ص: 2

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

بمُنْتَعَفِ بین الحُزُونَهِ والسّهْل وقال ذو الرمه :

قطعتُ بنعف مَعْقُلَهَ العِدَالا یرید : ما استرقَّ من رمله.

الخَلْق ، وناقه عَبَنَّهٌ.

الوَجْه المُشْرَبُ حمرهً.

وقال أبو زید فی کتاب «النوادر» : العَنَمُ واحدته عَنَمه ، وهی أغصان تنبت فی سُوقِ العِضَاهِ رَطْبَهٌ لا تُشْبِهُ سائر أغصانه ، أحمر النَّوْر ، یتفرق أَعالی نَوْرِهِ بأربع فرق ، کأنه فَنَنٌ من أراکه یخرجن فی الشِّتَاءِ والقَیْظ.

فی قوله : وأَنْعما» ، أی زادا علی ذلک ، یقال : قد أحسنتَ إلیّ وأنعمت ، أی زدت علی الإحسان ، ودققتُ دواء فأنعمتُ دقّه ، أی بالغت وزدت ؛ وأنشد ابن الأعرابی :

سمین الضواحی لم تؤرِّقه لیلهً

وأنعم أبکارُ الهُمُوم وعونُها

الضواحی : ما بدأ من جسده ، لم تؤرقه لیلهً أبکار الهموم وعونها وأنعم ، أی وزاد علی هذه الصفه.

وقال أبو عمرو : أبکار الهموم : ما فجئَک وعُونها : ما کان همّاً بعد همّ. وحرب عَوَان إذا کانت بعد حرب کانت قبلها.

ویقال : جاریه منعَّمه ومناعَمَه ، أی مترَفه.

ونعّم فلان ولده إذا ترَّفهم.

ویقال : ناعِمْ حبلَکَ وغیره ، أی أُحْکِمْهُ. والتنعیم : موضع یقرب من مکه. والنَّعامه هذا الطائر یجمع نَعَاماً ونعامات ونعائم.

الأصمعی : ومن أسماء الجَنُوب النُّعامی علی فُعالَی.

وقال اللیث : النَّعَام بغیرها : الظلیم ، والنعامه الأنثی. قلت : وجائز أن یقال للذکر نعامه بالهاء ، وکذلک الأنثی یقال لها نعامه.

أبو عبید عن أبی زید : الزُّرْنُوقَان : منارتان تبنیان علی رَأُسِ البئر ، والنعامه : الخشبه المعترِضه علی الزُرنوقین ، ثم تعلّق القامه وهی البَکَرَهُ من النّعامه ، فإن کانت الزرانیق من خشب فهی دِعَمٌ.

وقال أبو الولید الکلابیّ : إذا کانتا من خشب فهما النعامتان ، قال والمعترضه علیهما هی العَجَله ، والغَرْبُ معلَّق بها.

قلت : وقد تکون النعامتان خشبتین یضم طرفاهما الأعلیان ویُرْکَزُ طرفاهما الأسفلان فی الأرض ، أحدهما من هذا الجانب ، والآخر من الجانب الآخر ویُصْقعان بحبل ثم یُمَدُّ طرفا الحبل إلی وتدین مثبتین فی الأرض أو حجرین ضخمین وتعلّق القامه بین شُعْبَتَیْ النعامتین.

وقول الله جلّ وعزّ : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِیَ) [البقره : 271] ، ومثله : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا یَعِظُکُمْ بِهِ) [النِّساء : 58].

قال أبو عبید : قرأ أبو جعفر وشَیْبَه ونافع وعاصم وأبو عمرو : (فنِعْما) بکسر النون وجَزْم العین وتشدید المیم ، وقرأ حمزه والکسائی : (فَنَعِمَّا) بفتح النون وکسر العین.

وذکر أبو عبید حدیث النبی صلی الله علیه وآله وسلم حین قال لعمرو بن العاص : «نَعِمَّا بالمال الصالح للرجل الصالح» ، وأنه یختار هذه من أجل هذه الروایه.

وقال الزّجاج : النحویّون لا یجیزون مع إدغام المیم تسکین العین ویقولون إن هذه الروایه فی (نعما) لیست بمضبوطه.

ورُوی عن عاصم أنه قرأ : (فَنِعِمَّا) بکسر النون والعین.

وأما أبو عمرو فکان مذهبه فی هذه کسره خفیفه مختلسه.

والأصل فی نعْم ، ونِعِم ثلاث لغات. وما فی تأویل الشیء فی نِعِمَّا ،

ص: 10

المعنی : نعم الشیء هی.

وأما قول الله جلّ وعزّ : (وَإِنَّ لَکُمْ فِی الْأَنْعامِ لَعِبْرَهً نُسْقِیکُمْ مِمَّا فِی بُطُونِهِ) [النّحل : 66] ، فإن الفراء قال : الأنْعَامُ ههنا بمعنی النَّعَم ، والنَّعَمُ یذکر ویؤنّث. ولذلک قال جلّ وعزّ : (مِمَّا فِی بُطُونِهِ) [النّحل : 66] ، والعرب إذا أفردت النعم لم یریدوا بها إلا الإبل ، فإذا قالوا : الأنعام ، أرادوا بها الإبل والبقر والغنم. قال الله تعالی : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَهً وَفَرْشاً کُلُوا مِمَّا رَزَقَکُمُ اللهُ) [الأنعَام : 142] الآیه ، ثم قال : (ثَمانِیَهَ أَزْواجٍ) [الأنعام : 143] أی خلق منها ثمانیه أزواج. وکان الکسائی یقول فی قوله جلّ وعزّ : (نُسْقِیکُمْ مِمَّا فِی بُطُونِهِ) [النّحل : 66] قال : أراد فی بطون ما ذکرنا.

قال : ومثله قوله : مثل الفراخ نَتَقَتْ حواصله.

قال : أراد حواصل ما ذکرنا.

وقال آخر فی تذکیر النعم :

فی کلّ عام نَعَم تَحْوونه

یُلْقِحُه قوم وتَنْتِجُونه

ومن العرب من یقول للإبل إذا کثرت الأنعام والأناعیم. وقول الله جلّ وعزّ (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ یَحْکُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ) [المَائده : 95] ، دخل فی النعم ههنا الإبل والبقر والغنم والله أعلم.

عمرو عن أبیه قال : من أسماء الروضه : الناعمه والواضعه والناصفه والغَلْباء واللفَّاء. وروی سلمه عن الفراء قالت الدٌّبَیْریه یقال : حُقْت الحَشْرَبَهَ ونَعَمَتُها وصُلْتها. أی کنستها ، وهی المِحْوَقَه والمِنْعَم والمِصْوَل : المکنسه.

وقال اللیث : النعامه : صخره فی الرکیَّه ناشزه. قال : وزعموا أن ابن النعامه من الطرق کأنه مَرْکب النعامه فی قوله :

* وابن النعامه یوم ذلک مرکبی*

قال : ویقال : خفت نعامتهم أی استمرّ بهم السیر.

وقال النحویون فی نعم وبئس إذا کان معهما اسم جنس بغیر ألف ولام فهو نصب أبداً ، وإذا کانت فیه الألف واللام فهو رفع ابداً ، وذلک قولک : نعم رجلاً زید ونعم الرجل زید ، نصبت رجلاً علی التمییز ، ولا یعمل نعم وبئس فی اسمٍ علمٍ ، إنما تعملان فی اسم منکور دالّ علی جنس أو اسم فیه ألف ولام یدلّ علی جنس ، وإذا قلت بئسما فعل ، أو نعم ما فعل فالمعنی : بئس شیئا ونعم شیئاً فعل ، کذلک قول الله : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا یَعِظُکُمْ بِهِ) [النِّساء : 58] به معناه نعم شیئاً یعظکم به.

وقال الله جلّ وعزّ : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّکُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) [الأعرَاف : 44]. وفی بعض اللغات : نَعِمْ ، فی معنی نَعَم ، موقوفه الآخر ، لأنها حرف جاء لمعنی ، وإنما یجاب بها الاستفهام الذی لا جحد فیه. وقد یکون نَعَمْ تصدیقاً ، قال ذلک النحویون.

وروی أبو العباس بإسناده عن الکسائی قال : نَعَمْ یکون تصدیقاً ویکون عِدَهً.

وقال اللحیانی یقال للإنسان : إنه لخفیف النعامه إذا کان ضعیف العقل. وقال أبو

ص: 11

عبیده فی کتاب «الخیل» : النعامه : الجلده التی تَغْشی الدماغ ، ونحو ذلک قال الأصمعی ، وقال أبو عبیده : یقال : أتیت أرضاً فنعَّمتنی أی وافقتنی وأقمت بها ، وتنعَّمت فلاناً : أتیته علی غیر دابَّه ، وتنعّم فلان قدمیه أی ابتذلهما.

وقال الفراء : ابن النعامه عِرْق فی الرجْل ، قال وسمعته من العرب.

وقال أبو عمرو النعامه الظلمه ، والعرب تقول : أصمّ من نعامه ، وذلک أنها لا تلوی علی شیء إذا جَفَلت ، ویقولون : أشمّ من هَیْق لأنه یَشَمّ الریح. وقال الراجز :

* أشمّ من هَیْق وأهدَی من جمل*

ویقولون : أموق من نعامه ، وأشرد من نعامه ، ومؤوقها : ترکُها بیضها وحَضنها بیض غیرِها ، ویقال أجبن من نعامه ، وأعدی من نعامه ، ویقال رکب فلان جناحی نعامه إذا جدَّ فی أمره ، ویقال للمنهزمین : أضحَوا نعاماً ، ومنه قول بِشر :

فأمّا بنو عامر بالنِّسا

ر فکانوا غداه لَقُونا نعاما

وتقول العرب للقوم إذا ظعنوا مسرعین : خفّت نعامتهم ، وشالت نعامتهم ، ویقال للعذاری : کأنهم بیض نعام ، ویقال للفرس : له ساقا نعامه لقصر ساقیه ، وله جؤجؤ نعامه لارتفاع جؤجِئها. ومن أمثالهم : ما یجمع بین الأرْوَی والنعام ، وذلک أن مساکن الأروی شَعَف الجبال ، ومساکن النعام السهوله ، فهما لا یجتمعان أبداً. ویقال لمن یکثر علله علیک : ما أنت إلّا نعامه ، یعنون قوله :

ومثل نعامه تُدعی بعیرا

تُعاظمه إذا ما قیل طیری

ولو قیل احملی قالت فإنی

من الطیر المرِبَّه بالوُکور

ویقولون للذی یرجع خائبا : جاء کالنعامه لأن الأعراب یقولون : إن النعامه ذهبت تطلب قرنین : فقطعوا أذنیها فجاءت بلا أذنین ، وفی ذلک یقول بعضهم :

أو کالنعامه إذا غدت من بیتها

یصاغ قرناها بغیر أذِین

فاجتُثَّت الأذنان منها فانتهت

جَمّاء لیس من ذوات قرون

عمرو عن أبیه : شالت نعامتهم إذا تفرقت کلمتهم ، وشالت نعامتهم إذا ذهب عزهم وشالت نعامتهم إذا دَرَست طریقتهم.

ثعلب عن ابن الأعرابی : ابن النعامه : عَظْم الساق ، وابن النعامه : عِرْق الرجل ، وابن النعامه مَحَجَّه الطریق ، وابن النعامه : الفرس الفاره.

وابن النعامه : الساقی الذی یکون علی البئر.

والنَّعماء والنُّعمی ضدّ البأساء والبؤسی ، ونَعْمان : اسم جبل بین مکّه والطائف ، والنعائم منزل من منازل القمر ، والعرب تسمیها : النعام الصادر ، وهی أربعه کواکب مربّعه فی طرف المجرَّه ، وهی شأمیه.

وقال ابن الأعرابی : النعامه الرِّجْل ، والنَّعَامَهُ الساق ، والنعامه الفَیْج المستعجِل ، والنعامه الفَرَحُ ، والنعامه

ص: 12

الإکرام والنعامه المحجَّه الواضحه ، ومن أمثالهم : أَنْتَ کصاحبه النعامه ، وکان من قصّتها أنها وجدت نعامه قد غصَّت بصُعروره فأخذتها وربطتها بخمارها إلی شجره ، ثم دنت من الحیّ فهتفت : من کان یَحُفُّنا ویَرُفُنا فلیتَّرِکْ ، وقوَّضت بیتها لتحل علی النعامه ، فانتهت إلیها وقد أساغت غُصَّتها وأُفلتت ، وبقیت المرأه لا صَیْدها أحرزت ، ولا نصیبها من الحیّ حَفِظت. یقال ذلک عند المَزْرِیهِ علی من یثق بغیر الثقه.

وقال المبرد : النُعمان : الدم ، ولذلک قیل للشَّقِرِ : شقائق النعمان.

والمَعْن : الماء الظاهر.

وقال اللیث : المَعْن : المعروف ، والسَّعْن : الوَدَک ، قال ، ویقال معناه ما له قلیل ولا کثیر. وأنشد :

ولا ضیَّعتُه فأنامَ عنه

فإن ضیاع مالک غیر مَعْن

اللیث : أمعن الفرس وغیره إذا تباعد فی عَدْوه.

أبو زید : أمْعَنَتِ الأرضُ ومُعِنَتْ إذا رَوِیت ، وقد مَعَنها المطرُ إذا تتابع علیها فأرواها.

ومَعِین : اسم مدینه بالیمن. والمَعْن : الأدیم فی قوله : ولا حبٍ کمَقَدّ المَعْن وعَّسَهُ وقال ابن الأعرابی : المَعْنِیَ : الکثیر المال ، والمَعْنِیُ : القلیل المال.

وقال أبو عبید : مَعَان القوم : منزلهم ، یقال : الکوفه مَعَان منا أی منزل منّا.

قلت : والمیم من معان میم مفعل.

عمرو عن أبیه : أمعن الرجل إذا کثر ماله ، وأمعن إذا قَلّ ماله ، وأمعن بالحق إذا أقر به بعد جحوده.

تفسیر المانع : أنه تَبارک وتعالی یمنع أهل دینه أی یحوطهم وینصرهم ، ومن هذا یقال : فلان فی مَنَعه أی فی قوم یمنعونه ویحمونه ، وهذا المعنی فی منعه الله بالغ ، إذ لا مَنَعه لمن لم یمنعه الله ، ولا یمتنع من لم یکن الله له مانعاً.

وقال ابن السِّکیت : المُتَمَنِّعَتانِ البَکْره والعَنَاق تمنَّعان علی السَّنهِ لفَنَائِهِمَا ، وأنهما تشبعان قبل الجِلَّه ، وهما المقاتلتان للزمان عن أنفسهما.

وروی ابن عرفه عن أحمد بن یحیی عن ابن الأعرابی أنه قال : المنِیع الممتنع ، والممنوع الذی یمنع غیره.

وقال عمرو بن معدیکرب :

برانی حُبّ من لا أستطیع

ومن هو للذی أهوی مَنُوع

آخر الثلاثی الصحیح من حرف العین ، والمنّه لله سبحانه وتعالی :

قلت : ووجدت لأبی وَجْزه السعدیّ بیتاً فی العِهْو :

قرَّبن کلَّ صَلَخْدَی مُحْنِق قَطِمِ

عِهْوٍ له ثَبَج بالنِّیِّ مضبورُ

وقیل : جمل عِهْو ، نبیل الثَبَج لطیفه ، وهو شدید مع ذلک. قلت : کأنه شبه الجمل به لنحفته.

ثوراً طعن کِلاباً :

ینهی به سَوَّارَهُنَّ الأشجعا

حتی إذا ناهزها تَهوّعا

وقال بعضهم : تهوَّع أی قاء الدم ، ویقال قاء بنفسه فأخرجها.

أبو عبید : المَهْیَع : الطریق الواسع الواضح وقال أبو العیال الهذلی :

ارْجِع منیحتک التی أُتْبعْتَها

هَوْعاً وحَدَّ مذلَّق مسنون

یقول : رُدّها فقد جزِعت نفسُک فی أثرها. وقیل الهُوع : العداوه ، وقیل : شدّه الحرص ، یقال : هاعت نفسه هُوعاً أی ازدادت حرصاً.

وفی «النوادر» : فلان منهاع إلیّ ومُتَهَیِّع ، وتیّع ومتتیّع وتَرْعان وتَرِعٌ أی سریع إلی الشرّ.

وقال اللیث : العَیُّوق : کوکب أحمر مُضِیءٌ بحیال الثریّا ، إذا طلع عُلم أن الثریا قد طلعت وعیّوق : فیعول ، یحتمل أن یکون بناؤه من عوْق ومن عیْق ، لأن الیاء والواو فی ذلک سواء ، وأنشد :

وعاندت الثریّا بعد هَدْءٍ

معانده لها العیُّوق جار

قال : ویَعُوق : اسم صنم کان یُعبد علی زمن نوح علیه السلام. قال : ویَعُوق یقال : إنه کان رجلاً من صالحی زمانِه قبل نوح ، فلمَّا مات جزع علیه قومه ، فأتاهم الشیطان فی صوره إنسان فقال : أمثّله لکم فی محرابکم حتی ترَوه کلّما صلَّیتم ، ففعلوا ذلک ، فتمادی بهم ذلک إلی أن اتّخذوا علی مثاله صنماً فعبدوه من دون الله.

وأمّا قول الله جل وعز : (قَدْ یَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِینَ مِنْکُمْ) [الأحزَاب : 18] فإن المعوّقین قوم من المنافقین کانوا یثبِّطون أنصار النبی صلی الله علیه وسلم عنه ، وذلک أنهم قالوا لهم : ما محمد وأصحابه إلا أَکَلَهُ رأس ، ولو کانوا لحماً لالتقمهم أبو سفیان وحزبه ، فخلُّوهم وتعالَوا إلینا ، فهذا تعویقهم إیاهم عن نُصره النبی صلی الله علیه وسلم ، وهو تفعیل من عاق یعوق.

وقال أبو الهیثم : عاقنی عنک عائق وعقانی عنک عاقٍ علی القلب ، وأنشد :

فلو أنی دعوتک من بعید

لعاقک عن وعاء الذئب عاقی

أراد : عائق فقلبه. وقال العجّاح :

* لاثٍ به الأشاءُ والعُبْرِیُّ*

وإنما هو لائث من لاث یلوث فهو لائث فجعله من لثا یلثو فهو لاثٍ. ومثله : جُرُف هائر وهارٍ علی القلب.

وقال الفراء : مثله عاث وعثا وقاف وقفا. أبو عبید عن الأمویّ یقال للمرأه إذا لم تحظَ عند زوجها : ما لاقت ولا عَاقت ، أی لم تلصق بقلبه ، ومنه یقال : لاقت الدواهُ أی لصِقت وأنا ألقْتها. قلت : کأن عاقت إتباع للاقت.

وروی شمر لأبی عبید عن الأمویّ : ما فی شقائه عَیْقه من الرُّب. قلت : کأنه ذهب به إلی قوله ما لاقت ولا عاقت. وغیره یقول : ما فی نِحْیِه عَبَقَهٌ ولا عَمَقَهٌ. وقال ابن الأعرابی : رجل عَوْقٌ لَوْقٌ وضَیِّقٌ لَیِّقٌ عَیِّقٌ.

أبو عبید عن الأصمعی : العَیْقه : ساحل البحر. قلت : وتجمع عَیْقان.

قال اللیث : عُوقٌ وَالِدُ عُوج ، قال : وعَوْقٌ موضع بالحجاز ، وأنشد :

فَعَوْق فُرمَاح فاکَ

سلوی من أهله قفرُ

وقال اللِّحیانی : سمعت عاقِ عاقِ وغاقِ غاقِ لصوت الغراب ، قال : وهو نُعاقه ونُغاقه بمعنی واحد.

فمعناه : فتشتدَّ مرارتک ، ومن قال : فتُعْقَی فتُلْفَظَ لمرارتک. ویقال : عَقَاه واعتقاه إذا احتبسه ومنه قول الراعی :

* صباً تعتقیها مره وتقیمها*

قال بعضهم : معنی تعتقیها تُمضیها ، وقال الأصمعیّ : تحبسها.

أبو عبید عن الأحمر یقال لأوّل ما یخرج من بطن الصبی : العِقْیُ ، وقد عَقَی یَعْقِی عَقْیاً فإذا رضع فما بعد ذلک فهو الطَّوْف ، ویقال فی مَثَلٍ : أحرص من کلب علی عِقْی صبیّ.

وقال شمر قال ابن شمیل : الحِوَلَاء مُضَمَّنه لما یخرج من جوف الولد وهو فیها ، وهی أعقاؤه والواحد عِقْی ، وهو شیء یخرج من دُبُره وهو فی بطن أمّه أسود بعضِهِ وأصفر بعضٍ ، وقد عَقَی یَعْقی ، یعنی الحُوار إذا نُتجت أُمُّه فما خرج من دُبُره عِقْیُ حتی یأکل الشجر.

وفی حدیث ابن عباس حین سئل عن المرأه تُرضع الصبیّ الرَضْعه فقال : إذا عَقَی حرمت علیه المرأه وما ولدت.

قال أبو عبید : إنما ذکر ابن عباس العِقْیَ لیعلم أن اللبن قد صار فی جوفه لأنه لا یَعْقی من ذلک اللبن حتی یصیر فی جوفه وقد عَقَی المولود من الإنس والدوابّ ، وهو أوّل شیء یخرج من بطنه وهو یخرؤه.

وقال اللیث : العِقْیُ : ما یخرج من بطن الصبی حین یولد ، أسودُ لَزِجٌ کالغِراء.

ویقال هل عقَّیتم صبیّکم أی هل سقیتموه عَسَلاً لیسقط عِقْیُه.

أبو العباس عن ابن الأعرابی قال المُعَقِّی : الحائم المستدیر من العِقْبان بالشیء ، قال : وعَقَّت الدلوُ إذا ارتفعت فی البئر وهی تستدیر. وأنشد :

لا دَلْوَ إلَّا مِثْلُ دَلْوٍ أُهْبان

واسعهُ الفَزْغِ أدِیمان اثنان

مما ینقِّی من عُکَاظَ الرکبان

إذا السقاه اضطجعوا للأذقان

عَقَّت کما عقَّت دَلُوف العِقْبان

بها فناهِبْ کل ساقٍ عجلان

قال : عقت : ارتفعت - یعنی الدلو - کما ترتفع العُقاب فی السماء.

قلت : قوله : عقّت بمنی ارتفعت. وأصله عقَّقَتْ ، فلما توالت ثلاث قافات قلبت إحداهن یاء ؛ کما قال العجّاج :

* تقضِّی البازی إذا الباز کَسَرْ*

ومثله قولهم : التظَنی من الظنّ ، والتلعِّی لِلُّعاعه. وأصل تعقیه الدلو من العقّ وهو الشقّ. یقال : عَقَّ الرجلُ بسهمه إذا رمی به فی السماء فارتفع. ویسمی ذلک السهم العقیقه ، وقد مر تفسیره فی مضاعف العین. وأنشد أبو عمرو فی التعقیه :

وعقَّت دلوُه حین استقلّت

بما فیها کتعقیه العُقَاب

وقال أبو عبیده : عقّی الرامی بسهمه من عقَّق. وعَقْوَهُ الدار : ساحتها. یقال : نزلت بعَقْوته.

ص: 20

وقال اللیث : العَقْوه : ما حوالی الدار والمحَلَّه یقال ما بَعقوه هذه الدار مثل فلان.

وتقول ما یَطُورُ أحد بعَقْوه هذا الأسد ، ونزلت الخیل بعقوه العدوّ.

قال : والرجل یحضر البئر فإذا لم یَنْبِط الماءُ من قعرها اعتقی یَمْنَه ویَسْره ، وکذلک یشتق الإنْسَانُ الکلام فیعتقی فیه ، والعاقی کذلک ، وقلّما یقولون : عقا یعقو ، وأنشد بعضهم :

ولقد دَرِبْتُ بالاعتقا

ء والاعتقام فنلتُ نُجْحا

وقال رؤبه :

بشَیْظمیّ یفهم التفهیما

ویعتقی بالعُقم التعقیما

وقال غیره : معنی قوله : ویعتقی بالعُقم التعقیم معنی یعتقی أی یحبس ویمنع بالعَقَم التعقیم أی بالشرّ الشرّ.

قلت أنا : أمّا الاعتقام فی الحفر فإن الأصمعیّ فسّره أن الحافر إذا احتفر البئر فإذا قرب من الماء احتفر بئراً صغیره فی وسطها بقدر ما یجد طعم الماء ، فإن کان عذباً حفر بَقِیتَها ، وأنشد :

* إذا انتحی معتقِما أو لجَّفا*

وقد فسّرت هذا فی بابه. وأمّا الاعتقاء بمعنی الاعتقام فما سمعته لغیر اللیث.

وقال اللیث : العِقْیان : ذهب ینبت نباتاً ، ولیس مما یستذاب من الحجاره.

وقال غیره : هو الذهب ، وروی عمرو عن أبیه : العِقْیان : الذهب.

وفی «النوادر» : یقال : ما أدری من أین عُقیتُ ولا من أی طُبیتُ ، واعتُقیتُ وأُطُّبیتُ ، ولا من أین أُتِیتُ ولا من أین اغتُیِلْت بمعنی واحد.

قلت : وجه الکلام : اغْتِلْت.

والرَعِیق والوُعاق والرُعاق : الصوت الذی یسمع من بطن الدابه. وهو صوت جُرْدَانهِ إذ تقلقل فی قُنْبه.

وقال اللیث : یقال منه : وَعَق یَعِقُ وهو صوت یخرج من حَیَاء الدابّه إذا مشت ، قال : هو الخقیق من قُنْب الذکر ، قال : ویقال له : عُواق ووُعَاق ، وهو العویق والوعیق ، وأنشد :

إذا ما الرکبُ حَلَّ بدار قوم

سمعت لها إذا هَدَرت عُوَاقا

قلت أنا : جمیعُ ما قال اللیث فی الوعیق والخفیق خطأ ؛ لأن الوعیق والوُعَاق : صوت الجُرْدَان إذا تقلقل فی قُنْب الحِصَان ، کما قال ابن الأعرابی وأبو عبیده ، وأمّا الخقیق فهو صوت الحیاء إذا هُزلت الأنثی لا صوت القُنْبِ. وقد أخطأ فیما فسَّر.

علی أقتاره ، وامرأه قَعْوی ورجل قَعْوان.

أبو عبید عن الأصمعی : إذا ضرب الجمل الناقه قیل : قعا علیها قُعُوّاً ، وقاع یقوع مثله ، وهو القُعُوّ والقَوْع. ونحوَ ذلک قال أبو زید.

وقال اللیث یقال قاعها وقعا یقعو عن الناقه وعلی الناقه ، وأنشد :

* قاعَ وإن یَترک فَشْول دُوَّخُ*

ضربه الأرض إذا وَبَل.

ویقال : سمعت لحوافر الدواب وَقْعاً ووقوعاً. ووقع القول والحکم إذا وجب.

قال الله جل وعز : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّهً) [النمل : 82] معناه إذا وجب أخرجنا لهم دابّه من الأرض.

وقال جلّ وعزّ : (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَیْهِمُ الرِّجْزُ) [الأعرَاف : 134] معناه : لما أصابهم ونزل بهم. ویقال للإبل إذا برکت ، والدوابّ إذا رَبَضت : قد وقعت ووقَّعت ، وطائر واقع إذا کان علی شجر أو مَوْکِن.

وقال الأخطل :

کأنما کانوا غراباً واقعا

فطار لما أبصر الصواقعا

والنسر الواقع : کوکب ، سمّی واقعاً لأن بحذائه النسر الطائر حده ما بین النجوم الشأمیّه والیمانیه ، وهو معترِض غیر مستطیل ، وهو نیّر ، ومعه کوکبان غامضان وهو بینهما وقّاد ، کأنهما له کالجناحین قد بسطهما وکأنه یکاد یطیر ، وهو معهما معترِض مصطّف ، ولذلک جعلوه طائراً ، وأمّا الواقع فهی ثلاثه کواکب کالأثافی ، فکوکبان مختلفان لیسا علی هیئه النسر الطائر فهما له کالجناحین ، ولکنهما منضّمان إلیه کأنه طائر وقع

وقال اللیث : الوَقْعه فی الحرب : صَدْمه بعد صدمه ، والاسم الوقیعه ، یقال وقع بهم وأوقع بهم فی الحرب. والمعنی واحد ، وإذا وقع قوم بقوم قیل : واقعوهم ، وأوقعوا بهم إیقاعاً ، ووقائع العرب : أیّام حروبهم ، والوِقَاع : المواقعه فی الحرب.

وقال القطامی :

* ومن شهد الملاحم والوِقاعا*

والوِقَاع أیضاً : مواقعه الرجل امرأته إذا باضعها وخالطها.

ویقال : وقع فلان فی فلان ، وقد أظهر الوقیعه فیه إذا عابه. والواقعه : النازله من صُرُوف الدهر ، والواقعه : اسم من أسماء یوم القیامه.

قال الله جلّ وعزّ : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَهُ * لَیْسَ لِوَقْعَتِها کاذِبَهٌ) [الواقِعَه : 1 ، 2].

وقال أبو إسحاق : یقال لکل آت یتوقّع : قد وقع الأمر ، کقولک قد جاء الأمر ، قال والواقعه ههنا : الساعه والقیامه ، قال : والتوقّع تنظُّر الأمر. یقال : توقّعت مجیئه وتنظّرته.

وقال اللیث : التوقیع : رمی قریب لا تباعده ، کأنک ترید أن توقعه علی شیء وکذلک توقیع الإزکَانِ تقول : وَقِّعْ. أی ألقِ ظنّک علی شیء.

أبو عبید عن أبی عمرو : المُوَقَّع : البعیر الذی به آثار الدَّبَر.

وقال اللیث : التوقیع : سَحْج بأطراف عظام الدابّه من الرکوب ، وربما تحاصّ عنه الشعر فنبت أبیض ، وأنشد :

* ولم یُوَقَّعْ برُکوبٍ حَجَبُه*

وقال ابن الأنباری : توقیع الکاتب فی الکتاب المکتوب : أن یجمل بین تضاعیف سطوره مقاصِد الحاجه ویحذف الفُضُول.

ص: 24

وهو مأخوذ من توقیع الدَّبَر ظهر البعیر ، فکأن الموقع فی الکتاب یُؤَثِّر فی الأمر الذی کتب الکتاب فیه ما یؤکّده ویوجبه.

وقال أبو عبید : الوَقْعُ : المکان المرتفع ، وهو دون الجبل.

وقال شمر : کذلک قال ابن الأعرابی.

قال : وقال غیرهما الوَقْع : الحَصَی الصغار ، واحدها وَقْعه.

وقال ابن شمیل : أرض وقِیعه : لا تکاد تَنْشَفُ الماءَ من القِیعان وغیرها من القفاف والجبال.

قال : وأمکنه وُقُع بیّنه الوَقَاعه.

قال : وسمعت یعقوب بن مَسلمه الأسَدیّ یقول : أوقعت الروضه إذا أمسکت الماء.

وأنشدنی فیه :

* مُوقِعه جَثْجَاثُها قد أَنْوَار*

أبو عبید عن الأحمر قال : الوَقِعُ : الذی یشتکی رِجْله من الحجاره ، والحجاره الوَقَعُ ، وأنشد شمر :

یا لیت لی نعلین من جلد الضبع

وشُرَکاً من استهالا تنقطع

کلَّ الحذاء یحتذی الحافی الوَقِعْ والوقَع والحَفَا والوَقَی واحد.

وقال الذبیانی فی الوَقَع بمعنی الحجاره :

بَرَی وَقَعَ الصَّوَّان حَدَّ نُسُورِها

فهنّ لطاف کالصِّعَادِ الذوابل

وقال رؤبه فی الوَقَع بمعنی الحفا :

* لا وَقَعٌ فی نعله ولا عَسَم*

ومعنی قوله : کلَّ الحذاء یحتذی الحافی الوقِع ، یقول : إن الحاجه تحمل صاحبها علی التعلّق بکل ما قَدَر علیه.

قلت : ونحو منه قولهم : الغریق یتعلّق بالطحلب.

والعَسَمُ : انتشار فی رُسْغ الید. ویقال : وَقِعَت الدابه تَوْقَع إذا أصابها داء ووجع فی حافرها من وَطْ ، علی غلظ. والغلظ هو الذی بَری حدّ نسورها.

وقال اللیث فی قول رؤبه :

* یرکب قیناه وقیعا ناعلا*

الوقیع الحافر المحدّد کأنّه شُحذ بالأحجار ، کما یوَقّع السیف إذا شُحِذ.

وقال غیره : الوقیع : الحافر الصلب ، والناعل : الذی لا یحفی کأن علیه نعلا.

وقال اللیث : یقال : وقّعته الحجاره توقیعاً ، کما یُسَنّ الحدید بالحجاره.

أبو عبید عن الأصمعی : الوقیعه : النُّقْره فی الجبل یَسْتَنْقِع فیها الماءُ. وجمعها وقائع.

وقال اللیث : إذا أصاب الأرضَ مطر متفرّق أصاب وأخطأ فذلک توقیع فی نبتها.

أبو عبید عن الکسائیّ : وَقَعتُ الحدیده أَقَعُها وَقْعاً إذا حَدَدتها.

وقال الأصمعیّ : یقال ذلک إذا فعلته بین حجرین.

وقال أبو وَجْزه :

حرَّی موقّعه ماج البنانُ بها

علی خِضَمّ یُسَقَّی الماءَ عجَّاج

أراد بالحَرَّی المِرْماه العطشی.

ص: 25

وقال اللیث : التوقیع إقبال الصیقل علی السیف یحدّده بِمیقعه ، یقال : سیف وقیع ، وربما وُقِّع بالحجاره ، ووقّعَت الحجارهُ الحافَر فقطَعت سنابکه توقیعاً ، واستوقع السیفُ إذا أَنی له الشحذُ ، قال : وتسمی خشبه القَصّار التی یُدَقّ علیها بعد غَسْلٍ مِیقَعه ، والاستیقاع شبه التوقیع.

أبو عبید عن أبی زید : مَوْقِعَهُ الطائر : الذی یقع علیه ، وجمعها مواقع.

وقال شمر : یقال : مَوْقِعَه ومَوْقَعه للمکان الذی یعتاد الطیر إتیانه ، قال : ومِیقعه البازی مکان یألفه فیقع علیه وأنشد :

کأن متنیه من النَّفِیِ

مواقعُ الطیر علی الصُّفیّ

شبّه ما انتشر من ماء الاستقاء بالدَّلْوِ علی متنیه بمواقع الطیر علی الصفا إذا ذرقت علیه.

وقال اللیث : المَوْقع : موضع لکل واقع ، وتقول : إن هذا الشیء لیقع من قلبی موقِعاً ، یکون ذلک فی المسرَّه والمساءه ، قال : والتوقیع فی الکتاب : أن یُلحق فیه شیئاً بعد الفراغ منه. والتوقیع بالظنّ والکلام : الرمی یعتمده لیقع علیه وَهْمُه.

أبو عبید عن الکسائی : کویته وَقَاعِ وهی الدائره علی الجاعرتین ، ولا تکون الإراده حیث کانت وقال قیس بن زهیر :

وکنتُ إذا مُنیتُ بخصم سَوْءٍ

دَلَفت له فأکوِیه وَقَاعِ

وقال شمر : کواه وَقَاعِ إذا کوی أمّ رأسه.

وقال المفضل : بین قرنی رأسه ، یقال : وقعته أَقَعه إذا کویته تلک الکَیَّه. والإیقاع ألحان الغناء ، وهو أن یُوقِعَ الألحانَ ویَبْنیها ، وسَمّی الخلیل کتاباً من کتبه فی ذلک المعنی : کتاب «الإیقاع».

الفراء : طریق موقَّع : مذلَّل ، ورجل موقَّع : منجَّذ.

الأصمعی : التوقیع فی السیر : شبیه بالتلقیف وهو رفعه یدیه إلی فوق. ووقّع القوم توقیعاً إذا عرّسوا.

وقال ذو الرمه :

* إذا وَقعوا وَهْنا أنا خوامطیهم*

والوقعه : حیّ من بنی سعد بن بکر ، وأنشد الأصمعیّ :

* من عامر وسَلُول أو من الوَقَعهْ *

أبو عبید عن أبی زید : وَقَعت بالقوم فی القتال وأوقعت.

ابن هانیء عن أبی زید : یقال لغِلاف القاروره : الوَقْعَهُ والوِقَاع ، والوِقَعَه للجمیع.

وقال ابن شمیل : الواقع : الرجل الذی ینقُر الرحی ، وهم الوَقَعَه.

أبو عبید عن أبی عمرو : الوَقْع : المکان المرتفع وهو الجبل.

أبو العباس عن ابن الأعرابی یقال : قُع قُع إذا أمرته بالسیاحه والتعبّد فی القیعان والقفار ، ولُع لُع إذا أمرته بتعهّد لَوْعیه وهم الأسودان حول الثدیین.

وقال أوس :

الواهب المائه المعکاء یشفعها

یوم الفِضال بأخری غیرَ مجهود

وقال الفراء : العاکی : الشادُّ. وقد عکا إذا شدّ ، ومنه عَکْو الذنب ، وهو شدّه.

ثعلب عن ابن الأعرابی : فی رُسغه وکَع وکوعٌ إذا التوی کُوعه.

أبو نصر عن الأصمعیّ : الکَوَع : أن تقبل إبهام الرِّجْل علی أخواتها إقبالاً شدیداً حتی یظهر عظم أصلها ، وقال أبو زید : الوَکَع فی الرِّجل : انقلابها إلی وحشیّها. والکوَع فی الید : انقلاب الکوع حتی یزول فیری شخصٌ أصله خارجا. وقال غیره : الوَکَع : رکوب الإبهام علی السّبابه من الرِجْل - یقال : یا ابن الوکعاء واللکاعه اللؤم ، والوکاعه : الشدّه : وقال اللیث : فرس وکیع إذا کان شدید الإهَاب صُلْباً. وقد وکُع وَکَاعه. وسِقَاء وکیع : غلیظ صلب ، ومزاد وکیعه وهی التی قُوّرت فأُلقی ما ضعف من الأدیم وبقی الجیّد فخرِز. واستوکع السقاءُ إذا مَتُن واشتدَّت مخارزه بعدما سُرِّب. وأنشد الأصمعیُّ بیت الفرزدق یصف فرساً :

ووفراءَ لم تُحْرَز بسیرٍ وکیعهٍ

غدوت بها طَبّاً یدی برشائها

وقال ابن السکّیت : وفراء وافره یعنی فرساً أنثی. وکیعه : وثیقه الخلق شدیده. یقال قد أسمن القوم وأوکعوا إذا سمِنت إبلهم ، وغلظت من الشحم واشتدَّت. وکل وثیق شدید فهو وکیع. یقال : دابّه وکیع ، وسِقَاء وکِیع إذا کان محکمَ الجِلْد والخَرز. ویقال : استوکعت معدته إذا اشتدت وقویت.

أبو عبید عن الکسائی : لدغته العقرب ووکعته وکَوَته. وقال غیره : المِیکع : المَالَقَهُ التی یسوَّی بها خُدَدُ الأرض المکروبه وقال جریر :

جُرَّت فتاهُ مجاشع فی مِنقر

غیرَ المراء کما یجرّ المیکع

أبو عمرو الوَکْع الحلْبُ وأنشد :

لأنتم بوکع الضأن أعلم منکُم

بقرع الکماه حیثُ تُبْغَی الجرائم

قال : ووکعت الدجاجه إذا خضعت عند سفاد الدیک. وأوکع القوم : قلَّ خیرهم.

وقال أبو الجهم الجعفری : وَکَعْتَ الشاه إذا نَهَزْتَ ضرعها عند الحلب. قال : وقالت العنز : احْلُبْ ودع ، فإن لک ما تدع. وقالت النعجه : احلب وَکَع. فلیس لک ما تدع أی انهز الضرع واحلب کل ما فیه.

وقال أبو عمرو : وَعْکه الإبل : جماعتها قال : والوعْکه : الدفعه الشدیده فی الجری.

أبو عبید عن أبی عمرو العکوَّک : السمین.

قال الریاشی : وقال الأصمعی : قال لنا خلف الأحمر : سألت أعرابیاً عن قولهم عجا شِدْقَهُ فقال : إذا فتحه وأماله. وقال الطِرمّاح یصف صائداً له أولاد لا أمّهات لهم فهم یعاجَون تربیه سیّئه :

إن یصب صیداً یکن جُلُّه

لعجایا قُوتُهم باللِّحام

وقال شمیل : یقال : لقی فلان ما عَجَاه وما عَظَاه وما أورمه إذا لقی شدَّه وبلاءً.

قال : وقوله جلّ وعزّ : (یَوْمَئِذٍ یَتَّبِعُونَ الدَّاعِیَ لا عِوَجَ لَهُ) [طه : 108] أی یتبعون صوت الداعی للحشر لا عوج له یقول : لا عِوَجَ للمدعوّین عن الداعی ، فجاز أن یقول «لَهُ» لأن المذهب إلی الداعی وصوته. وهو کما تقول دعوتنی دعوه لا عِوَج لک عنها أی لا أعُوج لک ولا عنک. قال : وکل قائم یکون العوج فیه خلقه فهو عَوَجٌ. وأنشد ابن الأعرابی فی مثله :

* فی نابه عَوَجٌ یخالف شِدْقه*

قال والحائط والرُّمْحُ وکل ما کان قائماً یقال فیه : العَوَج. ویقال : شجرتک فیها عَوَج شدید.

قلت : وهذا لا یجوز فیه وفی أمثاله إلَّا العَوَجُ.

وقال الأصمعیّ : یقال هذا شیء معوجٌ وقد اعوجّ اعوجاجاً علی افعلّ افعلالاً.

ولا تقول معوَّج علی مفعَّل إلا لعُود أو شیء رُکِّب فیه : العاج.

قلت : وغیره یجیز عوّجت الشیء تعویجاً إذا حنیته ، وهو ضد قوّمته. فأمّا ما انحنی من ذاته فیقال : اعوجّ اعوجاجاً ، ویقال عُجْته فانعاج أی عطفته فانعطف ، ومنه قول رؤبه :

* وانعاج عُودی کالشظیف الأخشن*

ویقال عَوِجَ الشیء یَعْوَجُ عَوَجاً فهو أعوج لکلّ ما یُرَی ، والأنثی عوجاء ، والجماعه عُوج ، ویقال لقوائم الدابه : عَوج ، ویستجبّ ذلک فیها. یقال : نخیل عُوج إذا مالت.

وقال لبید یصف عَیْر وأُتُنَهُ وسَوقه إیّاها :

إذا اجتمعت وأَحوذ جانبیها

وأوردها علی عُوج طِوال

فقال بعضهم : معناه : أوردها علی نخل نابته علی الماء قد مالت ، فاعوجَّت لکثره حَمْلها ؛ کما قال فی صفه النخل :

* غُلبٌ سواجد لم یدخل بها الحصر*

وقیل معنی قوله : أوردها علی عُوج طوال أی علی قوائمها العُوج ، ولذلک قیل للخیل : عُوج ، ویقال ناقه عوجاء إذا عَجِفت فاعوجَ ظهرها ؛ وامرأه عوجاء إذا کان لها ولد تَعُوج إلیه لترضعه ، ومنه قول الشاعر :

إذا المُرْغِث العوجاء بات یَعُزُّها

علی ثدیها ذو وَدْعتین لَهُوج

والخیل الأعوجیّه منسوبه إلی فحل کان یقال له : أعوج ، یقال : هذا الحِصَان من بنات أعوج.

وقال اللیث : العاج : أنیاب الفِیَله ، قال ولا یسمی غیر الناب عاجاً.

وقال شمر : یقال للمَسکِ : عاج. قال وأنشدنی ابن الأعرابی :

وفی العاج الحِنّاء کفٌّ بنانُها

کشحم النَقَا لم یعطها الزند قادح

أراد بشحم النقا دوابَّ یقال لها : الحُلَک.

ویقال لها : بنات النقا یشبَّه بها بنان الجواری للینها ونَعْمتها.

قلت : والدلیل علی صحه ما قال شمر فی العاج أنه المَسکُ ما جاء فی حدیث مرفوع أن النبی صلی الله علیه وسلم قال لثَوبان : «اشتر

ص: 32

لفاطمه سواراً من عاج» ، لم یُرد بالعاج ما یُخْرط من أنیاب الفِیَله ؛ لأن أنیابها مَیْتَهٌ ، وإنما العاج الذُّبْلُ وهو ظهر السُّلَحْفاه البحریه.

وقال ابن شمیل المَسَک من الذَّبْل ومن العاج کهنئه السوار تجعله المرأه فی یدیها فذاک المَسَک. قال : والذَّبْلُ. القرون فإذا کان من عاج فهو مَسَک وعاج ووَقْفٌ ، فإذا کان مِن ذَبْلٍ فهو مَسَکٌ لا غیر. وقال الهذلی :

فجاءت کخاصی العَیْرِ لم تَحْلَ عاجهً

ولا جاجه منها تلوح علی وشم

فالعاجه : الذَّبله ، والجاجه : خرزه لا تساوی فَلْساً.

وقال اللیث : عُوجُ بن عُوق رجل ذُکِرَ من عِظَم خَلْقِه شناعهٌ ، وذُکر أنه ولد فی منزل آدم فعاش إلی زمن موسی ، وأنه هلک علی عِدَّان موسی صلی الله علیه وسلم.

قال اللیث : ویقال ناقه عاج إذا کانت مِذعان السیر لیّنه الانعطاف ، ومنه قوله :

* تَقَدَّی بی الموماهَ عاجٌ کأنها*

قال : ویقال للناقه فی الزجر : عَاج بلا تنوین ، وإن شئت جزمت علی توهّم الوقوف ، یقال : عجعجت بالناقه إذا قلت لها : عاج عاج.

قال : وذُکر أن عوْج بن عُوق کان یکون مع فراعنه مصر ، ویقال : کان صاحب الصخره التی أراد أن یُطْبقَها علی عسکر موسی علیه السلام ، وهو الذی قتله موسی صلوات الله علیه.

وقال أبو عبید : یقال للناقه عاجٍ وجاهٍ بالتنوین.

وقال أبو الهیثم فیما قرأت بخطّه : وَکلّ صوت یُزجَر به الإبل فإنه یخرج مجزوماً ، إلا أن یقع فی قافیه فیحوّل إلی الخفض ، تقول فی زجر البعیر ؛ حَلْ حَوْب ، وفی زجر السبع : هَجْ هَجْ ، وجَهْ جَهْ ، وجاهْ جاهْ ، قال : فإذا حکیت ذلک قلت للبعیر : حَوْبَ أو حَوْبِ ، وقلت للناقه : حَلْ حَلْ ، وقلت لها حَلٍ ، وأنشد :

أقول للناقه قولی للجمل

أقول حَوْبٍ ثم أثنیها بِحَل

فخفض حَوْب ونوّنه عند الحاجه إلی تنوینه. وقال آخر :

* قلت لها حَلٍ فلم تَحَلْحَلِ*

وقال آخر :

وجمل قلت له حاهٍ جاهْ

یا ویله من جمل ما أشقاهْ

وقال آخر :

* سفرت فقلت لها هج فتبرقعت*

وقال شمر : قال زید بن کُثْوه : من أمثالهم : الأیام عُوج رواجع ، یقال ذلک عند الشماته ، یقولها المشموت به ، أو تقال عنه ، وقد یقال عند الوعید والتهدُّد. قلت : عُوج ههنا جمع أعوج ، ویکون جمع عَوْجاء ، کما یقال أصور وصُور ، ویجوز أن یکون جمع عائج ؛ فکأنه قال : عُوُج علی فُعُل فخفّفه ، کما قال الأخطل :

* فهنّ بالبذل لا بُخْلٌ ولا جُود*

أراد لا بُخُلٌ ولا جُوُدٌ.

ص: 33

عن أبیه أنه قال : الْجَعْو : الطین ، قال وَیقال جعّ فلان فلاناً إذا رماه بالجَعْو وَهو الطین.

وقال اللیث العَیْج : شبه الاکتراث ، وَأنشد :

وَما رأیت بها شیئاً أعِیج به

إلا الثمام وَإلا مَوقَدِ النار

ویقال : عاج به یعیج عیجوجه فهو عائج به.

وَروی أبو إسحاق عن هبیره أنه قال : سمعت علیاً یقول نهی رسول الله صلی الله علیه وسلم عن الجِعه.

وَفی الحدیث «الجِعَه شراب یصنع من الشعیر وَالحنطه حتی یُسکر». وَقال أبو عبید : الجعه من الأشربه وَهو نبیذ الشعیر.

التی تأبی الرَعْی التی تتعشّی هاجتها للرعی فرعت.

والعِشْیُ : ما یُتعشّی به ، وجمعه أَعْشاء.

قال الحطیئه :

وقد نظرتکم أعشاء صادرهٍ

للخِمْس طال بها حَوْزِی وَتَنْسَاسی

قال شمر أراد انتظرتکم طویلاً قدر ما تَعَشَی إبل صدرت عن الماء لخمس وطال عشاؤُها.

یقول انتظرتکم انتظار إبل خوامِسَ ؛ لأنها إذا صدرت تعشَّت طویلاً وفی بطونها ماء کثیر فهی تحتاج إلی ثَقَل کثیر. قال : وواحد الأعشاء عِشْی.

وقال اللیث : العَشْواء من النوق : التی لا تبصر ما أمامها ، وذلک لأنها ترفع رأسها فلا تتعاهد موضع أخفافها. وقال زهیر

رأیت المنایا خبط عشواء من تصب

تُمِته ومن تخطیء یُعمَّر فیهرَم

ومن أمثالهم السائره : هو یخبِط خَبْط عشواء ، یُضرب مثلاً للسادر الذی یرکب رأسه ولا یهتم لعاقبته ، کالناقه العشواء التی لا تبصر ، فهی تخبط بیدیها کل ما مرَّت به ، وشَبَّه زهیر المنایا بخبط عشواء لأنها تعمّ الکلّ ولا تخصّ.

وقال ابن الأعرابی : العُقَاب العشواء : التی لا تبالی کیف خَبَطت وأین ضربت بمخالبها کالناقه العشواء لا تدری کیف تضع یدها.

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ : عشا یعشو : إذا أتی ناراً للضیافه ، وعشا یعشو : إذا ضعف بصره.

وقال اللیث : العَشْو : إتیانک ناراً ترجو عندها هدی أو خیراً. تقول : عشوتها أعشوها عَشْواً وعُشُوّاً.

قال : والعاشیه : کل شیء یعشو باللیل إلی ضوء نار من أصناف الْخَلْق ؛ کالفَرَاش وغیره ، وکذلک الإبل العواشی تعشو إلی ضوء نار. وأنشد :

وعاشیه حُوشٍ یِطانٍ ذعرتُها

بضربِ قتیلٍ وسطَها یتسیَّفُ

قلت : غلط فی تفسیر الإبل العواشی أنها التی تعشو إلی ضوء النار. والإبل العواشی جمع العاشیه وهی التی ترعی لیلاً وتتعشّی ، ومنه قولهم : العاشیه تهیج الآبیه.

وقول الله جل وعزّ : (وَمَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ الرَّحْمنِ نُقَیِّضْ لَهُ شَیْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِینٌ) [الزّخرُف : 36]. قال الفراء فی کتابه فی المعانی ولم أسمع هذا الفصل من المنذری لأن بعض هذه السوره کان فات أبا الفضل معناه : من یعرض عن ذکر الرحمن ، قال ومن قرأ (ومن یَعْشَ عن ذکر الرحمن) فمعناه من یَعْمَ عنه. وقال القتیبی معنی قوله : (وَمَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ الرَّحْمنِ) أی یُظلم بصرُه ، قال : وهذا قول أبی عبیده ثم ذهب یردّ قول الفراء ویقول : لم أر أحداً یجیز عشوت عن الشیء أعرضت عنه ، إنما یقال : تعاشیت عن الشیء : تغافلت عنه ، کأنی لم أره وکذلک تعامیت.

ص: 36

قال : وعشوت إلی النار إذا استدللت علیها ببصر ضعیف.

قلت : أغفل القتیبی موضع الصواب ، واعترض مع غفلته علی الفراء یردّ علیه فذکرت قوله لأبین عواره فلا یغتر به الناظر فی کتابه ، والعرب تقول : عَشَوت إلی النار أعشو عَشْواً أی قصدتها مهتدیاً بها ، وعشوت عنها أی أعرضت عنها ، فیفرقون بین إلی وعن موصولین بالفعل.

وقال أبو زید : یقال : عشا فلان إلی النار یعشو عَشْواً إذا رأی ناراً فی أوَّل اللیل فیعشو إلیها یستضیء بضوئها ، وعشا الرجل إلی أهله یعشو ، وذلک من أول اللیل إذا علم مکان أهله فقصد إلیهم.

وأخبرن المنذریّ عن أبی الهیثم أنه قال : عَشِی الرجل یَعْشَی إذا صار أعشی لا یبصر لیلاً ، عَشَا عن کذا وکذا یعشو عنه إذا مضی عنه ، وعَشَا إلی کذا وکذا یعشوا إلیه عَشْواً وعُشوَّاً إذا قصد إلیه مهتدیاً بضوء ناره ، وأنشد قول الحطیئه :

متی تأته تعشو إلی ضوء ناره

تجد خیر نار عندها خیرُ موقد

قال : ویقال : استعشی فلان ناراً إذا اهتدی بها ، وأنشد :

یتبعن جِرْوَیاً إذا هِبْن قَدَمْ

کأنه باللیل مُسْتَعْشِی ضَرَم

یقول : هو نشیط صادق الطَرْف جریء علی اللیل ، کأنه مستعشٍ ضَرَمَهً وهی النار. وهو الرجل الذی قد ساق الخارب إبله فطردها فعَمَد إلی ثوب فشقّه وفتله فتْلاً شدیداً ثم غمسه فی زیت أو دهن فروّاه ثم أَشْعَل فی طَرَفه النار فاهتدی بها ، واقتصّ أثر الخارب لیستنقذ إبله.

قلت : وهذا کله صحیح وإنما أَتَی القتیبی فی وهمه الخطأُ من جهه أنه لم یفرق بین عشا إلی النار وعشا عنها ، ولم یعلم أن کل واحد منهما ضدّ الآخر فی باب المیل إلی الشیء والمیل عنه ، کقولک : عدلت إلی بنی فلان إذا قصدتهم ، وعدلت عنهم إذا مضیتَ عنهم ، وکذلک ملت إلیهم وملت عنهم ، ومضیت إلیهم ومضیت عنهم وهکذا.

قال أبو إسحاق الزّجاج فی قوله جلّ وعزّ : (وَمَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ الرَّحْمنِ) [الزّخرُف : 36] أی یُعرض عنه کما قال الفراء.

قال أبو إسحاق : ومعنی الآیه أن من أعرض عن القرآن وما فیه من الحکمه إلی أباطیل المضلّین فعقابُه بشیطان نقیّضه له حتی یضلّه ویلازمه قریناً له فلا یهتدی ؛ مجازاه له حین آثر الباطل علی الحقّ البیّن.

قلت : وأبو عُبیده صاحب معرفه بالغریب وأیّام العرب ، وهو بلید النظر فی باب النحو ومقاییسه.

وفی حدیث ابن عمر أن رجلاً أتاه فقال له : کما لا ینفع مع الشرک عمل هل یضرّ مع الإیمان ذنب؟ فقال ابن عمر : عَشِ ولا تَغْتَرَّ. قال أبو عبید : هذا مثل ، وأصله فیما یقال أن رجلاً أراد أن یقطع مفازه بإبله فاتّکل علی ما فیها من الکلأ ، فقیل له عشِ إبلک قبل أن تفوِّز ، وخذ

ص: 37

بالاحتیاط ، فإن کان فیها کلأ لم یضرک ما صنعت ، وإن لم یکن فیها شیء کنت قد أخَذت بالثقه ، فأَراد ابن عمر بقوله هذا اجتنب الذنوب ولا ترکبها اتّکالاً علی الإسلام ، وخذ فی ذلک بالثقه والاحتیاط. یقال عشّیت الإبل إذا رعیتها بعد غروب الشمس إلی ثلث اللیل ، وعشیتها أیضاً إذا رعیتها بعد الزوال إلی غروب الشمس ، وعشّیت الرجل إذا أطعمته العشاء ، وهو الطعام الذی یؤکل بعد العِشاء ، ومنه قول النبی صلی الله علیه وسلم : «إذا قُرِّب العَشَاء وأقیمت الصلاه فابدؤا بالعَشَاء ، فالعَشَاء : الطعام وقت العِشاء».

وقال ابن السکیت : إذا قیل لک تَعشَ قلت : ما بی تَعشِ یا هذا. ولا تقل : ما بی عَشاء ، قال : ورجل عَشْیان وهو من ذوات الواو لأنه یقال عَشَیْتُه وعَشَوْتُه فأنا أعشوه أی عشَّیته ، وقد عَشِی یَعْشَی إذا تَعَشَّی ، فهو عاش.

وقال أبو حاتم : یقال من الغَدَاء والعشاء : رجل غَدْیان وعَشْیان ، قال : والأصل غدوان وعشوان ؛ لأن أصلهما الواو ، ولکن الواو تقلب إلی الیاء کثیراً ؛ لأن الیاء أخفّ من الواو.

أبو عبید عن أبی زید : ضَحَیْتُ عن الشیء وعَشَیْتُ عنه معناهما : رَفَقْت به. وصلاه العِشَاء ، هی التی بعد صلاه المغرب ، ووقتها حین یغیب الشفق ، وهو قول الله جلّ وعزّ : (وَمِنْ بَعْدِ صَلاهِ الْعِشاءِ) [النُّور : 58]. وأمّا العَشِیُ فإن المنذری أخبرنی عن أبی الهیثم أنه قال : إذا زالت الشمس دُعی ذلک الوقت العشیّ ، فتحول الظل شرقیاً وتحولت الشمس غریبه.

قلت : وصلاتا العشِیّ هما الظهر والعصر ، وحدَّثنا السعدیّ عن عمر بن شَبَّه عن عبد الوهاب عن أیوب عن محمد عن أبی هریره قال : صلّی بنا رسول الله صلی الله علیه وسلم إحدی صلاتی العشیّ ، وأکبر ظنی أنها الظهر ، ثم ذکر الحدیث. قلت : ویقع العِشِیّ علی ما بین زوال الشمس إلی وقت غروبها ، کل ذلک عِشیّ ، فإذا غابت الشمس فهو العِشاء.

وقال اللیث : العَشِیّ بغیر هاء : آخرُ النهار. فإذا قلت : عشیّه فهو لیوم واحد ، یقال لقیته عشیه یوم کذا وکذا ، ولقیته عشیَّه من العشیَّات. قال أبو عبید : یقال لصلاتی المغرب والعشاء العشاءان ، والأصل العِشاء فغُلّب علی المغرب ، کما قالوا : الأبوان وهما الأب والأم. ومثله کثیر. قال النضر : العِشاء : حین یصلی الناس لعتمه وأنشد :

ومجوّل مَلَث العشاء دعَوتُه

واللیل منتشر السقیط بهیم

قال : وإذا صغّروا العشیّ قالوا : عُشَیْشیَان ، وذلک عند شفًی وهو آخر ساعه من النهار. قال : ویجوز فی تصغیر عشِیَّه عُشَیَّه وعُشَیشیه.

قلت : کلام العرب فی تصغیر عشیه : عُشَیشیه ، جاء نادراً علی غیر قیاس. ولم أسمع عُشَیَّه فی تصغیر عشِیّه ، وذلک أن عُشیه تصغیر العَشْوه وهی أوَّل ظلمه اللیل ، فأرادوا أن یفرقوا بین تصغیر

ص: 38

العَشِیَّه وتصغیر العَشْوه.

وقال الفراء فی قول الله جلّ وعزّ : (لَمْ یَلْبَثُوا إِلَّا عَشِیَّهً أَوْ ضُحاها) [النَّازعَات : 46] یقول القائل : وهل للعشیه ضحی؟

قال : وهذا جیّد من کلام العرب. یقال : آتیک العشِیّه أو غداتَها ، وآتیک الغداه عشِیّتها ، فالمعنی لم یلبثوا إلّا عشیه أو ضحی العشیه ، فأضاف الضحی إلی العشیه.

وأخبرنی المنذری عن أبی العباس أن ابن الأعرابی أنشده :

ألَا لیت حظّی من زیاره أُمِّیَهْ

غِدیَّاتُ قیظ أو عَشِیاتُ أشتیه

وقال : الغَدَوات فی القیظ أطول وأطیب ، والعشِیَّات فی الشتاء أطول وأطیب ، وقال : غَدِیه وغدِیات ؛ مثل عَشِیه وعَشِیَّات.

الحرانی عن ابن السکیت : یقال : لقیته عُشَیشیه وعشیشِیات وعشیشیانات وعُشَیَّانَات ، ولقیته مغیربان الشمس ومغیربانات الشمس. وذکر ابن السکیت عن أبی عبیده وابن الأعرابی أنهما قالا : یقال : أوطأته عَشْوَهً وعِشْوَهً وعُشوه. والمعنی فیه : أنه حمله علی أن یرکب أمراً غیر مستبین الرشد ، فربما کان فیه عطَبُه ، وأصله من عَشْواء اللیل وعُشوته مثل ظلماء اللیل وظلمته ، فأمّا العِشاء فهو أول ظلام اللیل.

ورَوَی شمر حدیثاً بإسناد له عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : یا معشر العرب احمدوا الله الذی رفع عنکم العُشوه. وقال شمر : أراد بالعُشْوه ظلمه الکفر ، کلَّما رکب الإنسان أمراً بجهل لا یبصر وجهه فهو عُشوه ، مأخوذ من عُشوه. وقال شمر : قال أبو عمرو : العُشْوه أیضاً فی غیر هذا : الشعله من النار. وأنشد :

حتی إذا اشتال سُهَیل بسحر

کعُشوه القابس تَرْمِی بالشرر

العَیْشیّ ؛ منسوب إلی بنی عائشه. وأنشد : عبدَ بنی عائشه الهُلَابعا

ویقال إنهم لیتعیّشون إذا کانت لهم بُلْغه من العیش ؛ ورجل عائش : حاله حسنه. وقال أکثر المفسرین فی قوله جلّ وعزّ : (فَإِنَّ لَهُ مَعِیشَهً ضَنْکاً) [طه : 124] : إن المعیشه الضنک عذاب القبر ، وقیل : إن هذه المعیشه الضنک فی نار جهنّم ، والضنک فی اللغه : الضیق والشده. وقول الله جلّ وعزّ : (وَجَعَلْنا لَکُمْ فِیها مَعایِشَ) [الأعرَاف : 10] فیحتمل أن یکون : ما یعیشون به ، ویمکن أن یکون الوُصْله إلی ما یعیشون به ، قال ذلک أبو إسحاق ، قال : وأکثر القراء علی ترک الهمز فی (مَعایِشَ) ، إلا ما رُوی عن نافع أنه همزها ، والنحویّون علی أن همزها خطأ. وذکروا أن الهمزه إنما تکون فی هذه الیاء إذا کانت زائده ؛ نحو صحیفه وصحائف ، فأمّا معایش فمن العیش ، الیاء أصلیه.

أبو عبید عن أبی عبیده قال : المُشَایع : اللاحق ، وقال لَبید :

* کما ضم أخری التالیاتِ المُشَایِعُ *

أبو عبید عن الأصمعی : شیّعت النار تشییعاً إذا ألقیت علیها ما تُذَکِّیها به ، ویقال : شیعت فلاناً أی خرجت معه لأودّعه ، ویقال : شیعنا شهر رمضان بستّ من شوال أی أتبعناه بها. وقال أبو عبید المُشَیَّع : الشجاع من الرجال ، قال وقال الأموی یقال شایعت بالإبل شِیَاعاً إذا دعوتها ، وقال غیره : شایعت بها إذا دعوت بها لتجتمع وتنساق وأنشد قول جریر یخاطب الراعی :

فألقِ استک الهَلْباءَ فوق قَعُودها

وشایعْ بها واضمم إلیک التوالیا

یقول صوِّت بها لیلحق أخراها أولاها.

روی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «إن مریم بنت عمران سألت ربها أن یُطعمها لحماً لا دم فیه فأطعمها الجراد ، فقالت : أَعِشه بغیر رضاع ، وتابع بینه بغیر شِیاع»، المعنی تابع بینه فی الطیران حتی یتتابع من غیر أن یُشَایَعَ به کما یشایعُ الراعی بإبله لتجتمع ولا تتفرّق علیه.

وقال اللیث : الشِّیاع : صوت قصبه ینفخ فیها الراعی. وأنشد :

* حَنین النِیب تطرب للشِّیاع *

أبو العباس عن الأعرابی قال : الشِّیاع : زَمَّاره الراعی. وهو قول مریم فی دعائها للجراد : اللهم سُقْه بلا شِیَاع أی بلا زَمَّاره راع.

وقیل : الشِّیاع : الدعاء ، ویقال : أشاعکم الله السلامَ. وشاعکم السلامُ لُغَتان ، وقال الشاعر :

ألا یا نخله من ذات عرق

بَرُودَ الظل شاعکم السلام

وقال أبو إسحاق : معنی شیَّعت فلاناً فی اللغه اتَّبعت ، والعرب تقول : شاعکم السلام أی تبعکم السلام وتقول : آتیک غداً أو شَیْعه أی الیوم الذی یَتبعه. قال ومعنی الشیعه : الذی یتبع بعضهم بعضاً ومعنی الشِّیَع : الفرق التی کل فرقه منهم یتبع بعضهم بعضاً ولیس کلهم متفقین قال الله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ وَکانُوا شِیَعاً) [الأنعَام : 159] قال معنی قوله : (وَکانُوا شِیَعاً) أی کانوا فرقاً فی دینهم ، کل فرقه تکفّر الفرق المخالفه لها ، یعنی الیهود والنصاری بعضها یکفر بعضاً ، وکذلک الیهود ، والنصاری تکفر الیهود ، والیهود تکفرهم ، وکانوا أُمروا بشیء واحد.

اللحیانیّ عن الکسائی : قال یونس : شاعکم الله بالسلام یشاعکم شَیْعاً أی ملأکم. وقد قیل : أشاعکم الله بالسلام یُشیعکم إشاعه.

ویقال : شاعک الخیر أی لا فارقک ، قال لبید :

فشاعهم حمد وزانت قبورهم

أَسِرَّهُ رَیْحانٍ بقاعٍ مُنَوِّرِ

ویقال فلان یُشیِّعه علی ذلک مال أی یقوّیه. قال الأصمعی : ومنه تشییع النار بإلقاء الحطب علیها یقویها. أبو سعید : هما متشایعان ومشتاعان فی دار أو أرض

ص: 41

إذا کانا شریکین فیها ، وهم شُیعاء فیها ، وکل واحد منهم شُیِّع لصاحبه ، وهذه الدار شَیِّعه بینهم أی مُشَاعه ، وقال : کل شیء یکون به تمام الشیء أو زیادته فهو شِیَاع له.

وقال الأصمعی : یقال لما انتشر من أبوال الإبل إذا ضربها الفحل فأشاعت ببولها : شاعٌ ، وأنشد :

یقطّعن للإبْسَاس شاعاً کأنه

جَدَایا علی الأنساء منها بصائر

والجمل أیضاً یقطِّع ببوله إذا هاج ، وبوله شاعٌ. وأنشد :

ولقد رمی بالشاع عند مُنَاخِه

ورغا وهدَّر أیَّما تهدیر

أبو عبید عن الأصمعی : جاءت الخیل شواعیّ وشوائع ، متفرقه ، وأنشد للأجدع ابن مالک أبی مسروق بن الأجدع.

وکأن صرعاها کِعَابُ مقامر

ضُرِبَتْ علی شُزُنٍ فهنّ شواعی

وقال شمر : شاعه الرجل : امرأته ، وقال رجل لعبد المطلب : هل لک شاعه؟ أی امرأه.

ثعلب عن ابن الأعرابی أنه سمع أبا المکارم یذمّ رجلاً فقال : ضَبّ مَشِعٌ ، أراد أنه مثل الضبّ الحقود لا ینتفع به ، المَشِیع من قولک : شِعْتُه أشِیعه شَیْعاً إذا ملأته. قال : والشاعه : الأخبار المنتشِره.

عَلَم للثوب. والوشیع : کُبَّه الغزل. والوشیع : خشبه الحائک التی یسمیها الناس الحَفَّ ، وهو عند العرب الحِلْوُ إذا کانت صغیره ، والوشیع إذا کانت کبیره قال : والوشیع الخُصُّ. والوشیع : سقف البیت. والوشیع : عریش یبنی للرئیس فی المعسکر یُشرف منه علی عسکره. أبو عبید : الوَشِیع : القصبه التی یجعل النسَّاج فیها لُحْمه الثوب للنسج.

وقال اللیث : الوَشِیعه ، وجمعها وشائع وهی خشبه یُلْوی علیها الغزل من ألوان شتّی من الوَشْی وغیر ألوان الوشی. وکلُّ لَفِیفه منها وشیعه. ومن هناک سُمّیت قصبه الحائک وشیعه ؛ لأن فیها یُوَشَّع الغزل. وأنشد قوله :

* نَدْف القِیاس القُطْن الموشَّعا*

قال : وتوشیعه : أن یُلفّ بعد الندْفِ.

أبو سعید الوشِیع : خشبه غلیظه توضع علی رأس البئر یقوم علیها الساقی ، وقال الطرماح یصف صائداً :

فأزَلّ السهمَ عنها کما

زلّ بالسّاقی وشیعُ المُقَامْ

قال وَوَشَّعَ کَرْمَهُ إذا بنی جداره بقَصَب أو سعف یُشَبِّکُ الجدار به ، وهو التوشیع ، ووشّعت المرأهُ قطنها إذا فَرَّصَتْه وهیّأته للندف بعد الحَلْج. وهو مثل التزبید والتسبیخ وتوشّع الشیبُ رَأْسَهُ إذا علاه.

وقال ابن شمیل : توزّع بنو فلان ضیوفهم وتوشّعوهم سواءٌ ، أی ذهبوا بهم إلی بیوتهم کلّ رجل منهم بطائفه. قال : ویقال : وَشَع فیه القَتِیرُ ووشَّع وأتلعَ فیه القتیرُ وسبّل فیه الشیب ونصل بمعنی واحد ، ویقال لِمَا کِسا الغازلُ المِغْزَلَ.

وَشِیعهٌ ووَلِیعه وسَلیخه ونصْلَه ویقال وَشْعٌ من خبر ووَشْم ووُشُوم وشمع وشموع وکذلک أثر وآثار.

اللیث : الوَشْعُ : شجر البان ، والجمیع الوشُوع. قال : والوَشْع من زهر البقول ما اجتمع علی أطرافها فهو وَشْعٌ ووشوع ، قال وَوَشَّعَتْ البقلهُ إذا انفرجت زَهَرتها ، قال : والشُّوع أیضاً : شجره البان ، الواحده شُوعَه ، وأنشد قول الطرماح :

فما جَلسُ أبکارٍ أطاع لسَرْحها

جَنَی ثمر بالوادیین وَشُوعُ

قال ویروی : وُشوع بضم الواو ، فمن رواه بفتح الواو : وَشوع فالواو واو النسق ، ومن رواه : وُشوع فهو جمع وَشْع وهو زهر زَهَر البقول.

مأخوذ من الأعضاء. یقال : عضیت اللحم إذا فرقته.

قال : والشیء الذی لا یَحمل القَسْم مثل الحبّه من الجوهر ؛ لأنها إن فُرّقت لم ینتفَع بها ، وکذلک الحمّام والطیلسان من الثیاب وما أشبهه. وإذا أراد بَعْضٌ القَسْمَ لم یُجَب إلیه ، ولکن یباع ثم یقسم ثمنه بینهم. وقال الله جلّ وعزّ : (الَّذِینَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِینَ) [الحِجر : 91]. قال اللیث أی جعلوه عِضَهً عضهً فتفرقوا فیه أی آمنوا ببعضه ، قال : وکل قطعه عِضه. وقال غیره : العضه من الأسماء الناقصه ؛ وأصلها عِضْوه ، فنُقصت الواوُ ، کما قالوا : عِزَه وأصلها عِزْوه ، وثُبَه وأصلها ثُبْوه من ثَبَّیْتُ الشیء إذا جمعته ، وتجمع عِزه عزین ، وثُبه ثُبات وثُبِینِ.

أبو العباس عن ابن الأعرابی فی قول الله جلّ وعزّ : (الَّذِینَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِینَ) [الحِجر : 91] : فرقوا فیه القول ، فقالوا شعر وسحر وکهانه.

وقال الزجاج : یُروی أن المشرکین قالوا فی القرآن : (أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ) ، وقالوا : (سِحْرٌ) ، وقالوا : شعر ، وقالوا : کِهَانه فقسموه هذه الأقسام ، وعضَّوه أعضاء.

قال : وقیل : إن أهل الکتاب آمنوا ببعض وکفروا ببعض کما فعل المشرکون.

وقال الفرّاء : العِضُون فی کلام العرب : السحر ، وواحد العضین عِضَه. قال ویقال : عضَّوه أی فرقوهُ کما تُعَضَّی الشاه.

قلت أنا : من جعل تفسیر عِضِینَ السحر جعل واحدها عِضه ، وقال هی فی الأصل عِضْهه والعِضَهُ السحر والعاضه الساحر ، ثم حذفت الهاء الأصلیه من عضهه وتبقی عِضَهٌ ، کما قالوا شفه ، والأصل شَفْهَهٌ ، وسنه الأصل سَنْهَهٌ.

وقال ابن الأعرابی : العِضَهُ والتِّوَله : السحر ، قال : وعضا مالاً یعضوه إذا فرقه.

عوضاً لم أسمعه لغیر اللیث ، وعائض من عاض یعوض إذا أعطی العِوض ، والمعنی : هل لک فی هَجْمه أتزوّجک علیها ، والعارض منک أی المعطِی عَرْضاً بذلک عائِض أی معوِّص عِوَضاً ترضینه وهو الهَجْمه من الإبل.

وقال اللیث : عَوْضُ کلمه تجری مجری الیمین. وبعض الناس یقول : هو الدهر والزمان. یقول الرجل لصاحبه : عوضُ لا یکون ذلک أبداً ، فلو کان عوضُ اسماً للزمان إذاً لجری بالتنوین ، ولکنه حرف یراد به القسم ، کما أن أَجَلْ ونحوها ممّا لم یتمکّن فی التصریف حُمل علی غیر الإعراب.

وقال أبو عبید : قال الکسائی : عوضُ بضم الضاد غیر منوّن : الدهر. وقال الأعشی :

رضیعی لبانٍ ثَدْیَ أمّ تقاسما

بأَسحم داج عوض لا نتفرق

قال أبو زید قوله : عَوْض أی أبدا ، قال وأراد بأسحم داج : اللیل. ویجوز عوضَ لا نتفرق بالفتح.

قال أبو عبید : قال أبو زید ، عوضُ لا أفعل ذلک. وعوضَ کلاهما بغیر تنوین. والنصب فی عَوْض أکثر وأفشی.

قال : وقال الأموی : عوضَ ، ومن ذی عوض.

وقال أبو زید : یقال : لا أفعله عَوْضَ العائضین ، ولا دهر الداهرین أی لا أفعله أبداً. قال ویقال : ما رأیت مثله عَوْض أی لم أر مثله قطّ. وأنشد :

فلم أر عاماً عَوْض أکثر هالکا

ووجه غلام یشتری وغلامَهْ

ویقال : عاهده لا یفارقه عوضُ أی أبداً.

ویقال تعاوض القوم تعاوضاً أی ثاب مالهم ورجالهم بعد قلّه.

وقال اللیث : أراد الأعشی بقوله بأسحم داج سواد حَلَمه ثدی أمّه. أخبرنی المنذری والمفضل بن سلمه عن أبیه عن الفراء أنه قال : لقیته من ذی قِبَلٍ وقَبَلٍ ومن ذی عِوَض وعَوَض ومن ذی أُنَفٍ ، أی فیما یستقبل.

وقال ابن السکیت ضاعه ذلک یضوعه إذا حرّکه. وأنشد :

* یَضُوع فُؤَادَها منه بُغام*

أی یحرّکه : قال : وتضوّع الریح إذا تحرّک. وقال غیره : ضاعنی أمر کذا وکذا یَضُوعنی إذا أفزعنی.

ورجل مَضُوع أی مذعور. وقال الکُمَیت :

رِئاب الصُدُوع غِیَاث المَضُو

ع لأمَّته الصَّدَرُ المُبْجِل

ویقال : لا یَضُوعنَّک ما تسمع منه ، أی لا تکترث له. وانضاع الفرخ والتضوّع إذا بسط جناحیه إلی أمّه لتَزَقَّه ، أو فَزِعَ من شیء فتضوّر منه ، وقال أبو ذؤیب :

فُرَیخان ینضاعان بالفجر کلّما

أحسّا دویّ الریح أو صوت ناعب

وقال اللیث : الضُّوَع : طائر من طیر اللیل من جنس الهام. قال : وقال أبو الدُّقَیْشِ : هذا الطائر إذا أحسّ بالصَّباح صدح.

وقال الأعشی یصف فلاه :

لا یسمع المرء فیها ما یؤنّسه

باللیل إلّا نئیم البوم والضُّوَعا

قرأت بخط أبی الهیثم : والضِّوَعا ، بکسر الضاد ، وجمعه : ضیعان ، وهما لغتان : ضُوَعٌ وضِوَعٌ ، ونصب الضُّوَع بنیه النَّئیم ، کأنه قال : إلا نئیم البوم وصیاح الضُّوَع ، فأقام الضُّوع مقام الصیاح.

قلت : الضَیْعه والضِّیَاع عند الحاضره : مال الرجل من النخل والکَرْم والأرض والعرب لا تعرف الضیعه إلا الحرفه والصناعه ، وسمعتهم یقولون : ضیعه فلان الخِرازه ، وضیعه آخر الفَتْل ، وسَفّ الخُوص وعمل النخل ورعی الإبل وما أشبه ذلک. ومن أمثالهم : إنی لأری ضَیعهَ ، لا یصلحها إلا ضجعه ، قاله راع رَفَضت علیه إبلُه فی المرعی ، فأراد جمعها فتبدّدت علیه ، فاستغاث حین عجز بالنوم. وقال جریر :

وقلن تروحّ لا تکن لک ضَیْعه

وقلبک مشغول وهنّ شواغله

وقد تکون الضیعه من الضیَاع. وقال النضر فی قوله من ترک ضیاعاً فإلیّ قال : الضیاع : العیال.

وقال ابن السکیت : من أمثالهم : الصیفَ ضیعتِ اللبن إذا خوطب به المذکر أو المؤنث أو الاثنان أو الجمیع فهی مکسوره التاء لأن المثل خوطب به المرأه فجری المَثَل علی الأصل.

قلت : وکلام العرب علی ما قال أبو الهیثم. وقد سمعتُ نحواً مما قال من بعض العرب. ورُوی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه أفاض من عرفه وعلیه السَکِینه ، وأوضع فی وادی مُحَسِّر.

وقال أبو عبید : الإیضاع : سیر مثل الخَبَب ، وأنشد :

إذا أُعطیتُ راحله ورَحْلا

ولم أُوضِع فقام علیَّ ناعِی

قلت الإیضاع : أن یُعْدِی بعیره ویحملَه علی العَدْو الحثیث. وفی الحدیث عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه دفع من عرفات وهو یسیر العَنَق ، فإذا وجد فَجْوه نصّ. فالنصّ التحریک حتی یستخرج من الدابه أقصی سیرها ، وکذل الإیضاع.

وقال اللیث : یقال : وضعت الشیء أضعه وضعاً ، وهو ضدّ رفعته. ورجل وضیع ، وقد وضُع یَوْضُع وَضَاعه وضَعَهً. وهو ضدّ الشریف. ووُضِع فلان فی تجارته فهو موضوع فیها إذا خسِر فیها. قال : والوضائع : قوم کان کسری ینقلهم من بلادهم ، ویُسکنهم أرضاً أخری حتی یصیروا بها وَضِیعهً أبداً. قال والوضیعه : قوم من الجند یجعل أسماؤهم فی کُوره لا یَغْزُون منها.

قلت : أمّا الوضائع الذین وصفهم فهم شبه الرهائن ، کان کسری یرتهنهم ویُنزلهم بعض بلاده.

وقال اللیث : والخیَّاط یُوضِّع القطن توضیعاً علی الثوب. والمواضع معروفه واحدها موضع. والمواضعه : أن تواضع صاحبک أمراً تناظره فیه ویقال : دخل فلان أمراً فوضعه دخوله فیه فاتّضع. قال : والتواضع التذلّل. فهذا جمیع ما ذکره اللیث فی باب وضع.

الحرانی عن ابن السکیت : یقال هؤلاء أصحاب وَضِیعه أی أصحاب حَمْض مقیمون لا یخرجون منه ، وهی إبل واضعه أی مقیمه فی الحَمْض.

وأخبرنی المنذری عن ثعلب عن ابن الأعرابی قال : الحَمْضُ یقال له الوَضِیعه.

والجمع وَضَائع. وقد وَضَعت الإبل تضع إذا رعت الحمض.

وقال أبو زید إذا رعت الإبلُ الحَمْض حول الماء فلم تبرح قیل : وضعت تضع وَضِیعه ، ووضعتها أنا فهی موضوعه.

ابن الأعرابی : تقول العرب : أُوْضِعْ بنا وأَخْلِلْ ، والإیضاع فی الحَمْضِ والإخلال فی الخُلَّه وأنشد :

وضعها قیس وهی نزائع

فطرحت أولادها الوضائع

وقال أبو سعید الوَضِیعه : الحَطِیطه. وقد استوضع منه إذا استحطّ. وقال جریر :

کانوا کمشترکین لمّا بایعوا

خسِروا وشَفَّ علیهم فاستَوْضعوا

قال : والوضائع : ما یأخذه السلطان من الخراج والعُشُور. والوضیع : أن یوضع التمر قبل أن یجفّ ، فیوضع فی الجَرِین وفی الحدیث «من رفع السلاح ثم وضعه

ص: 48

فدمه هَدَر» ، وقال بعضهم فی قوله : «ثم وضعه» أی ضرب به. ولیس معناه أنه وضعه من یده ، وقال سُدَیف :

فضع السوط وارفع السیف حتّی

لا تری فوق ظهرها أمویّا

إن معناه : ضع السوط علی بدن من تبسطه علیه وارفع السیف لقتلهم. ویقال : وضع یده فی الطعام إذا أکله. وإذا عاکم.

وأذا عاکم الرجل صاحبَه الأعدالَ یقول أحدهما لصاحبه : واضِع أی أمِل العِدْل علی المِرْبعه التی یحملان العدل بها فإذا أمره بالرفع قال رابع.

قلت : وهذا من کلام العرب إذا اعتکموا أبو عبید عن الیزیدی : ما حملته أمّه وُضعاً أی ما حملته علی حَیْض. قال : وقال أبو عمرو : وضعت المرأه فهی تضع وُضعاً وتُضْعاً فهی واضع.

وقال ابن السکیت : وضع البعیر فی سیره یضع وضعاً إذا أسرع. والوُضع : أن تحمل المرأه فی آخر طهرها فی مُقْبَل الحیض. وهو التُّضْع أیضاً. وأنشد :

تقول والْجُرْدان فیها مکتنِع

أما تخاف حَبَلاً علی تُضُع

أبو عبید عن الأصمعی : امرأه واضع بغیر هاء إذا وضعت خمارها. ویقال : إن بلدکم لمتواضع عنَا کقولک : متراخٍ ومتباعد. وقال ذو الرمَّه :

* دواء لغَوْل النازح المتواضع *

وقال الأصمعی : هو المتخاشع من بُعده تراه من بعید لاصقاً بالأرض. وتواضع ما بیننا أی بعد. ویقال : وضع البعیر حَکَمته إذا طامن رأسه وأسرع. ویراد بحَکَمته لَحْیاه. وقال ابن مقبل.

فهَنَّ سَمَام واضع حکماته

مخوّیه أعجازه وکراکره

ولِوی الوضیعه : رمله معروفه.

وقال أبو عبیده : فرس موضِّع إذا کان یفترش وظیفه ، ثم یُتبع ذلک ما فوقه من خلفه ، وهو عیب.

ووضّعت النعامهُ بیضها إذا رَثَدته ، وهو بَیْض موضّع : منضود.

وأخبرنی المنذری عن أبی العباس أنه قال : یقال فی فلان توضیع أی تخنیث.

وفلان موضَّع إذا کان مخنَّثا.

ویقال للودیعه : وضیع. وقد وضَعْت عند فلان وضِیعاً إذا استودعته ودیعه. ویقال : اتّضع فلان بعیره إذا کان قائماً فطامن من عنقه لیرکبه ، وقال الکمیت :

أصبحتَ فَرْعاً فُدَادیاً بک اتّضعت

زید مراکبها فی المجد إذا رکبوا

فجعل اتّضع متعدّیاً. وقد یکون لازماً یقال : وضعته فاتّضع.

عمرو عن أبیه قال : الواضعه : الروضه.

أبو عبید عن الیزیدی : وُضِعت فی مالی وأُوضعت ووُکست وأُوکِست.

الفراء له فی قلبی مَوْضِعه وموقِعه أی محبّه.

* متخذاً فی ضَعَوات تَوْلجا*

قلت الضعه کانت فی الأصل ، ضَعْوَه نُقص منها الواو ، ألا تراهم جمعوها ضَعَوات.

ثعلب عن ابن الأعرابی : قال : ضعا إذا اختبأ ، وطعا بالطاء إذا ذَلّ. وطعا إذا تباعد أیضاً.

قلت قوله ضعا إذا اختبأ ، وقال فی موضع آخر إذا استتر مأخوذ من الضعوه وکأنه اتخذ فیها تولجا أی سَرَباً فدخل فیه مستتراً.

ثعلب عن ابن الأعرابی : الأضعاء السِّفَل.

أبو عبید عن الأصمعیّ فی باب تشبیه الرجل بأبیه : العصا من العُصَیّه. قال أبو عبید هکذا قال ، وأنا أحسبه العُصَیَّه من العصا ، إلا أن یراد به أن الشیء الجلیل إنما یکون فی بدئه صغیراً ، کما قالوا : إن القَرْم من الأفیل. فیجوز علی هذا المعنی أن یقال : العصا من العُصَیَّه.

وأخبرنی المنذری عن أبی الهیثم أنه قال : العصا تُضرب مثلاً للاجتماع ، ویضرب انشقاقها مثلاً للافتراق الذی لا یکون بعده اجتماع. وذلک أنها لا تُدْعی عصاً إذا تشقّقت.

وأنشد :

فلله شَعْبَا طِیّهٍ صدعا العصا

هی الیوم شتَّی وهی أمسِ جمیع

قوله : فلله له معنیان : أحدهما أنها لام التعجب ، تَعَجَّب مما کانا فیه من الأُنْس واجتماع الشمل ، والثانی أن ذلک مصیبه موجِعه فقال : لله ذلک یفعل ما یشاء ، ولا حیله فیه للعباد إلّا التسلیم کالاسترجاع.

ویقال : قرع فلان فلاناً بعصا الملامه إذا بالغ فی عَذْله. ولذلک قیل للتوبیخ : تقریع.

وقال أبو سعید : یقال فلان یُصَلِّی عصا فلان أی یدبّر أمره ویلیه. وأنشد :

* وما صَلَّی عصاک کمستدیم*

قلت : والأصل فی تصلیه العصا أنها إذا اعوجّت ألزمها مقوّمها حَرّ النار حتی تلین له وتجیب التثقیف.

یقال : صلّیت العصا النارَ إذا ألزمتها حَرَّها حتی تلین لغامزها. وتفاریق العصا عند العرب أن العصا إذا انکسرت جُعلت أشِظَّه ، ثم تجعل الأشِظَّه أوتاداً ، ثم تجعل الأوتاد توادِیَ للصِرار.

یقال : هو خیر من تفاریق العصا وکانت العصا لجَذِیمه الأبرش ، وهی اسم فرس کانت من سوابق خیل العرب. ویقال للعصا : عصاه بالهاء. یقال أخذت عصاته ومنهم من کره هذه اللغه ومن أمثالهم : إن العصا قُرِعت لذی الحلم ، وذلک أن بعض حکّام العرب أسنّ وضعف عن الحکم ، فکان إذا احتکم إلیه خصمان وزلّ فی الْحُکم قَرَعَ له بعضُ ولده العصا یفطّنه بقرعها للصواب فیفطُن له ، ویقال للقوم إذا استُذلوا : ما هم إلا عبید العصا. ویقال : عِرق عاص ، إذا لم یرقأ دمه : هو العاند النّحار ، ومنه قول ذی الرمه :

* وهن من واطیء تثنی حویَّته*

وناشج وعواصی الجوف تنشخب ، یعنی عروقاً تقطعت فی الجوف فلم یرقأ دمها ویقال عصی فلان أمیره یعصیه عصیاً وعِصْیاناً إذا لم یطعه ، وعصی العبد ربه إذا خالف أمره. ویقال للجماعه إذا خرجت عن طاعه السلطان : قد استعصت علیه. ویقال فلان یعصی الریح إذا استقبل مهبَّها ولم یتعرض لها ، اعتصی فلان بالعصا إذا توکأ علیها فهو معتصٍ بها.

أبو العباس عن ابن الأعرابی یقال : عصاه یعصوه إذا ضربه بالعصا قال وعَصِی یَعْصَی إذا لعب بالعصا کلعبه بالسیف.

ص: 51

قال : ویقال عصا إذا صَلُب.

قلت کأنه أراد عسا بالسین فقلبها صاداً وروی الأصمعی من بعض البصریین أن العصا سمیت عصاً لأن الید والأصابع تجتمع علیها ، مأخوذ من قول العرب : عصوت القوم أعصوهم ، إذا جمعتهم علی خیر أو شر ، قال : ولا یجوز مد العصا ولا إدخال التاء معها ، قال وأول لحن سمع بالعراق هذه عصاتی بالتاء

والفصیل عند العرب إذا لم یتبع أمه عاصٍ وقد عُصَی أمّه.

وقول الشاعر : أنشده ابن الأعرابی :

أظنک لما خضحضت بطنَک العصا

ذکرت من الأرحام ما لست ناسیا

قال العصا عصا البین هاهنا.

عاسی الشجر وکثر : مثل السَلَم والطلح والسَّیال والسِدْر والسَمُر والعُرْنُط والعضاه.

وقال شمر : عِیص الرجل : أصله. وأنشد :

ولعبد القیس عیص أشب

وقنیب وهجانات زُهُرْ

أبو عبید عن أبی زید : من أمثالهم فی استعطاف الرجل صاحبه علی أقربیهِ وإن کانوا له غیر مستأهلین قولهم : منک عیصُک وإن کان أشِبا. قال أبو الهیثم فی قوله : وإن کان أشبا أی وإن کان ذا شوک داخلاً بعضه فی بعض. وهذا ذمّ. قال : وأما قوله :

* ولعبد القیس عِیص أشب*

فهو مدح أراد به المنعه والکثره. ویقال هو فی عیص صدق أی فی أصل صدق.

تصوُّعاً ، وتصیّع تصیُّعاً إذا هاج. ومثله تصوَّح وتصیَّح. ویقال تصوَّع القوم إذا تفرقوا تصوُّعاً.

أبو عبید عن الأصمعیّ : تصوَّع الشَعَرُ إذا تفرّق.

وقال اللیث : الکمِیُ یصُوع أقرانه إذا حازهم من نواحیهم ، والراعی یصوع الإبل کذلک.

قلت : غلط اللیث فیما فسَّر ، ومعنی یصوع الکمیّ أقرانه إذا حمل بعضهم علی بعض أو أن یحمل علیهم فیفرق جمعهم.

وکذلک الراعی یصوع إبله إذا فرّقها فی المرعی والتیس إذا أُرْسل فی الشاء صاعها إذا أراد سفادها أی فرقها.

وأنشد أبو عبید :

یصوع عُنوقها أحوی زنیم

له ظأُب کما صخِب الغریمُ

ویقال : صُعتُ القوم وصِعْتهم إذا حملت بعضهم علی بعض. وقال اللیث فی قوله :

* فظلّ یکسوها النجاء الأصیعا*

قال : لو ردّ إلی الواو ولقال الأصوعا.

وقال أبو عبید : انصاع الرجلُ إذا انفتل راجعاً ، والمُنصاع والمعرِّد والناکص واحد ؛ قال ذو الرمه :

فانصاع جانبُه الوحشیُّ وانکدرت

یَلْحَبْن لا یأتلی المطلوبُ والطَلَبُ

وقال الشاعر :

إذا المُعْسیاتُ مَنَعن الصَبُو

ح خبّ جَرِیُّکِ بالمُحْصَن

جریُّه : وکیله ورسوله : والمُحْصَن : ما أُحْصِن وادّخر مِنَ الطعام.

وقال اللحیانی : إنه لَمَعْساه أن یفعل ذاک ؛ کقولک : مَحْراه ، وأعس به أن یفعل ذاک کقولک أحر به. والمِعْسَاءُ من الجواری : المراهِقه التی یَظنّ من رآها أنها قد توضَّأَت. وأنشد ثعلب :

ألم ترنی ترکت أبا یزید

وصاحِبَهُ کمِعْسَاءِ الجواری

بلا خَیْط ولا نَیْط ولکن

یداً بید فها عِیثِی جَعَارِ

قال : هذا رجل طعَن رجلاً ، ثم قال : ترکته کمعساء الجواری : یسیل الدم علیه کالمرأه التی لم تأخذ الحِشْوَهَ فی حیضها ، فدمها یسیل علی فخذیها ، وقوله. یداً بید ، أی طعنه کفاحاً ولم أطعنه خَتْلاً.

أبو عبید عن الأموی : العاسی : الشمراخ من شماریخ العَذْق فی لغه بلحارث بن کعب.

وقال ابن الأعرابی : الأعساء : الأرزان الصُلْبه قلت وواحدها عاسٍ.

* بکرا عواساء تَفَاسی مُقْرِبا*

وقال شمر : یقال : تَسِیعُ مکان تسوع.

قال : وناقه مسیاع : تدع ولدها حتی یأکله السبع. ورجل مِسْیاع وهو المضیاع للمال.

ویقال : رُبّ ناقه تُسیع ولدها حتی یأکله السباع.

ویقال : ساوعت الأجیر إذا استأجرته ساعه بعد ساعه.

وقال ابن الأعرابی : الساعه : الهَلْکی ، والطاعه : المطیعون ، والجاعه : الجیاع.

بصاحبه إلیه حتی أهلکه ، والثالث هو الساعی نفسه ، سمی مثلثاً لإهلاکه ثلاثه نفر ، ومما یحقّق ذلک الخبرُ الثابت عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «لا یدخل الجنه قَتّات» فالقَتّات والساعی والماحِل واحد.

ویقال لعامل الصدقات : ساعٍ وجمعه سُعَاه ، وقد سعی یسعی إذا عمل عمل الصدقات فأخذها من أغنیائها وردّها فی فقرائها.

وقال عمرو بن العدّاء الکلبیّ :

سعی عِقَالاً فلم یترک لنا سَبَدا

فکیف لو قد سعی عمرو عقالین

وفی حدیث عمر أنه أُتِی فی إماء ونساء سَاعَیْنَ فی الجاهلیّه ، فأمر بأولادهنّ أن یقوَّموا علی آبائهم ولا یسترقّوا.

قال أبو عبید : وأخبرنی الأصمعیّ أنه سمع ابن عون یذکر هذا الحدیث فقال له : إن المساعاه لا تکون فی الحرائر ، إنما تکون فی الإماء.

قال أبو عبید : ومعنی المساعاه الزنی.

وخصّ الإماء بالمساعاه لأنهن کن یسعَین علی موالیهنّ فیکسِبن لهم.

قلت : ومن هذا أُخذ استسعاء العبد إذا عَتَق بعضه ورَقّ بعضه ، وذلک أنه یسعی فی فَکَاک ما رقّ من رقبته ، فیعمل فیه ویتصرّف فی کسبه حتی یعْتِق. ویسمی تصرفه فی کسبه سعایه لأنه یعمل فیه.

وقال أبو الهیثم : المساعاه : مساعاه الأمه إذ ساعاها مالکها ، فضَرب علیها ضریبه تؤدّیها بالزنی ، ومنه یقال : استُسعِی العبد فی رقبته سُوعِیَ فی غلته فالمستسعَی الذی یُعتقه مالکه عند موته ، ولیس له مال غیره ، فیعتق ثلثه ویُستسعی فی ثلثی رقبته. والمساعاه : أن یساعیه فی حیاته فی ضریبته. والسعی یکون فی الصلاح ، ویکون فی الفساد.

قال الله جلّ وعزّ : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً) [المَائده : 33] نصب قوله (فَساداً) لأنه مفعول له ، أراد : یسعون فی الأرض للفساد. وکانت العرب تسمی أصحاب الحَمَالات لحَقْن الدماء وإطفاء النائره سُعَاه ؛ لسعیهم فی صلاح ذات البین.

ومنه قول زهیر :

سعی ساعیاً غیظِ بن مُرَّه بعدما

تبزّل ما بین العشیره بالدم

أی سعیاً فی الصلح وجَمْع ما تحمّلا من دیات القتلی. والعرب تسمی مآثر أهل الشرف والفضل مساعی واحدتها مَسعاه لسعیهم فیها ، کأنها مکاسبهم وأعمالهم التی أعْنوا فیها أنفسهم. والسَّعاه اسم من ذلک ، ومن أمثال العرب : شغلت سَعَاتِی جدوای.

قال أبو عبید : یُضرب هذا مثلاً للرجل یکون شیمته الکرم غیر أنه مُعدِم. یقول : شغلتنی أموری عن الناس والإفضال علیهم. ومن أمثالهم فی هذا : بالساعد تبطش الید.

قلت کأنه أراد بالسعاه الکسب علی نفسه والتصرّف فی معاشه.

ومنه قولهم : المرء یسعی لغارَیْه أی

ص: 59

یکسب لبطنه وفرجه. وساعی الیهود والنصاری : هو رئیسهم الذی یُصدرون عن رأیه ولا یقضون أمراً دونه. وهو الذی ذکره حُذَیفه فقال : إن کان یهودیاً أو نصرانیاً لیردَّنه علیّ ساعیه. ویقال أراد بالساعی : الوالی الذی علیه من المسلمین ، وهو العامل. یقول یُنصفنی منه. وإن لم یکن له إسلام. وقلّ من ولی عملاً علی قوم فهو ساعٍ علیهم.

أبو عبید عن الکسائی : مضَی من اللیل سِعْو وسَعْواء ممدود.

وقال ابن بُزُرْجَ : السِّعواء مذکّر ، قال وقال : بعضهم : السِعْوا فوق الساعه من اللیل. وکذلک السِعواء من النهار.

ویقال کنا عنده سِعْواوات من اللیل والنهار.

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ : قال : السَعْوه الساعه من اللیل. والسَعْوه : الشَمَعه قال : والأسعاء : ساعات اللیل ویقال للمرأه البذیئه الجالعه : سِعْوه وعِلْقَه وسِلْقه.

شیئین : أحدهما العَیَس ، والآخر من العَوْس وهو السیاسه ، فقلبت الواو یاء لانکسار ما قبلها. فأمّا اسم نبیّ الله صلی الله علیه وسلم فمعدول عن أیسُوع کذا یقول أهل السریانیه.

أبو عبید عن الکسائی : إذا نسبت إلی عیسی وموسی وما أشبههما مما فیه الیاء زائده قلت موسِیٌّ وعیسیٌ بکسر السین وتشدید الیاء.

وقال أبو عبیده أعْیَس الزرعُ إعیاساً إذا لم یکن فیه رَطْب ، وأَخْلس إذا کان فیه رطب ویابس ، ورجل أعیس الشعر : أبیضه. وَسْم أعیس : أبیض.

قال شمر : تسمّی الریح الجنوب النُعامَی بلغه هذیل ، وهی الأَزْیب أیضاً. قال بعضهم : نسمیها مِسْعاً. وقال بعض أهل الحجاز : یُسْع بالیاء مضمومه. وأما اسم النبی فهو الْیَسع. وقریء : اللَّیْسع.

ویقال : هل تسع هذا أی هل تطیقه ، وقال الله جلّ وعزّ : (وَالسَّماءَ بَنَیْناها بِأَیْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذّاریَات : 47] قال أبو إسحاق یقول : جعلنا بینها وبین الأرض سعه ، جعل أوسع بمعنی وسّع. والسعه أصلها وِسْعه فحذفت الواو.

ویقال : لیسعک بیتک معناه القرار فیه ، وفی «النوادر» : اللهم سَعْ علیه أی وسِّع علیه.

قال ابن الأنباری : الواسع من أسماء الله : الکَثیر العطایا الذی یسع لما یُسأل. وهذا قول أبی عبیده. ویقال الواسع : المحیط بکل شیء من قولهم : (وَسِعَ کُلَّ شَیْءٍ عِلْماً) أی أحاط. وقال :

* أعطیهم الجهد منی بَلْه ما أسع *

معناه : فدع ما أحیط به وأقدر علیه.

والمعنی أعطیهم ، لا أجده إلا بجهد فدع ما أحیط به.

والوجه الثانی أن معنی التعزّی فی هذا الحدیث التأسّی والتصبّر ، فإذا أصابت المسلمَ مصیبه تَفْجَعُه قال : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ) ؛ کما أمره الله تعالی. ومعنی قوله : بعزاء الله أی بتعزیه الله إیّاه ، فأقام الاسم مُقَام المصدر الحقیقیّ وهو التعزیه من عزَّیت ؛ کما یقال : أعطیته عطاء ومعناه أعطیته إعطاء. وأما قول الله جلّ وعزّ : (عَنِ الْیَمِینِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِینَ) [المعَارج : 37] فمعنی (عِزِینَ) خِلَقاً خِلَقا ، وجماعه جماعه ، وعِزُون جمع عِزْوه ، فکانوا عن یمینه وعن شماله جماعات فی تفرقه.

وقال اللیث : العِزَه عُصبهٌ من الناس فوق الحَلْقه. والجماعه عزون. ونقصانها واو.

قلت أصل عزه عِزْوه ، کأن کل جماعه اعزازها أی انتسابها واحد عِزه. وهی مثل عِضَه أصلها عِضْوه. وقد مرّ تفسیرها.

وقال اللیث یقال عَزِی الرجلُ یَعْزَی عزاء ممدود. وإنه لعزِیّ : صبور إذا کان حسن العزاء علی المصائب. وتقول عزّیت فلاناً أعزّیه تعزیه أی أسّیته وضربت له الأُسَی وأمرته بالْعزاء فتعزّی تعزّیاً أی تصبَّر تصبّراً. والعزاء : الصبر نفسه عن کل ما فقدت.

وقال أبو زید : عزا فلان نفسَه إلی بنی فلان یعزوها عَزْواً إذا اعتزی إلیهم ، محِقّا کان أو باطلاً ، وانتمی إلیهم مثلُه. قال : والاسم العِزوه والنِمْو ویقال : النِمْیَه.

قلت : والعِزه الجماعه مأخوذه من هذا. وقال اللیث : کلمه شنعاء من لغه أهل الشِّحْر یقولون یَعْزی ما کان کذا وکذا کما نقول نحن : لعمری لقد کان کذا وکذا.

وقال ابن درید : العَزْو لغه مرغوب عنها یتکلم بها بنو مَهْره بن حَیْدان یقولون : عَزْوَی کأنّها کلمه یتلطّف بها. وکذلک یقولون یَعزی. قال : وبنو عَزْوان حی من الجنّ والعرب تقول : إن النعام مراکب الجنّ وقال ابن أحمر یصف الظلیم :

حَلَقَتْ بنو عَزْوان جُؤجؤَهُ

والرأسَ غیر قنازع زُعْر

وقال اللیث : الاعتزاء : الاتصال فی الدعوی إذا کانت حرب. فکل من ادّعی فی شعاره : أنا فلان بن فلان أو فلان الفلانی فقد اعتزی إلیه.

فیها الصبیّ أو لم یلفّ.

وقال ابن هانیء : یقال : إنه لعَوِز لَوِز تأکید له ، کما تقول : تعساً له ونعساً.

عمرو عن أبیه : العَوْز : ضیق الشیء. والمعروف العَوَز

أبو حاتم عن أبی زید یقال : ما یُعوِز لفلان شیء إلّا ذهب به ، کقولک : ما یُوهِف له وما یُشرف. قاله أبو زید بالزای قال أبو حاتم : وأنکره الأصمعی. قال : وهو عند أبی زید صحیح ، ومن العرب مسموع.

وقوله حُصَیب الهذلیّ یذکر قربه من عدوّ له :

لما رأیت بنی عمرو ویازعهم

أیقنت أنی لهم فی هذه قَوَد

قال : یازعمهم لغتهم ، یریدون : وازعهم فی هذه الواقعه أی سیستقیدون منا

أبو عبید یقال : أُوزِعتُ بالشیء مثل أُلهمته وأُولعت به. قال : ووزّعت الشیء بین القوم قسمته.

وقال غیره : یقال : عطَّیته وعاطیته أی خدمته وقمت بأمره ؛ کقولک : نعّمته وناعمته. تقول : من یُعَطِّیک أی من یتولّی خدمتک. وقوس مُعْطِیه : لیّنه لیست بکزّه ولا ممتنعه علی من یمدّ وترها. وقال أبو النجم : وهَتَفی مُعطیه طروحاً أراد بالهَتَفی قوساً لوترها رنین. وقوس عَطْوی بمعنی المعطیه. ویقال : هی التی عُطفت فلم تنکسر ، وقال ذو الرمه :

له نبعه عَطْوی کأن رنینها

بألوی تعاطته الأکفّ المواسح

أراد بالألوی : الوتر. والنسبه إلی عطیّه عَطَوِیّ ، وإلی عطاء عطائیّ. وسمعت غیر واحد من العرب یقول لراحلته إذا انفسخ خَطْمه عن مَخْطِمه : أعطِ فیعوج رأسه إلی راکبه فیعید الخطم علی مَخطِمه. وقال أبو زید : یقال هو یتعاطی معالَی الأمور ورفیعها ، ویتعاطی أمراً قبیحاً. قال : وقال رجل من قیس یکنی أبا قُوَّه أقول هو یتعاطی الرفعه من الأمر ، ویتعطّی القبیحَ تعطّیاً. ویقال هو یستعطی الناس بکفّه ، وفی کفّه ، استعطاءً إذا سألهم وطلب إلیهم.

أبو العباس عن ابن الأعرابی : قال : الأعطاء : المناولات. والمعاطاه أن یستقبل رجل رجلاً ومعه سیف فیقول : أرِنی سیفک فیعطیه فیهزّه هذا ساعه وهذا ساعه وهما فی سُوق أو مسجد ، وقد نُهی عنه. ومن أمثال العرب عاطٍ بغیر أنواط ، یضرب مثلاً لمن انتحل عِلْماً لا یقوم به.

الأصل فیه ومن یَتَطوّع ، فأدغمت التاء فی الطاء وکل حرف أدغمته فی حرف نقلته إلی لفظ المدغم فیه. ومن قرأ (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَیْراً) علی لفظ المضیّ فمعناه الاستقبال ؛ لأن الکلام شرط وجزاء ، فلفظ الماضی فیه یئول إلی معنی الاستقبال ، وهذا قول حُذّاق النحویّین. وأما قول الله جلّ وعزّ : فما استطاعوا ان یظهروه [الکهف : 97] فإن أصله استطاعوا بالتاء ، ولکن التاء والطاء من مخرج واحد ، فحذفت التاء لیخفّ اللفظ. ومن العرب من یقول : استاعوا بغیر طاء ، ولا یجوز فی القراءه. ومنهم من یقول : (فَمَا اسْطاعُوا) بألف مقطوعه ، المعنی : فما أطاعوا فزادوا السین - قال ذلک الخلیل وسیبویه - عوضاً عن ذهاب حرکه الواو ؛ لأن الأصل فی أطاع أَطْوَع. ومن کانت هذه لغته قال فی المستقبل یُسطِع بضمّ الیاء.

وأخبرنی المنذریّ عن الحرانی عن ابن السکیت قال : یقال : ما أَستطیع وما اسطیع وما أَسْطیع وما أستطیع ، وکان حمزه الزیّات یقرأ (فما اسْطَّاعوا) بإدغام الطاء والجمع بین ساکنین.

وقال أبو إسحاق الزجّاج : من قرأ بهذه القراءه فهو لاحِنٌ مخطیء. زعم ذلک الخلیل یونس وسیبویه ، وجمیع مَن یقول بقولهم. وحجَّتهم فی ذلک أن السین ساکنه ، وإذا أدغمت التاء فی الطاء صارت طاء ساکنه ، ولا یجمع بین ساکنین. قال : ومن قال : أطرحُ حرکه التاء علی السین فأقرأ (فما اسَطَّاعوا) فخطأ أیضاً لأن سین استفعل لم تحرّک قطّ.

والمطّوّعه : قوم یتطوَّعون بالجهاد ، أدغمت التاء فی الطاء ، کما قلنا فی قوله : (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَیْراً). وأمّا قوله جلّ وعزّ : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِیهِ) [المَائده : 30] فإن الفراء قال : معناه فتابعته نفسه. وقال المبرد ؛ (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ) فعَّلت من الطَوْع. وقال أبو عبید : حدّثنا یزید عن ورقاء عن ابن أبی نَجیح عن مجاهد ؛ (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ) قال شجَّعته. قال أبو عبید عن مجاهد : إنها أعانته علی ذلک وأجابته إلیه. ولا أری أصله إلّا من الطواعیه.

قلت : والأشبه عندی أن یکون معنی (طوّعت) سمَّحت وسهَّلت له نفسهُ قتلَ أخیه أی جعلت نفسه بهواها المُردی قتلَ أخیه سهلاً وهوَّنته. وأمَّا علی قول الفراء والمبرد فانتصاب قوله (قَتْلَ أَخِیهِ) علی إفضاء الفعل إلیه ؛ کأنه قال : فطوعت له نفسه أی انقادت فی قتل أخیه ولقتل أخیه فحذف الخافض وأفضی الفعلُ إلیه فنصبه. ویقال : فلان طَوْع المکاره إذا کان معتاداً لها ، ملقیً إیّاها. وقال النابغه :

فارتاع من صوت کَلّاب فبات له

طوعُ الشوامت من خوف ومن صَرَد

ویروی : طوعَ الشوامت. فمن رفع : أراد بات له ما أطاع شامته من البرد والخوف أی بات له ما اشتهی شامته ، وهو طَوْعه ، ومن ذلک تقول : اللهم لا تطیعنّ بی شامتاً أی لا تفعل بی ما یشتهیه ویحبّه.

ص: 67

وقال ابن السکیت : یقال طاع له وأطاع ، سواءً. فمن قال : طاع قال یطاع ، ومن قال : أطاع قال یُطیع ، فإذا جئت إلی الأمر فلیس إلّا أطاعه ؛ کما ذکرناه فی أوّل الباب.

ومن روی بیت الذبیانی : فبات له طوعَ الشوامت بالنصب أراد بالشوامت قوائمه واحدها شامته یقول : فبات الثَوْر طوع قوائمه أی بات قائماً.

قلت : ومن العرب من یقول : طاع له یَطُوع طَوْعاً فهو طائع بمعنی أطاع أیضاً ، وطاع یطاع لغه جیّده.

اللحیانی : یقال : أطعت له وأطعته.

ویقال : طِعْت له وأنا أطِیع له طاعه ، ویقال : طُعْت له وأنا أطوع له طوعاً أی انقدت ، وفرس طَوْع العِنان وطوعه العنان. وبعیر طیّع : سلِس القیاد.

تَعَیّطُ ذفراها بجَوْن کأنه

کُحَیْل جری من قنفذ اللِّیت نابع

ویقال عیَّط فلان بفلان إذا قال له : عِیط عِیط.

والعادی : الظالم. یقال لا أشمت الله بک عادیَک أی عدوّک الظالم لک.

والاعتداء والتعدّی والعُدْوان : الظلم.

وقول الله : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَی الظَّالِمِینَ) [البَقَرَه : 193] أی فلا سبیل.

وکذلک قوله : (فَلا عُدْوانَ عَلَیَ) [القَصَص : 28] أی لا سبیل علیّ.

وقوله : (فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ) [البَقَرَه : 194] الأول ظلم ، والثانی جزاء. وهو مثل قوله : (وَجَزاءُ سَیِّئَهٍ سَیِّئَهٌ مِثْلُها) [الشّوری : 40] السّیئه الأولی سیئه ، والثانیه مجازاه ، وإن سُمّیت سیّئه. فالاعتداء الأول ظلم ، والثانی لیس بظلم ، وإن وافق اللفظ اللفظ. ومثل هذا فی کلام العرب کثیر. یقال : أثِم الرجلُ یأثَم إثماً ، وَأَثَمَهُ الله علی إثمه أی جازاه الله علیه یَأثِمُه أثاماً.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَمَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثاماً) [الفُرقان : 68] أی جزاء لإثمه وقول الله جل ذکره : (وَلا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [المَائده : 2] یقول : لا تعاونوا علی المعصیه والظلم ، وقوله : (تِلْکَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) [البَقَرَه : 229] أی لا تجوزوها إلی غیرها ، وکذلک قوله : (وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ) [البَقَرَه : 229] أی یجاوزْها ، وقوله : (فَمَنِ ابْتَغی وَراءَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ العادُونَ) [المؤمنون : 7] أی المجاوِزون ما حُدّ لهم وأُمروا به ، وقوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَلا عادٍ) [البقره : 173] أی غیر مجاوِز لما یُبلِّغُهُ ویغُنیه من الضروره ، وأصل هذا کلّه مجاوزه القدر والحقّ ، یقال : تعدیت الحقّ واعتدیته ، وعَدَونه أی جاوزته ، وقد قالت العرب اعتدی فلان عن الحقّ ، واعتدی فوق الحق ، کأن معناه : جاز عن الحقّ إلی الظلم ، ویقال : عدا فلان طَوْره إذا جاوز قَدْره ، وعدا بنو فلان علی بنی فلان أی ظلموهم وقولهم : عدا علیه فضربه بسیفه لا یراد به عَدْو علی الرجلین ، ولکن من الظلم.

ومن حروف الاستثناء قولهم : ما رأیت أحداً ما عدا زیداً ، کقولک ، ما خلا زیداً. وتنصب زیداً فی هذین. فإذا أخرجت (ما) خفضت ونصبْت فقلت : ما رأیت أحداً عدا زیداً. وعدا زید ، وخلا زیداً ، وخلا زیدٍ ، النصب بمعنی إلَّا ، والخفض بمعنی سوی.

وتقول : ما یعدو فلان أمرک ، أی ما یجاوزه.

وقال الله جلّ وعزّ : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَهِ الدُّنْیا وَهُمْ بِالْعُدْوَهِ الْقُصْوی) [الأنفَال : 42] قال الفراء : العدوه : شاطیء الوادی ، الدنیا ممّا یلی المدینه ، والقُصْوی ممّا یلی مکّه.

وقال الزجّاج : العدوه : شَفِیر الوادی.

وکذلک عدا الوادی مقصور.

وأخبرنی المنذری عن الحرانی عن ابن السکیت قال : عِدوه الوادی وعُدْوته جانبه ، والجمیع عِدًی وعُدًی ، قال : والعِدَی : لأعداء یقال هؤلاء قوم عِدَی یکتب بالیاء ؛ وإن کان أصله الواو لمکان الکسره فی أوله وعدی مثله.

وقال غیره : العُدی الأعداء ، والعِدی الذین لا قرابه بینک وبینهم والقول الأول. والعدی ألفه مقصور یکتب بالیاء وقال :

ص: 70

إذا کنت فی قوم عِدًی لست منهم

فکل ما علفت من خبیث وطیب

وقال ابن السکیت زعم أبو عمرو أن العِدَی الحجاره والصخور. وأنشد قول کثیر :

وحال السَفی بینی وبینک والعِدی

ورَهْنُ السفی غَمر النقیبه ماجد

أراد بالسَفَی : تراب القبر : وبالعِدَی : ما یُطْبقُ علی اللحد من الصفائح.

وقال بدر بن عامر الهذلیّ فمدّ العِدَی : ما یُطْبقُ علی اللحد من الصفائح.

وقال بدر بن عامر الهذلیّ فمدّ العِدَاء ، وهی الحجاره والصخور :

أو استمرّ لمسکن أثوِی به

بقرار ملحده العداء شَطُون

وقال أبو عمرو : العِدَاء ممدوده : ما عادیت علی المیت حین تدفنه من لبِن أو حجاره أو خشب أو ما أشبهه. والواحد عِدَاءه.

وقال أیضاً : العِدَاء : حجر رقیق ، یقال لکل حجر یوضع علی شیء یستره فهو عداء. قال أسامه الهذلی :

تالله ما حُبّی علیا بشَوَی

قد ظعن الحیّ وأمسی قد ثوی

* مغادَرا تحْت العداء والثری*

معناه : ما حبّی علیاً بخطأ.

وأعداء الوادی وأعناؤه : جوانبه.

وقال اللیث : العُدْوه : صلابه من شاطیء الوادی. ویقال : عِدوه : قال : والعُدَواء : أرض یابسه صُلبه.

وربما جاءت فی البئر إذا حُفرت ، وربما کانت حجراً حتی یحید عنها الحافر ، وقال العجّاج :

* وإن أصاب عُدَوَاء حروفا*

یصف الثور.

قلت : وهذا من قولهم : أرض ذات عُدَواء إذا لم تکن مستقیمه وطیئه ، وکانت متعادیه.

شمر عن ابن الأعرابی : العُدَواء : المکان الغلیظ الخشن.

وقال غیره : العدواء : البعد ، وأمَّا قوله :

* منه علی عدواء الدار تستقیم*

قال الأصمعی عُدَواؤه : صَرْفه واختلافه.

وقال المؤرّج : عُدَواء علی غیر قصد. وإذا نام الإنسان علی موضع غیر مستوٍ ، فیه انخفاض وارتفاع قال : نمت علی عُدَواء.

قال شمر : وقال محارب : العُدَوَاء : عاده الشغل.

وقال النضر : العدواء من الأرض المکان المشرف ، یَبْرک علیه البعیر فیضطجع علیه ، وإلی جنبه مکان مطمئنّ فیمیل فیه البعیر فیتوهنّ ، فالمشرف العُدَواء ، وتوهّنه أنه یمدّ جسمه إلی المکان الوطیء فتبقی قوائمه علی المشرف فلا یستطیع أن یقوم حتی یموت فتوهُّنُه اضطجاعه.

وقال أبو زید : طالت عدواؤهم أی تباعدهم وتفرقهم.

وقال أبو عمرو : العُدَواء : المکان الذی بعضه مرتفع وبعضه متطأطیء : وهو المتعادِی. قال : والعُدَواء : إناخه قلیله.

وقال الأصمعی : جئتک علی فرس ذی

ص: 71

عُدَواء غَیْرَ مُجْرَی إذا لم یکن ذا طمأنینه وسهوله.

وقال أبو عمر : عُدَواء الشّوْق : ما یَرَّح بصاحبه ، ویقال : آدیتک وأعْدیتک من العَدْوی وهی المَعُونه. والمتعدی من الأفعال : ما یجاوز صاحبه إلی غیره. ویقال : تعدّ ما أنت فیه إلی غیره أی تجاوزه ، وعُدْ عما أنت فیه أی اصرِف هَمّک وقولک إلی غیره ، وعدَّیت عنی الهمّ أی نحّیته ، وتقول لمن قصدک : عدّ عنی إلی غیری أی اصرف مرکبک إلی غیری. والعَدَاوه اسم عام من العدوّ یقال عدو بَیِّنُ العداوه وهو عدوّ وهما عدوّ وهنّ عدوّ هذا إذا جعلته فی مذهب الاسم والمصدر ، فإذا جعلته نعتاً محضاً قلت : قلت هو عدوّک ، وهی عدوّتک وهم أعداءک وهن عَدُوَّاتُکَ.

قال ابن الأنباری : قولهم : هو عدوّه معناه : یعدو علیه بالمکروه ویظلمه. ویقال فلانه عدوّ فلان وعدوّته. فمن قال : عدوّءه قال : هو خبر للمؤنث ، فعلامه التأنیث لازمه ، ومن قال : فلانه عدوّ فلان قال ذکَّرت عدوّاً لأنه بمنزله قولک : امرأه ظلوم وصبور وغضوب.

والأعادی جمع الأعداء. ویقال : عَدَا الفرس یعدو عَدْواً إذا أَحضر. وأعدیته أنا إذا حملته علی الحُضْر. ویقال للخیل المغیره : عادیه. قال الله جلّ وعزّ : (وَالْعادِیاتِ ضَبْحاً) [العَادیَات : 1] قال ابن عباس : هی الخیل ، وقال علیّ : هی الإبل ههنا.

وقال الأصمعی : یقال للشدید العَدْو : إنه لعَدَوان.

وفرس عَدَوان : کثیر العَدو. وذئب عَدَوان : یعدو علی الناس. وأنشد :

تذکُرُ إذا أنتَ شدیدُ القَفْز

عند القُصَیْری عَدَوانُ الجَمْز

* وأنت تعدو بخَروف مُبْزی*

یخاطب ذئباً کان اختطف حروفاً له فقتله وقال ابن شمیل : رددت عنی عادیه فلان أی حِدّته وغضبه.

وقال اللیث : العادیه ، الشُغل من أشغال الدهر یعدوک عن أمورک ، أی یَشغلک وجمعها عوادٍ. وقد عدانی عنک أمْرٌ فهو یعدونی أی صرفنی ؛ والعَدَاء : الشغل.

وقال زهیر :

* وعادَک أن تلاقیها العَدَاءُ*

قالوا : معناه : عداک فقلبه. وقالوا : معنی قوله : عادک : عادلک وعاودک : ویقال : استعدی فلان السلطان علی ظالمه أی استعان به ، فأعداه علیه أی أعانه علیه. والعَدْوی اسم من هذا ویقال استأداه بالهمز فآداه أی فأعانه وقوّاه. وبعض أهل اللغه یجعل الأصل فی هذا الهمزَه ویجعل العین بدلاً منها. ویقال کُفّ عنا عادیتک أی ظُلْمک وشرّک. وهذا مصدر جاء علی فاعله کالراغیه والثاغیه. یقال : سمعت راغبه البعیر ، وثاغیه الشاء أی رُغَاء البعیر وثُغَاء الشاء. وکذلک عادیه الرجُل : عَدْوه علیک بالمکروه. ورُوی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «لا عَدْوی ولا هامه ولا صَفَر».

ص: 72

والعَدْوی أن یکون ببعیر جَرَب أو بإنسان جُذَام أو بَرَص فتتّقی مخالطته أو مؤاکلته حِذار أن یعدوه ما به إلیک أی یجاوزه فیصیبک مثلُ ما أصابه. ویقال إن الجرب لیُعدی أی یجاوز ذا الجربِ إلی من قاربه حتی یَجْرَب. وقیل للنبی صلی الله علیه وسلم : إن النُقْبه تبدو بمشفر البعیر فتُعدی الإبل کلها. فقال علیه الصلاه والسلام للذی خاطبه : فما أعدی الأوّل ، وقد نهی النبی صلی الله علیه وسلم مع إنکاره العدوی أن یُورِدَ مُصِحٌّ علی مُجْرب مثلا یصیب الصحاحَ الجربُ ، فیحقّق صاحبُها العَدْوی. والعَدْوی اسم من أعدی یعدی فهو مُعْدٍ. ومعنی أعدی أی أجاز الجرب الذی به إلی غیره. أو أجاز جرباً بغیره إلیه. وأصل هذا من عدا یعدو إذا جاوز الحدّ. ویقال : عادی الفارس بین صیدین وبین رَجُلین إذا طعنهما طعنتین متوالیتین. والعِدَاء والمعاداه : الموالاه. یقال : عادی بین عشره من الصید أی والی بینها رمیاً وقتلاً.

وروی شمر عن محارب أنه قال : العَدَاء والعِدَاء لُغتان. وهو الطَّلَقَ الواحد للفرس. وأنشد :

* یصرع الخَمْس عِدَاء فی طَلْقْ*

قال : فمن فتح العین قال : جاز هذا إلی ذاک ، ومن کسر العداء فمعناه أنه یعادی الصید من العَدْو ، وهو الحُضْر حتی یلحقه.

وقال اللیث : العَدَاء : طَوَارُ الشیء ، تقول : لزمت عَدَاء النهر ، وعَدَاء الطریق والجبل أی طَوَاره. ویقال : الأکحل عرقٌ عَدَاء السَّاعدِ. وقد یقال عِدْوه فی معنی العَدَاء. وعِدْوٌ فی معناه بغیر هاء. والتعداء : التفعال من کل ما مرّ جائز. وعَدْوان : حیّ من قیس ساکنی الدال. ومعدیکرب اسمان جُعلا اسماً واحداً فأُعطیا إعراباً واحداً ، وهو الفتح. والنسبه إلی عدِیّ الرُّباب عَدَوَیّ. وکذلک إلی بنی عَدِیّ فی قریش رهط عمر بن الخطاب.

وأخبرنی المنذری عن ثعلب عن ابن الأعرابی قال : یقال للخُلَّه من النبات : العُدوه فإذا رعتها الإبل فهی إبل عُدْوِیَّه وعَدَوِیّه وإبل عوادٍ ، وقال ابن السکیت : إبل عادِیَه ترعی الخُلّه ، ولا ترعی الحَمْض ، وإبل آرکه وأَوَارک مقیمه فی الحمض. وأنشد لکثیر :

وإن الذی ینوی من المال أهلُها

أوَارک لما تأتلفْ وعوادی

وروی الربیع عن الشافعی فی باب السَلَم ألبان إبل عوادٍ وأوَارک. والفرق بینهما ما ذکرت.

وقال اللیث : العَدَویَّه من نبات الصیف بعد ذهاب الربیع : أن یخضرّ صغار الشجر فترعاه الإبل. تقول : أصابت الإبلُ عَدَویَّه.

قلت : العَدَویّه : الإبل التی ترعی العُدْوه وهی الخُلّه. ولم یضبط اللیث تفسیر العدویه فجعله نباتاً وهو غلط. ثم خلّط فقال : والعَدَویّه أیضاً : سِخال الغنم ، یقال : هی بنات أربعین یوماً فإذا جُزّت عنها عقیقتها ذهب عنها هذا الاسم ، قلت ، وهذا غلط بل تصحیف منکر ،

ص: 73

والصواب فی ذلک الغَدَویه بالغین المعجمه أو الغَذَویه بالذال. والغِذَاء صغار الغنم واحدها غذِیّ. وهی کلها مفسّره فی معتل الغین. ومن قال : العَدَویه سخال الغنم فقد أبطل وصحّف. ویقال : فلان یعادی بنی فلان من العداوه. قال الله جلّ وعزّ : (عَسَی اللهُ أَنْ یَجْعَلَ بَیْنَکُمْ وَبَیْنَ الَّذِینَ عادَیْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّهً) [المُمتَحنَه : 7] وقال المازنی : عدا الماءُ یعدو إذا جری. وأنشد :

وما شعرتُ أن ظهرت ابتلَّا

حتی رأیت الماء یعدو شَلَّا

ویقال تعادی القوم علیّ بنصرهم أی توالَوا أو تتابعوا.

وقال الخلیل فی جماعه العدوّ : عُدًی. قال وکان حدّ الواحد عَدُو بسکون الواو ففخموا آخره بواو فقالوا : عدوّ ، لأنهم لم یجدوا فی کلام العرب اسماً فی آخره واو ساکنه. قال : ومن العرب من یقول قوم عدًی. وقال الکوفیون إنما هو مثل قضاه وغزاه وعداه فحذفوا الهاء ، فصارت عُدی ، وهو جمع عادٍ.

ویقال رأیت عَدِیَ القوم مقبلاً أی مَن حَمَل من الرّجاله. وقال أبو عبیده : العَدِیَ : جماعه القوم بلغه هذیل ، وقال مالک بن خالد الخناعی :

لما رأیت عَدِیّ القوم یسلُبُهم

طَلْحُ الشواجن والطَّرفاءُ والسلّم

وقال شمر : قال ابن الأعرابی فی قول الأخطل :

* وإن کان حیاناً عِدی آخر الدهر*

قال العِدَی : التباعد ، قوم عِدًی إذا کانوا متباعدین لا أرحام بینهم ولا حِلْف. وقوم عُدی إذا کانوا حرباً. وقال فی قول الکمیت :

یرمی بعینیه عَدْوه الأمد الأبعد

هل فی مطافه رِیَب

قال : عدوه الأمد : مدّ بصره ینظر هل یری ریبه تریبه.

أبو حاتم عن الأصمعی : یقول هؤلاء قوم عِدَی مقصور یکون للأعداء والغرباء ، ولا یقال : قوم عُدی إلا أن تُدْخل الهاء فتقول عُدَاه فی وزن قضاه. قال : وربما جمعوا أعداء علی أعادیّ.

وقال ابن شمیل : العُدْوه. سَنَد الوادی ، وقال أبو خیره : العُدوه : المکان المرتفع شیئاً علی ما هو منه.

أبو عبید عن أصحابه : تقادع القومُ تقادُعاً ، وتعادَوا تعادیاً ، وهو أن یموت بعضهم فی إثر بعض ، وأنشد قول عمرو بن أحمر :

فما لِک من أروی تعادیتِ بالعمی

ولاقیت کلَّابا مُطِلاً ورامیا

وقال العکلی : یقال : عادِ رجلک عن الأرض أی جافِها.

وروی عن حذیفه أنه خرج وقد طَمّ شعره فقال : إن کان شعره لا یصیبها الماء جنابه ، فمن ثم عادیت رأسی کما ترون. قال شمر معناه أنه طمّه واستأصله لیصل الماء إلی أصول الشعر.

ص: 74

وقال غیره : عادیت رأسی أی جفوت شعره ولم أدهُنه. وقال آخرون عادیت رأسی أی عاودته بوُضوء وغسل. والمعاداه : الموالاه والمتابعه.

وروی أبو عدنان عن أبی عبیده : عادیت شعری أی رفعته عند الغسل وعادیت الوساده أی ثنیتها ، وعادیت الشیء : باعدته ، وتعادیت عنه أی تجافیت. ومکان متعادٍ : بعضه مرتفع ، وبعضه متطامن. وفی «النوادر» فلان ما یعادینی ولا یوادبنی قال لا یعادینی أی لا یجافینی ولا یوادینی أی : لا یواتینی.

وقال ابن شمیل تعادت الإبل جمعاءُ أی موّتت ، وقد تعادت بالقَرْحه. ویقال : عادیت القِدْر ، وذلک إذا طامنت إحدی الأنافی ورفعت الأخریین لتُمیل القِدْر علی النار.

وقال الأصمعیّ : عدانی منه شرّ أی بلغنی ، وعدانی فلان من شرّه بشرّ یعدُونی عَدْواً ، وفلان قد أعدی الناس بشر أی ألزق بهم منه شراً ، وقد جلست إلیه فأعدانی شراً أی أصابنی بشره.

وروی عن علی رضی الله عنه أنه قال لبعض أصحابه وقد تخلّف عنه یوم الجمل : ما عدا مما بدا.

قال أبو عُمَر : قال أحمد بن یحیی معناه : ما ظهر منک من التخلّف بعدما ظهر منک من التقدم فی الطاعه.

قال أبو العباس : ویقال فلان فعل ذلک الأمر عَدْواً بَدْواً أی ظاهراً جهاراً.

وقال غیره : معنی قوله : ما عدا مما بدا أی ما عداک مما کان بدا لنا من نصرک أی ما شغلک ، وأنشد :

عدانی أزورک أنّ بَهْمی

عَجَایا کلُّها إلّا قلیلا

وقال أبو حاتم قال الأصمعی فی قول العامه : ما عدا من بدا هذا خطأ والصواب : أما عدا من بدأ علی الاستفهام. یقول : ألم یتعدّ الحق من بدأ بالظلم ، ولو أراد الإخبار قال : قد عدا من بدأ بالظلم أی قد اعتدی ، وإنما عدا من بدأ.

وقال شمر : قال ابن شمیل یقال : الزم عَدَاء الطریق وهو أن تأخذه لا تظلمه. ویقال : خذ عَدَاء الجبل أی خذ فی سَنَده تدور فیه حتی تعلوه ، وإن استقام فیه أیضاً فقد أخذ عَدَاءَهُ. وعداء الخندق وعداء الوادی بطنه.

وقال ابن بزرج : یقال : الزم عَدْوَ أعداءِ الطریق ، وألزم أعداء الطریق أی وَضَحُه. وقال رجل من العرب لآخر : ألبناً نسقیک أم ماء؟ فأجاب : أیّهما کان ولا عداء معناه : لا بدّ من أحدهما ، ولا یکوننّ ثالث.

أبو العباس عن ابن الأعرابی قال : الأعداء : حجاره المقابر قال : والادعاء آلام النار.

وقال بعضهم : هو من العَدَاء والنون والهمزه زائدتان. وقال بعضهم : هو بناء علی فِنْعَلْوه. وقال بعضهم : عندأْوه فِعْلَلْوه. والأصل قد أُمیت فعله ، ولکن أصحاب النحو یتکلّفون ذلک باشتقاق الأمثله من الأفاعیل. قال : ولیس فی جمیع کلام العرب شیء تدخل فیه الهمزه والعین فی أصل بنائه إلّا عِنْدأوه وإمَّعه وعَبَاء وعفاء وعماء. فأمّا عظاءه فهی لغه فی عظایه ، وإعاء لغه فی وعاء.

وقال شمر : قال ابن الأعرابی : ناقه عندأوه ، وقِنْدأوه ، وسِنْدأوه أی جریئه.

قال ومعنی قولهم : إن تحت طِرِّیقتک لعندأوه یقال ذلک للسِّکِّیت الداهی. وقال اللحیانی : العنداوه : المکر والخدیعه ولم یهمزه. وقال أبو عبید : یقال ذلک للمُطْرق الذی یأتی بداهیه. قال : والعنداوه أدهی الدواهی.

* قالت ودعواها کثیر صَخَبُه*

وقال الله فی سوره الملک [27] : (وَقِیلَ هذَا الَّذِی کُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) قرأ أبو عمرو (تَدَّعُونَ) مثقّله وفسّره الحسن : تکذِبون من قولک : تدّعِی الباطل وتدّعی ما لا یکون. وقال الفرّاء : یجوز أن یکون (تَدَّعُونَ) بمعنی تَدْعون. ومن قرأ (تَدْعون) مخفّفه فهو من دعوت أدعو. والمعنی : هذا الذی کنتم به تستعجلون ، وتدْعون الله بتعجیله. یعنی قولهم : (اللهُمَّ إِنْ کانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِکَ فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَهً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : 32] ذکر ذلک لنا المنذریّ عن ابن فهم عن محمد بن سلّام عن یونس النحوی ، وقاله الزجاج أیضاً. قال : ویجوز أن یکون (تَدَّعُونَ) فی الآیه تفتعلون من الدعاء ، وتفتعلون من الدعوی. وقال اللیث : دعا یدعو دَعْوه ودُعَاء ، وادّعی یدَّعی ادّعاء ودَعْوی. قال : والادّعاء فی الحرب : الاعتزاء ، وکذلک التداعِی. قال : والتداعی : أن یدعوا القومُ بعضُهم بعضاً.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَاللهُ یَدْعُوا إِلی دارِ السَّلامِ وَیَهْدِی مَنْ یَشاءُ) [یُونس : 25] دار السلام هی الجنه والسلام هو الله. ویجوز أن تکون الجنه دار السلامه والبقاء. ودعاء الله خلقه إلیها کما یدعو الرجل الناس إلی مَدْعاه أی مأدُبه یتَّخذها. وطعامِ یدعو الناس إلیه. ورُوی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «إن الله تعالی بنی داراً واتَّخذ مأدبه ، فدعا الناس إلیها». وقرأ هذه الآیه: وروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «إذا دُعی أحدکم إلی طعام فلیجب ، فإن کان مفطراً فلیأکل ، وإن کان صائماً فلیصَلّ». وهی الدّعْوه والمَدْعاه للمأدُبه. وأمَّا الدِّعوه - بکسر الدال - فادّعاء الولد الدعیّ غیر أبیه. یقال دعِیّ بیّن الدعوه والدِّعاوه. والمؤذّن داعی الله ، والنبی صلی الله علیه وسلم داعی الأمّه إلی توحید الله تعالی وطاعته. قال الله تعالی مخبراً عن الجنّ ، الذین استمعوا القرآن و (وَلَّوْا إِلی قَوْمِهِمْ مُنْذِرِینَ ...) : (یا قَوْمَنا أَجِیبُوا داعِیَ اللهِ) [الأحقاف : 31] ویقال لکل من مات : دُعی فأجاب. ویقال دعانی إلی الإحسان إلیک إحسانک إلیّ. والعرب تقول : دعانا غیث وقع ببلده فأَمْرَع ، أی کان ذلک سبباً لانتجاعنا إیاهُ. ومنه قول ذی الرمَّه :

* تدعو أنفَه الرببُ*

ورُوی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال للحالب «دَعْ داعی اللبن» ویقال داعیه اللبن قال أبو عبید یقول : أبقِ فی الضرع قلیلاً من اللبن ، فلا تستوعب کلّ ما فیه ؛ الذی تُبقیه فیه یدعو ما وراءه من اللبن فینزله ، وإذا استنفض کل ما فی الضرع أبطأ دَرُّه علی حالبه.

قلت : ومعناه عندی : دع ما یکون سبباً لنزول الدِرّه. وذلک أن الحالب إذا ترک فی الضرع لأولاد الحلائب لُبَیْنهً تَرضعها طابت أنفسها ، فکان أسرع لإفاقتها والداعیه : صریخ الخیل فی الحروب. یقال : أجیبوا داعیه الخیل اللحیانی : الدعوه الحِلْف یقال : دَعوه فلان فی بنی فلان. قال : ویقال : لبنی فلان الدعوه علی قومهم إذا کان یبدأ بهم. والدعوه الولیمه. وفی نسبه دَعْوه أی دَعْوَی ،

ص: 77

ودعِیّ بین الدِّعوه والدَّعاوه).

وقال اللیث : النادبه تدعو المیت إذا ندبته. وقول الله جل ذکره حین ذکر لظی نعوذ بالله منها قال : (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّی) [المعَارج : 17] قال المفسرون : تدعو الکافَر باسمه ، والمنافق باسمه. وقیل : لیست کالدعاء : تَعالَ ، ولکن دعوتها إیاهم ما تفعل بهم من الأفاعیل. ویقال : تداعی البناءُ والحائط إذا تکسّر وآذن بانهدام. ویقال : داعینا علیهم الحِیطان من جوانبها أی هدمناها علیهم. وتداعی الکَثِیب من الرمل إذا هِیل فانهال وتداعت القبائلُ علی بنی فلان إذا تألَّبوا ، ودعا بعضهم بعضاً إلی التناصر علیهم.

شمر قال : التداعی فی الثواب إذا أخلق ، وفی الدار إذا تصَدَّع من نواحیها والبرق یتداعی فی جوانب الغیم قال ابن أحمر :

ولا بیضاء فی نَضَد تداعی

ببرق فی عوارض قد شرِینا

والدُّعاه : قوم یَدْعون إلی بَیْعهِ هدی أو ضلاله ، واحدهم داعٍ ، ورجل داعیه إذا کان یدعو الناس إلی بدعه أو دین ، أدخلت الهاء فیه للمبالغه.

وأما قول الله جل ذکره فی صفه أهل الجنه : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ) [یُونس : 10] یعنی أن دعاء أهل الجنه تنزیه الله وتعظیمه ، وهو قوله : (دَعْواهُمْ فِیها سُبْحانَکَ اللهُمَ) [یُونس : 10] ثم قال : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) أخبر أنهم یبتدئون بتعظیم الله وتنزیهه ، ویختمونه بشکره والثناء علیه ، فجعل تنزیهه دعاء ، وتحمیده دعاء. والدعوی ههنا معناها الدعاء.

أبو عبید : الأُدْعِیَّه مثل الأُحْجیَّه ، وهی الأُغلوطه ، وقد داعیته أداعیه. وأنشد :

أُداعیک ما مستحقَبات مع السُری

حسان وما آثارها بحسان

أی أحاجیک. وأراد بالمستحقَبات السیوف. ویقال : بینهم أُدْعیَّه یتداعَون بها ، وأحجیَّه یتحاجَون بها وهی الأُلْقیَّه أیضاً.

ویقال : لبنی فلان الدَّعوه علی قومهم إذا بدیء بهم فی الدعاء إلی أعطیاتهم. وقد انتهت الدعوه إلی بنی فلان. وکان عمر بن الخطاب رحمه الله یقدّم الناس فی أعطیاتهم علی سوابقهم فإذا انتهت الدعوه إلیه کبّر.

والتدعّی : تطریب النائحه فی نیاحتها علی میتها.

والدعوه الحِلف. وفلان یَدَّعی بکرم فعاله أی یخبر عن نفسه بذلک. ویقال تداعت إبل فلان فهی متداعیه إذا تحطَّمت هَزْلاً.

وقال ذو الرمّه :

تباعدت منی أن رأیت حَمُولتی

تداعت وأن أحْیا علیک قطیع

والدَّاعی : نحو المساعی والمکارم. یقال : لذو مداعٍ ومساعٍ.

شمر عن محارب : دعا الله فلاناً بما یکره أی أنزل به مکروه.

قال أبو النجم :

رماک الله من عیش نافعی

إذا نام العیون سرت علیکا

ص: 78

إذا أقبلته أحوی جمیشا

أتیت علی حیالک فانثنیتا

والحمامه تدعو إذا ناحت. وقال بشر :

أحببنا بنی سعد بن ضَیَّه إذ دَعوا

ولله مولی دعوه لا یجیبها

یرید الله ولیّ دعوه یُجیب إلیها ، ثم یدعی فلا یجیب. وقال النابغه فجعل صوت القطا دعاء :

تدعو قطاً وبها تُدْعی إذا انتسبت

یا صدقها حین تدعوها فتنتسب

أی صوتها قطا وهی قطا ومعنی تدعو : أی تصوّت قطا قطا.

ویقال : ما دعاک إلی هذا الأمر أی ما الذی جرَّک إلیه واضطرک.

قال الکلبی فی قول الله جلّ وعزّ : (ادْعُ لَنا رَبَّکَ یُبَیِّنْ لَنا ما هِیَ) [البَقَرَه : 68] قال سل لنا ربک.

وروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «الدعاء هو العباده» ثم قرأ : (وَقالَ رَبُّکُمُ ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِی) [غَافر : 60].

وقال مجاهد فی قوله : (وَاصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداهِ وَالْعَشِیِ) [الکهف : 28] قال یصلّون الصلوات الخمس. وروی مثل ذلک عن سعید بن المسیَّب.

ویقال : تداعت السحابهُ بالبرق والرعد من کل جانب إذا رَعَدت وبرقت من کل جهه.

وقال أبو عدنان : کل شیء فی الأرض إذا احتاج إلی شیء فقد دعا به ، ویقال للرجل إذا أخلقت ثیابه : قد دعت ثیابُک أی احتجت إلی أن تلبس غیرها من الثیاب. وقال الأخفش : یقال : لو دُعینا إلی أمر لا ندعینا ، مثل قولک بعثته فانبعث.

وقال فی قول الله جلّ وعزّ : (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) [مریَم : 91] أی جعلوا. وقال ابن أحمر الباهلی :

* وکنت أدعو قذاها الإثْمِد القردا*

أی کنت أجعل وأُسَمّی.

وقوله : (لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) [الکهف : 14] أی لن نعبد إلهاً دونه.

وقال جلّ وعزّ : (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) [الصَّافات : 125] أی أتعبدون ربّاً سوی الله.

وقال : (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [الشُّعَرَاء : 213] أی لا تعبد.

وقال ابن هانیء فی قوله : (وَلَهُمْ ما یَدَّعُونَ) [یس : 57] أی ما یتمنّون. تقول العرب ادّع عَلَیَّ ما شئت.

وقال الیزیدی : یقال لی فی هذا الأمر دَعْوی ودَعاوی ودِعاوه. وأنشد :

تأبی قضاعه أن ترضی دِعاوتکم

وابنا نزار فأنتم بَیْضَه البلد

قال : والنصب فی دعاوه أجود.

وقال الکسائی : لی فیهم دِعوه أی قرابه وإخاء.

قال وفی العُرْس دِعوه أیضاً. وهو فی مدعاتهم کما تقول فی عرسهم.

وقال ابن شمیل : الدَّعوه فی الطعام.

ص: 79

والدَّعوه فی النسب.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال المُدَّعَی : المتهم فی نسبه وهو الدعیّ. والدعِیّ أیضاً : المتبنیَّ الذی تبنّاه رجل فدعاه ابنه ونَسَبُه إلی غیره.

وکان النبی صلی الله علیه وسلم تبنّی زید بن حارثه فأمر الله جلّ وعزّ أن ینسب الناس إلی آبائهم ، وألّا ینسبوا إلی من تبنَّاهم فقال : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُکُمْ فِی الدِّینِ وَمَوالِیکُمْ) [الأحزَاب : 5] وقال (وَما جَعَلَ أَدْعِیاءَکُمْ أَبْناءَکُمْ ذلِکُمْ قَوْلُکُمْ بِأَفْواهِکُمْ) [الأحزَاب : 4].

عمرو عن أبیه قال : الداعی المعذَّب : دعاه الله أی عذّبه.

وقال محمد بن یزید فی قول الله جلّ وعزّ : (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّی) [المعَارج : 17] تعذّب. وقال ثعلب : تنادی من أدبر.

والتدعّی : تطریب النائحه إذا نَدَبَت.

أی أرفق بک ؛ لأنه یعود علیک برفق ویُسْر. والعائده : اسم ما عاد به علیک المُفْضِل من صله أو فضل ، وجمعها العوائد.

وعادٌ : قبیله. ویقال للشیء القدیم : عادِیّ وبئر عادیّه.

وقال الفرّاء : یقال هؤلاء عَوْد فلان وعُوَّاده مثل زَوره وزُوَّاره ، وهم الذین یعودونه إذا اعتلَّ والعوائد : النساء اللواتی یَعُدن المریض ، الواحده عائده.

وقال اللیث : العُود : کل خشبه دَقَّت. قال : وخشبه کل شجره غلظ أورقّ یسمی عُوداً.

قال : والعود : الذی یستَجْمرُ به معروف.

وقول الأسود بن یعْفُر :

ولقد علمت سوی الذی ینتابنی

أن السبیل سبیل ذی الأعواد

قال المفضل : سبیل ذی الأعواد یرید الموت ، عنی بالأعواد ما یحمل علیه المیت.

قلت : وذلک أن البوادی لا جنائز لهم ؛ فهم یضمّون عوداً إلی عود ویحملون المیت علیها إلی القبر.

قال ویقال للرجال الذین یعودون المریض : عُوَّاد ؛ وللنساء عُوَّد ؛ هکذا کلام العرب.

قال : والعُود : ذو الأوتار الذی یضرب به ، ویجمع عیداناً والعَوّاد الذی یتخذها. وقال شمر فی قول الفرزدق :

ومن ورث العُودین والخاتم الذی

له المُلک والأرض الفضاء رحیبُها

قال العودان : منبر النبی صلی الله علیه وسلم وعصاه.

وقال بعضهم : العَوْد تثنیه الأمر عوداً بعد بَدْء. یقال : بدأ ثم عاد. والعَوْده : عوده مره واحده.

وقال الله جلّ وعزّ : (کَما بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ * فَرِیقاً هَدی وَفَرِیقاً حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلالَهُ) [الأعراف : 29 ، 30] یقول : لیس بعثکم بأشدّ من ابتدائکم. وقیل : معناه : تعودون أشقیاء وسعداء کما ابتدأ فطرتکم فی سابق علمه ، وحین أمر بنفخ الروح فیهم وهم فی أرحام أمّهاتهم.

وقوله جلّ وعزّ : (وَالَّذِینَ یُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَ یَعُودُونَ لِما قالُوا) [المجَادله : 3].

قال الفراء : یصحّ فیها فی العربیه : ثم یعودون إلی ما قالوا وفیما قالوا یرید النکاح ، وکلٌّ صواب. یرید : یرجعون عما قالوا وفی نقض ما قالوا.

قال : وقد یجوز فی العربیه أن تقول : إن عاد لما فعل ، ترید إن فعله مره أخری ویجوز إن عاد لما فعل إن نقض ما فعل. وهو کما تقول حلف أن یضربک فیکون معناه حلف لا یضربک. وحلف لیضربنّک.

وقال الأخفش فی قوله : (ثُمَ یَعُودُونَ لِما قالُوا) إنا لا نفعله فیفعلونه یعنی الظهار. فإذا أعتق رقبه عاد لهذا الذی قال إنه علَیّ حرام ففعله.

وقال أبو العباس : المعنی فی قوله یَعُودُونَ

ص: 81

(لِما قالُوا) لتحلیل ما حرَّموا ، فقد عادوا فیه.

وروی الزجاج عن الأخفش أنه جعل (لِما قالُوا) من صله (فَتَحْرِیرُ رَقَبَهٍ) فالمعنی عنده : والذین یظاهرون من نسائهم ثم یعودون فتحریر رقبه لما قالوا. قال : وهذا مذهب حسن.

وقال الشافعی فی قوله : (وَالَّذِینَ یُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَ یَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِیرُ رَقَبَهٍ) یقول : إذا ظاهر منها فهو تحریم ، کان أهل الجاهلیه یفعلونه ، وحُرّم علی المسلمین تحریمُ النساء بهذا اللفظ. فإن اتبع المظاهر الظهار طلاقاً فهو تحریم أهل الإسلام ، وسقطت عنه الکفَّاره. وإن لم یُتبع الظهار طلاقاً فقد عاد لما حَرَّم ولزمته الکفّاره عقوبه لما قال. قال : وکان تحریمه إیّاها بالظهار قولاً ، فإذا لم یطلِّقها فقد عاد لما قال من التحریم.

وقال بعضهم : معناه : و (الَّذِینَ یُظاهِرُونَ مِنْکُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) أی کانوا یظاهرون قبل نزول الآیه (ثُمَ یَعُودُونَ) للظهار فی الإسلام فعلیه الکفاره ، فأوجب علیه الکفّاره بالظهار.

وقال بعضهم : إذا أراد العود إلیها والإقامه علیها مَسّ أو لم یمسّ کفّر.

وقال الله جلّ وعزّ : (إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ) [القَصَص : 85].

قال الحسن : معاده الآخره. وقال مجاهد : یُحییه یوم البعث. وقال ابن عباس : (لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ) إلی مَعدِنک من الجنّه. وقال بعضهم : (إِلی مَعادٍ) إلی مکه. وقال الفراء : (لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ) حیث وُلدت. قال : وذکروا أن جبریل قال : یا محمد أَشْتَقْتَ إلی مولدک ووطنک؟ قال : نعم. فقال : (إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ). قال والمَعَاد ههنا : إلی عادتک حیث ولدت ولیس من العود. وقد یکون أن تجعل قوله : (لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ) لمُصَیِّرُکَ إلی أن تعود إلی مکه مفتوحه لک فیکون المعاد تعجباً إلی معاد أَیَّما معاد لما وعده من فتح مکّه.

وقال اللیث : المَعَاده والمَعَاد کقولک لآل فلان معاده أی مصیبه یغشاهم الناس فی مناوح أو غیرها یتکلم بها النساء. یقال : خرجت إلی المعاده والمعاود : المآتم. والمعاد. کل شیء إلیه المصیر. قال : والآخره قال : والآخره مَعَاد للناس. وأکثر التفسیر فی قوله (لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ) لباعثک ، وعلی هذا کلام الناس : اذکر المعاد أی اذکر مبعثک فی الآخره قاله الزجاج.

وقال ثعلب : المعاد : الموعد. قال : وقال بعضهم : إلی أصلک من بنی هاشم. وقالت طائفه - وعلیه العمل - معاد أی إلی الجنه.

ومن صفات الله سبحانه وتعالی : المبدیء المعید : بدأ الله الخلق أحیاء ثم یمیتهم ثم یحییهم کما کانوا. قال الله جلّ وعزّ : (وَهُوَ الَّذِی یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَ یُعِیدُهُ) [الرُّوم : 27]. وقال : (إِنَّهُ هُوَ یُبْدِئُ وَیُعِیدُ) [البروج : 13] بدأ وأبدأ بمعنی واحد.

ص: 82

وروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : إن الله یحبّ النَکَل علی النَکَل. قیل : وما النَکَل علی النَکَل. قال : الرجل القویّ المجرب المبدیء المعید علی الفرس المجرب المبدیء المعید. وقوله المبدیء المعید قال أبو عبید : هو الذی قد أبدأ فی غزوه وأعاد ، أی غزا مره بعد مره ، وجرَّب الأمور وأعاد فیها وأبدأ.

قلت : والفرس المبدیء المعید : الذی قد رِیض وذُلّل وأُدِّب ، ففارسه یصرفه کیف شاء لطواعیته وذِلِّه ، وأنه لا یستصعب علیه ولا یمنعه رِکَابه ولا یجمح به. ویقال : معنی الفرس المبدیء المعید : الذی قد غزا علیه صاحبه مرَّه بعد أخری وهذا کقولهم : لیل نائم إذا نیم فیه ، وسر کاتم قد کتموه.

وقال شمر : رجل معید أی حاذق.

وقال کثَیِّر :

عوم المعید إلی الرَجا قذفت به

فی اللجّ داویه المکان جَموم

قال. وأما قول الأخطل :

یشول إن اللبون إذا رآنی

ویخشانی الضُواضیَهُ المُعید

قال أصل المعید الجمل الذی لیس بعیایاء وهو الذی لا یضرب حتی یُخلَط له. والمعید : الذی لا یحتاج إلی ذلک. قال والمعید من الرجال : العالم بالأمور الذی لیس بغُمْر. وأنشد :

* کما یَتبع العَوْد المعیدَ السلائب*

أبو عبید عن الأصمعی : المعید : الفحل : الذی ضَرَب فی الإبل مرات.

وقال أبو کبیر الهذلی یصف الذئاب :

إلّا عواسر کالمِراط مُعیده

باللیل موردَ أیّم متعضَّف

أی وردت مراراً فلیس تنکر الورود.

وقال اللیث : یقال رأیت فلاناً ما یبدیء وما یعید ، أی ما یتکلم ببادئه ولا عائده. وأعاد فلان الصلاه فهو یعیدها. وعاود فلان ما کان فیه فهو معاوِد. واعتادنی هم وحزن. قال والاعتیاد فی معنی التعوّد ، وهو من العاده. یقال : عوَّدته فاعتاد وتعوَّد.

وقال اللیث : یقال للرجل المواظب علی أمره : مُعاوِد. قال وفی کلام بعضهم : الزموا تقی الله واستعیدوها ، أی تعوَّدها. وقال فی قوله :

* إلّا المعیداتُ به النواهضُ*

یعنی النوق التی استعادت النهْض بالدَلْو. ویقال للشجاع : بطل العاوِد. ویقال : هو میعبد لهذا الشیء أی مطیق له لأنه قد اعتاده.

شمر عن أبی عدنان : هذا أمر یعوّد الناس علی أی یُضرِّیهم بظلمی وقال : أکره أن یعوّد علی الناسَ فیضرَوْا بظلمی أی یعتادوه.

وقال غیره العَوَادُ : البِرّ واللطف. یقال : عُدْ إلینا ، فإن لک عندنا عَوَداً ، أی برّاً ولَطَفا.

أبو عبید عن الأموی : العُواده ، ما أُعید علی الرجل من الطعام بعدما یفرغ.

قلت : إذا حذفت الهاء. قلت : عَوَاد ، کما

ص: 83

قالوا : أکال ، ولَمَاظ ، وقَضَام. ویقال للطریق الذی أَعاد فیه السَّفْر وأبدءوا : مُعید. ومنه قول ابن مقبل یصف الإبل السائره :

یُصبحن بالخَبْت یجتَبْن النِّعاف علی

أصَلاب هادٍ معبد لابسِ القَتَم

أراد بالهادی الطریق الذی یُهتَدی به ، والمُعید الذی لُحِب.

وقال اللیث : وعادٌ الأولی هم عاد ابن عادِیاء بن سام بن نوح الذین أهلکهم الله وقال زهیر :

* واهلک لقمان بن عاد وعادیا*

وأما عاد الآخره فهو بنو أُمَیم ینزلون رمال عالِج ، عَصوا الله فمُسخوا نَسناساً لکل إنسان منهم ید ورجل من شِقّ.

أبو عبید عن الأصمعی : العَیْدانه ، النحله الطویله ، والجمع العَیْدان. وقال لبید :

* وأبیضَ العَیْدَانِ والجبّارِ*

وقال اللیث : العِید : کل یومِ مَجْمع ، وسُمّی عیداً لأنهم قد اعتادوه. قال : واشتقاقه من عاد یعود کأنهم عادوا إلیه.

وقال العجاج یصف الثور الوحشی :

واعتاد أرباضاً لها آرِیّ

کما یعود العید نصرانیّ

فجعل العید من عاد یعود. قال : وتحوّلت الواو فی العید یاء لکسره العین. وتصغیر عید عُیید ، ترکوه علی التغییر ؛ کما أنهم جمعوه أعیاداً ولم یقولوا : أعواداً. قال : والعِیدیه : نجائب منسوبه معروفه.

وقال غیره : ما اعتادک من الهم فهو عید.

وقال المفضل : عادنی عیدِی أی عادتی. وأنشد :

* عاد قلبی من الطویله عِید*

أراد بالطویله روضه بالصَّمّان تکون ثلاثه أمیال فی مثلها. وأمَّا قول تأبَّط شراً.

یا عیدُ ما لک من شوق وإیراق

ومَرَّ طیف من الأهوال طرَّاق

قال أراد یا أیها المعتادی. وقوله : ما لک من شوق کقولک : ما لک من فارس ، وأنت تتعجّب من فروسیته وتمدَحه. ومثله : قاتله الله من شاعر.

ابن الأنباری فی قوله : یا عید مالکُ العید : ما یعتاده من الحزن والشوق.

وقوله : ما لک من شوق أی ما أعظمک من شوق. ویروی : یا هَیَد ما لک. ومعنی یا هَیْد : ما حالک وما شأنک ، ویقال : أتی فلان القوم فما قالوا له : هَیْد ما لک أی ما سألوه عن حاله. قال : والعید عند العرب : الوقت الذی یعود فیه الفرح والحزن ، وکان فی الأصل العِوْد فلمَّا سکنت الواو وانکسر ما قبلها صارت یاء.

وقال أبو عدنان یقال عَیْدنت النخلهُ إذا صارت عَیْدانه. وقال المسیَّب بن عَلَس :

والأُدْم کالعَیْدان آزرها

تحت الأَشَاء مکمّم جَعْلُ

قلت أنا : من جعل العیدان فیعالاً جعل النون أصلیه والیاء زائده. ودلیله علی ذلک قولهم : عیدنت النخله. ومن جعله فعلان مثل سیحان من ساح یسیح جعل الیاء أصلیه والنون زائده. ومثله هَیْمان

ص: 84

وعَیْلان.

الأصمعی : العَیْدانه : شجره صُلبه قدیمه لها عروق نافذه إلی الماء. وأنشد :

تجاوبن فی عَیْدانه مُرْجحِنَّه

من السّدر رَوَّاها المصیفَ مَسِیلُ

وقال آخر : بَوَاسِق النخلَ أبکاراً وعُوناً ثعلب عن ابن الأعرابی : سُمِّی العِید عِیداً لأنه یعود کل سنه بفرح مجدَّد. قال ثعلب : وأصل العید عِوْد فقلبت الواو یاء لیفرقوا بین الاسم الحقیقیّ وبین المصدر. وقال شمر العِیدیَّه : ضرب من الغنم وهی الأنثی من البُرقان ، والذکر خروف ، فلا یزال اسمَه حنی تُعَقّ عقیقته.

قلت : لا أعرف العیدیَّه فی العنم. اعراف جنساً من الإبل العُقَیلیَّه یقال لها العِیدیَّه ولا أدری إلی أیّ شیء نسبت.

وقال شمر : المتعید : الظلوم. وأنشد ابن الأعرابی لطَرَفه :

فقال ألا ماذا ترون لشارب

شدیدٍ علینا سُخْطُه متعیّد

أی ظلوم. وقال جریر :

یری المتعیّدون علیّ دونی

أُسودَ خفِیَّه الغُلْب الرقابا

قال وقال غیره : المتعیّد : الذی یتعیَّد علیه یُوعده.

وقال أبو عبد الرحمن : المتعیّد المتجنّی فی بیت جریر. وقال ربیعه بن مقروم : علی الجهّال والمتعیّدینا

قال والمتعیَّد : الغضبان.

وقال أبو سعید : یقال تعیّد العائن علی من یتعیَّن له إذا تشهَّق علیه ، وتشدَّد لیبالغ فی إصابته بعینه.

وحکی عن أعرابیّ : هو لا یُتعیَّن علیه ولا یُتعیَّد. وأنشد ابن السکیت :

کأنها وفوقها المجلَّد

وقِربه غَرْفیه ومِزود

غیری علی جاراتها تَعَیَّد

قال : المجلَّد : حمل ثقیل ، فکأنها وفوقها هذا الحِمْل وقربه ومزدود امرأه غیری تَعَیَّد أی تندریء بلسانها علی ضَرَّاتها وتحرک یدیها.

تُوعَدُونَ [الذّاریَات : 22] قال : رزقکم المطر ، وما توعدن الجنه.

وقال قتاده فی قوله : (وَالْیَوْمِ الْمَوْعُودِ) [البُرُوج : 2] إنه یوم القیامه.

وقال جلّ وعزّ : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسی أَرْبَعِینَ لَیْلَهً) [البَقَرَه : 51] قرأ أبو عمرو (وعدنا) بغیر ألف ، وقرأ ابن کثیر ونافع وابن عامر وعاصم وحمزه والکسائیّ : واعَدْنا بالألف.

وقال أبو مُعَاذ النحویّ : واعدت زیداً إذا وعدک ووعدته ، ووعدت زیداً إذا کان الوعد منک خاصّه.

الحرانی عن ابن السکیت : تقول : وعدته شراً ، ووعدته خیراً. قال : وهو الوَعْد والعِدَه فی الخیر والشرّ.

وأنشد :

ألا علّلانی کل حیّ معلَّل

ولا تعدانی الشر والخیر مقبل

قال : وتقول : أوعدته بالشرّ إذا أدخلوا الباء جاءوا بالألف.

قال : وأنشدنی الفراء :

أوعدنی بالسجن والأداهم

رِجْلی ورِجْلی شَثْنهُ المناسم

قال أبو بکر : العامَّه تخطیء فتقول : أوعدنی فلان موعداً أقف علیه ، وکلام العرب وعدت الرجل خیراً ووعدته شرّاً وأوعدته خیراً وأوعدته شرّاً ، فإذا لم یذکروا الخیر قالوا : وعدته فلم یدخلوا ألفاً ، وإذا لم یذکروا الشرَّ قالوا : أوعدته فلم یسقطوا الألف.

وأنشد :

وإنی وإن أوعدته أو وعدته

لأُخلف إیعادی وأُنجز موعدی

قال : وإذا أدخلوا الباء لم یکن إلّا فی الشرّ ، کقولک ، أوعدته بالضرب.

قال : وواعدت فلانا أواعده إذا وعدتُه ووعدنی.

وقال الله : وإذ وعدنا موسی وقریء : واعَدْنا فمن قرأ : (وَعَدنا) فالفعل من الله ومن قرأ (واعَدْنا) فالفعل من الله ومن موسی.

وقال غیره : اتَّعدت الرجل إذا وعدته.

وقال الأعشی :

* فإن تتّعدنی أتّعدک بمثلها*

وقال بعضهم : فلان یتَّعد إذا وثِق بعدتک.

وقال :

أَنَّی أتْممت أبا الصبَاح فاتعدی

واستبشری بنوال غیر منزور

وقال الأصمعی : مررت بأرض بنی فلان غِبّ مطر وقع بها ، فرأیتها واعده إذَا رُجی خیرها ، وتمامُ نَبْتها فی أول ما یظهر النبت. وقال سُوَید بن کُراع :

رَعَی غیر مذعور بهنّ وراقه

لُعَاع تهاداه الدکادک واعد

ویقال للدابه والماشیه إذا رُجی خیرها وإقبالها : واعد.

وقال الراجز :

کیف تراها واعداً صغارُها

یسوء شُنّاء العدا کبارُها

ص: 86

ویقال یومنا یعِد بَرْداً ، وهذا غلام تعد مخایلُه کرماً ، وشِیمَه تعد جَلَداً وصرامه.

الناس بعضِهم بعضاً فی السیر.

وقال ابن بزرج : فرس ویدع ومُوَدَّعٌ وَمَوْدوع.

وقال ذو الإصبع العَدْوانی :

أقصُر من قیده وأُودعه

حتی إذا السَرْب ریع أو فزعا

قال وقالوا : ودُع الرجلُ من الودیع. قال وودَعت الثوب بالثوب وأنا أدَعه مخفّف.

وقال أبو زید المِیدع کل ثوب جعلته مِیدعاً لثوب جدید ، تودِّعه به أی تصونه به.

ویقال مِیداعه وجمع المیدع موادع.

وقال اللحیانی : میدع المرأه مِیدَعتها : التی تودّع به ثیابها. وقول عَدِیّ :

کَلّا یمینا بذات الوَدْع لو حلفت

فیکم وقابل قبرُ الماجد الزارا

قال ابن الکلبی : یرید بذات الوَدْع : سفینه نوح یحلف بها. وقال أبو نصر : ذات الوَدْع : مکّه ؛ لأنه کان یعلّق علیها فی سِتْرها الوَدْع. قال : ویقال أراد بذات الوَدْع الأوثان.

وتودیع المسافر أهله إذا أراد سفراً : تخلیفُه إیاهم خافضین وادعین ، وهم یودّعونه إذا سافر تفاؤلاً بالدعه التی یصیر إلیها إذا قَفَلَ ویقال وَدَعته بالتخفیف فودَع وأنشد ابن الأعرابی :

وسِرْتُ المطیَّه مودعهً

تُضَحِّی رویداً وتُمسی زُزَیفا

وهو من قولهم فرس ودیع ومودِع ومُودَع. وقال الأصمعی : المِیدَع : الثوب الذی تبتذله ، وتودِّع به ثیاب الحقوق لیوم الحَفْل. قال : وإنما یُتخذ المِیدع لیودع به المَصُون. ویقال للثوب الذی یُبتذل : مِبذَل ومِیدع ، ومِعْوز ومِفْضَل. وقال الشاعر :

أقدّمه قدام وجهی واتّقی

به الشرّ إن الصوف للخزّ مِیدع

وقال شمر : التودیع یکون للحیّ وللمیت.

وأنشد بیت لَبید :

فودِّع بالسلام أبا حُرَیْز

وقلّ وداعُ أربدَ بالسلام

قلت أنا : والتودیع وإن کان الأصل فیه تخلیفَ المسافر أهله وذویه وادعین فإن العرب تضعه موضع التحیه والسلام ، لأنه إذا خلَّف أهله دعا لهم بالسلامه والبقاء ، ودعَوا له بمثل ذلک ؛ ألا تری لبیداً قال فی أخیه وقد مات : فودع بالسلام أبا حُریز. أراد الدعاء له بالسلام بعد موته ، وقد رثاه لبید بهذا الشعر وودّعه تودیع الحیّ إذا سافر. وجائز أن یکون التودیع ترکه إیاه فی الخَفْض والدعه.

وفی حدیث ابن عباس أن النبی صلی الله علیه وسلم قال : «لینتهینّ أقوام عن وَدْعهم الجمعات أو لیُختمنّ علی قلوبهم ثم لیکتُبنّ من الغافلین». قال شمر : معنی وَدْعهم الجمعات : ترکهم إیَّاها ، من وَدَعته وَدْعاً إذا ترکته. قال : وزعمت النحویه أن العرب أماتوا مصدر یدع ویذر ، واعتمدوا علی الترک. قال شمر : والنبی أفصح العرب وقد رُویت عنه هذه الکلمه. ورَوَی شمر عن محارب : ودّعت فلاناً من وَداع

ص: 88

السلام.

وقول القطامیّ :

قفی قبل التفرق یا ضُبَاعا

ولایک موقف منک الوداعا

أراد : ولا یکفی منک موقف الوداع ، ولکن لیکن موقفَ غبطه وإقامه ؛ لأن موقف الوداع یکون للفراق ، ویکون منغصاً بما یتلوه من تباریح الشوق.

وودَّعت فلاناً أی هجرته. قال : والداعه من خفض العیش ، والدَّعَه من وقار الرجُل الودیع ، ودُع یُوَدُع دَعَه ووداعه. وأنشد شمر قول عُبَید الراعی :

ثناء تَشرق الأحساب منه

به نتودّع الحسب المصونا

أی نقیه ونصونه.

عمرو عن أبیه : الوَدِیع : المقبره ، ویقال وَدَع الرجلُ یَدَع إذا صار إلی الدعه والسکون ومنه قول سُوَید بن کُراع :

أرَّق العینَ خیال لم یَدَعْ

لسلیمی ففؤادی منتزَع

أی لم یبق ولم یقرّ.

وأخبرنی المنذریّ عن أحمد بن یحیی أنه أنشده قول الفرزدق :

وَعَضَّ زمان یا ابن مروان لم یَدَع

من المال إلا مُسْحَتٌ أو مجلَّف

وقال فی قوله : لم یدَع : لم یتقارّ ولم یتّدع.

وقال الزجاج : معنی لم یدع من المال أی لم یستقر وأنشده سلمه عن الفراء : لم یدع من المال إلّا مسحتاً أو مجلف أی لم یترک من المال إلا شیئاً مستأصلاً هالکاً أو مجلّف کذلک. ونحو ذلک رواه الکسائی وفسّره. فقال : وهو کقولک : ضربت زیداً وعمرو ترید : وعمرو مضروب کذلک ، فلمّا لم یظهر الفعل رفع.

وقال شمر : أنشدنی أبو عدنان :

فی الکفّ منی مَجلات أربعُ

مبتذلات ما لهن میدعُ

قال : «ما لهن میدع» أی ما لهن من یکفیهن العمل ، فیدعهنّ أی یصونهنّ عن العمل.

أبو عبید عن الکسائی : أودعت فلاناً مالاً إذا دفعته إلیه یکون ودیعه عنده. وأودعته : قبلت ودیعته جاء به فی باب الأضداد.

وقال أبو حاتم : لا أَعرف أَودعته ؛ قبِلت ودیعته ، وأنکره شمر ، إلا أَنه حکی عن بعضهم : استودعنی فلان بعیراً فأبیت أن أودَعَهُ أی أقبله.

قلت : قال ابن شمیل فی کتاب «المنطق». قلت : والکسائیّ لا یحکی عن العرب شیئاً إلّا وقد ضبطه وحفظه. ویقال : أودعت الرجل مالاً واستودعته مالاً. وأنشد :

یا ابن أبی ویا بُنَیَّ أُمِّیَهْ

أودعتک الله الذی هُو حسبیه

وأنشد ابن الأعرابی :

حتی إذا ضرب القسوسُ عصاهُم

ودنا من المتنسکین رکوع

أودعتنا أشیاء واستودعتنا

أشیاء لیس یُضعیعهِن مضیع

ص: 89

وأنشد أیضاً :

إن سرّک الرِّیُّ قُبیل الناس

فودِّع الغَرْب بِوَهْم شاس

ودّع الغرب أی اجعله ودیعه لهذا الجمل أی أَلزِمه الغَرْب.

وأما قول الله جلّ وعزّ : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) [الأنعَام : 98] فإن ابن کثیر وأبا عمرو قرءا (فَمُسْتَقِرُ) بکسر القاف. وقرأ الکوفیون ونافع وابن عامر بالفتح ، وکلهم قرءوا مُسْتَوْدَعٌ بفتح الدال. وقال الفراء : معناه : (فَمُسْتَقَرٌّ) فی الرحم ، (وَمُسْتَوْدَعٌ) فی صُلْب الأب. ورُوی ذلک عن ابن مسعود ومجاهد والضحاک. وقال الزجاج : من قرأ (فَمُسْتَقَرٌّ) فمعناه : فلکم فی الأرحام مستقر ولکن فی الأصلاب مستودع. ومن قر. (فَمُسْتَقِرُ) بالکسر فمعناه. فمنکم مستقِرَّ فی الأحیاء ، ومنکم مستودَعٌ فی الثَرَی. وقال ابن مسعود فی قوله : (وَیَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) [هود : 6] أی مستقرها فی الأرحام ، ومستودعها فی الأرض.

وروی عن ابن مسعود أنه قال : إذا کان أجل الرجل بأرض أُتِّیت له إلیها الحاجه ، فإذا بلغ أقصی أثره قُبض ، فتقول الأرض یوم القیامه : هذا ما استودعتنی وقال قتاده فی قوله جلّ وعزّ : (وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَکَّلْ عَلَی اللهِ) [الأحزَاب : 48] یقول : اصبر علی أذاهم. وقال مجاهد : (وَدَعْ أَذاهُمْ) أی أعرِض عنهم. وقوله : به نتودَّع الحسب المصونا أی نقرُّه علی صونه وادعاً. وقال اللحیانی : کلام مِیدع إذا کان یحزن ، وذلک إذا کان الکلام یحتشم منه ولا یستحن وقال اللیث : وَدْعان موضع ، وأنشد :

* ببَیْض وَدْعان بَسَاطٌ سِیُّ*

قال : وإذا أمرت رجلاً بالسکینه والوقار قلت : تودَّعْ واتَّدعْ ، وعلیک بالمودوع ، من غیر أن یجعل له فعلاً ولا فاعلاً ؛ مثل المعسور والمیسور.

وقال غیره : تودَّع فلان فلاناً إذا ابتذله فی حاجته ، وتودَّع ثیاب ضَونه إذا ابتذلها ، وناقه مودَّعه : لا تُرکب ولا تحلب اللیث : الأودع من أسماء الیربوع ویقال : توادع الفریقان إذا أعطی کلّ واحد منهما الآخرین عهداً ألا یغزوهم. واسم ذلک العهد الوَدِیع ، ومنه الحدیث الذی جاء : «لکم یا بنی نهد ودائع الشرک ووضائع المال». ویقال : وادعت العدو إذا هاونته موادعه ؛ وهی الهُدْنه والموادعه. وقیل فی قول ابن مفرّغ :

* دعینی من اللوم بعض الدعهْ *

أی اترکینی بعض الترک.

وقال ابن هانیء : من أمثالهم فی المَزْرِیه علی الذین یتصنّع فی الأمر ولا یُعْتمد منه علی ثقه : دعنی من هند فلا جدیدَها ودعت ، ولا خَلقَها رَقَعت.

* بهما من النضج المجدّع أیدع *

وأخبرنی المنذری عن ثعلب عن ابن الأعرابی قال : أَوْذَمْتُ یمیناً ، وأیدعتها أی أوجبتها.

شمر عن ابن الأعرابی : أیدع الرجلُ إذا أوجب علی نفسه حجّاً. وأنشد لجریر :

ورب الراقصات إلی الثنایا

بشُعْت أیدعوا حَجّا تماما

قال أیدعوا أوجبوا علی أنفسهم ، وأنشد شمر لکثیّر :

کأن حُمُول القوم حین تحمّلوا

صرِیمه نخل أو صریمه أَیْدع

وقال ابن قیس :

والله لا یأتی بخیرٍ صدیقَها

بنو جُنْدُع ما اهتز فی البحر أیدع

قلت : هذا البیت یدلّ علی أن الأیدع هو البقّم ؛ لأنه یُحْمَل فی السفن من بلاد الهند.

أبو العباس عن ابن الأعرابی : دُع دُع إذا أمرته بالنعیق بغنمه. وغیره یقول : دَعْ دَعْ بالفتح وهما لغتان.

وقال ابن الأعرابی فی أتاع إذا قاء مثله.

وقال ابن شمیل التِّیْع : أن تأخذ الشیء بیدک. یقاله : تاع به یتیع تیعاً وتَیَّعَ به إذا أخذه بیده وأنشد :

أعطیتها عُوداً وتِعْت بتمره

وخیر المراغی قد علمنا قصارُها

قال : وهذا رجل زعم أنه أکل رغوه مع صاحبه له ، فقال : أعطیتها عوداً تأکل به وتعت بتمره أی أخذتها آکل بها. والمِرغاه : العود أو التمر أو الکِسْره یُرتغی بها وجمعها المراغی.

ورأیت بخطّ أبی الهیثم : وتِعت بتمره. قال : ومثل ذلک تیَّغْت بها ، وأعطانی تمره فتِغت بها. قال : وأعطانی فلان درهماً فتِعْتُ به أی أخذته وأنا فیه واقف. والصواب تِعت بالعین غیر معجمه.

ویقال أتاع قیئه ، وأتاع دمه فتاع یتیع تُیُوعاً.

والتَیُّوعات : کل بقله أو ورقه إذا قطِعت أو قُطفت ظهر لها لبن أبیض یسیل منها ؛ مثل ورق التین ، ویقول آخر یقال لها الیتوعات.

وقال اللیث : التَوْع : کسرک لِبَأ أو سمناً بکسره خبز ترفعه بها. تقول منه : تُعته وأنا أتوعه تَوْعاً قال : وتاع الماء یتیع تیعاً إذا تتَیَّع علی وجه الأرض أی انبسط. وفی حدیث النبی صلی الله علیه وسلم «کما یتتایَعُ الفَرَاشُ فی النار». قال أبو عبید : التتابع : التهافت فی الشیء والمتابعه علیه ، یقال قد تتابعوا فی الشرّ إذا تهافتوا فیه وسارعوا إلیه. وفی حدیث آخر «لولا أن یتتایع فیه الغَیْران والسکران» ، أی یتهافت ویقع فیه. قال أبو عبید : ویقال فی التتایع : إنه اللجاجه ، وهو یرجع إلی هذا المعنی. قال : ولم نسمع التتایع فی الخیر ، إنما سمعناه فی الشر.

وقال اللیث : الرجل یتتایع أی یرمی بنفسه فی الأمر سریعاً ، والبعیر یتتایع فی مشیه إذا حرک ألواحه کأنما یتفکّک. ویقال : أتّایعتت الریح بورق الشجر إذا ذهبت به ، وأصله تتایعت به. وقال أبو ذؤیب یذکر عقره ناقته ، وأنها کاست علی رأسها فخرّت :

* فخرّت کما تَتَّایعُ الریحُ بالقَفْل*

والقَفْل : ما یبس من الشجر.

ثعلب عن ابن الأعرابی : تُعْ تُع إذا أمرته بالتواضع.

شمر عن ابن الأعرابی قال : التِیعه لا أدری ما هی ، وبلغنا عن الفراء أنه قال : التِیعه من الشاء القطعه التی تجب فیها الصدقه ، ترعی حول البیوت.

وقال ابن شمیل : التتایع رکوب الأمر علی خلاف الناس. وتتایع القوم فی الأرض إذا تباعدوا فیها علی عمی وشَدَهٍ.

وقال ابن الأعرابی : التاعه ، الکُتْله من اللِّبأ الثخینه.

وفی «نوادر الأعراب» : یتیع علیَّ فلانٌ وفلان تیَّعَان وتَیَّحان تیَّع تَیِّح وتَیِّقَان وتیِّق مثله.

ص: 92

قالت : أعوذ بالله منک ، فقال لها لقد عُذْتِ بمَعَاذ فالحقی بأهلک. والمَعَاذ فی هذا الحدیث : الذی یعاذ به. والله جلّ وعزّ معاذُ من عاذ به ، وملجأ مَن لجأ إلیه ، والملَاذ مِثْل المعاذ. وقال عوَّذت فلاناً بالله وأسمائه ، وبالمعوذتین من القرآن إذا قلت : أُعیذک بکلمات الله وأسمائه من کل شرّ وکل داء وحاسد وعین. ویُروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه کان یعوِّذ نفسه بالمعوِّذتین بعد ما طُبَّ ، وکان یعوّذ ابنی ابنته البتولِ علیهِم السَّلامْ بهما. وأمّا التعاویذ التی تکتب وتعلَّق علی الإنسان من العین فقد نُهی عن تعلیقها. وهی تسمی المَعَاذات أیضاً ، یعوَّذ بها مَن عُلِّقت علیه من العین والفزع والجنون. وهی العُوَذ ، واحدتها عُوذه.

الحرانی عن ابن السکیت : قال یقال عَوْذٌ بالله منک أی أعوذ بالله منک. وأنشد :

قالت وفیها حَیْده وذُعْر

عَوْذٌ بربی منکم وحُجْرُ

قال : وتقول العرب للشیء ینکرونه ، والأمرِ یهابونه : حُجراً أی دَفْعاً له ، وهو استعاذه من الأمر. ویقال أُفلت فلان من فلان عَوَذاً إذا خوّفه ولم یضربه أو ضربه وهو یرید قتله فلم یقتله وقال اللیث : یقال فلان عَوَذ لک أی ملجأ. ویقال : اللهمّ عائذاً بک من کل سوء أی أعوذ بک عائذاً والعَوَذ : ما دار به الشیء الذی تضربه الریح فهو یدور بالعَوَذ من حجر أو أَرومه. قال وتعاوذ القوم فی الحرب إذا تواکلوا وعاذ بعضهم ببعض.

وقال أبو عبیده : من دوائر الخیل المعوَّذ ، وهی التی تکون فی موضع القلاده یستحبّونها. وفلان عَوَذ لبنی فلان أی لَجأ لهم یعوذون به. وقال الله جلّ وعزّ : (وَأَنَّهُ کانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ یَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) [الجنّ : 6] قیل إن أهل الجاهلیه کانوا إذا نزلت رُفقه منهم فی وادٍ قالت : نعوذ بعزیز هذا الوادی من مَرَده الجن وسفهائهم أی نلوذ به ونستجیر.

وقال أبو عبید وغیره : الناقه إذا وضعت ولدها فهی عائذ أیّاماً ، ووقَّت بعضهم سبعه أیام. وجمعها عُوذ بمنزله النُفَساء من النساء. وهی من الشاء رُبَّی وجمعها رِباب ، وهی من ذوات الحافر فرِیشٌ. وقیل سمیت الناقه عائذاً لأن ولدها یعوذ بها ، فهی فاعل بمعنی مفعول. وقیل : إنما قیل لها : عائذ لأنها ذات عَوْذِ أی عاذ بها ولدها عَوْذاً. ومثله قول الله جلّ وعزّ : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) [الطّارق : 6] أی ذِی دَفق.

من جمع مثلهم أذاع المنافقون ذلک لیحذر من ینبغی أن یحذر من الکفار ، ولیقوی قلبُ من ینبغی أن یقوی قلبه علی ما أذاع. وکان ضَعَفه المسلمین یُشیعون ذلک معهم عن غیر علم بالضرر فی ذلک ، فقال الله جلّ وعزّ : لو ردّوا ذلک إلی أن یأخذوه من قِبَل الرسول ومن قبل أولی الأمر منهم لعلم الذین أذاعوا به من المسلمین ما ینبغی أن یذاع أو لا یذاع.

قال أبو زید : أذعت الأمر ، وأذعت به : قال : ویقال أذاع الناسُ بما فی الحوض إذاعه إذا شربوا ما فیه ، وأذاعت به الإبلُ إذاعه إذا شربته ، وترکت متاعی فی مکان کذا وکذا فأذاع الناس به إذا ذهبوا به. وکلّ ما ذُهب به فقد أذیع به. وأذعت السرّ إذاعه إذا أفشیته وأظهرته.

الألفاظ إن صحّ له : وذع الماءُ یذع وهمی یهمی إذا سال. قال : والواذع المَعِین. قال : وکل ماء جری علی صفاه فهو واذع.

قلت : وهذا حرف منکر وما رأیته إلّا فی هذا الکتاب. وینبغی أن یفتش عنه.

لیس طریق خیرهِ بالأَوْعَث

قال : ویقال : الوَعَث : رقَّه التراب ورخاوه الأرض تغیب فیه قوائم الدواب. وَنَقاً مُوَعَّث إذا کان کذلک. وامرأه وَعْثه : کثیره اللحم ، کأن الأصابع تسوخ فیها من لینها وکثره لحمها. وَقال رؤبه :

تُمِیلها أعجازُها الأوَاعث

وقال الشافعی : العرایا ثلاثه أصناف : واحدتها أن یجیء الرجل إلی صاحب الحائط ، فیقول له : بعنی من حائطک ثمر نَخَلات بأعیانها بخرْصِها من التَمْر ، فیبیعه إیاها ویقبض التَمْر ویُسلِّم إلیه النَخَلات یأکلها ویبیعها ویُتَمِّرها ، ویفعل بها ما یشاء. قال : وجِمَاع العرایا : کل ما أُفرد لیؤکل خاصّه ، ولم یکن فی جمله البیع من ثمر الحائط إذا بیعت جملتها من واحد. والصنف الثانی أن یحضر ربَّ الحائط القومُ فیعطی الرجلَ ثمر النخله أو النخلتین وأکثر عرِیّه یأْکُلها. وهذه فی معنی المِنْحه. قال وللمُعْرَی أن یبیع ثمرها ، ویُتَمِّره ، ویصنع فیه ما یصنع فی ماله ؛ لأنه قد ملکه. والصنف الثالث من العرایا أن یعری الرجل الرَّجُلَ النخله وأکثر من حائطه لیأکل ثمرها ویهدیه ویتَمِّره ویفعل فیه ما أحبّ ویبیع ما بقی من ثمر حائطه منه فتکون هذه مفرده من المبیع منه جمله.

وقال غیره العرایا أن یقول الغنی للفقیر : ثمر هذه النخله أو النَخَلات لک ، وأصلها لی.

وأما تفسیر قوله عَلیه السّلامْ : أنه رخّص فی العرایا فإن الترخیص فیها کان بعد نهی النبی صلی الله علیه وسلم عن المزابنه ، وهی بیع الثمر فی رؤوس النخل بالتَّمْرِ ، ورخَّص من جمله المزابنه فی العرایا فیما دون خمسه أوسق وذلک الرجلُ یفضُل من قوت سنته التمرُ ، فیدرک الرُطبُ ولا نَقْد بیده یشتری به الرُطَب ، ولا نخل له یأکل من رُطَبه ، فیجیء إلی صاحب الحائط فیقول له : بعنی ثمر نخله أو نخلتین أو ثلاث بِخِرْصها من التمر ، فیعطیه التَّمْر بثمر تلک النَخَلات ؛ لیصیب من رُطَبها مع الناس ، فرخّص النبی صلی الله علیه وسلم من جمله ما حرم من المزابنه فیما دون خمسه أوسق ، وهو أقلّ ممّا تجب فیه الزکاه ، فهذا معنی ترخیص النبی صلی الله علیه وسلم فی العرایا ، لأن بیع الرُطَب بالتَمْر محرّم فی الأصل ، فأخرج هذا المقدار من الجمله المحرَّمه لحاجه الناس إلیه.

قلت : ویجوز أن تکون العِرْیه مأخوذه من عَرِی یَعْری ، کَأنها عُرِّیت من جمله التحریم فعَرِیت أی خلت وخرجت منها فهی عرِیَّه : فعلیه بمعنی فاعله ، وهی بمنزله المستثناه من الجمله ، وجمعها العرایا.

وروی أبو عبید عن الأصمعی : استعری الناسُ فی کل وجه إذا أکلوا الرُطَب ، وأعری فلان فلاناً ثمر نخله إذا أعطاه إیَّاها ، یأکل رُطَبها ولیس فی هذا بیع ، إنما هذا معروف وفضل ، والله أعلم.

وَرَوَی شمر عن صالح بن أحمد عن أبیه قال : العرایا : أن یُعری الرجل من نخلِهِ ذا قرابته أو جاره ما لا یجب فیه الصدقه ، أی یهبها له ، فأرخص للمُعْرِی فی بیع ثمر نخله فی رأسها بخِرصها من التمر. قال والعَرِیَّه مستثناه من جمله ما نُهی عن بیعه من المزابنه. وقیل : یبیعها الْمُعَری ممن أعراه إیاها. وقیل له أن یبیعها من غیره. وقال شمر : یقال لکل شیء أهملته وخلیته : قد عرّیته. وأنشد : إیجعُ ظهری وأَلَوِّی أبهری

ص: 99

لیس الصحیح ظهره کالأدبر

ولا المعرَّی حِقبه کالموقَر

فالمعرَّی : الجمل الذی یرسَل سُدًی ولا یحمل علیه. ومنه قول لبید :

فکلفتها ما عُرّیت وتأبَّدت

وکانت تسامی بالعَزیب الجمائلا

قال : عُرّیت : ألقی عنها الرحل ، وترکت من الحمل علیها ، وأُرسلت ترعی ، یصف ناقه.

وقال أبو عدنان : قال الباهلی : العرِیّه من النخل : الفارده التی لا تُمسک حَملها ، یتناثر عنها. قال وأنشدنی لنفسه :

فلما بدت تُکْنَی تُضیع مودتی

وتخلِط بی قوماً لئاماً جدودُها

رددتُ علی تکنی بقیَّه وصلِها

ذمیماً فأمست وهی رَثّ جدیدها

کما اعتکرت للّاقطین عرِیَّه

من النخل یوطی کلّ یوم جریدُها

قال : اعتکارها کثره حَتّها ، فلا تأتی أصلها دابه إلا وجد تحتها لُقَاطاً من حملها ولا یأنی خوافیها إلا وجد سِقَاطاً من أیّ ما شاء ویقال : عرِی فلان من ثوبه یَعْرَی عُرْیاً فهو عار ، وعُرْیان. ویقال هو عِرْو من هذا الأمر ، کما یقال : هو خِلْو منه وعَرْوَی اسم جبل ، وکذلک عَرْوان.

سلمه عن الفراء قال : العریان من النبت : الذی قد عرِی عُرْیاً إذا استبان لک. قال أبوبکر : الأعراء الذین لا یُهمهم ما یُهِمُّ أصحابهم.

ثعلب عن ابن الأعرابی : العرا : الفناء مقصور یکتب بالألف ؛ لأن أنثاه عَرْوه.

وقال غیره : العَرَی : الساحه والفناء ؛ سمّی عَرًی لأنه عرِی من الأبنیه والخیام. ویقال : نزل بعراه وعَروتِه أی نزل بساحته. وکذلک نزل بحراه. وأما العراء ممدود فهو ما اتّسع من فضاء الأرض. قال الله جلّ وعزّ : (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِیمٌ) [الصَّافات : 145].

وقال أبو عبیده : إنما قیل له عَرَاء لأنه لا شجر فیه ولا شیء یغطیه. وقیل : إن العَراء وجه الأرض الخالی وأنشد :

ورفعتُ رجلاً لا أخاف عِثَارها

ونبذت بالبلد العَراءَ ثیابی

وقال الزجاج : العَرَاء علی وجهین : مقصور وممدود. فالمقصور الناحیه ، والممدود المکان الخالی.

وقال أبو زید : العُرَواء عند اصفرار الشمس إلی اللیل إذا اشتدّ البرد ، واشتدّت معه ریحه بارده وشَمَال عرِیّه بارده. وقد أعرینا إعراء إذا بلغنا بَرْد العِشیّ : قال : والعرب تقول : أهلَک فقد أعریت.

ویقال : عُرِیت إلی مال لی أشدَّ العُرَواء إذا بعته ثم تبعته نفسُک. وعُرِی هواه إلی کذا أی حنّ إلیه.

وقال أبو وجزه :

یُعْرَی هواک إلی أسماء واحتظرت

بالنأی والبخل فیما کان قد سلفا

وقال أبو زید : أعری القوم صاحبهم إعراء إذا ترکوه فی مکانه وذهبوا عنه.

ص: 100

وقال اللیث : عَرِی الرجل عِروه شدیده وعِرْیه شدیده ، وعُرْیا فهو عُرْیان ، والمرأه عریانه. ورجل عارٍ وامرأه عاریه. والعُرْیان من الخیل : الفرس الطویل القوائم المقلِّص. والعریان من الرمل نَقیاً لیس علیه شجر.

وفی حدیث أنس أن أهل المدینه فزعوا لیلاً فرکب النبی صلی الله علیه وسلم فرساً لأبی طلحه عُرْیاً.

قلت : والعرب تقول : فرس عُرْی ، وخیل أعراء. ولا یقال رجل عُرْی. وقد اعروری الفارسُ فرسَه إذا رکبه عریاً وکذلک اعروری البعیرَ ومنه قوله :

واعرورت العُلُط العُرْضِیَّ ترکضه

أُمُّ الفوارس بالدِئِداء والرَبَعهْ

أبو الهیثم : دابّه عُرْی وخیل أعراء ، ورجل عارٍ وامرأه عاریه إذا عریا من أثوابه ، ورجل عار إذا خلقت ثیابه. وقال :

أتیتک عاریاً خلقاً ثیابی

علی عجل تظن بی الظنون

وروی عن زائده البکریّ أنه قال : نحن نُعاری أی نرکب الخیل أعراء ، وذاک أخف فی الحرب وأعریت المکان إذا ترکت حضوره.

وقال ذو الرمه :

* ومنهلٍ أعری جَبَاه الحُضَّر*

وقال اللیث أعراء الأرض : ما ظهر من متونها وظهورها.

وأنشد :

* وبلدٍ عاریه أعراؤه*

قال والعراء کل شیء أعریته مِن سُتْرته تقول استره من العراء. وتقول : ما تعرّی فلان من هذا الأمر أی ما تخلص. قال والنخله العرِیَّه : التی إذا عَرضت النخل علی بیع ثمرها عُرِّیت منها نخله أی عزلتها من المساومه. والجمیع العرایا. قال : والفعل منه الإعراء ، وهو أن یجعل ثمرتها لمحتاجٍ عامها ذلک ، أو لغیر محتاج. ومعاری المرأه : ما لا بدّ لها من إظهاره ، واحدها مَعْرًی.

ابن الأعرابی : یقال : نزل بَعْروته وعَقْوته أی بِفنائه.

وقوله جلّ وعزّ : (فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَهِ الْوُثْقی لَا انْفِصامَ لَها) [البَقَرَه : 256].

قال أبو إسحاق : معناه : فقد عقد لنفسه من الدین عقداً وثیقاً لا تحلّه حُجَّه.

أبو عبید عن الأصمعی : العروه من الشجر الذی لا یزال باقیاً فی الأرض لا یذهب وجمعها عُری ومنه قول مهلهل :

خلع الملوک وسار تحت لوائه

شجر العری وعَراعِرُ الأقوام

ونحو ذلک قال أبو عبیده وأبو عمرو فی العروه.

قلت والعروه من دِقّ الشجر : ما له أصل باق فی الأرض ؛ مثل العَرْفَج والنَصِیّ وأجناس الخُلَّه والحَمْض ، فإذا أمحل الناس عصمت العروهُ الماشیه فتبلّغت بها ، ضربها الله مثلاً لما یُعتصم به من الدین فی قوله (فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَهِ

ص: 101

الْوُثْقی).

وأنشد ابن السکیت :

ما کان جُرِّب عند مَدّ حبالکم

ضعف یخاف ولا انفصام فی العری

قال قوله : انفصام فی العری أی ضعف فیما یعصم الناس.

وقال الأخفش : العروه الوثقی شُبِّه بالعروه التی یتمسک بها.

وقال اللیث : العروه عروه الدلو وعروه الکوز ونحوه.

وفی «النوادر» : أَرض عُرْوه وذِروه وعِصمه إذا کانت خصیبه خصباً یبقی.

وقال ابن السکیت فی قولهم : أنا النذیر العریان : هو رجل من خثعم حَمَل علیه یوم الخَلَصه عوف بن عامر بن أبی عویف بن مالک بن ذبیان بن ثعلبه بن عمرو بن یشکر ، فقطع یده وید امرأته ، وکانت من بنی عُتْواره ابن عامر بن لیث بن بکر بن عبد مناه بن کنانه.

وروی أبو أسامه عن بُرید بن أبی برده عن أبیه عن أبی موسی أن النبی صلی الله علیه وسلم قال : «إنما مثلی ومثلکم کمثل رجل أنذر قومه جیشاً فقال : أنا النذیر العریان ، أنذِرکم جیشاً».

وقال اللیث : جاریه حسنه المُعَرَّی أی حسنه عند تجریدها من ثیابها ، والجمیع المعاری. وقال ومعاری رؤس العظام حیث یعری العظم عن اللحم.

وقال الأصمعی المعاری : الوجوه والأطراف والترائب. وقال :

فإن یک ساق من أمیه قلَّصت

لقیس بحرب لا تُجنّ المعاریا

أی شمر تشمیراً لا یستر معاریه. والمحاسر مثل المعاری من المرأه. وفلاه عاریه المحاسر إذا لم یکن فیها کِنّ من شجرها. ومحاسرها متونها التی تنحسر عن النبات.

وقال غیره : العُرْوه : النفیس من المال مثل الفرس الکریم ونحوه. ویقال لطوق القلاده : عروه. ویقال : فلان عُرْیان النجِیّ إذا کان یناجی امرأته ، ویشاورها ویُصْدر عن رأیها. ومنه قوله :

أصاخ لعریان النجیّ وإنه

لأزور عن بعض المقاله جانبه

أی استمع إلی امرأته وأهاننی. وعُرا المرجان : قلائد المرجان ، وعرا المزاده : آذانها. والعُرَا سادات الناس الذین یعتِصم بهم الضعفی ، ویعیشون بعُرْفهم ، شبِّهوا بعُرا الشجر العاصمه الماشیه فی الجدب. شمر عن ابن شمیل العَرَاء : ما استوی من ظهر الأرض وجَهَر. والعراء الجهراء مؤنثه غیر معروفه.

والعراء مذکر مصروف ، وهما الأرض المستویه المُصْحِره لیس بها شجر ، ولا جبال ولا آکام ولا رمال وهما فضاء الأرض. والجماعه الأعراء. یقال وطئنا أعراء الأرض والأعریه.

وقال أبو زید : أتتنا أعراؤهم أی

ص: 102

أفخاذهم. وقال الأصمعی. الأعراء : الذین ینزلون فی القبائل من غیرهم ، واحدهم عُرْی. قال الجعدی :

وأمهلت أهل الدار حتی تظاهروا

علیّ وقال العُرْیُ منهم فأهجرَا

وقال أبو عمرو : العَرَی البَرْد. وعَرِیت لیلتنا عَرًی. وقال ابن مقبل :

وکأنما اصطبحت قریح سحابه

بعَرًی تنازعه الریاح زلال

قال : العری : مکان بارد.

وقال ابن شمیل العری مثل العَقْوه ، ما بعرانا أحد أی ما بعقوتنا أحد.

عمرو عن أبیه أعْری إذا حُمَّ العُرْوَاء قال : ویقال حم عُرَواء وحم بعرواء وحم العَرَوَاء.

وقول الشاعر - وهو الجعدی - :

وأزجر الکاشح العدوّ إذا اغتا

بک زجراً منی علی أَضَم

زجر أبی عروه السباع إذا

أشفقن أن یلتبسن بالغنم

قال خلف : کان أبو عروه یزجر الذئب فیقع میتاً من زجره ، ویصیح بالسبع فیموت مکانه ، ویشقّون عنه فیجدون فؤاده قد خرج من غشائه.

فلم یُرْعوا علی بعض

والرَّعْوی : اسم من الإرعاء ، وهو الإبقاء.

ومنه قول ابن قیس الرقیات :

إن یکن للإله فی هذه الأم

ه رَعْوی یعد إلیک النعیم.

والبَقْوی والبُقْیا : اسمان یوضعان موضع الإبقاء.

وروی أبو عبید عن الکسائی : الرَّعْوی والرُّعْیَا من رعایه الْحِفَاظ.

وقال اللیث : یقال : ارعوی فلان عن الجهل ارعواء حسناً ، ورَعْوَی حسنه ، وهو نزوعه وحسن رجوعه.

قلت : والرَّعْوی لها ثلاثه معان : أحدها : الرَّعْوی اسم من الإرعاء وهو الإبقاء والرعوی رعایه الحِفَاظ للعهد ، والرَّعْوی حسن المراجعه والنزوع عن الجهل.

وقال شمر : تکون المراعاه من الرَّعْی مع آخر. یقال : هذه إبل تراعی الوحش أی ترعی معها. والمراعاه : المحافظه ، والإبقاء علی الشیء.

قال : والإرعاء : الإبقاء. وأرعیت فلاناً سمعی إذا استمعت ما یقول.

والمراعاه : المناظره والمراقبه ، یقال : راعیت فلاناً مراعاه ورِعَاء إذا راقبته وتأمَّلت فعله.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : الرَّعِیَّه : الأمّه بأسرها.

أبو عبید عن الأحمر : الرَّعَاوی والرُّعَاوی جمیعاً : الإبل التی یُعتمل علیها.

وقالت امرأه لزوجها :

تمششتنی حتی إذا ما ترکتْنی

کنِفْو الرُّعاوَی قلت إنی ذاهب

قال شمر : لم أسمع الرعاوی بهذا المعنی إلّا هاهنا.

أبو عبید عن الفراء : إنه لترعِیّه مال إذا کان یَصْلُح المالُ علی یده.

سلمه عن الفراء : یقال : تَرْعِیَّه وتِرْعِیَّه وتُرْعایه وتِرْعایه وتُرْعِیَّه بهذا المعنی.

وأنشد الفراء :

ودارِ حفاظ قد نزلنا وغیرِها

أحبّ إلی الترعیَّه الشنآن

أبو عمرو الأُرْعُوه بلغه أَزْد شَنُوءه : نیر الفَدَّان یُحْتَرَثُ بها. ویقال أرعی الله المواشی إذا أنبت لها ما ترعاه.

وقال الشاعر :

* تأکل من طیّب والله یُرعیها*

ویقال : فلان لا یُرْعی إلی قول أحد أی لا یلتفت إلی أحد. ورأی فلان راعیه الشیب وَرَواعی الشیب : أولُ ما یظهر منه.

وقال أبو سعید : أمر کذا أرفق بی وأرعی علیّ.

الرجلُ یعیر عَیَراناً ، وهو تردده فی ذهابه ومجیئه. ومنه قیل : کلب عیَّار وعائر. وهذا من ذوَات الیاء.

وأما العاریّه والإعاره والاستعاره فإن العرب تقول فیهما : هم یتعاورون العواریّ ویتعوَّرونها بالواو ، کأنهم أرادوا تفرقه بین ما یتردّد من ذات نفسه وبین ما یُردَّد.

وأخبرنی المنذری عن أبی الهیثم أنه قال : العاریه منسوبه إلی العاره ، وهی اسم من الإعاره. یقال : أعرته الشیء أُعیره إعاره وعاره ، کما قالوا : أطعته إطاعه وطاعه ، وأجبته إجابه وجابه. وهذا کثیر فی ذوات الثلاث ؛ منها العاره ، والداره ، والطاقه ، وما أشبهها. ویقال : استعرت منه عارِیّه فأعارنیها.

وقال اللیث : سمِّیت العاریه عاریّه لأنها عارٌ علی من طلبها : قال : والعار : کل شیء تلزم به سُبّه أو عیب. والفعل منه التعییر.

قال ومن قال هذا قال : هم یتعیّرون من جیرانهم الماعون والأمتعه.

قلت : وکلام العرب یتعوَّرون بالواو والمعاوره والتعاور : شبه المداوله والتداول فی الشیء یکون بین اثنین.

ومنه قول ذی الرمه :

وَسِقط کعین الدیک عاوَرت صاحبی

أباها وَهیَّأنا لموقعها وَکْرا

یعنی الزند وَما یسقط من نارها وَأنشد ابن المظفر :

* إذا رَد المعاوِر ما استعارا*

وَیقال : تعاوَر القوم فلاناً ، واعتوروه ضرباً إذا تعاونوا علیه. فکلما أمسک واحد ضَرب وَاحد ، وَالتعاور عام فی کل شیء. وَتَعاوَرت الریاحُ رسم الدار حتی عَفَته أی تواظبت علیه. قال ذلک اللیث.

قلت : وَهذا غلط. ومعنی تعاوَرت الریاح رسم الدار : تداوَلته ، فمره تَهُبّ جَنُوباً ، وَمره تهبّ شمالاً ، وَمره قَبُولاً ، وَمره دَبُوراً.

وَمنه قول الأعشی :

دِمْنه تَفْره تعاوَرَها الصی

ف بریحین من صَبَا وَشَمالِ

وَقال أبو زید : تعاوَرنا العواریّ تعاوُراً إذا أعار بعضکم بعضاً ، وتعوَّرنا تعوُّراً إذا کنت أنت المستعیر ، وَتَعاوَرنا فلاناً ضرباً إذا ضربته مره ، ثم صاحبُک ، ثم الآخر أیضاً.

وقال ابن الأعرابی : التعاور والاعتوار : أن یکون هذا مکان هذا وهذا مکان هذا یقال اعتوراه وابتدَّاه ، هذا مره وهذا مره ، ولا یقال : ابتدّ زید عمراً ، ولا اعتور زید عمراً. ویقال للحمار الأهلی والوحشی : عَیْر ، ویجمع أعیاراً. وقد یقال : المَعْیُوراء ممدوده ؛ قال ذلک الأصمعی ؛ مثل المعلوجاء ، والمشیوخاء ، والمأتوناء ، یمدّ ذلک کله ویُقصر. ومن أمثالهم إن ذهب عَیْر فعَیْر فی الرباط. ومن أمثالهم أیضاً فلان أذلّ من العَیْر ، فبعضهم یجعله الحمار الأهلی ، وبعضهم یجعله الوتِد.

وقال أبو عبید : من أمثالهم فی الرضا بالحاضر ونسیان الغائب قولهم : إن ذهب

ص: 105

عیر فعیر فی الرباط قال : ولأهل الشام فی هذا مثل : عَیْر بعَیْر ، وزیادهَ عشره. وکان خلفاء بنی أمیه کلَّما مات واحد زاد الذی یخلُفه فی عطائهم عشره ، فکانوا یقولون هذا عند ذلک.

وأخبرنی المنذری عن أبی طالب أنه قال فی قول العرب : أتیته قبل عَیْر وما جری ، قال : العیر المثال الذی فی الْحَدقه یسمی اللُّعبه. قال : والذی جری الطَرْف ، وجَرْیه حرکته. والمعنی : قبل أن یطرِف الإنسان.

وقال الشماخ :

وتعدو القِبصَّی قبل عَیْر وما جری

ولم تدر ما بالی ولم تدر بالها

قال والقِبِصّی والقمصی : ضرب من العَدْو فیه نَزْو.

ویقال : فلان ظاهر الأعیار أی ظاهر العیوب وقال الراعی :

ونبتَّ شرَّبنی نُمَیر منصِبا

دَنِس المروءه ظاهر الأعیار

قال : کأنه مما یعیّر به.

وقال أحمد بن یحیی : أخبرنی أبو نصر عن الأصمعی عن أبی عمرو بن العلاء أنه قال : مات من یحسن تفسیر بیت الحارث بن حِلّزه :

زعموا أن کل من ضرب العَیْ

ر مُوَال لنا وأنّا الوَلاء

قال أبو عمرو : العَیْر : هو الناتیء فی بؤبؤ العین. ومعناه أن کل من انتبه من نومه حتی یدور عَیْره جنی جنایه فهو مولًی لنا ، یقولونه ظلماً وتجنّیاً. قال : ومنه قوله أتیتک قبل عَیْر وما جری ، أی قبل أن ینتبه نائم.

وقال أحمد بن یحیی فی قوله : وما جری : أرادوا جریه ، أرادوا المصدر.

وقیل فی قول ابن حِلّزه : إن العیر جَبَل بالحجاز. وفی الحدیث أن النبی صلی الله علیه وسلم حرّم ما بین عَیْر إلی ثَوْر ، وهما جبلان. وقیل : العَیْر وادٍ فی قوله :

* وواد کجوف العَیْر قفرٍ هبطته*

وقول کجوف العَیْر أی کوادی العیر ، وکلّ واد عند العرب جَوْف.

وقال اللیث : العَیْر : اسم موضع کان مخصِباً ، فغیَّره الدهر فأقفر ، فکانت العرب تُضرب به المَثَل فی البلد الموحش.

وقیل : العَیْر الطبل والعیر : العظم الناتیء وسط الکتف.

قال ابن السکیت. قال : والعَیْر : عَیْر النصل ، وهو الناتیء فی وسطه وعَیْر القَدَم : الناتیء فی ظهرها. وعَیْر الورقه : الناتیء فی وسطها. قال : والعِیرُ : الإبل التی تحمل المِیره.

وروی أبو سلمه عن الفراء أنه أنشده قول ابن حلزه : زعموا أن کل من ضرب العیر موال لنا بکسر العین قال : والعِیر : الإبل ، موال لنا أی العرب کلهم موال لنا من أسفل ، لأنا أسرنا فیهم فلنا نعم علیهم.

وأخبرنی المنذری عن أبی الهیثم أنه قال فی قول الله جلّ وعزّ : (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِیرُ) [یُوسُف : 94] إنها کانت حُمُراً.

ص: 106

قال : وقول من قال : العیر الإبل خاصّه باطل ، کل ما امتِیر علیه من الإبل والحمیر والبغال فهی عِیر.

قال : وأنشدنا نُصَیر لأبی عمرو السعدنی فی صفه حَمِیر سمّاها عِیراً ، فقال :

أهکذا لا ثَلَّه ولا لبنْ

ولا یذکین إذا الذین اطمأن

مُفَلطحات الرَوْث یأکن الدِمن

لا بدّ أن یخترن منی بین أن

یُسَقَن عیرا أو یُبَعن بالثمن

قال وقال نصیر : الإبل لا تکون عِیرا حتی یُمتار علیها.

وقال المنذری : أخبرنی أبو العباس عن ابن الأعرابی قال : العِیر من الإبل : ما کان علیه حِمْله أو لم یکن. قال : والعَیْر جمع عائر ، وهو النشیط وهو مدح وذمّ. قال : وفرس عَیَّار إذا عار ، وفرس عَیَّار إذا نشِط ، فرکِب جانباً ثم عدل إلی جانب آخر من نشاطه.

وأنشد أبو عبید :

ولقد رأیتَ فوارساً من رهطنا

غَنَظوک غَنْظ جراده العیار

قیل : أراد بجراده العیّار جراده وضعها فی فیه فأفلتت من فیه. وقیل : جراده العیار اسم فرس والعیار اسم رجل ، قال ذلک ابن الأعرابی.

أبو عُبید عن الکسائی والأصمعی وأبی زید : عایرت المکاییل وعاورتها کقولهم : عیّرتها. وقال أبو الجراح مثله. ذکر ذلک فی باب ما خالفت العامه فیه لغه العرب.

وقال اللیث : العِیَار : ما عایرْت به المکاییل ؛ فالعِیار صحیح تامّ وافٍ. تقول : عایرت به أی سوّیته وهو العِیَار والمعیار. قال : وعیَّرت الدینار وهو أن تلقی دیناراً دیناراً فتوازن به دیناراً دیناراً. وکذلک عیّرت تعییراً إذا وزنت واحداً واحداً. یقال هذا فی الکیل والوزن.

قلت : وفرق اللیث بین عایرت وعیّرت فجعلت عایرت فی المکیال وعیّرت فی المیزان. والصواب ما رویناه لأبی عبید عن أصحابه فی عایرت وعیّرت فلا یکون عیّرت إلّا من العار والتعییر.

وأنشد أبو العباس أحمد بن یحیی قول الشاعر :

وجدنا فی کتاب بنی تمیم

أحقُّ الخیل بالرکض المعَار

فقال اختلف الناس فی المُعَار. فقال بعضهم : هو المنتوف الذنب وقال قوم : المعار السمین وقال قوم المعار : المُضَمَّر المُقَدَّح.

وقال ابن الأعرابی وحده : هو من العاریه. وأنشد غیره :

* أعیروا خیلکم ثم ارکبوها*

وقال معنی أعیروها أی ضمّروها بتردیدها من عار یعیر إذا ذهب وجاء. وقیل للمضمَر : مُعار لأن طریقه متنه نتأت ، فصار لها عَیْر ناتیء. وأنشد الباهلی قول الراجز :

وإن أعارت حافراً معارا

وَأْباً حمت نسورَه الأوقارا

ص: 107

وقال : معنی أعارت : رفعت وحوَّلت. قال : ومنه إعاره الثیاب والأدوات. قال : واستعار فلان سهماً من کنانته أی رفعه.

وحوّله منها إلی یده. وأنشد قوله :

هثّافه تخفض من نذیرها

وَفی الید الیمنی لمستعیرِها

* شهباء تُروِی الریشَ من بصیرها*

شهباء : مِعْبَلَه. والهاء فی مستعیرها لها وَالبصیر : طریقه الدم.

وقال بشر بن أبی خازم :

کأن خفیف منخره إذا ما

کَتَمن الرَبْو کِیر مستعار

قیل فی قوله : مستعار قولان : أحدهما : أنه استعیر فأُسرع العملُ به مبادره لارتجاع صاحبه إیّاه.

وَالثانی : أن تجعله من التعاور ، یقال : استعرنا الشیء وَاعتورناه وَتعاوَرناه بمعنی وَاحد عَارَ عَیْنَه وَیقال : عارت عینه تعار ، وعوِرت تَعْوَر ، وَاعورَّت تعورّ ، وَاعوارَّت تعوارّ بمعنی وَاحد. ویقال : یَعُورها إذا عوَّرها.

وَمنه قول الشاعر :

فجاء إلیها کاسراً جفن عینه

فقلت له من عار عینک عنتره

یقول : من أصابها بعُوَّار ، وأعارها من العائر.

وقال ابن بزرج : یقال : عار الدمعُ یعیر عَیَراناً إذا سال. وأنشد : وربت سائل عنی حفِیّ

أعارت عینه أم لم تعارا

أی أدمعت عینه. وقال اللیث : عارت عینه فی هذا البیت بمعنی عورت ولیس بمعنی دمعت ؛ لأنهم یقولون عار یعیر بمعنی دمع.

أبو عبید عن الیزیدی : بعینه ساهِک وعائر وهما من الرَمَد. قال : والعُوَّار مثل القذی بالتشدید : سلمه عن الفراء قال : العُوَّار : الرمد.

العُوَّار الرمَد الذی فی الحَدَقه.

أبو عبید عن الفراء : العَوَار : العیب بفتح العین فی الثوب. وقال ذو الرمَّه :

تُبَیِّنُ نسبه المَرَئیّ لو ما

کما بیَّنت فی الأدَم العَوارا

وقال اللیث : العائر غَمَصه تَمُضّ العین ، کأنما وقع فیها قذًی وهو العُوّار. قال : وعین عائره : ذات عُوّار. قال : ولا یقال فی هذا المعنی عارت ، إنما یقال عارت العین تعار عَوَاراً إذا عوَّرت. وأنشد : أعارت عینه أم لم تعارا قال وأَعْور الله عین فلان ، وعوّرها. وربما قالوا : عُرْت عینه. قال : وعَوِرت عینه واعورَّت إذا ذهب بصرها.

أبو عبید عن الأصمعی : من أمثالهم : کلب عائر خیر من کلب رابض. فالعائر المتردّد ، وبه سمی العَیْر لأنه یعِیر فیتردّد فی الفلاه. ویقال : جاءه سهم عائر فقتله وهو الذی لا یُدری من رماه.

وأنشد أبو عبید : أخشی علی وجهک یا أمیر

ص: 108

عوائراً من جندل تعیر

أبو عبید عن أبی عمرو قال : العُوَّار : الرجل الجبان. وجمعه العواویر.

أبو العباس عن ابن الأعرابی : العواویر : الخطاطیف. وهی الأقذاء فی العین ، والواحد منها عُوَّار.

وقال اللیث : العُوَّار : ضرب من الخطاطیف أسود طویل الجناحین. قال : والعُوَّار : الجبان السریع الفرار والجماعه العواویر. ومن أمثال العرب السائره : أعْوَرُ عَیْنَک والحَجَر.

قال اللیث : یسمی الغراب أعور ، ویصاح به فیقال : عُوَیر. وأنشد : وصحاحُ العیون یُدعَون عُورا

وإنما سمی الغراب أعور لحدّه بصره ، کما یقولون للأعمی : أبو بصیر ، وللحبشی : أبو البیضاء.

وقال أبو الهیثم : یقال للکلمه القبیحه : عوراء ، وللکلمه الحَسَنه عَیْناء. وأنشد قول الشاعر :

وعوراء جاءت من أخ فرددتها

بسالمه العینین طالبهٍ عذراً

أی بکلمه حسنه لم تکن عوراء والعَوَر شین وقبح.

وقال اللیث العوراء : الکلمه التی تهوِی فی غیر عقل ولا رُشْد. قال : ودجله العوراء بالعراق بمَیْسان ویقال للأعمی بصیر ، وللأعور أحول. قلت رأیت بالبادیه امرأه عوراء ، کان یقال لها الحولاء ، وقد یقولون للأحول أعور قال والعَوَر : خَرْق أو شَقّ یکون فی الثوب. قال : والعَوَر : ترک الحق. وقال العجاج :

وعوّر الرحمنُ من ولّی العَوَر

أراد من ولاه العور.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : العَوَر : الرداءه فی کل شیء. قال : والعرب تقول للذی لیس له أخ من أبیه وأمه : أعور.

وقال أبو عبید : یقال للرجل إذا کثر ماله : ترِد علی فلان عائرهُ عین ، وعائره عینین أی ترد علیه إبل کثیره ، کأنها من کثرتها تملأ العینین ، حتی تکاد تَعُورها أی تفقؤها. یقال : عار عینَه وعوَّرها.

وقال أبو العباس : معناه أنها من کثرتها تعِیر فیها العین.

وقال الأصمعی : أصل ذلک أن الرجل من العرب فی الجاهلیه کان إذا بلغ أبلُه ألفاً عار عین بعیر منها ، فأرادوا بعائره العین ألفاً من الإبل تعُور عینُ واحد منها.

وقال شمر : عورت عیون المیاه إذا دفنتها وسددتها ، وعوَّرت الرکیه إذا کبستها بالتراب حتی تنسد عیونها.

وقال ابن الأعرابی : العُوَّار : البئر التی لا یُستقی منها. قال : وعوَّرْت الرجل إذا استسقاک فلم تسقه وقال الفرزدق :

متی ما ترد یوماً سفارِ تجد به

أدیهم یرمی المستجیز المعوَّرا

سَفَارِ : اسم ماء ، والمستجیز الذی یطلب الماء ؛ والعرب تصغر الأعور عُوَیرا ، ومنه قولهم کُسَیر وعویر ، وکل غیرُ خیر.

وقال الفراء فی قوله جلّ وعزّ : (إِنَّ بُیُوتَنا

ص: 109

عَوْرَهٌ وَما هِیَ بِعَوْرَهٍ) [الأحزاب : 13] القراء أجمعوا علی تسکین الواو من عوره ، وذکر عن بعضهم فی شواذّ القراءات أنه قرأ (عَوِره) علی فَعِله. والعرب تقول : قد أعور منزلُک إذا بدت منه عوره ، وأعور الفارسُ إذا کان فیه موضع خللٍ للضرب. وقال الشاعر یصف الأسد :

له الشَّدَّه الأولی إذا القِرْن أعورا

قال وإنما أرادوا بقولهم (إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَهٌ) أی ممکِنه للسُرّاق ؛ لخلوتها من الرجال ، فأکذبهم الله جلّ وعزّ وقال : (وَما هِیَ بِعَوْرَهٍ) ولکن یریدون الفرار.

وقال أبو إسحاق فی قوله (إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَهٌ) أی مُعوره أی بیوتنا ممّا یلی العدوّ ونحن نُسرق منها ، فأعلم الله أن قصدهم الهرب. قال : ومن قرأ (عَوِره) فمعناها : ذات عوره (إِنْ یُرِیدُونَ إِلَّا فِراراً) [الأحزَاب : 13] المعنی : ما یریدون تحرّزاً من سَرَق ، ولکن یریدون الفرار عن نصره النبی صلی الله علیه وسلم.

ویقال : لیس کل عوره تصاب. وما یُعور لفلان الشیء إلّا أخذه.

وقال أبو زید : ما یُعْوِز بالزای.

قال الأصمعی : الزای تصحیف ، وفسّر یُعور : لیس یری شیئاً لا حافظ له إلَّا أخذه لا یتحرَّج.

وفی المثل : لیس کل عوره تصاب أی لیس کل خال من الحفاظ یؤخذ.

ابن الأعرابی : المُعْور : الممکن البیّن الواضح. وأنشد لکثیّر :

کذاک أذود النفس یا عَزَّ عنکم

وقد أعورت أسرابُ من لا یذودها

أعورت : أمکنت. ومکان مُعْوِر إذا کان مخوّفاً.

أبو حاتم عن الأصمعی : رجل مُعور وزقاق معور. والعامه تقول : معوز بالزای ، ولا یجوز ذلک ، ویقال للشیء الضائع البادی العوره : مُعْوِر.

وقال اللیث العوره سوءه الإنسان ، وکل أمر یُستحیا منه فهو عوره ، والنساء عوره ، والعوره فی الثغور وفی الحروب : خَلَل یُتخوف منه القتلُ. وقوله (إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَهٌ) [الأحزاب : 13] أی لیست بحریزه ، ومن قرأ عَوِره ذکّر وأنّث ، ومن قرأ (عَوْرَهٌ) قال فی التذکیر والتأنیث والجمع (عَوْره) کالمصدر.

وقوله جلّ وعزّ (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَکُمْ) [النُّور : 58] علی معنی لیستأذنکم ثلاث عورات أی فی أوقات ثلاث عَوْرات لکم. وقد فسرها الله.

ابن السکیت عن الفراء : یقال ما أدری أی الجراد عاره ، أیْ أیّ الناس أخذه. قال : ولا ینطقون فیه بیفعل ، وقد قال بعضهم : یَعیره. ویقال معنی عاره أی أهلکه.

أبو زید عوَّرت عن فلان ما قیل له تعویراً أی وکذّبت عنه ما قیل له تکذیباً. وقول العجاج :

* وعوّر الرحمن من ولّی العور*

یقول : أفسد الرحمن من جعله ولیا للعَوَر ، وهو قبح الأمر وفساده. ویقال

ص: 110

عوَّرت علیه أمره تعویرا أی قبّحته علیه.

ویقال : عورته عن الماء تعویرا أی حَلَّأته. وعوَّرته عن حاجته : منعته.

وقال أبو عبیده وأبو عمرو : التعویر : الردّ ، عورته عن حاجته : رددته عنها.

أبو عبید عن الکسائیّ : عورت عن الرجل تعویراً ، وعَوَّیت عنه تعوِیه إذا کذَّبت عنه ورددت.

وقال ابن الإعرابی : تعوَّر الکتابُ إذا درس ، وکتاب أعور : دارس. قال : والأعور : الدلیل السیّء الدلاله لا یحسن یَدُلّ ولا یَنْدلّ. وأنشد :

مالک یا أعور لا تندلّ

وکیف یندلّ امرؤ عِتْولُ

قال والعُوَّاری : شجر یؤخذ جِراؤها فتُشدخ ثم تُیَبَّس ثم تُذَرَّی ثم تحمل فی الأوعیه إلی مکه فتباع ویتّخذ منها مخانق. والعرب تقول للأحول العین : أعور ، وللمرأه الحولاء : هی عوراء.

ویقال : فلان عُیَیرِ وحدِه ، وجَحَیش وحده وهما اللذان لا یشاوران الناس ولا یخالطانهم ، وفیهما مع ذلک مهانه وضعف.

وقال ابن شمیل فلان عُیَیر وحدِه أی یأکل وحده ویکون وحده.

ویقال : لقیت منه ابنه مِعْیَر یریدون الداهیه والشدّه.

وقال الکمیت : بنی ابنه مِعْور والأَقورینا ویقال : فلان یعایر فلاناً ویکایله ، أی یسامیه ویفاخره.

وقال أبو زید : یقال : هما یتعایبان ویتعایران ، فالتعایر السباب ألف والتعایب دون التعایر إذا عاب بعضهم بعضاً.

یقال : قوم حسنه رِعَتهم أی شأنهم وأمرهم وأدبهم. وأصله من الوَرَع ، وهو الکفّ عن القبیح.

أبو عبید عن الکسائی قال : الورَع : الجبان. وقد ورُع یَوْرُع. ومن التحرج : وَرع یَرِع رِعَه. وسُمّی الجبان دَرَعاً لإحجامه ونکوصه. ومنه یقال وَرَّعْتُ الإبل عن الحوض إذا رددتها فارتدَّت.

وفی حدیث عمر أنه قال : ورِّع اللص ولا تراعِه.

قال أبو عبید : یقول : إذا رأیته فی منزلک فادفعه واکففه بما استطعت ، ولا تنتظر فیه شیئاً. وکل شیء کففته فقد ورّعته.

قال أبو زُبَید

وورَّعت ما یَکْبی الوجوه رعایه

لیحضُر خیر أو لیَقْصُر منْکر

یقول : ورعت عنکم ما یَکبی وجوهکم ، یمتَنّ بذلک علیهم. وقوله : ولا تراعِه یقول : ولا تنتظره ، وکل شیء تنتظره فأنت تراعیه وترعاه. ومنه یقال : هو یرعی الشمس أی ینتظر وجوبها ، والساهر یرعی النجوم.

الحرانی عن ابن السکیت : رجل وَرِع إذا کان متحرّجاً. وقد وَرع یرِع وَرَعاً. قال : والوَرَع : الصغیر الضعیف. یقال : إنما مال فلان أوراع أی صغار.

وقال أبو یوسف : وأصحابنا یذهبون بالورع إلی الجبان ولیس کذلک. ویقال : ما کان وَرَعاً ولقد وَرُع یَوْرُع وُرْعاً ووُروعاً ووَرَاعه ، وما کان وَرِعاً ولقد وَرع یَرِع وَرَعاً وَوَرَاعه.

أبو عبید عن أبی عمرو : والموارعه المناطقه. وقال حسّان :

نشدت بنی النجار أفعال والدی

إذا العانِ لم یوجد له من یوارعه

وقال ابن الأعرابی مثل ذلک فیما رَوَی عنه ثعلب.

ویقال : أورعت بین الرجلین وورّعت أی حجزت.

وقال شمر : قال الفراء : أورعت بین الرجلین وورّعت أی حجزت. وقال : التوریع : الکفّ والمنع.

وقال أبو دُوَاد :

فبتنا نورّعه باللجامْ

نرید به قَنَصا أو غِوَارا

أی نکفّه ، ومنه الوَرَع فی التحرج. یقال : وَرعٌ بین الوَرَع. وقد وَرع یَرِع.

وأنشد المازنی فی الوریعه :

وردّ خلیلَنا بعطاء صدق

وأعقبه الوریعهَ من نصاب

الوریعه اسم فرس ونصاب اسم فرس کان لمالک بن نویره ، إنما یرید أعقبه الوریعه من نسل نُصاب.

والوریعه : واد معروف فیه شجر کثیر.

وقال الراعی یذکر الهوادج :

تخیّرن من أثل الوریعه وانتحی

لها القین یعقوب بفأس ومبرد

فتروَّع.

وقال اللیث : وکذلک کل شیء یَروعک منه جمال وکثره ، تقول : راعنی فهو رائع.

وفرس رائع. والأرْوع من الرجال : من له جسم وجَهَاره وفضل وسؤدد. وهو بیِّن الرَّوَع. قال والقیاس فی اشتقاق الفعل منه روع یَرْوَع رَوَعاً. قال ورُوع القلب : ذهنه وخَلَده. وفی حدیث النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «إن رُوح القدس نفث فی رُوعی وقال : إن نفساً لن تموت حتی تستوفی رزقَها ، فاتّقوا الله وأجملوا فی الطلب».

قال أبو عبید : معناه کقولک : فی خَلَدی وفی نفْسی ونحو ذلک.

ومن أمثال العرب : أَفرخَ رَوْعُک أی انکشف فزعک ، هکذا رُوی لنا عن أبی عبید : أفرخ رَوْعک ، وفسّره لنا : لیذهبْ رُعبک وفزعک ؛ فإن الأمر لیس علی ما تحاذِر قال : وهذا المثل لمعاویه ، کتب به إلی زیاد. وذلک أنه کان علی البصره ، والمغیره بن شُعبه علی الکوفه فتوفِّی بها ، فخاف زیاد أن یولِّی معاویهُ عبدَ الله بن عامر مکانه ، فکتب إلی معاویه یخبره بوفاه المغیره ، ویشیر علیه بتولیه الضحاک بن قیس مکانه ففطن له معاویه وکتب إلیه : قد فهمت کتابک ، فأمَرِخ رَرْعَک أبا المغیره ، قد ضممنا إلیک الکوفه مع البصره.

قلت : وکلّ من لقیتُه من اللغویین یقول : أفرخ رَوعُه بفتح الراء من روعه ، إلا ما أخبرنی به المنذری عن أبی الهیثم أنه کان یقول : إنما هو أفرخ رُوعه بضم الراء. قال ومعناه : خرج الرَّوْع من قلبه قال وأفرِخْ رُوعَک أی اسکُن وامْن. فالرُوع موضع الرَّوْع وهو القلب. وأنشد قول ذی الرمه :

* جذلان قد أفرخت عن رُوعِه الکُرَب*

قال : ویقال : أفرخت البیضه إذا خرج الولد منها. قال : والرَّوْع الفزع ، والفزع لا یخرج من الفزع ، إنما یخرج من الموضع الذی یکون فیه ، وهو الرُّوع. قال والرَّوع فی الروع کالفرخ فی البیضه. یقال أفرخت البیضه إذا انفلقَت عن الفرخ فخرج منها. قال : وأفرخ فؤاد الرجل إذا خرج رَوْعه منه. قال وقلبه ذو الرمه علی المعرفه بالمعنی فقال :

* جذلان قد أفرخت عن رُوعه الکرب*

قلت : والذی قاله أبو الهیثم بیّن ، غیر أنی أستوحِش منه ؛ لانفراده بقوله. وقد یَستدرک الخلف علی السلف أشیاء ربما زلّوا فیها ، فلا ینکَر إصابه أبی الهیثم فیما ذهب إلیه ، وقد کان له حظّ من العلم موفور رَحِمه اللهُ. وفی الحدیث المرفوع «إن فی کل أمه محدَّثین ومروَّعین ، فإن یکن فی هذه الأمه منهم أحد فهو عمر». والمروع الذی ألقی فی رُوعه الصواب والصدق ، وکذلک المحدَّث ؛ کأنه حُدِّث بالحق الغائب فنطق به.

ویقال ما راعنی إلّا مجیئک ، معناه : ما شعَرت إلّا بمجیئک ، کأنه قال : ما أصاب رُوعی إلّا ذلک.

وقالوا : راعه أمر کذا أی بلغ الرَّوْع منه رُوعه.

ص: 113

قال ابن الأنباری : راعنی کذا وأنا مَروع أی وقع فی رُوعی ، وهو النفْس. والرَّوْع. الخوف.

ویقال : سقانی فلان شربهً راع بها فؤادی أی بَرَد بها غُلَّه رُوعی بها ومن قول الشاعر :

سقتنی شربهً راعت فؤادی

سقاها الله من حوض الرسول

وقیل : الرائع من الجَمَال : الذی یُعجب رُوع من رآه فیسرّه. ونحو ذلک قال یعقوب ابن السکیت.

وفی «النوادر» : راع فی یدی کذا وکذا ، وراق مثله ، أی فاد. ورِیع فلان یُراع إذا فزع.

وفی الحدیث أن النبی صلی الله علیه وسلم رکب فرساً لأبی طلحه عُرْیاً لیلاً لفزع ناب أهل المدینه فلما رجع قال : لن تراعوا ، لن تراعوا ، إنی وجدته بحراً ، معناه : لا فزع ولا رَوْع فاسکُتوا واهدءوا.

ثعلب عن ابن الأعرابی : الرَّوْعه : المَسْحه من الجمال. والرَدْقه الجمال الرائق. والوَعْره : البُقعه المخیفه.

ویقال ناقه رُواعه الفؤاد إذا کانت شهمه ذکیّه.

ویقال فرس رُوَاع بغیر هاء.

وقال ذو الرمه :

رفعت له رحلی علی ظهر عِرْمس

رُواع الفؤاد حرَّه الوجه عیطل

أبو زید ارتاع للخیر وارتاح للخیر.

شمر روّع فلان خبزه بالسمن وروّغه إذا روّاه.

أبو عبید : أراعت الحنطه إذا زکت وأرْبَتْ تُربی بمعناها ، وبعضهم یقول راعت ، وهو قلیل. قال : وقال الأموی : أراعت الإبلُ إذا کثر أولادها. وناقه مِرْیاع ؛ وهی التی یعاد علیها السفر.

الحرانی عن ابن السکیت قال : الرَیْع : الزیاده یقال طعام کثیر الرَّیع. والرِّیع : المکان المرتفع.

قال الله جلّ وعزّ : (أَتَبْنُونَ بِکُلِ رِیعٍ آیَهً) [الشُّعَرَاء : 128] قال وقال عُماره : الرِیع : الجبل.

وقال أبو یوسف : الرَّیع مصدر راع علیه القیء یَریعُ إذا عاد إلی جوفه. ورُوی عن الحسن البصری أنه سئل عن الصائم یَذْرعه القیءُ هل یفطر؟ فقال : إن راع منه إلی جوفه شیء فقد أفطر.

قال أبو عبید : معناه : إن عاد. وکذلک کلّ شیء رجع إلیک فقد راع یریع. وقال طرفه :

تَرِیع إلی صوت المُهیب وتتّقی

بذی خُصَل روعاتِ أکلف مُلْبِد

وقال أبو إسحاق فی قول الله جلّ وعزّ : (أَتَبْنُونَ بِکُلِ رِیعٍ آیَهً) قال : یقال رِیع ورَیْع ، ومعناهما الموضع من الأرض المرتفعُ.

ومن ذلک کم رَیْع أرضک أی کم ارتفاع أرضک قال : وجاء فی التفسیر بکل رِیع : کل فج. قال : والفج الطریق المنفرج فی

ص: 114

الجبال خاصّه.

وقال الفراء : الرِیع والرَیع لغتان مثل الرِیر والرَیر.

وأخبرنی المنذری عن ثعلب عن ابن الأعرابی قال : الرِیع : مَسِیل الوادی من کل مکان مشرف. وجمعه أریاع وریوع.

قال : وأنشد للراعی یصف إبلاً :

لها سَلَف یعوز بکل رِیع

حَمَی الحوزات واشتهر الإفالا

قال : السلف : الفحل. حمی الحوزات أی حمی حَوْزاته ألّا یدنو منهن فحل سواه. واشتهر الإفال : جاء بها تشبهه.

وقال اللیث : الرَیْع : فضل کل شیء علی أصله ؛ نحو رَیْع الدقیق ، وهو فضله علی کَیل البُرّ ، وریع البَذْر : فضل ما یخرج من النُزْل علی أصل البَذْر. ورَیْع الدرع فضول کُمَتِها علی أطراف الأنامل. قال : ورَیْعان کل شیء أفضله وأوله ، ورَیْعان المطر أوّله. قال والرِّیع : السبیل سُلِک أو لم یسلک.

شمر عن أبی عمرو والأصمعیّ وابن الأعرابی : راع یَرِیع وراه یریه أی رجع. وراع القیء علیه وراه علیه أی رجع. وتَریَّع السرابُ وتریَّه إذا ذهب وجاء. وتریَّعت الإهالهُ فی الإناء إذا ترقرقت ، وتریَّعت یده بالجود إذا فاضت. وناقه لها رَیْع إذا جاءت بسیر بعد سیر ، کقولهم : بئر ذات غَیِّث.

شمر قال ابن شمیل : تریَّع السمنُ علی الخبزه وتریَّغ وهو خُلوف بعضه بأعقاب بعض. وتریَّعْتُ وتورعْت یعنی : تلبَّثْت ، وتوقّفت. وأنا متریِّع عن هذا الأمر ، ومُثْنَوْنٍ ، ومنتقِض ، أی منتشر.

قلت : قوله یعَار إلیها الفحل محال. ومعنی بیت الراعی هذا أنه وصف نجائب لا یرسل فیها الفحل ضِنّاً بِطرقها ، وإبقاء لقوَّتها علی السیر ؛ لأن لقاحها یُذهب مُنَّتها. وإذا کانت عائطاً فهو أبقی لسیرها ، وأقلّ لتعبها. ومعنی قوله إلّا یعاره یقول : لا تَلْقح إلّا أن یُفْلِت فحل من إبل أخری فیعیر ویضربها فی عَیْرانه.

وکذلک قال الطرماح فی نجیبه حَمَلت یَعَاره :

سوف تدنیک من لمیسٍ سبنتا

ه أمارت بالبول ماء الکراض

أنضجته عشرین یوماً ونِیلت

حین نیلت یَعَاره فی عراض

أراد أن الفحل ضربها یعاره فلما مضی علیها عشرون لیله من یوم طرقها الفحل ألقت ذلک الماء الذی کانت عقدت علیه ، فبقیت مُنّتها کما کانت.

وقال أبو الهیثم : معنی الیَعَاره أن الناقه إذا امتنعت علی الفحل عارت منه - أی نفرت - تعار فیعارضها الفحل فی عَدْوها حتی ینالها فیستنیخها ویضربها. قال : وقوله : (یَعاره) إنما یرید عائره فجعل یعاره اسماً لها وزاد فیه الهاء وکان حقه أن یقال : عارت تعیر ، فقال : یعار لدخول أحد حروف الحلق فیه. قال والعَیَّار الذی ینفر ، یجیء ویذهب فی الأرض وفرس عَیّار : نافر ذاهب فی الأرض.

ومِن ، باب عور رَوَی أبو حاتم عن الأصمعی یقال : رجل مُعْور ، وزقاق مُعْور ، والعامه تقول : معوز : ولا یقال ذلک. قال : ویقال للشیء الضائع البادی العوره أیضاً : مُعْوِر. قال أبو حاتم : قال أبو زید : تقول العرب : ما یُعْوز له شیء بالزای إلَّا أخذه ؛ کقولهم ما یَطِفّ له شیء ولا یوهِف له شیء إلا أخذه. قال : وقال الأصمعی : صحَّف أبو زید. قال وتفسیره أنه لیس یری شیئاً لا حافظ له إلَّا أخذه لا یتحرج. قال : ومثل من أمثالهم : لیست کل عوره تصاب. یقول : لیس کل خال من الحفاظ یؤخذ ، رُبما غُفِل عنه.

وقال أبو حاتم : والذی قاله أبو زید فیما زعم مشهور عند العرب ما یعوز له شیء إلّا ذهب به مثل ما یوهف.

فی حِنْدِس کضیاء نار منوِّر

الحرانی عن ابن السکیت : یقال : أتیته من عَلُ بضم اللام ، وأتیته من عَلُو بضم اللام وسکون الواو ، وأتیته من عَلِی بیاء ساکنه ، وأتیته من عَلْو بسکون اللام وضمّ الواو ، وَمن عَلْوَ وَمَن عَلْوِ وَأنشد : من عَلْوَ لا عَجَب منها ولا سَخَر وَیروی من عَلْوُ وَمن عَلْوِ. قال وَیقال : أتیته من عالٍ وَمن مُعَالٍ. وَأنشد :

* ظمأی النَسَا من تحتُ ، ریّا من عالْ *

وَأنشد فی معال : وَنَغَضان الرحل من مُعالِ

وَقال الفراء فی قول الله جلّ وعزّ : (عالِیَهُمْ ثِیابُ سُندُسٍ خُضْرٌ) [الإنسَان : 21] قریء (عالِیَهُمْ) بفتح الیاء و (عالیهم) بسکونها.

قال الفراء : من فتح (عالِیَهُمْ) جعلها کالصفه : فوقهم. قال : وَالعرب تقول : قوتک داخل الدار فینصبون داخل لأنه محلّ ، فعالیهم من ذلک.

وقال الزجاج : لا یُعرف (عالَی) فی الظروف. قال : ولعلّ الفراء سمع بعالی فی الظروف. قال : ولو کان ظرفاً لم یجز إسکان الیاء ، ولکن نصبه علی الحال من شیئین : أحدهما من الهاء والمیم فی قوله : (وَیَطُوفُ عَلَیْهِمْ) [الإنسان : 19] ثم قال (عالِیَهُمْ ثِیابُ سُندُسٍ) أی فی حال علوّ الثیاب إیاهم. قال : ویجوز أن یکون حالاً من الولدان. قال : فالنصب فی هذا بیّن. قال ومن قرأ (عالیهم) فرفْعه بالابتداء والخبر (ثِیابُ سُندُسٍ).

قال وقد قریء (عالیتَهم) بالنصب ، و (عالیتُهم) بالرفع ، والقراءه بهما لا تجوز ، لخلافهما المصحف. وقریء (علیهم ثیاب سندس) وتفسیر نصب (عالیتهم) ورفعِها کتفسیر (عالِیَهُمْ) و (عالیهم).

وقال ابن السکیت : سِفْل الدار وعِلْوها وسُفْلها وعُلْوها. ویقال : علا فلان الجبل إذا رَقِیه ، یعلوه عُلُوْاً ، وعلا فلان فلاناً إذا قهره ، وعلا فلان فی الأرض إذا تکبّر وطغی. ویقال : فلان تعلو عنه العین بمعنی تنبو عنه ، وإذا نبا الشیءُ عن الشیء ولم یلصَق به فقد علا عنه.

وقال اللیث : عالی کل شیء أعلاه. وکذلک عالیه کل شیء أعلاه ویقال نزل فلان بعالیه الوادی وَسافلته. فعالیته : حیث ینحدر الماء منه ، وَسافلته ، حیث ینصبّ إلیه ، وَعالیه تمیم هم بنو عمرو بن تمیم ، وهم بنو الهُجَیم والعنبر ومازِن. وعُلیا مضرهم قریش وقیس. قال و (علی) صفه من الصفات وَللعرب فیها لغتان : کنت علی السطح ، وکنت أعلی السطح.

وقال اللیث : الله تبارک وتَعالی هو العلی المتعالی العالی الأعلی ذو العلاء والعُلَا وَالمَعَالی ، تعالی عما یقول الظالمون عُلُوّاً کبیراً. وهو الأعلی سبحانه بمعنی العالی قال : وتفسیر تعالی : جلّ عن کل ثناء ، فهو أعظم وأجلّ وأعلی مما یُثنَی علیه ، لا إله إلَّا الله وَحده لا شریک له.

قلت : وتفسیر هذه الصفات لله یقرب بعضها من بعض ، فالعلیّ الشریف فعلی من علا یعلو ، وهو بمعنی العالی ، وهو الذی لیس فوقه شیء. ویقال : هو الذی علا

ص: 118

الخلق فقهرهم بقدرته. وأمّا المتعالی فهو الذی جَلّ عن إفک المفترین ، وتنزّه عن وساوس المتحیّرین. وقد یکون المتعالی بمعنی العالی. والأعلی هو الله الذی هو أعلی من کل عالٍ. واسمه الأعلی أی صفته أعلی الصفات. والعلاء الشرف. وذو العلاء صاحب الصفات العُلَا والعُلَا جمع العُلْیا أی جمع الصفه العلیا والکلمه العلیا. ویکون العُلَا جمع الاسم الأعلی. وصفه الله العلیا : شهاده أن لا إله إلّا الله فهذه أعلی الصفات ولا یوصف بها غیر الله وحده لا شریک له. ولم یزل الله علیّاً عالیاً متعالیاً ، تعالی الله عن إلحاد الملحدین وهو العلی العظیم. ویقال رجل علیّ أی شریف ، وجمعه عِلْیه یقال : فلان من عِلْیه الناس أی من أشرافهم ومثله صَبِیّ وصِبْیه. وفلان عالی الکعب إذا کان ثابت الشرف ، وعالی الذکر.

وقال اللیث : العَلْیاء ، رأس کل جبل مشرِف. قال : والعالیه : القَنَاه المستقیمه ، وجمعها العوالی. قال ویسمّی أعلی القناه العالیه وأسفلها السافله.

قلت : وقال غیر اللیث : عوالی الرماح : أسِنّتها ، واحدتها عالیه. ومنه قول الخنساء حین خطبها دُرَید بن الصِّمَّه : أتَروننی تارکه بنی عمّی کأنهم عوالی الرماح ، وَمُرْتَثَّهً شیخ بنی جُشَم. شبَّههتم بعوالی الرماح لطراءه شبابهم ، وبریق سَحَناتهم ، وحسن وجوههم. وعالیه الحجاز : أعلاها بلداً وأشرفها موضعاً. وهی بلاد واسعه. وإذا نسبوا إلیها قیل : عُلْوِیّ ، والأنثی عُلْوِیه. ویقال : عالی الرجلُ وغیره إذا أتی عالیه الحجاز. وقال بشر بن أبی خازم :

مُعَالِیهً لا هَمّ إلّا محجَّر

وحَرَّه لیلی السهلُ منها فلُوبها

وحَرَّه لیلی وحرَّه شَوران وحَرَّه بنی سُلَیم فی عالیه الحجاز. وقال اللیث : المَعْلاه : مکسب الشرف وجمعها المعالی. قال والعُلِّیّه : الغرفه علی بناءَ حُرِّیه. قال : وهی فی التعریف فُعُّوله.

وقال شمر : قال الأصمعی : العِلِّیّ : الغرف ، واحدتها عِلِّیّه. وقال العجّاج :

* وبِیعه لسورها عِلّیّ *

وقال أبو حاتم : العَلَالیّ من البیوت ، واحدتها عِلّیّه قال ووزن عِلّیّه فِعیله ، العین شدیده.

قلت : وعِلِّیّه أکثر فی کلامهم من عُلِّیَّه.

وقال اللیث : عِلِّیّین : جماعه عِلّیّ فی السماء السابعه ، إلیه یُصعَد بأرواح المؤمنین.

وقال الفراء فی قول الله جلّ وعزّ : (کَلَّا إِنَّ کِتابَ الْأَبْرارِ لَفِی عِلِّیِّینَ * وَما أَدْراکَ ما عِلِّیُّونَ) [المطفّفِین : 18 ، 19].

یقول القائل کیف جمعت علّیّون بالنون وهذا من جمع الرجال؟ قال : والعرب إذا جمعت جمعاً لا یذهبون فیه إلی أن له بناء من واحد واثنین قالوا فی المذکر والمؤنث بالنون من ذلک عِلّیّون. وهو شیء فوق شیء غیر معروف واحدُه ولا اثناه. قال : وسمعت العرب تقول : أطعمنا مَرَقه مَرَقِینَ ، ترید اللُحمان إذا طُبخت بماء

ص: 119

واحد ، وأنشد :

قد رَوِیت إلّا دُهَیدِ هینا

قلیِّصات وأُبیکرینا

فجمع بالنون ؛ لأنه أراد العدد الذی لا یُحَد آخره. وکذلک قول الشاعر :

فأصبحت المذاهِب قد أذاعت

بها الإعصارُ بعد الوابلینا

أراد المطر بعد المطر غیر محدود وکذلک علّیّون : ارتفاع بعد ارتفاع.

وقال أبو إسحاق فی قوله جلّ وعزّ : (لَفِی عِلِّیِّینَ) [المطففین : 18] : أی فی أعلی الأمکنه. (وَما أَدْراکَ ما عِلِّیُّونَ) [المطفّفِین : 19] فإعراب هذا الاسم کإعراب الجمع ، لأنه علی لفظ الجمع ؛ کما تقول : هذه قِنَّسْرون ورأیت قِنَّسرین.

وقال مجاهد فی قوله (لَفِی عِلِّیِّینَ) قال : علیون السماء السابعه.

وقال شمر : قال أبو مُعَاذ : عِلِّیِّینَ السماء السابعه.

قلت : ومنه حدیث النبی صلی الله علیه وسلم : «إن أهل الجنه لیتراءون أهل علیّین ، کما ترون الکوکب الدُرّیّ فی السماء». ویقال للمرأه إذا طَهُرت من نفاسها : تعلّت فلانه من نفاسها.

وفی حدیث سُبَیعه أنها لما تعلّت من نفاسها تشرَّفت لخُطَّابها. ومنه قول الشاعر :

* ولا ذات بعل من نفاس تعلّت *

والسموات العُلَا جمع السماء العُلْیَا ، والثنایا العلیا ، والثنایا السفلی ، یقال للجماعه : عُلْیا وسُفْلی لتأنیث الجماعه. ومثله قول الله جلّ وعزّ : (لِنُرِیَکَ مِنْ آیاتِنَا الْکُبْری) [طه : 23] ولم یقل : الکُبَر. وهو بمنزله الأسماء الحسنی ، وبمنزله قوله جلّ وعزّ : (وَلِیَ فِیها مَآرِبُ أُخْری) [طه : 18] وتقول العرب فی النداء للرجل : تعالَهْ ، وللاثنین : تعالیا ، وللرجال : تعالَوْا ، وللمرأه : تعالَیْ ، وللنساء : تعالین. ولا یبالون إن کان المدعوّ فی مکان أعلی من مکان الداعی ، أو فی مکانٍ دونه. وعَلْوی اسم فرس کانت من سوابق خیل العرب. ویقال : ضربت عِلَاوته أی رأسه وعُنُقه. والعِلاوه : ما یحمل علی البعیر وغیره بین العِدْلین. ویقال : أعطاه ألفاً ودیناراً عِلاوه ، وأعطاه ألفین وخمسمائه عِلَاوه. وجمع العِلَاوه عَلَاوَی ، مثل هِراوه وهَرَاوَی. ویقال : عَلِ عَلَاواک علی الأحمال وعالها. وإذا نسب الرجل إلی علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه قالوا عَلَوِیّ ، وإذا نسبوا إلی بنی علی - وهم قبیله من کنانه - قالوا : هؤلاء العِلیُّون.

أخبرنا المنذری عن الطوسی عن الخراز عن ابن الأعرابی أنه قال فی تفسیر قوله :

* بنو علی کلّهم سواء*

قال : بنو علی من بنی العَبَلات من بنی أمیَّه الأصغر ، کان وَلِی من بعد طلحهِ الطلحات ؛ لأن أمهم عَبْله بنت جازل من البراجم ، وهی أم ولد أمیّه الأصغر.

والمعلِّی : أحد قداح المَیْسِر ، وهو القِدْح السابع. وله فوز سبعه أسهم إن فاز. وغُرْم سبعه أسهم إن لم یفز. وکلّ من قهر

ص: 120

رجلاً أو عَدُوّاً فإنه یقال فیه : علاه واعتلاه واستعلاه واستعلی علیه. ویقال : عُلْوان الکتاب لعُنوانه. والعرب تبدل اللام من النون فی حروف کثیره ؛ مثل لعلَّک ولعنَّک وعَتَله إلی السجن ، وعَتَنه. وکأن علوان الکتاب اللام فیه مبدله من النون. وقد مرّ تفسیره فی مضاعف العین.

أبو العباس عن ابن الأعرابی : رجل عِلْیانا وعِلَّیَان إذا کان طویلاً جسیماً وکذلک ناقه عِلْیان وأنشد :

أنشدُ من خَوَّاره عِلْیانِ

مضبوره الکاهل کالبنیانِ

وقال اللیث : العِلْیان : الذکر من الضباع قال ویقال للجمل الضخم : عِلْیان.

قلت هذا تصحیف ، إنما یقال لذکر الضباع : عِثْیان بالثاء ، فصحَّفه اللیث ، وجعل بدل الثاء لاماً. وقد مر ذکر العِثْیان فی بابه.

وقال اللیث : العَلَاه السَنْدان ؛ ویشبّه بها الناقه الصُلْبه.

قلت : وهکذا قال غیره من أئمتنا فی الناقه الصُلْبه وهذه الحدیده. وقیل فی تفسیر قوله : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ) [الحَدید : 25] قال : أنزل العَلَاه والمَرّ.

أبو عبید عن الأصمعی : یقال للرجل الذی یردّ حبل المستَقِی بالبکره إلی موضعه منها إذا مَرِسَ المعلِّی ، والرِّشاء المعلَّی.

وقال أبو عمرو : التعلیه أن ینتأ بعضُ الطیّ أسفل البئر ، فینزلَ رجل فی البئر یعلِّی الدلو عن الحجر الناتیء وأَنشد لعدی :

* کهُویّ الدلو نزّاها المُعَلْ*

أراد المعلِّی. قال والعلاه : صخره یُجعل لها إطار من الأخْثاء ومن اللبن والرماد ، ثم یطبخ فیها الأقط. ویجعع عَلاً. وأنشد أبو عبیده :

وقالوا علیکم عاصِماً نستغِثْ به

رُوَیدکَ حتی یصفِق البَهْمَ عاصم

وحتی تری أن العلاه تمدّها

جُخَادیّهٌ والرائحات الروائم

یرید أن تلک العلاه یزید فیها جُحادیّه ، وهی قِربه مَلأی لبناً ، أو غِرارَه ملأی تمراً أو خنطه یصبّ منها فی العلاه للتأقیط ، فذلک مدّها فیها. ویقال : ناقه حَلِیّه عَلِیّه حَلِیَّه : حُلْوه المنظر والسیر عَلِیَّه : فائقه. ویقال : عالیته علی الحمار ، وعلّیته علیه. وأنشد ابن السکّیت :

عالیت أَنساعی وجِلْبَ الکُور

علی سَرَاره رائح ممطور

وقال :

فإلَّا تجلَّلها یعالوک فوقها

وکیف تُوقی ظهرَ ما أنت راکبه

أی یُعلوک فوقها.

أبو سعید : علوت علی فلان الریح أی کنت فی عُلاوتها. ویقال : لا تَعلُ الریح علی الصید فیرَاح ریحِک وینفِر. ویقال : أتیت الناقهَ من قِبَل مستعلاها أی من قبل إنسیّها. قال والمُسْتَعْلی هو الذی یقوم علی یسار الحَلُوبه. والبائن : الذی یقوم علی یمینها. والمستعلی یأخذ العُلْبه بیده الیسری ویحلب بالیمنی. وقال الکمیت فی المستعلی والبائن :

ص: 121

یبشر مستعلیاً بائن

من الحالبَینِ بأن لا غرارا

ویُقال : اعلُ الوساده أی اقعد علیها ، وأَعْلِ عنها أی انزل عنها. وأنشدنی أبو بکر الإیادی لامرأه من العرب عُنِّن عنها زوجُها :

فقدنک من بعل علام تدکُّنی

بصدرک لا تغنی فتیلا ولا تُعلِی

أی لا تَنزِل وأنت عاجز عن الإیلاج. ویقال : فلان غیر مؤتل فی الأمر ، وغیر مُعْتلٍ أی غیر مقصِّر. وأنشد أبو العباس بیت طُفیل :

ونحن منعنا یوم حَرْس نساءکم

غداه دعانا عامر غیر مُعتل

وقال الفراء : هو عُلْوان الکتاب وعُنوانه.

وقال اللحیانی : عَلْونت الکتاب عَلْونه وعلوانا ، وعنونته عنونه وعنواناً.

وقال أبو زید : عُلْوان کل شیء : ما علا منه ، وهو العُنْوان. وأنشد :

وحاجه دون أخری قد سمحتُ بها

جعلتها للذی أخفیت عنواناً

أی أظهرت حاجه وأخفیت أخری. وهی التی أُریغ ، فصارت هذه عنواناً لما أردت.

وقال أبو سعید : هذه کلمه معروفه عند العرب : أن یقولوا لأهل الشرف فی الدنیا وَالثروَه والغنی : أهل علیین. فإذا کانوا متّضعین قالوا : سِفلیُّون. والعِلِّیُّون فی کلام العرب : الذین ینزلون أعالی البلاد. وإن کانوا ینزلون أسافلها فهم سِفْلیُّون.

ویقال هذه الکلمه تستعلی لسانی إذا کانت تعتزّه وتجری علیه کثیراً. وتقول العرب : ذهب الرجل عَلَاء وعَلْواً ، ولم یذهب سُفْلاً إذا ارتفع. وفلان منِ علْیه الناس لا من سَفلتهم.

وقال اللیث : الفرس إذا بلغ الغایه فی الرهان یقال : قد استعلی علی الغایه. ویقال : قد استعلی فلان عَلَی الناس إذا غلبهم وقهرهم وعلاهم قال الله تبارک وتعالی : (وَقَدْ أَفْلَحَ الْیَوْمَ مَنِ اسْتَعْلی) [طه : 64] ویقال : تعلَّی المریض من عِلَّته إذا أفاق منها. ویَعْلی : اسم رجل. وتَعْلی : اسم امرأه.

کان جَوَاداً بالتعْس فیقولون : تعْساً له ، وإن کان بلیداً کان دعاؤهم له إذا عثر ، لعاً لک وهو معنی قول الأعشی :

* فالتعس أدنی لها من أن یقال لعا*

أبو عبید عن الفراء. رجل لَعْو ولَعاً منقوص ، وهو الشرِه الحریص.

ثعلب عن ابن الأعرابی : اللعُوه واللَّعَاه : الکلبه وجمعها لِعَاء. ویقال : ما بالدار لاعِی قَرْوٍ أی ما بها أحد. والقَرْو. الإناء الصغیر. شمر. اللاعی بمنزله الحاسی. والقَرْو. العُسّ. وَقال فی قوله :

داوِیَّه شقَّت علی اللاعی السَّلِعْ

وإنما النوم بها مثل الرضِعْ

قال : اللاعی من اللوعه. قلت کأنه أراد اللائع فقلَب ، وهو ذو اللوعه. والرضع : مصَّه بعد مَصَّه.

وقال أبو سعید : یقال هو یَلعَی به ویَلْغَی به أی یتولع به.

وقال ابن درید : اللَّعْوه : السواد حول الحَلَمه. قال وبه سمّی ذو لَعْوه : قیل من أقیال حمیر.

ثعلب عن ابن الأعرابی : اللولع الرَّغْثاء ، وهو السواد الذی علی الثدی ، وهو اللطخه قال والألعاء : السُلاتیات. والأعْلاء : الطوال من الناس. وخرجنا نَتَلَعّی أی نصیب اللّعَاعه من بقول الربیع.

الوجد ، تلوعه لَوْعاً. ورجل هاعٌ لاع : حریص سیّء الخُلُق. والفعل لاع یلوع لَوْعاً ولُوُوعاً. والجمیع الألْواع واللاعون.

من قولهم : عالت الفریضه إذا ارتفعت.

أبو عبید عن الأصمعی : عال المیزان إذا مال ، مأخوذ من الجَور.

وقال أبو طالب بن عبد المطّلب :

بمیزان قِسط لا یَغُلُّ شَعِیره

له شاهد من نفسه غیرُ عائل

وأما قول النبی صلی الله علیه وسلم : «وابدأ بمن تعول» فإن الأصمعی قال : عال الرجل عیاله یعولهم إذا کفاهم معاشهم. وقال غیره : عال عیاله إذا قاتهم. والعَوْل : القَوْت. وأنشد :

کما خامرت فی جفنها أمُّ عامر

لَدَی الحَبْل حتی عال أوس عیالها

هکذا أنشده ابن الأعرابی. وقال : أمُّ عامر هی الضبع ، أی بقی جراؤها ولا کاسب لهن فجعلن یتبعن ما بقی من الذئب وغیره ، فیأکلنه. قال : والحبل حبل الرمل.

قال أبو عبیده : الضبع إذا هلکت قام الذئب بشأن جرائها. وأنشد فیه هذا البیت :

والذئب یغذو بنات الذِیخ نافله

بل یحسب الذئب أن النجل للذیب

یقول : لکثره ما بین الضباع والذئاب من السِفاد یظن الذئب أن أولاد الضبع أولاده.

وقال اللیث : العَوْل : قَوْت العیال. قال : وواحد العیال عَیَّل. یقال : عنده کذا وکذا عیِّلا أی کذا وکذا نَفْساً من العیال. قال : وأعال الرجل إذا کثر عیاله. وأَمّا قولهم : ویلَه وعَوْله فإن أبا عمرو قال : العَوْل والعویل البکاء. وأنشد :

أبلغ أمیر المؤمنین رساله

شکوی إلیک مطله وعویلا

وقال الأصمعی : العَوْل وَالعَوِیل : الاستغاثه ، ومنه قولهم مُعَوَّلی علی فلان أی اتکالی علیه واستغاثتی به.

وقال أبو طالب : النصب فی قولهم : ویلَه وعَوْله علی الدعاء والذمّ کما یقال ویلا له وتراباً له.

وقال شمر : العَوِیل : الصیاح والبکاء. قال : وأعول إعوالاً وعَوَّل تعویلاً إذا صاح وبکی. ومنه حدیث النبی صلی الله علیه وسلم : «المعوَّل علیه یعذَّب». وقال امرؤ القیس :

* فهل عند رسم دارس من معوّل *

أی من مَبْکًی. وقیل من مستغاث وقیل من مَحْمِل ومعتمد. وأنشد :

* عوِّل علی خالیک نعم المعول *

ویقال : عوَّلنا إلی فلان فی حاجتنا ، فَوَجدناه نعم المعوَّل ، أی فَزِعنا إلیه حین أعوزنا کلُّ شیء قال : والعَوِیل یکون صوتاً من غیر بکاء. ومنه قول أَبی زُبَید :

* للصدر منه عویل فیه حشرجه*

أی زئیر کأنه یشتکی صدره.

أبو عبید عن أبی زید : أعال الرجلُ وأَعْول إذا حَرَص. وأعولت علیه أی أدلَلْت علیه.

وقال أبو سعید : عوِّلْ علیه أی استعن به. قال ویقال : فلان عِوَلی من الناس أی

ص: 125

عُدَّتی ومَحْمِلی وقال تأبط شراً :

لکنما عِوَلی إن کنت ذا عول

علی کریم بنصب المجد سبَّاق

ویقال : أمر عالٍ وعائل أی متفاقِم ، علی القَلْب.

وقال الأصمعی فی قول الهُذلی :

* فازدرت مُزدار الکریم المعول *

قال : هو من أعال وأعول إذا حَرَص ، ورجل مُعْوِل أی حریص والمعول الذی یَحمل علیک بدالَّه. وأما قول الکمیت :

وما أنا فی ائتلاف بنی نزار

بملبوس علیَّ ولا مَعُول

فمعناه أنی لست بمغلوب الرأی من عِیل أی غلب.

وقال الأصمعی : یقال عوَّل الرجل عاله هی شبه الظُلَّه یسوّیها الرجل من الشجر ، یستتر بها من المطر. وقال الهذلی :

الطعن شعشعه والضرب هَیْقعه

ضرب المعوّل تحت الدِیمه العَضَدا

وقال اللیث : المِعْول : حدیده یُنقر بها الجبال. وجمعه معاول.

وقال أبو زید : أعیل الرجل فهو مُعِیل ، وأعول فهو مُعْوِل إذا حَرَص.

النضر عن یونس : لا یَعُول علی القصد أحد أی لا یحتاج ، ولا یعیل مثله.

أُولعت ، وکذلک الوَزُوع من أُوزِعت.

قلت : وهما اسمان أقیما مقام المصدر الحقیقیّ.

وقال اللیث : أُولع فلان بکذا وَلُوعاً وإیلاعاً إذا لجّ. قال ویقال : وَلِع یَوْلَع وَلَعاً فهو وَلِعٌ وَوَلُوعٌ وَلاعَه. قال : وَالوَلَع : نفس الوَلُوع. وَوَلِع بفلان : لجّ فی أمره وحَرَص عَلَی إیذائه.

وَأخبرنی المنذریّ عن ثعلب عن سلمه عن الفراء : وَلِعَت بالکذب تَلَع وَلْعاً. وَروَی أبو عبید عن الأصمعی والأحمر : وَلَع یَلَع وَلْعاً ووَلَعاناً إذا کذب. وأنشد :

* وهنّ من الإخلاف والولَعان *

وقال کعب :

لکنها خُلَّه قد سیط من دمها

فجع وَوَلْع وإخلاف وَتبدیل

وقال ذو الإصبع العُدْوانی :

إلّا بأن تکذبا عَلَیّ ولا

أملک أن تکذبا وأن تَلَعا

وَقال اللحیانی : یقال : وَلَع یَلَع إذا استخفّ ، وأنشد :

فتراهن عَلَی مُهْلته

یختلین الأرض وَالشاهُ یَلَعْ

أی یستخفّ عَدْواً ، وذکَّر الشاه. قال المازنی فی قوله : والشاه یلع أی لا یُجدّ فی العدْو ، کأنه یلعب. قلت : هو من قولهم : وَلَع یَلَع إذا کذب ، کأنه کذب فی عَدْوه ولم یجدَّ.

ابن السکیت : رجل وُلَعه : یُولَع بما لا یعنیه ، وَهُلَعه : یجوع سریعاً. وَیقال وَلَع فلاناً والِع ، وَوَلَعته وَالعه وَاتّلعته وَالعه ، أی خفِی عَلَیّ أمْرُه ، فلا أدری أحیّ أم میت. ویقال : فقدنا فلاناً فما ندری ما وَلَعَه أی ما حبسه. وقد وَلَع فلان بحقّی وَلْعاً أی ذهب به.

وَقال ابن الأعرابیّ وَغیره : الوَلِیع : الطلع ما دام فی قِیقائه ، کأنه نظم اللؤلؤ فی شدّه بیاضه. وَالواحده وَلیعه وَأنشد :

وَتبسم عن نیّر کالولیع

تُشَقَّقُ عنه الرقاه الجُفُوفا

وَقال اللیث : المولّع الذی أصابه لُمَعَ من بَرَص فی جسده أی بَرَّصه. وأنشد :

* کأنه فی الجلد تولیع البَهَقْ*

قلت : التولیع : التلمیع من البرص وغیره وَقال أبو ذؤیب :

* ... بالطرتین مولَّع *

وقال أبو عبیده : فرس مولَّع ؛ وهو الذی فی بیاض بَلقه استطالهٌ وتفرقهٌ.

وقال عَرّام : یقال : بفلان من حبّ فلانه الأولع والأولق ؛ وهو شبه الجنون. وابتلعت فلانه قلبی وفلان موتلَع القلب ، ومُوتَله القلب ، ومتَّلَه القلب ومنتزَع القلب بمعنی واحد.

والوَعْل - خفیف - بمنزله بُدّ ؛ کقولک : ما بُدّ من ذلک ولا وَعْل ، هذا کله عن اللیث.

قلت : الوَعْل - خفیف - : الملجأ ، یقال : ما وجد وَعْلا یَلجأ إلیه أی موئلاً یئل إلیه ، وأما الوُعِل فما سمعته لغیر اللیث. ویقال استوعلت الأوعالُ إذا ذهبت فی قُلَل الجبال وقال ذو الرمه :

ولو کلمت مستوعِلا فی عَمَایه

تصبّاه من أعلی عمایهَ قِیلُها

یعنی وَعِلاً مستوعلاً فی قلَّه عمایه وهو جبل.

وقال الفراء : أمالک من هذا الأمر وَعْل ، وما لک منه وَغْل أی ملجأ.

وقال غیره هما بمعنی ماله منه بدّ. وقال ذو الرمه :

حتی إذا لم یجد وَعْلاً ونجنجها

مخافه الرمی حتی کلها هیم

ویقال لأشراف الناس الوعُول ، ولأرذالهم التُحوت. وفی الحدیث «من أشراط الساعه أن یظهر أو یعلو التحوت ، ویسفل الوعول یعنی الأشراف».

قال النضر : المستوعَل : الحِرْز الذی یتحرز به الوعل فی رأس الجبل. قال : ولذلک سمی الوعل وعلاً. والجمیع المستوعَلات. وکذلک المستوأل بهمزه وهو المکان الذی یستوئل إلیه أی یأوی إلیه ، ومنه أخذ الموئل. ومکانه الذی یوفیه المشترَف والجمیع المشترفات یعلو العلوّ لئلا یُخْتَلّ.

ثعلب عن ابن الأعرابی : یقال لعُرْوه القمیص الوَعْله ولزرّه الزِیر.

جمع مکرمه.

وقال الله جلّ وعزّ : (لا فارِضٌ وَلا بِکْرٌ عَوانٌ بَیْنَ ذلِکَ) [البَقَرَه : 68] قال الفراء : انقطع الکلام عند قوله (وَلا بِکْرٌ) ثم استأنف فقال (عَوانٌ بَیْنَ ذلِکَ) قال : والعوان یقال منها قد عوَّنَتْ. وقال أبو عبید : العَوَان من النساء : الثیّب. وجمعها عُون. وقال أبو زید عانت البقره تَعُون عُوُوناً إذا صارت عَوانا.

وأخبرنی المنذری عن أبی الهیثم قال : العَوَان : النَصَف التی بین الفارض وهی المسنّه وبین البکر وهی الصغیره. قال : ویقال : فرس عَوَان وخیل عُون علی فُعْل. والأصل عُوَن ؛ فکرهوا إلقاء ضمه علی الواو فسکَّنوها. وکذلک یقال رجل جواد وقوم جُود. وقال زهیر :

نَحُلَّ سهولها فإذا فزِعنا

جَرَی منهن بالآصال عونُ

فزِعنا : أغثنا مستغیثاً. یقول : إذا أغثنا رکبنا خیلاً. قال : ومن زعم أن العُون هاهنا جمع العانه فقد أبطل. وأراد أنهم شجعان ، فإذا استغیث بهم رکبوا الخیل وأغاثوا.

وقال أبو زید : بقره عوان : بین المسِنَّه والشابَّه.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : العَوَان من الحیوان : السنّ بین السنّین ، لا صغیر ولا کبیر. وامرأه عَوَان : ثیب. وحرب عوان : کان قبلها حرب.

أبو عبید : العانه : الجماعه من حُمُ والوحش وقال غیره : تجمع عُوناً وعانات.

وقال اللیث : عانات : موضع بالجزیره تنسب إلیه الخَمُر العانیَّه. قال : وعانه الرجل إسبه من الشعر النابت علی فرجه وتصغیرها عُوَیْنه.

وقال أبو الهیثم : العانه منبِت الشعر فوق القُبُل من المرأه ، وفوق الذکر من الرجل ، والشعر النابت علیها یقال له الشِعْره والإسب.

قلت : وهذا هو الصواب لا ما قاله اللیث.

ثعلب عن ابن الأعرابی : استعان الرجل إذا حلق عانته وأنشد :

مثل البُرام غدا فی أُصده خَلَق

لم یستعن وحوامی الموت تغشاه

البُرَام : القراد. لم یستعن أی لم یحلق عانته وحوامی الموت حوائمه فقلبه. وهی أسباب الموت.

اللحیانی : یقال : فلان علی عانه بکر بن وائل أی علی جماعتهم وحرسهم أی هو قائم بأمرهم.

اللیث : رجل مِعوان : حسن المعونه.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : العَوَانه النخله الطویله ، وبها سمی الرجل ، وهی المنفرده ویقال لها : القِرْواح والعُلْبه. قال : والعَوَانه أیضاً : دوده تخرج من الرمل فتدور أشواطاً کثیره.

وقال الأصمعی : العَوَانه : دابَّه دون القنفذ تکون فی وسط الرمله الیتیمه - وهی المنفرده من الرَمَلات - فتظهر أحیاناً ،

ص: 129

وتدور کأنها تطحن ثم تغوص. قال : ویقال لهذه الدابه : الطُّحَن. قال : وبالعوانه الدابه سمی الرجل.

عمرو عن أبیه قال : العَوِین : الأعوان.

قال الفراء : ومثله طَسِیس جمع طَسّ.

ثعلب عن ابن الأعرابی التعوین کثره بَوْک الحمار لعانته والتوعین لعانته السِمَن.

قال : قال الزبیر : عینین : معاینه.

وقال أبو العباس : عینین جعله بدلاً من النفس.

أبو عبید : حضرت حتی عِنْت وأَعْینت بلغت العیون.

ابن السکیت : یقال قدِم فلان من رأس عَیْن ، ولا تقل : من رأس العین.

ویقال : ما بالدار عین ولا عائنه أی أحدٌ.

الفراء : لقیته أوّل عَیْن أی أوَّل شیء.

وأبو عبید عن الکسائی مثله.

وقال أبو زید لقیته أول عائنه مثله.

وقال الفراء : ما بها عائن وما بها عَیَن بنصب الیاء. والعَینُ : أهل الدار.

وقال اللحیانی : إنه لأعیْن إذا کان ضخم العین واسعها والأنثی عیناء. والجمیع منها عِین قال الله تعالی : (وَحُورٌ عِینٌ) [الواقِعَه : 22] ولقد عَیِنَ یَعْیَنُ عَیَنَاً وعِینهً حسنهً. ونعجه عیناء إذا اسودت عینتها ، وابیض سائر جسدها قال وعِینتها : موضع المَحْجِر من الإنسان ، وهو ما حول العین. وحفر الحافر فأعْیَن وأعان أی بلغ العُیون. ورأیت فلاناً عِیَاناً أی مواجهه.

ویقال : طلعت العین وغابت العین ، أی الشمس.

وفی الحدیث : «إن أعیان بنی الأم یتوارثون دون بنی العَلّات». وأخبرنی المنذری عن أحمد بن یحیی أنه قال : الأعیان : ولد الرجل من امرأه واحده ، والأَقْران : بنو أمّ من رجال شتّی ، وبنو العَلّات : بنو الرجل من أمّهات شتی ، ومعنی الحدیث أن الإخوه للأب وللأم یتوارثون ، دون الأخوه للأب.

ابن الأعرابی : یقال : أصابته من الله عَیْن.

قال : وقال عمر لرجل ضربه رجل بحقّ : أصابتک عین من عیون الله.

وأنشد :

فما الناس أردَوه ولکن أقاده

ید الله والمستنصر الله غالب

ویقال : هذه دراهمک بأعیانها وهی أعیان دراهمک ولا یقال فیها أعْیُن ولا عیون وکذلک یقال هؤلاء إخوتک بأعیانهم ، ولا یقال : أعین وعیون. ویقال : غارت عَیْن الماء ، وتجمع عیوناً. ویقال : عیَّن التاجر یُعیّن تعیینا وعینه قبیحه ، وهی الاسم ، وذلک إذا باع من رجل سلعه بثمن معلوم إلی أجل مسمی ثم اشتراها منه بأقلّ من الثمن الذی باعها به. وقد کرِه العِینَه أکثرُ الفقهاء. ورُوی النهی فیها عن عائشه وابن عباس. فإن اشتری التاجر بحضره طالب العِینه سِلْعه من آخر بثمن معلوم ، وقبضها ، ثم باعها من طالب العینه بثمن أکثر مما اشتراه إلی أجل مسمّی ثم باعها المشتری من البائع الأول بالنقد بأقل الثمن الذی اشتراها به فهذه أیضاً عِینه. وهی أهون من الأولی. وأکثر الفقهاء علی إجازتها ، علی کراهه من بعضهم لها. وجمله القول فیها أنها إذا تعرّت من شرط یفسدها فهی جائزه. وإن اشتراها المتعیّن بشرط أن یبیعها من

ص: 131

بائعها الأول فالبیع فاسد عند جمیعهم وسمّیت عِینه لحصول النقد لطالب العِینه. وذلک أن العینه اشتقاقها من العَیْن وهو النقد الحاضر یحصل له من فوره.

وقال الراجز :

* وعَیْنه کالکالیء الضِّمَارِ*

یرید بعِینه حاضر عطیته. یقول فهو کالضِّمار ، وهو الغائب الذی لا یُرجی.

والعَیْن : عین الرُکْبَه وهی نُقْره الرُکْبه.

وقال الأصمعی : العَیْن : المطر یدوم خمسه أیام أو أکثر لا یُقلع. والعین : ما عن یمین قِبله أهل العراق.

وکانت العرب تقول : إذا نشأت السحابه من قِبَل العَیْن فإنها لا تکاد تُخلِف ، أی من قِبَل قِبْله أهل العراق.

الحرانی عن ابن السکیت قال : العین : التی یبصر بها الناظر. والعین : أن یصیب الإنسان بعین. والعین : الذی ینظر للقوم.

وعینُ المتاع : خیاره. وعین الشیء : نفسه. ویقال : لا أقبل إلّا درهمی بعینِه. والعینُ عین الرُکبهِ والعین : التی یخرج منها الماء. والعین : الدنانیر. والعین : مطر أیام لا یُقلِع. والعین : ما عَنْ یمین قبله أهل العراق.

ویقال : فی المیزان عَیْن إذا رجحت إحدی کِفَّتیه علی الأخری. والعین عین الشمس. قال والعین : أهل الدار.

وأنشد :

* تشرب ما فی وَطْبها قبل العَین *

والعین : النَقْد. یقال : اشتریت العبد بالدَیْن أو بالعَیْن. وعین القوس : التی یقع فیها البندق. والعین الیَنبوع الذی ینبع من الأرض ویجری. وعین الرکیَّه : منبعها.

وقال أبو الهیثم : العرب تقول : فی هذا المیزان عَیْن أی فی لسانه مَیَل قلیل.

ویقولون : هذا دینارٌ عَیْن إذا کان میّالاً أرجح بمقدار ما یمیل به لسان المیزان.

قال وعین سبعه دنانیر نصف دانق.

أبو سعید عین مَعْیونه : لها مادّه من الماء وقال الطرمّاح :

ثم آلت وهی مَعْیونه

من بطیء الضَهْل نَکْز المهامی

أراد أنها طَمَتْ ثم آلت أی رجعت.

ویقال للرجل یُظهر لک من نفسه ما لا یفی به إذا غاب : وهو عَبْدُ عَیْنٍ ، وهو صدیق عَیْن. وعان الماءُ یعین إذا سال. والعِیَان : حَلْقه السِّنَّه وجمعه عُیُن.

وقال اللیث : یقال إن فلاناً لکریمٌ عینُ الکرم.

ویقال فی مثل : لا أطلب أثراً بعد عین أی بعد المعاینه. وأصله أن رجلاً رأی قاتِل أخیه فلما أراد قتله قال : أفتدی بمائه ناقه ، فقال : لست أطلب أثراً بعد عین وقتله.

وقوله :

حبشیّاً له ثمانون عینا

بین عینیه قد یسوق إفالا

أراد عبداً حبشیاً له ثمانون دیناراً بین عینیه یعنی بین عینی رأسه. والعین : الذی تبعثه بتجسس الأخبار ، تسمیه العرب ذا

ص: 132

العِیَیْنَتین وذا العُیَیْنَتَین وذا العُوَینتین کله بمعنی واحد.

قال اللیث : والعِینه : السَلَف. وقد تعیّن منه عِینه ، وعیَّنه التاجر. والعِین : بقر الوحش وهؤلاء أعیان قومهم أی أشرافهم والماء المعِین : الظاهر الذی تراه العیون. وثوب مُعَیَّر : یُری فی وشیه ترابیع صغار تشبه عُیُون الوحش.

وقال الأصمعی : عیَّنت القربه إذا صببت فیها ماء لیخرج من مخارزها وهی جدیده فتنسدّ وسرَّبتها کذلک.

وقال الفراء : التعیّن أن یکون فی الجلد دوائر رقیقه.

وقال القطامی :

ولکن الأدِیم إذا تَفَرّی

بِلاً وتعیُّناً غلب الصَنَاعا

وقال ابن الأعرابی : تعیّنت أخفافُ الإبل إذا نقِبت مثل تعیّن القربه. وتعینتُ الشخص تعیُّناً إذا رأیته. وسقاء عَیِّن إذا رَقَّ فلم یُمسک الماء. ویقال : عیَّن فلان الحرب بیننا تعییناً إذا أدارها وِعِینه الحرب مادّتها.

وقال ابن مقبل :

لا تحلُب الحربُ منی بعد عِینتها

إلا عُلَاله سِید مارد سَدِم

أبو عمرو : ما عیّن فلان لی شیأ ، أی لم یدلّنی علی شیء.

وقال الأصمعی : الکُوفَه مَعَان منا أی منزل ومَعْلم. ورأیته بعائنه العدوّ ، أی بحیث تراه عیون العدوّ ، وما رأیت ثَمّ عائنه أی إنساناً. ورجل عَیِّن أی سریع البکاء ، ولقیته عَیْنَ عُنَّهٍ أی مواجهه وعَیْنَین : جبل بأُحُد. وبالبحرین قریه تعرف بعینین ، وإلیها ینسب خُلَید عینین وقد دخلتها أنا ، وعان الماء یَعِین إذا سال.

والعانی : السائل من ماء أو أدم. یقال : عنت القِربه تعنو إذا سأل ماؤها.

وقال المتنخِّل الهذلی :

تعنو بمخروت له ناضحٌ

ذو رَیِّق یغذو وذو سَلسَل

قال شمر : تعنو بمخروت أی تسیل بمخروت أی من شَقٍ مخروت ، والخَرْت : الشَقُ فی الشَفه والمخروت المشقوق.

ورواه : ذو شَلْشَل بالشین معجمه معناه : ذو قَطَران من الواشل وهو القاطر

أبو عبید عن الکسائی : عنوت الشیء : أخرجته. وأنشد :

* ولم یبق بالخلصاء مما عَنَتْ به*

أی أَخرجَتْه.

وقال أبو الهیثم : العَنَاء : الحبس فی شدّه وذل. یقال : عَنَا الرجلُ یعنو عُنُوّاً وعَنَاء إذا ذَلَّ لک واستأثر.

قال : وعنّیته أُعَنّیه تعنیه إذا أسرته فحبسته مضیِّقاً علیه.

ورُوی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «اتقوا الله فی النساء فإنهن عوانٍ عندکم»أی کالأسری.

قال : وأخذته عَنْوه أی قسْراً قهراً. وفُتحت هذه البلده عَنْوه أی فتحت بالقتال قوتل أهلها حتی غُلبوا علیها ، أی فتحت البلده الأخری صلحاً ؛ لم یُغلبوا ولکن صولحوا علی خَرْج یُؤدّونه.

وقال أبو عبید فی قوله : «فإنهن عندکم عوانٍ» واحده العوانی عانیه وهی الأسیره یقول : إنما هن عندکم بمنزله الأسری.

ورجل عانٍ وقوم عُنَاه : ومنه قول النبی صلی الله علیه وسلم : «عُودوا المرضی ، وفُکّوا العانی» یعنی الأسیر.

قال : ولا أُراه مأخوذاً إلا من الذل والخضوع ، وکل من ذل واستکان فقد خضع وعنا. والاسم منه العَنْوه.

وقال القطامی :

ونأت بحاجتنا ورُبَّتَ عَنوه

لک من مواعدها التی لم تصدق

وأُخِذت البلاد عَنوه أی بالقهر والإذلال.

شمر عن ابن الأعرابی : هذا یعنو هذا أی یأتیه فیشمَّه. والهموم تعانی فلاناً أی تأتیه. وأنشد :

وإذا تعانینی الهمومُ قریتُها

سُرُح الیدین تُخالس الخَطَرانا

وقال اللیث : یقال للأسیر : عنا یعنو ، وعَنِیَ یَعْنَی.

قال : وإذا قلت أعْنَوه فمعناه أبقَوه فی الإسار.

قال : وعُنْوان الکتاب مشتقّ - فیما ذکروا - من المَعْنَی. وفیه لغات : عنونت وعنَّیت ، وعنَّنْت.

وقال الأخفش : عَنَوْت الکتاب واعْنُهُ. وأنشد یونس :

فطِنِ الکتاب إذا أردت جوابه

واعُن الکتاب لکی یُسَرّ ویُکْتما

ثعلب عن ابن الأعرابی قال عَنِیت بأمره عنایه : وعُنِیّاً ، وعنا فی أمره سواء فی

ص: 134

المعنی ومنه قولهم :

* إیاکِ أعنی واسمعی یا جارهْ*

وتقول عنیتک بکذا وکذا عِنِیّا ، والعَناء الاسم ویقال عَنیت وتعنّیت کل یقال.

شمر عن ابن الأعرابی یقال : عنا علیه الأمر أی شقّ علیه.

وأنشد قول مزرِّد :

وشقّ علی لعریء وعنا علیه

تکالیف الذی لن یستطیعا

ویقال : عُنی بالشیء فهو مَعْنِیّ به ، وأعنیته وعنَّیته بمعنی واحد. وأنشد :

ولم أَخْلُ فی قَفْر ولم أُوفِ مَرْبأ

یَفَاعا ولم أُعن المطِیّ النواجیا

قال : وعنّیته : حبسته حبساً طویلاً ، وکل حبس طویل فهو تعنیه.

ومنه قول عُقْبه :

قطعتَ الدهر کالسَدِم المعنّی

تُهَدِّرُ فی دمشق وما تریم

ویقال : لقِیت من فلان عَنْیه وَعَنَاء أی تَعَباً.

أبو عبید عن الفراء : ما یَعْنَی فیه الأکلُ أی ما ینجَع. وقد عَنَی أی نجع ، هکذا رُوِی لنا عن أبی عبید عَنَی یَعْنَی.

وروَاه ثعلب عن سَلَمه عن الفراء : شرب اللبن شهراً فلم یَعْنَ فیه کقولک : لم یُغنِ عنه شیئاً وقد عَنِیَ یَعْنَی عُنِیّاً - بکسر النون - من عَنِیَ.

قلت : والصواب ما رواه أبو العباس ، وهو قیاس کلام العرب. ومن أمثالهم عَنِیَّتُه تشفی الجرب یضرب مثلاً للرجل الجید الرأی. وأصل العنِیَّه - فیما روی أبو عبید عن الأصمعی - أَبوال الإبل یؤخذ معها أَخلاط فتُخلط ، ثم تُحبس زماناً فی الشمس ، ثم یُعالج بها الإبل الْجَرْبَی ، سُمِّیت عَنِیَّه من التعنیه وهو الحبس ونحو ذلک قال أبو عمرو.

أبو العباس عن ابن الأعرابی : عنا یعنو إذا أَخذ الشیء قهراً ، وعنا یعنو عَنْوه فیهما إذا أَخذ الشیء صلحاً بإکرام ورفق. وقال اللیث : عنانی هذا الأمر یَعْنینی عِنایه فأنا معنِیّ به ، وَقد اعتنیت بأمره. قال : ومعنی کل شیء محنته وحاله التی یصیر إلیها أمره.

وأَخبرنی المنذری عن أحمد بن یحیی قال : المَعْنی والتفسیر والتأویل واحد.

وقال اللیث : المُعنَّی کان أهل الجاهلیه إذا بلغت إبل الرجل مائه عمدوا إلی البعیر الذی أَمْأت به إبله فأغلقوا ظهره لئلا یرکب ولا ینتفع بظهره ؛ لیعلم أن صاحبها مُمْء وإغلاق ظهره أن یُنزع منه سَنَاسِنُ من فِقرته ویعقر سنامه. وقال فی قول الفرزدق :

غلبتک بالمفقّیء والمُعَنِّی

وبیتِ المحتبِی والخافقات

قال أراد بالمفقِّیء بیته :

فلستَ ولو فقَّأت عینیک واجدا

أبالک إذ عُدَّ المساعی کدارم

وأراد بالمعنِّی قوله : تَعَنَّی یا جریر لغیر شیء

ص: 135

وقد ذهب القصائد للرواه

فکیف تردّ ما بعُمان منها

وما بجبال مصر مشهَّرات

وأراد بالمحتبِی قوله :

بیت زراره محتبٍ بفنائه

ومجاشع وأبو الفوارس نهشل

لا یحتبِی بفناء بیتک مثلُهم

أبداً إذا عُدّ الفَعَال الأفضل

وأراد بالخافقات قوله :

وأین یُقَضّی المالکان أمورها

بحقّ وأین الخافقات اللوامع

أخذنا بآفاق السماء علیکم

لنا قمراها والنجوم الطوالع

ابن الأعرابی : فی الحدیث عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال لرجل : لقد عَنِی الله بک ؛ قال : معنی العنایه هاهنا الحفظ ، أی لقد حفظ الله دینک وأمرک حتی خلَّصک وحفظه علیک وقال : عُنیت بأمرک فأنا مَعْنِی وعَنیت فأنا عانٍ وعنٍ.

شمر عن ابن الأعرابی : الأعناء : النواحی واحدها عَناً ، کما تری وهی الأعنان أیضاً.

وفی حدیث النبی صلی الله علیه وسلم أنه سئل عن الإبل ، فقال : أعنان الشیاطین ، أراد أنها مثلها ، کأنه أراد أنها من نواحی الشیاطین. وقال اللحیانی : یقال : فیها أعناء من الناس ، وأعراء ، واحدها عِنْو وعِرْو ، أی جماعات.

وقال الأصمعی : أعناء الشیء : جوانبه ، واحدها عِنْو.

وقال الفراء : یقال هو معنیٌ بأمره وعانٍ بأمره وَعَنٍ بأمره بمعنی واحد.

وقال ابن السکیت عن الکسائی : یقال : لم تَعْنِ بلادنا بشیء أی لم تُنبت شیئاً ولم تَعْنُ بشیء أی لم تُنْبِت - یسکنون العین فیها - شیئاً.

وقال الأصمعی : سألته فلم یَعْنُ لی بشیء ، کقولک لم یَنْدَ لی بشیء ، ولم یبِضّ لی بشیء ، وقد عنا النبت یعنو إذا ظهر ، وأعناءهُ المطر إعناء ، وعنا الماء إذا سال ، ودم عانٍ سائل ، وعَنَوت الشیء : أخرجته.

وقال أبو سعید : عَنَیت فلاناً عَنْیاً أی قصدته ومن تَعْنِی بقولک؟ أی من تقصد؟ وعنانی أمرک أی قصدنی وفلان تَتعنَّاه الحُمَّی أی تتعهَّده ، ولا تقال هذه اللفظه فی غیر الحُمَّی.

وروی أن النبی صلی الله علیه وسلم کان إذا اشتکی أتاه جبریل فقال : باسم الله أَرقیک من کل داء یعنیک ، (مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) ، ومن شر کل ذی عین.

قلت : قوله : یعنیک أی یشغلک. تقول : هذا الأمر لا یعنینی أی لا یشغلنی. وقیل : یعنیک أی یقصدک کما قال أبو سعید ، والمعنیان متقاربان.

أبو حاتم عن الأصمعی : عُنی فلان بالأمر فهو مَعْنِیّ به. ویقال : لتُعْنَ بحاجتی. ویقال عَنِیت فی الأمر إذا تعنیت فیه ، فأنا أَعْنَی وأَنا عَنٍ. وإذا سألت قلت کیف من تُعْنی بأمره مضموم ؛ لأن الأمر عناه ولا یقال کیف من تَعْنَی بأمره.

ص: 136

وقال اللیث المعاناه : المقاساه.

وروی أبو سعید عن ابن الأعرابی : المعاناه : المداراه.

وقال الأخطل :

فإن أک قد عانیت قومی وهبتهم

فهلهل وأَوّل عن نُعَیم بن اخثما

هلهل : تأن وانتظر.

وأنشد ابن الأنباری فی قولهم عنانی الشیء أی شغلنی :

عنانی عنک والأنصابِ حَرْب

کأن صُلاتها الأبطالَ هِیم

أی شغلنی. وقال آخر :

لا تلمنی علی البکاء خلیلی

إنه ما عاناک ما قد عنانی

وقال آخر :

إن الفتی لیس یُقمیه ویقمعه

إلا تکلُّفه ما لیس یعنیه

تفسیر مِنْ وعن قال المبرد : مِنْ وإلی وربَّ وفی والکاف الزائده والباء الزائده واللام الزائده هی حروف الإضافه التی یضاف بها الأسماء والأفعال إلی ما بعدها. قال : وأمّا ما وضعه النحویون ؛ نحو علی وعن وقبل وبعد وبین وما کان مثل ذلک فإنما هی أسماء. یقال : جئت من عنده ، ومِن علیه ، ومن عن یساره ، ومن عن یمینه قال القطامی :

* من عَنْ یمین الحُبَبَّا نظرهٌ قَبَل*

وممَّا یقع الفرق فیه بین مِن وعن أن مِن یضاف بها ما قَرُب من الأسماء ، وعن یوصل بها ما تراخی ؛ کقولک : سمعت من فلان حدیثاً ، وحدّثنا عن فلان حدیثاً.

وقال أبو عبیده فی قول الله جلّ وعزّ : (وَهُوَ الَّذِی یَقْبَلُ التَّوْبَهَ عَنْ عِبادِهِ) [الشّوری : 25] أی من عباده.

أبو عبید عن الأصمعی : حدَّثنی فلان من فلان یرید : عنه ، ولهِیتُ من فلان وعنه.

وقال الکسائی : لهیت عنه لا غیر. ویقال : اله منه وعنه.

وقال الأصمعی : لهِیت منه وعنه : وقال عنک جاء هذا یرید : منک.

وقال ساعده بن جُؤیَّه :

أفعنک لا برقٌ کأن ومیضه

غاب تسنَّمه ضِرَام موقَد

یرید : أمنک برق ، ولا صله ، رَوَی جمیع ذلک أبو عبید عنهم.

والعرب تقول : سِرْ عنک ، وانفُذ عنک ، أی امض وجُز ، ولا معنی لعنک.

وفی حدیث عمر أنه طاف بالبیت مع یَعْلَی ابن أمیَّه ، فلما انتهی إلی الرکن الغربیّ الذی یلی الأسود قال له : لا تستلم. قال : فقال له : انفُذ عنک فإن النبی صلی الله علیه وسلم لم یستلمه. وفی الحدیث تفسیره أی دَعه.

وقال ابن السکیت : تکون عن بمعنی علی. وأنشد قول ذی الإصبع العَدْوانی :

لاه ابن عمک لا أفضلت فی حسب

عنی ولا أنت دیّانی فتخزونی

قال : عنّی فی معنی علیّ ، أی لم تُفضل فی حسب علیَّ. قال : وقد جاء عن

ص: 137

بمعنی بعد. وأنشد :

ولقد شُبَّت الحروب فما غَمَّر

ت فیها إذ قَلّصت عن حیال

أی قلَّصت بعد حیالها. وقال فی قول لبید :

لِوَرْد تَقْلِص الغِیطانُ عنه

یَبُذّ مسافه الخِمس الکمال

قال : قوله : عنه أی من أجله. وعن الفراء أنه یقال : اغسل عن وجهک ویدک ، ولا یقال : اغسل عن ثوبک.

ویقال : جاءنا الخبر عن النبی صلی الله علیه وسلم ، فتخفض النون. وتقول : جاءنا منَ الخبر ما أوجب السَکر فتفتح النون ؛ لأَنَّ عن کانت فی الأصل عَنِی ، ومن أصلها مِنا ، فدلَّت الفتحه علی سقوط الألف ، کما دلّت الکسره فی عن علی سقوط الیاء. وأنشد بعضهم :

مِنا أن ذَرَّ قرن الشمس حتی

أغاث شریدهم مَلَثُ الظلام

وقال الزجاج : فی إعراب من الوقف ، إلا أنها فتحت مع الأسماء التی یدخلها الألف واللام لالتقاء الساکنین ؛ کقولک : من الناس ، النون من مِن ساکنه ، والنون من الناس ساکنه ، وکان الأصل أن یکسر لالتقاء الساکنین ، ولکنها فتحت لثقل اجتماع کسرتین ، لو کان مِنِ الناس لثقل ذلک. فأما إعراب عن الناس فلا یجوز فیه إلا الکسر ؛ لأن أول عن مفتوح. والقول ما قال الزجاج فی الفرق بینهما.

وقال الأصمعی : المعاناه والمقاناه : حُسْن السیاسه. ویقال : ما یعانون مالهم ولا یقانونه أی ما یقومون علیه.

وقال أحمد بن یحیی : یقال عَدَل من الشیء إذا کان معه ثم ترکه ، وعدل عن الشیء إذا لم یکن معه.

ثعلب عن ابن الأعرابی : بها أعناء من الناس وأفناء أی أخلاط. والواحد عِنْو وفِنْو. قال وأعنی الرجل إذا صادف أرضاً قد أمْشَرَت وکثر کلؤها.

ویقال خذ هذا وما عاناه أی شاکله.

نعاء جُذاما غیر مَوت ولا قتل

ولکن فراقا للدعائم والأصل

قال : وبعضهم یرویه یا نُعْیان العرب.

فمن قال هذا أراد المصدر ؛ یقال : نعیته نَعْیاً ونُعیاناً.

قلت : ویکون النُعْیان جمعاً للناعی ، کما یقال لجمع الراعی : رُعْیان ، ولجمع الباغی : بُغْیان وسمعت بعض العرب یقول لخَدمه : إذا جَنّ علیکم اللیلُ فثقّبوا النیران فوق الآکام یَضْوِی إلیها رُعیاننا وبغیاننا. قلت : وقد یجمع النعِیّ نعایا ، کما تجمع المَرِیّ من النوق مرایا ، والصَفِیّ صفایا.

ومن قال : یا نعاء العربَ فمعناه : یا هذا انع العرب ، ویا أیها الرجل انعهم.

ویقال : فلان ینعی علی نفسه بالفواحش إذا شَهَر نفسه بتعاطیه الفواحش. وکان امرؤ القیس من الشعراء الذین نَعَوا علی أنفسهم بالفواحش ، وأظهروا التعهّر. وکان الفرزدق فَعُولاً لذلک. ونعی فلان علی فلان أمراً إذا أشاد به وأذاعه. وفلان ینعی فلاناً إذا طلب بثأره. وکانت العرب إذا قُتل منهم رجل شریف أو مات ، بعثوا راکباً إلی قبائلهم ینعاه إلیهم ، فنهی النبی صلی الله علیه وسلم عن ذلک.

وقال أبو زید : النَعِیّ : الرجل المیت. والنَعْی : الفعل.

وقال ابن الأعرابی : الناعی المشنِّع. یقال : نعی علیه أمره إذا قبَّحه علیه.

عمرو عن أبیه : قال یقال : أَنْعَی عَلیه ، ونعی علیه شیأ قبیحاً إذا قاله تشنیعاً علیه. أبو عبید عن الأحمر : ذهبت تمیم فلا تُنْعَی ولا تُسْهی ولا تُنْهی أی لا تُذکر. وتناعی بنو فلان فی الحرب إذا نَعَوا قتلاهم لیحرّضوهم علی الطلب بالثأر.

وقال اللیث : النعِیّ : الناعی الذی ینعی. وأنشد قوله :

قام النعِیّ فأسمعا

ونَعَی الکریمَ الأروعا

قال : والاستغناء : شبه النفار. قال : ولو أن قوماً مجتمعین قیل لهم شیء ففزعوا منه وتفرقوا نافرین لقلت : استْنَعوا. والناقه إذا نفرت فقد استنعت.

وقال أبو عبید فی باب المقلوب : استناع واستنعی إذا تقدم ، ویقال : عطف. وأنشد :

ظلِلنا نعوج العِیس فی عَرَصاتها

وقوفاً ونستنعی بها فنصورها

وقال شمر - فیما أخبرنی عنه الإیادیّ - : استنعی إذا تقدم فذهب لیتبعوه.

ویقال : تمادی. قال ورُبّ ناقه یستنعِی بها الذئبُ أی یعدو بین یدیها وتتبعه ، حتی إذا امّاز بها عن الحُوَار عَفَق علی حوارها مُحضِراً فافترسه.

وقال أبو عبید : استناع واستنعی إذا تقدّم. وأنشد :

وکانت ضربه من شَدْقَمِیّ

إذا ما اسْتَنَّت الإبل استناعا

وقال أبو عمرو : استناع واستنعی إذا تمادی وتتابع.

وهو کل ضرب من الشیء ، وکل صِنف من الثیاب والثمار وغیر ذلک حتی الکلام. قال : واختُلِفَ فی النُّوع ، فقال بعضهم : هو الجوع ، وقال بعضهم : هو العطش. قال : وهو بالعطش أشبه ؛ لقول العرب : هو جائع نائع ، فلو کان الجُوع نُوعاً لم یحسن تکریره. وقیل : إذا اختلف اللفظان جاز التکریر والمعنی واحد.

أبو عبید عن الکسائی فی باب الإتباع : رجل جائع نائع.

قال : وقال أبو زید یقال : جُوعا له ونُوعا ، وجُوسا له وجُودا له لم یزد علی هذا. قال ونویعه : اسم وادٍ بعینه قال الراعی :

* بنُو یعتین فَشَاطیء التسریر*

ابن الأعرابی : قال : قیل لابنه الْخُسّ : ما أحد شیء؟ قالت : ضِرسُ جائعِ یقذف فی مِعًی نائع.

وقال أبو بکر فی قولهم : هو جائع نائع ، قال أکثر أهل اللغه : النائع هو الجائع. وقیل : هو إتباع ، کقولهم : حسن بَسَن.

وقیل : النائع العطشان. وأنشد :

لعمر بنی شهاب ما أقاموا

صدور الخیل والأسل النیاعا

قال : الأسَل : أطراف الأسنَّه ، والنِیاع : العطاش إلی الدماء.

ویقال للغُصْنِ إذا حرّکته الریاح فتحرک قد ناع قد ینوع نَوَعاناً ، وتنوَّع تنوّعاً ، واستناع استناعه ، وقد نوَّعته الریاح تنویعاً إذا ضربته وحرّکته.

وقال ابن درید : ناع ینُوع ، ویَنِیع إذا تمایل. ثعلب عن ابن الأعرابی : النَّوْعه : الفاکهه الرَطبه الطریّه.

شمر عن أبی عدنان قال لی أعرابی فی شیء سألته عنه : ما أدری علی أی منواع هو أیّ علی أی وجه.

قال وقال غیره : هذا علی أی منوال.

قال أبو عدنان : والمعنی واحد فی المِنواع والمنوال.

الحَرْشف ، والمُعَیَّن ، والمَرَجَّل ، والخَیْفان. قال : فالمعیَّن الذی ینسلخ فیکون أبیض وأحمر وآدم والخَیْفان نحوه ، والمرجّل : الذی بدأ آثار أجنحته قال : وغَزَالُ شعبان ، وراعیه الأُتُن والکُدَم من ضروب الجراد. ویقال له کُدَم السَّمُر. وهو الجَحْل والسِّرْمان والشَّقَیر والیعسوب وهو جَحَل أحمر عظیم.

وعَفاً منقوص. وأنشد ابن السکیت :

وطعنٍ کتَشْهاقِ العَفَا همَّ بالنَهْق

وعَفْو الماء : ما فَضَل عن الشاربه ، وأُخذ بغیر کُلْفه ، ولا مزاحمه علیه.

ثعلب عن ابن الأعرابی : قال العِفْو الجحش ، والأتان نفسها تسمی العِفاوه.

قال : والعِفَاء من الوبر ممدود. وعفا ظهره : نبت لحمه وبرأ دَبَره.

وقال ابن هانیء : قال أبو زید ، یقال عِفْو ، وثلاثه عِفَوه مثل قِرَطه ، وهی العِفَاء وهو الجحش والمهر أیضاً. وکذلک العِجْله. والظِّئَبه جمع الظَأُب ، وهو السِّلْفُ.

وقال اللیث : ولد الحمار عِفْو والجمیع عِفَوه وعِفَاء ؛ کما قال أبو زید. وهی أفتاء الحُمُر. قال : ولا أعلم فی جمیع کلام العرب واواً متحرکه بعد حرف متحرک فی آخر البناء غیرَ واو عِفَوه. قال وهی لغه لقیس کرهوا أن یقولوا عِفَاه فی موضع فِعَلَه وهم یریدون الجماعه فتلتبس بوُحْدان الأسماء. قال : ولو تکلف متکلِّف أن یبنی من العفو اسماً مفرداً علی بناء فِعَله لقال : عِفَاه.

وروی أبو هریره عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «إذا کان عندک قوتُ یومک فعلی الدنیا العَفَاء». قال أبو عبید وغیره : العفاء : التراب.

وقال زُهَیر :

تحمَّل أهلها منها فباتوا

علی آثار ما ذهب العَفَاء

قال والعفاء أیضاً : الدروس. یقال : عفت الدار عُفُوّاً وعَفَاءً.

وقال اللیث : یقال فی السبّ : بفیه العَفَاء وعلیه العَفَاء ، والذئب العوَّاء ، وذلک أن الذئب یعوِی فی أثَرِ الظاعن إِذا خلت الدار. قال : والاستعفاء : أن تطلب إلی من یکلّفک أمراً أن یُعفیک منه. ویقال : خذ من ماله ما عفا وصفا أی ما فَضَل ولم یشقّ علیه.

وروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «من أحیا أرضاً مَیْته فهی له ، وما أکلت العافیه منه فهو له صدقه».

قال أبو عبید : الواحد من العافیه عافٍ ، وهو کلّ من جاءک یطلب فَضْلا أو رِزقاً فهو عافٍ ومعتفٍ ، وقد عفاک یعفوک وجمعه عُفَاهٌ وأنشد قول الأعشی :

تطوف العُفَاه بأبوابه

کطَوْف النصاری ببیت الوَثَن

قال : وقد تکون العافیه فی هذا الحدیث من الناس وغیرهم. قال : وبیان ذلک فی حدیث أم مبشّر الأنصاریه قالت : دخل علیّ رسول الله صلی الله علیه وسلم وأنا فی نخل لی ، فقال : من غرسه؟ أمسلم أم کافر؟ قلت : لا ، بل مسلم. فقال : «ما من مسلم یغرس غَرْساً أو یزرع زرعاً فیأکلُ منه إنسان أو دابّه أو طائر أو سبع إلّا کانت له صدقه».

وروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحَی.

قال أبو عبید : قال الکسائی : إعفاء

ص: 142

اللحی : أن توفَّر وتکثر. یقال منه : قد عفا الشعْرُ وغیره إذا کثر ، یعفو فهو عافٍ. وقد عفَّیته وأعفیته لغتان إذا فعلت ذلک به ، قال الله جلّ وعزّ : (حَتَّی عَفَوْا) [الأعرَاف : 95] یعنی کثروا.

وفی الحدیث «إذا عفا الوَبَر وبریء الدَبَر حَلَّت العمره لمن اعتمر». ویقال للشعر إذا طال ووَفَی : عِفَاء. وقال زهیر :

أذلک أم أقبّ البطن جأبٌ

علیه من عقیقته عِفَاء

ویقال تعفّت الدیارُ تعفِّیاً إذا دَرَست.

وقال اللیث : ناقه ذات عِفاء : کثیره الوبر. قال وعِفَاء النعامه : ریشه الذی قد علا الزِّف الصغار. قال : وکذلک عِفاء الدیک ونحوه من الطیر ، الواحده عِفاءه ممدوده. ولیست همزه العِفَاء والعِفاءه أصلیه ، إنما هی واو قُلبت ألِفاً فمُدّت ؛ مثل السماء أصل مدّتها الواو. ویقال فی الواحده : سماوه وسماءه. قال : وعِفَاء السحاب کالخَمْل فی وجهه. قال : ولا یقال للریشه الواحده : عِفَاءه حتی تکون کثیره کثیفه. قال : وقال بعضهم فی همزه العِفَاء : إنها أصلیه.

قلت ولیست همزتها أصلیه عند النحویین الحذّاق ولکنها همزه مدّه ، وتصغیرها عُفَیّ.

وقال الله جلّ وعزّ : (فَمَنْ عُفِیَ لَهُ مِنْ أَخِیهِ شَیْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَیْهِ بِإِحْسانٍ) [البقره : 178].

قلت : وهذه آیه مشکله ، وقد فسّرها ابن عباس ثم مَن بعده تفسیراً قرّبوه علی قدر أفهام أهل عصرهم ، فرأیت أن أذکر قول ابن عباس ، وأؤیّده بما یزیده بیاناً ووضوحاً. حدثنا محمد بن إسحاق السعدی ، قال حدثنا المخزومی. قال : حدثنا ابن عُیَینه عن عمرو بن دینار عن مجاهد قال سمعت ابن عباس یقول : کان القِصَاص فی بنی إسرائیل ، ولم تکن فیهم الدیه ، فقال الله جلّ وعزّ لهذه الأمه (کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِصاصُ فِی الْقَتْلی الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) [البَقَرَه : 178] إلی قوله : (فَمَنْ عُفِیَ لَهُ مِنْ أَخِیهِ شَیْءٌ) قال فالعفو أن یُقبل الدیه فی العمد (ذلِکَ تَخْفِیفٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَرَحْمَهٌ) [البَقَرَه : 178] ممّا کتب علی من کان قبلکم ، یطلب هذا بإحسان ویؤدِّی هذا بإحسان.

قلت : فقول ابن عباس : العفو : أن یقبل الدیه فی العمد الأصل فیه أن العفو فی موضوع اللغه الفضل.

یقال : عفا فلان لفلان بماله إذا أفضل له ، وعفا له عمّا علیه إذا ترکه. ولیس العفو فی قوله : (فَمَنْ عُفِیَ لَهُ) [البقره : 178] عفوا من ولی الدم ، ولکنه عفو من الله جلّ وعزّ. وذلک أن سائر الأمم قبل هذه الأمه لم یکن لهم أخذ الدیه إذا قُتل قتیل ، فجعله الله لهذه الأمه عَفْوا منه وفضلاً ، مع اختیار ولی الدم ذلک فی العمد وهو قول الله جلّ وعزّ : (فَمَنْ عُفِیَ لَهُ مِنْ أَخِیهِ شَیْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) [البقره : 178] أی من عفا الله جلّ وعزّ اسمه له بالدیه حین أباح له أخذها بعدما کانت محظوره علی سائر الأمم ، مع اختیاره

ص: 143

إیاها علی الدم ، اتّباع بالمعروف أی مطالبه للدیه بمعروف ، وعلی القاتل أداء الدیه إلیه بإحسان. ثم بیَّن ذلک فقال : (ذلِکَ تَخْفِیفٌ مِنْ رَبِّکُمْ) [البَقَرَه : 178] لکم یا أمَه محمد وفضل جعله لأولیاء الدم منکم (وَرَحْمَهٌ) خصکم بها (فَمَنِ اعْتَدی بَعْدَ ذلِکَ) [البَقَرَه : 178] أی من سفک دم قاتل ولیِّه بعد قبوله الدیه (فَلَهُ عَذابٌ أَلِیمٌ) [البَقَرَه : 178] والمعنی الواضح فی قوله (فَمَنْ عُفِیَ (لَهُ) مِنْ أَخِیهِ شَیْءٌ) أی من أُحِلَّ له أخذ الدیه بدل أخیه المقتول ، عفواً من الله وفضلاً مع اختیاره ، فلیطالب بالمعروف و (من) فی قوله : (مِنْ أَخِیهِ) معناها البدل. والعرب تقول عَرَضت له من حقّه ثوباً ، أی أعطیته بدل حقّه ثوباً. ومنه قول الله جلّ وعزّ : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْکُمْ مَلائِکَهً فِی الْأَرْضِ یَخْلُفُونَ) [الزّخرُف : 60] یقول : لو نشاء لجعلنا بدلکم ملائکه فی الأرض والله أعلم.

قلت : وما علمت أحداً أوضح من معنی هذه الآیه ما أوضحته ، فتدبّره واقبله بشکر إذا بان لک صوابه.

وأما قول الله جلّ وعزّ فی آیه ما یجب للمرأه من نصف الصداق إذا طُلِّقَتْ قبل الدخول بها فقال : (إِلَّا أَنْ یَعْفُونَ أَوْ یَعْفُوَا الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَهُ النِّکاحِ) [البَقَرَه : 237] فإن العفو هنا معناه الإفضال بإعطاء ما لا یجب علیک أو ترکِ المرأه ما یجب لها ، یقال : عفوت لفلان بمالی إذا أفضلت له فأعطیته وعفوت له عما لی علیه إذا ترکته له. وقوله (إِلَّا أَنْ یَعْفُونَ) فعل لجماعه النساء یطلِّقهن أزواجهن قبل أن یمسُوهن مع تسمیه الأزواج لهن مهورهنَّ ، فیعفون لأزواجهن ما وجب لهنّ من نصف المهر ویترکنها لهم ، (أَوْ یَعْفُوَا الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَهُ النِّکاحِ) وهو الزوج بأن یُتِمّ لها المهر کله ، وإنما وجب علیه نصفه ، وکل واحد من الزوجین عافٍ أی مفضل أما إفضال المرأه فأن تترک للزوج المطلِّق ما وجب لها علیه من نصف المهر. وأما إفضال الزوج فأن یتم لها المهر کملاً ؛ لأن الواجب علیه نصفه ، فتفضّل متبرعاً بالکل وقوله : (إِلَّا أَنْ یَعْفُونَ) فعل لجماعه النساء والنون نون فعل جماعه النساء فی یفعلُنْ ، ولو کان للرجال لوجب أن یقال إلا أن یعفوا لأن أن ینصب المستقبل ویحذف النون ، وإذا لم یکن مع فعل الرجل ما ینصب أو یجزم قیل : هم یعفون وکان فی الأصل یعفوون ، فحذفت إحدی الواوین استثقالاً للجمع بینهما ، فقیل : یعفون فافهمه. وأما فعل النساء فقیل لهن یعفون لأنه علی تقدیر یفعُلْن.

وقال الفراء فی قول الله جلّ وعزّ : (وَیَسْئَلُونَکَ ما ذا یُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البَقَرَه : 219] قال : وجه الکلام فیه النصب ، یرید : قل ینفقون العفو ، وهو فضل المال. قال أبو العباس : ومن رفع أراد : الذی ینفقون العفو. قال : وإنما اختار الفراء النصب لأن ماذا عندنا حرف واحد کثُر فی کلام العرب ؛ فکأنه قال : ما ینفقون ، ولذلک اختیر النصب. قال : ومن جعل ذا بمعنی الذی رفع. وقد یجوز أن یکون ماذا حرفا

ص: 144

ویرفع بالائتناف.

وقال أبو الهیثم : یقال عفَوت الرجل إذا طلبت فضله. والعَفْو : الفضل.

وقال الزجاج : نزلت هذه الآیه قبل فرض الزکاه ، فأُمروا أن ینفقوا الفضل ، إلی أن فرضت الزکاه ، فکان أهل المکاسب یأخذ الرجلُ من کسبه کل یوم ما یکفیه ، ویتصدّق بباقیه ، ویأخذ أهل الذهب والفضه ما یکفیهم فی عامهم ، وینفقون باقیه. هذا قد رُوِی فی التفسیر. قال : والذی علیه الإجماع أن الزکاه فی سائر الأشیاء قد بیّن ما یجب فیها.

أبو عبید عن زید یقال : أکلنا عَفْوه الطعام أی خیاره ، ویکون فی الشراب أیضاً.

وقال الأصمعی : العافی : ما یُرَدُّ فی القِدْر من المَرَقه إذا استُعیرت وأَنْشَدها :

* إذا رَدَّ عافی القِدْر من یستعیرها*

وقال ابن السکیت عافی فی هذا البیت فی موضع الرفع ، لأنه فاعل ومن فی موضع النصب ، لأنه مفعول به. ومعناه أن صاحب القِدْر إذا نزل به الأضیاف نصب لهم قِدْراً ، فإذا جاء من یستعیر قدره فرآها منصوبه لهم رجع ولم یطلبها. والعافی هو الضیف ، کأنه یردّ المستعیر لارتداده دون قضاء حاجته.

وقال غیره : عافی القدر بقیَّه المرقه یردّها المستعیر ، وهو فی موضع النصب. وکان وجه الکلام عافَی القدر ، فترک الفتح للضروره.

وقال أبو عُبید : أعطیته المال عَفْواً بغیر مسأله. وأنشد الأصمعی لرؤبه :

* یُعفیک عافِیه وَعِید النَحْز*

قال النحز : الکدّ والنخس یقول : ما جاءک منه عفواً أغناک عن غیره. والعِفَاوه : الشی یُرفع من الطعام للجاریه تُسَمَّن فتؤثَر بها.

وقال الکمیت :

وظلَّ غلام الحی طَیّان ساغبا

وکاعبُهم ذات العِفاوه أسغب

قال : والعِفاوه من کل شیء صفوته وکثرته.

وقال غیره : عَفَت الأرضُ إذا غطّاها النبات. وقال حُمَید یذکر داراً :

عفت مثل ما یعفو الطلیح فأصبحت

بها کبریاء الصعب وهی رَکُوب

یقول : غطَّاها العُشْب کما طَرَّ وَبَرُ البعیر وَبَرأَ وَبَره. وناقه عافیه اللحم : کثیره اللحم. ونوق عافیات. وقال لبید :

* بأسَؤق عافیات اللحم کُوم*

ویقال عفُّوا ظهر هذا البعیر أی ودِّعوه حتی یسمن. ویقال : عفا فلان علی فلان فی العلم إذا زاد علیه وقال الراعی :

* إذا کان الجِراء عَفَتْ علیه*

أی زادت علیه فی الجری. والعَفَا من البلاد مقصور ، مثل العفو : الذی لا مِلک فیه لأحد ، وجاء فی الحدیث «ویَرْعَوْن عَفَاها»

أی عَفْوها. وروی عن ابن الأعرابی بیت البعیث :

بعید الندی جالت بإنسان عینه

عِفَاءه مع جال حتی تحدّرا

یعنی دمعاً کثر وعفا فسال والمُعْفِی : من

ص: 145

یصحبک ویتعرَّض لمعروفک. تقول : اصطحبنا وکلانا مُعْفٍ وقال ابن مقبل :

فإنک لا تبلو امرأ دون صحبه

وحتی تعیشا مُعْفِیَین وتجهدا

أی تعرفه فی الحالتین جمیعاً. ویقال : فلان یعفو علی مُنْیه المتمنِّی وسؤال السائل أی یزید عطاؤه علیهما.

وقال لبید :

یعفو علی الجهد والسؤال کما

یعفو عِهَاد الأمطار والرصدِ

أی یزید ویفضل.

أبو العباس عن ابن الأعرابی : عفا یعفو إذا أعطی. وعفا یعفو إذا ترک حقّاً. وأعفی إذا أنفق العَفْو من ماله ، وهو الفاضل عن نفقته. قال : والأعفاء : أولاد الحمیر. والأفعاء : الروائح الطیّبه. ویقال : عفا الله علی أثر فلان وعفّی الله علیه ، وقفَّی الله علی أثر فلان وقَفاً علیه بمعنی واحد.

أبو عُوَیف

وقال الفراء : هی الحال والعَوْف والبال بمعنی واحد.

وقال ابن درید : عُوافه الأسد : ما یتعوَّفه باللیل فیأکله.

ومن ذوات الیاء. قال اللیث : عاف الشیءَ یعافه عِیَافاً إذا کرهه ، طعاماً کان أو شراباً. قال : والعَیُوف من الإبل : التی تَشَمُّ الماء فتدعه وهی عطشی. قال : والعِیَافه : زَجْر الطیر ، وهو أن یری طائراً أو غراباً فیتطیَّر. وإن لم یر شیئاً فقال بالحَدْس کان عیافه أیضاً. وقد عاف الطیر یعیفه وقال الأعشی :

ما تعِیف الیوم فی الطیر الرَّوَح

من غراب البین أو تیسٍ بَرَحْ

وفی حدیث ابن عباس ، وذِکْره إبراهیم صلی الله علیه وسلم وإسکانه ابنه إسماعیل وأمّه مکه وأن الله جلّ وعزّ فجرّ لهما زمزم قال : فمرت رفقه من جرهم ، فرأوا طائراً واقعاً علی جبل ، فقالوا : إن هذا الطائر لعائف علی ماء. قال أبو عبید : قال أبو عبیده : العائف هاهنا : هو الذی یتردّد علی الماء ویحوم ولا یمضی. ومنه قول أبی زُبَید :

کأن أوب مساحی القوم فوقهم

طیر تَعِیفُ عَلَی جُون مزاحیف

شبّه اختلاف المساحی فوق رؤوس الحفّارین بأجنحه الطیر. وأراد بالجُون المزاحیف إبلاً قد أَزْحَفت ، فالطیر تحوم علیها. یقال عاف الطیرُ عَلَی الماء وغیرِه ، یَعیف عَیْفاً إذا حام علیه. والعائف : الذی یعیف الطیر فیزجرها ، وهی العِیَافه. قال : والعائف أَیضاً : الکاره للشیء المتعذِّر له. ومنه حدیث النبی صلی الله علیه وسلم : أنه أُتی بضبّ فلم یأکله ، وقال إنی أعافه ؛ لأنه لیس من طعام قومی. وقال ابن السکیت : أعاف القومُ أعافه إذا عافت دوابُّهم الماء فلم تشربه.

وقال شمر : عَیَاف والطَّرِیده : لُعْبتان لصبیان الأعراب. وقد ذکر الطرماح جواری شَبَبْن عن هذه اللُّعبِ فقال :

قضت من عَیَاف والطَرِیده حاجه

فهنّ إلی لهو الحدیث خُضُوع

وَروَی إسماعیل عن قیس قال : سمعت المغیره بن شعبه : یقول : لا تحرّم العیفه. قلنا : وما العیفه؟ فقال : المرأه تلد فیُحصر لبنها فی ثدیها فترضعه جارتها المره والمرتین. قال أبو عبید : لا نعرف العیفَه فی الرضاع ، ولکن نُراها العُفَّه ، وهی بقیّه اللبن فی الضرع بعد ما یُمتَکُّ أکثر ما فیه.

وقال شمر فی کتاب «الحَیّات» : الأفعی من الحیات : التی لا تبرح ، إنما هی مترحِّیه : وتَرحِّیها استدارتها علی نفسها وَتَحَوّیها. قال أو النجم

زُرْق العیونِ مُتَلوّیات

حول أفاعٍ متحوّیات

قال : ویقال لذکر الأفعی الأُفعوان. والجمیع الأفاعِی. قال وقال بعضهم : الأفعی : حیَّه عریضه علی الأرض ، إذا مشت متثنِّیه بثنیین أو ثلاثه تمشی بأثنائها تلک ، خَشْناء یَجْرُش بعضها بعضا. والجَرْش : الحکّ والدلک. قال : وسألت أعرابیّاً من بنی تمیم عن الجَرْش ، فقال : هو العَدْو البطیء. قال ورأس الأفعی عریض کأنه فلْکه ، ولها قَرْنان.

ورُوی عن ابن عباس أنه سئل عن قتل المحرِم الحیَّات ، فقال : لا بأس بقتل الأَفْعَوْ ، ولا بأس بقتله الحِدَوْ فقلب الألف فیهما واواً فی لغته.

وقال اللیث : الأفعی لا تنفع منها رُقْیه ولا تریاق. وهی رقشاء دقیقه العنق عریضه الرأس ، والأفعی : هَضْبه فی بلاد بنی کلاب.

أبو عبید عن أبی زید فی باب سمات الإبل : منها المفعاه کالأفعی. قال : والمثفَّاه کالأثافی ، وقال غیره : جمل مُفَعّی إذا وُسم هذه وقد فعَّتیه أنا.

الهیج أم ما صبری وکیف احتیالی

قال الیافعات من الأمور : ما علا وغَلَب منها.

وقال اللحیانی : یقال : یَافَعَ فلان ولیده فلان میافعه إذا فجر بها.

اللیث. وأما الرجز فالروایه عندی کجبهه الشیخ العیاء بالیاء. یقال شیخ عیاء وعیایاء وهو العبام الذی لا حاجه له إلی النساء ومن قاله بالباء فقد صحف.

وقال اللیث : یقال فی ترخیم اسمِ مِثْلِ عبد الرحمن أو عبد الرحیم عَبْوَیْه مثل عمرو وعمرویه.

وقال غیره العَبُ : ضوء الشمس وحسنها. یقال : ما أحسن عَبَها وأصله العَبْوُ فنُقِص.

فی کلام العرب. یقال : باع فلان إذا اشتری ، وباع من غیره وأنشد قول طرفه :

ویأتیک بالأنباء من لم تبِع له

بتاتاً ولم تضرب له وَقت موعد

أراد من لم تشتر له زاداً. وأمّا قول النبی صلی الله علیه وسلم : «لا یَخْطِب الرجل علی خِطْبه أخیه ولا یِبعْ علی بیع أخیه» ، فإن أبا عبید قال : کان أبو عبیده وأبو زید وغیرهما من أهل العلم یقولون : إنما النهی فی قوله : «لا یبیع علی بیع أخیه» إنما هو : لا یشتری علی شراء أخیه ، فإنما وقع النهی علی المشتری لا علی البائع ، لأن العرب تقول : بعت الشیء بمعنی اشتریته.

قال أبو عبید : ولیس للحدیث عندی وجه غیر هذا لأن البائع لا یکاد یدخل علی البائع ، وإنما المعروف أن یُعطَی الرجل بسلعته شیئاً فیجیء مشتر آخر فیزید علیه.

قلت : وأخبرنی عبد الملک عن الربیع عن الشافعیّ أنه قال فی قوله : «ولا یبیع الرجل علی بیع أخیه» هو أن یشتری الرجل من الرجل سِلْعه ولَمّا یتفرقا عن مَقامهما ، فنَهی النبی صلی الله علیه وسلم أن یَعرض رجل آخر سلعه أخری علی المشتری تُشْبِه السلعه التی اشتری ، ویبیعها منه ؛ لأنه لعله أن یردّ السلعه التی اشتری أوّلاً ؛ لأن رسول الله صلی الله علیه وسلم جعل للمتبایعین الخیار ما لم یتفرقا فیکون البائع الآخر قد أفسد علی البائع الأوّل بیعه ، ثم لعل البائع الآخر یختار نقض البیع فیفسد علی البائع والمبتاع بیعه. قال : ولا أنهی رجلاً قبل أن یتبایع المتبایعان ، وإن کان تساوما ، ولا بعد أن یتفرقا - عن مقامهما الذی تبایعا فیه - عن أن یبیع أیُ المتبایعین شاء ؛ لأن ذلک لیس ببیع علی بیع غیره فینهی عنه. قال وهذا یوافق حدیث «المتبایعین بالخیار ما لم یتفرقا». فإذا باع رجل رجلاً علی بیع أخیه فی هذه الحال فقد عصی الله إذا کان عالماً بالحدیث فیه ، والبیع لازم لا یفسد.

قلت : البائع والمشتری سواء فی الإثم إذا باع علی بیع أخیه ، أو اشتری علی شراء أخیه ؛ لأن کل واحد منهما یلزمه اسم البائع ، مشتریاً کان أو بائعاً ، وکلُّ منهیّ عن ذلک والله أعلم.

وقال الشافعی : هما متساومان قبل عَقْد الشِّرَی ، فإذا عقد البیع فهما متبایعان ، ولا یسمیان بیِّعین ولا متبایعین وهما فی السَوْم قبل العقد.

قلت : وقد تأوّل بعض مَن یحتجّ لأبی حنیفه وذویه ؛ وقولهم : لا خیار للمتبایعین بعد العقد بأنهما یسمیَّان متبایعین وهما متساومان قبل عقدهما البیع. واحتجّ فی ذلک بقول الشماخ فی رجل باع قوساً :

فوافی بها بعض المواسم فانبری

لها بَیّع یُغْلی لها السومَ رائز

قال فسمّاه بَیّعاً ، وهو سائم.

قلت : وهذا وهَم وتمویه. ویردّ ما تأوّله هذا المحتجُّ شیآن. أحدهما أن الشماخ قال هذا الشعر بعد ما انعقد البیع بینهما ، وتفرقا عن مَقَامهما الذی تبایعا فیه ، فسمَّاه بَیِّعاً بعد ذلک ، ولو لم یکونا أتَمّا البیع لم یسمّه بَیّعاً. وأراد بالبیّع : الذی اشتری. وهذا لا یکون

ص: 151

حجَّه لمن یجعل المتساومین بَیِّعین ولمَّا ینعقد بینهما البیع. والمعنی الثانی الذی یردّ تأویله ما فی سیاق خبر ابن عمر ، وهو ما حدثنا به الحسین بن إدریس عن محمد بن رُمْح عن اللیث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن النبی صلی الله علیه وسلم قال : «البَیِّعان بالخیار ما لم یتفرقا ، إلا أن یخیِّر أحدهما صاحبه ، فإذا قال له : اختر فقد وجب البیع ، وإن لم یتفرقا» ألا تراه جعل البیع ینعقد بأحد شیئین أحدهما أن یتفرّقا عن مکانهما الذی تبایعا فیه ، والآخر أن یخیِّر أحدهما صاحبه ، ولا معنی للتخییر إلا بعد انعقاد البیع. وقد شرحت هذا فی تفسیر حروف «المختصر» بأوضح من هذا ، فإن أردت استقصاء ما فیه فخذه من ذلک الکتاب.

وقال اللیث : البَوْع والباع لغتان ، ولکنهم یسمون البُوع فی الخِلْقه ، فأمَّا بَسط الباع فی الکرم ونحوه فلا یقولون إلَّا کریم الباع ، قال والبَوْع أیضاً : مصدر باع یبوع وهو بسط الباع فی المشی ، والإبلُ تبوع فی سیرها ، والرجل یبوع بماله إذا بسط به باعه وأنشد :

لقد خفت أن ألقی المنایا ولم أنل

من المال ما أسمو به وأبوع

والبِیاعات : الأشیاء التی یُتبایع بها فی التجاره. وقال : البَیْعه الصفقه لإیجاب البیع علی المتابعه والطاعه. یقال : تبایعوا علی ذلک الأمر ؛ کقولک أَصْفَقوا علیه. قال : والبَیْع : اسم یقع علی المبیع ، والجمیع البیوع. قال والبِیعه : کنیسه النصاری. وجمعها بِیَع ، وهو قول الله تعالی : (وَبِیَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ). [الحج : 40] قلت : فإن قال قائل : فلم جعل الله هدمها من الفساد وجعلها کالمساجد ، وقد جاء الکتاب بنسخ شریعه النصاری والیهود؟ فالجواب فی ذلک أن البِیَع والصوامع کانت متعبّدات لهم إذْ کانوا مستقیمین علی ما أُمروا به غیر مبدِّلین ولا مغیرین ، فأخبر الله جلّ ثناؤه أنه لولا دفعه الناس عن الفساد ببعض الناس لهدّمت متعبّدات کل فریق من أهل دینه وطاعته فی کل زمان. فبدأ بذکر البِیَع علی المساجد لأن صلوات من تقدم من أنبیاء بنی إسرائیل وأُممهم کانت فیها قبل نزول الفرقان ، وقبل تبدیل من بدّل وَأَحدثت المساجد وسمّیت بهذا الاسم بعدهم ، فبدأ جل ثناؤه بذکر الأقدم ، وأخَّر ذکر الأحدث لهذا المعنی ، والله أعلم.

وقال بعض أهل العربیه : یقال : إن رباع بنی فلان قد بُعْن من البیع. وقد بِعن من البَوْع فضم الباء فی البیع ، وکسروها فی البوع للفرق بین الفاعل والمفعول ، ألا تری أنک تقول : رأیت إماء بِعْن متاعا إذا کنّ بائعات ، ثم تقول : رأیت إماء بُعن إذا کنّ مبیعات ، فإنما یتبین الفاعل من الفاعل باختلاف الحرکات وکذلک من البوع.

قلت : ومن العرب من یجری ذوات الیاء علی الکسر وذوات الواو علی الضم. سمعت العرب تقول صِفنا بمکان کذا وکذا أی أقمنا به فی الصیف وصِفْنا أیضاً إذا أصابنا مطر الصیف ، فلم یفرقوا بین فعل الفاعلین والمفعولین.

ص: 152

وقال الأصمعی : قال أبو عمرو بن العلاء : سمعت ذا الرمّه یقول : ما رأیت أفصح من أَمَه آل فلان ، قلت لها کیف کان المطر عندکم فقالت : غِثْنا ما شئنا. رواه هکذا بالکسر.

وروی ابن هانیء عن أبی زید قال یقال : الإماء قد بعن أشمُّوا الباء شیأ من الرفع. وکذلک الخیل قد قدن ، والنساء قد عدن من مرضهن أَشمُّوا هذا کله شیأ من رفع ، وقد قِیل ذلک ، وبعضهم یقول : قول.

وقال اللحیانی : یقال : والله لا تبلغون تَبَوُّعه أی لا تلحقون شأوه. وأصله طول خطاه. یقول باع وانباع وتبوَّع. وانباع العَرَق إذا سال. قال وانباعت الحیَّه إذا بسطت بعد تَحَوِّیها لتساور وقال الشاعر :

* ثُمّتَ ینباع انبیاع الشجاع*

ومن أمثال العرب ، مُطْرِق لینباع ، یضرب مثلاً للرجل إذا أضَبَّ علی داهیه.

الحرانی عن ابن السکیت قال : أبَعت الشیء إذا عرضته للبیع وقد بعته أنا من غیری. وقال الهمذانی :

فرضیت آلاء الکمیت ومن یُبع

فَرَساً فلیس جوادنا بمباع

أی بمعرَّض للبیع. وقال فی قول صَخْر الهذلی :

لفاتح البیع یوم رؤیتها

وکان قبلُ انبیاعُه لَکِد

قال انبیاعه : مسامحته بالبیع. یقال : قد انباع لی إذا سامح فی البیع وأجاب إلیه. وإن لم یسامح قلت : الاینباع.

أبو العباس عن ابن الأعرابی : یقال بُعْ بُعْ إذا أمرته بمدّ باعیه فی طاعه الله تعالی.

فلم یَبْق منه شیء فقد أُوعِب واستُوعب ، وقد أوعبته فهو موعَب. وأنشد قول أبی النجم یمدح رجلاً :

یجدع من عاداه جَدْعاً موعِبا*

وقال عَبِید بن الأبرص فی إیعاب القوم إذا نفروا جمیعاً :

أُنبئت أن بنی جَدِیله أوعبوا

نُفَراء من سَلْمی لنا وتکتَّبوا

قال : ومنه قول حذیفه فی الجُنُب : قال : ینام قبل أن یغتسل ؛ فهو أوعب للغُسْل ، یعنی أنه أحری أن یخرج کل بقیّه فی ذکره من الماء.

وقال غیره : بیت وَعِیب ، ووُعاء وعیب : واسع. ویقال لِهَنِ المرأه إذا کان واسعاً : وَعیب. ورکض وعیب : إذا استفرغ الحُضْر کلّه.

وقال ابن السکیت : جدعه جَدْعاً موعِباً أی مستأصِلاً. وأوعب القوم کلهم إذا حَشَدوا جاءوا موعبِین. وقد أوعَب بنو فلان جَلَاء فلم یبق منهم ببلدهم أحد.

عَمَیاناً وعطِشت عَطَشاناً : إذا ذهبت إلیه لا ترید غیره ، غیر أنک تؤمُّه علی الإبصار والظلمه.

قال اللیث : العَمَی : ذهاب البصر من العینین کلتیهما والفعل منه عَمِی یَعْمَی عَمًی.

قال : وفی لغه أخری : اعمایَ یعمایُ أعمَیاء ، أرادوا حَذْو ادهامَّ یدهامّ ، فأخرجوه علی لفظ صحیح ، وکان فی الأصل : ادهامَمَ ، فادّغموا لاجتماع المیمین فلمَّا بنوا اعمایا علی أصل ادهامم اعتمدت الیاء الآخره علی فتحه الیاء الأولی فصارت ألِفاً ، فلمّا اختلفتا لم یکن للإدغام فیها مَسَاغ کمسَاغه فی المیمین. ولذلک لم یقولوا : اعمایّ مدغمه. وعلی هذا الحَذْو یجرِی هذا کله فی جمیع هذا الباب ، إلا أن یقول قائل تکلفاً علی لفظ ادهامّ بالتثقیل : اعمایّ فلان غیر مستعمل. قلت : وقول النحویّین علی ما حکاه اللیث ، وأحسبه قول الخلیل وسیبویه.

وقال ابن الأعرابیّ : الأعمی : اللیل ، والأعمی : السیل ، وهما الأبهمان أیضاً.

وأنشد :

وهبت إخاءک للأعمیی

ن وللأبهمین ولم أَظلِم

قال : وهما الأبهمان أیضاً بالباء للیل والسیل. وروی سفیان عن ابن جُرَیج عن مجاهد فی قوله : (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِی أَعْمی وَقَدْ کُنْتُ بَصِیراً) [طه : 125] قال : أعمی عن الحجَّه ، وقد کنت بصیراً بها.

وقال نفطویه : یقال عمِی فلان عن رُشْده وعَمِی علیه طریقُه إذا لم یهتدِ لطریقه. ورجل عمٍ ، وقوم عَمُون. قال : وکلّما ذکر الله جلَّ وعزَّ العَمَی فی کتابه فذمَّه یرید عمی القلب. قال الله جلّ وعزّ : (فَإِنَّها لا تَعْمَی الْأَبْصارُ وَلکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ) [الحَجّ : 46].

وقال اللیث : رجل أعمی وامرأه عمیاء. ولا یقع هذا النعت علی العین الواحده ؛ لأن المعنی یقع علیهما جمیعاً. تقول : عمیتْ عیناه ، وامرأتان عَمْیاوان ، ونساء عَمْیاوات.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَمَنْ کانَ فِی هذِهِ أَعْمی فَهُوَ فِی الْآخِرَهِ أَعْمی وَأَضَلُّ سَبِیلاً) [الإسرَاء : 72] قال الفراء : عدّد الله نِعَم الدنیا عَلَی المخاطبین ، ثم قال : (وَمَنْ کانَ فِی هذِهِ أَعْمی) ، یعنی فی نعم الدنیا التی اقتصصناها علیکم ، (فَهُوَ فِی) نعم (الْآخِرَهِ أَعْمی وَأَضَلُّ سَبِیلاً). قال : والعرب إذا قالوا : هو أفعل منک قالوه فی کل فاعل وفعیل وما لا یزاد فی فعله شیء علی ثلاثه أحرف. فإذا کان علی فعللت مثل زخرفت ، أو علی افعللت مثل احمررت لم یقولوا : هو أفعل منک حتی یقولوا : هو أشد حمره منک ، وأحسن زخرفه منک. قال : وإنما جاز فی العمی لأنه لم یُرد به عَمَی العینین ، إنما أرید به - والله أعلم - عمی القلب ، فیقال : فلان أعمی من فلان فی القلب ، ولا یقال : هو أعمی منه فی العین ، وذلک أنه لمّا جاء علی

ص: 155

مذهب أحمر وحمراء تُرک فیه أفعل منه ؛ کما ترک فی کثیر. قال : وقد تَلْقی بعض النحویین یقول : أُجیزه فی الأعمی والأعشی والأعرج والأزرق ؛ لأنا قد نقول : عَمِیَ وزَرِق وعَرِج وعشِی. ولا نقول حَمِر ولا بَیِض ولا صَفِرَ ، قال الفراء : ولیس ذلک بشیء ، إنما یُنظر فی هذا إلی ما کان لصاحبه فیه فِعْل یقلّ أو یکثر ، فیکون أفعل دلیلاً علی قِلَّه الشیء وکثرته ؛ ألا تری أنک تقول : فلان أقوم من فلان ، وأجمل ؛ لأن قیام ذا یزید علی قیام ذا ، وجماله یزید علی جماله ، ولا تقول للأعمیین : هذا أعمی من ذا ، ولا لمیّتین : هذا أموت من ذا. فإن جاء منه شیء فی شعر فهو شاذّ ؛ کقوله :

أمّا الملوک فأنت الیوم الأمُهم

لؤماً وأبیضهم سِرْبالَ طبّاخ

ویقال : رجل عَمٍ إذا کان أعمی القلب ، وقال الفراء فی قول الله جلّ وعزّ : (وَهُوَ عَلَیْهِمْ عَمًی أُولئِکَ یُنادَوْنَ مِنْ مَکانٍ بَعِیدٍ) [فُصّلَت : 44] قرأها ابن عباس : عَمٍ ، وقال أبو مُعَاذ النحوی : من قرأ (وَهُوَ عَلَیْهِمْ عَمًی) فهو مصدر یقال : هذا الأمر عَمًی ، وهذه الأمور عَمًی ؛ لأنه مصدر ، کقولک : هذه الأمور شُبْهه ورِیبه ، قال : ومن قرأ عمٍ ؛ فهو نعت ؛ نقول : أمر عمٍ وأمور عَمِیَه ، ورجل عمٍ فی أمره : لا یبصره ، ورجل أعمی فی البصر. وقال الکمیت :

* ألا هل عَمٍ فی رأیه متأمِّل*

ومثله قول زهیر :

*ولکننی من علم ما فی غد عم*

وفی حدیث أبی رَزِین العُقَیلیّ أنه قال للنبی صلی الله علیه وسلم : أین کان ربنا قبل أن یخلق السماوات والأرض؟

قال : فی عَمَاء ، تحته هَوَاء وفوقه هواء.

قال أبو عبید : العَمَاء فی کلام العرب : السحاب ، قاله الأصمعی وغیره وهو محدود. وقال الحارث بن حِلِّزهَ :

وکأنَّ المنون تَردْی بنا أصْ

حَمَ عُصْم ینجاب عنه العماءُ

یقول : هو فی ارتفاعه قد بلغ السحاب ، فالسحاب ینجاب عنه أی ینکشف. قال أبو عبید : وإنما تأوّلنا هذا الحدیث علی کلام العرب المعقول عنهم ، ولا ندری کیف کان ذاک العَمَاء. قال : وأمَّا العمی فی البصر فمقصور ، ولیس هو من هذا الحدیث فی شیء.

قلت : وقد بلغنی عن أبی الهیثم - وَلم یعزه لی إلیه ثقه - أنه قال فی تفسیر هذا الحدیث. ولفظه : إنه کان فی عمی مقصور. قال وکلّ أمر لا تدرکه القلوب بالعقول فهو عَمًی. قال : والمعنی : أنه کان حیث لا یُدرکه عقول بنی آدم ، ولا یَبلغ کنههَ وصف.

قلت أنا : والقول عندی ما قاله أبو عُبید أنه العماء ممدود ، وهو السحاب ولا یُدری کیف ذلک العَمَاء بصفه تحصُره ولا نعتٍ یَحدّه. ویُقَوِّی هذا القول قول الله جلّ وعزّ : (هَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ یَأْتِیَهُمُ اللهُ فِی ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) [البَقَرَه : 210] فالغمام معروف فی کلام العرب ، إلّا أنا لا ندری

ص: 156

کیف الغمام الذی یأتی الله جلّ وعزّ یوم القیامه فی ظُلَل منه فنحن نؤمن به ، ولا نکیِّف صفته. وکذلک سائر صفات الله جلّ وعزّ. وقال اللیث : العَمَایه العماءه : السحابه الکثیفه المطبِقه. قال وقال بعضهم : العماء : الذی قد حَمَل الماء وارتفع. وقال بعضهم : هو الذی قد هراق ماءه ولمّا یتقطع تقطع الجَفْل. والعرب تقول : أشد برد الشتاء شَمَالٌ جِرْبیاء فی غبّ سماء ، تحت ظلّ عَمَاء. قال : ویقولون للقطعه الکثیفه : عماءه ، قال : وبعض ینکر ذلک ویجعل العماء اسماً جامعاً. قال : والتعمیه : أن تُعَمِّی علی إنسان شیأ فتلبّسه علیه تلبیساً. قال : والأعماء جمع عَمَیً وأنشد :

* وبلد عامِیَه أعماؤه*

وقال غیره : عامِیَه : دارسه. وأعماؤه : مجاهله. بلد مَجْهل وعَمًی : لا یُهتدی فیه. والمعامی : الأرضون المجهوله. والواحده مَعْمِیَه فی القیاس ، ولم أسمع لها بواحده.

وقال شمر : العامِی : الذی لا یبصر طریقه. وأنشد :

لاتأتیّنی تبتغی لین جانبی

برأسک نحوی عامیاً متعاشیاً

قال : وأرض عمیاءُ وعامِیَه. ومکان أعمی : لا یُهتدی فیه. قال : وأقرأنی ابن الأعرابی :

وماءٍ صَرًی عافی الثنایا کأنه

من الأَجْن أبوالُ المخاض الضوارب

عمٍ شَرَکَ الأقطار بینی وبینه

مراریُّ مَخْشِیّ به الموتُ ناضبِ

قال ابن الأعرابی : قوله : عَمٍ شَرَک کما تقول عمٍ طریقاً وعمٍ مَسْلکاً. یرید الطریق لیس مبَیّنَ الأثر.

وفی الحدیث : «من قاتل تحت رایه عَمِّیَّه یغضب لعَصَبه أو ینصر عَصَبه أو یدعو إلی عصبه فَقُتِل قُتل قِتله جاهلیَّه».

وقال شمر : قال إسحاق بن منصور : سئل أحمد بن حنبل عمّن قُتل فی عَمِیَّه ، قال : الأمر الأعمی العصبیه لا یستبین ما وجهه. قال : وقال إسحاق : إنما معنی هذا فی تحارُب القوم وقتل بعضهم بعضاً. یقول مَنْ قتل فیها کان هالکاً.

وقال أبو زید : العِمِّیَّه الدعوه العمیاء فقتیلها فی النار.

وقال شمر : قال أبو العلاء : العَصَبه : بنو العمّ. والعَصَبیَّه أخذت من العَصَبه. وقیل : العمِّیه : الفتنه. وقیل الضلاله.

وقال الراعی :

* کما یذود أخو العِمِّیَّه النجد*

یعنی صاحب فتنه.

أبو عبید عن أبی زید یقال : لقیته صَکَّهَ عُمَیّ قال : وهو أشدّ الهاجره حَرّاً.

وقال شمر : هو عُمَیّ ، وکأنه تصغیر أعمی. قال وأنشدنی ابن الأعرابی :

صکّ بها عین الظهیره غائراً

عُمَیّ ولم یُنْعَلن إلّا ظلالَها

وقال غیره : لقیته صَکَّه ، عُمَیّ ، وصَکّه أعمی أی لقیته نصف النهار فی شدَّه

ص: 157

الحر. وعُمَیّ تصغیر أعمی علی الترخیم. ولا یقال ذلک إلا فی حَمَارَّه القیظ. والإنسان إذا خرج نصف النهار فی أشد الحر لم یتهیأ له أن یملأ عینیه من عین الشمس ، فأرادوا أنه یصیر کالأعمی.

وقال أبو سعید : یقال اعتمتیه اعتماءً أی قصدته. وقال غیره اعتمتیه : اخترته. وکذلک اعتمته والعرب تقول : عَمَا والله ، وأما والله ، وهَمَا والله ، یبدلون من الهمزه العین مرّه ، والهاء أخری. ومنهم من یقول غَمَا والله بالغین معجمه.

قلت : وفیه وجه ثالث أحسبه الصواب الذی لا یجوز غیره ، وهو أن قول النبی صلی الله علیه وسلم : «المؤمن یأکل فی مِعًی واحد ، والکافر یأکل فی سبعه أمعاء» مَثَل ضربه للمؤمن ، وزهده فی الدنیا وقناعته بالبُلْغه من العیش ، وما أوتی من الکفایه ، وللکافر واتّساع رغبته فی الدنیا وحرصه علی جمع حُطَامها ، ومنعها من حقّها ، مع ما وصف الله الکافر من حرصه علی الحیاه ، ورکونه إلی الدنیا واغتراره بزُخرفها ، فالزهد فی الدنیا محمود ؛ لأنه من أخلاق المؤمنین ، والحرص علیها وجمع عَرَضها مذموم ؛ لأنه من أخلاق الکفار. ولهذا قیل : الرُغْب شؤم ، ولیس معناه کثره الأکل دون اتساع الرغبه فی الدنیا والحرص علی جمعها ، فالمراد من الحدیث فی مَثَل الکافر استکثاره من الدنیا والزیاده علی الشبع فی الأکل داخل فیه ، ومثلِ المؤمن زهدُه فی الدنیا وقلّه اکتراثه بأثاثها واستعداده للموت والله أعلم.

وقال شمر : قال الفراء : جاء فی الحدیث «المؤمن یأکل فی مِعًی واحده».

قال الفراء ومِعًی واحد أعجب إلیّ. قال : المِعَی أکثر الکلام علی تذکیره ، یقال هذا معی وثلاث أمعاء ، ربما ذهبوا به إلی التأنیث ، کأنه واحد دَلّ علی جمع. وقال القطامی :

کأن نُسُوع رحلی حین ضمت

حوالب غُرَّزاً ومعی جیاعا

وقال اللیث : واحد الأمعاء یقال : مِعًی ومِعَیان وأمعاء. قال وهو جمیع ما فی البطن مما یتردّد فیه من الحوایا کلها.

شمر عن ابن الأعرابی قال : الأمعاء ما لان من الأرض وانخفض. وقال رؤبه :

* یحبو إلی أصلابه أمعاؤه*

قال : والأصلاب : ما صَلُب من الأرض.

وقال الأصمعی : الأمعاء : مسایل صغار.

وقال أبو عمرو : یحبو أی یمیل ، وأصلابه : وسطه ، وأمعاؤه : أطرافه.

وقال أبو خَیْره المِعَی غیر ممدود الواحده أظن مِعَاه : سهله بین صلبین وقال ذو الرمه :

تراقب بین الصُلْب من جانب المِعَی

معَی واحفٍ شما بطیئاً نزولها

وقال اللیث : المِعَی من مذانب الأرض ، کل مِذْنب بالحضیض یناصی مِذْنباً بالسَنَد.

والذی فی السفح هو الصلب.

قلت : وقد رأیت بالصَمَّان فی قیعانها مَسَاکَاتٍ للماء وإخَاذاً متحوّیه تسمی الأمعاء ، وتسمی الحوایا ، وهی شبه الغُدْران ، غیر أنها متضایِقه لا عَرْض لها.

وربما ذهبت فی القاع غَلْوه. والعرب تقول للقوم إذا أخصبوا وصلحت حالهم هم فی مثل المِعَی والکَرِش.

وقال الراجز :

یا أیَهذا النائم المفترشْ

لستَ علی شیء فقم وانکمش

لستَ کقوم أصلحوا أمرهم

فأصبحوا مثلَ المعی والکرش

ص: 159

وقال اللیث : یسمی الفرس السابح عَوَّاماً ، یعوم فی جریه ویسبح.

عمرو عن أبیه قال العامَه : المِعْبَر الصغیر یکون فی الأنهار وجمعها عامات.

وقال اللیث : العامه تتَّخذ من أغصان الشجر ونحوه ، یُعبر علیها الأنهار ، وهی تموج فوق الماء ، والجمیع العام والعامات.

قال : والعامه : هامه الراکب إذا بدا لک رأسُه فی الصحراء وهو یسیر.

قال : وقال بعضهم لا أسمی رأسه عامه حتی أری علیه عمامه.

الحرانی عن ابن السکیت : عام الرجل إلی اللبن یعام عَیْمه وهو رجل عَیْمان وامرأه عَیْمی ، ویُدعی علی الرجل فیقال : ما له آم وعام ، فمعنی آم : هلکت امرأته ، وعام : هلکت ماشیته فیعامُ إلی اللبن.

ورُوی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه کان یتعوّذ من العَیْمه والأَیمه ، فالعیمه شده الشهوه للبن حتی لا یصبر عنه ، یقال : عام یعام عیمه وقوم عَیَامی وعِیَام. والغیمه : شده العطش والأیمه : طول العُزْبه.

وقال اللیث : یقال عِمْت عَیْمه عَیَماً شدیداً. قال : وکلّ شیء من نحو هذا مما یکون مصدراً لِفَعْلان وفَعْلی فإذا أنّثت المصدر فخفّف ، وإذا حذفت الهاء فثقّل نحو الحَیره والحَیَر والرَغْبه والرَغَب والرَهْبه والرَهب ، وکذلک ما أشبهه من ذواته.

وقال غیره : أعامنا بنو فلان أی أخذوا حلائبنا حتی بَقِینا عَیَامی نشتهی اللبن وأصابتنا سنه أعامتنا ، ومنه قالوا : عام مُعِیم : شدید العَیْمه.

وقال الکمیت :

بعام یقول له المؤلِفو

ن هذا المُعیم لنا المُرْجل

ویقال : أعام القومُ إذا قلّ لبنهم.

وروی عن المؤرِّج أنه قال : طاب العَیَام أی طاب النهار ، وطاب الشَرْق أی الشمس وطاب الهویم أی اللیل.

وقال الأصمعی : عِیمه کل شیء خیاره. وجمعها عِیَم. وقد اعتام یعتام اعتیاما ، واعتان یعتان اعتیاناً إذا اختار.

وقال الطّرماح یمدح رجلاً وصفه بالجود :

مبسوطه یَسْتن أوراقُها

علی مُوالیها ومعتلمِها

وقال أبو سعید : قال أبو عمرو : العَیْم والغیم العطش. وقال أبو المثلّم الهذلی :

تقول أری أُبینیک اشرهفّوا

فهم شُعْث رؤوسُهم عِیَامُ

قلت أراد : أنهم عِیام إلی شرب اللبن شدیدهٌ شهوتهم إلیه.

قول عنتره :

* وعِمِی صباحاً دار عبله واسلمی*

فقال : هو کما یَعْمِی المطرُ وَیعْمِی البحر بزَبَده ، وأراد کثره الدعاء لها بالاستسقاء.

قلت : إن کان من عَمَی یعمِی إذا سال فحقّه أن یُروی : واعمی صباحاً ؛ فیکون أمراً من عَمَی یَعْمی إذا سال أو رمی.

قلت : والذی سمعناه وحفظناه فی تفسیر عم صباحاً : أن معناه : أنعِم صباحاً ، کذلک أخبرنی أبو الفضل عن ثعلب عن ابن الأعرابی ؛ قال : ویقال : أنعم صباحاً وعِمْ صباحاً بمعنی واحد.

قلت : کأنه لمّا کثر هذا الحرف فی کلامهم حذفوا بعض حروفه لمعرفه المخاطب به. وهذا کقولهم : لا هُمّ ، وتمام الکلام اللهم ، وکقولهم : لهنَّکَ ، والأصل لله إنک.

وقال ابن هانیء : قال أبو زید : العَوَّاء ممدود ؛ والجوزاء ممدود ، والشِّعْری مقصور.

وقال اللیث : العَوَی والعَوَّه لغتان ، وهی الدُبُر.

وأنشد :

قیاماً یوارون عَوَّاتهم

بشتمی وعَوَّاتهم أظهرُ

وقال الآخر فی العَوَّی بمعنی العَوَّه :

فهلا شددت العقْد أو بتّ طاویا

ولم تَفْرُج العوَّی کما یُفرج القَتَبْ

وقال شمر : العَوَّاء خمسه کواکب کأنها کتابهُ ألِف ، أعلاها أخفاها. ویقال : کأنها نون. وتدعی وَرِکی الأسد ، وعرقوب الأسد. والعرب لا تکثر ذکر نوئها ، لأن السماک قد استغرقها وهو أشهر منها وطلوعها لاثنتین وعشرین لیله تخلو من أیلول ، وسقوطها لاثنتین وعشرین لیله تخلو من آذار.

وقال الْحُصَینیّ فی قصیدته التی یذکر فیها المنازل :

وانتثرت عَوّاؤه

تناثُر العِقْد انقطع

ومن سجعهم فیها : إذا طلعت العَوَّاء ضرب الخِبَاء ، وطاب الهواء ، وکُرِه العراء ، وشَنَّن السقاءُ.

قلت أنا : من قصر العَوَّی شبَّهها باست الکلب ، ومن مدّها جعلها تعوِی من یعوِی الکلب ، والمد فیها أکثر.

ویقال عَفَت یده وعواها إذا لواها.

وقال أبو مالک : عوت الناقه البُرَه إذا لوتها عَیّاً. وعَوَی القوم صدور رکابهم وعَوَّوها إذا عطفوها.

أبو عبید عن الکسائی : عَوَّیت عن الرجل إذا کذَّبت عنه وردَدْت.

أبو عبید عن أبی زید : العَوَّه والضَوَّهُ : الصوت.

ثعلب عن ابن الأعرابی : قال العَوِیّ : الذئب : وقال الأصمعی : یقال للرجل الحازم الجلد : ما یُنْهَی ولا یُعْوَی.

وقال أبو العمیثل : عَوْیت الشیء عَیّاً إذا أملته.

وقال الفراء : عَوَیت العمامه عَیّه ، ولویتها لَیَّه ، وعَوَی القوس : عطفها.

وقال ابن الأعرابی : العَوُّ جمعُ عَوَّه ، وهی أم سُوَید.

وقال اللیث «عا» مقصور زجر الضَئِین. وربما قالوا : عَوْ ، وعایْ : وعاءِ ، کلّ ذلک یقال.

والفعل منه : عَاعَی یُعاعی معاعاه وعاعاه. ویقال : أیضاً عَوْعی یُعوعِی عوعَاه ، وعَیْعَی یعیعی عیعاه وعِیْعَاءَ وأنشد :

وإن ثیابی من ثیاب مُحَرِّق

ولم أستعرها من مُعَاعٍ وناعق

أرادوا علاج شیء فعجزوا یقال : عیِیت وأنا عَیِیّ ، وقال النابغه :

* عَیّت جواباً وما بالربع من أحد*

قال : ولا ینشد : أعیت جواباً. وأنشد لشاعر آخر فی لغه من یقول عَییَ :

وحَتَّی حَسِبناهم فوارس کَهَمْسٍ

حَیُوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا

ویقال : أعیا علیَّ هذا الأمر ، وأعیانی ، ویقال : أعیانی عَیَاؤه. قال المَرَّار :

* وأعْیَت أن تجیب رُقی لراقی*

ویقال : أعیا به بعیره وأذَمّ ، سواء.

وقال اللیث : العِیّ تأسیس أصلِه من عین ویاءین وهو مصدر العَیِ قال : وفیه لغتان رجل عَییّ بوزن فعیل ، وقال العجاج :

* لا طائش قاقٌ ولا عَییّ *

ورجل عَیُ بوزن فَعْل ، وهو أکثر من عَیّ ، قال : ویقال : عَیِیَ یَعْیَا عن حُجّته عیّاً وعَیَ یعیا کلُّ یقال ؛ مثل حَیی یحیا وحَیّ.

قال الله جلّ وعزّ : (وَیَحْیی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَهٍ) [الأنفال : 42] والرجل یتکلّف عملاً فیَعْیا به ، وعنه ، إذا لم یهتدِ لوجه عمله.

سلمه عن الفراء : یقال فی فعل الجمیع من عَیّ : عَیُّوا. قال وأنشدنی بعضهم :

یَحِدْن بنا عن کل حَیّ کأننا

أخاریس عَیُّوا بالسلام وبالنَسَبْ

وقال آخر :

من الذین إذا قلنا حدیثهمُ

عَیُّوا وإن نحن حدَّثناهم شَغِبوا

قال : وإذا سکن ما قبل الیاء الأولی لم تدغم کقولک : هو یُعْی ویُحیی. قال : ومن العرب من أَدْغَم فی مثل هذا قال : وأنشدنی بعضهم :

فکأنها بین النساء سبیکه

تمشی بسدّه بیتها فتُعِیُ

وقال أبو إسحاق : هذا غیر جائز عِند حُذّاق النحویین. وذکر أن البیت الذی استشهد به الفراء لیس بمعروف.

قلت : والقیاس ما قال أبو إسحاق ، وکلام العرب علیه. وأجمع القُرَّاء علی الإظهار فی قوله : (یُحْیِی وَیُمِیتُ) [الأعراف : 158].

وقال اللیث : الإعیاء : الکلال. تقول : مشیت فأعییت ، وأنا مُعْی. قال : والمعایاه : أن تداخل کلاماً لا یَهتدی له صاحبُک ، قال : والفحل العَیَایاء : الذی لا یَهتدِی لضراب طَرُوقته. قال : وکذلک هو فی الرجال.

قلت : وفی حدیث أمّ زرع : أن المرأه السادسه قالت : زوجی عیایاء ، طباقاء ، کلّ داء له داء.

قال أبو عبید : العیَایاء من الإبل : الذی لا یَضْرب ولا یُلْقح ، وکذلک هو من الرجال.

وقال اللیث : الداء العَیاء : الذی لا دواء له قال ویقال : أیضاً الداء العَیَاء : الْحُمْق.

وقال أبو زید : جمل عَیاء وجِمَال أَعْیاء. وهو الذی لا یُحسن أن یضرب. وقالوا : حیاء الناقه وجمعه أحیاء.

وقال شمر : عَیِیت بالأمر وعیِیته ، وأعیا علیَّ ذلک وأعیانی.

ص: 165

وقال اللیث : أعیانی هذا الأمر أن أَضبِطه ، وعَیِیت عنه.

وقال غیره : عیِیت فلاناً أعْیاه أی جهلته. وفلان لا یَعْیاه أحد أی لا یجهله أحد ، والأصل فی ذلک أن تعیا عن الإخبار عنه إذا سئلت ، جهلاً به. وقال الراعی :

* یَسْأَلْن عنک ولا یعیاک مسؤول*

أی لا یجهلک. وبنو أَعْیا : حَیّ من العرب والنسبه إلیه أعْیَوِیّ. وداء عَیِیّ مثل عیاء. ویقال : عاعی بالغنم وحاحی عِیعاءً وحِیحَاءً ؛ وهو زجرها.

ونحوه ؛ کراهیه للکسره فی الواو. قال : وکذلک حکایه الیَعْیعه والیَعْیاع من فِعال الصبیان إذا رمی أحدهم الشیء إلی صبیّ آخر ؛ لأن الیاء خِلْقتها الکسر ، فیستقبحون الواو بین کسرتین ، والواو خِلقتها الضم ، فیستقبحون التقاء کسره وضمه فلا تجدهما فی کلام العرب فی أصل البناء ، وأنشد :

أمست کهامه یعیاع تداولها

أیدی الأوازع ما تُلْقی وما تُذَرُ

عمرو عن أبیه : الوعوع : الدیدبان یکون واحداً وجمعاً.

أبو نصر عن الأصمعی الدیدبان یقال له الوَعْوع. قال : والوعوع : الرجل الضعیف. والوعوع ابن آوی.

وقال أبو عبیده : الوعاوع الأشدّاء ، وأوّل من یغیث. وقال غیره : الوعاوع : الخِفاف الأجریاء. وقال أبو کبیر :

لا یُجفلون عن المضاف إذا رأوا

أُولی الوعاوع کالغَطَاط المقبل

عمرو عن أبیه قال : العاعاء صوت الذئب.

وقال ابن الأعرابی : الوعیُ : الحافِظ الکیس الفقیه. وتقول استوعی فلان من فلان حقّه إذا أخذه کله ؛ وأوعی فلان جَدْع أنفه واستوعاه إذا استوعبه. وفی الحدیث : «فی الأنف إذا استُوعی جدعُه الدیهُ». وقال الأصمعی : الوعاوع : أصوات الناس إذا حَمَلوا. ویقال للقوم إذا وعوعوا ، وَعَاوِع أیضاً. وقال ساعده الهذلی :

ستنصرنی أفناء عمرو وکاهل

إذا ما غَزَا منهم غَزیٌ وعاوع

والوعواع : موضع. ویقال عیّع القوم تعییعاً إذا عیُّوا عن أمر قصدوه. وأنشد :

حططتُ علی شقِّ الشمال وعیّعوا

حُطُوط رَباعٍ محصَفِ الشدّ قارب

الحطّ : الاعتماد علی السیر.

وقال الأصمعی : سمعت عوعاه القوم ، وغوغاتهم إذا سمعت لهم لَجّه وصوتاً.

آخر لفیف العین والمنه لله فی تیسیر ما یسر.

ص: 167