ص: 2

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

«إِذَا ابْتَلَّت النِّعَالُ فالصلاه فی الرِّحَالِ». وقد مرّ تفسیرُه فی کتاب العین.

ویقال : إن فلاناً یَرْحَلُ فُلاناً بما یکره ، أی یَرکَبُه.

ویقال : رحَلْتُ البعیر أَرْحَلُه رَحْلاً : إذا شَدَدْتَ علیه الرَّحْلَ.

ویقال : رحَلْتُ فلاناً بسیْفِی أَرْحَلُه رَحْلاً : إذا علوتُهُ.

وقال أبو زید : أَرْحَلَ الرجلُ البَعِیرَ ، وهو رَجُلٌ مُرْحِلٌ. وذلک إِذا أَخَذَ بعیراً صَعْباً فجعله رَاحِلَهً. وفی الحدیث عند اقتراب الساعه «تخرج نار من قصر عدن تُرَحِّل الناس» رواه شعبه قال : ومعنی تُرَحّل أی تَنْزِل معهم إذا نَزَلوا وتَقِیلُ إذا قالوا. جاء به متصلاً بالحدیث قال شَمِر : وقیل معنی ترحِّلهم أی تُنْزلُهم المَرَاحِلَ. قال : والترحِیلُ والإرْحَال بمعنی الإشْخَاصِ والإزعَاج یقال : رَحَلَ الرجلُ إذا سار وأَرْحَلْتُه أَنا.

والمرحله : المنْزِلُ یُرْتَحَلُ مِنْها. وما بَیْنَ المنْزِلَین مَرْحَلَهٌ.

ورجل رَحُولٌ ، وقوم رُحُلٌ : أی یرتحلون کثیراً ، وجمل رَحِیلٌ وناقه رَحیلَهٌ بمعنی النجِیبِ والظهیرِ.

وقال أبو عبید : الرَّحُول من الإبلِ الذی یصلُح لأن یُرْحلَ. وبَعِیرٌ ذو رُحلَهٍ : إذا کان قویًّا علی أن یُرْحلَ. والرَّاحُولُ : الرَّحْلُ ، وفی حدیث الجعدیِ : أَنَّ ابنَ الزُّبَیْرِ أَمَرَ لَهُ بِراحِلَهٍ رَحیلٍ.

قال المبرد : راحِلَهٌ رَحِیلٌ أی قویٌّ علی الرِّحْلَهِ ، کما یُقال : فَحْلٌ فَحِیلٌ : ذو فِحْلَه.

وروی عن النّبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «تجدون الناسَ کإبلٍ مائَهٍ لیس فیها راحلهٌ» قال ابن قُتَیْبَهَ : الرَّاحِلَهُ هی الناقهُ یختارُهَا الرَّجُلُ لمَرْکَبِه ورَحْلِه علی النجابَهِ وتَمَامِ الخَلْق وحُسْنِ المَنْظَرِ ، وإذا کانت فی جَماعهِ الإبل تبیَّنَتْ وعُرِفَتْ. یقولُ : فالناسُ مُتساوون ، لیس لأَحَدٍ منهم علی أَحَد فضلٌ فی النَّسَب ، ولکنهم أشْبَاهٌ کإبلٍ مائَهٍ لیست فیها راحِلَهٌ تَتَبَیَّنُ فیها وتَتَمَیَّزُ منها بالتَّمَامِ وحُسْنِ المَنْظَرِ.

قلت : غَلِطَ ابنُ قُتیْبَهَ فی شیئین : فی تفسیر هذا الحدیث ، أحَدُهما أَنَّهُ جعَل الراحلَهَ النَّاقَهَ ، ولیس الجملُ عنده راحلهً. والراحلهُ عند العربِ کلُّ بعیرٍ نجیبٍ جوادٍ سواءٌ کان ذکراً أو أُنْثی ، ولیست الناقهُ أَولَی باسْمِ الراحلهِ من الجملِ ، تقول العربُ للجَمَلِ إذا کان نجیباً : راحلهٌ وجمعه رواحلُ ، ودخول الهاء فی الراحلهِ للمبالغه فی الصِّفَهِ ، کما یُقالُ : رَجلٌ داهیهٌ وباقِعَهٌ وعَلَّامَهٌ. وقیل : إنَّها سُمِّیَتْ راحلَهً لأنها تُرْحَلُ ، کما قال الله (فِی عِیشَهٍ راضِیَهٍ) [الحاقه : 21] أی مَرْضِیَّهٍ ، و (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6)) [الطّارق : 6] أی مَدْفُوق. وقیل : سُمِّیَتْ رَاحِلَهً لأنها ذاتُ رَحْل ، وکذلک عیشه راضیهٌ : ذاتُ رضًی. وماء دافِقٌ ذو دَفق.

وأما قوله : إن النبیَّ صلی الله علیه وسلم أراد أن الناس متساوُون فی الفضل لیس لأحد منهم فضلٌ علی الآخَرِ ولکنهم أشباهٌ کإبل مائهٍ لیس

ص: 6

فیها راحلهٌ ، فلیس المعنی ما ذَهَبَ إلیه. والذی عندی فیه أنَّ الله تبارک وتعالی ذَمَّ الدنیا ورُکُونَ الخلْقِ إلیها وحذَّرَ عِبَادَهُ سُوءَ مَغَبَّتِها ، وزهَّدَهُم فی اقتنائِها وزُخْرُفِها وضربَ لَهُمْ فیها الأمْثَالَ لِیَعُوها ویَعْتَبِرُوا بها ، فقال : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَیاهُ الدُّنْیا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِینَهٌ وَتَفاخُرٌ) [الحَدید : 20] الآیه. وکان النبی صلی الله علیه وسلم یحذِّرُ أصحابَه بما حذَّرَهم الله من ذَمِیم عَوَاقِبِها وینهاهم عن التَّبَقُّرِ فیها ویزهِّدُهم فیما زهَّدَهُم الله فیه منها ، فَرَغِبَ أکثرُ أصحابه علیه السلام بعده فِیهَا ، وتَشَاحُّوا علیها وتَنَافَسُوا فی اقتنائِها حتی کان الزهدُ فی النادِرِ القلیلِ منهم ، فقال النبی صلی الله علیه وسلم : «تجدون الناس بَعْدِی کإبلٍ مِائَهٍ لیس فیها راحلهٌ» ولم یُرِدْ بهذا تساوِیَهُم فی الشَّرِّ ولکنه أراد أنَّ الکامِلَ فی الخَیْرِ والزَّاهِدَ فی الدُّنیَا مع رَغبَتِهِ فی الآخِرَهِ والعملِ لها قلیلٌ ، کما أن الراحلَهَ النجیبهَ نادِرٌ فی الإبل الکثیرِ.

وسمعت غَیْرَ واحِدٍ من مشایِخِنا یقول : إن زُهَّادَ أصحابِ رسولِ الله صلی الله علیه وسلم لم یَتَتَامُّوا عشرهً مع وُفُور عددِهم وکثره خَیْرِهم ، وسبقِهم الأمَّهَ إلی ما یستَوْجِبُون به کریمَ المآب برحمه الله إیَّاهم وَرِضْوانِه علیهم. فکیف مَنْ بَعْدَهم. وقد شاهَدُوا التَّنْزِیلَ وعایَنُوا الرَّسُولَ وکانوا مع الرغْبَهِ التی ظَهَرَتْ منهم فی الدنیا خَیْرَ هذه الأمه التی وصَفَهَا الله جلَّ وعَزَّ فقال : (کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّهٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عِمرَان : 110] وواجبٌ علی مَنْ بَعْدَهمْ الاستغفارُ لهم والترحمُ علیْهِم وأن یسأَلُوا الله أَلَّا یجعل فی قُلُوبهم غِلًّا لهم ولا یذکُرُوا أحداً بما فیه مَنْقَصَهٌ لهم ، والله یرحمنا وإیّاهم ویتغمَّد زَلَلَنَا بفضْلِهِ ورحمته (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ).

أبو عبید عن أبی عمرو : ناقَهٌ رَحِیلَهٌ : شدیدَهٌ قویَّهٌ علی السیر ، وجمل رَحیلٌ مِثلُه ، وإنَّها لَذَاتُ رُحْلَهٍ. وقال الأمَویٌّ ناقهٌ حِضَارٌ إذا جَمَعَتْ قُوَّهً ورُحْلَهً یعنی جَوْدَهَ السیر.

وقال شَمِر : ارْتَحَلْتُ البعیرَ إذا شدَدْتُ الرَّحْلَ عَلَیْهِ وارْتَحَلْتُه إذا رَکِبْتَهُ بقتب أو اعْرَوْرَیْتَهُ وقال الجعدی :

وما عَصَیْتُ أمیراً غَیْرَ مُتَّهَمٍ

عِنْدِی ولکنَّ أَمْرَ المرْءِ مَا ارْتَحَلَا

أی یَرْتَحِلُ الأمر ، یرکبه.

قال شمر : ولو أنّ رجلاً صَرَع آخر وقعد علی ظهره لقلت رأیتُه مُرْتَحِله. ومُرْتَحَلُ البعیر : مَوْضِعُ رَحْلِه من ظَهْرِه وهو مَرْحَلُهُ ، قال : وبعیرٌ ذو رُحْلَهٍ وذو رِحله وبعیر مِرْحَلٌ ورَحِیلٌ إذا کان قویّاً.

الحرَّانی عن ابن السکیت : قال الفراء : رِحْلَهٌ ورُحْلَهٌ بمعنًی واحدٍ ، قال وقال أبو عمرو الرِّحْلَهُ : الارتحال ، والرُّحلَهُ بالضم : الوجْه الذی تُرِیدُه. تقول : أَنتُمْ رُحْلَتِی. قال وقال أبو زید نَحْواً منه.

ویقال للراحله التی رِیضَتْ وأُدِّبت : قد أَرحَلَتْ إِرْحَالاً وأَمهَرَتْ إِمْهَاراً إذا جَعَلها الرائِض مَهْریَّه وراحلهً.

ص: 7

وفی «نوادر الأعراب» : ناقه رَحِیلهٌ ورحیلٌ ومُرْحِلَهٌ ومُستَرْحِلَهٌ أی نجیبَهٌ. وبعیر مُرْحِلٌ إذا کان سمیناً وإن لم یکن نجیباً.

وقال اللیث : ارتحل القوم ارتحالاً.

والرِّحْلَهُ : اسمُ ارتحالِ القوم للمسیر.

قال : والمُرْتَحَل نقیضُ المحَلِّ. وأنشد قول الأعشی :

إِنَّ مَحَلًّا وإِنَ مُرْتَحَلا

یرید إن ارتحالاً وإن حلولاً.

قال : وقد یکون المُرْتَحَلُ اسْمَ المَوْضِع الذی تَحُلُّ فیه. قال : والترحُّلُ : ارتحالٌ فی مُهْلَهٍ.

والمرحَّلُ : ضَرْبٌ من بُرُودِ الیمن ، وقیل سمی مُرَحَّلاً لما علیه من تَصَاویرِ الرَّحْل وما ضَاهَاهُ. قال : ورَاحِیلُ اسمُ أُمِّ یُوسُفَ ابنِ یعقوبَ. والعرب تکنی عن القذف للرجل بقولهم «یا ابن مُلْقَی أَرْحُلِ الرُّکبان» ویفسَّرُ قول زهیر :

ومَنْ لا یَزَلْ یسترْحِلِ الناسَ نَفْسَهُ

ولا یُعْفِهَا یَوْماً من الذُّلِّ یَنْدَمِ

تفسیرین : أحدُهما أَنَّهُ یَذِلُّ لهم حتی یَرْکَبوه بالأَذَی ویستذِلُّوه ، والثانی : أنه یَسْأَلُهم أن یحملوا عنه کَلَّه وثُقْلَه ومَؤُونَتَه ومن قال هذا القول روی البیت

«ولا یعفها یوماً من الناس یُسْأَمِ»

وقال ذلک کلَّه ابنُ السکیت فی کتابه فی المعانی.

وقال أبو عبیده فی شیات الخیل : إذا کان الفَرَسُ أبیضَ الظهرِ فهو أَرْحَلُ ، وإن کان أبیضَ العَجُزِ فهو آزَرُ. وقال أبو زَیْدٍ فی شیات الغنم إن ابْیَصَّ طولُ النَّعْجَهِ غیرَ مَوْضِعِ الرَّاکب منها فهی رَحْلَاءُ ، فإن ابْیَضَّتْ إِحْدَی رِجْلَیْها فَهِی رَجْلَاءُ. وقال الفرزدق :

علیهِنَ رَاحُولَاتُ کُلِّ قطیفه

من الخَزِّ أَو مِن قَیصَرانَ عِلَامُها

قال : الراحُولَاتُ : المُرَحَّلُ المَوْشِیُّ علی فَاعُولات. قال وقَیْصَرَانُ ضربٌ من الثیابِ المَوْشِیَّهُ.

ویقال : ارْتَحَل فلانٌ فلاناً : إذا علا ظَهْرَهُ وَرکِبَه. ومنه حَدِیثُ النبی صلی الله علیه وسلم : «أنه سَجَدَ فَرکبه الحَسَنُ فأَبْطَأَ فی سُجُودِهِ ، وقال : إنَّ ابنِی ارْتَحَلَنِی فکرِهْتُ أن أُعْجِله».[ح ر ن] حرن ، حنر ، نخر ، رنح : مستعمله.

قال الأصمعی فی قوله حارنهً متأخرهً. وغیرُه یقول لازِمَهً. وقال ابن شمَیْلٍ : المحارینُ حَبُّ القطن الواحد مِحْرَانٌ.

والغیث بالمُتَأَلِّقَا

تِ مِنَ الأَهِلَّه فی النواحر

ویقال له نَاحِرٌ. ویقال لآخر لیلهٍ من الشهر نَحیرَهٌ لأنها تَنْحَرُ الهِلَالَ. وقال الکمیت أیضاً :

فَبَادَرَ لَیْلَهَ لَا مُقْمِرٍ

نَحیرَهَ شَهْرٍ لِشَهْرٍ سِرَاراً

أراد لیلهَ لا رَجُلٍ مُقْمِرٍ. والسِّرارُ مردودٌ علی اللیلَهِ. ونحیرَه فعیله بمعنی فاعِلَه لأنَّها تَنْحَرُ الهلالَ ، أی تستَقْبِلُه.

ویقال للسحاب إذا انْعَقَّ بِمَاءٍ کثیرٍ : قد انْتَحَرَ انتِحَاراً. وقال الراعی :

قَمَرَّ عَلَی مَنَازِلِهَا وَأَلْقَی

بها الأَثْقَالَ وَانْتَحَرَ انتِحَاراً

وقال عدیُّ بن زید یصف الغیث :

مَرِحٌ وَبْلُه یسحّ سُبُوب ال

مَاءِ سَحٍّا کأَنَّه مَنْحُورُ

والنِّحْرِیرُ : الرجُلِ الطَبِنُ الفَطِنُ فی کل شیء ، وجمعه : النَّحَارِیرُ.

ثعلب عن ابن الأعرابی : النَّحْرَهُ انْتِصَابُ الرَّجُلِ فی الصَّلَاه بإزاء المحراب. وقال أبو العباس فی قوله : (فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ) 2 [الکَوثَر : 2]

قالت طائفه أُمِرَ بِنَحْرِ النُّسُکِ بَعْد الصَّلاه. وقیل أُمِرَ أَنْ یَنْتَصِبَ بنَحْره بإزَاءِ القِبْلَه وأَلَّا یَلْتَفِتَ یمیناً ولا شمالاً.

وقال ابن الأعرابی : النَّاحِرَتَانِ : التَّرْقُوَتَان من الإِبِل والناسِ. وَالجَوانحُ : ما وقَعَ علیه الکَتِفُ مِنَ الدَّابَّه والبَعِیرِ ، وهِیَ من الإنسانِ الدَّأْیُ ، والدَّأیُ : ما کَانَ من قِبَلِ الظَّهْرِ ، وهی سِتٌّ : ثَلَاثٌ من کلِّ جانبٍ ، وهی من الصدر الجوانِحُ لجُنُوحِها علی القَلْب. وقَالَ : الکَتِفُ علی ثلاثهِ أضْلَاع من جانب وسته أضلاع من جانب وهذه السته یقال لها الدَّأَیَاتُ. أبو زید الجوانح أدنی الضلوع من المَنْحَر ، وفیهن النَّاحِرَتَان ، وهی ثلاثٌ من کل جانب ، ثم الدَّأَیات وهی ثَلاثٌ من کُلِّ شِقّ ، ثم یبقی من بعد ذلک سِتٌّ من کل جانبٍ متَّصِلاتٌ بالشراسیف لا یسمونها إلا الأضلاع ، ثم ضِلَع الخَلْفِ ، وهی أواخر الضُّلوع.

التفسیرِ : علی شَکِّ ، قال : وحقیقَتُهُ أَنَّه یعبدُ الله علی حرفِ الطَّرِیقَه فی الدِّین ، لا یدخُلُ فیه دُخُولَ مُتَمَکِّنٍ. وأفادنی المنذریُّ عن ابن الیزیدی عن أبی زیدٍ فی قوله (عَلی حَرْفٍ) علی شَکٍّ. وأفادنی عن أَبِی الْهَیثَم أنه قال : أما تسمیتُهم الحَرفَ حَرْفاً فحرْفُ کل شیءٍ ناحیتهُ کحرْفِ الجَبَلِ والنهرِ والسیفِ وغیرهِ ، قلتُ کأَنَّ الخیر والخِصْبَ ناحیهٌ ، والضَّرَّ والشَّرَّ والمکروه ناحیهٌ أخری ، فهما حرفان ، وعلی العبْدِ أن یَعْبُدَ خالِقَه علی حاله السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ. ومَن عَبَدَ الله علی السَّرَّاءِ وحْدَهَا دون أن یَعْبُدَه عَلَی الضَّراءِ یَبْتَلِیه الله بِهَا فَقَدْ عَبَدَهُ علی حَرفٍ ، ومن عَبَدَهُ کَیْفَما تصرَّفَتْ به الحالُ فقد عَبَدَهُ عِبادهَ عَبْدٍ مُقِرٍّ بأَنَّ له خَالِقاً یُصَرِّفه کیفَ یشاءُ ، وأنه إن امْتَحَنَه باللأواء وأنعم علیه بالسَّراء فهو فی ذلک عادلٌ أو متفضلٌ غیر ظالم ولا متعدٍّ ، له الخیَرَهُ وبیده الأمرُ ولا خِیَرَهً للعَبْدِ علیه.

وأما قول النبی صلی الله علیه وسلم «نُزِّلَ القرآن علی سبعه أحرف کلها شاف کاف» لقد أشبَعْتُ تفسیره فی کتاب «القراءَات وعِللِ النحویینَ» فیها وأنا مختصرٌ لَکَ فی هذا الموضِعِ من الجُمَلِ التی أودَعْتُها ذلک الکتابَ ما یَقِفُ بِکَ علی الصواب. فالذی أذْهَبُ إلیه فی تفسیرِ قولهِ : «نُزِّلَ القرآنُ علی سَبْعَهِ أحرف ما ذهب إلیه أبو عبَیْدٍ واتَّبعه علی ذلک أبو العَبَّاسِ أحمد بن یحیی.

فأما قول أبی عبیدٍ فإن عبدَ الله بنَ محمد ابن هاجَک أخبرنی عن ابن جَبَلَه عن أبی عبیدٍ أنه قال فی قوله «علی سبعه أحرف» یعنی سبع لُغَاتٍ من لُغَات العَرَبِ. قال ولیس معناه أن یکونَ فی الحرف الواحدِ سبعَهُ أَوْجُهٍ هذا لَمْ نَسمعْ به. قال ولکن نقول : هذه اللغاتُ السبعُ متفرقَهٌ فی القرآن فبعضه بِلُغَهِ قریش وبعضُه بلغه هوازِنَ وبعضُه بلغه هُذَیْلٍ وبعضُه بلغه أهلِ الیَمَن ، وکذلک سائِرُ اللغات ومعانیها فی هذا کله وَاحِدَهٌ. قال ومِمَّا یُبَیِّنُ ذلک قولُ ابن مسعود : إنی قد سمعت القراءَهَ ووجدتهم متقاربین فاقرءوا کما علمتم ، إنما هو کقول أحدکم هَلُمَّ وَتَعَال وأَقْبِل.

وأخبرنی المنذریُّ عن أبی العباس أنه سُئِل عن قوله «نزل القرآن علی سبعه أحرف» فقال : ما هی إلا لغاتٌ. قلت : فأبو العبَّاسِ النحوی وهو وَاحِدُ عصره ، قد ارْتَضَی ما ذهبَ إلیه أبو عبید واستصْوبَه. قلت : وهذه الأحْرُفُ السبعهُ التی مَعْنَاهَا اللغاتُ غیرُ خَارِجَهٍ من الذی کُتِبَ فی مصاحِف المسلمین التی اجتمع علیها السلفُ المرضیُّون والخلف المتبعون فمن قَرَأَ بحرفٍ لا یُخَالِفُ المصحفَ بزیادهٍ أو نُقْصانٍ أو تقدیم مؤخَّرٍ أو تأخیرِ مُقَدَّم وَقَدْ قَرَأَ به إِمامٌ من أَئِمَّه القُرَّاءِ المُشتهرین فی الأَمْصَارِ فقد قرأ بحرْفٍ من الحُرْوف السبعه التی نزل القرآن بها ، ومن قرأَ بحرفٍ شاذٍّ یُخَالِفُ المصحفَ ، وخالَفَ بذلک جمهورَ القَرَأَهِ المعروفین ، فهو غیرُ مصیبٍ. وهذا مذهبُ أهلِ العِلْم الذین هم القُدْوَه ، ومذهبُ الراسخِین فی عِلْمِ القرآن قدیماً وحدیثاً ، وإلی هذا أَوْمَی أبو العباس

ص: 11

النحویُّ ، وأبو بکرٍ الأنبارِیُّ فی کتاب له ألَّفَهُ فی اتِّباع ما فی المصحَفِ الإمَامِ ، وافقه علی ذلک أبو بکرٍ مجاهدُ مُقْرِیء أهلِ العِراق وغیرُه من الاثْبَاتِ المُتْقِنِین. ولا یجوز عندی غیرُ ما قالوا ، والله یوفقنا للاتّباع وتجنُّبِ الابْتداع ، إنه خیر مُوَفِّق وخیرُ مُعین.

وقال اللیث : التحریفُ فی القرآن : تغییرُ الکلِمَهِ عَنْ مَعنَاهَا وهی قریبَهُ الشَّبَهِ ، کما کانت الیهودُ تُغَیِّر مَعانِیَ التوْراهِ بالأَشْبَاه ، فوصَفَهم الله بِفِعْلِهم فقال (یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [النِّساء : 46] قال : وإذا مال إنسانٌ عن شیء یقال : تحرّف وانْحَرَفَ واحْرَورَف وأنشد فی صفه ثور حفر کناساً فقال :

وإن أصاب عُدَوَاءَ احْرورفا

قال : والحَرْف النَّاقه الصُّلْبَهُ ، شُبِّهت بِحَرْفِ الجبل. وأنشد :

جُمَالِیَّهٌ حَرْفٌ سِنَادٌ یَشُلُّهَا

وَظِیفٌ أَزَجُّ الخَطْوِرِیَّانُ سَهْوَق

قال : وهَذَا البَیْتُ یَنْقُضُ تفسیرَ مَنْ قال : ناقه حَرْفٌ : أَیْ مَهْزولَهٌ شبِّهت بحرْفِ کتابَهٍ لِدَقَّتِها وهُزَالِها.

وروی أبو عبیدٍ عن أبی عَمْرو أنه قال : الحرْفُ : الناقَهُ الضَّامِرُ ، قال : وقال بعضهُم : شُبِّهَت بِحَرْف الجبل. قال أبو عبیدٍ وقال الأَصمعیُّ : الحرفُ : المَهْزُولَهُ ، وقال شَمِر : الحَرْفُ من الجَبَلِ : ما نَتَأَ فی جَنْبِهِ منه کَهَیْئَهِ الدُّکَّانِ الصغیرِ أو نحوِه. قال والحرف أیضاً فی أعْلَاهُ تَرَی له حَرْفاً دقیقاً مشرفاً علی سواءِ ظَهْرِه.

أبو العباس عن ابن الأعرابیِّ قال : الحرْفُ : الشَّکُّ فی قول الله جل وعز : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَعْبُدُ اللهَ عَلی حَرْفٍ) [الحَجّ : 11] أی شَکٍّ.

قال أبو العبَّاسِ : والعربُ تَصِفُ الناقَهَ بالحَرْفِ لأَنَّها ضَامِرٌ ضَامِرٌ ، وتُشَبَّهُ بالحَرفِ من حُرُوفِ المُعْجَم ، وهو الأَلِفُ. وتشبَّه بِحَرْفِ الجبَل إذا وصفت بالعِظَم. قال هذا فی تفسیر قول کعب : حَرْف أخوها أبوها من مهجَّنه وقال اللیث : الْحُرْفُ : حَبٌّ کالخَرْدَلِ ، الواحده حُرْفَهٌ. قال : والمُحَارَفَهُ : المُقَایَسَهُ بالمِحْرَافِ ، وهو المِیلُ الذی یُسْبَرُ به الجِرَاحَاتُ وأنشد :

کما زَلَّ عَنْ رَأْسِ الشّجِیج المُحَارِف

أبو عُبَیْدٍ عن أبی زیدٍ : أَحْرَفَ الرجلُ إِحرافاً إذا نما مَالُه وصَلُحَ. ورُوِیَ عن ابنِ مسعودٍ أنه قال : موت المؤمِنِ بعَرَق الجبین تبقَی علیه البقیَّهُ من الذُّنُوبِ فَیحَارَفُ عند الموت أی یُقَایَسُ بها فیکون کفارهً لذنوبه. ومعنی عَرَقِ الجبینِ شدّهُ السِّیَاق. ویقال : لا تُحَارِفْ أخَاکَ بالسوءِ : أی لا تُجَازِهِ بِسُوءِ صَنِیعِه تُقَایِسْه ، وأحْسِنْ إِذَا أَساءَ ، واصْفَحْ عنه. ویقال للمَحْروم الذی قُتِّرَ علیه رزقُه مُحَارَفٌ. حدَّثَنَا عبدُ الله بنُ عُرْوَهَ عن أبی بکرٍ بن زَنْجَوَیْهِ عن محمدِ بن یوسفَ عن سفیانَ قال حدثنا أو إسحاقَ عن قسر ابن کرکم عن ابن عباس فی قوله : (وَفِی أَمْوالِهِمْ حَقٌ

ص: 12

لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) 19 [الذّاریَات : 19] قال : (السائلُ) : الذی یسألُ الناسَ ، و (المحروم): المُحَارَفُ الذی لیس له فی الإسلام سَهْمٌ ، فهو مُحَارَفٌ. قالَ وأخْبَرَنا الزعْفرانیُّ عن الشافِعِیِّ أنه قال : کُلُّ من استغْنَی بکَسْبِه فلیس له أن یسألَ الصدقَهَ وإذا کان لا یبلغ کسبه ما یُقِیمُه وعیالَه فهو الذی ذکر المفسِّرُونَ أنَّه المحرومُ المُحَارَفُ. قال : والمُحَارَفُ : الذی یَحْتَرِفُ بیدیه قد حُرِمَ سهْمَه من الغنیمه لا یَغْزُو مع المسلمین فبقی محروماً یُعْطَی من الصدقهِ ما یَسُدّ حِرمَانَهُ. وجاء فی تفسیر قول الله جلّ وعز : (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أنّ المحرومَ هو المُحَارَفُ ، والاسْمُ منْهُ الحُرْفَهُ بالضَّم ، وأما الحِرْفَه فهو اسم من الاحْتِرَافِ ، وهو الاکتسابُ ؛ یقال هو یَحْرِفُ لعیاله ویَحْتَرِفُ ، وَیَقْرِشُ وَیَقْتَرِشُ ، ویَجْرَحُ ویَجْتَرِحُ : بمعنی یَکْتَسِبُ.

ثعلبُ عن ابن الأعرابیِّ قال : أَحْرَفَ الرجُلُ إذا جازَی علی خیرٍ أو شَرٍّ. قال ومنه الخبرُ : «إن العبدَ لیُحَارَفُ علی عَمَلِه الخیرَ والشرَّ». قال : وأحرف إذا استغنی بعد فقر وأحرف الرجل إذا کدّ علی عیاله أبو عُبَیْده عن أبی زیدٍ : أحْرَفَ الرجُلُ إِحْرَافاً إذا نَمَا مَالُه وصَلَح.

رجعتَ علیه بالثمن ؛ وهُمَا فی المعنی واحدٌ. قال : وبعضُهم یقول النَّقْدُ عندَ الحَافِرِ ، یرید عند حَافِرِ الفَرَسِ ، وکَأَنَّ هذا المَثَل جَرَی فی الخیْلِ. قال : وقالَ بعضُهم : الحافِرَهُ الأَرْضُ الَّتِی تُحْفَرُ فیها قُبُورُهم ، فسمَّاهَا الْحَافِرَهَ ، والمعْنَی یریدُ المحْفُورَهَ ، کما قال (ماءٍ دافِقٍ) [الطّارق : 6] یرید مَدْفُوق. وأخبرنی المُنْذریُّ عن أبی العَبَّاس أنه قَال : هَذِه کلمَهٌ کانُوا یَتَکَلَّمُون بها عند السَّبْق. قال والحَافِرَهُ : الأرضُ المَحْفُورَهُ ، یَقُول : أقل ما یَقَعُ حَافِرُ الفَرَسِ علی الْحَافِرَهِ فقد وَجَبَ النقْدُ ، یعنی فی الرِّهَانِ ، أی کَمَا یَسْبِقُ فیَقَعُ حَافِرُه عَلَیْها تقول هَاتِ النَّقْدَ : وقال اللیثُ : النقْدُ عِنْدَ الحَافِرِ معناه إذا اشتریْتَه لم تَبْرَح حَتَّی تَنْقُد. الحرَّانِیّ عن ابن السِّکِّیتِ أنه قال : مَعْنَی النَّقْدُ عند الْحَافِرَه أَیْ عِنْد أَوَّلِ کَلِمَهٍ. ویُقَال : الْتَقَی القَوْمُ فاقْتَتَلُوا عِنْدَ الْحَافِرَه أَیْ عِنْدَ أَوَّلِ کَلِمَهٍ وعِنْدَ أَوَّلِ مَا الْتَقُوا ، قال الله جَلّ وَعَزّ (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِی الْحافِرَهِ) أَیْ فِی أوَّلِ أَمْرِنَا. قال : وَأَنْشَدَنِی ابنُ الأعرابیّ :

أَحَافِرَهً عَلَی صَلَعٍ وَشَیْبٍ

مَعَاذَ الله مِنْ سَفَهٍ وَعَارِ

کأنه قال أأرجع فی صِبَایَ وَأَمْرِی الأوَّلِ بعد أن صَلِعْتُ وشِبْتُ. وقال اللیثُ : الحافِرَهُ العَوْدَهُ فی الشَّیْءِ حتَّی یُرَدَّ آخِرُه عَلَی أَوَّلِه. قَالَ : وفِی الحَدِیثِ «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا یُتْرَکُ عَلَی حَالِه حَتَّی یُرَدَّ عَلَی حَافِرَهُ العَودَهُ فی الشَّیءِ حتَّی یُرَدَّ آخِرُه عَلَی أَوَّلِه. قَالَ : وفِی الحَدِیثِ «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا یُتْرَکُ عَلَی حَالِه حَتَّی یُرَدَّ عَلَی حَافِرَتِه أَیْ عَلَی أَوَّلِ تَأسِیسِه ، وقَالَ فی قَوله : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِی الْحافِرَهِ) أی فی الخَلْقِ الأَوَّل بَعْدَ ما نَمُوتُ. وقال ابنُ الأَعْرَابیّ (فِی الْحافِرَهِ) أیْ فِی الدُّنْیَا کَما کُنَّا.

وقال اللَّیْثُ الحَفْرُ والحَفَرُ جَزْمٌ وفَتْحٌ لُغَتَانِ : وهو ما یَلْزَق بالأسْنَانِ من ظَاهرٍ وباطنٍ ، تقول : حَفِرَتْ أسنانهُ حفَراً ، ولغهٌ أخری حفَرت أسنانُه تَحفِر حَفْراً. وأخْبرَنی أبُو بکرٍ عن شمر أنَّهُ سُئِل عن الحَفْر فی الأسْنان ، فقال : هُوَ أن یَحفِرَ القَلَحُ أُصُولَ الأسنان بَیْنَ اللثه وأَصْلِ السِّنّ من ظَاهِرٍ وبَاطِنٍ یُلِحُّ علی العَظْم حتی یَتَقَشَّر العظْمُ إن لم یُدْرَکْ سریعاً ، یُقَال أَخَذَ فِیه حَفْرٌ وحَفَرَهٌ. أبو عبید : عن الکسائی قال : الحفْر بتسکین وقد حفر فُوَه یحفِر حَفراً.

وقال اللیث الحِفْرَاهُ نباتٌ من نباتِ الرَّبِیع ، قال ونَاسٌ من أَهْلِ الیمنِ یُسَمُّون الخَشَبَهَ ذاتَ الأصَابع التی یُذُرَّی الکُدْس المَدُوسُ وَیُنَقَّی بها البُرُّ مِن التِّبْن بِحفْرَاهَ. ثعلبٌ عن ابن الأعرابیّ : أحفَرَ الرجلُ إذا رَعَی إِبِلَه الحِفْرَی ، وهو نَبْتٌ ، قلتُ وَهُو مِن أَرْدَإِ المَرَاعی ، قال : وَأحفَرَ إِذَا عَمِل بالحِفْرَاهِ وهی الرَّقْش الذی تُذَرَّی به الحنطهُ ، وهی الخَشَبَهُ المُصْمَتَه الرأس ، فأما المُفَرَّجُ فهو العَضْمُ بالضَّاد والمِعْزَقَهُ ، قال : والمِعْزَقَهُ فی غیر هذا : المَرُّ ، قَال والرقْشُ فی غیر هذا : الأکلُ الکثیرُ.

وقال أبو حاتمٍ : یقال حَافَرَ الیربوعُ مُحَافرهً ، وفلان أَرْوَغُ من یَرْبُوع : مُحَافِرٍ ، وذلک أن یَحْفِر فی لُغزٍ من ألغَازِه فیذهبَ سُفْلاً ویحفِرَ الإنسانُ حتی یُعْیَی فلا یَقْدِر علیه ویُشَبَّه علیه الجُحْرُ فلا یعرفه من غیره

ص: 14

فیَدَعَهُ ، وإذا فعل الیَرْبُوعُ ذلک قِیلَ لمن یَطْلُبُه دَعْه لَقَدْ حَافَر فلا یقدرُ علیه أحدٌ وقال : إنه إذا حَافَرَ أَبَی أنْ یَحْفِر الترابَ ولا یَنْبِثُه ولا یُدْرَی وجْهُ جُحْره ، یقال قد حثا فتری الجُحْرَ مملوءًا تُراباً مستَوِیاً مع مَا سِواهُ إذا حَثَا ، ویُسَمَّی ذلک الحَاثِیَاءَ ، ممدودٌ ، یقال ما أشد اشتباه حَاثِیَائِه. وقال ابْنُ شمیل : رَجُلٌ مُحَافِرٌ : لَیْسَ له شَیْءٌ ، وأنشد :

مُحَافِرُ العیش أبی جِوَارِی

لیس له مِمَّا أفاءَ الشَّاری

غیرُ مُدَیً وبُرْمَهٍ أعشارِ

أبو عبیده : یقال أَحْفَرَ المُهْرُ للإِثْنَاءِ والإرْبَاع والقُرُوحِ وَأَفَرَّتِ الإِبلُ للاثناء إذا ذهبت رَوَاضِعُها وطَلَع غَیْرُها. وقال فی کتاب «الخیْلِ» یقال أَحْفَرَ المُهْرُ إحْفاراً فهو مُحْفِر ، قال وإِحْفَارُهُ أن یتحرک الثَّنِیَّتان السُفْلَیَان والعُلْیَیَان من رَوَاضِعِه ، فإذا تحرَّکْنَ قالوا قَدْ أَحْفَرَت ثَنَایَا رَوَاضِعِه فسَقَطْن. قال وأولُ ما یُحْفِرْنَ فیما بین ثلاثین شهراً أدْنَی ذلک إلی ثلاثهِ أعْوَامٍ ، ثم یسقُطْن فیقع علیها اسمُ الإبْدَاء ، ثم یُبدیء فیخرج له ثَنِیَّتَان سُفْلَیَان وثَنِیَّتَانِ عُلْیَیَانِ مَکَانَ ثَنَایَاه الرَّواضِعِ التی سَقَطْنَ بعد ثلاثهِ أعوام فهو مُبْدِیءٌ قال ثم یُثَنِّی فلا یزال ثَنِیّاً حتی یُحْفِرَ إحْفَاراً ، وإحفارُهُ أن تُحَرِّکَ له الرَّبَاعِیَّتَانِ السفْلَیَان والرَّبَاعیتان العُلْیَیَان من رَوَاضِعه وإذا تَحَرَّکْن قیل قد أَحْفَرت رُبَاعِیَاتُ رواضعه فیسقُطْنَ ، وأول ما یُحْفِرْن فی استیفائه أربعهَ أعوامٍ ، ثم یقع علیها اسمُ الإبْدَاءِ ، ثم لا یزال رَبَاعِیاً حتی یُحفر لِلْقُروحِ وهو أن یَتَحَرَّک قَارِحَاه ، وذلک إذا استَوْفَی خَمسَهَ أعوام ، ثم یقع علیه اسْمُ الإبْدَاءِ ، عَلَی ما وَصَفْنا ثم هو قارح.

وأخبرنی المنذری عن ثعلب عن ابن الأعرابی إذا استَتَم المُهْرُ سنتین فهو جَذَعٌ ، ثم إذا استتم الثالثهَ فهو ثَنِیٌّ ، فإذا أثْنَی أَلْقَی رَوَاضِعَه فیقال أثنَی وأَدْرَمَ للأَثناء ، ثم هو رَبَاعٍ إذا استتمّ الرابعه من السنین یقال أَهْضم للإِرْبَاعِ وإذا دخل فی الخامسه فهو قارحٌ وقد قَرَحَ یَقْرَحُ قُرُوحاً ، قلت : وصَوَابُه إذا استَتَمّ الخامِسَهَ ، فیکون موافقاً لقول أبی عبیده وکأَنَّهُ سقطَ شَیْءٌ.

ویقال : حَفَرْتَ ثَرَی فُلانٍ إذا فَتَّشْتَ عن أمْرِه ووقَفْتَ علیه. وقال ابنُ الأعرابی حَفَرَ إذا جَامَع وحَفَرَ إذا فَسَدَ.

به ، والمُفْرِحُ : الشیء الذی یُفْرِحُنی. أبو حاتم عن الأصمعی : یقال : ما یسرنی به مُفْرِحٌ ولا یجوز مَفْرُوحٌ ، وهذا عنده مما یَلْحَنُ فیه العامَّه.

وقال اللیثُ : شیوخ حَرْبی والواحد حَرِبٌ شبیهٌ بالکَلْبی والکَلِب. وأنشد قول الأعشی :

وشیوخٍ حَرْبی بشطَّیْ أَرِیکٍ

ونِسَاءٍ کأنَّهُنَّ السَّعَالی

قلت ولم أسمع الحَرْبَی بمَعْنی الکَلْبی إلا ههنا. ولعله شَبَّهَه بالکلبی أنه علی مِثَاله.

وقال اللیث : الحَرْبَهُ دون الرُّمْحِ والجمیع الحِرَابُ.

وقال والمِحْرَاب : الغُرْفه وأنشد قول امریء القیس :

کغزلان رمل فی محاریب أقوال.

قال والمِحْرَابُ عند العامه الیومَ مَقَامُ الإمامِ فی المَسْجِد.

وکانَتْ مَحَارِیبُ بنی إسْرَائیلَ مَسَاجِدَهُم التی یجتمعون فیها للصلاه.

قال أبو عبید : المِحْرَابُ : سیّد المجالس ومُقدَّمُها وأشْرَفُها ، وکذلِکَ هو من المساجد. وقال ابنُ الأعرابیِّ :

المحرابُ : مَجْلِسُ الناسِ ومُجْتَمَعُهُم.

وقال الأصمعیّ : العرب تسمی القَصْرَ محْرَاباً لِشَرفه. وأنشد :

أو دمیهٍ صُوِّرَ مِحْرَابُها

أبو دره شِیفَتْ إلی تاجر

أراد بالمحراب القصر ، وبالدُّمْیَه الصوره.

وقال الأصمعیّ : عن أَبی عَمْرِو بنِ العلاء دخلتُ مِحْرَاباً من مَحَارِیبِ حِمْیَر فَنَفَخ فی وجهی رِیحُ المسک أراد قَصْرَاً أو ما یشبه القصرَ ، وقال الزجاج فی قول الله جلّ وعزّ : (وَهَلْ أَتاکَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ). [ص : 21] قال : المحراب أَرْفَعُ بیتٍ فی الدار ، وأَرْفَعُ مَکانٍ فی المسْجِد. قال والمِحْرَابُ ههنا کالغُرْفه وأنشد :

رَبَّهُ مِحْرَابٍ إذا جِئْتُها

لم أَلْقَهَا أَوْ أَرْتَقِی سُلَّما

وقال الفرَّاءُ فی قول الله جلّ وعزّ : (مِنْ مَحارِیبَ وَتَماثِیلَ) [سَبَإ : 13] ذُکِرَ أنَّها صُوَرُ الأنبیاءِ والملائکهِ ، کانت تُصَوَّرُ فی المساجد لیراها النّاسُ فیزْدَادُوا عبادهً.

وقال الزجَّاجُ : هی واحِدَهُ المِحْرابِ الذی یُصَلّی فیه. وفی الحدیث أنّ النبی صلی الله علیه وسلم بعث عُرْوَهَ بن مسعودٍ إلی قومه بالطائف فَأَتاهُمْ ودَخَل محراباً لَهُ فأشرف علیهم عند الفجر ، ثم أذَّن للصلاه. وهذا یَدُلُّ علی أنه غرفه یُرْتَقَی إلیها. وقال اللیث المحراب عنق الدابه.

ابن الأنباری عن أحمد بن عبید : سمِّی المحرابُ مِحْرَاباً لانفراد الإمام فیه وبُعْدِه عن الناس.

ومنه یقال فلانٌ حَرْبٌ لفلان إذا کان بینهما تباعد ومباغضه واحتجَّ بقوله :

وحارَبَ مرفَقَها دَفُّها

وسامَی به عُنُقٌ مِسْعَر

أراد بعد مرفقها من دفها.

وقال الراجز :

کأنَّهَا لَمَّا سَمَا مِحْرابُها

وقال الأعشی :

ص: 17

وتری مجلساً یغص به المح

راب مِلْقوم والثیاب رقاق

أَرَادَ من القوم. قال : والحِرَباءُ دویبَهٌ علی خِلْقه سَامِّ أَبْرَصَ ذاتُ قوائِمَ أربع ، دقیقهُ الرأس ، مخطَّطَهُ الظهرِ ، تستقبلُ الشمسَ نهارَها. والجمیعُ محرابیّ. قال والحِربَاءُ : رأسُ المِسْمَارِ فی الحلقه فی الدِّرْع.

وقال أبُو عُبَیْد : الحِرْبَاءُ : مسامیرُ الدِّرْع.

وقال لبید :

کلّ حرباء إذا أُکْرِهَ صَلّ

قال : وقَالَ أبو عَمْرٍو الشَّیبانیُّ : حَرَابِیّ المَتْنِ : لَحْمُ المَتْنِ ، قال : وَاحِدُها حِرْبَاءُ ؛ شُبِّه بِحِرْبَاءِ الفَلَاهِ وإنَاثُ الحرابِیِ یقال لها أُمَّهَاتُ حُبَیْنٍ ، الواحده أُمُّ حُبَیْنٍ ، وهی قَذِرَهٌ لا تأکُلُهَا العَرَبُ بتَّه.

وقال أَبُو عُبَیْدٍ قال أبو زَیْدٍ : أرضٌ مُحَرْبِئَهٌ مِنَ الحِرْبَاءِ.

أبُو العبَّاس عن ابن الأعرابیِّ : الحُرْبَه : الجُوَالِقُ.

وقال اللَّیْثُ : الحُرْبه : الوِعَاءُ.

أبو عبید : حَرِب الرجل یحرَبُ حَرَباً إذا غضب. قال وحَرَّبْتُ علیه غیری أی أغْضَبْتُه وسنان مُحَرَّبٌ مُذَرَّبٌ إذا کان مُحَدَّراً مُؤَلَّلاً.

أبو عبید عن یونُسَ قال : أَحْرَبْتُ الرجل : إذا دَلَلْتُهُ علی مالٍ یُغِیرُ علَیْه.

عمرٌ عن أبیه : الحَرَبَهُ : الطَّلْقَهُ إذا کانت بقِشْرِها ، ویقال لِقِشْرِها إذا نُزع : القِیقَاءَهُ.

ثعلب عن ابن الأعرابی ، قال : المحرابُ : القِبْلَهُ. والمِحْرَابُ الغُرْفَه. والمِحْرَابُ : صَدْرُ المَجْلِسِ والمحراب مَأْوَی الأسد ، یقال : دَخَلَ فُلانٌ علی الأسَدِ فی مِحْرَابه وغِیله وعَرِینِه ورجل مِحْرَبٌ أی محارب لِعَدُوِّه. وقیل سمی مِحْرابُ الإمام مِحْرَاباً لأن الإمام إذا قام فیه لم یَأمَنْ أَنْ یَلْحَن أو یُخْطِیء فهو خَائِفٌ مکاناً کأنه مَأْوی الأسد.

والسَّعَه فَأَقِمْ فَلَکَ عندنا ذلک. وسُئل الخلیلُ عن نصْب مَرْحَباً : فقال فیه کَمِینُ الفعل ، أَرَادَ به انْزِل أَوْ أَقِمْ فَنَصَب بفِعْلٍ مُضْمَر ، فلما عُرِف معناه المُرادُ بِه أمِیتَ الفعلُ. قلت وقال غیرُه فی قَولِهمْ : مَرْحَباً ، أَتَیْت رُحْباً وسَعَهً لا ضِیقاً. وکذلک قال سَهْلاً ، أَرَادَ نَزَلْتَ بَلداً سَهْلاً لا حَزْناً غلیظاً.

وقال شمر : سمعت ابن الأعرابی یقول : مَرْحَبَکَ الله ومَسْهَلَکَ ، ومرحباً بک الله ومسْهلاً بکَ الله. وتقول العَرَبُ : لا مرحباً بک أی لا رَحُبَتْ علیک بِلادُک. قال وهی من المَصادِرِ التی تَقَعُ فی الدُّعَاءِ للرجُلِ وعلیه ، نحو سَقْیاً ورَحْباً وجَدْعاً وعَقْراً ؛ یریدون سَقاک الله ورعاک.

وأخبرنی المنذریُّ عن أبی العباس عن سلمه قال سمعتُ الفرّاء یقول یقال رحُبتْ بلادُک رَحْباً ورَحَابهً ورحِبَتْ رَحَباً ورُحْباً. ویقال أرْحَبَتْ ، لُغَهٌ بذلک المعنی.

وقال اللیث : الرُّحْبَی علی بناء فُعْلی أعْرَضُ ضِلَع فی الصدر ، قال : والرُّحْبَی : سِمَهٌ تَسِمُ بها العربُ علی جَنْب البعیر.

وقال أبو عبید عن أصحابه : الرُّحْبَیَانِ مَرْجِعَا المِرْفَقَین ، قال والنَّاحِزُ إنما یکون فی الرُّحْبَیَیْن. وقال غیره : الرُّحْبی : مَنْبِضُ القلبِ من الدوابّ والإنسان.

وَرَحْبَهُ مالکِ ابْنِ طوقٍ : مدینهٌ أَحْدَثها مالکٌ علی شاطیء الفرات. وَرُحَابَهُ : موضع معروف.

شمر عن ابن شمیل قال : الرّحَابُ فی الأودیه الواحدهُ رَحْبَهٌ ، وهی مواضعُ متواطئه یسْتَنقِع الماءُ فیها ، وهی أَسْرَعُ الأرْضِ نباتاً تکون عند مُنْتَهی الوَادِی وفی وَسَطِه ، وقد تکون فی المکان المُشْرِف ویَسْتَنْقِعُ فیها الماءُ ، وما حولها مُشْرِفٌ علیها ، وإذا کانت فی الأرضِ المستویه نَزَلها النَّاسُ ، وإذا کانت فی بطن المسیلِ لم یَنزِلْها الناس ، وإذا کانت فی بطن الوادی فهی أُقْنَهٌ تُمْسِکُ الماء لیست بالقعیره جداً وسعتها قَدْرُ غَلْوه ، والناس ینزِلون ناحیهً منها ، ولا تکونُ الرِّحَابُ فی الرَّمل وتکونُ فی بطونِ الأرض وفی ظواهرِها.

وقال الفرَّاء : یقال للصحراء بین أفْنیَهِ القوم والمسجد رَحْبَهٌ. ورَحَبَهٌ اسمٌ وَرَحْبَهٌ نعت. یقال بلاد رَحْبَهٌ ، ولا یقال رَحَبه. قلت ذهب الفرَّاء إلی أنه یقال بلد رَحْبٌ وبلاد رَحْبَهٌ ، کما یقال بلد سَهْلٌ وبلاد سَهْلَهٌ.

والبَارح من الظِّبَاءِ والطیرِ خلافُ السَّانح وقد مَرّ تفسیرها فی باب (سنح) من هذا الکتاب.

وقال الدینوری : البَیّرُوخُ : هو اللُّقَّاحُ الأصْفُرُ مثل الباذنجان طیّبُ الرائحه ویدخل فی الأدْویه ، ویسمی المغْدَ أیضاً. قال واللُّقَّاحُ أیضاً ضربٌ من الفِرْسِک أجرَدُ فیه حُمْره.

وقال اللیث : البارحُ من الرِّیاح : التی تَحْمِلُ التُّرَابَ فی شِدّه الهُبوب.

أبو عبید عن أبی زید قال : البَوَارحُ الشَّمْأَلُ فی الصیفِ خاصهً. قلت وکلامُ العرب الذین شاهَدْتُهم علی ما قالَ أبو زید. وقال ابن کُنَاسهَ : کلّ ریحٍ تکون فی نُجُوم القیْظِ فهی عند العربِ بَوَارحُ ، قال وأکثرُ مَا تَهُبُّ بنجومِ المیزان ، وهی السَمَائِم ، وقال ذو الرمه :

لَا بَلْ هُوَ الشَّوْقُ من دارٍ تَخَوَّنَهَا

مَرّاً سحابٌ ومَرّاً بَارحُ تَرِبُ

فنسبها إلی التُّراب لأنها قَیْظِیَّه لارِبْعِیَّه ، وریاح الصیف کلُّها تَرِبَهٌ.

وقال اللیثُ : یقال للمحموم الشدیدِ الحُمَّی : أصَابَتْه البُرَحَاءُ ، ویقال بَرَّحَ بنا فُلانٌ تَبْرِیحاً فهو مُبَرِّحٌ ، وأنا مبرَّح : إذ آذاک بإلحَاحِ المَشَقّه ، والاسم التَّبْرِیحُ والبُرْحُ. وأنشد :

لنا والهوی بَرْحٌ علی مَنْ یغَالِبُه*

والتباریح : کُلَفُ المعیشه فی مشَقَّه.

وضَرَبَهُ ضَرْباً مُبَرِّحاً ، ولا تقل مُبَرَّحاً.

ویقال هذا الأمرُ أَبْرَحُ عَلَیَّ من ذلک الأمرِ أی أَشَقُّ وأَشَدُّ. وأنشد لذی الرمه :

أَنِیناً وشَکْوَی بالنَّهَارِ کثیرهٌ

عَلَیَّ وما یأتی به اللیلُ أبْرَحُ

أبو عبید عن الأصمعی إذا تمدَّد المحموم لِلْحُمَّی فذلک المُطَوَاءُ فإذا تثاءب علیها فهی الثُّؤَبَاءُ ، فإذا عرق علیها فهی الرُّحَضَاء ، فإن اشتدت الحمی فهی البُرحَاءُ ، والبرحاء : الشدَّه والمشقَّهُ. قال أبو عبید وقال الکسائی لقیت منه البِرَحینَ والبُرَحینَ. وروی أبو العباس عن سَلَمَهَ عن الفرَّاءِ : لَقِیتُ منه بَنَاتِ بَرْحٍ وبنی بَرْحٍ ، کلُّ ذلک معناه الدَّاهیهُ والشدّه. وقال غیره یقال : لقیت منه بَرْحاً بَارِحاً.

وقال أبو عمرو : ویَرْحَی له ومَرْحَی إذا تعجَّب مِنه. وقال الأعشی :

أَبْرَحْتَ ربّاً وأَبْرَحْتَ جارا*

قال بعضهم : مَعْنَاهُ أَعْظَمْتَ ربّاً ، وقالَ آخرون أَعْجَبْتِ رَبّاً ، ویقال أُکْرِمْتَ مِن رَبِّ. وقال الأصمعی : أَبْرَحْتَ : بَالَغْتَ ، لُؤْماً وأَبْرَحْتَ کَرَماً أی جئتَ بأَمْرٍ مُفْرِط. وقال ابن بُزُرْجَ : قالوا للمرأهِ : أبرحْتِ عائِذاً وأَبْرَحَتِ العائِذُ : إذا تَعَجَّبَ من جمَالها ، وهی والدٌ ذاتُ صَبِیِّ وقال أبو عمرو : بُرْحهُ کل شیء خیاره ، ویقال للبعیر هو بُرْحَهُ من البُرَح یرید أَنَّهُ من خیار الإبل. قال : وأبْرَحَ فلانٌ رَجُلاً إذا فَضَله ، وکذلک کلُّ شیء تُفضّله. قال وقال العُذری : بَرَّح الله عنه ، أی فرَّج الله عنه ، قال : وإذا غضب الإنسانُ علی صاحبه قیل : ما أشدَّ ما بَرِح علیه ،

ص: 20

والعرب تقول فعلنا الْبَارِحهَ کذا وکذا ، للَّیْلَهِ التی مَضَتْ یقال ذاک بعد زَوَال الشمس. ویقولون قَبْلَ الزَّوال فعلنا اللیلهَ کذا وکذا ، وقول ذی الرمه :

تَبَلَّغ بَارِحی کَرَاهُ فیه*

قال بعضهم : أَرَادَ النومَ الذی شق علیه أمرُه لامتناعه منه ویقال أراد نوم اللیله البارِحه. والعربُ تقولُ ما أَشْبَهَ اللَّیْلَهَ بالبارحهِ ، أی ما أَشْبَهَ اللیلهَ التی نحن فیها باللیلهِ الأولی التی قد بَرِحت أَوْ زَالت ومضت. ویقال للشَّمْس إذا غَرَبت : دَلَکَت بَرَاحِ یا هذا ، علی فَعَالِ ، المعنی أَنَّها زالت وبَرِحَت حین غَرَبَت. وبَرَاحِ بمعنی بَارِحهٍ ، کما قالوا لکلْبِ الصیْدَ کَسَابِ بمعنی کاسِبَهٍ ، وکذلک حَذَامِ بمعنی حَاذِمَهٍ. ومن قال دَلَکَت الشمسُ بِرَاحِ ، فالمعنی أنها کادت تَغْرُب وقد وضع یده علی حاجبه ینظر زوالها أَو غروبَها ، ثعلب عن ابن الأعرابی دلَکت بِرَاحِ أی اسْتُریح منها. وأنشد الفراء :

هذا مُقام قَدَمَیْ رَبَاحِ

ذبَّبَ حتی دَلَکَتْ بِرَاحِ

یعنی الشمسَ. قال شمر قال ابن أبی ظبیه العنبری :

بُکْرهً حتی دلکت براح

أی بعشیِّ رائحٍ فأسقط الیاء مثل جرف هار وهائِر. وقال المفضّل دلکت بَراحِ وبَراحُ بکسر الحاء وضمها. وقال أبو زید دلکت براحٍ مجرورٌ منونٌ ودلکت براحُ مضموم غیر منون.

حدثنا الکوفی حدثنا الحلوانی حدثنا عفانُ عن حمادٍ بن سلمه عن حُمَیْدٍ ، قال : قلنا للحسَن ما قوله ضرباً غیر مبرِّح؟ قال : غیر مؤثِّر. وهو قولُ الفراء. وقال ابنُ الأعرابیّ : دَلَکَت بَراحِ أی استُریح منها. وروی شمر فی حدیث عکرمه أَنَّ النبی صلی الله علیه وسلم نهی عن التَّوْلِیهِ والتبْریح ، قال التَّبْرِیحُ قَتْلُ السوءِ ، جاء التفسیرُ مُتَّصِلاً بالحدیث. قال شمر ذکر ابن المبارک هذا الحدیث مَعَ مَا ذُکِرَ من کراههِ إلْقاءِ السَّمکه إذا کانت حَیَّه علی النارِ. وقال : أما الأکلُ فَتُؤْکلُ ولا یُعْجِبُنی قال : وذکر بعضُهم أن إلقاءَ القَمْل فی النارِ مثلُه. قلت : ورأیت العربَ یملأون الوِعاء من الجَرادِ وهی تهتمش فیه ، ویحتفرون حفره فی الرَّمل ویوقدون فیها ، ثم یَکُبُّون الجَرادَ من الوعاءِ فیها ویُهیلون علیها الإرَّه حتی تموت ، ثم یستخرجونَها ویشرِّرُونها فی الشمس فإذا یبست أکلوها.

شآمیه زرْق العیون کأنها

رَبَابِیحُ تَنْزُو أَوْ فُرار مُزَلّم

وقال أبو عبید : الرُّبَّاحُ : القرد فی باب فُعَّال. وقال ابن الأعرابیّ : هو الرُّبَّاح للقرد ، وهو الهَوْبَرُ والحَوْدَلُ. وقال خالد بنُ جنبه : الرُّبَّاح الفَصِیلُ والحاشیهُ الصغیرُ الضَّاوی. وأنشد :

حطّت به الدَّلْوُ إلی قَعْر الطَّوَی

کأنَّما حطَّت بِرُبَّاح ثَنِیّ

قال أبو الهیثم کیف یکون فصیلاً صغیراً وقد جعله ثَنِیّاً ، والثَّنِیُّ ابن خمس سنین ، وأنشد شمر لخداش بن زهیر :

وَمَسَبُّکُم سُفْیَان ثم تُرِکْتُم

تَتَنَتَّجُون تَنَتُّجَ الرُّبَّاح

وأنشد ابن الأعرابی لخفاف بن ندبه :

قَرَوْا أَضْیَافَهُمْ رَبَحاً بِبُجٍ

یجیء بفضْلِهن المسّ سُمْر

قال ابن الأعرابی : الرَّبَحُ والرِّبحُ مثل البَدَلِ والبِدْلُ. وقد رَبِحَ یَربَحُ رِبْحَاً ورَبَحاً. قال والبجُّ قِداح المیْسر. قال ویقال الرَّبَح. الفصیل ، وجمعه رِبَاحٌ مثل جمَل وجمال ، ویقال الرَّبَحُ الفِصَالُ ، واحدها رَابح. یقول أعوزَهُم الکبارُ فتقامَروا علی الفِصَالِ. قال : ویقال أَرْبَحَ الرجل إذا نحر لضِیفَانه الرَّبَحَ ، وهی الفُصْلان الصغارُ.

یقال رَابحٌ ورَبَحٌ مثل حَارِسٍ وحَرَسٍ.

وقال شمر : الرَّبَحُ : الشحْمُ : قال ومن رواه رُبَحاً فهو ولد الناقه وأنشد :

قد هَدِلت أفْواهُ ذی الرُّبُوح

وأما قول الأعشی :

مِثْلَمَا مُدَّتْ نِصَاحَاتُ الرُّبَح

فقد قیل إنّه أراد الرُّبَع ، فأبدل الحاء من العین.

وقال اللیث : الحَبَارُ والحِبَرُ أَثَرُ الشَّیْء. وقال أبو عبید عن الأصمعی : الحَبَارُ أَثَرُ الشَّیْء وأنشد :

لا تملأ الدَّلوَ وعرِّقْ فیها

ألا ترَی حَبَارَ مَنْ یَسْقیها

قال أبو عبید : وأمَّا الأحْبَارُ والرُّهبان فالفُقَهاءُ قد اختلفوا فیه فبعضهم یقول : حَبْرٌ وبعضهم : حِبْرٌ. قال ، وقال الفراء : إنما هو حِبْر. یقال ذلک للعالِم. وإنما قیل کعب الحِبْر لمکان هذا الحِبْرِ الذی یُکْتَبُ به ؛ وذلک أَنه کان صاحِبَ کُتُبٍ. قال وقال الأصمعیُّ : لا أدری أهو الحِبْرُ أو الحَبْرُ للرجل العالمِ. وکان أبو الْهَیْثَمِ یقول : وَاحِدُ الأحْبَار حَبْرٌ لا غیرُ ، وینکر الْحِبرَ. وأخبرنی المُنْذِریُّ عن الحرّانِیّ عن ابن السکیت عن ابن الأعرابی قال : حَبْرٌ وحِبْرٌ للعالمِ. ومثله بَزْر وبِزْرٌ وسَجْف وسِجْفٌ. وقال ابن السکیت : ذهب حِبْرُه وسِبْرُه أی هیْئَتُهُ وسَحْناؤه. وقال ابنُ الأعرابی : رجل حَسَنُ الْحِبْرِ والسِّبر : أی حسن البشره. وروی عمرو عن أبیه قال الحِبْرُ من الناس : الداهیهُ وکذلک النِّبْرُ. ورجل حِبْرٌ نِبْرٌ. وقال الشَّمَّاخ :

کما خَطّ عِبْرَانِیَّهً بِیَمِینهِ

بِتَیْمَاءَ حَبْرٌ ثم عَرَّض أَسْطُرَا

رواه الرُّواه بالفتح لا غیرُ.

وقال اللیث : هو حِبْر وَحَبْرٌ لِلْعالِم ذِمِّیَّاً کان أو مُسلماً ، بعد أن یکون من أهل الکتاب. قال : وکذلک الحِبْر والحَبْر فی الجمَال والبَهاء. قال والتحبیرُ : حسن الخطّ.

وأنشد الفراءُ فیما روی سلمه عنه :

کتحبیر الکتابِ بخَطِّ - یَوْماً -

یهودِیٍّ یُقَارِبُ أو یَزِیل

وقال اللیث : حَبَّرْتُ الشعرَ والکلامَ ، وحَبَرْته : حسَّنْتُه.

وقَالَ ابنُ السکیت فی قول الله جلّ وعزّ : (فَهُمْ فِی رَوْضَهٍ یُحْبَرُونَ) [الروم : 15] یُسَرُّون. قال : والحَبْر : السُّرورُ. وأنشد :

الحمد لله الذی أعطی الحَبَرْ

وقال الزجّاج (فَهُمْ فِی رَوْضَهٍ یُحْبَرُونَ) أی یُکْرَمُون إکْراماً یُبَالَغُ فیه. قال : والحَبْرَهُ المبالغه فیما وُصِفَ بجمیلٍ.

وقال اللیثُ : یحبرون یُنَعَّمون. قال : والحَبْرَهُ النعمه. وقد حُبِرَ الرجلُ حَبْرَهً وحَبَراً فهو محبور. وقال المزار العدوی :

قد لَبِسْتُ الدَّهر منْ أَفْنَانِه

کُلَّ فَنٍّ ناعمٍ منه حَبِر

وقال بعض المفسرین فی قوله (فِی رَوْضَهٍ یُحْبَرُونَ) قال : السَّمَاعُ فی الجنه. والْحَبْرَهُ فی اللُّغه النِّعْمَهُ التَّامَّه.

وقال شمر : الحَبَرُ صُفْرَهٌ تَرْکَبُ الإنسانَ وهی الحِبْرَهُ أیضاً. وأنشد :

تجلو بأخْضَر من نَعْمَانَ ذا أُشُرٍ

کعارض البرْقِ لم یستشرب لِحَبَرا

ونَحوَ ذلک قال اللیث فی الحبر. وقال شَمِر : أوله الحِبَر ، وهو صُفْرَهٌ ، فإذا اخضرّ فهو قَلَحٌ ، فإذا ألحّ علی اللثه حتی تظهرَ الأسْنَاخُ فهو الحَفَر والحَفْرُ.

ص: 23

وقال اللیث : برودُ حِبَرَهٍ ضرب من البُرُود الیمانیه.

یقال بُرْدُ حبره وبُرُودُ حِبَرَهٍ. قال : ولیس حِبَرَهُ موضعاً أو شیئاً معلوماً. إنما هو وَشْیٌ کقولک ثوبُ قِرْمِزٍ ، والقِرْمِزُ صِبْغَهٌ.

وقال اللیث : الحبیرُ من السحاب ما یُرَی فیه التَّنْمیرُ من کثره الماء.

قال : والحبیر من زَبَدِ اللُّغام إذا صار علی رأس البعیر. قلت صحّف اللیثُ هذا الحرفَ وصوابه الخبیر بالخاء لزَبَد أفْواهِ الإبل هکذا قال أبو عبیدٍ فیما رواه الإیادی لنا عن شمر ، عن أبی عُبید.

وأخبرنی المنذریُّ عن أبی الحسن الصیداوی عن الریاشی. قال : الخبیر الزَّبَدُ بالخاء وأما الحَبیرُ بمعنی السحاب فلا أعرفه وإن کان أخذه من قول الهذلی :

تَغَذَّمْنَ فی جانبیه الحَبیرَ

لَمَّا وهَی مُزْنُهُ واستُبِیحا

فهو بالخاء أیضاً وسنقف علیه فی کتاب الخاء مُشْبَعاً إن شاء الله.

وروَی شَمِر عن أبی عمرو قال : المحْبَارُ الأرض السریعهُ الکلأ.

وقال عنترهُ الطائی :

لنا جِبَالٌ وحمی مِحْبَارُ

وطُرُق یُبْنَی بها المَنَار

ویقال للمِحْبَارِ من الأرض حَبِرٌ أیضاً وقال :

لیس بِمِعْشَابِ اللِّوی ولا حَبِر

ولا بعیدٍ من أَذًی ولا قَذَر

قال ، وقال ابن شمیل : المِحْبَارُ الأرضُ السریعهُ النَّبَاتِ السهلهُ الدفِیئَهُ التی ببطون الأرض وسَرَارَتِها وأَرَاضتها فتلک المحابیر. وقد حَبِرَت الأرضُ وأَحْبَرَتْ. وفی الحدیث أن النبی صلی الله علیه وسلم لما خطب خدیجَهَ وأجابَتْهُ استأذنت أباها فی أن تَتَزَوَّجَهُ وهو ثَمِلٌ فأذن لها فی ذلک ، وقال : هو الفحل لا یُقْرَعُ أَنْفُه فنَحَرتْ بعیراً ، وخلَّقت أباها بالعبِیر ، وکسَتْه بُرْداً أحمرَ ، فلمّا صحا من سُکُرِه قال : ما هذا الحبِیرُ وهذا العقیر وهذا العبیر؟ أراد بالحبیرِ البُرْدَ الذی کستْهُ ، وبالعبیر الخَلُوقَ الذی خلّقته ، وأراد بالعقیرِ البعیرَ المنحورَ ، وکان عُقر ساقه.

والحُبَارَی ذکرها الحَرَبُ ، وتجمع حُبارَیَات. وللعرب فیها أمثال جمّه ، منها قولُهم أَذْرَقُ من حُبَاری ، وأَسْلَحُ من حُبارَی ، لأنَّها ترمی الصقر بسَلْحِها إذا أَرَاغها لیصیدَها فتلوث ریشه بِلَثَق سَلْحِها. ویقال إنّ ذلک یشتد علی الصقر لمنعه إیّاه من الطیران ، ومن أَمْثَالِهم فی الحُبَاری : أَمْوَقُ من الحُبَاری ، وذلک أَنّها تعلّم ولدها الطیرانَ قَبْلَ نَبَاتِ جَنَاحه ، فتطیر مُعَارِضَهً لفَرْخِها لیتعلّم منها الطیران ، ومنه المثلُ السائِر للعرب «کل شیء یحبُّ ولده حتی الحُبَاری وتَدِفُّ عَنَدَهُ» ومعنی قولِهم «تَدِفُّ عَنَدَه» أی تطیر عَنَدَه أی تُعَارضه بالطَّیران ولا طیران له لضعف حِفَافَیه وقَوَادِمه. وقال الأصمعیُّ : فلان یعانِدُ فلاناً أی یفعل فعله ویباریه. ومن أمثالِهم فی الحُباری قولهم : «فلان میت کَمَدَ

ص: 24

الحُباری» وذلک أنها تُحَسِّر مع الطیر أیام التَّحْسِیر أی تُلقی الریش ثُمَّ یُبْطِیءُ نباتُ رِیشها فإذا سار سائِرُ الطیر عجزت عن الطیران ، فتموت کَمَداً ، ومنه قول أبی الأسود الدؤلی :

یزیدٌ میّتٌ کَمَدَ الحُباری

إذا ظَعَنَتْ أُمَیَّهُ أو یُلِمُ

أی یَمُوت أو یقْرُب من الموتِ.

والحبَابِیرُ فِراخُ الحُبَاری ، واحدتُها حُبُّوره جاء فی شعر کعب بن زهیر وقیل الیَحْبُور ذَکَرُ الحُبَاری وقال :

کأنّکُمُ ریش یَحْبُورَهٍ

قلیلُ الغناءِ عن المُرْتَمی

قلت : والحُبَارَی لا تشربُ الماء ، وتبیضُ فی الرمال النائِیه ، وکنَّا إذا ظَعَنَّا نُسیرُ فی حِبَالِ الدَّهْنَاء ، فربما التَقَطْنَا فی یوم وَاحِدٍ من بَیْضِها ما بین الأَرْبعه إلی الثمانیه ، وهی تبیض أَرْبَعَ بَیْضَاتٍ ، وَیضْرِبُ لَوْنُها إلی الوُرْقَهِ وطَعْمُها أَلَذُّ من طَعْم بَیْضِ الدَّجاج وبَیْضِ النَّعَامِ ، والنعامُ أیضاً لا تردُ الماءَ ولا تشربهُ إذا وجدته.

عمرو عن أبیه قال : الیَحْبُور : الناعمُ من الرجال. ونَحْوَ ذلک قال شَمِرُ. وجمعه الیَحابیر مأخوذ من الحَبَرَه وهی النعْمه.

أبو العباس عن ابن الأعرابی : یقال : ما أَغْنَی فلانٌ عنی حَبَرْبَراً ، وهو الشیءُ الیسیرُ من کل شیء ، وقال شمر : ما أغْنَی فلانٌ عنی حَبَرْبَراً : أی شیئاً. وقال ابنُ أحمر الباهلی :

أَمَانیُّ لا یُغنین عنها حَبَرْبَراً

وقال اللیث : یُقالُ ما عَلَی رأسه حَبَرْبَرَهٌ : أی ما علی رأسه شَعْرَهٌ. وقال أبو عمرو : الحَبَرْبَرُ والحَبْحَبِیُّ : الجملُ الصغیر. وقال شمر : رجل مُحَبَّر إذا أکل البراغیثُ جِلْدَه فصار لها أَثَرٌ فی جِلْدِه. ویقال للآنیه التی یجعل فیها الحِبْرُ من خَزَفٍ کانَ أو من قَوَارِیرَ مَحْبُره ومحبَره ، کما یقال مَزْرُعه ، ومَزْرَعه ، ومَقْبُرَه ومَقْبَرَه ومخبُزَه ومخبَزَه.

وحِبِرٌّ موضعٌ معروفٌ فی البادیه. وأنشد شمر عجز بیت :

... فَقَفَا حِبرّ.

ولا تُمْنَع من مَرْعی ، وإذا لقیها المُعْیِی المنقطَعُ بِه لم یرکبْها. وجاء فی الحدیث أن أول من بَحَّرَ البحائر وحَمَی الحَامِی وغیَّر دینَ إسماعیل عمرو بن لُحَیّ بن قَمَعَه بن خِنْدِفٍ.

وقیل : البحیرهُ الشاه إذا وَلَدتْ خمسهَ أَبْطُن فکان آخرُها ذکراً بحروا أُذنها أی شقُّوها وتُرکت فلا یَمَسُّها أحد. قلت : والقولُ هو الأوَّل لما جاء فی حدیث أبی الأحوص الجشمیّ عن أبیه أن النبی صلی الله علیه وسلم قال له «أَرَبُّ إبِلٍ أَنْتَ أَمْ رَبُّ غَنَمٍ؟ فقال : منْ کُلٍّ قد آتانی الله فأَکثَرَ. فقال له : هل تُنْتَجُ إبِلُک وافیهً أَذُنُها فَتَشُقّ فیها وتقول بُحُر؟» یرید جمعَ البَحِیره.

وقال اللیث : البحیرهُ : الناقهُ إذا نُتِجَتْ عَشْرَهَ أَبْطُنٍ لم تُرْکَبْ ولم یُنْتَفع بظهرها فَنَهی الله عَنْ ذلک. قلت والقولُ هو الأول فقال الفرَّاء : البحیرَهُ : هی ابْنَهُ السائِبه ، وسنفسر السائِبه فی موضعها.

وقال اللَّیْثُ : إذا کان البحرُ صغیراً قیل له بُحَیْرَهٌ. قال وأما البُحَیْرهُ التی بالطَبریَّه فإنها بحر عظیم وهو نحوٌ من عَشْرَهِ أَمْیالٍ فی سته أمیال ، وغُؤُور مائِها علامهٌ لخروج الدَّجَّال. قلتُ : والعربُ تقول : لِکلِّ قریه هذه بَحْرَتُنا وروی أبو عبید عن الأُمَویّ أنه قال : البَحْرَهُ الأرْضُ والبلدهُ.

قال : ویقال : هذه بَحْرَتُنَا.

قال : والماءُ البَحْرُ هو المِلْح ، وقد أبحر الماء إذا صار مِلْحاً وقال نُصَیْبٌ :

وقد عَادَ ماءُ الأرْض بَحْراً فَزَادَنِی

إلی مرضی أن أَبْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ

وحدّثنا محمد بن إسحاق السعدیُّ قال حدّثنا الرّمادی قال حدّثنا عبد الرزاق عن مَعْمَر عن الزُّهری عن عُرْوَه أن أُسَامَهَ بن زید أخبره «أن النبی صلی الله علیه وسلم رَکِب حِمَاراً عَلَی إکافٍ وتَحْتَهُ قطیفَهٌ فَرَکِبَه وأَرْدَف أُسامه - وهو یَعُود سَعْدَ بنَ عُبَاده - وذلک قَبْل وقْعه بدر فلما غشیت المجْلِسَ عجاجَهُ الدّابَّه خمَّر عبدُ الله بنُ أُبَیٍّ أنْفَه ، ثم قال لا تُغَبِّرُوا علیْنَا ، ثم نزل النبی صلی الله علیه وسلم فوقف وَدَعاهم إلی الله وقَرَأَ القرآنَ فقال له عبد الله : أیها المرء إن کان ما تقول حَقّاً فلا تؤذِنا فی مَجْلِسنا ، وارْجِعْ إلی أهلِکَ فمن جاءک منّا فقُصَّ علیه. ثمَّ رکب دَابّته حتی دخَلَ علی سعدِ بن عُبَادهَ ، فقال : أَیْ سَعْدُ ، ألم تسمع ما قال أبو حُبَاب؟ قال کذا : فقال سعد : اعْفُ عَنْه واصْفَحْ فوالله لَقَدْ أعطاک الله الذی أعطاک ، ولقد اصْطَلَحَ أهل هذه البُحَیْرَهِ علی أن یُتَوِّجُوه ، یعنی یُمَلِّکُوه فَیُعَصِّبوه بالعِصابه ، فلمَّا رَدّ الله ذلک بالحقِّ الذی أعْطَاکَهُ شَرِقَ لذلک فذلک فعل به ما رأیت فعفا عنه النبی صلی الله علیه وسلم».

وقال الفراء فی قول الله جلّ وعزّ (ظَهَرَ الْفَسادُ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [الرُّوم : 41] الآیه معناه : أَجْدَبَ البَرُّ ، وانْقَطَعت مادّهُ البَحْرِ بذنوبهم ، کان ذلک لیذُوقوا الشِّدَّهَ بذُنُوبهم فی العاجل.

وقال الزَّجّاج معناه : ظَهَرَ الجَدْبُ فی البَرِّ ، والقحطُ فی مُدُن البحر التی علی الأنهار. قال : وکل نَهر ذِی ماءٍ فهو بَحرٌ. قلت : کل نهر لا یَنْقَطِعُ ماؤه : مثل دِجْله

ص: 26

والنّیلِ وما أشبههما من الأنهارِ العذْبه الکبارِ فهی بحارٌ. وأما البحرُ الکبیر الذی هو مَغِیضُ هذه الأنهار الکبارِ فلا یکون ماؤه إلا مِلْحاً أُجَاجاً ، ولا یکون ماؤه إلا رَاکِداً ، وأما هذه الأنهارُ العذْبَهُ فماؤها جارٍ. وسمیت هذه الأنهارُ بحاراً لأنها مَشْقُوقَهٌ فی الأرض شَقّاً.

ویقال للرَّوْضَهِ بَحْرَهٌ وقد أبْحَرَتِ الأرضُ إذا کثُر مناقع الماء فیها.

وقال شمر : البَحْرَهُ الأُوقَهُ یَسْتنقِع فیها الماءُ.

وروی أبو العباس عن ابن الأعرابی أنه قال : البَحْرَهُ : المنخفض من الأرض وأنشد شمر لابن مقبل :

فیه من الأخرج المرباع قرقره

هدر الدیافیّ وسط الهجمه البُحُر

قال : البُحْر الغِزَارُ والأَخْرَجُ المِرْبَاعُ المکَّاءُ.

ابن السکیت أَبْحَر الرجلُ إذا رکب البحرَ والماءَ ، وقد أبرَّ إذا رکب البرَّ ، وأرْیَفَ إذا صار إلی الرِّیف.

وقال اللیث : رَجُلٌ بَحْرَانِیٌ منسوب إلی البَحْرَیْنِ. قال وهو مَوْضِعٌ بین البصره وعُمَانَ. قال : ویقولون هذه البَحْریْنُ وانتهینا إلی البحرین.

وقال أبو عبید قال أبو محمد الیزیدی سألنی المهْدِیُّ وسأل الکسائی عن النسبه إلی البحرین وإلی الْحِصْنَیْن ، لِمَ قالوا حِصْنِیٌّ وبَحْرَانِیٌ؟

فقال الکسائی : کرهوا أن یقولوا حِصْنَانِی لاجتماع النونین ، قال وقلت أنا : کرهوا أن یقولوا بَحْرِیُ فیشبه النسبه إلی البَحْرِ.

قلت أنَا وإِنمَا ثَنَّوْا البحرین لأنَّ فی ناحیه قُراها بُحَیْرَهً علی باب الأحساء ، وقری هَجَرَ بینها وبین البحر الأخْضَرِ عَشْرَهُ فَرَاسخ ، وقَدَّرْتُ البُحَیْرَه ثلاثهَ أمیالٍ فی مثلها ، ولا یَغِیضُ ماؤها ، وماؤها راکد زُعاق. وقد ذکرها الفرزدقُ فقال :

کأنّ دیاراً بین أَسْنُمَه النَّقا

وبین هَذَا لِیل البُحَیْرَه مُصْحَفُ

وقال اللیث : بنات بحرٍ ضرب من السَّحَاب.

قلت : وهذا تصحیف منکر والصواب بَنَات بَخْرِ قال أبو عبید عن الأصمعی : یقال لسَحَائِبَ یأتینَ قُبُلَ الصیفِ مُنْتَصباتٍ بَنَاتُ بَخْر وَبَناتُ مَخْر بالباء والمیم ، وَنحو ذلک قال اللحیانیّ وغیره ، وإیاها أراد طرفَهُ بقوله :

کبنات المَخرِ یَمْأَدْن إذا

أَنْبَت الصَّیْف عَسَالیجَ الْخَضِر

وقال اللیث : الباحر الأحمقُ الذی إذا کُلِّمَ بَحِرِ کالمبْهوت ، وروی أبو عبید عن الفرّاء أنه قال : الباحرُ الأحمق.

وقال ابن الأعرابیّ الباحرُ الفُضُولیّ ، والباحرُ الکذّاب ، والباحرُ الأحْمَرُ الشدید الحُمْرَه ، یقال أحْمَرُ باحِرِیُ وبَحْرَانِیّ. وقال ابنُ السکیت

ص: 27

قال ابن الأعرابیّ : أحمرُ قانِیءٌ وأحمرُ باحِرِیّ وذَرِیحیٌّ بمعنی واحد.

وسئل ابنُ عباس عن المرأه تُسْتَحَاض ویستمرُّ بها الدم ، فقال تُصَلِّی وتتوضَّأ لکل صلاه فإذا رأَتِ الدَّم البَحْرَانِیَ قعدت عن الصلاه.

وقیل الدَّمُ البحرانیُ منسوب إلی قَعْر الرَّحِمِ وعُمْقِها. وقال العجاج :

وِرْدٌ من الجوف وبَحْرَانِیّ

أی عبیط خالص. ویقال دَمٌ بَاحِرِیٌ أیضاً إذا کان شدیدَ الحُمْرَه.

شمر یقال بَحِرَ الرجلُ إذا رأی البحر فَفَرِقَ حتی دُهِش ، وکذلک بَرِقَ إذا رأی سَنَا البرق فتحیر وَبقِر إذا رأی البقر الکثیر ومثله خَرِق وعقر وفَرِی.

عمرو عن أبیه : قال البحیر والبَحِرُ : الذی به السُّل ، والسَّحیرُ : الذی قد انقطعت رِئَتُه ویقال سَحِرٌ. وتاجر بَحْرِیٌ أی حَضَرِیّ وأنشد أبو العمیثل :

کأنّ فیها تاجراً بحریاً

ویقال للعظیم البطن بحریٌ وقال الطرماح :

ولم ینتطق بحریَّهٌ من مُجَاشع

علیه ولم یُدْعَمْ له جانب المهد

ومن سکن البحرین عَظُمَ طِحَالُه. والبَحْرَهُ مَنبِتُ الثُّمام من الأوْدِیَه.

وفی حدیث أنس بن مالک أنّ النبی صلی الله علیه وسلم رکب فَرَساً لأبی طلحه عُرْیاً فقال إنی «وجدته بَحْراً.

قال أبو عبیده یقال للفرس الجواد إنه لبَحْرٌ لا یُنکش حُضُرُه. وقال أبو عبید قال الأصمعی : یقال فرس بَحْر وفَیْضٌ وسَکْبٌ وحَثٌّ إذا کان جواداً کثیر العدْو. وقال الفراءُ البَحَرُ أن یَلْغَی البعیرُ بالماء فیُکثر منه حتی یصیبَه منه داءٌ یقال بَحِرَ یَبْحَرُ بَحَراً فهو بَحِرٌ وأنشد :

لأُعْلِطَنَّهُ وسْماً لا یُفَارِقُه

کما یُحَزُّ بِحَمْیِ المیسم البَحِرُ

قال وإذا أصابه الداء کَوِیَ فی مواضِعَ فیبرأ قلت : الداءُ الذی یصیب البعیرَ فلا یَرْوَی من الماء هو النَّجَرُ بالنون والجیم ، والبَجَرُ بالباء والجیم ، وکذلک البَقْرُ ، وأما البَحْرُ فهو داءٌ یورِث السُّل.

وأخبرنی المنذری عن الطوسی عن أبی جعفر أنه سمع ابن الأعرابی یقول : البحیر المسلول الجسم الذاهب اللحم وأنشد :

وغِلْمَتی منهم سَحِیرٌ وبَحِرْ

وآبقٌ من جَذْبِ دَلْوبْهَا هَجِرْ

ویقال استبحر الشاعر إذا اتّسع له القول وقال الطرماح :

بمثل ثنائک یحلو المدیح

وتَسْتَبحر الأَلْسُنُ المادِحَه

وکانت أسماءُ بنت عُمَیْسٍ یقال لها البَحْرِیَّه لأنها کانت هاجَرَت إلی بلاد النَّجَاشِیّ فرکبت البَحْرَ ، وکل ما نُسِبَ إلی البَحْرِ فهو بَحْرِیٌ.

قلت : وهو کما قال اللیث. وروی شمر حدیثاً أن فلاناً کان حِرْمِیَ رسول الله صلی الله علیه وسلم. قال : والحِرْمِیُ : أَنَّ أشْرافَ العرب الذین کانوا یتحمَّسون فی دینِهم إذا حجَّ أحدُهم لم یأکل طعامَ رَجُلٍ من الحَرَم ، ولم یَطُفْ إلّا فی ثیابه ، فکان لکل شریفٍ من أشرافِ العرب رجلٌ من قریش ، فکلُّ واحدٍ منْهُمَا حِرْمِیُ صاحبِه ، کما یقال کَرِیّ للمُکری ، المکترِی وخَصْمٌ للمخاصِم والمخاصَم.

وتقول أحْرَمَ الرَّجُلُ فهو مُحْرِمٌ وحَرَامٌ.

والبیتُ الحَرَامُ ، والمَسْجِدُ الحرامُ ، والبلدُ الحرامُ ، وقوم حُرُمٌ ، ومُحْرِمُون ، وشهر حَرَامٌ. والأشْهُرُ الحُرُم ذو القَعْدَهِ وذو الحِجَّهِ والمُحَرَّمُ ورَجَبُ ؛ ثلاثَهٌ سَرْدٌ أی متتابعه وواحد فَرْدٌ.

وقال اللیث : والحرام : ما حرَّمه الله ، والحُرْمَهُ ما لا یَحِلُّ لک انتهاکُه. وتقول : فلانٌ له حُرْمَهٌ أی تحرَّم بنا بصحبه أو بِحَقِّ وذمَّهٍ. وحُرَمُ الرجل نساؤُه وما یَحْمِی.

والمحارِمُ ما لا یحِلُّ استحْلالُه. والمَحْرَمُ ذاتُ الرِّحِم فی القرابه التی لا یحل تزوُّجُها ، تقول هو ذو رَحِمٍ مَحْرَمٍ وهی ذَاتُ رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وقال الراجز :

وجارهُ البیت أراها مَحْرَمَا

کما بَراهَا الله ، إلَّا إنَّمَا

مکارِمُ السَّعْی لمَن تکرَّمَا

کما بَراها الله کما جعلها الله.

والمُحْرِم الدَّاخِلُ فی الشهر الحَرَامِ أبو عبید عن الأصمعی : أحْرَمَ الرجلُ فهو مُحْرِمٌ إذا کانت له ذمَّه ، وقال الراعی :

قتلوا ابْنَ عفَّانَ الخلیفه مُحْرِما

ودَعَا فلم أَرَ مثلَه مَخْذُولا

قال : وأحْرَمَ القوم إذا دخلوا فی الشهر الحَرَامِ. قال زهیر :

جعلن القنانَ عن یمینٍ وحَزْنَه

وکم بالقنانِ من مُحِلِّ ومُحْرِم

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : المُحْرِمُ المسالم فی قول خداش بن زهیر.

إذا ما أصابَ الغَیْثُ لم یَرْعَ غَیْثَهُم

من الناس إلا مُحْرِمٌ أو مُکَافِل

قال وهو من قول الشاعر :

وأُنْبِئْتُها أَحْرَمَتْ قَوْمَها

لِتَنْکِحَ فی مَعْشَرٍ آخَرینا

أی حرَّمَتْهم علی نفسها. قال والمُکَافِلُ المُجَاوِرُ المُحَالِفُ والکفیل من هذا أُخِذَ.

أبو عبید عن الأصمعی فی قوله أَحْرَمَتْ قومها أی حَرَمَتْهُم أن یَنْکِحُوها یقال حَرَمْتُه وأَحْرَمْتُه حِرْمَاناً إذا منعتَه العطیّه.

وروی شَمِر لعمر أنه قال : «الصیام إحْرَامٌ» قال إنما قال الصِّیَامُ إحرامٌ لامتناع الصائم مما یَثْلِمُ صیامَه. قال ویقال للصائم مُحْرِمٌ. قال الراعی.

قتلوا ابن عَفَّان الخلیفه مُحْرِماً

قال أبو عمرو الشیبانیُّ : مُحْرِماً أی صائماً.

وروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال «کل مُسلم عن مسلم مُحْرِمٌ ، أخَوانِ نَصِیران» قال أبو العباس قال ابن الأعرابی : یقال إنَّه لَمُحْرِمٌ عنک یَحْرُم أذاک علیه.

ص: 30

قلت : وهذا معنی الخَبَرِ أراد أنه یَحْرُم علی کل واحد منهما أن یؤذی صاحبَه لحُرْمَهِ الإسلام الْمَانِعَتِهِ عن ظُلْمه.

أبو عبید عن الکسائی حَرُمَت الصلاهُ علی المرأه حُرْماً ، وحَرِمَتْ علیها حَرَماً وحَرَاماً.

أبو نصر عن الأصمعی : أحْرَمَ الرجُلُ إذا دخل فی الإحْرَامِ بالإهْلَال. وأَحْرَمَ إذا صار فی حُرْمَهٍ من عَهْدٍ أو میثاق هو له حُرْمه من أن یُغَارَ عَلَیْه. ویقال مُسلم مُحْرِمٌ وهو الذی لم یُحِلّ من نفسه شیْئاً یُوقع به.

أبو عبید عن الأصمعیّ : حَرَمْتُ الرجل العطیهَ أَحْرِمُه حِرْمَاناً ؛ وزاد غیره عنه. وحَرِیمهً ، ولغه أخری أَحْرَمْتُ ولیست بجیده وأنشد :

وأُنْبِئْتُها أحْرَمَتْ قَوْمَها

لِتَنْکِحَ فی مَعْشَرِ آخرینا

قال وحَرُمَت الصلاهُ علی المرأهِ تَحْرُم حُرُوماً وروی غیره عنه وحَرُمَت المرأه علی زوجها تَحرُم حُرْماً وحَرَاماً.

أبو عبید عن أبی زید أَحْرَمْتُ الرجلَ إذا قَمَرْتَه ، وحَرِمَ الرجل یَحْرَم حَرَماً إذا قُمِرَ.

وقال الکسائی مثله وأنشد غیره :

ورمی بسهم جریمه لم یصطد

أبو عبید عن الأمویّ : اسْتَحْرَمت الکلبهُ إذا اشتهت السِّفَاد ، رواه عن بنی الحارث بن کعب. قال أبو عبید وقال غیره : الاسْتِحْرَام لکل ذات ظِلْفٍ خاصهً.

وقال أبو نصر قال الأصمعی : استَحْرَمَت الماعِزَهُ إذا اشتهت الفحلَ ، وما أَبْیَنَ حِرْمَتَها. قال وروی المعتمر بن سلیمان عمَّن أخبره ، قال : الذین تدرکهم الساعه تبعث علیهم الحِرْمَه - أی الغُلْمَه - ویُسْلَبُون الحیاءَ. وفی حدیث عائشهَ أنها قالت : «کنت أُطَیِّبُ رسولَ الله صلی الله علیه وسلم لِحلِّه وحُرْمه» المعنی أنها کانت تطیّبه إذا اغْتسل وأراد الإحرام والإهلال بما یکون به مُحْرِماً من حجٍّ أو عُمْرَهٍ ، وکانت تطیِّبُه إذا حَلَّ مِن إحرامه.

وسمعت العرب تقول ناقه مُحَرَّمَهُ الظَّهْرِ إذا کانت صعبه لم تُرَضْ ولم تُذَلَّلْ. وجِلْدٌ مُحَرَّمٌ غیرُ مدبوغ. وقال الأعشی :

تری عینَها صَغْوَاء فی جَنْبِ مَأقها

تراقب کفّی والقطیع المحرَّما

أراد بالقطیع سوطه. قلت وقد رأیت العرب یسوُّون سیاطهم من جُلودِ الإبل التی لم تدبغ یأخذون السَّریحه العریضه فیقطِّعون منها سیوراً عِراضاً ویدفنونها فی الثّری فإذا اتّدَنَت ولانَت جَعلوا منه أربع قُوًی ثم فَتَلُوها ثم علّقوها من شعَبَیْ خشبه یرکَّزونها فی الأرض قتقلُّها أی ترفعها من الأرض ممدودهً وقد أثقلوها حتی تیْبَس. قال شمر قال أبو واصل الکلابیُّ : حَریمُ الدار ما دخل فیها مما یُغْلَق علیه بابها ، وما خرج منها فهو الفِنَاء. قال : وفِنَاءُ البدویِّ ما یدرکه حُجْرَتُه وأطْنَابُه ، وهو من الحضَرِیِّ إذا کانت دَارُه تُحاذیها دارٌ أخری فَفِناؤُهما حدّ ما بینهما.

ص: 31

اللیث : حَرِیم الدَّارِ ما أُضِیف إلیها وکان من حُقوقها ومرافقها. وحریم النَّهر مُلْقَی طِینِه والمَمْشی علی حافَتَیْه ونحو ذلک. والحریمُ الذی حَرُم مَسُّه فلا یُدنَی منه. وکانت العربُ فی الجاهلیه إذا حَجّت البیتَ تخْلَعُ ثیابها التی علیها إذا دَخَلُوا الحَرَم ، ولم یلْبَسُوها ما داموا فی الحَرَم.

ومنه قول الشاعر :

لَقیً بین أیدی الطائفین حَرِیمُ

وقال المفسِّرون فی قول الله جلّ وعزّ : (یا بَنِی آدَمَ خُذُوا زِینَتَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعرَاف : 31] کان أَهْلُ الجاهلیَّه یطوفون بالبیت عُرَاهً ، ویقولون لا نَطوف بالبیت فی ثیابٍ قد أذْنَبْنَا فیها ، وکانت المرأهُ تطُوف عُرْیانَهً أیضاً ، إلا أنها کانت تلبَسُ رَهْطاً من سُیُورٍ وقالت امرأه من العرب :

الیوم یَبْدُو بَعْضُه أو کُلُّه

ومَا بَدَا مِنْه فَلَا أُحِلُّه

تعنی فرجَها أَنَّه یظهر من فُرُوج الرَّهْطِ الذی لبسته ، فأمر الله بَعْدَ ذکْرِه عُقُوبَهَ آدَمَ وحوّاءَ بِأَنْ بَدَتْ سَوْآتُهما بالاستِتَار ، فقال (یا بَنِی آدَمَ خُذُوا زِینَتَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ) وأَعلم أَن التَّعَرِّیَ وظهورَ السَّوْءَهِ مکروه ، وذلک من لَدُن آدَمَ.

وقال اللیثُ : تقول : هذا حَرَامٌ والجمیع حُرُمٌ قال الأعشی :

تَهادِی النهارَ لجاراتهم

وباللیل هُنَّ علیهم حُرُم

والمحْرُومُ : الذی حُرِمَ الخیْرَ حِرْماناً فی قول الله جلّ وعزّ : (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذّاریَات : 19].

وأما قوله جلّ وعزّ : (وَحَرامٌ عَلی قَرْیَهٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ) 95 [الأنبیَاء :95]

قال قتادهُ عن ابن عباسٍ : معناه واجِبٌ عَلَیْها إذا هَلَکَتْ ألّا تَرْجِعَ إلی دُنْیَاها. وقال أبو مُعَاذٍ النحویُّ : بَلَغنی عن ابن عباس أنّه قَرَأَهَا (وحَرِمَ علی قریه) یقول وجب علیها. قال وحدِّثت عن سعید بن جبیر أنه قَرَأها (وحِرْمُ علی قریه) فسئل عنها فقال عزم علیها وقال أبو إسحاق فی قوله (وَحَرامٌ عَلی قَرْیَهٍ أَهْلَکْناها) یحتاج هذا إلی أن یبیَّن ، وهو - والله أعلم - أنه جلّ وعزّ لما قال (فَلا کُفْرانَ لِسَعْیِهِ وَإِنَّا لَهُ کاتِبُونَ) [الأنبیَاء : 94] أعْلَمَنَا أنَّه قد حرم أعمالَ الکفار ، فالمعنی (حَرامٌ عَلی قَرْیَهٍ أَهْلَکْناها) ، أَنْ یُتَقَبَّل مِنْهُمْ عَمَلٌ ل (أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ) أی لا یتوبون.

وأخبرنی المنذریُّ عن ابن أبی الدُّمَیْکِ عن حمید بن مَسْعدهَ عن یزید بن زُرَیْعِ عن داودَ عن عِکْرِمَه عن ابن عباس أنه قالَ فی قوله (وحرم علی قریه أهلکناها أنّهم لا یرجعون) 95 [الأنبیَاء : 95] قال : وَجَبَ علی قَرْیهٍ أهلکناها أَنَّهُ لا یَرجِع منهم رَاجِعٌ : لا یتوب منهم تائبٌ. قلت وهذا یؤید ما قاله الزجّاج. وروی الفَرّاء بإسناده عن ابن عباس «حِرْمٌ» قال وقرأ أهل المدینه (وحرم) قال الفراء (وحرم) أَفْشَی فی القراءه.

ص: 32

أبو عمرو : الحَرُومُ النَّاقه المعْتَاطَهُ الرَّحِم والزَّجُومُ التی لا ترغو.

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ قال : الحَیْرَمُ البَقَرُ ، والْحَورَمُ المالُ الکَثیرُ من الصَّامتِ والنَّاطِق. قال : والحَرِیمُ قَصَبَهُ الدّار ، والحریمُ فِناءُ المسجد ، والحُرْمُ المنع ، قال : والحریم الصدیق ، یقال فلان حَرِیمٌ صَرِیحٌ أی صدیقٌ خالصٌ.

وکانت العربُ تسمِّی شهرَ رَجَبَ الأَصَمَّ والمحرَّمَ فی الجاهلیه ، وأنشد شَمِر قولَ حُمَیْدِ بن ثور :

رَعَیْنَ المُرَارَ الْجَوْنَ من کلِ مذْنَبٍ

شهُورَ جُمَادی کُلَّها والمُحَرَّمَا

قال وأراد بالمحرَّم رَجَبَ ، قاله ابنُ الأعرابی. وقال الآخر :

أقَمْنَا بها شَهْرَیْ رَبیعٍ کِلَیْهِما

وشَهْرَیْ جُمَادَی واستَهَلُّوا المحرَّما

وقال أبو زَیدٍ فیما رَوَی عنه أبو عبید : قالَ العُقَیْلیُّون : حَرَامُ الله لا أفْعَلُ ذاک ویَمِینُ الله لا أَفْعَلُ ذاک ، ومعناهُما واحِدٌ. وقال أبو زید : ویقال للرجُلِ ما هو بحارِمِ عَقْل ، وما هو بِعادِمِ عَقْلٍ ، معناهما أَنَّ لَهَ عَقْلاً.

ویقال إن لفلان مَحْرُماتٍ فلا تَهْتِکْها ، الواحده مَحْرُمَهٌ یرید أن له حُرماتٍ.

وقال ابن عباس : هما اسمانِ رقیقان أحَدُهما أَرَقُّ من الآخر ، فالرحْمن الرقیق ، والرَّحِیمُ العاطِفُ علی خَلْقِه بالرزق ، وقرأ أبو عمرو بنُ العلاء «وأقرب رُحُما» بالتَّثْقیل واحتجّ بقول زُهَیْرٍ یمدح هَرِمَ بن سِنَانٍ :

ومن ضَریبَتهِ التَّقْوَی ویَعْصِمُه

من سَیِّیءِ العَثرَاتِ الله والرُّحُمُ

وقال اللیث : المرحمه الرَّحْمه ، تقول رَحِمْتُه أرْحَمُه رَحْمَهً ومَرْحَمَهً ، وترحَّمْتُ علیه ، أی قلتُ : رَحمَهُ الله علیه ، وقال الله جلّ وعزّ : (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَهِ) [البَلد : 17] أی أَوْصی بعضُهم بعضاً برحْمَهِ الضعیف والتَّعَطُّفِ علیه.

والرَّحِمُ بَیْتُ مَنْبِت الوَلَدِ وَوِعاؤُه فی البطن ، وجمعه الأَرْحامُ. وأما الرَّحِمُ الذی جاءَ فی الحدیث «الرَّحِمُ مُعَلَّقَهٌ بالعَرْشِ ، تقول : اللهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنی واقْطَعْ مَنْ قَطَعَنی» فالرَّحِمُ القَرابَهُ تَجْمَع بَنِی أَبٍ وبینهما رَحِمٌ أی قرابهٌ قَرِیبَهٌ. وناقَهٌ رَحُومٌ أصابَها داءٌ فی رَحِمِها فلا تَقْبَلُ اللَّقاح ، تقول : قد رَحُمَتْ. وقال غَیْرُه : الرُّحامُ أن تَلِدَ الشَّاهُ ثم لا تُلْقِی سَلاها. وشَاهٌ راحِمٌ وغَنَمٌ رَواحِمُ إذا وَرِمَ رَحِمُها. وقد رَحِمَت المرأه وَرحُمَتْ إذا اشتکت رَحِمَها.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال الرَّحْمُ خروج الرحم من عِلّهِ ، والرَّحِمُ مؤنَّثَهٌ لا غیرُ وسَمَّی الله الغیثَ رَحْمَهً لأنه بِرَحمَتِه یَنْزِلُ من السماء. وتاءُ قوله (إِنَ رَحْمَتَ اللهِ) [الأعراف : 56] أصلها هاء وَإنْ کُتِبَتْ تاءً.

وقال أبو عمرو بنُ العلاء : إذا رَمَی الرجُل فأصاب قیل مَرْحَی له ، وهو تعجُّبٌ من جَوْدَهِ رَمْیِه قال ابن مقبل :

أقول والحَبْلُ مشدود بمقوده

مرحی له إن یَفُتْنا مسحه یَطِرِ

وأَمْرَحَ الزَّرْعُ إِمْرَاحاً ومَرِح مَرَحاً ، لغتان ، إذا أَفْرخَ سنابله أَوّلَ ما یُخْرِجُه.

قال : والحُمْرَهُ تَعْتَرِی النَّاسَ فَیَحْمَرُّ موضِعُها وَتُغَالَبُ بالرُّقْیَهِ. قلت : الحُمْرَهُ وَرَمُ من جنس الطَّواعِین نعوذ بالله منها.

الحرانی عن ابن السکیت أنه قال الحُمْرَهُ بسکون المیم نَبْتٌ. قال : ویقال لِلْحُمَّرِ - وهو طَائرٌ - حُمَرٌ بالتخفیف ، الواحده حُمَّرهٌ وقال حُمَرَه. وقال ابن أحمر :

إلّا تُدَارِکْهُم تصبِحْ منَازِلُهم

قفراً تبیض علی أرجائها الحُمَرُ

قال : خفّفها ضرورهً. وأنشد فی تشدید الحمّر :

قد کنتُ أَحْسِبُکُم أُسُودَ خَفِیَّهٍ

فإذا لَصَافِ تبیضُ فیها الحُمَّر

قال وحُمَّرَاتٌ جَمْعٌ. وأنشدنی الهلالی أو الکلابی :

عُلِّق حَوْضِی نُغَرٌ مکبُ

إذا غفلت غفله یَغبُ

وحُمَّرَاتٌ شُرْبُهُنَّ غِبُ

قال : وهی القُبَّر.

وقال اللیث : الحِمار العیْرُ الأَهْلِیُّ والوحشیُّ ، وجمْعُه الْحَمِیرُ والحُمُراتُ ، والعدد أَحْمِرَهٌ ، والأنْثَی حِمَارَهٌ ، قال والْحَمِیره الأُشْکُزُّ : معرب ولیس بعربی وسمیت حمیرهً لأنها تُحمَّر أی تُقَشَّر وکل شیء قشَّرْتَه فقد حَمَّرْتَه فهو مَحْمُور وحَمِیرٌ.

وقال اللیث : الْحِمَار خَشَبَهٌ فی مقدَّمِ الرحْلِ تَقْبِضُ المرأهُ علیه وهو فی مقدم الإِکَافِ أَیْضاً. وقال الأعشی :

وقیدنی الشعرُ فی بیته

کما قَیَّد الأسراتُ الحمارا

وقال غیره : الحمار ثَلاثُ خَشَبات أَوْ أَرْبَعٌ تُعْرَض علیها خشبهٌ وتُؤْسَرُ بِهَا. وقال أبو سعید الْحِمَارُ العُودُ الذی یُحْمَل علیه الأَقْتَابُ ، والأَسَرَاتُ النساء اللواتی یُوَکِّدْن الرِّحالَ بالقَدِّ ویُوَثِّقْنَها.

وقال اللیث : حِمَارُ الصَّیْقَل خشَبتُه التی یَصْقُلُ علیها الحدیدَ قال وحمار قَبَّان دَابَّهٌ صغیره لازقه بالأرض ذات قوائم کثیره وأنشد الفراء :

یا عجبَاً لقد رأیْتُ عجبا

حِمَارَ قَبَّانٍ یسوق أَرْنَبَا

أبو عبید عن الأصمعی الْحَمائِر حِجَارَهٌ تُنْصَب حول قُتْرَهِ الصائد واحِدُها حماره وأنشد :

بیت حتوف أُرْدِحَت حمائِره

وقال شمر فی قوله علیه السلام «زُوِیتْ لی الأرضُ فرأیتُ مشارِقَها ومَغارِبها ، وأُعْطِیتُ الکنْزَیْنِ الأحْمَرَ والأبْیَضَ» أراد الذّهَبَ والفِضَّه.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : الحمائِر حجارهٌ تُجْعل حَوْلَ الْحَوْضِ تَرُدُّ الماءَ إذَا طَغَی وَأنشد :

کأنما الشَّحْطُ فی أُعْلَی حمائِرِه

سبائِبُ القَزِّ من رَیْطٍ وَکَتَّان

وروی حمادُ بن سلمهَ عن ثابتٍ عن أَنَسٍ أنّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال «أُرْسِلْتُ إلی کل أَحْمَرَ وأَسْوَدَ» قال شمر : یَعنی العربَ والعجمَ ، والغالبُ علی أَلْوان العربِ

ص: 36

السُّمْرَهُ والأُدْمَهُ ، وعلی أَلْوان العجمِ البیاضُ والحُمْرَهُ.

وقال شمر حدثنی السمریُّ عن أبی مسحل أنه قال فی قوله «بُعِثْتُ إلی الأَسْودِ والأَحْمَرِ» یرید بالأسودِ الجِن ، وبالأحْمَرِ الإِنَسَ ، سمی الإنسُ بالأَحْمَرِ للدَّمِ الذی فیهم ، والله أعلم ، وروی عمرو عن أبیه أنه قال فی قوله «بعثت إلی الأحْمر والأسود» معناه بُعِثْتُ إلی الأَسودِ والأبْیَض. قال : وامْرأَهٌ حَمْرَاء أی بَیْضاءُ ، ومنه قول النبی صلی الله علیه وسلم لعائشه «یا حُمَیْراءُ» قال والأحْمَرُ الذی لا سلاحَ مَعَهُ ، وأخبرنی المنذریُّ عن الحَرْبیِّ فی قوله «أُعْطِیتُ الکنْزَیْنِ الأحمرَ والأبیضَ» قال فالأحْمَرُ مُلْکُ الشامِ والأبیضُ مُلْکُ فارسَ ، وإنما قیل لمُلَکِ فارسَ الکنْزُ الأبیضُ لبیاض أَلْوَانِهِمْ ، ولذلک قیل لهم بَنُو الأحرارِ یعنی البیض ولأن الغالبَ علی کنوزهم الورِقُ وهی بیضٌ ، وقال فی الشامِ الکنزُ الأحمرُ لأن الغالبَ علی أَلْوانِهم الحُمْرَهُ وعلی کُنُوزِهم الذّهَبُ وهو أحمر. وقال ابنُ السّکّیت قال الأصمعیُّ أتانی کلُّ أسودَ منهم وأحمرَ ولا یقال أبیضَ ، حکاه عن أبی عمرو بن العلاء وقال :

جَمَعْتُمْ فأوْعَیْتُمْ وجِئْتم بِمَعْشَرٍ

توافَتْ بِهِ حُمْرانُ عَبْدٍ وسودُها

ویقال کلّمْتُه فما ردّ علیَّ سوداءَ ولا بیضاء أی کلمه رَدِیئَهً ولا حسنهً. قلت : والقولُ ما قال أبو عمرو أنهم الأسودُ والأبیضُ ؛ لأنّ هذین النّعْتینِ یَعُمَّان الآدمیینَ أَجمعین. وهذا کقوله «بُعِثْتُ إلی الناس کافهً» وکانت العربُ تقول للعجمِ الذین یکون البیاضُ غالباً علی أَلْوانِهم مثلِ الرُّومِ والفرسِ ومن ضاقَبَهُمْ : إنهم الحَمْراءُ ، ومنه حدیثُ علیّ حین قال له سَراهٌ من أصحابِه العَربِ : غلبتْنا علیک هذه الحُمْرَهُ ، فقال : لَیَضْرِبنَّکُمْ علی الدِّین عَوْداً کما ضربتموهم علیه بَدْءاً ، أَرادُوا بالْحَمْرَاء الفرسَ والرُّومَ. والعربُ إذا قالُوا : فلانٌ أبیضُ وفلانهٌ بیضاءٌ ، فمعناهَا الکرمُ فی الأخلاق ، لا لونُ الخِلْقَهِ. وإذا قالوا : فلانُ أحمرُ وفلانهُ حمراءُ عَنَتْ بیاضَ اللَّونِ.

ورَوَی أبو العبَّاس عن ابن الأعرابیّ أنه قال فی قولهِمْ الْحُسْنُ أَحْمَرُ أی شاقٌّ ، أی من أَحَبَّ الحُسْنَ احتَمَل المَشَقَّه. وکذلک موتٌ أَحْمَرُ ، قال الحُمْرَهُ فی الدَّمِ والقتالِ. یقول : یَلْقی منه المشقهَ کما یَلْقی من القتالِ.

أبو عبید عن الأصمعی : یقال جاء بِغَنَمِه حُمْرَ الکُلی ، وجاء بِها سُودَ البُطونِ ، معناهما المَهَازِیلُ.

وقال اللیث : الحَمَرُ داءٌ یعتری الدابّه من کثره الشعیر ، وقد حَمِر البرذَوْنُ یحمَرُ حَمَراً. وقال امرؤ القیس :

لَعَمْرِی لسَعْدُ بنُ الضِّبابِ إِذَا غَدا

أحبُّ إلینَا مِنْک ، فَافَرَسٍ حَمِر

أرَادَ یَافَا فَرَسٍ حَمِر ، لقَّبَهُ بِفِی فَرَسٍ حَمِرٍ لِنَتْن فیه. قال وسنَهٌ حمراء شدیدهٌ ، وأنشد :

أَشْکُو إِلَیْک سَنَوَاتٍ حُمْرَا

ص: 37

قال : أخرج نعته عَلَی الأعوامِ فَذکَّرَ ، ولو أخْرَجَهُ علی السَّنواتِ لقال حَمْرَاوَاتٍ. وقال غَیْرُه : قیل لِسِنی القَحْطِ حَمْرَاواتٌ لاحمرار الآفاق فیها. ومنه قول أُمَیّهَ :

وسُوِّدَت شَمْسُهُمْ إذا طَلَعَتْ

بالجِلْبِ هفا کأنَّه کَتَمُ

والکتم صِبْغٌ أحمرُ یُخْتَضَبُ به. والجِلْبُ السحابُ الرقیقُ الذی لا ماءَ فیه. والهَفُّ الرقیق أیضاً ونَصَبَه علی الحال.

وفی حدیث علیّ رضی الله عنه أنه قال : کُنَّا إذا احْمَرَّ البأسُ اتَّقَیْنَا برسول الله صلی الله علیه وسلم العَدُوَّ. قال أبو عبید قال الأصمعیُّ : یقال هو الموتُ الأَحْمَرُ والموتُ الأسودُ. قال ومعناه الشَّدِیدُ ، قال وَأَرَی ذلک من أَلْوَانِ السباعِ کأَنَّهُ من شِدَّته سَبُعٌ. وقال أبو زُبَیْدٍ یصف الأسد :

إِذَا عَلِقَتْ قِرْناً خَطَاطِیفُ کَفِّه

رَأَی الموتَ بالعیْنَینِ أَسْودَ أَحْمَرا

قال أبو عُبَیْدٍ فکأنَّه أَرَادَ بقَوْلِه احْمَرّ البَأْسُ أیْ صَارَ فی الشدَّهِ والهَوْلِ مثل ذلک. وقال الأصمعیُّ یقال : هذه وَطْأَهٌ حمراءُ ، إذا کانت جدیداً ووطأهٌ دَهْمَاءُ إذا کانت دَارِسَهً.

قال الأصمعیُّ ویجوزُ أن یکُون قَوْلُهمْ :الموتُ الأحمرَ من ذلک ، أی جدیدٌ طریّ. ویروی عن عبد الله بن الصَّامِت أنه قال : أَسْرَعُ الأرض خَراباً البصرهُ ، قیل وما یُخْرِبُها؟ قال : القتْلُ الأَحْمَرُ والجوع الأغْبَرُ.

قلت والحَمْرُ بمعْنی القَشْرِ یکون باللِّسَان والسَّوْط والحَدید والمِحْمَرُ والمِحْلأُ : هو الحدیدُ أو الحَجَرُ الذی یُحْلأُ به تحْلِیءُ الإهاب وَیُنْتَفُ. ویقال للهجین مِحْمَرٌ ولمَطَیَّهِ السُّوءِ مِحْمَر ، وَرَجُلٌ مُحْمَرٌّ ؛ لا یعطی إلَّا علی الکَدِّ والإلْحَاحِ علیه. وقال شمر یقال حَمِرَ فلانٌ علیَ یَحْمَرُ حَمْراً إذا تَحَرَّق علیک غضباً وغیظاً. وهو رجل حَمِرٌ من قوم حَمِیرِین. قال وحِمِرُّ القَیْظ والشتاءِ أشَدُّهُ.

قال : والعربُ إذا ذکرت شیْئاً بالمشَقَّهِ والشِّدَّه وصَفَتْهُ بالحُمْرَهِ. ومنه قیل سنَهٌ حَمْرَاءُ للجَدْبَهِ.

قال : وقال ابن الأعرابیِّ فی قولِهِمْ الحُسْنُ أَحْمَرُ یُرِیدُون إنْ تَکلَّفْتَ التَّحَسُّنَ والجَمَال فاصْبِرْ فیه علی الأَذَی والمشقَّه. قال : وحَمَرْتُ الجِلْدَ إذا قَشَرْتَه وحلقتَه.

وقال اللیث : حَمَارَّهُ الصیف شده وَقْتِ حَرِّه. قال ولم أَسْمَع کلمه علی تقدیر فَعَالّه غیرَ الحمارَّه والزَّعَارَّه وهکذا.

قال الخلیل قال اللیث : وسمعت بعد ذلک بخُرَاسَان سبارَّهُ الشّتَاء وسمعت : إن وراءَک لَقُرَّاً حِمِرّاً. قلت : وقد جاءَتْ أَحْرُفٌ أُخَرُ علی وزن فَعَالَّه.

روی أبو عبیدٍ عن الکسائیِّ : أَتَیْتُه فی حَمَارَّهِ القیظ ، وفی صَبَارَّهِ الشّتاء بالصاد ، وهُمَا شِدَّهُ الحَرِّ والبَرْدِ. قال وقال الأمَوِیُّ : أتَیْتُه عَلَی حَبَالَّهِ ذَاک ، أی علی حِینِ ذَاک ، وألقی فلان عَلَی عَبَالَّته أی ثِقله. قاله الیزیدیُّ والأَحْمَرُ.

ص: 38

وقال القَنَانِیّ : أَتَوْنِی بِزرَافَّتهِم یعنی جَمَاعَتَهُم.

وسمعت العربَ تَقُول کُنّا فی حَمْراء القیظ علی ماء شُفَیَّه ، وهی رکیَّهٌ عذبَهٌ.

وقال اللیث فی قولهم : أهْلَکَ النِّساءَ الأحمران ، یعنون الذهبَ والزعفرانَ.

أبو عبید عن أبی عبیده : الأحمرانِ الخَمْرُ واللَّحْمُ وأنشد :

إن الأحَامِرَهَ الثلاثَهَ أهلکَتْ

مالی وکنت بِهِن قِدْماً مُولَعاً

الرَّاحَ واللحْمَ السمینَ إدَامُه

والزَّعْفَرانَ فلن أَرُوحَ مُبَقَّعَا

قال أراد الخمرَ واللحمَ والزعفرانَ.

وقال أبو عبیده : الأصفرانِ الذَّهَبُ والزعفرانُ. قلت والصَّوابُ فی الأحمَرینِ ما قاله أبو عبیده. والذی قاله اللیثُ یضاهی الخَبَرَ المرویَّ فیه.

وقال شمر : سمعت ابنَ الأعرابیِّ یقول : الأحمرانِ النّبیذُ واللحمُ. وأنشد :

الأحمرَینِ الرَّاحَ والمُحَبَّرَا

قال شمِر : أَرَاد الخَمْرَ والبُرُودَ.

وقال اللیث : فَرَسٌ مِحْمَرٌ والجمیع المَحَامِر والمَحَامِیرُ. وأنشد :

یَدِبُّ إذْ نَکَس الفُحْجُ المحامیرُ

وقال غیرُه : الخیل الحمارَّهُ مثلُ المَحَامِرِ سواءً.

وروی عن شریح أنه کان یردّ الحمَّارَهَ من الخَیْلِ.

قلت أَراد شریحٌ بالحمَّارَه أصحابَ الحَمِیر ، کأنَّه ردَّهُم فلم یُلْحِقْهُمْ بأصحاب الخَیْلِ فی السهام. وقد یقال لأصْحاب البِغَال البَغَّاله ولأصحاب الجِمَال الجَمَّالَهُ ومنه قولُ ابن أحمر :

شدّد کما تطْرُدُ الجَمَّالَهُ الشُّرُدَا

ورجل حَامِرٌ وحَمَّارٌ ذو حِمَارٍ ، کما یقال فارسٌ لذی الفَرس.

ثعلب عن سلمه عن الفراء قال : حَمَرَت المرأهُ جلْدَهَا تَحمِرُهُ. والحَمْرُ فی الوبر والصوف وقد انْحَمَر ما علی الجِلْدِ وأتاهم الله بغیثٍ حِمِرٍّ یَحْمُر الأرض حمراً أی یقشرها.

وقال ابن السکیت : حَمَر الخَارِزُ السَّیْرَ یحْمِرُهُ حَمْراً إذا مَاسَحا باطِنَه ودَهَنه ثم خَرَزَ بِه ، وحَمَر الشَّاهَ إذا ما سمطها ، وأُذُنُ الحِمَارِ نَبْتٌ عریضُ الوَرَق کأَنَّه شُبِّه بأذن الحِمَار.

وروَی أبو العباس أنه قال : یقال إن الحُسْنَ أحمر ، یقال ذلک للرَّجُلِ یمیلُ إلی هَوَاه ، ویخْتَصُّ بمن یُحِبُّ کما یقال الْهَوَی غَالِب ، وکما یقال إن الهوی یمیل بإسْتِ الرَّاکِب إذا آثَر من یهواه علی غیره.

وقال غیرهُ حِمْیرٌ اسمٌ ، وقیل هو أَبُو مُلوکِ الیمَن ، وإلیه تنتهی القبیلهُ. ومدینه ظَفَارِ کانت لِحِمْیَرَ. وحَمَّرَ الرجلُ إذا تکلم بالحِمْیَریّه ، ولهم ألفاظٌ ولغاتٌ تخالف لغاتِ سائِرِ العرب.

وقال بعض ملوکهم : من دَخَلَ ظَفَارِ حَمَّرَ ، أی تعلَّم الحِمْیَرِیّه. ویُقالُ للذین یُحَمِّرون رَایَاتِهم خِلَافَ زِیّ المُسَوِّدَهِ من بنی هَاشِم المُحَمِّره ، کما یقال للحَرُورِیَّه

ص: 39

المبیِّضه ، لأن رایاتِهم فی الحُروب کانت بَیْضَاءَ.

وقال أبو عُبید : یقال لاحنْتُ الناس أی فاطَنْتهم وقال فی تفسیر حدیث النبی صلی الله علیه وسلم «لعل بَعْضَکُمْ أَن یَکُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ من بَعْض» یعنی أَفْطَنَ لها وأجْدَل. قال واللَّحَنُ بفتحِ الحاءِ الفِطْنَهُ. ومنه قولُ عمرَ بن عبدِ العزیز «عَجِبْتُ لمن لَاحَنَ النَّاسَ کیفَ لا یعرفُ جوَامعَ الکَلِم» قال ومنه قیل : رجل لَحِنٌ ، إذا کان فَطِناً. وقال لبید :

مُتَعَوِّذٌ لَحِنٌ یعید بِکَفِّه

قَلَماً علی عُسُبٍ ذَبُلْنَ وَبَانِ

وأمّا قولُ عمر بن الخطاب «تعلموا اللَّحْنَ والفَرَائِضَ» فهو بتسکین الحاءِ ، قال أبو عبید : وهو الخطأ فی الکلام وقد لَحَنَ الرجلُ لَحْناً ومنه حدیثُ أبی العالیهِ قال : «کنتُ أَطُوف مع ابنِ عبَّاس وهو یُعَلِّمُنِی لَحْنَ الکلام».

قال أبو عبید : وإنما سماه لَحْناً لأنه إذا بصَّرَهُ الصوابَ فقد بصَّرَهُ اللَّحْن.

قال وقوله (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ) أی فی فَحْوَاهُ ومعناه.

وقال شَمِر قال أبو عدنان : سألت الکِلَابِیِّینَ عن قول عُمَرَ : «تعلّموا اللَّحْن فی القرآنِ کما تَعَلَّمُونَه» ، فقالوا کُتِبَ هذا عن قَوْم لهم لَغْوٌ لَیْسَ کلَغْوِنا ، قلت مَا اللغْوُ؟ فقالَ : الفاسدُ من الکَلَامِ.

وقال الکلابیُّون : اللَّحْنُ اللُّغَهُ ، فالمعنی فی قول عمر : تعلموا اللَّحْنَ فیه ، یقول : تعلَّموا کیفَ لُغَهُ العَرَبِ الذین نَزَلَ القرآنُ بِلُغَتِهم.

قال أبو عدنان : ویکون معنی تعلَّمُوا اللَّحْن فیه ، أی اعْرِفوا معانِیَه ، کقوله جلّ وعزّ : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ) [محَمَّد : 30] أی فی معناه وفحواه.

قال أبو عدنان وأخبرنی أو زید : أَنَّ معنَی قولِ عُمَرَ : «أُبَیُّ أَقْرَؤُنَا ، وإنَّا لنَرْغَبُ عن کثیرٍ من لَحْنِهِ» قال لَحْنُ الرجل لغَتُه.

وأنشدَتْنی الکلبیَّهُ :

وقومٌ لهم لحنٌ سِوَی لَحْنِ قَوْمِنَا

وشَکْلٌ وبیتِ الله لَسْنَا نُشَاکِلُهْ

وقال عبید بن أیوب :

ولله دَرُّ الغُولِ أیُّ رفیقهٍ

لصاحِبِ قَفْرٍ خائفٍ یَتَقَتَّرُ

فلما رأتْ أَلَّا أُهَالَ وأننی

شُجاعٌ إذا هُزَّ الجَبَان المطیَّرُ

أتَتْنِی بِلَحْن بعد لحْنٍ وأوْقَدَتْ

حَوَالَیَّ نیراناً تَبُوخُ وتَزْهَرُ

قال اللیثُ : والألحانُ الضُّرُوبُ من الأصْوَاتِ الموْضُوعَهِ المصُوغَه ، قال : واللَّحْنُ تَرْکُ الصّوابِ فی القراءه والنَّشید ، یُخَفَّفُ ویثَقَّل ، قال واللَّحَّانُ واللَّحَّانَهُ : الرجلُ الکثیرُ اللَّحْن ، وقال غیرُه فی قول الطرماح :

وأَدَّتْ إلیَّ القَوْلَ عَنْهُنَّ زَوْلَهٌ

تُلَاحنُ أو تَرْنُو لقول المُلَاحن

أی تَکلَّم بمعنی کلامٍ لا یُفْطَنُ له ویَخْفَی علی الناس غیری. وقال بعضهم فی قوله : منطق صائب وتلحن أحیاناً : إنَّها تُخْطیءُ فی الإعرَابِ ، وذلک أنه یُسْتَمْلَحُ من

ص: 41

الجَوَارِی ذاک إذا کان خَفِیفاً ، ویستثقل منهنَّ لزوم حاقِّ الإعراب.

وقِدْحٌ لاحِنٌ إذا لم یکن صَافِیَ الصَّوْتِ عند الإفاضه. وکَذَلِکَ قَوْسٌ لَاحِنَهٌ إذا أُنْبِضَتْ. وسَهْمٌ لَاحِنٌ عند التَّنْفِیز : إذا لم یکن حنَّاناً عنْد الإدَامَهِ علی الإصْبَع والمُعْرِبُ من جَمِیعِ ذلک علی ضِدِّه. وملاحِنُ العُودِ ضُرُوبُ دَسْتَانَاتِهِ ، یقال هذا لَحْنُ فُلانٍ العَوَّادِ ، وهو الوجْهُ الذی یَضْرب به.

فَذَرْ ذا وانْحَلِ النُّعْمانَ قولا

کنَحْتِ الفَأْسِ یُنْجِد أو یَغُور

قلت : قوله نحل فلان فلاناً أی سابَّه باطلٌ وهو تصحیف لنَجَل فلانُ فلاناً إذا قطعه بالغِیبه.

وروی فی الحدیث «مَنْ نَجل الناس نَجَلُوه» أی من عابَ الناسَ عابُوه ، ومن سبَّهم سبُّوه. وهو مثلُ ما روی عن أَبی الدّرْداء : إن قارَضْت الناسَ قارضُوک وإن ترکْتَهُمْ لم یتْرُکُوک» وقوله : إن قارضْتَ الناسَ مأخوذٌ من قول النبی صلی الله علیه وسلم «رفع الله الْحَرَج إلّا مَن اقْتَرض عِرْضَ امریءٍ مُسْلِمٍ فذلک الذی حَرِجَ» وقد فسرناه فی موضعِهِ. والنَّجلُ والقَرْضُ معناهُما القَطْع. ومنه قیل للحدیده ذات الأسنان مِنْجَل.

وقال اللَّیثُ : یقال انْتَحَل فلانُ شِعْرَ فُلانٍ إذا ادّعاه أَنَّهُ قائِلُه. ویقال نُحِل الشاعرُ قصیدهً إذا نُسِبَتْ إلیه وهی من قِیل غَیْره.

وقال الأعشی فی الانتحال :

فکیْفَ أَنا وانْتِحالی القوا

فِ بَعْد المشیبِ کَفَی ذَاک عَارا

أراد انتحالی القوافی فدلَّت کسرهُ الفاء من القوافِی علی سُقُوط الیاءِ ، فَحَذَفَها کما قال الله (وَجِفانٍ کَالْجَوابِ) : [سَبَإ : 13] قال أبو العباس أحمدُ بن یحیی فی قولهم انْتَحلَ فلانٌ کذا وکذا : معناه قد ألْزَمَهُ نَفْسَه وجعله کالمِلْک له ، أُخِذَ من النِّحله وهی الهِبَهُ والعطیّه یُعْطَاهَا الإنسانُ. قال الله تبارک وتعالی : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ نِحْلَهً) أراد هِبَهً ، والصَّدَاقُ فَرْضٌ ؛ لأن أَهْلَ الجاهلیهِ کانوا لا یُعْطُون النِّسَاءَ من مُهُورِهِنَّ شیئاً فقال الله تعالی : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ نِحْلَهً) هبهً من الله إذْ کانَ أهلُ الجاهلیَّه یَدْفَعُونَهُنَّ عن صَدُقَاتِهِنَّ ، والنحله هِبَهٌ من الله للنِّساء فَرَضَهُ لهن علی الأزْوَاج.

وقال اللیثُ : نَحلَ الجسم یَنْحَلُ نُحْولاً فهو نَاحلٌ. قلت : والسیف النَّاحِلُ الذی فیه فُلُولٌ فَیُسَنُّ مَرَّهً بعد أُخْرَی حتی یَرِقّ ویذهبَ أَثَرُ فُلُوله ، وذلک أَنَّهُ إذا ضُرِبَ به فَصَمَّم انْفَلَّ فینْحنی القَیْنُ علیه بالمَدَاوِس والصَّقْلِ حتی یُذْهِبَ فُلولَه. ومنه قول الأعشی :

مَضَارِبُها من طول ما ضربوا بِها

ومِنْ عَضِّ هَامِ الدَّار عین نَواحِل

وجمل ناحل : مَهْزُولٌ دقیق وقمر ناحِل إذا دقّ وَاسْتَقْوَسَ ورجل ناحِلٌ وامرأهٌ نَاحِلَهٌ ونِساءٌ نَوَاحلُ ورجال نُحَّلُ.

لا أفْعَلُ یرید : ومحْلوفِه فمدّها. وقال الفرَّاءُ حکایهً عن العرب : إنّ بنی نُمَیْرٍ لیس لهم مَکْذُوبَهٌ ؛ وقال اللَّیْثُ : رجل حلَّافٌ وحلَّافَهٌ کثیرُ الحلفِ. ویقول استَحلَفْتُه بالله ما فعل ذَاکَ.

قال وتقول : حَالَفَ فلانٌ فُلَاناً فهو حَلِیفُه.

وبینهما حلفٌ لأنَّهُما تحالَفَا بالأَیْمان أن یکون أمْرُهما واحداً بالوفاء فَلَمّا لَزِم ذلک عندهُم فی الأَحْلَافِ التی فی العشائر والقبائِلِ صار کلُّ شَیْءٍ لَزِمَ شَیْئاً فلم یُفَارِقْه فهو حَلِیفُه حتی یُقَال : فلانٌ حلیفُ الجُودِ ، وفلان حلیفُ الإکثار وحلیفُ الإقْلَالِ : وأنشد قول الأعشی :

وشرِیکیْنِ فی کثیرٍ من الما

لِ وکانا مُحَالِفَیْ إِقْلَالِ

وقال شَمِر : سمعتُ ابن الأعرابیِّ یقول : الأَحْلَافُ فی قریش خَمْسُ قبائل ، عبدُ الدّار وجُمَحُ وسَهْمٌ ومَخْزُومٌ وعَدِیُّ بن کعبٍ. سُمُّوا بذلک

لمَّا أَرَادَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَخْذَ مَا فی أَیْدِی بَنِی عَبْدِ الدّارِ من الحِجَابَهِ والرِّفَادَهِ واللِّوَاءِ والسِّقَایَهِ وأَبت بَنُو عَبْدِ الدّارِ ، عَقَدَ کلُّ قَوْم علی أمرهم حِلْفاً مُؤکَّداً علی ألَّا یَتَخاذَلُوا ، فَأَخْرَجَتْ عَبْدُ مَنَافٍ جَفْنَهً مملوءَهً طیباً فوضَعُوهَا لأَحْلَافِهِمْ فی المسجد عندَ الکعبهِ ، ثم غَمَسَ القوْمُ أیدیَهم فِیها وتعاقَدُوا ثم مَسَحُوا الکعبه بأیدیهم توکیداً. فسموا المطیَّبین ، وتعاقدت بَنُو عبدِ الدّارِ وحلفاؤها حِلْفاً آخَرَ مؤکَّداً علی ألَّا یتخاذلوا ، فَسُمُّوا الأَحْلَافَ. وقال الکمیت یذکرهم :

نسباً فی المطیَّبین وفی الأح

لاف حَلَّ الذُّؤَابَهَ الْجُمْهُورَا

وروی ابن عُیَیْنَه عن ابن جُرَیْج عن ابن أبی مُلَیْکه قال کنت عند ابْنِ عبّاس فَأَتَاهُ ابن صفوانَ فقال : نِعْمَ الإمارَهُ إمَارَهُ الأَحْلافِ کانت لَکُمُ.

قال : الذی کان قبْلَها خیرٌ منها ، کان رسول الله صلی الله علیه وسلم من المطیِّبِین ، وکان أبو بکرٍ من المطیِّبین وکان عمر من الأَحْلَاف یعنی إمارهَ عمر. وسمع ابن عباس نَادِبَهَ عُمَرَ وهی تقول : یا سیّد الأحْلَافِ فقال ابن عباس : نعم ، والمُحْتَلَفِ علیهم. قلت وأنها ذَکَرت ما اقْتَصَّه ابنُ الأعرابی لأن القُتَیْبیَّ ذکر الطیِّبین والأحْلافَ فَخَلَطَ فیما فسّر ولم یُؤَدِّ القِصَّهَ عَلَی وَجْهِها ، وأرجو أن یکونَ ما روَاهُ شَمِرٌ عن ابن الأعرابیِّ صَحِیحاً.

وفی الحدیث أنَّ النبی صلی الله علیه وسلم حَالَفَ بَیْن قُرَیْشِ والأنصارِ أی آخَی بَیْنَهُم ، لأنه لا حِلْفَ فی الإسلام.

وقال اللیثُ : أَحْلَفَ الغلامُ إذا جَاوزَ رِهَاقَ الحُلُم. وقال بعضُهم قد أُحْلِفَ. قلت أنا : أُحْلِفَ الغُلَامُ بهذا المعنی خَطَأٌ إنما یقال أَحْلَفَ الغلام إذا رَاهَقَ الحُلُم فاختلف النَّاظِرُون إِلَیْه ، فقائل یقول قد احْتَلَم وأدْرَکَ ، ویَحْلِفُ علی ذَلِکَ ، وقائلٌ یقولُ : غَیْرُ مُدْرِک ، ویَحْلِفُ علی قولِه. وکلُّ شیء یختلف فیه النَّاس ولا یَقِفُون منه علی أَمْرٍ صحیح فهو مُحْلِف ، والعرب تقول للشیء المختلف فیه مُحْلِفٌ ومُحْنِثٌ.

ص: 44

وروی أبو عُبَیْد عن الأصمعیِّ عن أبی عمرو بن العلاء أَنَّهُ قال : حَضَارِ والوزْنُ مُحْلِفَان ، وهما نجمان یَطْلُعَان قَبْلَ سُهَیْلٍ من مَطْلَعِه ، فکلُّ مَنْ رآهما أوْ أَحَدَهُما حَلَفَ أَنَّهُ سُهَیْلٌ ثم یَتَبَیَّنُ بعد طُلُوعِ سُهَیْلٍ أَنَّهُ غَیْرُ سُهَیْلٍ. ویقال کُمَیْتٌ مُحْلِفٌ إذا کان بین الأَحْوَی والأَحَمِّ حتی یُخْتَلَفُ فی کُمْتَتِه. وکُمَیْتٌ غیر مُحْلِفٍ إذا کان أَحْوَی خالص الحُوَّه أَوْ أَحَمَّ بَیِّنَ الحُمَّهِ. والأنثی کُمَیْتٌ مُحْلِفهٌ وغیرُ مُحْلِفهٍ. وأنشد أبو عبید :

کُمَیْتٌ غَیْرُ مُحْلِفهٍ ولکن

کلون الصِّرف عُلَّ بِه الأَدِیمُ

وناقه مُحْلِفَهُ السَّنَامِ إذا کان لا یُدْرَی أفی سَنَامها شحم أم لا.

وقال الکمیت :

أطلالُ مُحْلِفَهِ الرُّسُو

م بأَلْوَتَیْ بَرٍّ وفَاجِرْ

أَیْ یَحْلِفُ اثْنانِ أَحَدُهُمَا علی الدُّروس ، والآخرُ علی أَنَّهُ لیس بِدَارسٍ ، فَیَبَرُّ أَحَدُهُمَا بیمینِه ، ویَحْنَثُ الآخرُ ، وهو الفاجر.

وقال اللیث : الْحَلْفاءُ نباتُ حَمْلُه قصب النَّشَّابِ ، الواحده حَلَفَهٌ والجمیع الحَلَفُ. قلت : الْحَلْفَاءُ نَبْتٌ أطرافُه مَحْدُودَهٌ کأَنَّها أطراف سَعَفِ النَّخْلِ والخوص ، یَنْبُت فی مَغَایِضِ الماءِ والنُّزُوزِ ، الواحده حَلَفَهٌ مثل قَصَبه وقَصْبَاء ، وطَرَفَه وطَرْفَاء وشَجَره وشَجْراءُ ، وقد یجمع حَلَفاً وشَجَراً وقَصَباً وطَرَفاً ، وکَانَ الأصمعیُّ یقول : الواحده حَلِفَه ، وقال سیبویه الْحَلْفَاءُ واحدٌ وجمیعٌ وکذلک طَرْفَاءُ ، وبُهْمَی وشُکَاعَی واحدهٌ وجمیعٌ.

أبو عبید عن الأصمعیّ رجلٌ حلیفُ اللِّسانِ أی حدیدُ اللسانِ وسِنَانٌ حلیفٌ أی حدیدٌ. قلت : أُرَاهُ جُعِلَ حَلِیفاً لأنَّه شُبِّه حدَّهُ طَرْفِه بحدّه أَطْرَافِ الْحَلْفَاءِ.

وروی أبو العباس عن ابن الأعرابیّ أنه قال : الْحَلْفَاءُ الأَمَهُ الصَّخَّابه ، ویقال أَحْلَفْتُ الرجلَ واستحلْفتُه بمعنَی واحِدٍ ، ومثله أرْهَبْتُه واستَرْهَبْتُه. ورجل حلَّاف کثیر الحَلِفِ ، وحالَفَ فلاناً بَثُّه وَحُزْنُه أی لازَمَهُ.

کَمْ قَدْ نزلْتُ بِکُمْ ضیفاً فَتَلْحفُنی

فضْلَ اللِّحافِ ونِعْمَ الفضْلُ یُلْتَحَفُ

قال أَرادَ : أعْطَیْتَنِی فضل عَطَائِکَ وجُودِک ، وقد لَحَفَهُ فضْلَ لِحَافِه ، إذا أَنَالَه معروفَه وفضلَه وزوَّده.

أبو عُبَیْد عن الکسائی : لَحَفْتُه وأَلْحفْتُه بمعنی واحد ، وأنشد بیتَ طَرَفَه : ورُوی عن عائشهَ أنها قالتْ کان النبی صلی الله علیه وسلم لا یُصَلّی فی شُعُرنا ولا فی لُحُفِنَا.

قال أبو عبید اللِّحَافُ کُلُّ ما تَغَطَّیْتَ بِه فقد الْتَحَفْتَ به ، ولَحَفْتُ الرجلَ أَلْحفُه إذا فعلْتَ به ذلک یعنی إذا غَطّیْتَه.

وقول طرفه :

یلحفون الأرض هدَّاب الأزر

أی یُغَطُّونَها ویُلْبِسونَها هدّاب أزُرِهِم إذا جرُّوها فی الأرْضِ.

قلتُ ویقال لذلک الثوبِ لِحَافٌ ومِلْحَفٌ بمعنًی واحدٍ کما یقال إزَار وَمِئْزَرٌ وقِرَامٌ ومِقْرمٌ. وقد یقال مِلْحَفَهٌ ومِقْرَمَه سواء کان الثوب سُمْطاً أو مُبَطَّناً یقال له لِحافُ ، وقد تَلَحَّف فلانٌ بالملْحَفَهِ والْتَحَفَ بِها إذا تَغَطَّی بها. والملحفه عند العرب هی المُلاءهُ السِّمْط فإذا بُطِّنَتْ بِبِطَانَهٍ أو حُشِیتْ فهی عند عوامّ الناس مِلْحَفهٌ. والعرب لا تعرفُ ذلک.

وقال الزّجاج فی قول الله جلّ وعزّ : (لا یَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) [البَقَرَه : 273] رُوی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «من سَأَل وله أَرْبَعُون دِرْهَماً فقد أَلْحفَ». قال ومعنی أَلْحَفَ أی شَمِلَ بالمسأله وهو مستغنٍ عنها ، قال واللّحاف من هذا اشتقاقُه لأنه یَشْمَل الإنسانَ فی التَغْطیه. قال : والمعنی فی قوله (لا یَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) أی لیس منهم سُؤَالٌ فیکونَ إلحَافٌ کما قال امرؤ القیس :

علی لَاحِب لا یُهْتَدی بِمنَارِه

المعنی لیس به منار فَیُهتدَی به ، وکذلک لیس من هؤلاء سؤالٌ فیقعَ فیه إِلْحَافٌ.

وقال اللیث : الإلْحَافُ شدَّهُ الإلحاح فی المسأله. أبو العباس عن ابن الأعرابی أَلْحفَ الرجلُ إذا مَشَی فی لِحْفِ الجبل وهو أصْلُه قال وأَلْحَفَ إذا آثَر ضَیْفَه بفراشِه ولحافِه فی الْحَلیت وهو الثلج الدائمُ والأریزُ البارِدُ وأَلْحَفَ وَلَحَّف إذا جَرَّ إزَارَه علی الأَرْضِ خُیَلاءَ وبطراً ، وأنشد قول طرفه. ویقال فلان حسن اللِّحفه وهی الحالهُ التی یَتَلَحف بها.

قال : والفَلَحُ السَّحُورُ ، وجاء فی الحدیث صَلَّیْنَا مَعَ رسولِ الله صلی الله علیه وسلم حتی خَشِینَا أن یفوتَ الفَلَحُ. وقال أبو عبید فی حدیث «حتی خشینا أن یفوتنا الفلاح» قال وفی الحدیث «قیل وما الفلاح قال السحور» قال ، وأصْلُ الفلاحِ البقاءُ وأنشد للأضبط ابن قریع السعدی :

لِکُلِّ هِمِّ من الهُمُوم سَعَهْ

والمُسْیُ والصُّبْحُ لا فَلَاحَ معه

یقول لیس مع کرِّ اللیالی والنَّهارِ بقاءٌ ، قال ومنه قول عبید بن الأبرص :

أَفْلِحْ بِمَا شِئْتَ فَقَدْ یُبْلَغُ بالضع

ف وقَدْ یُخْدَعُ الأَرِیبُ

یقول عِشْ بما شِئْتَ من عقلٍ وحمْق فقد یُرْزَقُ الأَحْمَقُ ویُحْرَمُ العاقِلُ. قال وإنَّما قیل لأهل الجنّه : مُفْلِحُون ، لفوزِهمْ ببقاء الأَبَد ، فَکَأَنَّ مَعْنَی فَلاحِ السَّحُورِ أَنَّ به بقاءَ الصومِ.

وفی حدیثِ ابن مسعودٍ أنه قال : إذا قال الرَّجُلُ لامرأته استَفْلِحی بأمْرِکِ ، قال أبو عبید قال أبو عبیده : معناه اظْفَرِی بأَمْرِک وفُوزِی بأمْرِک واستبدِّی بأمْرِک. وقال أبو إسحاق فی قول الله : (وَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البَقَره : 5] یقال لکلّ من أصاب خیراً مُفْلِحٌ. وقال اللیثُ فی قوله جلّ وعزّ : (وَقَدْ أَفْلَحَ الْیَوْمَ مَنِ اسْتَعْلی) [طه : 64] أی ظَفِرَ بالمُلْکِ مَنْ غَلَب.

قال والفَلَّاحُ الأَکَّارُ ، وإنما قِیل فلاحٌ لأنه یَفْلَحُ الأرضَ أی یَشُقُّها قال والفَلَحُ الشقُّ فی الشفهِ وفی وسَطِها دون العَلَمِ ، ورجل أَفْلَحُ وامرأهٌ فَلْحاءُ. الحرَّانِیُّ عن ابن السکیت : الفَلْحُ فَلَحْتُ الأرضَ إذا شَقَقْتُها للزراعه. قال : والفَلَحُ شق فی الشَّفَهِ السُّفْلی. وقال غیره فإذا کان فی العُلْیا فهو عَلَمٌ وقال أبو عبید عن أبی زید مثله وأنشد :

وعَنْتَرَهُ الْفَلْحَاءُ جاء ملأماً

کأنک فِنْد من عَمایه أسودُ

ویقال أفْلَحْتُ الأرْضَ إذا شَقَقْتَها للحَرْثِ.

وقال الزجَّاجُ الفلَّاح الأکَّار والفِلاحَهُ صِنَاعتُه. قال ویقال : فلحت الحدید إذا قطعته وأنشد :

قَدْ عَلِمَتْ خَیْلُک یابْنَ الصَّحْصَحْ

أَنَّ الحَدِیدَ بالحدِیدِ یُفْلَحْ

قال : یقال للمُکَارِی فلَّاحٌ ، وإنما یقال له فَلَّاحٌ تَشْبیهاً بالأکَّار ، ومنه قول عمرو بن أحمر الباهلی :

لها رِطْلٌ تکِیلُ الزَّیْتَ فیهِ

وفَلَّاحٌ یسوقُ لَها حِمَاراً

أبو عبید عن أبی زید : فَلَحْتُ للقَوْمِ وبالقوم أفْلَحُ فِلَاحهً وهو أن یُزَیِّن البیعَ والشِّراء للبائِع والمشترِی. قال وفَلَّحْتُ بهم تَفْلِیحاً إذا مکَرَ بهم ، وقالَ لَهُمْ غیرَ الحقّ.

ثعلب عن ابن الأعرابی : الفَلْحُ النَجْسُ وهو زیاده المکْترِی لیزید غیرُه فیُغَرُّ بِهِ. والتَّفْلِیحُ المکْرُ والاستهْزاء ، وقال أعرابی : قد فلّحوا بِی : أَیْ مَکَرُوا بِی.

تَلْفَحُ الإنسانَ. واللُّفَّاحُ شیءٌ أصفَرُ مثلُ البَاذَنْجَانِ طیبُ الریح.

أبو عبید عن الأصمعیّ : ما کان من الریاح بردٌ فهو نفح وما کان لِفحٌ فهو حَرٌّ ، وقال الزجّاج فی قوله (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) [المؤمنون : 104] قال تَلْفَحُ وتَنْفَحُ بمعنَی وَاحِدٍ إلا أنَّ النَّفْحَ أعْظَمُ تَأْثیراً قلتُ ومما یُؤَیِّد قولَه قولُ الله : (نَفْحَهٌ مِنْ عَذابِ رَبِّکَ) [الأنبیَاء : 46] وقال ابنُ الأعرابیّ : اللَّفْحُ لکل حارٍ ، والنَّفْحُ لِکُلِّ بَارِدٍ ، وأنشد أبو العالیه :

ما أنْتِ یا بَغْدَادُ إلَّا سَلْحُ

إذا یَهُبُّ مَطَرٌ أَوْ نَفْحٌ

فإنْ جَفَفْتِ فَتُرابٌ بَرْحُ

قال : بَرْحُ خالصٌ دَقَیقٌ

إلیه من الحِرْقِ لتأبیر نخِیله الإناثِ ، فإذا بَاع واحدٌ من الشرکاءِ نصیبَه من ذلک الفحْل بعض الشرکاءِ فیهِ لم یکن للباقین من الشرکاء شُفْعَهٌ فی المَبِیع ، والّذی اشتراه أَحَقُّ بِهِ لأَنَّه لا یَنْقسِمُ ، والشُّفْعَهُ إنّما تَجِبُ فیما یَنْقَسِمُ ، وهذا مذهبُ أَهْلِ المدینه وإلیْه یذهبُ الشَّافِعِی ومالکٌ وهو مُوافِقٌ لحدیث جابر «إنما جَعَل رسول الله صلی الله علیه وسلم الشفْعَهَ فیما لَمْ یُقْسَمْ ؛ فإذا حُدَّتْ الحدُودُ فلا شُفْعَه لأن قوله علیه السلام «فیمَا لَمْ یُقْسَمْ» دلیلٌ علی أنه جَعَل الشفعه فیما یَنْقَسِمُ ، فأما ما لا یَنْقَسِمُ مثلُ البئر وفَحْلِ النّخیلِ یُبَاع منهما الشِّقْص بأَصْلِه من الأَرْض فلا شُفْعَه فیه لأَنه لا ینقسمِ ، وکان أبُو عُبَیْدِ رحمه الله فسّرَ حدیث عثمانَ هَذَا تفسیراً لم یرْتَضِه أهْلُ المعرفه ولذلک ترکته ولم أَحْکِهِ بعیْنِه ، وتفسیرُه عَلَی ما بیَّنْتُه. وفُحُول الشُّعَراءِ هم الذین غَلَبُوا بالهِجاء مَنْ هَاجَاهُم ، مثلُ جریرِ والفرزدقِ وأَشْبَاهِهمَا ، وکذلک کُل من عَارضَ شاعراً فغُلّب علیه ، مثل علْقَمَهَ بْنِ عَبَدهَ ، وکان یسمی فَحْلاً لأنَّه عارض امْرَأ القَیْسِ فی قصیدته التی یقول فی أولها :

خَلِیلَیَّ مُرَّا بِی علی أُمِّ جُنْدُبِ

بقوله فی قصیدته :

ذهبتَ من الهُجْران فی غیرِ مَذْهَبِ

وکلُّ واحدٍ منهمَا یعارِضُ صاحبَه فی نعته فَرَسَه ، فَفُضِّلَ علقَمهُ علیه ، ولُقِّبَ الفَحْل.

وقال شمر : قیل للحصیر فَحْلٌ لأنه یُسَوّی من سَعَفِ الفَحْلِ من النَّخِیلِ ، فتُکُلِّمَ به علی التَجَوُّزِ کما قَالُوا فلانٌ یَلْبَس القطن والصوف ، وإنما هی ثیاب تغزَل وتتَّخذ منهما ، وقال المرار :

والوحشُ ساریهٌ کأَنَّ مُتُونها

قُطْنٌ تُباعُ شَدِیدَهُ الصَّقْلِ

أراد کأنَّ مُتُونها ثیابُ قطنٍ لشدَّه بیاضها.

یرید أن شعرَها یَشُبُّ بیاضَ لونِها فیزیدُه بیاضاً بِشِدَّه سَواده.

سلمه عن الفراءِ قال الحوفله القَنْفاءُ ، وقال ابنُ الأعرابی حَوْفَل الرجلُ إذا انتفَخَتْ حَوْفَلته وهی القَنْفَاءُ. یقال للمرأه تحفَّلی لزوجک أی تزیّنی لِتَحْظَیْ عنده ، والحَفْلُ المُبالاهُ یقال ما أَحْفِلُ بفُلانٍ أی ما أُبَالی بِهِ. قال لبید :

فَمَتَی أَهْلِکْ فَلا أَحْفِلُه

بَجَلِی الآنَ من العیش بَجَلْ

أبو عبید عن الأصمعی : الحُفَالَهُ والْحُثَالَهُ الردیءُ من کل شیء ، وطریق مُحْتَفِلٌ ظاهرٌ مستَبِینٌ ، وقد احْتَفَلَ أی استَبَان ومنه قول لبیدٍ یصف طریقاً :

تَرْزُم الشَّارِفُ من عِرْفَانِه

کُلَّما لَاح بِنَجْدٍ واحْتَفَلْ

وقال الرّاعی یصف طریقاً :

فی لَاحِبٍ بِزِقَاق الأرض مُحْتَفِل

هاد إذا عَزَّه الحُدْبُ الحَدَابِیرُ

قال أراد بالحدب الحدابیر صلابه الأرض أی هذا الطریق ظاهرٌ مستبینٌ فی الصَّلابهِ أَیْضاً ، ومُحْتَفَلُ الأمرِ معظَمُه. ومحتفِلُ لَحْم الفَخذِ والساقِ أکثره لَحْماً ومنه قول الهُذَلیّ یصف سیفاً :

أبْیَضُ کالرَّجْع رسوبٌ إذا

ما ثَاخ فی مُحْتَفَلٍ یَخْتلی

ویجوز فی مُحْتَفِل. وقال أبو عبیده الاحتِفَال من عَدْوِ الخیل أَنْ یَری الفارسُ أَنَّ فرسَه قد بلغَ أَقْصی حُضْرِه وفیه بقیَّهٌ یقال فرس مُحْتَفِلٌ. وقال القطامی یذکر إبلاً اشتد علیها حفل اللبن فی ضروعها حتی أذاها فَهِیَ تَبْکی :

ذَوَارِفُ عَیْنَیها من الحَفْلِ بالضُّحَی

سَجُومٌ کتَنْضَاحِ الشِّنَانِ المشَرّبِ

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : الحُفَال الجمعُ العظیمُ ، والحُفَالُ اللبنُ المجْتَمَعُ ، وقال أَبُو تُرَابٍ : قال بعضُ بَنی سُلَیْم ؛ فلانٌ محافظ عَلَی حسبه ومُحَافِلٌ عَلَیْه إذا صَانه. وأنشد شمر :

یا وَرْسُ ذاتَ الحِد والحفیلْ

منحناک مَانِحَ المُخِیلْ

لو جاءها بِصَاعِه عقیلْ

علی عِهِبَّی الکیل إذ یکیلْ

ما بَرِحَتْ وَرسَهُ أو یسیلْ

وَرْسَهُ اسم عَنْز کانت غَزِیرَهً عَهِبَّی أی أولِ الکیل ومنه عَهَتَی زمانِه أی أوله وعهتی کل شیء أوَّلُه ، ورجلٌ حَفِیلٌ فی أمْرِه أی ذُو اجْتِهاد.

بِحَبْلِ اللهِ جَمِیعاً) [آل عِمرَان : 103] قالَ أَبُو عُبَیْدٍ : الاعتصامُ بحبل الله هو تَرْکُ الفُرْقَهِ واتّبَاعُ القرآنِ ، وإیَّاه أَرَادَ عبدُ الله بنُ مسعودٍ بقوله : علیکم بحبْل الله فإِنَّه کتاب الله.

وقال ابن الأعرابی : الحِبْلُ الرجل العالِمُ الفَطِنُ الدَّاهی. قال وأنشدنی المُفَضّل :

فیا عجباً للخود تبدی قناعها

تُرَ أرِیءُ بالعیْنَیْنِ للرجُلِ الحِبْلِ

یقال رَأْرَأَتْ بِعَیْنیها وغَیَّقَتْ وَهَجَلَتْ ؛ إِذَا أَدَارَتْه تَغْمِزُ الرَّجُلَ.

قال أَبُو عبید وأصْل الحَبْلِ فی کلام العربِ یتصرَّف علی وجوهٍ ، منها العَهْدٌ وهو الأَمَانُ ، وذلک أنَّ العربَ کانَتْ یُخِیفُ بعضُها بعضاً فی الجاهلیه ، فکانَ الرجلُ إذا أَرادَ سَفَراً أخذ عهْداً من سید القبیله ، فیأمنُ به ما دَامَ فی تلک القبیله حتی ینتهی إلی الأخری فیأخُذُ مثل ذلک أَیْضاً یُرِیدُ به الأَمَانَ. قال فمعنی الحدیثِ أَنَّهُ یقول : عَلَیْکُم بکتابِ الله وتَرْکِ الفُرقه فإِنَّه أَمَانٌ لَکُمْ وعَهْدٌ من عذَاب الله وعِقَابِه. وقال الأعشی یذکر مسیراً له :

وإذا تُجَوِّزُها حِبَالُ قَبِیلَهٍ

أَخَذَتْ من الأُخرَی إلیْکَ حِبَالَها

قال : والحَبْلُ فی غیر هذا الموضِعِ المُوَاصَلَهُ وقال امرؤُ القیس :

إنی بحبلک وَاصِلٌ حَبْلی

وَبِریش نَبْلِک رائِش نَبْلی

قال : والحَبْل مِنَ الرَّمْلِ المُجْتَمِعُ الکَثِیرُ العَالِی. الحرَّانِیُّ عن ابن السکیت قال : الحَبْلُ الوِصَالُ ، والحَبْلُ رَمْلٌ یستطیل ویمتد ، والحَبْلُ حَبْلُ العاتق ، والحَبْلُ الوَحِدُ مِنَ الْحِبَالِ. وهذا کلُّهُ بفَتْحِ الحاءِ.

قال : والحِبْلُ الدَّاهیه وجمعه حُبُولٌ وأنشد لکثیر :

فلا تَعْجَلی یا عَزُّ أَنْ تَتَفَهَّمِی

بِنُصْحٍ أَتَی الْوَاشُونَ أَمْ بِحُبُول

وقال الآخرُ فی الحبل بمعنی العهد والذّمه :

ما زلتُ مُعْتَصِماً بِحَبلٍ منکُم

من حَلّ سَاحَتَکُمْ بِأسْبَابٍ نجَا

بِحَبْلٍ أی بِعَهْدٍ وذِمَّهٍ.

وقال اللیث : حَبْلُ العَاتِق وُصْلَهٌ ما بین العاتِق والمَنْکِب. وحَبْلُ الوَرِیدِ عِرْقٌ یَدِرُّ فی الحَلْقِ. والورِیدُ عرقٌ یَنْبِضُ من الحیوان لا دَمَ فِیه. وقال الفرَّاءُ فی قول الله جلّ وعزّ : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِیدِ) [ق : 16] قال : الحَبْلُ هو الوَرِیدُ فَأُضِیفَ إلَی نَفْسِه لاختلافِ لَفْظِ الاسْمَیْنِ. قال والورِیدُ عِرْقٌ بَیْنَ الحُلْقُومِ والعِلْبَاوَین. وقال أَبُو عُبید قال الأصمعیّ : من أَمْثَالهِم فی تسهیلِ الحاجهِ وتَقْرِیبِها : هو عَلَی حَبْل ذِرَاعِک ، أی لا یُخَالفک : وحبل الذِّرَاع عِرْقٌ فی الْیَدِ. وحِبَالُ الفَرَسِ عروقُ قوائِمِهِ. ومنه قول امریء القیس :

کأَنَّ نُجُوماً عُلِّقَتْ فی مَصَامِه

بأمْرَاسِ کَتَّانٍ إلی صُمِّ جَنْدَلِ

والأمْرَاسُ الحِبَالُ ، الواحدهُ مَرَسَهٌ ، شَبَّه عُروقَ قَوَائِمِه بِحبَالِ الکَتَّانِ ، وشبه صلابه

ص: 51

حوافره بِصُمِّ الجندل ، وشَبَّه تَحْجِیلَ قوائِمِه بِبَیَاضِ نُجومِ السَّماء.

والحَبْلُ مصدر حَبَلْتُ الصَّیْدَ واحْتَبَلْتُه إذا نصبتَ له حِبَالَهً فنشِب فیها وأخذتَه.

والحِبَالَهُ جمع الحَبْلِ ، یقال حَبَلٌ وحِبَالٌ وَحِبَالَهٌ مثل جَمَلٍ وجِمَالٍ وجِمَالَه وَذَکَرٍ وذِکَارٍ وذِکَارَه.

وقال الله جلّ وعزّ فی قصّه الیهود وذُلِّهم إلی آخر الدنیا وانقضائها (ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الذِّلَّهُ أَیْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) [آل عِمرَانَ : 112] تکلّمَ علماءٌ اللُّغَهِ فی تَفْسِیر هذه الآیه واختلَفَتْ مذاهِبُهم فیها لإشکالها ، فقال الفَرّاءُ معناهُ ضُرِبَتْ علیهم الذِّلَّهُ إلا أنْ یَعْتَصِمُوا بحبْلٍ من الله فأضْمَرَ ذَلک قال ومثله قوله :

رَأَتْنِی بحَبْلَیْهَا فَصَدَّتْ مخافهً

وفی الحَبْل رَوْعَاءُ الفُؤادِ فَرُوقُ

قال : أراد رأَتْنی أقْبَلْتُ بحَبْلَیْهَا فأضْمَرَ (أَقْبَلْتُ) کما أضْمَرَ الاعْتِصَامَ فی الآیه.

وأخبرنی المنذریُّ عن أبی العبَّاس أحمدَ بن یحیی أنه قال : هذا الذی قَالَهُ الفراءُ بعیدٌ أن تَحْذِفَ أَنْ وَتُبْقِیَ صِلَتَها ، ولکنّ المعنی إن شاء الله (ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الذِّلَّهُ أَیْنَ ما ثُقِفُوا) بِکُلِّ مَکانٍ إلا بمَوْضِعِ حَبْلٍ من الله وهو استِثْناءٌ متَّصِلٌ کما تقول ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الذلّه فی الأمْکِنَه إلّا فی هذا المکانِ.

قال وقولُ الشاعر

(رأَتْنِی بحبلیها ...)

هو کما تقول أنا بالله أیْ مُتَمَسِّک فتکون الباءُ من صِلَهِ رأَتْنِی مُتَمَسِّکاً بحَبْلَیْهَا فاکتَفَی بالرُّؤْیهِ من التَّمَسُّک.

قال وقال الأخفش فی قوله (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) [آل عِمرَان : 112] إنَّهُ استثْنَاءٌ خارجٌ من أَوّل الکلام فی معنی لَکِنْ. قلت والقولُ ما قال أبو العبَّاس.

وفی حدیث النبی صلی الله علیه وسلم : «أُوصیکم بالثَّقَلَیْنِ کتابِ الله وعِتْرَتِی ، أَحَدُهُما أَعْظَمُ من الآخَر ، وهو کتابُ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ من السَّماء إلی الأرض» قلت وفی هذا الحدیث اتّصالُ کتابِ الله جلّ وعزّ به وإن کان یُتْلَی فی الأرْضِ ویُنْسَخُ ویُکْتَبُ. ومَعْنَی الحبلِ الممدُودِ نورُ هُدَاه. والعَرَبُ تُشَبِّه النُّورَ بالحَبلِ والخیْطِ قال الله (حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَکُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ مِنَ الْخَیْطِ الْأَسْوَدِ) [البَقَرَه : 187] فالخیطُ الأبیضُ هو نورُ الصُّبْح إذا تَبَیَّنَ للأَبْصَارِ وانْفَلق ، والْخَیْطُ الأسْوَدُ دونَه فی الإناره لِغَلبه سوادِ اللیل علیه ؛ ولذلک نُعِتَ بالأسْود ، ونُعِت الآخَرُ بالأبْیضِ.

والخیط والحبلُ قریبان من السَّواء.

وقال اللیثُ : یقال للکَرْمَه حَبَلَهٌ ، قال والحَبَلَهُ طاق من قُضبان الکرْم.

وقال أبو عبید عن الأصمعی الجَفْنَهُ الأصلُ من أصول الکرْم وجمعها الجَفْن وهی الحَبَله بفتح البَاءِ وروی أنس بن مالک أنه کانت له حَبَلَهٌ تحمل کُرَّاً وکان یسمیها أمَّ العیال وهی الأصَلَهُ من الکرْم انتشرت قُضْبَانُها علی عرائشها وامتدّت وکثُرت قضبانُها حتی بلغ حملها کُرّاً.

قال شمر : یقال حَبَله وحَبْله ، یُثقَّل ویُخَفَّف.

ص: 52

وقال اللیث : المُحَبَّلُ الحَبْلُ فی قول رؤبه کلُّ جُلال یملأ المُحَبَّلا قال وحبِلَت المرأه تحبَلُ حَبَلاً وهی حُبْلَی قال : وحَبَلُ الحَبَلَهِ ولَدُ الْوَلدِ الذی فی البطْن کانوا فی الجاهلیه یتبایعون أولادَ ما فی بُطون الحوامِل فنهی النبی صلی الله علیه وسلم عن الملاقِیح والمضامینِ وقد مر تفسیرها.

قال شمر : قال یَزِیدُ بْنُ مُرَّهَ نَهَی عن حَبَلِ الحَبَلَهِ ، جعل فی الحَبَلَهِ هاءٌ ، وقال هی الأنثی التی هی حَبَلٌ فی بَطْنِ أُمِّها فینتَظرُ أن تُنْتَجَ من بَطْنِ أُمِّها ، ثم یُنْتَظَرُ بها حتی تَشِبَّ ثم یرسَلُ عَلَیْها الفحلُ فتَلْقَحَ فله ما فی بَطْنِها ، ویقال حَبَلُ الحَبَلَهِ للإِبِل وغیرها.

قال الأزهری جَعَلَ الأولی حَبَلَهً لأنها أُنْثَی فإذا نُتِجَت الحَبَلَهُ فولدها حَبَلٌ وإنما بیع حَبَلُ الحَبَلَهِ.

وقال أبو عبید حَبَلُ الحَبَلَهِ وَلَدُ الجَنِین الذی فی بطن النَّاقه ، ونحو ذلک قال الشافعی.

وقال اللیث سِنَّورَهٌ حُبْلَی وشاهٌ حُبْلی. قال : وجمع الحُبْلَی حَبَالَی.

وفی حدیث سعدِ بْن أبی وقَّاصِ أنه قال «لقد رَأَیْتُنَا مع رسولِ الله صلی الله علیه وسلم وما لنا طَعَامٌ إلا الحُبْلَهُ وورق السَّمُر».

قال أبو عبید الحُبْلَهُ والسَّمُرُ ضربان من الشجر. قال وقال الأصمعی الحُبْلَهُ فی غیر هذا حلی کان یجعل فی القلائد فی الجاهلیه وأنشد :

ویَزِینُها فی النَّحْرِ حَلْیٌ واضح

وقلائِدُ من حُبْلَهٍ وسُلُوسٍ

قال والسَّلْسُ خیط یُنْظَم فیه الخَرَزُ وجمعه سُلوس.

وقال شمر قال ابن الأعرابی : الحَبُلَهُ ثمر السَّمُر شبه اللوبیاء وهو العُلَّفُ من الطلح والسِّنْفُ من المرْخِ. وقال الأصمعی الحُبْلَهُ ثمر العِضَاهِ ونحو ذلک.

قال أبو عمرو وقال اللیثُ : فلان الحُبَلیّ منسوب إلی حَیّ من الیمن. قال والْحِبَالَهُ المصیده وجمعها حبائل.

قال أبو حاتم ینسب الرجل من بنی الْحُبْلَی وهم رهط عبد الله بن أُبَی المنافقِ حُبَلِیّ قال وقال أبو زید ینسب إلی الحبلی حُبْلَوِیّ وحُبْلِیّ وحُبْلَاوِیّ. وبَنُو الحُبْلَی من الأنْصَارِ.

الحرَّانی عن ابن السکیت ضَبُ حَابِلٌ ساحٍ یرعی الحُبَلَهَ والسِّحاءَ وقال الباهلیُّ فی قول المتَنَخِّل الهذلی :

إن یُمْسِ نَشْوَانَ بمَصْروفَهٍ

منها بِرِیّ ، وعلی مِرْجَلِ

لا تقهِ الموت وَقِیَّاتُه

خُط لَهُ ذلک فی المَحْبَلِ

قال : نَشْوان أی سکْرَانَ ، وقولُه بمصروفهٍ أی بخَمْرٍ صِرْفٍ علی مِرْجل أی علی لَحْمٍ فی قِدْرٍ ، أی وإن کان هَذَا دائماً له فلیس یقیه الموتَ ، خُطَّ له ذلک فی المحْبَلِ أی کُتِبَ له الموتُ حینَ حَبِلَتْ به أمُّه ، والمَحْبَلُ موضِع الحَبَل قلت أراد معنی حدیثِ ابن مسعودٍ عن النبی صلی الله علیه وسلم «أن

ص: 53

النُّطْفَه تکون فی الرحم أربعین یوماً نطفه ثم علقهً کذلک ثم مضغهً کذلک ثم یبعثُ الله المَلَکَ فیقولُ له اکتب رزقه وعَمَله وأَجَلَه وشقیٌّ أو سعیدٌ فَیُخْتَمُ له علی ذلک فما من أحد إلا وقد کُتِبَ له الموتُ عند انقضاء الأجلِ المُؤَجَّل له».

والمُحْتَبَلُ من الدَّبه رُسْغُها لأنه موضع الحَبْلِ الذی یَشدُّ فیه إذا رُبط ومنه قول لبید :

ولقد أَغْدُو وما یَعْدِمُنی

صاحبٌ غیرُ طویل المُحْتَبَلْ

أی لیس بطویل الأرْساغ ، وإذا قصرت أرساغُه کان أشدُّ له. ومن أمثال العرب فی الشدَّهِ تصیبُ الناسَ : قد ثَارَ حابِلُهم علی نَابِلِهمْ. والحابِلُ الذی ینصب الحِبَالَهَ والنابلُ الرَّامی عن قوسه بالنّبل ، ویکون النابلُ صاحبَ النبل. وقد یُضْرَب هذا مثلاً للقوم تنقلب أحْوَالُهُم ویَثُورُ بعضُهم علی بعض بعد السکون والرخاء.

وقال أبو زیدٍ من أمثالهم : إنه لَوَاسِعُ الحَبْلِ وإنَّهُ لَضیِّقُ الحَبْلِ ، کقولک هو ضَیِّقُ الخُلُق وواسع الخُلُق. وقال أبو العباس فی مثله : إنه لواسع العَطَن وضیِّق العَطَن. وقال ابن الأعرابی رجل حَبْلَانُ إذا امْتَلأ غیظاً ومنه حَبَلُ المَرْأَهِ وهو امتلاءُ رَحِمِها. وقال غیرُه رجل حَبْلَانُ من الماءِ والشَّرَابِ إذا امتلأ رِیّاً. وفی حدیثٍ جاء فیه ذکْرُ الدَّجَّال لعنَهُ الله أنه مُحَبَّل الشعْرِ کأن کل قَرْنٍ من قُرون رأسِه حَبْلٌ لأنَّه جعله تَقَاصیب لِجعُوده شَعْرِه وطولِه.

وقال ابن الأعرابیِّ : یقالُ لِلْمَوْتِ حَبِیلُ بَرَاحِ ، قال والأُحْبُلُ والْحُنْبُلُ اللُوبیاء. قال والحَبْلُ : الثِّقل ، والْحُبَالُ الشَّعْرُ الکثیر ، والحُبال انتفاخُ البَطْنِ من الشَّرَاب والنبیذ أبو عبید عن الأموی أتیته علی حبالّه ذاک ، أی علی حین ذاک بتشدید اللام. ابن الأعرابی عن المفضل : الحَبَلُ : انتفاخ البطن من کل الشراب والنبیذ والماء وغیرِه ، ورجل حَبْلَانُ وامرأه حَبْلَانَهٌ ، وبه سمی حَمْلُ المرأه حَبَلاً ، وفلان حَبْلَانُ علی فلانً أی غضْبَانُ ، وبه حَبَلٌ أی غَضَبٌ وغَمٌّ ، وأصله من حَبَلِ المرأه وحُبَلُ موضع فی شعر لبید :

فبختریر فأطرافِ حُبَلْ

ونحوِها مما لا تکون وظیفته معلومه وهی الإحْلَابُ فی دیوان الصدقات.

وناقه حَلُوبٌ ذاتُ لبنٍ فإذا صیَّرتَها اسماً قلت هذه الحَلُوبَهُ لفلان وَقَد یخرجون الهاء من الحلوبه وهم یعنونها ومثاله الرَّکُوبَهُ والرَّکُوبُ لما یرکبُون ، کذلک الحلُوبُ والحلوبه لما یحلِبُون. وقال ابن الأعرابیّ ناقه حَلْبَاهٌ رَکْبَاهٌ أی ذاتُ لَبَنٍ تُحْلَبُ وتُرْکَبُ وهی أیضاً الْحَلبانَهُ والرَّکْبَانَهُ وأنشد شمر :

حَلْبَانَهٍ رَکْبَانَهٍ صَفُوفِ

تَخْلِطُ بین وَبَرٍ وصُوفِ

یرید أنَّ یَدَیْها کیدَیْ ناسِجهٍ تخلط بین وَبَرٍ وصوف من سُرْعَتها.

أبو عبید : حَلَبْتُ حَلَباً مثل طلبتُ طَلَبَاً وهربْتُ هَرَبَاً وجنبت جَنَباً وجَلَبت جَلَباً ، قال والمَحْلَبُ شیءٌ یُجعل حبُّه فی العِطْرِ ، قاله الفَرَّاء والأصمعی بفتح المیم ، وأما الذی یحلبُ فیه اللبن فهو مِحْلَبٌ بالکسر وجمعه المحالبُ.

أبو عبید عن الأصمعی الحُلَّبُ والحِلِبْلاب نبتان یقال هذا تَیْسُ حُلَّب. ومنه قوله :

أَقَبَّ کتیسِ الحُلَّبِ الغَذَوَان

وقال الأصمعی : الحُلَّبُ بقله جعده غَبْرَاءُ فی خضْرهٍ تنبسط علی وجه الأرضِ یسیل منها لَبَنٌ إذا قُطِعَتْ ویقال عنز تُحْلُبهُ وتِحْلِبَه إذا دَرَّت قبل أن تَلِد ، وقَبْلَ أَنْ تَحْمِل.

وقال اللیث الحَلْبَهُ خَیْلٌ تجتمع للسبَاقِ من کل أَوْبٍ لا تخرج من موضعٍ واحدٍ ولکن من کل حَیٍّ ، وأنشد أبو عبیدهً :

نحن سَبقنَا الحَلَبَاتِ الأرْبَعَا

الفَحْلَ والقُرَّحَ فی شَوْطٍ مَعَا

وإذا جاء القوم من کُلِّ وَجْهٍ فاجتمعوا لحربٍ وغیر ذلک قیل قد أحلبوا وأنشد :

إذا نفرٌ منهم دُوَیَّهُ أَحْلَبُوا

علی عامِلٍ جاءت مَنِیَّتُه تعدو

قال وربَّمَا جمعوا الحَلْبه حَلَائب ولا یقال للواحد منها حَلِیبَهٌ ولا حِلَابه وقال العجاج :

وسابق الحلائب اللِّهَمُ

یرید الحَلْبَه.

وأخبرنی المنذریُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابی قال أَحْلَبَ القوم غیرَ أصحابهم إذا أَعَانُوهم وأَحْلَبَ الرجُلُ غیر قَوْمِه إذا أعان بَعْضَهُم علی بَعْضٍ ، وهو رجل مُحْلِبٌ. قال وحَلَب القوم إذا اجتمعوا من کل أَوْب یَحْلُبون حُلُوباً وحَلْباً وأحلب الرجل صاحبَه إذا أعانه علی الحَلْب. وقال ابنُ شُمیل أَحْلَبَ بَنُو فلان بَنِی فلان أی نَصَرُوهم ، وأَحْلَبَ بَنُو فلان مع بَنِی فُلانٍ إذا جاءوا أَنْصَاراً لهم. قال : ویدعو الرجل للرجل فیقول : ما له أَحْلَبَ ولَا أَجْلَبَ. ومعنی أحْلَبَ أی وَلَدَتْ إبِلُه الإناثَ دون الذکور ، ولا أجْلَبَ إذ دعا لإبله أن لا تَلِدَ الذکورَ لأنه المَحْقُ الخَفِیُّ لذهاب اللَّبَنِ وانقطاع النَّسل ، وإذا نُتِجَت الإبِلُ الإنَاثَ فقد أَحْلَبَ وإذا نُتِجَت

ص: 55

الذکور فقد أَجْلَبَ. قال ابن السکیت فی قول بشر :

أَشَارَ بِهِمْ ، لَمْعَ الأَصَمِّ ، فأقْبَلُوا

عرانِینَ لا یَأْتِیه للنصر مُحْلِبُ

کأنَّه قال لَمَعَ لَمْعَ الأَصمِّ لأن الأصَمَّ لا یسمع الجواب فهو یُدیم اللَّمْع. وقوله لا یأتیه مُحْلِبُ أی لا یأتیه مُعِینٌ من غیر قومه ، وإذا کان المعین من قومه لم یکن مُحْلِباً وقال :

صَرِیحٌ مُحْلِبٌ من أَهْلِ نَجْدٍ

لحی بین أثله والنِّجَامِ

ومن أمثال العرب : لَیْسَ لها رَاعٍ ولکن حَلْبه ، یُضْرَبُ للرجل یَسْتَعِینُکِ فَتُعِینه ولا معونه عنده. قاله ابن الأعرابی قال ومن أمثالهم : لَبِّثْ قلیلاً یلحق الحلائِب یعنی الجماعات أنشد الباهلی للجعدی :

وبَنُو فَزَارَهَ إنها

لا تُلْبِثُ الحَلْبَ الحَلَائب

حکی عن الأصمعی أنه قال : لا تُلْبِثُ الحلائِبُ حَلْبَ ناقهٍ حتی تَهْزِمَهُم : قال وقال بعضهم : لا تُلْبِثُ الحلائبُ أن تَحْلِب علیها تُعَاجِلُها قبل أن تَأْتِیهَا الأَمْدَادُ وهذا - زَعَم - أَثْبَتُ. ومن أمثالهم حَلَبْتَ بالساعد الأشِدّ أی استعَنْتَ بمن یقوم بِأَمْرِک ویُعْنَی بحاجَتِک.

وقال الأصمعی أسرع الظباء تَیْسُ الحُلَّب لأنه قد رعی الربیعَ ، والربل والرَبْلُ ما تَرَبّل من الرَّیِّحه فی أیام الصَّفَریَه وهی عشرون یوماً من آخِرِ القَیْظِ ، والرَّیِّحه تکون من الْحَلب والنِّصِیّ والرُّخَامِی ، والمَکْرِ ، وهو أن یظهر النبت فی أصوله فالتی بقیت من العام الأَوّلِ فی الأرض تَرُبُّ الثری أی تلزمه. والحُلَّب نبت ینبسط علی الأرض تدوم خُضْرَتُه له ورق صغار یُدبغ به یقال سِقاءٌ حُلَّبی.

أبو زید بقره مُحِلُّ وشاهٌ مُحِلٌّ وقد أحلَّت إحْلالاً إذا حَلَبت بِفَتْح الحاء قبل وِلَادها ، قال وحَلَبت أی أَنْزَلت اللَّبَن قبل وِلَادها. أبو عبید من أمثالهم فی المنع : لیس کلَّ حین أُحْلَب فأُشْرَب ، هکذا رواه المنذریّ عن أبی الهیثم.

قال أبو عبید وهذا المثل یروی عن سعید بن جُبَیْر ، قاله فی حدیث سئل عنه وهو یضرب فی کل شیء یُمْنَع. وقد یقال : لیس کلَّ حین أَحْلِب فأَشْرَب.

وقال اللیث : تَحَلَّب فُو فُلانٍ وتحلَّب الندی إذا سال وأنشد :

وظلَّ کَتَیْسِ الرَّمْلِ یَنْفُض مَتْنَهُ

أذَاهً بِه من صَائک مُتَحَلِّبِ

شَبَّه الفرس بالتَّیْس الذی تحلّب علیه صائک المَطَر من الشجر ، والصائِکُ الذی یتغیر لونُه وریحه والحُلْبَهُ حَبَّهٌ والجمیع حُلُب. والْحُلْبُوب اللون الأسود وقال رؤبه :

واللون فی حُوَّته حُلْبُوب

ثعلب عن ابن الأعرابی الحُلُب السُّود من کل الحیوان. قال والحُلْبُ الفُهَماء من الرجال.

وقال اللیث : الحُلْبُ الجلوس علی رکبته یقال احْلُبْ فَکُلْ.

ص: 56

وقال ابن الأعرابی حَلَب یَحْلُب إذا جلس علی رکبتیه.

ابن السکیت عن ابن الأعرابی أسود حُلْبُوبٌ وسَحْکُوکٌ وغِرْبیبٌ وأنشد :

أما تَرانِی الیوم عَشّاً نَاخِصَا

أسودَ حُلْبُوباً وکنتُ وَابِصا

وقال أبو عبید : الحالِبَانِ من الدّابه عِرْقان یکتنفان السُّرَّهَ وأما قول الشمَّاخ :

تُوَائِلُ من مِصَکٍّ أَنْصَبَتْهُ

حوالب أَسْهَرَیْهِ بالذَّنَینِ

فإن أبا عمرو قال أسْهَرَاه ذَکَرُه وأَنْفُه وحوالِبُهُما عروقٌ تَمُدّ الذَّنینَ من الأَنْفِ ، والمذْی من قَضِیبِه.

ویُروَی حَوَالِبُ أَسْهَرَتْهُ یعنی عُرُوقاً یَذنّ منها أَنْفُه.

وحَوَالِبُ البئْرِ مَنَابِعُ مائها ، وکذلک حَوَالِبُ العیون الفوَّارهَ وحوالب العیون الدامقَهِ.

وقال الکمیت :

تدفَّق جُوداً إذا ما البحار

غَاضَت حَوَالِبُها الحُفَّلُ

أی غارت موادّها ، وحَلَّابُ من أسماء خیل العرب السابقه.

وقال أبو عبیده حَلَّابُ هو من نتاج الأعوج.

أبو عبید عن الأصمعی فی باب أخلاقِ الناس فی اجتماعهم وافتراقهم قولهم شَتَّی تَؤُوب الحَلَبَهُ قال وأصلُه أنهم یوردون إبلهم الشَّریعه والحوضَ مَعَاً ، فإذا صدروا تفرّقوا إلی منازلهم فحلب کلُّ واحد منهم فی أهله علی حیاله.

وقال الأصمعی : من أَمْثالِهِمْ حلبت حَلْبَتَها ثم أَقْلَعَتْ یُضْرَبُ مثلاً للرجل یَصْخَب ویُجلِّب ثم یسکت من غیر أن یکون منه شیءٌ غیر جَلَبتهِ وصِیَاحِه.

أبو عبید عن الأمویّ إذا خرج من ضرع العنز شیءٌ من اللبن قبل أن ینزو علیها التیس قیل هی عَنْزٌ تُحْلُبه وتِحْلِبه.

وروی شمر للفراء وعنْزٌ تُحْلَبه.

وحَلَب اسم بلد من الثغور الشامیه.

عمرو عن أبیه قال : الحَلْبُ البروک والشَّرْب الفَهْمُ یقال حَلَب یَحْلُب حَلْباً إذا بَرَک وشَرَب یَشرُب شَرْباً إذا فَهم ، ویقال للبلید احلُب ثم اشرُب.

شمر یقال یومٌ حَلَّابٌ ویوم هَلَّابٌ ویوم هَمَّام وصَفْوَانُ ومَلْحَانُ وشَیْبَانُ ، فأما الهلَّاب فالیابس بَرداً ، وأما الحَلَّابُ ففیه ندًی ، وأما الهمّام فَالذی قدهَمَّ بالبَرْد ، قال والهَلْبُ تتابع القطر وقال رؤبه :

والمذریات بالذواری خصبا

بها جُلالا ودقاقا هُلبا

وهو التتابع والمرّ.

وقال ابن الأعرابی الحِلْبَاءُ الأَمَهُ البارِکَهُ من کسلها وقد حَلَبت تحلُب إذا برکت علی رکبتیها.

أبو عبید عن الأصمعی الْمُلَحَّبُ نحو من المُخَذَّم.

وقال اللیث : طریق لاحِبٌ ولِحب ومَلْحُوبٌ إذا کان وَاضِحاً. وسمعت العرب تقول الْتَحَب فلانٌ مَحَجَّه الطریق ولَحَبَها والْتَحَمَها إذا رَکِبهَا ، ومنه قول ذی الرمه :

یَلْحَبْن لا یَأْتَلی المطلوبُ والطَّلَبُ

أی یرکبن اللاحِبَ وبه سمی الطریق الموطأُ لاحِباً لأنه کأنه لَحِبَ أی قُشِر عن وجهه التراب فهو ذو لَحْبٍ قال والمِلْحَب اللسان الفصیح والمِلْحَب الحدید القاطع.

وقال الأعشی :

لساناً کمقراض الخَفَاجِیّ مِلْحَبَا

وقال أبو دُواد :

رفَعْنَاها ذَمِیلاً فی

مُحَلٍّ مُعْمَلٍ لَحْبِ

ولَحَب یلحَبُ إذا أسرع فی سیره فهو لاحب.

ثلاثه کَوَاکِب ثم الثُّریا وهی أَلْیَهُ الحَمَل ، هذه النجومُ علی هذه الصفه تسمی حَمَلاً. سلمه عن الفرَّاء : المُحَامِلُ الذی یَقْدر علی جوابک فیدعُه إبقاءً علی مودتک ، والمُجَامِل الذی لا یَقْدر علی جوابک فیترکُه ویحقدُ علیک إلی وقتٍ مّا. ویقال فلان لا یَحْمِلُ أی یُظْهِر غَضَبَهُ.

سلمه عن الفراء قال الحَمَلُ النَّوْءُ قال وهو الطَّلِیُّ ، یقال مُطِرْنَا بِنَوْءِ الحَمَلِ وبِنَوْءِ الطَّلِیِّ.

اللیث : حَمَلَ الشیءَ یَحْمِلُه حَمْلاً وحُمْلَاناً ویکون الْحُمْلَانُ أجراً لما یُحْمَلُ. قال والحُمْلَانُ ما یُحْمَلُ علیه من الدوابّ فی الهِبَهِ خاصهً.

الحرانیّ عن ابن السکیت : الحَمْلُ ما کان فی بَطْنٍ أو علی رأس شجرهٍ ، وجمعه أحْمَال والحِمْلُ ما کان علی ظهْر أو علی رأسٍ. وقال غیرُه حَمْل الشجر وحمْلُه.

وقال بعضهم ما ظهر فهو حِمْلٌ وما بطن فهو حَمْلٌ. وقیل ما کان لازماً للشیء فهو حَمْلٌ وما کان بائناً فهو حِمْل. والصواب ما قال ابن السکیت.

وقال الفراء فی قوله الله جلّ وعزّ : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَهً وَفَرْشاً) [الأنعام : 142] الحَمُولَهُ ما أَطاق العَمَل والحَمْل ، والفرشُ الصِّغَارُ.

وحدثنا السعدیُّ قال حدثنا عمرُ بن شبه عن غندر عن شُعبهَ عن أبی الفیض قال سمعت سعید بن جبیر یحدث عن أبیه أَنَّ أبا بکر شیَّع قوماً فقال لهم : تَرَاحَمُوا تُرْحَمُوا وتَحَامَلُوا تُحْمَلُوا ، معناه أبقوا علی غیرکم یُبْق عَلَیْکم وهابوا الناس تُهابُوا.

وقال الفراء فی قول الله جلّ وعزّ : ما أَطاق العَمل والحَمْل والفرشُ الصِّغَارُ.

وقال أَبُو الهیثم الحَمُولَهُ من الإبل التی تَحْمِلُ الأحمال علی ظهورها بفتح الحاء.

قال والحُمُوله بضم الحاء هی الأَحْمَال التی تُحْمَل علیها ، وَاحِدُها حِمْلٌ وأَحْمَالٌ وحُمُولٌ وحُمُوله. قال فأما الحُمُر والبغالُ فلا تدخل فی الحَمُوله.

وقال الأصمعی الحُمُولُ الإبلُ وما علیها ، وقال غیره : هی الهَوادِجُ واحدها حِمْل ویقال الحُمُوله والحُمُول واحد وأنشد :

أَحَزْقَاءُ للبَیْنِ استقلَّت حُمُولَها

قال والحُمُول أیضاً ما یکون علی البعیر.

وقال أبو زید الحُمُوله ما احْتَمَلَ علیه الحیُّ ، والحُمُوله الأثقال. أبو عبید عن أبی زید قال الحُمُوله الحُمُول واحدها حِمل وهی الهوادج أیضاً کان فیها نساء أو لا ، وقال ابن السکیت قال أبو زید الحُموله ما احتمل علیه الحیّ من بعیر أو حمار أو غیره ، کان علیها أَحْمالٌ أو لم تکن. وأنکر أبو الهیثم ما قاله أبو زید فردّ علیه قوله وقال اللیث : الحَمُوله الإبِلُ التی یُحْمَلُ علیها الأثقالُ. والحُمُول الإبل بأثقالها وأنشد :

أَصَاحِ تَری وأَنْتَ إذاً بعیرٌ

حُمُول الحیِّ یرفعها الوَجِینُ

ص: 59

الوجین ما غلظ من الأرض قاله النابغه ، وقال أَیْضاً :

یُخالُ به راعی الحَمُوله طائرا

الأصمعی : الحَمَالَهُ الغُرْم تُحمل عن القوم ، ونَحوَ ذلک قال اللَّیث : وقال یقال أیضاً حَمَالٌ ، وأنشد قول الأعشی :

فرع نَبْعٍ یهتزُّ فی غُصُن المجد

عظیمُ الندی کثیر الحَمَالِ

وقال الأصمعی الحِمَالهُ بکسر الحاء عِلاقه السیف والجمیع الحمائِل وکذلک المِحْمَل عِلاقه السیف وجمعه محامل قال الشاعر :

ذرفت دموعک فوق ظهر المِحْمَل

والمِحْمَل الذی یُرْکَبُ علیه بکسر المیم أیضاً والمَحْمِل بفتح المیم المعتمد یقال ما علیه مَحْمِلٌ أی معتمد.

وقال اللیث : ما علی فلان مَحْمِلٌ من تحمیل الحوائج وما علی البعیر مَحْمِلٌ من ثِقَل الحِمْلِ. أبو عبید عن أبی زید قال المُحْمِلُ المرأهُ التی ینزل لبنها من غیر حَبَل وقد أَحْمَلَتْ ویقال ذلک للناقه أیضاً.

وروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال فی قوم یخرجُون من النار حُمَمَاً فَیَنْبُتُون کما تنبت الحِبّه فی حَمِیلِ السیل ، قال أبو عبید قال الأصمعی : الحَمِیلُ ما حمله السیل وکل مَحْمُولٍ فهو حَمِیلٌ.

قال أبو عبید ومنه قول عمر فی الحَمِیل إنه لا یُوَرَّث إلا ببیّنه ، سمی حَمِیلاً لأنه یُحْمَلُ صغیراً من بلاد العَدُوّ ولم یولدْ فی الإسلام ، ویقال بل سمی حَمِیلا لأنه محمول النَّسَب ، ویقال للدعیّ أیضاً حَمِیلٌ وقال الکمیت یعاتب قضاعَه فی تحویلهم إلی الیمن بنسبهم :

عَلَامَ نزلتُمُ من غیر فَقْرٍ

ولا ضَرَّاءَ مَنْزِلهَ الحَمِیلِ

وقال اللیث : الحمیل المنبوذُ یَحْمِلُه قوم فَیُرَبُّونه ، قال ویسمی الولَدُ فی بطن الأُمِّ إذ أُخِذَت من أرض الشرک حَمیلاً. وقال الأصمعی الحَمِیلُ الکفیلُ. وقال الکسائی حَمَلْتُ به حَمَالَهً کَفَلْتُ به وفی الحدیث «لا تحل المسأله إلا لثَلاثَهٍ» ذکر منهم رجلاً تَحَمَّلَ بِحَمَالهٍ بین قوم وهو أن یقع حربٌ بین فریقین تُسفک فیها الدماءُ فیتحمّل رجلٌ تلک الدیاتِ لیُصلح بینهم ویسأل الناس فیها ، وقتاده صاحب الحَمَالَه سمّی بذلک لأنه بحمَالَهٍ کثیره فسأَل فیها وأَدَّاها. ویجیء الرجلُ الرجلَ إذا انقطع به فی سَفَرٍ فیقولُ له احْمِلْنی فقد أُبْدِعَ بی أی أَعطنی ظهراً أرْکُبُه. وإذا قال الرجل للرجل أَحْمِلْنی بقطع الألف فمعناه أَعنِی علی حَمْلِ ما أَحْمِلُه.

وقال أبو إسحاق فی قول الله جلّ وعزّ : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَهَ عَلَی السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ کانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب : 72] فقال بعد ما ذکر أقاویل المفسِّرین فی هذه الآیه : إن حقیقَتَها والله أعلم وهو موافق لما فسروا أن الله جلّ وعزّ ائْتَمن بنی آدمَ علی ما افْترضَه علیهم من طاعتِهِ وائْتمَن السماواتِ والأرضَ والجبال بقول (ائْتِیا طَوْعاً أَوْ کَرْهاً قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ) [فُصَلَت : 11] ، فعرفنا الله أَنّ السماواتِ

ص: 60

والأرضَ لم تَحْمِل الأمانه أی أدَّتْها ، وکلُّ من خَانَ الأمانَهَ لقد حَمَلها ، وکَذلک کل من أَثِمَ فقد حَمَل الإثْم ، ومنه قول الله جلّ وعزّ : (وَلَیَحْمِلُنَ أَثْقالَهُمْ) [العَنکبوت : 13] الآیه ، فأعلم الله أنّ من بَاء بالإثْم یسمی حاملاً للإثم ، والسمواتُ والأرضُ أَبَیْنَ أن یَحْمِلْنَ الَأَمَانَهَ وأَدَّیْنَها ، وأَدَاؤُها طاعَهُ الله فیما أمرها به والعملُ به وترکُ المعصیه ، وحَمَلَهَا الإنسانُ. قال الحسن أراد الکافرَ والمنافقَ حَمَلا الأَمَانَهَ أی خَانَا ولم یُطِیعَا فهذا المعنی والله أَعْلَمُ صحیح ومن أطاع من الأنبیاء والصِّدِّیقین والمؤمنین فلا یقال (کانَ ظَلُوماً جَهُولاً) ، وتصدیقُ ذلک ما یَتْلو هذا من قوْله (لِیُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِینَ) [الأحزَاب : 73] إلی آخرها ، قلت وما علمتُ أحداً شرح من تفسیر هذه الآیه ما شرحَهُ أبو إسحاق ، وممّا یُؤیِّدُ قولَه فی حمل الأمانه أَنَّ خِیَانَتَها وترک أَدَائِها قولُ الشاعر أنشده أبو عبید :

إذا أَنْتَ لم تَبْرَحْ تؤدّی أمانهً

وتحملُ أخری أَفْرَحَتْک الوَدَائعُ

أراد بقوله وتحملُ أخری أی تخونها فلا تُؤدیها یدلک علی ذلک قوله أَفْرَحَتْک الودائع ، أی أثقل ظهرَکَ الأماناتُ التی تخونُها ولا تؤدِّیها ، یقال حَمَلَ فلانٌ الحِقْدَ علی فلان إذا أَکَنَّه فی نفسه واضْطغنه ویقال للرجل إذا استخفّه الغَضَبُ قد احتُمل وأُقِلَّ ویقال للذی تحَلَّم عمن یَسُبُّه قد احْتَمَل فهو مُحْتَمِل وقال أبو عبید عن أصحابه فی قول المتنخل الهذلی :

کالسُّحُل البیضِ جَلَا لَوْنُها

هَطْلُ نَجَاءُ الحَمَلِ الأسولِ

الحَمَلُ السحاب الأسود ، قال وقیل فی الحمل إنه المَطَرُ للّذی یکون بِنَوْءِ الَحَملِ وسمی الله جلّ وعزّ الإثْم حِمْلاً فقال (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَهٌ إِلی حِمْلِها لا یُحْمَلْ مِنْهُ شَیْءٌ وَلَوْ کانَ ذا قُرْبی) [فَاطِر : 18] یقول إنْ تَدْعُ نَفْسٌ مُثْلَهٌ بأوزارها ذَا قَرابه لها أن یَحْمِلَ وِزْرَها شیئاً لم یَحْمِل من أوزَارها شیئاً.

ابن السکیت عن الفراء : یقال امرأه حامِلٌ وحامِلَهٌ إذا کان فی بطنها ولد وأنشد :

تمخَّضَت المنون له بیوم

أنی ولکل حامله تُمَامُ

فمن قال حاملٌ بغیر هاء وهذا نعت لا یکون إلا للمُؤنَّث ومن قال حاملهٌ بناه علی حَمَلَتْ فهی حاملهٌ فإذا حَمَلَت المرأه شیئاً علی ظهرِها أو علی رأْسِها فهی حاملهٌ لا غَیْرُ ؛ لأن هذا قد یکون للذَّکر.

وحَمَلٌ اسم رجل بعینه وقال الراجز :

اشْبِهْ أَبَا أُمِّک أو أَشْبِه حَمَلْ

وحَمَلٌ اسم جبل بعینه.

سلمه عن الفراء احْتَمَلَ الرجل إذا غَضِبَ ویکون بمعنی حَلُم. وقال الأصمعیُّ فی الغضب غضب فلان حتی احْتَمَل ویقال حَمَل علیه حَمْلَهً منکَره (وشد علیه شده منکره) ورجل حَمَّالٌ یحمل الکَلَّ عن النَّاس ورأیت جبلاً فی البادیه اسمه حَمّال

ص: 61

وحَمَلٌ اسم جبل فیه جَبَلانِ یقال لهما طِمِرَّان وقال :

کأنها وقد تدلّی النَّسران

ضمهما من حمل طِمِرَّان

صعبانُ عن شمائِلٍ وأَیْمَان

کأنه قراءه کذلک ، ولذلک فسّره الحَوْل.

قال والمِحَالُ الکید والمکر قال عدی بن زید :

مَحَلوا مَحْلَهُم بِصَرْعَتِنا العا

م فَقَدْ أوْقَعُوا الرحَی بالثِّقَال

قال مَکَرُوا وسَعَوْا. قال والمِحَال المُمَاکَرَهُ.

شمر قال خالد بن جَنْبه یقال تَمَحَّلْ لی خیراً أی اطْلُبْه. قال والمِحَالُ مُمَاحَلَهُ الإنسان وهی مُنَاکَرَتهُ إیاه یُنْکِرُ الذی قاله.

قال ومَحَلَ فلانٌ بصاحبِه إذا بَهَتَه ، وقال أنه قال شیئاً لم یَقُلْه.

وقال ابْنُ الأنْبَاریّ سمعت أحمد بن یحیی یقول المِحَالُ مأخوذٌ من قولِ العَرَبِ مَحَلَ فلان بِفُلَانٍ أی سَعَی به إلی السُّلْطَانِ وعَرَّضَه لأمْرٍ یُهْلِکُه.

قال ویُرْوَی عن الأَعْرَج أنه قرأ (وهو شدید المَحَال) بفتح المیم ، قال وتفسیره عن ابن عباس یدل علی الفَتْح لأنه قال المعنی وهو شدید الحَوْل.

وفی حدیث ابن مسعود «إن هذا القرآن شافع مشفَّع ومَاحلٌ مُصَدَّق» قال أبو عبید جعله یَمْحَل بصاحبه إذا لم یتّبع ما فیه. قال والماحل الساعِی یقال نَحَلْتُ بفلان أَمْحَلُ به إذا سعیتَ به إلی ذی سلطانٍ حتی تُوقعه فی وَرْطه ووشیْتَ به.

وقال اللحیانی عن الکسائی : یقال مَحِّلْنی یا فلان أی قَوِّنی قلت وقول الله (شَدِیدُ الْمِحالِ) منه أی شدید القُوَّه. وأما قول الناس تَمَحَّلْتُ مالاً لِغَریمی فإن بعض الناس ظن أنه بمعنی احْتَلْتُ وقدَّر أنه من المَحَالَهِ بفتح المیم وهی مَفْعَلَهٌ من الحیله ، ثم وُجّهت المیم فیها وِجْهَهَ المیم الأصلیه فقیل تَمَحَّلْتُ کما قالوا مکان وأصله من الکون ثم قالوا تَمکَّنتُ من فلان. ومکَّنْت فُلاناً من فلان ولیس التمَحُّل عندی ممَّا ذهبَ إلیه هذا الذاهبُ ولکنه عندی من المَحْلِ وهو السَّعْیُ کأنه یسعی فی طلبه ویتصرف فیه.

وقال أبو عبید عن الأصمعیّ إذا حُقِن اللبن فی السقاء فذهبت عنه حلاوه الحلب ولم یتغیَّر طعمه فهو سَامِطٌ ، فإن أخذ شیئاً من الرِّیح فهو خَامِطٌ ، فإن أخذ شیئاً من طَعْم فهو المُمَحَّل وقال شمر یقال مع فلان مِمْحله أی شکوه یُمَحِّل فیها اللبنَ وهو المُمَحَّلُ بفتح الحاء وتشدیدها. وقال اللیث المُمَحَّلُ من اللبن الذی حُقِن ثم شُرِب قبل أن یَأْخُذَ الطَّعْمَ وأنشد :

إلا من القارصِ والممحَّل

أبو عبید عن الأصمعی : قال المُتَمَاحِلُ الطویلُ من الرجال. وقال غیره : مفازَهٌ مُتَمَاحِلَهٌ بعیده الأطرافِ وأنشد :

من المُسْبَطِرات الجیادِ طِمِرَّهٌ

لَجُوجٌ هواها السَّبْسَبُ المُتَمَاحِلُ

أی هواها أَنْ تَجِدَ مُتَّسَعاً بعیداً ما بین الطرَفیْنِ تعدو فیه.

وروی عن علی بن أبی طالب رضی الله عنه أنه قال : إن من وَرَائِکُمْ أموراً مُتَمَاحِلَهً أَرَادَ فِتَناً یطول أَیَّامُها ویَعْظُم خَطَرُها ویشتد کَلَبُها. والمِحَلُ الذی قد طُرِد حتی أَعْیَا وقال العجاج :

یمشی کمشی المِحَل المَبْهُور

ص: 63

وأما قول جندل الطُّهَوی :

عُوجٌ تسانَدْن إلی مُمحَّلِ

فَإِنَّه أرادَ مَوْضِع مَحَال الظهر جعل المیم لما لزمت المحَاله وهی الفَقَارَهُ من فَقَار الظّهر کالأصْلِیَّه. وفی «النوادر» رأیت فلاناً مُتَحاحِلاً ومَاحِلاً ونَاحِلاً إذا تَغَیَّرَ بَدَنُه.

والمَحَالَهُ البَکَرهُ العظیمه التی تکون للسائِیّهِ ، سُمیَتْ مَحَالهً تشبیهاً بِمحَالَهِ الظَّهْرِ. وقال اللیث : مَفْعَلهٌ سمیت مَحَالَهً لتحوُّلِها فی دوَرانها ، وقولُهم : لا مَحَالَهَ ، تُوضَعُ موضع لَا بُدَّ ولا حِیلَهَ مَفْعَلَهٌ أیضاً من الحَوْلِ والقُوَّهِ ، عمرو عن أبیه : المَحْلُ : الجَدْبُ. والمَحْل الجوعُ الشَّدیدُ وإن لم یکن جدبٌ والمَحْلُ السِّعَایه من ناصِح وغیر ناصِحٍ. والمَحْلُ البُعْدُ والمِحَالُ المَکْرُ بالحق. والمِحَالُ الغَضَبُ. والمِحَالُ التَّدْبِیرُ. وفلان یُماحِلُ عن الإسلام یُمَاکِرُ ویُدَافِع.

الرَبَعیّ فی صفه روضه : رأیتها تَنْدَی من بُهْمَی وصوفَانه وزُبَادَهٍ ویَنَمهٍ ومُلَّاحَهٍ ونَهْقَهٍ.

وقال اللیث : المُنْحَهُ الکلمه المَلِیحَهُ ، والمَلَّاحَهُ مَنْبِتُ المِلْحِ ، والمَلَّاحُ صاحب السفینه ومُتَعَهِّدُ النَّهَر لیصلح فُوهَتَه ، وصنعته الملَاحه والملَّاحِیه وقال الأعشی :

تکأکأ ملَّاحها وَسْطَها

من الخوف ، کَوْثَلَها یَلْتَزِم

أبو العباس عن ابن الأعرابی : قال المُلَاح الریحِ التی تجری بها السفینه وبه سمی المَلَّاح مَلَّاحاً. وقال غیره سُمِّی السَّفَّانُ ملَّاحاً لمعالجته الماءَ الملح بإجراء السفُنِ فیه.

وقال ابن الأعرابی : المِلَاحُ : المِخْلاه وجاء فی الخبر أن المختار لما قتل عمر بن سعد جعل رأسه فی مِلَاحٍ أی فی مخلاه وعلقه.

قال : والمِلَاحُ الستره ، والمِلَاحُ الرمح ، والمِلَاحُ أن تَهُبَّ الجَنُوبُ بَعْد الشَمال. وقال اللیث : المِلْحُ الرَّضاعُ ، وفی حدیث وفد هوازن أنهم کلّموا رسول الله صلی الله علیه وسلم فی سَبْی عشائِرِهم فقال خطیبُهم إنا لَوْ کُنَّا مَلَحْنا للحارِث بن أبی شَمِر الغَسَّانی أو للنّعْمانِ بن المندر ثم نزل مَنْزِلَکَ هذا منَّا لَحَفِظَ ذلک لنا وأنت خیرُ المکْفُولِین فی حدیث طویل قال أبو عبید : قال الأصْمَعِیُّ فی قوله : مَلَحْنا یَعْنِی أرْضَعْنا. وإنما قال الهوازنیُّ ذلک لأن النبی صلی الله علیه وسلم کان مُسْتَرْضَعاً فیهم ، أرضعته حلیمَهُ السَّعْدِیّه والمِلْحُ هو الرَّضاعُ. وقال أبو الطَّمَحانِ وکانت له إبلٌ سقی قوماً أَلْبَانَها ، ثم أَغاروا علیها فقال :

وإنِّی لأَرْجُو مِلْحَها فی بُطُونِکُم

وما بَسَطَتْ من جلْد أَشْعَثَ أَغْبَرِ

یقول : أرْجو أن تحفظوا ما شَرِبْتُم من أَلْبانها ، وما بسطَتْ من جُلودکم بعد أن کنتم مهازِیلَ. قال وأنشدنا لغَیره :

جزی الله ربُّکَ ربُّ العباد

والمِلْحُ مَا وَلَدَتْ خالده

یعنی بالملح الرضاعَ ورواه ابن السکیت

لا یعبدُ الله ربُّ العبا

د والملح

وهو أصحُّ وقال أبو سعید : الملحُ فی قول أبی الطمحان الحُرّمَهُ والذِّمامُ ، یقال بین فلانٍ وفلانٍ ملحٌ ومِلْحَهٌ إذا کان بینهما حُرْمَهٌ فقال أرجو أن یَأْحُذَکُمُ الله بحرمه صاحبِها وغَدْرِکُمْ بِها.

والمِلْحُ البَرَکَهُ ، یقال : لا یبارکُ الله فیه ولا یَمْلُحَ قاله ابن الأنباری قال وقال أبو العباس العرب تعظّم أَمْرَ المِلْحِ والنَّار والرَّماد قال وقولهم : مِلْحُ فلان علی رکبتَیْهِ فیه قولان : أحدُهما أنه مَضَیِّعٌ لِحَقّ الرّضاع غیرُ حافظ له فأَدْنَی شیء یُنسیه ذِمامَه ، کأنّ الذی یضَعُ الملْحَ علی رکبتیه أدْنی شیء یُبَدِّدُه. والقول الآخرُ : سَیِّیءُ الخلق یغضَب من أَدْنی شیء کما أن الملْحَ علی الرّکبه یتبدّدُ من أدنی شیء. قال والملْحُ یؤنَّثُ ویذکَّر والتأنیثُ فیه أکثر.

ص: 65

وقال ابن الأعرابی : الملْحُ اللبنُ ، والملْحُ والمُلَحُ من الأخبار بفتح المیم ، والملْحُ العلْم ، والملْحُ العلماءُ. ویروی عن ابن عباس أنه قال قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «الصادق یُعْطَی ثلاثَ خصال الملْحَهَ والمحَبَّه والمهابه». قال ویقال تملَّحَت الإبلُ إذا سمِنت ، فلعلّ هذا منه کأنه یرید الفضلَ والزیادهَ ، وأنشد ابن الأعرابی هذا البیت :

ورد جازِرُهم حَرْفاً مُصَرّمهً

فی الرأسِ منها وفی الرِّجْلَینِ تملیحُ

قال وهو کما قال :

ما دام مُخٌّ فی سُلَامَی أو عیْن

قال وسأل رجل آخَرَ فقال أحب أن تملحَنی عند فلان بنفسک أی أحب أن تزیِّنَنی وتُطْرِینی. قال مَلَح یَملَحُ ویَملُحُ إذا رضع وقال ملَحَ الماءُ ومَلُحَ یَملُحُ مَلاحَهً. وقال ابن بُزُرْج : مَلَح الله فیه فهو مَمْلُوح فیه ، أی مُبَارَکٌ له فی عیشه ومالِه ، قلت أراد بالملْحَه البرکهَ. ویقال : کانَ ربیعُنا مملوحاً فیه ، وذلک إذا أَلْبَنَ القومُ فیه وأسمنوا. وإذا دُعِیَ علیه قیل لا مَلَحَ الله فیه أی لا بارک فیه.

ویقال : أصبنا مُلْحَهً من الربیع أی شیئاً یسیراً منه ، وأَمْلَحَ البعیرُ إذا حَمَل الشحْمَ ، ومُلِحَ فهو مَمْلُوحٌ إذا سمن.

أبو عبید عن أبی زید : أمْلَحْتُ القِدْر بالألف إذا جعلْتَ فیها شیئاً من شحم.

قال ومَلَحْتُ الماشیهَ إذا أطعمتها سَنْجَهَ الملح وذلک إذا لم تجد حمضاً فأطعمتها هذا مکانه. ومَلَّحَتْ الناقهُ فهی مُمَلَّح إذا سمنت قلیلاً ومنه قوله :

من جزورٍ مُمَلِّح

وفی حدیث النبی صلی الله علیه وسلم : أَنَّه ضَحَّی بکبشین أمْلَحَیْنِ ، قال أبو عبید قال الکسائی وأبو زید وغیرهما : الأَمْلَحُ الذی فیه بیاضٌ وسواد ویکون البیاضُ أکثر وکذلک کل شعرٍ وصوفٍ فیه بیاضٌ وسوادٌ فهو أمْلَحُ وأنشدنا :

لکل دَهْرٍ قد لبستُ أَثْوُبا

حتی اکْتَسَی الرَّأسُ قِناعاً أشیبا

أَمْلَحَ لا لَذَّ ولا محبَّبا

وقال أبو العباس قال ابن الأعرابی : الأمْلَحُ الأبیضُ النقیُّ البیاضِ. وقال أبو عبیده هو الأبیضُ الذی لیس یخالِط البیاضَ فیه عُفْرهٌ. وقال الأصمعی : الأمْلَحُ الأبْلَقُ بِسَوادٍ وبیاض. قال أبو العباس : والقولُ ما قاله الأصمعیّ. وقال أبو عمر : الأمْلَحُ الأعْرَمُ وهو الأبلَقُ بسوادٍ. قال أبو العباس : واختلفوا فی تفسیر قوله :

لا تَلُمْها إنّها من نسوهٍ

مِلْحُها موضوعَهٌ فوقَ الرُّکب

فقال الأصمعی هذه زَنْجِیّه ، ومِلْحُها شَحْمُها وسِمَن الزَّنج فی أفْخَاذها. وقال شمر : الشّحم یسمی مِلْحاً. وقال أبو العباس قال ابن الأعرابیّ فی قوله :

مِلْحُها موضوعه فوق الرُّکَب

هذه قلیله الوفاء قال والملْحُ ههنا هو الملْحُ. یقال فلان مِلْحُه علی رُکْبَتَیهِ إذا

ص: 66

کان قلیلَ الوفاءِ. قال والعرب تحلف بالملْحِ والماءِ تعظیماً لهما. وروی قوله :

والملحِ ما ولدت خالده

بکسر الحاء وجَعَلَ الواو واوَ القَسَم ، وأمَّا الکسائیُّ فرواه والمِلْحُ بضم الحاء عطفه علی قوله لا یبعد الله.

اللیث : أَمْلَحْتَ یا فلانُ جاء بمعنیین : أی جئت بکلمهٍ ملیحهٍ ، وأکثرت مِلْحَ القِدْرِ ، قلت واللغه الجیِّده مَلَّحْتَ القدر إذا أکثرتَ ملحها بالتشدید. قال والمَلْحَاءُ : وسط الظّهْر بین الکاهل والعَجُز ، وهی من البعیر ما تحت السَّنَام. قال : وفی المَلْحَاءِ ستُّ مَحَالاتٍ وهی ست فقرات والجمیع مَلْحَاوَات والمُلَّاحِیُ ضربٌ من العنب أبیضُ ، فی حَبِّه طولٌ. قال : والملَحُ داءٌ وعیب فی رِجْلِ الدابه. وقال غیره یقال للنَّدی الذی یسقط باللیل علی البقل أَمْلَحُ لبیاضِه ومنه قوله :

أقامَتْ به حَدَّ الرَّبیعِ وَجَارُها

أخُو سَلْوَهٍ مَسَّی به اللَّیْلُ أَمْلَحُ

أراد بجارها نَدَی اللَّیْلِ یُجیرُها من العطش ، وقال شمر : شِیْبانُ ومِلْحانُ هما الکانُونان ، وقال الکمیت :

إذا أمست الآفاق حُمْراً جُنُوبها

الشِیبانُ أو مِلْحان والیوم أشهب

قال وقال عمرو بن أبی عمرو شِیبانُ بکسر الشین ومِلحان من الأیام إذا ابیضّت الأرض من الحَلیتِ والصقیع.

سلمه عن الفراء قال : الملیح الحلیم وکذلک الرَاسب والمَرِثُ.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : المِلَاحُ أن تشتکی الناقهُ حیاءَها فتؤخذ خرقهٌ ویُطْلَی علیها دَوَاءٌ ثم یُلْصَقَ علی الحیاء فَیَبْرَأُ.

قال : والمِلَاحُ المراضعه ، والمِلَاحُ المیاه المِلْحُ ، والمِلَاحُ الرّمْح.

قال أبو الهیثم : تقول العرب للذی یخلِط کذباً بصدق هو یخصف حِذَاءه وهو یرتشی إذا خلط کذباً بحق ویَمْتَلِحُ مثلُه. وإذا قالوا : فلان یَمْلَحُ فهو الذی لا یخلص الصدق وإذا قالوا عند فلان کذبٌ قلیلٌ فهو الصدوق الذی لا یکذب وإذا قالوا إنّ فلاناً یَمْتَذِق فهو الکذوب.

وإذا أَمْکَنَهُ لحمی رَتَعْ

وفی الحدیث «إنّ أَرْبی الربا اسْتِطالهُ الرجُلِ فی عِرْضِ أَخِیه» قلت : ومِن هذا قول الله جلّ وعزّ : (وَلا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَیُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات : 12].

وقال اللیث : باز مُلْحَمٌ یطعمُ اللَّحْمَ ، وبازٍ لَحِمٌ أیضاً لأن أَکْلَهُ لَحْمٌ.

وقال الأعشی :

تدلّی حثیثاً کأن الصوا

رِ یَتْبَعُهُ أَزْرَقِیٌ لَحِم

وقال ابن السکیت : رجل شحیمٌ لَحیمٌ أی سمین ورجل شَحِمٌ لَحِمٌ أی قَرِمٌ إلی اللَّحْم والشحم یَشْتَهیهِما ، ورجلٌ لحّام شَحّامٌ إذا کان یبیع اللَّحْمَ والشَّحْمَ ، ورجل مُلْحَمٌ إذا کان مُطْعَماً للصید ، ورجل مُلحِمٌ إذا کثر عنده اللَّحْمُ وکذلک مُشْحِمٌ.

وقال اللیث : أَلْحَمْتُ القوم إذا قتلتَهم حتی صاروا لَحْماً ، واللَّحیمُ : القتیلُ.

وأنشد قول ساعده الهذلی :

ولا رَیْبَ أن قد کان ثَمَ لَحِیم

وقال أبو عبید : استُلحِمَ الرجُلُ إذا أُزْهِقَ فی القتال. قال : والملحَمَهُ : القتال فی الفتنه. وقال شمر قال ابن الأعرابی : الملحمه حیث یُقَاطِعُون لحومهم بالسیوف.

الأصمعیُّ : أَلْحَمْتُ القوم : أطْعَمْتُهُم اللَّحْمَ بالأَلِفِ.

وقال مالک بن نویره یصف ضَبُعاً :

وتظل تَنْشِطُنِی وتُلحِمُ أَجْرَیا

وسط العَرِینِ ولیس حیٌّ یَمْنَعُ

قال : جَعَلَ مَأْوَاهَا لَهَا عریناً : وقال أبو عبید قال غیر الأصمعی : لَحَمْتُ القومَ بغیر ألِف. قال شَمِر وهو القیاس. قال : وأَلحَمَ القَوْمُ کَثُرَ لَحْمُ بُیُوتِهم. ولَحَمَ الرجلُ کثر لَحْمُ بَدَنِه فهو لحیمٌ شحیمٌ. ولَحُمَ الصقر إذا اشتهی اللَّحْمَ فهو لَحِمٌ. قال ولَحَمَ الرَّجُل یَلحَمُ إذا نَشِبَ بالمکان ، ولَحْمَهُ الصّقْرِ والأَسَدِ وغیرِه ما یأکُل. ولَحْمَهُ النَّسَب بالفتح. ولُحْمَهُ الصید ما یُصَادُ به.

ثعلب عن ابن الأعرابی : لَحْمَهُ الثوب ولَحْمَهُ النَّسب بالفتح. ولُحمهُ الصید ما یُصاد به.

أبو عبید عن الأَصمعی : لحُم الرجل وشحُم فی بدنه إذا أکل کثیراً فَلَحُم علیه ، قیل لَحِم وشَحِم. وقال شمر : المُلحَمُ الدِّعِیُّ وأنشد :

حتی إذا ما فَرَّ کلُ مُلْحَمِ

وقال الأَصمعیُّ : هو المُلْصَقُ بالْقوم لیس منهم. قال : ولاحَمْتُ الشیء بالشیء إذا لَزَقْتَه به.

وقال اللیث یقال : استلحم فلان الطریق إذا اتَّبعه وأنشد :

ومن أَرَیْنَاه الطَّریق استلْحَمَا

وقال امرؤ القیس :

استلحم الوَحْشُ علی أکسائها

أَهْوَجُ مِحْفِیرٌ إذا النَّقْعُ دَخَنْ

ص: 68

وشَجَّهٌ متلاحِمَهٌ : إذا بَلَغت اللَّحْمَ والتحم الصَّدْعُ والْتَأَمَ بمعنی واحد. والملحَمَهُ الحربُ ذات القَتْلِ الشدید. واللِّحَامُ ما یُلْحَمُ به الصَّدْعُ. غیره أُلْحمَ الرجلُ إِلْحَاماً واستَلْحَم استلحاماً إذا نشِب فی الحرْب فلم یجد مَخْلَصاً. قال وأَلْحَمَه القتالُ ، ومنه حدیثُ جعفر الطیّار یوم مُؤْتَهَ أَنَّهُ أَخَذَ الرّایه بعد قتل زَیْدٍ فقاتل بها حتی أَلْحَمَهُ القتالُ فنزل وعَقَر فرسه.

ویقال : تلاحَمَت الشَّجَّهُ إذا أَخَذَتْ فی اللَّحم ، وتلاحَمَت أیضاً إذا بَرَأَت والْتَحَمَت والمُتَلَاحِمَه من النساء الرتْقَاء.

أبو عبید عن الأصمعی : المُتلاحِمَهُ الضیقَه الملاقی وهی مَآزِمُ الفَرْج. وقال أبو سعید إنما یقال لها لاحِمَهٌ کأن هناک لحماً یمنع من الجِمَاعِ. قال : ولا یصح مُتلاحِمهٌ.

وقال شمر قال عبد الوهاب : المُتَلَاحِمَهُ من الشِّجَاجِ التی تَشُقُ اللحمَ کلَّه دون العظم ثم تتلاحمُ بعد شَقِّها ، فلا یجوز فیها المِسْبَارُ بعد تلاحُمِ اللَّحْمِ ، قال : وتتلاحم من یوْمِها ومن غَدٍ. وقال الأصمعی فی قول الراجز یصف الخیل :

نُطْعِمُها اللَّحْمَ إذا عزَّ الشَّجَرْ

والخیلُ أطعامُها اللَّحْمَ ضرر

قال یزید نطعمها اللَّبَنَ فسمی اللَّبَنَ لَحْماً لأنها تَسْمَنُ علی اللَّبن. وقال ابن الأعرابی کانوا إذا أجدبوا وقلّ اللبن یبسوا اللَّحْمَ وحَمَلُوه فی أَسْفَارِهم وأَطْعَمُوه الخیلَ. وأنکر ما قاله الأصمعیُّ وقال إذا لم یکن الشجرُ لم یکن اللبنُ. وروی أبو العباس عن ابن الأعرابی قال استَلْحَم الزرع واسْتَکَّ وازْدَجَّ وهو الطَّهْلِیُّ قلت معناه أنه التفَّ.

وقال أبو سعید یقال هذا الکلامُ لَحِیمُ هذا الکلام وطَریدُه أی وَفْقُه وشکله. وقال أبو زید أَلْحَمْتُ الثوبَ إِلحَاماً وأَلْحَمْتُ الطَّیْرَ إِلْحَاماً ، وهی لُحمَهُ الثوب ، وهی الأعلی ولَحْمَتُهُ ، والسَّدَی الأسفل من الثوْب ، اللَّحَّامُ الذی یبیع اللَّحْمَ ویجمع اللَّحْمُ لحُوماً ولُحْمَاناً ولِحَاماً.

وعَناقٌ حَلِمَهٌ قد أَفْسَدَ

جلدَها الحَلَمُ وکذلک عناقُ

تَحلِمَهٌ والجمیع الحِلَامُ. وحلَّمْتُ البعیرَ أخذت عنه الحَلَمَ وجماعهُ تَحْلِمَهٍ تَحَالِمٌ قد کثر الحَلَمُ علیها.

وفی الحدیثِ أنَّ النبی صلی الله علیه وسلم أمر مُعَاذاً أن یأخُذَ من کل حالِم دیناراً قال أبو الهیثم أرادَ بالحالِمِ کلَّ مَنْ بَلَغَ الحُلُم ، حَلَمَ أو لم یَحلُم ویقال حلَم فی نومه یحلُم حُلُماً وحُلْماً. واحْتَلَم بمعناه. وفی الحدیث «الغُسْلُ یومَ الجمعه واجبٌ علی کل حالِم» أی علی کلِّ بالغ إنما هو علی من بَلَغَ الحُلُم أی بلغ أن یَحْتَلِمَ أو احْتَلَم قبل ذلک ورُوِیَ علی کلِ مُحْتَلِم أی علی کل بالغٍ احْتَلَم أو لم یَحْتَلِمْ.

والحَلَمَهُ قال اللیث : هی شجرهُ السَّعْدانِ وهی من أفاضل المَرْعَی.

قلت : لیست الْحَلَمَهُ من شَجَرِ السَّعْدانِ فی شیء ، السعدان بَقْلٌ له حَسَکٌ مستدیرٌ ذو شوکٍ کثیرٍ إذا یَبِسَ آذَی واطِئَه والْحَلَمَهُ لا شوکَ لَهَا وهی من الْجَنْبَهِ وقد رأیتهما ، ویقال للحلمه الحَمَاطَهُ.

وقال اللیث : الحَلَمَهُ رأس الثَّدْی فی وسط السَّعْدَانَهِ.

قلت : الحلمه الهُنَیَّه الشاخصه من ثَدْی المرأه وثُنْدُوَهِ الرجُلِ ، وهِیَ القُرَادُ.

وأما السَّعدانه فما أَحاطَ بالقُرَادِ مما خالف لونُه لونَ الثدی ، واللَّوْعَهُ السوادُ حول الحَلَمَهِ.

أبو عبید عن الأصمعی : القُرَادُ أولَ ما یکون صغیراً قَمْقَامَهٌ ثم یصیر حَمْنَانه ثم یصیر قُرَاداً ثم یصیر حَلَمَهً.

قال : وقال أبو عمرو تحلَّم الصبیُّ إذا أقبل شحمُه.

وقال أوس بن حجر :

لَحَیْنَهُمُ لَحْیَ العَصَا فَطَرَدْنَهُمْ

إلی سنَهٍ قِرْدَانُها لم تَحَلَّمِ

أی لم تسمن لجُدُوبَهِ السَّنه.

وقال اللیث : مُحَلِّمٌ نهر بالبحرین. قلت أنا : مُحَلِّم عین فواره بالبحرین ، وما رأیت عیناً أکثر ماءً منها ، وماؤها حَارٌّ فی منبعه ، وإذا بَرُد فهو ماءٌ عَذْبٌ ، ولهذه العین إذا جرت فی نَهْرِها خُلُجٌ کثیره تَتَخَلَّجُ منها ، تسقی نخیل جُؤَاثَا وعَسَلَّج وقُرَیَّاتٍ من قری هَجَر. وأری محلِّماً اسمَ رجل نسبت العین إلیه.

وقول المخبَّل :

واسْتَیْقَهُوا لِلْمُحَلِّمِ

أی أطاعوا من یعلمهم الحِلْم. ویومُ حلیمهَ أحدُ أَیَّام العربِ المشهورهِ ، والعرب تضرب به المثلَ فی کلِّ أمر مُتَعالَم مشهور فتقول : «ما یَوْمُ حَلِیمَهَ بِسِرٍّ» وقد یُضْرَب مثلاً للرجل النابه الذکر الشریف وقد ذکره النَّابِغَهُ فی شعره فقال یصف السیوف :

تُخِیِّرْنَ مِن أَزْمَان یوم حلیمه

إلی الیومِ قد جُرِّبْنَ کُلَّ التجارب

وقال ابنُ الکلبیّ : هی حَلِیمَهٌ ابنهُ الحارث بن أبی شمر ، وجَّه أبُوها جیشاً

ص: 70

إلی المنذرِ بْنِ ماء السماء فأخرجت حلیمهُ لَهُمْ مِرْکَناً من طیب وطیَّبَتْهُم رواه أبو عبید عنه.

وقال اللیث : الحُلَّام الجَدْیُ.

وقال أبو عُبَیْدٍ : قال الأصمعی : ولد المَعْزِ حُلَّامٌ وحُلَّانٌ.

قلت : والأصلُ حُلَّانٌ وهو فُعْلَانُ من التَّحْلیل ، فقلبت النون مِیماً. وشارهٌ حلِیمَهٌ سَمِینَهٌ. ویقال : حَلَمْتُ خَیَالَ فلانهَ فهو مَحْلُومٌ.

وقال الأخطل :

فَحَلُمْتُها وبنورُ فَیْدهَ دونَها

لا یبعدنّ خیالُها المَحْلُومُ

حدَّثَنَا الحسین قال حدثنا عثمان قال حدثنا وکیعٌ عن مرزوق قال سمعت الضَّحَّاک یقول فی قوله تعالی : (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَیْرَ مُشْرِکِینَ بِهِ) [الحَجّ : 31] قال حُجَّاجاً وکذلک قال السّدی قال حُنَفاءَ حُجَّاجاً.

وقال أبو إسحاق الزجاج نَصَبَ (حَنِیفاً) فی هذه الآیهِ علی الحَالِ ، المعنی بل نَتَّبعُ مِلَّهَ إبراهیم فی حَالِ حَنِیفِیَّتِه ، ومَعْنَی الحَنِیفِیَّهِ فی اللغه المَیْلُ ، والمعنی أَنَّ إبراهیم حَنَفَ إلی دین الله - ودین الإسلام - فإنما أُخِذَ الحَنَفُ من قولهم : رِجْل حَنْفَاءُ ورَجُلٌ أَحْنَفُ ، وهو الذی تَمِیلُ قَدَمَاه کلُّ واحدهٍ إلی أُختِها بِأَصَابعها.

وقال الفرَّاءُ : الحنیفُ مَنْ سُنَّتُهُ الاخْتِتَانُ. وقال اللَّیْثُ السُّیُوف الحنیفیه تنسب إلی الأحْنفِ بْنِ قَیْسٍ لأنه أَوَّلُ مَنْ أَمَرَ باتِّخَاذِها. قال : والقیاس أحْنَفِیُ. وبنو حنیفهَ حَیٌّ من ربیعهَ. ویقال : تَحَنَّفَ فلانٌ إلی الشیء تحنُّفاً إذا مال إلیه. وحَسَبٌ حَنِیفٌ أی حدیث إسلامی لا قَدِیمَ له.

وقال بن حَبْنَاء التمیمیُّ :

وماذَا غیرَ أنک ذو سِبَالٍ

تُمَسِّحُها وذُو حَسَبٍ حَنِیفِ

ثعلب عن ابن الأعرابی : الْحَنْفَاءُ شجرهٌ.

والحَنْفَاءُ القوس ، والحَنْفَاءُ الموسی ، والحَنْفَاءُ السُّلَحْفَاهُ ، والحنْفَاء الحرباءه ، والحَنْفَاء الأَمَه المتلوّنه تکسَل مَره وتنشط أُخْرَی.

وأخبرنی المنذری عن أبی الهیثم أنه قال فی قول الله جلّ وعزّ : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَهٌ مِنْ عَذابِ رَبِّکَ) [الأنبیَاء : 46] فقال : أصابَتْنَا نَفْحَهُ الصَّبا أی رَوْحَهٌ وَطِیبٌ لا غَمّ فیها ولا کَرْبَ ، وأصابتنا نَفْحَهٌ من سَمُومٍ : أی حَرٌّ وغمٌّ وکربٌّ وأنشد فی طیب الصَّبا :

إذا نَفَحَتْ مِنْ عَنْ یمین المَشَارِ

ونَفَحُ الطِّیب إذا فَاحَ رِیحُه وقال جِرانُ العود یذکر جارَته :

لَقدْ عَاجَلَتْنِی بالقَبِیح وَثوْبُها

جَدِیدٌ ومن أَرْدَانِها المسْکُ یَنْفَحُ

أی یفُوح طیبُه ، فجعل النَّفْحَهَ مَرَّه أشَدَّ العذابِ لقول الله جلّ وعزّ : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَهٌ مِنْ عَذابِ رَبِّکَ). وجعلها مرهً ریحَ مِسْکٍ. وقال الأصمعیُّ : ما کان من الریح سَمُوماً فله لَفْحٌ وما کان بارِداً فله نَفْحٌ.

وقال اللیث : الإنْفَحَهُ لا تکُونُ إلا لکل ذی کَرِش ، وهو شیء یُسْتَخْرَجُ من بَطْنِ ذِیهِ أصفرُ یُعْصَرُ فی صوفَهٍ مُبْتَلَّهٍ فی اللبن فیغلَظُ کالجُبن. الحرانی عن ابن السکیت هی إِنْفَحَهُ الجَدْی وإِنْفَحَّهُ الْجدی ولا تقل أَنْفِحَه. قال : وحضرنی أَعْرابِیَّانِ فَصیحَانِ من بنی کلابٍ ، فقال أحدهما : لا أقول إلَّا إنْفَحَهً وقال الآخَرُ : لا أقولُ إلا مِنْفَحَهٍ ، ثم افترقا علی أن یسألَا عنهما أشیاخ بَنِی کلاب ، فاتفقت جماعهٌ علی قولِ ذَا وجماعهٌ علی قولِ ذَا ، فهما لُغتانِ.

وقال أبو عبید : هی الإنْفَحَهُ بکسر الألف وروی أبو العباس عن ابن الأعرابی : إِنْفَحَهٌ وإِنْفَحَهٌ وهی اللغه الجَیِّدَه ، ویقال مِنْفَحَهٌ وبِنَفْحَهٌ.

وفی الحدیث : «أَوَّلُ نَفْحَهٍ من دم الشهید» ، قال شمر قال خالد بن جَنْبه : نفحه الدّم أَوَّلُ فَوْرَهٍ مِنْهُ ودَفْعَهٍ. وقال الراعی :

نَرْجُو سِجَالاً من المعروف ینفحها

لِسَائِلِیه فلا مَنٌّ ولا حَسَدُ

وقال أبو الهیثم : الجَفْرُ من أَوْلادِ الضَأَنِ والمعز ما قد استکرش وفُطِمَ خمسینَ یَوْماً من الوِلاده أو شَهْرَیْنِ أو صارت إِنْفَحَتهُ کَرِشَاً حین رَعَی النَّبْتَ وإنما تکون إنْفَحَهً ما دام یَرْضَعْ. وقال الفراء طعنه نَفُوحٌ یَنْفَحُ دَمُها سَریعاً.

وقال أبو زید : من الضُّروع النَّفُوحُ وهی التی لا تحبس لَبَنَها ثعلب عن ابن الأعرابی : النَّفْحُ الذبُّ عن الرَّجُلِ ، یقال : هو یُنَافِحُ عن فُلانٍ. وقال غیره : هو یُنَاضِحُ عنه. وقال ابن السکیت : النَّفِیحهُ القَوْسُ وهی شطیبه من نَبْعٍ وقال مُلیحٌ الهذلی :

أَنَاخُوا مُعِیداتِ الوَجیفِ کأَنَّها

نَفَائِحُ نَبْعٍ لم تَربَّعْ ذَوَابِل

ویقال للقوس النفیحه أیضاً ، وهی الفجواءُ المُنفَحَّه.

والمحْفَنُ ذُو الجَفْنِ الکثیرِ. وکان مِحْفَنٌ أبا بَطحَاءَ إلیه ینسب الدوابّ البَطْحَاوِیَّهُ.أبو عبید عن أبی زید : احتَفَنْتُ الرجلَ احْتِفَاناً إذا اقتلعَته من الأرض.

قال وقال أبو عمرو : الحُفْنَهُ الحُفْرَهُ ، وجمعها حُفَن.

وقال شمر : الحُفنه الحُفْرَهُ وأنشد :

هَلْ تَعْرِفُ الدَّارَ تَعفَّتْ بالحُفَنْ

قال : وهی قَلَتَاتٌ یَحْتَفِرُها الماءُ کَهَیْئَهِ البِرَکِ.

وقال ابْنُ السکِّیتِ : الحُفَن : نُقرٌ یکون الماءُ فیها ، وفی أَسْفَلِها حَصًی وتُرابٌ.

وأنشدنی أبو بکر الإیادی لعَدِیّ بن الرقاع العاملی.

بِکْرُ تُرَیِّثها آثَارُ مُنْبَعِقٍ

تَری بِه حُفَنَاً زُرْقاً وغُدْرَانَا

وقال أبو العباس : الْحَنْبَاءُ عند الأصمعیِّ المُعْوَجَّهُ السَّاقَیْنِ. قال : وهی عند ابن الأعرابیّ فی الرِّجْلَیْنِ وقال فی موضع آخَرَ : الْحنْبَاءُ المعوَجَّهُ الساق وهو مَدْحٌ فی الخَیْلِ. وقد حَنَبَ فلانٌ أَزَجاً مُحْکَماً أی بَنَاه مُحْکَماً فَحَناه.

وقال أبو سعیدٍ : التَّنْحِیبُ الإکبابُ علی الشیء لا تُفَارِقُه. ویقال نَحَّب فُلانٌ علی أمرٍ. قال وقال أعرابی أصابَتْهُ شوکه فَنَحَّبَ علیها یَسْتَخْرِجُها أی أکَبَّ علیها ، وکذلک هو فی کل شیءٍ هو مُنَحِّبٌ فی کذا. عمرو عن أبیه قال : النَّحْبُ النومُ ، والنَّحْبُ النفس ، والنَّحْبُ صوتُ البُکاءِ ، والنَّحْبُ الطُول والنَّحْبُ السِّمَن ، والنَّحْبُ الشِّدَّهُ ، والنَّحْب القِمَارُ والنَّحْبُ النَّذْرُ ، وأخبرنی المنذریّ عن الصَیداویّ عن الریاشی أنه قال یومٌ نَحْبٌ أی طویل.

هو المستعَارُ. وأما الحدیث الذی جاء فیه : «کنتُ مَنیحَ أصحابی یوم بَدْرٍ» ، فمعناه أنی کنت ممن لا یُضْرَبُ له بسهمٍ من الْفیء لِصِغری ، فکنت بمنزله السهم اللَّغْوِ الذی لا فوزَ له ولا خسْرَ علیه ، وقد ذکر ابن مقبل القِدْح المستعار الذی یتیمن بفوزه فقال :

إذا امْتَنَحَتْه من مَعَدِّ عصابه

غَدَا رَبُّه قَبْلَ المُفیضِینَ یَقْدَح

یقول إذا استعارُوا هذا القِدْحَ غَدَا صاحِبُه یقدح النارَ لثقته بفوزِه ، فهو المنیحُ المستعارُ. وأمّا قوله :

فمهلاً یا قُضَاعُ فَلا تکونی

مَنِیحاً فی قداح یَدَیْ مُجِیلِ

فإِنَّه أَرَاد المنِیحَ الذی لا غُنْمَ له ولا غُرْمَ ، ویقال رجل منَّاح فیَّاح إذا کان کثیرَ العطایا. أبو عبید عن أبی عمرو المَمَانِحُ الناقه التی یبقی لَبَنُها بعد ما تذهب أَلْبَانُ الإبل ، بغیر هاء. وقال ذلک الأصمعیُّ وقد ما نَحَتْ مِنَاحاً ومُمَانَحهً ، وکذلک مانَحتِ العینُ إذا سالت دُموعها فلم تنقطع ، وقال المُمَانح من الأمطار المطر الذی لا ینقطع.

أبو العباس عن الأعرابی المَحْن اللیِّنُ من کل شَیْء. والمَحْنُ العطیَّه یقال سألته فما مَحَنَنِی شیئاً أی ما أعطانی.

أبو عمرو : المَحْنُ النکاح الشدید یقال مَحَنَها ومَخَنَها ومَسَحَها إذا نکَحَها.

حدثنا الحسین عن سوید عن عبد الله بن المبارک عن صفوان أن أبا المثنی المُلَیْکی حدَّثه أنه سمع عُتبه بن عبدٍ السُّلَمِیَّ وکان من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وسلم حدَّث أن رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : «القتلی ثلاثهٌ : رجل مؤْمِنٌ جاهدَ بنفسه ومالِه فی سبیل الله حتی إذا لقی العَدُوَّ قاتَلهُمْ حتی یُقْتَلَ فذاک الشهید المُمْتَحَنُ فی خَیْمه الله تحت عرشه لا یَفْضُله النبیُّون إلا بدرجه النُّبُوَّه» ثم ذکر الحدیث إلی آخره ، قال شمر قوله «فذاک الشهید الممتحَن» هو المصفَّی المهذَّب المُخْلَص.

وروی عن مجاهد (أُولئِکَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوی) [الحُجرَات : 3] قال أَخْلَصَ.

وقال أبو عبیده (امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) صفَّاها وهذَّبها. وقال غیره الممتَحن الموطَّأ المذلَّل.

وقال ابن الأعرابی : مَحَنْتُه بالشدّ والعَدْوِ وهو البَلْس بالطرد والممتحِنُ والمُمَحِصّ واحِدٌ ، وجلد مُمَحَّن مقشور.

لا تَسِیروا فی أَوَّله حین تقوم الظُّلْمَهُ ولکن أمهلوا حتی تسکُنَ وتعدل الظلمه ثم سیروا وقال لبید :

واضْبِطِ اللیل إذا طَالَ السُّرَی

وتَدَجَّی بعد فَوْرٍ واعتدل

وقال شمر یقال فَحْمَهٌ وفَحَمَهٌ لغتان.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : الفَحْمَهُ ما بین غروب الشمس إلی نوم الناسِ سمیت فحمه لحَرِّها وأولُ اللیل أحَرُّ من آخره. قال ولا تکون الفحْمه فی الشِّتاء.

قال ولا یقال فی الشَّرَاب فَحْمَهٌ کما یقال الجاشریَّه والصَّبُوح والغَبُوق والقَیْل. قال : ویقال للذی لا یتکلم أصلاً فَاحِمٌ ویقال للذی لا یقول الشعر مُفْحَم.

[باب الحاء والباء مع المیم : مهمل(1) ]

آخر الثلاثی الصحیح من حرف الحاء.

ص: 80

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

حَقْوَهُ أبو عمرو الحِقَاءُ رِباط الجُلّ علی بطن الفرس إذا حُنذ للتَّضْمیر وأنشد لطَلْق بن عدی :

ثم حَطَطْنا الجُلَّ ذا الحِقَاء

کمثل لَوْن خَالِصِ الحِنَّاءِ

أخبر أنه کُمَیْتٌ. قال : الحِقاء جمع حَقْوهٍ ، وهو مرتفع عن النَّجْدَهِ وهو منها موضع الحَقْوِ من الرجل یتحرَّزُ فیه الضباع من السیل. قال أبو النجم یصف مطراً :

یَنْفِی ضِبَاع القُفّ من حِفائه

وقال النضر : حُقِیُ الأرض سُفوحها وأسنادها واحدها حَقْوٌ وهو السَّنَدُ والهَدَفُ.

ثعلب عن سلمه عن الفراء قالت الدُّبَیریه یقال : ولغ الکلب فی الإناء ولجن واحْتَقَی یَحْتَقی احتقاءً بمعنی واحد.

أبو عبید عن الأصمعی قال : حَقْوُ السَّهْم مُسْتَدَقُّه مما یلی الریش. ویقال حَقْوُ السهم موضع الریش وجمع الْحَقْوِ حِقَاءٌ وحُقِیٌ.

سلمه عن الفراء فی قوله : (وَحاقَ بِهِمْ) هو فی کَلامِ العرَب عاد علیهم ما استهزءُوا وجاء فی التَّفسیر أَحَاطَ بهم ونزل بهم.

وقال اللیث الشاعر یحوک الشِّعْرَ حَوْکاً والحائک یَحِیک الثوب حَیْکاً والحِیاکهُ حرْفَتُه. قلت هذا غلط الحائک یحوک الثوب وجمیع الحائک حَوَکَهٌ وکذلک الشاعر یَحُوکُ الکلام حَوْکاً. وأمّا حاک یَحِیکُ فمعناه التَّبَخْتُر.

وقال اللیث الحَیْک النسج والحَیْکُ أَخْذُ القول فی القلب ، یقال :

ما یَحِیکُ کلامُکَ فی فلان ولا یَحیکُ الفأْسُ ولا القَدُومُ فی هذه الشجره.

قال والحَیَکَانُ مَشْیَهٌ یُحَرِّکُ فیها الماشی أَلْیَتَهُ ، تقولُ رجل حَیّاکٌ وامرأه حَیّاکَهٌ تَتَحَیّکُ فی مِشْیَتها. أبو عبید عن أبی زید : الحیکان أن یُحَرَّکَ منکبیه وجسدَه حین یمشی مع کثره لحم.

ابن بُزُرْج قالوا حَوْکٌ وحَوَکٌ وحُوُوکهٌ ، والمعنی النِّسَاجات وهی الثیاب بأعیانها.

أبو نصر عن الأصمعی : ما حاک سیْفُه أی ما قَطَع ، وما حَکَّ فی صدری منه شیء ، أَی ما تخالَجَ فی صدری منه شیء. قال وحَاکَ یحیکُ حیکاً إذا فَحَّجَ فی مِشْیَتِهِ وحرّکَ منکبیه وقال المُبَرِّد : حَاکَ الثوبَ والشعرَ یحوکُهُ ، کِلَاهُما بالواو ، وهو یَحِیکُ فی مِشْیته ، ومِشْیهٌ حَیَکَی إذا کان فیها تبختر.

العقلُ مقصورُ ، وکذلک قال أبو زید والفراءُ. وأنشد اللیث قولَ الأعشی :

إذ هی مثلُ الغُصْن میَّالَهٌ

تروق عَیْنَیْ ذی الْحِجا الزائر

ویقال : هو حَجٍ به قال وتقول إنَّه لَحِجَیٌ أن یفعل ذاک أی حَرِیٌّ به ، وما أَحْجَاهُ به وأحْراه قال العجاج :

کرَّ بِأَحْجَی مَانِعٍ أن یَمْنَعَا

وتقول أَحْجِ به أیْ أَحْرِ به وأخلِقْ به أن یکون ، قال الأصمعیُّ وقال اللیث الحَجَا الزمزمه وقال الشاعر :

زمزمه المجوس فی أحجائها

وقال ابنُ الأعرابی فی حدیث رواه عن رجل رأیت عِلْجاً یومَ القادسیه قد تکَنَّی وتَحَجَّی فقتلتُه ؛ قال ثعلبٌ سألت ابنَ الأعرابی عن تحجَّی فقال : معناه زَمْزَمَ قال والحِجاءُ ممدود الزمْزَمه وأنشد :

زَمْزَهُ المجوس فی حِجَائِها

هکذا رواه أبو العباس عنه وکأنهما لغتان إذا فتحتَ الحاء قصرْتَ وإذا کسرتها مددت ، ومثله الصَّلا والصِّلاءُ والأَیا والإیاءُ للضَّوْءِ. قال وتکنی لزم الکِنَّ ، أخبرنی المنذری عن ثعلب عن ابن الأعرابیِّ قال حاجَانِی فلانٌ فاحْتَجَیْتُ أی أصَبْتُ ما سألنی عنه وأنشدنا :

فَنَاصِیَتی ورَاحِلَتی ورحْلی

ونِسْعَا نَاقَتِی لمن احْتَجَاهَا

وقال اللیث الْحجْوَه الْحَجْمَه یعنی الحدقه. قلت لا أَدْرِی هی الحَجْوَهُ أو الجَحْوَه للحدقه. وقال الأصمعیّ حجا الرجل یحجو إذا أقام بالمکان وثبت وقال العجاج :

فَهُنَّ یعکُفْنَ به إذا حَجَا

ویقال تحجّیتکم إلَی هَذَا الْمَکَانِ أی سَبَقْتُکمْ إلیه ولزمته قبلکم وقال ابن أحمر :

أصَمَّ دعاء عاذلتی تحجی

بآخرنا وتنسی أوّلینا

قال وأَحْجَاءُ البلاد نواحیها وأطرافُها ، وقال ابن مُقْبل :

لا یُحْرِزُ المرءَ أحجاءٌ البِلَادِ ولا

تُبْنَی له فی السماواتِ السَّلَالیم

وقال غیرُه واحد الأحجاء حَجاً منقوص ، ناحیهُ الشیء وقال ذو الرمه :

فجاءت بأَغباش تحجَّی شریعهً

تِلاداً علیها رمْیُها واحتِبالُها

قال تَحَجَّی تقصد ، حَجَاهُ ، ویقال تحجّی فلانٌ بظَنِّه إذا ظنَّ شیئاً فادّعاه ظانّاً ، ولم یستیقنه وقال الکُمَیْتُ :

تَحَجَّی أَبُوهَا مَنْ أبوهم فصادفُوا

سواه ومن یجهلْ أَبَاهُ فقد جَهِل

وتقول : حَجَوْتُ فلاناً بکَذَا أَیْ ظننْته به ، وقال الشاعر :

قد کُنْت أحجو أَبَا عَمْرٍ وأَخاً ثقهً

حتّی أَلَمَّت بنا یوماً ملمّاتُ

وقال ابن الأعرابیّ الحَجْوُ الوُقُوف حَجَا إذا وقف قال وحَجِی معدولٌ من حَجَا إذا وقَفَ.

وقال الکسائیُّ : ما حَجَوْتُ منه شَیئاً ، وما هَجَوْتُ منه شیئاً أی ما حفِظْتُ منه

ص: 86

شیئاً. وقال أَبُو عبید قال الفراء حَجِیتُ بالشیء ، وتحجَّیْتُ به ، یُهمز ولا یُهمز تمسکْتُ به ولزمْتُه وأنشد بیت ابن أحمر :

أَصَمَّ دَعَاءُ عَاذِلتی تَحَجَّی

أی تمسک به وتلزمه قال وهو یحجو به وأنشد :

فهن یعکفن به إذا حَجَا

أی إذا أقام به ومنه قول عدی بن زید :

أطفَّ لأنفه الموسی قصیرٌ

وکان بأنفه حَجِئاً ضنینا

قال شمر : تحجَّیتُ تمسکت جیداً قال اللحیانی یقال ما له حَمْجَأٌ ولا مَلْجَأُ بمعنًی واحد. وقال أبو زید إنَّه لَحَجیء بنی فلان أی لاجیءٌ إلیهم وقال ابن هانیء قال أبو زید حجا سرُّه یَحْجُوه إذا کَتَمَهُ ویقال للراعی إذا ضَیَّع غَنَمَه فتفرَّقَت ما یَحْجُو فلانٌ غنَمه ولا إبِلَهُ ، وما یَحْجُو السِّقَاءُ شیئاً إذا لم یَحْبِس الماءَ ونَفَحَ من جوانبه.

وفی «نَوادِرِ الأَعراب» لا محاجَاهَ عندی فی کذا ولا مکافأهَ ، أی لا کتمانَ له عندی ولا ستر. وقول الأخطل :

جحونا بنی النعمان إذ عَضّ ملکهم

وقبل بَنی النعمانِ حاربَنَا عَمْرو

قال الذی فسره جحونا قَصَدْنَا واعتمدْنا ، قلت : منه قولهم إنه لحجیّ بکذا أی حَرِیٌّ وما أَحْجَاه أی ما أَخْلَقَهُ.

قال شمر یقول إذا بعد من تُحِبُّ انقطع الرَّجَاء إلا أن یکون حاضراً لحاجَتِک قریباً منها. وقال رجاء من رجا ، ثم استثنی فقال إلا احتضار الحاج أی إلا أن تحضره ، والحاج جمع حاجَهٍ ، وتَحَوَّج طلب حاجهً. وأخبرنی المنذریُّ عن أبی الحسن الشیخی عن الریاشی قال یقال حاجَهٌ وحَاجٌ وأَخْبَرنی عن أبی الهیثم أنّه قال الحاجَهُ فی کلام العرب الأَصْل فیها حائجه حذفوا منها الیاء فلمَّا جمعوها ردوا إلیها ما حذفوا منها فقالوا حاجه وحوائج فدلّ جمعهم إیاها علی حوائج أن الیاء محذوفه من الواحده قال وقالوا حاجه حوجاء وأنشد :

وحُجْتُ فلم أکُدُرْکُمُ بالأَصَابِع

أی تعفَّفْتُ عن سُؤَالِکُمْ. وقال اللحیانی حَاجَ الرّجُلُ یَحُوجُ ویَحِیجُ ، وقد حِجتُ وحُجْتُ أی احتَجْتُ ویقال کلمت فلاناً فما رَدّ علیّ حَوْجَاءَ ولا لَوْجَاء علی فعلاء ممدود ، ومعناه ما ردّ علیّ کلمه قبیحه ولا حسنهً. وقال اللحیانی ما لی فیه حوجَاءُ ولا لَوْجَاءٌ ولا حویْجَاءُ ولا لویجاء أبو العبّاس عن ابن الأعرابی حَاجَ یَحُوجُ حَوْجاً إذا احْتَاجَ. قال : والحَوْجُ الطلب ، والحَوْجُ الفقر.

فلا وَجَحٌ ینْجِیکَ إن رُمْت حَرْبَنَا

ولا أنت مِنَّا عندَ تِلْکَ بآئل

وقال حُمَیْدُ بن ثور :

نضْحَ السُّقَاهِ بصُبَابات الرَّجَا

ساعهَ لا ینفَعُها منه وجَحٌ

قال ویُروی بیت الهذلی : فلا وجْحَ ینْجِیک.

قال وقد وجَحَ یَوْجَحُ وجْحاً إذا التجأ ، کذلک قرأته بخط شَمِر ، وروی عن عمر أنه صلّی بقوم فلمّا سلم قال : من استطاعَ منکم فلا یُصَلِ مُوجِحاً. فقلنا : وما المُوجِحُ؟ قال : مِنْ خَلَاءٍ أو بَوْلٍ. قال شمر : هکذا رُوِیَ بکسر الجیم ، قال وقال بعضهم : مُوجَحٌ وقَدْ أَوْجَحهُ بولُه. قال : وسمعت أعرابیّاً سألته عنه فقال هو المُجِحُّ ذهب به إلی الحامل.

قال شمر ویقال ثوب موجَح کثیر الغزل کثیف قال وطریق موجِح مَهْیع وقال ساعده الهذلی :

لَقَدْ أشهدُ البیتُ المُحَجَّبَ زَانَه

فِرَاشٌ وخِدْرٌ موجَحٌ ولطائِم

قال الموجَحُ الغلیظُ الکثیف ، وثوب وَجِیحٌ متین کثیف. قال شمر کأنه شَبَّه ما یجد المحتقِن من الامْتلاء والانتفاخ بذلک قال : ویکون من أَوْجَحَ الشیءُ إذا ظهر. یقال [وجح (1)] الطریقُ والنارُ إذا وَضُح وبَدَا. قاله ابن المظفّر. وقال أبو وجزه :

جَوْفَاءٌ محشُوَّهٌ فی موجَحٍ مَغِصٍ

أَضْیَافُه جَوَّعٌ منه مَهَازیلُ

أراد بالموجَح جلداً له أمْلَسَ وأضیافُه قِرْدانه والموجَحُ یُشبه المغَار. وقال :

بِکُلِّ أمعزَ منها غیرِ ذی وَجَحٍ

وکلِّ داره هَجْلٍ ذاتِ أوجاح

أی ذات غِیرَان. وأوْجَحَتْ غُرَّهُ الفرس إیجَاحاً وأوضَحتْ إیضَاحاً.

قال شمر : والمُوجِحُ أیْضاً الذی یوجِحُ الشیء یسترهُ ویُخْفِیه من الوِجَاح وهو الستر وقال اللیث : ما علیه وَجَاحٌ أی ما علیه سِترٌ وقال أبو عبید : قال الفراء : الوِجَاحُ والأَجاح والوَجاح الستر ، الحرانیُّ عن ابن السکیت قال الفراء : لیس بینی وبینه وِجاح ووَجاح وَأجاح وإجَاحٌ أی لیس بَیْنی وبینَه سِتْرٌ قال شمر : وسمعت أبا معاذٍ النحویَّ یقول : ما بینی وبینه جَاحُ بمعنی وَجاح.

قال شمر : والموجِحُ أیضاً الذی یُوجحُ الشیء یُمْسِکُه ویمنعُه من الوَجَحِ وهو الملجَأُ. قال وأقرأنی إبراهیم بن سعد عن الواقدی للجُلَاح :

أتترکُ أَمْرَ القَوْمِ فِیه بَلابِلٌ

وتترک غیظاً کان فی الصدْرِ موجِحاً

ص: 89

وحشَأتَه بسهمٍ إذا أصبتَ به جَوْفه. وقد حشَا الوسادهَ یحشُوها حَشْواً. وقال أبو زید حشَأتُ الرجلَ بالسهمِ حَشْأً إذا أصبتَ به جَنْبَیْهِ وبطنَه وحشَأتُ المرأه حَشْأ إذا نکَحْتَها. وحشأتُ بطنَه بالعَصَا حَشْأ إذا ضربتَه بها. قلت : والصوابُ فی حشَأت ما رویناه عن هؤلاء الأئمه.

قال المنذریُّ قال أبو حاتم قال الأصمعیُ الحِشْوَهُ موَاضِعُ الطعام ، وفیه الأحْشَاءُ والأقْصَاب. قال وسمعت الأصمعیَّ یقول : أسفلُ مواضِعِ الطعامِ الذی یُؤَدِّی إلی المذهب المَحْشَاه بنصْبِ المیم والجمیع مَحَاشٍ وهی المَبْعَرُ من الدوابّ. وقال : إیَّاکم وإتْیَانَ النساء فی مَحَاشِیهنَ ؛ فإن کل مَحْشَاهٍ حَرَامٌ. قال : والکُلْیَتَان فی أسفل البطْن بینهما المثانه ومکان البول فی المثانه. والمَرْبَضُ تحت السُّرَّه وفیه الصِّفاقُ. والصفاق جلدهُ البطْن الباطِنَه والجلْدُ الأسفلُ الذی إذا انخرق کان رقیقاً. والمَأْنَهُ ما غَلُظَ مما تحت السُّرَّه. وروی أبو نصر عن الأصمعی أنه قال المحاشِیءُ بالهمزه أکسیهٌ خَشْنَه تحلق الجسد واحدها مِحْشَأُ. وأنشد :

ینْفُضْن بالمشافر الهَدَالِق

نَفْضَک بالمَحَاشِیء المَحَالِقِ

وقال غیره المِحْشَاهُ بغیر همز ما وَلِی الدُّبُرَ من المَبْعَر. وقال أبو عبیده الحَشِیَّه رِفاعهُ المرأه وهو ما تَضَعه المرأهُ علی عَجِیزَتِها تفطمها به ، یقال تَحَشَّت المرأه تَحشِّیاً فهی متحشِّیَهٌ.

وعیش رقیق الحَوَاشِی إذا کان نَاعِماً فی دَعَهٍ. وقال ابن السکیت الحاشِیَتان ابنُ المَخَاض وابنُ اللَّبُون. یقال : أرسلَ بنُو فلان رَائِداً وانتهی إلی أرض قد شبعت حاشیتاها.

أبو عبید إذا اشتکی الرَّجُلُ حَشَاه ونَسَاهُ فهو حَشٍ ونَسٍ. قال والحَشْیَان الذی به الرَّبْوُ. وامرأه حَشْیَا. وفی حدیث عائشه : أن النبی صلی الله علیه وسلم خَرَجَ من بیتها لیلاً ومضی إلی البقیعِ ، فتبعَتْهُ عائشهُ وظنَّت أنه دخلَ بعضَ حُجَرِ نسائِه ، فلما أَحَسَّ بسوادِها قصد قَصْدَه فعدَتْ وعَدَا علی إثْرِها ، فلم یدْرِکْها إلا وهی فی جوف حُجْرَتِها ، فدنا منها وقد وقَع علیها البَهْرُ والرَّبْوُ فقال لها مَا لی أرَاک حَشْیَا رَابِیه. أراد ما لی أراک قد وقع علیک الرَّبْوُ وهو البَهْرُ ، والرَّبْو یقال له الحشَا وقال الهذلی :

فَنَهْنَهْتُ أُولَی القوم منْهم بضرْبهٍ

تَنَفَّس منها کلُ حشیانَ مُحْجِرُ

وقال الفرّاء فی قول الله جلّ وعزّ : (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) [یُوسُف : 51] هو مِنْ حَاشَیْتُ أُحَاشِی. وقال غیره یقال شَتَمْتُم فما تحشَّیْتُ منهم أحداً وما حَاشَیْتُ منهم أحداً ومَا حَاشَیْتُ أی ما قلت حَاشَی فلانٍ أی ما استثْنیت منهم أحداً.

وقال أبو بکر بن الأنباری : معنی حَاشَا فی کلام العرب أَعْزِلُ فلاناً من وصْفِ القوم بالحَشَا ، وأعْزِلُه بناحیته ولا أُدْخِلُه فی جُمْلتهم ، ومعنی الحشا النَّاحِیهُ وأنشد :

ولا أُحَاشِی من الأَقْوَامِ مِنْ أَحَدِ

ص: 91

ویقالُ حاشَی لِفُلانٍ ، وحَاشَا فلاناً وحَشَی فُلَانٍ. قال عمرُ بن أبی ربیعه :

من رَامَها حاشَی النَّبِیَّ وَأَهْلهُ

فی الفَخْرِ غَطْمَطَهُ هناک المُزْبِدُ

وأنشد الفراء :

حشَی رَهْطِ النَّبِیِّ فإنّ منهم

بُحوراً لا تکدِّرُها الدَّلَاءُ

فمن قال حاشی لِفُلانٍ خَفَضَه باللام الزائده ، ومن قال حَاشی فلاناً أضمر فی حاشَی مرفوعاً ونصبَ فلاناً بحَاشَی ، والتقدیر حاشَی فِعْلُهُم فلاناً. ومن قال حاشی فلانٍ خفض بإضمار اللام لِطُول صُحبتها حَاشَی ، ویجوز أن تَخْفِضَه بحاشی لأنَ حَاشَی لَمَّا خلت من الصَّاحِب أَشْبَهت الاسم فَأَضیفَتْ إلی ما بَعْدَها. ومن العرب من یقول حَاشَ لفُلان فیُسقط الألف ، وقَدْ قُرِیءَ فی القرآن بالوجهین. قلت (حاشَ لِلَّهِ) کان فی الأصل حاشَی لله فلما کثُرَ فی کَلَامِهمْ حَذَفُوا الیاءَ وجُعِلَ اسماً وإن کان فی الأصل فِعْلاً ، وهو حَرْفٌ من حُرُوفِ الاستثناء مثل عدا وخَلَا ولِذَلِکَ خَفَضوا بِحَاشی کما خَفَضُوا بهما لأنهما جُعِلا حَرْفین وإن کان فی الأصْل فعلین. وقال أبو إسحاق فی قوله (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) [یُوسُف : 51] اشتُق هذا من قَوْلِک کُنْتَ فی حَشَا فَلَانٍ أی فی ناحِیَتِه فالمعنی فی حاشی لله براءه لله من هذا التَنَحّی. المعنی قد نَحَّی الله هذا من هذا وإذا قُلْتَ حَاشَ لِزَیْدٍ من هذا فالمعنی قد تَنَحَّی زَیْدٌ من هذا وتَبَاعَد مِنْهُ ، کما تقول تَنَحَّی من النَّاحِیَهِ ، کذلک تَحاشَی من حاشِیه الشیء وهو ناحیته. وأنشد أبو بکر بن الأنباری فی الحشا الناحیه :

یقول الَّذِی أَمْسَی إلی الحَزْن أهْلُهُ

بأیّ الحَشَا أمسی الحبیبُ المبَایِنُ

وقال أبو بکر بن الأنباری فی قولهم : حاشَی فلاناً ، معناه قد استثنَیْتُه وأخرجْتُه فلم أُدْخِلْه فی جُمْلَه المذکورین. قلت : جعله من حَشَا الشَّیْءِ وهو ناحیتُه. وأنشد الباهلیُّ فی المعانی :

ولا یتحَشَّی الفحلُ إن أَعْرَضَتْ بِه

ولا یَمْنَعُ المِرْبَاعَ منه فَصِیلُها

قال لا یَتَحَشَّی لا یُبالی مَنْ حاشی. یقال : شتَمْتُهم فما تحشَّیت منهم أَحَداً وما حاشَیتُ منهم أحداً أی ما بالَیْتُه مِنْ حاشی فلانٌ ، وقال ابن الأعرابیّ تحشَّیْتُ من فلانٍ أی تَذَمَّمْتُ وقال الأخطل :

فلو لا التَّحَشی من رِیاحٍ رمَیْتُها

بکالِمهِ الأنْیابِ باقٍ وُسومُها

مِحاشَک ، بکسر المیم ، جعلوه من مَحَشَتْه النارُ إذا أحْرَقَتْه لا من الحَوْش وقد مرّ تفسیره فیما تقدم من الکتاب أن المِحاش القومُ یتحالفون عند النار وأمَّا المَحاشُ بفتح المیم فهو أثاث البیت ، وأصله من الحَوْشِ وهو جمع الشیء وضَمُّه ، ولا یقال للفیف الناس مَحاش.

وقال اللیث : الحُوْش بِلادُ الجنّ لا یَمُرُّ بها أحدٌ من الناس ورجل حُوشِیُ لا یألَفُ الناسَ ولَیْلٌ حوشِیٌ مظلم هائل وقال رؤبه :

إلَیْکَ سارَتْ من بِلادِ الحوشِ

وأخبرنی المنذریُّ عن ابن الهیثم أنه قال الإبل الحوشِیَّهُ هی الوحْشِیَّه ، ویقال إن فحلاً من فحولها ضرب فی إبل لمَهْره بن حَیْدان فَنُتِجَتْ النجائبُ المهریَّهُ من تلک الفحول الحوشیَّهِ فهی لا یکادُ یُدْرِکُها التعب. قال وذکر أبو عمرو الشیبانی أنه رأی أرْبَع فِقَرٍ من مَهْرِیَّهٍ عَظْماً واحداً.

قال وإبل حوشِیَّهٌ محرماتٌ لعِزَّه نُفوسِها. ویقال : فلانٌ یتَتَبَّعُ حوشِیَ الکلام وَوَحْشِیَّ الکلامِ وعُقْمِیَّ الکلام بمعنی واحد. وقال اللیثُ : یقال حُشْنا الصیدَ وأحَشْناها أخذْناها من نواحیها تعْرِفُها إلی الحبائل التی نُصِبَتْ لها. ویقال فلان ما یَنْحاشُ من فلان أی ما یکْتَرِثُ له. وزجرتُ الذِّئْبَ فی أنْحاشَ لِزَجْرِی وأنشد الأَصْمعیُّ بیتَ ذی الرُّمَّه یصف النعامه وبیضها.

وبیضاءَ لا تَنْحاشُ مِنَّا وأمها

إذا ما رأتْنا ذِیلَ منها زَوِیلَها

أراد بالبیضاءِ بیْضَهَ النعامه وأمُّها النعامَهُ لأنها باضَتْها. قال أبو عبیدٍ قال أبو زید حُشْتُ علیه الصیدَ وأحْوَشْتُ أی أخَذْنا مِنْ حوالیه لنَعْرِفَه إلی الحِبالَهِ. ویقال احْتَوَش القومُ فلاناً أو تحاوَشوه أی جعلوه وسطهم. وقال التحْویش التحویل.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : الحُواشَهُ الاستحیاء ، والحُواسَه بالسین الأکلُ الشدیدُ وقال أبو عبید الحائش جِماع النَّخْلِ. وقال شمر الحائش جماعه کل شجرٍ من الطرفاء والنخْلِ وغیرهما وأنشد :

فَوُجِدَ الحائش فیما أحْدَقا

قَفْرَا من الرَّامین إذ تَوَدَّقا

قال وقال بعضهم إنما جُعل حائِشاً لأنه لا منْفذَ له ویقال الحُواشه من الأمر ما فیه قَطِیعَهٌ ، یقال لا تَغْش الحُواشه قال الشاعر :

غَشِیتُ حُواشَهً وجَهِلْتُ حقّاً

وآثَرْتُ الغُوایه غَیْرَ راض

وقال أبو عمرو فی «نوادره» : التحوّشُ الاستحیاء وقد تحوشت منه أی استحیت.

ویقال للجائع الخالی البطنِ : قد توحَّش. أبو عبید عن أبی زید : رجل موحِشٌ وَوَحْشٌ وهو الجائع من قوم أَوْحاشٍ. یقال بات وَحْشاً وَوَحِشاً أی جائعاً. ویقال توحّش فلان للدواء إذا أَخْلی مَعِدتَه لیکون أسهلَ لخروج الفضولِ من عُروقه.

وفی حدیث الحَرورِیّین الذین قاتلوا عَلِیاً بالنهرَوَان أنهم وحَّشوا برماحهم أی رَمَوْا بها علی بُعْدٍ منهم. یقال للرجل إذا کان بیده شیءٌ فَزَجَّه زَجّاً بعیداً قد وحّش به وقال :

إن أنتم لم تطلبوا بأخیکم

فَذروا السلاح ووحِّشوا بالأبْرَقِ

وقال اللیث : یقال للمکان الذی ذهبَ عنه الناسُ قد أَوْحَشَ ، وطلَلُ موحِشُ وأنشد :

لِسَلْمی موحِشاً طَلَلُ

یلوح کأنَّه خِلل

نَصَبَ موحِشاً لأنه نَعْتُ النکرهِ مُقدَّماً وأنشد :

مَنازِلُها حِشونا

علی قیاس سنون ، وفی موضع النصبِ والجرِ حِشِیْنَ مثل سِنین ، وأنشد :

فأمْسَتْ بَعْدَ ساکنِها حِشِینا

قلت أنا : حِشُون جمع حِشَهٍ وهو من الأسماء الناقِصه وأصلها وَحْشَهٌ فنقص منها الواوُ کما نقصوها من زِنَهٍ وصِلَهٍ وعِدَهٍ ، ثم جَمَعوها علی حِشِینَ کما قالوا عِزِین وعِضِینَ من الأسماء الناقصه.

أبو العباس عن ابن الأعرابی : وحش فلانٌ بثوبه ووحَشَ بدرْعه إذا أرهقه طالبُه فخافَ أن یلحقَه فرسَ بِدرْعه لیُخَفِّفَ عن دابّته ونحوِ ذلک.

قال اللیثُ : ورأیت فی کتابٍ أَنَّ أبا النجم وَحَش بِثیابه وارْتدَّ یُنْشِد ، أی رَمَی بثیابه قال والوَحْشیُ والإنسی شِقّا کُلِّ شیء ، فإنسیّ القَدَمِ من الإنسان مَا أَقْبَلَ منها علی القَدم الأُخْرَی ووحشیُّها ما خالَفَ إنسیها ، عن ابن الأعرابی قال ووحشیُ القوس الفارسیّه ظهْرُها وإنسیُّها بَطْنُها المقبلُ علیک. قال : ووحْشِیُ کلِّ دابَّهِ شقُّه الأَیْمَنُ وإنسیُّه شقه الأیْسر قلت جَوَّد ابنُ المظفَّر فی تفسیر الوحشیّ والإنسیّ ووافَقَ قولُه قولُ أَئِمتنا المتقنین.

وروی أحمد بن یحیی عن المفضّل وروی عن أبی نصرٍ عن الأصمعیّ وروی عن الأَثْرَم عن أبی عبیده قالوا کلهم : الوحشیُ من جمیع الحیوان - لیس الإنسانَ - هو الجانبُ الذی لا یُرْکَبُ منه ولا یُحْلَبُ ، والإنسیّ الجانب الذی یُرکبُ منه ویحلب منه الحالبُ ، قال أبو العباس واختلف الناس فیهما من الإنسان ؛ فبعضهم یُلْحِقُه بالخیلِ والإبلِ ، وبعضهم فرّق بینهما فقال الوحشیّ ما وَلِیَ الکَیْفَ ، والإنسیّ ما وَلِیَ الإبِطَ ، قال وهذا هو الاختبار لیکون فَرْقا بین بنی آدمَ وسائِر الحیوان. وروی أبو عبید عن أبی زید والعَدَبَّس الکنانی ، فی الوحشِیّ والإنسیِّ من البهائِم مثلَ ما روی أحمدُ بن یحیی عن المفضّل والأصمعیّ وأبی عبیده ، وهکذا قال ابن شمیل. ورأیت کلام العرب علی ما قالوه ، وقد روی أبو عبیدٍ عن الأصمعیّ فی الوحْشِیّ

ص: 94

والإنسی شیئاً خالفَ فیه روایهَ ثعلبٍ عن أبی نصر عن الأصمعیّ. والصواب ما علیه الجماعهُ وأما قول أبی کبیر الهذلی :

ولقد غَدَوْتُ وصاحِبِی وحشیَّهٌ

تحتَ الرِّداءِ بصیرهٌ بالمُشْرِفِ

فإن الباهلیَّ زعم أنه عَنَی بِالوَحْشیَّهِ ریحاً تدخُلُ تحتَ ثِیَابِه ، وقوله بصیرهٌ بالمشرف یعنی الریح من أَشْرَفَ لها أصابته ، والرداء السیف.

شمر عن ابن شمیل یقال للواحد من الوحْشِ هذا وَحْشٌ ضَخْمٌ وهذه شاه وَحْشٌ ، والجماعه هی الوَحْشُ والوُحُوشُ والوحیشُ وقال أبو النجم

أمسی یبابا والنَعَامُ نَعمُهْ

قَفْراً وآجَالُ الوحِیش غَنَمُهْ

وهذا مثل ضَائِنٍ وضَئِینِ. وأرض مَوْحُوشه کثیرهُ الوحش. والموَحْشَهُ الفَرَقُ من الخَلْوَهِ ، أخَذَتْهُ وَحْشَهٌ ویقال أوحَشْتُ المکانَ إذا صَادفته وَحْشاً ، ومنه قوله :

وأوحَشَ منها رَحْرَحانَ فَرَاکِسا

قال أبو عبید وأرض موحوشه کثیره الوَحْش.

وصوابه السّیح والمسیَّح بالسین والیاء ، وأنا أذکرهما فی موضعِهما من باب الحاء والسین فی أبواب المعتلّ ، وأَعزِی ما قیلَ فیهما إلی قائِله إن شاء الله.

وقال اللیث الشِّیاحُ الحِذَارُ ورجل شائحٌ حَذِر وتقول إنه لمُشیح حازمٌ حَذِرٌ ، وأنشد :

أَمُرُّ مُشِیحاً معی فتیه

فَمِنْ بَیْنِ مُؤْدٍ ومن خَاسِر

والمشیح المجدُّ. وقال عمرو بن الإطنابه :

وإقدامی علی المکرُوه نَفْسِی

وضربی هامهَ البطلِ المُشِیح

قال اللیث : وإذا أَرْخَی الفَرَسُ ذَنَبَهُ قیل قد أَشَاح بذنبه وإذا نَحَّی الرجلُ وجْهَهُ عن وهَجِ نارٍ أصابَه ، أو عن أَذًی قیل قد أَشَاحَ بِوَجْهه. قلت أَمَّا ما قال فی إشَاحَتِه عن وَهَج النَّار فهو صَحیحٌ لأنَّه حَذَرٌ وأَمَّا قولُه : أَشَاح الفرسُ بذنَبه إذا أَرْخَاه فإنه تصْحیف عندی ، والصواب فیه أَسَاح بِذَنبه ، وکذلک أَسَابَ به ، ورُوی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قَالَ «اتَّقُوا النار ولو بِشِقّ تَمْرَهٍ ثم أعْرض وأشاح». أبو عبید عن الأصمعی المُشِیح الجادُّ والمُشیح الحذِر ، وروی سلمهُ عن الفراءِ أنه قال : المُشِیحُ علی وجهین : أحدهما المُقْبِلُ علیک ، والآخَرُ المانِعُ لِما ورَاءَ ظَهْرِه ، قال : وقوله أَعْرَضَ ثم أَشَاحَ : أی أقْبَلَ. الفراء ویقال إنهم لفی مَشْیُوحَاءَ ومَشِحَاءَ من أمرهم : أی یُحَاوِلون أَمْراً یَبْتَدِرُونه وقال بعضهم : فی اختلاطٍ من أمرِهِمْ. وقال شمر : المُشِیحُ لیسَ من الأضْدَادِ ، إنما هی کلمهٌ جاءت بِمَعْنَیَیْنِ.

قال : وقال ابن الأعرابی : أعرض بِوَجْهِه وأَشَاح أی جَدَّ فی الإعراض ، وقال :

المُشِیحُ الجادُّ قال : وأقرأَنا لطرفه یصف الخیل :

دُوخِلُ الصَّنْعهُ فی أَمْتُنِها

فهی من تحتُ مُشِیحَاتُ الحُزُمْ

یقول جَدّ ارتفاعُها فی الحُزُم. وقال : إذا ضَمُرَ وارتفع حزامه سمی مُشِیحاً.

وقال ابن الأعرابی : الإشَاحَهُ أیضاً الحَذَرُ ، وأنشد قول أَوْسٍ :

فی حیثُ لا تنفعُ الإشَاحَهُ من

أَمْرٍ لمن قد یُحاولُ البِدَعا

قال والإشاحَهُ الحَذَرُ والخوفُ لمن حاولَ أن یَدْفَعَ المَوْتَ ، ومُحاوَلَتُه دَفْعُهُ بِدْعَهٌ.

قال ولا یکون الحذِرُ بغیر جِدّ مُشِیحاً.

وقال خالد بن جَنْبه الشَّیْحَانُ الذی یتهمّسُ عدْواً أراد السرعه ، أبو عبید عن أبی عمرو الشَّیْحَانُ الطویلُ وأنشد شمر :

مُشِیحٌ فوق شَیْحَانِ

یَدُورُ کأَنَّه کَلْبُ

وقال شمر : وروی فوق شِیحانٍ بکسر الشین.

وقال اللیثُ : شَایَحَ أی قَاتَل وأنشد :

وشایَحْتَ قبل الیومِ إنک شِیحُ

وقال فی قوله :

تُشِیح علی الفَلاهِ فتعْتَلیها

بِبَوْع القِدْرِ إذ قَلِق الوضِینُ

أی تُدیم السیر. أبو عبید عن الأصمعی : المَشْیُوحَاءُ الأرض التی تُنبت الشِّیحَ ،

ص: 96

یقصرُ ویمدُّ. وقال ابن الأعرابی یقال شَیَحَ الرجلُ إذا نظر إلی خصمه فضایَقَه. وقال شمر الشَّیحان الغَیور وأنشد المفضل :

لما استمرّ بها شَیْحان مَبْتَجِجٌ

بالبَیْن عَنْک بها یَرْآکَ شَنْأَنا

بانْت هُمومی فی الصَّدْرِ تَحْضَاؤها

طَحْحَاتُ دَهْرٍ ما کنْتُ أَدْرَؤُها

سلمه عن الفراء حَضَأَتْ النارُ وحَضَبْتها وهو المَحْضَأُ والمحْضَب وقال تأبَّطَ شَراً :

ونارٍ قد حضَأْتُ بُعَیْد هَدْءٍ

بِدَارٍ ما أُریدُ بها مُقاما

قال والضواحی ما بَدَا من جسده ، ومعناه لم تؤرقه لیلهً أبکارُ الهموم وَعُونها. وأنْعَمَ أی وزَاد علی هذه الصِّفَه. قال والضواحی من الشَّجرِ القلیلهُ الورَقِ التی تبرُزُ عیدَانُها للشمس. وقال أبو الهیثم یقال ضَحَا الشیءُ یَضْحُو فهو ضَاحٍ أی برز ، وضَحِیَ الرجل یَضْحَی إذا برز للشمس قال والضُّحَی علی فُعَل ، حین تَطْلُعُ الشمس فیصفو ضَوْءها والضَّحَاءُ بالفتح والمدّ إذا ارْتَفَعَ النّهَارُ واشتَدّ وقْعُ الشّمس. والضّحَاءُ أیضاً الغَدَاء ، وهو الطَّعَامُ الذی یُتَغَدّی به. قال والضّاحِی من کُلِّ شیء البارِزُ الظاهِرُ الذی لا یستُره منک حائطٌ ولا غیره.

ویقال للبادیه الضّاحیهُ. ویقال وُلِّی فلان علی ضاحیه مصر وضاحیه المدینه أی علی ما یلیها من البادیه.

وفُلَانٌ سَمینُ الضَّوَاحِی وجْهُهُ وکَفَّاهُ وقَدَمَاهُ وما أشبه ذلک.

قال وضحَّیْتُ فُلاناً أُضَحِّیه تَضْحِیه أی غَدّیتُه وأنشد :

تری الثَّوْرَ یَمْشی راجِعاً من ضَحائِه

بها ، مِثْلَ مَشْی الهِبْرِزِیّ المُسَرْوَلِ

والهبرِزیّ الماضِی فی أمْرِه من ضَحائِه أی مِن غَدَائه من المرعی وقْتَ الغَدَاءِ إذا ارْتَفَعَ النَّهَارُ.

قال أبو عبیدهَ : لا یُقَالُ للفَرَسِ - إذا مَا أبیضَ - أبیض ، ولکن یقال له أضْحَی قال والضُّحَی منه مأخوذٌ ؛ لأنَّهم لا یُصَلُّونَ حتّی تطلع الشمس.

وقال أبو زید : أنشدت بیت شعر لیس فیه حلاوهٌ ولا ضُحًی أی لیس بِضَاحٍ.

وقال أبو مالک : ولا ضَحَاءٌ. وضَاحَیْتُ فلاناً أَتَیْتُه ضَحَاءً. قال وبَاعَ فلانٌ ضَاحِیَهَ أَرْضٍ إِذَا باعَ أَرْضاً لیس علیها حَائِطٌ ، وباع فلان حائِطاً وحدیقهً إذا باع أَرْضاً علیها حائِطٌ.

سلمه عن الفراء قال : تمیم تقول : ضَحَوْتُ للشمس أَضْحو. قال : ویقال فلان یُضاحِینَا أُضْحِیَّهَ کُلِّ یَوْمٍ إذا أَتاهم کُلَّ غَدَاهٍ. وقال الفَرَّاء یقال ضَحّت الإبلُ الماءَ ضُحًی إذا وردت ضُحَی. قلت فإن أرادوا أَنها رَعَتْ ضُحَی قالوا تَضَحّت الإبلُ تَتَضَحّی تَضَحّیاً.

أبو عبید عن أبی زید : ضَحّیْتُ عن الشیء وعَشَیْتُ عنه ، معناهما رفَقْتُ به.

وقال زید الخیل :

فلو أَنّ نَصْراً أَصْلَحَتْ ذَات بینها

لَضَحّت رُوَیْداً عن مَظَالِمهَا عَمْرُو

ثعلب عن ابن الأعرابیّ ، قال : المضَحِّی الذی یُضَحِّی إِبِلَه ، والمضحِّی المُبَیِّنُ عن الأمر الخفیّ ، یقال ضَحِ لی عن أمرک ، وأَضحِ لی عن أمرک ، وأوضِح لی عن أمرک وأنشد بیتَ زیدِ الْخَیل هذا ، قلت : والعرب قد تضع التّضْحِیَهَ مَوْضِعَ الرِّفْقِ والتأنّی فی الأمر ، وأصله أَنَّهُمْ فی البَادِیَهِ یسیرُون یوم ظَعْنِهِمْ فإذا مَرُّوا بِلَمْعَهٍ من الکَلأ ، قال قائدُهم ألا ضَحُّوا رُوَیْداً فیدَعونها تضحّی وتجر ، ثم وضعوا التضحیه موضع الرِّفق لرفْقِهِمْ بحَمُولتهم ومالِهِمْ فی ضحایاها سائره وما للمال من

ص: 99

الرفق فی تضَحِّیها وبلوغِها مُنْتَوَاها ، وقد شبِعَت. فأما بیتُ زیدِ الخیل فإن ابن الأعرابی قال فی قوله :

لضحّت رویداً عن مظالمها

بمعنی أَوْضَحَتْ وبیّنَتْ وهو حسن.

الحرانی عن ابن السکیت قال : الأَضْحَی مؤنثهٌ وهی جمع أَضْحَاهٍ ، قال وقد تُذَکَّرُ ، یُذْهَبُ بها إلی الیَوْمِ وأنشد :

رأیتکُم بین الخَذْوَاءِ لمَّا

دَنَا الأَضْحَی وصَلَّلتِ اللِّحامُ

تولیتمْ بودَکُم وقلتم

لَعَلُّک منک أقْرَبُ أو جُذَام

قال : وقال الأصمعیّ : فیها أربعُ لغاتٍ ، یقال : أُضحیَّه وإِضحیَّهٌ وجمعها أَضاحیّ ، وضحیَّه وجمعها ضَحَایَا وأَضْحَاهٌ وجمعُها أضْحَی. قال وبه سمی یومُ الأضحی قال ابن الأنباری : أضْحَی جمع أَضْحَاه منونٌ ومثله أَرْطَی جمع أَرْطَاهٍ.

ثعلب عن ابن الأعرابی الضحیَّه الشاهُ التی تُذْبَح ضَحْوه مثل غَدِیَّه وعَشِیَّه. قال : والضحیَّه ارتفاع النهار تجمع ضَحَیَات وأنشد :

رَقود ضَحِیَّاتٍ کأنّ لسانَه

إذا واجه السُّفَّار مِکحالٌ إِثْمِدا

ویروی أَرْمَدَا. قال ضُحَیّات جمع ضُحیّه وهو ارتفاع النهار.

وقال اللیث : یقال أَضْحَی الرجلُ یفعلُ ذاک إذا فعل مِنْ أَوَّل النَّهار ، وأَضْحَی إذا بَلَغ وقْتَ الضُّحَی. والمَضْحَاهُ المکانُ الذی لا تکادُ تغیبُ الشمسُ عنْهُ ، تقول : علیک بِمِضْحَاهِ الجَبَلِ. قال : والضَّحْیَانُ من کل شیء البارزُ للشّمس. وأنشد ابن الأعرابی :

یکفیک جهلَ الأحمق المستجْهلِ

ضحیانه من عَقَدَاتِ السلْسل

قال : أراد بالضَّحْیانَه عصاً نابتهً فی الشمس حتی طبَخَتْها فهی أَشَدُّ ما تکون ، وهی من الطَّلْحِ. والسلْسلُ حَبْلٌ من حِبَال الدَّهْنَاءِ.

ویقال : سلاسِلُ ، وقال اللیْثُ : تقول : فَعلْتُ ذلک الأمرَ ضَاحِیهً أی ظاهره بیّناً وقال النابغه :

فقد جزتْکُم بَنُو ذُبْیَان ضاحیهً

حقّاً یقیناً ولمّا یأْتنا الصّدَرُ

قال : وضواحی الحوْضِ نواحیه.

وقال لبید :

فَهَرَقْنا لهما فی دَاثِر

لضَواحِیه نَشِیشٌ بالْبَلَلْ

قلت : أرادَ بضواحی الحوضِ ما ظهرَ مِنْهُ وَبَرَز ، وقال جریر یمدح عبد الملک :

فما شجراتُ عِیصِکَ فی قرَیْشٍ

بِعَشَّات الفُرُوع ولا ضَوَاحِی

قال اللیث : یرید ولا فی النَّواحی. قلت : أرادَ جریرٌ بقوله : (ولا ضَواحِی) قریْشُ الظواهرِ وهم الذین لا ینزلون شعب مکه وبطحاءها. أراد جریرٌ أن عبد الملک من قریش البِطَاحِ لا من قریشِ الظَّواهِر ، وقریشُ البطاح أَکرَمُ وأشْرَفُ من قُرَیْشِ الظواهِرِ لأن البَطْحَاوِیّین من قریش حاضِرَتُهم ، وهم قُطَّانُ الحَرَمِ ، والظواهر

ص: 100

أَعْرَابٌ بادیهٌ خارجَ الحرمِ. وضَاحِیَهُ کل بلده ظاهِرَتُها البادَیهُ ، یقال هؤلاء ینزلون الباطِنَه ، وهؤلاء ینزِلُون الضّوَاحِی.

وفی حدیث النبی صلی الله علیه وسلم أنه کتب لأُکَیْدِرِ دَوْمَهِ الجنْدَل «إن لنا الضاحیهَ من الضّحْلِ ، ولکم الضامنَهُ من النَّخْلِ». قال أبو عبید : الضاحِیَهُ ما ظهر وبَرَزَ وکان خارِجاً من العماره. وقال شمر : کلُّ ما بَرَزَ وظَهَرَ فقد ضَحَا ، یقول : خرج الرَّجُلُ من مَنْزِلِه فَضَحَا لی ، والشجره الضَّاحِیَهُ البارزهُ للشّمْسِ ، وأنشد لابن الدُّمَیْنَهِ یصف القوْسَ :

وخُوطٍ من فروع النبع ضاحٍ

لها فی کَفِّ أَعْسَرَ کالضُّبَاحِ

قال : الضّاحِی عُودُها الذی نَبَتَ فی غَیْرِ ظِل ولا فی ماء فهو أصْلَبُ لَهُ وأَجْوَدُ وأما قول الشاعر :

عمِّی الذی منعَ الدینَارَ ضَاحیهً

فمعناه أنه منعه نهاراً جهاراً أی جاهَرَ بالامتناع ممن کان یُجِیبُه.

أبو عبید عن الفرّاء : لیله إضْحِیَانَهُ وضَحْیَاءُ إذا کانت مُضیئهً. وقال اللیث : یوم إِضْحِیَانٌ لا غَیْمَ فیه ، ولیله إضْحِیَانَهٌ مضیئه شمر عن ابن الأعرابی : لیله أَضْحِیالهُ ولیله إِضْحِیَانَه وضَحْیَاءُ وضحْیَانَهٌ إذا کانت مُقمِره قال ولیله ضاحِیَهٌ مثل ضحْیَاءَ. وقال أبو عبیده : فرس أضحَی إذا کان أبْیَض ولا یقال فرس أبْیَضُ. وإذا اشتدّ بیاضُه قیل أَبْیَضُ قِرْطَاسِیّ.

أبو زید : یقال ضاحَیْتُه أی أتیتُه ضُحیً ، وفلان یُضاحِینَا ضَحْوَه کلِّ یومٍ أی یأتینا.أبو العباس عن ابن الأعرابی یقال للرجل إذا مات ضَحَا ظِلُّه لأنه إذَا مات صار لا ظِلَّ له. وشجرهٌ ضاحِیَهُ الظِّلِّ أی لا ظِلَّ لها لأنها عَشَّهٌ دقیقَهُ الأغْصانِ. قلت : وهذا معنی جیدٌ فی بیت جریر الذی نقدم تفسیره وقال الشاعر :

وقَحَّمَ سیرنَا من قُورِ حِسْمَی

مَروتُ الرعی ضاحیهُ الظلال

یقول رعیها مَرْتٌ فیه وظلالُها ضاحیه أی لیس بها ظل لقله شَجَرِها. وفی «نوادِرِ الأعراب» : رجل ضَحَیانُ متضحٍ مستضحٍ مضطحٍ إذا أَضْحَی ، ویومُ ضحیانُ أی طَلْقٌ ، وسراجٌ ضَحْیَانُ مُضِیءٌ ، ومفازه ضَاحِیَه الظّلالِ لیس فیها شَجَرٌ یستظَلُّ به. وفی الدعاء : لا أَضْحَی الله ظِلَّکَ ، معناه : لا أَمَاتَکَ الله حتی یُذْهِبَ ظِلَّ شَخْصِکَ القائم.

وقال أبو عبیده : فرس ضَاحِی العِجَان یوصف به المحبَّب یُمدح به وضحَّیْنَا بنی فُلانٍ أَتَیْنَاهم ضُحًی مُغِیرین علیْهم. وقال :

أَرَانی إذا ناکَبْتُ قوماً عَدَاوَهً

فضحیتهم ، إنّی علی الناسِ قَادِر

وقال شمر : أَضْحَی الرجل إذا صار فی وَقْتِ الضُّحَی ، وأَضْحَی فی الغُدُوِّ إذا أَخَّرَه. وضَحِیَ الشیءُ وأضحیْتُه أنا أَی أَظهَرْتُه. وقال الراعی :

حَفَرْن عُروقَه حتی أظَلَّتْ

مَقَاتِلُه وَأَضْحَیْن القُرونَا

ص: 101

قال : وضَاحِیهُ کلِّ بَلْدَهٍ ناحیَتُها ، والجَوُّ باطنها ، یقال هؤلاءِ یَنْزِلُون الباطِنَه وهؤلاء ینزلون الضَّوَاحی وضواحی الأرض التی لم یُخَطَّ عَلَیْها.

کان صلی الله علیه وسلم یلْعَبُ وهو صغیرٌ مع الغلمان بعظم وضَّاح ، وهی لُعبه لصبیانِ الأعراب یعمِدون إلی عظمٍ أبیضَ فیرمونه فی ظُلمه اللیل ، ثم یتفرّقون فی طلبه ، فمن وجده منهم فله القَمْر قلت وقد رأیت وِلدانهم یصغّرونه ویقولون عُظیمُ وضَّاح. وأنشد بعضهم :

عظیم وضاح ضِحَنَ اللیلَه

لا تَضِحَنَ بعدها منْ لَیْله

وقولهم : ضِحَنّ أمرٌ بتثقیل النون من وَضَح یَضِح ومعناه أُظْهَرَنّ وَأُبْدُوَنّ ، کما یقال من الوصل صِلَنّ.

ویقال أَوْضَحَ الرَّجُلُ إذا جاء بأوْلادٍ بیض ، وأوضحت المرأَهُ إذا ولدت أولاداً بیضاً.

وَوَضَحُ القدم بیاض إخْمصه. وقال الجمیح :

وَالشوْکُ فی وَضَح الرَّجْلَیْن مَرْکُوزُ

وقال النضر بن شمیل : المتوضِّحُ والواضِحُ من الإبل الأبیضُ ولیس بالشّدید البیاضِ ، أشدُّ بیاضاً من الأعْیس والأصْهب وهو المُتَوَضِّح الأقراب وأنشد :

متوضِّح الأقْرَابِ فیه شُهلَهٌ

شَنِجُ الیدین تَخَالُه مشکولا

قال المنذری أُخبِرْتُ عن أبی الهیثم أَنه قال فی قولهم جاء فلان بالضِّحّ والرِّیح ، وأصل الضِّحّ الوَضَحُ وهو فوْرُ النهار وضوْء الشمس ، فأسقطت الواو وزیدت الحاءُ مکانها فصارت مع الأصلیه حاءً ثقیله قال وکذلک القحه الوقْحه فأسقطت الواو وزیدت الحاء مکانها فصارت قِحَّهً بحائین وقال أبو عبیده الضِّحُّ البرازُ الظّاهر.

وقال ابن الأعرابی : الضِّحُّ ماضحا للشمس ، والرِّیحُ ما نَالهُ الریح. وقال الأصمعی : الضِّحّ الشمس بعینها وأنشد :

أبیضُ أبرزه للضَّحِّ راقِبُه

مقلَّدٌ قُضُبَ الرّیْحَان مفعُوم

وقال أبو زید : تقول من أین وَضَحَ الرَّاکبُ؟ أی من أین بدأ؟ وقال غیره من أین أَوْضَحَ بالألف.

عَنِ الْمَحِیضِ قُلْ هُوَ أَذیً) [البَقَرَه : 222] قال أبو إسحاق : یقال قَدْ حَاضَتِ المرأه تَحِیضُ حَیْضاً ومحیضاً ومحاضاً. قال وعند النحویین أن المصدر فی هذا الباب بابه المَفْعَل والمَفْعِل جیّد بَالغٌ ، وقال غیره المحِیضُ فی هذه الآیه المَأْتَی من المرأه لأنه مَوْضعُ الحیْض فکأنه قال اعْتزلوا النساء فی موضِع الْحَیض ولا تجامِعُوهنّ فی هذا المکان. ویقالُ حاضَ السیلُ وفاضَ إذا سال ، یحیض ویفیضُ. وقال عماره :

أجالت حصاهن الذَّوَارِی وحَیّضَت

علیهنّ حَیْضَاتُ السُّیُول الطّواحِم

أنشدنیه المنذریُّ عن المبرِد أن عماره أنشده. ومعنی حیّضت أی سیّلت. قلت : ومِنْ هذا قیلَ للحوضِ : حَوْضُ الماء ؛ لأن الماء یَحیضُ إلیه أی یسیلُ ، والعرب تدخل الواوَ علی الیاء والیاءَ علی الواوِ ؛ لأنهما من حیِّزٍ واحِدٍ وهو الهوَاءُ وهما حَرْفا لِین. وقال اللِّحیانیُّ فی باب الضّاد والصاد : حاضَ وحاص بمعنًی واحد. وقال أبو سعید : إنما هو حاضَ وجاضَ بمعنی واحد. وقال الفراء حاضَت السَّمُرَهُ تحیض إذا سال منها الدُّوَدِم ویجمع الحوض حیاضاً وأحواضاً والمحوَّض الموضع الذی یسمَّی حوضاً.

منه : صَحَا قَلْبُه ، وصَحَا مِنْ سُکْرِه. قلت : وهکذا قال غَیْرُه. ورَوی الحرَّانِیُّ عن ابن السکیت : أَصْحَت السماءُ تُصْحِی فهی مُصْحیَهٌ ، وقد صَحَا السکرانُ یَصْحُو صُحُوَّا فهو صاحٍ ، ونحوَ ذلک قال الفراءُ والأصمعیُّ.

قال اللیث : والمِصْحَاهُ جَامٌ یُشْرَبُ فیه. وقال الأصمعیُّ فیما روَی عنه أبو عبید : المِصْحَاهُ إِنَاءٌ ، قال : ولا أَدْری مِنْ أَیِّ شَیءٍ هُو. شمِرٌ عن ابن الأعرابی المِصْحَاهُ الکَأْسُ قال وقال غیرُه هو القَدَحُ من الفضّه واحتج بقول أوس :

کمِصْحَاهِ اللُّجَین تأکّلا

وقال ابن بُزُرْج : من أَمْثالهم «یرید أَنْ یَأْخُذَها من الصَّحْوَه والسَّکْرَهِ» مَثَلٌ لطالب الأمْرِ یتجاهلُ وهو یَعْلَم.

وروی أبو العباس عن ابن الأعرابیّ : الحیصاءُ الناقه الضیّقه الحَیَا. قال والمِحْیَاصُ الضیّقه الملاقی.

الأصمعیّ والفرّاء : الحائص والناقه التی لا یَجُوز فیها قضیبُ الفَحْلِ کأنّ بها رَتْقاً. وقال اللیث الحَیْصُ الحَیْدُ عن الشیء. یقال هو یحیصُ عنی أی یَحیدُ ، وهو یحایصنی ، وما لک من هذا الأمْرِ مَحِیصٌ أی مَحِید ، وکذلک مَحَاصٌ ، وفی حدیث مطرّف : أنه خرج من الطَّاعُون ، فقیلَ له فی ذَلک ، فقال : هو الموتُ نحَایصُه ولا بُدّ منه.

قال أبو عبید : معناه نزوغ عنه. یقال حاص یحیص حَیْصاً ، ومنه قول الله جلّ وعزّ : (ما لَهُمْ مِنْ مَحِیصٍ) [فُصّلَت : 48].

ورُوی عن ابن عُمَرَ أنَّه ذکر قتَالاً أوْ أَمْراً ، فقال : فَحَاصَ المُسْلِمون حَیْصَهً.

ویروی فَحَاضَ المسلمون حَیْضَهً ، معناهما واحد.

أبو عبید عن الأصمعیّ : وقع القَوْمُ فی حَیْصَ بَیْصَ ، أی فی اختلاط من أمْر لا مَخْرَجَ لَهُمْ منه. وأنشدنا لأمیَّه بن عائِذ الهذلی :

قد کنتُ خَرَّاجاً وَلُوجاً صَیرَفاً

لم تَلْتَحِصْنی حَیْصَ بَیْصَ لَحَاصِ

ونصبَ حَیْصَ بیْصَ علی کل حالٍ. قال وقال الکسائی فی حیصَ بیص مثلَه إلّا أنه قالها بکسر الحاء والباء حِیصَ بِیصَ.

الحَرّانی عن ابن السکیت إنک لتحسَبُ علیَّ الأرض حَیْصاً بَیْصاً وحِیصاً بِیصاً.

وفی حدیث سعید بن جبیر وسئل عن المکاتَب یَشْتَرِطُ علیه أهلُه أن لا یخرُجَ من بلده ، فقال : أَثْقَلْتُمْ ظهْره وجعلتم الأرْض علیه حَیصَ بَیصَ

أی ضیقتم الأرض علیه حتی لا مَضْربَ له فیها ولا مُتَصَرَّفَ للکَسْبِ.

وأخبرنی المنذری عن أبی طالب عن أبیه عن الفراء قال : هُمْ فی حَیْصَ بَیْصَ وحِیصَ بِیصَ.

وقال : إذا أفْردوه أجْرَوْه وربما ترکوا إجراءَه وقالوا وقعوا فی حِیصٍ أی فی ضیق. وفی «کتاب ابن السکیت» فی القلب والإبدال فی باب الصاد والضاد.

یقال : حَاصَ وحَاضَ وجَاضَ بمعنی واحدٍ. وکذلک ناصَ وناضَ. وقال عزَّ من قائل (وَلاتَ حِینَ مَناصٍ) [ص : 3] أی لات حینَ مَهْرَب.

وروی اللیث بیت الأعشی :

لقد نَال حَیْصاً من عُفَیْرَهَ حائصاً

قال یروی بالحاء والخاء. قلت : والرُّواه روَوْهُ بالخاء خَیْصاً وهو الصحیح.

وقال ابن شمیل الخِیَاصه سیْرٌ طویل یشدُّ به حِزَامُ الدّابّهِ.

فلستُ بالأکْثَرِ منْهُم حَصًی

وإنما العزَّهُ للْکاثِر

قال : وحَصَاهُ اللّسَانِ ذَرَابَتُهُ. قال وفی الحدیث : «وهل یُکَبُّ الناسُ علی مناخرهم فی جَهنَّم إلا حَصَا أَلْسِنَتهم». قلت والرّوایه الصحیحه «إلَّا حصائدُ ألسنتهم»؟ وقد مرّ تفسیره فی بابه ، وأَمَّا الحَصَاهُ فهو العقل نفسه.

وروی ابن السّکیت عن الأصمعی أنه قال : فلان ذُو حَصَاهٍ وأَصَاهٍ إذا کان حازِماً کَتُوماً علی نفْسِه یحفظ سرَّه. قال والحَصَاه العقل ، وهو فَعَلَه من أحْصَیْتُ قال طرفه :

وإنّ لسانَ المَرْءِ ما لم یَکُنْ له

حصاهٌ علی عَوْرَاتِه لَدلِیلُ

یقول إذا لم یکنْ مع اللسان عقل یحجزه عن بسْطه فیما لا یجب دَل اللسان علی عَیبه بما بلفظ به من عُور الکلام.

قال اللیث ویقال لکل قطعَه من المسک حصاهٌ. قال : والحصاهُ داءٌ فی المثانَه ، وهو أن یخثُرَ البول فیشتد حتی یصیر کالحصاه. یقال حصِیَ الرجلُ فهو مَحْصِی.

ثعلب عن ابن الأعرابی الحَصْوُ هو المَغَسُ فی البَطْنِ. وفلان ذو حَصی أی ذو عَددٍ ، بغیر هاء. وهو من الإحْصَاء لا من حَصَی الحجاره وفلان حَصِیٌ وحَصیفٌ ومُسْتَحْصٍ إذا کان شدیدَ العَقْل ، وقال الله جلّ وعزّ : (وَأَحْصی کُلَّ شَیْءٍ عَدَداً) [الجن : 28] أی أحاط علمُه باستیفاء عَدَدِ کلِّ شیء.

وقال الفراء فی قوله (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَیْکُمْ) [المُزمّل : 20] قال علم أن لنْ تحفظوا مواقیت اللَّیلِ ، وقال غیره معناه (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أی عَلِمَ أن لن تُطِیقوه ، وأما قول النبی صلی الله علیه وسلم «إن لله تسعهً وتسعین اسماً من أحْصَاها دخلَ الجَنّه» فمعْناه والله أعلم من أحْصَاهَا عِلْماً وإیماناً بها ویقیناً بأنها صفاتُ الله جلّ وعزّ ، ولم یُرد الإحصاء الذی هو العَدّ. والحَصَاهُ العقل : اسم من الإحصاء فی هذا الموضع وقال أبو زُبَید :

یُبْلغُ الجَهْدَ ذَا الحصاه من القو

مِ ومن یُلْفَ وَاهناً فهو مُود

یقول : یُبلغ ذا الحصاه من القوم الجَهْد أی ذا القوه والرزانه والعقل والعلم بمصادر الأمور ومواردها.

قال : شبّه عَرَقَ الخیْلِ لما ابیضّ بالصُّوَاح وهو الجصّ.

وقال ابن شمیل : الصَّاحَهُ من الأرض التی لا تنْبِتُ شیئاً أبداً.

وقال اللیث : التصوّح تشقّق الشعر وتناثُره وربما صوَّحه الجُفُوف.

قال : والبقلُ إذا أصابته عاهه فیبِس قیل تَصَوّح البَقْلُ وصوّحَتْه الریحُ.

أبو عبید عن الأصمعی قال : إذا تهیّأ النباتُ للیُبْس قیل قد اقْطَارَ فإذا یَبِس وانْشَقّ قِیل قد تَصَوَّح.

قلت : وتصوُّحُه من یُبْسِهِ زمانَ الحَرِّ لا مِنْ آفهٍ تصیبُه.

وقال ذو الرمه یصف هَیْج البقل فی الصیف :

وصوح البقْلَ نآجٌ تجیءُ به

هَیْفُ بما نِیَهٌ فی مَرِّهَا نکَبُ

أبو عبید عن أبی عبیده : فإنْ تشقَّق الثوب من قِبَل نَفْسه قیل قد انْصَاحَ انْصِیاحاً ومنه قول عبید :

من بین مرتَتِقٍ منها ومُنْصاح

قال شمر : ورواه ابن الأعرابیّ :

من بین مرتَفِقٍ منها ومنصاح

وفسر المُنصَاحَ الفائِضَ الجارِی علی وجْهِ الأرْضِ. قال : والمُرْتَفِق الممتلیءُ.

قال : ویروی عن أبی تمام الأسدی أنه أنشده :

من بین مرتفِق منها ومِنْ طَاحِی

قال : والطَّاحِی الذی قَدْ سالَ وفاضَ وذهب.

وقال الأصمعیُّ : انْصَاحَ الفَجْرُ انصِیاحاً إذا اسْتَنَارَ وأَضَاءَ ، وأصله الانْشِقَاق.

وتَصَایحَ غِمْدُ السیف إذا تشقّق.

وقال اللیث الصُّوَّاحَهُ علی تقدیر فُعَّاله من تشقق الصوف إذا تصوَّح.

وفی «النوادر» : صوّحتْه الشمسُ ولوَّحتْه وصَمَحَتْه إذا أَذْوَتْه وآذَتْه.

ومن بنات الیاء ، أبو عبید عن أبی زید : لقیته قبْلَ کل صَیْحٍ ونَفْرٍ ، فالصَّیْحُ الصِّیَاح والنَّفْر التفَرُّق. ویقال غَضِبَ فلانٌ من غیر صَیْحٍ ولا نَفْرٍ ، من غیر قلیل ولا کثیرٍ.

وقال الشاعر :

کَذُوبٌ محولٌ یجعلُ الله عُرْضَهً

لأَیْمانِه من غیر صیْحِ ولا نَفْر

قال : معناه من غیر شیء. ویقال : تصیّح النبْتُ إذا تشقّق بمعنی تصوَّح.

وقال اللیث : تصیّح الخَشَبُ وغیرُه إذا تصدّع.

وأنشدنی أعرابیٌّ من بنی کلیب بن یربوع :

ویومٍ من الجوْزَاءِ مُؤتَقِد الحَصَی

تکَادُ صَیَاصِی العیْنِ منه تَصَیَّحُ

قال : والصِّیَاحُ صوتُ کُلِّ شیء إذا اشتدّ. والصَّیْحَهُ العذابُ.

قال الله : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّیْحَهُ) [الحِجر : 73] یعنی به العذَاب. ویقال : صِیحَ فی آلِ فلان إذا هلکوا.

وقال امرؤ القیس :

ص: 108

دعْ عَنْکَ نَهْباً صِیحَ فی حَجَرَاته

ولکن حدیثٌ ما حدیثُ الرَّوَاحل

وقال الله : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّیْحَهُ) أی الهلَکَهُ. وصَیْحهُ الغاره إذا فاجأتْهم الخیلُ المُغیرهُ والصَّائِحَهُ صَیْحَهُ المَنَاحَه. ویقال : ما ینْتَظِرُون إلا مثلَ صَیْحَهِ الحُبْلَی أی شرّاً یَفْجَؤُهم. والصیْحانیّ ضَرْبٌ من التَّمْرِ أسْوَدُ صُلْبُ المَمْضَغَهِ شدیدُ الحلاوَهِ.

قلت : وسُمِّی صَیْحَانِیاً لأنّ صیْحانَ اسمُ کَبْشٍ کان یُرْبَطَ عِنْدَ نَخْلهٍ بالمدینه فأثمرت ثمْراً صیْحَانِیّاً فنُسِبَ إلی صَیْحَان.

وقول الله جلّ وعزّ : (وَأَخَذَ الَّذِینَ ظَلَمُوا الصَّیْحَهُ) [هُود : 67] فذکّر الفعل لأن الصّیْحَهَ مصدَرٌ أُرِیدَ به الصِّیَاحُ ، ولو قیل وأخذت الذین ظلموا الصیحهُ بالتأنیث کان جائزاً تذهب به إلی لفظ الصّیْحَهِ.

وقال یونس : حَسوت حَسوه وفی الإناء حُسوهٌ.

وقال ابن السکیت : شربت حَسُوّاً وحَسَاءً ، وشربت مَشُوّاً ومَشَاءً.

قال وقال أبو عبیده : قال أبو ذبیان بن الرعبل : أبغض الشیوخ إلیَ الحَسُوُّ الفَسُوُّ. قال : الحَسُوُّ الشروبُ.

قلت : جمع الحُسْوَهِ حُسًی ، وَالعرب تقول : نمت نَوْمه کحَسْوِ الطیر إذا نام نوماً قلیلاً. وَیقول الرجلُ للرجلِ هل احتسیت من فلان شیئاً؟ علی معنی هَل وَجَدْتَ ، وقول أبی نخیله :

لما احْتَسَی مُنْحَدِرُ من مُصْعِد

أن الحَیَا مُغْلوْلِبٌ لم یَجْحَدِ

احتسی أی استَخْبَرَ فأُخْبِرَ أن الخِصْب فاشٍ.

وسمعت غیرَ واحدٍ من بنی تمیم یقول : احتَسَیْنا حِسْیاً أی أنْبطْنا ماءَ حَسْیٍ ، والحَسْیُ الرَّمْل المتراکم أسفله جبل أصلدُ ، فإذا مُطِرَ الرمل نَشِفَ ماء المطر ، فإذا انتهی إلی الجبل الذی أسفَلُه أمسکَ الماء ومنع الرملُ حرَّ الشمس أن ینشف الماء فإذا اشتد الحر نُبِثَ وجْهُ الرمل عن الماء فنبَعَ بارداً عذباً یتَبَرَّضُ تبرُّضاً - وقد رأیت فی البادیه أحْسَاءُ کثیره علی هذه الصِّفَه منها أحْساءَ بَنِی سَعْدٍ بحذاء هَجَرَ وقُرَاها وهی الیومَ دارُ القَرَامِطَهِ ، وبها مَنَازِلُهم ومنها أَحْسَاءُ خِرْشَافِ وأَحْسَاءُ القَطِیف. وبحذاء حاجِرٍ فی طریق مکه أَحْساءٌ فی وادٍ مُتَطَامِن ذی رَمْلِ إذا رَوِیَتْ فی الشتاء من السیول الکثیره لم ینقطع ماءُ أحْسائها فی القَیْظ.

ثعلب عن ابن الأعرابی : الحِسَی الماء القلیل.

وقال شَمِر : یقال جعلت له حَسوًا وحَساء وحَسِیّه إذا طُبَخَ له الشیء الرقیق یتحسَّاه إذا اشتکی صدرَه ، ویجمع الحِسْیُ حِسَاءً وأحْساءً.

أَصَابَ الأرْضَ مُنْقَمِشُ الثریَّا

بساحِیَهٍ وأَتْبَعَها طِلَالا

قال : وسَحَوْتُ القرطاسَ وسَحَیْتُه والسِّحَاهُ الخُفّاش وجمعها سَحاً. قال : والسِّحاء ضربٌ من الشجر یرعاه النحل. وکتب الحجاج إلی عامل له أن أرسل إلیَّ بعسل السِّحاء أخْضَرَ فی الإناء.

وقال ابن السکیت : ضَبٌ سَاحٍ حابلٌ إذا رعی السَّحَاءَ والحُبْلَه. وسِحَاءَهٌ أُمِّ الرأس التی تکون فیها الدماغ ، قال : وسِحَاءَهُ القِرْطاس ممدودهٌ وسِحَاءٌ ممدود بلا هاء. قال والسِّحاءُ الخفاش بکسر ویُمَدّ ، ویُفْتَحُ فیُقْصر ، فیقال هو السَّحا ، مقصورٌ کما تری.

وقال أبو عبید : وکل موضع خَالَطْته وَوَطِئْتَه فقد حُسْتَه وجُسْتَه وقال الحطیئه :

رهْطُ ابنِ أَفْعَلَ فی الخُطُوبِ أَذِلَّهٌ

دُنُسُ الثیابِ قَنَاتُهُمْ لم تُضْرَس

بِالْهَمْزِ من طُولِ الثِّقَافِ وجَارُهم

یُعطِی الظَّلامَهَ فی الخطوب الحُوَّسِ

یعنی الأمورَ التی تنزلُ بهم فتفْشَاهم وتَخلَّلُ دِیارَهُم.

وقَالَ ابنُ الأعرابیّ : الإبِلُ الکثیره یقال لها حَوْسی وأنشد :

تبدَّلَتْ بعد أَنِیسٍ رُغُب

وبعد حَوْسی جامل وسرب

وحاست المرأه ذیلَها حَوْساً إذا سحبتها وامرأهٌ حَوْسَاءُ الذیل وأنشد شمر قوله :

تَعیِبینَ أَمْراً ثم تأتینَ مِثْلَه

لقد حَاسَ هذا الأَمْرَ عندک حائس

وذلک أن امرأهً وجدت رَجُلاً علی فُجُورٍ فعیّرته فلم تلبث أَنْ وَجَدها الرجلَ علی ذلک. ومثلٌ للعرب : عاد الحیس یُحَاس ؛ أی عاد الفاسد یُفْسِد ، ومعناه أن تقول لصاحبک : إن هذا الأمر حَیْس أی لیس بِمُحْکم وهو ردِیءٌ ، ومنه البیت : تعیبنی أَمْراً.

قال شمر رُوی عن الفراء : لقد حِیس حَیْسَهم کما تقول دَنَا هَلَاکُهُمْ.

أبو عبید عن الأُمَوِیّ : إذا أَحْدَق بالرَّجُلِ ونَسَبِه الإمَاءُ مِنْ کُلِّ وَجْهٍ فهو مَحْیُوسٌ ، وذلک لأَنَّه یشبَّه بالحَیْس وهو یخلط خَلْطاً شدیداً.

وقال أبو الهیثم : إذا کانت جدّتاه من قِبَلِ أبیه وأُمِّه أَمَهً فهو المحْیُوس من الحَیْس ، یقال حُست أَحِیسُ حَیْساً وأنشد :

عن أَکْلِیَ العِلْهِزَ أَکْلَ الحَیْس

والحیْسُ التمر البرنیُّ والأَقِطُ یُدَقَّانِ ویُعْجَنَان بالسَّمْنِ عَجْناً شدیداً حتی تَنْدُرَ منه نواهٌ ثم یسوی کالثرید وهی الوطیئَهُ أیضاً ، إلّا أنّ الحیس ربما جُعل فیه السَّوِیقُ وأَمَّا فی الوطیئهِ فلا وأنشد :

وإذا تکونُ کَرِیهَهٌ أُدْعَی لَهَا

وإذَا یُحَاسُ والحیس یدعی جُنْدُبُ

شمر ومن أمثالهم : عاد الحَیْسُ یُحَاسُ ومعناه أن رجلاً أُمر بأَمْرٍ فلم یُحْکِمْه فذمّه آخر فقام لِیُحْکمَه فجاء بِشَرٍّ منه فقال الآمر : عَادَ الحَیْسُ یُحَاسُ ، أی عاد الفَاسد یُفْسدُ وامرأه حوْساء الذیل أی طویله الذیل. قال : قد علمت صفراء حوساء الذیل وقد حَاست ذَیْلَها تَحُوسُه إذا وطئَتْهُ تسحَبُه ، کما یقال حاسَهم وجَاسهم إذا وَطِئَهم.

وَرُوِیَ عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال «لا سیاحه فی الإسلام» ، أراد بالسیاحه مفارَقَهَ الأَمْصَارِ والذهابَ فی الأرضِ وأصله من سَیْح الماءِ الجاری.

وقال الله جلّ وعزّ : (الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ) [التّوبَه : 112] وقال (سائِحاتٍ ثَیِّباتٍ وَأَبْکاراً) [التّحْریم : 5] جاء فی التفسیر أن السائحین والسائحات الصائمون.

وقال الحسن : هم الذین یَصومُون الفرض.

وقد قیل : إنهم الذین یُدِیمُون الصِّیام. وقول الحسن أَبْیَنُ. وقیل للصائم : سائح لأن الذی یسیح مُتَعبِّداً یذهبُ فی الأرض لا زادَ مَعه فحین یَجِد الزاد یَطْعَمُ ، والصائم لا یَطْعَم أیضاً ، فَلِشَبهَه به سمی سائحاً.

وفی الحدیث علی أنه وصف قَوْماً فقال : «لیسوا بالمسَایِیح البُذُر».

قال شمر : المسایِیحُ لیس من السّیاحه ولکنه من التسییح فی الثوْبِ أن یکون فیه خطُوطٌ مختلفهٌ لیس من نحوٍ واحدٍ وقال ابن شمیل : المُسَیَّحُ من العَبَاءِ الذی فیه جُدَدٌ ، واحدهٌ بیضاءُ وأُخْری سَوْدَاءُ لیست بشدیدهِ السَواد. وکل عباءه سَیْحٌ ومُسَیَّحَهٌ. یقال : نِعْم السَّیْحُ هَذَا ، وما لم یکن ذَا جُدَدٍ ، فإنما هو کِسَاء ولیس بِعَبَاءٍ. وقال : وکذلک المُسَیَّح من الطرق المبیَّنُ ، وإنما سیَّحه کثره شَرَکِه ، شُبِّه بالعَباءِ المُسَیَّح. ویقال للحمار الوحش مُسیَّح لجُدَّته التی تفْصِل بین البَطْن والجَنْبِ.

أبو عبید عن الأصمعی : السیْح مِسْحٌ مُخَطَّطٌ یکونُ فی البیت یصلح أن یُفْتَرَش وأن یستتر به.

وقال الأصمعیُّ : إذا صارَ فی الجَرَادِ خطوطٌ سودٌ وصُفْرٌ وبیضٌ فهو المُسَیَّح ، فإذا بدا حَجْمُ جَناحِه فذلک الکُتْفَان لأنه حینئذٍ یَکْتِف المشی فإذا ظَهَرَتْ أجْنِحَتُه وصار أحْمَرَ إلی الغُبْرَهِ فهو الغَوْغَاءُ والواحده غَوْغَاءَهٌ ؛ وذلک حین یَمُوجُ بعضُه فی بَعْضٍ ولا یتوجّه جِهَهً واحدهً ، هذا فی روایه عمر بن بَحْرٍ.

وقال شمر : المسایِیحُ الذَین یسیحون فی الأرْض بالشَّرِّ والنمیمهِ والإفسادِ بین الناس ، والمَذَایِیعُ الذین یُذیعُون الفواحش.

وقال اللیثُ : السَّاحه فَضَاءٌ یکون بین دُور الحَیِّ ، والجمعُ سوحٌ وسَاحَاتٌ ، وتصغیرها سُوَیْحَهٌ.

وقال ابن الأعرابی : یقال للأتان قد انْسَاح بَطْنُها وأنْدَال سِیَاحاً إذا ضَخُمَ ودَنَا من الأَرْض. ویقال : أساحَ الفَرَسُ ذَکَرَه وأَسابَه إذا أخرجه من قُنْبِه. قاله خلیفه الحصینی قال وسیَّبه وسیَّحه مثلُه.

وقال غیره : أسَاحَ فلانٌ نَهْراً إذا أَجْراه.

وقال الفرزدق :

وکم لِلْمُسلمِین أسَحْتَ یَجْرِی

بإذن الله من نَهْر ونَهْرِ

یقول : کم من نَهْرٍ أجریتَه للمسلمین فانتفعوا بمائه.

ص: 113

یتحرّف لأن یُقاتل أو أن ینْحازَ أی ینفرِدَ لیکُون مع المقاتِله. قال وأصل متحیز محیوِز فأدْغِمت الواوُ فی الیاء.

قال شمر : الإثم حَوَّاز القلوبِ أی یحوزَ القلْبَ ویغلبُ علیه حتی یرکب ما لا یَجِبُ ، وکأنّه من حاز یحوز. قال الأزهری : وأکثر الروایه «الإثم حزّاز القلوب» أی حزّ فی القلبِ وحاکَ فیه.

وقال شمر : حُزْتُ الشیء أی جمعتُه أو نحیته قال والحوزِی المتوحّد فی قول الطرماح :

یَطُغْنُ بِحُوزِی لم یُرَعْ بوادیه

من قَرْع القِسیّ الکِنَائنُ

قال : الحوزیُ المتوحدُ وهو الفَحْلُ منها وهو مِنْ حُزْتُ الشیء إذا جمعته أو نحَیتَه.

وقال اللیث : یقال مالک تَتَحَوَّزُ إذا لم تَسْتقرَّ علی الأرضِ ، والاسم منه التحوُّز.

قال : وحَیِّزُ الدّار ما انضمَّ إلیها من المرافق والمنافِع ، وکلُّ ناحِیه حیّزُ علی حدَهٍ ، بتشدید الیاء ، والجمیع أحْیَازٌ ، وکان القیاس أن یکون أحْوَازاً ، بمنزله المیّت والأموات ولکنهم فرّقوا بینهما کراههَ الالتباس ، وقال الراعی یصف إبلاً :

حوزیَّهٌ طُوِیَتْ علی زَفَراتِها

طیَّ القناطِر قد بزلْن بزولا

قال والحُوزیه النوق التی لها خِلْقَهٌ انقطعت عن الإبل فی خِلْقَتِها وفراهتها ، کما تقول منقطِع القرین.

وقیل ناقه حُوزِیهٌ أی مُنْحازَه عن الإبل لا تخالطها من سَیْرها مصونٌ لا یُدْرک ، وکذلک الرجل الحُوزیّ الذی له أبداً ، من رأیه وعقله مذخور.

وقیل بل الحُوزیه التی عندها مذخورٌ ، وقال العجّاج

«یحوزُهنّ وله حُوزِیٌ»

أی یَغْلِبُهن بالهوینَی ، وعنده مذخورٌ منه لم یبتذلْه وفی حدیث : «فلم نزل مفطرین حتی بلغنا ماحُوزَنَا». قال شمر : فی قوله «ماحُوزَنا» : هو الموضع الذی أرادُوه ، وأهل الشام یسمون المکانَ الذی بینهم وبین العدوّ الذی فیه أَسامیهِم ومکاتبُهم الماحُوزُ.

قال شمر : قال بعضهم : هو من قولک حُزْتُ الشیء إذا أحرزْتَه.

قال الأزهری : لو کان منه لقیل مَحازَنا أو مَحُوزَنَا ، وحزت الأرضَ إذا أعلَمْتُها وأحیْیتُ حدودَها ، وهو یُحاوِزُه أی یُخالطه ویجامِعُه. قلت : أحسَبُ قوله : «ماحوزنا» بلغه غیر عربیه وکأنَّه فاعُولٌ ، والمیم أصلیّه مثل الفاخُور لنبْت والرّاحول للرّحْلِ.

وقال الأصمعیُّ : إذا کانت الإبِلُ بعیده المَرْعَی من الماءِ فأوَّلُ لیلَهٍ توجِّهِها إلی الماء لیلهُ الجَوْزِ وقد حوَّزْتُها وأنشد :

حوَّزَها من بُرَقِ الغَیَمِ

أهدأُ یَمْشِی مِشْیَه الظلِیم

ویقال للرجل إذا تحبّس فی الأمر : دعنی من حَوْزک وطِلْقِک. ویقال : طوَّلَ فلانٌ علینا بالحَوْزِ والطِّلْقِ ، والطِّلْقُ أن یخلِّیَ

ص: 116

وُجُوه الإبل إلی الماء ویترکَهَا فی ذلک تَرْعَی لَیْلَتَئِذٍ ، فهی لیله الطِّلْقِ وأنْشدَ ابنُ السکیت :

قد غرَّ زیداً حُوْزُه وطِلْقُهُ

وقال أبو عمرو : تحوُّز الحیهِ وهو بُطْء القِیَامِ إذا أراد أَنْ یَقُوم. وقال غیره : التحوُّس مثله عمرو عن أبیه : الحوْزُ الملک الملک وحَوْزَهُ المرأه فرجها وقالت امرأه :

فَظَلْتُ أحْثِی التُّرْبَ فی وَجْهِه

عنّی وأَحْمِی حَوْزَهَ الغَائب

أخبرنی المنذری عن ثعلب عن ابن الأعرابی یقال حوزاته وأنشد :

لها سَلَفُ یعوذُ بکل رَیْعٍ

حَمَی الحوْزَاتِ واشتَهر الإفَالا

قال السَّلَفُ الفحْل حَمی حَوْزَاته ، أی لا یدنو فحل سواه منها وأنشد الفراء :

حمی حَوْزَاتِه فَتُرِکْن قَفْراً

وأَحْمَی ما یَلِیه من الإجَامِ

أراد بحوْزاته نواحیَه من المراعی.

وقال ابن شمیل المُطَحِّی اللازق بالأرْض ، رأیته مَطْحِیّاً أی مُتَبَطِّحاً.

قال : والبَقْلَهُ المُطَحِّیَهُ النّابِتَهُ علی وجْهِ الأرض قد افترشَتْها.

أبو عبید عن الأصمعی إذا ضربَه حتی یمتدّ من الضّرْبه علی الأرض قیل طَحَا منها وأنشد :

من الأَنَسِ الطاحی غَلَیْک العرمْرَم

قال : ومنه قیل طَحَا بِه قلْبُه أیْ ذهب به فی کُلّ مَذْهَبٍ ، وطَحَی البعیر إلی الأرض إما خِلاءً وإما هُزالاً ، أی لَزِق بها.

وقد قال شمر : قال الفراء : شربَ حتی طَحَی یرید مَدَّ رِجْلَیْه.

قال : وقرأْتُه بخطّ الإیادیّ طَحَّی مشدَّداً ، وهو أَصَحُّ إذا ما دعوْه فی نصرٍ أو معروفٍ فلم یأتِهِمْ.

قال : والمطحی اللازق بالأرض ، کل ذلک بالتشدید.

قلت : کأنه عارض بهذا الکلام ما قال الأصمعیُّ فی طحا بالتخفیف.

أبو العباس عن ابن الأعرابی الطَّاحی الجمعُ العظیم ، والطائح الهالک ، والحائط البستان.

قال : وطَحا إذا مد الشیء ، وطَحَا إذا هَلَک ، وحَطَی ألقی إنساناً علی وجْهه.

وقال غیره : طَحَوْتُه أی بطحْتُه وصرعْتُه فطَحَّی أی انبطح انبِطَاحاً ، وفرس طاحٍ مشرِفٌ.

وقال بعض الأعراب فی یمین له : لا والقمرِ الطَّاحی أی المرتَفِع ، والطَّاحی أیضاً المنبِسط. أبو زید یقال للبیت العظیم مِظَلَّهٌ مطحوَّه ومطحیَّه وطاحِیَهٌ وهو الضَّخْمُ.

وأُحِیطَ بفُلانٍ إذَا دنا هلاکُه ، فهو مُحَاطٌ به. قال الله جلّ وعزّ : (وَأُحِیطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ یُقَلِّبُ کَفَّیْهِ) [الکهف : 42] أی أصابه ما أهلکه وأفسده.

ثعلب عن ابن الأعرابی : الحَوْطُ خَیْطٌ مفتول من لونین أحمرَ وأسودَ ، یقال له البَرِیمُ تشدُّه المرأهُ فی وسطها لئلا تصیبَها العینُ فیه خَرَزَاتٌ وهلالٌ من فضَّه یسمی ذلک الهلالُ الحَوْطَ ، فسمِّی الخیط به.

قال ویقال للأرْضِ المُحاطِ عَلَیهَا حائِط وحَدیقهٌ ، فإذا لم یُحَطْ علیها فهی ضاحِیَهٌ.

أبو زید : حُطت قومی وأحطت الحائط. وقال ابن الأعرابی : حُطْ حُطْ إذا أمرته بصله الرحم ، وحُطْ حُطْ إذا أمرته بأن یحلِّی صبیَّه بالحَوْط وهو هلالٌ من فضَّهٍ.

الکلمه : حِدَأَ حِدَأَ وراءَک بندقَهٌ. قال وهو ترخیمُ حدأه. قال وزعم ابنُ الکلبی عن الشرقی أن حِدَأهً ، وبندقَهً ، قبیلتان من الیمن ، والقول هو الأَوَّل.

وقال النابغه :

فأوْرَدَهُنَ بَطْنَ الأَتْم شُعْثاً

یَصُنَّ المَشْیَ کالحِدَأ التُّؤَامِ

وقال أبو حاتم : أهل الحجاز یُخْطِئُون فیقولون لهذا الطائِر : الحُدَیّا ، وهو خَطَأٌ ، ویجمعونه الحَدَادِی ، وهو خطأ.

قلتُ ورُوِی عن ابن عباس أنه قال لا بأس بقتل الحِدَوْ والأَفْعَوْ للمُحْرِم ، وکأنّها لغه فی الحِدَإ ، والحُدَیَّا تصغیر الحَدَوْ.

قلت وأمّا الفَأس ذاتُ الرأسین فإنّ أبا عبید روی عن الأصمعیّ وأبی عبیده أنهما قالا یقال لها الحِدَأه علی مثل عِنَبه ، وجمعها حِدَأٌ بکسر الحاء ، وأنشد قول الشماخ بالکسر کالحِدَإ الوقیع.

قلتُ : ورَوَی ابنُ السکیت عن الفرّاء وابن الأعرابیّ أنهما قالا هی الحَدَأهُ بفتح الحَاء ، والجمیع الحَدَأُ ، وأنشد قولَ الشماخ بفتح الحاء ، قلت والبصریون علی حِدَأهٍ بالکسر فی الفأس ، والکوفیّون علی حَدَأَهٍ.

وقال ابن السکیت فی قولهم حِدَأْ حِدَأْ وراءَکِ بُنْدُقه.

قال قال الشرقی : هو حِدَأُ بنُ نَمِره بنِ سعد العشیره ، وهم بالکوفه. وبندُقَهُ بنُ مطیّه وهو سفیانُ بنُ سَلهم بن الحکَمِ بن سعد العشیره ، وبندقه بالیمن ، فأغارت حِدَأُ علی بندقه فنالتْ منهم ، ثم أغارت بندقَهُ علی حِدَأَ فأبادَتْهم.

وقال أبو زید فی کتاب الهمز : حَدِئتُ بالمکان حَدَأً إذا لزقتَ به ، وحَدئْتُ إلیه حَدَأً إذا لجأتَ إلیه ، وحدئتُ علیه حَدَأ إذا حدیْتَ علیه ونصرْتَه ومنَعْتَه.

وقال الفراء فی «المقصور والممدود» حَدِئَت المرأه علی ولدها حَدَأً وحَدِئت الشَّاهُ إذا انقطع سَلَاهَا فی بطْنها فاشتکت منه.

أبو عمرو : حَدِئتُ علیه وحَدِیتُ بمعنی واحد : إذا نصرْتَه ومنعْتَه.

وروی أبو عبید عن أبی زید فی کتاب الغَنَمِ فیما قرأْتُ علی الإیادی لشمر ، حَذَیتْ الشاه تَحْذَی حُذَاء بالذال إذا انقطع سلاها فی بطنها.

قلت : وهذا تصحیف والصواب ما قاله الفراء بالدال والهمز.

وروی أَبُو العباس عن ابن الأعرابی قال : کانت قبیلهٌ تتعمد القبائل بالقتال یقال لها حِدَأهُ وکانت قد أنزت علی النّاس فتحدَّتْها قبیلهٌ یقال لها بُنْدُقَهٌ فهزمَتْها فانکسرت حِدَأَه فکانت العربُ إذا مر بها حِدَئِیٌ تقول له حِدَأْ حِدَأْ وراءَک بندُقه.

أبو عبید عن أبی عمرو والکسائی فی باب الهمز حَدَأْتُ الشیءَ : صرفْتُه.

قال : والحَیْدُ ما شَخَص من الجَبَلِ واعوجّ ، وکل ضِلَعٍ شدیدِ الاعوجاج حَیْد ، وکذلک من العظم ، وجمعه حُیُود.

والرجل یَحِیدُ عن الشیء إذا صَدّ عنه خوفاً وَأَنفهً ، مصدره : حَیْدُودَهً وحَیْداً وحَیَداناً ، ومَالَکَ مَحِیدٌ عن ذلک. وحُیُودُ البعیر مثلُ الورِکْین والساقَین.

وقال أبو النجم یصف فحلاً :

یقودُها ضَافی الحُیُود هَجْرَع

مُعْتَدِل فی صَبْره هَجَنَّع

أی یقود الإبلَ فحلٌ هذه صفته.

وقال ابن الأنباری رجل حَیَدَی : الذی یَحیدُ ، قال وأنشد الأصمعی لأمیه ابن أبی عائذ :

أو اصْحَمَ حَامٍ جَرَامِیزَه

حَزَابِیَهٍ حَیَدَی بالدِّحال

المعنی أنه یحمی نفسَه من الرُّماه.

قال الأصمعی ولم أسمع فَعَلی إلّا فی المؤنّث إلا فی قول الهذلی :

کأنی ورَحْلِی إذا رُعْتُها

علی جَمَزَی جَازِیءٍ بالرمال

قال : أنشدنَاهُ أبو شعیْبٍ عن یعقوب زُعْتها وسُمِّی جَدُّ جریرٍ الخَطَفَی ببیت قاله :

وعَنقا بعد الکلال خَطَفی

ویروی خَیْطَفی.

أبو عبید عن الأصمعی الحَیْدُ شاخص یخرج من الجَبَل فَیَتَقدَّم کأنَّه جناح.

وقال غیره اشتکت الشاه حَیَداً إذا نشب ولدها فلم یسهل مَخْرجه. ویقال : فی هذا العُودِ حُرُودٌ وحُیُود : أی عُجَرٌ. ویقال قدّ فلان السَّیْر فَحَرَّدَه وحَیَّده : إذا جعل فیه حُیوداً. وحُیودُ القرن ما تلوَّی منه. ویقال قرن ذو حِیَدٍ أی ذو أَنَابِیبَ مُلْتَوِیه. وقال الهذلی :

تالله یبقی علی الأیام ذُو حَیَدٍ

یعنی وَعِلاً فی قرنه حید.

أمثالَ الحِفَار ، وإنما تفعل ذلک إذا سَمِنَتْ. قال : وقال غیره : دحَّ فلان فلاناً یَدُحُّه ودَحَاه یَدْحُوه إذا دفعه ورمی به ، کما یقال عَرَاه وعَرَّ إذا أتاه.

وفی الحدیث «یَدْخل البیتَ المعمورَ کُلَّ یومٍ سبعون أَلْفَ دِحیهٌ مع کل دِحیه سبعون ألفً مَلَکٍ» والدِّحْیه رئیس الْجُنْدِ ، وبه سُمِّی دِحیهُ الکلبیّ.

ورَوَی أبو العباس عن ابن الأعرابی قال : الدِّحْیَهُ : رئیسُ القوم وسیدهم بکسر الدَال.

وروی ابن أبی ذُؤیْب عن إسحاق بن یزید الهذلی أنه سألَ ابنَ المسیَّب عن الدَّحْوِ بالحجارَهِ فقال لا بأس به.

قال شمر : قال ابن الأعرابی یقال : هو یَدْحُو الحَجَرَ بیده أی یَرْمِی به ویَدْفَعُه.

قال : والدَّاحِی الذی یَدْحُو الحَجَرَ بیدِه ، وقد دَحَا بِه یَدحو دَحْوَاً ودَحَی یدحی دَحْیاً.

وقال عبید یصف غیثاً :

یَنْزِعُ جلْدَ الحصی أَجَشُّ مُبْتَرِکٌ

کأنّه فَاحِصٌ أو لاعِبٌ داحِ

قال شمر : وقال غیرُه : المِدْحَاهُ لُعبه یلعَبُ بها أهلُ مکَّهَ. قال : وسمعت الأسدی یصفها ویقول : هی المَدَاحِی والمَسَادِی ، وهی أَحْجَارٌ أمثالٌ القِرَصه وقد حفروا حَفیره بِقَدْرِ ذَلِک الحَجَرِ فیتنَحَّون قلیلاً ثم یَدْحُون بتلک الأحجارِ إلی تلک الحَفیره ، فإن وقع فیها الحجرُ فقد قَمَر وإلا فقد قُمِر. قال : وهو یَدْحُو ویَسْدُو إذا دَحَاها علی الأرض إلی الحفره. قال : والحفره هی أُدْحِیَّه وهی أُفْعُوله من دحَوْتُ وأنشد :

وَیَدْحُو بک الدَّاحِی إلی کُلِّ سَوْءَهٍ

فیاشر من یَدْحُو بأطیش مُدْحَوِی

قال : والوَحْدُ خفیفٌ : حِدَهُ کل شیء ، یقال : وَحَدَ الشیء فهو یَحِدُ حِدَهً ، وکل شیءٍ علی حِدَهٍ بائنٌ من آخَرَ ، یقال ذاک علی حِدَتِه ، وهما علی حِدَتِهما ، وهم علی حِدَتِهم. والوَحْدَهُ الانفراد.

ثعلب عن سلمه عن الفراء رجل وَحِیدٌ وَوَحَدٌ ووَحِدٌ ، وکذلک فرید وفَرَدٌ وفَرِدٌ.

وقال اللیث : رجلٌ وحیدٌ لا أَحَدَ معه یُؤْنِسُه ، وقد وَحُدَ یَوْحُدُ وحَادَهً وَوَحْدَهً وَوَحَداً.

قال : والتَوْحید الإیمانُ بالله وحْدَهُ لا شریک له ، والله الْوَاحِدُ الأحد ذو الوحْدانیَّه والتَّوَحُّدِ.

قال : والوَاحِدُ أَوّلُ عَدَدٍ من الحسابِ تقول : واحدٌ واثنان وثلاثهٌ إلی عشره فإذا زاد قلت : أَحَدَ عشْرَ یجری أحد فی العدد مجری واحدٍ ، وإن شئت قلت فی الابتداء وَاحِدٌ اثنان ثلاثه ، ولا یقال فی أحد عشر غیر أحد والتأنیثُ وَاحِدَهٌ وإحدی فی الابتداء یجری مَجْرَی وَاحِدِ فی قولک أحد وعشرون کما یُقالُ واحِدٌ وعشرون.

فأمَّا إِحْدَی عشره ، فلا یقال غَیْرُها ، فإذا حَمَلوا الأحَدَ علی الفَاعِل أُجْرِی مُجْرَی الثّانی والثالثِ ، وقالوا هو حَادِی عشرتهم وهذا ثانی عَشَرَتِهم واللیلهُ الحادیه عشر والیوم الحادی عَشَرَ. قال وهذا مقلوبٌ کما یقال : جَبَذ وجَذَبَ.

قال : والوُحْدَانُ جمع الوَاحِدِ ، ویقال الأُحْدَانُ فی موضع الوُحْدانِ. ویقال أَحِدْتُ إلیه أی عَهِدتُ إلیه وأنشد الفراء :

بانَ الأحِبَّهُ بالأَحْدِ الذی أَحِدُوا

یرید بالعهْدِ الذی عهدوا. وتقول : هو أَحَدُهُم ، وهی إحْداهُنّ ، فإن کانت امرأهٌ مع رجال لم یستقم أن تقول هی إحداهُم ولا أحَدُهم ، إلّا أن یُقَالَ هی کأحَدِهم أو هی وَاحِدَهٌ مِنْهُم.

قال : وتَقُول : الجلوسُ والقعودُ واحدٌ وأصحابی وأصحابُک واحِدٌ. قال : والمَوْحَدُ کالمَثْنَی والمَثْلَثِ. تقول جَاءُوا مَثْنَی مَثْنَی. ومَوْحَدَ ومَوْحَد. وکذلک جاءُوا ثُلَاثَ وثُنَاءَ وأُحَاد. قال : والمِیحَادُ کالمِعْشَارِ ، وهو جُزْءٌ واحدٌ کما أن المِعْشَارَ عُشْرٌ. والمَوَاحِیدُ جَمَاعهُ المیحادِ. لو رأیتُ أَکَمَاتٍ منفرِدَاتٍ کلُ واحدهٍ بَائِنَهٌ من الأُخْری کانت مِیحاداً أو مواحیدَ.

وأخبرنی المنذریُّ عن أبی الهیثم أَنَّه قال فی قوله :

لقد بَهَرْتَ فما تَخْفی علی أَحَد

إلا علی أحدٍ لا یعرف القَمَرَا

فقال أبو الهیثم أقام أَحَدَ مُقَام مَا أَوْ شَیْء ، ولیس أحدٌ من الإنْس ولا من الْجنّ ولا یتکلَّم بِأَحَدٍ إلّا فی قولک : ما رأیتُ أحَداً قَالَ أو تکلّم بذاک من الجنّ والإنْس والمَلَائِکَهِ ، فإذا کان النَّفْسُ فی غیرهم قلتَ ما رأیْتُ شیئاً یَعْدِلُ هذا ، وما رأیت مَا یَعْدل هَذَا ، ثم تُدْخِلُ العربُ شیئاً علی أحَدٍ ، وأَحَداً علی شیء ، قال الله تعالی (وَإِنْ فاتَکُمْ شَیْءٌ مِنْ أَزْواجِکُمْ) [المُمتَحنَه : 11] الآیه وقرأها ابن مسعود (وإن فاتکم أحد من أزواجکم). وقال :

ص: 125

وقالت فلو شَیْءٌ أَتَانَا رَسُوُله

سِوَاکَ ولکِنْ لم نَجدْ لک مَدْفعا

أقامَ شَیْئاً مُقَامَ أحَدٍ ، أی لیس أحَدٌ معدولاً بک.

وتقول : ذاک أَمْرٌ لَسْتُ فیه بأَوْحَدَ : لست علی حِدهٍ. قال : والأَحَدُ أصلُها الواو. وأخبرنی المنذریّ عن أبی العباس أنه سُئل عن الآحاد : أهِی جمع الأحد؟ فقال : معاذَ الله لیس للأَحَدِ جمعٌ ؛ ولکن إن جعلْتَه جَمْعَ الوَاحِدِ فهو محتَملٌ ، مثل شاهد وأَشْهَاد ، قال ولیس للواحد تثنیهٌ ولا للاثنین واحدٌ من جِنْسِه.

ألف أحد مقطوعهٌ ، وکذلک إحدی ، وتصغیر أحَدِ أُحَیْد وتصغیر إحدی أُحَیْدَی ، وثبوت الأَلِفِ فی أَحَدٍ وإِحْدَی دلیلٌ علی أنها مقطوعه وأَمَّا الألِفَ اثنی واثنَتَی فَألِفُ وَصْلٍ. وتصغیرُ اثْنَی ثُنَیَّا ، وتصغیر اثنَتَیْ ثُنَیّتَا.

وقال أبو إسحاق النحوی : الأَحَدُ أصله الوَحَدُ. وقال غیره : الفرقُ بین الوَاحدِ والأحدِ أَنَ الأَحدَ بُنِی لنَفْی ما یُذکَرُ معه من العَدَد ، والواحدُ اسمٌ لمُفْتَتَح العَدَدِ ، وأَحَدٌ یصلح فی الکلام فی موضِعِ الجَحْدِ ، وواحِدٌ فی موضِعِ الإثْبَاتِ. تقولَ ما أتانی منهم أحدٌ وَجَاءَنِی منهم وَاحدٌ. وَلا یقالُ جاءَنی منْهُمْ أحدٌ ، لأنک إذا قلت : ما أتانی منهم أَحَدٌ فمعناه ، لا وَاحِدَ أتانی وَلا اثْنَانِ ، وإذا قلت جاءنی منهم وَاحِدٌ فمعناه أنه لم یأتنی منهم اثْنَانِ ، فهذا أحَدَ الأَحَدِ ما لم یُضَفْ ، فإذا أُضِیفَ قَرُبَ من معنی الوَاحِد ، وذلک أنک تقول : قال أَحَدُ الثلاثَهِ کذا وکذا ، فأنت ترید وَاحِداً من الثَّلاثه.

والواحِدُ بُنِیَ علی انقطاعِ النَّظِیرَ وعَوَزِ المثْلِ ، والوحِیدُ بنی علی الوَحْدَهِ والانفرادِ عن الأصحاب ، من طریق بَیْنُونَتِه عَنْهم. وقولهم لست فی هذا الأمر بأوْحَدَ أی لَسْتُ بعادم لی فیه مِثْلاً وعِدْلاً وتقول : بقیتُ وحَیداً فَرِیداً حَرِیداً بمعنَی وَاحِدٍ ، ولا یقال بقیتُ أَوْحَدَ وأنت ترید فَرْداً. وکلام العرب یُجْرَی علی ما بُنِیَ علیه مأخوذاً عنهم لا یُعْدَی به مَوْضِعُه ولا یَجُوزُ أن یَتَکَلم فیه إلا أهلُ المعرفهِ الثاقِبهِ به الّذین رسخُوا فیه وأَخَذُوه عن العربِ أو عَمَّن أَخَذَه عَنْهُم من الأَئِمّه المأمونِین وذوی التمییز المبرِّزین.

وأخبرنی المنذریّ عن أبی العباس عن ابن الأعرابی : یقال فلان إحْدَی الأَحَدِ کما یقال واحدٌ لا مِثْلَ له. یقال : هو إحدَی الإحَدِ وأَوْحَدُ الأَحَدِین ووَاحِدُ الآحَادِ ، قال : ووَاحِدٌ وَوَحِدٌ وأَحَدٌ بمعنی وقال :

فلما الْتَقَیْنَا وَاحِدَیْنِ عَلَوْتُه

بذی الکفِّ إنی لِلْکُماهِ ضَرُوبُ

وسُئِلَ سُفیانُ بن عیینه فقال : ذاک أَحَدُ الأَحَدِین.

قال وقال أبو الهیثم : هذا أَبْلَغُ المدح.

أبو حاتم عن الأصمعی : قال العرب تقول : ما جَاءنی مِنْ أَحَدٍ ولا یقالُ قدْ جاءنی من أَحَدٍ ، ولا یقال - إذا قیلَ لک ما یَقُول ذلک أَحَدٌ بلی یقول ذَلِک أَحَدٌ.

ص: 126

قال ویقال : ما فی الدّارِ عَرِیبٌ ، ولا یقال : بَلَی فیها عَرِیبٌ.

وروی أَبُو طالب عن سلمه عن الفراء قال : أَحَدٌ یکون للجَمیع ولِلْوَاحِد فی النّفی ، ومنه قول الله جلّ وعزّ : (فَما مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِینَ 47) [الحَاقَّه : 47] جعل أَحَداً فی موضِع جَمْع ، وکذلک قوله (لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البَقَره : 285] فهذا جمْع لأنّ «بَیْن» یَقَعُ إلا علی اثْنَیْنِ فما زَاد. وقال والعرب تقول : أنتم حیٌ واحد وحیٌ واحِدُونَ ، قال وموضِعُ واحدینَ وَاحِدٌ وقال الکمیت :

فَرَدَّ قَوَاصِیَ الأَحْیَاء منْهُمْ

فقد أَضْحَوْا کحَیِ وَاحِدِینا

وأخبرنی المنذریُّ عن ثعلب عن سلمه عن الفرَاء أنه حکی عن بعض الأعراب : معی عشرهٌ فَاحْدُهُنَ لِیَه ، أی صیِّرْهن لی أحَدَ عَشَرَ ، ونحوَ ذلک قال ابنُ السکیت. قلت : جعل قوله فاحْدُهن لیَهْ من الحَادی لا من أَحَدٍ.

وقال أبو زید : یقال لا یَقُوم لهذا الأمر إلا ابن إحداهما أی الکریمُ من الرجالِ ، وفی «النوادر» : لا یستطیعها إلا ابنُ إحْدَاتِها ، یعنی إلا ابنُ وَاحدَهٍ منها.

وقال ابن السکیت : یقال هذا الحادِیَ عَشَرَ ، وهذا الثانی عَشَرَ وکذلک الثالثَ عَشَرَ إلی العشرین ، مفتوح کله وفی المؤنث هذه الحادیهَ عشرهَ والثانیهَ عشرَه إلی العشرین ، تُدخِلُ الهاءَ فیهما جمیعاً.

قلتُ : وما ذکرت فی هذا البابِ من الألفاظِ النَّادره فی الأَحَدِ والوَاحِد وإحْدَی والحَادی وغیرِها فإنه یُجْرَی علی ما جاءَ عن العرب ولا یُعدی به ما حُکِیَ عنهم لقیاس مُتَوَهَّمٍ اطّرادُه ؛ فإنّ فی کلامِ العربِ النوادرَ لا تنقاس ، وإنما یحفَظُهَا أهل المعرفه المعنّیون بها ولا یقیسون علیها.

وأمّا اسم الله جلّ ثناؤه أَحَدٌ فإنه لا یوصف شیء بالأحَدِیَّه غیرُه ، لا یقال رَجُلٌ أَحَدٌ ولا دِرْهَمٌ أَحَدٌ ، کما یقال رجل وَحَدٌ أی فَرْدٌ ، لأنّ أحَداً صفهٌ من صفات الله التی استأثر بها ، فلا یَشْرکُه فیها شیءٌ ، ولیس کقولک : الله واحدٌ ، وهذا شیء واحدٌ ، لأنه لا یقال شیء أحَدٌ وإن کان بعضُ اللغویین قال إن الأصل فی الأَحَدِ وَحَدٌ. وقال اللحیانی قال الکسائیُّ : ما أنت إلا من الأَحَدِ أی من الناس وأنشد :

ولیس یَطْلُبُنی فی أَمْرٍ غانیه

إلا کعَمْرُو ما عمرٌو من الأَحَدِ

قال ولو قلت : ما هو مِنَ الإنسان ، ترید من النَّاس أصَبْتَ.

قال وقوله : (یا أَیُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّکَ بِرَبِّکَ الْکَرِیمِ 6) [الانفِطار : 6] قیل إنه بمعنی النَّاس ، وأما قولُ الله جلّ وعزّ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : 1 ، 2] فإنّ أکثَرَ القُرّاءِ علی تَنْوین (أَحَدٌ) وقد قُرِیءَ بترک التنوین ، وقُریء بإسکان الدَّال (قل هو الله أحَدْ) وأجودها الرَّفْعُ مع إثبات التنوین فی الإدراج ، وإنما کُسر التنوینُ لسکونه وسکون اللّام من الله ، وَمَن حذف التنوین فلالْتقاء الساکنین أیضاً.

ص: 127

وأما قول الله جلّ وعزّ : (هُوَ اللهُ) فهو کنایه عن ذکر الله المعلوم قبل نزول القرآن ، والمعنی الذی سألتم تَبْیینَ نَسبه هو الله ، وقوله (أَحَدٌ) مرفوع علی معنی : هو الله هو أحد.

ورُوِی فی التفسیر أن المشرکین قالوا للنبی صلی الله علیه وسلم انسُب لنا ربک فأنزل الله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ) قلت ولیس معناه أنّ لله نسباً انتسب إلیه ولکن معناه نفی النسب عن الله الواحِدِ لأن الأَنْسَابَ إنما تکون للمخلوقین ، والله صفته أنه لم یَلِدْ ولداً یُنْسَب إلیه ولم یلده أحد ، فینسبَ إلی وَالِدهِ ولم یکن له مِثْل ، ولا یکون فیُشبه به ، تعالی الله عن افتراء المفترین وتقدّس عن إلحاد المشرکین وسبحانَه عما یقول الظالمون علوّاً کبیراً. قلت و (الْواحِدُ) فی صفه الله معناه أنه لا ثَانِی لَهُ ، ویجوز أن یُنْعَتَ الشیء بأَنه وَاحِدٌ فأمَّا أَحَدٌ فلا یوصَفُ به غیرُ الله لِخُلوصِ هذا الاسمِ الشریف له جل ثَنَاؤُه.

ویقول أحَّدْتُ الله ووحَّدْتُه وهو الأَحَدُ الوَاحِدُ ، وروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أَنَّهُ قال لرجل ذکر الله وأومأ بأصبعَیْه فقال له : أَحِّد أَحِّدْ ، معناه أَشِرْ بإصبَع وَاحِدٍ وأما قول الناس توحَّد الله بالأمْرِ وتفرّد فإنه وإن کان صحیحاً فی العربیه فإنی لا أُحِبُّ أن ألْفِظَ بلفْظٍ فی صفه الله لم یصِفْ به نَفْسه فی التنزیل أو فی السنه ولم أجد المتوحِّد ولا المتفرِّد فی صفاته ، وإنما تَنْتَهی فی صفات الله إلی ما وصف به نفسه ، ولا تجاوزه إلی غیره لجوازه فی العربیه - تعالی الله عن التمثیل والتشبیه علوّاً کبیراً.

اللحیانی یقال : وُحِد فلان یُوحَد أی بقی وحْدَه ، ویقال أوحد الله جانبه أی بَقی وَحْدَهُ ، ویقالُ أَوْحَدَنِی فلانٌ للأعداء. قال وَوحِد فلان ووَحُد وفَرُد وفَرِد فَقِهَ وفَقُهَ وسَفُه وسَفِهَ وسَقُمَ وسَقِم وفَرُع وفَرِع وحَرُص وحَرِص.

وقال اللَّیْثُ الوَحْدُ فی کل شیء مَنْصُوب لأنه جری مَجْری المصدر خارجاً من الوصف لیس بنعْتٍ فیتبعَ الاسم ولا بخبر فیقصدَ إلیه فکان النصبُ أولَی به إلا أن العرب قد أضافَتْ إلیه فقالت هو نَسِیجُ وَحْده وهما نَسِیجَا وحْدِهِما ، وهم نُسجَاء وَحْدِهم ، وهی نسیجَه وَحْدِها ، وهنّ نسائج وحْدِهِنّ ؛ وهو الرجل المُصیب الرأی. قال وکذلک قَرِیعُ وحْدِه وکذلک صَرْفه وهو الذی لا یُقَارعه فی الفَضْلِ أحَدُ.

قال أبو بکر بن الأنباری وحْدَهُ منصوب فی جمیع کلام العرب إلا فی ثلاثهِ مواضع : یقال لا إله إلّا الله وحدَه ومررت بزید وحْدَه وبالقوم وحْدَهم. قال وفی نصب وحْدَه ثلاثه أقوال قال جماعهٌ من البصریین هو مَنْصُوبٌ علی الحال. وقال یونُس «وحدَهُ» هو بمنزله عِنْدَهُ. وقال هشام : وحدَهُ هو منصوب علی المصْدَر. وحکی وَحَدَ یَحِد ، صَدَّرَ وحْدَه عن هذا الفعل. قال هشام والفراء : نَسِیجُ وحْدِه وعُیَیْر وحْدِه ووَاحِد أُمِّه نکرات. الدلیل علی هذا تقول ربّ نسیج وحْدِه قد رأیتُ ، وربّ وَاحِدِ أمّه قد أسرْت وقال حاتم :

ص: 128

أماوِیَّ إنی رُبّ واحِدِ أُمِّه

أخَذْتُ ولا قتلٌ علیه ولا أَسْرُ

وقال أبو عبید فی قول عائشه ووصفِها عُمَرَ : کان والله أحْوَزِیاً نسیجَ وحْدِه تعنی أنه لیس شِبْهٌ فی رأیه وجمیع أَمْرِه وأنشد :

جاءت به مُعْتَجِراً بِبُرده

سفواءُ تَخْدِی بنسیج وحْدِه

قال : والعرب تَنْصِبُ وحْدَه فی الکلام کلِّه ، ولا ترفعه ولا تَخْفِضُه إلّا فی ثلاثه أحرف نسیج وحْدِه وعییر وحده وجُحَیْشُ وحْدِه. قال وقال البصریون : إنّما نصبوا وحدَه علی مذهب المصدر أی توحَّد وحده وقال أصحابُنَا : إنّما النصب علی مَذْهَبِ الصّفه.

قال أبو عبید : وقد یدخل فیه الأمران جمیعاً. وقال شمر أمَّا نسیج وحده فمحمودٌ وأما جُحیش وحْدِه وعُیَیْر وحده فموضوعان مَوْضِعَ الذَّمّ وهما اللذان لا یشاوران أحداً ، ولا یُخَالِطَانِ النَّاس ، وهما مَعَ ذلک ذوا مَهانَهٍ وضَعْفٍ. وقال غیره : مَعْنَی قَوْلِهم : هو نَسیجُ وحْدِه أی لا ثانِیَ له ، وأصْلُه الثوْبُ الّذی لا یُسْدَی علی سَدَاه غیرُه من الثیاب لدقّته.

ویقال فی جمع الوَاحِد أُحْدَانٌ والأصل وُحْدان فقلبت الواو همزه لانضمامها.

ثعلب عن ابن الأعرابی یقال : نسیج وحده وعُییر وحدِه ورجُلُ وحْدِه ، ویقال جلس علی وَحْدِه وجلس وَحْدَهُ ، وجلسا علی وَحْدِهما ، وقمت من علی الوساده.

ابن السکیت تقول هذا رَجُل لا واحِدَ له کما تقول هو نسیجُ وحْدِه ، والوحِیدَان ماءان فی بلاد قَیْسٍ مَعْرُوفَانِ. وآلُ الوَحِیدِ حَیٌّ من بَنِی عامِرٍ.

وقال أبو زید : یقال اقتضیْتُ کلّ درهم علی وَحْدِه وعلی حِدَتِه وتقول فعل ذلک من ذات حِدَته ، ومن ذات نَفْسِه ، ومن ذَاتِ رَأْیه ، وعلی ذات حدته ومن ذی حِدَته بمعنی واحد.

وقال اللیث : الْحَتْوُ کفُّک هُدْبَ الکساءِ مُلْزَقاً به ، تقول حَتَوْتُه أَحْتُوهُ حَتْواً وفی لغه حتأته حتأ.

أبو عبید عن أبی عمرو : أحتأتُ الثَّوْبَ إذا فتلْتَه فَتْلَ الأکْسِیَه.

ثعلب عن ابن الأَعرابی حَتَیْتُ الثوب وأحْتیته حتأته إذا خطته.

وأخبرنی الإیادی عن شمر قال : حاشیهُ الثوب طُرَّتُه مع الطول وصِنْفَتُه ناحیته التی تلی الهُدْبَ.

یقال أحْتِ صِنْفَه هذا الکساءِ ، وهو أن یُفْتَل کما یفتل الکساءُ القُومَسِیّ.

قال : والْحَتیُ : الفتل.

أبو عمرو : حتأتُ المرأهَ حَتْأً وخَجَأتُها إذا نکحتَها.

قال : وحَتَأْتُه حتْأ إذا ضربتَه ، وهو الحُتُوءُ بالهمز.

وقال اللیث : الحَتِیُ سَوِیقُ المقلِ.

وفی «النوادر» الحتی : الدمن ، والحتیُ فی الغزل والحتیّ ثُفْل التَّمْر وقشوره.

قال ابن الأعرابی : الحاتی : الکثیر الشراب.

أتیح لها أُقَیْدِرُ ذو حَشیفٍ

إذا سامت علی المَلَقَاتِ ساما

أی قُدِّر لها. وقال اللیث : رجل مِتْیَحٌ لا یزال یقع فی بلیَّه. وقلبٌ مِتْیَحٌ. وأنشد للطرماح :

أفی أَثَر الأظْعَانِ عینُک تلمح

نعم لَات هَنّا إنّ قلبک مِتْیَحُ

وروی أبو عبید عن أبی عبیده قال : یقال رجل مِعَنٌ مِتْیَحٌ وهو الذی یعرض فی کل شیء ویدخل فیما لا یعنیه. قال : وهو تفسیر قولهم بالفارسیّه اندروبست.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال المِتْیَحُ والنِّفِّیحُ والمنفح بالحاء الداخل مع القوم لیس شأنُه شأنَهُم.

وقال أبو الهیثم : التَّیِّحان والتَّیَّحان الطویل وقال غیره رجل تیّحان یتعرض لکل مکرمه وأمر سدید وقال العجاج :

لقد مُنُوا بِتَیِّحَانٍ ساطی

وقال الآخر :

أُقَوِّمُ دَرْءَ خَصْمٍ تَیِّحَانٍ

وفَرَس تَیِّحَانٌ شدیدُ الجَرْی ، وکذلک فرس تَیَّاحٌ أی جواد ، ویقال : تاح لِفلان کذا وکذا أی تَقَدّر ومنه قول الأغلب :

تَاحَ لها بعدَک حِنْزَابٌ وَأَی

وقال الأصمعیّ : الحیُّوتُ : الذکر من الحیّات قلت : والتاء فی الحیّوت زائده لأن أصله الحیَّه.

وتکبیرها حُظْوَه ، وهی التی لا نَصْل لها من المرامی ، وقال الکمیت.

أراهطَ امریء القیس اعْبَئُوا حَظَوَاتکم

لحیّ سوانا قَبْل قاصمه الصُّلْبِ

ثعلب عن ابن الأعرابیّ قال : الحَظَا القمل ، واحدتها حَظَاهٌ. ومن أمثالهم : إلّا حَظِیَّه فلا أَلِیّه ، وهی من أمْثال النساء ، تقول إن لم أحْظَ عند زَوجی فلا أَلُو فیما یُحْظِینی عنده بانتهائی إلی ما یهواه. ویقال هی الحِظوه والحِظَهُ.

وقال الراجز :

هل هی إلا حِظَهٌ أو تطلیقْ

أو صلف من دُون ذاک تعلیقْ

والحَظْوَهُ من المرامی ما لا قُذَذَ له وجمعها حَظَوات.

علی أفواهِها فقد شبِعت منه ما شاءت ، وهو أن یکون حَذْوَ أفواهِها لا یجاوزها.

وقال أبو تراب : حَذَوْتُ التُّرَابَ فی وجوههم وحثَوْته ، بمعنی واحد.

قال : وفی حدیث النبی صلی الله علیه وسلم : أنه أَبَدَّ یدَه علی الأرض عند انکشاف المسلمین یوم حُنَیْن فأخَذَ منها قبضهً من تراب فَحَذَا بها فی وجوههم ، فما زال حَدُّهم کلیلاً ، أی حثا.

وقال اللحیانیّ : أحذیت الرجل طعنهً ، أی : طعنته وأحذاه نعلاً أی وهبها له. وحَذَا الجلدَ یحذُوه إذا قَوَّره. وإذا قلت : حَذَی الجلدَ یَحْذِیهِ ، فمعناه : أَنَّهُ جرحه جَرْحاً ، وحذَی أُذُنَه یَحْذِیها إذا قطعَ منها شیئاً.

ویقال : اجلس حِذَهَ فلان أی : بِحِذَائِه. ویقال أخَذَها بین الحُذْیَه والخُلْسه أی بین الهبَه والاستِلاب ، ودابَّهٌ حسن الحِذَاءِ : أی حسن القَدّ.

ابن السکیت : أحذیْتُه من الغنیمهِ أُحْذِیه إذا أعطیتَه والاسم الحذِیّهُ والحِذوهُ والحُذْیا. وحذَیْتُ یدَه بالسکین.

وهذا شرابٌ یحذِی اللسانَ ، وقد حذْوتُ النعْلَ بالنعلِ إذا قدَّرْتَها علیها. ومنه قولهم : حذو القُذّه بالقُذّه. والمِحذی : الشفرهُ التی یُحْذَی بها.

ویقال : أحوذ الصانع القِدْح إذا أخَفَّه ومن هذا أخذ الأحوذی المنکمش الحاد الخفیف فی أموره.

وقال لبید :

فَهْو کَقِدْحِ المَنِیحِ أَحْوَذَهُ الصَّا

نِعُ یَنْفِی عن مَتْنِهِ القُوَبَا

وقال أَبو إسحاق فی قوله : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَیْکُمْ) [النِّساء : 141] معناه ألم نستوْلِ علیکم بالمُوالاه لکم. قال : وحاذَ الحِمَارُ أُتُنَهُ إذا استولی علیها وجمعها ، وکذلک حازها.

وقال العجّاج :

یَحُوذُهُنَ وله حُوذِی

قال وقال النحویون : استَحْوَذَ خرج علی أصله ، فمن قال حَاذَ یَحوذُ ، لم یقل إلا استَحاذ ، ومن قال أحْوَذ فأخرجه علی الأصل قال استَحْوَذَ.

وقال أبو عبید قال الأصمعی : الحاذُ : شجر ، والواحده حَاذَهٌ من شجر الجَنَبَه ؛ وأنشد :

ذَوَاتِ أُمْطِیٍّ وذَاتَ الْحَاذِ

والأُمْطِیُ شجره لها صَمْغٌ یمضغُه صبیان الأعراب ونساؤهم ، وقیل الحاذَهُ شجره یألفها بَقَرُ الوحش.

قال ابن مقبل :

وَهُنَّ جُنوحٌ لذی حاذَهٍ

ضَوَارِبَ غِزْلانُها بالْجُرنْ

وأخبرنی المنذریُّ عن الریاشیِّ قال :

الحاذُ : الذی یقع علیه الذَّنَبُ من الفخذین من ذَا الجانبِ وذَا الجانبِ ، وأنشد :

وتَلُفُ حَاذَیْهَا بذِی خُصَلٍ

عَقِمَتْ فَنِعْمَ بُنَیَّهُ العُقْمِ

وقال أبو زید العرب تقول : أنْفَعُ اللَّبَنِ ما وَلِی حَاذیَ النَّاقه ، أَی ساعهَ یُحْلَبُ من غیر أن یکونَ رَضَعها حُوَارٌ قبل ذلک. قال : والحاذُ ما وقع علیه الذَّنب من أَدْبارِ الفخذین. قال : وجمع الحاذِ أَحْواذٌ. وفلان خفیف الحاذِ ، أی : خفیفُ الحالِ من المالِ وأصل الحاذِ طریقه المتْنِ.

وفی الحدیث «لیأتینّ علی الناس زمانٌ یُغْبَطُ الرجلُ فیه بِخفَّه الحاذِ کما یُغْبَطُ الیوم أبو العشره».

وقال شمر : یقال کیف حالُکَ وحاذُکَ؟ وفی حدیث آخر : «المُؤْمِن خفیفُ الحاذِ».

وأنشد :

خَفِیفُ الحَاذِ نَسَّالُ الفَیَافی

وعَبْدٌ لَلصَّحَابَهِ غَیْرُ عبد

وقال : الحالُ والحاذُ : ما وقع علیه اللّبد من ظهر الفرس. وضربَ النبئُّ صلی الله علیه وسلم فی قوله : «المؤمنُ خفیفُ الحاذِ» : قِلَّهُ اللَّحْمِ مثلاً لقلّه ماله وقلّه عیاله ، کما یقال : هو خفیف الظّهر ، ورجل خفیف الحاذِ أی قلیلُ المال.

ومنه قوله :

علی حقِّنا فی کلِّ یومٍ تذَوَّحُ

أبو عبید عن أبی زید : الذوْح : السیر العنیف. وذُحْتُها أَذُوحها ذَوْحاً.

قال أبو حاتم : واعلم أن حیثُ وحینَ ظرفان ، فحینَ ظرفٌ من الزمان ، وحیثُ ظرفٌ من المکانِ ، ولکل واحدٍ منهما حدٌ لا یجاوزُه. والأکثر من الناس جعلوهما معاً حَیْثُ ، والصواب أن تقول : رأیتک حیثُ کنت ، أی الموضِع الذی کنتَ فیه ، واذهب حیثُ شئتَ ، أی إلی أیّ موضع شئت.

وقال الله جل وعز : (فَکُلا مِنْ حَیْثُ شِئْتُما) [الأعرَاف : 19].

ویقال : رأیتک حین خَرَجَ الحاجُّ أی فی ذلکَ الوقت ، فهذا ظرفٌ من الزمانِ ، ولا یَجُوزُ حیثُ خرجَ الحاجُّ ، وتقول : ائْتِنِی حینَ یقدم الحاجُّ ، ولا یجوز حیثُ یقدم الحاجُّ ، وقد صیَّر الناسُ هذا کلَّه حیثُ ، فلیتعهد الرجلُ کلامَه ، فإذا کان موضعٌ یحسُن فیه أَیْنَ وأیُّ موضعٍ فهو حیثُ ؛ لأن أین معناه حَیْثُ. وقولهم حیثُ کانُوا وأین کانوا ، معناهما واحد ، ولکنْ أجازوا الجمعَ بینهما ، لاختلاف اللّفظین.

واعلم أنه یحسن فی موضع حینَ لَمّا وإذْ وإذَا ووقت ویوم وساعه ومتَی. تقول رأیتک لمّا جئتَ وحینَ جئتَ وإذْ جئت ، ویقال : سأعطیک إذَا جئت ومتی جئت.

وقال ابن کَیْسَانَ حیث حرف مبنی علی الضَّمِّ وما بعدَهُ صِلهٌ له یرتفع الاسم بعدَه علی الابتداء ، کقولک قمتُ حیثُ زیدٌ قائمٌ ، والکوفیّون یجیزون حذفَ قائمٌ ویرفعون زیداً بحیث ، وهو صِلَهٌ لها ، فإذا أظهروا قائماً بعد زید أجازوا فیه الوجهین ، الرفعَ والنصبَ ، فیرفعون الاسمَ أیْضاً ولیس بصله لها وینصبون خبره ویرفعونه فیقولون : قامت مقام صِفَتَیْنِ ، والمعْنی زید فی موضِع فیه عمروٌ ، فعمرو مرتفع بفیه وهو صلهٌ للموضع ، وزید مرتفع بفی الأولی وهی خبر ، ولیست بصله لشیء ، قال : وأهل البصره یقولون حیث مضافهٌ إلی جمله فلذلک لم تخفِضْ ، وقد أنشد الفرّاء بیتاً أجاز فیه الخفض :

أما تری حیثُ سُهَیْلٍ طالعا

فلمّا أضافَها فتحها کما یفعَل بِعنْدَ وخَلْفَ. ثعلب عن ابن الأعرابیّ : یقال : ترکتهم حَاثِ باثِ : إذا تفرقوا. قال : ومثلهما من مُزْدَوِج الکلام خَاقِ بَاقِ ، وهو صوتُ حرکهِ أبی عُمیر فی زَرْنَب الفَلْهم قَال وخَاشِ مَاشِ قُماشُ البیت ، وخَازِ بَازِ ورَمٌ ، وهو أیضاً صَوْتُ الذُّبَاب. وقال ابن الأعرابی الحاثِیَاء تُرابٌ یُخْرجه الیَرْبُوع من نافِقَائِه بُنی علی فَاعِلاء.

ویُظْهَرُ له الإهانه. وقال الفراء أحثیت الأرض وأبْثَیْتُهَا فهی مُحْثَاهٌ وَمُبْثَاهٌ. وقال غیره أحَثْتُ الأرْضَ وأبَثْتُهَا فهی مُحَاثَهٌ ومُبَاثَهٌ ، والإحاثه والاستحاثَهُ والإباثه والاستباثه واحد وقال اللحیانی : ترکته حاثَ باثَ وحیثَ بیثَ وحوثاً بوثاً ، إذا ترکته مختَلِطَ الأمر. فأمَّا حاثِ باثِ فإنه خَرَج مَخْرَج حَزَامِ وقطامِ ، وأما حیثَ بیثَ فإنه خَرَج مَخْرَجَ حیصَ بیصَ.

وأخبرنی المنذری عن ثعلب عن سلمه عن الفراء قال ترکته حیثٍ بِیثٍ وحاثٍ باثٍ وحوثاً بوثاً إذا أذْلَلْتَه ودققته وترکت الأرض حاثِ باثِ إذا دقَّتْها الخیلُ وقد أحاثَتْها الخیل. وأَحَثْتُ الأرض وأبَثْتُهَا. وقال الفراء یقال ترکت البلاد حوْثاً بوْثاً وحاثِ باثِ وحیْثَ بَیْثَ لا یجریان إذا دقّقوها.

فمن قال حریً لم یُثَنِّ ولم یجمع ، ومن قال حَرٍ ثنّی وجَمع. وقال غیره : هو حرِیٌ بذاک علی فعیلٍ ، وهما حَرِیّان ، وهم أَحْرِیاءُ بذاک. ویقال : أَحْرِ بِهِ وما أَحْراهُ بذلک ، کقولک : ما أَخْلَقَه.

وقال الشاعر :

فإِنْ کنتَ تُوعِدُنا بالهِجَاءِ

فَأَحْرِ بِمَنْ رَامَنا أن یَخِیبَا

وقال اللیث : حِرَاءُ : جبل بمکه معروفٌ.

وقال غیره هو یتحرَّی الصوابَ أی یتوخّاه. والتحرّی قصْدُ الأَوْلی والأحَقّ ، مأخوذ من الحَرَی ، وهو الخلیق ، والمتوخِّی مثلُه.

أبو عبید عن أبی زید : الحَرَاهُ والوَحَاهُ والخوَاتُ الصَّوْتُ ویقال إنه لَمحْرَاهٌ أن یفعلَ ذاک ، کقولک مَخْلَقَهٌ ومَقْمَنَه.

شمر عن ابن الأعرابیّ : الرَّحا من الأرض مکانٌ مستدیرٌ غلیظ یکون بین رِمَالٍ.

قال ابن شمیل : الرَّحَا : القَارهُ الضخمهُ الغلیظهُ ، وإنما رَحَّاها استدارتُها وغِلَظُها وإشرافُها علی ما حولها ، وأنها أَکَمَهٌ مستدیره مشرفهٌ ، ولا تنقادُ علی وجهِ الأرض ولا تُنْبِتُ بَقْلاً ولا شجراً.

وقال الکمیت :

إذا ما القُفُّ ذو الرّحَبَیْنِ أَبْدَی

مَحَاسِنَه وأفْرَخَتِ الوُکُورُ

قال : والرحا الحجارهُ والصخْرهُ العظیمه.

وقال اللیث : الرَّحَا نَبَاتٌ تسمیه الفُرْسُ اسبانِخَ. غیره : تَرَحَّت الحیَّهُ إذا تلوَّتْ واستدَارَتْ ، فهی مترحِّیَهٌ.

وقال رؤبه :

یا حَیَّ لا أفْرَقُ أَنْ تَفِحِّی

أَوْ أَنْ تَرَحَّیْ کَرَحا المُرَحِّی

والمرحِّی : الذی یُسَوّی الرَّحَا. قال : وفحیحُ الحیَّه بِفِیهِ ، وحفِیفُه من جَرْشِ بعضِه ببَعْضٍ إذا مَشَی فَتسمعُ له صوتاً.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ رَحَا القومِ سیدهم الذی یَصْدُرُون عن رَأْیه وینتهون إلَی أمره ، وکان یقال لعمر بن الخطاب رحا دَارَهِ العرب. قال : ویقال رَحَاهُ إذا عظّمه وحَرَاه إذا أضافه.

وقال اللیث : یوم رَیْحٌ طیّب ویوم رَاحٌ ذو رِیحٍ شدیده ، قال : وهو کقولک کبش صافٌ ، والأصل یوم رائح وکبش صائف فقلبوا ، وکما خفّفوا الحائجه فقالوا : حاجهٌ ، ویقال قالوا صافٌ وراحٌ علی صَوفٍ وروحٍ فلما خففوا استنامت الفتحه قبلها فصارت ألفاً.

الأصمعیّ وأبو زید یومٌ ریِّحٌ طیب ، ولیله ریِّحَهٌ. وقال أبو زید : وحده ، وکذلک یومٌ رَوْحٌ ولیله رَوْحَهٌ. قال : ویوم رَاحٌ إذا اشتدّت رِیحُه ، ولیلهٌ راحهٌ.

وقال اللیث : الرَّاحَهُ وِجْدَانُکَ رَوْحاً بعد مَشَقَّهٍ ، تقول أَرِحْنی إرَاحَهً فَأَسْتَرِیحَ. وقال غیرُه : أَرَاحَهُ إِرَاحَهً وَرَاحَهً ، فالإراحهُ المصدرُ والرَّاحَهُ الاسم ، کقولک أطعْتُه إطاعه وطاعهً ، وأَعَرتُه إعارهً وعارهً.

وقال النبیّ صلی الله علیه وسلم لبلال مؤذِّنه : «أَرِحْنَا بها» أی أذِّنْ للصلاه فنستریحَ بأدائها من اشتغال قلوبنا بها.

قال شمر : یقال راح یومُنَا یَرَاحُ رِیحاً : إذا اشتدّت رِیحُه ، وهو یوم رَاحٌ ، وراح یومُنَا یَرَاحُ رَوْحاً إذا طابت رِیحه ، ویوم رَیِّحٌ وقال جریر :

محا طُلَلاً بین المُنیفَهِ والنَّقا

صَباً رَاحَهٌ أو ذو حَبِیَّیْنِ رَائِحُ

وقال الفرّاء : مکان راحٌ ویوم رَاحٌ.

ویقال : افتح البیت حتی یَراحَ البیت أی حتی تدخله الریح والروْح. وقال یونس : افتح الباب یَرَح البیتُ. وغصن رَاحٌ وشجر رَاحَهٌ یصیبها الریح وقال :

کأنَّ عیْنِی والفِرَاقُ مَحْذُورْ

غُصْنٌ من الطَّرْفَاءِ راحٌ مَمْطُورْ

ویقال : ریحت الشجرهُ وهی مَرُوحَهٌ.

وقال الفرّاء : شجرهٌ مَرُوحَهٌ إذا هبّت بها الرّیح وأَروحَنِی الصیدُ إذا وجد ریحَک مَرُوحَهٌ کانت فی الأصل مَرْیُوحه.

وقال اللیث : التَّرْوِیحَهُ فی شهر رمضانَ ، سمِّیت ترویحهً لاستراحه القوم بعد کلِّ أربع رکعات قال : والرَّاحُ : جمع راحَهِ الکفّ. وقال أبو الدُّقَیْشِ : عمَد مِنَّا رَجُلٌ إلی قِرْبهٍ فملأها من رُوحه أی من رِیحه ونَفَسه.

وتروُّح الشجرِ تَضوره وخروج ورقه إذا أَوْرَق النَّبْتُ فی استقبال الشتاءِ. ثعلب عن ابن الأعرابیّ : أراحَ الرجلُ إذا استراح بعد التّعب. وأنشد

یُرِیحُ بعد النَّفَسِ المَحْفُوزِ

إِرَاحَهَ الجِدَایَهِ النَّفُوزِ

أی : تستریح. قال : وأَراح : إذا مات وأَراح : دخل فی الرّیح ، وأَرَاحَ : إذا وَجَدَ نسیم الرّیح. وأراح : إذا دخل فی الرَّواح ، وأراح : إذا نزل عن بعیرٍ لیُرِیحه ، ویخفِّف عنه. أبو عبید عن الأصمعیّ : أَرَاحَ القَوْمُ : دخلوا فی الرّیح. قال : ویقال للمیت إذا قضی : قَدْ أَراح. وقال العجاج :

أَرَاحَ بعدَ الغَمِّ والتَّغَمْغُمِ

ویقال : أَراحَ الرجلَ : إذا رجَعَتْ إلیه نَفْسُه بعد الإعیاء. وکذلک الدابَّه ، وأراح الصیدُ واسترْوَح إذا وجدَ رِیحَ الإنسان. ویقال :

ص: 140

أَرَحْتُ علی الرجل حَقَّه : إذا ردَدْتَه علیه.

وقال اللیث : الإراحه : ردُّ الإبل بالعَشِیّ إلی مُراحِها حیث تأوِی إلیه لیلاً. وقد أراحها راعیها یُریحها. وفی لغه هَراحها یُهَرِیحها.

وقال الأصمعی : أَرَاح اللحْم وأَرْوَح إذا تغیّر وأَنْتَنَ. وأصبح بعیرک مُریحاً أی مُفِیقاً ، وأنشد ابن السکیت :

أراح بعد النَّفَسِ المَحْفُوزِ

إراحَهَ الجِدایَهِ النَّفُوزِ

یوم راحٌ ولیله رَاحَهٌ وقد راحَ وهو یَرُوح رَوْحاً وبعضهُم یَرَاحُ ، فإذا کان الیومُ رَیْحاً طیّباً قبل یَوْمٌ رَیّحٌ ولیله ریِّحهٌ ، وقد رَاحَ وهو یَروحُ رَوْحاً. قال : ورَاحَ فلانٌ یَرُوح رَوَاحاً من ذهابِه أَوْ سیْرِه بالعشیّ ، وراح الشجرُ یَرَاحُ إِذا تَفَطَّر بالنَّبَاتِ. ورَاحَ رِیحَ الروضه یَرَاحُها. وإنّ یدیه لتَرَاحَانِ بالمعروف. ورَاحَ فُلانٌ فهو یَرَاحُ رَاحماً ورُؤُوحماً. وارْتاح ارْتِیَاحاً إذا أَشْرَف لذلک وفَرِحَ به. ویقال أصابَتْنَا رائحهٌ أی سماءٌ ، وراحهُ البْیتِ ساحتُه وراحهُ الثَّوْبِ طَیُّه. والرَّوَاحَهُ القطیعُ من الغنم وأَرِحْ علیه حَقّه أی رُدَّه.

وروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال «من قتل نفْساً مُعَاهَده لم یَرِحْ رائحه الجنّه». قال أبو عبید : قال أبو عمرو هو من رِحْت الشیء أَرِیحُه إذا وجدتَ ریحه. قال وقال الکسائیّ : إنما هو لم یُرِح رائحهَ الجنّه من أَرْحتُ الشیءَ فأنا أُریحُه إذا وجدتَ ریحه. وقال الأصمعیُّ : راحَ الرجلُ ریحَ الرَّوْضَهِ یَرَاحُها ، وأَرَاح یُرِیحُ : إذا وَجَدَ ریحها. قال : ولا أدری هو من رِحْت أم من أَرَحْت. وقال أبو عبید : أُرَاه لم یَرَح ، بالفتح وأنشد قول الهذلیّ :

وماءٍ وَرَدْتُ علی زَوْرَهٍ

کَمَشْیِ السَّبَنْتَی یَرَاحُ الشَّفِیفَا

وقال أبو زید : أرْوَحنی الصیدُ والضَّبُ إرواحاً وأنشأنی إنشاءً إذا وَجَدَ رِیحک ونشْوَتک. وکذلک أَرْوَحتْ من فلان طیباً وأنْشَیْتَ منه نَشوه. وقال أبو زید : راحَت الإبل تَرَاحُ رَاحَهً ، وأرحْتُها أَنَا ، ورَاحَ الفرسُ یَرَاحُ رَاحَهً إِذا تحصّن. قلت : قوله تَراحُ رائحهً مصدرٌ علی فاعِله. وسمعتُ العرَبَ تقول : سمعت راغِیهَ الإبل وثَاغِیهَ الشاه أی سمعت رُغَاءَها وثُغَاءَها. ویقال : راحَ یومُنَا یَرَاحُ إذا اشتدت ریحُه. وقال الأصمعیّ : یقال : فلان یَرَاحُ للمعروفِ : إذا أخذتْه أریحیَّهٌ وخِفَّهٌ وقد رِیح الغدیر إذا أصابته ریحٌ فهو مَرُوحٌ. وراحت یدُه بالسَّیْفِ أی خفت إلی الضرب به وقال الهذلی :

تَرَاحُ یَدَاهُ بِمَحْشُورَهٍ

خَواظِی القِدَاح عِجَافِ النِّصَالِ

وقال اللیث : رَاحَ الإنسانُ إلی الشیءِ یَرَاحُ إذا نشِط وسُرَّ به ، وکذلک ارْتَاح ، وأنشد :

وزَعَمْتَ أنّکَ لا تَرَاحُ إلی النِّسا

وسَمِعْتَ قِیلَ الکاشِحِ المُتَرَدِّدِ

قال : ونَزَلَتْ بفلانٍ بَلِیَّهٌ فارتاح الله لَه برحْمته وأنْقَذَهُ منها. وقال رؤبه :

ص: 141

فارْتَاحَ ربِّی وأراد رَحْمَتِی

ونِعْمَهً أتَمَّهَا فتَمَّتِ

وتفسیر ارتاح أی نظر إلیّ ورحمنی. قلت وقول رؤبه فی فعل الخالق جل وعز ارتاح قاله بأَعْرَابِیَّتِه ونحن نستوحش مِنْ مِثْلِ هذا اللفظ فی صفته لأن الله جلّ وعزّ إنما یُوصف بما وصَفَ به نَفْسه ، ولولا أن اللهَ هدانا بفضله لتحمیده وحَمْدِه بِصِفاته التی أنْزَلَ فی کتابِه ما کنّا لِنَهْتَدِی لها أو نَجْتَرِئَ عَلَیْهَا.

وقال اللیث : الأریحیُ الرجل الواسع الخُلُق البسیط إلی المعروف یَرْتَاح لما طلبْتَ إلیه ویراحُ قلبُه سروراً به.

وقال أبو عُبید : الأریحیُ الذی یرتاح للنَّدی.

وقال اللیث : یقال لکل شیء واسع أَرْیَحُ وأنشد :

ومَحْمِلٌ أَرْیَحٌ حَجَّاجِیّ

قال : وبعضهم مَحمل أَرْوَحُ ، ولو کان کذلک لکان قَدْ ذَمَّه لأن الرَّوَحَ الانْبِطَاحُ وهو عیْبٌ فی المحْمِل.

قال والأرْیَحیُ : مأخوذٌ من رَاح یَرَاح ، کما یقال للصَّلْت المُنْصَلِت أَصْلَتیُّ وللمجتنب أَجْنَبِیُّ.

قال : والعرب تحمِلُ کثیراً من النعت علی أَفْعَلِیّ فیصیر کأنّه نسبهٌ.

قلت أنا : کلام العرب رجل أَجْنَبُ وجَانِبٌ وجُنُبٌ ، ولا تکاد تقول رجل أَجْنَبِیُّ.

وقال اللیث وغیره : الرَّاحُ : الخمْرُ ، اسمٌ له وقول الهذلیّ :

فَلَوْتُ عنه سُیوفَ أَرْیَحَ حَتی

بَاءَ کَفِّی ولم أَکَدْ أَجِدُ

أَرْیَحُ حتیٌّ من الیمن ، باء کفی صارَ کفی له مَبَاءَهً أی مَرْجِعاً ، وکفّی موضع نصب لم أکد أجد لعزّته.

قال : الاسترواح : التشمر ، قال : والغصن یسترْوِح إذا اهْتَزَّ ، والمطر یسترْوح الشجرَ أی : یُحْیِیه.

قال : والرِّیَاحَهُ أن یَرَاحَ الإنسانُ إلی الشیء یَنْشَطُ إِلیه.

وقال الفرّاء فی قوله (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّیْحانُ 12) [الرَّحمن : 12] ، الریحان فی کلام العرب الرِّزْقُ ، یقولون خرجْنَا نطلب رَیْحانَ اللهِ ، أی رِزْقَه.

وقال أبو إسحاق فی قوله : (ذُو الْعَصْفِ وَالرَّیْحانُ) ذو الوَرقِ ، والرزقُ ، والعرب تقول سبحانَ اللهِ ورَیْحَانُه. قال أهْلُ اللُّغَهِ : معناه واستِرْزَاقُه.

قال النمر بن تولب :

سَلَامُ الإِلهِ ورَیْحَانُهُ

ورَحْمَتُه وسَمَاءٌ دِرَد

قالوا معنی قوله : وریحانهُ ورزْقُه. قال أبو عبیده وغیرُه قال وقیل الرَّیحانُ ههنا هو الرَّیْحَانُ الذی یُشَمُّ. قال وقوله : (فَرَوْحٌ وَرَیْحانٌ)

[الواقِعَه : 89] معناه فاستِراحَهٌ وبَرْدٌ وریحان رِزْقٌ. قال : وجائز أن یکون رَیْحَانٌ ههنا تحیهً لأهْلِ الجنَّه قال : وأجمع النحویّون أن ریحان فی اللغه من

ص: 142

ذوات الواو ، والأصل رَیْوَحَان فقلبت الواوُ یاءً وأدغمتْ فیها الیاءُ الأولی فصارت الرّیحان ، ثم خفّفت ، کما قالوا میِّت ومیْت ، ولا یجوز فی ریحان التشدیدُ إلا علی بُعد لأنّه قد زید فیه ألِف ونون ، فَخُفِّف بحذف الیاء وأُلْزِم التخفیفَ. وقال اللیث : الرَّیْحانُ : اسم جامعٌ للریاحِینِ الطیّبه الرِّیحِ. والطاقَهُ الواحِدَهُ رَیْحَانَهٌ ، قال : والرَّیْحَانُ : أطراف کل بقلهٍ طیّبهِ الرِّیح إذا خرج علیه أوائل النَّوْر. قال : والرَّوَاحُ : العَشِیُّ ، یقال : رُحْنَا رَوَاحاً : یعنی السیر بالعَشِیّ ، وسار القومُ رَوَاحاً ، ورَاحَ القوم کذلک. قال والرَّوَاح من لدن زَوالِ الشمْس إلی اللیل. یقال : رَاحُوا یَفْعلون کذا وکذا ، ویقال : ما لِفلانٍ فی هذا الأمر من رَوَاحٍ أی من رَاحته وقال الأصمعیّ : أفعل ذاک فی سَرَاحٍ وَرَواحٍ ، أی فی یُسْرٍ ، ووجدت لذلک الأمرِ رَاحهً أی خِفَّهً أبو عبید عن أصحابه : خرجوا برِیاح من العَشِیِّ بکسر الراء ، وَبِرَوَاحٍ من العشی وأَرْوَاح ، قال : وعشیَّهٌ رَاحَهٌ. قلت : وسمعت العرب تستعمل الرَّوَاح فی السیرِ کُلَّ وقْتٍ ، یقال رَاحَ القوْمُ إذا سارُوا وغَدَوْا کذلک. ویقول أحدُهم لصاحبه تَرَوَّحْ ویخاطب أصحابه فیقول رُوحُوا أی سیروا. ویقول لهم ألا تَرُوحُون ومِنْ ذلک ما جاء فی الأخبارِ الصحیحه عن النبی صلی الله علیه وسلم أَنه قال : «من رَاحَ یَوْمَ الجُمُعَهِ فی الساعه الأولی فله کَذَا ، ومن راح فی الساعهِ الثانیه» ، المعنی فیها : المُضِیُّ إلی الجمعهِ والخِفَّهُ إلیها لا بمعنی أَنها الرَّوَاحُ بالعَشِیّ. وإذا قالت العرب راحت النَّعَمُ رائحه فَرَوَاحُهَا ههنا أن تأْوِی بعد غیوب الشمس إلی مُرَاحها الذی تبیت فیه. وقال أبو زید سمعت رَجُلاً من قیس وآخَرَ من تمیم یقولان قَعدْنا فی الظّل نلتمس الرَّاحَه والرَّوِیحهَ والرائحهَ بمعنیً واحدِ. أبو عبید : إذا طال النبْتُ قیل تروّحت البُقول ، فهی مُتَروِّحهٌ. وقال اللیث : المَرَاحُ الموضع الذی یَرُوح مِنْه القوم أو یَرُوحُون إلیه کالمَغْدی قال وقول الأعشی :

ما تَعِیفُ الیومَ فی الطیرِ الرَّوَحْ

من غُرابِ البَیْن أَوْ تَیْسٍ بَرَحْ

قال أراد الرَّوْحه مثل الکَفْرَه والفَجْرَه فطرح الهاء قال : والرَّوَحُ فی هذا البیت المتفرِّقهُ.

قال : والمُرَاوَحه عملان فی عَمَلٍ ، یُعْمل ذا مَرّهً وذا مَرّهً ، کَقول لبید :

یُرَاوِحُ بینَ صَوْنٍ وابْتِذَالِ

قلت : ویقال فلان یُراوِحُ بین قَدَمَیْه إذا اعتمد مرّهً علی إحداهما ، ثم اعتمد علی الأخری مرّهً ، ویقال هما یتراوحان عملاً أی یتعاقَبَانِه ، ویَرْتَوِحان مثلَه.

وفی حدیث النَّبیِّ صلی الله علیه وسلم أَنَّه نهی أن یکتحل الرجلُ بالإثْمِد الْمُرَوَّح.

قال أبو عبید : المروَّح المطیَّب بالمسک وقال مروّح بالواو لأن الیاء فی الریح واو ، ومنه یقال تروّحْت بالمِرْوَحَهِ.

وقال الأصمعیّ : ذَرِیرَهٌ مُرَوَّحَهٌ أی مطیَّبَهٌ وَرَوِّح دُهنک بِشَیْءٍ فتجعل فیه طِیباً. ویقال

ص: 143

فلان بِمَرْوَحَهٍ أی بِمَمَرِّ الریح. والمِرْوحه بکسر المیم التی یُتَرَوَّح بها.

شمر عن ابن شمیل : الرَّاحه الأرض المستویه فیها ظهورٌ واستواءٌ تُنْبِتُ کثیراً ، جَلَدٌ من الأرض وفی أماکن منها سهولٌ أو جراثیمُ ، ولیست من السیل فی شیء ولا الوادی. وجمعها الرّاح ، کثیره النَّبْتِ.

أبو عبیده : یقال أتانا فلانٌ وما فی وجهه رائحه دَمٍ من الفَرَق ، وذو الرَّاحَه سیفٌ کان للمختار بن أبی عبید.

وقال ابن الأعرابیّ فی قوله : دَلَکَتْ بِرَاحٍ قال معناه أستریح منها ، وقال فی قول القائل :

مُعَاوِیَ مَنْ ذَا تَجْعَلُونَ مکانَنَا

إذا دَلَکَتْ شمسُ النَّهارِ بِرَاحِ

یقول إذا أظلم النّهار واستُریح من حرّها یعنی الشمسَ ، لما غشیها من غَبَره الحرب فکأنها غاربه کقوله :

تَبْدُ کَواکِبُه والشمسُ طَالِعهٌ

لا النُّورُ نُورٌ ولا الإِظْلَامُ إِظْلَامُ

وقیل : دَلکَتْ بِرَاحٍ أی غَرُبت ، والناظر إِلیها یَتَوَقَّی شُعاعَها براحَتِه.

وقال أبو بکر بن الأنباری الرُّوح والنَّفْس واحِدٌ ، غیرَ أن الرُّوح مذکَّر والنفْس مؤنثه عند العرب.

قلت : وقد أَلَّفْتُ فی الرُّوح وما جاء فیه فی القرآن والسنه کتاباً جامعاً واقتصرت فی هذا الکتاب علی ما جاء عن أهل اللُّغَهِ مع جوامعَ ذکرتُها للمفسّرین. فأمّا قول الله جلَّ وعزَّ : (وَیَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی) [الإسرَاء : 85] فإن المنذریَّ أخبرنا عن محمد بن موسی النَّهرتیری عن أبی مَعْمَرٍ عن عبد السلام بن حرب عن خُصَیْفٍ عن مُجاهد عن ابن عباس فی قوله : (وَیَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ) قال إن الروح قد نزل من القرآن بمنَازِلَ ولکن قولوا کما قال الله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلاً) [الإسرَاء : 85] ورُوِی عن النبی صلی الله علیه وسلم أن الیهود سأَلُوه عن الرُّوح فأنزل الله هذه الآیه.

وأخبرنی المنذری عن أبی طالب عن أبیه عن الفراء أنه قال فی قوله : (وَیَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی) قال من عِلْمِ ربّی أی أنکم لا تعلمونه.

قال الفراء : والرُّوحُ هو الذی یعیش به الإنسانُ لم یُخْبِر اللهُ به أَحداً من خلقه ، ولم یُعْطِ عِلْمَه العِبادَ.

قال : وقوله : (فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی) [الحِجر : 29] فهذا الذی نَفَخَه فی آدمَ وفینا لم یُعْطِ علمه أحداً من عباده.

قال : وسمعت أبا الهیثم یقول الرُّوحُ إنما هو النَّفَسُ الذی یتنفَّسُه الإنسان ، وهو جَارٍ فی جمیع الجسد فإذا خرج لم یتنفَّسْ بعد خروجه وإذا تَتَامَّ خُروجه بقی بصره شاخصاً نحوه حتی یُغَصَّ وهو بالفارسیه جان. قال : وقول الله جلَّ وعزَّ فی قصه مریم : (فَأَرْسَلْنا إِلَیْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِیًّا) [مریم : 17] قال : أضاف الرُّوحَ المُرْسَلَ إلی مَرْیم إِلی نفسه کما تقول : أَرْضُ اللهِ وسماؤُه.

ص: 144

قال : وهکَذا قوله لملائِکَتِهِ : (إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ* فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی) [ص : 71 ، 72] ومثله (وَکَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلی مَرْیَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) [النِّساء : 171] والرُّوحُ فی هذا کلِّه خَلْقٌ من خلْق الله لم یُعْطِ علمه أحداً.

وأخبرنی المنذریّ عن أبی العباس أحمد بن یحیی أنه قال فی قول الله جلَّ وعزَّ : (وَکَذلِکَ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشّوری : 52] قال : هو ما نَزَل به جبریل من الدّین فصار یُحْیِ به الناسَ ، یعیشُ به الناسُ. قال : وکلُّ ما کان فی القُرآن فَعَلْنَا فهو أَمْرُه بأعْوانه أَمَرَ به جبریلَ ومیکائیلَ وملائکتَه ، وما کان فعلْتُ فهو ما تفرَّد به. قال : وأمَّا قوله (وَأَیَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [البَقَرَه : 87] فهو جبریلُ علیه السلام.

وقول الله : (یَوْمَ یَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِکَهُ صَفًّا) [النّبَإ : 38] قال ابن عباس : الرُّوح مَلَکٌ فی السَّماء السابِعه وَجْهُه علی صُورَهِ الإنسان وجَسَدُهُ علی صُورَهِ الملائکه. وجاء فی التفسیر أن الرُّوحَ هَهُنا جِبْرِیلُ.

قال وقال ابن الأعرابیّ : الرُّوْح الفَرَحُ ، والرُّوح القرآنُ ، والرُّوح الأَمْر ، والرُّوح النفْس.

ویقال : هذا الأمر بیننا رَوْحٌ ورِوَحٌ وعَوَرٌ إذا تَرَاوَحُوه وتعاوَرُوه.

قال أبو العباس : وقوله جلَّ وعزَّ : (یُلْقِی الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلی مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [غَافر : 15] وقوله (یُنَزِّلُ الْمَلائِکَهَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) [النّحل : 2] هذا کله معناه الوحْیُ ، سُمِّی رُوحاً لأنه حیاهٌ مِنْ مَوْتِ الکُفْرِ فصار یَحْیَا به النَّاسُ کالرُّوح الذی یَحْیَا به جَسَدُ الإنسان. وقوله (فرُوح وریحان) [الواقِعه : 89] علی قراءه من قَرأَ بضَم الرّاء ، فتفسیرُه فحیاهٌ دائِمَهٌ لا موتَ مَعَها. ومن قال «فَرَوْحٌ» فمعناه فاستِرَاحَهٌ. وأمَّا قول الله جلَّ وعزَّ : (وَأَیَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) [المجَادله : 22] فمعناه بِرَحْمَهٍ منه ، کذلک قال المفسرون. وقد یکون الرَّوْح أیضاً بمعنی الرَّحْمَه قال الله جلَّ وعزَّ : (وَلا تَیْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) [یوسف : 87] أی من رحمه الله ، سمّاها رَوْحاً ؛ لأن الرَّوْح والرَّاحَهُ بها. قلت وکذلک قول الله جلَّ وعزَّ فی عیسی : (وَرُوحٌ مِنْهُ) [النِّساء : 171] أی رحمهٌ منه تبارک وتعالی.

والرُّوح فی کلام العَرب أیضاً النَّفْخُ ، سُمِّی رُوحاً لأنه یَخْرجُ من الروح ومنه قول ذی الرُّمَّه فی نارٍ اقْتدحها وأمر صاحباً له بالنفخ فیها ، فقال :

فقلتُ لَهُ ارْفَعْها إلیکَ وأَحْیِها

بِرُوحِکَ واجْعَله لها قِیتَهً قدْراً

أحْیِها برُوحک أی بِنَفْخِک. واجعله لها : الهاء للرُّوح لأنَّه مذکَّر فی قوله واجعله. والهاء التی فی قوله «لها» أی للنّار وهی مؤنَّثَه. وأمّا الرُّوحَانیُ من خلْق الله فإن أَبا داود المَصَاحفی رَوی عن النضر بن شمیل فی کتاب الحروف المفسَّره من غریب الحدیث أنه قال ، حدثنا عوف الأعرابیّ عن وَرْدان أبی خالد أنه قال : بلغَنَی أن الملائکهَ : منهم رَوحَانِیُّون ومنهم من خُلِقَ من النُّورِ.

ص: 145

قال : ومن الرُّوحَانِیّین جبریلُ ومیکائیلُ وإسرافیلُ.

قال أبو داود ، وقال النضر : الرُّوحانِیُّون أَرْوَاحٌ لیست لها أَجْسَامٌ ، هکذا یقال. قال : ولا یقال لشیءٍ من الخَلْقِ رُوحَانِیّ إلا للأَرْواح التی لا أجْسَادَ لها ، مثلُ الملائِکَهِ والْجِنِّ وما أشْبَهَهُما فأمّا ذَواتُ الأجسادِ فلا یقال لهم رُوحانیّون. قلت : وهذا القولُ فی الروحانیّین هو الصحیح المعتمد لا ما قاله ابن المظفَّر أن الروحانیّ الجسدُ الذی نُفِخَ فیه الرُّوح. وقال اللیث : الأَرْوَحُ الذی فی صدر قَدَمَیْه انبساط ، تقول رَوِحَ الرَّجُلُ یَرْوَحُ رَوَحاً وَرَوِحَتْ قدمُه فهی قدم رَوْحَاءُ قال وقصعَهٌ رَوْحَاءُ قریبه القَعْر وإناء أَرْوَحُ.

وأَحَرْتُ له جواباً ، وما أَحَارَ بکلمه ، والاسم من المحاوره الحَوِیرُ ، تقول : سمعتُ حَوِیرَهُما وحِوَارَهُما ، قال : والمَحْورَهُ من المُحَاوَرهِ کالمَشْوَرَه من المُشَاوره ، ومنه قول الشاعر :

بِحَاجَهِ ذی بَثٍّ ومَحْوَرَهٍ له

کَفَی رَجْعُها مِنْ قِصَّهِ المُتَکلِّمِ

وقال ابنُ هانیءٍ : یقال عند تأکید المَرْزِئه علیه بِقلّه النَّماء : ما یَحُورُ فلان وما یَبُور ، وذهب فلان فی الحَوَارِ والبَوَارِ ، منصوبَا الأوّلِ ، وذهب فی الحُور والبُور. أبو عبید عن الأصمعیّ کلمته فَمَا رَجَع إلیَ حِوَاراً وحَوَاراً وحَوِیراً ومَحُورَهً بضم الحاء بوزن مَشُورَه.

ابن السّکِّیت : فلان ما یعیش بِأَحْوَرِ أی ما یعیش بعقْل. قال هُدْبَه :

فما أَنْسِ مِ الأشْیاءِ لا أَنْس قَوْلَها

لجارَتِها ما إِنْ یَعِیشُ بأَحْوَرَا

وقال نُصَیْر : أَحْوَرُ الرجلِ قلبُه ، یقال ما یعیش فلان بأَحْوَر أی بقلب اسمٌ له.

قال ویقال إنّ الباطل لفی حَوْرٍ أی فی رجوع ونَقْصٍ. وقال شَمِرٌ : إنه لیسعی فی الحُور والبُور أی فی النقصان والفسادِ ؛ ورجل حائِرٌ بائِرٌ ، وقد حارَ وبارَ ، وهو یحور حُؤُوراً : إذا نقص ورجع وقال العجَّاج :

فی بِئْرِ لا حُورٍ سَرَی وما شَعَرْ

أراد حُؤُورٍ ، فخفّف الواو ، وهذا قول ابنِ الأعرابیّ. قلت : و (لا) صلهٌ فی قوله.

وقال الفرّاء : لا قائِمه فی هذا البیتِ صحیحهٌ ، أراد فی بئر ماء لا تُحِیرُ علیه شیئاً.

شمر عن ابن الأعرابیّ : فلان حَوْرٌ فی مَحَارَهٍ ، هکذا سمعتُه بفتح الحاء ، یُضْرَب مثلاً للشیءِ الذی لا یَصْلُح أو کان صالِحاً ففسد. قال : والمَحَاوَرَهُ المکان الذی یَحُور أو یُحَارُ فیه. قال : وَالحائِر الرّاجع من حالٍ کان علیها إلی حال کان دُونَها ، وَالبائِر الهالک. وَیقال حوَّرَ الله فلاناً أی خیّبه وَرَجَعه إلی النقص.

أبو عبید عن الأصمعیّ حوَّرْتُ الخبزهَ تَحْوِیراً إذا هَیَّأْتَها لتضعَها فی الملَّه. قال : وَحَوَّرْتُ عینَ الدابه إذا حَجَّرْتَ حولها بِکَیٍّ وذلک من داء یُصیبها ، وَالکیَّهُ یقال لها الحَوْرَاءُ ، سُمِّیت بذلک لأن مَوْضعها یَبْیَضُّ. قال وَالتحویر : التبییض. وَقال غیره : حوَّرْتُ الثوبَ إذا بَیَّضْتَه. أبو عبید عن الأمویّ الإحْوِرَارُ الابیضاض ، وَأنشد :

یا وَرْدُ إِنّی سَأَمُوتُ مَرَّهْ

فَمَنْ حَلِیفُ الجَفْنَهِ المُحْوَرَّهْ

یعنی المبیَضَّه ، قال أبو عبید : وإنما سُمِّی أصحابُ عیسی الحواریّین للبَیَاض ، وکانوا قَصّارین وقال الفرزدق :

فَقُلتُ إنَ الحَوَارِیَّاتِ مَعْطَبَهٌ

إذا تَفَتَّلْنَ من تحتِ الجَلَابِیبِ

یعنی النساءَ. وروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «الزبیر ابنُ عَمَّتی وحَوَارِیٌ من أُمَّتِی». قال أبو عبید : یقال - والله أعلم - إنَّ أصل هذا کان بَدْؤُه من الحواریّین أصحابِ عیسی ، وإنما سُمُّوا حواریّین لأنهم کانوا یَغْسلون الثیاب یُحوِّرونها وهو

ص: 147

التبْییض ومنه قیل امرأه حَوَارِیّه إذا کانت بیضاءَ. قال : فلمّا کان عیسی ابنُ مریمَ نَصَره هؤلاء الحواریُّون فکانوا أَنْصارَه دونَ النّاس قیل لکل ناصرٍ نَبیَّه : حواریٌ إذا بالغ فی نُصْرَتِه ؛ تشبیهاً بأولئک.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : الحَوارِیُّون : الأنصارُ ، وهم خاصّهُ أصحابه. وروی شَمِرٌ عنه أنه قال : الحَوَارِیُ الناصح ، وأصله الشیءُ الخالص. وکلُّ شیء خلص لونه فهو حَوَارِیٌ. والحَوَاریَّاتُ من النساء النقیّات الألْوَانِ والجُلودِ. ومن هذا قیل لصاحب الحُوَّارَی مُحَوِّر. وقال الزجاج : الحواریُّون خُلَصَاء الأنبیاءِ علیهم السلام وصفوتُهم ، والدلیل علی ذَلِکَ قول النبی صلی الله علیه وسلم : «الزبیر ابن عمَّتی وحواریٌ من أُمَّتی». قال : وأصحاب النبی صلی الله علیه وسلم حواریُّون. وتأویل الحواریین فی اللُّغه الذین أُخْلِصوا ونُقُّوا من کل عیب ، وکذلک الحُوَّارَی من الدقیق ، سُمِّی به لأَنَّه یُنَقَّی من لُباب البُرِّ ، قال : وتأوِیلُه فی النَّاس الذی قَدْ رُوجِع فی اخْتِیَارِه مرّهً بعد مرَّهٍ فَوُجِدَ نَقِیّاً من العیوب. قال : وأصل التحویر فی اللّغه من حَارَ یَحورُ ، وهو الرجوع. والتَّحویرُ الترجیع ، فهذا تأویله والله أعلم.

وقال أبو عبیده : یقال لنساء الأمْصَار حَوارِیَّات لأنهن تباعدن عن قشَفِ الأعرابیات بنظافَتِهن ، وأنشد :

فَقُلْ لِلْحَوَاریَّاتِ یَبْکِیْنَ غیرَنا

ولا یَبْکِینَ إلّا الکِلابُ النَّوَابِحُ

وقال أبو إسحاق : دقیق حُوَّارَی أخذ من هذا لأنه لباب البُرِّ ، وعجین مُحَوَّر ، وهو الذی مُسح وجهه بالماء حتی صَفَا.

وعین حَوْرَاءُ إذا اشتدّ بیاضُ بیاضِها وخَلُص واشتدّ سواد سوادِها ، ولا تُسَمَّی المرأهُ حَوْرَاءَ حتی تکونَ مع حَوَرِ عینیها بیضاءَ لَوْنِ الجَسَدِ ، وقال الکمیت :

وَدَامَتْ قُدُورُک للسَّاغبی

ن فی المَحْلِ غَرْغَرهً واحْوِرَارا

أراد بالغرغره : صوتَ الغلَیانِ وبالاحْوِرَار بیاضَ الإهَالَهِ والشحمِ. وروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه کان یتعوّذ من الحَوْر بعد الکَوْرِ ، ویروی بعد الکَوْن. قال أبو عبید : سئل عاصم عن هذا فقال ألم تسمع إلی قولهم : حَارَ بعد مَا کانَ یقولُ إنه کان علی حال جمیلهٍ ، فحارَ عن ذلک أی رجع. ومن رواه بعد الکَوْر فمعناه النقصان بعد الزّیاده ، مأخوذ من کَوْر العمامه إذا انتقض لَیُّها ، وبعضُه یقرب من بعض. عمرو عن أبیه الحَوْرُ التحیُّر ، قال : والحَوْرُ النُّقصان والحَوْرُ الرجوع. قال اللیث : الحَوْرُ ما تحت الکَوْر من العمامه. قال : والْحَوَرُ خشب یقال لها البیضاء قال والْحُوارُ النصیل أَوَّلَ ما یُنْتَجُ ، وجَمْعُه حِیرَانٌ ، والحُورُ الأَدِیمُ المصبوغُ بِحُمْره ، وأنشد :

فَظَلَّ یَرْشَحُ مِسْکاً فَوْقَهُ عَلَق

کأنَّما قُدَّ فی أَثْوَابِه الحَوَرُ

قال : وخُفٌ محوَّرٌ إذا بُطِّن بحُور. ویقال للرجل إذا اضطرب أَمْره : لقد قَلِقَتْ مَحَاوِرُه ، وأنشد ابن السکیت :

ص: 148

یا مَیُّ مَا لِی قَلِقَتْ مَحَاوِرِی

قال : والمِحْوَرُ الحدیدهُ التی یَدُورُ فیها لسانُ الإبریم فی طَرَف المِنْطقه وغیرها. قال : والحدیدهُ التی تدور علیها البکرهُ یقال لها : المِحْوَرَهُ.

وقال الزجاج : قیل له محورٌ للدَّوَرانِ به ؛ لأنه یرجع إلی المکانِ الذی زَالَ مِنْه. وقیل إنه إنما قیل له مِحْوَرٌ لأنه بدورَانِه ینصَقِلُ حتی یَبْیَضّ. قال وقولهم : نعوذ بالله من الحَوْرِ بعد الکَوْرِ معناه نعوذ بالله من الرُّجُوع والخُرُوج علی الجماعه بعد الکُوْرِ معناه بعد أن کنا فی الکَوْر أی فی الجماعهِ. یقال کَارَ عمامتَه علی رأسه إذا لفّها ، وحار عِمامَتَه إذا نقضها.

وقال اللیث : المِحْوَرُ الخشبه التی یُبْسَط بها العجینُ یُحَوَّر بها الخبز تحویراً. قلت سمّی محوراً لدورانه علی العجینِ تشبیهاً بمِحْوَرِ البکره واستدَارته.

الأصمعیّ : المَحَارَهُ الصَدَفه ، والمحار من الإنسان الحَنَکُ وهو حیث یُحَنِّک البیطار الدابّهَ. وقال ابنُ الأعرابیّ مَحَارهُ الفَرَسِ أَعلی فَمِه من باطن ، وقال غیره : المحاره جَوْف الأُذُنِ ، وهو ما حَوْلَ الصِّمَاخ المتَّسِع. قال : والمَحَارَهُ النقصان ، والمَحَارَهُ الرُّجوع ، والمَحَارَهُ الصَّدَفَهُ ، والمحارَهُ المُحَاوَرَهُ. قال : والْحُورهُ النقصان ، والحورَهُ : الرَّجْعَه.

وقال اللیث : یقال حارَ بَصَرهُ یَحَارُ حَیْرَهً وحَیْراً ، وذلک إذا نظرتَ إلی الشیء فَغَشِیَ بصرُک ، وهو حَیْران تائهٌ ، والجمیع حَیَارَی ، وامرأه حَیْرَی ، وأنشد :

حیرانَ لا یُبْرِئه مِنَ الحیَر

قال : والطریق المُسْتَحِیر الذی یأخذ فی عُرْض مفازه لا یُدری أیْنَ منفذه ، وأنشد :

ضَاحِی الأَخَادِیدِ ومُسْتَحِیْرِهِ

فی لاحِبٍ یَرْکَبْنَ ضَیْفَیْ نِیْرِهِ

ویقال : استحار الرجلُ بمکان کذا وکذا إذا نَزَلَهُ أیّاماً. قال : والحائر حوض یسیّبُ إلیه مَسِیلُ الماء من الأمصار یسمی هذا الاسمُ بالماءِ وبالبصره حائر الحجَّاج ، معروفٌ یابسٌ لا ماءَ فیه ، وأکثر الناس یسمونه الحَیْر ، کما یقول لعائشه : عَیْشه یستحسنون التخفیف وطرح الألف. قال العجّاج :

سَقَاهُ رِیّاً حَائِرٌ رَوِیُ

وإنما سُمّی حائراً لأن الماء یتحیّر فیه یرجع أَقصاهُ إلی أدناه. وقال الأصمعیّ : یقال للمکان المطمئن الوسطِ المرتفع الحرُوف حائرٌ وجمعه حُوَرانٌ. وقال أبو عبید : الحائر : مجتمعُ الماء وأنشد :

مما تَرَبَّبَ حَائِرَ البَحْرِ

قال والحاجر نحوٌ منه وجمعه حُجْرانٌ. وقال الأصمعیّ : حَار یَحَارُ حیْرَهً وحَیْراً. وقال اللیث : یقال الماء یتحیّر فی الغَیْم وتحیَّرت الروضه بالماء إذا امتلأت. وتحیَّر الرجلُ : إذا ضَلّ فلم یَهْتَدِ لسبیله وتحیّر فی أَمْرِه. وقال شمر : العربُ تقول لکلّ شیءٍ ثابتٍ دائم لا یکاد ینقطع مستحیرٌ ومتحَیِّر وقال جریر :

یا رُبَّمَا قُذِفَ العَدُوُّ بِعَارِضٍ

فَخْمِ الکَتائِبِ مُسْتَحِیْرِ الکوْکَبِ

ص: 149

قال ابن الأعرابیّ : المستحیْر الدائم الذی لا ینقطع. قال : وکوکبُ الحدید بَرِیقُه. والمتحیّر من السحاب الدائم لا یبرح مکانَه ، یصبُّ الماءَ صبّاً ولا تسوقه الرّیح وأنشد :

کأنّهُمُ غَیْثٌ تَحَیَّرَ وَابِلُهْ

وقال الطِرماح :

فی مُسْتَحِیْر رَدَی المَنُو

نِ ومُلْتَقَی الأَسَلِ النَّوَاهِلْ

وقال شمر : قال أبو عمرو یرید یتحیّر الردَی فلا یَبْرَح ، ومنه قول لبید :

حتّی تَحیَّرَتِ الدِّبارُ کأنَّها

زَلَفٌ وأُلْقِیَ قِتْبُها المَحْزُومُ

یقول : امتلأت ماءً. وروی شمر بإسناد له عن سفیان عن الربیع بن قریع قال سمعت ابن عمر یقول : أَسْلِفُوا ذاکم الذی یوجِبُ اللهُ أجْرَهُ ، ویردُّ إلیه مالَه ، لم یُعْطَ الرجلُ شیئاً أفضلَ من الطَرْقِ ، الرجلُ یطرُق علی الفحل أو علی الفرس فیذهَبُ حَیْرِیَ الدَّهرِ ، فقال له رجلٌ : ما حَیْرِیُ الدهرِ؟ قال : لا یُحْسَبُ ، فقال له حسل بن قابصه : ولا فی سبیل الله ، فقال : أو لیس فی سبیل الله؟ قال شمر : هکذا رواه حَیْرِیَ الدَّهْرِ بفتح الحاء وتشدید الیاء الثانیه وفتحها. قال وقال سیبویه : العربُ تقول : لا أفعل ذلک حِیْریَ دَهْرٍ. وقد زعموا أنَّ بَعْضهم ینصب الیاء فی حِیریَ دهْرِ. وقال أبو الحسن : سمعت مَنْ یقول : لا أفعل ذلک حیریَ دهر مثقَّله ، قال والحیریّ الدهر کله. قال شمر : قوله حیریَ الدهر یرید أبداً. وقال ابن شُمَیْلٍ : یقال ذهب ذاک حَارِیَ الدهر وحیْرِیَ الدهر أی أبداً ، ویبقی حارِیَ الدهر وحیْرِیَ الدهر أی أبداً. قال شمر : وسمعت ابن الأعرابیّ یقول : حِیرِیَ الدهر بکسر الحاء مثل قول سیبویه والأخفشِ. قال شمر : والذی فسره ابن عُمَر لیس بمخالف لهذا ، أراد أنه لا یُحْسَبُ أی لا یمکن أن یُعرف قدرُه وحسابُه لکثرته ودوامِه علی وجه الدهر. وأخبرنی المنذریّ عن ثعلب عن ابن الأعرابی یقال لا آتیه حَیْرِیَ دهر ولا حِیرِیَ دهر وحِیرَ الدهر ، یرید ما تحیَّرَ الدهرُ. وقال : حِیرُ الدهر جماعه حِیرِی.

وقال اللیثُ : الحِیرَه بجنْبِ الکُوفه والنسبه إلیها حَارِیُ کما نَسَبُوا إلی التّمر تمری فأراد أن یقول حِیریْ فسکّن الیاء ، فصارت ألفاً ساکنه. قال والحارَهُ کل مَحَلَّه دنت منازلُهم ، فهم أهلُ حارهٍ. وقال أبو عمرو بن العلاء : سمعت امرأهً من حِمْیَر تُرقِّصُ ولدها وتقول :

یا رَبَّنا مَنْ سَرَّهُ أَنْ یَکْبَرَا

فَهَبْ لهُ أَهْلاً ومالاً حِیرا

قال : والْحِیَرُ : الکثیر من أهلٍ ومالٍ ، وقال آخر :

أَعُوذُ بالرَّحمنِ مِنْ مالٍ حِیَرْ

یُصْلِینِیَ اللهُ به حَرَّ سَقَرْ

أبو زید : یقال هذه أنعامٌ حِیرَاتٌ أی متحیرهٌ کثیرهٌ ، وکذلک النّاسُ إذا کَثرُوا وقال ابن شمیل : یقول الرجلُ لصاحبه والله ما تحورُ ولا تحولُ أی ما تزدادُ خَیْراً. أبو العباس عن ابن الأعرابیّ یقال لجِلْدِ الفیلِ الحَوْزَانُ ، ولباطن جلده

ص: 150

الحِرْصِیَانُ. وقال أبو زید : الحَیْرُ الغَیْمُ ینشأ مع المَطَر فیتحیّر فی السماء عمر عن أبیه : الأَحْوَرُ : العقْل یقال ما یعیش بِأَحْوَرَ.

قال : والحلاوَی : ضرب من النَّبَات یکون بالبادیه ، الواحده حَلاوِیَهٌ علی تقدیر رَبَاعیه. قلت لا أعرف الحَلَاوَی ولا الحَلَاویه ، والذی عرفته الحُلَاوَی بضم الحاءِ علی فُعالی.

وروی أبو عبید عن الأصمعیّ فی باب فُعالی : خُزَامَی وَرُخَامی وحُلاوَی ، کلّهُنَّ نبت. وهذا هو الصحیح.

وقال اللیث حَلاوَهُ القَفَا حَاقُّ وسَطِ القَفَا ، تقول ضربته علی حَلَاوَهِ القفَا ، أی علی وسطِ القَفا. شمر عن ابن الأعرابی : یقال : حلاوَهُ القَفَا ، وحَلْوَاءُ القفا وحُلْواءُ القفا. وهو وسط القفا.

قال وقال الهوازنی : حَلاوَهُ القفا فأسه.

أَبو عُبَیْدٍ عن الکسائیّ : سقط علی حَلَاوَهِ القَفا ، وحَلْوَاءِ القفا.

قال : وحَلاوَهُ القفا تجوّز ، ولیست بمعروفه. وأخبرنی المنذریّ عن أحمد بن یحیی : قال : الْحَلوَاءُ یُمَدُّ ویُقْصَرُ ویُؤنّث لا غیرُ.

ویقال للشَّجَرَهِ إذا أَوْرَقَتْ وأثْمَرَتْ : حَالِیَهٌ فإذا تناثر ورقها تعطّلت.

وقال ذو الرُّمَّه :

وَهَاجَتْ بَقَایا القُلْقُلَانِ وعَطَّلَت

حَوَالِیَّهُ هُوجُ الرِیّاحِ الحوَاصِد

أی أیبستها فتناثرت.

وقال اللیث : الحِنْوُ حَفٌّ صغیر یُنْسَجُ به ، وقاله ابن الأعرابیّ ، وقال : هی الخشبه التی یدیرها الحائک وأنشد قول الشماخ :

قُوَیْرِحُ أَعْوَامٍ کأنَّ لسانَه

إِذَا صَاح حِلْوٌ زَلَّ عن ظَهْرِ مِنْسَجِ

وقال اللیث : حُلوان کوره. قلت هما فریقان إحداهما حُلْوَانُ العراقِ والأُخْری حُلْوَانُ الشأم.

وقال ابن السکیت : حَلِیَت المرأهُ ، وأَنا أَحْلِیها ، إذا جَعَلْتَ لها حَلْیاً ، وبعضهم یقول : حَلَوْتُها بهذا المَعْنَی.

وقال اللیث : الحَلْیُ کلّ حِلْیَهٍ حلَّیْتَ به امرأهً أو سَیْفاً أو نحوَه. والجمیع حُلِیّ قال الله : (مِنْ حُلِیِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً) [الأعراف : 148].

ویقال تحلّت المرأه إذا اتخذت حُلِیّاً أو لبِسَتْه. وحلّیْتُها ، أی ألْبَسْتُهَا ، واتخذْتُه لها.

قال ولغه حَلِیَتْ المرأه إذ لَبِسَتْهُ وأنشد :

وحَلْی الشَّوَی مِنْهَا إذا حَلِیَتْ به

علی قَصَباتٍ لإشِنحات ولا عُصْل

الشِّخَات الدقاق والعُصْل المعْوَجَّه. قال وإنما یقال الْحَلیُ للمرأه ، وما سواها فلا یقال إلا حِلْیَهٌ للسیف ونحوه. قال : والحِلْیَهُ تحلِیَتُکَ وَجْهَ الرَّجُلِ إذا وصفته. ویقال : حَلِیَ مِنْهُ بِخَیْرٍ ، وهو یَحْلَی حَلًی مقصورٌ إذا أصاب خَیْراً.

والحَلِیُ نبت بعینه وهو مِنْ مَرْتَعٍ للنَّعَم والخیلِ ، إذا ظهرت ثمرَتُه أشبه الزَّرْعَ إذا أَسْبَل. وقال اللیث : الحَلِیُ یبس النَّصِیّ. قال : وهو کلُّ نبْتٍ یشبه نباتَ الزرع. قلت : قوله هو کل نبت یشبه نبات الزرع

ص: 152

خطأٌ إنما الحَلِیُ اسم نَبْتٍ واحِدٍ بعیْنه ولا یشبهه شیءٌ من الکلأ.

وقال اللیث : یقال امرأَهٌ حَالِیَهٌ ومُتَحَلِّیَهٌ.

ویقال : ما أَحْلَی فُلَانٌ ولا أَمَرَّ أی ما تکلّم بحُلْوٍ ولا مُرٍّ.

أبو عبید عن الأصمعیّ یقال للبعیر إذا زجرته حَوْبُ وحوبَ وحَبْ ، وللناقه حَلْ جزمٌ ، وحَلِی جزم لا حَلِیت.

وقال أبو الهیثم : یقال فی زجْر الناقه حَلْ حَلْ. قال : فإذا أدْخَلْتَ فی الزَّجْرِ ألفاً ولاماً جری بما یصیبه من الإعْرَابِ کقولک :

والحَوْبُ لَمّا یُقَلْ والحل

فرفعه بالفعل الذی لم یسمَّ فاعله.

وقال اللحیانیّ : حَلِیَتْ الجاریهُ بعینی وفی عینی وبقلبی وفی قلبی ، وهی تحلَی حَلاوَهً ویقال أیضاً : حَلَتْ الجاریهُ بعینی وفی عینی ، تَحْلُو حَلَاوَهً. قال : واحلَوْلَیْتُ الجاریه واحْلَوْلَتْ هی ، وأنشد :

فلو کنتَ تُعْطِی حین تُسْأَلُ سامحت

لکَ النفسُ واحْلَوْلَاکَ کلُّ خَلیلِ

ویقال : حلا الشیءُ فی فَمِی یَحْلُو حلاوَهً ویقال حَلُوَت الفاکههُ تَحْلُو حَلَاوَهً. قال : وحَلِیتُ العیشَ أَحْلَاه أی استحلَیْتُه.

ویقال : أَحْلَیْتُ هذا المکانَ واستحْلَیْتُه وحَلِیتُ بهذا المکانِ. ویقال : ما حَلِیتُ منه شیئاً حَلْیاً أی ما أصبت. وحکی أبو جعفر الرؤاسیُّ حَلِئتُ منه بطائلٍ فهمزَ أی ما أصبتُ. قال : وجمع الْحَلی حُلِیّ وحِلِیّ ، وجمع حِلْیَهِ الإنسان حِلًی وحُلًی.

ومن مهموز هذا الباب :

أعَیَّرْتَنی قُرَّ الحلاءَهِ شَاتِیاً

وأنت بِأَرضٍ قُرُّهَا غیرُ مُنْجِمِ

أی غیر مُقْلِع.

أبو عبید عن الأصمعیّ : من أمثالهم فی حذر الإنسان علی نفسه ومدافعته عنها قولهم : حَلأَتْ حالئهٌ عن کُوعِهَا. قال : وأصله أن المرأه تحلأُ الأدیمَ وهو نَزْع تِحْلِئه ، فإن هی رفَقَتْ سَلِمَتْ ، وإن هی خَرُقَتْ أخطأَتْ فقطعت بالشفره کُوعها.

وأخبرنی المنذریّ عن ثعلب عن سلمه عن الفرَّاء : یقال : حلأَتْ حالئَهٌ عن کُوعها أی لِتَغْسِلْ غاسلهٌ عن کوعها أی لیعملْ کل عامل لِنَفْسِه.

قال ویقال : اغسل عن وجْهِک ویَدِک ولا یقال اغْسِلْ عن ثَوْبِک.

وقال أبو العباس فی قولهم حَلأَتْ حالئهٌ عن کوعها وذلک أنها إذا حَلأَت ما علی الإهاب أخذت مِمْلأَهً من حدید فَوْهَاءَ فتحلأَت ما علی الإهاب من تحلِئه وهو سوادُه ، فإن لم تبالغ المِحْلَأَهُ ، وتقَلع ذلک عن الإهاب أخذت الحالِئهُ نَشْفَهً من حجر خشن ثم لفت جانباً مِنَ الإهابِ علی یدها ثم اعتمدت بالنُّشْفَهِ علیه لتقلع ما لم تخرجْه المِحْلأه فیقال للذی یدفع عن نفسه ویَحُضّ علی إصلاح شأنه یضربُ مثلاً له أی عن کُوعها عملت ما عملت وبحیلَتها وعَمَلِها نالَتْ.

وقال أبو زید حَلأَته بالسوط حَلأً إذا جلدْتَه وحَلأَته بالسیف حَلأً إذا ضربتَه وحلَّأْتُ الإبل عن الماءِ تَحلِیئاً.

أبو عبید عن الأمویّ : حَلَأْتُ به الأرضَ ضربْتُ به الأرض. قلت : وجَلأْت به الأرض بالجیم مثلُه. اللحیانی حَلِئَتْ شَفَهُ الرجل تَحْلأ حَلأً ، إذا شَرِبَتْ أی خرج بها غِبَّ الحُمّی بَثْرٌ. قال وبعضهم لا یهمز فیقول حلیَتْ شفتُه حَلاً مقصور.

لَحَوْتُ شَمّاساً کما تُلْحَی العَصا

سَبّاً لو آنَ السَّب یُدْمِی لدَمِی

قال أبو عبید : إِذَا أرادوا أن صَاحِبَ الرجل موافقٌ له لا یُخَالِفُه فی شیء قالوا : هما بَیْنَ العصا ولِحَائِها.

وقال اللیثُ : یقال التحیت اللِّحاء ولَحَیتْهُ الْتِحَاءً ولحْیاً إذا أخذتَ قشره. واللِّحاءُ مَمْدُودٌ المُلَاحَاه کالسِّباب.

وفی حدیث النَّبیِّ صلی الله علیه وسلم أَنَّه نهی عن مُلَاحَاهِ الرِّجَال ، ومنه قول الشاعر :

نُوَلِّیهَا المَلَامَهَ إن أَلَمْنَا

إذا ما کان مَغْثٌ أو لِحَاءُ

أبو عبید عن الکسائی : لَحَوْتُ العصا ولَحَیْتُها ، فأمَّا لحیت الرَّجُلَ من اللّوم فبالیاء لا غیر.

وقال اللیث : اللِّحَاءُ اللعْنُ ، واللِّحَاءُ العذْل ، واللَّوَاحِی العواذِلُ. قال : واللُّحی مقصور وفی لغه اللِّحی جمع اللِّحیه.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : لِحْیَهٌ وجمعها لِحی ولُحیً قال ولُحِیٌ ولِحِیٌ.

اللیث رجل لِحْیَانِیُ طویل اللحیه وبنو لِحْیان حَیّ من هذیل.

وقال ابن بُزُرْج : اللِّحْیَانُ الخدود فی الأرض ممّا خَدَّها السَّیْلُ ، الواحده لِحْیَانَهٌ : قال : واللِّحْیَانُ الوشَلُ والصُّدَیْعُ فی الأرض یخِرّ فیه الماء ، وبه سُمِّیَتْ بَنُو لِحْیَانَ ، ولیس بتثنیه لِلّحی.

وقال أبو زید : یقال رجل لَحْیَان إذا کان طویلَ اللحیه ، یُجْرَی فی النکرهِ لأنه لا یقال للأُنثی لَحْیَا.

أبو عبید عن الکسائیّ : النسبه إلی لَحْی الأسنان لَحَوِیّ والتَّلَحِّی بالعمامه إداره کُور منها تحت الحَنَکِ.

ورُوی عن النبی صلی الله علیه وسلم : أنه أمر بالتَّلَحِّی ونهی عن الاقتعاط.

ویقال : أَلْحی یُلْحِی إذا أتی ما یُلْحَی علیه. وألْحَتِ المرأهُ.

قال رؤبه :

وابْتَکَرَتْ عَاذِلَهً لا تُلْحِی

قَالَتْ ولم تُلْحِ ، وکانت تُلْحِی

علیکَ سَیْبَ الخُلَفَاءِ البُجْحِ

لا تُلْحِی أی لا تأتی ما تُلْحَی علیه حین قالت علیک سیْب الخلفاء ، وکانت تُلْحَی قبل ذلک حین تأمرنی بأن آتی غیر الخلفاء. وأَلْحَی العودُ إذا آن له أن یُلْحَی قشره عنه. وفی الحدیث أن النبی صلی الله علیه وسلم احتجم بلَحْی جَمَلٍ ، وهو مکان بین مکّه والمدینه.

والاحتیال والمُحَاوَلَهُ مطالبتُک الشیءَ بالحِیَل ، وکل من رامَ أمراً بالحِیَلِ فقد حاوله ، وقال لبید :

أَلَا تسأَلان المَرْء مَاذَا یُحَاوِلُ

ورجل حُوَّلٌ ذو حِیَلٍ ، وامرأه حُوَّلهٌ. وأخبرنی المنذریّ عن ثعلب عن سلمه عن الفرّاء قال : سمعت أَعْرَابیاً من بنی سُلَیم ینشد :

فإنَّها حِیَلُ الشّیطانِ یَحْتَئِل

قال وغیره من بنی سُلَیم یقول : یحتال بِغَیْرِ هَمْزٍ قال وأنشدنی بعضهم :

یا دَارَ مَیَّ بِدَکَادِیکِ البُرَقْ

سَقْیاً وإِنْ هَیَّجت شَوْقَ المُشْتَئِقْ

وغیره یقول المشتاق ورجل مِحْوالٌ کثیرُ مُحالِ الکلام والمحال من الکلام ما حُوِّل عن وجْهِه ، وکلام مسْتَحِیلٌ مُحَالٌ. وأرض مستَحَالَهٌ تُرِکت حَوْلاً وأَحْوالاً عن الزراعه. والقوس المُسْتَحَالَهُ التی فی سِیَتِهَا اعوجاج ورِجْلٌ مستحَالَهٌ إذا کان طرفَا الساقیْنِ منها مُعْوَجَّین ، وکل شیء استحال عن الاستواءِ إلی العِوَجِ یقال له مستحیلٌ.

قال والحَوْل اسم یجمع الحَوَالَیْ. تقول حوالی الدار کأنها فی الأصل حوالَیْنِ ، کقولک جانِبَیْنِ فأسقطت النُّون وأضیفت کقولک : ذُو مالٍ وأولو مالٍ. قلت : العرب تقول رأیت الناس حَوْلَه وحَوَالَیْه وحَوَاله وحَوْلَیْه. فَحَوالَه وُحْدَانُ حَوالیْه ، وأمّا حَوْلیه فهو تثنیه حَوْلَهُ وقال الرّاجز :

ماءٌ رَوَاءٌ ونَصِیٌ حَوْلَیْهْ

هذا مَقَامٌ لَکَ حتی تِئْبَیْهْ

المعنی تأْبَاهُ. ومثل قولهم حَوَالَیْکَ دَوَالَیْک وحَجَازَیْکَ وحنَانَیْک.

وقال اللیث الحِوَالُ المُحَاوَلَهُ. حَاوَلْته حِوَالاً ومُحاوَلَهً ، أَی طالبْتُ بالحیله.

قال : والحِوَالُ کُلُّ شیءٍ حالَ بین اثْنَیْنِ. یقال هذا حِوَال بَیْنِهِمَا أی حائِلٌ بَیْنِهِما. فالحاجِز والحِجاز والحِوَلُ یجری مَجْری التَّحْویل. تقول : حُوِّلُوا عنها تحویلاً وحِوَلاً. قلت : فالتَّحْوِیلُ مصدر حقیقیّ من حوّلْتُ. والحِوَل اسم یقوم مَقَامَ المصدر.

قال الله جلّ وعزّ : (لا یَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) [الکهف : 108] أی تحویلاً.

وقال الزجاج فی قوله : (لا یَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) أی لا یریدون عنها تَحوُّلاً. یقال : قد حال من مکانه حِوَلاً کما قالوا فی المصادر صَفُر صِفَراً وعادنی حُبُّها عِوَاداً.

قال وقد قیل إن الحِوَل الحِیلَهُ فیکون علی هذا المعنی : لا یَحْتَالُون مَنْزِلاً غَیْرَهَا.

قال وقد قیل إن الحِوَل الحِیلَهُ فیکون علی هذا المعنی : لا یَحْتَالُون مَنْزِلاً غَیْرَهَا.

قال : وقریء قولُه جلّ وعزّ : (دِیناً قِیَماً) [الأنعَام : 161] ولم یقل قِوَماً ، مثل قوله (لا یَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) لأن قِیمَاً من قولک قام قیماً کأنه بنی علی قَوُم أو قَوَم فلما اعتلّ فصار قَام اعتَل (قِیمَ) وأما حِوَل فهو علی أنه جارٍ علی غیر فعل. أبو العباس عن ابن الأعرابیّ فی قوله :

(لا یَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) قال تحویلاً وقال أبو زید :

ص: 156

حُلْتُ بینه وبین الشر أَحُول أشدّ الحَوْلِ والمَحَالَهِ.

وقال اللیث : حالَ الشیء بین الشیئین یحول حَوْلاً وتحویلاً. وحال الشیءُ نفسهُ یَحُول حُؤُولاً بمعنیین : یکون تغیُّراً ویکون تَحْوِیلاً ، وقال النابغه :

ولا یحولُ عطاءُ الیَوْمِ دُونَ غَدِ

أی لا یحول عَطاؤه الیوم دون عطاء غد.

قال : والحائل المتغیر اللَّوْنِ ، ورمادٌ حائلٌ ، ونبات حائل. وقال اللِّحیانیّ : یقال : حُلت بینه وبین ما یرید حَوْلا وحُؤُولا. ویقال : بینی وبینک حائل وحُؤُوله أی : شیْءٌ حائل. وحال علیه الحوْلُ یحول حَوْلاً وحُؤُولاً. وأحال اللهُ علیه الحَوْلَ إحالهً. وأحالَت الدّارُ أی أتی علیها حَوْلٌ. ویقال : إن هذا لَمِنْ حُولَهِ الدهر وحُولَاءِ الدهر وحَوَلان الدهر وحِوَل الدهر ، وأنشد :

ومِنْ حِوَلِ الأیَّامِ والدهر أنه

حَصِیْنٌ یُحیَّا بالسلام ویُحْجَبُ

أبو عبید عن الأصمعیّ : حُلْتُ فی متن الفرس أَحُول حُؤُولاً إذا رکبْتَه. وقد حال الشخْصُ یحول إذا تحرّک. وکذلک کلّ متحوِّلٍ عن حالِه ، ومنه قیل : استَحَلْتُ الشخصَ نظرتُ هل یتحرَّکُ. وأخبرنی المنذریُّ أنه سأل أبا الهیثم عن تفسیر قوله : لا حولَ ولا قوهَ إلا بالله ، فقال : الحَوْلُ الحَرَکَهُ ، یقال حالَ الشخص إذا تَحرَّک فکأنّ القائل إذا قال : لا حول ولا قوه ، یقول : لا حرکَهَ ولا استِطَاعَهَ إلا بمشیئهِ الله.

الأصمعیّ : حَالَت النَّاقَهُ فَهِی تَحُولُ حِیَالاً إذا لم تحْمِل ، وناقَهٌ حائل ، ونوق حِیَالٌ وحُولٌ وقد حالت حُوَالاً وحُولاً ، وأنشد بیتَ أَوْسٍ :

لَقِحْنَ علی حُولٍ وصَادَفْنَ سَلْوَهً

مِنَ العَیْشِ حتی کُلُّهنَّ یُمَنَّع

وأحال فلانٌ إِبِلَه الْعَامَ إذا لم یَضْرِبْهَا الفَحْلُ. والناس مُحیلون إذا حالت إِبِلُهم.

قال أبو عبیده : لکل ذی إبل کَفْأَتَانِ ، أی قِطْعَتَانِ ، یقطعُها قِطْعَتَیْنِ فتُنْتَجُ قِطْعَهٌ عَاماً وتحولُ القِطعَهُ الأخری ، فَیُرَاوِح بینهما فی النّتاج ؛ فإذا کان العامُ المُقْبل نَتَجَ القطعهَ التی حالَتْ ، فکل قطعهٍ نَتَجَها فهی کَفْأَهٌ ؛ لأنها تهلک إن نتجها کُلُّ عام. ورجلٌ حائل اللون إذا کان أسودَ متغیراً.

اللحیانیّ : یقال للرجل إذا تحوّل من مکانٍ إلی مکان ، أو تحوَّل علی رَجُلٍ بدَرَاهِمَ حَالَ وهو یَحُول حَوْلا. ویقال : أَحلْتُ فلاناً علی فلان بدراهم أُحیله إِحالهً وإحالاً ، فإذا ذکرت فِعْلَ الرجلِ قلتَ حال یَحُول حَوْلا ، واحْتَال احتِیَالاً إذا تحوَّل هو من نفسه.

قال : وحالت الناقهُ والفرسُ والنخلهُ والمرأهُ والشاهُ وغیرُها : إذا لم تحملْ.

وناقه حائلٌ ونُوق حوائِل وحُولٌ وحُولَلٌ.

وقال بعضُهم : هی حائِل حُولٍ وأَحْوالٍ وحُولَلٍ أی حائِل أعوامٍ.

ویقال إذا وضعت الناقه : إن کان ذکراً سمّی سَقْباً وإن کانت أنثی فهی حائِلٌ.

ص: 157

قال وقال الکسائی : یقال لا حولَ ولا قوهَ إلّا بالله ، ولا حَیْلَ ولا قوّه إلا بالله ، وحکی ما أَحْیَلَه وأَحْوَلَه من الحِیلَه.

ویقال تحوّل الرجلُ واحْتَال إذا طلب الحِیلَه. ومن أمثالهم : مَنْ کانَ ذَا حیلهٍ تَحَوّل.

ویقال : هذا أَحْوُل من ذئْبٍ ، من الحِیله ، وهو أحول من أَبِی بَرَاقِن ، وهو طائرٌ یتلوَّنُ ألواناً. وأحْوَلُ من أَبِی قَلَمُون وهو ثوب یتلَوَّن ألواناً. وفی دعاءٍ یرویه ابن عباس عن النبی صلی الله علیه وسلم : «اللهُمّ ذا الحَیْلِ الشدید» ، والمحدِّثون یَرْوُونَه «ذا الحَیْلِ» بالباء ، والصواب ذا الحَیْلِ بالیاء أی ذا القوَّه.

قال اللحیانیُّ : یقال إنه لشدیدُ الحَیْلٍ أی القُوَّه.

قال : ویقال : لا حِیلَه ولا احتیالَ ولا مَحَالَهَ ولا مَحِلّه.

ویقال : حالَ فلان عن العهد یحول حَوْلاً وحُؤُولاً ، أی زَالَ وحالَ عن ظهر دابَّته یحول حَوْلاً وحُؤُولاً أی زال ومال.

ویقال أَیْضاً : حال فی ظهرِ دابَّتِه وأحال ، لغتان إذا استوی فی ظهر دابته ، وکلام العرب حالَ علی ظهره وأحالَ فی ظهره ، وقول ذی الرمه

أَمِنْ أَجْلِ دارٍ صَیَّرَ البینُ أهْلَها

أَیَادِی سَبَا بَعْدِی وطالَ احْتِیَالُها

یقول احتالتْ من أَهلِها لم ینزل بها حَوْلاً. أبو عبید حَالَ الرجل یَحُول مثل تَحَوَّل من موضع إلی موضع.

اللَّیْثُ لغهُ تَمِیمٍ حَالَتْ علیه تَحَال حَوَلاً ، وغیرهُم یقول حَوِلت عینهُ تَحْوَل حَوَلاً ، وهو إقبالُ الحَدَقه علی الأنْفِ ، قال وإذا کان الحَوَلُ یحدُث ویذهب قیل : احولَّتْ عینه احْولالاً واحْوالَّتْ احوِیلالاً.

أبو عبید عن الأَصمعیّ : ما أَحْسَنَ حَالَ مَتْنِ الفَرس وهو موضع اللبد.

أبو عمرو : الحال الکاره التی یحملها الرجل علی ظهره یقال منه تحولت حالاً قال أبو عبید الحال أیضاً العجله التی یدِبّ علیها الصبیّ وقال عبد الرحمن بن حسّان الأنصاریّ :

ما زَالَ یَنْمِی جَدّه صَاعِداً

مُنْذُ لَدُنْ فَارَقَهُ الحَالُ

قال والحال الطِّینُ الأسودُ. وفی الحدیث أن جبریل لما قال فرعون (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِی آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِیلَ) [یُونس : 90] أخذ من حال البحر وَطِینِه فألقمه فَاه. اللحیانی : حَالُ فلانٍ حسنَهٌ وحَسَنٌ والواحده حالَهٌ.

یقال : هو بحالهِ سوءٍ ، فمن ذکّر الحال جمعه أَحْوَالاً ، ومن أنّثهَا جمعها حالاتٍ. قال : ویقال حالُ مَتْنِه وحَاذُ مَتْنِه ، وهو الظَّهْر بعینه.

قال اللیث : والحال الوقت الذی أَنْتَ فیه. ثعلب عن ابن الأعرابیّ حالُ الرجل امرأتهُ. قال : والحالُ الرماد والحارّ ، والحالُ لحم المَتْن ، والحال الحَمْأَهُ ، والحال الکارَهُ ، یقال تحوّلْتُ حالاً علی

ص: 158

ظهری إذا حملتَ کارهً من ثیاب وغیرها.

وجمع الأحول حُولَانٌ. والحَوِیلُ الحِیلَهُ.

أبو عبید عن الأصمعیّ : أحال علیه بالسوط یضْرِبُه. وأحالَتْ الدَّارُ وأحْوَلَتْ : أتی علیها حَوْلٌ. وأحْوَلْتُ أنا بالمکان وأَحَلْتُ أقمت حولاً. الأصمعیّ : أحلت علیه بالکلام أی أقبلت علیه ، وأَحَال الذِّئْبُ علی الدَّم أی أقبل علیه. ومن أمثال العرب : حَالَ صَبوحُهم علی غَبوقِهم ، معنَاه أَنَّ القوم افْتَقَرُوا فَقَلَّ لَبَنُهم فصار صَبوحُهم وغَبوقهم واحداً.

وحال معناه انصبّ ، حال الماءُ علی الأرض یَحُول علیها حَوْلاً وأَحَلْتُه أنَا علیها إحالهً أی صببتُه ، کتبتُه عن المنذری عن أصحابه ، وأحلْتُ الماءَ فی الجَدْولِ أی صببتُه ، قال لبید :

کأَنَّ دموعَهُ غَرْبَا سُنَاهٍ

یُحِیلُونَ السِّجَالَ علی السِّجَالِ

أی یَصُبّون. وقال الفرزدق :

فکان کذِئْبِ السُّوءِ لَمَّا رأی دَماً

بصاحِبهِ یوماً أَحالَ علی الدَّمِ

اللّحیانیّ : امرأهٌ مُحِیلٌ ومُحْوِلٌ ومُحَوِّلٌ إذا ولدَت غُلاماً علی إثْرِ جاریهٍ أو جاریهً علی إثر غلامٍ. قال ویقال لها العَکُوم أیضاً إذا حملت عامَاً ذکراً وعاماً أُنثی.

أبو الهیثم فیما أکْتَبَ ابْنَه ؛ یقال للقوم إذا أَمْحَلُوا فقلّ لبنُهم : حال صَبُوحُهم علی غَبُوقهم ، أی صار صَبُوحُهم وغَبُوقهم واحداً. وحال بمعنی انصبّ. حال الماء علی الأرض یحول علیها حَوَلاً وأحلّته إحاله أی صببتُه. ویقال أحلْتُ الکلام أُحیله إحالهً إذا أفسدتَه.

وروی ابنُ شمیل عن الخلیل بن أحمد أنه قال : المُحَال کلامٌ لغیر شیءٍ ، والمستقیمُ کلامٌ لشیء ، والغلط کلام لشیء لم تُرِدْه واللغْوُ کلامٌ لشیءٍ لیس من شأنِک ، والکذب : کلام لشیء تَغُرُّ به. قال أبو داود المصَاحفّی : قرأته علی النضر للخلیل.

وقال اللیث : الحَوّالَهُ إحالتک غریماً وتحوُّلُ ماء من نهر إلی نهر. قلت : ویقال : أحَلْتُ فلاناً بالمال الّذی له علیّ وهو مائَهُ درْهَم علی رجل آخر لی علیه مائَهُ دِرْهَم ، أُحیلُه إحَالَهً فاحْتَال بها علیه وضَمِنهَا له ، ومنه قول النبی صلی الله علیه وسلم «وإذا أُحِیلَ أَحَدُکم علی مَلِیءٍ فلیحْتَلْ» قال أبو سعید : یقال : للذی یُحال عَلَیْه بالحق حَیِّل ، وللذی یقبل الحَوَاله حَیِّلٌ ، وهما الحیِّلان ، کما یقال البیِّعان. ویقال إنه لَیتحوَّل أی یجیءُ ویذهبُ ، وهو الحَوَلَانُ ، ثعلب عن ابن الأعرابیّ : قال الحُول والحُوّل الدواهی وهی جمع حُوله ابن السّکِّیت عن الأصمعیّ : جاء بأمر حُولَهٍ. من الحُوَل أی بأمرٍ منکر عجب.

وقال اللِّحیانیّ : یقال للرجل الدّاهیه إِنه لحُولَهٌ من الحُوَل ، تسمی الداهیهُ نفسُها حُولهً.

وقال الشاعر :

وَمِنْ حُوْلَهِ الأیَّامِ یا أُمَّ خَالدٍ

لَنَا غَنَمٌ مَرْعِیَّهٌ ولنا بَقَر

ص: 159

ویقال لِلمُحتَالِ من الرجال إِنه لحُولَهٌ وحُوَّله وحُوَلٌ وحُوَّلٌ قُلّب. وأَرْضٌ محتَالَهٌ ، إذا لم یُصِبْها المطرُ. وما أَحْسَنَ حَوِیلَه. قال الأصمعیّ : أی ما أَحْسَنَ مَذْهَبَه الذی یرید ویقال : ما أَضْعَفَ حَوَلَه ، وحویله وحیلته ، ویقال ما أقبح حولته ، وقد حَوِل حَوَلاً صحیحاً. شَمِرٌ : حَوّلت المَجَرَّهُ : صارت فی شده الحرّ وسط السماء ، قال ذو الرُّمَّه :

وَشُعْثٍ یَشَجُّونَ الفَلَا فی رؤوسه

إذا حوَّلَتْ أُمُّ النّجومِ الشَّوابِکُ

قلت : وحوَّلَتْ بمعنی تحوّلت ، ومثله ولّی بمعنی تولّی.

وقال اللیث : الحِیْلانُ هی : الحدائد بِخُشبِها یُدَاسُ بها الکُدْس. ثعلب عن ابن الأعرابیّ عن أبی المکارم قال الْحَیْلَهُ وَعْلهٌ تَخُرُّ من رأس الجَبَلِ ، رواه بضم الخاءِ ، إلی أسفله ، ثمَّ تخُرُّ أخری ثم أخری ، فإذا اجتمعت الوَعَلاتُ فهی الْحَیْلهُ. قال : والوَعَلاتُ صخراتٌ ینْحَدِرْن من رأْس الجبلِ إلی أسفَلِه.

وقال الأصمعی : الْحَیْلهُ الجماعه من المِعْزی أبو عبید عن أبی زید : الحُوَلَاءُ الماء الذی فی السلی ، وقال ابن شمیل الْحُولاء مضمِّنهٌ لما یخرُج من جَوف الولَدِ وهی فیها ، وهی أَعْقَاؤُه الواحده عِقْیٌ وهو شیء یَخْرُج من دبره وهو فی بطن أمه ، بعضه أسود وبعضه أصفر وبعضه أحمر.

وقال الکسائیُّ : سمعتهم یقولون هو رجل لا حُولَهَ له یُریدون لا حیله له وأنشد :

لَهُ حُولَهٌ فی محلِّ أَمْرٍ أَرَاغَهُ

یُقَضِّی بِها الأَمْرَ الذی کادَ صاحِبُه

وقال الفرّاء : سمعت أنا إنه لشدید الحیْل.

وقال ابن الأعرابی : ما لَهُ لا شَدَّ اللهُ حیْلَه یریدون حِیلَتَه وقوّته. أبو زید : فلان علی حَوَلِ فلان إذا کان مثلَه فی السِّنِّ أو وُلِدَ علی إثره. قال : وسمعت أعرابیاً یقول جمل حَوْلِیٌ إذا أتی علیه حَوْلٌ وجمال حَوَالِیُ بغیر تنوین وحوالیَّه ومُهْرٌ حَوْلِیٌ ومِهاره حَوْلیَّات أتی علیها حول.

المنذریُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابی قال : بنو مُحوّله هم بنو عبد الله بن غطفانَ ، وکان اسمهُ عبدَ العُزَّی ، فسمّاه النبی صلی الله علیه وسلم عبدَ الله فسمُّوا بنی مُحَوَّله. قال والعرب تقول : مِنَ الحیله تَرکُ الحِیله ، ومن الحذر تَرک الحذر. وقال : ما له حیلهٌ ولا حَوَلٌ ولا مَحَالهَ ولا حَویل ولا حِیلْ ولا حَیْلٌ وقال : الحیْل القوه.

واللَّوح : النظْرَهُ کاللمحه ، تقول : لُحْتُهُ بِبَصرِی إذا رأیتَه لَوْحَهً ثم خفی علیک. وأنشد :

وهل تَنْفَعنِّی لَوْحَهٌ لَوْ أَلُوحُها

ویقال للشیء إذا تلأْلأَ : لاحَ یَلُوح لَوْحاً ولُوحاً ، والشیب یَلُوح ، وأنشد للأعشی :

فَلَئِنْ لَاحَ فی الذُّؤَابَهِ شَیْبٌ

بالبَکْرِ وأَنْکَرَتْنِی الغَوَانِی

قال واللُّوحُ الهواء ، وأنشد :

یَنْصَبُّ فی اللُّوحِ فما یَفُوتُ

قال ویقال أَلَاحَ البرقُ فهو مُلِحٌ وأنشد :

رأیتُ وأَهْلِی بِوَادِی الرَّجِیع

مِنْ نحوِ قَیْلَهَ بَرْقاً مُلِیحاً

قال : وکلُّ من لَمعَ بشیء فقد أَلَاح ولَوّح به. الحرانی عن ابن السکیت : یقال أَلَاحَ من ذلکَ الأمْرِ إذا أشْفَق منه یُلیحُ إلاحه ، قال وأنشدنا أبو عمرو :

إِنَّ دُلَیْماً قد أَلاحَ بِعَشِی

وقال أَنْزِلْنِی فلا إِیضَاعَ بی

وأنشد :

یُلِحْنَ من ذی زَجَلٍ شِرْواط

مُحْتَجِز بخَلَق شِمْطَاط

قال ویقال : أَلَاحَ بحقّی إذا ذهب به.

ویقال : لَاحَ السیفُ والبَرْقُ یلوح لَوْحاً.

أبو عبید لَاح الرجلُ وأَلاحَ فهو لَائِح ومُلِیحٌ أی بَرَزَ وظَهَرَ. وقال الزّجّاجُ فی قول اللهِ جلّ وعزّ : (لَوَّاحَهٌ لِلْبَشَرِ) 29) [المدَّثِّر : 29] أی تُحْرِقُ الجلْدَ حتی تسوِّده ، یقال لَاحه ولَوَّحَه.

الحرانی عن ابن السکیت قال سمعت ابن الأَعرابی یقول : أبیض لِیَاحٌ ولَیَاحٌ وأبیض یَقَقٌ ویَلَقٌ. قال : ولُحْتُ إلی کذا أَلُوحُ إذا نظرتَ إلی نَارٍ بعیده ، قال الأعشی :

لَعَمْرِی لقد لاحَتْ عُیونٌ کثیرهٌ

إلی ضَوْءِ نارٍ فی یَفَاعٍ تَحَرَّقُ

أی نَظَرَتْ. وکان لحمزه بن عبد المطلب سیف یقال له لِیَاحٌ. ومنه قول :

قد ذاقَ عُثمانُ یومَ الجَرِّ من أحدٍ

وَقْعَ الَّلیاحِ فَأَوْدَی وهو مَذْمُومُ

وقال اللیث : اللَّیاح الثور الوحْشِیُّ.

والصبحُ یقال له لِیَاحٌ. ابن السکیت یقال لاح سهیل إذا بدا وألاح إذا تلألأ.

وقال اللیثُ المِلْوَاحُ الضامِرُ وأنشد :

من کل شَقَاءِ النَّسا مِلْوَاحِ

قال : والمِلْوَاحُ العَطْشانُ ، والمِلوَاحُ أن تَعْمِد إلی بُومه فتخیطَ عینَها وتشدَّ فی رِجْلها صوفَهً سوداءَ وتجعلَ له مَرْبأه ویَرْتَبِیءُ الصائد فی القُتْرَه ویطیّرها ساعهً بعد ساعه ، فإذا رآها الصقرُ أو البازِی سَقَط عَلَیْهَا فأخَذَهُ الصیَّادُ. فالبومَهُ وما یلیها یسمی مِلْوَاحاً. غیره : بَعِیرٌ مِلْوَاحٌ عظیم الألْوَاحِ ، ورجل مِلْوَاحٌ کذلک ، وامرأهٌ مِلْوَاحٌ ودابَّهٌ مِلْوَاحٌ إذا کان سریعَ الضُّمْرِ. أبو عُبَیْدٍ : لاحَ البَرْقُ أَو لَاحَ إذا أَوْمَضَ. قال والمِلوَاحُ من الدوابّ السریع العطَش.

وقال شَمِر وأبو الهیثم : هو الجیّدُ الألْواح الْعظِیمُها ، وقیل : ألْواحُه ذِرَاعَاه وساقَاهُ وعَضُدَاه.

ص: 161

وقال اللیث : الحَانِی صاحبُ الحانوت. قلت : والتاء فی الحانوت زائِدَهٌ ، ویقال حانَهٌ وحانُوتٌ ، وصاحبها حَانٍ.

قال الدینوری : ینسب إلی الحانوت حَانِیّ وحانَوِیّ ولا یقال حانُوتِی. وأنشد الفراء :

وکیفَ لنا بالشُّرْبِ إِنْ لم یکن لنا

دَوَانِیقُ عند الحَانَوِیِ ولا نَقْدُ

وحِنْوُ العین طرفها ، وقال جریر :

وقالوا حِنْوَ عَیْنِکَ والغُرَابا

قلت : حِنو العین حجاجُها لا طرفها ، سمّی حِنْواً لانحنائه.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : أَحْنَی علی قرابته ، وحنَی وحنَّی ورَئم.

ومن مهموز هذا الباب :

وفی أَیْمَانِهِم بِیْضٌ رِقَاقٌ

کَبَاقِی السَّیْلِ أَصْبَحَ فی المَنَاحِی

قال المَنْحَاهُ : مسیل الماءِ إذا کَانَ مُلْتَوِیاً.

وقال أبو عبید قال أبو عمرو : المَنْحَاهُ ما بین البِئْرِ إلی مُنْتَهی السانِیَهِ.

قال الأزهریّ : المَنْحَاهُ منتهی مَذْهَبِ السَّانِیَه ، وَرُبَّمَا وُضِعَ عنده حَجَرٌ لیعلم قائد السانیه أنه المنتهی فیتیسَّر مُنْعَطفاً لأنه إن جاوزَه تَقَطّع الغَرْبُ وأَدَاته.

وقال اللیث : النِّحْیُ جَرَّهٌ یُجعل فیها اللَّبَنُ لیُمْخَضَ ، والفعل منه نَحَی اللَّبَنَ یَنْحَاهُ وتَنَحَّاه أی تمَخَّضه وأنشد :

فی قَعْرِ نحْیٍ أستَثیرُ حُمّهْ

قال : وجمع النَّحْیِ أنحاءٌ.

قلت : والنِّحْیُ عند العرب الزِّقُّ الذی یُجْعَل فیه السَّمْن خاصّه. وهکذا قال الأصمعیّ وغیره ، ومنه قِصَّهُ ذاتِ النِّحْیَین ، والعرب تضرب بها المثَلَ ، فتقولُ : أَشْغَلُ مِنْ ذات النَحْیَیْنِ.

وقال ابن السکیت : هی امْرَأَهٌ من تَیْمِ الله بن ثَعْلَبه ، وکانت تبیع السَّمْنَ فی الجاهلیه فأتاها خَوَّات بن جبیر یبتاع منها سَمْناً فساومَها فحلّت نِحْیاً ثم آخر فلَم یَرْضَ وأَعْجَلَهَا عن شدّها نِحْیَیْها وساوَرَها فقضی حاجته منها ، ثم هرب ، وقال :

وَذَاتِ عِیَالٍ واثِقِینَ بِعَقْلِها

خَلَجْتُ لها جارَ اسْتِها خَلَجاتِ

وشَدَّتْ یَدَیْهَا إِذْ أَرَدْت خِلَاطَها

بِنِحْیَیْنِ من سَمْنٍ ذَوَیْ عُجُرَاتِ

قلت : والعرب لا تعرف النحْیَ غیرَ الزِّق ، والذی قاله اللیث أنه الجَرَّهُ یُمخض اللَّبَنُ فیها بَاطِلٌ.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ أَنْحَی ونَحَا وانْتَحَی اعتمد علی الشّیْءِ. ویقال : انْتَحَی له بِسَهْمٍ وأنْحَی علیه بشَفْرَتِه ونَحَا له بِسَهْمٍ ، ویقالُ فلان نَحِیَّهُ القَوَارع إذا کانت الشدائدُ تَنْتَحِیه وأنشد :

نَحِیَّهُ أَحْزَانٍ جَرَتْ مِنْ جُفُونِهِ

نضَاضَهُ دَمْعٍ مِثْلِ ما دَمَع الوَشَلْ

نُضَاضَهُ دَمْع بقیّه الدموع ، وبقیّهُ کل شیء نُضَاضَتُه. ویقال : استَخَذَ فُلانٌ فلاناً أُنْحِیَّهً أی انْتَحی علیه حتی أَهْلَکَ مالَه أو ضَرَّه ، أو جعل به شَرّاً. وأنشد :

إنّی إذا ما القومُ کانوا أُنْحِیَهً

أی انتحوْا علی عملٍ یعملونه. قال ذلک شَمِرٌ فیما قرأْتُ بخطّه.

وقال اللیث : کل من جَدّ فی أَمْرٍ فقد انْتَحَی فیه کالفرس یَنْتَحِی فی عِدْوِه.

وقال اللِّحْیَانِیُّ : یقال للرجل إذا مال علی أحَدِ شِقّیه أو انحنی فی قوسه قد نَحَی وانتحی واجْتَنَح وجَنَح ، وُضِعَا بمعنی واحد ویقال تنحی له بمعنی نَحا لَه ، وانْتَحی له ، وأنشد :

تَنَحَّی له عَمْروٌ فَشَکَّ ضُلُوعَه

بِمُدْرَنْفقِ الخَلْجَاءِ والنَّقْعُ سَاطِعُ

وفی حدیث ابن عمر : أَنَّه رأی رَجُلاً ینْتَحِی فی سجوده فقال لا تَشِینَنّ صورتک.

ص: 164

قال شَمِرٌ : الانْتِحاءُ فی السجود الاعتمادُ علی الجبهه والأنفِ حتی یؤثر فیهما.

وقال الأصمعیّ : الانْتِحَاء فی السیر الاعتماد علی الجانب الأیسر ثم صار الاعتماد فی کل وجه. قال رؤبه :

مُنْتَحِیاً مِنْ نَحْوِهِ علی وَفَقْ

وتجمع علی المناحات والمناوح والنوائح اسم یقع علی النّساء یجتمِعْن فی مناحه وتجتمع علی الأنواح قال لبید :

قُوما تجوبانِ مع الأَنْوَاحِ

والنَّوَح : نَوْحُ الحمامه قال : والرّیاح إذا اشتد هُبُوبها یقال قد تناوحت ، ومنه قول لبید یمدح قومه :

وَیُکَلِّلُونَ إذا الرِّیاحُ تَنَاوَحَتْ

خُلُجاً تُمَدُّ شَوَارِعاً أَیْتَامُها

قلت : والرِّیاحُ النُّکْبُ فی الشتاء هی المُتنَاوحه ، وذلک أنها لا تهُبّ من جِهَهٍ واحدهٍ ولکنها تَهُبُّ من جهات مُخْتَلِفه وسمیت متناوحه لمقابله بعضها بعضاً ، وذلک فی السَّنه الجدبه وقلّه الأَنْدیه ، ویُبْس الهواء وشده البرْد. والنوائح من النساء سمین نوائِحَ لمقابله بعضهن بعضاً إذا نُحْنَ ، وقال الکسائیّ فی قول الشاعر :

لقد صَبَرَتْ حَنِیفَهُ صَبْرَ قَوْمٍ

کِرَامٍ تحتَ أَظْلَالِ النَّوَاحِی

أَراد النَّوائح فقلب وَعنی بها الرایاتِ المتقابلات فی الحَرْبِ. قال : ویقال هما جَبَلَانِ یَتَنَاوَحان ، وشجرتان تتَنَاوحان إذا کانتا متقابِلَتین ، وأنشد غیره :

کأنکَ سکرانٌ یَمِیلُ برأسِهِ

مُجَاجَهُ زِقِّ ، شَرْبُها مُتَنَاوِحُ

أی یُقَابِلُ بعضُهم بَعْضاً عند شرْبِها ، وقیل أراد بقوله تحت أظلال النواحی السیوفَ.

خُفٍّ ولا نعلٍ ، وإذا انسحجت القدم أو فِرْسَنُ البعیرِ أو الحافرُ من المشی حتی رقَّت قیل حَفِیَ یَحْفَی فهو حفٍ وأنشد :

وَهْوَ مِنَ الأَیْنِ حَفٍ نَحِیتُ

وأَحْفَی الرجلُ إذا حَفِیَتْ دابَّتهُ. وقال الزّجّاج الحَفَا مقصورٌ أن یکثُر علیه المشی حتی یُؤلِمَه المشیُ. قال : والحَفَاء ممدودٌ أن یمشی الرجل بِغَیْر نعلٍ ، حافٍ بیّن الحفاءِ ممدودٌ وحفٍ بیّن الْحَفَا مقصورٌ إذا رقّ حافِرُه.

ورُوِیَ عن النبیّ صلی الله علیه وسلم أنه أَمر بإحفاء الشَّوارب وإِعْفَاءِ اللِّحَی.

قال أبو عبید قال الأصمعیُّ : أَحْفَی شَاربَه ورَأْسَه إذا ألزق جَزّه. قال. ویقال : فی قول فلان إحْفَاءٌ وذلک إذا أَلْزَق بک ما تَکْرَهُ وأَلَحّ فی مساءَتِک کما یُحَفَّی الشیءُ أی ینتقص.

وقال الحارث بن حِلّزه :

إنَّ إِخْوَاننَا الأَرَاقِمَ یَعْلُونَ

علینا ، فی قِیْلِهِمْ إحفَاءُ

أی یقعون فینا.

وقال اللیث : أحفی فلانٌ فلاناً إذا برَّح به فی الإلحاف علیه أو مُسَاءله فأکثر علیه فی الطّلب. قلت : الإحفاءُ فی المسألَهِ مثلُ الإلحاف سواءً وهو الإلحاح. وقال الفراء : (إِنْ یَسْئَلْکُمُوها فَیُحْفِکُمْ) [محَمَّد : 37] أی یُجهدْکم ، وأَحَفَیْتُ الرجلَ إذا أجهدْته وکذلک قال الزجاج. وقال الفراء فی قول الله (یَسْئَلُونَکَ کَأَنَّکَ حَفِیٌ عَنْها) [الأعرَاف : 187] فیه تقدیم وتأخیر معناه یسألونک عنها کأنّک حَفِیٌ بها. قال ویقال فی التفسیر کأنک حفِیّ کأنَّکَ عَالمٌ بها ، معناه حافٍ عالِمٌ.

ویقال تحافَیْنَا إلی السلطان فرفَعَنا إلی القاضی ، قال : والقاضی یسمی الحَافِیَ. وقال أبو إسحاق : المعنی یسألونک عن أَمْرِ القیامه کأنک فَرِحٌ بِسُؤالهم ، یقال قد تحفّیْتُ بفلان فی المسألَهِ إذا سألت به سؤالاً أظْهَرْت فیه المحبَّه والبِرَّ ، قال : وقیل (کَأَنَّکَ حَفِیٌ عَنْها) کأنک أکثرْتَ المسأله عنها. وأمَّا قوله جلّ وعزّ : (إِنَّهُ کانَ بِی حَفِیًّا) [مریمَ : 47] فإن الفرّاء قال معناه کان بی عَالِما لَطیفاً یُجیب دُعَائی إذا دعوْتُه. قال أبو بکر : یقال تحفی فلانٌ بفلانٍ معناه أنَّه أظهر العنایه فی سُؤاله إیّاه ، یقال : فلانٌ به حَفِیٌ إذا کان معنِیَّاً ، وأنشد :

فَإنْ تَسْأَلِی عَنّی فَیَارُبَّ سائِلٍ

حَفِیٍ عن الأعْشی بهِ حیثُ أَصْعَدَا

معناه مَعْنِیٌّ بالأعْشی وبالسؤال عنه ، وقال فی قوله : (یَسْئَلُونَکَ کَأَنَّکَ حَفِیٌ عَنْها) معناه کأَنَّک مَعْنِیٌّ بها ، ویقال : المعنی یسألونک کأنَّک سائِلٌ عنها ، قال وقوله : (إِنَّهُ کانَ بِی حَفِیًّا) مَعْنَاهُ کان بی مَعْنِیّاً.

وأخبرنی المنذریّ عن أبی العباس عن ابن الأعرابیّ قال : یقال لقیت فُلاناً فَحَفِیَ بی حَفَاوَهً. وتحفّی بی تحفِّیاً ، ویقال حَفِیَ اللهُ بک فی معنی أکْرَمک اللهُ. والتَّحَفِّی الکلامُ واللقاءُ الحسن. وحَفِیَ من نَعْله وخُفِّه حُفْوَهً وحِفْیَهً وحَفَاوَهً ، ومشی حتی

ص: 167

حَفِی حَفاً شدیداً ، وأحفاه الله وتَوَجّی من الحَفَا وَوَجِی وَجیً شدیداً.

وقال الزجَّاج فی قوله : (إِنَّهُ کانَ بِی حَفِیًّا) معناه لطیفاً یقال : حَفِیَ فُلانٌ بفلانٍ حُفْوَه إذا برّه وأَلْطَفَه.

وقال اللیث : الحَفِیُ هو اللطیف بک یَبَرُّک ویُلطفک ویَحتفی بِکَ.

وقال الأصمعیّ : حَفِیَ فُلانٌ بفلان یَحْفَی به حَفَاوَه إِذَا قام فی حاجَتِه وأَحْسَنَ مَثْوَاهُ. ویقال : حَفَا فُلانٌ فُلاناً من کل خَیْر یَحْفوه إذا مَنَعَه من کلّ خیر.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابیّ : قال الحَفْوُ : المَنْعُ ، یقال أَتانی فَحَفَوْتُه أی حرمتُه. وعطس رجل عند النبی صلی الله علیه وسلم فوق ثلاث فقال له النبی : حَفَوْتَ ، یقول : منَعْتَنَا أن نشمِّتَکَ بعد الثلاثِ. قال : ومن رَوَاهُ : حَقَوْت ، فمعناه شدّدت علینا الأمْرَ حتی قطعْتنا مأخوذ من الحِقْو لأنه یقطع البطن ویشدّ الظهر.

وفی حدیث المضطر الذی سأل النبی صلی الله علیه وسلم : متی تحل لنا المَیْته؟ فقال : ما لم تَحْتَفِئُوا بها بَقْلاً فشأنَکم بها.

قال أبو عبید قال أبو عبیده هو من الحَفَأ مهموز مقصورٌ وهو أصل البَرْدِیّ الرطْب الأبیضِ منه ، وهو یُؤْکَل ، فتأوَّله فی قوله تحْتَفِئوا یقول : ما لم تَقْتَلِعُوا هذا بعیْنه فتأکلوه.

وقال اللیث : الحَفَأُ : البردیّ الأخْضَرُ ، مَا کان فی منبته کثیراً دائِماً ، والواحده حَفأَهٌ ، وأنشد :

أو ناشِیء البَرْدِیّ تحت الحَفا

ترک فیه الهمز قال واحتَفَأْتُ أی قلعت قلت : وهذا یقرب من قول أبی عبیده ویقوّیه قال أبو سعید فی قوله أو احْتَفِنُوا بَقْلاً فشأْنَکُم بها ، صوابُه تَحْتَفُوا بتخفیف الفاء ، وکل شیء استُؤصل فقد احتُفِیَ ، ومنه إحفاءُ الشعر. قال : واحتفی البقْلَ إذا أَخَذَهُ من وجْه الأرض بأطراف أصابعه من قِصَرِه وقِلَّته ، قال : ومن قال احْتَفِئُوا بالهمز من الحَفَأ البَرْدِیّ فهو باطل لأنّ البَرْدِیّ لیس من البَقْل ، والبُقُولُ ما نَبَت من العُشْبِ علی وجه الأَرْضِ مما لا عِرْق له قال : ولا بَرْدِیّ فی بلاد العَرَبِ ، قال والاجْتِفَاءُ أیضاً فی هذا الحدیث باطل لأن الاجتفاء کبُّک الآنیه إذا جفأَته وقال خالد بن کُلْثوم : احتفی القوم المرعی إذا رعَوه فلم یترکوا منه شیئاً قال وفی قول الکمیت :

وشُبِّه بالحفْوَهِ المُنْقَلُ

أن ینتقلَ القومُ من مَرْعیً احْتَفَوْه إلی مرعیً آخرَ.

أَبو عبید عن الأصمعی حَفَّیْتُ إلیه فی الوصیه بَالَغْتُ قال : تحفّیْتُ به تَحَفِّیاً ، وهو المُبَالَغَهُ فی إکْرَامه.

أبو زید : حافَیْتُ الرجل محافاه إذا نازعته الکلام وماریتَه. والحفْوَهُ الحَفَا وتکون الحِفْوَه من الحافی الذی لا نعل له ولا خُفّ. ومنه قول الکمیت :

وشُبه بالحِفْوَهِ المُنْقَلُ*

الفَحْیَهُ ، والفَأْرَهُ والفَئِیرَه والحرِیرَهُ لِلْحَسْوِ الرقیق.

وقال اللیث : الفَحْوَی معنی ما یُعْرَفُ من مذْهَبِ الکلام ، تقول أعرف ذلک فی فَحْوَی کلامِه وإنه لَیُفَحِّی بکلامه إِلی کذا وکذا.

وأخبرنی المنذریّ عن ثعلب أنّه قال : یقال فی فَحْوَی کلامِه أی معناه وفَحْواءِ کلامه وفُحَوَاءِ کلامِه. قال : وکأنه من فَحَّیْتُ القِدْر إذا ألقَیْتَ فیها الأَفْحَاءَ وهی الأبْزَارَ.

وقال ابن الأعرابیّ واحد الأفحاء فِحًی وفَحًی.

وقال ابن السکیت : الفَحَی الأبزَارُ ، وجمعه الأفْحَاءُ والباب کله بفتح أوله مثل الحَشَا : الطرَف من الأطْراف والقفا والرَّحَی والوغَی والشَّوَی.

أَفْیَح وقد فَاحَ یَفَاحُ فَیَحاً ، وقیاسه فَیحَ یَفْیَحُ.

قلت : وقولهم للغاره : فِیحِی فَیَاحِ ، الغارَهُ هی الخیلُ المُغیرهُ تَصْبَحُ حیّاً نَازِلِینَ ، فإذا أَغَارَتْ علی ناحیهٍ من الحیّ تَحَرَّزَ عُظْمُ الحی ولجئوا إلی وَزَرٍ یعوذُون به ، وإذا اتسعوا وانتشروا أحرَزُوا الحیّ أَجْمَع ، ومعنی فِیحِی أی انتشری أَیَّتُها الخیلُ المُغِیرَهُ ، وسمّاها فَیَاحِ لأنها جماعهٌ مؤنثه خرجت مَخْرَج قطامِ وحَذَامِ وکَسَابِ وما أشبهها.

وناقهٌ فیَّاحهٌ إذا کانت ضخمهَ الضّرع.

وقال أبو زید : یقال لو ملکت الدنیا لفیَّحْتُها فی یوم واحد أی أنفقتها وفرّقتها.

ورجل فَیَّاحٌ نَفَّاحٌ : کثیر العطایا.

ثعلب عن ابن الأعرابی : أفاح الدماءَ أی سَفَکَها ، وفَاح الدمُ نفسُه ، ونَحْوَ ذلک.

قال أبو زید ، وأنشد :

إلَّا دِیَاراً أَوْ دَماً مُفَاحاً

شمر : کُلُّ شیء واسعٍ فهو أَفْیَحُ وفَیَاحٌ وفیَّاح. ویقال فی جمع الأَفْیَحِ فِیحٌ ، وناقه فَیَّاحَهٌ ضخمهُ الضَّرْعِ غزیره اللبن وقال :

قد یمنح الفیاحه الرفودا

یحسبها حالبها صعودا

وقال اللهُ جلّ وعزّ : (أَنْ یَحِیفَ اللهُ عَلَیْهِمْ وَرَسُولُهُ) [النُّور : 50] أی یجور.

أبو عبید عن الفرّاء یقال حُبْیَهٌ وحَبْوَهٌ. وقد احتبی بثوبِه احتباءً.

والعرب تقول : الحُبَی حیطانُ العرب.

وقد یَحْتَبی الرجل بیدیه أیضاً.

أبو بکر : الحِبَاءُ ما یَحْبُو به الرجل صاحبه ویُکرمه به. قال : والحِبَاءُ من الاحْتباءِ ، ویقال فیه الحُباءُ بضم الحاء ، حکاهما الکسائیّ ، جاء بها فی باب الممدود.

قال وقال أبو العباس : فلان یَحْبُو قَصَاهُم ویحوط قَصَاهُم بمعنًی ، وأنشد :

أَفْرِغْ لِجُوفٍ وِرْدُها أَفْرَادُ

عَبَاهِلٍ عَبْهَلَهَا الوُرَّادُ

یحبُو قَصَاهَا مُخْدِرٌ سِنَادُ

أَحْمَرُ مِنْ ضِئْضِئِها مَیَّادُ

سنادٌ مشرِفُ ومیَّادٌ یذْهَبُ ویجِیءُ.

أبو عبید عن الأصمعیّ : الحابِی من السِّهامِ الذی یَزْحَفُ إلی الهدَفِ إذا رُمِیَ به. قال والحَبِیُ من السحابِ الذی یعْتَرِض اعتراضَ الجَبَل قبل أن یُطبِّق السماءَ.

وقال اللیث الحَبِیُ سحابٌ فوق سحابٍ.

قال : ویقال للسفینه إذا جرت حَبَتْ ، وأنشد :

فَهْوَ إذا حَبَا لَهُ حَبِیُ

ویقال : حَبَا لَهُ الشیءُ إذا اعترضَ ، فمعنی إذا حَبا له أی اعترض له مَوْجٌ. قال والحِبَاءُ عَطاءٌ بلا مَنّ ولا جزاءٍ ، تقول حَبَوْتُه أَحْبُوه حِبَاءً ، ومنه اشْتَقَّت المُحَابَاهُ ، وأنشد :

أصْبِرْ یَزِیدُ فقدْ فَارَقْتَ ذَامِقَهٍ

واشکُرْ حِبَاءَ الّذی بالمُلْکِ حَابَاکا

وجعل المهلْهِلُ مهرَ المرْأَهِ حِبَاءً ، فقال :

أَنْکَحَها فَقْدُها الأَراقِمَ فی

جَنْبٍ وکان الحِبَاءُ من أَدَمِ

أراد أنهم لم یکونوا أرباب نَعَمِ فَیُمْهِرُوها الإبل ، وجعلهم دَبَّاغِین للأَدَمِ.

أبو عبید عن أبی زید هو یَحْبُو ما حَوْلَه أی یَحْمِیه ویَمْنَعُه.

وقال ابن أحمر :

وراحَتِ الشَّوْلُ وَلَمْ یَحْبُها

فَحْلٌ ولم یَعْتَسَّ فیها مُدِرّ

أی لم یطف فیها حَالِبٌ یَحْلِبها.

قال أبو عبید ، وقال الکسائیُ حبا فلانٌ للخمسین إذا دَنَا لَها.

وقال ابن الأعرابیّ : حَبَاهَا وحَبَا لَها أی دنَا لَها.

وقال غیره : حبا الرمْلُ یحبو إذَا أَشْرَف مُعْتَرضاً فهو حابٍ.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : الحَبْوُ اتِّساعُ الرمْلِ ، والحبو امتلاءُ السَّحَابِ بالماءِ ، ویقال رَمَی فَأَحْبَی أی وقَع سَهْمهُ دونَ الغَرَضِ ، ثم تَقَافَزَ حتی یُصیبَ الغرضَ.

ومن المهموز :

والصواب الجَبْأَهُ بالجیم ومنه قول الجعدی :

کجبْأَه الخَزَمِ

سلمه عن الفراء الحابِیَانِ الذئبُ والجرادُ.

قال وحبا الفارس إذا خفق وأنشد :

نحبو إلی الموْت کما یَحْبُو الجمل

والواحده حَوْبَهٌ ، ومنه الحدیثُ الآخَرُ. إن رجُلاً أتی النَّبیَّ علیه السلام فقال : إنی أَتَیْتُکَ لأُجَاهِدَ معک ، قال ألک حَوْبهٌ؟ قال : نعم ، قال : فَفِیها فَجَاهِدْ.

قال أبو عبید یرید بالحُوْبه ما یأثَمُ به إن ضیَّعَهُ من حُرمَهٍ.

قال وبعض أهل العلم یتأوّله علی الأمِّ خاصهً ، وهی کل حُرْمَهٍ تَضِیعُ إن تَرَکَها مِنْ أُمٍّ أَوْ أُخْتٍ أو بِنْتٍ أو غیرِها.

وقال أبو زید لی فیهم حَوْبَهٌ إذا کانت قَرابهً من قبَلِ الأُمِّ ، وکذلک کل رَحِمٍ مَحْرَمٍ.

وقال الأصمعیّ یقال : بات فلان بِحِیبَهِ سَوءٍ إذا باتَ بِشدّه وحال سیّئه.

ویقال فلان یتحوَّبُ من کذا وکذا أی یتغیَّظ منه ویتوجَّع ، وقال طفیلٌ الغَنَوی :

فَذُوقُوا کما ذُقْنَا غَدَاهَ مُحَجَّرٍ

مِنَ الغَیْظِ فی أکْبَادِنَا والتَّحَوُّبِ

قال أبو عبید : التحوُّب فی غیر هذا التأَثُّمُ أیضاً من الشیء وهو من الأوَّلِ ، وبعضه قریِب من بْعضٍ.

قال أبو عبید : والحَوْبَاءُ النفْس ممدودهٌ ساکنهُ الواو. والحابُ والحُوب الإثم مثل الجَال والجُول. ویقَال تحوّب فلان إذا تعبّد کأَنَّه یُلقی الحُوبَ عن نَفْسِه ، کما یقال تأَثَّمَ وتحنَّث إذا ألْقَی الحنْثَ عن نفسه بالعباده.

وقال الکمیت وذکر ذئباً سقاه وأطعمه :

وصُبَّ له شَوْلٌ من الماء غائر

به کَفَّ عَنْهُ الحِیبَهَ المُتَحَوِّبُ

والحیبه ما تتأَثَّمُ مِنْه. والحُوب الهلاکُ وقال الهذلیّ أو المهذلیه أظنه لامرأه منهم :

وکُلُّ حِصْنٍ وَإِنْ طالَتْ سَلَامَتُه

یوماً سیدْخُلُه النَّکْرَاءُ والْحُوبُ

أی کُلُّ امْرِیءٍ هَالِکٍ وإن طالت سلامَتُه.

أَبُو عبید یقال أَلْحَقَ الله بک الحَوْبَهَ ، وهی الحاجهُ والمسکنه والفَقْر.

وقال ابن شُمَیْلٍ : إلیکَ أَرْفَعُ حَوْبَتِی أی حاجَتِی. والحَوْبَهُ الحاجهُ ، وحَوْبَهُ الأُمِّ علی الوَلد تَحَوُّبها ورقَّتُها وتوجُّعُها.

وقال أبو عبیده : الحَوْبَهُ الهَمُّ والحاجه وکذلک الحِیْبَهُ ، وقال الهذلیّ :

ثُمَّ انْصَرَفْتَ ولا أَبُثُّکَ حِیْبَتِی

رَعِشَ العِظَامِ أَطِیشُ مَشْیَ الأصْوَرِ

قال : ویقال : نرفع حَوْبَتَنَا إِلْیکَ أی حاجتَنَا.

ابن السّکِّیت عن أبی عبیده ، یقال لی فی فلان حَوْبَهٌ وبعضُهم یقول حِیبَهٌ ، وهی :الأُمُّ أو الأُخْتُ أو البِنْتُ ، وهی فی موضع آخر الهَمُّ والحاجَهُ وأنشد بیتَ الهذلیّ.

وروی شمر بإسنادٍ له عن أبی هریره أن النبیّ صلی الله علیه وسلم قال «الرِّبا سبعون حَوْباً أیسرها مثل وقوع الرجل علی أمِّه وأربی الرِّبا عِرْض المسلم». قال شمر : قوله «سبعون حوباً» کأَنه سبعون ضَرْباً من الإثم. یقال سمعت من هذا حَوْبَیْن ، ورأیْتُ مِنْه حَوْبَیْنِ. أی فنَّیْنِ وضَرْبَیْنِ.

وقال ذو الرُّمَّه :

ص: 174

تَسْمَعُ فی تَیْهایه الأفْلَالِ

حَوْبَیْنِ من هَماهِمِ الأغْوَالِ

أی فَنَّیْنِ وضَرْبَیْنِ ، وروی بیت ذی الرُّمَّهِ بفتح الحاء.

قال الفرّاء : ورأیت بنی أَسَدٍ یقولون الحائبُ القاتلُ ، وقد حابَ یَحوبُ.

وقال الفرَّاء : قَرَأَ الحَسَنُ (إنّه کان حَوْبا کبیرا) [النِّساء : 2] وقرأ قتاده «حُوباً» وهما لغتان ، الضَّمُّ لأهل الحجازِ والفتح لتَمیمٍ.

وقال اللیث : الحماه لَحْمه مُنْتَبِرَه فی باطن الساق.

وقال الأصمعیّ : الحَمَاتَان : اللَّحْمَتانِ اللَّتان فی عُرْض الساق تُرَیَان کالعصَبَتیْن من ظاهرٍ وباطنٍ.

وقال ابنُ شمیل : هما المُضْغَتَانِ المنْتَبِرَتان فی نِصْفِ السَّاقین من ظاهرٍ.

وقال الأصمعیُّ فی الحوافر : الحَوَامِی وهی حُرُوفُها من عن یمینٍ وشِمَالٍ.

وقال أبو داود :

له بَیْنَ حَوَامِیِه

نُسُورٌ کَنَوَی القَسْبِ

وقال أبو عبیده : الحامیتان ما عن یمینِ السُّنْبُک وشِمَاله.

وقال اللیث : الحِمَی موضع فیه کَلأٌ یُحْمَی من الناس أن یُرْعَی.

وقال الشافعیّ فی تفسیر قول النبیّ صلی الله علیه وسلم «لا حِمَی إلا للهِ ولرسوله». کان الشریفُ من العرب فی الجاهلیَّه إذا نزل بلداً فی عشیرته استعوی کلباً فَحَمَی لخاصّتَهِ مَدَی عُوَاء ذلک الکلْبِ ، فلم یَرْعَهُ معه أحَدٌ وکان شریکَ القوم فی سائر المراتع حوله. قال : فنهی النبیُّ صلی الله علیه وسلم أن یُحْمَی علی الناس حِمیً کما کانوا فی الجاهلیَّه یَحْمُون. قال وقوله : «إلّا لله ولرسوله» یقولُ إلّا ما یُحْمَی لخیل المسلمین ورکابهم المُرْصَدَهِ لجهادِ المشرکین والحملِ علیها فی سبیل الله ، کما حَمَی عُمَرُ النَّقِیعَ لِنَعَمِ الصَّدَقَهِ والخَیْلِ المعَدَّهِ فی سبیل الله.

وقال الأصمعیّ : یُقَالُ حَمَی فلانٌ الأرض یَحْمِیها حِمیً إذا مَنَعها من أن تُقْرَبَ. ویقال أحْمَاها إحْمَاءً إذا جعلها حمیً لا تُقْرَب. قال : وأحْمَیْتُ الحدیدهَ فأنا أُحْمِیها إحْمَاءً حتی حَمِیَتْ تَحْمَی ، وکذلک حَمِیَتِ الشمس تَحْمَی حَمْیاً.

وقال ابن السکّیت : أحْمَیْتُ المسمار إحْماء فأنا أحْمِیه ، وهذا ذَهَبٌ جیِّدٌ یخرج علی الإحماء ولا یقال علی الحَمَی لأنه من أَحْمَیت. ویقال حَمَیْت المریض وأنا أحْمِیه من الطّعام ، وحَمَیْتُ القومَ حِمایهً ، وحَمَی فلانٌ أنْفَهُ یحمِیه حَمِیَّهً ومَحْمِیَهً ، وفلانٌ ذُو حَمِیَّهٍ مُنْکَرَهٍ إذا کان ذَا غَضَبٍ وأنَفَهٍ ، وحَمَی أهْلَهُ فی القِتال حِمایهً.

وقال اللیثُ : حَمِیتُ من هذا الشیء أحْمَی منه حَمِیّهً أی : أنفاً وغیظاً ، وإنه لرجل حَمِیٌ لا یَحْتَمِلُ الضَّیْم ، وحَمِیُ الأنْف ، ویقال : احْتَمَی المریضُ احْتِماءً من الأطْعِمه. والرجلُ یَحْتَمِی فی الحرْب إذا حَمَی نفْسه ، وحَمِیَ الفرسُ إذا عَرِق یَحْمَی حَمْیاً وحَمَی الشَّدُّ مثلَه.

وقال الأعشی :

کأَنَّ احْتِدامَ الجَوْفِ من حَمْیِ شَدِّهِ

وما بَعْدَهُ من شَدِّهِ غَلْیُ قُمْقُمِ

ویجمع حَمْیُ الشَّدِّ أحْماءً.

وقال طرفه :

فهی تَرْدِی وإذا ما فَزِعَتْ

طَارَ من أحْمَائِها شَدُّ الأُزُرْ

ص: 177

ویقال إن هذا الذهب والفضه ونحوها لحسن الحَمَاءِ ، ممدود أی خرج من الحَماء حسناً.

قال والحامِیَهُ الرجلُ یحمی أصْحابَه فی الحَرْب. یقال : کان فلانٌ علی حامِیَهِ القوْم أی آخِر من یَحْمِیهم فی انْهِزَامِهم ، والحامیه أیضاً جَمَاعَهٌ یَحْمُون أنْفُسَهم.