخنا ابن فهد قدس اللّه روحه يكتب اول سورة الفتح الى مستقيما،و سورة النصر،و قوله من آياته ان خلق لكم من انفسكم الآية ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون ففتحنا ابواب السماء بماء منهمر فجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على امر قد قدر،و تركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض و نفخ في الصور فجمعناهم جمعا،كذلك حللت فلان بن فلان عن فلانة بنت فلانة لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم،فان تولوا فقل حسبي اللّه لا اله الا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم.

رقية اخرى يكتب و يعلق اوّل الفتح الى قوله نصرا عزيزا،و فجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على امر قد قدر،و جعلنا بعضهم يومئذ يموج في بعض و نفخ في الصور فجمعناهم جمعا،

ص:127

و ضرب لنا مثلا و نسي خلقه قال من يحيي العظام و هي رميم قل يحيها الذي أنشأها اول مرّة و هو بكل خلق عليم،ثم يكتب حتى اذا ركب في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها ثلاثا ثم يكتب اللهم اني اسئلك بحق اسمك المنكنون بين الكاف و النون،و بحق محمّد و اهل بيته الطاهرين ان تحل ذكر فلان بن فلانة عن فلانة بنت فلان بكهيعص بحمعسق بقل هو اللّه احد،و عنت الوجوه للحي القيّوم و قد خاب من حمل ظلما بألف لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم.

اخرى يكتب على ورقتين من الزيتون يبلغ الرجل واحدة و المرأة واحدة يكتب للرجل و السماء بنيناها بأيد و إنا لموسعون،و للمرأة و الأرض فرشناها فنعم الماهدون.

اخرى يكتب على ثلاث بيضات بعد ان يسلقوا و يقشروا:الأولى حتى اذا ركبا في السفينة خرقها الآية.الثانية او لم ير الذين كفروا ان السموات و الأرض كانتا رتقا ففتقناهما و جعلنا من الماء كل شيء حي أ فلا يؤمنون،الثالثة فاستغلظ فاستوى الآية ثم يأكل الأولى فان انحلّ و الا اكل الثانية فان حل و الا اكل الثالثة و الرقيات المأثورة عن اهل البيت عليهم السّلام كثيرة و لكن ما ذكرناه مما لا شك فيه و لا ريب يعتريه.

نور آخر في طب الرضا(ع)وضعه للمأمون

نقلتها بلفضها و هذه الرسالة الذهبية(المذهبية)في الطب الذي بعث به الأمام الهمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام الى المأمون العباسي في صحة المزاج و تدبيره بالأغذية و الأشربة و الأدوية، قال امام الأنام عزة وجه الأسلام،مظهر الغموض بالرؤية اللامعة كاشف الرموز في الجعفر الجامعة،اقضى من قضى بعد جده المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و أغزى من غزى بعد ابيه المرتضى صلوات اللّه و سلامه عليه و آله امام الأنس و الجن علي بن موسى الرضا صلوات اللّه و سلامه عليه و على آبائه و أولاده النجباء الكرام النقباء:أعلم يا أمير المؤمنين ان اللّه تعالى لم يبتل العبد ببلاء حتّى جعل له دواء يعالج به،و لكل صنف من الداء صنف من الدواء و تدبير و نعت،و ذلك ان الأجسام الأنسانية جعلت على مثال الملك فملك الجسد في القلب و العمال العروق و الأوصال و الدماغ، و بيت الملك قلبه و أرضه الجسد و الأعوان يداه و رجلاه و عيناه و شفتاه و لسانه و اذناه،و خزانته معدته و بطنه و حجابه صدره،فاليدان عونان يقربان و يبعدان و يعملان على ما يوحي اليهما الملك و الرجلان ينقلان الملك حيث يشاء و العينان يدلان على ما يغيب عنه لأن الملك من ورآء حجاب لا يوصل اليه الا بهما و هما سراجاه ايضا،و حصنه الجسد و حرزه الأذنان لا يدخلان على الملك الا ما يوافقه لأنهما لا يقدران ان يدخلا شيئا حتى يوحي الملك اليهما،فاذا اوحى اليهما اطرق الملك

ص:128

منصتا لهما حتى يسمع منهما ثم يجيب ما يريد فترجم عنه اللسان بأدوات كثيرة منها ريح الفؤاد و بخار المعدة و معونة الشفتين و ليس للشفتين قوة الا بالأسنان و ليس يستغنى بعضهما عن بعض و الكلام لا يحسن الا بترجيعه بالأنف لأن الأنف يزيّن الكلام كما يزين النفخ المزمار و كذلك المنخران هما ثقبتا الأنف يدخلان على الملك ما يحب من الريح الطيبة،فاذا جاءت ريح تسوء على الملك اوحى الى اليدين فحجبا بين الملك و تلك الريح و للملك مع هذا ثواب و عقاب،فعذابه اشد من عذاب الملوك الظاهرة القاهرة في الدنيا و ثوابه افضل من ثوابهم فاما عذابه فالحزن و اما ثوابه فالفرح و اصل الحزن في الطحال و اصل الفرح في الثرب (1)الكليين و لهما عرقان موصلان الى الوجه،فمن هناك يظهر الحزن و الفرح فترى علامتيهما في الوجه و هذه العروق كلها طرق من العمال الى الملك و من الملك الى العمال و مصداق ذلك انه اذا تناولت الدواء ادنه العروق الى موضع الداء بإعانتها،

و أعلم يا أمير المؤمنين ان الجسد بمنزلة الأرض الطيبة متى تعوهدت بالعمارة و السقي من حيث لا يزاد في الماء فيغرق و لا ينقص منه فيعطش دامت عمارتها و كثر ريعها و زكّى و نما زرعها، و ان تغوفل منه فسدت و لم ينبت فيها العشب،فالجسد بهذه المنزلة و بالتدبير بالأغذية و الأشربة يصلح و يصح و تزكو العافية فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك و يوافق معدتك و يقوى عليه بدنك و يستمرئه من الطعام فقدره لنفسك و اجعله غذائك.

و أعلم يا أمير المؤمنين ان كل واحدة من هذه الطبائع تحب ما يشاكلها فأعتد ما يشاكل جسدك.و من أخذ الطعام زيادة لم يغذه و من اخذه بقدر لا زيادة و لا نقص عليه نفعه و كذلفك الماء سبيله ان تأخذ من الطعام كفايته في ابّاه و وقته و ادفع يديك منه و عندك اليه ميل فانّه اصلح لمعدتك و بدنك و أزكى لعقلك،و اخفّ على جسمك يا أمير المؤمنين كل البارد في الصيف و الحار في الشتاء و المعتدل في الفصلين على قدر قوتك و شهوتك،و ابدء في أوّل الطعام بأخفّ الأغذية الّتي تتغذى بها بقدر عادتك و بحسب طاقتك و نشاطك و زمانك الذي يجب ان يكون في كلّ يوم عند ما يمضي من النهار ثمان ساعات أكلة واحدة او ثلاث اكلات في يومين تتغذى باكرا في اوّل يوم تتعشى،فاذا كان في اليوم الثاني فعند ما مضى ثمان ساعات من النهار أكلت أكلة واحدة و لم تحتج الى العشاء كذا أمر جدي محمد المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و علي صلوات اللّه عليه في كلّ يوم وجبة و في غده وجبتين و ليكن ذلك بقدر لا يزيد و لا ينقص،و ارفع يدك من الطعام و انت تشبهه و ليكن شرابك على اثر طعامك من هذا الشراب الصافي العتيق الّذي يحل شربه و انا أصفه فيما بعد و نذكر الآن

ص:129


1- (15) الثرب على وزن فلس شحم رقيق على الكرش و الامعاء.

ما ينبغي ذكره من تدبير فصول السنة و شهورها الرومية الواقعة فيها في كلّ فصل على حده،و ما يستعمل من الأطعمة و الأشربة و ما يتجنب منه و كيفيّة حفظ الصحة من أقاويل القدماء و نعود الى قول الأئمة عليهم السّلام في صفة شراب يحل شربه و يستعمل بعد الطعام.

ذكر فصول السنة امّا فصل الربيع فانّه روح الزمان و اوّله ازار و عدة ايّامه احد و ثلاثون ايّاما و فيه يطيب الليل و النهار و يلين و يذهب سلطان البلغم،و يهيج الدم و يستعمل فيه الغذاء اللطيف و اللحوم و البيض ال(نيم برشت)و يشرب بعد تعديله،و يتّقى فيه أكل البصل و الثوم و الحامض و يحمد فيه شرب المسهل و يستعمل فيه الفصد و الحجامة.

نيسان ثلاثون يوما فيه يطول النهار و يقوي مزاج الفصل و يتحرك الدم و تهبّ فيه الريّاح الشرقية و يستعمل فيه الماكل المشوي و ما يعمل بالخل و لحوم الصيد و يعالج الجماع و التمريخ بالدهن في الحمام،و يشرب الماء على الريق و تشم الرياحين و الطيب،أيار أحد و ثلاثون يوما تصفوا فيه الرياح و هو آخر فصل الربيع و قد نهى عن الملوحات و اللحوم الغليظة كالرؤوس و لحوم البقر و اللين،و ينفع فيه دخول الحمام أوّل النهار و تكره فيه الرياضة قبل الغذاء،حزير ان ثلاثون يوما يذهب فيه سلطان الدم و يقبل زمان المرّة الصفراء،و ينهى فيه عن التعب و أكل اللحم دائما و الأكثار منه،و شم المسك و العنبر،و ينفع فيه أكل البقول الباردة كالهندباء و البقلة الحمقاء؟و كل الخضر كالخيار و القثاء و الشيرخشت،و الفاكهة الرطبة،و استعمال المحمضات،و من اللحوم لحم المعز الفني و الجدي و من الطيور دجاج و الطيهوج و الدراج و الألبان و السمك الطري.

تموز أحد و ثلاثون يوما فيه شدة الحرارة و تفور المياه و يستعمل فيه شرب الماء البارد على الريق،و تؤكل فيه الأشياء الباردة،و يكثر فيه مزاج الشراب و تؤكل فيه الأغذية السريعة الهضم كما ذكر في حزيران،آب أحد و ثلاثون يوما،فيه تشتّد السموم و يهيج الزكام بالليل،و تهب الشمال،و يصلح المزاج بالتبريد و الترطيب و ينفع فيه شرب اللبن الرائب،و يجتنب فيه الجماع و المسهل،و يقل من الرياضة و تشم الرياحين الباردة،أيلول ثلاثون يوما فيه يطيب الهوى و يقوى سلطان المرأة السوداء و يصلح شرب المسهل،و ينفع فيه اكل الجلاب و اصناف اللحوم المعتدلة كالجدي و الحوالي من الظأن،و يجتنب لحم البقر و الأكثار من الشوى و دخول الحما،و يستعمل فيه الطيب المعتدل المزاج،و يجتنب فيه اكل البطيخ و القثاء.

تشرين الأول احد و ثلاثون يوما فيه تهب الرياح المختلفة،و يتنفس فيه ريح الصبا،و يجتنب فيه الفصد و شرب الدواء و يحمد في الجماع،و ينفع اكل اللحم السمين و الرمان المز و الفاكهة بعد الطعام،و يستعمل فيه من اكل اللحوم بالتوابل و يقلل فيه من شرب الماء و تحمد فيه الرياضة، تشرين الثاني ثلاثون يوما فيه يقع المطر الموسمي و نهي فيه عن شرب الماء في الليل،و يقلل فيه من

ص:130

دخول الحمام و الجماع،و يشرب كل يوم بكرة جرعة ماء حار،و يجتنب فيه اكل البقول الحارة كالكرفس و النعناع و الجرجير،كانون الأول احد و ثلاثون يوما تقوى فيه العواصف و يشتد فيه البرد،و ينفع فيه كل ما ذكر في تشرين الثاني،و يحذر فيه من اكل الطعام البارد،و يتقى فيه الحجامة و الفصد،و تستعمل فيه الأغذية الحارة بالقوة و الفعل،كانون الثاني احد و ثلاثون يوما يقوى فيه غلبة البلغم،و ينبغي ان يتجرع فيه الماء الحار على الريق،و يحمد فيه الجماع،و ينفع فيه الأحساء مثل البقول الحارة كالكرفس و الجرجير و الكراث،و ينفع فيه دخول الحمام اول النهار و التمريخ بدهن الخيري و ما ناسبه،و يحذر فيه الحلو و اكل السمك الطري و اللبن،شباط ثمانية و عشرون يوما تختلف فيه الرياح و تكثر الأمطار،و يظهر فيه العشب و يجري فيه الماء في العود،و ينفع فيه اكل الثوم و لحم الطير و الصيود و الفاكهة اليابسة،و يقلل من اكل الحلاوات،و تحمد فيه كثرة الحركة و الرياضة.

صفة الشراب الذي يحل شربه و استعماله بعد الطعام و قد تقدم ذكر نفعه عند ابتدائنا بالقول على فصول السنة و ما يعتد فيها من حفظ الصحة و صفته ان يؤخذ نمن الزبيب المنقّى عشرة ارطال فيغسل و ينقع بماء صاف غمرة و زيادة عليه اربعة اصابع و يترك فيه اناءه ذلك ثلث ابام في الشتاء و في الصيف يوم و ليلة،ثم يجعل في قدر نظيف،و ليكن الماء ماء السماء ام قدرت عليه و الا فمن الماء العذب الذي ينبوعه من ناحية المشرق ماء براقة ابيض خفيفا و هو القابل لما يعرضه على سرعة من السخونة و البرودة،و تلك دلالة على خفّة الماء،و يطبخ حتّى ينتفخ الزبيب و ينضج،ثم يعصر و يصفى مأواه و يبرد،ثم يرد الى القدر ثانيا و يؤخذ مقداره بعود و يغلى بنار لينة غليانا رقيقا حتى ينضي ثلثاه،ثم يؤخذ من العسل المصفّى رطال فيلقى عليه و يؤخذ مقدار الماء الى أي كان من القدر و يغلى حتى يذهب قدر العسل و يعود الى حد،و يؤخذ خرقة ضعيفة فيجعل فيها زنجيل وزن درهم،و من القرنفل نصف درهم،و من الألدار جينا مثله،و من الزعفران درهم،و من السنبل نصف درهم،و من الهندباء مثله،و من المصطقى نصف درهم بعد ان يستحق كل واحد على حده،و ينخل و يجعل في خرقة و يشد بخيط شدا جيدا و يلقى فيه و تمرس الخرقة في الشراب بحيث تنزل القوى العقاقير التي فيها و لا يزال يعاهد بالتحريك على نار لينة برفق حتّى يذهب منه مقدار العسل و يرفع و يزداد ماء و يؤخّر مدة ثلاثة شهور حتّى يتداخل مزاجه بعضه في بعض، و حينئذ يستعمل و مقدار ما يشرب منه اوقية الى اوقيتين من الماء القراح،فاذا اكلت يا أمير المؤمنين مقدار ما وصفت لك من الطعام فاشرب من هذا الشراب مقدار ثلاثة اقداح بعد طعامك،فاذا فعلت ذلك فقد امنت باذن اللّه تعالى يومك و ليلتك من الأوجاع الباردة المزمنة كالنقرس و الرياح و مثل ذلك من اوجاع الكبد و الطحال و الأمعاء و الأحشاء و العصب و الدماغ و المعدة،

ص:131

فان صدقت بعد ذلك شهوة الماء فليشرب نصف ما كان يشرب قيل أنّه أصلح لبدن امير المؤمنين و اكثر لجماعة و اشد لضبطه و حفظه و ان صلاح البدن يكون بالطعام و الشراب و فساده بهما فان اصلحتهما صلح البدن و ان افسدتهما فسد البدن.

و أعلم يا أمير المؤمنين انّ قوة النفوس تابعة لأمزجة الأبدان،و ان الأمزجة تابعة للهوى، و يتغير بحسب تغيير الهواء في الأمكنة فاذا برد الهوى مرة و سخن أخرى تغيرت بسببه امزجة الأبدان و أثر ذلك تغيير في القوى،فان كان الهوى معتدلا أعتدلت امزجة الأبدان و صلحت تصرفات الأمزجة في الحركات الطبيعية كالهضم و الجماع و النوم و الحركة و سائر الحركات لأن اللّه تعالى بنى الأجسام على اربع طبائع و هي المرتان و الدم و البلغم،و بالجملة حاران و باردان قد خولف ما بينهما فجعل الحارين لينا و يابسا و كذلك الباردين رطبا و يابسا ثم فرق فوق ذلك على اربعة اجزاء من الجسد على الرأس و الصدر و الشراسيف و اسفل البطن.و أعلم يا أمير المؤمنين انّ الرأس و الأذنين و العينين و المنخرين و الفم و الأنف من الدم،و ان الصدر من البلغم و الريح،و ان الشراسيف من المرّة الصفراء،و ان اسفل البطن البطن من المرّة السوداء،و اعلم يا أمير المؤمنين ان النوم سلطان الدماغ و هو قوام الجسد و قوته،فاذا اردت النوم فليكن انضجاعك على شقك الأيمن ثم انقلب على الأيسر و كذلك قم من مضجعك كما بدأت به بعد نومك،و عوّد نفسك القعود من الليل ساعتين،و ادخل الخلاء لحاجة الأنسان و البث فيه بقدر حاجتك و لا تطل فيه فان ذلك يورث الداء الدفين.

و اعلم يا أمير المؤمنين ان اجود ما استكت به ليف الا رآك فانه يجلي الأسنان و يطيّب النكهة و يشد اللثة و يسمنها،و هو نافع من الحفر اذا كان معتدلا و للاكثار منه يرفق الأسنان و يزعزعها و يضعف اصولها فمن اراد حفظ الأسنان فليأخذ قرن الأبل محروقا و كذا مارجا(مارخا)و سعد او وردى و سنبل الطيب و حب الأثد(ثل)أجزاء سواء،و ملحا اندريانا ربع جزء فيدق الجميع ناعما و بستن به فانّه ينفع الأنسان و يمسكها و يحفظ أصولها من الآفات و العاهات العارضة،و من اراد ان يبيض أسنانه فليأخذه جزء ملحا اندرايانا و مثله زبد البحر و ليسحقهما ناعما و يستن بهما.

و اعلم يا أمير المؤمنين انّ احوال الأنسان الّتي بناه اللّه تعالى عليها و جعله متصرفا بها اربعة احوال كالحالة الأولى خمسة عشر سنة،و فيها شبابه و حسنه و بهاؤه و سلطان الّد في جسمه،ثمّ الحالة الثانية من خمسة عشر الى خمسة و ثلاثين سنة،و فيها المرّة الصّفراء و قوة غلبتها و هي أقوى ما يكون،و لا يزال كذلك حتّى يستوفي المدّة المذكورة ثمّ يدخل في الحالة الثالثة الى ان تتكامل مدة العمر ستين سنة،فيكون في سلطان المرّة الّسوداء و هو سن الحكمة و المعرفة و الدراية و انتظام الأمور و صحّة النظر في العواقب و صدق الرأي و ثبات الجأش في التصرفات،ثمّ يدخل في الحالة

ص:132

الرابعة و هو سلطان البلغم و هي الحالة الّتي لا يتحول منها ما بقي الاّ الى الهرم و نكد العيش، و نقص من القوة و فساد في كونه و نكسه،انّ كلّ شيء كان لا يعرفه حتى يعود ينام عند القعود و يسهر عند النوم و لا يتذكر ما يتقدم،و ينسى ما يحدث من(في)الأوقات،و يزيل عوده،و يتغير معهوده،و يجف ماء رونقه و بهائه و يقل نبت شعره و أظفاره،و لا يزال في جسمه انعكاس و ادبار ما عاش لأنّه في سلطان البلغم و هو بارد جامد،فبروده و جموده يكون فناء كلّ جسم يستولي عليه في آخر القوة البلغميّة و قد ذكرت للأمير ما يحتاج اليه في سياسة المزاج و احوال جسمه و علاجه.

و انا اذكر ما يحتاج الى تناوله من الأغذية و الأدوية و ما يجب ان يفعله في أوقاته،فاذا اردت الحجامة فليكن في إثنتي عشرة ليلة من الهلال الى خمسة عشرة،فانّه أصحّ لبدنك،فاذا نقص الشهر فلا تحتجم الاّ ان تكون مضطرا الى ذلك و هو لأنّ الدم ينقص في نقصان الهلال و يزيد في زيادته،و لتكن الحجامة بقدر ما يمضي من السنين ابن عشرين سنة يحتجم في كل عشرين يوما، و ابن ثلاثين سنة يحتجم في كل ثلاثين يوما مرّة واحدة،و كذلك ابن الأربعين سنة يحتجم في كلّ اربعين يوما فما زاد فبحسب ذلك.

و اعلم يا أمير المؤمنين ان الحجامة انّما يؤخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللّحم و مصداق ذلك انها لا تضعف القوة كما يوجد من الضعف عند الفصد،و الحجامة النقرة تنفع من ثقل الرأس و الوجه و العينين و هي نافعة الوجع الأضراس،و ربّما ناب الفصد عن جميع ذلك، و قد يحتجم تحت الذقنين لعلاج القلاع في الفم و من فساد تلك اللثة و غير ذلك من أوجاع الفم، و كذلك الحجامة بين الكتفين ينفع من الخفقان الّذي يكون من الأمتلاء و الحرارة،و الذي على الساقين قد ينقص من الأمتلاء نقصانا بيّنا و ينفع من الأوجاع المزمنة في الكلأ و المثانة و الأرحام، و يدرّ الطمث غير انّها تنهك الجسد و قد يعرض منها الغشي الشديد الا انّها تنفع ذوي الثبور و الدماميل،و الّذي يخفف من ألم الحجامة تخفيف المص أوّل ما تضع المحاجم،ثمّ يدر المص قليلا و الثواني أزيد من المص في الأوائل و كذا الثوالث فصاعدا،و يتوقف عند الشرط حتّى يحمرّ الموضع جيدا بتكرير المحاجم و يلين المشرط على جلود لينة و يمسح الموضع قبل شرطه بالدهن و كذا الفصد،و يمسح الموضع الذي فيه بدهن فانّه يقلّل من الألم،و كذلك يلين المشرط و المبضع بالدهن عند الحجامة و الفراغ منها يلين الموضع بالدهن و ليقطر على العروق اذا فصد شيئا من الدهن كي لا يحتجب فيضرّ ذلك المقصود و يعتمد الفاصد أن يفصد من العروق ما كان في مواضع قليلة اللحم لأنّ في قلة اللحم من قوق العروق قلة الألم،و اكثر العروق ألما اذا فصد حبل الذراع و القيفال لاتّصالهما بالعضل(بالعضد)و صلابة الجلد.

ص:133

و اما الباسليق و الأكحل فانّهما في الفصد أقلّ ألما لما لم يكن فوقهما لحم،و الواجب تكميل الفصل(الفصد)بالماء الحارّ ليظهر الدم و خاصّة في الشتاء فانّه يليّن الجلد و يقلّل الألم،و يسهّل الفصد و يجب في كلّ ما ذكرناه من اخراج الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثني عشر ساعة و يحتجم في يوم صاح صاف لا غيم فيه و لا ريح شديدة،و يخرج من الدم بقدر ما يرى تغييره و لا تدخل يومك ذاك الحمّام فانّه يورث الداء و أصبب على رأسك و جسدك الماء الحار و لا تفعل ذلك من ساعتك، و ايّاك و الحمّام اذا احتجمت فانّ الحمة الدائمة تكون فيه،فاذا اغتسلت من الحجامة فخذ خرقة فرعوني فالقها على محاجمك،و ثوبا لينا من قزّ و غيره و خذ قدر حمّصة من الترياق الأكبر فاشربه به ان كان شتاء،و ان كان صيفا فاشرب السكنجبين من العنصلي فانّه الترياق الأكبر،و امزجه بالشراب المفرّح المعتدل و تناوله او بشراب الفاكهة فان تعذّر ذلك فشراب الأترج،فان لم تجد شيئا من ذلك فتناوله بعد علكة ناعما تحت الأسنان و اشرب عليه سكنجبينا عسليّا فانّك متى فعلت ذلك آمنت من للّقوة و البرص و البهق و الجذام باذن اللّه تعالى،و امتص من الرمان المزّ فانّه يقوي القلب و يجيء بالدم،و لا تأكل طعاما مالحا بعد ذلك بثلاث ساعات فانّه يخاف ان يعرض من ذلك الجرب،و ان كان عشاء فكل الطباهيج(هج)اذا إحتجمت و اشرب عليه من الشراب الزكي الذي ذكرته لك اولا،و ادهن بدهن الخيري و شيء من المسك و ماء بارد صب منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة،و امّا بالصيف فاذا احتجمت فكل السكباج و الهلام و المصوص ايضا و الحامض،و صبّ على هامتك دهن بنفسج بماء الورد و شيء من الكافور و اشرب من ذلك الشراب الذي و صفت لك بعد طعامك،و ايّاك و كثرة الحركة و الغضب و مجامعة النساء يومك.

و احذر يا أمير المؤمنين ان تجمع بين البيض و السمك في المعدة في وقت واحد فانهما متى اجتمعا في جوف انسان ولد عليه النقرس و القولنج و البواسير و الأضراس و اللبن و الببيذ الذي يشربه أهله اذا أجتمعا ولد النقرس و البرص،و مداومة اكل البصل يعرض منه الكلف في الوجه، و أكل الملوحة و اللحمان المملوحة و اكل السمك المملوح بعد الفصد و الحجامة يعرض منه البهق و الجرب،و اكل كليّة الغنم و اجواف الغنم يعكّر المثانة و دخول الحمام على البطنة يوجب القولنج، و الأغتسال بالماء البارد بعد اكل السمك يورث الفالج،و اكل الأترج في الليل يقلب العين و يوجب الحول و اتيان المرأة الحائض يورث الجذام في الولد الجماع بعد الجماع من غير بينهما بغسل يورث الولد الجنون،و كثرت أكل البيض و ادمانه يولد الطحال و رياحه في رأس المعدة و الأمتلاء من البيض المسلوق يورث الربو و الأبتهاء،و اكل اللحم التي يورث الدود و اكل السين(التين)يقمّل منه الجسد اذا ادمن عليه و شرب الماء البارد عقيب الشيء الحار او الحلاوة يذهب الأسنان، و الأكثار من لحوم الوحش و البقر يورث تغيير العقل و تحيير الفهم و يبلد الذهن و كثرة النسيان،

ص:134

و اذا اردت دخول الحمام و ان لا تجد في رأسك ما يؤذيك فأبدأ عند دخول الحما بخمس جرع من الماء الفاتر فانّك تسلم بإذن اللّه تعالى من وجع الرأس و الشقيقة،و قدر خمس أكف ماء حار تصبها على رأسك عند دخول الحمّام.

و أعلم يا أمير المؤمنين انّ الحمّام ركّب على تركيب الجسد على اربع بيوت مثل اربع طبائع الجسد:البيت الأول بارد يابس،البيت الثاني بارد رطب،الثالث حار رطب،الرابع حار يابس، و منفعة الحمّام عظيمة تؤدي الى الأعتدال و تنقي الدرن،و تليّن العصب و العروق و تقوي الأعضاء الكبار،و تذيب الفصول و تذهب العفن،فاذا اردت ان لا يظهر في بدنك بثرة و لا بخر فابدأ عند دخول الحمّام بدهن بدنك بدهن البنفسج،و اذا اردت استعمال النورة و لا يصيبك قروح و لا شقاء و لا سواد فاغتسل بالماء البارد قبل التنوير و من اراد دخول الحمام للنورة فليجتنب الجماع قبل ذلك باثني عشر ساعة و هو يوم تام،و ليطرح في النورة شيئا من البصر و القاقيا و الحضض او يجمع ذلك و يأخذ منه اليسير اذا كان مجتمعا و متفرقا،و لا يلقي في النورة شيء يابس،او يجمع ذلك اجزاء يسيرة مجموعة او متفرقة بقدر ما يشرب الماء رائحة،و ليأكل الزرنبخ مثل سدس النورة و يدلّك الجسد بعد الخروج منها بشيء يقلع رائحتها كورق الخوخ،و يبخّر العصفر او السعد الحنا و الورد و السنبل مفردة و مجتمعة،و من اراد ان يأمن احراق النورة فلقلل من تقليبها و ليبادر اذا عمل في غسلها و ان يمسح البدن بشيء من دهن الورد،فانّ احرقت و العياذ باللّه يؤخذ عدس مقشّر يسحق ناعما و يداف بماء ورد و خل و يطلى به الموضع الذي اثّرت به النورة فانه يبرأ بإذن اللّه و الذي يمنع من آثار النورة في الجسد هو ان يدلك الموضع بخل العنب الثقيف (1)و دهن الورد دلكا جيدا.

و من اراد ان لا يشتكي مثانته فلا يحبس البول و لو على ظهر دابة،و ان لا تؤذيه فلا يشرب على طعامه حتى يفرغ منه،من فعل ذلك رطّب بدنه و ضعفت معدته،و لم تؤخذ العروق قوة من الطعام فانه يصير في المعدة فجا اذا صب الماء على الطعام اوّلا.

و من اراد ان لا يجد الحصى و عسر البول فلا يحبس المني عند نزول الشهوة و لا يطيل المكث على النساء،من اراد ان يأمن وجع السفل و لا يظهر به رياح البواسير فليأكل كل ليلة سبع تمرات برني بسمن البقر،و يدهّن بين انثييه بدهن زئبق خالص و من اراد ان يزيد حفظه فليأكل سبع مثاقيل زبيبا بالغداة،و من اراد ان يقل نسيانه و يكون حافظا فليأكل كل يوم ثلاث قطع زنجبيل مربى بعسل و يصطبغ بالخردل مع طعامه في كل يوم،و من اراد ان يزيد في عقله فليتناول في كل

ص:135


1- (16) الثقيف الحامض جدا

يوم سكر بلوج،و من اراد ان لا ينشق ظفره و لا يميل الى الصفرة و لا يفسد حول ظفره فلا يقلّم اظفاره الا يوم الخميس،و من اراد ان لا تلومه اذنه فليجعل فيها عند النوم قطنة،و من اراد ردع الزكام مدة ايام الشتاء فليأكل يوم ثلاث لقم من الشهد.

و اعلم يا أمير المؤمنين ان للعسل دلائل يعرف بها نافعه من ضاره،و ذلك انّ منه شيئا اذ ادركه الشم عطش،و منه شيء يسكر،و له عند الذوق حراقة شديدة فهذه الأنواع من العسل قاتلة و لا تؤخّر شم النرجس فانّهم يمنع الزكام في مدّة ايّام الشتاء و كذلك الحبّة السوداء،و اذا خاف الأنسان الزكام في زمان الصيف فليأكل كلّ يوم خيارة و ليحذر الجلوس في الشمس.

و من خشي من الشقيقة و الشوصة فلا بدّ من أكل السمك الطري صيفا كان او شتاء،و من اراد ان يكون صالحا خفيف اللّحم فليقلل من عشائه بالليل،و من اراد ان لا يشتكي سرّته فليدهنها متى دهن رأسه،و من اراد ان لا تنشق شفتاه و لا يخرج منهما ناسور فليدهن حاجبيه متى دهن رأسه.

و من اراد ان لا تسقط اذناه و لهاته فلا يأكل حلوا حتّى يتغرغر بالخلّ،و من اراد ان لا تفسد اسنانه فلا يأكل حلوا الاّ بعد خبز،و من اراد ان لا يصيبه اليرقان فلا يدخل بيتا في الصيف حين أوّل ما يفتح،و لا يخرج منه اول ما يفتح بابه في الشتاء غدوة،و من اراد أن لا يصيب ريحا في بدنه فليأكل الثوم كلّ سبعة ايّام مرّة،و من اراد أن يستمري طعامه فليتك بعد الأكل على شقّه الأيمن ثمّ ينقلب على شقّه الأيسر حين ينام.

و من اراد ان يذهب البلغم من بدنه و ينقصه فليأكل كل يوم بكرة شيئا من الجوارش اطريفل،و يكثر دخول الحمام و مضاجعة النساء و الجلوس في الشمس و يجتنب كل بارد من الأغذية فانّه يذيب البلغم و يحرقه،و من اراد ان يطفي لهب الصفراء فليأكل كل يوم شيئا رطبا و باردا و لينا و يروح بدنه،و يقلل الحركة،و يكثر النظر الى من يحب،و من اراد ان يحرق السوداء فعليه بكثرة القي و فصد العروق و مداومة النورة،و من اراد ان يذهب بالريح الباردة فعليه بالحقنة و الأدهان الليّنة على الجسد،و عليه بالتمكيد بالماء الحار في الأبرز،و من أراد ان يذيب البلغم فليتناول بكرة كل يوم من الأطريفل الصغير مثقالا واحدا.

و اعلم يا أمير المؤمنين ان المسافر ينبغي له ان يحترز في الحرّ اذا سافر و هو ممتل من الطعام و لا خالي الجوف و ليكن على حدّ الأعتدال و ليتناول من الأغذية الباردة مثل الفريض و الهلام و الخل و الزبيب و ماء الحصرم و نحو ذلك من الأطعمة الباردة.

و اعلم يا أمير المؤمنين انّ السّير الشديد في الحرّ الشديد ضارّ بالأبدان الملهوسة اذا كانت خالية من الطعام،و هو نافع في الأبدان الخصبة فامّا صلاح المياه للمسافر مع دفع الأذى عنه فهو

ص:136

ان لا يشرب الماء من ماء كلّ منزل الاّ بعد ان يمزجه ماء المنزل الذي قبله،او بشراب(بتراب)واحد غير مختلف يشربه بالمياه على إختلافها،و الواجب ان يتزوّد المسافر من تربة بلده و طينه التي ربى(بربي)عليها و كلّما ورد الى منزل طرح في إنائه الّذي يشرب منه الماء شيئا من الطين الذي تزوده من بلده،و يتعاهد الماء و الطين في الآنية بالتحريك و يؤخر قبل شربه حتّى يصفو صفاء جيدا،و خير المياه شربا لمن هو مقيم او مسافر ما كان ينبوعه من الجهة الشرقية الخفيف الأبيض، و أفضل المياه ما كان مخرجها من مشرق الشمس الصيفي،و أوضحها و أفضلها ما كان بهذا الوصف الذي ينبع منه و كان مجراه في جبال الطين و ذلك انّها تكون في الشتاء باردة و في الصيف مليّة البطن نافعة لأصحاب الحرارة.

و امّا الماء المالح و المياه الثقيلة فانّها تيبس البطن،و مياه الثلوج و الجليد رديّة لسائر الأجساد كثيرة الضرر جدا،و أما مياه الجبّ فانّها عذبة صافية نافعة ان دام جريها و لم يدم حبسها في الأرض،و امّا البطايخ و السباخ فانّها حارّة غليظة في الصيف لو كررها و داوم طلوع الشمس عليها،و قد يتولد علي من دوام شربها المرّة الصفراوية و تعظم به أطلحتهم(اطحلتهم)،و قد وصفت لك يا أمير المؤمنين فيما تقدّم من كتبي هذا ما فيه كفاية لمن أخذ به.

و انا ذاكر من الجماع فلا تقرب النساء من اول الليل صيفا و لا شتاء و ذلك لأنّ المعدة و العروق تكون ممتلئة و هو غير محمود،و يتولد منه القولنج و الفالج و اللقوة و النقرس و الحصاة و التقطير و الفتق و ضعف البصر و رقته،فاذا أردت ذلك فليكن في آخر الليل فانّه أصلح للبدن و أرجى للولد،و أزكى للعقل في الولد الذي يقضي اللّه بينهما،و لا تجامع امرأة حتى تلاعبها و تكثر ملاعبتها و تعمز ثدييها فانك اذا(ان)فعلت ذلك غلبت شهوتها و اجتمع ماؤها،لأنّ ماؤها يخرج من ثدييها،و الشهوة تخرج من من وجهها و عينيها،و اشتهت منك مثل الذي اشتهيت(تشتهبه) منها،و لا تجامع النساء الاّ طاهرة فاذا فعلت ذلك فلا تقم قائما و لا تجلس جالسا و لكن تميل على يمينك ثمّ انهض مسرعا الى البول من ساعتك فانّك تأمن الحصاة باذن اللّه تعالى،ثمّ أغتسل من ساعتك(ثم)و اشرب من الموميائي بشراب العسل او بعسل منزوع الرغوة فانّه يردّ من الماء مثل الذي خرج منك.

و اعلم يا أمير المؤمنين انّ جماعهنّ و القمر في برج الحمل او في الدّار من البروج أفضل و خير من ذلك ان يكون في برج الثور لكونه شرف القمر،و من عمل بما و صفت في كتابي هذا و دبّر به جسده أمن باذن اللّه تعالى من كلّ داء و صحّ جسمه بحول اللّه تعالى و قوّته،فانّ اللّه يعطي

ص:137

العافية و يمنحها ايّاه،و الحمد للّه رب العالمين و العاقبة للمتقين،و صلّى اللّه على سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين (1).

نور آخر في مقدمة من مقدمات هادم اللذات و هي الأجل

اعلم ارشدك اللّه تعالى انّ الكلام هنا يقع في مقامين:الأوّل في قبوله الزيادة و النقصان فقد تعارضت فيه الآيات ظاهرا و كذا الأخبار،قال اللّه تعالى و لكلّ امّة أجل فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون،و قال تعالى وَ مٰا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لاٰ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ ففيها تعارض بحسب الظاهر،و امّا الأخبار فروي انّ انّ من يموت بالذنوب أكثر ممّن يموت بالآجال،و من يعيش بالأحسان أكثر ممّن يعيش بالأجل.

و في حديث آخر انّه يكون قد بقي من عمر أحدكم ثلاث سنين فيصل رحمه أو يفعل شيئا من انواع البر فيمحو اللّه الثلاث و يثبت له ثلاثين،و قد يكون بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه او يعقّ والديه فيمحو منه الثلاثين و يثبت له ثلاثا.

و في حديث آخر انّه يكون قد بقي من عمر أجدكم ثلاث سنين فيصل رحمه أو يفعل شيئا من أنواع البرّ فيمحو اللّه الثلاث له ثلاثين،و قد يكون بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه او يعقّ والديه فيمحو منه الثلاثين و يثبت له ثلاثا.

و في حديث آخر انّ اللّه سبحانه يمدّ للمؤمن في عمره ما علم انّ الحياة خير له فاذا علم انّ في حياته إرتكاب موبقات الذنوب قبضه اليه و قوله تعالى يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتٰابِ قد ورد في الأخبار تفسيره بمحو الأعمار زيادة و نقصانا،و الأخبار الواردة بهذا المضمون مستفيضة بل متواترة،و في بعضها ما يعارض ذلك كقوله عليه السّلام في الدّعاء و يا من لا تبدل حكمته الوسائل،و في الدعاء الأوّل من الصحيفة السجادية:ثم ضرب له في الحياة الدنيا أجلا موقوتا و نصب له امدا محدودا يتخطا اليه بأيام عمره،و يرهقه بأعوام دهره حتى اذا بلغ أقصى أثره و استوعب حساب عمره قبضه الى ما ندبه اليه من موفور ثوابه او محذور عقابه.

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله في خطبة الوداع:ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي انّه ان تموت نفس حتّى تستكمل رزقها فاتقوا اللّه و اجملوا الطلب،الى غير ذلك من الأخبار.

ص:138


1- (17) اشتهر نقل هذه الرسالة عن الامام الرضا سلام اللّه عليه و شرحها جمع من علمائنا كالسيد فضل اللّه الراوندي المتوفى بعد سنة.(548)ه و السيد عبد اللّه شبر المتوفى(1242)ه.

و من ثم وقع الأختلاف بين العلماء في قبول الأجل للزيادة و النقصان،فذهب جماعة منهم الى انّه لا يقبلهما و انما هو اجل واحد تعويلا على ظواهر تلك الأخبار و ما روي في معناها،و على دليل آخر و هو انّ المقدورات في الأزل و المكتوبات في اللوح المحفوظ لا تتغير بالزيادة و النقصان لأستحالة خلاف معلوم اللّه تعالى و قد سبق العلم بوجود كلّ ممكن أراد وجوده و بعدم كلّم مكن أراد بقاءه على حالة العدم الأصلي او اعدامه بعد ايجاده فكيف يمكن الحكم بزيادة العمر او نقصانه بسبب من الأسباب؟و أجابوا عن الأخبار الأول بوجوه:

احدها انّ تلك الأخبار الدالة على الزيادة و النقصان انّما وردت على سبيل الترغيب حتى يقبل الناس على فعل الأحسان و بر الوالدين و صلة الأرحام،و ثانيها انّ المراد بزيادة العمر الثّناء الجميل بعدى الموت كما قال الشاعر:

ذكر الفتى عمره الثاني و غايته(حاجته) ما فاته و فضول العيش اشغاب

و قال:ماتوا فعاشوا بحسن الذكر بعدهم و نحن في صورة الأحياء أموات

و قال:

كم مات قوم و ماتت محاسنهم و عاش قوم و هم في الناس اموات

و ثالثها ان المراد بزيادة العمر زيادة البركة في الأجل امّا في نفس الأجل فلا،فذهب آخرون الى ما دلت عليه الأخبار الأولى من قبول الأجل للزيادة و النقصان و أجابوا عن آية لاٰ يَسْتَأْخِرُونَ سٰاعَةً وَ لاٰ يَسْتَقْدِمُونَ و قوله تعالى وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللّٰهُ نَفْساً إِذٰا جٰاءَ أَجَلُهٰا و عن الأخبار الواردة بمضمونها تارة بأن الأجل صادق على كل ما يسمّى أجلا موهبيّا او اجلا مسببيّل و يحمل على الموهبي و يكون وقته الذي لا يقبل التقدّم و التأخّر،و اخرى بأن الأجل عبارة عما يحصل عنده الموت لا محالة سواء كان بعد عمر الموهبي او المسببي و نحن نقول كذلك لأنّه عند حصول اجل الموت لا يقع التأخير،و ليس المراد به العمر اذا لأجل مجرّد الوقت.

و امّا دليلهم العقلي فأجابوا عنه اوّلا بأنه وارد في كل ترغيب مذكور في القرآن و السنّة حتى الوعد بالجنّة و النعيم على الأيمان،و كذلك التّوعد بالنيران و كيفية العذاب و ذلك ان اللّه تعالى علم ارتباط الأسباب بالمسببات في الأزل و كتبه في اللوح المحفوظ،فمن علمه مؤمنا فهو مؤمن،و من علمه كافرا فهو كافر،و هذا الّلازم يبطل الحكومة في بعثة الأنبياء و الأوامر الشرعية و المناهي و في ذلك هدم الأيمان.

و امّا ثانيا فالجواب عن كلّ هذه الأمور واحد و هو ان اللّه تعالى كما علم كمية العمر علم إرتباطه بسببه المخصوص و كما علم من زيد دخول الجنّة جعله مرتبطا بأسبابه المخصوصة من

ص:139

ايجاده و خلق العقل له و بعث الأنبياء و نصب الألطاف و حسن الأختيار،و العمل بموجب الشرع، فالواجب على كلّ مكلف الأتيان بما أمر به و لا يتّكل على العلم فانّه مهما صدر منه فهو المعلوم بعينه فاذا قال الصادق:ان زيدا اذا وصله رحمه زاد اللّه في عمره ثلاثين سنة ففعل ذلك إخبارا بأن اللّه تعالى علم ان زيدا يفعل ما يصيّر به عمره زائدا ثلاثين سنة،كما انه اذا أخبر بأن زيدا اذا قال لا اله الا اللّه دخل الجنة ففعل تبيّنا ان اللّه تعالى انّه يقول و يدخل الجنّة بقوله.

و بالجملة جميع ما يحدث في العالم معلوم للّه تعالى على ما هو عليه واقع من شرط او سبب و ليس نصب صلة الرحم زيادة في العمر الاّ كنصب الأيمان سببا في دخول الجنّة،و العمل بالصالحات في رفع الدرجة و الدّعوات في تحقيق المدعو به،و قد جاء في الحديث لا تملّوا من الدعاء فانّكم لا تدرون متى يستجاب لكم،و فيه سرّ لطيف و هو انّ المكلف عليه الأجتهاد ففي كل ذرة من الأجتهاد امكان سببية لخير علم اللّه تعالى كما قال سبحانه وَ الَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا و هذا الجواب لشيخنا الشهيد الأوّل قدس اللّه روحه،و أمّا تحقيق هذا المقام فانتظره في المقام الثاني سيأتيك ان شاء اللّه تعالى.

المقام الثاني في اتّحاد الأجل و تعدّده:ذهب الأشاعرة الى ان أجل الحيوان هو الزمان الذي علم اللّه انّه يموت فيه،فالمقتول عندهم مات بأجله الّذي قدّره اللّه تعالى له و علم انّه يموت فيه و لا يتصور تغيير هذا القدر بتقديم و لا تأخير،و المعتزلة قالوا ما تولد من فعل القاتل فهو من افعاله لا من فعل اللّه تعالى،و قالوا:انه لو لم يقتل لعاش الى الأمد الذي قدره اللّه تعالى له لمات و ان لم يقتله،فالقاتل-لم يجلب بفعله أمرا لا مباشرة و لا توليدا،فكان لا يستحق الذم عقلا و لا شرعا لكنه مذموم فيها قطعا،اذا كان القتل بغير الحق،و استشهدوا ايضا بانّه ربما قتل في المعركة الواحدة ألوف و نحن نعلم بالضرورة ان موت الجم الغفير في الزمان القليل بلا قتل مما يحكم العادة بامتناعه،و لذلك ذهب جماعة منهم الى انّ ما لا يخالف العادة كما في قتل واحد و ما يقرب منه واقع بالأجل منسوب الى القاتل.

و امّا اصحابنا الأمامية رضوان اللّه عليهم فمنهم من وافق المعتزلة في تعدد الأجل و قالوا الأجل منه أجل محتوم كمن مات حتف انفه،و منه اجل محزوم كالمقتول و الغريق و من هوى من عال فمات،و بعضهم كما سمعت سمّى الأول اجلا موهبيّا و الثاني مسببيّا.

و ذهب شيخنا الصدوق ره الى مذهب الأشاعرة و أجاب عن بعض شبه المعتزلة حيث قال في كتاب التّوحيد:أجل الأنسان هو وقت موته،و أجل حياته هو وقت حياته و ذلك معنى قول اللّه عزّ و جلّ فَإِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ لاٰ يَسْتَأْخِرُونَ سٰاعَةً وَ لاٰ يَسْتَقْدِمُونَ فان مات الأنسان حتف أنفه على

ص:140

فراشه و ان (1)قتل فانّ أجل موته هو وقت موته،و قد يجوز ان يكون المقتول لو لم يقتل لمات من ساعته،و قد يجوز ان يكون لو لم يقتل لبقي و علم ذلك مغيّب عنّا و قد قال اللّه عزّ و جلّ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلىٰ مَضٰاجِعِهِمْ .

و قال عزّ و جلّ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرٰارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ و لو قتل جماعة في وقت لجاز أن يقال انّ جميعهم ماتوا بآجالهم،و انّهم لو لم يقتلوا لماتوا من ساعتهم،كما كان يجوز ان يقع الوباء في جميعهم فيميتهم في ساعة واحدة،و كان لا يجوز ان يقال انّهم ماتوا بغير أجلهم.

و بالجملة انّ أجل الأنسان هو الوقت الذي علم اللّه عزّ و جلّ انّه يموت فيه او يقتل،و قول الحسن عليه السّلام في أبيه صلوات اللّه عليه انّه عاش بقدر و مات بأجل،تصديق لما قلنا في هذا الباب انتهى كلامه ره.

و امّا الذي فهمناه من تتبع الأخبار فهو معنى ثالث جامع بين القولين،و ذلك ان اللّه سبحانه و تعالى قد خلق لوحا و سمّاه لوح المحو و الأثبات و كتب فيه الآجال و الأرزاق و جميع ما يكون واقعا في عالم الكونين معلّقة على الأسباب و الشروط،و هي التي يقع فيها المحو و الأثبات و التغيير و البداء،مثلا كتب انّ عمر زيد عشرين ان لم يصل رحمه و ان وصل رحمه فعمره ثلاثون سنة، و ان رزق زيد في هذه السنة مائة درهم ان لم يسعى السعي الفلاني و ان سعى فيه فرزقه ألف درهم،و انّ فلانا في هذه السنة من الحاجّ ان لم يكن يصدر منه ذلك الفعل فلا يكون حاجّا و كذلك جميع الكائنات فهذا اللوح الّذي وصف سبحانه نفسه بأنّه كل يوم في شأن.

و قد خلق سبحانه لوحا آخر و هو اللوح المحفوظ و كتب فيه الكائنات على ما علمه سبحانه و تعالى منها في الأزل فانّ علمه بالأشياء قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها و هذا العلم الذي علمه و كتبه في ذلك اللوح لا يتغير و لا يتبدل بوجه من الوجوه لأنّه علمه مربوط بالمسببات و الأسباب،و علم وقوع الأسباب و عدم وقوعها لأنّه قد علم انّ زيدا يصل رحمه فيكون عمره كذا او لا يصل رحمه فيكون عمره كذا و انّ زيدا اذا خرج الى المعركة الفلانيّة يقتل و اذا لم يخرج لم يقتل،و قد علم في الأزل احد الطرفين فكتبه في اللوح،و هذا العلم المكتوب في اللوح هو الذي أشارت اليه الأخبار المتشابهة كقوله صلّى اللّه عليه و آله قد كتب القلم في اللوح بما هو كائن الى يوم القيامة و جفّ القلم بما فيه فلن يكتب بعد ابدا،و قوله عليه السّلام قد فرغ من الأمر،و نحو ذلك و قد تقدّم اكثرها في الأخبار المذكورة في تضاعيف الأنوار السابقة.

ص:141


1- (18) شرط لا وصل

و هذا اللوح هو المسمّى في لسان الشرع بأمّ الكتاب في قوله تعالى يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتٰابِ ، يعني انّه لا يدخله محو و لا اثبات.

نعم اذا بلغ بك البحث الى هنا فليكن هذا حدّك و لا تلج في اللجّة العميقة التي بعد هذا الكلام فانك اذا وضعت قدمك خارج هذه المقالة دحضت بك المزالق في بحر لجيّ بعيد قعره كثير الحيات و الأفاعي اسود الجوف و الماء غرق فيه عالم كثير و كلّما أمكنك التنحي عن ساحله فابعد عنه،و اياك و الفكر فيه فان الفكر الذي نهى عنه سيد العارفين مولانا امير المؤمنين عليه السّلام و هو يتصل ببحر القضاء و القدر.

و اما الجواب عن قول المعتزلة ان القتل لو كان هو الأجل لم يكن القاتل جانيا و لما استحق الذم فهو ان نقول القاتل انّما استحق هذا باعتبار انّه اوصل هذا الألم اليه و كان الواجب عليه تركه حتى يكون الموصل اليه ذلك الألم هو اللّه سبحانه و تعالى لأنّ ايصال هذا الألم مقصور على اللّه عزّ و جلّ لأيصال انواع المثوبات اليه و ذلك القاتل لو لم يقتله لمات ذلك الوقت،و كان الواجب عليه ان يدعه و ربذه في قبض روحه،و هذا ظاهر لا غبار عليه و من تصفّح الأمور الواقعة في هذا العالم جزم بأنّ الآجال امور مقرّرة موقوفة على البلوغ الى حد كمالها.

و من تلك الأمور انّ جماعة من اللصوص دخلوا دار رجل في الليل ليسرقوه فلما دخلوا الدار رأوا ان ذلك الرجل له ولد رضيع مشدود في المهد،فقالوا:نخاف ان يبكي و يستيقظ أمّه و ابوه من بكائه،فأخذوا ذلك الولد في المهد و اخرجوه من الدار و وضعوه خارج الحوش، و شرعوا في نقل اثاث البيت و وضعه في الحوش،فلمّا فرغوا من نقل الأثاث رجعوا الى داخل البيت لعله ان يكون قد بقي شيء،فلما دخلوا استيقظت المرأة لولدها فلم تره،فقال لزوجها اين المهد؟فخرجا الى الحوش يطلبون الولد،فلما خرجوا من البيت و اذا البيت قد وقع سقفه و جدرانه فرأوا الولد في المهد مع جميع أثاث البيت،فلما أصبح الصباح حفروا التراب و اذا اللصوص اموات،فانظر الى هذا التقدير الأزلي كيف وافق الحكمة الألهيّة.

و من تلك الأمور انّ رجلا عالما من علماء تستر و كان صاحبا لنا كان بيته على جرف الشط و كان الجرف عاليا،فكان ليلة من اللّيال قدموا اليه طعاما فجلس،هو و اهله و اولاده ليأكلون، فاتفق انّهم نسوا احضار الملح،فقال لزوجته:أحضري الملح،فقامت و مضت فابطئت،فتبعها الولد و أبطأ و قامت البنت ايضا و تبعتهم الجارية و هم يريدون الأتيان بالملح من الحجرة الأخرى، فتعجب ذلك العالم و خرج في اثرهم فلما وضع رجله خارج العتبة انهالت الحجرة في الماء مع ما فيها و كان بين الأرض و الماء ما يقرب من طول المنارة،فسلموا كلهم بحمد اللّه سبحانه،و في هذا التاريخ بعضهم موجود في شيراز.

ص:142

و من الأمور ايضا انّي لمّا كنت أسفر في البحار لطلب العلوم حكى لنا صاحب سفينة أنّه قد كان في يوم من الأيام كثير الهوى و الموج جلس رجل من اهل السفينة على حافتها لقضاء الحاجة، فاتّفق انّه سقط في البحر فغطاه الماء،فأتى اليه واحد من اهل السفينة و مد يده في الموضع الذي سقط فيه فاستخرجه من تحت الماء فدثروه بلحاف و بقي ساعات،فلما رفعوا الغطاء عنه و شرع في الكلام فاذا هو غير صاحبهم الذي وقع،فسألوه عن قصّته،فقال:انّه قد كسر بنا السفينة منذ سبعة ايام و قد كنت لي لوحة أسبح عليها و قد ضعفت عن امساكها هذا اليوم،فذهب عني فبقيت على وجه الماء ساعة و غشي عليّ و ما شعرت لنفسي الاّ و أنا عندكم في هذا المركب،فذهب صاحبهم فانظر الى هذا التقدير كيف يمكن الكلام فيه.

و ذكر اليافعي في تاريخه في حوادث سنة و خمسمائة انّ بعض الملوك قال له منجّموه انّه يموت في الساعة الفلانية من عقرب تلدغه،فلمّا كان قبل الساعة المذكورة تجرد عن جميع لباسه سوى ما يستر عورته و ركب فرسا بعد ان غسله و نظّفه و دخل به البحر حذرا مما قيل،فبينما هو كذلك اذ عطست فرسه فخرجت من انفها عقرب فلدغته فمات منها،فما أغناه الحذر من القدر.

و روى ذا النون المصري خرج ذات يوم يريد غسل ثيابه فاذا هو بعقرب قد أقبل اليه كأعظم ما يكون،قال:ففزع منها فزعا شديدا و أستعاذ باللّه منها فكفي شرّها،فأقبلت حتى وافت شط النيل فاذا هي بضفدع قد خرج من الماء،فاحتملها على ظهره و خرج بها الى الجانب الآخر، قال ذو النون:فعبرت خلفه فأتت الى شجرة كثيرة الظل فاذا غلام أمرد نائم تحتها و هو مخمور، فقلت:انّها أتت لقتل هذا الفتى فاذا انا بأفعى أتت لقتل الفتى،فظفرت العقرب بالأفعى و لزمت دماغ الأفعى حتى قتلها و رجعت الى الماء و عبرت على ظهر الضفدع الى الجانب الآخر،فأنشد ذو النون:

يا راقد و الجليل يحفظه من كل سوء يكون في الظلم

كيف تنام العيون عن ملك تأتيك منه فوائد النعم

قال:فانتبه الفتى من كلام ذى النون فأخبره الخبر فنزع ثياب اللّهو و لبس اثواب السياحة و ساح و مات على تلك الحالة،و امثال هذه الحكايات كثير،نعم يبقى الكلام في فائدة لوح المحو و الأثبات و تغيير الكائنات و صفاتها فيه مع وجود لوح المحفوظ،و عدم اطلاعنا على العلة لا يقتضي نفيها،و التّفحّص عنها غير محتاج اليه بل انما نحتاج في هذا المقام الى التسليم و الأذعان لا غير،اذا عرفت هذا فلنشرع الآن في بيان الموت.

ص:143

فنقول انّه كما قال مولانا عليه السّلام قد خطّ الموت علي بن آدم كما خطّ القلادة على جيد الفتاة (1)و في هذا التشبيه لطيفة مليحة كوهي انّ الموت يزين ابن آدم و هو حلية له كما انّ القلادة حلية لجيد الفتاة،روي انّ نبيّا من الأنبياء طلب منه قومه ان يدعو اللّه تعالى ليرفع الموت عنهم، فدعاه فرفع الموت عنهم حتى كان الرجل ينظر الى ابيه و جدّه و جد ابيه و جد جده و هكذا و كذلك من طرف الأم،فكان يقوم بخدمتهم و يتعاهد أحوالهم كالأطفال فيشتغل بخدمتهم عن الكسب لهم و ضاقت بهم الدور و المنازل،فطلبوا اليه بأن يدعو اللّه سبحانه و يجري عليهم الموت.

و روي ايضا انّ ابراهيم عليه السّلام سأل اللّه تعالى ان لا يميته الاّ اذا سأل،فلمّا استكمل ايّامه التي قدرت له فخرج،فرأى ملكا على صورة شيخ فان كبير قد أعجزه الضعف و ظهر عليه الخرف و لعابه يجري على لحيته و طعامه و شرابه يخرجان من سبيله على غير اختياره،فقال له:يا شيخ كم عمرك؟فأخبره بعمر يزيد على عمر ابراهيم بسنة،فاسترجع و قال:انا أصير بعد سنة الى هذا الحال فسأل الموت.

هذا مع ان النسان اذا كر سنه ملّ الحياة و ملته الأهل و الأحباب و طلبوا موته و ان تعاهدوا حاله بخدمة من الخدمات فانّما هو من جهة التكليف الألهي لا من باب المحبّة و الوداد،نعم طلب الموت و ارادته مما ورد النهي عنه،و ذلك انّ عمر المؤمن جوهرة نفيسة لا قيمة لها و يمكنه في كلّ نفس منه ان يصل الى درجة من درجات المقربين.

و من هذا كان مولانا السجاد عليه السّلام اذا رأى جنازة قال:الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم،أي لم يجعلني شخصا هالكا فهو يحمد اللّه سبحانه على الحياة،نعم يجوز الدعاء بما كان يدعو به عليه السّلام من قوله اللّهم أبقني ما علمت انّ الحياة خير لي فاذا صار عمري للشيطان فاقبضني اليك،و لا ينافي هذا ما ورد من قوله عليه السّلام من احبّ اللّه لقائه و من كره لقاء اللّه كره اللّه لقائه،لأنّ هذا كما جاء في الروايات انّما هو حال الموت و معاينة احوال تلك النشأة،و ذلك انّ اللّه سبحانه يوحي الى ملك الموت ان امض الى فلان عبدي المؤمن و اقبض روحه و لا تقبضها الاّ برضا منه فيأتي اليه و يقف عنده وقفة العبد بين يدي المولى و يقول له انّ اللّه تعالى قال لي لا اقبض روحك الا برضاك،فيقول المؤمن لا ارضى،فيصعد ملك الموت و يقولك الهي علمت ما قال عبدك المؤمن،فيقول اللّه سبحانه إمض الى بيته في الجنّة و خذ له منه قبضة من الريحان و اكشف له عن منزله في الجنة حتى يعاينه،فيأتي بقبضة الريحان اليه و يفتح اليه بابا الى داره في الجنة،فيقول له:

يا ملك الموت ما هذا الريحان الطيب؟و ذلك ان رائحته تشمّ من مسيرة خمسمائة عام،و ما هذا

ص:144


1- (19) هذه الكلمات النيرة من فقرات خطبة سيد الشهداء-ع-و قد القاها في مكة المكرمة قبل خروجه الى العراق.

المكان؟فيقول هذا مكانك في الجنّة،و هذا الريحان منه،فعند ذلك يضطرب و يقول عجّلوني عجّلوني،و يرشح جبينه عرقا،فعند ذلك الوقت يحب لقاء اللّه و يحب اللّه لقاءه،و ان كان كافرا أتى اليه ملك الموت و كشف له عن مكانه في النار حتى يعاينه،فعند ذلك يقول ردّوني ردّوني فيكره لقاء اللّه و يكره اللّه لقاءه.

و الى هذه الألطاف الألهيّة أشير حيث قال تعالى في الحديث القدسي ما ترددت في شيء انا فاعله مثل تردّدي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت و اكره مسائته،فكراهته للموت انّما هي قبل المعاينة،و تردّده تعالى كناية عن ايصال تلك الألطاف اليه حتى توجبه الرضا و القبول،مع انّ الموت أمر قد رغبت عنه و عافته الأنبياء و الأولياء و غيرهم،امّا رغبة الأخيار عنه فلأنّهم أرادوا تحصيل أعالي الدرجات و الفوز بما لديه من القربات،و أسبابه لا تكون الاّ قبل الموت،فأحبّوا الحياة رغبة فيما بعد الموت.

و امّا رغبة الأشرار عنه فلما قال مولانا الحسن عليه السّلام حين سئل يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما بالنا نكره الموت و انتم لا تكرهونه؟فقال عليه السّلام:لأنّكم عمرتم منازلكم هذه و خرّبتم تلك المنازل فلا تحبّون الأنتقال من عمران الى خراب،و امّا نحن فنقلنا كلّ ما عندنا من الأثاث الى تلك الدار فخربنا هذه و عمرنا تلك،فنحن نحب الأنتقال من خراب الى عمران،مع انّ هذه الحياة الدنيا ممّا جبلت الطبيعة على حبّها و طلبها،و لذا لا ترى أحدا يطلب الموت الاّ اذا تضايقت عليه اسباب الحياة،امّا بفقر او بكبر سن او بخوف من عدوّ او نحو ذلك،و امّا وقت اتساع اسباب الحياة فهو ممّا لا يخطر بباله بوجه من الوجوه،و من هنا كان صلّى اللّه عليه و آله يقول:اللّهم اجعل رزق محمد و آل محمد كفافا لا كثيرا فأطغى و لا قليلا فأشقى،و قد دعا الى رجل اساء اليه بكثرة الرزق،و دعا لرجل احسن اليه بالكفاف،فقيل له في ذلك.!فقال:أما سمعتم قوله تعالى إِنَّ الْإِنْسٰانَ لَيَطْغىٰ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنىٰ اذا عرفت هذا:

فاعلم انّ اول من عرف الموت و كرهه ابونا آدم عليه السّلام،روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى الأمام ابي جعفر الباقر عليه السّلام قال:انّ اللّه عزّ و جلّ عرض على آدم عليه السّلام اسماء الأنبياء و أعمارهم قال:فمر بآدم اسم داود النبي عليه السّلام فاذا عمره في العالم أربعون سنة،فقال آدم:يا رب ما أقل عمر داود و ما أكثر عمري؟يا رب انا زدت من عمري ثلاثين سنة أثبت ذلك له؟قال:نعم يا آدم،قال:

فانّي قد زدته من عمري ثلاثين سنة فأنفذ ذلك له و أثبتها له عندك و أطرحها من عمري،قال ابو جعفر عليه السّلام فأثبت اللّه عز و جل لداود عليه السّلام من عمره ثلاثين سنة،و كانت له عند اللّه مثبة فذلك قول اللّه عز و جل يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتٰابِ قال:فمحا اللّه ما كان مثبتا لآدم و أثبت لداود ما لم يكن عنده مثبتا،قال:فمضى عمر آدم فهبط عليه ملك الموت ليقبض روحه

ص:145

فقال له آدم:يا ملك الموت انّه قد بقي من عمري ثلاثون سنة،فقال له ملك الموت:يا آدم أ لم تجعلها لإبنك داود النبي و طرحتها من عمرك حين عرض عليك اسماء الأنبياء من ذرّيّتك و عرضت عليه اعمارهم و انت يومئذ بوادي الدّخنا؟قال:فقال له آدم ما أذكر هذا،قال:فقال له ملك الموت يا آدم لا تجحد أ لم تسأل اللّه عز و جل ان يثبتها لداود و يمحوها من عمرك؟فأثبتها لداود في الزبور و محاها من عمرك في الذكر،قال آدم:لم أذكر حتّى أعلم ذلك،قال ابو جعفر عليه السّلام:و كان آدم صادقا لم يذكر و لم يجحد،فمن ذلك اليوم أمر اللّه تبارك و تعالى العباد ان يكتبوا بينهم اذا تداينوا و تعاملوا الى أجل مسمّى لنسيان آدم و جحوده ما جعل على نفسه،أقول لو كان آدم عليه السّلام ممن يحب الموت لما قدم على هذه السؤالات و تفحّص عن هذه الأمور.

و امّا ادريس النبي عليه السّلام فروى الشيخ الراوندي في كتاب القصص انّ ادريس النبي عليه السّلام كان يسبّح النهار و يصومه و يبيت حيث ما جنّه الليل،و يأتيه رزقه حيث ما أفطر،و كان يصعد له من العمل الصالح مثل ما صعد لأهل الأرض كلهم،فسئل ملك الموت ربّه في زيارة ادريس و ان يسلّم عليه،فاذن له فنزل و أتاه فقال:انّي أريد ان أصحبك فأكون معك،فصحبه و كان يسبّحان النهار و يصومانه فاذا جنّهما الليل أتى أدريس فطره فيأكل و يدعو ملك الموت اليه فيقول لا حاجة لي فيه، ثمّ يقومان يصلّيان و ادريس يصلي و يفطر و ينام و ملك الموت يصلي و لا ينام و لا يفطر فمكثا بذلك ايّاما ثم انهما مرّا بقطيع غنم و كرم قد اينع،فقال ملك الموت هل لك ان تأخذ من ذلك حملا او من هذا عناقيد فتفطر عليه،فقال:أعودك الى مالي فتابى فكيف تدعوني الى مال الغير،ثمّ قال ادريس صلوات اللّه عليه قد صحبتني و احسنت فيما بيني و بينك من انت؟قال:انا ملك الموت قال ادريس لي اليك حاجة،قال:و ما هي؟قال:تصعد بي الى السماء فاستأذن ملك الموت ربه في ذلك فأذن له فحمله على جناحه فصعد به الى السماء:

ثم قال له ادريس عليه السّلام:ان لي حاجة اخرى،قال:و ما هي؟قال:بلغني من الموت شدة فأحب ان تذيقني منه طرفا فأنظر هو كما بلغني،فاستأذن ربه فأذن له فأخذ بنفسه ساعة ثم خلى عنه،فقال له كيف رأيت؟فقال:بلغني عنه شدّة فانه لأشد ممّا بلغني و لي اليك حاجة اخرى تريني النار،فاستأذن ملك الموت صاحب النار ففتح له،فلما رآها ادريس عليه السّلام سقط مغشيا عليه،ثم قال:لي اليك حاجة اخرى تريني الجنة،فاستأذن ملك الموت خازن الجنة فدخلها فلما نظر اليها قال:يا ملك الموت ما كنت لأخرج منها انّ اللّه تعالى قال كُلُّ نَفْسٍ ذٰائِقَةُ الْمَوْتِ و قد ذقته و يقول وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا و قد وردتها،و يقول في الجنة و ما هم بخارجين منها،فانظر الى ادريس النبي عليه السّلام كيف احتال على رفع الموت عنه،و ما ذلك الاّ لكراهته له و سماعه بشدّته و مرارته.

ص:146

و امّا نوح عليه السّلام فروي عن الصادق عليه السّلام انه قال عاش نوح عليه السّلام ألفي سنة و خمسمائة سنة منها ثمانمائة سنة و خمسون سنة قبل ان يبعث و ألف سنة الاّ خمسين عاما و مائتا عام في السفينة و خمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة،و نصب الماء فمصر الأمصار و اسكن ولده البلدان،ثم جاء ملك الموت و هو في الشمس فقال:السّلام عليك،فرد عليه نوح صلوات اللّه عليهما و قال:

ما جاء بك؟قال:جئت لأقبض روحك،قال:تدعني ادخل من الشمس الى الظل؟فقال له:نعم، قال:فتحّول نوح عليه السّلام ثمّ قال:يا ملك الموت كأن ما مر بي من الدنيا مثل تحوّلي من الشمس الى الظل فامض ما امرت به فقبض روحه صلوات اللّه عليه.

اقول كان ذلك الظل بيته عليه السّلام الذي بناه اخر عمره و الاّ فطول عمره كان هو و عياله يستظل بالأشجار،فاذن اللّه تعالى ان يصنع بيتا من سعف النخل اذا نام فيه يكون نصفه في الظل و نصفه في الشمس،و طلبه التحول اليه من ملك الموت اما لأجل الأحترام و الأعتزاز فانّ حرمة المؤمن في منزله و مأواه،و اما لأجل طلب الحياة تلك اللحظة التي يتحول بها،و اما لكليهما،فانظر الى نوح عليه السّلام مع ما اوتي من العمر الطويل كيف لم يرغب بالموت ابتداء فكيف يكون حالنا نحن مع ما نحن عليه من قصر الأعمار و عمارة الديار.

و اما الخليل عليه السّلام فروينا مسندا الى مولانا الصادق عليه السّلام قال:قال امير المؤمنين عليه السّلام لما اراد اللّه تعالى قبض ابراهيم عليه السّلام هبط اليه ملك الموت فقال:السّلام عليك يا ابراهيم،قال:و عليك السّلام يا ملك الموت أ داع انت ام ناع؟قال:بل داع فأجبه،فقال ابراهيم:فهل رأيت خليلا يميت خليله؟قال:فرجع ملك الموت حتى وقف بين يدي اللّه فقال:إلهي قد سمعت ما قال خليلك ابراهيم،فقال اللّه جل جلاله:يا ملك الموت اذهب اليه و قل له:ان الحبيب يحب لقاء حبيبه هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه؟و توفي ابراهيم عليه السّلام بالشام و لم يعلم اسماعيا بموته فنزل جبرئيل عليه السّلام فعزاه بأبيه.

و امّا الكليم عليه السّلام فقد كان اكثرهم كراهة للموت كما روي عن الصادق عليه السّلام ان ملك الموت اتى موسى بن عمران فسلّم عليه فقال:من انت؟قال:انا ملك الموت،قال:ما حاجتك؟فقال له:

جئت أقبض روحك من لسانك،قال:كيف و قد كلّمت به ربي عز و جل؟فقال:من بين يديك فقال له موسى:كيف و قد حملت بهما التوراة،فقال:من رجليك فقال:كيف و قد وطأت بهما طور سيناء؟قال:و عدّ اشياء غير هذا قال فقال له ملك الموت:فأني امرت ان اتركك حتّى تكون انت الذي تريد ذلك،فمكث موسى عليه السّلام ما شاء اللّه،ثم مرّ برجل و هو يحفر قبرا فقال له موسى عليه السّلام الا اعينك على حفر هذا القبر؟فقال له الرجل بلى قال:فأعانه حتّى حفر القبر و لحّد اللحد فأراد الرجل ان يضطجع في اللحد لينظر كيف هو،فقال له موسى عليه السّلام:أنا أضطجع فيه فأضطجع

ص:147

فأرى مكانه من الجنّة،فقال:يا رب اقبضني اليك،فقبض ملك الموت روحه و دفنه في القبر و سوي عليه التراب،قال:و كان الذي يحفر القبر ملك في صورة آدمي فلذلك لا يعرف قبر موسى عليه السّلام.

و في حديث آخر انّ موسى عليه السّلام لما جاءه ملك الموت ليقبض روحه لطمه فأعوره فقال:رب انّك ارسلتني الى عبد لا يحب الموت،فأوحى اللّه اليه أن ضع يدك على متن ثور و لك بكل شعرة وارتها يدك سنة،فقال:ثمّ ما ذا قال:الموت فقال:انته الى امر ربك.

و اما المسيح عليه السّلام فقد فرّ من الموت و التجأ الى اللّه سبحانه حتّى رفعه اليه فهو الآن في عالم الملكوت و يهبط الى الأرض زمان خروج المهدي عليه السّلام كما تقدم مفصلا في بابه،لكن اذا اردت من استقبل الموت و لم يخف منه فهما الأخوان المباركان النبي صلّى اللّه عليه و آله و اخوه علي بن ابي طالب عليه السّلام أما النبي صلّى اللّه عليه و آله فقد ارسل اللّه سبحانه اليه ملكا في زمن مرضه و معه بغلة عليها مفاتيح خزائن الأرض، فقال له:انّ اللّه ارسلني اليك بهذه المفاتيح لتكون ملكا في الدنيا و لا ينقص عليك شيئا من حظّ الآخرة فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله اريد لقاء ربي،و ما قال هذا الاّ لما عرف من ارادة الحبيب لقائه.

و امّا سيد الموحدين عليه السّلام فقد كان يباشر الحروب بثياب بدنه حتّى انّ ابنه الحسن عليه السّلام قال له في لبس الدرع فقال:يا بني و اللّه لا يبالي ابوك اعلى الموت وقع ام وقع الموت عليه و اللّه لأبن ابي طالب آنس بالموت من الطّفل بثدي امّه،و لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه قال:فزت و رب الكعبة، و في تلك الليلة كان يكرر النظر الى السماء و يقول:ما يمنع قاتلي عن قتلي،و كان قد ترك خضاب لحيته حتّى كانت بيضاء فقيل له في ذلك؟فقال:ان حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخبرني انّ لحيتي ستخضب من دم رأسي فأنا منتظر لذلك الخضاب فانظر الى رجل جعل زينته و خضابه دم مفرق رأسه و كان يقول و اللّه ليضرب الرجل ألف ضربة بالسيف على رأسه خير من ان يقال فيه انّه مات على فراشه،يعني ينبغي للرجل ان يقتل في سبيل اللّه لا ان يموت موتا.

و قد اقتدى بهذين الأخوين اولادهم الطاهرون(ع)،و ناهيك به مبادرة مولانا ابي عبد اللّه الحسين عليه السّلام الى العراق عارفا بقدومه على الموت و القتل سامعا لصوت قائل يقول:تسير هؤلاء القوم و المنايا تسير معهم،و لمّا قرب الى العراق و سمع بقتل ابن عمّه مسلم بن عقيل و هاني بن عروة أشار اليه اصحابه بالرجوع فقال:لا خير في الحياة بعد هؤلاء الفتية،فأقبل بأهل بيته و فتيته مبادرا الى الموت مثل مبادرة الظمئان الى الماء الزلال،فجالدهم بسيفه حتى افنى منهم الجمّ الغفير الى ان تكاثروا عليه فخرج الى لقاء ربه شاكيا من هذه الأمة و فعالها،راغبا عن قيل الدنيا و قالها، و تبعه على هذا الأثر أولاده المعصومون فما منهم الاّ و قتيل او مسموم و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

ص:148

و الحاصل انّ مثل الأنبياء اذا خافوا من الموت فكيف لا نخاف نحن منه لكن الذي يطيب القلب و يجعله مطمئنا ما روي مستفيضا بل متواتره في الأخبار من حضور رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و امير المؤمنين عليه السّلام عند المحتضر حال احتضاره.

روى شيخنا الكليني و غيره من اصحابنا عن مولانا الصادق عليه السّلام لو انّ مؤمنا اقسم على ربّه ان لا يميته ما أماته ابدا،و لكن اذا حضر أجله بعث اللّه عز و جل ريحين،ريحا يقال لها المنسية، و ريحا يقال لها المسخية فأمّا المنسية فانها تنسيه أهله و ماله،و أما المسخية فانّها تسخي نفسه عن الدنيا حتى يختار ما عند اللّه.

و قال عليه السّلام اذا اتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك،فيقول له ملك الموت يا و لي اللّه لا تجزع فو الذي بعث محمّدا لأنا أبر بك و أشفق عليك من والد رحيم لو حضرك،فافتح عينيك فينظر فيرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و امير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهما السّلام،فهؤلاء رفقاؤك فينادي روحه مناد من رب العزة فيقول:يا أيّتها النفس المطمئنة الى محمّد و اهل بيته ارجعي الى ربك راضية بالولاية مرضية بالثواب،فادخلي في عبادي يعني محمدا و اهل بيته،و ادخلي جنتي فما من شيء أحب اليه من انسلال روحه و اللحوق بالمنادي.

و قال عليه السّلام لعقبة بن نافع لن تموت نفس مؤمنة حتّى تراهما،قلت فاذا نظر اليهما المؤمن أ يرجع الى الدنيا؟فقال:لا يمضي امامه،قلت له:أ يقولان شيئا؟قال:نعم يدخلان على المؤمن فيجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند رأسه،و علي عليه السّلام عند رجليه فيكتب عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيقول يا و لي اللّه أبشر أنا رسول اللّه انّي خير لك ممّا تركتمن الدنيا،ثمّ ينهض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيقوم علي عليه السّلام حتى يكبّ عليه فيقول يا ولي اللّه ابشر انا علي بن ابي طالب الذي كنت تحب أما لأنفعنّك، ثمّ قال انّ هذا في كتاب اللّه عزّ و جلّ،فقلت:اين جعلني اللّه فداك؟قال:في يونس قول اللّه عزّ و جل هاهنا اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ كٰانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرىٰ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ فِي الْآخِرَةِ لاٰ تَبْدِيلَ لِكَلِمٰاتِ اللّٰهِ ذٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .

و في خبر آخر قال ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا حيا بينه و بين الكلام أتاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و على عليه السّلام، فجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن يمينه،و الآخر عن يساره،فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اما ما كنت ترجو فهو ذا أمامك،و اما ما كنت تخاف منه فقد امنت منه،ثمّ يفتح له بابا الى الجنة فيقول هذا منزلك في الجنة فان شئت رددناك الى الدنيا و لك فيها ذهب و فضة،فيقول لا حاجة لي في الدنيا،فعند ذلك يبيض لونه و يرشح جبينه و تقاص شفتاه،و تنشر منخراه،و تدمع عينه اليسرى،فأيّ هذه العلامات رأيت فاكتف بها:

ص:149

فاذا خرجت من الجسد فيعرض عليها كما عرض عليها و هي في الجسد فتختار الآخرة فينزل عليه بكفن من الجنة بمسك اذفر،فيكفن بذلك الكفن و يحنّط بذلك ثمّ يكسى حلّة صفراء من حلل الجنّة،فاذا وضع في قبره فتح له باب من ابواب الجنة ثم يفتح له عن امامه مسيرة شهر، و عن يمينه و عن شماله،ثم يقال له:نم نومة العروس على فراشها،ثمّ يزور آل محمد في جنان رضوي فيأكل معهم من طعامهم و يشرب معهم من شرابهم،و يتحدّث معهم في مجالسهم حتّى يقوم قائمنا اهل البيت فاقبلوا معه يلبّون زمرا زمرا.

و اذا احتضر الكافر حضره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و علي و جبرئيل و ملك الموت عليه السّلام فيدنو منه علي عليه السّلام فيقول:يا رسول اللّه انّ هذا كان يبغضنا اهل البيت فابغضه فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

يا جبرئيل انّ هذا كان يبغض اللّه و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيت رسوله فابغضه،و يقول جبرئيل يا ملك(لملك)الموت انّ هذا كان يبغض اللّه و رسوله و اهل بيت رسوله فابغضه و اعنف عليه، فيدنو منه ملك الموت فيقول:يا عبد اللّه أخذت أمان براءتك من النار،تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا؟فيقول:لا فيقول أبشر يا عدو اللّه بسخط اللّه عز و جل و عذابه و النار،اما الذي كنت تحذره فقد نزل بك،ثم يسل نفسه سلا عنيفا،ثمّ يكل بروحه ثلاثمائة شيطان كلهم يبزق في وجهه و يتلأذى بروحه،فاذا وضع في قبره فتح له باب من ابواب النار فيدخل عليه من قيحها و لهبها.

و قال عليه السّلام في الميت تدمع عيناه عند الموت،قال:ذلك معاينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيرى ما يسرّه، اما ترى الرجل يرى ما يسره فتدمع عينه لذلك و يضحك،قال ابن ابي يعفور كان خطاب الجهنمي حليطا لنا و كان شديد النصب لآل محمد،قال:فدخلت عليه اعوده للتقية فاذا هو مغمى عليه في الموت،فسمعه يقول مالي و مالك يا علي؟فأخبرت بذلك ابا عبد اللّه عليه السّلام فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام رآه و رب الكعبة ثلاثا و مخاطبته عليه السّلام لحارث الهمداني متواتر نقله الخاصة و العامة و هو:

يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن او منافق قبلا

يعرفني طرفه و اعرفه بنعمته و اسمه و ما فعلا

و انت عند الصراط تعرفني فلا تخف عثرة و لا زللا

اسقيك من بارد على ظمإ تخاله في الحلاوة العسلى

اقول للنار حين تعرض للعرض دعيه لا تأخذي الرجلا

دعيه لا تقربيه ان له حبلا بجبل الوصي متصلا

ص:150

و لم يذهب احد من الأصحاب الى تأويل هذا و لا الى انكاره،نعم ذهب سيّدنا الأجل علم الهدى تغمده اللّه برحمته الى تأويله،فقال معنى قوله من يمت يرني انّه يعلم في ذلك الحال ثمرة ولايته عليه السّلام و إنحرافه عنه لأنّ المختصر:

قد روي انه اذا عاين الموت و قاربه أرى في تلك الحال ما يدلّ على انه من اهل الجنة و النار، و قد تقول العرب رأيت فلانا اذا رأى ما يتعلق به من فعل او امر يعود اليه.

و انّما اخترنا هذا التأويل لأن امير المؤمنين عليه السّلام جسم فكيف يشاهده كلّ محتضر،و الجسم لا يجوز ان يكون في الحالة الواحدة في جهات مختلفة،و لهذا قال المحصّلون انّ ملك الأموات يقبض الأرواح جنس،و لا يجوز ان يكون واحدا لأنّه جسم و الجسم لا يجوز ان يكون في حالة واحدة في اماكن متعددة،فقوله تعالى يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ اراد به الجنس،كما قال وَ الْمَلَكُ عَلىٰ أَرْجٰائِهٰا هذا كلامه ره،و العجب منه كيف إرتكب تأويل هذه الأخبار الكثيرة مع ان بعضها من جهة صراحته في المطلوب غير قابل للتأويل لهذا الدليل العقلي و قد اسلفنا الجواب عن كلامه ره،و هو انّ شيخنا المعاصر أدام اللّه ايّامه بنى هذا على تعدد البدن المثالي،فيكون لعلي عليه السّلام ابدان متعددة كل بدن منها في مكان من الأمكنة المختلفة،و امّا الذي رجحناه نحن أخذا من مفاهيم الأخبار فهو القول بالتمثّل،بأن اللّه سبحانه يمثّل للميت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آل و سلم و امير المؤمنين عليه السّلام و الأئمة(ع)كما مثله لأهل السماوات واقفا يصلي و الملائكة تصلّي خلفه،فقال هذا علي بن ابي طالب عليه السّلام تركته في الأرض و ها هو قد سبقني الى السماء؟فقال اللّه عزّ و جلّ هذا شخص مثل علي بن ابي طالب خلقته في جميع السماوات حتى تنظر اليه الملائكة فتطمأنّ اليه نفوسهم من شدة حبّهم لعلي بن ابي طالب عليه السّلام.

و يؤيده ما رواه الكليني في رواية سدير الصير عن مولانا عليه السّلام في قوله ملك الموت للمحتضر افتح عينيك فانظر،قال و يمثّل له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة المعصومين من ذريتهم عليهم السّلام،فيكون عليه السّلام يأتي الى بعض المحتضرين بنفسه الشريفة و صورته الأصلية،و يأتي الى بعض آخر صورته الممثّلة المشابهة لتلك الصورة الأصلية،و هذا غير الجواب الأول الذي بني على البدن المثالي.

و هذا التمثل من باب ما رواه الشيخ الكليني طاب ثراه قال:قال امير المؤمنين عليه السّلام انّ ابن آدم اذا كان في آخر يوم من ايّام الدنيا و أول يوم من ايام الآخرة مثل له ماله و ولده و عمله، فيلتفت الى ماله فيقول:و اللّه انّي كنت عليك حريصا شحيحا فما لي عندك؟فيقول خذ مني كفنك،قال:فيلتفت الى ولده فيقول و اللّه اني كنت لكم محبّا و اني كنت عليكم محاميا فما لي عندكم؟فيقولون:نؤدّبك الى حفرتك فنواريك فيها،قال:فيلتفت الى عمله فيقول و اللّه إني

ص:151

كنت فيك لزاهدا و انّك كنت لثقيلا فما لي عندك؟فيقولك انا قرينك في قبرك و يوم نشرك حتى أعرض انا و انت على ربك الحديث و بالجملة فاذا انقضت أيّامه و فرغ من ان يكون له رزق في الدنيا اقبل عليه ملك الموت لقبض روحه.

و اما صفة ملك الموت،فروي ان الخليل عليه السّلام قال لملك الموت يوما يا ملك الموت أحب ان اراك على الصورة التي تقبض فيها روح المؤمن،فقال:يا ابراهيم أعرض عني بوجهك حتى أتصور لك على تلك الصورة،فلما رآه ابراهيم رأى صورة شاب حسن الوجه ابيض اللون، تعلوه الأنوار في أحسن ما يتخيل من الهيئة،فقال:يا ابراهيم في هذه الصورة أقبض روح المؤمن، فقال:يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن الاّ لقاؤك لكفاه راحة،ثمّ قال له:أريد ان اراك على الصفة التي تقبض فيها روح الكافر،فقال:يا ابراهيم لا تقدر،فقال:احب ذلك،فقال:أعرض بوجهك فأعرض بوجهه ثمّ قال أنظر اليه فاذا هو اسود كالليل المظلم و قامته كالنخلة الطويلة و النار و الدخان يخرجان من منخريه الى عنان السماء فلمّا نظر اليه غشي على ابراهيم عليه السّلام فرجع ملك الموت الى حالته،فلما افاق الخليل عليه السّلام قال:يا ملك الموت لو لم يكن للكافر هول من الموت الاّ رؤيتك لكفته عن سائر الأهوال فاذا اتى الى المؤمن سلّ روحه سلا رقيقا لطيفا حتّى انّه يحصل له الراحة من ذلك السلّ لما يشاهده من مكانه في الجنة،و ان كان كافرا أتى اليه بحديدة محميّة بنار جهنّم فأدخلها في حلقومه و جذب روحه بها جذبة يخيّل اليه انّ اطباق السماوات و الأرض كلّها قد وقعت عليه و طبقته حتى يخرج زبده على فمه كالبعير.

و عن الصادق عليه السّلام قال دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آل و سلّم على رجل من اصحابه و هو يجود بنفسه،فقال:يا ملك الموت ارفق بصاحبي هذا فانّه مؤمن،فقال:ابشر يا محمد فانّي بكل مؤمن رفيق،و اعلم يا محمد اني أقبض روح ابن آدم فيجزع اهله فأقوم في ناحية من دارهم فأقول ما هذا الجزع؟فو اللّه ما تعجلناه قبل اجله،و ما كان لنا في قبضه من ذنب فان تحتسبوه و تصبروا تؤجروا و ان تجزعوا تأثموا و توزروا،و اعلموا انّ لنا فيكم عودة ثم عودة،فالحذر الحذر انّه ليس في شرقها و لا غربها أهل بيت مدر و لا و بر الاّ و انا أتصفحهم في كلّ يوم خمس مرات، و لا أنا أعلم بصغيرهم و كبيرهم منهم بأنفسهم و لو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت عليها حتى يأمرني ربي بها،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آل و سلم إنّما يتصفحهم في مواقيت الصلاة؟ فان كان ممن يواظب عليها عند مواقيتها لقنه شهادة ان لا اله الا اللّه و انّ محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آل و سلم و نحى عنه ملك الموت ابليس.

أقول في هذا الحديث اشارة الى انّ البعوضة و غيرها من ذوات الأرواح لا تموت الا ان يكون ملك الموت يقبض ارواحها كما يقبض ارواح بني آدم،و عن مولانا الأمام زين العابدين

ص:152

عليه السّلام قال:الموت للمؤمن كنزع ثيابه وسخة قلمة و فك قيود و أغلال ثقيلة و الأستبدال بأفخر الثّياب و اطيبها روائح،و أوطي المراكب و آنس المنازل و للكافر كخلع ثياب فاخرة و النقل عن منازل انيسه و الأستبدال بأوسخ الثياب و أخشنها و أعظم العذاب.

و في خبر آخر قال عليه السّلام:ألقدوم على اللّه أتا المؤمن فكالغائب يقدم على اهله و أما الكافر فكالأبق يرجع الى مولاه.

و امّا لحظات ملك الموت و تصفحاته فورد في بعض الأخبار أنّ القوم يكونون في المجلس يتكلّمون فربما أخذتهم الفترة عن الكلام حتى يسكتوا كلهم عن الكلام فتلك السكتة هي اللحظة التي لحظهم ملك الموت و هو الذي اسكتهم،و اما ملك الموت المقدم فهو عزرائيل عليه السّلام.

و في حديث المعراج انّ النبي صلّى اللّه عليه و آل و سلم رآه في السماء الرابعة و هو عبوس الوجه ينظر في لوح بين يديه قد كتبت فيه الآجال فسأله صلّى اللّه عليه و آل و سلم كيف تقبض الأرواح و انت في هذا المكان؟فقال:يا رسول اللّه انّ الدنيا في يدي كالدرهم في يد احدكم يقلبه كيف شاء،او كالعصفور بيد الطفل،و مع هذا الأقتدار التام قد جعل اللّه سبحانه له أعوانا من الملائكة يرسلهم الى قبض الأرواح الاّ انهم اذا قبضوها أتوا بها اليه فعرضوها عليه حتى يأمرهم بأمره فيها اين يضعونها في الجنّة ام في النار،و من هنا ورد الدعاء اللهم صل على ملك الموت و اعوانه.

و امّا النطفة التي خلق منها و هي المني و ما مزج به من تراب قبره،فقال الصادق عليه السّلام:انّها تخرج منه حال خروج الروح فلذلك يغسل غسل الجنابة،و تلك النطفة تارة يخرج من عينه كالدموع،و اخرى من فيه كالزبد،و لكن قدمنا انّه لأجل الجمع بين الأخبار ينبغي ان نقول بخروج بعضها و بقاء بعضها تكون معه في القبر تدور معه كيف دار و هي التي يخلق بدنه منها اذا قامت القيامة الكبرى.

بقي الكلام في موت الفجأة فالذي ورد في الدعاء هو الأستعاذة باللّه سبحانه منه و ذلك لما تحققت ما في الأرض من الثواب،نعم قد ورد في الأخبار انّ موت الفجأة على المؤمن راحة معجّلة،و على الكافر تدارك منه تعالى له على ما صنع من اعمال الخير حتى اذا مات تبادرته ملائكة العذاب و اما الموت الشديد فعلى الكافر عقاب معجّل،و امّا على المؤمن فكفارة لما بقي عليه من الذنوب،و امّا حدّه فقال الباقر عليه السّلام من مات دون الأربعين فقد اخترم،و من مات دون اربعة عشر يوما فموته موت فجأة،و كذا روي عن الصادق عليه السّلام ايضا،و امّا تشديد الموت على الأطفال و الصبيان فهو كفّارة لوالديهم على ما في الروايات اذا عرفت هذا.

ص:153

فاعلم انّ الكافر الواقع في هذه الأخبار المراد به ما يشمل الفاسق المصرّ على فسقه، و لا تأخذك الغرة ايها الأخ،و تدخل نفسك في المؤمنين الذين ورد في شأنهم تخفيف الموت عنهم، و ذلك انّ للإيمان درجات و مراتب فلعل المراد بهم أهل الدرجة العليا،كيف لا و قد ورد في الخبر انذ مولانا امير المؤمنين عليه السّلام لمّا كان في بعض غزواته و انتهى بعسكره الى قرب جبل،فقام و توضأ و أخذ ماء و رشه على ذلك الجبل فانفطر فخرج منه رجل ابيض الرأس و اللّحية،فسلم على امير المؤمنين عليه السّلام،فسئله من انت؟و هو اعلم به،قال:انا وصي عيسى يا أمير المؤمنين لو لا مرارة الموت لخرجت و كنت اقاتل معك،فقال:انا في هذا القبر ثمانين سنة و ما خرجت مرارة الموت من حلقي،فرجع الى مكانه.

و في الرواية ان جماعة قالوا لعيسى عليه السّلام قد أحييت من كان حديث العهد من الموت فاحي لنا من كان بعيد العهد منه فقال عليه السّلام اختاروا من شئتم،فاختاروا سام بن نوح فصلّى ركعتين فدعى الى اللّه تعالى فأحياه فاذا هو قد ابيض رأسه و لحيته،فقال عيسى عليه السّلام ما هذا الشّيب؟و لم يكن في زمانه بل عرض في و مان ابراهيم عليه السّلام،قال:سمعت الندا فظننت انها يوم القيامة فشاب رأسي و لحيتي من الهيبة،و قال:كم وقتا متّ؟فقال:منذ اربعة آلاف سنة فما ذهبت عنّي سكرات الموت.

فان كان حاله خروج الروح و دعت جوارحه بعضها بعضا فيقول السّلام عليكم فما نلتقي بعد هذا اليوم ابدا الى يوم القيامة،فعند ذلك يأتي اليه ملك الموت فيسل روحه من أصابع رجليه الى صدره،فاذا بلغت الصدر وقفت و عاينت و رأت مكانها فذلك هو اوّل منزل من منازل الآخرة،و هو منزل الحسرة و الندامة حتى انه يقول لملك الموت ارجعني الى الدنيا يوما لأعمل صالحا،فيقول فنيت الأيام،فيقول ارجعني ساعة فيقول:فنيت الساعات.

و ذها معنى قوله تعالى ربّ ارجعوني لعلّي اعمل صالحا فيما تركت،فيجاب كلا انها كلمة هو قائلها،يعني لو رجع الى الدنيا لم يعمل الا ما كان يعمل سابقا و ليس ما يقوله الاّ مجرد الكلام،فعند ذلك تسدّ ابواب الرجاء و تفتح له ابواب اليأس.

و امّا راحة الموت فهو السكون عن الأضطراب و الشعور الذي يعرض له قبل قبض الروح حتّى انّ اهل الميت ربّما رجوا حياته نظرا الى السكون بعد الأضطراب و اليقظة من سكر المرض فالذي ورد في الأخبار انّ اللّه تعالى يرجع اليه عقله عند الموت لأجل الوصيّة حتى يفعل او يترك فلا يكون له حجّة على اللّه سبحانه اذا قدم عليه بأنّي انّما تركت الوصية لأجل سكرة الموت،و أمّا عند الأطباء فقالوا:انّ الطبيعة انّما تضطرب من جهة مقاومة المرض و العراك بينهم،فاذا غلب المرض على الطبيعة ايست الطبيعة من قهر المرض فاستسلمت له فسكنت عن الأضطراب،فعند

ص:154

سكونها عقلت الأمور و عرفتها لأنّ المانع انّما كان ذلك الحرب بين الطبيعة و المرض،فاذا خرجت الرّوح من الصدر رأتت الى الفم،و خرجت منه،فهنا ينتهي آخر الباب الثاني و يتلوه الباب الآخر.

الباب الثالث: في أحواله بعد الموت

نور في بعض احوال البرزخ

اعلم ان الرّوح اذا خرجت من البدن لم تخرج خروجا دفعيّا بل يبقى أثرها و هو حرارة البدن بعد خروجها ساعة،و من ثمّ لم يجب الأغتسال على من مسه الاّ بعد برد بدنه لأنه علامة خروج الروح و آثارها،و قال الصادق عليه السّلام:اذا قبضت الروح فهي مظلّة فوق الجسد،روح المؤمن و غيره ينظر الى كل شيء يصنع به،فاذا كفن و وضع على السرير و حمل على اعناق الرجال عادت الروح اليه و دخلت فيه فيمد له في بصره فينظر الى موضعه في الجنة و من النار،فينادي بأعلى صوته ان كان من اهل الجنة عجلوني عجلوني،و ان كان من اهل النّار ردّوني ردّوني و هو يعلم كلّ شيء يصنع به و يسمع الكلام،و من هذا ورد الأمر بالرفق به حال الغسل و الكفن و الحمل و الأنزال في القبر.

و اما الكفن فينبغي ان يكون ثلاثة أثواب شاملة للميت او ثوبين و قميصا،و امّا المئزر الذي ذكره فقهاؤنا رضوان اللّه عليهم و هو الذي يشدّ على الوسط فلم نتحققه في صريح الأخبار، و حينئذ فالأحتياط في الجمع بين الأمرين،و يكون الكفن حسنا قال عليه السّلام تنوقوا بأكفانكم فانّها زينتكم يوم القيامة،و من ثمّ استحب الحبرة اليمانية و هو حلّة مخطّطة بخطوط الأبريسم ذات قيمة عالية تبلغ قيمة الحبرة مائة دينار و أكثر أو أقل،و لمّا لم تتعارف في هذه الأعصار ذهب شيخنا المعاصر ادام اللّه ايامه الى انه ينبغي ان يجعل بدلها ما يناسبها في اللون و القيمة مثل التفاصيل اليزدية و القطاني القاشانيّة او الهنديّة او البروجيّة او نحو ذلك بأن تجعل فوق الأكفان زينة للمؤمن لأنّ حرمته ميتا كحرمته حيّا.

فان قلت:كيف التوفيق بين هذا الخبر و بيم ما روي في الأخبار الصحيحة انّ الناس يحشرون حفاة عراة يمنعهم النظر الى عورات بعضهم اهوال يوم القيامة و أشغالها و ان ابصارهم شاخصة الى فوق لملاحظة ما يرونه من العذاب الذي يأتي من فوق رؤوسهم حتى انه روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لما قال لأبنته فاطمة(ع)انّ الناس يحشرون عراة قالت:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و انا احشر عريانة؟فقال:نعم:

ص:155

فقالت وا سوأتاه حياء من اللّه سبحانه،فأتى جبرئيل الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال:قل لفاطمة انّها استحيت من اللّه تعالى فضمن لها ان يبعثها في حلّتين يغشى نورهما المحشر و كذلك يكسو عليا مثلهما،و لمّا ماتت فاطمة بنت اسد كفنها النبي صلّى اللّه عليه و آله بثوبه،فقيل له في ذلك؟فقال:اني ذكرت لها يوما أحوال الناس في القيامة و انهم يحشرون حفاة عراة فقالت: وا فضيحتاه فقلت لها:انّي اضمن لك على اللّه تعالى ان تحشرك مكسوّة فكفنتها بثوبي لأنّ الأرض لا تبليه و لا يندرس بها،قلت يمكن الجمع بين هذه الأخبار بوجوه:

احدها انّه محمول على تفاوت مراتب اهل المحشر فمنهم العريان و منهم المكسو بكفنه او بحلّة من الجنّة.

و ثانيها انّ المكسوين انّما هم المؤمنون و العراة هم الكفّار،و لكن المؤمنين بالنسبة الى الكفّار كالقطرة الى البحر المحيط،فمن ثمّ اطلق عليهم الناس من باب تغليب الأكثر على الأقل.

و ثالثها انه محمول على تعدد ارض القيامة و أختلاف احوال الناس في كلّ ارض فيكونون عراة في بعضها و مكسوين في البعض الآخر،و ذلك لأنّ يوم القيامة يوم طويل عريض و يقابل ألف سنة من أيّام الدنيا،و مثل هذا اليوم تفنى فيه الأكفان و غيرها.

و رابعها انّ المكسوّ في أرض القيامة من كان يستحي من اللّه عزّ و جلّ كما علل في حديث فاطمة(ع)و العريان من لم يستح من اللّه تعالى.

فاذا رفع على رؤوس الرجال تكون الروح مع التابوت ترفرف فوقه فهو يناشد حامليه و يتمنّى الرجوع الى الدنيا و لو ساعة واحدة،قال بعض العارفينك ايها الغافل عن مستقبل احوالك ينبغي ان تتعقل بخاطرك انّم قدمت و حملت على اكتاف الرجال و تمنّيت الرجوع الى الدنيا فاعمل بمقتضى ما تمنّيت قبل ان يأتيك يوم يحال بينك و بين متمنّاك.

فاذا شيّعه المؤمنون الى قبره غفر اللّه لهم ذنوبهم،كما روي ان اول ما يتحف به الميت في قبره ان يغفر لمن شيّعه،فاذا بلغوا الميت الى قبره وضعوا تابوته قريبا من القبر ليأخذ أهبته و عدّته، فاذا وضعوه في لحده و هالوا عليه التراب دخلت الروح فيه الى حقويه،و في حديث انّه يسمع نفض ايدي القوم من تراب قبره،فعند ذلك ينظر يمينا و شمالا فلا يرى الاّ ظلمات ثلاث ظلمة الأرض و ظلمة العمل و ظلمة الوحشة،فيا لها من داهية عظيمة و مرزية جسيمة.

فاذا وضع في القبر فأول ملك يدخل عليه رومان فتّان القبور،روي عن عبد اللّه بن سلام انّه قال سئلت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن اول ملك يدخل في القبر على الميّت قبل منكر و نكير،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ملك يتلالأ وجهه كالشمس اسمه رومان،يدخل على الميت ثمّ يقول له:أكتب ما عملت من حسنة و من سيئة،فيقول له:بأي شيء اكتب؟اين قلمي و دواتي و مدادي؟فيقول له:

ص:156

ريقك مدادك،و قلمك اصبعك،فيقول:أي شيء أكتب و ليس معي صحيفة؟قال:صحيفتك كفنك فاكتبه فيكتب ما عمله في الدنيا خيرا فاذا بلغ سيئاته يستحي منه،فيقول له الملك:يا خاطي ما تستحي من خالقك حتى عملتها في الدنيا و تستحي الآن،فيرفع الملك العمود ليضربه به فيقول العبد ارفع عنّي حتى أكتبها فيكتب فيها جميع حسناته و سيئاته،ثمّ يأمره ان يطوي و يختم،فيقولك باي شيء اختمه و ليس معي خاتم؟فيقول:اختمه بظفرك و علّقه في عنقك الى يوم القيامة كما قال تعالى وَ كُلَّ إِنسٰانٍ أَلْزَمْنٰاهُ طٰائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ كِتٰاباً يَلْقٰاهُ مَنْشُوراً .

و في رواية اخرى انّه يأتي الى الميت فيشمّه فان عرف منه خيرا أخبر منكرا و نكيرا حتى يرفقا به وقت السؤال،و ان عرف منه شرا أخبرهما حتّى يشدّدا عليه الحال و العذاب.

ثم يأتيانه ملكا القبر كما قال مولانا امير المؤمنين عليه السّلام يجرّان اشعارهما و يخدان الأرض بأقدامهما أصواتهما كالرعد القاصف و أبصارهما كالبرق الخاطف،فيقولان له من ربك؟ و ما دينك؟و من نبيّك؟و من امامك؟فيقول:اللّه ربي،و ديني الأسلام،و نبيّ محمد و امامي علي بن ابي طالب عليه السّلام ثمّ يعد الأئمة واحدا بعد واحد حتى يصل الى امام زمانه،و هو في هذا الزمان مولانا المهدي عليه و على آبائه السّلام،فيقولان:ثبتك اللّه فيما تحب و ترضى و هو قول اللّه عز و جل يُثَبِّتُ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّٰابِتِ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ فِي الْآخِرَةِ ثمّ يفسحان له في قبره مدّ بصره ثمّ يفتحان له بابا الى الجنة ثمّ يقولان له نم قرير العين نوم الشاب الناعم،فان اللّه عزّ و جلّ يقول أَصْحٰابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً .

و اذا كان لربه عدوّا فانّه يأتيه أقبح من خلق اللّه زيّا و أنتنه ريحا فيقول:أبشر بنزل من حميم و تصلية جحيم،فاذا اتيا اليه ألقيا أكفانه فيسألانه عن ربه و عن نبيه و عن دينه و عن امامه،فيقول:

لا ادري فيقولان:لا دريت و لا هديت،فيضربان يافوخه بمرزبة معهما ضربة ما خلق اللّه عزّ و جلّ من دابّة الاّ تذعر لها ما خلا الثقلين ثم يفتحان له بابا الى النار،ثمّ يقولان له نم بشر حال،و يسلط اللّه عليه حيّات الأرض و عقاربها و هوامها فتنهشه حتى يبعثه اللّه من قبره.

أقول قد وقع في هذا الخبر انّ الفسح بمقدار مد البصر،و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين و في الكافي عن الأمام ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام يفسح له في قبره سبعة اذرع،و لا منافاة بينهما لأختلاف الفسحة بأختلاف الرجات.

فلعلّ فسحة الأدنى سبعة اذرع و الأوسط سبعون و الأعلى مد البصر،و لعلّ الحكمة في عدم سماع الثقلين صورت المرزبة أنّهم لو سمعوه لصار الأيمان ضروريا فيرفع التكليف الأختياري، و روي عن مولانا الباقر عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّي كنت لأنظر الى الأبل و الغنم و انا ارعاها و ليس من نبيّ الاّ و قد رعى الغنم فكنت أنظر اليها و هي ترعى و ما حولها شيء يهيّجها

ص:157

حتى تذعر فتطير فأقول ما هذا و أعجب حتى جائني جبرئيل عليه السّلام فقال:انّ الكافر يضرب ضربة ما خلق اللّه شيئا الاّ سمعها و يذعر لها الاّ الجن و الأنس.

و عن زيد بن ثابت قال بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حائط لبني النّجار على بغلة له و نحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه و اذا أقبر ستة او خمسة فقال صلّى اللّه عليه و آله من يعرف صاحب هذه الأقبر؟قال رجل:انا قال:فمتى ماتوا؟قال:في الشرك،فقال:انّ هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا تدافنوا لدعوت اللّه ان يسمعكم من عذاب القبر الذي اسمع منه الحديث،و قوله عليه السّلام لو لا ان تدافنوا اه قد ذكر في معناه المحدثون وجوها:

منها انّهم لو سمعوا ذلك لم يدفنوا الميّت ليسلم من عذاب القبر،و أورد عليه انّ المؤمن ينبغي أن يعتقد حصول العذاب لأهله و لو في حواصل الطّيور و بطون السباع و الحيتان فلا يمنع ترك التدافن.

و منها ان المراد أنّهم لو سمعوا ذلك لكانوا يهربون عن كلّ ميت لعدم طاقتهم سماع عذابه،فلا يدفنونه اذ العذاب يحصل لأهله عقيب الموت بغير فاصلة.

و منها ان يكون المراد أنّهم ما كانوا يقربون المقابر من أصوات عذاب الأموات،و أورد عليه انّ هذا لا يقتضي ترك التّدافن مطلقا و انّما يقتضي تركه بين المقابر و الحديث مطلق.

و منها انّهم لو سمعوا ذلك لحملهم سماعه على عدم التدافن لخوف الفضيحة في أقاربهم و عشائرهم،فانّ زيارة القبور كانت متعارفة بينهم و سماع صوت القريب يوجب فضيحة قريبه الى غير ذلك من الوجوه،و قوله عليه السّلام في الحديث السابق و يسلّط اللّه عليه حيّات الأرض و عقاربها آه:

روي في الكافي عن الأمام ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهما السّلام انّ اللّه يسلط عليه تسعة و تسعين تنينا لو انّ تنينا واحدا منها نفخ على الأرض ما انبت شجرا ابدا،قال بعض العارفين و لا ينبغي ان تتعجب من التخصيص بهذا العدد فلعلّ عدد هذه الحيّات بقدر عدد الصّفات المذمومة من الكبر و الرياء و الحسد و الحقد و سائر الأخلاق و الملكات المردية،فانّها تتنوع انواعا كثيرة،و هي بعينها تنقلب حيّات في تلك النشأة اذا تحقّقت هذا كله،فقد بقي الكلام في امور:

الأول انّ الملائكة و هم منكر و نكير أ هما بعينهما مبشّر و بشير ام غيرهما؟قلت:ظاهر الدعوات المأثورات عن الأئمة الأطهار(ع)المغايرة بينهما،و ذلك انّ منكرا و نكيرا يأتيان لسؤال الكفّار و الفساق،و مبشّرا و بشيرا يأتيان لسؤال المؤمن على أحسن هيئة و أتمّ خلق،حتى ان المؤمن ليفرح بدخولهما عليه و الى هذا ذهب بعض العلماء.

و امّا الأخبار فظاهر كثير منها انّهما واحد و لكن قادران على التّشكلات المختلفة،فيأتيان الى المؤمن بصورة مبشّر و بشير،و الى غيره بصورة منكر و نكير،و مع كلّ واحد منهما عمود من

ص:158

نار لو أراد الجنّ و الأنس ان يحرّكوا طرفه لما قدروا عليه،و الى هذا ذهب جماعة من الأصحاب و لعلّه الأقوى،و ما في ظاهر الدعوات يحمل عليه ايضا و ليس هو بحمل بعيد،و امّا انّ منكرا و نكيرا هل هما شخصان او نوعان فذاك خلاف آخر و ان كان الظاهر من الأخبار هو الأول.

الأمر الثاني في تجسّم الأعمال في البرزخ و القيامة بأن يكون هذه الأعراض المعنوية في هذه النّشأة الدنيّة تكون اجساما بعد الموت و الأخبار متظافرة في الدّلالة على هذا كما انّ الصلاة تأتي الى الميّت في قبره بصورة شابّ حسن الوجه و الثياب و كذلك الزكاة و البر وصلة الأرحام فيؤنسانه في قبره،و كذلك إدخال السرور على المؤمن و قضاء حوائجه و نحو ذلك.

روى اصحابنا رضوان اللّه عليهم عن قيس بن عاصم قال:وفدت مع جماعة من بني تميم على النبي صلّى اللّه عليه و آله فدخلت عليه و عنده الصّلصال بن الدّلهمس،فقلت:يا نبي اللّه عظنا موعظة ننتفع بها فانّا قوم تعبر في البرية،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا قيس انّ مع العز ذلا و ان مع الحياة موتا،و ان مع الدنيا آخرة،و ان لكلّ شيء رقيبا،و على كل شيء حسيبا،و ان لكل اجل كتاب،و انه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك و هو حي تدفن معه و انت ميت،فان كان كريما اكرمك و ان كان لئيما اسئمك ثمّ لا يحشر الا معك و لا تحشر الا معه و لا تسأل الا عنه،فلا تجعله الاّ صالحا فانه ان صلح آنست به و ان فسد لا تستوحش الا منه و هو فعلك.

فقال:يا نبي اللّه أحب ان يكون هذا الكلام في ابيات من الشعر نفتخر به على من يلينا من العرب و ندّخره،فأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله من يأتيه بحسّان،فأستبان لي القول قبل مجيء حسّان،فقلت:

يا رسول اللّه قد حضرني ابيات أحسبها توافق ما تريد فقلت:

تخيّر خليطا من فعالك انّما قرين الفتى في القبر ما كان يفعل

و لا بد بعد الموت من ان تعده ليوم ينادي المرء فيه فيقبل

فان تك مشغولا بشيء فلا تكن بغير الذي يرضى به اللّه تشتغل

فلن يصحب الأنسان من بعد موته و من قبله الاّ الذي كان يعمل

و ذهب بعض المحدثين من المعاصرين و غيرهم الى انّ الأعراض لا يعقل تجسمها فيكون مثال الصلاة و الصوم و الزكاة و نحوها معناه انّ اللّه سبحانه يخلق للمؤمن في قبره جزاء الصلاة مثالا نورانيا يأنس به المؤمن في البرزخ و القيامة،و كذا يخلق له جزاء الزّنا حيّة و عقربا،لان الزنا يتصور حيّة على هذا القياس أعمال الخير و الشر أقول هذا تأويل للأخبار من غير علة محوجة اليه،و ذلك لأنّ تلك النشأة لا يدركها العقل و هي أمر وراء طول العقل.

ص:159

و الحاصل انّ الصواب هو القول بصريح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدّالة على تجسم الأعمال و انها هي التي توزن في موازين العدل يوم القيامة كما سيأتي عن قريب ان شاء اللّه تعالى.

الأمر الثالث في ضغطة القبر اعلم انّ المؤمن اذا وضع في القبر قالت الأرض له مرحبا و أهلا أما و اللّه لقد كنت احبك و أنت تمشي على ظهري فكيف اذا ادخلت بطني فسترى ذلك، قال:فيفسح له مد البصر،و اذا دخلها الرجل الخبيث الفاسق قالت:لا مرحبا بك و لا أهلا،اما و اللّه لقد كنت أبغضك و انت تمشي على ظهري فكيف اذا دخلت بطني سترى ذلك،فتضغطه ضغطه تخرج مخ رأسه من أظافير رجليه و يفتح له باب الى النار.

ثم يخرج اليه رجل قبيح فيقول:يا عبد اللّه من انت ما رأيت شيئا أقبح منك؟فيقول:انا عملك السيء الذي كنت تعمله و رأيك الخبيث،و هذه الضّغطة الشديدة هي التي ضمنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لفاطمة بنت اسد،و ذلك انّه لمّا حفر لها قبر اضطجع فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقيل له في ذلك؟فقال:اني ذكرت عندها ضغطة القبر يوما و ذكرت شدتها فقالت وا ضعفاه ليس لي طاقة عليها فقلت لها:انّي أضمن لك على اللّه فاضطجعت في قبرها لذلك.

و روي في الكافي عن ابي بصير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أ يفلت من ضغطة القبر أحد؟قال:فقال نعوذ باللّه منها ما اقل من يفلت من ضغطة القبر،انّ رقيّة لمّا قتلها عثمان وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على قبرها فرفع رأسه الى السماء فدمعت عيناه و قال للناس:ذكرت هذه و ما لقيت فرققت لها و استوهبتها من ضمّة القبر،قال فقال:اللّهمّ هب لي رقية من ضمة القبر فوهبها اللّه له.

قال و ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج في جنازة سعد و قد شيّعه سبعون ألف ملك،فرفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رأسه الى السماء ثم قال مثل سعد يضمّ،قال:قلت جعلت فداك انّا نتحدث انّه كان يستخف بالبول فقال:معاذ اللّه انّما كان من زعارة في خلقه على اهله،قال:فقلت امّ سعد هنيئا لك يا سعد،قال:فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا ام سعد لا تحتمي على اللّه.

اقول اذا كان سعد الذي شيّعت جنازته الملائكة اصابته ضغطة القبر فمن الذي ينجو منها، و من هنا روي عن عمر بن يزيد قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انّي سمعتك و انت تقول كل شيعتنا في الجنة على ما كان فيهم؟قال:صدقت كلّهم و اللّه في الجنة،قال:جعلت فداك انّ الذنوب كبائر فقال:اما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع أو وصي النبي،و لكني و اللّه أتخوف عليكم في البرزخ،قلت:و ما البرزخ؟قال:القبر منذ حين موته الى يوم القيامة،نعم قد ورد في الأخبار المعتبرة انّ من مات من المؤمنين ليلة الجمع او يومها أمن من ضغطة القبر.

ص:160

و كذلك الجريدتان فانّهما ما دامتا خضراويين لم ينله عذاب القبر و قد ورد انّ بعض أعمال البر و الأدعية المأثورة تدفعها ايضا و هو ليس ببعيد فان رحمة اللّه قريب من المحسنين.

و ايضا ذكر في ارشاد القلوب في فضل المشهد الشريف العزوي و ما لتربته،و الدّفن فيها من المزيّة و الشرف،روي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال في الغري قطعة من الجبل الذي كلم اللّه عليه موسى عليه السّلام تكليما و قدس عليه تقديسا و اتخذ عليه ابراهيم خليلا و محمّدا صلّى اللّه عليه و آله حبيبا و جعل للنبيين مسكنا،و روي انّ امير المؤمنين عليه السّلام نظر الى ظهر الكوفة فقال:ما أحسن منظرك و اطيب قعرك اللهمّ اجعل قبري بها.

و من خواص تربته اسقاط عذاب القبر و ترك محاسبة منكر و نكير من المدفون هناك كما وردت به الأخبار الصحيحة عن اهل البيت(ع)،و روي عن القاضي بن بدر الهمداني الكوفي و كان رجلا صالحا متعبدا قال:كنت في جامع الكوفة ذات ليلة مطيرة فدق باب مسلم جماعة ففتح لهم و ذكر بعضهم انّ معهم جنازة فادخلوها و جعلوها على الصفة التي تجاه باب مسلم بن عقيل ثمّ انّ احدهم نام فرأى في منامه قائلا يقول لآخر:اما نسفره(نصبر ظ)حتى نبصر هل لنا معه حساب ام لا؟فكشف عن وجه الميّت و قال لصاحبه:بل لنا معه حساب و ينبغي ان نأخذ منه معجّلا قبل ان يتعدى الرصافة فما يبقى لنا معه في طريق فانتبه و حكي له المنام و قال:خذوه معجّلا فأخذوه و مضوا به في الحال الى المشهد الشريف صلوات اللّه و سلامه على مشرّفها شعر:

اذا مت فادفني الى جنب حيدر ابي شبر اكرم به و شبير

فلست أخاف النار عند جواره و لا أتّقي من منكر و نكير

فعار على حامي الحمى و هو في الحمى اذا ضلّ في البيداء عقال بعير

و روي انّ جماعة من صلحاء المشهد الشريف الغروي انّه رأى انّ كلّ واحد من القبور التي في المشهد الشريف الطاهرة قد خرج منه حبل ممتدّ متّصل بالقبة الشريفة صلوات اللّه و سلامه على مشرّفها.

و امّا المصلوب و الغريق فروي انّ اللّه سبحانه يأمر الماء و الهوى فيضغطانه أشدّ من ضغطة القبر،و قال امير المؤمنين عليه السّلام:من مات يوم الخميس بعد الزول و كان مؤمنا أعاذه اللّه عزّ و جلّ من ضغطة القبر و قبل شفاعته في مثل ربيعة و مضر.

الأمر الرابع قد عرفت من تضاعيف الأخبار المذكورة و غيرها انّ السؤال في القبر قد وقع في شأن الميّت مطلقا،فما تقول في الأخبار الصحيحة المعتبرة التي رواها المشايخ رضوان اللّه عليهم

ص:161

في الأصول الأربعة و غيرها عن الأمام ابي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السّلام انه قال:لا يسأل في القبر الاّ من محضّ الأيمان محضا و الكفر محضا،و امّا ما سوى ذلك فملهو عنهم الى يوم القيامة؟.

قلت امّا شيخنا الشهيد تغمده اللّه برحمته فقال:انّ هذا الخبر و هو لا يسأل في القبر الاّ من محض الأيمان او من محض الكفر،على سؤال خاص ليوافق الأخبار العامّة في سؤال القبر، و تفصيله انّه قال مولانا الصادق عليه السّلام يسأل الميت في قبره عن خمس:عن صلاته و زكاته و حجّه و صيامه و ولايته ايّانا أهل البيت،فتقول الولاية من جانب القبر للأربع ما دخل فيكن من نقص فعليّ تمامه،و حينئذ فلعل الملهوّ عنه السؤال عن تفاصيل الصلاة و الزكاة و نحوها فان كثيرا من المستضعفين من النساء و الكهول و من كان في أطراف البلاد و أهل الصحاري و بعض أهل القرى الذين بعدوا عن ديار العلم و لم يوجد بينهم عالم و لا فقيه و لم يعرفوا تفاصيل هذه الواجبات و لا تحقّقوا وجوب السؤال عليهم و لا وجوب المهاجرة الى ديار العلم،بل تحقّقوا أنّ الواجب عليهم انّما هو هذا الذي يأتون به من الواجبات من صلاة و صيام،بل و بعض ساكني الأمصار حالهم ايضا مثل هذا،و حينئذ فلعلّ السؤال الملهو عنه الى يوم القيامة هو هذا السؤال لا السؤال عن الرب و النبي و الأمام و نحو ذلك من البديهيّات الّتي ملأت الأسماع و الأقطار.

و امّا شيخنا الكليني قدس ضريحه فقال في الكافي باب المسئلة في القبر و من يسأل و من لا يسأل ثمّ شؤرع في نقل هذه الأخبار فظاهره العمل بظاهرها،و كذلك شيخنا الصدوق ره فانّه نقل الخبر من غير تعرّض لتأويله،و هو قد ذكر في أوائل كتابه ان كلّ ما يذكره فيه فهو حجّة بينه و بين ربّه،و ظاهر شيخنا البهائي ره أنّه جنح اليه ايضا.

اقول و يمكن ان يراد بالملهو عنهم الذين وردت الأخبار في شأنهم و أنّهم يكلّفون يوم القيامة بأن تؤجج لهم نار نار فيؤمروا بالدّخول فيها مثل البله و المجانين،و من كان في فترات الأنبياء و الشيخ الفاني و العجوز الفانية و نحوهم ممّا سيأتي ذكرهم ان شاء اللّه تعالى و هؤلاء لم يمحضوا الأيمان و هو ظاهر و لم يمحضوا الكفر ايضا لمقصورهم عن ورود المورودين فيبقون على حالتهم في قبورهم حتّى يمنحهم اللّه سبحانه في القيامة قوة إدر التكاليف و العقل القابل له.

الأمر الخامس في بيان الأمور النافعة للميت في أحوال البرزخ،فمنها ذكر من بقي بعده من ارحامه و اخوان دينه له بشيء من أنواع البر و الصدقة و صلاة و تلاوة قرآن و حجّ و نحو ذلك،فقد ورد في الخبر انّ الميت قد يكون في ضيق من العذاب فيهدي اليه واحد من أخوانه شيئا من البرّ فيدخل عليه ملك في قبره بطبق من نور فيقول هذه هديّة من فلان اليك فيوسع عليه و يرفع عنه العذاب،و من هذا ورد انّه قد يكتب البار بوالديه في حياتهما عاقّا لهما بعد موتهما،اذا لم يذكرهما بشيء من أفعال البر و كذا العكس.

ص:162

و قد ورد بعض المحققين شبهة في هذا المقام و هي انّه تعالى قال في كتابه العزيز و ان ليس للأنسان الاّ ما سعى،فانّ ظاهره ان سعى أحد في فعل من أفعال الخير لا يصل ثوابه الى غيره،و قد أجيب عنه بوجوه:

الأول ان سعى الغير لا ينفعه اذا أوقعه عن نفسه فامّا اذا نواه به فهو بحكم الشرع كالنّائب عنه و الوكيل القائم مقامه كالوكيل في اخراج الزكاة و الخمس مثلا.

الثاني انّ وصول ثواب تلك الأعمال اليه لا ريب انّه نتيجة سعيه في تحصيل الأيمان و أصول العقائد و في اتخاذ الأصدقاء و الأخوان و معاشرتهم و إهذاء المعروف اليهم فما أهدوا اليه بعد موته فهو ممّا حصل بسعيه في الحقيقة.

الثالث انّ مضمون الآية مخصوص بامّة موسى و ابراهيم كما يساعد عليه السياق لأنّ الآية هكذا:ام لم ينبأ بما في صحف موسى و هارون الذي وفّى ألاّ تزر وازرة وزر أخرى و ان ليس للإنسان الا ما سعى،و امّا هذه الأمة فلا بعد في ان يصل اليهم ما سعى فيه غيرهم ايضا تفضّلا من اللّه عليهم،و اقوى هذه الوجوه أوسطها كما انّ أضعفها أخيرها و في الصحيح عن عمر بن يزيد قال:كان ابو عبد اللّه عليه السّلام يصلّي عن ولده في كلّ ليلة ركعتين و عن والديه في كل يوم ركعتين قلت له جعلت فداك و كيف صار للولد الليل قال لأنّ الفراش للولد،قال و كان يقرأ فيهما انا انزلناه في ليلة القدر و انّا اعطيناك الكوثر.

و منها ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:المؤمن اذا مات يصعد ملكاه الى السماء فيقولان عبدك فلان قد مات فأذن لنا حتى نعبدك على السماء فيقول اللّه تعالى انّ سماواتي مملوة بملائكتي و لكن اذهبا الى قبره و اكتبا له الى يوم القيامة.

و منها شهادة المؤمنين له بالخير و الصلاح،فانّه قد ورد في الخبر انّ اللّه تعالى يجيز شهادتهم و يكتبه عنده من الأخيار و ان كان في علم اللّه تعالى انّه من الأشرار،و قال الصادق عليه السّلام اذا حضر الميّت اربعون رجلا فقالوا:اللهم انّا لا نعلم منه الاّ خيرا،قال اللّه عزّ و جلّ قد قبلت شهادتكم و غفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون.

و روى شيخنا الكليني قدس اللّه روحه باسناده الى الأمام ابي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام قال:كان في بني اسرائيل عابد،فأوحى اللّه تعالى الى داود عليه السّلام انّه مراء،قال:ثمّ انّه مات فلم يشهد جنازته داود عليه السّلام فقام أربعون من بني اسرائيل فقالوا:اللهم انّا لا نعلم منه الا خيرا و انت اعلم به منا فاغفر له قال:فلمّا غسل أتى اليه اربعون غير الأربعين و قالوا:اللهم انّا لا نعلم منه الاّ خيرا و انت اعلم به منا فاغفر له،قال:فأوحى اللّه تعالى الى داود عليه السّلام ما منعك ان

ص:163

تصلي عليه؟قال داود عليه السّلام للّذي أخبرتني به قال:فأوحي اللّه اليه انّه قد شهد له قوم فأجزت شهادتهم و غفرت له و عملت بما لا يعلمون.

و من هنا كان شيخنا المعاصر أدام اللّه ايّامه قد طلب من اخوانه المؤمنين ان يكتبوا على كفنه بالتّربة الحسينية الشهادة منهم بايمانه،فكتبوا هذا لا ريب في ايمانه كتبه شاهدا به فلان و ربّما جعلوا تحت الشهادة نقش خواتيمهم،و كان يأمر الناس بهذا و أمثاله و هو حسن،و ذلك انّ اللّه تعالى كريم و الوافد عليه يكفيه أدنى الأعمال.

و قد كتب المولى الورع الأردبيلي ره كتابة الى الشاه طهماسب تغمده اللّه برحمته يوصيه في رجل سيّد و انّه من أهل الأستحقاق فصدّر كتابه بقوله ايّها الأخ،فلمّا بلغ السيّد بذلك الكتاب الى الشاه قبل ذلك و قام له تعظيما و احتراما،فلما قرأه و رأى انّه ذكر فيه لفظ الأخ قال لغلامه:

علي بكفني،فأتى اليه بكفنه فوضع الكتابة في الكفن و قال لخاصّته كذا أنتم دفنتموني فضعوا هذه الكتابة تحت رأسي لأحتج بها على منكر و نكير.

و اقول ان المولى الأردبيلي الذي هو اتقى أهل الزمان قد قبلني أخا و هذا خطّه و كاغذه، ففعلوا ما أمروا و لا ريب في نجاته بهذا و أمثاله،ثمّ انّه قضى جميع حوائج ذلك السيّد و زاد عليه بما اراد.

و قد نقل لي رجل من الثقاة قال:ان الوزير الأعظم ميرزا تقي وزير الشاه المرحوم الشاه عباس طلب رجلا من خواصه يوما و قال:أريد منك قضاء حاجة،فقال:و ما هي؟قال:ان تأخذ مني ثلاث بغال و تمضي الى مشهد مولانا الحسين عليه السّلام و تأتني بتراب من حريمه الشريف حتى اذا انا مت أوصي بان يطين قبري بذلك التراب،و يوضع منه فوقي و تحتي،فمضى ذلك الرجل من اصفهان و أتى بذلك التراب،و اتّفق ان ذلك الوزير قد قتل فجعل ذلك التراب في قبره كما قال،و لا شك في انّ اللّه سبحانه يرفع عنه بيمن التراب و بركته.

و رأيت جماعة من العلماء و الأخيار يكتبون على الأكفان هذين الشعرين:

وفدت على الكريم بغير زاد من الحسنات و القلب السليم

و حمل الزاد أقبح كل شيء اذا كان الوفود على الكريم

و آخرون يكتبون هذا البيت و ربّما نسبوه الى مولانا علي بن الحسين عليه السّلام و هو هذا

فزادي قليل لم أراه مبلغي أ للزاد أبكي ام لبعد مسافتي

و قد ذكر بعض اصحاب المصابيح من اصحابنا استحباب كتابة دعاء الجوشن و هذا كله زيادة خير و بركة فلا بأس به،و في الرواية عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه خرج يوما الى اصحابه فقال:ما تقولون في

ص:164

رجل مات؟فقام رجلان ذوا عدل فقالا:لا نعلم منه الاّ خيرا قالوا:اللّه و رسوله اعلم،قال ذلك في الجنة،قال:فما تقولون في رجل مات؟فقام رجلان ذوا عدل و قلا:لا نعلم منه(الاّ شرا)خيرا قالوا:ذلك في النار فقال بئس ما قلتم عبد مذنب و اللّه غفور رحيم.

و روي انّ رجلا من الصالحين قال يوما لرجل و اللّه لا يغفر اللّه لفلان،قال:فأوحى سبحانه و تعالى الى نبيّ ذلك الوقت ان قل لفلان قد غفرت له و أحبطت عمل ذلك الرجل.

و روي ايضا انّ شابا كان يتعاطى الفواحش فلم يدع شيئا الا فعله،فمرض فلم يعده جيرانه فدعى بعضهم و قال:ان جيراني تأذوا منّي في حال حياتي و أعلم انّ جيراني في المقبرة يتأذون منّي و من جواري فادفنوني في زاوية بيتي،فلمّا مات راى في المنام على هيئة حسنة،فقيل له:ما فعل اللّه بك؟فقال:قال لي عبدي ضيّعوك و أعرضوا عنك اما انّي لا اضيعك و لا اعرض عنك برحمتي.

فان قلت اذا كان الرجل معلوم الحال بالفسق و المعاصي و الأصرار على انواع الذنوب فكيف يجوز للمصلّين ان يقولوا في حقّه اللهم انّا لا نعلم منه الاّ خيرا مع ان المعلوم منه خلافه، قلت يجوز ان يقال هذا الكلام في حقه و ذلك لأنّه معلوم المذهب بأنه من الشيعة الأمامية فهذا الخير منه معلوم،و اما الفسق فهو غير معلوم بقاؤه و استمراره الى وقت الموت لاحتماله التوبة فانك قد عرفت انّها مقبولة الى ما قبل المعاينة و الدّخول في أحوال تلك النشأة،و لو سلّمنا عدم توبته لكن عفو اللّه سبحانه عن المجرمين لا يفقد بحالة من الحالات فلعلّه قد شمله و أحاط به.

و ما قيل بان مثل هذا الشخص يجوز ان يضطرب ايمانه عند صدمات الموت و حضور الشياطين فتعد له جماعة من الشياطين من محض الأيمان الى محض الكفر كما هو الواقع في شأن بعض الناس من اهل الأيمان المستودع.

فمعارض بأن الأصل في افعال المؤمن الصحّة الى ان يعلم نقيضها،و امّا الأستصحاب فليس هو بحجّة في مثل هذه المقامات فلا تغفل.

و منها ان يجري صدقة في حياته كوقف مزرعة او قرآن او كتاب او ان يخلف ولدا صالحا يستغفر له بعد موته،قال الصادق عليه السّلام ستّة خصال ينتفع بها المؤمن من بعد موتهكولد صالح يستغفر له و مصحف يقرأ فيه و قليب يحفره و غرس يغرسه و صدقة ماء يجريه و سنة حسنة يؤخذ بها بعده،الى غير ذلك من الأمور النافعة للميّت.

الأمر السادس قد عرفت انّ الأخبار قد تواترت في الدلالة على حقيّة عذاب القبر و قد اتّفقت عليه الأمّة سلفا و خلفا و به قال اكثر أهل الملل و لم ينكره أحد من المسلمين سوى ضرار بن عمرو و جماعة من المعتزلة،و قد ظهر في شيراز في عشر الستين بعد الألف جماعة من علماء الملاحدة و كان عالمهم يذهب الى انكار عذاب القبر و يموه على عوام الناس بأنّ الميت ينبغي ان

ص:165

يتعرّف حاله،بأن يحشى فمه بالدّخن و ما شابه و يدفن فيؤتى اليه في اليوم الآخر و تنبش قبره فانّك تراه على حاله،فلو كان في القبر سؤال و حساب لتغيرت حالته و لسقط الدّخن من فمه،و ايضا فانّا لا نسمع عذابه في القبر مع شدّته و صعوبته،و هذا كلام بارد فان هذه الأذن و العين لا تصلحان لسماع تلك الأمور الملكوتيّة و مشاهدتها،بل انّما تدرك تلك الأمور بحس آخر من الحواس أ لا ترى الصحابة فانهم كانوا يجلسون عند النبي صلّى اللّه عليه و آله وقت نزول جبرئيل عليه السّلام عليه صلّى اللّه عليه و آله و هو يراه و يتكلم معه في حضورهم و الناس لا يرونه،و نظيره في عالم الشهود انّ النائم بحضور الجالسين قد يشاهد في نومه الحيات و العقارب و البلدان البعيدة و ربّما يتألم مما يرى غاية الألم و ربّما صرخ الصراخ العالي و مع هذا فالحاضرون الجالسون عنده لا يسمعون و لا يرون شيئا ممّا يرى.

الأمر السابع في مآل الروح بعد عذاب القبر،قد تحقّقت انّ السؤال في القبر و ضغطته و بعض انواع عذابه انّما هو على هذا البدن،فاذا فرغت الروح من هذا العذاب او الثواب لأنه، كما قال عليه السّلام:القبر امّا روضة من رياض الجنان و اما حفرة من حفر النيران،انتقلت الى سعادة اخرى او شقاوة كالأولى فدخلت في قوالب مثل هذه القوالب و الهياكل،الاّ انّها ألطف منها و أرق فهي عالم بين المجردات و الماديّات أقدرها اللّه سبحانه بذلك القالب على الطيران في الهواء و قطع المسافات البعيدة بالزمان القليل،فاذا دخلت في ذلك القالب طارت به الى عالم الأرواح، فان كانت مؤمنة مضت الى وادي السّلام و هي جنّة الدنيا خلقها اللّه تعالى في ظهر الكوفة و غيّبها عن ابصار الناظرين و فيها ارواح المؤمنين التي في القوالب المثالية و هم يتنعمون فيها بكل ما في جنة الآخرة،فانّ في هذه الجنة الأثمار و الأنهار،و الولدان و الحور العين،و الشراب و السلسبيل،و انهار اللبن و العسل و أنواع الحلي و الحلل فهم يأكلون و يشربون و ينكحون و يجلسون حلقا حلقا يتحاكمون و يتكلّمون.

روى الكليني بأسناده الى مولانا الصادق عليه السّلام قال:انذ الأرواح في صفة الأجساد في شجر في الجنة تتعارف و تتسائل،فاذا قدمت الروح على تلك الأرواح تقول(يقولون ظ)دعوها فانّها قد أقبلت من هو عظيم،ثم يسئلونها ما فعل فلان؟و ما فعل فلان؟فان قالت لهم تركته حيا إرتجوه، و ان قالت لهم قد هلك قالوا هوى هوى.

و في حديث آخر انّ أرواح المؤمنين في حجرات في الجنّة يأكلون من طعامها و يشربون من شرابها،و يقولون ربنا أقم لنا الساعة و أنجز لنا ما وعدتنا و ألحق آخرنا بأوّلنا.

و في التهذيب ايضا انه قال ليونس بن ظبيان ما تقول الناس في ارواح المؤمنين فقال يونس:

يقولون يكونون في حواصل طير خضر في قناديل تحت العرش،فقال عليه السّلام:سبحان اللّه المؤمن اكرم على اللّه عز و جل من ذلك ان يجعل روحه في حوصلة طير أخضر اذا كان ذلك اتاه محمد

ص:166

و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الملائكة المقربون صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين يا يونس المؤمن اذا قبضه اللّه تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون و يشربون،فاذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا،و الأخبار الواردة بهذه الجنة و مكانها و كيفيتها مستفيضة بل متواترة.

روى الكليني طاب ثراه عن حبة العرنى قال:خرجت مع امير المؤمنين عليه السّلام الى ظهر الكوفة فوقف بوادي السّلام كأنه مخاطب لأقوام فقمت بقيامه حتى أعييت ثم جلست حتّى مللت ثم قمت حتى نالني مثل ما نالني اولا ثم جلست حتى مللت ثم قمت و جمعت ردائي،فقالت يا أمير المؤمنين:انّي قد اشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة،ثم طرحت الرداء ليجلس عليه فقال لي:يا حبة ان هو الا محادثة مؤمن أو مؤانسته،قلت يا أمير المؤمنين و انهم لكذلك؟قال:نعم و لو كشفت لك لرأيتهم حلقا حلقا محتبين (1)يتحادثون،فقلت:اجساد ام ارواح؟فقال:ارواح، و ما من مؤمن يموت في بقاع الأرض الا قيل لروحه ألحقي بوادي السّلام و انها لفبقعة من جنة عدن،و عن احمد بن عمر رفعه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له ان اخي ببغداد و اخاف ان يموت بها،فقال:ما يبالي حيث ما مات اما انه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض و لا غربها الا حشر اللّه روحه الى واد السّلام،قال:قلت له و اين وادي السّلام؟قال:ظهر الكوفة اما اني كأني بهم حلق حلق قعود يتحدثون.

و روينا من كتب بحار الأنوار من مؤلفات بعض مشايخنا رواه بسنده الى سلمان الفارسي رضي اللّه عنه انه قال يوما لأمير المؤمنين عليه السّلام بعد موت عمر بن الخطاب:يا امير المؤمنين اني حزين من موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الى هذا اليوم و اريد ان تروحني هذا اليوم و تريني من كراماتك ما يزيل عني هذا الغم،فقال عليه السّلام:عليّ بالبغلتين اللتين من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلمّا آتي بهما ركب هو واحدة و ركب سلمان الأخرى،قال سلمان:فلما خرجنا من المدينة و اذا بكل بغلة جناحان فطارا في الهواء و ارتفعا فتعجب غاية التعجب،فقال لي:يا سلمان انظر هل ترى المدينة فقلت اما المدينة فلا و لكن ارى آثار الأرض فاشار الى البغلتين فارتفعتا في الجو لحظة،فنظرت فلم ار شيئا في الأرض و اذا انا اسمع اصوات التسبيح و التهليل،فقلت:يا أمير المؤمنين اللّه اكبر ان هيهنا لبلاد قد وصلنا اليها؟فقال:يا سلمان هذه اصوات الملائكة بالتسبيح و التهليل و هذه هي السماء الدنيا فقد وصلنا اليها،فاشار الى البغلتين و حرّك شفتيه فانحطتا طائرتين نحو الأرض فكان وقوعهما على بحر عريض كثير الأمواج كأن امواجه الجبال،فنظر الى ذلك البحر مولانا امير المؤمنين

ص:167


1- (20) احتبى الرجل اذا جمع ظهره و ساقيه بعمامة و قد يحتبي بيديه.

فسكنت امواجه فنزل عليه السّلام و مشى على وجه الماء،و نزلت انا و البغلتان تمشيان خلفنا فلما خرجنا من ذلك البحر و اذا هو تتلاطم امواجه كهيئة الأولى،فقلت:يا امير المؤمنين ما هذا البحر:فقال عليه السّلام كهذا هو البحر الذي اغرق اللّه فيه فرعون و قومه فهو يضطرب خوفا من اللّه تعالى من ذلك اليوم الى يوم القيامة فلما نظرت اليه خاف مني فسكن و ها هو رجع الى حالته الأولى،قال سلمان:

فلمّا خرجنا من ذلك البحر و مشينا رأيت جدارا ابيضا مرتفعا في الهوى ليس يدرك اوله و لا آخره فلمّا قربنا اليه و اذا هو جدار من ياقوت او نحوه فاذا بباب عظيم فلما دنا منه امير المؤمنين عليه السّلام انفتح فدخلنا فرأيت اشجارا و انهارا و بيوتا و منازل عالية فوقها غرف،و اذا في تلك البستان انهار من خمر و انهار من لبن،و انهار من عسل و اذا فيها اولاد و بنات و كل ما وصفه اللّه تعالى في الجنة على لسان نبيه صلّى اللّه عليه و آله رأيته فيها فرأيت اولادا و بناتا اقبلوا الى امير المؤمنين عليه السّلام يقبلون اياديه و اقدامه فجلس على كرسي و وقف الأولاد و البنات حوله،فقالوا:يا امير المؤمنين ما هذا الهجران الذي هجرتنا؟هذا سبعة ايّام ما رأيناك فيها يا أمير المؤمنين،فقلت:يا امير المؤمنين:ما هذه المنازل في هذا المكان؟فقال:يا سلمان هذه منازل شيعتنا بعد الموت تريد يا سلمان ان تنظر الى منزلك؟فقلت:نعم فامر واحدا و أخذني الى منزل عالي مبني من الياقوت و الزبرجد و اللؤلؤ و فيه كل ما تشتهي الأنفس فأخذت رمّانة من ثماره و أتيت اليه،فقلتكيا أمير المؤمنين هذا منزلي و لا أخرج منه فقال:يا سلمان هذا منزلك بعد الموت و هذه منازل شيعتنا بعد الموت و هذه جنّة الدنيا تأتي اليه شيعتنا بعد الموت فيتنعمون بها الى يوم القيامة حتى ينتقلون عنها الى جنة الآخرة،فقال:

يا سلمان تعال حتى نخرج،فلما خرج عليه السّلام ودّعه اهل تلك الجنة فخرجنا فانغلق الباب فمشينا، فقال لي:يا سلمان ا تحب ان اريك صاحبك؟فقلتكنعم فحرّك شفتيه فرأيتت ملائكة غلاضا شدادا يأتون برجل قد جعلوا في عنقه سلاسل الحديد و النار تخرج من منخريه و حلقه الى عنان السماء و الدخان قد احاط بتلك البرية و ملائكة خلفه تضربه حتى يمشي و لسانه خارج من حلقه من شدة العطش فلما قرب الينا قال لي:تعرفه؟فنظرته و اذا هو عمر بن الخطاب،فقال:يا امير المؤمنين اغثني فانا عطشان معذب فقال امير المؤمنين عليه السّلام كضاعفوا عليه العذاب فرأيت السلاسل تضاعفت و الملائكة و النيران تضاعفت فاخذوه ذليلا صاغرا فقال:يا سلمان هذا عمر بن الخطاب و هذا حاله فانه ما من يوم يمضي من يوم موته الى هذا اليوم الا و تأتي الملائكة به و تعرضه عليّ فأقول لهم ضاعفوا عذابه فيتضاعف عليه العذاب الى يوم القيامة.

قال سلمان:فركبنا فقال لي غمّض عينيك يا سلمان،فغمضت عيني فقال لي:افتحها و اذا انا بباب المدينة،فقال:يا سلمان مضى من النهار سبع ساعات و طفنا في هذا اليوم البراري و القفار و البحار و كل الدنيا و ما فيها.

ص:168

اقول هذا الحديث لا ينافي كون محلها و مكانها ظهر الكوفة،و ذلك لأنّ هذه الجنة التي رآها سلمان هي التي بظهر الكوفة،و يكفي في هذا قوله عزّ و علا وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتاً بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمٰا آتٰاهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ و قوله صلّى اللّه عليه و آله الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا،و هذا ليس للمقتول فقط اذ لا قيل و لا قائل به.و قد انكر بعضهم هذا النعيم و قال:ان الروح عرض فلا يجوز ان تتنعم،و هذا لا يصح لأن الروح كما سبق جسم رقيق هوائي مأخوذ من الريح،و يدل على ذلك انّه يخرج من البدن و يرد اليه و هي الحساسة الفعالة مع انك قد عرفت انّها تدخل في قالب مثل هذا القالب الاّ انّه ألطف منه ليست في كثافة الماديات و لا لطاقة المجردات بل هي ذوات وجهين و واسطة بين العالمين،و هذا ما قاله طائفة من أساطين الحكماء كأفلاطون و أتباعه من انّ في الوجود عالما مقداريا غير العالم الحسي و هو واسطة بين عالم المجردات و عالم الماديات ليس في تلك اللطافة و لا في هذه الكثافة،فيه الأجسام و الأعراض من الحركات و السكنات و الأصوات و الطعوم و الروائح و غيرها مثل قائمة بذاتها معلقة لا في مادة،هو عالم عظيم الفسحة و سكّانه على طبقات متفاوتة في اللطافة و الكثافة و قبح الصورة و حسنها،و لأبدانهم المثالية جميع الحواس الظاهرة و الباطنة فيتنعمون و يتألمون باللذات و الألآم النفسانيّة و الجسمانية.

و قد نسب العلامة في شرح حكمة الأشراق القول بوجود هذا العالم الى الأنبياء و الأولياء و المتألهين من الحكماء،قال شيخنا البهائي عطّر اللّه مرقده:و هذا و ان لم يقم على وجوده شيء من البراهين العقلية لكنه قد تأيّد بالظواهر النقلية و عرّفه المتألّهون بمجاهداتهم الذوقية و تحققوه بمشاهداتهم الكشهية.

و انت تعلم ان ارباب الأرصاد الروحانية أعلى قدرا و ارفع شأنا من اصحاب الأرصاد الجسمانية فكما انك تصدق هؤلاء فيما يلقونه اليك من خفايا الهيات الفلكية فحقيق ان تصدق اولئك ايضا فيما يتلونه عليك من خبايا العوالم المقدسة الملكية هذا كلامه ره.

فهذه الجنة التي هي دار السّلام هي مأوى المؤمنين في نهارهم و اما ليلهم فلهم جنّة اخرى يارون اليها في الليل و يسكنون فيها فهي محل نومهم فاذا اضاء الصبح طاروا منها الى وادي السّلام و تلاقوا فيها و تعارفوا و تصاحبوا و تحادثوا و اكلوا من ثمارها و بقوا فيها الى الليل فاذا جاء الليل طاروا الى الجنة التي في المغرب ليناموا فيها و تكون محلى الليل.

روى الكليني في الصحيح عن ضريس الكناسي قال:سئلت ابا جعفر عليه السّلام ان الناس يذكرون ان فراتنا تخرج من الجنة فكيف هو؟يقبل من المغرب و تصب فيه الأودية و العيون؟فقال ابو جعفر عليه السّلام:ان للّه جنة خلقها اللّه في المغرب و ماء فراتكم هذه يخرج منها و اليها تخرج ارواح

ص:169

المؤمنين من حفرهم عند كل مساء فتسقط على ثمارها و تأكل منها و تتنعم فيها و تتلاقى و تتعارف فاذا طلع الفجر هاجت من الجنة فكانت في الهواء فيما بين السماء و الأرض تطير ذاهبة و جائية و تعهد حفرها اذا طلعت الشمس و تتلاقى في الهواء تتعارف.

و اما ارواح الكفّار المصرين على الفسق فأرواحهم بعد الفراغ من عذاب القبر و اني لهم الفراغ منهم تدخل ارواحهم في قوالب مثل هذه القوالب فيطيرون بها الى برهوت و هو واد في حضرموت في ارض اليمن و هو واد مملو من النار و عقاربها و حيّاتها و ما تعته اللّه سبحانه في نار جهنم من انواع العذاب و اقسامه قال اللّه تعالى حكاية عن آل فرعون اَلنّٰارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهٰا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السّٰاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذٰابِ فان العطف يقتضي ان العرض على النار غدوا و عشيا غير العذاب بعد قيام الساعة فيكون في القبر.

و عن الأمام ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام ان هذا في نار البرزخ قبل القيامة اذ لا غدو و لا عشي في القيامة ثم قال عليه السّلام ك أ لم تسمع قول اللّه عز و جل وَ يَوْمَ تَقُومُ السّٰاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذٰابِ و قال سبحانه في حق قوم نوح أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نٰاراً و الفاء للتعقيب من غير مهلة،فالمراد دنا و البرزخ و لو اراد اللّه سبحانه ادخالهم النار يوم القيامة لكان مناسبا بثم و الآيات الدالة على عذاب البرزخ كثيرة و هذه النار التي هي برهوت هي محل عذابهم في النار، و اما في الليل فقد خلق اللّه سبحانه لهم نارا في المشرق اذا جاء الليل طاروا اليها و عذبوا فيها الى ان يجيء النهار.

و في صيحة ضريسل لمتقدمه عن مولى الصادق عليه السّلام قال:و ان للّه في المشرق نارا خلقها ليسكنها ارواح الكفّار و يأكلون من زقومها و يشربون من جميمها ليلهم فاذا طلع الفجر هاجت الى واد باليمن يقال:لت برهوت أشد حرا من نيران الدنيا فكانوا فيها يتلاقون و يتعارفون فاذا كان المساء عادوا الى النار فهم كذلك الى يوم القيامة قال:قلت اصبحك اللّه ما حال الموحدين المقرّين بنبوة محمّد صلّى اللّه عليه و آله من المسلمين المذنبين الذين يموتون و ليس لهم امام و لا يعرفون ولايتكم؟فقال:اما هؤلاء فانهم في حفرهم لا يخرجون منها فمن كان منهم عمل صالح و لم يظهر منه عداوة فانه يخد له خدا الى الجنة التي خلقها اللّه في المغرب فيدخل عليه منها الروح في حفرته الى يوم القيامة فيلقى اللّه فيحسبه بحسناته و سيئاته فاما الى جنة و اما الى النار فهؤلاء موقوفون لأمر اللّه قال:و كذلك يفعل اللّه بالمستضعفين و البله و الأطفال و اولاد المسلمين الذين لم يبلغوا العلم فامّا النصب من اهل القبلة فانّهم يخدّ لهم خدّا الى النار التي خلقها اللّه في المشرق فيدخل عليهم منها اللهب و الشرر و الدخان و فورة الحميم الى يوم القيامة ثم مصيرهم الى الحميم ثم في النار يسجرون،ثمّ

ص:170

قيل لهم اينما كنتم تدعون من دون اللّه اين امامكم الّذي اتخذتموه دون الأمام الّذي جعله اللّه للناس اماما.

و ينبغي زيارة القبور لأنس الميت بالزائرين،روى الكليني في الصحيح عن مولانا الصادق عليه السّلام في زيارة القبور قال:انّهم يأنسون بكم فاذا غبتم عنهم استوحشوا،و عن اسحاق بن عمّار عن ابي الحسن عليه السّلام قال:قلت له المؤمن يعلم من يزور قبره؟قال:نعم لا يزال مستأنسا به ما زال عند قبره فاذا قام و انصرف من قبره دخله من انصرافه عن قبره وحشة،و قال صفوان بن يحيى لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام بلغني انّ المؤمن اذا اتاه الزائر أنس به فاذا انصرف عنه استوحش فقال:لا يستوحش.

اقول يمكن الجمع بين هذه الأخبار بوجوه:الأوّل حملها على تفاوت مراتب المؤمنين، فمنهم الكاملون الّذين لا يستوحشون من مفارقة الزائرين لأنسهم بربهم و انواع عطاياه.

الثاني ان يكون المراد انّه لا يستوحش من جهة ما رزقه اللّه من اللّذات الروحانيّة بل و الجسمانية و ان كان يستوحش من جهة مفارقة الزائرين كما هو الظاهر من خبر اسحاق بن عمّار، الثالث انّ المراد بالوحشة المتّقية الوحشة الكاملة و المراد بالوحشة الثابتة الناقصة القليلة.

فان قلت اذا كانت الأرواح في قوالبها المثاليّة محلّها وادي السّلام فكيف تعلم بمن يزور قبرها و بينهما المسافات البعيدة؟قلت قد روى عن الصادق عليه السّلام انّ الأرواح و ان كانت في وادي السّلام الاّ انّ لها اشعة علمية متصلة بالقبر فهي بتلك الأشعة تعلم بالزائرين و الواردين الى القبور،و قد مثّلها عليه السّلام بالشمس فانّها في السماء و اشعتها في أقطار الأرض،فيقال انّ الشمس هنا و هناك و في الأماكن البعيدة مع انّ قرصها في السماء،و في بعض الأوقات تأتي هي أيضا بذلك المثال الى القبر فتزوره و تطلع عليه و تزور اهلها.

روى الكليني ره عن اسحاق بن عمّار عن ابي الحسن الأول عليه السّلام قال:سئلته عن الميت يزور اهله؟قال:نعم فقلت في كم يزور؟قال:في الجمعة و في الشهر و السنة على قدر منزلته،فقلتكفي أي صورة يأتيهم؟فقال:في صورة طائر لطيف يسقط على جدرهم و يشرف عليهم فان رآهم بخير فرح و ان رآهم بشرّ و حاجة حزن و اغتمّ،و عن مولانا الصادق عليه السّلام قال:انّ المؤمن ليزور اهله فيرى ما يحب و يستر عنه ما يكره،و انّ الكافر ليزور اهله فيرى ما يكرهه يستر عنه ما يحب،قال:

فيهم من يزور كلّ جمعة و منهم من يزور كلّ سنة على قدر عمله.

و قال عليه السّلام:في حديث آخر ما من مؤمن و لا كافر الاّ و هو يأتي أهله عند زوال الشمس فاذا رأى اهله يعملون بالصالحات حمد اللّه على ذلك و اذا رأى الكافر أهله يعملون بالصالحات كانت عليه حسرة.

ص:171

و قال عليه السّلام:يزور اهله عند زوال الشمس و مثل ذلك،قال:قلت في ايّ صورة؟قال:في صورة العصفور و أصغر من ذلك،فيبعث اللّه عز و جل معه ما يسره و يستر عنه ما يكره فيرى ما يسره و يرجع الى قرّة عين،و اما اذا كان كافرا يريه الملك ما يكره و يستر عنه ما يحب و هذا الصنع مع المؤمن هو أحد معاني قوله عليه السّلام لي:الدعاء يا من أظهر الجمل و ستر القبيح.

و امّا التسليم على القبور فهو ما قال الصادق عليه السّلام كالسلام على اهل الديار من المؤمنين و المسلمين انتم لنا فرط و نحن ان شاء اللّه بكم لاحقون،و في الصحيح عن مولانا الرضا عليه السّلام قال:

من أتى قبر أخيه ثمّ وضع يده على القبر و قرأ انا انزلناه في ليلة القدر سبع مرات امن يوم الفزع الأكبر.

و قال الصادق عليه السّلام:انّ اللّه تبارك و تعالى تطوّل على عباده بثلاث ألقى الريح بعد الموت و لو لا ذلك ما دفن حميم حميما،و القى اليهم السلوة و لو لا ذلك لأنقطع النسل و ألقى على هذه الحيّة الدابّة و لو لا ذلك لكنزها ملوكهم كما يكنزون الذهب و الفضة و قال عليه السّلام:اذا مات الميّت بعث اللّه ملكا الى أوجع أهله فمسح على قلبه فأنساه لوعة الحزن و لو لا ذلك لم تعمر الدنيا.

خاتمة هذا النور في احوال الأطفال امّا اطفال المسلمين فقد انعقد الأجتماع على دخولهم الجنّة بغير حساب،و قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:اذا مات طفل من اطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السماوات و الأرض الا ان فلان بن فلان قد مات،فان كان قد مات والداه او احدهما دفع اليه يغذوه و الاّ دفع الى فاطمة عليها السّلام تغذوه حتّى يقدم أتواه و احدهما او بعض اهل بيته فتدفعه اليه.

و عنه عليه السّلام قال:انّ اللّه تبارك و تعالى يدفع الى ابراهيم و سارة أطفال المؤمنين يغدوانهم بشجرة في الجنة لها أخلاف كأخلاف البقر في قصر من در،فاذا كان يوم القيامة ألبسوا و طيبوا و أهدوا الى آبائهم فهم ملوك في الجنّة مع آبائهم و هو قول اللّه تعالى وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، و لا منافاة بين هذين الخبرين لجواز ان يكون بعض الأطفال عند فاطمة عليها السّلام و البعض الآخر عند ابراهيم و سارة،و هذا انّما يكون في عالم البرزخ و الاّ فهم في الجنّة الأخروية مع آبائهم و لا حاجة بهم الى التربيّة،

و امّا اطفال الكفّار فقد اختلف في شأنهم أقوال العلماء،فمن الأقوال انّهم خدمة أهل الجنّة و هم في الجنّة و هم في الجنّة لقوله تعالى فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا، و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلّ مولود يولد على الفطرة،و لم يصدر منهم ما يوجب العذاب.

و منها ما قيل انّهم من أصحاب الأعراف الّذين حكى اللّه سبحانه عنهم بقوله وَ عَلَى الْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ و في بعض الأخبار دلالة عليه.

ص:172

و منها ما قيل انّهم تابعون لآبائهم في دخول النّار و لكن لا يتألّمون بحرارتها،فانّه قد روي في كثير من الأخبار انّ بعض الناس يدخلون النار و لا يتألّمون بحرارتها،فانّه قد روي في كثير من الأخبار انّ بعض الناس يدخلون النار و لا يتألّمون بها كما تقدم في حديث الكافر الذي اضاف المؤمن لما ورد عليه فارّا من سلطان بلاده.

و منها مذهب التوقف في شأنهم و ارجاع علم حالهم الى اللّه تعالى و هذا ايضا موجود في الأخبار،و منها انّ اللّه تعالى يعمل معهم بمقتضى علمه فمن علم منه الأيمان لو بقي الى وقت التكليف أدخله الجنّة،و من علم منه الكفر في ذلك الوقت أدخله النار،و الصواب هو ما دلّت عليه الأخبار،روى الصدوق ره في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان قال:سئلت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن اولاد المشركين يموتون قبل ان يبلغوا الحنث؟قال اللّه تعالى يؤجّج لهم نارا فيقال لهم:ادخلوها فان دخلوها كانت عليهم بردا و سلاما و ان ابوا قال اللّه عز و جل هو ذا أنا قد أمرتكم فعصيتموني فيأمر اللّه عز و جل بهم الى النار،اقول و هذه النار الّتي تؤجّج يجوز ان يكون في عالم البرزخ، و يجوز ان يكون في القيامة الكبرى و اذا جاء النصّ الصحيح قطع مادّة النزاع و الكلام.

تذييل في حال ولد الزنا اذا ورد على ربّه عزّ و جلّ اعلم انّ المشهور بين اصحابنا رضوان اللّه عليهم هو انّه اذا ظهر دين الأسلام كان مسلما بحكم المسلمين في الطّهارة و دخول الجنة و قد نقل عن المرتضى و الصدوق و ابن ادريس انّه كافر نجس يدخل النار كغيره من الكفّار،و لكن وجد بخطّ شيخنا الشهيد الثاني قدّس اللّه روحه مسائل نقلها عن المرتضى تغمده اللّه برحمته و هذه عبارته و سئل عن ولد الزنا و ما روي فيه من انّه في النّار و انّه لا يكون من اهل الجنّة،فأجاب رضي اللّه عنه انّ هذه الرواية موجودة في كتب اصحابنا الاّ انه غير مقطوع بها و وجهها ان صحّت انّ كلّ ولد زنية لا بد ان يكون في علم اللّه انه يختار الكفر و يموت عليه و انّه لا يختار الأيمان،و ليس كونه من ولد الزنية ذنبا يؤاخذ به فانّ ذلك ليس بذنب له في نفسه و انّما الذنب لأبويه و لكنّه انّما يعاقب بأفعاله الذميمة القبيحة الّتي علم اللّه انّه يختارها و يصير كونه ولد زنا علامة على وقوع ما يستحق به العقاب و انّه من اهل النّار بتلك الأفعال لا لأنه مولود من الزنا.

أقول و هذا لا ينافي ما حكيناه عنه لأنه رحمه اللّه تعالى قد يذهب في المسئلة الواحدة الى مذاهب مختلفة يكون له في كل كتاب من مصنفاته مذهب من المذاهب و الحق انّ الأخبار متظافرة في الدلالة على سوء حاله و انّه من اهل النار،روى الصدوق ره باسناده الى الأمام ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام قال:يقول ولد الزنا:يا رب ما ذنبي فما كان لي في امري صنع؟قال:

فيناديه مناد فيقول انت شر الثلاثة أذنب والداك فثبت عليهما و انت رجس و لن يدخل الجنّة الا طاهر و هذا مما لا مسلك فيه للعقول و ان اردت تأويل مثل هذا الخبر لينطبق على اقوال الأصحاب

ص:173

رضوان اللّه عليهم فاحمله على ارادة ولد الزنا اذا كان مخالفا في المذهب مع ان هذه سياسات شرعية اظهرها الشارع لحكم و مصالح حتى لا يتجرى الناس على الزناء و له نظائر كثيرة،مع ان الغالب في ولد الزنا سوء الحال و الأعمال حتّى يكون هو الذي يدخل النار بعمله على انه يجوز ان اللّه تعالى يحتجّ عليه يوم القيامة بدخول نار يؤجّجها كما يحتجّ على غيره ممن تحققت سابقا و الظاهر وروده في الأخبار ايضا و بالجملة فاحوال الناس في عالم البرزخ على ما سمعت من انه اما نعيم مقيم او عذاب اليم حتى تجيئهم القيامة الصغرى و هي ظهور مولانا صاحب الزمان عليه السّلام فيحشر اللّه سبحانه من كل امّة فوجا كما تقدم تفصيله فلا يبقى الا القيامة الكبرى و ما أقربها فها ذا نحن نعقد نور البيانها.

ص:174

نور في القيامة الكبرى

اعلم وفقك اللّه تعالى ان وقتها و معرفته مما استأثر به تعالى و تقدّس فقال:ان اللّه عنده علم الساعة،نعم قد علّمها لنبيه و اوصيائه عليهم السّلام و هم قد كتموا هذا العلم عنا كغيره من اكثر العلوم لحكم و مصالح كثيرة فتبقى الناس على هذه الحال بعضهم احياء و بعضهم اموات حتى يأذن اللّه تعالى بفناء الدنيا و اهلها فيأمر اسرافيل فينفخ نفخة فيهلك فيها كل ذي روح ثم ينفخ النفخة الثانية التي يحييهم بها للحشر.

و روى الجليل علي بن ابراهيم في تفسيره عن الأمام زين العابدين عليه السّلام انّه سئل عن النفختين كم بينهما قال:ما شاء اللّه و في خبر آخر اربعين سنة فقيل له:فأخبرنا يا ابن رسول اللّه كيف فيه؟فقال:اما النفخة الأولى فان اللّه جلّ جلاله يأمر اسرافيل فيهبط الى الدنيا و معه صور و الصور رأس واحد و طرفان و بين طرفي كل رأس منهما ما بين السماء(الى)و الأرض قال:فاذا رأت الملائكة اسرافيل و قد هبط الى الدنيا و معه الصور قالوا:قد اذن اللّه تعالى في موت اهل الأرض و في موت اهل السماء قال:فيهبط اسرافيل عليه السّلام بحضرة بيت المقدس و يستقبل القبله فاذا رآه اهل الأرض قالوا كقد اذن اللّه تعالى في موت اهل الأرض قال:فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض فلا يبقى في الأرض ذو روح الا صعق و مات ثمّ ينفخ فيه نفخة اخرى فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماء فلا يبقى في السماء ذو روح الا صعق و مات الا اسرافيل،قال:فيقول اللّه تعالى لأسرافيل يا اسرافيل مت فيموت اسرافيل فيمكثون في ذلك ما شاء اللّه تعالى،ثم يأمر اللّه تعالى السماوات فتمور و يأمر الجبال فتسير و هو قوله تعالى يَوْمَ تَمُورُ السَّمٰاءُ مَوْراً وَ تَسِيرُ الْجِبٰالُ سَيْراً يعني تبسط و تبدل الأرض غير الأرض يعني بأرض لم يكتسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال و لا نبات كما دحاها اول مرة و يعيد عرشه على الماء كما كان اول مرة فعند ذلك ينادي الجبّار جل جلاله بصوت له جهوري يسمع اقطار السماوات و الأرض اين الجبّارون و ابن الملاك(الملوك)لمن الموت؟فلا يجيبه احد،فعند ذلك يقول الجبار عز و جل مجيبا لنفسه للّه الواحد القهّار انا قهرت الخلائق كلّهم و أمتهم انّي انا اللّه لا اله الا انا وحدي لا شريك لي و لا وزير و انا خلقت خلقي و امتهم بمشيئتي و انا احييهم بقدرتي قال:فينفخ الجبار نفخة في الصور يخرج الصوت من احد الطرفين الذي يلي السماوات فلا يبقى احد في السماوات الا حي و قام كما كان و تعود حملة العرش و تحضر الجنّة و النار و يحشر الخلائق للحساب قال:

فرأيت علي بن الحسين صلوات اللّه عليهما يبكي عند ذلك بكاء شديدا و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

كيف انعم و صاحب الصور قد التقمه و اصغى سمعه و احنى جبهته ينتظر حتّى يؤمر بالنفخ

ص:175

فقالوا كيا رسول اللّه و ما تأمرنا؟قال:قولوا حسبنا اللّه و نعم الوكيل و روى شيخنا الكليني تغمده اللّه برحمته في الصحيح عن يعقوب الأحمر قال دخلنا على ابي عبد اللّه عليه السّلام نعزيه باسماعيل فترحم عليه ثم قال:ان اللّه عز و جل نعى الى نبيه صلّى اللّه عليه و آله نفسه،فقال:انك ميت و انهم ميتون و كل نفس ذائقة الموت ثمّ أنشأ يحدّث فقال:انه يموت اهل الأرض حتّى لا يبقى احد ثم يموت اهل السماء حتّى لا يبقى احد الا ملك الموت و حملة العرش و جبرئيل و ميكائيل قال:فيجيء ملك الموت يقوم حتى(يقف)بين يدي اللّه عز و جل فيقول له:من بقى؟و هو اعلم فيقول:يا رب لم يبق الا ملك الموت و حملة العرش و جبرئيل و ميكائيل فيقال له:قل لجبرئيل و ميكائيل فليموتا عند ذلك يا رب رسوليك و امينيك؟فيقول:اني قد قضيت على كل نفس فيها الروح الموت ثم يجيء ملك الموت حتى يقف بين يدي اللّه عز و جل فيقال له:من بقى و هو اعلم فيقول:يا رب لم يبق الا ملك الموت و حملة العرش فيقول:قل لحملة العرش فليموتوا ثم يجيء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقول له من بقى فيقول:يا رب لم يبقى الا ملك الموت فيقول له:مت يا ملك الموت فيموت ثم يأخذ الأرض بيمينه(بشماله)و السماوات بيمينه و يقول:اين الذين كانوا يدّعون معي شريكا اين الذين كانوا يجعلون معي الها آخر؟.

و بالجملة فاذا امات تعالى فشأنه جميع اهل السماوات و الأرض بقى وحده لا شريك له في الحياة و القدرة كما كان قبل ابتداء الخلق و هاتان النفختان قد حكاهما سبحانه حيث قال: وَ مٰا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ السَّمٰاوٰاتُ مَطْوِيّٰاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحٰانَهُ وَ تَعٰالىٰ عَمّٰا يُشْرِكُونَ (67) وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّٰ مَنْ شٰاءَ اللّٰهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرىٰ فَإِذٰا هُمْ قِيٰامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهٰا وَ وُضِعَ الْكِتٰابُ وَ جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَدٰاءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لاٰ يُظْلَمُونَ (69) وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمٰا يَفْعَلُونَ .

و الصور على ما قاله المفسرون قرن ينفخ فيه اسرافيل،و النفخة الأولى التي للأهلاك تأتي الناس بغتة و هم في اسواقهم،طلب معائشهم فاذا سمعوا صوت الصور تقطّعت قلوبهم و اكبارهم من شدّته فيموتوا دفعة واحدة،فيبقى الجبار جلّ جلاله فيأمر ريحا عاصفة فتقلع الجبال من اماكنها و تلقيها في البحار و تغور مياه البحار و كلّ ما في الأرض و يسطّح الأرض كلّها للحساب فلا يبقى جبل و لا شجر و لا بحر و لا وهدة و لا تلعة فتكون ارضا بيضا حتّى انّه روي لو وضعت بيضة في المشرق رؤيت من المغرب فيبقى سبحانه على هذا الحال مقدار اربعين سنة.

فاذا اراد أن يبعث الخلق قال مولانا الصادق عليه السّلام مطر السماء على الأرض اربعين صباحا فاجتمعت الأوصال و نبتت اللحوم و يأمر اللّه تعالى ريحا حتّى تجمع التراب الّذي كان لحما

ص:176

و اختلط بعضه ببعض و تفرق في البراري و البحار و في بطون السباع فتجمعه تلك الريح في القبر، فعند ذلك يجيء اسرافيل و صوره و يأمره بالنفخة الثانية،فاذا نفخ تركّبت اللّحوم و الأعضاء، و اعيدت الأرواح الى ابدانها و انشقّت القبور فخرجوا خائفين من تلك الصيحة ينفضون التراب عن رؤوسهم.

فيجيء الى كل واحد ملكان عند خروجه من القبر يقبض كلّ واحد منهما عضدا منه فيقولان لهكاجب رب العزة فيتحير من لقائهما و يأخذ الخوف و الفزع حتّى انّه في تلك الساعة يبيض شعر رأسه و بدنه بعد ما كان اسود،و عند ذلك يكثر في الأرض الزلزال حتّى تخرج ما فيها من الأثقال و تشيب الأطفال و تضع كلّ ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب اللّه شديد.

روي انّ الأرض تزلزلت في زمن تخلف عمر بن الخطاب ففزع الناس اليه فقال:اغدوا بنا الى علي بن ابي طالب عليه السّلام فاتوا اليه و قام معهم بيده قضيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فخرج معهم الى البقيع و الأرض تزلزل فضربها بالقضيب.

و قال مالك:ايّها الأرض مالك لا تتكلمين؟فلمّا لم تتكلم قال عليه السّلام:ليست هذه تلك،فقيل له كيف هذا؟قال:انّ الأرض تزلزل عند القيامة فآتي انا اليها و انا ذلك الأنسان فأقول لها:مالك ايّتها الأرض فتحدّثني بأخبارها،و تقول ان اللّه تعالى اوحى اليّ ان اخرج ما في بطني من المعادن و الأموات و الأثقال فيومئذ يصدر الناس من الأرض متفرقين يطلبون ارض القيامة ليرون اعمالهم من خير و شر فيحشرون و هم حفاة عراة عزلا يعني بلا ختان ينظرون الى ما فوقهم من العذاب و الى ما تحت ارجلهم فاذا خرجوا من القبور بهذه الأبدان الدنيوية و أراد التوجه الى اللّه تعالى و الى عرصات القيامة فعند ذلك تتفرق احوال الناس في المضي الى عرصات القيامة و تنصب عليهم انواع العذاب او انواع الرحمة.

و قد روي ان الوحوش و البهائم يحشر يوم القيامة فتسجد للّه سجدة فتقول الملائكة ليس هذا يوم السجود هذا يوم الثواب و العقاب فتقول البهائم هذا سجود شكر حيث لم يجعلنا اللّه سبحانه من بني آدم و يقال انّ الملائكة تقول للبهائم لم يحشركم اللّه جلّ جلاله لثواب و لا عقاب و انّما حشركم لتشهدوا فضائح بني آدم،و في قوله تعالى وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ دلالة على حشرها و لكنّ الّذي ورد في احاديث اخرى انّ اللّه تعالى يحشر الوحوش و البهائم للعدل و ليقتصّ بعضها من بعض،كما قال عليه السّلام:يوم يقتص للجماء من القرناء،و ذلك انّ القرناء اذا نطحت الجمّاء أتي بها يوم القيامة فيؤخذ قرون القرناء و تعطي الجماء فتقتصّ منها.

ص:177

و كذلك جميع الحيوانات و كلّ ذي روح حتّى الذّباب يحشرها ليوصل اليها ما تستحقّه من الأعواض على الالآم التي لاقتها في الدنيا،فاذا اوصل اليها ما استحقت من الأعواض فمن قال انّ العوض دائم قال:تبقى منعمة على الأرض،و من قال تستحق العوض منقطعا قال:يديم اللّه تعالى لها تفضلا لئلا يدخل على المعوض غمّ بانقطاعه،و قال بعضهم اذا فعل اللّه بها ما استحقّته من الأعواضات صارت ترابا فلا يبقي منها الا ما فيه سرور ابني آدم و اعجاب بصورته كالطاووس و نحوه،و في بعض الأخبار انّ اللّه تعالى يخلق لها حضيرة بين الجنة و النار لمرعاها فتبقى فيه ابد الآبدين.

فاذا توجه الناس الى عرصات القيامة فمنهم من يبعث اللّه اليه ملائكة مع ناقة من نوق الجنّة فيركبها فتطير به الى الجنة و لا يرى عرصات القيامة الاّ مارّا عليها،و أكثر هؤلاء هم الفقراء و أهل الآفات في الدنيا و الصابرون على البلايا،و منهم من يمشي مع الناس الى عرصات القيامة و لكنّه يحشر بصورة الذرّ تطأه الخلائق تحت أرجلها حتّى يوافي القيامة و هؤلاء المتكبرون،امّا في المشي او في الأكل،او على قبول الحق من اهله،او على التكاليف الشرعية فلم يأتوا بها كما سبق في باب الكبر و العجب.

و منهم من يحشر أسود الوجه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحشر صاحب الظنبور يوم القيامة و هو اسود الوجه و بيده طنبور من نار و فوق رأسه سبعون ألف ملك بيد كل ملك مقدمة يضربون رأسه و وجهه،و يحشر صاحب الغناء من قبره اعمى و أخرس و أبكم،و يحشر الزاني مثل ذلك، و صاحب المزمار مثل ذلك،و صاحب الدفّ مثل ذلك و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:ما رفع أحد صوته بغناء الا بعث اللّه شيطانين على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتّى يمسك.

و منهم من يحشر تحت أظلاف الأنعام فهي تطأه بأظلافها فيموت و يحيى و هو تحت أظلافها، و هذا هو الذي منع زكاة الأنعام فتلك الأنعام التي منع زكاتها هي الّتي يحشرها اللّه تعالى حتّى تطأه بأرجلها،و اما من منع زكاة الغلاّت فيكلّفه اللّه تعالى بأن ينقل تراب تلك الأرض الى المحشر، بل في بعض الأخبار انّه يكلّف نقل ترابها من طبقات الأرض السابعة فلا يقدر عليه فتضربه الملائكة،و اما من منع زكاة النقدين فيأمر اللّه سبحانه باحضارها فتحضر و تحمى بنار جهنم فيكوى بها جبهة الّتي اعرض بها اوّلا عن الفقير،ثمّ يكوى بها جنبه الّذي أعرض به ثانيا عن مستحقها، ثمّ يكوى بها ظهره الذي هو اشد مراتب اعراضه عن الفقير و آخرها.

فاذا مشى الناس من القبور مشوا في الظلمات كقطع الليل و الملائكة تسوقهم و تنصب وراءهم سرادق من نار حتّى تسوقهم فلا يقفون،كما قال عليه السّلام:تسوقهم النار و تجمعهم الظلمة، و ذلك لأنّ الشمس و القمر يكوّر ان فيذهب نورهما و لا تبقى فيهما الا الحرارة،و تنحطّ الشمس

ص:178

عن مكانها كما اشار اليه سبحانه بقوله إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فتصير على رؤوس الخلائق حتّى تغللا حرارتها الهام و الدماغ،و لكن اللّه سبحانه يرسل الى المؤمنين غماما يظلهم من حرها.

و اما ظلمة القيامة فقد قال عليه السّلام:بشّر المشّائين في الظلمات الى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة،و ذلك انّ اللّه سبحانه يعطي المؤمن نورا يمشي به في تلك الظلمات فمنهم من يكون نوره مقدار خمسة فراسخ،و منهم الأقلّ على تفاوت مراتب اعمالهم و يكون الأقلّ منهم من نوره يرى به مواضع أقدامه فهؤلاء يقولون ربنا أتمم لنا نورنا،و في الخبر انّ مطالع هذه الأنوار هي أعضاء الوضوء كما ورد في نعوت مولانا امير المؤمنين عليه السّلام انّه قائد الغرّ المحجلية و هم المؤمنون،و تلك الأنوار يمشي بها المؤمن و اهل بيته و جيرانه كما روي انّ المؤمن ليشفع في مثل قبيلة ربيعة و مضر فيشفعه اللّه تعالى.

و قال العسكري عليه السّلام يأتي علماء شيعتنا القوّامون بضعفاء محبّينا و أهل ولايتنا يوم القيامة و الأنوار تسطع من تيجانهم،على رأس كلّ واحد منهم تاج بها قد انبثت تلك الأنوار في عرصات القيامة و دورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة،فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلّها فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه و من ظلمة الجهل قد أنقذوه و من حيرة التيه أخرجوا الاّ تعلّق بشعبة من انوارهم،فترفعهم الى العلو حتى تحاذي بهم فوق الجنان ثم تنزلهم على منازلهم المعدّة في جوار أستاديهم و معلميهم و بحضرة أئمتهم الّذين كانوا اليهم يدعون،و لا يبقي ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان الاّ عميت عينه و صمّت اذنه و أخرّس لسانه و تحول عليه اشد من لهب النيران فتحملهم حتّى تدنيهم الى الزبانية فيدعوهم الى سواء الجحيم.

و منهم من يأتي من قبره و له لسانان من نار و هو الّذي كان في الدنيا يلاقي الناس بلسان و له في غيبتهم لسان آخر،و منهم من يأتي و لسانه مخرج من قفاه و هو الّذي كان يؤذي الناس بلسانه الى غير ذلك.

و امّا ارض القيامة التي يحشرون اليها فقد قال اللّه تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ فروي عن مولانا الصادق عليه السّلام انّه تبدل خبزا نقيا يأكل منه أهل المحشر حتّى يفرغوا من الحساب،حتّى قال له ابو حنيفة يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّ الناس في عرصات القيامة في شغل عن الأكل،فقال عليه السّلام كانّ شغل أهل النار بالعذاب اشد منهم و هم يقولون لأهل الجنّة أفيضوا علينا مما أفاض اللّه عليكم فيقولون لهم انّ طعام الجنة محرّم على أهل النار فيسقون حميما و صديدا،كما قال تعالى وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغٰاثُوا بِمٰاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرٰابُ وَ سٰاءَتْ مُرْتَفَقاً و في بعض الأخبار انّ ارض القيامة جمر يتوقد فتقف عليه الخلائق و حرارة الشمس من فوق رؤوسهم.

ص:179

و في حديث الصادق عليه السّلام لأبن ابي ليلى ما تقول اذا جيء بأرض من فضة و سماوات من فضّة ثمّ أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيدك فأوقفك بين يدي ربّك و قال:انّ هذا قضي بغير ما قضيت؟فأصفّر وجه ابن ليلى،و في اخبار اخرى انّها تبدل بارض اخرى لم يكتسب عليها ذنوب، و وجه الجمع بين هذه الأخبار بوجوه:احدها انّ الأختلاف منزّل على اختلاف مراتب اهل القيامة،فالمؤمنون تكون ارض محشرهم خبزة بيضاء،و امّا الكافرون فأرض محشرهم الجمر و النار،و امّا القضاة و الفسّاق فيحشرون على ارض من فضّة محميّة بالماء تتوقد،و امّا غير هؤلاء فيحشر على ارض كهذه الأرض الاّ انّها غيرها و الكلّ يحتاج الى الخبز في عرصات القيامة لكن يكون بعضهم أهله كالمؤمنين و بعضهم أهل السؤال منهم.

و ثانيها انّه منزل على اراضي و قطعاتها فمنها جمر،و منها خبز،و منها فضّة،و كل الخلائق ترد على هذه القطعات لكنّها تكون على المؤمنين بردا و سلاما.

و ثالثها ان يكون الأختلاف محمولا على اختلاف احوالهم في القيمة،فيكون أرضهم قبل سؤالهم و ظهور فضائحهم و قبائحهم أرضا بيضاء من الخبز،و بعد ظهور اعمالهم و قبائحهم يدفعونهم الى تلك الأرض الأخرى،و بالجملة على اختلاف احوالهم و سوءها و ينبغي ان يبلغوا ارواحهم الى الموقف.

نور في موقف الناس في القيامة و بعض احوالهم

إعلم ثبتك اللّه تعالى انّ السماوات تطوى يوم القيامة كطي المكتوب فلا يبقى سماء و ينزل العرش من مكان ارتفاعه الى الأرض الّتي هي ارض القيامة،و في الأخبار انّها ظهر الكوفة، و ينزل اللّه سبحانه الجنّة من مكانها و كذا النار فتكون الجنّة و درجاتها و مراتبها اماكن السماوات و النيران مكانها موضع الأرضين السبع،فهذا في علوّ و هذا في انخفاض،و ينصب العرش وسط ارض القيامة فيستظلّ به من شاء اللّه من المؤمنين.

قال عليه السّلام:من عزيّ الثكلى أظله اللّه تعالى يوم لا ظل الا ظله،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:اذا كان يوم القيامة زيّن عرش رب العالمين بكلّ زينة ثم يؤتى بمنبرين من نور طولهما مائة ميل، فيوضع احدهما على يمين العرش و الآخر على يسار العرش ثمّ يؤتى بالحسن و الحسين عليهما السّلام فيقوم الحسن عليه السّلام عن يمين العرش و الحسين عن يسار العرش بزيّن الرب تبارك و تعالى بهما عرشه كما يزيّن المرأة قرطيها هذا حال الحسنين عليهما السّلام ذلك،اليوم و امّا ابواهما فروي الصدوق ره مسندا الى ابي سعيد الخدري قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:اذا سألتم اللّه عز و جل فاسئلوه لي الوسيلة، فسئلت النبي صلّى اللّه عليه و آله عن الوسيلة،فقال:هي درجتي في الجنّة و هي الف مرقاة ما بين المرقاة الى

ص:180

المرقاة حضر(مسير خ ل)الفرس الجواد شهرا،و هي ما بين مرة جوهر الى مرقاة زبرجد،و مرقاة ياقوت الى مرقاة ذهب الى مرقاة فضة،فيؤتى بها يوم القيامة حتّى تنصب مع درجة النبيين كالقمر بين الكواكب فلا يبقى يومئذ نبي و لا صدّيق و لا شهيد الاّ قال:طوبى لمن كانت هذه الدّرجة درجته،فيأتي النداء عند اللّه عزّ و جلّ يسمع النبيين و جميع الخلق هذه درجة محمّد صلّى اللّه عليه و آله،فأقبل أنا يومئذ متزر بربطة من نور على تاج الملك و اكليل الكرامة،و علي بن ابي طالب عليه السّلام امامي و بيده لوائي و هو لواء الحمد،مكتوب عليه لا اله الا اللّه،المفلحون هم الفائزون باللّه،و اذا مررنا بالنبيين قالوا:هذان ملكان مقرّبان لم نعرفهما و لم نرهما،و اذا مررنا بالملائكة قالوا:هذان نبيان مرسلان حتى اعلو الدرجة و علي عليه السّلام يتبعني حتّى اذا صرت في اعلى درجة منها و علي عليه السّلام أسفل مني بدرجة فلا يبقى يومئذ نبيّ و لا صدّيق و لا شهيد الاّ قال:طوبى لهذين العبدين ما أكرمهما على اللّه،فيأتي النداء من قبل اللّه عز و جل يسمع النبيين و الصدّيقين و الشهداء و المؤمنين هذا حبيبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و هذا وليّ علي عليه السّلام طوبى لمن احبه و ويل لمن أبغضه و كذب عليه.

ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:فلا يبقى يومئذ احد أحبّك يا علي الاّ استروح الى هذا الكلام و ابيضّ وجهه و فرح قلبه،و لا يبقى احد ممّن عاداك و نصب لك حربا او جحد لك حقّا الاّ اسودّ وجهه و اضطربت قدماه،فبينا انّا كذلك اذا ملكان قد اقبلا على امّا احدهما فرضوان خازن الجنّة،و امّا الآخر فمالك خازن النار،فيدنو رضوان فيقول السلام عليك يا احمد فأقول:و عليك السّلام ايّها الملك من انت؟ما احسن وجهك و اطيب ريحك؟فيقول:انا رضوان خازن الجنّة و هذه مفاتيح الجنّة بعث بها اليك رب العزّة فخذها يا أحمد،فأقول:قد قبلت ذلك من ربي فله الحمد على ما فضّلني به ادفعها الى اخي علي بن ابي طالب عليه السّلام،ثم يرجع رضوان فيدنو مالك فيقول:

السّلام عليك يا أحمد فأقول:و عليك السّلام يا ملك من انت؟فما اقبح وجهك و انكر رؤيتك؟ فيقول:انا مالك خازن النّار و هذه مقاليد النّار بعث بها اليك ربّ العزة فخذها يا احمد فأقول:قد قبلت ذلك من ربي فله الحمد على ما فضّلني به ادفعها الى اخي عليّ بن ابي طالب عليه السّلام،ثمّ يرجع مالك فيقبل علي عليه السّلام و معه مفاتيح الجنّة و مقاليد النار حتّى نقف على عجزة جهنم و قد تطاير شررها و علا زفيرها و اشتدّ حرّها و علي عليه السّلام أخذ بزمامها فيقول:جهنم جزني يا علي فقد أطفأ نورك لهبي،فيقول لها عليه السّلام قري يا جهنم خذي هذا و اتركي هذا خذي هذا عدوي و اتركي هذا وليي فلجهنم يومئذ اشد مطاوعة لعلي عليه السّلام من غلام احدكم لصاحبه فان شاء يذهبها يمينه و ان شاء يذهبها يساره،و للجنّة يومئذ اشد مطاوعة لعلي عليه السّلام فيما يأمرها به من جميع الخلائق.

ص:181

و عن حذيفة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اذا كان يوم القيامة ضرب لي عن يمين العرش قبة من ياقوتة حمراء،و ضربت لإبراهيم عليه السّلام من الجانب الآخر قبة من درّة بيضاء،و بينهما قبة من زبر جدة خضراء لعلي بن ابي طالب عليه السّلام فما ظنّكم بحبيب بين خليلين.

و في خبر آخر انّ الحسن عليه السّلام يؤتيي فيعلموا ذلك المنبر فيجلس اسفل من درجة ابيه عليهما السّلام بدرجة و كذا الحسين و باقي الأئمة عليهم السّلام كلّ اسفل بدرجة،ثمّ يؤتى بابراهيم و نوح و موسى و عيسى و آدم يجلس كلّ واحد في درجته،يكسى كلّ واحد حلّة على قدر مرتبته و درجته فيؤتى بأهل المحشر و يقفون صفوفا و عددهم مائة الف صف و عشرون الف صف،امّة محمد صلّى اللّه عليه و آله ثمانون الف صف و الباقون امم ساءر الأنبياء،فاوّل ديوان يكون يوم القيامة ديوان فاطمة الزهراء عليها السّلام مع من ظلمها في نفسها و في اولادها،و اول دم يؤخذ دم ابنها المحسن كما وردت به الروايات و ذلك الديوان اصعب هول يكون على اهل المحشر لأنّ اللّه تعالى يغضب لغضبها حتّى يخشى على الخلق كلّهم من غضب اللّه تعالى.

و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:انّ اللّه تعالى اذا بعث الأوّلين و الآخرين نادى منادي ربّنا من تحت عرشه يا معشر الخلائق غضّوا ابصاركم لتجوز فاطمة بنت محمّد سيّدة نساء العالمين على الصّراط،فيغض الخلق كلّهم ابصارهم فتجوز فاطمة على الصراط لا يبقى احد في القيامة الاّ غض بصره عنها الاّ محمد و علي و الحسن و الحسين و الطاهرون من اولادهم فانّهم محارمها،فاذا دخلت الجنة بقي مرطها ممدودا على الصّراط طرف منه بيدها و هي في الجنّة و طرف في عرصات القيامة،فينادي منادي ربنا ايّها المحبون لفاطمة تعقلّوا بأهداب مرط فاطمة سيّدة نساء العالمين،فلا يبقى محبّ لفاطمة الاّ تعلق بهدبة من اهداب مرطها حتّى يتعلق بها اكثر من الف فياء و الف فياء، قالوا:و كم فياء واحد يا رسول اللّه؟قال:الف الف و ينجي بها من النار.

و عن ابي جعفر عليه السّلام لفاطمة وقفة على باب جهنم فاذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل مؤمن او كافر،فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه الى النار فتقرأ فاطمة بين عينيه محبّا،فتقول:

الهي و سيدي سمّيتني فاطمة و فطمت بي من تولاني و تولاّ ذريّتي من النار،و وعدك الحق و انت لا تخلف الميعاد،فيقول اللّه عز و جل صدقتي يا فاطمة اني سمّيتك فاطمة و فطمت بك من احبك من النار و تولاك و أحب ذريتك و تولاهم من النار وعدي الحق و انا لا اخلف الميعاد،و انّما امرت بعبدي هذا الى النار لتشفعي فيه فأشفعك فيتبين لملائكتي و انبيائي و رسلي و أهل الموقف موقعك منّي و مكانك عندي فمن قرأت بين عينيه مؤمنا او محبّا فخذي بيده و ادخليه الجنّة.

و روي الصدوق باسناده الى النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:اذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنّة مدبجة الجنبين،خطامها من لؤلؤ رطب،قوائمها من الزمرد الأخضر ذنبها من

ص:182

المسك الأذفر،عيناها يا قوتتان حمرا و ان عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها داخلها عفو اللّه و خارجها رحمة اللّه،على رأسها تاج من نور للتاج سبعون ركنا كلّ ركن مرصّع بالدر و الياقوت يضيء كما يضيء الكواكب الدرّي في افق السماء،و عن يمينها سبعون الف ملك و جبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته غضّوا ابصاركم حتّى تجوز فاطمة بنت محمد صلّى اللّه عليه و آله،فلا يبقى يومئذ نبي و لا رسول و لا صدّيق و لا شهيد الاّ غضّوا ابصارهم حتّى تجوز فاطمة عليها السّلام،فتسير حتى تحاذي عرش ربها جلّ جلاله فترمي بنفسها على ناقتها و تقول إلهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني،اللهم احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي فاذا النداء من قبل اللّه عزّ و جلّ يا حبيبتي و بنت حبيبي سلي تعطي و اشفعي تشفعي فوعزتي و جلالي لا يتجاوز بي اليوم ظلم ظالم فتقول كالهي و سيدي ذرّيتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبّي و محبّ ذريتي فاذا النداء من قبل اللّه جلّ جلاله كاين ذرية فاطمة و شيعتها و محبوها و محبّو ذريتها؟فيقبلون و قد احاط بهم ملائكة الرحمة فتقدّمهم فاطمة حتّى تدخلهم الجنّة.

اقول و للمؤمنين شفعاء و هم الأئمة عليهم السّلام قال اللّه تعالى يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ يعني كما قال الصادق عليه السّلام:يقال يا شيعة جعفر بن محمد و يا شيعة مهدي آل محمد فتقوم شيعة كل امام و ذلك الأمام يقدمهم حتّى يدخلهم الجنة،و امّا المخالفون فانّ لهم ائمة يوردونهم موارد الهلاك كما قال تعالى و منهم أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّٰارِ و الثلاثة و من حذا حذوهم من الأمويين و العبّاسيين.

و اعلم انّ ليوم القيامة مواقف و الناس في كلّ موقف على حال من الأحوال،و في احتجاج مولانا امير المؤمنين عليه السّلام على الزّنديق الّذي ذهب الى انّ في آيات القرآن تناقضا حيث قال:لو لا ما في القرآن من الأختلاف و التناقض لدخلت في دينكم فقال عليه السّلام:و ما هو؟فعدّ من الأياب الى ان قال:و قوله يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلاٰئِكَةُ صَفًّا لاٰ يَتَكَلَّمُونَ و قوله رَبِّنٰا مٰا كُنّٰا مُشْرِكِينَ و قوله يَوْمَ الْقِيٰامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً و قوله إِنَّ ذٰلِكَ لَحَقٌّ تَخٰاصُمُ أَهْلِ النّٰارِ و قوله لاٰ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ و قوله اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلىٰ أَفْوٰاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنٰا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ و ذلك انّ ظاهر هذه الآيات التناقض فأجابه عليه السّلام بأنّ ذلك المواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين الف سنة،و المارد يكفر اهل المعاصي بعضهم ببعض و يلعن بعضهم بعضا و الكفر في هذه الآية البراءة يقول يبرأ بعضهم من بعض،و نظيرها في سورة ابراهيم،و قول الشيطان انّي كفرت بما اشركتموني من قبل.

ثمّ يجتمعون في موطن آخر يبكون فلو انّ تلك الأصولت فيها بدت لأهل الدنيا لا زالت جميع الخلق عن معائشهم و انصدعت قلوبهم الاّ ما شاء اللّه و لا يزالون يبكون حتّى يستفد

ص:183

و الدموع و يفضون الى الدماء،ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون:و اللّه ربنا ما كنّا مشركين،و هؤلاء خاصّة هم المقرون في دار الدنيا بالتوحيد فلم ينفعهم ايمانهم اللّه لمخالفتهم رسله و شكّهم فيما اتوا به عن ربه،و نقضهم عهودهم في اوصيائهم و استبدالهم الذي هو ادنى بالذي هو خير،و كذبهم اللّه فيما انتحلوه من الأيمان بقوله انظر كيف كذبوا على انفسهم،فيختم اللّه على افواههم و يستنطق الأيدي و الأرجل و الجلود فتشهد بكلّ معصية كانت منهم ثمّ يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا:انطقنا اللّه فيفر بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر و عظيم البلاء،فذلك قوله عزّ و جلّ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ وَ صٰاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ الآية.

ثم يجتمعون في موطن آخر يستنطق فيه اولياء اللّه و اصفياؤه فلا يتكلم احد الاّ من اذن له الرحمن و قال صوابا فيقام الرسل فيسألوا عن تأدية الرسالات التي حملوها الى اممهم،فاخبروا انّهم ادّوا ذلك الى اممهم و تسأل الأمّة فيجحدوا كما قال اللّه تعالى فلنسألن الذين ارسل اليهم و لنسألن المرسلين،فيقولون:ما جاءنا من بشير و لا نذير فيستشهد الرّسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيشهد بتصديق الرّسل و تكذيب من جحدها من الأمم،فيقول لكل امّة منهم بلى قد جاءكم بشير و نذير و اللّه على كل شيء قدير أي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل اليكم رسالاتهم، و لذلك قال اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و آله فكيف اذا جئنا من كل امّة بشهيد و جئنا بك على هؤلاء شهيدا، فلا يستطيعون ردّ شهادته خوفا من ان يختم اللّه على افواههم و ان تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون و يشهد على منافقي قومه و امّته و كفّارهم بالحادهم و عنادهم و نقضهم عهده و تغييرهم سنّته و اعتدائهم على اهل بيته،و انقلابهم على اعقابهم و ارتدادهم على ادبارهم و احتذائهم في ذلك سنّة من تقدّمهم من الأمم الظالمة الخائنة لأنبيائها فيقولون بأجمعهم:ربّنا غلبت علينا شقوتنا و كنّا قوما ضالّين.

ثمّ يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمّد صلّى اللّه عليه و آله و هو المقام المحمود فيثني على اللّه عزّ و جلّ بما لم يثن عليه أحد مثله،ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك الاّ اثنى عليه محمد صلّى اللّه عليه و آله ثم يصلي(يثني خ)على الأنبياء عليهم السّلام بما لم يثن عليهم احد مثله ثمّ يثني على كل مؤمن و مؤمنة يبدأ بالصّديقين و الشهداء ثمّ الصالحين فيحمده اهل السماوات و اهل الأرضين،فذلك قوله تعالى عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً فطوبى لمن كان له في ذلك اليوم حظ و نصيب و ويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ و لا نصيب.

ثم يجتمعون في موطن آخر و هذا كله قبل الحساب،فاذا اخذ في الحساب فذلك محلّ المصائب و الأهوان فهو تعالى و تقدّس يحاسب المؤمنين بالملاطفة و الرفق،و يظن كل واحد انّ اللّه

ص:184

سبحانه يحاسب و لا يحاسب غيره فهو تعالى في اللحظة الواحدة يحاسب الجمّ الفقير،و امّا غير المؤمنين فلمّا لم يكونوا قابلين لأن يكون اللّه سبحانه هو الذي يخاطبهم يأمر ملائكة بحسابهم و هم الذين لا ينظر اللّه اليهم و لا يكلمهم يوم القيامة و الويل لهؤلاء و امثالهم.

و في الحديث انّ اعرابيا جاء الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا رسول اللّه من يحاسب الخلائق غدا؟ فقال:اللّه يحاسبهم،فقال:نجونا و اللّه لأنّ الكريم اذا حاسب عفى،و الحال كما قال الأعرابي، و يؤيده ما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان في بعض الأسفار فمرّ بامرأة تخبز و معها صبيّ لها،فقيل لها انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يمرّ فجاءت و قالت يا رسول اللّه بلغني انّك قلت انّ اللّه ارحم بعبده من الوالدة بولدها أ فهو كما قيل لي؟فقال:نعم فقالت:انّ الأم لا تلقي ولدها في هذا التنور،فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال:انّ اللّه لا يعذب بالنار الاّ من أنف ان يقول لا اله الا اللّه،أقول المراد بقول لا اله الا اللّه مع شرائطها كما ورد التصريح به في الأخبار،و قال الأمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام انا من شرائطها يعني القول باني امام واجب الطاعة و لا يوجد هذا الا في هذه الفرقة الأماميّة من بين فرق الشيعة كلّها و فرق المسلمين ايضا،و من هذا قال الجواد عليه السّلام زيارة ابي الفضل من زيارة جدي ابي عبد اللّه الحسين عليه السّلام لأن جدي عليه السّلام يزوره كلّ احد و امّا ابي فلا يزوره الاّ الخالص من الشيعة، و ذلك انّ الشيعة تتفرق الفرق المختلفة حتّى تبلغ الى ملانا علي الرضا عليه السّلام فاذا بلغت اليه قالت بما عنده من الأئمة فلا يزوره اذا الاّ هذه الفرقة الاثنى عشرية الأمامية.

فاذا اخذت الملائكة في حساب الخلائق فروى الصدوق ره باسناده الى مولانا الأمام ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهما السّلام قال:اوّل ما يسأل عنه العبد اذا وقف بين يدي اللّه عز و جل عن الصلوات المفروضة و عن الزكاة المفروضة و عن الصيام المفروض و عن الحج المفروض و عن ولايتنا اهل البيت فان أقرّ بولايتنا ثم مات عليها قبلت منه صلاته و صومه و زكاته و حجّه و ان لم يقر بولايتنا بين يدي اللّه عز و جل لم يقبل اللّه شيئا من اعماله.

و روى شيخنا الكليني و غيره مسندا الى ملانا الأمام ابي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام قال:كلّ سهو في الصلاة يطرح منها غير انّ اللّه يتم بالنوافل انّ اوّل ما يحاسب به العبد الصلاة فان قبلت قبل ما سواها،و لا منافاة بين الخبرين اذا لولاية شرط لقبول كل الأعمال الصلاة و غيرها و امّا و اما الصلاة فهي شرط لقبول ما سواها من الأعمال و بعد هذا يأخذ اللّه و الملائكة في سؤال الخلائق فيقول اللّه لعبده:يا ايها الأنسان ما غرك بربك الكريم؟قال عليه السّلام:ان اللّه سبحانه علّم عباده الجواب و ذلك انّه قال في سؤاله:ما غرّك بربك الكريم و لم يقل بربّك القهار و الجبار فيقول في الجواب يا رب غرّني كرمك،و ذلك انّ العبد اذا عرف من مولاه الحمة و الكرم ربّما تجري على

ص:185

معاصيه في هذه الحالة ترى كلاّ يطلب بحقّه اما ان يكون مالا او دما او ضربا او شتما الى غير ذلك من الحقوق.

روي ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لأصحابه:أ تدرون من المفلس؟قالوا:المفلس فينا من لا درهم له و لا مال و لا متاع،قال:انّ المفلس من امتي من اتى يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة و يأتي قد شتم هذا و أكل مال هذا و سفك دم هذا و ضرب هذا فيعطي هذا من حسناته و هذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقضي ما عليه أخذ من خطاياه فطرحت عليه ثمّ يطرح في النار.

و في الرواية ان عيسى عليه السّلام دعى على قبر فأحيا اللّه تعالى من فيه،فسأله عن حاله فقال:

كنت حمّالا فحملت يوما حطبا لرجل فكسرت خلالا و خللت به اسناني فأنا مطالب به مذ مت.

و في الآثار ان رجلا فقيرا مات فلمّا رفعت جنازته بالغداة لم يفرغوا من دفنه الى العشاء لكثرة الزّحام فراي في المنام فقيل ما فعل اللّه بك؟فقال:غفر لي و احسن اليّ الكثير تلاّ انّه حاسبني حتّى طالبني بيوم كنت صائما و كنت قاعدا على حانوت صديق لي حنّاط،فلمّا كان وقت الأفطار أخذت حبّة حنطة من حانوته فكسرتها نصفين فتذكرت انّها ليست لي فألقيتها على حنطته فأخذ من حسناتي قيمة ما نقص من تلك الحبّة من الكسر في فمي.

في الأخبار انّه يؤخذ بدانق فضّة سبعمائة صلاة مقبولة فيعطاها الخصم،و روي ايضا انّه يؤخذ بيد العبد يوم القيامة على رؤوس الأشهاد،فينادي الا من كان له قبل هذا حق فليأخذه، و لا يكون اشد على اهل القيامة من ان يروا من يعرفهم مخافة ان يدعي عليه شيئا.

و في الخبر انّ رجلا اشترى لحما من قصّاب ثم اتى به و ردّه عليه،فاذا كان يوم القيامة حاسبه اللّه سبحانه على رسم اللحم الذي بقي في يده و أخذ مناته و أعطى القصّاب،و من هذا ورد في الحديث عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:درهم يردّه العبد الى الخصماء خير له من عبادة الف سنة و خير له من عتق الف رقبه و خير له من الف حجة و عمرة،و اعطاه اللّه لكل دانق ثواب نبي و بكل درهم مدينة من درّة حمراء،و قال عليه السّلام ك من ارضى الخصماء من نفسه وجبت له الجنّة بغير حساب،و يكون في الجنّة رفيق اسماعيل بن ابراهيم عليهما السّلام.

و قال عليه السّلام:انّ في الجنّة مدائن من نور و على المدائن ابواب من ذهب مكلّل بالدرّ و الياقوت،و في جوف المدائن قباب من مسك و زعفران،من نظر الى تلك المدائن يتمنى ان يكون له مدينة منها،قالوا:يا نبي اللّه لمن هذه المدائن؟قال للتائبين النادميين المرضيّين الخصماء من انفسهم،فانّ العبد اذا ردّ درهما الى الخصماء اكرمه اللّه كرامة سبعين شهيدا،و ان درهما يرده العبد الى الخصماء خير له من صيام النهار و قيام الّليل،زمن رده ناداه ملك من تحت العرش يا عبد اللّه استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك.

ص:186

و قال عليه السّلام:اشدّ ما يكون على الأنسان يوم القيامة ان يقوم اهل الخمس فيتعلقّوا بذلك الرجل،و يقولوا ربّنا انذ هذا الرجل قد اكمل خمسا و تصرف فيه و لم يدفعه الينا،فيدفع اللّه اليهم عوضه من حسنات ذلك الرجل و كذلك اهل الزكاة.

و قال عليه السّلام كلا يرفع الأنسان قدما عن قدم حتّى يسئل عن عمره فيما افناه و عن ماله من اين اكتسبه و فيما انفقه،فاذا قام سوق الحساب وضعت الموازين و نشرت الدّواوين و ذلك لأنّ الأعمال تتجسم في تلك النشأة فاذا تجسمت أمر اللّه تعالى بوزنها ليرى العاملون راجح اعمالهم و ناقصها عيانا فلا يظنون الظلم عليه تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.

روي ان رجلا من الصالحين راى في المنام فقيل ما فعل اللّه بك؟فقال:حاسبني فخفّت كفّه حسناتي فوقعت فيها صرة فثقلت كفه حسناتي،فقلت ما هذا؟فقيل كف تراب القيته في قبر مسلم فرجّح بذلك المقدار ميزاني،و روي ايضا ان رجلا وزنت حسناته و سيئاته فرجحت سيئاته فأراد الملائكة ان يأخذوه الى النار فقال اللّه تعالى:لا تأخذوه و ان له عندي عملا لا تدرون انتم فيه و هو انّه كان اذا شرب الماء صلّ على الحسين بن علي عليهما السّلام و لعن ظالميه،فيوضع في الكفّة الأخرى فيرجح على تلك السّيئات كلّها فيؤمر به الى الجنة.

و روي ان اللّه تعالى يأمر الملائكة فتزن اعمال رجل فترجح سيئاته على حسناته فيأمر اللّه تعالى به الى النار فتأخذه الملائكة فيلتفت الى ورائه فيقول له اللّه سبحانه:لم تلتفت؟فيقول ربّ ما كان ظنّي بك ان تدخلني النار،فيقول اللّه تبارك و تعالى:ملائكتي و عزتي و جلالي ما احسن الظّن بي يوما واحدا و لكن لدعواه حسن الظّن ادخلوه الجنّة.

فان قلت قد روي عن مولانا الأمام ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام انّ الموازين الّتي تنصب يوم القيامة هم الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام و هم الذين يعرفون أعمال الخلائق،فكيف وجه التّوفيق؟حتى انّ الصدوق طاب ثراه و جماعة من المحدثين ذهبوا الى انّ الموازين هم عدل اللّه تعالى و هم الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام،قلت:المؤمنون يجوز ان يكون ميزانهم هو عدل اللّه و الأنبياء فاذا قالوا لهم:هذه حسناتكم و هذه سيئاتكم و هذا ارجح من هذا لم يتّهموا اللّه تعالى و لا ملائكته الكاتبين،و اما المنافقين و الكفّار فميزان اعمالهم ميزان موجود في ارض القيامة له كفّتان فيوزن به اعمالهم لينظروا اليها بأعينهم و يعرفوا مقدار الرّاجح من المرجوح.

قال ابن بابويه تغمده اللّه برحمته:حساب الأنبياء و الرّسل و الأئمة عليهم السّلام يتولاه اللّه تعالى و يتولّى كل نبي حساب اوصيائه و يتولى الأنبياء حساب الأمم و اللّه شهيد على الأنبياء و الرسل و هم الشهداء على الأوصياء و الأئمة عليهم السّلام و هم الشهداء على الأمم و ذلك قوله تعالى ليكون الرسول عَلَيْهِمْ شَهِيداً و ما قدمناه في شأن الحساب هو المفهوم من اكثر الأخبار فاذا وزنت الأعمال

ص:187

بواحد من الميزانين وقع الأحباط و قد نفاه اكثر اصحابنا تبعا للخواجا نصير الدين الطوسي و قبل الكلام فيه لا بد من تعريفه ليتضح حقيقة الحال فنقول له ثلاث تعاريف:

اوّلها ما قاله المعتزلة من انّ معناه اسقاط الثواب المتقدم بالمعصية المتأخّرة و تكفير الذنوب المتقدمة بالطاعات المتأخرة.

و ثانيها قول ابي عليّ الجبائي من انّ المتأخر يسقط المتقدم و يبقى هو على حاله.

و ثالثها ما ذهب اليه ابو هاشم من انّ الأحباط هو الموازنة و هو ان ينتفي الأقلّ بالأكثر و ينتفي من الأكثر بالأقلّ ما ساواه و يبقى الزائد مستحقا و هذا المعنى ممّا لا ينبغي الشك في صحته كما لا ينبغي الشك في بطلان القولين لأستلزامهما الظلم على العدل تعالى عنه علوا كبيرا.

و الآيات و الأخبار دالّة عليه قال اللّه تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَرْفَعُوا أَصْوٰاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لاٰ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمٰالُكُمْ و قول الأمام عليه السّلام لأمراته هذا المكان الّذي احبط اللّه فيه حجّك العام الأوّل،و قوله عليه السّلام من قبّل غلاما بشهوة احبط اللّه منه عمل اربعين سنة الى غير ذلك من الأخبار،و قد استدلّ المتكلمون من اصحابنا رضوان اللّه عليهم بقوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ و هذا الأستدلال كما ترى و ذلك انه اذا كان الأحباط على ما قلناه يكون قد رأى العملين الخير و الشر، و ذلك انّه لو لا الشرّ لحصل نعيم الأبد من غير عذاب و لو لا الخير لخلّد في العذاب فهو قد راى خير هذا و شرّ هذا و هو ظاهر،و العجب من محققي اصحابنا رضوان اللّه عليهم كيف اتّفقوا على بطلانه مع دلالة الآيات و الأحاديث عليه و عدم منافاته للدلائل العقليّة.

فاذا وقف الناس للحساب اخذهم العطش ثمّ ينظرون فيرون حوض الكوثر و هو كما قال صلّى اللّه عليه و آله انّ عرضه ما بين مكّة و صنعاء اليمن و فيه اكواب بعدد كواكب السماء و ساقيه امير المؤمنين عليه السّلام،و له خدّام من الملائكة و الغلمان و هم الذين يسقون المؤمنين بأمره،فذا جاء المؤمن نظر الى وجهه و عرفه لأن بين عيني المؤمن مكتوب هذا مؤمن و بين عيني الكافر مكتوب هذا كافر،فان كان مؤمنا سقاه شربة لن يظمأ بعدها ابدا و ان كان مخالفا امر الملائكة فطردوه عن الحوض حتّى انّ المخالف ربّما دخل في غمار المؤمنين فتخرجه الملائكة من بينهم.

و روي ان ابن بابويه ره باسناده الى مولانا الأمام ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهما السّلام قال:قالت فاطمة عليها السّلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا ابتاه اين القاك يوم الموقف العظيم و يوم الأهوال في يوم الفزع الأكبر؟قال:يا فاطمة عند باب الجنة و معي لواء الحمد و انا الشفيع لأمتي الى ربي،قالت:

فان لم القك هناك؟قال:ألقيتني عند الحوض و انا اسقي امتي،قالت:يا ابتاه فان لم القك هناك؟قال:ألقيتني على الصراط و انا قائم أقول رب سلّم امّتي،قالت:فان لم القك هناك؟قال:

ص:188

ألقيتني على الصراط و انا قائم أقول رب سلم ربّ سلم امتي،قالت:فان لم القك هناك؟قال:

ألقيتني و انا عند الميزان اقول رب سلم امتي قالت فان لم القك هناك؟قال:القيتني على شفير جهنم أمنع شررها و لهبها عن امتي،فاستبشرت فاطمة عليها السّلام بذلك،و لا منافاة بينهما لأنّ يوم القيامة اذا كان مقداره خمسين الف سنة كان امير المؤمنين عليه السّلام يسقي مدّة و النبي صلّى اللّه عليه و آله يسقي مدذة أخرى،و ذلك لأنّ كلّ واحد منهما له اشغال متعددة و ليس شغل امير المؤمنين عليه السّلام هو الحوض وحده بل الحوض من اقلّ اشغاله و انّ مقام الشفاعة و القسمة بين الجنّة و النار و غيرها لأعظم منه.

فاذا ميّزوا اهل الجنّة من أهل النار أمر اللّه سبحانه ان يؤتى بالموت عليه السّلام فيؤتى به في صورة كبش أملح فيذبح بين الفريقين ينظر اليه اهل الجنة و اهل النار ففي ذلك الوقت لو انّ احدا مات من الهم لمات اهل النار حيث انّهم علموا انّ العذاب داءم غير منقطع،و لو انّ احدا مات فرحا لمات اهل الجنة حيث انّهم علموا انّ الخلود في الجنّة مقيم،و ذلك انّه ليس من شيء ينغص العيش و الحياة سوى الموت فاذا ارتفع ارتفعت الكدورات من الخواطر،قال الغزالي في احيائه هذا الحديث محمول على التّشبيه و المجاز و معناه انّ اهل الكبش كما انّهم ييأسون من حياته اذا ذبح فكذلك اهل الجنة و النار ييأسون من الموت عند ذلك الكبش الذي سمّي موتا،و هذا التأويل غير محتاج اليه مع امكان الحمل على الحقيقة و ذلك لأنّ الأعراض المعنوية و الحسيّة تصير في تلك النشأة اجساما و الأخبار الواردة بهذا المضمون مستفيضة بل متواترة.

روى الصدوق ره باسناده الى مولانا الأمام ابي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السّلام قال:اذا كان حيث يبعث اللّه تبارك و تعالى العباد اتى بالأيام يعرفها الخلائق السّلام باسمها و حليتها يقدمها يوم الجمعة له نور ساطع تتبعه سائر الأيام كأنها عروس كريمة ذات وقار تهدي الى ذي حلم و يسار ثم يكون يوم الجمعة شاهدا و حافظا لمن سارع الى الجمعة،ثمّ يدخل المؤمنون الى الجنة على قدر سبقهم الى الجمعة.

و روى شيخنا الكليني باسناده الى سعد الخفاف عنه عليه السّلام انّه قال:يا سعد تعلّموا القرآن فانّ القرآن يأتي يوم القيامة في احسن صورة نظر اليها الخلق و الناس صفوف عشرون و مائة الف صف ثمانون الف صف من امة محمد صلّى اللّه عليه و آله،و اربعون الف صف من سائر الأمم،فيأتي على صف المسلمين في صورة رجل فيسلّم فينظرون اليه ثم يقولون لا اله الا اللّه الحليم الكريم انّ هذا الرجل من المسلمين نعرفه بصفته غير انّه كان اشد اجتهادا منّا في القرآن فمن هناك أعطى من البهاء و الجمال و النور ما لم نعطه،ثمّ يتجاوز حتى يأتي على صف الشهداء فينظر اليه الشهداء ثم يقولون:لا اله الا اللّه الرّحيم انّ هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسمته و صفته غير انّه من شهداء البحر فمن هناك اعطى من البهاء و الفضل ما لم نعطه قال:فيتجاوز حتّى على صف شهداء البحر

ص:189

في صورة شهيد فينظره شهداء البحر و يكثر تعجبهم و يقولون انّ هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته و صفته غير انّ الجزيرة التي اصيب فيها كانت اعظم هولا من الجزيرة التي اصبنا فيها فمن هناك ينظر النبيّون و المرسلون اليه فيشتدّ لذلك تعجّبهم و يقولون:لا اله الا اللّه الحليم الكريم انّ هذا النبيّ مرسل نعرفه بسمته و صفته غير انّه أعطى فضلا كثيرا،قال:فيجتمعون فيأتون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيسألونه و يقولون:يا محمّد من هذا؟فيقول لهم أو ما تعرفونه؟هذا ممّن لا يغضب اللّه عزّ و جلّ عليه،فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:هذا حجة اللّه على خلقه،فيسلّم ثمّ يجاوز حتّى يأتي صف الملائكة في صورة ملك مقرّب فينظر اليه الملائكة فيشتدّ تعجبهم و يكبر ذلك عليهم لما رأوا من فضله و يقولون:تعالى ربنا و تقدّس هذا العبد من الملائكة نعرفه بسمته و صفته غير انّه كان اقرب الملائكة الى اللّه عز و جل مقاما فمن هناك ألبس من النور و الجمال ما لم نلبس،ثمّ يجاوز حتّى ينتهي الى رب العزّة تبارك و تعالى فيخر تحت العرش فيناديه تبارك و تعالى يا حجتي في الأرض و كلامي الصّادق النّاطق ارفع رأسك و سل تعط و اشفع تشفع فيرفع رأسه فيقول اللّه تبارك و تعالى كيف رأيت عبادي فيقول:يا رب منهم من صانني و حافظ عليّ و لم يضيّع شيئا،و منهم من ضيعني و استخف بحقي و كذّب بي و انا حجّتك على جميع خلقك،فيقول اللّه تبارك و تعالى و عزّتي و جلالي و ارتفاع مكاني لأثيبن عليك اليوم أحسن الثواب و لأعاقبنّ عليك اليوم اليم العقاب.

قال:فيرجع القرآن رأسه في صورة اخرى قال:فقلت له يا ابا جعفر في ايّ صورة يرجع؟قال:في صورة رجل شاحب متغيّر يبصره اهل الجمع،فيأتي الرجل من شيعتنا الّذي كان يعرفه و يجادل به أهل الخلاف فيقوم بين يديه فيقول ما تعرفني؟فينظر اليه الرجل فيقول لا أعرفك يا عبد اللّه،قال:فيرجع في صورته التي كان عليها في الخلق الأول فيقول ما تعرفني؟فيقول:نعم فيقول القرآن انا الّذي اسهرت ليلك و اتعبت عينيك و سمعك الا و ان كل تاجر قد استوفى تجارته و انا وراك اليوم،قال فينطلق به الى رب العزة تبارك و تعالى فيقول:يا رب عبدك و انت اعلم به قد كان مواظبا عليّ يعادى بسببي و يحبّ فيّ و يبغض فيقول اللّه عزّ و جلّ ادخلوا عبدي جنذتي و اكسوه حلّة من حلال الجنّة و توّجوه تياجا،فاذا فعل به ذلك عرض على القرآن فيقال له:هل رضيت بما صنع بوليّك؟فيقول:يا ربّ انّي استقل هذا فزده مزيد الخير كلّه فيقول و عزّتي و جلالي و علوي و ارتفاع مكاني لأنحلنّ له اليوم خمسة اشياء مع المزيد له و لمن كان بمنزلته الا انهم شباب لا يهرمون و اصحاء لا يسقمون و اغنياء لا يفتقرون و فرحون لا يحزنون و احياء لا يموتون،ثمّ تلا هذه الآية لا يذوقون فيها الموت الاّ الموتة الأولى قال:قلت جعلت فداك يا ابا جعفر و هل يتكلّم القرآن؟ قال:فتبسم ثم قال:رحم اللّه الضعفاء من شيعتنا انّهم اهل تسليم،ثمّ قال:نعم يا سعد و الصلاة تتكلم و لها صورة و خلق تأمر و تنهى،قال سعد:فيتغير لذلك لوني و قلت:هذا شيء لا استطيع

ص:190

التكلم به في الناس فقال ابو جعفر عليه السّلام:و هل الناس الا شيعتنا فمن لم يعرف الصلاة فقد انكر حقنا،ثم قال:يا سعد اسمعك كلام القرآن؟قال سعد:فقلت بلى صلّى اللّه عليك فقال:ان الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و لذكر اللّه اكبر،فالنهى كلام الفحشاء و المنكر رجال و نحن ذكر اللّه و الأخبار الواردة بهذا المضمون اكثر من ان تنكر.

و من اهوال الناس في عرصات القيامة ما رواه الصدوق ره باسناده الى مولانا الأمام ابي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السّلام قال:لمّا نزلت هذه الآية و جيء يومئذ بجهنم سئل عن ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:اخبرني الروح الأمين انّ اللّه لا اله الا غيره اذا جمع الأوّلين و الآخرين اتّى بجهنم تقاد بألف زمام آخذ بكلّ زمام مائة الف ملك من الغلاظ الشداد،لها حدة(هدة)و تغيظ و زفير و انها لتزفر الزّفرة فلولا ان اللّه عزّ و جلّ أخرهم الى الحساب لأهلكت الجمع ثم يخرج منها عنق يحيط بالخلائق بالبر منهم و الفاجر فما خلق اللّه عز و جل عبدا من عباده ملكا و لا نبيا الاّ نادى رب نفسي نفسي و انت يا نبي اللّه تنادي امّتي امّتي،ثمّ يوضع عليها صراط ادقّ من حدّ السيف عليه ثلاث قناطر،امّا الأولى فعليها الأمانة و الرّحم و امّا الأخرى فعليها الصلاة،و امّا الأخرى فعليها عدل رب العالمين لا اله غيره فيكلّفون الممر عليه فيحبسهم الرّحم و الأمانة فان نجوا منها حبسهم الصلاة فان نجوا منها كان المنتهى الى ربّ العالمين جلّ و عزّ و هو قوله تبارك و تعالى انّ ربّك لبالمرصاد،و الناس على الصراط فمتعلق قدم يزل و قدم يستمسك و الملائكة حولهم ينادون يا حليم اغفر و اصفح و عد بفضلك و سلم،و الناس يتهافتون فيها كالفراش فاذا نجى ناج برحمة اللّه تعالى نظر اليها فقال:الحمد للّه الذي نجّاني منك بعد يأس بمنّة و فضله انّ ربنا لغفور شكور.

و قال الصادق عليه السّلام الناس يمرّون على الصراط طبقات و الصراط ادقّ من الشعر واحد من السيف فمنهم من يمرّ مثل البرق و منهم من يمر مثل عدو الفرس و منهم من يمرّ حبوا و منهم و منهم من يمرّ مشيا و منهم من يمرّ متعلقا قد تأخذ النار منه شيئا و تترك شيئا.

و من الأهوال ان اللّه تعالى يحتجّ على الخلائق يوكّل بشكله روي عن عبد الأعلى مولى آل سام قال:سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:يؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة الّتي قد افتنت في حسنها فتقول:يا رب قد حسّنت خلقي حتّى لقيت ما لقيت فيجاء بمريم فيقال:انت احسن ام هذه قد حسّنتها فلم تفتتن،و يجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه فيقول:يا رب قد حسّنت خلقي حتّى لقيت من الناس ما لقيت فيجاء بيوسف عليه السّلام فيقال له:انت احسن ام هذا قد حسنّاه فلم يفتتن فيجاء بصاحب البلاء الذي قد اصابته الفتنة في بلائه فيقول:يا رب قد شددت على البلاء حتى افتتنت فيؤتى بايوب عليه السّلام فيقال له:ابتليتك اشد ام بليّة هذا قد ابتلي فلم يفتتن.

ص:191

و من الأهوال و الحسرات يوم القيامة ما روي انّه قال عليه السّلام انّ من اشدّ الحسرة يوم القيامة ان يرى الأنسان عمله بميزان غيره و ذلك انّ الرجل يكسب مالا و يتعب في تحصيله و لا يخرج منه الواجب و لا ينفقه في سبيل اللّه و يموت فيتركه لوارثه فيعمل فيه ذلك الوارث المصالح و الخيرات فيجعل يوم القيامة في ميزان عمله و يجيء صاحب المال الأوّل فيرى ثواب ماله لغيره فيا لها من حسرة و ندامة ذلك الوقت.

و اعلم انّ اللّه سبحانه و تعالى قد يعفو عن حقوقه بل قد يرضى الناس حتّى يسقطوا حقهم، روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى مولانا الأمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السّلام قال:كان في بني اسرائيل رجل ينبش القبور فاعتل جار له فخاف الموت فبعث الى النباش فقال:كيف جواري لك؟قال:احسن جوار قال:فانّ لي اليك حاجة قال:قضيت حاجتك،قال:فاخرج الي كفنين فقال:احب ان تأخذ احبّهما اليك و اذا دفنت فلا تنبشني،فامتنع النباش من ذلك و ابى ان يأخذه فقال:احب ان تأخذه فلم يزل به حتّى اخذ احبهما اليه و مات الرجل فلمّا دفن قال النباش:هذا قد دفن فما علمه بأني تركت كفنه او اخذته لأخذنّه،فأتى قبره فنبشه فسمع صائحا يقول و يصيح به لا تفعل ففزع النبّاش من ذلك فتركه و ترك ما كان عليه،و قال لوالده أي اب كنت لكم؟قالوا:

نعم الأب كنت لنا،قال:فانّ لي اليكم حاجة قالوا:قل ما شئت فانّا سنصير اليه ان شاء اللّه تعالى، قال:فأحب اذا أنا مت انّ تأخذوني فتحرقوني بالنار فاذا صرت رمادا فدقوني ثم تعمدوا بي ريحا عاصفة فذروا نصفي في البر و نصفي في البحر،قالوا:فلمّا مات فعل به ولده ما أوصاهم به فلمّا ذرّوه قال اللّه جل جلاله للبرّ اجمع ما فيك و قال للبحر اجمع ما فيك فاذا الرجل قائم بين يدي اللّه تعالى فقال له عزّ و جلّ ما حملك على ما أوصيت به ولدك ان يفعلوه بك؟قال:حملني على ذلك و عزّتك خوفك،فقال اللّه جلّ جلاله فانّي سأرضى خصومك و قد امنت خوفك و غفرت لك.

و في خبر آخر عن الصادق عليه السّلام انّ المؤمن اكرم على اللّه من ان يقوم في الليلة الباردة للصلاة و يقوم في الوقت الحار ثم يدفعه يوم القيامة الى خصومه و لكن اللّه سبحانه يرضي خصومه و يعوضهم عنه؟

و كل عمل من الأعمال يدفع هولا من اهوال يوم القيامة روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى عبد الرحمن بن سمرة قال:كنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما فقال:اني رأيت البارحة عجائب، قال:فقلنا يا رسول اللّه و ما رأيت حدّثنا به فداؤك انفسنا و اولادنا و اهلونا فقال:رأيت رجلا من امّتي قد اتاه ملك الموت لقبض روحه فجاءه برّه بوالديه فمنعه بره منه و رأيت رجلا من امّتي قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوئه فمنعه منه و رأيت رجلا من امّتي قد احتوشته الشياطين

ص:192

فجاءه ذكر اللّه عز و جل فنجّاه من بينهم،و رأيت رجلا من امتي احتوشته ملائكة العذاب فجائه صلاته فمنعه منهم،و رأيت رجلا من امّتي و النبيون حلقا حلقا كلّما أتى حلقة طرد فجاءه اغتساله من الجنابة و اخذ بيده فأجلسه الى جنبي و رأيت رجلا من امّتي بين يديه ظلمة و من خلفه ظلمة و عن يمينه ظلمة و عن شماله ظلمة و مت تخته ظلمة مستنقعا في الظلمة فجاءه حجّه و عمرته فأخرجاه من الظلمة و ادخلاه النور.

و رأيت رجلا من امتي يكلّم المؤمنين فلا يكلموه فجاءه صلته للرحم فقالت:يا معشر المؤمنين كلّموه فانّه كان واصلا لرحمه فكلّمه المؤمنون و صافحوه و كان معهم و رأيت رجلا من امّتي يتقي و هج النيران و شررها بيده و وجهه فجاءته صدقته فكانت ظلا على رأسه و سترا على وجهه،و رأيت رجلا من امتي قد اخذته الزّبانية من كل مكان فجاءه امره بالمعروف و نهيه عن المنكر فخلصاه من بينهم و جعلاه مع ملائكة الرحمة،و رأيت رجلا من امتي جاثيا على ركبتيه بينه و بين رحمة اللّه حجاب فجاءه حسن خلقه فاخذه بيده فادخله في رحمة اللّه،و رأيت رجلا من امّتي قد هوت صحيفته قبل شماله فجاءه خوفه من اللّه فاخذ صحيفته فجعلها في يمينه،و رأيت رجلا من امتي قد خفّت موازينه فجاءه افراطه فثقّلوا موازينه،و رأيت رجلا من امّتي قائما على شفسر جهنم فجاءه رجاءه من اللّه عز و جل فاستنقذه من ذلك،و رأيت رجلا من امتي قد هوى في النار فجاءت دموعه التي بكى من خشية اللّه فاستخرجه من ذلك،و رأيت رجلا من امتي على الصراط يرتعد كما يرتعد السعفة في يوم ريح عاصف فجاءه حسن ظنه باللّه فسكن رعدته و مضى على الصراط،و رأيت رجلا من امتي على الصراط يزحف احيانا و يحبوا احيانا و يتعلق احيانا فجاءته صلاته عليّ و اقامته على قدميه و مضى على الصراط،و رأيت رجلا من امتي انتهى الى ابواب الجنة كلّما انتهى الى باب غلق دونه فجاءته شهادة ان لا اله الا اللّه صادقا ففتحت له الأبواب و دخل الجنة.

و في كتاب المجالس عن الأمام ابي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السّلام قال:اذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأوّلين و الآخرين في صعيد واحد فتغشاهم ظلمة شديدة فيصيحون الى ربهم فيقولون:يا رب اكشف عنّا هذه الظلمة،قال:فيقبل قوم يمشي النور بين ايديهم قد اضاء يوم القيامة فيقول اهل الجمع هؤلاء انبياء اللّه فيجيء النداء من عند اللّه ما هؤلاء انبياء،فيقول اهل الجمع هؤلاء ملائكة فيجيئهم النداء من عند اللّه ما هؤلاء ملائكة،فيقول اهل الجمع هؤلاء شهداء،فيجيئهم النداء من عند اللّه ما هؤلاء بشهداء فيقولون من هم؟فيجيئهم النداء يا اهل الجمع سلوهم من انتم فيقول اهل الجمع من انتم فيقولون:نحن العلويّون نحن ذرية محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

ص:193

نحن اولاد علي و لي اللّه عليه السّلام نحن المخصوصون بكرامة اللّه و نحن الآمنون المطمئنون فيجيئهم النداء من عند اللّه عز و جل اشفعوا في محبيكم و اهل مودتكم و شيعتكم،فيشفعون فيشفّعون.

اقول ينبغي ان يراد بالعلويين هنا غير الأئمة عليهم السّلام في ذلك اليوم لا يجهلهم احد من الأوّلين و الآخرين لأنّ مقامات القيامة من الشفاعة و الحوض و الجنة و النار كلّه اليهم كما قال مولانا الصادق عليه السّلام انّ الينا إباب هذا الخلق و انّ علينا حسابهم و اذا كان يوم القيامة مشينا الى اللّه تعالى باقدامنا حتّى نشفع في شيعتنا و محبينا فلا يدخل النار منهم احد،و حينئذ فالمراد بالعلويين هنا صلحاء السادة الذين ورد في شأنهم انّ النظر اليهم عبادة.

و روى الصدوق باسناده الى ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الذي بعثني بالحق بشيرا و نذيرا لا يعذب اللّه بالنار موحّدا ابدا و انّ اهل التوحيد ليفعون ثمّ قال عليه السّلام:انّه اذا كان يوم القيامة أمر اللّه تبارك و تعالى بقوم سائت اعمالهم في دار الدنيا الى النار فيقولون:يا ربنا كيف تدخلنا النار و قد كنّا نوحدك في دار الدنيا و كيف تحرق النار ألسنتنا و قد نطقت بتوحيدك فغي دار الدنيا؟و كيف تحرق قلوبنا و قد عقدت على لا اله الا اللّه انت ام كيف تحرق وجوهنا و قد عفرناها لك في التراب؟ام كيف تحرق ايدينا و قد رفعناها بالدعاء اليك؟فيقول جلّ جلاله عبادي سائت اعمالكم في الدنيا فجزاؤكم نار جهنم فيقولون:يا ربنا عفوك اعظم ام خطيئتنا؟فيقول عز و جل بل عفوي فيقولون:رحمتك اوسع ام ذنوبنا؟فيقول عز و جل:بل رحمتي،فيقولون اقرارنا بتوحيدك اعظم ام ذنوبنا فيقول عز و جل:بل اقراركم بتوحيدي اعظم فيقولون:يا ربنا فليسعنا رحمتك و عفوك التي وسعت كل شيء فيقول اللّه جل جلاله:يا ملائكتي و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا احب اليّ من المقرّين لي بتوحيدي و ان لا اله غيري و حقّ عليّ ان لا اعذب اهل توحيدي ادخلوا عبادي الجنة اقول قد عرفت ان المراد بالتوحيد النافع ما يكون مقرونا بشرائطه مع انّ غير هذه الفرقة المحقّة كلّهم مشركون كما وردت به الأخبار و ذلك انّ من جعل بدل الأمام الذي نصّبه اللّه تعالى اماما فقد جعل نفسه و امامه شريكين له سبحانه لأنّ الشرك اخفي في هذه الأمة من دبيب النمل في الليلة السوداء على الصخرة السوداء و هذه كلها من افراد الشرك و تنافي التوحيد منافاة ظاهرة كما لا يخفى.

فاذا ساقوا الخلائق الى العبور على جسر جهنم و هو الصراط المستقيم فهناك الويل و الثبور نعم الذي يسكن القلوب انّ الأخبار قد استفاضت في انّ امير المؤمنين و اولاده المعصومين عليهم السّلام بل و النبي صلّى اللّه عليه و آله واقفون هناك و علي عليه السّلام يقسم بين الجنة و النار يقول يا نار هذا لي و هذا لك فان كان مؤمنا مضى كالبرق الخاطف و ان كان مخالفا سقط في جهنم،لكن لذلك الصراط عقبات و مواقف فمنهم من يسقط من عقبة الصلاة و منهم من يسقط من عقبة الزكاة و منهم من يسقط من عقبة

ص:194

الصوم و منهم من يسقط من عقبة الحجّ و منهم من يسقط من عقبة الولاية و منهم من يسقط من عقبة التوحيد و منهم من يسقط من عقبة هذه الرسالة الى غير ذلك من العقبات.

و روى المفضل قال:سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الصراط فقال:هو الطريق الى معرفة اللّه عز و جل و هما صراطان صراط الدنيا و صراط الآخرة،فامّا الصراط الذي في الدنيا فهو الأمام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنّم في الآخرة و من لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه على الصراط في الآخرة فتردى في جهنّم.

و هذا الصراط الّذي وصفه النبي صلّى اللّه عليه و آله بانّه ادق من الشعر و أحدّ من السيف و عليه القناطر التي تقدمت مع غيرها حتّى ينتهون الى المرصاد و هي قنطرة مظالم العباد،قال مولانا امير المؤمنين عليه السّلام لا يجوزها عبد بمظلمة عبد حتّى ينتصف للمظلوم من الظالم.

و في الحديث انّ الناس يقفون عليها ثمانين سنة حتّى يلجمهم العرق فينادي مناد من اللّه عزّ و جلّ ايّها الخلائق و قد وهبتكم حقوقي فهبوا حقوق بعضكم بعضا حتّى تدخلوا الجنّة و يقول لرضوان:افتح لهم منازلهم في الجنّة حتّى يروها فيفتح لهم حتّى يرى الجنّة كلّ انسان مكانه في الجنّة فيشتاقون اليها و يعبرون الصراط فمن عبر الصراط لو نام اربعين سنة استراحة ممّا عاين من نصب المحشر لكان قليلا فاذا اتوا الى رضوان و هو جالس على باب الجنّة و معه سبعون الف ملك مع كلّ ملك سبعون الف ملك فينظر اليهم و هم في اقبح صورة من سواد البدن و طول الشعور و كونهم عزلا بلا ختان فيقول لهم:كيف تدخلون الجنة و تعانقون الحور العين على هذه الهيئة فيأمر جماعة من الملائكة الواقفين امامه فيذهبون بالمؤمنين الى عين ماء عند جدار الجنّة و هي عين الحياة فاذا اغتسلوا فيها صار وجه كلّ واحد منهم كالبدر في تمامه،و تسقط شعورهم و غلفهم تبيّض قلوبهم من النّفاق و الحسد و الكذب و الغوائل و الأوصاف الذميمة حتى لا يتحاسدوا في الجنّة بعلو الدرجات و التفاوت في المراتب،فيصير كل واحد منهم بصورة ابن اربع عشرة سنة و يعطي حسن يوسف و صوت داود و صبر ايّوب.

فاذا اتوا الى باب الجنة وجدوا على بابها حافة تطن عند كلّ من يدخلها و تقول في طنينها يا علي لكنّها تطن عند كل داخل بطنين خاص ليس كالطنين الآخر فيعرف بذلك الطّنين اهل المؤمن في منازله و خدمه و حور العين انّ هذا فلان فيأتون لأستقباله.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام انا ادخل امامك الجنّة او انت تدخل امامي؟فقال اللّه و رسوله أعلم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:بل انت تدخل لأنّ معك لوائي يوم القيامة و صاحب اللواء يدخل قبل،و قال عليه السّلام:انّ اللّه يحشر يوم القيامة تحت لوائي علي بن ابي طالب عليه السّلام آدم فمن

ص:195

دونه،و حيث انتهينا الى باب الجنة فلنرجع الى كيفية ما في النار من العذاب و الأهوال و اللّه سبحانه اعلم بحقيقة الحلال.

نور يكشف عن النار و ما فيها من العذاب

اعلم ثبّتك اللّه و وفّقك انّ قعر جهنّم كما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليلة المعراج قال:لمّا ركبت البراق و سرت سمعت خلفي هدّة عظيمة تخيّلت انّ اطباق السماوات وقعت على الأرض فقلت لجبرئيل عليه السّلام:ما هذا الصوت الهائل؟فقال:انّه كان على شفير جهنّم صخرة عظيمة و قد امرت ان ادفعها في جهنّم فدفعتها بجناحيّ قبل هذا اليوم بسبعين عاما حتّى وصلت هذه السّاعة الى قعر جهنّم،و فيها من الأفاعي و العقارب ما لا يعلمه الاّ اللّه تعالى.

روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:اذا كان يوم القيامة تخرج من جهنّم حية اسمها حريش رأسها في السماء السّابعة و ذنبها تحت الأرض السفلي و فمها من المشرق الى المغرب و هي تنادي بأعلى صوتها اين من حارب اللّه و رسوله؟فعند ذلك يقول جبرئيل من تطلبين يا حريش؟فتقول:اطلب خمسة نفر:اوّلهم تارك الصلاة،و الثاني مانع الزكاة و الثالث شارب الخمر و الرابع آكل الربا و الخامس قوم يتحدّثون في المساجد بحديث الدنيا،و قال عليه السّلام:انّ جهنّم عقارب كالبغال المعلفة يلسعن احدهم فيجد حموتها (1)اربعين خريفا.

و في تفسير قوله تعالى و قال الشيطان لمّا قضي الأمر انّ اللّه وعدكم وعد الحقّ و وعدتكم فاخلفتم و ما كان لي عليكم من سلطان الاّ ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني و لوموا انفسكم ما انا بمصرخكم و ما انتم بمصرخي انّي كفرت بما اشركتموني من قبل.

روي انّه اذا قضي الأمر و هو ان يدخل اهل الجنّة جنّتهم و اهل النار نارهم وضع للشيطان منبر في وسط النار فيرقا و بيده عصاة من نار فيجتمع الكفار عليه بالملامة فيقول لهم:انّ اللّه تعالى ارسل اليكم مائة الف نبي و اربعة و عشرين الف نبي فدعوكم الى الجنة و وعده الحق فلم تقبلوا و انا دعوتكم الى هذه النار و منيتكم بالأباطيل فقبلتم كلامي فلا تلوموني بل الملامة عليكم،لأنّي لم يكن لي عليكم سلطان بالجبر بل قبلتم كلامي بمجرد الدعوة فلستم بمصرخيّ،أي لا تقدرون اغاثتي و اعانتي و انا لا اقدر على اغاثتكم و اعانتكم.

و روي عن الصادق عليه السّلام قال:اذا استقر اهل النار في النار يفقدونكم فلا يرون منكم احدا فيقول بعضهم لبعضكما لنا نرى رجالا كنّا نعدّهم من الأشرار أتخذناهم سخريا ام زاغت عنهم

ص:196


1- (21) حموة الالم:سورته.

الأبصار قال:و ذلك قول اللّه عز و جل انّ ذلك لحق تخاصم اهل النار يتخاصمون فيكم فيما كانوا يقولون في الدنيا.

و روي عنه عليه السّلام انّه قال له رجل خوّفني يا ابن رسول اللّه فانّ قلبي قد قسى،فقال:استعد في الحياة الطويلة فانّ جبرئيل جاء الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو قاطب و قد كان قبل ذلك يجيء و هو متبسم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا جبرئيل جئتني اليوم قاطبا فقال:يا محمد قد وضعت منافخ النار، قال:و ما منافخ النار يا جبرئيل؟فقال:يا محمد انّ اللّه عز و جل امر النار فنفخ فيها الف عام حتى حتى ابيضت،ثم نفخ عليها الف عام حتى احمّرت،ثم نفخ عليها الف عام حتّى اسودت فهي سوداء مظلمة،لو انّ قطرة من الضريع قطرت في شراب اهل الدنيا لمات اهلها من نتنها،و في جهنم واد يسمّى الفلق يوقد عليها الف سنة لم يتنفس فاذا تنفس احرق جميع النيران.

فان قلت ما وجه الجمع بين هذين الخبرين و ذلك انّ ظاهر قوله يفقدونكم فلا يرون منكم احدا ان لنار القيامة ضوءا مثل هذه النّيران و ظاهر الحديث الثاني انّها مظلمة ليس لها ضوء و يؤيده ما روي من انّ حطبها حجارة الكبريت فهي سواد فس سواد.

قلت قد روي انّ النار طبقات متعددة فلعل لكل طبقة منها حكم خاص من النور او الظلمة،روي عن مولانا الأمام ابي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام انّ اللّه جعل للنار سبع درجات،اعلاها الجحيم يقوم اهلها على الصفا منها تغلي ادمغتهم فيها كغلي القدور بما فيها.

و الثانية لظى نزّاعة للشوى تدعو من ادبر و تولى و جمع فأوعى،و الثالثة سقر لا تبقي و لا تذر لوّاحة للبشر عليها تسعة عشر،و الرابعة الحطمة و منها يثور شرر كالقصر كأنّها جمالات صفر تدقّ من صار اليها كاكحل فلا يموت الرّوح كلّما صار مثل الكحل عاد.

و الخامسة الهاوية يدعون اهلها يا مالك:أغثنا فاذا اغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار فيها صديد ماء يسيل من جلودهم كأنّه مهل،فاذا اتوه ليشربوا منه تساقط لحم وجوههم من شدّة حرّها و هو قول اللّه تعالى وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغٰاثُوا بِمٰاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرٰابُ وَ سٰاءَتْ مُرْتَفَقاً ،و من هوى فيها هوى سبعين عاما في النار كلّما احترق جلده بدّل جلدا غيره.

و السادسة هي السعير فيها ثلاثمائة سرادق من نار في كل سرادق ثلاثمائة قصر من نار كلّ قصر ثلاثمائة بيت من نار في كلّ بيت ثلاثمائة لون من العذاب من غير عذاب النار فيها حيّات من نار و عقارب و جوامع من نار و سلاسل من نار و اغلال من نار و هو الذي يقول اللّه إِنّٰا أَعْتَدْنٰا لِلْكٰافِرِينَ سَلاٰسِلَ وَ أَغْلاٰلاً وَ سَعِيراً .

و السابعة جهنم و فيها الفلق و هو جب في جهنم اذا فتح اسعر النار سعرا و هو اشد النار عذابا،و اما صعود فجبل من صفر من نار وسط جهنّم،و عن مولانا زين العابدين عليه السّلام انّ النيران

ص:197

بعضها فوق بعض فأسفلها جهنّم و فوقها لظى،و فوقها الحطمة،و فوقها سقر و فوقها الجحيم و فوقها السعير و فوقها الهاوية و يجوز ان يكون التفقد باعتبار الأصوات فانّه قد روى الصدوق عن الباقر عليه السّلام انّ اهل النار يتعاوون فيها كما تتعاوى الكلاب و الذئاب ممّا يلقون من عذاب اليم ما ظنّك بقوم لا يقضي عليهم فيموتوا و لا يخفف عنهم من عذابها من شيء،عطاش فيها جياع كليلة ابصارهم بكم عمي مسوّدة وجوههم خاسئين فيها نادمين مغصوب عليهم فلا يرحمون و من العذاب لا يخفف عنهم و في النار يسجرون و من الحميم يشربون و من الزقوم يأكلون و بكلاليب النار يحطمون و بالمقامع يضربون و الملائكة الغلاظ الشّداد لا يرحمون فهم في النار يسجرون و على وجوههم يسحبون،و مع الشّياطين يقرنون و في الأنكال و الأغلال يصفدون ان دعوا لم يستجب لهم و ان سألوا حاجة لم تقض لهم هذا حال من دخل النار.

و بالجملة فالمخالفون اذا استقروا في النار اصوات الشيعة لمعرفتهم بها في الدنيا فلا يرونهم و يجوز ان يكون التّفقد في حال البرق فانذ نار جهنم فيها ظلمات و رعد و برق و قد جاء به المثل القرآني في قوله تعالى أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمٰاءِ فِيهِ ظُلُمٰاتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ على ما قيل ،و روي في تفسير قوله تعالى إِنّٰا جَعَلْنٰا فِي أَعْنٰاقِهِمْ أَغْلاٰلاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقٰانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَ جَعَلْنٰا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنٰاهُمْ فَهُمْ لاٰ يُبْصِرُونَ انّ الأغلال انما جعلت في اعناقهم لترسب بهم في النار،و ذلك انّ لهب النّار من شدته يرفعهم الى فوق فاحتاجوا الى الأغلال الحديد لثقلهم حتّى لا يطير بهم اللهب.

و اما السد فروي ايضا انّه يجعل بين ايديهم سدا و من خلفهم سدا من حديد النار و كذلك من سائر جوانبهم و يضيّق المكان عليهم بالسد حتى لا يسع احدهم الجلوس الاّ محتبيا و هم عميان و النار معهم في ذلك المكان الضيق،و حينئذ فيكون تفقد مثل هؤلاء المؤمنين انّما هو في حال ابتداء سقوطهم الى جهنّم و هذه الأحوال الأخر انّما تعرض لهم على طول المدة فهذا وجه جمع آخر لتلك الأخبار.

و اعلم انّ النار طبقات و تتفتوت مراتب شدّتها و عذابها باعمال الداخلين اليها قال الصادق عليه السّلام انّ النّواويس و هي طبقة من طبقات النيران شكت الى اللّه عز و جل شدّة حرها فقال لها عز و جل اسكني فانّ مواضع القضاة اشدّ حرا منك،اقول و هذه النار على ما فيها من الألم قد جعل اللّه تعالى لها ما يطفيها.

روي ان الرجل اذا ذكر ذنبه و بكى من خشية اللّه تبادرت الملائكة تختطف تلك الدمعات و تجعلها في قدح من نور و يختم بخاتم من مسك فاذا كان يوم القيامة و حوسب صاحبها و زادت سيّآته على حسناته فيذهب به الى النار،فاذا ارادوا ان يلقوه فيها قال اللّه تعالى:لا تعجلوا على

ص:198

عبدي فانّ له عندي وديعة فيؤمر بان يؤتى بتلك الدمعات فتنصب على النّار فتطفي بحورا من النيران و قال عليه السّلام كلّ شيء له وكيل او وزن يوم القيامة الا البكاء من خشية اللّه تعالى فانّ القطرة منه تطفي بحارا من النار،و بعض الناس قد يهوى في جهنّم و يخرج منها.

روي عن اميّة بن علي القيسي عن بعض ما رواه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي يجوز النبي صلّى اللّه عليه و آله الصراط و يتلوه عليّ و يتلو عليّا عليه السّلام الحسن عليه السّلام و يتلو الحسن الحسين عليهما السّلام فاذا توسطوه نادى المختار الحسين عليه السّلام يا ابا عبد اللّه اني طالبت بثارك فيقول النبي صلّى اللّه عليه و آله للحسين عليه السّلام اجبه فينقض الحسين عليه السّلام في النار كأنه عقاب كاسر فيخرج المختار حممه (1)و لو شقّ عن قلبه لوجد حبّهما في قلبه،و الظاهر انّ الضمير في حبّهما راجع الى ابي بكر و عمر فيكون تعليلا لدخول المختار النار و جوز بعض الأفاضل ان يكون مرجعه الحسنين عليهما السّلام فيكون كالتعليل لأخراجه من النار و هو بعيد جدا.

بقي الكلام في قوله وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا كٰانَ عَلىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا و اختلف العلماء في معنى الورود على قولين،احدهما انّ ورودها هو الوصول اليها و الأشراف عليها لا الدخول بها.

و ثانيهما انّ ورودها بمعنى دخولها بدلالة قوله فأروردهم النار،فلا يبقى بر و لا فاجر الاّ و يدخلها فتكون بردا و سلاما على المؤمنين و عذابا لازما للكافرين.

و روي عن كثير بن زياد قال:اختلفا في الورود فقال:قوم لا يدخلها مؤمن فقال:آخرون يدخلونها جميعا ثمّ ننجي الذين اتقوا فلقيت جابر بن عبد اللّه فسألته فاومى باصبعيه الى اذنيه و قال:صمت ان لم اكن سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول الورود الدخول لا يبقي بر و لا فاجر الاّ يدخلها فتكون على المؤمنين بردا و سلاما كما كانت على ابراهيم حتّى انّ للنار ضجيجا من بردها ثمّ ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا.

و في الرواية عن الحسن عليه السّلام انّه راى رجلا يضحك فقال:هل علمت انّك وارد النار؟قال:

و هل علمت انّك خارج منها؟قال:لا قال ففيم هذا الضحك؟و قيل انّ الفائدة في ذلك ما روي في بعض الأخبار انّ اللّه تعالى لا يدخل احدا الى الجنة حتى يطلعه على النار و ما فيها من العذاب ليعلم تمام فضل اللّه عليه و كمال لطفه و احسانه اليه فيزداد لذلك فرحا و سرورا بالجنة و نعيمها، و لا يدخل احدا النار حتّى يطلعه على الجنة و ما فيها من انواع النعيم و الثواب ليكون ذلك زيادة عقوبة له حسرة له على ما فاته من الجنّة و نعيمها.

ص:199


1- (22) الحمم جمع الحمة الفحم.الرماد كل ما احترق بالنار الواحدة(حممة).

و في اخبار اهل البيت عليهم السّلام انّه لمّا نزلت هذه الآية على النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو في المسجد غشي عليه حيث انّ اللّه لم يستثن أحدا فنظر الصحابة اليه و ما علموا كيف الحال،فقالوا لسلمان:امض الى فاطمة عليها السّلام حتّى تأتي الى ابيها،قال سلمان:فمضيت اليها و اخبرتها فقالت:يا سلمان كيف اخرج من البيت و ليس لي ثياب قال:فنظرت و اذا في البيت بساط فوضعته على رأسها و بدنها و خرجت، قال سلمان فنظرت في البساط و اذا فيه اربع عشرة رقعة من الخوص،فقلت و اعجباه بنات كسرى و قيصر يجلسن على الكراسي المذهّبة و بنت رسول اللّه ليس لها ازار و لا ثياب،فقالت:يا سلمان انّ اللّه تعالى ذخر لنا الثياب و الكراسي ليوم آخر،فلمّا أتت المسجد وضعت رأس النبي صلّى اللّه عليه و آله في حجرها،فلمّا احسّ بها قالت لهكما لخبر؟فقال:يا فاطمة أتاني جبرئيل بهذه الآية و لم يستثن احدا،فبكيا طويلا فأتى امير المؤمنين عليه السّلام فأخبراه الخبر فأتى الى زاوية المسجد و جعل يحثو التراب على رأسه و يقول:ليت امي لم تلدني حتى اسمع بهذه الآية،فصاح سلمان و ضجّ الناس بالبكاء و العويل،فنزل جبرئيل عليه السّلام و قال:يا محمّد و ان منكم الاّ واردها الاّ علي و شيعته ففرحوا بها و رجعوا الى منازلهم.

نعم ورد الخلاف بين علمائنا رضوان اللّه عليهم في انذ المؤمن الفاسق هل يدخل النار ام لا بعد ما اتّفقوا على انّه لا يخلد فيها و الحقّ انّ الأخبار مختلفة كالأقوال،ففي الأخبار عن مولانا الأمام ابي عبد اللّه عليه السّلام انّ من شيعتنا من تدركه شفاعتنا بعد ان يكون في النار ثلاثمائة الف سنة، و في بعضها عنه عليه السّلام ايضا انّه قال:لا يدخل النار منكم واحد،و يدل على مضمون كل واحد من الخبرين اخبار كثيرة يمكن الجمع بين الأخبار بحمل الداخلين على اهل درجة من درجات الأيمان النّاقصة،و قوله عليه السّلام لا يدخل النار منكم احد على اهل الدرجات الكاملة،فانك عرفت أن للإيمان درجات كما انّ للكفر درجات فهذا مجمل احوال النار بقي الكلام في الجنّة وفقنا اللّه و سائر المؤمنين للدخول اليها.

نور في الجنة و بعض ما فيها

اعلم وفقك اللّه تعالى انّ كلما سمعت من اخبار الجنة و أوصافها فهي فوقه بمراحل و هي التي قال فيها الأنبياء عليهم السّلام كلّ شيء سماعه احسن من عيانه و أعظم الاّ الجنة فانّ عيانها أعظم من سماعها و ما يصف الواصف منها،و في الروايات انّ اقل ما يعطي المؤمن منها ما يقابل الدنيا،و في خبر بلال الطويل قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول انّ سور الجنة لبنة من ذهب و لبنة من فضة و لبنة من ياقوت،و ملاطها المسك الأذفر و شرفها الياقوت الأحمر و الأخضر و الأصفر.

قال:قلت فما ابوابها قال:انّ ابوابها مختلفة باب الرّحة من ياقوتة حمراء،قال له الراوي فما حلقته؟قال:اكتب سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:امّا باب الصبر فباب صغير مصراع

ص:200

واحد من ياقوتة حمراء لا حلق له،و اما باب الشكر فانّه من ياقوتة بيضاء لها مصراعان مسيرة ما بينهما مسيرة خمسمائة عام له ضجيج و حنين يقول:اللهم جئني بأهلي،قال:قلت هل يتكلم الباب؟قال:نعم ينطقه اللّه ذو الجلال و الأكرام.

و امّا باب البلاء قلت:ا ليس باب البلاء هو باب الصبر؟قال:لا قلت فما البلاء؟قال المصائب و الأسقام و الأمراض و الجذام و هو باب من ياقوتة صفراء مصراع واحد ما اقلّ من يدخل فيه،قلت برحمتك اللّه زدني و تفضّل عليّ فاني فقير فقال:و امّا الباب الأعظم فيدخل منه الصالحون و هم اهل الزهد و الورع و الرّاغبون الى اللّه عزّ و جلّ المستأنسون به،قلت اذا دخلوا الجنّة فما ذا يصنعون؟قال:يسيرون على نهرين في ماء صاف في سفن الياقوت مجاذيفها اللؤلؤ فيها ملائكة من نور عليهم ثياب خضر شديدة خضرتها،قلت:هل يكون من النّور أخضر قال:انّ الثياب خضر و لكن فيها نور من نور رب العالمين ليسيروا على حافتي ذلك النهر،قلت فما اسم ذلك النهر؟قال:جنة المأوى،قلت:هل وسطها غيرها؟قال:نعم جنّة عدن و هي في وسط الجنان،و امّا جنة عدن فسورها ياقوت احمر و حصاها اللؤلؤ،قلت:فهل فيها غيرها؟قال:نعم جنّة الفردوس،قلت:كيف سورها؟قال:سورها نور،قلت:الغرف التي فيها؟قال:هي من نور رب العالمين.

و روى شيخنا الكليني قدس اللّه روحه باسناده الى مولانا الأمام ابي جعفر محمذد بن علي الباقر عليهما السّلام قال:سئل علي عليه السّلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن تفسير قوله تعالى لٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهٰا غُرَفٌ بما ذا بنيت هذه الغرف يا رسول اللّه؟فقال:يا علي تلك الغرف بناها اللّه لأوليائه بالدّر و الياقوت و الزبرجد سقوفها الذهب محبوكة به و فيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير و الديباج بألوان مختلفة و حشوها المسك و العنبر و الكافور،و ذلك قول اللّه تعالى وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ فاذا دخل المؤمن الى منازله في الجنّة وضع على رأسه تاج الملك و الكرامة و البس حلل الذهب و الفضة و الياقوت و الدرّ منظومان في الأكليل تحت التاج و البس سبعين حلّة حرير بألوان مختلفة منسوجة بالذهب و الفضة و اللؤلؤ و الياقوت الأحمر و ذلك قوله يُحَلَّوْنَ فِيهٰا مِنْ أَسٰاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِبٰاسُهُمْ فِيهٰا حَرِيرٌ فاذا جلس المؤمن على سريره اهتزّ سريره فرحا،فاذا استقرت بوليّ اللّه منازله في الجنة استأذن عليه الملك الموكّل بجنابة ليهنيّه بكرامة اللّه ايّاه فيقول له خدّام المؤمن و وصفاؤه مكانك فانّ و لي اللّه قد اتكىء على اريكته و زوجته الحوراء العيناء قد ذهبت اليه فاصبر لولي اللّه حتّى يفرغ من شغله،قال:فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمتها تمشي مقبلة و حولها و صفؤها و عليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت و اللؤلؤ و الزبرجد قد صبغن بمسك و عنبر و على رأسها تاج الكرامة و في رجلها نعلان من ذهب مكللان بالياقوت و اللؤلؤ شراكهما ياقوت

ص:201

احمر،فاذا دنت من و لي اللّه و همّ يقول اليها شوقا تقول:يا و لي اللّه ليس هذا يوم تعب و لا نصب و لا تقم أنا لك و انت لي فيعتنقان قدر خمسمائة عام من اعوام الدّنيا لا تملّه و لا يملها،قال:فينظر الى عنقها فاذا عليه قلادة من قصب ياقوت احمر وسطها لوح مكتوب انت يا و لي اللّه حبيبي و انا الحوراء حبيبتك اليك تتأهب نفسي و اليّ تتأهب نفسك،ثمّ يبعث اللّه الف ملك يهنونه بالجنة و يزوجونه الحوراء،قال:فينتهون الى اول باب من جنانه،فيقولون:الملك الموكل بأبواب الجنان استأذن لنا و لي اللّه فان اللّه بعثنا مهنّين له،فيقول الملك حتّى اقول للحاجب فيعلم مكانكم،قال:

فيدخل الملك الى الحاجب و بينه و بين الحاجب ثلاث جنات حتى ينتهي الى اول باب،فيقول للحاجب:انّ علي باب العرصة الف ملك ارسلهم رب العالمين جاؤوا يهنئون و لي اللّه و قد سئلوا ان يستأذن لهم عليه فيقول الحاجب:انذه ليعظم عليّ ان أستأذن لأحد علي و لي اللّه و هو مع زوجته،قال:و بين الحاجب و بين و لي اللّه جنتان فيدخل الحاجب على القيّم فيقول له:انّ على باب العرصة الف ملك ارسلهم رب العالمين يهنّون و لي اللّه فاعلموه مكانهم،قال:فيعلمونه الخدام مكانهم،قال:فيؤذن لهم فيدخلون على و لي اللّه و هو في الغرفة و لها الف باب و على كل باب من ابوابها ملك موكل به فيدخل كل ملك من باب من ابواب الغرفة فيبلّغونه رسالة الجبّار، و ذلك قول اللّه وَ الْمَلاٰئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بٰابٍ يعني ابواب الغرفة سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار،و ذلك قوله وَ إِذٰا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً يعني بذلك وليّ اللّه و ما هم فيه من الكرامة و النعيم و الملك العظيم و انّ الملائكة من رسل الجبّار ليستأذنون عليهم فلا يدخلون عليه الاّ باذنه فذلك الملك العظيم،أقول و قد روي ايضا في تفسير الملك العظيم انّ ادنى اهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه مسيرة الف عام.

و اعلم انّ لذات الجنة انواع:الأول محبّة اللّه تعالى ايّاهم و رضاؤه عنهم فقد جعله سبحانه اعظم من كلّ لذات الجنة حيث قال بعد ما عدد نعم الجنة:و رضوان من اللّه اكبر يعني انّ رضاء اللّه عنهم أعظم من كل ما في الجنة من اللّذات،و هذه اللّذة لا يدركها كلّ واحد و انّما يدركها الأولياء كما سبق في أحوال مولانا امير المؤمنين عليه السّلام،الثاني لذة النكاح.

و قد ورد في الروايات انّ اللّه تعالى ادنى ما يعطي المؤمن سبعين الف حوراء لو طلعت واحدة منهنّ الى الدنيا لأشرقت لها و لمات الناس من الشوق اليها،و انذ الحوراء اذا ضحكت يعلو نور اسنانها حيطان الجنّة و اشجارها و انّها تلبس سبعين حلّة و يرى مخ ساقها من تحت الحلل و انّ الواحدة منهن لها الف وصيفة مقنعة كل وصيفة منهن تعادل قيمة الدنيا و ما فيها من الأموال،و انّ الحوراء كلّما جامعها زوجها عادت بكرا و ذلك كما قال عليه السّلام:انّ ابدانهن من المسك و العنبر و ليس فيه مدخل الاّ للإحليل فاذا خرج الذكر عاد الى ما كان عليه من الألتئام.

ص:202

فان قلت قد ورد في الأخبار ما يتضمّن من صفات حور العين امورا لا تقبلها الطّباع البشرية مثل كون الحوراء لها سبعون الف ذوابة و انّ بدنها في غاية العظمة و الكبر،و ما روي من انّ الحوراء العينا استدارة عجيزتها الف ذراع و في عنقها الف قلادة من الجوهر بين كل قلادة الى قلادة الف ذراع و نحو ذلك،قلت هذه النشأة لا تقاس على تلك النشأة و امور الجنة لا تقاس على امور للدنيا و اللّه تعالى هو الّذي يزين المرأة و يحسّنها في نظر زوجها فيكون اللّه تعالى يرى المؤمن زوجته على احسن هيئة و ازينها و ان كانت بتلك الصفات مع انّ تلك الصفات حسنة ايضا بالنّظر الى امور الآخرة كما تقدّم.

الثالث المطعومات و طعام الجنّة كلّ لون منه له الف طعم و كذلك ثمارها و في الرواية انّ طوبى شجرة في الجنة أصلها في بيت امير المؤمنين عليه السّلام و في كلّ منزل من منازل الشيعة غصن من اغصانها و في ذلك الغصن جميع انواع الثمار فاذا حضر بخاطر المؤمن ارادة رمّانة من الرمّان مثلا تدلى ذلك الغصن الى قربه و تكلم الرمان و قالت كل واحدة منه كلني يا و لي اللّه فتاتي اليه بواحدة منهنّ فاذا اكلها ارتفع القشر الى مكانه فصار رمانة فثمارها لا تنقص ابدا.

و قد شبّه مولانا الصادق عليه السّلام هذا بالسراج في الدنيا فانّه لو أخذ منه الف سراج لم ينقص من ناره وضوئه شيء،و روي انّ اهل الجنّة يقسم له شهوة مائة رجل من اهل الدنيا و أكلهم و جماعهم،فاذا اكل ما شاء سقي شرابا طهورا فيذهب ما أكل و يصير عرقا كالمسك يرشح من بدنه فتضمّر بطنه و تعود شهوته و هو المراد من طهور الشراب في قوله تعالى وَ سَقٰاهُمْ رَبُّهُمْ شَرٰاباً طَهُوراً أي مطهّرا لما في بطونهم من الطعام و مذهبا له.

الرابع فرح القلب و سروره و زوال الهمّ عنهم و الغم فهو اعظم لذة حتّى انّه روى انّ الجنة تقول يوم القيامة:وعدتني ان تملأني و وعدت النار ان تملأها و ملأت النار و ها انا لم تملأني قال:

فيخلق اللّه تعالى خلقا من ارض القيامة و يدخلهم الجنّة،قال الصادق عليه السّلام:طوبى لهم لم يروا من همّ الدنيا و لا غمّها شيئا،فان قلت:كيف استحقّ هؤلاء الجنة مع عدم عمل صدر منهم استحقوا به الجنة،قلت:لأنّ اللّه تعالى يخلقهم و هم على اعمار الأربعة عشر لم يبلغوا الحنث حتى يدخلوا تحت التكاليف.

الخامس الأجتماع مع الأحباب قال اللّه تعالى عَلىٰ سُرُرٍ مُتَقٰابِلِينَ فالأحباب يجتمعون في منازلهم و يجلس كلّ واحد منهم على سرير مرصّع بالجواهر فاذا قضوا الصحبة و المسامرة ركب كل واحد منهم فرسا من افراس الجنة لها جناحان فتطير به الى منازله فهم يتزاورون على هذه الحالة و امّا اصدقاؤهم في الدنيا و احباؤهم الذين استحقوا النار فقال الصادق عليه السّلام:ان اللّه تعالى

ص:203

ينسيهم اياهم حتى لا يغتموا لهم و لفراقهم و بالجملة فلذة العمر المجالسة مع الأحباب حتى انّه روي انّ المرأة في الدنيا اذا تزوجت زوجين او اكثر اعطيت في الجنّة لأشدّهما حبا معه في الدنيا.

السادس المنازل و الأمكنة المزيّنة بأنواع الزينة من الغرف التى يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها،مشبّكة بالفضّة و الذهب و سائر المعادن،و روي في تفسير قوله تعالى اَلَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ انّ اللّه سبحانه قد بنى لكل انسان بيتين احدهما في الجنة و الآخر في النار،فالمؤمن بسبب ايمانه استحق منزله في الجنة بالأصل و منزل مخالف من المخالفين بالميراث و كل واحد من المخالفين استحقّ في النار منزلين احدهما ماله بالأصالة و الآخر ما وصل اليه بالميراث و كل واحد من المخالفين استحق في النار منزلين احدهما ماله بالأصالة و الآخر ما وصل اليه بالميراث من منازل المؤمنين فالمؤمنون قد ورثوا الفردوس و المخالفون قد ورثوا منازل النار،و قد روي انّ كلّ بيت في الجنة له غرفة مشرفة على النار حتّى اذا فتح بابها نظر الى اهل النار و تعذيبهم فيها فيراهم بهذه الحالات و يرى نفسه بتلك الحالات.

السابع انواع الطرب و اعظم انواعه الغناء،روي انّ اعرابيا جاء الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:

يا رسول اللّه ذكرت في الجنة كل شيء فاين الغناء؟فقال:نعم يا اعرابي انّ في شجرها اجراسا معلقة،اذا ضرب واحد منها خرجت منه نغمات لو انّ اهل الدنيا سمعوا نغمة منها لماتوا من الشوق و الطرب،و في مجالس طربهم من الولدان الحسان ما لا يحصى و هم يخدمونهم في مجالسهم كما قال سبحانه يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدٰانٌ مُخَلَّدُونَ اذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منشورا قال جماعة من المفسرين انّما شبههم بالمنثور لأنتشارهم في الخدمة،فلو كان صفا لتشبّهوا بالمنظوم،و قيل انّما شبههم به من جهة الصفا و حسن المنظر و الكثرة و في يد كل واحد من الأولاد قدح من الشراب الطهور ليشربه اهل المجلس رزقنا اللّه و اياكم بمنه و كرمه و انّه رحيم كريم و في شجرها طيور تصوت بالتسبيح و التقديس لا يقدر اهل الدنيا على سماعها.

و امّا انهارها فلا يقدر القادرون على وصفها،و في الروايات أنّ فيها نهرا و فيه لبن و عسل و خمر تجري كلّ واحد على خطّ مستوى لا يمتزج أحدهما بالآخر و فيها نهر اسمه رجب خلقه اللّه تعالى لمن صام شهر رجب،و في الحديث انّ بها نهرا اسمه خيرا فاذا قال الرجل لصاحبه جزاك اللّه خيرا فمعناه سقاك اللّه من ذلك النهر الذي اسمه خير.

و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:عرض الجنة ليلة المعراج فرأيت فيها اربعة انهار ماء و لبن و عسل و خمر،فسألت جبرئيل عليه السّلام عنها من اين تجيء و الى اين تذهب؟فقال:آخرها يذهب الى حوض الكوثر،و امّا اولها فلا ادري فسل اللّه تعالى حتى يخبرك به فدعوت اللّه تعالى و سألته فاذا ملك سلّم عليّ و قال ليكضم عينيك فضممت ساعة،فقال:افتح ففتحت فاذا انا بشجرة تحتها قبّة من

ص:204

درّة بيضاء لبابها مصراعان من ياقوتة خضراء،و قفل منذهب لو اجتمع جميع الأنس و الجن فوقها لكانوا كطائر فوق جبل فأردت ان ارجع فقال الملك:لم لم تدخل القبة؟قلت:لأنّ بابها مغلق، قال:لم لم تفتح؟قلت:ليس عندي مفتاحه،فقال:مفتاحه بسم اللّه الرحمن الرحيم مكتوبا في وسط جدر انها على التدوير واقعا ميم بسم في زاوية و هاء اللّه في زاوية اخرى و ميم الرحيم في زاوية اخرى يخرج من الأوّل نهر الماء،و من الثاني نهر اللبن و من الثالث نهر الخمر و من الرابع نهر العسل فسمعت هاتفا يقول يا محمد صلّى اللّه عليه و آله من ذكرني بهذه الأسماء و قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم خالصا مخلصا سقية من هذه الأنهار الأربعة.

و من فوائد هذه الكلمة ما روي انّ شيطانا سمينا لقي شيطانا مهزولا فقال:لم صرت مهزولا؟انّي مسلط على رجل اذا أكل يقول:بسم اللّه و اذا شرب يقول:بسم اللّه و اذا اتى اهله يقول بسم اللّه فحرمت المشاركة فيها فصرت مهزولا،ثمّ قال للسمين و انت لم صرت سمينا؟قال:

انّي مسلط على رجل غافل عن التسمية يدخل بيته غافلا عنها و يخرج منه غافلا و يأكل غافلا و يشرب غافلا و يأتي أهله غافلا فشاركته فيها كما قال اللّه تعالى وَ شٰارِكْهُمْ فِي الْأَمْوٰالِ وَ الْأَوْلاٰدِ .

و بالجملة فانهار الجنّة عجيبة الوصف و كلّها تجري على وجه الأرض من غير اخدود مرتفعة على وجه الأرض تمسكها القدرة الألهيّة،و سئل عليه السّلام عن انهار الجنّة كم عرض كل نهر منها فقال:

عرض كل نهر منها مسيرة خمسمائة عام يدور تحت القصور و الحجب تتغنى امواجه و تسبّح و تطرب في الجنّة كما تطرب الناس في الدنيا،و قال عليه السّلام اكثر انهار جنة الكوثر تنبت الكواعب الأتراب عليه يزور اولياء اللّه يوم القيامة،و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:للرجل الواحد من اهل الجنة سبعمائة ضعف من الدنيا و له سبعون الف قبة و سبعون الف قصر و سبعون الف حجلة و سبعون الف اكليل و سبعون الف حلّة و سبعون الف حوراء عيناء و سبعون الف وصيف و سبعون الف وصيفة على كل وصيفة سبعون الف ذوابة و اربعون الف كليل و سبعون الف حلّة.

الثامن العلم بالخلود في الجنة من غير موت و لا انتقال قال اللّه تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّٰارِ لَهُمْ فِيهٰا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ خٰالِدِينَ فِيهٰا مٰا دٰامَتِ السَّمٰاوٰاتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّٰ مٰا شٰاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّٰالٌ لِمٰا يُرِيدُ وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خٰالِدِينَ فِيهٰا مٰا دٰامَتِ السَّمٰاوٰاتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّٰ مٰا شٰاءَ رَبُّكَ عَطٰاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ فان قيل ما معنى هذين الأستثنائين و متى يكون وقتهما؟قلت:ذكر المحققون من المفسرين انّ هذا الموضع من المواضع المخصوصة بالأشكال فيه من وجهين:احدهما تحديد الخلود بمدّة دوام السموات و الأرض و الآخر معنى الأستثناء بقوله الاّ ما شاء ربك الأول فيه أقوال:

الأول انّ المراد سماء الآخرة و ارضها و هما لا يفنيان بعد الأعادة عن الضحاك و الجبائي.

ص:205

الثاني انّ المراد بالسماوات و الأرض الجنة و النار و ارضهما فان كلّ ما علاك فهو سماء و كل ما أقلّك فهو ارض،الثالث انّ المراد التبعيد فانّ للعرب ألفاظا للتعبيد في معنى التأبيد يقولون:لا أفعل ذلك ما أختلف الليل و النهار و ما ذرّ شارق و نحو ذلك و يريدون به التأييد لا التوقيت،و امّا الثاني و هو الكلام في الأستثناء فقد اختلف فيه اقوال العلماء على وجوه:

احدها انّه استثناء في الزيادة من العذاب لأهل النار و الزيادة من النعيم لأهل الجنة، و التقدير الاّ ما شاء ربك من الزيادة على هذا المقدار،و يؤيده قوله تعالى يضاعف عليه العذاب و يخلد فيه مهانا فانّ الضمير في قوله فيه كما قال بعض المحققين راجع الى المضاعف لا الى اصل العذاب و هذا الوجه منقول عن الزجاج و الفرا،و ثانيها انّ الأستثناء واقع على مقامهم في المحشر و الحساب لأنهم حينئذ ليسوا في جنة و لا نار و الأستثناء كما يكون باعتبار الأجر يكون باعتبار الأول و نقل هذا عن المازني،و ثالثها انّ الأستثناء الأول يتّصل بقوله لهم زفير و شهيق و تقديره الاّ ما شاء ربك نمن أجناس العذاب الخارجة عن هذين الضربين و في اهل الجنة يتصل بما دل عليه الكلام فكأنه قال لهم فيها نعيم الاّ ما شاء ربك من انواع النعيم،و انما دلّ عليه قوله عطاء غير مجذوذ و نقل هذا عن الزجّاج.

و رابعها انّ المراد بالذين شقوا من ادخل النار من اهل التوحيد الذين فعلوا المعاصي فقال سبحانه:انّهم يعاقبون في النار الاّ ما شاء ربك من اخراجهم الى الجنة و خلّد فيها لا بد فيها من الأخبار بتأبيد خلوده ايضا من استثناء ما تقدّم فكإنّه قال خالدون فيها الا ما شاء ربك من الوقت الّذي ادخلهم فيه الى النار قبل ان ينقلهم الى الجنة،و نقل هذا عن ابن عباس و جماعة من المفسرين.

و خامسها انّ تعليق ذلك على سبيل التأكيد للخلود و التعبيد للخروج انّ اللّه لا يشاء الا تخليدهم على ما حكم به فكأنّه تعليق لما يكون بما لا يكون لأنّه لا يشاء ان يخرجهم منها.

و سادسها انّ المعنى انّهم خالدون في النار دائمون فيها مدّة كثيرة كونهم في القبور ما دامت السماوات و الأرض في الدنيا،و اذا فنيتا و عدمت انقطع عقابهم الى ان يبعثهم اللّه للحساب و قوله الاّ ما شاء استثناء وقع على ما يكون في الآخرة،و هذا اورده الشيخ ابو جعفر الطوسي تغمده اللّه برحمته و قال:ذكره قوم من اصحابنا في التفسير.

و سابعها انّ المراد الاّ ما شاء ربّك ان يتجاوز عنهم فلا يدخلهم النار و الأستثناء لأهل التوحيد،و قد قيل فيه وجوه اخرى و الكلّ لا يخلو من تكلف،و الأولى ما روي في اخبار الأئمة الطاهرين عليهم السّلام من انّ هذه الآية و ما ذكر فيها من الجنة و النار منزلة على جنة الدنيا و هي وادي السّلام و على نارها و هي برهوت و المعنى انّ من شقى اذا مات دخل النار و خلّد فيها فهو خالد

ص:206

فيها ما دامت هذه السماوات و هذه الأرض الاّ ما شاء اللّه و هو اخراجهم من تلك النار في زمن مولانا المهدي عليه السّلام حتّى يذّبهم بنوع آخر من العذاب في هذه الدنيا و كذلك الكلام في الجنة فانّ المؤمنين بعد الموت مخلدون في وادي السّلام ما دامت السماوات و الأرض الاّ ما شاء اللّه ان يخرجهم منها الى نعيم آخر و هو ايضا في عصر الأمام المهدي عليه السّلام فانّه يخرجهم من ذلك النعيم الى نعيم آخر في الدنيا كما تقدم من انّهم يكونون ولاة على البلدان من قبله عليه السّلام و ينكحون النساء في زمنه ايضا،و يعيش الرجل منهم الف سنة يولد له في كل سنة ولد ذكر الى غير ذلك و على هذا فلا تكلّف في شيء من الوجهين..

و امّا خلود أهل جنة الآخرة فلا يعرض له تغيير و لا تبديل الاّ بالزيادة،روي انّ اللّه تعالى يبعث كل يوم لكل واحد من المؤمنين حوراء قد فاق حسنها على ما عنده من الحوريات الى غير ذلك من الهدايا كارسال الملائكة كل يوم،بأن يبلغوا سلام اللّه تعالى اليهم مع سلام الملائكة عليهم كما قيل في قوله تعالى دعواهم فيها سبحانك اللهم و تحيتهم فيها سلام و آخر دعواهم ان الحمد للّه رب العالمين،فقال جماعة من المفسرين انّ ذكر المؤمنين في الجنّة ان يقولوا سبحانك اللهم يقولون ذلك لا على وجه العبادة لأنه ليس هناك تكليف بل يلتذون بالتسبيح.

و قيل انّه اذا مرّ بهم الطير في الهواء يشتهونه قالوا:سبحانك اللهم فيأتيهم الطير فيقع مشويا بين ايديهم و اذا قضوا منه الشهوة قالوا الحمد للّه رب العالمين فيطير الطير حيّا كما كان فيكون مفتتح كلامهم في كل شيء التسبيح و محنتهم كلامهم التحميد و يكون التسبيح في الجنة بل التسمية في الدنيا و تحيّتهم فيها سلام أي تحيتهم من اللّه سبحانه في الجنة سلام،و قيل معناه تحيّة بعضهم لبعض او تحيّة الملائكة لهم فيها سلام يقولون سلام عليكم أي سلمتم من الآفات و المكاره التي ابتلي بها اهل النار،و قوله و آخر دعواهم ان الحمد للّه رب العالمين،و ليس المراد ان يكون ذلك آخر كلامهم حتّى لا يتكلموا بعده بشيء بل المراد انّهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كلّ ما ذكروه فيكون الأبتداء في الحمد كما عرفت من قول آدم عليه السّلام لمّا دخلت فيه الروح الحمد للّه رب العالمين عند ما عطس و الأختتام في كلام اهل الجنة بالحمد.

و روى شيخنا ابن بابويه باسناده الى مولانا الأمام ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهما السّلام قال:قال النبي صلّى اللّه عليه و آله دخلت الجنة فرأيت اكثر اهلها البله قال:قلت له ما الأبله؟فقال العاقل:في الخبر الغافل عن الشرّ الذي يصوم في كل شهر ثلاثة ايام أقول قد ورد هذا الحديث خاليا عن التفسير في مواضع اخرى مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله انّ اكثر اهل الجنة البله انّ اقل ساكني الجنّة النساء و الأبله في اللغة الناقص العقل و فسره بعضهم بأن المراد بهم من لا ريبة في قلوبهم و غائلة في دخائلهم فهم بله عن الشرّ لا يستعملونه و يمكن الجمع امّا بحمل المطلق على المفيد او على انّ التفسير راجع

ص:207

الى الفرد الأكمل فانّ من كان غافلا عن الشرّ يسمّونه اهل الدنيا أبلها في اصطلاحهم،و حينئذ فلا ينافي ارادة غيره من ناقص العقل و غيره.

و اما قوله صلّى اللّه عليه و آله انّ اقل ساكني الجنة النساء،و فقد روي عنهم عليهم السّلام ايضا انّ اكثر اهل الجنة النساء و الصبيان،و وجه الجمع انّ مراتب الجنان متفاوتة الدرجات كالنيران فيجوز ان تكون الأقلية بالنسبة الى اعالي درجاتها و ذلك لأنّ النساء ناقصات العقول ناقصات الأديان فيكون درجاتهنّ في الجنة ناقصة ايضا بالنسبة الى الرجال و يجوز ان يراد من النساء و الصبيان في قولهم عليهم السّلام انّ اكثر اهل الجنة النساء و الصبيان حور العين و الولدان فانّ المؤمن يعطي منهما ثمانين الفا و ثمانين الفا و روى الصدوق ره باسناده الى مولانا الأمام علي بن موسى الرضا عليهما السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الذي يسقط من المائدة مهور حور العين.

اقول المائدة كما في كتب اللّغة أتى تارة بمعنى الطعام و اخرى بمعنى الخوان او على غيره، و كذا الساقط من الخوان على الأرض او على غيره اذا أكله المؤمن و عظم نعمت اللّه تعالى كان ثوابه حور العين.

نعم قد روي في صحيفة الرضا عليه السّلام انّ ما يسقط من الخوان مهور الحور،فيمكن حمل ماهنا عليه بارادة الخوان من المائدة لأنّه احد معانيها،و على التقديرين فهل يترتب هذا الثواب على أكل الكلّ او البعض كلّ محتمل و الأظهر انّ كلّ حبّة من ذلك الحب الساقط مهر واحدة من الحور العين.

فان قلت اذا خلّد أهل الجنة في جنانهم و أهل النار في نيرانهم فما يكون حال هذا العالم بعدهم؟قلت قد روينا باسناده الى جابر قال:سئلت ابا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل أَ فَعَيِينٰا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ فقال:يا جابر تأويل ذلك انّ اللّه عز و جل اذا أفنى هذا الخلق و هذا العالم و سكن اهل الجنة بالجنة و اهل النار بالنار جدّد اللّه عالما غير هذا العالم و جدّد خلفا من غير فحولة و لا اناث يعبدونه و يوحدونه و خلق لهم ارضا غير هذه الأرض تحملهم و سماء غير هذه السماء تظلهم،لعلك ترى ان اللّه عز و جل انّما خلق هذا العالم الواحد،و ترى انّ اللّه عز و جل لم يخلق بشرا غيركم،بلى و اللّه لقد خلق اللّه تبارك و تعالى ألف ألف عالم و ألف ألف آدم انت في أواخر تلك العوالم،و اولئك الآدميين.

و لنختم هذا الكتاب هنا حامدين و مصلين على النبي صلّى اللّه عليه و آله قد فرغ من مشقة مؤلفه العبد المذنب الجاني نعمت اللّه الحسيني الجزائري يوم الثلاثاء خامس عشر شهر رمضان المبارك سنة التاسعة و الثمانين بعد الألف كتب هذه الأحرف مؤلّفه المزبور حامدا مصليا على النبي صلّى اللّه عليه و آله تمّ و كمل.

ص:208

خاتمة في مجمل احوال مؤلف هذا الكتاب و هو

نعمة اللّه الحسيني الجزائري

اعلم اطال اللّه بقاك انّ مولد الفقير هو سنة خمسين بعد الألف و سنة تأليف هذا الكتاب هي السنة التاسعة و الثمانون بعد الألف فهذا العمر القليل قد مضى منه تسعة و ثلاثون سنة فانظر ما اصاب صاحبه من المصائب و الأهوال،و مجمع الأحوال هو انه لمّا مضى من ايّام الولادة خمس سنين و كنت مشعوفا باللّه و اللعب الذي يتداوله الأطفال فكنت جالسا يوما مع صاحب لي و نحن في بعض لعب الصبيان اذ اقبل الى المرحوم والدي،فقال لي:يا نبي امض معي الى المعلّم و تعلم الخط و الكتابة حتّى تبلغ درجة الأعلام،فبكيت من هذا الكلام و قلت هذا شيء لا يكون فقال ليكانّ صاحبك هذا نأخذه معنا و يكون معك يقرأ عند المعلم،فأتى بنا الى المكتب و أجلسنا فيه فقرأت انا و صاحبي حروف الهجاء،فأتيت اليوم الآخر الى والدتي و قلت لها ما أريد المكتب بل اريد اللعب مع الصبيان،فحدثت والدي فما قبل منها فأيست من قبوله،فقلت ينبغي ام اجعل جدّي و جهدي في الفراغ من قراءة المكتب،فما مضت ايّام قلائل حتّى ختمت القرآن و قرأت كثيرا من القصائد و الأشعار في ذلك الوقت و قد بلغ العمر خمس سنين و ستّة اشهر.

فلمّا فرغت من قراءة القرآن جئت الى والدتي و طلبت منها اللعب مع الصبيان فاقبل الي والدي تغمده اللّه برحمته و قال لي:يا ولدي خذ كتاب الأمثلة و امض معي الى رجل يدرسك فيها فبكيت فاراد اهانتي و اخذني الى رجل عمي لكنه كان قد احكم معرفة الأمثلة و البصروية و بعض الزنجاني فكان يدوسني و كنت اقوده بالعصا و اخدمه و بالغت في خدمته لأجل التدريس،فلمّا قرأت الأمثلة و البصروية أردت قراءة الزنجاني انتقلت الى رجل سيد من اقاربنا كان يحسن الزنجاني و الكافية،فقرأت عليه و في مدة فراءتي عنده كان يأخذني معه كل يوم الى بستانه و يعطيني منجلا و يقول لي:يا ولدي حشّ هذا الحشيش لبهائمنا فكنت احشّ له و هو جالس يتلو على صيغ الصرف و الأعلال و الأدغام فاذا فرغت شددت الحشيش حزمة كبيرة و حملته على رأسي الى بيته و كان يقول لي لا تخبر أهلك بهذا،فلمّا مضى فصل الحشيش و أقبل فصل رود الأبريسم فكنت كل يوم احمل له حزمة من خشب التوت حتّى صار رأسي اقرعا فقال لي والدي ره:ما لرأسك فقلت:لا اعلم فداواني حتّى رجع شعر رأسي الى حالته.

فلمّا فرغت من قراءة الزنجاني و اردت قراءة الكافية قصدت الى قرية تسمّى كارون و نحن في قرية يقال لها:الصباغية في شطّ المدك،فقرأت في تلك القرية عند رجل فاضل و أقمت عندهم، فكنت يوما في المسجد فدخل علينا رجل ابيض الثياب عليه عمامة كبيرة كأنها قبّة صغيرة و هو يرى

ص:209

الناس أنّه رجل عالم فتقدمت اليه و سألته بصيغة من صيغ الصرف فلم يرد الجواب و تلجلج فقلت له:اذا كنت لا تعرف هذه الصيغة فكيف وضعت على رأسك هذه العمامة الكبيرة؟! فضحك الحاضرون و قام الرجل من ساعته و هذا هو الذي شجعني على حفظ صيغ الصرف و قواعده و انا استغفر اللّه من سؤال ذلك الرجل المؤمن لكنّي احمد اللّه على وقوع ذلك قبل البلوغ و التكاليف،فبقيت هناك كم من شهر و مضيت الى شطّ يقال له نهر عنتر لأنّي سمعت انّ به رجلا عالما و قد كان اخي المرحوم المغفور له الفاضل الصالح الورع السيّد نجم الدين يقرأ عنده.

فلما وصلت اليه لقيت اخي راجعا من عنده فرجعت معه الى قريتنا ثمّ قصدت قرية يقال لها شط بني اسد للقرائة على رجل عالم كان فيها فبقيت هناك مدة مديدة ثم رجعت الى قريتنا فمضى اخي المرحوم و كان اكبر مني الى الحويزة،فقلت لوالدي:اني اريد السفر الى اخي الى الحويزة لأجل طلب العلم فأتى بي الى شط السحاب و ركبنا في سفينة و اتينا من طريق ضيق قد احاط به القصب من الجانبين و ليس فيه متسع الاّ للسفينة و كان الوقت حارا و هاج علينا من ذلك القصب بق كلّ واحدة منها مثل الزنبور و أين ما لدغ ورم موضعه،ذلك الطريق اسمه طريق الشريف و في ذلك الطريق الضيق رأينا جماعة من اهل الجاموس فقصدناهم و كنا جياعا فخرجنا عليهم وقت العصر و فرش لنا صاحب البيت فراشا فصار وقت المغرب،فلمّا صلينا صرنا في انتظار العشاء و ما جاء لنا بشيء حتّى اتى وقت النوم و اشتدّ جوعنا و أخذ النوم فنمنا جياعا فلمّا بقي من الليل بقيّة قليلة جاء صاحب البيت الى قربنا و شرع ينادي جاموسه و يقول يا صبغا و يا قرحاء هاى،فلمّا رفع صوته و سمعت الجاموس ذلك الصوت اقبلن اليه من بين القصب فلمّا خرجن اليه سألت واحدا منهم ما يريد هذا الرجل من هذا الجاموس؟فقال:يريد ان يحلبهن و يبرد الحليب و يطبخ لكم طعاما من الحليب و الأرز،فقلت:انا للّه و انا اليه راجعون،و أخذني النوم فلمّا قرب الصباح أتى بقصعة كبيرة و أيقظنا فلم نر على وجه تلك القصعة شيئا من الأرز،فمددنا ايدينا فيها الى المرافق فوقعنا على حبات منه في قعر تلك الجفنة و شربنا من ذلك الحليب و يا لها من ليلة ما اطولها و ما كان اجوعنا فيها خصوصا لمّا شربنا من هذا الحليب.

فركبنا بعد طلوع الشمس و أتينا الى الحويزة و قد كان اخي قبلي ضيفا عند رجل من أكابرها و يقرأ في شرح الجامي عند رجل من افاضلها فتشاركنا في الدرس و بقينا نقرأ عنده في شرح الجار بردي على الشافية،و هذا الأستاد ايضا رحمة اللّه تعالى قد استخدم علينا كثيرا و اسمه الشيخ حسن بن سبتي و كان قد عيّن على كل واحد منّا انّا اذا اردنا قضاء الحاجة او البول و مضينا الى جرف الشط ان يأتي كل واحد منا معه بصخرتين او آجرتين من قرب قلعة الترك،فربّما ترددنا في اليوم الى الشط مرارا و هذا حالنا فلمّا اجتمع عنده صخر كثير أراد ان يبني منزله فطلب و كنا نحن

ص:210

العملة فبنينا له ما اراد بناء من البيوت و اذا مضينا معه الى الحويزة العتيقة و اردنا الرجوع قال:

يا اولادي تمضون و تمشون من غير حمل؟فكان يطلب سمكا عتيقا من أهلها و أشياء اخرى و يقول لنا احملوه،فكنا نحمله و ماؤه يجري على وجوهنا و كنّا اذا اردنا كتابة حاشية من كتابه ما يأذن لنا لكن ربما اخذنا الكتاب منه سرقة و كتبنا منه بعض الحواشي و هكذا كان حاله ره معنا و كنا راضين بخدمته غاية الرضا لبركات انفاسه الشريفة في الدرس،و كان طاب ثراه حريصا على الكتب و بقية بعده عند أزواج بناته لا يعرف لها قيمة و هذا كان حالنا في الدرس.

و امّا بالنسبة الى المآكل فقد قلنا انّنا كنّا في بيت رجل من اكابرها و في اكثر الأوقات كنّا نبقى في المدرسة لأجل المباحثة الى وقت الظهر فاذا مضينا الى منزل الرجل وجدناهم فرغوا من الغذاء فنبقى الى الليل و قد كان صاحبي يلقط قشور البطيخ و الرقي من الأرض و يأكلها بترابها و كان يستتر عنّي بهذا حياء و خجلا،و كنت انا افعل مثل فعله فأتيت يوما و طلبته فرأيته قد جمع القشور و جلس تحت الباب يأكلها بترابها فلمّا رأيته ضحكت فقال:فاذا كان هذه حالنا فنجمع هذه القشور كلّ يوم و نغسلها بالماء و نأكلها،فبقينا على هذا مدّة و كنّا في تلك المدة نطالع على نور القمر و كنت تعمدّت حفظ متون الكتب مثل الكافية و الشافية و الفية ابن مالك و نحوها،فاذا كانت الليالي مقمرة كنت اطالع و اذا جاءت الليالي السود كنت اكرر قرائة تلك المتون على ظاهر قلبي حتّى لا انساها،و كان اهل المجلس يجلسون و أنا معهم و كنت اظهر لهم صداع رأسي فاضع رأسي بين ركبتي و أقرأ تلك المتون و هكذا كان حالي.

فبقيت على هذا مدة فأتى والدي من الجزائر و قال:ان امكما تريدكما فأخذنا معه الى الجزائر و بقينا فيها ايّاما قلائل فرجعنا ايضا الى الجويزة فرأينا رجلا من اهل الجزائر يريد السفر الى شيراز فأخذ المرحوم اخي كتبه و اسبابه و مضى الى البصرة و اتيت انا معه الى الجزائر و كان شهر رمضان المبارك فبقيت عند اهلي اربعة ايام و ركبت انا و ذلك الرجل في سفينة و قصدنا البصرة فلمّا ركبت الفسينة من غير خبر من اهلي ظننت انّ والدي يطلبني،فقلت لأهل السفينة انا اخلع ثيابي و انزل الى الماء و أقبض سكان السفينة و السفينة تجري فكنت في الماء و السفينة تسير حتى لا يراني احد فلما ايست من الطلب ركبت في السفينة و في اثناء الطريق رأينا جماعة على جرف الشط و نحن في وسطه فصاح لهم ذلك الشيخ و قال:انتم من الشيعة ام من السنة؟فقالوا:نحن من السنة فقال:لعن اللّه(فلان و ابا زينب و فلان أ تعرفون ان ابا زينب خ ل)عمر و ابا بكر و عثمان أ تعرفون ان عمرا كان مخنثا فصاحوا عليه بالشّتم و اللعن فضجوا أهل السفينة عليهم و السفينة تجري و تلك الجماعة على جرف الشط يمشون و يرموننا بالحجارة فبقينا على هذه الحال معهم نصف نهار،

ص:211

فمضينا الى البصرة و كان سلطانها في ذلك الوقت حسين باشا فبقينا فيها نقرأ عند رجل فاضل من اجلاء السادة فبقينا مدّة قليلة.

ثم ان وادلي ره تبعنا فأتى ليأخذه الى الجزائر فاظهر لنا الرغبة الى ما اراد فأتينا الى سفينة و استأجرنا مكانا فيها من غير خبر والدي فركبنا فيها و سافرنا الى شيراز فخرجنا من السفينة الى بندر حماد و استأجرت انا و اخي دابّة واحدة لقلة ما عندنا من الدراهم و ذلك الطريق صعب جدا من جهة الجبال فقطعت تلك الجبال كلها و انا حافي الأقدام و كان عمري في ذلك اليوم يقارب الأحدى عشر سنة،فوصلنا الى شيراز صلاة الصبح فمضينا الى بيت ذلك الشيخ الذي كان معنا و كان منزله بعيدا من مدرسة المنصورية و نحن كنا نريد السكنى فيها لأنّ لأنّ بعض اقاربنا كان فيها،فقال لنا ذلك الشيخ:خذوا الطريق و اسألوا و قولوا مدرسة المنصورية(ميخواهيم)و معناه بالعربية نريدها،فمضينا نمشي فحفظت انا كلمة و اخي كلمة اخرى فكنّا اذا سئلنا قال احدنا مدرسة المنصورية و قال الآخر(ميخواهيم)فوصلنا الى تلك المدرسة فجلست انا في الباب و دخل اخي اليها فكان كلّ من يخرج من طلبة العلم و يراني يرق لحالي و ما أصابني من آثار التعب.

فلما وجدنا صديقنا قعدنا معه في حجرته و اخذنا في اليوم الآخر لزيارة رجل فاضل و هو الشيخ البحراني فكان يدرّس في شرح الفيّة بن مالك فسلّمنا عليه و أمر لنا بالجلوس فلما فرغ سألنا من اين القدوم؟فحكينا له الأحوال فقام معنا فأخذني وراء اسطوانة المسجد فلزم اذني و عركها عركا شديدا و قال:ايّها الولدان لم تجعل نفسك شيخا للعرب و تحب الرئاسة فيضيع به وقتك تصير رجلا فاضلا فلزمت كلامه و أنزويت عن الأحباب و الأخلاّء في وقت قرائتي فمضى معنا الى متولّي المدرسة فعيّن لنا شيئا قليلا لا يفي بوجه من الوجوه ثمّ شرعنا قرائة الدرس عند ذلك الشيخ و عند غيره.

فلما مضت لنا أيام قلائل قال لي اخي و صديقي:ينبغي ان نرجع الى الجزائر لأنّ المعاش قد ضاق علينا فقلت لهم:انا اكتب بالأجرة و اعبر اوقاتي فكتبت بالأجرة لمعاشي و كاغذى و ما احتاج اليه و كنت ايضا اكتب اربعة دروس للقرائة و احشيها و أصحّحها وحدي و كان حالي في وقت الصيف الحار انّ طلبة العلم يصعدون الى سطح المدرسة و انا اغلق باب الحجرة و أشرع في المطالعة و الحواشي و تصحيح الدرس الى ان يناجي المؤذن قريب وقت الصبح،ثم اضع وجهي على الكتاب و أنام لحظة فاذا طلع الصبح شرعت في التدريس الى وقت الظهر فاذا اذن المؤذن قمت اسعى الى درسي التي أقرأها فربما أخذت قطعة خبز من دكان الخباز في طريقي فآكلها و انا امشي و في اغلب الأوقات ما كان يحصل فأبقى الى الليل،و كنت في اكثر احوالي اذا جاء الليل لم اعلم انّي أكلت شيئا في النهار ام لا فاذا تفكرت تحقّقته انّي لم آكل شيئا،فأتى لي زمان ما كان

ص:212

عندي دهن سراج للمطالة،فأخذت غرفة عالية و جلست بها و كان بها ابواب متعددة فكنت اذا اضاء القمر فتحت كتابي للمطالعة،و كلما دار القمر فتحت بابا من الأبواب و بقيت على هذه الحالة مدّة سنتين فضعف بصري فهو ضعيف الى هذا الآن.

و كان لي درس اكتب حواشيه بعد صلاة الصبح في وقت الشتاء و كان الدم يجري من يدي من شدة البرد و كنت لا اشعر به،و هكذا كانت الأحوال الى ثلاث سنوات فشرعت في تأليف مفتاح اللبيب على شرح التهذيب في علم النحو و متنه من مصنفات شيخنا بهاء الدين محمد تغمده اللّه برحمته،و كتبت في ذلك الوقت شرحا على الكافية فقرأت علوم العربية عند رجل فاضل من اهل بغداد،و الأصول عند رجل محقق من الأحساء و المنطق و الحكمة عند المحققين المدققين شاه ابي الولي و ميرزا ابراهيم و علم القرائة عند رجل فاضل من اهل البحرين،و كنا جماعة نقرأ عند الشيخ الجليل الشيخ جعفر البحراني و كنت انا اسمع ذلك الدرس بقرائة غيري فاذا اتيت الى ذلك الشيخ فكلّ من يجلس قبل يقول له:أقرأ حتّى يجلس القاري و كان يشجعنا على الدرس و على فهم معناه من المطالعة،و يقول لنا:انّ الأستاذ انما هو للتيمن و التبرك و الاّ ففهم الدرس و تحقيق معناه انما هو من مطالعة التلميذ.

و قد اتفق انّه جاءنا خبر فوت جماعة من اعمامنا و أقاربنا فجلسنا في ذلك اليوم في عزائهم و مارحنا الى الدرس فسأل عنا و قيل لهكانهم اهل مصيبة فمضينا الى الدرس اليوم الثاني فلم يرض ان يدرسنا و قال:لعن اللّه ابي و امي ان درستكم كيف ما جئتم امس الى الدرس فحكينا له، فقال:كان ينبغي ان تجيئوا الى الدرس فاذا اقرأتموه انصرفتم الى عزائكم هذا ابوكم يأتيكم ايضا خبر فوته فتقطعون الدرس فحلفنا له انّ لا نقطع الدرس يوما واحدا و لو اصابنا ما أصابنا فقبل ان يدرسنا بعد مدّة و اتفق انّنا كنا نقرأ عنده في اصول الفقه في شرح العميدي فاتفقت فيه مسئلة لا تخلو من اشكال فقال لنا و نحن جماعة طالعوها هذه الليلة فاذا اتيتم غدا فكل من عرفها يركب صاحبه و يحمله من هذا المكان الى ذلك المكان فلمّا اتينا اليه غدا و قرر اصحابي تلك المسئلة قال لي:تكلم انت فتكلمت فقال:هذا هو الصواب و كلّما قال الجماعة غلط فقال لي:امل عليّ ما خطر بخاطرك حتّى اكتبه حاشية على كتابي فكنت انا املي عليه و هو يكتب فلمّا فرغ قال لي:

اركب على ظهر واحد واحد من اصحابك الى هناك فحملوني الى ذلك المكان و هذا كان حاله فأخذني ذلك اليوم معه الى بيته و قال لي:هذه ابنتي اريد ان أزوّجك بها فقلت:ان شاء اللّه تعالى اذا توسعت في طلب العلم فاتّفق انّه سافر الى الهند و صار مدار حيدر آباد عليه و قد سألته يوما عن تفسير شيخنا الشيخ عبد علي الحويزي الّذي الفّه من الأخبار فقال لي:ما دام الشيخ عبد علي حيّا فتفسيره لا يساوي قيمة فلس فاذا مات فاول من يكتبه بماء الذهب انا ثم قرأ:

ص:213

ترى الفتى ينكر فضل الفتى لوما و بخلا فاذا ما ذهب

لجّ به الحرص على نكتة يكتبها عنه بماء الذهب

و نظير هذا انّ رجلا من فضلاء اصفهان صنّف كتابا فلم يشتهر و لم يكتبه احد فسأله رجل من العلماء لم لا يشتهر كتابك؟فقال:انّ له عدوا فاذا مات اشتهر كتابي،فقال له و ما هو؟قال:

انا و قد صدق في هذا الكلام،و بقيت في شيراز تسع سنوات تقريبا و قد اصابني فيها من الجوع و التعب ما لا يعلم به الا اللّه،و في خاطري انّي قد بقيت يوم الأربعاء و الخميس ما وقع في يدي الاّ الماء فلمّا اتت ليلة الجمعة رأيت الدنيا تدور ب و قد اسودت كلها في عيني فمضيت الى قبة السيد احمد بن الأمام موسى الكاظم فأتيت الى قبره و لزمته و قلت له:انا ضيفك فكنت واقفا فاذا رجل سيّد قد اعطاني قوت تلك الليلة من غير طلب فحمدت اللّه و شكرته و مع ما كنت فيه من الجدّ و الأجتهاد كنت كثيرا ما اتنزه في البساتين و الأماكن الحسنة مع الأصحاب و الأعلام و في وقت الورودات نمضي الى البساتين و نبقى فيها اسبوعا و اقل و اكثر و لكن الأشتغال ما كنت افوته من يدي و قد منّ اللّه عليّ في شيراز بأصحاب صلحاء نجباء علماء و كانوا موافقين لي في السن.

و من جملة رياضاتي للدرس انّ صاحبا لي كان منزله في طرف شيراز و كنت ابات عنده لأجل دهن السراج حتّى اطالع و كان لي درس اقرأه على ضوء سراج آخر الليل في مسجد الجامع و هو في طرف آخر من البلاد،و اقوم من هناك و قد بقي من الليل بقية كثيرة و معي عصا و بين ذلك المنزل و بين المسجد اسواقا كثيرة و في آخر الليل و ليس في شيء منها سراج بل كلها مظلمة و الداهية العظيمة انّ عند كل دكان بقال كلب يقرب من العجل لحراسة ذلك الدكان،و كنت أجيء وحدي من ذلك المكان البعيد فاذا وصلت الى السوق لزمت جداره حتى اهتدي الى الطريق و اذا وصلت الى دكان البقال شرعت في قرائة الأشعار جهرا حتّى لا يظن الكلب اني سارق بل كان يظن يظن انّنا جماعة عابرين الطريق،و كنت عند كل دكان احتال على الكلب بحيلة حتى اخلص منه و بقيت على هذا برهة من الزمان و كنت في مدرسة المنصورية و حجرتي فوق و لا كنت احبّ احد يجيء اليّ و لا يمشي الى قريب منها و كنت احبّ الأنفراد و الوحدة و بقيت على هذه الأحوال تلك المدة.

ثمّ كاتبني والدي و والدتي و ألحوا عليّ في الوصول الى الجزائر فمضيت اليهم انا و اخي سنة موج الجزائر الأخير لأن الموج الأول موج عواد فلمّا وصلنا الى الأهل فرحوا بنا لقدومنا و لأن كل من مضى من تلك البلاد رجع من غير علم فقالت والدتي:ينبغي ان تتزوجا حتى ارضا عنكما فقلت انّ علم الحديث و الفقه قد بقي علينا قرائته فقالت:لا بد ان تتزوجا و كان الحامل لها على

ص:214

هذا هو اننا اذا تزوجنا الزمنا السكنى معها فقبلنا كلامها و تزوجنا و بقيت بعد التزويج قريبا من عشرين يوما فمضيت الى زيارة رجل فاضل في قرية يقال لها نهر الصالح،فلما اجتمعنا و تباحثنا في العلوم العقلية فقالوا لي:وا اسفا عليك كيف فاتك علم الحديث فقلت:و كيف فاتني علم الحديث قال لقولهم ذبح العلم في فروج النساء فرماني في الغيرة فقلت له:و اللّه يا شيخ لا ارجع الى اهلي و ها انا اذا قمت من مجلسك توجهت الى شيراز فاستبعد قولي فقمت منه و ركبت في سفينة و أتيت الى القرنة و كان فيها سلطان البصرة فاخذني معه الى الصحراء للتنزّه فلما رجعنا أتيت الى البصرة و لاحظت ان والدي يتبعني فركبت في سفينة و قصدت الى شيراز فأتيت الى تلك المدرسة و لحقني اخي فأقمنا فيها و أتى الينا خبر موت الوالد تغمّده اللّه برحمته فبقينا بعده شهرا او اقلّ.

ثمّ انّ مدرسة النصورية احترقت و احترق فيها واحد من طلبة العلم و احترق لي فيها بعض الكتب و صارت بعض المقدمات فسافرنا الى اصفهان و كنا جماعات كثيرة و اصابنا في الطريق برد تيقّنا معه الهلاك فمنّ اللّه علينا بالوصول فجلسنا في مدرسة ليس فيها الا اربع حجرات في(سرنيم اورد)و جلسنا في حجرة واحدة و كنّا جماعة كثيرة فكنّا اذا نمنا في تلك الحجرة و اراد واحد منّا الأنتباه في الليل لحاجة انبهنا جميعا ثم انّه قد تضايقت علينا امور المعاش و بعنا ما كان عندنا من ثياب و غيرها و كنّا نتعمد اكل الأطعمة المالحة لجل ان نشرب ماء كثيرا و نأكل الأشياء الثقيلة لذلك ايضا ثم بعد هذا منّ اللّه عليّ بالمعرفة مع استاذنا المجلسي ادام اللّه ايّام سلامته فأخذني الى منزله و بقيت عندهم في ذلك المنزل اربع سنين تقريبا و قد عرفت اصحابي عنده فأيدهم باسباب المعاش و قرأنا عليه الحديث.

ثمّ انّ رجلا اسمه ميرزل تقي بنى مدرسة و ارسل اليّ و جعلني فيها مدرسا و المدرسة تقرب من حملم الشيخ بهاء الدين محمد تغمده اللّه برحمته فأقمت في اصفهان اقرأ و ادرس ثمان سنوات تقريبا ثمّ اصابني ضعف في البصر بكثرة المطالعة و كان في اصفهان جماعة كحّالون فداووا عيوني بكلّما عرفوا فما رأيت من دوائهم الاّ زيادة في الألم فقلت في نفسي:انا اعرف بالدواء فقلت لأخي ره انّي اريد السفر الى المشاهد العالية فقال:انا اكون معك فسافرنا من طريق اصفهان و في اثناء الطريق وصلنا الى كرمان شاه و تجاوزناها و قمنا من منزل و نريد منزلا آخر و هو الهارونيّة بناها هارون الرشيد لعنه اللّه تعالى فلما صعدنا الجبل اصابنا فوقه مطر و هواء بارد و صار الصخر تزلق فيه الأقدام و لا يقدر يستمسك الراكب على الدابة من الهواء البارد و شدّته و المطر فشرعت انا في قراءة آية الكرسي فليس احد من اهل القافلة الاّ و قد سقط من الدابّة و انا بحمد اللّه وصلت الى المنزل سالما،فلما وصلنا المنزل كان فيه خان صغير و له حوش و ليس فيه حجر و انّما فيه طوائل للدواب و مرابطها فأدخلنا أعراضنا و الكتب الى طويلة و وضعنا فوق صفّتها و اتّفق ان تلك

ص:215

الطوائل كان فيها اسماد كثير و قد عمد اليه بعض المترددين و وضع فيه النار لأجل ان يحترق ذلك السماد فما كان في تلك الطوائل الاّ الدخان الخانق و مطرت السماء فتحيرنا بين المطر و الدخان فكنّا نقبض على خياشيمنا فاذا ضاقت انفاسنا خرجنا من الطويلة الى الحوش و تنفسنا و رجعنا فكنا نلك الليلة وقوفا ليس لنا حاجة الا الخروج للتنفس و يا اخوان ما كان اطول تلك الليلة فلمّا اصبح الصباح و طلعت الشمس و خرجنا الى الحوش و جاءنا اهل تلك القرية يبيعون علينا الخبز و غيره فأتت الينا امرأة منهم و كان لها لحية طويلة نصفها بيضاء و نصفها سوداء فتعجّبنا منها.

ثمّ اننا وصلنا الى بعقوبا فأودعنا كتبنا و أغراضنا لأهل القافلة و مضينا نحن مع جماعة قليلة الى سرّ من رأى فلما عزلنا عن القافلة و سرنا فرسخا تقريبا لقينا رجل فقال لنا:انّكم تمضون و اللصوص امامكم في نهر الباشا فترددنا في الرجوع و المضيّ فصار العزم على المضي فلما وصلنا الى ذلك النهر طلعت علينا خيولهم فعدوا علينا فقرأت آية الكرسي و أمرت أصحابي بقرائتها فلما وصلوا الينا انفردوا عنّا ناحية و كانوا يتفكّرون فرأيناهم جاؤوا الينا و قالوا لنا:قد ضللتم الطريق و كان الحال كما قالوا فأرسلوا معنا رجلا منهم و سار معنا الى قرب المنزل و هو القازاني استقبلنا جماعة من سادات (1)سرّ من رأى لأجل ان يأخذونا و كان آخر اختيارنا من ارواحنا و اموالنا اوّل وقوعنا بايديهم و كانت عندنا دواب فقالوا:ينبغي ان تركبوا دوابنا لأجل الأجرة فركبنا دوابهم فوصلنا الى المشهد المبارك في الليل فنزلنا في بيت ذلك السيّد فأتت الينا امرأة بقبضة حطب قيمتها أقلّ من الفلس.

فلمّا صلينا قلنا لهكنروح الى الزيارة قال:لا حتى تأكلوا الضيافة عندي فقلنا له:نحن معنا من الخبز و اللحم ما يكفينا فقال:لا يكون هذا فبعد ساعة قدم الينا جفنة من الخشب كبيرة و فيها ماء اسود لا ندري ما يكون تحته و فيها خواشيق فقلنا هذا أي شيء؟فقال:مدوا ايديكم فمددنا ايدينا و كان ذلك الماء حارّا فمددنا الخواشيق فقصرت عن الوصول الى قعر الجفنة فمددنا بعض ايدينا و تناولنا بالخواشيق ما في قعر الجفنة فكان حبّات ارزة و كان قد غلاّها مع ذلك الماء فشربنا كلّ واحدة خاشوقة و قمنا للزيارة فقال لنا ذلك السيد المبارك اعلموا يا ضيفاني انّ سادة سامراء ليس لهم خوف من اللّه و لا حياء فاذا دخلتم قبّة الأمام عليه السّلام اخذوا ثيابكم و لكنّكم اكلتم ملحي فأنا انصحكم ان تجعلوا ما عندكم من الثياب الجديدة عندي في منزلي و خذوا خلقان ثيابكم حتّى لو

ص:216


1- (1) عدة من خدم الحرم العسكريين عليهما السّلام في سر من رأى يدعون السادة و في رؤوسهم علامة الهاشميين و اللّه اعلم بحقيقة حالهم و اظنهم ان كانوا من بني هاشم انهم من بني العباش و هم من اهل السنة كسائر اهل سامراء و لكن يظهرون للزوار انهم من الشيعة و هم من اشد الناس قساوة و شقاوة و ايذاء لخلق اللّه تعالى و المشهور انهم ليسوا من السادات و انما ادعوا ذلك كذبا.

اخذت منكم ترجعون الى هذه الثياب فاستعقل كلامه اصحابنا و وضعوا ثيابهم عنده و اما انا فقلت قد اصابني البرد هذه البارحة فلبست ثيابي واحدا فوق الآخر فلمّا مضينا الى الزيارة اخذوا منا في الباب الأول من كل واحد اربع محمديات فلمّا وصلنا الباب الثاني اخذوا منا ايضا فزرنا موالينا و اتينا الى السرداب فلمّا نزلنا اليه احاطوا بنا تحت الأرض فأخذوا ما أرادوا و كأنّي ارى طرف ميزر واحد ما اصحابي في يده و الطرف الآخر في يد رجل سيّد من السادة فأخذه السيّد و بقي صاحبي مكشوف الرأس فأتينا الى منزل صاحبنا فقلنا له:هات الثياب فقال:اولا حاسبوني على حقوقي و ادفعوها اليّ فقلنا هذا يكون فاحسبها انت فقال:الأول حق الأستقبال فقلنا له هذا حق واضح فقال لخواطركم كل واحد محمّديتين فأخذ منا،ثمّ قال:حق المنزل البارحة فأخذ حقه، ثمّ قال:حق الحطب فأخذ من كل واحد نصف محمديّة،ثم قال:حق المرأة التي اتت به فأخذ ما أراد،ثمّ قال:و الحق اعظم حقّ الضيافة و هو من كل واحد محمّديّة فاخذ ذلك الحق،ثمّ قال:

حق الحماية و هو انكم في منزلي و لولاه كان السادة أخذوا ما معكم فأخذ ذلك الحقّ فقال:حقّ المشايعة فأخذه،فلما قبض الحقوق كلها قلنا له:أعطنا الثياب فقال:قولوا مع انفسكم انّنا اخذناها معنا لمّا دخلنا القبة الشريفة اما كان السادة يأخذونها منكم فها انا من السادة و اخذتها منكم من غير اهانة بكم فقلنا له:جزاك اللّه خيرا.

فرجعنا الى بغداد و أتينا من بغداد الى مشهد الكاظميين عليهما السّلام،ثمّ أتينا الى زيارة مولانا ابي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و كنت قد أخذت ترابا من عند رأس كلّ امام فأخذت من تراب رجلي الحسين عليه السّلام و وضعته فوق ذلك التراب و اكتحلت به ففي ذلك اليوم قوى بصري على المطالعة و صار اقوى من الأول،و كنت قد أفّت شرحا على الصحيفة الشريفة فشرعت في اتمامه ذلك اليوم و الى الآن كلّما عرض لي رمدا او غيره اكتحلت بشيء من ذلك التراب و يكون هو الدواء،و لمّا قدمت الى مشهد مولانا امير المؤمنين عليه السّلام و زرته مددت يدي الى تحت الفراش من عند رأسه المبارك لأخذ شيء من التارب فجائت في يدي درة بيضاء من درّ النجف فاخذتها و لمّا خرجت قلت لأخواننا المؤمنين فتعجبوا و قالوا:ما سمعنا بأنّ احدا وجد درّة النجف في هذا المكان بل هذا ملك اتى بها و وضعها في هذا المكان و ذلك انّه قبل ذلك التاريخ با عوام كثيرة قد وجد واحد من الخدام درّة في صحن الحوش فاخذها منه المتولي و ارسلها الى حضرة الشاه صفي لأنّها وجدت في لك المكان و الحاصل انّ تلك الدرّة صنعناها خاتماص و هي الآن عندنا نتبرك بميامنها و قد شاهدنا لتلك الدرة احوالات عجيبة،منها انّني كنت لابسا ذلك الخاتم فمضيت الى مسجد الجامع في شوشتر فصلّيت المغرب و العشاء و أتيت الى المنزل فلمّا جلست عند السراج و نظرت الى فص الخاتم لم اره و كان قد وقع في ذلك الليل فضاق صدري و حزنت حزنا عظيما،فقال لي بعض بعض

ص:217

تلامذتي نأخذ سراجا و نروح في طلبه،فقلت لهم:لعله يكون قد وقع منّي النهار و انا اليوم مضيت الى اماكن متعددة،فقلت لهم:توكّلوا على اللّه و اطلبوه فاخذوا سراجا و مضوا فاول ما وضعوا السراج قرب الأرض لطلبه وجدوه مع انّه بمقدار الحمصة فعجب الناس من هذا فلمّا بشر و نيتخيّلت ان اموال الدنيا و هبت لي و الحمد للّه هو الآن موجود.و لمّا فرغنا من الزيارة شرعنا في زيارة الأفاضل و المجتهدين و المباحثة معهم و مصاحبتهم،ثمّ اتينا الى الرماحية و كنت ضيفا عند رجل من المجتهدين و بقيت عنده ايما قلائل فاستأجرت سفينة و ركبت فيها قاصدا للجزائر فسارت السفينة فرسخين تقريبا ثم وقفت على الطين فبقيت واقفة يوما و ليلة ثمّ سارت فرسخا او اكثر ثم وقفت كالأول ثمّ سارت و هكذا فتعجب اهل السفينة و قالوا:ما جرى هذا قط على سفينتنا فتفكرت انا و قلت في نفسي هذا الشهر جمادي و صارت زيارة رجب قريبة و انا تركتها و قصدت الجزائر و لا يكون هذا التعويق الا لهذا.

فقلت لصاحب السفينة ان اردت ان تسير سفينتك فاخرجني منها و قلت له الكلام فتعجّب،فقلت له:انّ قدّامنا في حقروص رجلا من اخواننا فانا اخرج الى منزله حتّى تصل السفينة الى مقابل منزله فنخرج اثاثنا فاخرج معي رجلا ليدلّني على الطريق فلمّا خرجنا و مشينا جرت السفينة و قد تقدّمتنا فوصلنا الى منزل ذلك المؤمن و ارسل غلامه و تبع السفينة حتى اتى باسبابي منها،فبقيت عند ذلك المؤمن ايّاما قلائل و سافرت انا و هو إلى زيارة رجب ثم زرنا مولانا امير المؤمنين عليه السّلام ثانيا.

فلما فرغنا من الزيارات أتينا الى منزل ذلك الرجل المؤمن في حقروص و كان على شاطيء الفرات و كان له مجلس فوق غصن شجرة قويّ في وسط الماء و السفن تجري من تحته فما رأيت مكانا أنزه و لا ألطف و لا آنس منه و كانوا في النهار يصيدون الحجل و الدّرّاج و نأكله في الليل،و ماء الفرات و هولا لا نسأل عن عذوبته و لطافته و حلاوته و بركته لأنّه ورد في الحديث انّه يصبّ فيه في ميزاب من ماء الجنّة كلّ يوم.

و في الحديث انّه كان يبريء الأكمه و الأبرص و ذوي العاهة لكن باشره نجاسة ابدان المخافين فازال عظيم بركته و بقي القليل و كان مولانا الصادق عليه السّلام يقصده من المدينة ليشرب منه و يغتسل به و يرجع،و قد ورده يوما فقال لرجل كان على الماء:ناولني بهذا القدح ماء فناوله ثمّ قال ناولني اخرى فناوله فشرب و اجرى الماء على لحيته الشريفة فلمّا فرغ قال الحمد للّه رب العالمين ماء ما اعظم بركته.

ثمّ اني ركبت في السفينة و جئت الى الجزائر فلقيت جماعة من اهل السفينة الأولى فقالوا لي:انّه من وقت خروجك منها ما وقفت ساعة واحدة الا بالمنزل،فلمّا وصلت الى الجزائر الى

ص:218

منزلنا في الصباغيّة في نهر المدك فرحوا أهلي و ذلك انّ اخي تقدمني بالمجيء من بغداد و لمّا رأته والدتي خطر ببالها الخواطر من جانبي و انّه ما تأخر الا لقضية حادثته فبقيت في الجزائر مع اخي في الصباغيّة ثلاثة اشهر و شرعت في شرح تهذيب الحديث هناك،ثم انتقلنا الى نهر الصالح فرأينا اهلها اخيار صلحاء و علماؤها من اهل الإيمان منزّهين عن النفاق و الحسد فأحسن كلّهم الينا احسانا كاملا فبقينا هناك ستة اشهر او اكثر و بنوا لنا مسجدا جامعا كان من الأوّل يصلي فيه شيخنا الأجل خاتمة المجتهدين الشيخ عبد النبي الجزائري و كنّا نصلي فيه جماعة لا جمعة.

ثمّ ان السلطان محمد بعث عساكره الى سلطان البصرة الى انّه يخرب الجزائر و البصرة و ينقل اهلها الى مكان اسمه سحاب قريب الجويزة فانتقلنا كلّنا اليها و وضع عسكره في قلعة القرنة و جلس هو مع اهل الجزائر في سحاب و كان يجيء الى عندنا،فاذا جاء وضعوا له في الصحراء عباءة و اذا اتيت اليه قام و أجلسني معه على تلك العباءة و كان يظهر المحبة و الود لي كثيرا،فلما قرب الينا عساكر السلطان محمد و حصروا القلعة كانوا يرمونها كل يوم ألف مدفع او اقل و كانت الأرض ترجف من تحتنا هذا و انا مشغول في تأليف شرح التهذيب فبعثت العيال و اكثر الكتب مع اخي الى الحويزة و بقيت انا و كتبا لتاليف.

ثماني طلبت الأذنمن السلطان في السفر الى الحويزة فلم يأذن لي و قال:اذا خرجت انت من بيننا ما يبقى معي احد فبقينا في الحصار اربعة اشهر تقريبا فاتى شهر اللّه رمضان فسافرت الى الحويزة،و كنت انتظر الأخبار فلمّا كان ليلة الحادية عشر من ذلك الشهر و هي ليلة الجمعة خاف سلطان البصرة من خيانة عسكره و فرّ هاربا الى الدورق،فبلغ الخبر اهل الجزائر طلوع فجر يوم الجمعة ففرّت النساء و الرجال و الأطفال و الشيوخ و العميان و كلّ من كان في ذلك الأقليم طالبين الحويزة و بينهم و بينها مسيرة ثلاثة ايام لكنها مفازة لا فيها ماء و لا كلاء بل ارض يابسة فمات من اهل الجزائر في تلك المفازة عطشا و جوعا و خوفا ما لا يحصى عددهم الا اللّه تعالى و كذلك العسكر الذي في القرنة قتل منه ايضا خلق كثير.

و الحاصل انّ من شاهد تلك الواقعة عرف احوال يوم القيامة و امّا سلطان الحويزة قدس اللّه روحه و هو السيد علي خان فأرسل عساكر لأستقبال اهل الجزائر و ارسل لهم ماء و طعاما جزاه اللّه عنهم كلّ خير،ثمّ اننا اقمنا عنده في الحويزة شهرين تقريبا و سافرنا الى اصفهان لكن من طريق شوشتر فلمّا وصلنا شوشتر رأينا اهلها من اهل الصلاح و الفقر و يودّون العلماء،و كان فيهم رجل سيّد من اكابر السادة اسمه ميرزا عبد اللّه فاخذنا الى منزله و عيّن لنا كلما نحتاج اليه و الآن هو قد مضى الى رحمة اللّه لكنّه اعقب ولدين السيّد شاه مير و السيد محمد مؤمن و فيهما من

ص:219

صفات الكمال ما لا يحصى مع صغر سنّهما و لا وجد في العرب و العجم اكرم منهما و لا يقارب اخلاقهما وفّقهما اللّه تعالى لجميع مراضيه.

ثمّ انّ والدهما ارسل الى اهلنا في الحويزة،و لمّا جاؤا عيّن لهم منزلا و كلما يحتاجون اليه فبقينا في شوشتر تقريبا ص من ثلاثة اشهر و سافرنا الى اصفهان على طريق ديه دشت و بقي الأهل في شوشتر،فلما قدمنا ديه دشت أخذنا حجرة في المكان و جلسنا بها ثم بعد ساعة قلت لواحد من الرفقاء اذهب و انظر لعلّ لنا فيها صديقا يأخذ لنا منزلا الى كم يوم.

فلما خرج اتى برجل سيّد كان يقرأ عندي في اصفهان فلما رآني فرح فرحا شديدا و قال:

انّ جماعة من تلاميذك من سكان هذه البلاد فاخبرهم و كانوا سادات ديه دشت فاخذوا لنا منزلا و كان الحاكم في تلك البلاد محمّد زمان خان و كان عالما كريما سخيّا لا يقارب في الكرم فلمّا سمع بنا ارسل وزيره و عيّن لنا ما نحتاج اليه و ما لا نحتاج اليه فطلبنا الحاكم في يوم آخر وردنا عليه قال لي:سمعت انك شرحت الصحيفة؟قلت:نعم فقال:ان في دعاء عرفه فقرة كيف شرحتها؟ فقلت:ما هذه الفقرة قال:هي قوله عليه السّلام تغمدني فيما اطّلعت عليه مني بما يتغمد به القادر على البطش لو لا حلمه فذكرت له وجوها ثلاثة في حلّها فقال لي:أحد هذه الوجوه خطر بخاطري و الآخر خطر بخاطر الأقا حسين الخوانساري فاستحسنها و شرعنا في المباحثة و كنت احترمه في الكلام فجلس على ركبتيه و رمى حلّته من فوق ظهره و قال:تكلّم كما كنت تتكلم في المدرسة مع طلبة العلم و لا تحترمنيث فتباحثنا و كنت انقله من علم الى علم و كان يسبقني في الكلام الى ذلك العلم حتّى جاء وقت صلاة الظهر فقطعنا الكلام ثم عدنا الى المباحثة يوما آخر و كنت في بلاده ثلاثة اشهر تقريبا على هذه الحال فما رأيت احدا افهم منه و لا أفصح منه لسانا.

و امّا في جانب الكرم و امداد العلماء و الفقراء فحاله فيه مشهور و لمّا أستأذّنا منه على السفر الى اصفهان احسن الينا غاية الأحسان،فلما سافرنا الى اصفهان فانظر الى ما جرى في الطريق و هو انّنا لمّا وصلنا الى منزل قبل منزل كنار سقاوه نزلنا في منزل و كان في غاية النزاهة من جهة الماء الجاري و الأشجار و الأنهار فحصل لنا نهاية الأنتعاش فقلت في خاطري:اعوذ باللّه من فرح هذا اليوم لأنّي عوّدت روحي ان افرح اليوم القى بعده حزنا طويلا فلمّا جاء وقت الركوب ركبنا فانتهينا الى بقعة في كنار سقاوة و كان معنا رفقاء يمشون و واحد منهم اطرش فلمّا تقدمنا جلس وسط الطريق تحت صخرة فجئت انا و اخي و نحن ركوب فلمّا وصلت الخيل اليه فاجئها بالقيام فنفرت و نحن لا نعلم فالقتني الدابة على صخرة عظيمة فلمّا افقت رأيت انّ يدي اليسرى قد عرض لها الصدع العظيم فأتاني الرفقاء و شدّوها و بقيت الى اصفهان كلّ يوم يمر عليّ في تلك الحال يصلح ان يكون كفّارة لذنوب مائة سنة.

ص:220

فوصلنا الى اصفهان و جلست في حجرتي في مدرسة ميرزا تقي دولت آبادي و بقيت اعالج يدي فبقيت مدّة خمسة اشهر فلمّا صارت طيّبة في الجملة عرض لي الم في بدني فصرت لا اشعر و قد عاينت الموت و في وقت معاينته كنت مسرورا به من توفيقات اللّه سبحانه فبقيت على هذا مدّة،و لمّا شافاني اللّه من ذلك الألم عرض لأخي المرحوم الم الحمّى فبقي حتّى انجرّ الى الأسهال فمضى الى رحمة اللّه تعالى ليلة الجمعة اوّل شهر شعبان غريبا فبقي المه في قلبي الى هذا اليوم و الى الموت و اللّه ما أسلوه حتّى انطوى تحت التراب و يحتويني الجندل و قد توفي تغمده اللّه برحمته سنة التاسعة و السبعين بعد الألف و هذه السنة عام التاسع و الثمانين بعد الألف و ما مضت ليلة الا و رأيته في المنام على احسن هيئة و امّا في النهار فكتبه قدّامي اطالع بها و انظرها و كلّما رأيت كتابا منها تجدّدت مصائبي عليه فانّا للّه و انا اليه راجعون.

فبقيت بعده في اصفهان خيرانا تايها في بحار الهموم فتفكّرت و قلت ليس لمثل هذه المصائب دواء الا الوصول لزيارة مولاي الرضا عليه السّلام فسافرت فلمّا وصلنا كاشان و خرجنا منها و توجهنا الى منزل الرمل سرنا فيه ليلا و ظللنا عن الطريق،فأضاء الصبح و علا النهار فبلغنا في الرمل انّ لا نقدر على المشي و لكن نسبح به على بطوننا،و امّا الدواب فكانت تمشي و الرمال تساوي ما هبط من السرج فأشرفنا على الهلاك ثمّ منّ اللّه علينا بالوصول الى الطريق حتى وصلنا الى مشهد مولانا الرضا عليه السّلام.

و لمّا اقمنا ايّاما و رجعنا كان رجوعنا على طريق اسفراين فرأينا في ذلك الطريق منازل عجيبة و احوالات غريبة فلمّا اتيت سبزوار حصل لي بعض الألم فأخذت محملا على جمل،فلمّا وصلت اصفهان بقيت فيها مدة قليلة ثم سافرت الى شوشتر فجعلتها دار وطن و اتخذت فيها مساكن و كان بيني و بين سلطان الحويزة و دادة و محبة و كان يرسل لنا في كل سنة كتابات متعددة بالقدوم اليه فاذا قدمنا عليه عمل معنا من الأحسان ما لا نطيق شكره و نحن الآن في شوشتر.

و في هذا العمر القليل قد رأينا من مصائب الزمان ما لا نقدر على بيان شرحه و الذي سهله علينا الأخبار الواردة بابتلاء المؤمن و انّه لو كان غريقا في البحر و هو على لوح لسلّط اللّه عليه من يؤذيه حتّى يتم ثوابه،و كان شيخنا المجلسي ادام اللّه ايّام عزه و مجده لا يقارب في العلم و العمل و مع هذا كان هدفا لسهام المصائب و اشدّ ما مرّ علينا من هذه الأهوال امور:

اوّلها فراق الأحباب و الأصحاب الثاني فراق اخي و موته فانّه جرح القلوب جرحا لا يندمل الى الموت و العدم الثالث موت الأولاد و اصعب الأمور اوسطها الرّابع حسد العلماء و ابناء

ص:221

الجنس (1)فانّهم حسدوني في كلّ بلاد أتيت اليها حتّى انتهى حالهم معي في شيراز الى ان سرقوا منّي كتبا مليحة بخطّ يدي و قرائتي و حواشي و رموها في البئر حتّى تلفت ثمّ ظهر لي الذي رماها فما كلّمته كلمة واحدة و لا واجهته بشيء حتّى اخلف اللّه تعالى عليّ تلك الكتب و غيرها و لم يملك ذلك الرجل ورقة واحدة و احوجه الى سؤال الكفّار،و انا احمد اللّه سبحانه على انّي لم أر لي محسودا و لا حسدت احدا و ذلك انّ اللّه و له الفضل لم يحوجني الى الأقران و الأمثال و لم يحط مرتبتي عن مراتبهم و هذا من باب اظهار فضل اللّه تعالى و كرمه و الاّ فالعبد المذنب الجاني ليس له مرتبة و لا درجة.

الخامس معاشرة الناس و السلوك معهم و ذلك انّ الطبائع مختلفة و الآراء متفرقة و كلّ واحد يريد من الأنسان الذي يكون على طريقتنا موافقته في الطبيعة و هذا في غاية الصعوبة مع انّه يؤدي الى المداهنة و التقرير على المنكر و هما محرّمان اجماعا و مثل هذا ما تيسر لأحد كما روي ان موسى عليه السّلام طلب من اللّه سبحانه ان يرضى عنه عامّة بني اسرائيل حتى لا ينالوا من عرضه و لا يتكلموا في غيبته فقال سبحانه:يا موسى هذه خصلة لم توجد لي فكيف توجد لك و هذا الظاهر فانّ من تامّل و راجع النظر و تصفح احوال الناس يرى شكايتهم من اللّه تعالى اكثر من شكواهم من السلطان الجائر سفاك الدماء و لا ترى احدا الاّ و هويّتهم اللّه تعالى في قضائه و قدره و هذا يكون كثيرا في احوال الفقر و المرض و زوال النعم و انتقالات الأحوال.

السادس و هو الداء العضال و الذي نغّص علينا العيش و كدّر الصافي منه مع انه لا يوجد و هو انّه ابتلينا بالتوطن في بلاد ليس فيها مجتهد و لا مفت حتّى نحيل الناس عليه و اذا سألوا منّا ما يحتاجون اليه في امور عباداتهم و معاملاتهم فربّما اشكل الحال و احتاج المقام الى معاونة الآراء.

و ان قلت انّ هذه المسئلة لا تخلو من اشكال لا يقبل منك و يقولون كيف يشكل عليك شيء و انت فلان الذي عندك من الكتب كذا و كذا و قرأت عند فلان و فلان و هو المطلع على الأسرار و الضمائر انّي انزوي عن الناس في اكثر الأوقات و اغلق الباب بيني و بينهم لهذا و امثاله و الهمّ

ص:222


1- (24) العلماء صنفان علماء الدنيا و علماء الاخرة و المراد من الصنف الاول من كان غرضه من العلم هو الدنيا و هدفه من تحصيله الشهرة و الرياسة و حب الجاه و طلب الوقع في قلوب الناس و ابتغاء اقبالهم اليه. و المراد من الصنف الثاني هو العارفون باللّه تعالى و بصفاته و ملائكته و رسله و كتبه و اليوم الاخر و الراغبون في الاخرة و المعرضون عن الدنيا و الزاهدون فيهما و العاملون بمقتضى عملهم و تعبير اوجز بهم:ان وصفتهم العلم و العمل.و قد تجدهم الشهرة و الرياسة و المرجعية قهرا مع فرارهم عنها فرار الغنم من الذئب و لا يحومون حول الاسباب المفضية اليها اصلا.

الذي ينالنا من هذا اصعب من ما تقدّمه من كلّ الأمور و نرجوا من اللّه سبحانه العصمة من الخلل و الخطاء في القول و العمل.

السابع عدم الأسباب الّتي نحتاج اليها في التأليف و التصنيف و العلم لا ينفعه الاّ الكتب و الحمد للّه عندنا اكثر الكتب لكن الذي يقصد التأليف في العلوم الكثيرة يحتاج الى اسباب كثيرة و نحن في بلد لا يوجد فيها ما نحتاج اليه و المأمول من اللّه تعالى جلّ شأنه ان يوفقنا لتحصيلها انّه على ما يشاء قدير و قد وفّق اللّه تعالى في هذه البلاد لتأليف كتاب نوادر الأخبار المشتمل على مجلدين و تمام شرح تهذيب الحديث المشتمل على ثمان مجلدات و كتاب الهدية في علم الفقه مجلّد واحد و كشف الأسرار لشرح الأستبصار المشتمل على مجلدين و هذا الكتاب الذي هو كتب الأنوار المشتمل على مجلدتين و قد وفّق اللّه سبحانه ايضا لشرح الصحيفة و هو مجلّد واحد و في النحو الّفنا شرحا على مغنى ابن هشام و شرح تهذيب النحو مجلّد واحد و شرحا على الكافية و بعض الرسائل.

و امّا الحواشي الّتي الفناها على متون كتب الأخبار الأصول الأربعة و غيرها فهي كثيرة جدا نرجو من اللّه تعالى ان يجعلها عنده من الذخائر لنا اذا زلّت الأقدام و عميت الأفهام و وضعت الموازين و نشرت الدواوين هذا مجمل احوال الفقير من سنة الخمسين بعد الألف الى السنة التاسعة و الثمانين بعد الألف قد وقع الفراغ من تحرير هذا الكتاب و تأليفه ليلة الثلاثاء الثاني و العشرين من شهر رمضان المبارك من عام التاسع و الثمانين بعد الألف كتبه مؤلفه العبد المذنب الجاني نعمت اللّه بن عبد اللّه الحسيني الجزائري حامدا مصليا على محمد و آله الطاهرين.

حديث حذيفة اليماني رضي اللّه عنه

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السّلام على سيّد الأولين و الآخرين و اشرف الأنبياء و المرسلين و خير الخلائق اجمعين محمد و آله و عترته الطّيبين الطاهرين و لعنة اللّه على اعدائهم و مخالفيهم الى يوم الدين.

و بعد فقد قال مولانا الأجل العلاّمة الفهّامة الطهر الطاهر الزّكي محمّد باقر بن مولانا المحقّق المدقّق الصفي البهي محمد تقي المجلسي علمهما اللّه و ايانا بلطفه الخفي و الجلي و حشرهما اللّه و ايانا مع النبي الأميّ و اوصيائه الأزكياء الأصفياء المنصوبين للولاية بالنص الجلي صلوات اللّه عليهم اجمعين في كتابه المسمّى بالأربعين ما أخرجته من كتاب ارشاد القلوب تأليف الشيخ الزكي الحسن بن ابي الحسن الدليمي ممّا رواه مرفوعا قال:لمّا استخلف عثمان بن عفان آوى اليه عمّه

ص:223

الحكم بن العاص و ولده مروان و الحارث بن الحكم و وجّه عما له في امصار يمن و كان فيمن وجه عمر بن سفيان بن المغيرة بن ابي العاص بن اميّة الى مشكان و الحارث بن الحكم الى المدائن فأقام بها مدّة يتعسّف اهلها و يسيء معاملتهم فوفد منهم الى عثمان وفد شكوه اليه و اعلموه بسوء ما يعاملهم به و اغلظوا عليه في القول فولي حذيفة بن اليماني عليهم و ذلك في آخر ايّامه فلم ينصرف حذيفة بن اليماني عن المدائن الى ان قتل عثمان و استخلف علي بن ابي طالب صلوات اللّه و سلامه عليه فأقام حذيفة عليها و كتب اليه:

بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه علي امير المؤمنين عليه السّلام الى حذيفة بن اليماني سلام عليك،اما بعد فأني قد وليت ما كنت تليه لمن كان قبلي من صرف المدائن و قد جعلت اليك اعمال الخراج و الرستاق و جباية اهل الذمة فاجمع اليك ثقاتك و من احببت ممّن ترضى دينه و امانته و استعن بهم على اعمالك فانّ ذلك أعزّ لك و لوليّك و اكبت لعدوك و انّي آمرك بتقوى اللّه و طاعته في السر و العلانية و أحذرك عقابه في المغيب و المشهد و أتقدم اليك بالأحسان الى المحسن و الشدّة على المعاند،و آمرك بالرفق في امورك و اللين و العدل على رعيتك فانك مسئول عن ذلك و انصاف المظلوم و العفو عن الناس و حسن السيرة ما استطعت و اللّه يجزي المحسنين،و آمرك ان تجبي خراج الأرضين على الحق و النصفة و لا تتجاوز ما تقدمت به اليك و لا تدع منه شيئا و لا تبتدع فيه أمرا ثم اقسمه بين اهله بالسوية و العدل و اخفض جناحك لرعيتك و واس بينهم في مجلسك و ليكن القريب و البعيد عندك في الحقّ سواء و احكم بين الناس بالحق و اقم فيهم بالقسط و لا تتّبع الهوى و لا تخف في اللّه لومة لائم فانّ اللّه مع الذّين اتّقوا و الذين هم محسنون و قد وجّهت اليك كتابا لتقرأه على اهل مملكتك ليعلموا رأينا فيهم و في جميع المسلمين فاحضرهم و اقرئه عليهم و خذ البيعة لنا على الصغير و الكبير منهم ان شاء اللّه تعالى.

قال:فلما وصل عهد امير المؤمنين الى حذيفة جمع الناس فصلى بهم ثمّ امرهم بالكتاب فقرأ عليهم و هو بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه علي امير المؤمنين عليه السّلام الى من بلغه كتابي هذا من المسلمين سلام عليكم فانّي احمد اللّه اليكم الذي لا اله الا هو و اسئله ان يصلي على محمد و آله صلّى اللّه عليه و آله.

امّا بعد فانّ اللّه تعالى اختار الأسلام دينا لنفسه و ملائكته و رسله احكاما لصنعه و حسن تدبيره و نظرا لعباده و خصّ به من احب من خلقه فبعث اليهم محمدا صلّى اللّه عليه و آله فعلّمهم الكتاب و الحكمة اكراما و تفضلا لهذه الأمّة و ادبهم لكي يهتدوا و جمعهم لئلا يجوزوا فلما قضى ما كان عليه ذلك مضى الى رحمة ربه جميلا محمودا ثمّ ان بعض المسلمين اقاموا بعده رجاين رضوا بهديهما و سيرتهما فأقاما ما شاء اللّه ثمّ توفّاهما اللّه عزّ و جلّ ثم ولّوا بعدها الثالث فاحدث احداثا

ص:224

و وجدت الأمة عليه فعالا فاتّفقوا عليه ثم نقموا منا فغيروا ثمّ جاؤوني كتتابع الخيل فبايعوني فانا استهدي بهداه و استعينه على التقوى الا و ان لكم علينا العمل بكتاب اللّه و سنة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و القيام عليكم بحقه و احياء سنته و النصح لكم بالمغيب و المشهد و باللّه نستعين على ذلك و هو حسبنا و نعم الوكيل و قد ولّيت اموركم حذيفة بن اليمان و هو من ارتضي بهداه و ارجو صلاحه و قد امرته بالأحسان الى محسنكم و الشّدة على مريبكم و الرفق بجميعكم اسئل اللّه لنا و لكم حسن الخيرة و الأحسان و رحمته الواسعة في الدنيا و الآخرة و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته،قال:ثمّ انّ حذيفة صعد المنبر فحمد اللّه و اثنى عليه و صلى على النبي صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال:الحمد للّه الذي أحيى الحق و امات الباطل و جاء بالعدل و ادحض بالجور و كبت الظالمين ايّها الناس انّما وليكم اللّه و رسوله و امير المؤمنين حقّا حقا و خير من نعلمه بعد نبينا محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اولى الناس بالناس و احقهم بالأمر و اقربهم الى الصدق ارشدهم الى العدل و اهدا هو سبيلا و ادناهم الى اللّه وسيلة و أمسّهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رحما انيبوا الى طاعة اوّل الناس سلما و اكثرهم علما و اقصدهم طريقا و اسبقهم ايمانا و أحسنهم يقينا و اكثرهم معروفا و أقدمهم جهادا و أعزّهم مقاما أخي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ابن عمّه و ابي الحسن و الحسين عليهما السّلام و زوج الزهراء البتول سيّدة نساء العالمين،فقوموا أيّها الناس فبايعوا على كتاب اللّه و سنة نبيه صلّى اللّه عليه و آله فان اللّه في ذلك رضاء و لكم مقنع و صلاح و السّلام.

فقام الناس و بايعوا امير المؤمنين عليه السّلام احسن بيعة و اجمعها فلمّا استتمت البيعة قام اليه فتى من ابناء العجم ولاة الأنصار لمحمد بن عمارة بن تيهان اخي اب الهيثم بن تيهان يقال له مسلم متقلّدا سيفا فناداه من اقصى الناس ايّها الأمير انّا سمعناك تقول في اوّل كلامك انّما وليكم اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و امير المؤمنين عليه السّلام حقّا حقّا تعريضا بمن كان قبله من الخلفاء انهم لم يكونوا امير المؤمنين حقّا فعرفنا ذلك ايّها الأمير رحمك اللّه و لا تكتمنا فانّك ممّن شهد و غبنا و نحن مقلّدون ذلك اعناقكم و اللّه شاهد عليكم فيما تأتون به من النصيحة لأمّتكم و صدق الخبر عن نبيكم صلّى اللّه عليه و آله فقال حذيفة:ايّها الرجل امّا اذا سئلت و فحصت هكذا فاسمع و افهم ما أخبرك به.

اما من تقدم من الخلفاء قبل علي بن ابي طالب عليه السّلام ممّن تسمّى بأمير المؤمنين فانّهم تسمّوا بذلك و سمّاهم الناس به و امّا علي بن ابي طالب عليه السّلام فان جبرئيل عليه السّلام سمّاه بهذا الأسم عن اللّه تعالى و شهد له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن سلام جبرئيل عليه السّلام بأمرة المؤمنين و كان اصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يدعونه في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بامرة المؤمنين قال الفتى:أخبرني كيف كان ذلك يرحمك اللّه قال حذيفة:انّ الناس كانوا يدخلون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل الحجاب اذا شاؤا فنهاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يدخل احد عليه و عنده دحية بن خليفة الكلبي فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يراسل قيصرا ملك

ص:225

الروم و بني حنيفة و ملوك بني غسان على يده و كان جبرئيل عليه السّلام يهبط عليه في صورته و لذلك نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يدخل المسلمون عليه اذا كان عنده دحية،قال حذيفة:و اني اقبلت يوما لبعض اموري الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مهجر ارجاء ان القاه خاليا فلما صرت بالباب نظرت فاذا انا بشملة قد سدلت على الباب فرفعتها و هممت بالدخول و كذلك كنّا نصنع فاذا انا بدحية قاعد و النبي صلّى اللّه عليه و آله نائم و رأسه في حجر دحية،فلما رأيته انصرفت فلقيني على بن ابي طالب عليه السّلام في بعض الطريق فقال:يا ابن اليمان من اين اقبلت؟قلت:من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:و ما ذا صنعت عنده قلت:

اردت الدخول عليه في كذا و كذا و ذكرت الأمر الذي جئت له فلم يتهيأ لي ذلك قال:و لم قلت كان عنده دحية الكلبي و سئلت عليا عليه السّلام معونتي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ذلك قال:فارجع معي فرجعت معه فلمّا صرنا الى باب الدار جلست بالباب و رفع علي عليه السّلام الشملة و دخل فسلّم فسمعت دحية يقول و عليك السّلام يا امير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته ثمّ قال:اجلس فخذ رأس اخيك و ابن عمك من حجري فأنت اولى به فجلس علي عليه السّلام و اخذ رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجعله في حجره و خرج دحية من البيت فقال علي عليه السّلام:ادخل يا حذيفة فدخلت و جلست فما كان بأسرع ان انتبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فضحك في وجه علي عليه السّلام ثم قال:يا ابا الحسن من حجر من اخذت رأسي قال:من حجر دحية الكلبي فقال:ذلك جبرئيل عليه السّلام فما قلت حين دخلت و ما قال لك؟قال:دخلت فسلمت فقال لي:و عليك السّلام يا امير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا علي سلمت عليك ملائكة اللّه و سكان سماواته بامرة المؤمنين من قبل ان يسلّم عليك اهل الأرض يا علي ان جبرئيل فعل ذلك عن امر اللّه عز و جل و قد اوحي اليّ عن ربي تبارك و تعالى من قبل دخولك ان افرض ذلك على الناس و انا فاعل ذلك ان شاء اللّه تعالى فلما كان من الغد بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الى ناحية فدك في حاجة فلبثت اياما ثمّ قدمت فوجدت الناس يتحدثون ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله امر الناس ان يسلموا على علي عليه السّلام بأمرة المؤمنين انّ جبرئيل عليه السّلام اتاه بذلك عن اللّه عز و جل فقلت:صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و انا قد سمعت جبرئيل سلّم على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين و حدّثهم الحديث فسمعني عمر بن الخطاب و انا احدث الناس في المسجد فقال لي:انت رأيت جبرئيل و سمعته فأرغم اللّه انف من رغم فقال:يا ابا عبد اللّه لقد رأيت و سمعت عجبا.

قال حذيفة فسمعني بريدة بن الخضيب الأسلمي و انا احدث ببعض ما رأيت و سمعت فقال لي:و اللّه يا ابن اليمان لقد امرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالسلام على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين فاستجابت له طائفة يسيرة من الناس و ردّ علي ذلك و اباه كثير من الناس فقلتكيا بريدة أ كنت شاهدا ذلك اليوم؟فقال:نعم من اوّله الى آخره فقلت له:حدّثني به رحمك اللّه فانّي كنت عن ذلك اليوم

ص:226

غائبا فقال بريدة:كنت انا و عمار اخي عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في نخل بني نجّار فدخل علينا علي بن ابي طالب فسلم ورد عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وردنا ثمّ قال:يا علي اجلس هناك فجلس فدخل رجل فامرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالسلام على علي بامرة المؤمنين فسلّموا و ما كادوا ثم دخل ابو بكر و عمر فسلّما فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سلّما على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين فقالا:عن اللّه و رسوله فقال:نعم فقالوا:سمعنا و اطعنا ثم دخل سلمان الفارسي و ابو ذر الغفاري رضي اللّه عنهما فسلما فرد عليهما السّلام ثم قال سلّما على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين فسلّما و لم يقولا شيئا ثم دخل خزيمة بن ثابت و ابو الهيثم بن التيهان فسلّما فرد عليهما السّلام ثمّ قال:سلّما على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين فسلّما و لم يقولا شيئا ثم دخل عمّار و المقداد فسلّما فرد عليهما السّلام و قال:سلّما على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين ففعلا و لم يقولا شيئا ثم دخل عثمان و ابو عبيدة فسلّما فرد عليهما السّلام و قال:سلّما على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين قالا:من اللّه و رسوله قال:نعم ثم دخل فلان و فلان وعد جماعة من المهاجرين و الأنصار كل ذلك يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سلّموا على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين فبعض سلم و لا يقول شيئا و بعض يقول للنبي صلّى اللّه عليه و آله اعن اللّه و رسول اللّه فيقول:نعم حتّى غصّ المجلس باهله و امتلأت الحجرة و جلس بعض على الباب و في الطريق و كانوا يدخلون فيسلمون و يخرجون ثمّ قال لي و لأخي:قم يا بريدة انت و اخوك فسلما على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين فقمنا و سلمنا ثمّ عدنا الى مواضعنا فجلسنا قالوا:ثمّ اقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليهم جميعا فقال:اسمعوا و عوا اني امرتكم ان تسلموا على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين و انّ رجالا سألوني أذلك عن امر اللّه و امر رسوله؟ما كان لمحمّد ان يأتي امرا من تلقاء نفسه بل يوحي ربه و امره أ فرأيتم و الذي نفسي بيده لأن ابيتم و نقضتموه و لتفارقون ما بعثني به ربي فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر.

قال بريدة:فلمّا خرجنا سمعت بعض اولئك الذين امروا بالسلام على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين يقول لصاحبه:و قد التفت بهما طائفة من الجفاة البغاة(البطاة)من الأسلام من قريش اما رأيت ما صنع محمّد بإبن عمه من علو المنزلة و المكانة و لو يستطيع و اللّه لجعله نبيا من بعده فقال له صاحبه:امسك و لا يكبرنّ عليك هذا فانّا لو فقدنا محمّدا لكان فعله هذا تحت اقدامنا.

قال حذيفة:ثم خرج و مضى الى بعض طريق الشام و رجع و قد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بايع الناس ابا بكر فاقبل بريدة فدخل المسجد و ابو بكر على المنبر و عمر دونه بمرقاة فناديهما من ناحية المسجد:يا ابا بكر و يا عمر فقالا:مالك يا بريدة جننت؟فقال لهما:و اللّه ما جننت و لكن اين سلامكما بالأمس على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين؟فقال له ابو بكر:يا بريدة الأمر يحدث بعده الأمر و انّك غبت و شهدنا و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال لهما:رأيتما ما لم يره اللّه و لا رسوله وفّى لك صاحبك بقوله لو فقدنا محمد لكان هذا قوله تحت اقدامنا الا ان المدينة حرام عليّ ان اسكنها

ص:227

ابدا حتى اموت-فخرج بريدة بأهله و ولده فنزل بين قومه بني اسلم فكان يطلع في الوقت دون الوقت فلمّا قضي الأمر الى امير المؤمنين عليه السّلام سار اليه و كان معه حتّى قد العراق فلمّا صيب امير المؤمنين عليه السّلام صار الى خراسان فنزلها و لبث الى ان مات.

قال حذيفة:فهذا انباء ما سألتني عنه فقال الفتى:لا جزى اللّه الذين شهدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سمعوه يقول هذا القول في علي خيرا فقد خانوا اللّه و رسوله و ازالوا الأمر عمّن رضيه اللّه و رسوله و اقرّوه فيمن لم يره اللّه و لا رسوله لذلك اهلا لا جرم و اللّه لن يفلحوا بعدها ابدا فنزل حذيفة عن منبره فقال:يا اخا الأنصار انّ الأمر كان اعظم ممّا تظن انّه عزب و اللّه الصبر و ذهب اليقين و كثر المخالف و قلّ الناصر لأهل الحقّ فقال له الفتى:فهلا انتضيتم اسيافكم و وضعتموها على رقابكم و ضربتم بها الزائلين عن الحق قدما قدما حتّى تموتوا و تدركوا الأمر الذي تحبونه من طاعة اللّه عز و جل و طاعة رسوله؟فقال له:ايّها الفتى انّه اخذوا اللّه باسماعنا و ابصارنا و كرهنا الموت و زينت عندنا الحياة(الدنيا)و سبق علم اللّه بامرة الظالمين و نحن نسأل اللّه التغمد لذنوبنا و العصمة فيما بقي من آجالنا فانّه مالك رحيم.

ثمّ انصرف حذيفة الى منزله و تفرّق الناس قال عبد اللّه بن سلمة فبينما انا ذات يوم عند حذيفة اعوده في مرضه الذي مات فيه و قد كان يوم قدمت فيه الى الكوفة و ذلك من قبل قدوم علي عليه السّلام الى العراق فبينما انا عنده اذ جاء الفتى الأنصاري فدخل على حذيفة فرحّب به و ادناه و قرب مجلسه و خرج من كان عند حذيفة من عوّاده و اقبل عليه الفتى و قال:يا ابا عبد اللّه سمعتك يوما تحدثت عن بريدة بن الخضيب الأسلمي انّه سمع بعض القوم الذين امرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يسلموا على علي عليه السّلام بامرة المؤمنين يقول لصاحبه يوما اما رأيت اليوم ما صنع محمد بابن عمه من التشريف و علو المنزلة حتّى لو قدر ان يجعله نبيا لفعل فاجابه صاحبه لا يكبرن عليك فلو فقدنا محمدا لكان قوله تحت اقدامنا و قد ظننت بنداء بريدة لهما و هما على المنبر انّهما صاحبا القول:قال حذيفة اجل القائل عمر و المجيب ابو بكر فقال الفتى:انا للّه و انا اليه راجعون هلك و اللّه القوم و بطلت اعمالهم قال حذيفة:و لم يزل القوم على ذلك الأرتداد و ما يعلم اللّه منهم اكثر.

فقال الفتى:قد كنت احب ان اتعرف هذا الأمر من فعلهم و لكنّي اجدك مريضا و انا اكره ان املك بحديثي و مسألتي و قام لينصرف فقال حذيفة:لا بل اجلس يا ابن اخي و تلق منّي حديثهم و ان كربني ذلك فلا احسبني الا مفارقكم انّي لا احب يغتر بمنزلتهما في الناس فهذا ما اقدر عليه من النصيحة لك و لأمير المؤمنين عليه السّلام من الطاعة له و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و ذكر منزلته فقال:يا ابا عبد اللّه حدّثني بما عندك من امورهم لأكون على بصيرة من ذلك فقال حذيف:اذن و اللّه لأخبرنك بخبر

ص:228

سمعته و رأيته و لقد و اللّه دلّنا على ذلك من فعلهم على انّهم و اللّه ما آمنوا باللّه و لا رسوله طرفة عين.

و اخبرك ان اللّه تعالى اخبر رسوله صلّى اللّه عليه و آله في سنة عشر من مهاجرته من مكّة الى المدينة ان يحج هو و يحج الناس معه فأوحى اليه بذلك و اذّن في الناس بالحج يأتوك رجالا و على كل ظامر يأتين من كل فج عميق،فامر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المؤذنين فاذنوا في اهل السافلة و العالية الا ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد عزم على الحج في عامه هذا ليفهم الناس حجّهم و يعلمهم مناسكهم فيكون سنّة لهم الى آخر الدهر،قال:فلم يبق احد ممّن دخل الأسلام الاّ حجّ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سنة عشر ليشهد منافع لهم و يعلّمهم حجّهم و يعرفهم مناسكهم،و خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالناس و خرج نساؤه معه و هي حجة الوداع فلمّا استتم حجّهم و قضوا مناسكهم و عرّف الناس جميع ما احتاجوا اليه و أعلمهم انّه قد اقام لهم ملة ابراهيم عليه السّلام و قد أزال عنهم جميع ما احدثه المشركون بعده و ردّ الحجّ الى حالته الأولى و دخل مكة فاقام بها يوما واحدا عليه فهبط جبرئيل عليه السّلام بأول سورة العنكبوت فقال:يا محمد اقرء بسم اللّه الرحمن الرحيم الم (1) أَ حَسِبَ النّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّٰا وَ هُمْ لاٰ يُفْتَنُونَ (2) وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللّٰهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكٰاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئٰاتِ أَنْ يَسْبِقُونٰا سٰاءَ مٰا يَحْكُمُونَ .

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا جبرئيل و ما هذه الفتنة؟فقال:يا محمد ان اللّه تعالى يقرؤك السّلام و يقول لك انّي ما ارسلت نبيا قبلك الاّ امرته عند انقضاء اجله ان يستخلف على امّته من بعده من يقوم مقامه و يحيي لهم سنته و احكامه،فالمطيعون للّه فيما يأمرهم به رسوله هم الصادقون، و المخالفون على امره هم الكاذبون،و قد دنى يا محمد مصيرك الى ربك و جنته و هو يأمرك ان تنصب لأمتك من بعدك علي بن ابي طالب عليه السّلام و تههد اليه فهو الخليفة القائم برعايتك و امّتك ان اطاعوه و ان عصوه و سيفعلون ذلك و هي الفتنة التي تلوث عليه الآي فيها،و ان اللّه عز و جل يأمرك ان تعلّمه جميع ما علمك و تستحفظه جميع ما حفظك و استودعك فانّه الأمين المؤتمن، يا محمّد انّي اخترتك من عبادي نبيا و اخترته لك وصيا.

قال فدعى فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا يوما فخلي به يومه ذلك و ليلته و استودعه العلم و الحكمة التي آتاه اللّه ايّاها و عرفه جبرئيل عليه السّلام و كان ذلك في يوم عائشة بنت ابي بكر،فقالت يا فقال رسول اللّه لقد طال استخلائك بعلي منذ اليوم؟قال:فأعرض عنها فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت:لم تعرض عني يا رسول اللّه بأمر لعله يكون لي صلاحا؟فقال:صدقت ايم اللّه لأنه لأمر صلاح لمن اسعده اللّه بقبوله و الأيمان به و قد امرت بدعاء الناس جميعا اليه و ستعلمين ذلك اذا انا قمت به في الناس قالت:فقال يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم لا تخبرني به الآن لأتقدم بالعمل به سو الأخذ

ص:229

بما فيه صلاح قال:سأخبرك به فاحفظيه الى ان اؤمر بالقيام به في الناس جميعا فانك ان حفظتيه حفظك اللّه تعالى في العاجلة و الآجلة جميعا و كانت لك الفضيلة بالسبقة و المسارعة الى الأيمان باللّه و رسوله و ان اضعتيه و تركت رعاية ما القي اليك منه كفرت بربك و حبط اجرك و برأت منك ذمة اللّه و ذمة رسوله و كنت من الخاسرين و لم يضر اللّه ذلك و لا رسوله،فضمنت له حفظه و الأيمان به و رعايته فقال:انّ اللّه تعالى اوحى اليّ انّ عمري قد انقض و امرني ان انصب عليّا للناس علما و اجعله فيهم اماما و استخلفه كما استخلف الأنبياء من قبلي اوصيائها و انا صار الى امر ربي و آخذ فيه بأمره فليكن هذا الأمر منك تحت سويداء قلبك الى ان يأذن اللّه بالقيام به، فضمنت له ذلك و قد اطّلع اللّه نبيه على ما يكون منها فيه و صاحبتها حفصة و ابويهما.

فلم تلبث ان اخبرت حفصة و اخبرت كلّ واحدة منهما اباها فاجتمعا فأرسلا الى جماعة الطلقاء و المنافقين فخبّراهم فاقبل بعضهم على بعض و قالوا انّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله يريد ان يجعل هذا الأمر في اهل بيته كسنّة كسرى و قيصر الى آخر الدهر لا و اللّه ما لكم في الحياة من حظّ ان افضى هذا الأمر الى علي بن ابي طالب عليه السّلام و انّ محمّدا عاملكم على ظاهركم و انّ عليّا يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم فاحسنوا النظر لأنفسكم في ذلك و قدموا رأيكم فيه،و دار الكلام فيما بينهم و أعادوا الخطاب و أجالوا الرأي فاتّفقوا على ان ينفردوا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله ناقته على عقبة هر شيء و قد كانوا صنعوا مثل ذلك في غزوة تبوك فصرف اللّه الشر عن نبيه صلّى اللّه عليه و آله و اجتمعوا في امر فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من القتل و الأغتيال و استقاء السم على غير وجه و قد كان اجتمع اعداء فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الطلقاء من قريش و المنافقين من الأنصار و من كان في قلبه الأرتداد من العرب في المدينة و ما حولها فتعاقدوا و تحالفوا ان ينفردوا به ناقته و كانوا اربعة عشر رجلا،و كان من عزم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يقيم عليّا و ينصبه للناس بالمدينة اذا قدم،فصار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يومين و ليلتين فلمّا كان في اليوم الثالث أتاه جبرئيل عليه السّلام بآخر سورة الحجر فقال:اقرء لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمّٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ فَاصْدَعْ بِمٰا تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنّٰا كَفَيْنٰاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ .

قال:و رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اغذّ (1)المسير مسرعا على دخول المدينة لينصب عليّا علما للناس،فلمّا كانت الليلة الرابعة هبط جبرئيل عليه السّلام في آخر الليل فقرأ عليه يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّٰاسِ إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكٰافِرِينَ و هم الذين هموا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كاما تراني يا جبرئيل اغدّ السير مجدّا فيه لأدخل المدينة فأعرض ولايته على الشاهد و الغائب،فقال له جبرئيل عليه السّلام:ان

ص:230


1- (25) اغد المسير و فيه اسرع.

اللّه يأمرك ان تفرض ولايته غدا اذا نزلت منزلك،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:نعم يا جبرئيل غدا افعل ذلك ان شاء اللّه تعالى و امر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالرحيل من وقته و سار الناس معه حتّى نزل بغدير خم،و صلّى بالناس و امرهم ان يجتمعوا اليه و دعى عليّا عليه السّلام و رفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يد علي اليسرى بيده اليمنى و رفع صوته بالولا لعلي عليه السّلام على الناس اجمعين و فرض طاعته عليهم و امرهم ان لا يختلفوا عليه بعده و خبّرهم انّ ذلك عن امر اللّه عزّ و جلّ و قال لهم:أ لست اولى بالمؤمنين من انفسهم؟قالوا:بلى يا رسول اللّه قال:من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله،ثم امر الناس ان يبايعوه فبايعه الناس جميعا و لم يتكلم منهم واحد و قد كان ابو بكر و عمر تقدما الى الجحفة فبعث و ردّهما،قال لهم النبي صلّى اللّه عليه و آله متّجها لهما يا ابن ابي قحافة و يا عمر بايعا عليّا بالولاية من بعدي فقالا:امر من اللّه و من رسوله اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:و هل يكون مثل هذا من غير امر اللّه نعم امر من اللّه و من رسوله اللّه صلّى اللّه عليه و آله فبايعا ثم انصرفا.

و سار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله باقي يومه و ليلته حتى اذا ادنوا من عقبة هر شيء تقدمه القوم فتواروا في ثنية العقبة معهم دبابا و طرحوا فيها الحصى فقال حذيفة:فدعاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و دعا عمار بن ياسر و امره ان يسوقها و انا اقودها حتّى اذا صرنا من رأس العقبة سر القوم من ورائنا و دحرجوا الدباب بين قوائم الناقة فذعرت و كادت تنفر برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فصاح بها النبي صلّى اللّه عليه و آله ان اسكتي فليس عليك بأس فانطقها اللّه بقول عربي مبين فصيح فقالت و اللّه يا رسول اللّه لا أزلت يدا عن مستقرّ يد و لا رجلا عن موضع رجل و انت على ظهري، فتقدم القوم الى الناقة ليدفعوها فاقبلت انا و عمار نضرب وجوههم باسيافنا و كانت ليلة مظلمة فزالوا عنا و أيسوا ممّا ظنوا و قد رواه،فقلت يا رسول اللّه:من هم هؤلاء القوم الذين يريدون ما ترى؟فقال:يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا و الآخرة،فقلت:الا نبعث اليهم يا رسول اللّه رهطا فيأتوا برؤوسهم فقال:انّ اللّه أمرني ان اعرض عنهم و اكره ان يقول الناس انّه دعا ناسا من قومه و اصحابه الى دينه فاستجابوا له فقاتل بهم حتّى اذا ظهر على عدوه أقبل اليهم فقتلهم، و لكن دعهم يا حذيفة فانّ اللّه لهم بالمرصاد و سيملهم قليلا ثم يضطرهم الى عذاب غليظ،فقلت:

من هؤلاء القوم المنافقون يا رسول اللّه؟أ من المهاجرين ام من الأنصار؟فسمّاهم لي رجلا رجلا حتى فرغ منهم و قد كان فيهم انناس كنت كارها ان يكونوا فيهم فامسكت عند ذلك فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا حذيفم كأنك شاك في بعض من سميت لك؟ارفع رأسك اليهم،فرفعت طرفي الى القوم و هم وقوف على الثنية فبرقت برق و أضائت جميع ما حولها و ثبتت البرقة حتّى خلتها شمسا

ص:231

طالعة،فنظرت و اللّه الى القوم فعرفتهم رجلا رجلا فاذا هم كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عدد القوم اربعة عشر رجلا تسعة من قريش و خمسة من سائر الناس.

فقال له الفتى:سمّهم لنا يرحمك اللّه قال حذيفة:هم و اللّه ابو بكر و عمر و عثمان و طلحة و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ابي وقاص و ابو عبيدة بن الجراح و معاوية بن ابي سفيان و عمرو بن العاص هؤلاء من قريش،و اما الخمسة الأخر فابو موسى الأشعري و المغيرة بن شعبة الثقفي و اوس بن الحدثان البصري و ابو هريرة و ابو طلحة الأنصاري،قال حذيفة:ثمّ انحدرنا من العقبة و قد طلع الفجر فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتوضأ و انتظر اصحابه من العقبة و اجتمعوا فرأيت القوم بأجمعهم و قد دخلوا مع الناس و صلّوا خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فلمّا انصرف من صلاته التفت فنظر الى ابي بكر و عمر و ابي عبيدة يتناجون فأمر مناديا فنادى في الناس لا تجتمع ثلاثة نفرات من الناس يتناجون فيما بينهم بسرّ و ارتحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالناس من منزل العقبة فلمّا نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى ابا حذيفة و ابا بكر و عمر و ابا عبيدة يسار بعضهم بعضا فوقف عليهم و قال:ا ليس قد أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان لا تجتمع ثلاثة نفرات من الناس على سرّ واحد،و اللّه لتخبروني فيما انتم و الاّ أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى اخبره بذلك منكم،فقال ابو بكر:يا سالم أ عليك عهد اللّه و ميثاقه لئن نحن خبّرناك بالذي نحن فيه ربما اجتمعنا له ان احببت ان تدخل معنا فيه دخلت و كنت رجلا منّا و ان كرهت ذلك كتمته علينا؟فقال سالم:لكم ذلك و اعطاهم بذلك عهده و ميثاقه،و كان سالم شديد البغض و العداوة لعلي بن ابي طالب عليه السّلام و عرفوا ذلك منه، فقالوا له:انّا قد اجتمعنا على ان نتحالف و نتعاقد على ان لا نطيع محمدا صلّى اللّه عليه و آله فيما فرض علينا من ولاية علي بن ابي طالب بعده،فقال لهم سالم:عليكم عهد اللّه و ميثاقه انّ في هذا الأمر كنتم تخوضون و تتناجون،قالوا:أجل علينا عهد اللّه و ميثاقه انّ في هذا الأمر كنتم تخوضون و تتناجون، قالوا:اجل علينا عهد اللّه و ميثاقه انا انّما كنّا في هذا الأمر بعينه لا في شيء سواه،قال سالم:و انا و اللّه اوّل من يعاقدكم على هذا الأمر و لا يخالفكم عليه و اللّه ما طلعت الشمس على اهل بيت ابغض اليّ من بني هاشم و لا من بن هاشم ابغض اليّ و لا أمقت من علي بن ابي طالب عليه السّلام فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم فانّي واحد منكم،فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر ثم تفرقوا، فلما اراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المسير اتوه فقال لهم:فيما كنتم تتناجون في يومكم هذا و قد نهيتكم عن النجوى؟فقالوا:يا رسول اللّه ما لتقينا غير وقتنا هذا فنظر اليهم النبي صلّى اللّه عليه و آله مليّا ثم قال لهم:انتم اعلم ام اللّه؟و من اظلم ممّن كتم شهادة عنده من اللّه و ما اللّه بغافل عما تعملون.

ثم سار حتى دخل المدينة و اجتمع القوم جميعا و كتبوا صحيفة فيهم على ما ذكر ما تعاهدوا عليه في هذا الأمر و كان اوّل ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن ابي طالب عليه السّلام و انّ الأمر لأبي

ص:232

بكر و عمر و ابي عبيدة و سالم معهم ليس بخارج عنهم و شهد بذلك اربعة و ثلاثون رجلا هؤلاء اصحاب العقبة و عشرون رجلا آخر و استودعوا الصحيفة ابا عبيدة الجراح و جعلوه امينهم عليها.

قال فقال له الفتى:يا ابا عبد اللّه يرحمك اللّه هبنا نقول انّ هؤلاء القوم رضوا بابي بكر و عمر و ابي عبيدة لأنهم عن مشيخة قريش فما بالهم رضوا بسالم و ليس هو من قريش و لا من المهاجرين و لا من الأنصار انّما هو لأمرأة من الأنصار؟قال حذيفة:يا فتى ان القوم اجمع تعاقدوا على ازالة هذا الأمر عن علي بن ابي طالب عليه السّلام حسدا منهم له و كراهة لأمرته،و اجتمع لهم مع ذلك ما كان في قلوب قريش عليه من سفك الدماء و كان خاصّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كانوا يطلبون الثار الذي اوقعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بهم من عند علي عليه السّلام من بني هاشم فانما كان العقد على ازالة الأمر عن علي عليه السّلام من هؤلاء الأربعة عشر و كانوا يريدون سالما رجل منهم.

فقال الفتى:فخبّرني يرحمك اللّه عمّا كتب جميعهم في الصحيفة لأعرفه،فقال:حدثني بذلك اسماء بنت عميس الخثعميّة امرأة ابي بكر انّ القوم اجتمعوا في منزل ابي بكر فتوامروا في ذلك و اسماء سمعهم و تسمع جميع ما يدبّرونه في ذلك حتّى اجتمع رايهم على ذلك فأمروا سعد بن العاص الأموي فكتب لهم الصحيفة باتّفاق منهم و كانت نسخة الصحيفة بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما اتفق عليه الملأ من اصحاب محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من المهاجرين و الأنصار الذين مدحهم اللّه في كتابه على لسان نبيه محمد صلّى اللّه عليه و آله،اتفقوا جميعا بعد ان اجهدوا في رأيهم و تشاوروا في امورهم و كتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم الى الأسلام و أهله على غابر الأيام و باقي الدهور ليقتدي بهم من يأتي بعدهم من المسلمين.

اما بعد فان اللّه بمنه و كرمه بعث محمدا رسولا الى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده فادى من ذلك و بلغ ما امره اللّه به و اوجب علينا القيام بجميعه حتّى اذا اكمل الدين و فرض الفرائض،و احكم السنن فاختار اللّه له ما عنده فقبضه اليه مكرما حبورا من غير ان يستخلف احدا من بعده،و جعل الأختيار الى المسلمين يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه و نصحه،و انّ للمسلمين في رسول اللّه اسوة حسنة قال اللّه عز و جل لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كٰانَ يَرْجُوا اللّٰهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ و ان رسول اللّه لم يستخلف احدا لئلا يجري ذلك في اهل بيت واحد فيكون ارثا دون سائر المسلمين و لئلا يكون دولة بين الأغنياء منكم،و لأن لا يقول المستخلف انّ هذا الأمر باق في عقبه من والد الى ولد يوم القيامة،و الذي يجب على المسلمين عند مضيّ خليفة من الخلفاء ان يجتمع ذووا الرأي و الصلاح منهم ليشاوروا في امورهم فمن رأوه مستحقا لها ولوه امورهم و جعلوه القيم عليهم،فانه لا يخفى على اهل كلّ زمان من يصلح منهم للخلافة،فان ادّعى مدّع من الناس جميعا انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استخلف رجلا بعينه نصّبه للناس و نصّ عليه

ص:233

باسمه و نصبه فقد أبطل في قوله و أتى بخلاف ما يعرفه اصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خالف جماعة من المسلمين،و ان ادّعى مدّع انّ خلافة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ارث و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يورث فقد حال في قوله لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.

و ان ادعى مدع ان الخلافة لا تصلح الا لرجل واحد من بين الناس جميعا و انها مقصودة فيه و لا ينبغي لغيره لأنّها تتلو النبوة فقد كذب لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:اصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم،و ان ادّعى مدّع انّه مستحق للخلافة و الأمامة لقرابة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ هي مقصودة عليه و على عقبه يرثها الولد منهم عن والده ثمّ هي كذلك في كل عصر و زمان لا تصلح لغيرهم و لا ينبغي ان يكون لأحد سواهم الى ان يرث اللّه الأرض و من عليها فليس له و لا لولده و ان دنى من النبي صلّى اللّه عليه و آله نسبه لأنّ اللّه يقول و قوله القاضي على كل احد إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّ ذمة المسلمين واحدة يسعى بها ادناهم و كلّهم يد على من سواهم فمن آمن بكتاب اللّه و اقرّ بسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقد استقام و اناب و أخذ بالصواب،و من كره ذلك من فعالهم فقد خالف الحق و الكتاب و فارق جماعة المسلمين فاقتلوه فانّ في قتله صلاحا للأمة و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من جاء الى امتي و هم جميع ففرّق بينهم فاقتلوه و اقتلوا الفرد كائنا من كان من الناس فانّ الأجتماع رحمة و الفرقة عذاب،و لا تجتمع امّتي على الضلال ابدا،و انّ المسلمين يد واحدة على من سواهم و انّه لا يخرج من جماعة المسلمين الاّ مفارق معاند لهم و مظاهر عليهم اعدائهم فقد اباح اللّه و رسوله دمه و احلّ قتله.

و كتب سعد بن العاص باتفاق من أثبت اسمه و شهادته آخر هذه الصحيفة في المحرم الحرام سنة عشرة من الهجرة و الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على سيدنا محمد و آله و سلّم،ثم دفعت الصحيفة الى ابي عبيدة بن الجراح فوجّه بها الى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة الى ان و لي عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها و هي الصحيفة التي يتمنى امير المؤمنين عليه السّلام لمّا توفي عمر فوقف به و هو مسجى بثوبه فقال:ما احب الي ان القى اللّه بصحيفة هذا المسجى.

ثم انصرفوا و صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالناس صلاة الفجر ثمّ جلس في مجلسه يذكر اللّه عز و جل حتّى طلعت الشمس فالتفت الى ابي عبيدة بن الجراح فقال:بخ بخ من مثلك لقد اصبحت امين هذه الأمة،ثم تلى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتٰابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هٰذٰا مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّٰا يَكْسِبُونَ لقد اشبه هؤلاء رجال في هذا الأمة يستخفون من الناس و لا يستخفون من اللّه و هو معهم اذ يبيتون ما لا يرضى من القول و كان اللّه بما يعملون محيطا ثم قال:

لقد اصبح في هذا الأمة في يومي هذا قوم ضاهوهم في صحيفتهم الّتي كتبوا علينا في الجاهلية و علقوها في الكعبة و ان اللّه تعالى يعذبهم عذابا ليبتليهم و يبتلي من يأتي بعدهم تفرقة بين الخبيث

ص:234

و الطيّب و لو لا انّه سبحانه امرني بالأعراض عنهم للأمر الذي هو بالغه لقددمتهم فضربت اعناقهم.

قال حذيفة:فو اللّه لقد رأينا هؤلاء النفر عند قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذه المقالة و قد أخذتهم الرعدة فما يملك احد منهم نفسه شيئا و لم يخف على احد ممّن حضر مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ايّاهم عني بقوله،و لهم ضرب تلك الأمثال بما تلي من القرآن.

قال:و لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سفره ذلك نزل منزل امّ سلمة زوجته فأقام شهرا لا ينزل منزل سواه من منازل ازواجه كما كان يفعل قبل ذلك قال:فكشفت عائشة و حفصة ذلك الى ابويهما فقالا لهما كانا لنعلم لم صنع ذلك و لأي شيء هو؟امضينا اليه فلا طفاه في الكلام و خادعاه عن نفسه فانّكما تجدانه حييّا كريما فلعلكما تسئلان ما في قلبه و تستخرجان سخيمته،قال:

فمضت عائشة وحدها اليه و أصابته في منزل ام سلمة و عنده علي بن ابي طالب عليه السّلام فقال لها النبي صلّى اللّه عليه و آله ما جاء بك يا حميرا قالت:يا رسول اللّه انكرت تخلّفك عن منزلك هذه المدّة و انا اعوذ باللّه من سخطك يا رسول اللّه فقال:لو كان الأمر كما تقولين لما اظهرت بسرّ وصيتك بكتمانه لقد هلكت و اهلكت امة من الناس.

قال:ثم امر خادمة لأم سلمة فقال:اجمعي لي هؤلاء يعني نساءه فجمعتهن له في منزل ام سلمة فقال لهن:اسمعن ما اقول لكن و اشار بيده الى علي بن ابي طالب عليه السّلام فقال لهن:هذا اخي و وصيي و وارثي و القائم فيكن و في الأمة من بعدي فاطعنه فيما يأمركن به و لا تعصينه فتهلكن بمعصيته،ثم قال:يا علي اوصيك بهن فامسكهن ما اطعن اللّه و اطعنك و انفق عليهن من مالك و مرهن بامرك و انههن عمّا يريبك و خلّ سبيلهن ان عصينك،فقال علي عليه السّلام:يا رسول اللّه انهنّ نساء و منهن الوهن و ضعف الراي؟فقال:ارفق بهن ما كان الرفق امثل بهن فمن عصاك منهن فطلّقها طلاقا يبرأ اللّه و رسوله منها قال:و كل نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله قد صمتن فما يقلن شيئا،فتكلمت عائشة فقالت:يا رسول اللّه ما كنّا لتأمرنا بشيء فنخالفه الى ما سواه،فقال لها كبلى يا حميرا لقد خالفت امري أشدّ خلاف و ايم اللّه لتخالفين قولي هذا و لتعصينه بعدي و لتخرجين من البيت الذي اخلفك فيه متبرجة قد حفّ بك فئام (1)من الناس فتخالفينه ظالمة له عاصية لربك و لتنبحنّك في طريقك كلاب الحوأب الا ان ذلك كائن ثم قال:قمن فانصرفن الى منازلكن قال:فقمن فانصرفن.

ص:235


1- (26) في مجمع البحرين الفئام بالكسر و الهمز الجماعة الكثيرة من الناس لا واحد له من لفظه،و قال الجوهري و غيره: و العامة تقول الفيام بلا همزة.

قال:ثمّ ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمع اولئك النفر و من والاهم على علي عليه السّلام و طابقهم على عداوته و من كان من الطلقاء و المنافقين و كانوا زهاء من اربعة الآف رجل فجعلهم تحت يدي اسامة بن زيد مولاه و امّره عليهم و أمره بالخروج الى ناحية من الشام فقالوا:يا رسول اللّه انّا قدمنا من سفرنا الذي كنا فيه معك و نحن نسألك ان تأذن لنا في المقام لنصلح من شأننا ما يصلحنا في سفرنا،قال:فامرهم ان يكونوا في المدينة ريث اصلاح ما يحتاجون اليه و أمر اسامة بن زيد يعسكرهم فعسكر بهم على اميال من المدينة،فأقام بمكانه الذي حدّ له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منتظرا القوم ان يوافوه اذا فرغوا من امورهم و قضوا حوائجهم،و انما اراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما صنع من ذلك ان تخلوا المدينة معهم و لا يبقى بها احد من المنافقين.

قال:فهم على ذلك من شأنهم و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دائب يحثهم و يأمرهم بالخروج و التعجيل الى الوجه الذي ندبهم اليه اذ مرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرضه الذي توفّي فيه فلمّا رأوا ذلك تباطئوا عمّا أمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الخروج،فامر قيس بن سعد بن عبادة و كان سياق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الحباب بن المنذر حتّى الحقناهم بمعسكرهم و قالا لأسامة انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يرخّص لك في التخلف فسر من وقتك هذا ليعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذلك فارتحل بهم اسامة و انصرف قيس و الحباب الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأعلماه برحلة القوم،فقال لهما:انّ القوم غير السائرين.

قال:دخلا ابو بكر و عمر و ابو عبيدة بأسامة و جماعة من اصحابه فقالوا لي:اين تنطلق و تخلي المدينة و نحن احوج ما كنا اليها و الى المقام بها فقال لهم:و ما ذلك؟قالوا انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد نزل به الموت و اللّه لئن خلينا المدينة ليحدثن امور لا يمكن اصلاحها،فننظر ما يكون من أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم المسير بين ايدينا قال:فرجع القوم الى المعسكر الأوّل فأقاموا به و بعثوا رسولا تعرّف لهم امر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاتى رسول اللّه الى عائشة فسألها عن ذلك سرا فقال:امض الى ابي بكر و عمر و من معهما و قل لهما انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد ثقل فلا يبرحن احد منكم و انا اعلمكم الخبر وقتا بعد وقت،و اشتدّت علّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فدعت عائشة صهيبا فقالت:امض الى ابي و اعلمه ان محمدا صلّى اللّه عليه و آله في حال لا يرجى فهلمّ الينا انت و عمر و ابو عبيدة و من رأيتم ان يدخل معكم و ليكن دخولكم في الليل سرا،قال:فأتاهم الخبر فأخذوا بيد صهيب فادخلوه الى اسامة بن زيد فأخبروه الخبر و قالوا له:كيف ينبغي لنا ان نتخلف عن مشاهدة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و استأذنوه في الدخول فأذن لهم و أمرهم ان لا يعلم بدخولهم احد و ان عوفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجعتم الى عسكركم،و ان حدث حادث الموت عرفونا ذلك لنكون في جماعة الناس.

فدخل ابو بكر و عمر و ابو عبيدة ليلا المدينة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد ثقل،قال:فأفاق بعض الأفاقة فقال:لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شرّ عظيم فقيلوا ما هو يا رسول اللّه؟قال:ان الذين كانوا

ص:236

في جيش اسامة قد رجع منهم نفر يخالفون عن امري الا انّي الى اللّه منهم بريء و يحكم نفذوا جيش اسامة فلم يزل يقول ذلك حتّى قالها مرّات كثيرة،قال:و تحامل و خرج و صلّى بالناس و ان هو لم يقدر على الخروج امر علي بن ابي طالب عليه السّلام فصلّى بالناس،و كان علي بن ابي طالب عليه السّلام و الفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك،فلمّا اصبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من ليلته تلك التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يد اسامة اذّن بلال ثم اتاه يخبره كعادته،فوجده قد ثقل فمنع من الدخول اليه فأمرت عائشة صهيبا في مرضه و ليس يطيق النهوض الى المسجد و علي بن ابي طالب عليه السّلام قد شغل به و بمشاهدته عن الصلاة بالناس فاخرج انت الى المسجد فصلّ بالناس فانّها حالة تهنئك و حجّة لك بعد اليوم.

قال:فلم يشعر الناس و هم في المسجد فينتظرون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله او عليّا عليه السّلام يصلي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه اذ دخل ابو بكر المسجد و قال:انّ:ما ورائك يا بلال؟و انّى لك ذلك و انت في جيش اسامة لا و اللّه لا اعلم احدا بعث اليك و لا امرك بالصلاة ثم نادى الناس بلالا فقال:

على رسلكم رحمكم اللّه لأستأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ذلك.

ثم اسرع حتى اتى الباب فدقّه شديدا،فسمعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:ما هذا الدق العنيف فانظروا ما هو قال:فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فاذا بلال فقال ما ورائك يا بلال؟فقال:ان ابا بكر قد دخل المسجد و تقدم حتّى وقف في مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و زعم ان:مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله امره بذلك فقال:او ليس ابو بكر مع اسامة في الجيش هذا و اللّه هو الشر العظيم الذي طرق الباب البارحة؟لقد خبّرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

بذلك و دخل الفضل و ادخل بلالا معه فقال:ما ورائك يا بلال فاخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الخبر فقال:أقيموني اخرجوني الى المسجد و الذي نفسي بيده قد نزلت بالأسلام نازلة و فتنة عظيمة من الفتن،ثم خرج صلّى اللّه عليه و آله معصوب الرأس يتهاوى بين علي و الفضل بن العباس و رجلاه يجران في الأرض حتى دخل المسجد و ابو بكر قائم في مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد أطاف به عمر و ابو عبيدة و سالم و صهيب و النفر الذين دخلوا و اكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي به بلال.

فلمّا رأى الناس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد دخل المسجد و هو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظموا ذلك و تقدّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جذب ابا بكر من ردائه فنحاه عن المحراب و أقبل ابو بكر و النفر الذين يركانوا معه فتواروا خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أقبل الناس فصلوا خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو جالس و بلال يسمع الناس التكبير حتّى قضى صلاته،ثم التفت فلم ير ابا بكر،فقال:

ايّها الناس الا تعجبون من ابن ابي قحافة و اصحابه الذين انفذتهم و جعلتهم تحت يدي اسامة

ص:237

الرابع و امرتهم بالمسير الى الوجه الذي وجّهوا اليه فخالفوا ذلك و رجعوا الى المدينة ابتغاء الفتنة الا و ان اللّه قد اركسهم فيها أعرجوا بي الى المنبر.

فقام و هو مربوط حتى قعد على ادنى مرقاة فحمد اللّه و اثنى عليه ثمّ قال:ايّها الناس انّه قد جائني من امر ربي ما لناس اليه صائرون و اني قد تركتكم على المحبة الواضحة ليلتها كنهاري فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني اسرائيل ايّها الناس انّه لا احل لكم الاّ ما احل القرآن،و لا احرم عليكم الا ما حرمه القرآن،و اني مخلف فيكم الثقلين الا ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا و لن تزّلوا كتاب اللّه و عترتي اهل بيتي هما الخليفتان فيكم و انّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض فاسئلكم بما ذا خلفتموني فيهما،و ليذادن يومئذ رجال عن حوضي كما تذاد الغريبة من الأبل فيقول رجال:انا فلان و انا فلان فأقول امّا الأسماء فقد عرفت و لكنكم ارتديهم من بعدي فسحقا لكم سحقا،ثم نزل عن المنبر و عاد الى حجرته و لم يظهر ابو بكر و لا اصحابه حتى قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و كان من الأنصار و سعد في الثقيفة ما كان فمنعوا اهل بيت نبيهم حقوقهم التي جعلها اللّه عز و جل لهم،و امّا كتاب اللّه فمزقوه كل مزق و فيما اخبرتك يا اخا الأنصار من خطب معتبر لمن احب اللّه هدايته.

فقال الفتى:سمّ لي القوم الآخرين الذين حضروا الصحيفة و شهدوا فيها،فقال:حذيفة ابو سفيان و عكرمة بن ابي جهل و صفوان بن امية بن خلف و سعيد بن العاص و خالد بن الوليد و عيّاش بن ابي ربيعة و بشر بن سعد و سهيل بن عمرو و حكيم بن جزام و صهيب بن سنان و ابو الأعور السلمي و مطيع بن الأسود المدوي و جماعة من هؤلاء ممن سقط عني احصاء عددهم فقال الفتى:يا ابا عبد اللّه ما هؤلاء في اصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى انقلب الناس اجمعون بسبيلهم؟ فقال حذيفة:انّ هؤلاء رؤوس القبائل و أشرافها و ما من رجل من هؤلاء و ما من رجل من هؤلاء الا و معه من الناس خلق عظيم يسمعون له و يطيعون و اشربوا في قلوبهم من ابي بكر كما اشرب في قلوب بني اسرائيل من حب العجل و السامري حتّى تركوا هارون ليستضعفوه.

قال الفتى:اقسم باللّه حقا انّي لا ازال لهم مبغضا و الى اللّه منهم و من افعالهم متبرأ و لا زلت لأمير المؤمنين عليه السّلام متواليا و لأعاديه معاديا و لا لحقن به و اني لأمل ان ارزق الشهادة معه و شيكا ان شاء اللّه تعالى ثم ودّع حذيفة و قال:هذا وجهي الى أمير المؤمنين عليه السّلام فخرج الى المدينة و استقبله و قد شخص من المدينة يريد العراق فسار معه الى البصرة،فلما التقى امير المؤمنين عليه السّلام مع اصحاب الجمل كان ذلك الفتى اول من قتل من اصحاب امير المؤمنين عليه السّلام،و ذلك انّه لما صاف القوم و اجتمعوا على الحرب احب امير المؤمنين عليه السّلام ان يستظهر عليهم بدعائهم الى القرآن

ص:238

و حكمه فدعا بمصحف و قال:من يأخذ هذا المصحف يعرضه عليهم و يدعوهم الى ما فيه فيحيى ما أحياه و يميت ما اماته؟قال:و قد شرعت الرماح بين العسكرين حتى لو اراد امرء ان يمشي عليها لمشى،قال:فقام الفتى و قال:يا امير المؤمنين انا آخذه و اعرضه عليهم و ادعوهم الى ما فيه قال:

فأعرض عنه امير المؤمنين عليه السّلام ثم نادى الثانية من يأخذ هذا المصحف فيعرضه عليهم و يدعوهم الى ما فيه؟فلم يقم اليه احد،فقام الفتى و قال:يا امير المؤمنين انا آخذه و أعرضه عليهم و أدعوهم الى ما فيه،قال:فأعرض عنه امير المؤمنين عليه السّلام ثم نادى الثالثة فلم يقم احد من الناس الا الفتى فقال/انا آخذه فأعرض عليهم و ادعوهم الى ما فيه فقال:امير المؤمنين عليه السّلام انك ان فعلت ذلك فانّك مقتول،فقال:و اللّه يا امير المؤمنين ما شيء احب الي من ان ارزق الشهادة بين يديك ان اقتل في طاعتك،فاعطاه امير المؤمنين عليه السّلام المصحف فتوجه به نحو عسكرهم فنظر اليه امير المؤمنين عليه السّلام و قال:انّ الفتى ممّن حشى اللّه قلبه نورا و ايمانا و هو مقتول،و لقد اشفقت عليه من ذلك و لن يفلح القوم بعد قتلهم اياه فمضى الفتى بالمصحف حتّى وقف بازاء عسكر عاينه،و طلحة و زبير حينئذ عن يمين الهودج و شماله و كان له صوت فنادى بأعلى صوته معاشر الناس هذا كتب اللّه و انّ امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السّلام يدعوكم الى كتاب اللّه و الحكم بما انزل اللّه فيه فانيبوا الى طاعة اللّه و العمل بكتابه قال:و كانت عائشة و طلحة و الزبير يسمعون قوله فامسكوا،فلما رأى ذلك أهل عسكرهم بادروا الى الفتى و المصحف في يمينه فقطعوا يده اليمنى فتناول المصحف بيده اليسرى و ناديهم بأعلى صوته مثل ندائه اول مرة فبادروا اليه و قطعوا يده اليسرى فتناول المصحف و احتضنه و دماؤه تجري عليه و ناداهم مثل ذلك فشدّوا عليه و قتلوه و وقع ميتا فقطعوه اربا اربا و لقد رأينا شحم بطنه اصفر.

قال:و امير المؤمنين واقف يراهم فأقبل على اصحابه فقال:انذي و اللّه ما كنت في شك و لا لبس من ضلالة القوم و باطلهم و لكن احببت ان يتبين لكم جميعا ذلك من بعد قتلهم الرجل الصالح حكيم بن جبلة العبدي في رجال الصالحين معه و تضاعف ذنوبهم بهذا الفتى و هو يدعوهم الى كتاب اللّه و الحكم به و العمل بموجبه فبادروا اليه فقتلوه و لا يرتاب بقتلهم اياه مسلم، و وقدت الحرب و اشتدت فقال امير المؤمنين عليه السّلام:احملوا بأجمعكم عليهم بسم اللّه الرحمن الرحيم لا ينصرون و حمل هو بنفسه و الحسنان و اصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله معه فغاص في القوم بنفسه فو اللّه ما كانت الاّ ساعة من نهار حتّى رأينا القوم شلايا يمينا و شمالا صرعى تحت سنابك الخيل.

و رجع امير المؤمنين عليه السّلام مؤيّدا منصورا و فتح اللّه عليه و منحه اكتافهم و أمر بذلك الفتى و جميع من قتل معه فلفوا في ثيابهم بدمائهم و لم تنزع عنهم ثيابهم و صلى عليهم و دفنهم و أمرهم

ص:239

ان لا يجهزوا فيه على جريح و لا يتبعوا لهم مدبرا و امر بما حوى العسكر فجمع له و قسمه بين اصحابه و أمر محمد بن ابي بكر ان يدخل اخته الى البصرة فتقيم بها اياما ثم يرحلها الى منزلها بالمدينة قال عبد اللّه بن سلمة كنت ممّن شهد حرب اهل الجمل فلمّا وضعت الحرب اوزارها رأيت ام ذلك الفتى واقفة عليه فجعلت تبكي عليه و بقتله ثم أنشأت تقول شعرا:

يا رب ان مسلما أتاهم يتلو كتاب اللّه لا يخشاهم

يأمرهم بالأمر من و مولاهم فخضبوا من دمه قناهم

و أمة قائمة تراهم تأمرهم بالغي لا تنهاهم

بعض فضائل امير المؤمنين عليه السّلام الخاصة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

في ارشاد القلوب الدليمي في ضمن مطاعن الثاني،قال:و اما ما أمر اللّه تعالى نبيه صلّى اللّه عليه و آله بسدّ ابواب الناس عن مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله تشريفا له و صونا له عن النجاسة سوى باب النبي صلّى اللّه عليه و آله و باب علي بن ابي طالب عليه السّلام،و امره ان ينادي في الناس الصلاة جامعة فاقبل الناس يهرعون (1)فلما تكاملوا صعد المنبر فحمد اللّه و اثنى عليه،ثم قال ايها الناس انّ اللّه سبحانه و تعالى قد امرني سدّ ابوابكم المفتوحة الى المسجد و بعد يومي هذا لا يدخله جنب و لا نجس فبذلك امرني ربي عز و جل فلا يكن في نفس احد منكم امر و لا تقولوا متى و كيف و انى؟فتحبط اعمالكم و تكونوا من الخاسرين و ايّاكم و المخالفة و الشقاق فان اللّه اوحى الى ان اجاهد من عصاني و انّه لازمة في الأسلام و قد جعلت مسجدي طاهرا من دنس محرما على كل من يدخل اليه من هذه الصفة التي ذكرتها غير انا و اخي علي بن ابي طالب عليه السّلام و ابنتي فاطمة و ولدي الحسن و الحسين عليهما السّلام(كماظ) كان مسجد هارون و موسى فان اللّه اوحى اليهما ام اجعلا بيوتكما قبلة لقومكما و اني قد بلغتكم ما أمرني ربي و أمرتكم بذلك الا فأحذروه الحسد و النفاق،و اطيعوا اللّه طاعة يوافق فيها سركم و علانيتكم و اتقوا اللّه حق تقاته و لا تموتن الا و انتم مسلمون فقال الناس بأجمعهم:سمعنا و اطعنا للّه و رسوله و لا نخالف ما امرتنا به.

ثم خرجوا و سدوا ابوابهم جميعا غير باب النبي صلّى اللّه عليه و آله و علي عليه السّلام فاظهر الناس الحسد و الكلام فقال عمر:رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يؤثر ابن عمه علي بن ابي طالب عليه السّلام علينا و يتقول على اللّه

ص:240


1- (27) أي يسرعون مع الاضطراب.

الكذب و يخبر عن اللّه بما لم يقل في ابن ابي طالب و انّما قول محمد محبة لعلي عليه السّلام و اجابة الى ما يريد فلو سأل اللّه ذلك لأجابه و اراد عمر ان يكون له باب مفتوح الى المسجد و لمّا بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قول عمر و خوض القوم في الكلام امر المنادي بالنداء الى الصلاة الجامعة فلما اجتمع الناس قال لهم النبي صلّى اللّه عليه و آله:معاشر الناس قد بلغني ما خضتم فيه و ما قال قائلكم و انّي اقسم باللّه العظيم انّي لم أتقول على اللّه الكذب و ما كذبت فيما قلت و لا انا سددت ابوابكم و لا انا فتحت باب علي بن ابي طالب عليه السّلام و لا امرني في ذلك الا اللّه عز و جل الذي خلقني و خلقكم اجمعين، فلا تحاسدوا فتهلكوا و لا تحسدوا الناس على ما آتاهم اللّه من فضله،فانه يقول في محكم كتابه تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّٰادِقِينَ .

ثم صدق اللّه سبحانه و تعالى رسوله بنزول الكواكب من اللّه في دار علي بن ابي طالب عليه السّلام و قد مرّ حديث النجم و قصته مشهورة،و انزل اللّه قرآنا و اقتص فيه بالنجم تصديقا لرسوله صلّى اللّه عليه و آله قال وَ النَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ مٰا ضَلَّ صٰاحِبُكُمْ وَ مٰا غَوىٰ وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ الآيات كلها،و تلاها النبي صلّى اللّه عليه و آله فلم يزدادوا الا غضبا و حسدا و نفاقا و عتو و استكبروا ثم تفرقوا و في قلوبهم من الحسد و النفاق ما لا يعلمه الاّ اللّه سبحانه.

فلما كان بعد ايام دخل عليه العباس فقال:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد علمت ما بيني و بينك من القرابة و الرحم الماسة و انّا ممن يدين اللّه بطاعتك فاسئل اللّه عز و جل ان يجعل لي بابا الى المسجد اتشرف على من سواي فقال له:يا عم ليس لي الى ذلك سبيل،قال:فميزا بان يكون من داري الى المسجد أتشرف به على القريب و البعيد فسكت النبي صلّى اللّه عليه و آله و كان كثير الأحياء لا يدري ما يعيد من الجواب خوفا من اللّه تعالى و حياء من عمه العباس فهبط جبرئيل في الحال على النبي صلّى اللّه عليه و آله و قد علم اللّه من نبيه صلّى اللّه عليه و آله اشفاقه بذلك فقال:يا محمد صلّى اللّه عليه و آله اللّه يأمرك ان تجيب سؤال عمك و امرك ان تنصب له ميزابا الى المسجد كما اراد فقد علمت ما في نفسك و قد اجبتك الى ذلك كرامة لك و نعمة منّي عليك و على عمك العباس فكبّر النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال ابي عبد اللّه:الا اكرامكم يا بني هاشم و تفضيلكم على الخلق اجمعين ثم قام و معه جماعة من الصحابة و العباس بين يديه حتى صار على سطح بيت العباس فنصب ميزابا الى المسجد و قال:معاشر المسلمين ان اللّه قد شرّف عمي العباس بهذا الميزاب،فلا تؤذونني في عمي فانه بقية الآباء و الأجداد فلعن اللّه من آذاني في عمي و يحبسه حقه او اغار عليه.

و لم يزل الميزاب على حاله ايام النبي صلّى اللّه عليه و آله و خلافة ابي بكر و ثلاثة سنين من خلافة عمر بن الخطاب فلما كان في بعض الأيام و على العباس و مرض مرضا شديدا فصعدت الجارية تغسل قميصه فجرى الماء من الميزاب الى صحن المسجد فنال بعض الماء من قعة الرجل فغضب غضبا

ص:241

شديدا و قال لغلامه:اصعد و اقلع الميزاب فصعد الغلام فقلعه و رمى به الى سطح العباس و قال:

و اللّه لأن رده احد الى مكانه لأضربن عنقه،فشق ذلك على العباس ودعى بولديه عبد اللّه و عبيد اللّه و نهض يمشي متوكئا عليهما و هو يرتعد من شدة المرض و صار حتى دخل على امير المؤمنين عليه السّلام فلما نظر اليه امير المؤمنين عليه السّلام على تلك الحالة انزعج لذلك و قال:يا عم ما جائك و انت على هذه الحالة فقص عليه القصة و ما فعل معه عمر من قلع الميزاب و تهدده من يعيده الى مكانه و قال له:يا ابن اخي انه قد كان لي عينان انظر بهما فمات احديهما و هي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بقيت الأخرى و هي انت يا علي،و ما أظن انّي اظلم و يزول ما شرّفني به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و انت لي فانظر في امري،فقال له:يا عم ارجع الى بيتك فسترى مني ما يسرك ان شاء اللّه تعالى.

ثم نادي علي بذي الفقار ثم خرج الى المسجد و الناس حوله و قال:يا قنبر اصعد حينئذ فردّ الميزاب الى مكانه فصعد قنبر فرده الى موضعه،و قال علي عليه السّلام و حقّ صاحب هذا القبر و المنبر لأن قلعه قالع لأضربن عنقه و عنق الآمر له بذلك و لأصلبنهما في الشمس حتى يتقددا،فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فنهض و دخل المسجد و نظر الى الميزاب و هو في موضعه قال:لا يغضب احدا ابا الحسن فيما فعله و نكفر عن اليمين فلما كان من الغداة مضى امير المؤمنين عليه السّلام الى عمه العباس و قال:كيف اصبحت يا عم؟قال:بأفضل النعم ما دمت لي يا ابن اخي،فقال له:يا عم طب نفسا فو اللّه لو خاصمني اهل الأرض في الميزاب لخصمتهم ثم لقتلتهم بحول اللّه و قوته و لا ينالك ضيم يا عم،فقام العباس فقبّل بين عينيه و قال:يا ابن اخي ما خاب من انت ناصره،فكان هذا فعل عمر بالعباس عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد قال في غير موطن وصية منه في عمه انّ عمي العباس بقية الآباء و الأجداد فاحفظوني فيه كلّ في كنف و انا في كنف عمي العباسفمن أذاه فقد اذاني،و من عاداه فقد عاداني،سلمه سلمي و حربه حربي و قد اذاه عمر في ثلاث مواطن ظاهرة غير خفية منها قضية ميزاب و لو لا خوفه من علي عليه السّلام لم يتركه على حاله.

و منها ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قبل الهجرة خرج يوما الى خارج مكة و رجع طالبا منزله و جازه بمناد ينادي من بني تميم و كان له سيّد يسمى عبد اللّه بن جذعان و كان يعد من سادات قريش و اشياخهم و كان له منادية ينادون في شعبات مكة و أوديتها من اراد الضيافة و الغذاء فليأت مائدة عبد اللّه بن جذعان،و كان مناديه ابا قحافة و أجرته اربع دوانيق،و له مناد آخر ينادي فوق سطح داره فاخبر عبد اللّه بن جذعان بجواز النبي صلّى اللّه عليه و آله على باب داره و خرج يمشي حتّى لحق به و قال:

يا محمد صلّى اللّه عليه و آله بالبيت الحرام الاّ ما شرفتني بدخولك منزلي و تحرمك بزادي و أقسم عليه البيت و البطحي و شيبة عبد المطلب فاجابه النبي صلّى اللّه عليه و آله الى ذلك و دخل منزله و تحرم بزاده فلما خرج النبي صلّى اللّه عليه و آله خرج معه ابن جذعان مشيّعا لع فلمّا اراد الرجوع عنه قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله احب ان تكون غدا

ص:242

ضيفي انت و تيم و اتباعها و خلفائها عند طلوع الغزالة،ثم افترقا و مضى النبي صلّى اللّه عليه و آله الى دار عمه ابي طالب و جلس متفكرا فيما وعده لعبد اللّه بن جذعان اذ دخلت عليه فاطمة بنت اسد زوجة عمّه ابي طالب و كانت هي مربيته و كان يسميها امي فلما رأته مهموما قالت:فداك امي و ابي فاني اراك مهموما اعارضك احد من اهل مكة؟فقال:لا فقالت فبحقي عليك الا ما أخبرتني بحالك فقصّ عليها قصّته مع ابن جذعان و ما قال له و ما وعده من الضيافة فقالت:يا ولدي لا يضيق صدرك مع اتيان عمك يقوم لك بكلما تريد،فبينما هم في الحديث اذ دخل ابو طالب عليه السّلام فقال لزوجة فيما انتما؟فأعلمته بذلك كله و بما قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لأبن جذعان فضمه الى صدره و قبل ما بين عينيه، و قال:يا ولدي باللّه عليك لا يضيق صدرك من ذلك و في نهار غد اقوم لك في جميع متحتاج اليه ان شاء اللّه تعالى و أصنع وليمة تتحدث فيها الركبان في سائر البلدان،و عزم على وليمة تعم سائر القبائل،و قصد نحو اخيه العباس ليقترض منه شيئا يضمه الى ماله فوجد بني عبد المطلب في الطريق فأقرضوه من الجمال و الذهب ما يكفيه فرجع عن القصد الى اخيه العبّاس و آثر التخفيف عنه،فبلغ اخاه العباس ذلك و عظم عليه رجوعه عن القصد اليه فاقبل الى اخيه ابي طالب و هو مغموم كئيب فسلّم عليه فقال له ابو طالب:مالي اراك حزينا كئيبا؟فقال:بلغني انك قصدتني في حاجة ثم بدا لك عنها فرجعت من الطريق فما هذا الحال؟فقص عليه القصة الى آخرها فقال له العباس:الأمر اليك و انك لم تزل اهلا لكل مكرمة و مؤملا لكل نائبة ثم جلس عنده ساعة و قد اخذ ابو طالب فيما يحتاج اليه من آلة الطبخ و غير ذلك،فقال له العباس:يا اخي لي اليك حاجة فقال ابو طالب عليه السّلام هي مقضية فاذكرها،فقال العباس اقسمت عليك بحق البيت و بشيبة الحمد الا قضيتها،فقال:لك ذلك و لو سئلت في النفس و الولد،فقال:تهب لي هذه المكرمة تشرفني بها؟ فقال:قد اجبتك الى ذلك مع ما اصنعه انا فنحر العباس الجزر و نصب القدور و عقد الحلاوات و شوى المشوي و اكثر من الزاد فوق ما يزاد،و نادى في سائر الناس و اجتمع اهل مكة و بطون قريش و سائر العرب على اختلاف طبقاتها يهرعون في كلّ مكان حتى كأنّه عبد اللّه الأكبر و بصب للنبي صلّى اللّه عليه و آله منصبا عاليا و زبّنه بالدر و الياقوت و الثياب الفاخرة و بقي الناس متعجبين من حسن النبي صلّى اللّه عليه و آله و وقاره و عقله و كماله وضوئه يعلو على ضوء الشمس و تفرق الناس مسرورين و انشدوا الخطب و الأشعار و مدح النبي صلّى اللّه عليه و آله و اهله و عشيرته على حسن ضيافتهم و كانت يد العباس عن النبي صلّى اللّه عليه و آله اليد العليا،فلما تكامل النبي صلّى اللّه عليه و آله و بلغ اشده و تزوج خديجة و اوحى اللّه اليه و نبّأه و ارسله الى سائر العرب و العجم و اظهره على المشركين و فتح مكة و دخلها مؤيّدا منصورا،و قتل من قتل و بقي من بقي أوحى اللّه اليه يا محمد ان عمك العباس له عليك يد سابقة و جميع متقدم و هو ما انفق عليك في وليمة عبد اللّه بن جذعان و هو ستون الف دينار مع ماله عليك في سائر

ص:243

الأزمان و في نفسه شهوة سوق عكاظ فامنحه ايّاه في مدة حياته و لوالديه بعد وفاته،ثم قال:الا لعنة اللّه على من عارض عمي العباس في سوق عكاظ او نازعه فيه من أخذه منه فأنا بريء منه و عليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين فلما تكبر عمر بذلك و حسد العباس على دخل سوق عكاظ و غصبه منه و لم يزل العباس متظلما منه عليه الى حين وفاته.

و منها ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان جالسا في مسجد يوما و حوله جماعة من الصحابة اذ دخل عمه العباس و كان رجلا صبيحا حسن الخلق الشمائل فلما رآه النبي صلّى اللّه عليه و آله قام اليه و استقبله و قبل بين عينيه و رحّب فيه و أجلسه الى جانبه و جعله يفديه بأبيه و امه و جعل العباس يقول اشعارا لمدحه صلّى اللّه عليه و آله فلما فرغ عمه العباس قال النبي صلّى اللّه عليه و آله يا عم خيرا و مكافئتك على اللّه،قال:معاشر الناس احفظوني في عمي العباس و انصروه و لا تخذلوه ثم قال:يا عم اطلب مني شيئا اعطك على سبيل الهدية،فقال:يا ابن اخي اريد من الشام الملعب،و من العراق الحبرة،و من هجر الحظ،و كانت هذه المواضع كثيرة العمارة فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله مرحبا(حبا خ د)و كرامة ثم دعا علي بن ابي طالب عليه السّلام فقال:اكتب لعمك العباس هذه المواضع فكتب له امير المؤمنين عليه السّلام كتابا بذلك و أملأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على علي و اشهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الجماعة الحاضرين و ختمه النبي صلّى اللّه عليه و آله بخاتمه،و قال:

يا عم ان يفتح اللّه لي هذه المواضع فهي لك هبة و ان فتحت بعد موتي فانّي اوصي الذي ينظر في الأمة و آمره بتسليم هذه المواضع المذكورة لعمي العباس فعلى من تغير عليه او يبدله او يمنعه او يظلمه لعنة اللّه و لعنة اللاعنين ثم ناوله الكتاب،فلما و لي عمر و فتح هذه المواضع المذكورة اقبل اليه العباس الكتاب فلما نظر فيه دعى رجلا من اهل الشام و سئله عن الملعب،فقال:يزيد ارتفاعه على عشرين الف درهم ثم سأل عن النواحي الأخر فذكر له ان ارتفاعها يقوم بمال كثير فقال:

يا ابا الفضل انّ هذا مال كثير لا يجوز ذلك اخذه من دون المسلمين،فقال العباس:هذا كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يشهد لي بذلك قليلا كان او كثيرا فقال له عمر كلا و اللّه ان كنت تساوي المسلمين في ذلك و الا فارجع من حين اتيت فجرى بينهما كلام كثير فغضب عمر و كان سريع الغضب و اخذ الكتاب من العباس و خرقه و تفل فيه و رمى به في وجه العباس و قال:و اللّه لو طلبت منه حبة واحدة ما اعطيتك،فأخذ العباس بقية الكتاب و عاد الى منزله حزينا كئيبا باكيا شاكيا الى اللّه و الى رسوله، فصاح العباس بالمهاجرين و الأنصار فغضبوا لذلك و قالوا يا عمر تخرق كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تبقى الى الأرض هذا شيء لا نصبر عليه،فخاف عمر ان يتخرم عليه الأمر فقال:قوموا بنا الى العباس فنرضيه و نفعل معه ما يصلحه فنهضوا باجمعهم الى دار العباس فوجدوه متوركا لشدة ما لحقه من الفتن و الألم و الظلم فقال:نحن في الغداة عائد ان شاء اللّه تعالى معتذرين اليه مما فعلنا

ص:244

فمضى غدو بعد غدو لم يعد اليه و لا اعتذر منه ثم فرق الأموال على المهاجرين و الأنصار و بقى كذلك الى ان مات و اللّه تعالى.

و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون نقل من ارشاد القلوب الديلمي قدس اللّه روحه الشريف و نوّر ضريحه المنيف و الحمد للّه اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلّى اللّه على خير خلقه محمد و آله و سلّم تسليما كثيرا كثيرا.

ص:245

الجسد بعد الموت

بسم اللّه الرحمن الرحيم

حديث مشكل في الكافي و الفقيه عن عمار الساباطي عن الصادق عليه السّلام انه سئل عن الميت هل يبلى جسده؟قال:نعم حتى لا يبقى له عظم و لا لحم الا طينته التي خلق منها فانها لا تبلى بل تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق اول مرة يقال:بلى الميت أي افنته الأرض و هذا كناية عن ذهاب بعض جسده و المراد بالطينة كما في اللغة الأصل و الخلقة و الجبلة و في تعيين النراد من الطينة الباقية في القبر على الأستدارة اقوال:

الأول ان المراد بها النفس الناطقة اذ الطين هو الأصل و لا ريب في ان النفس الناطقة هو اصل لا لأنسان و حقيقته و انه يثاب و يعاقب و هي الباقية بعد فناء الجسد حتى يخلق اللّه الجسد و يتعلق به ثانيا و بقاءه في القبر اشارة الى بقاء تعلقها باجزاء بدنها التي في القبر فان البدن لكونه الة لتحصيل كمالاتها يمتنع ان يزول تعلقها و تعشقها به و اما استدارتها فكأنها كناية عن انتقالها عن حال الى حال و من شأن الى شأن مطلقا او في حال البرزخ فالأستدارة هنا من الدوران بمعنى الحركة أي المأخوذة من دار دور دورا و دورنا فالمراد ان ما سوى النفس من الأنسان تفنى و انما تبقى النفس مستديمة مستمرة متحركة في جميع مراتب التغيير منتقلة من حال الى حال مع بقاءها بذاتها حتى يتعلق ثانيا ببدنها و يمكن ان يكون استدارتها كناية عن بساطتها و تجردها نظرا الى ان الأستدارة شكل للبسيط و هذا اكمل و ان كان بعيدا من حيث اللفظ لأفتقاره الى تجوزات و تأويلات الا انه قريب من حيث المعنى.

الثاني ان المراد بالطينة هو النطفة لأن الطينة هو الأصل الذي يخلق منه أي ما يتولد به الأجزاء الأصلية من العظم و اللحم و العصب و الربائط و غيرها و ظاهر ان الأصل الذي خلق منه سوى آدم و زوجته هو المسيح من افراد البشر و المسيح من افراد البشر هو النطفة اما آدم و زوجته فان ما خلق من الطين و اما المسيح فالمروي(في)من الأخبار و ان لم يحضرني الآن الفاظها ان خلق من بخارات خرجت من آدم حين عطس في اول ما عطس و قد قبضها جبرئيل عليه السّلام في كفه بأمر اللّه تعالى و حفظها الى ان القاها الى مريم و نفخها فيها.

فالمراد ان الأجزاء الفضلية و الأصلية تتفرق و تتلاشى بالموت البدني و يبقى ما به تتكون تلك الأجزاء و هو النطفة بحالة ليكون كالمادة يخلق منه جسد الميت كما خلق منها اول مرة اما بضم تلك الأجزاء اليها بعد التفكك و التشتت او بانشائها منها مرة اخرى كما انشأها منها في المرة اللأولى

ص:246

و قد ورد في بعض الأخبار ان اللّه اذا اراد ان يبعث الخلق مطر السماء على الأرض اربعين صباحا فاجتمعت الأوصال و نبتت اللحوم.

و بالجملة المراد ان شخص النطفة التي خلق منها الميت تبقى في القبر على هيئة الكرة الى ان يعاد في القيمة و لا استبعاد في بقاءها بحالها بالنظر الى قدرة اللّه تعالى فلا حاجة الى تأويلها و انما تبقى على هيئة الكرة لكونها في بدو الفطرة حين كونها في الرحم كذلك لأن الماء بطبعه يقتضي الاستداره و الكرويه حيثما كان كما بين في محله و هذا الحمل و ان كان قريبا من حيث اللفظ الا انه بعيد من حيث المعنى اذ بقاء شخص نطفة الرجل التي وقعت في رحم المرئه و خلقت منه الجنين بحالها الأصلي التي وقعت في الرحم ينادي بفساده القواعد الطبية و الحكمية و هذه النطفة لا تبقى على هيئة الأستدارة في البدن الذي يكون منها فكيف يبقى بعد فنائه بالقبر.

الثالث ان المراد بها التراب الذي يدخل في النطفة كما هو ظاهر بعض الآيات و الروايات و ان فسروها بغيرها كقوله تعالى مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهٰا نُخْرِجُكُمْ تٰارَةً أُخْرىٰ و قول احدهما في صحيحة محمد بن مسلم من خلق من تربة دفن فيها و قل الصادق عليه السّلام في رواية حارث بن المغيرة ان النطفة اذا وقعت في الرحم بعث اللّه ملكا فاخذ من التربة التي يدفن فيها و خلطها في النطفة فلا يزال قلبه عنّ اليها حتى يدفن فيها و المراد باستدارتها اما معناها الحقيقي الذي ان هذا التراب على شكل الأستدارة و يمون محفوظا عليها حتى يبعث فيها او المجازي أي انتقاله من حال الى حال بمعنى انه دار على الحالات و الشؤون و لو فيها الصحاف و الكيزان حتى يخلق منها و لا يخفى ان هذا الحمل ايضا بعيد من حيث المعنى اذ ظاهر ان ما ورد في بعض الأخبار من خلط التراب بالنطفة لا يمكن الأخذ بظاهره فكيف يأول اليه غيره ممن لا يمكن الأخذ بظاهره ايضا.

الرابع ان المراد منها أي من الطينة ذرة من الذرات المسئولة في الأزل بقوله تعالى أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ بعد ما جعلت قابلة للخطاب بتعلق الأرواح فيكون بدن كل انسان مخلوقا من ذرة من تلك الذرات فينميها اللّه الى ما شاء من غاية ثم يذهب و يفنى عنها ما زاد و تبقى الذرة مستديرة في القبر الى ما شاء اللّه ثم يزيد فيها وقت الأحياء و القيمة تلك الزيادات فيصير كما كان في الدنيا و لا يخفى ما في هذا الحمل من الضعف اما اولا فلأنه لا ريب في ان المسئول و المقابل للخطاب و المطلوب منه الجواب الروح المجرد القائم لذاته لا الذرة ليحتاج الى تعلق الروح بها و انما الأحتياج الى الذرة في ان تصير آلة له في تكلمه الحقيقي بلسانه المقالي ليتمكن بذلك عن الجواب عن السؤال و لا شبهة في ان الذرة التي ماه منها زنة شعير كما في القاموس غير صالحة في هذه الآلية فتعلقه بها مما لا فائدة له في هذه الآلية.

ص:247

و اما ثانيا فلانة يوجب القول بازلية الأرواح و هو مخالف لما ذهب اليه المليون و لما تقرر من انها حادثة بحدوث البدن.

و اما ثالثا فلأنه يوجب ان يكون اصل البدن و هو الذرة قديما ازليا و ينحصر الحادث في اجزائها الفضلية التي تزيد و تنقص.

و اما رابعا فلأنه لا يظهر حينئذ وجه لبقائها مستديرة لأن الذرة و هي صغار النمل ليست بمستديرة كما هو المعروف المحسوس الا ان يجعل الأستدارة كناية من انتقالها من حال الى حال مع بقاءها كما سبق.

و اما خامسا فلأن تلك الذرات المسئولة في الأزل بعد ما جعلت قابلة للخطاب لكانت في تلك المدة المتطاولة الغير المتناهية كاسبة فاين مكسوباتها و ان لم تكن كاسبة بل كانت مهملة معطلة لزم التعطيل مع انه لا وجه لتعطلها مع بقاءها و بقاء ما تعلقت هي بها و كونها قابلة للخطاب و السؤال و الجواب فيلزم ان يكون لكل انسان علوم و كمالات او نقصان و جهالات غير متناهية مع انه ليس كذلك.

و اما سادسا فلأن تلك الذرات لما جعلت عقلاء عارفين للتوحيد يتعلق بكل واحدة منها وجب ان يتذكروا الميثاق لأن اخذه انما يكون حجة على المأخوذ عليه اذا كان ذاكرا له و كيف يجوز ان ينسى الجم الغفير من العقلاء شيئا كانوا عرفوه و ادركوه بحيث لا يذكر شيئا من ذلك واحدا منهم و طول العهد لا يوجب النسيان بهذا الحد أ لا ترى ان اهل الآخرة يتذكرون كثيرا من الدنيا يقول اهل الجنة لأهل النار:انا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا و لو جاز ان ينسوا ذلك لجاز ان يكون اللّه قد كلف الخلق فيما مضى ثم أعادهم للثواب و العقاب و قد نسوا ذلك و هذا يؤدي الى الأغراء بالجهل و الى صحة مذهب التناسخية اذ أقوى الأدلة في الرد عليهم ان النفس المتعلقة بهذا البدن لو كانت منتقلة اليه من بدن آخر لزم ان يتذكر شيئا من احوال ذلك البدن لأنّ محل العلم و التذكر انما هو جوهر النفس الباقي كما كان مع انه ليس كذلك و امّا ادّعاء الصوفية تذكره و بقاء لذة الخطاب في آذانهم كما اشار اليه صاحب العرائس(يص)بقوله و قد كاشف اللّه قوما حال الخطاب بجماله فطرحهم في هيجان حبّه و اسكنه ذلك في كوامن اسرارهم فاذا سمعوا اليوم سماعا تجدد لهم تلك الأحوال و الأنزعاج الذي يظهر منهم بتذكر ما سلف لهم من العهد القديم، فهو باطل عند اهل الأديان بل هو عندهم قسم من الهذيان كادّعائهم انا نسمع حال الرقص و السماع من حورات مقصورات في خيام الجنة و نجامعهن بالجماع المتعارف المعهود فاذا صار و امغشيّا عليهم وقت السماع و الطرب اغتسلوا بعد الأفاقة غسل الجنابة.

ص:248

و اما سابعا فلأن الأصل الذي يخلق منه بدن كل الأنسان سوى ما استثني هو النطفة بالنقل و العقل،و اما النقل فكقوله تعالى وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ و قوله فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسٰانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مٰاءٍ دٰافِقٍ و قوله أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسٰانُ أَنّٰا خَلَقْنٰاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذٰا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ .

و اما العقل فهو ما ذكروه من انّ نفس الأبوين تجمع بالقوة الجاذبة اجزاء غذائية ثم تجعلها اخلاطا و تقرر منها بالقوة المولّدة مادة المني و تجعلها مستعدة لقبول من شأنها عدد المادة لصيرورتها انسانا فيصير تلك القوة منيّا،و تلك الصورة حافظة لمزاج المني كالصورة المعدنية.

ثم ان المني يتزايد كمالا في الرحم بحسب استعدادات يكتسبها هناك الى ان تصير مستعدا لقبول نفس اكمل تصدر عنها مع حفظ المادة الأفعال النباتية فتجذب الغذاء و تضيفها الى تلك المادة فينميها فتكامل المادة بترتيبها اياها فتصير تلك الصورة مصدرا لهذه الأفاعيل المختلفة و هكذا الى ان يصير مستعدا لقبول نفس اكمل تصدر عنها الأفاعيل الحيوانية ايضا فيتم البدن و يتكامل الى ان يصير مستعدا لقبول نفس ناطقة تبقى مديرة الى حلول الأجل،و اذا ثبت انّ اصل البدن هو النطفة فلا معنى لجعل اصلها هو الذرة و جعل ما عداها من الأجزاء الفضلية.

و اما ثامنا فلأنّ تلك الذرات المسئولة غير ازلية و السؤال لم يكن في الأزل بل انّما كان وقت تخمير طينة آدم قبل خلقه منها او بعد خلقه منها حين اخرجهم من طينة و هم ذر يربون يمينا و شمالا كما يفهم من الأخبار المذكورة في الكافي كما ذكره صاحب هذا التوجيه من انّ المراد عن الطينة الذرّة المسئولة في الأزل فتقييد السؤال بالأزل غير جيد،و لعله اشتبه عليهم عالم الذر فظن ان المراد به الأزل و ليس الأمر كذلك بل المراد به ما ذكر الخامس انّ المراد بالطينة الباقية هي الصورة المزاجية و كان المراد بتلك الصورة هي النفس مع قالبها المثالي او مجرد قالبها و هذا الحمل قريب من الأول،و بما ذكر يظهر ان اقرب المحامل المذكورة هو الأول و الأخير الذي هو ايضا راجع اليه في الحقيقة مع انّه ايضا في غاية البعد.

و الأظهر عندي ان يحمل الطينة الباقية على التراب الذي هو الجزء الغالب من كل مركب عنصري فان كل مركب من الحيوان و النبات و الجماد انما يتركب من خلقة العناصر الأربعة و يكون الغالب منها هو الجزء الأرضي و بعد انحلال هذا التركيب و فنائه ينحل الى الأربع التي يتركب منها و تتصل كل جزء بكله و كرته فالجزء الناري يتصل بكرة النار و الهوائي بكرة الهواء و المائي بكرة الماء و يبقى الجزء الغالب الأرضي متصلا بالأرض فالمراد من الحديث انما يدخل في القبر من جسد الأنسان ينحل و يتلاشى و يتفرق و لا يبقى شيء من أجزائه الأصلية و الفضلية في القبر الا طينته التي هي الجزء الغالب من اجزائه الأصلية اعني التراب فانه يبقى في القبر على الأستدارة،اما بمعناها

ص:249

الحقيقي نظرا الى انه جزء الكرة و جزء الكرى كرى او بمعناها المجازي اعني انتقاله من حال الى حال و تبدله من شأن الى شأن الى ان يخلق منه مرة اخرى بانضمام سائر الأجزاء الفضليّة المفارقة عنه اليه اذ كما خلق منه اول مرة.

تنبيه

المستفاد من الخبر المذكور ان المعاد انما هو الأجزاء الأصلية و اعادة الأجزاء الفضلية غير لازمة و بذلك يندفع الشبهة المشهورة الموردة على المعاد الجسماني حتى ربما قد يشك بها الملاحدة و اتباعهم من فساق المسلمين الذين هم امثالهم في الباطن و ان تميزوا عنهم في الظاهر على استحالة المعاد البدني فهي انّه لو كل انسان انسانا و صار جزء بدنه فاما ان لا يعاد اصلا و هو المطلوب او يعاد فيهما معا و هو محال او في احدهما وحده فلا يكون الآخر معادا،و هذا مع افضائه الى ترجيح من غير مرجح يستلزم المطلوب و هو عدم امكان اعادة جميع الأبدان بأعيانها.

و وجه الأندفاع انّ المعاد انّما هو الأجزاء الأصلية الباقية دون الأجزاء الفضلية الفانية، و هذا الأنسان المأكول الذي صار جزء لبدن الأكل ليس من الأجزاء الأصلية للمأكول اعيد فيه و الاّ فلا و بتقرير آخر نقول اجزاء الأنسان المأكول اصليّة له او فضليّة فضليّة للإنسان الآكل فيعاد كل منهما مع اجزائه الأصلية،و يرد اصليّة المأكول التي صارت فضليّة للآكل الى المأكول و يبقى اصليّة الآكل معه فلا يمتنع العود،ثم على تقدير عدم اعادة الأجزاء مطلقا اصلية كانت او فضلية نقول بقاء طينته التي يخلق منها كما خلق اوّل مرّة كاف في القول بالمعاد البدني و اليه يشر كلام بعض الفضلاء حيث قال:

الظاهر ان امثال هذه الأخبار وردت لرفع شبهة الملاحدة في نفي المعاد الجسماني لوارد في الكتاب و السنة المتواترة بحيث صار من الضروريات الدينية يكفر منكرها اجماعا وفاقا و شبهتهم انّ الميت اذا صار رميما و صار جزءا لبدن انسان اخر او حيوان فلا يمكن بعثه في البدنين و ان الأنسان الفاعل للخير و الشرّ في كل يوم يتحلل بدنه و الغذاء يصير بدل ما يتحلّل منه حتّى انّه لا يبقى في سنة ما كان في السنة السابقة فكيف يبعث؟

و الجواب ان التربة و النطفة المخلوق منها لا يفنى و لا يصير جزء للحيوان الآخر و يبعث منها و هو ممكن اخبر به الصادق عليه السّلام عن اللّه تعالى فيجب قبوله على ان اللّه تعالى قادر على ان لا يجعل كله جزء او يبعثه مع اجزائه الذاتية بالتحليل انتهى،و حاصله انّ المناط في الأعادة هو الأصل باي معنى اخذ أي سواء اخذ بمعنى التربة و النطفة و النفس الناطقة و غير ذلك مما مر فاذا اعيد الأصل بان يخلق منها الجسد و يبعث منها يحصل المعاد البدني و ان لم يحصل اعادة سائر الأجزاء الفضليّة و الأصليّة،و لا يخفى ان الشبهة لو قررت على الوجه المذكور فلا ريب في اندفاعها بالوجوه

ص:250

المذكورة و لكن يمكن ان يقرر بوجه لا يندفع بهذه الوجوه بان يقال:على ما اخترتم من كون الأصل هو التربة فاذا فني بدن شخص و تحلّل و بقي منه مجرد التربة في القبر و زالت سائر اجزائه فلا ريب في انّ هذه التربة هو الأصل الذي يخلق منه بدن هذا الشخص فاذا فرض انّ هذه التربة صارت غذاء و هذا الغذاء صار مادة لنطفة تولّد منها شخص آخر فلا ريب في ان هذه التربة اصل بالنسبة الى هذا الشخص الآخر ايضا لكونه مخلوقا منها فاذا مات هذا الشخص الثاني و بلى جسده يزول جميع اجزاء بدنه و انّما يبقى في القبر مجرد هذه التربة التي خلق منها بدنه و هذه التربة بعينها كانت اصلا لبدن الشخص الأول،و المفروض انّه اصل بالنسبة الى بدن هذا الشخص الثاني ايضا و يلزم الشبهة حينئذ بانها اما ان لا تعاد فهو المطلوب او يعاد فيهما معا و هو محال او في احدهما وحده فلا يكون الآخر بعينه معادا و لكون هذه التربة جزء اصليا بالأتفاق لا يمكن الجواب بما مر.

تتمة اعلم ان الحكم المذكور في هذا الخبر اعني بلى لا لجسد و فناؤه مخصص بغير النبي صلّى اللّه عليه و آله و عترتع المعصومين عليهم السّلام لما ورد في اخبار كثيرة و آثار عديدة من ان اجسادهم الطاهرة و ابدانهم القادسة لا تبلى و لا تتغير كقول الصادق عليه السّلام على ما في الفقيه ان اللّه عز و جل حرم عظامنا على الأرض و لحومنا على الدود ان يطعم منها شيئا و كقول النبي صلّى اللّه عليه و آله على ما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله من الطريقين حياتي خير لكم و مماتي خير لكم قالوا:يا رسول اللّه و كيف ذلك قال:اما حياتي فان اللّه تعالى يقول وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ و اما مفرقتي اياكم فان اعمالكم تعرض علي كل يوم فما كان من عمل حسن استزدت اللّه لكم و ما كان من عمل قبيح استغفر اللّه لكم قالوا:و قد رممت يا رسول اللّه؟(يعنون صرت رميما)فقال:كلا ان اللّه عز و جل حرم لحومنا على الأرض ان يطعم منها شيئا و مثله ورد في حديث طويل اورده الصدوق في الفقيه و انت تعلم ان من ظاهر هذه الأخبار بملاحظة ما نقل من نقل عظام آدم عليه السّلام الى الغري و نقل عظام يوسف عليه السّلام الى الأرض المقدسة يستفاد اختصاص هذا الحكم اعني بلى الجسد و تغييره بغير خاتم الرسل و اوصيائه المعصومين صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين و لا يجري ذلك في سائر الأنبياء و اوصيائهم عليهم الصلاة و السّلام فتأمل.

ص:251

الفهرست

نور في بعض التراكيب المشكلة 3

نور في المزاح و المطايبات و بعض الهزل و بعض المضحكات 71

و بعض الأجوبة المسكتة و ما ناسب هذا 71

نور في مقدمات الموت من الأمراض و دوائها 117

و ما ناسب هذا المقام 117

نور آخر في طب الرضا(ع)وضعه للمأمون 128

نور آخر في مقدمة من مقدمات هادم اللذات و هي الأجل 138

نور في القيامة الكبرى 175

(نور في موقف الناس في القيامة و بعض احوالهم)180

(نور يكشف عن النار و ما فيها من العذاب)196

(نور في الجنة و بعض ما فيها)200

خاتمة في مجمل احوال مؤلف هذا الكتاب و هو 209

نعمة اللّه الحسيني الجزائري 209

حديث حذيفة اليماني رضي اللّه عنه 223

بعض فضائل امير المؤمنين عليه السّلام الخاصة 240

الجسد بعد الموت 246

ص:252

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.