ظروف اقامه سيد الشهداء علیه السلام في مکه المكرمه المجلد 9

اشارة

ظروف إقامة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة المكرّمة

السيّد علي السيّد جمال أشرف الحسيني

تعداد جلد: 9 ج

زبان: عربی

موضوع: امام حسین علیه السلام - مکه

خیراندیش دیجیتالی : بیادبود مرحوم حاج سید مصطفی سید حنایی

ص:1

اشارة

ص: 2

ظروف إقامة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة المكرّمة

القسم التاسع

الخروج من مكّة

تأليف:

السيّد علي السيّد جمال أشرف الحسينيّ

ص: 3

ص: 4

يزيد يمكر بالإمام (علیه السلام) ليقتله

المتون

إبن طاووس:

وروى معمّر بن المثنّى في (مقتل الحسين (علیه السلام)) فقال _ ما هذا لفظه _ :

فلمّا كان يوم التروية، قَدِم عَمرو بنُ سعيد العاص إلى مكّة في جُندٍ كثيف، قد أمره يزيد أن يناجز الحسين القتال إنْ هو ناجزه، أو يقاتله [يقتله] ((1)) إنْ قدر عليه ((2)).

الطُّريحي:

وكان يزيد أنفذ عمر[و بن سعيد] بن العاص في جيشٍ عظيم، وولّاه أمْرَ الحاجّ، وأوصاه أن يقبض على الحسين سرّاً ويقتله غِيلة، ألا

ص: 5


1- المجالس الفاخرة لشرف الدين: 209.
2- اللهوف لابن طاووس: 62، نفَس المهموم للقُمّي: 163، قاموس الرجال للتُّستريّ: 10 / 177، معالي السبطَين للمازندراني: 1 / 255.

لعنة الله على القوم الظالمين ((1)).

الطُّريحيّ، المجلسيّ:

وذلك لأنّ يزيد (لعنه الله) أنفذ عَمرو بن سعيد بن العاص في عسكرٍ عظيم، وولّاه أمْرَ الموسم، وأمّره على الحاجّ كلِّه، وكان قد أوصاه يقبض الحسين (علیه السلام) سرّاً، وإنْ لم يتمكّن منه يقتله غِيلة، ثمّ إنّه (لعنه الله) دسّ مع الحُجّاج في تلك السنة ثلاثين رجُلاً من شياطين بني أُميّة، وأمرهم بقتل الحسين على كلّ حالٍ اتّفق، فلمّا علم الحسين بذلك حلّ من إحرام الحجّ وجعلها عُمرةً مفردة ((2)).

القندوزيّ:

لأنّ يزيد أرسل مع الحُجّاج ثلاثين رجُلاً من شياطين بني أُميّة، وأمرهم بقتل الحسين على كلّ حال ((3)).

الأمين:

وكان يزيد بن معاوية قد أنفذ عَمرو بن سعيد بن العاص من

ص: 6


1- المنتخَب للطُّريحيّ: 2 / 389.
2- المنتخَب للطُّريحيّ: 2 / 434، بحار الأنوار: 45 / 99، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 233، أسرار الشهادة للدربنديّ: 243، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 255.
3- ينابيع المودّة للقندوزيّ: 3 / 59.

المدينة إلى مكّة في عسكرٍ عظيم، وولّاه أمر الموسم وأمّره علىالحاجّ كلِّهم، فحجّ بالناس، وأوصاه بقبض الحسين (علیه السلام) سرّاً، وإنْ لم يتمكّن منه يقتله غِيلة، وأمره أنْ يناجز الحسين (علیه السلام) القتالَ إن هو ناجزه.

فلمّا كان يوم التروية، قدم عَمرو بن سعيدٍ إلى مكّة في جُندٍ كثيف، فلمّا علم الحسين (علیه السلام) بذلك عزم على التوجُّه إلى العراق ((1)).

المقرّم:

لمّا بلغ الحسينَ أنّ يزيد أنفذ عَمرو بن سعيد بن العاص في عسكرٍ وأمّره على الحاجّ وولّاه أمْرَ الموسم وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجد، عزم على الخروج من مكّة ((2)).

(مع الركب):

ومن الإجراءات السرّيّة الّتي اتخَذَتها السلطة الأُمويّة المركزيّة في الشام بعد فشل خطّتها الرامية إلى اعتقال الإمام (علیه السلام) أو قتله في المدينة المنوّرة، هو قيامها بالتدابير اللازمة لاغتيال الإمام (علیه السلام) أو اعتقاله في مكّة المكرّمة.

ص: 7


1- أعيان الشيعة للأمين: 1 / 593، لواعج الأشجان: 69.
2- مقتل الحسين (علیه السلام) للمقرّم: 193.

وخطّة السلطة الأُمويّة لاغتيال الإمام (علیه السلام) في مكّة المكرّمة أواعتقاله من المسلّمات التأريخيّة الّتي يكاد يُجمع على أصلها المؤرّخون.

وكفى بتصريح الإمام الحسين (علیه السلام) لأخيه محمّد ابن الحنفيّة: «يا أخي، قد خفتُ أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الّذي يُستباح به حُرمة هذا البيت!» ((1))، وقوله (علیه السلام) للفرزدق: «لو لم أعجل لَأُخذت» ((2)).

ذكرت بعضُ المصادر التأريخيّة أنّ يزيد أنفذ عَمرو بن سعيد بن العاص في عسكر، وأمّره على الحاجّ وولّاه أمر الموسم، وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وُجد ... ((3)).

ويقول مصدرٌ آخَر: وبعث ثلاثين من بني أُميّة مع جمعٍ، وأمرهم أن يقتلوا الحسين ((4)).

ويقول آخَر: إنّهم جدّوا في إلقاء القبض عليه وقتله غِيلةً، ولو وُجد

ص: 8


1- اللهوف لابن طاووس: 128.
2- الإرشاد للمفيد: 201.
3- مقتل الحسين (علیه السلام) للمقرّم: 165.
4- تذكرة الشهداء للكاشانيّ: 69.

متعلّقاً بأستار الكعبة ((1)).

ومن الوثائق التأريخيّة الكاشفة عن هذه الحقيقة: رسالة ابنعبّاسٍ الى يزيد، والّتي ورد فيها: .. وما أنسَ من الأشياء، فلستُ بناسٍ اطّرادك الحسينَ بن عليٍّ من حرم رسول اللّٰه إلى حرم اللّٰه، ودسَّك عليه الرجال تغتاله.. فأكبر من ذلك ما لم تكبر حيث دسستَ عليه الرجال فيها ليقاتل في الحرم ... ((2)).

وفي هذا القدر من المتون التأريخيّة كفايةٌ في الدلالة على خطّة السلطة الأُمويّة المركزيّة في الشام لإلقاء القبض على الإمام (علیه السلام) أو اغتياله في مكّة المكرّمة ((3)).

* * * * *

يمكن تناول نصوص هذا العنوان من خلال التنويهات التالية:

ص: 9


1- الخصائص الحسينيّة للتُّستريّ: 32 _ طبعة تبريز.
2- تأريخ اليعقوبيّ 2: 248 _ 249، وبحار الأنوار 45: 323 _ 324، وفي (تذكرة الخواص: 248): أنسيتَ إنفاذ أعوانك إلى حرم اللّٰه لقتل الحسين ...
3- مع الركب الحسينيّ: 2 / 153.

التنويه الأوّل: المصدر

يبدو أنّ المصدر الأوّل لخبر قدوم عمرو بن سعيد بجُندٍ كثيفٍ هو معمّر ابن المثنّى في (مقتل الحسين (علیه السلام)) الّذي يروي عنه السيّد ابن طاووس..

وخبر دسّ شياطين بني أُميّة لاغتيال الإمام (علیه السلام) هو الشيخ الطُّريحيّ في(المنتخَب).

فربّما يُقال: إنّ هذا مِن متفرّداتهم، بَيد أنّ الشواهد التاريخيّة ومجريات الحوادث كلّها تشهد بصحّة ما روياه، فهما يرويان حدَثاً تظافرت القرائن على عضده وتأكيده.

وبعبارةٍ أُخرى:

إنّ ما ذكراه لا يعدو أن يكون تفصيلاً وتتبُّعاً لجزئيّات الحدَث الأصليّ الّذي تفيده المتون التاريخيّة والشواهد المتظافرة المتكاثرة في المتون والأحداث، فلا يُعَدّ أصلُ الحدَث ممّا تفرّدا به، وإنّما هو حدَثٌ مشهورٌ متّفَقٌ عليه، وما قد يُعدّ تفرّداً إنّما هو هذه الجزئيّة أو التفصيل الشارح للأصل المتّفق عليه.

وما ذكراه ليس إلّا مفردةً وصورةً من صور الحدث الأصليّ، بمعنى أنّ ما يرويه السيّد ابن طاووس من قدوم الأشدق بجُندٍ كثيفٍ لغرض التعرّض للإمام (علیه السلام) بمناجزته القتال أو قتله، هو صورةٌ من صور محاولات العدوّ لقتل

ص: 10

الإمام (علیه السلام) في مكّة..

وما ذكره الشيخ الطريحيّ إنّما هو صورةٌ من صور محاولات العدوّلاغتيال الإمام (علیه السلام) في مكّة.

وقد اتّفق الجميع أنّ العدوّ كان قد أقدم على قتل الإمام (علیه السلام) أو أخذِه أو اغتياله في مكّة، فلا مانع من قبول هذه التفاصيل.

كما أنّ سلوك العدوّ وعزمه وإقدامه على قتل الإمام (علیه السلام) واغتياله أو أخذه في مكّة غير منحصرٍ بهاتَين الصورتَين، فربّما كانت هناك محاولاتٌ أُخرى يمكن أن تندرج تحت الفكرة العامّة الّتي صرّح بها الإمام الحسين (علیه السلام) وصرّح بها المؤرّخ وغيره.

التنويه الثاني: مفاد خبر السيّد ابن طاووس (رحمة الله)

أفاد السيّد ابن طاووس أنّ عَمرو بن سعيدٍ قدم إلى مكّة في جُندٍ كثيف، وقد أمره يزيد أن يُناجِز الحسينَ (علیه السلام) القتالَ إنْ هو ناجزه، أو يقتلَه إن قدر عليه ((1)).

ص: 11


1- اللهوف لابن طاووس: 62، نفَس المهموم للقُمّي: 163، قاموس الرجال للتُّستريّ: 10 / 177، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 255.

وروى الطُّريحيّ نفس الحدَث بتغييرٍ في أُسلوب تنفيذ المهمّة الّتي أُوكلَت به، إذ أنّها في نصّ الطُّريحي: «أن يقبض على الحسين (علیه السلام) سرّاً ويقتله غيلة» ((1))، وهو أوفق بطريقة العدوّ في التعامل مع سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة، وهو لا يختلف مع ما ورد في نصّ ابن طاووس، فهما إنّما يختلفان في الأمر بمناجزة القتال إن هو قاتله،ويتّفقان في الباقي.

ولا مانع من قبولهما؛ لأنّ متن ابن طاووس يوافق الاحتمالات المتصوّرة في حال وقوع صِدامٍ بينهما، فقد صدرت الأوامر بالمواجهة، فليس الأمر منحصراً بالاغتيال فقط، وإنّما عليه أن يقتل الإمام (علیه السلام) كيفما اتّفق، سرّاً وعلانية.

التنويه الثالث: عودة الأشدق إلى مكّة

مرّ معنا الحديث عن مغادرة الأشدق مكّة متوجّهاً إلى المدينة وما فعله هناك فيما مضى من الدراسة..

وقد كان الأشدق والياً على مكّة، فضمّ إليه يزيدُ القرود المدينة، تماماً كما فعل مع ابن زيادٍ والي البصرة حيث ضمّ إليه الكوفة.

ص: 12


1- المنتخَب للطُّريحيّ: 2 / 389.

ولا نستبعد أبداً أن يكون سفر الأشدق إلى المدينة في تلك الأيّام العصيبة الملتهبة بعد دخول الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) وابن الزبير إلى مكّة كان لغرضٍ مهمٍّ غايةً في الأهمّيّة..

فربّما كان بالإضافة إلى ضبط الأُمور في المدينة، بعد أن غادرهاأشرفُ الخلق يومها الإمام الحسين (علیه السلام) ، وأخسُّ الناس وأشرسُهم ابن الزبير، كان ثَمّة أسباب ودوافع أُخرى مهمّة..

قد يكون منها:

التخطيط لاغتيال سيّد الشهداء (علیه السلام) بعد أن كرّس شياطينه وجمعَهم في مكّة وبثّهم في الأرجاء ورتّب الخطّة وأحكمها معهم، ثمّ خرج منها إلى المدينة، فإذا وقع الاغتيال يكون الأشدق وزبانيته وجلاوزته خارج المشهد، ويكون بعيداً عن دائرة الاتّهام، وربّما وبّخه بعد ذلك سائسه يزيد على تركه مركز ولايته حيث وقع الاغتيال..

فلمّا باءت خططهم بالفشل، إذ بادر سيّدُ الشهداء (علیه السلام) إلى كبحها وتعجّل الخروج من مكّة، اضطرّ يزيد إلى استعجال الأشدق وإرساله إلى مكّة بجُندٍ ليقضي على الإمام (علیه السلام) ما سنحَت له الفرصة، بَيد أنّ الإمام (علیه السلام) خرج متعجّلاً وعالج الموقف متأنّياً بحيث منع وقوع القتال وصدّ عن قتله في المسجد الحرام.

ص: 13

التنويه الرابع: مفاد خبر الطُّريحيّ

يفيد خبر الشيخ الطريحيّ (رحمة الله) أنّ يزيد دسّ مع الحُجّاج ثلاثين رجُلاًمن شياطين بني أُميّة، وأمرهم بقتل الإمام الحسين (علیه السلام) على كلّ حالٍ اتّفق، ممّا اضطرّ الإمام (علیه السلام) إلى تعجيل الخروج من مكّة، وقد ذكر ذلك بعد أن روى خبر إنفاذ الأشدق في عسكرٍ عظيمٍ للقبض على الإمام الحسين (علیه السلام) سرّاً أو قتله غِيلة ((1)).. ممّا يفيد أنّ دسّ شياطين بني أُميّة كان صورةً من صور تنفيذ خطّة اغتيال الإمام (علیه السلام) في مكّة.

وممّا يفيد الخبر أيضاً أنّ هؤلاء الثلاثين شيطاناً لم يُكلَّفوا بتنفيذ الاغتيال كجماعةٍ واحدة، فليس بالضرورة أن تكون المجموعة كمجموعةٍ تباشر ضمن العدد المذكور في تنفيذ الاغتيال، بل يكفي أن يكون كلُّ واحدٍ منهم منفِّذاً حسب تمكين الفرصة..

أي: أنّ كلّ واحدٍ منهم كان مكمناً ومنفذاً يمكن أن يباشر الاغتيال متى أمكَنَته الفرصة، فربّما انتشروا في المسجد الحرام وفي مكّة.. طُرُقها ورباياها وجبالها وشعابها ومكامنها وشوارعها وأزقّتها..

ص: 14


1- المنتخَب للطُّريحيّ: 2 / 434، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 99، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 233، أسرار الشهادة للدربنديّ: 243، معالي السبطَين للمازندراني: 1 / 255.

وهؤلاء الثلاثون قد دسّهم اللعين كجُند اغتيال، وهم _ حسب السياق _ غيرُ الجند الّذي جاء مع الأشدق!

من هنا نعرف مدى خطورة الوضع في مكّة ومدى فعليّة التهديد الّذيتعرّض له الإمام (علیه السلام) بشكلٍ جدّي.

ويشهد لصدق هذه الصورة المروّعة تعجُّلُ الإمام (علیه السلام) الخروجَ من مكّة وعدم انتظاره ولو لسويعاتٍ حتّى يبدأ الموسم أو تنقضي المناسك.

وسنسمع فيما يلي بعض الشواهد الأُخرى على حتميّة حصول قتل الإمام (علیه السلام) في مكّة إنْ هو بقي فيها ولو بعض الوقت.

التنويه الخامس: الشواهد

مرّ معنا في مواضع كثيرةٍ من هذه الدراسة بياناتُ الإمام غريب الغرباء (علیه السلام) وتصريحاته الواضحة الجليّة المعبّرة بالعلم الجازم والقطع الحاسم عن كونه مطلوباً للقتل، وأنّ العدوّ يلاحقه ويتتبّعه، وسوف لن يتركه حتّى يستخرجه ولو كان في جُحر أيّ هامّةٍ من هوامّ الأرض، وأنّ العدوّ قد أعدّ واستعدّ وجهّز كلّ ما يلزم من أجل تحقيق غرضه.

كما مرّ معنا ما هو صريحٌ من عباراته وكلماته (علیه السلام) في بيان كونه مطلوباً للقتل في مكّة حتماً جزماً، وأنّهم يريدون قتله بأيّ نحوٍ حصل، غيلةً أو

ص: 15

فتكاً، أو يأخذونه أخذاً.. والكلام هنا عن تصريحاته عن عزم القوم على قتله في مكّة بالذات.وقد مرّ معنا أيضاً كلماتُه (علیه السلام) الّتي تفيد بالإشارة القريبة عزم العدوّ على قتله في مكّة، من قبيل تأكيده مرّةً بعد أُخرى أنّه لا يحبّ أن يُقتَل في الحرم، وأن يُقتَل خارج الحرم بشبرٍ أحبّ إليه، وأنّه لا يحبّ أن يكون الكبش الّذي يُستباح به حرمة الحرم، وغيرها من الكلمات الّتي تأتي في نفس السياق..

وهذه المجموعة من كلماته (علیه السلام) لا تحتاج هنا إلى توثيقٍ وإسنادٍ وتخريج؛ لأنّنا قد فعلنا ذلك في مواضعه من جهة، ولأنّها من المسلَّمات الّتي لا يختلف فيها اثنان، والبديهيّات التاريخيّة الّتي اتّفق عليها المخالف والمؤالف.

ولو لم يكن شاهدٌ على صحّة إقدام العدوّ على قتل الإمام (علیه السلام) في مكّة على كلّ حالٍ سوى خروجه متعجّلاً منها، لَكفى!

التنويه السادس: الخلاصة

شهدَت جُملةُ هذه التنويهات على نتيجةٍ متّفَقٍ عليها عند جميع المتابعين لحركة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة.. شهدَت على كون الإمام (علیه السلام)

ص: 16

كان مطلوباً للقتل ملاحَقاً مطارَداً، قد ضيّقوا عليه الدنيا، «فكأنّما المأوىعليه محرّمُ» في مكّة..

كانوا يتربّصون به اللحظات.. يترصّدون له في كلّ مكان.. ويقعدون له في كلّ مرصدٍ ويرصدونه في كلّ مكمن.. يريدون رأسَه الّذي أراده القرد المسعور المخمور.. يريدون قتلَه وسفكَ دمه الزاكي في مكّة.. والقوم لا يعرفون لله حرمةً ولا يعرفون للبيت الحرام حرمة.. ولا للدم المعصوم الزاكي حرمة..

تماماً كما كان مطلوباً في المدينة، وقد أمر يزيد الخمور في كتابه إلى واليه على المدينة أن يكون مع جواب كتابه _ الّذي يسرد فيه أسماءَ مَن بايع ومَن أبى البيعة _ رأسُ الحسين بن عليّ (علیهما السلام) .

إلى هنا متّفَقٌ عليه عند الجميع، لا يختلف فيه اثنان..

فالجميع يقول: إنّ تعجُّلَ خروج الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) من المدينة، وتعجيلَ الخروج من مكّة، إنّما كان دفاعاً محضاً عن نفسه ومَن معه، لئلّا يٌقتَل في أحد الحرمَين!

وهذا ما أفاده التاريخ بوضوحٍ لا تغبيش فيه، وأفادَتْه كلماتُ الإمام خامسُ أصحاب الكساء (علیه السلام) بجلاءٍ لا لَبْس فيه ولا التواء..

فريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) محاصَرٌ ملاحَقٌ مطلوبُ الدم في المدينة.. إنْ بقي

ص: 17

فيها يوماً آخَر بعد يوم خروجه لَقُتل!

وهو محاصَرٌ ملاحَقٌ مطلوبُ الدم في مكّة.. إنْ بقي فيها يوماً آخَر بعد يوم خروجه منها لَقُتل!

لذا استعجل الخروج منهما، ولم يتريّث ساعةً من الزمان.. بهذا شهدَت الأحداث وجرت الحوادث.. وبهذا شهد التاريخ وأقوال أمثال ابن عبّاسٍ وغيره من المعاصرين.. وبهذا صرّحَت وشهدَت كلمات الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) وبياناته..

لقد كان خروجُه من مكّة معالجةً للوقائع، وعلاجاً للملاحقة، ومنعاً من سفك دمه الزاكي الحرام في البيت الحرام.. ولا نجد سبباً آخَر في كلمات الإمام (علیه السلام) كسببٍ وداعٍ رئيسٍ مؤثّرٍ فاعلٍ سوى ما ذكره (علیه السلام) من حماية حُرمة دمه في حرمة الحرم!

ص: 18

الإمام الحسين (علیه السلام) يعتمر ثمّ يخرج إلى العراق

المتون

الكُلينيّ (رحمة الله) :

• عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه سُئِل عن رجُلٍ خرج في أشهُر الحجّ معتمِراً ثمّ رجع إلى بلاده، قال: «لا بأس، وإنْ حَجَّ في عامه ذلك وأفرد الحجّ فليس عليه دم؛ فإنّ الحسينَ بنَ عليٍّ (علیهما السلام) خرج قبل التروية بيومٍ إلى العراق، وقد كان دخل مُعتَمِراً» ((1)).

• عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس،عن

ص: 19


1- الكافي للكلينيّ: 4 / 535 ح 3، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 85، العوالم للبحراني: 17 / 317.

معاوية بن عمّارٍ قال: قلتُ لأبي عبد الله (علیه السلام) : مِن أين افترق المتمتِّعُ والمعتمِر؟ فقال: «إنّ المتمتِّعَ مُرتبطٌ بالحجّ، والمعتمرَ إذا فرغ منها ذهب حيث شاء، وقد اعتمر الحسينُ بنُ عليٍّ (علیهما السلام) في ذي الحجّة، ثمّ راح يوم التروية إلى العراق والناسُ يروحون إلى مِنى، ولا بأس بالعُمرة في ذي الحجّة لِمَن لا يريد الحجّ» ((1)).

الطبريّ:

قالا [أي: عبد الله بن سُليم والمذريّ بن المشمعل الأسديّان]: فطاف الحسينُ بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصّ مِن شَعره، وحَلّ مِن عُمرته، ثمّ توجّه نحو الكوفة ((2)).

المفيد ومَن تلاه:

ولمّا أراد الحسينُ (علیه السلام) التوجُّهَ إلى العراق، طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وأحلّ مِن إحرامه وجعلها عُمرةً؛ لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ، مخافة أن يُقبَض عليه بمكّة فينفذ إلىيزيد بن

ص: 20


1- الكافي للكلينيّ: 4 / 535 ح 4، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 85، العوالم للبحرانيّ: 17 / 317.
2- تاريخ الطبريّ: 5 / 385، نفَس المهموم للقُمّيّ: 169، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 166.

معاوية ... ((1)).

إبن نما:

ولمّا أراد الخروجَ من مكّة، طاف وسعى، وأحلّ مِن إحرامه، وجعل حجّه عُمرةً؛ لأنّه لم يتمكّن من إتمام الحجّ، مخافة أن يُقبَض عليه ((2)).

الطُّريحيّ، القندوزيّ:

كان فيه خروج الحسين (علیه السلام) من مكّة إلى العراق، بعد أن طاف وسعى وأحلّ من إحرامه، وجعل حجّه عُمرةً مفردةً؛ لأنّه (علیه السلام) لم يتمكّن من إتمام الحجّ مخافة أن يُبطَش به ((3)).

الأمين:

فلمّا كان يوم التروية، قدم عَمرو بن سعيدٍ إلى مكّة في جُندٍ كثيف، فلمّا علم الحسين (علیه السلام) بذلك عزم على التوجّه إلى العراق،

ص: 21


1- الإرشاد للمفيد: 2 / 67، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 363، العوالم للبحرانيّ: 17 / 213، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 233، أسرار الشهادة للدربنديّ: 243، نفَس المهموم للقُمّيّ: 162، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 255، روضة الواعظين للفتّال: 152، إعلام الورى للطبرسيّ: 230.
2- مثير الأحزان لابن نما: 19.
3- المنتخَب للطُّريحيّ: 2 / 434، ينابيع المودّة للقندوزيّ: 3 / 59.

وكان قد أحرم بالحجّ ... فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وقصّر مِن شَعره وأحلّ من إحرام الحجّ، وجعلها عُمرةً مفردةً؛ لأنّه لم يتمكّن من إتمام الحجّ مخافةَ أن يُقبَض عليه، فخرج من مكّة ... ((1)).

وكان قد أحرم بالحجّ ((2)).

المقرّم:

عزم على الخروج من مكّة قبل إتمام الحجّ، واقتصر على العُمرة؛ كراهية أن تُستباح به حُرمةُ البيت ((3)).

* * * * *

يمكن استكشاف هذه النصوص من خلال المعالجات التالية:

المعالجة الأُولى: تقسيم النصوص

اشارة

يمكن تقسيم النصوص الواردة في المقام إلى طائفتَين:

ص: 22


1- أعيان الشيعة للأمين: 1 / 593.
2- لواعج الأشجان للأمين: 69.
3- مقتل الحسين (علیه السلام) للمقرّم: 193.

الطائفة الأُولى: الأحاديث الشريفة

ورد حديثان شريفان يفيدان بصراحةٍ أنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) كان قد أحرم للعُمرة المفردة، ولم يُحرم لعمرة التمتّع إلى الحجّ، كما ورد خبر الطبريّ في نفس السياق أيضاً..

ففي الحديث الأوّل:

«فإنّ الحسين بن عليٍّ (علیهما السلام) خرج قبل التروية بيومٍ إلى العراق، وقد كان دخل مُعتمِراً» ((1)).

وفي الحديث الثاني:

«وقد اعتمر الحسينُ بنُ عليٍّ (علیهما السلام) في ذي الحجّة، ثمّ راح يوم التروية إلى العراق والناسُ يروحون إلى مِنى، ولا بأس بالعُمرة في ذي الحجّة لِمَن لا يريد الحجّ» ((2)).

قال العلّامة المجلسيّ (رحمة الله) : اعلمْ أنّ قوله: «ولا بأس بالعُمرة»، داخلٌ في

ص: 23


1- الكافي للكلينيّ: 4 / 535 ح 3، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 85، العوالم للبحرانيّ: 17 / 317.
2- الكافي للكلينيّ: 4 / 535 ح 4، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 85، العوالم للبحرانيّ: 17 / 317.

الحديث؛ لذِكره في (الكافي) ((1)).

وفي خبر الطبريّ:فطاف الحسينُ بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصّ مِن شَعره وحلّ من عُمرته، ثمّ توجّه نحو الكوفة ((2)).

الطائفة الثانية: النصّ التاريخيّ

ذكر الشيخ المفيد ومَن تلاه عبارةً تفيد أنّ الإمام الحسين (علیه السلام) قد أحرم للحجّ ثمّ أحلّ إحرامه وجعلها عُمرة، وعلّل ذلك بأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ مخافة أن يُقبَض عليه بمكّة فينفذ إلى يزيد (لعنه الله)..

ويمكن إفادة ذلك من قوله: «وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرة»، والتعليل الّذي ذكره لذلك: «لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ» ((3)).

ص: 24


1- ملاذ الأخيار للمجلسيّ: 8 / 461.
2- تاريخ الطبريّ: 5 / 385، نفَس المهموم للقُمّيّ: 169، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 166.
3- الإرشاد للمفيد: 2 / 67، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 363، العوالم للبحرانيّ: 17 / 213، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 233، أسرار الشهادة للدربنديّ: 243، نفَس المهموم للقُمّيّ: 162، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 255، روضة الواعظين للفتّال: 152، إعلام الورى للطبرسيّ: 230.

وجاءت عبارة الشيخ ابن نما أكثر وضوحاً من كلام الشيخ المفيد: «وأحلّ من إحرامه، وجعل حجّه عُمرةً ((1)) مفردة» ((2))، ثمّ ذكر نفس التعليل الّذي ذكره المفيد (رحمة الله) .

وربّما صرّح السيّد الأمين اعتماداً على ما استظهره من عبارة المفيد وابن نما، فقال: «إنّ الإمام الحسين (علیه السلام) كان قد أحرم بالحجّ ... وأحلّ من إحرام الحجّ وجعلها عُمرةً مفردة» ((3)).

المعالجة الثانية: اشتراط الإحرام في أشهُر الحجّ

v رُوي عن الإمام الصادق (علیه السلام) مُسنَداً أنّه قال: «مَن دخل مكّةَ معتمِراً مُفرِداً للعُمرة فقضى عُمرتَه ثمّ خرج، كان ذلك له، وإنْ أقام إلى أن يدركه الحجّ، كانت عمرته متعة»، وقال: «ليس يكون متعةً إلّا في أشهُر الحجّ» ((4)).

• وفي (تفسير القُمّيّ):

وأشهُر الحجّ معروفة، وهي: شوّال، وذو القعدة، وذو الحِجّة.

ص: 25


1- مثير الأحزان لابن نما: 19.
2- المنتخَب للطريحيّ: 2 / 434، ينابيع المودّة للقندوزيّ: 3 / 59.
3- أعيان الشيعة للأمين: 1 / 593، لواعج الأشجان للأمين: 69.
4- التهذيب للطوسيّ: 5 / 435 ح 159، هداية الأُمّة للحُرّ العامليّ: 5 / 446 ح 28.

وإنّما صارت أشهُر الحجّ؛ لأنّه مَن اعتمر في هذه الأشهر _ في شوّال أو في ذي القعدة أو في ذي الحِجّة _ ونوى أن يُقيم بمكّة حتّى يحجّ، فقد تمتّع بالعُمرة إلى الحجّ، ومَن اعتمر في غير هذه الأشهر ثمّ نوى أن يقيم إلى الحجّ أو لم ينوِ، فليس هو ممّن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، لأنّه لم يدخل مكّة في أشهُر الحجّ، فسمّى هذه أشهر الحجّ فقال الله (تبارك وتعالى): ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ ((1)) ((2)).

عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قوله: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌv مَّعْلُومَاتٌ﴾: «هو شوّال وذو القعدة وذو الحِجّة» ((3)).

v عن زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾، قال: «شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، وليس لأحدٍ أن يُحرِم بالحجّ فيما سواهنّ» ((4)).

v عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾، شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، فمن أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة، ومن أراد العمرة وفّر شعره شهراً» ((5)).

ص: 26


1- سورة البقرة: 197.
2- تفسير القمّيّ: 1 / 68.
3- الكافي للكلينيّ: 4 / 289 ح 2.
4- الكافي للكلينيّ: 4 / 289 ح 1.
5- الكافي للكلينيّ: 4 / 317 ح 1، مَن لا يحضره الفقيه للصدوق: 2 / 301 ح 252.

v عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال في قول الله: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾: «والفرضُ فرضُ الحجّ: التلبية والإشعار والتقليد، فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ، ولا يفرض الحجّ إلّا في هذه الشهور الّتي قال الله: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾، وهي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة» ((1)).

عن حمّاد قال: سألتُ أبا عبد الله (علیه السلام) عن أهل مكّة أيتمتّعون؟ قال: «ليس لهم متعة». قلت: فالقاطن بها؟ قال: «إذا أقام بها سَنةً أو سنتين، صَنَع صُنعَ أهل مكّة». قلتُ: فإن مكث الشهر؟ قال: «يتمتّع». قلت: مِن أين؟v قال: «يخرج من الحرم». قلت: أين يهلّ بالحجّ؟ قال: «من مكّة نحواً ممّا يقول الناس» ((2)).

v عن سماعة، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «المُجاوِر بمكّة إذا دخلها بعُمرةٍ في غير أشهُر الحجّ، في رجب أو شعبان أو شهر رمضان أو غير ذلك من الشهور، إلّا أشهُر الحجّ، فإنّ أشهُرَ الحجّ شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، مَن دخلها بعُمرةٍ في غير أشهُر الحجّ ثمّ أراد أن يُحرِم، فلْيخرج إلى الجعرانة فيُحرم منها، ثمّ يأتي مكّة،

ص: 27


1- تفسير العيّاشيّ: 1 / 94، الكافي للكلينيّ: 4 / 289.
2- الكافي للكلينيّ: 4 / 300 ح 4.

ولا يقطع التلبيةَ حتّى ينظر إلى البيت، ثمّ يطوف بالبيت، ويصلّي الركعتين عند مقام إبراهيم (علیه السلام) ، ثمّ يخرج إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما، ثمّ يقصّر ويحلّ، ثمّ يعقد التلبية يوم التروية» ((1)).

v عن زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾، شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، ليس لأحدٍ أن يُحرم بالحجّ في سواهنّ، وليس لأحدٍ أن يُحرم قبل الوقت الّذي وقّته رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وإنّما مثل ذلك مثل مَن صلّى في السفر أربعاً وترك الثنتين» ((2)).

عن ابن أُذينة قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «مَن أحرم بالحجّ في غير أشهُرv الحجّ فلا حجَّ له، ومَن أحرم دون الميقات فلا إحرام له» ((3)).

v عن إبراهيم الكرخيّ قال: سألتُ أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجُلٍ أحرم في غير أشهُر الحجّ، أو مِن دون الميقات الّذي وقّته رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، قال: «ليس إحرامه بشيء، فإنْ أحبّ أن يرجع إلى أهله فلْيرجع، فإنّي لا أرى عليه شيئاً، فإنْ أحبّ أن يمضي فلْيمضِ، فإذا انتهى إلى الوقت فلْيُحرِم، ولْيجعَلْها عُمرةً، فإنّ ذلك أفضل من رجوعه، لأنّه قد أعلن الإحرام» ((4)).

ص: 28


1- الكافي للكلينيّ: 4 / 302 ح 10.
2- التهذيب للطوسيّ: 5 / 52 ح 1.
3- التهذيب للطوسيّ: 5 / 52 ح 3.
4- التهذيب للطوسيّ: 5 / 53 ح 5.

* * * * *

أفادَتْ هذه الأحاديث _ وهو ما ذهب إليه فقهاء المذهب الحقّ _ أنّ الإحرام لعمرة التمتّع _ وهو إحرامٌ للحجّ _ لا يمكن أن يقع إلّا في أشهُر الحجّ الثلاثة: شوّال، وذي القعدة، وذي الحجّة..

فإذا دخل المعتمر إلى مكّة قبل أشهُر الحجّ، فليس له خيارٌ سوى الإحرام للعمرة المفردة، فإن أقام في مكّة وأراد أن يحجّ حجّ التمتُّع باعتباره مجاوراً وليس من أهل مكّة، فعليه أن يخرج إلى الجعرانة مثلاً ثمّ يُحرِم بالعمرة إلى الحجّ..

وقد تبيّن لنا بما لا شكّ فيه أنّ الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) قد دخل مكّةفي شهر شعبان، أي: قبل حلول أشهُر الحجّ، فلا يمكن أن يكون أحرامه الأوّل الّذي دخل به إلى مكّة إلّا إحراماً للعمرة المفردة!

ويشهد لذلك ما رواه الشيخ الكلينيّ (رحمة الله) في (الكافي) الشريف: عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه سُئل عن رجُلٍ خرج في أشهُر الحجّ مُعتمِراً ثمّ رجع إلى بلاده، قال: «لا بأس، وإنْ حجَّ في عامه ذلك وأفرد الحجّ فليس عليه دم؛ فإنّ الحسين بن عليٍّ (علیهما السلام) خرج قبل التروية بيومٍ إلى العراق، وقد كان دخل معتمِراً» ((1)).

ص: 29


1- الكافي للكليني: 4 / 535 ح 3، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 85، العوالم للبحرانيّ: 17 / 317.

على فرض حمل قوله (علیه السلام) : «وقد كان دخل معتمِراً»، على دخول سيّد الشهداء (علیه السلام) مكّة في شهر شعبان، وهو الظاهر.

فيكون المعنى: إنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) قد دخل مكّة معتمِراً، ثمّ خرج عنها أيّام الحجّ ولم يحضر الموسم.

فالحديث يتحدّث عن الدخول الأوّل إلى مكّة في شهر شعبان، ولا يتعرّض إلى إحرام سيّد الشهداء (علیه السلام) في شهر ذي الحجّة.

المعالجة الثالثة: عُمرةٌ في ذي الحجّة

في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (علیه السلام) : «وقد اعتمر الحسين بن عليٍّ (علیهما السلام) في ذي الحجّة، ثمّ راح يوم التروية إلى العراق والناسُ يروحون إلى مِنى، ولا بأس بالعُمرة في ذي الحجّة لمَن لا يريد الحجّ» ((1)).

هذا الحديث يفيد بصراحةٍ أنّ الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) قد اعتمر في ذي الحجّة ثمّ خرج إلى العراق، ويؤكّد ذلك ذيل الحديث، حيث يفرّع الإمام (علیه السلام) نفي البأس عن العمرة في ذي الحجّة لمن لا يريد الحجّ على

ص: 30


1- الكافي للكلينيّ: 4 / 535 ح 4، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 85، العوالم للبحرانيّ: 17 / 317.

فعل الإمام الحسين (علیه السلام) .

وصراحة الحديث ووضوحه تأبى حمله على عمرة الدخول إلى مكّة في شعبان.. وظهور الحديث السابق المذكور يبعد حمله على عمرة ذي الحجّة، فإمّا أن يكون كلّ حديث يخبر عن عمرة، وإمّا أن نحمل بعضها على بعض، فلْيُحمَل الأوّل على الثاني، والإخباران أظهر وأقوى.

المعالجة الرابعة: خبر الطبريّ

يروي الطبريّ خبراً عن الأسديَّين يفيد مشاهدتهما أنّ الإمام (علیه السلام) قدطاف بالبيت وسعى وقصّ من شعره، ثمّ قالا: وحلّ من عمرته! ((1)) وهذا ما يؤكّده الحديث الشريف عن الإمام الصادق (علیه السلام) ، ولولا الحديث الشريف لَأخذنا عليه مأخذاً سنذكره بعد قليل.

المعالجة الخامسة: قول الشيخ المفيد (رحمة الله)

عبارة الشيخ المفيد (رحمة الله) : «وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرة»، والتعليل

ص: 31


1- تاريخ الطبريّ: 5 / 385، نفَس المهموم للقمّيّ: 169، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 166.

الّذي ذكره لذلك: «لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ» ((1))، بل حتّى عبارة الشيخ ابن نما (رحمة الله) أيضاً: «وأحلّ من إحرامه، وجعل حجّه عمرةً ((2)) مفردة» ((3))، يمكن أن يكون لها وجهان..

فيمكن أن يكون المراد أنّ الإمام (علیه السلام) جاء بالعمرة بدل أن يأتي بالحجّ حين عزموا على قتله غيلةً أو أخذِه أخذاً، ويمكن أن يكون المراد أنّه أحرم بالحجّ، ثم بدّل حجّه إلى عمرة، فأحلّ من إحرامها.. والثاني أظهر، سيّما في كلام ابن نما.

فإن قلنا بالأوّل اتحدّ كلام الشيخ المفيد ومَن تلاه مع صريح الحديث الشريف، وتحدّدَت النتيجة.. وإن قلنا بالثاني فسوف نعالجه بعد قليل.

المعالجة السادسة: الفرق بين رواية التاريخ والحديث

سمعنا الأسديَّين يحدّثان ويُخبران عن طواف الإمام (علیه السلام) وسعيِه

ص: 32


1- الإرشاد للمفيد: 2 / 67، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 363، العوالم للبحرانيّ: 17 / 213، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 233، أسرار الشهادة للدربنديّ: 243، نفَس المهموم للقمّيّ: 162، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 255، روضة الواعظين للفتّال: 152، إعلام الورى للطبرسيّ: 230.
2- مثير الأحزان لابن نما: 19.
3- المنتخَب للطريحيّ: 2 / 434، ينابيع المودّة للقندوزيّ: 3 / 59.

وتقصيره، وهذه كلّها مشاهدات يمكن أن يرصدها الراوي، فهو إلى هنا مقبولٌ فيما يُخبِر، وله أن يضيف باقي مشاهدته بالإخبار عن أنّه أحلّ من إحرامه، لأنّ لازم الطواف والسعي والتقصير الإحلال.. أمّا أنّه أحلّ عن عمرته، فهذا ما يتعذّر على الراوي العادي تحديده، ولا يفيدنا كثيراً تشخيصه، إذ أنّ الإحلال عن العُمرة بالتقصير يحصل في عمرة التمتُّع وفي العمرة المفردة على حدٍّ سواء، والفرق أنّ عمرة التمتّع سيبقى فيها الحاجّ مرابطاً في مكّة حتّى يؤدّي باقي النسُك، فيما يحتاج في العمرة المفردة للإتيان بطواف النساء ليحلّ من إحرامه كاملاً.

فما شاهده الأسديّان وروياه لا ينفع في تحديد نوع الإحرام لولا شهادة الحديث لهما، وهذا هو الفرق بين راوي المؤرّخ الّذي لا يروي إلّا ما يشاهد ولا يطّلع على السرائر ولا النوايا، وبين الإمام المعصوم (علیه السلام) الّذي يُخبر عن الحقّ والحقيقة!

المعالجة السابعة: التعارض بين تصريح الشيخ المفيد والحديث!

متن الشيخ المفيد لا يتعدّى كونه متناً تاريخيّاً، فهو محكومٌ بما يُحكَم به المتن التاريخيّ، وله أن يُخبِر عن المشاهدات، أمّا النوايا فلا يعرفها إلّا الله

ص: 33

وصاحبها..

ولو فرضنا وقوع التعارض بين مفاد خبر الشيخ المفيد وما ورد في الحديث وخبر الطبريّ، فإنّ المقدَّم هو الحديث الشريف بلا تردُّد؛ لِما ذكرناه في بحث المدخل في (مجموعة المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام)).

وعلى فرض التعامل مع متن الحديث الشريف كنصٍّ تاريخيّ، فإنّ ما يرويه الشيخ الثقة الكلينيّ وما يرويه الطبريّ مقدَّمٌ على ما يرويه الشيخ المفيد المتأخِّر زماناً عنهما.

المعالجة الثامنة: عمل العلماء بمفاد الحديث الشريف

ذهب علماؤنا الأبرار إلى العمل بمفاد الحديث الشريف، وأعرضوا عن إخبار الشيخ المفيد ومَن تلاه، فقال السيّد الحكيم _ مع حفظ الألقاب _في (مستمسك العروة الوثقى):

وأمّا ما في بعض كتب المقاتِل من أنّه (علیه السلام) جعل عمرته عمرةً مفردة، ممّا يظهر منه أنّها كانت عمرة تمتُّعٍ وعدل بها إلى الإفراد، فليس ممّا يصحّ التعويل عليه في مقابل الأخبار المذكورة الّتي رواها

ص: 34

أهل الحديث ((1)).

وقال السيّد السبزواريّ في (مهذّب الأحكام):

... كما يسقط بهما [أي: برواية اليمانيّ ومعاوية بن عمّار] ما في بعض المقاتل من أنّ الحسين (علیه السلام) بدّل حجّة التمتُّع إلى العمرة المفردة؛ لظهورهما في أنّه (علیه السلام) لم يكن قاصداً للحجّ من أوّل الأمر، بل كان قاصداً للعمرة المفردة، فلا يبقى موضوعٌ للتبديل حينئذٍ ((2)).

وفي تقريرات السيّد محمود الشاهروديّ:

وكيف ما كان يُستفاد من هذا الحديث شيءٌ لا بأس بذِكره، وهو أنّه يظهر منه أنّ ما في بعض الأفواه وفي بعض كتب المقاتل من أنّ الحسين (علیه السلام) جعل عمرته عمرةً مفردة، الظاهرمنه أنّه اعتمر أوّلاً بعمرة التمتُّع ثمّ عدل منها إلى الإفراد، فليس بصحيح، لأنّه يُستفاد منه أنّه (علیه السلام) اعتمر من أوّل الأمر بعمرةٍ مفردة ... ((3)).

وذهب بعض الأعلام إلى أنّ الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) إنّما فعل ذلك

ص: 35


1- مستمسك العروة الوثقى: 11 / 192.
2- مهذّب الأحكام: 12 / 349.
3- كتاب الحجّ، تقرير بحث السيّد محمود الشاهرودي، لجنّاتي الشاهروديّ: 2 / 213.

اضطراراً، بمعنى أنّه قد عقد الإحرام للحجّ ثمّ بدّله إلى عمرة الإفراد، لئلّا يُؤخَذ في مكّة وتُنتهَك به حرمة البيت.

قال الشهيد الأوّل في (الدروس):

والأفضل للمعتمِر في أشهُر الحجّ مفرداً الإقامة بمكّة حتّى يأتي بالحجّ ويجعلها متعة، وقال القاضي: إذا أدرك يوم التروية فعليه الإحرام بالحجّ ويصير متمتّعاً، وفي رواية عمر بن يزيد: إذا أهلّ عليه ذو الحجّة حجّ، وتُحمَل على الندب؛ لأنّ الحسين (علیه السلام) خرج بعد عمرته يوم التروية، وقد يجاب بأنّه مضطرّ ((1)).

فأجابه الأعلام من الفقهاء، فقال الشيخ المجلسيّ بعد أن ذكر الاحتمالين واستظهر الإفراد:

لعلّ المراد أنّ عمرة التمتُّع أيضاً إذا اضطرّ الإنسان يجوز أنيجعلها عمرةً مفردة، كما فعله الحسين (علیه السلام) ، ويُحتمَل أن يكون (علیه السلام) لعلمه بعدم التمكّن من الحجّ نوى الإفراد، ولعلّه من الخبر أظهر ((2)).

وقال المحقّق الداماد:

ومحصّل دلالة هذين هو أنّ فعل الحسين بن عليٍّ (علیهما السلام) كان عُمرةً

ص: 36


1- الدروس: 1 / 336.
2- ملاذ الأخيار: 8 / 461.

مبتولة، وكان له (علیه السلام) أن يذهب بعد الإتيان بها أين شاء بلا لزوم الحجّ أصلاً، ومن دون أن يكون ما نواه (علیه السلام) أزيد من مجرّد الاعتمار، لا أنّه (علیه السلام) قصد التمتّع ثمّ بدّله عمرةً مفردةً مبتولةً اضطراراً، كما هو المشهور بين أرباب المقاتل والمتصدّين لنقل هائلة يوم الطفّ ((1)).

وقال السيّد السبزواريّ:

ودلالتهما على خلاف القاضي ممّا لا ريب فيه، والحمل على الضرورة بلا شاهد، كما يسقط بهما ما في بعض المقاتل من أنّ الحسين (علیه السلام) بدّل حجّة التمتّع إلى العمرة المفردة، لظهورهما في أنّه (علیه السلام) لم يكن قاصداً ((2)).وقال السيّد محمّد صادق الروحانيّ:

وما عن (كشف اللثام) وغيره من احتمال الضرورة في فعل سيّد الشهداء (علیه السلام الله)، يدفعه ظاهر الخبرَين، حيث إنّ الإمام (علیه السلام) احتجّ بفعله على جواز ترك الحجّ اختياراً.

وما في كتب المقاتل من أنّه (علیه السلام) كان عمرته عمرة التمتُّع وعدل

ص: 37


1- كتاب الحجّ، تقرير بحث المحقّق الداماد، للآملي: 1 / 333.
2- مهذّب الأحكام: 12 / 351.

بها إلى الإفراد، لا يُعتمَد عليه في مقابل هذه النصوص ((1)).

المعالجة التاسعة: النتيجة!

تبيّن لنا ممّا مضى أنّ الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) قد دخل إلى مكّة في شهر شعبان بإحرام العمرة المفردة، ولا يمكن أن يكون قد دخلها بإحرام التمتُّع بالعمرة إلى الحجّ، إذ أنّه (علیه السلام) دخلها في غير أشهُر الحجّ الثلاث.

وقبل أن يخرج _ فداه العالمين _ من مكّة أحرم للعمرة المفردة، ويكفي في ذلك أن يُحرم من التنعيم ولا يحتاج الخروجَ إلى أحد المواقيت، سيّما ميقات الجعرانة الّذي أحرم منه النبيّ (صلی الله علیه و آله) لدخول مكّة ووردَت به الأحاديث الشريفة عن أهل البيت (علیهم السلام) .ثمّ إنّه طاف في البيت وسعى وقصّر وأتمّ أعمال العمرة المفردة، وخرج..

ربّما كانت عمرته تلك بمثابة الوداع للبيت الحرام!

وما ورد في عبارة المؤرّخ من الإشارة والتصريح بإحلال إحرام الحجّ لا ينهض بإزاء الحديث الشريف، ولا يتناسب مع علم الإمام _ ضمن مجريات الأحداث المتلاحقة ذلك اليوم _ أنّ العدوّ سوف لن يمهله حتّى يقضي

ص: 38


1- فقه الصادق (علیه السلام) للسيّد محمد صادق الروحاني: 10 / 68.

نُسُكَه، وقد لاحت بوادر إقدام العدوّ على جنايته العظمى في البيت الحرام بوضوحٍ لا يغيب عن الحاضر في الحرم المتابع للأحداث.

المعالجة العاشرة: ما يهمّنا من البحث

تناول الفقهاء _ أعزهم الله _ قضيّة إحرام سيّد الشهداء (علیه السلام) الأخير في بيت الله الحرام، وتابعوه للتوظيف الفقهيّ واستنباط الحكم الشرعيّ، وكان لتعيين نوع الإحرام أثراً بليغاً في تحديد الموقف، إذ يمكن الاستفادة من تبديل الإحرام من التمتُّع إلى الإفراد في حال الاضطرار أو عدمه جواز ذلك، ويمكن الاستفادة من الإحرام للعمرة المفردة جواز ذلك في شهرذي الحجّة لمن أراد أن يعتمر ويخرج ولا ينتظر الحجّ، وغيرها من الأحكام الّتي يعرفها الفقهاء..

وهذا القدر من البحث لا يهمّنا من قريبٍ ولا من بعيد؛ لخروجه عن حيّز اختصاصنا..

أجل، قد يُقال: إنّ الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) إذا كان قد أحرم للحجّ ثمّ اضطرّ إلى تبديل إحرامه إلى العمرة المفردة ليغادر مكّة على عجل، يفيد مدى استعجال العدوّ في تنفيذ مآربه في اغتيال الإمام (علیه السلام) أو أخذه..

بَيد أنّ هذا الأمر يمكن استفادته من نفس فعل الإمام (علیه السلام) حين أحرم

ص: 39

للعمرة المفردة وخرج من مكّة رغم حضور أيّام الحجّ!

بل يفيد أنّ بوادر فعلهم كانت شاخصةً واضحةً، بحيث منعَت الإمام (علیه السلام) من الإحرام للحجّ.

المهمّ في الأمر أنّهم لم يمهلوا الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) حتّى يحضر موسم الحجّ وقد حضر.

وقد انجلى عن مكّةٍ وهو ابنُها

وبه تشرّفَتِ الحطيمُ وزمزمُ

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!

ص: 40

خطبة الإمام الحسين (علیه السلام) بمكّة

المتون

أبو طالب الزيديّ:

وبه قال [السيّد يحيى أبو طالب الزيديّ]، قال: أخبرَنا أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم الحسنيّ، قال: حدّثَنا محمّد بن عبد الله بن أيّوب البَجَليّ، قال: حدّثَنا ابن عبد العزيز العكبريّ، قال: حدّثَنا الحسن بن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن تميم بن ربيعة الرياحيّ، عن زيد بن عليّ، عن أبيه (علیه السلام) :

«إنّ الحسين (علیه السلام) خطب أصحابَه، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:

أيُّها الناس! خُطَّ الموتُ على بني آدم كخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولَعَني بالشوق إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وأخيه، وإنّ لي مصرعاً أنا لاقيه، كأنّي أنظُرُ إلى أوصالي تُقطِّعُها وحوشُ الفلوات، غبراً وعفراً، قد ملأَتْ منّي أكراشَها، رضى الله

ص: 41

رضانا أهلَ البيت، نصبر على بلائه ليوفّينا أجورَ الصابرين، ولن تشُذَّ عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) حُرمتُه وعترتُه ولن تفارقه أعضاؤه، وهي مجموعةٌ له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينُه وتنجز لهم عدته، ألا مَن كان فينا باذلاً مُهجَتَه فلْيرحَلْ، فإنّي راحلٌ غداً إن شاء الله.

ثمّ نهض إلى عدوّه، فاستُشهِد (صلوات الله عليه)» ((1)).

منصور الآبي:

لمّا عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيباً فقال:

«الحمدُ للّه، وما شاء اللّه، ولا قوّة إلّا باللّه، وصلّى اللّه على رسوله وسلّم. خُطَّ الموتُ على وُلد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهي إلى أسلافي! اشتياقي كاشتياق يعقوب إلى يوسف، وخِير لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تتقطّعُها عُسلانُ الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأجربةً سُغباً، لا محيص عن يومٍ خُطّ بالقلم، رضى اللّه رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أُجورَ الصابرين، لن تشذّ عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وسلّم) لَحمتُه، هيمجموعةٌ له في

ص: 42


1- الأمالي لأبي طالب الزيدي (ت 424 ه-): 199، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 5.

حظيرة القدس، تقرّ بهم عينُه وينجز لهم وعده، مَن كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقائنا نفْسَه، فلْيرحَلْ، فإنّي راحلٌ مصبحاً إن شاء اللّه» ((1)).

الحلوانيّ:

ولمّا عزم (علیه السلام) على المسير إلى العراق، قام خطيباً فقال:

«الحمدُ لله، وما شاء الله، ولا قوّة إلّا بالله، وصلّى الله على رسوله وسلّم. خُطَّ الموتُ على وُلد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياقَ يعقوب إلى يوسف، وخِير لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تُقطِّعها عُسلانُ الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأجربةً سُغباً، لا محيص عن يومٍ خُطّ بالقلم، رضى الله رضانا أهلَ البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أُجورَ الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) لَحمَتُه، هي مجموعةٌ له في حظيرة القدس، تقرّبهم عينه وينجز لهم وعده، فمن كان باذلاً فينا مهجتَه وموطناً على لقاء الله نفسه، فلْيرحَلْ، فإنّي راحلٌ مصبحاًإن شاء الله» ((2)).

ص: 43


1- نثر الدرر في المحاضرات لمنصور بن الحسين الآبي (ت 421 ه-): 1 / 228.
2- نزهة الناظر للحلواني (ت 481 ه-): 41.

إبن نما:

... ثمّ قال له: «اتّقِ اللهَ يا أبا عبد الرحمان، ولا تدَعَنّ نصرتي».

ثمّ قام خطيباً فقال:

«الحمدُ لله، وما شاء الله، ولا قوّة إلّا بالله. خُطَّ الموتُ على وُلد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخِير لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي وأوصالي يتقّطعها عُسلانُ الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأخويةً سغباً، لا محيص عن يومٍ خُطّ بالقلم، رضى الله رضانا أهلَ البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أُجور الصابرين، لن تشذّ على رسول الله لَحمَتُه، هي مجموعةٌ له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينُه وينجز بهم وعده، مَن كان باذلاً فينا مهجتَه وموطّناً على لقاء الله نفْسَه، فلْيرحَلْ، فإنّي راحلٌ مصبحاً إن شاء الله» ((1)).

إبن طاووس:ورُوي أنّه (علیه السلام) لمّا عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيباً فقال:

«الحمدُ لله، ما شاء الله، ولا قوّة إلّا بالله، وصلّى الله على رسوله.

ص: 44


1- مثير الأحزان لابن نما: 20.

خُطَّ الموتُ على وُلد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخِيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تتقطّعها عُسلانُ الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأجربةً سغباً، لا محيص عن يومٍ خُطّ بالقلم، رضى الله رضانا أهلَ البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجر الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) لَحمَتُه، وهي مجموعةٌ له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينُه وينجز بهم وعده، مَن كان باذلاً فينا مُهجتَه وموطّناً على لقاء الله نفْسَه، فلْيرحَلْ معنا، فإنّني راحلٌ مُصبِحاً إن شاء الله (تعالى)» ((1)).

الزرنديّ:

ويُروى أنّ الحسين خطب حين أزمع على الخروج، فقال:«الحمدُ لله، ما شاء الله، ولا قوّة إلّا بالله، وصلّى الله على رسوله (صلی الله علیه و آله) . خُطَّ الموتُ على وُلد آدم مخطّ القلادة على جيد

ص: 45


1- اللهوف لابن طاووس: 60، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 366، العوالم للبحرانيّ: 17 / 216، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 234، أسرار الشهادة للدربنديّ: 245، نفَس المهموم للقُمّيّ: 163، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 250، كشف الغُمّة للأربليّ: 2 / 29.

الفتاة، شوقي _ وما أولعني إلى أسلافي _ شوقَ يعقوب إلى يوسف وأخيه، ولي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي أنظر إلى أوصالي غبراً عفراً، تقطّعها عُسلانُ الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أحوافاً جوفاً وأكراشاً سُغباً، لا محيص عن يومٍ خُطّ بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ليوفّينا أُجور الصابرين، لن يشذّ عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) لحمة، وهي مجموعةٌ له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينُه وينجز لهم وعده، مَن كان باذلاً فينا مهجتَه وموطّناً على لقائنا نفْسَه، فلْيرحَلْ، فإنّي راحلٌ مصبحاً إن شاء الله» ((1)).

الطُّريحيّ:

رُوي عن بعض الثقات:

إنّ عبد الله بن عمر لمّا بلغه أنّ الحسين (علیه السلام) متوجّهٌ إلى العراق، جاء إليه، وأشار عليه بالطاعة والانقياد لابن زياد!!! وحذّره منمشاقّة أهل العناد.

فقال له الحسين (علیه السلام) : «يا عبدَ الله، إنّ من هوان هذه الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريّا (علیه السلام) أُهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني

ص: 46


1- معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول للزرنديّ: 94.

إسرائيل، فامتلأ به سروراً، ولم يعجّل اللهُ عليهم بالانتقام، وعاشوا في الدنيا مغتبطين. ألم تعلم _ يا عبدَ الله _ أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيّاً، ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنّهم لم يفعلوا شيئاً، ولم يعجّل الله عليهم بانتقام، بل أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر؟».

ثمّ قال: «يا عبدَ الله، اتّقِ الله ولا تدَعَنّ نصرتي، ولا تركننّ إلى الدنيا، لأنّها دارٌ لا يدوم فيها نعيم، ولا يبقى أحدٌ من شرّها سليماً، متواترةٌ محنها، متكاثرةٌ فتنها، أعظم الناس فيها بلاءً الأنبياء، ثمّ الأئمّة الأُمناء، ثمّ المؤمنون، ثمّ الأمثَلُ بالأمثل».

قال (علیه السلام) : «يا عبد الله، قد خُطَّ الموتُ على وُلد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى لقاء أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عُسلانُ الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّيأكراشاً جوفاً وأجوفةً سُغباً، لا محيص عن يومٍ خُطّ بالقلم، رضى الله رضانا أهلَ البيت، نصبر على بلائه ليوافينا أُجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله لَحمَتُه، هي مجموعةٌ لنا في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينُه وينجز لهم وعده، فمن كان باذلاً فينا مهجتَه وموطّناً على

ص: 47

لقاء الله نفْسَه، فلْيرحَلْ معي، فإنّي راحلٌ مصبحاً إن شاء الله (تعالى)» ((1)).

* * * * *

يمكن متابعة هذه الخطبة من خلال الإفادات التالية:

الإفادة الأُولى: مصدرها

يبدو أنّ المصدر الأوّل لهذه الخطبة _ حسب الفحص _ هو القرن الخامس الهجريّ، إذ لم نجد لها أثراً في المصادر المتقدّمة على القرن الخامس.

وقد وردَت أوّل ما وردَت في كتاب (الأمالي) للسيّد أبي طالبالزيديّ، والآبي والحلوانيّ، والثلاثة جميعاً من أبناء القرن الخامس، والفرق في وفاة الأوّل والثاني قليلٌ جدّاً، فالأوّل تُوفّي سنة 424 ه-، والثاني تُوفّي سنة 421 ه-، فهما متعاصران، والثالث تُوفّي سنة 481 ه-، فهو قريبٌ منهما، بل يُعدّ في المعاصرين لهما.

والحلوانيّ من تلاميذ الشيخ المفيد، وقد نقل الشيخ المفيد في

ص: 48


1- المنتخَب للطُّريحيّ: 2 / 389.

(الإرشاد) تفاصيل حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) ولم يُشِر إلى هذه الخطبة!

فليس للخطبة عينٌ ولا أثرٌ _ حسب الفحص _ فيما سبق القرن الخامس، لا في مصادر الشيعة ولا مصادر السنّة ولا مصادر الزيديّة، ولا في غيرها من المصادر المتوفّرة لدينا على كثرتها.. بَيد أنّها اشتهرت كثيراً عند المعاصرين، ولا يبعد اشتهارها بسبب رواية السيّد ابن طاووس والعلّامة المجلسيّ لها.

وقد تفرّد السيّد أبو طالب الزيديّ بذِكر سندٍ متّصلٍ لها، ينتهي إلى حليف القرآن الشهيد زيد بن عليّ عن أبيه الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين (علیهما السلام) .. وبذا تكون الخطبة حديثاً شريفاً ينتهي إلى المعصوم المعاصر الحاضر مع الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) .

الإفادة الثانية: متى خطب الإمام (علیه السلام)

اشارة

وردَت في المصادر الّتي روت الخطبة عدّة مناسباتٍ للخطبة:

المناسبة الأُولى: في كربلاء!

ورد في لفظ أبي طالب المسنَد عن الإمام السجّاد (علیه السلام) أنّ الإمام الحسين (علیه السلام) خطب أصحابه، ثمّ بعد أن روى الخطبة قال: «ثمّ نهض إلى

ص: 49

عدوّه، فاستُشهِد (صلوات الله عليه)» ((1)).

وظاهر السياق يشهد أن تكون الخطبة في كربلاء، إذ أنّه خطب في أصحابه ثمّ نهض إلى عدوّه فاستُشهد (علیه السلام) .. وسيأتي بعد قليلٍ مزيدُ بيانٍ في ذلك إن شاء الله (تعالى).

المناسبة الثانية: لمّا عزم على الخروج إلى العراق

ورد في غير لفظ الزيديّ أنّ الإمام (علیه السلام) قد خطب لمّا عزم على الخروج إلى العراق ((2))، أو المسير إلى العراق ((3))، أو حين أزمع على الخروج ((4))..

وهي جميعاً تفيد أنّ الإمام (علیه السلام) خطب قُبيل خروجه إلى العراق،واللازم من مجريات الأحداث أن تكون الخطبة في مكّة.

ص: 50


1- الأمالي لأبي طالب الزيديّ: 199، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 5.
2- نثر الدرر في المحاضرات لمنصور بن الحسين الآبي: 1 / 228، اللهوف لابن طاووس: 60، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 366، العوالم للبحرانيّ: 17 / 216، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 234، أسرار الشهادة للدربنديّ: 245، نفَس المهموم للقمّيّ: 163، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 250، كشف الغمّة للأربلي: 2 / 29.
3- نزهة الناظر للحلوانيّ: 41.
4- معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول للزرنديّ: 94.

بل صرّح الشيخ السماويّ أنّها كانت في الليلة الثامنة من ذي الحجّة وقد جمع أصحابه فخطبهم ((1)).. وربّما استفاد الشيخُ ذلك من قوله: «فإنّي راحِلٌ مصبحاً إن شاء الله»، كما سيأتي في شرح الخطبة.

المناسبة الثالثة: بعد حديثه (علیه السلام) مع ابن عمر

ذكر الشيخ ابن نما كلام الإمام (علیه السلام) مع ابن عمر، ثمّ عقّب عليه فوراً وعطف الكلام، فقال:

ثمّ قال له: «اتّقِ اللهَ يا أبا عبد الرحمان، ولا تدَعَنّ نصرتي».

ثمّ قام خطيباً فقال: ... ((2)).

فهو يفيد أيضاً أنّ الخطبة كانت في مكّة، وفق السياق الّذي روى فيه ابن نما محاورات الإمام (علیه السلام) وابن عمر.

المناسبة الرابعة: كلامٌ موجَّهٌ لابن عمر خاصّة

روى الشيخ الطُّريحيّ عن بعض الثقات حوار الإمام الحسين (علیه السلام) معابن عمر في كلامٍ طويل، إلى أن قال:

ص: 51


1- أُنظر: إبصار العين للسماويّ: 27.
2- مثير الأحزان لابن نما: 20.

قال (علیه السلام) : «يا عبدَ الله، قد خُطّ الموت على وُلد آدم ...» ((1)) _ إلى آخر الخطبة..

وهو يفيد أنّ الكلام لم يكن خطبة، وإنّما هو كلامٌ موجَّهٌ لابن عمر بالذات!

النتيجة:

يبدو أنّ لفظ الزيديّ هو الأوّل أو الأهمّ؛ لأنّه مسنَدٌ بإسنادٍ ينتهي إلى المعصوم، ومَن روى لفظاً غير مسندٍ لم يكن سابقاً عليه زماناً.

فالمفروض أن يكون هو المعتمَد، وعليه تكون الخطبة في كربلاء!

أمّا مَن روى أنّها كانت لمّا عزم على الخروج إلى العراق، فربّما كان تصرُّفاً من الناقل، أو تُحمَل العبارة حملاً يجعلها منسجمةً مع الخطبة في كربلاء، إذ أنّ كربلاء في الطريق ولا زال الإمام (علیه السلام) بعدُ لم يصل إلى المقصد الأخير، ألا وهو الكوفة.

ومع بُعد هذا الحمل، فلابدّ من البحث عمّا ينسجم مع رواية الزيديّ،سيّما أنّ جميع الألفاظ الأقدم لم تصرّح بحصول الخطبة في مكّة، واكتفوا بالقول: لمّا عزم على الخروج إلى العراق..

ص: 52


1- المنتخَب للطُّريحيّ: 2 / 389.

أجل، ربّما يمكن الجمع بصورةٍ أُخرى بحمل لفظ الزيديّ على الخروج من مكّة، فيقال: إنّ الإمام خطب في أصحابه في مكّة، «ثمّ نهض إلى عدوّه فاستُشهد»، فيكون نهوض الإمام (علیه السلام) من مكّة، إذ أنّ العبارة تلوّح بالاختصار تلويحاً واضحاً.

وبناءً على هذا الحمل تتّحد الألفاظ وتجتمع على أنّ الخطبة في مكّة.

أمّا ما ذكره ابن نما فهو ترتيبٌ منه لسرد الأحداث، فربّما استفاد من عبارة الآبي أو الحلوانيّ أنّها في مكّة، فجاء بها بعد لقاء الإمام (علیه السلام) بابن عمر.

ولا نستبعد أنّ الطريحيّ قد أخذ من ابن نما، فصاغ الخبر في طريقته السرديّة، فدمج الموقف وجعله خطاباً لابن عمر.

كيف كان، فإنّ المهمّ هو أحد القولَين الواردَين في المصادر الأقدم للخطبة، فهي إمّا أن تكون في كربلاء أو عند الخروج من مكّة، وسيأتي مزيد بيانٍ لذلك بعد قليل.

الإفادة الثالثة: المخاطَب!

حدّد الزيديّ في حديث السجّاد (علیه السلام) المخاطَب، وهم أصحاب الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) .

ص: 53

وحدّد الطُّريحيّ المخاطَب، وهو عبد الله بن عمر.

يبدو لنا أنّ الاعتماد على ما يرويه الزيديّ عن الإمام السجّاد (علیه السلام) أوفق وأقوى وأصحّ.. وسياق الخطبة يشهد أنّ الإمام (علیه السلام) كان يخاطب جماعةً بعينها، كانت مؤهَّلةً للتخيير والدعوة للرحيل معه إنْ كانت على استعدادٍ لبذل المهجة فيه.

أمّا غير هذين ممّن روى الخطبة، فإنّه لم يحدّد مخاطَباً بعينه، واكتفى بقوله: قام خطيباً..

فالخطبة _ على كلّ حال _ ليست خطبةً عامّةً على رؤوس الأشهاد خاطب بها الإمامُ (علیه السلام) جميعَ الناس، إنْ في مكّة أو في كربلاء، وإنّما هي خطبةٌ خاصّةٌ وجّه فيها الإمام الحسين (علیه السلام) كلامه إلى ثُلّةٍ خاصّةٍ، هم أصحابُه على وجه الخصوص.

سيّما أنّ مَن ذكرها عند الخروج لم يُشِرْ إلى المكان الّذي خطب فيه الإمام، فلا ندري _ وفق ما يقولون _ هل خطبها في البيت الحرام؟ إنْ كانفي البيت الحرام لَكان صداها أوسع بكثيرٍ من كتاب الزيديّ!

أو خطبها وهو يخرج من مكّة قبل أن تسري ركائبه؟

أو خطبها في محفلٍ محدودٍ خاطب فيه الحاضرين في ذلك المجلس بالخصوص؟

ص: 54

وعلى كلّ تقدير، فإنّ ما يُستفاد من مجمل ألفاظ الرواية: إنّ الخطبة لم تكن عامّةً في محضرٍ عامٍّ خاطب فيه سيّد الشهداء (علیه السلام) جمهوراً واسعاً..

وعلى لفظ الإمام السجاد (علیه السلام) ، فإنّه خاطب أصحابه خاصّة.. وهو ما ذهب إليه العلّامة المحقّق الشيخ السماويّ معتمِداً _ كما يبدو _ رواية الزيديّ في (الأمالي) ((1)).

فلا يُعتمَد قول مَن قال:

إنّ الشيخ السماويّ (قدس سره) لم يذكر المصدر الّذي أخذ عنه قوله: «فجمع أصحابه..»، كما أنّنا لم نعثر على مصدرٍ من المصادر التاريخيّة المعروفة المعتبرة _ والتي يحتمل أنّ الشيخ السماويّ (قدس سره) قد أخذ عنها _ كان قد ذكر هذه العبارة: «فجمع أصحابه..».بل إنّ المصادر الّتي ذكرت هذه الخطبة بالذات لم تذكر تلكم العبارة، ففي (اللهوف): «ورُوي أنّه (علیه السلام) لمّا عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيباً فقال: ...»، وفي (مُثير الأحزان): «ثمّ قام خطيباً..»، وفي (كشف الغُمّة): «ومن كلامه (علیه السلام) لمّا عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيباً فقال: ...».

ص: 55


1- أُنظر: إبصار العين للسماويّ: 27.

هذه هي المصادر الأساسيّة الّتي نعلم أنّها ذكرَت هذه الخطبة ((1)).

وقد ذكرنا قبل قليلٍ أنّ المصدر الأقدم من الشيخ ابن نما والسيّد ابن طاووس والأربليّ هو (الأمالي) للزيديّ، وقد رواه حديثاً مسنَداً إلى حليف القرآن الشهيد زيد بن عليٍّ عن أبيه الإمام السجّاد (علیهما السلام) ، وفيه: «فجمع أصحابه..».

ولا يُعتمَد _ أيضاً _ قول مَن قال:

يذهب بعض المحقّقين المتتبّعين إلى عكس ما أورده الشيخ السماويّ (قدس سره) ، حيث يقول:

«ولمّا عزم الإمام (علیه السلام) على مغادرة الحجاز والتوجُّه إلى العراق،أمر بجمعٍ الناس ليلقي عليهم خطابه التاريخيّ، وقد اجتمع إليه خلقٌ كثيرٌ في المسجد الحرام من الحُجّاج وأهالي مكّة، فقام فيهم خطيباً، فاستهلّ خطابه بقوله: ... ((2))»، ثمّ أورد تلكم الخطبة نفسها ((3)).

لقد اعتمد الشيخ السماويّ (قدس سره) _ كما هو واضحٌ من عبارته _ لفظَ الحديث المرويّ عن الإمام السجّاد (علیه السلام) ونقله بالنصّ، فيما اعتمد غيره

ص: 56


1- أُنظر: مع الركب الحسينيّ: 2 / 99.
2- حياة الإمام الحسين بن عليّ (علیه السلام) : 3 / 47.
3- أُنظر: مع الركب الحسينيّ: 2 / 100.

على استنتاجاتٍ وتحليلاتٍ لا يُركَن إليها، لعدم وجود أيّة إشارةٍ إليها في أيّ نصٍّ من النصوص التاريخيّة الّتي روت الخطبة ووصلت إلينا.

فمِن أين عرفنا أنّ الإمام (علیه السلام) هو الّذي أمر بجمع الناس ليلقي عليهم خطابه التاريخيّ؟!

ومن أين عرفنا أنّه (علیه السلام) خطبها في المسجد الحرام؟!

ومن أين عرفنا أنّ خلقاً كثيراً من الحُجّاج وأهل مكّة اجتمعوا إليه (علیه السلام) ؟!

ومن أين عرفنا أنّه (علیه السلام) قام فيهم خطيباً؟!

هذه جميعاً معلوماتٌ وأحداثٌ تاريخيّة تحتاج إلى توثيق، والحال أنّالمصادر الّتي روت الخطبة تخلو منها، ومتن حديث الزيديّ عن الإمام السجاد (علیه السلام) يخالفها تماماً!

الإفادة الرابعة: إطلالةٌ على مضامين الخطبة

اشارة

يمكن متابعة الخطبة الشريفة من خلال المقاطع التالية:

المقطع الأوّل: الحمد والثناء

اشارة

تطالعنا في المقطع الأوّل عدّة فقرات:

ص: 57

الفقرة الأُولى: الحمد لله والصلاة على نبيّه

بدأ الخطبةَ بالحمد لله والثناء عليه، هكذا اختصرها الحديث المرويّ في (أمالي الزيديّ)، وذكرت باقي النصوص بعد الحمد قوله (علیه السلام) : «الحمدُ للّه، وما شاء اللّه، ولا قوّة إلّا باللّه، وصلّى اللّه على رسوله وسلّم».

واقتطع بعضها كلمة «وسلّم»، وفي بعضها لم يذكر الصلاة على رسوله (صلی الله علیه و آله) ..

ومَن عرف أدب أهل البيت في الصلاة والسلام على رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، يعلم جيّداً أنّهم لا يصلّون على جدّهم الصلاة البتراء، كيف وهم قد نهواعن ذلك وأكّدوا عليه؟

والحمد لله.. لفظٌ جمَعَ محامِدَ الله كلّها!

فقد ورد عن الإمام الصادق (علیه السلام) ، أنّه قال: «فقَدَ أبي بغلةً له، فقال: إنْ ردّها اللهُ علَيّ لَأحمدنّه بمحامد يرضاها. فما لبث أنْ أُتيَ بها بسرجها ولجامها، فلمّا استوى عليها وضمّ إليه ثيابه، رفع رأسه إلى السماء وقال: الحمدُ لله، ولم يزِدْ، ثمّ قال: ما تركتُ ولا أبقيتُ شيئاً، جعلتُ جميعَ أنواع المحامد لله (عزوجل) ، فما مِن حمدٍ إلّا وهو داخلٌ فيما قلتُ» ((1)).

ص: 58


1- تفسير البرهان للبحرانيّ: 1 / 106 ح 269.
الفقرة الثانية: «ما شاء الله، لا قوّة إلّا بالله»

ما شاء الله، لا قوّة إلّا بالله.. قطعةٌ من آيةٍ قرآنيّةٍ وردَتْ في سورة الكهف ضمن سياق قصّة حوارٍ بين غنيٍّ كافرٍ وفقيرٍ مؤمن..

يحسن هنا تلاوة الآيات المباركة للدخول في أجواء الآية، إذ أنّ اللوحة الرائعة الّتي تقدّمها الآيات قريبةٌ جدّاً من أجواء خطبة الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) ..

قال (عزوجل) :﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً﴾ ((1)).

ما شاء الله: (ما) موصولة، مرفوعة المحلّ على خبر الابتداء، والتقدير:

ص: 59


1- سورة الكهف: 39 _ 44.

الأمرُ ما شاء الله، أو شرطيّةٌ منصوبة المحلّ، والجزاء محذوف، والتقدير: أيّ شيءٍ شاء الله كان ((1)).

قال الشيخ الطوسيّ:

وقوله: ﴿قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ﴾، تحتمل (ما) أن تكون رفعاً، وتقديره: قلتَ: الأمرُ ما شاء الله، ويجوز أن تكون نصباً على معنى الشرط والجزاء، والجواب مضمَر، وتقديره: أيّ شيءٍ شاء الله كان، وتضمر الجواب، كما تضمر جواب (لو) في قوله:﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ﴾ ((2))، والمعنى: كان هذا القرآن.

ومعنى ﴿لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ﴾: لا يقدرُ أحَدٌ إلّا بالله، لأنّ الله هو الّذي يفعل القدرة للفعل ((3)).

وفي (تفسير القُمّيّ):

وقوله: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ

ص: 60


1- أُنظر: تفسير جوامع الجامع للطبرسيّ: 2 / 417، مجمع البيان للطبرسيّ: 6 / 347.
2- سورة الرعد: 31.
3- التبيان للطوسيّ: 7 / 46.

أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً﴾ ((1))، قال:

«نزلَت في رجُلٍ كان له بستانان كبيران عظيمان كثيرا الثمار، كما حكى الله (عزوجل) ، وفيهما نخلٌ وزرع، وكان له جارٌ فقير، فافتخر الغنيُّ على ذلك الفقير وقال له: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ﴾، أي: بستانه، وقال: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً﴾.

فقال له الفقير: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْنُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً﴾. ثمّ قال الفقيرُ للغنيّ: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً﴾. ثمّ قال الفقير: ﴿فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً﴾، أي: محترقاً، ﴿أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً﴾.

فوقع فيها ما قال الفقير في تلك الليلة، وأصبح الغنيُّ ﴿يُقَلِّبُ

ص: 61


1- سورة الكهف: 32.

كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً﴾، فهذه عقوبة البغي» ... ((1)).

المقطع الثاني: «أيّها الناس!»

ورد في (أمالي الزيديّ) _ وهو حديثٌ عن الإمام السجّاد (علیه السلام) _ بداية الخطاب: «أيّها الناس»، وهو خطابٌ لجماعةٍ محصورةٍ قرّرها الحديث قبلنقل الخطبة، إذ قال أنّها خطبةٌ في أصحابه.. وأصحابه هم الناس كلّ الناس.. واستعمال هذا التركيب في خطاب جماعةٍ بعينها كثيرٌ جدّاً، سيّما في مواضع التحشيد!

أمّا باقي النصوص، فإنّها لم تذكر هذه الكلمة.

المقطع الثالث: «خُطَّ الموت ...»

اشارة

يمكن دراسة هذا المقطع من الخطبة من خلال اللفتات التالية:

ص: 62


1- تفسير القمّيّ: 2 / 35.
اللفتة الأُولى: معاني المفردات

الخطّ:

الخَطُّ: الكتابة، ونحوها مما يُخَطُّ.

خَطَّ القلَمُ، أي: كتَبَ، وخَطَّ الشيءَ يَخُطُّه خَطّاً: كتبه بقلمٍ أَو غيره.

الخَطُّ: كلُّ مكانٍ يخطّه الإنسان لنفْسِه ويَحْفِره.

خَطَّ على الشيءِ: رسَمَ علامَةً.

خَطَّ الشيءَ: حَفَره وشقَّه.

خَطَّه الشَّيبُ: ترك آثاراً بيضاءَ في شَعْره.

القِلادة:

القِلادَة: ما جُعِل في العُنُق، يكون للإنسانِ والفَرَسِ والكَلْبِ والبَدَنَةِ الّتي تُهْدَى ونحوِها.

في الحديث: قَلِّدُوا الخيلَ، ولا تُقَلِّدُوها الأَوتارَ ... أي: قَلِّدُوها طلبَ أَعداءِ الدِّين والدفاعَ عن المُسلمين، ولا تُقَلِّدُوها طلب أَوتارِ الجاهِليّة وذُحُولها الّتي كانَتْ بينَكُم ... يريد: اجْعَلوا ذلك لازماً لها في أَعناقِها لُزومَ القَلائِدِ لِلأَعْناق ((1)).

ص: 63


1- لسان العرب: قَلَدَ، وغيره.

والتَّقْلِيد _ في اصطلاح أهل العلم _ : قبولُ قَوْلِ الغَير مِن غيرِ دليل، سُمّيَ بذلك لأنّ المُقَلِّدَ يَجعَلُ ما يعتقدُه مِن قولِ الغير مِن حقٍّ وباطلٍ قلادةً في عُنُق مَن قَلَّدَه ((1)).

والْقِلَادَةُ: المَفْتُولَةُ الّتي تُجعَلُ في العُنُق مِن خَيطٍ وفضّةٍ وغيرِهما، وبها شُبِّهَ كلُّ ما يُتَطَوَّقُ وكلُّ ما يُحيطُ بشَيء، يُقال: تَقَلَّدَ سَيفَه، تشبيهاً بالقِلادَة، كقوله: تَوشَّحَ به، تشبيهاً بالوشاح ... وقَلَّدْتُهُ عَمَلاً: ألزَمْتُه ... ((2)).

وتَقَلَّدْتُ السيفَ والأمْرَ ونحوَه: ألزَمْتُه نَفْسي، وقَلَّدَنِيهِ فلانٌ، أي: ألزَمَنِيه وجَعَلَه في عُنُقي ((3)).وقَلَّدْتُهُ قِلَادَةً: جَعَلْتُها في عُنُقه.

وفي حَدِيثِ الْخِلافَةِ: فَقَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) عَلِيّاً (علیه السلام) .. أي: ألزَمَه بها، أي: جَعَلَها في رقَبَتِه ووَلّاه أمْرَها.

الجِيد:

الجِيد: العُنُق..

ص: 64


1- مجمع البحرين للطُّريحيّ: قَلَدَ.
2- مفردات ألفاظ القرآن: قَلَدَ.
3- كتاب العَين للفراهيديّ: قَلَدَ.

قالوا: والتعبير بالجِيد دون العُنُق والرقَبة، فإنّ الجِيدَ إطلاقُهُ في القُدّام مِن العُنُق، وهو ما فوقَ الصَّدْرِ والجيْب، والعُنُق ما يقابِلُه، وهو جِهةُ الخَلْف أو أَعمّ، والرقَبَةُ هي العُنُق باعتبار الشخصيّة ((1)).

الفَتاة:

الفَتاة: مُؤَنَّثُ فَتى، الشابّة.

اللفتة الثانية: كيف نُقرأ: «خطّ»؟

يمكن أن نقرأ (خطّ) على صيغة المبنيّ للمجهول: (خُطَّ)، فيكون الموت مفعولاً حَلّ هنا نائباً عن فاعله، ويكون فاعل قد خُطّ هذا الموت على وُلد آدم.. والمعنى: أنّ الله كتبَ الموتَ على وُلد آدم وخطّه عليهم،فهو قدَرُهم الّذي لا يمكنهم الفرار منه.

ويمكن أن نقرأ (خَطَّ) بفتحتَين، فيكون اللفظ فعلاً، والموت فاعل.. أي: إنّ الموت خَطَّ خطّاً على وُلدِ آدم، وترك عليه رسماً وأثراً ملازِماً له لا يفلت منه.

ويمكن أن نقرأ (خَطُّ) اسماً بفتح الأوّل وضمّ الطاء رفعاً على الابتداء، وهو مضافٌ والموت مضاف إليه، فيكون الكلام عن الخطِّ المنسوب إلى

ص: 65


1- التحقيق في كلمات القرآن: 2 / 150.

الموت مقابل الخطّ المنسوب إلى القلادة.

اللفتة الثالثة: التشبيه بين خطَّين!

يبدو واضحاً من السياق أنّ التشبيه ليس بين (الموت) و(القلادة على جِيد الفتاة)، وإنّما هو بين (خطّ الموت) _ بأيّ قراءةٍ قرأنا (خطّ) _ وبين (خطّ القلادة) أو (مخطّ القلادة).

فلا الموت المعروف بما هو موتٌ له مدخليّةٌ في التشبيه، ولا القلادة بما هي قلادةٌ لها موضوعيّةٌ في التشبيه، ولا يهمّ أن تكون القلادة من الجوهر الثمين أو من خيط صوفٍ بخسٍ رخيصٍ زهيد.

وبعد هذا، لا يمكن استفادة نوع الموت من خلال التشبيه، باعتبار أنّ القلادة حين تكون من الجوهر الثمين تكون زينةً، ويكون للجوهر مزيدبهاءٍ وجمالٍ حينما يكون على جِيد فتاة، ويكون له قيمةً إضافيّةً حين يكون على جِيد الفتاة هي أرقى من قيمته وهو في الصدف أو المعدن أو قاع البحر مثلاً.

إنّ التشبيه لخطّ مخطّ القلادة، وهو رسمها وأثرها الباقي ومكانها الّذي تحدّه حين تكون على جيد الفتاة.. وليس بالضرورة أن تكون القلادة موجودة، لأنّ المقصود ليس هي القلادة وإنّما مخطّها!

قال العلّامة المحقّق السماويّ _ رحمه الله، وحشره مع سيّد

ص: 66

الشهداء (علیه السلام) _ :

(مخطّ القلادة): يعني موضع خطّ القلادة، وهي في الحقيقة الجلد المستدير من الجِيد، فكما أنّ ذلك الجلد لازمٌ على الرقبة، كذلك الموتُ على وُلد آدم.

هذا إذا قلنا أنّ مخطّ اسمُ مكان، وإنْ قلنا أنّه اسم مصدرٍ بمعنى خطّ، فيعني به أنّ الموت دائرةٌ لا يخرج ابن آدم مِن وسطها، كما إنّ القلادة دائرةٌ لا يخرج الجِيد منها في حال تقلّده ((1)).

اللفتة الرابعة: جِيد الفتاة!

القلادة يمكن أن تكون للإنسان وللحيوان، كما سمعنا في (شرح المفردات)، والّذي يتقلّد من الإنسان إنّما هو المرأة عادة، سيّما الفتاة من النساء، لذا جاءت هنا في التشبيه لمكان أنّ الّتي تتقلّد القلادة إنّما هي الفتاة في الغالب.

وإذا كان لابدّ أن يكون لذِكر الفتاة وجيدها مناسبة، فإنّ الفتاة تمثّل الحياة وعنفوانها والدنيا وزهوها، والشهوة الّتي زُيّنت في عيون الناس.. ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء ...﴾ ((2)).

ص: 67


1- إبصار العَين للسماويّ: 42.
2- سورة آل عمران: 14.

والفتاة هي مطمح الرجال، وهي بنفسها طامحةٌ في الحياة الدنيا وشهواتها ولذائذها، فهي مثالٌ للدنيا والشهوات والآمال والطموحات والنشاط والعنفوان، وغيرِها من متعلّقات الدنيا..

والجيد هو العنق، أو أسفل العنق ممّا يلي الصدر.. وهو الموضع الّذي يُشار إليه عادةً لإنهاء حياة وُلد آدم بأيّ نوعٍ من أنواع الموت، فإذا أرادوا الإشارة إلى الذبح لإنهاء الحياة أشاروا إلى الجيد والعنق، وإذا أرادوا الإشارة إلى الخنق أشاروا إلى نفس الموضع، وإذا أرادوا القتل أشاروا إلىالموضع ذاته، فكأنّ الإشارة إلى العنق والرقبة هي الموضع الأوّل والأهمّ، بل ربّما هو الموضع الوحيد الّذي يُشار من خلاله إلى الموت والقضاء على الحياة.

اللفتة الخامسة: خلاصة التشبيه

لمّا كانت القلادة ملازمةً لجيد الفتاة، ويمكن لأيّ أحدٍ تصوّرها وتصوّر موضعها من جِيد الفتاة وعنقها..

ولمّا كانت الفتاة نموذج الحياة الدنيا وزينتها وزهرتها وشهواتها ولذّاتها وعنفوانها..

وخطّ القلادة ومخطّها على جيدها يعني الإحاطة الكاملة بالعنق الّذي هو الموضع الّذي يُشار إلى الموت من خلاله، ويكفي لقتل الإنسان مجرّد تضييق الخناق وشدّ الخطّ والمخطّ ليموت بني آدم..

ص: 68

فإنّ الموت قد كُتب على الإنسان ورُسِم تماماً كهذا الخطّ المحيط بالعنق، يحيط به إحاطةً تامّةً كاملةً لا يمكنه الإفلات منه أبداً..

ربّما تتخلّص الفتاة من القلادة، ولكن لا يمكنها أن تتخلّص من مخطّ القلادة وخطّها، أي: موضعها الّذي ترسو عليه وتحيط برقبتها!

فكأنّ الصورة تريد أن توضّح لبني آدم أنّ الموت محيطٌ بكم، لايمكنكم الإفلات منه أبداً، وهو سرعان ما يأتي ولا يطول انتظاره، لأنّ الفتاة سرعان ما تفقد شبابها، ولا يمكن أن تلازمه مهما جهدت، ولو اجتمعَت المخلوقاتُ كلُّها على إغاثتها لَما أغاثتها، رغم ما تتشبّث به الفتاة وتحتال فيه ليدوم لها شبابها.. فمهما تشبّث الإنسان بالحياة، فإنّ الموت محيطٌ بعنقه، وسيأتي عليه يومٌ ما.. والحمدُ لله الّذي قهر عبادَه بالموت والفناء.

ولا يمكن للفتاة أن تدرأ عن نفسها خطّ القلادة ومخطّها، كذلك الإنسان لا يمكنه أن يدرأ عن نفسه خطّ الموت المحيط بعنقه.. ﴿فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ ((1)).. وسيأتيه الموتُ من كلّ مكان!

ولا يمكن للفتاة الفرار من خطّ القلادة ولا مخطّها، حتّى لو تخلّت عن

ص: 69


1- سورة آل عمران: 168.

القلادة نفسِها، فجيدُها هو الموضع الّذي لا يتسنّى لها التخلّي عنه إلّا بإزهاق روحها، فكيف لها أن تفرّ من جِيدها؟! ﴿قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ﴾ ((1)).

وإذا كان لابدّ من إفادة معنى الزينة من هذا التشبيه، فإنّ غاية ما يمكن الإفادة منه أن يُقال:إنّ الموت بما هو موتٌ، بغضّ النظر عن سببه ونوعه وطريقة حصوله ومكان وقوعه.. هذا الموت الّذي خلقه الله وكتبه على الإنسان، هو زينةٌ له، كما أنّ القلادة زينةٌ لجِيد الفتاة.. إذ أنّ الكلام كان عن كتابة الموت على وُلد آدم جميعاً دون استثناء.. «خُطّ الموتُ على وُلد _ بني _ آدم»! ولكلّ واحدٍ من وُلد آدم حظٌّ من هذا الموت، يذوقه كيف ما كتب الله عليه مذاقه.. قتلاً، أو موتاً حتف أنفه، أو أيّ سببٍ آخَر من الأسباب الّتي لا تُعَدّ ولا تُحصى، وتتكثّر بتكثُّر نفوس البشر.

المقطع الرابع: «ما أولَهَني»!

• «وما أولَعَني بالشوق إلى أسلافي، اشتياقَ يعقوب إلى يوسف وأخيه»..

ص: 70


1- سورة الأحزاب: 16.

• «وما أولهني إلى أسلافي، اشتياقي كاشتياق يعقوب إلى يوسف»..

• «وما أولهني إلى أسلافي، اشتياقَ يعقوب إلى يوسف»..

* * * * *

الوَلُوعُ _ بالفتح _ : اسمٌ مِن وَلِعْتُ به أَوْلَعُ وَلَعاً ووَلُوعاً، المصدروالاسم جميعاً بالفتح، وأَوْلَعْتُهُ بالشيءِ وأُولَعَ به فهو مُولَعٌ به _ بفتح اللام _، أي: مُغرَىً به.

والوَلَع: نفس الولُوع، أي: العلاقة.

الوَلَه: غايةُ الحُزن والوَجْد، وشدَّةُ الجزَعِ على فُقْدان الحبيب، وكلُّ أنثىً فقَدَتْ وَلدَها فهي والهة ...

ورد في لفظ الزيديّ وغيره: «أولَعَني»، وفي الباقي: «أولَهَني»، واحتمال التصحيف واردٌ في أحدهما لمكان العين والهاء فقط، ورسم الخطّ في الكلمة واحد، والمعنى في كلا المفردتين متقاربٌ جدّاً حتّى يكاد يكون واحداً، وإنْ كان «أولهني» أنسب وأكثر انسجاماً مع السياق.

وقد ورد في كتب اللغة في شرح معنى الوَلَه قولهم: «ذهاب العقل والفؤاد من فقدان حبيب»، فعدلنا منه إلى ما ذكرناه آنفاً؛ لرعاية مقام الإمام المعصوم (علیه السلام) !

ص: 71

رحل أسلاف الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) .. هم أصحاب الكساء الأربعة (علیهم السلام) .. أنوارٌ خمسةٌ اختصّها الله واجتباها واصطفاها على العالمين.. وكلّ مَن سوى الله في الكون فهو دونهم في الفضل والمنزلة عند الله (تبارك وتعالى).. فجميع الأسلاف يجتمعون في هؤلاء الأربعة منأصحاب الكساء.. وكلّهم نورٌ واحد.. وقد رحل الجميع، ولم يبقَ منهم إلّا حبيب الأحبّة خامس أصحاب الكساء..

لقد وقع الفراق بين الكلّ والجزء الباقي في الدنيا..

ولقد ضرب القرآن مثلاً للشوق والحنان والولَه في يعقوب لولده يوسف (علیهما السلام) ، فبكى عليه حتّى ابيضّت عيناه وذهب بصره وخيف عليه الموت، حتّى قيل له: ﴿تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾ ((1)) ((2)).

ورُوي عن أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) أنّه قال له بعض أصحابنا: ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟ قال: «حزن سبعين ثكلى حرّى» ((3)).

ص: 72


1- سورة يوسف: 85.
2- أُنظر: تفسير العيّاشيّ: 2 / 188 ح 60.
3- تفسير العيّاشيّ: 2 / 188 ح 58.

ولا يبعد أن يكون عدد السبعين هنا إشارةً للكثرة الّتي لا تُحصى..

وقد ورد عن الإمام الباقر (علیه السلام) قال: «واشتدّ حزنُه [أي: يعقوب] حتّى تقوّس ظهرُه» ((1)).

يبدو أن ليس ثَمّة مثالٌ آخَر يمكن أن يُضرَب لشدّة الشوق من شوق يعقوب ليوسف (علیهما السلام) ، كمثالٍ قرآنيٍّ متّفَقٍ عليه، وهو ما يمكن إدراكه وتصوّره ضمن المشهد الّذي رسمه القرآن الكريم، إذ أنّ مثل شوقفاطمة (علیها السلام) لأبيها خاتم المرسلين (صلی الله علیه و آله) وشوقِ أمير المؤمنين لفاطمة (علیهما السلام) خارجٌ عن مستوى إدراك البشر العادي.

رحل الأسلاف.. وبقي حبيبُهم الحسين (علیه السلام) غريباً في هذه الدنيا الخؤون الغدّارة.. رحل الطيّبون.. رحل خيرة البشر.. رحل المصطفَون الأبرار الأطهار، الّذين أذهب الله عنهم الرجسَ وطهّرهم تطهيراً.. لم يكن في الدنيا بعد الأربعة أصحابِ الكساء مَن هو في منزلة الحسين (علیه السلام) ومقامه ورتبته.. إنّه الخامس الوحيد الّذي أظلّه الكساء.. وليس في الكون منذ أن خلقه الله مَن هو مثلهم أبداً..

إنّه خامس الأنوار الخمسة الّتي لا يعلوها نورٌ في الدنيا والآخرة..

ص: 73


1- تفسير العيّاشيّ: 2 / 190 ح 65.

رحل جدُّه سيّد المرسلين والأنبياءِ المصطفى، وأُمُّه سيّدة النساء فاطمةُ الزهراء، وأبوه سيّد الأوصياء عليّ المرتضى، وأخوه وصنوه الحسن المجتبى.. هؤلاء هم الّذين شاركوه في الكساء ويمكن أن يُحشَر معهم، هؤلاء هم أصلُه.. فكيف لا يحنّ خامس الأنوار إلى مشكاته، ولا يتوق الفرعُ إلى أصله؟!

الإنسان العادي إذا فقد أحبّته وطال به المكث في الدنيا، تراه يتقطّع أسىً ويلتاع حسرة، وينفصل عن دنياه وجوّه ومحيطه، ويبقى يعيشذكرياتِه مع الأحبّة، وينتظر اللقاء بهم لحظةً بعد لحظة.. كيف بسيّد شباب أهل الجنّة وقد سبقه سادات البشر وسادات أهل الجنان وبقي في هذه الدنيا الغدّارة وحده؟! لكنّ سيّدي بعدُ لم يطل به المكث في الدنيا، إنّما عجّل عليه الشيب.. إنّا لله وإنا إليه راجعون!

لقد بكت فاطمة الزهراء (علیها السلام) على أبيها رسول الله (صلی الله علیه و آله) حتّى كان يُغمى عليها، وحتّى أخرجها أهل المدينة الجفاة من المدينة بزعمهم أنّهم يتأذّون ببكائها.. وكانت تشمّ قميصه وتشمّ تربته وتقول:

«ماذا على مَن شمَّ تربةَ أحمدٍ

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صُبَّتْ علَيّ مصائبٌ، لو أنّها

صُبَّتْ على الأيّامِ صرنَ

لياليا»

وبقي أميرُ المؤمنين (علیه السلام) في حزنٍ طويلٍ سرمد، وليلُه مسهَّد، يبكي بكاء

ص: 74

الثكلى بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) وفاطمة الزهراء (علیها السلام) ..

وهذا الشوق الواله إلى الأسلاف إنّما هو تعبيرٌ حزينٌ عن الغربة الّتي كانت تحيط بالإمام غريب الغرباء (علیه السلام) .. إنّه غريبٌ في وطنه.. غريبٌ في أُمّة جدّه.. غريبٌ بين المسلمين.. غريبٌ في الدنيا.. إذا كان المؤمن العادي غريبٌ في هذه الدنيا، فما بالك بغربة خامس أصحاب الكساء!أوَليس ممّا يصدّع الفؤادَ أن يعيش ريحانةُ النبيّ (صلی الله علیه و آله) في هذه الدنيا بين ظهراني هذه الأُمّة غربةً تجعله يحنّ إلى الآخِرة ويتمنّى تعجيل الرحيل إلى أسلافه؟!

المقطع الخامس: «إنّ لي مصرعاً»!

ورد في لفظ الحديث عند الزيديّ: «وإنّ لي مصرعاً أنا لاقيه»، وفي لفظ الزرنديّ: «ولي مصرعٌ أنا لاقيه»، وغيرهما روى: «وخِيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه».

والمعنى في جميع الألفاظ واحد.. ربّما كان ثَمّة سقطٌ عند الزرنديّ، فهو يختلف عن لفظ الحديث الّذي يرويه الزيديّ بنقصان لفظ «إنّ»، وفي مجموع لفظ الزرنديّ نوع ارتباك، كأنّه جمعَ بين اللفظين.

وقوله: «إنّ لي مصرعاً»، بقوّة قوله: «خِيرَ لي مصرعٌ»، فكلاهما يفيد التأكيد والتحقّق، سيما أنّه (علیه السلام) يقول: «أنا لاقيه».

ص: 75

كما أنّ الموت قد خُطّ على جميع وُلد آدم، فإنّه قد كُتب على الإمام حبيب الله وحبيب رسوله.. فمصارِع القوم: سقوطهم عند الموت ((1))، والصَرْعُ: الطَّرْحُ بالأَرض.. فلابدّ من اليوم الّذي سيجري القضاء والقدَر، وتأتي المنيّةويلقاها الإمام (علیه السلام) ويلاقي هذا المصرع الّذي خُطّ على وُلد آدم!

وإذا أخذنا المصرع بمعنى المكان، إذ أنّ مَصارِعُ القوم: حيث قُتِلُوا.. ومَصَارِعُ الشهَداء: أمكِنَتُهُم الّتي صُرِعُوا فيها ((2))، يكون المعنى أنّ لي موضعاً سأُلاقيه، وألقى فيه ما خُطّ على وُلد آدم حيث يكون مصرعي.

وإذا قرأنا: «خِيرَ لي» بمعنى اختار اللهُ لي، فهو الموت الّذي اختاره الله لعباده، بَيد أنّه يختار لأوليائه الموت ليختارهم ويقبضهم إليه باختياره لهم.. «فقبضك إليه باختياره» ((3))..

كيف كان، فإنّ الإمام (علیه السلام) هنا أخبر عن مصرعه الّذي هو لاقيه.. تماماً كما كان النبيّ (صلی الله علیه و آله) والأئمّة المعصومون (علیهم السلام) جميعاً يُخبِرون عن أيّامهم ومصارعهم الّتي اختارها الله لهم.

ص: 76


1- أُنظر: العين للفراهيدي: صَرَعَ.
2- أُنظر: لسان العرب، مجمع البحرَين: صَرَعَ.
3- من زيارة أمير المؤمنين (علیه السلام) المسمّاة بزيارة أمين الله.

المقطع السادس: «كأنّي أنظر..»

اشارة

«وإنّ لي مصرعاً أنا لاقيه».. أخبر الإمام (علیه السلام) أنّه سيلقى مصرعَه، ثمّ جعل يفصّل ما سيلقى في هذا المصرع..

وقد روى الزيديّ لفظ الحديث بهذه العبارة: «كأنّي أنظُرُ إلى أوصاليتقطّعها وحوشُ الفَلَوات، غَبراً وعَفراً، قد ملأَتْ منّي أكراشها»..

وجاءت عند الزرنديّ: «ولي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي أنظُرُ إلى أوصالي غَبراً عَفراً، تقطّعها عَسَلانُ الفَلَواتِ بين النواويسِ وكربلاء، فيَمْلَأْن منّي أجوافاً جوفاً وأكراشاً سُغباً، لا محيصَ عن يومٍ خُطّ بالقلم»..

واللفظ المشهور عند الباقين: «وخِيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها [تتقطّعها، يتقطعها] عَسَلانُ الفَلَوات، بين النواويس وكربلاء، فيَمْلَأْن منّي أكراشاً جوفاً وأجربةً سُغباً، لا محيصَ عن يومٍ خُطّ بالقلم»..

* * * * *

يمكن أن نواصل التعرُّف إلى هذا المشهد المروّع من خلال التلميحات التالية:

التلميح الأوّل: شرح بعض المفردات

الغَبَر:

الغَبَرُ: البقاء، والغَبَرُ _ بغير هاء _ : التُّراب.. والغَبَرةُ والغُبارُ: الرَّهَجُ،

ص: 77

وقيل: الغَبَرةُ: تردُّدُ الرَّهَجِ، فإِذا ثار سُمّيَ غُباراً.. والغُبْرة: الغُبارُ أيضاً..

في الحديث: «لو تَعْلَمُونَ ما يَكُونُ في هذِه الأُمّة مِنَ الجوعِ الأَغْبَرِ والمَوْتِ الأَحْمر»، قال ابن الأثير: هذا مِن أَحسَن الاستِعارات؛ لأَنّ الجوعَأَبداً يكون في السنين المُجدبة، وسِنُوّ الجَدْب تُسمَّى غُبْراً؛ لاغْبرار آفاقِها مِن قلَّة الأَمطار وأَرَضِيها من عَدَمِ النباتِ والاخْضِرار، والموتُ الأَحمرُ الشديد كأَنّه موتٌ بالقَتْل وإراقَةِ الدماء، ومنه حديثُ عبد الله بن الصامت: يُخَرّبُ البَصْرةَ الجُوعُ الأَغْبَرُ والموتُ الأَحْمَرُ، هو من ذلك.

واغبَرَّ الشيءُ: عَلاه الغُبار.

والغِبْرُ: الحِقْد _ كالغِمْر _.

وأَغْبَرَ في طلب الشيء: انْكَمَشَ وجَدَّ في طَلَبِه، وأَغْبَرَ الرجُلُ في طَلَبِ الحاجَة إذا جَدَّ في طَلَبِها.

العَفْر:

العَفْرُ والعَفَرُ: ظاهِرُ التراب، وعَفَرَه في التُّراب يَعْفِره عَفْراً: مَرَّغَه فيه، أو دَسَّه، والعَفَر: التراب.

وعَفَّرَتِ الوحشِيّةُ وَلدَها تُعَفِّرُه: قَطَعَتْ عنه الرَّضاعَ يوماً أَو يومَين، فإنْ خافَتْ أن يضُرَّه ذلك ردَّتْه إلى الرضاع أيّاماً ثمّ أَعادَتْه إلى الفِطام، تفعَلُ ذلك مرّاتٍ حتّى يستمرّ عليه، فذلك التَّعْفير.

ص: 78

تَعَفَّرَ الوحشيُّ تَعَفُّراً: إذا سَمِن.

واعْتَفَرَه الأَسَدُ: إذا افْتَرَسَه.ورَجُلٌ عِفْر: خبيثٌ مُنْكَرٌ داه.

العِفْرُ: القويُّ المُتَشيْطِن الّذي يَعْفِر قِرْنَه.

والعُفْرُ: الشجاع الجَلْدُ، وقيل: الغَلِيظُ الشديد.

وأَسَدٌ عِفْر: شديدٌ قَويّ.

والعُفْرة _ بالضمّ _ : شعرة القَفا من الأَسَد والديك وغيرِهما، وهي الّتي يُرَدِّدُها إِلى يافوخِه عند الهِراش.

والعِفْر _ بالكسر _: الذكَرُ الفَحْلُ مِن الخنازير.

العَسَلان:

العَسَلانُ: أَن يَضْطَرِم الفرسُ في عَدْوِه فيَخْفِقُ برأْسِهِ ويَطَّرِدُ مَتْنُه، وعَسَلَ الذِّئْبُ والثعلبُ يَعْسِلُ عَسَلاً وعَسَلاناً: مَضَى مُسْرِعاً واضْطَربَ في عَدْوِه وهَزَّ رأْسَه، والذئب عاسِلٌ، والجمع العُسَّل والعَوَاسِل.

العَسَلانِ: هو عَدْوُ الذئب.

ورَجُلٌ عَسِلٌ: شديد الضَّرْبِ سَرِيعُ رَجْعِ اليد بالضَّرْب.

العَسَلان: مَشْيُِ الذئبِ، واهتزازُ الرمح.

ص: 79

الكَرِش:

الكَرِشُ: لكُلّ مُجْتَرٍّ بمنزلة المَعِدَة للإِنسان.

الجَوف:

أصلُ الجَوْفِ الخلاء، وهو مصدرُ من باب تَعِبَ، ثمّ استُعمِلَ فيما يقبل الشغل والفراغ، فقيل: جَوْفُ الدارِ لباطنها، وجوفُ الإنسان.

جَوْفُ الإنسان: بَطْنُه.

الجَوَفُ: خَلاءُ الجوْف، كالقَصبةِ الجَوْفاء.

جَوْفُ كلِّ شيء: داخِلُه.

السغَب:

السَّغَب: الجوع، وقيل: الجوعُ مع التعَب، ويُطلَقُ على العَطَشِ أيضاً.

الجِراب:

الجِرَابُ _ بالكسر _ : وعاءٌ من إهاب شاةٍ يُوعى فيه الحَبَّ والدقيق ونحوهما، ومنه الجِرَابُ الهرويّ ونحوه، والجمع جُرُبٌ، مثل كتابٍ وكُتُب، ولا يُقال: جَرَاب _ بالفتح _.

الجِرابُ: وِعاءٌ من إهاب الشاء، لا يُوعَى فيه إلّا يابسٌ.

الجِرابُ: الوِعاءُ، مَعْرُوف، وقيل: هو المِزْوَدُ، والعامّة تفتحه فتقول:

ص: 80

الجَرابُ، والجمع أَجْرِبةٌ وجُرُبٌ وجُرْبٌ.

الأوصال:

الْأَوْصَالُ: المفاصِل، ومنه: تقطّعَتْ أوصالُه ((1)).

وقيل: الأَوْصَالُ: مجتَمَعُ العِظام ((2)).

والوَصْلُ: كلُّ شيءٍ اتَّصَلَ بشيءٍ فما بينهما وُصْلة ((3)).

التلميح الثاني: «كأنّي»!

كأنّي.. تجد هذه المفردة في كلام رسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة المعصومين (علیهم السلام) موظّفةً لبيان التمثُّل لمشاهدة الماضي أو المستقبل..

لقد ورد استعمالها بمعنى المشاهدة كثيراً في كلام أهل البيت (علیهم السلام) ، ومن الواضح أنّ المعصوم حينما يقول: كأنّي، فهو إنّما يرى ما يُخبِر عنه برؤيةٍ خاصّةٍ ويشاهده مشاهدةً حقيقيّة، إذ لا خيال ولا باطل فيما يرى ويُخبر عنه المعصوم!

وهذه الكاف في قوله: «كأنّي» هي الفاصل بين الحقيقة المنظورة عند

ص: 81


1- أُنظر: مجمع البحرين: وَصَلَ.
2- أُنظر: لسان العرب: وَصَلَ.
3- أُنظر: كتاب العين للفراهيديّ: وَصَلَ.

المعصوم والواقع الّذي يجري ويقع ويتحقّق على صفحة الزمن وآنات الساعات والأيّام.

التلميح الثالث: «أنظر إلى أوصالي»!

لا يبدو ثَمّة كثيرُ فرقٍ بين التعبير الوارد عند الزيديّ والزرنديّ وعند الآخَرين، إذ روى الأوّلان: «كأنّي أنظر إلى أوصالي»، وروى الآخَرون: «كأنّي بأوصالي»، إذ أنّ اللفظَين يفيدان ما سيحصل للأوصال المقدّسة، ويفيدان أنّ الإمام (علیه السلام) يُخبِر عن رؤية ذلك ومشاهدته، بَيد أنّ تعبير الحديث الّذي يرويه الأوّل قد يكون أكثر دقّةً ووضوحاً وتعبيراً.

التلميح الرابع: «أوصالي تُقطِّعُها»

يا لله.. الأوصال: المفاصل، مجتمع العظام، كلُّ ما اتصل بشيءٍ من البدن وكان بينهما وصلة..

أخبر الإمام (علیه السلام) عمّا سيجري عليه وعن القتْلَة الّتي سيُقتَل بها، والمنيّةِ الّتي تنتظره وهو لاقيها..

إنّها صورةٌ مروّعة.. تقطّع الوحوشُ أوصاله.. تتقطّعها.. كأنّ في المفردة الثانية إشعار التنازع على تقطيعها، تماماً كما تتنازع الذئاب الفريسة فتتجاذبها بعنفٍ وتتوزّع أشلاءَها..

ص: 82

تكالُبُ الذئاب وتدافعُها وتنازعُها على أوصالٍ تريد تقطيعها، وانتزاعَ كلِّ مفصلٍ من مفاصلها وتفريقَ أعضائها..

إنّها وحوشٌ ضاريةٌ مجوَّعة.. أكراشها ساغبة.. وأجوافها خالية..

ذئاب فلوات.. والفلاة: هي الأرض الّتي لا ماء فيها ولا كلاء.. فهي ذئابٌ جائعةٌ عطشى، زادها الجوع والعطش توحُّشاً..

ذئابٌ راكضةٌ لاهثةٌ مستعجِلة، تدير رأسها يميناً وشمالاً، تجتمع على الصيد الإلهيّ الأعظم.. تلغ في الدماء الزاكية؛ لتروي حقدها وضغائنها على النبيّ وآله..

كيف ستهاجم هذه الوحوش الضارية الجائعة الساغبة العطشى لحمَ رسول الله ودمه، وتتنازع على تقطيع أوصال الهيكل المقدّس؟!

تهجم مرّةً واحدة، كلٌّ قد برى أنيابه وفتح بوزه، وانتهش بوحشيّةٍ وقساوةٍ ما يمكنه أن ينتهش لينفرد بعضوٍ من الأعضاء، فيقضم ويغرز أنيابَه، فتجاذبه الذئاب الأُخرى البقيّة حتّى يُفرَّق بين المفاصل، فتتقطّع وتتفرّق..

إنّه مشهدٌ يعجز الإنسان عن تصويره وتصوُّره.. يقطّع القلوب والأكباد، ويروّع الأرواح والفؤاد.. يصدّع الجبال الرواسي ويزيلها عن مستقرّها.. تميد له السماء، وتقطّع به الأرض وتتزلزل.. تتفجّر له البحار،

ص: 83

وتضطرب له المخلوقات..

أهذا خامس أصحاب الكساء، يخبر عن لحمه ودمه ومفاصله كيف ستتنازعها الذئاب فتصرعه وتقطّع أوصاله؟!!

ويمكن أن يكون المراد من الأوصال المقطّعة هم الأنصار وأهل البيت (علیهم السلام) ، فهم أوصال الإمام (علیه السلام) وصِلَته وأطرافه وأشعّته، فصحّ التعبير عنهم تجوُّزاً بالأوصال.

التلميح الخامس: غَبراً عَفراً

ورد في لفظ الحديث الّذي يرويه الزيديّ ولفظ الزرنديّ صفة «غَبراً وعَفراً»..

ربّما أفاد سياق الزيديّ أنّ «غَبراً، عَفراً» توصيفٌ لوحوش الفلوات.. «أوصالي تقطّعها وحوشُ الفلوات غَبراً وعَفراً، قد ملأَتْ منّي أكراشها»..

فإنْ كانت صفةً للوحوش، فهو توصيفٌ لمدى تقحُّل هذه الذئاب وبقائها جائعةً في فلاةٍ قاحلةٍ وبيداءٍ ليس فيها سوى الجفاف والقحط، حتّى علاها الغبار وصارت بلون الصحراء، وهي فحول خنازير متوحّشة، وغيرها من المعاني المذكورة في التلميح الأوّل ممّا ينطبق على هذه الوحوش..

وإذا كانت صفة «غبراً وعفراً» توصيفٌ للأوصال المقطَّعة، بشهادة

ص: 84

سياق الزرنديّ: «أوصالي غَبراً وعَفراً، تقطّعها عَسَلانُ الفلوات»، وهو الأوفق والأشدّ انسجاماً مع المشهد المروّع المهول الّذي ترسمه العبارة..

ويمكن حمل عبارة الزيديّ على هذا المعنى أيضاً دون تكلُّفٍ ولا تحميلٍ على العبارة..

فالإمام (علیه السلام) يصف حينها مشهداً لا يطيق الإنسان رسمه ولا تصوّره.. يعجز البنان عن تحريره واللسان عن بيانه..

ليت الموت أعدمني الحياة؛ كي لا أضطرّ إلى فتح هذه الصورة ومحاولة استيعابها.. وأنا واثقٌ أن لا يقدر المؤمن على استيعابها ولا تصوّرها ولا تصويرها..

حين تتنازع الذئاب على الفريسة.. فتتجاذبها وتهارش من أجل تمزيقها وتقطيع أوصالها.. تجرّها يميناً وشمالاً، وتتقاذفها على الأرض مرّةً وترتفع بها مرّةً أُخرى، وهي تنزف دماً، ويتوزّع لحمها المضرَّج على رمال الرمضاء في فلاة بيداء، فإنّها ستُرمَّل بالتراب وتُزمَّل بالدماء، فيعلوها الغبار حتّى تكون عفراً بلون الرمل الأحمر..

وربما أشعر _ ولو من بعيدٍ _ لفظُ العفر وما يوضع في الجراب واشتراط اليبس فيه إشارةً إلى عطش سيّد الشهداء (علیه السلام) ..

يا حبيبي يا حسين.. يا غريب الغرباء.. السلام على المقطَّع الأعضاء..

ص: 85

«السلامُ عَلى الأجسادِ العاريات.. السلامُ على الجسُومِ الشاحبات.. السلامُ على الدماءِ السائلات.. السلامُ على الأعضاءِ المقطَّعات.. السلامُ على الرؤوسِ المُشالات.. السلامُ على النسوةِ البارزات.. السلامُ على حُجّةِ ربِّ العالَمين.. السلامُ عليكَ وعلى آبائك الطاهرين» ((1)).

قال الراوي:

فوَاللهِ لا أنسى زينبَ بنتَ عليٍّ (علیهما السلام) وهي تندب الحسين (علیه السلام) ، وتنادي بصوتٍ حزينٍ وقلبٍ كئيب:

وا محمّداه! صلّى عليكَ مليكُ السماء، هذا حسينٌ مُرمَّلٌ بالدماء، مُقطَّعُ الأعضاء، وبناتُكَ سبايا، إلى الله المشتكى، وإلى محمّدٍ المصطفى، وإلى عليٍّ المرتضى، وإلى حمزةَ سيّدِ الشهداء.

وا محمّداه! هذا حسينٌ بالعراء، يسفي عليه الصَّبا، قتيلُ أولاد البغايا، يا حزناه! يا كرباه! اليومَ ماتَ جدّي رسولُ الله.

يا أصحاب محمّداه! هؤلاء ذرّيّةُ المصطفى، يُساقَون سَوقَالسبايا ((2)).

إنّا لله وإنّا إليه راجعون!

ص: 86


1- أُنظر: بحار الأنوار: 98 / 319.
2- أُنظر: بحار الأنوار: 45 / 59.
التلميح السادس: تحديد المكان

لم يردْ في الحديث الّذي يرويه الزيديّ تحديد المكان الّذي سيلاقي الإمام (علیه السلام) فيه مصرعه، وإنّما ورد في غيره.. «تقطّعها عَسَلان الفلوات، بين النواويس وكربلاء»..

وقد أتينا على بيان هذه المناطق والقرى في كتاب (زهير بن القَين علويٌّ خرج يتلقّى الحسين (علیه السلام)) وغيره من المواضع، فلا نعيد.

ونكتفي بالإشارة هنا إلى أنّ النواويس وكربلاء قريتان متقاربتان جدّاً من القرى المتناثرة ثَمّة، وهي مجموعة قرىً صغيرةٍ متجاورةٍ متداخلة، ربّما أُطلق اسمُ أحدها على المجموع رغم أنّ الاسم له مكانٌ خاصٌّ بعينه، فتسمّى المنطقة الغاضريّة، وتسمّى كربلاء، وتسمّى النواويس، وتسمّى نِينوى، وهي في نفس الوقت أسماءٌ لقرىً خاصّةٍ مميّزة، وإنّما صحّ إطلاق الخاصّ على العامّ والخاصّ على الخاصّ لشدّة التقارب والتداخل.وهي كانت صحراء قاحلةً وبيداء ممتدّةً إلى بادية الحجاز، لا ماء ولا كلاء، إلّا القليل من الريف الّذي تسكنه بعض أفراد العشائر وأُسرهم على ضفاف الفرات.

وربّما حدّد الإمام الحسين (علیه السلام) المكان الّذي ستقع فيه الحرب ويحصل فيه القتال ويستوعبه العسكر وتتراكض فيه العسلان المتوحّشة.

ص: 87

لقد بيّن الإمام (علیه السلام) مصرعَه الّذي هو لاقيه عمّا قريب.. إنّه بين النواويس وكربلاء، فهو ليس في الكوفة جزماً.. إنّه (لا، ولن) يصل الكوفة.. إنّه ستقطّعه عسلان الفلوات.. عسلان الفلوات الجائعة الساغبة المتعطّشة لشرب الدماء الزاكية في الفلوات المقفرة والبيداء القاحلة.

هذا يعني أنّ الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) قد أعلن من مكّة _ وفق المشهور في بيان موضع إلقاء الخطبة _ أنّ وجهته إنّما هي أرض المصرع، وهي بين النواويس وكربلاء.. فهو منذ تلك اللحظة قد أعلن عن شهادته في كربلاء، ومنذ ذلك الوقت قد صرّح بوجهته وعاقبته الّتي يترقّبها وينتظر اللقاء بها..

إنّه متوجّهٌ إلى الكوفة الآن، بَيد أنّ الرحلة ستنتهي بين النواويس وكربلاء، إذ سيلاقي مصرعه.. هناك تنتظره وحوش الفلوات والذئاب الجائعات؛ لتملأ منه أجوافاً جوفاً وأكراشاً سغباً..ربّما كان من المتعسّر بل المتعذّر على مَن يرتّل هذه الخطبة ويقرأها استخراج قصد (الخروج بالمعنى المصطلَح) منها.. والمناورة على إجابة رسائل أهل الكوفة وقبول دعواتهم وتبييت مقارعة الظلم والطاغوت لمواجهته ومحاربته والتخطيط لإسقاطه واستبداله، أو التخطيط لأغراضٍ أُخرى مبيَّتةٍ عند الإمام السبط (علیه السلام) ، سوى ما يفيد بصراحةٍ أنّه ملاحَقٌ

ص: 88

مطارَدٌ محاصَر، سيصل إلى المنطقة الموعودة بين النواويس وكربلاء، ثمّ تقطّعه هناك عسلان الفلوات الّتي تنتظره..

إنّه أخبر عن المكان الّذي ستقع فيه المصيبة العظمى، وقد أعدّ العدوّ لها وفيها عُدّته!

التلميح السابع: الوحوش المتربّصة!

وحوش الفلوات الساغبة.. عسلان الفلوات بأكراشها الخاوية الخالية الجائعة.. الذئاب المتوحّشة المتعطّشة للدماء.. إنّها تسكن الفلوات.. تسكن الصحراء والبيداء.. تنتظر هناك.. تترصّده وتتربّص به..

إنّها ليست في الكوفة المدينةِ العامرة والحاضرة الّتي تموج بسكّانها وعمرانها وبنائها وازدهارها.. إنّها صحراء واقعةٌ بين النواويس وكربلاء على مقربةٍ من الكوفة وليست عنها ببعيد..إنّها تنتظر متوثّبةً متلفّتةً مستعجلةً لاهثةً راكضةً متفلّتةً من أيّ زمام.. إنّها وحوشٌ جائعة.. عطشى.. تريد أن تملأ أكراشها وأجربتها وأجوافها..

بيد أنّها تبحث عن أوصالٍ لا كباقي الأوصال.. تبحث عن كُتل لحم النبيّ (صلی الله علیه و آله) والوصيّ (علیه السلام) وأوصالهما..

جوعها وعطشها.. حقدها وبغضها وكراهيتها لله ولأوليائه.. ضغينتها وعداوتها وإحَنها وثاراتها وشحناؤها وذحول جاهليّتها وشقاقها ونفاقها

ص: 89

ومقتها للحقّ وأهل الحقّ..

هي الذئاب والعسلان الّتي تتربّص بسبط النبيّ وريحانته (علیه السلام) ، لتملأ منه أكراشها.. وليس هو الّذي يريدها ويقصدها.. لم يهاجمها الإمام (علیه السلام) ولم يثرها.. إنّما هي الّتي تنتظره لتقطّع أوصاله!

مَن ينتظر مَن؟

مَن يخطّط لتقطيع أوصال مَن؟

مَن البادئ؟

مَن المهاجِم؟

مَن يريد القضاءَ على مَن؟

يقولون: إنّ الإمام خطب هذه الخطبة في مكّة.. وأخبر عن المستقبلالقريب الّذي سيلاقيه بعد أيّام.. وقد أخبر الإمام (علیه السلام) أنّه سيلقى مصرعه قبل الوصول إلى الكوفة، وأخبر أنّ الّذي ينتظره في تلك البيداء المهولة إنّما هي وحوشٌ كواسر وذئابٌ عواسل.. ولم يُخبِر عن وجود أنصارٍ أو مقاتلين ورجالٍ وعَدُوه النصرة، ولم يُخبِر عن دخوله الكوفة..

إنّه (علیه السلام) أخبر عن وحوشٍ تنتظره لتقتله وتقطّع أوصاله، ولم يُخبِر عن إرادته ذلك..

إنّه (علیه السلام) أخبر عن العدوّ، وفعلِ العدوّ، وتخطيطِ العدوّ في القضاء عليه

ص: 90

بصورةٍ لا تصف الأقلام بشاعتها.. إنّه ليس مجرّد قتل.. وإنّما قتلٌ بدافع الحقد والعداوة والقساوة والانتقام.. تقطيع الأوصال بأنياب عسلانٍ جائعةٍ متوحّشة..

فإذا كانت ثَمّة دعوةٌ هنا للنصرة _ كما قد يصوّره البعض _، فلا يمكن حملُها إلّا على الدفاع عنه لذبّ عادية هذه العسلان الجائعة ومنعِها من تقطيع الأوصال المقدّسة..

ولا ندري كيف يمكن حملها على الدعوة للنهوض من أجل صنع قواعد (الخروج بالمعنى المصطلح)؟ ولا ندري كيف يمكن تأويلها بمعنى القيام من أجل الأهداف والأغراض الّتي قد تزوَّق وتسوَّق لتفسير التضحيةبالنفس وإطعام وحوش الفلوات لحم النبيّ والوصيّ، والسماح لها بتقطيع الأوصال المقدّسة؟!

إنّ الوحوش الكاسرة الجائعة الّتي تنتظره بين النواويس وكربلاء، تريد تقطيع أوصاله، وهو سيلاقيها.. فأخبر عن ذلك، وسنسمع بعد قليلٍ أنّ دعوته لا تتعدّى الدفاع عن وجود خامس أصحاب الكساء وشخص سيّد الشهداء (علیه السلام) .

نحسب أنّ الأمر بمكانٍ من الوضوح لا يحسن معه الاسترسال في الشرح والبيان.

ص: 91

التلميح الثامن: «لا محيصَ عن يومٍ خُطَّ بالقلم»!

لم تردْ هذه الزيادة في لفظ الحديث الّذي يرويه الزيديّ، وإنّما وردَتْ في باقي الكتب الّتي روت الخطبة.

ولا شكّ أنْ لا محيص عن يومٍ خُطّ بالقلم..

وهذا اليوم إمّا أن يكون المقصود منه هو الموت الّذي لابدّ منه، والّذي كتبه الله على عباده، بشهادة بداية الخطبة: «خُطَّ الموت..»، وإمّا اليوم الّذي ستجتمع عليه عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منه أكراشها..

على كِلا التقديرَين، فإنّه إخبارٌ عن يومٍ لابدّ هو آتٍ.. وليس فيه إخبارٌعن قصدٍ خاصٍّ سوى الإخبار عن اليوم الّذي اختاره الله وخطّه قلمُ التقدير لسيّد الشهداء (علیه السلام) ، وهو إخبارٌ كباقي إخبارات أهل البيت (علیهم السلام) عن أيّامهم، وأحياناً عن أيّام أعدائهم، أو أوليائهم حين كانوا يُخبِرون بحلول آجالهم ويحدّدونها لهم بما علّمهم الله العليم الحكيم الخبير..

وفيه إشارةٌ إلى أنّ العدوّ قد أعدّ عُدّته لهذا اليوم، وأقدم على تنفيذ ما عزم عليه من قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) ، وتجويع عسلان الفلوات وإغرائها لتقطيع أوصاله في تلك البقعة.. إنّه لابدّ سيلاقيها، لأنّها تنتظره في تلك الفلاة المقفرة المهولة الحزينة!

ص: 92

المقطع السابع: «رضى الله رضانا»

اتّفقَت المصادر الّتي روت الخطبة على هذا المقطع، فجاء في جميعها سوى اختلافٍ واحدٍ طفيفٍ جدّاً، ففي بعضها: «ليوفّينا» ((1))، وفي بعضها: «ويوفّينا أُجورَ الصابرين» ((2))، والمعنى واحد.

رضى الله رضانا أهل البيت.. يحتمل وجهين:

أحدهما: أنّ الله (عزوجل) يرضى بما يرضى به أهلُ البيت (علیهم السلام) .والآخَر: أنّ أهل البيت (علیهم السلام) يرضون بما يرضى به الله (عزوجل) .

ومؤدّى كليهما واحد، وهو اتّحاد رضاهم برضاه، والثاني أصحّ وأوجه وأوفق بأدب أهل البيت (علیهم السلام) في التعامل مع المعبود الّذي لا معبود سواه..

ويشهد له السياق وباقي الجملة؛ حيث قال: «نصبر على بلائه

ص: 93


1- الأمالي لأبي طالب الزيديّ: 199، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 5، معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول للزرنديّ: 94.
2- نثر الدرر في المحاضرات لمنصور بن الحسين الآبي: 1 / 228، نزهة الناظر للحلوانيّ: 41، مثير الأحزان لابن نما: 20، اللهوف لابن طاووس: 60، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 366، العوالم للبحرانيّ: 17 / 216، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 234، أسرار الشهادة للدربنديّ: 245، نفَس المهموم للقمّيّ: 163، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 250، كشف الغُمّة للأربليّ: 2 / 29.

ليوفّينا».. فهو قد رضيَ لهم بالبلاء، وهم قد رضوا بما رضيَه لهم، وقد جعلهم الله أئمّةً يهدون بأمره لمّا صبروا..

وقد وعدهم الله على هذا الصبر أجر الصابرين، وهو لا يُخلِف الميعاد!

لقد صبر الإمام غريب الغرباء وسيّد الشهداء (علیه السلام) صبراً عجبَتْ منه ملائكة السماء.. فللّه صبرك يا أبا عبد الله الحسين (علیه السلام) ..

وعلى العباد أن يطلبوا رضى الله في رضى أهل البيت (علیهم السلام) ، لأنّهم يرضون برضاه، وهم الكاشف عن سخط الله ورضاه.

المقطع الثامن: «لن تشذّ عن رسول الله لَحمَتُه»

في (أمالي الزيديّ): «ولن تشذَّ عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) حُرمتُه وعترتُه، ولن تفارقه أعضاؤه، وهي مجموعةٌ له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينُه وتنجز لهمعدته» ((1)).

وفي باقي المصادر الّتي روت الخبر: «لن تشذّ عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) لَحمتُه، هي مجموعةٌ له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينُه وينجز لهم وعده» ((2)).

ص: 94


1- الأمالي لأبي طالب الزيديّ: 199، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 5.
2- نثر الدرر في المحاضرات لمنصور بن الحسين الآبي: 1 / 228، نزهة الناظر للحلوانيّ: 41، معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول للزرنديّ: 94، مثير الأحزان لابن نما: 20، اللهوف لابن طاووس: 60، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 366، العوالم للبحرانيّ: 17 / 216، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 234، أسرار الشهادة للدربنديّ: 245، نفَس المهموم للقمّيّ: 163، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 250، كشف الغُمّة للأربليّ: 2 / 29.

* * * * *

شَذَّ الرجُلُ من أصحابه، أي: انفرد عنهم، وكلُّ شيءٍ منفردٌ فهو شاذّ.

وقيل: الشاذُّ: هو الّذي يكون مع الجماعة ثمّ يفارقهم.

ولَحْمةُ النَّسَب: الشابِكُ منه.

واللَّحْمَة _ قيل: بالفتح، وقيل: بالضمّ _ : قرابَةُ النسَب.

* * * * *

إنّ الإمامَ الحسين (علیه السلام) خامسَ أصحاب الكساء عضوٌ من أعضاء رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وحُرمةٌ من حُرماته، وعترتُه وقرابته القريبة وابنُه ووَلدُه، وقد وردَت الأحاديث النبويّة الشريفة عند جميع فرق المسلمين تشرح ذلك وتؤكّده، وليس في العالَمين مَن يُنكر ذلك.وقد ترك رسولُ الله (صلی الله علیه و آله) أهلَه وذرّيّته وعترته وكتابه وديعةً عند هذه الأُمّة الّتي سرعان ما انقلبَتْ على حظّها، وانتكسَتْ وارتكسَتْ، فضيّعَت الوديعة، ومزّقَت الكتاب، وركبت مراكب الأهواء والفتن والضلال.

ص: 95

بَيد أنّ الله (تبارك وتعالى) قد وعد رسولَه أن يجمع له أهله في حضيرة القُدس، فتقرّ عينُه بهم وتنجز عدتُه لهم، وذلك هو الفوز العظيم.

فإذا كان الموت قد خُطّ على وُلد آدم، ولا محيص عن يومٍ قد خُطّ بالقلم، وإذا كان العدوّ لا يتراجع عن قتل حبيب الله وحبيب رسوله، وهو يتربّص به الدوائر حتّى سدّ أقطار الأرض وآفاق السماء بالذئاب العاوية الجائعة لتقطّع أوصال رسول الله (صلی الله علیه و آله) وتفري عضواً من أعضائه، فإنّ العاقبة هي الفوز بلقاء الأسلاف الّذين تولَّهَ بالشوق إليهم.. وهم مجموعون في حظيرة القدس عند رسول الله (صلی الله علیه و آله) .. ستقرّ عينُ الرسول باجتماع لحمته وقرابته وأعضائه عنده، كما تقرّ عين حبيبه الحسين (علیه السلام) بلقائه بأسلافه..

أمّا حمل إنجاز الوعد للرسول (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته (علیهم السلام) على ظهور الإمام الصاحب (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وتطبيق أحكام الله في الأرض ((1))، فهو رغم جماله يبقى بعيداً كلّ البعد عن السياق والمراد المتحصّل منه، إذ أنّ السياق يبدوواضحاً في إنجاز الوعد لهم بجمعهم في حظيرة القدس.

ص: 96


1- أُنظر: مع الركب الحسينيّ: 2 / 81.

المقطع التاسع: «مَن كان باذلاً فينا مُهجَتَه»!

اشارة

في حديث الزيديّ: «ألا مَن كان فينا باذلاً مُهجَتَه، فلْيرحَلْ، فإنّي راحِلٌ غداً إن شاء الله».

وفي رواية الآبي والزرنديّ: «مَن كان باذلاً فينا مُهجَتَه وموطِّناً على لقائنا نفْسَه، فلْيرحَلْ، فإنّي راحِلٌ مُصبِحاً إن شاء اللّه» ((1)).

وعند الباقي: «فمَن كان باذلاً فينا مُهجَتَه وموطِّناً على لقاء الله نفْسَه، فلْيرحَلْ، فإنّي راحِلٌ مُصبِحاً إن شاء الله» ((2)).

* * * * *

يمكن استفادة عدّة فوائد من هذا المقطع:

الفائدة الأُولى: معنى «فينا»

(في) حرف جرٍّ يجرّ الظاهر والمضمَر.

ص: 97


1- نثر الدرر في المحاضرات لمنصور بن الحسين الآبي: 1 / 228، معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول للزرنديّ: 94.
2- نزهة الناظر للحلوانيّ: 41، مثير الأحزان لابن نما: 20، اللهوف لابن طاووس: 60، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 366، العوالم للبحرانيّ: 17 / 216، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 234، أسرار الشهادة للدربنديّ: 245، نفَس المهموم للقمّيّ: 163، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 250، كشف الغُمّة للأربليّ: 2 / 29.

وله معانٍ، منها: الظرفيّة، السببيّة، المصاحبة.. ((1)).

وهذه المعاني الثلاث كلّها مناسِبةٌ للمقام.. بمعنى أن يكون سيّدُ الشهداء (علیه السلام) ظرفاً لبذل المهجة، أو سبباً لبذلها، أو أن تبذل النفس معه..

ويشهد لذلك _ كمثالٍ _ ما ورد مسنَداً عن أبي جعفرٍ الباقر (علیه السلام) أنّه قال: «كان عليّ بن الحسين (علیه السلام) يقول: أيُّما مؤمنٍ دمعَت عيناه لقتل الحسين بن عليّ (علیه السلام) دمعةً حتّى تسيل على خدّه، بوّأه اللهُ بها في الجنّة غُرفاً يسكنها أحقاباً، وأيُّما مؤمنٍ دمعَت عيناه حتّى تسيل على خدّه "فينا" لأذىً مسّنا مِن عدوّنا في الدنيا، بوّأه الله بها في الجنّة مبوّأ صدق، وأيُّما مؤمنٍ مسّه أذىً "فينا" فدمعَت عيناه حتّى تسيل على خدّه من مضاضة ما أُوذيَ "فينا"، صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار» ((2)).

فالدمعة الّتي تسيل فيهم، أي: مِن أجلهم وبسببهم، والأذى الّذي يمسّ المؤمن فيهم، أي: بسببهم ومن أجلهم..

فقوله (علیه السلام) : «مَن كان فينا باذلاً مهجته»، أي: أن نكون ظرفاً لبذل المهجة وسبباً لذلك، أي: أنّه يبذل مهجته مِن أجلنا وبسببنا ومعنا..

ص: 98


1- أُنظر للتفصيل: النحو الوافي: 2 / 507.
2- كامل الزيارات لابن قولويه: 100 الباب 32 ح 1.
الفائدة الثانية: التوطين

لم يرد في لفظ الحديث الّذي يرويه الزيديّ عن الإمام السجّاد (علیه السلام) سوى شرط (بذل المهجة فيهم)، أمّا توطين النفس على اللقاء فإنّه ورد عند الآخَرين، وقد ذكره الآبي والزرنديّ بلفظ: «وموطِّناً على لقائنا نفْسَه»، وعند الباقين: «وموطِّناً على لقاء الله نفْسَه»..

والمعنى واحد؛ إذ أنّ الثاني يفيد الموت والرحيل عن هذه الدنيا من أجل لقاء الله، وهم وجه الله (تبارك وتعالى)، والأوّل يفيد لقاءهم في الآخِرة عند اجتماعهم في حظيرة القدس حين يجمع الله لرسول الله (صلی الله علیه و آله) لحمته وعترته.

ولا يخفى أنّ دخول الجنّة مع سيّد شبابها الحسين (علیه السلام) والحظوة بالارتقاء إلى حظيرة القدس ولقاء النبيّ وآله هناك، لَمنزلةٌ لا يبلغها إلّا مَن شاء الله، وممّن شاء الله له ذلك مَن يدخل الجنّة شهيداً بين يدَي الحسين (علیه السلام) ، وهي خصوصيّةٌ يتمنّاها الشهداء أجمعون من الأوّلين والآخرين!

روى ابن قولويه، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «ما مِن شهيدٍ الّا ويحبّ

ص: 99

أن يكون مع الحسين (علیه السلام) ؛ حتّى يدخلون الجنّة معه» ((1)).

الفائدة الثالثة: البذل، التوطين

ذكر الإمام (علیه السلام) شروطاً لمن أراد الرحيل معه:

الشرط الأوّل: أن يكون باذلاً مهجته.

الشرط الثاني: أن يكون البذلُ فيهم.

الشرط الثالث: أن يكون موطِّناً نفْسَه على لقائهم أو لقاء الله.

والبَذْلُ: نقيض المنع، وكلُّ مَن طابت نفْسُه لشيءٍ فهو باذِل، وبَذَلَهُ: أباحَهُ عن طِيب نَفْس.

وموطِّناً: واطَنْتُ فلاناً على هذا الأمر، أي: جعلتما في أنفُسكما أن تعملاه وتفعلاه، وتقول: وَطَّنْتُ نَفْسي على الأمر فَتَوَطَّنَتْ، أي: حمَلْتُها عليه فذَلَّتْ.

يبدو واضحاً من العبارة أن ليس ثَمّة إلزامٌ في الدعوة؛ إذ أنّ شرطها أن يكون المتقدِّم باذلاً معطياً مبيحاً عن طيب نفس، وراضياً تمام الرضى بما يقدّم ويعطي، مقتنعاً بيقينٍ على ما يجود به ويبذله..

ص: 100


1- كامل الزيارات لابن قولويه: 220 الباب 38 ح 7 _ بتحقيق: جواد القيّومي.

وقد مهّد لنفسه وحملها حتّى ذلّها وذلّلها، فانقادت له بسلاسةٍ هيّنةً ليّنةً مطاوِعَة.

الفائدة الرابعة: باذلاً فينا

إتّفقَت جميع ألفاظ الخطبة في المصادر على هذه الفقرة: «مَن كان باذلاً فينا مُهجَتَه»..

وفي لفظ الزيديّ تقديمٌ وتأخير: «مَن كان فينا باذلاً مُهجَتَه»، وهو يفيد الحصر أكثر من اللفظ الآخَر..

وهنا تستوقفنا هذه العبارة في تركيبها الفريد.. والخطبة لسيّد اللغة ومعدن الفصاحة وأصل البلاغة!

فالمُهْجَةُ: دَمُ القَلْب، ولا بقاء للنَّفْسِ بعد ما تُراقُ مُهْجَتُها، وقيل: المُهْجَةُ: الدَّم ((1)).

ذكر الإمامُ (علیه السلام) هنا هدفَ مَن أراد اللحاق به وهو يريد الرحيل.

إنّ مَن أراد اللحاق به فلْيعلم أنّ المطلوب إنّما هو بذل المهجة لا غير..

وبذل المهجة إنّما سيكون فيهم.. في أهل البيت (علیهم السلام) .. في الحسين نفْسِه (علیه السلام) !!!

ص: 101


1- أُنظر: لسان العرب: مهَجَ، وغيره.

إنّه راحِلٌ إلى فلاةٍ مسبعة، تتضوّر فيها عَسلان الفلوات جوعاً وعطشاً، تنتظره لتشرب دمَه وتقطّع أوصاله.. فمن أراد أنْ يُقدِمَ معه إلى تلك الأرض المسبعة، فلْيكن على استعدادٍ تامٍّ للدفاع عنه ليبذل له وفيه مهجته!

الخطر المُحدِق والهدف الأسمى الّذي صرّح به الإمام (علیه السلام) هنا إنّما هو بذل المهجة في الذبّ عنه.. باذلاً مهجتَه فينا.. في الإمام (علیه السلام) ومَن معه على وجه الخصوص..

هو بنفسه مُهَدَّد.. وبذلُ المهجة سيكون فيه.. لا هدف آخَر سوى الذبّ والدفاع عن الإمام (علیه السلام) الّذي هجمَتْ عليه الذئاب الضواري العادية لتقطّع أوصاله..

لا نرى في لفظ الإمام (علیه السلام) أيَّ شيءٍ سوى ذلك!

إنّ الإمام (علیه السلام) أعلن بصراحةٍ هنا أنّ القوم قد أقدموا على قتله، وأن لا محيص من الدفاع عن النفس، ومَن أراد أن يدفع عنه ويبذل مهجته فيه فلْيُقدِم معه..

لم يذكر الإمامُ (علیه السلام) لبذل المهجة أيَّ مسوّغٍ آخَر، ولا ظرفاً سواه، كبذل المهجة من أجل محاربة العدوّ وقتله وإبعاده عن منبر الرسول (صلی الله علیه و آله) ، أو حماية الدين المهدَّد وإحياء الشريعة المغيَّبة الميّتة، وحفظِ حدود الخلافةومنعها

ص: 102

من الانحدار في مهاوي الوراثة، وغيرها من الأهداف والأغراض..

ولا يُقال: إنّ الإمام الحسين (علیه السلام) هو الممثّل الوحيد للدين، فالدفاع عنه إنّما هو دفاعٌ عن الدين وعن شريعة سيّد المرسلين وسُنّة خاتم النبيّين القائمة في شخصه الكريم..

فإنّ في اللغة سعة، وفي لسان سيّد البلغاء ما يمكن الإشارة فيه إلى ذلك.. فإنّ لتعميم القضيّة وجعلها حمايةً للدين وقصد ترويج شريعة سيّد المرسلين تأثيراً أعظم لمَن أراد أن يحرّك الناس معه ويدعوهم إلى الانتظام في سلك حركته..

ولا طائل وراء تحميل العبارة فوق ما تحتمل والالتواء على نصٍّ صريحٍ وتزريقه ما يأبى استيعابه!

إنّ الدعوة صريحةٌ لبذل المهجة في شخصه الكريم.. وبالتالي في الدفاع عنه والذبّ عنه وعن آل رسول الله (صلی الله علیه و آله) ..

وإن كان المقصود هو الدفاع عنه باعتباره الممثّل لدين الله الّذي تتجسّد فيه الشريعة، فهو دفاعٌ عن هذا الوجود الخاصّ بما يحتويه، وليس دفاعاً عن المحتوى..نحسب الاكتفاء بهذا القدر من البيان لهذه الفقرة المعجزة في التعبير أوفق وأسلم.

ص: 103

الفائدة الخامسة: راحِلٌ لا ينتظر أحداً

«ألا مَن كان فينا باذلاً مُهجَتَه، فلْيرحَلْ.. فإنّي راحِلٌ غداً.. فإنّي راحِلٌ مُصبِحاً إن شاء اللّه»..

أعلن الإمام (علیه السلام) عن رحيله وعزمه على ذلك غداة غد.. فهو راحلٌ على كلّ حال، سواءً كان مَن يبذل مهجته فيه أو لم يكن، وسواءً رحل معه أحدٌ أو لم يرحل!

إنّه راحلٌ لا ينتظر أحداً؛ لأنّه إن بقي فالقتل لا محالة، والقتل في مكّة يعني هتك حرمة البيت الحرام وحرمة الدم الزاكي فيه.

ثمّ مَن كان موطّناً نفسه على بذل المهجة ولقاء الله فلْيرحَلْ.. وفيه تخييرٌ واضح، ولا يُستشعَر منه الإلزام، والأوضح منه عدم انتظار الإمام (علیه السلام) لأحدٍ في الرحيل، وأنّه عازمٌ عليه، حصل الناصر أَم لم يحصل..

وهكذا هو سيّد الشهداء (علیه السلام) دائماً وأبداً مع أنصاره والمستشهَدين بين يديه، إذ كان يخيّرهم في المضيّ عنه أو البقاء معه في كلّ موطنٍ ومشهدٍ له معهم، لأنّه يعلم أنّه هو المطلوب وحده، ولو ظفروا به للهوا عن غيره، كماقال _ فداه العالَمين _..

بَيد أنّ الأرواح الشامخة والقلوب العامرة والنفوس القدسيّة أبَتْ إلّا أن تدفع عن مهجة الرسول وقرّة عين المرتضى والبتول (علیهم السلام) ، فلم تفارقه حتّى

ص: 104

بذلوا مهجهم دونه ودون عياله.

الفائدة السادسة: «راحِلٌ غداً»!

«راحِلٌ غداً.. راحِلٌ مُصبِحاً إن شاء الله..».

يمكن حمل الرحيل هنا على الرحيل إلى الآخِرة.. ودعوة أصحابه إلى بذل المهجة فيه للرحيل معه غداة غد، وحينئذٍ ينسجم الحمل على حصول الخطبة في كربلاء، ويكون وقتها ليلة العاشر من المحرّم.

والسياق ليس بعيداً عن هذا الحمل، فالكلام عن الموت الّذي كتبه الله على وُلد آدم، وقد طوّق الإمام الحسين (علیه السلام) ومَن معه تطويق القلادة بعد أن حاصرهم القوم حصاراً مطبقاً، كما قال الإمام الصادق (علیه السلام) في حديث: «تاسوعاء يومٌ حُوصِر فيه الحسين (علیه السلام) وأصحابه (رضی الله عنهم) بكربلاء، واجتمع عليه خيلُ أهل الشام وأناخوا عليه، وفرح ابنُ مرجانة وعمر بن سعدٍ بتوافر الخيل وكثرتها، واستضعفوا فيه الحسين (صلوات الله عليه) وأصحابَه (رضی الله عنهم) ،وأيقنوا أن لا يأتي الحسينَ (علیه السلام) ناصرٌ ولا يمدّه أهلُ العراق، بأبي المستضعف الغريب» ((1)).

وقد أكدّ الإمام شوقه وولهه إلى أسلافه وانتظاره اللقاء بهم، وأنّه سيجتمع برسول الله (صلی الله علیه و آله) في حظيرة القدس، وعداً من الله، واللهُ لا يخلف

ص: 105


1- الكافي للكلينيّ: 4 / 147 ح 7.

الميعاد، وقد حان الأجل وأزفت ساعة الرحيل إلى لقاء الأسلاف..

سيّما أنّ لفظ الزيديّ ليس فيه جملة: «بين النواويس وكربلا».

ويمكن حمل الرحيل من مكّة إلى الأرض الموعودة.. إلى حيث تنتظره عسلان الفلوات الجائعة الساغبة لتقطّع أوصاله..

فتكون الخطبة حينئذٍ في مكّة ليلة خروجه منها، كما صرّح بذلك الشيخ السماويّ _ رحمه الله وحشره مع سيّد الشهداء (علیه السلام) _.. وكان الناس قد توجّهوا إلى منى لا يشعرون بشيءٍ ولا يستمعون إلى شيء.. وقد خطب الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) في أصحابه والمرافقين له في تلك الليلة، وهم عددٌ محدودٌ من أهل بيته والملتحقين به من الأنصار الأبرار.

الفائدة السابعة: إعلان الإمام (علیه السلام)

تفيد الخطبة بوضوحٍ أنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) قد أعلن في خطبته هذه _ على فرض أنّها في مكّة _ مآلَ سفره وخاتمة رحلته.

إنّه إن بقي في مكّة فهو مقتولٌ لا محالة، ولا يشكّ في ذلك مَن يقرأ التاريخ ولو عاجلاً، وهو (علیه السلام) لا يحبّ ذلك كما أعلنها (علیه السلام) مراراً.

فلابدّ له من الخروج من مكّة بعد أن خذله أهلها وأهل المدينة وغيرها من الأمصار، وأُطبقَت عليه آفاق السماء وأُخذَت عليه أقطار الأرض..

ص: 106

فلم يبقَ له سوى طريقٍ واحد، وهو طريق العراق، وكانت فيه دعواتٌ كاذبةٌ خدّاعةٌ غرّارة، لا تخفى على سيّد الشهداء وإمام السعداء وخامس أصحاب الكساء (علیه السلام) ، كما لم تخفَ على غيره من العالمين بما فيهم أغبى الخلق من أمثال ابن عمر.

وكانت في العراق _ أيضاً _ سواعد وقلوبٌ قويّةٌ وسيوفٌ مصقولةٌ ورماحٌ شارعةٌ وقومٌ لبسوا القلوب على الدروع وأقسموا أن لا يدَعُوا شوكةً تشوك أهل البيت وفيهم عينٌ تطرف أو عرقٌ ينبض.

كان عددهم بالأرقامِ والحسابِ قليلٌ، ولكن في القوّة والثبات والصمود والوفاء عظيمٌ لا يُبارى ولا يُقاس، وهم القلّة الديّانون!فخرج الإمام (علیه السلام) من مكّة قاصداً أرض العراق، لِما فيه من ليوث شرىً أبدَتِ الاستعداد الحقّ للنصرة والدفاع والذبّ عن حُرم الله وحُرم رسوله (صلی الله علیه و آله) ، وهم كانوا ينتظرون هذا اليوم الموعود لنيل الظفر والفتح بالفوز بالشهادة بين يدَي سيّد شباب أهل الجنّة.

وليس فيهم أحدٌ كاتب الإمامَ الحسين (علیه السلام) من قبلُ أو دعاه إلى الكوفة، سوى ما ذكرت بعضُ المصادر من ورود اسم حبيب بن مظاهر صاحب ميسرة

ص: 107

الحسين (علیه السلام) في بعض نُسَخ كتاب سليمان بن صُرد الخزاعيّ ((1)).

وعلى كلّ تقدير، فإنّ الإمام الحسين (علیه السلام) قد أعلنها صريحةً واضحةً جليّة، لا لبس فيها ولا تغبيش، ولا التواء فيها ولا تعسُّف، أنّ رحيله هذا إنّما هو رحيلٌ إلى الآخِرة، ونهايةَ الرحلة ستكون بتقطيع الأوصال واللقاء بالأسلاف في حظيرة القدس.. قبل دخول الكوفة..

فهو راحلٌ إلى الموت الّذي لابدّ منه، الّذي كتبه الله على أولاد آدم، بَيد أنّه موتٌ من نوعٍ خاصّ.. إنّها المنيّة الّتي تنتظره ومَن معه في أرض فلاة، وستقع بأنياب ذئاب الفلاة ووحوشها..

فهو مقتولٌ على كلّ حال، إن بقي في مكّة وإن رحل عنها.. والفرق فيالرحيل عن مكّة هو الحفاظ على حرمة البيت الحرام وحرمة سفك الدم الحرام في الشهر الحرام على الأرض الحرام.

* * * * *

بعد أن بيّن (علیه السلام) أنّ الموت مكتوبٌ على وُلد آدم، وأنّ رضى الله رضاهم أهلَ البيت (علیهم السلام) ، وأنّ آل النبيّ (صلی الله علیه و آله) مجموعون عنده في حظيرة القدس.. دعاهم إلى رضى الله وإلى الجنان من خلال نصره والذبّ عنه..

ص: 108


1- أُنظر للتفصيل: ظروف إقامة سيّد الشهداء في مكّة _ كتب أهل الكوفة ورسلهم.

إذا كان الموت محيطاً بأبناء آدم، ولابدّ لهم من يومٍ يرحلون به عن هذه الدنيا، والإمام (علیه السلام) يعيش هذه الغربة _ الّتي لا مثيل لها _ بين ظهراني هذه الأُمّة المنكوسة المتعوسة، وإذا كان الرحيل إلى الآخرة فيه لقاء الأحبّة والاجتماع بمن وَلَه بالشوق إليهم، والعدوّ يحاصره من كلّ جانبٍ ومكانٍ ويريد قتله، فمرحاً بالموت الّذي لابدّ منه.

* * * * *

وهنا يبدو لنا ضرورة التريّث عند قراءة النصوص التاريخيّة الّتي تفيد أنّ قوماً تبعوا الإمام (علیه السلام) من مكّة ظنّاً منهم أنّ الإمام (علیه السلام) يقدم على بلدٍ قد أعدّ واستعدّ لاستقباله.. أو أنّ الإمام (علیه السلام) قد اختار العراق، لأنّ فيه دعواتٍ وكتباً ورسائل وعَدَته النصرة، فقبلها الإمام (علیه السلام) واستجاب لها.. فإنّ مِثلَ هذا القول يُباين الخطبة ومضمونها مباينةً تامّةً لا يمكن الجمع فيها بحال!ومن العجيب ما قاله السيّد الأمين (رحمة الله) :

وممّا يدلّ على أنّ الحسين (علیه السلام) كان موطِّناً نفسه على القتل وظانّاً أو عالماً في بعض الحالات بأنّه يُقتَل في سفره ذلك، خطبته الّتي خطبها حين عزم على الخروج إلى العراق، الّتي يقول فيها: «خُطَّ الموتُ على وُلد آدم» _ الخ، فإنّ أكثر فقراتها يدلّ على ذلك ((1)).

ص: 109


1- لواعج الأشجان للأمين: 254، أعيان الشيعة للأمين: 1 / 619.

يبدو أنّ ترك قوله: «ظانّاً أو عالماً في بعض الحالات» لِما به أفضلُ من مناقشته، بعد أن اتّفق الجميع دون استثناءٍ على القول بعِلم الإمام بأنّ الأعداء سيقتلونه في سفره بحكم الإخبارات الغيبيّة، وبحكم علم الإمامة، وبحكم الظروف الخارجيّة ومسار الأحداث، بل قد علم ذلك كلُّ مَن كان في زمانه، من قبيل ابن عمر وابن عبّاس وغيرهما من المعترضين..

ولا ندري ما هو المسوّغ لاستعمال (الظنّ)، والعمل بالظنّ في التعامل مع الإمام المعصوم ضمن المعتقد الشيعيّ الإمامي؟!

الفائدة الثامنة: نفي طلب الحكم

قراءةٌ غير متأنّية للخطبة تفيد بوضوحٍ أنّ الخطبة تنفي تماماً أن يكونالإمام (علیه السلام) طالباً للحكم، لأنّه قد أخبر عن قتله قتلاً مفجعاً في أرض فلاةٍ بين النواويس وكربلاء، وتقطيعِ أوصاله بأنياب عسلان الفلوات الجائعة الساغبة حتّى تملأ منه أكراشاً وأجوافاً..

وهذا الإعلان المبكّر _ على فرض كون الخطبة في مكّة _ يناقض مناقضةً تامّةً ويباين مباينةً جازمةً أن يكون طالباً للحكم مع علمه بأنّه مقتولٌ قبل أن يدخل الكوفة!

كما تنفي أن تكون ثَمّة أهدافٌ ومقاصد مبيَّتةٌ عند الإمام (علیه السلام) يريد الوصول إليها كغاياتٍ تسوّغ ما يسمّونه الإقدام على القتل وبذل الدم

ص: 110

الزاكي وعرض الرسول المقدّس من أجله..

فإنّ ما يصوّرونه في مقام تسويغ ذلك لم يأتِ له أيُّ ذِكرٍ في هذه الخطبة تلويحاً ولا تصريحاً، إشارةً أو تفصيلاً، وإنّما اقتصرت الخطبة على بيان أنّ القوم (الوحوش) و(العسلان) مجتمعةٌ هناك في الفلاة المحدَّدة خارج العمران وبعيداً عن الأمصار، تريد قتله وتقطيع أوصاله، ليس إلّا.. فليس فيها ثَمّة هدفٌ ذكره الإمام (علیه السلام) من قريبٍ أو من بعيد!

أجل، ذكر الإمام (علیه السلام) صريحاً هدف الأعداء والذئاب العاوية الضارية المتوحّشة.. إنّها جاعَت وعطشَت وانتظرت تقطيع أوصاله المقدّسة.ثمّ إنّ الإمام (علیه السلام) لم يحشّد أصحابه الّذين خاطبهم إلّا في موضوعٍ واحدٍ لا غير.. إنّه دعاهم _ إن أرادوا الرحيل معه _ إلى بذل مهجهم فيه هو، وفي الذبّ عنه في مواجهة عسلان الفلوات الّتي تنتظره!

الفائدة التاسعة: الخطبة الوحيدة!

على فرض أن تكون الخطبة قد خطبها الإمام غريب الغرباء (علیه السلام) في مكّة في الليلة الّتي خرج صبيحتها وغادر مكّة إلى العراق..

فإنّ الملفت فيها أن تكون هي الخطبة الوحيدة الّتي رُويَت لنا عنه (علیه السلام) في مكّة خلال فترة تشرُّف مكّة بوجوده، وقد ظهرت لنا بعد زهاء أربعة قرونٍ من شهادته، إذ أنّ أقدم رواتها زيديّون من أبناء القرن الخامس

ص: 111

الهجريّ!

فهي النشاط الوحيد _ كخطبةٍ للإمام (علیه السلام) _ خلال فترةٍ تزيد على الأربعة أشهر من مدّة إقامته (علیه السلام) في مكّة، وقد صرّح لفظ الحديث الّذي يرويه الزيديّ أنّها كانت في أصحابه، فليست هي خطبةٌ عامّةٌ إذن، وأنّها كانت ليلة خروجه (علیه السلام) .

ومَن كان يريد (القيام بالمعنى المصطلَح) يكتفي بهذه الخطبة فقط خلال هذه المدّة الطويلة؟ ولا يذكر فيها سوى أنّه مقتولٌ على كلّ حال،وأنّ مَن يلحق به لابدّ أن يكون باذلاً مهجته فيه موطّناً على لقاء الله نفْسَه؟

الفائدة العاشرة: لم تذكر الخطبة أَحَداً!

هذه الخطبة تُعدّ إعلاناً عن انطلاق حركة الإمام (علیه السلام) نحو العراق، وهو لم يتطرّق فيها إلى الحكم والحكّام والسلطة والسلطان والطاغوت والولاة، ولم يذكر أحداً بالاسم، ولم يستنهض أحداً على أحد، ولم يخاطب الأُمّة والمسلمين، ولم يجيّشهم، ولم يذكر فيها المبادئ والمعتقدات والأفكار والإسلام والشريعة، ولا أيّ عنوانٍ يمكن أن يكون فيه تحريضاً على أحدٍ أو تحريضاً لقضيّةٍ من القضايا..

واكتفى الإمام (علیه السلام) بذِكر ما سيؤول إليه أمرُه، وصرّح بخاتمة الرحلة

ص: 112

ونهايتها في الفلاة بتقطيع الذئاب العواسل أوصاله _ فداه العالَمين _..

ثمّ إنّه (علیه السلام) لم يذكر أهلَ الكوفة ورسائلهم ووعودهم، ولم ينوِّهْ إلى وجود أنصارٍ له ينتظرونه في العراق، ولم يذكر استجابته لدعوات مَن دعاه..

ومن الملفت أنّ الإمام (علیه السلام) يُعرِب فيها عن مدى اشتياقه إلى أسلافه، وهو بالقرب من تربتهم وقبورهم ومنازلهم ووطنهم وأرض ذكرياتهم ومواطئ أقدامهم!

بَيد أنّه يرى في الرحيل عن هذه التربة تحقيق اللقاء بهم.. فعمّا قريبٍسيحلّ في الفلاة الّتي تنتظره فيها عسلان العدوّ المتوحّشة فتقطّع أوصاله، وينطلق من هناك راحلاً إلى حظيرة القدس لتقرّ عينه بلقاء جدّه (صلی الله علیه و آله) ، وتقرّ عينُ جدّه بالاجتماع به.

فهو إن أُكره على الهجرة عن تربة جدّه وأُمّه وأخيه (علیهم السلام) ، فإنّه سرعان ما سيلتقيهم ويرحل إليهم من تلك الفلاة المهولة.

بأبي أنت وأُمّي ومالي ونفسي وأهلي يا غريب الغرباء.. بأبي وأُمّي المستضعَف الغريب!

ص: 113

ص: 114

الخطبة الثانية!

قال العلّامة الحائريّ المازندرانيّ (رحمة الله) _ بعد أن روى الخطبةَ الأُولى المذكورة قبل قليل _ :

وخطب (علیه السلام) بعدها هذه الخطبة:

«إنّ الحِلمَ زينة، والوفاءَ مروّة، والصلةَ نعمة، والاستكبارَ صلف، والعجلةَ سَفَه، والسَّفَهَ ضعف، والغلوَّ ورطة، ومجالسةَ أهلِ الدناءةِ شرّ، ومجالسةَ أهلِ الفسقِ ريبة» ((1)).

إنّ هذه الخطبة رُويَت عن الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) ، وقد رواها عنه (علیه السلام) : ابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق)، والذهبيُّ في (سيَر أعلام النبلاء)، والهنديّ في (كنز العمّال) ((2))، وغيرهم..

كما رواها عن الإمام الحسين (علیه السلام) : الحلوانيّ في (نزهة الناظر)، والأربليّ

ص: 115


1- معالي السبطَين للمازندارنيّ: 253 الفصل 5 المجلس 7.
2- أُنظر: تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 13 / 259، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 263، كنز العمّال للهنديّ: 16 / 269 الرقم 44400.

في (كشف الغُمّة)، والزرنديّ في (معارج الوصول) ((1)) في سياق ذِكر كلمات الإمام الحسين (علیه السلام) عموماً..

وهي كأنّها مقتطعةٌ من نصٍّ وليست خطبةً كاملة، ومضامينها لا تنتظم ولا تنسجم مع مضامين الخطبة الأُولى.

إنّ التأمُّل في محتوى الخطبة الثانية وعدم ارتباط مضامينها بمضامين الخطبة الأُولى، يقوّي الظنّ في أنّ مناسبة الخطبة الثانية بعيدةٌ عن مناسبة الخطبة الأُولى زماناً ومكاناً ((2)).

فهي على كلّ تقديرٍ لا علاقة لها _ من قريبٍ ولا من بعيدٍ _ بخروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة ولا بقيامه.

وبهذا تبقى الخطبة الأُولى هي الخطبة الوحيدة اليتيمة في مكّة، على فرض أنّه (علیه السلام) خطبها في مكّة لا في كربلاء.

ص: 116


1- أُنظر: نزهة الناظر للحلوانيّ: 81، كشف الغُمّة للأربليّ: 2 / 240، معارج الوصول للزرنديّ: 93.
2- مع الركب الحسينيّ: 2 / 81.

الإمام الحسين (علیه السلام) يتمثّل بشِعر يزيد بن المفرّغ وبغيره

المتون

البلاذريّ:

فأتى مكّة، وجعل يتمثّل قول الشاعر:

«لا ذعرت السوام في وضح الصب

مغيراً، ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى مخافة الموت ضيماً

والمنايا

يرصدنني أنْ أحيدا»

ومضى الحسين إلى العراق، فقُتِل ((1)).

القاضي النعمان:وخرج الحسين يريد العراق، فلمّا مرّ بباب المسجد تمثّل بهذين البيتين:

ص: 117


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 5 / 318.

«لا ذعرت السوام في فلق الصب

مغيراً، ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى مخافة الموت ضيماً

والمنايا

يرصدنني أنْ أحيدا»

[ ضبط الغريب: ]

السوام: النعَم السائمة، وأكثر ما يقولون هذا الاسم على الإبل خاصّة.

والسائمة: الراعية، الّتي تسوم الكلأ إذا داومَت رَعْيَه، وهي سوام، والرعاة يسومونها، أي: يرعونها.

وفي روايةٍ أُخرى تمثّل بهذين البيتين بالمدينة.

الزبير بن بكّار، بإسناده عن أبي سعيد المقبريّ قال:

رأيتُ الحسين بن عليّ (علیه السلام) ، وأنّه لَيمشي بين رجُلَين يعمد على هذا مرّةً وعلى هذا مرّةً أُخرى، حتّى دخل مسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهو يقول:

«لا ذعرت السوام في فلق الصب

مغيراً، ولا دعيت يزيدايوم أعطى مخافة الموت ضيماً

والمنايا

يرصدنني أنْ أحيدا»

وهذان البيتان لابن المفرّغ الحِميَريّ، تمثّل بهما الحسين (علیه السلام) .

قال: فعلمتُ بذلك أنّه لا يلبث إلّا قليلاً حتّى يخرج، فما لبث إلّا قليلاً حتّى لحق بمكّة.

ص: 118

والخبر الأوّل عن الزبير بإسناده عن مجاهد بن الضحّاك، قال:

لمّا أراد الحسين (علیه السلام) الخروج من مكّة إلى العراق، مرّ بباب المسجد، فتمثّل بهذين البيتين، قال: لا ذعرت السوام..

وقد يكون قال ذلك في الموضعَين جميعاً ((1)).

الشجريّ:

قال: أخبرَنا القاضي أبو الحسين أحمد بن عليّ بن الحسين بن التوزي بقراءتي عليه، قال: أخبرَنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريّا بن يحيى بن حميد بن حمّاد الجريريّ قراءةً عليه، قال: حدّثَنا أبو بكر _ يعني محمّد بن الحسن بن دُريد الأزديّ _، قال: حدّثَنا الحسن بن خضر، عن أبيه قال:بلغَني أنّ عليّ بن الحسين (علیهما السلام) قال: «لمّا كانت الأيام الّتي قُتل فيها أبي، رماني الله بالحُمّى، وكانت عمّتي زينب تمرّضني، فلمّا كان في اليوم الّذي قُتِل في غده خلا أبي بأصحابه في فسطاطٍ كان يخلو فيه إذا أراد أن يشاور أصحابَه في شيء، فسمعتُه _ ورأسي في حِجْر عمّتي _ وهو يقول:

[ الخفيف ]

ص: 119


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 144.

لا ذعرت السوام في غلس الصب

مغيراً، ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى من خيفة الموت ضيماً

والمنايا

يرصدنني أنْ أحيدا»

قال: «أمّا أنا فردَدْتُ عَبرتي وتصبّرت، وأمّا عمّتي فإنّه أدركَها ما يدرك النساء من الضعف، فوضعَتْ رأسي على مرفقةٍ، ثمّ قامَتْ فمضت نحو أبي وهي تصيح: يا خليفة الماضين، وثُمالَ الباقين! استقبلتَ جعلني الله فداءك! فقال: يا أُخيّة، لو تُرِكَ القطا لَنام. فقالت: ذاك أسخَنُ لعيني وأحرُّ لكبدي، أتغتصب نفْسَك اغتصاباً يا أبا عبد الله؟ ثمّ سقطَتْ مغشيّاً عليها، فأقبل أبي يمسح الماء عن وجهها ويقول: وكان أمرُ الله قدراًمقدوراً، وكان أمراً مقضيّاً. فلمّا أقامَتْ قال: يا أُخيّة، إنّ أهل الأرض يموتون، وإنّ أهل السماء [لا] يبقون، إنّ أبي كان خيراً منّي، وأُمّي كانت خيراً منّي، وأخي كان خيراً منّي، فإذا أُصبتُ فلا تخمشي وجهاً ولا تحلقي شعراً، ولا تدعي بويلٍ ولا ثبور. ثمّ أخذ بيدها فردّها إلى موضعها وأجلسها، وأخذ رأسي فوضعه في حِجْرها» ((1)).

وروى الأبيات نفسها عند خروج الإمام (علیه السلام) من المدينة ((2)).

ص: 120


1- الأمالي الخميسيّة للشجريّ: 1 / 232 الرقم 818.
2- الأمالي الخميسيّة للشجريّ: 1 / 243 الرقم 489.

إبن عساكر:

قال: وأنبأَنا الزبير، حدّثَني محمّد بن الضحّاك، قال:

خرج الحسين بن عليٍّ من مكّة إلى العراق، فلمّا مرّ بباب المسجد قال:

«لا ذعرت السوام في فلق الصب

مغيراً، ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى مخافة الموت ضيماً

والمنايا

يرصدنني أنْ أحيدا» ((1))

إبن خلِّكان:فكان في تلك المدّة يتمثّل كثيراً بقول يزيد بن مفرّغ المذكور من جملة أبيات:

«لا ذعرت السوام في غلس الصب

-ح مغيراً، ولا دعيت يزيدا

يوم أُعطي على المخافة ضيماً

والمنايا يرصدنني أنْ أحيدا»

فعلم مَن سمع ذلك منه أنّه سينازع يزيد بن معاوية في الأمر ((2)).

إبن نما:

ورويتُ أنّ عبد الملك بن عُميرٍ قال: لمّا خرج الحسين (علیه السلام) من

ص: 121


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 204.
2- وفيات الأعيان لابن خلّكان: 6 / 353.

المسجد الحرام متوجّهاً إلى العراق، يقول إسماعيل بن مفرّغ الحِميريّ:

«لا ذعرت السوام في فلق الصب

مغيراً، ولا دعوت يزيدا

يوم أعطى مخافة الموت ضيماً

والمنايا

ترصدنني أنْ أحيدا»

وروى هذا الشعر محمّد بن جرير الطبريّ، عن عبد الملِك بن نوفل ابن ماحق، عن أبي سعيدٍ المنقري، وقيل: العبريّ ((1)).سبط ابن الجَوزيّ:

ولم يبقَ بمكّة إلّا مَن حزن لمسيره، ولمّا أكثروا عليه أنشد أبيات أخي الأوس:

«سأمضي، فما في الموت عارٌ على

الفتى

إذا ما نوي خيراً وجاهد مغرما

وآسى الرجالَ الصالحين بنفْسِهِ

وفارق مثبوراً وخالف محرما

وإنْ عشتُ لم أُذمَمْ، وإنْ متُّ

لم أُلَم

كفى بك ذُلّاً أنْ تعيش وتُرغَما»

ص: 122


1- مثير الأحزان لابن نما: 19.

ثمّ قرأ: ﴿وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً﴾ ((1)) ((2)).

إبن كثير:

قال الزبير بن بكّار: وحدّثَني محمّد بن الضحّاك، قال: لمّا أراد الحسين الخروج من مكّة إلى الكوفة، مرّ بباب المسجد الحرام وقال:«لا ذعرت السوام في فلق الصب

مغيراً، ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى مخافة الموت ضيماً

والمنايا

ترصدنني أنْ أحيدا» ((3))

* * * * *

يمكن اختصار الكلام عن هذه المتون في النكات التالية:

النكتة الأُولى: مواضع تمثُّلِ الإمام بهذه الأبيات

اشارة

تمثَّلَ الإمامُ غريب الغرباء (علیه السلام) بهذه الأبيات في ثلاث مواضع _ حسب ما ورد في المتون التاريخيّة _ :

ص: 123


1- سورة الأحزاب: 38.
2- تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزي: 137، نفَس المهموم للقمّيّ: 169.
3- البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 166.

الموضع الأوّل: عند خروجه من المدينة

تمثّل سيّد الشهداء (علیه السلام) ببيتين ليزيد بن مفرّغ، وهو يمشي بين رجُلَين يعتمد على هذا مرّةً وعلى هذا مرّةً أُخرى، حتّى دخل مسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهو يقول:

«لا ذعرتُ

السوام في فلق الصبح

مغيراً، ولا دعيت يزيدا«لا ذعرتُ

السوام في فلق الصبح

مغيراً، ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى مخافة الموت ضيماً

والمنايا يرصدنني أن أحيدا» ((1))

وقد علم الراوي عند سماع الأبيات أنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) يُخبر عن ملاحقته ليُقتَل، وأنّه سيخرج من المدينة قريباً..

قال: فقلتُ عند ذلك: إنّه لا يلبث إلّا قليلاً حتّى يخرج! فما لبث أن خرج فلحق بمكّة، فلمّا خرج من المدينة قال: ﴿فَخَرجَ مِنها خائِفاً يَتَرقَّبُ

ص: 124


1- أُنظر: جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 368، تاريخ الطبريّ: 5 / 342، شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 144، الأمالي للشجريّ: 1 / 185، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزمي: 1 / 186، الكامل لابن الأثير: 3 / 265، نهاية الأرَب للنويريّ: 20 / 381، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ: 135، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2605، الأغاني لأبي الفرَج: 18 / 447، مروج الذهب للمسعوديّ: 3 / 54.

قالَ رَبِّ نَجِّني مِنَ القَومِ الظّالِمينَ﴾ ((1))، ولمّا توجّه نحو مكّة قال: ﴿وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلقَاءَ مَديَنَ قالَ عَسى رَبّي أن يَهديَني سَواءَ السَّبيلِ﴾ ((2)) ((3)).

والأبيات ليزيد بن مفرّغ، وقد قالها وهو مطلوبٌ لابن زياد لينتقم منه، في قصّةٍ طويلة ((4)).

فهذان البيتان اللذان تمثّل بهما الإمام (علیه السلام) يعبّران أصدق تعبيرٍ عن الظرف الّذي خرج فيه سيّد الشهداء (علیه السلام) من المدينة..

إنّه لم يذعر السوامّ الهائمة الهاجعة في مرعاها في فلق الصبح، ولم يدعبشيء، بَيد أنّه على يقينٍ أنّ المنايا ترصده بالتأكيد، وهي تريده أن لا يحيد عنها «أن أحيدا، أي: أن لا أحيد» ((5))، فهو مُلاحَقٌ لا لذنبٍ ولا لفعلٍ أتاه، مهدَّدٌ في نفسه وأهله وعياله..

سيّما أنّ الإمام (علیه السلام) تمثّل بأبياتٍ من قصيدةٍ طويلةٍ قالها شاعرٌ معاصرٌ

ص: 125


1- سورة القصص: 21.
2- سورة القصص: 22.
3- الأغاني لأبي الفرَج: 18 / 447.
4- أُنظر: ترجمة يزيد بن مفرغ وأخباره وقصصه في: الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: 18 / 425.
5- أُنظر: السيرة لابن هشام: 3 / 771.

مطلوبٌ لابن الأَمة الفاجرة بالخصوص! ((1))

الموضع الثاني: عند خروجه من مكّة المكرّمة

قد لا يكون نصّ البلاذريّ صريحاً في إنشاد هذه الأبيات في مكّة، إذ أنّه يقول: «فأتى مكّة، وجعل يتمثّل قول الشاعر».. ثمّ يقول: «ومضى الحسين إلى العراق فقُتل» ((2)).

فربّما قيل: إنّه تمثّل بها في المدينة حين خرج منها خائفاً يترقّب، أو أنّه تمثّل بها في مكّة، وكِلا الاحتمالَين مُعتدٌّ به.

وصرّح ابن عساكر وابن كثير بإنشادهما في مكّة ((3)).

وجاءت عبارة الشيخ ابن نما مشوَّشة، بيد أنّها صريحةٌ أيضاً بالتمثُّل بهما في مكّة عند خروجه من المسجد الحرام متوجّهاً إلى العراق ((4)).أمّا القاضي النعمان فقد ذكر كِلا الموضعَين، أي: أنّه ذكر التمثُّل

ص: 126


1- أُنظر: ظروف خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من المدينة المنوّرة: 128.
2- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 5 / 318.
3- أُنظر: تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 204، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 166.
4- أُنظر: مثير الأحزان لابن نما: 19.

بالأبيات في المدينة وفي مكّة، وكلاهما كان عند المسجد، مسجدِ النبيّ (صلی الله علیه و آله) في المدينة والمسجدِ الحرام في مكّة، وقال: وقد يكون قال ذلك في الموضعَين جميعاً ((1)).

أمّا سبط ابن الجَوزيّ فخبره يختلف تماماً ((2))، فلزم أن يعالَج منفرداً عن باقي المتون المذكورة.

الموضع الثالث: في كربلاء

ذكر الشجريّ التمثُّلَ بهما في موضعَين أيضاً، أحدهما في المدينة ((3)) والآخَر في كربلاء ليلة العاشر من المحرّم ((4))، وسيأتي الحديث عن ذلك في محلّه إن شاء الله (تعالى) إن بقي في العمر بقيّة.

الخلاصة:

ربّما كان الإمام الحسين (علیه السلام) يتمثّل بهما كثيراً ويكرّر التمثُّلَ بهما طيلة تلك الفترة، كما يستظهر من عبارة البلاذريّ، وصرّح به ابن خلّكان فقال:

ص: 127


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 144.
2- تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 137، نفَس المهموم للقمّيّ: 169.
3- الأمالي الخميسيّة للشجريّ: 1 / 243 الرقم 489.
4- الأمالي الخميسيّة للشجريّ: 1 / 232 الرقم 818.

فكان في تلك المدّة يتمثّل كثيراً بقول يزيد بن مفرّغ المذكور من جملة أبيات ... ((1)).

وحينئذٍ يصحّ أن يكون قد تمثّل بهما في المدينة ومكّة وكربلاء، وهي مناسبةٌ لجميع هذه المواضع، تحكي غربةَ الإمام (علیه السلام) ومطاردة القوم الأشرار له في كلّ مكانٍ وزمان.. تماماً كما كان يذكر يحيى (علیه السلام) كلّما نزل منزلاً وكلّما ارتحل عن منزل ((2)).

النكتة الثانية: سموم المؤرّخ

قال ابن خلّكان بعد أن روى البيتين:

فعلم مَن سمع ذلك منه أنّه سينازع يزيد بن معاوية في الأمر ((3)).

ولا ندري من أين استفاد ابن خلّكان ما قرّره عمّن سمع ذلك منه (علیه السلام) ،

ص: 128


1- وفَيات الأعيان لابن خلِّكان: 6 / 353.
2- أُنظر: الإرشاد للمفيد: 2 / 135، نور الثقلين للحويزيّ: 3 / 324، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 89، العوالم للبحرانيّ: 17 / 315، نفَس المهموم للقمّيّ: 185، كشف الغُمّة للإربليّ: 2 / 9، مختصر ابن منظور: 27 / 251، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 85، إعلام الورى للطبرسيّ: 218.
3- وفَيات الأعيان لابن خلّكان: 6 / 353.

وأنّه سينازع يزيد في الأمر!!!

فإن كان قد انتزع ذلك من مضمون الأبيات فقد أخطأ؛ إذ أنّها لا تفيد سوى أنّه مطارَدٌ مطلوب الدم من غير جُرم، وأنّه ملاحَقٌ من غير ذنبٍ ولا جريرةٍ ومن دون أن يثير أحداً أو يدّعي شيئاً، وقائلهما كان مطلوباً لابن الأَمة الفاجرة مطارَداً من قبله يريد قتلَه..

وإن كان قد انتزع ما زعمه من المتون التاريخيّة، فهي لا تفيد ذلك، فقد ورد في المصادر التاريخيّة أنّ الراوي الّذي سمعها من الإمام قال:

فعلمتُ أنّه لا يلبث إلّا قليلاً حتّى يخرج، فما لبث أنْ خرج حتّى لحق بمكّة ((1)).

وروى قوله الطبريّ وسبط ابن الجوزيّ أنّه قال:

فما مكث إلّا يومين حتّى بلغَني أنّه سار إلى مكّة ((2)).

فمَن سمعها ورواها وروى ما علم مِن تمثُّل الإمام (علیه السلام) إنّما هو واحدٌ في

ص: 129


1- أُنظر: جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 368، شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 145، الأمالي للشجريّ: 1 / 185، تاريخ دمشق لابن عساكر: 14 / 204، تهذيب ابن بدران: 4 / 329، مختصر ابن منظور: 7 / 136، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2605.
2- تاريخ الطبريّ: 5 / 342، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 135.

المصادر التاريخيّة، فيما تفيد عبارة ابن خلّكان العموم بنحوٍ ما!ثم إنّ ما فهمه وعلمه الراوي هو خروج الإمام (علیه السلام) من المدينة، وأنّه سوف لا يلبث فيها بعد ذلك، وقد حصل الأمر كما توقّع.. وليس في كلام الراوي ما يفيد أنّ الإمام (علیه السلام) سينازع يزيد الأمر!

إنّها تسريبات المؤرّخ حينما يريد أن يدلف إلى الأذهان ويتسلّل إلى القلوب والأفكار من خلال إلقاء فهمه وما يريد تمريره، فيصبّ ذلك في صياغةٍ مموّهة.

النكتة الثالثة: رواية سبط ابن الجَوزيّ

اشارة

في نصّ سبط ابن الجوزيّ ثلاثُ معلوماتٍ شذّ بها عن أضرابه ممّن روى تمثّل الإمام (علیه السلام) بأبياتٍ من الشعر عند رحيله عن مكّة:

المعلومة الأُولى: حزن مَن كان بمكّة لمسيره

جاء في المتن أنّه «لم يبقَ بمكّة إلّا مَن حَزِن لمسيره»..

ومفاد العبارة أنّ جميعَ من كان بمكّة حزن لمسير الإمام (علیه السلام) ، وهو يشمل أهل مكّة والحُجّاج والمعتمرين والمجاورين وكلَّ مَن دخلها يومذاك وكان فيها..

ص: 130

يبدو أنّها معلومةٌ غير صائبة، وصياغتها غير موفَّقة.. ولا ندري كيف عمّالحزن جميعَ مَن كان في مكّة؟ والحال أنّ ابن الزبير وأتباعه وأضرابهم فرحوا بذلك فرحاً شديداً، وباقي الناس كانوا يدوسون البيدر ولا يشعرون بشيء، بين طائفٍ وخارجٍ إلى منى ومعدٍّ لمناسك الحجّ، وأهل مكّة كانوا بين منغمسٍ في أعمال التجارة ومرتكسٍ في حياته اليوميّة الرتيبة..

أجل، حزن عددٌ معدودٌ من أمثال المولى المكرّم محمّد ابن الحنفيّة وأُمّ سلَمة وغيرهما من أحباب سيّد الشهداء (علیه السلام) ..

وربّما حزن آل أبي سفيان وأتباعهم وأشياعهم لِما فاتهم من اغتيال الإمام (علیه السلام) وفوات الفرصة عليهم في أخذه أو قتله في مكّة..

إنّه تهويلٌ بائسٌ وتعميمٌ فاشلٌ وتصويرٌ محبَطٌ مشوّش، ربّما حاول من خلاله التبرير لمن كان في مكّة يومها وحشرهم في الأحداث من خلال موقفٍ قد يعدّه المغفَّلُ إيجابيّاً..

والحال أنّه إنْ صدق فهو تجريمٌ لمن كان بمكّة يومها؛ إذ أنّهم اكتفوا بالحزن على مسير الإمام (علیه السلام) ولم ينصروه، ولم تبدر منهم بادرةٌ تكشف عن سماعهم لقوله (تعالى): ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ ((1))، وغيرها من الآيات الكريمة وأقوال النبيّ (صلی الله علیه و آله) المظلوم في سبطه

ص: 131


1- سورة الشورى: 23.

وريحانته ودعوتهم إلى محبّته ونصرته..

وهو في ذات الوقت يديف الخبر المعسول بالسمّ الناقع من خلال عرض الأُمّة كلِّها في مكّة مخالِفةً للإمام (علیه السلام) ، لا ترى في مسيره سوى ما يدعو للحزن، إذ أنّهم اعترضوا عليه وأكثروا عليه فلم يسمع لهم!

هكذا عرضها سبط ابن الجَوزيّ بدهاءٍ ربّما يخفى على غير المتأمّل ما سيؤول إليه الخبر من خلال الحزن الّذي يغلّف الأجواء ويلفّ الأحداث.

نكتفي هنا بهذا القدر، فقد سبق أن أتينا على بيان ذلك في موضعٍ آخَر من هذه الدراسة، وسيأتي مزيد بيان إن شاء الله (تعالى).

المعلومة الثانية: الأبيات

تفيد باقي نصوص الباب أنّ الإمام (علیه السلام) تمثّل بأبيات ابن المفرّغ ابتداءً، سواء في المدينة أو في مكّة أو في كربلاء.. فيما يفيد نصّ سبط ابن الجوزيّ أنّ الإمام (علیه السلام) أجاب الناس وردّ عليهم بعد أن أكثروا عليه بأبيات أخي الأوس..

والمعهود في التاريخ أنّ الإمام (علیه السلام) تمثّل بأبيات أخي الأوس في غير هذا الموضع _ كما سيأتي في محلّه _، فربّما كان سبط ابن الجَوزيّ قد وظّفها هنا لما رآه من مناسبة، إذ أنّه تفرّد بذكرها هنا حسب فحصنا..

ص: 132

قال: «ولمّا أكثروا عليه، أنشد الأبيات ...»!

مَن هم الّذين أكثروا عليه؟!

يبدو من السياق أنّه يقصد مَن كان بمكّة، وهم الّذين حزنوا على مسيره..

فإن كان هؤلاء هم المقصودون، فهي مبالغةٌ وتهويلٌ مفضوحٌ غير مستساغ، وإن كان المقصود مَن اعترض على الإمام (علیه السلام) من أمثال ابن عبّاس وابن عمر، فهو جوابٌ شاذّ، وعلى كِلا التقديرَين فقد تفرّد سبط ابن الجَوزيّ بذلك ولم يذكره أحدٌ غيره.

أمّا الأبيات ودلالاتها فسيأتي الحديث في ذلك في محلّه إن شاء الله.

المعلومة الثالثة: تلاوة الآية

ثمّ قرأ: ﴿وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً﴾ ((1)) ((2)).

ورد تلاوة هذه الآية _ من سورة الأحزاب _ في الحديث الآنِف الذكر الّذي رواه الشجريّ، وكانت أحداث الخبر تدور في كربلاء، أمّا تلاوة الآية في مكّة في هذا الموضع بالذات، فهو ممّا تفرّد به سبط ابن الجوزيّ حسب

ص: 133


1- سورة الأحزاب: 38.
2- تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 137، نفَس المهموم للقمّيّ: 169.

الفحص.

وهو قول الله الحقّ الّذي لا ريب فيه، فإذا تلاها الإمام (علیه السلام) فهي الحقّ الصادر عن الحقّ، ولا محيص عن يومٍ خطّ بالقلم.

أجل، ربّما كان في توظيف سبط ابن الجَوزيّ لها هنا _ إن كان مقصوداً _ فيه إشاراتٌ غير مرضية، كأنّها تصبّ في سياق ما روّج له الأمويّون من سريان القضاء والقدَر الإلهيّ على نحو الجبر الّذي يسوّغ لهم ما فعلوه ويبرّر لهم جناياتهم وعظيم ما ارتكبوه من هتك الحرمات.

النكتة الرابعة: إنشاد الأبيات على باب المسجد

تمثّل الإمام (علیه السلام) بهذه الأبيات في المدينة عند مسجد جدّه وفي مكّة عند المسجد الحرام.. وهي لشاعرٍ معاصرٍ محاصَرٍ مِن قِبل ابن الأَمة الفاجرة..

ربّما كان لاختيار هذه المواضع بالذات للتمثُّل بهذه الأبيات باعتبار أنّ هذين المسجدَين ومكانهما في حرم الله وحرم رسوله هما موضع الأمن والأمان ورعاية الحرمات لمن لم يُحدِث فيهما حدَثاً، فإذا تعرّض فيهما البريء الآمِن الّذي لم يهج سائمةً ولم يدّع شيئاً ولم يُحدِث حدَثاً، فالنظر إليهما ودخولهما على وجَلٍ وترقُّبٍ وحذرٍ من القتل والاغتيال يثير في قلب

ص: 134

المراقب الأسى والحزن لمن تعرّض لهذا الهتك..

كيف والمحاصَر المهدَّد الملاحَق المطوَّق بسهام المنيّة الغاربة هو حبيب الله وحبيب رسوله (صلی الله علیه و آله) وحجّة الله على العالمين؟!

النكتة الخامسة: تكرار الأبيات في المواضع

بناءً على تكرار الأبيات نفسها في المواضع الثلاثة المذكورة آنفاً _ وهو ليس ببعيد، ويشهد له ما ذكره ابن خلّكان: «فكان في تلك المدّة يتمثّل كثيراً بقول يزيد بن مفرّغ» ((1)) _، فهو يعني أنّ موقف الإمام (علیه السلام) كان واحداً في المدينة ومكّة وكربلاء، وكان هذان البيتان يعبّران عن عمق الفاجعة وشدّة المضايقة وإطباق الحصار على الإمام غريب الغرباء (علیه السلام) من دون موقفٍ مثيرٍ مِن قِبَله، وإنّما هو طغيان العدوّ وتجبُّرُه وعتوُّه وتكبّره على الله وعلى رسوله (صلی الله علیه و آله) وعلى إمام زمانه، وعزمه وإقدامه ومبادرته بكلّ صلف وجرأةٍ ووقاحةٍ ووحشيّةٍ على قتل ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) !

ص: 135


1- وفَيات الأعيان لابن خلِّكان: 6 / 353.

ص: 136

مروان بن الحكَم والوليد بن عُتبة وعمرو بن سعيد يكتبون إلى ابن زياد في أمر الحسين (علیه السلام)

كتاب مروان

اشارة

• فكتب مروان إلى عُبيد الله بن زياد:

أمّا بعد، فإنّ الحسين بن عليٍّ قد توجّه إليك، وهو الحسين ابن فاطمة، وفاطمةُ بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وبالله ما أحَدٌ يسلّمه اللهُ أحبّ إلينا من الحسين، فإيّاك أن تهيج على نفسك ما لا يسدّه شيء، ولا تنساه العامّةُ ولا تدَعْ ذِكره، والسلام ((1)).

ص: 137


1- ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 62، عنه: تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 212، تهذيب ابن بدران: 4 / 331، مختصر ابن منظور: 7 / 143، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2612، تهذيب الكمال للمُزّي: 6 / 422، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165.

• فكتب مروان إلى عُبيد الله بن زياد أميرِ الكوفة:

أمّا بعد، فإنّ الحسين قد توجّه إليك، وتالله ما أحَدٌ أحبُّ إلينا سلمةً من الحسين، فإيّاك أن تفتح على الحسين ما لا يسدّه شيء ((1)).

* * * * *

روى ابن سعدٍ في هذا الخبر خروجَ الإمام الحسين (علیه السلام) من مكّة يوم عشرة ذي الحجّة، وروى الجميع هذا الخبر عن ابن سعدٍ بما فيه تاريخَ الخروج.

والذهبيّ يروي عن ابن سعدٍ أيضاً باختلافٍ لا يُعدّ كبيراً على عادته في الاختزال والاختصار والنقل بالمعنى وغيرها من التصرّفات الّتي تحلو له وتناغم خلفيّاته وطرائقه.

ويمكن نكز هذا الخبر بعدّة نكزات:

النكزة الأُولى: التشابه الشديد مع كتاب الوليد!

يُلاحَظ مدى الشبه الشديد بين متن هذا الكتاب المنسوب إلى مروان وبين الكتاب المنسوب إلى الوليد، كما سنراه بعد قليل.

ص: 138


1- تاريخ الإسلام للذهبيّ: 2 / 343، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 205.

وهذا الشبَه الشديد يرجّح الظنّ أن يكون ثَمّة سهوٌ أو اشتباهٌ قد وقع في نسبة الكتاب إلى مروان، وإنْ كان المتنان يرويهما ابن سعد.

هذا على فرض حُسن الظنّ وعدم الالتفات إلى احتمال الوضع للأغراض الخاصّة!

والّذي يدعونا إلى احتمال الخطأ والسهو والاشتباه في نسبة الكتاب إلى مروان ما سنسمعه بعد قليل.

النكزة الثانية: سلوك مروان ومواقفه

لا نريد التوسّع هنا في بيان مواقف مروان الوزغ ابن الوزغ اللئيم اللعين على لسان رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، بَيد أنّ مَن يراجع سيرته العفنة _ على عجَلٍ _ في التاريخ، يعرف مدى خساسة عنصره ونذالته وعداوته وحقده وضغينته على الحقّ وأهل الحق، وعلى الرسول وآل الرسول، وعلى أمير المؤمنين عليٍّ وآله (صلوات الله عليهم أجمعين)، ومدى حقده وبغضه وعداوته لشخص الإمام الحسين سيّد شباب أهل الجنّة (علیه السلام) وشماتته به وبرسول الله (صلی الله علیه و آله) !

ويكفي لمعرفة ذلك موقفه مع الإمام غريب الغرباء (علیه السلام) في بلاط الوليد، حين أشار على الوليد بقتله فوراً، وأمر بقتله وبادر إلى ذلك بنفسه.

وليس مثل هذا الخبيث الرجس الوقح مَن يكتب مُوصياً بأبي عبد اللهالحسين (علیه السلام) ، وهو يتوثّب لقتله والولوغ بدمه الزاكي!

ص: 139

فالكتاب _ حسب ما يفيد ظاهره _ يناقض تماماً سيرة مروان وسلوكه وأخلاقه ودوافعه وتمنّياته في عداوته للنبيّ وآل النبيّ (صلی الله علیه و آله) .

النكزة الثالثة: إمكان حمل الكتاب على النفاق

يمكن حمل مضامين الكتاب وما حمله من توصياتٍ بريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) على النفاق الأُمويّ المعهود، فهم يتظاهرون بحبّ النبيّ وآله، بل يصفون أنفسهم بالقرابة ويزعمون أنّهم أقرب إلى النبيّ والعترة مِن غيرهم، كما هو دأب أتباعهم وأشياعهم إلى اليوم.. ثمّ يمارسون أبشع الجرائم وأسوأ أساليب الحقد والضغينة وأردأ ألوان الشماتة.

النكزة الرابعة: حمل الكتاب على التوصية بالعكس

إن صحّت نسبة الكتاب إلى مروان، ونحن نعرف مروان ابن الزرقاء آكلة القُمّل دبّاغة الأدم، كما يعرفه التاريخ والناس أجمعون، فلا يبعد _ والحال هذه _ أن تُحمَل توصياته في الكتاب على عكس ما صرّح به، وهو يعلم أنّه يخاطب ابن الأَمة الفاجرة ربيب قرود الدعارة المتغذّي على دمنها والناشئ في دنان خمورها في خيام البغايا ذوات الرايات، وهمايفهمان بعضهما بعضاً ويدرك بعضهما مقاصد بعضٍ ومراميه..

وقد رأينا ذلك وعشنا في زماننا هذا صوراً لمثل هذا السلوك، إذ يخرج

ص: 140

إلى الناس ما يفيد التوصية بأحد الأشخاص، فيفهم المأمورُ منه خلافَ ما خرج إلى الناس ويمارسه، فيُكافَأ على فعلته ((1)).

فكأنّه ذكّر جروهم أنّ الإمام الحسين (علیه السلام) هو ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله) الّذي كنتَ تتمنّى أن تظفر به فتأخذَ منه ثأرك وتنتقم منه وتفرغ جام حقدك وغضبك عليه وعلى ذرّيّته، وأنت تعلم أنّنا لا نحبّ له السلامة، فإيّاك أن تهيج على نفسك ما لا يسدّه شيءٌ عندنا، وعليك به، وتعامل معه معاملةً لا تنساه العامّة، ولا تدَعْ ذِكره حتّى يكون ذكراً في العالمين على مرّ الدهور وكرّ العصور.

نحسب أنّ تفسير كتابه _ على فرض صحّة صدوره عنه _ بهذا المعنى

ص: 141


1- لا زلتُ أستشعر الألم والوجع والأسى يوم ساقوني إلى مديريّة الأمن العامّة في بغداد، في عهد الطاغوت اللعين عدوّ أهل البيت (علیهم السلام) صدّام حسين، فتمّ تسليمي من جلاوزة مديريّة أمن النجف الأشرف إلى جلاوزة الأمن في بغداد، ولا زال صوت الجلواز النجفيّ يطنّ في أذني _ لأنّي كنتُ معصوب العين، فكنتُ أسمع ولا أرى _ وهو يوصي بي صاحبَه ويركّز في وصيّته على يديّ ويقول: اهتمّ به، فقد تعب في النجف ويحتاج إلى راحةٍ ومداراة! فأنعَمَ له صاحبُه وراح يباشر تنفيذ الوصيّة، فجمع أناملي جمعاً خبيراً وطواها إلى الداخل، وجعل يضغطها بشكلٍ مروّعٍ لا يُحتمَل، ويدخل شفرةً غير حادّةٍ بين أظافري ولحم الأصابع ويحاول العزل بينهما، وهو يقودني إلى مبنى السجن!

أوفق وأصحّ وأقوى؛ لما نعرفه من ابن الزرقاء آكلة القمّل دباغة الأدمالبغيّ الرخيصة النتنة.

النكزة الخامسة: النفيُ أَولى من الإثبات

يبدو أنّ هذا الخبر قد تفرّد به ابن سعد، وكلُّ مَن جاء مِن بعده إنّما روى عنه.

ولو فرضنا أنّ ابن سعدٍ لم يتفرّد به، بل رواه جماعةٌ من الرواة والمؤرّخين، فإنّ نفي هذا الخبر البائس أوفقُ مِن إثباته وفق الموازين الّتي ذكرناها في بحث (المدخل) من (مجموعة المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) _ وقائع السفارة) وكتاب (السيّدة بنت الحسين رقيّة (علیهما السلام))..

إذ أنّ مؤدّى هذا الخبر هو تلميع صورة مروان الكالحة وعرضه في صورة مَن يوصي بسيّد الشهداء وحبيب الله وحبيب رسوله على خلاف سيرته وسريرته الّتي تحكيها علانيته.

ولو صحّت النسبة، فلا حاجة لنا بمثل هذه المتون البائسة الموبوءة الّتي تقلب الحقيقة، ولا يمكننا أن نصدّق صحّة الدوافع وسلامة البواعث إلى كتابة مثل هذا الكتاب.

فلا كرامة لمروان ليُحمَل على محمَلٍ حسن، ولا كرامة للمؤرّخ الّذي

ص: 142

يسعى جاهداً لتلميع صورة مثل هؤلاء المسوخ.

كتاب عمرو بن سعيد

وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص:

أمّا بعد، فقد توجّه إليك الحسين، وفي مِثلِها تُعتَق، أو تُستَرَقّ كما تُستَرقّ العبيد ((1)).

كتب يزيد الفجور إلى ابن زيادٍ كتاباً يشبه في المضمون كتاب عمرو ابن سعيد، يهدّده فيه ويقول له: وعندها تُعتَق أو تعود عبداً كما تُعبَّد العبيد ((2)).

ص: 143


1- ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 62، عنه: تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 212، تهذيب ابن بدران: 4 / 331، مختصر ابن منظور: 7 / 143، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2612، تهذيب الكمال للمُزّي: 6 / 422، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165، تاريخ الإسلام للذهبيّ: 2 / 343، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 205.
2- أُنظر: نسب قريش للزبيريّ: 127، جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 371، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 193، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 214، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 305، تجارب الأُمم لمسكوَيه: 2 / 104، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2614، تاريخ الإسلام للذهبيّ: 5 / 10، الوافي بالوفيات للصفديّ: 12 / 263، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 178، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 271، مثير الأحزان لابن نما: 29، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 360.

وكان عمرو بن سعيد _ هذا العاتي المتجبّر المتكبّر الطاغوت الأرعن _ والياً على المدينة ومكّة يوم خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من الحرم، وقد أتينا على ترجمته وشرح حاله فيما مضى من البحث.

فهو ذو صفةٍ رسميّة، وهو من الشجرة الملعونة في القرآن، وهو الغشوم الظلوم المتجاهر بالعداوة والبغضاء وسبّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) ، فمن الطبيعيّ أن يكتب إلى عبيد القرود كتاباً يبيّن له فيه تكليفه ويناوله مسؤوليّة ملاحقة سيّد الشهداء (علیه السلام) وتنفيذ حكم سائسهم يزيد فيه بعد أن خرج الإمام (علیه السلام) من نطاق ولايته متوجّهاً إلى العراق، وهو نطاقولاية ابن الأَمة الفاجرة.

ولمّا كان المضمون قريباً جدّاً من كتاب يزيد الخمور، سنأتي على تفصيل الكلام فيه هناك إن شاء الله (تعالى).

ونكتفي بالإشارة هنا إلى أنّ الأُمويّين كانوا يتظاهرون على قتل ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) ويحاصرونه ويلاحقونه في جميع الأصقاع، وقد عزموا على ذلك، وكان يزيد قد عيّن ولاته في الأمصار الّتي يمكن أن يُلاحَق فيها الإمام (علیه السلام)

ص: 144

وفق مراده، ومن نفس سنخه، بعد أن علم طاعتهم له وانبعاثهم من مقلع الرجس والنجس الّذي ينبعث هو منه، وأنّهم لهم ثاراتهم وأحقادهم الذاتيّة على حبيب الله وحبيب رسوله (صلی الله علیه و آله) .. ففي مكّة والمدينة عمرو بن سعيد، وفي العراق ابن الأَمة الفاجرة، وهو في الشام..

لقد عاجلهم الإمامُ (علیه السلام) وبادر إلى الخروج من حرم الله وحرم رسوله، ففاتت الفرصة على الأشدق ولم يتمكّن من اغتيال الإمام أو قتله أو أخذه في الحرمين، فكتب إلى ابن الأَمة الفاجرة بذلك يهدّده، لئلّا يفوته في العراق أيضاً!

يكشف هذا الكتاب عن مدى حقد الأشدق وإصراره على هتك حرمةالدم الزاكي وتوثُّبه إلى قتل ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) ..

كما يكشف عن عزمه على قتل الإمام (علیه السلام) وتطلّعه إلى تنفيذ ذلك، بَيد أنّ الأمر قد خرج من يده بعد خروج الإمام (علیه السلام) من مكّة..

ويكشف عن حكمة تعجّل الإمام غريب الغرباء (علیه السلام) في الخروج من مكّة الحرمِ الآمن للعالمين..

ويكشف أيضاً بوضوحٍ ملاحقة الأشرار لإمام السعداء والأخيار، وأنّهم يريدون قتله من دون أن تبدر منه بادرةٌ تدعوهم لذلك، وأنّهم هم الّذين هاجموه وطاردوه ولاحقوه، وأنّهم سوف لن يتركوه، ولو كان في جُحر هامّةٍ

ص: 145

من هوامّ الأرض لَتتبّعوه حتّى يُخرجوه ليقتلوه، كما قال هو (فداه روحي).

كتاب الوليد بن عُتبة

اشارة

روى ابن أعثم كتاباً نسبه إلى الوليد بن عتبة أميرِ المدينة، ورواه أيضاً الخوارزميّ الّذي اعتاد النقل عن ابن أعثم، بَيد أنّ في لفظ ابن أعثم ((1))شيءٌ من الارتباك، فاخترنا لفظ الخوارزميّ:

قال: واتّصل الخبرُ بالوليد بن عُتبة أميرِ المدينة بأنّ الحسين بن عليٍّ توجّه إلى العراق، فكتب إلى عُبيد الله بن زياد:

أمّا بعد، فإنّ الحسين بن عليٍّ قد توجّه إلى العراق، وهو ابن فاطمة البتول، وفاطمةُ بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، فاحذَرْ يا ابن زيادٍ أن تأتي

ص: 146


1- لفظ ابن أعثم هو: قال: واتّصل الخبرُ بالوليد بن عتبة أميرِ المدينة بأنّ الحسين قد توجّه إلى العراق، فكتب إلى عُبيد الله بن زياد: بسم الله الرحمن الرحيم. من الوليد بن عُتبة إلى عُبيد الله بن زياد، أمّا بعد، فإنّ الحسين بن عليّ قد توجّه نحو العراق، وهو ابنُ فاطمة، وفاطمةُ ابنةُ رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، فاحذَرْ يا ابن زيادٍ أن تبعث إليه رسولاً، فتفتح على نفسك ما لا تختار من الخاصّ والعام، والسلام. قال: فلم يلتفت عُبيدُ الله بن زياد إلى الكتاب.

إليه بسوء، فتهيج على نفسك في هذه الدنيا ما لا يسدّه شيء، ولا تنساه الخاصّةُ والعامّةُ أبداً مادامَتِ الدنيا.

قال: فلم يلتفت عدوُّ الله إلى كتاب الوليد بن عُتبة ((1)).

* * * * *

يمكن تسجيل عدّة نقاطٍ على هذا المتن:

النقطة الأُولى: الوليد المعزول!

يبدو أنّ ثَمّة اشتباهاً أو سهواً وقع عند ابن أعثم والخوارزميّ، إذ أنّ الوليد كان قد عُزل عن ولاية المدينة يوم خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) ، إلّا أن يقال: إنّهما نسباه إلى ولاية المدينة باعتبار أنّه كان ولايته عليها قبل فترةٍوجيزة.

فإذا كان الوليد قد عُزل عن ولاية المدينة يوم خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة، فما دعاه إلى الكتابة؟ وبأيّ صفةٍ كتب إلى ابن زيادٍ الوالي

ص: 147


1- أُنظر: الفتوح لابن أعثم: 5 / 121، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 221، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 234، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 368، العوالم للبحرانيّ: 17 / 218، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 240، أسرار الشهادة للدربنديّ: 247، نفَس المهموم للقمّيّ: 175، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 256.

الرسميّ من قبل قرد الشام؟

إلّا أن يُقال: إنّ الأفراد البارزين من ذوي النفوذ في الأُسرة الحاكمة المتسلّطة من آل أُميّة كانوا يُبدون الرأي ويتدخّلون في المساحات المسموح بها.

النقطة الثانية: المقصود من التحذير

لمّا كنّا نعرف جيّداً آلَ أُميّة عموماً وشخصَ الوليد بن عُتبة بالذات، فلابدّ أن نفهم كلامه من خلال معرفتنا، فهم العتاة المردة والطواغيت المتربّصون بالنبيّ وآل النبي، وهم مقلع الشرّ وجذر الرجس وأصل النجس، فلا يمكن والحال هذه حملُ كلماتهم إلّا على ما ينسجم مع واقعهم وحقيقتهم، ولا يمكن فهم مرادهم إلّا وفق ما يطفح منهم ويلائم ما وشَجَت عليه أعراقهم ونمَتْ عليه فروعهم من الحقد والضغينة والشماتة والانتقام والعداوة لمعادن الطهر وأُصول الخير محمّدٍ وآل محمد (صلی الله علیه و آله) ..

ولمّا كان الوليد من الشجرة الملعونة في القرآن، وقد ورد لعنُ آل أُميّةقاطبة، فلا يمكن حمل ما ورد في كتابه على ظاهره على نحو الإطلاق، ولابدّ من توجيهه بما يتماهى وينسجم مع تكوينه..

فهو إمّا باحثٌ عن مصلحته ومصلحة آل أُميّة..

ص: 148

أو أن يُحمَل التحذير بما ينسجم مع العبارة الواردة في الكتاب، فيُقال:

لم يكن التحذير عن القتل مطلقاً، وإنّما عن القتل والتعامل معه بهذه الصورة الّتي أبداها له: «فتهيج على نفسك في هذه الدنيا ما لا يسدّه شيء، ولا تنساه الخاصّةُ والعامّةُ أبداً مادامَتِ الدنيا».

فهو قد لا يختلف معه إنْ أقدم على قتله غِيلةً أو بطريقةٍ تنساه العامّة وتدَعْ ذِكره بعد حين، ولا تفتح عليه ما لا يسدّه شيء، وإنّما يختلف معه في أن يقتله قتلةً تبقى سُبّةً عليهم أبد الآبدين.. فهم متّفقون لا يختلفون على قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) ، وإنّما يختلفون في طريقة تنفيذ ذلك، ليس إلّا!

النقطة الثالثة: النفاق الأُمويّ المعروف

زعم في كتابه أن ليس أحدٌ يسلّمه الله أحبّ إليهم من الحسين (علیه السلام) ، فهو إن كان محمولاً على ظاهره وليس يستبطن خبثاً مشفّراً يفهمه ابن الأَمة الفاجرة، فإنّه من النفاق والتبذّل والكذب المعرّق في الأُمويّين وأتباعهم قديماً وحديثاً إلى يوم الناس هذا..سيّما حين نسمعه يتكلّم بصيغة الجمع (أحبّ إلينا)، فعلى مَن يعود ضمير الجمع؟

إمّا أن يكون تعظيماً لنفسه، وإمّا أن يكون حاكياً عن الأُمويّين، والواقع يشهد بكذبه على كِلا التقديرين.

ص: 149

النقطة الرابعة: تسجيل موقف!

على فرض صدور هذا الكتاب من الوليد، فإنّ الوليد ليس له صفةٌ رسميّةٌ بعد عزله، وإنّما هو واحدٌ من أفراد العائلة المالكة، وابن زيادٍ والٍ محكومٌ وعبدٌ خانعٌ من عبيد السلطان، لا يرعوي ولا يبالي بأحَدٍ ما أرضى السلطان عنه.. مضافاً إلى دوافعه الذاتيّة في قتل ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) ..

وليس هذا الأمر ممّا يخفى على مِثل الوليد، وهو يعلم جازماً أنّ ابن زيادٍ سوف لا يلتفت إليه، وسيمضي في قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) ، وسيحقّق بالتالي ما يصبو إليه الوليد وغيره من آل أُميّة ويسعى إليه، فأراد بهذا الكتاب تسجيل موقفٍ قد ينطلي على المغفّل الّذي لا يعرف بني أُميّة وسلوكيّاتهم وأخلاقهم وشرورهم، فيظنّه موقفاً فيه شيءٌ من النبل والتعفّف، ويحمد له ذلك، ويخاله موقفاً كريماً سجّله التاريخ لفردٍ من أفراد الشجرة الملعونة في القرآن.إنّه الدهاء الأُموي المنكَر، ويشهد له ما سنسمعه في النقطة التالية.

النقطة الخامسة: تجاهل ردّ ابن زياد

إنّ مَن سجّل الكتاب تجاهل الردّ والجواب، وتجاهل تسجيل موقف ابن زياد من ذلك.

ص: 150

وقد تجاهل ابن زيادٍ الكتاب وصاحبه بالفعل، وأقدم كالحديدة المحماة في تحقيق مآربه الذاتيّة وأوامر سيّده وسائسه يزيد القرود.

فلابن زيادٍ دوافعه ومحركاته الخاصّة والعامّة، مضافاً إليها أنّ الوليد المعزول لا يعدّ رقماً ذا بالٍ يدعو ابن زيادٍ إلى الاهتمام به والالتفات إليه.

والوليد أيضاً يعلم ذلك جيّداً، ويعلم أنّ كتابه سوف لا يُجدي نفعاً ولا يترك أثراً على ابن زيادٍ ولا على سائسه يزيد، بَيد أنّه سجّل موقفاً ذكروه، إنْ كان هذا الكتاب قد صدر عنه بالفعل.

ص: 151

ص: 152

كتاب عمرو بن سعيد ليزيد

قال الشيخ ابن نما:

ورويتُ أنّ عبد الملك بن عُميرٍ قال:

كتب عمرو بن سعيدٍ _ وهو والي المدينة _ بأمر الحسين (علیه السلام) إلى يزيد، فلمّا قرأ الكتاب تمثّلَ بهذا البيت:

فإنْ لم [خ ل: لا] تزر أرض [خ ل: قبر] العدوّ وتأته

يزُركَ عدوٌّ أو

يلومنك كاشِحُ ((1))

* * * * *

ذكر الشيخ (رحمة الله) هذا الخبر بعد منزل الثعلبيّة، وقبل ذكر وصول خبر شهادة المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیهما السلام) .

ولا يسعنا التحرّي والتثبُّت من زمن كتابة الكتاب، ولا زمن ردّ الجواب، إذ أنّ الخبر لم نجده عند غير الشيخ ابن نما _ حسب فحصنا _، ولم نجد مَن يرويه عنه غير السيّد الأمين.

ص: 153


1- مثير الأحزان لابن نما: 22، أعيان الشيعة للأمين: 1 / 594.

فالخبر مبتلىً بالإرسال والتفرُّد وإعراض العلماء والمؤرّخين عنه!

فهل كان الأشدق قد كتب الكتاب إلى يزيد بعد فترةٍ طويلةٍ من خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة؟!

أو أنّه كتبه له إبان خروج الإمام (علیه السلام) من مكّة، بَيد أنّ الشيخ تأخّر في ذِكره إلى ما بعد منزل الثعلبيّة؟

ولماذا ذكر الوالي بعنوانه والي المدينة، والحال أنّه كان والي مكّة أيضاً، وكان منطلق الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة؟!

على أنّ ما حكاه عن الكتاب ليس فيه ما يفيد من قريبٍ ولا من بعيدٍ خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة، وإنّما غاية ما يفيده أنّه كتب إليه بأمر الإمام (علیه السلام) على وجه العموم.

أجل، قد يفاد من السياق وجواب يزيد أنّه كان يخبره عن أمر الإمام (علیه السلام) في خروجه من مكّة.

كيف كان، فليس المهمّ كتاب الوالي، وإنّما المهمّ جواب يزيد!

أمّا جواب يزيد الغاوي العنيد، فخلاصته:

كأنّه يقول _ شُلّ لسانه وبُتر بنانه _:

إنّنا أمام عدوّ، فإن لم نباغته ونهاجمه في أرضه ونقضي عليه في عقرداره، فإنّه سيهاجمنا، وحينها نستحقّ لوم الكاشحين..

ص: 154

هذا هو مؤدّى البيت الّذي ردّ فيه يزيد على كتاب الوالي، وهو يفيد بوضوحٍ لا غبار عليه:

إنّ يزيد الخمور والفجور قد عزم على الفتك بابن رسول الله والقضاء عليه ومهاجمته، بزعم أنّه إن لم يفعل ذلك فإنّه سيكون ملوماً محسوراً..

وهذه الفرية القبيحة المقذعة الهابطة الّتي تبنّاها يزيد الخلاعة منذ اليوم الأوّل في محاولة رمي الإمام الطاهر الطُّهر بها، وإقناع الآخَرين أنّ الإمام الحسين (علیه السلام) يريد مهاجمته وانتزاع السلطة منه، ليوجد المسوّغ والمبرّر، ويضلّل به مَن حضر ومَن بلغه ذلك وانخدع به، إذ أنّه يمثّل السلطان والحكم، وقد بايعه الناس أجمعون، والملك عقيم، فهو صاحب الحكم الشرعيّ، والخروج عليه خروجٌ على الشرعيّة، وبذلك يوجِدُ الذريعةَ لقتل ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) .. وقد أتينا على بيان ذلك في مواضع كثيرةٍ من هذه الدراسة.

والخلاصة في كلمة:

يشهد هذا الجواب على أنّ يزيد آل أُميّة هو المبادِر المباشِر المتقدِّم لقتال الإمام والعازم على قتله، وليس الإمام إلّا في مقام الدفاع عن نفسه!

ص: 155

ص: 156

كتاب يزيد إلى ابن زياد بعد توجّهه (علیه السلام) إلى العراق

اشارة

عند خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة أو بعد خروجه، كتب يزيدُ إلى واليه على الكوفة كتباً، نحاول دراستها هنا..

وقت ارسال الكتاب وسببه

اشارة

تنقسم عمدة المصادر إلى قسمَين في بيان وقت إرسال كتاب يزيد وسببه:

القسم الأوّل: عند خروج الحسين (علیه السلام) من مكّة

إتّفقَت هذه المجموعة على أنّ يزيد كتب الكتاب إلى جروه ابن زيادٍ عند خروج سيّد الشهداء من مكّة أو بعد خروجه، فبعضهم عبّر: «وخرج

ص: 157

الحسين إلى الكوفة.. فكتب يزيد» ((1))، ومنهم مَن عبّر: «وبلغ يزيدَ خروجُه، فكتب» ((2))، وقال ثالث: «فعلم يزيد بخروج الحسين، فأرسل» ((3))، وقال اليعقوبيّ: «وأقبل الحسين من مكّة يريد العراق، وكان يزيد قد ولّى عُبيدَ الله بن زياد العراق، وكتب إليه» ((4)).

بَيد أنّ بعضهم وصف حالة خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) عند خروجه في صياغةٍ تحكي علّه خروجه، من قبيل مصعب الزبيريّ وتبعه آخَرون، فقالوا: «وخرج الحسين بن عليٍّ إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد..» ((5)).

ص: 158


1- نسب قريش للزبيريّ: 127، العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 381 _ 382، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 271، نفَس المهموم للقمّيّ: 441، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165، المعجم الكبير للطبرانيّ: 3 / 123، كفاية الطالب للكنجيّ: 432، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 193، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 214، تهذيب ابن بدران: 4 / 332، مختصر ابن منظور: 7 / 145، و28 / 19، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2614.
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 213، تهذيب ابن بدران: 4 / 332، مختصر ابن منظور: 7 / 145، كفاية الطالب: 430، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2614.
3- إسعاف الراغبين للصبّان: 205.
4- تاريخ اليعقوبيّ: 2 / 242.
5- نسب قريش للزبيريّ: 127، العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 381 _ 382، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 271، نفَس المهموم للقمّيّ: 441، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165، المعجم الكبير للطبرانيّ: 3 / 123، كفاية الطالب للكنجيّ: 432، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 193، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 214، تهذيب ابن بدران: 4 / 332، مختصر ابن منظور: 7 / 145، و28 / 19، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2614.

والظاهر أنّ هذا الوصف تحليلٌ من الزبيريّ (الحاقد)، وتبرُّعٌ منه لتفسير امتناع سيّد الشهداء (علیه السلام) عن البيعة وخروجه من المدينة بعد أن لاحقوه وأزعجوه وهدّدوه، وخروجه من مكّة بعد أن خذلوه ولم يحبّوه، متوجّهاً إلى مصرٍ وعَدَه بعضُ أهله بالنصرة والدفاع عنه.. تماماً كما هو قول يزيد الّذي اعتبر الالتواء على البيعة واللحاق بمكّة سعيٌ في الفتنة وشقّ العصا وتعرّضاً للهلكة ((1)).

وقد امتاز نصّ الزبيريّ عن غيره بقوله: «فزعموا أنّ يزيد كتب» ((2))، كما اختصر متنَ الكتاب اختصاراً شديداً بالقياس إلى باقي المتون الواردةفي المصادر الأُخرى، وربّما كشف ذلك عن كوامن الزبيريّ الّذي يحاول أن يعرض المشهد في صورةٍ تبرّر موقف أسياده ويهوّن جناية الجاني ويخفّف من ظليمة المظلوم.

ص: 159


1- أُنظر: الأمالي للشجريّ: 1 / 182، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ: 136.
2- نسب قريش للزبيريّ: 127.

القسم الثاني: عند وصول خبر شهادة مسلم وهاني

اشارة

القسم الثاني من المصادر _ وهي كثيرة، ربّما كان أوّلهم البلاذريّ، ثمّ الدينوريّ، وهلُمّ جرّاً _ رووا جميعاً أنّ الجرو الأُمويّ ابن زيادٍ كتب إلى سائسه يزيد القرود بقتل مسلم وهانئ، وأنفذ إليه برأسَيهما ورأسِ ابن صلخب وما فعل بهم، فكتب إليه يزيد.. ((1)).

يبدو أنّ هذا القسم لا يتعارض مع ما ورد في القسم الأوّل بلفظ: «وبلغ يزيدَ خروجُه، فكتب» ((2))، كما لا يتعارض مع لفظ: «فعلم يزيد بخروج الحسين، فأرسل» ((3))، فهذان اللفظان يفيدان أنّ خبر خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) بلغ يزيد فعلم به فكتب الكتاب، ولا يمنع أن يكون قد بلغه من خلال الرسولَين اللذَين أنفذهما جروه بنبأ شهادة مسلم وهاني.

ص: 160


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 342، الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 242، تاريخ الطبريّ: 5 / 380 _ 381، الفتوح لابن أعثم: 5 / 108، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 94.
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 213، تهذيب ابن بدران: 4 / 332، مختصر ابن منظور: 7 / 145، كفاية الطالب: 430، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2614.
3- إسعاف الراغبين للصبّان: 205.

يبقى الكلام في لفظ ابن سعدٍ ومَن تلاه، ويمكن الجمع بينهما من خلال التصوّرات التالية:

التصوُّر الأوّل: أن يكون أرسل كتابَين

ربّما أرسل الطاغي كتابين إلى جروه، أحدهما عند خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة، والآخَر عند بلوغه خبر شهادة المولى الغريب وهاني، ويشهد لهذا الاحتمال ما سنسمعه بعد قليلٍ من وجود نصَّين للكتاب روى مَن وقّت الكتاب بخروج سيّد الشهداء (علیه السلام) لفظاً، وروى الآخَرون لفظاً فيه مقدّمةٌ يشكر فيها جروه على ما فعله بالمولى الغريب (علیه السلام) وأصحابه، وروى بعضهم اللفظين معاً.

وهو ما فهمه الشيخ أسد حيدر (رحمة الله) ، قال:

وكان يزيد على أحرّ من الجمرة وينتظر النتائج، إذ وافاه البشير بورود النبأ مع هانئ بن حيّة الوادعيّ والزبير بن الأروع التميميّ يحملان رأسَي البطلَين مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة (علیهما السلام) ، ومعهما كتابٌ فيه ما أراد.

فأجابه يزيد بكتابٍ قال فيه: بلغَني أنّ حسيناً قد فصل من مكّة متوجّهاً إلى العراق، فاترك العيون عليه، وضَعِ الأرصاد على الطرق ... (إلى آخِر الكتاب).

ص: 161

ثمّ كتب يزيد بن معاوية إليه كتاباً آخَر يحثّه على أخذ الحيطة وأخذِ التدابير، ويجعله أمام أمرٍ واقع، إذ يقول في كتابه أنّه: قد بلغَني أنّ حُسيناً قد سار إلى الكوفة، وقد ابتُلي به زمانك ... (إلى آخِر الكتاب) ((1)).

التصوّر الثاني: أن يكون كتب الكتاب بعد توافق الرسُل عنده

أن يكون الخبر قد بلغه من خلال عمّاله وعيونه ومن خلال الرسولَين القادمَين من ابن زيادٍ معاً، لأنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) خرج يوم مقتل المولى الغريب وهاني (علیهما السلام) ، وقد استعجل ابنُ الأَمة الفاجرة بإبلاغ الخبر إلى يزيد، فتوافق الرسُلُ عنده من مكّة ومن الكوفة، فكتب الكتاب، وروى ابن سعدٍ اعتماداً على رسُل المدينة، وروى الآخَرون اعتماداً على رسُل الكوفة.

وقد أرسل مروان وعمرو بن سعيدٍ كتباً إلى ابن زياد يبلغاه بتوجّه سيّد الشهداء نحو الكوفة ((2))، فمن الطبيعيّ جدّاً أن يبلغا سيّدهما أيضاً.

ص: 162


1- مع الحسين في نهضته لأسد حيدر: 125 و170 _ 171.
2- أُنظر: ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 62، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 212، تهذيب ابن بدران: 4 / 331، مختصر ابن منظور: 7 / 143، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2612، تهذيب الكمال: 6 / 442، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165، الفتوح لابن الأعثم: 5 / 121، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 221، تاريخ الإسلام للذهبيّ: 2 / 343، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 205، بحار الانوار للمجلسيّ: 44 / 368.

وكانت الكتب والتقارير لا تنقطع بين القرد المخمور وبين جِرائهوعيونه في مكّة والمدينة.

التصوّر الثالث: أن يكون ثَمّة مسامحةٌ في تعبير المؤرّخ
اشارة

ربّما كان في تعبير ابن سعدٍ واليعقوبيّ وأضرابهم شيءٌ من المسامحة والاختصار، فلم يذكروا خبرَ الرسولَين اللذَين أرسلهما ابن زيادٍ إلى يزيد، وعلّقوا الكتاب على خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من المدينة باعتباره موضوع الخبر.

* * * * *

ويمكن تقسيم الكتب بلحاظٍ آخَر إلى قسمَين:

القسم الأوّل: كتبَ ابتداءً
اشارة

نقلَت جُملةٌ من المصادر كتاباً كتبه يزيد إلى عُبيد القرود ابن زيادٍ ابتداءً، فيما نقلَت نفس تلك المصادر ومصادر أُخرى كتاباً آخَر كتبه يزيد إلى ابن زيادٍ ردّاً على كتاب الأخير الّذي أرسله مع رأس المولى الغريب

ص: 163

الشهيد مسلم بن عقيل (علیه السلام) وهانئ بن عُروة يخبره فيه بشهادتهما وشهادة مَن كان معهما وغير ذلك..

سنستعرض هنا القسمَ الأوّل الّذي روى لنا الكتاب الّذي كتبه يزيدابتداءً، ونحيل الكلام عن الكتاب الآخَر إلى القسم الثاني إن شاء الله (تعالى)، وسنقسّم ألفاظ الكتاب الأوّل حسب ما ورد في المتون إلى عدّة كتب؛ لاختلافها في المحتويات.

الكتاب الأوّل: التهديد القاصف
اشارة

الزبيريّ:

وخرج الحسين بن عليٍّ إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد، فزعموا أنّ يزيد كتب إلى عُبيد الله بن زياد _ وهو واليه على العراق _ :

إنّه بلغَني أنّ حسيناً سار إلى الكوفة، وقد ابتُلي به بلدُك مِن بين البلدان، وابتُليتَ به من بين العمّال، ومنها تُعتَق أو تعود عبداً كما تعتبد العبيد ((1)).

البلاذريّ:

وحدّثَني بعضُ قريش أنّ يزيد كتب إلى ابن زياد:

ص: 164


1- نسب قريش لمصعب الزبيريّ: 127.

بلغَني مسير حسينٍ إلى الكوفة، وقد ابتُلي به زمانُك من بين الأزمان وبلدُك من بين البلدان، وابتُليتَ به من بين العمّال، وعندها تُعتَق أو تعود عبداً كما يعتبد العبيد ((1)).اليعقوبيّ:

وقد جمع بين الكتابين اليعقوبيّ فقال:

وكان يزيد قد ولّى عُبيدَ الله بن زياد العراق، وكتب إليه:

قد بلغَني أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم، وأنّه قد خرج من مكّة متوجّهاً نحوهم، وقد بُلي بلدُك من بين البلدان وأيّامُك من بين الأيام، فإنْ قتلتَه وإلّا رجعتَ إلى نسبك وإلى أبيك عُبيد، فاحذرْ أن يفوتك! ((2))

إبن عبد ربّه، ابن كثير ... :

عليّ بن عبد العزيز، عن محمّد بن الضحّاك بن عثمان الخزاعيّ، عن أبيه قال:

خرج الحسين إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد بن معاوية، فكتب يزيد إلى عُبيد الله بن زياد _ وهو واليه بالعراق _ :

ص: 165


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 371.
2- تاريخ اليعقوبيّ: 2 / 216.

إنّه بلغَني أنّ حسيناً سار إلى الكوفة، وقد ابتُلي به زمانُك بين الأزمان وبلدُك بين البلدان، وابتُليتَ به من بين العمّال، وعنده تُعتَق أو تعود عبداً ((1)).الطبرانيّ، الهيثميّ، الكنجي ... :

حدّثَنا عليّ بن عبد العزيز، ثنا الزبير بن بكّار، حدّثَني محمّد بن الضحّاك بن عثمان الحزاميّ، عن أبيه قال:

خرج الحسين بن عليٍّ إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد بن معاوية، فكتب يزيدُ بن معاوية إلى عُبيد الله بن زياد _ وهو واليه على العراق _ :

إنّه قد بلغَني أنّ حسيناً قد سار إلى الكوفة، وقد ابتُلي به زمانُك من بين الأزمان وبلدُك من بين البلدان، وابتُليتَ به من بين العمّال، وعندها يُعتَق أو يعود عبداً كما يعتبد العبيد ((2)).

إبن عساكر، ابن العديم:

ص: 166


1- العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 381، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 271، نفَس المهموم للقمّيّ: 441، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165.
2- المعجم الكبير للطبرانيّ: 3 / 123، كفاية الطالب للكنجيّ: 432، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 193.

أخبرنا أبو غالب أيضاً، أنبأنا أبو الغنائم بن المأمون، أنبأنا عُبيد الله ابن محمّد بن إسحاق، أنبأنا عبد الله بن محمّد، حدّثَني عمّي، أنبأنا الزبير، حدّثَني محمّد بن الضحّاك، عن أبيه قال:

خرج الحسين بن عليٍّ إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد، فكتب يزيد إلى ابن زيادٍ _ وهو واليه على العراق _ :إنّه قد بلغَني أنّ حسيناً قد صار إلى الكوفة، وقد ابتُلي به زمانُك من بين الأزمان وبلدُك من بين البلدان، وابتُليتَ به أنت مِن بين العمّال، وعندها تُعتَق أو تعود عبداً كما يعتبد العبيد ((1)).

إبن نما، المجلسيّ:

وكتب يزيد بن معاوية إلى عُبيد الله بن زياد:

قد بلغَني أنّ حسيناً قد سار إلى الكوفة، وقد ابتُلي به زمانُك من بين الأزمان وبلدُك من بين البلدان، وابتُليتَ به من بين العمّال، وعندها تُعتَق أو تعود عبداً كما تعبد العبيد ((2)).

ص: 167


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 214، تهذيب ابن بدران: 4 / 332، مختصر ابن منظور: 7 / 145، و28 / 19، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2614.
2- مثير الأحزان لابن نما: 20، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 360، العوالم للبحرانيّ: 17 / 209، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 225.

الذهبيّ:

وقال محمّد بن الضحّاك الحزاميّ، عن أبيه:

خرج الحسين إلى الكوفة، فكتب يزيدُ إلى واليه بالعراق عُبيدِ الله ابن زياد:

إنّ حسيناً صائرٌ إلى الكوفة، وقد ابتُلي به زمانُك من بين الأزمان وبلدُك من بين البلدان، وأنت من بين العمّال، وعندها تُعتَق أو تعود عبداً ((1)).* * * * *

هذه هي جملة النصوص الواردة في حكاية ألفاظ الكتاب الأوّل الّذي كتبه يزيد ابتداءً إلى جروه ابن زياد، وقد امتازت مصادر هذه الحزمة من المتون برواية كتاب يزيد، وفيه خطابٌ لابن زياد فقط، وليس فيه أمرٌ آخَر، فيما روت مصادر الحزمة الثانية من المتون الأوامر العامّة الصادرة لابن الأَمة الفاجرة لينفّذها كإجراءاتٍ احترازيّة.

ويظهر من مفاد الحزمة الأُولى أنّها تركّز على تحريض ابن الأَمة الفاجرة وحثّه الشديد ليُقدِم على الجناية العظمى في تاريخ البشريّة من خلال

ص: 168


1- تاريخ الإسلام للذهبيّ: 2 / 344، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 205.

لحن التهديد والتهويل والتخويف كما سنقرأ.

ويمكن دراستها من خلال المتابعات التالية:

المتابعة الأُولى: مقدّمة المؤرّخ على الكتاب

أطلق البلاذريّ ومَن تلاه ذكر الكتاب ولم يُقدّم له، وإنّما ساقه خبراً تلو الأخبار الأُخرى ضمن السياق، فقال: إنّ يزيد كتب إلى ابن زياد.. ثمّنقل الكتاب ((1)).

فيما ساق الزبيريّ ومَن تلاه خبر الكتاب بعد أن قدّم له مقدّمةً من عنده، فقال:

وخرج الحسينُ بن عليٍّ إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد، فزعموا ((2)) أنّ يزيد كتب إلى عُبيد الله بن زياد _ وهو واليه على العراق _ ... ((3)).

ص: 169


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 371، مثير الأحزان لابن نما: 20، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 360، العوالم للبحرانيّ: 17 / 209، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 225.
2- نسب قريش لمصعب الزبيريّ: 127.
3- أُنظر: العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 381، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 271، نفَس المهموم للقمّيّ: 441، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165، المعجم الكبير للطبرانيّ: 3 / 123، كفاية الطالب للكنجيّ: 432، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 193، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 214، تهذيب ابن بدران: 4 / 332، مختصر ابن منظور: 7 / 145، 28 / 19، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2614.

ويُلاحَظ أنّ الزبيريّ صاغ خروج الإمام (علیه السلام) ساخطاً لولاية يزيد دون تشكيك، فيما روى كتاب يزيد على نحو الزعم فقال: «فزعموا أنّ يزيد كتب ...»، ولم يتبعه أحدٌ على نسبة خبر الكتاب إلى الزعم!

ولا يخفى ما في صياغته من تسريبٍ لما يريد تسريبه؛ إذ أنّ السياق يفيد أنّ خروج الإمام (علیه السلام) إنّما كان بقصد السخط على ولاية يزيد، وهو يلقي _ عاقبةً _ في ذهن المتلقّي أنّ الإمام (علیه السلام) كان هو الخارج على يزيد وعلى ولايته، وبهذا وصَمَ حركةَ الإمام (علیه السلام) نحو العراق ب- (الخروج)!

وحاشا الإمام (علیه السلام) صاحب الشرعيّة المنصوصة من الله (تبارك وتعالى) أن يُوصَف بهذا الوصف؛ إذ كان يزيد ومَن سلّطه على رقاب المسلمين همالخارجون على الإمام (علیه السلام) !

ويُلقي أيضاً في ذهن المتلقّي أنّ يزيد كان في موقع المدافع عن نفسه وعن ولايته، وبما أنّ يزيد قد تمّت له البيعة في البلدان منذ عهد معاوية وتجدّدَت له البيعة بعد هلاكه، فهو الحاكم المقرّر حسب موازين السقيفة والموازين السائدة المعمول بها تلك الأيّام بعد أن حكمت شريعة السقيفة،

ص: 170

ويكون يزيد القرود حاميَ جماعة المسلمين ووحدة صفّهم والحاكم لهم وعليهم، ويكون الخارج عليه شاقّاً لعصا المسلمين، وغيرها من المصطلحات البائسة الّتي استخدمها الأُمويّون في حربهم على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة الّذين افترض الله طاعتهم على العباد.

وثَمّة دسائس وسمومٌ ذعافٌ مُرّةٌ كثيرةٌ في إلقاءات المؤرّخين في هذا المقام وفي غيره، يحسن بالقارئ النبيه والحَذِر الحاذق أن يلتفت إليها، وقد اكتفينا بالإشارة السريعة هنا معتمدين على نباهة المتلقّي.

المتابعة الثانية: مضمون الكتاب

إذا أردنا نظم أهمّ ما ورد في مضمون الكتاب ضمن نقاط، فستكون كالتالي:

1 – إنّ خبر مسير الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) إلى العراق قد بلغ يزيد.2 – إنّ زمان ابن زياد ابتُلي من بين الأزمان وأيّامه من بين الأيّام.

3 – إنّ بلد ابن زياد ابتُلي به من بين البلدان.

4 – إنّ ابن زيادٍ ابتُلي به من بين العمّال.

ص: 171

5 – عندها (أو: منها) ((1)) يُعتَق أو يعود عبداً ((2)) كما يتعبّد العبيد ((3)).

6 – إنْ قتَلَ ابنُ زيادٍ الإمامَ الحسين (علیه السلام) ، وإلّا رجع إلى نسبه وإلى أبيه عُبيد ((4)).

7 – حذّره أن يفوته! ((5))

يُلاحَظ في مضمون الكتاب قصفاً مروّعاً شديداً مهولاً مرعباً، كما سنسمع في المتابعات التالية.

ص: 172


1- نسب قريش لمصعب الزبيريّ: 127.
2- تاريخ الإسلام للذهبيّ: 2 / 344، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 205، العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 381، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 271، نفَس المهموم للقمّيّ: 441، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165.
3- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 371، المعجم الكبير للطبرانيّ: 3 / 123، كفاية الطالب للكنجيّ: 432، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 193، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 214، تهذيب ابن بدران: 4 / 332، مختصر ابن منظور: 7 / 145، و28 / 19، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2614، مثير الأحزان لابن نما: 20، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 360، العوالم للبحرانيّ: 17 / 209، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 225.
4- تاريخ اليعقوبي: 2 / 216.
5- تاريخ اليعقوبي: 2 / 216.
المتابعة الثالثة: كُتُب أهل الكوفة

قد بلغَني أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم ... ((1)).يبدو أنّ اليعقوبيّ انفرد بزيادةٍ في الكتاب يُخبِر بها يزيدُ جروَه ابنَ زيادٍ أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين (علیه السلام) في القدوم عليهم، أمّا باقي النصوص فهي جميعاً تتحدّث عن إخباره بتوجّه الإمام (علیه السلام) نحو الكوفة من دون الإشارة في هذا الكتاب بالخصوص إلى دعوات أهل الكوفة!

وكيف كان، فإنّه أخبره أنّهم كاتبوه بالقدوم عليهم فقط لا أكثر، وأقلّ ما يفيد هذا المتن أنّ أهل الكوفة هم الّذين كاتبوا سيّد الشهداء (علیه السلام) ودعوه ولم يكن هو الّذي استنصرهم بإقرار القرد المسعور، أمّا تفاصيل مكاتبتهم فقد أتينا على تفصيلها في كتاب (ظروف إقامة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة _ كتب أهل الكوفة ورسُلهم).

المتابعة الرابعة: التحذير من الحسين (علیه السلام) والأمر بمحاربته وقتله

سنسمع بعد قليلٍ تهديد يزيد لصنيعتهم ابن زيادٍ إنْ هو لم يقدم على ما أمره به، وإن لم يصرّح بالإقدام المطلوب منه، فاكتفى ابن حجر بجعلها

ص: 173


1- تاريخ اليعقوبيّ: 2 / 216.

مجرّد تحذيرٍ من الحسين.. «وحذّره من الحسين» ((1)).

بَيد أنّ جملةً من المصادر _ من قبيل اليعقوبيّ وابن عساكر وابنالعديم والسيوطيّ وغيرهم _ صرّحوا بالمهمّة الموكَلة إلى ابن الأَمة الفاجرة، حيث جعلها اليعقوبيّ في نصّ الكتاب، وحكاها ابن عساكر وابن العديم والسيوطيّ عن مؤدّى الكتاب، فقال اليعقوبيّ: «فإن قتلتَه» ((2))، وقال ابن عساكر وابن العديم ومَن تبعهم: «يأمره بمحاربته، وحمله إليه إنْ ظفر به ...» ((3))، وقال السيوطيّ: «فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عُبيدِ الله بن زيادٍ بقتله» ((4)).

فالمطلوب إذن _ وفق هذه المصادر _ قتْلُ سيّد الشهداء (علیه السلام) ، أو حملُه إلى الطاغية إنْ ظفر به.

في المدينة.. أمر أن يُحمَل إليه رأس سيّد الشهداء مع جواب الكتاب،

ص: 174


1- الصواعق المُحرِقة لابن حجَر: 117.
2- العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 381 _ 382، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 271، نفَس المهموم للقمّيّ: 441، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165.
3- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 213، تهذيب ابن بدران: 4 / 332، مختصر ابن منظور: 7 / 145، كفاية الطالب للكنجيّ: 430، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2614.
4- تاريخ الخلفاء للسيوطيّ: 207.

ولم يكن الإمام (علیه السلام) فعل سوى أنّه تقبّض عن البيعة، ولم يخرج بعدُ إلى مكّة.. فالمطلوب في المدينة رأس الإمام وقتل سيّد الشهداء (علیه السلام) !

وفي مكّة.. أمر أن يُقتَل ولو غِيلة، أو يُحمَل إليه، قبل أن يفعل سيّد الشهداء (علیه السلام) أيّ شيء، فعجّل الإمامُ الخروج من مكّة لئلّا تُهتَك به حرمة البيت ولم ينتظر الموسم.. فالمطلوب في مكّة رأس الإمام وقتل سيّد الشهداء (علیه السلام) !ثمّ تعيّنَت وجهةُ الإمام إلى الكوفة.. فسبقه كتاب القرد المسعور إلى جروه يأمره فيه بقتل الإمام.. فالمطلوب في الكوفة رأس الإمام وقتل سيّد الشهداء (علیه السلام) !

لقد تقبّض الإمام في المدينة، وتقبّض في مكّة، ولم يسجّل لنا التاريخ أيّ مشهدٍ يمكن أن يكون فيه دلالة مسوّغة لقتل الإمام باعتباره قد خطّط للهجوم على السلطة، بالخصوص في المدينة، فإنّه لم يفعل أيّ شيءٍ يدعو إلى توجّس السلطان أو يثير حفيظته ليسجّل عليه موقفاً معادياً أكثر من عدم قبول البيعة.. لذا تأنّى الوليد في موقفه رغم ضغوط مروان للإقدام على قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) ، باعتباره أحد المشاركين في خطّة القضاء على أهل البيت مباشرة، وهو يعلم ما يريده يزيد ومَن سلّط يزيد، فهم جميعاً يريدون قتل الإمام ويطلبون رأسه، سواء عندهم في المدينة أو في مكّة أو

ص: 175

في الكوفة أو في أيّ صقعٍ من الأصقاع، أو كما قال الإمام نفسه _ فداه العالَمين _ : يطلبونه ولو كان في جُحر هامّة، ولا يتركونه حتّى يستخرجوا العلقة الّتي في صدره!!!

ويمكن أن يعلم القارئ للكتاب مدى إصرار الرجس الزنيم على قتل الإمام (علیه السلام) ، من خلال التهديد الّذي هدّد به جروه المدلّل ابن زياد، وتأكيدهعليه وتحذيره من أن تفوته هذه الفرصة الّتي سعى من أجلها هو ومَن سبقه من الأزلام على حدّ نصّ الكتاب عند اليعقوبيّ: «فاحذَرْ أن يفوتك» ((1)).. فهو لا يريد أن يفلت الإمام من القتل بعد أن عجزوا عن قتله في المدينة أو في مكّة، فكأنّ هذه الفرصة الأخيرة الّتي قد لا يجود الدهر عليهم بمثلها، سيّما أنّه سيكون في بلدٍ احتوى أكبر ثكنةٍ عسكريّةٍ تابعةٍ لهم، فلا يحتاج إلى تجشّم عناء نقل القطعات وتحريك الجيوش والعساكر.

المتابعة الخامسة: ابتُلي بلدُك وابتُليت..

أشار القرد المتفرعن إلى ثلاث عوامل أساسيّةٍ لها تأثيرٌ مباشرٌ على سَير الأحداث، وهي: الزمان، والمكان، والحاكم.

وهذه العوامل الثلاث هي العوامل الأصليّة المؤثّرة للقيام بأيّ عمليّةٍ

ص: 176


1- تاريخ اليعقوبيّ: 2 / 216.

عسكريّةٍ حاسمة، فكيف إنْ كانت بحجم قتل سيّد الشهداء وريحانة النبيّ (علیه السلام) ؟

ويبدو من خلال تعبيره: (ابتُلي، ابتُليتَ) أنّه يريد أن يُفهِم جروَه المتوحّش أنّه على المحكّ، وقد تعرّض لامتحانٍ عسيرٍ يلزمه النجاح فيهليبقى في غابة القرود، فإذا فشل وأخفق في إنجاح المهمّة الموكولة إليه، وهي قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) ، فإنّه سوف يخسر كلّ شيءٍ ويُطرَد من الغابة ويرجع إلى حضيض حارة البغايا ويرزح تحت نير الاستعباد، كما يفيد باقي كلامه..

وقد ابتُلي به زمانُك من بين الأزمان وبلدُك من بين البلدان، وابتُليتَ به من بين العمّال ... ((1)).

وربّما أفاد أيضاً أنّ الأمر متعيّنٌ في ابن الأَمة الفاجرة، لأنّه نسب له الزمان والبلد وشخّصه من بين العمّال، فالامتحان خاصٌّ به، فالعهد عهد

ص: 177


1- نسب قريش للزبيريّ: 127، تاريخ اليعقوبيّ: 2 / 216، جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 371، المعجم الكبير للطبرانيّ: 3 / 123، كفاية الطالب للكنجيّ: 432، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 193، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 214، تهذيب ابن بدران: 4 / 332، مختصر ابن منظور: 7 / 145، و28 / 19، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2614، مثير الأحزان لابن نما: 20، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 360، العوالم للبحرانيّ: 17 / 209.

حكمه، والبلد هو البلد الّذي يحكمه، وهو الّذي سيكون مسرح الجريمة، وهو العامل الّذي يجب عليه أن ينفّذ الجناية من بين العمّال، وموضوع الامتحان محدَّد: «ابتُيلت به»! أي: بسيّد الشهداء (علیه السلام) ، والحال أنّ الجرو الأُمويّ كان والياً على البصرة حينها، وإنّما انتقل إلى الكوفة بعد أن أمره سائسُه، وكان بالإمكان أن يعيّن أيَّ عاملٍ آخَر من عمّاله أو يختار له عاملاً جديداً يرى فيه المجرم القادر على تنفيذ مِثل هذه الجريمة وتحقيق ما يصبو إليه من الانتقام لفطائس الجاهلية ودم عثمان.

المتابعة السادسة: التهديد الصاعق

• ومنها تُعتَق أو تعود عبداً كما تعتبد العبيد ((1)).

• فإن قتلتَه، وإلّا رجعتَ إلى نسبك وإلى أبيك عُبيد، فاحذَرْ أن يفوتك ((2)).

• وعنده تُعتَق أو تعود عبداً ((3)).

ص: 178


1- نسب قريش للزبيريّ: 127.
2- تاريخ اليعقوبيّ: 2 / 216.
3- العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 381 _ 382، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 271، نفَس المهموم للقمّيّ: 441، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165.

• وعندها يُعتَق أو يعود عبداً كما يعتبد العبيد ((1)).

• وعندها تُعتَق أو تعود عبداً ((2)).

هذه هي العبارات الواردة في الكتب على اختلاف ألفاظها في المصادر..

كلماتٌ مدمدمة.. تهديدٌ مدمِّر.. عباراتٌ صاعقةٌ مهولة.. عاقبةٌ مرعبة.. مستقبَلٌ مُظلِمٌ مُعتِمٌ ينتظره مع أدنى تلكّؤ.. تذكيرٌ مهينٌ بالماضي القريب، ونبشٌ لدفائن الحقارة والنذالة وخسّة المنبت، ونبزٌ يحسّسه بمزايا الوضع الّذي هو يعيشه الآن، ويجعل له حافزاً إضافيّاً في قتاله مع سيّد الشهداء (علیه السلام) ..

فالقضية لا تتوقّف _ بعدئذٍ _ عند أحقاد ابن الأَمة الفاجرة وحوافزهالخاصّة ومنطلقاته وعقائده الأصليّة ودوافعه الشخصيّة، ومحركاته لا تنحصر بعد هذا الكتاب بجيّاشات المنبت الخسيس وظلمات النجاسات

ص: 179


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 371، المعجم الكبير للطبرانيّ: 3 / 123، كفاية الطالب للكنجيّ: 432، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 193، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 214، تهذيب ابن بدران: 4 / 332، مختصر ابن منظور: 7 / 145، و28 / 19، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2614، مثير الأحزان لابن نما: 20، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 360، العوالم للبحرانيّ: 17 / 209.
2- تاريخ الإسلام للذهبيّ: 2 / 344، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 205.

المتراكمة من عفن انعقاد النطفة القذرة في رحم الفاجرة الرخيصة، وإنّما تحوّلت إلى وجودٍ أو عدم، أن يكون أو لا يكون!

سلطنةٌ وتفرعنٌ وإمارةٌ وحظوةٌ، وعُودٌ خاصٌّ يتميّز به من فروع الشجرة الملعونة، وحشرٌ مع قرودها المتدلّية من أغصانها في الجحيم، أو عبوديّةٌ ورقّيّةٌ، وطردٌ من حظيرة القرود وعودةٌ مخذولةٌ إلى حارة البغايا مغلولاً بأغلال العبوديّة ومقمحاً بسلاسلها!

ومن هنا يمكن أن تلوح أحقاد يزيد واستعجاله في قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) وتربّصه لهذا اليوم.. يوم الثأر للأشياخ ورؤوس الشرك الفاجرة الكافرة، وشدّة نهمه لشرب الدماء الزواكي، والتشفّي، واستنهاض المشايخ الّذين أطاح رؤوسهم أمير المؤمنين (علیه السلام) في بدرٍ وغيرها..

ومنها.. وعندها.. فإنْ قتلتَه، وإلّا رجعتَ إلى نسبك، وإلى أبيك عُبيد، فاحذر أن يفوتك! ((1))

هذا هو الموقف الّذي خيّر فيه يزيد الخمور جروه ابن زياد.. فإمّا أنيقتل ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) ويحقّق له ولأشياخه ما يريد، أو يرجع إلى نسبه.. يرجع إلى حظيرة أولاد البغايا.. يرجع إلى عُبيد.. يرجع إلى العبوديّة..

ص: 180


1- تاريخ اليعقوبيّ: 2 / 216.

ويكون عبداً كما تعبّد العبيد.. تأكيدٌ وتشديدٌ لما سيؤول إليه أمره.. تعنيفٌ في العبوديّة.. توغُّلٌ في العبوديّة.. تماماً كما تعبّد العبيد.. «فاحذر أن يفوتك!» ((1)).

تحفيزٌ يُعمي ويصمّ.. تجييشٌ يُذهِل المخاطَب عن التدبّر والتفكير والتدبير، فهو يعرف أصله ونسبه، ويعلم أنّ الّذي انتشله وانتشل أباه من مزابل حارة البغايا إنّما هو معاوية.. وليزيد أن يُرجعَه إلى حيث كان.. وليست المسافة الزمنيّة الفاصلة بين خروجه من مطامر العهر إلى أعواد المنابر وقصور الإمارة ببعيدة.. فقد أقرّ معاوية قبل سنواتٍ قليلةٍ معدودةٍ على أبيه بالزنا، وألصق زيادَ ابن أبيه بالشجرة الملعونة.. بعدُ لم تُمحَ الفضيحة من ذاكرة الناس، وبعدُ لم ينسَ الناسُ العار الّذي أُلصق بهم..

الخوف من المستقبل المجهول الّذي ينتظره.. فكما أُلصِق سيُجتَثّ ويُمحَق، وسيشمت به الناس الّذين عذّبهم وقطع أيديهم وأرجلهم وسمّل أعينهم وصلبهم على جذوع النخل؛ إذ سيعود عبداً كما تعبّد العبيد، فلاتبقى له حُرمة، بل يزداد مهانةً وذلّةً وخسّة..

سقوطٌ مروّعٌ.. مزلزلٌ.. فتّاكٌ.. مدمّر.. سقوطٌ سريعٌ خاطفٌ في هاويةٍ

ص: 181


1- تاريخ اليعقوبيّ: 2 / 216.

لا قعر لها.. انتقالٌ مفاجئٌ من السلطة والقدرة والتفرعن والتنمرد والطغيان والتحكّم والتصرّف الأهوج بالدماء والأموال والأعراض، إلى الاختباء في قمامات العواهر وذلّة العبوديّة!

لقد أصاب مواجع جروه، وأمسكه من الموضع الّذي لا يفلت منه.. وخيّره بين أن يقتل سيّد شباب أهل الجنّة، أو يعود إلى أصله ونسبه وعبوديّته، ويخسر كلّ دنياه ومناصبه وقربه ومنزلته وحظوته.. وليس أن يخسر ما جادت به عليه يد القرود من دنيا، بل سيخسر كلّ وجوده وحرّيّته وكيانه، ويعود عبداً وابناً لفاجرةٍ قبيحةٍ نتنةٍ بائسةٍ رخيصة، تبيع شرفها وتجمع كدّها لسيدها..

والمطلوب الوحيد في هذه المعاملة: رأسُ ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) ! المطلوب قتل الإمام الحسين (علیه السلام) ، مؤكّداً بالتحذير من أن يفوته!

* * * * *

لقد ذكّر يزيدُ ابنَ الأَمة الفاجرة بماضيه، وحسّسه بمزايا الوضع الّذي يعيشه الآن.. فهو في الماضي لا يعدو سوى قطعةٍ من الدنس والنجسالملفوف بفرام المومسات المرميّ في قمامة حارة البغايا خارج الحضر، الناشئ كالديدان بين دنان الخمر في مزابل خيام العواهر..

فيما جعله آلُ أبي سفيان بعد استلحاق أبيه في عداد القرود المتدلّية

ص: 182

من الشجرة الملعونة، وبوّأه يزيد مقعد النديم في القصر الأخضر، وسلّطه على رقاب الناس، وأجلسه _ كما كان يُجلس قرده (أبا قيس) _ على تخت الولاية، يأمر وينهى ويتصرّف في الجند ويتأمّر على العشائر، يذلّ رؤوسهم ويطأ جماجمهم ويركّع شيوخهم، يبطش ويقتل ويسفك الدماء، يُخيف الناس ويُرعب الرجال ويستعبد الرعيّة..

فهو الآن بالخيار، وقد تحوّل الأمر من خلال الكتاب إلى قضيّة الكيان والبقاء والعدم.. أن يكون أو لا يكون!

عليه أن يختار.. إمّا تخت السلطنة، أو عبوديّةً ورقّيّةً وطرداً من حظيرة القرود، وعودةً إلى حارة البغايا، يتسكّع على أعتاب خيام الخمّارين وفتات موائدهم، يتقمّم لقمة العيش من مزابل الحانات..

والياً على أهمّ بلدٍ من بلدان المسلمين يومذاك، أو منبوذاً يتلوّى تحت سياط المعربدين في خيام ذوات الأعلام، يرزح تحت نير العبودية المقيتة الذليلة.

المتابعة السابعة: حوافز إضافيّة

لم يكن ابن الأَمة الفاجرة بحاجةٍ إلى حوافز إضافيّة؛ فهو من معادن النجاسة والتعاسة والشقاء والبغاء والنذالة.. إنّه يتميّز _ على ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) وخامس أصحاب الكساء وسيّد شباب أهل الجنّة _ غيضاً

ص: 183

وغضباً وحقداً وضغينة، وكلَّ ما تجده في قواميس جميع اللغات من المفردات الدالّة على كوامن هذا الموجود القذر من التوحُّش والقسوة والتعطّش للدماء الزواكي..

إنّ ما فيه من الدوافع والحوافز كافيةٌ لسعيه وتسرّعه لقتل سيّد الشهداء (علیه السلام) .. ويزيد الفجور يعلم هذا جيّداً، بَيد أنّه يريد أن يشحنه شحناتٍ جديدةً تجعله يستعجل ويتوثّب ويسعى بحوافز إضافيّة..

تهديد يزيد يُنتج دوافع إضافيّةً لدى ابن زياد.. يثير فيه كوامن الحقد والضغينة والعداوة الذاتيّة.. يحشره في زاويةٍ ضيّقةٍ تؤجّج فيه دوافعه الذاتيّة وتمنعه من التسويف والتأجيل، وتضطرّه إلى الانصياع الفوريّ إلى الحوافز الداخليّة..

بمعنى أنّ ابن زيادٍ هو من أشدّ المخلوقات المتوحّشة ضراوةً وأكثرهم عزماً وإقداماً على قتل ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) ، بحكم جرثومته القذرة ومقلعهالنتن ونطفته المنعقدة من سيلانات الزناة السكارى.. معدن النجس لا يطيق مجاورة معدن الطهر.. حسد أولاد المومسات يتوقّد ويشتدّ أواره على أولاد المحصنات العفيفات الطواهر.. هذا هو حافزٌ مهمٌّ من طراز الدافع الرئيس والحافز الأوّل..

ومِثل ابن زياد المخلوق المعقّد المركّب من جميع الرذائل والنقائص

ص: 184

وعقد الحقارة والدناءة والآثام والخزي والعار والشنار والعيوب والمثالب، المتكوّن من جنحة وخطيئة، كلّه دوافع وحوافز للقضاء على مَن أذهب الله عنه الرجس وطهّره تطهيراً، وجعله مجمع المكرمات والفضائل والاحتشام والأدب والحسنات والخصال الحميدة والشيم والعظمة والمآثر والمحامد، المتخلّق بأخلاق الربّ البرّ الرحيم..

بَيد أنّ الكتاب كان يشكّل حافزاً إضافيّاً له؛ إذ أنّ القضية لا تتوقّف بعدئذٍ عند أحقاد ابن زياد وحوافزه الخاصّة ومنطلقاته وعقائده الأصليّة، وإنّما تحوّلَت إلى قضيّة دفاعٍ عن الذات.. دفاعٍ عن الوجود والكيان.. دفاعٍ عن الكسب الحرام الّذي أهّله ليكون في ما هو فيه..

المتابعة الثامنة: العزم على قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) ومبادرة يزيد

من هذا الكتاب وأمثاله يمكن أن تلوح بوضوحٍ أحقادُ يزيد واستعجالهفي قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) وتربّصه لهذا اليوم.. يوم الثأر والانتقام لفطائسهم، والتشفّي من النبيّ (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) ، وتسكين مراجل العداوة والشحناء والبغضاء والحقد والشماتة بحرمات الله ومقدّسات الدين..

من هذا الكتاب وأمثاله يمكن التعرّف على شدّة نَهَم يزيد لشرب الدماء الزواكي واستنهاض المشايخ الّذين أطاح رؤوسهم العفنة أمير

ص: 185

المؤمنين (علیه السلام) في بدر وغيرها من المشاهد..

من هذا الكتاب وأمثاله يمكن التوصّل إلى نتيجةٍ سهلةٍ واضحةٍ تفيد بجلاءٍ مبادرة يزيد في الهجوم على سيّد الشهداء (علیه السلام) ، وابتدائه في تنفيذ المخطّط الّذي دبّره هو ومَن سلّطه على رقاب الناس للقضاء على رموز الدين وحرمات ربّ العالمين وكلّ ما يذكّر بالحقّ وبرسول الله (صلی الله علیه و آله) ..

يكاد يكون الكتاب صريحاً في تحديد موقف يزيد وإقدامه على جريمته على علمٍ وسبق تخطيطٍ وإصرار.

مراجعةٌ سريعةٌ لبنود الكتاب والتهديد الوارد فيه وتحديد الغرض من التهديد والكتابة، توقِفُ المتأمّل وغير المتأمّل على أنّ القضية تتركّز في عزم يزيد على قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) ، كيف كان ومهما كلّف الثمن!

إنّه لا يريد بيعةً ولا ينتظر من سيّد الشهداء (علیه السلام) موقفاً.. إنّما يريد قتلريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) والقضاء على العترة النبويّة.. سواءً رفض الإمام (علیه السلام) البيعة أو لم يرفضها، وسواءً خرج إلى العراق أم لم يخرج، وسواءً سخط الإمام (علیه السلام) ولايته أَم لم يسخط، وسواءً حاربه الإمام (علیه السلام) أم لم يحاربه.

* * * * *

إنّ يزيد الفجور لم يطرح هنا خيار طلب البيعة.. لم يعد يتكلّم كما تكلّم في كتابه الأوّل لواليه على المدينة.. فمنذ الكتاب الثاني الّذي أرسله

ص: 186

إلى واليه على المدينة لم يعد يطلب سوى شيءٍ واحدٍ لا غير.. رأسَ الإمام الحسين (علیه السلام) ..

إنّه يعلم أنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) لا ولن يبايع.. وإنّما خيّره في كتابه الأوّل إلى المدينة ليزعم أنّه قد أعذر.. أمّا المطلوب الحقيقيّ إنّما هو قتل الإمام (علیه السلام) على كلّ حالٍ وكيف كان وأينما كان!

المطلوب من ابن زيادٍ أن يقتله، وعلى أفضل التقادير وأوسعها أن يحمله.. ولم نجد في كتاب يزيد ما يفيد _ ولو إشارةً _ المحاورةَ والمناظرةَ والدعوةَ للبيعة، إنّما المطلوب هو أن يقتل الإمام (علیه السلام) ، وانتهى!

المتابعة التاسعة: لغة يزيد مع عمّاله!

من الواضح أنّ لحن الكتاب كلِّه لحنُ تهديدٍ ذريعٍ ووعيدٍ وترهيبٍمرعبٍ وتخويفٍ مُذِلٍّ لابن الأَمة الفاجرة.

فالكتاب من أوّله إلى آخره بجميع نقاطه خطابٌ مباشرٌ لابن زياد لا يُبقي عليه ولا يذر.. سدّ عليه جميع المنافذ الّتي يمكن أن يدلف منها إلى غابة القرود الأُموية أو يمكث بها بين البشر..

فإذا كانت لغة يزيد القرود مع مَن يسمّيه واليه، ويعتمد عليه كلّ الاعتماد، ويثق به كلّ الثقة، ويراه جرواً وفيّاً مسعوراً يهارش له أين ما وجّهه..

ص: 187

إذا كان يزيد يُبدي كلّ هذا الحزم والشدّة والتشدُّد والوحشيّة مع نغلهم ابن زياد من أجل قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) ، فكيف ستكون وحشيّته وصرامته وحدّيّته في التعامل مع غيره من سائر جُنده وعساكره ورعيّته؟!

إذا كانت هذه هي اللغة الّتي تعامل بها يزيد مع جروه المدلّل، وهذا هو التهديد المهلك الّذي هدّد به الطاغوت المتجبّر المتسلّط على العسكر والسلاح والأموال والأعراض، فبماذا سيتعامل مع غوغائه وعساكره وسائر الناس؟!

وإذا كان هذا هو الأُسلوب المتّبع مع ابن زياد، فكيف سيكون أُسلوب ابن زيادٍ مع مَن كان تحت إمارته وسلطانه؟!

المتابعة العاشرة: موقف الإمام (علیه السلام) وموقف العدوّ

يبدو واضحاً أنّ الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) لم يكن إلى حين كتابة يزيد كتابه إلى عبيد القرود ابن زيادٍ قد صرّح تصريحاً يفيد صراحةً أو تلويحاً أنّه يريد مقاتلة يزيد أو محاربة السلطة أو تغيير الحكم وغيرها من المقاصد الّتي يتذرّع بها يزيد في تسويغ قتل الإمام (علیه السلام) ..

ولم يسجّل التاريخ لنا _ إلى حين كتابة يزيد كتابه إلى عُبيده ابن زياد _ خطبةً لسيّد الشهداء (علیه السلام) يذكر فيها يزيد بالاسم، أو يذكر سلطانه، أو يذكر قصده في محاربة يزيد..

ص: 188

فيما نجد في كتاب يزيد هذا وفي غيره من مواقفه وتصريحاته الّتي سبقَت خروج الإمام (علیه السلام) إلى العراق والّتي لحقت شهادته ما يفيد بصراحةٍ قصدَه وعزمه وإقدامه على قتل الإمام (علیه السلام) ، سواءً بذريعة الدفاع عن سلطانه وحماية عصا المسلمين من الانشقاق وغيرها من الذرائع الباهتة، أو بذريعة الانتقام والثأر كما صرّح بعد شهادة الإمام (علیه السلام) .

المتابعة الحادية عشر: الأمر بطلب مسلم (علیه السلام) وقتله

إنفرد الصبّان بنقل الكتاب بلفظٍ لا ينسجم مع مجريات الأحداث ويشذّ عن باقي المصادر، فقال:فعلم يزيد بخروج الحسين، فأرسل إلى عُبيد الله بن زيادٍ واليه على الكوفة يأمره بطلب مسلم وقتلِه، فظفر به فقتله ((1)).

والحال أنّ سيّد الشهداء إنّما خرج من مكّة يوم النداء بالشعار، أو يوم شهادة مسلم بن عقيل في الكوفة، ولا حاجة لنا بالنصّ، فلا نطيل الوقوف عنده، وإنّما ذكرناه لنكون قد استوعبنا ما ورد في المقام من نصوص.

ص: 189


1- إسعاف الراغبين للصبّان: 205.
الكتاب الثاني: الترغيب

روى البلاذريّ كتاباً كتبه يزيد إلى عُبيده ابن زيادٍ يأمره فيه أن يزيد أهلَ الكوفة أهل السمع والطاعة في أُعطياتهم مئةً مئة..

قال البلاذريّ:

وحدّثَني العمريّ، عن الهيثم بن عَديّ، عن مجالد بن سعيدٍ قال:

كتب يزيدُ إلى ابن زياد:

أمّا بعد، فزِدْ أهلَ الكوفة أهلَ السمع والطاعة في أُعطياتهم مئةً مئة ((1)).

* * * * *يشهد السياق الّذي سرد فيه البلاذريّ خبر الكتاب أنّ يزيد كتب ذلك بعد شهادة الإمام الحسين (علیه السلام) ، وجعل هذه العطيّة مكافأةً لجنده على ما فعلوه.

فمن ذكره في مقام خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة إلى العراق مِن الكتّاب المعاصرين، يبدو أنّه استعجل الحدَث، لذا سنؤخّر الكلام فيه إلى محلّه إن شاء الله (تعالى).

ص: 190


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 420.
الكتاب الثالث: التعليمات

روى الشيخ العلّامة ابن شهرآشوب قائلاً:

وكتب: قد بلغَني أنّ الحسين قد عزم إلى المسير إلى العراق، فضَعِ المراصد، واحبِسْ على الظنّ واقتُلْ على التهمة، حتّى تُكفى أمره ((1)).

مَن يعرف منهج العلّامة ابن شهرآشوب في كتابه (المناقب) وطريقته في صياغة الأحداث، يعلم أنّه يتخيّر من النصوص ما يخدم مقصده، وينقل بالمعنى ولا يتقيّد كثيراً بالحرفيّة، ويوظّف النصوص في السياق بدقّةٍ وحذقٍشديدَين.

من هنا لا يبعد أن يكون ما ذكره هنا إنّما هو من طراز القسم الثاني في تقسيمنا، فحذف السوابق واللواحق وجعله كتاباً في سياق حدث خروج الإمام (علیه السلام) من مكّة.

لذا سنؤخّر الكلام عنه إلى القسم الثاني؛ لاتّفاقه في المضامين مع ذلك الكتاب.

وكذا سنؤخّر الكلام _ لنفس السبب _ فيما رواه ابن كثيرٍ فقال:

وفي روايةٍ أنّ يزيد كتب إلى ابن زياد:

ص: 191


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 10 / 321 _ بتحقيق: السيّد علي أشرف.

قد بلغَني أنّ الحسين قد توجّه إلى نحو العراق، فضَعِ المناظر والمسالح، واحترس، واحبسْ على الظنّة وخُذْ على التهمة، غير أن لا تقتل إلّا من قاتلك، واكتب إليّ في كلّ ما يحدث من خبر، والسلام ((1)).

الكتاب الرابع: الحكاية

إقتصر ابن عساكر وابن العديم والسيوطيّ على حكاية مؤدّى الكتاب،ونقلوا فحواه من دون ذكر نصّه، فقالوا:

وبلغ يزيدَ خروجُه، فكتب إلى عُبيد الله بن زياد _ وهو عامله على العراق _ يأمره بمحاربته، [وقتلِه] ((2))، وحملِه إليه إنْ ظفر به ((3)).

وهو يؤكّد ما ذكرناه في المتابعات السابقة، فلا نعيد.

ص: 192


1- البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165.
2- تاريخ الخلفاء للسيوطيّ: 207.
3- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 213، تهذيب ابن بدران: 4 / 332، مختصر ابن منظور: 7 / 145، كفاية الطالب للكنجيّ: 430، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2614.
القسم الثاني: كتب في جواب ابن زياد
اشارة

روى البلاذريّ ((1)) والدينوريّ ((2)) والطبريّ ((3)) وابن أعثم والخوارزميّ ((4)) وابن الجَوزيّ ((5)) وابن الأثير والنويريّ ((6)) وسبط ابن الجَوزي ((7)) والسيّد ابن طاووس ((8)) وابن حجَر ((9)) والشيخ المفيد والعلّامة المجلسيّ والبحرانيّ ((10)) وغيرهم ما يفيد بوضوحٍ أنّ عُبيد القرود ابن زيادٍ كتب إلى سائسه يزيد يُخبره بقتل المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) على يد رسولَين، وبعث معهما رأس المولى الغريب ورأس هانئ

ص: 193


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 342.
2- الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 242.
3- تاريخ الطبريّ: 5 / 380 _ 381.
4- مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 215.
5- المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 329.
6- الكامل لابن الأثير: 3 / 275، نفَس المهموم للقمّيّ: 120، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 403.
7- تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 140.
8- اللهوف لابن طاووس: 60.
9- الصواعق المحرقة لابن حجَر: 117.
10- الإرشاد للمفيد: 2 / 67، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 359، العوالم للبحرانيّ: 17 / 209.

ابن عروة وابن صلخب، فقدما حتّى دخلا على يزيد..

وقد أتينا على تفصيل خبر هذا الكتاب والرسولَين وما جرى لهما مع يزيد في الجزء السادس من مجموعة (المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) _ وقائع السفارة) ((1))..

فردّ يزيد على كتابه، وكان في الردّ تعليماتٌ استباقيّةٌ قبل وصول سيّد الشهداء (علیه السلام) إلى العراق.

المتون

البلاذريّ:

كتب إليه:

إنّك لم تعد إنْ كنتَ كما أُحبّ، عملتَ عملَ الحازم وصُلتَ صولة الشجاع وحقّقتَ ظنّي بك. قد بلغَني أنّ حسيناً توجّه إلى العراق، فضَعِ المناظرَ والمسالح وأذْكِ العيون واحترس كلّ الاحتراس، فاحبِسْ على الظنّة وخُذْ بالتهمة، غير أن لا تقاتل إلّا مَن قاتلك، واكتب إليّ في كلّ يومٍ بما يحدث من خيرٍ إن شاء الله ((2)).

ص: 194


1- أُنظر: المولى الغريب مسلم بن عقيل _ المجموعة الكاملة: 6 / 453 وما بعدها.
2- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 342.

الدينوريّ:

فكتب إليه يزيد:

لم نعد الظنّ بك، وقد فعلتَ فعل الحازم الجليد، وقد سألتُ رسوليك عن الأمر، ففرشاه لي، وهما كما ذكرتَ في النصح وفضلِ الرأي، فاستوصِ بهما. وقد بلغَني أنّ الحسين بن عليٍّ قد فصل من مكّة متوجّهاً إلى ما قِبَلك، فأذكِ العيون عليه، وضعِ الأرصاد على الطرق، وقم أفضل القيام، غير أن لا تقاتل إلّا مَن قاتلك، واكتب إليّ بالخبر في كلّ يوم ((1)).

الطبريّ:

فكتب إليه يزيد:

أمّا بعد، فإنّك لم تعد أنْ كنتَ كما أُحبّ، عملتَ عمل الحازم وصُلتَ صولة الشجاع الرابط الجأش، فقد أغنيتَ وكفيت، وصدقتَ ظنّي بك ورأيي فيك، وقد دعوتُ رسولَيك فسألتُهما وناجيتُهما، فوجدتُهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت، فاستوصِ بهما خيراً. وإنّه قد بلغَني أنّ الحسين بن عليٍّ قد توجّه نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترس على الظنّ وخُذ على التهمة، غير

ص: 195


1- الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 242.

ألّا تقتل إلّا مَن قاتلك، واكتب إليّ في كلّ ما يحدث من الخبر، والسلام عليك ورحمة الله ((1)).

إبن أعثم:

ثمّ كتب إلى ابن زياد:

أمّا بعد، فإنّك لم تعد إذا كنت كما أُحبّ، عملتَ عمل الحازم وصُلتَ صولة الشجاع الرابض، فقد كفيتَ ووفيتَ ظنّي ورأيي فيك، وقد دعوتُ رسولَيك فسألتُهما عن الّذي ذكرت، فقد وجدتُهما في رأيهما وعقلهما وفهمهما وفضلهما ومذهبهما كما ذكرت، وقد أمرتُ لكلّ واحدٍ منهما بعشرة آلاف درهم، وسرّحتهما إليك، فاستوصِ بهما خيراً. وقد بلغَني أنّ الحسين بن عليٍّ قد عزم على المسير إلى العراق، فضع المراصد والمناظر، واحترسْ واحبسْ على الظنّ، واكتب إليّ في كلّ يومٍ بما يتجدّد لك من خيرٍ أو شرّ، والسلام ((2)).

الخوارزميّ:

ثمّ كتب لابن زياد:

ص: 196


1- تاريخ الطبريّ: 5 / 380.
2- الفتوح لابن أعثم: 5 / 108.

أمّا بعد، فإنّك عملتَ عمل الحازم وصُلتَ صولة الشجاع الرابط الجأش، فكفيتَ ووفيت، وقد سألتُ رسولَيك فوجدتُهما كما زعمت، وقد أمرتُ لكلّ واحدٍ منهما بعشرة آلاف درهم، وسرّحتهما إليك، فاستوصِ بهما خيراً. وقد بلغَني أنّ الحسين بن عليٍّ قد عزم على المصير إلى العراق، فضع المراصد والمناظر والمسالح، واحترسْ واحبسْ على الظنّ واقتُلْ على التهمة، واكتب في ذلك إليّ كلّ يومٍ بما يحدث من خبر ((1)).

المفيد:

فكتب إليه يزيد:

أمّا بعد، فإنّك لم تعد أنْ كنتَ كما أُحبّ، عملتَ عمل الحازم وصُلتَ صولة الشجاع الرابط الجأش، وقد أغنيتَ وكفيتَ، وصدّقتَ ظنّي بك ورأيي فيك، وقد دعوتُ رسولَيك فسألتُهما وناجيتُهما، فوجدتُهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت، فاستوصِ بهما خيراً. وإنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد توجّه إلى العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترسْ واحبسْ على الظنّة واقتُلْ على التهمة، واكتب إليّ فيما يحدث من خبرٍ إن شاء الله (تعالى) ((2)).

ص: 197


1- مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 215.
2- الإرشاد للمفيد: 2 / 67، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 359، العوالم للبحرانيّ: 17 / 209، أسرار الشهادة للدربنديّ: 229.

إبن الجَوزيّ:

فكتب إليه يزيد:

إنّك على ما أُحبّ، عملتَ عمل الحازم وصُلتَ صولة الشجاع. وقد بلغَني أنّ الحسين قد توجّه نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترسْ واحبسْ [واجلس] على الظنّة وخُذْ على التهمة، غير أن لا تقتل إلّا مَن قاتلك، واكتب إليّ في كلّ ما يحدث من خيرٍ إن شاء الله ((1)).

إبن الأثير، النويريّ:

فكتب إليه يزيد يشكره ويقول له:

وقد بلغَني أنّ الحسين قد توجّه نحو العراق، فضع المراصد والمسالح، واحترسْ واحبسْ على التهمة وخُذ على الظنّة، غير أن لا تقتل إلّا مَن قاتلك ((2)).

سبط ابن الجَوزيّ:

ص: 198


1- المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 329.
2- الكامل لابن الأثير: 3 / 275، نفَس المهموم للقمّيّ: 120، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 403.

فكتب إليه يزيد يشكره ويقول:قد عملتَ عمل الحازم وصُلتَ صولة الشجاع الرابط الجأش، وقد صدق ظنّي فيك. وبلغَني أنّ الحسين قد توجّه إلى العراق، فضع له المناظر والمسالح، واحترسْ منه واحبسْ على الظنّة وخُذْ على التهمة، واكتب إليّ في كلّ ما يحدث من خيرٍ وشرّ، والسلام ((1)).

إبن طاووس:

فأعاد الجواب إليه بشكره فيه على فعاله وسطوته، ويعرّفه أنّه قد بلغه توجّه الحسين (علیه السلام) إلى جهته، ويأمره عند ذلك بالمؤاخذة، والانتقام والحبس على الظنون والأوهام ((2)).

إبن حجَر:

فشكره، وحذّره من الحسين ((3)).

الطُّريحيّ:

فكتب إليه الجواب يقول:

كنتَ كما أردتُ، وفعلتَ ما أحببتُ، وصدّقتَ ظنّي فيك. وقد

ص: 199


1- تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 140.
2- اللهوف لابن طاووس: 60.
3- الصواعق المحرقة لابن حجَر: 117.

بلغَني أنّ الحسين متوجّهٌ إلى العراق، فضع عليه المراصيد،واكتب إليّ بما يحدث من الأُمور، والسلام ((1)).

المقتل المشهور لأبي مِخنَف:

قال: فلمّا وصل الكتاب إلى يزيد (لعنه الله)، فرح واسترّ، ثمّ كتب جوابه:

أمّا بعد، فقد علمتَ أنّك أحبُّ الناس إليّ، ولَعمري لقد نصحتَ وأغنيتَ وكفيتَ وصُلتَ صولة الأسد، ولقد دعوتُ رسولَيك وسألتُهما عمّا شرحت، فوجدتُهما كما ذكرت، فاستوصِ بهما خيراً. وقد بلغَني أنّ الحسين (علیه السلام) توجّه إلى العراق، فضع المراصيد، واكتب إليّ كلّ يومٍ بخبره ((2)).

* * * * *

مقاطع الكتاب
اشارة

إحتوى الكتاب الموجَّه من القرد الأُمويّ إلى جروه المسعور ابن زيادٍ على مقاطع أصليّة:

ص: 200


1- المنتخَب للطُّريحيّ: 2 / 428.
2- مقتل الحسين (علیه السلام) لأبي مِخنَف (المشهور): 39.
المقطع الأوّل: ذَكَر ابنَ زيادٍ وشَكَره
اشارة

شكر اللعينُ فعلة ابن زيادٍ من خلال وصفه ونعت فعله، فوصفه:

الوصف الأوّل: إنّ ابن زيادٍ كما يحبّ يزيد!

إنّه كما يحبّ، وكما كان يظنّ فيه ويتوقّعه وينتظره، إذ إنّه يعرف من قبل ابنَ زيادٍ وأبيه، فإنّهما منذ أن دنّسا الأرض بأقدامهما نشئا تحت أغصان الشجرة الملعونة يرعيان في بستان القرود الأُمويّة، حتّى نسب معاوية زياداً إلى أبيه!

وتاريخ ابن زيادٍ البطّاش المجرم الّذي يسفك الدم الحرام ولا يمتنع عن ارتكاب جميع الآثام وهو يلهو ويلعب وكأنّه لم يفعل شيئاً، كما شهد به المولى العارف العالم ابن عقيل (علیه السلام) !

ولا يخفى أنّ يزيد الخبيث إنّما شكره على قتل البطل الهاشميّ وأنصاره وشيعة أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وفق ما حدّث به ابن زيادٍ نفسه وأخبره به الرسولان.. وهو قد شوّه الأحداث وغيّر الحقائق بالشكل الّذي يبدو فيه بطلاً شجاعاً وذكيّاً حاذقاً ماهراً، ولم ينقل له الحقيقة كما وقعَت في الكوفة، ولم يفصّل ما فعله الفتى الطالبيّ، والحرج والمأزق الّذي تورّط به، والأيّام الصعبة العسيرة المكفهرّة الّتي أظلم نهاره عليه بظلّ مسلم بن عقيل (علیه السلام) الّذي سدّ عليه الفروج وجحره حتّى أوصد عليه أبواب القصر وبقي يتمنّى

ص: 201

اللحظة الّتي تنقذه من هذا الوجود المهيمن على سير الأحداث والموجّه لمجرياته..

وقد عرفنا يزيد بما وصفه لنا التاريخ وما شهد به سيّد الشهداء وخامس أصحاب الكساء الحسين (علیه السلام) ، وبه نعرف من يكون رضىً له ومحبوباً لديه!

الوصف الثاني: وصفه بالحزم

الحزم: ضبطُ الرجُلِ أمْرَه والحذر من فواته، وفي الحديث: «أَنْ تَنْتَظِرَ فُرْصَتَكَ وتُعاجِلَ ما أَمْكَنَك»، وكذا ورد في الحديث أيضاً في الحزم: الظفر بالحزم، والحزم بإجالة الرأي، والرأي بتحصين الأسرار. فالحزم أن تقدم العمل للحوادث الممكنة قبل وقوعها ((1)).

وهذا الوصف أبعَدُ ما يكون عن ابن زياد، غير إنّه وصف ليزيد ما فعله، فكان وصف يزيد تكراراً لما نسبه ابن زيادٍ لنفسه، فقد زعم أنّه استقبل الأُمور مع المولى مسلم بن عقيل (علیهما السلام) استقبالاً وجعل عليه العيون ودسّ إليه الرجال، وغيرها من الفعال الّتي تفيد أنّه قد عرف بالضبط ما يدور حوله وأخذ زمام المبادرة بيده..

ص: 202


1- أُنظر: مجمع البحرين للطُّريحيّ: حَزَمَ.

والحال أنّ سفير الحسين (علیه السلام) كان هو المبادِر طيلة فترة وجوده في الكوفة، حتّى وقع أسيراً بعد أن صرعَتْه الجراحات الثقيلة وبلغ به العطش، بل حتّى بعد أن وقع في الأسر كان هو المهيمن على الموقف بلسانه ومواقفه وشجاعته، بحيث أخرس الطاغي وألقمه الأثلب والكثكث ملأ فمه.

الوصف الثالث: وصفه بالشجاع

وصفه بقوله: «صُلتَ صولة الشجاع.. الرابض..».

لابدّ ليزيد أن يشجّع جروه ويشدّ قلبه وأَزره ويلقّنه أنّه كفوٌ لما أُمِر به، لأنّه يحتاجه فيما يستقبل من الأيّام، ومضطرٌّ لعرضه كسلطانٍ متسلّطٍ صاحب سطوةٍ وبطشٍ، ليُخيف به ويُرعب الناس..

أيّ شجاعةٍ بدَتْ من الدعيّ؟ في أيّ موقفٍ من مواقفه بين يدَي البطل الطالبيّ ثبت؟!

أحين دخل النظّارة وهم ينادون: جاء ابن عقيل! فانسلّ عن المنبر وترك جموع المحتشدين في المسجد يسمعون خطابه، وانجحر في القصر وأوصد الأبواب؟!

أَم حين تفرّق عسكره في الكوفة بعد أن نودي بالشعار، فبقي يقرض ذيله ويتشبّث بالرجال حوله استيحاشاً؟!

أَم حين انفضّ الجمع وولّوا الدبر ليلة أحاطوا بالقصر، فأبى أن يخرج إلّا

ص: 203

أن تنزل شعل نيران المشاعل وتمسح ما تحت التخاتج؟!

أَم حين أراد أن يصلّي بالناس، وقد أحاط به الحرس والشرطة وجعل الحرس الخاصّ حوله، وكلّف أمير شرطته أن يبقى واقفاً مراقباً؟!

لم يظهر في المسجد للناس إلّا بعد أن كان يطمئنّ من تأمين الحماية الكافية، فيخرج والسيوف تلمع بين يديه وتحيطه من كلّ حدَبٍ كالحلقة.. وهو مع ذلك يتلدّد يميناً وشمالاً؟!

لم يسجّل له أيّ مواجهةٍ مع البطل الطالبيّ قبل أن يقع في الأسر.. وبعد الأسر كان يرتجف رغم سطوة السلطان، ولم يمثل بين يدَي سفير الحسين (علیهما السلام) إلّا بعد أن توثّق من وثاق الأسد الهصور وأنّه قد كُتِف، ومع ذلك فقد أُدخِل إلى المجلس والجلاوزة تحيط به؛ خوفاً وفَرَقاً من سطوة سليل إبراهيم الخليل!

لقد شهد التاريخ والنسب والحسب والسيرة الذاتيّة كلّ صور البطولة والشجاعة لمسلم بن عقيل (علیهما السلام) ، ولازالت ذكريات بسالته وشجاعته وسطوته ترنّ في أسماع الزمن وتتجاوب بها جدران المسجد الأعظم وقصر الإمارة.. كما قد شهد التاريخ بجبن ابن الأَمة الفاجرة رغم بطشه إذا كان معه أحد، وقد أتينا على تفصيل ذلك في دراساتٍ سابقة.

ص: 204

الوصف الرابع: رابط الجأش

وصفه بأنّه رابط الجأش..

والجَأْش: القَلْب، والنفْس، والجَنان، يُقال: فلانٌ رابط الجَأْش، أي: ثابِتُ القلب، لا يرتاع ولا ينزعج للعظائم والشدائد ((1)). والقلب وهو رواعة إذا اضطرب عند الفزع، يُقال: فلانٌ رابط الْجَأْشِ، أي: ربط نفسه عن الفرار لشجاعته ((2)).

والكلام هنا تماماً كالكلام في وصفه بالشجاعة، وأيّ قلبٍ كان لابن زياد، وأيّ ثباتٍ ورباطة جأشٍ وهو يتفرقع كالشعيرة على حديدةٍ محماة، ولا يهدأ له روعٌ مع كلّ ما يحيط به من جُندٍ وشرطةٍ وغوغاء؟! وقد سلبه المولى مسلم بن عقيل (علیه السلام) قراره، وأفرغ قلبه وجعله خاوياً مضطرباً، وهو وحده لا ناصر له ولا معين!

لقد كانت صورة المولى مسلم بن عقيل (علیه السلام) وشجاعته وصولته تجيش الرعب والخوف في أعماق ابن زياد، فكان يجيّش لها الذئاب الّتي تحوطه لتمزّق أوصاله.. أمّا هو نفسه فقد التصق بجدران القصر العالي الأسوار المنيع المحصّن بالأبراج كأنّه القلعة المنيعة، وراح يبدّد قلقه وخوفه بقضم

ص: 205


1- أُنظر: النهاية في غريب الحديث: جاشَ.
2- أُنظر: مجمع البحرين للطُّريحيّ: جَيَشَ، ولسان العرب: جاشَ.

ذيله بسرعة، وقد ملأ الكوفة خيلاً ورجالاً، وحشّد الغوغاء وشيوخ العشائر والعرفاء.. والمولى الغريب مسلم (علیه السلام) وحده يدير الميدان كما يحلو لسيفه، ويستحثّ ملك الموت ومالك خازن النيران ويوجّههما حيث يشاء!

أجل، لابن زيادٍ قدمٌ راسخٌ وجأشٌ رابطٌ في الإقدام على حُرمات الله وارتكاب كلّ ما حرّمه الله، إرضاءً لعَبَدة الشيطان واتّباعاً لمردة عفاريت السقيفة والمجرمين بحقّ البشريّة طول الزمان.

وهكذا قِسْ بقيّة ما وصف به القرد المجدور جروه المسعور في باقي الكتاب.

المقطع الثاني: ذَكَر الرسولَين ومدَحَهما
اشارة

أفادت جملة النصوص الواردة فيما ذكره القرد المجدور يزيد حول الرسولَين ورأيه فيهما عدّة نقاط:

النقطة الأُولى: دعوتهما من قِبَل يزيد

المفروض أنّهما رسولان لقرد هند، ويحملان معهما كنزاً ثميناً وبشرى لابن آكلة الأكباد، فلابدّ أن يستقبلهما ويستلم منهما الكتاب والرؤوس المقدّسة.

بَيد أنّه عبّر عن ذلك بالدعوة، أو أنّه خصّهما بدعوةٍ وأقام لهما مأدبةً وخلى بهما؛ لتكون لهما ميزةٌ وزلفةٌ خاصّة، ويُشعِرهما وغيرَهما أنّهما

ص: 206

مقرّبان، كما تفيد لفظ: «وناجيتُهما»، والإقبال عليهما بالسؤال منهما والاهتمام بشأنهما.

النقطة الثانية: شرح ما ذكره ابن زياد

إنّهما شرحا له ما ذكره ابن زيادٍ وفرشاه له، وأطالا فيما اختصره الكتاب، وقد شهد يزيد أنّهما تحدّثا تماماً كما ذكر ابن زياد، فهما رسولان مِن عنده، ومكلَّفان مِن قِبَله أن يرسما للقرد المجدور الصورة الّتي يريدها هو وفق مشتهياته، فهما لم يحدّثاه بما جرى كما جرى، وإنّما كما أراد ابن زيادٍ أن يخبر به ويرسمه.. وإذا كان سيّدهما يكذب في كتابه كذباً مفترعاً ويسجّله، فكيف بهما وهما موصيان!

النقطة الثالثة: تأكيد يزيد على نذالتهما

لقد شهد ابن زيادٍ لهذين العلجَين بالنصيحة والإخلاص والرسوخ في مذهبهما، فلمّا خالطا القرد المخمور واستروح منهما قيأه، شهد لهما بجميع ما شهد لهما به جروه، وفي هذا كفايةٌ لمعرفتهما والاطّلاع على مدى انصهارهما في الولاء لأولاد البغايا.

النقطة الرابعة: الجائزة والوصيّة بهما

أمر يزيد لكلّ واحدٍ منهما بعشرة آلاف، كما في نصّ ابن أعثموالخوارزميّ، واستوصى بهما ابن زياد..

ص: 207

فأيّ بشرى أدخلاها على قلب هذا القرد المنحطّ، وأيّ شيءٍ وجد فيهما وعرفه في خلالهما وخصالهما وخلوصهما ونصيحتهما، بحيث نالا عنده الحظوة وتقرّبا إليه بهذه الخطوة؟!

المقطع الثالث: إصدار الأوامر
اشارة

أشار القرد الأبقع في ذيل كتابه إلى خبرٍ مهمٍّ بلغه، وهو توجُّهُ سيّد شباب أهل الجنّة إلى العراق! والحال أنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) توجّه إلى العراق في الثامن من ذي الحجّة، وهو يوم النداء بالشعار، فكان خروجه من مكّة بعد أن استتبّ الوضع وأعلنَت الكوفة إذعانَها وخنوعَها وخضوعَها الكامل للسلطة، وقد استبق الأحداث باتّخاذ كلّ التدابير لملاحقة سيّد الشهداء (علیه السلام) ومحاصرته واستئصال آل محمّدٍ (صلی الله علیه و آله) وذرّيّة الطاهرة البتول فاطمة الزهراء (علیها السلام) ، وهو اليوم الّذي كان يسعى إليه الثائرون لقتلى بدرٍ وأُحُدٍ والأحزاب، ويتمنّاه جرذان السقيفة ورؤوسها، ويخطّط له ذراري القرود والوزغ، ليتسنّى لهم ترويح جمرة الانتقام الّتي لا تخمد في قلوبهم الوغرة على النبيّ (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين عليّ (علیه السلام) ..

* * * * *أصدر ابنُ آكلة الأكباد حزمةً من الأوامر لجروه المتوحّش في ذيل الكتاب تخصّ مستقبل الأحداث المترقّبة القريبة، يمكن إجمالها كالتالي:

ص: 208

الأمر الأوّل: وضع المناظر والمسالح، ووضع الإرصاد على الطرق.

الأمر الثاني: إذكاء العيون.

الأمر الثالث: الاحتراس كلّ الاحتراس.

الأمر الرابع: الحبس على الظنّة.

الأمر الخامس: الأخذ بالتهمة والقتل على التهمة، حتّى يُكفى أمرُ سيّد الشهداء (علیه السلام) .

الأمر السادس: أن لا يقاتل مَن لا يقاتله.

الأمر السابع: أن يكتب إليه في كلّ يومٍ بما يحدث من خبرٍ ويتجدّد من خيرٍ أو شرّ، ولا ندري ما إذا كان البريد يصله كلَّ يومٍ أو خلال أيّامٍ قليلةٍ جدّاً بحيث يصدق عليه أنّه يكون مطّلعاً على كلّ ما يحدث ويتجدّد.

ويمكن أن نتناول الأوامر كلّاً على حِدَة:

الأمر الأول: التجسّس والاحتراس
اشارة

• فضَعِ المراصدَ ((1)) على الطرق ((2))..

ص: 209


1- الفتوح لابن أعثم: 5 / 108، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 215، الكامل لابن الأثير: 3 / 275، نفَس المهموم للقمّيّ: 120، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 403، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 94.
2- الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 242.

• فضَعِ المناظرَ ((1)) والمسالح ((2))، واحترِسْ ((3)) منه ((4)) كلَّ الاحتراس ((5))..

• وأَذْكِ العيونَ ((6)) عليه ((7))..

يفيد مؤدّى الكتاب أنّ المقصود من الاحتراس ووضع المسالح والمناظر

ص: 210


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 342، تاريخ الطبريّ: 5 / 380 _ 381، الفتوح لابن أعثم: 5 / 108، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 215، المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 329، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 140، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165.
2- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 342، تاريخ الطبريّ: 5 / 380 _ 381، المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 329، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 140، الكامل لابن الأثير: 3 / 275، نفَس المهموم للقمّيّ: 120، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 403، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 215، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165.
3- الفتوح لابن أعثم: 5 / 108، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 215، المنتظَم لابن الجَوزي: 5 / 329، الكامل لابن الأثير: 3 / 275، نفَس المهموم للقمّيّ: 120، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 403، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165.
4- تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 140.
5- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 342.
6- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 342.
7- الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 242.

والمراصد وإذكاء العيون إنّما هو شخص سيّد الشهداء (علیه السلام) ، ويؤكّد ذلك ما ورد في (التذكرة) لسبط ابن الجَوزيّ: «احترسْ منه»، وما ورد في (أخبار) الدينوريّ: «وأذكِ العيون عليه».. فإنّ الضمير في «منه» و«عليه» يعودان بالتأكيد على سيّد الشهداء (علیه السلام) .

فهي إجراءاتٌ تخصّ الإمام الحسين (علیه السلام) ، وهي غير الإجراءات العامّةالّتي سيأتي الحديث عنها الّتي ربّما شملَت العموم، وعلى الأقلّ لابدّ من القول أنّ الإمام (علیه السلام) هو المقصود الأوّل فيها.

والمطلوب في هذا الأمر:

المطلوب الأوّل: وضع المراصد والمناظر

ربّما كان بعض العناوين المدرجة في الأمر الأوّل متداخلة، بَيد أنّها تختلف في بعض الخصوصيّات والجهات، فيؤدّي الاختلاف إلى اختلاف المطلوب، فربّما كان المرصد والمنظر غير المسلحة من حيث اختلاف تعريفها في اللغة.

وكان المطلوب الأوّل يركّز على المراصد والمناظر.

والمراصد: جمع المرصد، وهو موضع الرصد والترقّب، ورصدتَه: إذا قعدتَ له على طريقه تترقّبه ((1)).

ص: 211


1- أُنظر: مجمع البحرين للطُّريحيّ: رَصَدَ.

والمناظر: جمع المنظر، وهو الأرض المرتفعة الّتي يمكن أن يشرف منها فينظر.

فهو يأمر جروَه أن ينصب الربايا ليرصد الحركة في الطرق والصحراء والموالج والمخارج، ليترقّب أيَّ حركةٍ يمكن أن تشي بوجود سيّدالشهداء (علیه السلام) ، فيمسح الطرق جميعاً لمراقبته.

ويبدو أنّ المرصد والمنظر لا يُؤخَذ فيه أن يكون الراصد مسلَّحاً، ويكفي أن يكون في موضعٍ يمكنه أن يراقب الطريق ليكتشف حركة مَن يراقبه فيتابعها ويخبر عنها، فيقول مثلاً أنّه سلك الطريق الفلاني ووصل إلى المنزل الكذائي، وهكذا..

المطلوب الثاني: وضع المسالح

المَسْلَحة: قومٌ في عُدَّةٍ بموضع رَصَدٍ قد وُكِّلوا به بإِزاء ثَغْر، واحدُهم مَسْلَحِيٌّ، والجمع المَسالح، والمَسْلَحة كالثَّغْر والمَرْقَب.

ومَسْلَحَةُ الجُنْد: خطاطيف لهم بين أَيديهم ينفضون لهم الطريق، ويَتَجَسَّسُون خبرَ العدوّ ويعلمون علمهم، لئلّا يَهْجُم عليهم، ولا يَدَعَون واحداً من العدوّ يدخل بلاد المسلمين، وإنْ جاء جيشٌ أنذروا المسلمين.

والمَسلَحَةُ: القومُ الّذين يحفظون الثغور من العدوّ، سُمّوا مَسْلَحةً لأنّهم يكونون ذوي سلاح، أو لأنّهم يسكنون المَسْلَحة، وهي كالثغر والمَرْقَب

ص: 212

يكون فيه أقوامٌ يَرْقُبون العدوَّ لئلّا يَطْرُقَهم على غَفْلة، فإذا رأَوه أعلمُوا أَصحابَهم لِيتأَهّبُوا له ((1)).ربّما كان الفرق بين المراصد والمسالح فيما تضمّنه التعريفان، فإنّ في المسالح رجالاً مسلّحين يرقبون العدوّ ويحفظون الثغور ويمسحون الطريق ويتجسّسون خبر العدوّ، فهم يتحرّكون على الأرض لاستقصائها، سيّما إذا لاحظنا قولهم: «خطاطيف للجُند بين أَيديهم ينفضون لهم الطريق»، بل حتّى لو فرضنا أنّها مفرزةٌ ثابتةٌ في مكانها، بَيد أنّها تكون مسلحةً بحيث يمكنها الاشتباك مع العدوّ لمشاغلته وإيقاف تقدُّمه إلى حين وصول الجيش.

المطلوب الثالث: إذكاء العيون

يبدو أنّ إذكاء العيون أعمُّ من المراصد والمناظر والمسالح؛ فالعيون يمكن أن تنتشر في كلّ مكانٍ في الداخل والخارج، وهي لا تتزيّا بالزيّ العسكريّ، وليس لها موضعٌ معيّنٌ تلتزم به كنقطة مراقبةٍ أو ربيةٍ أو كمينٍ في مرتفعٍ أو ما شاكل..

وربّما أفاد قوله: «إذكاء العيون»، أنّ العيون عاملةٌ محدقةٌ ترصد ما

ص: 213


1- أُنظر: لسان العرب: سَلَحَ.

هبّ ودبّ، غير أنّه يطالبه بإذكائها وإدخالها في حالةٍ من الإنذار المشدّد.

المطلوب الرابع: الاحتراس كلّ الاحتراس!

ذكر القرد المخمور المسعور ثلاث طرقٍ أمر بها، ثم أمره أمراً عامّاًترك فيه الخيار لنغلهم ابن الأَمة الفاجرة ليختار الوسائل والأدوات الّتي تفي بالغرض، فأمره بالاحتراس، وأكّد عليه باستغراق واستيعاب جميع الموارد والوسائل الّتي يمكن أن توفّر له الاحتراس، فقال: «كلّ الاحتراس»! وفي هذا تأكيدٌ مشدَّدٌ على الحذر في أقصى درجاته وبجميع وسائله وأدواته.

الأمر الثاني: الأخذ على الظنّة

ورد هذا الأمر في المصادر على اختلافها بهذه الألفاظ الثلاثة تقريباً:

• واحبسْ على الظنّ، أو: الظنّة ((1)).

• واحترسْ على الظنّ ((2)).

ص: 214


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 342، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 94، الفتوح لابن أعثم: 5 / 108، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 215، المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 329، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 140، الإرشاد للمفيد: 2 / 67، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 359، العوالم للبحرانيّ: 17 / 209.
2- تاريخ الطبريّ: 5 / 380 _ 381.

• وخُذْ على الظنّة ((1)).

والمعنى فيها متقارب؛ فالاحتراس والأخذ يتمّ بالحبس، والظنّ والظنّة: التهمة والاتّهام ((2)).

وربّما أفاد جمع (الظنّة) و(التهمة) معاً في الكتاب الواحد أنّ الظنّة ما هو دون التهمة وأقلّ منها، ولو كان مجرّد شكّ، سواءً كان في الفعل ما يساعد على الاتّهام أو لا..فيكفي مجرّد الشكّ أو الاحتمال والتوهُّم مهما كان ضئيلاً لإلقاء القبض على الفرد المظنون..

وربّما شهد لذلك اختلاف الحكم في الحالَين، فقد حكم على المظنون أن يُؤخَذ أو يُحبَس أو يُحترَس منه، فيما روى ابن شهرآشوب والخوارزميّ والمفيد والمجلسيّ وغيرهم الحكم بالقتل على التهمة، «واقتُلْ على التهمة حتّى تُكفى أمره» ((3))، «واقتُلْ على التهمة» ((4)).

ص: 215


1- الكامل لابن الأثير: 3 / 275، نفَس المهموم للقمّيّ: 120، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 403.
2- ظَنَنْتُه ظَنّاً وأظْنَنْتُه واظْطَنَنْتُه: اتَّهَمْتُه، والظِّنَّة: التُّهَمَة (أُنظر: لسان العرب: ظَنَنَ.
3- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 94.
4- مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 215، الإرشاد للمفيد: 2 / 67، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 359، العوالم للبحرانيّ: 17 / 209.

فيكون حينئذٍ معنى (الأخذ) ((1)) على التهمة الوارد في لفظ بعضهم: (القتل).. وربّما فُهِم معنى الحبس في لفظ ابن الأثير: «واحبِسْ على التهمة» ((2)) أيضاً بمعنى القتل أو مقدّمة القتل، ويمكن أن تكون التهمة في لفظ ابن الأثير وغيره بمعنى (الظنّة) تماماً..

وربّما جمع كلام السيّد ابن طاووس معاني كلام القوم حين قال: «ويأمره عند ذلك بالمؤاخذة، والانتقام والحبس على الظنون والأوهام» ((3)).

الأمر الثالث: لا تقاتِلْ إلّا مَن قاتلك

جاء الأمر في المصادر المتقدّمة _ من قبيل البلاذريّ والدينوريّ _ بلفظ: «غير أن لا تقاتل إلّا مَن قاتلك» ((4))، ثمّ تغيّرت كلمةٌ واحدةٌ عند

ص: 216


1- في تاريخ الطبريّ: 5 / 380 _ 381، المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 329، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 140: «وخُذْ على التهمة»، وفي جُمل من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 342: «وخُذْ بالتهمة».
2- الكامل لابن الأثير: 3 / 275، نفَس المهموم للقمّيّ: 120، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 403.
3- اللهوف لابن طاووس: 60.
4- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 342، الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 242.

الطبريّ ومَن تلاه فقالوا: «غير أن لا تقتل إلّا مَن قاتلك»! ((1))

فربّما دلّت عبارة البلاذريّ والدينوريّ على معنىً لا يصطدم بالأوامر الأُخرى الصادرة في الكتاب، أمّا عبارة الطبريّ ومَن تلاه فإنّها قد تفسَّر بمعنىً لا ينسجم مع الموادّ الأُخرى، إذ أنّه أمره أن يقتل على التهمة، فكيف يأمره هنا أن لا يقتل إلّا مَن قاتله؟

إلّا أن يُقال: إنّ ثَمّة تصحيفاً أو أنّ حرفاً واحداً (الألف) في (تُقاتِل) قد سقط، أو يقال: إنّ المراد بلا تقتل أي لا تقاتل، فيكون المعنى واحداً.

وكيف كان، فإنّ القرد المسعور يأمر جروه المتوحّش أن لا يقاتل من لا يقاتله؛ لئلّا يتورّط في حربٍ جانبيّةٍ ويتشاغلَ بصراعاتٍ تفرّق عسكره وتبدّد قوّته وتُضعِف جانبه في الحرب الّتي يسعى لها حفيد أبي سفيان، فلا يحقّق له ما يروم من قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) .

وربّما كانت إشارةً منه أن لا يقاتل أحداً سوى مَن أمره بقتاله، وهو سيّد الشهداء الحسين (علیه السلام) ! ولا يعتني بغيره إذا ظفر به، إذ أنّ من الواضح أنّه قد أمر جروه بقتل سيّد الشهداء (علیه السلام) ، وما ضمّ الكوفة إلى ولايته إلّا مِن

ص: 217


1- تاريخ الطبريّ: 5 / 380 _ 381، المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 329، الكامل لابن الأثير: 3 / 275، نفَس المهموم للقمّيّ: 120، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 403، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165.

أجل ذاك!

الأمر الرابع: عدم قطع الأخبار عنه

• واكتُبْ إليّ في كلّ ما يحدث من خبر ((1)).

• واكتُبْ إليّ في كلّ يومٍ بما يحدث من خيرٍ إن شاء الله ((2)).

• واكتُبْ إليّ بالخبر في كلّ يوم ((3)).

• واكتُبْ إليّ في كلّ يومٍ بما يتجدّدُ لك من خيرٍ أو شرّ ((4)).

• واكتُبْ في ذلك إليّ كلَّ يومٍ بما يحدث من خبر ((5)).

• واكتُبْ إليّ في كلّ ما يحدث من خيرٍ إن شاء الله ((6)).

• واكتُبْ إليّ في كلّ ما يحدث من خيرٍ وشرّ ((7)).

مؤدّى عبارات المؤرّخين المذكورة _ على اختلاف ألفاظها المتقاربة _

ص: 218


1- تاريخ الطبريّ: 5 / 380 _ 381، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165.
2- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 342.
3- الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 242.
4- الفتوح لابن أعثم: 5 / 108.
5- مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 215.
6- المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 329.
7- تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 140.

أن لا يقطع أخبار ما يجري في الكوفة من خيرٍ أو شرّ، وكلَّ ما يتجدّد ويحدث، ويكتب إليه في كلّ يوم.فهل كان البريد يصل كلّ يومٍ إليه، بحيث يكون خبر ذلك اليوم قد وصل إليه في نفس اليوم؟

ولا يبعد ذلك؛ حيث كان خطّ البريد يمتاز بالسرعة والتنظيم والعدّة الكافية، والأفراس المعدّة للبريد تتميّز عن سائر الأفراس بالسرعة المذهلة والخفّة والتهام الطريق وقطع المسافات في أوقاتٍ قياسيّةٍ خاطفة، وهي لا تعدو سوى مسافة قصيرة، ثمّ يُدفَع البريد إلى فرسٍ وفارسٍ جديدٍ ليقطع مسافةً جديدةً يعدو فيها غاية طاقته وجهده ليدفع إلى مَن بعده، وهكذا.. فتُقطَع المسافة كلّها بأفراسٍ نشيطةٍ قويّةٍ سريعةٍ غير مُتعَبة، فلا يبعد أن يصل الكتاب نفس اليوم من الكوفة إلى الشام.

أو أنّ المقصود أن يكتب له كلّ يومٍ بما يتجدّد، وإنْ كان يصل إليه متأخّراً عن يوم وقوع الحدَث، غير أنّه سيتابع الأحداث بشيءٍ من التأخير ليس إلّا.

وظاهر العبارة يفيد الأوّل، والله العالم.

وربّما ترتّب على ذلك أنّ يزيد الخمور والفجور سيكون في الصورة بشكلٍ دائمٍ وسيتابع الأحداث، ويكتب له بما يراه ويأمر به كلّ يومٍ أيضاً.

ص: 219

وهذا يعني تكذيب أيّ ادعاء، سواءً كان من قِبَل يزيد الخنا، أو منقِبَل المؤرّخ الّذي يزعم أنّ ما فعله ابن زيادٍ إنّما عجّل به على الإمام الحسين (علیه السلام) وأنّ يزيد لم يكن ليرضى بما فعل، أو أنّه لم يعلم بما فعل.. ولم يفعل ابن زيادٍ إلّا ما أمره به سائسُه أو خوّله به، ولو من خلال التخويل العامّ الّذي خوّله به في قوله: «وقُم أفضل القيام» ((1)).

وله أن يتّخذ أيّ إجراءٍ يوفّر له الضمانات الكافية، ويعمل أيَّ عملٍ يسمح له بتنفيذ أوامر سيّده ويحقّق له مراده في التخلّص من عدوّه، إذ عليه أن يقوم بما أمره «أفضل القيام»!

* * * * *

هذه الأوامر الصارمة تكشف عن أجواء الرعب الّتي خيّمَت على المنطقة الممتدّة في الصحراء الّتي يتحرّك فيها الركب الحسينيّ الحزين، وتُنبئ عن الارتجاج والزلزال الهائل الّذي ضرب الكوفة وضواحيها ومخارجها وموالجها، فالعيون حادّةٌ مُحدِقةٌ تحصي الأنفاس في جميع الأرجاء، وتمتدّ إلى أقصى الخصوصيّات، وتخترق حريم العشائر والقبائل والدور والبيوت والقوافل، والحركة مرصودةٌ ولو كانت دبيباً في رمال المفاوز والصحارى

ص: 220


1- الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 242.

والقفار، والمسالح والمناظر والمراصد مزروعةٌ في كلّ اتجاه، والربايا تجعل الطرق تحت الإشراف المباشر لملاحقات العساكر.. العساكر الّتي كانت تجوب الصحراء تبحث عن الصيد السماويّ الأعظم، المتعطّشة للولوغ في الدماء الزاكية، المتألّبة على انتهاك حرم الله وحرم رسوله.. وقد أعدّت مخالبها وأنيابها لتقطيع أوصال العترة الطاهرة، واشتدّ ولعها وتجيّش توحّشها لاستخراج العلقة من جوف سيّد الشهداء (علیه السلام) ..

وقد أُطلقت الوحوش الكاسرة على كلّ ما هبّ ودبّ في الكوفة، لتكون مجرّد التهمة كافيةً لاستباحة الحريم، والظنّة موجبةً لسفك الدم..

لقد التهبت شوارع الكوفة وأزقّتها، وانتشرت النار إلى أطرافها وأكنافها والمنازلِ والطرقِ المؤدّية إليها.. واستسلم الناس فيها للطاغية حينما استخفّهم فأطاعوه.. فازدحمَت المناهج والسكك بالرجال، يتكالبون على التقرّب إلى ابن الأَمة الفاجرة، فارتفع الضجيج، وتعالى الصخب، وانبثّت الضوضاء تلفّ الأجواء، وتداخلَت أصوات قعقعة السلاح وصهيل الخيل ودبك حوافرها وسنابكها وأزيز شحذ السيوف وبري الرماح وقدح النبال، وزعقات الرجال يخبطون الأرض ويثيرون رمال الفيافي والصحراء، يستعدّون لارتكاب الجريمة العظمى..

فأغضبَت اللهَ في قتلِهِ

وأرضَتْ بذلك شيطانَها!

ص: 221

عشيّةَ أنهضَها بغيُها

فجاءَتْه تركبُ طغيانَها

بجمعٍ من الأرضِ سدَّ الفروج

وغطّى النجودَ وغيطانَها

* * * * *

لقد حاصر الرجسُ النجسُ سيّدَ الشهداء في مدينة جدّه رسول الله (صلی الله علیه و آله) ومسقطِ رأسه، حتّى خرج منها تحت جُنح اللّيل البهيم، وأمر أن تُؤخَذ منه البيعة وإلّا فهو ينتظر على عجلٍ رأسَه مع جواب الكتاب..

ثمّ حاصره في مكّة حرمِ الله الآمِن، ودسّ شياطينه ليُقتَل ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة..

فخرج الإمام الغريب المظلوم مشرَّداً مطارَداً، متوجّهاً إلى الأرض الموعودة ميمِّماً كربلاء، وإن كانت وجهته المعلَنة الكوفة الّتي وعَدَته النصرة والوفاء..

لقد كانت الكوفة هي البلد الوحيد الّذي أعلن بعضُ أهله يومها استعدادهم للدفاع عن ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) ونصرته، وكان القرد المخمور وجِراؤه قد اطمأنّوا أن لا ناصر لريحانة النبيّ ولا مانع، فالمدينة خذلَته وضيّعَته، ومكّة خذلَته وما أحبَّتْه، وباقي أصقاع الأرض خذلوا وتجاهلوا!

وقد سمع الإمامُ (علیه السلام) في الطريق _ بغضّ النظر عن علم الإمامة _ بنبأشهادة مسلم (علیه السلام) ومَن معه، وارتداد الناس هناك وفقدان الناصر، وأن

ص: 222

ليس له فيها سيفٌ ولا كسرُ سيف، وأنّ الصحراء قد نُظِمَت خيلاً ورجالاً، وأُطبق على الكوفة ومداخلها ومخارجها إطباقاً لا يسمح أن يتسلّل إليها أحدٌ إلّا إذا فُتّش، ومع ذلك استمرّ في المسير.

وكان يزيد يعلم أيضاً أنّ عساكره منتظمةٌ متماسكةٌ في أعلى مراتب الجهوزيّة والاستعداد، ومع ذلك أمر باتّخاذ هذه الحزمة الصارمة القاسية الهوجاء!

المقطع الرابع: جمع المقاطع

يُلاحَظ أنّ يزيد القرود قد كتب كتابين في هذه الفترة إلى ابن زياد، أحدهما استهدف فيه ابن زيادٍ نفسه _ كما سمعنا في القسم الأوّل _، والثاني استهدف فيه الناس في الكوفة، وكلاهما مشحونان بالتهديد الغليظ والوعيد والتهويل والتخويف والإرعاب والتجييش والتحشيد.

جعل ابنَ زيادٍ الوحش الكاسر متنمّراً، وأطلق مخالبه وأنيابه تمزّق كلّ شيءٍ من أجل تحقيق ما يريد ويحاول ويصاول من أجله.

هدّد ابنَ زيادٍ نفسه.. ثم سلّطه على الناس ليهدّدهم به.. وحشر الجميع في وجهةٍ واحدةٍ وحشدهم لقتل ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) ..ونعود هنا لنشير مرّةً أُخرى إلى أنّه لم يصدر _ إلى هذا الحين _ أيّ خطابٍ أو موقفٍ صريحٍ من سيّد الشهداء (علیه السلام) يفيد أنّه يريد منازعة يزيد

ص: 223

سلطانه، أو يقصد محاربته لأيّ غرض، بل لم نسمع من الإمام (علیه السلام) كلمةً هجوميّةً يوجّهها نحو يزيد على رؤوس الأشهاد ويعلنها في خطابٍ عامٍّ ليسمعها الناس!

أمّا ما ذكروه من وصف الإمام الحسين (علیه السلام) ليزيد بأنّه شارب خمرٍ ولاعبٌ بالقرود وغيرها، فهي إمّا في خطابٍ مع معاوية، وهو قبل قيامه (علیه السلام) ، فلا يدخل في البحث، وإمّا مع الوليد والي يزيد على المدينة، وكان ذلك في ديوان الوالي، وقد تفرّد بنقله ابن أعثم.. وفي كلا الخبرَين كان كلام الإمام (علیه السلام) في محضرٍ خاصٍّ وليس عامّاً!

ص: 224

والي يزيد يحاول منع الحسين (علیه السلام) من الخروج من مكّة

المتون

إبن قُتيبة:

فلمّا انصرف عثمانُ بن محمّدٍ من الصلاة، بلغَه أنّ الحسين خرج. قال: اركبوا كلَّ بعيرٍ بين السماء والأرض فاطلبوه. فطُلِب فلم يُدرَك.

قال: ثمّ قَدِم المدينة ((1)).

البلاذريّ:

قالوا: واعترضَت الحسينَ رسُلُ عَمرو بن سعيدٍ الأشدق، وعليهم أخوه يحيى بن سعيد بن العاصي بن أبي أحيحة، فقالوا له: انصرفْ،

ص: 225


1- الإمامة والسياسة لابن قُتيبة: 1 / 176.

إلى أين تذهب؟ فأبى عليهم، وتدافع الفريقان، فاضطربوا بالسياط.

ثمّ إنّ حسيناً وأصحابه امتنعوا منه امتناعاً قويّاً، ومضى الحسينُ على وجهه، فنادوه: يا حسين! ألا تتّقي الله؟ أتخرج من الجماعة؟ ((1))

الدينوريّ:

قالوا: ولمّا خرج الحسينُ من مكّة، اعترضه صاحبُ شرطة أميرها عمرو بن سعيد بن العاص في جماعةٍ في الجند، فقال: إنّ الأمير يأمرك بالانصراف، فانصرِفْ وإلّا منعتُك. فامتنع عليه الحسين، وتدافع الفريقان، واضطربوا بالسياط.

وبلغ ذلك عَمرو بن سعيد، فخاف أن يتفاقم الأمر، فأرسل إلى صاحب شرطه يأمره بالانصراف ((2)).

الطبريّ، ابن كثير:

قال أبو مِخنَف: حدّثَني الحارث بن كعب الوالبيّ، عن عُقبة بن سمعانٍ قال:

لمّا خرج الحسينُ من مكّة، اعترضه رسُلُ عَمرو بن سعيد بنالعاص،

ص: 226


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 375.
2- الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 244.

عليهم يحيى بن سعيد، فقالوا له: انصرفْ، أين تذهب؟ فأبى عليهم ومضى، وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط، ثمّ إنّ الحسين وأصحابه امتنعوا امتناعاً قويّاً، ومضى الحسينُ (علیه السلام) على وجهه، فنادوه: يا حسين، ألا تتّقي الله؟ تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأُمّة! فتأوّل حسينٌ قول الله (عزوجل) : ﴿لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ((1)) ((2)).

إبن عبد ربّه، الباعونيّ:

فلمّا انصرف عَمرو بن سعيد، بلغَه أنّ حسيناً قد خرج، فقال: اطلبوه، اركبوا كلَّ بعيرٍ بين السماء والأرض فاطلبوه. قال: فعجب الناسُ من قوله هذا، فطلبوه فلم يدركوه.

ورجع عَمرو بن سعيدٍ إلى المدينة ((3)).

المفيد، المجلسيّ:

ص: 227


1- سورة يونس: 41.
2- تاريخ الطبريّ: 5 / 385، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 166، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 256.
3- العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 377، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 264، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 256.

وكان الحسين بن عليٍّ (علیهما السلام) لمّا خرج من مكّة اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص، ومعه جماعةٌ أرسلهم عَمرو بن سعيدٍ إليه، فقالوا له: انصرف، إلى أين تذهب؟ فأبى عليهم ومضى، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط، وامتنع الحسينُ وأصحابُه منهم امتناعاً قويّاً ((1)).

الخوارزميّ:

فلمّا خرج اعترضه أصحابُ الأمير عَمرو بن سعيد بن العاص، فجالدهم بالسياط، ولم يزد على ذلك، فتركوه، وصاحوا على أثره: ألا تتّقي الله (تعالى)؟ تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأُمّة! فقال الحسين: ﴿لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ﴾ ((2)).

إبن الأثير:

فاعترضه رسُلُ عَمرو بن سعيد بن العاص _ وهو أميرٌ على الحجاز ليزيد بن معاوية _ مع أخيه يحيى يمنعونه، فأبى عليهم ومضى،

ص: 228


1- الإرشاد للمفيد: 2 / 69، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 365، العوالم للبحرانيّ: 17 / 215، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 237، أسرار الشهادة للدربنديّ: 245، نفَس المهموم للقمّيّ: 171.
2- مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 220.

وتضاربوا بالسياط، وامتنع الحسين وأصحابه ((1)).إبن نما، المجلسيّ:

حدّث عُقبة بن سمعان قال:

خرج الحسينُ (علیه السلام) من مكّة، فاعترضَتْه رسُلُ عَمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيدٍ ليردّوه، فأبى عليهم، وتدافع الفريقان وتضاربوا بالسياط، ثمّ امتنع عليهم الحسين وأصحابه امتناعاً شديداً، ومضى الحسين على وجهه، فبادروا وقالوا: يا حسين! ألا تتّقي الله؟ تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأُمّة! فقال: ﴿لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ((2)).

النويريّ:

فاعترضه رسُلُ عَمرو بن سعيدٍ مع أخيه يحيى يمنعونه، فأبى عليهم ومضى ((3)).

ص: 229


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3 / 276.
2- مثير الأحزان لابن نما: 19، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 368، العوالم للبحرانيّ: 17 / 218، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 237.
3- نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 409.

الطُّريحيّ:

ونقل أنّه لمّا خرج من مكّة اعترضه رسولُ عَمرو بن سعيد _ وفيهم يحيى بن سعيد _ ليردّوه، فأبى عليهم، وتدافع الفريقان وتضاربوا بالسياط، ثمّ امتنع عليهم الحسين امتناعاً شديداً،ومضى لوجهه، فنادوه وقالوا: يا حسين! ألا تتّقي الله؟ تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأُمّة! فقال لهم: ﴿لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ((1)).

* * * * *

يمكن دراسة النصوص المذكورة أعلاه من خلال الإشارات التالية:

الإشارة الأُولى: اضطراب متن ابن قُتيبة

يُلاحَظ في متن ابن قُتيبة اضطرابٌ واضحٌ يكاد يقضي على النصّ ويُسقِطه عن الاعتبار، وفيه من الكذب المُقرِف ما تمجّه الطباع السليمة والسلائق المستقيمة، إذ أنّه يروي خبر خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) بعد أن يفتري عليه في قضيّة الصلاة، وأنّه (علیه السلام) أبى أن يتقدّم على الوالي، فطلب

ص: 230


1- المنتخَب للطُّريحيّ: 2 / 435، أعيان الشيعة للأمين: 1 / 593، لواعج الأشجان للأمين: 74.

منه الناس أن يخرج إنْ أبى التقدُّمَ في الصلاة، ففضّل الصلاةَ في جماعةٍ وصلّى بصلاة الوالي، ثم خرج.. وبعدها يروي خبر خروج الإمام (علیه السلام) وما قاله الوالي، ويزعم أنّ الوالي هو عثمان بن محمّد! ((1))وروى ابن عبد ربّه والباعونيّ نفسَ الحكاية في الصلاة، بَيد أنّهما صحّحا اسم الوالي، وهو عندهما: (عَمرو بن سعيد) ((2)).

أمّا باقي الخبر، فهو أقرب إلى حوادث الخروج من المدينة، والله العالم.

وسيأتي الكلام عنه في محلّه إن شاء الله (تعالى)، على فرض أنّه في مكّة.

الإشارة الثانية: خلاصة الحدَث

لمّا خرج الحسينُ من مكّة، اعترضه رسُلُ عَمرو بن سعيدٍ الأشدق، وعليهم أخوه يحيى بن سعيد، وكان صاحبَ شرطته، في جماعةٍ في الجُند، فقال له: انصرفْ، إلى أين تذهب؟ إنّ الأمير يأمرك بالانصراف، فانصرِفْ وإلّا منعتُك.

ص: 231


1- أُنظر: الإمامة والسياسة لابن قُتيبة: 1 / 176.
2- العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 377، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 264، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 256.

فامتنع عليه الحسين، وتدافَعَ الفريقان واضطربوا بالسياط، فجالدهم بالسياط، ولم يزِدْ على ذلك.

ثمّ إنّ حسيناً وأصحابه امتنعوا منه امتناعاً قويّاً، ومضى الحسينُعلى وجهه.

فتركوه، وصاحوا على أثره: يا حسين! ألا تتّقي الله؟ أتخرج مِن الجماعة وتفرّق بين هذه الأُمّة؟ فقال الحسين: ﴿لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾.

وبلغ ذلك عَمرو بن سعيد، فخاف أن يتفاقم الأمر، فأرسل إلى صاحب شرطه يأمره بالانصراف.

الإشارة الثالثة: فشل عرض الأمان

مرّ علينا فيما سبق أنّ الأشدق كتب كتاباً يعرض فيه الأمان على الإمام (علیه السلام) ويدعوه للبقاء في مكّة، وقد أتينا على دراسته مفصَّلاً.. وعرفنا أنّ خدعته ومكره لم يغنيا عنه شيئاً، وأنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) أبى _ وهو معدن الإباء _ أن يرضخ لوعده الكاذب وأمانه الخائب، وفوّت عليهم فرصة الاستبقاء عليه في مكّة حتّى يتمكّنوا من تنفيذ خطّتهم في اغتياله أو أخذِه هناك، وتعجّل الخروج حمايةً لحرمة البيت وحرمة دمه الزاكي ودماء

ص: 232

مَن معه..

فلمّا يئس الّذين كفروا ورُدَّ مكرهم إلى نحورهم، ولم تعمل خديعتهمكما توهّموا، حاولوا محاولةً أُخرى لم تكن الأجدر ولم تنفعهم شيئاً، كما سنسمع بعد قليل.

الإشارة الرابعة: الظروف المحيطة

كانت المدينة قد أسلمَت القياد لآل أبي سفيان، وخضعَت لتهديدات الأشدق ومَن ولّاه، وكانت مكّة كالمدينة تماماً، وكان الحجيج في غفلةٍ من أمرهم، يخوضون في مناسكهم ويؤدّون طقوسهم الفارغة كأنّهم لا يشعرون بما يجري حولهم من ملاحقة حبيب الله وحبيب رسوله وسيّد شباب أهل الجنّة (علیه السلام) ، وبقيّة العترة الطاهرة الّتي أمر الله ورسول الله بالتمسُّك بها وحمايتها وجعلَها وديعةً في أعناقها إلى يوم القيامة..

وكانت باقي الأمصار تعيش حياتها الرتيبة، وترزح تحت نير البيعة الّتي بايعوا بها يزيد القرود، إنْ في عهد معاوية أو بعده حينما سارعوا إلى تجديدها بعد أن نزا يزيدُ على أعواد المنبر في دمشق الشام..

وكانت الكوفة آنذاك بأكثريّةٍ مشمولةٍ بحكم باقي الأمصار، وأقلّيّةٍ هائجةٍ بانفعاليّةٍ ملغومةٍ مشؤومةٍ متقلّبة، وعددٍ محصورٍ من القلّة الديّانين

ص: 233

الراسخين في الولاء المتوثّبين لنصرة ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله) والدفاع عنعرضه وحرم أمير المؤمنين والذرّيّة الطيّبة من آل ياسين (علیهم السلام) ..

وكانت الكوفة _ يوم أن خرج الإمام (علیه السلام) من مكّة _ قد أسلمَت القياد بالكامل ليزيد وابن زياد، ولم يكن لابن الأَمة الفاجرة معارضٌ فيها بعد أن قتل المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) ومَن استُشهد بين يديه، والتحق الطيّبون من أنصار الحسين (علیه السلام) بالإمام أو راحوا يستعدّون للرحيل، فكانت الأحداث تخمد، وكاد أوارها يخفت، وتهدأ الرنّة وتخبو الرياح الهوجاء الّتي عصفَت الكوفة لأيّامٍ قلائل، إذ أنّ الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) كان قد خرج من مكّة يوم الثامن من ذي الحجّة، وكان المولى الغريب (علیه السلام) قد قضى شهيداً _ حسب التحقيق _ في اليوم التاسع منه.

الإشارة الخامسة: الاستعلاء والعتوّ

مرّ معنا الكلام عن شخصيّة الأشدق وعتوّه وجبروته واستكباره على الله، وهو يخال نفسه رقماً يمكن أن يُعَدّ في الأرقام عند مواجهة سادات الأنام، فاستكبر وتعامل بنَفَس الوالي الحاكم المتسلّط المتعجرف، فأرسل إلى الإمام (علیه السلام) كتاباً يعرض فيه الأمان، وهو أذلّ وأحقرّ وأدون وأزرى من أن يعطي أماناً لمن جعل الله أمان الدارَين بالتمسُّك به وبولايته.. فمَن

ص: 234

هو هذا الرجس النجس الدنس الخاضع الخبيث الخسيس الخانع الدنيء السافل الساقط الضئيل المتهالك المتهاوي، حتّى يرى نفسه في مِثل هذا الموقع؟! لكنّ لله في خلقه شؤون.. وهو الحكيم الخبير..

والآن يتعامل بنفس تلك النفس الخبيثة المتهاوية في قيعان الرذيلة والعتوّ والاستكبار، الناشيء من الإحساس بالحقارة والضعة والضياع.. فيُرسل صاحبَ شرطَته ليبلّغ الإمام (علیه السلام) مهدِّداً أنّ الوالي يأمره بالانصراف!

فمَن هو هذا اللُّكَع الأحمق التافه الأخرق الأبله الجبان الّذي يتصرّف باختيالٍ وتباهٍ وتبختُرٍ وتعاظُمٍ وتعجرفٍ وتغطرسٍ وجبروتٍ وخيلاء وزهوٍّ مع سيّد الكون وإمام الثقلين؟!

لم يحضر بنفسه الحقيرة، وإنّما يُرسل له رسول.. ويجعل رسولَه رئيس شرطته.. ويرسله بجماعةٍ من جُنده.. ويحمّله رسالةً بلُغة الآمِر.. إنّها كلّها من عجائب الدهر الخؤون.. لله صبرك يا أبا عبد الله الحسين!!!

يأمر بالانصراف.. ولم يترك الأمر بتبليغ الرسالة.. وإنّما يردّ هو بنفسه فيقول: يأمرك بالانصراف، فانصرِفْ!!! ثمّ يتبع ذلك بتهديد: وإلّا منعتُك!!!

مَن هؤلاء الأقزام الّذين تطاولوا على سادات البشر وتنافخوا، وخالوا أنفُسَهم يتعاظمون إذا ما نفخوا أنفسهم وقفّوا شعورهم وأرجفوا جلودهم،

ص: 235

تماماً كما لو تنافخ الجرذ الهزيل ليُرعب الأسد الهزبر وليث الشرى؟!

الإشارة السادسة: هيئة الركب!

أشرنا في دراساتٍ سابقةٍ إلى هيئة ركب سيّد الشهداء (علیه السلام) الخارجِ من المدينة ومن مكّة، وربّما نضطرّ إلى العودة إلى نفس العنوان بحكم ضرورات البحث، وسنكتفي هنا بالإشارة السريعة الّتي تفرضها علينا مواكبة ركب الكُرب والمحَن والشهادة والأحزان..

خرج الإمام الحسين (علیه السلام) من مكّة تماماً كما خرج من المدينة.. ركبٌ يضمّ عدداً كبيراً من النساء والأطفال والشباب والفتية والموالي والإماء.. ركبٌ يضمّ أُسرةً واحدة.. عائلةً واحدة.. ينتمون إلى شجرةٍ واحدة.. آلِ أبي طالب (علیهم السلام) لا غيرهم.. إلّا القليل من الموالي.. وربّما أُضيف إليهم في مكّة عددٌ قليلٌ قليلٌ من الأنصار، كما سنتعرّف إليهم في محلّه إن شاء الله (تعالى)..

لم يكن فيهم رجالُ حربٍ وقتالٍ قد مارسوا الحرب والقتال قبل يوم الحسين (علیه السلام) في كربلاء.. أو لم يكونوا معروفين بذلك، ولم تذكر لهم أيّامُ العرب وأيّام المسلمين مشاركاتٍ في الحروب والوقائع قبل كربلاء..

كان فيهم من الرجال المقاتلين المحاربين المشهورين: سيّدُ الشهداء

ص: 236

نفسه _ فداه العالمين _، وأبو الفضل العبّاس (علیه السلام) ، والمولى الغريب مسلم ابن عقيل (علیهما السلام) ، وقد ترك الركبَ في مكّة وسبقهم إلى الشهادة.. وربّما كان فيهم بعضُ أولاد عقيلٍ ممّن شارك في معارك قبل يوم الحسين (علیه السلام) ..

أمّا الآخَرون من فتيان آل أبي طالب (علیهم السلام) ورجال بني هاشم، مِن أمثال المولى الحبيب عليّ الأكبر وأولاد عقيل وأولاد جعفر (علیهم السلام) وغيرهم، فإنّهم لم يُعرَف عنهم أنّهم قد شاركوا في حروبٍ سابقة، وكذا أمثال القاسم بن الحسن وباقي أولاد الإمام الحسن (علیهم السلام) ، وغيرهم.. فلا يمكن أن يكون للركب سمةٌ حربيّةٌ أو مسحةٌ قتاليّة، فهو مكوَّنٌ من النساء والأطفال، وهم العدد الأكبر، ومجموعةٍ من الشبّان والفتيان من نفس العائلة، وقليلٍ من الموالي، وعددٍ أقلّ من الأنصار الّذين لا يُحتَسبون كعددٍ يمكنه أن يُلفِت النظر؛ لقلّته بالحساب العدديّ..

كان الركب في صبغته العامّة وصورته الكلّيّة أشبه ما يكون بسفرةٍ رحلَت فيها أُسرةٌ بأكملها وهاجرَت من بلدٍ إلى بلد!

لم يروِ لنا التاريخ أنّهم كانوا يحملون معهم أكداس السلاح.. إنّما خرج كلٌّ منهم بسلاحه الشخصيّ الّذي يحتاجه يومذاك كلُّ مسافرٍ يريدأن يقطع الصحارى ويطوي الفيافي والقفار والبيداء، ليحمي نفسَه ومَن معه من قطّاع الطرق والحيوانات المفترسة، وغيرها من مخاطر الصحراء الّتي

ص: 237

تعترض المسافرين.. وهذا ما يفرضه الواقع، وإن لم نجد له أثراً واضحاً في أكثر النصوص.

رَكبٌ دخل مكّة لينعم بأمنها وأمانها الّذي فرضه الله وعمل به أهلُ الجاهليّة، ثمّ سكن ثَمّة عدّة شهورٍ لم يحرّك ساكناً، ولم يُهجْ أحداً، ولا ملأ الأجواء بالخُطَب، ولم يعرض للحجيج ولا للمجاورين بكلمة، ولم يجيّش الرجال، ولم يهزّ العواطف، ولم يجمع الجموع، ولم يدعُ إلى بيعةٍ أو خلع بيعة..

لم يسجّل لنا التاريخ خلال فترة وجود هذا الركب المقدّس أيَّ نشاطٍ يُعدّ تهديداً لأحدٍ من العالمين..

فهو رَكبٌ مسالِمٌ، حالُه حال أيّ ركبٍ آخَر يدخل مكّة ويريد الخروج منها حين تأزف ساعة رحيله..

رَكبٌ لم يهدِّدْ أحداً قطّ، بَيد أنّه كان مهدَّداً تهديداً جدّيّاً حقيقيّاً منجَّزاً، عمل العدوُّ بكلّ طاقاته وامتداداته لتنفيذ ما يسعى إليه في القضاء على الركب بأجمعه، من خلال القضاء على سيّده سيّدِ الشهداء (علیه السلام) ..ليس في الركب ما يفيد من قريبٍ أو من بعيدٍ أنّه ركبٌ خارجٌ للحرب والقتال..

وما أكثر القوافل الّتي كانت تدخل مكّة يومها وتخرج وتتحرّك بين

ص: 238

المشاعر.. فلماذا يُعتَرض ركب سيّد الشهداء (علیه السلام) من بين جميع القوافل المتحرّكة يومذاك؟!

الإشارة السابعة: معرفة العدوّ بقدرات الركب

مرّ معنا _ في دراسة ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة _ أنّ العدوّ كان يعرف مدى قدرات الركب الحسينيّ وقوّته، بالرغم من أنّ أكثر رجاله لم يكونوا قد خاضوا حروباً من قبل، إلّا أنّهم أحفاد أبي طالب (علیه السلام) الّذي شهد له النبيّ (صلی الله علیه و آله) _ وهو أصدق القائلين _ أن لو وَلَدَ الناسَ كلَّهم لَكانوا شجعاناً.

فهو يعرف أنّ سيّد الركب هو خامس أصحاب الكساء ابن أمير المؤمنين وسبط رسول ربّ العالمين، وهو مظهر القدرة الإلهيّة ومعدن الشجاعة، ومعه إخوته وأولاده وأولاد إخوته، وكلّهم معادن للشجاعة والقوّة والسطوة في ميادين الوغى، وهم الّذين أذاقوا الأعداء الموت الزؤامورووا صحراء كربلاء بدمائهم حتّى سالت بها أوديتها.

فالعدوّ يعلم أنّ مِثل هذا العدد الّذي لا يعدو أن يكون قليلاً بالحساب والعدّ، ولكنّه كثيرٌ بالقوّة والشجاعة والاستبسال.. يعلم أنّ مجموعةً من الجند لا يمكنها أن تقاوم وتقاتل هذا الركب مهما كان عددهم كثيراً!

ص: 239

الإشارة الثامنة: القادمون من الشرطة

أرسل الوالي رئيس شرطته معه جُند.. وهو يفيد أنّ القادمين لاعتراض الركب كانوا من الشرطة.. والشرطة كما كان ولا زال عملُها يقتصر على حفظ الأمن وحماية البلد داخليّاً، فهم ليسوا من القوّة العسكريّة الضاربة المدرَّبة على الحروب والغزوات ومقارعة الأبطال والشجعان والصناديد في ميادين القتال وساحات الحروب..

ومِثل هذه القوّة لا يمكنها بحالٍ أن تعترض ركباً يضمّ سيّد الشهداء الإمام الحسين (علیه السلام) ومَن معه، وهذا ما لا ينكره أحدٌ من الأعداء والأصدقاء..

فهم ليسوا قوّةً عسكريّةً جاهزةً للحرب، وإنّما هي قوّةٌ مدرَّبةٌ على مواجهة الاضطراب داخل البلد لحفظ الأمن الداخلي.

الإشارة التاسعة: وقاحةٌ لا حدود لها

يطالعنا الخبر بصورةٍ بشعةٍ وفعلٍ شنيعٍ ارتكبه الجندُ القادم لاعتراض الركب..

يُفتَرض أن يكون الجند القادم يعرف مَن هو المقصود بالاعتراض.. إنّه الحسين ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة سيّدة نساء العالمين، وهو سيّد شباب أهل الجنّة (علیهم السلام) ..

ص: 240

فهو أعظم حرمةٍ لله على الإطلاق.. في مكّة البيت الحرام.. ومعه نساءٌ وأطفال.. وهم حرماته وحرمات أمير المؤمنين (علیه السلام) الخليفة الظاهر الّذي بايعوه يوماً ما..

مع ذلك، فإنّهم تدافعوا مع الركب وتجالدوا بالسياط.. بمعنى أنّهم لم يَرَو له أيَّ حُرمة.. أعرضوا عن أمر الله وأمر نبيّه (صلی الله علیه و آله) ، وأطاعوا أولاد البغايا في التجاسر على ركب حرم الله وحرم رسوله..

ليس لهؤلاء البهائم المفترسة والكواسر المتوحّشة أيّ ضميرٍ ولا ذمّة، ولا يعرفون لله حرمة، ولا يمنعهم عن قتل الإمام (علیه السلام) وهتك حرمة دمه ومَن معه وهتك حرمة البيت الحرام سوى صدور الأمر لهم من طاغيتهم، لعنهم الله لعناً وبيلاً وعذّبهم عذاباً يستغيث منه أهل النار.

الإشارة العاشرة: حماية الإمام (علیه السلام) لحرمة البيت

يفيد قولهم: «وتدافع الفريقان.. واضطربوا بالسياط.. فجالدهم بالسياط.. ولم يزد على ذلك..»، أنّ الإمام (علیه السلام) هو الّذي اقتصر في التدافع معهم على هذا القدر، ولم يدفعهم بسيفه وسيوف مَن معه.. وكان يقدر على ذلك ويقوى عليه، ولا شكّ _ وفق معرفتنا بقدرات الركب الّتي شهد بها التاريخ في كربلاء وقبل كربلاء _ أنّ الإمام (علیه السلام) لو كان قد التحم معهم

ص: 241

بقتالٍ لَأفناهم عن آخِرهم، ولَما لحقهم المدد من طاغيتهم..

بَيد أنّ الإمام (علیه السلام) كان يكرّر ويؤكّد أنّه لا يقاتل في الحرم، ولا يعطيهم الذريعةَ ليقتلوه فيه، ولا يسمح لهم بفعل ذلك.. ولا يبدو أنّ موقف الإمام (علیه السلام) هذا وبياناته تخفى على أحدٍ من العالمين ممّن قرأ التاريخ أو سمع أخبار سيّد الشهداء (علیه السلام) ..

فالحقيقة الّتي لا يحسن التغافل عنها أو تجاهلها أو الجهل بها، أنّ زمام المبادرة في هذا التماسّ الحاصل بين الركب والجند المعترض إنّما كان بيد الإمام (علیه السلام) ، وهو الّذي ضبط الموقف وحصره بهذا القدر، ومنعهم من التجاوز إلى ما هو أبعد من التدافع والتجالد!

الإشارة الحادية عشرة: الأشدق يأمر صاحب شَرَطِه بالانصراف!

بناءً على ما سمعناه في المتابعات السابقة، يتبيّن أنّ ما ذكره المؤرّخ وزعم أنّ التدافع والتجالد بلغ الأشدق فخاف أن يتفاقم الأمر فأمر صاحبَ شرطه بالانصراف، فيه ما فيه، ولابدّ مِن حمله على تجيير الموقف بعد خسرانه، وتغليف الهزيمة بطلاء الانتصار، وتسويغ المفاجأة الّتي يجهل عواقبها بمسوّغات الحكمة والتصرّف المحسوب.

ص: 242

فإن كان الأشدق هو الّذي خاف أن يتفاقم الأمر، فلا يكون إلّا بمعنى أنّه خاف أن يتحوّل الموقف بالنسبة إلى الإمام (علیه السلام) إلى موقف الدفاع عن النفس بعد أن يتحقّق منهم قصد حياته وقتله والمباشرة في ذلك، فإذا صرّت الحرب أسنانها، فإنّ شرطته ومَن يأتيهم من المدد لا يعدو أن يكونوا جثثاً هامدةً تنتابها وحوش صحارى مكّة وتحوم عليها رخمها بعد أن تقطّعها لهم سيوف آل أبي طالب قطعاً صغيرةً تزقّ بها النسور والعقبان صغارها.

لم تكن المبادرة بيد الأشدق إلّا بمقدار ردّ شرطته لحمايتهم والإبقاء عليهم، إنْ صحّ ما نسبوه إليه، وإلّا فإنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) كان يكره القتال في مكّة، ومنعهم من ارتكاب جنايتهم العظمى فيها، وقد حقّق ما أراد.

الإشارة الثانية عشرة: دوافع المنع

اشارة

قلنا: إنّ ركب سيّد الشهداء (علیه السلام) كان ركباً عائليّاً، ليس عليه أيُّ أثرٍ يفيد أنّه ركبُ محارِبٍ أو يقصد الحرب، فإذا أراد الخروج من مكّة فهو كأيّ ركبٍ آخَر دخل مكّة ثمّ عزم على الرحيل عنها وقرّر أن يضعن إلى حيث يريد.

فلماذا مانع الأشدق من خروج الإمام (علیه السلام) وعياله وأهل بيته بهذه

ص: 243

الصورة الصاخبة؟

يمكن أن نتصوّر عدّة دوافع دعته إلى ارتكاب هذه الخطيئة التي لا تغتفر:

الدافع الأوّل: التأخير من أجل تنفيذ الاغتيال!

ربّما كان الدافع الأوّل الّذي يتبادر إلى ذهن المتابع هو تأخير الإمام (علیه السلام) وحصره في مكّة من أجل تنفيذ الاغتيال، أو ترتيب الأُمور حيث يُؤخَذ أخذاً، وهو ما يفاد من سير الأحداث وبيانات الإمام (علیه السلام) وتأكيده على أنّ التأخير مهما كان قليلاً فإنّه سيؤدّي إلى اغتياله أو أخذه، وكثيرٌ من الشواهد الّتي لا تخفى على مَن راجع التاريخ.وكان لابدّ للإمام (علیه السلام) من الخروج على عجَلٍ من مكّة؛ لئلّا يقع المحذور الّذي كان يتباعد منه الإمام (علیه السلام) ولا يرجوه أبداً، ويعلن ذلك على كلّ مَن اعترضه عند الخروج، وعبّر عنه بشتّى العبارات للكثير من المعترضين، وقد أتينا على ذِكرها في أكثر من موضع، فلا نعيد.

الدافع الثاني: التأخير من أجل التأكُّد من أوضاع الكوفة

ذكرنا قبل قليلٍ أنّ الإمام الحسين (علیه السلام) قد عزم على الخروج من مكّة يوم التروية الثامن من ذي الحجّة، وقد قُتل المولى الغريب مسلم بن

ص: 244

عقيل (علیه السلام) يوم التاسع من ذي الحجّة، واستتبّت الأوضاع وقُضي الأمر لصالح ابن مرجانة، وخنعَت الكوفة وخضعَت واستسلمَت بالكامل، فلم يعد فيها حسٌّ ولا ركزٌ ولا نَفَسٌ يمكن أن يُزعج ابنَ زياد..

فلمّا كان خروج الإمام (علیه السلام) يوم الثامن، كانت الحوادث لا زالت ملتهبةً في الكوفة، بل كانت في أوجها، وكانت الأحداث تتسارع فيها وتسير في كلّ اتّجاه، ولم يكن خبر استسلام الكوفة قد وصل إلى الأشدق، بل كانت أخبار هياج الأمواج الخائبة تصل إليه بشكلٍ مضخَّمٍ وترسمها كأمواجٍ عاتية، رغم معرفتهم بها وبمآلها، تماماً كما كان يعرف غيرهم من المتابعين لأخلاقيّات الكوفة يومذاك..فأراد الأشدق تأخير خروج الإمام (علیه السلام) لأجَل، فربّما حقّق اغتياله، فإن لم يصل إلى ذلك فإنّه يسكن من حيث تحديد الموقف في الكوفة، والاطمئنان إلى ذوبان الزبد الطافح في بعض حاراتها.

الدافع الثالث: الدافع الذاتيّ

ربّما كان الأشدق المعروف بجبروته وطغيانه وعتوّه وتكبّره واعتداده بذاته القذرة يريد أن يكون هو المباشر بتنفيذ جناية قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) ؛ ليحظى بذلك عند الأُمويّين وأعداء الله وأعداء أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ويصرخ في جيف الجاهليّة وينادي فطائسَهم كما صرخ يزيد

ص: 245

فيهم: «ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا»، فيثبت بذلك جدارته في الانتقام لأوثان الجاهليّة، وربّما نافس بذلك على السلطان ويجعلها في ذيوله مِن أعقابه، ويخرجها بذلك من معاوية وذيوله.

* * * * *

أو أنّه أراد بذلك الحظوةَ والمنزلةَ عند يزيد، ليستحوذ على ما يريد من الدنيا والبقاء في الولاية والحكم.

وهو في نفس الوقت يشفي غليله، ويسكّن أحقاده وضغائنه على الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) وآل الإمام، وكان معروفاً مشهوراً بعداوته لأميرالمؤمنين (علیه السلام) ، وكان يجاهر بلعنه، حتّى ضربه الله فأصابه بشدقه، فسُمّي بالأشدق!

بمعنى أنّه كانت لديه دوافع ذاتيّة في قتل الإمام (علیه السلام) ، تنشأ من مقالع الرذيلة والأحقاد والضغائن الشخصيّة، وكانت هذه الضغائن كافيةً لدفعه إلى قتل الإمام (علیه السلام) ، يُضاف إليها الدوافع الدنيويّة والقرب من السلطان.

* * * * *

وربّما يُقال: إنّ خوفه من تقريع الأُمويّين وتوبيخِ يزيد وابن زياد وأمثالهم له ووصمِه بالضعف والخوف والإحجام والعجز عن تنفيذ المهمّة الموكولة إليه في قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة، فأراد أن يدفع عن نفسه

ص: 246

هذه الأراجيف بتأخير الإمام (علیه السلام) ريثما يتسنّى له القيام بالمهمّة.

الدافع الرابع: محاولةٌ يائسة!

ربّما أراد الأشدق الطاغي أن يستعرض قوّته وقوّة السلطان، ليُشعِر الإمامَ (علیه السلام) أنّه بإمكانه منعه إنْ أراد ذلك، فإن رجع الإمام (علیه السلام) فسيبقى يتبجّح بها على طول الزمان، وإن أبى فقد عرض قوّته وحاول إخضاع الإمام (علیه السلام) من خلال استعراض القوّة وإرسال رسالة الإعلان عن وجوده ووجود السلطان، وأنّه على علمٍ بحركاته، وأنّهم السلطة الحاكمة الّتي تعلنعن رأيها في كلّ شأنٍ وتستعرض قوّتها في كلّ موقف.

الدافع الخامس: إحداث الضجّة لإيجاد ذرائع القتل!

عرفنا أنّ الأشدق كان يعلم أن لا طاقة له بمحاربة الركب، ولا يقوى على ذلك بالقوّات المحدودة من الشرطة الّتي أرسلها لاعتراض الركب..

وعرفنا أنّ الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) كان يمنع من حصول القتال في مكّة أو تمكينهم من قتله هناك..

لهذا ولأسبابٍ أُخرى لا تخفى على المتابع، يتحقّق أنّ الجند لم يكن قادراً على الحرب والقتل والقتال في مكّة، والقضيّة لا تعدو اعتراضاً استعراضيّاً يُراد منه إحداث ضجّةٍ ورفع الزعقات في وجه الركب الميمِّم نحو

ص: 247

العراق..

في أيّام الحجّ.. حيث كانت حركة القوافل في أوج نشاطها وشدّة حركتها وعنفوان تنقّلها من مكّة إلى منى استعداداً ليوم التروية والشروع في مناسك الحجّ..

في مثل هذا الجوّ المزدحم بالحركة والتنقُّل وتكاثُر الناس من أهل مكّة والمجاورين والحجيج.. أراد عفاريت بني أُميّة توظيف هذا الجوّالصاخب لحربٍ إعلاميّةٍ ضخمةٍ بعيدة المدى واسعة الانتشار في التاريخ والجغرافيا من خلال إحداث ضجّةٍ وعمليّة تدافعٍ وتجالدٍ بالسياط مع ركبٍ هو الأقدس في الدنيا..

إيجاد حركةٍ يمكن أن تُحدِث ردود أفعالٍ وإثارة فضولٍ عند الحاضرين، وتجمهر ما تستطيع جمعهم حول هذا الركب الوديع المنتقل بحركةٍ انسيابيّةٍ هادئةٍ نحو آفاق الصحراء المتباعد من مكّة في يومٍ كان الناس يدخلونها ويخرجون منها إلى المناسك..

وحينها دفع الغوغاء والخارجين على إمام زمانهم والمتمرّدين لينادوا على الركب ويصيحوا على أثره:

- يا حسين! ألا تتّقي الله!

بأفواههم الكثكث والأثلب والشوك والقطران وشجرة الزقّوم والضريع..

ص: 248

إنّهم يريدون الإعلان للناس والملأ الحاضر وللتاريخ أنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) وإمام السعداء يفعل فعلاً يخالف تقوى الله! هكذا انقلبَت الموازين بفعال هؤلاء الأوغاد الأوباش الملاعين!!!

ثمّ صاحوا على أثره:- أتخرج من الجماعة، وتفرّق بين هذه الأُمّة؟

هذه هي العصا المشؤومة الّتي حاربوا بها أمير الحقّ والإنصاف والعدل أمير المؤمنين (علیه السلام) منذ يوم السقيفة..

الإمام (علیه السلام) هو جامع الكلمة على التقوى.. به تكون الجماعة، ولو كان وحده.. ولو كان معه واحدٌ من المسلمين.. بَيد أنّهم افتروا على الإمام (علیه السلام) ، ورموه بالصياح والنداء على ركبه أنّه خارجٌ من الجماعة.. أنّه مفرِّقٌ بين هذه الأُمّة..

فضحهم الله في الدارَين، وكشف عوراتهم على العالمين، وأصلاهم في سقر، لا تُبقي ولا تذر.. يا لَه من موقفٍ مروّعٍ مشؤوم.. أن يصيح هؤلاء المنحطّين على أشرف الخلق أَمام الخلق وفي أيّام الله بين الحجيج على الركب الّذي يضمّ آلَ الله وآل رسوله (صلی الله علیه و آله) بهذا النداء..

يمشي الركب، وتعلو الصيحات من ورائه.. يسير الركب، ويتهافت الأوباش من حوله لينادوا عليه.. تمشي نساء بني عبد المطّلب بين أنذالٍ

ص: 249

ينادون عليهم..

لله صبرك يا أبا عبد الله!

وبهذا شرعوا في إيجاد المسوّغات الكافية للقلوب الخاوية والأنفُسالبالية والجهلة الغوغاء من أتباع كلّ ناعق.. حيث وصموا الركب أنّه ركب (الخوارج)، والعياذ بالله..

ركب مَن يشقّ عصا المسلمين.. ركب مَن يريد التفريق بين الأُمّة..

وهذه كلّها مسوّغاتٌ كافيةٌ لقتل مَن فيه!

ماذا فعل سيّد الشهداء (علیه السلام) ومَن معه ليدْعُوه أراذلُ الخلق السفَلَة الهابطين أولاد البغايا إلى تقوى الله؟!

ماذا فعل سيّد الشهداء (علیه السلام) ومَن معه ليُتَّهم بشقّ عصا المسلمين؟!

ماذا فعل سيّد الشهداء (علیه السلام) ومَن معه ليرموه بأقذع فريةٍ عند جميع الأُمم ويصيحوا عليه: تريد تفريق الأُمّة؟!

لا يبعد أن يكون هذا هو الغرض من إرسال هذه المجموعة المحدودة من الشرطة لمواجهة الركب قبل خروجه، والوالي يعلم أنّه لا يقدر بحالٍ وعلى كلّ تقديرٍ على منع سيّد الشهداء (علیه السلام) من الخروج من مكّة..

إنّهم أرادوا أن يعلنوا عن ذرائعهم الباهتة، ويهيّؤوا الناسَ لقتل ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) ، ويألّبوا الأُمّة عليه.. باعتباره يفعل ما يخالف تقوى الله، ويسعى

ص: 250

في شقّ العصا وتفريق الكلمة.. ومَن كان هذا سبيله فالقتلُ حقّه.. هكذا فعلَت السقيفة من قبل، وسار عليها مَن جاء بعدهم.. وانصاعَت الأُمّة طائعةًأو مكرهةً لهذه الفرية الممجوجة..

لقد كان يزيد وأذنابه يتّهمون الإمام (علیه السلام) بهذه الفرية المقذعة في كتبهم أو في كلماتهم مع الإمام (علیه السلام) أو مع بعض الخاصّة، بَيد أنّها كانت بدايات في الخفاء..

يبدو أنّ هذه هي الصيحة الأُولى والنداء الأوّل الّذي رفعوه على رؤوس الأشهاد وعلى الملأ العامّ وفي جوٍّ مفتوح..

أعلنوا فيه أنّ الإمام سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) (خارجيّ)، والخارجيّ حكمه القتل.. ووصموا فيها حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بالخروج بالمعنى المصطلَح!

أعلنوا أنّ الإمام خامس أصحاب الكساء (علیه السلام) يسعى لشقّ عصا المسلمين، وشاقُّ عصا المسلمين حكمه القتل..

أعلنوا أنّ الإمام المفترض الطاعة بنصّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) يسعى في تفريق الأُمّة، ومَن يسعى في تفريق الأُمّة حكمه القتل..

ألا لعنة الله على الظالمين!

ص: 251

الإشارة الثالثة عشرة: جواب الإمام (علیه السلام)

اشارة

ورد في بعض المصادر أنّ الإمام الحسين (علیه السلام) تلا في الردّ على صيحاتهم قوله (تعالى): ﴿لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾.

يمكن الوقوف عند ردّ الإمام (علیه السلام) على القوم الكافرين من خلال الإضاءات التالية:

الإضاءة الأُولى: جوّ الآية

إنّ الآية الّتي تلاها الإمام الحسين (علیه السلام) هي الآية الحادية والأربعون من سورة يونس..

وقد أشرنا غير مرّةٍ أنّ الإمام (علیه السلام) حينما يتلو آيةً ما في موقفٍ ما، قد يكون الجوّ العام الّذي وردَت فيه في القرآن الكريم له دخلٌ قويٌّ في فهم الموقف الّذي أراد الإمام (علیه السلام) كشفه من خلال تلاوة الآية، سيّما أنّ المفروض في المسلم أن يكون حافظاً لكتاب الله، فإذا سمع الآية انتقل ذهنُه إلى جوّها وسوابقها ولواحقها، لذا من المستحسَن أن نسمع الآية ضمن السياق الّذي وردَت فيه من سورة يونس.

ولا ننسَ أنّ يونس نفسه إنّما خرج مغاضباً لقومه، وله قصّةٌ يمكنها أن

ص: 252

تضفي بظلالها وأبعادها ومغازيها على المشهد.

قال (تبارك وتعالى):

﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ * وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ * إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ *وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ

ص: 253

بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ * أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ * ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ * وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ * وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ

ص: 254

آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ ((1)).

* * * * *

لا يخفى على مَن تدبّر هذه الآيات الكريمة وتأمّل فيها وما في السياق من دلالاتٍ فاخرةٍ وإشاراتٍ راقيةٍ تشرح الموقف وتوضّح معالم المشهد الّذي كان فيه ابن رسول الله (علیه السلام) مع هؤلاء الأوغاد الفجرة.

الإضاءة الثانية: معنى الآية

صاح القوم على ركب سيّد الشهداء (علیه السلام) ، ونادوا بفريتهم الممجوجة المكرورة، وأَبوا إلّا أن يُمعِنوا في أذى الله وأذى رسوله وأبناء رسوله، وعزموا على قتلهم دون وازعٍ من دِينٍ أو من أعراف، وجميعهم قد أقدم على علم، ولم تُغنِ النذر، ولم تنفع مواعظ الله ومواعظ الرسول وابن الرسول في القوم!

إنّ الأشدق وأخاه يعلمان على ما أقدما.. والجماعةَ الّذين أرسلهم من شرطته يعرفون سيّد الشهداء (علیه السلام) ..

ص: 255


1- سورة يونس: 35 _ 66.

والنصّ التاريخيّ لم يحدّد بالضبط مَن الّذي صاح على ركب سيّد الشهداء (علیه السلام) ، هل هم الشرطة فقط؟ أم شاركهم الأوباش الحاضرون؟ وهم جميعاً يعرفون الحسين ابن رسول الله وحبيبه الّذي جعله الله سيّد شباب أهل الجنّة وخامس أصحاب الكساء..

ومَن أبى من المشركين قبول الحجّة والإذعان إلى الحقّ، فإنّ الله قد لقّن نبيّه كيف يعاملهم.. لي عَمَلي، ولَكُم عَمَلُكُم.. أنتُمْ بَريئُونَ مِمّا أَعْمَلُ، وأَنا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُون.. لَكُمْ دِينُكُم، ولِيَ دِين..

إنْ كان العملُ هو الخروج من مكّة، فالإمام (علیه السلام) عازمٌ على الخروجوإن أبى الظالمون.. وهم عازمون على قتله، خرج من مكّة أَم لم يخرج..

الإمام (علیه السلام) يدافع عن نفسه، ويحمي نفسَه ومَن معه، ويحفظ حُرمةَ البيت الحرام.. وهم يريدون سفك دمه، ودمِ مَن معه هناك، وهتكَ حُرمة البيت الحرام بدمه الزاكي الّذي سكن الخلد..

الإمام (علیه السلام) يدعوهم إلى النجاة، وهم يأبون إلّا اختيار السفال، ليكبّهم الله على مناخرهم في النار مع الشجرة الملعونة في القرآن..

لا قواسم مشتركة بين عمل الإمام (علیه السلام) وعمل القوم.. ولكلٍّ عمله.. وكلّ طائفةٍ بريئةٌ من عمل الطائفة الأُخرى.. إذا كانت الحجج لا تغني والتمرّد على الحقّ لا ينتهي لأيّ سبب..

ص: 256

إنّها الأخلاق الحسينيّة الرفيعة، وهي أخلاق إمام الحقّ المنصوب من الله.. إنّهم رفعوا عقيرتهم بالنداء على الحقّ وأهل الحقّ والجماعةِ وأهلِ الجماعة أنّهم يريدون تفريق الجمع وشقّ العصا.. فلم يزد الإمام (علیه السلام) في الردّ عليهم إلّا بما تلاه من كلام الله المجيد، وميّز صفّه عن صفّهم، وأبان أنّه ابن رسول الله المأمور بخطاب أهل الشرك والعناد واللجاج بالترك والمهاجرة والابتعاد عنهم، وفصلِ الخطوطِ وتمييز الحقّ وأهل الحقّ..

حينما يصمّ القوم أسماعهم ويختم الله على قلوبهم فهم لا يفقهون..فإنّ الإمام (علیه السلام) لا يختار الاحتكاك بهم ولا الصدام والمواجهة، ويكتفي بعرض المتاركة عليهم.. اتركوني فإنّي تارككم.. لي عملي ولكم عملكم.. امشوا في طريقكم وأنا سالكٌ في طريقي إلى ربّي..

لم يحمّلهم الإمام (علیه السلام) عمله.. ولم يدعُهُم إلى عمله.. ولم يتحمّل عملهم، ولم يقبل السير في طريقهم..

طريقان: طريق الحقّ، وطريق الضلال.. مسيران: مسير الأنبياء والأوصياء وأهل الله، ومسير الطواغيت والفراعنة وأتباع الشيطان.. وكلُّ يتبرّئ من الآخَر.. لا يجمعهما جامع.. ولا يرضى الإمام (علیه السلام) بهم وبطريقهم..

ص: 257

الإشارة الرابعة عشرة: صدّ الهجوم

يُلاحَظ هنا أنّ القوم هم الّذين شرعوا في الهجوم على الإمام (علیه السلام) بقصدِ صدّه ومنعه من الخروج، وأنّ الإمام (علیه السلام) كان في موقف الدفاع عن نفسه وعياله ومَن معه، وقد صدّهم الإمام (علیه السلام) صدّاً رفيقاً، وكبح جماح هيجانهم، وردّ عاديتهم، وأخمد فورتهم، وتحمّل الأذى ليلجم تمرّدهم الأهوج، ويزجر اندفاعتهم، ويردعهم عن هتك الحرمات في الأرض الحرام والزمن الحرام في الدم الحرام.. فاكتفى بمجالدتهم بالسياط.. ولا نشكّ أنّ سيوفآل أبي طالب كانت تتلمّض وتتلوّى وتتوثّب في أغلفتها، لولا أمر الله وأمر وصيّه..

أرادوا مقاتلة الإمام (علیه السلام) ولو بقدرهم في مكّة.. واتّهموه بشقّ العصا وتفريق الجماعة.. وهي فريةٌ تعني القتل تماماً.. واكتفى الإمام (علیه السلام) إلى دعوتهم إلى المتاركة.. وأبان لهم أنّ عمله ليس كعملهم، وهو بريءٌ من عملهم، وهم بريئون من عمله..

إنّهم لا يمكنهم أن لا يتبرّؤوا من عمل الإمام (علیه السلام) .. ولا يمكنهم إلّا الاستماع إلى هتوف الشيطان.. فقد تمّت عليهم الحجّة بأبلغ ما يكون..

رغم كلّ ما فعلوه.. اكتفى الإمام (علیه السلام) بطلب المتاركة منهم، وذهب إلى سبيله.. وهم في غيّهم يرتكسون.. هم الّذين هجموا على الإمام (علیه السلام) وحملوا

ص: 258

عليه وعلى ركبه!

في المدينة هم الّذين هجموا عليه، وهو بعدُ لم يحرّك ساكناً.. هم الّذين دعوا الإمام (علیه السلام) وخيّروه بين البيعة الذليلة وطاعة اللئام والقتل، وعمدوا إلى قتله، فخرج منها خائفاً يترقّب..

وفي مكّة هم الّذين هجموا عليه، وهو لم يحرّك ساكناً.. حاولوا جاهدين قتله غيلةً أو أخذه أخذاً، واعترضوه بجندهم وشرطتهم، فصدّهمبرفقٍ ودعاهم إلى المتاركة..

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!

ص: 259

ص: 260

خروج الإمام (علیه السلام) من مكّة على علم من الناس

اشارة

كما كان خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من المدينة على علمٍ من الناس، وكان الإمام (علیه السلام) قد شكى لجدّه أنّ القوم قد ضيّعوه وخذلوه، وقد خرج من المدينة ولم يكترث بخروجه أحَدٌ إلّا بعض نساء بني هاشم وأخاه محمّداً، وربّما آخَرون على شاكلتهم، أمّا الجوّ العام وعموم أهلها فلم يحفلوا بخروجه ولم يحزنهم ذلك..

ولم نجد _ حسب الفحص _ أيَّ مؤشّرٍ أو شاهدٍ أو دليلٍ يفيد أنّ الإمام (علیه السلام) حينما خرج من المدينة «قد خيّم الذعر على المدنيّين حينما رأوا آلَ النبيّ (صلی الله علیه و آله) ينزحون عنهم إلى غير مآب»! ((1))

ثمّ خرج (علیه السلام) منها، ولزم الطريق الأعظم طيلة فترة السفر من المدينة إلى مكّة..

ص: 261


1- أُنظر: حياة الإمام الحسين (علیه السلام) للقرشيّ: 13 م / 303.

كذلك خرج (علیه السلام) من مكّة على علمٍ من الناس..

وقد شهد ابن عبّاسٍ في حديثٍ له مع الإمام (علیه السلام) أنّه قد شاع الخبر في الناس وأرجفوا بأنّه سائرٌ إلى العراق ((1)).

ولا نقصد من علم الناس أنّ الإمام غريب الغرباء (علیه السلام) قد أخبرهم وأعلن ذلك لهم، وإنّما نقصد أنّ القوم لم يكونوا في غفلةٍ تامّةٍ عمّا يحدث، وأنّ خروج الإمام (علیه السلام) كان سرّيّاً للغاية.. وإنّما كانت حركته وتنقّلاته وخروجه خروجاً عاديّاً.. لا أحدث ضجّةً خاصّةً بقصد، ولم يتكتّم ويخفي خروجه تكتُّماً مطلقاً وإخفاءً لا يطّلع عليه أحد..

بَيد أنّه الإمام الحسين ابن رسول الله وابن بنته وخامس أصحاب الكساء والركب معه يضمّ آل أبي طالب نساءً ورجالاً وأطفالاً وشيباً وشبّاناً..

وربّما كان خروجه من مكّة أوضح لذي عينين؛ إذ أنّه خرج من مكّة

ص: 262


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 373، تاريخ الطبريّ: 5 / 383، الفتوح لابن أعثم: 5 / 111، تجارب الأُمم لمسكويه: 2 / 54، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 216، الكامل لابن الأثير: 3 / 275، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 406، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 159، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 186، نور الأبصار للشبلنجيّ: 257.

والناس يزدحمون في الخروج إلى منى يوم التروية، فربّما كان خروجهفي مثل هذا التوقيت فيه نوع تقيّةٍ وتعميةٍ على الخروج، كما هو يفيد علنيّة خروجه وعدم التكتّم عليه، ويشهد لذلك ما فعله الأشدق الأحمق حين أرسل شرطته ليعترض خروج الركب، كما سمعنا قبل قليل.

وعلى فرض خروج الإمام (علیه السلام) خروجاً عاديّاً لا يريد إحداث ضجّةٍ ما عند خروجه، فإنّ الظالمين أبَوا إلّا أن يعترضوه فيُحدِثوا ضجّة، وقد أتينا على بيان ذلك قبل قليل.

فالناس قد علموا، ولم يدفعوا عنه ولم يحبّوه، وإنّما خذلوه في مكّة أيضاً، لأنّه (علیه السلام) قال أنّه: «مستوطِنٌ هذا الحرم ومقيمٌ فيه أبداً ما رأيتُ أهلَه يحبّونني وينصرونني، فإذا هم خذلوني استبدلتُ بهم غيرهم».

فلمّا استبدل بهم غيرَهم، علمنا أنّهم لم يحبّوه ولم ينصروه!

يا لها من مصيبةٍ أن يخرج آلُ الله وآل رسوله والناس لا يكترثون ولا يبالون ولا يلتفتون.. لا يسأل منهم سائل.. والأفراد المعدودون الّذين اعترضوا على الإمام (علیه السلام) أيّام تشرّف مكّة به، كانوا في الغالب بين معترضٍ لجهله، وبين معاندٍ مكابرٍ متكبّر، وبين مَن يسعى لتنفيذ خطط يزيد ويحقّق ما يريد العدوّ..

أمّا الكثرة الكاثرة من أهل مكّة والمجاورين والحجّاج والمعتمرين، فلم

ص: 263

تهتزّ لهم شعرة، ولم ترتعش لهم فريصة، ولم يرفّ لهم جفن.. لم يسأله أحدهم.. ولم يحزن لهم قلب.. ولم يحترق لهم كبد.. ولم يفكّر أحدهم في إعلان النصرة أو اقتراح الإيواء..

خرجوا خروج الغريب.. الطريد.. الشريد.. الملاحَق.. المحاصَر..

خرجوا.. والناس في ضجيج الحجّ وعجيجه.. يتراكضون إلى المشاعر.. ينسلّون إلى منى يوم التروية ليتزوّدوا بالماء.. والركب تسري إليه المنايا، وتتفلّت الذؤبان والعسلان المتوحّشة في الفلوات لتقطّع أوصاله المقدّسة وتقتله عطشاً..

يتراكضون إلى المشاعر الجماد الّتي لا معنى لها إلّا بطاعة الإمام (علیه السلام) .. ويُعرضون وجوههم عن الشعائر الّتي أمر الله بتعظيمها وإطاعتها وحمايتها وحفظ حرمتها..

يتوجّهون إلى المناسك.. ويُعرضون عن وجه الله الّذي منه يؤتى..

يتنسّكون في منى.. ويدفعون مَن سنّ الله به النسُك إلى كربلاء ليُذبَحوا ظمايا..

ما الحجّ، والإمام (علیه السلام) الّذي بولايته يصحّ الحجّ يخرج عن مكّة؟

أمير حجّهم الأشدق.. بأمر يزيد.. وأمير الكون بأمر الله ووصيّ رسول الله ووصيّ أمير المؤمنين يخرج ولا يأتمر به أحد!

لك الله يا غريب الغرباء!

ص: 264

علّة خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة

اشارة

كان العزم قائماً على قتل كلّ مَن أبى البيعة أيّاً كان، ويشهد لذلك الكثير من سلوكيّات القوم منذ عصر السقيفة إلى وحشيّة كبير القردة معاوية ومجريات الأحداث المعاصرة لخروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من المدينة ومكّة.

فرضخ الناس جميعاً واستسلموا، فجدّدوا البيعة بعد أن بايعوا أيّام القرد العجوز معاوية، فهم بين مَن بايع طواعيةً عن قناعةٍ بدِين الأُمويّين، ومَن بايع عندما خطف بصره بريق الصفراء والبيضاء، أو عند وميض السيوف والحراب.

أمّا مَن تقبّض عن البيعة فهو مهدور الدم، وقد فعلوا ذلك بابن الزبير الّذي فرّ من المدينة تحت جنح الظلام وتنكّب الطريق الأعظم، وصرّح عند وصوله إلى مكّة أنّه عائذٌ بالبيت ولزم الكعبة، فكان يصلّي عندها

ص: 265

عامّة نهاره ويطوف ((1))، ولم يدعُ إلى نفسه ((2)) ذلك اليوم، وإن كان يبيّت أمراً أو أنّه عزم على الأمر فيما بعد!

ورغم ذلك، فإنّ عَمرو بن سعيد الأشدق _ وكان عظيم الكبر ((3)) _ حين دخل مكّة أعلن في أوّل خطبةٍ له وقد تسلّق أعواد المنبر، فذكر ابن الزبير وقال: تعزّز بمكّة؟! (في لفظ الذهبيّ: وذكر ابن الزبير وتعوّذه بمكّة، يعنّي أنّه عاذ ببيت الله وحرمه) فوالله لتغزونّ، ثمّ والله لَئن دخل الكعبة لنحرقنّها عليه على رغم أنف مَن رغم ((4)). وقد فعلوا ذلك بالفعل، فهتكوا حرمة البيت، ورموه بالمنجنيق، وأحرقوه وهدموه.. فهم لا يرون ولا يرعون للحرم والبيت حرمةً ولا لمشرّفها ريحانة النبيّ حرمة، وقد عزموا على قتله وهتك حرمته وحرمتها بسفك دمه، وباشروا ذلك عمليّاً بوقاحةٍ وجدّ.

* * * * *

ص: 266


1- أُنظر: جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 5 / 315، تاريخ الطبريّ: 5 / 343، الكامل لابن الأثير: 3 / 265، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 382، تاريخ ابن خلدون: 3 / 20.
2- أُنظر: تاريخ الإسلام للذهبيّ: 2 / 269.
3- أُنظر: الكامل لابن الأثير: 3 / 265.
4- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 28 / 203، تاريخ الإسلام للذهبيّ: 2 / 268.

ثمّ إنّ أهل مكّة كانوا يكنّون العداء لرسول الله وآله وأخيه وابن عمّه الّذي وتر القريب والبعيد منهم في رضى الله، ولم يدخلوا الإسلام إلّا تحت ظلال السيوف، فكانوا طلقاء ومنافقين، إلّا القليل القليل منهم ممّن وفىببيعته.

لقد كانت قريش وغيرها ممّن استوطن مكّة تحمل حقداً وتتميّز غيضاً على النبيّ وآله، وكانت لا تتردّد في إظهار العداوة والتشفّي واقتناص الفرص الّتي تريح قلوبها الوغرة المشحونة بالأضغان الموتورة، وهي تتربّص بالنبيّ (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين وأولادهما الطيّبين (علیهم السلام) الدوائر لتنتقم منهم.. وهذا من الواضحات تاريخيّاً، ولإثباته محلٌّ آخَر ((1)).

فلا يُرتجى _ والحال هذه _ أن تكون ثَمّة إرهاصاتٌ تشير إلى بوادر نصرةٍ من قريش وغيرها من أهل مكّة.. وإذا احتفى أهل مكّة بدخول سيّد الشهداء (علیه السلام) إليها، فهو إن صحّ فإنّما هو احتفاءٌ في ساعة الرخاء، وبمستوى المجاملات والمراودات العرفيّة والعشائريّة والاجتماعيّة الخدّاعة الّتي لا تكفي موقفاً جدّياً إذا اقتضى الأمر.

أمّا المعتمرون والحُجّاج، فإنّنا لم نسمع _ حسب الفحص _ أنّ شخصيّةً على مستوىً رفيعٍ من التأثير الاجتماعيّ أو السياسيّ أو الدينيّ

ص: 267


1- أُنظر: مع الركب الحسينيّ / مقدّمة الجزء الثاني.

كان لها موقفٌ مميّزٌ مع سيّد الشهداء (علیه السلام) في تلك الفترة، بل لم نسمع بذلك حتّى عن سائر الناس المتوافدين على مكّة من سائر الأقطار!وكذلك لم نسمع بحركة نشاطٍ واستقطابٍ فعّالةٍ ومؤثّرةٍ من قِبل سيّد الشهداء (علیه السلام) ومَن كان معه تستنهض الناس، سواءً من أهل مكّة كانوا أو من الحُجّاج والمعتمرين!

وكانت اللقاءات المذكورة على العموم في كتب التاريخ تتركّز على الزيارة والتعلّم وأخذ الحديث وضبطه، وما يشبه ذلك من نشاطاتٍ اعتياديّةٍ ولقاءاتٍ اجتماعيّةٍ عاديّة.

ولم يسجّل لنا التاريخ _ ودائماً حسب الفحص _ حركةَ التفافٍ ممنهَجٍ ومقصودٍ يحكي مبايعة الناس ونفيرها لنصرة ريحانة النبيّ (صلی الله علیه و آله) !

ويشهد لذلك بيان سيّد الشهداء (علیه السلام) لابن عبّاس أنّه مقيمٌ بمكّة ما أحبّّه أهلُها ونصروه ولم يخذلوه، كما حدّثنا التاريخ، فلمّا لم يبقَ فيها الإمام (علیه السلام) وعزم على الخروج وخرج بالفعل، علمنا أنّ القوم لم ينصروه ولم يمنعوه وقد خذلوه!

كما يشهد لذلك تخلّفهم عنه يوم خرج عن مكّة وهو مطارَدٌ مهدَّدٌ بالاغتيال والقتل.

* * * * *

ص: 268

كم من مرّةٍ عاد ابنُ عبّاسٍ ليهدّد الإمام (علیه السلام) أن لا يخرج إلى العراق،بعد أن عزم الإمام (علیه السلام) على الخروج إلى العراق، واستعجل الخروج قبل أن يقضي مناسك الحجّ، بحيث تجاسر ابن عباس على الإمام (علیه السلام) فقال له:

لولا أن يُزرى ذلك بي وبك لَنشبتُ يدي في رأسك، ولو أعلم أنّا إذا تناصينا أقمتَ لَفعلتُ، ولكن لا أخال ذلك نافعي.

فقال له الحسين: «لَئن أُقتَل بمكان كذا وكذا، أحبّ إليّ أن تُستَحلّ بي»، يعني مكّة ((1)).

لقد كلّم ابنُ عبّاسٍ الإمامَ (علیه السلام) طويلاً وناشده قبل أن يهدّد بالاشتباك، وقال:

أُنشدك الله أن تهلك غداً بحال مضيعة! لا تأتي العراق، وإنْ كنتَ فاعلاً فأقِمْ حتّى ينقضي الموسم، وتلقى الناس وتعلم على ما

ص: 269


1- أُنظر: ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 60، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 200 و211 وفيه: (تناصبنا)، تهذيب ابن بدران: 4 / 331، مختصر ابن منظور: 7 / 142، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2611، تهذيب الكمال للمزّيّ: 6 / 420، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 164، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 219، تهذيب ابن بدران: 4 / 326، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 292، تاريخ الإسلام للذهبيّ: 5 / 106، سُبل الهدى للصالحي الشاميّ: 11 / 78.

يصدرون، ثمّ ترى رأيك ...

فأبى الحسينُ إلّا أن يمضي إلى العراق، فقال له ابن عبّاس: واللهِ إنّي لَأظنّك ستُقتَل غداً بين نسائك وبناتك، كما قُتِل عثمان بين نسائه وبناته، واللهِ إنّي لَأخاف أن تكون الّذي يُقاد به عثمان،فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

فابن عبّاسٍ ينظر إلى مآل سيّد الشهداء (علیه السلام) في كربلاء، ويتكلّم كلام المطمئنّ الموقِن، ولا شكّ أنّ ذلك لم يغب عن سيّد الشهداء (علیه السلام) بتاتاً، بغضّ النظر عن علم الإمامة، وإنّما حسب الموازين الظاهريّة، فإنّ ما يراه ابن عبّاسٍ ويعرفه من أهل العراق قد رآه وعرفه سيّد الشهداء (علیه السلام) !

بَيد أنّ جواب الإمام (علیه السلام) يفيد بما يكاد يكون صريحاً أنّ بقاءَه في مكّة يعني القتل لا محالة، فهو (علیه السلام) يرى القتل المحتوم في مكّة إنْ بقي فيها، إذ ردّ على ابن عبّاسٍ بعد تشبّثه بكلّ شيءٍ رجاء أن يجيب سيّد الشهداء (علیه السلام) ، فقال له الإمام: «لَئن أُقتَل بمكان كذا وكذا، أحبّ إليّ أن تُستَحلّ بي»، يعني مكّة ((1))، فالإمام (علیه السلام) يُخبِر عن تحقُّق القتل الفعليّ إن بقي في مكّة.

أمّا الرحيل إلى العراق، وإن كانت المؤشّرات واضحةً تكشف النتيجة، بَيد أنّها تبقى حسب مجريات الأحداث المتحرّكة على أرض الواقع يومها أنّ

ص: 270


1- المناقب لمحمّد بن سليمان الكوفيّ: 2 / 260 الرقم 725.

ثَمّة مَن يزعم أنّه على استعدادٍ لتقديم النصرة والدفاع بالنفْس والنفيس، ولو بمستوى الزعم والتظاهر، فها هي كتب أهل الكوفة ورسُلهمتترى..

فالبقاء في مكّة يعني القتل الحتميّ، حسب مجريات الأحداث وتراكم القرائن الّتي أوجزها الإمام (علیه السلام) بتقرير وقوع القتل، بحيث صار يحاول بجدٍّ الخروجَ لئلّا تُستَحلّ به، وإخبار سيّد الشهداء (علیه السلام) صريحٌ في أنّهم جادّون في تنفيذ ما يصبون إليه، إذ أنّ قوله (علیه السلام) : «لَئن أُقتَل بمكان كذا وكذا، أحبّ إليّ مِن أن تُستَحلّ بي»، يعني صراحةً أنّهم قاتلي إن بقيتُ في مكّة، وأنا لا أُحبّ أن تُستَحلّ بي، فلأذهب إلى أيّ مكانٍ آخَر وأختار أيّ بقعةٍ سوى مكّة البيت الحرام.. فهو في الحقيقة إخبارٌ واضحٌ عن عزمهم وسعيهم الجادّ المتنجّز لقتله في مكّة!

وقد أكّد الإمام (علیه السلام) في لقاءٍ آخَر مع ابن عبّاسٍ جرى فيه حديثٌ طويلٌ بعد أن ذكر له خيانة أهل الكوفة وغدرهم وأنّهم يدعون في ظلّ حكمٍ قائمٍ مستقرٍّ غشومٍ ظلومٍ ليس فيه أيّ تصدّع، وهذا يعني أنّهم إنّما يدعونه إلى الحرب والقتال، وهو بلدٌ قُتل فيه أبوه واغتيل فيه أخوه، وبويع يزيد، وعُبيدُ الله في البلد يعطي ويفرض، والناس عبيد الدينار والدرهم، وأنّه لا يأمن عليه القتل، فأمر الإمامَ بتقوى الله وأن يلزم الحرم..

فقال له الحسين (علیه السلام) : «واللهِ أن أُقتَل بالعراق أحبُّ إلى أن أُقتَل

ص: 271

بمكّة، وما قضى الله فهو كائن، وأنا مع ذلك أستخير الله وأنظر ما يكون» ((1)).

فالقتل في مكّة محقَّقٌ إن بقي سيّد الشهداء (علیه السلام) فيها ولم يغادرها، ولابدّ له من الخروج منها لئلّا تُستباح به، وهو قد قالها لابن عبّاسٍ وغيره في أكثر من موضع وأكثر من مقام، أنّ القوم لا يتركونه، فإمّا أن يبايع البيعة الذليلة ويؤثر طاعة اللئام، وهذا ما لا يكون أبداً، وإمّا أن يقتلوه..

كيف يُفهِم الإمامُ (علیه السلام) هؤلاء القوم؟! بأيّ لغةٍ يكلّمهم حتّى ينصاعوا ويُدرِكوا ما يقول ويتحسّسوا الواقع الّذي يحيط بالإمام (علیه السلام) ؟!

كيف يأمره أن يلزم الحرم، وقد أخبره الإمام (علیه السلام) من قبل أنّه لن يغادر مكّة وهو مقيمٌ فيها أبداً ما منعوه ودفعوا عنه ولم يخذلوه، فلمّا عزم على الخروج منها أليس هذا يعني أنّهم خذلوه؟! فإذا خذلوه ولم يمنعوه فهو مقتولٌ في مكّة لا محالة! وهو لا يحبّ أن تُستباح به، وقد أخبرهم في غير موضعٍ أنّ القوم لا يتركونه، وهم يعلمون أنّه لا يعطي بيده، فلابدّ أن يقتلوه، وله أن يختار الموضع الّذي سيُقتَل فيه ويدفع عن نفسه وأهل بيته حتّى يقيم الحجّة ويعذر ويؤدّي التكليف، ليؤثر مصارع الكرام على طاعة

ص: 272


1- الفتوح لابن أعثم: 5 / 111، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 216، وانظُر: البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 159.

اللئام.

وفي لفظ المسعوديّ تفصيلٌ أكثر في كلام ابن عبّاس وذكر الدلائل على غدر أهل الكوفة وتهويلٌ وتعبيرٌ غير لائقٍ ولا مؤدّب مع الإمام (علیه السلام) ، حتّى قال له: «فإن عصيتَني وأبيتَ إلّا الخروج إلى الكوفة ...»، فردّ عليه الإمام بعد أن ذكر له أنّ كتاب المولى الغريب مسلم (علیه السلام) قد وصله باجتماع أهل المصر على بيعته ونصرته، وأنّه عازمٌ على المسير إليهم، قال المسعوديّ: فكان الّذي ردّ عليه: «لَئن أُقتَل واللهِ بمكان كذا، أحبّ إليّ مِن أن أستحلّ بمكّة» ((1))..

ومعنى هذا أنّي لا خيار لي للبقاء في مكّة كما تزعم يا ابن عبّاس، فإنّ بقائي في مكّة يعني أن أُقتَل ويُستحَلّ دمي فيها، ولابدّ لي أن أحمي حرمة البلد الحرام، لأنّ القوم لا يرعون ذلك، فلا خيار سوى الخروج منها، وإلّا فالقتلُ فيها.

وفي ما رواه الطبرانيّ مسنَداً عن ابن عبّاسٍ في حديثٍ إضافة: «أحبّ إليّ مِن أن يُستحَلّ بي ((2)) حرم الله ورسوله» ((3)).. فإن كان المقصود من (حرم

ص: 273


1- مروج الذهب للمسعوديّ: 3 / 64، نفَس المهموم للقمّيّ: 166.
2- ذخائر العقبى للطبريّ: 150.
3- أُنظر: المعجم الكبير للطبرانيّ: 3 / 138 الرقم 2859، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 192، الملاحم والفتن لابن طاووس: 192.

رسوله) المدينة، فيكون فيه إشارةٌ واضحةٌ على تأكيد أنّ بقاءَه في المدينة كان يعني أن يُقتَل، ولهذا خرج منها خائفاً يترقّب!

وفي خبرٍ رواه الطبريّ الشيعيّ في (دلائل الإمامة) مسنَداً أنّ ابن عبّاسٍ قال:

أتيتُ الحسين وهو يخرج إلى العراق، فقلتُ له: يا ابن رسول الله، لا تخرج!! فقال: «يا ابن عبّاس، أما علمتَ إنْ منعتَني من هناك فإنّ مصارع أصحابي هنا؟». قلت له: فأنّى لك ذلك؟ قال: «بسرٍّ سُرّه لي وعلمٍ أُعطيتُه» ((1)).

بغضّ النظر عن العامل الغيبيّ الّذي قرّرنا أن لا ندخله _ ما استطعنا _ في بحثنا هذا، باعتباره بحثاً تاريخيّاً، فإنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) ينبّه ابن عبّاسٍ إلى أنّ بقاءَه في مكّة يعني قتله وأصحابِه، فإن منعه ابن عبّاسٍ عن الخروج منها فهو يعني أن يُقتَل فيها، والحال أنّ له أن يخرج منها فيُقتَل في أرض العراق، وهذا أحبّ إليه.

وفي خبر الهنديّ في (كنز العمّال): قال سيّد الشهداء (علیه السلام) لابن عبّاس:

«إنّ هذا الحرم يُستحَلّ برجُل، ولَئن أُقتَل في أرض كذا وكذا أحبّ

ص: 274


1- دلائل الإمامة للطبريّ: 74، مدينة المعاجز للبحرانيّ: 238.

إليّ من أن أكون أنا هو» ((1)).

وفيه إخبارٌ واضحٌ عن عزمهم على قتله، وأنّه لا يريد أن يكون هو الرجُل المقتول فيها، وله خيار اختيار غيرها للمصرع.

وبكلمة: فإنّ قول سيّد الشهداء (علیه السلام) بأيّ لفظٍ من الألفاظ الّتي سمعناها يفيد بوضوحٍ أنّ الإمام (علیه السلام) يُخبر ابن عبّاسٍ أنّ دعوته للبقاء في مكّة والتشبّث به أن لا يخرج، لا يجدي نفعاً؛ لأنّ القوم يريدون قتله في مكّة، وهو لا يريد أن تُستَحلّ به حرمة البيت ولا يُستَحلّ دمُه في البلد الحرام، فهذه الكلمات ليست لمجرّد الإخبار بالغيب، وإن كانت تفيد هذا المعنى أيضاً، فهي في نفس الوقت تُخبر عن تحرّي القوم وجدّهم وعزمهم الأكيد وتنفيذهم السريع لقتل سيّد الشهداء (علیه السلام) في الحرم، وهذا الّذي أزعج سيّد الشهداء (علیه السلام) وأخرجه منها.

وهذا الردّ من سيّد الشهداء (علیه السلام) يؤكّد ما رواه الطُّريحيّ في (المنتخَب) والمجلسيّ في (البحار) وغيرهما من عزم يزيد على قتل سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة كيف ما اتّفق ولو بالاغتيال ((2))، كما سنسمع بعد قليل.

ص: 275


1- كنز العمّال للهنديّ: 13 / 672 الرقم 37716.
2- أُنظر: المنتخَب للطريحيّ: 434، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 99، ينابيع المودّة للقندوزيّ: 3 / 59، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 233، أسرار الشهادة للدربنديّ: 243، مثير الأحزان للجواهريّ: 30، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 255، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 153، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 51.

قال العلّامة المجلسيّ (رحمة الله) :

مع أنّه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنّه (علیه السلام) هرب من المدينة خوفاً من القتل إلى مكّة، وكذا خرج من مكّة بعدما غلب على ظنّه!!! أنّهم يريدون غيلته وقتله، حتّى لم يتيسّر له _ فداه نفسي وأبي وأُمّي وولدي _ أن يُتِمّ حجّه، فتحلّل، وخرج منها خائفاً يترقّب، وقد كانوا (لعنهم الله) ضيّقوا عليه جميع الأقطار، ولم يتركوا له موضعاً للفرار.

ولقد رأيتُ في الكتب المعتبرة أنّ يزيد أنفذ عَمرو بن سعيد بن العاص في عسكرٍ عظيم، وولّاه أمر الموسم وأمّره على الحاجّ كلّهم، وكان قد أوصاه بقبض الحسين (علیه السلام) سرّاً، وإن لم يتمكّن منه بقتله غيلة، ثمّ إنّه دسّ مع الحاجّ في تلك السنة ثلاثين رجُلاً من شياطين بني أُميّة، وأمرهم بقتل الحسين (علیه السلام) على أيّ حالٍ اتّفق، فلمّا علم الحسين (علیه السلام) بذلك حلّ من إحرام الحجّ وجعلها عُمرةً مفردة.

وقد رُوي بأسانيد: إنّه لمّا منعه (علیه السلام) محمّدُ ابن الحنفيّة عن الخروج

ص: 276

إلى الكوفة، قال: «واللهِ _ يا أخي _ لو كنتُ في جُحر هامّةٍ من هوامّ الأرض، لَاستخرجوني منه حتّى يقتلوني».بل الظاهر أنّه (صلوات الله عليه) لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه؛ لشدّة عداوتهم وكثرة وقاحتهم، بل كانوا يغتالونه بكلّ حيلةٍ ويدفعونه بكلّ وسيلة، وإنّما كانوا يعرضون البيعة عليه أوّلاً لعلمهم بأنّه لا يوافقهم في ذلك، ألا ترى إلى مروان (لعنه الله) كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه، وكان عُبيد الله بن زياد (عليه لعائن الله) إلى يوم التناد يقول: اعرضوا عليه، فلْينزل على أمرنا، ثمّ نرى فيه رأينا؟ ((1))

وقد ورد في خبرٍ طويلٍ فيما أجاب به ابن عبّاس على كتاب يزيد بعد رفض البيعة لابن الزبير:

أنسيتَ إنفاد أعوانك إلى حرم الله لتقتل الحسين، فما زلتَ وراءه تخيفه حتّى أشخصته إلى العراق، عداوةً منك لله ورسوله ولأهل بيته الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً؟ ((2))

وورد خبر إنفاذ يزيد عَمرو بن سعيد بن العاص في عسكرٍ عظيم، وولّاه

ص: 277


1- بحار الأنوار: 45 / 99، العوالم للبحراني: 17 / 323.
2- تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 155، نفس المهموم للقمّي: 446.

أمر الموسم وأمّره على الحاجّ كلّهم، وكان قد أوصاه بقبض الحسين (علیه السلام) سرّاً، وإن لم يتمكن منه يقتله غيلة.ثمّ إنّه (لعنه الله) دسّ مع الحُجّاج في تلك السنة ثلاثين رجُلاً من شياطين بني أُميّة، وأمرهم بقتل الحسين (علیه السلام) على كلّ حالٍ اتّفق ((1)).

وروى السيّد ابن طاووس خبراً مسنداً، ذكر فيه لقاء محمّد ابن الحنفيّة ليلة خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) والتماسه الإعراض عن الكوفة، فأجابه الإمام (علیه السلام) : «يا أخي! قد خفتُ أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم، فأكون الّذي يُستباح به حرمة هذا البيت» ((2)) _ إلى آخر الخبر.

وقد لقيه الفرزدق خارج مكّة، فقال له: بأبي أنت، لو أقمتَ حتّى يصدر الناس، لَرجوت أن يتقصّف أهل الموسم معك. فقال (علیه السلام) : «لم آمنهم ((3)) يا

ص: 278


1- المنتخَب للطُّريحيّ: 434، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 99، ينابيع المودّة للقندوزيّ: 3 / 59، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 233، أسرار الشهادة للدربنديّ: 243، مثير الأحزان للجواهريّ: 30، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 255، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 153، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 51.
2- اللهوف لابن طاووس: 63، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 364، العوالم للبحرانيّ: 17 / 214، نفَس المهموم للقمّيّ: 164.
3- قد يُقال: إنّ الضمير في «آمنهم» يعود على الناس.

أبا فراس» ((1)).

فهذه النصوص تصرّح بإقدام القوم على ارتكاب الجناية العظمى في الحرم المكّيّ، وأنّهم باشروا في ذلك مباشرةً جادّةً وحثيثة، وهذا يعني أنّ بقاء الإمام (علیه السلام) في مكّة يعني قتله غيلةً وهتك حرمته وحرمة الحرم به، ممّا اقتضى خروج الإمام (علیه السلام) منها على عجلٍ يفوّت عليهم ما أزمعوا عليه.

ولقد سمعنا ابن عبّاس والفرزدق وغيرهما يدعون الإمام (علیه السلام) للتريّث حتّى يصدر الناس عن حجّهم، ولا حاجة إلى تكرار النصوص هنا.وكان الغرض من دعوتهم هذه أن يلقاهم الإمام (علیه السلام) ويعلم على ما يصدرون، ثمّ يرى رأيه، أو رجاء أن يتقصّف أهل الموسم معه..

فأجابهم الإمام (علیه السلام) بكلمةٍ واحدةٍ واضحةٍ تُقنع العاقل لو عقل، فقال: «لَئن أُقتَل بمكان كذا وكذا، أحبّ إليّ أن تُستَحلّ بي»، يعني مكّة ((2)).

ص: 279


1- ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 63، مختصر ابن منظور لتاريخ ابن عساكر: 27 / 121.
2- أُنظر: ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 60، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 200 و211 وفيه: (تناصبنا)، تهذيب ابن بدران: 4 / 331، مختصر ابن منظور: 7 / 142، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2611، تهذيب الكمال للمزّيّ: 6 / 420، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 164، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 219، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 292، تاريخ الإسلام للذهبيّ: 5 / 106، سبل الهدى للصالحي الشاميّ: 11 / 78.

فهم قد أزمعوا على اغتياله، فلا يأمنهم، وإنّ القوم قاتلوه لو بقي في مكّة، فلا مجال للمكث بها؛ رعايةً لحرمتها وحرمة دم ابن رسول الله فيها.

وهذا يعني أنّ الإمام كان مهدَّداً في تلك الأيّام مضيَّقاً عليه، بحيث لا يسَعه البقاء في مكّة حتّى ينتهي موسم الحجّ.

ومن الغريب طلب التريّث من الإمام (علیه السلام) حتّى ينقضي الحُجّاج من حجّهم ليرى رأيهم في نصرته.. ودعوى أنّه إن بقي في الحرم فسيكون أمنع مَن فيه وأعزّ مَن فيه!! رغم ما يلاحظون من الظروف المحيطة بالإمام (علیه السلام) ويسمعون من كلامه الصريح الواضح البيّن الجليّ الفصيح المفهوم.

إنّ هؤلاء الحجيج همجٌ رعاع، تركوا وجه الله وعكفوا على مناسك هامدةٍ سامدةٍ خامدةٍ جامدةٍ، لا قيمة لها ولا أثر ما دامت لم تكن في رضى الله (تعالى)، ورضى الله (تعالى) في رضى الحسين (علیه السلام) ، كما قال: «رضى اللهرضانا أهل البيت»، وكما صرّح به القرآن: ﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ ((1))، وتظافرت على بيانه الأحاديث الشريفة..

ثمّ إنّ الناس الّذين صمّوا أسماعهم وغضّوا أبصارهم وتغافلوا وأعرضوا

ص: 280


1- سورة النساء: 59.

عن نصرة الإمام (علیه السلام) ، وهو في ذلك الظرف العصيب الّذي كان العدوّ يهدّده في كلّ لحظةٍ وفي كلّ آن، والإمام (علیه السلام) بين ظهرانيهم، وقد علموا أنّه عزم على الخروج، سوف لا يرفّ لهم جفن ولا ينتفض لهم قلبٌ إذا خرج وقد عزموا على الرجوع إلى دنياهم وأهليهم وزخارف حياتهم..

على أنّه خرج على مرأىً ومسمعٍ منهم، وكان بوسعهم أن يلتحقوا به وهو في بدايات الطريق، بَيد أنّهم لم يفعلوا.

وقد أتينا على بيان ذلك وتفاصيله في ثنايا الدراسات السابقة، فلا نعيد.

* * * * *

ولا نريد هنا التوسّع في دراسة أسباب خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة، بل ومن المدينة أيضاً، بيد أنّ ثمّة قضيّةً مهمّةً ينبغي الالتفات إليها قبل الدخول في البحث، وهي بكلمة:إنّ الأسباب ليست جميعها من صنفٍ واحدٍ وعلى مستوىً واحد، وإنّما يمكن تقسيم الأسباب على وجه العموم إلى قسمَين أساسيَّين، نذكرها على نحو الاختصار:

ص: 281

القسم الأول: الأسباب الدافعة

هذا النوع من الأسباب يمكن تسميته _ تجوّزاً ومسامحةً إن صحّ التعبير _ ب-- (العِلَل الفاعلة).. بمعنى أنّها كانت الدافع الّذي دفع الإمامَ (علیه السلام) إلى الخروج مضطرّاً، لا يسعه البقاء فيها بعد تحقّق تلك الأسباب حيناً من الوقت مهما كان قليلاً، وصار الحساب بالساعات..

أسبابٌ منعَته من البقاء في مكّة، ولو ليومٍ أو يومين.. ودعَتْه إلى الخروج الفوريّ والابتعاد عن مكّة، ولو بشبرٍ أو شبرين..

وهذه الأسباب والعلل فرضَها الواقع وسير الأحداث وسجّلها التاريخ، سواءً على مستوى مجريات الحوادث، أو على مستوى التصريحات والبيانات الصادرة من الإمام سيّد الشهداء نفسه _ فداه روحي _، أو من أعدائه، أو من المعترضين عليه، وغيرهم من الشخصيّات المعاصرة للحدَث..فهي أسبابٌ منصوصةٌ سجّلها التاريخ، صرّح بها الإمام الحسين (علیه السلام) نفسه _ مثلاً _، وأسبابٌ منصوصةٌ أيضاً باعتبار أنّ المؤرّخ نصّ على جملةٍ من الأحداث الّتي أدّت بوضوحٍ لا لبس فيه إلى خروج الإمام (علیه السلام) من مكّة المكرّمة..

وهي أسبابٌ متّفَقٌ عليها بين جميع المتابعين لحركة سيّد الشهداء (علیه السلام)

ص: 282

وخروجه من المدينة ومكّة، ولا يناقش فيها أحد..

فقد اتّفَق الجميع دون اختلافٍ أنّ خروجه من المدينة ومكّة إنّما كان لحماية دمه الزاكي ودماء مَن معه، لئلّا تُهتَك بها حرمة المدينة المنوّرة ومكّة البيت الحرام.. فهذا ما لا خلاف فيه بين اثنين..

وقد صرّح الإمام (علیه السلام) نفسُه بذلك، وشهد بها سير الأحداث المتسارع وإقدامات العدوّ المتهوّرة المستعجلة لقتل سيّد الشهداء (علیه السلام) .

القسم الثاني: الأسباب الأهداف

هناك أسبابٌ يمكن أن تكون آثاراً تترتّب على الخروج كأهدافٍ تُقصَد من الخروج، فهي ليست أسباباً تشكّل دوافع تضطرّه إلى الخروج، وإنّما هي جواذب تدعوه إلى الخروج لتحقيق بعض المرامي والأهدافالّتي يمكن أن تتحقّق عند الخروج من مكّة.

وبعبارةٍ أُخرى _ إن صحّ التعبير أيضاً _ : إنّ هذه الأسباب والعِلل يمكن أن نطلق عليها (العِلَل الغائيّة)..

فهو (علیه السلام) إن خرج من مكّة مضطرّاً خوف القتل، هل كان له هدفٌ يلاحقه ويروم تحقيقه، أو أنّه خرج للوقاية من القتل في مكّة؟!

وهنا نحتاج إلى نصوصٍ تصرّح بالأهداف المرجوّة بالخصوص من سيّد

ص: 283

الشهداء نفسه (علیه السلام) ، وإن لم تكن صريحةً فلْتكن ملوِّحَةً واضحة!

ويمكن أن يكون هذا النوع من الأسباب والأهداف متّفقاً مع القسم الأوّل، ويمكن أن يكون مختلفاً..

بمعنى: إنّ الإمام (علیه السلام) إنّما خرج بهدف حماية دمه الزاكي والبيت الحرام من الهتك، ويمكن أن يكون ثَمّة هدفٌ آخَر يتوخّاه من خروجه سوى حماية دمه وحفظ حرمة البيت، يسعى إلى تحقيقه وينطلق نحوه..

وهذا النمط من الأسباب في الأعمّ الأغلب _ إن لم نقل دائماً _ ربّما رشحَت بها تحليلات المتابع المبتنية على سوابقه الذهنيّة وقوالبه النفسيّة المعدّة سلفاً، وبنائه العقليّ الموروث الّذي ينطلق منه إلى تفسير حركة سيّدالشهداء (علیه السلام) ..

إذ أنّنا لم نقف _ لحدّ الآن حسب فحصنا ومتابعتنا لحركة سيّد الشهداء (علیه السلام) وكلامه وسير الحوادث _ على ما يكون صريحاً واضحاً بوجود هدفٍ أعظم أو أَولى من الهدف العلّة المذكورة في القسم الأوّل!

ولِنضرب مثلاً مجمَلاً ربّما أوضح الفرق بين القسم الأوّل والقسم الثاني من الأسباب:

قلنا قبل قليلٍ أنّ الجميع قد اتّفقوا بما لا خلاف فيه على أنّ خروج الإمام سيّد الشهداء (علیه السلام) من المدينة إنّما كان لحماية دمه الزاكي وحرمة

ص: 284

المدينة، وهذا ما تشهد له الأقوال والأحداث، وهو سببٌ من القسم الأوّل.

وذكروا سبباً آخَر، قيل: إنّ الإمام (علیه السلام) كان يتوخّاه ويقصده من وراء الخروج من المدينة، يمكن أن يكون هدفاً للخروج كما سنسمع..

قالوا _ مثلاً _ بعد أن ذكروا الشواهد على احتمال اغتيال الإمام (علیه السلام) في المدينة، وهو الاحتمال الأكبر، وإمكان وقوع المواجهة فيها:

فهذا المقطع من رسالة ابن عبّاس كاشفٌ عن أنّ يزيد سعى إلى اغتيال الإمام (علیه السلام) في المدينة كما سعى إلى ذلك في مكّةالمكرّمة.

واستباقاً لما هو متوقَّع الحدوث _ أي: الاغتيال _، فقد خرج الإمام بركبه من المدينة، إذ لم تعُدْ مدينةُ رسول الله (صلی الله علیه و آله) مأمناً لابن بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله) .

وصحيحٌ أنّه (علیه السلام) كان قد خرج من المدينة خشية الاغتيال خوفاً على نفسه الشريفة، وخوفاً من أن تُهتَك حرمة حرم رسول الله (صلی الله علیه و آله) بقتله غيلةً أو في مواجهةٍ مسلّحة، لكنّ الصحيح في العمق أيضاً أنّ هذا الخوف كان يقع ضمن إطار خوفٍ أكبر، وهو خوفه (علیه السلام) من أن تُخنَق ثورته المقدّسة قبل اشتعالها بقتله غيلةً في المدينة في ظروفٍ زمانيّةٍ ومكانيّةٍ وملابساتٍ مفتعَلَةٍ يقوم بإعدادها وإخراجها الأُمويّون أنفسهم، يستطيعون من خلالها الاستفادة حتّى من حادثة قتله لصالحهم إعلاميّاً، فتبقى مأساة الإسلام على ما

ص: 285

هي عليه، بل تترسّخ المصيبة وتشتدّ!

كان الإمام حريصاً على أن يتحقّق مصرعه _ الّذي كان لابدّ منه ما لم يبايع _ في ظروفٍ زمانيّةٍ ومكانيّةٍ يختارها هو (علیه السلام) ، لا يتمكّن العدوّ فيها أن يعتّم على مصرعه، أو أن يستفيد من واقعة قتله لصالحه، فتخنق الأهداف المنشودة من وراء هذا المصرعالّذي أراد منه (علیه السلام) أن تهتزّ أعماق وجدان الأُمّة لتتحرّك بالاتّجاه الصحيح الّذي أراده (علیه السلام) لها.

فكان خروجه (علیه السلام) من المدينة _ كذلك من مكّة _ في الأصل انفلاتاً بالثورة المقدّسة من طوق الحصار والتعتيم الأُمويّ، إضافةً إلى خوفه (علیه السلام) من أن تُهتَك حرمة أحد الحرمَين الشريفَين بقتله ((1)).

نكتفي هنا بالإشارة إلى الغرض من ذِكر المثال، إذ أنّ هذا المتن يفيد بصراحةٍ في أوّله ما لا خلاف فيه، وهو خروجه (علیه السلام) خوفاً على دمه الزاكي، ويصحّح ذلك..

ثمّ يضيف صحيحاً آخَر ينسبه إلى (العُمق)! وهذا السبب الإضافيّ يُعدّ من القسم الثاني، إذ أنّ الإمام (علیه السلام) إنّما خرج ليحمي هدفه (الأصل)!!! وهو الانفلات بثورته من المدينة!!!

ص: 286


1- مع الركب الحسينيّ: 1 / 375.

فالقسم الأوّل هو السبب الدافع الّذي قد اتّفق عليه الجميع؛ لشهادة الأحداث والنصوص التاريخيّة به..

أمّا السبب (الغائيّ)، فهو ما خرجَت به دلاء التحليل من (العمق)الممتدّ في غور السوابق الذهنيّة والمتبنّيات المصوغة وفق القوالب المعدّة، والّتي تدعو المتأمّل ليجعل صحراء كربلاء والفلاة الجرداء الّتي لا سكّان فيها ولا عمران، ليس فيها سوى عسلان الفلوات المتوحّشة المحيطة كالحلقة بالإمام غريب الغرباء وأهله ورهطه..

يجعل هذه الفلاة البيداء أفضل للتوظيف الإعلاميّ بإزاء مدينة الرسول (صلی الله علیه و آله) ومكّة البيت الحرام أيّام الحجّ!!!

ويجعل الهدف الغائيّ أعزّ وأقدس وأهمّ وأعظم حرمةً من دم الإمام الزاكي ودماء مَن معه ممّن ليس لهم على الأرض شبيهون!!!

ولا يمكن الارتكان إلى وصيّة الإمام (علیه السلام) إلى أخيه محمّد ابن الحنفيّة في المقام؛ لأنّنا ناقشناها سنداً ودلالةً في كتاب (ظروف خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من المدينة) مناقشةً مفصَّلة، فهي لا تنهض بسند، وبغضّ النظر عن السند فإنّها لا تنهض بدلالةٍ على ما يُقال.

وسنأتي على مناقشة ذلك في محلّه بالتفصيل من دراسة أقوال العلماء والمؤرّخين والنظريّات الّتي انبرت لتفسير قيام سيّد الشهداء (علیه السلام) إن شاء

ص: 287

الله (تعالى)، ودراسة ما يصحّ وما لا يصحّ من العلل الغائيّة والأهداف التحليليّة الّتي لم ترد في المتون التاريخيّة وبيانات الإمام سيّد الشهداء وآبائهوأبنائه المعصومين (علیهم السلام) ، وقد مرّ معنا في دراسة ظروف خروج الإمام (علیه السلام) من المدينة بعض الإشارات.

ص: 288

يوم خروج الإمام الحسين (علیه السلام) من مكّة

اشارة

تطالعنا عدّةُ أقوالٍ في تحديد يوم خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة، ويمكن اختصار الحديث في ذلك من خلال التنويهات التالية:

التنويه الأوّل: محتويات النصوص

إعتاد المؤرّخون على الإشارة إلى ما يعتقدونه سبباً لخروجه (علیه السلام) من مكّة، وقد اقتطعناها هنا على أمل أن يمدّ الله في العمر ويُبقي الأجل بقيّة ويمنّ علينا بالتوفيق لنتناول دراسة ذلك مفصّلاً في محلّه إن شاء الله (تعالى)..

وفي النصوص ما يفيد بجلاءٍ ويبيّن بوضوحٍ مكر المؤرّخ وخُبثه في عرض الأحداث والتعليق عليها!

يقول الدياربكريّ:

فأتاه كتبُ أهل الكوفة وهو بمكّة، فاغترّ!!! فتجهّز للمسير ((1)).

ص: 289


1- تاريخ الخميس للدرياربكريّ: 2 / 332.

ويقول هو وابن عبد البرّ وغيرهما:

وخرج يوم التروية يريد الكوفة، فكان سبب هلاكه ((1)).

وليس هذا إلّا نموذجاً بسيطاً، وفي نصوصهم من الخبث والجسارة ونفث الشيطان وهتوفه لإلقاء ما يريده المؤرّخ ومشغّله ويروم وصْمَ حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) به.

وقد أشرنا إلى جملةٍ من ذلك فيما مضى، وسنأتي على تفصيله في محلّه إن شاء الله.

التنويه الثاني: أقوالٌ شاذّة

القول الأوّل: قول ابن سعد

قال ابن سعدٍ، وروى عنه مَن تلاه: إنّ خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) كان يوم الاثنين في عشر ذي الحِجّة سنة ستّين ((2)).

ص: 290


1- الاستيعاب لابن عبد البرّ: 1 / 381، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2572، تاريخ الخميس للدرياربكريّ: 2 / 331.
2- ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 61، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 212، تهذيب ابن بدران: 4 / 331، مختصر ابن منظور: 7 / 143، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2612، تهذيب الكمال للمزّيّ: 6 / 421، تاريخ الإسلام للذهبيّ: 2 / 343، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 204، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 165، تاريخ الخلفاء للسيوطيّ: 206.

وفي خبره ارتباكٌ شديد، أتينا على مناقشته فيما سبق، فلا يُعتَدّ به، سيّما أنّ مَن جاء بعده صرّح بالنقل عنه، وهو مخالفٌ للمشهور.

القول الثاني: السيّد ابن طاووس (رحمة الله)

وقال السيّد ابن طاووس (رحمة الله) :

وكان قد توجّه الحسين (علیه السلام) من مكّة يوم الثلاثاء لثلاثٍ مضين من ذي الحِجّة ((1)).

ثمّ ذكر الأربعاء لثمانٍ مضين من ذي الحجّة سنة ستّين، فهو يروي القول المشهور، وإن اختلف معه في تحديد اليوم من الأُسبوع.

ولا يبعد أن يكون القولان اللذان يرويهما إنّما رواهما لبيان الاختلاف في اليوم بالذات، أي: بين الثلاثاء والأربعاء، ووقع السهو أو الخطأ أو التصحيف في الثلاثة والثمانية.

وكيف كان، فإنّ المعتمَد هو المشهور، والشاذّ لا يُؤخَذ به، سيّما وأنّه (رحمة الله) قد نقل القولَين.

ص: 291


1- اللهوف لابن طاووس: 60، 63، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 233.
القول الثالث: سبط ابن الجَوزيّ

وقال سبط ابن الجوزيّ:

وأمّا الحسين (علیه السلام) ، فإنّه خرج من مكّة سابع ذي حِجّةٍ سنة ستّين ((1)).

ثمّ ذكر خروجه (علیه السلام) يوم التروية الثامن من ذي الحجّة، فلا يبعد أن يكون الاختلاف في اليوم والليلة، فالمعتمَد المشهور الّذي يرويه هو أيضاً.

القول الرابع: العمرانيّ

قال العمرانيّ:

وهاجر إليها في ذي القعدة من سنة إحدى وستّين.

ونصحه أهلُ المدينة وقالوا له: تثبَّتْ؛ فإنّ هذا موسم الحاجّ، فإذا وصلوا فاخطِبْ في الناس وادعُهُم إلى نفسك، فيبايعك أهلُ الموسم، ويتذكّر بك الناسُ جدَّك، وتمضي حينئذٍ في جُملتهم في جماعةٍ ومنعَةٍ وسلاحٍ وعدّة. فلم يصبر، وخرج ((2)).

يبدو أنّ الارتباك في النصّ والشذوذ في التاريخ يُغني عن مناقشته،

ص: 292


1- تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 137 و140.
2- الإنباء للعمرانيّ: 14.

فهو لم يضبط لا الشهر، إذ قال: في ذي القعدة، ولا السنة، إذ جعلها سنة إحدى وستّين، وجعل المعترض من أهل المدينة، ومادّةَ الاعتراض أن يبقى في مكّة حتّى ينقضي الموسم.. فليس في المتن ما يدعو إلى اعتماده بعد مخالفته المشهور مخالفةً شديدة!

القول الخامس: ابن حبّان

قال ابن حبّان:

فلمّا بلغ الحسينَ بن عليٍّ الخبرُ بمصاب الناس بمسلم بن عقيل، خرج بنفسه يريد الكوفة ((1)).

يبدو هذا القول من الغرابة والشذوذ بمكانٍ يسمح للباحث أن يُعرِض عنه ولا يلتفت إليه.

التنويه الثالث: القول المشهور

القول المشهور سابقاً شهرةً عظيمة، وهو قد يبلغ حدّ الإجماع لاحقاً، هو: يوم الثلاثاء الثامن من ذي الحِجّة ((2)).

ص: 293


1- الثِّقات لابن حبّان: 2 / 309.
2- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 371، تاريخ الطبريّ: 5 / 381، العَبرات للمحموديّ: 1 / 336، مروج الذهب للمسعوديّ: 3 / 70، الإرشاد للمفيد: 2 / 67، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 363، العوالم للبحرانيّ: 17 / 213، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 233، أسرار الشهادة للدربنديّ: / 243، نفَس المهموم للقمّيّ: 162، روضة الواعظين للفتّال: 152، إعلام الورى للطبرسيّ: 230، المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 328، الكامل لابن الأثير: 3 / 276، مثير الأحزان لابن نما: 18، مطالب السَّؤول لابن طلحة: 74، كشف الغُمّة للأربليّ: 2 / 43، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 137، 140، اللهوف لابن طاووس: 60، 63، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 233، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 405، مرآة الجنان لليافعيّ: 1 / 132، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 158، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 188، نور الأبصار للشبلنجيّ: 259، شذرات الذهب لابن العماد: 1 / 67، ينابيع المودّة للقندوزيّ: 3 / 59، نور الأبصار للشبلنجيّ: 256، الاستيعاب لابن عبد البرّ: 1 / 381، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2572، تاريخ الخميس للدرياربكريّ: 2 / 331، الفتوح لابن أعثم: 5 / 119، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 220.

ويشهد له ما ورد في كتاب سيّد الشهداء (علیه السلام) إلى أهل الكوفة الّذي أرسله في الطريق، وقد جاء فيه:

«وقد شخصتُ إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمانٍ مضين من ذي الحِجّة يوم التروية ...» ((1)).

ص: 294


1- تاريخ الطبريّ: 4 / 297، الإرشاد للمفيد: 2 / 70، مثير الأحزان لابن نما: 30، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 369، العوالم للبحرانيّ: 17 / 220، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 181، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 412.

فهو المعتمَد، وسيأتي بحث الكتاب وما فيه في محلّه إن شاء الله (تعالى).

ص: 295

ص: 296

الملتحقون بركب السعادة في مكّة المكرّمة ومشارفها

اشارة

مرّ معنا في دراستنا ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة بحثٌ تحت عنوان (هل التحق بالإمام (علیه السلام) أحدٌ في طريق المدينة؟) ((1))، عرفنا من خلاله أنّ الظاهر من النصوص أنّه لم يلتحق به أحدٌ ثَمّة.

بَيد أنّ النصوص التاريخيّة تفيد أنّ كوكبةً من الأبرار الأخيار التحقوا بركب السعداء في مكّة أو على مشارفها قبل أو بعد انطلاق ركب الكرب الميمّم نحو كربلاء الّذي كان يسير والمنايا تسري وتسرع إليه.

وقد ورد نصٌّ عند ابن سعدٍ ومَن تلاه يفيد أنّ تسعة عشر رجُلاً من بني عبد المطّلب وردوا على الإمام الحسين (علیه السلام) في مكّة بعد أن بعث إليهم الإمام (علیه السلام) ، قال:

وبعث حسينٌ إلى المدينة، فقدم عليه مَن خفّ معه من بني عبد

ص: 297


1- أُنظر: ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة: 139 وما بعدها.

المطّلب، وهم تسعة عشر رجُلاً ونساءٌ وصبيانٌ من إخوانه وبناته ونسائهم، وتبعهم محمّد ابن الحنفيّة (رضی الله عنه) ، فأدرك حسيناً بمكّة، وأعلمه أنّ الخروج ليس له برأيٍ يومه هذا، فأبى الحسينُ أن يقبل ((1)).

وقد مرّ معنا بحث هذا النصّ مفصّلاً في الجزء الخامس من (ظروف إقامة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة)، تحت عنوان (الإضاءة الحادية عشرة: مَن لحق من بني عبد المطّلب) ((2))، فلا نعيد.

* * * * *

سنقتصر هنا على محاولةٍ سريعةٍ جدّاً للتعرّف إلى عدد الركب الّذي هاجر من مكّة إلى كربلاء، من خلال الأعداد الإجماليّة الواردة في المتون التاريخيّة ومحاولة تتبُّع الأسماء، لوضع مسردٍ بالأسماء المباركة الّتي وردَت بنحوٍ من الأنحاء في الكتب.

ص: 298


1- أُنظر: ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 61، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14 / 211، تهذيب الكمال للمزّيّ: 6 / 421، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2612، تاريخ الإسلام للذهبيّ: 5 / 9.
2- أُنظر: ظروف إقامة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة: 5 / 186.

العدد الإجماليّ

ذكروا بعض الأعداد الإجماليّة، سواءً تصريحاً أو على لسان أحَد الراحلين مع أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) ، وسوف نستعرضها، ونترك الأعداد المذكورة في كربلاء وأعداد الملتحقين في الطريق إلى حين وصولنا إلى هناك إن شاء الله (تعالى)، وسنقتصر على ذِكر الأعداد بغضّ النظر عن المتون الواردة فيها:

فقد روى ابن قُتيبة وغيره على لسان المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) في مجلس ابن زيادٍ حين الوصيّة أنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) قد أقبل في «تسعين إنساناً» ((1)).

وروى ابن أعثم والخوارزميّ وغيرهما أنّه «حمل _ من مكّة _ بناته وأخواته.. اثنان وثمانون رجُلاً من شيعته ومواليه وأهل بيته» ((2)).

وقال العمرانيّ أنّه (علیه السلام) خرج من مكّة في «سبعين نفراً، أكثرهم أولاده

ص: 299


1- الإمامة والسياسة لابن قُتيبة: 2 / 5، المحاسن والمساوئ للبيهقيّ: 51.
2- أُنظر: الفتوح لابن أعثم: 5 / 120، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 220، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 228، شرح الشافية لابن أمير الحاج: 348، نفَس المهموم للقمّيّ: 170، مطالب السؤول لابن طلحة: 74.

وأقاربه وأهل بيته» ((1)).

فتكون أعلى الأرقام هو ما رواه المؤرّخ على لسان المولى الغريبمسلم (علیه السلام) .

وبغضّ النظر عن مدى صحّة ما نسبوه إلى المولى الغريب (علیه السلام) ، سيّما أنّ ذكره العدد بالتحديد لا علاقة له بوصيّته، ولا ضرورة لذكره في تلك الساعة العسيرة قُبيل الشهادة في مجلس ابن الأَمة الفاجرة، وقد أتينا على مناقشة ذلك في المجموعة الكاملة لوقائع السفارة في الجزء السادس منها، فلا نعيد.

فإنّنا قد جرّبنا في كثيرٍ من المواضع أنّ هذه الأعداد الاجماليّة الّتي يذكرها المؤرّخ ليست دقيقة، فكثيراً ما يحصر عدداً ثمّ يتبيّن خلاف ذلك من خلال المتابعة لما يذكره هو نفسه، فربّما حصر عدد أهل البيت (علیهم السلام) في الركب بسبعين مثلاً، ثمّ جعل يذكر مبارزتهم في كربلاء فيقول: خرج فلان، ثمّ خرج فلان.. ويسرد أسماء الشهداء منهم، فإذا أحصيتَهم وجدتَهم أكثر ممّن ذكرهم في الحصر السابق!

كما حصر عدد أولاد سيّد الشهداء بستّة _ ذكوراً وإناثاً _ على أقصى

ص: 300


1- الإنباء للعمرانيّ: 14.

التقادير، في حين أحصينا له من مصادر _ أغلبها معتبرٌ قديم، بل من نفس المصادر الحاصرة _ زهاء سبعةٍ وثلاثين، وقد أتينا على ذِكر الأسماء ومصادرها في كتاب (بنت الحسين رقيّة (علیهما السلام)).والأمثلة على ذلك كثيرةٌ لا تختفى على المتتبّع..

أضف إلى أنّ هذه الأعداد الإجماليّة إنّما تذكر الرجال البالغين وكذا النساء، كما هو واضحٌ من عبارات المؤرّخ، فهي لا تُحصي الأطفال والفتيان ممّن لا يصحّ التعبير عنه بالرجُل عرفاً.

العدد التفصيليّ

ربّما كان من المتعسّر _ بل من المتعذّر جدّاً _ إحصاءُ عدد الركب بالدقّة والتفصيل؛ وذلك لأنّ المؤرّخ لم يتعرّض لذكر الأسماء بالتفصيل، ولم يُحصِ إحصاءً دقيقاً..

ولو كان قد فعل ذلك، فإنّ إحصاء الأطفال الصغار والرضّع بالخصوص البنات الصغيرة لا يكاد يصل إليها المؤرّخ، كما لا يكاد يصل إلى عدد الأزواج في الركب.

وقد وردَت تصريحاتٌ عامّةٌ يمكن توظيف العموم الوارد فيها والارتكان إليه براحة؛ لشمول الكثير من الرجال والنساء والأطفال الّذين لم ترد

ص: 301

أسماؤهم.. وقد أتينا على ذِكر العمومات في دراسة (ظروف حركةسيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة).

فالمؤرّخ الّذي أكّد على خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) بجميع أهله وأولاده وإخوانه وأهل بيته ومواليه، اكتفى بهذا العموم عن التفصيل، ونحن أيضاً يمكننا الارتكان إلى تعميمه والاستناد إلى عبارته؛ لافتراض خروج جماعةٍ وإن لم ينصّ عليهم المؤرّخ بالاسم!

فمثلاً: حينما عرفنا بالبرهان أنّ المولى خليل الله عليّاً الأكبر (علیه السلام الله) كان متزوّجاً، وله أبناء، وكانت أُمّ ولده على قيد الحياة، بشهادة الحديث الشريف الّذي أفاد أنّ الإمام السجاد (علیه السلام) قد تزوّجها بعد أخيه، فيمكننا والحال هذه افتراضُ خروج أُمّ ولده معه إلى كربلاء وفق العمومات، والقول بخروج أُمّ ولده معه هو اقتصارٌ على القدر المتيقّن، إذ لم نعدّ أبناءَه في الركب.

وهكذا بالنسبة إلى المولى أبي الفضل العبّاس (علیه السلام) فإنّ العمومات تفيد خروجَه بزوجته وأُمّ ولده، على أنّ التاريخ يتحدّث عن شهادة بعض أبنائه في كربلاء، فالعمومات تفيد ذلك، ويؤيّده الواقع المعتاد، إذ أنّ الأب والأولاد خرجوا، فمقتضى العادة أن تخرج الأُمّهات معهم.

ولا يخفى أنّ أكثر أولاد عقيلٍ كانوا قد تزوّجوا ببنات أمير المؤمنين (علیه السلام)

ص: 302

أخواتِ الإمام الحسين (علیه السلام) ، وقد وردَت النصوص تؤكّد حضور أولاد عقيلٍ وأحفاده، فمقتضى الحال أن تكون نساؤهم _ بنات أمير المؤمنين (علیه السلام) وغيرهن _ قد خرجن معهم.

كما أنّ الأطفال الصغار جدّاً الّذين تتراوح أعمارهم بين البلوغ وما دون ذلك، لم يُحصِهم المؤرّخ والرواي عادة، وهم حسب الفرض كثيرون، وليس من العادة أن يُتركوا في المدينة وقد رحل أهلوهم جميعاً، إلّا مَن خرج منهم بالدليل.

وقد حاولنا إحصاء ذلك بما توفّر لدينا من مصادر، واقتصرنا على القدْر المتيقّن، فأحصينا ما ورد من أسماء أهل البيت (علیهم السلام) ممّن سجّل لهم المؤرّخ موقفاً في كربلاء، أو صرّح بشهادتهم بين يدَي سيّد الشهداء (علیه السلام) ..

فاقتصرنا _ مثلاً _ على ذِكر أولاد سيّد الشهداء (علیه السلام) وبناته الّذين صرّح المؤرّخ بحضورهم في كربلاء أو استُشهدوا بين يديه، بالرغم من أنّنا نجزم أنّ عدد أولاده (علیه السلام) المقبلين معه إلى كربلاء أكثر من ذلك..

وكذا في أولاد الإمام الحسن (علیه السلام) وأولاد جعفرٍ وعقيل (علیهم السلام) ..

من هنا لا يمكن بحالٍ أن يزعم أحَدٌ أنّه قد أحصى الركب إحصاءً دقيقاً، بالخصوص الأطفال منهم، ذكوراً وإناثاً!

وقد أحصينا الأسماء الّتي وفّقنا الله للوقوف عليها دون تحقيق، إذ أنّنا

ص: 303

تركنا الإثبات والنفي لأهله من ذوي الاختصاص _ إلّا إذا وفّقنا الله ومدّ في أعمارنا في خيرٍ وعافية، فإنّنا سنحقّق في تلك الأسماء في محلّها إن شاء الله (تعالى) _ ؛ لئلّا نخرج عن موضوع الكتاب ونبتعد عن متابعة الركب في حركته.

كما اقتصرنا على ذِكر المصادر الّتي نصّت على الحضور بنحوٍ من الأنحاء، كذِكر صاحب الاسم في الشهداء مثلاً، أو صرّحَت باللحوق في مكّة والخروج مع ركب سيّد الشهداء (علیه السلام) منها، كيزيد بن ثبيطٍ وأولاده، فإنّنا اقتصرنا على ذكر المصادر الّتي ذكرت لحاقهم ثَمّة، لذا قد ينحصر التوثيق على مصدرٍ أو أكثر، وربّما كان من المتأخّرين كالشيخ السماويّ (رحمة الله) .

وربّما وجد مَن تتبّع حوادث الطفّ ومصائب السبي أسماءً أُخرى فاتتنا، وربّما تفرّغ موفَّقٌ لاستقصاء أعلام الطفّ وأجرى العمومات فتوصّل إلى جملةٍ من الأزواج والأطفال والأحداث فجمعهم.

كيف كان، فإنّنا لا نحسب أنّنا قد جمعنا جمعاً استقصائيّاً!

والآن إلى مسردٍ سريعٍ بالأسماء المباركة النيّرة، وقد سردناها وفق ترتيب الحروف، وأحياناً حسب عثورنا على الاسم حين البحث، واعتمدناموسوعة (تاريخ الإمام الحسين (علیه السلام)) الموفَّقة في الإحصاء:

* * * * *

ص: 304

1 _ إبراهيم بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((1)).

2 _ إبراهيم بن الحسين بن أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((2)).

3 _ إبراهيم بن مسلم بن عقيل (علیهما السلام) ((3)).

ص: 305


1- أُنظر: الإمامة والسياسة لابن قُتيبة: 2 / 6، العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 385، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 277، بطل العلقميّ للمظفّر: 3 / 526، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 47، المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 63، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء للقزوينيّ: 241، جلاء العيون للمجلسيّ: 694، ينابيع المودّة للقندوزيّ: 2 / 153 _ بتحقيق: السيّد علي أشرف، الجوهرة للبريّ: 57، ناسخ التواريخ (أمير المؤمنين (علیه السلام)) لسپهر: 4 / 340، أعيان الشيعة للأمين: 2 / 183، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 57، نفَس المهموم للقمّيّ: 328.
2- أُنظر: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 62، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء للقزوينيّ: 241، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 328، جلاء العيون للمجلسيّ: 695، أعيان الشيعة للأمين: 1 / 610، الإفادة لأبي طالب الزيديّ: 58، الحدائق الورديّة للمحلّيّ: 1 / 116، لُباب الأنساب لابن فندق: 1 / 349.
3- أُنظر: أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیهم السلام) ، للمؤلّف.

4 و5 _ إبراهيم ومحمّد ابنا عبد الله بن جعفر الطيّار ((1)).

6 _ ابن الحسين بن أمير المؤمنين (علیهم السلام) ، له ثلاث سنين ((2)).

7 _ أبو بكر بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((3)).

ص: 306


1- أُنظر: أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل للمؤلّف، وانظُر أيضاً: ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات: 77، جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 424، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2636، تاريخ الطبريّ: 5 / 393، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 171.
2- أُنظر: ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 73، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 203، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 59، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 47، العوالم للبحرانيّ: 17 / 290، أسرار الشهادة للدربنديّ: 409، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 140، وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 281، وانظُر: كتاب بنت الحسين رقيّة (علیهما السلام) للمؤلّف.
3- أُنظر: تسمية مَن قُتل للرسّان: 149، الأمالي للشجريّ: 1 / 170، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 120، ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 76، الفتوح لابن أعثم: 5 / 205، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 57، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 37، العوالم للبحرانيّ: 17 / 280، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 319، نفَس المهموم للقمّيّ: 327، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 164، بطل العلقميّ للمظفّر: 3 / 525، وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 255، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 429، لُباب الأنساب لابن فندق: 1 / 399، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 28، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 107، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 306، العيون العَبرى للميانجي: 162، إبصار العين للسماويّ: 36، رجال ابن داوود: 393 الرقم 11، الدرّ النظيم لابن حاتم الشاميّ: 430، المزار للشهيد الأوّل: 177.

8 _ أبو بكر بن الحسن بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((1)).

9 _ أبو بكر بن الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((2)).

ص: 307


1- أُنظر: تسمية مَن قُتل للرسّان (من تراثنا): 150، الأمالي للشجريّ: 1 / 171، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 120، الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 257، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2628، تاريخ الطبريّ: 5 / 468، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 57، الدرّ النظيم لابن حاتم الشامي: 556، جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 13 / 256، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 36، العوالم للبحرانيّ: 17 / 279، نفَس المهموم للقمّيّ: 325، أعيان الشيعة للأمين: 2 / 293، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 149، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 246، الإرشاد للمفيد: 2 / 113، إعلام الورى للطبرسيّ: 243، لُباب الأنساب لابن فندق: 1 / 400، الكامل لابن الأثير: 3 / 302، مثير الأحزان لابن نما: 35، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 457، إبصار العين للسماويّ: 36.
2- أُنظر: ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 73 و76، تاريخ الطبريّ: 5 / 448، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 57، شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 178، الكامل لابن الأثير: 3 / 294، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 254، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 457، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 187، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 197، سرّ السلسلة لأبي نصر: 30، الشجرة المباركة للرازيّ: 87، جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 422، التنبيه والإشراف للمسعوديّ: 303، المعجم الكبير للطبرانيّ: 3 / 108، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 197، المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 340.

10 _ أبو بكر بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب (علیهم السلام) ((1)).

11 _ أبو رزين سليمان الشهيد بكربلاء، مولى الحسين (علیه السلام) ((2)).

12 _ أبو سعيد بن عقيل بن أبي طالب ((3)).

13 _ أبو عبد الله (أو: أبو عُبيد الله) بن مسلم بن عقيل ((4)).

14 _ أبو الهياج الهاشميّ، عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ((5)).

15 _ أحمد بن الحسن المجتبى بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((6)).

ص: 308


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 325، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 15 / 237، نسب قريش لمصعب الزبيريّ: 83، الجمهرة لابن حزم: 68.
2- رسول الحسين (علیه السلام) قُتِل في البصرة، أُنظر: وقائع البصرة، للمؤلّف.
3- المجدي: 307 (الأحول)، سفير الحسين (علیه السلام) للمظفّر: 25.
4- أُنظر: أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیهم السلام) ، للمؤلّف.
5- ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 77، نسب قريش لمصعب الزبيريّ: 1 / 45، وزوجته: رملة بنت بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) .
6- عدّه من أولاد الحسن (علیه السلام) : تاريخ أهل البيت (علیهم السلام) : 100 تاريخ الأئمّة لابن أبي الثلج (من مجموعةٍ نفيسة): 18، الهداية الكبرى للخصيبيّ: 183، دلائل الإمامة للطبريّ: 63، تاريخ مواليد الأئمّة لابن الخشّاب (من مجموعةٍ نفيسة): 174، كشف الغمّة للإربليّ: 1 / 576، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 166، نور الأبصار للشبلنجيّ: 249، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 29، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 168، العوالم للبحرانيّ: 16 / 294، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 3 / 323، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 32، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 214، ذخائر العقبى للطبريّ: 143، تاريخ الخميس للدياربكريّ: 2 / 293، ناسخ التواريخ (الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام)) لسپهر: 2 / 270، مناهل الضرب للأعرجيّ: 88، تحفة العالم لآل بحر العلوم: 1 / 296، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 456. وعدّه من الشهداء في كربلاء: مقتل الحسين (علیه السلام) لأبي مِخنَف (المشهور): 80، شرح الشافية لابن أمير الحاج: 369، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 318؛ معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 455، أسرار الشهادة للدربنديّ: 305، ينابيع المودّة للقندوزيّ: 2 / 345، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 165، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 247، تنقيح المقال للمامقاني: 1- 2 / 103، ناسخ التواريخ (سيّد الشهداء (علیه السلام)) لسپهر: 2 / 323 و326.

16 _ أحمد بن عقيل بن أبي طالب ((1)).

ص: 309


1- أُمّه أُمّ ولد، جاءت معه إلى كربلاء. معالي السبطَين للمازندرانيّ: 2 / 226، وانظُر: أعيان الشيعة للأمين: 3 / 219.

17 _ أحمد بن محمّد بن عقيل ((1)).

18 _ أحمد بن محمّد الهاشميّ ((2)).19 _ أحمد بن مسلم بن عقيل ((3)).

20 _ الأدهم بن أُميّة البصريّ ((4)).

21 _ أسلم بن عَمرو التركيّ ((5)).

22 _ بُرير بن خضير الهَمْدانيّ ((6)).

ص: 310


1- ذخيرة الدارَين للحائريّ: 1 / 163، عن: كفاية الطالب للكنجيّ، تنقيح المقال للمامقانيّ: 1- 2 / 103، سفير الحسين (علیه السلام) للمظفّر: 29.
2- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 105، نفَس المهموم للقمّيّ: 295، مقتل الحسين (علیه السلام) لأبي مِخنَف (المشهور): 74، ينابيع المودّة للقندوزيّ: 344، أعيان الشيعة للأمين: 1 / 610.
3- أُنظر: أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) ، للمؤلّف.
4- إبصار العين للسماويّ: 112، أعيان الشيعة للأمين: 3 / 232، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 265، تنقيح المقال للمامقانيّ: 1 - 2 / 106، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 99، وانظُر للتفصيل: ظروف إقامة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة _ وقائع البصرة، للمؤلّف.
5- من موالي الإمام الحسين (علیه السلام) ، أُنظر ترجمته في: موسوعة الإمام الحسين (علیه السلام) : 15 / 121، و16 / 693.
6- إبصار العين للسماويّ: 70، أعيان الشيعة للأمين: 3 / 561، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 395، ذخيرة الدارَين للحائريّ: 1 / 260، وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 107، تنقيح المقال للمامقانيّ: 1 – 2 / 167، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 377 _ الهامش.

23 _ بشر بن الإمام الحسن بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((1)).

24 _ جعفر بن عليٍّ أمير المؤمنين، شقيق أبي الفضل العبّاس (علیهم السلام) .

25 _ جعفر بن الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((2)).

26 _ جعفر بن عقيل بن أبي طالب (علیهم السلام) ((3)).

ص: 311


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 62، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 241، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 329، جلاء العيون للمجلسيّ: 694، أعيان الشيعة للأمين: 1 / 610.
2- ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 76، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 62، عوالم العلوم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 241، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 328، جلاء العيون للمجلسيّ: 695، الإمامة والسياسة لابن قُتيبة: 2 / 6 (أسير).
3- تسمية مَن قُتل للرسان: 151، الأمالي للشجريّ: 1 / 171، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 121، ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 76، جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 406، تاريخ الطبريّ: 5 / 447، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 156، الكامل لابن الأثير: 3 / 293، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 456، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 198، الفتوح لابن أعثم: 5 / 203، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 61، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 33، العوالم للبحرانيّ: 17 / 276، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 313، أسرار الشهادة للدربنديّ: 299، تجارب الأُمم لمسكوَيه: 2 / 71، لُباب الأنساب لابن فندق: 1 / 401، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 26، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 105، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 255، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 302، إبصار العين للسماويّ: 51، نفَس المهموم للقمّيّ: 319.

27 _ جعفر بن محمّد بن عقيل بن أبي طالب (علیهم السلام) ((1)).

28 _ جعفر بن مسلم بن عقيل ((2)).

29 _ جُنادة بن كعب الأنصاريّ ((3)).

ص: 312


1- مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 47، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 62، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 240، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 328، جلاء العيون للمجلسيّ: 694، ذخيرة الدارَين للحائريّ: 1 / 136، أعيان الشيعة للأمين: 1 / 610، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 62.
2- أُنظر: أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) ، للمؤلّف.
3- إبصار العين للسماويّ: 94، أعيان الشيعة للأمين: 4 / 224، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 244، تنقيح المقال للمامقانيّ: 1- 2 / 234، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 385 _ الهامش، العيون العَبرى للميانجيّ: 129، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 114.

30 _ جون مولى أبي ذرّ الغِفاريّ ((1)).

31 _ الحَجّاج بن مسروق الجُعفيّ المِذحَجيّ ((2)).

32 _ الحسن المثنّى ابن الإمام الحسن بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((3)).

ص: 313


1- أُنظر ترجمته في: موسوعة الإمام الحسين (علیه السلام) : 15 / 388 وما بعدها.
2- إبصار العين للسماويّ: 89، عنه: ذخيرة الدارَين للحائريّ: 1 / 228، أعيان الشيعة للأمين: 4 / 568، العيون العَبرى للميانجيّ: 146، مثله: وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 132، تنقيح المقال للمامقانيّ: 1 / 255، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 190.
3- تسمية مَن قُتل للرسّان: 157، الأمالي للشجريّ: 1 / 173، الإرشاد للمفيد: 2 / 22، الدرّ النظيم لابن حاتم الشاميّ: 518، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 120، ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 84، الثِّقات لابن حبّان: 2 / 310، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 79، شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 196، سرّ السلسلة لأبي نصر: 5، كشف الغمّة للإربليّ: 1 / 579، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 167، عوالم العلوم للبحرانيّ: 16 / 309، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 3 / 339، نفَس المهموم للقمّيّ: 675، أعيان الشيعة للأمين: 5 / 44، العدد القوية لابن مطهر: 355 الرقم 17، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 57، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 113، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 330، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 254، مثير الأحزان لابن نما: 45، اللهوف لابن طاووس: 144، الأصيليّ لابن الطقطقيّ: 63، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 462، عمدة الطالب لابن عمدة: 120، تهذيب التهذيب لابن حجر: 2 / 263، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 169، الوافي بالوفيات للصفديّ: 11 / 417، مقتل الحسين (علیه السلام) لأبي مِخنَف (المشهور): 99، تحفة لبّ اللباب لابن شدقم: 119، إسعاف الراغبين للصبّان: 201، نور الأبصار للشبلنجيّ: 252.

33 _ الحسين بن الإمام الحسن المجتبى بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((1)).

34 _ الحسين بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ((2)).

35 _ الحارث بن النبهان، مولى حمزة بن عبد المطّلب (علیه السلام) ((3)).

36 _ حفيد الإمام الحسن بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((4)).

37 _ حمزة ابن الإمام الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((5)).

ص: 314


1- أُنظر: معالي السبطَين للمازندرانيّ: 2 / 226، ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة للمؤلّف: 131.
2- نسب قريش لمصعب الزبيريّ: 83، الجمهرة لابن حزم: 68.
3- أُنظر: معالي السبطَين للمازندرانيّ: 2 / 226، حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة للمؤلّف: 123.
4- روضة الصفا لميرخواند: 3 / 163.
5- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 62، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 241، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 328، جلاء العيون للمجلسيّ: 695.

38 _ حمزة بن عقيل بن أبي طالب ((1)).

39 _ ذكوان مولى الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((2)).

40 _ زاهر صاحب عَمرو بن الحمق الخزاعيّ ((3)).

41 _ زيد ابن الإمام الحسن المجتبى بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((4)).

42 _ زيد ابن الإمام الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((5)).

ص: 315


1- المجديّ: 307.
2- أُنظر ترجمته في: موسوعة الإمام الحسين (علیه السلام) : 15 / 1065.
3- إبصار العين للسماويّ: 103، أعيان الشيعة للأمين: 7 / 41، العيون العَبرى للميانجيّ: 109، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 241، تنقيح المقال للمامقانيّ: 1- 2 / 437، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 400، وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 138، رجال الطوسيّ: 73 _ الهامش.
4- أُنظر: معالي السبطَين للمازندرانيّ: 2 / 226، ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة للمؤلّف: 131.
5- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 62، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 241، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 328، جلاء العيون للمجلسيّ: 695.

43 _ سالم مولى عامر بن مسلم العَبديّ ((1)).

44 _ سعد بن عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب (علیهم السلام) ((2)).

45 _ سعد مولى عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((3)).

46 _ سعيد بن عبد الله الحنفيّ ((4)).

47 _ سعيد بن عقيل بن أبي طالب ((5)).

48 _ سليمان مولى الإمام الحسين (علیه السلام) ، قُتِل في كربلاء ((6)).

ص: 316


1- إبصار العين للسماوي: 112، ذخيرة الدارين للحائري: 1 / 226، وسيلة الدارين للزنجاني: 146، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 387.
2- مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 387، زينب وليدة النبوّة والإمامة: 152.
3- إبصار العين للسماويّ: 54، عنه: ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 269، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 148، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 1 / 12، أعيان الشيعة للأمين: 7 / 221، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 387 _ الهامش، العيون العَبرى للميانجيّ: 112.
4- إبصار العين للسماويّ: 126، ذخيرة الدارَين للحائريّ: 1 / 178، وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 147، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 401 _ الهامش.
5- أسرار الشهادة للدربنديّ: 282، وانظُر: الموسوعة: 14 / 592.
6- أُنظر: ظروف إقامة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة _ وقائع البصرة، للمؤلّف، والموسوعة: 15 / 1390 الرقم 125 / 155.

49 _ سيف بن مالك العَبديّ ((1)).

50 _ شبيب بن عبد الله النهشليّ التميميّ ((2)).

51 _ شَوذب بن عبد الله الهمدانيّ، مولى شاكر ((3)).

52 _ صبيٌّ مِن صبيان الحسين بن أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((4)).

53 _ طلحة ابن الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) ((5)).

ص: 317


1- أُنظر: إبصار العَين للسماويّ: 110، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 226، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 153، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2 – 1 / 79، وانظُر: ظروف إقامة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة _ وقائع البصرة.
2- ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 219، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 156، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 389 _ الهامش، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 1 / 81، العيون العَبرى للميانجيّ: 113.
3- إبصار العين للسماويّ: 76، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 404 _ الهامش، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 251، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 155، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 1 / 88، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 390، رجال الطوسيّ: 75 _ الهامش.
4- ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 73، الردّ على المتعصّب العنيد لابن الجَوزيّ: 39، المنتخَب للطُّريحيّ: 2 / 443، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 327 و336، أسرار الشهادة للدربنديّ: 404، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 200، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 423، أسرار الشهادة للدربنديّ: 283.
5- أُنظر: معالي السبطَين للمازندرانيّ: 2 / 226، ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة، للمؤلّف: 131.

54 _ الطفل الّذي استُشهد في ساحة القتال قبل بدء الحرب (ابن الإمام الحسين (علیه السلام)) ((1)).

55 _ عابس بن أبي شبيب الشاكريّ الهمْدانيّ ((2)).

56 _ عامر [عمّار] بن حسّان الطائيّ ((3)).

57 _ عامر بن مسلم العَبديّ، وسالم مولاه ((4)).

ص: 318


1- تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 252، نفَس المهموم للقمّيّ: 350، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 424، العيون العَبرى للميانجيّ: 172، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 284، أسرار الشهادة للدربنديّ: 402.
2- أُنظر: تاريخ الطبريّ: 5 / 375، نفَس المهموم للقمّيّ: 114، مثير الأحزان لابن نما: 15، إبصار العين للسماويّ: 75، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 250، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 235، مقتل الحسين (علیه السلام) للمقرّم: 168، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 217، العيون العَبرى للميانجيّ: 136.
3- إبصار العين للسماويّ: 114، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 235، العيون العَبرى للميانجيّ: 109، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 387 _ الهامش، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2 – 1 / 317، رجال الطوسيّ: 77 _ الهامش.
4- إبصار العين للسماويّ: 112، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 225، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 161، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2 – 1 / 117، رجال الطوسيّ: 77 _ الهامش، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 387 _ الهامش، وانظُر أيضاً: ظروف إقامة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة المكرّمة – وقائع البصرة، للمؤلّف.

58 _ عَبّاد الجُهَنيّ ((1)).59 _ العبّاس الأصغر ابن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((2)).

60 _ العبّاس الأكبر ابن عليٍّ أمير المؤمنين حامل اللواء (علیهما السلام) ((3)).

61 _ عبد الرحمان بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((4)).

62 _ عبد الرحمان ابن الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) ((5)).

63 _ عبد الرحمان بن عبد الله الأرحبيّ الهمدانيّ ((6)).

ص: 319


1- إبصار العين للسماويّ: 115، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 258، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 162، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2 – 1 / 123، وانظُر أيضاً: ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة، للمؤلّف.
2- أُنظر: الموسوعة: 9 / 983، و16 / 188 (الهامش).
3- أُنظر: الموسوعة: 9 / 11 – 711، و16 / 190 وما بعدها.
4- أُنظر: بطل العلقميّ للمظفّر: 3 / 530، بحار الأنوار للمجلسيّ: 98 / 245 و251، الموسوعة: 16 / 237، و9 / 988.
5- أُنظر: معالي السبطَين للمازندرانيّ: 2 / 226، ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة للمؤلّف: 131.
6- أُنظر: إبصار العين للسماويّ: 78، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 248، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 165، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2 – 1 / 145، العيون العَبرى للميانجيّ: 147، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 288 _ الهامش.

64 _ عبد الرحمان بن عبد ربّ الأنصاريّ ((1)).

65 _ عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب ((2)).

66 _ عبد الرحمان بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب ((3)).

ص: 320


1- أُنظر: إبصار العين للسماويّ: 93، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 270، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 163، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2 – 1 / 145، العيون العَبرى للميانجيّ: 96.
2- تسمية مَن قُتل للرسّان: 151، الأمالي الخميسيّة للشجريّ: 1 / 171، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 121، ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 76، جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 406، الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 257، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2628، تاريخ الطبريّ: 5 / 447، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 157، نفَس المهموم للقمّيّ: 318، لُباب الأنساب لابن فندق: 1 / 409 _ الهامش، الكامل لابن الأثير: 3 / 303، الفتوح لابن أعثم: 5 / 203، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 61، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 33، العوالم للبحرانيّ: 17 / 277، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 314، أسرار الشهادة للدربنديّ: 299، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 136، نفَس المهموم للقمّيّ: 318 و319، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 230، لُباب الأنساب لابن فندق: 1 / 401، الإرشاد للمفيد: 2 / 111، شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 195، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 26، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 105، مثير الأحزان لابن نما: 35، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 456، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 198.
3- أُنظر: أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیهم السلام) ، للمؤلّف.

67 _ عبد الله الأصغر ابن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((1)).

68 _ عبد الله الأصغر ابن الإمام الحسن بن أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((2)).

ص: 321


1- ناسخ التواريخ (الإمام السجّاد (علیه السلام)) لسپهر: 3 / 373، تسمية مَن قُتل للرسّان: 149، الأمالي للشجريّ: 1 / 170، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 120، بطل العلقميّ للمظفّر: 3 / 499، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 329، أعيان الشيعة للأمين: 1 / 610.
2- الإرشاد للمفيد: 2 / 114، الدرّ النظيم لابن حاتم الشاميّ: 557، جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 407، تاريخ الطبريّ: 5 / 450، نفَس المهموم للقمّيّ: 358 - 359، عبرات المصطفين للمحموديّ: 2 / 111، الكامل لابن الأثير: 3 / 294، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 458، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 150، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 77، عبرات المصطفين للمحموديّ: 111، الإرشاد للمفيد: 2 / 114، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 53، العوالم للبحرانيّ: 17 / 296، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 354، نفَس المهموم للقمّيّ: 357، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 463، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 210، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 150، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 249، العيون العَبرى للميانجيّ: 183، إعلام الورى للطبرسيّ: 244، أسرار الشهادة للدربنديّ: 423، مثير الأحزان لابن نما: 37، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 149، اللهوف لابن طاووس: 118، زينب الكبرى (علیها السلام) للنقديّ: 106، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 187، المنتخَب للطريحيّ: 1 / 451، الدمعة الساكبة للبهبهاني: 4 / 354، تحفة لبّ اللباب لابن شدقم: 182، إبصار العين للسماويّ: 38، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 1 / 178.

69 _ عبد الله الأصغر ابن عقيل بن أبي طالب ((1)).

70 _ عبد الله الأكبر ابن عليٍّ أمير المؤمنين، شقيق أبي الفضل العبّاس (علیهم السلام) .

71 _ عبد الله الأكبر ابن الإمام الحسن بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((2)).

72 _ عبد الله الأكبر ابن عقيل ((3)).

ص: 322


1- ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 76، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 162، سفير الحسين (علیه السلام) للمظفّر: 27، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 213 _ الهامش (الملقَّب بالأصغر).
2- تسمية مَن قُتل للرسّان (من تراثنا): 150، الأمالي للشجريّ: 1 / 171، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 120، الإمامة والسياسة لابن قُتيبة: 2 / 6، تاريخ الطبريّ: 5 / 468، الفتوح لابن أعثم: 5 / 204، العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 380، جواهر المطالب للباعوني: 2 / 269، نفَس المهموم للقمّيّ: 324 و360، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 58، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 36، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 149، 151، زينب الكبرى (علیها السلام) للنقديّ: 107 _ الهامش، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 248، المجدي: 19، مقتل ا لحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 28، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 106، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجّوزي: 254، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 305، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 36، العوالم للبحرانيّ: 17 / 279، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 197، شرح الشافية لابن أمير الحاج: 370.
3- تسمية مَن قُتل للرسّان: 151، الأمالي الخميسيّة للشجريّ: 1 / 171، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 121، ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 76، تاريخ الطبريّ: 5 / 469، الكامل لابن الأثير: 3 / 303، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 61، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 33، العوالم للبحرانيّ: 17 / 277، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 314، أسرار الشهادة للدربنديّ: 299، نفَس المهموم للقمّيّ: 320، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 162- 136، معالي السبطين للمازندرانيّ: 1 / 404، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 231، شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 195، لُباب الأنساب لابن فندق: 1 / 399، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 106، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزي: 255، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 198، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 162.

73 _ عبد الله ابن الإمام الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((1)).

ص: 323


1- الإرشاد للمفيد: 2 / 112، الدرّ النظيم لابن حاتم الشاميّ: 556، تسمية مَن قُتل للرسّان: 150، الأمالي للشجريّ: 1 / 171، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 120، ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 75، جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 407، الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 258، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2629، تاريخ الطبريّ: 5 / 448، نفَس المهموم للقمّي: 349، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 424، العيون العَبرى للميانجيّ: 172، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 283، الكامل لابن الأثير: 3 / 302، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 254، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 197، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 59، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 47، العوالم للبحرانيّ: 17 / 290، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 336، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 140، شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 178، سرّ السلسلة لأبي نصر: 300، روضة الواعظين للفتّال: 161، إعلام الورى للطبرسيّ: 243، الاحتجاج للطبرسيّ: 25، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 49، العوالم للبحرانيّ: 17 / 292، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 336، أسرار الشهادة للدربنديّ: 402، نفَس المهموم للقمّيّ: 351، مثير الأحزان لابن نما: 36، اللهوف لابن طاووس: 116، زينب الكبرى (علیها السلام) للنقديّ: 105، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 456، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 186، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 288، المنتخَب للطُّريحيّ: 38، مقتل الحسين (علیه السلام) لأبي مِخنَف (المشهور): 83.

74 _ عبد الله بن العبّاس بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((1)).

75 _ عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (علیهم السلام) ((2)).

76 _ عبد الله بن يزيد بن ثبيط العَبديّ البصريّ ((3)).

77 _ عبد الله بن يقطر الشهيد بالكوفة ((4)).78 _ عبد الله الرضيع ابن الإمام الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ، وُلد في الطفّ يوم عاشوراء، وقُتِل ساعةَ وُلد، فهو كان مع الإمام الحسين (علیه السلام) من المدينة ومكّة حملاً في بطن أُمّه ((5)).

ص: 324


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 196، أعيان الشيعة للأمين: 1 / 610، بطل العلقميّ للمظفّر: 3 / 429.
2- أُنظر: أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) ، للمؤلّف.
3- أُنظر: ظروف إقامة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة _ وقائع البصرة، للمؤلّف.
4- أُنظر: الموسوعة: 16 / 388.
5- تسمية مَن قُتل للرسّان: 150، الأمالي للشجريّ: 1 / 170، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 120، تاريخ اليعقوبيّ: 2 / 231، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 161، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 280، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 427، العيون العَبرى للميانجيّ: 174.

79 _ عُبيد الله بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((1)).

80 _ عُبيد الله ابن الإمام الحسن بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((2)).

81 _ عُبيد الله بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ((3)).

82 _ عُبيد الله (أو: أبو عبد الله) بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب ((4)).

83 _ عُبيد الله بن يزيد بن ثبيط العَبديّ البصريّ ((5)).

ص: 325


1- مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 57، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 39، العوالم للبحرانيّ: 17 / 282، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 321، أسرار الشهادة للدربنديّ: 300، بطل العلقميّ للمظفّر: 3 / 502، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 261، وفي زيارته في أوّل رجب والنصف من شعبان في المزار للشهيد الأوّل: 177، والمشهور بين المؤرّخين أنّه قُتِل أيّام المختار.
2- أُنظر: الموسوعة: 16 / 423.
3- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 106، نفَس المهموم للقمّيّ: 318، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 354 _ الهامش، عن: الخوارزميّ في مقتله: 2 / 48 _ طبع النجف، ومقاتل الطالبيّين: 65 _ طبع النجف، جلاء العيون للمجلسي: 675، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 244.
4- أُنظر: أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) ، للمؤلّف.
5- أُنظر: ظروف إقامة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة _ وقائع البصرة، للمؤلّف.

84 _ عتيق بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((1)).

85 _ عثمان بن عليٍّ أمير المؤمنين، شقيق أبي الفضل العبّاس (علیهم السلام) .86 _ عثمان بن عقيل بن أبي طالب ((2)).

87 _ عَديّ بن عبد الله بن جعفر ((3)).

88 _ عقبة بن سمعان الكلبيّ، مولى الرباب ((4)).

89 _ عقبة بن الصلت الجُهَنيّ ((5)).

90 _ عقيل بن عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب ((6)).

ص: 326


1- بطل العلقميّ للمظفّر: 3 / 530، وقال: نصّ على شهادته مع الحسين (علیه السلام) ابنُ العماد الحنبليّ المؤرّخ في (شذرات الذهب)، والدياربكريّ الشافعيّ المؤرّخ في (تاريخ الخميس)، كلاهما في ترجمة الحسين (علیه السلام) .
2- النفحة العنبريّة للموسويّ: 136.
3- الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 257، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2628.
4- أُنظر: الموسوعة: 16 / 438.
5- أُنظر: إبصار العَين للسماويّ: 115، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 265، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2 – 1 / 254، وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 171، وانظر: ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة، للمؤلّف.
6- معالي السبطَين للمازندرانيّ: 2 / 89 و236، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 296 و344، زينب وليدة النبوّة والإمامة: 152.

91 _ عقيل بن عقيل بن أبي طالب ((1)).

92 _ عليّ ابن الإمام الحسن بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((2)).

93 _ عليّ ابن الإمام الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (الأصغر) (علیهم السلام) ((3)).

94 _ عليّ ابن الإمام الحسين الأكبر (علیهما السلام) .

95 _ عليّ ابن الإمام الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (الأوسط) (علیهم السلام) ((4)).

96 _ عليّ ابن الإمام الحسين (الإمام زين العابدين (علیهما السلام)).

97 _ عليّ بن عثمان أبو الدنيا، الأشجّ، معمّر المغربيّ ((5)).98 _ عليّ بن عقيل بن أبي طالب ((6)).

ص: 327


1- إعلام الورى للطبرسيّ: 250، تاج المواليد (من مجموعةٍ نفيسة): 108، صحاح الأخبار للمخزوميّ: 30.
2- أسرار الشهادة للدربنديّ: 286.
3- أُنظر: بنت الحسين رقيّة (علیهما السلام) ، للمؤلّف.
4- أُنظر: بنت الحسين رقيّة (علیهما السلام) ، للمؤلّف.
5- كمال الدين للصدوق: 2 / 543، الأنوار النعمانيّة للجزائريّ: 2 / 6، منتهى المقال لأبي عليّ الحائريّ: 230، كنز الفوائد للكراجكيّ: 263، بحار الأنوار للمجلسيّ: 34 / 328، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 2 / 233، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 428.
6- لُباب الأنساب لابن فندق: 1 / 402، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 163، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 232، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 213 _ الهامش، سفير الحسين (علیه السلام) للمظفّر: 22 _ الملقَّب بالأكبر.

99 _ عمر الأصغر بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((1)).

100 _ عَمرو ابن الإمام الحسن بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((2)).

ص: 328


1- بطل العلقميّ للمظفّر: 3 / 523.
2- تاريخ الطبريّ: 5 / 469، الثقات لابن حبّان: 2 / 310، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 48 / 330، مختصر ابن منظور: 19 / 198، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزي: 254، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 198، ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 77، اللهوف لابن طاووس: 145، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 108، العوالم للبحرانيّ: 17 / 377، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 135، أسرار الشهادة للدربنديّ: 468، نفَس المهموم للقمّيّ: 392، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 243، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 4 / 418، الوافي بالوفيات للصفديّ: 12 / 428 (عمرو)، ناسخ التواريخ (الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام)) لسپهر: 2 / 277، ناسخ التواريخ (سيّد الشهداء (علیه السلام)) لسپهر: 2 / 323 و326، مناهل الضرب للأعرجيّ: 89، نفَس المهموم للقمّيّ: 679، تحفة العالم لآل بحر العلوم: 1 / 296، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 456. وعدّه من الشهداء (علیهم السلام) عند: الإرشاد للمفيد: 2 / 16 و23، كشف الغُمّة للإربليّ: 1 / 576، المستجاد للحلّي (من مجموعةٍ نفيسة): 441، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 166، بحار الأنوار للمجلسيّ: 44 / 163، و45 / 62، العوالم للبحرانيّ: 16 / 305، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 3 / 336، و5 / 20، نور الأبصار للشبلنجيّ: 250، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 58، نفَس المهموم للقمّيّ: 680، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 48، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 241، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 329، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 106، العدد لابن المطهّر: 352، حبيب السير لخواندامير: 2 / 33، جلاء العيون للمجلسيّ: 694، أسرار الشهادة للدربنديّ: 233، نفَس المهموم للقمّيّ: 680، أعيان الشيعة للأمين: 1 / 563.

101 _ عَمرو ابن الإمام الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((1)).

102 _ عمران ابن الإمام الحسين بن أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((2)).

ص: 329


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 62، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 241، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 328، جلاء العيون للمجلسيّ: 695، شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 198 _ عمرو، حبيب السير لخواندامير: 2 / 61، تحفة العالم لآل بحر العلوم: 1 / 311، الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 259، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2630، اللهوف لابن طاووس: 194، عنه: بحار الأنوار: 45 / 143، العوالم للبحرانيّ: 17 / 444، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 280، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 195، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 195، عنه: نور الأبصار للشبلنجيّ: 265.
2- عدّه في الأسرى: الميرخواند في روضة الصفا: 3 / 169، وانظر: بنت الحسين رقيّة (علیهما السلام) ، للمؤلّف.

103 _ عَمرو بن جنادة بن كعب بن الحارث الأنصاريّ ((1)).

104 _ عون بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((2)).

105 _ عون بن جعفر بن أبي طالب (علیهم السلام) ((3)).106 _ عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (علیهم السلام) ((4)).

ص: 330


1- إبصار العين للسماويّ: 94، العيون العَبرى للميانجيّ: 130، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2 – 1 / 327.
2- ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 166، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 260، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 2 / 234، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 1 / 355.
3- عمدة الطالب لابن عنبة: 35 _ 38، لُباب الأنساب لابن فندق: 1 / 361، المجدي: 296، جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 299، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 256، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 169، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 243، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 1 / 355.
4- ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 75 و76، العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 385، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 278، التنبيه والإشراف للمسعوديّ: 304، مروج الذهب للمسعوديّ: 3 / 71، الثقات لابن حبّان: 2 / 309، المعجم الكبير للطبرانيّ: 3 / 108 الرقم 2803، الأمالي للشجريّ: 1 / 185، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 197، الإرشاد للمفيد: 2 / 129، الأنوار النعمانيّة للجزائريّ: 3 / 263، الاختصاص للمفيد: 82، الرجال للطوسيّ: 76، المجدي: 296، إعلام الورى للطبرسيّ: 250، تاج المواليد للطبرسيّ (من مجموعةٍ نفيسة): 108، لُباب الأنساب لابن فندق: 1 / 400، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 47، المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 340، كفاية الطالب للكنجيّ: 446، كشف الغمّة للإربليّ: 2 / 59، خلاصة الأقوال للحلّيّ: 128، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 1 / 355، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 461، العبر للذهبيّ: 1 / 65، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 4 / 431، تاريخ الإسلام للذهبيّ: 2 / 352، درر السمطَين للزرنديّ: 218، الوافي بالوفيات للصفديّ: 12 / 425، مرآة الجنان لليافعيّ: 1 / 131، تاريخ الخميس للدياربكريّ: 2 / 298، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 185، و9 / 189، صحاح الأخبار للمخزوميّ: 30، التحفة العنبريّة للموسويّ: 136، المنتخَب للطُّريحيّ: 1 / 37، شذرات الذهب لابن العماد: 1 / 66، جنّات الخلود للمدرسي: 22، منتهى المقال لأبي عليّ الحائريّ: 5 / 157، أسرار الشهادة للدربنديّ: 233 و463، ينابيع المودّة للقندوزي: 3 / 153 _ بتحقيق السيّد علي أشرف، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 1 / 355، نقد الرجال للتفرشيّ: 259، منهج المقال للاسترآباديّ: 254، جامع الرواة للأردبيليّ: 1 / 648، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 1 / 355، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 83، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 62، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 241، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 328، مقتل الحسين (علیه السلام) للمقرّم: 328، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 257.

ص: 331

107 _ عون بن عقيل بن أبي طالب (علیهم السلام) ((1)).

108 _ عون بن مسلم بن عقيل ((2)).

109 _ غلامٌ لعبد الرحمان بن عبد ربّه الأنصاريّ ((3)).

110 _ غلامٌ من آل الحسين (علیهم السلام) ((4)).

111 _ قارب مولى الإمام الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((5)).

ص: 332


1- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 422، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 62، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 240 و241، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 255، جلاء العيون للمجلسيّ: 694، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 213 _ الهامش، سفير الحسين (علیه السلام) للمظفّر: 27، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 328، المنتخَب للطريحيّ: 1 / 37.
2- أُنظر: أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل، للمؤلّف.
3- أُنظر: عبد الرحمان بن عبد ربّ الأنصاريّ.
4- أُنظر: تاريخ الطبريّ: 5 / 449، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 79، مقتل الحسين للخوارزميّ: 2 / 31، الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3 / 294، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 186، وغيرها من المصادر.
5- تسمية مَن قُتِل للرسّان: 152، الأمالي للشجريّ: 1 / 172، الحدائق الورديّة للمحلي: 2 / 121، معه أُمّه فكيهة، كانت تخدم في بيت الرباب زوجته (علیه السلام) ، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 2 / 18، العيون العَبرى للميانجيّ: 113، إبصار العَين للسماويّ: 54، عنه: مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 388 _ الهامش، العيون العَبرى للميانجيّ: 113، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 173، مثله: وسيلة الدارين للزنجانيّ: 183.

112 _ القاسم بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((1)).

113 _ القاسم ابن الإمام الحسن بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) .

114 _ القاسم ابن الإمام الحسين بن عليٍّ أميرالمؤمنين (علیهم السلام) ((2)).

115 _ القاسم بن العبّاس بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((3)).

116 _ القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبي طالب (علیهم السلام) ((4)).

ص: 333


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 107.
2- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 108 _ 109، عنه: بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 42، العوالم للبحرانيّ: 17 / 285، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 327، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 201، جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 422، أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 223، المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 340، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 197.
3- معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 435، بطل العلقميّ للمظفّر: 3 / 429.
4- شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 196، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 169، عنه: وسيلة الدارين للزنجانيّ: 245، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 2 / 24، مع زوجته.

117 _ القاسم بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (علیهم السلام) ((1)).

118 _ قيس بن مسهر الصيداويّ ((2)).

119 _ مجمع بن زياد الجهنيّ ((3)).

120 _ المحسن ابن الإمام الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ، كان حملاً في بطن أُمّه ((4)).

ص: 334


1- ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 77، شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 196 و197، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 52 / 62 الرقم 5777، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 4 / 418، الوافي بالوفيات للصفديّ: 12 / 428.
2- أُنظر: الموسوعة: 16 / 754 وما بعدها، إبصار العَين للسماويّ: 65، ذخيرة الدارين للحائريّ: 210.
3- أُنظر: إبصار العَين للسماويّ: 115، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 259، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 193، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2 – 2 / 53، ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة للمؤلّف.
4- أُنظر: معجم البلدان للحمَويّ: 2 / 155، نفَس المهموم للقمّيّ: 428 و678، العيون العَبرى للميانجيّ: 251 _ 252، نفَس المهموم للقمّيّ: 678، معالي السمطَين للمازندرانيّ: 2 / 134، وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 378، مقتل الحسين (علیه السلام) للمقرّم: 445، بنت الحسين رقيّة (علیهما السلام) للمؤلّف.

121 _ محمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب ((1)).

122 _ محمّد الأصغر ابن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((2)).

123 _ محمّد الأوسط ابن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((3)).

124 _ محمّد بن جعفر بن أبي طالب (علیهم السلام) ((4)).

ص: 335


1- أُنظر: الموسوعة: 14 / 665 وما بعدها، و14 / 680 وما بعدها.
2- تسمية مَن قُتل للرسّان: 149، الأمالي للشجريّ: 1 / 170، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 120، ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 76، تاريخ الطبريّ: 5 / 449، نفَس المهموم للقمّيّ: 327، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 148، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج: 56، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 39 و63، العوالم للبحرانيّ: 17 / 282 و344، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 4 / 320، أسرار الشهادة للدربنديّ: 300، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 148، بطل العلقميّ للمظفّر: 3 / 493، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 263، لُباب الأنساب لابن فندق: 1 / 400، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 113، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 241، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 330، الكامل لابن الأثير: 3 / 294، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 191، مرآة الجنان لليافعيّ: 1 / 131، تاريخ الخميس للدرياربكريّ: 2 / 268، شذرات الذهب لابن العماد: 1 / 66.
3- تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 2 / 83، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 165، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 263.
4- جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 2 / 299، المجدي: 296 (على قوله: الملقَّب بالأصغر)، عمدة الطالب لابن عنبة: 36 (على قوله: الملقَّب بالأصغر)، تنقيح المقال للمامقانيّ: 2- 2 / 92، أعيان الشيعة للأمين: 4 / 119، مناهل الضرب للأعرجي: 50 (على قوله: الملقَّب بالأصغر).

125 _ محمّد ابن الإمام الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((1)).

126 _ محمّد بن العبّاس بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((2)).

127 _ محمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (علیهم السلام) ((3)).

ص: 336


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 62 و63، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 241، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 328، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 277، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 3 / 213، جلاء العيون للمجلسيّ: 695، الإمامة والسياسة لابن قُتيبة: 2 / 6، شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 196 _ 197.
2- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 62، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462 و463، تظلّم الزهراء (علیها السلام) للقزوينيّ: 240 و241، أعيان الشيعة للأمين: 1 / 610، مثله: تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 328.
3- تسمية مَن قُتل للرسّان: 151، الأمالي للشجريّ: 1 / 171، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 120، ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 75، تاريخ ابن خيّاط: 179، الإمامة والسياسة لابن قُتيبة: 2 / 6، جُملٌ من أنساب الأشراف للبلاذريّ: 3 / 422، تاريخ الطبريّ: / 469، الكامل لابن الأثير: 3 / 302، العِقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 385، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 278، التنبيه والإشراف للمسعوديّ: 304، مروج الذهب للمسعوديّ: 3 / 71، المعجم الكبير للطبرانيّ: 3 / 108، الأمالي للشجريّ: 1 / 185، مجمع الزوائد للهيثميّ: 9 / 197، الإرشاد للمفيد: 2 / 129، الأنوار النعمانيّة للجزائريّ: 3 / 263، الاختصاص للمفيد: 82، الرجال للطوسيّ: 79، إعلام الورى للطبرسيّ: 250، تاج المواليد (من مجموعةٍ نفيسة): 108، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 2 / 47 و48، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4 / 112، بحار الأنوار للمجلسيّ: 45 / 62، العوالم للبحرانيّ: 17 / 343، الدمعة الساكبة للبهبهانيّ: 5 / 20، أسرار الشهادة للدربنديّ: 462، تظلّم الزهراء للقزوينيّ: 241، تسلية المجالس لابن أبي طالب: 2 / 328، المنتظَم لابن الجَوزيّ: 5 / 340، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجَوزيّ: 254، كامل البهائيّ لعماد الدين الطبريّ: 2 / 303 (على قوله: أُمّه زينب أُخت الحسين (علیه السلام))، كفاية الطالب للكنجيّ: 446، كشف الغُمّة للإربليّ: 2 / 59، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 462، العبر للذهبيّ: 1 / 65، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 3 / 217، تاريخ الإسلام للذهبيّ: 2 / 352، مرآة الجنان لليافعيّ: 1 / 131 _ 132، تاريخ الخميس للدياربكريّ: 2 / 298، الوافي بالوفيات للصفديّ: 12 / 425، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 185، 189، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 198، صحاح الأخبار للمخزوميّ: 30، 31، حبيب السير لخواندامير: 2 / 34، المنتخَب للطريحيّ: 1 / 37، شذرات الذهب لابن العماد: 1 / 66، جلاء العيون للمجلسيّ: 694، أسرار الشهادة للدربنديّ: 233 و463، ينابيع المودّة للقندوزيّ: 3 / 153 _ بتحقيق السيّد علي أشرف، ناسخ التواريخ (زينب الكبرى (علیها السلام)) لسپهر: 2 / 590، أعيان الشيعة للأمين: 1 / 610، مقتل الحسين (علیه السلام) للمقرّم: 328.

ص: 337

128 _ محمّد بن عقيل بن أبي طالب (علیهم السلام) ((1)).

129 _ محمّد بن عقيل الأصغر ابن أبي طالب (علیهم السلام) ((2)).

130 _ محمّد بن عليٍّ السجاد ابن الإمام الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) (الإمام الباقر (علیه السلام)) ((3)).

131 _ محمّد بن عَمرو ابن الإمام الحسن المجتبى بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((4)).

ص: 338


1- الأخبار الطِّوال للدينوريّ: 257، بُغية الطلب لابن العديم: 6 / 2628، سفير الحسين (علیه السلام) للمظفّر: 29، الجوهرة للبريّ: 67.
2- ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) من الطبقات لابن سعد: 77، شرح الأخبار للقاضي النعمان: / 196، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 57 / 176 الرقم 6876، مختصر ابن منظور: 23 / 59، سيَر أعلام النبلاء للذهبيّ: 4 / 418، الوافي بالوفيات للصفديّ: 12 / 428.
3- الإمامة والسياسة لابن قُتيبة: 2 / 6، إثبات الوصيّة للمسعوديّ: 170، شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3 / 153 _ 156، و196 _ 198، و250، السرائر لابن إدريس: 155، أعيان الشيعة للأمين: 8 / 206، كامل البهائي لعماد الدين الطبريّ: 2 / 287، جواهر المطالب للباعونيّ: 2 / 278، نفَس المهموم للقمّيّ: 386، العيون العَبرى للميانجيّ: 210.
4- أُنظر: تسمية مَن قُتل للرسّان (تراثنا): س 1 / ع 2 / 157، الأمالي للشجريّ: 1 / 173، الحدائق الورديّة للمحلي: 1 / 120، العبرات للمحموديّ: 2 / 191.

132 _ محمّد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (علیهم السلام) ((1)).

133 _ مُنجح مولى الإمام الحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((2)).

134 _ موسى بن عقيل بن أبي طالب (علیهم السلام) ((3)).

135 _ نصر بن أبي نيزر مولى عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((4)).

136 _ يحيى ابن الإمام الحسن المجتبى بن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((5)).

137 _ يزيد بن ثبيط العَبديّ البصريّ، وابناه عبد الله وعُبيد الله ((6)).

ص: 339


1- أُنظر: أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) ، للمؤلّف.
2- إبصار العين للسماويّ: 54، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 174، العيون العَبرى للميانجيّ: 112، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 194، تنقيح المقال للمامقانيّ: 3- 1 / 247.
3- مقتل الحسين (علیه السلام) لأبي مِخنَف (المشهور): 74، أسرار الشهادة للدربنديّ: 286، ينابيع المودّة للقندوزيّ: / 344، ناسخ التواريخ (سيّد الشهداء (علیه السلام)) لسپهر: 2 / 319، تنقيح المقال للمامقانيّ: 3- 1 / 257 الرقم 12267، ذخيرة الدارَين للحائريّ: 1 / 162، سفير الحسين (علیه السلام) للمظفّر: 26، وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 233.
4- إبصار العين للسماويّ: 55، ذخيرة الدارَين للحائريّ: 1 / 259، وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 119.
5- وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 254.
6- أُنظر: ظروف إقامة سيّد الشهداء (علیه السلام) في مكّة _ وقائع البصرة، للمؤلّف، تاريخ الطبريّ: 5 / 353، نفَس المهموم للقمّيّ: 91، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 224، أعيان الشيعة للأمين: 10 / 305، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 150 _ الهامش، معالي السبطَين للمازندرانيّ: 1 / 254، وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 211، الكامل لابن الأثير: 3 / 267، نهاية الأرب للنويريّ: 20 / 387، إبصار العين للسماويّ: 110 _ 111، العيون العَبرى للميانجيّ: 107 _ 108، تنقيح المقال للمامقانيّ: 3- 1 / 325.

138 _ يزيد بن مغفّل الجعفي المذحجي ((1)).

139 _ أدمى بنت علي أمير المؤمنين (علیه السلام) ((2)).

140 _ أمامة بنت أبي العاص زوجة علي أمير المؤمنين (علیه السلام) ((3)).

141 _ أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي ((4)).

ص: 340


1- إبصار العين للسماويّ: 91، عن: صاحب الخزانة، ذخيرة الدارين للحائريّ: 1 / 227، العيون العَبرى للميانجيّ: 146، وسيلة الدارين للزنجانيّ: 414، تنقيح المقال للمامقانيّ: 3 – 1 / 328، مقتل الحسين (علیه السلام) لبحر العلوم: 419 _ الهامش.
2- ناسخ التواريخ (زينب الكبرى (علیها السلام)) لسپهر: 1 / 10- 13، تذكرة الشهداء لحبيب الله الكاشانيّ: 423 وما بعدها _ ترجمة السيّد علي أشرف.
3- أُنظر: الموسوعة: 17 / 181.
4- أُنظر: معالي السبطَين للمازندرانيّ: 2 / 226، ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة للمؤلّف: 131.

142 _ أُمّ الثغر، أُمّ جعفر بن عقيل بن أبي طالب ((1)).

143 _ أُمّ الحسن بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ، زوجة جعفر بن عقيل بن أبي طالب ((2)).

144 و145 _ أُمّ الحسن وأُمّ الحسين، بنتَي الإمام الحسن المجتبى (علیهم السلام) ((3)).

146 _ أُمّ خديجة زوجة أمير المؤمنين (علیه السلام) ((4)).

147 _ أُمّ رافع، سلمى ((5)).

148 _ أُمّ رقية الصغرى، زوجة عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((6)).

149 _ أُمّ زينب الصغرى، زوجة عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((7)).

ص: 341


1- أُنظر: ذخيرة الدارَين للحائريّ: 1 / 156، وسيلة الدارَين للزنجانيّ: 230، عن: أبي بشر الدولابيّ في كتاب الكُنى والأسماء، رياحين الشريعة للمحلّاتيّ: 3 / 317.
2- الموسوعة: 17 / 187 هي ومن بعدها.
3- أُنظر: معالي السبطَين للمازندرانيّ: 2 / 226، ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة للمؤلّف: 131.
4- أُنظر: الموسوعة: 17 / 187.
5- أُنظر: الموسوعة: 17 / 191.
6- أُنظر: الموسوعة: 17 / 192.
7- أُنظر: الموسوعة: 17 / 192.

150 _ أُمّ سلَمة بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((1)).

151 _ أُمّ فاطمة، زوجة أمير المؤمنين (علیه السلام) ((2)).

152 _ أُمّ كلثوم الصغرى بنت عليٍّ أمير المؤمنين من غير فاطمة (علیهما السلام) ((3)).153 _ أُمّ كلثوم الكبرى بنت زينب الكبرى بنت فاطمة الزهراء وعليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((4)).

154 _ أُمّ كلثوم الكبرى بنت فاطمة الزهراء وعليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((5)).

155 _ أُمّ مسعود بنت عروة الثقفيّ، زوجة عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((6)).

156 _ أُمّ عبد الرحمان ابن الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) ((7)).

157 _ أُمّ هاني بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ، زوجها عبد الله الأكبر ابن

ص: 342


1- أُنظر: الموسوعة: 17 / 193.
2- أُنظر: الموسوعة: 17 / 193.
3- أُنظر: الموسوعة: 17 / 194.
4- أُنظر: الموسوعة: 17 / 194.
5- أُنظر: الموسوعة: 17 / 195.
6- أُنظر: الموسوعة: 17 / 203.
7- أُنظر: معالي السبطَين للمازندرانيّ: 2 / 226، ظروف حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة للمؤلّف: 131.

عقيل بن أبي طالب ((1)).

158 _ حميدة بنت مسلم بن عقيل بن أبي طالب ((2)).

159 _ جاريةٌ من ناحية خيم الإمام الحسين (علیه السلام) ((3)).

160 _ جُمانة بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((4)).

161 _ جُمانة عمّة الإمام الحسين (علیه السلام) ((5)).

162 _ حسنيّة، جارية الإمام الحسين (علیه السلام) ((6)).163 _ خديجة الصغرى بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((7)).

164 _ خديجة الكبرى بنت عليٍّ أمير المؤمنين، زوجها عبد الرحمان بن عقيل ((8)).

ص: 343


1- أُنظر: الموسوعة: 17 / 203.
2- أُنظر: أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) ، للمؤلّف.
3- أُنظر: الموسوعة: 17 / 213.
4- أُنظر: الموسوعة: 17 / 214.
5- أُنظر: الموسوعة: 17 / 214.
6- أُنظر: الموسوعة: 17 / 214.
7- أُنظر: الموسوعة: 17 / 215.
8- أُنظر: الموسوعة: 17 / 215.

165 _ رباب بنت امرئ القيس الكلبيّ، زوجة الإمام الحسين (علیه السلام) ((1)).

166 _ رقيّة الكبرى بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ، زوجها مسلم بن عقيل (علیه السلام) ((2)).

167 _ رقيّة بنت فاطمة الزهراء وعليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((3)).

168 _ رقيّة الصغرى بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((4)).

169 _ رقيّة بنت الإمام الحسين الشهيد ابن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((5)).

170 _ رملة بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ، زوجها عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ((6)).

171 _ روضة، كانت تخدم السيّدة زينب بنت عليٍّ أميرالمؤمنين (علیهما السلام) ((7)).

172 _ زينب الصغرى بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ، زوجها محمّد بن

ص: 344


1- أُنظر: الموسوعة: 17 / 217.
2- أُنظر: الموسوعة: 17 / 218.
3- أُنظر: الموسوعة: 17 / 218.
4- أُنظر: الموسوعة: 17 / 218.
5- أُنظر: الموسوعة: 17 / 218، وانظر أيضاً: بنت الحسين رقيّة (علیهما السلام) ، للمؤلّف.
6- أُنظر: الموسوعة: 17 / 218.
7- أُنظر: الموسوعة: 17 / 219.

عقيل بن أبي طالب ((1)).

173 _ زينب الصغرى المكنّاة بأُمّ كلثوم بنت فاطمة وعليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((2)).

174 _ زينب الكبرى بنت فاطمة الزهراء وعليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) .

175 _ زينب الوسطى المكنّاة بأُمّ كلثوم بنت فاطمة الزهراء وعليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((3)).

176 _ زينب بنت الإمام الحسين الشهيد ابن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((4)).

177 _ سكينة بنت فاطمة الزهراء وعليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((5)).

178_ سكينة بنت الإمام الحسين الشهيد ابن عليٍّ أميرالمؤمنين (علیهم السلام) ((6)).

179 _ شهربانو، أُمّ غلامٍ خرج من أبنية الحسين (علیه السلام) ((7)).

ص: 345


1- أُنظر: الموسوعة: 17 / 219.
2- أُنظر: الموسوعة: 17 / 219.
3- أُنظر: الموسوعة: 17 / 229.
4- أُنظر: الموسوعة: 17 / 229.
5- أُنظر: الموسوعة: 17 / 230.
6- أُنظر: الموسوعة: 17 / 230.
7- أُنظر: الموسوعة: 17 / 230.

180 _ صفيّة بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((1)).

181 _ صفيّة بنت الإمام الحسين الشهيد ابن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((2)).

182 _ الصهباء التغلبيّة، زوجة عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((3)).

183 _ عاتكة بنت مسلم بن عقيل (علیه السلام) ((4)).

184 _ عاتكة، ورد اسمُها في كلام الإمام الحسين (علیه السلام) ((5)).

185 _ فاطمة بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیهما السلام) ((6)).

186 _ فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى بن عليٍّ أمير المؤمنين، زوجة الإمام السجاد (علیهم السلام) ((7)).

187 _ فاطمة بنت الإمام الحسين الشهيد ابن عليٍّ أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((8)).

ص: 346


1- أُنظر: الموسوعة: 17 / 231.
2- أُنظر: الموسوعة: 17 / 232.
3- أُنظر: الموسوعة: 17 / 232.
4- أُنظر: أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) ، للمؤلّف.
5- أُنظر: الموسوعة: 17 / 232.
6- أُنظر: الموسوعة: 17 / 233.
7- أُنظر: الموسوعة: 17 / 233.
8- أُنظر: الموسوعة: 17 / 235.

188 _ فضّة ((1)).

189 _ فاكهة ((2)).

190 _ قفيرة ((3)).

191 _ كبشة ((4)).

192 _ ليلى بنت مسعود النهشليّة الدارميّة، زوجة عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((5)).

193 _ ليلى زوجة سيّد الشهداء (علیه السلام) والدة عليٍّ الأكبر (علیه السلام) ((6)).

194 _ مليكة، جارية الإمام الحسين (علیه السلام) ، زوجة عقبة بن سمعان ((7)).

195 _ ميمونة بنت عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) ((8)).

ص: 347


1- أُنظر: الموسوعة: 17 / 236.
2- أُنظر: الموسوعة: 17 / 384.
3- أُنظر: الموسوعة: 17 / 385.
4- أُنظر: الموسوعة: 17 / 385.
5- أُنظر: الموسوعة: 17 / 386.
6- أُنظر: الموسوعة: 17 / 386.
7- أُنظر: الموسوعة: 17 / 387.
8- أُنظر: حركة سيّد الشهداء (علیه السلام) بين المدينة ومكّة للمؤلّف، معالي السبطَين للمازندرانيّ.

196 _ ميمونة، أُمّ عبد الله بن يقطر، حاضنة الإمام الحسين (علیه السلام) ((1)).

197 _ نفيسة بنت أمير المؤمنين (علیه السلام) ((2)).

* * * * *من هنا نعرف أنّ ما تفرّد به ابن أعثم _ ورواه عنه الخوارزميّ _ لا يمكن الاعتماد عليه ولا الركون إليه!

ثمّ جمع الحسين (علیه السلام) أصحابه الّذين عزموا على الخروج معه إلى العراق، فأعطى كلَّ واحدٍ منهم عشرة دنانير وجَملاً يحمل عليه رحْلَه وزاده.

ثمّ إنّه طاف بالبيت وطاف بالصفا والمروة، وتهيّأ للخروج، فحمل بناته وأخواته على المحمل ... ((3)).

إذ تبيّن لنا من السرد السابق أنّ جميع مَن خرج مع الإمام (علیه السلام) من مكّة إمّا من أهل بيته ومواليه ممّن أقبل معه من المدينة وهم على رواحلهم، وإمّا العدد المحدود جدّاً الملتحق به من أنصاره، وقد التحقوا به من البصرة أو الكوفة، وقد قدموا على رواحلهم أيضاً.

ص: 348


1- أُنظر: الموسوعة: 17 / 388.
2- أُنظر: الموسوعة: 17 / 388.
3- الفتوح لابن أعثم: 5 / 119، مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزميّ: 1 / 220.

وما قدر عشرة دنانير وهم يسيرون مكفولين في رحال سيّد الكون ومعدن الكرم والسخاء؟ أضف إلى أنّهم جميعاً ممّن أنعم الله عليهم وآتاهم بسطةً في المال تكفيهم لتجهيز أنفسهم، إن كانوا بحاجةٍ إلى تجهيزٍ ولم يكونوا قد فعلوا من قبل.أجل، ربّما أراد المؤرّخ قذف صورةٍ في ذهن المتلقّي تفيد كثرة الأنصار الملتحقين بسيّد الشهداء (علیه السلام) من عامّة الناس ومن الأحباش، فكان لابدّ لهم من جملٍ يحملهم وشيءٍ من الدنانير يتجهّزون بها للطريق!

وهذا القذف غير صائبٍ ولا مقنعٍ لمن عرف سيّد الشهداء وكرمه وسخاءَه وطرائقه في التعامل مع مرافقيه في أيّ سفر.

ص: 349

ص: 350

شهداء بين خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة ونزوله كربلاء

ثَمّة كوكبةٌ من الشهداء الأبرار الّذين استُشهدوا في الفترة الّتي خرج فيها سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة إلى حين نزوله في كربلاء، من قبيل المولى الغريب مسلم بن عقيل (علیه السلام) ، والمستشهَدين بين يديه كعبّاس بن جعدة، وعمارة بن صلخب الأزديّ، وحنظلة بن مرّة الهمدانيّ، وعبيد الله بن عمرو الكنديّ، وغيرهم، وسليمان بن رزين شهيد البصرة، وعبد الله بن يقطر..

وجملةٌ ممّن استشهدوا في الكوفة قتلهم ابن الأَمة الفاجرة، وهم من خيار أهل الأرض الأبرار، ومن أصحاب سيّد الشهداء (علیه السلام) ، لا يشكّ في ذلك مَن يعرفهم أدنى معرفة، من قبيل ميثم التمّار ورشيد الهجريّ..

وكان ينبغي أن نعدّ مسرداً بأسمائهم النيّرة أو نتناول نبذةً من أشعّة أنوار حياتهم، بَيد أنّنا ممعنون في العجلة مغذّون في المسير لملاحقة ركب الإباء والكرب الميمّم نحو كربلاء، لذا سنترك ذلك إلى ذوي الاختصاص في الباب، أو يمنّ الله علينا بوقتٍ آخَر فننعم بدراسة حياتهم، فننهل من

ص: 351

نميرهم، ونسعد بالنظر إلى مشاهدهم ومواقفهم، ونتزوّد من إيمانهم، ونعيش ذكرياتهم المفعمة بالثبات والرسوخ في العقيدة والولاء، والخضلة بالعطاء والسخاء والبذل.

ص: 352

محتويات الكتاب

يزيد يمكر بالإمام (علیه السلام) ليقتله 5

المتون. 5

التنويه الأوّل: المصدر. 10

التنويه الثاني: مفاد خبر السيّد ابن طاووس (رحمة الله) . 11

التنويه الثالث: عودة الأشدق إلى مكّة. 12

التنويه الرابع: مفاد خبر الطُّريحيّ.. 14

التنويه الخامس: الشواهد. 15

التنويه السادس: الخلاصة. 16

الإمام الحسين (علیه السلام) يعتمر ثمّ يخرج إلى العراق. 19

المتون. 19

المعالجة الأُولى: تقسيم النصوص.... 22

الطائفة الأُولى: الأحاديث الشريفة. 23

الطائفة الثانية: النصّ التاريخيّ.. 24

ص: 353

المعالجة الثانية: اشتراط الإحرام في أشهُر الحجّ.. 25

المعالجة الثالثة: عُمرةٌ في ذي الحجّة. 30

المعالجة الرابعة: خبر الطبريّ.. 31

المعالجة الخامسة: قول الشيخ المفيد (رحمة الله) . 31

المعالجة السادسة: الفرق بين رواية التاريخ والحديث.. 32

المعالجة السابعة: التعارض بين تصريح الشيخ المفيد والحديث! 33

المعالجة الثامنة: عمل العلماء بمفاد الحديث الشريف... 34

المعالجة التاسعة: النتيجة! 38

المعالجة العاشرة: ما يهمّنا من البحث... 39

خطبة الإمام الحسين (علیه السلام) بمكّة 41

المتون. 41

الإفادة الأُولى: مصدرها 48

الإفادة الثانية: متى خطب الإمام (علیه السلام) . 49

الإفادة الثالثة: المخاطَب! 53

الإفادة الرابعة: إطلالةٌ على مضامين الخطبة. 57

الخطبة الثانية! 115

الإمام الحسين (علیه السلام) يتمثّل بشِعر يزيد بن المفرّغ وبغيره 117

ص: 354

المتون. 117

النكتة الأُولى: مواضع تمثُّلِ الإمام بهذه الأبيات... 123

الموضع الأوّل: عند خروجه من المدينة. 124

الموضع الثاني: عند خروجه من مكّة المكرّمة. 126

الموضع الثالث: في كربلاء. 127

الخلاصة: 127

النكتة الثانية: سموم المؤرّخ.. 128

النكتة الثالثة: رواية سبط ابن الجَوزيّ.. 130

المعلومة الأُولى: حزن مَن كان بمكّة لمسيره 130

المعلومة الثانية: الأبيات.. 132

المعلومة الثالثة: تلاوة الآية. 133

النكتة الرابعة: إنشاد الأبيات على باب المسجد. 134

النكتة الخامسة: تكرار الأبيات في المواضع. 135

مروان بن الحكَم والوليد بن عُتبة وعمرو بن سعيد يكتبون إلى ابن زياد في أمر الحسين (علیه السلام) 137

كتاب مروان. 137

النكزة الأُولى: التشابه الشديد مع كتاب الوليد! 138

النكزة الثانية: سلوك مروان ومواقفه. 139

النكزة الثالثة: إمكان حمل الكتاب على النفاق. 140

ص: 355

النكزة الرابعة: حمل الكتاب على التوصية بالعكس... 140

النكزة الخامسة: النفيُ أَولى من الإثبات.. 142

كتاب عمرو بن سعيد. 143

كتاب الوليد بن عُتبة. 146

النقطة الأُولى: الوليد المعزول! 147

النقطة الثانية: المقصود من التحذير. 148

النقطة الثالثة: النفاق الأُمويّ المعروف.. 149

النقطة الرابعة: تسجيل موقف! 150

النقطة الخامسة: تجاهل ردّ ابن زياد. 150

كتاب عمرو بن سعيد ليزيد. 153

كتاب يزيد إلى ابن زياد بعد توجّهه (علیه السلام) إلى العراق. 157

وقت ارسال الكتاب وسببه. 157

القسم الأوّل: عند خروج الحسين (علیه السلام) من مكّة. 157

القسم الثاني: عند وصول خبر شهادة مسلم وهاني.. 160

القسم الأوّل: كتبَ ابتداءً. 163

الكتاب الأوّل: التهديد القاصف... 164

الكتاب الثاني: الترغيب.. 190

الكتاب الثالث: التعليمات.. 191

الكتاب الرابع: الحكاية. 192

ص: 356

القسم الثاني: كتب في جواب ابن زياد. 193

المتون. 194

مقاطع الكتاب.. 200

والي يزيد يحاول منع الحسين (علیه السلام) من الخروج من مكّة 225

المتون. 225

الإشارة الأُولى: اضطراب متن ابن قُتيبة. 230

الإشارة الثانية: خلاصة الحدَث... 231

الإشارة الثالثة: فشل عرض الأمان. 232

الإشارة الرابعة: الظروف المحيطة. 233

الإشارة الخامسة: الاستعلاء والعتوّ. 234

الإشارة السادسة: هيئة الركب! 236

الإشارة السابعة: معرفة العدوّ بقدرات الركب... 239

الإشارة الثامنة: القادمون من الشرطة. 240

الإشارة التاسعة: وقاحةٌ لا حدود لها 240

الإشارة العاشرة: حماية الإمام (علیه السلام) لحرمة البيت... 241

الإشارة الحادية عشرة: الأشدق يأمر صاحب شَرَطِه بالانصراف! 242

الإشارة الثانية عشرة: دوافع المنع. 243

الدافع الأوّل: التأخير من أجل تنفيذ الاغتيال! 244

ص: 357

الدافع الثاني: التأخير من أجل التأكُّد من أوضاع الكوفة. 244

الدافع الثالث: الدافع الذاتيّ.. 245

الدافع الرابع: محاولةٌ يائسة! 247

الدافع الخامس: إحداث الضجّة لإيجاد ذرائع القتل! 247

الإشارة الثالثة عشرة: جواب الإمام (علیه السلام) . 252

الإضاءة الأُولى: جوّ الآية. 252

الإضاءة الثانية: معنى الآية. 255

الإشارة الرابعة عشرة: صدّ الهجوم. 258

خروج الإمام (علیه السلام) من مكّة على علم من الناس.. 261

علّة خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة 265

القسم الأول: الأسباب الدافعة. 282

القسم الثاني: الأسباب الأهداف... 283

يوم خروج الإمام الحسين (علیه السلام) من مكّة 289

التنويه الأوّل: محتويات النصوص.... 289

التنويه الثاني: أقوالٌ شاذّة 290

القول الأوّل: قول ابن سعد. 290

القول الثاني: السيّد ابن طاووس (رحمة الله) . 291

القول الثالث: سبط ابن الجَوزيّ.. 292

ص: 358

القول الرابع: العمرانيّ.. 292

القول الخامس: ابن حبّان. 293

التنويه الثالث: القول المشهور. 293

الملتحقون بركب السعادة في مكّة المكرّمة ومشارفها 297

العدد الإجماليّ.. 299

العدد التفصيليّ.. 301

شهداء بين خروج سيّد الشهداء (علیه السلام) من مكّة ونزوله كربلاء 351

ص: 359

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.