ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

ص: 8

ص: 9

ص: 10

ص: 11

ص: 12

ص: 13

ص: 14

ص: 15

ص: 16

ص: 17

ص: 18

ص: 19

ص: 20

ص: 21

ص: 22

ص: 23

ص: 24

ص: 25

ص: 26

ص: 27

ص: 28

ص: 29

ص: 30

ص: 31

ص: 32

ص: 33

ص: 34

ص: 35

ص: 36

ص: 37

ص: 38

ص: 39

ص: 40

ص: 41

ص: 42

ص: 43

ص: 44

ص: 45

ص: 46

ص: 47

ص: 48

ص: 49

ص: 50

ص: 51

ص: 52

ص: 53

ص: 54

ص: 55

ص: 56

ص: 57

ص: 58

ص: 59

ص: 60

ص: 61

ص: 2

ص: 3

ص: 4

فیها ، والاجتهاد فی تعلُّم العربیه الصحیحه التی بها نزلَ الکتاب ، وورد البیان.

فعلینا أن نجتهدَ فی تعلُّم ما یُتوصَّل بتعلمه إلی معرفه ضروب خطاب الکتاب ، ثم السُّنن المبیِّنه لجمل التنزیل ، الموضّحه للتأویل ؛ لتنتفیَ عنا الشبههُ الداخلهُ علی کثیر من رؤساء أهل الزَّیْغ والإلحاد ، ثم علی رءوس ذوی الأهواء والبِدَع ، الذین تأوَّلوا بآرائهم المدخوله فأخطئوا ، وتکلَّموا فی کتاب الله جلّ وعزّ بلکنتهم العجمیّهِ دونَ معرفهٍ ثاقبه ، فضلُّوا وأضلُّوا.

ونعوذ بالله من الخِذلان ، وإیاه نسأل التوفیق للصَّواب فیما قصدناه ، والإعانه علی ما توخَّیناه ، من النصیحه لجماعه أهلِ دین الله ، إنّه خیر موفِّقٍ ومعین.

وأخبرنَا أبو محمد عبد الملک بن عبد الوهاب البغویّ عن الربیع بن سلیمان المرادیّ عن محمد بن إدریس الشافعی رَحِمه الله أنَّه قال :

«لسان العرب أوسعُ الألسنه مذهباً ، وأکثرها ألفاظاً ، وما نعلم أحداً یحیط بجمیعها غیر نبیّ ، ولکنّها لا یذهب منها شیءٌ علی عامَّتها حتی لا یکون موجوداً فیها. والعلم بها عند العرب کالعلم بالسنن عند أهل الفقه ، لا نعلم رجلاً جمعَ السنن کلَّها فلم یذهبْ علیه منها شیء ، فإذا جمع علم عامّه أهل العلم بها أتی علی جمیع السنن ، وإذا فرِّق علم کلّ واحدٍ منهم ذهب علی الواحد منهم الشیء منها ، ثم کان ما ذهب علیه منها موجوداً عند غیره. وهم فی العلم طبقات : منهم الجامع لأکثره وإن ذهبَ علیه بعضه ، والجامع لأقلَّ ممّا جمع غیره. فینفرد جمله العلماء بجمیعها ، وهم درجاتٌ فیما وعَوْا منها. وکذا لسانُ العرب عند عامّتها وخاصّتها لا یذهب منه شیءٌ علیها ، ولا یطلب عند غیرها ، ولا یعلمه إلّا من قَبله عنها ، ولا یَشْرَکها فیه إلّا من اتَّبعها فی تعلُّمه منها ، ومن قبله منها فهو من أهل لسانها ، وعِلمُ أکثر اللسان فی أکثر العرب أعَمّ من علم أکثر السنن فی أکثر العلماء مقدره».

قلت : قد قال الشافعی - رحمه الله تعالی - فأحسن ، وأوضح فبیَّن ، ودلّ سیاقُ بیانه فیما ذکرناه عنه آنفاً وفیما لم نذکره إیجازاً ، علی أنّ تعلُّم العربیه التی بها یُتوصَّل إلی تعلم ما به تجری الصلاه من تنزیلٍ وذکرٍ ، فرضٌ علی عامّه المسلمین ، وأنّ علی الخاصّه التی تقوم بکفایه العامه فیما یحتاجون إلیه لدینهم الاجتهادَ فی تعلُّم لسان العرب ولغاتها ، التی بها تمام التوصُّل إلی معرفه ما فی الکتاب والسنن والآثار ، وأقاویل المفسِّرین من الصّحابه والتابعین ، من الألفاظ الغریبهِ والمخاطبات العربیه فإنَّ من جهل سعه لسان العرب وکثره ألفاظها ، وافتنانها فی مذاهبها ، جَهِل جُمَل علم

ص: 6

الکتاب ، وَمن عَلمها ووقَف علی مذاهبها ، وفهمَ ما تأوَّله أهل التفسیر فیها ، زالت عنه الشُّبَه الداخله علی مَن جَهِل لسانَها من ذوی الأهواء والبِدع.

وکتابی هذا ، وإن لم یکن جامعاً لمعانی التنزیل وألفاظ السنن کلّها ، فإنه یَحُوز جملاً من فوائدها ، ونُکتاً من غریبها ومعانیها ، غیر خارج فیها عن مذاهب المفسِّرین ، ومسالک الأئمه المأمونین ، من أهل العلم وأعلام اللغویّین ، المعروفین بالمعرفه الثاقبه والدّین والاستقامه.

وقد دعانی إلی ما جمعتُ فی هذا الکتاب من لغات العرب وألفاظها ، واستقصیتُ فی تتبُّعٍ ما حصَّلت منها ، والاستشهاد بشواهد أشعارها المعروفه لفصحاء شعرائها ، التی احتجَّ بها أهل المعرفه المؤتمنون علیها ، خلالٌ ثلاثٌ :

منها تقیید نکتٍ حفظتُها ووعیتُها عن أفواه العرب الذین شاهدتهم وأقمت بین ظهرانیهم سنیَّات ، إذ کان ما أثبتَه کثیرٌ من أئمهِ أهل اللغه فی الکتب التی ألّفوها ، والنوادر التی جمعوها لا ینوبُ منابَ المشاهده ، ولا یقوم مقام الدُّربه والعاده.

ومنها النصیحه الواجبه علی أهل العلم لجماعه المسلمین فی إفادتهم ما لعلَّهم یحتاجون إلیه. وقدروینا عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «ألا إن الدینَ النصیحه لله ولکتابه ولأئمه المسلمین وعامتهم».

والخله الثالثه هی التی أکثر القصد : أنی قرأت کتباً تصدَّی مؤلفوها لتحصیل لغات العرب فیها ، مثل کتاب «العین» المنسوب إلی الخلیل ، ثم کتب من احتذی حَذْوَه فی عصرنا هذا. وقد أخلَّ بها ما أنا ذاکره من دَخَلها وعَوارها بعقب ذکری الأئمهِ المتقنین وعلماء اللغه المأمونین علی ما دوّنوه من الکتب وأفادوا ، وحصَّلوا من اللغات الصحیحه التی روَوها عن العرب ، واستخرجوها من دواوین الشعراء المعروفین وحفظوها عن فصحاء الأعراب.

وألفیت طلاب هذا الشأن من أبناء زماننا لا یعرفون من آفات الکتب المصحَّفه المدخوله ما عرفتُه ، ولا یمیزون صحیحها من سقیمها کما میزتُه. وکان من النصیحه التی التزمتُها توخِّیاً للمثوبه من الله علیها ، أن أنصحَ عن لغه العرب ولسانها العربیّ الذی نزل به الکتاب ، وجاءت السنن والآثار ، وأن أهذّبها بجهدی غایه التهذیب ، وأدلَّ علی التصحیف الواقع فی کتب المتحاذقین ، والمُعْوِر من التفسیر المزال عن وجهه ، لئلا یغترّ به من یجهله ، ولا یعتمده من لا یعرفه.

وکنت منذُ تعاطیتُ هذا الفنَّ فی حداثتی إلی أن بلغتُ السبعین ، مولعاً بالبحث

ص: 7

عن المعانی والاستقصاء فیها ، وأخذها من مظانها ، وإحکام الکتب التی تأتَّی لی سماعُها من أهل الثبت والأمانه للأئمه المشهّرین ، وأهل العربیه المعروفین.

وکنت امتُحنت بالإسار سنهَ عارضتِ القرامطهُ الحاجَّ بالهبیر ، وکان القومُ الذین وقعتُ فی سهمهم عرباً عامتهم من هوازن ، واختلط بهم أصرامٌ من تمیم وأسد بالهبیر نشئوا فی البادیه یتتبعون مساقط الغیث أیامَ النُّجَع ، ویرجعون إلی أعداد المیاه ، ویرعون النَّعمَ ویعیشون بألبانها ، ویتکلمون بطباعهم البدویه وقرائحهم التی اعتادوها ، ولا یکاد یقع فی منطقهم لحنٌ أو خطأ فاحش. فبقیت فی إسارهم دهراً طویلاً.

وکنا نتشتَّی الدَّهناء ، ونتربع الصَّمَّان ، ونتقیَّظ السِّتارَین ، واستفدت من مخاطباتهم ومحاوره بعضهم بعضاً ألفاظاً جمّه ونوادر کثیره ، أوقعتُ أکثرها فی مواقعها من الکتاب ، وستراها فی موضعها إذا أتَتْ قراءتک علیها إن شاء الله.

ص: 8

حمّاد بن الزبرقان ، ویونس یفضّلانه.

وأخبرنی أبو محمد عن أبی خلیفه عن محمد بن سلام أنه قال : سمعتُ یونس یقول : لو کان أحدٌ ینبغی أن یؤخذ بقوله کله فی شیء کان ینبغی لقول أبی عمرو بن العلاء فی العربیه أن یؤخذَ کلُّه ، ولکن لیسَ من أحدٍ إلّا وأنت آخذٌ من قوله وتارک.

وقال یونس : کان أبو عمرو أشدَّ تسلیماً للعرب ، وکان ابن أبی إسحاق وعیسی یطعنان علیهم.

قلت : ومن هذه الطبقه خلفٌ الأحمر : أخبرنی أبو بکر الإیادی عن شمر عن أبی عُبید عن الأصمعیّ قال : سمعت خلفاً الأحمر یقول : سمعتُ العربَ تُنشِد بیت لبید :

بأخِرّه الثَّلبوتِ یربأ فوقها

قفرَ المراقب خوفُها آرامها

قال أبو عبید : وخلفٌ الأحمر معلم الأصمعیّ ومعلِّم أهل البصره.

وقال الأصمعیّ : کان خلفٌ مولی أبی برده بن أبی موسی ، أعتقَ أبوَیه ، وکانا فرغانیین ، وکان یقول الشعر فیُجید ، وربما قال الشعرَ فنحلهُ الشعراءَ المتقدِّمین فلا یتمیز من شعرهم ، لمشاکله کلامه کلامهم.

وأخبرنی أبو محمد عن أبی خلیفه عن محمد بن سلام أنه قال :

کان الخلیل بن أحمد : وهو رجلٌ من الأزد من فراهید - قال : ویقال رجلٌ فراهیدیّ. وکان یونس یقول فُرهودیّ مثل قُردوسیّ - قال : فاستخرجَ من العروض واستنبط منه ومن علله ما لم یستخرجه أحد ، ولم یسبقه إلی علمه سابقٌ من العلماء کلهم.

قال ابن سلام : وکان خلف بن حیَّان أبو مُحرز - وهو خلفٌ الأحمر - أجمعَ أصحابنا أنه کان أفرسَ الناس ببیت شعر وأصدقه لساناً ؛ کنَّا لا نبالی إذا أخذنا عنه خبراً أوّ أنشدَنا شعراً ألَّا نسمعه من صاحبه.

ومن هذه الطبقه المفضل بن محمد الضبیّ الکوفی : وکان الغالبُ علیه روایه الشعر وحفظ الغریب.

وحدّثنی أبو محمد عن أبی خلیفه عن محمد بن سلّام أنه قال : أعلمُ من وردَ علینا من أهل البصره المفضَّل بن محمد الضبیّ.

وروی غیره أنَّ سلیمان بن علیٍّ الهاشمیَّ جمعَ بالبصره بین المفضل وبین

ص: 10

الأصمعیّ ، فأنشد المفضل قول أوس بن حجر :

أیتها النفس أجمِلی جزَعا

إنَّ الذی تحذرین قد وقعا

وفیها :

وذات هِدمٍ عارٍ نواشرُها

تصمتُ بالماء تولباً جذَعا

ففطن الأصمعیّ لخطئه ، وکان أحدث سنًّا منه فقال : إنما هو «تولبا جذَعا» وأراد تقریره علی الخطأ ، فلم یفطن المفضل لمراده فقال : کذلک أنشدتهُ ، فقال له الأصمعی حینئذٍ : أخطأتَ ، إنما هو «تولباً جدِعاً»! فقال المفضل : جذَعا جذعا! ورفع صوته فقال له الأصمعیُّ : لو نفختَ فی الشبُّور ما نفعک! تکلم کلامَ النملِ وأصبْ ، إنما هو «جدِعا». فقال سلیمانُ الهاشمی : اختارا من نجعله بینکما. فاتّفقا علی غلامٍ من بنی أسدٍ حافظٍ للشعر ، فبعثَ سلیمانُ إلیه من أحضره ، فعرضا علیه ما اختلفا فیه فصدَّق الأصمعیَّ وصوَّب قوله ، فقال له المفضل : وما الجَدِع؟ قال : السیء الغِذاء.

قلت : وهذا هو فی کلام العرب ، یقال : أجدعتْه أمه ، إذا أساءت غذاءه.

ومن هذه الطبقه : أبو محمد عبد الله بن سعید : أخو یحیی بن سعیدٍ الأمویّ الذی یروی عنه أبو عبیدٍ ، وکان جالس أعراباً من بنی الحارث بن کعب ، وسألهم عن النوادر والغریب ، وکان مع ذلک حافظاً للأخبار والشعر وأیام العرب.

ومن هذه الطبقه : النضر بن شُمیل المازنی : سکن البصره وأقام بها دهراً طویلاً ، وسمع الحدیث وجالس الخلیلَ بن أحمد ، وأبا خَیره الأعرابیَّ ، وأبا الدُّقیش ، واستکثر عنهم.

ومنهم : أبو الحسن سعید بن مسعده المعروف بالأخفش : وکان الغالب علیه النحو ومقاییسه ، ولم یکن حافظاً للغریب ولا مُلحقاً بطبقته التی ألحقناه بها فی معرفه الشعر والغریب.

ومنهم : أبو مالک عمرو بنِ کِرْکِرَه : وکان الغالب علیه النوادر والغریب.

فأما أبو زید سعید بن أوس الأنصاریّ : فإنه سمع من أبی عمرو بن العلاء القراءات وجَمعها ، ورواها عنه أبو حاتم الرازی وغیره ، وهو کثیر الروایه عن الأَعراب ، وقرأ دواوین الشعراء علی المفضل بن محمد الضبیّ ، وجالس أبا الدُّقیش الأعرابیّ ، ویونسَ النحویّ وأبا خیرهَ العدویّ. والغالب علیه النوادر والغریب ؛ وله فضلُ معرفهٍ بمقاییس النحو ، وعلم القرآن وإعرابه. روی عنه أبو عبید القاسم بن سلَّام ووثّقه. وروی عنه أبو حاتم السِّجزی وقدّمه واعتد بروایته عنه. وروی عنه أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن هانیء النیسابوریُّ النوادرَ والشعر ، وربما جمع بینه وبین أبی مالک عمرو بن کِرْکِره فیما یروی عنهما من الأمثال والغریب والألفاظ.

ولأبی زید من الکتب المؤلفه کتاب «النوادر الکبیر» ، وهو کتابٌ جامعٌ للغرائب الکثیره والألفاظ النادره والأمثال السائره والفوائد الجمَّه. وله «کتابٌ فی النحو» کبیر ، وله «کتابٌ فی الهمز» ، وکتابٌ فی «معانی القرآن» ، وکتابٌ فی «الصفات».

وروی أبو العباس أحمد بن یحیی عن أبی نجْده عن أبی زید الأنصاری ، أخبرنی بذلک المنذری عن أبی العباس. وروَی أیضاً عن أبی إسحاق الحرْبی عن أبی عدنان عنه. وروی أبو عمر الورّاق عن أبی العباس عن ابن نجده عن أبی زید شیئاً کثیراً.

وحدّثنی المنذری عن أبی بکر الطلحی قال : حدّثنی عسْل بن ذَکوان البصری عن رُفیع بن سلمه عن أبی زید أنه قال : دخلتُ علی أبی الدُّقیش الأعرابیّ وهو مریضٌ فقلت : کیف تجدُک یا أبا الدُّقیش؟ فقال : أجد ما لا أشتهی ، وأشتهی ما لا أجد ، وأنا فی زمان سوءٍ ، زمان من وجد لم یجُد ، ومن جاد لم یَجدْ.

ص: 12

وما کان فی کتابی لأبی عبید عنه ، فما کان منه فی تفسیر «غریب الحدیث» فهو مما أخبرنی به عبد الله بن هاجَک عن أحمد بن عبد الله بن جَبَلَه عن أبی عبید. وما کان فیه من الغریب والنوادر فهو مما أخبرنی أبو بکر الإیادی عن شِمر لأبی عبید عنه. وما کان فیه من الأمثال فهو مما أقرأنیه المنذری وذکر أنه عرضه علی أبی الهیثم الرازیّ. وما کان فیه من «نوادر أبی زید» فهو من «کتاب ابن هانیء» عنه. وما کان فی کتابی لأبی حاتم فی القرآن عن أبی زید فهو مما سمعتُه من أبی بکر بن عثمان السِّجزی ، حدثنا به عن أبی حاتم. وأفادنی المنذری عن ابن الیزیدی عنه فوائد فی القرآن ذکرتها فی مواضعها من الکتاب.

وأما أبو عمرو الشَّیبانی : فاسمُه إسحاق بن مُراد : وکان یقال له أبو عمرو الأحمر جاورَ بنی شیبان بالکوفه فنُسب إلیهم ، ثمّ قدم بغداد وسمع منه أبو عبیدٍ وروی عنه الکثیرَ ووثّقه. وکان قرأ دواوین الشِّعر علی المفضل الضبی ، وسمعها منه أبو حسان ، وابنه عمرو بن أبی عمرو. وکان الغالب علیه النوادرَ وحفظَ الغریب وأراجیز العرب. وله کتابٌ کبیر فی «النوادر» قد سمعه أبو العباس أحمد بن یحیی من ابنه عمرو عنه. وسمع أبو إسحاق الحربیُّ هذا الکتاب أیضاً من عمرو بن أبی عمرو. وسمعتُ أبا الفضل المنذری یروی عن أبی إسحاق عن عمرو بن أبی عمروٍ جملهً من الکتاب ، وأودعَ أبو عُمرَ الورَّاقُ کتابه أکثرَ نوادره. رواها عن أحمد بن یحیی عن عمرو عن أبیه.

وکان أبو عمروٍ عمّر عُمراً طویلاً ، نیف علی المائه ، وروی عنه ابن السکیت وأبو سعید الضریر وغیرهما ، وکان ثقه صدوقاً.

وأما أبو عبیده معْمر بن المثنَّی : فإن أبا عبیدٍ ذکر أنه تیمیّ من تیم قریش ، وأنه مولی لهم ، وکان أبو عبیدٍ یوثقه ویکثر الروایه عنه فی کتبه.

فما کان فی کتابی لأبی عبید عنه فی «غریب الحدیث» فهو مما حدثنی به عبد الله بن هاجَک عن ابن جبله عن أبی عبید ، وما کان من الصفات والنوادر فهو مما أخبرنی به الإیادی عن شمر لأبی عبید عنه ، وما کان من «غریب القرآن» فهو مما أسمعنیه المنذری عن أبی جعفر الغسانیِّ عن سلمه عن أبی عبیده.

وله کتابٌ فی «الخیل وصفاتها» ، ناولنیه أبو الفضل المنذری ، وذکر أنه عرضه علی أبی الهیثم الرازی. وله کتبٌ کثیره فی أیام العرب ووقائعها ، وکان الغالب علیه الشعر ، والغریب وأخبار العرب ، وکان مُخلاً بالنحو کثیر الخطأ ، وکان مع ذلک مغرًی بنشر مثالب العرب ، جامعاً لکل غثٍّ وسمین ، وهو مذمومٌ من هذه الجهه ، وموثوق به

ص: 13

فیما یروی عن العرب من الغریب.

وأما أبو سعید عبد الملک بن قُرَیب الأصمعی : فإنَّ أبا الفضل المنذریَّ أخبرنی عن أبی جعفر الغسانی عن أبی محمد سَلمه بن عاصم أنه قال : کان الأصمعی أذکی من أبی عبیده وأحفظ للغریب منه ، وکان أبو عبیده أکثر روایه منه. قال : وکان هارون الرشید استخلص الأصمعی لمجلسه ، وکان یرفعه علی أبی یوسف القاضی ویجیزه بجوائز کثیره. وکان أکثر علمه علی لسانه.

وأخبرنی المنذریّ عن الصیداوی عن الریاشیّ قال : سمعتُ الأصمعیَّ یقول : خیر العلم ما حاضرت به. قال : وکان شدید التوقِّی لتفسیر القرآن ، صدوقاً صاحب سنه ، عمّرَ نیفاً وتسعین سنه ، وله عقب. وأبو عبیدٍ کثیر الروایه عنه. ومن رواته أبو حاتم السجستانی وأبو نصر الباهلی صاحبُ کتاب «المعانی».

وکان أملی ببغداد کتاباً فی «النوادر» فَزِید علیه ما لیس من کلامه. فأخبرنی أبو الفضل المنذری عن أبی جعفر الغسانیّ عن سلمه قال :

جاء أبو ربیعه صاحب عبد الله بن ظاهر صدیقُ أبی السمراء ، بکتاب «النوادر» المنسوب إلی الأصمعی فوضعه بین یدیه ، فجعل الأصمعی ینظر فیه ، فقال : لیس هذا کلامی کله ، وقد زِید فیه علیَّ ، فإن أحببتم أن أعْلِم علی ما أحفظه منه وأضرب علی الباقی فعلتُ وإلّا فلا تقرءوه. قال سلمه بن عاصم : فأعلم الأصمعی علی ما أنکر من الکتاب ، وهو أرجحُ من الثلث ، ثم أمَرنا فنسخناه له.

وجمع أبو نصر علیه کتاب «الأجناس» ، إلّا أنه ألحق بأبوابه حروفاً سمعها من أبی زید وأتبعه بأبواب لأبی زید خاصه.

وله کتابٌ فی «الصفات» یشبه کلامه ، غیر أن الثقاتِ لم یرووه عنه.

وروی أبو العباس أحمد بن یحیی عن أبی نصر عن الأصمعیّ نوادر وأمثالاً وأبیاتاً من المعانی ؛ وذکر أنَّ أبا نصر ثقه ، وأبو إسحاق الحربی کثیر الروایه عن أبی نصر.

وما وقع فی کتابی لأبی عبید عن الأصمعی فما کان منه فی تفسیر «غریب الحدیث» فهو مما أخبرنی عبد الله بن محمد بن هاجَک عن أحمد بن عبد الله عن أبی عبید. وما کان منها فی «الصفات» و «النوادر» والأبواب المتفرقه فهو مما أخبرنی به أبو بکر الإیادی عن شِمر لأبی عبید.

ص: 14

وما وقع فی کتابی لإبراهیم الحربی عن أبی نصر عن الأصمعی فهو مما أفادنیه المنذری عن الحربی. وما کان من جهه أحمد بن یحیی روایهً عن أبی نصر عن الأصمعی فهو من کتاب أبی عمر الورَّاق.

وما رأیت فی روایته شیئا أنکرته.

وأما أبو الحسن علیّ بن حمزه الکسائی : فإن أبا الفضل المنذری حدثنی عن أبی جعفر الغسانیّ عن أبی عُمَر المقریء أنه قال : کان الکسائیّ قرأ القرآن علی حمزه الزّیات فی حداثته ، وکان یختلف إلیه ، وأُولع بالعلل والإعراب ، وکانت قبائل العرب متصله بظاهر الکوفه ، فخرج إلیهم وسمِع منهم اللغاتِ والنوادر ، أقام معهم شهراً وتزیا بزیِّهم ، ثم عاد إلی الکوفه وحضَر حمزَهَ وعلیه شَمْلتان قد ائتزر بإحداهما وارتدی الأخری ، فجثا بین یدیه وبدأ بسوره یوسف ، فلما بلغ (الذِّئْبُ) [یُوسُف : 13] لم یهمز وهمزَ حمزهُ ، فقال الکسائیّ : یُهمَز ولا یُهمَز. فسکت عنه فلما فرغَ من قراءته قال له حمزه : إنّی أشبه قراءتک بقراءه فتًی کان یأتینا یقال له علی بن حمزه. فقال الکسائیّ : أنا هو. قال : تَغیَّرتَ بعدی فأینَ کنت؟ قال : أتیتُ البادیه وکان فی نفسی أشیاءُ سألتُ العرب عنها ففرَّجوا عنی ، فلمّا دخلتُ المسجد لم تَطِب نفسی أن أجوز المسجدَ حتی أسلم علیک.

قال أبو عُمر : ثمّ دخل بغداد أیامَ المهدیّ ، وطُلب فی شهر رمضان قاریء یقرأ فی دار أمیر المؤمنین فی التراویح ، فذُکر له الکسائیُّ ، فصلَّی بمن فی الدار ، ثم أُقعِدَ مؤدباً لابن أمیر المؤمنین ، وأمر له بعشره آلاف درهم وکسوه وبرّ ، ودار وبرذون.

قال أبو جعفر : وکان الکسائی مولی بنی أسَد. ولما نهض هارون الرشید إلی خراسان أنهضه معه ، فکان یزاملهُ فی سفره ، ولما انتهی إلی الریّ ماتَ بها.

قلت : وللکسائیّ کتابٌ فی «معانی القرآن» حسنٌ ، وهو دونَ کتاب الفراء فی «المعانی» وکان أبو الفضل المنذریّ ناولَنی هذا الکتاب وقال فیه : أخبرتُ عن محمد بن جابر ، عن أبی عُمر عن الکسائیّ. وله کتابٌ فی «قراءات القرآن» ، قرأته علی أحمد بن علیّ بن رَزِین وقلت له : حدّثکم عبد الرحیم بن حبیب عن الکسائیّ. فأقرَّ به إلی آخره. وله کتابٌ فی «النوادر» رواه لنا المنذری عن أبی طالب عن أبیه عن الفراء عن الکسائی.

فما کان فی کتابی لسَلمَه عن الفرّاء عن الکسائی فهو من هذه الجهه ، وما کان فیه لأبی عبیدٍ عن الکسائیّ فهو مما أسمعنیه الإیادیّ عن شِمر لأبی عبید ، أو أسمعنیه ابن هاجَک عن ابن جبله عن أبی عبید فی «غریب الحدیث».

ص: 15

وکان الغالب علی الکسائیّ اللغاتِ والعِللَ والإعراب ، وعلْم القرآن وهو ثقه مأمون ، واختیاراته فی حروف القرآن حسنه ، والله یغفر لنا وله.

وأما أبو محمد یحیی بن المبارَک الیزیدی : فإنه جالسَ أبا عمرو بن العلاء دهراً ، وحفظ حروفَه فی القرآن حِفظاً زیْناً ، وضبط مذاهبه فیها ضبطاً لا یتقدمه أحد من أصحاب أبی عمرو. وکان فی النحو والعلل ومقاییسها مبرِّزاً ، وجالسَه أبو عبید فاستکثَر عنه.

وأقرأنی الإیادیّ عن شِمر لأبی عبیدٍ عن الیزیدی أنه قال : سألنی المهدیّ وسأل الکسائیّ عن النسبه إلی البحرین ، وعن النسبه إلی حصْنَین لم قالوا رجل حصْنیّ ورجل بحرانیّ؟ قال : فقال الکسائیّ : کرهوا أن یقولوا حِصْنانی لاجتماع النُّونین. قال : وقلت أنا : کرهوا أن یقولوا بحریّ فیشبه النسبه إلی البحر.

قال شِمر : وقال الیزیدیُّ بیتاً فی الکسائیّ :

إن الکسائیَّ وأصحابه

ینحطُّ فی النحو إلی أسفل

وللیزیدیّ کتابٌ فی «النحو» ، وکتابٌ فی «المقصور والممدود» ، وبلغنی أنّ له کتاباً فی «النوادر» ، وهو فی الجمله ثقه مأمون حسنُ البیان جیّد المعرفه ، أحدُ الأعلام الذین شُهِروا بعلم اللغات والإعراب.

وأما النَّضر بن شُمَیل المازنیّ : فإنّه لزمَ الخلیلَ بن أحمد أعواماً ، وأقام بالبصره دهراً طویلاً. وکان یدخُل المِرْبَد وَیلقی الأعراب ویستفید من لغاتهم وقد کتب الحدیثَ ولقیَ الرِّجال. وکان ورِعاً دیِّناً صدوقاً. وله مصنفاتٌ کثیره فی «الصفات» و «المنطق» و «النوادر». وکان شِمْر بن حَمْدُویهَ صرفَ اهتمامه إلی کتبه فسمِعها من أحمد بن الحَرِیش ، القاضی کانَ بَهرَاهَ أیام الطاهریه.

فما عَزَیت فی کتابی إلی ابن شُمیل فهو من هذه الجهه ، إلّا ما کان منها فی تفسیر «غریب الحدیث» ، فإنّ تلک الحروف رواها عن النضر أبو داود سُلیمان بن سَلْم المصاحفی ، رواها عن أبی داود عبد الصمد بن الفضل البلخی ، ورواها لنا عن عبد الصمد أبو علی بن محمد بن یحیی القَرَّاب ، شیخ ثقه من مشایخنا. وحملتْ نسختُه المسموعه بعد وفاته إلیّ. فما کان فی کتابی معزیاً إلی النضر روایه أبی داود فهو من هذه الجهه.

وتوفی النضر سنه ثلاث ومائتین رَحِمه الله.

ومن متأخّری هذه الطبقه علیّ بن المبارک الأحمر : الذی یروِی عنه أبو عبید.

ص: 16

وحدّثنی المنذریّ عن أبی جعفر الغسّانی عن سلمه أنه قال : کان الأحمر یحفظ ثلاثین ألف بیتٍ من المعانی والشواهد ، فأتاه سیبویهِ فناظرَه ، فأفحمه الأحمر. وکان مَرُّوذیاً وهو أوّل من دوّن عن الکسائی. قال : وقال الفراء : أتیتُ الکسائیَّ وإذا الأحمرُ عنده ، غلامٌ أشقر ، یسأله ویکتُب عنه فی ألواحٍ وقد بَقَلَ وجههُ. ثم برَّز حتی کان الفراء یأخذ عنه. وکان الغالب علیه النحو والغریب والمعانی.

وما وقع فی کتابی لأبی عبید عن الأحمر فهو سماعٌ علی ما بیّنتُه لک من الجهات الثلاث.

ومنهم : أبو زکریاء یحیی بن زیاد الفرّاء : وکان أخذ النحو والغریبَ والنوادر والقراءات ومعانی القرآن عن الکسائیّ ، ثم برَّز بعده وصنَّف کتباً حساناً أملاها ببغداد عن ظهر قلبه.

ومن مؤلّفاته کتابه فی «معانی القرآن وإعرابه» ، أخبرنی به أبو الفضل بن أبی جعفرٍ المنذریّ عن أبی طالب بن سلمه عن أبیه عن الفراء ، لم یفُتْهُ من الکتاب کلِّه إلّا مقدار ثلاثه أوراق فی سوره الزخرف. فما وقع فی کتابی للفراء فی تفسیر القرآن وإعرابه فهو مما صحَّ روایهً من هذه الجهه. وللفراء کتابٌ فی «النوادر» أسمَعنیه أبو الفضل بهذا الإسناد. وله بعدُ کتبٌ منها کتابٌ فی «مصادر القرآن» ، وکتابٌ فی «الجمع والتثنیه» ، وکتابٌ فی «التأنیث والتذکیر» ، وکتابٌ فی «الممدود والمقصور» ، وکتابٌ یُعرَف بیافع ویَفَعهٍ. وله فی النحو «الکتاب الکبیر». وهو ثقه مأمون. قاله أبو عبیدٍ وغیره. وکان من أهل السُّنّه ، ومذاهبه فی التفسیر حسنه.

ومن هذه الطبقه : عمرو بن عثمان ، الملقّب بسیبویه ، النحویّ : وله «کتابٌ» کبیر فی النحو. وکان علّامهً حسنَ التصنیف ، جالس الخلیل بن أحمد وأخذ عنه مذاهبَه فی النحو ، وما علمت أحداً سمع منه «کتابَه» هذا ، لأنّه احتُضِرَ وأسرعَ إلیه الموت. وقد نظرتُ فی کتابه فرأیتُ فیه علماً جمًّا. وکان أبو عثمان المازنیّ وأبو عُمَر الجرمیُّ ، یحتذیان حذوَه فی النحو ، وربّما خالفوه فی العَلَل. وکان سیبویه قدِم بغداد ثم عاد إلی مسقط رأسه بالأهواز فمات وقد نیَّف علی الأربعین.

ومنهم : عبد الرحمن بن بُزْرُج : وکان حافظاً للغریب وللنوادر. وقرأتُ له کتاباً بخطّ أبی الهیثم الرازیّ فی «النوادر» ، فاستحسنتُه ووجدتُ فیه فوائدَ کثیره. ورأیتُ له حروفاً فی کتب شِمْر التی قرأتُها بخطِّه. فما وقع فی کتابی لابن بُزْرُجَ فهو من هذه الجهات.

ص: 17

وأخبرنی بعضُ الثقات أن المفضّل بن محمد کان تزوَّج أمّه ، وأنّه ربیبُه. وقد سمِع من المفضَّل دواوین الشعراء وصحَّحها علیه ، وحفظ من الغریب والنوادر ما لم یحفظْه غیره. وکانت له معرفهٌ بأنساب العرب وأیّامها ، وسمع من الأعراب الذین کانوا ینزلون بظاهر الکوفه من بنی أسَدٍ وبنی عُقیل فاستکثر ، وجالسَ الکسائیَّ وأخذَ عنه النوادرَ والنحو.

وأخبرنی المنذریّ عن المفضَّل بن سلمه عن أبیه أنه قال : جری ذکر ابن الأعرابی عند الفرّاء فعرَفه وقال : هُنَیٌّ کان یزاحمنا عند المفضَّل!

وکان الغالب علیه الشعرَ ومعانیه ، والنوادر والغریب. وکان محمد بن حبیب البغدادی جمعَ علیه کتابَ «النوادر» ورواه عنه ، وهو کتابٌ حسن. وروی عنه أبو یوسف یعقوب بن السکِّیت ، وأبو عَمرو شِمْر بن حَمْدُوَیه ، وأبو سعید الضریر ، وأبو العباس أحمد بن یحیی الشیبانی الملقَّب بثعلب.

وأخبرنی أبو الفضل المنذریّ أن أبا الهیثم الرازی حثَّه علی النهوض إلی أبی العباس ، قال : فرحلتُ إلی العراق ودخلتُ مدینه السلام یومَ الجمعه وما لی هِمّهٌ غیره ، فأتیتُه وعرَّفتُه خبری وقصدی إیّاه ، فاتَّخذَ لی مجلساً فی «النوادر» التی سمعها من ابن الأعرابی حتی سمِعتُ الکتابَ کلَّه منه ، قال : وسألته عن حروف کانت أشکلت علی أبی الهیثم ، فأجابنی عنها.

وکان شِمر بن حَمْدویه جالس ابن الأعرابیّ دهراً وسمع منه دواوین الشعر وتفسیر غریبها. وکان أبو إسحاق الحربیّ سمع من ابن الأعرابی ، وسمع المنذری منه شیئاً کثیراً. فما وقع فی کتابی لابن الأعرابی فهو من هذه الجهات ، إلّا ما وقع فیه لأبی عُمَر الورَّاق ، فإن کتابه الذی سمَّاه «الیاقوته» وجَمَعَه علی أبی العباس أحمد بن یحیی وغیره ، حُمِل إلینا مسموعاً منه مضبوطاً من أوَّله إلی آخره. ونهضَ ناهضٌ من عندنا إلی بغداد ، فسألته أن یذکر لأبی عُمَر الکتاب الذی وقع إلینا وصورتَه وصاحبَه الذی سمعه منه ، قال : فرأیت أبا عُمر وعرَّفته الکتاب فعرَفه ، قال : ثم سألته إجازتَه لمن وقَع إلیه فأجازه. وهو کتابٌ حسن ، وفیه غرائب جَمَّه ، ونوادر عجیبه ، وقد تصفّحته مراراً فما رأیت فیه تصحیفاً.

ومن هذه الطبقه : أبو الحسن علی بن حازم اللِّحیانی : أخبرنی المنذریّ عن أبی جعفر الغَسَّانیّ عن سَلَمه بن عاصم أنّه قال : کان اللِّحیانی من أحفظ الناس للنوادر عن الکسائی والفرّاء والأحمر ، قال : وأخبرنی أنّه کان یَدْرُسها باللیل والنهار ، حتی فی الخلاء.

ص: 19

وأخبرنی أبو بکر الإیادیّ أنه عرض «النوادر» الذی للِّحیانی علی أبی الهیثم الرازی ، وأنه صححه علیه.

قلت : قد قرأتُ نسختی علی أبی بکر وهو ینظر فی کتابه. فما وقع فی کتابی للِّحیانی فهو من کتاب «النوادر» هذا.

ومن هذه الطبقه : نُصَیر بن أبی نُصَیر الرازی : وکان علّامهً نحویاً ، جالسَ الکسائی وأخذ عنه النحو وقرأ علیه القرآن. وله مؤلفات حِسانٌ سمعها منه أبو الهیثم الرازی ، ورواها عنه بهَرَاه. فما وقع فی کتابی هذا له فهو مما استفاده أصحابنا من أبی الهیثم وأفادوناه عنه. وکان نُصیرٌ صدوقَ اللهجه کثیر الأدب حافظاً ، وقد رأی الأصمعی وأبا زید وسمع منهما.

ومن هذه الطبقه : عمرو بن أبی عمرو الشیبانی : روی کتابَ «النوادر» لأبیه ، وقد سمعه منه أبو العباس أحمد بن یحیی ، وأبو إسحاق إبراهیم الحربی ، ووثَّقه کلُّ واحدٍ منهما. فما وقع فی کتابی لعمرو عن أبیه فهو من هذه الجهه.

ومنهم : أبو نصر صاحب الأصمعیّ ، والأثرم صاحب أبی عبیده ، وابن نجده صاحب أبی زید الأنصاری روی عن هؤلاء کلِّهم أبو العباس أحمد بن یحیی ، وأبو إسحاق الحربی. فما کان فی کتابی مَعزِیّا إلی هؤلاء فهو مما أُثبت لنا عن هذین الرجلین.

ومنهم : أبو حاتم السِّجِستانی : وکان أحد المتقنین. جالس الأصمعی وأبا زید وأبا عبیده. وله مؤلفات حسانٌ وکتابٌ فی «قراءات القرآن» جامعٌ ، قرأه علینا بهَراهَ أبو بکر بن عثمان. وقد جالسَه شِمر وعبد الله بن مسلم بن قُتَیبه ووثّقاه. فما وقع فی کتابی لأبی حاتمٍ فهو من هذه الجهات. ولأبی حاتم کتاب کبیر فی «إصلاح المزال والمفسَد» ، وقد قرأته فرأیته مشتملاً علی الفوائد الجمَّه ، وما رأیت کتاباً فی هذا الباب أنبل منه ولا أکمل.

ومنهم : أبو یوسف یعقوب بن إسحاق السکِّیت : وکان دیناً فاضلاً صحیح الأدب ، لقی أبا عمرو الشیبانی ، وأبا زکریا یحیی بن زیاد الفراء ، وأبا عبد الله محمد بن زیاد المعروف بابن الأعرابی ، وأبا الحسن اللِّحیانی. ولقی الأصمعیَّ فیما أحسب ؛ فإنه کثیر الذِّکر له فی کتبه. وَیروِی مع ذلک عن فصحاء الأعراب الذین لقیهم ببغداد.

وله مؤلَّفات حسان ، منها کتاب «إصلاح المنطق» ، وکتاب «المقصور والممدود» ، وکتاب «التأنیث والتذکیر» ، وکتاب «القلب والإبدال» ، وکتاب فی «معانی الشعر». روی

ص: 20

لنا أبو الفضل المنذریُّ هذه الکتبَ ، إلّا ما فاته منها ، عن أبی شُعیب الحَرَّانی عن یعقوب. قال أبو الفضل : سمعتُ الحَرَّانی یقول : کتبت عن یعقوب بن السکیت من سنه خمس وعشرین إلی أن قُتِل قال : وقُتل قبل المتوکل بسنه. وکان یؤدِّب أولادَ المتوکل. قال : وقُتل المتوکِّل سنه سبعٍ وأربعین.

قال الحرَّانی : وقَتل المتوکِّل یعقوبَ بن السکیت ، وذلک أنه أمره أن یشتِم رجلاً من قُریش وأن یَنال منه ، فلم یَفعَل ، فأمر القرشیَّ أن ینال منه فنال منه ، فأجابه یعقوب ، فلما أن أجابه قال له المتوکِّل : أمرتک أن تفعلَ فلم تفعلْ فلمّا أن شَتَمکَ فعلت! فأمر به فضُرب ، فحمِل من عنده صریعاً مقتولاً ، ووجّه المتوکِّل من الغد إلی ابن یعقوب عشره آلاف درهم دِیَته.

قلت : وقد حُمِل إلینا کتابٌ کبیر فی «الألفاظ» مقدار ثلاثین جلداً ونُسِب إلی ابن السکیت ، فسألت المنذریّ عنه فلم یَعرفْه ، وإلی الیوم لم أقف علی مؤلف الکتاب علی الصحَّه. وقرأت هذا الکتابَ وأعلمتُ منه علی حروف شککتُ فیها ولم أعرفْها ، فجاریتُ فیها رجلاً من أهل الثَّبَت فعرفَ بعضَها وأنکر بعضَها ، ثم وجدتُ أکثر تلک الحروف فی کتاب «الیاقوته» لأبی عُمر. فما ذکرتُ فی کتابی هذا لابن السکیت من کتاب «الألفاظ» فسبیله ما وصفْتُه ، وهو غیر مسموعٍ فاعلمْه.

ومن هذه الطبقه : أبو سعید البغدادی الضریر : وکان طاهر بن عبد الله استقدَمه من بغداد ، فأقام بنیسابور وأملی بها کتباً فی معانی الشعر والنوادر ، وردَّ علی أبی عبید حروفاً کثیره من کتاب «غریب الحدیث». وکان لقی ابن الأعرابی وأبا عمرو الشیبانیّ. وحفظ عن الأعرابی نکتاً کثیره. وقدم علیه القتیبیُّ فأخذ عنه. وکان شِمر وأبو الهیثم یوثِّقانه ویثنیان علیه ، وکان بینه وبین أبی الهیثم فضلُ مودّهٍ. وبلغنی أنه قال : یؤذینی أبو الهیثم فی الحسین بن الفضل وهو لی صدیق.

فما وقع فی کتابی هذا لأبی سعید فهو مما وجدته لِشمر بخطِّه فی مؤلَّفاته.

ومن هذه الطبقه : أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن هانیء النیسابوری : أخبرنی أبو الفضل المنذریّ أنه سمع أبا علیّ الأزدیّ یقول : سمعت الهذیل بن النضر بن بارح یَحکِی عن أبی عبد الرحمن بن هانیء أنه قال : أنفق أبی علی الأخفش اثنی عشر ألف دینار.

قال أبو علی : وبلغنی أن کتب أبی عبد الرحمن بیعت بأربعمائه ألف درهم.

قال : وسمعت شمراً یقول : کنت عند أبی عبد الرحمن فجاءه وکیل له یحاسبه ،

ص: 21

فبقی له علیه خمسمائه درهم ، فقال : أیْشٍ أصنعُ به؟ قال : تصدَّقْ به.

قال : وکان أعدّ داراً لکلّ من یَقدَم علیه من المستفیدین ، فیأمر بإنزاله فیها ویُزیح علّته فی النفقه والوَرَق ، ویوسِّع النسخ علیه.

قلت : ولابن هانیء هذا کتابٌ کبیر یُوفی علی ألفی ورقه فی «نوادر العرب وغرائب ألفاظها» ، وفی «المعانی والأمثال». وکان شِمر سمع منه بعضَ هذا الکتاب وفرّقه فی کتبه التی صنّفها بخطه. وحُمِل إلینا منه أجزاء مجلده بسوادٍ بخطٍّ متقَن مضبوط. فما وقع فی کتابی لابن هانیء فهو من هذه الجهه.

ومن هذه الطبقه أبو معاذ النحوی المَرْوَزیّ ، وأبو داود سلیمان بن معبد السِّنجی : وسِنْج : قریه بمَرْو.

فأمّا أبو معاذ فله کتابٌ فی القرآن حسن. وأما أبو داود فإنه جالسَ الأصمعیّ دهراً وحفظ عنه آداباً کثیره ، وکتب مع ذلک الحدیث. وکان محمد بن إسحاق السعدی لقیه وکتب عنه ووثّقه ، وسأله عن حروف استغربها فی الحدیث ففسَّرها له.

ویتلو هذه الطبقه أبو عمرو شِمْر بن حَمْدویه الهَرویّ : وکانت له عنایه صادقه بهذا الشأن ، رحل إلی العراق فی عنفوان شبابه فکتب الحدیث ، ولقی ابن الأعرابی وغیره من اللغویین ، وسمع دواوین الشعر من وجوه شتّی ، ولقی جماعهً من أصحاب أبی عمرو الشیبانی ، وأبی زید الأنصاری ، وأبی عبیده ، والفرّاء. منهم : الریاشیُّ ، وأبو حاتم ، وأبو نصر ، وأبو عدنان ، وسلمه بن عاصم ، وأبو حسّان. ثم لمّا رجع إلی خراسان لقِیَ أصحاب النضر بن شُمَیل ، واللیث بن المظفر ، فاستکثر منهم.

ولما ألقی عصاه بهراه ألّف کتاباً کبیراً فی «اللغات» أسّسه علی الحروف المعجمه وابتدأ بحرف الجیم ، فیما أخبرنی أبو بکر الإیادی وغیره ممن لقیه ، فأشبعه وجوّده ، إلّا أنه طوّله بالشواهد والشعر والروایات الجمّه عن أئمه اللغه وغیرهم من المحدثین ، وأودعه من تفسیر القرآن بالروایات عن المفسِّرین ، ومن تفسیر غریب الحدیث أشیاء لم یسبقه إلی مثله أحدٌ تقدّمه ، ولا أدرک شأوه فیه من بعده. ولما أکمل الکتاب ضنَّ به فی حیاته ولم یُنْسِخْه طُلَّابَه ، فلم یُبارَک له فیما فعله حتی مضی لسبیله. فاختزلَ بعضُ أقاربه ذلک الکتابَ من ترکته ، واتصل بیعقوب بن اللیث السِّجزیّ فقلّده بعض أعماله واستصحبه إلی فارس ونواحیها. وکان لا یفارقه ذلک الکتابُ فی سفر ولا حضر. ولمّا أناخ یعقوب بن اللیث بسِیبِ بنی ماوان من أرض السواد وحطّ بها سَواده ، ورکب فی جماعه المقاتله من عسکره مقدِّراً لقاء الموفَّق وأصحاب السلطان ، فجُرَّ الماء من

ص: 22

النهروان علی معسکره ، فغرِق ذلک الکتاب فی جمله ما غرق من سواد العسکر.

ورأیت أنا من أوّل ذلک الکتاب تفاریق أجزاء بخط محمد بن قَسْورَه ، فتصفَّحتُ أبوابها فوجدتها علی غایه الکمال. والله یغفر لأبی عمرو ویتغمدُ زلته.

والضنُّ بالعلم غیر محمود ولا مبارَک فیه.

وکان أبو تراب الذی ألف کتاب «الاعتقاب» قدم هَرَاه مستفیداً من شِمْر ، وکتب عنه شیئاً کثیراً. وأملی بهراه من کتاب «الاعتقاب» أجزاء ثم عاد إلی نیسابور وأملی بها باقیَ الکتاب. وقد قرأت کتابه فاستحسنته ، ولم أره مجازِفاً فیما أودَعه ، ولا مصحِّفاً فی الذی ألّفه.

وما وقع فی کتابی لأبی ترابٍ فهو من هذا الکتاب.

وتوفی شمر رَحِمه الله - فیما أخبرنی الإیادی - سنه خمس وخمسین ومائتین.

وکان أبو الهیثم الرازی : قدِم هراه قبل وفاه شِمر بِسُنَیَّاتٍ فنظر فی کتبه ومُصَنَّفاته وعَلِقَ یَرُدُّ علیه ، فَنُمِی الخَبَرُ إلی شِمْر فقال : «تَسَلَّحَ الرازیّ علیّ بکتبی!» وکان کما قال ؛ لأنی نظرتُ إلی أجزاء کثیره من أشعار العرب کتبها أبو الهیثم بخطِّه ثم عارضها بنسخ شمر التی سمعها من الشاه صاحب المؤرّج ، ومن ابن الأعرابی ، فاعتبرَ سماعَه وأصلح ما وجد فی کتابه مخالفاً لخطّ شِمر بما صحَّحه شِمر.

وکان أبو الهیثم رَحِمه الله عِلمُه علی لسانه ، وکان أعذبَ بیاناً وأفطنَ للمعنی الخفیِّ ، وأعلم بالنحو من شِمر وکان شمر أروی منه للکتب والشِّعر والأخبار ، وأحفظَ للغریب ، وأرفقَ بالتصنیف من أبی الهیثم.

وأخبرنی أبو الفضل المنذری أنه لازمَ أبا الهیثم سنین ، وعرض علیه الکتب ، وکتب عنه من أمالیه وفوائده أکثر من مائتی جِلد ، وذکر أنه کان بارعاً حافظاً صحیح الأدب ، عالماً ورعاً کثیر الصلاه ، صاحبَ سُنَّه. ولم یکن ضنیناً بعلمه وأدبه.

وتوفی سنه ست وسبعین ومائتین ، رَحِمه الله.

وما وقع فی کتابی هذا لأبی الهیثم فهو مما أفادنیه عنه أبو الفضل المنذریّ فی کتابه الذی لقّبه «الفاخر والشامل». وفی الزیادات التی زادها فی «معانی القرآن» للفرّاء ، وفی کتاب «المؤلَّف» ، وکتاب «الأمثال» لأبی عبید.

ومن هذه الطبقه من العراقیین أبو العباس أحمد بن یحیی الشیبانی : الملقّب بثعلب ، وأبو العباس محمد بن یزید الثُّمَالی الملقَّب بالمبرّد.

ص: 23

وأجمع أهل هذه الصناعه من العراقیین وغیرهم أنهما کانا عالِمیْ عصرهما ، وأن أحمد بن یحیی کان واحدَ عصره. وکان محمد بن یزید أعذبَ الرجلین بیاناً وأحفظهما للشعر المحدَث ، والنادره الطریفه ، والأخبار الفصیحه ، وکان من أعلم الناس بمذاهب البصریین فی النحو ومقاییسه.

وکان أحمد بن یحیی حافظاً لمذهب العراقیین ، أعنی الکسائی والفرّاء والأحمر ، وکان عفیفاً عن الأطماع الدنیه ، متورّعاً مِن المکاسب الخبیثه.

أخبرنی المنذری أنه اختلف إلیه سنهً فی سماع کتاب «النوادر» لابن الأعرابی ، وأنه کان فی أذنه وَقْر ، فکان یتولی قراءه ما یُسمَع منه. قال : وکتبت عنه من أمالیه فی «معانی القرآن» وغیرها أجزاء کثیره ، فما عرَّض ولا صرَّح بشیءٍ من أسباب الطمع.

قال : واختلفت إلی أبی العباس المبرد وانتخبت علیه أجزاءً من کتابیه المعروفَین «بالروضه» و «الکامل». قال : وقاطعته من سماعها علی شیءٍ مسمَّی ، وإنَّه لم یأذن له فی قراءه حکایه واحده ممَّا لم یکن وقع علیه الشرط.

قلت : ویتلو هذه الطبقه :

ومن هذه الطبقه : أبو عبد الله إبراهیم بن محمد بن عَرَفه الملقب بنِفْطَویه : وقد شاهدته فألفیتُه حافظاً للغات ومعانی الشعر ومقاییس النحو ، ومقدَّماً فی صناعته. وقد خدمَ أبا العباس أحمد بن یحیی وأخذ عنه النحو والغریب ، وعُرِف به.

وإذ فرغنا من ذکر الأثبات المتقنین ، والثقات المبرِّزین من اللغویین ، وتسمیتهم طبقهً طبقه ، إعلاماً لمن غَبِیَ علیه مکانُهم من المعرفه ، کی یعتمدوهم فیما یجدون لهم من المؤلفات المرویَّه عنهم ، فلنذکر بعقب ذکرهم أقواماً اتَّسموا بسمه المعرفه وعلم اللغه ، وألَّفوا کتباً أودعوها الصحیح والسَّقیم ، وحشَوْها ب «المزال المُفْسَد» ، والمصَّحف المغیّر ، الذی لا یتمیّز ما یصحّ منه إلّا عند النِّقاب المبرِّز ، والعالم الفطِن ، لنحذِّر الأغمار اعتمادَ ما دوَّنوا ، والاستنامهَ إلی ما ألَّفوا.

فمن المتقدمین : اللیث بن المظفر : الذی نَحَلَ الخلیل بن أحمد تألیف کتاب «العین» جملهً لینفِّقه باسمه ، ویرغِّب فیه مَنْ حوله. وأُثبتَ لنا عن إسحاق بن إبراهیم الحنظلیّ الفقیه أنه قال : کان اللیث بن المظفَّر رجلاً صالحاً ، ومات الخلیل ولم یفرغ من کتاب «العین» ، فأحبَّ اللیث أن ینفِّق الکتابَ کلَّه ، فسمَّی لسانه الخلیل ، فإذا رأیت فی الکتاب «سألت الخلیل بن أحمد» ، أو «أخبرنی الخلیل بن أحمد» فإنه یعنی الخلیل نفسَه. وإذا قال : «قال الخلیل» فإنما یعنی لسان نفسه. قال : وإنما وقع الاضطراب فی الکتاب من قِبَل خلیل اللیث.

قلت : وهذا صحیحٌ عن إسحاق ، رواه الثقات عنه.

وأخبرنی أبو الفضل المنذری أنه سأل أبا العباس أحمد بن یحیی عن کتاب «العین» فقال : ذاک کتابٌ مَلَیْ غُدَدْ قال : وهذا کان لفظ أبی العباس ، وحقُّه عند النحویین ملآن غُدَداً. ولکن أبا العباس کان یخاطب عوامّ الناس علی قدر أفهامهم ، أراد أن فی کتاب «العین» حروفاً کثیره أُزیلت عن صورها ومعانیها بالتصحیف والتغییر ، فهی فاسده کفساد الغدد وضَرِّها آکلَها.

وأخبرنی أبو بکر الإیادی عن بعض أهل المعرفه أنه ذکر کتاب اللیثِ فقال : ذلک کتابُ الزَّمْنَی ، ولا یصلح إلّا لأهل الزوایا.

قلت : وقد قرأت کتاب «العین» غیرَ مرَّه ، وتصفّحته تاره بعد تاره ، وعُنیتُ بتتبُّع ما صُحِّف وغُیِّر منه ، فأخرجته فی مواقعه من الکتاب وأخبرت بوجه الصحَّه فیه ، وبیَّنت وجه الخطأ ، ودللت علی مَوْضع الصواب منه ، وستقف علی هذه الحروف إذا تأمَّلْتَها

ص: 25

فی تضاعیف أبواب الکتاب ، وتحمد الله - إذا أنصفتَ - علی ما أفیدک فیها. والله الموفِّق للصواب ، ولا قوَّهَ إلّا به.

وأمَّا ما وجدتُه فیه صحیحاً ، ولغیر اللیث من الثقات محفوظاً ، أو من فصحاء العرب مسموعاً ، ومن الرِّیبه والشکّ لشهرته وقلَّه إشکاله بعیداً ، فإنی أعْزیه إلی اللیث بن المظفَّر ، وأؤدِّیه بلفظه ، ولعلِّی قد حفظته لغیره فی عدَّه کتب فلم أشتغل بالفحص عنه لمعرفتی بصحَّته. فلا تشکَّنَّ فیه مِن أجلِ أنه زلَّ فی حروفٍ معدوده هی قلیله فی جَنْب الکثیر الذی جاء به صحیحاً ، واحمدْنی علی نفی الشُّبَه عنک فیما صحَّحته له ، کما تحمدنی علی التنبیه فیما وقع فی کتابه من جهته أو جهه غیره ممن زاد ما لیس منه. ومتی ما رأیتَنی ذکرت من کتابه حرفاً وقلت : إنی لم أجده لغیره فاعلم أنَّه مُریب ، وکنْ منه علی حذر وافحصْ عنه ؛ فإن وجدتَه لإمام من الثقات الذین ذکرتُهم فی الطبقات فقد زالت الشُّبَه ، وإلّا وقفتَ فیه إلی أن یَضِحَ أمرُه.

وکان شِمرٌ رَحِمه الله مع کثره علمه وسماعه لما ألَّف کتاب «الجیم» لم یُخْلِهِ من حروف کثیره من کتاب اللیث عزاها إلی مُحارب ، وأظنه رجلاً من أهل مَرْو ، وکان سمع کتاب اللیث منه.

ومن نظراء اللیث : محمد بن المستنیر المعروف بقطرب : وکان متَّهماً فی رأیه وروایته عن العرب. أخبرنی أبو الفضل المنذری أنه حضر أبا العباس أحمد بن یحیی ، فجری فی مجلسه ذکر قطرب ، فهجَّنه ولم یعبأ به.

وروی أبو عُمر فی کتاب «الیاقوته» نحواً من ذلک. قال : وقال قطرب فی قول الشاعر :

مثل الذَّمیم علی قُزْم الیعامیر

زعم قطرب أن الیعامیر واحدها یعمور : ضرب من الشجر. وقال أبو العباس : هذا باطل سمعت ابن الأعرابی یقول : الیعامیر : الجِداء ، واحدها یَعْمور.

وکان أبو إسحاق الزَّجاج یهجِّن من مذاهبه فی النحو أشیاء نسبه إلی الخطأ فیها.

قلت : وممَّن تکلم فی لغات العرب بما حضر لسانَه وروی عن الأئمه فی کلام العرب ما لیس من کلامهم :

عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ : وکان أوتیَ بسطهً فی لسانه ، وبیاناً عذباً فی خطابه ، ومجالاً واسعاً فی فنونه ، غیر أن أهل المعرفه بلغات العرب ذمُّوه ، وعن

ص: 26

الصِّدق دفَعوه. وأخبرَ أبو عُمر الزاهد أنه جری ذکره فی مجلس أحمد بن یحیی فقال : اعذِبوا عن ذکر الجاحظ فإنه غیر ثقه ولا مأمون.

وأما أبو محمد عبد الله بن مسلم الدینوری : فإنَّه ألَّف کتباً فی «مشکل القرآن وغریبه» ، وألَّف کتاب «غریب الحدیث» ، وکتاباً فی «الأنواء» ، وکتاباً فی «المیسر» ، وکتاباً فی «آداب الکتَبه» ، وردَّ علی أبی عبید حروفاً فی «غریب الحدیثِ» سمَّاها «إصلاح الغلط». وقد تصفَّحتها کلها ، ووقفت علی الحروف التی غلِط فیها وعلی الأکثر الذی أصاب فیه. فأمَّا الحروف التی غَلِط فیها فإنّی أثبتُّها فی موقعها من کتابی ، ودللت علی موضع الصواب فیما غلط فیه.

وما رأیت أحداً یدفعه عن الصدق فیما یرویه عن أبی حاتم السِّجزی ، والعباس بن الفرج الرِّیاشیّ ، وأبی سعید المکفوف البغدادی. فأمَّا ما یستبدُّ فیه برأیه من معنًی غامض أو حرفٍ من علل التصریف والنحو مشکل ، أو حَرفٍ غریب ، فإنَّه ربَّما زلَّ فیما لا یخفی علی مَن له أدنی معرفه. وألفیته یَحدِس بالظنِّ فیما لا یعرفه ولا یحسنه. ورأیت أبا بکر بنَ الأنباری ینسبه إلی الغفله والغباوه وقلَّه المعرفه ، وقد ردَّ علیه قریباً من رُبع ما ألَّفه فی «مشکل القرآن».

وممّن ألَّف فی عصرنا الکتبَ فوُسمَ بافتعال العربیه وتولید الألفاظ التی لیس لها أصول ، وإدخالِ ما لیس من کلام العرب فی کلامهم.

أبو بکر محمد بن الحسن بن درید الأزدی : صاحب کتاب «الجمهره» ، وکتاب «اشتقاق الأسماء» ، وکتاب «الملاحن». وحضرته فی داره ببغداد غیر مرَّهٍ ، فرأیته یروی عن أبی حاتم ، والریاشیِّ ، وعبد الرحمن ابن أخی الأصمعی ، فسألت إبراهیم بن محمد بن عرفه الملقب بنفطویه عنه فاستخف به ، ولم یوثِّقْه فی روایته.

ودخلتُ یوماً علیه فوجدته سکران لا یکاد یستمرُّ لسانُه علی الکلام ، من غلبه السکر علیه. وتصفحت کتاب «الجمهره» له فلم أره دالاً علی معرفه ثاقبه ، وعثرت منه علی حروف کثیره أزالها عن وجوهها ، وأوقعَ فی تضاعیف الکتاب حروفاً کثیره أنکرتُها ولم أعرف مخارجَها ، فأثبتُّها من کتابی فی مواقعها منه ، لأبحث عنها أنا أو غیری ممّن ینظُر فیه. فإن صحَّت لبعض الأئمه اعتُمدَتْ ، وإن لم توجد لغیره وُقِفَت.

والله المیسر لما یرضاه وما یشاء.

وممن ألف وجمع من الخراسانیین فی عصرنا هذا فصحَّف وغیَّر وأزالَ العربیه عن وجوهها رجلان :

ص: 27

أحدهما یسمی أحمد بن محمد البُشْتی ، ویعرف بالخارْزَنجیّ. والآخر یکنی أبا الأزهر البخاریّ.

فأمَّا البُشْتیّ فإنه ألَّف کتاباً سمَّاه «التکمله» ، أومأ إلی أنه کمّل بکتابه کتاب «العین» المنسوبَ إلی الخلیل بن أحمد.

وأما البخاریُّ فإنه سمَّی کتابه «الحصائل» وأعاره هذا الاسم لأنه قصدَ قَصْدَ تحصیل ما أغفله الخلیل.

ونظرتُ فی أول کتاب البشتی فرأیته أثبت فی صدره الکتب المؤلَّفه التی استخرج کتابه منها فعدَّدها وقال :

منها للأصمعی : کتاب «الأجناس» ، وکتاب «النوادر» ، وکتاب «الصفات» ، وکتاب فی «اشتقاق الأسماء» ، وکتاب فی «السَّقی والأوراد» ، وکتاب فی «الأمثال» ، وکتاب «ما اختلف لفظه واتَّفق معناه».

قال : ومنها لأبی عبیده : کتاب «النوادر» ، وکتاب «الخیل» ، وکتاب «الدیباج».

ومنها لابن شُمَیل : کتاب «معانی الشعر» ، وکتاب «غریب الحدیث» ، وکتاب «الصفات».

قال : ومنها مؤلفات أبی عبید : «المصنَّف» ، و «الأمثال» ، و «غریب الحدیث».

ومنها مؤلفات ابن السکیت : کتاب «الألفاظ» ، وکتاب «الفروق» وکتاب «الممدود والمقصور» ، وکتاب «إصلاح المنطق» ، وکتاب «المعانی» ، وکتاب «النوادر».

قال : ومنها لأبی زید : کتاب «النوادر» بزیادات أبی مالک.

ومنها کتاب «الصفات» لأبی خَیْره.

ومنها کتب لقطرب ، وهی «الفروق» ، و «الأزمنه» ، و «اشتقاق الأسماء».

ومنها «النوادر» لأبی عمرو الشیبانی ، و «النوادر» للفرّاء ، ومنها «النوادر» لابن الأعرابی.

قال : ومنها «نوادر الأخفش» ، و «نوادر اللَّحیانی» ، و «النوادر» للیزیدی.

قال : ومنها «لغات هُذیل» لعُزَیر بن الفضل الهذلی. ومنها کتب أبی حاتم السِّجزی. ومنها کتاب «الاعتقاب» لأبی تراب. ومنها «نوادر الأعاریب» الذین کانوا مع ابن طاهر بنیسابور ، رواها عنهم أبو الوازع محمد بن عبد الخالق ، وکان عالماً بالنحو

ص: 28

والغریب ، صدوقاً ، یروی عنه أبو تراب وغیره.

قال أحمد بن محمد البُشتی : استخرجت ما وضعتُه فی کتابی من هذه الکتب.

ثم قال : ولعلّ بعض الناس یبتغی العنتَ بتهجینه والقدح فیه ، لأنی أسندت ما فیه إلی هؤلاء العلماء من غیر سماع. قال : وإنّما إخباری عنهم إخبار من صُحفهم ، ولا یُزری ذلک علی ما عَرف الغثَّ من السَّمین ، ومیز بین الصحیح والسقیم. وقد فعلَ مثلَ ذلک أبو ترابٍ صاحب کتاب «الاعتقاب» ، فإنه روی عن الخلیل بن أحمد وأبی عمرو بن العلاء والکسائی ، وبینه وبین هؤلاء فتره.

قال : وکذلک القتیبی ، روی عن سیبویه ، والأصمعی ، وأبی عَمرو ؛ وهو لم یَرَ منهم أحداً.

قلت أنا : قد اعترَف البُشتی بأنه لا سماعَ له فی شیء من هذه الکتب ، وأنه نَقل ما نقل إلی کتابه من صُحفهم ، واعتلَّ بأنه لا یُزْری ذلک بمن عرف الغثَّ من السمین.

ولیس کما قال ؛ لأنه اعترفَ بأنه صُحُفیّ والصُّحُفی إذا کان رأس ماله صُحفاً قرأها فإنّه یصحّف فیکثِر ، وذلک أنه یُخبر عن کتبٍ لم یَسمعْها ، ودفاتر لا یدری أصحیحٌ ما کُتب فیها أم لا. وإنّ أکثر ما قرأنا من الصحف التی لم تُضبَط بالنقْط الصحیح ، ولم یتولَّ تصحیحَها أهل المعرفه - لسقیمهٌ لا یعتمدها إلّا جاهل.

وأما قوله : إن غیره من المصنفین رووا فی کتبهم عمن لم یسمعوا منه مثل أبی تراب والقتیبی ، فلیس روایه هذین الرجلین عمّن لم یریاه حجهً له ، لأنهما وإن کانا لم یسمعا من کل من رویا عنه فقد سمعا من جماعه الثقات المأمونین. فأمّا أبو تراب فإنه شاهد أبا سعید الضریر سنین کثیره ، وسمع منه کتباً جَمَّه. ثم رحل إلی هَرَاه فسمع من شِمرٍ بعض کتبه. هذا سوی ما سمع من الأعراب الفصحاء لفظاً ، وحفظه من أفواههم خِطاباً. فإذا ذکر رجلاً لم یَرَه ولم یسمع منهُ سومِحَ فیه وقیل : لعلَّه حفظ ما رأی له فی الکتب من جهه سماعٍ ثبت له ، فصار قول من لم یره تأییداً لما کان سمعه من غیره ، کما یفعل علماء المحدِّثینَ ؛ فإنهم إذا صحَّ لهم فی الباب حدیثٌ رواه لهم الثقات عن الثقات أثبتوه واعتمدوا علیه ، ثم ألحقوا به ما یؤیده من الأخبار التی أخذوها إجازه.

وأما القُتَیبیُّ فإنّه رجل سمع من أبی حاتم السِّجْزیّ کتبَه ، ومن الریاشیّ سمع فوائد جمّه ، وکانا من المعرفه والإتقان بحیث تُثنی بهما الخناصر ؛ وسمِعَ من أبی سعید الضریر ، وسمع کتب أبی عبید ، وسمع من ابن أخی الأصمعیّ ، وهما من الشهره وذهاب الصِّیت والتألیف الحسن ، بحیث یُعفَی لهما عن خطیئه غلطٍ ، ونَبْذِ زله تقع فی

ص: 29

کتبهما ، ولا یلحق بهما رجل من أصحاب الزوایا لا یعرف إلّا بقَرْیته ، ولا یوثق بصدقه ومعرفته ونقْلِه الغریبَ الوحشی من نسخه إلی نسخه. ولعل النسخ التی نقل عنهما ما نَسَخَ کانت سقیمه.

والذی ادّعاه البشتی من تمییزه بین الصحیح والسقیم ، ومعرفته الغثَّ من السمین ، دعوی. وبعضُ ما قرأتُ من أول کتابه دَلَّ علی ضدِّ دعواه.

وأنا ذاکرٌ لک حروفاً صحّفها ، وحروفاً أخطأ فی تفسیرها ، من أوراق یسیره کنتُ تصفّحتها من کتابه ؛ لأثبت عندک أنه مُبْطل فی دعواه ، متشبِّع بما لا یفی به.

فممّا عثرت علیه من الخطأ فیما ألّف وجمع ، أنه ذکر فی «باب العین والثاء» أن أبا تراب أنشد :

إنْ تمنعی صَوبَکِ صَوبَ المدمِع

یَجرِی علی الخدِّ کضِئْب الثِّعثِعِ

فقیّده البُشتیّ بکسر الثاءین بنقْطِه ، ثم فسر ضِئْب الثّعثِع أنه شیءٌ له حب یُزرع. فأخطأ فی کسره الثاءین ، وفی تفسیره إیاه. والصواب «الثَّعثَع» بفتح الثاءین ، وهو اللؤلؤ. قال ذلک أبو العباس أحمد بن یحیی ، ومحمد بن یزید المبرد ، رواهُ عنهما أبو عُمر الزاهد. قالا : وللثَّعثَع فی العربیه وجهان آخران لم یعرفهما البشتی. وهذا أهوَن.

وقد ذکرتُ الوجهین الآخرین فی موضعهما من «باب العین والثاء».

وأنشد البُشْتیّ :

فبآمرٍ وأخیه مؤتمر

ومُعلِّل وبمطفیء الجمر

قال البشتی : سمِّی أحد أیام العجوز آمراً لأنه یأمر الناسَ بالحذر منه.

قال : وسُمّی الیوم الآخر مؤتمراً لأنه یأتمر الناس ، أی یؤذنهم.

قلت : وهذا خطأ محض ، لا یُعرف فی کلام العرب ائتمر بمعنی آذن. وفسِّر قول الله عزوجل : (إِنَّ الْمَلَأَ یَأْتَمِرُونَ بِکَ) [القَصَص : 20] علی وجهین : أحدهما یَهُمُّون بک ، والثانی یتشاورون فیک. وائتمر القوم وتآمروا ، إذا أمر بعضهم بعضاً. وقیل لهذا مؤتمر لأنَّ الحیّ یؤامر فیه بعضهم بعضاً للظعن أو المُقام ، فجعلوا المؤتمر نعتاً للیوم والمعنی أنه مؤتَمَر فیه ، کما قالوا : لیل نائم أی یُنام فیه ، ویوم عاصفٌ یَعصِف فیه الریح. ومثله قولهم : نهاره صائم ، إذا کان یَصُوم فیه. ومثله کثیرٌ فی کلامهم.

وذکر فی «باب العین واللام» : أبو عبید عن الأصمعی : أعللت الإبلَ فهی عالّه ، إذا أصدرتَها ولم تُروِها.

ص: 30

قلت : هذا تَصحیفٌ منکر ، والصواب أغللت الإبلَ بالغین ، وهی إبلٌ غاله. أخبرنی المنذریّ عن أبی الهیثم عن نُصیرٍ الرازی قال : صَدَرت الإبل غالهً وغوَالَّ ، وقد أغللتُها ، من الغُلّه والغلیل ، وهو حراره العطش. وأما أعللت الإبل وعللتُها فهما ضدُّ أغللتها ، لأن معنی أعللتها وعللتها أن یسقیها الشربه الثانیهَ ثم یُصدرَها رواءً ، وإذا عَلّت الإبلُ فقد رویتْ. ومنه قولهم : عرضَ علیَّ سَوْمَ عالَّه. وقد فُسر فی موضعه.

وروی البُشتی فی «باب العین والنون» قال الخلیل : العُنَّه : الحظیرَه ، وجمعُها العُنَن. وأنشد :

ورَطْبٍ یُرفَّعُ فَوقَ العُننْ

قال البُشتیّ : العُنَن هاهنا : حِبال تُشدُّ ویُلقَی علیها لحمُ القدید.

قلتُ : والصواب فی العُنَّه والعُنَن ما قاله الخلیل إن کان قاله. وقد رأیتُ حُظُرات الإبل فی البادیه تسوَّی من العَرْفَج والرِّمث فی مَهَبِّ الشمال ، کالجدار المرفوع قدرَ قامهٍ ، لتُناخَ الإبل فیها ، وهی تقیها بردَ الشمال ورأیتهم یسمُّونها عُنَناً لاعتنانها معترضهً فی مهبّ الشمال. وإذا یبست هذه الحُظُرات فنحروا جزوراً شرّروا لحمها المقدَّدَ فوقها فیجفُّ علیها.

ولست أدری عمن أخذ ما قاله فی العُنّه أنه الحبل الممدود. ومدّ الحبل من فِعل الحاضره. ولعل قائله رأی فقراء الحَرَم یمدون الحبال بمنی فیلقون علیها لحوم الهَدْی والأضاحی التی یُعطَوْنَها ، ففسر قول الأعشی بما رأی. ولو شاهد العربَ فی بادیتها لعلم أنّ العنه هی الحِظار من الشجر.

وأنشد أحمد البُشتی :

یا رُبَّ شیخٍ منهم عِنِّینِ

عن الطعان وعن التجفین

قال البشتی فی قوله : «وعن التجفین» هو من الجفان ، أی لا یُطعم فیها.

قلت : والتجفین فی هذا البیت من الجِفان والإطعام فیها خطأ ، والتجفین هاهنا : کثْره الجماع. رواه أبو العباس عن ابن الأعرابیّ. وقال أعرابی : «أضوانی دوامُ التجفین» ، أی أنحفَنی وَهزَلنی الدوامُ علی الجماع. ویکون التجفین فی غیر هذا الموضع نحر الناقه وطبخَ لحمها وإطعامَه فی الجِفان. ویقال : جَفن فلانٌ ناقهً ، إذا فعل ذلک.

وذکر البُشتی أنّ عبد الملک بن مروان قال لشیخ من غَطَفان : صف لی النساء.

ص: 31

فقال : «خُذْها ملسَّنه القدمین ، مُقرمدَه الرفغین» قال البشتیّ : المقرمَده : المجتمع قصبها.

قلت : هذا باطلٌ. ومعنی المقرمَده الرُّفغین الضیِّقتُهما ؛ وذلک لالتفاف فخذیها ، واکتناز بادَّیْها. وقیل فی قول النابغه یصف رَکَبَ امرأه :

رابی المَجَسَّه بالعبیر مُقرمَدِ

إنه المضَیَّق ، وقیل : هو المطلیّ بالعَبِیر کما یُطلَی الحوض بالقَرمَد إذا صُرِّج.

ورُفغا المرأه : باطنا أصول فخذیها.

وقال البشتیُّ فی «باب العین والباء» : أبو عبید : العبیبه : الرائب من الألبان.

قلت : وهذا تصحیفٌ قبیح. وإذا کان المصنّف لا یمیز العین والغین استحال ادّعاؤه التمییز بین السقیم والصحیح.

وأقرأنی أبو بکر الإیادی عن شِمر لأبی عبید فی کتاب «المؤلف» : الغبیبه بالغین المعجمه : الرائب من اللبن. وسمعت العرب تقول للَّبن البیُّوت فی السِّقاء إذا راب من الغد غبیبه. ومن قال عبیبه بالعین فی هذا فهو تصحیف فاضح. وروینا لأبی العباس عن ابن الأعرابی أنه قال : الغُبُب أطعمه النُّفَساء بالغین معجمه ، واحدتها غَبِیبه. قال : والعُبُب بالعین : المیاه المتدفّقه. وقال غیره : العَبِیبه بالعین ، شیء یقطر من المغافیر. وقد ذکرته فی موضعه.

وقال البشتی فی «باب العین والهاء والجیم» : العوهج : الحیه فی قول رؤبه :

حَصْبَ الغُواه العَوهجَ المنسوسا

قلت : وهذا تصحیف دالٌ علی أنّ صاحبَه أخذ عربیّتَه من کتب سقیمه ، ونسخ غیر مضبوطه ولا صحیحه ، وأنه کاذب فی دعواه الحفظ والتمییز. والحیه یقال له العَوْمج بالجیم ، ومن صیَّره العوهج بالهاء فهو جاهلٌ ألکن. وهکذا روی الرواهُ بیت رؤبه.

وقیل للحیه عومج لتعمجه فی انسیابه ، أی لتلوّیه. ومنه قول الشاعر یشبه زمام البعیر بالحیهِ إذا تلوّی فی انسیابه :

تُلاعِب مَثْنَی حَضرمی کأنه

تعمجُ شیطانٍ بذی خِروعٍ قَفْرٍ

وقال فی «باب العین والقاف والزای» : قال یعقوب بن السکیت : یقال قوزَع الدیکُ ولا یقال قنْزَعَ. قال البُشتیّ : معنی قوله قوزعَ الدیک أنه نفّشَ بُرائِلَه وهی قَنازعه.

ص: 32

قلت : غلط فی تفسیر قوزع أنه بمعنی تنفیشه قنازعَه ، ولو کان کما قال لجاز فنْزَع. وهذا حرفٌ لهج به عوامُّ أهلِ العراق وصبیانهم ، یقولون : قنْزع الدیک ، إذا فرَّ من الدیک الذی یقاتله. وقد وضع أبو حاتم هذا الحرف فی «باب المزال المفسَد» ، وقال : صوابه قوزع. وکذلک ابن السکیت وضعه فی «باب ما تلحن فیه العامّه». وروی أبو حاتم عن الأصمعیّ أنه قال : العامّه تقول للدیکین إذا اقتتلا فهربَ أحدهما : قنْزعَ الدیک ، وإنما یقال قوزع الدیک إذا غُلِب ، ولا یقال قنْزعَ.

قلت : وظنَّ البشتیُّ بحَدْسه وقله معرفته أنه مأخوذ من القنْزعه فأخطأ فی ظنّه.

وإنما قوزعَ فَوعل من یقزَع ، إذا خفَّ فی عَدْوه ، کما یقال قَونَس وأصله قنس.

وقال البشتیّ فی «باب العین والضاد» قال : العیضوم : المرأه الکثیره الأکل.

قلت : وهذا تصحیف قبیحٌ دالٌ علی قله مبالاه المؤلف إذا صحَّف ، والصواب العیصوم بالصاد ، کذلک رواه أبو العباس أحمد بن یحیی عن ابن الأعرابی. وقال فی موضع آخر : هی العَصُوم للمرأه إذا کثر أکلُها ، وإنما قیل لها عَصوم وعیصوم لأنّ کثرهَ أکلها یعصمها من الهُزَال ویقوّیها. وقد ذکرتُه فی موضعه بأکثر من هذا الشرح.

وقال فی «باب العین والضاد مع الباء» : یقال مررت بالقوم أجمعین أبضعین بالضاد.

وهذا أیضاً تصحیف فاضح یدلّ علی أنّ قائله غیر مُمیِّز ولا حافظ کما زعم.أخبرنی أبو الفضل المنذری عن أبی الهیثم الرازی أنه قال : العرب تؤکّد الکلمه بأربع توکیدات فتقول مررت بالقوم أجمعین أکتعین أبصعین أبتعین. هکذا رواه أبو العباس عن ابن الأعرابی قال : وهو مأخوذ من البَصْع وهو الجمع. وقرأته فی غیر کتاب من کتب حُذّاق النحویین هکذا بالصاد.

وقال فی «باب العین والقاف مع الدال» قال یعقوب بن السکیت : یقال لابن المخاض حین یبلغ أن یکون ثنیَّاً : قَعودٌ وَبَکْر ، وهو من الذکور کالقَلوص من الإناث. قال البشتی : لیس هذا من القَعود التی یقتعدها الراعی فیرکبها ویحمل علیها زاده وأداته ، وإنما هو صفه للبَکرِ إذا بلغَ الإثناء.

قلت : أخطأ البشتی فی حکایته کلامَ ابن السکیت ثم أخطأ فیما فسره من کِیسه وهو قوله إنه غیر القَعود التی یقتعدها الراعی ، من وجهین آخرین. فأما یعقوب بن السکیت فإنه قال : یقال لابن المخاض حتی یبلغ أن یکون ثَنیاً قَعودٌ وَبکر ، وهو من الذکور کالقلوص من الإناث.

فجعل البشتی «حتی» : «حینَ». ومعنی حتّی إلی وهو انتهاء الغایه. وأحد الخطأین

ص: 33

من البشتی فیما قاله من کِیسِه تأنیثُه القَعود ولا یکون القَعود عند العرب إلّا ذکراً. والثانی أنه لا قعود فی الإبل تعرفه العربُ غیر ما فسره ابن السکیت. ورأیت العربَ تجعل القعود البَکرَ من حینَ یُرکِبُ ، أی یُمکن ظهرَه من الرکوب. وأقرب ذلک أن یستکمل سنتین إلی أن یُثْنی ، فإذا أثنَی سمِّی جملاً. والبکْر والبَکْره بمنزله الغلام والجاریه اللذین لم یدرکا. ولا تکون البکرهُ قَعوداً. وقال ابن الأعرابی فیما أخبرنی المنذریّ عن ثعلب عنهُ : البکر قَعودٌ مثل القَلوص فی النوق إلی أن یثْنی. هکذا قال النضر بن شمیل فی کتاب «الإبل».

قلت : وقد ذکرت لک هذه الأحرف التی أخطأ فیها والتقطتها من أوراق قلیله ، لتستدلّ بها علی أنّ الرجل لم یَفِ بدعواه. وذلک أنه ادّعَی معرفهً وحفظاً یمیز بها الغثَّ من السمین ، والصحیح من السقیم ، بعد اعترافه أنه استنبط کتابه من صحف قرأها ، فقد أقرَّ أنه صحفیٌّ لا روایه له ولا مشاهده ، ودلّ تصحیفه وخطؤه علی أنه لا معرفه له ولا حفظ. فالواجب علی طلبه هذا العلم ألّا یغترُّوا بما أودع کتابه ، فإنّ فیه مناکیر جَمّهً لو استقصیتُ تهذیبَها اجتمعت منها دفاترُ کثیره. والله یُعیذنا من أن نقول ما لا نعلمه ، أو ندَّعی ما لا نُحسنه ، أو نتکثَّرَ بما لم نُؤْتَه. وفقنا الله للصوابِ ، وأداءِ النُّصح فیما قصدناه ، ولا حَرَمنا ما أمّلناه من الثواب.

وأما أبو الأزهر البُخَاری : الذی سمّی کتابه «الحصائل» ، فإنی نظرت فی کتابه الذی ألّفه بخطّه وتصفَّحته ، فرأیته أقلَّ معرفه من البُشتیّ وأکثر تصحیفاً. ولا معنی لذکر ما غیَّر وأفسد ، لکثرته. وإن الضعیف المعرفه عندنا من أهل هذه الصناعه ، إذا تأمَّل کتابَه لم یَخْفَ علیه ما حلَّیتُه به. ونعوذ بالله من الخذلان وعلیه التُّکلان.

ولو أنّی أودعتُ کتابی هذا ما حوتْه دفاتری ، وقرأته من کتب غیری ووجدته فی الصحف التی کتبها الورّاقون ، وأفسدها المصحِّفون ، لطال کتابی. ثم کنتُ أحدَ الجانین علی لغه العرب ولسانها ولَقلیلٌ لا یُخْزِی صاحبه خیرٌ من کثیر یفضحُه.

ولم أُودِعْ کتابی هذا من کلام العرب إلّا ما صحّ لی سماعاً منهم ، أو روایه عن ثقه ، أو حکایهً عن خطِّ ذی معرفهٍ ثاقبه اقترنت إلیها معرفتی ، اللهمّ إلّا حروفاً وجدتها لابن درید وابن المظفّر فی کتابیهما ، فبینت شکّی فیها ، وارتیابی بها. وستراها فی مواقعها من الکتاب ووقوفی فیها.

ولعلَّ ناظراً ینظرُ فی کتابی هذا فیری أنه أخلَّ به إعراضی عن حروفٍ لَعلَّه یحفظها لغیری ، وَحذْفی الشواهدَ من شعر العرب للحرفِ بعد الحرف ، فیتوّهم ویوهم غیره أنَّه حفِظ ما لم أحفظْه ، ولا یعلم أنی غزَوتُ فیما حذَفتُه إعفاءَ الکتاب من التطویل الممّل ،

ص: 34

والتکثیر الذی لا یحصَّل.

وأنا مبتدیءٌ الآن فی ذکر الحروف التی هی أصلُ کلام العرب ، وتقدیم الأولی منها بالتقدیم أوّلاً فأوّلاً ، وتبیین مدارجها لتقف علیها ، فلا یعسُر علیک طلبُ الحرف الذی تحتاج إلیه.

ولم أر خلافاً بین اللغویین أن التأسیس المجمل فی أوّل کتاب «العین» ، لأبی عبد الرحمن الخلیل بن أحمد ، وأن ابن المظفَّر أکملَ الکتابَ علیه بعد تلقُّفه إیاه عن فیه. وعلمتُ أنه لا یتقدَّم أحدٌ الخلیل فیما أسّسه ورسمَه. فرأیت أن أحکیَه بعینه لتتأمّله وتردّد فکرک فیه ، وتستفید منه ما بک الحاجهُ إلیه. ثم أُتبعه بما قاله بعض النحویّین ممّا یزید فی بیانه وإیضاحه.

قال اللیث بن المظفَّر : لما أراد الخلیل بن أحمد الابتداءَ فی کتاب «العین» أعملَ فکره فیه فلم یمکنه أن یبتدیء من أول ا ب ت ث لأن الألف حرف معتل فلمّا فاته أوّل الحروف کره أن یجعل الثانی أوّلاً وهو الباء إلّا بحجّه ، وبعد استقصاء. فدبَّر ونظر إلی الحروف کلّها وذاقَها ، فوجدَ مخرجَ الکلام کلّه من الحلق ، فصیَّرَ أولاها بالابتداء به أدخلَها فی الحلق ، وکان ذوقُه إیاها أنه کان إذا أراد أن یذوق الحرف فتح فاه بألف ثم أظهر الحرف ، نحو أت ، أح ، أع. فوجد العینَ أقصاها فی الحلق وأدخلها. فجعل أول الکتاب العین ، ثم ما قرب مخرجُه منها بعد العین الأرفع فالأرفع ، حتی أتی علی آخر الحروف. فإذا سئلت عن کلمه فأردت أن تعرف موضعها من الکتاب فانظر إلی حروف الکلمه ، فمهما وجدتَ منها واحداً فی الکتاب المتقدم فهو فی ذلک الکتاب.

قال : وقلَّب الخلیل ا ب ت ث فوضعَها علی قدر مخارجها من الحلق. وهذا تألیفه :

ع ح ه خ غ ق ک ج ش ض ص س ز ط د ت ظ ذ ث ر ل ن ف ب م وا ی.

قال الخلیل بن أحمد : کلام العرب مبنیٌ علی أربعه أصناف : علی الثنائی ، والثلاثی ، والرباعی ، والخُماسیّ.

فأمّا الثنائیّ فما کان علی حرفین ، نحو قد ، لم ، بل ، هل ، ومثلها من الأدوات.

قال : والثلاثی نحو قولک ضرب ، خرج ، مبنیّ علی ثلاثه أحرف.

والرباعی نحو قولک : دحرج ، هملج ، قرطس ، مبنیّ علی ثلاثه أحرف.

قال : والخماسیّ نحو قولک : اسحنککَ ، اقشعرَّ ، اسحنفر ، مبنیّ علی خمسه أحرف.

ص: 35

قال : والألف فی اسحنکک واسحنفر لیست بأصلیه إنما أدخلت لتکون عماداً وسُلَّماً للسان إلی الساکن ؛ لأن اللسان لا ینطلق بالساکن. والراء التی فی اقشعرَّ راءانِ أدغمت واحده فی الأخری ، فالتشدیدهُ علامه الإدغام.

قال : والخماسیّ من الأسماء نحو : سفرجل ، وشمردل ، وکنَهبُل ، وقَبَعْثَر ، وما أشبهها.

قال : وقال الخلیل : لیس للعرب بناءٌ فی الأسماء وفی الأفعال أکثر من خمسه أحرف ، فمهما وجدت زیاده علی خمسه أحرف فی فعل أو اسم فاعلم أنها زائده علی البناء ، نحو قَرَعْبَلانه ، إنما هو قَرَعْبَل ، ومثل عنکبوت ، إنما هو أصله عَنکب.

قال : والاسم لا یکون أقلَّ من ثلاثه أحرف : حرف یبتدأ به ، وحرف یُحشَی به الکلمه ، وحرف یوقف علیه. فهذه ثلاثه أحرف ، مثل سعد ، وبدر ، ونحوهما. فإن صیّرت الحرف الثنائیّ مثل قد وهل ولو أسماءً أدخلتَ علیها التشدید فقلت : هذه لوٌ مکتوبه ، هذه قَدٌ حَسَنَه الکِتْبه. وأنشد :

لیت شِعری وأین مِنِّیَ لیتٌ

إنَّ لیتاً وإنَّ لَوًّا عناءُ

فشدَّد لوًّا حین جعله اسماً. قال : وقد جاءت أسماءٌ لفظُها علی حرفین ، وتمامُها علی ثلاثه أحرف ، مثل ید ودم وفم ، وإنما ذهب الثالث لعلَّه أنها جاءت سواکن وخِلقتها السکون ، مثل یاء یَدْیٍ ویاء دَمْیٍ فی آخر الکلمه ، فلما جاء التنوین ساکناً لم یجتمع ساکنان فثبت التنوین لأنه إعراب ، وذهب الحرف الساکن. فإذا أردتَ معرفتها فاطلبْها فی الجمع والتصغیر ، کقولک : أیدیهم ، ویُدَیّه.

قال : وتوجد أیضا فی الفعل ، کقولک : دَمِیَتْ یده. ویقال فی تثنیه الفم فَمَوان. وهذا یدل علی أنّ الذاهب من الفم الواو.

وقال الخلیل : الفم أصله فَوْه کما تری ، والجمع أفواه. وقد فاه الرجُل ، إذا فتح فاه بالکلام.

قلت : وقد بیّنت فی کتاب الهاء ما قاله النحویون فیه.

ص: 36

قال : وأمّا الغَطْمَطِیط وجَلَنْبَلَق وحَبَطِقْطِق فإنّ لهذه الحروف وما شاکلها مما یُعرف الثنائی وغیره من الثلاثیّ والرباعیّ والخماسیّ فإنَّها فی مواضعها بیّنه. والأحرف التی سمّیناهن فإنهنَّ عَرِین من الحُروف الذُّلق ، ولذلک نَزُرن فقَلَلْن. ولو لا ما لزمهنّ من العین والقاف ما (1) حَسُنَّ علی حال ، ولکن العین والقاف ، لا تدخلان علی بناءٍ إلّا حسَّنتاه ، لأنَّهما أطلق الحروف. أمّا العین فأنصعُ الحروف جَرْساً وألذُّها سماعاً. وأمّا القاف فأصحُّها جَرساً. فإذا کانتا أو إحداهما فی بناء حسُنَ لنصاعتهما. فإن کان البناء اسماً لزمته السین أو الدال مع لزوم العین أو القاف ، لأن الدال لانت عن صلابه الطاء وکزازتها ؛ وارتفعت عن خُفُوت التاء فحسنت. وصارت حالُ السین بین مخرجَی الصاد والزای کذلک. فمهما جاء من بناء اسم رباعی منبسط معری من الحروف الذُّلق والشفویه فإنّه لا یعری من أحد حرفی الطلاقه أو کلیهما ، ومن السین والدال أو إحداهما ، ولا یضرُّه ما خالطه من سائر الحروف الصُّتْم.

وإذا ورد علیک شیءٌ من ذلک فانظر ما هو من تألیف العرب وما لیس من تألیفهم ، نحو قعثج ، دعثج ، لا ینسب إلی العربیه ولو جاء عن ثقه ، أو قَعْسَج لم ینکر ولم نسمع به ، ولکنا ألَّفناه ، لیعرف صحیح بناء کلام العرب من الدخیل.

وأمّا ما کان من هذا الرباعی المنبسط من المعرَّی من الحروف الذُّلْق حکایه مؤلّفه نحو دَهداق وزَهزاق وأشباه ذلک ، فإن الهاء لازمه له فصلاً بین حرفیه المتشابهین مع لزوم العین والقاف أو إحداهما. وإنما استحسنوا الهاء فی هذا الضرب من الحکایه للینها وهشاشتها ، إنما هی نَفَس لا اعتیاصَ فیها.

وإن الحکایه المؤلّفه غیر معرّاه من الحروف الذُّلق فلن تَضرّ أکانت فیها الهاء أم لا ، نحو غَطْمَطَه وأشباهه. ولا تکون الحکایه مؤلفه حتی یکون حرف صدرها موافقاً لصدر ما ضَمّ إلیها فی عجزها ، کأنهم ضمُّوا دَهْ إلی دَق فألّفوهما. ولو لا ما فیهما من تشابه الحرفین ما حسنت الحکایه بهما ، لأن الحکایات الرباعیات لا تخلو من أن تکون مؤلّفه أو مضاعفه. فأمّا المؤلّفه فعلی ما وصفتُ لک ، وهو نَزرٌ قلیل. ولو کان العهعخ جمیعاً من الحکایه لجاز فی تألیف بناء العرب وإن کان الخاء بعد العین ، لأنّ الحکایه تحتمل من بناء التألیف ما لا یحتمل غیرُها لما یریدون من بیان المحکیّ. ولکن لمَّا جاء العهعخ ، فیما ذکر بعضهم ، اسماً عاماً ولم یکن بالمعروف عند أکثرهم وعند أهل البصر والعلم منهم رُدَّ فلم یُقْبَل.

ص: 38

وأمّا الحکایه المضاعفه فإنها بمنزله الصلصله والزلزله وما أشبههما ، یتوهمون فی حُسن الحرکه ما یتوهمون فی جَرْس الصوت ، یضاعفون لتستمرّ الحکایه علی وجه التصریف.

والمضاعف من البناء فی الحکایات وغیرها ما کان حرفا عجزه مثل حرفی صدره ، وذلک بناء نستحسنه ونستلذُّه ، فیجوز فیه من تألیف الحروف ما جاء من الصحیح والمعتلّ ، ومن الذُّلق والطُّلُق والصُّتم. ویُنسَب إلی الثنائیّ لأنه یضاعفه. ألا تری أنّ الحاکی یحکی صلصله اللجام فیقول : صلصل اللجام ، فیقال صَلْ یخفّف ، فإن شاء اکتفی بها مَرّه ، وإن شاء أعادها مرتین أو أکثر من ذلک فقال صَلْ صَلْ صل ، فیتکلف من ذلک ما بدا له. ویجوز فی حکایه المضاعَف ما لا یجوز فی غیرها من تألیف الحروف. ألا تری أن الضاد والکاف إذا ألّفتا فبدیء بالضاد فقیل ضک کان هذا تألیفاً لا یحسُن فی أبنیه الأسماء والأفعال إلّا مفصولاً بین حرفیه بحرف لازم أو أکثر من ذلک ، نحو الضَّنْک والضَّحِک وأشباه ذلک. وهو جائز فی تألیف المضاعف نحو الضکضاکه من النساء وأشباه ذلک. فالمضاعف جائز فیه کل غَثٍّ وسمین من المَفْصول والأعجاز وغیر ذلک.

والعرب تشتق فی کثیر من کلامها أبنیه المضاعف من بناء الثنائی المثقل بحرفی التضعیف ، ومن الثلاثیّ المعتلّ. ألا تری أنهم یقولونَ صلَّ اللجام صلیلاً ، فلو حکیت ذلک قلت صلّ تمد اللام وتثقلها ، وقد خففتها من الصلصله ، وهما جمیعاً صوت اللجام ، فالتَّثقیل مدٌّ والتضعیف ترجیع ، لأن الترجیع یخف فلا یتمکن لأنه علی حرفین فلا ینقاد للتصریف حتی یضاعف أو یثقل ، فیجیء کثیر منه متّفقاً علی ما وصفتُ لک ویجیء کثیر منه مختلفاً نحو قولک : صرّ الجنوب صریراً ، وصرصر الأخطب صرصره ، کأنهم توهموا فی صوت الجندُب مداً ، وتوهموا فی صوت الأخطب ترجیعاً. ونحو ذلک کثیر مختلف.

وأمّا ما یشتقون من المضاعف من بناء الثلاثیّ المعتلّ فنحو قول العجاج :

ولو أنَخْنا جَمعَهم تنخنَخوا

لِفحلنا إنْ سرَّه التنوُّخ

ولو شاء لقال فی البیت الأول : ولو أنخنا جمعهم تنوّخوا ، ولکنّه اشتقّ التنوّخ من نَوّخناها فتنوّخت ، واشتقَّ التنخنخ من قولک أنخنا ، لأنّ أناخ لما جاء مخفّفاً حسن إخراج الحرف المعتل منه وتَضاعُفُ الحرفین الباقیین ، تقول نخنخنا فتنخنخ. ولما قال نوّخنا قرّت الواو فثبتت فی التنوّخ. فافهم.

ص: 39

قَدّ ، شدّ ، دشّ. والکلمه الثلاثیه الصحیحه تتصرف علی سته أوجه تسمَّی مسدوسه ، نحو : ضرب ، ضبر ، ربض ، رضب ، برض ، بضر. قال : والکلمه الرباعیه تتصرف علی أربعه وعشرین وجهاً ، وذلک أن حروفها ضُرِبت وهی أربعه أحرف فی وجوه الثلاثی الصحیح وهی سته فصارت أربعه وعشرین ، وهنَّ نحو :

عبقر ، عبرق ، عقرب ، عقبر ، عربق ، عرقب ، فهذه سته أوجه أولها العین.

وکذلک : قعبر ، قبعر ، قعرب ، قبرع ، قرعب ، قربع. سته أوجه أولها القاف.

بعقر ، بعرق ، بقرع ، بقعر ، برقع ، برعق ، سته أوجه.

رقعب ، رقبع ، رعقب ، رعبق ، ربقع ، ربعق. فهذه أربعه وعشرون وجهاً أکثرها مهمل.

قال الخلیل : والکلمه الخماسیّه تتصرف علی مائه وعشرین وجهاً ، وذلک أن حروفها ضُرِبت وهی خمسه أحرف فی وجوه الرباعی وهی أربعه وعشرون وجهاً فتصیر مائه وعشرین وجهاً ، یستعمل أقلها ویلغی أکثرها. وهو نحو : سفرجل ، سفرلج ، سفجرل سفجلر ، سفلرج ، سفلجر ، سرجفل ، سرلفج ، سرجلف ، سرفلج ، سلفرج ، سلجفر ، سلفجر ، سلجرف ، سجلفر ، سجرفل ، سرلجف ، سرفجل ، سجفرل ، سجرفل ، سجرلف ، سلرجف ، سجرلف ، سجفلر. فهذه أربعه وعشرون وجهاً الابتداء فیها بالسین. وکذلک للفاء إذا ابتدیء بها أربعه وعشرون وجهاً ، وکذلک للراء واللام والجیم. فذلک مائه وعشرون وجهاً أکثرها مهمل.

وتفسیر الثلاثی الصحیح أن تکون الکلمه مبنیه من ثلاثه أحرف لا یکون فیها واو ، ولا یاء ، ولا ألف لینه ، ولا همزه فی أصل البناء ، لأنَّ هذه الحروف یقال لها حروف العِلَل. وکلَّما سلمت کلمه علی ثلاثه أحرف من الحروف السالمه فهی ثلاثیه صحیحه. والثلاثی المعتل ما شابَهُ حرفٌ من حروف العله.

قال : واللفیف الذی التف بحرفین من حروف العلل مثل وفی ، وغوی ، ونأی. فافهمْه.

وروی غیر ابن المظفّر عن الخلیل بن أحمد أنه قال : الحروف التی بُنی منها کلام العرب ثمانیه وعشرون حرفاً لکل حرف منها صَرفٌ وَجرس. أمّا الجرس فهو فَهْم الصوت فی سکون الحرف. وأما الصرف فهو حرکه الحرف.

قال : والحروف الثمانیه والعشرون علی نحوین : معتلّ وصحیح. فالمعتلّ منها

ص: 41

ثلاثه أحرف : الهمزه والیاء والواو. قال : وصُوَرهنَّ علی ما تری : أوی. قال : واعتلالها تغیّرها من حال إلی حال ودخول بعضها علی بعض واستخلاف بعضها من بعض.

قال : وسائر الحروف صحاح لا تتغیر عن حالها أبداً غیر الهاء المؤنّثه ، فإنّها تصیر فی الاتصال تاءً ، کقولک هذه شجره فتظهر الهاء ، ثم تقول هذه شجرتک شجرهٌ طیبه فتذهب الهاء وتستخلف التاء لأنّ التاء مؤنّثه. وإنّما فعلوا ذلک بهاء التأنیث لیفرقوا بینها وبین الأصلیَّه فی بناء الکلمه.

قال : والحروف الصحاح علی نحوین : منها مُذْلَق ومنها مُصْمَت. فأما المُذْلقه فإنها سته أحرف فی حیّزین : أحدهما حیّز الفاء فیه ثلاثه أحرف کما تری : ف ب م ، مخارجها من مَدرجهٍ واحدهٍ لصوتٍ بین الشفتین لا عملَ للِّسان فی شیءٍ منها. والحیّز الآخر حیّز اللام فیه ثلاثه أحرف کما تری : ل ر ن ، مخارجها من مَدرجهٍ واحده بین أسَله اللسان ومقدَّم الغار الأعلی. فهاتان المدرجتان هما موضعا الذَّلاقه ، وحروفهما أخفُّ الحروف فی المنطق ، وأکثرها فی الکلام ، وأحسنها فی البناء.

ولا یحسن بناء الرباعی المنبسط والخماسیّ التامّ إلّا بمخالطه بعضها نحو : جعفر ، ودَرْدَق ، وسفرجل ، ودردبیس. وقد جاءت کلمات مُسَیَّنَهٌ شواذ ، نحو : عَسجَد ، وعَسَطُوس.

وقال : أما المُصْمته - وهی الصُّتْم أیضاً - فإنها تسعه عشر حرفاً صحیحاً. منها خمسه أحرف مخارجها من الحلق ، وهی ع ح ه خ غ. ومنها أربعه عشر حرفاً مخارجها من الفم مَدرُجها علی ظَهر اللِّسان من أصله إلی طرفه ، منها خمسٌ شواخص ، وهن : ط ض ص ظ ق وتسمَّی المستعلِیَه ، ومنها تسعه مختفضه ، وهنّ : ک ج ش ز س د ت ذ ث. قال : وإنَّما سُمِّینَ مصمته لأنها أصمتَت فلم تدخل فی الأبنیه کلها. وإذا عُرّیت من حروف الذلاقه قلّت فی البناء ، فلستَ واجداً فی جمیع کلام العرب خماسیاً بناؤه بالحروف المصمته خاصه ، ولا کلاماً رباعیاً کذلک غیر المسیَّنه التی ذکرتها.

واستخفّت العرب ذلک لخفّه السین وهشاشتها. ولذلک استخفت السین فی استفعل.

قال : والعویص فی الحروف المعتلّه ، وهی أربعه أحرف : الهمزه والألف اللینه والیاء والواو. فأما الهمزه فلا هجاءَ لها ، إنما تکتب مرّهً ألفاً ومرّه واواً ومرّه یاء. فأما الألف اللینه فلا صَرْف لها ، إنما هی جَرْس مدهٍ بعد فتحه ، فإذا وقعت علیها صروف الحرکات ضَعُفت عن احتمالها واستنامت إلی الهمزه أو الیاء أو الواو ، کقولک عصابه

ص: 42

وعصائب ، کاهل وکواهل ، سِعلاه وثلاث سعلیات فیمن یجمع بالتاء. فالهمزه التی فی العصائب هی الالف التی فی العصابه ، والواو التی فی الکواهب هی الألف التی فی الکاهل جاءت خَلَفاً منها ، والیاء التی فی السِّعلَیات خلفٌ من الألف التی فی السعلاه ، ونحو ذلک کثیر. فالألف اللینه هی أضعف الحروف المعتله ، والهمزه أقواها متناً ، ومخرجها من أقصی الحلق من عند العین.

قال : والیاء والواو والألف اللینه مَنُوطات بها ، ومدارج أصواتها مختلفه ، فمدرجه الألف شاخصه نحو الغار الأعلی ، ومدرجه الیاء مختفضه نحو الأضراس ، ومدرجه الواو مستمره بین الشفتین ، وأصلهنّ من عند الهمزه. ألا تری أن بعض العرب إذا وقف عندهنّ همزهن ، کقولک للمرأه افعلیءْ وتسکت ، وللاثنین افعلأْ وتسکت ، وللقوم افعلُؤْ وتسکت ، فإنّما یُهمزَن فی تلک اللغه لأنهنّ إذا وُقِف عندهن انقطع أنفاسهن فرَجعْن إلی أصل مبتدئهن من عند الهمزه. فهذه حال الألف اللینه ، والواو الساکنه بعد الضمه ، والیاء الساکنه بعد الکسره ، والألف اللینه بعد الفتحه. وهؤلاء فی مجری واحد.

والواو والیاء إذا جاءتا بعد فتحه قویتا ، وکذا إذا تحرکتا کانتا أقوی. ومن تِبیان ذلک أن الألف اللینه والیاء بعد الکسره والواو بعد الضمه إذا لقیهنّ حرف ساکن بعدهن سقطن ، کقولک عبد الله ذو العمامه ، کأنک قلت ذُلْ. وتقول رأیت ذا العمامه ، کأنک قلت ذَلْ. وتقول مررتُ بذی العمامه ، کأنک قلت ذِلْ. ونحو ذلک کذلک فی الکلام أجمع.

والیاء والواو بعد الفتحه إذا سکنتا ولقیهما ساکن بعدهما فإنّهما یتحرکان ولا یسقطان أبداً ، کقولک لو انطلقت : یا فلان ، وقولک للمرأه : اخشَی الله ، وللقوم : اخْشَوُا الله. وإذا وقفت قلت : اخشَوْا واخشَی.

فإذا التقت الیاء والواو فی موضع واحد وکانت الأولی منهما ساکنه فإن الواو تدغم فی الیاء إن کانت قبلها أو بعدها فی الکلام کلِّه ، نحو : الطیّ من طوَیت ، الواو قبل الیاء ؛ ونحو الحیّ من الحیوان ، الیاء قبل الواو.

قال : والحروف المعتله تختلف حالتها فتجری علی مجارٍ شتی. من ذلک الألف اللینه إذا مدّت صارت مدّتها همزه ملتزقه بها من خلفها کقولک هذه لاءٌ مکتوبه ، وهذه ماءٌ ماءُ الصله لا ماءُ المجازاه. ونحو ذلک من الحروف المصوّره إذا وقعت مواقع الأسماء مدّت کما تمدّ حروف الهجاء إذا نسبَت أو وُصفت ؛ لأنهنّ یصرن أسماءً ؛ لأنَّ الاسم مبنیٌّ علی ثلاثه أحرف ، وهذه الحروف مَثْنَی مثنی مثل لو ، ومَن ، وعَن. فإذا

ص: 43

صیرتَ واحداً منها اسماً قوّیته بحرفٍ ثالث مُخرجٍ من حرفٍ ثان کقوله :

إنّ لیتاً وإنّ لوًّا عناءُ

جعل لوًّا اسماً حین نعَتَه.

وروی اللیث بن المظفر عن الخلیل بن أحمد فی أول «کتابه» : هذا ما ألّفه الخلیل بن أحمد من حرف : ا ب ت ث ، التی علیها مدار کلام العرب وألفاظها ، ولا یخرج شیء منها عنها ؛ أراد أن یعرف بذلک جمیع ما تکلمت به العرب فی أشعارها وأمثالها وألا یشذّ عنه منها شیء.

قلت : قد أشکل معنی هذا الکلام علی کثیر من الناس حتی توهّم بعض المتحذلقین أن الخلیل لم یَفِ بما شرَط ، لأنَّه أهمل من کلام العرب ما وُجد فی لغاتهم مستعملاً.

وقال أحمد البشتیّ الذی ألَّف کتاب «التکمله» : نقضَ الذی قاله الخلیل ما أودعناه کتابنا هذا أصلاً ؛ لأنَّ کتابنا یشتمل علی ضعفَیْ «کتابِ الخلیل» ویزید. وستری تحقیق ذلک إذا حُزْت جملتَه ، وبحثت عن کنهه.

قلت : ولمَّا قرأت هذا الفصل من «کتاب البشتیّ» استدللت به علی غفلته وقله فطنته وضعف فهمه ، واشتففت أنه لم یفهم عن الخلیل ما أراده ، ولم یفطن للذی قصَده. وإنما أراد الخلیل رَحِمه الله أن حروف ا ب ت ث علیها مدار جمیع کلام العرب ، وأنه لا یخرج شیء منها عنها ، فأراد بما ألّف منها معرفهَ جمیع ما یتفرع منها إلی آخره ، ولم یُرد أنه حصَّلَ جمیع ما لفظوا به من الألفاظ علی اختلافها ، ولکنه أراد أنّ ما أسَّسَ ورسَم بهذه الحروف وما بین من وجوه ثنائیِّها وثلاثیّها ورُباعیّها وخماسیّها ، فی سالمها ومعتلّها علی ما شرح وجوهها أوَّلاً فأوَّلاً ، حتی انتهت الحروف إلی آخرها - یُعرف به جمیع ما هو من ألفاظهم إذا تُتُبِّع ، لا أنّه تتبعه کلّه فحصَّله ، أو استوفاه فاستوعبه ، من غیر أن فاته من ألفاظهم لفظه ، ومن معانیهم للفظ الواحد معنًی.

ولا یجوز أن یخفی علی الخلیل مع ذکاء فطنته وثقوب فهمه ، أن رجلاً واحداً لیس بنبیٍ یُوحی إلیه ، یُحیط علمُه بجمیع لغات العرب وألفاظها علی کثرتها حتی لا یفوته منها شیء وکان الخلیل أعقل من أن یظنَّ هذا ویقدِّره ، وإنما معنی جِماع کلامه ما بیَّنته. فتفهمْه ولا تغلط علیه.

وقد بیَّن الشافعی رَضی الله عنه ما ذکرته فی الفصل الذی حکیته عنه فی أول کتابی هذا فأوضحه. أعاذنا الله من جهل الجاهل ، وإعجاب المتخلف ، وسَدَّدنا للصواب بفضله.

ص: 44

وقد سمّیت کتابی هذا «تهذیب اللغه» ؛ لأنِّی قصدت بما جمعت فیه نفْیَ ما أدخل فی لغات العرب من الألفاظ التی أزالَها الأغبیاء عن صیغتها ، وغیَّرها الغُتم عن سننها ، فهذبت ما جمعت فی کتابی من التصحیف والخَطاءِ بقدر علمی ، ولم أحرص علی تطویل الکتاب بالحشو الذی لم أعرف أصله ؛ والغریب الذی لم یُسنده الثقات إلی العرب.

وأسأل الله ذا الحول والقوَّه أن یزیّننا بلباس التقوی وصدق اللسان ، وأن یُعیذنا من العُجْب ودواعیه ، ویعیننا علی ما نویناه وتوخیناه ؛ ویجعلنا ممن توکَّل علیه فکفاه. وحسبُنا هو (وَنِعْمَ الْوَکِیلُ) ، ولا حول ولا قوه إلّا بالله ، علیه نتوکل وإلیه ننیب.

ص: 45

ص: 46

بالأذی ذلک الشعر الذی یُحلق عنه. قال : وهذا مما قلتُ لک إنّهم ربّما سمَّوا الشیء باسم غیره إذا کان معه أو من سببه ، فسمِّیت الشاه عقیقه لعقیقه الشَعَر.

قال أبو عبید : وکذلک کل مولود من البهائم فإنَّ الشعر الذی یکون علیه حین یولد عقیقه وعِقّه. وأنشد لزهیر :

أذلک أم أقبُّ البطن جأبٌ

علیه من عقیقته عفاءُ

فجعل العقیقهَ الشعر لا الشاهَ. وقال الآخر یصف العَیْر :

تحسَّرت عِقَّهٌ عنه فأنسلها

واجتاب أخْری جدیداً بعدما ابتقلا

یقول : لما تربّع ورَعی الربیعِ وبُقُولَه أنسَلَ الشعر المولود معه ، وأنبت آخر فاجتابه ، أی لبسه فاکتساه.

قلت : ویقال لهذا الشعر عقیق ، بغیر هاء ، ومنه قول الشّماخ :

أطار عقیقَهُ عنه نُسالاً

وأُدمجَ دَمْجَ ذی شطن بدیع

أراد شعره الذی ولد وهو علیه ، أنه أنسله عنه ، أی أسقطه.

قلت : وأصل العَقّ الشَّق والقطع ، وسمِّیت الشعرهُ التی یخرج المولود من بطن أمّه وهی علیه عقیقه ، لأنها إنْ کانت علی رأس الإنسیّ حُلقت عنه فقطعت ، وإن کانت علی بهیمه فإنّها تُنسلها. وقیل للذبیحه عقیقه لأنها تذبح ویشق حلقومها ومریُّها ووَدَجاها قطعاً ، کما سمّیت ذبیحه بالذَّبح وهو الشق.

وأخبرنی أبو الفضل المنذری عن الحرَّانی عن ابن السکیت أنه قال : یقال عقّ فلانٌ عن ولده ، إذا ذبح عَنْه یوم أسبوعه. قال : وعقّ فلانٌ أباه یعقُّه عقاً.

وأعقّ الرجلُ ، أی جاء بالعُقوق. وقال الأعشی :

فإنّی وما کلّفتمونی وربّکم

لیعلَمُ من أمسی أعقَ وأحربا

أی جاء بالحَرَب. قال : ویقال أعقَّت الفرسُ فهی عَقُوق ، ولا یقال مُعِقّ. وهی فرس عقوق ، إذا انفتَقَ بطنُها واتَّسَع للوَلَد. قال : وکلُّ انشقاقٍ فهو انعقاق ، وکل شق وَخرْقٍ فهو عَقٌ ، ومنه قیل للبرق إذا انشقّ : عقیقه.

وقال غیره : عقّ فلانٌ والدیه یعقُّهما عقوقاً ، إذا قطعهما ولم یصل رحمه منهما.

وقال أبو سفیان بن حرب لحمزهَ سیّد الشهداء رَضی الله عنه یوم أحد حین مرَّ به وهو مقتولٌ : «ذُقْ عُقَق» ، معناه ذق القتل یا عاقّ کما قتلت ، یعنی من قتلتَ یوم بدر. وجمع العاقّ القاطع لرحمه عَقَقهٌ.

ویقال أیضاً رجلٌ عَقٌ. وقال الزَّفَیانُ الراجز :

أنا أبو المِرقالِ عقّاً فَظَّ

لمن أعادی مَحِکا مِلظّا

وقیل : أراد بالعَقّ المُرَّ ، من الماء العُقاق ، وهو القُعاع.

وأخبرنی المنذری عن محمد بن یزید الثُّمالی أنه قال فی قول الجعدی :

بَحرُکَ عذبُ الماء ما أعقّهُ

ص: 48

سَیبُک والمحروم مَنْ لم یُسقَهُ

قال : أراد ما أقعَّه. یقال ماء قُعاع وعُقَاقٌ إذا کان مُراً غلیظاً. وقد أقعَّه الله وأعقَّه.

وقال ابن الأعرابی فیما رَوَی عنه أحمد بن یحیی البغدادی : العُقُق : البعداء الأعداء.

قال : والعُقُق أیضاً : قاطعو الأرحام.

وقال أبو زید فی «نوادره» : یقال عاققتُ فلاناً أعاقُّه عِقاقاً ، إذا خالفته. قال : والعُقَّه : الحفره فی الأرض ، وجمعها عُقّات.

وقال أبو عبید : قال الأصمعی فی باب السحاب : الانعقاق تشقُّق البرق. ومنه قیل للسیف : کالعقیقه ، شبِّه بعقیقه البرق.

قال : ومنه التَّبوُّج وهو تکشُّف البرق.

وقال غیره : یقال عقّت الریحُ المُزْنَ تعُقُّه عَقّاً ، إذا استدرّته کأنّها تشُقُّه شقاً. وقال الهذلیُّ یصف غیثاً :

حار وعقَّت مُزنَهُ الریح وانْ

قارَ به العَرْضُ ولم یُشمَلِ

حار ، أی تحیّر وتردد ، یعنی السحاب ، واستدرته ریح الجنوب ولم تهب به الشمال فتقشعه. وقوله «وانقار به العرض» أی کأنّ عرض السحاب انقار ، أی وقعت منه قطعه ، وأصله من قُرت جیبَ القمیص فانقار ، وقرتُ عینَه إذا قلعتَها.

ویقال سحابهٌ معقوقه ، إذا عُقّت فانعقّت ، أی تبعّجت بالماء. وسحابه عقّاقه ، إذا دَفقَت ماءها. وقد عَقَّت. وقال عبد بنی الحسحاس یصف غیثاً :

فمرَّ علی الأنهاءِ فانثجَّ مُزْنُه

فعقَ طویلاً یسکب الماء ساجیا

ویقال اعتقَّت السحابه بمعنی عَقَّتْ.

وقال أبو وَجْزه :

واعتقَ منبعجٌ بالوبل مبقُورُ

ویقال للمعتذر إذا أفرط فی اعتذاره : قد اعتقَ اعتقاقاً.

وروی شمر عن بعض أصحابه أن معقِّر بن حمارٍ البارقی کُفَّ بصره ، فسمع یوماً صوت راعدهٍ ، ومعه بنتٌ له تَقُوده ، فقال لها : ماذا ترین؟ فقالت : أری سَحماء عَقَّاقه ، کأنها حُوَلاءُ ناقه. فقال لها : وائِلی بی إلی جانب قَفْله ، فإنَّها لا تنبت إلَّا بمنجاهٍ من السیل. والقَفْله : نبته معروفه.

قلت : والعرب تقول لکل مسیلِ ماءٍ شقّه ماءُ السیل فی الأرض فأنهره ووسَّعه : عقیق.

وفی بلاد العرب أربعه أعِقَّه ، وهی أودیه عادیَّه شقَّتها السُّیول. فمنها عقیق عارض الیمامه ، وهو وادٍ واسع مما یلی العَرَمه تندفق فیه شعاب العارض ، وفیه عیونٌ عذبه الماء. ومنها عقیق بناحیه المدینه فیه عیونٌ ونخیل ومنها عقیق آخر یدفُق سیله فی غوریّ تِهامه ، وهو الذی ذکره الشافعی فقال : «ولو أهلوا من العقیق کان أحبَّ إلیَّ». ومنها عقیق القَنَان ، تجری إلیه میاهُ قُللِ نجد وجباله.

وذکر الباهلیّ عن الأصمعیّ أنه قال : الأعقّه الأودیه.

ویقال للصبی إذا نشأ فی حَیٍّ من أحیاء العرب حتی شبَّ وقویَ فیهم : عُقّت تمیمه

ص: 49

فلانٍ فی بنی فلان. والأصل فی ذلک أن الصبیَّ ما دام طِفلاً تعلِّق علیه أمُّه التمائمَ ، وهی الخَرزُ تعوِّذه بها من العین ، فإذا کبِر قُطعتْ عنه. ومنه قول الشاعر :

بلاد بها عَقَ الشباب تمیمتی

وأوَّلُ أرضٍ مسَّ جلدی ترابُها

وروی أبو عُمر عن أحمد بن یحیی عن ابن الأعرابیّ أنه قال : العقیقه : المزاده. والعقیقه : النَّهر. والعقیقه. العِصابهُ ساعه تشَقُّ من الثوب. والعقیقه : خَرزه حمراء. والعقیقه : نواه رخوه من نوی العجوه تؤکل. قال : والعقیقه : سهم الاعتذار. قال أبو العباس : قلت لابن الأعرابی : وما سهم الاعتذار؟ فقال : قالت الأعراب : إنَّ أصل هذا أن یُقتل رجلٌ من القبیله فیطالَب القاتل بدمه ، فیجتمع جماعهٌ من الرؤساء إلی أولیاء القتیل ویعرضون علیهم الدیه ویسألونهم العفو عن الدم. قالت الأعراب : فإن کان ولیُّه أبیّاً حمیاً أبی أخذ الدیه ، وإن کان ضعیفاً شاورَ أهلَ قبیلته ، فیقولون للطالبین : إنَّ بیننا وبین خالقنا علامهً للأمر والنهی. قال : فیقول الآخرون : ما علامتکم؟ فیقولون : نأخذ سهماً فنرکِّبه علی قوس ثم نرمی به نحو السماء ، فإن رجَعَ إلینا ملطَّخاً بالدم فقد نُهینا عن أخذ الدیه ، وإن رجع إلینا کما صعد فقد أمرنا بأخذ الدیه.

قال ابن الأعرابی : قال أبو المکارم وغیره : فما رجَع هذا السهمُ قَطْ إلا نقِیّاً ، ولکن لهم بهذا عُذرٌ عند جُهالهم.

قال : وقال الأسعر الجعفیّ من أهل القتیل وکان غائباً عن هذا الصلح :

عقُّوا بسهم ثمَّ قالوا سالموا

یا لیتنی فی القوم إذْ مَسحوا اللِّحی

قال : وعلامه الصُّلح مَسْحُ اللحی.

قُلت : وأخبرنی عبد الملک البغوی عن الربیع عن الشافعی أنه أنشده :

عقُّوا بسهم ولم یشعُر به أحد

ثم استفاءوا وقالوا حَبَّذا الوَضحُ

أخبر أنهم آثروا إبلَ الدیه وألبانها علی دم قاتلِ صاحبهم. والوضح : اللبنُ هاهنا.

ویقال للدلو إذا طلعت من الرکیّه ملأی : قد عَقّت عقّاً. ومن العرب من یقول عقتْ تعقِیَه ، وأصلها عقّقت ، فلمّا توالی ثلاث قافات قلبوا إحداها یاء کما قالوا تظنَّیت من الظن. وأنشد ابنُ الأعرابی فیما أخبرنی المنذرّی عن ثعلب عنه :

عَقتْ کما عقت دَلوف العِقْبان

شبّه الدلو إذا نزعت من البئر وهی تعُّق هواء البئر طالعهً بسرعهٍ بالعقاب إذا انقضَّتْ علی الصَّیدِ مسرعه.

وروی الحرّانی عن ابن السکیت أنه قال : العقیقه : صُوف الجَذَع. والجنیبه : صوف الثَّنِیّ.

وقال أبو عبید : العِقاق : الحوامل من کل ذات حافر. والواحده عَقوق.

وقال ابن المظفّر : یقال أعقت الفرَسُ والأتانُ فهی مُعِقٌ وعَقوق ، وذلک إذا نبتت العقیقه فی بطنها علی الولد الذی حملتْه. وأنشد لرؤبه :

ص: 50

قد عتق الأجدعُ بعد رقِ

بقارحٍ أو زولهٍ مُعِقِ

وأنشد له أیضاً فی لغه من یقول أعقّت فهی عقوق وجمعها عُقُق :

سرا وقد أوّنَ تأوین العُقُق

والعقاق والعَقَق : الحَمْل. قال عدیّ :

وترکت العَیْر یدمی نحره

ونحوصاً سَمْحجاً فیها عَقَقْ

وقال أبو خِرَاش :

أبَنَ عَقاقاً ثم یَرْمَحْنَ ظَلْمَه

إباءً وفیه صَولهٌ وذَمِیل

وقال أبو عمرو : أظهرت الأتان عَقاقاً بفتح العین ، إذا تبیَّن حملها قلت : وهکذا قال الشافعی العَقاق بهذا المعنی فی آخر کتاب الصَّرف.

وأما الأصمعیّ فإنه یقول : العقاق مصدر العَقُوق ورُوی عن أبی عمرو أنه کان یقول : عقّت فهی عقوق ، وأعقّت فهی مُعِقّ.

قلت : واللَّغه الفصیحه أعقَّتْ فهی عقوق ، قاله ابن السکِّیت وغیره.

وقال أبو حاتم فی کتاب «الأضداد» : زعم بعض شیوخنا أنه یقال للفرس الحامل عقوق.

قال : ویقال للحائل أیضاً عَقوق. قال أبو حاتم : وأظنُّ هذا علی التفاؤل. قلت : وهذا یروَی عن أبی زید.

وقال أبو عبیده : عقیقه الصبیّ : غُرْلته إذا خُتِن.

وقال اللیث : نوی العَقوقِ نوًی هشٌّ رِخوٌ لیِّن المَمْضَغْه تأکله العجوز وتلوکه ، وتُعلفُه العَقوقُ إلطافاً بها ، ولذلک أضیفَ إلیها ، وهو من کلام أهل البصره ولا تعرفه الأعرابُ فی بادیتها.

وقال ابن الأعرابیّ : العقیقه : نواهٌ رِخوهٌ لیِّنه کالعجوه تؤکل.

وقال شمر : عِقان الکروم والنخیل : ما یخرج من أصولها. وإذا لم تقطع العِقَّان فسدت الأصول. وقد أعقَّت النخلهُ والکَرْمه ، إذا أخرجت عِقَّانَها.

والعَقْعَق : طائر معروف ، وصوته العَقْعقه.

ومن أمثال العرب السائره فی الرجل یسأل ما لا یکون وما لا یُقدر علیه : «کلَّفْتَنی الأبلق العقوق» ، ومثلهُ : «کلَّفتنی بیضَ الأنوق». والأبلق ذکر ، والعقوق الحامل ، ولا یحمل الذکر. وأنشد اللحیانی :

طلب الأبلقَ العقوقَ فلما

لم یجده أراد بیض الأنوق

وفی «نوادر الأعراب» : اهتلبَ السیف من غمده ، وامترقه ، واعتقَّه ، واجتلطه ، إذا استّله. وأما قول الفرزدق :

قفی ودِّعینا یا هنید فإننی

أری الحیَّ قد شاموا العقیق الیمانیا

فإن بعضهم قال : أراد شاموا البرق من ناحیه الیمن.

والعَقُوق : موضع. وأنشد ابن السکیت :

ولو طلبونی بالعَقُوق أتیتهم

بألفٍ أؤدِّیه إلی القومِ أقرعا

یرید : ألف بعیر. وأنشد لکثیِّر یصف امرأه :

ص: 51

إذا خرجت من بیتها راقَ عَینها

مُعَوِّذها وأعجبتها العقائق

یعنی إنَّ هذه المرأه إذا خرجت من بیتها راقها معوّذ النبت حوالَی بیتها. والمعوّذ من النبت : ما ینبت فی أصل شجرٍ أو حجر یستره. وقیل العقائق : الغُدْران ، وقیل : هی الرِّمال الحمر.

وعَقّه : بطن من النَّمِر بن قاسط. قال الأخطل :

وموقَّعِ أَثَرُ السِّفار بخَطْمه

من سُود عَقّه أو بنی الجوّالِ

وبنو الجَوَّال فی بنی تغلب.

وقال اللیث : انعقَ البرق ، إذا انسرَب فی السحاب.

قع : أبو عمر عن أحمد بن یحیی عن عمرو بن أبی عمرو عن أبیه قال : القُعقُع بضم القافین : العَقعَق. وقال اللیث : القعقع طائر وصوته القعقعَه. قال : وهو طائر أبلق ببیاض وسوادٍ ، ضخمٌ ، من طیر البرّ ، طویل المنقار.

قلت : وسمعت البحرانیین یقولون للقَسْب من التمر إذا یبس وتقعقع : تمرٌ سَحٌّ وتمر قعقاع.

وقُعَیقِعان : موضع بمکه اقتتل عنده قبیلانِ من قریش ، فسمِّی قعیقعان لتقعقع السلاح فیه. قال اللیث : وبالأهواز جبل یقال له قعیقعان. قال : ومنه نحتت أساطین مسجد البصره.

والقعقاع : طریق یأخذ من الیمامه إلی مکه معروف.

ویقال للجلد الیابس والتِّرسَهِ إذا تخشخشت فحکیت صوت حرکاتها قد قعقعت قعقعه ومنه قول النابغه :

کأنک من جمال بنی أقیش

یُقعقع خلف رِجلیه بشنِ

وقال ابن الأعرابیّ فیما یروی عنه أحمد بن یحیی : القعقعه والعقعقه ، والخشخشه والشخشخه ، والخفخفه والفخفخه والنشنشه والشنشنه ، کلّه حرکه القرطاس والثَّوب الجدید. ومن أمثله العرب : «من یجتمع یتقعقع عَمَده» المعنی : غبط بکثره العدد واتساق الأسباب فهو بعَرَض الزَّوال والانتشار. وهذا کقول لبید یصف تغیُّر الزمان بأهله :

إن یُغْبَطوا یُهبَطوا وإن أمروا

یوماً یَصیروا للهُلْک والنَّکَدِ

ویقال للرجل إذا مشی فسمعت لمفاصل رجلیه تَقعقُعاً : إنّه لقَعْقَعانیّ. وکذلک العَیْر إذا حَمَل علی العانه فتقعقع لحیاهُ : قعقعانیّ. وقال رؤبه :

شاحِیَ لَحْیَیْ قُعْقُعانیُ الصَّلقْ

قعقعه المِحورِ خُطّاف العَلَقْ

وأسَدٌ ذو قعاقع ، إذا مشی فسمعت لمفاصله قعقعه.

أبو عبید عن الأصمعیّ : خمْس قعقاع وحثحاث ، إذا کان بعیداً والسَّیرُ فیه متعباً لا وتیره فیه ، أی لا فتور فیه. وکذلک طریق قعقاع ومتقعقع ، إذا بعُد واحتاج السائر فیه إلی الجِدّ. وسمّی قعقاعاً لأنه یقعقع الرِکاب ویتعبها. وقال ابن مقبل

ص: 52

یصف ناقته :

عَمَل قوائمها علی متقعقع

عَتِبِ المراتب خارج متنشِّر

وبالشُّریف من بلاد قیس مواضع یقال لها القعاقع.

ویقال قعقعتُ القارورهَ وزعزعتها ، إذا أَرَغْت نزع صمامها من رأسها. ویقال للذی یحرک قداح المیسر لیجیلها : المقعقع. وقال ابن مقبِل :

بقدحین فازا من قداح المقعقِع

وقال اللیث : یقال للمهزول : صار عظاماً تتقعقع. قال : وکل شیءٍ دَقَّتُهُ صوتٌ واحِد فإنک تقول یقعقع. وإذا قلت لمثل الأدَم الیابسه والسلاح قلت یتقعقع.

قلت : وقول النابغه یدل علی خلاف ما قال : لأنه قد قال :

یقعقع خلف رجلیه بشنِ

والشّنّ من الأدَم ، وکأنّه أراد أنه یقعقع فیتقعقع.

ویقال : أقعَ القومُ ، إذا حفروا فأنبطوا ماء قُعاعاً. ومیاه الملَّاحات کلها قُعاع.

ویقال للقوم إذا کانوا نزولاً ببلدٍ فاحتملوا عنه : قد تقعقعت عَمَدهم. وقال جریر :

تقعقع نحو أرضکم عمادِی

وقال أبو زید : القعقعه : تتابع صوت الرعد فی شدّه. وجماعه القعاقع.

ویقال للحمَّی النافض قعقاع. وقال مزرِّد أخو الشماخ :

إذا ذُکرت سلمی علی النأی عادَنی

ثُلاجیّ قعقاعٍ من الورد مردِمِ

وقال بعض الطائیِّین : یقال قعّ فلان فلاناً یقُعُّه قعاً ، إذا اجترأ علیه بالکلام

والقعاقع : الحجاره التی ترمی بها النخل لینتثر من ثمره. والمقعقِع : الذی یقعقع القداح من المیسر.

وقال ابن هرمه :

وقعقعت القداح ففزت منها

بما أخذ السَّمینُ من القداح

وروی عن السُدِّی أنه قال : سمیِّ الجبل الذی بمکه قعیقعان لأنّ جُرهماً کانت تجعل فیه قسیها وجعابها ودَرَقها ، فکانت تُقِعقِعُ وتصوِّت.

قال الأصمعی : عکَّنی بالقول عکّاً ، إذا ردهُ علیک متعنّتاً. ورجلٌ مِعَکٌ ، إذا کان ذا لدَدٍ والتواء وخُصومه.

وقال ابن الأعرابی : العرب تقول : ائتزر فلان إزرهَ عکَ وَکَّ ؛ وهو أن یُسبل طرَفیْ إزاره. وأنشد :

إن زرته تجده عَکَ رکا

مشیته فی الدار هاکَ رکَّا

قال : هاک رکّ : حکایه تبختره.

أبو عُبید الله عن أبی زید : إذا سکنت الریح مع شده الحر قیل : یوم عکِیک ، ویقال یومٌ عکٌ أکٌّ ، وقد عکَ یومنا. قال : وقال غیره : العُکَّه والعکیک : شدّه الحر. وقال ساجع العرب : «إذا طلعت العُذْره ، لم یبق بعُمان بُسْره ، ولا لأکَار بُرَّه ، وکانت عکه نُکْره ، علی أهل البصره».

والمِعَکّ من الخیل : الذی یجری قلیلاً ثم یحتاج إلی الضرب ، قاله اللیث.

وقال أبو عبید : العَکَوّک السمین ، وقال غیره : هو القصیر المقتدر الخَلق. وقال الراجز :

عکوَّک إذا مَشی دِرحایه

والعُکه : زُقیق صغیر یُجعَل فیه السمن.

ویُجمَع عُکَکا وعِکاکاً.

وأخبرنی المنذریُّ عن الغَسَّانیّ عن سلمه ، أنه قال : سمعت أبا القمقام الأعرابی یقول : غبت غیبه عن أهلی فقدِمت ، فقدَّمَتْ إلیَّ امرأتی عکّتین صغیرتین من سمن ، ثم قالت : حلِّنی اکسُنی ، فقلت :

تسلأ کلّ حُرَّهٍ نِحْیین

وإنما سَلأتِ عُکَّتَینِ

ثم تقول اشترِلی قرطین

وقال اللیث : عکُ بن عَدنان هم الیومَ فی الیمن ، وقال بعض النسَّابین ، إنما هو معدّ بن عدنان ، فأمّا عَکّ فهو ابن عُدثان بالثاء ، وهم من ولد قحطان ، وعدنان من ولد إسماعیل عَلَیه السَّلام.

ثعلب عن ابن الأعرابی : یقال عُکَ إذا حُمَّ ، وعَکَ إذا غَلی من الحرّ.

وقال أبو زید : العَکَّه : رمله حمیت علیها الشمس. وأما قول العجاج :

عکٌ شدیدُ الأَسْر قُسبُریُ

قال أبو زید ؛ العَکُ : الصُّلب الشدید المجتمع.

وقال اللیث : العَکَّه من الحرّ : فَورهٌ شدیده فی القیظ ، وهو الوقت الذی ترکد فیه الریح ؛ وفی لغهٍ : أکَّه.

کع : ابن حبیب عن ابن الأعرابی : رجل کَعُ الوجه ، أی رقیق الوجه ؛ ورجلٌ کُعکُعٌ : جبان. وقد تکعکع وتکأکأ ، إذا ارتدع ورجلٌ کَعٌ کاعٌ ، إذا کان جباناً ضعیفاً.

وقد کعّ یکعّ کعُوعاً.

وقال أبو زید : یقال کَعِعتُ أکَعُ وکعَعتُ بالفتح أکِعُ. وکذلک زَلِلت وزَلَلتُ ، وشَحِحْتُ وشحَحْتُ أشَحُّ وأشِحُّ. وقال العجَّاج :

کعکعتُه بالرجم والتنجُّه

وقال ابن المظفّر : رجل کعُ کاعٌ ، وهو الذی لا یمضی فی حزم ولا عزم ، وهو الناکص علی عقبیه. والکاعُ : الضعیف

ص: 54

العاجز. وأنشد :

إذا کان کَعُ القوم للرَّحْلِ لازما

وقال أبو زید : یقال کعکعته فتکعکع.

وأنشد لمتمِّم بن نویره :

ولکنَّنی أمضی علی ذاکَ مُقدِماً

إذا بَعضُ مَن یلقی الخطوبَ تکعکعا

قال : وأصل کعکعت : کعَّعْت ، فاستثقلت العرب الجمع بین ثلاث أحرف من جنس واحد ففرقوا بینها بحرف مکرَّر ومثله کفکفتُه عن کذا ، وأصله کفَّفته.

وقال غیره : أکَعَّه الفَرَقُ إکعاعاً ، إذا حبَسَه عن وجهه.

والکَعْک : الخبز الیابس. قال اللیث : أظنّه معرباً. وأنشد :

یا حَبّذا الکعک بلحمٍ مثرودْ*

* وخُشْکَنانٌ معْ سویقٍ مَقنود

أبو عبید عن الفراء : العجَاجه : الإبل الکثیره. وقال شمر : لا أعرف العجاجه بهذا المعنی. قال ابن حبیب : العَجَاج من الخیل : النجیب المسنّ.

وروی شمر بإسناد له عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلی الله علیه وسلم أنه قال : «لا تقوم الساعه حتی یأخذ الله شریطته من أهل الأرض ، فیبقی عَجَاجٌ لا یعرفون معروفاً ولا یُنکرون مُنکَراً». قال شمر : العَجَاج من الناس نحو الرَّجَاج والرَّعاع. وأنشد :

یرضی إذا رضی النساء عجاجهٌ

وإذا تُعُمّدَ عَمْدُه لم یَغضَبِ

عمرو عن أبیه : عجّ ، إذا صاح. وجَعّ ، إذا أکل الطین.

وقال غیره : طریق عاجٌ زاجٌّ ، إذا امتلأ.

جع : أبو العباس عن ابن الأعرابی : جعَ فلانٌ فلاناً ، إذا رماه بالجَعْو ، وهو الطِّین.

وکتب عبید الله بن زیاد اللعین إلی عُمر بن سَعْد : أن جعجعْ بالحسین بن علی رضی الله عنهما.

قال ابن الأعرابی : معناه ضیِّق علیه. قال : والجعجَع : الموضع الضَّیق الخشِن.

وقال أبو عبید : قال الأصمعیُّ : الجعجعه الحَبْس. قال : وإنّما أراد بقوله «جعجع بالحسین» أی احبسه. ومنه قول أوس بن حَجَر :

إذا جعجعوا بین الإناخه والحبس

قال : والجعجاع : المَحبِس : وأنشد :

وباتوا بجعجاعٍ حدیث المعرَّجِ

قال أبو عبید : وقال غیره : الجعجاع : الأرض الغلیظه. وقال أبو قیس بن الأسلت :

مَنْ یَذُقِ الحربَ یَجدْ طعمها

مُرّاً وتترکْه بجعجاعِ

سَلَمه عن الفراء قال : الجعجعه : التضییق علی الغریم فی المطالبه. والجعجعه : التشرید بالقوم.

وقال أبو العباس : قال ابن الأعرابی : الجعجع : صوت الرَّحی ، ومنه مثل العرب : «جَعجعه ولا أری طِحْناً» ، یضرب للذی یعِد ولا یفی ، قال : والجعجعه : أصوات الجمال إذا اجتمعت.

وقال اللیث : جعجعت الإبل ، إذا حرّکتَها لإناخه أو نُهوض. وأنشد :

عَوْد إذا جُعجِعَ بعد الهبِ

وفحلٌ جعجاعٌ : شدید الرُّغاء. وقال حُمید بن ثور :

یطفْنَ بجعجاعٍ کأنّ جرانه

نَجیبٌ علی جالٍ من البئر أجوفِ

ویقال : تجعجع البعیر وغیره ، إذا ضرَب بنفسه الأرض بارکاً ، لمرضٍ یصیبه أو ضرب یُثخنه. وقال أبو ذؤیب :

فأبدّهنَّ حتوفهنَّ فهارب

بذَمائه أو بارکٌ متجعجعُ

وقال إسحاق بن الفرج : سمعت أبا الربیع البکری یقول : الجعجع والجفجف من الأرض المتطامِن ، وذلک أنَّ الماء یَتجفجف فیه فیقوم ، أی یدوم. قال : وأردته أن یقول یتجعجعَ فلم یقُلْها فی

ص: 56

الماء. وقال : جعجعَ الماشیه وجفجفها ، إذا حبسَها.

وقال شمر : قال أبو عمرو : الجَعجاع : الأرض. قال : وکلُّ أرضٍ جعجاع. قال شمر : وأنشدنا ابن الأعرابی :

نحلُّ الدیار وراء الدیا

رِ ثمَ نجعجع فیها الجُزُرْ

قال : نجعجعها : نحبسها علی مکروهها.

ویقال : جعجعَ بهم ، أی أناخَ بهم وألزمهم الجعجاع. قال : وجعجعَ البعیرُ إذا برک. وأنشد :

حتّی أنخنا عزَّه فجعجعا

أی استناخ. وجعجعَ القومُ ، أی أناخوا.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : العَشعَش :العُشُ إذا تراکبَ بعضُه علی بعض.

وقال اللیث : العُشّ للغراب وغیره علی الشَّجر إذا کثُف وضَخُم ، ویجمع عِشَشه.

وقال ابن الفرج : قال الخلیل : المعَشُ المطلب. قال : وقال غیره : المعَسُّ : المطلب.

وقال ابن شمیل : قال أبو خیره : أرضٌ عشه : قلیله الشجر فی جَلَد عَزَاز ، ولیس بجبلٍ ولا رمل. وهی لینه فی ذاک. قال : وعشَّه بالقضیب عشاً : ضربه ضربات.

أبو عبید : من أمثالهم : «لیس هذا بعشِّک فادرجی». یضرب مثلاً لمن یرفع نفسه فوق قدره. ونحوٌ منه : «تلمَّسْ أعشاشک» ، أی تلمَّس التجنِّی والعلل فی ذویک. وقال أبو عبیده لرجلٍ أتاه : «لیس هذا بعشک فاردجی» فقیل له : لمن یُضرَب هذا؟ فقال : لمن یُرفع له بخیال. فقیل : ما معناه؟ فقال : لمن یطرد.

شع : أبو العباس عن ابن الأعرابی : شعَ القومُ إذا تفرقوا. وأنشد للأخطل :

عصابه سَبْیٍ شعَ أن یتَقسَّما

أی تفرَّقوا حذار أن یُتَقسَّموا قال : والشَّعُ : العَجَله. قال : وانشعَ الذئب فی الغنم ، وانشلَّ فیها ، وانشنَّ ، وأغار فیها واستغار ، بمعنی واحد.

عمرو عن أبیه : یقال لبیت العنکبوت الشَّعّ وحُقَّ الکَهُول.

أبو عبید عن الأصمعی : الشَّعشع والشعشان : الطویل. وقال فی موضع آخر : الشَّعشاع الحسن ، ویقال الطویل.

وقال ذو الرُّمه :

إلی کلِّ مشبوح الذراعین تُتقی

به الحرب شعشاع وآخر فَدغمِ

وقال اللیث : الشعشعان من کلِّ شیءٍ : الطویلُ العنق. ویقال شعشعتُ الشرابَ ، إذا مزجته بالماء. ویقال للثریده الزُّریقاء : شعشِعها بالزیت.

وروی شمر بإسناد له حدیث واثله بن الأسقع ، أن النبیّ صلی الله علیه وسلم «ثرد ثریده ثم شعشعها ثم لبقها ثم صَعَنَبها» قال شمر : وقال ابن المبارک : شعشعها : خلط بعضها ببعض کما یُشعشع الشراب بالماء إذا مزج به. قال : ویقول القائل للثریده الزریقاء : شعشعها بالزیت. قال شمر : وقال بعضهم : شعشع الثریده إذا رفع رأسها ، وکذلک صعلکها وصعنبها. قال : وروی أبو داود عن ابن شمیل : شعشع الثریده إذا أکثر سَمنَها. قال : وقال بعضهم شعشعها طوّل رأسها ، من الشعشاع ، وهو الطویل من الناس.

قلت : وروی أبو عبید هذا الحرف فی حدیث واثله : «ثم سغسَغَها» بالسین والغین أی رواها دسماً. وهکذا قاله ابن الأعرابی.

ویقال : شَعَ بولَه یشُّعه ، فرَّقه ، فشع یشِعُ إذا انتشر. وشععنا علیهم الخیل نشُعُّها.

أبو عبیدٍ عن الفراء : الشَّعَاع : المتفرق ، یقال : تطایَر القومُ شعاعاً ، إذا تفرقوا. وتطایرت العصا شعاعاً ، إذا تکسرتْ قِصَداً. وشَعاعُ السنبل : سَفاه إذا یبس

ص: 58

ما دام علی السنبل وبَعْدَ انتشاره. وأشعَ السُّنبلُ ، إذا اکتنزَ حَبُّه وانتشر سفاه.

ویقال : ذهبت نفسی شَعَاعاً ، إذا انتشر رأیها فلم تتجه لأمرٍ حزم.

وشَعَاع الدم : ما انتشر إذا استنَّ من خَرق الطَّعنه. وأنشد ابن السکیت :

طعنتُ ابن عبدِ القیس طعنهَ ثائرٍ

لها نَفذٌ لو لا الشُّعاع أضاءها

یقول : لو لا انتشار سَنَن الدم لأضاءها النفذ حتَّی تُستبان.

وقال ابن شمیل : یقال سقیته لَبناً شَعاعاً أی ضَیَاحاً أُکثر ماؤه.

قلت : والشعشعه : المَزْج مأخوذ منه. وکلُّ ما مرَّ فی الشعَاع فهو بفتح الشین ، وأما ضوء الشمس فهو الشعاع بضم الشین ، وجمعه شُعُعٌ وأشِعّه ، وهو ما تَرَی من ضوئها عند ذُرورِها مثل القضبان.

عمرٌو عن أبیه قال : الشُّعشُع : الغلام الحسن الوجه الخفیف الرُّوح ، بضم الشینین.

مُعِضّه : کثیره العِضّ. وبعیرٌ عاضّ.

وقال أبو زید فیما رَوَی عنه ابن هانیء : العِضاه اسمٌ یقع علی شجرٍ من شجر الشَّوک له أسماءٌ مختلفه یجمعها العِضاه ، والعِضاه الخالص منه : ما عظُم واشتدّ شوکه. وما صغُر من شجر الشوک فإنه یقال له العِضّ والشِّرْس. قال : وإذا اجتمعت جموعُ ذلک قیل لما لَه شوکٌ من صغاره عِضُ وشِرسٌ ، ولا یُدعَیان عِضاهاً. فمن العِضاه السمرُ ، والعُرفُط ، والسَّیَال ، والقَرَظ ، والقَتَاد الأعظَم ، والکَنَهبُل ، والسِّدْر ، والغافُ ، والغَرَب فهذه عضاهٌ أجمع. ومن عِضاه القیاس ولیس بالعضاه الخالص : الشَّوحط ، والنَبْع ، والشِّریان ، والسَّرَاء ، والنَّشَم ، والعُجُرم ، والتألب ، والغَرَف. فهذه کلُّها تُدعی عضاه القیاس ولیست بالعضاه الخالص ولا بالعِضِ.

ومن العِضِ والشِّرس القتاد الأصغر ، وهی التی ثمرتُها نُفّاخه کنُفّاخه العُشَر ، إذا حُرّکت انفقأت. ومنها الشُّبْرم ، والشِّبرِق ، والحاجُ ، واللَّصَف ، والکلبه ، والعِتْر ، والثغْرُ. فهذه عِض ولیست بعضاه. ومن شجر الشوک الذی لیس بِعِضِ ولا عِضاه : الشُّکاعَی ، والحُلَاوَی ، والحاذُ ، والکُبّ ، والسُّلَّج.

وفی «النوادر» : هذا بلدٌ به عِضٌ وأعضاض وعَضاض ، أی شجرٌ ذو شوک.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : العُضّ بضم العین : عَلَف الأمصار ، مثل الکُسْب والنَّوی المرضوخ. قال : وقال المفضل : العُضُ : العجین. وقال أبو عبیده : العُضّاض عِرنین الأنف. وأنشد غیره :

لما رأیت العبدَ مشرحِفَّا

أعدَمته عُضَّاضَهُ والکفّا

سلمه عن الفراء ، قال : العُضَاضیُ : الرجل الناعم اللّین ، مأخوذ من العُضاض ، وهو ما لانَ من الأنف.

ویقال : أعضَ الحجّام المِحجمَهَ قفاه.

وقال أبو زید : یقال عضّ الرجل بصاحبه یعَضُّه ، إذا لَزِمَه.

وقال النضر : إنّه لعِضُ مالٍ ، إذا کان حسنَ القیام علیه وفلانٌ عِضُ سفَر : قویٌّ علیه. وعِضُ قتال. وأنشد الأصمعی :

إنّا إذا قُدنا لقومٍ عَرضا

لم نُبقِ من بغْی الأعادی عِضّا

ابن شمیل : عاضّ القوم العیش منذ العام فاشتد عِضاضهم ، أی اشتد عَیشهم. وإنّه لعِضاض عیش ، أی صَبورٌ علی الشدّه.

وغَلَقٌ عِضٌ : لا یکاد ینفتح.

الأصمعی : ماء عَضوض : بعید القعر. ونحوَ ذلک قال النضر.

وقوس عَضوض ، إذا لزِق وترها بکبدها.

وقال أبو زید : البئر العضوض ، هی الضیّقه. وقال أبو عمرو : هی الکثیره الماء. وقال أبو خیره : امرأه عَضوض : لا ینفُذ فیها الذکر من ضِیقها. وفلانٌ عِضُ فلان وعضیضه ، أی قِرْنه.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : العَضعَض : العِضُ الشدید. قال : والضَّعضَع : الضعیف.

ص: 60

والتَّعضوض : تمر أسود ، التاء فیه لیست بأصلیه. وفی الحدیث أنّ وفْد عبد القیس قدِموا علی النبی صلی الله علیه وسلم ، فکان فیما أهدَوا له قِرَبٌ من تعضوض.

وأنشد الریاشیُّ فی صفه النخل :

أسود کاللَّیل تدجّی أخضره

مخالط تعضوضه وعُمُره

بَرنیَّ عَیدانٍ قلیلٍ قِشَره

والعُمُر : نخل السکّر.

قلت : وقد أکلت التعضوض بالبحرین فما أعلمنی أکلتُ تَمْراً أحمَتَ حلاوهً منه ، ومنبته هَجَر وقُراها.

ضع : ثعلب عن ابن الأعرابی قال : الضّعُ : تأدیب الناقه والجمل إذا کانا قضیبَین.

قال أبو العباس : هو أن یقال له ضَعْ لیتأدّب.

قال : والضَّعضع : الضعیف.

وقال ابن شمیل : رجلٌ ضَعضاع : لا رأی له ولا حَزْم. والضعضاع : الضعیف من کل شیء.

وقال غیره : تضعضعَ فلانٌ ، إذا خضع وذل.

وقد ضعضعه الدهر. والعرب تسمِّی الفقیر متضعضِعاً. وقد تضعضع ، إذا افتقر.

قلت : وأصل الباب من الوضع.

وقال الأصمعیُّ : الزعزعه ، والصعصه ، بمعنًی واحد.

وقال أبو الحسن اللِّحیانی : صعصعَ رأسَه بالدُّهن وصَغْصغَه ، إذا روّاه وروّغه.

وقال أبو سعید : الصعصعه : نَبت یُستمشَی به.

وقال إسحاق بن الفرج : قال أبو الوازع : قال الیمامی : هو نبْتٌ یشرب ماؤه للمَشْی.

من الإبل.

وقال الفراء : العَسُوس من الناس : التی لا تُبالی أن تدنُوَ من الرجال.

وقال أبو عمرو : إنّه لعسوسُ من الرّجال إذا قلَّ خَیره. وقد عَسَ علیّ بخیره ، وإنَّ فیه لعُسُساً قال : والاعتساس والاعتسام : الاکتساب.

وقال ابن المظفر : العَسُ : نَفض اللَّیل عن أهل الرِّیبه ؛ یقال عسّ یعُسُ عَسًّا فهو عاسّ. قال : والعاسّ اسمٌ یقع علی الواحد والجمع.

قلت : العاسّ واحد وجمعه العَسَس ، کما یقال خادم وخدَم ، وحارس وحرس.

ثعلب عن ابن الأعرابی : العُسُ : القَدح الذی یعبّ فیه الاثنان والثلاثه والعِدّه.

قال : والرِّفد أکبر منه.

وقال أیضاً : العُسُس : التُّجار الحُرصاء ، والعُسُس : الآنیه الکبار.

قال : والعَسِیس : الذئب الکثیر الحرکه.

أبو عبید : من أمثالهم فی الحثّ علی الکسب قولهم : «کلبٌ عَسَ خیرٌ من کلبٍ ربَضَ» ، وبعضهم یقول : «کلبٌ عاسٌ خیر من کلب رابضٍ». والعاسُ : الطالب ، یقال عَسّ یعُسُ إذا طلب. والذِّئب العَسوس : الطالب للصَّید.

وقال الأصمعیّ : یقال للذِّئب العَسعَسُ لأنّه یعُسّ باللیل ویَطلُب ، وقال له العسعاس. والقنافذ یقال لها العَساعِس ؛ لکثرهِ تردُّدها باللیل.

ویقال : عسعس فلانٌ الأمرَ ، إذا لبَّسه وعمّاه ، وأصله من عسعسه اللیل.

ویقال : جاء بالمال من عَسِّهِ وبَسِّه ، أی من طلبه وجهده.

قال : وعَسْعَسُ : موضعٌ معروف فی بلاد العرب. وعسعسٌ : اسم رجل.

وقال اللیث : عسعست السحابهُ ، إذا دنت من الأرض ، لا یقال ذلک إلّا باللیل فی ظلمه وبَرق.

وقال أبو الوازع : العُسُ : الذّکر. وأنشد :

لاقت غلاماً قد تشظّی عُسُّهُ

ما کان إلّا مَسُّه فدسُّهُ

قال : عُسُّه : ذکَره.

ویقال : اعتسستُ الشیء ، واجتسستُهُ ، واقتسستُه ، واشتممته ، واهتممته ، واختششته. والأصل فی هذا أن تقول : شمِمتُ بلد کذا وخَشَشته ، إذَا وطئته فعَرفتَ خِبرته.

ویقال : عسَ علیَّ خَبَرُ فلان ، أی أبطأ.

سع : أبو العباس عن عمرو عن أبیه قال : السَّعِیع : الشَّیلَم. قال : وقال ابنُ الأعرابیّ : السَّعیع : الردیء من الطعام.

وقال ابن بُزرج : طعامٌ مسعوع من السَّعیع ، وهو الذی أصابَه السَّهام.

وفی حدیث عمر أنه سافر فی عقب رمضان فقال : «إنّ الشهر قد تَسعسَعَ فلو صُمْنا بقیّته» قال أبو عبید : قوله «تَسَعسعَ» ، أی أدبرَ وفَنِیَ إلّا أقلَّه. وکذلک یقال للإنسان إذا کبِر حتّی یهرمَ ویولّیَ : قد تسعسَعَ. وأنشد لرؤبه یذکر امرأهً تخاطب صاحبهً لها ، فقال یذکرها :

ص: 63

قال وما تألو به أن ینفعا

یا هندُ ما أسرعَ ما تسعسعا

یعنی أنّها أخبرتْ صاحبتَها عن رؤبه أنه قد أدبَر وفنی.

ثعلب عن سلمه عن الفراء قال : السعسعه الفَنَاء. ونحوَ ذلک قال ابنُ الأعرابی.

وقال الفراء : سعسعتُ بالعَناقِ ، إذا زجرتَها فقلت لها : سَعْ سَعْ.

وقال غیره : سعسع شعرَه وسغسغه ، إذا روّاه بالدُّهن.

أبو الوازع : تسعسعت حاله ، إذا انحطّت.

وتسعسعت فمه ، إذا انحسرت شفتُه عن أسنانه.

شمر عن أبی حاتم : تسعسع الرجلُ ، إذا اضطربَ وأسنَّ. ولا یکون التسعسُع إلّا باضطراب مع الکبر. وقد تسعسعَ عُمره.

وقال عمرو بن شأس :

وما زال یُزْجِی حبَّ لیلی أمامَه

ولیدَین حتی عُمْره قد تسعسعا

وکلُّ شیء بلی وتغیّر إلی الفساد فقد تسعسع.

وقال شمر : من روی حدیث عمر : «إنَّ الشهر قد تشعشع» ، وذهب به إلی رقَّه الشَّهر وقلَّه ما بقی منه ، کما یُشعشَع اللبنُ وغیره إذا رُقِّق بالماء ، کان وجهاً.

أعِزّ عِزًّا وعَزَازه. قال : وعَزَّت الناقه تعُزُّ عُزوزاً فهی عَزُوزٌ ، إذا کانت ضیّقه الإحلیل. قال : وأعززتُ الرجل : جعلتُه عزیزاً. وأعززته : أکرمته وأحببته.

وأخبرنی الإیادیّ أنه وجد شمراً یضعِّف قول أبی زید فی قوله أعززته أی أحببته.

وقال ابن شمیل : شاه عَزوز : ضیّقه الإحلیل لا تُدرّ حتَّی تحلب بجهد. وقد أعزّت ، إذا کانت عَزُوزاً.

وقال اللیث : یقال تعزَّزَتْ ، لهذا المعنی.

أبو عبید عن أبی زید : إذا استبانَ حملُ الشاه وعظُم ضرعُها قیل رمّدت ، وأعزّت وأضرعَت ، بمعنی واحد.

وقول الله عزّ وجلّ : (لَیُخْرِجَنَ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) [المنَافِقون : 8] وقریء : (لَیَخرُجَنَ الأعز منها الأذل) أی لیخرجن العزیز منها ذلیلا ، فأدخل الألف واللام علی الحال.

وقال : جلّ وعزّ : (فَسَوْفَ یَأْتِی اللهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ أَذِلَّهٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّهٍ عَلَی الْکافِرِینَ) [المَائده : 54] یقول : یتذللون للمؤمنین وإن کانوا أعزه ، ویتعززون علی الکافرین وإن کانوا فی شرف الأحساب دونهم.

والعرب تقول : «إذا عزّ أخوک فهُنْ» ، المعنی إذا غلبک وقهرَک فلم تقاومْه فتواضعْ له ؛ فإن اضطرابک علیه یزیدک ذُلًّا.

ومن کلام العرب : «مَن عَزّ بَزّ» ومعناه من غَلَب سَلب.

والعَزَاز : الأرض الضُّلبه.

ویقال للمطر الوابل إذا ضربَ الأرضَ السهلهَ بغیبتها فشدّدها حتَّی لا تسوخ فیها القوائم ویذهب وعوثتها : قد شدّد منها وعزّزَ منها. وقال

عزّزَ منه وهو معطی الإسهالْ

ضربُ السواری متْنَه بالتَّهتال

ویقال أعززنا : أی وقَعنا فی الأرض العَزاز ، کما یقال أسهلنا ، أی وقعنا فی أرض سهله.

وفی الحدیث أنّه «استُعِزَّ برسول الله صلی الله علیه وسلم فی مرضه الذی مات فیه». قال أبو عمرو : واستُعِزَّ بفلان ، أی غُلِب ، یقال ذلک فی کل شیءٍ من مرضٍ أو عاهه.

قال : واستعزَّ الله بفلانٍ. واستَعزَّ فلانٌ بحقّی ، أی غلبنی. وفلانٌ مِعزازُ المرض ، إذا کان شدیدَ المرض. ویقال له أیضاً إذا مات : استُعِزَّ به.

وفی حدیث ابن عمر «أنّ قوماً اشترکوا فی لحم صیدٍ وهم مُحرمون ، فسألوا بعض أصحاب رسول الله صلی الله علیه وسلم عمّا یجب علیهم ، فأمر کلّ واحدٍ منهم بکفّاره ثم سألوا عمر وَأخبروه بفتیا الذی أفتاهم ، فقال : إنکم معزَّزٌ بکم» ، أی مشدّد بکم ، ومثقَّل علیکم الأمر.

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ قال : العِزُّ : المطر الشدید الوابل. قال : والعَزَّاء : الشدّه. وقال الفراء : یقال للأرض العَزَاز عَزّاءُ أیضاً.

وقال ابن شمیل : العَزَاز : ما غلظ من الأرض وأسرع سیلُ مطره ، یکون من القِیعان والصَّحاصح وأسناد الجبال والآکام وظهور القِفاف. وقال العجّاج :

ص: 65

من الصَّفا العاسی ویَدهَسْنَ الغَدَرْ

عَزَازَه ویهتمِرْن ما انْهمَرْ

وتعزَّز لحمُ الناقه ، إذا اشتدّ وصلُب.

وقال أبو عمرو فی مسائل الوادی : أبعدها سیلا الرَّحَبه ، ثم الشُّعبه ، ثم التَّلْعه ، ثم المِذْنب ، ثم العَزَازه.

وقال الفرّاء : العَزَّه : بنت الظَّبیه ، وبها سمِّیت المرأه عَزّه.

وقال أبو عبیدهَ فی کتاب «الخیل» : العزیزاء وهما عُزَیزاوا الفرس : ما بین جاعرتیه. وقال أبو مالک : العُزَیزاء : عصبه رقیقه مرکّبه فی عظم الخَوْران إلی الورک. وأنشد فی صفه الفرس :

أمِرَّت عُزیزاهُ ونیطت کُرومهُ

إلی کفلٍ رابٍ وصُلْبٍ موثِّقِ

قال : والکرمه : رأس الفخذ المستدیرُ کأنّه جَوْزه ، وموضعها الذی تدور فیه من الورک القَلْت.

وقال ابنُ شمیل : یقال للعنز إذا زُجرتْ : عَزْ عَزْ ، وعزعزتُ بها فلم تَعَزعَز ، أی لم تتنحَّ.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابی : العَزعزُ الغلبه.

قال : والزَّعزع الفالوذ.

قال : وعزّ الماء یعزّ ، وعزّت القَرحه تَعِزّ ، إذا سال ما فیها وکذلک مَذَع وبَذَعَ ، وصَهَی ، وهمی ، وفزّ ، إذا سال ویقال عَزُزت الناقه ، إذا ضاق إحلیلُها ولها لبنٌ کثیر.

قلت : أظهر التضعیف فی عَزُزت ، ولیس ذلک بقیاس.

وقول الله جلّ وعزّ : (أَفَرَأَیْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّی) [النّجْم : 19] جاء فی التفسیر أن اللاتَ صنَم کان لثقیف ، وأن العُزَّی سمُرهٌ کانت لغطَفانَ یعبدونها ، وکانوا بنَوْا علیها بیتاً وأقاموا لها سَدَنه ، فبعث النبی صلی الله علیه وسلم خالد بن الولید إلیها ، فهدم البیت وأحْرق السَّمُره.

والعُزَّی : تأنیث الأعزّ ، مثل الکبری والأکبر. والأعزُّ بمعنی العزیز ، والعُزَّی بمعنی العزیزه.

وقال أبو زید : یقال : إنّما فلانٌ عنزٌ عَزُوزٌ لها دَرٌّ جَمٌّ ، إذا کان کثیر المال شحیحاً والعزوز : الضیّقه الإحلیل.

وقال ابن شُمیل : شاهٌ عَزوزٌ بیِّنه العِزاز.

زعّ : یقال للرِّیح الشدیده التی تقلع الأشجار وتحرّکها تحریکاً شدیداً : ریح زَعزعانٌ وزَعْزَعٌ وزَعزاع ، کل ذلک مسموع من العرب ، والجمیع الزعازع. وقال أبو ذؤیب :

وراحتْه بَلِیلٌ زَعزَعُ

وزعزعتُ الشیءَ ، إذا أرَغْتَ إزالته من مُثَبَّته فحرّکتَه تحریکاً. وقال :

لزُعزِعَ من هذا السَّریرِ جوانبُه

والزَّعزاعه : الکتیبه الکثیره الخیل. وقال زهَیرٌ یمدح رجلاً :

یُعطِی جزیلاً ویسمو غیر متّئدٍ

بالخیل للقوم فی الزَّعزاعه الجُولِ

أراد فی الکتیبه التی یتحرَّک جُلها ، أی ناحیتها ، وتترمّز. فأضاف الزعزاعه إلی الجول.

وزعزعت الإبلَ ، إذا سُقتَها سَوْقاً عنیفاً.

وسَیرٌ زَعزَعٌ : شدید.

أبو عمرو والأصمعیّ : الزَّعازع والزّلازل

ص: 66

هی الشدائد.

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ : یقال للفالوذ الزَّعزَع ، والمُزَعزَع ، والملوَّص ، والمزَعفَر ، واللَّمْص.

نشّت مِیاه الغُدران فی القیظ ، فقال :

دعت میَّهَ الأعدادُ واستبدلت بها

خَناطیل آجالٍ من العِین خُذَّلِ

استبدلت بها ، یعنی منازلها التی ظعنت عنها حاضرهً أعداد المیاه ، فخالفها إلیها الوحش وأقامت فی منازلها.

قال شمر : قال أبو عبیده : العِدّ القدیمه من الرکایا. قال : ومنه قولهم : حسَبٌ عِدٌّ ، أی قدیم. وأنشد :

فوردَتْ عِدًّا من الأعداد

أقدمَ من عادٍ وقوم عادِ

قال : وقال أبو عدنان : سألت أبا عبیده عن الماء العِدّ فقال لی : الماء العِدّ بلغه تمیم : الکثیر. قال : وهو بلغه بکر بن وائل : الماء القلیل. قال : بنو تمیم یقولون : الماء العدّ مثل کاظمه جاهلیٌّ إسلامیّ لم یَنزَح قطّ. قال : وقالت لی الکلابیه : الماء العِدّ الرَّکیّ. یقال أمِن العِدِّ هذا أم من ماء السماء؟ وأنشدتنی :

وماء لیس من عِدِّ الرکایا

ولا حلَب السماءِ قد استقیت

وقالت : ماءُ کلِّ رکیه عِدٌّ ، قلَّ أو کثُر.

وقال أبو زید : حسبٌ عِدٌّ ، أی قدیم.

وقال الحطیئه (1) :

....... والحسَبُ العِدُّ

وقال أبو زید : یقال انْقضت عِدّهُ الرجل ، إذا انقضی أجَله ، وجمعها العِدَد. ومثله انقضت ، مُدّته ، وهی المُدَد.

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ : یقال : هذا عِدادُه وعِدُّه ، ونِدُّه وندیده ، وبِدّه وبدیده ، وسِیُّه ، وزِنُّه وزَنّه ، وحَیدُه وحِیدُه ، وغَفْره وغَفَره ، ودِنُّه ، أی مثله.

ورُوی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «ما زالت أُکْله خَیبر تُعادُّنی ، فهذا أوانَ قطعَتْ أبهَری» : قال أبو عبید : قال الأصمعیّ : هو من العِداد ، وهو الشیء الذی یأتیک لوقتٍ ، مثل الحُمَّی الرِّبْع والغِبّ ؛ وکذلک السمّ الذی یقتل لوقتٍ. وأنشد :

یلاقی من تذکُّر آل لیلی

کما یلقی السَّلیمُ من العِدادِ

ومعنی قوله «تعادُّنی» أی تراجعنی بألم السمّ فی أوقات معدوده ، کما قال النابغه فی حیّه عضّت رجلاً فقال :

تطلّقه حیناً وحیناً تراجعُ

وأما قول الهذلیّ فی العداد :

هل أنتِ عارفهُ العداد فتُقصِرِی

فمعناه هل تعرفین وقت وفاتی.

وقال ابن السکیت : إذا کان لأهل المیت یومٌ أو لیله یجتمع فیه النِّساء للنیاحه علیه فهو عِدادٌ لهم. ویقال : فلانٌ عِدادُه فی بنی فلانٍ إذا کان دیوانُه معهم.

ثعلب عن عمرو عن أبیه قال : العِداد والبِداد : المناهده. قال : وقال ابن الأعرابیّ : فلانٌ عِدُّ فلانٍ وبِدُّه أی قِرنه ،

ص: 68

والجمیع أعدادٌ وأبداد. والعدائد : النظراء ، واحدهم عدید.

أبو عبیده عن الأصمعی : عِداد القوس : صوتها. وقال غیره : العِدّه جماعه قلّت أو کثرت یقال : رأیت عدّه رجال وعدّه نساء. والعِدّه مصدر عددت الشیء عداً وعده. والعده عدّه المرأه شهوراً کانت أو أقراءً أو وضع حَمْل کانت حملتْه من الذی تعتدّ منه. یقال : اعتدَّت المرأه عِدَّتَها من وفاه زوجها ومن تطلیقه إیاها اعتداداً. وجمع العِدّه عِدَد ، وأصل ذلک کلّه من العَدّ.

والعَدَدُ فی قوله جلّ وعزّ : (وَأَحْصی کُلَّ شَیْءٍ عَدَداً) [الجنّ : 28] له معنیان : أحدهما : (أَحْصی) أی أحاط علمُه بکل شیء عَدَداً أی معدوداً ، فیکون نصبه علی الحال. یقال عددت الدراهم عدًّا. وما عُدَّ فهو معدود وعَدَد ، کما یقال نفضتُ ثمر الشجر نفْضاً ، والمنفوض نَفَض. ویجوز أن یکون معنی قوله (وَأَحْصی کُلَّ شَیْءٍ عَدَداً) [الجنّ : 28] أی أحصاه إحصاءً. فالعدد اسم من العدّ أقیم مقام المصدر الذی هو معنی الإحصاء ، کما قال امرؤ القیس

ورُضْتُ فذلّتْ صعبهً أیَّ إذلالِ

والعدید : الکثره ، یقال ما أکثر عدیدَ بنی فلان. وبنو فلانٍ عدیدُ الحصی ، إذا کانوا لا یُحصَون کثره کما لا یُحصَی الحصی.

ویقال : هذه الدراهم عَدیدُ هذه الدراهِم ، إذا کانت بعددها.

ویقال : إنَّهم لیتعادُّون علی عشره آلاف أی یزیدون علیها فی العدد. ویقال هم یتعادُّون کذا وکذا رَجلاً ویتعدّدون بمعناها.

وقال اللیث : هم یتعدَّدون علی عشرهِ آلاف ، أی یزیدون علیها فی العدد. ویقال : هم یتعادُّون ، إذا اشترکوا فیما یعادُّ به بعضُهم بعضاً من المکارم وغیرها. والعُدَّه : ما أعِدَّ لأمرٍ یحدُث ، مثل الأُهبه. یقال أعددت للأمر عُدَّتَه.

وقال أبو عبید : العِدَّان : الزَّمان. وأنشد قول الفرزدق :

ککِسری علی عِدَّانه أو کقیصرا

وقال اللیث : یقال کان ذلک فی عِدّان شبابه وعِدَّان مُلکه ، وهو أفضلُه وأکثرُه.

قال : واشتقاقه من أن ذلک کان مهیّأً مُعَدًّا. قلت : وأما العِدَّانُ الذی هو جمع عتود ، فهو مفسَّر فی أبواب الثلاثی الصحیح من العین.

وقال ابن الأعرابیّ : العدیده : الحِصَّه ، والعدائد : الحِصَص فی قول لبید :

تطیر عدائد الأشراک شفعاً

ووتراً والزعامهُ للغلامِ

قال شمر : وقیل العدائد الذین یعادُّ بعضُهم بعضاً فی المیراث. وأمّا قول أبی دُوَاد فی صفه الفرس :

وطِمِرَّهٍ کِهراوه ال

أعزابِ لیس لها عَدائدْ

فمعناه لیس لها نظائر.

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ قال : العَدْعَده : العَجَله.

أبو العباس عن عمرو عن أبیه : العُدّ

ص: 69

والعُدّه : البَثْر یخرج علی وجوه المِلَاح ، یقال قد استَمْکَتَ العُدّ فاقْبَحْه ، أی ابیضّ رأسه من القیح فافضخه حتی تمسح عنه قیْحه.

وقال أبو العمثیل : العِداد : یوم العطاء ویوم العَرْض. وأنشد شمر لجهم بن سَبَل :

من البیض العقائل لم یقصِّر

بها الآباء فی یوم العِدادِ

قال شمر : أراد فی یوم الفخار ومعادّه بعضهم بعضاً.

وقال ابن شمیل : یقال أتیتُ فلاناً فی یوم عِدَاد ، أی یوم جمعه أو فِطر أو عید.

والعرب تقول : ما یأتینا فلانٌ إلا عِدادَ القمر الثریا ، وإلَّا قِرانَ الثریا ؛ أی ما یأتینا فی السنه إلا مرّه.

وأنشدنی المنذری وذکر أنَّ أبا الهیثم أنشده :

إذا ما قارن القمرُ الثریا

لثالثهٍ فقد ذهبَ الشتاءُ

قال أبو الهیثم : وإنما یقارن القمر الثریا لیلهَ ثالثهٍ من الهِلال ، وذلک أوّلَ الربیع وآخر الشتاء.

وقال أبو عمرو : یقال به عِدادٌ من اللَّمَم وهو شبه الجنون یأخذ الإنسان فی أوقات معلومه.

وقال الأصمعیّ : یقال ما نراکَ إلّا عِدّهَ الثریا القمر ، أی فی عِدّه نزول القمر بالثریا.

وقال أبو زید : یقال للبغل عَدْ عَدْ ، إذا زجرتَه. قال : وعَدَسْ مثله.

وقال أبو عبیده : العدعده : صوت القطا ، وکأنّه حکایه.

وقال طَرَفه :

أری الموت أعدادَ النفوس ولا أری

بعیداً غداً ما أقربَ الیومَ من غدِ

یقول : لکلّ إنسانٍ مِیتهٌ فإذا ذهبت النفوس ذهبت مِیَتُهم کلُّها.

وقال تعالی : (وَاذْکُرُوا اللهَ فِی أَیَّامٍ مَعْدُوداتٍ) [البَقَرَه : 203] قال الشافعی : المعدودات ثلاثه أیام بعد یوم النَّحر. ورُوی هذا عن ابن عباس ، وهو قول الضَّحّاک.

أبو الهیثم عن ابن بزرج : یقال فلانٌ إنّما یأتی أهله العَدَّه ، وهی من العداد ، أن یأتی أهله فی الشهر والشهرین.

وقال ابن عباس فی قوله عزوجل : (فِی أَیَّامٍ مَعْدُوداتٍ) قال : هی أیام التشریق. وقال الزّجّاج : کلُ عددٍ قلّ أو کثُر فهو معدود ، ولکن معدودات أدَلُّ علی القِلّه ؛ لأن کلَّ قلیل یجمع بالألف والتاء نحو دریهمات. وقد یجوز أن یقع الألف والتاء للتکثیر.

دع : قال الله جلّ وعزّ : (یَوْمَ یُدَعُّونَ إِلی نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) [الطُّور : 13] قال المفسِّرون وهو قول أهل اللُّغه یُدَعُّونَ : یدفَعون إلی نار جهنَّم دفعاً عنیفاً. والدّعُ : الدفْع. وقال مجاهد : (یُدَعُّونَ إِلی نارِ جَهَنَّمَ) قال : دَفْراً فی أقفیتهم. وقال ابن الأعرابی : الدَّفر : الدفع.

وکذلک قوله : (فَذلِکَ الَّذِی یَدُعُ الْیَتِیمَ) [المَاعون : 2] ، أی یَعنُف به دفعاً وانتهاراً.

ص: 70

ویقال : دعدعَ فلانٌ جفنتَه ، إذا ملأها من الثرید واللحم. ودعدَعَ السیلُ الوادیَ. إذا ملأه. وقال لبید :

فدعدعَا سُرَّه الرِّکاء کما

دعدعَ ساقی الأعاجم الغَرَبا

أبو عبید عن أبی عمرو : الدَّعداع والدَّحداح : الرجل القصیر.

وقال غیره : الدعدعه : أن یقول الراعی للمِعْزَی : داعْ داعْ ، وداعٍ داعٍ ، وهو زجرٌ لها.

ثعلب عن ابن الأعرابی : یقال للراعی : دُعْ دُعْ ، إذا أمرتَه بالنعیق بغنمه.

وقال غیره : دَعدِعْ بها. ومنه قول الفرزدق :

دَعدِعْ بأعنُقِک التَّوائِم إنّنی

فی باذخ یا ابنَ المراغه عالی

والدَّعدعه أیضاً : أن یقول الرجل للعاثر : دَعْ. ومنه قول رؤبه :

وإنْ هوَی العاثرُ قلنا دعدَعا

قال أبو سعید : معناه دع العِثار.

أبو عبید عن أبی زید : إذا دُعیَ للعاثر قیل لعاً لک عالیاً. ومثله دَعْ دَعْ. وأنشد :

لحا الله قوماً لم یقولوا لعائرِ

ولا لابن عَمٍ ناله العَثْرُ دَعْ دعا

قلتُ : جعل لعاً ودَعْ دعاً دُعاءً له بالانتعاش.

وروی ابن هانیء عن أبی زید : دعدعتُ بالصبیّ دعدعه إذا عثَر فقلت له دع أی ارتفعْ.

وقال اللیث نحوَه ، وقال : الدَّعدعه : أن تقول للعاثر : دَعْ دَعْ ، أی قُم وانتعش.

وقال شمْر فی قول رؤبه :

وإن هوی العاثر قلنا دَعْ دعا

له وعالَینا بتنعیشٍ لَعَا

قال : قال الأصمعیّ : معناه إذا وقَع منا واقعٌ نَعَشْناه ولم ندَعْه یَهلِک. قال : وقال غیرهما : دَعْ دعا ، معناه أن یقول له : رفَعَک الله ، وهو مثل لعاً.

وروی الشاه عن المؤرّج بیت طرفه بالدال :

وعذاریکم مقلّصه

فی دُعَاع النخل تصطرمه

وفسَّر الدّعاعَ ما بین النخلتین. وهکذا رأیته بخط شِمر روایه عن ابن الأعرابی ، قال : والدُّعاع : متفرّق النخل. قال : وقال أبو منجوف : الدُّعاع : النَّخل المتفرّق. وقال أبو عبیده : ما بین النخله إلی النخله دُعاع. قلتُ : ورواه بعضُهم :

«فی ذُعاع النخل ...»

بالذال ، أی فی متفرِّقه ، من ذعذعت الشیء ، إذا فرّقتَه.

وقال اللیث : الدّعدعه : عَدْوٌ فی التواءٍ وبُطء. وأنشد :

أسقی علی کلِّ قومٍ کان سعیُهم

وسطَ العشیره سعیاً غیر دعداعِ

أی غیر بطیء. قال : والدَّعدع : نبتٌ یکون فیه ماءٌ فی الصیف یأکله البقرُ. وأنشد :

رعَی القَسْوَرَ الجونیّ من حول أشمس

ومن بطن سقمان الدعادع سِدْیَما

ص: 71

یصف فحلاً. وأنشد شمر للطرمّاح ، یصف امرأه :

لم تعالج دمحقاً بائتاً

شُجِّ بالطخف لِلَدْم الدَّعاعْ

قال : الطَّخْف : اللَّبن الحامض. واللَّدْم : اللَّعْق. والدَّعَاع : عیال الرجل الصغار.

یقال أدعَ الرجُلُ ، إذا کثر دَعاعُه.

قال شِمر : والدُّعاع بضم الدال : حبُّ شجره برّیّه. وأنشد للطرمّاح أیضاً :

أُجُد کالأتانِ لم ترتعِ الف

ثَّ ولم ینتقل علیها الدُّعاعْ

والفَثُّ : حبُّ شجره برّیّه أیضاً. والأتان : صخره الماء.

وقال اللیث : الدُّعاعه : حبّه سوداء یأکلها فقراء البادیه إذا أجدبوا. قال : ویقال لنملهٍ سوداء تشاکل هذه الحبّه دُعاعهٌ ، والجمیع دُعاع. ورجلٌ دَعّاع فثَّاثٌ ؛ یجمع الدُّعاع والفَثَّ لیأکلهما.

قلت : هما حبّتان بریّتان إذا جاعَ البدویّ فی القحط دقّهما وعجنهما واختبزهما فأکلهما.

وقال اللیث : الدعدعه : أن تحرِّک مکیالاً أو جُوالقاً أو غیر ذلک حتی یکتنز. وأنشد للبید :

المطمعون الجَفْنه المدعدَعه

دَعْد : من أسماء العرب. وقال بعض الأعراب : یقال لأمّ حُبَین : دعد.

قال الأزهریّ : لا أعرفه. وحکی أبو الوزاع ذلک عن بعض الأعراب.

وقال ابن الأعرابیّ : قال أعرابیٌّ : کم تدعُ لیلتکم هذه من الشهر؟ أی کم تُبقی سواها. وأنشد :

لسنا لأضیافکم بالدُّعُع

تع : أبو العباس عن ابن الأعرابی قال : التَّعُ : الاسترخاء. ورُوی عن عمرو عن أبیه أنّه قال : التَّعتَع : الفأفاء ، وهو التعتعه فی الکلام.

ویقال تُعتِعَ فلانٌ ، إذا رُدَّ علیه قولهُ.

ولا أدری ما الذی تعتعَه؟ وقد تَعتَعَ البعیرُ وغیرُه ، إذا ساخَ فی الخباری أو فی وُعُوثه الرمال. وقال الشاعر :

یُتعتع فی الخَبار إذا عَلاه

ویعثُر فی الطریق المستقیم

وقال أبو عمرو : تَعتَعْتُ الرجلَ وتلتلْتُه ، وهو أن تُقبِل به وتُدبر به وتعنفُ علیه فی ذلک. وهی التعتعه والتلتله.

قلت : ولم یَصحَّ فی هذا الحرف من جههِ مَن یوثقْ به ، والمعروف بهذا المعنی رجل مدغدغ. وقرأت بخط أبی الهیثم :

وعذاریکم مقلّصه

فی ذُعاع النَّخلِ تجترمه

قال أبو الهیثم : الروایه «فی ذُعاع النَّخل». قال : ودُعاع تصحیف. قال : والذَّعاع : الفِرَق ، واحدتها ذَعاعه. قال : والذَّعاع النَّخل المتفرّق. قال : ویقال الدُّعاع : ما بین النخلتین ، بضم الدال.

عمرو : وسألت المبرّد عنها فروی عن البصریین نحواً ممّا قال ثعلب وعَرَفه.

فأحببتُ أن أتقرّب إلیهم لیحفظونی فی عیالاتی عندهم».أراد بقوله «کنت فیهم عریراً» أی غریباً مجاوراً لهم ، ولم أک من صمیمهم ولا لی فیهم شُبکه رحم. والعریر فعیل بمعنی فاعل ، وأصله من قولک عررته عَرًّا فأنا عارٌّ وعریر ، إذا أتیتَه تطلب معروفه. واعتررته بمعناه.

وفی حدیث سَلمان الفارسیّ أنه «کان إذا تعارَّ من اللیل قال : سبحانَ ربِّ النبیِّین» قال أبو عبید : قال الکسائیّ : تعارّ ، إذا استیقظ. یقال تعارّ یتَعارُّ تَعَارًّا ، إذا استیقظ من نومه. قال : ولا أحسب یکون ذلک إلا مع کلام.

قال أبو عبید : وکان بعض أهل العلم یجعله مأخوذاً من عِرار الظلیم ، وهو صوته. ولا أدری أهو من ذلک أم لا.

وقال أبو عمرو : یقال عَرَّ الظَّلیم یَعِرُّ عِراراً. وقال أبو الجرَّاح : عارّ الظلیم یُعارّ عِراراً ، وزمرت النعامه زِماراً.

وفی حدیث أبی بکر أنه أعطی سیفاً محلًّی ، فنزع عمرُ الحلیهَ وأتاه بها وقال : «أتیتک بهذا لما یَعْرُرُک من أمور الناس». قال أبو عبید : أُراه : لما یَعرُوک ، أی لما یأتیک. ولو کان من العَرّ لقال : لما یعرُّک.

قلت : عرّه وعَرَاه بمعنًی واحد ، إذا أتاه.

وقال ابن أحمر :

ترعی القطاهُ الخمِسَ قَفُّورَها

ثم تعرُّ الماءَ فیمن یعُرّ

أی تأتی الماءَ وتَردُه.

وفی حدیث سعد أنه «کان یدمُل أرضَه بالعُرَّه ویقول : مِکتَل عُرّهٍ مِکتَل بُر». قال أبو عبید : قال الأصمعیّ : أراد بالعُرّه عذِرَهَ الناس. قال : ومنه قیل : عرَّ فلانٌ قومَه بشَرٍّ إذا لطَخهم به. قال أبو عبیدِ : وقد یکون عرَّهم بشرٍّ من العَرّ ، وهو الجرب ، أی أعداهم شرُّه. وقال الأخطل :

ونَعررْ بقومٍ عَرّهً یکرهونها

ونحیا جمیعاً أو نموت فنقتلُ

ویقال : لقیتُ منه شَرًّا وعَرًّا ، وأنت شرٌّ منه وأعرّ.

أَبو عبید عن الأمویّ : العَرّ : الجرَب.

یقال عَرَّت الإبلُ تَعِرُّ عرًّا فهی عارّه.

قال : والعَرُّ : قَرح یخرج مِن أعناق الفُصلان ، یقال قد عُرَّتْ فهی معروره.

قال أبو عبید : وقال أبو عبیده : کلُّ شیءٍ باء بشیءٍ فهو له عَرار. وأنشد قول الأعشَی :

فقد کان لهم عَرار

ومن أمثال العرب : «باءت عَرارِ بکَحْلٍ» و «عَرَارِ بکَحْلَ» غیر مُجْرًی. وأنشد ابن حبیب فیمن أَجْری :

باءت عرار بکحلٍ والرِّفاقُ معاً

فلا تمنَّوْا أمانیَّ الأضالیلِ

قال : وکحل وعرار : ثور وبقره کانا فی سِبْطینِ من بنی إسرائیل فعُقِر کحل وعقرت به عرارِ ، فوقعتْ حربٌ بینهما حتَّی تفانَوا ، فضُرِبا مثلاً فی التساوی. وقال الآخر :

ص: 76

باءت عرارِ بکَحْلَ فیما بیننا

والحقُّ یعرفُه ذَوُو الألباب

وأخبرنی المنذریّ عن ثعلب عن ابن الأعرابیّ : یقال تزوّج فلانٌ فی عراره نساءٍ یلدن الذُّکور وفی شَرِیّهِ نساءٍ یلدن الإناث.

وقال أبو عبید : العَراره : الشدّه. وأنشد قولَ الأخطل :

إنّ العرارهَ والنُّبوحَ لدارمٍ

والمستخِفُّ أخوهم الأثقالا

قال : وقال الأصمعیّ : العَرار : بهَار البَرّ.

قلت : الواحده عَراره ، وهی الحَنْوه التی یتیمَّن العجم من الفُرس بها. وأُری أنّ فرس کلحبه الیربوعیّ سمِّیت العراره بها.

وهو القائل :

یسائلنی بنو جُشَمَ بنِ بکر

أغرَّاء العرَارهُ أم بهیمُ

وقال بعضُهم : العراره : الجراده ، وبها سمِّیت الفرس. وقال بشر :

عرارهَ هَبْوهٍ فیها اصفرار

والعُرَّه : الأُبْنه فی العصا ، وجمعها عُرَر.

وقال اللیث : حمارٌ أعرُّ ، إذا کان السِّمَن منه فی صدره وعنقه أکثرَ منه فی سائر خَلْقه.

قال : والعَرّ والعَرَّه ، والعَرار والعَراره : الغلام والجاریهُ المُعْجَلانِ عن الفطام.

والمعرور : المقرور. ورجلٌ معرور : أتاه ما لا قِوام له معه. وعُرعره الجبل : أعلاه. وعُرعُره السَّنام : غاربه. وعُراعر القوم : ساداتهم ، أُخِذ من عُرعره الجبل وقال المهَلهِل :

خَلَعَ الملوکَ وسار تحت لوائه

شجرُ العُرَی وعَراعرُ الأقوامِ

وقال أبو عبید : قال الأصمعیّ : عُرعره الجبل : غلظه ومعظمه. قال : وکتب یحیی بن یعمر إلی الحجّاج : «إنا نزلنا بعُرعره الجبل والعدوُّ بحضیضه». فعرعرته : غِلظه وحَضیضُه : أصلُه.

قال أبو عبید : ومن عُیوب الإبل العَرَر ، وهو قِصَر السَّنام یقال بعیرٌ أعرّ وناقه عرّاء.

وقال ابن الأعرابی : العَرعَر : شجرٌ یقال له السَّاسَم ، ویقال له الشَّیزَی. ویقال هو شجرٌ یُعمَل منه القطران.

وقال أبو عُبید : عَرعارِ : لُعبهٌ لصبیان الأعراب. قال الکمیت :

وبلدهٍ لا ینال الذئبُ أفرخَها

ولا وَحَی الوِلْدِه الداعِینَ عَرعارِ

أی لیس بها ذئبٌ لبُعدها عن الناسِ.

وقال ابن الأعرابی : یقال عرعرت القارورهَ ، إذا نزعتَ منها سِدَادَها. ویقال ذلک إذا سددتها. ویقال عَرعَرَتُها : سِدادها. قال : وعُرعُرتها : وکاؤها.

وعُرعُره الإنسان : جلد رأسه.

قال الأصمعیّ : یقال للجاریه العذراء عرّاء. وقال أبو عمرو فی قول الشاعر یذکر امرأهً :

ورکبَتْ صَومَها وعُرعُرَها

أی ساء خلقها وقال غیره : معناه أنّها رکبت القَذِر من أفعالها. وأراد بعرعرتها

ص: 77

عُرّتها. وکذلک الصَّوم عُرَّه النعام.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : یقال فی مثل : «عُرَّ فقرَه بفیه لعلَّه یُلهیه». یقول : خَلِّه وغَیَّه إذا لم یُطِعْک فی الإرشاد فلعلَّه أن یقع فی هَلکه تُلهیه عنک وتشغله. وقال قیس بن زهیر :

یا قومنا لا تعرُّونا بداهیه

یا قومنا واذکروا الآباء والقُدَما

وقال ابنُ الأعرابیّ : یقال عُرّ فلانٌ ، إذا لقّب بلقبٍ یعرُّه.

قال : وعَرَّ ، إذا نقصَ ، وعَرَّه یعُرُّه ، إذا لقَّبه بما یَشینُه. وعَرّ یعُرُّ ، إذا صادفَ نوبتَه من الماء وغیره.

وقال أبو عمرو : العُرَّی : المَعِیهه من النساء.

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ قال : العَرَّه : الخَلَّه القبیحه. وقال أبو عمرو : العِرار القتال ، یقال عاررتُه إذا قاتلتَه.

رع : أبو العباس عن ابن الأعرابیّ قال : الرَّعّ السکون.

وقال أبو عبید : المترعرِع هو المتحرِّک.

قلت : وسمعتُ العربَ تقول للقصَب الرَّطب إذا طال فی منبته : قَصَبٌ رعراع.

ومنه قیل للغلام الذی شبَّ وامتدّت قامته : رعراعٌ ورَعْرَع ، والجمیع رَعارع. ومنه قول لبید :

ألَا إنَّ إخوانَ الشَّباب الرَّعارعُ

ویقال رعرعَ الفارسُ دابّتَه ، إذا کان ریّضاً فرکِبه لیروضَه ویُذلَّه. وقال أبو وَجْزه السعدیّ :

تَرِعاً یرعرعه الغلامُ کأنّه

صَدَعٌ ینازع هِزَّهً ومِراحا

وقال شِمر فیما قرأت بخطِّه : الرَّعاع کالرَّجاج من الناس ، وهم الرُّذَالُ والضُّعفاء ، وهم الذین إذا فزِعوا طاروا. قال : وقال أبو العمیثل : یقال للنعامه رَعَاعه ، لأنها کأنّها أبداً منخوبه فزعه.

وقال ابن درید : الرعرعه : اضطراب الماء الصافی الرَّقیق علی الأرض ، ومنه قیل غلامٌ رعرَع. قال : ویقال ترعرعت سِنُّه وتزعزعت ، إذا نَغَضت.

طیباً بعد طِیب. قال : ومنه قول امریء القیس :

ولا تُبعِدِینی من جَنَاکِ المُعلَّلِ

أی المطیَّب مره بعد أخری. ومن رواه «المعلِّل» فهو الذی یعلِّل مُترشِّفه بالریق.

وقال ابن الأعرابی : المعلِّل : المُعِین بالبرّ بعد البرّ. قال : والمعلِّل : دافع جابی الخَراج بالعِلل.

وفی الحدیث : «یتوارث بنو الأعیان من الأخوات دون بنی العَلّات» ، أی یتوارث بنو الإخوه للأب والأمّ دون الإخوه للأب.

والعِلال هو الحلب قبل استیجاب الضرع للحلب بکثره اللبن.

وقال بعض الأعراب فیه :

العَنز تعلم أنّی لا أکرّمها

عن العِلالِ ولا عن قِدر أضیافی

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ : العُلاله والعُراکه والدُّلاکه : ما حلبتَه قبل الفِیقه الأولی وقبل أن تجتمع الثانیه. ویقال لأوّل جری الفرس بُداهتُه ، وللذی یکون بعده عُلالته. وقال الأعشی :

إلّا عُلالهَ أو بُدا

ههَ سابحٍ نهد الجُزاره

علَ ولعلَ حرفان وُضِعا للترجّی فی قول النحویّین. وأثبِتَ عن ابن الأنباریّ أنه قال : لعلّ یکون ترجیاً ، ویکون بمعنی کی ، ویکون ظنّاً کقولک : لعلّی أحجّ العامَ ، معناه أظنُّنی سأحجّ. ویکون بمعنی عَسَی لعل عبد الله یقوم معناه عسی عبد الله. ویکون بمعنی الاستفهام کقولک : لعلَّک تشتمنی فأعاقبَک ، معناه هل تشتمنی؟

وأخبرنی المنذریّ عن الحسین بن فهم أنّ محمد بن سلّام أخبره عن یونس أنه سأله عن قول الله تعالی : (فَلَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ) [الکهف : 6] ، و (فَلَعَلَّکَ تارِکٌ بَعْضَ ما یُوحی إِلَیْکَ) [هود : 12] قال : معناه کأنّک فاعل ذلک إن لم یؤمنوا. قال : ولعلّ لها مواضع فی کلام العرب ، من ذلک قوله : (لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ) [النُّور : 27] و (لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ) [طه : 113] و (لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ) [طه : 44] قال : معناه کی تذکروا ، وکی یتقوا ، کقولک : ابعثْ إلیّ بدابّتک لعلّی أرکبها ، بمعنی کی.

قال : وتقول انطلقْ بنا لعلّنا نتحدّث ، أی کی نتحدّث.

الحرّانی عن ابن السکیت : فی لعلّ لغات ، یقول بعض العرب لعلّی ، وبعضهم لعلّنی ، وبعضهم لعَنِّی ، وبعضهم عَلِّی ، وبعضهم علِّنی ، وبعضهم لأنّی ، وبعضهم لأنّنی ، وبعضهم لوَنَّنی. وقال العجاج حاکیاً قول ابنته :

یا أبتا عَلَّکَ أو عساکا

ویقال : تعاللتُ نفسی وتلوَّمْتها ، أی استزدتها.

أبو عبید عن الأصمعیّ : إذا وردت الإبلُ الماءَ فالسَّقْیه الأولی النَّهَل ، والثانیه العَلَل.

قلت : وسمعتُ العرب تقول : عَلَّت الإبل تَعِلّ ، إذا شربت الشربه الثانیه ، وقد عللتُها أنا أعُلُّها ، بضم العین.

ص: 79

وأخبرنی المنذریّ عن ثعلب عن ابن الأعرابیّ : علّ الرجلُ یَعِلُ من المرض ، وعلّ یعِلّ ویَعُلُ من عَلَل الشَّراب. وقد اعتلَ العلیل عِلَّهً صعبه.

وقال أبو عبید : یقال عرضَ علیَ سَومَ عالَّهٍ ، إذا عرضَ علیک الطّعامَ وأنت مُستغنٍ عنه ، وهو کقولهم : عَرْضَ سابِرِیٍّ.

أبو عبید : العَلُ : الکبیر المُسِنّ. والعَلُ : القُراد. والجمع أعلال. قاله الأصمعیّ ، قال : وبه شبِّه الرجل الضعیف ، فیقال کأنّه عَلّ.

أبو عبید عن أبی عبیده : الیعلول : المطر بعد المطر ، وجمعه الیعالیل. قال : والیعالیل أیضاً : حَباب الماء. قال : وقال الأصمعی : الیعلول : غدیر أبیض مطّرد. قال : وهو السَّحاب المطَّرد أیضاً.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : العُلعُل : اسم ذکر الرجُل. والعُلعل : ذکر القَنَابر.

والعُلعُل : طرف الضِّلع التی تُشرف علی الرَّهابه وهی طرف المعده. قال : ویُجمع العلعلُ منها کلها علی عُلُل وعَلالل. قال : والعُلُل أیضاً : جمع العَلول ، وهو ما یعلَّل به المریض من الطعام الخفیف ، فإذا قوِیَ أکله فهو الغُلُل جمع غَلول.

وقال اللِّحیانی : عاللت الناقهَ عِلالاً ، إذا حلبتَها صباحاً ومساءً ونصف النهار وقال أبو زید : العُلاله : أن تحلب الناقه أوّلَ النهار وآخرَه وتحلب وسط النهار ، فتلک الحلبه الوسطی هی العُلاله ، وقد یُدعَی کلُّهن عُلاله.

وقال الفراء : یقال إنه لفی عُلعُولِ شرٍّ وزُلزُول شَرّ ، أی فی قتال واضطراب.

وقال أبو سعید : تقول العرب : أنا عَلَّانُ بأرضِ کذا کذا ، أی جاهل.

قال : وامرأه علّانه : جاهله. قال : وهی لغه معروفه.

قلت : لا أعرف هذا الحرف ولا أدری من رواه عن أبی سعید.

وقال الفراء : العرب تقول للعاثر : لعاً لک وتقول عَلْ ولَعَلْ ، وعَلَّک ولعلَّک واحد.

وقال الفرزدق :

إذا عثَرت بی قلت عَلّکِ وانتهی

إلی باب أبواب الولید کلالُها

وأنشد أیضاً :

فهنّ علی أکتافهم ورماحهم

یقلن لمن أدرکن تَعْساً ولا لَعَلْ

قلت : شُدِّدت اللام فی قولهم عَلَّکِ لأنهم أرادوا عَلْ لک. وکذلک لعلَّک إنما هو لَعَلْ لک.

ثعلب عن ابن الأعرابی : یقال للبعیر ذی السَّنامین : یَعلول ، وقِرعَوْس ، وعُصفوریّ.

لع : أبو عبید عن أبی زید : لعلع فلانٌ عظمَ فلانٍ ، إذا کسره. قال : وقال أبو عمرو : فلان یتلعلع من الجوع والعطش ، أی یتضوّر.

واللَّعلَع : السراب. ولعلعتُه : بصیصُه.

ولَعلَعٌ : ماء فی البادیه معروف ، وقد وردتُه.

أبو عبید عن الفراء : اللُّعَاع : أوّل النبت ، وقد ألعَّتْ الأرضُ.

ص: 80

سلمهُ عن الفرّاء : خرجنا نتلعَّی ، أی نأکل اللُّعاع. کان ذلک فی الأصل نتلعَّع فکثرت العَیناتُ فقلبت إحداهَا یاء ، کما قالوا تظنّیت من الظنّ.

وأخبرنی المنذری عن أبی الهیثم أنه قال : عسلٌ متلعِّع ، وهو الذی إذا رفعتَه امتدَّ معک فلم یتقطَّع للزُوجته. قال : واللُّعاعه : کل نباتٍ لیّن من أحرار البقول فیه ماء کثیر لزِج. ویقال له النّعاعه أیضاً.

وأنشد :

کادَ اللُّعاع من الحَوذانِ یَسحَطُها

ورِجرِجٌ بین لَحییها خَناطیلُ

وقال اللیث : امرأهٌ لَعَّه : ملیحه عفیفه.

ورجلٌ لعَّاعه یتکلَّف الألحانَ من غیر صواب. وروی عن المؤرِّج أنه قال : اللعلاع : الجبان.

وقال أبو الحسن اللِّحیانی : فی الإناء لُعاعه ، أی جِزعه من الشراب.

وقال الأصمعی : ببلدِ بنی فلانٍ لُعاعهٌ حسنه ، ونُعاعهٌ حسنه ، وهو نبتٌ ناعم فی أوّل ما ینبت. ومنه قیل : «إنّما الدُّنیا لُعاعه».

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : اللُّعَاعه : الهندِبَاء ، یمدّ ویقصر. وقال أبو عمرو : اللُّعاعه : الکلأ الخفیف ، رُعی أو لم یُرْعَ.

فالربح بینهما ، وإن وُضِعا فعلی رؤوس أموالهما. وأما شرکه المفاوضه فأن یشترکا فی کل شیءٍ یملکانه أو یستفیدانه من بعد.

وهذه الشرکه عند الشافعیه باطله.

أبو عبید عن الکسائی : أعننت اللجامَ ، إذا علمتَ له عِناناً.

وقال یعقوب بن السکیت : قال الأصمعی : أعننت الفرس وعَنَنته ، بالألف وغیر الألف ، إذا عمِلت له عناناً ، وأهل العراق یقولون : أعَنَ الفارسُ ، إذا شدَّ عنانَ دابّته إلیه لیَثنِیَه عن السیر ، فهو مُعِنَ وعَنَ دابّته عَنًّا : جعل لها عِنانا. وجمع العِنان أعِنّه.

والعَنُون من الدوابّ : التی تُباری فی سیرها الدوابَّ فتقدُمها. قال النابغه

کأنّ الرحلَ شُدَّ به خَذوفٌ

من الجَونات هادیهٌ عَنونُ

والخَذوف : السَّمینه من حُمر الوحش.

وفی حدیث عبد الله بن مسعود أنه قال : «وکان رجلٌ فی أرضٍ له إذْ مرّت به عَنَانهٌ تَرَهْیَأُ». قال أبو عبید : العَنانه : السحابه ، وجمعها عَنانٌ. قال : وفی بعض الحدیث : «لو بلغَتْ خطیئتُه عَنَان السَّحاب». ورواه بعضهم : «أعنانَ السماء». فإن کان المحفوظ أعنانَ السماء فهی النَّواحی.

وأعنان کلّ شیءٍ : نواحیه ، قاله یونس النحویّ ، الواحدُ عَنٌ ومنه یقال : أخذَ فی کلِ عَنّ وسَنٍّ وفَنٍّ.

وقال اللیث : عَنان السماء : ما عنَ لک منها إذا نظرتَ إلیها ، أی ما بدا لک منها.

وأما قوله :

جَرَی فی عَنانِ الشِّعریینِ الأماعزُ

فمعناه جری فی عِراضها سَرابُ الأماعز حین یشتدُّ الحرُّ.

وأخبرنی المنذریّ عن أبی الهیثم أنه قال : یقال عَنَ الرجلُ یعِنُ عَنًّا وعنناً ، إذا اعترضَ لک من أحد جانبیک من عنْ یمینک أو من عن شمالک بمکروه.

قال : والعَنّ المصدَر ، والعَنَن اسم ، وهو الموضع الذی یَعِنّ فیه العانّ.

قال : وسمِّی العِنان من اللجام عِناناً لأنه یعترضُه من ناحیتیه ولا یدخل فمَه منه شیء.

قال : وسمِّی عُنوان الکتاب عنواناً لأنه یعِنُ له من ناحیتیه. قال : وأصله عُنَّان ، فلما کثرت النونات قلبت إحداها واواً. قال : ومن قال عُلوان جعل النونَ لاماً ؛ لأنّها أخفّ وأظهر من النون.

قال : ویقال للرجل الذی لا یصرِّح بالشیء بل یعرِّض : قد جعل کذا وکذا عنواناً لحاجته. ومنه قول الشاعر :

وتعرف فی عنوانها بعضَ لحنها

وفی جوفها صمعاء تحکی الدَّواهیا

قال : وکلَّما استدللت بشیء تُظْهِره علی غیره فهو عنوانٌ له. وقال حسان بن ثابت یرثی عثمان رَحِمه الله :

ضحَّوا بأشمطَ عُنوانُ السُّجودِ به

یقطِّع اللیل تسبیحاً وقرآنا

قال : ویقال للحظیره من الشجر یحظَّر بها علی الغنم والإبل فی الشتاء للتتذری بها

ص: 82

من برد الشَّمَال عُنّه. وجمعها عُنَنٌ وعِنان ، مثل قُبّه وقباب.

قال : وسمِّی العِنِّینُ عِنّیناً لأنه یعنّ ذکرهُ لقبل المرأهِ من عن یمینه وعن شماله فلا یقصده.

قال : وعَنَنتُ الکتابَ ، وعَنَّنته ، وعلونتُه بمعنًی واحد.

أبو عبید عن الأمویّ : امرأه عِنّینه ، وهی التی لا ترید الرجال. قال أبو عبید : وقال الأحمر : عنونت الکتاب وعنّنته.

وقال اللِّحیانی : عنّنت الکتاب تعنیناً ، وعنَّیتُه تعنیهً ، إذا عنونته.

وقال غیره : فلانٌ عَنّانٌ علی آنف القوم ، إذا کان سباقاً لهم. وفلانٌ عنّانٌ عن الخیر وخَنَّاسٌ وکزَّام ، أی بطیءٌ عنه.

وعنعنه بنی تمیم : إبدالهم الهمزه عیناً ، کما قال ذو الرمَّه :

أعَنْ توسَّمتَ مِن خَرقاء منزِلهً

ماءُ الصبابه من عینیکَ مسجُومُ

وقال جرانُ العود :

فما أُبن حتّی قُلْنَ یا لیت عَنَّنا

ترابٌ وعَنَ الأرضَ بالناس تخْسَفُ

وقال الفراء : لغه قریش ومن جاورهم أنَّ ، وتمیم وقیس وأسدٌ ومن جاورَهم یجعلون ألف أنَّ إذا کانت مفتوحه عیناً ، یقولون : أشهد عَنَّک رسولُ الله ، فإذا کسروا رجَعوا إلی الألف. قال : العرب تقول : لأَنَّک تقول ذاک ، ولَعَنَّک تقول ذاک ، معناهما لعلَّک.

ویقال ملأ فلانٌ عِنَان دابّته ، إذا أعداه وحَمَله علی الحُضْر الشدید. وأنشد ابن السکیت :

حرف بعید من الحادی إذا ملأت

شمسُ النهار عِنانَ الأبْرَقِ الصَّخِبِ

قال : أراد بالأبرق الصَّخِب الجندب.

وعِنانه : جَهده. یقول : یَرمَضُ فیستغیث بالطیران فتقع رجلُه فی جناحیه فتسمع لهما صوتاً. ولیس صوته من فیه ؛ ولذلک یقال صرَّ الجندب.

وللعرب فی العِنان أمثال سائره. یقال : ذَلّ عنانُ فلان ، إذا انقاد. وفلانٌ أبیُ العِنان ، إذا کان ممتنِعا. ویقال أَرْخِ من عِنانه ، أی رفِّه عنه. وهما یجریانَ فی عِنانٍ إذا استَویا فی فضلٍ أو غیره. وقال الطرمَّاح :

سیعلم کلُّهم أنی مُسِنٌ

إذا رفَعوا عناناً عن عِنانِ

المعنی سیعلم الشعراء کلُّهم أنی قارِح.

وجری الفرسُ عِناناً ، إذا جری شوطاً. ویقال : اثنِ علیَ عنانَه ، أی رُدَّه علیّ وثنیت علی الفرس عِنانَه ، إذا ألجمتَه.

وقال ابن مُقبل یذکر فرساً :

وحاوطنی حتَّی ثنیتُ عنانَه

علی مُدبر العِلْباء ریانَ کاهلُه

حاوَطنی ، أی داورنی وعالجنی. ومدبِر عِلبائه : عنقه. أراد أنّه طویل العنق ، فی علبائه إدبار.

ویقال للرجل الشریف العظیم السُّودَد : إنه لطویل العنان. وفرسٌ طویل العنان ، إذا ذُمَّ بقصر عنقه. فإذا قالوا قصیر العِذار فهو

ص: 83

مدحٌ ، لأنه وصف حینئذٍ بسعه جَحفلته.

ویقال امرأه معنَّنه ، إذا کانت مجدولهً جدلَ العنان ، غیرَ مسترخیه البطن.

ورجل مِعَنٌ ، إذا کان عِرِّیضاً مِتْیَحا.

وامرأه مِعَنّه : تعتَنُ وتعترض فی کل شیء.

وروی عن بعض العرب أنه قال :

إنَّ لنا لکَنَّهْ

مِعَنَّهً مِفَنَّهْ

سِمعنَّهً نِظرَنَّه

أی تعتنُ وتفتنُّ فی کل شیء.

ویقال : إنّه لیأخذ فی کل عَنٍ وفنٍّ ، بمعنًی واحد.

وسمِعتُ العربَ تقول : کُنَّا فی عُنَّهٍ من الکلأ وفُنّه ، وثُنه ، وعانکه من الکلأ ، بمعنًی واحد ، أی کنا فی کلأ کثیر وخِصب.

ابن شمیل : العانُ ، من صفه الجبال : الذی یعتَنُّ لک فی صَوبِک ویقطع علیک طریقک. یقال : بموضِع کذا عانٌ یعتنُّ للسالک.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابی قال : العُنُن : المعترضون بالفضول ، الواحد عانٌ وعَنُون. قال : والعُنُن جمع العِنِّین وجمع المعنون أیضاً. ویقال عُنَ الرجل وعُنِّن وعُنِنَ وأُعْنِنَ ، فهو عَنِین مَعنونٌ مُعَنٌ مُعَنّن.

قال والتعنین : الحبس فی المطبق الطویل.

عمرو عن أبیه : یقال للمجنون : معنون ومهروع ، ومخفوع ، ومعتوه ، وممتوه ، ومُمَتّهٌ ، إذا کان مجنوناً.

قال ابن الأعرابی : لعنّک لبنی تمیم. قال : وبنو تیم الله بن ثعلبه یقولون : رَعَنَّک تقول ذاکَ ولغَنَّک ، بمعنی لعلَّک ، بالغین.

وقال اللیث : العُلوان لغه فی العنوان غیر جیّده. قال : ویقال عننت الکتابَ عنّاً.

قال : وعَنْونته. قال : وهو فیما ذُکر مشتقٌ من المعنی. قال : وعَنّیتُه تعنیهً ، کلُّها لغات.

وقال النحویون : «عن» حرفُ صفهٍ ، وهو اسم. و «مِن» من الحروف الخافضه.

والدلیل علی ذلک أنک تقول أتیته من عن یمینه ومن عن شماله ، ولا تقدم «عَنْ» علی «مِن». وقال الشاعر :

من عن یمین الحُبَیَّا نظرهٌ عَجَل

وتقول : أخذت الشیء منه ، وحدّثنی فلان عن فلان. ویقال تنحَّ عنی وانصرفْ عنّی ، وخذ منه کذا وکذا.

وقال أبو زید : العرب تزید عنک فی کلامها ، یقال : خذ ذا عنک ، المعنی خذ ذا ، و «عنک» زیاده. وقال الجعدیّ یخاطب لیلی :

دَعی عنکِ تَشتامَ الرجال وأقبلی

علَی أذلغیّ یملأ استکِ فیشلا

أراد یملأ استَک فیشلهً ، فخرج فیشلاً نصباً علی التفسیر.

نع : ثعلب عن ابن الأعرابی قال : النَّعْ : الضَّعْف.

سلمه عن الفراء قال : النَّعَّه ضَعفُ الغُرمول بعد قوّته.

عمرو عن أبیه قال : النُّعنع : الفرج الدقیق الطویل. وأ نشد :

ص: 84

سَلُوا نساءٍ أشجع

أیُّ الأیُور أنفَعْ

أالطویل النُّعْنُعْ

أم القصیر القَرصَع

قال : والقرصَع : القصیر المعجَّر.

أبو عبید عن الأصمعیّ : یقال للطویل من الرجال نُعنُع.

وقال غیره : تنعنعت الدارُ ، إذا نأت وبعُدت.

أبو عبید عن الأصمعی : النُّعاعه : بقله ناعمه. وقال شِمْر : لم أسمع نُعاعه إلّا للأصمعی. قال : ونُعاعه : موضع.

وأنشد :

لا عیش إلّا إبلٌ جُمّاعه

موردها الجَیْأه أو نُعاعه

ویقال لبَظر المرأه إذا طال نُعنُع ونُغنُغ.

وقال المغیره بن حبناء :

وإلّا جُبتُ نُعنُعَها بقولٍ

یُصیّره ثمانٍ فی ثمانِ

قوله ثمان فی موضع النصب ، وهو علی لغه من یقول : رأیت قاضٍ وهذا قاضٍ ومررت بقاض.

وقال المؤرج : رجلٌ فعفاعٌ وَعواعٌ لَعلاعٌ رَعراعٌ ، أی جبان.

وفی حدیث النبیّ صلی الله علیه وسلم أنه قال : «إنّ الله عزوجل وضَعَ عنکم عُبِّیَّه الجاهلیه وتعظُّمَها بآبائها». أبو عبید : العُبِّیَّه والمِبِّیّه : الکِبْر.

قلت : ولا أدری أهو فعلیّه من العَبّ ، أم هو من العَبْوِ وهو الضوء.

أبو عبید : العُباب : معظَم السیل وارتفاعه وکثرته.

عمرو عن أبیه : عبعَبَ ، إذا انهزم. قال : وعُبَ الشیء ، إذا شُرِب. وعَبَ ، إذا حسُن وجهُه بعد تغیُّر.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : عُبْ عُب ، إذا أمرتَه أن یستتر.

وفی «نوادر الأعراب» : رجلٌ عَبعابٌ قبقاب ، إذا کان واسعَ الحلق والجوف جلیلَ الکلام.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ قال : العُبُب : المیاه المتدفّقه.

بع : عمرو عن أبیه : بعّ الماءَ بعًّا ، إذا صبّه.

قال : ویقال أتیتُه فی عَبعَب شبابه وعِهِبَّی شبابه. قال والبَعبَع : صبُّ الماء المُدارَکُ.

قلت : لأنه أراد حکایه صوته إذا خرج من الإناء ونحو ذلک.

قال اللیث : وقال أبو زید : البعابعه : الصعالیک الذین لا مالَ لهم ولا ضَیعه.

قال : والبُعّه من أولاد الإبل : الذی یُولد بینَ الرُّبع والهُبَع. وقال الفراء مثله.

وقال اللیث : بعّ السحابُ یُبعّ بعًّا وبعَاعاً ، إذا لجّ بمطره.

وقال أبو عبید : ألقی علیه بَعاعَه ، أی ثِقْله. وأخرجت الأرض بَعاعُها ، إذا أنبَتت أنواعَ العُشْب أیامَ الربیع. وألقت السحابهُ بَعاعَها ، أی ماءها وثقل مطرها. وقال امرؤ القیس :

وألقی بصَحراء الغَبیطِ بَعاعَه

نزولَ الیمانی ذی العِیاب المحمَّلِ

شمر عن أبی عمرو : العُباب : کثره الماء.

وقال ابن الأعرابی : العُباب : المطر الکثیر وقال المَرّار :

عوامد للحمی متصیّفات

إذا أمسی لصیفته عُباب

وقال رؤبه :

کأنّ فی الأقتاد ساجاً عوهقا

فی الماء یفرُقنَ العُبابَ الغلفقَا

الغَلْفَق جعله نعتاً للماء الکثیر. ویقال للعِرمِضِ فوق الماء غلفق.

الصَّفا : نهر بالبحرَین. والسریّ : خلیجٌ ینخلج منه.

ویقال : اعتمَّ النبتُ اعتماماً ، إذا التفّ وطال. ونبتٌ عمیم. وقال الأعشی :

مؤزَّرٌ بعَمیمِ النبت مُکتهِلُ

وأخبرنی المنذری عن الحرانی عن ابن السکیت قال : العَمُّ الجماعه من الحیّ.

والعمّ : أخ الأب. والعَمَم : الجِسم التامّ ، یقال : إنّ جسمَه لعَممٌ ، وإنّه لعَمَمُ الجِسم.

ویقال استوی شبابُ فلانٍ علی عَمَمه وعُمُمِه ، أی علی طوله وتمامه.

أبو عبید عن أبی عمر قال : العماعم : الجماعات ، واحدها عَمٌّ علی غیر قیاس.

قال أبو عبید : وقال الکسائیّ : استعمَّ الرجلُ عَمّاً ، إذا اتخذَ عَمًّا. قال : وقال أبو زید : یقال تعمَّمتُ الرجل ، إذا دعوته عَمّاً. ومثله تخوَّلتُ خالاً. ویجمع العمّ أعماماً وعُموماً وعُمومه.

وأخبرنی المنذری عن ثعلب عن ابن الأعرابی أنه أنشدَهُ :

عَلَامَ بنَتْ أختُ الیرابیع بیتَها

علیَّ وقالت لی بلیلٍ تعمَّمِ

معناه أنّه لما رأت الشیبَ برأسه قالت له : لا تأتنا خِلْماً ولکن ائتِنا عَمًّا

الحرّانی عن ابن السکیت : یقال هما ابنا عَم ولا یقال هما ابنا خال ، ویقال هما ابناً خاله ولا یقال ابنا عمه.

وفی حدیث عروه بن الزُّبیر أنه ذکر أُحَیحهَ بن الجُلَاح وقولَ أخواله فیه : «کنّا أهلَ ثُمِّهِ ورُمِّه ، حتی استوی علی عُمُمِّه» قال : قال أبو عبید : قوله «حتی استوی علی عُممِّه» أراد علی طوله واعتدال شبابه ، یقال للنبات إذا طال : قد اعتمّ.

وقال شمر : قال أبو منجوف : یقال قد عَمَّمناک أمرنا ، أی ألزمناک.

قال شمر : والمعمَّم : السیّد الذی یقلّده القومُ أمورَهم ، ویلجأ إلیه عوامُّهم. وقال أبو ذؤیب الهذلیّ :

ومن خیر ما جمع الناشیء ال

معمَّم خِیرٌ وزندٌ وَرِیُ

قال : والعَمَمُ من الرجال : الکافی الذی یعمُّهم بالخیر. وقال الکمیت :

بحر جریرُ [بن شقٍ] من أرومته

وخالدٌ من بنیه المِدره العممُ

قال : والعمم أیضاً فی الطُّول والتمام.

وقال أبو النجم :

وقَصَب رؤد الشبابِ عَمَمُه

وقال ابن الأعرابیّ : خَلْق عَمَمٌ ، أی تامّ.

وفی حدیث عطاء : «إذا توضَأتَ فلم تعمُمْ فتیمَّم» ، قال شمر : قوله «فلم تعمُمْ» ، یقول : إذا لم یکن فی الماء وضوءٌ تامٌّ فتیمَّم. وأصله من العموم.

ثعلب عن ابن الأعرابی : عُمَّ ، إذا طُوّل.

وعَمَّ ، إذا طال. قال : وعمعم الرجُل ، إذا کثُر جیشُه بعد قلّه.

ومن أمثالهم : «عَمَّ ثؤباءُ الناعسِ» ، یضرب للحدَث یحدُث ببلده ثم یتعدّاه إلی سائر البُلدان. وأصله أن الناعسَ یتثاءب فی المجلس فیُعدی ثؤباؤه أهلَ مجلسِه.

ویقال رجل عُمِّیّ ورجلٌ قُصریّ. فالعُمّیّ :

ص: 88

العامّ ، والقُصریّ : الخاصّ.

والعِمامه من لباس الرأس معروفه ، وجمعها العمائم. وقد تعممّها الرجل واعتمّ بها. وإنه لحسَن العِمَّه. وقال ذو الرمه :

واعتمَّ بالزَّبد الجَعْد الخراطیمُ

والعرب تقول للرجل إذا سُوِّد : قد عُمِّم.

وذلک أنَّ العمائم تیجانُ العرب. وکانوا إذا سوّدوا رجلاً عمَّموه عمامهً حمراء.

ومنه قول الشاعر :

رأیتُک هرَّیتَ العمامهَ بعدما

رأیتکَ دهراً فاصعاً لم تعصَّبِ

وکانت الفرسُ إذا ملّکت رجلاً توّجوه ، فکانوا یقولون للملک مَتوّج.

وقال أبو عبیده : فرسٌ معمَّم ، إذا انحدرَ بیاض ناصیته إلی منبتها ، وما حولها من الرأس والناصیه معمَّم أیضاً. قال : ومن شیات الخیل : أدرعُ معمَّم ، وهو الذی یکون بیاضُه فی هامته دون عنقه.

والعرب تقول رجلٌ مُعَمٌّ مُخْوَلٌ ، إذا کان کریم الأعمام والأخوال ، ومنه قول امریء القیس :

بجیدِ مُعَمٍّ فی العشیره مُخْوَلِ

وقال اللیث : یقال فیه مُعِمٌّ مُخْوِل أیضاً.

قلت : ولم أسمعه لغیره ، ولکن یقال رجل مِعَمٌّ مِلَمٌّ ، إذا کان یعمُّ الناسَ فضلُه ومعروفُه ویَلُمّهم ، أی یجمعهم ویصلح أمورَهم.

وقال اللیث : العامّه : عیدانٌ یُشَدُّ بعضُها إلی بعض ویُعبَر علیها.

قلت : خفّف ابنُ الأعرابی المیم من العامَه بمعنی المِعْبَر ، وجعله مثل هامه الرأس وقامَه العَلَق ، فی حروفٍ مخفّفه المیم ، وهو الصواب.

وقوله الله عزوجل : (عَمَّ یَتَساءَلُونَ) [النّبَإِ : 1] أصله عن ما یتساءلون ، فأدغمت النون من عن فی المیم من ما وشُدِّدتَا میماً ، وحذفت الألف فرقاً بین الاستفهام والخبر فی هذا الباب. والخبرُ کقولک : عما أمرتک به ، المعنی عن الذی أمرتک به. وأما قول ذی الرّمّه :

بَراهنّ عما هنّ إما بَوادیءٌ

لحاجٍ وإما راجعاتٌ عوائدُ

فإن الفراء قال : ما صله ، والعین مبدله من ألف أنْ. المعنی براهنّ یعنی الرکاب أنْ هن إمّا بَوادیءُ لحاجه فی سفر مبتدأ ، وإما أن عُدْن راجعات من السفر ، وهی لغه تمیم ، یقولون عن هُنّ.

وأما قول الآخر یخاطب امرأه اسمها عَمَّی :

فقِعدَکِ عَمَّی الله هلَّا نعیتِهِ

إلی أهل حیٍّ بالقنافذ أوردوا

فإنّ عَمَّی اسم امرأه ، أراد یا عَمَّی.

وقِعدَکِ والله یمینان.

وقال المسیّب بن علَس یصف ناقه :

ولها إذا لحِقتْ ثمائلها

جَوزٌ أعمُّ ومِشفَرٌ خَفِقُ

قال أبو عمرو : الجَوز الأعمّ : الغلیظ التامّ. والجوز : الوسط. قال : ومِشفَرٌ خَفِق : أهدَلُ ، فهو یضطرب إذا عَدَتْ.

ص: 89

مع : أبو العباس عن ابن الأعرابی قال : المعُ الذَّوَبان.

أبو عبید : المعمعانیّ : الیوم الشدید الحرّ. قال : والمعمعه : حکایه صوت لهب النّار إذا شُبّت بالضِّرام. ومنه قول امریء القیس :

کمعمعه السَّعَف الموقَدِ

ویقال للحرب مَعمعه : ولها معنیان : أحدهما أصوات المقاتِله ، والآخر استعار نارها.

وقال شمِر : امرأهٌ مَعمَعٌ ، وهی الذکیّه المتوقِّدَه.

وفی حدیثٍ مرفوع : «لا تَهْلک أمّتی حتّی یکون التمایُل والتّمایُز والمعامع» ، یرید بالمعامع الحروبَ وهَیْج الفتن والتهابَ نیرانها ، والأصل فیه معمعه النار ، وهو سرعه تلهُّبِها. ومثله معمعه الحَرّ.

ومثل هذا قولهم : «الآن حینَ حَمِیَ الوطیس».

والمَعمعه : الدَّمْشقه ، وهو عَملٌ فی عجَل.

وأمّا «مَعَ» فهی کلمهٌ تضم الشیءَ إلی الشیء ، وأصلها مَعاً ، وستراها فی معتّل العین بأوضحَ من هذا التفسیر إن شاء الله. وقال اللیث : إذا أکثر الرجلُ من قول «مَعَ» قیل یُمعمِع معمعهً. قال : ودِرهم مَعمعیٌ : کتب علیه «مَع مَع».

ثعلبٌ عن ابن الأعرابیّ : مَعمَع الرجلُ ، إذا لم یحصُل علی مذهب ، فهو یقول لکلّ : أنا مَعَک ومنه قیل لمن هذه صفتُه : إمّعٌ وإمَّعَه.

ص: 90

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

قال : والعوهق لونٌ کلون السماء مُشرَبٌ سواداً. قال : والعوهقانِ : کوکبان بحذاء الفرقدین علی نسقٍ طریقتهما مما یلی القطب. وأنشد :

بحیث باری الفرقدانِ العوهقا

عند مَسَکِّ القطبِ حیث استوسقا

وروی أبو العباس عن ابن الأعرابیّ فی موضعٍ آخر قال : الغَقَقَه العواهق. قال : وهی الخطاطیف الجبلیه. والعوهق أیضاً : اللازورد. والعوهق : لون الرماد.

قلت : وکلُّ ما ذکرت فی العوهق من الوجوه صحیح بلا شکّ.

هقع : أبو عبید عن الأموی : رجلٌ هُقَعهٌ : یکثر الاتّکاء والاضطجاعَ بین القوم. وقال شمر : لا أعرف هُقَعه بهذا المعنی.

قلت : هو صحیح وإن أنکره شمِر.

أخبرنی المنذری عن [ابن](1) الأعرابیّ عن ابن السکیت عن الفراء قال یقال للأحمق الذی إذا جلس لم یکد یبرح : إنه لهُکَعه. وقال بعض العرب : اهتکعَ فلاناً عِرقُ سَوءٍ ، واهتقَعه ، واهتنَعه ، واختضمه ، وارتکسه ، إذا تعقَّله وأقْعَده عن بلوغ الشرف والخیر.

وروی أبو عبید عن الفراء أنه قال : الهَکعه الناقه التی استرخت من الضَّبَعه. وقد هکِعَت هَکعاً.

وقال أبو عبیده : هَقِعت الناقه هَقَعاً فهی هَقِعه ، وهی التی إذا أرادت الفحل وقعت من شدّه الضَّبَعه. قلت : فقد استبان لک أن القاف والکاف لغتان فی الهَقِعه والهَکِعه.

ویقال : قَشط فلانٌ عن فرسه الجُلَّ وکشَطه ، إذا کشفه. وهو القُسط والکُشط للعُود. وقد تعاقبت القاف والکاف فی حروف کثیره لیس هذا موضعَ استقصاءٍ لذکرها. فما قاله الأمویّ فی الهقعه صحیح لا یضُرُّه إنکار شمر إیّاه.

وقد روی شمر عن ابن شمیل أنه قال : یقال سانَّ الفحل الناقهَ حتی اهتقعها ، یتقوَّعها ثم یَعِیسها. قلت : معنی اهتقعها ، أی نوَّخها ثم علاها وتسدّاها.

وروی أبو عبید عن الفراء وغیره : اهتُقِع لونُه وامتُقِع لونه ، إذا تغیّر لونُه. وقال غیره : تَهقَّع فلانٌ علینا ، وتترَّع وتطبَّخ ، بمعنًی واحد ، أی تکبّر وعدا طَورَه. وقال رؤبه :

إذا امرؤ ذو سَورَهٍ تهقّعا

والاهتقاع فی الحمّی : أن تدع المحمومَ یوماً ثم تهتقعه ، أی تعاوده فتُثْخنه. وکل شیءٍ عاودک فقد اهتقعک.

والهَقْعه : منزلٌ من منازل القمر ، وهی ثلاثه کواکب تکون فوق مَنکبی الجوزاء کأنّها أثافٍ ، وبها شُبّهت الدائره التی تکون بجنْب الدوابّ فی مَعَدِّه ومَرکَلِه ، وهی دائره یُتشاءم بها. یقال هُقِع الفرسُ فهو مهقوع. وأنشد أبو عبیده :

إذا عَرِق المهقوع بالمرء أنعظت

حلیلته وازداد حَرًّا عجانُها

ص: 92

والهیقعه : حکایه أصوات السیوف فی معرکه القتال إذا ضُرب بها. وقد ذکره الهذلیُّ فی شعره فقال :

الطعن شغشغهٌ والضرب هیقعهٌ

ضربَ المعوِّل تحت الدِّیمه العضَدا

شبّه أصواتَ المضاربه بالسیوف بضرب العَضَّاد للشجر بفأس لبناء عالَهٍ یستکنُّ بها من المطر.

قهقع : روی ابن شمیل عن أبی خَیره قال : یقال قهقع الدُّبُ قهقاعاً ، وهو حکایه صوت الدبّ فی ضحکه ، وهو حکایه مؤلّفه.

العَوهج : الظَّبیه الطویله العنق.

وقال اللیث : یقال للناقه الفتیه عَوهَج.

ویقال للنعامه عوهج. وقال العجاج :

فی شملهٍ أو ذات زِفٍ عوهجا

کأنه أراد الطَّویله الرجلین.

وروی أبو تراب للأصمعیّ أنه قال : العَهج والعوهج : الطویله.

عجه : أهمله اللیث.

وقرأت فی کتاب «الجیم» لابن شمیل : عجهت بین فلان وفلان ، معناه أنه أصابهما حتی وقعت الفُرقه بینهما.

قال : وقال أعرابیّ : أندرَ الله عینَ فلان ، لقد عجَّهَ بین ناقتی وولدها.

قلت : وهذا حرفٌ غریب لا أحفظه لغیر النضر ، وهو ثقه.

هجع : یقال أتیت فلاناً بعد هَجْعه ، أی بعد نومه خفیفه من أوّل اللیل. وقد هجع یهجع هجوعاً ، إذا نام. وقومٌ هجوع ، ونسوهٌ هُجَّع وهواجع.

وروی ابن حبیب عن ابن الأعرابی : یقال للرجل الأحمق الغافل عما یراد به : هِجْع وهِجعه ، وهُجَعه ، ومِهجَع وأصله من الهُجوع وهو النوم.

وقال أبو تراب : مضی هجیعٌ من اللیل وهزیعٌ ، بمعنًی واحد. قال : وقال ابن الأعرابی : هجَع غَرَثُه وهَجَأَ ، إذا سکن.

قال : وقال ابنُ شمیل : هجع جوعُ الرجل یهجع هَجعاً ، أی انکسر جوعُه ولم یشبع بعدُ. قال : وهجأ فلان غَرَثَه وهجعَ غرثَه ، وهجأ غرثُه أیضاً. قال : وأهجع غرثَه وأهجأه ، إذا سکَّن ضَرَمه.

قال : وهجّع القومُ تهجیعاً ، إذا نوّموا.

قلت : وسمِعت أعرابیاً من بنی تمیم یقول : هجعنا هجعهً خفیفهً وقتَ السَّحَر.

جعه : الجِعَه من الأشربه. وهو عندی من الحروف الناقصه ، وقد أخرجتُه فی معتل العین والجیم فأوضحته. [ع ه ش]

أهملت وجوهها. وأهمل سائر وجوهه.

ویاللأَفیکه ، ویا لِلْبَهِیته.

قال شمر وغیره من النحویِّین : کسرت هذه اللام علی معنی اعجبوا لهذه العضیهه.

وإذا نُصِبت اللام فمعناها الاستغاثه ، یقال ذلک عند التعجُّب من الإفک العظِیم.

وأما قول الله جلّ وعزّ : (الَّذِینَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِینَ) [الحِجر : 91] فقد اختلف أهل العربیه فی اشتقاق أصله وتفسیره : فمنهم من قال واحدها عِضَه ، وأصلها عِضْوه ، من عضَّیتُ الشیء ، إذا فرَّقتَه ، جعلوا النُّقصانَ الواو. المعنی أنَّهم فرَّقوا - یُعنَی المشرکون - أقاویلَهم فی القرآن ، أی فجعلوه مرّهً کَذِباً ، ومرّه سِحراً ، ومرّهً شعراً ، ومره کِهَانه. ومنهم من قال : أصل العِضَه عِضْهه ، فاستثقلوا الجمعَ بین هاءین فقالوا عِضَه ، کما قالوا شَفَه والأصل شَفْهه ، وکذلک سَنَه وأصلها سَنْهه.

وقال الفراء : العِضُون فی کلام العرب السِّحر ، وذلک أنّه جعله من العِضْه.

وروی عن عکرمه أنه قال : العِضْهُ السِّحر بلسان قریش. وهم یقولون للساحر عاضه.

والکسائی ذهب إلی هذا.

وروی أبو عبید عن أبی عبیده أنه قال : الحیّه العاضِهُ والعاضهه : التی تقتُل إذا نهست من ساعتها.

وقال ابن السکیت : العضیهه : أن تعضه الإنسانَ وتقولَ فیه ما لیس فیه. قال : وإذا کان البعیر یرعی العِضاهَ قلت بعیرٌ عَضِهٌ.

وإذا نسبت إلی العضاه قلت عِضاهیٌ. قال : وأرضٌ مُعضِهه : کثیره العِضاه. وأنشد :

وقرَّبوا کلَّ جُمالیٍ عَضِهْ

قلت : واختلفوا فی عضاه الشجر. فأمّا النحویون فإنهم یقولون : العضاهُ من الشجر : ما فیه شوک.

وأخبرنی المنذری عن أبی الهیثم أنه قال : العضاه واحدها عِضَه ، ویقال عِضَهٌ ، ویقال عِضْهه. قال : وهی کل شجره جازت البقول کان لها شوک أو لم یکن.

قال : والزَّیتون من العِضاه.

أبو عبید عن الأصمعیّ أنه قال : العِضاه کلُّ شجرٍ له شوک. قال : ومِن أعرفِ ذلک الطَّلح ، والسَّلَم ، والعُرفُط.

وروی ابن هانیء عن أبی زید أنه قال : العِضَاهُ اسمٌ یقع علی شجرٍ من شجر الشوک له أسماءٌ مختلفه یجمعها العِضاه.

قال : وواحد العِضاه عضاهه وعِضْهه وعِضَه. قال : وإنّما العضاه الخالصُ منه ما عظُم واشتدَّ شوکه. قال : وما صغُر من الشوک فإنّه یقال له العِضُّ والشِّرس. قال : والعِضُّ والشِّرس لا یُدعَیانِ عِضاهاً.

قلت : وقد مرَّ هذا فی باب العض بأکثر من هذا الشرح.

ومن أمثال العرب : «فلان ینتجب عِضاهَ فلان» ، معناه أنّه ینتحل شِعره والانتجاب : أخذ النَّجَب من الشجر ، وهو قِشره.

ومن أمثالهم السائره :

ومن عِضَهٍ ما یَنْبُتنَّ شَکیرُها

وهو کقولهم. «العصا من العُصَیّه» وقال الشاعر :

ص: 95

إذا مات منهم میِّتٌ سُرِق ابنُه

ومن عِضَهٍ ما یَنبتنَّ شکیرها

یرید أنّ الابنَ یشبه الأبَ ، فمن رأی هذا ظنّه هذا ، فکأنَّ الابن مسروق. والشَّکیر : ما ینبُت فی أصل الشجره.

یعنی کمن لیسر فی کنانته أهزع ولا غیره ، فهو یتکلّف الرمی بلا سهمٍ معه.

قال : والتهزُّع : العُبوس والتنکُّر. یقال تهزَّعَ فلانٌ لفلان. قال : واشتقاقه من هزیع اللَّیل ، وهی ساعهٌ ذاتُ وحشه.

عزه : أبو عبید عن الأصمعی : رجلٌ عِزهاهٌ وعِنْزَهوهٌ ، کلاهما العازفَ عن اللهو قال : وقال الکسائیّ : فیه عِنْزهوه ، أی کِبْر.

قلت : والنون والواو والهاء الأخیره زائدات فی العنزهوه.

وقال اللیث : جمع العِزهاهِ عِزْهُونٍ ، تسقط منه تلک الهاء والألف المماله ، لأنها زائده فلا تستخلِف فتحه ، ولو کانت أصلیه مثل ألف مثنَّی لاستخلَفت فتحهً کقولک مُثَنَّوْن. قال : وکلُّ یاءٍ مماله مثل یاء عیسی ویاء موسی فهی مضمومه بلا فتحه ، تقول فی جمع موسی وعیسی عِیسُونَ ومُوسُونَ. وتقول فی جمع أعشی أعشَوْن ، ویحیی یحیَون لأنه علی بناء أفعل ویفعل ، فلذلک فتحت فی الجمع.

عهد : وفی الحدیث أن عجوزاً زارت النبی صلی الله علیه وسلم بالمدینه ، فأقبل علیها وتخفَّی بها ، فعاتّبتْهُ عائشهُ فی إقباله علیها فقال : «إنها کانت تأتینا أزمانَ خدیجه ، وإنَّ حُسْنَ العهد من الإیمان». قال أبو عبید : العهد فی أشیاء مختلفه : فمنها الحِفاظ ورعایه الحرمه ، وهو هذا الذی فی هذا الحدیث. قال : ومنها الوصیّه ، کقول سعد حین خاصم عَبْدَ بنَ زَمْعه فی ابن أمَه زمْعه فقال : «هو ابن أخی ، عَهِدَ إلیَّ فیه أخی» ، أی أوصی. قال : ومنه قول الله جلّ وعزّ : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَیْکُمْ یا بَنِی آدَمَ) [یس : 60] یعنی الوصیّه. قال : والعَهد : الأمان ، قال الله جلّ وعزّ : (لا یَنالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ) [البَقَرَه : 124] ، وقال : (فَأَتِمُّوا إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ) [التّوبَه : 4]. قال : ومن العهد أیضاً الیمین یحلفُ بها الرجل یقول : علیّ عهدُ الله. قال : ومن العهد أیضاً أن تَعهد الرجلَ علی حالٍ أو فی مکان فتقول : عَهدی به فی مکانٍ کذا وکذا ، وبحالِ کذا وکذا. قال : وأما قول الناس : أخذتُ علیه عَهد الله ومیثاقَه ، فإن العهدَ هاهنا الیمین ، وقد ذکرناه.

قلت : والعهد : المیثاق ، ومنه قول الله جلّ وعزّ : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) [النّحل : 91].

وأخبرنی المنذریّ عن أبی الهیثم أنه قال : العَهْد : جمع العَهْده ، وهو المیثاق والیمین التی تستوثق بها ممّن یعاهدک ؛ وإنَّما سمّی الیهودُ والنصاری أهل العهد للذمّه التی أُعطُوها والعُهْده المشترطه علیهم ولهم. قال : والعهد والعهده واحد. تقول : برئتُ إلیک من عُهده هذا العبد ، أی مما یدرکک فیه من عیبٍ کان معهوداً فیه عندی قال : ویقال استعهَدَ فلانٌ من فلان ، أی کتب علیه عُهده وأنشد لجریر یهجو الفرزدقَ حین تزوّجَ بنتَ زِیق :

وما استعهدَ الأقوامُ من ذی خُتونهٍ

من الناس إلّا منک أو من مُحاربِ

قال : وإنّما قیل «ولیّ العهد» لأنه ولیّ المیثاق الذی یؤخذ علی مَن بایَعَ الخلیفه. قال : والعَهده ، بفتح العین : أوّل مطرٍ ، وجمعُها العِهاد. والوَلِیّ : الذی یلیها من الأمطار ، أی یتّصل بها من الأمطار. قال : والعَهْد : ما عهدتَه فثافنتَه. تقول : عهدی بفلانٍ وهو شابٌّ ، أی أدرکته فرأیته کذلک. وکذلک المَعْهَد.

وقال اللیث : المعهَد : الموضع الذی کنتَ عهِدتَه أو عهِدتَ به هوًی لک. والجمیع المعاهد. قال : والمعاهَده والاعتهاد والتَّعاهُد والتعهُّد واحد ، وهو إحداث العهد بما عهِدته.

شمر عن ابن الأعرابی قال : العِهاد : أوائِلُ الوسمیّ ، واحدها عَهد. وقال أبو زید : العَهْد المطر الأوّل ، وجمعها العِهاد. یقال أرضٌ معهوده ، إذا عمَّها المطر. قال : والأرض المعهَّده تعهیداً : التی تصیبها النُّفضه من المطر. والنُّفضه : المَطْره تصیب القطعه من الأرض وتخطیء القطعه. یقال أرض منفّضه تنفیضاً.

وقال ابن شُمیل : یقال متی عهدُک بفلان؟ أی متی رؤیتک إیّاه؟ وعَهده : رؤیته ویقال

ص: 98

أنا أُعهِدُک من هذا الأمر ، أی أنا کفیلک وأنا أُعهدک من إباقِه ، أی أُبرِّئک من إباقه.

وقال أبو عبید : قال الأحمر : یقال فی کراهه المعایب : «المَلَسَی لا عُهده له» ، قال أبو عبید : معناه أنّه خرجَ من الأمر سالماً وانقصَی عنه ، لا له ولا علیه.

قلت : وفسّره غیره فقال : المَلَسَی أن یبیع الرجلُ سلعهً یکون قد سرقَها فیمَّلِسُ ویغیب عن مشتریها ساعهَ یقبض ثمنها ، فإن استُحقّت فی یدَی المشتری لم یتهیَّأ له أن یتبع البائع بضمان عهدتها ، لأنه امَّلسَ هارباً واستخفی. وعُهدتها : أن یبیعَها وبها عیبٌ تُردُّ من مثله ، أو یکون فیها استحقاقٌ لمالکها ، والمَلَسَی ذَهابٌ فی خُفیه ، کأنها صفهٌ لفَعْلته. وقال اللِّحیانی : یقال فی عقله عُهدهٌ ، أی ضعف. وفی خطِّه عُهده ، إذا لم یُقِم حروفَه. وقال أبو سعید : العَهِد : الذی یحبُّ الولایات والعهود. وقال الکمیت :

نامَ المهلَّب عنها فی إمارته

حتی مضَت سَنَهٌ لم یَقْضِها العَهِدُ

قال : وکان المهلَّب یحبُ العهود. وأنشد أبو زید :

فهنَّ مُناخاتٌ یُجلَّلنَ زینهً

کما اقتانَ بالنَّبت العِهادُ المحوَّف

قال أبو مالک : المحوَّف الذی قد نبتت حافاتُه ، واستدار به النبات. والعِهاد : مواقع الوسمیّ من الأرض.

وقال النضر بن شمیل : قال الخلیل بن أحمد : فَعَلَ له معهود ومشهود ولیس له موعُود. قال : مشهود یقول هو الساعهَ ، والمعهود ما کان من أمس ، والموعود ما یکون غداً.

أبو حاتم عن أبی زید : تعهدّت ضیعتی وکلّ شیء ، ولا یقال تعاهدت.

قلت : وقد أجاز الفرّاء تعاهدت ، رواه عنه ابن السکیت.

ویقال : عاهدتُ الله ألّا أفعل کذا وکذا.

ومنه الذمیُ المعاهَد الذی أُومنَ علی شُروط استُوثِقَ منه بها ، وعلی جزیهٍ یؤدِّیها ، فإن لم یفِ بها حلَّ سفکُ دمه.

وقال أبو زید : من أمثالهم : «متی عهدُک بأسفلِ فیک» ، وذلک إذا سألتَه عن أمرٍ قدیم لا عهدَ له به.

وقال النبی صلی الله علیه وسلم : «لا یُقتل مؤمنٌ بکافر ، ولا ذو عهدٍ فی عَهْدِه» ، معناه لا یقتل مؤمنٌ بکافرٍ بتّهً لأنهما غیر متکافیء الدم ، وإنّما یتکافأ دماء المؤمنین. ثم قال : ولا یقتل ذو العهد من الکفّار ، أی ذو الذمّه والأمان ، ما دامَ علی عهده الذی عُوهِد علیه ، فنهی النبی صلی الله علیه وسلم عن قتل المؤمن بالکافر ، أیَّ کافر کان. ونهی عن قتل الذمّی المعاهَد الثابت علی عهده.

عده : العَیْدَه : السیّء الخلُق من الإبل وغیره. قال رؤبه :

وخَبْطَ صِهمیم الیدین عَیدهِ

ویقال : فیه عَیدهَهٌ وعیدهیّه ، أی کِبْر.

وکلُّ من لا ینقاد للحقّ ویتعظّم فهو عَیدَهٌ

ص: 99

وعَیداه. وقال الشاعر :

وإنی علی ما کان من عَیْدهِیّتی

ولُوثه أعرابیّتی لأرِیبُ

هدع : قال الباهلیّ : الهَودع : النعام.

وقال ابن شمیل : هِدَعْ زجرٌ للبَکر تسکّنه. ویقال إن رجلاً أتَی السُّوقَ ببکرٍ له یبیعه ، فساومَه به رجل فقال : بکم البَکر؟ قال : إنّه جمل. قال : هو بَکر فبینما هو یماریه إذْ نفر البکر فقال صاحبه ، هِدَعْ وإنما یقال هِدَعْ للبَکر لیسکن ، فقال : «صَدَقنی سِنُّ بکرِه».

دهع : قال اللیث : دَهاعِ ودَهْدَاع : زجرٌ للعُنوق. ویقال دَهدعَ بها راعیها دَهدعه ، وکلاهما مجروران. ویقال دَهَّع بها أیضاً.

الفاجره العَیهَرَهُ. قالا : والیاء فیها زائده ، والأصل عَهَره مثل ثمره.

وأخبرنی المنذریّ عن المفضّل بن سلمه أنه قال : لقی عبدُ الله بن صفوان بن أمیه أبا حاضرٍ الأسیِّدیّ - أسیّد بن عمرو بن تمیم - فراعَه جمالُه فقال له : ممن أنت؟ قال : من بنی أسیِّد بن عمرو ، وأنا أبو حاضر. فقال : أُفَّهً لک : عُهیرَهٌ تیّاس. قال أبو طالب : والعُهَیره : تصغیر العَهِر. قال : والعَهر : العاهر ، وهو الزّانی.

وقال ابن شُمیل : قال رؤبه : العاهر : الذی یتبع الشرَّ ، زانیاً کان أو سارقا.

وقال اللیث : العَیْهره من النساء : التی لا تستقرُّ نَزَقاً فی مکانٍ فی غیر عِفّه.

هعر : قال اللیث : یقال هیعرت المرأه وتهیعرت ، إذا کانت لا تستقرُّ فی مکان.

قلت : کأنَّه عند اللیث مقلوب من العیهره ، لأنه جعل معناهما واحداً.

هرع : أبو العباس عن عمرو عن أبیه قال : یقال : للمجنون : مهروع مخفوع ممسوس.

وقال غیره : الهَرِعه من النساء : التی تُنزِل حین یخالطها الرجل قبلَه شَبَقاً وحِرصاً علی جماعه إیاها. والهَیْرَع : الرجل الجَبان ومنه قول ابن أحمر

ولستُ بهَیْرَعٍ خَفِقٍ حَشَاهُ

إذا ما طیّرتْه الریحُ طارا

وأما قول الله عزوجل : (وَجاءَهُ قَوْمُهُ یُهْرَعُونَ إِلَیْهِ) [هُود : 78] فإنّ أبا الفضل أخبرنی عن أبی العباس أحمد بن یحیی أنه قال : الإهراع : إسراعٌ فی طمأنینه. ثم قیل له : إسراع فی فَزَع؟ فقال : نعم.

وقال الکسائیّ : الإهراع : إسراعٌ فی رِعده. وقال المهلهل :

فجاءوا یُهرَعون وهم أسارَی

نَقُودهم علی رغم الأنوفِ

وقال اللیث : «یُهرَعون وهم أُساری» ، أی یساقون ویعجّلون. یقال هُرِعوا وأهرِعوا قال : وإذا أشرعَ القومُ رماحَهم ثمَّ مضَوا بها قیل : هرّعوا بها. وقد تهرَّعت الرِّماحُ ، إذا أقبلت شَوارع. وأنشد قوله :

عند البدیهه والرماح تهرّع

قال : ورجلٌ هَرِع : سریع البکاء.

أبو عبید عن الأصمعی وأبی عمرو : الهَرِع : الجاری ، وقد هَرع وهَمع ، إذا سال. قالا : وریحٌ هَیْرَعٌ : تَسْفِی التراب.

وروی أبو تراب لأبی عمرٍو قال : المهروع : المصروع من الجهد. وقاله الکسائیّ.

وقال أبو عمرو : الهَیرع والهَیْلع : الضعیف ، وقال الباهلیّ : هی الفَرَعه والهَرَعَه ، للقمله الصغیره.

وقال أبو سعید : هی الفَرْعه والهَرْعَه.

أبو عبید عن أبی زید : أُهرِع الرجلُ إهراعاً ، إذا أتاک وهو یُرعَد من البرد.

وقد یکون الرجلُ مُهرَعاً من الحمَّی والغَضَب ، وهو حین یُرعَد. والمُهرَع أیضاً : الحریص جاء به کلِّه أبو عبید فی باب ما جاء فی لفظ مفعول بمعنی فاعل.

هعر : قال بعضُهم : الهَیْعرونُ : الدَّاهیه. ویقال للعجوز المسنَّه هَیعرون ، کأنَّها

ص: 101

سمِّیت بالداهیه.

قلت : ولا أحقُ الهَیعَرون ولا أُثبته ، ولا أدری ما صحّته.

المسترسل إلی کلٍّ. وقد لَهِعَ لَهَعاً ، فهو لَهِعٌ ولهیع.

وقال غیره : رجلٌ فیه لَهیعهٌ ولهاعهٌ ، أی غفله. وقیل : اللهِیعه : التَّوانی فی الشراء والبیع حتَّی یُغبَن.

وقال الأصمعیّ : تَلَهْیَعَ فی کلامه ، إذا أفرطَ ، وکذلک تَبلتَعَ. قال : ودخل مَعْبَد بن طَوق العنبریّ علی أمیر فتکلَّم وهو قائمٌ فأحسن ، فلما جلس تَلهیَعَ فی کلامه فقیل له : یا معبد ، ما أظرفک قائماً وأمْوَقک جالساً! فقال : إذا قُمت جَدَدْت ، وإذا جلستُ هزلت.

هلع : قال الله جلّ وعزّ : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [المعَارج : 19]. أخبرنی المنذریّ عن أبی طالب عن أبیه عن الفراء أنه قال : الهَلُوع : الضَّجور ، وصفتُه کما قال الله تعالی ذکره : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعاً) [المعَارج : 20 ، 21]. فهذه صفه الهَلُوع. وقد هَلِعَ یَهلَعُ هَلَعاً.

وروی أبو العباس عن سلمه عن الفراء أنه قال : ناقه هِلواعٌ ، وهی التی تضجر فتسرع بالسیر.

وقال أبو إسحاق : الهَلُوع : الذی یفزع ویجزع من الشر.

وقال اللیث : ناقه هِلواعٌ : حدیده سریعه مِذعان. قال الطِّرِمَّاح :

قد تبطّنتُ بهِلواعهٍ

عُبْرِ أسفارٍ کَتوم البُغامْ

وقد هَلْوَعَتْ هَلْوعهً ، إذا مضت وجدَّت.

قال : والهوالع من النَّعام ، الواحده هالع وهالعه ، وهی الحدیده فی مُضیِّها. وأنشد الباهلیُّ قول المسیَّب بن عَلَس یصف ناقهً شبَّهها بالنعامه :

صَکَّاء ذِعلبه إذا استدبرتَها

حَرَج إذا استقبلتها هِلواعِ

قال : وقال الأصمعیّ : ناقه هِلواعٌ : فیها نَزَق وخِفّه. وقال غیره : هی النَّفور وقال الباهلیّ : قوله «صَکّاء» شبّهها بالنعامه ثم وصفَ النعامه بالصَّکَک ، ولیس الصکَّاء من صفه الناقه.

أبو عبید عن أبی زَید : یقال : ما لَهُ هِلّع ولا هِلّعه ، أی ماله جدی ولا عَنَاق.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ قال : الهَوْلع : الجَزَع.

وقال أبو الوازع عن الأشجعیّ : رجلٌ هَمَلَّع وهَوَلَّعٌ ، وهو من السُّرعه.

وقال غیره : ذئبٌ هُلَعٌ بُلَع. والهُلَع : الحریص علی الشیء. والبُلَع من الابتلاع.

وإذ معروفُها لک عاهنُ

قلت : ورأیت فی البادیه شجرهً لها ورده حمراءُ یسمُّونها العِهْنه.

والعِهْنُ : الصُّوف المصبوغ ألواناً ، وجمعه عُهونٌ. ومنه قوله جلَّ وعزَّ : (کَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) [القَارعَه : 5].

وقال اللیث : یقال لکلّ صُوفٍ عِهنٌ ، والقطعه عِهنه وأنشد أبو عبیدٍ :

فاضَ فیه مثلُ العهون من الرَّوْ

ضِ وما ضَنَّ بالإخاذ غُدُرْ

وقال أبو عبید : قال الأصمعیّ : یقال للسَّعَفات اللواتی یَلِینَ القِلَبهَ العَواهن فی لغه أهل الحجاز قال : وأمّا أهل نجد فیسمُّونها الخَوَافی.

قال : وقال أبو عمرو الشیبانیّ : العَواهن : عُروق فی رحم الناقه. وقال ابنُ الرِّقاع :

أوکَتْ علیه مَضِیقاً من عواهنها

کما تضمَّنَ کشحُ الحُرَّهِ الحبَلَا

«علیه» : علی الجنین. وقال شمر : قال ابن الأعرابی : عَواهنها : موضع رحمها من باطن ، کعواهن النخل.

وقال أبو الجراح : عَهَنت عواهنُ النخل تَعهَنُ ، إذا یبِست. قال : وهی الجرائد.

وقال أبو زید : رمَی بالکلام علی عواهنه ، إذا لم یبال أصابَ أم أخطأ.

أبو العباس عن ابن الأعرابی قال : العِهَان والإهان ، والعُرهون والعُرجون ، والفِتاق ، والعَسَق ، والطَّریده ، واللَّعِین ، والضِّلَع والعُرجُدُّ ، واحد.

قلت : والکلُّ أصل الکِباسه وقال ابن الأعرابی : ویقال إنه لیَحْدِسُ الکلامَ علی عواهنه ، وهو أن یتعسَّف الکلامَ ولا یتأتّی. ویقال إنّه لعِهْنُ مالٍ ، إذا کان حسنَ القیام علیه. ویقال : خُذْ من عاهن المال وآهنِه ، أی من عاجله وحاضره. ویقال عَهنتُ علی کذا أعْهَنُ ، المعنی أی أُثبِّی منه مَعرِفهً.

هنع : أبو عبید عن أبی زید : الهَنْعَه من سمات الإبل فی منخفض العنق ؛ یقال بعیر مهنوع ، وقد هُنِع هَنْعاً.

والهَنْعه : کوکبان أبیضان بینهما قِیدُ سَوط یَطلُعان علی إثر الهَقْعه فی المجرَّه. وقال بعضهم : الهَنْعه قوس الجوزاء یرمِی بها ذراعَ الأسد ، وهی ثمانیه أنجم فی صوره قوس.

والهَنَع : تطامنٌ والتواءٌ فی عُنق البعیر.

وقد هَنِع هَنْعاً. وظلیمٌ أهنَع ونعامهٌ هَنْعاء ، وهو التواءٌ فی عنقها حتی یقصر لذلک عما یفعل الطائر الطویل العنق من بنات الماء والبرّ.

وفی الحدیث ذکر رجل فیه هَنَعٌ قال شمر : الهَنَع : أن یکون فیه انحناءٌ قلیل مثل الجنأ. وقال رؤبه :

والجنّ والإنس إلیها هُنَّعُ

أی خُضوع.

وقال أبو زید : الهَنْعاء من النوق : التی انحدرت قَصَرتُها وأشرفَ حارکُها. وقال بعض العرب : ندعو البعیر القائل بعنقه إلی الأرض أهنَع ، وهو عیبٌ. قال : والهَنَع فی العُفر من الظّباء خاصّه دون الأُدْم ، وذلک أنّ فی أعناق العُفْر قِصَراً. قاله ابن الأعرابی.

ص: 104

نهع : قال اللیث : نهع یَنهَع نُهوعاً ، إذا تهوَّع للقیء ولم یَقْلِسْ شیئاً.

قلت : هذا حرف مُریبٌ ولا أحقّه.

قلت : والمعروف فی هذه الحروف الغین ، وقد أوضحتُه فی بابه.

وقال غیره : العَیهوم : الأدیم الأملس.

وأنشد لأبی دُوَاد :

فتعفَّت بعد الرَّباب زماناً

فهی قَفرٌ کأنَّها عیهومُ

وقیل شبّه الدار فی دروسها بالعَیْهم من الإبل ، وهو الذی أنضاه السَّیرُ حتّی بلّاه ، کما قال حُمید بن ثور :

عَفَتْ مثلما یَعفُو الطَّلیحُ وأصبحتْ

بها کِبریاءُ الصَّعب وهی رَکوبُ

فذهب شحمُه وتطأطأ شرفُه. وجِدار خاشع ، إذا تداعی واستوی مع الأرض.

وقال النابغه :

ونُؤیٌ کجِذم الحوضِ أثلم خاشعُ

قال اللیث : خشع الرجل یخشَع خشوعاً ، إذا رمَی ببصره إلی الأرض. واختَشَع ، إذا طأطأ صدره وتواضع. قال : والخُشُوع قریبٌ من الخضوع ، إلّا أن الخضوع فی البدن والإقرار بالاستخداء ، والخشوع فی البدن والصَّوت والبصر. قال الله : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) [طه : 108] : وقال ابنُ دَرید : خشَع الرجل خَراشیَّ صدرِه ، إذا رمَی بها.

قلت : جعل خشَع واقعاً ، ولم أسمعه لغیره.

أعدّ الله للشعراء منّی

صواعقَ یَخضَعون لها الرقابا

فجعله واقعاً متعدیاً. ویقال خضع الرجلُ رقبتَه فاختضعَتْ وخضَعت.

وقال ذو الرمّه :

یظلُ مختضِعاً یبدو فتنکرهُ

حالاً ویسطع أحیاناً فینتسبُ

مختضعاً : مطأطیء الرأس. والسُّطوع : الانتصاب ، ومنه قیل للرجلِ الأَعنَق : أسطع. وفی حدیث عمر أن رجلاً فی زمانه مرّ برجلٍ وامرأه قد خَضَعا بینهما حدیثا ، فضربَ الرجلَ حتّی شجَّه ، فرُفِع إلی عُمرَ فأهدرَه.

شِمر عن ابن الأعرابی قال : العرب تقول : اللهم إنی أعوذ بک من الخُنوع والخضوع. فالخانع : الذی یدعو إلی السَّوءه ، والخاضع نحوه. وقال رؤبه :

مِن خالباتٍ یختلبن الخُضعا

قال ابن الأعرابی : الخُضَّع : اللواتی قد خضَعن بالقول ومِلْن. قال : والرجل یخاضع المرأه وهی تخاضعه ، إذا خضَع لها بکلام وخضعتْ له فیطمع فیها. ومن هذا قول الله عزوجل : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ) [الأحزَاب : 32].

وقال الکمیت یصف نساءً ذواتِ عفاف :

إذْ هُنّ لا خُضُع الحدی

ث ولا تکشَّفت المَفاضِل

وأخبرنی المنذری عن ثعلب عن ابن الأعرابی قال : الاختضاع : المرّ السریع.

وأنشد فی صفه فرسٍ جواد :

إذا اختلط المسیحُ بها تولّت

بسَومٍ بین جَرْیٍ واختضاعِ

المسیح : العَرق یقول : إذا عرقت أخرجت أفانینَ جَریها.

أبو عبید : الخَیضَعه : البیضه.

وروی أبو العباس عن الأثرم عن أبی عبیده قال : یقال لبیضه الحدید الخَیضَعَه ، والرّبیعه. وأنشد :

والضاربون الهامَ فوق الخیضَعَهْ

وقال شمر : قال ابن الأعرابیّ : الخیضعه : الغُبار. قال : وقال أبو عمرو : هو صوت القتال. قال : وقال اللیث : الخیضعه حیث یخضع الأقرانُ بعضُهم لبعض. قال : ویقال «للسّیوف خَضَعه» ، وهو صوت وقعها.

أبو عبید عن أبی زید قال : الخَضِیعه : صَوتٌ یخرج من قنْب الفرس الحِصانِ ، وهو الوقیب. وأنشد :

کأن خَضِیعهَ بطن الجوا

دِ وعوعهُ الذئب فی الفدفدِ

والأخضع من الرجال : الذی فیه جَنَأٌ ، وقد خَضِع یخضَع خَضَعاً ، فهو أخضَع.

وخضَعت أیدی الکواکب ، إذا مالت لتغیب. وقال ابن أحمر :

تکاد الشمس تخضع حین تبدو

لهنَّ وما وَبِدنَ وما لُحِینا

وقال ذو الرمه :

إذا جعلت أیدی الکواکب تخضعُ

وخضعت الإبل ، إذا جَدَّت فی سیرها. وقال الکُمیت :

ص: 109

خواضع فی کلِّ دیمومه

یکاد الظلیم بها ینحَلُ

وإنَّما قیل ذلک لأنّها خضعت أعناقَها حین جدّ بها السَّیر. ومنه قول جریر :

ولقد ذکرتکِ والمطیُ خواضعٌ

وکأنهنّ قطا فلاهٍ مَجهلِ

ع خ ص - ع خ س : أهملت وجوهها.

خدّاع وخَدُوع وخُدَعه ، إذا کان خَبّاً. والخُدْعه : ما یُخدَع به.

وقال أبو عبید : سمعتُ الکسائیّ یقول الحربُ خُدَعه. قال : وقال أبو زید مثلَه خُدَعه. قال : ورجلٌ خُدْعه ، إذا کان یُخدَع. وروی فی الحدیث : «الحربُ خَدْعهٌ» ، أی ینقضی أمرُها بخَدْعهٍ واحده وقیل «الحربُ خُدْعه» ، ثلاث لغات ، وأجودها ما قال الکسائیّ وأبو زید «خُدَعه».

ویقال : خدَعَتْ عینُ الرجل ، إذا غارت.

وخدعَ خَیرُ الرجل ، أی قلّ. وخدعت الضبعُ فی وِجارها. وقال أبو العمیثل : خَدَعَ الضبُّ إذا دخَلَ فی وجارِه ملتویاً.

وخدَع الثعلب ، إذا أخذَ فی الرَّوَغان.

ورفعَ رجلٌ إلی عمر ابن الخطّاب ما أهمَّه من قُحوط المطر ، فقال له : «خدَعَتِ الضِّباب وجاعت الأعراب».

والخَدُوع من النُّوق : التی تدُرُّ مرَّهً وترفع لبنَها مرّه. وطریقٌ خَدوع ، إذا کان یَبین مرّهً ویخفی أخری وقال الشاعر :

ومستکرهٌ من دارس الدَّعس داثرٌ

إذا غفلت عنه العیون خَدوعُ

وقال اللِّحیانی : خدعتُ ثوبی خَدْعاً وثنیتُه ثَنْیاً ، بمعنی واحد. وخادعت الرجلَ بمعنی خدعته ، وعلی هذا یوجَّه قول الله جلّ وعزّ : (یُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النِّساء : 142] معناه أنهم یقدِّرون فی أنفسهم أنهم یخدعون الله والله هو الخادعُ لهم ، أی المجازی لهم جزاءَ خداعهم

وقال شمر : روی الأصمعیُّ بیتَ الراعی :

وخادعَ المجدَ أقوامٌ لهم وَرَقٌ

راحَ العضاهُ به والعرقُ مدخولُ

قال : خادعَ : ترک. قال شِمر : ورواه أبو عمرو : «وخادعَ الحمد» ، قال : وفسَّره أنهم ترکوا الحمد ، أی أنهم لیسوا من أهله.

وأخبرنی المنذریّ عن أبی العباس عن ابن الأعرابیّ قال : الخِداع : المنْع.

والخِداع : الحیله.

وقال اللیث : خادعتُه مخادعهً وخداعاً.

ورجلٌ مخدَّع : خُدِع مراراً. قال : والخَیْدع : الرجل الخدوع. وطریقٌ خَیدعٌ وخادع ، وغَوْلٌ خیدع : جائر عن القصد ولا یُفطَن له.

والأخدعان : عِرْقان فی صفحتی العنق قد خفیا وبَطَنا. والأخادعُ الجمیعُ. ورجلٌ مخدوع : قد أصیب أخدعُه.

والمُخْدَع والمِخدع : الخِزَانه.

وأخدعتُ الشیء ، إذا أخفیتَه.

ومن أمثال العرب : «أخدع من ضبٍّ حَرشْتَه» ، وهو من قولک خدَع منّی فلان ، إذا تواری ولم یظهر.

وروی ابن الأنباریّ عن ثعلب عن ابن الأعرابیّ قال : الخادع : الفاسد من الطعام وغیره. وأنشد قوله :

إذا الرِّیقُ خَدَعْ

قال أبو بکر : فتأویل قوله جلّ وعزّ : (یُخادِعُونَ اللهَ) [البَقَرَه : 9] : یفسدون ما یُظهرون من الإیمان بما یُضمِرون من

ص: 111

الکفر ، کما أفسَد الله نِعَمهم فی الدنیا بأن أصارَهم إلی عذاب النار.

وفی حدیثٍ مرفوع : «یکون قبل خروج الدجّال سنونَ خَدّاعه» ، قال شِمر : السنون الخوادع : القلیله الخیر الفواسد. قال : ویقال السوق خادعهٌ. إذا لم یُقدَر علی الشیء إلّا بغلاء. قال : وکان فلانٌ یُعطِی فخَدَعَ ، أی أمسک ومَنَعَ.

وقال ابن الأعرابیّ : خدع الریقُ أی فسد. وقال غیره : نقصَ فتغیَّر. وماءٌ خادعٌ : لا یُهتدی له.

أبو عبید عن الأحمر : خدعتِ السُّوق ، إذا قامت.

وقال الفراء : بنو أسد یقولون : إنَّ السُّوق لخادع ، وإن السِّعر لخادع. وقد خدعَ إذا ارتفع وغلا.

وقال الأصمعی فی قوله «سنون خدّاعه» ، قال : سنون یقلُّ فیها المطر. یقال خدعَ المطرُ إذا قلّ ، وخدع الرِّیقُ فی فمه إذا قلّ. وقال غیره : الخدّاعه التی یکثُر فیها المطر ، ویقلُّ النباتُ والرَّیع. کأنّه من الخدیعه : والتفسیر هو الأول.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : الخَدْع : منع الحقّ. والختم : منع القلب من الإیمان.

قال : والخُدَعه هم ربیعه بن کعب بن سعد بن زید مناه بن تمیم.

ابنُ شمیل : رجلٌ مخدَّع ، أی مجرَّس صاحب دهاء ومَکْر ، وقد خُدِّع. وأنشد :

أبایع بَیْعاً من أریب مخدّعِ

وإنه لذو خُدْعه ، وذو خُدَعاتٍ : أی ذو تجریب للأمور.

وبعیرٌ به خادع وخالع ، وهو أن یَزول عَصَبُهُ فی وظیف رجله إذا برک. وبه خُویدِع وخُوَیلع والخادع أقلّ من الخالع.

وفلانٌ خادعُ الرأی ، إذا کان متلوِّناً لا یثبت علی رأی واحد. وقد خدَعَ الدهرُ ، إذا تلوَّن.

وکان رجلاً من بنی غُفَیلهَ بن قاسط مشئوماً. رواه أبو عبیدٍ عن ابن الکلبیّ.

[ع خ ظ] : مهمل.

ورُوی عن بعض التابعین أنه قال : «لا یَجزی فی الصَّدقه الخَرِع» ، وهو الفصیل الضعیف. وکلُّ ضعیفٍ خَرِعٌ. وغُصن خَرِعٌ : لیّن ناعم.

وقال الراعی یذکر ماءً :

معانقاً ساق رَیّا ساقُها خَرِعُ

أبو عمرو : الخَرَاوِیع من النساء : الحِسان. وامرأه خِرْوعه : رَخْصه لیّنه.

وقال أبو سعید : الاختراع والاختزاع : الخیانه والأخذ من المال. وقال ابن شمیل : الاختراع : الاستهلاک. وفی الحدیث : «إن المُغیبهَ یُنفَق علیها من مال زَوجها ما لم تخترع مالَه». وتقول : اخترع فلانٌ عُوداً من الشجره ، إذا کسرها.

أبو عبید عن الکسائیّ : من أدواء الإبل الخُراع ، وهو جنونُها. وناقه مخروعه.

وقال غیره : ناقه خریع ومخروعه ، وهی التی أصابَها خُراع ، وهو انقطاعٌ فی ظهرها فتصبح بارکهً لا تقوم. قال : وهو مرضٌ یفاجئها فإذا هی مخروعه.

وقال شِمر : قال ابن بزرج : الجنون ، والطُّوفان ، والثَّوَلُ ، والخُراع ، واحد.

وروی أبو سعید الخُدریّ عن النبی صلّی الله عَلَیه وَسلّم أنه قال : «لو سمع أحدکم ضغطهَ القبر لجزِع» أو «لخَرِع». قال شِمر : من رواه خرِع فمعناه انکسر وضعف. قال : وکلُّ رِخْو ضَعیف خَرِیع وخَرِع. وأنشد لرؤبه :

لا خرِعَ العظم ولا موصَّما

قال : وقال أبو عمرو : الخرِیع : الضَّعیف. وقال أبو النجم یصف جاریه :

فهی تَمَطَّی فی شباب خِروَعِ

أی ناعم.

وروی أبو العباس عن ابن الأعرابیّ قال : خَرِعَ الرجلُ إذا استرخی رأیه بعد قوّه ، وضُعف جسمهُ بعدَ صلابه. وقیل : الخرَع الدهَش. وقد خرِع خَرَعاً إذا دَهِش.

المبسَّل. قال : والخولع : اللحم یُغلَی بالخَلِّ ثم یُحمل فی الأسفار. والخولع : الغُول. والخَولع : الذئب. والخولع : المقامر المحدود الذی یُقْمَر أبداً.

والخولع : الغلام الکثیر الجنایات ، مثل الخلیع. وأنشد غیره لجریر فی الخولع : الفَزَع :

لا یعجبنک أن تَری لمجاشعٍ

جَلَدَ الرِّجال وفی القلوب الخَولعُ

یعنی الفزَع.

وخُلعه المال وخِلعته : خیاره. أبو سعید : سمِّی خِیار المال خُلْعه لأنّه یَخلع قلبَ الناظر إلیه. وأنشد الزجاج :

وکانت خُلْعَهً دُهساً صَفایا

یَصُور عُنُوقَها أحوی زَنیم

یعنی المِعزَی ، أنَّها کانت خیاراً والخِلْعه من الثیاب : ما خلعتَه فطرحتَه علی آخر أَوْ لم تطرحه.

والخلیع : الذی یجنی الجنایات یؤخَذ بها أولیاؤه فیتبرءون منه ومن جنایاته ویقولون : إنّا قد خلعنا فُلاناً فلا نأخُذُ أحداً بجنایهٍ تُجنَی علیه ، ولا نؤاخَذ بجنایاته التی یجنیها. وکان یسمَّی فی الجاهلیه الخلیع.

ویقال للذئب خلیع. ویقال للشَّاطر من الفتیان : خلیع لأنه خَلَعَ رسَنَه. ویقال للصیّاد : خَلیع.

والخَلْع کالنَّزْع إلّا أن فیه مُهله.

وقال اللیث : المخلَّع من الناس : الذی کأنَّ به هَبْتَهً أو مَسَّاً. ویقال فلانٌ یتخلَّع فی مشیه ، وهو هزُّه یدیه. ورجل مخلوع الفؤاد ، إذا کان فزِعاً قال : والمخلَّع من العروض : ضربٌ من البسیط ، کقول الأسود بن یعفر :

ماذا وقوفی علی رسمٍ عفا

مُخلَولقٍ دارسٍ مستعجمِ

ویقال : أصابَه فی بعض أعضائه خَلْع ، وهو زوال المفاصل من غیر بینونه. قال : والبُسره إذا نضجت کلُّها فهی خالع. وإذا أسفَی السُّنبل فهو خالع. یقال خلَع الزرع یَخلَع خَلاعَهً.

والخَلَعْلَع من أسماء الضِّباع.

ویقال : خَلُعَ الشیْخُ ، إذا أصابه الخالع ، وهو التواء العرقوب. وقال الراجز :

وجُرّهٍ تَنْشُصها فتنتَشِصْ

من خالعٍ یُدرکه فیهتبصْ

الجُرَّه : خشبه یثقَّل بها حِباله الصائد ، فإذا نشب فیها الصید أثقلتْه.

وقال الأصمعی : الخالع من الشجر : الهشیم الساقط.

وقال ابن الأعرابی فیما روی عنه أبو العباس : خَلَعت العضَاهُ ، إذا أورقت. وقال غیره : خلع الشجرُ ، إذا أنبتَ ورقاً طریاً.

والخالع : داء یأخذ فی عرقوب الدابه.

وفی حدیث عثمان أنّه کان إذا أُتیَ بالرجل الذی قد تخلَّع فی الشراب المُسکِر جلدَه ثمانین جلده.

وقال ابن شمیل : معنی قوله تخلَّع فی الشراب هو أن یدمنَ فیشربَ اللیلَ والنهار. قال : والخلیع : الذی قد خلعه أهلُه وتبرَّءوا منه.

ویقال خُلِع فلانٌ من الدِّین والحیاء. وقومٌ

ص: 115

مبیِّنو الخلاعه.

خعل : أبو عبید عن أبی عمرو قال : الخَیْعَل : قمیص لا کُمَّیْ له. وقال غیره. قد یقلب فیقال الخَیْلع ، وربّما کان غیر منصوح الفَرجَیْن. وقال تأبّط شراً :

مَشْی الهَلوکِ علیها الخَیْعَلُ الفُضُلُ

أبو العباس عن سلمه عن الفراء قال : الخَوْعله : الاختباء من ریبه.

وفی «نوادر الأعراب» : اختلعوا فلاناً ، أی أخذوا ماله.

الأمور. قال : والنِّخاع والنُّخاع : خَیط الفَقَار المتّصل بالدِّماغ.

وتنخَّع السحابُ : إذا قاء ما فیه من المطر.

وقال الشاعر :

وحالکه اللیالی من جُمادی

تَنَخَّعَ فی جَواشنِها السَّحابُ

خمع : أبو عبید عن الفراء : الخِمْع : الذِّئب ، وجمعه أخماعٌ قال : ومنه قیل للِّصّ خِمْع.

عمرو عن أبیه قال : الخِمع : اللصُّ. والخِمْع : الذئب.

وقال شمر : الخوامع : الضِّباع ، اسمٌ لها لازمٌ ؛ لأنّها تخمع خُماعاً وخَمَعاناً وخُموعاً.

وقال ابن المظفَّر : خَمَع فی مشیه ، إذا عَرَجَ. والخُمَاع : العَرَج.

خعم : ثعلب عن ابن الأعرابی قال : الخَیْعامه : المأبون. قال : وقال أبو عمرو : الضَّمَج هَیَجان الخَیْعامه ، وهو المأبون.

وقال ابن الأعرابی : الخوعم : الأحمق.

وروی عمرو بن أبی عمرو عن أبیه قال : الخیعم والخیعامه ، والمجبوس والجَبِیس ، والمأبون والمتدثِّر ، والمِثْفرُ ، والمِثفار ، والممسوح واحد.

قال اللیث : وقال الخلیل بن أحمد : لم یأتلف العین والغین فی شیء من کلام العرب. [العین مع الغین : مهمل](1)

والعِشْقُ واحد وقال الأعشی :

وما بی من سُقْم وما بی مَعْشَقُ

عقش : أبو سعید : العَقْش : أطراف قُضبان الکرم. وروی أبو العباس عن عمرو عن أبیه قال العَقَش : ثَمر الأراک ، وهو الحَثَر ، والجَهَاض ، والغَیْله والکبَاث.

قعش : ثعلب عن ابن الأعرابی قال : القُعوش من مراکب النساء شبه الهوادج ، وقال رؤبه یصف السَّنَه :

حدباء فکّت أُسُر القُعوشِ

قال : واحدها قَعْش.

وقال اللیث نحواً مما قاله ، قال : والقَعْش کالقَعْض وهو العطف.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : تَقَعْوَشَ البناء وتقعوَسَ ، إذا انهدمَ. قال : وانقعش الحائط ، إذا انقلع. وانقعشَ القومُ ، إذا انقلعوا فذهبوا.

قشع : روی عن أبی هریره أنه قال : «لو حدّثتکم بکلِّ ما أعلم لرمیتمونی بالقشع». قال أبو عبید : قال الأصمعیّ وغیره :

القِشَع : الجلود الیابسه ، الواحد منها قَشْع.

قال أبو عبید : وهذا علی غیر قیاس العربیه ولکنّه هکذا یقال. وأنشد قول متمِّم یرثی أخاه :

ولا بَرَمٍ تُهدِی النساءُ لعِرْسِهِ

إذا القَشْع من حِسِّ الشتاء تقعقعا

وقال ابن الأعرابیّ : القَشْعه : النُّخامه ، وجمعها قِشَع. کأنّه أراد رمیتمونی بها استخفافاً بی. وقال غیره : القَشْعه : ما تقلَّف من یابس الطِّین إذا نَشّت الغُدران عنه ورسَب فیها طینُ السَّیل فجفَّ وتشقَّق. وجمعها قِشَع. فکأنه أراد : لو حدثتکم بکلِّ ما أعلم لرمیتمونی بالحجر والمدر تکذیباً لحدیثی. ویقال للجلد الیابس قَشْع وقِشْع.

أبو عبید عن الکسائی : قشعت الریح السَّحابه فأقشعت. قال : وأقشع القومُ إذا تفرّقوا.

وقال اللیث : القَشْع : السَّحاب المتقشِّع عن وجه السماء. قال : وانقشعَ الهمُّ عن القلب. قال : والقَشْعه : قطعهٌ من السحاب ، إذا انقشع الغیم تبقی القَشْعه فی نواحی الأفُق. قال : والقَشْعه : بیتٌ من أدَمٍ یُتّخَد من جلود الإبل ، والجمیع قَشْع.

قال : وربّما اتُّخِد من جلود الإبل صِوانٌ للمتاع یسمَّی قَشْعاً.

قال شمر : قال ابن المبارک : القَشْعه : النِّطَع. قال : وقال غیره : هی القِربه البالیه.

قال : ومات رجلٌ بالبادیه فأوصی أن ادفنونی فی مکانی هذا ولا تنقُلونی عنه ، فقال :

لا تَجْتَوِی القَشْعهُ الخرقاءُ مَبناها

الناس ناسٌ وأرض الله سَوَّاها

قال : الخرقاء : المتخرِّقه. وقوله مبناها ، یعنی به حیث بُنِیت القَشْعه. قال : والاجتواء : ألّا یوافقَک المکانُ ولا ماؤه.أبو العباس عن ابن الأعرابی قال : القِشَع : الأنطاعُ المُخْلِقه. قال : وقول أبی

ص: 119

هریره : «لرمیتمونی القِشَع» قال : القِشَع هاهنا : البُزَاق. وقال أبو سعید : القِشَع : النُّخامه یقشمها الرجلُ من صدره ، أی یخرجها بالتنخُّم ، أی لبزقتم فی وجهی.

شقع : قال اللیث : یقال شَقَع الرجل فی الإناء ، إذا کرَع فیه. ومثله قَمَع ، ومَقَع ، وقَبَع ، کلُّ ذلک من شدّه الشُّرب.

وقال غیرُه : شَقَعه بعینه ، إذا لَقَعَه.

مسدّهُ ؛ لأنه دُقِّق وطُوِّل. قال الأصمعی : ولم یدر الناس ما مَعاقص فقالوا مَشاقص ، للنصال التی لیست بعریضه. وأنشد للأعشی :

ولو کنتُم نبْلاً لکنتم معاقصا

ورواه غیره : «مشاقصا» قال : وعقص أمره ، إذا لواه فلبَّسَه.

ثعلب عن ابن الأعرابی قال : المِعقاص من الجواری : السیِّئه الخُلُق. قال : والمِعقاص هی النِّهایه فی سوء الخلق. قال : والمِعقاص : الشاه المعوّجه القرن. وفی «النوادر» : یقال أخذْتُه معاقصه ومقاعصه ، أی مُعازَّهً ومُغالبه.

قعص : روی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنّه قال : «مَن خَرج فی سبیلِ الله فقُتِل قَعْصاً فقد استوجب المآب». قلت : أراد صلی الله علیه وسلم أنه استوجب حُسن المآب ، وهو قول الله جلّ وعزَّ : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفی وَحُسْنَ مَآبٍ) [ص : 25] ، فاختصر الکلام.

قال أبو عبید : القَعْص : أن یُضرب الرجلُ بالسِّلاح أو بغیره فیموت مکانَه قبلَ أن یَرِیمَه. وقد أقعصَه الضاربُ إقعاصاً.

وکذلک الصَّید. وفی حدیث آخر جاء فی أشراط السّاعه قال : «ومُوتانٌ یکون فی الناس کقُعاص الغنم» ، قال أبو عبید : القُعاص : داءٌ یأخُذ الغنم لا یُلبِثها إلی أن تموت. قال : ومنه أُخذ الإقعاص فی الصید ، یُرمی فیموت مکانَه.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ قال : المِقعاص : الشاه التی بها القُعاص ، وهو داءٌ قاتل.

وقال بعض الأعراب : انقعص وانقعف وانغرفَ ، إذا مات. وأخذت المال منه قَعصاً ، وقعصتُه إیاه ، إذا اعتززته.

اللیث : شاهٌ قَعوص : تضرب حالبَها وتمنع دِرَّتها. وما کانت قعوصاً ولقد قَعِصتْ قَعَصاً.

قصع : فی حدیث روی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنَّه «خطب علی ناقه وهی تَقصَع بجِرّتها» قال أبو عبید : القَصْع : ضمُّک الشیء علی الشیء حتّی تقتله أو تهشمه. قال : ومنه قَصْع القمله. وإنّما قیل للصبیّ إذا کان بطیء الشباب قَصِیع یریدون أنّه مردّد الخلق بعضه إلی بعضٍ فلیس یَطُول. قال :

وقَصْع الجِرَّه : شدّه المضْغ وضمّ بعض الأسنان إلی بعض.

وأخبرنی المنذریُّ عن ثعلبٍ عن ابن الأعرابیّ قال : قُصَعه الیربوع وقاصعاؤه : أن یحفر حُفیرهً ثم یسدُّ بابَها بترابها. وقال الفرزدَق یهجو جریراً

وإذا أخذتُ بقاصعائک لم تَجِدْ

أحداً یُعِینُک غیرَ من یتقصَّعُ

یقول : أنت فی ضعفک إذا قصدتُ لک کبنی یربوع لا یُعینک إلا ضعیفٌ مثلک. وإنّما شبههم بهذا لأنّه عنی جریراً ، وهو من بنی یربوع.

وقال أبو الهیثم : القاصعاء والقُصَعه : فم حُجر الیربوع أوّلَ ما یبتدیء فی حَفره. قال : ومأخذه من القَصْع ، وهو ضمُّ الشیء إلی الشیء.

ص: 121

أبو عبید : قَصَع العطشانُ غُلَّته بالماء ، إذا سکّنها. ومنه قول ذی الرمه یصف الوحش :

فانصاعت الحُقْبُ لم تقصَعْ جرائرَها

وقد نَشَحْنَ فلا ریٌّ ولا هِیمُ

وقال أبو سعیدٍ الضَّریر : قَصْع الناقهِ الجرَّهَ : استقامه خروجها من الجوف إلی الشِّدق غیر منقطعهٍ ولا نَزْره ، ومتابعهُ بعضها بعضاً. وإنّما تفعل الناقهُ ذلک إذا کانت مطمئنّهً ساکنه لا تسیر ، فإذا خافت شیئاً قطعت الجِرّه. قال : وأصل هذا من تقصیع الیربوع ، وهو إخراجُه ترابَ جحره وقاصعائه. فجعلَ هذه الجرَّهَ إذا دَسَعتْ بها الناقه بمنزله التُّراب الذی یُخرجه الیربوع من قاصعائه.

وقال أبو زید : قصعت الناقهُ بجِرتها قَصْعاً ، وهو المضغ ، وهو بعد الدّسْع. والدسْع : أن تنزع الجِرّه من کَرشها ، ثم القَصْع بعد ذلک ، والمضْغ ، والإفاضه.

وقال ابن شمیل : قصّع الزرعُ تقصیعاً ، إذا خرجَ من الأرض قال : وإذا صار له شُعَبٌ قیل : قد شعّبَ.

وقال غیره : قصَّع أوّلُ القوم من نَقْب الجبل ، إذا طلعوا. وسیفٌ مِقْصَعٌ ومِقصَلٌ : قطّاع.

وقال أبو سعید : القَصِیع : الرَّحَی. ویقال تقصَّع الدُّمّل بالصَّدید ، إذا امتلأ منه.

وقَصَّع مثلُه. ویقال قصعتُه قصعاً وقمعتُه قمعاً بمعنی واحدٍ. وقصَّع الرجل فی بیته ، إذا لزمه ولم یبرحه. وقال ابن الرُّقیات :

إنِّی لأُخلی لها الفراشَ إذا

قَصَّع فی حِضْنِ عِرْسِه الفَرِقُ

وجمع القَصْعه قِصاع.

صعق : قال الله جلّ وعزّ : (وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَمَنْ فِی الْأَرْضِ) [الزُّمَر : 68] فسَّروه الموتَ هاهنا. وقوله جلّ وعزّ : (وَخَرَّ مُوسی صَعِقاً) [الأعرَاف : 143] معناه مَغْشِیّاً علیه. ونصب صَعِقاً [الأعرَاف : 143] علی الحال ، وقیل إنّه خرَّ میتاً. وقوله : (فَلَمَّا أَفاقَ) [الأعرَاف : 143] دلیلٌ علی الغَشْی ؛ لأنّه یقال للذی غُشِی علیه والذی یذهب عقله : قد أفاق. وقال الله فی الذین ماتوا : (ثُمَّ بَعَثْناکُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِکُمْ) [البَقَرَه : 56].

والصَّاعقه والصَّعْقه : الصَّیحه یُغْشی منها علی من یسمعها أو یموت. قال الله جلّ وعزّ : (وَیُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَیُصِیبُ بِها مَنْ یَشاءُ) [الرّعد : 13] یعنی أصواتَ الرعد. ویقال لها الصَّواقع أیضاً ، ومنه قولُ الأخطل :

کأنّما کانوا غراباً واقعا

فطار لمّا أبصَر الصواقعا

وقال رؤبه :

إذَا تتلَّاهنّ صلصالُ الصَّعَقْ

أراد الصَّعْق فثقّله ، وهو شدّه نهیقه وصوته.

وقال جلّ وعزّ : فذرهم حتی یلاقوا یومهم الذی فیه یَصعقون) وقرئت یُصْعَقُونَ [الطور : 45] : أی فذرْهم إلی یوم القیامه حین یُنفَخ فی الصور فیصعق

ص: 122

الخلقُ ، أی یموتون.

وقال اللیث : الصَّعق : مثل الغَشْی یأخذ الإنسانَ من الحرّ وغیره. ویقال أصعقته الصیحهُ : قتلتْه. وأنشد الفرّاء :

أُحادَ ومَثْنَی أصعقتها صواهلُه

أی قتلها صَوتُه. ویقال للبرق والرعد إذا قتلا إنساناً : أصابته صاعقه. وقال لبید یرثی أخاه :

فجّعنِی الرعدُ والصَّواعق بال

فارس یوم الکریهه النَّجُدِ

وقیل : أراد بالصواعق صوت الرعد ، یدلّ علی ذلک قوله جلّ وعزّ : (یَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِی آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) [البَقَرَه : 19] فلا یسدُّون آذانهم إلّا من شدّه صوت الرعد.

ویقال صَعِق وصُعِق. فمن قال صَعِق قال : فهو صَعِقٌ ، ومن قال صُعِق قال : فهو مصعوق. وقریء : (یَصعَقون) و (یُصْعَقُونَ) ، یقال صعقتْه الصاعقهُ وأصعَقته.

صقع : أبو عبید : صُقِعت الأرض ، إذا أصابها الصقیع.

شِمر عن ابن الأعرابی : صُقِعت الأرض وأُصقِعْنا ، وأرض صَقِعهٌ ومصقوعه.

وکذلک ضُرِبت الأرضُ وأُضرِبْنا ، وجُلِدت وأُجلِدَ الناسُ. وقد ضُرِبَ البقل ، وجُلِدَ ، وصُقِعَ.

وقال ابن بُزرج : یقال أصقع الصقیعُ الشجرَ ، فالشجر صَقِعٌ ومُصْقَع. وأصبحت الأرضُ صَقِعهً وضَرِبه. ویقال أضْربَ الضریبُ النباتَ ، فالنباتُ ضریبٌ ومُضرَبٌ.

أبو عبید عن أبی زید : صَقِعت الرّکیهُ تَصقَع صَقَعاً ، إذا انهارت.

وقال أبو عبید : الصِّقاع : خِرقه تکون علی رأس المرأه توقِّی بها الخِمَار من الدُّهن.

وقال غیره : الصِّقاع : صِقاع الخباء ، وهو أن یؤخذَ حَبلٌ فیمدَّ علی أعلاه ویوتَّر ویشدّ طرفاه إلی وتدین رُزَّا فی الأرض من ناحیتی الخباء ، وذلک إذا اشتدَّت الریحُ فخافوا تقویضَها الأخبیه.

وسمِعتُ العرب تقول : اصقعوا بیتکم فقد عَصَفت الریح. فیَصعقونه بالحبل کما وصفته.

والصَّقیع : صوت الدِّیک. وقد صقَع یصقَع إذا صاحَ.

قلت : والصِّقاع : حدیده تکون فی موضع الحَکَمه من اللجام. وقال ربیعه بن مقروم الضبِّیُّ :

وخصمٍ یرکب العَوصَاء طاطٍ

علی المُثْلی غُناماه القِذاعُ

طَموحِ الرّأس کنتُ له لجاماً

یُخَیِّسُه ، له منه صِقاعُ

وقال أبو عبید : یقال للخِرقه التی یشدُّ بها أنف الناقه إذا ظُئرت علی ولد غیرها : الغِمامه ، وللذی یُشَدُّ به عیناها : الصِّقاع.

وأَنشد :

إذا رأسٌ رأیتُ به طِماحاً

شددت له الغمائم والصِّقاعا

ویقال : ما أدری أین صَقَع وبَقَع ، أی

ص: 123

ما أدری أین ذهَب ؛ قلّما یُتکلَّم به إلّا بحرف نفی.

وقال أبو زید : الصَّقَعیّ : الحُوار الذی یُنتَج فی الصَّقیع ، وهو من خیر النتاج.

وأنشد بیت الراعی :

خَراخر تُحسِب الصَّقعیَ حتّی

یظلُّ یقُرُّه الراعی سِجالا

قال : الخراخر : الغزیرات اللَّبن ، الواحد خِرخِرٌ. یعنی أنَّ اللبَن یکثُر حتی یأخذه الراعی فیصبّه فی سقائه سِجالاً سِجالاً.

قال : والإحساب : الإکفاء.

وقال أبو نصر : الصَّقعیّ : أوّل النتاج ، وذلک حین تَصقَع الشمسُ فیه رؤوسَ البَهْم صَقْعاً. قال : وبعضُ العرب یسمِّیه الشمسیَّ والقیظِیَّ ، ثم الصَّفَریُّ بعد الصَّقعیّ. وأنشد بیتَ الراعی : وقال أبو حاتم : سمعت طائفیّاً یقول لزُنبور عندهم : الصَّقیع.

والصُّقْع : الناحیه ، والجمیع الأصقاع.

وقد صَقَع فلانٌ نحو صُقْع کذا وکذا ، أی قَصَده.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابیّ : ما أدری أین صَقَع وبَقَع. والصَّقِع : الغائب البعید الذی لا یُدری أین هو. قال : ویقال صَهٍ صاقعُ إذا سمِع رجلاً یکذب قال : اسکتْ ، قد ضَلَلتَ عن الحقّ. قال : والصَّاقع : الذی یَصقع فی کلّ النواحی.

ویقال صقعتُه بکَیٍّ ، إذا وسمتَه علی رأسه أو وجهه. وصُقِع الرجلُ آمَّهً ، إذا شُجَّ آمَّه.

وظلیمٌ أصقعُ : قد ابیضَّ رأسُه. وعُقَابٌ أصقع والجمیع صُقْع ، إذا کان فی رؤوسها بیاض. وقال ذو الرمّه :

من الزُّرق أو صُقْع کأنَّ رؤوسها

من القَهْزِ والقُوهیّ بیضُ المقانعِ

ثعلبٌ عن ابن الأعرابی : الصَّوقعه من البرقُع : رأسه. قال : ویقال لکفِّ عین البرقُع الضَّرس ، ولخیطه الشَّبامان. ویقال صَوقعَ الثریدهَ ، إذا سطَحها. قال : وصومعَها وصعنَبَها إذا طوّلها.

أبو زید : یقال ما یُدرَی أین صَقَع فلانٌ ، أی ما یُدری أین توجَّه. وأنشد :

فلله صُعلوکٌ تشدَّد همُّه

علیه وفی الأرض العریضه مَصقَعُ

یقول : متوجَّه.

وقال اللیث : الأصقَع من الفرس : ناصیتُه البیضاء.

وقال غیره : الأصقع طائر ، وهو الصُّفاریّه ، قاله قطرب.

وقال أبو حاتم : الصَّقْعاء : دُخَّله کدراء اللون صغیره ، ورأسها أصفر ، قصیرهُ الزمِکَّی.

قال أبو الوازع : الصُّقعه : بیاضٌ فی وسط رأس الشاه السوداء ؛ وموقعُها من الرأس الصَّوقعه.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابی : عَسِقَ به وعَکِس به بمعنی واحد. قال : والعُسُق : المتشدِّدُون علی غرمائهم فی التقاضی. قال : والعُسُق : اللقَّاحون. والعُسُق : عراجین النَّخل ، واحدها عَسَق.

وقال اللیث وابن درید : هو العَسَق للعُرجون الردیّ. والعرب تقول : عَسِق بی جُعَلُ فلانٍ ، إذا ألحَّ علیه فی شیء یطالبه به.

عقس : ثعلب عن ابن الأعرابی قال : الأعقَس من الرجال : الشدید السّکّه فی شرائه وبیعه. قال : ولیس هذا مذموماً لأنّه یخاف الغَبْن ومنه

قول عمر فی بعضهم : «عَقِسٌ لَقِسٌ».

وقال أبو زید : العَوقس : ضربٌ من النبت. وقد ذکره ابن درید فی «کتابه» وقال : هو العَسَق.

وقال اللیث : فی خُلُقه عَقَسٌ ، أی التواء.

قعس : أبو عبید عن الأصمعیّ : عزّه قعساء : ثابته قال : وقال أبو عمرو : الأقعَس : الذی فی عُنقه انکبابٌ إلی ظهره. وقال ابن الأعرابیّ : الأقعس : الذی فی ظهره انکبابٌ وفی عنقه ارتداد. وقال فی موضع آخر : الأقعس الذی قد خرجتْ عَجیزتُه.

وقال غیره : هو المنکبُّ علی صدره. قال أبو العباس : والقول قول صاحبنا.

وأنشد :

أقعس أبْزی فی استه استئخار

أبو زید : بعیرٌ أقعَس : فی رجلیه قِصَر وفی حارکه انصِباب.

وقال الأصمعیّ : لیل أقعَس : شدید. وتقاعسَ اللیلُ ، إذا طال.

وقال أبو عبیده : الأقعسان هما أقعَس ومُقاعِس ابنا ضَمره ، من بنی مُجاشع.

وقال أبو عبید : المُقْعنسس : الشدید. قال : وهو المتأخِّر أیضاً.

وقال اللِّحیانی : اقعنسس البعیر وغیرُه ، إذا امتنع فلم یتبع. وکلُّ ممتنع فهو مقعنسس. وقال اللیث : القعَس : نقیض الحدَب. قال : والقعساء من النَّمل : الرّافعهُ صدرها وذنبَها. قال والقُعاس : التواءٌ یأخذ فی العنق من ریح کأنها تهصره إلی ما وراءه. قال : والقَوعس : الغلیظ العنق الشدید الظهر من کلِّ شیء. قال : والقَعْوَس : الشیخ الکبیر.

وتقعْوَسَ البیت إذا تهدَّم. وتقعوسَ الشیخ ، إذا کبِر. ذکر ذلک أبو عبیدٍ عن الفراء.

سقع : أبو العباس عن ابن الأعرابیّ قال : الأسقع : المتباعِد من الأعداء والحسَده. وقال الخلیل : کلُّ صادٍ تجیء قبل القاف وکل سینٍ تجیء قبل القاف فللعرب فیه لغتان : منهم من یجعلها سیناً ومنهم من یجعلها صاداً ، لا یبالون أمتصله کانت بالقاف أو منفصله ، بعد أن تکونا فی کلمهٍ واحده ، إلّا أن الصاد فی بعضٍ أحسنُ والسینَ فی بعضها أحسن.

قال : والسُّقع : ما تحت الرکیه وجُولُها من نواحیها ، والجمیع الأسقاع ، وکلُّ ناحیهٍ سُقْع وصُقْع ، والسین أحسن.

ص: 125

والعُقاب أسقع وأصقع. والأسقع : اسم طویئرٍ کأنّه عصفور فی ریشه خضرهٌ ورأسه أبیض ، یکون بقُرب الماء. والجمیع الأساقع. وإن أردت بالأسقَع نعتاً فالجمیع السُّقْع.

قال : والسَّوقعه من العمامه والرداء والخِمار : الموضع الذی یلی الرأس ، وهو أسرعه وسَخاً ، بالسین أحسن. قال : ووَقْبه الثَّرید سَوقعه ، بالسین أحسن.

وقال أبو تراب : قال النضر : هو صُقْع الرکیّه وأصقاعها ، لنواحیها. قال : ویقال سُقْع. والدیک یسقَع ویَصقَع.

ثعلب عن ابن الأعرابی ، قال : ضاف رجلٌ من العرب رجلاً فقدَّم إلیه ثریدهً وقال له المُضیف : لا تَصقَعها ولا تَقعَرْهَا ولا تَشرِمْها. قال : فقال له الضیف : فمن أین آکل؟ قال : لا أدری. فانصرف جائعاً.

قلت : قوله لا تَصقَعْها ، أی لا تأکلها من أعلاها. وقوله لا تَقعَرها ، أی لا تبتدیء فی أکلها من أسفلها. وقوله لا تشرِمْها ، أی تأکلها من حروفها وجوانبها. فلمَّا قال له المضیفُ ذلک لم یجد سبیلاً إلی أکلها.

لا مبطئاً ولا عنیفاً زاعقا

لَبّاً بأعجاز المطیّ لاحقا

وقال اللیث وغیره : الزُّعاق الماء المُرُّ الغلیظ الذی لا یُطاق شُربه من أُجوجته. قال : وطعام مزعوق : أکثر مِلحُه. وأزعق القومُ ، إذا حفَروا فهجموا علی ماءٍ زُعاق.

قال : والزّعقوقه : فَرخُ القَبَج. وأنشد اللیث :

کأنَ الزَّعاقیق والحَیقُطَانَ

یُبادِرْنَ فی المنزل الضَّیْوَنا

وفی «نوادر الأعراب» : أرضٌ مزعوقه ، ومدعوقه ، وممعوقه ، ومبعوقه ، ومشحوذه ، ومَسْنِیَّه ، إذا أصابَها مطرٌ وابلٌ شدید.

قزع : روی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه نهی عن القَزَع. قال أبو عبید : هو أن یُحلق رأس الصبیّ ویترک منه مواضع فیها الشَّعَر متفرِّقه. وکذلک کل شیء یکون قطعاً متفرِّقه فهو قَزَع. ومنه قیل لقطع السحاب فی السماء قَزَع.

وفی حدیث علی رضی الله عنه حین ذکر یعسوبَ الدین فقال : «یجتمعون إلیه کما یجتمع قَزَع الخریف» ، یعنی قِطَع السَّحاب. وقال ذو الرمّه :

تری عُصَب القطا هَمَلاً علیه

کأنَّ رِعالَه قَزَعُ الجَهَامِ

وقال الأصمعیّ قَزَع الفرسُ یعدو ، ومَزَع یعدو ، إذا أحْضَر. قال : ورجلٌ مقزَّعٌ ، إذا کان خفیفاً. وبشیر مُقزَّعٌ ، إذا جُرِّد للبُشاره. قال متمّم :

وجئتَ به تعدو بشیراً مقزَّعا

وقال أبو عمرو : کلُّ إنسانٍ جرّدتَه لأمرٍ ولم تشغَلْه بغیره فقد قَزَّعتَه. والمقزَّع من الخیل : المهلوب الذی جُزَّ عُرفُه وناصیتُه. وقال أبو عبید : هو الفرس الشدید الخَلْق والأَسْر. وقال ابن الأعرابیّ : التقزیع : الحُضْر الشدید.

وقال أبو عبید : قال الأصمعیّ : المقزّع : السَّریع الخفیف : قال ذو الرمه :

مُقَزَّعٌ أطلسُ الأطمارِ لیس له

إلّا الضِّراءَ وإلّا صیدَها نشَبُ

وقال اللیث : رجلٌ مقزّع : لا یُری علی رأسه إلا شُعَیرات متفرِّقه تَطایَرُ فی الرِّیح.

قال : والمقزَّع من الخیل ما تَنَتَّفُ ناصیتُه حتَّی تَرقّ. وأنشد :

نزائع لِلصّریحِ وأعْوَجِیٍ

من الجُرْدِ المقزَّعهِ العِجالِ

قال : والمقزَّع : الرقیق الناصیهِ خِلْقهً.

قال أبو سعید : قَزَعُ الوادی : غُثاؤه. وقَزَع الجمل : لُغامه علی نُخْرته.

وقال ابن السکیت : یقال قَوزَعَ الدیک ولا یقال قنزعَ. وقال أبو حاتم عن الأصمعیّ : تقول العامه إذا اقتتل الدیکان فهرب أحدُهما : قَنَزَع الدِّیک ؛ وإنما یقال قَوزَع الدِّیک إذا غُلِب ؛ ولا یقال : قَنزعَ.

قلت : والأصل فیه قَزَع ، إذا عدا هارباً وقَوزَعَ فَوعَلَ منه.

وقال إسحاق بنُ الفرج : تقول العرب : أقزَع له فی المنطق وأقذعَ وأزهف ، إذا تعدَّی فی القول.

وفی «النوادر» : القَزَعه : ولد الزِّنی.

ص: 127

سلمه عن الفراء : قَزَع قَزَعاناً ، وزمَعَ زَمَعاناً ، وهو مَشْیٌ متقارب.

وقال النضر نحوَه.

وقال ابن السکیت : ما علیه قِزَاع ولا قَزَعه ، أی ما علیه شیء من الثِّیاب.

زقع : قال اللیث : الزَّقْع : أشدُّ ضُراطِ الحمار وقد زَقَعَ زَقْعاً.

وقال النضر : الزَّقاقیع : فِراخ القَبَج. وقال الخلیل : هی الزعاقیق ، واحدتها زُعقوقه.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَقَطَّعْناهُمْ فِی الْأَرْضِ أُمَماً) [الأعرَاف : 168] أی فرَّقناهم فرقاً. قال : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) [البَقَرَه : 166] أی انقطعت أسبابُهم ووُصَلهم. وأما قوله : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَیْنَهُمْ زُبُراً) [المؤمنون : 53] فإنه واقعٌ ، کقولک : قطَّعوا أمرَهم.

وقال لبیدٌ بمعنی اللازم :

وتقطّعَتْ أسبابُها ورِمامُها

أی انقطعت حبالُ مودّتها.

وقوله : (وَقَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَ) [یُوسُف : 31] أی قطعنها قَطْعاً بعد قطع ، وخدشْنَ فیها خدوشاً کثیره ، ولذلک ثُقِّل.

وقال جلّ وعزّ : (فَلْیَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَی السَّماءِ ثُمَ لْیَقْطَعْ) [الحَجّ : 15] أجمع المفسّرون علی أنّ تأویل قوله «ثُمَ لْیَقْطَعْ» : ثم لیختنق. وهو محتاجٌ إلی شرحٍ یزید فی بیانه ، والمعنی - والله أعلمُ - من کان یظنُّ من الکفّار أنّ الله لا ینصُر محمداً حتّی یُظْهره علی المِلل کلّها فلیمُتْ غیظاً ، وهو تفسیر قوله (فَلْیَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَی السَّماءِ) والسَّبب : الحبل یشدُّه المختنقُ إلی سَقْف بیته. وسماءُ کلِّ شیءٍ : سقفُه. (ثُمَ لْیَقْطَعْ) ، أی لیمدَّ الحبل مشدوداً علی حَلْقه مدّاً شدیداً یوتِّره حتَّی یقطع حیاتَه ونَفْسَه خَنْقاً.

وقال الفراء : أراد ثم لیجعل فی سماء بیته حبلاً ثم لیختنقْ به ، فذلک قوله (ثُمَ لْیَقْطَعْ) اختناقاً. قال : وفی قراءه عبد الله : (ثم لیقطعه) یعنی السبب ، وهو الحبْلُ المشدودُ فی عنقه حتی تنقطع نفسُه فیموت.

وقال جلّ ذکره : (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِیابٌ مِنْ نارٍ) [الحَجّ : 19] أی خِیطَتْ وسُوِّیت وجُعِلتْ لَبُوساً لهم.

وفی حدیث ابن عبَّاسٍ قال : «نخل الجنّه سَعَفُها کِسوهٌ لأهل الجنّه ، منها مقطّعاتُهم وحُلَلُهم». وفی حدیث آخر «أنَّ رجلاً أتی النبیّ صلی الله علیه وسلم وعلیه مقطَّعات له» ، وفی حدیث ثالثٍ «وقت الضحی إذا تقطَّعت الظّلال» أی قَصُرت. قال أبو عبید : قال الکسائیّ : المقطَّعات : الثِّیاب القصار. قال : وسمِّیت الأراجیزُ مقطَّعاتٍ لقِصَرها. وقال شَمِر فی کتابه فی «غریب الحدیث» : المقطَّعات من الثیاب : کل ثوبٍ یقطَع من قمیص وغیره. أراد أن من الثیاب الأردیه والمطارف ، والأکسیهَ والرِّیاط التی لم تقطع وإنّما یتعطَّف بها مَرَّهً ویُتَلفَّع بها أخری ؛ ومنها القُمُص والجِبَاب والسَّراویلات التی تقطع ثم تخاط ؛ فهذه هی المقطَّعات. وأنشد شمر لرؤبه یصف ثوراً وحشیاً :

کأنَّ نصِعاً فوقه مقطَّعا

مخالطَ التقلیص إذْ تدرَّعا

قال : وقال ابنُ الأعرابی : یقول : کأن علیه نِصعاً مقلِّصا عنه. یقول : تخال أنه ألبس ثوباً أبیض مقلِّصا عنه لم یَبلُغْ کُراعَه ، لأنَّها سُودٌ لیست علی لونه. قال : والمقَطَّعات : برودٌ علیها وشیٌ مقطَّع. قال : ولا یقال للثیاب القصار مقطَّعات. قال شمر : وممّا یقوّی قوله حدیث ابن عباس فی وصف سَعَف نخل الجنه : «منها مقطَّعاتهم». ولم یکن لیصف ثیابَهم بالقصَر ، لأنه ذمٌّ وعیب. وأمّا قوله «إذا

ص: 129

تقطَّعت الظلال» فإنّ أبا عبید قال : الظِّلال تکون ممتدَّهً فی أول النهار ، فکلَّما ارتفعت الشمسُ قصُرت الظلال ؛ فذلک تقطُّعها.

وفی حدیث الأبیَض بن حَمّال المأرِبیّ أنه «استقطع» النبی صلی الله علیه وسلم المِلْح الذی بمأرب فأقطعَه إیّاه». یقال استَقطع فلانٌ الإمامَ قَطیعهً من عفو البلاد فأقطعه إیاها ، إذا سأله أن یُقطعها له مفروزهً محدوده یملّکه إیاها ، فإذا أعطاه إیاها کذلک فقد أقطعه إیاها. والقطائع من السُّلطان إنما تجوز فی عَفو البلاد التی لا ملک لأحدٍ علیها ولا عمارهَ توجب مِلْکاً لأحد ، فیُقْطع الإمامُ المستقطِعَ منها قدرَ ما یتهیّأ له عِمارته بإجراء الماء إلیه ، أو باستخراج عینٍ فیه ، أو بتحجیرٍ علیه ببناءٍ أو حائطٍ یُحرزه.

وقال ابن السکیت : قال أبو عمرو : قِطاع النخل وقَطاعه ، مثل الصِّرام والصَّرام ، والجِداد والجَدَاد. قال : وأقطع النخلُ إقطاعاً ، إذا أصرمَ وحانَ قِطافُه. ومقاطع القرآن : مواضع الوقوف ، ومبادئه : مواضع الابتداء. وعَودٌ مُقْطَع ، إذا انقطع عن الضِّراب. قال النَّمر بن تولب یصف امرأته

قامت تَبَاکَی أن سَبأتُ لفتیهٍ

زِقّاً وخابیهً بعَودٍ مُقْطَعِ

وقد أُقطِعَ ، إذا جَفَر. وناقهٌ قَطُوع : ینقطع لبنُها سریعاً. ویقال هذا فرسٌ یقطِّع الجری ، أی یَجری ضروباً من الجری لمرحِهِ ونشاطه.

وقطّعت الخمرَ بالماء ، إذا مَزَجتَها. وقد تقطّع فیها الماء. وقال ذو الرمه :

تقطُّعَ ماء المُزْن فی نُطف الخمرِ

ویقال أقطعَ القومُ ، إذا انقطعت میاه السماءِ المزنِ فرجعوا إلی أعداد المیاه.

وقال أبو وَجْزه السعدی :

تَزُور بی القَرْمَ الحَواریَّ إنّهم

مناهلُ أعدادٌ إذا الناسُ أَقطعوا

وبئر مِقطاع : ینقطع ماؤها سریعاً.

وأقطعت الدجاجهُ ، إذا انقطعَ بیضُها.

أبو عبید فی «الشیات» : ومن الغُر المتقطِّه ، وهی التی ارتفع بیاضها من المنخرین حتَّی تبلغ الغُرَّهُ عینَیه دون جبهته.

وقال غیره : المقطع من الحَلْی هو الشیء الیسیر منه القلیل. وفی الحدیث : «نُهی عن لُبْس الذهب إلَّا مقطَّعاً» ، وهو مثل الحَلْقَه والخُرْص وما أشبهه.

والقُطَیعاء ممدود : التَّمْر الشِّهریز. وقال الشاعر :

باتوا یعشُّون القُطَیعاءَ ضیفَهم

وعندهم البَرنیُّ فی جُلَل دُسْمِ

ویقال : مدَّ فلانٌ إلی فلانٍ بثدی غیر أقطعَ ، ومَتَّ بالتَّاء مثلُه ، إذا توسَّلَ إلیه بقرابهٍ. ومنه قول الشاعر :

دعانی فلم أُورَأ به فأجبتُه

فمدَّ بثدی بیننا غیرِ أقطعا

ویقال قطَّع فلانٌ علی فلانٍ العذابَ ، إذا لَوَّن علیه ضروباً من العذاب.

ویقال قَطَعَ فلانٌ رحِمَه قَطْعاً ، إذا لم یَصِلْها ، والاسم القَطِیعه. وجاء فی

ص: 130

الحدیث : «مَن زَوّج کریمتَه من فاسق فقد قَطَع رحِمَها». وذلک أنّ الفاسق یطلِّقها ثم لا یُبالی أن یَغشاها.

ویقال قطعت الحبل قَطْعاً فانقطع ، وقطعت النهر قَطعاً وقُطوعاً. وقطعَتِ الطیر تقطع قُطوعاً ، إذا جاءت من بلد إلی بلد فی وقتِ حرٍّ أو برد ؛ وهی قواطع الطیر.

وقال أبو زید : قطعت الغِربانُ إلینا فی الشتاء قُطوعاً. ورجعت فی الصیف رُجوعاً. والطَّیر المقیمه ببلد شتاءَها وصیفَها هی الأوابد.

وقُطِع بالرجُل ، إذا انقطع رجاؤه. ورجلٌ منقَطَعٌ به ، إذا کان مسافراً فأُبدع به وعَطِبتْ راحلتُه وذهب زادُه ومالُه.

ومنقطَع کلِّ شیءٍ : حیث ینقطع ، مثل منقطَع الرَّمل والحَرَّه وما أشبههما. والمنْقطِع الشیءُ نفسُه.

الحرانی عن ابن السکیت قال : ما کان من شیءٍ قُطِع من شیءٍ فإنْ کان المقطوع قد یبقی منه الشیء ویقطع قلت أعطنی قِطعه. ومثله الخرقه. وإذا أردت أن تجمع الشیء بأسره حتَّی تسمی به قلت : أعطنی قُطعه. قال : وأما المرَّه من الفعل فبالفتح قطعت قَطْعه. وقال الفراء : سمعتُ بعضَ العرب یقول : غلبنی فلانٌ علی قُطعهٍ من أرضٍ ، یرید أرضاً مفروزه مثل القطیعه. فإذا أردتَ بها قِطعهً من شیء قُطِع منه قلت قِطعه. وقال غیره : القَطَعه موضع القطع من ید الأقطع ، یقال ضربَه بقطَعَتِه.

وقال اللیث : یقولون قُطِع الرجل ، ولا یقولون قَطِع الأقطع لأنّ الأقطع لا یکون أقطعَ حتَّی یقطعه غیره. ولو لزمه ذلک من قِبَل نفسه لقیل قَطِع أو قَطُع. ویجمع الأقطع قُطعاناً. وامرأه قطیع الکلام ، إذا لم تکن سلیطه. ورجلٌ قطیع القیام ، إذا کان ضعیفاً. وقد قطعت المرأهُ ، إذا صارت قطیعاً. ویقال أقطعَنی فلانٌ نهراً ، إذا أذِن له فی حفره. وأقطعَنی قُضباناً. من کرمه ، إذا أذن له فی قطعها. وقال اللیث : القِطْع : القضیب الذی یُقطع لِبَرْی السِّهام ، وجمعه قُطعانٌ وأَقطُع. قال الهذلیّ :

فی کفِّه جَشْءٌ أجَشُّ وأقطُعُ

أراد بالأقطُع السِّهام.

قلت : هذا غلط ، قال أبو عبید : قال الأصمعیّ : القِطع من النِّصال : القصیر العریض. وکذلک قال غیره ، وسواءٌ کان النصل مرکَّباً فی السهم أو لم یکن مرکَّباً. وسمِّی النَّصل قِطْعاً لأنّه مقطوع من الحدید ، وربَّما سمَّوه مقطوعاً وجمعه المقاطیع. وقال الشاعر :

أشفَّتْ مقاطیع الرُّماهِ فؤادَها

إذا سمعَتْ صوتَ المغرِّد تَصلِدُ

قال : المقاطیع : النصال هاهنا.

وقال اللیث : یقال هذا الثوبُ یُقْطِعک قمیصاً ، ویقطِّع لک تقطیعاً ، إذا صلح أن یقطع قمیصاً. وروی أبو حاتم عن الأصمعی أنه قال : لا أعرف هذا ثوبٌ یُقْطِع ولا یُقطِّع ، ولا یقطِّعنی ولا یَقْطعنی ، هذا کلُّه من کلام المولَّدین.

ص: 131

قال أبو حاتم : وقد حکاها أبو عبیده عن العرب.

وقال اللیث : یقال قاطعتُ فلاناً علی کذا وکذا من الأجر والعمل مقاطعَهً. وقال : ومقطَّعه الشَّعَر : هَناتٌ صغارٌ مثل شعر الأرانب.

قلت : هذا لیس بشیء ، وأُراه أراد ما قاله ابن شُمیل فی کتاب «الصفات» : یقال للأرنب السَّریعه مقطِّعه النِّیاط ، ومقطِّعه الأسحار ، ومقطِّعه السُّحور ، لشدّه عَدْوها ، أنَّها تقطّع رئاتِ مَن یعدو علی إثرها لیصیدَها فلا یلحقها. ویقال للفرس الجواد : إنّه لیقطِّع الخَیْل تقطیعاً ، إذا کان یسبقهنَّ فلا یلحقنه. ومنه قولُ الجعدیّ یصف فرساً :

یقطّعهنّ بتقریبه

ویأوی إلی حُضُرٍ مُلْهِبِ

ومن هذا قول عُمر فی أبی بکر : «ولیس فیکم من تَقَطَّعُ علیه الأعناقُ مثلُ أبی بکر» معناه لیس فیکم سابقٌ إلی الخیرات تَقَطَّعُ أعناقُ مسابقیه سبقاً إلی کلّ خیر حتی یلحق شأوَه أحدٌ مثل أبی بکر ، رضی الله عنهما.

عمرو عن أبیه : یقال فلانٌ قطیعُ فلانٍ ، أی شبیهُه فی قدِّه وخَلْقه ، وجمعه أقطعاء. والتقطیع : مَغْص یجده الإنسان فی بطنه وأمعائه. ویقال جاءت الطَّیرَ مُقْطَوطِعاتٍ وقواطعَ ، بمعنًی واحد. وفلانٌ منقطع القرین ، إذا لم یکن له مِثْلٌ فی سخاءٍ أو فضل. ویقال قاطع فلانٌ فلاناً بسیفیهما ، إذا نظرا أیُّهما أقطع. وسیفٌ قاطعٌ وقطّاع ومِقطَع. وکل شیءٍ یُقطع به فهو مِقطَع قال : والمَقطَع : موضع القَطْع. والمَقْطع : مصدر کالقَطع. والمَقْطَع : غایه ما قُطِع.

ویقال مَقْطع الثَّوب ، ومَقطع الرمل إلی حیث لا رمل وراءه. والمقطع : الموضع الذی یُقطع فیه النهرُ من المعابر.

ورجل قَطُوعٌ لإخوانه ومِقطاع : لا یثبتُ علی مؤاخاهٍ.

وشیء حسنُ التقطیع ، إذا کان حسنَ القَدّ.

ویقال لقاطع رحمه : إنّه لقُطَعهٌ قُطَعٌ.

وبنو قُطَیعه : حیٌّ من العرب ، والنسبه إلیهم قُطَعیّ.

وقال اللیث : القَطِیع : السَّوط المتقطّع.

قلت : سمِّی السَّوط قَطِیعاً لأنَّهم یأخذون القِدَّ المحرَّم فیقطّعونه أربعه سیور ، ثم یفتلونه ویلوونه ویعلِّقونه حتّی یجفَّ ، فیقوم قائماً کأنه عصاً. سمِّی قطیعاً لأنه یقطع أربعَ طاقاتٍ ثم یلوی.

ومَقطَع الحق : حیث یُفصَل بین الخصوم بنصِّ الحکم. وقال زهیر :

فإنّ الحقَ مقطَعُه ثلاثٌ

یمینٌ أو نفارٌ أو جِلاءُ

وقُطَّاع الطُّرق : الذین یُعارضون أبناء السبیل فیقطعون بهم الطریق.

وقال اللیث : القاطع : مِثالٌ کالمِقْطَع یُقطَع علیه الأدیمُ والثوبُ ونحوه.

وقال أبو الهیثم : إنما هو القِطاع لا القاطع. قال : وهو مثل لِحاف ومِلحف ، وسراد ومِسرد وقِرام ومِقرم ، وإزار ومئزر ، ونِطاق ومِنطَق.

ص: 132

وقَطَعات الشجر : أطراف أُبَنها التی تخرج منها إذا قُطِعت ، الواحده قَطَعه.

والقُطع : البُهر. یقال قُطع الرجلُ فهو مقطوع. والفرس أیضاً یأخُذه القُطْع.

ویقال للفرس إذا انقطع عِرقٌ فی بطنه أو شحمٌ : مقطوعٌ ، وقد قُطِع.

وقال اللیث : الأُقطوعه : شیء تبعث به الجاریهُ إلی صاحبِها علامه أنَّها صارَمته.

وأنشد :

قالت لجاریتیها اذهبا

إلیه بأُقطوعهٍ إذْ هَجَرْ

وتقطیع البیت فی بیوت الشعر : تجزئته بالأفعال.

قال أبو ذؤیب :

کأنّ ابنهَ السَّهمیّ دُرَّهُ قامسٍ

لها بعد تقطیع النُّبوح وهیجُ

أراد بعد هَدْءِ من اللیل ، والأصل فیه القِطع وهو طائفهٌ من اللیل. والنُّبُوح : الجماعات.

ویقال قطعتُ الحوضَ قَطْعاً ، إذا ملأته إلی نصفه أو ثلثه ثم قطعتَ الماءَ منه. ومنه قول ابن مُقْبل ، یذکر إبلاً سقی لها فی الحوض علی عَجَلهٍ ولم یُروها :

قطعنا لهنَّ الحوضَ فابتلَّ شَطرُه

بشُربٍ غِشاشٍ وهو ظمآنُ سائرُه

وأقطعت السماءُ بموضع کذا وکذا ، إذا انقطع المطرُ هناک وأقلعت. ویقال : مَطرت السماء ببلد کذا وأقطعتْ ببلد کذا.

ورجلٌ مُقْطَعٌ : لا دیوانَ له. وقال شمر : القَطْع : مَغَسٌ یجده الإنسان فی بطنه. یقال قُطِّع فلانٌ فی بطنه تقطیعاً ، وهو مَغَس یجده فی أمعائه. قال : ویقال للقوم إذا جفّتْ میاه رکایاهم : أصابتهم قُطعه منکره. وقد قَطَع ماء قلیبکم ، إذا ذهب ماؤُها.

وقال ابن شمیل : تقول العربُ : اتَّقُوا القُطَیعاءَ ، أی أن ینقطع بعضُکم من بعضٍ فی الحرب.

ویقال للرجل القصیر : إنّه لمقطَّع مجذَّر.

أبو زید : أقطعَ الرجلُ إقطاعاً فهو مُقطِعٌ ، إذا لم یُرد النساء ولم ینقشر عُجارِمُه. قال : وقُطع بفلانٍ قَطعاً ، إذا قطع به الطریق وإذا عجَز عن سفره لنفقهٍ هلکت أو راحله عَطِبتْ ، فقد انقُطِع به. ویقال للرجل الغریب بالبلد : قد أُقطِع عن أهله إقطاعاً فهو مُقْطَعٌ عنهم. وأَقطعَ کلام الرجل إقطاعاً فهو مُقْطِع ، إذا بکتوه بالحقّ فلم یقدر علی الجواب. وقَطَع ماء قلیبکم قُطوعاً ، إذا قل ماؤها وذهب.

وروی ابن شُمیل حدیثاً مرفوعاً إلی النبی صلی الله علیه وسلم أنه «نَهی عن لُبْس الذَّهَب إلّا مقطَّعاً». قال النضر : المقطَّع : الخاتَم ، والقُرطُ ، والشَّنْف.

وقال أبو عُبید : المقطَّع هو الشیء الیسیر منه : مثل الحَلْقه والشَّذره ونحوها.

وقال أبو سعید : یقال : لأقطِّعن عُنق دابّتی ، أی لأبیعنَّه. وأنشد لأعرابیٍّ تزوّجَ امرأهً وساق إلیها مهرها إبلاً فقال :

أقول والعَیساءُ تمشی والفُضُلْ

فی جِلّهٍ منها عَرامیسَ عُطُلْ

ص: 133

قطّعْتُ بالأحراحِ أعناقَ الإبلْ

یقول : اشتریتُ الأحراحَ بإبلی.

أبو العباس عن ابن الأعرابی قال : الأقطع : الأصمّ. قال : وأنشدنی أبو المکارم :

إنَّ الأحیمِر حین أرجو رِفده

غَمْراً لأَقطَعُ سیِّیءٌ الإصْرَانِ

قال : والإصران : جمع إصْر ، وهو الخِنّابه ، وهو سَم الأنف. قال : والخنّابتان : مَجرَیَا النفَس فی المنخرین. أراد أنه یتصامم علیَّ ولا مَشَمَّ له مع ذلک ، فهو أخشَمُ أصمّ.

وقال أبو تراب : القُطْعه فی طیِّیءٍ کالعنعنه فی تمیم ، وهو أن یقول یا أبا الحَکَا ، یرید یا أبا الحکم ، فیقطع کلامَه.

قلت : وکلُّ ما مرَّ فی الباب من هذه الألفاظ واختلاف معانیها فالأصل واحدٌ والمعانی متقاربه وإن اختلفت الألفاظ.

وکلام العرب آخذٌ بعضُه برقاب بعض ، وهذا یدلُّک علی أنَّ لسانَ العرب أوسع الألسنه نطقاً وکلاماً.

الکلبه فانتفخ طرَفه. قال : والعَقَد : تشبُّث ظَبیه اللَّعوه ببُسره قضیب الثَّمثَم. والثَّمثَم : کلب الصید. واللَّعوه : الأنثی. وظَبیتُها : حیاؤها.

وقال الأصمعیّ : العُقده من الأرض : البُقعه الکثیره الشجر ، ذکره أبو عبید عنه.

وقال غیره : کلُّ ما یعتقده الإنسان من العَقَار فهو عُقْدَهٌ له.

ویقال : فی أرض بنی فلان عُقدهٌ تکفیهم سنَتَهم. معناه البلد ذو الشجر والکلأ والمرتع.

وقال أبو عبید : العَقِده من الرمل والعَقَده : المتعقِّد بعضُه علی بعض ، والجمیع عَقِدٌ وعَقَد. وقال همیان :

یفتُق طُرْقَ العَقدِ الرَّواتجا

قال : وقال الأحمر : التعقُّد فی البئر : أن یخرُج أسفل الطیّ ویدخل أعلاه إلی جِراب البئر. وجرابُها : اتساعها.

ثعلب عن ابن الأعرابی : الذّنَب الأعقَد : المعْوَجّ. وفحلٌ أعقدُ ، إذا رفعَ ذنبَه ، وإنما یفعل ذلک من النشاط.

والعرب تقول : عَقد فلانٌ ناصیته ، إذا غضِب وتهیّأ للشرّ. وقال ابنُ مُقْبل :

أثابوا أخاهم إذْ أرادوا زیاله

بأسواط قِدٍّ عاقدین النواصیا

والعَقْد : عَقد طاق البناء ، وجمعه عُقود ، وقد عقَّده البنَّاءُ تعقیداً. وموضع العَقْد من الحبل عُقْده ، ومنه عُقده النکاح.

والأعقد من التیوس : الذی فی قرْنه التواء.

ورجلٌ أعقد ، إذا کان فی لسانه رَتَج.

وأعقدت العسل فعَقَد وانعقَد ، وعسلٌ عقید ، وکذلک عقید عصیر العنب. وتعقَّد القوسُ فی السماء ، إذا صار کأنّه عَقْدٌ مبنّی.

والعاقد من الظباء : الذی ثنی عنقَه ، والجمیع العواقد. وقال النابغه الذبیانی :

حسانِ الوُجوهِ کالظِّباء العواقدِ

وهی العواطف أیضاً.

والیعقید : طعام یُعقَد بالعسل.

والعِقْد : القلاده ، وجمعُه العقود.

وإذا أَرتَجَت الناقهُ علی ماء الفحل فهی عاقدٌ ، وذلک أنها تَعقِد بذنبها فیعلم أنها قد حَمَلت وعَقَدت فمَ الرحم علی الماء فارتتج.

والحاسب یعقد بأصابعه إذا حَسَب.

والعَقَد : قبیله من العرب ینسب إلیهم فلانٌ العَقَدیّ.

وناقه معقوده القَرَا ، إذا کانت وثیقه الظَّهر.

وانعقَد النکاحُ بین الزَّوجین ، والبیع بین البیِّعین. وانعقد عَقدُ الحبل انعقاداً.

ومَوضع العقد من الحبل مَعقِد ، وجمعه مَعاقد.

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ : العَقَد : ترطُّب الرمل من کثره المطر. وروضه عَقِدهٌ ، إذا اتَّصلَ نبتُها. والعَقْد : الجمل القصیر الصَّبور علی العمل.

وقال عرّام : عَقدَ فلانٌ عنقَه إلی فلانٍ وعکَدها ، إذا لجأ إلیه.

شمر عن ابن الأعرابیّ : العُقده من المرعی هی الجنْبه ما کان فیها من مَرعَی

ص: 135

عامٍ أوّل فهو عُقدهٌ وعُروه ، فهذا من الجَنْبه. وقد یُضطرُّ المالُ إلی الشجر فیسمَّی عُقدهً وعروه. فإذا کانت الجنبه لم یقل للشجر عقده ولا عروه. قال : ومنه سمِّیت العُقده. وأنشد :

خضَبَتْ لها عُقَدُ البِراق جَبینَها

من عَرکها عَلجانَها وعرادَها

عدق : ثعلب عن ابن الأعرابیّ قال : هی العَودقه والعَدْوقه لخُطَّاف الدّلو. قال : وجمعها عُدُق.

وقال اللیث : العودقه : حدیده ثلاثُ شعب یستخرج بها الدَّلو من البئر. وأعدقَ بیده فی نواحی البئر والحوض کأنه یطلب شیئاً ولا یراه.

وقال غیره : رجلٌ عادقُ الرأی ؛ لیس له صَیُّورٌ یصیر إلیه. یقال عَدَق بظنِّه عدقاً ، إذا رجمَ بظنِّه ووجّه الرأی إلی ما لا یستبین رُشده.

وقال ابن الأعرابیّ : العَدَق : الخطاطیف التی تُخرج بها الدِّلاء ، واحدها عَدَقه.

قعد : قال الله عزوجل : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِی لا یَرْجُونَ نِکاحاً) [النُّور : 60].

أخبرنی المنذریّ عن الحرّانیّ عن ابن السکیت قال : امرأهٌ قاعدٌ ، إذا قعدَتْ عن المَحیض. فإذا أردتَ القُعود قلتَ قاعده.

قال : ویقولون : امرأهٌ واضعٌ ، إذا لم یکن علیها خِمار. وأتانٌ جامع ، إذا حملتْ.

قال : وقال أبو الهیثم : القواعد من صفات الإناث ، لا یقال رجالٌ قواعد.

قال : ویقال رجلٌ قاعدٌ عن الغَزْو ، ویقوم قُعَّادٌ وقاعدون.

قال : وقعیده الرجُل : امرأته ، والجمع قعائد ، سمِّیت قعیدهً لأنها تقاعده.

أبو عبید عن الکسائی : یقول قِعْدَک الله مثل نشدتک الله. وقال أیضاً قِعدَک الله ، أی الله معک. وأنشد :

قَعیدَکما الله الذی أنتما له

ألم تسمعا بالبیضَتَین المنادیا

قال وأنشد غیره عَن قُرَیبه الأعرابیه :

قعیدَکِ عَمرَ الله یا بنت مالکٍ

ألم تعلمینا نعِمَ مأوَی المعصِّبِ

قال : ولم أسمعْ بیتاً اجتمع فیه العَمْر والقَعِید إلّا هذا.

قال : وقال الأصمعیّ : قِعدَک لا أفعلُ ذاک وقعیدَک. وقال متمِّم :

قَعیدَکِ ألا تُسمِعینی مَلامهً

ولا تنکئی قَرْحَ الفؤاد فییجَعا

وقال أبو عبیدٍ أیضاً فی کتابه فی «النحو» : عُلیا مُضَر تقول : قَعیدَک لتفعلنَّ کذا.

قال : القَعید : الأب.

وأخبرنی المنذریّ عن أبی الهیثم قال : القَعید : المُقاعد. وأنشد :

قعیدَکما الله الذی أنتما له

ألم تسمعا بالبیضتین المنادیا

یقول : أینما قَعدت فأنت مُقاعِد لله ، أی هو معک. قال : ویقال قعیدَک الله لا تفعل کذا ، وقَعدک الله بفتح القاف ، وأما قِعْدَکَ فلا أعرفه.

ویقال قَعَدَ قَعْداً وقُعوداً. وأنشد :

فقَعْدکِ ألا تُسمعینی مَلامهً

ص: 136

قال : ویقال قعّدت الرجلَ وأقعدته ، أی خدمته ، فأنا مُقْعِدٌ له ومقعّد له. وأنشد :

تَخِذها سُرِّیّهً تقعِّده

أی تخدمه. وقال الآخر :

ولیس لی مُقعِدٌ فی البیت یُقْعدنی

ولا سَوامٌ ولا مِن فضّهٍ کیسُ

وأما قول الله عزوجل : (عَنِ الْیَمِینِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِیدٌ) [ق : 17] فإن النحویین قالوا : معناه عن الیمین قعید وعن الشمال قعید ، فاکتفی بذکر الواحد عن صاحبه ، کما قال الشاعر :

نحن بما عندنا وأنت بما

عندک راضٍ والرأی مختلفُ

أراد : نحن بما عندنا راضون ، وأنت بما عندک راضٍ. وقال الفرزدق :

إنّی ضمنت لمن أتانی ما جنی

وأبی وکان وکنت غیر غَدُورِ

ولم یقل غدورین.

سلمه عن الفراء : تقول العرب : قعد فلانٌ یشتُمنی وقام یشتُمنی ، بمعنی طفِق. وأنشد لبعض بنی عامر :

لا یُقنِع الجاریهَ الخِضابُ

لا الوشاحانِ ولا الجلبابُ

من دون أن تلتقی الأرکابُ

یَقعُدَ الأیر له لعابُ

کقولک یصیر.

وقول الله جلّ وعزّ (وَإِذْ یَرْفَعُ إِبْراهِیمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَیْتِ) [البَقَرَه : 127] القواعد : الآساس ، واحدتها قاعده.

وقال أبو عبید : قواعد السَّحاب : أصولُها المعترِضه فی آفاق السَّماء ، شبِّهت بقواعد البِناء ، قاله فی تفسیر حدیث النبی صلی الله علیه وسلم حین سأل عن سحابهٍ : «کیف ترون قواعدها وبواسقَها؟». فالقواعد : أسافلها. والبواسق : أعالیها.

ومن أمثال العرب السائره : «إذا قام بک الشَّرُّ فاقعُدْ» یفسَّر علی وجهین : أحدهما أنّ الشرَّ إذا غلبَک فذِلّ له ولا تضطربْ فیه. والوجه الثانی أنَّ معناه إذا انتصبَ لک الشرُّ ولم تجدْ منه بدّاً فانتصبْ وجاهدْه. وهذا یُروَی عن الفراء.

أبو عبید عن أبی عُبیده قال : القعید : الذی یجیء مِن ورائک من الظباء التی یُتطیَّر منها. قال : ومنه قول عَبِید بن الأبرص :

تَیسٌ قعیدٌ کالوشیجه أعضبُ

ذکره فی باب السانح والبارح.

ومن دُعاء الأعراب علی الرجل بالشرّ یقول أحدُهم للرجل : «حلبت قاعداً وشربتَ قائماً» ، یقول : لا ملکتَ غیر الشاء التی تُحلب مِن قُعود ، ولا ملکت إبلاً تحلبها قائماً. والشاءُ مال الضَّعْفَی والذُّلّان ، والإبل مال الأشراف والأقویاء.

أبو عبید عن الأصمعیّ : إذا صارت الفسیله لها جِذع قیل قد قَعَدت ، وفی أرض فلانٌ من القاعِدِ کذا وکذا أصلاً.

وقال : فلانٌ مُقْعَد الحسب ، إذا لم یکن شرفٌ. وقد أقعَدَه آباؤه وتقعَّدوه. ومنه قول الطرِماح یهجو رجلاً :

ص: 137

ولکنَّه عبدٌ تقَعَّد رأیَه

لئامُ الفحول وارتخاصُ المناکح

أی أقعدَ حسبَه عن الکرم لؤمُ آبائه.

وقال الخلیل : إذا کان بیتٌ فیه زحافٌ قیل له مُقْعَد.

قلتُ : وأما قولهم رجلٌ قُعدُدٌ وقُعدَدٌ إذا کان لئیماً ، فهو من الحسب المُقْعَد.

وقال أبو عبید : قال أبو عبیده : الإقواء : نُقصان الحرف من الفاصله ، کقوله :

أفبعدَ مقتلِ مالک بن زُهَیرٍ

ترجو النساءُ عواقبَ الأطهارِ

فنقَص من عروضه قوّه. قال : وکان یسمِّی هذا المُقْعَد.

قلت : وهذا هو الصحیح عن الخلیل ، وهذا غیر الزِّحاف ، وهو عیبٌ فی الشعر ، والزحاف لیس بعیب.

قلت : ویقال رجلٌ قعیدُ النسب ذو قُعدُد ، إذا کان قلیل الآباء إلی الجدّ الأکبر. وفلانٌ أقعدُ بنی فلانٍ ، إذا کان أقربَهم إلی الجدّ الأکبر. وکان عبد الصمد بن علی بن عبد الله بن العبّاس الهاشمیّ أقعدَ بنی العباس نسباً فی زمانه. ولیس هذا ذمّاً عندهم ، وأما القعدد المذموم فهو اللئیم فی حسبه. وروی أبو العباس عن عمرٍو عن أبیه قال : القُعدُد القریب النسب من الجدّ الأکبر. والقُعدُد : البعید النسب من الجدّ الأکبر ، وهو من الأضداد.

وقال ابن السکیت فی قول البعیث :

لقیً مُقعَد الأنساب منقَطَعٌ به

قال معناه أنّه قصیر النَّسب ، من القُعدد.

وقوله «منقطَع به» أی لا سَعْیَ به ، إن أراد أن یسعی لم یکن به علی ذلک قُوّهُ بُلْغهٍ ، أی شیء یَتَبلّغ به.

وقال ابن شُمیل : رجل مُقعَد الأنف ، وهو الذی فی منخریه سَعهٌ وقصر.

وأما قول عاصم بن ثابت الأنصاریّ :

أبو سلیمان وریشُ المقعَدِ

ومُجْنأ من مَسْکِ ثَورٍ أجردِ

فإنّ أبا العباس قال : قال ابنُ الأعرابیّ : المُقْعَد : فَرخ النَّسر ، وریشُه أجودُ الرِّیش.

قال : ومن رواه «المُعقد» فهو اسم رجلٍ کان یَریشُ السِّهام.

وقیل : المقعَد : النَّسر الذی قُشِّب له حتّی صِیدَ فأُخِذ ریشُه.

ورجلٌ مُقعَدٌ ، إذا أزمَنَه داءٌ فی جَسَده حتّی لا حَرَاکَ به والإقعاد والقُعاد : داءٌ یأخذ النجائبَ فی أوراکها ، وهو شِبهُ میل العجُز إلی الأرض. یقال أُقعِدَ البعیرُ فهو مُقعَد. والمقعَده من الآبار : التی احتفِرت فلم یُنبَط ماؤها فتُرکت. وهی المُسهَبه عندهم. ویقال : اقتعَد فلاناً عن السَّخاء لؤمُ جِنْثِه. ومنه قول الشاعر :

فاز قِدْحُ الکلبیِّ واقتعدت مَغْ

راءً عن سعیه عروقُ لئیم

وقال اللیث : القُعْده من الدوابّ : الذی یقتعده الرجلُ للرکوب خاصّه. قال : والقَعُود والقَعوده من الإبل خاصّهً : ما اقتعده الراعی فرکبه وحمل علیه زادَه ومتاعَه. والجمیع قِعدان. وقال النضر بن شمیل : القَعود من الذکور ، والقَلوص من

ص: 138

الإناث.

وأخبرنی المنذریّ عن ثعلب عن ابن الأعرابی قال : هی قَلوصٌ للبکْره الأنثی ، والبکر قَعودٌ مثل القلوص ، إلی أن یُثْنِیا ، ثم هو جَمَلٌ.

قلت : وعلی هذا التفسیر قولُ من شاهدتُ من العرب : لا یکون القَعودُ إلّا البکرَ الذّکَر ، وجمعه قِعدانٌ ، ثم القَعَادین جمع الجمع. ولم أسمعْ قعوده بالهاء لغیر اللیث.

وأخبرنی المنذریّ أنه قرأ بخطّ أبی الهیثم للکسائی أنه سمع من یقول قَعودهٌ للقلوص ، وللذکر قَعود.

قلت : وهذا للکسائی من نوادر الکلام الذی سمِعه من بعضهم ، وکلام أکثر العرب علی غیره.

وقال النضْر : القُعده : أن یقتعد الراعی قَعوداً من إبله فیرکبه. فجعل القُعده والقَعودَ شیئاً واحداً.

وقال اللیث : القعیده الجراد الذی لم یستوِ جناحاه.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : القَعَد : الشُّراه الذین یحکِّمون ولا یحاربون. قال : والقَعَد النَّخْلُ الصغار.

قلت : القَعَد جمع قاعدٍ فی المعنیین ، کما یقال خادمٌ وخَدَم ، وحارسٌ وحَرَس. والقَعَدیّ من الخوارج : الذی یری رأی القَعَد الذین یَرَون التحکیم حقّاً غیر أنَّهم قعدوا عن الخروج علی الناس. وجعل ذو الرمّه فِراخ القَطَا قبل نهوضها للطَّیرَان مُقْعَدات ، فقال :

إلی مُقعَداتٍ تطرُد الریحُ بالضَّحی

علیهنَّ رَفْضاً من حَصاد القلاقلِ

والمقعَدات : الضَّفادع أیضاً.

وثَدیٌ مقعَد ، إذا کان ناهداً.

والقِعده : ضربٌ من القعود کالجِلسَه.

والقَعْده : جلسه واحده. وذو القَعْده : الشَّهر الذی یلی شوالاً.

وقواعد الهودج : خشَبات معْترضاتٌ فی أسفله یرکّب عِیدان الهَودج فیها.

أبو عبید عن أبی عمرو : القعیده من الرمال : التی لیست بمستطیله.

وقال ابن درید : القُعُدات : الرحال والسُّروج.

عمرو عن أبیه قال : المُقعَده : الدَّوخله من الخوص. قال : ورجلٌ قُعدَد : لئیم الأصل. وقال : الإقعاد : قلّه الأجداد ، والإطراف کثره الأجداد ؛ وکلاهما مدحٌ. وقال النضر : القُعده : أن یقتعد الراعی قَعُوداً من إبله فیرکبه. والاقتعاد : الرکوب. یقول الرجل للراعی : نستأجرک بکذا وعلینا قُعدتک ، أی علینا مرکبک ، ترکب من الإبل ما شئت ومتی ما شئت. وأنشد أبو عبید للکمیت :

لم یقتعدها المعجِّلون ولم

یَمسخْ مطاها الوُسوقُ والحَقَبُ

وقال ابن بُزْرُج : قالوا : أقْعَدَ بذلک المکان ، کما یقال أقامَ. وأنشد :

أقعدَ حتّی لم یجد مُقْعندَدا

ص: 139

ولا غداً ولا الذی یلی غدا

وقال ابن الأعرابی فی قول الراجز :

تُعجِل إضجاعَ الجَشیر القاعدِ

قال : القاعد : الجوالق الممتلیء حبًّا ، کأنّه من امتلائه قاعد. والجشیر : الجُوالق.

ورحًی قاعده : بطحن الطاحن بها بالرائد بیده.

وقال ابن السکیت : یقال : ما تقعَّدنی عن ذلک الأمر إلّا شُغل ، أی ما حبسنی.

وقال ابن درید : رجلٌ قُعدُد : قریب من الجدّ الأکبر ، ورجلٌ قُعدُد إذا کان خاملاً.

دعق : أبو حاتم عن الأصمعی : دعق الخیلَ یدعقُها دعقاً ، إذا دفَعها فی الغاره. وقال : أساءَ لبیدٌ فی قوله :

لا یهمُّون بإدعاق الشَّلَلْ

وقال غیره : دعقَها وأدعقها لغتان.

ویقال دعقت الإبل الحوضَ ، إذا خبطتْه حتی تَثلمه قال : وطریقٌ دعْق ومدعوقٌ ، أی موطوء. ودعقَت الإبلُ الحوضَ دعقاً ، إذا وردَت فازدحمت علی الحوضِ. وقال الراجز :

کانت لنا کدَعقهٍ الوِرد الصَّدِی

وقال إسحاق بن الفرج : قال أبو عمرو : طریقٌ مدعوس ومدعوق ، وهو الذی دعقَه الناس. وقال الأصمعی : طریق دَعْسٌ ودعقٌ ، أی موطُوء کثیر الآثار.

وفی «نوادر الأعراب» : مداعق الوادی ، ومَثادقه ، ومذابحه ، ومهارقه : مَدافعه.

ویقال أصابتنا دَعقهٌ من مطر ، أی دُفعه شدیده.

دقع : روی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال للنساء : «إنکنّ إذا جُعْتُنَ دَقِعْتُنَ ، وإذا شبعتُنُّ خجِلتُنَّ» قال أبو عبید ؛ قال أبو عمرو : الدَّقَع : الخضوع فی طلب الحاجه والحرصُ علیها. والخجَل : الکسل والتوانی عن طلب الرزق. قال أبو عبید : والدَّقَع مأخوذ من الدقعاء ، وهو التراب ، یعنی أنهنَّ یلصقن بالأرض من الفقر والخضوع. وقال الکمیت :

ولم یَدقعوا عندما نابهم

لوقْع الحروب ولم یخجلوا

یقول : لم یستکینوا للحرب.

وقال ابن الأعرابی : الدَّقَع : سوء احتمال الفقر. والخجَل : سوء احتمال الغنی.

أبو عبید عن الأحمر : الجُوع الدَّیقوع : الشدید ، وهو الیرقوع أیضاً.

وقال النضر : جوعٌ أدقَع ودَیْقوع ، وهو من الدَّقعاء.

أبو عبید : قال الفراء : المداقیع : الإبل التی تأکل النّبتَ حتّی تُلصقَه بالأرض. وقال أبو زید : أدقعَ إلیَّ فلانٌ فی الشتیمه ، إذا لم یتکرَّم عن قبیح القول ولم یألُ قَذْعاً. والمُدقِع : الفقیر الذی قد لصِق بالتُراب من الفقر.

وقال اللیث : الداقع من الرجال : الذی یطلب مداقّ الکَسْب. قال : والداقع : الکئیب المهتمُّ أیضاً.

وقال شمر : أدقعَ فلانٌ فهو مُدقع ، إذا

ص: 140

لزِق بالأرض فقراً. ویقال قد دَقِع أیضاً. ورأیت القوم صَقْعی دَقْعی ، أی لازقین بالأرض.

وقال ابن شمیل. یقال بفیه الدَّقعاء والأدقَع ، یعنی التُّراب. قال : والدُّقَاع : التُّراب. وقال الکمیت یصف الکلاب :

مَجازیع قَفرٍ مَداقیعُه

مَسَاریفُ حینَ یُصِبْن الیسارا

قال : ومَداقیع : ترضی بشیء یسیر. قال : والداقع الذی یرضی بالشیء الدُّون.

وقال ابن درید : یُدعَی علی الرجل فیقال : رماک الله بالدَّوقَعه ، فوعله من الدقَع.

قدع : أبو العباس عن ابن الأعرابی قال : القَدَع : الکفّ - قلت : جعله من قدِع یَقدع قَدَعاً - وفلان لا یَقدع ، أی لا یَرتدع قال : والقَدَع : انسلاق العین من کثره البکاء. وکان عبد الله بن عمر قَدِعاً.

أبو عبید عن أبی زید : قدِعَتْ عینُه قَدَعاً ، إذا ضعُفتْ من طول النَّظر إلی الشیء.

وأنشد شِمر :

کم فیهم من هجین أمُّه أمَهٌ

فی عینها قَدَعٌ فی رجلها فَدَعُ

أبو عبید عن أبی زید : تقادع القوم تقادُعاً ، وهو أن یموت بعضُهم فی إثر بعض.

قال : وقال الفرّاء : قُدِعت لی الخمسون ، إذا دنت منه. وأنشد :

ما یسأل الناسُ عن سِنّی وقد قُدِعَتْ

لی أربعون وطالَ الوِردُ والصَّدَرُ

وقال شمر : سمعتُ ابنَ الأعرابیّ یقول قُدِعَتْ لی أربعون ، أی أُمضِیَتْ. ویقال قَدَعها ، أی أمضاها ، کما یُقدع الرجل عن الشیء.

وروی أبو العباس عن ابن الأعرابیّ قال : قَدَع السِّتِّینَ : جازها.

قلت : فاحتمل أن تُقدع فتَقْدَع ، کما تقول : قدعت الرجلُ عن الأمر فقَدِع ، أی کففتُه فکفّ وارتدع. والقَدوع : الذی یُقدَع ، فَعول بمعنی مفعول.

وقال عرّام : امرأهٌ قَدوع : تأنف من کل شیء. وقال الطرمّاح :

وإلّا فمدخول الفِناء قَدوعُ

قَدوع بمعنی مقدوع هاهنا.

وقال أبو عبید : قدعتُ الرجلَ وأقدعتُه ، إذا کففتُه عنک. والقِدعه من الثیاب : دُرّاعه قصیره. وقال مُلیحٌ الهذلیّ :

بتلک عَلِقتُ الشوقَ أیامِ بِکرُها

قصیرُ الخُطَی فی قِدعهٍ یَتعطَّفُ

وأمرأه قَدِعه : حیّیهٌ قلیله الکلام. وانقدعَ فلانٌ عن الشیء ، إذا استحیا منه.

والمِقدعه : عصاً یَقدع بها الإنسانُ عن نفسه. وتقادعَ القوم بالرّماح ، إذا تطاعنوا. وتقادعت الذِّبّان فی المَرَق ، إذا تهافتت فیه.

وقال أبو مالک ؛ یقال : مرَّ به فرسُه یَقْدَع. ویقال : اقدعْ من هذا الشراب ، أی اقطع منه ، أی اشربه قِطَعاً قِطعاً.

وقال أبو العباس : المِجْوَل : الصُّدره ، وهی الصِّدار ، والقِدعه ، والعِدقه.

ص: 141

برکوبی ظهره.

وعتِیق الطَّیر هو البازی ، فی قول لبید :

کعتیق الطَّیرِ یُغْضی ویُجَلّ

وقال أبو عبید : العاتق : الخمر القدیمه.

قال : ویقال هی التی لم یفُضَّ ختامَها أحدٌ.

وقال حسَّان :

أو عاتقٍ کدم الذَّبیح مُدامِ

وقال اللیث : المعتَّقه من أسماء الطِّلَا والخمر. وقال الأعشی :

وسَبِیّهٍ ممّا تعتِّق بابلٌ

کدم الذَّبیح سلبتُها جریالَها

وبَکْرهٌ عتیقه ، إذا کانت نجیبهً کریمه.

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ : کل شیء بلغ النهایه فی جودهٍ أو رداءهٍ ، أو حُسْنٍ أو قُبحٍ ، فهو عتیق وجمعه عُتُقٌ. قال : والعتیق : التَّمر السِّهریز.

قتع : قال اللیث : القَتَع : دُودٌ حُمر تأکل الخشب ، الواحده قَتَعه. وقیل : القَتَع : الأَرَضه. وأنشد :

غادرتُهمْ باللِّوی صَرْعَی کأنهُم

خُشْبٌ تقصَّف فی أجوافها القَتَعُ

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ : هی السُّرْفه ، والقَتَعه ، والهِرنِصانه ، والْحُطیِّطه ، والبُطیِّطه ، والسَّرْوَعه ، والعَوَانه ، والطُّحَنه.

أبو عبید : قاتَعه ، إذا قاتله. وهی المقاتعه.

تضرب مثلاً للشرف القدیم. قال ابنُ مُقْبل :

وفی غَطَفَانَ عِذْق صِدقٍ ممنَّعٌ

علی رغم أقوامٍ من الناس یانعُ

فقوله عذقٌ یانع ، کقولک : عِزٌّ کهل ، وعِذْقٌ کهل.

وقال أبو تراب : سمعتُ عرّاماً یقول : کذبَتْ عَذَّاقته وعذّانته ، وهی استه. وامرأهٌ عَذَقانه ، وشَقَذانه ، وغَذَوانهٌ ، أی بذیَّهٌ سلیطه. وکذلک امرأهٌ سَلَطانه وسَلَتَانه.

وفی «نوادر الأعراب» : فلانٌ عَذِق بالقلوب ولَبِق. وطِیبٌ عَذِق ، إذا کان ذکیَّ الریح طیّباً.

ذعق : قال اللیث : الذُّعاق بمنزله الزُّعاق : المُرّ. سمعنا ذلک من بعضهم ، فلا أدری ألغهٌ هی أو لُثغه.

قلت : ولم أسمع ذُعاق بالذال فی شیء من کلام العرب ، ولیس بمحفوظٍ عندی.

قذع : جاء فی الحدیث : «من رَوی فی الإسلام هجاءً مُقْذِعاً فهو أحد الشاتِمَیْنِ». والهِجاء المُقْذِع : الذی فیه فُحش وقَذْفٌ وسَبٌّ یقبُح ذِکره. یقال أقذعَ فلانٌ لفلانٍ إقذاعاً ، إذا شَتَمه شتماً یُستفحَش ، وهو القَذْع. وقال اللیث : قذعتُ الرجل أقذَعه قَذْعاً ، إذا رمیتَه بالفُحش من القول.

قلت : ولم أسمع قَذَعت بغیر ألفٍ لغیر اللیث. وقال العجّاج :

بل أیُّها القائلُ قولاً أقذَعا

أراد أنه أقذَع فیه ، وقیل أقذعا نعتٌ للقول ، أراد قولا ذا قَذَع.

وقال أبو زیدٍ عن الکلابیین : أقذعتُه ، بلسانی إقذاعاً ، إذا قهرتَه بلسانک. وقذعته بالعصا ، إذا ضربتَه.

قلت : أحسب الذی رُوی لأبی زید عن الکلابیین بالدال لا بالذال.

وروی أبو عبید عن أبی عمرو : قدَعته عن الأمر ، إذا کففته ، وأقذعته بالذال ، إذا شتمتَه. وهذا هو الصحیح الغایهُ.

وقرأت فی «نوادر الأعراب» : تقذَّعَ له بالذال والدال ، وتقذّح وتقزَّح ، إذا استعدَّ له بالشرّ.

وقال ابن درید : ذَعقه وزَعقَه ، إذا صاح به وأفزعه.

قلت : وهذا من زیادات ابن درید.

القَعْثُ الهیِّن الیسیر.

وقال غیره : یقال إنه لقَعیث کثیر ، أی واسع. ومطر قعیثٌ : غزیر.

وروی ابن الفرج للأصمعی أنه قال : انقعثَ الجدارُ وانقعر وانقعف ، إذا سقط من أصله. وروی عنه أیضاً أنه قال : اقتعثَ الحافرُ اقتعاثاً ، إذا استخرجَ تراباً کثیراً من البئر.

قال أبو تراب : وقال عَرّام : القُعَاث : داءٌ یأخذ الغنَمَ فی أنوفها. قال : وانقعثَ الشیء وانقعف ، إذا انقلع.

عثق : أهمله اللیث. وقال أبو عمرو : سحابٌ متعثِّق ، إذا اختلطَ بعضُه ببعض. وفی «لغات هذیل» : أعثقت الأرضُ ، إذا أخصبَت.

فقالت وفود بنی العنبر أُخِذنا یا رسولَ الله مسلمین غیرَ مشْرکین حین خَضْرَمنا النَّعَم. فردَّ النبی صلی الله علیه وسلم ذراریَّهم وعَقارَ بیوتهم. قال أبو الفضل : قال الحربیّ : ردّ النبی صلی الله علیه وسلم ذراریَّهم لأنه لم یَرَ أن یَسبیَهم إلَّا علی أمرٍ صحیح ، ووجَدَهم مُقِرّین بالإسلام. قال إبراهیم : أراد بعَقار بیوتهم أرَضِیهم.

قلت : غلط أبو إسحاق فی تفسیر العَقَار هاهنا ، وإنما أراد بعقار بیوتهم أمتعهَ بیوتهم من الثیاب والأدوات.

أخبرنی المنذری عن أبی العباس عن ابن الأعرابیّ أنه قال : أنشدنی أبو مَحْضَه قصیدهً وأنشدَنی منها أبیاتاً ، فقال : هذه الأبیاتُ عَقَار هذه القصیده ، أی خیارُها. قال : وعَقارُ البیت ونَضَده : متاعُه الذی لا یبتذَل إلا فی الأعیاد والحقوقِ الکبار. قال : ومنه قیل : البُهْمَی عُقْر الکلأ ، أی خیر ما رعَت الإبل. وقال : بیتٌ حسنُ الأهَره ، والظَّهَرَه ، والعَقار.

قلت : والقول ما قال ابنُ الأعرابیّ : وعَقار کلّ شیءٍ : خیاره.

وقال أبو عبید : سمعتُ الأصمعیّ یقول : عُقر الدار : أصلُها فی لغه أهل الحجاز ، فأمّا أهل نجدٍ فیقولون عَقْر. قال : ومنه قیل العَقَار ، وهو المنزل ، والأرضُ ، والضِّیاع. قال : وقال أبو عبیده : العُقْر والعُقُر ، یخفّف ویثقّل : مؤخّر الحوض. قال : ویقال للناقه التی تشرب من عُقر الحوض عَقِره.

وقال ابن الأعرابی : مَفْرغ الدلو من مؤخّره عُقْره ، ومن مقدَّمه إزاؤه.

قال أبو عبید : العَقَاراء : اسم موضع.

وأنشد لحمید بن ثور یصف الخمر :

رکودُ الحُمیَّا طَلَّهٌ شابَ ماءَها

لها من عَقاراء الکروم زَبیبُ

قال شمر : ویروی هذا البیت لحمید :

«لها من عُقارات الکروم رَبیبُ»

. قال : والعُقارات : الخمور. رَبیب ، من یربُّها ویملکها.

أبو عبید عن الأصمعی : العُقار : اسم للخمر.

وروی شمرٌ عن ابن الأعرابیّ : سمّیت الخمر عُقاراً لأنها تَعقِر العقل. وقال غیره : سمِّیت عُقاراً لأنها تلزم الدَّنَّ. یقال عاقَره ، إذا لازمَه وداومَ علیه. والمعاقره : الإدمان. وقیل : سمِّیت عقاراً لمعاقرتها الدنَّ ، أی ملازمتها إیاه.

أبو عبید عن الأصمعی قال : المِعقَر من الرِّحال : الذی لیس بواقٍ. قال أبو عبید : لا یقال مِعقَرٌ إلّا لما کانت تلک عادتَه.

فأمّا ما عَقَر مَرَّهً فلا یکون إلّا عاقراً. قال أبو عبید : وقال أبو زید : سَرج عُقر.

وأنشد قول البَعیث :

ألحَّ علی أکتافهم قَتَب عُقَرْ

وفی حدیث النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «خَمسٌ مَن قتلهنَّ وهو حرامٌ فلا جُناح علیه : العقرب ، والفأره ، والغراب ، والحِدأ ، والکلب العقور». قال أبو عبید : بلغنی عن سفیان بن عیینه أنه قال : معناه کل سبع عَقور ولم یخصّ به الکلب. قال أبو

ص: 146

عبید : ولهذا یقال لکل جارح أو عاقر من السباع : کلب عَقور ، مثل الأسد والفهد والنمر والذئب وما أشببهَا.

قلت : ولنساء الأعراب خَرزه یقال لها العُقَرَه ، یزعمن أنَّها إذا علِّقت علی حَقْو المرأه لم تحمل إذا وطئت.

وروی عن ابن بزرج أنه قال : یقال امرأه عاقر ، ولقد عَقُرت أشدَّ العُقْر ، وأعقر الله رحمها فهی مُعقَره ، وقد عَقُر الرجل مثل المرأه ، ورجال عُقُر ونساء عُقر. وقالوا : امرأه عُقَره مثل هُمَزه ، وهو داء فی الرحم. وأنشد ابن بزرج :

سقَی الکلابیُّ العُقیلیَ العُقُرْ

قال : والعُقُر : کلُّ ما شربه إنسانٌ فلم یُولَد له ، فهو عُقُر له. قال : ویقال أیضاً عَقَرَ وعَقِر ، إذا عَقُر فلم یحمَل له. قال : وعُقَره العلم النِّسیان. ویقال عَقرتُ ظهر الدابه ، إذا أدبرتَه فانعقر ، ومنه قوله :

عقرتَ بعیری یا امرأ القیسِ فانزلِ

وأما قوله :

ویوم عقرتُ للعذاری مطیّتی

فمعناه أنّه نحرها لهنَّ.

والعُقْر للمغتَصَبه من الإماء کمهر المثل للحُرَّه.

وبَیْضه العُقْر یقال هی بیضه الدیک ، یقال إنه یبیض فی السنه بیضه واحده ثم لا یعود ، یضرب مثلاً للعطِیه النَّزْره التی لا یربُّها مُولِیها ببرٍّ یتلوها.

وقال اللیث : بیضه العقر : بیضه الدیک ، تُنسب إلی العُقر لأنَّ الجاریه العذراء یُبلَی ذلک منها بیضه الدیک ، فیعلم شأنها ، فتضرب بیضه الدیک مثلاً لکلِّ شیء لا یستطاع مَسُّه رخاوهً وضعفاً.

وخلَّط اللیث فی تفسیر عَقْر الدار وعُقْر الحوض ، فخالف بما قال الأئمهَ ، وقد أمضیت تفسیرهما علی الصحه ، ولذلک أضربت عن ذکر ما قال اللیث.

قال : وقال الخلیل : سمعتُ أعرابیّاً من أهل الصَّمَّان یقول : کلُّ فُرجه تکون بین شیئین فهو عَقْر وعُقْر لغتان. قال : ووضع یدیه علی قائمتی المائده ونحن نتغدَّی فقال : ما بینهما عُقْر. قال والعَقْر : القصر الذی یکون معتمداً لأهل القریه. وقال لبید :

کعَقْر الهاجریّ إذا ابتناه

بأشباهٍ حُذِینَ علی مثالِ

وقال غیره : العَقْر : القصر علی أیّ حال کان.

وقال اللیث : العقر : غیم ینشأ من قِبَل العین فیغشی عین الشمس وما حوالیها.

قال : وقال بعضهم : العقر غیمٌ ینشأ فی عُرض السماء ثم یقصِدُ علی حیاله من غیر أن تبصره إذا مرَّ بک ، ولکن تسمع رعدَه من بعید. وأنشد لحمید بن ثور یصف ناقه :

وإذا احزألَّت فی المُنَاخ رأیتَها

کالعَقْر أفرده العَماءُ الممطرُ

قال : وقال بعضُهم : العَقْر فی هذا البیت : القصر ، أفردَه العماء فلم یظَلِّلْه وأضاء لعین الناظر لإشراق نور الشمس علیه من

ص: 147

خلال السَّحاب.

وقال بعضهم : العَقْر : القطعه من الغمام.

ولکلٍّ مقال ؛ لأنَّ قطع السحاب تشبه بالقصور.

وأمّا قول لبید :

لما رأی لُبَدُ النُّسورَ تطایرتْ

رفَعَ القوادمَ کالعقیر الأعزلِ

من رواه «العقیر» قال : شبَّه النَّسر لمَّا تساقطَ ریشُه فلم یَطِرْ بفرَسٍ کُسِف عرقوباهُ فلم یُحضِر. والأعزل : المائل الذنَب.

وقال بعضهم : عَقْر النخله : أن یُکشَط لیفُها عن قُلْبها ویُستخرج جَذَبُها ، وهو جُمَّارُها ، فإذا فُعِل بها ذلک یبست ولم تصلح إلا للحطَب. یقال عَقر فلانٌ النخلهَ ، فهی معقوره وعقیر.

ومعاقره الخمر : إدمانُ شُربها ، أُخذ من عُقر الحوض ، وهو مقام الوارده ، فکأنَّ شاربَها یلازم شربها ملازمهَ الإبل الوارده عُقرَ الحوض حتّی تَروَی. ویقال رفع فلانٌ عقِیرتَه یتغنّی ، إذا رفع صوتَه بالغِناء. وأصله أن رجلاً أصیب عضوٌ من أعضائه وله إبلٌ اعتادت حُداءَه ، فانتشرت علیه إبلُه فرفَع صوته بالأنین لما أصابه من العقر فی بدنه ، فتسمَّت له إبلُه فخُیِّلَ إلیها أنَّه یحدو بها فاجتمعت وراعَتْ إلی صوته ، فقیل لکلِّ مَن رفع صوتَه بالغناء : قد رفَع عقیرتَه.

وأما قول طُفیل یصف هوادج الظعائن :

عَقاراً یظلُّ الطَّیرُ یخطف زهوَه

وعالَیْنَ أعلاقاً علی کلِّ مُفْأمِ

فإن الأصمعیّ رفع العین من قوله «عُقارا» ، وقال : هو متاع البیت. وأما أبو زید وابنُ الأعرابیّ فرویاه «عَقارا» بالفتح ، وقد مرَّ تفسیره فی حدیث الهِرماس. وقال أبو زید : عَقار البیت : مَتاعُه الحَسَن. قال : ویقال للنَّخل خاصّه من بین المال عَقَار.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : العُقَره : خَرزهٌ تعلَّق علی العاقر لتلد. قال : والقُرَره : خرزه للعَین. والسُّلْوانه : خرزه للإبغاض بعد المحبّه.

وقال الأصمعیّ : العَقَر : أن یُسلّم الرجل قوائمه فلا یقدر أن یمشیَ من الفَرَق.

ویقال رجَعت الحربُ إلی عُقْرٍ ، إذا سکنت وعَقْر النَّوی : صرفها حالاً بعد حال. وقال أبو وَجْزهَ :

حلّت به حَلّهً أسماءُ ناجعه

ثم استمرت بِعقرٍ من نَوًی قَذَفِ

والعَقْر : موضع. والعُقیر : قریه علی شاطیء البحر بحذاء هَجَر.

وقال أبو سعید : المعاقَره : المُلاعَنه ، وبه سمَّی أبو عبیدهَ کتاب «المعاقرات». وکلأٌ عُقار : یَعقِر الإبلَ ویقتلُها. قال : ومنه سمِّی الخمر عُقاراً لأنها تعقر العقل. وقد قاله ابن الأعرابیّ. وعُقْر النار : مُعظَمها ووسطها ، ومنه قول الهذلی :

کأنَّ ظُباتِها عُقُرٌ بعیجُ

شبّه النصالَ وحدَّها بالجمرِ إذا سُخِیَ.

وتعقَّر شحم الناقه ، إذا اکتنز کلُّ موضع منها شحماً. ویقال عُقِر کلأُ هذه الأرض ،

ص: 148

إذا أُکل. وقد أعقرتک کلأَ موضع کذا فاعقِره ، أی ارعَهُ.

وأخبرنی المنذریُّ عن أبی الهیثم أنه قال : العَقَّار والعقاقیر : کل نبتٍ ینبُت ممّا فیه شفاء یُستَمشی به. قال : ولا یسمَّی شیءٌ من العقاقیر فُوهاً ، یعنی واحد أفواه الطِّیب إلَّا التی لها رائحهٌ تُشَمُّ.

ورُوی عن الشعبیّ أنه قال : لیس علی زانٍ عُقرٌ. قال ابن شمیل : عُقر المرأه : مَهرها ، وجمعه أَعقار. وقال أحمد بن حنبل : العُقر : المهر. وقال ابن المظفَّر : عُقر المرأه : دیه فرجها إذا غُصِبت فَرجَها. وقال أبو عبیده : عُقر المرأه : ثوابٌ تُثابُه المرأهُ من نکاحها.

ویقال عُقِرت رکیّتهم ، إذا هُدمت.

وقال أبو عبید فی باب البخیل یُعطی مَرّهً ثمّ لا یعود : «کانت بیضهَ الدِّیک». قال : فإن کان یُعطی شیئاً ثم یقطعه آخر الدهر قیل للمره الأخیره : «کانت بیضه العُقْر».

عرق : شمر : قال أبو عمرو : العِراق میاه بنی سعد بن مالک ، وبنی مازن بن عمرو بن تمیم. ویقال : هذه إبلٌ عراقیه. قال : وسمِّیت العِراق عِراقاً لقُربها من البحر.

قال : وأهل الحجاز یسمُّون ما کان قریباً من البحر عِراقاً. ویقال أعرق الرجلُ فهو مُعرِقٌ ، إذا أخَذَ فی بلد العراقِ.

وقال أبو سعید : المُعْرِقه : طریقٌ کانت قریش تسلکه إذا سارت إلی الشام تأخذ علی ساحل البحر ، وفیه سلکت عیرُ قریش حین کانت وقعهُ بدر. ومن هذا قول عمر لسَلْمان : «أین تأخذ إذا صَدَرت ، أعلَی المُعْرِقه أم عَلی المدینه». وأخبرنی المنذری عن إبراهیم الحربی أنه قال فی تفسیر الحدیث الذی جاء عن النبی صلی الله علیه وسلم أنّه «وقّتَ لأهل العراق ذات عِرق» قال : العِراق شاطیء البحر أو النهر ، فقیل العراق لأنّه علی شاطیء دجله والفرات حتی یتّصل البحر ، وهو اسمٌ للموضع. وعَلِمَ النبیُّ صلی الله علیه وسلم أنهم سیُسلمون ویحجُّون ، فبیَّن میقاتهم.

وقال اللیث : العراق : شاطیء البحر علی طوله ، وقیل لبلد العراق عِراقٌ لأنه علی شاطیء دجله والفرات عِدَاءً حتی یتَّصل بالبحر.

وقال أبو عبید : قال الکسائی والأصمعی : أعرقنا ، أی أخذنا فی العراق. وقال بعضهم : العراق مُعَرَّبٌ ، وأصله إیران فعرّبته العرب فقالت : عراق. قلت : والقول هو الأوّل.

وقال أبو زید : استعرقت الإبل ، إذا رعَت قُرب البحر ، وکلُّ ما اتَّصل بالبحر من مَرعًی فهو عِراق.

وقال أبو عبید : قال أبو زید : إذا کان الجِلد فی أسافل الإداوه مثْنیّاً ثم خُرِزَ علیه فهو عِراق ، فإذا سُوِّی ثُمَّ خُرِزَ علیه غیر مَثنیٍّ فهو طِباب.

أبو العباس عن ابن الأعرابیّ ، قال : العُرُق : أهل الشرف ، واحدهم عَریق وعَرُوق. قال : والعُرُق : أهل السَّلامه فی الدین. وغلامٌ عَریق : نحیف الجسم

ص: 149

خفیف الرُّوح. والمِعْرق : حدیده یُبرَی بها العُراق من العِظام. یقال عَرقت ما علیه من اللحم بمِعرق ، أی بشفره.

وفی حدیثٍ مرفوع أن النبی صلی الله علیه وسلم أُتِیَ بعَرَقٍ من تَمْر.

هکذا رواه ابن جَبَله وغیره عن أبی عُبید ، وأصحاب الحدیث یخفّفون فیقولون عَرْق.

وقال أبو عبید : قال الأصمعیّ : العَرَق : السَّفیفه المنسوجه من الخُوص قبل أن یسوَّی منها زَبیلٌ ، فسمِّی الزَّبیل عَرَقاً لذلک ، ویقال له عَرَقَهٌ أیضاً. قال : وکذلک کلُّ شیء یصطفُّ ، مثل الطَّیر إذا اصطفَّتْ فی السماء ، فهو عَرَقه. وقال غیره : وکذلک کلُّ شیء مضفورٍ عَرْضاً فهو عَرَق. وقال أبو کبیر الهذلیّ :

نغدو فنترک فی المزاحف مَن ثَوی

ونُمِرُّ فی العَرقات من لم نقتلِ

یعنی نأسرهم فنشُدُّهم فی العَرَقات ، وهی النُّسوع.

وفی حدیث آخر أن النبی صلی الله علیه وسلم : «قال مَن أحیا أرضاً مَیْتهً فهی له ، ولیس لعرقٍ ظالم حقّ». قال أبو عبید : قال هشام بن عروهً - وهو الذی روی الحدیث - العِرق الظالم : أین یجیء الرجل إلی أرض قد أحیاها رجلٌ قبلَه فیَغرِس فیها غَرساً ، أو یُحدث فیها شیئاً لیستوجب به الأرض.

فلم یجعل له النبی صلی الله علیه وسلم به شیئاً ، وأمره بقلع غِراسه ونقض بنائه ، وتفریغه لمالکه. وفی حدیث آخر رُوی عن عِکراش بن ذؤیب أنه قدم علی النبی صلی الله علیه وسلم بإبلٍ من صَدَقات قومه کأنها عُروق الأرطَی. قلت : عُروق الأرطی طِوالٌ ذاهبهٌ فی ثری الرمال الممطوره فی الشتاء ، تراها إذا استُخرِجت من الثَّری حُمراً تقطر ماءً وفیها اکتناز. فشبَّه الإبل فی ألوانها وسمنها وحسنها واکتناز لحومها وشحومها ، بعُروق الأرطی. وعُروق الأرطی یقطُر منها الماءُ لانسرابها فی رِیّ الثَّری الذی انسابت فیه. والظِّباء وبقر الوحش تجیء إلیها فی حمراء القیظ فتستثیرها من مساربها وتترشّف ماءها ، فتَجزأ به عن ورود الماء. وقال ذو الرّمه یصف ثوراً حفر أصل أرطاه لیکنس فیه من الحَر فقال :

تَوخّاه بالأظلاف حتّی کأنّما

یُثیر الکُبابَ الجعدَ عن مَتنِ مِحمَلِ

الکُباب : ما تکبَّب من الثری وجَعُد لرطوبته. والمِحْمَل : حِماله السَّیف من السُّیور. شبّه حمرهَ عروقِ الأرطی بحمرتها.

وفی حدیث آخر أنّ النبی صلی الله علیه وسلم «دخل علی أمِّ سلمه وتناول عَرْقاً ثم صلَّی ولم یتوضأ». العَرْق جمعُه عُراق ، وهی العظام التی اعترِق منها هَبْر اللحم وبقیَ علیها لحومٌ رقیقه طیّبه ، فتکسَّر وتُطبَخ ، ویؤخذ إهالتها من طُفاحتها ، ویؤکل ما علی العظام من عُوَّذ اللحم الرقیق ، ویُتمَشش مُشاشُها. ولحمُها من أمرأ اللُّحمان وأطیبها. یقال عرقت العظم وتعرَّقته واعترقتُه ، إذا أخذت اللحمَ عنه نَهْساً بأسنانک. وعظمٌ معروق ، إذا نُفِیَ عنه لحمُه.

وأنشد أبو عبید لبعض الشُّعراء :

ص: 150

ولا تُهدِی الأمرَّ وما یلیه

ولا تُهدِنَ معروقَ العظامِ

والعُرام مثل العُراق ، قاله الریاشیّ. یقال عَرَمت العظم أعرُمه. قال : والعِظامُ إذا کان علیها شیء من اللحم تسمَّی عُراقاً. وإذا جرِّدت من اللحم تسمَّی عُراقاً أیضاً ، وهو قول أبی زید.

وفرسٌ معروق ومُعتَرق ، إذا لم یکن علی قصبه لحْمٌ. وقال الشاعر :

قد أشهد الغارهَ الشَّعواءَ تَحملنی

جرداءُ معروقه اللَّحیینِ سُرحُوبُ

وإذا عرِی لَحْیاها من اللحم فهو من علامات العِتْق.

وفرس معرَّق ، إذا کان مضمَّراً ، یقال عرّق فرسَه تعریقاً ، إذا أجراه حتی سال عَرقُه وضَمَر وذهب رَهَلُ لحمه.

والعریق من الخیل : الذی له عِرْقٌ کریم.

وقد أعرقَ الفرسُ ، إذا صار عریقاً کریماً.

والعرب تقول : إنَّ فلاناً لمُعرَقٌ له فی الکرم ، وفی اللؤم أیضاً. ویقال أعرق فی أعمامه وأخواله وعرَّقُوا فیه. وقال عمر بن عبد العزیز : إن امرأ لیس بینه وبین آدم أبٌ حَیٌ لمُعْرَق له فی الموت.

ویقال أعرقتِ الشجرهُ ، إذا انساب عروقُها فی الأرض. وتعرّقَتْ مثله.

والعروق : عُروق نباتٍ فیها صُفره یصبغ بها. ومنها عروق حُمر یصبَغ بها أیضاً.

أبو عبید عن الأصمعی : العَرَقه : الطُّرَّه. تنسج علی جوانب الفُسطاط. والعَرَقه : خشبه تُعرض علی الحائط بین اللَّبِن. وجَرَی الفرس عَرَقاً أو عَرَقین ، أی طَلَقاً أو طَلَقین. والمُعْرَق من الشراب : الذی قُلِّل مِزاجُه ، کأنّه جُعل فیه عِرقٌ من الماء. والعَرَق : السَّطْر من الخیل ، وهو الصفّ. وقال طُفیلٌ الغَنَوَیُّ یصف الخیل :

کأنّهنَّ وقد صَدَّرن مِن عَرَقٍ

سیدٌ تمَطَّرُ جُنْحَ اللَّیلُ مبلولُ

قال شمِر : صدَّرن ، أی أخرجن صدورهنَّ من الصفّ ، زعم ذلک أبو نصر. قال : وخالفه ابنُ الأعرابی فرواه «صُدِّرنَ من عَرَق» ، أی صُدِّرن بعد ما عَرِقْن ، یذهب إلی العَرَق الذی یخرج منهنَّ إذا أُجرِینَ.

وقال ابن الأعرابیّ : أعرقت الکأس وعرّقتها ، إذا أقللتَ ماءها. وأنشد قول القطامی :

ومصرَّعِینَ من الکَلالِ کأنَّما

شرِبوا الطِّلاءَ من الغبوقِ المُعْرَقِ

قال : وعرَّقت فی الدَّلو وأعرقت فیها ، إذا جعلتَ فیها ماءً قلیلاً وأنشد هو أو غیره :

لا تملأ الدَّلوَ وعرِّقْ فیها

ألَا تَرَی حَبارَ من یسقیها

وفی حدیث عمر أنه قال : «ألَا لا تُغالوا صُدُقَ النِّساء فإنّ الرجل یغالی بصداقها حتی یقول جَشِمتُ إلیکِ عَرَق القِربه». قال أبو عبید : قال الکسائی : عَرَق القِربه : أن یقول نَصِبتُ لکِ وتکلَّفتُ حتی عرِقتُ کعرَق القِربه. وعَرَقَها : سیلان مائها. قال : وقال أبو عبیده : عَرَق القِربه : أن یقول تکلَّفتُ إلیک ما لم یبلغه أحدٌ حتّی جَشِمتُ ما لا یکون ؛ لأن القربه لا تعرق.

ص: 151

وهذا مثلُ قولهم : «حتّی یَشیب الغُرابُ ویبیضَّ القار» وقال شمر : قال ابن الأعرابی : عَرَق القِربه وعلَقها واحد ، وهو مِعلاقٌ تُحمَل به القِربه.

قال : ویقال فلانٌ عِلْق مَضِنَّهٍ وعِرقُ مَضَنَّهٍ ، بمعنی واحد ، سمِّی عِلْقاً لأنّه عَلِق به لحبِّه إیاه. یقال ذلک لکلِّ ما أحبَّه.

وقال أبو عبید : وقال الأصمعیّ : عَرَق القربه کلمه معناها الشدَّه. قال : ولا أدری ما أصلها. وأنشد قول ابن الأحمر :

لیست بمَشْتَمهٍ تُعدُّ وعَفوُها

عَرَق السِّقاء علی القَعود اللاغبِ

قال أبو عبید : أراد أنّه یسمع الکلمهَ تغیظه ولیست بمشتمهٍ فیأخذ بها صاحبها وقد أُبلِغَتْ إلیه کعَرَق السِّقاء علی القَعود اللاغب وأراد بالسِّقاء القربه.

وقال شمر : والعَرَق : النَّفْع والثَّواب. تقول العرب : اتَّخذْت عند فلانٍ یداً بیضاء وأخری خضراءَ فما نِلتُ منه عَرَقاً.

وأنشد :

سأجعلُه مکانَ النُّون منِّی

وما أُعطِیتُه عَرَقَ الخلالِ

یقول : لم أُعطَه للمخالَّه والموادَّه کما یُعطی الخلیلُ خلیلَه ، ولکنّی أخذتُه قَسراً. أبو عبید عن أبی زید : یقال لقیتُ منه ذاتَ العَرَاقِی ، وهی الداهیه. قال : وقال الأصمعیّ : یقال للخشبتین اللتین تُعرَضان علی الدَّلو کالصَّلیب : العَرْقُوَتان ، وهی العَراقی. وقال الکسائیّ : یقال إذا شددتهما علیها : قد عَرقَیتُ الدَّلوَ عَرقاهً. وقال الأصمعیّ أیضاً : العَرقوتان : الخشبتان اللتان تضُمّان ما بین واسط الرّحل والمؤخّره. والعرب تقول فی الدُّعاء علی الرجُل : استأصل الله عِرقاتَهُ ، ینصبون التاء لأنهم یجعلونها واحده مؤنثه.

وقال اللیث : العِرقاه من الشجر أرومُه الأوسط ، ومنه تنشعب العروقُ ، وهی علی تقدیر فِعلاه.

قلت : ومن کسر التاء فی موضع النصب وجعلها جمع عِرْقهٍ فقد أخطأ.

وقال شمر : قال ابن شمیل : العَرقُوه أکَمه تنقاد لیست بطویله فی السَّماء ، وهی علی ذلک تُشرِف علی ما حولها ، وهی قریبٌ من الرَّوض أو غیر قریب من الرّوض. قال : وهی مختلفه ، مکانٌ منها لیِّن ومکانٌ منها غلیظ ، وإنما هی جانبٌ من أرضٍ مستویه ، مشرفٌ علی ما حوله. والعَرَاقی : ما اتَّصل من الإکام وآضَ کأنّه حَرفٌ واحدٌ طویل علی وجه الأرض. وأما الأکمه فإنها تکون ملمومه. وأما العَرقُوهُ فتطول علی وجه الأرض وظهرِها ، قلیله العرض ، لها سَنَدٌ ، وقُبْلها نِجافٌ وبِرَاقٌ ، لیس بسهلٍ ولا غلیظ جداً ، یُنبت ، فأمّا ظهره فغلیظٌ خَشِنٌ لا یُنبت خیراً.

وقال أبو خیره : العَرقُوه والعَراقی : ما غلُظ منه فمنعَکَ من عُلوِّه.

قلت : وبها سمِّیت الدَّاهیهُ العظیمه ذاتَ العراقی ، ومنه قول عوفِ بن الأحوص :

لقِینا من تدرُّئکم علینا

وقَتْلِ سَراتنا ذاتَ العَرَاقی

ص: 152

ویقال : إنّ بغنَمک لعِرْقاً من لبن ، قلیلاً کان أو کثیراً.

وقال أبو عمرو : العِراق تقارب الخَرْز ، یضرب مثلاً للأمر فیقال : لأمره عِرَاقٌ ، إذا استوی. وإذا لم یستو قیل : لیس لأمره عِراق. ویقال عَرَقْت القربهَ فهی معروقه من العِراق.

وقال أبو زید : یقال ما أکثَرَ عَرَقَ غنمِه ، إذا کثُر لبنُها عند ولادِها.

وقال اللیث : اللبَن : عَرَق : بتحلَّب فی العروق حتَّی ینتهیَ إلی الضَّرْع. وقال الشمّاخ یصف إبلاً :

تُضحی وقد ضَمِنَتْ ضَرّاتُها عَرَقاً

من ناصع اللَّون حُلو الطَّعم مجهودِ

قلت : ورواه الرواهُ «غُرَقاً» ، وهو جمع الغُرقه ، وهی الجُرعه من اللَّبَن.

وقال اللیث : لبَن عَرِقٌ ، وهو الذی یُخضُّ فی السِّقاء ویعلَّق علی البعیر لیس بینه وبین جنب البعیر وِقاء ، فیعرق ویفسد طعمُه من عَرَقه. قال : والعِرق : الحَبْل الصغیر. وقال الشماخ :

ما إنْ یزال لها شأوٌ یقدِّمها

مُحرَّبٌ مثلُ طوطِ العِرق مجدولُ

وفی «النوادر» : یقال ترکتُ الحقَ مُعْرِقاً وصادحاً ، وسائحاً ، أی لائحاً بیّناً.

أبو عبید عن الکسائیّ : عَرَق فی الأرض عُروقاً ، إذا ذهبَ فیها. وقال غیره : العِرْق الواحد من أعراق الحائط ؛ یقال رفَع الحائط بعِرقٍ أو عِرْقین. ورجلٌ عُرَقهٌ : کثیر العَرَق. وقد تعرَّقَ فی الحمّام.

قعر : قال الله جلّ وعزّ : (کَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القَمَر : 20] معنی المنقعر المنقلع من أصله. وقال ابن السکّیت : یقال قعرتُ النخلهَ ، إذا قلعتَها من أصلها حتّی تسقُط.

وقد انقعرت هی. وقال لبید یرثی أخاه :

وأربَدُ فارسُ الهیجا إذا ما

تقعّرت المَشاجر بالفئامِ

وأخبرنی الإیادیّ عن شمر عن ابن الأعرابیّ أنّه قال : صحّف أبو عبیده فی مجلسٍ واحدٍ فی ثلاثه أحرف فقال : ضربته فانعقر ، وإنما هو فانقعر. وقال : فی صدره حَشک والصحیح حَسَک. وقال : شُلَّت یدُه ، والصواب شَلَّت یده.

أبو عبیدٍ عن الکسائیّ : إناءٌ نَصْفانُ وشَطْرانُ : بلغ ما فیه شَطرَه ، وهو النِّصف. وإناءٌ قَعرَانُ : فی قعره شیء. ونَهْدَانُ ، وهو الذی علا وأشرفَ. والمؤنّث من هذا کلِّه فَعْلَی. وقال الکسائیّ : قَعَرْتُ الإِناءَ ، إذا شربتَ ما فیه حتّی تنتهی إلی قَعْرهِ. وأقعرْت البئر ، إذا جعلتَ لها قعراً. ویقال بئر قَعِیره ، وقد قَعُرتْ قَعارهً. وقَعَرتُ شجرهً من أَرومتها فانقعرت. وامرأه قعیرهٌ وقَعِرهٌ ، نَعتُ سَوءٍ فی الجماع. وقَعر کلِّ شیءٍ : أقصاه. وقعَّر الرجلُ ، إذا روّی فنظر فیما یَغمُضُ من الرأی حتَّی یستخرجه.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : القَعَر : العقل التامّ. ویقال هو یتقعَّر فی کلامه ، إذا کان یتنحَّی وهو لحَّانه ، ویتعاقل وهو هِلباجه. وقال أبو زید : یقال ما خرجَ من أهل هذا القعر أحَدٌ مثله ، کقولک : من أهل هذا

ص: 153

الغائط ، مثل البصره والکوفه.

وقال ابن الأعرابیّ : قالت الدُّبیریه : القَعْر : الجَفْنه ، وکذلک المِعجَن ، والشِّیزی والدَّسیعه. روی ذلک الفراء عن الدُّبیریّه.

قرع : یقال أقرعت بین الشُّرکاء فی شیء یقتسمونه فاقترعوا علیه وتقارعوا فقرعَهم فلان وهی القُرعه.

ورُوی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنّ رجلاً أَعتق ستّهَ أعبدٍ له عند موته لا مال له غیرهم ، فأقرعَ بینهم وأعتق اثنین وأرَقَّ أربعه.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابی. قال القَرَع والسَّبَق والنَّدَب : الخَطَر الذی یُستَبَقُ علیه.

أبو عبید عن الأصمعی قال : القَرَع : بثْرٌ یخرج بأعناق الفُصلان وقوائمها ، فإذا أرادوا أن یعالجوها نَضَحوها بالماء ثم جرُّوها فی التُّراب. یقال قرَّعت الفصیلَ تقریعاً. وقال أوس بن حجَر یذکر الخیل :

لدی کلِّ أخدود یغادرنَ دارِعاً

یُجَرُّ کما جُرَّ الفصیلُ المُقَرَّعُ

ومن أمثالهم السائره : «استنَّتِ الفِصالُ حتَّی القَرْعَی» ، یُضرب مثلاً لمن تعدَّی طورَهُ وادّعی ما لیس له.

وقال شمر : العوامُّ یقولون : «هو أحَرُّ من القَرْع» ، وإنما هو من القَرَع. والقَرَع : قَرَعُ الفِناء من المرعی ، وقَرَعُ مأوی المال ومُراحها من المال. ویقال أیضاً قَرِعَ فِناءُ فلانٍ ، إذا لم تکن له غاشیهٌ یَغْشَونه. وقال الهذلیّ :

وخذَّالٌ لمولاه إذا ما

أتاه عائلاً قَرِع المُراحِ

والقَرَع : قرَع الکرش ، وهو أن یذهب زئبُره ویرقّ فی شدّه الحرّ. والقَرَع : قَرَع الرأس ، وهو أن یَصلَع فلا یبقی علی رأسه شعر ، یقال رجلٌ أقرع وامرأه قرعاء.

وقال ابن الأعرابیّ : قرعاء الدار : ساحتها.

وقال النضر : أرض قرِعه : لا تنبت شیئاً.

والقرعاء : مَنْهَله من مناهل طریق مَکَّه بین العَقَبه والعُذَیب. وجاء فلانٌ بالسَّوءَه القرعاء والسَّوءه الصَّلعاء ، وهی المنکشفه. وأصبحت الریاضُ قُرْعاً : قد جَرَدتها المواشی فلم تَدَع بها شیئاً من الکلأ.

وفی حدیث النبی صلی الله علیه وسلم : «یجیء کنز أحدهم یوم القیامه شجاعاً أقرعَ له زَبیبتان» قال أبو عمرو : هو الذی لا شعرَ علی رأسه.

وقال أبو عبید : والشُّجاع : الحیّه ، وسمی أقرعَ لأنَّه یَقرِی السّمَّ ویجمعه فی رأسه حتَّی یتمعَّط منه فروهُ رأسه. وقال ذو الرمّه یصف حیّه :

قری السمَّ حتّی انمازَ فروهُ رأسِه

عن العظم صِلٌّ فاتک اللَّسعِ ماردُه

وقال أبو عمرو : أمّا قولهم ألفٌ أقرعُ فهو التَّامّ.

وقال ابن السکیت : تُرسٌ أقرعُ ، إذا کان صُلباً ، وهو القَرَّاع أیضاً. وقال أبو قیس ابن الأسلت :

ص: 154

ومُجْنأ أسمرَ قرّاعِ

وقال آخر :

فلما فَنَی ما فی الکتائب ضاربوا

إلی القُرْع من جِلد الهِجانِ المجوَّبِ

أی ضَربوا بأیدیهم إلی التِّرَسهِ لمّا فنیت سهامُهم. وفَنَی بمعنی فَنِیَ فی لغه طیِّیء.

وقِدْح أقرع ، وهو الذی حُکَّ بِالحصی حتّی بدت سَفاسِقُه ، أی طرائقه. وعُودٌ أقرع ، إذا قَرِع من لحائه.

والقریع : الفحل الذی یُصَوَّی للضِّراب.

ویقال فلانٌ قَرِیعُ الکتِیبه وقِرِّیعها ، أی رئیسها.

وقال ابن السکیت : قریعهُ البیت : خیر موضع فیه ، إن کان فی حَرٍّ فخیارُ ظِلِّه ، وإن کان فی برد فخیار کِنِّه. وقُرعه کلِّ شیء خیارُه. ویقال إنّ ناقتک لقریعه ، أی مؤخره للضَّبَعه. وقد قَرَع الفحل الناقهَ ، إذا ضربَها. واستقرعت الناقه ، إذا اشتهت الضراب ، وکذلک البقره.

والقُرعه : الجِرابُ الواسع یُلقَی فیه الطّعام. وقال أبو عمرو : القُرعه : الجرابُ الصغیر ، وجمعها قُرَعٌ ، رواه ثعلب عن عمرو عن أبیه.

وأخبرنی المنذریّ عن الحربی أنه قال فی حدیث عمّار قال : قال عمرو بن أسد بن عبد العُزَّی حین قیل له : محمد یخطب خدیجه ، قال : نِعم البُضْع لا یُقرَع أنفه.

قال أبو إسحاق : قوله «لا یُقرَع أنفه» کان الرجل یأتی بناقه کریمه إلی رجل له فحلٌ یسأله أن یُطرقَها فحلَه ، فإنْ أخرجَ إلیه فحلاً لیس بکریمٍ قرعَ أنفه وقال : لا أریده.

وهو مَثلٌ للخاطب الکفیء الذی لا یُرَدُّ إذا خطبَ کریمهَ قوم.

وفی حدیث آخر : «قَرِع المسجدُ حین أصیبَ أصحابُ النَّهْر». قال الحربی : معنی قوله «قَرِع المسجدُ» أی قلّ أهله ، کما یَقرع الرأسُ إذا قلَّ شعره.

وفی حدیث النبیّ صلی الله علیه وسلم أنه لما أتی علی مُحَسِّر «قَرَع راحلتَه» ، أی ضربها بسوطه.

قال : وحدّثنی أبو نصر عن الأصمعی ، یقال «العَصَا قُرِعتْ لذی الحلم» ، یقول :

إذا نُبِّه انتبَه. وأنشد :

لذِی الحلمِ قبلَ الیوم ما تُقرَعُ العصا

وما عُلِّم الإنسانُ إلّا لیعلما

قال : وقال الأصمعیّ : یقال فلانٌ لا یُقرع ، أی لا یرتدع.

قال : وقَرَع فلانٌ سِنَّهُ ندماً. وأنشدنا أبو نصر :

ولو أنّی أطعتُک فی أمورٍ

قَرعتُ ندامهً من ذاک سِنّی

قال. وأخبرنی أبو نصر عن الأصمعیّ قال : قارعه الطریق : ساحتُها. وقَرِع المُراح ، إذا لم یکن فیه إبل. وقارعه الطریق : أعلاه.

وأنشد لبعضهم ، ویقال إنه لعمر بن الخطَّاب :

متی ألقَ زِنباعَ بن رَوحٍ ببلده

لی النِّصف منها یَقرع السنَّ مِن نَدَم

وکان زنباع بن رَوْح فی الجاهلیه ینزلُ مَشارفَ الشام ، وکان یَعْشُر من مَرَّ به ، فخرجَ فی تجاره إلی الشام ومعه ذَهَبَه قد

ص: 155

جعلها فی دَبِیل وألقَمَها شارفاً له ، فنظر إلیها زنباعٌ تَذرِف عیناها فقال : إنّ لها لشأناً. فنحرها ووجد الذهبهَ ، فعَشَرها ، فقال عمر هذا البیت.

وفی حدیث آخر أن عُمر أخذ قَدَحَ سَویقٍ فشرِبَه حتی قرعَ القدحُ جبینَه. قال إبراهیم : یقال قرعَ الإناء جبههَ الشارِبِ ، إذا استوفَی ما فیه. وأنشد :

کأنَّ الشُّهبَ فی الآذان منها

إذا قَرَعوا بحافتها الجبینا

قال : وفی حدیث أبی أمامه أن النبیَّ صلی الله علیه وسلم قال : «مَن لم یغْزُ أو یجهِّزْ غازیاً أصابه الله بقارعه». قال : وأخبرنی أبو نصر عن الأصمعی : یقال أصابته قارعه ، یعنی أمراً عظیماً یقرعُه. وقال الکسائیّ : القارِعهُ : القیامه. وقاله الفراء.

وقال أبو إسحاق : والقرَّاع : طائر له منقارٌ غلیظ أعقف ، یأتی العُودَ الیابسَ فلا یزال یَقرعُه حتی یدخُلَ فیه. قال : واقتُرِع فلانٌ ، إذا اختیر ، ومنه قیل للفحل قریع.

وقال أبو عمرو : القِراع : أن یأخذ الرجل الناقه الصَّعبهَ فیُربِضَها للفحل فیبسُرها. یقال قرِّع لجملِک. وقریعه الإبل : کریمتها. والمُقْرَع : الفحل یُعقَل فلا یُترک أن یضرب فی الإبل ، رغبهً عنه. قال : وتمیمٌ تقول : خُفَّانِ مُقْرَعانِ ، أی مُنقلان. وأقرعت نعلی وخُفِّی ، إذا جعلتَ علیها رُقعهً کثیفه. قال : والقریع من الإبل : الذی یأخذ بذراع الناقه فینیخها.

وأخبرنی أبو نصرٍ عن الأصمعیّ قال : إذا أسرعت الناقهُ اللَّقَح فهی مِقراع. وأنشد :

تری کلَ مِقراعٍ سریعٍ لقاحُها

تُسِرُّ لِقاحَ الفحل ساعهَ تُقرَعُ

وقرعَ التَّیْسُ العَنْز ، إذا قفطَها.

أبو عبید عن الأمویّ : یقال للضأن قد استوبلت ، وللمعزی استدَرَّت. وللبقر : استقرعت ، وللکلبه : استحرمت.

وقال النضر : القَرْعه : سِمَهُ علی أیبَسِ الساق ، وهی رَکزَهٌ بطرف المِیسَم ، وربَّما قُرعَ قرعهً أو قرعتین. وبعیر مقروع وإبل مقرّعه.

أبو عبید عن الأصمعی : یقال فلان لا یُقرَع ، أی لا یرتدِع. فإذا کان یرتدع قیل رجلٌ قَرِع ویقال أقرعته ، إذا کففتَه.

وقال رؤبه :

دَعنی فقد یُقرِع للأضزِّ

صکَّی حجاجَیْ رأسِه وبَهزی

وقال أبو سعید : یقال فلانٌ مُقْرِعٌ له ومُقْرِن له ، أی مطیق ، وأنشد بیت رؤبه هذا. فقد یکون الإقراع کفّاً ، ویکون إطاقهً. وقال رؤبه فی الکفّ :

أقرعَه عنّی لجامٌ یُلجمُه

أبو عبید عن الفراء : أقرعتُ إلی الحقِ إقراعاً ، إذا رجعتَ إلیه.

وقال ابنُ السکیت : قرَّع الرجلُ مکانَ یده من المائده فارغاً ، أی جعله فارغاً.

أبو عبید عن الفراء : بتُ أتقرَّعُ البارحهَ ، أی أتقلَّب. قال : وقرّعتُ القوم ، أی أقلقتُهم. وأنشد الفراء :

یقرِّع للرجال إذا أتَوه

ولِلنِّسوان إن جئن السَّلامُ

ص: 156

وقال غیره : قرّعتُ الرجلُ إذا وبَّختَه وعذَلته. ومرجعه إلی ما قال الفراء.

واستقرعَ حافرُ الدابه ، إذا اشتدَّ. واستقرع الکرِشُ ، إذا استوکَعَ. والأکراش یقال لها القُرْع. وقال الراعی :

رعَینَ الحَمْضَ حَمضَ خُناصراتٍ

بما فی القُرع من سَبَل الغوَادِی

قیل : أراد بالقُرع غُدراناً فی صلابه من الأرض. والأکراش یقال لها قُرعٌ ، إذا ذهب خَملُها. ومکان أقرع : شدیدٌ صلب ، وجمعه الأقارع. وقال ذو الرّمه :

کَسا الأکمَ بُهَمَی غَضَّهً حبشیّهً

تؤاماً ونُقعانَ الظهور الأقارعِ

ویقال أقرع المسافر ، إذا دنا من منزله.

وأقرعَ دَارَه آجُرّاً ، إذا فرشَها بالآجرّ.

وأقرعَ الشَّرُّ ، إذا دام. وأقرعَ الرجلُ عن صاحبه وانقرعَ ، إذا کفّ.

وفی حدیث علقمه أنه کان یقرِّع غنمَه ، أی یُنْزِی التَّیسَ علیها.

أبو عمرو : القَروع من الرکایا : التی تُحفَر فی الجبل من أعلاها إلی أسفلها. وقال الفرّاء : هی القلیله الماء. وأقرعَ الغائص والمائح ، إذا انتهی إلی الأرض. والقرّاعه والقدّاحه : التی یُقتدح بها النار. والقِراع والمقارعه : المضاربه بالسُّیوف. والقَرْع : حَمْل الیقطین. وکان النبی صلی الله علیه وسلم یحبُ القَرْع. ویقال قوارعُ القرآن : الآیات التی من قرأها أمِنَ ، مثل آیه الکرسیّ وآیات آخر سوره البقره.

وقول الله سبحانه : (وَلا یَزالُ الَّذِینَ کَفَرُوا تُصِیبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَهٌ) [الرّعد : 31] وقیل فی التفسیر : سِرّیهٌ من سَرایا رسولِ الله صلی الله علیه وسلم. ومعنی القارعه فی اللغه : النازله الشدیده تنزِل علیهم بأمرٍ عظیم ؛ ولذلک قیل لیوم القیامه القارعه.

ویقال أنزلَ الله قَرعاءَ وقارعه ومُقْرِعه ، وأنزلَ به بیضاء ومبیضه ، وهی المصیبه التی لا تدَعُ مالاً ولا غیره.

والمِقْرعه : التی یُضرَب بها الدابّه.

والإقراع : صکُّ الحمیر بعضِها بعضاً بحوافرها. وقال رؤبه :

أو مُقْرَعٌ من رکضها دامی الزَّنَقْ

عمرو عن أبیه : القریع : المقروع.

والقریع : الغالب.

ثعلب عن ابن الأعرابی : یقال : قَرَعَ فلانٌ فی مِقْرعهِ ، وقَلَد فی مِقْلده ، وکَرص فی مِکرصه ، وصَربَ فی مِصربه ، کلُّه السِّقاء والزِّقّ. قال : والمِقْرع : وعاءٌ یُجبَی فیه التَّمر ، أی یجمع.

وقال أبو عمرو الشیبانی : یقال إنما قَرَعناک واقترعناک ، وقَرحناک واقترحناک ، ومَخَرْناک وامتَخَرْناک ، وانتضلناک ، أی اخترناک.

ثعلب عن ابن الأعرابی : قَرِع الرجل إذا قُمِر فی النضال. وقَرِع ، إذا افتقرَ. وقرِع ، إذا اتَّعظ.

ابن السکیت : القَرِیعه والقُرعه : خیار المال. ویقال قد أقرعوه ، إذا أعطوه خیرَ النَّهب. ویقال ناقه قریعه ، إذا کان الفحل یکثر ضرابها ویبطیء لقاحها.

ص: 157

رقع : قالوا : الرقیع : الرجل الأحمق ، سمی رقیعاً لأن عقله کأنّه قد أخلقَ واسترمَّ واحتاج إلی أن یُرقَع برُقعه. ورجلٌ مَرْقَعانٌ وامرأهٌ مَرْقَعانه. وقد رقُع یرقُع رقاعه.

ویقال رقَعت الثوب ورقَّعته.

والسماوات السبع یقال لها سبعه أرقعه ، کلُّ سماءٍ منها رَقعت التی تلیها فکانت طَبَقاً لها ، کما یُرقّع الثوب بالرُّقعه. ویقال الرَّقیع : السماءُ الدنیا التی تلی الأرض ، سمِّیت رقیعاً لأنَّها رقِعت بالأنوار التی فیها.

ویقال قَرّعَنی فلانٌ بلومِه فما ارتقعت به ، أی لم أکترثْ له.

ثعلب عن عمرو عن أبیه قال : جوعٌ یَرقُوع ودَیقوع ویُرقوع ، إذا کان شدیداً. ویقال رقَع الغرضَ بسهمه ، إذا أصابه ، وکلُّ إصابهٍ رقْع.

وقال ابن الأعرابی : رَقْعه السَّهم صوتُه فی الرُّقعه. ویقال رقعَه رقعاً قبیحاً ، إذا شتَمه وهجاه. ویقال رقع ذَنَبه بسوطه ، إذا ضربَه. ویقال : بهذا البعیر رُقعهٌ من جرب ونُقبه من جرب ، وهی أوَّل الجرب.

وقال ابن السکیت : یقال ما ترتقع منی برقاعِ ، أی ما تطیعنی ولا تقبل مما أنصحَک به شیئاً. ویقال للذی یزید فی الحدیث : هو صاحب تَبْنیق وترقیع وتوصیل ، وهو صاحبُ رَمِیّهٍ : یزید فی الحدیث.

رعق : أبو العباس عن ابن الأعرابی : الرَّعیق والرُّعاق والوَعیق : الصوت الذی یُسمَع من بطن الدابه ، وهو الوُعَاق. وقال الأصمعی : هو صوت جُردانه إذا تقلقلَ فی قُنْبِه.

وقال اللیث : الرُّعاق : صوتٌ یُسمَع من قُنب الدابّه کما یُسمَع الوعیق من ثَفْر الأنثی. یقال رعَق یَرعَق رُعاقاً. ففرَّق بین الرعیق والوعیق. والصواب ما قاله ابنُ الأعرابیّ.

وقال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد بن حنبل : مَن العاقله؟ فقال : القبیله ، إلَّا أنَّهم یُحمَّلون بقدر ما لا یطیقون ، فإن لم تکن عاقله لم یُجعَل فی مال الجانی ولکن یُهدر عنه. وقال إسحاق : إذا لم تکن العاقله أصلاً فإنه یکون فی بیت المال ولا تُهدر الدیهَ.

قلت : والعَقْل فی کلام العرب : الدِّیه ، سمیت عَقلاً لأن الدیَه کانت عند العرب فی الجاهلیه إبِلاً ، وکانت أموالَ القوم التی یرقئون بها الدماء ، فسمِّیت الدیه عَقْلاً لأنّ القاتل کان یکلَّف أن یسوق إبل الدیه إلی فِنَاء ورثه المقتول ، ثم یعقلها بالعُقُل ویسلمها إلی أولیائه. وأصل العقل مصدر عقلت البعیر بالعقال أعقله عقلاً ، والعِقال : حبل یُثنَی به ید البعیر إلی رکبتیه فیشدُّ به.

وقضی رسول الله صلی الله علیه وسلم فی دیه الخطأ المحض وبشِبه العمد أن یغرمَها عَصَبهُ القاتل ویُخرج منها ولده وأبوه فأمّا دیه الخطأ المحض فإنها تقسم أخماساً : عشرین بنتَ مخاض ، وعشرین بنت لبون ، وعشرین ابن لبون ، وعشرین حِقّه ، وعشرین جذعه. وأما دیه شبه العمد فإنَّها تغَلّظ ، وهی مائه بعیر أیضاً ، منها ثلاثون حقه ، وثلاثون جذعه ، وأربعون ما بین ثنیه إلی بازلِ عامِها ، کلُّها خَلِفه فعصبه القاتل إن کان القتل خطأ محضاً غرِموا الدیه لأولیاء القتیل أخماساً کما وصفت ، وإن کان القتْل شبه العمد غَرِموها مغلَّظه کما وصفت فی ثلاث سنین ، وهو العَقْل ، وهم العاقله.

ویقال عقلتُ فلاناً ، إذا أعطیت دیتَه ورثتَه. وعقلتُ عن فلان ، إذا لزمتْه جنایهٌ فغرِمتَ دیتَها عنه. وهذا کلام العرب.

وروی عن الشعبی أنه قال : «لا تعقل العاقله عمداً ولا عبداً ولا صُلحاً ولا اعترافاً». المعنی أنّ القتل إذا کان عمداً محضاً لم تلزم الدیهُ عاقله القاتل ؛ وکذلک إنْ صُولح الجانی من الدیه علی مالٍ بإقرار منه لم یلزم عاقلتَه ما صُولح علیه. وإذا جنی عبد لرجلٍ حرّ علی إنسان جنایه خطأً لم تغرم عاقلهُ مولاه جنایه العبد ، ولکنه یقال لسیّده : إمّا أن تسلّمه برمّته إلی ولیّ المقتول أو تفدیه بمالٍ یؤدّیه من عنده. وقیل معنی قوله : «لا تعقل العاقله عبداً» أن یجنی حرٌّ علی عبدٍ جنایه خطأ فلا یغرم عاقلهُ الجانی ثمنَ العبد. وهذا أشبه بالمعنی. ورواه بعضهم : «لا تعقل العاقله العَمْد ولا العبد».

وقال سعید بن المسیب فی تابعِیه من أهل المدینه : المرأه تُعاقل الرجل إلی ثلث دیتها ، فإذا جازت الثلث رُدّت إلی نصف دیه الرجل. ومعناه أنّ دیه المرأه فی أصل شریعه الإسلام علی النصف من دیه الرجل ، کما أنها ترث نصفَ ما یرث الذکر ، فجعلها سعید بن المسیب جراحَها مساویهً جراحَ الذَّکر فیما دون ثلث الدیه ، تأخذ کما یأخذ الرجل إذا جُنِی علیه ، فلها فی إصبع من أصابعها عشر من الإبل کإصبع الرَّجل ، وفی إصبعین من أصابعها عشرون من الإبل ، وفی ثلاث أصابع

ص: 159

ثلاثون کالرَّجل. فإذا أصیب أربعٌ من أصابعها رُدّت إلی عشرین لأنَّها جاوزت ثلث الدیه فردّت إلی عشرین لأنّها جاوزت ثلث الدیه فردّت إلی النصف مما للرجل. وأمّا الشافعی وأهل الکوفه فإنهم جعلوا فی إصبع المرأه خمساً من الإبل ، وفی إصبعین لها عشراً. ولم یعتبرِ الثلث الذی اعتبره ابن المسیب.

وفی حدیث أبی بکر الصدیق أنه قال حین امتنعت العرب من أداء الزکاه إلیه بعد موت النبی صلی الله علیه وسلم : «لو منعونی عِقَالاً ممّا أدَّوا إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم لقاتلتهم علیه». قال أبو عبید : قال الکسائی : العِقال صَدَقه عام ، یقال أخذَ منهم عقال هذا العام ، إذا أُخِذَتْ منهم صدقتُه. وأنشد غیره لعمرو بن العَدّاء الکلبی :

سَعَی عِقالاً فلم یَترکْ لنا سَبَداً

فکیف لو قد سعی عمرو عِقالینِ

لأصبحَ الحیُّ أوباداً ولم یجدوا

عند التفرُّق فی الهیجا جِمالینِ

وقال بعضهم : أراد أبو بکر رَضی الله عنهُ بالعِقال الحبل الذی کان یُعقَل به الفریضه التی کانت تؤخذ فی الصدقه ، إذا قبضها المصدِّق أخذَ معها عِقالاً یعقلها به.

وذلک أنه کان علی صاحب الإبل أن یؤدّی علی کلّ فریضهٍ عِقالاً تُعقَل به ، ورِواءً ، أی حبلاً.

ویقال : فلانٌ قَیدُ مائه ، وعِقالُ مائه ، إذا کان فداؤُه إذا أسر مائه من الإبل. وقال یزید بن الصَّعِق :

أساور بَیض الدار عین وأبتغی

عقال المئینَ فی الصَّباح وفی الدهرِ

وقال أبو عبید : قال الأصمعیّ : یقال عَقَلَ الرجلُ یَعقِل عَقلاً ، إذا کان عاقلاً. وقال غیره ؛ سمِّی عقلُ الإنسان - وهو تمییزه الذی به فارق جمیعَ الحیوان - عقلاً لأنّه یعقله ، أی یمنعه من التورُّط فی الهَلَکه ، کما یعقل العقالُ البعیرَ عن رکوب رأسه. وقیل إن الدیّه سمِّیت عقلاً لأنها إذا وصلت إلی ولیّ المقتول عقلَتْه عن قتل الجانی الذی أدَّاها ، أی منَعتْه. وقال الأصمعیّ : عقّل الظبیُ یَعقِل عُقولاً ، أی امتنع ؛ وبه سمِّی الوَعِل عاقلاً. ومنه المَعقِل ، وهو الملجأ. وعقل الدواء بطنَه یعقله عقلاً ، إذا أمسکه بعد استطلاقه ویقال : أعطنی عَقلاً ، فیعطیه دواء یُمسِک بطنه.

وقال ابن شمیل : إذا استَطْلَق بطنُ الإنسان ثم استمسک فقد عَقَل بطنُه ، وقد عقل الدواءُ بطنَه ، سواء. ویقال القومُ علی مَعاقلهم الأولی من الدِّیه ، أی یؤدُّونها کما کانوا یؤدّونها فی الجاهلیّه ، واحدتها معقُله. وعقل المصدِّقُ الصدقَه ، إذا قبضَها. ویقال لا تشتر الصَّدقه حتّی یعقلها المصدّق ، أی یقبضها. ویقال ناقه عَقْلاء وبعیر أعقل بیِّن العَقَل ، وهو أن یکون فی رجله التواء. والعُقّال : أن یکون بالفرس ظَلْعٌ ساعهً ثم ینبسط. وقد اعتقل فلانٌ رمحَه ، إذا وضعَه بین رکابه وساقِه. واعتقل الشاهَ ، إذا وضعَ رجلیها بین فخذه وساقه فحلبَها. ویقال لفلان عُقلهٌ یَعقِل بها

ص: 160

الناسَ ، یعنی أنّه إذا صارعَهم عقلَ أرجلَهم ، ویه الشَّغزَبیَّه والاعتقال.

قال : وقال غیر واحد : العَقْل : ضربٌ من الوشی. والعقیله : الکریمه من النساء والإبل وغیرها ، والجمیع العقائل. وعَقَل الظلُّ ، إذا قام قائم الظهیره. ویقال اعتقل فلانٌ الرحْلَ ، إذا ثنَی رجله فوضَعها علی المورک. وقال ذو الرمه :

أطَلْتُ اعتقالَ الرَّحلِ فی مدلهمَّهٍ

إذا شرَک الموماه أودَی نظامُها

أی خفیت آثار طرقها.

ویقال تعقَّل فلانٌ قادمه رحلِهِ ، بمعنی اعتقله. وقال النابغه :

متعقّلین قوادمَ الأکوارِ

وسمعت أعرابیّاً یقول لآخر : تعقَّلْ لی بکفَّیک حتَّی أرکبَ بعیری. وذلک أنّ بعیره کان قائماً مثقلاً ، ولو أناخه لم ینهض به وبِحِمله ، فجمع له یدیه وشبَّک بین أصابعه حتَّی وضع فیهما رِجلَه ورکب.

ویقال اعتقِل لسانه ، إذا لم یقدر علی الکلام. وقال ذو الرمّه :

ومعتقل اللسان بغیر خَبْلٍ

یَمید کأنّه رجلٌ أمیمُ

قال أبو سعید : یقال عقلَ فلاناً وعَکَله ، إذا أقامَه علی إحدی رجلیه ، وهو معقولٌ منذ الیوم. وکلُ عقلٍ رَفْع. وصار دم فلانٍ مَعقُلهً علی قومه ، إذا غَرِموه. ویقال اعتقل فلانٌ من دم صاحِبِه ومن طائلته ، إذا أخذ العَقْل. والمعاقل : حیث تُعقل الإبل.

وعقَلت المرأه شَعْرها ، إذا مَشَطته.

والماشطه : العاقله. والدُّره الکبیره الصافیه عَقِیله البحر والمعقول : العقل ، یقال ما له معقول ، أی ما له عقل.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابیّ قال : العقل : التثبُّت فی الأمور. والعقل القلب ، والقلب : العقل.

اللیث : العَقْل : المعقِل ، وهو الحِصن ، وجمعه عقول ، وأنشد :

وقد أعددت للحدثَانِ حِصناً

لوَ انّ المرء ینفعه العُقولُ

قلت : أُراه أراد بالعقول التحصُّن فی الجبل ؛ یقال وَعِلٌ عاقل ، إذا تحصّنَ بوَزَرِه عن الصیَّاد. ولم أسمع العَقْل بمعنی المَعقِل لغیر اللیث.

وعاقلٌ : اسم جبلٍ بعینه. وبالدَّهْنَاء خَبْرَاءُ یقال لها مَعقُله. قلت : وقد رأیتها وفیها حوایا کثیرهٌ تمسِک ماءَ السماء دهراً طویلاً. وإنما سمِّیت مَعْقُله لإمساکها الماء.

وعواقیل الأدویه : دراقیعها فی معاطفها ، واحدها عاقول.

والقعنقل من الرمل : ما ارتکم وتعقّلَ بعضه ببعض ، ویجمع عَقنقَلاتٍ وعَقاقِل. وقال ابن الأعرابی : عقنقل الضَّبّ : کُشْیتُه فی بطنه.

ویقال لفلانٍ قلبٌ عقول ولسانٌ سَئول.

وفی حدیث الدجال وصفته : «ثم یأتی الخِصْبُ فیعقِّل الکَرْمُ».

روی سلمه عن الفراء أنه قال فی قوله «یعقِّل الکرم» قال : معناه أنه یخرج

ص: 161

العُقیَّلَی - وهو الحِصرِم - ثم یمجَّج ، أی یَطِیب طعمُه.

ویقال أعقلتُ فلاناً ، أی ألفیتُه عاقلاً.

وعقّلت فلاناً أی صیّرته عاقلاً.

ومَعقِل : اسم رجل ، وکذلک عَقیلٌ ، وعُقیل.

علق : أبو عبید عن الفراء قال : القامه هی العَلَق ، وجمعه أعلاقٌ. وأنشد :

عیونها خُزرٌ لصوت الأعلاقْ

قلت : العَلق : اسمٌ جامع لجمیع آلات الاستقاء بالبکَره ، ویدخل فیه الخشبتانِ اللَّتان تُنصَبان علی رأس البئر ، ویُلاقَی بین طرفیهما العالیین بحبلٍ ، ثم یوتَّدان علی الأرض بحبل آخر یمدُّ طرفاه إلی الأرض ، ویمدّان إلی وتدین أُثبتا فی الأرض ، وتعلَّق القامه - وهی البَکَره - مِن شُعبتی طرفی الخشبتین ، ویستقی علیها بدلوین ینزِع بهما ساقیان. ولا یکون العَلَق للسَّانیه. وجمله الأداه من الخطَّاف والمِحور والبکره والنعامتین وحِبالها عَلقَ هکذا خفظتُه عن العرب.

وأخبرنی المنذری عن ثعلب عن ابن الأعرابی قال : العَلَق : الحبل المعلَّق بالبکره. وأنشد :

بئس مَقام الشیخ ذی الکرامهْ

مَحالهٌ صرَّارهٌ وقامه

وعَلَقٌ یزقو زُقاء الهامه

قال : لما کانت البکره معلَّقه فی الحبل جعل الزُّقاءُ له ، وإنّما هو للبکره. قال : والعَلَق : الحبل الذی فی أعلی البکره.

قال : وقوله «کَلِفْتُ إلیکَ عَلَق القِربه» و «عَرَق القِربه». فأمّا علقها فالذی تشدُّ به ثم تعلَّق. وأمّا عَرَقها فأنْ تَعرقَ من جَهدها. قال : وإنما قال : کلِفتُ إلیک عَلَق القربه لأنّ أشدّ العمل عندهم السَّقی.

وفی الحدیث أنّ امرأهً جاءت بابنٍ لها إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم وقد أعلقت عنه من العُذْره ، فقال : «عَلامَ تَدْغَرن أولادکنَّ بهذه العُلَق ، علیکم بکذا». وقال عثمان بن سعید فی حدیث أمِّ قیس : «دخلتُ علی النبی صلی الله علیه وسلم بابنٍ لی وقد أعلقْتُ عنه». قال : قال علی بن المدینی : قال سفیان : حفظتُه من فی الزُّهری : «وقد أعلَقتُ عنه».

قلت : والإعلاقُ : معالجه عُذْره الصبیّ ورفْعُها بالإصبع. یقال أعلقَتْ عنه أمُّه ، إذا فعلَتْ ذلک به وغمزَتْ ذلک الموضع بإصبعیها ودفعتْه.

وقال ابن الأعرابیّ فیما روَی عنه أبو العباس : أعلقَ ، إذا غَمَزَ حلْقَ الصبیِّ المعذور ؛ وکذلک دَغَرَ. قال : والعُلُق : الدواهی. والعُلقُ : المنایا أیضاً. والعُلُق أیضاً : الأشغال.

وقال الله عزوجل : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَهَ عَلَقَهً) [المؤمنون : 14] ، العَلَقه : الدم الجامد الغلیظ ، ومنه قیل لهذه الدابَّه التی تکون فی الماء عَلَقه ، لأنّها حمراء کالدم. وکلُّ دمٍ غلیظٍ عَلقٌ.

ویقال عَلِق العَلَق بِحنَک الدابّه یَعْلَق عَلَقاً ، إذا عضَّ علی مَوضع العُذره من حلقه یشربُ

ص: 162

الدم. وقد یُشرَط موضعُ المحاجم من الإنسان ویرسَل علیه العَلَق حتی یمصَّ دمَه.

قال : والمعلوق من الدوابّ والناس : الذی أخذَ العلقُ بحَلْقه عند شُربه الماء من عینٍ أو غیره.

ویقال عَلِق فلانٌ فُلانهَ ، إذا أحبَّها ؛ وقد عُلِّقها تعلیقاً ، وهو معلَّق القلبِ بها.

والعَلَاقه : الهوی اللازمُ للقلب.

والعِلاقه بالکسر : عِلاقه السیف والسَّوط.

ویقال : عَلِق فلانٌ یفعل کذا ، کقولک : طفِق یفعل کذا.

ویقال جاء بعُلَقَ فُلَقَ. وقد أعلقَ وأفلقَ ، إذا جاء بالداهیه. وعُلَق فُلَق لا ینصرف. حکاه أبو عبید عن الکسائی.

الحرّانیُّ عن ابن السکِّیت : ناقه عَلوقٌ ، إذا رئمت بأنفها ومنعَتْ دِرّتها. وأنشد للجعْدیّ :

وما نَحَنِی کمِناح العَلُو

قِ ما تَرَ من غِرّهٍ تضربِ

یقول : أعطانی من نفسه غیر ما فی قلبه ، کالناقه التی تُظهِر بشمِّها الرأمَ والعطف ، ولم ترأمْه.

أبو عبید عن الکسائی : المَعَالق من الإبل مثل العَلوق. وأنشد غیره :

أم کیف ینفع ما تعطی العَلوقُ به

رئمانَ أنفٍ إذا ما ضُنَّ باللَّبنِ

وقال ابن السکیت : العَلِیقه : الناقه یعطیها الرجلُ القومَ یمتارون ، ویعطیهم دراهمَ لیمتاروا له علیها. وأنشد :

أرسلَها علیقهً وقد علِمْ

أنَ العَلیقاتِ یُلاقین الرَّقِمْ

یعنی أنَّهم یودّعون رِکابهم ویخفِّفون عنها بهذه العلیقه یرکبونها.

وقال غیره : یقال للدابّه عَلوقٌ. والعَلوق :

المَغْره أیضاً. والعَلوق : نبت. وقال الأعشی :

هو الواهب المائه المصطفا

ه لاطَ العَلوقُ بهنَّ احمرارا

أی حسَّن هذا النبتُ ألوانَها.

وقال أبو الهیثم : العَلوق : ماء الفحل ، لأنَّ الإبلَ إذا عَلِقَتْ وعقَدت علی الماء انقلبت ألوانُها واحمرَّت ، فکانت أنفَسَ لها فی نفْس صاحبها.

وفی الحدیث : «أرواح الشُّهداء فی أجواف طَیرٍ خُضْرٍ تَعلُق من ثمار الجنّه» ، قال أبو عبید : قال الأصمعیّ : تعلُق یعنی تَنَاوَلُ بأفواهها. یقال علقَتْ تعلُق عُلوقاً.

وأنشد :

إنْ تدنُ من فَنَنِ الألاءه تعلُقِ

الأصمعیّ : المِعْلق : قَدَحٌ یعلِّقه الراکب منه ، وجمعه مَعَالق.

أبو عبید عن الأحمر : حدیثٌ طویل العَوْلق ، أی طویل الذَّنَب.

ویقال فلانٌ عِلْقُ علمٍ ، وطِلبُ علمٍ ، وتِبعُ علم.

والعُلْقه من الطعام والمرکب : ما یُتبلَّغ به وإن لم یکن تامّاً. ومنه قولهم : «ارضَ من

ص: 163

المرکب بالتعلیق» ، یضرب مثلاً لرجلٍ یؤمر بأن یقنعَ ببعض حاجته دون تمامها ، کالراکب علیقهً من الإبل ساعهً بعد ساعه. ویقال : هذا الکلأ لنا فیه عُلقه أی بُلْغه. وعندهم عُلقهٌ من متاعهم ، أی بقیّه. والعُلْقه من الطعام : القلیل الذی یُتَبَلَّغ به. وقال ابن السکیت : العَلْقَی : نبت. وبعیرٌ عالقٌ : یَرَعَی العَلْقَی. قال : ویقال ما فی الأرض عَلَاق ، وما فیها لَبَاقٌ ، أی ما فیها مُرتَقَع ، ویقال ما فیها ما یتبلَّغ به. وقال :

لیسَ إلّا الرّجیعَ فیها عَلَاقُ

الرَّجیع : الجِرَّه.

وقال الله عزوجل فی صفه المرأه التی لا یُنصِفها زوجُها ولا یُحسِن مُعاشرتَها ولا یخلِّی سبیلَها : (فَتَذَرُوها کَالْمُعَلَّقَهِ) [النِّساء : 129]. وامرأهٌ معلَّقهٌ ، إذا لم یُنفقْ علیها زوجُها ولم یطلِّقْها ، فهی لا أیِّمٌ ولا ذاتُ بعل.

ویقال علّق فلانٌ لراحلته ، إذا فسخَ خِطامها عن خَطْمها وألقاه علی غاربها فیکون أهنأ لرعیها.

والعِلْقه : الإتْب ، یلبسها نساء الأعراب وقال ابن السکیت : العِلْق : الشیء النفیس. قال : والعَلْق فی الثَّوب : ما عَلِق به. یقال هذا الشیء عِلْق مَضَنّهً ، أی یُضَنَّ به ، وجمعه أعلاق. ویقال ما علیه عِلقه ، إذا لم یکن علیه ثوب له أدنی قیمه. وقال أبو العباس العِلقه : الصُّدرَه تلبسها الجاریه تتبذَّل به. ویقال فلانٌ ذو معلاقٍ وفلان مِفلاقٌ ، إذا کان شدیدَ الخصومه ، ومنه قول مهلهِل یرثی کلیباً :

إنّ تحتَ الأحجار حزماً وعزماً

وخصیماً ألدَّ ذا مِعلاقِ

ومِعلاق الرجُل : لسانه إذا کان جَدِلاً. ویقال للمِعلاق مُعلوق ، وهو ما یعلَّق علیه الشیء. وقال اللیث : أدخَلوا علی المعلوق الضمه والمدّه ، کأنّهم أرادوا حدَّ المُدهُن والمنخُل ثم أدخلوا علیه المدَّه. وکلُّ شیء عُلِّق به شیء فهو مِعلاقُه. قال : وفرقُ ما بین المعلاق والمِغْلاق أنَّ المغلاق یفتح بالمفتاح ، والمعلاق یعلَّق به الباب ثم یدفع المعلاق من غیر مفتاح فینفتح. یقال علِّق البابَ وأزلجْه. قال : ویکون تعلیق الباب ترکیبه ونصبه.

وقال اللیث : والعَولَق : الغُول. وکلبه عَولقهٌ : حریصه. وقال الطرِمّاح :

عَوْلَقُ الحِرصِ إذا أمشَرَتْ

ساوَرَتْ فیه سُؤورَ المَسَامْ

والعَلیق : القَضیم یعلق علی الدابّه. قال : ویقال للشراب علیق. وأنشد لبعض الشعراء وأظنه شعراً مصنوعاً :

اسقِ هذا وذا وذاک وعلِّقْ

لا تسمِّ الشرابَ إلّا علیقا

ویقال للشیخ : لقد عَلِقَ الکِبَرُ منه مَعالِقَه ، جمع مَعلق. ومعالیق العقود والشُّنوف : ما یُجعل فیها من کل ما یحسُن فیها.

والعُلَّیق : نبات معروف یتعلَّق بالشجر ویلتوی علیه.

وقال ابن السکیت : العَلوق : ما یعلق بالإنسانِ. قال : والمنیّهُ عَلوق. وقال

ص: 164

المفضَّل النُّکری :

وسائلهٍ بثعلبهَ بنِ سَیرٍ

وقد علقتْ بثعلبهَ العَلوقُ

ومَعالیقُ : ضربٌ من النَّخل معروف. وقال الراجز یصفه :

لئن نجوتُ ونَجتْ معالیقْ

من الدَّبا إنّی إذا لمرزوقْ

أبو الحسن اللحیانی : سلق فلانٌ فلاناً بلسانِه وعَلَقه ، إذا تناولَه.

وقال ابن شمیل : یقال لفلان فی هذه الدار عِلاقه ، أی بقیّهُ نصیبٍ. والدَّعوی یقال لها عِلاقه. وقال ابن السکیت : بعیرٌ عالق : یرعی العَلَقی. وبعیر عالقٌ : یعلُق العضاهَ ، أی ینتِف منها ، سمِّی عالقاً لأنه یعلُق العضاهَ لطُوله.

لعق : یقال لعِقتُ الشیء ألعَقُه لَعْقاً. واللَّعوق : اسم کلِّ ما یُلعَق من دواء أو عسَل أو غیره. والمِلعقه : ما یُلعَق به. واللُّعقه : الشیء القلیل منه. ولَعِقتُ لَعقه واحده. واللُّعاق : ما بقیَ فی فِیکَ من طعامٍ لعِقتَه.

وفی الحدیث «إنّ للشیطان لَعوقاً» ، واللَّعوق : اسم لما تلعقُه.

أبو عبید عن الفراء : یقال للرجل إذا مات : قد لَعِق إصبَعَه. ویقال قد ألعقتُه من الطَّعام ما یَلعقُه ، إلعاقاً.

وقال ابن درید : اللَّعْوَقه : سُرعه الإنسان فیما أخذَ فیه من عمل وخِفّهٌ فیما أهوی. ورجلٌ لَعْوَقٌ : مسلوس العقل.

لقع : أبو عبید عن الفرَّاء قال : اللُّقاعه والتِّلقَّاعه : الکثیر الکلام. وقال غیره : اللُّقَّاعه : الدَّاهیه من الرجال. ویقال لَقَعه بالبعره ، إذا رماه بها ، ولقعَه بعینه ، إذا أصابه بها. وفی حدیث سالم بن عبد الله بن عمر أنّه دخل علی هشام بن عبد الملک فقال له : إنّک لذو کُدْنه ، فلما خرجَ من عنده أخذته قفقفهٌ ، أی رِعده ، فقال لصاحبه : أتُری الأحول لقَعَنی بعینه؟ یعنی هشاماً أنّه أصابه بعینه. وکان أحْوَل.

وقال اللیث : اللِّقَاع : الکساء الغلیظ.

قلت : هذا تصحیف ، والذی أَراده اللِّفاع بالفاء ، وهو کساءٌ یُتلفَّع به. ومنه قول أبی کبیر یصف ریش النَّسر :

حَشْرِ القوادِم کاللِّفَاع الأطحَلِ

وقال أبو عبیده : فلانٌ لُقَعه ، للذی یتلقّع الکلامَ ولا شیء وراء الکلام. وامرأهٌ مِلقَعهٌ : فحّاشه. وأنشد :

وإن تکلَّمتِ فکونی مِلقَعه

ثعلب عن ابن الأعرابی : یقال التُقِع لونُه ، والتُفع لونه ، واستُفِع لونه ، ونُطِع وانتُطِعَ ، واستُنطِع لونه ، بمعنًی واحد.

وقال ابن شمیل : إذا أخذ الذباب شیئاً بمُتْکِ أنْفِه من عسل وغیره قیل لقَعه یلقَعُه وقال غیره : مرّ فلانٌ یلقَع ، إذا أسرع.

وقال بعض الرجّاز :

صَلَنْقَعٌ بلَنْقعُ

وَسطَ الرِّکاب یَلقع

وقال اللحیانی : التُقِع لونُه ، والتُمِع لونُه ، إذا تغیَّر لونُه.

قلع : روی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال : «لا یدخل

ص: 165

الجنهَ قَلَّاعٌ ولا دَیْبوب». قال أبو العباس : سمعت ابن نجده یقول : قال أبو زید : القَلَّاع : الساعی بالرجل إلی السُّلطان بالباطل. قال : والقَلّاع : القوّاد. والقلَّاع : النّباش. والقلّاع : الکذاب. قال : وقال ابن الأعرابیّ : القَلَّاع : الذی یقع فی الناس عند الأمراء ، سمِّی قلَّاعاً لأنه یأتی الرجل المتمکّن عند الأمیر ، فلا یزال یقع فیه ویَشِی به حتَّی یقلعَه ویُزیلَه عن مرتبته. والدّیبوب : النّمام القَتَّات.

وقال اللیث : یقال : قد أقلعوا بهذه البلاد قِلاعاً ، إذا ابتَنوها. وأنشد فی صفه السُّفن :

مَواخرٌ فی سَواءِ الیمِ مُقْلَعهٌ

إذا علَوْا ظهرَ قُفٍّ ثُمّت انحدروا

قال : شبَّهها بالقلعه. أُقلِعتْ : جُعِلت کأنَّها قلعه.

قلت : أخطأ اللیث فی تفسیر قوله مُقْلَعه أنّها جُعِلت کالقلعه وهی الحِصن فی الجبل. والسُّفن المُقلَعه : التی سوِّیت علیها القِلاع ، وهی الشِّراع والجِلال التی إذا رُفعت ساقت الریحُ السفینهَ بها.

وأخبرنی أبو الفضل عن أبی العباس عن ابن الأعرابی أنه قال : القِلاع : شِراع السفینه ، والجمیع : القُلُع. قال : والقُلَاع والخُرَاع واحد ، وهو أن یکون صحیحاً فیقعَ میتاً ، یقال انقلع وانخرعَ. قال : والقَلْع : الکِنْف تکون فیه الأدوات. قال : ومن أمثالهم : «شحمِی فی قَلْعی» ، والجمیع قلعه وقلاع. قال : ومعنی قولهم «شحمی فی قلعی» مثلٌ لمن حصَّل ما یرید قال : وقول عمر فی ابن مسعود : «کُنَیْفٌ ملیء عِلماً» شبّه عمر قلب ابن مسعود بکِنْف الراعی ، لأنَّ فیه مِبراتَه ومِقَصَّیْه وشَغِیزته ونُصُحَه ، ففیه کلُّ ما یرید. هکذا قلْبُ ابن مسعود قد جمع فیه کلّ ما یحتاج إلیه الناسُ من العلوم.

وقال ابن الأعرابی : القَلَعه : السَّحابه الضخمَه ، والجمیع قَلَع. والحجاره الضَّخمه هی القَلَع أیضاً. قال : والقَلْعه : الحصن ، وجمعه قُلوع قال : والقُلَّاع : الحجاره والقِلْع : الرجل البلید الذی لا یفهم. والقِلْع : الذی لا یثبت علی الخیل.

وفی حدیث النبی صلی الله علیه وسلم وصفته ، أنه «کان إذا مشی تَقَلَّع» ، وفی حدیث ابن أبی هاله : «إذا زال زال قَلِعاً» ویروی «قُلْعاً» والمعنی واحد ، أراد أنَّه کان یُقلُّ قَدَمَه علی الأرض إقلالاً بائناً ویباعد بین خُطاه ، لا کمن یمشی اختیالاً وتنعُّماً.

أبو العباس عن ابن الأعرابی قال : القَلُوع : القوس التی إذا نُزِع فیها انقلبت وقال غیره : القَلوع : النَّاقه الضَّخمه الثَّقیله ، ولا یقال للجمل ؛ وهی الدَّلوح أیضاً. والقَیلع : المرأه الضخمه الجافیه. قلت : وهذا کلُّه مأخوذٌ من القَلَعه وهی السَّحابه الضخمه. وکذلک قَلَعه الجبل والحجاره.

وقال الفراء : یقال مَرْج القَلَعه : للقریه التی دون حُلوانِ العراق ، ولا یقال مرج القَلْعه.

وقال أبو عبید : قال الأصمعی : القَلَع :

ص: 166

الوقت الذی تُقلِع فیه الحمَّی. والقُلُوع : من الإقلاع. وأنشد :

کأنّ نَطاه خَیبرَ زوّدَتْه

بَکورَ الوِرد ریِّثهَ القُلوعِ

ونَطاه خَیبر : قریه منها علی عین ماء مُؤبٍ ، وهی کثیره الحمّی.

أبو عبید عن الفراء قال : القُلّاعه والقُلَاعه ، یشدّد ویخفّف ، هما قِشْر الأرض الذی یرتفع من الکمأه فیدلُّ علیها ، وهی القِلْفِعه.

وقال اللیث : القُلَّاع : الطین الذی یتشقق إذا نضَب عنه الماء ، کلُّ قطعه منها قُلّاعه.

وقال ابن الأعرابی : القُلّاع : نبتٌ من الجَنْبه ، ونِعم المرعی هو رطباً کان أو یابساً. رواه ابن حبیب عنه. والقُلَاع بالتخفیف من أدواء الفم والحلق.

ویقال أقلعَ الرجلُ عن عمله ، إذا کفَّ عنه. وأقلعت السماء بعدما مَطَرت ، إذا أمسکت.

وقال أبو عبیده : دائره القالع هی التی تکون تحت اللِّبْد ، وهی لا تُستَحبّ.

الحرّانی عن ابن السکیت قال : القَلْعان هما من بنی نُمیر ، وهما صَلَاءهُ وشُریحٌ ابنا عمرو بن خَوَیلفه بن عبد الله بن الحارث بن نُمیر. وأنشد :

رغبنا عن دماء بنی قُریعٍ

إلی القَلْعَینِ إنّهما اللُّبابُ

وقلنا للدَّلیل أقِمْ إلیهم

فلا تلغَنی بغیرهم کلابُ

قعل : قال ابن المظفّر : القُعال : ما تناثَرَ من نَور العِنَب وفاغیهِ الحنّاء وأشباهه. وقد أقعَلَ النَّور ، إذا انشقّ عن قُعالته. واقتعله الرجلُ ، إذا استنفضه فی یده عن شجرِه.

وقال غیره : اقعالَّ النَّور بمعنی أقعَلَ.

وقال الأصمعی : القواعل : رؤوس الجبال وقال امرؤ القیس :

عُقابُ یَنُوفَ لا عقابُ القواعلِ

والقیعله : العُقاب التی تسکن قواعل الجبال. وأنشد :

وحلَّقتْ بک العُقابُ القَیعَلهْ

وقال ابن الأعرابیّ : القیعله : المرأه الجافیه الغلیظه العظیمه.

وقال غیره : الاقِعیلال : الانتصاب فی الرکوب. وصخره مُقْعالَّه ، أی منتصبه لا أصل لها فی الأرض.

وقال الأصمعیّ : القَعْوَله فی المشی : أن تُقْبَل إحدی القدمَین علی الأخری. یقال قَعوَلَ فی مشیه قَعوله.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : قَعولَ ، إذا مشَی مِشیه قبیحه. قال : والقَعْل : الرجل القصیر البخیل المشؤوم ، کأنه یَغرِف بقدمیه التراب ، یعنی المقَعْوِل والقَعَل : عود یسمَّی المِشحَط ، یُجعَل تحت سُرُوع القطوف لئلَّا تتعفَّر.

یکون العِقْیانُ فِعیالاً منه ، وهو الذَّهب ، والأقرب إنه فِعلانٌ من عَقی یَعقِی ، والنون زائده.

عنق : قال الله جلّ وعز : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ) [الشُّعَرَاء : 4] أکثر المفسِّرین ذهبوا بمعنی الأعناق فی هذه الآیه إلی الجماعات ، یقال جاء القوم عُنُقاً عنقاً ، إذا جاءوا فرقاً ، کلُّ جماعهٍ منهم عُنق. ومنه قوله :

إن العراقَ وأهلهُ

عنقٌ إلیک فهَیْتَ هَیتا

أراد أنّهم مالوا إلیک جمیعاً. ویقال هم عُنُق واحدٌ علیه ، وإلبٌ واحد. وقیل فی تفسیر الآیه : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ) ، أی رقابهم ، کقولک : ذلّت له رقاب القوم وأعناقهم. وقد مرَّ تفسیر قوله (خاضِعِینَ) علی ما قال فیه النحویون.

والعُنُق مؤنّثه ، وقد ذکّره بعضهم ، قالهُ الفراء وغیره. یقالُ ضُرِبَتْ عنقه. وقال رؤبه یصف السَّراب أو الآل :

تبدو لنا أعلامُه بعد الغَرَقْ

خارجهً أعناقُها من مُعتَنَقْ

ذکر السرابَ وانقماس الجبال فیه إلی ما دون ذُراها. والمعتنق : مخرج أعناق الجبال من السَّراب ، أی اعتنقت فأخرجت أعناقَها.

ویقال عانق الرجلُ جاریته ، وقد تعانقا.

فأما الاعتناق فأکثر ما یستعمل فی الحرب ، ومنه قول زهیر :

إذا ما ضاربوا اعتنقا

وقد یجوز الاعتناق فی غیر الحرب بمعنی التعانق ، وکلٌّ فی کلٍّ جائز.

وروی أبو العباس عن ابن الأعرابیّ قال : العُنُق : الجمع الکثیر من الناس. قال : والعُنق : القطعه من المال. قال : والعنق أیضاً : القطعه من العمل ، خیراً کان أو شراً.

وفی حدیث النبی صلی الله علیه وسلم : «المؤذّنون أطولُ الناسِ أعناقاً یومَ القیامه». قال ابن الأعرابیّ : یقال لفلانٍ عنقٌ من الخیر ، أی قطعه ، فمعناه أنهم أکثر الناس أعمالاً. وقال غیره : هو من طول الأعناق ؛ لأن الناس یومئذٍ فی الکرب وهم فی الرَّوح والنشاط مشرئبّون لما أُعِدَّ لهم من النعیم. وفی حدیث آخر : یخرج عُنُق من النار».

وقد تخفّف العُنُق فیقال عُنْق

والعانقاء : جُحرٌ من جِحَره الیربوع یملؤه تراباً ، فإذا خاف اندسَّ فیه إلی عنقه فیقال : تعنَّق.

قال : وأخبرنی المفضّل أنه یقال لجِحَره الیربوع : الناعقاء والعانقاء ، والقاصعاء ، والنافقاء ، والراهطاء ، والدَّامَاء.

أبو عبید : من أمثال العرب : «طارت بهم العَنْقاء المُغْرِب» ولم یفسِّره ، وقال اللیث : العنقاء : اسم مَلِک ، والتأنیث عنده للفظ العنقاء. وقال غیره : العنقاء من أسماء الداهیه. وقیل العنقاء طائر لم یَبقَ فی أیدی الناس من صفتها غیر اسمها ؛ یقال : «ألوَی به العُنْقاء المُغْرب». وقال أبو زید : العنقاء : أکمه فوق جبل مُشْرف. وقال الزجاج : العنقاءُ المُغْرب : طائر لم یره

ص: 168

أحد. وقال عِکرمه فی قول الله جلّ وعزّ : (طَیْراً أَبابِیلَ) [الفِیل : 3] قال : هی عنقاءُ مُغْرِبه. فهذا جمیع ما جاء فی العنقاء المغرب.

وقال ابن شمیل : إذا خرجَ من النهر ماءٌ فجری فقد خرجَ عُنُق. قال : والعُنُق من الناس الجماعه. وجاء القوم عُنقاً عُنقاً ، إذا جاءوا أرسالاً. وقال الأخطل :

وإذا المِئونُ تواکَلتْ أعناقُها

فاحملْ هناکَ علی فتًی حَمَّالِ

قال ابنُ الأعرابیّ : أعناقها : جماعاتها. وقال غیره : ساداتها. وقال : المِعْنَقه : القلاده. والمَعنَّقه : دویْبَّه. والعَنَق والعَنیق : ضربٌ من السَّیر ، وقد أعنقت الدابّه.

وقال أبو زید : کان ذلک علی عُنُق الدهر ، أی علی قدیم الدَّهر. والعَناق : الأنثی من أولاد المِعزَی إذا أتت علیها السنه ، وجمعها عُنُوق ، وهذا جمعٌ نادر. ویقولون فی العدد الأقل : ثلاث أعنُقٍ وأربعُ أعنُق.

وقال الفرزدق :

دعدِعْ بأعنُقِک التوائِم إنّنی

فی باذخٍ یا ابنَ المراغه عالِی

وقال أوس بن حجر فی العُنوق :

یَصُوع عُنوقَها أحوَی زنیمٌ

له ظَأبٌ کما صَخِب الغریمُ

ومن أمثال العرب : «هذه العُنُوق بعد النُّوق» ؛ یضرب مثلاً للذی یُحَطُّ عن مرتبته بعد الرفعه ، أنَّه صار یرعی العُنوق بعد ما کان یرعی الإبل. وراعی الشاء عند العرب مَهین ذلیل ، وراعی الإبل قویٌّ ممتنع.

وعَنَاق الأرض : دابّه فُویق الکلب الصِّینی یصید کما یصید الفهدُ ویأکل اللَّحمَ ، وهو من السِّباع ، یقال إنّه لیس شیءٌ من الدوابّ یوَبِّر - أی یعفِّی أثره إذا عدا - غیره وغیر الأرنب ؛ وجمعه عُنوقٌ أیضاً ، والفُرْسُ تسمِّیه «سیاه قُوشْ» ، وقد رأیته فی البادیه أسودَ الرأس أبیض سائِره. ورأیت بالدَّهناء شبه منارهٍ عادیّه مبنیَّه بالحجارَه ، ورأیتُ غلاماً من بنی کلیب بن یربوع یقول : هذه عَنَاقُ ذی الرمه ، لأنه ذکرها فی شعره.

وأخبرنی المنذریّ عن ثعلب عن ابن الأعرابی قال : یقال : لقیتُ منه أذُنَیْ عَنَاقٍ ، أی داهیه وأمراً شدیداً. قال : ویقال جاء فلانٌ بأذنَیْ عناق ، أی جاء بالکذب الفاحش. ویقال رجَع فلانٌ بالعَناق ، إذا رجَع خائباً ؛ یوضع العَناقُ موضع الخیبه. وأنشد ابنُ الأعرابیّ :

أمِن ترجیعِ قاریَهٍ ترکتمْ

سَبایاکم وأبتُمْ بالعَنَاقِ

وصفهم بالجُبْن والأعنَق : فحلٌ من خیل العرب معروف ، إلیه تنسب بناتُ أعنقَ من الخیل الجیاد.

وأنشد ابنُ الأعرابی :

تظلُّ بناتُ أعنَقَ مُسْرَجاتٍ

ویروی : «مُسرِجات». قال أبو العباس : اختلفوا فی أعنَقَ ، فقال قائل : هو اسمُ

ص: 169

فرَس. وقال آخرون : هو دِهقانٌ کثیر المال من الدَّهاقین. فمن جعله رجلاً رواهُ : «مُسرَجات» ، ومن جعله فرساً رواه «مُسرَجات».

وفی حدیث مُعاذٍ وأبی موسی أنهما کانا مع النبی صلی الله علیه وسلم فی سفرٍ ومعه أصحابُه فأناخوا لیلهً مُعرِّسین ، وتوسَّد کلٌّ ذراعَ راحلته. قالا : فانتبهْنَا ولم نَرَ رسول الله صلی الله علیه وسلم عند راحلته ، فاتَّبعناه فأخبرنا عَلَیه السَّلام أنّه خُیِّر بین أن یدخل نصفُ أمته الجنّهَ وبین الشفاعه ، وأنَّه اختار الشفاعه. قال : «فانطلقْنا إلی الناس مَعانِیقَ نبشِّرهم» ، قال شمر : قوله معانیقَ أی مُسرعین ، یقال أعنقْتُ إلیه أُعْنِقُ إعناقاً. ورجلٌ مُعْنِقٌ وقومٌ مُعْنِقون ومعانیق. وقال القُطامی :

طرقَتْ جَنوبُ رِحالَنا من مَطْرَقِ

ما کنت أحسبها قریب المُعنَقِ

وقال ذو الرمّه :

أشاقتک أخلاقُ الرُّسوم الدَّوائِرِ

بأدعاص حَوضَی المُعنِقات النوادرِ

قال شمر : قال أبو حاتم : المُعْنِقات : المتقدّمات فیها. قال : والعَنَق والعَنیق من السَّیر معروف ، وهما اسمان مِن أعنقَ إعناقاً.

وفی «النوادر» : أعلقْتُ فی الأرض وأعنقت ، وبلادٌ مُعْلِقه ومُعْنِقه ، أی بعیده.

ووادی العَنَاق بالحِمَی فی أرض غنی.

وقال أبو حاتم : المعَانق هی مُقَرِّضات الأساقی ، لها أطواقٌ فی أعناقها ببیاضٍ ویقال عَنَّقت السحابهُ ، إذا خرجت من معظم الغَیم ، تراها بیضاء لإشراق الشمس علیها. وأنشد شمر :

ما الشُّرب إلّا نَغَباتٌ فالصَّدَرْ

فی یوم غَیمٍ عنَّقَتْ فیه الصُّبُر

وقال ابن شمیل : معانیق الرمال : حِبالٌ صغار بین أیدی الرِّمال ، الواحده مُعْنِقه.

ویقال : أعنقت الثریا ، إذا غابت. وأنشد :

کأنّی حین أعنقَتِ الثریّا

سُقِیتُ الراحَ أو سُمّاً مَدُوفا

وأعنقت النُّجومُ ، إذا تقدّمت للمغیب.

والمُعْنِق : السابق ؛ یقال جاء الفرسُ مُعْنِقاً. ودابهٌ مِعناقٌ : قد أعْنَقَ.

نعق : قال الله عزوجل : (وَمَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُوا کَمَثَلِ الَّذِی یَنْعِقُ بِما لا یَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) [البَقَرَه : 171] قال أهل اللُّغه الفراءُ وغیره النعیق : دعاء الراعی الشاء. یقال انعِق بضأنک ، أی ادعُها. وقد نَعَقَ بها ینعق نعیقاً.

وأخبرنی المنذریّ عن أبی طالب عن أبیه عن الفراء فی قول الله عزوجل : (وَمَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُوا کَمَثَلِ الَّذِی یَنْعِقُ) [البَقَرَه : 171] الآیه قال : أضاف المَثَل إلی الذین کفروا ثم شبههم بالراعی ولم یقل کالغَنَم. والمعنی والله أعلم : مثل الذین کفروا کالبهائم التی لا تفقه ما یقول الراعی أکثر من الصَّوت ، فأضاف التشبیه إلی الراعی والمعنی فی المرعی. قال : ومثله فی الکلام : فلانٌ یخافک کخوف الأسد ، المعنی کخوفه الأسدَ ، لأن الأسد معروف أنّه المخوف.

ص: 170

قلت : ونحوَ ذلک قال أبو عبیده فیما أخبرنی المنذریّ عن الغسّانی عن سلمه عن أبی عبیده :

وقال الزّجاج : ضرب الله لهم هذا المثَل وشبَّههم بالغنم المنعوق بها بما لا تسمع منه إلّا الصَّوتَ ، فالمعنی مثلک یا محمد ومثلهم کمثل الناعق والمنعوق به بما لا یسمع ، لأنّ سمعهم لم یکن ینفعهم ، فکانوا فی ترکهم قبولَ ما یسمعون بمنزله من لم یسمع.

وقال اللیث : یقال نَغَق الغراب ونَعَق ، بالعین والغَین.

قلت : کلام العرب نَغَق بالغین ، ونعق الراعی بالشاء بالعین ، ولم أسمعهم یقولون فی الغراب نَعَق ، ولکنَّهم یقولون نَعَب بالعین.

والناعقان : کوکبانِ من کواکب الجوزاء ، وهما أضوأ کوکبینِ فیها ، یقال إن أحدهما رجلُها الیسری والآخر منکبها الأیمن الذی یسمی الهَنْعه.

قعن : قُعَین حیٌّ من بنی أسَد. وأنشد أبو عبیده :

فداءٌ خالتی وفِدًی خلیلی

وأهلی کلُّهمْ لبنی قُعَین

وقال أبو بکر بن درید : القَعَن : قِصرٌ فاحش فی الأنف. ومنه اسم قُعَین.

قلت : والذی صحّ للثقات فی عیوب الأنف القَعَم بالمیم. روی أبو العباس عن ابن الأعرابی : القَعَم : ضِخَم الأرنبه ونتوءُها وانخفاض القَصَبه. وقال : والقَعَم أحسن من الخَنَس والفَطَس.

قلت : وقد عاقبت العربُ بین المیم والنون فی حروف کثیره لقرب مخرجیهما ، مثل الأیْم والأَیْن ، والغَیم والغَین ، ولا أُبعد أن یکون القَعَم والقَعَن منها.

وقال اللیث : القَیعون من العُشب معروف ، علی بناء فیعول ، وهو ما طال منه. قال : واشتقاقه من قَعن. قال : ویجوز أن یکون قیعون فعلوناً من القَیع کما قالوا زَیْتون من الزیت ، والنون مزیده.

قنع : أبو العباس عن ابن الأعرابیّ قال : أقنَعَ الرجلُ ، إذا صادفَ القِنْعَ ، وهو الرَّمل المجتمع. وقال أبو عبید : القِنْعُ : أسفل الرمل وأعلاه.

وقال الأصمعیّ : القِنْع : متَّسَع الحَزْن حیث یُسهِل. وقال ذو الرّمه :

وأبصرنَ أنَ القِنعَ صارت نِطافُه

فَرَاشاً وأنّ البقل ذاوٍ ویابسُ

قال : ویُجمَع القِنع قِنَعهً وقِنْعاناً.

وقال ابن شمیل : القَنَعه من الرمل : ما استوی أسفلُه من الأرض إلی جَنبه ، وهو اللَّبَبُ وما استرقَّ من الرمل.

وأخبرنی المنذری عن أبی العباس عن ابن الأعرابی قال : قَنِعتُ بما رزقتُ ، مکسوره ، وهی القَناعه. وقَنَعت إلی فلان ، یرید خَضَعت له والتزقْت به وانقطعت إلیه. وقال الله جلّ وعزّ : (وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) [الحَجّ : 36].

وأفادنی المنذریّ عن ابن الیزیدی لأبی زید النحویّ قال : قال بعضُهم : القانع

ص: 171

السائل ، وقال بعضهم : المتعفِّف ؛ وکلٌّ یصلُح. وقال الفراء : القانع : الذی یسألک ، فإذا أعطیتَه شیئاً قَبِله.

وقال أبو عبید فی تفسیر حدیثٍ رواه : «لا یجوز شهاده کذا وکذا ، ولا شهاده القانع مع أهل البیت لهم».

قال : القانع الرجل یکون مع الرجل یطلب فضلَه ویسأل معروفه. قال : ویقال قَنَعَ یقنَع قُنوعاً ، إذا سأل ، وقَنِع یقنَع قناعهً ، إذا رضی ، الأول بفتح النون من قنَع ، والآخر بکسرها من قِنع. وأنشد أبو عبید قول الشماخ :

لمَالُ المرء یُصلِحه فیُغِنی

مفاقرَه أعفُّ من القُنوع

أی من المسأله. وهکذا قال ابن السکیت. ومن العرب مَن أجاز القُنوع بمعنی القِناعه ، وکلام العرب الجیّدُ هو الأوّل.

وقول الله جلّ وعزّ : (مُهْطِعِینَ مُقْنِعِی رُؤُسِهِمْ) [إبراهیم : 43] قال لی أبو الفضل : سمعت أحمد بن یحیی یقول : المُقنِع : الذی یرفع رأسَه ینظر فی ذلّ. قال : والإقناع : رفعُ الرأس والنَّظرُ فی ذُل وخُشوع. ویُروی عن النبی صلی الله علیه وسلم أنه قال فی الدُّعاء : «تُقْنِع یدیکَ فی الدُّعاء» تقنع یدیک فی الدعاء : أی ترفعهما. وقال ابن السکیت : یقال أقنعَ رأسَه ، إذا رفَعه. قال : وأقنعَنی کذا وکذا ، أی أرضانی. قال : وقَنعت الإبل والغنمُ للمرتع ، إذا مالت إلیه ؛ وأقنعتُها أنا. وقال القتیبیّ : المُقْنِع رأسَه : الذی رفَعَه وأقبل بطَرْفه إلی ما بین یدیه. قال : والإقناع فی الصلاه من تمامها. وقال اللیث : الإقناع : أن یُقْنع البعیر رأسَه إلی الحوض لیشربَ منه ، وهو مده رأسَه. قال : والرجل یُقنع الإناء للماء الذی یسیل من شِعْبٍ ، ویُقنِع رأسَه نحو الشیء إذا أقبل به إلیه لا یصرفه عنه. وقال العجاج :

أشرف رَوقاه صَلیفاً مُقْنِعَا

یعنی عنق الثَّور فیه کالانتصاب أمامه. وأقنع الإناء فی النهر ، إذا استقبلَ به جِریهَ الماء. قال : والمُقْنَعه من الشَّاء : المرتفعه الضَّرع لیس فی ضَرعها تصوُّب.

وأخبرنی المنذریّ عن ثعلبٍ عن سلمه عن الفراء : ناقه مقنَعه الضَّرع : التی أخلافُها ترتفعُ إلی بطنها. قال : والمقْنَع من الإبل : الذی یرفع رأسه خِلقه. وأنشد :

بمُقنَعِ من رأسه جُحاشِرِ

وقال ابن شمیل : أقنع فلانٌ رأسَه ، وهو أن یرفعَ بصرَه ووجهَه إلی ما حیالَ رأسِه من السماء. قال : والمقْنِع : الرافع رأسه إلی السماء.

وقال شِمر : قال الغنویّ : الإقناع : أن تضعَ الناقه عُثنونَها فی الماء وترفع من رأسِها قلیلاً إلی الماء ، تجتذبه اجتذاباً.

وقال الأصمعی : المُقنَع : الفم الذی یکون عطفُ أسنانه إلی داخل الفم ، وذلک القویّ الذی یقطع به کلَّ شیء ؛ فإذا کان انصبابُها إلی خارج فهو أَدْفَق ، وذلک ضعیفٌ لا خیرَ فیه. وقال الشماخ یصف الإبل :

یُباکرنَ العِضاهَ بمُقْنَعَاتٍ

نواجذُهنَّ کالحَدَأ الوَقیعِ

وقال ابن میّاده یصف الإبل أیضاً :

ص: 172

تباکر العضاهَ قبل الإشراقْ

بمقنَعاتٍ کقعاب الأوراق

قال : قوله کقعاب الأوراق ، یقول : هی أفتاءٌ فأسنانها بیض. وأما قول الراعی :

زَجِل الحُداء کأنَّ فی حیزومه

قَصَباً ومُقنَعهَ الحنینِ عَجولا

فإنّ عُماره بن عقیل زعمَ أنه عنی بمقْنَعه الحنین النأیَ ؛ لأنّ الزامر إذا زمر أقنعَ رأسه. فقیل له : قد ذکر القصَب مَرَّهً ، فقال : هی ضروب. وقال غیره : أراد وصوت مُقْنَعه الحنین ، فحذف الصَّوت وأقام مقنَعه مقامه. ومن رواه «ومُقْنِعهَ الحنین» أراد ناقهً رفعت حنینها.

وروی الحدیث أن الرُّبیِّعَ بنتَ معوِّذ قالت : «أتیتُ النبی صلی الله علیه وسلم بقناع من رُطبٍ وأَجْرٍ زُغْب» قال أبو عبید : قال أبو زید : القُنْع والقناع : الطبَق الذی یؤکَل علیه الطعام. وقال غیره : وتجعَل فیه الفاکهه.

وقوله «وأجرٍ زُغْب» جمع جَرو ، وأراد بها صِغَار القِثَّاء ، شبّهها بأجْرِی الکلابِ لطراءتها.

ویقال رجلٌ مَقْنَع وقُنْعانٌ ، ورجال مَقانع وقُنعان ، إذا کانوا مرضیِّین. وأنشد أبو عبید :

فقلتُ له بُؤْ بامریءٍ لستَ مثلَه

وإن کنتَ قُنعاناً لمن یطلُب الدَّما

والقِناع والمِقْنعه : ما تتقنَّع به المرأه من ثوبٍ یغطِّی محاسنَها ورأسَها.

وقنّع فلانٌ فلاناً بالسَّوط ، إذا علا به رأسَه. وقنَّعه الشیبُ خِمارَه ، إذا علا رأسَه الشَّیب. وقال الأعشی :

وقنّعه الشیبُ منه خِمارا

وقال اللیث : القَنوع بمنزله الهَبوط بلغه هذیلٍ ، مؤنّثه. وقال المفضّل : إنّه للئیمُ القِنْع بکسر القاف ، إذا کان لئیمَ الأصل. ویقال أقنعَ فلانٌ الصبیّ فقَبَّله ، وذلک إذا وضَعَ إحدی یدیه علی فأس قفاه وجعل الأخری تحت ذَقَنه وأماله إلیه فقبَّله.

وقَنَعهُ الجبل والسَّنام : أعلاهما ؛ وکذلک قَمَعتُهما. ویقال قنَّعت رأس الجبل وقَنَعته ، إذا علوته.

وقال اللیث : المِقنَعه : ما تقنّع به المرأهُ رأسَها. قال : والقِناع أوسع منها.

قلت : ولا فرق بینهما عند العرب ، وهما مثل لِحافٍ ومِلحفه ، وقِرامٍ ومِقرمه.

أبو عبید عن الکسائیّ : القِنعان : العظیم من الوعول.

نقع : أبو عبید عن الأصمعی : النِّقاع ، واحدها نَقْع ، وهی الأرض الحُرَّه الطِّین الطیّبهُ التی لا حزونه فیها ولا ارتفاعَ ولا انهباط. وقال : والقاع مثله. وقال غیره : النِّقاع : قِیعان الأرض. وأنشد الأصمعی :

یَسُوف بأنفیه النِّقاعَ کأنّه

عن الرَّوص من فَرط النَّشاط کعیمُ

قال : ویقال صبغَ فلانٌ ثوبَه بنَقُوع وهو صبغٌ یُجعَل فیه من أفواه الطِّیب.

قال : وسمٌ ناقع : ثابت. وقال ابن الأعرابی : النقیع : السمُّ الثابت. یقال سمٌ منقوع ، ونقیع ، وناقع. وأنشد :

ص: 173

فبتُّ کأنی ساورتنی ضئیله

من الرُّقش فی أنیابها السمُ ناقعُ

وقال غیره : یقال سمٌ مُنْقَع ، وموتٌ ناقع : دائم.

أبو عبید عن أبی زید : نَقَعتُ بالماء ومنه أنقعُ نُقوعاً ، إذا شربَ حتی یروی ، وقد أنقعَنی الماء. قال : وسمعت أبا زید یقول : الطعام الذی یُصنع عند الإملاک : النَّقیعه. یُقال منه نَقَعت أنقَع نُقوعاً.

وقال الفراء : النَّقیعه : ما صَنَعه الرجلُ عند قدومه من السَّفَر ، یقال أنقعتُ إنقاعاً.

وأنشد :

إنّا لنضربُ بالصوارم هامَهم

ضَربَ القُدارِ نقیعه القُدّامِ

وقال شمر : قال ابن شمیل : النقیعه طعام المِلاک. یقال دعَونا علی نقیعتهم. قال : وربَّما نقَعوا عن عدّه من الإبل إذا بلغَتْها ، جَزوراً منها ، أی نَحروه ، فتلک النَّقیعه.

وأنشد :

میمونه الطیر لم تَنعِقْ أشائمها

دائمه القدر بالأفراع والنقُعِ

وقال خالد بن جَنْبه : إذا زُوِّج الرجل فأطعمَ عَیْبَتَه قلنا : نَقَع لهم ، أی نحر.

وقال الأصمعی : النَّقیعه : ما نُحِر من النَّهب قبل القَسْم.

وقال ابن السکیت : النقیعه : المحض من اللبن یبرَّد. حکاه عن بعض الأعراب.

وقال الأصمعیّ : یقال انتقَعَ بنو فلانٍ نقیعهً ، إذا جاءوا بناقهٍ من نهبٍ فنحروها.

قلت : وقد ذکرت اختلافهم فی النَّحیره التی تُدعَی النَّقیعه ، ومأخذها عندی من النَّقْع والنَّحر والقتل ، یقال سمٌ ناقع ، أی قاتل. وقد نقَعه ، إذا قَتله. وأما اللبنُ الذی یبرَّد فهو النَّقیع والنقیعه ، وأصله من أنقعتُ اللبن فهو نقیع ، ولا یقال مُنْقَع ولا یقولون نقعتُه.

وهذا سماعی من العرب.

ووجدت للمؤرّج حروفاً فی الإنقاع ما عِجْتُ بها ، ولا علمتُ ثقهً من رواها عنه. یقال أنقعت الرجل ، إذا ضربتَ أنفَه بإصبعک. وأنقعت المیت ، إذا دفنتَه. قال : وأنقعت البیت ، إذا زخرفتَه. وأنقعت الجاریه ، إذا افترعتَها. وأنقعتُ البیت ، إذا جعلت أعلاه أسفله. قلت : وهذه حروفٌ لم أسمعها لغیر المؤرّج.

وروی عن عمر أنه قال : «ما علی نساء بنی المغیره أن یسفکن من دموعهنّ علی أبی سلیمان ما لم یکن نَقعٌ ولا لقلقه». قال أبو عبید : النَّقع : رفع الصوت. قال لبید :

فمتی یَنْقَع صُراخٌ صادقٌ

یُحْلِبوها ذاتَ جَرسٍ وزَجَلْ

ویروی «یَجْلبوها» ، یقول : متی سمعوا صارخاً ، أی مستغیثاً ، أحلبوا الحربَ ، أی جمعوا لها.

والنَّقع فی غیر هذا : الغبار ، قال الله جلّ وعزّ : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) [العَادیَات : 4] أی غباراً. وقال شمر : قال أبو عمرو : معنی فمتی ینقع صُراخٌ ، أی یرتفع. وقال غیره : یدوم ویثبت. وقال الفراء : یقال نَقَع الصارخ بصوته وأنقع صوتَه ، إذا تابعَه وأدامه.

ص: 174

شمر عن ابن الأعرابی : النَّقْع : الغبار المرتفع. والنَّقْع : الصُّراخ المرتفع. قال شمر : وقیل فی قول عمر : «ما لم یکن نَقع ولا لقلقهٌ» إنه شقّ الجیوب. قال : ووجدت للمرّار الأسَدی فیه بیتاً :

نقَعنَ جیوبهنَّ علیّ حیّاً

وأعددنَ المرائیَ والعویلا

ویقال : فلان مِنْقَع ، أی یُشتَفی برأیه ، أصله من نَقعتُ بالریّ.

وقال أبو عبید : مِنْقع البُرَم : تَوْرٌ صغیر ، وجمعه مَناقع ، ولا یکون إلَّا من حجاره. وقال أبو عمرو : هی المِنْقعه والمِنقع.

وفی حدیث النبی صلی الله علیه وسلم أنّه «نَهَی أن یُمنَع نَقْع البئر» ، قال أبو عبید : نقع البئر : فَضْل مائه الذی یخرج منه أو من العَین قبل أن یصیَّر فی إناءٍ أو وعاء. قال : وفسّره الحدیثُ الآخر : «مَن مَنَعَ فضْل الماء لیمنع به فَضْلَ الکلأ منَعَه الله فضلَه یوم القیامه». قال : وأصل هذا فی البئر یحتفرها الرجلُ بالفلاهِ من الأرض یسقی بها مواشیَه ، فإذا سقاها فلیس له أن یمنع الماء الفاضلَ عن مواشیه مواشی غیره ، أو شارباً یشرب بشفته. وإنما قیل للماء نَقْعٌ لأنه ینقَع به أی یُروی به. یقال : نَقَع بالریّ وبضَع. ویقال : ما نقعت بخبره ، أی لم أشتفِ به.

وقال اللیث : النَّقع : البئر الکثیره الماء ، والجمیع الأنقعه.

ویقال نقع الماء غُلّتَه ، إذا أروی عطشَه.

ومن أمثال العرب : «إنّ فلاناً لشَرَّابٌ بأنقُع» یضرب مثلاً للرجل الذی قد جرّب الأمور وعَرفها ومارسَها حتّی خبرَها. والأصل فیه أنّ الدلیل من العرب فی بادیتها إذا عَرَف المیاه الغامضه فی الفلَوات ووردها وشرِب منها ، حَذِق سُلوکَ الطرق التی تؤدّیه إلی المحاضر والأمواه. والأنقُع : جمع النَّقْع ، وهو کلُّ ماءٍ مستنقِع من ماءٍ عِدٍ أو غدیر.

وقال الأصمعی : نقع الماء ینقع نُقوعاً ، إذا ثبت. والنَّقوع : ما أنقعتَ من شیء. یقال سَقونا نَقوعاً ، لدواءٍ أُنقِعَ من اللیل.

وفی حدیث محمد بن کعب القُرظیّ قال : «إذا استَنقَعتْ نفْسُ المؤمن جاءه مَلَکٌ فقال له السلام علیکَ ولیَّ الله. ثمّ نَزَع هذه الآیه : (الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَهُ طَیِّبِینَ یَقُولُونَ سَلامٌ عَلَیْکُمْ) [النّحل : 32] وقال شمر : قوله إذا استنقعت نفس المؤمن ، قال بعضهم : یعنی إذا خرجَتْ. قال شمر : ولا أعرفها. وقال ابن مقبل :

مستنقِعان علی فضول المِشْفرِ

قال : وقال أبو عمرو : یعنی نابَی الناقه ، أنهما مستنقعان فی اللُّغام. وقال خالد بن جَنْبَه : معناه مصوِّتان.

قلت : قوله «إذا استنقَعَتْ نفسُ المؤمن» له مخرجان ؛ أحدهما أنها اجتمعت فی فیه کما یستنقع الماء فی مکان ، والثانی خرجَتْ ، من قوله نقعتُه ، إذا قتلتَه.

وقال اللیث : الأُنقوعه : وَقْبه الثرید التی فیها الودَک. وکلُّ شیءٍ سالَ إلیه الماء من مَثْعبٍ ونحوه فهو أُنقوعه.

قال : والنَّقیع : شراب یُتّخذ من الزبیب

ص: 175

یُنقَع فی الماء من غیر طبخ. وقیل فی السَّکَر إنّه نَقیع الزَّبیب. والنَّقوع : شرابٌ ینقع فیه زبیب وأشیاء ثم یصفَّی ماؤه ویُشرَب. وذلک الماء اسمه النَّقوع.

ویقال استَنقع الماءُ ، إذا اجتمعَ فی نِهْی وغیره ، وکذلک نَقَع ینقَع نُقوعاً.

وقال النضر : یقال نقَعه بالشَّتم ، إذا شتَمه شتماً قبیحاً. قال : والنقائع : خَبارَی فی بلاد بنی تمیم.

ویقال نقَعتْ بذاک نفسی ، أی اطمأنَّتْ إلیه وروِیَتْ به.

وفی حدیث المَبْعث «أنّه أتَی رسولَ الله صلی الله علیه وسلم مَلَکانِ فأضجعاه وشَقَّا بطنَه ، فرجَع وقد انتُقِع لونُه» فی حدیث طویل. قال أبو عُبیدٍ واللِّحیانی : یقال انتُقِع لونه وامتُقِع لونه ، إذا تغیَّر. وقال النضر : یقال ذلک إذا ذهب دمُه وتغیَّر لونُ بشرته ، إمّا من خوف ، وإما من مَرض. حکاه بالنون عن أبی ذؤابه.

یقعَف الحجاره ویجرفها. والقَعف : شدّه الوطء واجترافُ التراب بالقوائم. وأنشد :

یقعفن قاعاً کفراشِ الغِضرمِ

مظلومهً وضاحیاً لم یُظلَم

أبو عمرو : انقعف الجُرف ، إذا انهارَ وانقعَر. وأنشد الأصمعی :

واقعتفِ الجِلْمهَ منها واقتثِثْ

فإنّما تکدحها لمن یَرِثْ

قوله منها ، أی الدنیا وما فیها. اقتعفِ الجَلْمه ، أی اقلع اللحم بجملته.

أبو العباس عن ابن الأعرابی قال : القَعْف : السُّقوط فی کلّ شیء. وقال فی موضع : القَعَف محرکاً : سقوط الحائط. قال : والنَّعَف : الجبال الصغار بعضُها علی بعض ، الواحده نَعَفه.

عفق : سمعتُ غیر واحدٍ من العرب یقول للذی یُثیر الصیدَ ناجش. وللذی یَثنی وجهه ویردُّه علی الصائد عافق. ویقال اعفقْ علیَّ الصید ، أی اثنه واعطفه. وقال رؤبه :

فما اشتَلاهَا صَفقهً للمنصفَقْ

حتَّی تَردَّی أربعٌ فی المنعَفَقْ

یصف عیراً أورد أُتُنَه الماءَ فرماها الصائد فصَفَقها العَیر لینجوَ بها ، فرماها الصائد فی منعفَقها ، أی فی مکان عَفْق العیر إیّاها.

وقال أبو تراب : قال بعضُ العرب : عفقت الإبلُ تَعفِق عَفْقاً ، إذا کانت ترجع إلی الماء فی کلِّ یومٍ أو کلِّ یومین. وکلُّ راجعٍ مختلفٍ عافقٌ وغافق. ویقال إنک لتَعفِق ، أی تکثر الرجوع.

وقال أبو عمرو : إنّه لیعفّق الغنمَ بعضَها علی بعض ، أی یردّها عن وجهها.

وأنشد :

ولا تکُ مِعفاقَ الزیاره واجتنبْ

إذا جئتَ إکثارَ الکلامِ المعَیَّبِ

وقال اللیث : عفَق الرجلُ یَعفِق ، إذا رکِبَ رأسَه ومضی. قال : وعفقَ یعفق ، إذا خنَس وارتدّ ورجَع.

أبو عبید عن الأصمعی : یقال للرجل وغیره : عَفَق بها وحَبَجَ بها ، إذا ضَرَط. قال : وقال أبو زید : یقال کذبَتْ عَفّاقته ، وهی استُه.

ثعلب عن ابن الأعرابیّ : أعفقَ الرجلُ ، إذا أکثرَ الذَّهابَ والمجیء فی غیر حاجه.

قال : وعافقَ الذئبُ الغنم ، إذا عاثَ فیها ذاهباً وجائیاً. وتعفَّق فلانٌ بفلان ، إذا لاذ به. وقال علقمه :

تعفَّق بالأرطَی لها وأرادها

قال : والعُفُق : الضرّاطون فی المجالس. والعُفُق : الأستاه. قال : والعُفُق : الذئاب التی لا تنام ولا تُنیم تردُّداً فی الفساد. وقال غیره : اعتفق الأسدُ فریستَه ، إذا عطف علیه فافترسَه. وقال :

وما أسدٌ من أسود العری

نِ یعتفق السائلین اعتفاقا

وعفقَ الرجلُ جاریتَه ، إذا جامَعها.

وقال القتیبی فی تفسیر قول لقمان : «خذی منّی أخی ذا العِفَاق» : أخبرنی أبو سفیان عن الأصمعیّ قال : عفَق یَعفِق ، إذا ذهبَ

ص: 177

ذَهاباً سریعاً. قال : والعَفْقُ هو العطف أیضاً.

فقع : تقول العرب : «فلانٌ أذلُّ من فَقْع بقَرقر» ، قال أبو عبید : قال أبو زید والأحمر : الفِقَعه : البِیض من الکمأه ، واحدها فَقْع.

وقال اللیث : الفَقْع : کمءٌ یخرج من أصل الإجرِدّ ، وهو نبت ، وهو من أردأ الکمأه وأسرعها فساداً. قال : والفُقّاع هو الشَّراب المعروف. قال : والفقاقیع واحدتها فُقّاعه ، وهی الحَجَا التی تعلو ماء المطر والشرابَ إذا مُزج بالماء ، کأنّها قواریر صغارٌ مستدیره.

وفی الحدیث النَّهی عن التفقیع فی الصلاه یقال فقَّعَ فلانٌ أصابعَه تفقیعاً ، إذا غمزَ مفاصلَها فأنقضَتْ ، وهو الفرقعه أیضاً ، وکل ذلک قد جاء فی الحدیث. وقال بعضهم : التفقیع : التشدُّق فی الکلام ؛ یقال قد فقّع ، إذا تشدَّقَ وجاء بکلامٍ لا معنَی له. وتفقیع الورده : أن تُضرَب بالکفّ فتفقع حتَّی تسمعَ لها صوتاً عالیاً. وفقَع الحمار ، إذا ضرط. وإنّه لفَقَّاعٌ ، أی ضرّاط.

وقال الله جلّ ذکره : (صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) [البَقَرَه : 69] قال أبو إسحاق : فاقع نعت للأصفر الشدید الصُّفره. یقال أصفر فاقع ، وأبیض ناصع ، وأحمر قانیء. وقال أبو عبید : یقال أبیض ناصع. وقال اللحیانی. یقال أصفر فاقع وفُقّاعی.

وقال اللیث : الإفقاع : سوء الحال ، وقد أفقَعَ فهو مُفقِع : فقیر مجهود. یقال فقیر مُفْقِع مُدقع.

قال : والمُفْقِع أسوأ ما یکون من حالاته.

وقال عدی بن زید فی فقاقیع الخمر إذا مزجت :

وطفا فوقَها فقاقیعُ کالیا

قوتِ حمرٌ یُثیرها التصفیقُ

قفع : قال اللیث : یقال أحمر قُفَاعیٌ ، وهو الأحمر الذی یتقشَّر أنفه من شدَّه حمرته.

قلت : لم أسمع لغیر اللیث أحمر قُفاعی القاف قبل الفاء ، والمعروف فی باب الألوان أصفر فاقع وفُقَاعیٌّ ، الفاء قبل القاف ، وهو الصحیح.

ویقال شاهٌ قفعاء ، وهی القصیره الذّنَب ، وقد قَفِعتْ قَفَعاً. وکبشٌ أقفَع ، وهی کباشٌ قُفْع. وقال الشاعر :

إنّا وجدنا العِیسَ خیراً بقیّهً

من القُفْع أذناباً إذا ما اقشعرَّتِ

قلت : أراه أراد بالقُفْع أذناباً ، المِعزَی ؛ لأنها إذا صَرِدت اقشعرَّت. وأمّا الضأن فإنها لا تقشعرُّ من الصَّرَد.

والقفعاء من أحرار البقول ، وقد رأیتها فی بلاد تمیم ، ولها نُوَیر أحمر. وقد ذکرها زهیر فقال :

بالسِّیِّ ما تُنبتُ القَفْعاء والحَسَکُ

وقال اللیث : القَفْعاء : حشیشه خوّاره من نبات الربیع خَشْناء الورق ، لها نَورٌ أحمر مثل شَرَر النار ، وورقها تراها مستعْلیاتٍ من فوق ، وثمرها مُقَفَّعٌ من تحت. قال : والأذن القَفعاء کأنّما أصابَتْها نارٌ فتزوَّت من أعلاها وأسفلها. قال : والرِّجْل

ص: 178

القفعاء : التی ارتدّت أصابعُها إلی القَدَم ، وقد قَفِعَتْ قَفَعاً.

ویقال تقفَّعت الأصابعُ من البرد ، وقد قَفَّعها البرد. قال : ونظر أعرابیٌّ إلی قُنفذهٍ قد تقبّضتْ فقال : أتُری البردَ قَفَّعها.

قال : والمِقْفعه : خشبهٌ یضرب بها الأصابع. والقُفَّاع : نباتٌ متقفِّع کأنّه قرونٌ صَلابهً إذا یبِس ، یقال له کفُّ الکلب.

وفی حدیث عمر أنه ذُکر عنده الجرادُ فقال : «لیت عِندنا منه قَفعهً أو قَفعتین». قال أبو عبید : القَفْعه : شیءٌ شبیه بالزَّبِیلِ لیس بالکبیر ، یُعمَل من خُوص ، ولیس له عُرًی. وقال شمر : القَفعه مثل القُفَّه تُتَّخذ واسعهَ الأسفل ضیّقه الأعلی ، حشوُها مکانَ الحَلفاء عَراجین تُدَقُّ ، وظاهرها خوصٌ علی عمل سِلال الخوص. قال : وسمعتُ محمد بن یحیی یقول : القَفعه الجُلّه ، بلغه الیمن ، یُحمَل فیها القُطن.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابی قال : القَفْع : القِفاف ، واحدتها قَفعه. قال : والقَفْع : الدَّبَّابات التی یُقاتَل تحتها ، واحدتها قفْعه.

وقال اللیث : القَفْع ضَبْرُ یتّخذ من خشب یمشی بها الرجال إلی الحصون فی الحروب ، یدخل تحتها الرجال. قال : ویقال لهذه الدُّوَّارت التی یجعل الدَّهّانون فیها السِّمسم المطحون ویضعون بعضَها علی بعض ثم یضغطونها حتّی تُسیلَ الدهنَ : القَفَعات.

ویقال قفَعتُه عمّا أراد قفعاً ، إذا منعتَه فانقفَعَ انقفاعاً. ویقال قفِّع هذا ، أی أوعِهِ. ورجلٌ قفَّاعٌ لماله ، إذا کان لا ینفقُه.

ولا یبالی ما وقَع فی قفعتِه ، أی وِعائه.

أعقبته. ویقول الرجلُ لزمیله : أعقِبْ وعاقِبْ ، أی انزِلْ حتّی أرکبَ عُقبتی. وکذلک کلُّ عمل.

وقال الله جلّ وعزّ : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ یَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [الرّعد : 11] قال الفراء : المعقِّبات : الملائکهُ ملائکهُ اللیل تعقِّب ملائکه النهار.

قلت : جعل الفراءُ عقَّبَ بمعنی عاقب ، کما یقال ضاعَفَ وضعَّف وعاقد وعَقَّد بمعنی واحد ، فکأنَّ ملائکه النهار تحفظ العبادَ فإذا جاء اللیلُ جاء معه ملائکهُ اللیل وصَعِد ملائکهُ النهار ، فإذا أقبلَ النهار عادَ من صعِد وصعِد ملائکهُ اللیل ، کأنَّما جَعَلوا حفظهُ عُقَباً أی نُوَباً.

وقال أبو الهیثم : کلُّ مَن عمِل عملاً ثم عاد إلیه فقد عقَّب ؛ ومنه قیل للذی یَغْزُو غزْواً بعد غَزْوٍ ، وللذی یتقاضی الدَّینَ فیعود إلی غریمه فی تقاضیه : مُعَقِّب.

وقال لبید :

حتَّی تهجَّرَ فی الرَّواحِ وهاجَه

طلبَ المعقِّب حقَّه المظلومُ

وقال سلامه بن جندل :

إذا لم یُصِبْ فی أوّل الغَزْو عَقَّبا

أی غزا غزوهً أخری.

قال : وقول النبی صلی الله علیه وسلم : «معَقِّباتٌ لا یَخِیب قائلُهنّ ، وهو أن یسبّح فی دُبر صلاته ثلاثاً وثلاثین تسبیحه ، ویکبّر أربعاً وثلاثین تکبیره ، ویحمِّد الله ثلاثاً وثلاثین تحمیده». فسمِّین معقِّباتٍ لأنّها عادت مرّهً بعد مرّه.

وقال شمر : أراد بقوله : معقِّبات لا یخیب قائلهن : تسبیحات تَخْلُف بأعقاب الناس.

قال : والمُعقِّب من کل شیء : ما خَلَفَ یُعقِّب ما قبله. وأنشد : ولکنْ فتًی من صالح القوم عقّبا یقول : عُمِّر بعدهم وبقیَ. ویقال عقَّب فی الشَّیب بأخلاق حسنه.

وأخبرنی المنذریّ عن أحمد بن یحیی قال : قال الأخفش فی قوله : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ) [الرّعد : 11] : إنَّما أنثت لکثره ذلک منها نحو نسّابه وعلّامه ؛ وهو ذکَر.

وقال أبو العباس : قال الفراء : ملائکه مُعَقِّبهٌ ، ومعقِّبات جمع الجمع.

وقال أبو سعید فی قول لبید :

طلب المعقِّب حقَّه المظلومُ

قال : المعقِّب : الغریم الماطل فی قول لبید. قال : والمعقِّب : الذی أُغِیر علیه فحُرِبَ فأغار علی الذی کان أغارَ علیه فاسترجعَ مالَه.

وأما قوله عزوجل : (لا مُعَقِّبَ لِحُکْمِهِ) [الرّعد : 41] فإنَّ الفراء قال : معناه لا رادَّ لحکمه. قال : والمعقِّب : الذی یکُرُّ علی الشیء ؛ ولا یکرُّ أحدٌ علی ما أحکمه الله.

وروی شمر عن عبد الصمد عن سفیان أنه قال فی قول الله : (وَلَمْ یُعَقِّبْ) [النَّمل : 10] : لم یلتفت. وقال مجاهد : لم یرجع. قال شمر : وکلُّ راجعٍ معَقِّبٌ. وقال الطرمّاح :

وإن تونَّی التّالیاتُ عقَّبا

أی رجَع.

وأخبرنی المنذرِیّ عن ثعلب عن ابن

ص: 180

الأعرابیّ أنه أنشده فی صفه الفرس :

یملأ عینَیک بالفِناءِ ویُرْ

ضیک عِقاباً إن شئتَ أو نَزَقا