ص: 2

ص: 3

ص: 4

ومجموعا کان أو مثنّی ، والتاء للمخاطب المذکّر ولمثنّاه وجمعه نحو : تضرب یا زید وتضربان یا زیدان وتضربون یا زیدون ، وللمخاطب المؤنّث ولمثنّاه وجمعه نحو : تضربین یا هند وتضربان یا هندان ، وتضربن یا هندات ، وللمؤنث الغائبه والغائبتین نحو : هند تضرب والهندان تضربان ، قال الله تعالی : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْیَنَ وَجَدَ عَلَیْهِ أُمَّهً مِنَ النَّاسِ یَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَیْنِ تَذُودانِ)(1) والیاء لکلّ غائب غیر الغائبه والغائبتین کما تقدّم فی التّاء فمثال ذلک (2) : زید یقوم والزیدان یقومان والزیدون یقومون ، وللجمع المؤنّث نحو : الهندات یقمن (3).

واعلم أنّ الفعل المضارع إذا اتّصل به نون جماعه المؤنّث التی هی ضمیر الفاعل رجع مبنیّا (4) فلم تعمل فیه العوامل لما سنذکر نحو : أنتنّ تضربن وهنّ یضربن ولا تضربن ، واعلم أنّ نحو ؛ یفعلان ویفعلون لیس تثنیه للفعل ، ولا جمعا له ، لأنّ الأفعال لا تثنّی ولا تجمع ؛ لأنّ الغرض من التثنیه والجمع الدلاله علی الکثره ؛ ولفظ الفعل یعبّر به عن القلیل والکثیر فإنّ نحو قولک : قام زید ، محتمل أن یکون قد قام مرارا أو قام مره ، وإنّما التثنیه والجمع فی یفعلان ویفعلون للفاعل خاصّه ، فإنّ الألف فی یفعلان اسم وهی ضمیر الفاعل ولیست کالألف فی الزیدان لأنّها حرف (5) وهی فی یضربان اسم ، وکذلک القول (6) فی واو یضربون ونحوه فإنّها اسم وهو ضمیر الفاعل ، وواو زیدون حرف ، وکذلک الیاء فی تضربین ضمیر الفاعل وهی اسم وإذا قلت : الهندات ضربن وقمن فالنون اسم وهو ضمیر راجع علی الهندات وإذا قلت : قمن الهندات فالنون حرف مؤذن بأنّ الفعل للمؤنّث علی لغه أکلونی البراغیث مثل التاء فی : قامت هند (7) ، ولا یجوز أن تکون ضمیرا لئلا یلزم الإضمار قبل الذّکر ،

ص: 7

وأمّا الیاء فی نحو : اضربی واخرجی ، فإنها اسم وهی ضمیر الفاعل (1) وقال بعضهم : إنّها حرف علامه للتأنیث والفاعل مستکنّ (2) کما فی المذکّر نحو : قم واذهب ، والأول أصحّ (3). وأمّا حرکات حروف المضارعه (4) فقد ضمّت فی الرباعی خاصّه وهو ما کان علی أربعه أحرف (5) نحو : أکرم وکرّم ودحرج وقاتل ، تقول : یکرم ویکرّم ویدحرج ویقاتل بضمّ الیاء فی ذلک کلّه ، وفتحت فیما سوی الرباعی سواء نقص عن الرباعی نحو : یضرب أو زاد علیه نحو : ینطلق وشذّ الضمّ فی فعلین من الخماسی ، وهما أهراق یهریق ، واسطاع یسطیع ، لأنّ الأصل أراق وأطاع فزیدت الهاء والسین علی غیر قیاس (6) وإنّما أعرب المضارع دون غیره من الأفعال لمشابهته الاسم کما مرّ ، وإعرابه مشروط بأمرین (7). أحدهما : عدم إتصاله بنون التأکید خفیفه کانت أو ثقیله کمثل : هل تضربن یا رجل ، وهل تضربنّ یا رجل ، والثانی : عدم إتصاله بنون جمع الإناث نحو : تضربن یا هندات والهندات یضربن حسبما تقدّم ، وإنّما بنی مع نون التأکید ، لأنّه لو أعرب علی ما قبل النون لالتبس مع من هو له (8) ، ولو أعرب علی النون لکان إعرابا علی ما أشبه التنوین فکان ذلک مانعا من إعرابه (9) وإنّما بنی مع نون جمع المؤنّث لأنّه لو أعرب بالحرکات لکان علی خلاف قیاس إعراب فعل الجمع ، ولو أعرب بالنون لأدّی إلی الجمع بین ضمیرین أو نونین مع

ص: 8

مخالفه أخواته فلذلک بنی (1).

علی وجه التخفیف فقالوا / لم یک ولم یجز فی غیره نحو : لم یخن ، وضعف حذفها فی نحو : (لَمْ یَکُنِ الَّذِینَ)(1) لقوّتها بالحرکه (2).

والواو وحتّی واللام ، فالنصب إنّما هو بأن مقدره بعدها.

فأن الناصبه : معناها الطّمع والرجاء المنافیان لمعلوم التحقّق ، ولذلک اشترط لها أن لا یکون قبلها فعل من أفعال العلم ؛ لأنّ الواقع بعد العلم معلوم التّحقق ، فلذلک لم تقع بعد العلم ومتی وقع بعد العلم أن فلا ینتصب / بها الفعل لأنّها تکون المخفّفه من الثقیله لا الناصبه ویلزم المخففه من الثقیله الواقعه بعد العلم أحد ثلاثه أشیاء إمّا ؛ قد ، أو حرف استقبال ، أو حرف نفی ، کما سنذکر ذلک مع أنّ المشدده ، وإن وقعت أن المخففه بعد فعل ظنّ فیجوز أن تکون هی المخفّفه من الثقیله ویلزمها حینئذ ما شرط فیها ویجوز أن تکون الناصبه کقوله تعالی : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَکُونَ فِتْنَهٌ)(1) برفع تکون ونصبه فی السبعه (2) وإنّما جاز الوجهان ، لأنّ الظنّ إن رجح فیه التحقّق أجری مجری العلم ، وإن رجح فیه الرجاء والشک لم یجر مجری العلم وعملت حینئذ.

ولن : (3) تنصب مطلقا ومعناها نفی المستقبل مثل لا ، إلّا أنّ لن آکد ، تقول لا أبرح ، فإذا أکدت قلت : لن أبرح (4) ، قال الله تعالی : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ)(5).

وإذن : (6) تنصب فی المستقبل بشرط ألّا یعتمد ما بعدها علی ما قبلها نحو قولک : إذن أکرمک جوابا لمن قال : أنا آتیک ، فإذا انتفی الاستقبال بطل عملها نحو قولک لمن حدّث : إذن أظنّک کاذبا برفع أظنّک لأنّ الفعل للحال ، ومثال بطلان عملها عند الاعتماد ، قولک : أنا إذن أکرمک ، لأنّ ما بعدها وهو أکرمک خبر المبتدأ (7) فلو عملت إذن ، لزم توارد عاملین علی معمول واحد ، فألغیت إذن لذلک ، وإذا وقعت إذن بعد الواو أو الفاء فالأفصح إلغاؤها (8) نحو قولک : وإذن أکرمک بالرفع فی

ص: 12

جواب من قال : أنا آتیک ، قال الله تعالی : (وَإِنْ کادُوا لَیَسْتَفِزُّونَکَ مِنَ الْأَرْضِ لِیُخْرِجُوکَ مِنْها وَإِذاً لا یَلْبَثُونَ خِلافَکَ إِلَّا قَلِیلاً)(1) وقریء فی غیر السبعه : وإذن لا یلبثوا بحذف النون للنصب (2) ..

وکی : (3) تنصب أبدا ومعناها أنّ ما قبلها سبب لما بعدها کقولک : أسلمت کی أدخل الجنه ، فإنّ الإسلام سبب دخول الجنّه ، وهی ناصبه للفعل المضارع عند الکوفیین وهو اختیار ابن الحاجب (4) ، وذهب بعضهم (5) إلی أنّ کی حرف جرّ فلا تدخل علی الفعل إلّا بتقدیر أن بعدها ، وردّ بأنّها لو کانت حرف جرّ لما جاز الجمع بینها وبین اللّام فی نحو قولک : قمت لکی تقوم (6).

ینتصب ما بعد حتّی بشرط أن یکون ما بعدها مستقبلا بالنظر إلی ما قبلها سواء کان مستقبلا عند الإخبار أو لم یکن نحو قولک : سرت أمس حتّی / أدخل البلد بالنصب ، إذ الغرض هو الإخبار عن الدخول المترقّب عند ذلک السیر من غیر نظر إلی حصوله (1) وتکون حتّی بمعنی کی ، أی للسببیّه وهو الغالب نحو : أسلمت حتّی أدخل الجنّه ، بمعنی کی أدخل الجنّه وتکون بمعنی إلی أی بمعنی انتهاء الغایه نحو : سرت حتّی تغیب الشمس ، لأنّ السیر لیس سببا لغیبوبه الشمس إلّا أنّ فی حتّی معنی لیس فی إلی وهو الاستبعاد والاستعظام ، ألا تری من قال ضربتهم حتّی صغیرهم ، فإنّه یرید استعظاما ومبالغه حین أراد أنّ ضربه انتهی إلی الغایه القصوی ، فإن فقد کون ما بعد حتّی مستقبلا بالنسبه إلی ما قبلها وذلک بإرادتک الحال نحو : سرت حتّی أدخل البلد ، وأنت مخبر عن السیر حال الدخول کانت حرف ابتداء فیرفع ما بعدها ، وإنما لم ینصب حینئذ لامتناع تقدیر أن ، لأنّ أن للطمع والرّجاء الدّالّین علی الاستقبال فلا تقدّر أن بعدها إذا کانت للحال لتحقّق المنافاه بین الحال والاستقبال ، وإذا کانت حرف ابتداء وجب أن یکون ما قبلها سببا لما بعدها لأنّها إذا کانت حرف ابتداء صار ما بعدها مستقبلا فی الإخبار به فوجب الاتصال المعنوی لتتحقّق (2) الغایه التی هی مدلولها ، وذلک کقولهم : شربت الإبل حتّی یجیء البعیر یجرّ بطنه (3) فهنا حتّی حرف ابتداء وما قبلها أعنی الشرب سبب لما بعدها أعنی جرّ البطن ، ومن ذلک قولهم : مرض حتی لا یرجونه ، فالمرض هو سبب عدم الرّجاء (4) ویمتنع : ما سرت حتی أدخلها بالرفع ، لأنّ نفی السیر لیس سببا للدخول (5) وکذلک یمتنع أسرت حتی تدخلها ، لأنّه لا یستقیم إثبات المسبّب مع الشکّ فی وجود السّبب ، وکذلک یمتنع : کان سیری حتی أدخلها بالرفع إذا کانت کان الناقصه ، ویتحتّم النصب لأنّ کان الناقصه تحتاج إلی خبر (6) ، فلو رفعت ما بعد حتّی للزم أن تکون جمله تامه ، لأنّ

ص: 14

التقدیر حتّی أنا أدخلها فلا تکون هذه الجمله خبرا لکان لخلوها من الضمیر العائد علی اسم کان ، ولفصل حتی بین اسم کان الذی هو سیری وبین ما وقع خبرا عنه من غیر سبب ، وأمّا لو زدت شیئا یصلح أن یکون خبرا لکان (1) وقلت مثلا : کان سیری سیرا متعبا أو أمس حتی أدخلها ، جاز النصب والرفع ، فتکون حتی فی النصب بمعنی إلی أن ، وفی الرفع حرف ابتداء أی حتّی أنا أدخلها ، وکذلک یجوز الوجهان إذا کانت کان فی المثال المذکور تامّه فإنّها لا تحتاج حینئذ إلی خبر ویصیر التقدیر : وجد سیری حتی أدخلها بالرفع والنصب علی الوجهین المذکورین فی حتی وأمّا قولک : أیّهم سار حتی یدخل / البلد ، فیجوز فیه الرفع والنصب لأنّه لم یشک فی السیر وإنّما شکّ فی السائر ویکون المعنی فی الرفع : أیّهم سار حتی هو یدخلها ، وفی النصب : أیّهم سار إلی أن یدخلها (2).

والاستفهام والتمنی والعرض (1) ولذلک ارتفع یغضب فی قولهم : الذی یطیر فیغضب زید الذباب ، لفوات أحد الأمور السته وإن کانت الفاء فیه للسبب ، وأمّا قول الشّاعر (2).

سأترک منزلی لبنی تمیم

وألحق بالحجاز فأستریحا

فأجری الکلام الموجب مجری أحد الأمور السته لضروره الشعر.

واعلم أنّ الفعل الذی بعد الفاء فی تقدیر المصدر ، وهو معطوف بالفاء فوجب أن یجعل ما قبله فی تقدیر المصدر لئلا یلزم عطف الاسم علی الفعل ، فمثال الأمر : أکرمنی فأکرمک أی لیکن منک إکرام فإکرام منی ، ومثال النهی قوله تعالی : (وَلا تَطْغَوْا فِیهِ فَیَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبِی)(3) أی لا یکن منکم طغیان فحلول غضب منی ، ومثال النفی : ما تأتینا فتحدّثنا (4) أی لا إتیان منک فلا حدیث ، ومثال الاستفهام قوله تعالی : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَیَشْفَعُوا لَنا)(5) أی هل حصول شفعاء فشفاعه لنا ، ومثال التمنی قوله تعالی : (یا لَیْتَنِی کُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِیماً)(6) أی لیت لی (7) کونا معهم ففوزا عظیما لی ، ومثال العرض : ألا تزورنا فنکرمک ، أی ألا یکون زیاره منک فإکرام منا.

واعلم أنّ الفاء کما تنصب بإضمار أن بعد الأمور السته کما ذکرناه فکذلک تنصب بعد الدعاء والتحضیض ، مثال الدّعاء : اللهمّ ارزقنی بعیرا فأحجّ علیه ، ومثال

ص: 16

التحضیض قوله تعالی : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِی إِلی أَجَلٍ قَرِیبٍ فَأَصَّدَّقَ)(1) لأنّ لو لا هنا حرف تحضیض مثل هلا أی هلّا تأخیر منک فتصدّق منی ، وقد یرفع ما بعد الفاء إمّا علی العطف کقوله تعالی : (وَلا یُؤْذَنُ لَهُمْ فَیَعْتَذِرُونَ)(2)وإمّا علی القطع کقول الشّاعر : (3)

ألم تسأل (4) الرّبع القواء فینطق

...

أی فهو ینطق ، لأنه لم یجعل السؤال سببا للنطق بل جعله ینطق مع قطع النّظر عن السؤال ، وللفاء بعد النفی معنیان :

أحدهما : ما تقدّم أعنی مثال النفی وهو : ما تأتینا فتحدثنا أی لا إتیان فلا حدیث / لأنه إذا انتفی السّبب وهو الإتیان انتفی المسبّب وهو الحدیث.

والثانی : أن یکون بانتفاء أحد الأجزاء وهو نفی الحدیث وإن وقع الإتیان فکأنه یقول : کلّما أتیتنی لم تحدثنی أی لا یجتمع الإتیان والحدیث ، ومنه قوله صلی الله علیه وسلم ، «لا یموت لأحد ثلاثه من الولد فتمسّه النّار إلّا تحلّه القسم» (5) أی لا یجتمع علی أحد موت ثلاثه من الولد ومسّ النار وهو مغایر للمعنی الأول قطعا (6).

بین ما قبلها وما بعدها والثانی : أن یکون ما قبلها أحد الأمور المذکوره مع الفاء أعنی الأمر أو النهی إلی آخرها. والعلّه فی اشتراط الشرطین فی الواو هی العلّه المذکوره فی الفاء ، والأحکام کالأحکام ، لأنّ الواو والفاء للعطف ویلزم منه جعل الفعل الذی قبل الواو فی تقدیر المصدر ، لیکون عطف الاسم علی الاسم ، فمثال الأمر : أکرمنی وأکرمک أی فیجتمع الإکرامان (1) ، ومنه قول الشّاعر (2) :

فقلت ادعی وأدعو إنّ اندی

لصوت أن ینادی داعیان

بنصب أدعو أی لیجتمع الدّعاءان ، ومثال النهی : لا تأکل السّمک وتشرب اللّبن ، أی لا تجمع بینهما بمعنی لا یکون منک أکل للسمک وشرب للّبن (3) ، ومن ذلک (4) :

لا تنه عن خلق وتأتی مثله

عار علیک إذا فعلت عظیم

أی لا یکن منک نهی عن شیء وإتیان ما نهیت ، ومثال الاستفهام قول الشّاعر : (5)

ألم أک جارکم ویکون بینی

وبینکم المودّه والإخاء

ص: 18

فالمسؤول عنه اجتماع الجوار والمودّه ، ومثال النفی : ما تأتینی وتحدثنی ، فالمنفی اجتماع الأمرین ، ومثال التمنی : قوله تعالی : (یا لَیْتَنا نُرَدُّ وَلا نُکَذِّبَ بِآیاتِ رَبِّنا وَنَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ)(1) قریء فی السبعه نکذّب ونکون بالنصب (2) فیهما والمعنی تمنی اجتماع الأمرین وهو الردّ وانتفاء التکذیب (3) ومثال العرض : ألا تنزل عندنا وتصیب خیرا ، ومثال التحضیض : هلّا تأتینی وتکرمنی ، وهذا معنی الجمعیّه فی کلّ واحد من الأمثله المذکوره ، ویجوز الرفع بعد هذه الواو إمّا علی العطف ، وإمّا علی القطع والاستئناف بحسب ما قبلها (4) ، وینتصب أیضا بعد الواو العاطفه بتقدیر أن إذا عطفت فعلا مضارعا علی اسم لیکون فی تأویل الاسم فیستقیم عطفه علی الاسم نحو (5) :

للبس عباءه وتقرّ عینی

أحبّ إلیّ من لبس الشّفوف

بنصب تقرّ ، وأمّا نحو قوله تعالی : (وَیَعْفُ عَنْ کَثِیرٍ وَیَعْلَمَ الَّذِینَ)(6) فی قراءه - غیر (7) نافع وابن عامر - النصب (8) فإنّه قدّر معطوفا علی فعل مقدّر منصوب أی لینتقم ویعلم ، وعند الکوفیین أنّ الفعل المضارع إذا صرف عن جواب الشرط إلی غیره کانت الواو ناصبه (9).

ص: 19

الشّعر صعب وطویل سلّمه

یرید أن یعربه فیعجمه

بالرفع أی فإذا هو یعجمه ، ومنه : أرید أن تتکلم بخیر أو تسکت فیجوز فی تسکت الرفع والنصب ، فالرفع علی تقدیر أو أنت تسکت ، والنصب علی تقدیر أن تسکت ، وکذلک حکم العطف علی المجزوم نحو : إن تأتنی آتک فأحدثک عطفا علی الجواب الذی هو آتک ، وکذلک لو عطفت بالواو أو ثمّ ، ویجوز رفع فأحدثک علی الابتداء (1).

إذ ما أتیت علی الرسول فقل له

...

فدخول الفاء فی جوابها یدلّ علی الجزم بها ، ولا تستعمل فی المجازاه إلّا مع ما ، وحیثما کذلک نحو (1) :

...

وحیثما یکن أمر صالح أکن

وأین فی المکان ، ویجازی بها مجرده ومع ما کقوله تعالی : (أَیْنَما تَکُونُوا یُدْرِکْکُمُ الْمَوْتُ)(2) وکقول الشّاعر (3) :

أین تضرب بنا العداه تجدنا

نصرف العیس نحوها للتّلاقی (4)

ومتی فی الزمان ، کقول الشّاعر (5) :

متی تأته تعشو إلی ضوء ناره

تجد خیر نار عندها خیر موقد

بجزم تأته وجزم تجد ، وأمّا تعشو فمرفوع وهو مثل قولک : إن تأتنی تسلنی أعطک ، ومعناه إن تأتنی سائلا أعطک ، فإنّ الفعل إذا کان فی موضع الحال فهو مرفوع وتعشو کذلک ، أی متی تأته عاشیا تجد ، وأمّا قول الشّاعر (6) :

ص: 23

متی تأتنا تلمم بنا فی دیارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

فإنّما جزم تلمم علی البدل من تأتنا ، ونظیره فی الأسماء قولک : مررت برجل عبد الله ففسّر الإتیان بالإلمام (1) وتأجّجا ألفه للتثنیه والفعل ماض وهو للحطب والنّار (2) ..

وأنّی : ظرف مکان نحو قول لبید (3) :

وأصبحت أنّی تأتها تلتبس بها

...

ولا تستعمل أنّی مقترنه بما.

الضرب الثانی : الأسماء التی هی غیر ظروف ، وهی : ما ومن وأی ومهما نحو قوله تعالی : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَیْرٍ یَعْلَمْهُ اللهُ)(4) ومن یکرمنی أکرمه ، وقوله تعالی : (أَیًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنی)(5) وقوله تعالی : (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آیَهٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَکَ بِمُؤْمِنِینَ)(6) ، والجزم بکیفما شاذّ خلافا للکوفیین ، فإنّهم یجزمون بکیف مع ما وبدونها (7) وکذلک (8) الجزم بإذا شاذّ (9) ، وقد ورد فی الشعر وکقوله (10) -

ص: 24

وإذا تصبک من الحوادث نکبه

فاصبر فکلّ عمایه فستنجلی

واعلم أنّ الشّرط والجزاء (1) إن کانا مضارعین نحو : إن تقم أقم فجزم کلّ واحد منهما واجب ، لکون کل منهما معربا ، والجازم موجود ، فإن اقترن بالجزاء «لا» نحو : إن تقم لا أقم ، لم یتحتم الجزم بل یجوز الرفع علی تأویل لا ، بلیس فیکون الجزاء لا مع اسمها وخبرها وتکون الفاء مقدره حینئذ ، ومنه قوله تعالی : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا یَضُرُّکُمْ کَیْدُهُمْ شَیْئاً)(2) قریء یضرّکم بالوجهین فی السبعه (3) وإن کان الشرط مضارعا والجزاء ماضیا نحو : إن تضرب ضربت فالجزم أیضا واجب فی الأول لکونه معربا ، وإن کان الشرط ماضیا والجزاء مضارعا نحو : إن ضربت أضربک ، فیجوز فیه الرفع والجزم خلافا للمبرّد ، فإنه لا یجوز فیه عنده إلّا الجزم (4) ومثال رفعه قول زهیر (5) :

وإن أتاه خلیل یوم مسغبه

یقول لا غائب مالی ولا حرم

الفاء ، کقولک : إن أکرمتنی أکرمتک ، إلّا إذا کان الجزاء الماضی المذکور مع قد لفظا أو معنی فیجب دخول الفاء کقوله تعالی : (قالُوا إِنْ یَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)(1) ومثال معنی قد قوله تعالی : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ کانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْکاذِبِینَ)(2) وإذا وقع المضارع جزاء مثبتا أو منفیا بلا ، جاز دخول الفاء وجاز حذفها ، لصحّه تقدیر تأثیر الشّرط فیهما وصحّه نفی تأثیره ، فدخولها نحو : إن قمت فیقوم أی فهو یقوم ، قال الله تعالی : (وَمَنْ عادَ فَیَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)(3) وحذفها نحو : إن قمت تقم ، ومثال دخولها فی المضارع المنفی بلا ، قوله تعالی : (فَمَنْ یُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا یَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً)(4) ومثال حذفها قوله تعالی : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا یَضُرُّکُمْ کَیْدُهُمْ شَیْئاً)(5) هذا إذا کان الجزاء منفیا بلا خاصه ، فأمّا إذا لم یکن الجزاء کذلک فیجب دخول الفاء (6) سواء کانت الجمله اسمیّه کقوله تعالی : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ)(7) أو أمرا کقوله : (قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِی)(8) أو نهیا کقوله تعالی : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَی الْکُفَّارِ)(9) أو استفهاما نحو : إن ترکتنا فمن یرحمنا ، أو دعاء نحو : إن أکرمتنا فیرحمک الله ، وقد ورد حذف هذه الفاء شاذا ، کقول الشاعر (10) :

ص: 26

من یفعل الحسنات الله یشکرها

...

أی فالله وقد تجیء إذا مع الجمله / الاسمیّه موضع الفاء (1) کقوله تعالی : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَهٌ بِما قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ إِذا هُمْ یَقْنَطُونَ)(2) وإنما جاز وقوع إذا موضع الفاء لدلالتها علی المفاجأه والتعقیب کالفاء (3) وضابط دخول الفاء وحذفها هو أنّ کلّ موضع أفاد حرف الشّرط فی جزائه الاستقبال ، امتنع دخول الفاء لوضوحه فی الارتباط ، وکلّ موضع لا یفید حرف الشرط فیه الاستقبال فلا بدّ من الفاء لتوضح الارتباط ، وکلّ موضع یحتمل التقدیرین جاز فیه الأمران (4).

وأین بیتک أزرک ، کان التقدیر إن تأتنی أحدثک وإن تعلمنی بیتک أزرک ، فإذا قلت فی التمنی : ألا ماء أشربه ، ولیته عندنا یحدثنا ، کان التقدیر إن أجد الماء أشربه وإن تکن عندنا تحدثنا ، وإذا قلت فی العرض : ألا تنزل عندنا تصب خیرا ، کان التقدیر إن تنزل تصب خیرا (1) وکذلک ما فیه معنی الأمر والنهی فإنه منزّل منزله الأمر والنهی فی جزم الجواب (2) وذلک مثل قولهم : اتّقی الله امرؤ وفعل (3) خیرا یثب علیه ، بجزم یثب علی جواب الأمر إذا کان المراد ، لیتق امرؤ ولیفعل خیرا یثب علیه بمعنی إن یفعل خیرا یثب علیه ، وکذلک : صه أکرمک ، والمعنی اسکت إن تسکت أکرمک.

واعلم أنه من حقّ المضمر أن یکون من جنس المظهر لیدل علیه (4) ، لأنّ المضمر إذا لم یکن من جنس المظهر إیجابا أو نفیا لم یصح أن یکون المظهر دلیلا علیه ، لأنّه إنما یدلّ علی ما هو من جنسه ، فإذا قلت : لا تعص الله یدخلک الجنه ، کان صحیحا ، لأنّ التقدیر : إن لا تعصه یدخلک الجنه لأنّک إنّما تضمر مثلما تظهر من النفی والإثبات ، وإذا قلت : لا تدن من الأسد یأکلک کان فاسدا ، لأنّ النهی لا یدلّ علی الإثبات ، لأنّ التقدیر إن لا تدن من الأسد یأکلک ، وهو فاسد ، وإنما کان هذا هو التقدیر ، لأنّ قولک : لا تدن من الأسد ، إنما یدلّ علی ما هو من جنسه والذی / هو من جنسه هو النهی ، وإذا قدرت النهی لم یستقم المعنی (5) ، وأجاز الکسائی لا تدن من الأسد یأکلک ، اعتمادا علی وضوح المعنی ، وتقدیره عنده لا تدن من الأسد إن تدن منه یأکلک (6) واعلم أنّ القرّاء کلّهم خلا أبی عمرو قرأوا (فأصدق وأکن من الصالحین) (7) بجزم أکن عطفا علی موضع أصدّق ، لأنّه فی موضع جزم کأنّه قال :

ص: 28

إن أخرتنی أصدّق وأکن ، وقرأه أبو عمرو خاصه (فأصدق وأکون) بنصب أکون عطفا علی قوله فأصّدّق علی لفظه (1) وإنما لم یلحق النفی بالأمور الخمسه فی ذلک ، لأنّ النفی مجرّد إخبار لأنّک إذا قلت : ما أتیتنا ، قطعت بأنه ما أتی فلیس فیه طلب ، فلا یتضمّن معنی الشرط کما تضمّنه الأمر والنهی إلی آخر الأمور الخمسه ، لأنّ الفعل إنما ینجزم إذا کان جوابا لما فیه معنی إن الشرطیه ، ولیس فی النفی معنی إن کما هو فی الأمور الخمسه فمن ثمّ لم یجز : ما تأتنا تحدثنا بالجزم ، ولکنه یجوز برفع تحدثنا علی الحال أی ما تأتینا محدثا لنا وهو مثل قوله تعالی (ذَرْهُمْ فِی خَوْضِهِمْ یَلْعَبُونَ)(2) أی لاعبین ، ومثل قولک : انطلق تتکلّم أی انطلق متکلّما ، وأمّا قولک : إن تأتنی تسألنی أعطک ، وإن تأتنی تمشی أمش معک ، فهو برفع المتوسّط علی الحال (3) ، وجزم الطرفین ، وتقدیره : إن تأتنی سائلا أعطک وإن تأتنی ماشیا أمش معک ومثله (4) :

متی تأته تعشو إلی ضوء ناره

تجد خیر نار عندها خیر موقد

بجزم تأته وتجد ، ورفع تعشو علی الحال أی متی تأته عاشیا تجد کیت وکیت (5).

المخاطب ، بحذف حرف المضارعه فتقول فی یضع : ضع ، وفی یضارب : ضارب وفی یدحرج : دحرج ، ولا یرید (1) بصیغه الأمر ما یدلّ علی الطلب مطلقا بل هذه الصیغه المخصوصه فیخرج : لیفعل زید کذا ، لأنه لیس للفاعل المخاطب ، ویخرج : لتفعل کذا لأنّه لیس یحذف حرف المضارعه ، وإن کان قولهم : لتفعل کذا بالتاء المثّناه من فوقها ، قلیلا ومنه القراءه الشّاذّه (فبذلک فلتفرحوا هو خیر مما یجمعون) (2) وعلی کلّ حال فإنّ الفعل الداخل علیه لام الأمر لم یحذف منه حرف المضارعه ، وهو معرب بالجزم وصیغه الأمر مبنیه (3) فلا مدخل لأحدهما فی باب الآخر ، وحکم آخره حکم المجزوم (4) باللّام لاشتراکهما فی الطلب نحو : اضرب اضربوا ، اغز ارم / اخش فإنّه مثل : لیضرب لیضربا لیضربوا لیغز لیرم لیخش ، وإذا حذفت حرف المضارعه ، فلا یخلو ما بعده من أن یکون متحرکا أو ساکنا فإن کان متحرکا نطقت به علی ما هو علیه کقولک فی یقول : قل وفی یعد : عد وفی تدحرج : دحرج وفی تتعلّم تعلّم وفی تقی وتفی وتری : قه وفه وره ، والتزموا هاء السکت فی مثل ذلک إذا وقفوا علیه. لیحصل الابتداء بالمتحرّک ، والوقوف علی الساکن ، وإن کان ما بعد حرف المضارعه ساکنا ولیس برباعی زدت همزه وصل لیتوصّل بها إلی النطق بالسّاکن مضمومه إن کان بعد السّاکن ضمّه أصلیّه نحو : اخرج واقتل ، واحترز بقوله : أصلیه (5) عن الضمّه العارضه فی نحو : یمشون ویبنون ، فإن أصلهما : یمشیون ویبنیون فاستثقلت الضمّه علی الیاء ، فحذفت فالتقی ساکنان الیاء والواو فحذفت الیاء ثم ضمّ ما قبل الواو للمناسبه ، فصار یمشون ویبنون ، فالضّمّه فیهما

ص: 30

عارضه فلذلک لم تعتبر هذه الضمّه ، وکسرت همزه الوصل فی نحو : امشوا وابنوا ولم تضمّ ، وأمّا إذا لم یکن بعد الساکن ضمّه أصلیّه ، فإنک تکسر همزه الوصل سواء کان ما بعد السّاکن کسره أو فتحه نحو : اضرب وانزل (1) واعلم واجعل ، وإن کان الفعل رباعیا وما بعد حرف المضارعه ساکن نحو : یعلم ویرسل ، جئت بالهمزه المحذوفه من المضارع لزوال المقتضی لحذفها ، لأنّ أصل یعلم ویرسل یؤعلم ویؤرسل ، لأنّ حروف المضارعه تزاد علی الماضی ، وماضیهما أعلم وأرسل مثل دحرج ، وکما أنّ المضارع من دحرج : یدحرج فکذلک المضارع من أعلم وأرسل ، یؤعلم ویؤرسل لکن کرهوا اجتماع الهمزتین فی کلمه واحده ، فحذفوا الثانیه تخفیفا ثم أجروا حروف المضارعه کلّها مجری واحدا ، فلمّا حذفوا حرف المضارعه لبناء صیغه الأمر ، زال موجب حذف هذه الهمزه فوجب الإتیان بها مفتوحه مقطوعه فتقول فی الأمر من أعلم وأرسل : أعلم وأرسل ، بفتح أولهما کما تقول فی الأمر من دحرج : دحرج ، والأمر مبنیّ علی السکون لذهاب حرف المضارعه الذی به حصل الشّبه المقتضی للإعراب ، والکوفیون یقولون معرب بالجزم بلام مقدّره فإنّ قولک : اغز وارم واخش مثل المعرب المجزوم بلام الأمر أعنی : لیغز ولیرم ولیخش (2).

الفعل تاء (1) نحو باب تفعّل وتفاعل فتضمّ التاء مع ضمّ الحرف الثانی فتقول فی تعلّم وتجاهل : تعلّم وتجوهل بضمّ التاء والحرف الثانی ، إذ لو اقتصر علی ضمّ التاء لم یدر مضارع هو أم فعل لم یسمّ فاعله.

وإذا کان الماضی ثلاثیا معتلّ العین مثل : قال وباع فلک فیه ثلاث لغات (2) :

إحداها : أن تقول : قیل وبیع بالیاء فیهما وهی أفصحها.

والثانیه : أن تقول : قول وبوع بالواو فیهما ، وهی أضعفها.

والثالثه : أن یشمّ أولها الضمّ تنبیها علی أنّ أصله الضمّ وهی فصیحه (3) وإنما کان قیل وبیع أفصحها ، لأنّ الأصل بیع بضمّ الباء الموحده وکسر الیاء فکرهوا الکسره علی الیاء بعد الضمّ فأسکنوها ، فلم یمکن بقاؤها ساکنه مع ضمّ ما قبلها ، ودار الأمر بین جعل موضع الباء واوا ، أو تغییر ضمّه الباء بکسره ، فکان تغییر الحرکه أولی من تغییر الحرف فقیل : بیع بکسر الباء وحملوا قیل علیه لأنّهما من باب واحد ، وقد علم بذلک ضعف لغه قول وبوع لأنّهم قلبوا الیاء واوا فحملوا الأخفّ علی الأثقل ، ومثله باب اختیر (4) لأنّ أصل اختیر اختیر بضمّ التّاء وکسر الیاء فجری فی تیر من اختیر اللغات الثلاث کما جرت فی بیع ، والقول فیه کالقول فی بیع ، وکذلک نحو : انقید ، وأما أقیم ، واستخیر فأصلهما أقوم واستخیر فلیس فیهما قبل حرف العله ضمّه لسکون القاف والخاء کما تری ، فلا یجیء فیه ما قیل فی بیع وقیل ، وحکم ذلک أن تنقل حرکه الواو والیاء إلی ذلک الساکن وحرکتهما الکسره ، فلذلک وجب أن یقال : أقیم واستخیر بکسر القاف والخاء اللذین کانا ساکنین لغه واحده.

وإن بنی المضارع لما لم یسمّ فاعله (5) ضمّ أوّله وفتح ما قبل آخره لیتمیّز عن

ص: 32

بناء الفاعل نحو : یضرب (1) وإن کان المضارع معتلّ العین فتقلب عینه ألفا سواء کانت واوا أو یاء ، تقول فی یقول ویبیع : یقال ویباع ، لأنّ أصلهما یقول ویبیع فنقلت حرکه الواو والیاء إلی ما قبلهما وقلبت ألفا لتحرکهما فی الأصل وانفتاح ما قبلهما ، فصارا یقال ویباع (2).

أیضا کما نصبوا بأعلمت ثلاثه مفاعیل ، وأصلها أن تتعدّی إلی الثانی بحرف الجرّ نحو : حدّثت زیدا عن عمرو ، ولکن لمّا کان الإنباء مرادفا للإخبار ، والإخبار مرادفا للإعلام أعملت الأفعال المذکوره إعمال أعلمت (1).

إِبْراهِیمَ خَلِیلاً)(1) وتختصّ هذه الأفعال بالجمله الاسمیّه لبیان ما تکون علیه تلک الجمله من ظنّ أو علم ، وتنصب الجزأین بمعنی المفعولین ، وإنّما نصبتهما لأنّهما متعلّقان لها کما (2) ینصب بأعطیت ونحوه مفعولین (3).

أزید عندک أم عمرو (1) لأنّ ما ذکر له صدر الکلام فلا یعمل ما قبله فیما بعده.

واعلم أنّ الفرق بین التعلیق والإلغاء أن الإلغاء : هو إبطال عملها لفظا ومحلا ، وأمّا التعلیق : فهو إبطال عملها لفظا لا محلا ، فإنّ موضع الجمله فی قولک : علمت لزید قائم ، نصب (2) وإنّما لم یعمل لفظا ، لأنّ لام الابتداء وحرف النفی وحرف الاستفهام لهنّ صدر الکلام ، والعامل له حکم التّصدر علی معموله فتدافعا (3).

ومن خصائص هذه الأفعال أیضا : أنه یجوز أن یکون فیها ضمیر فاعل ومفعول لشیء واحد کقول الشخص عن نفسه علمتنی منطلقا ، وفی غیرها یعدل إلی لفظ النفس فیقال : ضربت نفسی وکرهت نفسی ، لأنّ الغالب فی غیر أفعال القلوب تعلّق فعل الفاعل بغیره ، فلو جمع بینهما لسبق الفهم إلی المغایره (4) ولیس کذلک أفعال القلوب لأنّها تتعلّق بالاعتقادات من العلم والظنّ ، وعلم الإنسان وظنّه یتعلّق بصفات نفسه أکثر من صفات غیره (5) وقد تجیء بعض هذه الأفعال بمعنی آخر (6) فتجیء ظننت من الظّنّه بمعنی التّهمه ، وتجیء علمت بمعنی عرفت کقوله تعالی : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِینَ اعْتَدَوْا مِنْکُمْ فِی السَّبْتِ)(7) أی عرفتم ، وتجیء وجدت بمعنی وجدان الضّالّه أی بمعنی الإصابه تقول : وجدت ناقتی أی أصبتها ، وتجیء رأیت بمعنی رؤیه البصر تقول : رأیت زیدا أی أبصرته وإذا استعملت هذه الأفعال فی هذه المعانی المذکوره فلا تتعدّی إلی أکثر من مفعول واحد ، لأنّ معانیها حینئذ لا تقتضی إلّا التعلّق بمعنی واحد فتقول : علمت زیدا کما تقول : عرفت زیدا (8).

ص: 36

یکن کلاما (1) ، وجمیعها تدخل علی الفاعل لتفید تقریره علی صفه باعتبار معناها ، فیکتسب الخبر حکم معناها (2) وهو إما إثبات کما فی کان ، وإمّا نفی ، کما فی لیس وإما استمرار کما فی ما زال ، وإنما رفعت الأول لأنها تفتقر إلی اسم یسند إلیه کسائر الأفعال ، فارتفع ما أسندت إلیه تشبیها له بالفاعل ، فلما رفعت الأول وجب نصب الثانی علی التشبیه بالمفعول ، ویسمّی الأول اسم کان والثانی خبر کان (3) وحال اسم کان وأخواتها وخبرها مثل حالهما فی باب المبتدأ والخبر ، فیکون الأصل فی اسمها أن یکون معرفه ، وخبرها نکره ، وأمّا قول القطامی : (4)

قفی قبل التّفرّق یا ضباعا

ولا یک موقف منک الوداعا

فإنه قلب فجعل الاسم نکره والخبر معرفه ، لأنّ المعنی غیر مجهول مع ضعف ذلک (5) وقد روی : ولا یک موقفی ، ومثل ذلک قول حسّان : (6)

وربّ سبیئه من بیت رأس

یکون مزاجها عسل وماء (7)

ومثله بیت الکتاب : (8)

فإنّک لا تبالی بعد حول

أظبی کان أمّک أم حمار

فاسم کان نکره وهو ظبی ، لأنّ التقدیر أکان ظبی ، لاقتضاء الهمزه الفعل بعدها ، وخبرها معرفه وهو قوله : أمّک ، وارتفع حمار علی تقدیر أم هو حمار.

ص: 38

بتیهاء قفر والمطیّ کأنّها

قطا الحزن قد کانت فراخا بیوضها

أی صارت ، لأنّ البیض لا یکون فراخا (1) ، بل الفراخ کانت (2) بیضا ، وکان الناقصه لا مصدر لها (3) لأنّ الفعل إنّما یتعدّی إلی ما کان فیه دلاله علیه ، ولیس فی کان الناقصه دلاله علی المصدر ، فلا یصحّ أن یکون منصوبا بها فإن اقترن بها مصدر فهو منصوب بفعل آخر یدلّ علیه هذا ، فلو قلت : کرهت کون زید قائما ، فهو مصدر کان التامّه ، ویجوز أن تقول فی التامه : کان الأمر کونا کما تقول : وقع وقوعا ، ولا یجوز أن تقول فی الناقصه : کان زید قائما کونا ، فهذه معانی کان الناقصه ، وأمّا التامه فتکون بمعنی حضر أو ثبت أو حدث أو وقع کقوله تعالی : (وَإِنْ کانَ ذُو عُسْرَهٍ فَنَظِرَهٌ إِلی مَیْسَرَهٍ)(4) ومنه : ما شاء الله کان ، أی ما شاء الله وقع ، ومنه قوله تعالی : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ)(5) أی أحدث فیحدث ، ومنه : کانت الکائنه أی حدثت وحصلت.

وأمّا الزائده فهی التی لا یختلّ أصل الکلام بإسقاطها ، کقول الشّاعر : (6)

سراه بنی أبی بکر تسامی

علی کان المسوّمه العراب

وکقوله تعالی : (کَیْفَ نُکَلِّمُ مَنْ کانَ فِی الْمَهْدِ صَبِیًّا)(7) ، ونصب صبیّا علی الحال ، أی کیف نکلّم من فی المهد صبیّا ، وقیل : هی بمعنی صار (8) کما تقدّم ،

ص: 40

وإنما أتی بالزائده تحسینا للکلام وتأکیدا له (1) وإنّما ذکر کان التامه والزائده فی باب الناقصه للاتفاق فی اللفظ.

لیس زید قائما فی الحال ولا تقول غدا ، وقیل : إنها للنفی مطلقا للحال والاستقبال ، واستدلّ هذا القائل بقوله تعالی : (أَلا یَوْمَ یَأْتِیهِمْ لَیْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ)(1) فهذا نفی لصرف العذاب عنهم یوم القیامه ، فهی لنفی المستقبل (2) ، ومذهب بعض النحاه أنها حرف (3) واحتجّ علی ذلک بوقوعها موقع ما (4) فی قول العرب : لیس الطیب إلّا المسک ، بالرفع علی المبتدأ والخبر کما تقول / ما الطیب إلا المسک ، بالرفع ، والصحیح أنها فعل لاتصال الضمائر بها نحو : لست ولست ولستم وما أشبه ذلک ، وذلک من خواصّ الأفعال ، ویقع فیها ضمیر الشأن (5) ، وأمّا جواز تقدیم خبرها علیها نفسها فقد اختلف فیه (6) فمنهم من ألحقها بکان لکونها فعلا محققّا ، ومنهم من ألحقها بما فتیء ، واستدلّ من ألحقها بکان بقوله تعالی : (أَلا یَوْمَ یَأْتِیهِمْ لَیْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ)(7) ووجه الاستدلال أنّ یوم یأتیهم معمول لمصروفا ، وإذا قدّم المعمول ، صحّ أن یقدّم العامل لأنّ المعمول فرع للعامل ، وأجیب عن ذلک أنه من الجائز أن یکون تقدیمه لاتّساعهم فی الظروف فلا یجوز تقدیم غیر الظّرف (8).

عسی أن تأتی تلک الطریق بشرّ ، والبأس مصدر وجمعه أبؤس ، وقیل : لا یجوز أن یکون أن مع الفعل خبرا لاسم عسی ، لأنّ ذلک فی تأویل المصدر ، والمصدر لا یخبر به عن الجثّه ، إذ تقدیره : عسی زید الخروج ، وأجیب عنه بجوابین : أحدهما : أنّ المصدر هنا بمعنی اسم المفعول ، إذ تقدیره : قارب زید الخروج ، والثانی : أنّه علی تقدیر حذف المضاف أی عسی زید ذا خروج (1).

عسی الهمّ الذی أمسیت فیه

یکون وراءه فرج قریب

فحذف أن من قوله یکون ، والفصیح أن لا یحذف.

علی کاد ففیها ثلاثه مذاهب (1) :

الأول : وهو الأصحّ ، أنّها کالأفعال إذا دخل علیها النفی کان معناها نفیا ، وإذا تجرّدت من النفی کان معناها إثباتا ، لأنّ قولک : کاد زید یقوم ، معناه إثبات قرب القیام لا إثبات نفس القیام ، فإذا قلت : ما کاد زید یقوم ، فمعناه نفی قرب القیام.

والمذهب الثانی : أن تکون (2) کاد علی العکس من الأفعال الماضیّه والمستقبله ، إثباتها نفی ونفیها إثبات ، کما إذا قلت : کاد زید یخرج ، فالخروج غیر حاصل ، وما کاد زید یخرج ، فالخروج حاصل.

والمذهب الثالث : أن تکون کاد فی نفی المستقبل کالأفعال تمسّکا بقوله تعالی : (إِذا أَخْرَجَ یَدَهُ لَمْ یَکَدْ یَراها)(3) لأنّه لا یستقیم أن یکون المعنی إلّا کذلک لأنه واقع بعد قوله تعالی : (یَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ)(4) وفی الماضی خاصه / علی العکس من الأفعال نفیا وإثباتا تمسّکا بقوله تعالی : (فَذَبَحُوها وَما کادُوا یَفْعَلُونَ)(5) ووجه التمسّک أنّ فعل الذّبح واقع بلا شک ، واللفظ منفیّ ، أعنی ما کاد ، والجواب : أنه محمول علی أنّ حالهم کانت قبل الذّبح فی التعنّت حال من لم یقارب الفعل ، فالإخبار عن نفی مقاربه الذّبح قبل الذّبح عند ذلک التعنّت ، والإخبار عن الذّبح بعد ذلک ، أی فذبحوها وما کادوا قبل ذلک یقاربون أن یفعلوا (6) وقد أخذ علی ذی الرّمه من یری أنّ کاد نفیها إثبات فی قوله : (7)

إذا غیّر الهجر المحبین لم یکد

رسیس الهوی من حبّ میّه یبرح

وهو أنه فهم من ذلک الإثبات وهو زوال رسیس الهوی ، والصواب حمل البیت المذکور علی الصّحه ، لأنّ المعنی ؛ إذا غیّر الهجر المحبین لم یقارب حبّی التغییر

ص: 48

وهو أبلغ من نفی نفس التغییر (1).

وأحسن به ، فما أحسنه هی الأصل وهی جمله اسمیّه لأنّها مصدّره بالاسم وهو ما ، وأحسن به معدول عنها وهی جمله فعلیّه وأحسن بزید ، لیس بأمر بل هو عند سیبویه خبر بلفظ الأمر (1) وجاء الخبر بلفظ الأمر کما جاء الأمر بلفظ الخبر فی نحو قوله تعالی : (وَالْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَهَ قُرُوءٍ)(2) وکما جاء الدّعاء بلفظ الخبر فی قولک : رحمک الله ، ویدلّ علی أن قولک : أکرم بزید ، لیس بأمر ، دخول التصدیق فیه وخلو الفعل من الضمیر الذی یلحق فعل الأمر فی المثنّی والمجموع نحو : أحسنا وأحسنوا ، فإنه لا یقال : أحسنا بزید ، ولا أحسنوا بزید ، ولا یبنی فعلا التعجّب إلّا مما یبنی منه أفعل التفضیل (3) لکون کلّ / واحد منهما للمبالغه فلا یبنیان إلّا من فعل ثلاثیّ لیس بلون ولا عیب (4) ویتوصّل فی الممتنع بمثل ما یتوصّل به إلی التفضیل فیقال : ما أشد استخراجه واشدد باستخراجه ، کما قالوا فی التفضیل : زید أشدّ استخراجا من عمرو ، وکذلک تقول : ما أشدّ حمرته وما أقبح عوره ، وقد شذّ نحو : ما أعطاه وما أولاه للمعروف ، وما أفقره وما أکرمه ، وقیل (5) : إنه مردود من الرباعی إلی أصله الثلاثی ؛ أی من عطا یعطو ، ومن ولی یلی ، ومن فقر وکرم ، ولا یبنی فعل التعجّب إلّا للفاعل دون المفعول نحو قولهم : ما أبغضه إلیّ وأحبّه وأشغله ، ولا یتصرّف فی صیغتی فعل التعجّب بتقدیم ولا تأخیر ولا فصل (6) لکونهما غیر متصرفین فلا یقال : ما زیدا أحسن ولا زیدا ما أحسن ، ولا یقال أیضا : بزید أحسن ولا ما أحسن الیوم زیدا ، وأجاز المازنی الفصل بالظرف لما سمع من العرب : ما أحسن بالرجل أن یصدق (7) ففصل بین أحسن ومعموله بالجار والمجرور ، و «ما»

ص: 50

فی ما أفعله مبتدأ نکره بمعنی شیء عند سیبویه والخلیل وأصله شیء أحسن زیدا (1) والجمله أعنی أحسن زیدا فی محل الرفع بأنه خبره ، وهو مثل : شرّ أهرّ ذاناب (2) حسبما تقدّم فی موضعه (3) والأخفش یری (4) : أنّ «ما» فی : ما أفعله موصوله والجمله التی بعدها صلتها ، والصله مع الموصول فی محلّ الرفع بأنه مبتدأ وخبره محذوف تقدیره : الذی أحسن زیدا شیء (5) ومذهب سیبویه فی : أکرم بزید أنّ الجارّ والمجرور أعنی بزید فی موضع رفع بأنه فاعل أکرم ؛ فلا ضمیر فیه ، والباء زائده فی الفاعل کقوله تعالی : (وَکَفی بِاللهِ شَهِیداً)(6) فجعل فعل الأمر أعنی : أکرم بزید ، بمعنی الماضی أی : أکرم زید بمعنی صار ذا کرم ، وفی هذا المذهب شذوذان أحدهما : استعمال الأمر بمعنی الماضی ، والثانی : زیاده الباء فی الفاعل (7) ، ومذهب الأخفش أنّ بزید فی أکرم بزید مفعول به (8) وهو المتعجّب منه ، فعلی هذا یکون أفعل أمرا لا خبرا (9) فیکون فیه ضمیر مرفوع بأنه فاعله یعود إلی المخاطب أی أنه أمر لکلّ مخاطب بأن یجعل زیدا کریما أی بأن یصفه بالکرم هذا أصله ثم أجری مجری الأمثال فلم یغیر عن لفظ الواحد تقول : یا رجل ویا رجلان ویا رجال أحسن

ص: 51

بزید ، والباء علی هذا الوجه إمّا زائده ، وإما للتعدیّه ، فعلی تقدیر أنّها زائده تکون الهمزه للتعدیه والباء زائده مثل : ألقی بیده ، وعلی تقدیر أنّها للتعدیه تکون الهمزه للصیروره مثل قولهم : أغدّ البعیر ، ثم جیء بالباء لتعدیه الفعل فصار ما کان فاعلا مفعولا وعلی التقدیرین ، زید فی أکرم بزید مفعول لأکرم وأکرم متعدّ إلیه إمّا بالهمزه وتکون الباء زائده ، وإمّا بالباء وتکون الهمزه للصیروره لا للتعدیه (1) ومعنی فعل التعجّب معنی قائم برأسه / متمیز عن غیره وهو أنّ ذلک الوصف علی أبلغ ما یکون ، وأنّه نهایه وغایه وزائد علی نظرائه نادر فی بابه ، وإذا قلت : ما کان أحسن زیدا فقد زیدت کان إیذانا بأنّ التعجّب واقع فیما مضی (2) کما زید مستقبل کان لیؤذن بالتعجّب فی المستقبل ، إذا کان فی الحال الحاضره دلیل علیه کقولهم : ما یکون أطول هذا الصبیّ ، فإن قیل : کیف جاز ما کان أحسن زیدا ، وأحسن فعل ماض فکیف دخل کان علیه ، فالجواب : أنّ فعل التعجّب لمّا منع عن التصرّف کان ماضیه کلا ماضی ، لأنه لمّا لم یتصرّف ولزم طریقه واحده أشبه الأسماء ولذلک صغّر فی نحو : (3)

یا ما أمیلح غزلانا عرضن لنا (4)

وقد قالوا : ما أصبح أبردها ، وأمسی أدفأها ، وهو شاذّ عند أکثر النّحاه (5) والضمیر فی أصبح وأمسی للغداه والعشیّه ، وإذا قلت : ما أحسن ما کان زید ، رفعت

ص: 52

زیدا بکان وهی التامّه والتقدیر : ما أحسن کون زید ، وأجاز المبرّد : ما أحسن ما کان زیدا بالنّصب علی تقدیر : ما أحسن الرجل الذی کان زیدا (1).

هو تعریف الجنس لا تعریف العهد ، لأنّک إذا مدحت جنس الشیء لأجل ذلک الشیء فقد بالغت فی مدح ذلک الشیء (1) واعلم أنّ من قال أنه للعهد ، إنما یرید به أنه لمعهود فی الذهن لا لمعهود معیّن فی الخارج ، وذلک المعهود الذهنی مبهم باعتبار الوجود الخارجی ، کما أنّ أسامه معرفه باعتبار الذهن / ولیس معرفه باعتبار الوجود فی الخارج.

وبعد ذکر الفاعل یذکر المخصوص بالمدح أو الذمّ فإذا قلت : نعم الرجل زید ، فالمخصوص بالمدح هو زید ، کأنهم قصدوا إلی إبهام المخصوص أولا لیعظم وقعه فی النفس وتتشوق النفس إلی تفسیره ثم فسّر بنحو : زید ، وکذلک إذا قیل : نعم رجلا زید فإنّ الفاعل أضمر وأبهم ثم فسّر جنس ذلک المضمر بالنکره الممیزه ، فیکون التقدیر : نعم الرجل رجلا زید.

واعلم أنه یجوز الجمع بین الفاعل الظاهر وبین النکره الممیزه تأکیدا للفاعل الظاهر فتقول : نعم الرجل رجلا زید ، وهو جمع بین المفسّر والمفسّر ، لکن جوّز لتأکید الظاهر ، وللتنبیه علی أنّ هذا هو الأصل (2) وفی إعراب المخصوص بالمدح أو الذمّ وجهان :

أحدهما : أن یکون مبتدأ والجمله التی قبله أعنی نعم وفاعلها خبره ، فیکون أصله : زید نعم الرجل ، واستغنی الخبر عن ضمیر یعود إلی المبتدأ الذی هو زید ، لکون زید هو الرجل ، لأنّ المخصوص عباره عن الفاعل ومفسّر له ولا یحتاج إلی عائد.

والثانی : أن یکون خبرا والمبتدأ محذوف علی تقدیر : هو زید ، فعلی الوجه الأول یکون نعم الرجل زید ، جمله واحده ، وعلی الوجه الثانی یکون جملتین (3) وشرط هذا المخصوص (4) أن یکون مطابقا لفاعل نعم فی المعنی والإفراد والتثنیه

ص: 54

والجمع والتذکیر والتأنیث ، تقول : نعم الرجل زید ، ونعم الرجلان الزیدان ، ونعم الرجال الزیدون ، ونعمت المرأه هند واعلم أنّه یجوز نعم المرأه هند (1) وإن کان لا یجوز : قام المرأه ، لأنّ نعم غیر متصرّف ، بخلاف قام ، وإنّما وجب مطابقه المخصوص للفاعل ، لأنّ المخصوص عباره عن الفاعل ، ولمّا کان المخصوص لا بدّ وأن یکون مطابقا لفاعل نعم أو بئس ، وجب تأویل ما جاء علی خلافه مثل قوله تعالی : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا)(2) لأنّ المخصوص هو الذین کذّبوا وهم غیر مطابقین لمثل القوم الذی هو الفاعل ، لأنّهم لیسوا من جنس المثل ، لأنّ المثل هو القول الوجیز ، والذین کذّبوا لیسوا بقول وجیز ، وتأویله علی حذف المضاف أی بئس مثل القوم مثل الذین کذّبوا (3).

ومما یناسب بئس ، ساء (4) وهی مثل بئس معنی واستعمالا فحکمها حکمها ، وقد تستعمل علی غیر ذلک کقولک : ساءنی ما صنعت (5).

والمخصوص قد یعلم فیجوز حذفه (6) کقوله تعالی : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ)(7) بعد أن تقدّم ذکر أیوب فعلم أنّ المراد نعم العبد أیوب ، وکذلک قوله تعالی : (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ)(8) أی فنعم الماهدون نحن یدلّ علیه سیاق الکلام (9).

ص: 55

ومما یناسب نعم ، حبّذا (1) وهو مرکّب من حبّ وذا - (2) وفاعله ذا ، ویراد به مشار إلیه فی الذهن ، وذا فی حبّذا ، لا یتغیّر سواء کان المخصوص مفردا أو مثنّی أو مجموعا أو مذکرا أو مؤنثا (3) ، تقول : حبّذا زید وحبّذا الزیدان وحبّذا الزیدون وحبّذا هند وحبّذا الهندان وحبّذا الهندات ، وإنما لم یتغیّر عن هذا اللفظ ، لأنّهم جعلوا الفعل والفاعل کالکلمه الواحده فکرهوا التصرّف فیه ، واستغنوا بالمخصوص عن تفسیر الفاعل ولم یستغنوا فی نعم بالمخصوص عن تفسیر الفاعل المضمر بل فسّروه بالنکره ، لئلا یؤدی حذف النکره المفسّره فی نعم إلی التباس المخصوص بفاعل نعم فی کثیر من الصور ، ألّا تری أنّک لو قلت نعم السلطان وجوّزت الإضمار فی نعم من غیر تفسیر ، لم یعلم هل الفاعل السلطان أم المخصوص بالمدح بخلاف حبّذا فإن «ذا» مؤذن بأنه الفاعل ، وإعراب مخصوص حبّذا کإعراب مخصوص نعم (4) فی کون المخصوص مبتدأ وما قبله خبره ، أو خبر مبتدأ محذوف (5) ویجوز قبل ذکر مخصوص حبّذا أن یقع حال موافق للمخصوص فی الإفراد والتثنیه والجمع والتذکیر والتأنیث نحو : حبذا راکبا زید ، وحبّذا راکبین الزیدان ، ویجوز وقوع هذه الحال بعد المخصوص أیضا نحو : حبّذا زید راکبا وحبّذا الزیدان راکبین ، ویجوز أیضا أن یقع قبل المخصوص وبعده تمییز علی وفق المخصوص فی الإفراد وغیره کما قیل فی الحال نحو : حبّذا رجلا زید ، وحبّذا زید رجلا (6) والعامل فی هذه الحال وهذا التمییز ما فی حبّذا من معنی الفاعلیّه ، وذو الحال ذا فی حبّذا لا زید ، لأنّ زیدا هو

ص: 56

المخصوص ، والمخصوص لا یجیء إلّا بعد تمام المدح لفظا أو تقدیرا (1).

أحدها : یفعل بکسر العین ومثاله من المتعدّی : ضرب یضرب ومن اللّازم : جلس یجلس.

ثانیها : یفعل بضمّ العین ومثاله من المتعدّی : قتل یقتل ، ومن اللّازم : قعد یقعد.

ثالثها : یفعل بفتح العین علی خلاف الأصل ولا یکون إلّا مما عینه أو لامه حرف حلق ، وحروف الحلق ، الهمزه والهاء والحاء والعین والخاء والغین نحو : سأل یسأل وذهب یذهب ومدح یمدح ومنع یمنع وسلخ یسلخ وصبغ یصبغ (1) بفتح عین یفعل فی الجمیع (2) ولکن لیس الفتح لازما فی کلّ ما هو کذلک بل یجوز أن یأتی علی الأصل نحو : یصبغ (3) بالضمّ (4) وشذّ ما جاء علی فعل یفعل بالفتح ولیس عینه أو لامه حرف حلق نحو : أبی یأبی (5) ورکن یرکن ، وقیل : إنّ رکن یرکن مرکّب کما سیأتی بیان الترکیب ، وإنّما فتحت عین یفعل من هذه الأفعال بسبب حروف الحلق لأنّ حروف الحلق ثقیله (6) والفتحه تناسب ذلک لینجبر الثّقل بالخفّه (7).

واعلم أنّ فعل بفتح العین إذا کان معتلّ الفاء أو العین أو اللّام أو مضاعفا فلمضارعه أحکام أخر ، أمّا معتلّ الفاء بالواو فمضارعه علی یفعل بکسر عین المضارع (8) نحو : وعد یعد ، وشذّ : وجد یجد بالضمّ (9) وأما معتلّ العین أو اللّام

ص: 58

بالواو فمضارعه (1) علی یفعل بالضم ، نحو : قال یقول ودعا یدعو لمناسبه الضمّه للواو وقد شذّ : طاح یطیح وتاه یتیه عند من قال : طوّحت أطوح وتوّهت أتوه ، لأنّ قیاسه حینئذ أن یأتی علی طاح یطوح وتاه یتوه (2) ، وأمّا معتلّ العین أو اللّام بالیاء فمضارعه علی یفعل بالکسر للمناسبه (3) نحو : باع یبیع ورمی یرمی ، وأمّا فعل المضاعف اللّام ، فإن کان متعدیّا فمضارعه مضموم العین لا سیما إن لحقه الضمیر نحو : شدّه یشدّه ومدّه یمدّه ، وجاء الکسر فی بعضه نحو : نمّه ینمّه وبتّه یبتّه ، وأمّا حبّه فیحبّه بالکسر لیس إلّا (4) ، وإن کان لازما فمضارعه مکسور العین (5) غالبا نحو حنّ یحنّ وأنّ یئن.

یفعل (1) ، وجاء وله یله والأکثر یوله (2) وولغ یلغ ، وحکی یولغ ویلغ (3) وجاء منها بالکسر فقط ، ورث یرث ووثق یثق وومق یمق وورم یرم ، وأمّا ما جاء علی فعل یفعل بکسر عین الماضی وضمّ عین المضارع مثل : فضل یفضل فمرکّب (4) والمراد بالترکیب أن یبادل بین صیغتین لفعل واحد ، قد جاء ماضی کل صیغه منهما ومضارعها علی الأصل کما جاء فضل یفضل علی صیغه قتل یقتل ، وجاء أیضا فضل یفضل علی صیغه شرب یشرب فأعطی ماضی إحداهما مضارع الأخری فترکّب من ذلک فضل یفضل بکسر عین الماضی وضمّ عین المضارع علی خلاف بابه (5).

أما الخمسه عشر الموازنه للرباعی علی سبیل الإلحاق :

فمنها سته ملحقه بدحرج أی بالرباعی المجرّد وهی : جلبب وحوقل وبیطر وجهور وقلنس وقلسی (1) لأنّهم زادوا فی کلّ واحد منها زیاده لیوافق دحرج فی وزنه ، فجلبب فعلل ، زیدت فیه الباء من موضع لام الفعل ، وحوقل فوعل زیدت فیه الواو ثانیه ، وبیطر فیعل ، زیدت فیه الیاء ثانیه أیضا ، وجهور فعول زیدت فیه الواو ثالثه ، وقلنس فعنل زیدت فیه النون ثالثه ، وقلسی من قلسیته بالقلنسوه فقلسیت علی فعلیت ، زیدت فیه الیاء رابعه ، ودلیل إلحاق هذه کلّها بدحرج ، أنّها مثله فی الماضی والمستقبل والمصدر واسم الفاعل نحو : جلبب یجلبب فهو مجلبب وقس علی ذلک البواقی (2).

ومنها سبعه ملحقه بتدحرج (3) أی بالرباعی المزید فیه التاء (4) وهی نحو : تجلبب وتجورب (5) وتشیطن (6) وترهوک (7) وتمسکن وتغافل وتکلّم ، فکما أنّ جلبب ملحق بدحرج ، کذلک تجلبب ملحق بتدحرج وکذلک القول فی تشیطن وترهوک ، وأمّا تمسکن علی وزن تمفعل ، فقد قیل : إن تمسکن وتمدرع شاذّان (8) والأکثر أن یقال فیهما : تدّرع وتسکّن وکذلک الکلام فی تمندل إذا مسح یده بالمندیل ، فإن الأولی أن یقال : تندّل (9) ، وتغافل ملحق بتدحرج فتصریفه مثله یقال :

ص: 61

تغافل یتغافل تغافلا کما یقال : تدحرج یتدحرج ، تدحرجا وإن کان غافل / غیر ملحق بدحرج ، وکذلک تکلّم ملحق بتدحرج (1) ودلیل إلحاق هذه کلها بتدحرج أنها مثله فی الماضی والمستقبل والمصدر واسم الفاعل.

ومنها اثنان ملحقان باحرنجم (2) أی بالرباعی المزید فیه النون وهما : اقعنسس واسلنقی (3) ، لتصرّفهما تصرّف احرنجم فی الماضی والمستقبل والمصدر ، ومعنی احرنجم اجتمع ، واقعنسس تأخّر.

وأمّا العشره الغیر الملحقه فمنها ثلاثه موازنه للرباعی (4) لکن علی غیر سبیل الإلحاق وهی : أخرج وجرّب وقاتل ، فزیاده أخرج الهمزه ، وزیاده جرّب من جنس الکلمه بتضعیف عین الفعل من موضعها ، وزیاده قاتل الألف ، فهذه الثلاثه وإن وافقت دحرج فی وزنه بما زید فیها فلیست ملحقه به ، لأنّ حرف الإلحاق هو الذی لیس له معنی غیر الإلحاق ، بخلاف الهمزه فی أفعل ، فإنّها موضوعه لمعان کالتعدیه وغیرها ، وکذلک تضعیف العین فی نحو : جرّب ، وأمّا الألف فی نحو : قاتل فموضوعه لأن یکون من غیرک إلیک ما کان منک إلیه (5) ، وهذا کلّه بخلاف حروف الإلحاق (6) ، فإنّ زیادتها لا تفید معنی غیر الإلحاق ، وأیضا فإنّ مصادر هذه مخالفه لمصدر دحرج ، لا یقال : أخرج إخراجا مثل دحرج دحراجا ، لأنّا نقول : إنّ الاعتبار إنّما هو بالفعلله لا بالفعلال ، لأنّ الفعلله هی المصدر الملازم لباب دحرج بخلاف

ص: 62

دحراج (1).

ومنها سبعه غیر موازنه للرباعی (2) بوجه وهی : انطلق واقتدر واستخرج واشهابّ واشهبّ (3) واغدودن (4) واعلوّط بالطاء المهمله (5) لأنّ استخرج مثلا لیس موازنا لاحرنجم ، لأنّا لا نعنی بالموازنه صوره حرکات وسکنات ، وإنما نعنی وقوع الفاء والعین واللّام فی الفرع موقعها فی الأصل الملحق به ، واستخرج بالنسبه إلی احرنجم بخلاف ما ذکرناه فی الأصلیّه والزیاده جمیعا ، أمّا الأصلیّه ، فهو أنّ الخاء من استخرج فاء وقد وقعت موقع النون من احرنجم ، وهی زائده فی الأصل ولیس الأمر کذلک فیما هو ملحق ، وأمّا الزیاده فالنون واقعه فی الأصل بعد الفاء والعین ولیس فی استخرج الذی هو الفرع نون فی موضعها ولا فی غیر موضعها ، وأیضا فإنّ مصادر هذه الأفعال مخالفه لمصدر احرنجم (6).

بالواو ، ومعتلّ العین واللّام بالیاء (1) فإنّ مضارعها لا یجیء مضموما بل علی یفعل بکسر العین (2) نحو : وامقه فومقه یمقه ، وبایعه فباعه یبیعه ، وراماه فرماه یرمیه (3) ، وعن الکسائی فیما عینه أو لامه حرف حلق علی یفعل بفتح العین نحو : شاعرته فشعرته أشعره وما ذکره غیره أولی (4) ، لثبوت الضمّ فی مثله نقلا ، قال أبو زید : شاعرته أشعره وفاخرته أفخره بالضمّ فیهما علی الأصل (5).

مطاوع لشیء نحو : ترهوک وهو ملحق بتدحرج یقال : ترهوک النّاس فی کذا إذا تحرّکوا فیه.

زید وعمرو ، وإن تعدّی إلی مفعولین نحو : نازعته (1) الحدیث تعدّی إلی واحد نحو : تنازع زید وعمرو الحدیث وتجاذبا الرّداء ، ویجیء تفاعل أیضا لیری الفاعل من نفسه حالا لیس هو فیها ولا یرید أن یکون هو فیها (2) وذلک نحو : تعامیت وتغافلت وتناسیت وتمارضت ، کقول الشّاعر : (3)

إذا تخازرت وما بی من خزر

ثمّ کسرت الطرف من غیر عور

والتخازر أن یضیّق جفنه ویکسره ، ویجیء بمعنی فعلت ولا یراد به الفعل من اثنین نحو : توانیت فی الأمر وتلافیته وتدارکته ، ویجیء بمعنی تفعّلت نحو : تعاهدت إذا فعلت الشیء مرّه بعد أخری ، ویجیء مطاوع فاعلت نحو : باعدته / فتباعد ، ویجیء متعدیا بمعنی أفعله کقوله تعالی (تُساقِطْ عَلَیْکِ رُطَباً)(4) أی تسقط علیک النخله رطبا.

1 - أن تکون لتعدیه الفعل فی الأکثر نحو : أجلسته.

2 - أن تکون لتعریض الشیء للشیء وأن یجعل بسبب منه نحو : أقتلته أی عرّضته للقتل ، وأبعت الغلام وغیره عرّضته للبیع ، ومنه قوله تعالی : (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ)(1) أی جعل له قبرا.

3 - أفعل الشیء إذا صار ذا کذا أی ذا أمر من الأمور التی دلّ علیها الفعل نحو :

أغدّ البعیر إذا صار ذا غدّه ، والغدّه فی الإبل کالطاعون فی الإنسان. وأقشع السحاب إذا صار ذا انکشاف.

4 - أفعل إذا حان وبلغ نحو : أحصد الزرع إذا بلغ الحصاد.

5 - أن تکون أفعلته بمعنی وجدته (2) کذلک تقول : أحمدت الرجل أی وجدته محمودا أو موصوفا بالحمد ، وتقول : أبخلته أی وجدته بخیلا.

6 - أن تکون بمعنی السلب والإزاله نحو : شکا فأشکاه أی زال شکواه ، وأعجمت الکتاب إذا نقطته لأنک تزیل عجمته ، لأنّه قبل النقط ذو عجمه لا تعرف الباء من التاء.

7 - أن تکون بمعنی الدخول فی الشیء مثل : أظلم إذا دخل فی الظلام ، وأصبح إذا دخل فی الصباح ، وأحرم إذا دخل فی الأشهر الحرم ، وأحرم إذا لم یأت ما یوجب علیه عقوبه ، لأنّه دخل فی حرمه لا تهتک ، وأحرم إذا دخل فی الصلاه والحج (3).

8 - أن یقال : ألبن الرجل وأتمر وألحم وأشحم إذا کثر عنده ذلک.

9 - أن تجیء لمعنی فی نفسه ولم یرد به شیء من هذه المعانی ، نحو : أشفق وألحّ.

10 - أن تجیء بمعنی فعل نحو : قاله البیع ، وأقاله ، وشغله وأشغله ، وأشغل

ص: 67

لغه ردیئه (1) وبکرت بکورا وأبکرت إبکارا بمعنی (2).

کما أنّ المفعول فاعل أیضا فی المعنی ، ولهذا جاز عند البصریین فی الضروره خاصه : خاصم زید عمرو برفعهما ، وحکی ابن الأنباری (1) أنّ بعض النحاه یجیز نصبهما کما یجیز رفعهما (2) ، ویجیء فاعل بمعنی فعل نحو : سافر (3) ، ویجیء بمعنی أفعلت نحو : عافاه الله أی أعفاه ، وطارقت النّعل أی أطرقها ، ویجیء بمعنی فعّل نحو : صاعر خدّه أی صعّر ، وضاعف أی ضعّف ، ویجیء بمعنی تفاعل نحو : سارع وتسارع وجاوز وتجاوز بمعنی (4).

وانغمّ (1) ویجیء افتعل أیضا بمعنی تفاعل نحو : اختصموا والتقوا واجتوروا کما تقول : تخاصموا وتلاقوا وتجاوروا وکذا اختصما (2) واصّطلحا ، مثل : تخاصما وتصالحا ، ویجیء بمعنی اتخاذ الشیء نحو : اذّبح إذا اتّخذ لنفسه ذبیحه ، والأصل اذتبح ، وکذلک اشتوی واختبز إذا اتخذهما (3) ویجیء بمعنی فعل نحو : قرأ واقترأ وخطف واختطف ، ویجیء لزیاده المعنی نحو : کسب واکتسب وعمل واعتمل ، فمعنی کسب أنه أصاب الشیء ، ومعنی اکتسب أنه أصابه بتصرّف وطلب وکذلک اعتمل ، ویجیء ولیس فیه شیء من ذلک نحو : اشتمل وارتجل (4).

أی أنقذه ، ویجیء بمعنی الحینونه والبلوغ نحو : استرقع / الثوب (1) واستحفر النهر ، ویجیء ولا یراد به شیء مما ذکر نحو : استرجع عند المصیبه (2).

حاشا وعدا وخلا.

أما من (1) فتکون للتبعیض وللبیان وللابتداء فالتی للتبعیض هی التی یحسن مکانها بعض نحو : أخذت من الدّراهم ، والتی للتبیین ، هی التی یحسن مکانها الذی نحو قوله تعالی : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)(2) أی الرجس الذی هو وثن (3) والتی للابتداء تعرف بأن یحسن فی مقابلتها إلی ، إمّا لفظا أو تقدیرا نحو : سرت من البصره إلی الکوفه ، وزید أفضل من عمرو ، فإنّ معناه أنّ ابتداء فضله کان متراقیا فی الزیاده من عمرو (4) وأما أعوذ بالله من الشیطان الرجیم ، فابتداء الاستعاذه کان من الشیطان مع قطع النّظر عن الانتهاء ، لأنّه لا یتعلّق به غرض ، وکذلک أخاف من عقاب الله فإنّ ابتداء الخوف من العقاب لا یقبل الانتهاء ، والبصریون یخصّصونها بأنّها للابتداء فی غیر الزّمان (5) ، والکوفیون یعمّمونها فی الزمان وغیره ، ویستدلّون بقوله تعالی : (مِنْ أَوَّلِ یَوْمٍ أَحَقُ)(6) فقد دخلت علی الزمان وتأولها البصریون بمعنی من تأسیس أول یوم (7) وتقع من زائده وتعرف بأنّک لو حذفتها لکان المعنی الأصلی علی حاله ولا یفوت بحذفها سوی التأکید ، کقولک : ما جاءنی من أحد (8) وهی مختصّه عند البصریین بغیر الموجب ، وجوّز الکوفیون والأخفش زیادتها فی الموجب أیضا (9) واستشهدوا / بقولهم «قد کان من مطر» وتأویله قد کان شیء من مطر ، فیکون

ص: 74

للتبعیض واستدلّوا أیضا بقوله تعالی : (یَغْفِرْ لَکُمْ مِنْ ذُنُوبِکُمْ)(1) وقد قال : (یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً)(2) والجواب : أنّ من هاهنا أیضا للتبعیض ، أی یغفر لکم بعض ذنوبکم وهو خطاب لقوم نوح (3).

وأمّا إلی وحتّی (4) فلانتهاء الغایه ، إلّا أنّ حتّی تفید معنی ، «مع» أی یدخل ما بعدها فیما قبلها (5) بخلاف إلی ، فإذا قلت : قدم الحاجّ حتّی المشاه فکأنک قلت : مع المشاه ، وأکلت السمکه حتی رأسها ونمت البارحه حتّی الصباح أی أکلت الرأس مع السمکه ونمت الصباح مع البارحه ، هذا هو المختار ، وقیل : الضابط فی دخول ما بعد حتّی فیما قبلها ، أن یکون ما بعدها داخلا فی مسمّی ما قبلها فیدخل الرأس فی الأکل لدخوله فی مسمّی السمکه ولا یدخل الصباح فی النوم ، لأنّه غیر داخل فی مسمّی البارحه وإلی لا یدخل ما بعدها فیما قبلها فی الأصحّ (6) وقیل : یدخل ، وقیل : إن کان من جنس ما قبله دخل وإلا لم یدخل (7) ، وعلی الأصحّ فإنّما دخلت المرافق والکعبان فی قوله تعالی : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَیْنِ)(8) ببیان ذلک من النبیّ صلی الله علیه وسلم بالفعل ، ولو لا ذلک لم یحکم بدخوله (9).

وتجیء إلی بمعنی مع قلیلا (10) کقوله تعالی : (وَلا تَأْکُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلی أَمْوالِکُمْ)(11) وأمّا قوله تعالی : (کَما قالَ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ لِلْحَوارِیِّینَ مَنْ أَنْصارِی إِلَی

ص: 75

اللهَ)(1) فهی للغایه أی من ینصرنی إلی أن یتمّ أمر الله (2) وحتّی لا تدخل إلّا علی اسم ظاهر (3) فلا یقال حتّاه کما یقال : إلیه ، خلافا للمبرّد (4).

وأمّا فی (5) فمعناها الظرفیّه کقولک : جلست فی المسجد وتکون کعلی قلیلا کقوله تعالی : (وَلَأُصَلِّبَنَّکُمْ فِی جُذُوعِ النَّخْلِ)(6) أی علی (7).

وأمّا الباء (8) فتکون للإلصاق کقولک : به داء أی التصق الدّاء به ، وکقولک : أقسمت بالله أی ألصقت قسمی بالله ، وللاستعانه کقولک : کتبت بالقلم ، وللمصاحبه کقولک : اشتریت الفرس بسرجه ولجامه ، وللتعدیه کخرجت به (9) ، ومنه قوله تعالی : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ)(10) أی أهبط القرآن جبریل ، وللمقابله نحو : بعت هذا بهذا ، وبمعنی فی کقولک : ظننت به خیرا ، وتکون زائده فی غیر الموجب فی خبر المبتدأ نفیا واستفهاما قیاسا نحو : ما زید بقائم ، وهل زید بقائم ، وفی الموجب سماعا نحو : ألقی بیده ، وبحسبک زید (11).

وأمّا الّلام (12) فتستعمل لمعان :

1 - للاختصاص نحو : الجلّ (13) للفرس ، والمال لزید.

2 - للتعلیل نحو : ضربته للتأدیب.

ص: 76

3 - للزیاده کقوله تعالی : (عَسی أَنْ یَکُونَ رَدِفَ لَکُمْ)(1) أی ردفکم (2).

4 - أن تکون بمعنی «عن» إذا استعملت مع القول کقوله تعالی : (قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا لَوْ کانَ خَیْراً ما سَبَقُونا إِلَیْهِ)(3) ولیس معنی الآیه أنّ الکافرین / خاطبوا المؤمنین لأنّه لو کان کذلک لوجب أن یقول : سبقتمونا إلیه ، فعلم أنّ معناه قال الذین کفروا عن الذین آمنوا (4).

5 - أن تکون بمعنی واو القسم فی التعجّب فی اسم الله تعالی کقول الشّاعر : (5)

لله یبقی علی الأیّام ذو حید

بمشمخرّ به الظّیّان والآس

وأمّا ربّ فللتقلیل (6) کما أنّ کم للتکثیر ، ولربّ أحکام :

أحدها : أنّ لها صدر الکلام لکونها لإنشاء التقلیل.

والثانی : اختصاصها بنکره موصوفه بمفرد أو جمله نحو : ربّ رجل کریم اجتمعت به ، وربّ رجل أبوه عالم ، وربّ رجل مررت به ، واختصّت بالنکره لعدم الاحتیاج إلی المعرفه ، ووجب أن تکون النکره موصوفه علی الأصحّ (7) لیتحقّق

ص: 77

التقلیل الذی هو مدلول ربّ ، لأنّه إذا وصف الشیء صار أخصّ مما لم یوصف (1).

والثالث : أن یکون فعلها أی جوابها وعاملها فعلا ماضیا محذوفا غالبا ؛ لأنّ وضعها لتقلیل تحقّق ، ولأنّ الصفه قد أغنت عنه وسدّت مسدّه ، وإنّما قیّد الحذف بالغالب (2) ، لأنّه قد یظهر نحو : ربّ رجل کریم اجتمعت به ، فکریم صفه لمجرور ربّ ، واجتمعت به هو فعلها الماضی ، وهو جوابها ، وعاملها الذی یتعلّق به ربّ ، ولا یتعلّق إلّا بما بعدها لما ذکرنا من أنّ لها صدر الکلام فلا یکون العامل إلّا بعدها ، وجوّز بعضهم (3) کون فعلها مضارعا نحو : ربّ رجل وجیه یقول ذلک ، وقد تدخل ربّ علی مضمر یمیّز ذلک المضمر بنکره منصوبه نحو : ربّه رجلا ، وهذا الضمیر مبهم کالضمیر المستتر فی : نعم رجلا زید ، وهذا الضمیر مفرد مذکّر عند البصریین نحو : ربّه رجلا ، وربّه رجلین ، وربّه رجالا ، وربّه امرأه وربّه امرأتین ، وربّه نساء ، لکونه راجعا إلی مقدّر ذهنی لا لشیء مقدّم ذکره لتجب مطابقته ، خلافا للکوفیین فإنهم قالوا : بمطابقه هذا الضمیر للتمییز فی الإفراد والتثنیه والجمع والتذکیر والتأنیث ، فیقولون : ربّهما وربّهم وربّها وربّهنّ (4).

وتلحق ربّ ما الکافه فتدخل علی الجمله سواء کانت فعلیه أو اسمیه إذا قصدوا تقلیل النسبه المفهومه من الجمل نحو : ربّما قام زید ، وربّما زید قائم ، ولا یقال : ربّما یقوم زید ، لأنّ ربّ للزمان الماضی (5) ، وأمّا قوله تعالی : (رُبَما یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کانُوا مُسْلِمِینَ)(6) فهو بمنزله المضیّ لصدق الوعد به (7).

وأما واو ربّ فهی الواو التی یبتدأ بها فی أول الکلام بمعنی ربّ ولهذا تدخل

ص: 78

علی النکره الموصوفه وتحتاج إلی جواب مذکور أو محذوف ماض ، کما قیل فی ربّ وهذا مذهب الکوفیین والمبرّد (1) فإنّ الجرّ عندهم بالواو لا بربّ ، والمذهب الآخر مذهب سیبویه (2) وغالب البصریین أنّ واو ربّ إنّما تجرّ بربّ مضمره بعدها لأنّ ربّ تضمر بعد ثلاثه أحرف / الواو والفاء وبل ، أمّا الواو فکقوله : (3)

وبلده لیس بها أنیس

إلّا الیعافیر وإلّا العیس

فجرّ بلده بربّ مضمره قالوا : (4) لأنّ الواو حرف عطف فی الأصل ، وهو لا یعمل ، وأمّا الفاء فکقوله : (5)

فإن أهلک فذی حنق لظاه

علیّ یکاد یلتهب التهابا

أی فربّ ذی حنق ، ومثله قوله : (6)

فحور قد لهوت بهنّ عین

أی فربّ حور ، وأمّا بل فکقوله : (7)

بل بلد ملء الفجاج قتمه

ص: 79

وأمّا واو القسم وتاؤه (1) فیتوقّفان علی معرفه القسم ، وهو مصدر أقسمت ، والقسم فی العرف الیمین ، والأفعال الموضوعه للقسم : أقسمت وحلفت وآلیت وقد أجری مجراها : علم الله ، ویعلم الله ، وهو خبر فی اللفظ ، إنشاء فی المعنی ، بمنزله قولک : بعت واشتریت وطلّقت ونحوها ، ولا یتمّ القسم إلّا بجملتین أولی وثانیه ، الأولی نحو : حلفت بالله ، والثانیه نحو : لقد قام زید ، أو لتقومنّ ، ولکلّ واحده منهما أحکام تخصّها :

منها أنّ الأولی لا تکون إلّا إنشائیّه بخلاف الثانیه فإنّها تکون خبریّه وطلبیّه ، والأولی لا تکون إلّا مؤکّده للثانیه ، والثانیه مؤکّده بالأولی ، والأولی هی القسم بالحقیقه لأنّها تشتمل علی الاسم الذی یلصق به القسم لیعظم به ویفخّم وهو المقسم به کاسم الله فی حلفت بالله ، والثانیه هی المقسم علیها ، وإذا کانت الثانیه خبریّه فهو القسم لغیر الاستعطاف نحو : حلفت بالله لقد قام زید ، وإذا کانت طلبیّه فهو القسم للاستعطاف نحو : حلفت بالله لتقومنّ ، ولکثره القسم فی کلامهم أکثروا التصرّف فیه علی وجوه من التخفیف :

منها أنّهم حذفوا الفعل وحرف القسم کما سنذکر ، وحذفوا الخبر من الجمله الأولی وهو قسمی فی قولک : لعمری ولعمر أبیک ، ولعمر الله ویمین الله وایمن الله وایم الله وأمانه الله وعمر بفتح العین وضمّها بمعنی ، ولکنّ المستعمل فی القسم المفتوح العین ، ومعنی لعمر الله ، الحلف ببقاء الله ودوامه ، وإذا قلت : لعمرک الله فکأنّک قلت : بتعمیرک الله أی بإقرارک له بالبقاء ، وأمّا ایمن الله فاسم مفرد عند البصریین موضوع للقسم مأخوذ من الیمین والبرکه کأنهم أقسموا بیمین الله ، وهمزته همزه وصل مفتوحه (2) وتدخل علیه لام الابتداء کما تدخل فی قولک : لعمرک وذهب الکوفیون : إلی (3) أن أیمن جمع یمین وهمزته همزه قطع وإنما سقطت فی الوصل

ص: 80

لکثره الاستعمال ، وتحذف نونه فیبقی : ایم الله ، ویجوز فی : ایم الله بحذف النون ، فتح الهمزه وکسرها ، وأمانه الله کذلک (1) مرفوعه بالابتداء والخبر محذوف ، ومن ذلک : علیّ عهد الله ، فعهد الله مرفوع بالابتداء وعلیّ الخبر (2) ولمّا کانت أفعال القسم غیر متعدیه بنفسها ، عدّیت بالحروف التی هی واو القسم وتاؤه والباء.

أمّا الواو : (3) فلا تکون إلّا عند حذف الجمله الأولی المقسم بها فلا یقال : حلفت والله ، لأنّ الواو عوض عن الباء والفعل / لأنّ الواو للجمع والباء للإلصاق وما ألصق بالشیء فقد جامعه ، ولا تستعمل أیضا فی قسم الاستعطاف ، فلا یقال : والله أخبرنی کما یقال : بالله أخبرنی ، ولا تدخل علی المضمر فلا یقال : وک لأفعلنّ کما یقال : بک لأفعلنّ وبه لأقومنّ ، وإنّما اختصّت الواو بالظاهر ، لأنّها بدل عن الباء ، والمضمر بدل عن المظهر ، فلم یجوّزوا دخولها علی المضمر ، لئلا یجمعوا بین البدلین (4).

وقد یحذف حرف القسم وحذفه علی ضربین : بعوض وبغیر عوض ، أمّا حذفه بعوض فنحو : ها الله لأفعلنّ أی والله لأفعلنّ ، وها الله لا أفعلنّ أی والله لا أفعلنّ ، فهنا قد عوّض من حرف القسم حرف التنبیه ، وکذلک یعوّض منه ألف الاستفهام نحو : آلله لأفعلنّ بالمدّ ، وجرّ اسم الله کما هو مع حرف التنبیه (5) ، وأمّا حذفه بغیر عوض فنحو : الله لأفعلنّ بنصب اسم الله تعالی بفعل القسم المقدّر قال امرؤ القیس : (6)

فقالت یمین الله مالک حیله

ص: 81

بنصب یمین ، ویجوز عند سیبویه (1) الله لأفعلنّ ، بالجرّ علی إراده الحرف المحذوف ، وردّه المبرّد بأنّ حرف الجرّ لا یعمل مضمرا (2) ، وإنّما یجوز الجرّ فی اسم الله تعالی خاصّه لکثره القسم به ، والنصب فیه وفی غیره.

وأمّا التاء : فمثل الواو فی وجوب حذف الفعل معها ، وهی مختصّه ببعض الظاهر وهو اسم الله تعالی : (3)(تَاللهِ لَأَکِیدَنَّ أَصْنامَکُمْ)(4) والتاء بدل من الواو کما أبدلت فی تجاه وتراث فهی فرع الواو التی هی فرع الباء فلذلک ضاق مجالها ، واختصّت باسمه تعالی (5).

وأمّا الباء : فهی أعمّ من الواو والتاء لأنّها تستعمل مع الفعل ، وحذفه ، ومع السؤال وغیره ومع الظّاهر والمضمر ومع اسم الله وغیره (6) فمثالها مع الظّاهر ومع الفعل : حلفت بالله ، ومثالها مع حذفه : بالله قم ، ومثالها مع المضمر : حلفت بک وبه ، وأمثله الباقی ظاهره ، وإنّما اختصّت الباء بهذه الأمور ، لأنّها حرف جرّ وحروف الجرّ تضیف معنی الفعل وشبهه إلی ما بعدها ، فلذلک أضافت معنی أقسمت إلی المقسم به ، وظهر الفعل معها ودخلت علی المضمر.

تعالی : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ)(1) فتلقّی القسم بهما ، وو الله ما زید قائما ، وو الله لا رجل أفضل منک ، وإن کان المقسم علیه جمله فعلیّه وفعلها ماض مثبت جاز تلقّیه باللّام وقد معا نحو : والله لقد قام زید ، وأجاز بعضهم تلقیه بقد وحدها (2) کقوله تعالی : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَکَّاها)(3) جواب : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها)(4) وما بعده ، قال التبریزی (5) والتقدیر لقد (6) ، وجاز تلقّیه باللّام وحدها کقول امریء القیس (7) :

حلفت لها بالله حلفه فاجر

لناموا فما إن من حدیث ولا صال

فتلقّاه / بقوله لناموا ، وإن کان فعل الجمله المقسم علیها مضارعا مثبتا فیتلقّی باللّام ونون التأکید ، کقوله تعالی : (وَلَئِنْ لَمْ یَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَیُسْجَنَنَّ وَلَیَکُوناً مِنَ الصَّاغِرِینَ)(8) وقد تحذف نون التأکید فی ضروره الشّعر کقوله : (9)

لئن تک قد ضاقت علیّ بیوتکم

لیعلم ربّی أنّ بیتی أوسع

أی لیعلمنّ ربّی ، وإن کان الفعل منفیا فیلزم الماضی «ما» ، نحو : والله ما قام زید ، وقد یکون ماضیا لفظا ومستقبلا معنی فتدخل علیه ، «لا» نحو : والله لا قمت ،

ص: 83

وکقول الشّاعر : (1)

حسب المحبّیین فی الدّنیا عذابهم

والله لا عذّبتهم بعدها سقر

أی لا تعذّبهم ، ویلزم المضارع أعنی المنفی ما أو لا مع نون التأکید وبدونها نحو : والله لا أفعلنّه أبدا ، وو الله ما أفعل ، ویجوز حذف حرف النفی من المضارع المنفی المذکور لدلاله الحال علیه کقول الشاعر : (2)

تنفکّ تسمع ما حییت بهالک حتّی تکونه

أی لا تنفکّ ، وکقوله تعالی : (قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْکُرُ یُوسُفَ)(3) أی لا تزال ، وکقول امریء القیس : (4)

فقلت یمین الله أبرح قاعدا

ولو قطعوا رأسی لدیک وأوصالی

أی لا أبرح ، وکقول الآخر : (5)

لله یبقی علی الأیّام ذو حید

أی لا یبقی.

وأمّا قسم السؤال والاستعطاف ، فلا یحتاج جوابه إلی ما ذکر من إنّ أو اللام أو حرف النفی ، لقیام الطلب أو ما فی معناه مقام ذلک کقولک : بالله أخبرنی هل قام زید ، وکقولک فی النهی : بالله لا تقم ونحو ذلک.

ص: 84

أی من فوقه یصف قطاه غدت من فوق فرخها طالبه للورد.

وأما الکاف (1) : فللتشبیه نحو : زید کالأسد ، وزائده (2) کقوله تعالی : (لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ)(3) ویدخل علیها حرف الجرّ فتکون اسما بمعنی مثل (4) کقوله : (5)

یضحکن عن کالبرد المنهمّ

وأمّا منذ ومذ : (6) فیکونان اسمین وقد تقدّما فی الظروف ، ویکونان حرفی جر ، ویفرّق بینهما ، أمّا من جهه اللفظ ، فإنّهما إذا کانا اسمین رفع ما بعدهما وإن کانا حرفین جرّ ما بعدهما وأمّا من جهه المعنی ، فإنّهما إذا کانا حرفین / تعلّقا بما قبلهما وکان الکلام بهما جمله واحده ، وإذا کانا اسمین ورفع ما بعدهما کقولک : ما رأیته مذ یومان ، کان الکلام جملتین الجمله الأولی فعلیّه والثانیه اسمیّه یصحّ أن یصدق فی إحداهما ویکذب فی الأخری (7) فیصدق فی قوله : ما رأیته ویکذب فی قوله : مذ یومان ، وهذا المعنی مستحیل فیهما إذا کانا حرفین ، وفرق آخر : أنّهما إذا کانا حرفین فالمعنی کائن فیما دخلا علیه لا فیهما ، فإذا قلت : زید عندنا مذ شهر ، وخفضت کان الشّهر هو الذی حصل فیه الاستقرار هناک وکانت مذ حینئذ بمعنی فی ، وإن رفعت الشهر تعیّنت مذ للاسمیّه وکان المعنی أنّ الوقت الذی حصل فیه الاستقرار شهر ، وذهب قوم من النحاه إلی أنهما لا یکونان إلّا اسمین فإذا رفعت ما بعدهما کان التقدیر

ص: 86

ما تقدّم ، وإذا خفضت کانا فی تقدیر اثنین مضافین وإن کانا مبنیین (1) کقوله تعالی : (مِنْ لَدُنْ حَکِیمٍ عَلِیمٍ)(2) وهما لابتداء الغایه فی الزمان الماضی ، کما أنّ من الابتداء الغایه فی المکان نحو : ما رأیته مذ یوم الجمعه ، ویدخلان علی الزمن الحاضر فیکونان بمعنی فی نحو : ما رأیته مذ یومنا أو مذ شهرنا ، أی فی یومنا أو شهرنا (3) ، والبصریون یخصّون من بغیر الزمان فلا یجیزون : ما رأیته من یوم الجمعه ، والکوفیون یجیزونه (4).

وأمّا حاشا وعدا وخلا (5) : ففیها معنی الاستثناء ، وإذا جررت بها تکون حروفا (6) ، وإذا نصبت بها تکون أفعالا قد أضمر فاعلوها ، فإن دخلت «ما» علیها کقولک : قام القوم ما عدا عمرا ، تعیّنت للفعلیّه وتعیّن النصب ، واعلم أنّ «کی» عند الزمخشری (7) وغیره من البصریین حرف جرّ بمنزله اللام إذا قال : جئتک لأمر ، فتقول : کیمه کما تقول : لمه ، لأنّ کی دخلت علی ما الاستفهامیّه وهی اسم فلا بدّ من أن تکون کی حرفا من حروف الجرّ لدخولها علی الاسم ، لأنّها لو کانت هی الناصبه للفعل لم تدخل علی الاسم ، لأنّ عوامل الأفعال لا تدخل علی الأسماء.

أستغفر الله ذنبا لست محصیه

...

أی من ذنب ، ودخلت الدار أی فی الدار ، وکقول الشّاعر : (1)

أمرتک الخیر فافعل ما أمرت به

فقد ترکتک ذا مال وذا نشب

أی أمرتک بالخیر ، وکقولک : کلت زیدا ، ووزنت زیدا ، أی کلت لزید الطعام ، ووزنت لزید الدراهم ، فحذفوا حرف الجرّ ، وحذفوا أیضا الطعام والدراهم ، لأنّ معناه : کلت الطعام ووزنت الدراهم لزید (2) وإذا حذفت حروف الجرّ وجب النصب لأنه مفعول ، فلا وجه إلا النصب ، ویحذف حرف الجرّ مع أنّ المفتوحه المشدده وأن المفتوحه المخففه کثیرا مستمرا والمراد بالمفتوحه / المخففه الناصبه للفعل لا المخففه من الثقیله ، ولا المفسره نحو : عجبت أنک قائم وجئت أنّک أکرمتنی أی من أنک ولأنّک (3) وکقوله تعالی : (یَأْمُرُکُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ ، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَی اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(4) أی وبأن تقولوا ، ومثل ذلک کثیر فی الکتاب العزیز وغیره ، وجمیع ذلک إمّا منصوب أو فی موضع النصب.

فإن قیل : إذا کان الفعل لا یتعدّی إلّا بحرف الجرّ فکیف تعدّی بعد حذفه فنصب المفعول؟ فالجواب : أنّ الفعل إذا تعدّی بحرف الجرّ وکثر استعماله وصار ذلک معلوما حذف اختصارا حین علم أنّ أصل الکلام کذلک کما حذفوا أشیاء کثیره من الکلام لحصول العلم بها تخفیفا ، کحذف المبتدأ والخبر ونحوهما ، وهذا هو المسمّی بالمنصوب بنزع الخافض وقد یزاد حرف الجرّ مع الفعل المتعدّی تأکیدا

ص: 88

للمعنی وتقویه لعمل العامل نحو : نصحت زیدا ونصحت له وشکرته وشکرت له (1) ، وقد یزاد حملا علی تداخل المعنیین کقوله : (2)

نضرب بالسیف ونرجو بالفرج

فعدّی نرجو بالباء لمّا کان الرجاء بمعنی الطّمع أی ونطمع بالفرج ، والقیاس أن لا یضمر حرف الجرّ ، لأنّه والمجرور کشیء واحد ، وقد جاء ذلک فی مواضع لا یقاس علیها منها : إضمار ربّ وإضمار باء القسم قلیلا فی قولک : الله لأفعلنّ بجرّ اسم الله تعالی ، وجرّ هذا عند المحققین لا یجوز إلّا مع همزه الاستفهام أو هاء التنبیه کقولک : الله لأفعلنّ وها الله لأفعلنّ ، لیکون عوضا عن حرف القسم (3) ، وأضمر حرف الجرّ شاذا ، فمنه إضماره فی قول رؤبه : (4) «خیر عافاک الله» بجرّ خیر ، إذ قیل له : کیف أصبحت ، وأجاز سیبویه فی قول زهیر : (5)

بدا لی أنّی لست مدرک ما مضی

ولا سابق شیئا إذا کان جائیا

خفض سابق علی إضمار الباء فی مدرک ، أی لست بمدرک ولا سابق (6).

ص: 89

کما فی قول النّابغه : (1)

قالت ألا لیتما هذا الحمام لنا

إلی حمامتنا ونصفه فقد

بالوجهین ، برفع الحمام ونصبه (2)

نحو : لو لا أنّک منطلق انطلقت لأنّ ما بعد لو لا مبتدأ خبره محذوف ، لأنّ المفرد بعد لو لا ملتزم فی الاستعمال ، وتفتح أیضا إذا وقعت بعد «لو» نحو : لو أنّک قائم لوقوعها موقع المفرد لکونه فاعلا لفعل محذوف أی لو وقع قیامک کان کذا ، وتفتح أیضا إذا وقعت بعد حرف الجرّ نحو : عجبت من أنّک منطلق أی من انطلاقک لأنّ المجرور لا یکون إلّا مفردا ، وتفتح أیضا إذا وقعت بعد حیث أیضا علی المختار ، وإن کانت الجمله بعدها ملتزمه اعتبارا بالأصل لأنّها ظرف ، والأصل إضافتها إلی المفرد فاعتبر الأصل فیها (1) واعلم أنه إذا تعذّر تأویل الجمله التی بعد أنّ بالمفرد قدّرت بالکون ، کقوله تعالی : (وَلَوْ أَنَّ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَهٍ أَقْلامٌ)(2) أی لو ثبت کون ما فی الأرض (3).

فأنا أکرمه ، کسرت لمکان الجمله ، وإن قدّرت فجزاؤه أنی أکرمه أی فجزاؤه الإکرام فتحت لوقوعها خبر المبتدأ وهو موضع المفرد الذی هو الإکرام (1).

ولا یستقیم قیاسه علی محلّ الإجماع أعنی : إنّ زیدا وعمرو قائم ، لأنّ الأول منصوب بإنّ ، والثانی مرفوع بالابتداء بخلاف : إن زیدا وعمرو قائمان لأنّه یلزم أن یکون قائمان معمولا لإنّ وللابتداء معا وهو باطل (1) ، لأنّه من حیث هو معمول للابتداء لا یکون معمولا لإنّ ، ومن حیث هو معمول لإنّ لا یکون معمولا للابتداء ، وإلّا لزم اجتماع عاملین مختلفین علی معمول واحد ، فیلزم أن یکون معمولا لإنّ ، غیر معمول لإنّ وهو فاسد ، والمبرّد (2) من البصریین جوّز العطف بالرفع علی اسم إنّ قبل مضیّ الخبر - لا لفظا ولا تقدیرا - بشرط أن یکون اسم إنّ مبنیّا نحو : إنّی وزید ذاهبان ، لأنّ اسم إن لمّا کان مبنیا لم تعمل فیه إنّ فلم تعمل فی الخبر أیضا فیکون الخبر معمولا للابتداء فقط. وقد ثبت بالنصّ عن العرب قولهم : إنک وزید ذاهبان (3) وأمّا : إنّ زیدا وعمرو ذاهبان ، فالمبرّد وغیره من البصریین متفقون علی امتناعه خلافا للکوفیین ، فإنهم یجوّزون : إنّ زیدا وعمرو ذاهبان برفع عمرو (4) ، وإذا عطفت علی اسم إنّ قبل مضیّ الخبر فالواجب عند البصریین النصب فی المعطوف ، وأمّا الخبر فالمختار تثنیته مع الواو حینئذ نحو : إنّ زیدا وعمروا قائمان ، وإفراده مع أو ومع لا ومع ثمّ ومع الفاء نحو : إنّ زیدا أو عمرا قائم ، وإنّ زیدا لا عمرا قائم ، وکذلک مثال ثمّ والفاء ، ولکنّ المشدده (5) مثل إنّ المکسوره فی جواز العطف والرفع علی محلّ اسمها بذلک الشرط ، والنصب علی اللفظ نحو : کان کذا لکنّ عمرا منطلق وبشر وبشرا ، وإنّما جاز ذلک فی إنّ المکسوره وفی لکنّ خاصه لکون کلّ منهما لا یغیّر معنی الجمله بخلاف الأربعه الباقیه التی هی أنّ المفتوحه وکأنّ ولیت ولعلّ ، فإنه لا یجوز العطف علی

ص: 95

محلّ اسمها کما جاز فی إن المکسوره ولکنّ المقدمتی الذکر ، لتغییر هذه الأربعه معنی الابتداء ، لأنّ هذه الأربعه تضمّنت معانی أفعال مخصوصه من جعلها فی تقدیر المفرد من تشبیه وتمن وترج (1).

فدخلت إن علی قتلت وهو لیس من الأفعال الداخله علی المبتدأ والخبر وهو شاذّ عند البصریین (1).

بِها)(1) فلما فی «إذا» من معنی الشرط المختصّ بالاستقبال ، صارت بمنزله السین وسوف ، ومثالها مع قد علمت (2) أن قد خرج زید ، ومثالها مع السین قوله تعالی : (عَلِمَ أَنْ سَیَکُونُ مِنْکُمْ مَرْضی)(3) وأمّا إذا دخلت علی الاسم فلا یلزمها شیء من هذه الحروف ، لأنّها حینئذ لا تشتبه بأن المصدریّه نحو بیت الکتاب : (4)

فی فتیه کسیوف الهند قد علموا

أن هالک کلّ من یحفی وینتعل

وشذّ إعمال أن المفتوحه فی غیر ضمیر الشأن المقدر کقول الشاعر : (5)

فلو أنک فی یوم الرّخاء سألتنی

فراقک لم أبخل وأنت صدیق

فأوقع بعدها صیغه المنصوب.

بِالْأَمْسِ)(1) ومنهم من یعملها کقوله : (2)

کأن وریدیه رشاءا خلب

بعضهم : (1) إذا خففت لکن کانت حرف عطف فلم یجز معها ذکر الواو لامتناع دخول حرف العطف علی مثله.

وأنشد (1) :

فقلت ادع أخری وارفع الصّوت مرّه

لعلّ أبی المغوار منک قریب

وهی لغه عقیلیّه وأجابوا : بأنّ ذلک شاذّ (2) وفیها لغات : لعلّ وعلّ ولعنّ وعنّ (3).

الدُّنْیا نَمُوتُ وَنَحْیا)(1) فالموت بعد الحیاه مع أنه قدّمه علیها.

والفاء للجمع مع الترتیب أی أن الثانی بعد الأول بغیر مهله ، والأخفش یجوز وقوع الفاء زائده (2) خلافا لسیبویه (3) وینشد (4) :

لا تجزعی إن منفسا أهلکته

فإذا هلکت فعند ذلک فاجزعی

فزیدت الفاء علی عند ، لأنّ التقدیر : فاجزعی عند ذلک ، وثمّ مثل الفاء إلّا أن بینهما مهله وتراخیا (5) وقد تجیء بمعنی الواو نحو : (ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ)(6) وقیل زائده (7).

وأما حتی (8) فللترتیب بمهله لکنّ الواجب فیها أن یکون المعطوف بها جزءا من المعطوف علیه ، إمّا جزؤه الأفضل أو جزؤه الأضعف (9) ، نحو : مات الناس حتی الأنبیاء ، وقدم الحاجّ حتی المشاه وثلاثه وهی : أو وإمّا وأم لإثبات الحکم إمّا للمعطوف أو للمعطوف علیه ، مبهما أی لا علی التعیین لکن أو وإما یقعان فی الخبر

ص: 103

والأمر والاستفهام فمثالهما فی الخبر / جاءنی زید أو عمرو ومنه قوله تعالی : (وَأَرْسَلْناهُ إِلی مِائَهِ أَلْفٍ أَوْ یَزِیدُونَ)(1). علی أحد التأویلین ، والتأویل الثانی : مذهب الکوفیین ، أنّها بمعنی الواو (2) ، وجاءنی إمّا زید وإمّا عمرو ، ومثالهما فی الأمر : اضرب رأسه أو ظهره ، واضرب إمّا رأسه وإمّا ظهره ، ومثالهما فی الاستفهام : ألقیت عبد الله أو أخاه! وألقیت إمّا عبد الله وإمّا أخاه ، والمشهور فی أو وإمّا ، أنهما فی الخبر للشک وفی الأمر للتخییر والإباحه فمثال الشکّ ما تقدّم من قولک جاءنی زید أو عمرو ، ومثال التخییر خذ هذا أو ذلک ، ومثال الإباحه : جالس الحسن (3) أو ابن سیرین (4) وقد تأتی أو فی الخبر لغیر الشک ، کقولهم : کنت بالبصره آکل السمک أو التمر أی هذا مرّه وهذا مرّه ، ولم یرد به الشک وقد تکون أو بمعنی الواو (5) کقول الشّاعر (6) :

فقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما

صدور رماح أشرعت أو سلاسل

ص: 104

فأوهنا بمعنی الواو بدلیل قوله : لا بدّ منهما (1) وتقع أو فی النهی کقوله تعالی (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ کَفُوراً)(2) أی لا تطع واحدا منهما ، فیکون معناها النهی عنهما معا (3) والفرق بین أو وإمّا أن کلامک مع «أو» من أوله مبنیّ علی صوره الیقین ثمّ یعترضه الشکّ نحو جاءنی زید أو عمرو وکلامک مع إمّا من أوله مبنیّ علی الشّکّ لأنّه لا بد من تقدّم إمّا قبل المعطوف علیه تقول : جاءنی إمّا زید وإمّا عمرو (4) وأمّا أم فتکون متصله ومنقطعه فالمتصله تختصّ بالاستفهام فلا تستعمل فی غیره ویلزم أن تستعمل مع همزه الاستفهام ، والأفصح أن یقع أحد الأمرین بعد الهمزه والآخر بعد أم نحو : أرجل فی الدار أم امرأه ، لیتضح للمسؤول من أول الأمر المسؤول عن تعیینه ، ولا یحسن أن یفصل بین الهمزه وبین المسؤول عن تعیینه نحو : أفی الدار رجل أم امرأه ، ومن أجل أنّ أم المتصله یلیها أحد المستویین ویلی المستوی الآخر الهمزه ضعف أو امتنع أن یقال : أرأیت زیدا أم عمرا لکون ما یلیهما مختلفا ؛ لأنّ ما یلی الهمزه فعل وما یلی أم اسم ، وذهب بعضهم إلی أنّ ذلک لیس یمتنع ولا ضعیف (5) وإنّ سیبویه نصّ علی جوازه وحسّنه (6) ومنه قول الشاعر (7).

لیت شعری نعمی أتهوین من یه

واک أم من رضیته بالشّباب

فأوقع بعد الهمزه فعلا وهو تهوین وبعد أم اسما وهو من ویجب أن یکون جواب قولک : أرجل فی الدار أم امرأه ، تعیین لأحدهما لا ، لا ، ولا ، نعم (8) لأنّ السائل عالم أنّ أحدهما فی الدار لکن لا علی التعیین بخلاف أو فی قولک : أرجل فی الدار أو امرأه فإنّ المتکلم متردد هل فی الدار أحد أم لا ، فجوابه نعم أو لا ، ولو

ص: 105

أجبت بالتعیین کان الجواب وزیاده ، لأنّ أو ، لا / تقتضی وجود أحدهما وأم تقتضیه.

والمنقطعه (1) معناها معنی بل وهمزه الاستفهام ، وتستعمل مع الهمزه ، وتستعمل فی الخبر والاستفهام ، أمّا الخبر فکقولک لشبح رأیته : إنّها لإبل قطعا ، فإذا حصل الشکّ فی أنه شاء قلت : أم شاء قاصدا إلی الإضراب عن الإخبار الأول واستئناف سؤال ، فکأنک قلت : بل أهی شاء (2) وأمّا الاستفهام فکقولک : أعندک زید أم بکر؟ وکأنک سألت أولا عن حصول زید ثم أضربت عنه إلی السؤال عن حصول بکر وجوابه لا أو نعم.

وثلاثه وهی لا وبل ولکن المخففه (3) ، لإثبات الحکم لأحد الأمرین معینا ، فلا : لنفی ما وجب للأول عن الثانی نحو : جاءنی زید لا عمرو ، فثبت الأول ونفی الثانی.

وبل : للإضراب عن الأول موجبا کان أو منفیا نحو : جاءنی زید بل بکر ، إذا وقع الإخبار عن زید ، غلطا ، ونحو : ما جاء زید بل عمرو فیحتمل إثبات المجیء لعمرو مع تحقّق نفیه عن زید ، ویحتمل أن یکون بیانا لمن نسب إلیه المجیء المنفی أولا کما فی الإثبات.

وأما لکن ، فإن وقع بعدها مفرد کانت للاستدراک ، ولزم تقدّم النفی علیها نحو : ما جاءنی زید لکن بکر (4) وأجاز الکوفیون العطف بها بعد الإیجاب فی المفردات وهو ضعیف (5) وإن وقع بعدها جمله فیجوز أن تقع بعد النفی والإیجاب کما قیل فی بل فی عطف المفردات فمالثها فی النفی : ما قام زید لکن عمرو قام ، ومثالها فی الإیجاب : قام عمرو لکن بکر لم یقم ، فهی أدّت لعطف جمله علی جمله لمغایره ما بعدها لما قبلها وقیل : التی تقع فی الجمل لیست بعاطفه بل حرف ابتداء (6) وقد

ص: 106

ظهر علی الأفصح أن لکن فی المفردات لا تکون إلّا بعد النفی وبل تقع بعد المنفی وبعد الموجب (1).

نعم مقرره لما قبلها نفیا کان أو إیجابا إلّا أن تحمل علی العرف کما قلنا.

وإی بکسر الهمزه ، حرف للتحقیق وهی للإثبات بعد الاستفهام ، ویلزمها القسم قال الله تعالی : (وَیَسْتَنْبِئُونَکَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِی وَرَبِّی إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ)(1) فیلزم أن یقع قبلها الاستفهام ، وبعدها القسم.

والثلاثه الباقیه وهی أجل وجیر وإنّ ، تصدیق للمخبر کقولک فی جواب من یقول : أقام زید : أجل أو جیر أو إنّ ، واستشهادهم فی إنّ علی أنّها بمعنی نعم بقول الشّاعر (2) :

ویقلن شیب قد علا

ک وقد کبرت فقلت : إنّه

ضعیف ؛ لاحتماله إنّ الأمر کذلک ، وإنّما یظهر ذلک فی قول ابن الزبیر (3) لمّا قال : - لمن قال له : لعن الله ناقه حملتنی إلیک - : إنّ وصاحبها (4).

فإنّه یفید التوکید ، فهو داخل فی قسم المؤکّد (1) فالباء ومن واللّام تقدّم ذکرها فی حروف الجرّ (2) وإن المکسوره الخفیفه تزاد بعد ما النافیه لتأکید النفی (3) ویبطل عمل ما حینئذ ، کقول الشّاعر : (4)

فما إن طبّنا جبن ولکن

منایانا ودوله آخرینا

وکقول النّابغه :/ (5)

ما إن أتیت بشیء أنت تکرهه

إذن فلا رفعت سوطی إلیّ یدی

وکقول امریء القیس : (6)

حلفت لها بالله حلفه فاجر

لناموا فما إن من حدیث ولا صال

وتزاد أیضا بعد ما المصدریّه قلیلا (7) نحو : انتظرنی ما إن جلس القاضی ، أی مده جلوسه ، وکذلک تزاد بعد لمّا قلیلا (8) نحو : لمّا إن قمت قمت.

وأن المفتوحه المخففه تزاد بین لو والقسم نحو : والله أن لو قمت قمت ، وبعد لمّا فی الکثیر (9) کقوله تعالی : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِیرُ أَلْقاهُ عَلی وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِیراً)(10) وقلّت زیادتها بعد الکاف

ص: 110

کقوله (1) :

...

کأن ظبیه تعطو إلی ناظر السّلم (2)

فیمن رواه بجرّ ظبیه کأنه قال ، کظبیه ، فجرّ ظبیه بالکاف ، وأن زائده ، و «ما» تزاد مع متی (3) وإذا وأین وأیّ ومع إن ، إذا وقعت شروطا نحو : متّی ما تکرمنی ، وإذا ما أکرمتنی أکرمتک ، وأینما تکن أکن ، ونحو قوله تعالی : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَیًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنی)(4) وأمّا زیاده ما بعد إن الشرطیه ، فکقوله تعالی : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِکَ)(5) وإذا زیدت ما بعد إن الشرطیه فیلزم (6) فعلها نون التأکید غالبا ، ویکون مضارعا کقوله تعالی : (فَإِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِی إِنِّی نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً)(7) ، وتکون لغیر التأکید کقول الأعشی (8) :

إمّا ترینا حفاه لا نعال لنا

إنّا کذلک ما نحفی وننتعل

ص: 111

وإذا قصدت بإذ وحیث المجازاه فلا بدّ معهما حینئذ من ما کقوله (1) :

إذ ما دخلت علی الرسول فقل له

...

فدخول الفاء فی الخبر دلیل المجازاه ، وحیثما تکن أکن (2) ، وتزاد ما أیضا بعد بعض حروف الجرّ کقوله تعالی : (فَبِما رَحْمَهٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(3) و (فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ)(4) و (مِنْ خَطایاهُمْ)(5) وقلّت زیادتها بین المضاف والمضاف إلیه نحو : غضبت من غیر ما جرم أی من غیر جرم (6) ، وأمّا قولهم : جئت لأمر ما ، فقد قیل : زائده وقیل : صفه کما تقدّم فی الموصولات (7) و «لا» تزاد مع الواو لتأکید نفی سابق کقوله تعالی : (غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَلَا الضَّالِّینَ)(8) وکذلک تزاد بعد أن المصدریه کقوله تعالی : (ما مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ)(9) وکقوله تعالی : (لِئَلَّا یَعْلَمَ أَهْلُ الْکِتابِ)(10) وتزاد «لا» قبل أقسم قلیلا کقوله تعالی : (لا أُقْسِمُ بِیَوْمِ الْقِیامَهِ)(11) أی أقسم بیوم القیامه ، وقال بعضهم : هی نافیه فی التقدیر وأقسم بعدها للإثبات (12)

ص: 112

وشذّت زیاده «لا» بین المضاف إلیه کقوله : (1)

فی بئر لا حور سری وما شعر

أی فی بئر حور ، والحور جمع حائر ، من حار إذا هلک أی فی بئر هلاک.

ومنه قوله تعالی : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوی)(1)(وَأَنْ تَصُومُوا خَیْرٌ لَکُمْ)(2) و (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمی)(3) مصدریّه عند البصریین فی موضع نصب علی المفعول من أجله أی ، لأن جاءه الأعمی ، وعند الکوفیین أنها بمعنی إذ ، أی إذ جاءه الأعمی (4) ، وألحق ابن الحاجب بهما حرفا ثالثا وهو أنّ المشدده المفتوحه (5) وهی بتأویل الاسمیّه بمصدر خبرها أو بما فی معناه أو بالکون نحو : أعجبنی أنّ زیدا قائم وأنّه أخوک وأنه فی البحر أی قیامه ، وأخوّته ؛ وکونه فیه.

تعدّون عقر النّیب أفضل مجدکم

بنی ضوطری لو لا الکمیّ المقنّعا

فنصب الکمیّ بفعل مقدّر أی هلّا تعدون الکمیّ ، والضوطری : الضخم لا غناء عنده ، ومعنی البیت : أنکم تفتخرون بعقر النّیب - وهو جمع ناب وهی المسنّه من الإبل (1) - ولیس لکم فی الشجاعه نصیب ، ومن ذلک قوله تعالی : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِی إِلی أَجَلٍ قَرِیبٍ فَأَصَّدَّقَ)(2) وقوله : (فَلَوْ لا إِنْ کُنْتُمْ غَیْرَ مَدِینِینَ تَرْجِعُونَها)(3) والتقدیر : فلو لا ترجعونها إن کنتم غیر مدینین ، ولحروف التحضیض صدر الکلام لکونها داله علی نوع من أنواع الکلام ، فوجب أن یکون لها صدر الکلام لما مرّ فی باب إنّ وغیرها.

أی وکأن قد زالت ، ویجوز الفصل بین قد وبین الفعل بالقسم ، کقولک : قد والله أحسنت ، ونحو : قد لعمری بتّ ساهرا ، وقد تأتی للتحقیق نحو : (قَدْ یَعْلَمُ اللهُ)(1).

کُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِیقٌ مِنْهُمْ)(1) وکقوله تعالی : (أَفَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَهٍ مِنْ رَبِّهِ)(2) وقوله تعالی : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ)(3) ولا تقع هل هذه المواقع إمّا لکون الهمزه أخصر وأکثر استعمالا ، وإمّا لکون هل فی الأصل بمعنی قد (4).

الشرط نحو : من ، فلا تحذف أفعالها لکونها فرع إن الشرطیّه فلا یتصرّف فیها کما تصرّف فی إن إلّا فی الضروره کقول الشّاعر : (1)

فمن نحن نؤمنه یبت وهو آمن

ومن لا نجره یمس منّا مفزّعا

وتقدیره : فمن نؤمنه نحن ، ومن أجل أنّ لو وأن یلزمان الفعل ، قیل : لو أنک انطلقت (2) بأن المفتوحه المشددّه لأنّها فی تأویل المفرد ، لکونها هی وما عملت فیه فاعلا للفعل المقدّر بعد لو ، والتقدیر : لو تحقّق أو ثبت انطلاقک انطلقت ، وإنّما کان الفعل المقدّر تحقّق أو ثبت ، لما فی أنّ من الدلاله علی التحقیق والثبوت ولأجل دلاله أنّ علی ذلک ، استغنی عن فعل مفسّر للفعل المقدّر المذکور ولکن التزم أن یکون خبر أنّ فی هذه الصوره فعلا إن أمکن (3) لیکون کالعوض عن لفظ الفعل المفسّر لتحصل لأنّ المفتوحه المشدده التقویه بصوره الفعل فلذلک جاز : لو أنک انطلقت لانطلقت ولم یجز : لو أنک منطلق انطلقت ، لفوات التقویه بصوره الفعل ، لأنّه أوقع منطلق مع إمکان انطلق (4) ، ومنه قوله تعالی : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّی تَخْرُجَ إِلَیْهِمْ لَکانَ خَیْراً لَهُمْ)(5)(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَهٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(6) ویلزم أن یکون الفعل الواقع فی خبر أنّ هذه ماضیا لیطابق معنی لو فی الماضی ، أمّا إذا تعذّر أن یکون خبر أنّ فعلا بأن یکون جامدا ، جاز أن یقع غیر فعل حینئذ نحو : لو أنک زید لأکرمتک ، لتعذّر الإتیان بالفعل ومنه قوله تعالی : (وَلَوْ أَنَّ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ

ص: 118

شَجَرَهٍ أَقْلامٌ)(1) إذ لا فعل بمعنی أقلام فیوقع خبرا ، وقد أوردوا قوله تعالی : (لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِی الْأَعْرابِ)(2) لأنّه أوقع بادون خبرا مع إمکان بدوا ، وأجیب عن ذلک : بأنّ لو هذه لیست لو الشرطیه وإنّما هی للتمنی بمعنی یودّون لو أنّهم بادون (3).

لأنّ حرف الشرط لمّا بطل عمله فی الجواب الذی هو لأکرمنّک لکونه جوابا للقسم ، طلب أن یکون فعل الشرط ماضیا حتّی لا یظهر لحرف الشرط فیه عمل لئلا یکون العامل فی الجزاء القسم ، والعامل فی الشرط حرف الشرط فیختلف العامل فی الشرط والجزاء وهو غیر جائز ، فلذلک التزم أن یکون فعل الشرط ماضیا ، لأنّ الماضی لا یظهر فیه عمل لحرف الشرط ولا لغیره.

وإن توسّط القسم وتقدّم علیه إمّا شرط أو غیر شرط ، والشرط مؤخّر عن القسم ، جاز اعتبار القسم وإلغاؤه لإمکان ذلک ، فمثال تقدّم الشرط والقسم معترض قولک : إن تکرمنی فوالله لأکرمنّک ، فیجوز اعتبار القسم لإمکان الوفاء بجواب الشرط وجواب القسم ، لأنّ الشرط إنّما یجاب فی مثل ذلک بالفاء ولا یمتنع دخولها علی القسم ، فأمکن جواب الأمرین علی ما تقتضیه أبوابهما (1) ، ویجوز إلغاء القسم بأن یجعل معترضا فیتعیّن الجواب للشرط کقولک : إن تکرمنی والله أکرمک ، ومثال تقدّم غیر الشرط علی القسم والشرط مؤخّر عن القسم قولک : أنا والله إن تکرمنی أکرمک ، فیجوز أن تعتبر القسم وتقول : أنا والله إن أکرمتنی لأکرمنّک فتجعل الشرط معترضا ، فیتعیّن الجواب للقسم ، ویکون القسم وجوابه والشرط خبر المبتدأ ، ویجوز أن تجعل القسم معترضا وتقول : أنا والله إن تکرمنی أکرمک ، فیتعیّن الجواب للشرط ویکون الشرط وجوابه والقسم خبرا للمبتدأ ، وإذا کان القسم مقدّرا قبل الشرط ولم یکن ملفوظا به فهو کالملفوظ به فی کون الجواب للقسم لفظا کقوله تعالی : (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّکُمْ)(2)(وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّکُمْ لَمُشْرِکُونَ)(3) فإنّ تقدیره : والله إن قوتلتم ، وإن أطعتموهم ، فإنه لو لا تقدیر القسم قبل الشرط لوجب دخول الفاء علی : إنکم لمشرکون (4).

ص: 120

وأمّا أمّا الشرطیه (1) فحرف شرط ولذلک لزمتها الفاء ، وتستعمل لتفصیل أمور فی نفس المتکلّم ، إلّا أنهم لم یلتزموا ذکر المتعدد بل قد یذکر الجمیع نحو قوله تعالی : (فَأَمَّا الْیَتِیمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَهِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ)(2) وقد یذکر واحد ویترک غیره نحو قوله تعالی : (فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَهِ)(3) ولم یذکر بعدها أمّا أخری ، لکونه معلوما من الأوّل (4) ومن ذلک قول القائل : أمّا أنا فقد فعلت کذا ، ویسکت ، وکان الواجب فی «أما» أن یلیها الفعل لکونها حرف شرط لکن التزموا حذف الفعل معها وجعلوا الواقع بعدها عوضا من الفعل المحذوف نحو : أمّا زید فمنطلق ، فزید قد وقع قبل الفاء وبعد أمّا ، لیکون عوضا من الفعل المحذوف ، لأنّ الاسم الواقع ، بعد أمّا هو المقصود دون الفعل وأصله أن یکون / بعد الفاء ، لأنّ معناه ، مهما یکن من شیء فزید منطلق ، فوقعت أمّا موقع مهما ، وزید موضع الفعل المحذوف ، أعنی «یکن» فصار أما زید فمنطلق ، وحینئذ ، إمّا أن یکون الاسم الذی بعد أمّا مرفوعا أو منصوبا ، فإن کان مرفوعا فهو مبتدأ خبره ما بعد الفاء نحو : أمّا زید فمنطلق ، وإن کان منصوبا نحو : أمّا زیدا فأنا مکرم ، (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(5) فالأصحّ أنّ العامل فیه ما بعد الفاء لاقتضاء ما بعد الفاء إیاه ، ولأنّه قدّم علی عامله لیکون عوضا عن الفعل المحذوف ، لأنّ التقدیر : إن أردت بیان من تعلّق به إکرامی فأنا مکرم زیدا ، وإن أردت بیان من تعلّق به النهی عن القهر منی ، والنهی عن النهر منی ؛ فلا تقهر الیتیم ولا تنهر السائل (6) ، وکذا إذا کان المنصوب الذی بعد أما ظرفا نحو : أمّا یوم الجمعه فزید منطلق ، فیوم الجمعه معمول لمنطلق ، لأنّ التقدیر إن أردت بیان زمان وقع فیه انطلاق زید فزید منطلق یوم

ص: 121

الجمعه ، وقد ظهر - ممّا قلنا - أنّ أصل المنصوب أن یکون بعد الفاء وقدّم علی عامله لیکون عوضا عن الفعل المحذوف (1).

وبعضهم منع أن یعمل ما بعد الفاء فیما قبلها کما هو مذهب البصریین (2) وذهبوا إلی أنّ العامل فی الاسم الذی بعد أمّا إنّما هو الفعل المحذوف المقدّر بعد أمّا ، فإذا قلت : أمّا یوم الجمعه فزید منطلق ، کأنک قلت : مهما تذکر یوم الجمعه فزید منطلق ، ومهما تذکر الیتیم فلا تقهر ، ومهما تذکر السائل فلا تنهر.

وقال قوم : (3) إن جاز تقدیم الاسم المنصوب بعد أمّا علی جواب أمّا نحو : أمّا یوم الجمعه فزید منطلق ، فهو معمول بما فی حیّز الفاء ، لأنّ یوم الجمعه یجوز أن یکون ظرفا لمنطلق ومتقدّما علیه ، وإن لم یجز تقدیمه نحو : أمّا زیدا فإنی مکرم ، فالعامل فیه الفعل المحذوف المقدّر أعنی : مهما تذکر زیدا فإنی مکرمه ، لامتناع أن یعمل ما بعد إن فیما قبلها (4).

ثمّت وربّت ولات ، لیست تاء التأنیث المذکوره بل دخلت هذه التاء لتأنیث اللفظه للمبالغه فی معناها کما دخلت فی : علّامه ونسّابه للمبالغه لا لتدلّ علی أنّ الفاعل مؤنّث.

یومئذ أی یوم إذ کان کذا ، فلمّا حذف المضاف إلیه وهو : کان کذا ، عوض عنه التنوین ، وکذلک : مررت بکل قائما ، أی بکلّهم ، وهو جواب قول القائل : هل لک عهد بالقوم؟ فیقال : مررت بکلّ قائما.

والرابع : تنوین المقابله ، ولا یکون إلّا فی جمع المؤنّث ، فإنّه لمقابله نون جمع المذکّر السالم ولو حمل علی غیر ذلک لم یتّجه ، فإنک لو جعلت تنوین مسلمات للصرف تعذّر ، لوجوده فی عرفات مع المانع من الصّرف وکذلک لو جعلته للتمکین (1) أو للتنکیر لم یتّجه ، فتعیّن أن یکون للمقابله.

والخامس والسادس : تنوین الترنّم والتنوین الغالی ، ویلحقان أواخر الأبیات والأنصاف المصرّعه لتحسین الإنشاد ، وهو إن لحق القافیه المطلقه سمّی تنوین الترنم (2) وتنوین الإطلاق کقوله : (3)

یا أبتا علّک أو عساکن

ومنه : (4)

أقلّی اللّوم عاذل والعتابن

وقولی إن أصبت لقد أصابن

فناب التنوین مناب حرف الإطلاق فی (5) نحو : ألف العتابا ، ویقع فی الأسماء والأفعال ولا یختصّ بأحدهما ، وإن لحق القافیه المقیّده سمّی التنوین الغالی (6) نحو

ص: 125

قول رؤبه : (1)

وقاتم الأعماق خاوی المخترقن

وقد جمع بعضهم أقسام التنوین نظما وهو : (2)

عوّض بتنوین وقابل به

نکّر به الاسم ومکّنّه

وإن ترنّمت فعمّم به

ومثله الغالی فعینّه

ویحذف التنوین من العلم الموصوف بابن مضاف إلی علم آخر نحو : جاءنی زید بن عمرو ، لشدّه اتصال الموصوف بالصفه (3) ویعلم منه أنه لو کان صفه لغیر العلم نحو : جاءنی رجل ابن ظالم ، أو کان ابن مضافا إلی غیر العلم نحو : زید ابن أخی لم یحذف التنوین ، وکذلک لم یحذف التنوین إذا لم یکن صفه نحو : أن یکون أحدهما مبتدأ والآخر خبرا وشبه ذلک کقولک : زید ابن عمرو.

واعلم أنّه حیث یسقط التنوین من الموصوف بابن تسقط الألف من الخطّ أعنی همزه ابن ، وحیث یثبت التنوین فی اللفظ تثبت الهمزه فی الخطّ فتسقط من زید بن عمرو وتثبت فی زید ابن أخی وشبهه ، واعلم أنّ حکم ابنه کحکم ابن فی جمیع ما ذکرنا (4).

فی التأکید من الخفیفه (1) ولا یؤکّد بالمخفّفه والمشدّده إلّا الفعل المستقبل الذی فیه معنی الطّلب کالأمر والنهی والاستفهام والتمنی والعرض والقسم والتحضیض (2) ، وإنّما دخلت النون فی هذه المواضع ، لأنّها مواضع طلب فتدخل النون تأکیدا لذلک الطلب وحثّا علی إیقاعه ، ولذلک لم یؤکّد الماضی والحال ، لأنّ الماضی وقع ، والحال حاصل فلا طلب فیهما لحصولهما ، ولا یؤکد النفی إلّا قلیلا (3) نحو : زید ما یقومنّ ، لخلوّه عن معنی الطلب وإنّما جاز فیه ذلک علی قلّته تشبیها له بالنهی ، ومنه (4) :

یحسبه الجاهل ما لم یعلما

شیخا علی کرسیّه معمّما

وهذا مشبّه بالنهی ، لأنّ یعلم مجزوم مثل النهی ، وألف یعلما ألف نون التأکید ، کان یعلمن فوقف علیها بالألف ، وأمّا قول جذیمه الأبرش (5) :

ربّما أوفیت فی علم

ترفعن ثوبی شمالات

فهی علی التشبیه بالنفی ، لأنّ ربّ للتقلیل ، والتقلیل یقارب النفی ، وقال

ص: 127

یونس : (1) إنّهم یقولون : ربّما تقولنّ ذاک ، وهو مثل :

ربّما أوفیت فی علم

ترفعن ...

ولزمت نون التأکید فی جواب القسم المثبت نحو : والله لیخرجنّ زید ، لأنّ القسم وضع للتأکید ، ولمّا لزم ذلک فی القسم المثبت تعیّن للنفی فی قولک : والله یخرج زید ونحوه أی لا یخرج ، لأنّه قد علم أنه لو کان مثبتا لم یکن بدّ له من النون (2) ولا یحذف فی جواب القسم المنفی من حروف النفی إلّا «لا» خاصه فلو حذفت ما وقلت : والله زید منطلقا تعنی ما زید منطلقا لم یجز ، وکثر دخول نون التأکید مع فعل الشرط عند تأکید إن الشرطیه بما کقوله تعالی : (فَإِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً)(3) ویجوز ترکها کقول الشّاعر : (4)

فإمّا ترینی ولی لمّه

فإنّ الحوادث أودی بها

فزاد «ما» مع حرف الشرط ولم یؤکد فعله بالنون فقال : ترینی ، فإنه لو أکده انکسر وزن البیت.

ضمیر التثنیه مطلقا وضمیر جمع المؤنث فسنذکر حکمهما فی فصل مفرد لهما ، وحکم الضمیرین البارزین المذکورین أعنی ضمیر جمع المذکّر وضمیر المؤنث المخاطبه مع نونی التأکید الخفیفه والشدیده کالکلمه المنفصله کما سیظهر من الأمثله ویجب فی الضمیرین المذکورین أن یضمّ ما قبل نون التأکید مع ضمیر جمع المذکّر ، ویکسر مع ضمیر المخاطبه نحو : هل تضربنّ یا قوم بضمّ الباء ، وهل تضربنّ یا هند بکسر الباء وأصلهما تضربون وتضربین (1) فحذفت نون الإعراب / منهما لزوال الإعراب بدخول نون التأکید ثم حذفت الواو التی هی ضمیر الجمع والیاء التی هی ضمیر المخاطبه لالتقاء الساکنین أعنی الواو والیاء ، ونون التأکید کما تحذف کلّ من الواو والیاء المذکورتین إذا لقیهما ساکن من کلمه أخری منفصله نحو : یا رجال اضربوا القوم ، ویا هند اضربی القوم ، بحذف الواو والیاء لسکونهما وسکون لام التعریف.

وأمّا حکم الفعل المعتلّ اللّام مع الضمیرین البارزین المذکورین فالذی لامه واو أو یاء حکمه کما ذکر ، فتقول مع ضمیر جمع المذکّر : هل تغزنّ وهل ترمنّ یا قوم بضمّ ما قبل النون ، والأصل تغزون وترمون فحذفت نون الإعراب (2) ثمّ واو ضمیر الجمع لما تقدّم شرحه ، کما تحذفها لساکن فی کلمه أخری نحو : یا رجال اغزوا القوم وارموا القوم ، وتقول مع ضمیر المخاطبه : هل تغزنّ وهل ترمنّ بکسر ما قبل النون والأصل تغزین وترمین فحذفت نون الإعراب ثمّ یاء ضمیر المخاطبه لما ذکر ، کما تحذفها لساکن فی کلمه أخری نحو : یا هند اغزی القوم وارمی القوم.

وأمّا الذی لامه ألف فلا تحذف ولکن تحرّک بالضّمّه مع ضمیر جمع المذکّر ، وبالکسره مع ضمیر المخاطبه فتقول مع ضمیر جمع المذکّر : یا قوم اخشونّ الله کما تقول : یا قوم اخشوا الرجال ، قال الله تعالی : (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَیْنَ الْیَقِینِ)(3) فحرّک الواو بالضّمّ ، وتقول مع ضمیر المخاطبه : یا هند اخشینّ الله کما تقول : اخشی القوم ، قال الله تعالی : (فَإِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً)(4) فحرّک الیاء بالکسر ، لأنّ نون

ص: 129

الإعراب لمّا حذفت التقی ساکنان حرف العلّه ونون التأکید فضمّت الواو وکسرت الیاء کما یفعل بهما إذا اتصلا بساکن من کلمه أخری ، وإنّما حرّک ما أصله الألف ولم یحذف کما حذفت الواو والیاء فی : یا قوم اغزنّ ویا هند اغزنّ لوجود الضمّه والکسره فی اغزنّ واغزنّ الدالّتین علی الواو والیاء والمحذوفتین بخلاف ما أصله الألف ، لانفتاح ما قبله فلو حذف (1) لم یبق علی حذفه دلیل.

التوکید لئلا تجتمع ثلاث نونات (1) ویجب کسر نون التأکید المشدده مع المثنّی ، وجمع المؤنث السالم لوقوعها بعد الألف ، ولا تدخل نون التوکید الخفیفه المثنّی وجمع المؤنّث ، لأنّه یستلزم إما تحریک النون ، وإمّا حذفها لالتقاء الساکنین علی غیر حده وهما یتعذّران خلافا لیونس (2) فإنّه أجازه ، وجوّز التقاء الساکنین علی غیر حده (3) ، کما سیأتی بیانه فی باب التقاء الساکنین فی قسم المشترک إن شاء الله تعالی ، فلو أتیت بنون التأکید المخفّفه لم یکن الساکن الثانی مدغما ، فلم یکن علی حدّه فلم یجز.

ونون التأکید المخفّفه تحذف لأحد أمرین : وهما التقاء الساکنین والوقف.

أمّا حذفها لالتقاء الساکنین فنحو قول الشاعر : (4)

لا تهین الفقیر علّک أن تر

کع یوما والدّهر قد رفعه

أی لا تهینن ، والذی یدلّ علی أنّه کذلک أنه لو لاه لقیل : لا تهن ، لأنه یکون مجزوما وحینئذ کان ینکسر وزن البیت ، وربّما حذفت نون التأکید الخفیفه المذکوره فی الشعر وإن لم یکن بعدها ساکن علی توهم الساکن نحو قوله : (5)

اضرب عنک الهموم طارقها

ضربک بالسّیف قونس الفرس

ص: 131

أی اضربن فحذف نون التأکید الخفیفه ، وبقیت فتحه الباء دالّه علیها ، ولو لا ذاک لکانت الباء ساکنه لفعل الأمر.

وأمّا حذفها للوقف (1) فتحذف إذا لم یکن ما قبلها مفتوحا کما یحذف التنوین ، وإذا حذفت وجب ردّ ما کان قد حذف لأجلها ، فیرجع الفعل معربا علی حسبه ، فتقول فی هل تخرجنّ یا قوم : هل تخرجون بردّ الواو والنون ، وهذه النون نون الإعراب لأنّ نون التأکید حذفت للوقف ، وکذلک إذا وقفت علی هل تخرجنّ یا امرأه قلت : هل تخرجین کما قیل فی هل تخرجون (2) وأمّا نون التأکید التی یکون ما قبلها مفتوحا ، فتقلب ألفا عند الوقف تشبیها لها بالتنوین کقولک فی اضربن یا رجل : اضربا ، لتکون علامه التأکید باقیه بوجه مع کون الفتحه مناسبه للألف ومنه قوله تعالی : (کَلَّا لَئِنْ لَمْ یَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِیَهِ)(3) / وکذا قوله تعالی : (وَلَئِنْ لَمْ یَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَیُسْجَنَنَّ وَلَیَکُوناً)(4) فإذا وقفت وجب أن تقف بالألف فتقول : لنسعفا ولیکونا ، وإذا لقیت ساکنا بعدها حذفتها کقولک فی اضربن الرجل : اضرب الرجل وتبقی الفتحه التی کانت قبل نون التأکید لتدلّ علیها ، ولم یحرّکوها کما حرّکوا تنوین الأسماء فرقا بین ما یدخل الاسم وبین ما یدخل الفعل ، لیکون لما یدخل الأسماء علی ما یدخل الأفعال مزیه (5) وقد وضعنا جدولا لجمیع أمثله نون التأکید وهذه صورته :

ص: 132

الصوره

ص: 133

الإعراب ، وکذلک إیاهما وإیاهم وإیانا کلّها حروف منزله منزله حرفی الخطاب (1).

(کتابیه وحسابیه) (1) ونحو ذلک : أنه یجب أن یتعمّد الوقف علیه لئلّا یخالف الخطّ ثم قال : وأقول : إنّ هذه الهاء فی بعض المواضع قد وقع الإجماع علی إثباتها فی الوصل وفی بعض المواضع قد أثبتها أکثر القرّاء ، انتهی کلام السخاوی. وقد منع وصاحب المفصّل / من تحریکها فی الوصل وأنکر ذلک (2) والتحریک إنما یجیء فی التی تأتی لبیان الألف وقد جاء ذلک فی الشعر فی قوله : (3)

یا مرحباه بحمار عفراء

إذا أتی أدنیته لما شاء

من الحشیش والشعیر والماء

وقال : (4)

لا (5) مرحباه بحمار

ناجیه

إذا أتی أدنیته للسّانیه

والبصریون یحملون مثل هذا علی تشبیه هاء السکت بهاء الضمیر (6) وقیل : إنه لما جعل الهاء آخر المنادی ضمّها ، وأجاز الکوفیون : یا مرحباه ویا عجباه بالکسر لالتقاء الساکنین (7).

الأمر علی ما ذکر المخاطب والثانی : إنکار أن یکون علی خلاف ما ذکر کقولک : أزید نیه لمن قال : قدم زید ، منکرا لقدومه أو لخلاف قدومه.

الإنکار (1) ، قال السخاوی : والتنوین یتحرک أیضا فی موضع رابع : وهو أن تلقی علیه حرکه الهمزه نحو : زید أبوک.

فلمّا تفرّقنا کأنی ومالکا

لطول اجتماع لم نبت لیله معا

واللّام التی بمعنی بعد کقوله تعالی : (أَقِمِ الصَّلاهَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ)(1) أی بعد دلوکها وک «صوموا لرؤیته» (2) أی بعد رؤیته ، واللّام التی بمعنی من کسمعت لزید صیاحا أی منه ، واللّام التی بمعنی فی کقوله تعالی : (وَنَضَعُ الْمَوازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیامَهِ)(3) أی فیه ، واللّام التی للتعلیل (4) بمعنی من أجل کقولک : جئتک للسمن واللبن ، وکقوله تعالی : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَیْرِ لَشَدِیدٌ)(5) أی من أجل حبّ الخیر ، ولام التعدیه ، کنصحت له ، ولام التعجب کلله درّه أی لله ما یجیء منه بمنزله درّ الناقه ، وکقول الأعشی (6) :

شباب وشیب وافتقار وثروه

فلله هذا الدّهر کیف تردّدا

ولام التبیین وهی التی تکون بعد المصادر المنصوبه کبعدا له وسقیا له ورعیا له ، وویلا له ، فإنه لو لاها لم یعلم المدعو له من المدعوّ علیه ، فإن قلت : ویل لزید ، کانت لام الاستحاق ک (وَیْلٌ لِلْمُطَفِّفِینَ)(7) واللّام الداخله بین المضاف والمضاف إلیه لتوکید الإضافه مثل : یا ویح لزید ، ولام الاستغاثه ولام کی ، ولام الجحود وقد تقدمت ، واللّام التی بمعنی «أن» (8) وتشبه لام کی کقوله تعالی : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا اللهَ)(9) ولا تکون هذه اللام إلّا بعد «أمرت أو أردت» ، ولام العاقبه

ص: 139

ویسمّیها الکوفیون لام الصیروره (1) وهی تشبه لام کی أیضا کقول سابق البربری : (2)

أموالنا لذوی المیراث نجمعها

ودورنا لخراب الدّهر نبنیها

وکقول الآخر : (3)

هم سمّنوا کلبا لیأکل بعضهم

ولو أخذوا بالحزم ما سمّنوا الکلبا

کأنه فعل لیکون عاقبه الفعل هذا (4).

ثانیها : لام التعریف : (5) وإنما لم تعمل مع أنّها مختصّه بالأسماء ، لأنّها تصیر مع ما دخلت علیه کبعض أجزائه ، وهی ضروب منها : لام تعریف الجنس ، ولام العهد وتفترقان ، أنک ترید بالتی للجنس استغراق الجنس ، وبالتی للعهد شیئا واحدا معهودا لک ولمن تخاطبه وقد تقدّم ذکرهما (6) واللام التی تکون عوضا من یاءی النسب کالیهود والمجوس فدخول اللّام علیهما إنما هو عوض عن یاء النسبه (7) لأنّ الأصل یهودیّون ومجوسیّون ، واللام التی بمعنی الذی وقد تقدم ذکرها (8) واللّام الزائده کقول الشاعر (9) :

ص: 140

أما ودماء لا تزال کأنّها

علی قنّه العزّی وبالنّسر عند ما

فالألف واللام / فی قوله : وبالنّسر زائدتان لأن نسرا مثل زید وعمرو ، قال الله تعالی : (وَلا یَغُوثَ وَیَعُوقَ وَنَسْراً)(1) فاللام زائده لأنّ نسرا مثل زید ، وأما اللام فی مثل : الحارث والحسین والحسن ، فقال الخلیل : (2) دخلت لتجعل الاسم لشیء بعینه ، لأنّ الأصل أن یقال : رجل حارث والمعرّف عند الخلیل الألف واللّام (3) مثل قد وهل ، وقال : وأصل همزتها القطع وإنما وصلت لکثره الاستعمال ویدلّ علی ذلک ثبوتها مع حرف الاستفهام (4) وفی قولهم : یا ألله ، وقال سیبویه : اللّام وحدها حرف التعریف وإنما جیء بالهمزه لیتوصل بها إلی النطق بالساکن کما زیدت فی ابن (5) ، وقد مال أبو العلاء المعری (6) إلی قول الخلیل فی قوله (7) :

وخلّین مقرونین لمّا تعاونا

أزالا قصیّا فی المحلّ بعیدا

وینفیهما إن أحدث الدّهر دوله

کما جعلاه فی الدیار طریدا

وسمّی التنوین قصیا لأنه یکون فی آخر الاسم ، والألف واللّام فی أوله أی أنهما یطردان التنوین فإذا زال التعریف عاد التنوین ونفاهما.

ثالثها : لام جواب القسم : ک : والله لأفعلنّ ، والله لزید قائم ، وو الله لزید أفضل من عمرو وقد تقدّم ذکرها (8).

رابعها : اللام الموطئه للقسم : وهی ما تدخل علی الشرط بعد تقدّم القسم

ص: 141

علیه ، إیذانا من أول الأمر بأنّ الجواب له لا للشّرط کقولک : والله لئن أکرمتنی لأکرمنّک ، فاللّام فی لأکرمنک هی جواب القسم ، وفی لئن هی الموطئه ، وهی زائده ومؤکده ومشعره باستقبال الیمین ویجوز إسقاطها لأنها زائده (1).

خامسها : لام جواب لو ولو لا (2) : کقوله تعالی : (لَوْ کانَ فِیهِما آلِهَهٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(3) وکقوله (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّیْطانَ)(4) ودخولها لتأکید ارتباط إحدی الجملتین بالأخری ، ویجوز حذفها کقوله تعالی : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً)(5) ویجوز حذف الجواب أصلا کقولک : لو کان لی مال ، وتسکت ، أی : لأنفقت وفعلت (6).

سادسها : لام الأمر (7) نحو : لیفعل زید ، وهی مکسوره ویجوز تسکینها عند واو العطف وفائه کقوله تعالی : (فَلْیَسْتَجِیبُوا لِی وَلْیُؤْمِنُوا بِی)(8) وهی تدخل علی المأمور الغائب ، لأنک إذا خاطبت المأمور استغنیت عن اللّام بقولک : اذهب وقم ، وقد تدخل علی المخاطب کما قریء (9) فبذلک فلتفرحوا (10) وقد جاء حذفها فی ضروره الشعر نحو (11) :

ص: 142

محمّد تفد نفسک کلّ نفس

إذا ما خفت من أمر تبالا

أی لتفد نفسک ، وقد منع بعضهم (1) من ذلک ولم یجوزه فی ضروره الشعر أیضا.

سابعها : لام الابتداء : (2) وهی مفتوحه کقولک : (3) لزید منطلق ، وتدخل علی الاسم والفعل المضارع کقوله تعالی : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَهً)(4) ، (وَإِنَّ رَبَّکَ لَیَحْکُمُ بَیْنَهُمْ)(5) وتدخل علی المقسم به کقولک : لعمرک لأقومنّ ، والخبر محذوف أی لعمرک قسمی ، وهذه اللّام تعلّق الفعل عن العمل وتؤکد مضمون الجمله ولیست بلام القسم ، وإن شابهتها لأنّک إذا قلت : لزید قائم فإنما قصدت تحقیق خبرک من غیر یمین ، فأما إذا صحبتها إحدی النونین فهی لام القسم ، ذکر القسم قبلها أو لم یذکر کقولک : لأقومنّ ولتخرجنّ یا زید (6).

ثامنها : اللام الفارقه : (7) وتسمّی أیضا لام الفصل ، ویسمیها الکوفیون لام إلّا (8) کقوله تعالی : (وَإِنْ کُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِینَ)(9) ونحو : (إِنْ کُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَیْها حافِظٌ)(10) وإن هذه هی المخففه من الثقیله وسمیت الفارقه لأنها تفرق بین «إن» التی بمعنی «ما» نحو قوله تعالی : (إِنْ عِنْدَکُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا)(11) وبین «إن»

ص: 143

المخففه من الثقیله ، لأنک لو لم تأت باللّام الفارقه وقلت : إن زید ذاهب ، وأردت المخففه من الثقیله لم یکن بینها وبین قولک : إن زید ذاهب وأنت ترید : ما زید ذاهب فرق ، فإذا قلت : إن زید لذاهب تعینت أنها المخففه ولم یحتمل أن تکون التی بمعنی «ما».

دیناره من درهمه من صاع تمره» (1) ومنه سماع أبی زید من العرب : أکلت خبزا لحما تمرا (2) ومنه قول الشّاعر : (3)

کیف أصبحت کیف أمسیت

مما یغرس الودّ فی فؤاد الکریم

فإنّ واو العطف مقدره فی ذلک کله.

والواو التی بمعنی أو کقوله تعالی : (فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَثُلاثَ وَرُباعَ)(4) أی مثنی أو ثلاث أو رباع (5).

ومنها : واو الابتداء وهی المنقطعه عن العطف لأنّ ما بعدها مبدوء به مستقلّ بنفسه لا تعلّق له بما قبله نحو : (وَاللهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ)(6) ویقال لها أیضا واو الاستئناف (7).

ومنها : واو الحال کقولک : مررت بزید وعمرو جالس وقد تقدّم ذکرها فی الحال.

ومنها : الواو التی بمعنی ربّ ، وهی تجرّ بنفسها عند الأخفش (8) وقیل / تجرّ بإضمار ربّ بعدها.

ومنها واو القسم حسبما تقدّم ذکرها (9) ومنها الواو التی ینصب بعدها الفعل

ص: 145

المضارع بإضمار أن وقد تقدّم ذکرها (1) أیضا.

ومنها : واو الإضراب کقول بعضهم مخاطبا لعمر بن الخطاب رضی الله عنه : لا وأصلح الله الأمیر (2)(3).

واعلم أنّ من هذه الواوات ثنتین ینجرّ ما بعدهما وهما : واو ربّ وواو القسم ، وثنتین ینصب ما بعدهما وهما واو مع ، وواو الجمع الناصبه للفعل بإضمار أن ، وثنتین یرتفع ما بعدهما وهما : واو الحال وواو الابتداء.

جوابا بالفاء وکذلک (1) حکمها إذا وقعت بعد الأمر ، والنهی ، والنفی ، والاستفهام ، والتمنی ، والعرض ، إلّا أنّک تنصب ما بعد الفاء فی هذه الأشیاء السته بإضمار أن حسبما تقدم (2).

واعلم أنّ فاء الجواب إنما تأتی فی غیر الموجب أی فی غیر الخبر الثابت کالشرط والجزاء والأمور السته المذکوره ، ولا تأتی هذه الفاء فی الموجب أصلا فإنک لو أدخلتها فی الموجب وقلت : تأتینی فأعطیک لم یجز لفوات معنی : إن تأتنی (3) أعطک ، وإذا قلت : إن تأتنی فأعطیک کان المعنی : إن تأتنی أعطک فیصحّ ، فلما کانت هذه الأشیاء کلها غیر موجبه وجاء الجواب عنها بالفاء علی إضمار إن ، حصل معنی الشرط والجزاء ، وذلک أنّ هذه الأمور تناسب الشرط من قبل أنها غیر موجبه کما أنّ الشرط غیر موجب (4).

ولا مستغرق کقولک : لا رجل فی الدار ولا امرأه ولا زید فی الدار ولا عمرو ، فیجوز أن یکون فی الدار رجلان فصاعدا أو امرأتان فصاعدا وتکون نهیا (1) فی قولک : لا تقم ، ولا یقم زید بالجزم ولا یتصور النهی إلا فی المستقبل / والدعاء کالنهی نحو : لا قطع الله یده ولا رعاه ولا یغفر له بالجزم ، وقد تنفی الماضی نحو : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّی)(2).

ولم ولمّا لقلب معنی المضارع (3) إلی الماضی ، ونفیه فیصیر الفعل المستقبل منفیا فیما مضی إلّا أنّ بینهما فرقا ، وهو أنّ لم یفعل ، نفی فعل ، ولمّا یفعل ، نفی قد فعل (4) وأصل لمّا ، لم زیدت علیها ما ، فأفادت طول المعنی کما طالت الکلمه ، فلذلک دلّت علی نفی المتوقع ، فإذا قلت : ندم ولم ینفعه الندم ، أخبرت أن ندمه لم ینفعه لا غیر ، وإذا قلت : لمّا ینفعه الندم ، أخبرت أنه إلی الآن علی ذلک ، وتکون لمّا ظرفا منصوبا انتصاب الظروف (5) کقولک : لمّا قام قمت ، ولا بدّ فیها من فعلین ، أحدهما جواب الآخر ، فکأنک جعلت قیامک کالجزاء لقیامه لأنّک علّقت وقوعه بوقوعه ، والعامل فی لمّا هو الجواب ، وتکون بمعنی إلّا أیضا (6).

ولن لتأکید ما تعطیه لا ، من نفی المستقبل تقول : لا أبرح الیوم مکانی ، فإذا أکدت قلت : لن أبرح (7) والصحیح أنّها حرف برأسها لا أنّها من لا أن (8).

وإن المکسوره الخفیفه تکون نفیا وغیر نفی (9) ، فإذا کانت نفیا کانت بمنزله ما فی نفی الحال ، ودخلت حینئذ علی الجملتین الفعلیّه والاسمیّه کما دخلت ما علیهما

ص: 148

کقولک : إن قام زید ، وإن زید قائم ، کما تقول : ما زید قائم ، قال الله تعالی : (إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ)(1) أی ما یتبعون إلّا الظنّ ، وقال تعالی : (إِنِ الْحُکْمُ إِلَّا لِلَّهِ)(2) أی ما الحکم إلّا لله ، ولا یجوز إعمالها عمل لیس عند سیبویه (3) وأجازه المبرد (4).

إذا قلت له مرّه بعد مره : سوف أفعل (1).

و «أن» تدخل علی الماضی والمضارع فیکونان معها فی تأویل المصدر وإذا دخلت علی المضارع لا یکون إلّا مستقبلا کقولک : أرید أن تخرج ، ومما یدلّ علی أنها للاستقبال أنها لا بدّ منها فی خبر عسی (2) ، لأنّ عسی لمّا کانت فعلا علی لفظ الماضی ، غیر متصرف ، وهی للترجی والترجی مخصوص بالاستقبال فلذلک اشترط فی / خبرها «أن» لتخصّصها بالاستقبال الذی هو معنی الترجی ، ولذلک لم یجعل المصدر مکان «أن» والفعل لأنّ المصدر مبهم لا یعلم وقته.

أحدها : أن یقع بقرب الألف کسره ککسره عین عماد ولام عالم یستوی فی ذلک التأخر والتقدّم ، وإنّما تؤثّر الکسره قبل الألف إذا تقدمته ، إمّا بحرف ککسره عین عماد ، أو بحرفین أولهما ساکن ککسره شین شملال ، فإن تقدمت الکسره الألف إما بحرفین متحرکین نحو قولک : أکلت عنبا أو بثلاثه أحرف نحو : فتلت قنّبا لم تمنع الإماله ، وأمّا قولهم : یرید أن ینزعها ویضربها وهؤلاء عندها ، وله درهمان بإماله الألف لکسره الزای فی ینزعها وراء یضربها وعین عندها ، ودال درهمان ، فشاذ ، والذی سوغه أنّ الهاء خفیه فهی کالمعدومه فلم تعدّ حاجزا (1).

واعلم أنّ الألف تمال مع الفتحه فی نحو : یرید أن یضربها ، ولا تمال مع الضمه فی قولک : هو یضربها ، لأنّ الضمه من الواو ، والواو الساکنه لا إماله معها ، والفتحه أقرب إلی الکسره من الواو ، فلذلک أمیلت مع الفتحه ولم تمل مع الضمه.

ثانیها : أن تقع بقرب الألف یاء وتقدمت الیاء نحو : سیال وشیبان (2) وأمیلت فیهما الألف من أجل الیاء ، لأنّ الألف تطلب فتح الفم والیاء تطلب خلاف ذلک ، فأمیلت الألف لیجری اللسان علی / طریقه واحده والسیال : ضرب من الشجر (3).

ثالثها : أن تکون الألف منقلبه عن واو مکسوره نحو ألف : خاف فإنّها مماله واختلف فی سبب (4) إمالتها ، والأولی أن یقال : إنّها للکسره التی کانت فی عین الفعل إذا أصل خاف خوف (5).

رابعها : أن تکون الألف منقلبه عن یاء نحو : ألف هاب لأنّه من الهیبه وألف ناب لأن جمعه أنیاب ، فالإماله هنا لتدلّ علی أنّ أصل الألف الیاء ولیست للمشاکله کما تقدّم إذ لا یاء ها هنا فی اللفظ ولا کسره (6).

ص: 152

خامسها : أن تکون الألف صائره یاء فی موضع نحو ألف دعا فإنّها تصیر یاء فی : دعی ونحو ألف : مغزی من الغزو فإنّها تصیر یاء فی التثنیه ، لأنّ ما کان علی أکثر من ثلاثه أحرف ، رجع إلی الیاء وإن کان من الواو ، ونحو ألف حبلی وأخری وموسی ، فإنّها وإن لم یکن لها أصل فی الیاء لکنّها تصیر یاء فی التثنیه والجمع کقولک حبلیان وحبلیات فأشبهت الألف التی لها أصل فأمیلت (1).

سادسها : الإماله لأجل الإماله وهو سبب لیس بقویّ (2) نحو : رأیت عمادا فی الوقف بإماله الألف المبدله من التنوین ، لأجل إماله الألف التی قبل الدال المماله لأجل کسره العین.

سابعها : الإماله للتشاکل کإماله (ضُحاها)(3) لتشاکل (جَلَّاها)(4) وهو لیس بکثیر الوقوع وإن کان قویا ، وقد أجروا فی الإماله الألف المنفصله مجری المتصله (5) والکسره العارضه مجری الأصلیّه ، والمراد بالمنفصله الألف المبدله من التنوین ، وبالمتصله ألف التأنیث ، والألف فی نحو : عیلان (6) فقالوا : رأیت زیدا کما قالوا : رأیت حبلی ، ومررت بغیلان بالإماله ، لأنّ کلّ واحد من الألفین المذکورتین زیاده زیدت علی الکلمه لمعنی ، ولیست منقلبه عن واو ولا یاء ، والمراد بالکسره العارضه کسره نحو اللام فی قولک : أخذت من ماله ، فهی عارضه لأنّها حرکه إعراب تتغیّر ولا تلزم فأشبهت الأصلیه فی نحو : عالم وکافر.

واعلم أنّ الألف إذا وقعت آخر الکلمه (7) فإن کانت فی فعل أمیلت نحو : غزا وإن کانت فی اسم ولم یعرف انقلابها عن الیاء لم تمل ثالثه وتمال رابعه فلا یمال ألف قفا وعصا ونحوهما لأنّ الأسماء لم تنتقل من حال إلی أخری ، ولم تتصرف بخلاف

ص: 153

الأفعال ، فإن ألفها من الواو ترجع إلی الیاء فی بعض الأحوال مثل اغزی وغزی ، فرجعت إلی الیاء.

والألف المتوسطه أعنی التی هی عین الفعل إن کانت منقلبه عن یاء أمیلت سواء کانت فی اسم کناب أو فی فعل ک «باع» ، وإن کانت منقلبه عن واو فلا تمال إلّا إذا کانت فی فعل وکان یقال فیه فعل بکسر العین نحو : خاف ، وقد خرج مما قلناه ما کان من الأسماء من ذوات الواو نحو : باب ، وخرج أیضا من الأفعال ما کان من ذوات الواو مما لا یقال فیه فعلت نحو : قال.

ویمنع الإماله سبعه أحرف (1) إذا ولیت الألف سواء کانت قبل الألف أو بعدها وهی : الصاد کصاعد وعاصم / والضاد کضامن وعاضد والطاء کطائف وعاطس والظاء کظالم وعاظل (2) والغین کغائب وواغل والخاء کخامد وناخل والقاف کقاعد وناقف ، وهذه الحروف السبعه تسمّی المستعلیه لأنّ اللسان یطلب العلوّ فی النطق بها إلی الحنک الأعلی ، ولما کانت کذلک ، وکانت الألف أیضا تستعلی ، والإماله انخفاض فیتنافیان ، فکره الجمع بین هذین الأمرین من الاستعلاء والانخفاض فامتنعت الإماله لیکون العمل فی وجه واحد ، لأنّه أخفّ فلم تمل (3) واستثنی باب رمی وباع ، فإن الحرف المستعلی لا یمنع الإماله فی هذین البابین وکذلک طاب وخاف ، فإنه یمال مع وجود حروف الاستعلاء لأنّ سبب الإماله قوی ، لأنّ الالف نفسها یاء أو علیها کسره بخلاف ما لا یمال ، فإنّ السبب إما قبل الألف أو بعدها ، وکما منعت هذه الحروف الإماله إذا ولیت الألف قبلها وبعدها فکذلک تمنع الإماله إذا وقعت بعد الألف بحرف أو حرفین علی الأکثر کناشص (4) ومقاریض (5) وعارض ومعاریض (6) وناشط ومناشیط (7)

ص: 154

باهظ ومواعیظ (1) وبالغ ومبالیغ (2) ونافخ ومنافیخ (3) ونافق ومغالیق (4) وأمّا إذا کانت هذه الحروف قبل الألف بحرف ، وهی مکسوره أو ساکنه بعد مکسور أو کانت قبل [الألف](5) بحرفین أو أکثر لم یمنع عند الأکثر نحو : صعاب ومصباح وضعاف ومضحاک وطلاب ومطعام وظماء وإظلام وغلاب ومفتاح وخباث وإخباث وقفاف ومقلات (6) ، وإنّما منعت متأخرّه لثقل الاستعلاء بعد الاستفال ولم تمنع متقدمه (7) لأنّ الاستعلاء قبل الاستفال أخفّ من الاستعلاء بعد الاستفال ، وأمّا من سوّی بینهما وهو الذی لیس بالأکثر فلا إشکال علیه (8).

وإذا کانت الراء مفتوحه أو مضمومه وجاورت الألف قبلها أو بعدها منعت الإماله منع المستعلیه (9) کهذا راشد وحمارک ورأیت حمارک لأنّ الراء لما فیها من شبه المضاعفه تکون فتحتها کفتحتین وضمّتها کضمّتین فلا یقوی سبب الإماله علیها ، فأمّا إن کانت الراء مکسوره کانت کسرتها ککسرتین فیقوی سبب الإماله نحو : (وَانْظُرْ إِلی حِمارِکَ)(10) ومررت بطارد فتمیلها ، والراء المکسوره بعد الألف إذا ولیت الألف تغلب الراء غیر المکسوره کما غلبت الراء المکسوره المستعلیه کقولک : من قرارک بالإماله فإن تباعدت الراء المکسوره لم تؤثر أی لم توجب الإماله عند أکثرهم

ص: 155

فأمالوا : هذا کافر ولم یمیلوا مررت بقادر ، لأنّ الراء لمّا تباعدت لم تغلب حرف الاستعلاء لکنّ بعضهم خالف ففخم نحو : کافر وأمال نحو : بقادر (1) ، وشذ إماله الحجاج والناس ، لأنهما فی حاله الرفع والنصب لیس فیهما کسره ولا یاء ولا شیء من أسباب الإماله (2) وقد أمیلت الفتحه قبل الرّاء المکسوره من أجلها لتشبه الفتحه الکسره نحو / من الضّرر ومن الکبر والمحاذر (3) بإماله الذال دون الألف لأنّ کسره الراء لم تقو علی إماله الألف مع الذال ، لأنّ الألف قبلها فتحه ، والحرف الذی بعدها وهو الذال مفتوح أیضا (4) والحروف لا تمال نحو : حتّی وعلی وأمّا ، وإلّا (5) ، إلّا إذا سمّی بها ، وقد أمیلت «بلی» لشبهها بالاسم لکونها علی ثلاثه أحرف ، وأمیلت «لا» فی «إمّا لا» لإغنائها عن الجمل لأنّها قد تقع جوابا ویکتفی بها وکذلک «یا» فی النداء أمیلت لأنّها نائبه عن الفعل ، والأسماء المبنیّه (6) یمال منها ما یستقلّ بنفسه ، نحو : ذا ومتی ، وأنّی ، ولا یمال ما لیس بمستقلّ نحو «ما» الاستفهامیه أو الموصوفه أو الشرطیه ونحو : إذا ، وأمّا «عسی» فإمالتها جیّده (7).

لأنه لمّا وجب الابتداء بالمتحرک اختیر الوقف بالسکون لیخالف الانتهاء الابتداء ، وإن اجتمع ساکنان فإنه یجوز فی الوقف الجمع بین ساکنین لأنّ الوقف یوفّر علی الحرف الموقوف علیه الصوت فیجری ذلک له مجری تحریکه کما جری المدّ مجری الحرکه ، ولیس کذلک الوصل ألا تری أنّک إذا قلت : بکر فی حال الوقف وجدت فی الراء من التکریر وزیاده الصوت ما لا تجده فی حال الوصل (1).

ومنها : الإشمام وهو ضمّ الشفتین بعد الإسکان علی صورتهما إذا لفظت بالضمّه ، فذلک (2) هو الدلاله علی الأشمام ، والغرض الفرق بین ما هو متحرک فی الوصل - وإنّما سکّن فی الوقف - وبین ما هو ساکن فی کلّ حال ، ویختصّ الإشمام بالمرفوع والمضموم (3) لأنّه هو الذی یمکن فیه أن یجعل العضو علی صوره الضمّه ، دون المنصوب والمجرور.

ومنها : الرّوم وهو أن تروم التحریک (4) والغرض به هو الغرض بالإشمام إلّا أنه أتمّ فی البیان ، والقرّاء لا یرومون حرکه المنصوب لخفّه النطق بها ، ولا المنصوب المنوّن للوقوف علیه بالألف ولکن یرومون ما سواهما (5) وإذا رمت الحرکه فهی موجوده فلم تحتج (6) إلی دلیل علیها.

ومنها : التضعیف ، وهو تشدید الحرف الذی تقف علیه نحو : یا فرجّ بتشدید الجیم والغرض به الإعلام بأنّ هذا الحرف متحرک فی الوصل ، ویختصّ التضعیف بکلّ کلمه آخرها حرف صحیح قبله متحرک ، فإن کان قبله ساکن لم یصحّ التضعیف ، لاستلزامه الجمع بین ثلاثه سواکن ، وکذا إن کان آخره همزه لم یضعّف وکذا حرف العلّه لا یضعّف لثقلهما (7) وکذا المنصوب المنوّن لا یضعّف للوقوف علیه بالألف ،

ص: 157

فأمّا ما لا ینون فیضعّف نحو : رأیت أحمدّ ، فحینئذ قد اشترک فی التضعیف المرفوع والمجرور والمنصوب غیر المنون / وقد جعلوا لهذه الأربعه علامات فعلامه الإسکان الخاء ، والإشمام نقطه ، والروم خطّ بین یدی الحرف ، والتضعیف الشین (1).

ومنها : أن تقف علی المنصوب المنوّن حال النصب بالألف وفی الرفع والجرّ بالإسکان.

ومنها : الوقف علی المرفوع بالواو ، والمنصوب بالألف ، والمجرور بیاء سواء فیه المنون وغیره تقول : رأیت أحمدا ومررت بأحمدی وجاءنی أحمدو (2).

ومنها : تحویل ضمّه الحرف الموقوف علیه وکسرته علی السّاکن قبله دون الفتحه فی غیر الهمزه کما سیأتی حکمها ، فتقول : هذا بکر ومررت ببکر ورأیت بکرا ، فتبدل من التنوین فی حال النصب ألفا ، ویشترط لهذه اللغه أن یکون ما قبل الآخر ساکنا صحیحا کسکون کاف بکر ، وأن لا تخرج الکلمه بالتحویل إلی ما لا نظیر له فلا یقال : هذا عدل لعدم فعل بکسر فاء الفعل ، وضمّ عینه ولا مررت بقفل لعدم فعل أعنی ضمّ الفاء وکسر العین ، وأجازه الأخفش متمسکا بدئل اسم قبیله (3) ، ویشترط أیضا أن لا یکون مثل : ثوب وزید ، فلا یقال : ثوب وزید لثقل الضمّ والکسر علی الواو والیاء ، ویشترط أیضا أن تکون الحرکه حرکه إعراب غالبا فلا یقال : من قبل ومن بعد ، لأنّ الحرص إنّما هو علی معرفه حرکه الإعراب لا علی حرکه البناء ، ویجری ذلک فی المعرّف باللّام أیضا فتقول : هذا البکر ومررت بالبکر ، قال الشّاعر : (4)

قد نصر الله وسعد فی القصر

ص: 158

وقال : (1)

أنا جریر کنیتی أبو عمر

أضرب بالسیف وسعد فی القصر

أراد أبو عمرو : فحوّل کسره الراء إلی المیم ، وکذلک حوّل کسره راء القصر إلی الصاد ، وأما فی حال النّصب فلا تحوّل ، لأنّ أصله أن یظهر إعرابه فی الوقف إذا کان منونا ، ولکن لمّا زال التنوین للّام کان التنوین کأنّه موجود فیه فتقول علی هذه اللغه : رأیت البکر بفتح الراء کأنک قلت : رأیت بکرا وقد حوّلت الحرکه فی نحو : لم أضربه وهند ضربته (2) وکان ینبغی أن لا تحوّل لأنّ حرکه الهاء فیها لیست بحرکه إعراب ، ولکن لما سکنت الهاء خفیت وزادها خفاء الساکن قبلها ، فلذلک حولت حرکتها إلی ما قبلها قال زیاد الأعجم : (3)

عجبت والدّهر کثیر عجبه

من عنزیّ سبّنی لم أضربه

کان لم أضربه (4) فسکّن الهاء وحوّل حرکتها إلی الساکن الذی قبلها وهو الباء صار : لم أضربه.

فأمّا ما آخره همزه (5) إذا وقفت علیها فی هذه اللغه فتحوّل حرکاتها الثلاث الضمّه والکسره والفتحه أیضا إلی ما قبلها وذلک لخفاء الهمزه والحرص علی بیانها فتقول فی الخبء بالهمز وسکون الباء : هذا الخبؤ ورأیت الخبأ ومررت بالخبیء بتسکین الهمزه وتحریک الباء بالضّمّ / والفتح والکسر ، وکذلک تقول فی البطء بسکون الطاء : هذا البطؤ ورأیت البطأ ومررت بالبطیء فتسکن الهمزه وتحرک الطاء

ص: 159

بالضمّ والفتح والکسر ، وکذلک تقول : هذا الرّدؤ ورأیت الرّدأ ومررت بالرّدیء ، وجوّزوا الرّدؤ وشبهه علی وزن فعل بکسر الفاء وضمّ العین ، وإن لم یکن فی الکلام فعل ، کلّ ذلک لما قلنا من الحرص علی بیان الهمزه لخفائها ، ومنهم من یقول : هذا الرّدیء فیکسرون الدّال اتباعا للکسره التی قبلها (1) ویقول : من البطؤ فیضمون الطاء إتباعا للضمّه التی قبلها کراهه الانتقال من ضمّ إلی کسر وبالعکس.

ومن لغات الوقف علی المهموز (2) أن یبدلوا من الهمزه حرف لین سواء تحرک ما قبلها نحو : الکلأ أو سکن نحو : الخبء وسواء کان فاء الکلمه مفتوحا ، أو مضموما ، أو مکسورا ، فیقولون : هذا الکلو والخبو والبطو والرّدو - ورأیت الکلا والخبا والبطا والرّدا ، ومررت بالکلی والخبی والبطی والرّدی ، ومنهم من یقول : هذا الرّدی بالیاء فی الأحوال الثلاث وهذا البطو بالواو فی الأحوال الثلاث علی إتباع حرکه ما قبل الهمزه حرکه فاء الفعل ، وأهل الحجاز یقولون فی الکلأ وأکمؤ وأهنیء مهموزه : الکلا بالألف وأکمو بالواو وأهنی بالیاء فی الأحوال الثلاث (3) ، لأنّ الهمزه سکّنت للوقف فقلبت علی حسب ما قبلها ، فقلبت فی کلأ ألفا کما قلبت فی رأس ألفا ، وفی أکمؤ واوا کما قلبت فی جؤنه ، وفی أهنی یاء کما قلبت فی ذئب (4) وأکمؤ جمع قلّه لکمء (5) أحد الکمأه التی تؤکل وجمع الکثره کمأه ، وقد جاء الکمء للمفرد بغیر هاء ، والکمأه بالهاء للجمع علی خلاف القیاس والهنیء العطاء یقال : هنأته أهنؤه هناء أی أعطیته (6).

یاء قبلها کسره کقاضی وقد حذفت للتنوین فی الوصل نحو : قاض وجوار فی الرفع والجرّ ، فالأکثر أن یوقف علی ما قبله کما تصل (1) فلا تردّ الیاء فی الوقف لأنّها غیر موجوده حکما لأنّ الیاء إنّما حذفت له لا للوقف ، وسیبویه یختار هذا المذهب (2).

ومنهم من یردّ الیاء فی الوقف لأنّ الموجب لحذفها فی الوصل هو التنوین وقد زال للوقف ، فتقول : هذا قاضی وجواری ، ومررت بقاضی وجواری ویونس یختار هذا المذهب (3) وهو کقوله تعالی : ولکل قوم هاد (4) وما عند الله باقی (5) بإثبات الیاء (6) فإن کانت هذه الیاء ثابته فی الوصل نحو : جاء القاضی ، ویا قاضی ، فی النداء ، ورأیت جواری ، فالوقف علیه بالیاء عند الأکثر (7) لأنّه لا تنوین ها هنا تحذف / له الیاء ، لسقوطه فی القاضی للألف واللام ، وفی یا قاضی ، للنداء ، وفی رأیت جواری لعدم الصّرف.

وذهب قوم إلی حذفها (8) فقالوا : هذا القاض ومررت بالقاض ویا قاض وهذا عکس ما حذفت فیه الیاء للتنوین وصلا نحو : قاض فإنّ الوقف علیه بغیر ردّ الیاء هو الأکثر وبردّها هو الأقل والذی فیه الیاء ثابته فی الوصل نحو : القاضی ویا قاضی ورأیت جواری ، الوقوف علیه بالیاء هو الأکثر والوقوف علیه بحذف الیاء هو الأقلّ.

ویوقف علی اسم الفاعل (9) من أری یری بتخفیف الهمزه بالیاء ، وإن کان قد أذهبها التنوین فی الوصل فتقول : هذا مری ویا مری لئلّا یجمعوا علیه ذهاب الهمزه

ص: 161

والیاء (1).

وإن کان حرف العلّه ألفا (2) فالأکثر أن تقف علیه بالألف فتقول : هذه عصا ومررت بعصا ورأیت عصا ، وکذلک حبلی تقف علیها بالألف فی الأحوال الثلاث وبعضهم یقول : هذه حبلی بالیاء (3) وبعضهم یقول : حبلو بالواو (4) وبعضهم یقول : حبلأ بقلب الألف همزه فی الوقف لمناسبه الهمزه الألف لأنّه من مخرجها (5) ومذهب سیبویه أن ألف عصا الموقوف علیها فی حاله النصب هی المبدله من التنوین إجراء للمقصور مجری الصحیح (6) وأمّا فی الرفع والجرّ فهی الألف الأصلیّه التی هی لام الکلمه المنقلبه عن الواو فی عصا وعن الیاء فی رحی ، وذهب المبرّد إلی أنها أصلیّه فی الأحوال الثلاث (7) أی المنقلبه ، وذهب المازنی إلی أنها ألف التنوین فی الأحوال الثلاث (8) والوقوف علی الفعل الصحیح کالوقوف علی الاسم حسبما تقدم.

وأمّا المعتل فیوقف علی المرفوع والمنصوب من الفعل الذی اعتلّت لامه بإثبات أواخره (9) نحو : هو یغزو ولن یخشی ، وأما الوقوف علی المجزوم ففیه وجهان :

الأوّل : وهو الأجود ، أن تقف علیه بهاء السکت نحو : لم یغزه ولم یرمه ولم یخشه ، وکذلک المبنی نحو : أغزه وارمه واخشه بحذف لام الفعل للجزم وإلحاق هاء السکت ، لیقع الوقف علیها بالسکون وتسلم الحرکات التی قبلها لتدلّ علی المحذوف.

والثانی : أن تقف بلا هاء بحذف اللّام وإسکان ما قبلها فتقول : لم یغز ولم یرم

ص: 162

ولم یخش واغز وارم واخش هذا إذا کان الباقی بعد الحذف حرفین فصاعدا ، فأما إذا أفضی الحذف إلی أن یبقی علی حرف واحد ، لم یکن بدّ من الهاء نحو قولک فی الأمر من وقی یقی : قه ومن رأی : ره ومن وعی یعی : عه واغتفر أمر الإلباس بهاء الضمیر ، لأنّه لا یوقف علیه إلّا کذلک ضروره عند الابتداء به (1) ویجوز فی الوقف علی القوافی ثلاثه أوجه :

أحدها : (2) أن تصل المضموم بالواو والمکسور بالیاء والمفتوح بالألف للترنّم بالشعر نحو : (3)

...

... الخیامو

... ومنزلی (4)

...

... والعتابا (5)

...

ثانیها : إبدال (6) حروف المدّ نونا ساکنه بعد حرف الروی نحو : (7)

ص: 163

... عتابن

...

للترنم بالشعر أیضا.

ثالثها : وهو یشمل القوافی / وفواصل الآیات ، أن تقف علیها کما تقف علی غیرها من الکلام ، وتحذف الواو والیاء إن کانتا أصلیتین (1) وإن کان الحرف الأصلی لا یحذف فی الکلام فإنه إذا جاء فی القوافی بعد حرف الروی ، أو فی الآیات بعد الفواصل حرف أصلی من واو أو یاء جاز حذفه واستوی الأصلی والزائد ، لأنّ حرف المدّ وإن کان أصلیا فإنه إذا جاء بعد الروی أو الفاصله وقع موقع الزائد وهو من جنسه فیحذف ، وأنشد سیبویه : (2)

لا یبعد الله إخوانا ترکتهم

لم أدر بعد غداه الأمس ما صنع

بتسکین العین ، أراد ما صنعوا ، واعلم أنّ الوزن ینکسر بمثل هذا الوقف وإنّما جاز ذلک لأنّه قد أتی من الکلام بما یدلّ علی المعنی ولیس من شرط دلاله الکلام علی المعنی أن یکون موزونا ، وأمّا الوقف علی فواصل الآیات علی هذا الوجه الثالث فنحو قوله تعالی : (وَاللَّیْلِ إِذا یَسْرِ)(3) لیوافق (وَالْفَجْرِ وَلَیالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)(4) فالفاصله الراء ، والیاء فی یسری واقعه موقع الزائد ، کالواقعه بعد حرف الروی وقوله : (الْکَبِیرُ الْمُتَعالِ)(5) لأنّ الفاصله اللّام ، فحذفت الیاء الواقعه بعدها وهی من أصل الکلمه وکذلک (یَوْمَ التَّنادِ)(6) الفاصله الدّال وکذلک (وَمَنْ یُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ)(7) ومثله کثیر فی الکتاب العزیز (8) وتقلب تاء التأنیث فی الاسم

ص: 164

المفرد هاء (1) فی الوقف رفعا ونصبا وجرا تقول : جاءنی طلحه وقائمه ورأیت طلحه وقائمه ومررت بطلحه وقائمه ، بخلاف الوصل ، فإنها تبقی تاء علی حالها کقوله : (2)

....

... طلحه الطّلحات

ومنهم من یقف علیها بالتاء (3) إجراء للوقف مجری الوصل فیقول : هذا طلحت وعلیک السّلام والرحمت ، قال الشّاعر : (4)

والله أنجاک بکفّی مسلمت

من بعد ما وبعد ما وبعد مت

صارت نفوس القوم عند الغلصمت

وکادت الحرّه أن تدعی أمت

أی بعد ما ، فأبدل من الألف هاء ثم أبدل من الهاء تاء ، ومثل ذلک فی الموقوف علیه بالهاء والتاء هیهات (5) فمن فتح آخرها کتبها بالهاء ، ووقف علیها بالهاء ، فیقول هیهاه ، لأنّها واحده کأرطاه ومن کسر آخرها کتبها بالتاء فتقول : هیهات لأنها جمع هیهاه (6) عندهم ، فیقف علیها بالتاء کما یقف علی جمع المؤنّث نحو : مسلمات (7) ویجوز أن یجری الوصل مجری الوقف وقد قیل : إنّه یختصّ بالضروره ، وقیل : لا یختصّ بها لوقوعها فی کلام الله تعالی نحو : (مالِیَهْ) و (سُلْطانِیَهْ)(8) ومنه (مِنْ

ص: 165

سَبَإٍ)(1) بإسکان الهمزه فی الوصل ، إجراء للوصل مجری الوقف (2) وکذلک قول الشاعر : (3)

لقد خشیت أن أری جدبّا

فی عامنا ذا بعد ما ما أخصبّا

فإنّ التشدید إنّما یکون / فی الوقف نحو ما تقدّم فی الوقف بالتضعیف من یا فرج واحمرّ فشدّد الشاعر أخصبّا فی الوصل تشبیها بالوقف فإنه یقال فی الوقف أخصبّ بغیر ألف الوصل ، فجمع فی أخصبّا بین الحرکه والتشدید ، وشرط أحدهما انتفاء الآخر ، فأجری المشدّد فی الوقف مجری غیر المشدّد فی الوصل (4) ، وحکی سیبویه أنهم یقولون فی العدد : ثلاثه اربعه إجراء للوصل مجری الوقف (5).

وأمّا إلحاق هاء السکت فلأنّ الواو والیاء فی هو وهی متحرکتان فی الوصل فجیء بالهاء فی الوقف لبیان حرکتهما (1) وتقول : ها هنا وها هناه ، وهؤلاء وهؤلاه ، إذا قصرا أعنی إذا قصر هؤلاء وهؤلاه ، والهاء لبیان الألف لأنها خفیه ، ولا یجوز أن تأتی بهذه الهاء فی الأسماء المتمکنه التی آخرها ألف فلا تقول : أفعاه کما قلت : هؤلاه ، لئلا تلتبس بالإضافه وتقول : أکرمتک وأکرمتکه بإلحاق هاء السکت لبیان الحرکه (2) وتقول : غلامی بالإسکان وغلامیه بإلحاق الهاء ، أمّا السکون فعلی الأصل ، وأما إلحاق الهاء فلبیان حرکه یاء المتکلّم فی الوصل ، لأنّ یاء المتکلّم مفتوحه علی المختار (3) وتقول : ضربنی بإثبات الیاء ساکنه ، وضربنیه بإلحاق الهاء وضربن بالحذف وسکون النون ، أما ثبوت الیاء ساکنه فعلی الأصل فی الوقف ، وأما إلحاق الهاء فلبیان حرکه یاء المتکلّم ، وأما الحذف وسکون النون ، فلأنّ الوقف من شأنه حذف الحرکه وقرأ أبو عمرو (4) أکرمن وأهانن (5) قال الأعشی : (6)

ومن شانیء کاسف وجهه

إذا ما انتسبت له أنکرن

وتقول : ضربکم وضربهم وعلیهم وبهم بإسکان المیم فی الوقف ، لأنّ من شأن الوقف أن یحذف الحرکه وما یجری مجراها من حروف المدّ واللین ، لما بینهما من المجانسه والمناسبه فیحذف حرف المدّ الذی هو الواو فی ضربهمو وما أشبهه فی الوقف ، لأنه کالحرکه ومنه قولک : أخذت منه وضربه بإسکان الهاء فی الوقف ، ومثل هذا لا یکون فی الوصل إلا موصولا أی متحرک الهاء ، وتقول فی الوصل : هذی أمه الله فإذا وقفت قلت : هذه ، لأنّ الوقف لمّا کان مسلّطا علی حذف الحرکه وما جانسها من الیاء والواو حذفت له الیاء من هذی فبقی الاسم علی حرف واحد فوجب إلحاق الهاء للعوض فقالوا : هذه ، وأمّا قولهم : هذ هی ، فهو لأنّهم أجروا

ص: 167

هذه الهاء مجری الهاء التی لإضمار / المذکّر فی نحو : به فإذا وقفت علی هذ هی ، حذفت الیاء فقلت هذه ، لیس إلّا ، کما تفعل فی به (1) ، وتقول : حتّام ، وحتّامه وفیم وفیمه ، بغیر هاء وبإلحاق الهاء ، لأنّ ما الاستفهامیه المتصله بحروف الجرّ المذکوره لک فیها أن تحذف ألفها فی الوقف کما تحذفه فی الوصل من غیر تعویض کقولک : حتّام کما تقول فی الوصل : حتّام أنت واقف ، ولک أن تعوّض من ألفها هاء السکت کما قلنا فی حتامه وفیمه لأنّه قد بقی اسم الاستفهام علی حرف واحد ، وتقول فی الوصل : مجیء م جئت ، ومثل م أنت ، فإذا وقفت عوّضت وقلت : مجیء مه ومثل مه ، بإلحاق هاء السکت لیس إلّا ، لأنّ اتصال ما الاستفهامیه بمجیء وبمثل ، لیس کاتصاله بحرف الجرّ ، لأنّ مجیء ومثل یصحّ الوقوف علیهما منفصلین عن ما ، فتبقی «ما» علی حرف واحد فیجب إلحاق الهاء بخلاف حرف الجرّ ، فإنه لا ینفصل من ما لشدّه اتصال حرف الجرّ ، فلذلک وجبت الهاء فی ما مع مجیء ومثل ، ولم تجب فی حتّام وبابها (2) ، وتقول فی الوقف علی نون التأکید الخفیفه فی اضربن : اضربا ، فتبدلها ألفا حسبما تقدم فی نون التأکید ، قال الأعشی : (3)

...

ولا تعبد الشّیطان والله فاعبدا

وتقول فی یا قوم هل تضربن : هل تضربون بإعاده واو الجمع ، لأنّ نون التأکید ، حذفت للوقف کما تحذف للتنوین لشبهها به ، فعادت واو الجمع ونون الإعراب ، لأنّهما إنما حذفا من أجل نون التأکید وقد زالت للوقف (4). وهو أیضا مما تقدّم مع نون التأکید ، واعلم أنّ الزمخشریّ ذکر فی المشترک القسم بعد الوقف ونحن

ص: 168

قدّمناه فی قسم الحروف فلذلک لم نذکره هنا.

(الَّذِی اؤْتُمِنَ)(1) فتسقط همزه الوصل للاتصال بالذی ، فیلتقی ساکنان یاء الذی وهمزه ائتمن الساکنه فتحذف یاء الذی فتبقی «الذئتمن» فتحصل الهمزه ساکنه وقبلها کسره فتقلب یاء کما قلبت فی ذئب فتبقی «الذیتمن» (2) وأمّا الهمزه المتحرکه فإن لم یتقدّمها شیء ، نحو قولک ابتداء : أب أمّ إبل فلا یمکن تخفیفها بل تبقی همزه خالصه ، وإن تقدّمها شیء فلا یخلو ما قبلها من أن یکون ساکنا أو متحرکا فذلک قسمان :

وزن أفیعل ، فقلبت الهمزه یاء وأدغم فیها یاء التصغیر مثل خطیّه فصار أفیّس ، وإن کان السّاکن الذی قبل الهمزه المتحرکه ألفا (1) وأردت تخفیفها جعلتها بین بین لتعذّر الإدغام ، لأنّ الألف لا تدغم ولا یدغم فیها ، ولتعذّر إلقاء حرکتها علی الألف ، لأنّ الألف لا تتحرّک فلما تعذّر قلبها والإدغام فیها ، وتعذّر نقل حرکتها وحذفها ، لم یبق إلّا أن تجعل بین بین إذ فیه بقیّه منها ، وفیه تخفیفها وتلیینها وتسهیل نبرتها (2) فإن کانت الهمزه مفتوحه جعلتها بین الهمزه والألف نحو : ساءل ، وإن کانت مضمومه جعلتها بین الهمزه والواو نحو : التساؤل ، وإن کانت مکسوره جعلتها بین الهمزه والیاء نحو : قائل ، وإن کان الساکن الذی قبلها حرفا صحیحا وأردت تخفیفها ألقیت علیه حرکه الهمزه وحذفتها وبقّیت من أعراضها ما یدلّ / علیها وهو حرکتها المنقوله إلی الساکن قبلها فتقول فی مسأله : مسله وفی الخبء : هذا الخب یا فتی ، وکذلک الحکم فی کلمتین نحو : من أبوک فتقول من أبوک فتلقی الحرکه علی النون وتفتحها وتسقط الهمزه ، وتقول : کم ابلک فتکسر المیم بنقل کسره همزه إبلک إلیها وتحذف الهمزه (3) وإن کان السّاکن الذی قبلها یاء أو واوا زائدتین لا للمدّ ، ولکن لمعنی وهو إلحاق بناء ببناء کان حکمها حکم الحرف الصحیح فی إلقاء حرکه الهمزه علیهما وحذفهما فتقول فی جیأل : جیل وهو علم للضبع ویاؤه لإلحاقه بجعفر فتنقل حرکه الهمزه وهی فتحه إلی الیاء الساکنه التی قبلها وتحذف الهمزه فیصیر : جیل (4) ، فإن قیل : کیف لم تنقلب یاء جیل حینئذ ألفا لتحرکها وانفتاح ما قبلها؟ فالجواب : أنّ الیاء فی نیّه السکون والهمزه فی نیّه البقاء وکذا تقول فی حوأبه حوبه وهی الدّلو الضخمه ، وواوها لإلحاقها ببنات الأربعه والکلام فی عدم انقلاب واوها ألفا لتحرکها وانفتاح ما قبلها کالکلام فی جیل (5) وکذا حکم الیاء والواو الأصلیتین المنفصلتین فتقول فی هذا أبو إسحاق ونحوه : أبو سحاق فتلقی حرکه الهمزه علی الواو وتحذفها وتبقی الواو مکسوره لأنّک حرّکتها بحرکه

ص: 171

الهمزه وکذا مررت بأبی إسحاق فتقول : بأبی سحاق تنقل کسره الهمزه إلی الیاء وتحذف الهمزه فتبقی الیاء متحرکه بالکسره یلیها السین الساکنه ، وتقول فی ذو أمرهم : ذو مرهم فتنقل فتحه الهمزه إلی الواو وتحذف الهمزه فتبقی الواو مفتوحه یلیها المیم الساکنه (1) ، وتقول فی قاضو أبیک : قاضوبیک بنقل فتحه الهمزه إلی الواو وحذف الهمزه ، وتقول فی ابتغی أمره : ابتغی مره (2) ، وقد التزم تخفیف الهمزه فی باب أری وتری ویری (3) لأنّ الماضی رأی فکان قیاس المضارع أن یکون أرأی وترأی ویرأی کما قالوا فی نأی ینأی فالتزم تخفیفه بنقل حرکه همزه ترأی إلی الراء وحذف الهمزه وجوبا (4) ولزم هذا التخفیف لکثره الاستعمال ، وقد جاء علی الأصل فی ضروره الشعر (5) کقوله : (6)

ألم تر ما لاقیت والدّهر أعصر

ومن یتملّ العیش یرأی ویسمع

وقد شذّ عند سیبویه (7) تخفیف همزه المرأه والکمأه حیث قالوا : المراه والکماه بألف خالصه ، فأبدلوا من الهمزه المفتوحه ألفا فانفتح ما قبل الألف ضروره وإنما کان شاذّا لأنّ طریق هذه الهمزه أن تلقی حرکتها علی ما قبلها وتحذف فتبقی : مره وکمه لکن قالوا : مراه وکماه فیقتصر فیه علی السّماع ولا یقاس علیه عند البصریین ، وأمّا الکوفیون فیقیسون علیه ویجعلونه مطردا (8).

الحرکات الثلاث ، ومضمومه وقبلها الحرکات الثلاث ، أمّا المفتوحه وقبلها مفتوح ومکسور ومضموم فنحو : سأل ومائه ومؤجّل ، وأمّا المکسوره وقبلها الحرکات الثلاث المذکوره فنحو : سئم ومستهزئین وسئل ، وأمّا المضمومه وقبلها الحرکات الثلاث المذکوره فنحو : رؤوف ومستهزئون ورؤوس.

فقسمان من هذه التسعه وهما المفتوحه وقبلها مضموم أو مکسور ، یخفّفان بقلب الهمزه واوا أو یاء فتقلب المفتوحه التی قبلها مضموم واوا فتقول فی جؤن جمع جونه : جون وفی مؤجّل : مؤجّل بواو مفتوحه محضه فیهما بغیر همزه ، وتقلب المفتوحه التی قبلها مکسور فی نحو : مائه یاء محضه مفتوحه ، وإنما لم تجعل بین بین لأنّ الهمزه إذا جعلت بین بین تقرب من الألف وقبلها ضمّه أو کسره فکرهوا الضمّ أو الکسر علی ما یقرب من الألف (1).

وباقی الأقسام من التسعه وهی سبعه : المفتوحه التی قبلها مفتوح ، والمکسوره التی قبلها الحرکات الثلاث ، والمضمومه ، التی قبلها الحرکات الثلاث ، إنّما تخفّف بجعلها بین بین لا بالنّقل ولا بالإبدال ، أما النقل ، وهو أن تنقل حرکتها إلی ما قبلها وتحذف فلتعذّره لأنّ ما قبلها متحرّک ولا سبیل إلی تحریکه بحرکتین ، وأما الإبدال ، فلقوّه الهمزه بالحرکه خلا ما تقدّم من نحو : مؤجل ومائه ، کما تقدّم ، وإذا انتفی فی هذه الأقسام النقل والإبدال تعیّن بین بین.

وقد جوّز بعضهم (2) فی قسمین من هذه السبعه ، الإبدال. أحدهما : المضمومه المکسور ما قبلها نحو : مستهزئون فجوّز أن تقلب همزتها یاء محضه ، وثانیهما : المکسوره المضموم ما قبلها نحو : سئل فجوّز (3) أن تقلب همزتها واوا محضه ، وأما عند سیبویه فلا یجوز فیهما غیر جعلهما بین بین (4) لکن سئل ومستهزئون خاصه یجوز جعلهما بین بین المشهور وبین بین الشاذ أیضا ، وباقی الأقسام إنّما تجعل بین بین المشهور لا غیر ، وقد تقلب الهمزه المتحرکه المتحرک ما قبلها حرف لین من

ص: 173

جنس حرکه ما قبلها علی غیر قیاس ، لأنّ قیاس مثلها أن یجعل بین بین فقلبوها علی غیر قیاس یاء إذا انکسر ما قبلها نحو قوله فی واجیء (1) بالهمز : هو واجی بیاء محضه فی الوصل (2) ، وألفا إذا انفتح ما قبلها نحو : سأل بألف محضه فی نحو قول حسّان (3) :

سالت هذیل رسول الله فاحشه

ضلّت هذیل بما سالت ولم تصب

وکانوا قد سألوا من رسول الله صلی الله علیه وسلم إباحه الزّنا ، والشاهد فیه قوله : سالت بألف محضه ، والأصل سألت بهمزه مفتوحه قبلها سین مفتوحه ، وقیاسها بین بین لا قلبها ألفا ، واعلم أنّ الخارج عن القیاس إنّما هو واجی بقلب الهمزه یاء فی الوصل کما / قلنا ، لا واجیء فی البیت المشهور الذی هو : (4)

وکنت أذلّ من وتد بقاع

یشجّج رأسه بالفهر واجی

خلافا لسیبویه (5) فإنّ قلبها یاء فی البیت المذکور شاذّ عنده ، ولیس بحقّ لأنّ الهمزه سکّنها الوقف وقبلها مکسور وهو الجیم فهو کثیر (6) فقیاسها أن تقلب یاء محضه کما فعل الشّاعر وقد حذفوا الهمزه فی «کل ومر وخذ» حذفا غیر قیاسی ، لأنّ قیاس الأمر من هذه الأفعال أن یقال : أؤکل وأؤمر وأؤخذ ، لأنّ الأصل أأکل ، أأخذ ، أأمر ، إلا أنّ هذه الأفعال کثر استعمالها فاستثقلوا ذلک فیها ، فأسقطوا الهمزه الثانیه

ص: 174

علی غیر قیاس فحصل الاستغناء عن همزه الوصل ، لأنّ ما بعد الهمزه الساکنه الساقطه متحرک ، وقد التزموا الحذف فی کل وخذ دون مر (1) قال الله تعالی : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)(2) واعلم أنّ قولک : مر أفصح من أؤمر ، وأمر أفصح من ومر (3).

الأخسرین بتحریک نون من لسکون اللّام فی الأصل ، ومنه أیضا قول الشاعر (1) :

أبلغ أبا دختنوش مألکه (2)

غیر الذی قد یقال ملکذب

الأصل من الکذب ، فحذف النون تخفیفا لالتقاء الساکنین لعدم الاعتداد بحرکه اللّام ، وکان الوجه تحریکها لا حذفها ، فحذفها علی غیر قیاس.

البدل ، فأبدلت یاء لانکسارها فصار أیّمه بیاء مکسوره (1).

وأما جاء بهمزه وتنوین مثل قاض فأصله جاییء بیاء قبل الهمزه وعین الفعل فی مثله تقلب همزه کما فی قائل وبائع علی ما سیذکر فی الإعلال (2) ، فلمّا قلبت یاء جاییء همزه صار جائیء بهمزتین فأبدلت الهمزه الأخیره یاء ، وذلک من جنس حرکه ما قبلها ، فصار جائی مثل قاضی ، ثمّ حذفت الیاء فی الرفع والجرّ للتنوین فصار جاء کقاض.

وأمّا خطایا جمع خطیئه فالأصل خطائیء بهمزتین الثانیه لام الفعل ، والأولی الیاء التی فی خطیئه المنقلبه (3) همزه فی الجمع کیاء سفینه وقبیله المنقلبه همزه فی سفائن وقبائل ، فقلبت الثانیه یاء لاجتماع الهمزتین ، فصار خطائی فاستثقلوا الیاء بعد الکسره مع الهمزه فأبدلوا من کسره الهمزه فتحه ، ومن الیاء ألفا فصار خطاءا ، فاجتمع ثلاثه أمثال ، الألفان والهمزه المفتوحه ، فاستثقل ذلک فقلبت الهمزه یاء فصار خطایا (4) وقال الفرّاء وأصحابه : خطیّه مثل هدیّه بغیر همز فتجمع علی خطایا کما قیل : هدایا (5).

وثانیهما : أن تلتقی همزتان فی کلمتین نحو (أَأَنْتَ قُلْتَ)(6) ، فإذا التقتا کذلک ، جاز تحقیقهما وتخفیفهما وتخفیف الأولی دون الثانیه وبالعکس (7) بأن تجعل المخفّفه بین بین (8) قال ابن الحاجب : (9) وهو غیر مستقیم فإنه یکون تخفیف

ص: 177

إحداهما بغیر ذلک ، وأهل التحقیق (1) یحققونهما معا (2) فیقولون : (جاءَ أَشْراطُها)(3) بهمزتین خالصتین وهو مذهب الکوفیین وبه قرأ ابن عامر (4) ومن العرب من یدخل بینهما ألفا فرارا من ثقل اجتماعهما (5) نحو قول ذی الرّمه : (6)

...

آأنت أم أمّ سالم

ونحو قول الآخر : (7)

حزقّ (8) إذا ما القوم

ابدوا فکاهه

ففکّر آإیّاه یعنون أم قردا

والحزقّ القصیر ، ومثله فی الکتاب العزیز کثیر نحو قوله تعالی : (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ)(9)(أَإِذا مِتْنا)(10)(أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ)(11).

ص: 178

والثانی : إزاله اجتماعهما. إمّا بحذف أحدهما أو بتحریکه.

ثانیها : أن یلتقیا حال الوقف فإنّ التقاء الساکنین فیه قد اغتفر لما قدّمناه فی باب الوقف ، من توفّر الصوت علی الحرف الموقوف علیه حتّی صار بمنزله الحرکه (1).

ثالثها : أن یلتقیا حال إبدال همزه الوصل ألفا عند اجتماعها مع همزه الاستفهام فیلتقی ساکنان الألف المنقلبه عن همزه الوصل ، ولام التعریف الساکنه خوف اللّبس کما سنبیّنه ، ویقع ذلک فی کلّ کلمه أولها همزه وصل مفتوحه ، ودخلت همزه الاستفهام علیها فیما فیه لام التعریف ، وفی ایمن وایم الله خاصّه ، إذ لا ألف وصل مفتوحه فی سوی ذلک کقولک آلحسن عندک ، آلرجل عندک؟ بقلب همزه الوصل ألفا ، فیلتقی ساکنان ، هذه الألف ولام التعریف الساکنه التی بعدها وکان من حقّ هذه الألف حین دخلت همزه الاستفهام علیها أن تحذف (2) لأنّها / أبدا تسقط فی الوصل لکن لو سقطت لالتبس الاستفهام بالخبر وکذلک : آیمن الله یمینک ، وآیم الله یمینک؟ بإبدال همزه الوصل ألفا لدخول همزه الاستفهام علیها ، فیلتقی ساکنان ، هذه الألف والیاء فی ایمن وایم للبّس المذکور ، ولیس فی العربیه موضع تثبت (3) فیه همزه الوصل فی الوصل إلّا فی هذین الموضعین أعنی مع همزه الاستفهام فیما فیه لام التعریف وفی ایمن وایم (4) ، وبعض العرب یجعل همزه الوصل فیما ذکرنا بین بین ولیس بالفصیح کقول الشاعر (5) :

وما أدری إذا یمّمت أرضا

أرید الخیر أیّهما یلینی

أالخیر الذی أنا أبتغیه

أم الشّرّ الذی هو یبتغینی

فإنه لو لم یجعلها بین بین لم یقم الوزن.

رابعها : أن یلتقیا فیما یعدّد من حروف الهجاء وغیرها ، إذا کان قبل السّاکن حرف لین ، نحو جیم ، عین ، قاف ، میم ، ثور ، زید ، اثنان ، لعدم الترکیب وقد قیل :

ص: 181

إن السکون فی مثله للوقف إجراء للوصل مجری الوقف کما تقدّم الکلام علیه فی الوقف.

ألف حلقتا ، ولام التعریف ، والقیاس حذفها ، لأنّها مثل : غلاما الرّجل (1) وقد جاءت فی الشعر محذوفه علی القیاس وهو قوله (2) :

قد التقت حلقتا البطان بأق

وام وجاشت نفوسهم جزعا

وأمّا حذف الیاء فمثل : لم یبع ، کان یبیع فسکنت العین للجزم ، والتقت مع الیاء فحذفت / الیاء لالتقاء الساکنین ، ومثل : ارمی یا امرأه ، أصله ارمیی استثقلت الکسره علی الیاء فحذفت فالتقی ساکنان ، الیاء الأولی ویاء الضمیر فحذفت الیاء الأولی ، ومثل : یا قوم ارموا ، أصله ارمیوا کرهت الضمه (3) علی الیاء بعد الکسره فسکنت فاجتمع ساکنان ؛ الیاء وواو الضمیر فحذفت الیاء وأبدل من کسره المیم ضمّه ، بقی ارموا ، وکذلک الحکم فی کلمتین تقول : یرمی الغرض بحذف الیاء لسکونها وسکون لام التعریف ، وتقول : لم تضربی ابنک فتحذف الیاء لالتقائها (4) الساکن الذی بعدها وهو الباء الموحده ، وکذا : هذا غازی المسلمین بحذف الیاء لسکون لام التعریف بعدها ، وأما حذف الواو فمثل ؛ لم یقل ، کان یقول فسکنت اللّام للجزم والتقت مع الواو فحذفت الواو لالتقاء الساکنین ، وتقول : یا قوم اغزوا ، أصله اغزووا ، وکرهت الضمه علی الواو بعد الضمه ، فسکنت فاجتمع ساکنان هی وواو الضمیر فحذفت وبقیت واو الضمیر ، وکذلک الحکم فی کلمتین ، تقول : یغزوا القوم بحذف الواو لسکون لام التعریف بعدها وتقول : هذا أخو القوم بحذف الواو لسکونها وسکون لام التعریف بعدها.

الشّاعر (1) :

...

ومن بنی خلف الخضر الجلاعید (2)

وفی قوله : (3)

عمرو الذی هشم الثّرید لقومه

ورجال مکّه مسنتون عجاف

وإنّما جاز ذلک لأنّ النون تؤاخی حروف اللّین فی کونها تدغم فی الیاء والواو ، وتزاد کما تزاد حروف المدّ ، فلذلک حذف التنوین من خلف ومن عمرو فی الشعر المذکور.

جائزا ، وقرأ بعضهم اشتروا الضلاله بالفتح ، وکذلک ما کان مثله نحو (عَصَوُا الرَّسُولَ)(1)(فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ)(2) ، (وَآتَوُا الزَّکاهَ)(3) فیجوز فیه تحریک الواو بالحرکات الثلاث ، فالکسر علی الأصل (4) ، والضمّ لما قدمنا ذکره ، والفتح لأنّه أخفّ ، وکذلک الکلام فیما أشبهه من اخشوا الله وشبهه ونحو قولک : اخشی الله یا امرأه بتحریک یاء اخشی بالکسر للالتقاء الساکنین ، هی ولام التعریف فی اسم الله تعالی ، ونحو : مصطفی الله بتحریک الیاء بالکسر ، کان مصطفین جمع مصطفی ، سقطت النون للإضافه فالتقی ساکنان الیاء واللّام فی اسم الله ، فحرکت الیاء بالکسر (5) ونحو قوله تعالی : (لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَکُمْ)(6) بتحریک واو لو بالکسر للالتقاء الساکنین هی والسین (7) واعلم أنّ الحرف المجزوم (8) إذا تحرّک لملاقاه ساکن بعده نحو : خف الله ورمت المرأه ویا قوم اخشون الله ، واخشین ، لم یردّ ما حذف منه فلا یقال : خاف الله ولا رمات المرأه ، ولا اخشوون بواوین

ص: 186

ولا اخشیین بیائین ، لأنّ هذه الحرکه إنما جاءت لملاقاه السّاکن بعدها وهو غیر لازم ، فلا یعتدّ بها لکونها حرکه عارضه لسقوطها فی الوقف ، وعند عدم الساکن بعدها ، بخلاف ما إذا تحرّک المجزوم بحرکه لازمه فإنه یعتدّ بها للزومها فیردّ المحذوف لزوال (1) السکون نحو : یا زیدان خافا ، ویا زیدون خافوا ، ویا هند خافی ، لأنّ الضمیر المتصل کالجزء فمن ثمّ ردّت / الألف فی : خافا وخافوا وخافی ، ولم تردّ فی خف الله ورمت المرأه (2).

الألف ، فکان یلزم أن یتلوه تغییر بعد تغییر ، فلذلک حرّک الثانی من أول الأمر ، ولو حرّک الأول فی «منذ» لذهب وزن الکلمه فلا نعلم هل هی من ساکن الوسط فی الأصل أو متحرکه.

ومن ذلک تحریک نون التثنیه والجمع وهی الساکن الثانی فی قولک : مسلمان ومسلمون ، وحرّک فیها الثانی لامتناع تحریک الأول ، أعنی ألف مسلمان وواو مسلمون.

ومن ذلک تحریک الثانی إذا سکّنوا اللّام فی الأمر من نحو : انطلق یا زید ، فیحرکون الساکن الثانی بالفتح وهو قاف انطلق لالتقاء الساکنین ، وهما اللّام والقاف من انطلق ، لأنّ الأول سکّن تخفیفا لتوالی الحرکات حملا علی فخذ فإن طلق من انطلق مثل فخذ ، فسکّنت اللّام کما سکّنت خاء فخذ وحرکت القاف لالتقاء الساکنین ، وحرّکت بالفتح ، لأنّه أخفّ وأشبه بحرکه ما قبل اللّام ، أعنی طاء انطلق ومن ذلک قول الشاعر : (1)

عجبت لمولود ولیس له أب

وذی ولد لم یلده (2)

أبوان

أراد لم یلده فأسکن اللّام للضروره تشبیها بکتف فالتقی ساکنان اللّام والدّال فحرّک الثانی بالفتح ، وأراد بالمولود عیسی بن مریم ، وبذی الولد آدم وبعده :

وذی شامه سوداء فی حرّ وجهه

مجلّله لا تنجلی لزمان

ویکمل فی تسع وخمس شبابه

ویهرم فی سبع مضت وثمان

یعنی القمر /

ومن ذلک : ویتّقه فی قراءه عاصم (3)(وَیَخْشَ اللهَ وَیَتَّقْهِ)(4) بإسکان القاف

ص: 188

وکسر الهاء ، کان أصله یتقی ، حذفت الیاء للجزم ، ثمّ ألحقت هاء السکت صار یتّقه ، ثم أسکنت القاف تشبیها لتقه بکتف ثمّ حرکت هاء السکت وهی الساکن الثانی لالتقاء الساکنین (1) ، قال ابن الحاجب : (2) وفیه تعسّف مع الاستغناء عنه ، والأولی أن یقال إنّ الهاء ضمیر عائد علی اسم الله وسکنت القاف علی ما ذکر بقی : ویتّقه من غیر اجتماع ساکنین ، ومن غیر تحریک هاء السکت وإثباتها فی الوصل.

ومن ذلک : «ردّ» فی لغه بنی تمیم ، وهی فی لغه الحجاز اردد ، فنقل بنو تمیم حرکه الدّال الأولی إلی الرّاء فسقطت همزه الوصل وسکّنت الدال الأولی لثقل حرکتها ، فأدغموها فی الدال الثانیه ، فالتقی ساکنان الدّال الأولی المدغمه ، والثانیه الساکنه بفعل الأمر ، فوجب تحریک الساکن الثانی لاجتماع الساکنین ، لأنّهم لو حرکوا الأول لبطل الإدغام وانتقض ما أرادوه من التخفیف بالإدغام فقالوا : ردّ ، وقالوا فی المعرب : لم یردّ ، فالذین أدغموا دال ردّ ، شبّهوه بالمعرب المنصوب والمرفوع نحو : لن یردّ وهو یردّ ، فإنّه أدغم إجماعا ، فشبّهوا المبنیّ والمجزوم بالمعرب فأدغموا لکن المعرب لا یجتمع فیه ساکنان لحرکه الرفع والنصب ، وأهل الحجاز کما قالوا فی المنی : اردد قالوا فی المعرب : لم یردد ، فلم یجتمع فی لغتهم ساکنان (3).

والسکون من المؤاخاه من حیث اختصاص کلّ واحد منهما بقبیل من المعربات ، لأنّ الجزم فی الفعل نظیر الجرّ فی الاسم ، فلذلک جعل الکسر عوضا عن السکون عند الحاجه إلی الحرکه ولا یعدل عن تحریکه بالکسر إلی الضمّ أو الفتح إلّا لمعارض یقتضی ذلک جوازا أو وجوبا ، والجواز قد یکون علی السواء ، وقد یکون الأصل أولی ، وقد یکون المعدول إلیه أولی ، أما الجواز علی السواء فهو أن یکون ما بعد الساکن الثانی ضمه أصلیه لفظا أو تقدیرا فی نفس الکلمه الثانیه التی الساکن الثانی فیها ، فمثال الضمّه الأصلیه لفظا ، قوله تعالی : (وَقالَتِ اخْرُجْ)(1) سقطت همزه الوصل فالتقی ساکنان الأول تاء قالت والثانی خاء اخرج ، وبعد الثانی الراء وهی مضمومه لفظا ضمّه أصلیه فاستوی فی تاء قالت الأمران أمّا الضمّ فلئلا یخرجوا من کسره إلی ضمّه لازمه ولم یتعدوا بالساکن حاجزا ، وأمّا الکسر فعلی الأصل (2).

ومن ذلک أیضا ما قریء فی هاتین الآیتین فالأولی : (أَنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ارْکُضْ بِرِجْلِکَ)(3) والثانیه (إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَعُیُونٍ ادْخُلُوها)(4) فإنه قریء : وعذابن ارکض ، وعیونن ادخلوها بتحریک نون تنوین عذاب ونون تنوین عیون بالضمّ لالتقاء الساکنین ، وهما التنوین / المذکور وراء ارکض ودال ادخلوها ، واستوی فی تحریک التنوین الأمران ؛ أعنی الضمّ والکسر ، أما الضمّ فلاتباع ضمّه کاف ارکض وخاء ادخلوها ، وأمّا الکسر فعلی الأصل (5) ومثال الضمّه الأصلیه تقدیرا ضمّه زای

ص: 190

اغزی یا هند ، لأنّ الأصل اغزوی مثل اخرجی فاستثقلوا کسره الواو فحذفوها فالتقی ساکنان الواو والیاء فأسقطوا الواو لالتقاء الساکنین ، وأبدلوا من ضمّه الزای التی کانت قبل الواو کسره لتصحّ الیاء بعدها ، لأنّها لو بقیت لانقلبت الیاء واوا ، فضمّه زای اغزی أصلیه تقدیرا (1) فإذا اتّصل بها کلمه من قبلها ، آخرها ساکن فتسقط همزه الوصل ویستوی فی تحریک الساکن الأول الضمّ والکسر کقولک : قالت اغزی بتحریک تاء قالت بالضمّ والکسر لما قلنا فلو وجدت ضمّه فی نفس الکلمه الثانیه لکنّها ضمّه غیر أصلیه لم یستو الأمران مثل (أَنِ امْشُوا)(2) و (إِنِ امْرُؤٌ هَلَکَ)(3) فإنّ ضمّه شین امشوا لیست أصلیه لأنّ الأصل : امشیوا بکسر الشین وضمّ الیاء فاستثقلت الضمه علی الیاء فحذفت ، فالتقی ساکنان الیاء والواو فحذفت الیاء وأبدل من کسره الشین ضمّه لتصحّ الواو وکذلک ضمّه راء امرؤ لزوالها فی النصب والجرّ کقولک : رأیت امرأ ومررت بامریء ، ولو وجدت ضمّه بعد السّاکن الثانی لکن لا فی الکلمه الثانیه ، وإن کانت أصلیه لم یکن تحریک أحد الساکنین بالضمّ والکسر علی السّواء مثل : (إِنِ الْحُکْمُ إِلَّا لِلَّهِ)(4) فإن ضمّه الحاء وإن کانت أصلیه بعد السّاکن الثانی ، ولکن لیست فی الکلمه الثانیه ، لأنّ حرف التعریف کلمه مستقله فالضمّه التی بعده فی کلمه أخری لا فی الثانیه ، لأنّ الثانیه هی لام التعریف ، ولیس فیها ضمّه فلا یستوی فیه الأمران وإنما استوی الضمّ والکسر فیما تقدّم ولم یلزم الضم کما لزم فی همزه الوصل فی نحو : اخرج واقتل ، لأنّ همزه الوصل مع الضمّه فی کلمه واحده ، ولیس ما ذکرناه مع هذه الضمه فی کلمه واحده فافترقا.

ومما حرّک علی خلاف الأصل قوله تعالی : (مُعْتَدٍ مُرِیبٍ ، الَّذِی)(5) فإنّه

ص: 191

قریء فی الشاذ «مریبن الذی» بتحریک نون مریب بالفتح هربا من توالی الکسرات. وأما الذی تحریکه علی الأصل أولی فهو الأکثر فیما حرّک لالتقاء الساکنین.

ومنه واو لو فإنّ تحریکها بالکسر أولی ، نحو قوله تعالی : (لَوِ اسْتَطَعْنا)(1) لما سنذکره الآن ، وأمّا الذی تحریکه علی خلاف الأصل أولی فمنه ضمّ واو الضمیر کما تقدّم من نحو : اخشوا الله (اشْتَرَوُا الضَّلالَهَ)(2) وإنما کان الضمّ أولی للفرق بین واو الضمیر وبین واو «لو» فإنّ الواو المفتوح ما قبلها إن کانت ضمیرا ولقیت ساکنا بعدها مثل (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ)(3) فتحریکها بالضمّ أولی ، وإن کانت حرفا من نفس الکلمه نحو واو «لو» فتحریکها بالکسر أولی فی مثل (لَوِ اسْتَطَعْنا)(4) وإنما تخصّص ما هو اسم بالضمّ دون / الحرف لأنّ الواو التی هی اسم أعنی واو الضمیر قد سقط من قبلها حرف مضموم ، لأنّ الأصل فی لا تنسوا ، لا تنسیوا ، وفی اخشوا اخشیوا وفی ارموا ارمیوا وکذلک جمیع ما یأتی من هذا الباب ، فلما تحرّکت الیاء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ثمّ حذفت لسکونها وسکون واو ضمیر الجمع ، فلمّا احتاجوا إلی تحریک هذه الواو حرّکوها بالحرکه المحذوفه ، وهی ضمّه وکانت أولی من حرکه غریبه (5) وأمّا الواو التی هی حرف وهی من نفس الکلمه نحو واو «لو» فحرکت علی الأصل فی التقاء الساکنین (6) واعلم أنّه جاء کسر واو الضمیر تشبیها لها بواو «لو» ، وضمّ واو «لو» تشبیها لها بواو الضمیر ، لکون کلّ منهما واوا ساکنه قبلها فتحه ، وللنحاه مثل ذلک فی جعلهم کلّ قبیل مشبها بالآخر ، کإجازاتهم الجرّ فی الضارب الرجل تشبیها بالحسن الوجه ، وإجازتهم النصب فی الحسن الوجه تشبیها بالضارب الرجل.

ومنه (7) ردّ وشدّ ومدّ ، فالأولی تحریک الساکن الثانی بالضم للاتباع ، لأنّ عمل

ص: 192

اللسان فی جهه واحده أخفّ ، فلذلک حرکوا الساکن الثانی بحرکه ما قبل الساکن الأول ، وحرّک الثانی لالتقاء الساکنین ، وهما الدّال الأولی المسکّنه للادغام ، والدال الثانیه الساکنه للأمر ، ومنهم من یحرّک ذلک کلّه بالکسر علی الأصل فیقول : ردّ ولم یردّ بالکسر ومنهم من یفتح فیقول : ردّ ولم یردّ بالفتح طلبا للخفّه هذا إذا لم یتصل به ما یقتضی خلاف ذلک نحو : یا زید ردّ القوم ، فالأکثر فیه الکسر ، لأنه مثل : اضرب القوم مع جواز الضمّ والفتح أیضا ، وإنما لم یجب فی ردّ القوم الکسر کما وجب فی اضرب القوم للإدغام ، وینشد بیت جریر (1) :

فغضّ الطّرف إنّک من نمیر

...

علی الأوجه الثلاثه ، وکذلک ذم فی قول الشّاعر : (2)

ذمّ المنازل بعد منزله اللّوی

والعیش بعد أولئک الأیّام

وأمّا ما عدل به عن الأصل وجوبا : فمنه : ردّ وشبهها إذا اتصل بها ألف الضمیر فتقول : ردّها وعضّها ونحوهما بفتح ما قبل الهاء وجوبا وذلک لخفاء الهاء حتی کأن الدال فی ردّها أو الضاد فی عضّها قد ولیت الألف (3) ومنه : ردّه وعضّه إذا اتّصل به واو ، ولذلک حرّک الساکن الثانی فی ردّه بالضمّ لمناسبه الواو المتصله بالهاء لخفاء الهاء حتی کأنها لم تحجز ، ولیس ضمّ ردّه بقوه فتح ردّها (4) ، وکذلک وقع الخلاف

ص: 193

فی ردّه وشبهه فجوّز فتحه قوم ومنعه الأکثر وغلّطوا ثعلبا (1) فی جواز الفتح أعنی دال ردّه (2).

ومنه : من مع لام التعریف (3) نحو : من الرجل بفتح نون من وجوبا والتزموا الفتح لکثره وقوع من مع لام التعریف طلبا للخفّه ، وقد جاء الکسر علی الأصل فقالوا : من الرّجل بکسر النون وهو ضعیف وهو بعکس من ابنک لأنّ کسر نون من فی قول : من ابنک هو الفصیح ، لأنّه علی الأصل ، وقد جاء فیه الفتح ، وهو أضعف فقالوا من ابنک مثل / من الرجل ، فأمّا نون عن فعلی الأصل فی الموضعین فتقول : عن الرّجل ، وعن ابنک بالکسر فیهما لیس إلّا (4).

ومنه : هلمّ یا هؤلاء (5) بتحریک الساکن الثانی وهی میم هلمّ المدغم فیها بالفتح وجوبا فی لغه أهل الحجاز ، وأمّا أهل نجد فیقولون : هلمّوا وهلمّی (6) علی ما سبق فی موضعه.

وأمّا ابنم فأصله ابن زیدت علیه المیم للمبالغه والتوکید کما زیدت فی زرقم وستهم بمعنی عظیم الزّرقه ، والعظیم العجیزه أی الأست. ولیست المیم بدلا من اللّام المحذوفه من ابن ، وإلّا لکانت اللّام کالثابته وبطل دخول همزه الوصل.

وأمّا اسم فأصله سمو بکسر فاء الفعل (1) فحذفت لامه التی هی الواو وسکّن أوله ، وعوّض همزه الوصل. کما قیل فی ابن.

وأما است فأصله سته علی وزن فعل بفتح العین فحذفت اللّام التی هی الهاء وعوّض بهمزه الوصل کما قیل فی ابن ، ومنهم من حذف العین وهی تاء سته فصار «سه» وهو قلیل (2) ومنه قوله علیه السلام : «العین وکاء السّه» (3).

وأمّا اثنان فأصله ثنیان بتوالی ثلاث فتحات مثل : غلیان وهو من ثنیت بدلیل وقولهم : ثنویّ فحذفت یاؤه علی غیر قیاس ، بقی ثنان ، فأسکنت فاؤه وجعلت / همزه الوصل ، عوضا مما حذف منه.

وأما اثنتان فالقول فیها کالقول فی اثنین (4) والتاء فیها للتأنیث.

وأمّا امرؤ فخففت الهمزه من آخره بالحذف لکثره الاستعمال وعوّض منها همزه الوصل ولم یحذفوا همزه الوصل إذا رجعت الهمزه لأنّ حذف هذه الهمزه سائغ أبدا ، فلما کانت إذا رجعت بصدد الزوال صار وجودها کعدمها قال ابن یعیش فی شرحه : وکثرت هذه الکلمه فی کلامهم حتّی صارت عباره عن کلّ ذکر وأنثی من الناس (5) وأمّا امرأه فالقول فیها کالقول فی امریء.

وأما أیمن الله فقد تقدّم الکلام علی معناها فی القسم ، وأمّا همزتها فهی همزه وصل عند البصریین عوضا عن اللّام المحذوفه وهی نون أیمن فی قولک : أیم الله (6)

ص: 196

ولم یحذفوا هذه الهمزه وإن عادت النون ، لأنّها بصدد أن تحذف وهی همزه مفتوحه لشبه أیمن بالحرف ، لأنّها اسم غیر متمکن ، ولم یستعمل إلّا فی القسم ، ففتحت الهمزه معها کما فتحت مع لام التعریف وحکی یونس : ایمن بکسر الهمزه (1).

8 - افعوعل افعوعالا کاخشوشن اخشیشانا (1).

فجمیع مصادر هذه الأفعال وما أشبهها یلزمها همزه الوصل ، لأنّ أوائلها وضعت علی السکون وتسقط همزاتها فی الوصل وجوبا.

قیس بن الخطیم : (1).

إذا جاوز الإثنین سرّ فإنّه

بنشر وتکثیر الحدیث قمین

فأثبتها فی الإثنین لضروره قیام الوزن. وإلّا (2) مع همزه الاستفهام فیما فیه لام التعریف ، ومع أیمن نحو : آلرجل عندک؟ آیمن الله یمینک؟ فإنهم التزموا جعل همزه الوصل فی الموضعین المذکورین ألفا للبس الاستخبار بالخبر (3) حسبما تقدّم فی التقاء الساکنین.

الخروج من کسر إلی ضمّ ، ولم یعتدّوا بالساکن بینهما حاجزا لأنّ الساکن کالمیّت ، وتکون مفتوحه مع لام التعریف ومیم التعریف وإنّما فتحت معهما لیفرّقوا بین دخولها علی الحرف وبین دخولها علی الاسم والفعل ، وفتحت فی کلمتی القسم أیضا وهی : ایمن الله وایم الله لشبههما بلام التعریف فی لزومهما موضعا واحدا وهو القسم ففتحت معهما کما فتحت مع لام التعریف (1).

واعلم أنّ هو وهی إذا اتصلتا بالواو / أو الفاء أو لام الابتداء أو همزه الاستفهام جاز إسکانهما (2) لأنّ قولک : وهو کعضد وقولک : وهی ککبد فسکنت الهاء فیهما تشبیها بضاد عضد وباء کبد ، فمثال التسکین مع الواو قوله تعالی : (وَهُوَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ)(3) ومع الفاء (فَهُوَ یُخْلِفُهُ وَهُوَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ)(4) وقوله : (وَهِیَ تَجْرِی بِهِمْ)(5) وقوله : (فَهِیَ کَالْحِجارَهِ)(6) جمیع ذلک قریء بالإسکان والتحریک (7) ومثاله مع لام الابتداء قوله تعالی : (لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ)(8) ومثاله مع الهمزه قول الشّاعر : (9)

ص: 200

فقمت للزّور مرتاعا وأرّقنی

فقلت أهی سرت أم عادنی حلم

فإذا ابتدیء بهما ردّتا إلی أصلهما کقولک مبتدئا : هو ، بضمّ الأول وهی ، بکسر الأول ، ولام الأمر أصلها الکسر نحو : لیقم زید بالکسر لا غیر ، فإذا اتصل بها الواو والفاء جاز إسکانها تخفیفا نحو : (وَلْیُوفُوا)(1) ونحو : (فَلْیَنْظُرْ)(2) وکذلک یجوز إسکانها أیضا مع ثمّ کقوله تعالی : (ثُمَّ لْیَقْطَعْ)(3) وکقوله : (ثُمَّ لْیَقْضُوا)(4) بإسکان اللّام فیهما لأنه جعل المیم الثانیه من ثمّ بمنزله الفاء فی قولک : فلیقضوا ، وإنما أورد (5) تسکین الهاء فی هو وهی ولام الأمر فی باب ما وضع أوله علی السکون وإن لم یکن منه ، خوفا من أن یتوهّم متوهم أنه منه ، فبیّن أنّ سکون ذلک عارض لضرب من التخفیف فلا یعتدّ به وأنت بالخیار فی تسکین ذلک وتحریکه.

3 - أن تکون لتلیین اللفظ (1) وإزاله قلق اللّسان بسبب توالی الحرکات ولا تکون الزیاده لهذا المعنی إلا من حروف المدّ کألف عمایه ویاء صحیفه وواو عجوز.

4 - أن تکون للعوض عمّا حذف کتاء إقامه (2).

5 - أن تکون للتکثیر کمیم زرقم وستهم (3).

6 - أن تکون للإمکان کألف الوصل وهاء السکت فی قه فی الوقف لأنه لا یمکن أن یبتدأ (4) بحرف ، ویوقف علیه.

7 - أن تکون للبیان کزیاده هاء السکت أیضا فی نحو : (مالِیَهْ)(5) لبیان الحرکه وفی نحو : یا زیداه لبیان الألف (6).

وحروف الزیاده عشره یجمعها قوله : الیوم تنساه ، ومعنی کونها حروف زیاده أنه إذا وقع فی الکلمه حرف زائد لغیر الإلحاق ولغیر التضعیف فلا یکون إلّا منها ، ولیس المراد أنها لا تقع إلا زائده فإنها قد تقع أصولا نحو : هول ، ویعرف الزائد من الأصلی بواحده من ثلاث وهی : الاشتقاق وعدم النظیر وکثره وقوع الحرف زائدا ، والمقدّم فی ذلک الاشتقاق وهو اشتراک اللفظین فی المعنی / الأصلی ، والحروف الأصول ، کضارب ومضروب من الضرب ، ولذلک حکم بزیاده النون فی عنسل (7) وهو الناقه السریعه لأنّه موافق فی الحروف الأصول وفی المعنی الأصلی لعسل إذا أسرع ومنه عسلان الذئب (8) ، والحرف الزائد هو الذی یسقط فی تصاریف الکلمه

ص: 202

تحقیقا وتقدیرا (1) وقد تقدّم فی قسمی الاسم والفعل عند ذکر الأبنیه المزید فیها نبذ من القول فی زیاده هذه الحروف ، وأمّا المذکور هنا فهو ما یمیّز به بین مواقع أصالتها ومواقع زیادتها (2) وابتدأنا بذکر زیاده الهمزه ثمّ الألف ثمّ الیاء ثم الواو ثم المیم ثم النون ثم التاء ثم الهاء ثم السین ثم اللام.

ألق فاء الفعل ، فکذلک هی فی أولق ، وبعضهم یقول : هو من ولق إذا أسرع فوزنه علی هذا أفعل (1) ، لأنّ الواو أصلیه فهی فاء الفعل والهمزه زائده کما رأیت من أصاله الواو فی الفعل الذی هو ولق (2) ، وإن وقعت الهمزه أولا ووقع بعدها حرفان أصلیان أو أربعه أصول قضی بأصالتها کإتب وإزار وإصطبل وإصطخر (3) أمّا أصاله همزه إتب وهو ثوب بلا کمّ ولا جیب ، فلئلا ینقص الاسم عن مثال الأصول فیبقی علی حرفین لو جعلنا همزته زائده ، وإزار کذلک لأنّ الألف زائده ، وأمّا أصالتها فی إصطبل وإصطخرو ما أشبههما فلأنّ الأربعه مستثقله والهمزه حرف ثقیل وما کانوا لیزیدوا الثقیل ثقلا ، فیحکم بأصالتها حتی یقوم دلیل علی الزیاده (4) وأمّا الهمزه التی تقع غیر أول فکذلک یقضی (5) بأصالتها ، لأنّ الحشو لا یکاد یزاد فیه إلّا أن یأتی ما یصرف عن ذلک ویوجب زیادتها کهمزه شمأل ، ونئدل وهو الکابوس ، وجرائض وهو العظیم البطن ، وضهیأه وهی التی لا تحیض ، کأنها ضاهت الرجال ، أما زیاده همزه شمأل ، فلأنّه من شملت الریح (6) ، وأمّا نئدل فلأنه من النّدل ، ولقولهم : نیدلان بغیر همز ولو لا / سقوطها فی النّدل وفی التثنیه لقضی بأصالتها (7) وأما جرائض فلقولهم : جرواض وجریاض بغیر همز ، وأما ضهیأه فلقولهم فیها أیضا : ضهیأ بغیر هاء فتکون الهمزه زائده ووزنها فعلاء ، لأنک لو جعلت الهمزه لام الفعل لکان وزنها فعیل بالفتح وهو غیر موجود فی کلامهم (8).

لامتناع الابتداء بالسّاکن ، لکن تزاد ثانیه کضارب وخاتم (1) ، وثالثه کحمار وکتاب. ورابعه کحبلی وجلباب وسرداح وهی الناقه الکثیره اللحم ، وخامسه نحو : حلبلاب وهو نبات یتعلّق بالشجر (2) ولا تزاد الألف فی حشو الاسم للإلحاق لکن فی آخره کألف معزی ، فإنّها للإلحاق بدرهم لا للتأنیث ، أمّا زیادتها فلقولهم : معز ومعز (3) وأمّا کونها لیست للتأنیث فلتنوین معزی ، والمعزی أعجمی أجرته العرب مجری رجل وفرس فدخله الإلحاق بزیاده الألف کما دخل فی الأسماء العربیّه. وأمّا إذا وقعت الألف آخرا فهی علی أحد ثلاثه أوجه : إمّا للإلحاق کما قلنا فی ألف معزی ، وإمّا للتأنیث کألف حبلی ، وإمّا لغیرهما کألف قبعثری وهو العظیم الخلق فإنّ ألفه کألف کتاب لا للتأنیث ولا للإلحاق ، أما کونها لغیر التأنیث فلتنوین قبعثری ، وأمّا کونها لغیر الإلحاق فللزیاده علی الغایه ، لأنّ غایه الأصول خمسه ولیس لهم أصل سداسیّ لیلحق به (4).

وجود فعیل وهو غیر موجود فی کلامهم فوزنه یفعل (1) ، وأمّا بیطر فلأنّه من بطر إذا شقّ وأمّا فی عثیر وزبنیه وهو واحد الزبانیه ، فلأنها لا تکون فی مثلها فیما عرف اشتقاقه إلا زائده فوجب القضاء بزیادتها فیما لم یعرف اشتقاقه حملا علی ما عرف اشتقاقه إلی أن یقوم دلیل علی خلافه کالیاء فی یأجج وهو واد بقرب مکّه (2) ، وفی مریم ومدین ، وفی صیصیه وهی شوکه یسوّی بها الحائک السّداه (3) واللّحمه ، وفی قوقیت ، أمّا الدلیل علی أصالتها فی یأجج فزیاده الجیم الأخیره ، لأنّها زائده للإلحاق بجعفر ولأجل الإلحاق لم تدغم فیها الجیم الأولی وإذا کانت الجیم زائده لزم أصاله الیاء لئلا تنقص الکلمه عن مثال الأصول فوزن یأجج فعلل لا یفعل (4) / وأمّا الیاء فی مریم ومدین فلعدم فعیل بفتح الفاء فوزنهما فعلل ، وکان القیاس أن یقال : مریم ومدین بکسر أولهما ، لیصیرا علی وزن عثیر ، وأما أصالتهما فی صیصیه فلأنّهم لو جعلوا الیاءین زائدتین نقصت الکلمه عن مثال الأصول ، ولا وجه للقضاء بزیاده إحداهما دون الأخری ، فلما امتنع أن تکونا زائدتین لزم أصالتهما (5) وأمّا قوقیت فیاؤه مبدله من واو کان الأصل قوقوت ، فقلبوا الواو الثانیه یاء لوقوعها رابعه کما قلبت فی ادعیت والکلام فی أصالتها کالکلام فی صیصیه (6). وأمّا إذا کانت الیاء مع أربعه أصول ، فإن کانت الیاء أولا کیستعور وهو اسم مکان بالحجاز (7) فهی أصل لأنّ بنات الأربعه إذا لم تکن جاریه علی الفعل فلا تلحقها الزوائد من أولها ، لأن بنات الأربعه أقل تصرفا من بنات الثلاثه ، وقد ضعفت الزیاده فی أوائل بنات الثلاثه ولم تتمکن کتمکنها فی الوسط والآخر ، لأنّه قد یجتمع فیهما زیادتان ولم یقع ذلک فی أوائلها ، وإذا کان کذلک لم تجز فی أوائل بنات الأربعه ، بخلاف الجاریه علی الفعل فتلحقها خاصه الزیاده من أوائلها نحو : منطلق ومدحرج ، وأمّا إذا لم تکن الیاء

ص: 206

أولا علی الوجه المذکور فهی زائده کما فی سلحفیه لجمعها علی سلاحف ، لأنّ الزیاده فی غیر الأوائل لا تمتنع فی بنات الأربعه (1).

التضعیف ولم تکن قط زائده فی بنات / الأربعه لا مع التضعیف ولا مع غیره.

وهو الإلحاق (1) ولو قلنا بزیاده المیم واللام معا لنقص الاسم عن مثال الأصول ، فلزم أن تکون المیم أصلا ، وأمّا منجنون فمیمه أصلیه وقد تکررت فیه النون عینا ولاما للإلحاق بعضر فوط فوزنه فعللول إذ لیس فی العربیه منفعول ، ومن الدلیل علی أصاله النون أیضا جمعه علی مناجین ، وإذا ثبتت أصاله النون فیه ثبتت أصاله المیم ، وإلّا لکان وزنه مفعلول ، وهو معدوم فی کلامهم (2) وأیضا فاجتماع زیادتین فی أول الکلمه لا یکون إلّا فیما کان جاریا علی الفعل نحو : منطلق ومستخرج (3) وأمّا منجنیق ففی أصاله المیم خلاف ومذهب الأکثر (4) أنّها أصل ، والنون زائده لقولهم : مجانیق فسقوطها فی الجمع دلیل علی زیادتها وإذا ثبتت زیاده النون ، قضی بأصاله المیم ، لأنّه لا یجتمع زیادتان فی أوّل الاسم ، إلّا أن یکون جاریا علی فعله فی نحو : منطلق ومستخرج ، وإذا کانت المیم أصلا فیه / کان وزنه فنعلیل ، وأمّا إذا وقعت أولا خامسه فهی أصل کمرزنجوش (5) لما سبق من أنّ زیاده الهمزه مستثقله فی ذوات الأربعه لطولها فلم یکونوا لیزیدوا الثقیل ثقلا ، وإذا کانت لا تزاد أولا فی ذوات الأربعه فذوات الخمسه بذلک أولی ، فیحکم بأصالتها ما لم یقم دلیل علی الزیاده. وأمّا المیم التی تقع غیر أول (6) فهی أصل لأنّه لیس بموضع زیادتها إلّا أن یدلّ دلیل علی الزیاده کمیم دلامص (7) وقمارص وهرماس وزرقم ، أمّا دلامص وهو البرّاق فلقولهم : دلاص (8) وأمّا قمارص وهو الحامض ، فلقولهم : لبن قارص لکونه یقرص اللسان (9) وأمّا

ص: 209

هرماس وهو الأسد فلأنّه من الهرس ، وأمّا زرقم ونحوه ستهم فلأنه بمعنی الأزرق والأسته ، فقد دلّ علی زیاده المیم حشوا فی ذلک کلّه ، الاشتقاق ، لسقوط المیم فیما ذکر من دلاص وقارص ، والهرس والأزرق والأسته (1) ، والمیم من زیادات الأسماء ، ولا حظّ للفعل فیها ، ولذلک قضی بأصاله میم معدّ ، لکونها أصلا فی تمعددوا ، وأما قولهم : تمسکن وتمدرع وتمندل فشاذ (2).

الکثیر الشعر فیمن صرفها (1) ، لأنّها من حسن وقبن وفنن إذا أبعد فی الأرض (2) فنون جمیع ذلک غیر زائده ، ولذلک صرفت ، ومنهم من جعل النون فی حسّان وحمار قبّان زائده ومنعهما الصرف حملا علی الأکثر وهو القیاس ، فیکون حسّان من الحسن وحمار قبّان من القب (3) ، والقاعده فی ذلک أنّ ما آخره ألف ونون بعد ثلاثه أصول إن کان مشتقا مما لیس فیه نون ، فنونه زائده وهو غیر منصرف کسکران لأنه من السکر فنونه زائده وهو غیر منصرف ، وإن کان مشتقا مما فیه النون فنونه غیر زائده ، وهو منصرف کندمان ، لأنّه من الندامه فنونه غیر زائده وهو منصرف ، وأمّا دهقان وشیطان فإن کانا / من تدهقن وتشیطن فنوناهما غیر زائدتین وهما منصرفان وإن کانا من دهق وشیط کانت النون فیهما زائده وهما غیر منصرفین لزیادتها.

ومنها : زیادتها فی أول الفعل المضارع ، والفعل المطاوع نحو : نفعل وانفعل.

ومنها : زیادتها فی آخر الجمع نحو : غربان ، وفی المصدر نحو : غلیان.

ومنها : زیادتها سادسه فی نحو : زعفران وسابعه فی نحو : عبیثران لأنها لو جعلت أصلیه فیهما لخرجا عن وزن أبنیه الأصول.

ومنها : أن تزاد ثالثه ساکنه نحو : جحنفل (4) ، وشرنبث وهو الغلیظ الکفین وعصنصر وهو اسم جبل (5) وغضنفر (6) وعرندد (7) فالنون زائده فی ذلک کلّه ، لأنّ الألف والواو والیاء تکثر زیادتها إذا وقعت هذا الموقع فی بنات الأربعه کالألف. فی نحو : مساجد ، والواو فی نحو : فدوکس وهو الأسد ، والیاء فی نحو : دریهم ،

ص: 211

فکذلک النون إذا وقعت هذا الموقع لأنّها من حروف الزیاده ، وقد وقعت فی موقع کثر فیه زیاده الحروف المذکوره فوزن ما ذکر من جحنفل إلی غضنفر فعنلل (1) وأمّا الموضع الذی تقلّ زیاده النون فیه ، فهو أن تقع غیر ثالثه سواء کانت أولی کنهشل وهو الذئب وهو فعلل مثل جعفر فلذلک لم یمکن الحکم بزیاده نونه ، أو کانت ثانیه کحنزقر وهو القصیر ، وإنّما کانت نونه أصلیّه لأنها فی مقابله الأصول إذ هی بإزاء الرّاء من قرطعب (2) قال سیبویه (3) : إذا کانت النون ساکنه ثانیه لا تجعل زائده إلّا بدلیل ، وأمّا إذا قام دلیل علی الزیاده فهو مقدّم فیحکم بزیادتها حینئذ کما فی نرجس وعنبس وهو الأسد ، وعنسل (4) وعفرنی وهو من أسماء الأسد ، وبلهنیه ، وخنفقیق (5) أمّا نرجس فلعدم النظیر لو قلنا بأصاله نونه ، لأنّه لیس فی الکلام مثل جعفر بکسر ما قبل آخره فوزنه نفعل ، وأمّا عنبس وعنسل فمن العبس والعسل وهو الإسراع ، وعسلان الذئب شدّه عدوه (6) ، وأمّا عفرنی فالنون والألف فیه للإلحاق وهو من قولهم : جاء فی عفرّه الحرّ بضم العین والفاء أی فی شدّه الحرّ (7) وأمّا بلهنیّه وخنفقیق فالنون زائده فیهما لقولهم : عیش أبله (8) وخفق الریح یخفق أی أسرع (9).

زیاده التاء فی التفعیل (1) کالتقطیع ، لأنّه من قطّع فکانت التاء فی التقطیع عوضا من تشدید الطاء ، وفی التّفعال کالتسال والتکرار ، وفی التّفعّل کالتکلم وفی التفاعل کالتخاصم وفی فعلیهما نحو : تکلّم وتخاصم ، وزیدت ثانیه فی نحو : الاقتطاع وفی فعله نحو : اقتطع وافتقر ، وزیدت فی أوائل الفعل المضارع نحو : تقوم وزیدت / فی الآخر للتأنیث (2) نحو : قامت ومسلمه صالحه ، وزیدت فی جمع المؤنث السّالم (3) نحو : مسلمات ، وفی رغبوت (4) وهو عظیم الرغبه ، وفی جبروت وعنکبوت لورود العنکب بمعناه (5) ثمّ التاء فیما سوی هذه المواضع أصل إلا فی نحو : ترتب (6) وهو الأمر الراتب الثابت ، والتاء الأولی فیه زائده ، لأنّه لیس فی الکلام فعلل بضمّ اللّام الأولی ، فهو تفعل (7) ، وإلّا فی نحو : تولج وهو کناس الوحش ، والتاء فیه بدل من الواو لأنّه من الولوج فوزن تولج تفعل ، وقیل : إنّ تفعل قلیل ، وفوعل کثیر فهو فوعل ، فتکون التاء أصلا علی هذا القول الآخر (8) وإلّا فی سنبته وهی قطعه من الدّهر ، وتاؤها زائده لقولهم : مضی سنب من الدّهر ، وسنبته فسقوط التاء دلیل علی زیادتها (9).

ص: 213