سرشناسه:محمدی ری شهری، محمد، 1325 -
عنوان و نام پدیدآور:موسوعةالامام الحسین علیه السلام فی الکتاب والسنة والتاریخ [کتاب]/ محمد الری شهری، بمساعدة السیدمحمود الطباطبائی نژاد، السیدروح ا... السیدالطبائی ؛ التحقیق قسم تدوین السیره مرکز بحوث دارالحدیث.
مشخصات نشر:قم: موسسه دارالحدیث العلمیه والثقافیه، مرکز للطباعه والنشر، 1431 ق.-= 1389 -
مشخصات ظاهری:9 ج.
فروست:مرکز بحوث دارالحدیث؛ 244
شابک:650000 ریال : دوره : 978-964-493-519-0 ؛ 800000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ ج.1 : 978-964-493-520-6 ؛ ج. 9 978-964-493-528-2 : ؛ ج.10 978-964-493-723-1 : ؛ ج.11 978-964-493-724-8 : ؛ ج.12 978-964-493-725-5 :
یادداشت:عربی.
یادداشت:ج.1 (چاپ دوم: 1433 ق.= 1391).
یادداشت:ج.10 - 12 (چاپ اول: 1434ق. = 1392)(فیپا).
یادداشت:کتابنامه.
موضوع:حسین بن علی (ع)، امام سوم، 4 - 61ق.
موضوع:واقعه کربلا، 61ق.
شناسه افزوده:طباطبائی نژاد، محمود، 1340 -
شناسه افزوده:سیدطبایی،سیدروح الله
شناسه افزوده:دارالحدیث. مرکز تحقیقات. قسم تدوین السیره
شناسه افزوده:موسسه علمی فرهنگی دارالحدیث. سازمان چاپ و نشر
رده بندی کنگره:BP41/4/م3435م8 1389
رده بندی دیویی:297/9534
شماره کتابشناسی ملی:2910922
ص :1
ص :2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :3
موسوعةالامام الحسین علیه السلام فی الکتاب والسنة والتاریخ
محمد الری شهری
بمساعدة السیدمحمود الطباطبائی نژاد، السیدروح ا... السیدالطبائی
التحقیق قسم تدوین السیره مرکز بحوث دارالحدیث.
ص :4
ص :5
ص :6
یزید بن معاویة بن أبی سفیان،اُمّه میسون بنت بجدل الکلبیّة،ولد سنة 25 أو 26 ه (1)،وهلک سنة 64 ه. (2)
کان یزید مجرماً من الطراز الأوّل فی فاجعة کربلاء الدمویّة،وقد مات بعد هذه الفاجعة بثلاث سنوات فقط وهو فی الثامنة والثلاثین من عمره بأفضح موتة،وانتهی بموته حکم آل أبی سفیان.
اختلفت الروایات بشأن العلّة الظاهریّة لموته المفاجئ،إلّاأنّ المؤرخین متّفقون علی أنّ إدمانه وإفراطه فی شرب الخمرة أدّی إلی هلاکه،وقال البعض:إنّه خرّ إلی الأرض أثناء رقصه من شدّة السکر،فأصاب رأسه الأرض وتناثر دماغه. (3)وقال
ص:7
البعض:إنّه مات علی أثر عضّ قردة له عندما کان یداعبها (1)،فأدی إلی موته.ورأی البعض أنّ سبب موته هو کثرة شربه للخمرة وتقیّئه المتوالی لها. (2)
کما روی أنّ وجهه اسودّ بعد موته اسوداداً قاتماً کالقیر (3)،وانتقل إلی عالم الآخرة وظاهره أسود کباطنه.
جدیر بالذکر أنّ قبور یزید ومعاویة وعبد الملک بن مروان نُبشت خلال الأعوام الاُولی للحکم العبّاسی،وحُرق هشیم عظامهم. (4)
2551.سیر أعلام النبلاء عن محمّد بن أحمد بن مسمع: سَکِرَ یَزیدُ فَقامَ یَرقُصُ،فَسَقَطَ عَلی رَأسِهِ، فَانشَقَّ،وبَدا دِماغُهُ. (5)
2552.الثّقات لابن حبّان: قد قیل:إنَّ یَزیدَ بنَ مُعاوِیَةَ سَکِرَ لَیلَةً،وقامَ یَرقُصُ،فَسَقَطَ عَلی رَأسِهِ،وتَناثَرَ دِماغُهُ فَماتَ. (6)
2553.البدایة والنهایة: قیلَ:إنَّ سَبَبَ مَوتِهِ [أی یَزیدَ] أنَّهُ حَمَلَ قِردَةً،وجَعَلَ یُنَقِّزُها (7)فَعَضَّتهُ.
وذَکَروا عَنهُ غَیرَ ذلِکَ،وَاللّهُ أعلَمُ بِصِحَّةِ ذلِکَ. (8)
2554.أخبار الدول وآثار الاُول: ماتَ یَزیدُ فی شَهرِ رَبیعِ الأَوَّلِ سَنَةَ أربَعٍ وسِتّینَ بِذاتِ الجَنبِ بِحَورانَ (9)،وحُمِلَ إلی دِمَشقَ،وصَلّی عَلَیهِ أخوهُ خالِدٌ-وقیلَ:ابنُهُ مُعاوِیَةُ-ودُفِنَ
ص:8
بِمَقبَرَةِ بابِ الصَّغیرِ،وقَبرُهُ الآنَ مَزبَلَةٌ. (1)
2555.کامل الزیارات عن عبد الرّحمن الغنویّ: فَوَ اللّهِ،لَقَد عوجِلَ المَلعونُ یَزیدُ،ولَم یَتَمَتَّعَ بَعدِ قَتلِهِ [أیِ الحُسَینَ علیه السّلام ] بِما طَلَبَ،ولَقَد اخِذَ مُغافَصَةً (2)،باتَ سَکرانَ،وأصبَحَ مَیِّتاً، مُتَغَیِّراً کَأَنَّهُ مَطلِیٌّ بِقارٍ،اُخِذَ عَلی أسَفٍ. (3)
2556.الفتوح -فی ذِکرِ ما فَعَلَهُ جَیشُ یَزیدَ بِالمَدینَةِ ثُمَّ هُجومِهِم عَلی مَکَّةِ بِقِیادَةِ الحُصَینِ بنِ نُمَیرٍ ورَمیِهِمُ الکَعبَةَ بِالمَنجَنیقِ،إلی أن قالَ-:فَبَینَما الحُصیَنُ [قائِدُ یَزیدَ] کَذلِکَ إذا بِرَجُلٍ مِن أهلِ الشّامِ قَد قَدِمَ عَلَیهِ،فَسَلَّمَ،ثُمَّ جَلَسَ عِندَهُ،فَقالَ:...یَزیدُ بنُ مُعاوِیَةَ قَد ماتَ ومَضی إلی سَبیلِهِ،فَقالَ الحُصَینُ:...وما کانَ سَبَبُ ذلِکَ؟فَقالَ:إنَّهُ شَرِبَ مِنَ اللَّیلِ شَراباً کَثیراً،ثُمَّ أصبَحَ مَخموراً،فَذَرَعَهُ القَیءُ (4)،ثُمَّ لَم یَزَل کَذلِکَ إلی أن ماتَ. (5)
2557.أنساب الأشراف: لَمّا صارَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَلِیٍّ (6)إلی نَهرِ أبی فُطرُسَ (7)،أمَرَ فَنودِیَ فی بَنی امَیَّةَ بِالأَمانِ،فَاجتَمَعوا إلَیهِ،فَعَجَلَتِ الخُراسانِیَّةُ إلَیهِم بِالعَمَدِ،فَقَتَلوهُم،وقَتَلَ
ص:9
عَبدُ اللّهِ جَماعَةً مِنهُم ومِن أشیاعِهِم،وأمَرَ بِنَبشِ قَبرِ مُعاوِیَةَ،فَما وُجِدَ مِن مُعاوِیَةَ إلّا خَطٌّ،ونُبِشَ قَبرُ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،فَوُجِدَ مِن یَزیدَ سُلامَیاتُ (1)رِجلِهِ،ووُجِدَ مِن عَبدِ المَلِکِ بنِ مَروانَ بَعضُ شُؤونِ رَأسِهِ...وجُمِعَ ما وُجِدَ فِی القُبورِ،فَاُحرِقَ. (2)
ولد أبو حفص عبید اللّه بن زیاد عام 33 أو 39 ه. (3)والده هو زیاد بن أبیه،الذی اشتهرت قصّة تغییر نسبه وإلحاقه بأبی سفیان من قبل معاویة (4)،وکانت امّ عبید اللّه امرأة مجوسیّة تُدعی مرجانة ابنة أحد ملوک فارس (5)،انفصلت عن زیاد وتزوّجت برجلٍ کافر یُدعی شیرویه،وتربّی عبید اللّه فی بیته.
شقّ عبید اللّه طریقه إلی السیاسة والقدرة منذ الشباب،وورث الذکاء السیاسی بمفهومه الرسمیّ والجرأة والقساوة من أبیه،واستخدمها فی سبیل الأهداف الشیطانیّة لبنی امیّة.
نُصّب ابن زیاد والیاً علی البصرة فی زمن معاویة (6)،وأبقاه یزید أیضاً،ونصّبه
ص:10
أمیراً علی الکوفة بالاستشارة مع سرجون النصرانی من أجل مواجهة الإمام الحسین علیه السّلام. (1)وقد کانت جمیع الجرائم فی کربلاء بأمرٍ مباشر منه،وکان له أکبر دور فی هذه الفاجعة الألیمة بعد یزید.
وبعد واقعة کربلاء،قمع بکلّ قساوة معارضات أهل العراق،إلّاأنّه بعد موت یزید وعندما کان فی سجونه أربعة آلاف وخمسمئة نفر من الشیعة بوضع فجیع،لم یصمد أمام تمرّد البصریین وثورتهم وفرّ ذلیلاً. (2)وبعد فترة وفی یوم عاشوراء من شهر محرّم عام 67 ه،أی نفس الیوم الذی استشهد فیه الإمام الحسین علیه السّلام لکن بعد ستّة سنین،اشتبک فی حرب مع جیش إبراهیم بن مالک الأشتر،وقُتل علی یده فی خازر-علی بعد خمسة فراسخ من الموصل فی شمال العراق-، (3)وقد قتل فی هذه المعرکة الضروس والتی انتصر فیها إبراهیم بن مالک الأشتر،عدد غفیر من القادة المجرمین ومن جیش الشام.وحرق إبراهیم بدن ابن زیاد وبعث برأسه إلی المختار الثقفی،وأرسل هو الآخر رأسه إلی الحجاز لیدخل السرور علی قلب الإمام السجّاد علیه السّلام وآل الرسول صلّی اللّه علیه و آله بذلک. (4)
2558.البدایة والنهایة: کانَ مَولِدُهُ [أی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ] فی سَنَةِ تِسعٍ وثَلاثینَ فیما حَکاهُ ابنُ عَساکِرَ (5)عَن أبِی العَبّاسِ أحمَدَ بنِ یونُسَ الضِّبِّیِّ....
وقالَ أبو نَعیمٍ الفَضلُ بنُ دُکَینٍ:ذَکَروا أنَّ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ حینَ قَتَلَ الحُسَینَ علیه السّلام
ص:11
کانَ عُمُرُهُ ثَمانِیاً وعِشرینَ سَنَةً.قُلتُ:فَعَلی هذا یَکونُ مَولِدُهُ سَنَةَ ثَلاثٍ وثَلاثینَ. (1)
2559.سیر أعلام النبلاء: عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادِ بنِ أبیهِ...وَلِیَ البَصرَةَ سَنَةَ خَمسٍ وخَمسینَ،ولَهُ ثِنَتانِ وعِشرونَ سَنَةً...کانَ جَمیلَ الصّورَةِ،قَبیحَ السَّریرَةِ.
وقیلَ:کانَت امُّهُ مَرجانَةَ مِن بَناتِ مُلوکِ الفُرسِ...رَوَی السَّرِیُّ بنُ یَحیی،عَنِ الحَسَنِ،قالَ:قَدِمَ عَلَینا عُبَیدُ اللّهِ،أمَّرَهُ مُعاوِیَةُ،غُلاماً سَفیهاً،سَفَکَ الدِّماءَ سَفکاً شَدیداً...قالَ الحَسَنُ:وکانَ عُبَیدُ اللّهِ جَباناً. (2)
2560.تاریخ الطبری عن عبید اللّه بن زیاد -فی إحدی خُطَبِهِ-:أنَا ابنُ زِیادٍ أشبَهتُهُ مِن بَینِ مَن وَطِئَ الحَصی،ولَم یَنتَزِعنی شَبَهُ خالٍ ولَا ابنُ عَمٍّ. 3
2561.المعجم الکبیر عن حاجب عبید اللّه بن زیاد: دَخَلتُ القَصرَ خَلفَ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ حینَ قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَاضطَرَمَ فی وَجهِهِ ناراً،فَقالَ هکَذا بِکُمِّهِ عَلی وَجهِهِ.
فَقالَ:هَل رَأَیتَ؟قُلتُ:نَعَم،فَأَمَرَنی أن أکتُمَ ذلِکَ. 4
2562.تاریخ الطبری عن یساف بن شریح الیشکریّ عن علیّ بن محمّد -بَعدَ هَلاکِ یَزیدَ-:إنَّ ابنَ زِیادٍ خَرَجَ مِنَ البَصرَةِ،فَقالَ ذاتَ لَیلَةٍ:إنَّهُ قَد ثَقُلَ عَلَیَّ رُکوبُ الإِبِلِ،فَوَطِّئوا لی عَلی ذی حافِرٍ،قالَ:فَاُلقِیَت لَهُ قَطیفَةٌ عَلی حِمارٍ،فَرَکِبَهُ،وإنَّ رِجلَیهِ لَتَکادانِ تَخُدّانِ فِی الأَرضِ.
ص:12
قالَ الیَشکُرِیُّ:فَإِنَّهُ لَیَسیرُ أمامی،إذ سَکَتَ سَکتَةً فَأَطالَها.
فَقُلتُ فی نَفسی:هذا عُبَیدُ اللّهِ أمیرُ العِراقِ أمسِ،نائِمٌ السّاعَةَ عَلی حِمارٍ لَو قَد سَقَطَ مِنهُ أعنَتَهُ،ثُمَّ قُلتُ:وَاللّهِ،لَئِن کانَ نائِماً لَاُنَغصَنَّ عَلَیهِ نَومَهُ،فَدَنَوتُ مِنهُ، فَقُلتُ:أنائِمٌ أنتَ؟قالَ:لا،قُلتُ:فَما أسکَتَکَ؟قالَ:کُنتُ احَدِّثُ نَفسی.
قُلتُ:أفَلا احُدِّثُکَ ما کُنتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفسَکَ؟قالَ:هاتِ،فَوَاللّهِ،ما أراکَ تَکیسُ (1)ولا تُصیبُ.
قالَ:قُلتُ:کُنتَ تَقولُ:لَیتَنی لَم أقتُلِ الحُسَینَ.
قالَ:وماذا؟قُلتُ:تَقولُ:لَیتَنی لَم أکُن قَتَلتُ مَن قَتَلتُ.
قالَ:وماذا؟قُلتُ:کُنتَ تَقولُ:لَیتَنی لَم أکُن بَنَیتُ البَیضاءَ. (2)
قالَ:وماذا؟قُلتُ:تَقولُ:لَیتَنی لَم أکُنِ استَعمَلتُ الدَّهاقینِ.
قالَ:وماذا؟قُلتُ:وتَقولُ:لَیتَنی کُنتُ أسخی مِمّا کُنتُ.
قالَ:فَقالَ:وَاللّهِ،ما نَطَقتَ بِصَوابٍ،ولا سَکَتُّ عَن خَطَأٍ.
أمَّا الحُسَینُ فَإِنَّهُ سارَ إلَیَّ یُریدُ قَتلی،فَاختَرتُ قَتلَهُ عَلی أن یَقتُلَنی.
وأمَّا البَیضاءُ فَإِنِّی اشتَرَیتُها مِن عَبدِ اللّهِ بنِ عُثمانَ الثَّقَفِیِّ،وأرسَلَ یَزیدُ بِأَلفِ ألفٍ،فَأَنفَقتُها عَلَیها،فَإِن بَقیتُ فَلِأَهلی،وإن هَلَکتُ لَم آسَ عَلَیها مِمّا لمَ اعَنِّف فیهِ.
وأمَّا استِعمالُ الدَّهاقینَ فَإِنَّ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ أبی بَکرَةَ وزاذانَ فَرُوخَ وَقَعا فِیَّ عِندَ مُعاوِیَةَ حَتّی ذَکَرا قُشورَ الأَرُزِّ،فَبَلَغا بِخَراجِ العِراقِ مِئَةَ ألفِ ألفٍ،فَخَیَّرَنی مُعاوِیَةُ بَینَ الضَّمانِ وَالعَزلِ،فَکَرِهتُ العَزلَ،فَکُنتُ إذَا استَعمَلتُ الرَّجُلَ مِنَ
ص:13
العَرَبِ،فَکَسَرَ الخَراجَ،فَتَقَدَّمتُ إلَیهِ أو أغرَمتُ صُدورَ قَومِهِ،أو أغرَمتُ عَشیرَتَهُ أضرَرتُ بِهِم،وإن تَرَکتُهُ تَرَکتُ مالَ اللّهِ وأنَا أعرِفُ مَکانَهُ،فَوَجَدتُ الدَّهاقینَ أبصَرَ بِالجِبایَةِ،وأوفی بِالأَمانَةِ،وأهوَنَ فِی المُطالَبَةِ مِنکُم،مَعَ أنّی قَد جَعَلتُکُم امناءَ عَلَیهِم؛لِئَلّا یَظلِموا أحَداً.
وأمّا قَولُکَ فِی السَّخاءِ فَوَاللّهِ،ما کان لی مالٌ فَأَجودَ بِهِ عَلَیکُم،ولَو شِئتُ لَأَخَذتُ بَعضَ مالِکُم،فَخَصَصتُ بِهِ بَعضَکُم دونَ بَعضٍ،فَیَقولونَ ما أسخاهُ ! ولکِنّی عَمَّمتُکُم،وکانَ عِندی أنفَعَ لَکُم.
وأمّا قَولُکَ:لَیتَنی لَم أکُن قَتَلتُ مَن قَتَلتُ،فَما عَمِلتُ بَعدَ کَلِمَةِ الإِخلاصِ عَمَلاً هُوَ أقرَبُ إلَی اللّهِ عِندی مِن قَتلی مَن قَتَلتُ مِنَ الخَوارِجِ.
ولکِنّی سَاُخبِرُکَ بِما حَدَّثتُ بِهِ نَفسی.
قُلتُ:لَیتَنی کُنتُ قاتَلتُ أهلَ البَصرَةِ،فَإِنَّهُم بایَعونی طائِعینَ غَیرَ مُکرَهینَ،وَایمُ اللّهِ،لَقَد حَرَصتُ عَلی ذلِکَ،ولکِنَّ بَنی زِیادٍ أتَونی،فَقالوا:إنَّکَ إذا قاتَلتَهُم فَظَهَروا عَلَیکَ لَم یُبقوا مِنّا أحَداً،وإن تَرَکتَهُم تَغَیَّبَ الرَّجُلُ مِنّا عِندَ أخوالِهِ وأصهارِهِ،فَرَفَقتُ لَهُم،فَلَم اقاتِل.
وکُنتُ أقولُ:لَیتَنی کُنتُ أخرَجتُ أهلَ السِّجنِ فَضَرَبتُ أعناقَهم،فَأَمّا إذ فاتَت هاتانِ فَلَیتَنی کُنتُ أقدَمُ الشّامَ ولَم یُبرِموا أمراً.
قالَ بَعضُهُم:فَقَدِمَ الشّامَ ولَم یُبرِموا أمراً،فَکَأَنَّما کانوا مَعَهُ صِبیاناً،وقالَ بَعضُهُم:
قَدِمَ الشّامَ وقَد أبرَموا،فَنَقَضَ ما أبرَموا إلی رَأیِه. (1)
2563.البدایة والنهایة: ثُمَّ دَخَلَت سَنَةُ سَبعٍ وسِتّینَ،فَفیها کانَ مَقتلُ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ عَلی
ص:14
یَدَی إبراهیمَ بنِ الأَشتَرِ النَّخَعِیِّ،وذلِکَ أنَّ إبراهیمَ بنَ الأَشتَرِ خَرَجَ مِنَ الکوفَةِ یَومَ السَّبتِ لِثَمانٍ بَقینَ مِن ذِی الحِجَّةِ فِی السَّنَةِ الماضِیَةِ،ثُمَّ استَهَلَّت هذِهِ السَّنَةُ وهُوَ سائِرٌ لِقَصدِ ابنِ زِیادٍ فی أرضِ المَوصِلِ،فَکانَ اجتِماعُهُما بِمَکانٍ یُقالُ لَهُ الخازِرُ، بَینَهُ وبَینَ المَوصِلِ خَمسَةٌ فَراسِخَ،فَباتَ ابنُ الأَشتَرِ تِلکَ اللَّیلَةَ ساهِراً لا یَستَطیعُ النَّومَ،فَلَمّا کانَ قَریبُ الصُّبحِ نَهَضَ،فَعَبّی جَیشَهُ،وکَتَّبَ کَتائِبَهُ،وصَلّی بِأَصحابِهِ الفَجرَ فی أوَّلِ وَقتٍ،ثُمَّ رَکِبَ،فَناهَضَ جَیشَ ابنَ زِیادٍ،وزَحَفَ بِجَیشِهِ رُوَیداً وهُوَ ماشٍ فِی الرَّجّالَةِ،حَتّی أشرَفَ مِن فَوقِ تَلٍّ عَلی جَیشِ ابنِ زِیادٍ،فَإِذا هُم لَم یَتَحَرَّک مِنهُم أحَدٌ،فَلَمّا رَأَوهُم نَهَضوا إلی خَیلِهِم وسِلاحِهِم مَدهوشینَ.
فَرَکِبَ ابنُ الأَشتَرِ فَرَسَهُ،وجَعَلَ یَقِفُ عَلی رایاتِ القَبائِلِ،فَیُحَرِّضُهُم عَلی قِتالِ ابنِ زِیادٍ،ویَقولُ:هذا قاتِلُ ابنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،قَد جاءَکُمُ اللّهُ بِهِ،وأمکَنَکُمُ اللّهُ مِنهُ الیَومَ،فَعَلَیکُم بِهِ،فَإِنَّهُ قَد فَعَلَ فِی ابنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ما لَم یَفعَلهُ فِرعَونُ فی بَنی إسرائیلَ،هذَا ابنُ زِیادٍ قاتِلُ الحُسَینِ علیه السّلام،الَّذی حالَ بَینَهُ وبَینَ ماءِ الفُراتِ أن یَشرَبَ مِنهُ هُوَ وأولادُهُ ونِساؤُهُ،ومَنَعَهُ أن یَنصَرِفَ إلی بَلَدِهِ،أو یَأتِیَ یَزیدَ بنَ مُعاوِیَةَ حَتّی قَتَلَهُ.
وَیحَکُم ! اشفوا صُدورَکُم مِنهُ،وَاروُوا رِماحَکُم وسُیوفَکُم مِن دَمِهِ،هذَا الَّذی فَعَلَ فی آلِ نَبِیِّکُم ما فَعَلَ،قَد جاءَکُمُ اللّهُ بِهِ.ثُمَّ أکثَرَ مِن هذَا القَولِ وأمثالِهِ،ثُمَّ نَزَلَ تَحتَ رایَتِهِ.
وأقبَلَ ابنُ زِیادٍ فی خَیلِهِ ورِجلِهِ فی جَیشٍ کَثیفٍ،قَد جَعَلَ عَلی مَیمَنَتِهِ حُصَینَ بنَ نُمَیرٍ،وعَلَی المَیسَرَةِ عُمَیرَ بنَ الحُبابِ السُّلَمِیَّ-وکانَ قَدِ اجتَمَعَ بِابنِ الأَشتَرِ ووَعَدَهُ أنَّهُ مَعَهُ،وأَنَّهُ سَیَنهَزِمُ بِالنّاسِ غَداً-وعَلی خَیلِ ابنِ زِیادٍ شُرَحبیلُ بنُ
ص:15
الکِلاعِ،وَابنُ زِیادٍ فِی الرَّجّالَةِ یَمشی مَعَهُم.فَما کانَ إلّاأن تَواقَفَا الفَریقانِ حَتّی حَمَلَ حُصَینُ بنُ نُمَیرٍ بِالمَیمَنَةِ عَلی مَیسَرَةِ أهلِ العِراقِ فَهَزَمَها،وقَتَلَ أمیرَها عَلِیَّ بنَ مالِکٍ الجُشَمِیَّ،فَأَخَذَ رایَتَهُ مِن بَعدِهِ وَلَدُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ فَقُتِلَ أیضاً، وَاستَمَرَّتِ المَیسَرَةُ ذاهِبَةً.
فَجَعَلَ الأَشتَرُ یُنادیهِم:إلَیَّ یا شُرطَةَ اللّهِ،أنَا ابنُ الأَشتَرِ،وقَد کَشَفَ عَن رَأسِهِ لِیَعرِفوهُ،فَالتاثوا بِهِ،وَانعَطَفوا عَلَیهِ،وَاجتَمَعوا إلَیهِ،ثُمَّ حَمَلَت مَیمَنَةُ أهلِ الکوفَةِ...
فَجَعَلَ یَقتُلُهُم کَما یُقتَلُ الحُملانِ (1)،وَاتَّبَعَهُم بِنَفسِهِ ومَن مَعَهُ مِنَ الشُّجعانِ،وثَبَتَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ فی مَوقِفِهِ حَتَّی اجتازَ بِهِ ابنُ الأَشتَرِ،فَقَتَلَهُ وهُوَ لا یَعرِفُهُ.... (2)
2564.تذکرة الخواصّ عن ابن جریر -فی ذکر أحداثِ ما بَعدَ قَتلِ ابنِ زِیادٍ-:بَعَثَ ابنُ الأَشتَرِ بِرَأسِ ابنِ زِیادٍ إلَی المُختارِ،فَجَلَسَ فِی القَصرِ،واُلقِیَتِ الرُّؤوسُ بَینَ یَدَیهِ،فَأَلقاها فِی المَکانِ الَّذی وُضِعَ فیهِ رَأسُ الحُسَینِ علیه السّلام وأصحابِهِ،ونَصَبَ المُختارُ رَأسَ ابنِ زِیادٍ فِی المَکانِ الَّذی نَصَبَ فیهِ رَأسَ الحُسَینِ علیه السّلام،ثُمَّ ألقاهُ فِی الیَومِ الثّانی فِی الرُّحبَةِ (3)مَعَ الرُّؤوسِ. (4)
2565.المعجم الکبیر عن عبد الملک بن عمیر: دَخَلتُ عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ وإذا رَأسُ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام قُدّامَهُ عَلی تُرسٍ (5)،فَوَ اللّهِ،ما لَبِثتُ إلّاقَلیلاً حَتّی دَخَلتُ عَلَی المُختارِ،فَإِذا رَأسُ عُبَیدِ اللّهِ بنُ زِیادٍ عَلی تُرسٍ. (6)
ص:16
2566.سنن الترمذی عن عمارة بن عُمیر: لَمّا جیءَ بِرَأسِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ وأصحابِهِ،نُضِّدَت (1)فِی المَسجِدِ فِی الرَّحَبَةِ،فَانتَهَیتُ إلَیهِم وهُم یَقولونَ:قَد جاءَت،قَد جاءَت،فَإِذا حَیَّةٌ قَد جاءَت تَخَلَّلُ الرُّؤوسَ حَتّی دَخَلَت فی مِنخَرَی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَمَکَثَت هُنَیهَةً، (2)ثُمَّ خَرَجَت،فَذَهَبَت حَتّی تَغَیَّبَت،ثُمَّ قالوا:قَد جاءَت،قَد جاءَت،فَفَعَلَت ذلِکَ مَرَّتَینِ أو ثَلاثاً. (3)
2567.الأمالی للطوسی عن المدائنی عن رجاله -فی قِیامِ المُختارِ-:قالَ ابنُ الأَشتَرِ:إنّی رَأَیتُ بَعدَمَا انکَشَفَ النّاسُ طائِفَةً مِنهُم قَد صَبَرَت تُقاتِلُ،فَأَقدَمتُ عَلَیهِم،وأقبَلَ رَجُلٌ آخَرُ فی کَبکَبَةٍ کَأَنَّهُ بَغلٌ أقمَرُ،یَفرِی النّاسَ،لا یَدنو مِنهُ أحَدٌ إلّاصَرَعَهُ،فَدَنا مِنّی، فَضَرَبتُ یَدَهُ فَأَبَنتُها،وسَقَطَ عَلی شاطِئِ النَّهرِ،فَشُرِّقَت یَداهُ وغُرِّبَت رِجلاهُ،فَقَتَلتُهُ ووَجَدتُ مِنهُ ریحَ المِسکِ،وأظُنُّهُ ابنَ زِیادٍ،فَاطلُبوهُ،فَجاءَ رَجُلٌ،فَنَزَعَ خُفَّیهِ وتَأَمَّلَهُ،فَإِذا هُوَ ابنُ زِیادٍ لَعَنَهُ اللّهُ عَلی ما وَصَفَ ابنُ الأَشتَرِ،فَاحتَزَّ رَأسَهُ، وَاستَوقَدوا عامَّةَ اللَّیلِ بِجَسَدِهِ،فَنَظَرَ إلَیهِ مِهرانُ مَولی زِیادٍ وکانَ یُحِبُّهُ حُبّاً شَدیداً، فَحَلَفَ ألا یَأکُلَ شَحماً أبَداً.
وأصبَحَ النّاسُ فَحَوَوا ما فِی العَسکَرِ،وهَرَبَ غُلامٌ لِعُبَیدِ اللّهِ إلَی الشّامِ،فَقالَ لَهُ عَبدُ المَلِکِ بنِ مَروانَ:مَتی عَهدُکَ بِابنِ زِیادٍ؟فَقالَ:جالَ النّاسُ وتَقَدَّمَ فَقاتَلَ، وقالَ:ایتِنی بِجَرَّةٍ فیها ماءٌ،فَأَتَیتُهُ فَاحتَمَلَها،فَشَرِبَ مِنها،وصَبَّ الماءَ بَینَ دِرعِهِ
ص:17
وجَسَدِهِ،وصَبَّ عَلی ناصِیَةِ فَرَسِهِ،فَصَهَلَ ثُمَّ أقحَمَهُ،فَهذا آخِرُ عَهدی بِهِ.
قالَ:وبَعَثَ ابنُ الأَشتَرِ بِرَأسِ ابنِ زِیادٍ إلَی المُختارِ وأعیانِ مَن کانَ مَعَهُ،فَقُدِمَ بِالرُّؤوسِ وَالمُختارُ یَتَغَدّی،فَاُلِقیَت بَینَ یَدَیهِ.
فَقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ رَبِّ العالَمینَ،وُضِعَ رَأسُ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام بَینَ یَدَیِ ابنِ زِیادٍ لَعَنَهُ اللّهُ وهُوَ یَتَغَدّی،واُتیتُ بِرَأسِ ابنِ زِیادٍ وأنَا أتَغَدّی.
قالَ:رَأَینا حَیَّةً بَیضاءَ تَخَلَّلُ الرُّؤوسَ حَتّی دَخَلَت فی أنفِ ابنِ زِیادٍ وخَرَجَت مِن اذُنِهِ،ودَخَلَت فی اذُنِهِ وخَرَجَت مِن أنفِهِ.
فَلَمّا فَرَغَ المُختارُ مِنَ الغَداءِ،قامَ فَوَطِئَ وَجهَ ابنِ زِیادٍ بِنَعلِهِ،ثُمَّ رَمی بِها إلی مَولیً لَهُ،وقالَ:اِغسِلها،فَإِنّی وَضَعتُها عَلی وَجهٍ نَجِسٍ کافِرٍ....
فَبَعَثَ بِرَأسِ ابنِ زِیادٍ إلی عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَاُدخِلَ عَلَیهِ وهُوَ یَتَغَدّی،فَقالَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام:
ادخِلتُ عَلَی ابنِ زِیادٍ وهُوَ یَتَغَدّی،ورَأسُ أبی بَینَ یَدَیهِ،فَقُلتُ:اللّهُمَّ لا تُمِتنی حَتّی تُرِیَنی رَأسَ ابنِ زِیادٍ وأنَا أتَغَدّی،فَالحَمدُ للّهِ ِ الَّذی أجابَ دَعوَتی،ثُمَّ أمَرَ فَرُمِیَ بِهِ،فَحُمِلَ إلَی ابنِ الزُّبَیرِ،فَوَضَعَهُ ابنُ الزُّبَیرِ عَلی قَصَبَةٍ،فَحَرَّکَتهَا الرّیحُ فَسَقَطَ،فَخَرَجَت حَیَّةٌ مِن تَحتِ الستِّارِ،فَأَخَذَت بِأَنفِهِ،فَأَعادُوا القَصَبَةَ،فَحَرَّکَتهَا الرّیحُ فَسَقَطَ،فَخَرَجَتِ الحَیَّةُ،فَأَزَمَت (1)بِأَنفِهِ،فَعَلَ ذلِکَ ثَلاثَ مَرّاتٍ،فَأَمَرَ ابنُ الزُّبَیرِ،فَاُلقِیَ فی بَعضِ شِعابِ مَکَّةَ. (2)
2568.تاریخ دمشق عن أبی سلیمان بن زبر: سَنَةُ سِتٍّ وسِتّینَ قالوا:قُتِلَ بِها عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ
ص:18
وَالحُصَینُ بنُ نُمَیرٍ،وَلِیَ قَتلَهُمَا إبراهیمُ بنُ الأَشتَرِ،فَبَعَثَ بِرُؤوسِهِم إلَی المُختارِ، فَبَعَثَ بِها إلَی ابنِ الزُّبَیرِ،فَنُصِبَت بِالمَدینَةِ ومَکَّةَ. (1)
2569.تاریخ دمشق عن محمّد بن إسماعیل: أحرَقَ إبراهیمُ بنُ الأَشتَرِ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ. (2)
2570.تاریخ دمشق عن أحمد بن محمّد بن عیسی: قُتِلَ [حُصُینُ بنُ نُمَیرٍ] فی سَنَةٍ سِتٍّ وسِتّینَ عامَ الخازِرِ مَعَ عُبَیدِ اللّهِ. (3)
2571.البدایة والنهایة عن أبی أحمد الحاکم: کانَ مَقتَلُ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ یَومَ عاشوراءَ سَنَةَ سِتٍّ وسِتّینَ،وَالصَّوابُ سَنَةُ سَبعٍ وسِتّینَ. (4)
2572.رجال الکشّی عن عمر بن علیّ بن الحسین: إنَّ عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام لَمّا اتِیَ بِرَأسِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ ورَأسِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،قالَ:فَخَرَّ ساجِداً،وقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی أدرَکَ لی ثاری مِن أعدائی،وجَزَیَ اللّهُ المُختارَ خَیراً. (5)
2573.تاریخ الیعقوبی -بَعدَ هَلاکِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ بِیَدِ المُختارِ فی سَنَةِ 67-:وَجَّهَ [المُختارُ] بِرَأسِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ إلی عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام إلَی المَدینَةِ مَعَ رَجُلٍ مِن قَومِهِ،وقالَ لَهُ:قِف بِبابِ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَإِذا رَأَیتَ أبوابَهُ قَد فُتِحَت ودَخَلَ
ص:19
النّاسُ،فَذاکَ الوَقتُ الَّذی یوضَعُ فیهِ طَعامُهُ،فَادخُل إلَیهِ.
فَجاءَ الرَّسولُ إلی بابِ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَلَمّا فُتِحَت أبوابُهُ،ودَخَلَ النّاسُ لِلطَّعامِ،نادی بِأَعلی صَوتِهِ:یا أهلَ بَیتِ النُّبُوَّةِ،ومَعدِنَ الرِّسالَةِ،ومَهبِطَ المَلائِکَةِ، ومَنزِلَ الوَحیِ ! أنَا رَسولُ المُختارِ بنِ أبی عُبَیدٍ،مَعی رَأسُ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَلَم تَبقَ فی شَیءٍ مِن دورِ بَنی هاشِمٍ امرَأةٌ إلّاصَرَخَت،ودَخَلَ الرَّسولُ،فَأَخرَجَ الرَّأسَ،فَلَمّا رَآهُ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام قالَ:أبعَدَهُ اللّهُ إلَی النّارِ.
ورَوی بَعضُهُم:أنَّ عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام لَم یُرَ ضاحِکاً یَوماً قَطُّ مُنذُ قُتِلَ أبوهُ،إلّا فی ذلِکَ الیَومِ،وأنَّهُ کانَ لَهُ إبِلٌ تَحمِلُ الفاکِهَةَ مِنَ الشّامِ،فَلَمّا اتِیَ بِرَأسِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،أمَرَ بِتِلکَ الفاکِهَةِ،فَفُرِّقَت فی أهلِ المَدینَةِ،وَامتَشَطَت نِساءُ آلِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وَاختَضَبنَ،ومَا امتَشَطَتِ امرَأَةٌ ولَا اختَضَبَت مُنذُ قُتِلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام. (1)
2574.ذوب النُّضار عن الإمام الصادق علیه السّلام: مَا اکتَحَلَت هاشِمِیَّةٌ وَلا اختَضَبَت،ولا رُئِیَ فی دارِ هاشِمِیٍّ دُخانٌ خَمسَ حِجَجٍ،حَتّی قُتِلَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ لَعَنَهُ اللّهُ. (2)
2575.ذوب النُّضار عن فاطمة بنت أمیر المؤمنین علیه السّلام: ما تَحَنَّأَت (3)امرَأَةٌ مِنّا ولا أجالَت فی عَینِها مِروَداً (4)ولَا امتَشَطَت،حَتّی بَعَثَ المُختارُ رَأسَ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ. (5)
ص:20
أبو حفص عمر بن سعد بن أبی وقّاص،قائد جیش عبید اللّه بن زیاد فی حربه مع الإمام الحسین علیه السّلام.اختُلف فی سنة ولادته. (1)
وُلد فی اسرة قرشیّة وذات شأن نسبیاً (2)،إلّاأنّه کان یهوی الرئاسة منذ بدایة شبابه،وکان یری أنّ والده ألیق الناس للخلافة. (3)
کان ابن سعد المجرم الثالث فی فاجعة کربلاء،وکان یتولّی قیادة العملیّات فی کربلاء؛طمعاً فی ملک الریّ الذی وعده به کذباً ابنُ زیاد،واقترف أبشع الجرائم التی أحاقت به وباُسرته إلی الأبد.
لکنّه لم یبلغ مُنیته کما تنبّأ بذلک الإمام الحسین علیه السّلام،وظلّ خائباً فی الکوفة حتّی نال جزاءه الدنیویّ فی ثورة المختار.
وقد هیمن الخوف والرعب علی عمر بن سعد بعد ثورة المختار،ثمّ حصل علی کتاب الأمان من المختار بواسطة عبد اللّه بن جعدة بن هبیرة،إلّاأنّ المختار الذی کان قد کتب کتاب الأمان ذا وجهین بذکاوة،دبّر فی أوّل فرصة ذریعة لکی یرسل أحد أصحابه المدعو أبا عمرة للقبض علیه،فقتله بالسیف فی اشتباک جری بینهما، ووضع رأسه فی قبائِه وجاء به إلی المختار.
فعرض المختار رأس عمر بن سعد علی حفص،نجل عمر بن سعد وسأله عمّا إذا کان یعرفه،فأجابه حفص،نعم،واسترجع وقال:
ص:21
«لا خیر فی العیش بعده»قال المختار:صدقت،فإنّک لاتعیش بعده.فأمر به فقتل.وحینما جعلوا رأسه إلی جانب رأس أبیه،قال المختار:«هذا بحسین وهذا بعلیّ بن الحسین ولا سواء (1)».ثمّ أرسل المختار رأسیهما إلی المدینة إلی محمّد بن الحنفیّة. (2)
جدیر بالذکر أنّه یوجد اختلاف فی تاریخ وقوع هذه الحوادث (3)،لکن یبدو أنّ مقتل عمر بن سعد حدث فی أوائل ثورة المختار،أی سنة 66 ه کما ذکره الطبری. (4)
2576.تاریخ دمشق: عُمَرُ بنُ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ مالِکِ بنِ اهَیبِ بنِ عَبدِ مَنافِ بنِ زُهرَةَ بنِ کِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ کَعبِ بنِ لُؤَیِّ بنِ غالِبٍ أبو حَفصٍ القُرَشِیُّ الزُّهرِیُّ. (5)
2577.الطبقات لخلیفة بن خیّاط: عُمَرُ بنُ سَعدِ بنِ مالِکٍ،اُمُّهُ ماریَةُ بِنتُ قَیسِ بنِ مَعدی کَرَبَ بنِ الحارِثِ بنِ السِّمطِ بنِ امرِئِ القَیسِ بنِ عَمرِو بنِ مُعاوِیَةَ مِن کِندَةَ،یُکَنّی أبا حَفصٍ،قَتَلَهُ المُختارُ بنُ أبی عُبَیدٍ،سَنَةَ خَمسٍ وسِتّینَ. (6)
2578.تهذیب الکمال عن یحیی بن معین -فی مَولِدِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ-:وُلِدَ عامَ ماتَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ.
ص:22
وقالَ غَیرُهُ:وُلِدَ فی عَصرِ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله. (1)
2579.الإرشاد عن عبد اللّه بن شریک العامری: کُنتُ أسمَعُ أصحابَ عَلِیٍّ علیه السّلام-إذا دَخَلَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ مِن بابِ المَسجِدِ-یَقولونَ:هذا قاتِلُ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،وذلِکَ قَبلَ قَتلِهِ بِزَمانٍ. (2)
2580.الإرشاد عن سالم بن أبی حفصة: قالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ لِلحُسَینِ علیه السّلام:یا أبا عَبدِ اللّهِ،إنَّ قِبَلَنا ناساً سُفَهاءَ یَزعُمونَ أنّی أقتُلُکَ.
فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:إنَّهُم لَیسوا بِسُفَهاءَ،ولکِنَّهُم حُلَماءُ،أما إنَّهُ یَقَرُّ عَینی ألّا تَأکُلَ بُرَّ العِراقِ بَعدی إلّاقَلیلاً. (3)
2581.الأمالی للطوسی عن المدائنی عن رجاله: کانَ المُختارُ رَحِمَهُ اللّهُ قَد سُئِلَ فی أمانِ عُمَرَ بنِ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ،فَآمَنَهُ عَلی أن لا یَخرُجَ مِنَ الکوفَةِ،فَإِن خَرَجَ مِنها فَدَمُهُ هَدَرٌ.
قالَ:فَأَتی عُمَرَ بنَ سَعدٍ رَجُلٌ،فَقالَ:إنّی سَمِعتُ المُختارَ یَحلِفُ لَیَقتُلَنَّ رَجُلاً،وَاللّهِ، ما أحسَبُهُ غَیرَکَ.قالَ:
فَخَرَجَ عُمَرُ حَتّی أتَی الحَمّامَ (4)،فَقیلَ لَهُ:أتَری هذا یَخفی عَلَی المُختارِ؟فَرَجَعَ لَیلاً،فَدَخَلَ دارَهُ.
فَلَمّا کانَ الغَدُ غَدَوتُ،فَدَخَلتُ عَلَی المُختارِ،وجاءَ الهَیثَمُ بنُ الأَسوَدِ فَقَعَدَ، فَجاءَ حَفصُ بنُ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَقالَ لِلمُختارِ:یَقولُ لَکَ أبو حَفصٍ:أنزِلنا بِالَّذی
ص:23
کانَ بَینَنا وبَینَکَ.قالَ:اِجلِس،فَدَعَا المُختارُ أبا عَمرَةَ،فَجاءَ رَجُلٌ قَصیرٌ یَتَخَشخَشُ فِی الحَدیدِ فَسارهُ،ودَعا بِرَجُلَینِ،فَقالَ:اِذهَبا مَعَهُ،فَذَهَبَ فَوَاللّهِ ما أحسَبُهُ بَلَغَ دارَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ حَتّی جاءَ بِرَأسِهِ.
فَقالَ المُختارُ لِحَفصٍ:أتَعرِفُ هذا؟فَقالَ: «إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ» 1 ،نَعَم.قالَ:
یا أبا عَمرَةَ،ألحِقهُ بِهِ،فَقَتَلَهُ.فَقالَ المُختارُ رَحِمَهُ اللّهُ:عُمَرُ بِالحُسَینِ علیه السّلام،وحَفصٌ بِعَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام،ولا سَواءَ. (1)
2582.تاریخ الطبری عن موسی بن عامر أبی الأشعر: إنَّ المُختارَ قالَ ذاتَ یَومٍ وهُوَ یُحَدِّثُ جُلَساءَهُ:لَأَقتُلَنَّ غَداً رَجُلاً عَظیمَ القَدَمَینِ،غائِرَ العَینَینِ،مُشرِفَ الحاجِبَینِ،یَسُرُّ مَقتَلُهُ المُؤمِنینَ وَالمَلائِکَةَ المُقَرَّبینَ.
قالَ:وکانَ الهَیثَمُ بنُ الأَسوَدِ النَّخَعِیُّ عِندَ المُختارِ حینَ سَمِعَ هذِهِ المَقالَةَ،فَوَقَعَ فی نَفسِهِ أنَّ الَّذی یُریدُ عُمَرَ بنَ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ،فَلَمّا رَجَعَ إلی مَنزِلِهِ دَعَا ابنَهُ العُریانَ،فَقالَ:اِلقَ ابنَ سَعدٍ اللَّیلَةَ،فَخَبِّرهُ بِکَذا وکَذا،وقُل لَهُ:خُذ حِذرَکَ،فَإِنَّهُ لا یُریدُ غَیرَکَ.
قالَ:فَأَتاهُ فَاستَخلاهُ،ثُمَّ حَدَّثَهُ الحَدیثَ،فَقالَ لَهُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:جَزَی اللّهُ أباکَ وَالإِخاءَ خَیراً،کَیفَ یُریدُ هذا بی بَعدَ الَّذی أعطانی مِنَ العُهودِ وَالمَواثیقِ؟
وکانَ المُختارُ أوَّلَ ما ظَهَرَ أحسَنَ شَیءٍ سیرَةً وتَأَلُّفاً لِلنّاسِ،وکانَ عَبدُ اللّهِ بنُ جَعدَةَ بنِ هُبَیرَةَ أکرَمَ خَلقِ اللّهِ عَلَی المُختارِ لِقَرابَتِهِ بِعَلِیٍّ،فَکَلَّمَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ عَبدَ اللّهِ بنَ جَعدَةَ،وقالَ لَهُ:إنّی لا آمَنُ هذَا الرَّجُلَ-یَعنِی المُختارَ-فَخُذ لی مِنهُ
ص:24
أماناً،فَفَعَلَ،قالَ:فَأَنَا رَأَیتُ أمانَهُ وقَرَأتُهُ،وهُوَ:
«بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،هذا أمانٌ مِنَ المُختارِ بنِ أبی عُبَیدٍ لِعُمَرَ بنِ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ،إنَّکَ آمِنٌ بِأَمانِ اللّهِ عَلی نَفسِکَ ومالِکَ وأهلِکَ وأهلِ بَیتِکَ ووُلدِکَ،لا تُؤاخَذُ بِحَدَثٍ کانَ مِنکَ قَدیماً،ما سَمِعتَ وأطَعتَ ولَزِمتَ رَحلَکَ وأهلَکَ ومِصرَکَ، فَمَن لَقِیَ عُمَرَ بنَ سَعدٍ مِن شُرطَةِ اللّهِ وشیعَةِ آلِ مُحَمَّدٍ ومِن غَیرِهِم مِنَ النّاسِ،فَلا یَعرِض لَهُ إلّابِخَیرٍ».
شَهِدَ السّائِبُ بنُ مالِکٍ،وأحمَرُ بنُ شُمَیطٍ،وعَبدُ اللّهِ بنُ شَدّادٍ،وعَبدُ اللّهِ بنُ کامِلٍ،وجَعَلَ المُختارُ عَلی نَفسِهِ عَهدَ اللّهِ ومیثاقَهُ لَیَفِیَنَّ لِعُمَرَ بنِ سَعدٍ بِما أعطاهُ مِنَ الأَمانِ،إلّاأن یُحدِثَ حَدَثاً،وأشهَدَ اللّهَ عَلی نَفسِهِ وکَفی بِاللّهِ شَهیداً.
قالَ:فَکانَ أبو جَعفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام یَقولُ:أمّا أمانُ المُختارِ لِعُمَرَ بنِ سَعدٍ إلّا أن یُحدِثَ حَدَثاً،فَإِنَّهُ کانَ یُریدُ بِهِ إذا دَخَلَ الخَلاءَ فَأَحدَثَ.
قالَ:فَلَمّا جاءَهُ العُریانُ بِهذا،خَرَجَ مِن تَحتِ لَیلَتِهِ حَتّی أتی حَمّامَهُ،ثُمَّ قالَ فی نَفسِهِ:أنزِلُ داری،فَرَجَعَ فَعَبَرَ الرَّوحاءَ،ثُمَّ أتی دارَهُ غُدوَةً وقَد أتی حَمّامَهُ،فَأَخبَرَ مَولیً لَهُ بِما کانَ مِن أمانِهِ وبِما اریدَ بِهِ،فَقالَ لَهُ مَولاهُ:وأیُّ حَدَثٍ أعظَمُ مِمّا صَنَعتَ،إنَّکَ تَرَکتَ رَحلَکَ وأهلَکَ وأقبَلتَ إلی هاهُنا،اِرجِع إلی رَحلِکَ،لا تَجعَلَنَّ لِلرَّجُلِ عَلَیکَ سَبیلاً،فَرَجَعَ إلی مَنزِلِهِ وأتَی المُختارَ بِانِطلاقِهِ،فَقالَ:کَلّا إنَّ فی عُنُقِهِ سِلسِلَةً سَتَرُدَّهُ لَو جَهَدَ أن یَنطَلِقَ مَا استَطاعَ.
قالَ:وأصبَحَ المُختارُ،فَبَعَثَ إلَیهِ أبا عَمرَةَ وأمَرَهُ أن یَأتِیَهُ بِهِ،فَجاءَهُ حَتّی دَخَلَ عَلَیهِ،فَقالَ:أجِبِ الأَمیرِ،فَقامَ عُمَرُ،فَعَثَرَ فی جُبَّةٍ لَهُ،ویَضرِبُهُ أبو عَمرَةَ بسِیَفِهِ فَقَتَلَهُ،وجاءَ بِرَأسِهِ فی أسفَلِ قَبائِهِ حَتّی وَضَعَهُ بَینَ یَدَیِ المُختارِ.
فَقالَ المُختارُ لِابنِهِ حَفصِ بنِ عُمَرِ بنِ سَعدٍ،وهُوَ جالِسٌ عِندَهُ:أتَعرِفُ هذَا
ص:25
الرَّأسَ؟فَاستَرجَعَ وقالَ:نَعَم،ولا خَیرَ فِی العَیشِ بَعدَهُ.
قالَ لَهُ المُختارُ:صَدَقتَ،فَإِنَّکَ لا تَعیشُ بَعدَهُ،فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ،وإذا رَأسُهُ مَعَ رَأسِ أبیهِ.
ثُمَّ إنَّ المُختارَ قالَ:هذا بِحُسَینٍ علیه السّلام،وهذا بِعَلِیِّ بنِ حُسَینٍ علیه السّلام ولا سَواءَ،وَاللّهِ،لَو قَتَلتُ بِهِ ثَلاثَةَ أرباعِ قُرَیشٍ ما وَفَوا أنمُلَةً مِن أنامِلِهِ. (1)
2583.الأخبار الطوال: إنَّ شِمرَ بنَ ذِی الجَوشَنِ،وعُمَرَ بنَ سَعدٍ،ومُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ،وأخاهُ قَیسَ بنَ الأَشعَثِ قَدِمُوا الکوفَةَ عِندَما بَلَغَهُم خُروجُ النّاسِ عَلَی المُختارِ وخَلعُهُم طاعَتَهُ،وکانوا هُرّاباً مِنَ المُختارِ طولَ سُلطانِهِ،لِأَنَّهُم کانُوا الرُّؤَساءَ فی قِتالِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَصاروا مَعَ أهلِ الکوفَةِ،وتَوَلَّوا أمرَ النّاسِ،وتَأَهَّبَ الفَریقانِ لِلحَربِ، وَاجتَمَعَ أهلُ الکوفَةِ جَمیعاً فی جَبّانَةِ الحَشّاشینَ،وزَحَفَ المُختارُ نَحوَهُم، فَاقتَتَلوا....
وبَلَغَ المُختارَ:أنَّ شَبَثَ بنَ رِبِعیٍّ،وعَمرَو بنَ الحَجّاجِ،ومُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ مَعَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ قَد أخَذوا طَریقَ البَصرَةِ فی اناسٍ مَعَهُم مِن أشرافِ أهلِ الکوفَةِ، فَأَرسَلَ فی طَلَبِهِم رَجُلاً مِن خاصَّتِهِ یُسَمّی أبا القَلوصِ الشِّبامِیَّ فی جَریدَةِ خَیلٍ، فَلَحِقَهُم بِناحِیَةِ المَذارِ (2)،فَواقَعوهُ،وقاتَلوهُ ساعَةً،ثُمَّ انهَزَموا،ووَقَعَ فی یَدِهِ عُمَرُ بنُ سَعدٍ،ونَجا الباقونَ،فَأَتی بِهِ المُختارُ.
ص:26
فَقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی أمکَنَ مِنکَ،وَاللّهِ،لَأَشِفیَنَّ قُلوبَ آلِ مُحَمَّدٍ بِسَفکِ دَمِکَ،یا کَیسانُ،اضرِب عُنُقَهُ.فَضَرَبَ عُنُقَهُ،وأخَذَ رَأسَهُ،فَبَعَثَ بِهِ إلَی المَدینَةِ،إلی مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِیَّةِ. (1)
2584.تاریخ دمشق عن عبد اللّه بن شریک: أدرَکتُ أصحابَ الأَردِیَةِ المُعَلَّمَةِ وأصحابَ البَرانِسِ (2)مِن أصحابِ السَّواری،إذا مَرَّ بِهِم عُمَرُ بنُ سَعدٍ قالوا:هذا قاتِلُ الحُسَینِ علیه السّلام،وذلِکَ قَبلَ أن یَقتُلَهُ. (3)
2585.رجال الکشّی عن عمر بن علیّ بن الحسین علیه السّلام: إنَّ عَلِیَّ بنَ الحَُسینِ علیه السّلام لَمّا اتِیَ بِرَأسِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ ورَأسِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،قالَ:فَخَرَّ ساجِداً،وقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی أدرَکَ لی ثاری مِن أعدائی،وجَزَی اللّهُ المُختارَ خَیراً. (4)
2586.الدعوات: لَمّا بَعَثَ المُختارُ بِرَأسِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ عَلَیهِ اللَّعنَةُ إلَیهِ،وقالَ:لا تُعلِم أحَداً ما مَعَکَ حَتّی یَضَعَ الغَداءَ.
فَدَخَلَ وقَد وُضِعَتِ المائِدَةُ،فَخَرَّ زَینُ العابِدینَ علیه السّلام ساجِداً،وبَکی وأطالَ البُکاءَ، ثُمَّ جَلَسَ،فَقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی أدرَکَ لی بِثَأری قَبلَ وَفاتی. (5)
راجع:ج 4 ص 20 (القسم الثامن/الفصل الأوّل/قصّة خروج عمر بن سعد لقتال الإمام علیه السّلام ).
ص:27
أبو سابغة شمر بن ذی الجوشن (1)،الضباب بن الکلاب بن ربیعة بن عامر بن صعصعة بن معاویة بن بکر بن هوازن بن منصور.أحد الذین لهم دور رئیس فی جرائم وجنایات کربلاء،کان قبیح المنظر (2)وقبیح الفعال.
حارب شمر فی وقعة صفّین إلی جانب الإمام علیّ علیه السّلام ضدّ الاُمویّین بل جرح فیها (3)،إلّاأنه لسوء عاقبته صار من أتباع الاُمویّین بعد ذلک.
وقد أدّت شهادته علی حجر بن عدیّ إلی استشهاد هذا الرجل العظیم فی مرج عذرا (4)،کما کان له دور مؤثّر فی تفریق أهل الکوفة عن مسلم بن عقیل وترکهم إیّاه (5)،وقد تسبّب فی عملیّات کربلاء إلی أن لا یقبل ابن زیاد اقتراح عمر بن سعد، وقام بنفسه بمهمّة إبلاغ کتاب عبید اللّه المشحون بالوعد والوعید إلی عمر بن سعد، الذی طلب فیه الهجوم الشامل علی الإمام الحسین علیه السّلام وأصحابه،أو التخلّی عن القیادة وتسلیمها لشمر (6)،وعندما قبل عمر بن سعد الأمر بالقتال بعد ذلک،أصبح شمر قائد المیسرة فی الجیش. (7)
ص:28
وعندما رأی قتال الإمام والتحامه فی حال وحدته وفقد أنصاره،وأدرک أنّه لا یستطیع أن یقتل الإمام بالبراز له،أمر أن تهجم علیه الرجّالة والخیّالة والرماة دفعة واحدة،وبعد أن ألقوا الإمام علی الأرض صریعاً وخاف خولیّ من قطع رأسه علیه السّلام، ترجّل شمرٌ استناداً إلی بعض الروایات عن فرسه وحزّ رأسه المبارک،وأرسله بید خولیّ إلی عمر بن سعد. (1)وأمر شمر غلامه أن یقتل امرأة عبد اللّه بن عمیر الکلبی (2).
وکان له دور رئیس فی الهجوم علی الخیام (3)،والتعرّض للإمام السجّاد علیه السّلام (4)،وأخذ السبایا ورؤوس الشهداء المطهّرة من العراق إلی الشام. (5)
وقد بلغت جرائم شمر حدّاً بحیث دعا علیه الإمام الحسین علیه السّلام (6)،وقد اضطرّ إلی الفرار خلال ثورة المختار،إلّاأنّه حوصر أثناء الطریق بین الکوفة والبصرة،وفی تلک الرمضاء الملتهبة،واُصیب بجراح فی اشتباک قصیر،واستناداً لروایات،فإنّه قُتل هناک. (7)وبناء علی روایة اخری فإنّه اسر واُرسل إلی المختار،فقطع المختارُ رأسَه ورمی بجنازته فی الزیت الساخن. (8)
ص:29
2587.تاریخ دمشق عن محمّد بن عمرو بن حسن: کُنّا مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام بِنَهرَی کَربَلاءَ،فَنَظَرَ إلی شِمرِ بنِ ذِی الجَوشَنِ،فَقالَ:صَدَقَ اللّهُ ورَسولُهُ،قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:کَأَنّی أنظُرُ إلی کَلبٍ أبقَعَ یَلَغُ فی دِماءِ أهلِ بَیتی.فَکانَ شِمرٌ أبرَصَ. (1)
2588.الإصابة: ذُو الجَوشَنِ (2)الضِّبابِیُّ:قیلَ:اِسمُهُ أوسُ بنُ الأَعوَرِ،وبِهِ جَزَمَ المَرزُبانِیُّ، وقیلَ:شُرَحبیلُ-وهُوَ الأَشهَرُ-ابنُ الأَعوَرِ بنِ عَمرِو بنِ مُعاوِیَةَ،وهُوَ ضِبابُ بنُ کِلابِ بنِ رَبیعَةَ بنِ عامِرِ بنِ صَعصَعَةَ.
وزَعَمَ ابنُ شاهینَ أنَّ اسمَهُ عُثمانُ بنُ نَوفَلٍ؛قالَ مُسلِمٌ:لَهُ صُحبَةٌ.
قالَ أبُو السَّعاداتِ ابنُ الأَثیرِ:یُقالُ إنَّهُ لُقِّبَ بِذِی الجَوشَنِ؛لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلی کِسری،فَأَعطاهُ جَوشَناً فَلَبِسَهُ،فَکانَ أوَّلَ عَرَبِیٍّ لَبِسَهُ،وقالَ غَیرُهُ:قیلَ لَهُ ذلِکَ؛ لِأَنَّ صَدرَهُ کانَ ناتِئاً.وکانَ فارِساً شاعِراً لَهُ فی أخیهِ الصُّمَیلِ مَراثٍ حَسَنَةٌ.
قُلتُ:ولَهُ حَدیثٌ عِندَ أبی داووُدَ مِن طَریقِ أبی إسحاقَ عَنهُ.ویُقالُ:إنَّهُ لَم یَسمَع مِنهُ،وإنَّما سَمِعَهُ مِن وَلَدِهِ شِمرٍ.وَاللّهُ أعلَمُ. (3)
2589.وقعة صفّین عن مسلم: خَرَجَ أدهَمُ بنُ مُحرِزٍ مِن أصحابِ مُعاوِیَةَ بِصِفّینَ إلی شِمرِ بنِ ذِی الجَوشَنِ،فَاختَلَفا ضَربَتَینِ،فَضَرَبَهُ أدهَمُ عَلی جَبینِهِ،فَأَسرَعَ فیهِ السَّیفُ حَتّی خالَطَ العَظمَ،وضَرَبَهُ شِمرٌ فَلَم یَصنَع سَیفُهُ شَیئاً،فَرَجَعَ إلی عَسکَرِهِ،فَشَرِبَ مِنَ
ص:30
الماءِ،وأخَذَ رُمحاً،ثُمَّ أقبَلَ وهُوَ یَقولُ:
إنّی زَعیمٌ لِأَخی باهِلَهْ بِطَعنَةٍ إن لَم أمُت عاجِلَهْ
وضَربَةٍ تَحتَ الوَغی فاصِلَهْ شَبیهَةٍ بِالقَتلِ أو قاتِلَهْ
ثُمَّ حَمَلَ عَلی أدهَمَ وهُوَ یَعرِفُ وَجهَهُ،وأدهَمُ ثابِتٌ لَهُ لَم یَنصَرِف،فَطَعَنَهُ فَوَقَعَ عَن فَرَسِهِ،وحالَ أصحابُهُ دونَهُ فَانصَرَفَ،فَقالَ شِمرٌ:هذِهِ بِتِلکَ. (1)
2590.الملهوف: إنَّ شِمرَ بنَ ذِی الجَوشَنِ لَعَنَهُ اللّهُ حَمَلَ عَلی فُسطاطِ الحُسَینِ علیه السّلام فَطَعَنَهُ بِالرُّمحِ،ثُمَّ قالَ:عَلَیَّ بِالنّارِ احرِقهُ عَلی مَن فیهِ.
فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:یَابنَ ذِی الجَوشَنِ،أنتَ الدّاعی بِالنّارِ لِتُحرِقَ عَلی أهلی ! أحرَقَکَ اللّهُ بِالنّارِ. (2)
2591.میزان الاعتدال عن أبی إسحاق: کانَ شِمرٌ یُصَلّی مَعَنا،ثُمَّ یَقولُ:اللّهُمَّ إنَّکَ تَعلَمُ أنّی شَریفٌ فَاغفِر لی.
قُلتُ:کَیفَ یَغفِرُ اللّهُ لَکَ وقَد أعَنتَ عَلی قَتلِ ابنِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؟
قالَ:وَیحَکَ ! فَکَیفَ نَصنَعُ؟إنَّ امَراءَنا هؤُلاءِ أمَرونا بِأَمرٍ فَلَم نُخالِفهُم،ولَو خالَفناهُم کُنّا شَرّاً مِن هذِهِ الحُمُرِ السُّقاةِ.
قُلتُ:إنَّ هذا لَعُذرٌ قَبیحٌ،فَإِنَّمَا الطّاعَةُ فِی المَعروفِ. (3)
2592.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن الهیثم بن الخطاب النهدی: سَمِعتُ أبا إسحاقَ السَّبَیعِیَّ یَقولُ:کانَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ الضِّبابِیُّ لا یَکادُ أو لا یَحضُرُ الصَّلاةَ مَعَنا،فَیَجیءُ بَعدَ الصَّلاةِ فَیُصَلّی،ثُمَّ یَقولُ:اللّهُمَّ اغفِر لی،فَإِنّی کَریمٌ لَم
ص:31
تَلِدنِی اللِّئامُ.
قالَ:فَقُلتُ لَهُ:إنَّکَ لَسَیِّیءُ الرَّأیِ یَومَ تُسارِعُ إلی قَتلِ ابنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.
قالَ:دَعنا مِنکَ-یا أبا إسحاقَ-،فَلَو کُنّا کَما تَقولُ وأصحابُکَ کُنّا شَرّاً مِنَ الحَمیرِ السَّقّاءاتِ. (1)
2593.تاریخ الطبری عن مسلم بن عبد اللّه الضبابی -فی حَوادِثِ سَنَةِ سِتٍّ وسِتّینَ- : لَمّا خَرَجَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ وأنَا مَعَهُ حینَ هَزَمَنَا المُختارُ،وقَتَلَ أهلَ الیَمَنِ بِجَبّانَةَ السَّبیَعِ، ووَجَّهَ غُلامَهُ زِربِیّاً فی طَلَبِ شِمرٍ،وکانَ مَن قَتلِ شِمرٍ إیّاهُ ما کانَ،مَضی شِمرٌ حَتّی یَنزِلَ ساتیدَما (2)،ثُمَّ مَضی حَتّی یَنزِلَ إلی جانِبِ قَریَةٍ یُقالُ لَهَا:الکَلتانِیَّةُ (3)عَلی شاطِئِ نَهرٍ إلی جانِبِ تَلٍّ،ثُمَّ أرسَلَ إلی تِلکَ القَریَةَ،فَأَخَذَ مِنها علِجاً (4)فَضَرَبَهُ.ثُمَّ قالَ:النَّجاءَ بِکِتابی هذا إلَی مُصعَبِ بنِ الزُّبَیرِ،وکَتَبَ عُنوانَهُ:لِلأَمیرِ مُصعَبِ بنِ الزُّبَیرِ مِن شِمرِ بنِ ذِی الجَوشَنِ.
قالَ:فَمَضَی العِلجُ حَتّی یَدخُلَ قَریَةً فیها بُیوتٌ وفیها أبو عَمرَةَ،وقَد کانَ المُختارُ بَعَثَهُ فی تِلکَ الأَیّامِ إلی تِلکَ القَریَةِ؛لِتَکونَ مَسلَحَةً فیما بَینَهُ وبَینَ أهلِ
ص:32
البَصرَةِ،فَلَقِیَ ذلِکَ العِلجُ عِلجاً مِن تِلکَ القَریَةِ،فَأَقبَلَ یَشکو إلَیهِ ما لَقِیَ مِن شِمرٍ، فَإِنَّهُ لَقائِمٍ مَعَهُ یُکَلِّمُهُ إذ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِن أصحابِ أبی عَمرَةَ،فَرَأَی الکِتابَ مَعَ العِلجِ، وعُنوانُهُ لِمُصعَبٍ مِن شِمرٍ،فَسَأَلُوا العِلجَ عَن مَکانِهِ الَّذی هُوَ بِهِ فَأَخبَرَهُم،فَإِذا لَیسَ بَینَهُم وبَینَهُ إلّاثَلاثَةُ فَراسِخَ،قالَ:فَأَقبَلوا یَسیرونَ إلَیهِ.
قالَ أبو مِخنَفٍ:فَحَدَّثَنی مُسلِمُ بنُ عَبدِ اللّهِ:وأنَا وَاللّهِ مَعَ شِمرٍ تِلکَ اللَّیلَةَ،فَقُلنا:
لَو أنَّکَ ارتَحَلتَ بِنا مِن هذَا المَکانِ،فَإِنّا نَتَخَوَّفُ بِهِ،فَقالَ:أوَ کُلُّ هذا فَرَقاً (1)مِنَ الکَذّابِ ! وَاللّهِ لا أتَحَوَّلُ مِنهُ ثَلاثَةَ أیّامٍ،مَلَأَ اللّهُ قُلوبَکُم رُعباً ! قالَ:وکانَ بِذلِکَ المَکانِ الَّذی کُنّا فیهِ دَبیً (2)کَثیرٌ،فَوَاللّهِ،إنّی لَبَینَ الیَقظانِ وَالنّائِمِ إذ سَمِعتُ وَقَعَ حَوافِرِ الخَیلِ،فَقُلتُ فی نَفسی:هذا صَوتُ الدَّبی،ثُمَّ إنّی سَمِعتُهُ أشَدَّ مِن ذلِکَ، فَانتَبَهتُ ومَسَحتُ عَینَیَّ،وقُلتُ:لا وَاللّهِ ما هذا بِالدَّبی.
قالَ:وذَهَبتُ لِأَقومَ،فَإِذا أنَا بِهِم قَد أشرَفوا عَلَینا مِنَ التَّلِّ،فَکَبَّروا،ثُمَّ أحاطوا بَأَبیاتِنا،وخَرَجنا نَشتَدُّ عَلی أرجُلِنا،وتَرَکنا خَیلَنا.قالَ:فَأَمُرُّ عَلی شِمرٍ وأنَّهُ لَمُتَّزِرٍ بِبُردٍ مُحَقَّقٍ،وکانَ أبرَصَ،فَکَأَنّی أنظُرُ إلی بَیاضِ کَشحَیهِ (3)مِن فَوقِ البُردِ،فَإِنَّهُ لَیُطاعِنُهُم بِالرُّمحِ،قَد أعجَلوهُ أن یَلبِسَ سِلاحَهُ وثِیابَهُ،فَمَضَینا وتَرَکناهُ.
قالَ:فَما هُوَ إلّاأن أمَعنتُ ساعَةً،إذ سَمِعتُ:اللّهُ أکبَرُ،قَتَلَ اللّهُ الخَبیثَ.
قالَ أبو مِخنَفٍ:حَدَّثَنی المِشرَقِیُّ عَن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عُبَیدٍ أبِی الکَنودِ:أنَا واَللّهِ، صاحِبُ الکِتابِ الَّذی رَأَیتُهُ مَعَ العِلجِ،وأتَیتُ بِهِ أبا عَمرَةَ،وأنَا قَتَلتُ شِمراً،قالَ:
قُلتُ:هَل سَمِعتَهُ یَقولُ شَیئاً لَیلَتَئِذٍ؟قالَ:نَعَم،خَرَجَ عَلَینا،فَطاعَنَنا بِرُمحِهِ ساعَةً،
ص:33
ثُمَّ ألقی رُمحَهُ،ثُمَّ دَخَلَ بَیتَهُ،فَأَخَذَ سَیفَهُ،ثُمَّ خَرَجَ عَلَینا وهُوَ یَقولُ:
نَبَّهتُمُ لَیثَ عَرینٍ باسِلا جَهماً (1)مُحَیّاهُ یَدُقُّ الکاهِلا
لَم یُرَ یَوماً عَن عَدُوٍّ ناکِلا إلّا کَذا مُقاتِلاً أو قاتِلا
یُبرِحُهُم ضَرباً ویُروِی العامِلا. (2)
2594.الأخبار الطِّوال: سارَ أحمَرُ بنُ سَلیطٍ فِی الجُیوشِ حَتّی وافَی المَذارَ،وقَد انصَرَفَ إلَیها شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ أنَفَةً مِن أن یَأتِیَ البَصرَةَ هارِباً،فَیَشمَتوا بِهِ،فَوَجَّهَ أحمَرُ بنُ سَلیطٍ إلَی المَکانِ الَّذی کانَ مُتَحَصِّناً فیهِ خَمسینَ فارِساً،وأمامَهُم نَبَطِیٌّ (3)یَدُلُّهُم عَلَی الطّریقِ،وذلِکَ فی لَیلَةٍ مُقمِرَةٍ.
فَلَمّا أحَسَّ بِهِم،دَعا بِفَرَسِهِ فَرَکِبَهُ،ورَکِبَ مَن کانَ مَعَهُ لِیَهرَبوا،فَأَدرَکَهُمُ القَومُ، فَقاتَلوهُم،فَقُتِلَ شِمرٌ وجَمیعُ مَن کانَ مَعَهُ،وَاحتَزّوا رُؤوسَهُم،فَأَتَوا بِها أحمَرَ بنَ سَلیطٍ،فَوَجَّهَها إلَی المُختارِ،فَوَجَّهَ المُختارُ بِرَأسِ شِمرٍ إلی مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِیَّةِ بِالمَدینَةِ. (4)
2595.الأمالی للطوسی عن المدائنی عن رجاله: طَلَبَ المُختارُ شِمرَ بنَ ذِی الجَوشَنِ،فَهَرَبَ إلَی البادِیَةِ،فَسُعِیَ بِهِ إلی أبی عَمرَةَ،فَخَرَجَ إلَیهِ مَعَ نَفَرٍ مِن أصحابِهِ،فَقاتَلَهُم قِتالاً شَدیداً،فَأَثخَنَتهُ الجِراحَةُ،فَأَخَذَهُ أبو عَمرَةَ أسیراً وبَعَثَ بِهِ إلَی المُختارِ،فَضَرَبَ عُنُقَهُ،وأغلی لَهُ دُهناً فی قِدرٍ وقَذَفَهُ فیها فَتَفَسَّخَ،ووَطِئَ مَولیً لِآلِ حارِثَةَ بنِ مُضَرِّبٍ وَجهَهُ ورَأسَهُ. (5)
ص:34
أبو عبد الرحمن حصین بن نمیر بن نائل الکندی السکونی،من أهالی حمص،من المدن المهمّة فی الشام وکان أمیرها.وکان یتولّی قیادة جیش حمص فی جیوش معاویة فی وقعة صفّین، (1)وکان من الوجوه الرئیسیّة فی الحکم الاُموی،وقائد الشرطة ومعاون ابن زیاد،والمشرف من قبله علی القادسیّة وخفّان والقطقطانة،کما کان عامل إلقاء القبض علی قیس بن مسهّر سفیر الإمام الحسین علیه السّلام وعبد اللّه بن یقطر (2)،وکان قائد رماة جیش عمر بن سعد فی یوم عاشوراء،وقد رمی مع أصحابه الإمامَ وأصحابَه وأهلکوا خیولهم،وهیّؤوا أرضیّة الهجوم الرئیسی والجماعی لجیش ابن سعد علی أصحاب الإمام علیه السّلام. (3)
شارک شخصیّاً فی بعض الاشتباکات،وکان له دور فی استشهاد حبیب بن مظاهر. (4)
کان الحصین هو الذی رمی الإمام علیه السّلام فی یوم عاشوراء بسهم وأصاب فمه الشریف،وبذلک حال دون شربه الماء. (5)
ص:35
حمل الحصین بن نمیر،بعد انتهاء الحرب برفقة الأفراد الذین کانوا تحت إمرته سبعة عشر رأساً إلی الکوفة. (1)
وبعد واقعة کربلاء،صار خلفاً لمسلم بن عقبة القائد السفّاک لجیش الشام المجرم فی واقعة الحرّة فی المدینة.وبعد موته،وجّه الجیش نحو مکّة وأحرق الکعبة فی حربه مع عبد اللّه بن الزبیر. (2)ثمّ رجع إلی العراق وشارک فی قمع ثورة التوّابین بقیادة سلیمان بن صرد الخزاعی (3)،وبعد قیام المختار قتل فی حربه مع إبراهیم بن مالک الأشتر الذی کان من قادة المختار،وأحرق إبراهیم جسده،وأرسل رأسه إلی المختار فی الکوفة ثمّ إلی ابن الزبیر فی مکّة،وعلّقوا رأسه فی مکّة والمدینة لیکون عبرة للآخرین. (4)
جدیر بالذکر،أنّ بعض الجرائم المذکورة فی عدد من المصادر نُسبت إلی حصین بن تمیم بن اسامة بن زهیر بن درید التمیمی،والذی لا یمکن اتّحاده مع الشخص المعنیّ فی ترجمتنا،ویحتمل أن یکون قد حصل تصحیف،أو خلط فی نسبة الجرائم (5)،إلّاأنّ من المسلّم به هو أنّ حصین بن نمیر کان أحد القوّاد الأصلیّین والرئیسیّن للجیش الاُموی فی صفّین،وواقعة عاشوراء،وواقعة الحرّة ومکّة، وکذلک الحرب مع التوّابین والمختار الثقفی.
2596.تاریخ دمشق: حُصَینُ بنُ نُمَیرِ بنِ نائِلِ بنِ لَبیدِ بنِ جِعثِنَةَ بنِ الحارِثِ بنِ سَلَمَةَ بنِ
ص:36
شُکامَةَ بنِ شَبیبِ بنِ السَّکونِ بنِ أشرَسَ بنِ کِندَةَ،وهُوَ ثَورُ بنُ عُفَیرِ بنِ عَدِیِّ بنِ الحارِثِ أبو عَبدِ الرَّحمنِ الکِندِیُّ،ثُمَّ السَّکونِیُّ مِن أهلِ حِمصٍ،رَوی عَن بِلالٍ، رَوی عَنهُ ابنُهُ یَزیدُ بنُ حُصَینٍ.
وکانَ بِدِمَشقَ حینَ عَزَمَ مُعاوِیَةُ عَلَی الخُروجِ إلی صِفّینَ وخَرَجَ مَعَهُ،ووَلِیَ الصّائِفَةَ (1)لِیَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،وکانَ أمیراً عَلی جُندِ حِمصٍ،وکانَ فِی الجَیشِ الَّذی وَجَّهَهُ یَزیدُ إلی أهلِ المَدینَةِ مِن دِمَشقَ لِقِتالِ أهلِ الحَرَّةِ،وَاستَخلَفَهُ مُسلِمُ بنُ عُقبَةَ- المَعروفُ بِمُسرِفٍ-عَلَی الجَیشِ،وقاتَلَ ابنَ الزُّبَیرِ،وکانَ بِالجابِیَةِ (2)حینَ عُقِدَت لِمَروانَ بنِ الحَکَمِ الخِلافَةُ. (3)
2597.الأخبار الطوال -فِی قِیامِ المُختارِ-:وحَمَلَ عَلَیهِم إبراهیمُ بنُ الأَشتَرِ،فَأَکثَرَ فیهِمُ القَتلَ، وَانهَزَمَ أهلُ الشّامِ،فَأَتبَعَهُم إبراهیمُ یَقتُلُهُم إلَی اللَّیلِ،وقَتَلَ أمیرَهُمُ الحُصَینَ بنَ نُمَیرٍ -وکانَ مِن قَتَلَةِ الحُسَینِ-وشُرَحبیلَ بنَ ذِی الکِلاعِ،وعُظَماءَ أهلِ الشّامِ. (4)
2598.تاریخ دمشق عن محمّد بن إسماعیل: أحرَقَ مُصعَبُ بنُ الزُّبَیرِ المُختارَ،وأحرَقَ إبراهیمُ بنُ الأَشتَرِ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زیادٍ وحُصَینَ بنَ نُمَیرٍ السَّکونِیَّ،فَقالَ عَبدُ المَلِکِ بنِ مَروانَ -واُتِیَ بِجَسَدِ ابنِ الأَشتَرِ-لِمَولیً لِحُصَینِ بنِ نُمَیرٍ:حَرِّقُه کَما حَرَّقَ مَولاکَ....
أحمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عیسَی البَغدادِیُّ بحِمصٍ قالَ:فی طَبَقَةٍ قَدیمَةٍ أدرَکتُ أصحابَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله مِنهُم حُصَینُ بنُ نُمَیرٍ السَّکونِیُّ،استَعمَلَهُ الخُلَفاءُ وأصحابُ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله أحیاءٌ،قُتِلَ فی سَنَةِ سِتً ّ وسِتّینَ عامَ الخازِرِ (5)مَعَ عُبَیدِ اللّهِ بنِ
ص:37
زِیادٍ. (1)
2599.تاریخ دمشق عن یعقوب بن سفیان: وقُتِلَ فی هذَا الیَومِ حُصَینُ بنُ نُمَیرٍ،یَعنی فی سَنَةِ سَبعٍ وسِتّینَ...أخبَرَنا أبو سُلَیمانَ بنُ زُبَرَ،قالَ:سَنَةُ سِتٍّ وسِتّینَ،قالوا:قُتِلَ بِها عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ وَالحُصَینُ بنُ نُمَیرٍ،وَلِیَ قَتلَهُما إبراهیمُ بنُ الأَشتَرِ،فَبَعَثَ بِرُؤوسِهِم إلَی المُختارِ،فَبَعَثَ بِها إلَی ابنِ الزُّبَیرِ،فَنُصِبَت بِالمَدینَةِ ومَکَّةَ. (2)
2600.تاریخ دمشق عن سعید بن یزید أبی سلمة: بَعَثَ المُختارُ بِرَأسِ ابنِ زِیادٍ ورُؤوسِ النّاسِ مِن أشرافِ أهلِ الشّامِ،فیهِم حُصَینُ بنُ نُمَیرٍ الکِندِیُّ،وکانَ فیمَن قاتَلَ ابنَ الزُّبَیرِ ونَصَبَ عَلَیهِ القَذّافَ،فَقالَ ابنُ الزُّبَیرِ:اِنصِبوا رَأسَ کُلِّ رَجُلٍ مِنهُم عِندَ قَذّافَتِهِ الَّتی کانَ یَرمینا بِها. (3)
ابن زیاد،حیث عیّنه قائداً علی جناح المیمنة فی عسکر عمر بن سعد فی کربلاء. (1)
حال هذا اللعین مع فرسانه بین الإمام الحسین علیه السّلام وبین الماء،وحارب العبّاس علیه السّلام. (2)ثم حرّض الأفراد الذین تحت إمرته علی الإمام الحسین علیه السّلام،ورأی أنّ سبیل النصر علی أصحاب الإمام الحسین علیه السّلام الشجعان الأبطال هو رشقهم بالحجارة، والهجوم علیهم دفعة واحدة،لا المبارزة والالتحام،فوافق عمرُ بن سعد علی هذا المخطّط وتمّ تنفیذه (3)،وهجم بنفسه مع جنده علی جناح المیسرة من عسکر الإمام بقیادة مسلم بن عوسجة،حیث خرّ مسلم صریعاً علی الأرض فی هذا الهجوم. (4)
وقد تطاول عمرو بن الحجّاج علی الإمام الحسین علیه السّلام فی یوم عاشوراء حینما سمّاه مارقاً عن الدین. (5)کما کان من جملة حملة الرؤوس المبارکة إلی الکوفة. (6)
وأخیراً وعند قیام المختار فرّ عمرو،وبسبب حیلولته بین الماء والإمام علیه السّلام وأصحابه،واستناداً إلی روایة فقد استجیب دعاء الإمام الحسین علیه وهلک من
ص:39
شدّة العطش فی الصحراء (1)،وبناء علی روایة اخری فإنّه فُقد أثره فی مفترق طریق الکوفة والبصرة ولم یره أحد بعد ذلک. (2)
2601.نسب معدّ: عَمرُو بنُ الحَجّاجِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ عَبدِ العَزیزِ بنِ کَعبٍ،کانَ مِن أشرافِ مَذحِجَ بِالکوفَةِ. (3)
2602.تاریخ الطبری عن عامر الشعبی -فی قِیامِ المُختارِ-:خَرَجَ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ الزُّبَیدِیُّ- وکانَ مِمَّن شَهِدَ قَتلَ الحُسَینِ علیه السّلام-فَرَکِبَ راحِلَتَهُ،ثُمَّ ذَهَبَ عَلَیها،فَأَخَذَ طَریقَ شَرافِ وواقِصَةَ،فَلَم یُرَ حَتّی السّاعَةِ،ولا یُدری أرضٌ بَخَسَتهُ،أم سَماءٌ حَصَبَتهُ !. (4)
2603.البدایة والنهایة -فی أحداثِ سَنَةِ سِتً ّ وسِتّینَ-:هَرَبَ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ الزُّبَیدِیُّ، وکانَ مِمَّن شَهِدَ قَتلَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَلا یُدری أینَ ذَهَبَ مِنَ الأَرضِ !. (5)
2604.البدایة والنهایة: وجَعَلَ أصحابُ عُمَرَ بنِ سَعدٍ یَمنَعونَ أصحابَ الحُسَینِ علیه السّلام مِنَ الماءِ، وعَلی سَرِیَّةٍ مِنهُم عَمرُو بنُ الحَجّاجِ،فَدَعا عَلَیهِم بِالعَطَشِ،فَماتَ هذَا الرَّجُلُ مِن شِدَّةِ العَطَشِ. (6)
2605.الأخبار الطوال: وهَرَبَ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ-وکانَ مِن رُؤَساءِ قَتَلَةِ الحُسَینِ علیه السّلام-یُریدُ البَصرَةَ،فَخافَ الشَّماتَةَ،فَعَدَلَ إلی سَرافِ.فَقالَ لَهُ أهلُ الماءِ:اِرحَل عَنّا،فَإِنّا لا نَأمَنُ المُختارَ.فَارتَحَلَ عَنهُم،فَتَلاوَموا وقالوا:قَد أسَأنا.
ص:40
فَرَکِبَت جَماعَةٌ مِنهُم فی طَلَبِهِ لِیَرُدّوهُ،فَلَمّا رَآهُم مِن بَعیدٍ ظَنَّ أنَّهُم مِن أصحابِ المُختارِ،فَسَلَکَ الرَّملَ فی مَکانٍ یُدعَی البُیَیضَةَ،وذلِکَ فی حَمارَّةِ القَیظِ (1)،وهِیَ فیما بَینَ بِلادِ کَلْبٍ وبِلادِ طَیِّیٍ،فَقالَ (2)فیها،فَقَتَلَهُ ومَن مَعَهُ العَطَشُ. (3)
أحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمی،الذی ذکر فی بعض المصادر باسم «أخنس»،من خیّالة عسکر عمر بن سعد،وکان من بین العشرة الذین تبرّعوا بعد طلب عمر بن سعد لیدوسوا بدن الإمام الحسین علیه السّلام بحوافر خیولهم،واستناداً لروایة فإنّه هو الذی سلب عمامة الإمام. (4)وبعد واقعة عاشوراء،بینما کان فی ساحة قتال فإذا بسهم أصابه لا یُدری رامیه فمات. (5)
2606.تاریخ الطبری عن حمید بن مسلم: إنَّ عُمَرَ بنَ سَعدٍ نادی فی أصحابِهِ:مَن یَنتَدِبُ لِلحُسَینِ ویوطِئُهُ فَرَسَهُ؟فَانتَدَبَ عَشَرَةٌ،مِنهُم:...أحبَشُ بنُ مَرثَدِ بنِ عَلقَمَةَ بنِ سَلامَةَ الحضَرَمِیُّ،فَأَتَوا فَداسُوا الحُسَینَ علیه السّلام بِخُیولِهِم،حَتّی رَضّوا ظَهرَهُ وصَدرَهُ، فَبَلَغَنی أنَّ أحبَشَ بنَ مَرثَدٍ بَعدَ ذلِکَ بِزَمانٍ أتاهُ سَهمٌ غَربٌ (6)،وهُوَ واقِفٌ فی قِتالٍ،
ص:41
فَفَلَقَ قَلبَهُ،فَماتَ. (1)
2607.الملهوف: وأخَذَ عِمامَتَهُ [أیِ الحُسَینَ علیه السّلام ] أخنَسُ بنُ مَرثَدِ بنِ عَلقَمَةَ الحَضرَمِیُّ لَعَنَهُ اللّهُ،وقیلَ:جابِرُ بنُ یَزیدَ الأَودِیُّ لَعَنَهُ اللّهُ،فَاعتَمَّ بِها،فَصارَ مَعتوهاً. (2)
کان إسحاق بن حیوة الحضرمی من جملة الخیّالة الذین تبرّعوا بدعوة من عمر بن سعد لیدوسوا جسد الإمام الحسین علیه السّلام بخیولهم (3)،وهو الذی سلب الإمام علیه السّلام ثوبه، وحینما ارتداه ابتُلی بالبرص وسقط شعره. (4)وکان ممّن قبض علیه المختار وأمر به أن یُداس بدنه بالخیول حتّی هلک. (5)
جدیر بالذکر أنّ والد إسحاق ذُکر فی بعض المصادر باسم«حوبة»،أو«حویة»، أو«حوی». (6)وقد نسبت بعض المصادر هذه الاُمور إلی جعونة الحضرمی، وجعفر بن الوبر الحضرمی،وجعوبة بن حویة الحضرمی،ویحتمل قویّاً وقوع
ص:42
التصحیف فیه. (1)
2608.تاریخ الطبری عن حمید بن مسلم: إنَّ عُمَرَ بنَ سَعدٍ نادی فی أصحابِهِ:مَن یَنتَدِبُ لِلحُسَینِ ویوطِئُهُ فَرَسَهُ؟فَانتَدَبَ عَشَرَةٌ،مِنهُم:إسحاقُ بنُ حَیَوةَ الحَضرَمِیُّ،وهُوَ الَّذی سَلَبَ قَمیصَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَبَرِصَ بَعدُ. (2)
2609.الملهوف: نادی عُمَرُ بنُ سَعدٍ فی أصحابِهِ:مَن یَنتَدِبُ لِلحُسَینِ علیه السّلام فَیوطِئَ الخَیلَ ظَهرَهُ؟ فَانتَدَبَ مِنهُم عَشَرَةٌ،وهُم:إسحاقُ بنُ حَوَبَةَ الَّذی سَلَبَ الحُسَینَ علیه السّلام قَمیصَهُ....
فَداسُوا الحُسَینَ علیه السّلام بِحَوافِرِ خَیلِهِم،حَتّی رَضّوا ظَهرَهُ وصَدرَهُ...
قالَ أبو عُمَرُ الزّاهِدُ:فَنَظَرنا إلی هؤُلاء ِالعَشَرَةِ،فَوَجَدَناهُم جَمیعاً أولادَ زِنیً، وهؤُلاءِ أخَذَهُمُ المُختارُ،فَشَدَّ أیدِیَهُم وأرجُلَهُم بِسِکَکِ الحَدیدِ،وأوطَأَ الخَیلُ ظُهورَهُم حَتّی هَلَکوا. (3)
2610.الملهوف: أقبَلوا عَلی سَلبِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَأَخَذَ قَمیصَهُ إسحاقُ بنُ حَوبَةَ الحَضرَمِیُّ لَعَنَهُ اللّهُ،فَلَبِسَهُ،فَصارَ أبرَصَ،وَامتَعَطَ (4)شَعرُهُ. (5)
2611.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: أخَذَ جَعوَنَةُ الحَضرَمِیُّ قَمیصَهُ فَلَبِسَهُ،فَصارَ أبرَصَ، وسَقَطَ شَعرُهُ. (6)
2612.المناقب لابن شهر آشوب: أخَذَ ثَوبَهُ جَعوبَةُ بنُ حَوبَةَ الحَضرَمِیُّ ولَبِسَهُ،فَتَغَیَّرَ وَجهُهُ،
ص:43
وحَصَّ (1)شَعرُهُ،وبَرِصَ بَدَنُهُ. (2)
بجدل من قبیلة کلب،وهو الذی قطع الإصبع المبارک للإمام الحسین علیه السّلام بعد شهادته من أجل الحصول علی خاتمه الشریف.وحینما اسر علی ید المختار قطعوا یده ورجله وترکوه یتضرّج بدمائه حتّی هلک،ولا تتوفّر لدینا معلومات اخری عن حیاته.
2613.الملهوف: أخَذَ خاتَمَهُ [أی خاتَمَ الحُسَینِ علیه السّلام ] بَجدَلُ بنُ سُلَیمٍ الکَلبِیُّ لَعَنَهُ اللّهُ،فَقَطَعَ إصبَعَهُ علیه السّلام مَعَ الخاتَمِ،وهذا أخَذَهُ المُختارُ فَقَطَعَ یَدَیهِ ورِجلَیهِ وتَرَکَهُ یَتَشَحَّطُ (3)فی دَمِهِ حَتّی هَلَکَ. (4)
2614.ذوب النُّضار: أتَوهُ [أیِ المُختارَ] بِبَجدَلِ بنِ سُلَیمٍ الکَلبِیِّ،وعَرَّفوهُ أنَّهُ أخَذَ خاتَمَهُ، وقَطَعَ إصبَعَهُ،فَأَمَرَ بِقَطعِ یَدَیهِ ورِجلَیهِ،فَلَم یَزَل یَنزِفُ دَماً حَتّی ماتَ. (5)
بحر بن کعب هو الذی قطع یدَ عبدِ اللّه بن الحسن فی حِجر عمّه الحسین علیه السّلام (6)،کان
ص:44
من الذین لهم دور فی سلب ثیاب الإمام علیه السّلام. (1)
2615.تاریخ الطبری عن أبی مخنف: حدثنی سلیمان بن أبی راشد عن حمید بن مسلم:لَمّا بَقِیَ الحُسَینُ علیه السّلام فی ثَلاثَةِ رَهطٍ (2)أو أربَعَةٍ،دَعا بِسَراویلَ مُحَقَّقَةٍ (3)،یُلمَعُ فیهَا البَصَرُ یَمانِیٍّ مُحَقَّقٍ،فَفَزَرَهُ (4)ونَکَثَهُ لِکَیلا یُسلَبَهُ.
فَقالَ لَهُ بَعضُ أصحابِهِ:لَو لَبِستَ تَحتَهُ تُبّاناً (5)! قالَ:ذلِکَ ثَوبُ مَذَلَّةٍ،ولا یَنبَغی لی أن ألبَسَهُ.
قالَ:فَلَمّا قُتِلَ أقبَلَ بَحرُ بنُ کَعبٍ،فَسَلَبَهُ إیّاهُ،فَتَرَکَهُ مُجَرَّداً.
قالَ أبو مِخنَفٍ:فَحَدَّثَنی عَمرُو بنُ شُعَیبٍ عَن مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ:أنَّ یَدَی بَحرِ بنِ کَعبٍ کانَتا فِی الشِّتاءِ تَنضَحانِ الماءَ،وفِی الصَّیفِ تَیبَسانِ کَأَنَّهُما عودٌ. (6)
أبو أسماء بشر بن سوط الهمدانی القابضی من قبیلة همدان،وکان من المشارکین
ص:45
فی قتل عبد الرحمن بن عقیل (1)،ونسب إلیه فی بعض الأدعیة والزیارات مقتل الابن الآخر لعقیل؛أی جعفر بن عقیل،حیث أرداه قتیلاً حینما رماه بسهم. (2)إلّاأنّ المتون التاریخیّة اعتبرت قاتل جعفر هو عبد اللّه بن عزرة الخثعمی،أو اسماً شبیهاً به. (3)وعلی أیّ حال،ففی ثورة المختار تمّ القبض علی بشر علی ید عبد اللّه بن کامل، وقُطع رأسه بذلّة تامّة. (4)
2616.الإقبال -فی زِیارَةِ النّاحِیَةِ-:السَّلامُ عَلی جَعفَرِ بنِ عَقیلٍ،لَعَنَ اللّهُ قاتِلَهُ و رامِیَهُ بِشرَ بنَ خَوطٍ الهَمدانِیَّ. (5)
2617.تاریخ الطبری عن شهم بن عبد الرحمن الجهنی: بَعَثَ المُختارُ عَبدَ اللّهِ بنَ کامِلٍ إلی عُثمانَ بنِ خالِدِ بنِ اسَیرٍ الدُّهمانِیِّ مِن جُهَینَةَ،وإلی أبی أسماءَ بِشرِ بنِ سَوطٍ القابِضِیِّ، وکانا مِمَّن شَهِدا قَتلَ الحُسَینِ علیه السّلام،وکانَا اشتَرَکا فی دَمِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ وفی سَلَبِهِ،فَأَحاطَ عَبدُ اللّهِ بنُ کامِلٍ عِندَ العَصرِ بِمَسجِدِ بَنی دُهمانَ،ثُمَّ قالَ:
عَلَیَّ مِثلُ خَطایا بَنی دُهمانَ مُنذُ یَومَ خُلِقوا إلی یَومِ یُبعَثونَ،إن لَم اوتَ بِعُثمانَ بنِ خالِدِ بنِ اسَیرٍ،إن لَم أضرِب أعناقَکُم مِن عِندِ آخِرِکُم.
فَقُلنا لَهُ:أمهِلنا نَطلُبهُ،فَخَرَجوا مَعَ الخَیلِ فی طَلَبِهِ،فَوَجَدوهُما جالِسَینِ فِی الجَبّانَةِ (6)،وکانا یُریدانِ أن یَخرُجا إلَی الجَزیرَةِ،فَاُتِیَ بِهِما عَبدَ اللّهِ بنَ کامِلٍ.
ص:46
فَقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی کَفَی المُؤمِنینَ القِتالَ،لَو لَم یَجِدوا هذا مَعَ هذا عَنّانا إلی مَنزِلِهِ فی طَلَبِهِ،فَالحَمدُ للّهِ ِ الَّذی حَیَّنَکَ حَتّی أمکَنَ مِنکَ.
فَخَرَجَ بِهِما،حَتّی إذا کانَ فی مَوضِعِ بِئرِ الجَعدِ ضَرَبَ أعناقَهُما،ثُمَّ رَجَعَ،فَأَخبَرَ المُختارَ خَبَرَهُما،فَأَمَرَهُ أن یَرجِعَ إلَیهِما،فَیُحرِقَهُما بِالنّارِ،وقالَ:لا یُدفَنانِ حَتّی یُحرَقا. (1)
تمیم بن حصین من قبیلة فزار،وکان من الخیّالة الذین تقدّموا للبراز من بین عسکر عمر بن سعد،وافتخر بماء الفرات وتلألؤه شامتاً بالعسکر العطشان للإمام الحسین علیه السّلام،ولذا ذمّه الإمام الحسین واعتبره من أهل جهنّم،ولعنه ودعا علیه أن یموت عطشاً،فاستولی علیه العطش فوراً،وخرّ من علی فرسه فداسته الخیول بحوافرها ومات.
ویحتمل أن یکون هو عبد اللّه بن أبی الحصین ذاته الذی سوف یأتی الکلام حوله. (2)
2618.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علی بن الحسین عن أبیه عن جدّه [زین العابدین] علیهم السّلام :ثُمَّ بَرَزَ مِن عَسکَرِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ رَجُلٌ آخَرُ یُقالُ لَهُ:تَمیمُ بنُ حُصَینٍ الفَزارِیُّ،فَنادی:یا حُسَینُ! ویا أصحابَ حُسَینٍ ! أما تَرَونَ إلی ماءِ الفُراتِ یَلوحُ کَأَنَّهُ بُطونُ الحَیّاتِ؟وَاللّهِ،لا ذُقتُم مِنهُ قَطرَةً حَتّی تَذوقُوا المَوتَ جُرَعاً !
ص:47
فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:مَنِ الرَّجُلُ؟فَقیلَ:تَمیمُ بنُ حُصَینٍ.
فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:هذا وأبوهُ مِن أهلِ النّارِ،اللّهُمَّ اقتُل هذا عَطَشاً فی هذَا الیَومِ.
قالَ:فَخَنَقَهُ العَطَشُ حَتّی سَقَطَ عَن فَرَسِهِ،فَوَطِئَتهُ الخَیلُ بِسَنابِکِها (1)،فَماتَ. (2)
راجع:ص 35 (حصین بن نمیر).
کان حرملة من قبیلة بنی أسد،ومن رماة عسکر عمر بن سعد.وهو الذّی قتل الطفلَ الرضیع للإمام الحسین علیه السّلام وهو فی حجر أبیه بسهم رماه نحوه. (3)وکذلک نُسب إلیه قتلُ عبد اللّه بن الحسن (4).وکان له دور أیضاً فی استشهاد العبّاس بن علیّ علیهما السّلام (5)، وحمل رأسه الشریف إلی الکوفة. (6)
وبسبب جرائمه الشنیعة فقد نال جزاءه الدنیویّ،حیث قبض علیه خلال ثورة المختار،وأمر المختارُ أن تُقطع یداه ورجلاه،ثمّ أحرقوه. (7)
2619.المزار الکبیر -فی زِیارَةِ النّاحِیَةِ-:السَّلامُ عَلی عَبدِ اللّهِ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام،الطِّفلِ الرَّضیعِ،
ص:48
وَالمَرمِیِّ الصَّریعِ،المُتَشَحِّطِ دَماً،المُصَعَّدِ دَمُهُ فِی السَّماءِ،المَذبوحِ بِالسَّهمِ فی حِجرِ أبیهِ،لَعَنَ اللّهُ رامِیَهُ حَرمَلَةَ بنَ کاهِلٍ الأَسَدِیِّ وذَویهِ (1).
2620.الأمالی للطوسی عن المنهال بن عمرو: دَخَلتُ عَلی عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام مُنصَرَفی مِن مَکَّةَ، فَقالَ لی:یا مِنهاُل،ما صَنَعَ حَرمَلَةُ بنُ کاهِلَةَ الأَسَدِیُّ؟فَقُلتُ:تَرَکتُهُ حَیّاً بِالکوفَةِ.
قالَ:فَرَفَعَ یَدَیهِ جَمیعاً،فَقالَ:اللّهُمَّ أذِقهُ حَرَّ الحَدیدِ،اللّهُمَّ أذِقهُ حَرَّ الحَدیدِ، اللّهُمَّ أذِقهُ حَرَّ النّارِ.
قالَ المِنهالُ:فَقَدِمتُ الکوفَةَ،وقَد ظَهَرَ المُختارُ بنُ أبی عُبَیدٍ،وکانَ لی صَدیقاً، قالَ:فَکُنتُ فی مَنزِلی أیّاماً،حَتَّی انقَطَعَ النّاسُ عَنّی،ورَکِبتُ إلَیهِ،فَلَقیتُهُ خارِجاً مِن دارِهِ.
فَقالَ:یا مِنهالُ،لَم تَأتِنا فی وِلایَتِنا هذِهِ،ولَم تُهَنِّنا بِها،ولَم تَشرَکنا فیها؟!
فَأَعلَمتُهُ أنّی کُنتُ بِمَکَّةَ،وأنّی قَد جِئتُکَ الآنَ،وسایَرتُهُ ونَحنُ نَتَحَدَّثُ،حَتّی أتَی الکِناسَ،فَوَقَفَ وُقوفاً کَأَنَّهُ یَنتَظِرُ شَیئاً،وقَد کانَ اخبِرَ بِمَکانِ حَرمَلَةَ بنِ کاهِلَةَ،فَوَجَّهَ فی طَلَبِهِ،فَلَم نَلبَث أن جاءَ قَومٌ یَرکُضونَ وقَومٌ یَشتَدّونَ،حَتّی قالوا:
أیُّهَا الأَمیرُ،البِشارَةَ،قَد اخِذَ حَرمَلَةُ بنُ کاهِلَةَ،فَما لَبِثنا أن جیءَ بِهِ،فَلَمّا نَظَرَ إلَیهِ المُختارُ،قالَ لِحَرمَلَةَ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی مَکَّنَنی مِنکَ.
ثُمَّ قالَ:الجَزّارَ الجَزّارَ ! فَاُتِیَ بِجَزّارٍ،فَقالَ لَهُ:اِقطَع یَدَیهِ،فَقُطِعَتا.ثُمَّ قالَ لَهُ:
اقطَع رِجلَیهِ،فَقُطِعَتا.ثُمَّ قالَ:النّارَ النّارَ ! فَاُتِیَ بِنارٍ وقَصَبٍ،فَاُلقِیَ عَلَیهِ،وَاشتَعَلَت فیهِ النّارُ.
فَقُلتُ:سُبحانَ اللّهِ ! فَقالَ لی:یا مِنهالُ ! إنَّ التَّسبیحَ لَحَسَنٌ،فَفیمَ سَبَّحتَ؟
ص:49
فَقُلتُ:أیُّهَا الأَمیرُ ! دَخَلتُ فی سَفرَتی هذِهِ مُنصَرَفی مِن مَکَّةَ عَلی عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ لی:یا مِنهالُ،ما فَعَلَ حَرمَلَةُ بنُ کاهِلَةَ الأَسَدِیُّ؟فَقُلتُ:تَرَکتُهُ حَیّاً بِالکوفَةِ.فَرَفَعَ یَدَیهِ جَمیعاً،فَقالَ:اللّهُمَّ أذِقهُ حَرَّ الحَدیدِ،اللّهُمَّ أذِقهُ حَرَّ الحَدیدِ،اللّهُمَّ أذِقهُ حَرَّ النّارِ.
فَقالَ لِیَ المُختارُ:أسَمِعتَ عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام یَقولُ هذا؟فَقُلتُ:وَاللّهِ،لَقَد سَمِعتُهُ قالَ.
فَنَزَلَ عَن دابَّتِهِ وصَلّی رَکعَتَینِ،فَأَطالَ السُّجودَ،ثُمَّ قامَ فَرَکِبَ،وقَدِ احتَرَقَ حَرمَلَةُ،ورَکِبتُ مَعَهُ وسِرنا،فَحاذَیتُ داری،فَقُلتُ:أیُّهَا الأَمیرُ ! إن رَأَیتَ أن تُشَرِّفَنی وتُکَرِّمَنی وتَنزِلَ عِندی وتَحَرَّمَ بِطَعامی.
فَقالَ:یا مِنهالُ ! تُعلِمُنی أنَّ عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام دَعا بِأَربَعِ دَعَواتٍ،فَأَجابَهُ اللّهُ عَلی یَدَیَّ،ثُمَّ تَأمُرُنی أن آکُلَ ! هذا یَومُ صَومٍ شُکراً للّهِ ِ عز و جل عَلی ما فَعَلتُهُ بِتَوفیقِهِ.
حَرمَلَةُ هُوَ الَّذی حَمَلَ رَأسَ الحُسَینِ علیه السّلام. (1)
2621.الأمالی للشجری عن بشر بن غالب الأسدی: حَجَجتُ سَنَةً،فَأَتَیتُ عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام زائِراً ومُسَلِّماً،فَقالَ لی:یا بِشرُ،أیُّکُم حَرمَلَةُ بنُ کاهِلٍ؟قُلتُ:ذاکَ أحَدُ بَنی موقِدٍ.قالَ:
أوقَدَ اللّهُ عَلَیهِ النّارَ،وقَطَّعَ یَدَیهِ ورِجلَیهِ عاجِلاً غَیرَ آجِلٍ،فَإِنَّهُ رَمی صَبِیّاً مِن صِبیانِنا بِسَهمٍ فَذَبَحَهُ.
قالَ بِشرٌ:فَخَرَجَ المُختارُ بنُ أبی عُبَیدٍ وأنَا بِالکُوفَةِ،وإنّی لَجالِسٌ عَلی بابِ داری،إذ أقبَلَ المُختارُ فی جَماعَةٍ کَثیرَةٍ،فَسَلَّمَ عَلَیَّ،فَقُلتُ:أینَ یُریدُ الأَمیرُ؟
ص:50
فَقالَ:هاهُنا قَریباً وأعودُ.فَقُلتُ لِغُلامی:أسرِج،فَرَکِبتُ وأتبعَتُهُ،فَإِذا هُوَ واقِفٌ فِی الکِناسِ-وهِیَ مَحَلَّةُ بَنی أسَدٍ-وقَد ثَنی رِجلَهُ عَلی مَعرِفَةِ فَرَسِهِ،فَما لَبِثَ أن أطلَعَ قَومٌ مَعَهُم حَرمَلَةُ بنُ کاهِلٍ الأَسَدِیُّ،فی عُنُقِهِ حَبلٌ،وهُوَ مَکتوفُ الیَدَینِ إلی وَرائِهِ.
فَقالَ المُختارُ:قَطِّعوا یَدَیهِ ورِجلَیهِ.فَوَاللّهِ،ما تَمَّ الأَمرُ حَتّی قَطَّعوا یَدَیهِ ورِجلَیهِ وهُوَ واقِفٌ،ثُمَّ أمَرَ بِنَفطٍ وقَصَبٍ،فَصَبَّ عَلَیهِ النَّفطَ وألقی عَلَیهِ القَصَبَ،وطَرَحَ فیهَا النّارَ،فَاُحرِقَ،فَقُلتُ:لا إلهَ إلَّااللّهُ وَحدَهُ لا شَریکَ لَهُ،فَقالَ یا بِشرُ:أنکَرتَ فِعلی بِحَرمَلَةَ هذا،أنسَیتَ فِعلَهُ بِآلِ عَلِیٍّ ومَوقِفَهُ فیهِم یَومَ الحُسَینِ علیه السّلام وقَد رَمی طِفلاً لِلحُسَینِ علیه السّلام وهُوَ فی حِجرِهِ بِسَهمٍ؟!
فَقُلتُ:أیُّهَا الأَمیرُ ! ما أنکَرتُ ذلِکَ،وإنَّ هذا قَلیلٌ فی جَنبِ ما أعَدَّ اللّهُ لَهُ مِن عَذابِ الآخِرَةِ الإِثمَ الدّائِمَ،ولکِنّی احَدِّثُ الأَمیرَ بِشَیءٍ ذَکَرتُهُ،یَسُرَّهُ ویُثَبِّتُ قَلبَهُ ویُقَوّی عَزمَهُ.
قالَ:وما هُوَ یا مُبارَکُ؟
قُلتُ:حَجَجتُ سَنَةً،فَأَتَیتُ عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام زائِراً ومُسَلِّماً عَلَیهِ،فَسَأَلَنی عَن حَرمَلَةَ بنِ کاهِلٍ هذا،فَقُلتُ:هُوَ أحَدُ بَنی مَوقِدِ النّارِ.فَقالَ:قَطَّعَ اللّهُ یَدَیهِ ورِجلَیهِ،وأوقَدَ عَلَیهِ النّارَ عاجِلاً غَیرَ آجِلٍ.
قالَ:فَخَرَّ المُختارُ ساجِداً عَلی قَرَبوسِ سَرجِهِ،وکادَ أن یَطیرَ مِنَ السَّرجِ فَرَحاً وسُروراً،وقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ،بَشَّرَکَ اللّهُ-یا بِشرُ-بِخَیرٍ.
فَلَمَّا انصَرَفنا وصارَ إلی بابِ داری،قُلتُ:إن رَأَی الأَمیرُ أن یُکرِمَنی بِنُزولِهِ عِندی،ویُشَرِّفَنی بِأَکلِهِ طَعامی؟فَقالَ:سُبحانَ اللّهِ،ولَهُ الحَمدُ ! تُحَدِّثُنی بِما حَدَّثتَنی بِهِ عَن عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام وتَسأَلُنِی الغَداءَ! لا وَاللّهِ-یا بِشرُ-،ما هذا یَومُ
ص:51
أکلٍ وشُربٍ،هذا یَومُ صَومٍ وذِکرٍ. (1)
کان حکیم بن الطفیل من جملة الذین رشقوا الإمام الحسین علیه السّلام بنبالهم،إلّا أنّه واستناداً لدعواه فإنّ سهمه أصاب قمیص الحسین علیه السّلام وحسب ولم یضرّ الإمام شیئاً. (2)وبعد شهادة الإمام کان ضمن العشرة الذین داسوا بحوافر خیولهم الجثمان المطهّر للإمام علیه السّلام. (3)
وقد شارک أیضاً فی استشهاد العبّاس بن علیّ علیه السّلام (4)وسلب ثیابه بعد شهادته (5)، وعدّ فی زیارة العبّاس علیه السّلام أحد قاتلیه؛وهذا ما یتلائم مع التقالید العربیّة فی ملکیّة الثیاب المسلوبة حیث یرونها ملکاً للقاتل.لذلک وخلال ثورة المختار وبعد القبض علیه هجم علیه الناس وعرّوه من ثیابه ورموه جمیعاً حتّی مات. (6)
2622.المزار الکبیر -فی زِیارَةِ النّاحِیَهِ-:السَّلامُ عَلَی العَبّاسِ بنِ أمیرِ المُؤمِنینَ،المُواسی أخاهُ بِنَفسِهِ،الآخِذِ لِغَدِهِ مِن أمسِهِ،الفادی لَهُ الواقی،السّاعی إلَیهِ بِمِائِهِ،المَقطوعَةِ یَداهُ،لَعَنَ اللّهُ قاتِلَیهِ:یَزیدَ بنَ الرُّقادِ،وحَکیمَ بنَ الطُّفَیلِ الطّائِیَّ. (7)
2623.تاریخ الطبری عن موسی بن عامر -فی حَوادِثِ سَنَةِ سِتٍّ وسِتّینَ-:ثُمَّ إنَّ المُختارَ بَعَثَ
ص:52
عَبدَ اللّهِ بنَ کامِلٍ إلی حَکیمِ بنِ طُفَیلٍ الطّائِیِّ السِّنبِسِیِّ،وقَد کانَ أصابَ سَلَبَ (1)العَبّاسِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام ورَمی حُسَیناً علیه السّلام بِسَهمٍ،فَکانَ یَقولُ:تَعَلَّقَ سَهمی بِسِربالِهِ (2)وما ضَرَّهُ.فَأَتاهُ عَبدُ اللّهِ بنُ کامِلٍ،فَأَخَذَهُ،ثُمَّ أقبَلَ بِهِ،وذَهَبَ أهلُهُ،فَاستَغاثوا بِعَدِیِّ بنِ حاتِمٍ،فَلَحِقَهُم فِی الطَّریقِ،فَکَلَّمَ عَبدَ اللّهِ بنَ کامِلٍ فیهِ،فَقالَ:ما إلَیَّ مِن أمرِهِ شَیءٌ إنَّما ذلِکَ إلَی الأَمیرِ المُختارِ.قالَ:فَإِنّی آتیهِ.قالَ:فَأتِهِ راشِداً.
فَمضی عَدِیٌّ نَحوَ المُختارِ،وکانَ المُختارُ قَد شَفَّعَهُ فی نَفَرٍ من قَومِهِ أصابَهُم یَومَ جَبّانَةِ السَّبیعِ (3)لَم یَکونوا نَطَقوا بِشَیءٍ مِن أمرِ الحُسَینِ ولا أهلِ بَیتِهِ علیهم السّلام،فَقالَتِ الشّیعَةُ لِابنِ کامِلٍ:إنّا نَخافُ أن یُشَفِّعَ الأَمیرُ عَدِیَّ بنَ حاتِمٍ فی هذَا الخَبیثِ،ولَهُ مِنَ الذَّنبِ ما قَد عَلِمتَ،فَدَعنا نَقتُلهُ.قالَ:شَأنَکُم بِهِ.
فَلَمَّا انتَهَوا بِهِ إلی دارِ العَنَزِیّینَ وهُوَ مَکتوفٌ نَصَبوهُ غَرَضاً،ثُمَّ قالوا لَهُ:سَلَبتَ ابنَ عَلِیٍّ علیه السّلام ثِیابَهُ،وَاللّهِ لَنَسلُبَنَّ ثِیابَکَ وأنتَ حَیٌّ تَنظُرُ.فَنَزَعوا ثِیابَهُ.
ثُمَّ قالوا لَهُ:رَمَیتَ حُسَیناً علیه السّلام وَاتَّخَذتَهُ غَرَضاً لِنَبلِکَ،وقُلتَ:تَعَلَّقَ سَهمی بِسِربالِهِ ولَم یَضُرَّهُ،وایمُ اللّهِ،لَنَرمِیَنَّکَ کَما رَمَیتَهُ بِنِبالٍ ما تَعَلَّقَ بِکَ مِنها أجزاکَ.قالَ:
فَرَمَوهُ رَشقاً واحِداً،فَوَقَعَت بِهِ مِنهُم نِبالٌ کَثیرَةٌ،فَخَرَّ مَیِّتاً. (4)
راجع:ص 58 (زید بن رقاد).
ص:53
خولیّ بن یزید الأصبحی الإیادی الدارمی،أحد جنود ورماة عمر بن سعد،وقد نُسب إلیه فی زیارة الشهداء والمصادر التاریخیّة رمی عثمان بن أمیر المؤمنین علیه السّلام بالسهم،لکنّه استشهد علی أثر ضربة رجل من قبیلة بنی أبان. (1)کما اعتبروه قاتل جعفر بن علیّ،إلّاأنّ أغلب المصادر التاریخیّة نسبت قتل جعفر بن علیّ إلی هانئ بن ثبیت الحضرمی. (2)کما کانت له ید أیضاً فی استشهاد الإمام الحسین علیه السّلام وقطع رأسه الشریف. (3)وقد نقل برفقة حمید بن مسلم الأزدی رأس الإمام الحسین علیه السّلام إلی الکوفة لعبید اللّه بن زیاد. (4)
ولمّا وصل خولیّ الکوفة لیلاً أخفی الرأس المبارک فی داره،فاطّلعت زوجته علی ذلک فأخذت تعادیه (5)،وعند ثورة المختار اختفی،فلمّا دخل رجال المختار دار خولیّ،أشارت زوجته إلی محلّ اختفائه،فألقوا القبض علیه وأخذوه إلی المختار،فأمرهم وهم فی منتصف الطریق بأن یرجعوا بخولیّ ویقتلوه فی داره.
وبعد مقتل خولیّ،حرق المختار جسده ومکث إزاء جنازته إلی أن أضحت رماداً، ثمّ رجع. (6)
2624.المزار الکبیر -فی زِیارَةِ النّاحِیَةِ-:السَّلامُ عَلی عُثمانَ بنِ أمیرِ المُؤمِنینَ،سَمِیِّ
ص:54
عُثمانَ بنِ مَظعونٍ،لَعَنَ اللّهُ رامِیَهُ بِالسَّهمِ خَولِیَّ بنَ یَزیدَ الأَصبَحِیَّ الإِیادِیَّ الدّارِمِیَّ. (1)
2625.تاریخ الطبری عن موسی بن عامر: بَعَثَ [المُختارُ] مُعاذَ بنَ هانِئِ بنِ عَدِیٍّ الکِندِیَّ ابنَ أخی حُجرٍ،وبَعَثَ أبا عَمرَةَ صاحِبَ حَرَسِهِ،فَساروا حَتّی أحاطوا بِدارِ خَولَیِّ بنِ یَزیدَ الأَصبَحِیِّ،وهُوَ صاحِبُ رَأسِ الحُسَینِ علیه السّلام الَّذی جاءَ بِهِ،فَاختَبَأَ فی مَخرَجِهِ، فَأَمَرَ مُعاذٌ أبا عَمرَةَ أن یَطلُبَهُ فِی الدّارِ،فَخَرَجَتِ امرَأَتُهُ إلَیهِم،فَقالوا لَها:أینَ زَوجُکِ؟فَقالَت:لا أدری أینَ هُوَ،وأشارَت بِیَدِها إلَی المَخرَجِ،فَدَخَلوا فَوَجَدوهُ قَد وَضَعَ عَلی رَأسِهِ قَوصَرَّةً (2)،فَأَخرَجوهُ.
وکانَ المُختارُ یَسیرُ بِالکوفَةِ،ثُمَّ إنَّهُ أقبَلَ فی أثَرِ أصحابِهِ وقَد بَعَثَ أبو عَمرَةَ إلَیهِ رَسولاً،فَاستَقبَلَ المُختارُ الرَّسولَ عِندَ دارِ أبی بِلالٍ ومَعَهُ ابنُ کامِلٍ،فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ، فَأَقبَلَ المُختارُ نَحوَهُم،فَاستُقبِلَ بِهِ،فَرَدَّدَهُ (3)حَتّی قَتَلَهُ إلی جانِبِ أهلِهِ،ثُمَّ دَعا بِنارٍ، فَحَرَّقَهُ بِها،ثُمَّ لَم یَبرَح حَتّی عادَ رَماداً،ثُمَّ انصَرَفَ عَنهُ.
وکانَتِ امرَأَتُهُ مِن حَضرَمَوتَ یُقالُ لَها:العُیوفُ بِنتُ مالِکِ بنِ نَهارِ بنِ عَقرَبَ، وکانَت نَصَبَت لَهُ العَداوَةَ حینَ جاءَ بِرَأسِ الحُسَینِ علیه السّلام. (4)
کان رشید مولی ابن زیاد وقاتل هانئ بن عروة،وقد قاتل مع ابن زیاد خلال ثورة
ص:55
المختار،فحارب جیش إبراهیم بن مالک الأشتر وقاتلهم إلی جانب نهر خازر، وفی هذه الحرب رآه عبدالرحمن بن الحصین المرادی الذی کان فی جیش إبراهیم بن الأشتر،وقال الناس هذا قاتل هانئ،فهجم علیه برمحه وأرداه قتیلاً.
2626.تاریخ الطبری عن عون بن أبی جحیفة: فَضَرَبَهُ [أی ضَرَبَ هانِئَ بنَ عُروَةَ] مَولیً لِعُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ-تُرکِیٌّ،یُقالُ لَهُ:رُشَیدٌ-بِالسَّیفِ،فَلَم یَصنَع سَیفُهُ شَیئاً،فَقالَ هانِئٌ:إلَی اللّهِ المَعادُ،اللّهُمَّ إلی رَحمَتِکَ ورِضوانِکَ،ثُمَّ ضَرَبَهُ اخری فَقَتَلَهُ.
قالَ:فَبَصُرَ بِهِ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ الحُصَینِ المُرادِیُّ بِخازِرَ (1)،وهُوَ مَعَ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَقالَ النّاسُ:هذا قاتِلُ هانِئِ بنِ عُروَةَ.
فَقالَ ابنُ الحُصَینِ:قَتَلَنِی اللّهُ إن لَم أقتُلهُ أو اقتَل دونَهُ،فَحَمَلَ عَلَیهِ بِالرُّمحِ، فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ. (2)
راجع:ج 3 ص 197 (القسم السابع/الفصل الرابع/شهادة هانی بن عروة).
هو من قبیلة بنی أبان بن دارم.وقد ذکرت کتب التاریخ رجلاً من بنی أبان بن دارم قاتل محمّد بن علیّ علیه السّلام،وأنّه شارک أیضاً فی قتل عثمان بن علیّ علیه السّلام، (3)ویحتمل أن
ص:56
یکون هو زرعة هذا.وکان زرعة من الذین حرّضوا الآخرین علی الحیلولة بین الماء وبین الإمام الحسین علیه السّلام،وانبری بنفسه لمنع الحسین من شرب الماء.واستناداً إلی روایة،فإنّ الإمام الحسین علیه السّلام فی یوم عاشوراء طلب الماء،إلّاأنّه قبل أن یشربه رشقه زرعة بسهم فأصاب به نحره علیه السّلام،فلم یستطع بعد ذلک أن یشرب الماء، ودعا علیه الإمام هکذا:«اللّهُمَّ ظَمِّئهُ».وإثر دعاء الإمام علیه اصیب زرعة بالعطش والحرارة فی داخله،بحیث کان یصرخ من حرقة کبده مع وجود الماء والثلج. (1)
2627.مجابو الدعوة عن محمّد الکوفیّ: کانَ رَجُلٌ مِن بَنی أبانِ بنِ دارِمٍ یُقالُ لَهُ:زُرعَةُ،شَهِدَ قَتلَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَرَمَی الحُسَینَ علیه السّلام بِسَهمٍ،فَأَصابَ حَنَکَهُ،فَجَعَلَ یَتَلَقَّی الدَّمَ،ثُمَّ یَقولُ هکَذا إلَی السَّماءِ،فَیَرمی بِهِ،وذلِکَ أنَّ الحُسَینَ علیه السّلام دَعا بِماءٍ لِیَشرَبَ،فَلَمّا رَماهُ حالَ بَینَهُ وبَینَ الماءِ،فَقالَ:اللّهُمَّ ظَمِّئهُ،اللّهُمَّ ظَمِّئهُ.
قالَ:فَحَدَّثَنی مَن شَهِدَهُ وهُوَ یَموتُ،وهُوَ یَصیحُ مِنَ الحَرِّ فی بَطنِهِ وَالبَردِ فی ظَهرِهِ،وبَینَ یَدَیهِ المَراوِحُ وَالثَّلجُ،وخَلفَهُ الکانونُ (2)،وهُوَ یَقولُ:اِسقونی أهلَکَنِیَ العَطَشُ ! فَیُؤتی بِعُسً ّ (3)عَظیمٍ فیهِ السَّویقُ أو الماءُ وَ اللَّبَنُ،لَو شَرِبَهُ خَمسَةٌ لَکَفاهُم، قالَ:فَیَشرَبُهُ،ثُمَّ یَعودُ فَیَقولُ:اِسقونی أهلَکَنِیَ العَطَشُ ! قالَ:فَانقَدَّ بَطنُهُ کَانقِدادِ البَعیرِ. (4)
ص:57
کان زید بن الرقاد من جملة رماة عسکر عمر بن سعد،حیث شارک فی قتل العبّاس علیه السّلام وسوید بن عمرو بن أبی المطاع آخر قتیل فی کربلاء. (1)وخلال ثورة المختار رُشق بالنبال والحجارة من قبل جیش ابن کامل،وأحرق ابنُ کامل جسده وهو یجرّ أنفاسه الأخیرة. (2)اسم هذا المجرم نقل بضبوط مختلفة. (3)
2628.مقاتل الطالبیّین عن جابر عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام :إنَّ زَیدَ بنَ رُقادٍ الجَنِبیَّ وحَکیمَ بنَ الطُّفَیلِ الطّائِیَّ قَتَلَا العَبّاسَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام. (4)
2629.تاریخ الطبری عن زهیر بن عبد الرحمن الخثعمیّ: إنَّ سُوَیدَ بنَ عَمرِو بنِ أبِی المُطاعِ کانَ صُرِعَ،فَاُثِخَن...قَتَلَهُ عُروَةُ بنُ بطار التَغلِبِیُّ وزَیدُ بنُ رُقادٍ الجُنَّبِیُّ،وکانَ آخِرَ قَتیلٍ. (5)
2630.تاریخ الطبری عن أبی مخنف: بَعَثَ المُختارُ أیضاً عَبدَ اللّهِ الشّاکِرِیَّ إلی رَجُلٍ مِن جَنبٍ، (6)یُقالُ لَهُ:زَیدُ بنُ رُقادٍ،کانَ یَقولُ:لَقَد رَمَیتُ فَتیً مِنهُم بِسَهمٍ،وإنَّهُ لَواضِعٌ کَفَّهُ عَلی جَبهَتِهِ یَتَّقِی النَّبلَ،فَأَثبَتُّ کَفَّهُ فی جَبهَتِهِ،فَمَا استَطاعَ أن یُزیلَ کَفَّهُ عَن جَبهَتِهِ.
ص:58
قالَ أبو مِخنَفٍ:فحَدَّثَنی أبو عَبدِ الأَعلَی الزُّبَیدِیُّ:أنَّ ذلِکَ الفَتی عَبدُ اللّهِ بنُ مُسلِمٍ بنِ عَقیلٍ،وأنَّهُ قالَ-حَیثُ أثبَتَ کَفَّهُ فی جَبهَتِهِ-:اللّهُمَّ إنَّهُمُ استَقَلّونا وَاستَذَلّونا،اللّهُمَّ فَاقتُلهُم کَما قَتَلونا،وأذِلَّهُم کَمَا استَذَلّونا.ثُمَّ إنَّهُ رَمَی الغُلامَ بِسَهمٍ آخَرَ فَقَتَلَهُ،فَکانَ یَقولُ:جِئتُهُ مَیِّتاً،فَنَزَعتُ سَهمِی الَّذی قَتَلتُهُ بِهِ مِن جَوفِهِ،فَلَم أزَل انَضنِضُ (1)السَّهمَ مِن جَبهَتِهِ حَتّی نَزَعتُهُ،وبَقِیَ النَّصلُ (2)فی جَبهَتِهِ مُثبَتاً ما قَدَرتُ عَلی نَزعِهِ.
قالَ:فَلَمّا أتَی ابنُ کامِلٍ دارَهُ أحاطَ بِها،وَاقتَحَمَ الرِّجالُ عَلَیهِ،فَخَرَجَ مُصلِتاً بِسَیفِهِ-وکانَ شُجاعاً-فَقالَ ابنُ کامِلٍ:لا تَضرِبوهُ بِسَیفٍ،ولا تَطعُنوهُ بِرُمحٍ،ولکِنِ ارموهُ بِالنَّبلِ،وَارجِموهُ بِالحِجارَةِ،فَفَعَلوا ذلِکَ بِهِ فَسَقَطَ.
فَقالَ ابنُ کامِلٍ:إن کانَ بِهِ رَمَقٌ فَأَخرِجوهُ.فَأَخرَجوهُ وبِهِ رَمَقٌ،فَدَعا بِنارٍ، فَحَرَّقَهُ بِها وهُوَ حَیٌّ لَم تَخرُج روحُهُ. (3)
راجع:ص 52 (حکیم بن طفیل).
الذین کان لهم دور مؤثّر فی قتل الإمام الحسین علیه السّلام.وفی آخر اللحظات قتل الإمام بمساعدة عدّة أفراد مثل شمر بن ذی الجوشن. (1)وقد تکهنّ الإمام علیّ علیه السّلام هذه الواقعة فی ذمّه لوالد سنان. (2)
واستناداً لروایة فقد اعترف سنان فی مجلس الحجّاج بقتل الإمام الحسین علیه السّلام، وبعد عودته إلی داره اصیب بالجنون وفارق الدنیا بوضع بشع. (3)وجاء فی روایة اخری أنّه تمّ القبض علیه من قبل المختار وقتله بعد أن عذّبه عذاباً شدیداً. (4)
2631.نَسَبُ مَعَدّ: سِنانُ بنُ أنَسِ بنِ عَمروِ بنِ حَیِّ بنِ الحارِثِ بنِ غالِبِ بنِ مالِکِ بنِ وَهبیلٍ؛ الَّذی قَتَلَ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام بِالطَّفِّ. (5)
2632.شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید عن فضیل عن محمّد بن علیّ: لَمّا قالَ عَلِیٌّ علیه السّلام:سَلونی قَبلَ أن تَفقِدونی،فَوَ اللّهِ،لا تَسأَلونَنی عَن فِئَةٍ تُضِلُّ مِئَةً وتَهدی مِئَةً،إلّاأنبَأتُکُم بِناعِقَتِها وسائِقَتِها؛قامَ إلَیهِ رَجُلٌ،فَقالَ:أخبِرنی بِما فی رَأسی ولِحیَتی مِن طاقَةِ شَعرٍ !
فَقالَ لَهُ عَلِیٌّ علیه السّلام:وَاللّهِ،لَقَد حَدَّثَنی خَلیلی أنَّ عَلی کُلِّ طاقَةِ شَعرٍ مِن رَأسِکَ مَلَکاً یَلعَنُکَ،وأنَّ عَلی کُلِّ طاقَةِ شَعرٍ مِن لِحیَتِکَ شَیطاناً یُغویکَ،وأنَّ فی بَیتِکَ سَخلاً (6)یَقتُلُ ابنَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.وکانَ ابنُهُ قاتِلُ الحُسَینِ علیه السّلام یَومَئِذٍ طِفلاً یَحبو (7)،وهُوَ
ص:60
سِنانُ بنُ أنَسٍ النَّخَعِیُّ. (1)
2633.تاریخ الطبری عن حمید بن مسلم: قالَ النّاسُ لِسِنانِ بنِ أنَسٍ:قَتَلتَ حُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام وَابنَ فاطِمَةَ ابنَةِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،قَتَلتَ أعظَمَ العَرَبِ خَطَراً؛جاءَ إلی هؤُلاءِ یُریدُ أن یُزیلَهُم عَن مِلکِهِم،فَأتِ امَراءَکَ فَاطلُب ثَوابَکَ مِنهُم،لَو أعطَوکَ بُیوتَ أموالِهِم فی قَتلِ الحُسَینِ علیه السّلام کانَ قَلیلاً.
فَأَقبَلَ عَلی فَرَسِهِ،وکانَ شُجاعاً شاعِراً،وکانَت بِهِ لوثَةٌ (2)،فَأَقبَلَ حَتّی وَقَفَ عَلی بابِ فُسطاطِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،ثُمَّ نادی بِأَعلی صَوتِهِ:
أوقِر رِکابی فِضَّةً وذَهَبا أنَا قَتَلتُ المَلِکَ المُحَجَّبا
قَتَلتُ خَیرَ النّاسِ امّاً وأبا وخَیرَهُم إذ یُنسَبونَ نَسَبا
فَقالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:أشهَدُ أنَّکَ لَمَجنونٌ ما صَحَحتَ قَطُّ،أدخِلوهُ عَلَیَّ.
فَلَمّا ادخِلَ حَذَفَهُ (3)بِالقَضیبِ،ثُمَّ قالَ:یا مَجنونُ ! أتَتَکَلَّمُ بِهذَا الکَلامِ؟! أما وَاللّهِ، لَو سَمِعَکَ ابنُ زِیادٍ لَضَرَبَ عُنُقَکَ. (4)
2634.المعجم الکبیر عن أسلم المنقریّ: دَخَلتُ عَلَی الحَجّاجِ،فَدَخَلَ سِنانُ بنُ أنَسٍ قاتِلُ الحُسَینِ علیه السّلام،فَإِذا شَیخٌ آدَمُ فیهِ حِنّاءٌ،طَویلُ الأَنفِ فی وَجهِهِ بَرَشٌ،فَاُوقِفَ بِحِیالِ الحَجّاجِ،فَنَظَرَ إلَیهِ الحَجّاجُ،فَقالَ:أنتَ قَتَلتَ الحُسَینَ؟قالَ:نَعَم.قالَ:وکَیفَ
ص:61
صَنَعتَ بِهِ؟قالَ:دَعَمتُهُ بِالرُّمحِ [وهَبَرتُهُ] (1)بِالسَّیفِ هَبراً.فَقالَ لَهُ الحَجّاجُ:أما أنَّکُما لَن تَجتَمِعا فی دارٍ. (2)
2635.تاریخ الطبری عن شیخ من النَّخع: قالَ الحَجّاجُ:مَن کانَ لَهُ بَلاءٌ فَلیَقُم.فَقامَ قَومٌ یُذکَروا (3)،وقامَ سِنانُ بنُ أنَسٍ،فَقالَ:أنَا قاتِلُ الحُسَینِ.فَقالَ:بَلاءٌ حَسَنٌ ! ورَجَعَ إلی مَنزِلِهِ،فَاعتَقَلَ لِسانُهُ،وذَهَبَ عَقلُهُ،فَکانَ یَأکُلُ ویُحدِثُ مَکانَهُ (4)!
2636.تاریخ الطبری عن أبی عبد الأعلی الزّبیدی: طَلَبَ المُختارُ سِنانَ بنَ أنَسٍ الَّذی کانَ یَدَّعی قَتلَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَوَجَدَهُ قَد هَرَبَ إلَی البَصرَةِ،فَهَدَمَ دارَهُ. (5)
2637.ذوب النُّضار: وهَرَبَ سِنانُ بنُ أنَسٍ-لَعَنَهُ اللّهُ-إلَی البَصرَةِ فَهَدَمَ دارَهُ،ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البَصرَةِ نَحوَ القادِسِیَّةِ،وکانَ عَلَیهِ عُیونٌ،فَأَخبَرُوا المُختارَ،فَأَخَذَهُ بَینَ العُذَیبِ (6)وَالقادِسِیَّةِ،فَقَطَعَ أنامِلَهُ،ثُمَّ یَدَیهِ ورِجلَیهِ،وأغلی زَیتاً فی قِدرٍ،وألقاهُ فیهِ. (7)
2638.الملهوف: ورُوِیَ أنَّ سِناناً هذا أخَذَهُ المُختارُ،فَقَطَعَ أنامِلَهُ أنمُلَةً أنمُلَةً،ثُمَّ قَطَعَ یَدَیهِ
ص:62
ورِجلَیهِ،وأغلی لَهُ قِدراً فیها زَیتٌ،ورَماهُ فیها وهُوَ یَضطَرِبُ. (1)
عبد الرحمن بن أبی خُشکارة البجلی من عشیرة الروزانی،قَتَل هو ومسلمُ بن عبد اللّه الضبابی،مسلمَ بن عوسجة الصحابی العظیم للإمام الحسین علیه السّلام. (2)تمّ القبض علیه فی ثورة المختار،وقُطع رأسه بأمر من المختار فی السوق أمام الملأ العام. (3)
2639.تاریخ ابن خلدون: آخِرُ سَنَةِ سِتٍّ وسِتّینَ:وخَرَجَ أشرافُ النّاسِ إلَی البَصرَةِ،وتَتَبَّعَ المُختارُ قَتَلَةَ الحُسَینِ علیه السّلام...ثُمَّ أحضَرَ زِیادَ بنَ مالِکٍ الضُّبَعِیَّ،وعِمرانَ بنَ خالِدٍ العَثرِیَّ،وعَبدَ الرَّحمنِ بنَ أبی حُشکارَةَ البَجَلِیَّ،وعَبدَ اللّهِ بنَ قَیسٍ الخَولانِیَّ، وکانوا نَهَبوا مِنَ الوَرسِ (4)الَّذی کانَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَقَتَلَهُم. (5)
2640.تاریخ الطبری عن أبی سعید الصَّیقل: أنَّ المُختارَ دُلَّ عَلی رِجالٍ مِن قَتَلَةِ الحُسَینِ،دَلَّهُ عَلَیهِم سِعرٌ الحَنَفِیُّ،قالَ:فَبَعَثَ المُختارُ عَبدَ اللّهِ بنَ کامِلٍ،فَخَرَجنا مَعَهُ حَتّی مَرَّ
ص:63
بِبَنی ضُبَیعَةَ،فَأَخَذَ مِنهُم رَجُلاً یُقالُ لَهُ:زِیادُ بنُ مالِکٍ؛قالَ:ثُمَّ مَضی إلی عَنَزَةَ، فَأَخَذَ مِنهُم رَجُلاً یُقالُ لَهُ:عِمرانُ بنُ خالِدٍ.
قالَ:ثُمَّ بَعَثَنی فی رِجالٍ مَعَهُ یُقالُ لَهُم:الدَّبابَةُ إلی دارٍ فی الحَمراءِ،فیها عَبدُ الرَّحمنِ بنُ أبی خُشکارَةَ البَجَلِیُّ وعَبدُ اللّهِ بنُ قَیسٍ الخَولانِیُّ،فَجِئنا بِهِم حَتّی أدخَلناهُم عَلَیهِ،فَقالَ لَهُم:یا قَتَلَةَ الصّالِحینَ وقَتَلَةَ سَیِّدِ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ،ألا تَرَونَ اللّهِ قَد أقادَ مِنکُمُ الیَومَ؛لَقَد جاءَکُمُ الوَرسُ بِیَومٍ نَحسٍ-وکانوا قَد أصابوا مِنَ الوَرسِ الَّذی کانَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام-أخرِجوهُم إلَی السُّوقِ،فَضَرَبوا رِقابَهُم.فَفُعِلَ ذلِکَ بِهِم،فَهؤُلاءِ أربَعَةُ نَفَرٍ. (1)
کان عبد اللّه بن أبی الحصین الأزدی البجلی أحد الفرسان الذین کانوا تحت إمرة عمرو بن الحجّاج،والذین حالوا بین الماء وبین الإمام الحسین علیه السّلام وأصحابه،وقد خاطب الإمامَ بکلّ وقاحة قائلاً:«یا حسین...واللّه،لا تذوق منه قطرة حتّی تموت عطشاً».فدعا الإمام علیه قائلاً:«اللّهمّ اقتله عطشاً»،وهکذا صار،حیث اصیب بالعطاش،وکلّما کان یشرب الماء لا ینطفئ ضمؤه حتّی هلک. (2)
جدیر بالذکر أنّ اسمه ورد فی بعض المصادر بشکل عبد اللّه بن حصین،أو حصن،أو عبد الرحمن بن حصین الأزدی أیضاً. (3)
ص:64
ویحتمل أن یکون هذا الشخص هو تمیم بن حصین ذاته المتقدّم ذکره. (1)
2641.تاریخ الطبری عن حمید بن مسلم الأزدیّ: جاءَ مِن عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ کِتابٌ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ:أمّا بَعدُ،فَحُل بَینَ الحُسَینِ وأصحابِهِ وبَینَ الماءِ،ولا یَذقوا مِنهُ قَطرَةً،کَما صُنِعَ بِالتَّقِیِّ الزَّکِیِّ المَظلومِ أمیرِ المُؤمِنینَ عُثمانَ بنِ عَفّانَ.
قالَ:فَبَعَثَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ عَمرَو بنَ الحَجّاجِ عَلی خَمسِمِئَةِ فارِسٍ،فَنَزَلوا عَلَی الشَّریعَةِ،وحالوا بَینَ حُسَینٍ علیه السّلام وأصحابِهِ وبَینَ الماءِ أن یُسقَوا مِنهُ قَطرَةً،وذلِکَ قَبلَ قَتلِ الحُسَینِ علیه السّلام بِثَلاثٍ.
قالَ:ونازَلَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ أبی حُصَینٍ الأَزدِیُّ-وعِدادُهُ فی بَجیلَةَ-فَقالَ:یا حُسَینُ،ألا تَنظُرُ إلَی الماءِ کَأَنَّهُ کَبِدُ السَّماءِ ! وَاللّهِ،لا تَذوقُ مِنهُ قَطرَةً حَتّی تَموتَ عَطَشاً.فَقالَ حُسَینٌ علیه السّلام:اللّهُمَّ اقتُلهُ عَطَشاً،ولا تَغفِر لَهُ أبَداً !
قالَ حُمَیدُ بنُ مُسلِمٍ:وَاللّهِ،لَعُدتُهُ بَعدَ ذلِکَ فی مَرَضِهِ،فَوَاللّهِ الَّذی لا إلهَ إلّاهُوَ، لَقَد رَأَیتُهُ یَشرَبُ حَتّی بَغِرَ (2)،ثُمَّ یَقیءُ،ثُمَّ یَعودُ،فَیَشرَبُ حَتّی یَبغَرَ فَما یَروی،فَما زالَ ذلِکَ دَأبَهُ حَتّی لَفَظَ عَصَبَهُ؛یَعنی نَفسَهُ. (3)
لا تتوفّر معلومات عن هویّته وحتّی عن اسمه الدقیق واسم أبیه،وقد ذکرته المصادر الحدیثیّة والتاریخیّة بأسماء مختلفة.لکن لمّا کانت کافّة هذه الأسماء
ص:65
ترتبط بقضیّة تاریخیّة واحدة یتّضح أنّ المقصود من جمیعها واحد.والقضیّة هی أنّه حینما رأی النیران وصلت وراء خیام الإمام الحسین علیه السّلام،وأدرک أنّه لا یمکن الهجوم علی الخیام من ورائها،جاء ووقف أمامَ الإمام علیه السّلام،وناداه بوقاحةٍ قائلاً:«أبشِر بالنار»،فسأله الإمام علیه السّلام عن اسمه،فلمّا تبیّن أنّ اسمه«ابن حوزة»قال علیه السّلام:«اللّهُمَّ حُزهُ إلی النار».
وفی هذه الأثناء عثر به فرسُه فسقط عنه اللعین،ولکن بقیت رجلُه معلّقةً بالرکاب،فاضطرب الفرس هائجاً ورأس اللعین یُضرب بالأرض إلی أن هلک لعنه اللّه. (1)
2642.تاریخ الطبری عن أبی مخنف عن حسین أبی جعفر: ثُمَّ إنَّ رَجُلاً مِن بَنی تَمیمٍ -یُقالُ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ حَوْزَةَ-جاءَ حَتّی وَقَفَ أمامَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ:
یا حُسَینُ یا حُسَینُ ! فَقالَ حُسَینٌ علیه السّلام:ما تَشاءُ؟قالَ:أبِشر بِالنّارِ !! قالَ:کَلّا، إنّی أقدَمُ عَلی رَبٍّ رَحیمٍ،وشَفیعٍ مُطاعٍ،مَن هذا؟قالَ لَهُ أصحابُهُ:هذَا ابنُ حَوزَةَ.
قالَ:رَبِّ حُزْهُ إلَی النّارِ،قالَ:فَاضطَرَبَ بِهِ فَرَسُهُ فی جَدوَلٍ،فَوَقَعَ فیهِ،وتَعَلَّقَت رِجلُهُ بِالرِّکابِ،ووَقَعَ رَأسُهُ فِی الأَرضِ،ونَفَرَ الفَرَسُ،فَأَخَذَ یمُرُّ بِهِ،فَیَضرِبُ بِرَأسِهِ کُلَّ حَجَرٍ وکُلَّ شَجَرَةٍ حَتّی ماتَ.
قالَ أبو مِخنَفٍ:وأمّا سُوَیدُ بنُ حَیَّةَ،فَزَعَمَ لی أنَّ عَبدَ اللّهِ بنَ حَوزَةَ حینَ وَقَعَ فَرَسُهُ،بِقَیَت رِجلُهُ الیُسری فِی الرِّکابِ،وَارتَفَعَتِ الیُمنی فَطارَت،وعَدا بِهِ فَرَسُهُ یَضرِبُ رَأسَهُ کُلَّ حَجَرٍ وأصلَ شَجَرَةٍ حَتّی ماتَ. (2)
ص:66
2643.تاریخ الطبری عن مسروق بن وائل: کُنتُ فی أوائِلِ الخَیلِ مِمَّن سارَ إلَی الحُسَینِ،فَقُلتُ:
أکونُ فی أوائِلِها لِعَلّی اصیبُ رَأسَ الحُسَینِ،فَاُصیبُ بِهِ مَنزِلَةً عِندَ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،قالَ:فَلَمَّا انتَهَینا إلی حُسَینٍ،تَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ یُقالُ لَهُ ابنُ حَوزَةَ،فَقالَ:أفیکُم حُسَینٌ؟قالَ:فَسَکَتَ حُسَینٌ،فَقالَها ثانِیَةً فَأَسکَتَ،حَتّی إذا کانَتِ الثّالِثَةُ،قالَ:قولوا لَهُ:نَعَم،هذا حُسَینٌ،فَما حاجَتُکَ؟قالَ:یا حُسَینُ أبشِرِ بِالنّارِ.
قالَ:کَذَبتَ،بَل أقدَمُ عَلی رَبٍّ غَفورٍ،وشَفیعٍ مُطاعٍ،فَمَن أنتَ؟قالَ:ابنُ حَوزَةَ.
قالَ:فَرَفَعَ الحُسَینُ علیه السّلام یَدَیهِ حَتّی رَأَینا بَیاضَ إبطَیهِ مِن فَوقِ الثِّیابِ،ثُمَّ قالَ:
اللّهُمَّ حُزهُ إلَی النّارِ.قالَ:فَغَضِبَ ابنُ حَوزَةَ،فَذَهَبَ لِیُقحِمَ إلَیهِ الفَرَسَ،وبَینَهُ وبَینَهُ نَهرٌ،قالَ:فَعَلِقَت قَدَمُهُ بِالرِّکابِ،وجالَت بِهِ الفَرَسُ،فَسَقَطَ عَنها،قالَ:فَانقَطَعَت قَدَمُهُ وساقُهُ وفَخِذُهُ،وبَقِیَ جانِبُهُ الآخَرُ مُتَعَلِّقاً بِالرِّکابِ.
قالَ:فَرَجَعَ مَسروقٌ وتَرَکَ الخَیلَ مِن وَرائِهِ.
قالَ:فَسَأَلتُهُ،فَقالَ:لَقَد رَأَیتُ مِن أهلِ هذَا البَیتِ شَیئاً لا اقاتِلُهُم أبَداً. (1)
2644.الفتوح: أقبَلَ رَجُلٌ مِن مُعَسکَرِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ-یُقالُ لَهُ:مالِکُ بنُ حَوزةً-عَلی فَرَسٍ لَهُ حَتّی وَقَفَ عِندَ الخَندَقِ،وجَعَلَ یُنادی:أبشِر یا حُسَینُ ! فَقَد تَلفَحُکَ النّارُ فِی الدُّنیا قَبلَ الآخِرَةِ !
فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:کَذَبتَ یا عَدُوَّ اللّهِ ! إنّی قادِمٌ عَلی رَبٍّ رَحیمٍ،وشَفیعٍ مُطاعٍ، وذلِکَ جَدّی رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.
ص:67
ثُمَّ قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:مَن هذَا الرَّجُلُ؟فَقالوا:هذا مالِکُ بنُ حَوزَةَ.فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:اللّهُمَّ حُزهُ إلَی النّارِ،وأذِقهُ حَرَّها فِی الدُّنیا قَبلَ مَصیرِهِ إلَی الآخِرَةِ.
قالَ:فَلَم یَکُن بِأَسرَعَ أن شَبَّ (1)بِهِ الفَرَسُ،فَأَلقَتهُ فِی النّارِ،فَاحتَرَقَ.
قالَ:فَخَرَّ الحُسَینُ علیه السّلام للّهِ ِ ساجِداً مُطیعاً،ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ،وقالَ:یا لَها مِن دَعوَةٍ ما کانَ أسرَعَ إجابَتَها.
قالَ:ثُمَّ رَفَعَ الحُسَینُ علیه السّلام صَوتَهُ ونادی:
اللّهُمَّ،إنّا أهلُ نَبِیِّکَ وذُرِّیَّتُهُ وقَرابَتُهُ،فَاقصِم مَن ظَلَمَنا وغَصَبَنا حَقَّنا،إنَّکَ سَمیعُ مُجیبٌ. (2)
2645.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علی بن الحسین عن أبیه عن جده [زین العابدین] علیهم السّلام :وأقبَلَ رَجُلٌ مِن عَسکَرِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ عَلی فَرَسٍ لَهُ،یُقالُ لَهُ:ابنُ أبی جُوَیرِیَةَ المُزَنِیُّ،فَلَمّا نَظَرَ إلَی النّارِ تَتَّقِدُ صَفَّقَ بِیَدِهِ،ونادی:یا حُسَینُ وأصحابَ حُسَینٍ،أبشِروا بِالنّارِ،فَقَد تَعَجَّلتُموها فِی الدُّنیا !
فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:مَنِ الرَّجُلُ؟فَقیلَ:اِبنُ أبی جُوَیرِیَةَ المُزَنِیُّ.
فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:اللّهُمَّ أذِقهُ عَذابَ النّارِ فِی الدُّنیا،فَنَفَرَ بِهِ فَرَسُهُ وألقاهُ فی تِلکَ النّارِ،فَاحتَرَقَ. (3)
ص:68
2646.المعجم الکبیر عن ابن وائل أو وائل بن علقمة -وکانَ قَد شَهِدَ ما هُناکَ-:قامَ رَجُلٌ،فَقالَ:
أفیکُم حُسَینٌ؟قالوا:نَعَم،فَقالَ:أبشِر بِالنّارِ !
فَقالَ:اُبشِرُ بِرَبٍّ رَحیمٍ،وشَفیعٍ مُطاعٍ،قالَ:مَن أنتَ؟
قالَ:أنَا ابنُ جُوَیزَةَ-أو حُوَیزَةَ-.
قالَ:فَقالَ:اللّهُمَّ حُزهُ إلَی النّارِ ! فَنَفَرَت بِهِ الدّابَّةُ،فَتَعَلَّقَت رِجلُهُ فِی الرِّکابِ.
قالَ:فَوَاللّهِ،ما بَقِیَ عَلَیها مِنهُ إلّارِجلُهُ. (1)
کان عبد اللّه بن عزرة الخثعمی أحد رماة جیش عمر بن سعد،حیث قام بجرائم عدیدة برمیه النبال؛فقتل جعفرَ بن عقیل (2)،واستناداً لروایة فإنّه قتل عبد الرحمن (3)ابن عقیل أیضاً،فرّ خلال ثورة المختار ولجأ إلی مصعب،فهدم المختارُ دارَه. (4)
وقد ذُکر اسمه بأشکال اخری أیضاً. (5)
2647.تاریخ الطبری عن حمید بن مسلم الأزدی: رَمی عَبدُ اللّهِ بنُ عَزرَةَ الخَثعَمِیُّ جَعفَرَ بنَ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ،فَقَتَلَهُ. (6)
ص:69
2648.مقاتل الطالبیّین: جَعفَرُ بنُ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ،واُمُّهُ امُّ الثَّغرِ بِنتُ عامِرِ بنِ الهَصّانِ العامِرِیِّ مِن بَنی کِلابٍ،قَتَلَهُ عُروَةُ بنُ عَبدِ اللّهِ الخَثعَمِیُّ. (1)
2649.تاریخ الطبری عن أبی عبد الأعلی الزّبیدیّ: وطَلَبَ-المُختارُ-رَجُلاً مِن خَثعَمَ یُقالُ لَهُ:
عَبدُ اللّهِ بنُ عُروَةَ الخَثعَمِیُّ،کانَ یَقولُ:«رَمَیتُ فیهِمِ بِاثنَی عَشَرَ سَهماً ضَیعَةً (2)»، فَفاتَهُ،ولَحِقَ بِمُصعَبٍ،فَهَدَمَ دارَهُ. (3)
کان عبد اللّه بن عقبة الغنوی أحد رماة عسکر عمر بن سعد،حیث قتل بسهمه أحد أولاد الإمام الحسن علیه السّلام الذی یدعی أبا بکر. (4)هرب عبد اللّه خلال ثورة المختار من الکوفة إلی الجزیرة،لذا فإنّ المختار هدم داره فقط. (5)
2650.المزار الکبیر -فی زِیارَةِ النّاحِیَةِ-:السَّلامُ عَلی أبی بَکرِ بنِ الحَسَنِ الزَّکِیِّ الوَلِیِّ، المَرمِیِّ بِالسَّهمِ الرَّدِیِّ،لَعَنَ اللّهُ قاتِلَهُ عَبدَ اللّهِ بنَ عُقبَةَ الغَنَوِیَّ. (6)
2651.تاریخ الطبری عن أبی عبد الأعلی الزُّبیدیّ: وطَلَبَ المُختارُ عَبدَ اللّهِ بنَ عُقبَةَ الغَنوِیَّ،
ص:70
فَوَجَدَهُ قَد هَرَبَ ولَحِقَ بِالجَزیرَةِ،فَهَدَمَ دارَهُ،وکانَ ذلِکَ الغَنَوِیُّ قَد قَتَلَ مِنهُم غُلاماً. (1)
کان عثمان بن خالد بن اسیر الدهمانی الجهنی أحد رماة عسکر عمر بن سعد،حیث اشترک مع بشر بن سوط فی قتل عبدالرحمن بن عقیل (2)،هجما علیه وقتلاه وسلبا ثیابه.أمر المختار أن یُلقی القبض علیهما،وبعد أن قتلوهما أحرقوهما وحالوا دون دفن جسدیهما قبل أن یحرقوهما. (3)
وجاء فی بعض المصادر بأسماء اخری.
2652.مصباح الزائر -فی زِیارَةِ النّاحِیَةَ-:السَّلامُ عَلی عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَقیلٍ،لَعَنَ اللّهُ قاتِلَهُ ورامِیَهُ عَمرَو بنَ خالِدِ بنِ أسَدٍ الجُهَنِیَّ. (4)
2653.تاریخ ابن خلدون: وکانَ آخِرُ سَنَةِ سِتٍّ وسِتّینَ:...أحضَرَ المُختارُ عُثمانَ بنَ خالِدٍ الجُهَنِیَّ وأبا أسماءَ بِشرَ بنَ سُمَیطٍ القابِسِیَّ،وکانا مُشتَرِکینَ فی قَتلِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَقیلٍ وفی سَلبِهِ،فَقَتَلَهُما وحَرَقَهُما بِالنّارِ. (5)
ص:71
2654.تاریخ الطبری عن موسی بن عامر العدوی من جهینة: بَعَثَ المُختارُ عَبدَ اللّهِ بنَ کامِلٍ إلی عُثمانَ بنِ خالِدِ بنِ اسَیرٍ الدُّهمانِیِّ مِن جُهَینَةَ،وإلی أبی أسماءَ بِشرِ بنِ سَوطٍ القابِضِیِّ وکانا مِمَّن شَهِدا قَتلَ الحُسَینِ علیه السّلام،وکانَا اشتَرَکا فی دَمِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ وفی سَلَبِهِ،فَأَحاطَ عَبدُ اللّهِ بنُ کامِلٍ عِندَ العَصرِ بِمَسجِدِ بَنی دُهمانَ،ثُمَّ قالَ:عَلَیَّ مِثلُ خَطایا بَنی دُهمانَ مُنذُ یَومَ خُلِقوا إلی یَومِ یُبعَثونَ،إن لَم اوتَ بِعُثمانَ بنِ خالِدِ بنِ اسَیرٍ،إن لَم أضرِب أعناقَکُم مِن عِندِ آخِرِکُم.
فَقُلنا لَهُ:أمهِلنا نَطلُبُهُ،فَخَرَجوا مَعَ الخَیلِ فی طَلَبِهِ،فَوَجَدوهُما جالِسَینِ فِی الجَبّانَةِ-وکانا یُریدانِ أن یَخرُجا إلَی الجَزیرَةِ-فَاُتِیَ بِهِما عَبدُ اللّهِ بنُ کامِلٍ.
فَقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی کَفَی المُؤمِنینَ القِتالَ،لَو لَم یَجِدوا هذا مَعَ هذا عَنّانا إلی مَنزِلِهِ فی طَلَبِهِ،فَالحَمدُ للّهِ ِ الَّذی حَیَّنَکَ حَتّی أمکَنَ مِنکَ،فَخَرَجَ بِهِما حَتّی إذا کانَ فی مَوضِعِ بِئرِ الجَعدِ ضَرَبَ أعناقَهُما،ثُمَّ رَجَعَ،فَأَخبَرَ المُختارَ خَبَرَهُما،فَأَمَرَهُ أن یَرجِعَ إلَیهِما،فَیُحرِقَهُما بِالنّارِ،وقالَ:لا یُدفَنانِ حَتّی یُحرَقا. (1)
کان عمرو بن صبیح الصیداوی أو الصائدی من رماة عسکر عمر بن سعد،وهو الذی أصاب بسهمه عبد اللّه بن مسلم بن عقیل وهو واضع یده علی ناصیته،وبذلک سمّر یده علی ناصیته،وأصاب قلبه بسهم آخر وأرداه شهیداً. (2)وکان ضمن العشرة الذین
ص:72
انتدبهم عمر بن سعد لیدوسوا جسد الإمام الحسین علیه السّلام بحوافر خیولهم. (1)وعندما قبض علیه المختار الثقفی،أمر أن یحیط به الجیش ویطعنوه بالرماح إلی أن یموت، ففعلوا به ذلک حتی هلک. (2)
جدیر بالذکر أنّه نسب إلیه فی بعض النقول قتل عبد اللّه بن عقیل،لکن یحتمل وقوع التصحیف أو أنّه نسبة إلی الجدّ. (3)
2655.المزار الکبیر -فی زِیارَةِ النّاحِیَةِ-:السَّلامُ عَلَی القَتیلِ ابنِ القَتیلِ عَبدِ اللّهِ بنِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،ولَعَنَ اللّهُ رامِیَهُ عَمرَو بنَ صَبیحٍ الصَّیداوِیَّ. (4)
2656.المناقب لابن شهرآشوب: وَانتَدَبَ [عُمَرُ بنُ سَعدٍ] عَشَرَةً،وهُم:...وعَمرُو بنُ صَبیحٍ المَذحِجِیُّ...فَوَطِئوهُ بِخَیلِهِم. (5)
2657.تاریخ الطبری عن أبی عبد الأعلی الزبیدی: وطَلَبَ [المُختارُ] رَجُلاً مِن صُداءَ یُقالُ لَهُ عَمرُو بنُ صَبیحٍ،وکانَ یَقولُ:لَقَد طَعَنتُ بَعضَهُم،وجَرَحتُ فیهِم،وما قَتَلتُ مِنهُم أحَداً.
فَاُتِیَ لَیلاً،وهُوَ عَلی سَطحِهِ،وهُوَ لا یَشعُرُ،بَعدَما هَدَأَتِ العُیونُ،وسَیفُهُ تَحتَ رَأسِهِ،فَأَخَذوهُ أخذاً،وأخَذوا سَیفَهُ،فَقالَ:قَبَّحَکَ اللّهُ سَیفاً،ما أقرَبَکَ وأبعَدَکَ ! فَجیءَ بِهِ إلَی المُختارِ،فَحَبَسَهُ مَعَهُ فِی القَصرِ،فَلَمّا أن أصبَحَ أذِنَ لِأَصحابِهِ،وقیلَ:
لِیَدخُل مَن شاءَ أن یَدخُلَ.
ص:73
ودَخَلَ النّاسُ،وجیءَ بِهِ مُقَیَّداً،فَقالَ:أما وَاللّهِ،یا مَعشَرَ الکَفَرَةِ الفَجَرَةِ،أن لَو بِیَدی سَیفی لَعَلِمتُم أنّی بِنَصلِ السَّیفِ غَیرُ رَعِشٍ ولا رِعدیدٍ،ما یَسُرُّنی إذ کانَت مَنِیَّتی قَتلاً أنَّهُ قَتَلَنی مِنَ الخَلقِ أحَدٌ غَیرُکُم،لَقَد عَلِمتُ أنَّکُم شِرارُ خَلقِ اللّهِ،غَیرَ أنّی وَدِدتُ أنَّ بِیَدی سَیفاً أضرِبُ بِهِ فیکُم ساعَةً.
ثُمَّ رَفَعَ یَدَهُ،فَلَطَمَ عَینَ ابنِ کامِلٍ وهُوَ إلی جَنبِهِ،فَضَحِکَ ابنُ کامِلٍ،ثُمَّ أخَذَ بِیَدِهِ وأمسَکَها،ثُمَّ قالَ:إنَّهُ یَزعُمُ أنَّهُ قَد جَرَحَ فی آلِ مُحَمَّدٍ وطَعَنَ،فَمُرْنا بِأَمرِکَ فیهِ.
فَقالَ المُختارُ:عَلَیَّ بِالرِّماحِ.فَاُتِیَ بِها،فَقالَ:اِطعَنوهُ حَتّی یَموتَ.فَطُعِنَ بِالرِّماحِ حَتّی ماتَ. (1)
تولّی قیس بن الأشعث الکندی رئاسة قبیلة کندة فی الکوفة بعد أبیه.وکان شأنه شأن أبیه متلوّناً ومنافقاً،فکان ممّن کتب الکتب إلی الإمام الحسین علیه السّلام فی بدایة نهضته ووعده النصرة (2)،إلّاأنّه التحق بابن زیاد بمجرّد مجیئه العراق،وتولّی قیادة قبیلة کندة وقسم من ربیعة. (3)وبعد انتهاء المعرکة اشترک فی نهب الخیام وسلب قطیفة الإمام علیه السّلام،ولذلک اشتهر بقیس القطیفة. (4)وکان من حاملی
ص:74
رؤوس الشهداء لابن زیاد. (1)
وفی ثورة المختار،التجأ قیس إلی أحد أعظم قادة جیش المختار،أی عبد اللّه بن کامل،إلّاأنّ المختار بعث أبا عمرة إلی ملجئه وقتله. (2)
2658.الأخبار الطوال: إنَّ قَیسَ بنَ الأَشعَثِ أنِفَ مِن أن یَأتِیَ البَصرَةَ،فَیَشمَتَ بِهِ أهلُها، فَانصَرَفَ إلَی الکوفَةِ مُستَجیراً بِعَبدِ اللّهِ بنِ کامِلٍ،وکانَ مِن أخَصِّ النّاسِ عِندَ المُختارِ.
فَأَقبَلَ عَبدُ اللّهِ إلَی المُختارِ،فَقالَ:أیُّهَا الأَمیرُ،إنَّ قَیسَ بنَ الأَشعَثِ قَدِ استَجارَ بی وأجَرتُهُ،فَأَنفِذ جِواری إیّاهُ.
فَسَکَتَ عَنهُ المُختارُ مَلِیّاً،وشَغَلَهُ بِالحَدیثِ،ثُمَّ قالَ:أرِنی خاتَمَکَ،فَناوَلَهُ إیّاهُ، فَجَعَلَهُ فی إصبَعِهِ طَویلاً.
ثُمَّ دَعا أبا عَمرَةَ،فَدَفَعَ إلَیهِ الخاتَمَ،وقالَ لَهُ سِرّاً:اِنطَلِق إلَی امرَأَةِ عَبدِ اللّهِ بنِ کامِلٍ،فَقُل لَها:هذا خاتَمُ بَعلِکِ عَلامَةً،لِتُدخِلینی إلی قَیسِ بنِ الأَشعَثِ،فَإِنّی اریدُ مُناظَرَتَهُ فی بَعضِ الاُمورِ الَّتی فیها خَلاصُُه مِنَ المُختارِ،فَأَدخَلَتهُ إلَیهِ.
فَانتَضی (3)سَیفَهُ،فَضَرَبَ عُنُقَهُ،وأخَذَ رَأسَهُ،فَأَتی بِهِ المُختارَ،فَأَلقاهُ بَینَ یَدَیهِ.
فَقالَ المُختارُ:هذا بِقَطیفَةِ الحُسَینِ علیه السّلام.وذلِکَ أنَّ قَیسَ بنَ الأَشعَثِ أخَذَ قَطیفَةً کانَت لِلحُسَینِ علیه السّلام حینَ قُتِلَ،فَکانَ یُسَمّی قَیسَ قَطیفَةٍ. (4)
ص:75
فَاستَرجَعَ عَبدُ اللّهِ بنِ کامِلٍ،وقالَ لِلمُختارِ:قَتَلتَ جاری وضَیفی وصَدیقی فِی الدَّهرِ.
قالَ لَهُ المُختارُ:للّهِ ِ أبوکَ،اُسکُت،أتَستَحِلُّ أن تُجیرَ قَتَلَةَ ابنِ بِنتِ نَبِیِّکَ؟!. (1)
کان مالک بن النسیر البدی الکندی ممّن هجموا علی الإمام الحسین علیه السّلام بسیوفهم، وقد ضرب بسیفه رأس الإمام،فدعا علیه الإمام علیه السّلام،فابتلی بالفقر الشدید علی أثر دعاء الإمام علیه. (2)واستناداً إلی بعض الروایات التاریخیّة فقد اصیبت یداه بالفالج وضعف عقله. (3)وفی ثورة المختار قُبض علیه واُمر به فقُطعت یداه ورجلاه وتُرک حتّی هلک. (4)
2659.تاریخ الطبری عن حمید بن مسلم: إنَّ رَجُلاً مِن کِندَةَ یُقالُ لَهُ مالِکُ بنُ النُّسَیرِ مِن بَنی بَدّاءَ، أتاهُ [أیِ الحُسَینَ علیه السّلام ] فَضَرَبَهُ عَلی رَأسِهِ بِالسَّیفِ،وعَلَیهِ بُرنُسٌ لَهُ،فَقَطَعَ البُرنُسَ، وأصابَ السَّیفُ رَأسَهُ،فَأَدمی رَأسَهُ،فَامتَلَأَ البُرنُسُ دَماً.
فَقالَ لَهُ الحُسَینُ:لا أکَلتَ بِها ولا شَرِبتَ،وحَشَرَکَ اللّهُ مَعَ الظّالِمینَ.
قالَ:فَأَلقی ذلِکَ البُرنُسَ،ثُمَّ دَعَا بِقَلَنسُوَةٍ (5)،فَلَبِسَها،وَاعتَمَّ،وقَد أعیا وبَلَّدَ (6)،
ص:76
وجاءَ الکِندِیُّ حَتّی أخَذَ البُرنُسَ،وکانَ مِن خَزٍّ،فَلَمّا قَدِمَ بِهِ بَعدَ ذلِکَ عَلَی امرَأَتِهِ -اُمِّ عَبدِ اللّهِ ابنَةِ الحُرِّ اختِ حُسَینِ بنِ الحُرِّ البَدِّیِّ-أقبَلَ یَغسِلُ البُرنُسَ مِن الدَّمِ، فَقالَت لَهُ امرَأَتُهُ:أسَلَبَ ابنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله تُدخِلُ بَیتی؟! أخرِجهُ عَنّی.فَذَکَرَ أصحابُهُ،أنَّهُ لَم یَزَل فَقیراً بِشَرٍّ حَتّی ماتَ. (1)
2660.الفتوح: وأخَذَ دِرعَهُ مالِکُ بنُ بِشرٍ الکِندِیُّ،فَلَبِسَهُ،فَصارَ مَعتوهاً. (2)
2661.أنساب الأشراف: أخَذَ الکِندِیُّ البُرنُسَ،فَیُقالُ إنَّهُ لَم یَزَل فَقیراً وشَلَّت یَداهُ. (3)
2662.تاریخ الطبری عن مالک بن أعین الجهنی: قالَ المُختارُ لِلبَدِّیِّ [مالِکِ بنِ النُسَیرِ]:أنتَ صاحِبُ بُرنُسِهِ؟فَقالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ کامِلٍ:نَعَم،هُوَ هُوَ.
فَقالَ المُختارُ:اِقطَعوا یَدَی هذا ورِجلَیهِ،ودَعُوهُ،فَلیَضطَرِب حَتّی یَموتَ.فَفُعِلَ ذلِکَ بِهِ وتُرِکَ،فَلَم یَزَل یَنزِفُ الدَّمَ حَتّی ماتَ. (4)
کان محمد بن الأشعث بن قیس الکندی شقیق قیس بن الأشعث،أحد الأفراد
ص:77
الذین لعبوا دوراً فی واقعة کربلاء،وممّن هیّأ الأرضیة المناسبة لوقائع عاشوراء (1)، ومن الذین کتبوا الکتب لیزید وطالبوا باتّخاذ إجراءات أکثر حزماً ضدّ نهضة الإمام الحسین علیه السّلام. (2)کما کان یتولّی قیادة القوّات التی ألقت القبض علی مسلم بن عقیل. (3)
وفی یوم عاشوراء أنکر فضیلة وحرمة الإمام الحسین بسبب انتسابه للنبیّ صلّی اللّه علیه و آله، لذلک دعا علیه الإمام بأن یموت ذلیلاً،وإثر دعاء الإمام علیه-کما نُقل فی بعض الروایات-،لسعه عقرب أسود فی نفس ذلک الیوم وهلک ذلیلاً (4)،لکنّ الروایات الأکثر اشتهاراً تقول:بأنّ موته کان فی عهد المختار،حیث فرّ من الکوفة والتحق بمصعب بن الزبیر فی البصرة،ثمّ قُتل علی ید المختار فی الحرب التی دارت بینه وبین مصعب. (5)
2663.مقاتل الطالبیّین عن موسی بن أبی النعمان: جاءَ الأَشعَثُ إلی عَلِیٍّ علیه السّلام یَستَأذِنُ عَلَیهِ،فَرَدَّهُ قَنبَرٌ،فَأَدمَی الأَشعَثُ أنفَهُ،فَخَرَجَ عَلِیٌّ علیه السّلام وهُوَ یَقولُ:ما لی ولَکَ یا أشعَثُ،أما وَاللّهِ،لَو بِعَبدِ ثَقیفٍ تَمَرَّستَ (6)لَاقشَعَرَّت شُعَیراتُکَ.
قیلَ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ ! ومَنْ غُلامُ ثَقیفٍ؟قالَ:غُلامٌ یَلیهِم،لا یُبقی أهلَ بَیتٍ مِنَ العَرَبِ إلّاأدخَلَهُم ذُلًّا.
قیلَ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ ! کَم یَلی،وکَم یَمکُثُ؟قالَ:عِشرینَ إن بَلَغَها. (7)
ص:78
2664.الکافی عن علیّ بن یقطین عمّن ذکره عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :إنَّ الأَشعَثَ بنَ قَیسٍ شَرِکَ فی دَمِ أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السّلام،وَابنَتُهُ جَعدَةُ سَمَّتِ الحَسَنَ علیه السّلام،ومُحَمَّدٌ ابنُهُ شَرِکَ فی دَمِ الحُسَینِ علیه السّلام. (1)
2665.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: رَفَعَ الحُسَینُ صَوتَهُ،وقالَ:اللّهُمَّ إنّا أهلُ بَیتِ نَبِیِّکَ وذُرِّیَّتُهُ وقَرابَتُهُ،فَاقصِم مَن ظَلَمَنا وغَصَبَنا حَقَّنا،إنَّکَ سَمیعٌ قَریبٌ.
فَسَمِعَها مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ،فَقالَ:یا حُسَینُ،وأیُّ قَرابَةٍ بَینَکَ وبَینَ مُحَمَّدٍ؟
فَقالَ الحُسَینُ:اللّهُمَّ إنَّ مُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ یَقولُ:إنَّهُ لَیسَ بَینی وبَینَ رَسولِکَ قَرابَةٌ،اللّهُمَّ فَأَرِنی فیهِ هذَا الیَومَ ذُلّاً عاجِلاً.فَما کانَ بِأَسرَعَ مِن أن تَنَحّی مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ وخَرَجَ مِنَ العَسکَرِ،فَنَزَلَ عَن فَرَسِهِ،وإذا بِعَقرَبٍ سَوداءَ خَرَجَت مِن بَعضِ الجُحرَةِ،فَضَرَبَتهُ ضَربَةً تَرَکَتهُ مُتَلَوِّثاً فی ثِیابِهِ مِمّا بِهِ.
وذَکَرَ الحاکِمُ الجُشَمِیُّ:إنَّهُ ماتَ لِیَومِهِ.ولکِنَّ ذلِکَ غَیرُ صَحیحٍ،فَإِنَّهُ بَقِیَ إلی أیّامِ المُختارِ فَقَتَلَهُ،ولکِنَّهُ بَقِیَ مِمّا بِهِ فی بَیتِهِ. (2)
2666.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جدّه [زین العابدین] علیهم السّلام :أقبَلَ رَجُلٌ آخَرُ مِن عَسکَرِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،یُقالُ لَهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ بنِ قَیسٍ الکِندِیُّ،فَقالَ:یا حُسَینَ بنَ فاطِمَةَ،أیَّةُ حُرمَةٍ لَکَ مِن رَسولِ اللّهِ لَیسَت لِغَیرِکَ؟فَتَلَا الحُسَینُ علیه السّلام هذِهِ الآیَةَ: «إِنَّ اللّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِیمَ
ص:79
وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ * ذُرِّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ» 1 ،الآیَةَ.
ثُمَّ قالَ:وَاللّهِ،إنَّ مُحَمَّداً لَمِن آلِ إبراهیمَ،وإنَّ العِترَةَ الهادِیَةَ لَمِن آلِ مُحَمَّدٍ.مَنِ الرَّجُلُ؟فَقیلَ:مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ بنِ قَیسٍ الکِندِیُّ.
فَرَفَعَ الحُسَینُ علیه السّلام رَأسَهُ إلَی السَّماءِ،فَقالَ:اللّهُمَّ أرِ مُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ ذُلّاً فی هذَا الیَومِ،لا تُعِزُّهُ بَعدَ هذَا الیَومِ أبَداً.
فَعَرَضَ لَهُ عارِضٌ،فَخَرَجَ مِنَ العَسکَرِ یَتَبَرَّزُ،فَسَلَّطَ اللّهُ عَلَیهِ عَقرَباً،فَلَدَغَتهُ، فَماتَ بادِیَ العَورَةِ. (1)
2667.الأخبار الطوال: لَمّا تَجَرَّدَ المُختارُ لِطَلَبِ قَتَلَةِ الحُسَینِ علیه السّلام،هَرَبَ مِنهُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ ومُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ،وهُما کانَا المُتَوَلِّیَینِ لِلحَربِ یَومَ الحُسَینِ علیه السّلام. (2)
2668.تاریخ الطبری عن هشام بن عبد الرحمن وابنه الحکم بن هشام: کانَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ بنِ قَیسٍ فی قَریَةِ الأَشعَثِ إلی جَنبِ القادِسِیَّةِ،فَبَعَثَ المُختارُ إلَیهِ حَوشَباً سادِنَ الکُرسِیِّ فی مِئَةٍ،فَقالَ:اِنطَلِق إلَیهِ،فَإِنَّکَ تَجِدُهُ لاهِیاً مُتَصَیِّداً،أو قائِماً مُتَلَبِّداً،أو خائِفاً مُتَلَدِّداً،أو کامِناً مُتَغَمِّداً؛فَإِن قَدرَتَ عَلَیهِ فَائتِنی بِرَأسِهِ.
فَخَرَجَ حَتّی أتی قَصرَهُ،فَأَحاطَ بِهِ،وخَرَجَ مِنهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ،فَلَحِقَ بِمُصعَبٍ،وأقاموا عَلَی القَصرِ،وهُم یَرَونَ أنَّهُ فیهِ،ثُمَّ دَخَلوا،فَعَلِموا أنَّهُ قَد فاتَهُم، فَانصَرَفوا إلَی المُختارِ،فَبَعَثَ إلی دارِهِ فَهَدَمَها،وبَنی بِلَبِنِها وطینِها دارَ حُجرِ بنِ عَدِیٍّ الکِندِیِّ،وکانَ زِیادُ بنُ سُمَیَّةَ قَد هَدَمَها. (3)
ص:80
2669.الفتوح: دَعَا [المُختارُ] بِرَجُلٍ مِن أصحابِهِ،یُقالُ لَهُ حَوشَبُ بنُ یَعلَی الهَمدانِیُّ،فَقالَ:
وَیحَکَ یا حَوشَبُ،أنتَ تَعلَمُ أنَّ مُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ مِن قَتَلَةِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام، وهَوُ الَّذی قالَ لَهُ بِکَربَلاءَ ما قالَ؟! وَاللّهِ،ما یَهنِئُنِی النَّومُ ولَا القرَارُ ورَجُلٌ مِن قَتَلَةِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام یَمشی عَلی وَجهِ الأَرضِ،وقَد بَلَغَنی أنَّهُ فی قَریَةٍ إلی جَنبِ القادِسِیَّةِ،فَسِر إلَیهِ فی مِئَةِ رَجُلٍ مِن أصحابِکَ،فَإِنَّکَ تَجِدُهُ لاهِیاً مُتَصَیِّداً،أو قائِماً مُتَلَبِّداً،أو خائِفاً مُتََلدِّداً،أو کامِناً مُتَرَدِّداً،فَاقتُلهُ وجِئنی بِرَأسِهِ.
قالَ:فَخَرَجَ حَوشَبُ بنُ یَعلَی الهَمدانِیُّ فی مِئَةِ رَجُلٍ مِن أصحابِهِ،حَتّی صارَ إلی قَریَةِ مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ،وعَلِمَ ابنُ الأَشعَثِ بِذلِکَ،فَخَرَجَ مِن بابٍ لَهُ آخَرَ فی جَوفِ اللَّیلِ هارِباً،ومَضی نَحوَ البَصرَةِ إلی مُصعَبِ بنِ الزُّبَیرِ.
قالَ:وأصبَحَ حَوشَبُ بنُ یَعلی هذا وقَد عَلِمَ أنَّ مُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ قَد هَرَبَ، فَکَتَبَ إلَی المُختارِ بِذلِکَ،فَکَتَبَ إلَیهِ المُختارُ:إنَّکَ قَد ضَیَّعتَ الحَزمَ ولَم تَأخُذ بِالوَثیقَةِ،فَإِذا قَد فاتَکَ الرَّجُلُ فاَهدِم قَصرَهُ،وَاخرِب قَریَتَهُ،وَائتِنی بِأَموالِهِ.
قالَ:فَهَدَمتُ دارَ محُمَّدِ بنِ الأَشعَثِ،وأمَرَ المُختارُ بِنَقضِها،فَبَنَوا بِهِ دارَ حُجرِ بنِ عَدِیٍّ الکِندِیِّ رَحِمَهُ اللّهُ.
قالَ:وصارَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ إلی مُصعَبِ بنِ الزُّبَیرِ،فَالتَجَأَ إلَیهِ.
فَقالَ لَهُ مُصعَبٌ:ما وَراءَکَ؟فَقالَ:وَرائی-وَاللّهِ أیُّهَا الأَمیرُ-التُّرکُ وَالدَّیلَمُ، (1)هذَا المُختارُ بنُ أبی عُبَیدٍ قَد غَلَبَ عَلَی الأَرضِ،فَهُوَ یَقتُلُ النَّاسَ کَیفَ شاءَ، وقَد قَتَلَ إلَی السّاعَةِ هذِهِ مِمَّن یُتَّهَمُ بِقِتالِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ أکثَرَ مِن ثَلاثَةِ آلافٍ؛ وقَد کانَ أعطانِی الأَمانَ،ثُمَّ إنَّهُ بَعَثَ إلَیَّ بِبَعضِ أصحابِهِ،فَأَرادَ قَتلی،فَهَرَبتُ
ص:81
إلَیکَ،فَهذِهِ قِصَّتی وهذِهِ حالی.
ثُمَّ وَثَبَ رَجُلٌ مِن کِندَةَ مِمَّن قَدِمَ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ،حَتّی وَقَفَ بَینَ یَدَی مُصعَبِ بنِ الزُّبَیرِ،فَأَنشَأَ یَقولُ أبیاتاً مَطلَعُها:
إنّ قَوماً مِن کِندَةَ الأَخیارَ بَینَ قَیسٍ وبَینَ آلِ المَذارِ
إلی آخِرِها.
قالَ:فَقالَ لَهُ مُصعَبُ بنُ الزُّبَیرِ:یا أخا کِندَةَ،إنّی قَد فَهِمتُ کَلامَکَ،وإنّی أعمَلُ بِرَأیِ أمیرِ المُؤمِنینَ،وهُوَ الَّذی وَلّانِی البَصرَةَ،وأمَرَنی بِحَربِ الأَزارِقَةِ،وهذَا المُهَلِّبُ بنُ أبی صُفرَةَ فی وُجوهِهِم یُحارِبُهُم،فَلا تَعجَلوا،فَإِنَّ المُختارَ لَهُ مُدَّةٌ هُوَ بالِغُها.
قالَ:فَأَقامَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ عِندَ مُصعَبِ بنِ الزُّبَیرِ بِالبَصرَةِ. (1)
2670.الطبقات لخلیفة بن خیّاط: مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ بنِ قَیسِ،اُمُّهُ امُّ فَرْوَةَ بِنتِ أبی قُحافَةَ،قُتِلَ سَنَةَ سَبعٍ وسِتّینَ مَعَ مُصعَبٍ أیّامَ المُختارِ. (2)
2671.ذوب النُّضار: عَزَمَ المُختارُ عَلَی الخُروجِ بِنَفسِهِ مَعَ مَن بَقِیَ مَعَهُ مِن أهلِ الکوفَةِ،فَلَقِیَهُم وصَدَقَهُمُ الحَربَ،فَقَتَلَ ابنَ الأَشعَثِ وشَبَثَ بنَ رِبعِیٍّ وسائِرَ مَن مَعَهُما. (3)
2672.الثّقات لابن حبّان: قُتِلَ [مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ] سَنَةَ سَبعٍ وسِتّینَ فی وَقعَةِ المُرّانِ،قَتَلَهُ المُختارُ بنُ أبی عُبَیدٍ. (4)
ص:82
کان مرّة بن منقذ بن النعمان العبدی فی حرب الجمل مع جیش الإمام علیّ علیه السّلام (1)،إلّا أنّه التحق بصفوف أعداء أهل البیت علیهم السّلام تدریجیّاً،ثمّ انضمّ إلی عسکر عمر بن سعد فی واقعة کربلاء.وکان له دور رئیسی فی شهادة علیّ الأکبر نجل الإمام الحسین علیه السّلام.فعندما رأی شجاعة علیّ الأکبر ومهارته فی الحرب وضربه بالسیف، کمن له وهجم علیه برمحه من خلفه،وفی نفس الوقت هاجمه جنود العدوّ بسیوفهم وأردوه شهیداً. (2)
حوصر مرّة بن منقذ فی داره عند ثورة المختار،إلّاأنّه خرج علی فرس حاملاً رمحاً وخلّص نفسه من المحاصرة بعد اشتباکه معهم،والتحق بمصعب بن الزبیر، وقد جُرحت یده الیسری فی هذا الاشتباک وشُلّت. (3)
2673.المزار الکبیر -فی زِیارَةِ النّاحِیَةِ فی زِیارَةِ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیهما السّلام (عَلِیٍّ الأَکبَرِ)-:حَکَمَ اللّهُ لَکَ عَلی قاتِلِکَ مُرَّةَ بنِ مُنقِذِ بنِ النُّعمانِ العَبدِیِّ-لَعَنَهُ اللّهُ وأخزاهُ-ومَن شَرِکَهُ فی قَتلِکَ،وکانوا عَلَیکَ ظَهیراً،أصلاهُمُ اللّهُ جَهَنَّمَ وساءَت مَصیراً. (4)
2674.تاریخ الطبری عن أبی الجارود: وبَعَثَ المُختارُ إلی قاتِلِ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام،عَبدَ اللّهِ بنَ کامِلٍ،وهُوَ رَجُلٌ مِن عَبدِ القَیسِ یُقالُ لَهُ:مُرَّةُ بنُ مُنقِذِ بنِ النُّعمانِ العَبدِیُّ-وکانَ
ص:83
شُجاعاً-فَأَتاهُ ابنُ کامِلٍ،فَأَحاطَ بِدارِهِ،فَخَرَجَ إلَیهِم وبِیَدِهِ الرُّمحُ،وهُوَ عَلی فَرَسٍ جَوادٍ،فَطَعَنَ عُبَیدَ اللّهِ بنَ ناجِیَةَ الشِّبامِیَّ،فَصَرَعَهُ ولَم یَضُرَّهُ.
قالَ:ویَضرِبُهُ ابنُ کامِلٍ بِالسَّیفِ،فَیَتَّقیهِ بِیَدِهِ الیُسری،فَأَسرَعَ فیهَا السَّیفُ، وتَمَطَّرَت بِهِ الفَرَسُ (1)،فَأَفلَتَ ولَحِقَ بِمُصعَبٍ،وشَلَّت یَدُهُ بَعدَ ذلِکَ. (2)
کان هانئ بن ثبیت الحضرمی من قوّات عمر بن سعد.نُسب إلیه قتل عددٍ من شهداء کربلاء (3)؛منهم عبد اللّه وجعفر ابنا أمیر المؤمنین علیّ علیه السّلام. (4)کان هانئ من العشرة الذین لبّوا دعوة عمر بن سعد بعد شهادة الإمام الحسین وانتهاء الحرب،وداسوا الجثمان المطهّر للإمام علیه السّلام بحوافر خیولهم (5)،وشارکوا فی نهب ثیاب الإمام وعُدّته. (6)ولُعن صراحة فی زیارة الناحیة. (7)
قُبض علی هانئ فی ثورة المختار وهَلَک تحت حوافر خیول جیشه. (8)
2675.المزار الکبیر -فی زِیارَةِ النّاحِیَةِ-:السَّلامُ عَلی عَبدِ اللّهِ بنِ أمیرِ المُؤمِنینَ،مُبلِی البَلاءِ، وَالمُنادی بِالوَلاءِ فی عَرصَةِ کَربَلاءَ،المَضروبِ مُقبِلاً ومُدبِراً،ولَعَنَ اللّهُ قاتِلَهُ هانِئَ
ص:84
ابنَ ثُبَیْتٍ الحَضرَمِیَّ. (1)
2676.المزار الکبیر -فی زِیارَةِ النّاحِیَةِ-:السَّلامُ عَلی جَعفَرِ بنِ أمیرِ المُؤمِنینَ الصّابِرِ بِنَفسِهِ مُحتَسِباً،وَالنّائی عَنِ الأَوطانِ مُغتَرِباً،المُستَسلِمِ لِلقِتالِ،المُستَقدِمِ لِلنِّزالِ،المَکثورِ (2)بِالرِّجالِ،لَعَنَ اللّهُ قاتِلَهُ هانِئَ بنَ ثُبَیتٍ الحَضرَمِیَّ. (3)
2677.المناقب لابن شهرآشوب: سُلِبَ الحُسَینُ علیه السّلام ما کانَ عَلَیهِ،فَأَخَذَ...القَوسَ وَالحُلَلَ الرُّحَیلُ بنُ خَیثَمَةَ الجُعِفیُّ،وهانِئُ بنُ شَبیبٍ الحَضرَمِیُّ،وجَریرُ بنُ مَسعودٍ الحَضرَمِیُّ. (4)
2678.الملهوف: نادی عُمَرُ بنُ سَعدٍ فی أصحابِهِ:مَن یَنتَدِبُ لِلحُسَینِ فَیوطِئَ الخَیلَ ظَهرَهُ؟ فَانتَدَبَ مِنهُم عَشَرَةٌ،وهُم:...هانِیءَ بنُ ثُبَیتٍ الحَضرَمِیُّ واُسَیدُ بنُ مالِکٍ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَداسُوا الحُسَینَ علیه السّلام بِحَوافِرِ خَیلِهِم،حَتّی رَضّوا ظَهرَهُ وصَدرَهُ....
وهؤُلاءِ أخَذَهُمُ المُختارُ،فَشَدَّ أیدِیَهُم وأرجُلَهُم بِسِکَکِ الحَدیدِ،وأوطَأَ الخَیلَ ظُهورَهُم حَتّی هَلَکوا. (5)
2679.تاریخ دمشق عن أبی النضر الجرمی: رَأَیتُ رَجُلاً سَمجَ (6)العَمی،فَسَأَلَتُهُ عَن سَبَبِ ذَهابِ
ص:85
بَصَرِهِ،فَقالَ:کُنتُ مِمَّن حَضَرَ عَسکَرَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَلَمّا جاءَ اللَّیلُ رَقَدتُ،فَرَأَیتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فِی المَنامِ وبَینَ یَدَیهِ طَستٌ فیها دَمٌ،وریشَةٌ فِی الدَّمِ،وهُوَ یُؤتی بِأَصحابِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَیَأخُذُ الرّیشَةَ،فَیَخُطُّ بِها بَینَ أعیُنِهِم،فَاُتِیَ بی،فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،وَاللّهِ ما ضَرَبتُ بِسَیفٍ،ولا طَعَنتُ بِرُمحٍ،ولا رَمَیتُ بِسَهمٍ.
قالَ:أفَلَم تُکَثِّر عَدُوَّنا؟! فَأَدخَلَ إصبَعَهُ فِی الدَّمِ-السَّبّابَةَ وَالوُسطی-وأهوی بِهِما إلی عَینی،فَأَصبَحتُ وقَد ذَهَبَ بَصَری. (1)
2680.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی عن ابن رماح: لَقیتُ رَجُلاً مَکفوفاً قَد شَهِدَ قَتلَ الحُسَینِ علیه السّلام، فَکانَ النّاسُ یَأتونَهُ ویَسأَلونَهُ عَن سَبَبِ ذَهابِ بَصَرِهِ،فَقالَ:إنّی کُنتُ شَهِدتُ قَتلَهُ عاشِرَ عَشَرَةٍ،غَیرَ أنّی لَم أضرِب ولَم أطعَن ولَم أرمِ،فَلَمّا قُتِلَ رَجَعتُ إلی مَنزِلی، فَصَلَّیتُ العِشاءَ الآخِرَةَ ونُمتُ،فَأَتانی آتٍ فی مَنامی وقالَ لی:أجِب رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ! فَإِذاَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله جالِسٌ فِی الصَّحراءِ،حاسِرٌ عَن ذِراعَیهِ،آخِذٌ بِحَربَةٍ،ونَطعٌ (2)بَینَ یَدَیهِ، ومَلَکٌ قائِمٌ لَدَیهِ فی یَدِهِ سَیفٌ مِن نارٍ یَقتُلُ أصحابی،فَکُلَّما ضَرَبَ رَجُلاً مِنهُم ضَربَةً التَهَبَت نَفسُهُ ناراً.
فَدَنَوتُ مِنَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله وجَثَوتُ (3)بَینَ یَدَیهِ،وقُلتُ:السَّلامُ عَلَیکَ یا رَسولَ اللّهِ،فَلَم یَرُدَّ عَلَیَّ،ومَکَثَ طَویلاً مُطرِقاً،ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ،وقالَ لی:یا عَبدَ اللّهِ انتَهَکتَ حُرمَتی،وقَتَلتَ عِترَتی،ولَم تَرعَ حَقّی،وفَعَلتَ وفَعَلتَ.
ص:86
فَقُلتُ لَهُ:یا رَسولَ اللّهِ،وَاللّهِ،ما ضَرَبتُ سَیفاً،ولا طَعَنتُ رُمحاً،ولا رَمَیتُ سَهماً.
فَقالَ:صَدَقتَ،ولکِنَّکَ کَثَّرتَ السَّوادَ،اُدنُ مِنّی ! فَدَنَوتُ مِنهُ،فَإِذا طَستٌ مَملوءٌ دَماً.فَقالَ:هذا دَمُ وَلَدِی الحُسَینِ.فَکَحَّلَنی مِنهُ،فَانتَبَهتُ ولا ابصِرُ شَیئاً حَتَّی السّاعَةِ. (1)
2681.الأمالی للطوسی عن محمّد بن سلیمان: حَدَّثَنی عَمّی:لَمّا خِفنا أیّامَ الحَجّاجِ،خَرَجَ نَفَرٌ مِنّا مِنَ الکوفَةِ مُستَتِرینَ وخَرَجتُ مَعَهُم،فَصِرنا إلی کَربَلاءَ،ولَیسَ بِها مَوضِعٌ نَسکُنُهُ، فَبَنَینا کوخاً عَلی شاطِئِ الفُراتِ،وقُلنا:نَأوی إلَیهِ،فَبَینا نَحنُ فیهِ إذ جاءَنا رَجُلٌ غَریبٌ،فَقالَ:أصیرُ مَعَکُم فی هذَا الکوخ اللَّیلَةَ،فَإِنّی عابِرُ سَبیلٍ،فَأَجَبناهُ،وقُلنا:
غَریبٌ مُنقَطَعٌ بِهِ،فَلَمّا غَرَبَتِ الشَّمسُ وَأظلَمَ اللَّیلُ أشعَلنا،فَکُنّا نُشعِلُ بِالنِّفطِ،ثُمَّ جَلَسنا نَتَذاکَرُ أمرَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام ومُصیبَتَهُ وقَتلَهُ ومَن تَوَلّاهُ،فَقُلنا:ما بَقِیَ أحَدٌ مِن قَتَلَةِ الحُسَیِن علیه السّلام إلّارَماهُ اللّهُ بِبَلِیَّةٍ فی بَدَنِهِ.
فَقالَ ذلِکَ الرَّجُلُ:فَأَنَا قَد کُنتُ فیمَن قَتَلَهُ،وَاللّهِ ما أصابَنی سوءٌ،وإنَّکُم یا قَومُ تَکذِبونَ.فَأَمسَکنا عَنهُ،وقَلَّ ضَوءُ النِّفطِ،فَقامَ ذلِکَ الرَّجُلُ لِیُصلِحَ الفَتیلَةَ بِإِصبَعِهِ، فَأَخَذَتِ النّارُ کَفَّهُ،فَخَرَجَ ونادی حَتّی ألقی نَفسَهُ فِی الفُراتِ یَتَغَوَّصُ بِهِ،فَوَ اللّهِ،لَقَد رَأَیناهُ یُدخِلُ رَأسَهُ فِی الماءِ وَالنّارُ عَلی وَجهِ الماءِ،فَإِذا أخرَجَ رَأسَهُ سَرَتِ النّارُ
ص:87
إلَیهِ،فَتَغوصُهُ إلَی الماءِ،ثُمَّ یُخرِجُهُ،فَتَعودُ إلَیهِ،فَلَم یَزَل ذلِکَ دَأبَهُ حَتّی هَلَکَ. (1)
2682.ثواب الأعمال عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة: قَدِمَ عَلَینا رَجُلٌ مِن بَنی دارِمٍ مِمَّن شَهِدَ قَتلَ الحُسَینِ علیه السّلام مُسوَدَّ الوَجهِ،وکانَ رَجُلاً جَمیلاً شَدیدَ البَیاضِ،فَقُلتُ لَهُ:ما کِدتُ أعرِفُکَ لِتَغَیُّرِ لَونِکَ !
فَقالَ:قَتَلتُ رَجُلاً مِن أصحابِ الحُسَینِ أبیَضَ بَینَ عَینَیهِ أثَرُ السُّجودِ،وجِئتُ بِرَأسِهِ.
فَقالَ القاسِمُ:لَقَد رَأَیتُهُ عَلی فَرَسٍ لَهُ مَرِحاً،وقَد عَلَّقَ الرَّأسَ بِلَبانِها (2)،وهُوَ یُصیبُ رُکبَتَیها،قالَ:فَقُلتُ لِأَبی:لَو أنَّهُ رَفَعَ الرَّأسَ قَلیلاً،أما تَری ما تَصنَعُ بِهِ الفَرَسُ بِیَدَیها؟فَقالَ لی:یا بُنَیَّ ما یُصنَعُ بِهِ أشَدُّ،لَقَد حَدَّثَنی فَقالَ:ما نِمتُ لَیلَةً مُنذُ قَتَلتُهُ إلّاأتانی فی مَنامی،حَتّی یَأخُذُ بِکَتِفی،فَیَقودُنی،ویَقولُ:اِنطَلِق،فَیَنطَلِقُ بی إلی جَهَنَّمَ،فَیَقذِفُ بی فیها حَتّی اصبِحَ.
قالَ:فَسَمِعَت بِذلِکَ جارَةٌ لَهُ،فَقالَت:ما یَدَعُنا نَنامُ شَیئاً مِنَ اللَّیلِ مِن صِیاحِهِ.
قالَ:فَقُمتُ فی شَبابٍ مِنَ الحَیِّ،فَأَتَینَا امرَأَتَهُ،فَسَأَلناها،فَقالَت:قَد أبدی عَلی نَفسِهِ،قَد صَدَقَکُم. (3)
ص:88
2683.مقاتل الطالبیین عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة: رَأَیتُ رَجُلاً مِن بَنی أبانِ بنِ دارمٍ أسوَدَ الوَجهِ،وکُنتُ أعرتفُهُ جَمیلاً شَدیدَ البَیاضِ،فَقُلتُ لَهُ:ما کِدتُ أعرِفُکَ! قال:إنّی قَتَلتُ شابّاً أمرَدَ (1)مَعَ الحُسَینِ بَینَ عَینَیهِ أثَرُ السُّجودِ،فَما نِمتُ لَیلَةً مُنذُ قَتَلتُهُ إلّا أتانی فَیَأخُذُ بِتَلابیبی حَتّی یَأتِیَ جَهَنَّمَ فَیَدفَعَنی فیها،فَأَصیحَ فَما یَبقی [ أحَدٌ ] فِی الحَیِّ إلّاسَمِعَ صِیاحی.
قالَ:وَالمَقتولُ العَبّاسُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام (2). (3)
2684.تاریخ الطبری عن سعد بن عبیدة: انطَلَقَ غُلامانِ مِنهُم-لِعَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ،أوِ ابنِ ابنِ جَعفَرٍ-فَأَتَیا رَجُلاً مِن طَیِّئٍ،فَلَجَآ إلَیهِ،فَضَرَبَ أعناقَهُما،وجاءَ بِرُؤوسِهِما حَتّی وَضَعَهُما بَینَ یَدَیِ ابنِ زِیادٍ؛قالَ:فَهَمَّ بِضَربِ عُنُقِهِ،وأمَرَ بِدارِهِ،فَهُدِّمَت. (4)
ص:89
2685.الأمالی للصدوق عن أبی محمّد شیخ لأهل الکوفة: لَمّا قُتِلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،اُسِرَ مِن مُعَسکَرِهِ غُلامانِ صَغیرانِ،فَاُتِیَ بِهِما عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ،فَدَعا سَجّاناً لَهُ،فَقالَ:خُذ هذَینِ الُغلامَینِ إلَیکَ...[ثُمَّ ذَکَرَ کَلاماً طَویلاً یَتَضَمَّنُ إخراجَ السَّجّانِ لَهُما،وقِیامَ رَجُلٍ فاسِقٍ مِن أتباعِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ بِقَتلِهِما،ومَجیئِهِ بِرَأسَیهِما إلی عُبَیدِ اللّهِ،إلی أن قالَ:] قالَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ:فَإِنَّ أحکَمَ الحاکِمینَ قَد حَکَمَ بَینَکُم،مَن لِلفاسِقِ؟ قالَ:فَانتَدَبَ لَهُ رَجُلٌ مِن أهلِ الشّامِ،فَقالَ:أنَا لَهُ.قالَ:فَانطَلِق بِهِ إلَی المَوضِعِ الَّذی قَتَلَ فیهِ الغُلامَینِ،فَاضرِب عُنُقَهُ،ولا تَترُک أن یَختَلِطَ دَمُهُ بِدَمِهِما،وعَجِّل بِرَأسِهِ.
فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذلِکَ،وجاءَ بِرَأسِهِ،فَنَصَبَهُ عَلی قَناةٍ،فَجَعَلَ الصِّبیانُ یَرمونَهُ بِالنَّبلِ وَالحِجارَةِ،وهُم یَقولونَ:هذا قاتِلُ ذُرِّیَّةِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله. (1)
راجع:ج 5 ص 177 (القسم التاسع/الفصل السادس/استشهاد غلامین من أهل البیت علیهم السّلام ).
2686.الأمالی للطوسی عن الحسن بن عطیّة: سَمِعتُ جَدّی أبا امّی بَزیعاً،قالَ:کُنّا نَمُرُّ ونَحنُ غِلمانٌ زَمَنَ خالِدٍ،عَلی رَجُلٍ فِی الطَّریقِ جالِسٍ،أبیَضِ الجَسَدِ أسوَدِ الوَجهِ،وکانَ النّاسُ یَقولونَ:خَرَجَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام. (2)
ص:90
2687.الملهوف: رَوَی ابنُ لَهیعَةَ وغَیرُهُ حَدیثاً أخَذنا مِنهُ مَوضِعَ الحاجَةِ،قالَ:کُنتُ أطوفُ بِالبَیتِ،فَإِذا أنَا بِرَجُلٍ یَقولُ:اللّهُمَّ اغفِر لی وما أراکَ فاعِلاً !
فَقُلتُ لَهُ:یا عَبدَ اللّهِ،اتَّقِ اللّهَ،ولا تَقُل مِثلَ هذا،فَإِنَّ ذُنوبَکَ لَو کانَت مِثلَ قَطرِ الأَمصارِ ووَرَقِ الأَشجارِ،فَاستَغفَرتَ اللّهَ،غَفَرَها لَکَ إنَّهُ غَفورٌ رَحیمٌ.
قالَ:فَقالَ لی:اُدنُ مِنّی حَتّی اخبِرَکَ بِقِصَّتی،فَأَتَیتُهُ فَقالَ:اِعلَم أنَّنا کُنّا خَمسینَ نَفَراً مِمَّن سارَ مَعَ رَأسِ الحُسَینِ علیه السّلام إلَی الشّامِ،فَکُنّا إذا أمسَینا وَضَعنَا الرَّأسَ فی تابوتٍ وشَرِبنَا الخَمرَ حَولَ التّابوتِ،فَشَرِبَ أصحابی لَیلَةً حَتّی سَکِروا،ولَم أشرَب مَعَهُم،فَلَمّا جَنَّ اللَّیلُ سَمِعتُ رَعداً،ورَأَیتُ بَرقاً،فَإِذا أبوابُ السَّماءِ قَد فُتِحَت، ونَزَلَ آدَمُ ونوحٌ وإبراهیمُ وإسحاقُ وإسماعیلُ ونَبِیُّنا مُحَمَّدٌ صَلَّی اللّهُ عَلَیهِ وآلِهِ وعَلَیهِم أجَمعینَ،ومَعَهُم جَبرَئیلُ وخَلقٌ مِنَ المَلائِکَةِ.
فَدَنا جَبرَئیلُ مِنَ التّابوتِ،فَأَخرَجَ الرَّأسَ وضَمَّهُ إلی نَفسِهِ وقَبَّلَهُ،ثُمَّ کَذلِکَ فَعَلَ الأَنبِیاءُ کُلُّهُم،وبَکَی النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله عَلی رَأسِ الحُسَینِ علیه السّلام،وعَزّاهُ الأَنبِیاءُ،وقالَ لَهُ جَبرَئیلُ علیه السّلام:یا مُحَمَّدُ،إنَّ اللّهَ تَعالی أمَرَنی أن اطیعَکَ فی امَّتِکَ،فَإِن أمَرتَنی زَلزَلتُ الأَرضَ بِهِم،وجَعَلتُ عالِیَها سافِلَها کَما فَعَلتُ بِقَومِ لوطٍ.
فَقالَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله:لا یا جَبرَئیلُ،فَإِنَّ لَهُم مَعی مَوقِفاً بَینَ یَدَیِ اللّهِ یَومَ القِیامَةِ.
ثُمَّ جاءَ المَلائِکَةُ نَحوَنا لِیَقتُلونا،فَقُلتُ:الأَمانَ یا رَسولَ اللّهِ،فَقالَ:اِذهَب فَلا غَفَرَ اللّهُ لَکَ. (1)
ص:91
2688.تاریخ دمشق عن الفضل بن الزبیر: کُنتُ جالِساً عِندَ شَخصٍ،فَأَقبَلَ رَجُلٌ فَجَلَسَ إلَیهِ، رائِحَتُهُ رائِحَةُ القَطِرانِ (1)،فَقالَ لَهُ:یا هذا،أتَبیعُ القَطِرانَ؟قالَ:ما بِعتُهُ قَطُّ،قالَ:فَما هذِهِ الرّائِحَةُ؟
قالَ:کُنتُ مِمَّن شَهِدَ عَسکَرَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،وکُنتُ أبیعُهُم أوتادَ الحَدیدِ،فَلَمّا جَنَّ عَلَیَّ اللَّیلُ رَقَدتُ،فَرَأَیتُ فی نَومی رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ومَعَهُ عَلِیٌّ،وعَلِیٌّ یَسقِی القَتلی مِن أصحابِ الحُسَینِ،فَقُلتُ لَهُ:اِسقِنی،فَأَبی،فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،مُرهُ یَسقینی.
فَقالَ:ألَستَ مِمَّن عاوَنَ عَلَینا؟فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،وَاللّهِ،ما ضَرَبتُ بِسَیفٍ،ولا طَعَنتُ بِرُمحٍ،ولا رَمَیتُ بِسَهمٍ،ولکِنّی کُنتُ أبیعُهُم أوتادَ الحَدیدِ،فَقالَ:یا عَلِیُّ، اسقِهِ،فَناوَلَنی قَعباً مَملوءاً قَطِراناً،فَشَرِبتُ مِنهُ قَطِراناً،ولَم أزَل أبولُ القَطِرانَ أیّاماً، ثُمَّ انقَطَعَ ذلِکَ البَولُ عَنّی،وبَقِیَتِ الرّائِحَةُ فی جِسمی. (2)
2689.تاریخ الطبری عن حمید بن مسلم: قاتَلَ [حَبیبٌ] قِتالاً شَدیداً،فَحَمَلَ عَلَیهِ رَجُلٌ مِن بَنی تَمیمٍ،فَضَرَبَهُ [حَبیبٌ] بِالسَّیفِ عَلی رَأسِهِ،فَقَتَلَهُ...وحَمَلَ عَلَیهِ آخَرُ مِن بَنی تَمیمٍ،
ص:92
فَطَعَنَهُ فَوَقَعَ،فَذَهَبَ لِیَقومَ،فَضَرَبَهُ الحُصَینُ بنُ تَمیمٍ عَلی رَأسِهِ بِالسَّیفِ فَوَقَعَ،ونَزَلَ إلَیهِ التَّمیمِیُّ،فَاحتَزَّ رَأسَهُ،فَقالَ لَهُ الحُصَینُ:إنّی لَشَریکُکَ فی قَتلِهِ،فَقالَ الآخَرُ:
وَاللّهِ،ما قَتَلَهُ غَیری...فَلَمّا رَجَعوا إلَی الکوفَةِ أخَذَ الآخَرُ رَأسَ حَبیبٍ،فَعَلَّقَهُ فی لَبانِ فَرَسِهِ،ثُمَّ أقبَلَ بِهِ إلَی ابنِ زِیادٍ فِی القَصرِ،فَبَصُرَ بِهِ ابنُهُ القاسِمُ بنُ حَبیبٍ،وهُوَ یَومَئِذٍ قَد راهَقَ،فَأَقبَلَ مَعَ الفارِسِ لا یُفارِقُهُ،کُلَّما دَخَلَ القَصرَ دَخَلَ مَعَهُ،وإذا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُ،فَارتابَ بِهِ،فَقالَ:ما لَکَ یا بُنَیَّ تَتبَعُنی؟قالَ:لا شَیءَ،قالَ:بَلی، یا بُنَیَّ! أخبِرنی.
قالَ لَهُ:إنَّ هذَا الرَّأسَ الَّذی مَعَکَ رَأسُ أبی،أفَتُعطینیهِ حَتّی أدفِنَهُ؟
قالَ:یا بُنَیَّ ! لا یَرضَی الأَمیرُ أن یُدفَنَ،وأنَا اریدُ أن یُثیبَنِی الأَمیرُ عَلی قَتلِهِ ثَواباً حَسَناً.
قالَ لَهُ الغُلامُ:لکِنَّ اللّهَ لا یُثیبُکَ عَلی ذلِکَ إلّاأسوَأَ الثَّوابِ،أما وَاللّهِ،لقَدَ قَتَلتَ خَیراً مِنکَ،وبَکی.
فَمَکَثَ الغُلامُ حَتّی إذا أدرَکَ،لَم یَکُن لَهُ هِمَّةٌ إلَّااتِّباعُ أثَرِ قاتِلِ أبیهِ،لِیَجِدَ مِنهُ غِرَّةً (1)،فَیَقتُلَهُ بِأَبیهِ.
فَلَمّا کانَ زَمانُ مُصعَبِ بنِ الزُّبَیرِ،وغَزا مُصعَبٌ باجُمَیری (2)،دَخَلَ عَسکَرَ مُصعَبٍ،فَإِذا قاتِلُ أبیهِ فی فُسطاطِهِ،فَأَقبَلَ یَختَلِفُ فی طَلَبِهِ وَالتِماسِ غِرَّتِهِ،فَدَخَلَ عَلَیهِ وهُوَ قائِلٌ نِصفَ النَّهارِ،فَضَرَبَهُ بِسَیفِهِ حَتّی بَرَدَ. (3)
ص:93
ص:94
من المسائل المهمّة جدّاً والقابلة للتأمّل فی واقعة عاشوراء،والتی تعتبر عامل اعتبار للجمیع وخاصّة للظالمین والمجرمین علی طول التاریخ،هی مصیر وعاقبة من قاتل الإمام الحسین علیه السّلام أو خذله أمام العدوّ ولم ینصره،فإنّهم لا یعاقبون علی قدر جرمهم فی الآخرة وحسب،بل سیلقون بعض جزائهم فی هذا العالم أیضاً.
کان النبیّ صلّی اللّه علیه و آله یتنبّأ بهذه الحادثة الألیمة قبل وقوعها بسنین،واستناداً إلی روایة،فإنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و آله دعا علی من حارب الإمام الحسین علیه السّلام أو لم ینصره،بقوله:
اللّهُمَّ اخذُل مَن خَذَلَهُ،وَاقتُل مَن قَتَلَهُ،وَاذبَح مَن ذَبَحَهُ،ولا تُمَتِّعهُ بِما طَلَبَ. (1)
وروی عنه فی حدیث آخر:
یُقتَلُ ابنِیَ الحُسَینُ بِظَهرِ الکوفَةِ،الوَیلُ لِقاتِلِهِ،وخاذِلِهِ،وتارِکِ نُصرَتِهِ. (2)
لقد استجیب دعاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله علی من کان له دور فی فاجعة کربلاء الدمویّة،سواء من حارب الإمام الحسین علیه السّلام وجهاً لوجه،أو شارک فی هذه الحادثة الألیمة بشکل غیر مباشر
ص:95
عبر الامتناع عن نصرته علیه السّلام،ونالوا جزاءهم.
لقد تسبّبت الموجة الاُولی لحادثة عاشوراء إلی زوال حکم آل أبی سفیان،وذلک بعد مرور ثلاثة أعوام علیها فقط،وکان دور هذه الفاجعة فی افول قدرة هذه الاُسرة واضحاً إلی درجة بحیث إنّ عبد الملک بن مروان رغم أنّه ورث الحکم منهم،اعترف بهذه الحقیقة رسمیّاً بعد تسلّطه علی زمام الاُمور،وکتب إلی الحجّاج بن یوسف:
جنّبنی دماء بنی عبد المطّلب،فلیس فیها شِفاء من الحَرَب.وإنّی رأیتُ بنی حرب سُلبوا ملکهم لمّا قتلوا الحسین بن علیّ. (1)
روی عبد اللّه بن بدر الخطمی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله:
مَن أحَبَّ أن یُبارَکَ فی أجَلِهِ،وأن یُمَتَّعَ بِما خَوَّلَهُ اللّهُ تَعالی،فَلیَخلُفنی فی أهلی خِلافَةً حَسَنَةً،ومَن لَم یَخلُفنی فیهِم بُتِکَ (2)عُمُرُهُ،ووَرَدَ عَلَیَّ یَومَ القِیامَةِ مُسوَدّاً وَجهُهُ.
قال:فکان کما قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله،فإنّ یزید بن معاویة لم یخلفه فی أهله خلافة حسنة،فبتک عمرهُ،وما بقی بعد الحسین علیه السّلام إلّاقلیلاً،وکذلک عبید اللّه بن زیاد لعنهما اللّه. (3)
هلک یزید وهو فی الثامنة والثلاثین من عمره،وقُتل ابن زیاد وهو فی السابعة والثلاثین، واستناداً لروایات معتبرة فقد اصیب الکثیر من المجرمین والجناة فی کربلاء بالأمراض الخطیرة،مثل:الجنون والجذام والبرص،حیث یقول عبد الرحمن الغنوی:
ص:96
ما بقی أحد ممّن تابعه [یزید ] علی قتله،أو کان فی محاربته [الحسین علیه السّلام ] إلّا أصابه جنون،أو جذام،أو برص،وصار ذلک وراثة فی نسلهم. (1)
کما نقل القاضی النعمان استناداً للروایات العدیدة:
ما نجا أحد ممّن قتل الحسین علیه السّلام من القتل فمات،حتّی رُمی بداءٍ فی جسده . (2)
کما یطالعنا فی روایة ابن حجر:
إنّ جمعاً تذاکروا أنّه ما من أحد أعان علی قتل الحسین،إلّاأصابه بلاء قبل أن یموت. (3)
لم یبق ممّن قتله [الحسینَ علیه السّلام ] إلّامن عوقب فی الدنیا؛إمّا بقتلٍ،أو عمیً،أو سوادِ الوجه،أو زوالِ الملک فی مدّة یسیرة . (4)
ویصرّح ابن کثیر بأنّ أغلب الروایات التی تشیر إلی المصیر المشؤوم لمسبّبی فاجعة کربلاء صحیحة،وهذا نصّ کلامه:
أمّا ما روی من الأحادیث والفتن التی أصابت من قتَله [الحسینَ علیه السّلام ] فأکثرُها صحیح،فإنّه قلّ من نجا من اولئک الذین قتلوه من آفة وعاهة فی الدنیا،فلم یخرج منها حتّی اصیب بمرض،وأکثرهم أصابهم الجنون . (5)
لمّا ثار المختار القی القبض علی الکثیر ممّن کان لهم دورٌ فی فاجعة کربلاء وتمّ إعدامهم بعد ذلک،حیث یقول الیعقوبی فی هذا الصدد:
ص:97
تتبّع المختار قتلة الحسین،فقتل منهم خلقاً عظیماً حتّی لم یبقَ منهم کثیر أحد . (1)
واستناداً إلی روایة وردت فی بحار الأنوار،فإنّ المختار قتل طوال حکمه للکوفة -والذی استمرّ ثمانیة عشر شهراً-ثمانیة عشر ألفاً ممّن اشترک فی قتل الإمام الحسین وأصحابه. (2)إلّاأنّ فی هذه الروایة مبالغة کبیرة.کما أنّ الروایات التی جاءت فی بعض المصادر التاریخیّة،والتی وردت فیها کیفیّة عقوبة عدد من المجرمین علی یدیه بشکل غیر جائز فی الإسلام؛مثل:المُثلة،وإلقاء الشخص فی الزیت الساخن،مبالغ فیها أیضاً.ومن المحتمل أنّها اختُلقت من قِبَل أعداء المختار من أجل تشویه سمعة ثورته،أو اختُلقت من قِبَل مریدیه من أجل إیجاد الخوف والرعب فی قلوب الأعداء.
لم یکن الذین لهم دور مباشر فی فاجعة کربلاء قد لقوا الجزاء الطبیعی لأعمالهم القبیحة قبل جزاء الآخرة فحسب،بل إنّ الذین کان لهم تأثیر غیر مباشر فی هذه الفاجعة عبر امتناعهم عن نصرة الإمام الحسین علیه السّلام،قد لقوا عقوباتهم الدنیویّة بنحوٍ آخر أیضاً.نعم،تاب بعضهم فتمخّضت عن ذلک نهضة التوّابین،وقُتلوا فی هذا الطریق.وابتُلی بعضهم بتسلّط الحکم الاستبدادی للحجّاج بن یوسف،الحکم الذی کان قد تنبّأ به الإمام علیّ علیه السّلام بخصوص من امتنع عن نصرته،کما جاء فی نهج البلاغة،حیث خاطبهم الإمام علیه السّلام قائلاً:
أما وَاللّهِ،لَیُسَلَّطَنَّ عَلَیکُم غُلامُ ثَقیفٍ الذَّیّالُ المَیّالُ،یَأکُلُ خَضِرَتَکُم،ویُذیبُ شَحمَتَکُم،إیهٍ أبا وَذحَةَ (3). (4)
ص:98
نعم،إنّ الذین امتنعوا عن نصرة الإمام علیّ علیه السّلام والإمام الحسن علیه السّلام والإمام الحسین علیه السّلام، خلیقون بأن یتسلّط علی رقابهم الحجّاج بن یوسف !
لقد تحقّق تنبّؤ الإمام علیّ علیه السّلام سنة 75 ه؛أی بعد مرور 14 عاماً علی فاجعة کربلاء، حیث قتل الحجّاج طیلة فترة إمارته 120 ألف نفر (1)،وسجن 80 ألف نفر؛کان 30 ألفٍ منهم نساءً. (2)
إنّ الروایات الواردة بشأن شدّة الجزاء الذی سیلقاه قاتلو الإمام الحسین علیه السّلام وأصحابه کثیرة، نکتفی هنا بذکر بعض النماذج:
روی الشیخ الصدوق عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله أنّه قال:
إنَّ فِی النّارِ مَنزِلَةً لَم یَکُن یَستَحِقُّها أحَدٌ مِنَ النّاسِ إلّابِقَتلِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِما ویَحیَی بنِ زَکَرِیّا علیهما السّلام . (3)
کما ورد عن الإمام زین العابدین علیه السّلام ضمن روایة مفصّلة فی تبیین فضیلة کربلاء وزیارة الإمام الحسین علیه السّلام،أنّ اللّه تعالی یقول:
وعِزَّتی وجَلالی،لَاُعَذِّبَنَّ مَن وَتَرَ رَسولی وصَفِیّی،وَانتَهَکَ حُرمَتَهُ،وقَتَلَ عِترَتَهُ، ونَبَذَ عَهدَهُ،وظَلَمَ أهلَ بَیتِهِ،عَذاباً لا اعَذِّبُهُ أحَداً مِنَ العالَمینَ . (4)
ص:99
وروی ابن عساکر عن جابر بن عبد اللّه،أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله لعن قاتل الإمام الحسین علیه السّلام ودعا علیه،قال جابر:فقلت:یا رسول اللّه ومن قاتله؟قال:
رَجُلٌ مِن امَّتی یُبغِضُ عِترَتی،لا تَنالَهُ شَفاعَتی،کَأَنَّ بِنَفسِهِ بَینَ أطباقِ النّیرانِ یَرسبُ تارَةً ویَطفو اخری،وإنَّ جَوفَهُ لَیقولُ:غقّ (1)غقّ . (2)
ص:100
ص:101
ص:102
تعدّ شعائر العزاء من العناصر الأصلیة والأساسیة فی دراسة الثقافة الحسینیة،بحیث لا یمکن تجاهل دورها الإیجابی فی التغییرات الثقافیة الشیعیة.وإلی جانب تلک المکانة السامیة والمؤثّرة اقترنت مراسم العزاء بتساؤلات وآفات وخاصّة فی عصرنا الحالی، ولذلک سوف نحاول تقدیم تحلیلٍ شاملٍ یتناول شعائر العزاء من خلال الاستخلاص والاستنتاج من الروایات المذکورة فی هذا الباب؛کی تتمّ الإجابة علی التساؤلات والشبهات فی معرض تسلیط الضوء علی مکانتها.
ومن أجل أن نتناول جمیع جوانب مراسم العزاء ونتتبّعها بشکلٍ شامل،فإنّنا سوف نستعرض المواضیع ضمن أربعة محاور:
1.منزلة مراسم العزاء ومکانتها فی کلام الأئمّة وسیرتهم.
2.فلسفة وأدلّة إقامة العزاء.
3.آفات إقامة العزاء.
4.خصائص مجالس العزاء الهادفة.
ص:103
استناداً إلی روایات هذا القسم،فإنّ أهل بیت الرسالة دعَوا إلی إقامة العزاء علی سیّد الشهداء وأصحابه،وقراءة المراثی والبکاء لما حلّ بهم،وخاصّة فی العشرة الاُولی من المحرّم،وبالأخصّ فی یوم عاشوراء.
وفی الحقیقة فإنّ إقامة العزاء علی سیّد الشهداء هو تعبیر عن حبّ أهل بیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله الذین أوجب القرآن مودّتهم:
«قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی» . (1)
وإقامة العزاء علی سیّد الشهداء هو تعبیر عن المواساة فی أکبر المصائب التی حلّت بأهل البیت علیهم السّلام،بل حلّت علی الإسلام فی الحقیقة.
فقد روی الشیخ الصدوق عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال:
... رَحِمَ اللّهُ شیعَتَنا،شیعَتُنا-وَاللّهِ-هُمُ المُؤمِنونَ،فَقَد-وَاللّهِ-شَرِکونا فِی المُصیبَةِ بِطولِ الحُزنِ وَالحَسرَةِ. (2)
وفی روایة اخری عنه علیه السّلام:
... وَارحَم تِلکَ الأَعیُنَ الَّتی جَرَت دُموعُها رَحمَةً لَنا،وَارحَم تِلکَ القُلوبَ الَّتی جَزِعَت وَاحتَرَقَت لَنا،وَارحَمِ الصَّرخَةَ الَّتی کانَت لَنا. (3)
ص:104
وإقامة العزاء علی سیّد الشهداء هو أحد أوضح مصادیق تعظیم الشعائر الإلهیّة، وأمارات تقوی القلوب. (1)
ومن المؤکّد أنّ من أهمّ ممیّزات المجتمع الشیعی،هی امتلاکهم الینبوع الحسینی المفعم بالنور والقیم المعنویة،حیث جری هذا الینبوع المتدفّق منذ الیوم الأوّل الذی طُرح فیه موضوع ذکر مصیبة سیّد الشهداء وأصحابه،وما یزال جاریاً إلی الیوم،وسوف یستمرّ جریانه فیما بعد أیضاً.
وقد أکّد أئمّة أهل البیت علیهم السّلام علی أهمّیة إقامة العزاء علی سیّد الشهداء علیه السّلام،وإحیاء هذه المراسم بأنحاءٍ مختلفة،فبالإضافة إلی التأکیدات القولیة المباشرة،أکّدوا علیها بأشکالٍ اخری أیضاً،وفیما یلی نشیر إلی بعضها:
استناداً إلی الروایات التی ستأتی فی الفصل الرابع من هذا القسم،فإنّ اللّه تعالی هو أوّل من رثی سیّد الشهداء قبل حادثة کربلاء،حیث أنبأ آدمَ أبا البشر (2)وإبراهیمَ الخلیل (3)وخاتمَ الأنبیاء (4)بالمصائب التی ستحلّ علی سیّد الشهداء علیه السّلام؛فبکوا لها.
کما أشار عیسی علیه السّلام إلی مصیبة الحسین علیه السّلام عند مروره بکربلاء وبکی لمصائبه مع حوارییّه. (5)
وأشار رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله وأمیر المؤمنین علیه السّلام مراراً إلی أحداث کربلاء الدامیة،وأراقا الدموع
ص:105
مع فاطمة الزهراء علیها السّلام علی فلذة أکبادهم. (1)
أوّل من رثی سیّد الشهداء وأصحابه بعد حادثة عاشوراء هو ابنه الإمام زین العابدین علیه السّلام، واُخته الفاضلة زینب الکبری،وبنتا الإمام (امّ کلثوم وفاطمة الصغری)،وزوجته الرباب، حیث واصلوا طریق سیّد الشهداء بمراثیهم الهادفة فی کربلاء والکوفة والشام. (2)
وأمّا فی المدینة،فقد کانت امّ سلمة زوجة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله،أوّل من رثی الإمام الحسین علیه السّلام بعد شهادته.یقول الیعقوبی فی هذا المجال:
کانَ أوَّلُ صارِخَةٍ صَرَخَت فِی المَدینَةِ امَّ سَلَمَةَ زَوجَ رَسولِ اللّهِ.
وکان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله قد أعطی امّ سلمة قارورة فیها شیء من التراب وقال لها:
إذا صارَت دَماً عَبیطاً فَاعلَمی أنَّ الحُسَینَ قَد قُتِلَ.
وفی یوم عاشوراء سنة 61 تحوّل ذلک التراب إلی دمٍ عبیط،فصرخت امّ سلمة قائلة:
وَا حُسَیناه! وا ابنَ رَسولِ اللّهِ!
وقد کان عویل امّ سلمة وصراخها ورثاؤها للإمام الحسین بشکل بحیث عمّ العزاء المدینة برمّتها:
وتَصارَخَتِ النِّساءُ مِن کُلِّ ناحِیَةٍ،حَتَّی ارتَفَعَتِ المَدینَةُ بِالرَّجَّةِ الَّتی ما سُمِعَ بِمِثلِها قَطُّ. (3)
ص:106
وسمّی عام 61 للهجرة بعام الحزن (1).وتفید روایة دعائم الإسلام عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّ المراثی کانت تُنشد علی الإمام الحسین علیه السّلام ثلاث سنوات برمّتها بعد حادثة عاشوراء. (2)کما تفید روایة اخری عن الإمام الصادق علیه السّلام بأنّ أهل البیت لم یخرجوا من حالة العزاء منذ استشهاده علیه السّلام حتی هلاک ابن زیاد:
مَا اختَضَبَت مِنَّا امرَأَةٌ،ولَا ادَّهَنَت،ولَا اکتَحَلَت،ولا رَجَّلَت،حَتّی أتانا رَأسُ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،وما زِلنا فی عَبرَةٍ بَعدَهُ. (3)
أوّل من لبس السواد فی عزاء الإمام الحسین علیه السّلام هو امّ سلمة رضی الله عنه زوج النبیّ صلّی اللّه علیه و آله،ونساء بنی هاشم. (4)
وهذا السلوک له دلالة علی أنّ لبس السواد کان له جذور فی السنّة النبویة (5)وإنّه کان لباس الحزن منذ العصور السابقة أیضاً،ولهذا اختار أبو مسلم فی بدایة ثورته اللباس الأسود؛بهدف الاستغلال الإعلامی ضدّ دولة بنی امیّة،بحیث عُرِفوا فی التارخ بالمسوّدة، حیث کانوا یقولون:
هذا السواد حدادُ آلِ محمّد،وشهداء کربلاء وزیدٍ،ویحیی. (6)
وتعدّ الملابس السوداء فی عصرنا الحاضر أیضاً علامة العزاء بین أتباع أهل
ص:107
البیت علیهم السّلام. (1)
تؤکّد روایات الفصل الثانی من هذا القسم علی مواصلة ذکر سیّد الشهداء،فقد جاء فی روایةٍ عن الإمام الصادق علیه السّلام:
قُلْ:«صَلَّی اللّهُ عَلَیکَ یا أبا عَبدِ اللّهِ»تُعیدُ ذلِکَ ثَلاثَاً،فَإنَّ السَّلامَ یَصِلُ إلَیهِ مِن قَریبٍ ومِن بَعیدٍ. (2)
کما أوصی بذکره علیه السّلام عند شرب الماء:
وما مِن عَبدٍ شَرِبَ الماءَ فَذَکَرَ الحُسَینَ علیه السّلام وأهلَ بَیتِهِ ولَعَنَ قاتِلَهُ،إلّاکَتَبَ اللّهُ عز و جل لَهُ مِئَةَ ألفِ حَسَنَةٍ،وحَطَّ عَنهُ مِئَةَ ألفِ سَیِّئَةٍ،ورَفَعَ لَهُ مِئَةَ ألفِ دَرَجَةٍ. (3)
ونظراً لحاجة الإنسان المتکرّرة یومیاً إلی شرب الماء،فإنّ الوصیّة بالسلام علیه ولعن قاتلیه عند شرب الماء،تعنی أنّ علی أتباع أهل البیت علیهم السّلام ألّاینسوا حادثة کربلاء أبداً،وأن یُخلّدوا فی التاریخ ذکری مقارعة الظلم والظالم،والشهادة الألیمة للسلالة الطاهرة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فی هذا الطریق.
الإسلامی،والبشارة بالثواب العظیم علی الإبکاء والبکاء لهذه المصیبة الکبری، (1)والتأکید علی أهمّیة العزاء فی العشرة الاُولی من محرّم (2)وخاصّةً فی یوم عاشوراء (3)والواردة بشکلٍ مفصّل فی فصول هذا القسم المختلفة؛کلّ ذلک یدلّ بوضوح علی حقیقة وهی:أنّ إقامة العزاء علی سیّد الشهداء وأصحابه،یهدف إلی تحقیق هدف عظیم،وما لم یتحقّق ذلک الهدف فلابدّ أن تستمرّ سنّة إقامة العزاء بین أتباع أهل البیت.
وبناءً علی ذلک فإنّ الموضوع المهمّ هو الکشف عن هدف استمرار إقامة العزاء لسیّد الشهداء وحکمته وضرورته.
ص:109
تعدّ معرفة فلسفة إقامة شعائر العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام الخطوة الاُولی فی طریق تأمین الأهداف السامیة لهذه السنّة المهمّة والمصیریّة لأتباع أهل البیت علیهم السّلام؛ذلک لأنّ إقامة العزاء مع الجهل بفلسفتها هی لیست فاقدة للقیمة فحسب،بل ربّما تضرّ بالأهداف الرئیسة لهذه الحرکة القیّمة،فقد جاء فی روایةٍ عن الإمام علیّ علیه السّلام یوصی فیها کمیل بن زیاد:
ما مِن حَرَکَةٍ إلّاوأنتَ مُحتاجٌ فیها إلی مَعرِفَةٍ. (1)
وقد یقال فی الإجابة علی السؤال عن فلسفة إقامة العزاء:إنّ حبّ أهل بیت الرسالة واجبٌ حسب النصّ الصریح والواضح للقرآن الکریم (2)،وبناءً علی ذلک یمکن القول:إنّ فلسفة البکاء علی الإمام الحسین علیه السّلام وإقامة العزاء علیه بسبب ما جری علیه من المصائب، هی التعبیر عن الولاء للنبیّ صلّی اللّه علیه و آله وأهل بیته الأطهار علیهم السّلام.
ولا شکّ فی أنّ إظهار الحُبّ لأهل بیت النبیّ صلّی اللّه علیه و آله عن طریق إقامة مراسم العزاء علی سیّد الشهداء هو أمرٌ مستحسن ومن باب تعظیم الشعائر الإلهیة کما سبقت الإشارة إلیه،إلّاأنّ التأمّل فی الروایات التی توصی وتؤکّد علی إقامة المآتم علی سیّد الشهداء یستوجب أن یکون لإقامة العزاء فلسفةٌ تتجاوز بکثیرٍ مجرّد إظهار المحبّة لأهل البیت علیهم السّلام.
بل إنّ السیّد ابن طاووس یری أنّه لو لم یکن امتثال أمر الکتاب والسنّة واجباً أیضاً
ص:110
للزم إظهار الحب لأهل البیت علیهم السّلام وإظهار السرور والفرح؛وذلک بسبب المنزلة السامیة التی بلغها الإمام الحسین علیه السّلام وأصحابه بسبب الشهادة،وهذا هو نصّ کلامه:
ولولا امتثال أمر السنّة والکتاب فی لبس شعار الجزع والمصاب،لأجل ما طُمس من أعلام الهدایة،واُسّس من أرکان الغوایة،وتأسّفاً علی ما فاتنا من تلک السعادة،وتلهّفاً علی أمثال تلک الشهادة،وإلّا کنّا قد لبسنا لتلک النعمة الکبری أثواب المسرّة والبشری.وحیث إنّ فی الجزع رضیً لسلطان المعاد،وغرضاً لأبرار العباد،فها نحن قد لبسنا سربال الجزوع،وآنسنا بإرسال الدموع،وقلنا للعیون:جودی بتواتر البکاء،وللقلوب:جدّی جدَّ ثواکل النساء. (1)
وبناءً علی ذلک،یجب أن نعرف السرّ فی کلِّ هذا التأکید علی إقامة العزاء والبکاء علی أبی عبداللّه علیه السّلام.
وعلی أیّ حال،فأیاً کان سبب شهادته،فهو بعینه فلسفة إقامة العزاء علیه أیضاً.
أهمّ سبب لثورة الإمام الحسین علیه السّلام وشهادته هو اجتثاث الجهل،کما روت ذلک الکثیر من المصادر المعتبرة عن الإمام الصادق علیه السّلام،حیث یقول فی هذا المجال:
...وبَذَلَ مُهجَتَهُ فیکَ لِیَستَنقِذَ عِبادَکَ مِنَ الجَهالَةِ وحَیرَةِ الضَّلالَةِ. (2)
ویتلخّص کلّ ما قیل فی بیان فلسفة ثورة الإمام الحسین علیه السّلام وشهادته (3)،فی هذه العبارة:
«اجتثاث الجهل».
إنّ إزالة الجهل واجتثاثه لیس هو فلسفة ثورة سیّد الشهداء فحسب،بل إنّه یمثل فلسفة
ص:111
بعثة خاتم الأنبیاء ونزول القرآن:
«کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ». 1
وهی نفسها فلسفة بعثة الأنبیاء السابقین (1):
«وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسی بِآیاتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَکَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ» . (2)
وفی الحقیقة فإنّ«الجهل»هو أصل کلِّ مصائب المجتمع البشری ومفاسده،کما جاء فی روایة عن الإمام علیّ علیه السّلام.
الجَهلُ أصلُ کُلِّ شَرٍّ. (3)
وعلی هذا الأساس فإنّ أهمّ رسالةٍ للأنبیاء والأولیاء هی اجتثاث جذور مرض الجهل من المجتمع،فما لم یتمّ علاج هذا المرض لا یمکن أن نتوقّع أن تسود المجتمع القیم الدینیة.
وقد أهدی الإمام الحسین علیه السّلام بدوره دَمه الطاهرَ فی سبیل تحقیق هذه الغایة السامیة، وبذلک فإنّ محو الجهل من المجتمع المسلم هی أهمّ حکمة تکمن وراء إحیاء مدرسة الشهادة بواسطة إقامة شعائر العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام،ولابدّ من استمرار هذه المدرسة حتّی علاج هذا المرض الاجتماعی الخطیر بشکل کامل،والسیادة المطلقة للقیم الإسلامیة فی العالم.
ص:112
تشکّلُ معرفةُ الآفات التی تهدّد الهدف الأساسیّ لإقامة العزاء علی سیّد الشهداء وفلسفتها، أهمّ خطوة فی طریق تحقیق الأهداف القیّمة لهذا البرنامج البنّاء الذی وضعه أهلُ البیت علیهم السّلام، ولذلک فإنّنا سنستعرض هذا الموضوع بتفصیل أکثر فی هذه الموسوعة.
إنّ دور ثقافة عاشوراء الأصیلة فی اجتثاث الجهل من المجتمعات الإسلامیة وتهیئة الأرضیة المناسبة للحکومة الإسلامیة العالمیة،دفع أعداء الإسلام-سواء اولئک الذین یقفون بوجه الإسلام بصورة مباشرة ورسمیة،أو الذین یحکمون المسلمین باسم الإسلام- للتخطیط من أجل تحریف ذلک الدور فی الحقب التاریخیة المختلفة؛ذلک لأنّهم یستمدّون وجودهم من جهل الناس،وأنّ یقظة الاُمّة الإسلامیة تُقوّض دعائم حکمهم.
وإنّ دور الثقافة الحسینیة فی انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران وحرکات التحرّر الإسلامیة،أدّی إلی أن یبذل الاستکبار العالمی وعلی رأسه أمریکا جهوداً مضاعفة من أجل تحریف الثقافة الحسینیة،وأن یحارب هذا التراث الثقافی الثمین بمؤامرات أکثر تعقیداً. (1)
والآن یجب أن نعرف کیف یتمّ تحریف ثقافة عاشوراء الأصیلة بواسطة الأعداء الملتفتین والأصدقاء الغافلین؟وما هی الآفات التی تهدّد مجالس عزاء سیّد الشهداء؟
الجواب الإجمالی علی هذا السؤال هو أنّ کلّ ما یتناقض مع فلسفة إقامة العزاء-أی:
ص:113
اجتثاث الجهل من المجتمع الإسلامی-وکذلک مع خصوصیّات مجالس العزاء الهادف- أی:المحوریة الإلهیة،وتقدیم تحلیل موضوعی عن حادثة عاشوراء والاستغلال الصحیح لعواطف الناس إزاء أهل البیت علیهم السّلام-فهو یمثّل آفةً لمجالس إقامة العزاء لسیّد الشهداء.
ولإیضاح هذا الاجمال سنُشیر فیما یلی إلی أهمّ هذه الآفات:
یعدّ تحریف هدف إقامة العزاء علی سیّد الشهداء أهمّ آفاتها.وقد أشرنا فیما سبق إلی أنّ فلسفة إقامة العزاء علی الإمام الحسین هی نفسها فلسفة شهادته علیه السّلام،وبناءً علی ذلک فإنّ تحریف الهدف من إقامة العزاء علیه،هو تحریف للهدف من شهادة سیّد الشهداء علیه السّلام أیضاً.
ویمکن أن یتجلّی هذا التحریف فی شکلین:
أحدهما:أن یقتصر الهدف علی غفران الذنوب والتزکیة الروحیة بدلاً من نشر الوعی وإحیاء الإسلام الأصیل.
والآخر:أن یتمّ التأکید علی جرائم أتباع یزید والظالمین فی هذه الحادثة بدلاً من الترکیز علی البُعد الملحمی والحماسی لها.
وهذا لا یعنی أنّ غفران الذنوب والتزکیة الروحیة لیسا من نتائج إقامة شعائر العزاء،أو أنّه لا ینبغی التطرّق إلی جرائم الظالمین،بل إنّ المراد هو تجنّب النظرة التجزیئیة (1).
وسنسلّط الضوء فیما یلی علی هذین الموضوعین:
لو اقتصرت فلسفة إقامة العزاء علی سیّد الشهداء علی تطهیر المذنبین من الذنوب،بدلاً من محو الجهل وإحیاء القیم الإسلامیة،فهذا تحریف لهدف شهادة الإمام وإقامة العزاء
ص:114
علیه،و سنُبتلی بنفس التحریف الذی حدث فی الدیانة المسیحیة فیما یتعلّق بالسیّد المسیح.
یقول الاُستاذ الشهید المطهّری فی هذا المجال:
أنا لا أعلم من هو المجرم أو المجرمون الذین أنزلوا الجریمة علی الحسین بن علیّ بشکل آخر،وذلک بأن حرّفوا هدف الحسین بن علیّ،وهی نفس الأباطیل التی قالها المسیحیّون بشأن المسیح،فقد قیل حول الحسین إنّه قُتل کی یتحمّل أعباء ذنوب الاُمّة،فلقد قُتل الحسین کی نرتکب الذنوب مرتاحی البال،قُتل الحسین لقلّة المذنبین آنذاک،فلیزدادوا إذن!. (1)
ویقول الاُستاذ المطهّری حول نوع آخر من تحریف الهدف من إقامة العزاء والبکاء علی الإمام الحسین علیه السّلام:
لماذا قال الأئمّة الأطهار علیهم السّلام-بل وردتنا روایات عن النبیّ الأعظم صلّی اللّه علیه و آله أیضاً-:
إنّ هذه النهضة یجب أن تبقی حیّة،وینبغی أن لا تُنسی،وعلی الناس أن یبکوا علی الإمام الحسین،تُری ماذا کان هدفهم من هذا الأمر؟لقد مسخنا ذلک الهدف الحقیقی،فقلنا:لیکن الأمرُ مقصوراً علی مواساة السیّدة فاطمة الزهراء علیها السّلام ! مع أنّها فی الجنّة مع ابنها العظیم،تُظهر الجزعَ دوماً کی نُریق نحن شیئاً من الدموع ونواسیها،فهل هناک إهانة أکبر من هذه للسیّدة الزهراء علیها السّلام؟! (2)
نحن نتصوّر أنّ الحسین بن علیّ ینتظر فی ذلک العالم بکاء الناس علیه أو أن السیّدة الزهراء علیها السّلام تنتظر-والعیاذ باللّه-بعد ألف وثلاثمئة سنة فی جوار الرحمة الإلهیة،أن یبکی الناس علی سیّد الشهداء کی تخفّف من آلامها!
وقد قرأت قبل بضع سنواتٍ فی أحد الکتب مقارنةً قام بها الکاتب بین الحسین بن
ص:115
علیّ وعیسی المسیح،وکتب أنّ عمل المسیحیّین أفضل من عمل المسلمین (الشیعة)؛ذلک لأنّهم یحتفلون بیوم شهادة عیسی المسیح ویظهرون السرور،وأمّا المسلمون فإنّهم ینشدون المراثی ویبکون فی یوم شهادة الحسین بن علی، وهکذا فإنّ عمل اولئک أفضل من عمل هؤلاء؛ذلک لأنّهم یعتبرون الشهادة انتصاراً لعیسی المسیح،لا هزیمة،ولذلک فإنّهم یحتفلون بها،وأمّا المسلمون فیعتبرون الشهادة هزیمة ولذلک یبکون علیه! فهنیئاً للاُمّة التی تعتبر الشهادة انتصاراً وتحتفل بها،وتعساً لاُمّة تعتبر الشهادة هزیمة وتنوح بسببها !
والجواب علیه هو:أوّلاً:أنّ احتفال المسیحیین بهذه الشهادة قائمٌ علی أساس تلک العقیدة الخرافیة التی تقول إنّ عیسی قُتل کی یحطّ عنّا أوزار الذنوب،ولذلک فهم یحتفلون لزعمهم خفّة عبء الذنوب عنهم! وهی خرافة.ثانیاً:إنّ هذا هو الفرق بین الإسلام والمسیحیة المحرّفة؛فالإسلام دین اجتماعی،والمسیحیة دین کلّ مافیه مواعظ أخلاقیة.ومن جهة اخری فإنّه یمکن النظر إلی الحادثة من وجهة نظر فردیة تارة ومن وجهة نظر اجتماعیة اخری،وتُعدّ شهادةُ الحسین بن علیّ من وجهة النظر الفردیة انتصاراً کما یری الإسلام. (1)
الجدیر بالذکر هو أنّ تحریف الهدف من إقامة مراسم العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام، والمتمثّل فی قصره علی التطهّر من الذنوب،والذی یشبه عقیدة المسیحیین الخرافیة حول صلب عیسی علیه السّلام؛لا یعنی إلغاء دور إقامة العزاء فی غفران الذنوب.
وبعبارة اخری،فإنّ الهدف من إقامة العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام هو محو الجهل وإحیاء القیم الدینیة،وإقامة العزاء بهذا الهدف تستتبع الکثیر من البرکات للفرد والمجتمع (2)؛ والذی یُعتبر غفران الذنوب والتزکیة الروحیة للبشر إحدی هذه البرکات؛حیث إنّ هذه
ص:116
البرکة بمعناها الدقیق هی باتّجاه إحیاء القیم الإسلامیة.
ومن جهة اخری فإنّنا إذا نظرنا إلی حادثة عاشوراء نظرة عامّة وموضوعیة،فإنّنا سنری أنّها تشتمل علی بعدین:أحدهما الجریمة والمظلومیة،والآخر الملحمة والعزّة والعظمة.
ولذلک لایمکننا تحلیل هذا الحدث وتبیینه بشکل صحیح إلّاإذا نظرنا إلیهما وقدّمناهما إلی جانب بعضهما البعض،وإلّا فإنّ المخاطَب سوف لا یُدرک بشکل صحیح هذا الحادث المهمّ فی التاریخ الإسلامی.
یقول الاُستاذ المطهّری فی هذا المجال:
لحادثة عاشوراء وتاریخ کربلاء وجهان،وجه أبیض ونورانی،ووجه أسود وظلمانی،وکلاهما عدیما النظیر،أو قلیلا النظیر.
فأمّا الوجه الأسود والمظلم،فإنّه أسود ومظلم لأنّنا لا نری فیه سوی الجریمة المنقطعة النظیر أو القلیلة النظیر....
فمن وجهة النظر هذه،تعدّ حادثة کربلاء جریمة ومأساة،مصیبة ورثاء.وعندما ننظر إلی هذا الوجه نری فیه قتل الأبریاء وقتل الشاب،وقتل الطفل الرضیع،کما نری فیه وط ء الخیول بحوافرها أجساد القتلی،ومنع الماء عن العطاشی،وضرب النساء والأطفال بالسیاط،وحمل الأسری علی الجمال دون هوادج ووطاء.فمن هذه النظرة من هو البطل فی هذه الحادثة؟من الواضح أنّنا عندما ننظر إلی هذا الحدث من بُعد الجریمة،فإنّ من یتحمّل تلک المصائب والجرائم لا یعدّ بطلاً،وإنّما هو مظلوم.وإنّما البطل فی هذه النظرة وهذا البعد هو یزید بن معاویة،وعبید اللّه بن زیاد،وعمر بن سعد،وشمر بن ذی الجوشن،وخولی،وعدد آخر.ولذلک فنحن حینما نطالع هذه الصفحة السوداء،لا نری فیها سوی الجریمة ورثاء البشریة! فماذا علینا أن نقول إن أردنا أن ننظم الشعر؟علینا أن ننظم المراثی،ولیس هناک من شیء نقوله سوی نظم المراثی.
ص:117
علینا أن نقول:
(لا تزال صرخة«العطش»تنطلق من صحراء کربلاء وتصل إلی کوکب العیّوق (1)،من أفواه اولئک العطاشی). (2)
ولکن هل یقتصر تاریخ عاشوراء علی هذا الوجه فقط؟هل هو رثاء ومصیبة فقط ولیس شیئاً آخر؟!
هذا هو الخطأ؛فإنّ لهذا التاریخ وجهاً آخر أیضاً بطله لیس یزید بن معاویة،ولا ابن زیاد،ولا شمراً،بل بطله الحسین.ولا وجود للجریمة ولا للمأساة فی هذا الوجه، بل فیها الملحمة والفخر والنور،وتجلّی الحقیقة والإنسانیة،وتجلّی العبودیة للّه سبحانه.وعندما ننظر إلی هذا الوجه نقول:إنّ من حقّ البشریة أن تفتخر بنفسها، ولکنّنا عندما نطالع صفحته السوداء نری البشریّة تطأطئ رأسها وتری نفسها مصداقاً للآیة:
«قالُوا أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ» ! (3)
ومن المسلّم به أنّ جبرئیل لا یتساءل قائلاً: «أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ» فی مقابل قول اللّه تعالی: «إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً» ، (4)وإنّما الذی یتساءل هو الملائکة التی کانت لا تری سوی الوجه الأسود للبشریة،ولم تکن تری
ص:118
الوجه الآخر،فأجابها اللّه تعالی: «إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ» . (1)
إنّ تلک الصفحة هی الصفحة التی یعترض بسببها الملائکة،ویکون فیها البشر مُطَأطِئی الرؤوس.وأمّا هذه الصفحة فهی التی تفتخر بها البشریة.
فلماذا یجب أن نطالع حادثة کربلاء من خلال صفحتها السوداء دوماً؟! ولماذا یجب الحدیث عن جرائم کربلاء دوماً؟! ولماذا یجب أن ندرس شخصیة الحسین بن علیّ من منظار تعرّضه لجریمة المجرمین دائماً؟! ولماذا نستلهم الشعارات التی نهتف بها ونکتبها باسم الحسین بن علیّ من الوجه المظلم لحادثة عاشوراء؟! ولماذا لا نطالع الصفحة المشرقة من هذه القصّة إلّاقلیلاً،فی حین أنّ الجانب الملحمی من هذه القصّة یفوق جانبها الإجرامی بمئات المرّات،وجانبها المشرق یتغلّب علی جانبها المظلم کثیراً؟!
إذن علینا أن نعترف أنّنا من الجناة علی الحسین بن علیّ،وذلک أنّنا لا نقرأ من هذا التاریخ سوی صفحةً واحدةً ولا نقرأ الصفحة الاُخری. (2)
من الآفات التی تهدّد شعائر عزاء الإمام الحسین علیه السّلام-خاصّةً فی القرون الأخیرة-اعتماد الخطباء ومنشدی المراثی علی المصادر الضعیفة وغیر الصالحة للاعتماد. (3)
والملاحظة الجدیرة بالاهتمام هی أنّ تاریخ عاشوراء یتمتّع بالمصادر المعتبرة الصالحة للاعتماد أکثر من أیّ موضوع آخر،بل إنّ المثقّفین والواعین من الخطباء الحسینیّین لیسوا بحاجة إلی الاعتماد علی المصادر الضعیفة،کما یقول الشهید المطهّری:
ص:119
لو قرأ شخصٌ تاریخ عاشوراء فسوف یری أنّه من أکثر التواریخ حیویة وتوثیقاً، ومن أکثرها غزارة فی المصادر.وکان المرحوم الآخوند الخراسانی (1)یقول:إنّ الذین یبحثون عن المصائب غیر المسموعة،علیهم أن یبحثوا عن المصائب الصادقة التی لم یسمع بها أحد (2).
ویری عدد من منشدی المراثی أنّ کلّ ما طُبع ونُشر فهو صالح للاعتماد،ولا یلحظون قیمة المصدر! یقول المؤلّف الفاضل لکتاب«اللؤلؤ والمرجان»حول بعض المواضیع غیر الصحیحة التی اضیفت إلی زیارة وارث المعتبرة:
رأیت ذات یوم أحد طلبة العلوم الدینیة وهو یتلو الأکاذیب القبیحة فی مصائب الشهداء،فوضعت یدی علی کتفه،فالتفت إلیَّ فقلت له:ألیس بقبیح علی أهل العلم أن یقولوا مثل هذه الأکاذیب فی مثل هذا المکان؟! فقال:أوَلیست مرویة؟فتعجّبت وقلت:لا،فقال:رأیتها فی کتابٍ،قلتُ:فی أیّ کتاب؟قال:مفتاح الجنان (3).
فَسَکتُّ؛إذ من یبلغ جهله حدّاً بحیث یَعتبر ما جمعه بعض العوامّ کتاباً ویستند إلیه، لا یکون النّقاش مجدیاً معه. (4)
إنّ الکثیر من المعلومات العدیمة الأساس والکاذبة التی تؤدّی إلی وهن أهل البیت علیهم السّلام وتُطرح للأسف کمراثٍ،تمتدّ جذورها إلی المصادر الضعیفة،ولذلک فإنّ معرفة المصادر (5)
ص:120
هو أوّل الشروط لقرّاء المراثی الحقیقیّین،والذین یفقدون هذا الشرط لا یمتلکون صلاحیة ذکر مصائب أهل البیت علیهم السّلام مهما بلغوا من الإخلاص.
وقد بحثنا فی هذا المجال فی مدخل الکتاب وعمدنا إلی التعریف الإجمالی بأهمّ المصادر المعتبرة وغیر المعتبرة.وذکر المحدّث النوری فی کتابه لؤلؤ ومرجان ما یلی:
جاء شخص فی کرمانشاه إلی العالم الکامل السید محمّد علی صاحب المقامع وغیره قدس سره،وقال له:رأیت فی المنام أنّنی أنهش بأسنانی لحماً من جسم سیّد الشهداء علیه السّلام ! ولم یکن السیّد یعرفه،فأطرق برأسه واستغرق فی التفکیر،ثمّ قال له:
لعلّک تقرأ المراثی؟فقال:نعم،فقال:اُترکها،أو انقل من الکتب المعتبرة. (1)
یمثّل الحسین بن علیّ علیه السّلام مظهر العزّة الإلهیة،وتعدّ عاشوراء رمز الملحمة والعزّة الحسینیة، وشعار«هیهات منّا الذلّه»الذی من شأنه أن یهزم الأعداء،هو تراثه النفیس،وقد روی فی المصادر المعتبرة أنّه علیه السّلام خاطب الأعداء فی خطبة ملحمیة فی یوم عاشوراء قائلاً:
ألا وإنَّ الدَّعِیَّ ابنَ الدَّعِیِّ قَد رَکَزَ بَینَ اثنَتَینِ؛بَینَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ،وهَیهاتَ مِنّا الذِّلَّةُ،یَأبَی اللّهُ لَنا ذلِکَ ورَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ،وحُجورٌ طابَت،وحُجورٌ طَهُرَت، واُنوفٌ حَمِیَّةٌ ونُفوسٌ أبِیَّةٌ (2)،مِن أن تُؤثَرَ طاعَةُ اللِّئامِ عَلی مَصارِعِ الکِرامِ. (3)
کما قال-مجیباً للقائلین له:لا نخلّیک حتّی تضع یدک فی ید عبید اللّه بن زیاد-:
ص:121
لا وَاللّهِ،لا اعطی بِیَدی إعطاءَ الذَّلیلِ،ولا أفِرُّ فِرارَ العَبیدِ، «إِنِّی عُذْتُ بِرَبِّی وَ رَبِّکُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ» ، (1) «إِنِّی عُذْتُ بِرَبِّی وَ رَبِّکُمْ مِنْ کُلِّ مُتَکَبِّرٍ لا یُؤْمِنُ بِیَوْمِ الْحِسابِ» 2. 3
وبناءً علی ذلک؛فإنّ کلّ روایةٍ عن تاریخ عاشوراء تدلّ علی قبوله الذلّة،إنّما هی من أکاذیب الأعداء وانتحالاتهم،مثلما روی من أنّه علیه السّلام قال:
اِختاروا مِنّی خِصالاً ثَلاثاً:إمّا أن أرجِعَ إلَی المَکانِ الَّذی أقبَلتُ مِنهُ،وإمّا أن أضَعَ یَدی فی یَدِ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،فَیَری فیما بَینی وبَینَهُ رَأیَهُ،وإمّا أن تُسَیِّرونی إلی أیِّ ثَغرٍ مِن ثُغورِ المُسلِمینَ شِئتُم،فَأَکونَ رَجُلاً مِن أهلِهِ،لی ما لَهُم،وعَلَیَّ ما عَلَیهِم. (2)
أو ما نسبه إلیه فی کتاب نور العین من أنّه قال لشمر بن ذی الجوشن عندما همّ بقتله:
إذاً ولابدّ من قتلی فاسقنی شربة ماءٍ! فقال:هیهات أن تذوق الماء،بل تذوق الموت غصّةً بعد غصّةٍ،وجرعةً بعد جرعةٍ. (3)
إن مثل هذه الروایات تخالف اصول عقائد الشیعة بشأن المکانة السامیة لأهل بیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فضلاً عن أنّها تتنافی مع محکمات تاریخ عاشوراء ومواقف الإمام طیلة حیاته الملیئة بالمفاخر. (4)
ص:122
وعلی هذا الأساس فإنّ من آفات مجالس عزاء سیّد الشهداء هی إنشاد المراثی المهینة له علیه السّلام،وعلی الخطباء المخلصین لأهل البیت علیهم السّلام أن یتجنّبوا کلَّ کلامٍ أو تعبیرٍ یدلّ علی إظهار الإمام علیه السّلام أو أهل بیته للذلّة فی حادثة عاشوراء.وقد نقل المحدّث النوری (1)فی هذا المجال فی کتاب«اللؤلؤ والمرجان»رؤیا صادقة-مثیرة حقّاً-لأحد الخطباء المعروفین من دون ذکر اسمه.
یقول المحدّث النوری قدس سره فی کتابه:
رأی أحد الخطباء الکرام والمعروفین ذات لیلة فی المنام وکأنّ القیامة قد قامت والخلق فی غایة الخوف والحیرة،وکان کلّ واحدٍ منهم منشغلاً بنفسه،فی حین کانت الملائکة تسوقهم نحو الحساب،وقد اوکِل بکلّ شخصٍ موکّلان،وعندما رأیتُ هذه الداهیة فکّرت فی عاقبتی،فإلی أین سینتهی الأمر بهوله هذا؟وفی هذه الأثناء أمرنی اثنان من تلک الجماعة بأن أفد علی خاتم الأنبیاء صلّی اللّه علیه و آله؛لأنّ عاقبة الأمر کانت خطیرة،فتباطأت فاقتادونی بالقوّة،وکان أحدهما أمامی والآخر خلفی وأنا بینهما وقد استولی علیَّ الرعب،وإذا بی أری صرحاً کبیراً للغایة علی کتف جماعة تسیر من الجانب الأیمن،فعرفت بالإلهام الإلهی أنّ سیّدة نساء العالمین صلوات اللّه علیها فی ذلک الصرح،وعندما اقتربت منه اغتنمت الفرصة وفررت من أیدی الموکّلین ولجأت أسفل الصرح،فوجدته قلعة حصینة وموضعاً منیعاً کان قد لجأ إلیه قبلی جمع من المذنبین،ورأیت الموکّلین وقد ابتعدا عن الصرح وهما لا یستطیعان التقرّب منه،وکانا یسیران معنا علی نفس المسافة من البُعد عنّا،فتوسّلا إلینا
ص:123
بالإشارة أن نعود فرفضنا،وحینئذٍ لوّحا لنا بالتهدید،وعندما رأینا أنّنا فی حصن منیعٍ هدّدناهما نحن أیضاً،وکنّا نسیر بنفس قوّة القلب هذه،وإذا برسول یأتی من جانب النبی صلّی اللّه علیه و آله وقال لتلک السیّدة العظیمة:إنّ جمعاً من مذنبی الاُمّة قد لجؤوا إلیک فأرسلیهم کی نحاسبهم،فأشارت تلک المخدّرة فقدِم الموکّلون من کلّ صوب واقتادونا إلی موقف الحساب.
فرأینا هناک منبراً شاهق الارتفاع له درجات کثیرة وقد جلس فی أعلاه سیّد الأنبیاء صلّی اللّه علیه و آله،وکان أمیر المؤمنین علیه السّلام واقفاً علی الدرجة الاُولی ومنشغلاً بحساب الخلائق وقد اصطفّوا أمامه،وعندما حلّ دور حسابی خاطبنی بلهجة اللوم والتوبیخ وقال:لماذا قرأت ما یشین ابنی الحسین فی خطبتک ونسبت إلیه الذلّة والهوان؟فتحیّرت فی الجواب ولم أجد بدّاً من الإنکار فأنکرت،فشعرت بألم فی ذراعی وکأن مسماراً حدیدیّاً غرس فیه،فالتَفتّ فرأیتُ رجلاً استخرج طوماراً من یده فناولنی إیّاه،ففتحته وکان فیه کلّ ما کنت قرأته فی کلّ مکان وزمان ومن جملته ذلک الموضع الذی سُئلت عنه.
فخطرت علی بالی حیلة اخری،وقلت:لقد ذکرها المجلسی رحمه الله فی المجلّد العاشر من البحار! فقال لأحد الخدّام الحاضرین:اذهب وخذ من المجلسی ذلک الکتاب، فالتفتُّ فرأیت صفوفاً کثیرة علی الجانب الأیمن من المنبر؛أوّلها إلی جانب المنبر ولا یعلم آخرها إلّااللّه،وکلّ عالمٍ قد وضع مؤلّفاته بین یدیه،وکان المجلسی رحمه الله الشخص الأوّل فی الصفّ الأوّل،وعندما أبلغ رسول النبیّ صلّی اللّه علیه و آله الرسالة إلیه،تناول الکتاب من بین الکتب وناوله إیّاه فجاء به،فأشار بأن یناولنیه فأخذتُه وغُصت فی بحر من الحیرة؛ذلک لأنّ هدفی من تلک الحیلة والافتراء کان التخلّص من تلک المعضلة !
فتصفّحت بعض أوراقه دون هدی،فخطرت علی بالی أثناء ذلک حیلةٌ اخری، فقلت:لقد رأیته فی مقتل الحاج الملّا صالح البرغانی،فأمر أحد الخدّام بأن یذهب
ص:124
إلیه ویأتی بالکتاب،فذهب وقال:کان الحاج المذکور الشخص السادس أو السابع من الصفّ السادس أو السابع،فالتقط الکتاب بنفسه وجاء به،فأمرنی بأن أجد تلک الفقرة من ذلک الکتاب.
فعاودنی الخوف،وشعرت بالاضطراب،واُغلقت فی وجهی جمیع سبل الخلاص.
کنت أتصفح الکتاب دون طائل بقلب سیطر علیه الخوف.
إلی أن ذکر بأنّه حینما استیقظ جمع طائفة من الخطباء ونقل ماکان رآه فی النوم قائلاً:
أنا لا أری نفسی مؤهّلاً بعد هذا لأداء حقّ الخطابة الحسینیّة،ولذلک سأترکها، وینبغی علی من یصدّقنی أن یکفّ عنها هو أیضاً.
وهکذا فإنّه غضّ النظر عن قراءة المراثی وأقلع عنها،علی الرغم ممّا کانت تدرّ علیه من مبالغ کبیرة. (1)
کما أنّ نقل الروایات المشینة بأهل البیت علیهم السّلام و التی تحُطّ من قدرهم،من آفات مجالس العزاء،کذلک الغلوّ وهو رفع أهل البیت علیهم السّلام إلی مکانة تفوق منزلتهم هو آفة لها أیضاً، وللأسف الشدید فإنّنا نری کلا الأمرین فی بعض هذه المجالس.
نقل شیخ المحدّثین ابن بابویه روایة عن الإمام الرضا علیه السّلام تدلّ علی أنّ الغلوّ ماهو إلّا مؤامرة مدروسة أعدّها أعداء أهل البیت علیهم السّلام بهدف تشویه صورتهم فی أنظار الناس،وعزل أهل بیت الرسالة عن الناس.وهذا هو نصّ کلام الإمام علیه السّلام:
إنَّ مخالِفینا وَضَعوا أخباراً فی فَضائِلِنا وجَعَلوها عَلی ثَلاثَةِ أقسامٍ:أحَدُها الغُلُوُّ، وثانیها التَّقصیرُ فی أمرِنا،وثالِثُها التَّصریحُ بِمَثالِبِ أعدائِنا،فَإِذا سَمِعَ النّاسُ الغُلُوَّ
ص:125
فینا کَفَّروا شیعَتَنا ونَسَبوهُم إلی القَولِ بِرُبوبِیَّتِنا،وإذا سَمِعوا التَّقصیرَ اعتَقَدوهُ فینا، وإذا سَمِعوا مَثالِبَ أعدائِنا بِأَسمائِهِم ثَلَبونا بِأَسمائِنا. (1)
وبناءً علی ذلک،فإنّ الذین یُنزلون أهل البیت علیهم السّلام منزلة لا تنبغی إلّاللّه عزّوجلّ فی مجالس العزاء،وبدلاً من اتّخاذ اللّه تعالی مِحوراً لمجلس الإمام الحسین علیه السّلام وربط القلوب باللّه عز و جل عن طریق أهل البیت علیهم السّلام الذین هم أبواب اللّه یدعون الناس إلی«الحسین الإلهی» و«زینب الإلهیة»،أو نراهم یعمدون أحیاناً إلی الحطّ من قدر الأنبیاء من أجل تکریم أهل البیت،فهؤلاء یخدمون أهداف أعداء أهل البیت سواءً علموا بذلک أم جهلوا،وسیّد الشهداء علیه السّلام بریء منهم. (2)
یعدّ الکذب علی اللّه ورسوله وأهل البیت علیهم السّلام من أقبح الکذب وأخطره، (3)حیث یعتبر من الکبائر ویؤدّی إلی بطلان الصوم. (4)
إنّ قُرّاء المراثی الحسینیّة الذین ینسبون کلاماً مّا إلی اللّه أو إلی أهل البیت علیهم السّلام دون الاستناد إلی حجّة شرعیة،لا یعدّون من خدام الإمام الحسین علیه السّلام وذاکریه فحسب،بل علیهم أن یعلموا بأنّ عملهم کبیرة من الکبائر.
ومن الصعب علی الکثیر من الناس أن یصدّقوا هذه الحقیقة،وهی أنّ بعض قرّاء المراثی
ص:126
یسردون مصائب کاذبة! إلّاأنّه یجب الاعتراف-وبکلّ أسف-بهذه الحقیقة المرّة،بل ینبغی البکاء علی هذه المصیبة الکبری التی ابتُلی بها تاریخ عاشوراء أکثر من مصیبة عاشوراء نفسها؛ذلک لأنّ هذه المصیبة توجب تضییع النهضة الحسینیة المقدّسة!
ولإیضاح هذا الإجمال یمکنکم الرجوع إلی کتاب اللؤلؤ والمرجان الذی ألّفه المحدّث النوری فی عام (1319 ه.ق)،وکتاب الملحمة الحسینیة للاُستاذ الشهید المطهّری،وسنُلقی فیما یلی نظرة سریعة إلی هذین الکتابین من هذا المنظار.
یمکن القول بأنّ آفة الکذب دخلت ساحة قراءة المراثی منذ تألیف کتاب روضة الشهداء ؛ أی حوالی سنة 900 للهجرة،واتّسعت رقعة هذه الآفة تدریجیّاً بحیث إنّ المحدّث النوری شعر بخطر انتشار هذه الآفة فی أوائل القرن الرابع عشر،ممّا دعاه إلی تألیف کتابه اللؤلؤ والمرجان (1)باقتراح من أحد علماء الهند،حیث یبیّن فی بدایته الدافع الذی دفعه لتألیف الکتاب قائلاً:
إنّ سماحة العالم العامل الجلیل الفاضل الکامل..السیّد محمد مرتضی الجونبوری الهندی أیّده اللّه تعالی شکا لی کراراً-من الهند-القرّاء ومنشدی المراثی فی تلک البلاد،حیث یجرؤون علی الکذب،ویصرّون علی نشر الأکاذیب والأباطیل،بل إنّهم کادوا أن یُجوّزوها ویعتبروها مباحة وخارجة عن دائرة العصیان والقبح لأنّها سببٌ لإبکاء المؤمنین!
وقد أمرنی بکتابة شیء فی هذا المجال علی سبیل الموعظة والجدال بالتی هی
ص:127
أحسن،علّها تؤدّی إلی تنبیههم وکفّهم عن هذه القبائح.ویبدو أنّ سماحته یظنّ أنّ المدن المقدّسة فی العراق وإیران آمنةٌ من هذه المصیبة وأنّها غیر ملوّثة بالکذب والافتراء،وأنّ هذا الفساد فی الدین منحصر فی تلک البلاد،غافلاً عن أنّ نشر الخراب تمتدّ جذوره فی مرکز العلم وحوزة أهل الشرع فی العتبات المشرّفة،فلو أنّ أهل العلم لم یتسامحوا فی ذلک ومیّزوا الصحیح من السقیم والصدق من الکذب فی کلام هذه الطائفة،ونهوا هؤلاء عن قول الأکاذیب،لما بلغ الفساد هذا المبلغ! (1)
ویقول المحدّث النوری فی موضعٍ آخر من کتاب اللؤلؤ و المرجان :
إنّ سکوت المتمکّنین یؤدّی إلی تجرّؤ وعدم مبالاة هذه الطائفة العدیمة الإنصاف، حتّی فی المراقد الشریفة،وخاصّة مشهد سیّد الشهداء أرواحنا وأرواح العالمین له الفداء..،فإنّهم یعمدون فی غالب الأوقات-وخاصّة فی الأسحار التی هی أوقات البکاء والاستغفار-إلی أنواع الأکاذیب العجیبة،وأحیاناً الألحان المطربة،لیلقوا بأجواء قاتمة علی ذلک الحرم النورانی. (2)
والآن نلفت الانتباه إلی بعض النماذج من هذه الأکاذیب المختلقة فی المراثی والتی ذکرها المحدّث النوری فی کتاب اللؤلؤ والمرجان:
نقل عن حبیب بن عمرو أنّه وفد علی أمیر المؤمنین علیه السّلام بعد إصابته علی رأسه الشریف،وکان الأشراف ورؤساء القبائل وشرطة الخمیس (3)حاضرون عنده،أنّه قال:
ص:128
وما منهم أحدٌ إلا ودمع عَینیه یترقرق علی سوادها حزناً علی أمیر المؤمنین علیه السّلام، ونظرت إلی أولاده وقد أطرقوا برؤوسهم،وما تنفّس منهم متنفّسٌ إلّاوظننت أنّ شظایا قلبه تخرج من أنفاسه.
یقول حبیب:
فجمعوا الأطباء،وجاء أثیر بن عمر برئة شاة فنفخها وأدخلها فی الجرح،فلمّا أخرجها رأی علیها أجزاءً من دماغ أمیر المؤمنین علیه السّلام،فسأله الحاضرون،فخرس وتلجلج لسانه.
فعرف الناس ویئسوا فأطرقوا برؤوسهم،وکانوا یبکون بهدوء لئلّا تسمع النساء، سوی الأصبغ بن نباتة الذی لم یطِق صبراً دون أن شرق بعبرته وبکی بصوت عالٍ، ففتح الإمام علیه السّلام عینیه وبعد کلمات قال حبیب:
فقلت:یا أبا الحسن،لا یهولنّک ما تری،وإنّ جرحک غیر ضائر فإنّ البرد لا یزیل الجبل الأصمّ،ونفحة الهَجیر لا یُجّفف البحر الخضَمّ،والصِّلّ یقوی إذا ارتعش، واللیثُ یَضری إذا خُدِش.
فأجابه الإمام علیه السّلام بجواب سمعته امّ کلثوم فبکت،فطلبها علیه السّلام،فدخلت علی أبیها -ویبدو من هذا النقل أنّها جاءت أمام الجمیع-وقالت:
أنت شمسُ الطالبیّین،وقمر الهاشمیّین،دسّاسُ کُثبها المُترصِّد،وأرقمُ أجمتِها المتفقّد،عِزُّنا إذا شاهت الوجوه ذلاًّ،جمعنا إذا الموکبُ الکثیر قَلّا.إلی آخره.
وللأسف فإنّ هذا الخبر المسجّع المقفّی الذی تسرّ النفس لسماعه،لیس له أصلٌ! ونحن لا نجد شیئاً من هذه الکلمات أبداً فی کتاب الثقة الجلیل عاصم بن حمید،مع
ص:129
أنّه نقل خبر عمرو (1)! کما ذکر أبو الفرج فی مقاتل الطالبیّین (2)علاجَ أثیرِ بن عمر لأمیر المؤمنین دون هذا التفصیل والتعلیقات. (3)
النموذج الثانی للأکاذیب فی قراءة المراثی،یتمثّل فی القصّة التی ذکرها المحدّث النوری فی کتابه باعتبارها نموذجاً آخر من اختلاق الأکاذیب،ویقول الشهید المطهّری:إنّی سمعتها کراراً.وهذه القصّة المنتحلة هی:
کان أمیر المؤمنین علیه السّلام یخطب علی المنبر،فطلب الحسینُ ماءً،فأمر أمیرُالمؤمنین قنبراً بأن یأتی له بالماء،وکان العبّاس طفلاً آنذاک،فلمّا سمع بعطش أخیه أسرع إلی امّه وجاء بالماء فی قدحٍ وضعه علی رأسه،وکان الماء یتصابّ من جوانبه،فدخل المسجد علی هذه الهیئة،فلمّا رآه أمیر المؤمنین بکی وقال:الیوم هکذا وفی یوم عاشوراء کذا،ثمّ ذکر شیئاً من مصائبه.... (4)
وبعد أن یشیر المحدّث النوری إلی هذه القصّة المختلقة،یقول فی الاستدلال علی انتحالها:
کانت هذه القصّة فی الکوفة طبعاً،ولو کانت فی المدینة لکانت فی بدایة خلافته علیه السّلام؛ذلک لأنّه لم یکن له منبر أو مسجد قبل ذلک.وکان عمر أبی عبد اللّه علیه السّلام آنذاک یربو علی الثلاثین،وإظهار الإنسان العطش فی ذلک المجلس العامّ والتکلّم أثناء الخطبة مکروه أو حرام،وهو لا یتناسب مع منصب الإمامة،بل مع الدرجة الاُولی من العدالة،بل مع العادات والآداب الإنسانیّة المتعارف علیها. (5)
ص:130
ویضیف المحدّث النوری-من أجل بیان انتحال هذه القصّة-أنّه لمّا کان حبل الکذب قصیراً،فإنّ منتحلَ هذه القصّة ذکر أنّ أبا الفضل طفلٌ صغیر من جهة،وقال من جهة اخری أنّه کان فی معرکة صفّین-التی حدثت بعد سنتین أو ثلاث سنوات من هذه الحادثة-یأخذ بالأعداء ویقذفهم نحو الأعلی ویشطر کلّ من یعود إلی الأرض إلی نصفین،وقد قذف کذلک ثمانین شخصاً،بحیث إنّه عندما قذف الشخص الثمانین لم یکن الشخص الأوّل قد عاد بعدُ!!
ومن النماذج الاُخری للروایات الکاذبة قولهم:
کانت السیّدة زینب علیها السّلام تسیر بین الخیم لیلة عاشوراء بسبب همّها وغمّها وخوفها من الأعداء؛من أجل تقصّی أحوال الأقارب والأنصار،فرأت حبیب بن مظاهر وقد جمع الأصحاب فی خیمته،وأخذ علیهم العهد أن لا یدعوا أحداً من بنی هاشم یخرج للقتال قبلهم،وبعد تفصیل طویل عادت تلک المخدّرة مسرورةً،فلمّا قربت من خیمة أبی الفضل رأته قد جمع بنی هاشم خلف خیمته وهو یأخذ العهد منهم أیضاً بأن لا یدعوا أحداً من الأنصار یخرج إلی ساحة المعرکة قبلهم،فدخلت المخدّرة مسرورةً علی أبی عبد اللّه علیه السّلام وتبسّمت،فتعجّب من تبسّمها وسألها عن السبب،فأخبرته عمّا رأته...إلی آخر الخبر.وکان منتحل هذا الخبر ذا مهارةٍ فائقة فی هذا الفنّ. (1)
یقول المحدّث النوری:
نقلوا بحرقة وتألّم أنّ الإمام الحسین علیه السّلام عاد الإمام زین العابدین علیه السّلام وهو فی
ص:131
فراشه،وذلک فی یوم عاشوراء بعد استشهاد جمیع أهل البیت والأصحاب،فسأل زینُ العابدین أباه عمّا انتهی إلیه الأمر مع الأعداء،فأخبره بأنّه انتهی إلی الحرب، فسأله عن عددٍ من الأصحاب ذاکراً أسماءهم،فأجابه بأنّهم قُتلوا الواحد تلو الآخر،حتّی بلغ بنی هاشم وسأل عن علیٍّ الأکبر وأبی الفضل،فأجاب بنفس القول السابق،وقال:اِعلم أنّه لم یبق فی الخیام من الرجال أحدٌ غیری وغیرک.
وهذه هی خلاصة القصّة،علماً أنّ لها الکثیر من الحواشی،وهی تصرّح بأنّه علیه السّلام لم یکن یعلم أیَّ شیء عن حال الأقرباء والأنصار وساحة الحرب منذ نشوب المعرکة حتّی بقاء الإمام وحیداً ! (1)
یقول المحدّث النوری أیضاً:
وهناک خبرٌ عجیب یتضمّن طلب الإمام علیه السّلام-عند خروجه إلی ساحة القتال-مَن یُقدّم له الجواد لیرکبه،ولم یکن أحدٌ یأتی به،فجاءته زینب به وأرکبته،وجرت بینهما حوارات کثیرة ذکرها الخطباء ووردت مضامینها فی الأشعار العربیة والفارسیة أیضاً،ویحاولوا بذلک إثارة المشاعر بها،وهی تستحقّ البکاء حقّاً ولکن لا علی هذه المصیبة العدیمة الأصل،بل علی افتراء مثل هذا الکذب الواضح علی الإمام علیه السّلام فوق المنابر،وعدم نهی اولئک المتمکّنین من النهی بسبب جهلهم،أو لحاظهم النقص فی بعض الشؤون ! (2)
الإمام أنّه قال عند قتال الأعداء وعندما لم یکونوا یفسحون له المجال للصلاة:أتمنّی أن أری زفاف ابنتی واُزوّجها هنا من ابن أخی واُقیم حفل الزفاف؟!
نظم أبو الحسن التهامی (المتوفّی 416 ه.ق) قصیدة فی رثاء ابنه قال فیها:
یا کَوکباً ما کانَ أقصَرَ عُمرَهُ وَکَذا تَکونُ کَواکِبُ الأَسحارِ (1)
یقول المحدّث النوری:
إنّ هذا الشعر یُنسب بصراحة إلی الإمام الحسین علیه السّلام،حیث یصرّح بعض الخطباء بأنّ الإمام الحسین علیه السّلام أنشده وهو عند رأس علیّ الأکبر،وقد رأیت فی بعض الکتب الجدیدة نسبة هذا البیت إلی الإمام علیه السّلام مع بعض الأبیات الاُخری من تلک القصیدة. (2)
نسب بعض قرّاء المراثی إلی السیّدة زینب علیها السّلام أنّها جاءت فی اللحظات الأخیرة إلی أخیها:
ورأته یجود بنفسه،فرمت بنفسها علیه وهی تقول:أنت أخی،أنت رجانا،أنت کهفنا،أنت حمانا...إلخ.
وقد اعتبر المحدّث النوری هذه القصّة من أکاذیب قرّاء المراثی أیضاً. (3)
یقول المحدّث النوری أیضاً فی کتابه المذکور:
ص:133
وهنا خبر لطیف یستند إلی مقدّمات تزیل احتمال الکذب من أذهان السامعین ویرفعون سنده إلی أبی حمزة الثمالیّ المسکین!! ویفید هذا الخبر بأنّه جاء ذات یوم إلی بیت الإمام زین العابدین علیه السّلام وطرق الباب،فخرجت جاریة،وعندما عرفت أنّه أبو حمزة حمدت اللّه علی وصوله کی یواسی الإمام؛لأنّه غاب عن وعیه فی ذلک الیوم مرّتین،فدخل وواساه بأنّ الشهادة لهم عادة،فقد استُشهد جدّه وعمّه وأبوه وعمّ أبیه،فأیّده فی الجواب وقال:لکن لم یقع أحدٌ منّا فی الأسر ! ثمّ تحدّث بعض الشیء عمّا جری علی عمّاته وأخواته عند السبی. (1)
وینقل المحدّث النوریّ خلاصةَ قصّةٍ منتحلة اخری عن قرّاء المراثی،حیث یصرّحون بأنّ سندها ینتهی إلی هشام بن الحکم أنّه قال:
فی أیّام تواجد الإمام علیه السّلام فی بغداد کنت أحضر عند الإمام تلبیة لطلبه ذلک،وفی یومٍ من الأیّام دعانی بعض الشیعة لحضور مجلسِ عزاءٍ حسینیٍّ أقامه،فاعتذرت بأنّه یجب أن أکون حاضراً عند الإمام علیه السّلام،فقال:اِستأذِن! فقلت:لا ینبغی أن نذکر هذا الموضوع أمامه فهو لا یطیقه،فقال:تعال من دون استئذانٍ! قلت:إذا فعلت ذلک فسوف یسألنی فی الیوم التالی فاضطرّ إلی إخباره.وأخیراً وبعد إصراره الشدید ذهبت به إلی ذلک المجلس.
وفی الیوم التالی عند حضوری فی خدمة الإمام الصادق علیه السّلام،سألنی الإمام عن السبب فی عدم حضوری یوم أمس،وبعد تکرار السؤال اضطررت إلی إخباره، فقال الإمام علیه السّلام:أنت تظنّ أنّنی لم أکن هناک (أو أنّنی لا أحضر مثل هذه المجالس)؟! فقلت:لم أرکم هناک؟! قال:عندما خرجت من الحجرة ألم تر شیئاً فی موضع الأحذیة؟فقلت:رأیت ثوباً مطروحاً علی الأرض ! فقال علیه السّلام:هذا أنا،حیث کنت قد غطّیت رأسی بالعباءة ووقعت علی الأرض ! (2)
ص:134
لا یُعلم مدی تأثیر جهود المحدّث النوری فی محاربته ظاهرة الکذب فی إنشاد المراثی،إلّا أنّ وضع قراءة المراثی فی عصرنا الحالی إذا لم یکن مؤسفاً أکثر ممّا وصفه المحدّث النوری، فإنّه لیس بأفضل منه.
وکتاب حماسة حسینی (الملحمة الحسینیة) للاُستاذ الشهید المطهّری،یمثّل جهداً جدیداً لمحاربة الأکاذیب فی قراءة المراثی فی زمانه،حیث یقول حول انتشار هذه الآفة فی عصرنا الحالی:
اذا أردنا أن نجمع المراثی الکاذبة التی تُقرأ الآن،فلعلّها ستؤلّف عدّة مجلّدات،کلّ منها یضمّ خمسمئة صفحة! (1)
وسنستعرض فیما یلی عدداً من المراثی الکاذبة التی سمعها الشهید المطهّری بنفسه فی مجالس العزاء:
هناک قصّة مُختلَقة منسوبة إلی الإمام الحسین علیه السّلام تفید بأنّه لما ذهب علیّ الأکبر إلی ساحة المعرکة قال الإمام لزوجته لیلی:«اذهبی وادعی لولدک فی الخلوة...»،وقد شاعت هذه القصّة بین قرّاء المراثی منذ عصر المحدّث النوری (2)،فیذکر الاُستاذ المطهّری هذه القصّة باعتبارها نموذجاً من تحریف أحداث عاشوراء قائلاً:
من النماذج الاُخری للتحریف فی أحداث عاشوراء والتی أصبحت من أشهر القضایا،ولا یوجد کتاب تاریخ واحد یشهد بها،هی قصّة لیلی امّ علیٍّ الأکبر.نعم،
ص:135
اُمّ علی الأکبر تُدعی لیلی،إلّاأنّه لم یَذکُر المؤرّخون-ولو مؤرّخٌ واحد-أنّ لیلی کانت فی کربلاء! ولکن تأمّلوا کثرة المصائب التی تُذکر حول لیلی وعلیّ الأکبر، ومصیبة حضور لیلی عند جسد علیٍّ الأکبر ! حتّی إنّنی سمعت هذه المصیبة فی مدینة قم فی مجلس اقیم باسم آیة اللّه البروجردی،لکنّه لم یکن حاضراً فی هذا المجلس.وأنّه لمّا ذهب علیّ الأکبر إلی ساحة القتال،قال الإمام علیه السّلام للیلی:إنّی سمعت جدّی یقول:دعاء الاُمّ مستجابٌ فی حقّ ولدها،فاذهبی إلی الخیمة الفلانیّة وانشری شعرک،وادعی لولدک،عسی اللّه أن یعید لنا هذا الولد سالماً!
أوّلاً:إنّ لیلی لم تکن فی کربلاء کی تفعل ذلک.
ثانیاً:إنّ هذا المنطق لیس هو منطق الإمام الحسین فی کربلاء أساساً،بل إنّ منطق الحسین فی یوم عاشوراء هو منطق التضحیة.
وقد ذکر المؤرّخون أنّ الإمام علیه السّلام کان یعتذر لکلّ شخص یستأذنه بنحوٍ من الأنحاء، سوی علیّ الأکبر حیث قالوا:استأذن فی القتال أباه فأذن له.أی إنّه سمح له بمجرّد أن استأذنه.وما أکثر الأشعار التی نظّمت فی ذلک! ومن جملتها هذا البیت:
خیز ای بابا از این صحرا رویم نک بسوی خیمة لیلا رویم
أی:«انهض یا بنی فلنغادر هذه الصحراء،ولنتوجّه إلی خیمة لیلی» (1).
یقول الشهید المطهّری فی معرض ذکر قصّة مجعولة هی الاُخری من نسج الخیال:
وهناک نموذج آخر للمصائب المنتحلة،وهو عجیب للغایة،وهو ما سمعته فی مدینة طهران،وفی بیت أحد علماء هذه المدینة الکبار،حیث کان أحد القرّاء یقرأ مصیبة لیلی،فسمعت منه شیئاً لم أسمع بمثله طیلة عمری؛حیث قال:
بعد أن ذهبت السیّدة لیلی فی تلک الخیمة ونشرت شعرها،نذرت أن تزرع طریق
ص:136
کربلاء وحتّی المدینة ریحاناً إن أعاد اللّهُ علیّاً الأکبر سالماً ولم یُقتل فی کربلاء ! أی أنّها نذرت أن تزرع ثلاثمئة فرسخ بالریحان! وبعد أن قال ذلک،رفع صوته قائلاً:
نَذرٌ عَلیَّ لَئِن عادوا وإن رَجَعوا لَأَزرَعَنَّ طَریقَ التّفت رَیحانا
وقد دفعنی هذا الشعر العربی إلی أن أبحث عن مصدره،وقد بحثت بالفعل،فاکتشفتُ أنّ هذا التّفت (الطفّ) الذی ذُکر فی هذا الشعر لیس هو کربلاء،بل هو منطقة ذات علاقة بقصّة لیلی ومجنون،حیث کانت لیلی تسکن فی تلک المنطقة وهذا الشعر لمجنون العامری قاله للیلی،فی حین أنّ ذلک المنشد کان یقرؤه للیلی امّ علیٍّ الأکبر وکربلاء!!
فلو کان فی هذا المجلس مسیحیّ،أو یهودیّ،أو إنسانٌ لا دین له،وسمع هذه الترَّهات،ألا یقولون:ما هذه الخزعبلات التی تملأ تاریخهم؟فهم لا یدرکون أنّ هذا الشخص هو الذی اختلق هذه القصّة،بل یقولون:العیاذ باللّه کم کانت نساؤهم عدیمات الإحساس بحیث کنّ ینذرن مثل هذه النذور؛کأن یزرعن الطریق من کربلاء وحتی المدینة بالریحان ! (1)
یقول الاُستاذ المطهّری:
قبل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة کنت قد ذهبت إلی إصفهان،وکان فیها رجل فاضل،هو المرحوم الحاج الشیخ محمّد حسن النجف آبادی أعلی اللّه مقامه، فذهبت إلیه ونقلت له مصیبة کنت قد سمعتها حدیثاً فی أحد الأماکن ولم أکن قد سمعتها حتّی ذلک الوقت.وَاتّفق أن کان الشخصُ الذی کان یقرأ هذه المصیبة مدمناً علی الأفیون،وقد أنشد هذه المصیبة وأبکی الناس کثیراً.وهی قصّة امرأة عجوز
ص:137
کانت قد خرجت لزیارة الإمام الحسین فی عهد المتوکّل،وکان النظام الحاکم یمنع الناس من زیارته،فکانوا یقطعون الأیدی،حتّی بلغ الأمرُ بهم أنّهم اقتادوا هذه المرأة وألقوها فی البحر،فنادت المرأة وهی علی ذلک الحال بأعلی صوتها:یا أبا الفضل العبّاس! وعندما کانت فی حالة الغرق جاء فارس وقال لها:أمسکی برکاب فرسی،فأمسکت به،ثمّ قالت له:لماذا لم تمدّ إلیَّ یدک لاُمسک بها؟فأجاب قائلاً:
لیست لی ید ! فضجّ الناسُ بالبکاء.
وقد نقل المرحوم الحاج الشیخ محمّد حسن تاریخ هذه القضیة قائلاً:إنّه کان مجلس عزاء ذات یوم فی مقربة من السوق،حوالی مدرسة الصدر (وکانت هذه الحادثة قد وقعت قبله،ونقلها عن أشخاص موثوقین) وکان من أکبر مجالس العزاء فی إصفهان؛حتّی إنّ المرحوم الحاج الملّا إسماعیل الخواجوئی الذی کان من کبار علماء إصفهان کان حاضراً فیه.وکان هناک خطیب معروف یقول:بأنّنی کنت آخر الخطباء فی هذا المجلس وکان هناک خطباء آخرون أیضاً،فکانوا یستعرضون مهارتهم فی إبکاء الناس.وکان کلّ شخص یأتی یفوق من سبقه فی الإبکاء،ثمّ یجلس بعد قراءته الرثاء فی المجلس کی یری فنّ الخطیب التالی له.واستمرّ المجلس حتّی الظهر،وأظهر کلُّ خطیبٍ کلّ ماکان یمتلکه من قدرات،فأبکوا الناس.
یقول ذلک الخطیب المعروف:ففکّرت فیما یجب أن أفعله،فاختلقت هذه القصّة فی ذلک المجلس نفسه،وصعدت المنبر وحکیتها وتفوّقت علی الجمیع.وفی عصر ذلک الیوم ذهبتُ إلی مجلسٍ آخر کان فی منطقة (چهار سوق) فسمعت الخطیب الذی ارتقی المنبر قبلی یحکی القصّة نفسها! ثمّ شیئاً فشیئاً کُتبت فی الکتب ثمّ طُبعت ! (1)
ص:138
والآن یجبُ أن نتتبّع جذور هذه الأکاذیب،ولماذا یکذب البعض بکلّ بساطة علی اللّه والرسول والأئمّة من أجل إبکاء الناس علی مصیبة الإمام الحسین علیه السّلام،وبذلک یحرّفون تاریخ عاشوراء الحافل بالمفاخر؟!
یری المحدّث النوری أنّ هناک عاملَین رئیسین أدّیا إلی اختلاق الأکاذیب فی المراثی:
نقل المحدّث النوری قدس سره أنّ الهدف من تجویز الکذب فی إقامة العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام -کما یقول بعض مختلقی الأکاذیب-هو:أنّ الأحادیث التی توصی بالإبکاء علی مصیبته علیه السّلام مطلقة،وبناءً علی ذلک فإنّ کلّ ما یؤدّی إلی بُکاء الناس حَسنٌ وإن کان کذباً.
وتدلّ أرضیّة صُدور هذه الروایات علی أنّ ما ورد فی ذمّ الکذب وإن کان فی غایة الاعتبار یختصّ بغیر ذکر مصائب أبی عبد اللّه! (1)
ویُضیف الاُستاذ المطهّری بعد نقل هذا الموضوع عن المحدّث النوری قائلاً:
وهو نفس الکلام الذی اختلقه المعاصرون فی مذهب«میکافیلی»؛وهو أنّ الغایةُ تبرّر الوسیلة! (2)
ویجیب المحدّث النوری علی هذا الکلام قائلاً:
لقد أباح المستدلّ بکلامه هذا ارتکاب أنواع الکبائر،بل جعلها مستحبّة،وفسح المجال الواسع للفسّاق للسیر باتّجاه تلک المعاصی؛ذلک لأنّ الأخبار الدالّة علی فضل ومدح إدخال السرور علی قلب المؤمن وقضاء حوائجه والاستجابة لطلبه
ص:139
والسعی من أجل إنجاحها،أضعاف الأخبار الدالّة علی استحباب الإبکاء،وعلی هذا فإنّ أیّ فاسقٍ أراد والتمس أن یقبّل وجه امرأة رآها أو...فإنّه یُستحبّ لهذه المرأة أن تجیبه إلی ذلک وتسلّم نفسها بمقتضی أخبار استحباب إدخال السرور،أو أخبار استحباب قضاء الحاجة وغیر ذلک! (1)
الموضوع الآخر الذی یُعدّ من وجهة نظر المحدّث النوری العامل الرئیسی الثانی فی اختلاق الأکاذیب فی قراءة المراثی،هو التمسّک بسیرة العلماء القاضیة بنقل الروایات الضعیفة فی مؤلّفاتهم،والتسامح فی قبول الروایات ونقلها فی أبواب الفضائل والقصص وخاصّة المصائب.
وبعد إیضاح هذه الشبهة بالتفصیل یکتب قائلاً:
إنّ هذا الکلام لیس سوی مغالطة،والعلماء النزیهون الذین یسلکون الطرق المستقیمة ویتّبعون موازین العدل،لا ینقلوا من کتابٍ لا یعرفون صاحبه،وکذلک من کتابٍ مؤلّفُه لا یبالی فی نقل الخبر الضعیف أو لا یُفرّق بین الخبر الضعیف والقوی،ولا یمیّز بینهما فی النقل. (2)
وعلی أیّ حال،فلا شکّ فی أنّ التسامح فی نقل الفضائل والقصص والمصائب لا یجیز اختلاق الأکاذیب وإسناد أیّ موضوع ذکر فی الأبواب والمواضیع المذکورة فی أیّ کتاب، إلی أهل البیت علیهم السّلام.
یبدو أنّ ما اشیر إلیه فی تتبّع جذور اختلاق الأکاذیب فی قراءة المراثی،هو فی الحقیقة ذریعة للمختلقین لا جذوره الأصلیة.
ذلک لأنّ من کان له أدنی معلومات دینیة یعلم بأدنی تأمّل أنّ الإسلام لا یجیز إعداد
ص:140
الأرضیة للبکاء علی الإمام الحسین علیه السّلام والذی هو مستحبّ،من خلال الکذب الذی هو کبیرة من الکبائر،أو أن ننسب أیّ موضوع مکتوب أو غیر مکتوب إلی أهل البیت علیهم السّلام دون دراسة وتحقیق.
ونحن نری أنّ جذور اختلاق الأکاذیب فی قراءة المراثی،تتمثّل فی امور اخری تمتدّ جذور هذه المعاذیر فیها أیضاً،وهذه الاُمور عبارة عن:
لو علم بعضُ خطباء المنابر أنّ ما یذکرونه للناس لا أساس له لاجتنبوا ذکرهُ بالتأکید،إلّا أنّهم یفتقرون إلی المعرفة الصحیحة بتاریخ عاشوراء،کما أنّهم لا یکلّفون أنفسهم عناءَ التحقیق والبحث،ولهذا تراهم یعمدون إلی توظیف أیّ موضوع یرونه فی کتابٍ ما أو یسمعونه من شخصٍ ما،إذا ما رأوه مثیراً لعواطف الناس،دون التأمّل فی صحّته أو سقمه.
وبناءً علی ذلک،فإنّ الخطوة الاُولی لإصلاح وتنقیح الرثاء،تتمثّل فی تعلیم الخُطباء وإحیاء روح البحث والتحقیق فیهم،وکذلک إطلاعُهم علی ما هو المعتبر من مصادر تاریخ عاشوراء وغیر المعتبر منها.
إنّ استعمال لسان الحال فی الخطابة الحسینیّة ممّا لا إشکال فیه إذا توفّر فیه شرطان،بل هو فی الحقیقة نوعٌ من التوظیف للفنّ والمهارة فی ذکر المصیبة:
الأوّل:أن یمتلک خطیب المنبر القدرة علی تحدید حال الشخص الذی یرید أن یبیّن لسان حاله،وهذه القدرة لا تتحقّق إلّاإذا کان الراثی یمتلک المعلومات الکافیة عن هدف النهضة الحسینیة،وتاریخ عاشوراء،والخصوصیّات الروحیة للشخص الذی یرید أن یتحدّث عن حاله.
الشرط الثانی:أن لا ینسب الخطیب کلاماً إلی الإمام الحسین علیه السّلام وأهل البیت،بل علیه التصریح بأنّ ما یقوله هو من استنتاجاته.
ص:141
وللأسف فإنّ الکثیر من قرّاء المراثی ینسبون إلی الإمام وأهل بیته بعض القضایا التی صیغت بقالب الشعر دون الالتزام بالشرطین المذکورین،فی حین أنّها لا حقیقة لها.ویبدو أنّ الاستغلال السیّئ للسان الحال فی قراءة المراثی هو من أسباب تسرّب الکذب إلی المقاتل المکتوبة.
وعلی سبیل المثال:البیت المعروف المنسوب إلی الإمام الحسین علیه السّلام:
إن کانَ دینُ مُحَمَّدٍ لَم یَستَقِم إلّا بِقَتلی یا سُیوفُ خُذینی
لا إشکال فیه من ناحیة المضمون،إلّاأنّ نسبته إلی الإمام الحسین علیه السّلام هی نسبة کاذبة، فإنّه بیتٌ من قصیدةٍ لأحد الشعراء العرب،ویدعی الشیخ محسن الهویزی المعروف بأبی الحبّ الکبیر،نظمها فی رثاء الإمام الحسین علیه السّلام وجاء فیها:
أعطَیتُ رَبِّیَ مَوثِقاً لا یَنتَهی إلّا بِقَتلی فَاصعَدی وَذَرینی
إن کانَ دینُ مُحَمَّدٍ لَم یَستَقِم إلّا بِقَتلی یا سُیوفُ خُذینی
هذا دَمی فَلتُروَ صادِیَةُ الظُّبا مِنهُ وَهذا لِلرِّماحِ وَتینی (1)
ومن البدیهی أنّ الشاعر نظم هذه الأبیات باعتبارها لسان حال الإمام،إلّاأنّها انتشرت شیئاً فشیئاً باعتبارها من کلام الإمام.
وکذلک،العبارة الشهیرة المنسوبة إلیه علیه السّلام:
إنَّ الحیاةَ عقیدةٌ وجهادُ.
وهذه العبارة هی شطر من بیت نظمه الشاعر المعاصر أحمد شوقی، (2)والبیت هو:
قِف دونَ رَأیِکَ فِی الحَیاةِ مُجاهِداً إنَّ الحَیاةَ عَقیدَةٌ وجِهادٌ (3)
ص:142
وممّا یجدر ذکره أنّ هذا البیت کان شعار صحیفة«الجهاد»المصریة. (1)
إنّ تحوّل الخطابة الحسینیّة إلی مهنةٍ من جهة،مع اتّحاد طراز مجالس العزاء والمستمعین لها من جهة اخری،یستوجبان بشکل طبیعی أن یسعی الخطباء دوماً من أجل اکتشاف مصائب جدیدة حول وقعة کربلاء،ولمّا کانت مصائب کربلاء محدودة علی الرغم من عظمها،فإنّ السعی من أجل العثور علی مصائب جدیدة یُهیّئ الأرضیّة لنفوذ أنواع الأکاذیب والمعلومات الضعیفة فی هذا المجال.
فلأجل مواجهة هذا الخطر یجب أن یحلَّ الإبداعُ فی استعراض المصائب التی ذُکرت فی المصادر المعتبرة،محلّ السعی من أجل إیجاد مصائب جدیدةٍ.
یُعدّ حبّ الدنیا من أهمّ وأخطر جذور الکذب فی مجال الخطابة الحسینیّة،فقد جاء فی حدیث عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله:
حُبُّ الدُّنیا رَأسُ کُلِّ خَطیئَةٍ،ومِفتاحُ کُلِّ سَیِّئَةٍ،وسَبَبُ إحباطِ کُلِّ حَسَنَةٍ. (2)
الجدیر بالذکر هو أنّ أنواع الدوافع غیر الإلهیة فی الخطابة،(سواء کانت هی الحصول علی الدخل المادّی أو تحقیق الشهرة والشعبیة أو غیر ذلک)،هی من حبّ الدنیا،وما لم یُعالَج هذا المرض الخطیر وما لم یحصل الإخلاص للخطباء الحسینیّین،فإنّ جمیع
ص:143
المساعی لإصلاح هذا المرض سوف تکون عقیمة ولا تجدی نفعاً.
إنّ الآفات التی ذکرناها حتّی الآن کانت تهدّد مضامین مجالس العزاء علی سیّد الشهداء، وهناک عددٌ من الآفات ذات علاقة بشکل العزاء وکیفیّته.
وکما هو معلومٌ فإنّ العبادات من الناحیة الفقهیة-سواء الواجبة أو المستحبّة-توقیفیةٌ؛ بمعنی أنّ أصل العبادة وکیفیتها یجب أن یتمّ إثباتهما بواسطة الأدلّة الشرعیة،وإلّا فإنّ العمل الذی یؤدّی باعتباره عبادة دون دلیل شرعیّ یعدّ بدعةً،ولیس مَنهیّاً عنه فحسب،بل هو محرّمٌ أیضاً.
وإنّ استحباب إقامة العزاء علی سیّد الشهداء ثابتٌ وفق الأدلّة الأکیدة والمُسلّم بها، ونظراً إلی آثارها وبرکاتها الفردیة والاجتماعیة فإنّها تعتبر من أفضل العبادات.وأمّا فیما یتعلّق بکیفیة أداء هذه العبادة،فإنّ المعیار هو کونها من مراسم العزاء التی کانت متداولة فی عصر صدور الروایات المتعلّقة بشعائر إقامة العزاء،بل یمکن القول إنّ إطلاق هذه الروایات یشمل أنواع شعائر العزاء المتداولة فی العصور المختلفة أیضاً،شریطة أن یصدُق علی ما هو شائع منها إقامة العزاء،وأن لا یؤدّی إلی الاستهانة بمذهب أهل البیت،وأن لا یقترن بعمل محرّم.
وبناءً علی ذلک،فإنّ ما أصبح رائجاً فی عدد من مجالس العزاء بالتدریج،مثل:
استخدام الآلات الموسیقیة والألحان المطربة،وتشبّه الرجال بالنساء،وکذلک ضرب الرؤوس بالقامات (السیوف)،کلّ ذلک یُعدّ بدعةً فی إقامة شعائر العزاء.وخاصّة ضرب الرؤوس بالقامات،حیث أدّی فی عصرنا الحاضر إلی استغلاله فی الإعلام المضادّ لمذهب ومدرسة أهل البیت علیهم السّلام والاستهانة بها،یقول سماحة قائد الثورة آیة اللّه الخامنئی فی هذا المجال:
إنّ (ضرب الرؤوس) بالقامات هو من المحرّمات...ولا یمکن السکوت إزاء هذا
ص:144
العمل الخاطئ المتمثّل فی أن یعمد البعض إلی حمل القامات لیضربوا بها رؤوسهم ویریقوا الدماء،فأیّ شیء فی هذه الممارسة عزاء؟! نعم ضرب الرؤوس بالأیدی هو من العزاء،ولهذا تلاحظون الذین تحلّ بهم مصیبة ما،یضربون رؤوسهم وصدورهم بأیدیهم.وهذا السلوک هو من علامات العزاء،ولکن أین رأیتم حتّی الآن شخصاً یضرب بالسیف علی رأسه بسبب فقده أعزّ الأشخاص علیه؟أین العزاء فی هذه الممارسة؟!
إنّ ضرب الرؤوس بالقامات هو تقلید منتحل ومن الاُمور التی لا علاقة لها بالدین، ولا شکّ فی أنّ اللّه لا یرتضی القیام بمثل هذه الممارسات،ولقد کان علماء السلف مکتوفی الأیدی،ولم یکن بإمکانهم أن یقولوا إنّ هذا العمل خاطئ ومخالف للإسلام،ولکنّ الیوم یوم حکومة الإسلام ویوم تجسّد الإسلام.وعلینا أن لا نقوم بعمل یؤدّی إلی تشویه صورة أفراد المجتمع الإسلامی الأفضل-أی المجتمع المحبّ لأهل البیت علیهم السّلام الذی یفتخر باسم ولی العصر أرواحنا له الفداء وباسم الحسین بن علیّ علیهما السّلام وباسم أمیر المؤمنین علیه السّلام-وطرحهم باعتبارهم مجموعة من الخرافیین العدیمی المنطق فی نظر المسلمین وغیر المسلمین فی العالم...إنّ هذا بدعة دون شکّ. (1)
وکلمتنا الأخیرة فی هذا المجال هی أنّ ثقافة عاشوراء إن قُدّمت للعالم کما هی ودون تحریف،فإنّها تتمتّع بقدرة إعجازیّة من شأنها أن تُنهی نظام الهیمنة والاستکبار فی العالم، وبذلک فإنّ الاُمّة الإسلامیّة سوف لا تکون هی المتحرّر الوحید من ظلم الطغاة ومصّاصی الدماء فی العالم،بل سیتحرّر جمیع المستضعفین،کما قال قائد الثورة الإسلامیة آیة اللّه الخامنئی:
ص:145
إنّ الحسین بن علیّ علیه السّلام بإمکانه الیوم أن یُنقذ العالم بشرط أن لا تُشوّه صورته بواسطة التحریف. (1)
وأنا لا أنسی أبداً تلک اللیلة التی دعا فیها قائد الثورة الإسلامیّة خلال عهد رئاسته للجمهوریة،أوّلَ قائد لحرکة الجهاد الإسلامی فی فلسطین الشهید الدکتور فتحی الشقاقی إلی منزله،وکان یحضر هذا الاجتماع عددٌ من العلماء والمسؤولین فی البلاد،فسأل أحد الحاضرین الشهید الدکتور فتحی الشقاقی:إلی أیّ مدی أنت واثق من نجاحک فی طریقک؟
ورغم أنّه کان من أتباع المذهب السنّی،إلّاأنّه قدّم جواباً حیّر الجمیع وأدهشهم،فقد قال:
نحن لا نُفکّر فی هذا الموضوع أساساً! ولکنّنا نری نجاحنا وانتصارنا فی اختیار طریق الحسین بن علیّ علیه السّلام،وهدفنا هو أداء الواجب الإلهی!
وعلی أیّ حال،فإنّ جمیع الأتباع الحقیقیّین لأهل البیت والمحبّین الواعین لسیّد الشهداء مسؤولون عن الحفاظ علی ثقافة عاشوراء الأصیلة أمام مؤامرات الأعداء العامدین وتحریف الأصدقاء غیر العامدین،ولکن لا شکّ فی أنّ مسؤولیة مراجع التقلید، والمثقّفین،وعلماء الدین الواعین،والخطباء،والکتّاب،والخطباء الملتزمین،أکبر وأعظم:
«ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ یَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِیمِ». 2
ص:146
مع الأخذ بنظر الاعتبار فلسفة إقامة العزاء علی سیّد الشهداء،والآفات التی قد تصیبها والتی یجب تجنّبها،فإنّ هذه المجالس لا یمکن أن تقود المشارکین فیها باتّجاه تحقیق هذا الهدف،إلّاإذا توفّرت فیها ثلاث خصوصیّات:
إنّ جهاد سیّد الشهداء وجمیع الذین استشهدوا فی طریق الحقّ والفضیلة علی مرّ التاریخ، إنّما هو بهدف التعریف باللّه تعالی،وإقرار التوحید فی ظلّ الحکومة الدینیة فی العالم،وبناءً علی ذلک فإنّ من غیر الممکن تقدیم تحلیل صحیح عن نهضة عاشوراء دون المعرفة الدینیة الصحیحة،ولذلک فإنّ المحوریة الإلهیة وربط القلوب باللّه والقیم المعنویة یجب أن یکون أساس برامج مجالس العزاء والمحاضرات وقراءة المراثی،وهو درسٌ کبیر علّمنا إیّاه الإمام الحسین علیه السّلام من أجل تقدیمه إلی عموم المسلمین وخاصّة أتباعه،حیث طلب فی عصر التاسع من محرّم أن یمهله العدو لیلةً.
إذ أنّه استناداً لما ورد فی المصادر التاریخیة المعتبرة،فقد أصدر ابن سعد فی عصر التاسع من محرّم الأمرَ بالهجوم علی الإمام وأصحابه،وعندما رأی علیه السّلام استعداد جیش العدو للهجوم قال لأخیه العبّاس:
اِرجِع إلَیهِم،فَإِنِ استَطَعتَ أن تُؤَخِّرَهُم إلی غُدوَةٍ وتَدفَعَهُم عِندَ العَشِیَّةِ؛لَعَلَّنا نُصَلّی لِرَبِّنَا اللَّیلَةَ،ونَدعوهُ ونَستَغفِرُهُ،فَهُوَ یَعلَمُ أنّی قَد کُنتُ احِبُّ الصَّلاةَ لَهُ،وتِلاوَةَ
ص:147
کِتابِهِ،وکَثرَةَ الدُّعاءِ وَالاِستِغفارِ ! (1)
وبذلک،فقد کانت لیلة عاشوراء،آخر لیالی انس الإمام الحسین علیه السّلام وأصحابه بأنیس الذاکرین:
فَباتَ الحُسَینُ علیه السّلام تِلکَ اللَّیلَةَ [لَیلَةَ عاشوراءَ ] راکِعاً ساجِداً باکِیاً مُستَغفِراً مُتَضَرِّعاً،وباتَ أصحابُهُ ولَهُم دَوِیٌّ کَدَوِیِّ النَّحلِ. (2)
وقد نُقل عن العالم الربّانی آیة اللّه المیرزا جواد الطهرانی (رضوان اللّه علیه) أنّه کان یقول مخاطباً عدداً من الخطباء من رجال الدین:
حاولوا أن لا یُنسی اللّهُ فی مجالس الإمام الحسین علیه السّلام !
وهی ملاحظة مهمّة للغایة وتستحقّ الاهتمام والتأمّل،فنسیان اللّه فی مجالس الإمام الحسین علیه السّلام هو آفة خطیرة تَحولُ دون تعرّف المشارکین فی العزاء علی فلسفة هذا العزاء والنهضة الحسینیة.
إذا لم یتمّ التحلیل الموضوعی لنهضة عاشوراء،فإنّه لا یمکن التعرّف علی الأهداف السامیة للعزاء والسیر فی طریقها،ولذلک یجب علی الخطباء وقرّاء المراثی فی مجالس عزاء سیّد الشهداء أن ینظّموا محاضراتهم ومراثیهم علی أساس التحلیل الصحیح لحادثة عاشوراء، ولهذا فإنّ من الضروری الاستناد إلی المصادر المعتبرة فی بیان هذه الحادثة،وتجنّب آفات مجالس العزاء والتی تقدّم الحدیث عنها مفصّلاً.والطریقُ الأفضلُ لتحقیق هذا الهدف هو قراءة نصّ المقتل من المصادر المعتبرة.
وما ذکره قائد الثورة الإسلامیة آیة اللّه الخامنئی فی هذا المجال جدیر بالالتفات:
إذا قرأتم من کتاب نفس المهموم للمحدّث القمّی من أجل ذکر المصیبة،فإنّه سیثیر عواطف السامع ویُسیل دموعَه،فلماذا نقوم بممارسات تُخرج أصل مجلس
ص:148
العزاء عن فلسفته الحقیقیة من أجل أن نزیّن بها هذا المجلس علی حدّ زعمنا؟! (1)
وهکذا فإن کانت قراءة المراثی علی سیّد الشهداء مقترنة بالإخلاص والصدق، فستکون قَیّمةً للغایة،وإذا کان الهدف مجرّد تزیین المجلس وتحقیق المآرب الدنیویة فسیکون عملاً مضرّاً وخطیراً للغایة. (2)
ص:149
التحلیل الصحیح للنهضة الحسینیة لا یمکن أن یحلّ بدیلاً عن السعی من أجل تهییج العواطف والمشاعر فیما یتعلّق بحادثة کربلاء الدمویّة،فللعواطف دورٌ خاصٌّ فی البناء الروحی،ولا یمکن لأیّ شیء أن یحلّ محلّها؛ولذلک فإنّ أهل البیت علیهم السّلام کانوا یؤکّدون تأکیداً خاصّاً علی الإبکاء والبکاء علی مصائب سیّد الشهداء،وکانوا هم أنفسهم یهیّؤون -من خلال تشجیع قرّاء المراثی والاستماع إلی مراثیهم (1)-الأرضیّة لنشر هذه الثقافة بین أتباعهم،وکما نقل عن الکمیت-وهو شاعر معاصر للإمام الباقر علیه السّلام-أنّه بعد إنشاده المراثی لدیه وبکائه علیه السّلام قال له:
ما مِن رَجُلٍ ذَکَرَنا أو ذُکِرنا عِندَهُ،فَخَرَجَ مِن عَینَیهِ ماءٌ ولَو قَدرَ مِثلِ جَناحِ البَعوضَةِ؛ إلّا بَنی اللّهُ لَهُ بَیتاً فِی الجَنَّةِ،وجَعَلَ ذلِکَ حِجاباً بِینَهُ وبَینَ النّارِ. (2)
وإنّ الخطیبَ الناجحَ هو الذی یؤدّی أکبر الأدوار فی إثارة عواطف الناس إزاء سیّد الشهداء،وذلک من خلال الاعتماد علی المصادر المعتبرة وعلی أساس التحلیل والاستعراض الصحیحین لحادثة عاشوراء،وبذلک فإنّه سیشیع الولاء لأهل بیت الرسالة فی المجتمع مع التبلور حول المحور الإلهی.
ص:150
إقامَةُ المَأتَمِ
2690.فضل زیارة الحسین علیه السّلام عن أبی حمزة عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام -أنَّهُ لَمّا تَلا هذِهِ الآیَةَ: «إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ» 1 قالَ-:الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام مِنهُم،ووَاللّهِ،إنَّ بُکاکُم عَلَیهِ،وحَدیثَکُم بِما جَری عَلَیهِ،وزِیارَتَکُم قَبرَهُ، نُصرَةٌ لَکُم فِی الدُّنیا،فَأَبشِروا فَإِنَّکُم مَعَهُ فی جِوارِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله. (1)
2691.کامل الزیارات عن عبد اللّه بن حمّاد البصری عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :قالَ لی:إنَّ عِندَکُم -أو قالَ:فی قُربِکُم-لَفَضیلَةً ما اوتِیَ أحَدٌ مِثلَها،وما أحسَبُکُم تَعرِفونَها کُنهَ مَعرِفَتِها،ولا تُحافِظونَ عَلَیها ولا عَلَی القِیامِ بِها،وأنَّ لَها لَأَهلاً خاصَّةً قَد سُمّوا لَها، واُعطوها بِلا حَولٍ مِنهُم ولا قُوَّةٍ،إلّاما کانَ مِن صُنعِ اللّهِ لَهُم،وسَعادَةٍ حَباهُمُ اللّهُ بِها، ورَحمَةٍ ورَأفَةٍ وتَقَدُّمٍ.
قُلتُ:جُعِلتُ فِداکَ،وما هذَا الَّذی وَصَفتَ ولَم تُسَمِّهِ؟
ص:151
قالَ:زِیارَةُ جَدِّیَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیهما السّلام،فَإِنَّهُ غَریبٌ بِأَرضِ غُربَةٍ،یَبکیهِ مَن زارَهُ،ویَحزَنُ لَهُ مَن لَم یَزُرهُ،ویَحتَرِقُ لَهُ مَن لَم یَشهَدهُ،ویَرحَمُهُ مَن نَظَرَ إلی قَبرِ ابنِهِ عِندَ رِجلِهِ...
ثُمَّ قالَ:بَلَغَنی أنَّ قَوماً یَأتونَهُ مِن نَواحِی الکوفَةِ وناساً مِن غَیرِهِم،ونِساءً یَندُبنَهُ،وذلِکَ فِی النِّصفِ مِن شَعبانَ،فَمِن بَینِ قارِئٍ یَقرَأُ،وقاصٍّ یَقُصُّ،ونادِبٍ یَندُبُ،وقائِلٍ یَقولُ المَراثِیَ،فَقُلتُ لَهُ:نَعَم،جُعِلتُ فِداکَ،قَد شَهِدتُ بَعضَ ما تَصِفُ.
فَقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی جَعَلَ فِی النّاسِ مَن یَفِدُ إلَینا ویَمدَحُنا ویَرثی لَنا،وجَعَلَ عَدُوَّنا مَن یَطعُنُ عَلَیهِم مِن قَرابَتِنا،وغَیرِهِم یَهدُرونَهُم ویُقَبِّحونَ ما یَصنَعونَ. (1)
2692.الکافی عن معاویة بن وهب: استَأذَنتُ عَلی أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام فَقیلَ لی:اُدخُل،فَدَخَلتُ فَوَجَدتُهُ فی مُصَلّاهُ فی بَیتِهِ،فَجَلَستُ حَتّی قَضی صَلاتَهُ،فَسَمِعتُهُ وهُوَ یُناجی رَبَّهُ ویَقولُ:
یا مَن خَصَّنا بِالکَرامَةِ،وخَصَّنا بِالوَصِیَّةِ،ووَعَدَنَا الشَّفاعَةَ،وأعطانا عِلمَ ما مَضی وما بَقِیَ،وجَعَلَ أفئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهوی إلَینا،اغفِر لی ولِإِخوانی ولِزُوّارِ قَبرِ أبی عَبدِ اللّهِ الحُسَینِ علیه السّلام،الَّذینَ أنفَقوا أموالَهُم،وأشخَصوا أبدانَهُم رَغبَةً فی بِرِّنا،ورَجاءً لِما عِندَکَ فی صِلَتِنا،وسُروراً أدخَلوهُ عَلی نَبِیِّکَ صَلَواتُکَ عَلَیهِ وآلِهِ،وإجابَةً مِنهُم لِأَمرِنا،وغَیظاً أدخَلوهُ عَلی عَدُوِّنا،أرادوا بِذلِکَ رِضاکَ،فَکافِهِم عَنّا بِالرِّضوانِ، وَاکلَأهُم بِاللَّیلِ وَالنَّهارِ،وَاخلُف عَلی أهالیهِم وأولادِهِمُ الَّذینَ خُلِّفوا بِأَحسَنِ الخَلَفِ،وَاصحَبهُم وَاکفِهِم شَرَّ کُلِّ جَبّارٍ عَنیدٍ،وکُلِّ ضَعیفٍ مِن خَلقِکَ أو شَدیدٍ، وشَرَّ شَیاطینِ الإِنسِ وَالجِنِّ،وأعطِهِم أفضَلَ ما أمَّلوا مِنکَ فی غُربَتِهِم عَن أوطانِهِم،
ص:152
وما آثَرونا بِهِ عَلی أبنائِهِم وأهالیهِم وقَراباتِهِم.
اللّهُمَّ إنَّ أعداءَنا عابوا عَلَیهِم خُروجَهُم،فَلَم یَنهَهُم ذلِکَ عَنِ الشُّخوصِ إلَینا، وخِلافاً مِنهُم عَلی مَن خالَفَنا،فَارحَم تِلکَ الوُجوهَ الَّتی قَد غَیَّرَتهَا الشَّمسُ،وَارحَم تِلکَ الخُدودَ الَّتی تَقَلَّبَت عَلی حُفرَةِ أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام،وَارحَم تِلکَ الأَعیُنَ الَّتی جَرَت دُموعُها رَحمَةً لَنا،وَارحَم تِلکَ القُلوبَ الَّتی جَزِعَت وَاحتَرَقَت لَنا،وَارحَمِ الصَّرخَةَ الَّتی کانَت لَنا،اللّهُمَّ إنّی أستَودِعُکَ تِلکَ الأَنفُسَ وتِلکَ الأَبدانَ حَتّی نُوافِیَهُم عَلَی الحَوضِ یَومَ العَطَشِ.
فَما زالَ وهُوَ ساجِدٌ یَدعو بِهذَا الدُّعاءِ. (1)
2693.ثواب الأعمال عن محمّد بن سنان عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:إذا کانَ یَومُ القِیامَةِ نُصِبَ لِفاطِمَةَ علیها السّلام قُبَّةٌ مِن نورٍ،وأقبَلَ الحُسَینُ علیه السّلام رَأسُهُ عَلی یَدِهِ،فَإِذا رَأَتهُ شَهِقَت شَهقَةً لا یَبقی فِی الجَمعِ مَلَکٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِیٌّ مُرسَلٌ ولا عَبدٌ مُؤمِنٌ إلّابَکی لَها...
ثُمَّ قالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام:رَحِمَ اللّهُ شیعَتَنا،شیعَتُنا-وَاللّهِ-هُمُ المُؤمِنونَ،فَقَد- وَاللّهِ-شَرِکونا فِی المُصیبَةِ بِطولِ الحُزنِ وَالحَسرَةِ. (2)
2694.الأمالی للصدوق عن إبراهیم بن أبی محمود عن الرضا علیه السّلام: إنَّ المُحَرَّمَ شَهرٌ کانَ أهلُ
ص:153
الجاهِلِیَّةِ یُحَرِّمونَ فیهِ القِتالَ،فَاستُحِلَّت فیهِ دِماؤُنا،وهُتِکَت فیهِ حُرمَتُنا،وسُبِیَ فیهِ ذَرارِیُّنا،ونِساؤُنا،واُضرِمَتِ النّیرانُ فی مَضارِبِنا،وَانتُهِبَ ما فیها مِن ثَقَلِنا،ولَم تُرعَ لِرَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله حُرمَةٌ فی أمرِنا.
إنَّ یَومَ الحُسَینِ علیه السّلام أقرَحَ جُفونَنا،وأسبَلَ دُموعَنا،وأذَلَّ عَزیزَنا،بِأَرضِ کَربٍ وبَلاءٍ أورَثَتنَا الکَربَ وَالبَلاءَ،إلی یَومِ الاِنقِضاءِ،فَعَلی مِثلِ الحُسَینِ علیه السّلام فَلیَبکِ الباکونَ،فَإِنَّ البُکاءَ یَحُطُّ الذُّنوبَ العِظامَ.
ثُمَّ قالَ علیه السّلام:کانَ أبی صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ إذا دَخَلَ شَهرُ المُحَرَّمِ لا یُری ضاحِکاً، وکانَتِ الکَآبَةُ تَغلِبُ عَلَیهِ حَتّی یَمضِیَ مِنهُ عَشَرَةُ أیّامٍ،فَإِذا کانَ یَومُ العاشِرِ کانَ ذلِکَ الیَومُ یَومَ مُصیبَتِهِ وحُزنِهِ وبُکائِهِ،ویَقولُ:هُوَ الیَومُ الَّذی قُتِلَ فیهِ الحُسَینُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ. (1)
2695.عیون أخبار الرضا علیه السّلام عن الریّان بن شبیب: دَخَلتُ عَلَی الرِّضا علیه السّلام فی أوَّلِ یَومٍ مِنَ المُحَرَّمِ.
فَقالَ:یَابنَ شَبیبٍ،أصائِمٌ أنتَ؟قُلتُ:لا،فَقالَ:إنَّ هذَا الیَومَ هُوَ الیَومُ الَّذی دَعا فیهِ زَکَرِیّا علیه السّلام رَبَّهُ عَزَّ وجَلَّ،فَقالَ: «رَبِّ هَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةً إِنَّکَ سَمِیعُ الدُّعاءِ» 2 ، فَاستَجابَ اللّهُ لَهُ،و أمَرَ المَلائِکَةَ،فَنادَت زَکَرِیّا «وَ هُوَ قائِمٌ یُصَلِّی فِی الْمِحْرابِ أَنَّ اللّهَ یُبَشِّرُکَ بِیَحْیی» 3 ،فَمَن صامَ هذَا الیَومَ،ثُمَّ دَعَا اللّهَ عَزَّ وجَلَّ،استَجابَ اللّهُ لَهُ کَمَا استَجابَ اللّهُ لِزَکَرِیّا.
ص:154
ثُمَّ قالَ:یَابنَ شَبیبٍ ! إنَّ المُحَرَّمَ هُوَ الشَّهرُ الَّذی کانَ أهلُ الجاهِلِیَّةِ یُحَرِّمونَ فیهِ الظُّلمَ وَالقِتالَ لِحُرمَتِهِ،فَما عَرَفَت هذِهِ الاُمَّةُ حُرمَةَ شَهرِها،ولا حُرمَةَ نَبِیِّها،لَقَد قَتَلوا فی هذَا الشَّهرِ ذُرِّیَّتَهُ،وسَبَوا نِساءَهُ،وَانتَهَبوا ثَقَلَهُ،فَلا غَفَرَ اللّهُ لَهُم ذلِکَ أبَداً.
یَابنَ شَبیبٍ ! إن کُنتَ باکِیاً لِشَیءٍ فَابکِ لِلحُسَینِ بنِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام،فَإِنَّهُ ذُبِحَ کَما یُذبَحُ الکَبشُ،وقُتِلَ مَعَهُ مِن أهلِ بَیتِهِ ثَمانِیَةَ عَشَرَ رَجُلاً،ما لَهُم فِی الأَرضِ شَبیهونَ،ولَقَد بَکَتِ السَّماواتُ السَّبعُ وَالأَرَضونَ لِقَتلِهِ،ولَقَد نَزَلَ إلَی الأَرضِ مِنَ المَلائِکَةِ أربَعَةُ آلافٍ لِنَصرِهِ،فَلَم یُؤذَن لَهُم،فَهُم عِندَ قَبرِهِ شُعثٌ غُبرٌ إلی أن یَقومَ القائِمُ علیه السّلام،فَیَکونونَ مِن أنصارِهِ و شِعارُهُم:یا لَثاراتِ الحُسَینِ علیه السّلام.
یَابنَ شَبیبٍ ! لَقَد حَدَّثَنی أبی عَن أبیهِ عَن جَدِّهِ علیهم السّلام،أنَّهُ لَمّا قُتِلَ جَدِّیَ الحُسَینُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ أمطَرَتِ السَّماءُ دَماً و تُراباً أحمَرَ.
یَابنَ شَبیبٍ ! إن بَکَیتَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام حَتّی تَصیرَ دُموعُکَ عَلی خَدَّیکَ،غَفَرَ اللّهُ لَکَ کُلَّ ذَنبٍ أذنَبتَهُ،صَغیراً کانَ أو کَبیراً،وقَلیلاً کانَ أو کَثیراً.
یَابنَ شَبیبٍ ! إن سَرَّکَ أن تَلقَی اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ ولا ذَنبَ عَلَیکَ فَزُرِ الحُسَینَ علیه السّلام.
یَابنَ شَبیبٍ ! إن سَرَّکَ أن تَسکُنَ الغُرَفَ المَبنِیَّةَ فِی الجَنَّةِ مَعَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله فَالعَن قَتَلَةَ الحُسَینِ علیه السّلام.
یَابنَ شَبیبٍ ! إن سَرَّکَ أن یَکونَ لَکَ مِنَ الثَّوابِ مِثلُ ما لِمَنِ استُشهِدَ مَعَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام فَقُل مَتی ذَکَرتَهُ:یا لَیتَنی کُنتُ مَعَهُم فَأَفوزَ فَوزاً عَظیماً.
یَابنَ شَبیبٍ ! إن سَرَّکَ أن تَکونَ مَعَنا فِی الدَّرَجاتِ العُلی مِنَ الجِنانِ فَاحزَن لِحُزنِنا،وَافرَح لِفَرَحِنا،وعَلَیکَ بِوِلایَتِنا،فَلَو أنَّ رَجُلاً أحَبَّ حَجَراً لَحَشَرَهُ اللّهُ عز و جل
ص:155
مَعَهُ یَومَ القِیامَةِ. (1)
2696.الإقبال: أقولُ:ولَعَلَّ قائِلاً یَقولُ:هَلّا کانَ الحُزنُ الَّذی یُعمِلونَهُ مِن أوَّلِ عَشرِ المُحَرَّمِ قَبلَ وُقوعِ القَتلِ،یُعمِلونَهُ بَعدَ یَومِ عاشوراءَ لِأَجلِ تَجَدُّدِ القَتلِ.
فَأَقولُ:إنَّ أوَّلَ العَشرِ کانَ الحُزنُ خَوفاً مِمّا جَرَتِ الحالُ عَلَیهِ،فَلَمّا قُتِلَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ وآلِهِ دَخَلَ تَحتَ قَولِ اللّهِ تَعالی: «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ * فَرِحِینَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ یَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِینَ لَمْ یَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ» 2 ،فَلَمّا صاروا فَرِحینَ بِسَعادَةِ الشَّهادَةِ وَجَبَ المُشارَکَةُ لَهُم فِی السُّرورِ بَعدَ القَتلِ لِنَظفَرَ مَعَهُم (2)بِالسَّعادَةِ. (3)
2697.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: إنَّ السَّنَةَ الَّتی قُتِلَ فیهَا الحُسَینُ علیه السّلام،وهِیَ سَنَةُ إحدی وسِتّینَ،سُمِّیَت عامَ الحُزنِ. (4)
2698.التذکرة للقرطبی: اتَّفَقوا عَلی أنَّهُ قُتِلَ یَومَ عاشوراءَ،العاشِرَ مِنَ المُحَرَّمِ،سَنَةَ إحدی وسِتّینَ؛ویُسَمّی عامَ الحُزنِ. (5)
ص:156
2699.الملهوف: أخرَجُوا النِّساءَ مِنَ الخَیمَةِ،وأشعَلوا فیهَا النّارَ،فَخَرَجنَ حَواسِرَ،مُسَلَّباتٍ حافیاتٍ باکِیاتٍ،یَمشینَ سَبایا فی أسرِ الذِّلَّةِ،وقُلنَ:بِحَقِّ اللّهِ إلّاما مَرَرتُم بِنا عَلی مَصرَعِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَلَمّا نَظَرَتِ النِّسوَةُ إلَی القَتلی صِحنَ وضَرَبنَ وُجوهَهُنَّ.
قالَ [الرّاوی]:فَوَ اللّهِ،لا أنسی زَینَبَ ابنَةَ عَلِیٍّ علیه السّلام وهِیَ تَندُبُ الحُسَینَ علیه السّلام وتُنادی بِصَوتٍ حَزینٍ،وقَلبٍ کَئیبٍ:وا مُحَمَّداه! صَلّی عَلَیکَ مَلیکُ السَّماءِ،هذا حُسَینٌ بِالعَراءِ،مُرَمَّلٌ (1)بِالدِّماءِ،مُقَطَّعٌ الأَعضاءِ،وا ثُکلاه! وبَناتُکَ سَبایا،إلَی اللّهِ المُشتَکی،وإلی محمّدٍ المُصطَفی،وإلی عَلِیٍّ المُرتَضی،وإلی فاطِمَةَ الزَّهراءِ،وإلی حَمزَةَ سَیِّدِ الشُّهَداءِ.
وا مُحَمَّداه! وهذا حُسَینٌ بِالعَراءِ،تَسفی (2)عَلَیهِ ریحُ الصَّبا،قَتیلُ أولادِ البَغایا، وَاحُزناه! واکَرباه عَلَیکَ یا أبا عَبدِ اللّهِ ! الیَومَ ماتَ جَدّی رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،یا أصحابَ مُحَمَّدٍ،هؤُلاءِ ذُرِّیَّةُ المُصطَفی یُساقونَ سَوقَ السَّبایا. (3)
ص:157
2700.مثیر الأحزان: مَرَرنَ عَلی جَسَدِ الحُسَینِ علیه السّلام وهُوَ مُعَفَّرٌ (1)بِدِمائِهِ،مَفقودٌ مِن أحِبّائِهِ، فَنَدَبَت عَلَیهِ زَینَبُ علیها السّلام بِصَوتٍ مُشجٍ،وقَلبٍ مَقروحٍ:یا مُحَمَّداه ! صَلّی عَلَیکَ مَلیکُ السَّماءِ،هذا حُسَینٌ مُرَمَّلٌ بِالدِّماءِ،مُقَطَّعُ الأَعضاءِ،وبَناتُکَ سَبایا،إلَی اللّهِ المُشتَکی،وإلی عَلِیٍّ المُرتَضی،وإلی فاطِمَةَ الزَّهراءِ،وإلی حَمزَةَ سَیِّدِ الشُّهَداءِ،هذا حُسَینٌ بِالعَراءِ تَسفی عَلَیهِ الصَّبا،قَتیلُ أولادِ الأَدعِیاءِ،واحُزناه! واکَرباه ! الیَومَ ماتَ جَدّی رَسولُ اللّهِ،یا أصحابَ مُحَمَّداه،هذا (2)ذُرِّیَّةُ المُصطَفی یُساقونَ سَوقَ السَّبایا، فَأَذابَتِ القُلوبَ القاسِیَةَ،وهَدَّتِ الجِبالَ الرّاسِیَةَ. (3)
2701.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمَّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جدّه [زین العابدین] علیهم السّلام :أقبَلَ فَرَسُ الحُسَینِ علیه السّلام حَتّی لَطَّخَ عُرفَهُ وناصِیَتَهُ بِدَمِ الحُسَینِ علیه السّلام، وجَعَلَ یَرکُضُ ویَصهِلُ،فَسَمِعَت بَناتُ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله صَهیلَهُ،فَخَرَجنَ فَإِذَا الفَرَسُ بِلا راکِبٍ،فَعَرَفنَ أنَّ حُسَیناً قَد قُتِلَ،وخَرَجَت امُّ کُلثومِ بِنتُ الحُسَینِ علیه السّلام (4)واضِعَةً یَدَها عَلی رَأسِها،تَندُبُ وتَقولُ:وا مُحَمَّداه ! هذَا الحُسَینُ بِالعَراءِ،قَد سُلِبَ العِمامَةَ وَالرِّداءَ. (5)
راجع:ج 4 ص 421 (القسم الثامن/الفصل التاسع/رجوع الفرس بلا راکب).
ص:158
2702.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی عن حمید بن مسلم: أذَّنَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ بِالنّاسِ فِی الرَّحیلِ إلَی الکوفَةِ،وحَمَلَ بَناتِ الحُسَینِ علیه السّلام وأخَواتِهِ وعَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام وذَرارِیَّهُم،فَلَمّا مَرّوا بِجُثَّةِ الحُسَینِ وجُثَثِ أصحابِهِ علیهم السّلام،صاحَتِ النِّساءُ ولَطَمنَ وُجوهَهُنَّ،وصاحَت زَینَبُ[ علیها السّلام ]:
یا مُحَمَّداه ! صَلّی عَلَیکَ مَلیکُ السَّماءِ،هذا حُسَینٌ بِالعَراءِ،مُزَمَّلٌ (1)بِالدِّماءِ،مُعَفَّرٌ بِالتُّرابِ،مُقَطَّعُ الأَعضاءِ،یا مُحَمَّداه! بَناتُکَ فِی العَسکَرِ سَبایا،وذُرِّیَّتُکَ قَتلی تَسفی عَلَیهِمُ الصَّبا،هذَا ابنُکَ مَحزوزُ الرَّأسِ مِنَ القَفا،لا هُوَ غائِبٌ فَیُرجی،ولا جَریحٌ فَیُداوی.
وما زالَت تَقولُ هذَا القَولَ حَتّی أبکَت-وَاللّهِ-کُلَّ صَدیقٍ وعَدُوٍّ،وحَتّی رَأَینا دُموعَ الخَیلِ تَنحَدِرُ عَلی حَوافِرِها. (2)
2703.تاریخ الطبری عن قرّة بن قیس التمیمی: نَظَرتُ إلی تِلکَ النِّسوَةِ لَمّا مَرَرنَ بِحُسَینٍ علیه السّلام وأهلِهِ ووُلدِهِ،صِحنَ ولَطَمنَ وُجوهَهُنَّ. (3)
2704.الملهوف: لَمّا رَجَعَ نِساءُ الحُسَینِ علیه السّلام وعِیالُهُ مِنَ الشّامِ وبَلَغوا إلَی العِراقِ،قالوا لِلدَّلیلِ:
مُرَّ بِنا عَلی طَریقِ کَربَلاءَ.
ص:159
فَوَصَلوا إلی مَوضِعِ المَصرَعِ،فَوَجَدوا جابِرَ بنَ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِیَّ رحمه الله وجَماعَةً مِن بَنی هاشِمٍ ورِجالاً مِن آلِ الرَّسولِ صلّی اللّه علیه و آله قَد وَرَدوا لِزِیارَةِ قَبرِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَوافَوا فی وَقتٍ واحِدٍ،وتَلاقَوا بِالبُکاءِ وَالحُزنِ وَاللَّطمِ،وأقامُوا المَآتِمَ المُقرِحَةَ لِلأَکبادِ، وَاجتَمَعَت إلَیهِم نِساءُ ذلِکَ السَّوادِ،وأقاموا عَلی ذلِکَ أیّاماً. (1)
2705.الأغانی عن عوانة: رَثَتِ الرَّبابُ بِنتُ امرِئِ القَیسِ امُّ سُکَینَةَ بِنتِ الحُسَینِ علیه السّلام،زَوجَهَا الحُسَینَ علیه السّلام حینَ قُتِلَ،فَقالَت:
إنَّ الَّذی کانَ نوراً یُستَضاءُ بِهِ بِکَربَلاءَ قَتیلٌ غَیرُ مَدفونِ
سِبطَ النَّبِیِّ جَزاکَ اللّهُ صالِحَةً عَنّا وجُنِّبتَ خُسرانَ المَوازینِ
قَد کُنتَ لی جَبَلاً صَعباً ألوذُ بِهِ وکُنتَ تَصحَبُنا بِالرُّحمِ وَالدّینِ
مَن لِلیَتامی ومَن لِلسّائِلینَ ومَن یُغنی ویَأوی إلَیهِ کُلُّ مِسکینِ
وَاللّهِ لا أبتَغی صِهراً بِصِهرِکُمُ حَتّی اغَیَّبَ بَینَ الرَّملِ وَالطّینِ (2)
2706.تاریخ دمشق: رَبابُ بِنتُ امرِئِ القَیسِ...الکَلبِیَّةُ،وهِیَ الَّتی أقامَت عَلی قَبرِ الحُسَینِ علیه السّلام حَولاً،ثُمَّ قالَت:
إلَی الحَولِ ثُمَّ اسمُ السَّلامِ عَلَیکُما ومَن یَبکِ حَولاً کامِلاً فَقَدِ اعتَذَرَ
...ولَمّا تُوُفِّیَ الحُسَینُ علیه السّلام خُطِبَتِ الرَّبابُ واُلِحَّ عَلَیها،فَقالَت:ما کُنتُ لِأَتَّخِذَ حَمواً بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَلَم تَزَوَّج،وعاشَت بَعدَهُ سَنَةً لَم یُظِلَّها سَقفُ بَیتٍ،حَتّی بُلِیَت وماتَت کَمَداً. (3)
ص:160
2707.الکامل فی التاریخ: کانَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام امرَأَتُهُ الرَّبابُ بِنتُ امرِئِ القَیسِ،وهِیَ امُّ ابنَتِهِ سُکَینَةَ،وحُمِلَت إلَی الشّامِ فیمَن حُمِلَ مِن أهلِهِ،ثُمَّ عادَت إلَی المَدینَةِ،فَخَطَبَهَا الأَشرافُ مِن قُرَیشٍ.
فَقالَت:ما کُنتُ لِأَتَّخِذَ حَمواً بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وبَقِیَت بَعدَهُ سَنَةً لَم یُظِلَّها سَقفُ بَیتٍ،حَتّی بُلِیَت وماتَت کَمَداً.
وقیلَ:إنَّها أقامَت عَلی قَبرِهِ سَنَةً،وعادَت إلَی المَدینَةِ،فَماتَت أسَفاً عَلَیهِ. (1)
2708.الکافی عن مصقلة الطحّان: سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ علیه السّلام یَقولُ:لَمّا قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام أقامَتِ امرَأَتُهُ الکَلبِیَّةُ (2)عَلَیهِ مَأتَماً،وبَکَت وبَکَینَ النِّساءُ وَالخَدَمُ حَتّی جَفَّت دُموعُهُنَّ وذَهَبَت، فَبَینا هِیَ کذلِکَ إذا رَأَت جارِیَةٌ مِن جَواریها تَبکی ودُموعُها تَسیلُ،فَدَعَتها،فَقالَت لَها:ما لَکِ أنتِ مِن بَینِنا تَسیلُ دُموعُکِ؟
قالَت:إنّی لَمّا أصابَنِی الجَهدُ شَرِبتُ شَربَةَ سَویقٍ.
قالَ:فَأَمَرَت بِالطَّعامِ وَالأَسوِقَةِ،فَأَکَلَت وشَرِبَت،وأطعَمَت وسَقَت،وقالَت:إنَّما نُریدُ بِذلِکَ أن نَتَقَوّی عَلَی البُکاءِ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام.
قالَ:واُهدِیَ إلَی الکَلبِیَّةِ جُؤَناً (3)لِتَستَعینَ بِها عَلی مَأتَمِ الحُسَینِ علیه السّلام.
فَلَمّا رَأَتِ الجُؤَنَ قالَت:ما هذِهِ؟قالوا:هَدِیَّةٌ أهداها فُلانٌ لِتَستَعینی عَلی مَأتَمِ الحُسَینِ علیه السّلام.فَقالَت:لَسنا فی عُرسٍ فَما نَصنَعُ بِها؟ثُمَّ أمَرَت بِهِنَّ،فَاُخرِجنَ مِنَ
ص:161
الدّارِ،فَلَمّا اخرِجنَ مِنَ الدّارِ لَم یُحَسَّ لَها حِسٌّ،کَأَنَّما طِرنَ بَینَ السَّماءِ وَالأَرضِ، ولَم یُرَ لَهُنَّ بِها بَعدُ خُروجِهِنَّ مِنَ الدّارِ أثَرٌ. (1)
راجع:ج 1 ص 208 (القسم الأوّل/الفصل الخامس/الرباب).
2709.الأمالی للمفید عن حَذلم بن سُتَیر: قَدِمتُ الکوفَةَ فِی المُحَرَّمِ سَنَةَ إحدی وسِتّینَ،عِندَ مُنصَرَفِ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیهما السّلام بِالنِّسوَةِ مِن کَربَلاءَ ومَعَهُمُ الأَجنادُ مُحیطونَ بِهِم،وقَد خَرَجَ النّاسُ لِلنَّظَرِ إلَیهِم،فَلَمّا اقبِلَ بِهِم عَلَی الجِمالِ بِغَیرِ وِطاءٍ،جَعَلَ نِساءُ الکوفَةِ یَبکینَ ویَنتَدِبنَ. (2)
2710.مطالب السؤول: ثُمَّ إنَّ القَومَ استاقُوا الحَرَمَ کَما تُساقُ الاُساری حَتّی أتَوُا الکوفَةَ،فَخَرَجَ النّاسُ،فَجَعَلوا یَنظُرونَ ویَبکونَ ویَنوحونَ،وکانَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ-زَینُ العابِدینَ علیه السّلام-قَد أنهَکَهُ المَرَضُ،فَجَعَلَ یَقولُ:ألا إنَّ هؤُلاءِ یَبکونَ ویَنوحونَ مِن أجلِنا،فَمَن قَتَلَنا؟. (3)
ص:162
2711.الملهوف: فَضَجَّ النّاسُ [بَعدَ خُطبَةِ امِّ کُلثومٍ علیها السّلام بِنتِ عَلِیٍّ علیه السّلام فِی الکوفَةِ] بِالبُکاءِ وَالنَّحیبِ وَالنَّوحِ،ونَشَرَ النِّساءُ شُعورَهُنَّ،وحَثَینَ التُّرابَ عَلی رُؤُوسِهِنَّ وخَمَشنَ (1)وُجوهَهُنَّ،ولَطَمنَ خُدودَهُنَّ،ودَعَونَ بِالوَیلِ وَالثُّبورِ،وبَکَی الرِّجالُ،ونَتَفوا لِحاهُم، فَلَم یُرَ باکِیَةٌ وباکٍ أکثَرَ مِن ذلِکَ الیَومِ. (2)
2712.الاحتجاج عن زید بن موسی بن جعفر عن أبیه عن آبائه علیهم السّلام: خَطَبَت فاطِمَةُ الصُّغری علیها السّلام بَعدَ أن رُدَّت مِن کَربَلاءَ،...فَارتَفَعَتِ الأَصواتُ بِالبُکاءِ،وقالوا:حَسبُکِ یا بِنتَ الطَّیِّبینَ، فَقَد أحرَقتِ قُلوبَنا،وأنضَجتِ نُحورَنا،وأضرَمتِ (3)أجوافَنا،فَسَکَتَت عَلَیها وعَلی أبیها وجَدَّیهَا السَّلامُ. (4)
2713.الاحتجاج: رَوی شَیخٌ صَدوقٌ مِن مَشایِخِ بَنی هاشِمٍ وغَیرُهُ مِنَ النّاسِ:أنَّهُ لَما دَخَلَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام وحَرَمُهُ عَلی یَزیدَ لَعَنَهُ اللّهُ،وجیءَ بِرَأسِ الحُسَینِ علیه السّلام ووُضِعَ بَینَ
ص:163
یَدَیهِ فی طَستٍ،فَجَعَلَ یَضرِبُ ثَنایاهُ بِمِخصَرَةٍ (1)کانَت فی یَدِهِ...
فَلَمّا رَأَت زَینَبُ علیها السّلام ذلِکَ،فَأَهوَت إلی جَیبِها فَشَقَّتهُ،ثُمَّ نادَت بِصَوتٍ حَزینٍ تُقرِعُ القُلوبَ:یا حُسَیناه! یا حَبیبَ رَسولِ اللّهِ! یَابنَ مَکَّةَ ومِنیً! یَابنَ فاطِمَةَ الزَّهراءِ،سَیِّدَةِ النِّساءِ! یَابنَ مُحَمَّدٍ المُصطَفی !
قالَ:فَأَبکَت-وَاللّهِ-کُلَّ مَن کانَ،ویَزیدُ ساکِتٌ. (2)
2714.الملهوف -فی مَجلِسِ یَزیدَ ورَأسُ الحُسَینِ علیه السّلام بَینَ یَدَیهِ-:جَعَلَتِ امرَأَةٌ مِن بَنی هاشِمٍ کانَت فی دارِ یَزیدَ تَندُبُ الحُسَینَ علیه السّلام وتُنادی:یا حُسَیناه ! یا حَبیباه ! یا سَیِّداه ! یا سَیِّدَ أهلِ بَیتاه! یَابنَ مُحَمَّداه! یا رَبیعَ الأَرامِلِ وَالیَتامی! یا قَتیلَ أولادِ الأَدعِیاءِ! قالَ الرّاوی:فَأَبکَت کُلَّ مَن سَمِعَها. (3)
2715.أنساب الأشراف: وصَیَّحَ نِساءٌ مِن نِساءِ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،ووَلوَلنَ حینَ ادخِلَ نِساءُ الحُسَینِ علیه السّلام عَلَیهِنَّ،وأقَمنَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام مَأتَماً. (4)
2716.تاریخ الطبری عن فاطمة بنت علیّ علیه السّلام -فی ذِکرِ أمرِ یَزیدَ بِتَجهیزِ السَّبایا ودُخولِهِم دارَهُ وإقامَةِ المَناحَةِ هُناکَ-:قالَ یَزیدُ بنُ مُعاوِیَةَ:یا نُعمانَ بنَ بَشیرٍ،جَهِّزهُم بِما
ص:164
یُصلِحُهُم،وَابعَث مَعَهُم رَجُلاً مِن أهلِ الشّامِ أمیناً صالِحاً،وَابعَث مَعَهُ خَیلاً وأعواناً، فَیَسیرَ بِهِم إلَی المَدینَةِ،ثُمَّ أمَرَ بِالنِّسوَةِ أن یُنزَلنَ فی دارٍ عَلی حِدَةٍ،مَعَهُنَّ ما یُصلِحُهُنَّ،وأخوهُنَّ مَعَهُنَّ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام فِی الدّارِ الَّتی هُنَّ فیها.
قالَ:فَخَرَجنَ حَتّی دَخَلنَ دارَ یَزیدَ،فَلَم تَبقَ مِن آلِ مُعاوِیَةَ امرَأَةٌ إلَّااستَقبَلَتهُنَّ تَبکی وتَنوحُ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَأَقاموا عَلَیهِ المَناحَةَ ثَلاثاً. (1)
2717.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): أمَرَ [یَزیدُ] بِالنِّساءِ،فَاُدخِلنَ عَلی نِسائِهِ، وأمَرَ نِساءَ آلِ أبی سُفیانَ،فَأَقَمنَ المَأتَمَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام ثَلاثَةَ أیّامٍ،فَما بَقِیَت مِنهُنَّ امرَأَةٌ إلّاتَلَقَّتنا تَبکی وتَنتَحِبُ،ونُحنَ عَلی حُسَینٍ علیه السّلام ثَلاثاً،وبَکَت امُّ کُلثومٍ بِنتُ عَبدِ اللّهِ بنِ عامِرِ بنِ کُرَیزٍ عَلی حُسَینٍ علیه السّلام،وهِیَ یَومَئِذٍ عِندَ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ.
فَقالَ یَزیدُ:حُقَّ لَها أن تُعوِلَ عَلی کَبیرِ قُرَیشٍ وسَیِّدِها. (2)
2718.تاریخ الیعقوبی: کانَ أوَّلَ صارِخَةٍ صَرَخَت فِی المَدینَةِ امُّ سَلَمَةَ زَوجُ رَسولِ اللّهِ،کانَ دَفَعَ إلَیها قارورَةً فیها تُربَةٌ،وقالَ لَها:إنَّ جِبریلَ أعلَمَنی أنَّ امَّتی تَقتُلُ الحُسَینَ.
[قالَت:] (3)وأعطانی هذِهِ التُّربَةَ،وقالَ لی:«إذا صارَت دَماً عَبیطاً فَاعلَمی أنَّ
ص:165
الحُسَینَ قَد قُتِلَ»،وکانَت عِندَها.
فَلَمّا حَضَرَ ذلِکَ الوَقتُ،جَعَلَت تَنظُرُ إلَی القارورَةِ فی کُلِّ ساعَةٍ،فَلَمّا رَأَتها قَد صارَت دَماً صاحَت:وا حُسَیناه! وَابنَ رَسولِ اللّهِ! وتَصارَخَتِ النِّساءُ مِن کُلِّ ناحِیَةٍ، حَتَّی ارتَفَعَتِ المَدینَةُ بِالرَّجَّةِ الَّتی ما سُمِعَ بِمِثلِها قَطُّ. (1)
2719.الأمالی للمفید عن غیاث بن إبراهیم عن الصادق جعفر بن محمَّد علیه السّلام: أصبَحَت یَوماً امُّ سَلَمَةَ تَبکی،فَقیلَ لَها:مِمَّ بُکاؤُکِ؟
فَقالَت:لَقَد قُتِلَ ابنِیَ الحُسَینُ علیه السّلام اللَّیلَةَ،وذلِکَ أنَّنی ما رَأَیتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله مُنذُ قُبِضَ إلَّااللَّیلَةَ،فَرَأَیتُهُ شاحِباً کَئیباً،قالَت:فَقُلتُ:ما لی أراکَ یا رَسولَ اللّهِ شاحِباً کَئیباً؟
قالَ:ما زِلتُ اللَّیلَةَ أحفِرُ قُبوراً لِلحُسَینِ وأصحابِهِ علیهم السّلام. (2)
2720.سنن الترمذی عن سلمی: دَخَلتُ عَلی امِّ سَلَمَةَ (3)وهِیَ تَبکی،فَقُلتُ:ما یُبکیکِ؟قالَت:
رَأَیتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله-تَعنی فِی المَنامِ-وعَلی رَأسِهِ ولِحَیتِهِ التُّرابُ،فَقُلتُ:ما لَکَ یا رَسولَ اللّهِ؟قالَ:شَهِدتُ قَتلَ الحُسَینِ آنِفاً. (4)
راجع:ج 5 ص 27 (القسم التاسع/الفصل الثانی/رؤیا امّ سلمة).
2721.الملهوف: کَتَبَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ یُخبِرُهُ بِقَتلِ الحُسَینِ علیه السّلام وخَبرِ
ص:166
أهلِ بَیتِهِ،وکَتَبَ أیضاً إلی عَمرِو بنِ سَعیدِ بنِ العاصِ أمیرِ المَدینَةِ بِمِثلِ ذلِکَ.فَأَمّا عَمرٌو فَحینَ وَصَلَهُ الخَبَرُ صَعِدَ المِنبَرَ،وخَطَبَ النّاسَ،وأعلَمَهُم ذلِکَ،فَعَظُمَت واعِیَةُ بَنی هاشِمٍ،وأقاموا سُنَنَ المَصائِبِ وَالمَآتِمِ. (1)
2722.الإرشاد: لَمّا أنفَذَ ابنُ زِیادٍ بِرَأسِ الحُسَینِ علیه السّلام إلی یَزیدَ تَقَدَّمَ إلی عَبدِ المَلِکِ بنِ أبِی الحُدَیثِ السُّلَمِیِّ،فَقالَ:اِنطَلِق حَتّی تَأتِیَ عَمرَو بنَ سَعیدِ بنِ العاصِ بِالمَدینَةِ، فَبَشِّرهُ بِقَتلِ الحُسَینِ.
فَقالَ عَبدُ المَلِکِ:...ولَمّا دَخَلتُ عَلی عَمرِو بنِ سَعیدٍ قالَ:ما وَراءَکَ؟فَقُلتُ:ما سَرَّ الأَمیرَ،قُتِلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ.فَقالَ:اُخرُج فَنادِ بِقَتلِهِ،فَنادَیتُ فَلَم أسمَع -وَاللّهِ-واعِیَةً قَطُّ مِثلَ واعِیَةِ بَنی هاشِمٍ فی دورِهِم عَلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیهما السّلام حینَ سَمِعُوا النِّداءَ بِقَتلِهِ. (2)
2723.تاریخ الطبری عن عوانة بن الحکم: لَمّا قَتَلَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام وجیءَ بِرَأسِهِ إلَیهِ،دَعا عَبدَ المَلِکِ بنَ أبِی الحارِثِ السُّلَمِیَّ،فَقالَ:اِنطَلِق حَتّی تَقدِمَ المَدینَةَ عَلی عَمرِو بنِ سَعیدِ بنِ العاصِ،فَبَشِّرهُ بِقَتلِ الحُسَینِ،وکانَ عَمرُو بنُ سَعیدِ بنِ العاصِ أمیرَ المَدینَةِ یَومَئِذٍ،قالَ:فَذَهَبَ لِیَعتَلَّ لَهُ فَزَجَرَهُ،-وکانَ عُبَیدُ اللّهِ لایُصطَلی بِنارِهِ-،فَقالَ:اِنطَلِق حَتّی تَأتِیَ المَدینَةَ ولا یَسبِقُکَ الخَبرُ،وأعطاهُ دَنانیرَ،وقالَ:لا تَعتَلَّ وإن قامَت بِکَ راحِلَتُکَ فَاشتَرِ راحِلَةً.
قالَ عَبدُ المَلِکِ:فَقَدِمتُ المَدینَةَ فَلَقِیَنی رَجُلٌ مِن قُرَیشٍ،فَقالَ:مَا الخَبَرُ؟ فَقُلتُ:الخَبَرُ عِندَ الأَمیرِ،فَقالَ:إنّا للّهِ ِ وإنّا إلَیهِ راجِعونَ،قُتِلَ الحُسَینُ بنُ
ص:167
عَلِیٍّ علیه السّلام،فَدَخَلتُ عَلی عَمرِو بنِ سَعیدٍ،فَقالَ:ما وَراءَکَ؟فَقُلتُ:ما سَرَّ الأَمیرَ،قُتِلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیهما السّلام.
فَقالَ:نادِ بِقَتلِهِ،فَنادَیتُ بِقَتلِهِ،فَلَم أسمَع-وَاللّهِ-واعِیَةً قَطُّ مِثلَ واعِیَةِ نِساءِ بَنی هاشِمٍ فی دورِهِنَّ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام. (1)
2724.الأمالی للمفید عن أبی هیاج عبد اللّه بن عامر: لَمّا أتی نَعیُ الحُسَینِ علیه السّلام إلَی المَدینَةِ،خَرَجَت أسماءُ بِنتُ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ فی جَماعَةٍ مِن نِسائِها حَتَّی انتَهَت إلی قَبرِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَلاذَت بِهِ،وشَهِقَت عِندَهُ،ثُمَّ التَفَتَت إلَی المُهاجِرینَ وَالأَنصارِ،وهِیَ تَقولُ:
ماذا تَقولونَ إن قالَ النَّبِیُّ لَکُم یَومَ الحِسابِ وصِدقُ القَولِ مَسموعُ
خَذَلتُم عِترَتی أو کُنتُم غُیَّباً وَالحَقُّ عِندَ وَلِیِّ الأَمرِ مَجموعُ
أسلَمتُموهُم (2)بِأَیدِی الظّالِمینَ فَما مِنکُم لَهُ الیَومَ عِندَ اللّهِ مَشفوعُ
ما کانَ عِندَ غَداةِ الطَّفِّ إذ حَضَروا تِلکَ المَنایا ولا عَنهُنَّ مَدفوعُ
فَما رَأَینا باکِیاً ولا باکِیَةً أکثَرَ مِمّا رَأَینا ذلِکَ الیَومَ. (3)
2725.الإرشاد: خَرَجَت امُّ لُقمانَ بِنتُ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ حینَ سَمِعَت نَعیَ الحُسَینِ علیه السّلام حاسِرَةً ومَعَها أخَواتُها:اُمُّ هانِئٍ،وأسماءُ،ورَملَةُ،وزَینَبُ بَناتُ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِنَّ،تَبکی قَتلاها بِالطَّفِّ،وهِیَ تَقولُ:
ماذا تَقولونَ إذ قالَ النَّبِیُّ لَکُم ماذا فَعَلتُم وأنتُم آخِرُ الاُمَمِ
ص:168
بِعِترَتی وبِأَهلی بَعدَ مُفتَقَدی مِنهُم اساری ومِنهُم ضُرِّجوا بِدَمِ
ما کانَ هذا جَزائی إذ نَصَحتُ لَکُم أن تُخلِفونی بِسوءٍ فی ذَوی رَحِمی (1)
2726.تاریخ الطبری عن عبد الرحمن بن عبید أبی الکنود: لَمّا أتی أهلَ المَدینَةِ مَقتَلُ الحُسَینِ علیه السّلام، خَرَجَتِ ابنَةُ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ ومَعَها نِساؤُها،وهِیَ حاسِرَةٌ،تَلوی بِثَوبِها،وهِیَ تَقولُ:
ماذا تَقولونَ إن قالَ النَّبِیُّ لَکُم ماذا فَعَلتُم وأنتُم آخِرُ الاُمَمِ
بِعِترَتی وبِأَهلی بَعدَ مُفتَقَدی مِنهُم اساری ومِنهُم ضُرِّجوا بِدَمِ (2)
راجع:ج 5 ص 300 (القسم التاسع/الفصل الثامن/قدوم آل الرسول صلّی اللّه علیه و آله إلی المدینة) وص 341 (القسم الثانی عشر/الفصل الأوّل/ما روی عن بنات عقیل).
2727.الملهوف عن بشیر بن حذلم (3): فَلَمّا قَرُبنا مِنها [أی مِنَ المَدینَةِ] نَزَلَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام فَحَطَّ رَحلَهُ،وضَرَبَ فُسطاطَهُ،وأنزَلَ نِساءَهُ،وقالَ:یا بَشیرُ،رَحِمَ اللّهُ أباکَ،لَقَد کانَ شاعِراً،فَهَل تَقدِرُ عَلی شَیءٍ مِنهُ؟
قُلتُ:بَلی یَابنَ رَسولِ اللّهِ،إنّی لَشاعِرٌ.
ص:169
قالَ:فَادخُلِ المَدینَةَ وَانعَ أبا عَبدِ اللّهِ علیه السّلام.
قالَ بَشیرٌ:فَرَکِبتُ فَرَسی ورَکَضتُ حَتّی دَخَلتُ المَدینَةَ،فَلَمّا بَلَغتُ مَسجِدَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،رَفَعتُ صَوتی بِالبُکاءِ،وأنشَأتُ أقولُ:
یا أهلَ یَثرِبَ لا مُقامَ لَکُم بِها قُتِلَ الحُسَینُ فَأَدمُعی مِدرارُ
الجِسمُ مِنهُ بِکَربَلاءَ مُضَرَّجٌ وَالرَّأسُ مِنهُ عَلَی القَناةِ یُدارُ
قالَ:ثُمَّ قُلتُ:هذا عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام مَعَ عَمّاتِهِ وأخَواتِهِ،قَد حَلّوا بِساحَتِکُم، ونَزَلوا بِفِنائِکُم،وأنَا رَسولُهُ إلَیکُم اعَرِّفُکُم مَکانَهُ.
قالَ:فَما بَقِیَت فِی المَدینَةِ مُخَدَّرَةٌ ولا مُحَجَّبَةٌ إلّابَرَزنَ مِن خُدورِهِنَّ مَکشوفَةً شُعورُهُنَّ،مُخَمَّشَةً وُجوهُهُنَّ،ضارِباتٍ خُدودَهُنَّ،یَدعونَ بِالوَیلِ وَالثُّبورِ،فَلَم أرَ باکِیاً ولا باکِیَةً أکثَرَ مِن ذلِکَ الیَومِ،ولا یَوماً أمَرَّ عَلَی المُسلِمینَ مِنهُ بَعدَ وَفاةِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وسَمِعتُ جارِیَةً تَنوحُ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام وتَقولُ:
نَعی سَیِّدی ناعٍ نَعاهُ فَأَوجَعا فَأَمرَضَنی ناعٍ نَعاهُ فَأَفجَعا
أعَینَیَّ جودا بِالمَدامِعِ وأَسکِبا وجودا بِدَمعٍ بَعدَ دَمعِکُما مَعا
عَلی مَن دَهی عَرشَ الجَلیلِ فَزَعزَعا (1) وأصبَحَ أنفُ الدّینِ وَالمَجدُ أجدَعا (2)
عَلَی ابنِ نَبِیِّ اللّهِ وَابنِ وَصِیِّهِ وإن کانَ عَنّا شاحِطَ (3)الدّارِ أشسَعا (4)
ثُمَّ قالَت:أیُّهَا النّاعی! جَدَّدتَ حُزنَنا بِأَبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام،وخَدَشتَ مِنّا قُروحاً لَمّا
ص:170
تَندَمِل،فَمَن أنتَ یَرحَمُکَ اللّهُ؟
قُلتُ:أنَا بَشیرُ بنُ حَذلَمٍ وَجَّهَنی مَولایَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام وهُوَ نازِلٌ مَوضِعَ کَذا وکَذا مَعَ عِیالِ أبی عَبدِ اللّهِ الحُسَینِ علیه السّلام ونِسائِهِ.
قالَ:فَتَرَکونی مَکانی وبادَروا،فَضَرَبتُ فَرَسی حَتّی رَجَعتُ إلَیهِم،فَوَجَدتُ النّاسَ قَد أخَذُوا الطُّرُقَ وَالمَواضِعَ،فَنَزَلتُ عَن فَرَسی وتَخَطَّیتُ رِقابَ النّاسِ حَتّی قَرُبتُ مِن بابِ الفُسطاطِ،وکانَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام داخِلاً فَخَرَجَ ومَعَهُ خِرقَةٌ یَمسَحُ بِها دُموعَهُ،وخَلفَهُ خادِمٌ مَعَهُ کُرسِیٌّ،فَوَضَعَهُ لَهُ وجَلَسَ عَلَیهِ وهُوَ لا یَتَمالَکُ مِنَ العَبرَةِ،فَارتَفَعَت أصواتُ النّاسِ بِالبُکاءِ وحَنینُ الجَواری وَالنِّساءِ،وَالنّاسُ مِن کُلِّ ناحِیَةٍ یُعَزّونَهُ،فَضَجَّت تِلکَ البُقعَةُ ضَجَّةً شَدیدَةً. (1)
2728.مقاتل الطالبیّین: کانَت امُّ البَنینَ-اُمُّ هؤُلاءِ الأَربَعَةِ الإِخوَةِ القَتلی-تَخرُجُ إلَی البَقیعِ، فَتَندُبُ بَنیها أشجی نُدبَةٍ وأحرَقَها،فَیَجتَمِعُ النّاسُ إلَیها یَسمَعونَ مِنها،فَکانَ مَروانُ یَجیءُ فیمَن یَجیءُ لِذلِکَ،فَلا یَزالُ یَسمَعُ نُدبَتَها ویَبکی. (2)
2729.الأمالی للشجری عن الحسن بن خضر عن أبیه عن جعفر بن مُحَمَّد [الصادق] علیه السّلام :بُکِیَ الحُسَینُ علیه السّلام خَمسَ حِجَجٍ،وکانَت امُّ جَعفَرٍ الکِلابِیَّةُ تَندُبُ الحُسَینَ علیه السّلام وتَبکیهِ وقَد کُفَّ بَصَرُها،فَکانَ مَروانُ وهُوَ والِ المَدینَةِ یَجیءُ مُتَنَکِّراً بِاللَّیلِ حَتّی یَقِفُ،فَیَسمَعُ بُکاءَها ونَدبَها. (3)
ص:171
2730.دعائم الإسلام عن جعفر بن مُحَمَّد [الصادق] علیه السّلام :نیحَ عَلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام سَنَةً کامِلَةً، کُلَّ یَومٍ ولَیلَةٍ،وثَلاثَ سِنینَ مِنَ الیَومِ الَّذی اصیبَ فیهِ (1)،وکانَ المِسوَرُ بنُ مَخرَمَةَ وأبو هُرَیرَةَ وتِلکَ الشّیخَةُ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،یَأتونَ مُستَتِرینَ ومُقَنِّعینَ، فَیَسمَعونَ ویَبکونَ. (2)
2731.کامل الزیارات عن زرارة عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :مَا اختَضَبَت مِنَّا امرَأَةٌ،ولَا ادَّهَنَت، ولَا اکتَحَلَت،ولا رَجَّلَت،حَتّی أتانا رَأسُ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،وما زِلنا فی عَبرَةٍ بَعدَهُ. (3)
2732.رجال الکشی عن جارود بن المنذر عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :مَا امتَشَطَت فینا هاشِمِیَّةٌ، ولَا اختَضَبَت،حَتّی بَعَثَ إلَینَا المُختارُ بِرُؤوسِ الَّذینَ قَتَلُوا الحُسَینَ علیه السّلام. (4)
2733.ذوب النُّضار عن جعفر بن مُحَمَّد [الصادق] علیه السّلام :مَا اکتَحَلَت هاشِمِیَّةٌ،ولَا اختَضَبَت،ولا رُئِیَ فی دارِ هاشِمِیٍّ دُخانٌ خَمسَ حِجَجٍ،حَتّی قُتِلَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ. (5)
2734.ذوبُ النُّضار عن فاطمة بنت علیّ علیه السّلام: ما تَحَنَّأَتِ امرَأَةٌ مِنّا،ولا أجالَت فی عَینِها مِرْوَداً، ولَا امتَشَطَت،حَتّی بَعَثَ المُختارُ رَأسَ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ. (6)
ص:172
2735.الأمالی للشجری عن عبد اللّه الأصمّ عن امّه: ضُرِبَ لِاُمِّ سَلَمَةَ رَضِیَ اللّهُ عَنها قُبَّةٌ فی مَسجِدِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله حینَ قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَرَأَیتُ عَلَیها خِماراً أسوَدَ. (1)
2736.شرح الأخبار عن أبی نعیم بإسناده: عَن امِّ سَلَمَةَ أنَّها لَمّا بَلَغَها مَقتَلُ الحُسَینِ علیه السّلام ضَرَبَت قُبَّةً فی مَسجِدِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،جَلَسَت فیها،ولَبِسَت سَواداً. (2)
2737.المحاسن عن عمر بن علیّ بن الحسین علیه السّلام: لَمّا قُتِلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیهما السّلام،لَبِسنَ نِساءُ بَنی هاشِمٍ السَّوادَ وَالمُسوحَ،وکُنَّ لا یَشتَکینَ مِن حَرٍّ ولا بَردٍ،وکانَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیهما السّلام یَعمَلُ لَهُنَّ الطَّعامَ لِلمَأتَمِ. (3)
ص:173
ص:174
ذِکرُ مَصائِبِهِ
2738.کامل الزیارات عن مسمع بن عبد الملک کردین البصری: قالَ لی أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام:یا مِسمَعُ، أنتَ مِن أهلِ العِراقِ،أما تَأتی قَبَر الحُسَینِ علیه السّلام؟قُلتُ:لا،أنَا رَجُلٌ مَشهورٌ عِندَ أهلِ البَصرَةِ،وعِندَنا مَن یَتبَعُ هَوی هذَا الخَلیفَةِ،وعَدُوُّنا کَثیرٌ مِن أهلِ القَبائِلِ مِنَ النُّصّابِ وغَیرِهِم،ولَستُ آمَنُهُم أن یَرفَعوا حالی عِندَ وَلَدِ سُلَیمانَ، (1)فَیُمَثِّلونَ بی.
قالَ لی:أفَما تَذکُرُ ما صُنِعَ بِهِ؟قُلتُ:نَعَم،قالَ:فَتَجزَعُ؟قُلتُ:إی وَاللّهِ، وأستَعبِرُ لِذلِکَ حَتّی یَری أهلی أثَرَ ذلِکَ عَلَیَّ،فَأَمتَنِعُ مِنَ الطَّعامِ،حَتّی یَستَبینَ ذلِکَ فی وَجهی.
قالَ:رَحِمَ اللّهُ دَمعَتَکَ،أما إنَّکَ مِنَ الَّذینَ یُعَدّونَ مِن أهلِ الجَزَعِ لَنا. (2)
ص:175
2739.الکافی عن الحسین بن ثویر: کُنتُ أنَا ویونُسُ بنُ ظَبیانَ وَالمُفَضَّلُ بنُ عُمَرَ وأبو سَلَمَةَ السَّرّاجُ جُلوساً عِندَ أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام،وکانَ المُتَکَلِّمُ مِنّا یونُسَ،وکانَ أکبَرَنا سِنّاً، فَقالَ لَهُ:جُعِلتُ فِداکَ ! إنّی أحضُرُ مَجلِسَ هؤُلاءِ القَومِ-یَعنی وَلَدَ العَبّاسِ-فَما أقولُ؟
فَقالَ:إذا حَضَرتَ فَذَکَرتَنا فَقُل:اللّهُمَّ أرِنَا الرَّخاءَ وَالسُّرورَ،فَإِنَّکَ تَأتی عَلی ما تُریدُ،فَقُلتُ:جُعِلتُ فِداکَ ! إنّی کَثیراً ما أذکُرُ (1)الحُسَینَ علیه السّلام،فَأَیَّ شَیءٍ أقولُ؟
فَقالَ:قُل:«صَلَّی اللّهُ عَلَیکَ یا أبا عَبدِ اللّهِ»تُعیدُ ذلِکَ ثَلاثاً،فَإِنَّ السَّلامَ یَصِلُ إلَیهِ مِن قَریبٍ ومِن بَعیدٍ. (2)
2740.المناقب لابن شهرآشوب: کانَ [الإِمامُ زَینُ العابِدینَ علیه السّلام ] إذا أخَذَ إناءً یَشرَبُ ماءً بَکی
ص:176
حَتّی یَملَأَها دَمعاً.
فَقیلَ لَهُ فی ذلِکَ،فَقالَ:وکَیفَ لا أبکی وقَد مُنِعَ أبی مِنَ الماءِ الَّذی کانَ مُطلَقاً لِلسِّباعِ وَالوُحوشِ.
وقیلَ لَهُ:إنَّکَ لَتَبکی دَهرَکَ،فَلَو قَتَلتَ نَفسَکَ لَما زِدتَ عَلی هذا.
فَقالَ:نَفسی قَتَلتُها،وعَلَیها أبکی. (1)
2741.الأمالی للصدوق عن داوود بن کثیر الرقّی: کُنتُ عِندَ أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام إذِ استَسقَی الماءَ،فَلَمّا شَرِبَهُ رَأَیتُهُ وقَدِ استَعبَرَ،وَاغرَورَقَت عَیناهُ بِدُموعِهِ.
ثُمَّ قالَ:یا داوودُ،لَعَنَ اللّهُ قاتِلَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَما أنغَصَ (2)ذِکرَ الحُسَینِ علیه السّلام لِلعَیشِ، إنّی ما شَرِبتُ ماءً بارِداً إلّاوذَکَرتُ الحُسَینَ علیه السّلام،وما مِن عَبدٍ شَرِبَ الماءَ فَذَکَرَ الحُسَینَ علیه السّلام ولَعَنَ قاتِلَهُ إلّاکَتَبَ اللّهُ لَهُ مِئَةَ ألفِ حَسَنَةٍ،ومَحا عَنهُ مِئَةَ ألفِ سَیِّئَةٍ، ورَفَعَ لَهُ مِئَةَ ألفِ دَرَجَةٍ،وکانَ کَأَنَّما أعتَقَ مِئَةَ ألفِ نَسَمَةٍ،وحَشَرَهُ اللّهُ یَومَ القِیامَةِ أبلَجَ الوَجهِ. (3)(4)
2742.الکافی عن داوود الرقّی: کُنتُ عِندَ أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام إذَا استَسقَی الماءَ،فَلَمّا شَرِبَهُ رَأَیتُهُ قَدِ استَعبَرَ،وَاغرَورَقَت (5)عَیناهُ بِدُموعِهِ.
ثُمَّ قالَ لی:یا داوودُ،لَعَنَ اللّهُ قاتِلَ الحُسَینِ علیه السّلام،وما مِن عَبدٍ شَرِبَ الماءَ فَذَکَرَ الحُسَینَ علیه السّلام وأهلَ بَیتِهِ ولَعَنَ قاتِلَهُ،إلّاکَتَبَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ لَهُ مِئَةَ ألفِ حَسَنَةٍ،وحَطَّ عَنهُ مِئَةَ ألفِ سَیِّئَةٍ،ورَفَعَ لَهُ مِئَةَ ألفِ دَرَجَةٍ،وکَأَنَّما أعتَقَ مِئَةَ ألفِ نَسَمَةٍ،وحَشَرَهُ
ص:177
اللّهُ عَزَّ وجَلَّ یَومَ القِیامَةِ ثَلِجَ الفُؤادِ. (1)
2743.المصباح للکفعمی: قالَت سُکَینَةُ [بِنتُ الحُسَینِ]:لَمّا قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام اعتَنَقتُهُ،فَاُغمِیَ عَلَیَّ،فَسَمِعتُهُ یَقولُ:
شیعَتی ما إن شَرِبتُم رَیَّ عَذبٍ فَاذکُرونی أو سَمِعتُم بِغَریبٍ أو شَهیدٍ فَاندُبونی
فَقامَت مَرعوبَةً قَد قَرِحَت مَآقیها (2)،وهِیَ تَلطِمُ عَلی خَدَّیها.وإذا بِهاتِفٍ یَقولُ:
بَکَتِ الأَرضُ وَالسَّماءُ عَلَیهِ بِدُموعٍ غَزیرَةٍ ودِماءِ
تَبکِیانِ المَقتولَ فی کَربَلاءَ بَینَ غَوغاءِ (3)امَّةٍ أدعِیاءِ
مُنِعَ الماءَ وهُوَ عَنهُ قَریبٌ عَینُ ابکِی المَمنوعَ شُربَ الماءِ (4)
2744.کفایة الأثر عن الکمیت: دَخَلتُ عَلی سَیِّدی أبی جَعفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِیٍّ الباقِرِ علیه السّلام،فَقُلتُ:
یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! إنّی قَد قُلتُ فیکُم أبیاتاً،أفَتَأذَنُ لی فی إنشادِها؟
فَقالَ علیه السّلام:إنَّها أیّامُ البیضِ،قُلتُ:فَهُوَ فیکُم خاصَّةً،قالَ علیه السّلام:هاتِ،فَأَنشَأتُ أقولُ:
أضحَکَنِی الدَّهرُ وأبکانی وَالدَّهرُ ذو صَرفٍ وألوانِ
لِتِسعَةٍ بِالطَّفِّ قَد غودِروا صاروا جَمیعاً رَهنَ أکفانِ
فَبَکی علیه السّلام وبَکی أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام،وسَمِعتُ جارِیَةً تَبکی مِن وَراءِ الخِباءِ،فَلَمّا
ص:178
بَلَغتُ إلی قَولی:
وسِتَّةٌ لا یُتَجاری بِهِم بَنو عَقیلٍ خَیرُ فِتیانِ
ثُمَّ عَلِیُّ الخَیرِ مَولاکُمُ ذِکرُهُم هَیَّجَ أحزانی
فَبَکی،ثُمَّ قالَ علیه السّلام:ما مِن رَجُلٍ ذَکَرَنا أو ذُکِرنا عِندَهُ،فَخَرَجَ مِن عَینَیهِ ماءٌ ولَو قَدرَ مِثلِ جَناحِ البَعوضَةِ إلّابَنَی اللّهُ لَهُ بَیتاً فِی الجَنَّةِ،وجَعَلَ ذلِکَ حِجاباً بَینَهُ وبَینَ النّارِ. (1)
راجع:ص 232 (الفصل الرابع/بکاء الإمام الباقر علیه السّلام ).
2745.کامل الزیارات عن عبد اللّه بن غالب: دَخَلتُ عَلی أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام فَأَنشَدتُهُ مَرثِیَةَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَلَمَّا انتَهَیتُ إلی هذَا المَوضِعِ:
لَبَلِیَّةٌ تَسقو حُسَیناً بِمِسقاةِ الثَّری غَیرِ التُّرابِ (2)
فَصاحَت باکِیَةٌ مِن وَراءِ السِّترِ:وا أبَتاه! (3)
2746.کامل الزیارات عن أبی هارون المکفوف: دَخَلتُ عَلی أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام فَقالَ لی:أنشِدنی، فَأَنشَدتُهُ،فَقالَ:لا،کَما تُنشِدونَ،وکَما تَرثیهِ عِندَ قَبرِهِ،فَأَنشَدتُهُ:
اُمرُر عَلی جَدَثِ الحُسَینِ فَقُل لِأَعظُمِهِ الزَّکِیَّةِ
قالَ:فَلَمّا بَکی أمسَکتُ أنَا،فَقالَ:مُرَّ،فَمَرَرتُ،قالَ:ثُمَّ قالَ:زِدنی زِدنی،قالَ:
فَأَنشَدتُهُ:
ص:179
یا مَریَمُ قومی فَاندُبی مَولاکِ وعَلَی الحُسَینِ فَأَسعِدی بِبُکاکِ
قالَ:فَبَکی وتَهایَجَ النِّساءُ،قالَ:فَلَمّا أن سَکَتنَ،قالَ لی:یا أبا هارونَ ! مَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام فَأَبکی عَشَرَةً فَلَهُ الجَنَّةُ،ثُمَّ جَعَلَ یَنقُصُ واحِداً واحِداً حَتّی بَلَغَ الواحِدَ،فَقالَ:مَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام فَأَبکی واحِداً فَلَهُ الجَنَّةُ،ثُمَّ قالَ:مَن ذَکَرَهُ فَبَکی فَلَهُ الجَنَّة. (1)
2747.ثواب الأعمال عن أبی هارون المکفوف: قال لَی أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام:یا أبا هارونَ أنشِدنی فِی الحُسَینِ علیه السّلام،فَأَنشَدتُهُ.قالَ:فَقالَ لی:أنشِدنی کَما تُنشِدونَ-یَعنی بِالرِّقَّةِ-قالَ فَأَنشَدتُهُ:
اُمرُر عَلی جَدَثِ الحُسَینِ فَقُل لِأَعظُمِهِ الزَّکِیَّةِ
قالَ:فَبَکی،ثُمَّ قالَ:زِدنی،فَأَنشَدتُهُ القَصیدَةَ الاُخری،قالَ:فَبَکی،وسَمِعتُ البُکاءَ مِن خَلفِ السِّترِ.
فَلَمّا فَرَغتُ قالَ:یا أبا هارونَ ! مَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام شِعراً فَبَکی وأبکی عَشَرَةً کُتِبَت لَهُمُ الجَنَّةُ،ومَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام شِعراً فَبَکی وأبکی خَمسَةً کُتِبَت لَهُمُ الجَنَّةُ،ومَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام شِعراً فَبَکی وأبکی واحِداً کُتِبَت لَهُمَا الجَنَّةُ، ومَن ذُکِرَ الحُسَینُ علیه السّلام عِندَهُ،فَخَرَجَ مِن عَینَیهِ مِقدارُ جَناحِ ذُبابَةٍ کانَ ثَوابُهُ عَلَی اللّهِ عز و جل،ولَم یَرضَ لَهُ بِدونِ الجَنَّةِ. (2)
2748.رجال الکشّی عن زید الشحّام: کُنّا عِندَ أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام ونَحنُ جَماعَةٌ مِنَ الکوفِیّینَ،فَدَخَلَ جَعفَرُ بنُ عَفّانَ عَلی أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام فَقَرَّبَهُ وأدناهُ.
ص:180
ثُمَّ قالَ:یا جَعفَرُ،قالَ:لَبَّیکَ جَعَلَنِیَ اللّهُ فِداکَ،قالَ:بَلَغَنی أنَّکَ تَقولُ الشِّعرَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام وتُجیدُ.فَقالَ لَهُ:نَعَم،جَعَلَنِیَ اللّهُ فِداکَ.
فَقالَ:قُل،فَأَنشَدَهُ علیه السّلام ومَن حَولَهُ،حَتّی صارَت لَهُ الدُّموعُ عَلی وَجهِهِ ولِحیَتِهِ. (1)
2749.الأغانی عن علیّ بن إسماعیل التمیمی عن أبیه: کُنتُ عِندَ أبی عَبدِ اللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ علیه السّلام، إذِ استَأذَنَ آذِنُهُ لِلسَّیِّدِ (2)،فَأَمَرَهُ بِإِیصالِهِ،وأقعَدَ حُرَمَهُ خَلفَ سِترٍ،ودَخَلَ فَسَلَّمَ وجَلَسَ.فَاستَنشَدَهُ،فَأَنشَدَهُ قَولَهُ:
اُمرُر عَلی جَدَثِ الحُسَی -نِ فَقُل لِأَعظُمِهِ الزَّکِیَّهْ
آأعظُماً لا زِلتِ مِن وَطفاءَ (3)سِاکِبَةٍ رَوِیَّهْ
وإذا مَرَرتَ بِقَبرِهِ فَأَطِل بِهِ وَقفَ المَطِیَّهْ
وَابکِ المُطَهَّرَ لِلمُطَ -هَّرِ وَالمُطَهَّرَةِ النَّقِیَّهْ
کَبُکاءِ مُعوِلَةٍ أتَت یَوماً لِواحِدِهَا المَنِیَّهْ
قالَ:فَرَأَیتُ دَمعَ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّد علیه السّلام تَتَحَدَّرُ عَلی خَدَّیهِ،وَارتَفَعَ الصُّراخُ وَالبُکاءُ مِن دارِهِ،حَتّی أمَرَهُ بِالإِمساکِ فَأَمسَکَ. (4)
2750.الکافی عن سفیان بن مصعب العبدی: دَخَلتُ عَلی أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام فَقالَ:قولوا لِاُمِّ فَروَةَ (5)
ص:181
تَجیءُ فَتَسمَعُ ما صُنِعَ بِجَدِّها،قالَ:فَجاءَت فَقَعَدَت خَلفَ السِّترِ،ثُمَّ قالَ علیه السّلام:
أنشِدنا،قالَ:فَقُلتُ:«فَروُ جودی بِدَمعِکِ المَسکوبِ».
قالَ:فَصاحَت وصِحنَ النِّساءُ،فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام:البابَ البابَ،فَاجتَمَعَ أهلُ المَدینَةِ عَلَی البابِ.
قالَ:فَبَعَثَ إلَیهِم أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام صَبِیٌّ لَنا غُشِیَ عَلَیهِ،فَصِحنَ النِّساءُ. (1)
راجع:ص 207 (الفصل الرابع:فضل إنشاد الشعر فی مصیبتهم)
و ص 234 (الفصل الرابع/بکاء الإمام الصادق علیه السّلام ).
2751.کامل الزیارات عن أبی عمارة المنشد: ما ذُکِرَ الحُسَینُ علیه السّلام عِندَ أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام فی یَومٍ قَطُّ، فَرُئِیَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام مُتَبَسِّماً فی ذلِکَ الیَومِ إلَی اللَّیلِ،وکانَ علیه السّلام یَقولُ:الحُسَینُ علیه السّلام عَبرَةُ کُلِّ مُؤمِنٍ. (2)
ص:182
2752.علل الشرائع عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمی: قُلتُ لِأَبی عَبدِ اللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ علیهما السّلام:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،کَیفَ صارَ یَومُ عاشوراءَ یَومَ مُصیبَةٍ وغَمٍّ وجَزَعٍ وبُکاءٍ دونَ الیَومِ الَّذی قُبِضَ فیهِ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وَالیَومِ الَّذی ماتَت فیهِ فاطِمَةُ علیها السّلام،وَالیَومِ الَّذی قُتِلَ فیهِ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام،وَالیَومِ الَّذی قُتِلَ فیهِ الحَسَنُ علیه السّلام بِالسَّمِّ؟فَقالَ:إنَّ یَومَ الحُسَینِ علیه السّلام (1)أعظَمُ مُصیبَةً مِن جَمیعِ سائِرِ الأَیّامِ؛وذلِکَ أنَّ أصحابَ الکِساءِ الَّذینَ (2)کانوا أکرَمَ الخَلقِ عَلَی اللّهِ تَعالی کانوا خَمسَةً،فَلَمّا مَضی عَنهُمُ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله بَقِیَ أمیرُ المُؤمِنینَ وفاطِمَةُ وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهم السّلام،فَکانَ فیهِم لِلنّاسِ عَزاءٌ وسَلوَةٌ،فَلَمّا مَضَت فاطِمَةُ علیها السّلام کانَ فی أمیرِ المُؤمِنینَ وَالحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهم السّلام لِلنّاسِ عَزاءٌ وسَلوَةٌ، فَلَمّا مَضی مِنهُم أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام کانَ لِلنّاسِ فِی الحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام عَزاءٌ وسَلوَةٌ،
ص:183
فَلَمّا مَضَی الحَسَنُ علیه السّلام کانَ لِلنّاسِ فِی الحُسَینِ علیه السّلام عَزاءٌ وسَلوَةٌ،فَلَمّا قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام لَم یَکُن بَقِیَ مِن أهلِ الکِساءِ أحَدٌ لِلنّاسِ فیهِ بَعدَهُ عَزاءٌ وسَلوَةٌ،فَکانَ ذَهابُهُ کَذَهابِ جَمیعِهِم،کَما کانَ بَقاؤُهُ کَبَقاءِ جَمیعِهِم،فَلِذلِکَ صارَ یَومُهُ أعظَمَ مُصیبَةً.
فَقُلتُ لَهُ [أی لِلإِمامِ الصّادِقِ علیه السّلام ]:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،فَلِمَ لَم یَکُن لِلنّاسِ فی عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام عَزاءٌ وسَلوَةٌ مِثلُ ما کانَ لَهُم فی آبائِهِ علیهم السّلام؟
فَقالَ:بَلی،إنَّ عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام کانَ سَیِّدَ العابِدینَ وإماماً وحُجَّةً عَلَی الخَلقِ بَعدَ آبائِهِ الماضینَ،ولکِنَّهُ لَم یَلقَ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ولَم یَسمَع مِنهُ،وکانَ عِلمُهُ وِراثَةً عَن أبیهِ عَن جَدِّهِ عَن النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله وکانَ أمیرُ المُؤمِنینَ وفاطِمَةُ وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهم السّلام قَد شاهَدَهُمُ النّاسُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فی أحوالٍ تَتَوالی،فَکانوا مَتی نَظَروا إلی أحَدٍ مِنهُم تَذَکَّروا حالَهُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وقَولَ رَسولِ اللّهِ لَهُ وفیهِ،فَلَمّا مَضَوا فَقَدَ النّاسُ مُشاهَدَةَ الأَکرَمینَ عَلَی اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ولَم یَکُن فی أحَدٍ مِنهُم فَقدُ جَمیعِهِم إلّافی فَقدِ الحُسَینِ علیه السّلام،لِأَنَّهُ مَضی آخِرَهُم،فَلِذلِکَ صارَ یَومُهُ أعظَمَ الأَیّامِ مُصیبَةً.
فَقُلتُ لَهُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،فَکَیفَ سَمَّتِ العامَّةُ یَومَ عاشوراءَ یَومَ بَرَکَةٍ؟
فَبَکی علیه السّلام،ثُمَّ قالَ:لَمّا قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام تَقَرَّبَ النّاسُ بِالشّامِ إلی یَزیدَ،فَوَضَعوا لَهُ الأَخبارَ،وأخَذوا عَلَیهِ الجَوائِزَ مِنَ الأَموالِ،فَکانَ مِمّا وَضَعوا لَهُ أمرُ هذَا الیَومِ،وأنَّهُ یَومُ بَرَکَةٍ لِیَعدِلَ النّاسَ فیهِ مِنَ الجَزَعِ وَالبُکاءِ وَالمُصیبَةِ وَالحُزنِ إلَی الفَرَحِ وَالسُّرورِ وَالتَّبَرُّکِ وَالاِستِعدادِ فیهِ،حَکَمَ اللّهُ مِمّا بَینَنا وبَینَهُم. (1)
ص:184
2753.مصباح المتهجّد عن علقمة بن مُحَمَّد الحضرمی عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام -فی زِیارَةِ عاشوراءَ-:السَّلامُ عَلَیکَ یا أبا عَبدِ اللّهِ...لَقَد عَظُمتِ الرَّزِیَّةُ،وجَلَّت وعَظُمَتِ المُصیبَةُ بِکَ عَلَینا وعَلی جَمیعِ أهلِ الإِسلامِ،وجَلَّت وعَظُمَت مُصیبَتُکَ فِی السَّماواتِ عَلی جَمیعِ أهلِ السَّماواتِ. (1)
2754.کامل الزیارات عن مالک الجهنی عن أبی جعفر الباقر علیه السّلام -فی یَوم ِعاشوراءَ-:فَإِنِ استَطَعتَ أن لا تَنتَشِرَ یَومَکَ فی حاجَةٍ فَافعَل،فَإِنَّهُ یَومُ نَحسٍ،لا تُقضی فیهِ حاجَةٌ،وإن قُضِیَت لَم یُبارَک لَهُ فیها،ولَم یَرَ رُشداً،ولا تَدَّخِرَنَّ لِمَنزِلِکَ شَیئاً،فَإِنَّهُ مَنِ ادَّخَرَ لِمَنزِلِهِ شَیئاً فی ذلِکَ الیَومِ لَم یُبارَکَ لَهُ فیما یَدَّخِرُهُ،ولا یُبارَکُ لَهُ فی أهلِه. (2)
2755.علل الشرائع عن الحسن بن فضّال عن أبی الحسن علیّ بن موسی الرضا علیه السّلام: مَن تَرَکَ السَّعیَ فی حَوائِجِهِ یَومَ عاشوراءَ قَضَی اللّهُ لَهُ حَوائِجَ الدُّنیا وَالآخِرَةِ،ومَن کانَ یَومُ
ص:185
عاشوراءَ یَومَ مُصیبَتِهِ وحُزنِهِ وبُکائِهِ یَجعَلُ اللّهُ عز و جل یَومَ القِیامَةِ یَومَ فَرَحِهِ وسُرورِهِ، وقَرَّت بِنا فِی الجِنانِ عَینُهُ. (1)
2756.مصباح المتهجّد عن عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه جعفر بن مُحَمَّد [الصادق] علیه السّلام -لَمّا سُئِلَ عَن صَومِ یَومِ عاشوراءَ-:صُمهُ مِن غَیرِ تَبییتٍ (2)وأفطِرهُ مِن غَیرِ تَشمیتٍ،ولا تَجعَلهُ یَومَ صَومٍ کَمَلاً،وَلیَکُن إفطارُکَ بَعدَ صَلاةِ العَصرِ بِسَاعَةٍ عَلی شَربَةٍ مِن ماءٍ،فَإِنَّهُ فی مِثلِ ذلِکَ الوَقتِ مِن ذلِکَ الیَومِ تَجَلَّتِ الهَیجاءُ عَن آلِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وَانکَشَفَتِ المَلحَمَةُ عَنهُم،وفِی الأَرضِ مِنهُم ثَلاثونَ صَریعاً فی موالیهِم،یَعِزُّ عَلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله مَصرَعُهُم، ولَو کانَ فِی الدُّنیا یَومَئِذٍ حَیّاً لَکانَ-صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ-هُوَ المُعَزّی بِهِم. (3)
2757.مَسارُّ الشیعة: فِی الیَومِ العاشِرِ مِنهُ [أی مِن شَهرِ المُحَرَّمِ] مَقتَلُ سَیِّدِنا أبی عَبدِ اللّهِ الحُسَینِ علیه السّلام مِن سَنَةِ إحدی وسِتّینَ (61) مِنَ الهِجرَةِ،وهُوَ یَومٌ یَتَجَدَّدُ فیهِ أحزانُ آلِ مُحَمَّدٍ علیهم السّلام وشیعَتِهِم.
وجاءَتِ الرِّوایَةُ عَنِ الصّادِقینَ علیهم السّلام بِاجتِنابِ المَلاذِّ،وإقامَةِ سُنَنِ المَصائِبِ، وَالإِمساکِ عَنِ الطَّعامِ وَالشَّرابِ إلی أن تَزولَ الشَّمسُ،وَالتَّغَذّی بَعدَ ذلِکَ بِما یَتَغَذّی بِهِ أصحابُ أهلِ المَصائِبِ،کَالأَلبانِ وما أشبَهَها دونَ المَلَذِّ مِنَ الطَّعامِ وَالشَّرابِ. (4)
ص:186
2758.کامل الزیارات عن مالک الجهنی عن أبی جعفر الباقر علیه السّلام: مَن زارَ الحُسَینَ علیه السّلام یَومَ عاشوراءَ حَتّی یَظَلَّ عِندَهُ باکِیاً،لَقِیَ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ یَومَ القِیامَةِ بِثَوابِ ألفَی ألفِ حَجَّةٍ،وألفَی ألفِ عُمرَةٍ،وألفَی ألفِ غَزوَةٍ،وثَوابُ کُلِّ حَجَّةٍ وعُمرَةٍ وغَزوَةٍ کَثَوابِ مَن حَجَّ وَاعتَمَرَ وغَزا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ومَعَ الأَئِمَّةِ الرّاشِدینَ علیهم السّلام.
قالَ:قُلتُ:جُعِلتُ فِداکَ ! فَما لِمَن کانَ فی بُعدِ البِلادِ وأقاصیها،ولَم یُمکِنهُ المَصیرُ إلَیه فِی ذلِکَ الیَومِ؟
قالَ:إذا کانَ ذلِکَ الیَومُ بَرَزَ إلَی الصَّحراءِ أو صَعِدَ سَطحاً مُرتَفِعاً فی دارِهِ،وأومَأَ إلَیهِ بِالسَّلامِ،وَاجتَهَدَ عَلی قاتِلِهِ بِالدُّعاءِ،وصَلّی بَعدَهُ رَکعَتَینِ،یَفعَلُ ذلِکَ فی صَدرِ النَّهارِ قَبلَ الزَّوالِ،ثُمَّ لَیَندُبُ الحُسَینَ علیه السّلام ویَبکیهِ،ویَأمُرُ مَن فی دارِهِ (1)بِالبُکاءِ عَلَیهِ، ویُقیمُ فی دارِهِ مُصیبَتَهُ بِإِظهارِ الجَزَعِ عَلَیهِ،ویَتَلاقَونَ بِالبُکاءِ بَعضُهُم بَعضاً بِمُصابِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَأَنَا ضامِنٌ لَهُم إذا فَعَلوا ذلِکَ عَلَی اللّهِ عز و جل جَمیعَ هذَا الثَّوابِ.
فَقُلتُ:جُعِلتُ فِداکَ ! وأنتَ الضّامِنُ لَهُم إذا فَعَلوا ذلِکَ وَالزَّعیمُ بِهِ؟
قالَ:أنَا الضّامِنُ لَهُم ذلِکَ وَالزَّعیمُ لِمَن فَعَلَ ذلِکَ....
فَمَن فَعَلَ ذلِکَ کُتِبَ لَهُ ثَوابُ ألفِ ألفِ حَجَّةٍ،وألفِ ألفِ عُمرَةٍ،وألفِ ألفِ غَزوَةٍ، کُلُّها مَعَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وکانَ لَهُ ثَوابُ مُصیبَةِ کُلِّ نَبِیٍّ ورَسولٍ وصِدّیقٍ وشَهیدٍ ماتَ أو قُتِلَ،مُنذُ خَلَقَ اللّهُ الدُّنیا إلی أن تَقومَ السّاعَةُ. (2)
ص:187
2759.الأمالی للصدوق عن إبراهیم بن أبی محمود عن الرضا علیه السّلام: کانَ أبی صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ إذا دَخَلَ شَهرُ المُحَرَّمِ لا یُری ضاحِکاً،وکانَتِ الکَآبَةُ تَغلِبُ عَلَیهِ حَتّی یَمضِیَ مِنهُ عَشَرَةُ أیّامٍ،فَإِذا کانَ یَومُ العاشِرِ،کانَ ذلِکَ الیَومُ یَومَ مُصیبَتِهِ وحُزنِهِ وبُکائِهِ،ویَقولُ:
هُوَ الیَومُ الَّذی قُتِلَ فیهِ الحُسَینُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ. (1)
2760.الکافی عن عبد الملک عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :أمّا یَومُ عاشوراءَ فَیَومٌ اصیبَ فیهِ الحُسَینُ علیه السّلام...وما هُوَ إلّایَومُ حُزنٍ ومُصیبَةٍ دَخَلَت عَلی أهلِ السَّماءِ،وأهلِ الأَرضِ،وجَمیعِ المُؤمِنینَ. (2)
2761.کامل الزیارات عن مالک الجهنی عن أبی جعفر الباقر علیه السّلام -فی إقامَةِ المَأتَمِ فی یَومِ عاشوراءَ لِلإِمامِ الحُسَینِ علیه السّلام-:قُلتُ:فَکَیفَ یُعَزّی بَعضُهُم بَعضاً؟
قالَ[ علیه السّلام ]:یَقولونَ:عَظَّمَ اللّهُ اجورَنا بِمُصابِنا بِالحُسَینِ علیه السّلام،وجَعَلَنا وإیّاکُم مِنَ الطّالِبینَ بِثَأرِهِ مَعَ وَلِیِّهِ الإِمامِ المَهدِیِّ مِن آلِ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله. (3)
ص:188
2762.مصباح المتهجّد عن عبد اللّه بن سنان: دَخَلتُ عَلی سَیِّدی أبی عَبدِ اللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ علیه السّلام فی یَومِ عاشوراءَ،فَأَلفَیتُهُ کاسِفَ اللَّونِ ظاهِرَ الحُزنِ،ودُموعُهُ تَنحَدِرُ مِن عَینَیهِ کَاللُّؤلُؤِ المُتَساقِطِ.فَقُلتُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! مِمَّ بُکاؤُکَ لا أبکَی اللّهُ عَینَیکَ؟
فَقالَ لی:أوَ فی غَفلَةٍ أنتَ؟أما عَلِمتَ أنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ اصیبَ فی مِثلِ هذَا الیَومِ؟فَقُلتُ (1):یا سَیِّدی،فَما قَولُکَ فی صَومِهِ؟
فَقالَ لی:صُمهُ مِن غَیرِ تَبییتٍ،وأفطِرهُ مِن غَیرِ تَشمیتٍ،ولا تَجعَلهُ یَومَ صَومٍ کَمَلاً،وَلیَکُن إفطارُکَ بَعدَ صَلاةِ العَصرِ بِساعَةٍ عَلی شَربَةٍ مِن ماءٍ؛فَإِنَّهُ فی مِثلِ ذلِکَ الوَقتِ مِن ذلِکَ الیَومِ تَجَلَّتِ الهَیجاءُ عَن آلِ رَسولِ اللّهِ وَانکَشَفَتِ المَلحَمَةُ (2)عَنهُم، وفِی الأَرضِ مِنهُم ثَلاثونَ صَریعاً فی مَوالیهِم،یَعِزُّ عَلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله مَصرَعُهُم،ولَو کانَ فی الدُّنیا یَومَئِذٍ حَیّاً لَکانَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ هُوَ المُعَزّی بِهِم.
قالَ:وبَکی أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام حَتَّی اخضَلَّت لِحیَتُهُ بِدُموعِهِ،ثُمَّ قالَ:إنَّ اللّهَ جَلَّ ذِکرُهُ لَمّا خَلَقَ النّورَ خَلَقَهُ یَومَ الجُمُعَةِ فی تَقدیرِهِ فی أوَّلِ یَومٍ مِن شَهرِ رَمَضانَ، وخَلَقَ الظُّلمَةَ فی یَومِ الأَربِعاءِ،یَومُ عاشوراءَ فی مِثلِ ذلِکَ،یَعنی یَومَ العاشِرِ مِن شَهرِ المُحَرَّمِ فی تَقدیرِهِ،وجَعَلَ لِکُلٍّ مِنهُما شِرعَةً ومِنهاجاً.
یا عَبدَ اللّهِ بنَ سِنانٍ،إنَّ أفضَلَ ما تَأتی بِهِ فی هذَا الیَومِ أن تَعمِدَ إلی ثِیابٍ طاهِرَةٍ
ص:189
فَتَلبَسَها وتَتَسَلَّبَ،قُلتُ:ومَا التَّسَلُّبُ؟ (1)
قالَ:تُحَلِّلُ أزرارَکَ،وتَکشِفُ عَن ذِراعَیکَ کَهَیئَةِ أصحابِ المَصائِبِ،ثُمَّ تَخرُجُ إلی أرضٍ مُقفِرَةٍ أو مَکانٍ لا یَراکَ بِهِ أحَدٌ،أو تَعمِدُ إلی مَنزِلٍ لَکَ خالٍ،أو فی خَلوَةٍ مُنذُ حینِ یَرتَفِعُ النَّهارُ،فَتُصَلّی أربَعَ رَکَعاتٍ تُحسِنُ رُکوعَها وسُجودَها وخُشوعَها، وتُسَلِّمُ بَینَ کُلِّ رَکعَتَینِ،تَقرَأُ فِی الاُولی سورَةَ الحَمدِ و «قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ» 2 ،وفِی الثّانِیَةِ:الحَمدَ و «قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ» 3 ،ثُمَّ تُصَلّی رَکعَتَینِ اخرَیَینِ،تَقرَأُ فِی الاُولی:
الحَمدَ وسورَةَ الأَحزابِ،وفِی الثّانِیَةِ:الحَمدَ و «إِذا جاءَکَ الْمُنافِقُونَ» 4 ،أو ما تَیَسَّرَ مِنَ القُرآنِ.
ثُمَّ تُسَلِّمُ (2)وتُحَوِّلُ وَجهَکَ نَحوَ قَبرِ الحُسَینِ علیه السّلام ومَضجَعِهِ،فَتُمَثِّلُ لِنَفسِکَ مَصرَعَهُ ومَن کانَ مَعَهُ مِن وُلدِهِ وأهلِهِ،وتُسَلِّمُ وتُصَلّی عَلَیهِ،وتَلعَنُ قاتِلیهِ وتَبرَأُ مِن أفعالِهِم،یَرفَعُ اللّهُ عز و جل لَکَ بِذلِکَ فِی الجَنَّةِ مِنَ الدَّرَجاتِ،ویَحُطُّ عَنکَ مِنَ السَّیِّئاتِ.
ص:190
ثُمَّ تَسعی مِنَ المَوضِعِ الَّذی أنتَ فیهِ-إن کانَ صَحراءَ أو فَضاءً أو أیَّ شَیءٍ کانَ- خُطُواتٍ،تَقولُ فی ذلِکَ: «إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ» 1 ،رِضیً بِقَضاءِ اللّهِ وتَسلیماً لِأَمرِهِ،وَلیَکُن عَلَیکَ فی ذلِکَ الکَآبَةُ وَالحُزنُ،وأکثِر مِن ذِکرِ اللّهِ سُبحانَهُ وَالاِستِرجاعِ فی ذلِکَ الیَومِ.
فَإِذا فَرَغتَ مِن سَعیِکَ وفِعلِکَ هذا،فَقِف فی مَوضِعِکَ الَّذی صَلَّیتَ فیهِ،ثُمَّ قُل:
اللّهُمَّ عَذِّبِ الفَجَرَةَ الَّذینَ شاقّوا رَسولَکَ وحارَبوا أولِیاءَکَ،وعَبَدوا غَیرَکَ وَاستَحَلّوا مَحارِمَکَ،وَالعَنِ القادَةَ وَالأَتباعَ ومَن کانَ مِنهُم فَخَبَّ (1)وأوضَعَ مَعَهُم أو رَضِیَ بِفِعلِهِم لَعناً کَثیراً.اللّهُمَّ وعَجِّل فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ،وَاجعَل صَلَواتِکَ عَلَیهِ وعَلَیهِم،وَاستَنقِذهُم مِن أیدِی المُنافِقینَ المُضِلّینَ وَالکَفَرَةِ الجاحِدینَ،وَافتَح لَهُم فَتحاً یَسیراً،وأتِح لَهُم رَوحاً وفَرَجاً قَریباً،وَاجعَل لَهُم مِن لَدُنکَ عَلی عَدُوِّکَ وعَدُوِّهِم سُلطاناً نَصیراً.
ثُمَّ ارفَع یَدَیکَ وَاقنُت بِهذَا الدُّعاءِ،وقُل وأنتَ تومِئُ إلی أعداءِ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللّهُ عَلَیهِ وعَلَیهِم:
اللّهُمَّ،إنَّ کَثیراً مِنَ الاُمَّةِ ناصَبَتِ المُستَحفَظینَ مِنَ الأَئِمَّةِ،وکَفَرَت بِالکَلِمَةِ وعَکَفَت عَلَی القادَةِ الظَّلَمَةِ،وهَجَرَتِ الکِتابَ وَالسُّنَّةَ،وعَدَلَت عَنِ الحَبلَینِ الَّذَینِ أمَرتَ بِطاعَتِهِما وَالتَّمَسُّکِ بِهِما،فَأَماتَتِ الحَقَّ وجارَت عَنِ القَصدِ،ومالَأَتِ (2)الأَحزابَ وحَرَّفَتِ الکِتابَ،وکَفَرَت بِالحَقِّ لَمّا جاءَها،وتَمَسَّکَت بِالباطِلِ لَمَّا اعتَرَضَها،وضَیَّعَت حَقَّکَ وأضَلَّت خَلقَکَ،وقَتَلَت أولادَ نَبِیِّکَ وخِیَرَةَ عِبادِکَ وحَمَلَةَ
ص:191
عِلمِکَ ووَرَثَةَ حِکمَتِکَ ووَحیِکَ.
اللّهُمَّ،فَزَلزِل أقدامَ أعدائِکَ وأعداءِ رَسولِکَ وأهلِ بَیتِ رَسولِکَ،اللّهُمَّ،وأخرِب دِیارَهُم وَافلُل سِلاحَهُم،وخالِف بَینَ کَلِمَتِهِم وفُتَّ فی أعضادِهِم،وأوهِن کَیدَهُم وَاضرِبهُم بِسَیفِکَ القاطِعِ،وَارمِهِم بِحَجَرِکَ الدّامِغِ،وطُمَّهُم بِالبَلاءِ طَمّاً،وقُمَّهُم (1)بِالعَذابِ قَمّاً،وعَذِّبهُم عَذاباً نُکراً،وخُذهُم بِالسِّنینَ (2)وَالمَثُلاتِ (3)الَّتی أهلَکتَ بِها أعداءَکَ،إنَّکَ ذو نَقِمَةٍ مِنَ المُجرِمینَ،اللّهُمَّ،إنَّ سُنَّتَکَ ضائِعَةٌ،وأحکامَکَ مُعَطَّلَةٌ، وعِترَةَ نَبِیِّکَ فِی الأَرضِ هائِمَةٌ.
اللّهُمَّ،فَأَعِنِ الحَقَّ وأهلَهُ وَاقمَعِ الباطِلَ وأهلَهُ،ومُنَّ عَلَینا بِالنَّجاةِ وَاهدِنا إلَی الإِیمانِ،وعَجِّل فَرَجَنا وَانظِمهُ بِفَرَجِ أولِیائِکَ،وَاجعَلهُم لَنا وُدّاً وَاجعَلنا لَهُم وَفداً، اللّهُمَّ،وأهلِک مَن جَعَلَ یَومَ قَتلِ ابنِ نَبِیِّکَ وخِیَرَتِکَ عیداً،وَاستَهَلَّ بِهِ فَرَحاً ومَرَحاً، وخُذ آخِرَهُم کَما أخَذتَ أوَّلَهُم،وأضعِفِ اللّهُمَّ العَذابَ وَالتَّنکیلَ عَلی ظالِمِی أهلِ بَیتِ نَبِیِّکَ،وأهلِک أشیاعَهُم وقادَتَهُم،وأبِر (4)حُماتَهُم وجَماعَتَهُم.
اللّهُمَّ،وضاعِف صَلَواتِکَ ورَحمَتَکَ وبَرَکاتِکَ عَلی عِترَةِ نَبِیِّکَ،العِترَةِ الضّائِعَةِ الخائِفَةِ المُستَذَلَّةِ،بَقِیَّةِ الشَّجَرَةِ الطَّیِّبَةِ الزّاکِیَةِ المُبارَکَةِ،وأعلِ اللّهُمَّ کَلِمَتَهُم،وأفلِج (5)حُجَّتَهُم،وَاکشِفِ البَلاءَ وَاللَّأواءَ (6)وحَنادِسَ (7)الأَباطیلِ وَالعَمی عَنهُم،وثَبِّت قُلوبَ شیعَتِهِم وحِزبِکَ عَلی طاعَتِهِم ووِلایَتِهِم ونُصرَتِهِم ومُوالاتِهِم،وأعِنهُم وَامنَحُهمُ
ص:192
الصَّبرَ عَلَی الأَذی فیکَ،وَاجعَل لَهُم أیّاماً مَشهودَةً وأوقاتاً مَحمودَةً مَسعودَةً یوشِکُ فیها (1)فَرَجُهُم،وتوجِبُ فیها تَمکینَهُم ونَصرَهُم،کَما ضَمِنتَ لِأَولِیائِکَ فی کِتابِکَ المُنزَلِ؛فَإِنَّکَ قُلتَ وقَولُکَ الحَقُّ: «وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً» . (2)
اللّهُمَّ فَاکشِف غُمَّتَهُم یا مَن لا یَملِکُ کَشفَ الضُّرِّ إلّاهُوَ،یا أحَدُ یا حَیُّ یا قَیّومُ، وأنَا یا إلهی عَبدُکَ الخائِفُ مِنکَ وَالرّاجِعُ إلَیکَ،السّائِلُ لَکَ المُقبِلُ عَلَیکَ،اللاجِئُ إلی فِنائِکَ،العالِمُ بِأَنَّهُ لا مَلجَأَ مِنکَ إلّاإلَیکَ.
اللّهُمَّ فَتَقَبَّل دُعائی،وَاسمَع یا إلهی عَلانِیَتی ونَجوایَ،وَاجعَلنی مِمَّن رَضیتَ عَمَلَهُ وقَبِلتَ نُسُکَهُ ونَجَّیتَهُ بِرَحمَتِکَ إنَّکَ أنتَ العَزیزُ الکَریمُ.اللّهُمَّ وصَلِّ أوَّلاً وآخِراً عَلی مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ،وبارِک عَلی مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ،وارحَم مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ، بِأَکمَلِ وأفضَلِ ما صَلَّیتَ وبارَکتَ وتَرَحَّمتَ عَلی أنبِیائِکَ ورُسُلِکَ ومَلائِکَتِکَ وحَمَلَةِ عَرشِکَ بِلا إلهَ إلّاأنتَ.
اللّهُمَّ ولا تُفَرِّق بَینی وبَینَ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ صَلَواتُکَ عَلَیهِ وعَلَیهِم،وَاجعَلنی یا مَولایَ مِن شیعَةِ مُحَمَّدٍ وعَلِیٍّ وفاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَینِ وذُرِّیَّتِهِمُ الطّاهِرَةِ المُنتَجَبَةِ،وهَب لِیَ التَّمَسُّکَ بِحَبلِهِم وَالرِّضی بِسَبیلِهِم وَالأَخذِ بِطَریقَتِهِم،إنَّکَ جَوادٌ کَریمٌ.
ثُمَّ عَفِّر وَجهَکَ فِی الأَرضِ،وُقل:
یا مَن یَحکُمُ ما یَشاءُ ویَفعَلُ ما یُریدُ،أنتَ حَکَمتَ فَلَکَ الحَمدُ مَحموداً
ص:193
مَشکوراً،فَعَجِّل یا مَولایَ فَرَجَهُم وفَرَجَنا بِهِم؛فَإِنَّکَ ضَمِنتَ إعزازَهُم بَعدَ الذِّلَّةِ، وتَکثیرَهُم بَعدَ القِلَّةِ،وإظهارَهُم بَعدَ الخُمولِ،یا أصدَقَ الصّادِقینَ ویا أرحَمَ الرّاحِمینَ.
فَأَسأَلُکَ یا إلهی وسَیِّدی مُتَضَرِّعاً إلَیکَ بِجودِکَ وکَرَمِکَ،بَسطَ أمَلی وَالتَّجاوُزَ عَنّی،وقَبولَ قَلیلِ عَمَلی وکَثیرِهِ،وَالزِّیادَةَ فی أیّامی وتَبلیغی ذلِکَ المَشهَدَ،وأن تَجعَلَنی مِمَّن یُدعی فَیُجیبُ إلی طاعَتِهِم ومُوالاتِهِم ونَصرِهِم،وتُرِیَنی ذلِکَ قَریباً سَریعاً فی عافِیَةٍ إنَّکَ عَلی کُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ.
ثُمَّ ارفَع رَأسَکَ إلَی السَّماءِ وقُل:
أعوذُ بِکَ أن أکونَ مِنَ الَّذینَ لا یَرجونَ أیّامَکَ،فَأَعِذنی یا إلهی بِرَحمَتِکَ مِن ذلِکَ.
فَإِنَّ هذا أفضَلُ یَابنَ سِنانٍ ! مِن کَذا وکَذا حَجَّةً،وکَذا وکَذا عُمرَةً تَتَطَوَّعُها وتُنفِقُ فیها مالَکَ وتَنصِبُ فیها بَدَنَکَ وتُفارِقُ فیها أهلَکَ ووَلَدَکَ.
وَاعلَم أنَّ اللّهَ تَعالی یُعطی مَن صَلّی هذِهِ الصَّلاةَ فی هذَا الیَومِ ودَعا بِهذا الدُّعاءِ مُخلِصاً،وعَمِلَ هذَا العَمَلَ موقِناً مُصَدِّقاً عَشرَ خِصالٍ مِنها:أن یَقِیَهُ اللّهُ میتَةَ السَّوءِ، ویُؤمِنَهُ مِنَ المَکارِهِ وَالفَقرِ،ولا یُظهِرَ عَلَیهِ عَدُوّاً إلی أن یَموتَ،ویَقِیَهُ (1)اللّهُ مِنَ الجُنونِ وَالجُذامِ وَالبَرَصِ فی نَفسِهِ ووُلدِهِ إلی أربَعَةِ أعقابٍ لَهُ،ولا یَجعَلَ لِلشَّیطانِ ولِأَولِیائِهِ عَلَیهِ ولا عَلی نَسلِهِ إلی أربَعَةِ أعقابٍ سَبیلاً.
قالَ ابنُ سِنانٍ:فَانصَرَفتُ وأنَا أقولُ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی مَنَّ عَلَیَّ بِمَعرِفَتِکُم وحُبِّکُم، وأسأَ لُهُ المَعونَةَ عَلَی المُفتَرَضِ عَلَیَّ مِن طاعَتِکُم بِمَنِّهِ ورَحمَتِهِ. (2)
ص:194
ورد روایات مختلفة فی صیام یوم عاشوراء؛فهناک عدد من روایات أهل البیت علیه السّلام یدلّ علی استحباب صیام هذا الیوم، (1)فیما نهت روایات اخری عنه؛ (2)لأنّ بنی امیّة صاموا هذا الیوم تبرّکاً به وإظهاراً للفرح والسرور،ولمّا کان صیامه یعتبر تشبّهاً بهم صار مذموماً.
وممّا یجدر ذکره أنّه وردت بعض الروایات فی مصادر أهل السنّة أیضاً تدلّ علی استحباب صیام هذا الیوم، (3)وقد أفتی فقهاء أهل السنّة باستحبابه علی أساس هذه الروایات.
وأمّا آراء فقهاء الإمامیة فیما یتعلّق بحکم صیام یوم عاشوراء فهی کالتالی مع الأخذ بنظر الاعتبار الروایات التی سبقت الإشارة إلیها:
1.الاستحباب مطلقاً ( دون قید أو شرط ). (4)
2.الاستحباب،إذا نوی الصائم بصومه إبراز الحزن علی مصیبة أهل البیت. (5)
ص:195
3.الکراهة. (1)
4.الحرمة. (2)
والملاحظة التی تستحقّ الاهتمام هی عدم وجود دلیل یصرّح بأنّ الصیام هو أحد آداب العزاء علی سیّد الشهداء فی یوم عاشوراء.
وبناءً علی ذلک،فإنّ الأمر الوحید الذی یمکن طرحه باعتباره أدب العزاء هو الإمساک عن تناول الطعام والماء حتّی العصر،وتناول الأطعمة البسیطة بعد العصر،کما جاء فی روایة عبد اللّه بن سنان، (3)وأفتی به طائفةٌ من الفقهاء. (4)
وأمّا تحدید حکم صیام عاشوراء بغضّ النظر عن هذا الأدب،فإنّه خارجٌ عن إطار هذه الموسوعة،ویجب أن یتمّ بحثه فی الأبواب الفقهیة.
ص:196
2763.مستدرک الوسائل عن ابن سنان عن جعفر بن مُحَمَّد [الصادق] علیه السّلام :نَظَرَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام وهُوَ مُقبِلٌ،فَأَجلَسَهُ فی حِجرِهِ،وقالَ:إنَّ لِقَتلِ الحُسَینِ حَرارَةً فی قُلوبِ المُؤمِنینَ لا تَبرُدُ أبَداً.
ثُمَّ قالَ علیه السّلام:بِأَبی قَتیلُ کُلِّ عَبرَةٍ،قیلَ:وما قَتیلُ کُلِّ عَبرَةٍ یَابنَ رَسولِ اللّهِ؟قالَ:لا یَذکُرُهُ مُؤمِنٌ إلّابَکی. (1)
2764.کامل الزیارات عن أبی یحیی الحذّاء عن بعض أصحابنا عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :نَظَرَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ:یا عَبرَةَ (2)کُلِّ مُؤمِنٍ،فَقالَ:أنَا یا أبَتاه؟قالَ:نَعَم یا بُنَیَّ. (3)
2765.کامل الزیارات عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه [الصادق ] عن الحسین علیهما السّلام: أنَا قَتیلُ العَبرَةِ،لا
ص:197
یَذکُرُنی مُؤمِنٌ إلَّااستَعبَرَ. (1)
2766.مصباح المتهجّد: خَرَجَ إلَی القاسِمِ بنِ العَلاءِ الهَمدانِیِّ وَکیلِ أبی مُحَمَّدٍ [العَسکَرِیِّ] علیه السّلام:
إنَّ مَولانَا الحُسَینَ علیه السّلام وُلِدَ یَومَ الخَمیسِ،لِثَلاثٍ خَلَونَ مِن شَعبانَ،فَصُمهُ وَادعُ فیهِ بِهذَا الدُّعاءِ:اللّهُمَّ إنّی أسأَلُکَ بِحَقِّ المَولودِ فی هذَا الیَومِ،المَوعودِ بِشَهادَتِهِ قَبلَ استِهلالِهِ (2)ووِلادَتِهِ بَکَتْهُ السَّماءُ ومَن فیها وَالأَرضُ ومَن عَلَیها،ولَمّا یَطَأ لابَتَیها قَتیلِ العَبرَةِ وسَیِّدِ الاُسرَةِ المَمْدُودٍ بالنُّصرَةِ یَومَ الکَرَّةِ. (3)
2767.ثواب الأعمال عن هارون بن خارجة عن أبی عبد اللّه [الصادق ] عن الحسین بن علی علیهم السّلام: أنَا قَتیلُ العَبرَةِ،قُتِلتُ مَکروباً (4)،وحَقیقٌ عَلَی اللّهِ أن لا یَأتِیَنی مَکروبٌ إلّارَدَّهُ وقَلَبَهُ إلی أهلِهِ مَسروراً. (5)
2768.الکافی عن عیسی بن أبی منصور: سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ علیه السّلام یَقولُ:نَفَسُ المَهمومِ لَنا المُغتَمِّ لِظُلمِنا تَسبیحٌ،وهَمُّهُ لِأَمرِنا عِبادَةٌ،وکِتمانُهُ لِسِرِّنا جِهادٌ فی سَبیلِ اللّهِ. (6)
ص:198
2769.الأمالی للطوسی عن معاویة بن وهب عن جعفر بن محمّد[الصادق] علیه السّلام :کُلُّ الجَزَعِ وَالبُکاءِ مَکروهٌ،سِوَی الجَزَعِ وَالبُکاءِ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَإِنَّهُ فیهِ مَأجورٌ. (1)
2770.تهذیب الأحکام عن خالد بن سدیر عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :وقَد شَقَقنَ الجُیوبَ،ولَطَمنَ الخُدودَ الفاطِمِیّاتُ عَلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،وعَلی مِثلِهِ تُلطَمُ الخُدودُ،وتُشَقُّ الجُیوبُ. (2)
2771.عیون أخبار الرضا علیه السّلام عن الحسن بن علیّ بن فضّال عن الرضا علیه السّلام: مَن تَذَکَّرَ مُصابَنا فَبَکی وأبکی،لَم تَبکِ عَینُهُ یَومَ تَبکِی العُیونُ. (3)
2772.عیون أخبار الرضا علیه السّلام عن الریان بن شبیب عن الرضا علیه السّلام: إن کُنتَ باکِیاً لِشَیءٍ فَابکِ لِلحُسَینِ بنِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیهم السّلام،فَإِنَّهُ ذُبِحَ کَما یُذبَحُ الکَبشُ،وقُتِلَ مَعَهُ مِن أهلِ بَیتِهِ ثَمانِیَةَ عَشَرَ رَجُلاً،ما لَهُم فِی الأَرضِ شَبیهونَ. (4)
ص:199
ص:200
إضافة کلمة«قتیل»إلی«العبرة»هی من باب إضافة السبب إلی المسبّب،وبناءً علی ذلک، فإنّ جملة«أنا قَتیلُ العَبَرةِ»تعنی أنّ قتلی سبب للبکاء،ولذلک فإنّ الجملة المذکورة فسّرت کذلک فی الروایات:
أنا قَتیلُ العَبرَةِ،لا یَذکُرُنی مُؤمِنٌ إلّااستَعبَرَ . (1)
لا یَذکُرُهُ مُؤمِنٌ إلاّ بَکی . (2)
یقول العلّامة المجلسی فی إیضاح الجملة المذکورة:
«أنا قَتیلُ العَبَرةِ»أی قتیلٌ منسوبٌ إلی العبرة والبکاء وسببٌ لها.أو اقتل مع العبرة والحزن وشدّة الحال.والأوّل أظهر . (3)
ویبدو أنّ الاحتمال الأوّل هو المتعیّن ولیس هو الأظهر،وذلک بسبب انطباقه مع الروایات التی أشرنا إلیها،وانسجامه مع منزلة الإمامة والعظمة الروحیّة للإمام الحسین علیه السّلام، کما قال العلّامة المجلسی.
وفی الحقیقة فإنّ جملة«أنا قتیل العبرة»إشارة إلی ظاهرة تاریخیّة واجتماعیّة مهمّة،
ص:201
وهی أنّ مقتل أیّ شخص لم یکن وسوف لا یکون محزناً ومبکیاً طیلة التاریخ کمقتل سیّد الشهداء.
لقد قُتل اناسٌ کثیرون علی مرّ التاریخ ولکن لم یبکِ علیهم أحد،وقُتل الکثیرون ولکن البکاء علیهم کان موقّتاً،وقُتل الکثیرون ولکنّهم لم یترکوا تأثیرهم إلّاعلی فئة خاصّة،مع أنّه لم ترد أیّ روایة حول أیّ شخص سوی الإمام الحسین علیه السّلام،تفید بأنّ الجمیع بکی علیه اعتباراً من آدم أبی البشر وحتّی خاتم الأنبیاء،کما بکی علیه أهل بیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله قبل ولادته،وبکی علیه جمع من أصحاب رسول اللّه،وبکت علیه الملائکة،والحیوانات، والسماء والأرض،بل وحتّی الأعداء. (1)
ونحن لا نعرف أحداً طوال التاریخ بکی علیه الناس لأکثر من ألف وثلاثمئة سنة! نعم،إنّ سیّد الشهداء هو«قتیل العبرة»،وما لم یُنتقم لدماء جمیع المظلومین علی مرّ التاریخ من الظالمین،ولم تُحقَّق الأهداف الحسینیّة بقیادة ابنه العظیم مهدیّ آل محمّد فی العالم،فإنّ عبرات المؤمنین الحقیقیّین ومحبّی أهل بیت الرسالة ستظلّ جاریة.
ص:202
2773.الخصال بإسناده عن أمیر المؤمنین علیه السّلام: کُلُّ عَینٍ یَومَ القِیامَةِ باکِیَةٌ،وکُلُّ عَینٍ یَومَ القِیامَةِ ساهِرَةٌ،إلّاعَینَ مَنِ اختَصَّهُ اللّهُ بِکَرامَتِهِ،وبَکی عَلی ما یُنتَهَکُ مِنَ الحُسَینِ وآلِ مُحَمَّدٍ علیهم السّلام. (1)
2774.الأمالی للمفید عن الربیع بن المنذر عن أبیه عن الحسین بن علیّ علیه السّلام: ما مِن عَبدٍ قَطَرَت عَیناهُ فینا قَطرَةً،أو دَمَعَت عَیناهُ فینا دَمعَةً،إلّابَوَّأَهُ اللّهُ بِها فِی الجَنَّةِ حُقُباً. (2)(3)
2775.ثواب الأعمال عن مُحَمَّد بن مسلم عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام :کانَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیهما السّلام یَقولُ:
أیُّما مُؤمِنٍ دَمَعَت عَیناهُ لِقَتلِ الحُسَینِ علیه السّلام حَتّی تَسیلَ عَلی خَدِّهِ،بَوَّأَهُ اللّهُ تَعالی بِها فِی الجَنَّةِ غُرَفاً یَسکُنُها أحقاباً،وأیُّما مُؤمِنٍ دَمَعَت عَیناهُ حَتّی تَسیلَ عَلی خَدِّهِ فیما مَسَّنا مِنَ الأَذی مِن عَدُوِّنا فِی الدُّنیا،بَوَّأَهُ اللّهُ فِی الجَنَّةِ مُبَوَّأَ صِدقٍ.
وأیُّما مُؤمِنٍ مَسَّهُ أذیً فینا،فَدَمَعَت عَیناهُ حَتّی تَسیلَ عَلی خَدِّهِ مِن مَضاضَةِ (4)ما اوذِیَ فینا،صَرَفَ اللّهُ عَن وَجهِهِ الأَذی،وآمَنَهُ یَومَ القِیامَةِ مِن سَخَطِهِ وَالنّارِ. (5)
ص:203
2776.ثواب الأعمال عن أبی هارون المکفوف عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :مَن ذُکِرَ الحُسَینُ علیه السّلام عِندَهُ،فَخَرَجَ مِن عَینَیهِ مِقدارُ جَناحِ ذُبابَةٍ،کانَ ثَوابُهُ عَلَی اللّهِ عَزَّ وجَلَّ،ولَم یَرضَ لَهُ بِدونِ الجَنَّةِ. (1)
2777.کامل الزیارات عن علیّ بن أبی حمزة عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :إنَّ البُکاءَ وَالجَزَعَ مَکروهٌ لِلعَبدِ فی کُلِّ ما جَزِعَ،ما خَلَا البُکاءَ وَالجَزَعَ عَلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیهما السّلام فَإِنَّهُ فیهِ مَأجورٌ. (2)
2778.الأمالی للطوسی عن مُحَمَّد بن مسلم عن أبی عبد اللّه جعفر بن مُحَمَّد [الصادق] علیه السّلام :إنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام عِندَ رَبِّهِ عَزِّ وجَلَّ،یَنظُرُ إلی مَوضِعِ مُعَسکَرِهِ،ومَن حَلَّهُ مِنَ الشُّهَداءِ مَعَهُ، ویَنظُرُ إلی زُوّارِهِ،وهُوَ أعرَفُ بِحالِهِم،وبِأَسمائِهِم وأسماءِ آبائِهِم،وبِدَرَجاتِهِم ومَنزِلَتِهِم عِندَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ مِن أحَدِکُم بِوَلَدِهِ،وإنَّهُ لَیَری مَن یَبکیهِ،فَیَستَغفِرُ لَهُ، ویَسأَلُ آباءَهُ علیهم السّلام أن یَستَغفِروا لَهُ.
ویَقولُ:لَو یَعلَمُ زائِری ما أعَدَّ اللّهُ لَهُ لَکانَ فَرَحُهُ أکثَرَ مِن جَزَعِهِ، (3)وإنَّ زائِرَهُ لَیَنقَلِبُ وما عَلَیهِ مِن ذَنبٍ. (4)
2779.کامل الزیارات عن عبد اللّه بن بکیر الأرجانی عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :إنَّهُ [أیِ الحُسَینَ علیه السّلام ] لَیَنظُرُ إلی زُوّارِهِ،وهُوَ أعرَفُ بِهِم،وبِأَسماءِ آبائِهِم وبِدَرَجاتِهِم،
ص:204
وبِمَنزِلَتِهِم عِندَ اللّهِ مِن أحَدِکُم بِوَلَدِهِ وما فی رَحلِهِ (1)،وإنَّهُ لَیَری مَن یَبکیهِ،فَیَستَغفِرُ لَهُ رَحمَةً لَهُ،ویَسأَلُ أباهُ الاِستِغفارَ لَهُ.
ویَقولُ:لَو تَعلَمُ أیُّهَا الباکی ما اعِدَّ لَکَ لَفَرِحتَ أکثَرَ مِمّا جَزِعتَ،فَیَستَغفِرُ لَهُ کُلُّ مَن سَمِعَ بُکاءَهُ مِنَ المَلائِکَةِ فِی السَّماءِ وفِی الحائِرِ (2)،ویَنقَلِبُ وما عَلَیهِ مِن ذَنبٍ. (3)
2780.کامل الزیارات عن مسمع بن عبد الملک کردین البصری: قالَ لی أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام:یا مِسمَعُ، أنتَ مِن أهلِ العِراقِ،أما تَأتی قَبرَ الحُسَینِ علیه السّلام؟قُلتُ:لا،أنَا رَجُلٌ مَشهورٌ عِندَ أهلِ البَصرَةِ،وعِندَنا مَن یَتبَعُ هَوی هذَا الخَلیفَةِ،وعَدُوُّنا کَثیرٌ مِن أهلِ القَبائِلِ مِنَ النُّصّابِ وغَیرِهِم،ولَستُ آمَنُهُم أن یَرفَعوا حالی عِندَ وَلَدِ سُلَیمانَ،فَیُمَثِّلونَ بی.
قالَ لی:أفَما تَذکُرُ ما صُنِعَ بِهِ؟قُلتُ:نَعَم،قالَ:فَتَجزَعُ؟قُلتُ:إی وَاللّهِ، وأستَعبِرُ (4)لِذلِکَ حَتّی یَری أهلی أثَرَ ذلِکَ عَلَیَّ،فَأَمتَنِعُ مِنَ الطَّعامِ حَتّی یَستَبینَ ذلِکَ فی وَجهی.
قالَ:رَحِمَ اللّهُ دَمعَتَکَ،أما أنَّکَ مِنَ الَّذینَ یُعَدّونَ مِن أهلِ الجَزَعِ لَنا،وَالَّذینَ یَفرَحونَ لِفَرَحِنا،ویَحزَنونَ لِحُزنِنا،ویَخافونَ لِخَوفِنا،ویَأمَنونَ إذا آمَنّا،أما أنَّکَ سَتَری عِندَ مَوتِکَ حُضورَ آبائی لَکَ،ووَصِیَّتَهُم مَلَکَ المَوتِ بِکَ،وما یَلقَونَکَ بِهِ مِنَ البِشارَةِ أفضَلُ،ومَلَکُ المَوتِ أرَقُّ عَلَیکَ وأشَدُّ رَحمَةً لَکَ مِنَ الاُمِّ الشَّفیقَةِ عَلی وَلَدِها.
قالَ:ثُمَّ استَعبَرَ وَاستَعبَرتُ مَعَهُ.
ص:205
فَقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی فَضَّلَنا عَلی خَلقِهِ بِالرَّحمَةِ،وخَصَّنا أهلَ البَیتِ بِالرَّحمَةِ.
یا مِسمَعُ ! إنَّ الأَرضَ وَالسَّماءَ لَتَبکی مُنذُ قُتِلَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام رَحمَةً لَنا،وما بَکی لَنا مِنَ المَلائِکَةِ أکثَرُ،وما رَقَأَت (1)دُموعُ المَلائِکَةِ مُنذُ قُتِلنا،وما بَکی أحَدٌ رَحمَةً لَنا ولِما لَقینا،إلّارَحِمَهُ اللّهُ قَبلَ أن تَخرُجَ الدَّمعَةُ مِن عَینِهِ،فَإِذا سالَت دُموعُهُ عَلی خَدِّهِ،فَلَو أنَّ قَطرَةً مِن دُموعِهِ سَقَطَت فی جَهَنَّمَ لَأَطفَأَت حَرَّها حَتّی لا یوجَدُ لَها حَرٌّ،وإنَّ الموجَعَ قَلبُهُ لَنا لَیَفرَحُ یَومَ یَرانا عِندَ مَوتِهِ،فَرحَةً لا تَزالُ تِلکَ الفَرحَةُ فی قَلبِهِ حَتّی یَرِدَ عَلَینَا الحَوضَ،وإنَّ الکَوثَرَ لَیَفرَحُ بِمُحِبِّنا إذا وَرَدَ عَلَیهِ،حَتّی أنَّهُ لَیُذیقُهُ مِن ضُروبِ الطَّعامِ ما لا یَشتَهی أن یَصدُرَ عَنهُ.
یا مِسمَعُ ! مَن شَرِبَ مِنهُ شَربَةً لَم یَظمَأ بَعدَها أبَداً،ولَم یَستَقِ بَعدَها أبَداً،وهُوَ فی بردِ الکافورِ،وریحِ المِسکِ،وطَعمِ الزَّنجَبیلِ،أحلی مِنَ العَسَلِ،وألیَنُ مِنَ الزَّبَدِ، وأصفی مِنَ الدَّمعِ،وأذکی مِنَ العَنبَرِ،یَخرُجُ مِن تَسنیمٍ (2)،ویَمُرُّ بِأَنهارِ الجِنانِ،یَجری عَلی رَضراضِ (3)الدُّرِّ وَالیاقوتِ،فیهِ مِنَ القُدحانِ أکثَرُ مِن عَدَدِ نُجومِ السَّماءِ،یوجَدُ ریحُهُ مِن مَسیرَةِ ألفِ عامٍ،قُدحانُهُ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وألوانِ الجَوهَرِ،یَفوحُ فی وَجهِ الشّارِبِ مِنهُ کُلُّ فائِحَةٍ حَتّی یَقولَ الشّارِبُ مِنهُ:یا لَیتَنی تُرِکتُ هاهُنا لا أبغی بِهذا بَدَلاً،ولا عَنهُ تَحویلاً.
أما إنَّکَ-یا کِردینُ-مِمَّن تَروی مِنهُ،وما مِن عَینٍ بَکَت لَنا إلّانُعِّمَت بِالنَّظَرِ إلَی الکَوثَرِ،وسُقِیَت مِنهُ مَن أحَبَّنا،وإنَّ الشّارِبَ مِنهُ لَیُعطی مِنَ اللَّذَّةِ وَالطَّعمِ وَالشَّهوَةِ لَهُ أکثَرَ مِمّا یُعطاهُ مَن هُوَ دونَهُ فی حُبِّنا،وإنَّ عَلَی الکَوثَرِ أمیرَ المُؤمِنینَ علیه السّلام،وفی یَدِهِ
ص:206
عَصاً مِن عَوسَجٍ (1)،یُحَطِّمُ بِها أعداءَنا،فَیَقولُ الرَّجُلُ مِنهُم:إنّی أشهَدُ الشَّهادَتَینِ، فَیَقولُ:اِنطَلِق إلی إمامِکَ فُلانٍ فَاسأَلهُ أن یَشفَعَ لَکَ،فَیَقولُ:یَتَبَرَّأُ مِنّی إمامِیَ الَّذی تَذکُرُهُ،فَیقولُ:اِرجِع إلی وَرائِکَ فَقُل لِلَّذی کُنتَ تَتَوَلّاهُ وتُقَدِّمُهُ عَلَی الخَلقِ،فَاسأَلهُ إذا کاَنَ خَیرَ الخَلقِ عِندَکَ أن یَشفَعَ لَکَ،فَإِنَّ خَیرَ الخَلقِ حَقیقٌ أن لا یُرَدَّ إذا شُفِّعَ، فَیَقولُ:إنّی أهلِکُ عَطَشاً،فَیَقولُ لَهُ:زادَکَ اللّهُ ظَمَأً،وزادَکَ اللّهُ عَطَشاً.
قُلتُ:جُعِلتُ فِداکَ ! وکَیفَ یَقدِرُ عَلَی الدُّنُوِّ مِنَ الحَوضِ ولَم یَقدِر عَلَیهِ غَیرُهُ؟ فَقالَ:وَرِعَ عَن أشیاءَ قَبیحَةٍ،وکَفَّ عَن شَتمِنا أهلَ البَیتِ إذا ذَکَرَنا،وتَرَکَ أشیاءَ اجتَری عَلَیها غَیرُهُ،ولَیسَ ذلِکَ لِحُبِّنا ولا لِهَویً مِنهُ لَنا،ولکِن ذلِکَ لِشِدَّةِ اجتِهادِهِ فی عِبادَتِهِ وتَدَیُّنِهِ،ولِما قَد شُغِلَ نَفسُهُ بِهِ عَن ذِکرِ النّاسِ،فَأَمّا قَلبُهُ فَمُنافِقٌ،ودینُهُ النَّصبُ بِاتِّباعِ أهلِ النَّصبِ ووِلایَةِ الماضینَ. (2)
2781.ثواب الأعمال عن صالح بن عقبة عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :مَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام بَیتاً مِن شِعرٍ فَبَکی وأبکی عَشَرَةً فَلَهُ ولَهُمُ الجَنَّةُ،ومَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام بَیتاً فَبَکی وأبکی تِسعَةً فَلَهُ ولَهُمُ الجَنَّةُ،فَلَم یَزَل حَتّی قالَ:مَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام شِعراً فَبَکی-وأظُنُّهُ قالَ:أو تَباکی-فَلَهُ الجَنَّةُ. (3)
2782.ثواب الأعمال عن أبی عمارة المنشد عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :قالَ لی:یا أبا عُمارَةَ،
ص:207
أنشِدنی فِی الحُسَینِ علیه السّلام،قالَ:فَأَنشَدتُهُ فَبَکی،قالَ:ثُمَّ أنشَدتُهُ فَبَکی.
قالَ:فَوَاللّهِ،ما زِلتُ انشِدُهُ ویَبکی حَتّی سَمِعتُ البُکاءَ مِنَ الدّارِ.فَقالَ لی:یا أبا عُمارَةَ،مَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیهما السّلام شِعراً فَأَبکی خَمسینَ فَلَهُ الجَنَّةُ،ومَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام شِعراً فَأَبکی أربَعینَ فَلَهُ الجَنَّةُ،ومَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام شِعراً فَأَبکی ثَلاثینَ فَلَهُ الجَنَّةُ،ومَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام شِعراً فَأَبکی عِشرینَ فَلَهُ الجَنَّةُ، ومَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام شِعراً فَأَبکی عَشَرَةً فَلَهُ الجَنَّةُ،ومَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام شِعراً فَأَبکی واحِداً فَلَهُ الجَنَّةُ،ومَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام شِعراً فَبَکی فَلَهُ الجَنَّةُ، ومَن أنشَدَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام شِعراً فَتَباکی فَلَهُ الجَنَّةُ. (1)
2783.رجال الکشّی عن زید الشحّام: کُنّا عِندَ أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام ونَحنُ جَماعَةٌ مِنَ الکوفِیّینَ،فَدَخَلَ جَعفَرُ بنُ عَفّانَ عَلی أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام فَقَرَّبَهُ وأدناهُ،ثُمَّ قالَ:یا جَعفَرُ ! قالَ:لَبَّیکَ جَعَلَنِیَ اللّهُ فِداکَ،قالَ:بَلَغَنی أنَّکَ تَقولُ الشِّعرَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام وتُجیدُ،فَقالَ لَهُ:نَعَم، جَعَلَنِیَ اللّهُ فِداکَ ! فَقالَ:قُل،فَأَنشَدَهُ [فَبَکی] (2)علیه السّلام ومَن حَولَهُ حَتّی صارَت لَهُ الدُّموعُ عَلی وَجهِهِ ولِحیَتِهِ.
ثُمَّ قالَ:یا جَعفَرُ ! وَاللّهِ،لَقَد شَهِدَکَ مَلائِکَةُ اللّهِ المُقَرَّبونَ،هاهُنا یَسمَعونَ قَولَکَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام،ولَقَد بَکَوا کَما بَکَینا أو أکثَرَ،ولَقَد أوجَبَ اللّهُ تَعالی لَکَ-یا جَعفَرُ- فی ساعَتِهِ الجَنَّةَ بِأَسرِها،وغَفَرَ اللّهُ لَکَ.
فَقالَ:یا جَعفَرُ ! ألا أزیدُکَ؟قالَ:نَعَم یا سَیِّدی.
قالَ:ما مِن أحَدٍ قالَ فِی الحُسَینِ علیه السّلام شِعراً فَبَکی وأبکی بِهِ،إلّاأوجَبَ اللّهُ لَهُ
ص:208
الجَنَّةَ وغَفَرَ لَهُ. (1)
راجع:ص 232 (الفصل الرابع/بکاء الإمام الباقر علیه السّلام )
وص 179 (الفصل الثانی/ذکر مصائبه عند الإمام الصادق علیه السّلام ).
2784.بحار الأنوار: رَوی صاحِبُ«الدُّرُّ الثَّمینُ (2)»فی تَفسیرِ قَولِهِ تَعالی: «فَتَلَقّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِماتٍ» 3 أنَّهُ رَأی ساقَ العَرشِ و أسماءَ النَّبِیِّ وَالأَئِمَّةِ علیهم السّلام فَلَقَّنَهُ جَبرَئیلُ علیه السّلام،قُل:یا حَمیدُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ،یا عالی بِحَقِّ عَلِیٍّ،یا فاطِرُ بِحَقِّ فاطِمَةَ،یا مُحسِنُ بِحَقِّ الحَسَنِ وَالحُسَینِ،ومِنکَ الإِحسانُ.فَلَمّا ذَکَرَ الحُسَینَ علیه السّلام سالَت دُموعُهُ،وَانخَشَعَ قَلبُهُ، وقالَ:
یا أخی جَبرَئیلُ ! فی ذِکرِ الخامِسِ یَنکَسِرُ قَلبی،و تَسیلُ عَبرَتی !
قالَ جَبرَئیلُ:وَلَدُکَ هذا یُصابُ بِمُصیبَةٍ تَصغُرُ عِندَهَا المَصائِبُ.
فَقالَ:یا أخی! و ما هِیَ؟قالَ:یُقتَلُ عَطشاناً غَریباً وَحیداً فَریداً،لَیسَ لَهُ ناصِرٌ و لا مُعینٌ،ولَو تَراهُ-یا آدَمُ-و هُوَ یَقولُ:وا عَطَشاه! وا قِلَّةَ ناصِراه ! حَتّی یَحولَ العَطَشُ بَینَهُ وبَینَ السَّماءِ کَالدُّخانِ،فَلَم یُجِبهُ أحَدٌ إلّابِالسُّیوفِ،وشُربِ الحُتوفِ، فَیُذبَحُ ذَبحَ الشّاةِ مِن قَفاهُ،ویَنهَبُ رَحلَهُ أعداؤُهُ،وتُشهَرُ رُؤوسُهُم هُوَ وأنصارُهُ فِی
ص:209
البُلدانِ،ومَعَهُمُ النِّسوانُ،کَذلِکَ سَبَقَ فی عِلمِ الواحِدِ المَنّانِ !
فَبَکی آدَمُ وجَبرَئیلُ علیهما السّلام بُکاءَ الثَّکلی. (1)
2785.الخصال عن الفضل بن شاذان: سَمِعتُ الرِّضا علیه السّلام یَقولُ:لَمّا أمَرَ اللّهُ عز و جل إبراهیمَ علیه السّلام أن یَذبَحَ مَکانَ ابنِهِ إسماعیلَ الکَبشَ الَّذی أنزَلَهُ عَلَیهِ،تَمَنّی إبراهیمُ علیه السّلام أن یَکونَ قَد ذَبَحَ ابنَهُ إسماعیلَ بِیَدِهِ،وأنَّهُ لَم یُؤمَر بِذَبحِ الکَبشِ مَکانَهُ،لِیَرجِعَ إلی قَلبِهِ ما یَرجِعُ إلی قَلبِ الوالِدِ الَّذی یَذبَحُ أعَزَّ وَلَدِهِ عَلَیهِ بِیَدِهِ،فَیَستَحِقَّ بِذلِکَ أرفَعَ دَرَجاتِ أهلِ الثَّوابِ عَلَی المَصائِبِ.
فَأَوحَی اللّهُ عز و جل إلَیهِ:یا إبراهیمُ ! مَن أحَبُّ خَلقی إلَیکَ؟
فَقالَ:یا رَبِّ ! ما خَلَقتَ خَلقاً هُوَ أحَبُّ إلَیَّ مِن حَبیبِکَ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله.
فَأَوحَی اللّهُ تَعالی إلَیهِ:أفَهُوَ أحَبُّ إلَیکَ أم نَفسُکَ؟
قالَ:بَل هُوَ أحَبُّ إلَیَّ مِن نَفسی.
قالَ:فَوَلَدُهُ أحَبُّ إلَیکَ أم وَلَدُکَ؟
قالَ:بَل وَلَدُهُ.
قالَ:فَذَبحُ وَلَدِهِ ظُلماً عَلی أیدی أعدائِهِ أوجَعُ لِقَلبِکَ أو ذَبحُ وَلَدِکَ بِیَدِکَ فی طاعَتی؟
قالَ:یا رَبِّ ! بَل ذَبحُ وَلَدِهِ ظُلماً عَلی أیدی أعدائِهِ أوجَعُ لِقَلبی.
ص:210
قالَ:یا إبراهیمُ ! فَإِنَّ طائِفَةً تَزعُمُ أنَّها مِن امَّةِ مُحَمَّدٍ سَتَقتُلُ الحُسَینَ ابنَهُ مِن بَعدِهِ ظُلماً وعُدواناً کَما یُذبَحُ الکَبشُ،ویَستَوجِبونَ بِذلِکَ سَخَطی.
فَجَزِعَ إبراهیمُ علیه السّلام لِذلِکَ،وتَوَجَّعَ قَلبُهُ،وأقبَلَ یَبکی.
فَأَوحَی اللّهُ عز و جل:یا إبراهیمُ ! قَد فَدَیتُ جَزَعَکَ عَلَی ابنِکَ إسماعیلَ،لَو ذَبحتَهُ بِیَدِکَ بِجَزَعِکَ عَلَی الحُسَینِ وقَتلِهِ،وأوجَبتُ لَکَ أرفَعَ دَرَجاتِ أهلِ الثَّوابِ عَلَی المَصائِبِ،وذلِکَ قَولُ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ: «وَ فَدَیْناهُ بِذِبْحٍ عَظِیمٍ» 1 . (1)
2786.کمال الدین عن ابن عبّاس: کُنتُ مَعَ أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السّلام فی خَرجَتِهِ إلی صِفّینَ،فَلَمّا نَزَلَ بِنینَوی-وهُوَ شَطُّ الفُراتِ-...قالَ لی:یَابنَ عَبّاسٍ ! اطلُب لی حَولَها بَعرَ الظِّباءِ، فَوَاللّهِ،ما کَذَبتُ ولا کُذِبتُ قَطُّ،وهِیَ مُصفَرَّةٌ،لَونُها لَونُ الزَّعفَرانِ.
قالَ ابنُ عَبّاسٍ:فَطَلَبتُها فَوَجَدتُها مُجتَمِعَةً،فَنادَیتُهُ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ ! قَد أصَبتُها عَلَی الصِّفَةِ الَّتی وَصَفتَها لی.
فَقالَ عَلِیٌّ علیه السّلام:صَدَقَ اللّهُ ورَسولُهُ،ثُمَّ قامَ یُهَروِلُ إلَیها،فَحَمَلَها وشَمَّها،وقالَ:
هِیَ هِیَ بِعَینِها،تَعلَمُ-یَابنَ عَبّاسٍ-ما هذِهِ الأَبعارُ؟هذِهِ قَد شَمَّها عیسَی بنُ مَریَمَ علیه السّلام،وذلِکَ أنَّهُ مَرَّ بِها ومَعَهُ الحَوارِیّونَ،فَرَأی هذِهِ الظِّباءَ مُجتَمِعَةً،فَأَقبَلَت إلَیهِ الظِّباءُ وهِیَ تَبکی،فَجَلَسَ عیسی علیه السّلام،وجَلَسَ الحَوارِیّونَ،فَبَکی وبَکَی
ص:211
الحَوارِیّونَ،وهُم لا یَدرونَ لِمَ جَلَسَ ولِمَ بَکی،فَقالوا:یا روحَ اللّهِ وکَلِمَتَهُ ! ما یُبکیکَ؟!
قالَ:أتَعلَمونَ أیَّ أرضٍ هذِهِ؟قالوا:لا،قالَ:هذِهِ أرضٌ یُقتَلُ فیها فَرخُ الرَّسولِ أحمَدَ،وفَرخُ الحُرَّةِ الطّاهِرَةِ البَتولِ شَبیهَةِ امّی،ویُلحَدُ فیها،وهِیَ أطیَبُ مِن المِسکِ،وهِیَ طینَةُ الفَرخِ المُستَشهَدِ،وهکَذا تَکونُ طینَةُ الأَنبِیاءِ وأولادِ الأَنبِیاءِ، فَهذِهِ الظِّباءُ تُکَلِّمُنی،و تَقولُ:إنَّها تَرعی فی هذِهِ الأَرضِ شَوقاً إلی تُربَةِ الفَرخِ المُبارَکِ،وزَعَمَت أنَّها آمِنَةٌ فی هذِهِ الأَرضِ،ثُمَّ ضَرَبَ بِیَدِهِ إلی هذِهِ الصّیرانِ (1)فَشَمَّها،فَقالَ:هذِهِ بَعرُ الظِّباءِ عَلی هذِهِ الطّیبِ لِمَکانِ حَشیشِها،اللّهُمَّ أبقِها أبَداً حَتّی یَشُمَّها أبوهُ،فَتَکونَ لَهُ عَزاءً (2)وسَلوَةً. (3)
2787.کمال الدین: إنّ مُخالِفینا یَروونَ أنَّ عیسَی بنَ مَریَمَ علیه السّلام مَرَّ بِأَرضِ کَربَلاءَ،فَرَأی عِدَّةً مِنَ الظِّباءِ هُناکَ مُجتَمِعَةً،فَأَقبَلَت إلَیهِ وهِیَ تَبکی،وأنَّهُ جَلَسَ وجَلَسَ الحَوارِیّونَ، فَبَکی وبَکَی الحَوارِیّونَ،وهُم لا یَدرونَ لِمَ جَلَسَ ولِمَ بَکی،فَقالوا:یا روحَ اللّهِ وکَلِمَتَهُ ! ما یُبکیکَ؟!
قالَ:أتَعلَمونَ أیَّ أرضٍ هذِهِ قالوا:لا،قالَ:هذِهِ أرضٌ یُقتَلُ فیها فَرخُ الرَّسولِ أحمَدَ،وفَرخُ الحُرَّةِ الطّاهِرَةِ البَتولِ شَبیهَةِ امّی،ویُلحَدُ فیها،هِیَ أطیَبُ مِنَ المِسکِ؛ لِأَ نَّها طینَةُ الفَرخِ المُستَشهَدِ،وهکَذا تَکونُ طینَةُ الأَنبِیاءِ وأولادِ الأَنبِیاءِ،وهذِهِ الظِّباءُ تُکَلِّمُنی،وتَقولُ:إنَّها تَرعی فی هذِهِ الأَرضِ شَوقاً إلی تُربَةِ الفَرخِ المُستَشهَدِ المُبارَکِ،وزَعَمَت أنَّها آمِنَةُ فی هذِهِ الأَرضِ،ثُمَّ ضَرَبَ بِیَدِهِ إلی بَعرِ تِلکَ الظِّباءِ
ص:212
فَشَمَّها،فَقالَ:اللّهُمَّ أبقِها أبَداً،حَتّی یَشُمَّها أبوهُ،فَیَکونَ لَهُ عَزاءً وسَلوَةً،وأنَّها بَقِیَت إلی أیّامِ أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السّلام،حَتّی شَمَّها وبَکی،وأخبَرَ بِقِصَّتِها لَمّا مَرَّ بِکَربَلاءَ. (1)
راجع:ج 2 ص 303 (القسم السادس/الفصل الثالث:
إنباء أمیر المؤمنین علیه السّلام بشهادة الحسین علیه السّلام ).
2788.کامل الزیارات عن عبد اللّه بن مُحَمَّد الصنعانی عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام :کانَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله إذا دَخَلَ الحُسَینُ علیه السّلام جَذَبَهُ إلَیهِ،ثُمَّ یَقولُ لِأَمیرِ المُؤمِنینَ علیه السّلام:أمسِکهُ،ثُمَّ یَقَعُ عَلَیهِ فَیُقَبِّلُهُ ویَبکی.
یَقولُ:یا أبَه! لِمَ تَبکی؟فَیَقولُ:یا بُنَیَّ! اقَبِّلُ مَوضِعَ السُّیوفِ مِنکَ وأبکی.
قالَ:یا أبَه! واُقتَلُ؟قالَ:إی وَاللّهِ،وأبوکَ وأخوکَ وأنتَ. (2)
2789.کشف الغمّة عن مُحَمَّد بن عبد الرحمن: بَینا رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فی بَیتِ عائِشَةَ رَقدَةَ القایِلَةِ (3)،إذَا استَیقَظَ وهُوَ یَبکی،فَقالَت عائِشَةُ:ما یُبکیکَ-یا رَسولَ اللّهِ-،بِأَبی أنتَ واُمّی؟
قالَ:یُبکینی أنَّ جَبرَئیلَ أتانی،فَقالَ:اُبسُط یَدَکَ-یا مُحَمَّدُ-،فَإِنَّ هذِهِ تُربَةٌ مِن تِلالٍ یُقتَلُ بِهَا ابنُکَ الحُسَینُ،یَقتُلُهُ رَجُلٌ مِن امَّتِکَ.
قالَت عائِشَةُ:ورَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یُحَدِّثُنی وأنَّهُ لَیَبکی،ویَقولُ:مَن ذا مِن امَّتی،مَن
ص:213
ذا مِن امَّتی،مَن ذا مِن امَّتی،من یَقتُلُ حُسَیناً مِن بَعدی؟ (1)
2790.کامل الزیارات عن عبد اللّه بن بکیر عن بعض أصحابنا عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :دَخَلَت فاطِمَةُ علیها السّلام عَلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وعَیناهُ تَدمَعُ،فَسَأَلَتهُ:ما لَکَ؟
فَقالَ إنَّ جَبرَئیلَ علیه السّلام أخبَرَنی أنَّ امَّتی تَقتُلُ حُسَیناً،فَجَزِعَت وشَقَّ عَلَیها، فَأَخبَرَها بِمَن یَملِکُ مِن وُلدِها،فَطابَت نَفسُها وسَکَنَت. (2)
2791.الإرشاد عن امّ سلمة: بَینا رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ذاتَ یَومٍ جالِسٌ وَالحُسَینُ علیه السّلام جالِسٌ فی حِجرِهِ، إذ هَمَلَت عَیناهُ بِالدُّموعِ،فَقُلتُ لَهُ:یا رَسولَ اللّهِ،ما لی أراکَ تَبکی جُعِلتُ فِداکَ؟ فَقالَ:جاءَنی جَبرَئیلُ علیه السّلام فَعَزّانی بِابنِیَ الحُسَینِ،وأخبَرَنی أنَّ طائِفَةً مِن امَّتی تَقتُلُهُ، لا أنالَهُمُ اللّهُ شَفاعَتی. (3)
2792.الأمالی للصدوق عن ابن عبّاس: قالَ عَلِیٌّ علیه السّلام لِرَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:یا رَسولَ اللّهِ،إنَّکَ لَتُحِبُّ عَقیلاً؟قالَ:إی وَاللّهِ،إنّی لَاُحِبُّهُ حُبَّینِ،حُبّاً لَهُ،وحُبّاً لِحُبِّ أبی طالِبٍ لَهُ،وإنَّ وَلَدَهُ لَمَقتولٌ فی مَحَبَّةِ وَلَدِکَ،فَتَدمَعُ عَلَیهِ عُیونُ المُؤمِنینَ،وتُصَلّی عَلَیهِ المَلائِکَةُ المُقَرَّبونَ.
ثُمَّ بَکی رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله حَتّی جَرَت دُموعُهُ عَلی صَدرِهِ،ثُمَّ قالَ:إلَی اللّهِ أشکو ما تَلقی عِترَتی مِن بَعدی. (4)
2793.المستدرک علی الصحیحین عن عبد اللّه بن مسعود: أتَینا رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فَخَرَجَ إلَینا مُستَبشِراً یُعرَفُ السُّرورُ فی وَجهِهِ،فَما سَأَلناهُ عَن شَیءٍ إلّاأخبَرَنا بِهِ،ولا سَکَتنا إلَّاابتَدَأَنا،
ص:214
حَتّی مَرَّت فِتیَةٌ مِن بَنی هاشِمٍ،فیهِمُ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام،فَلَمّا رَآهُمُ التَزَمَهُم، وَانهَمَلَت عَیناهُ،فَقُلنا:یا رَسولَ اللّهِ ! ما نَزالُ نَری فی وَجهِکَ شَیئاً نَکرَهُهُ؟
فَقالَ:إنّا أهلُ بَیتٍ اختارَ اللّهُ لَنَا الآخِرَةَ عَلَی الدُّنیا،وإنَّهُ سَیَلقی أهلُ بَیتی مِن بَعدی تَطریداً وتَشریداً فِی البِلادِ،حَتّی تَرتَفِعَ رایاتُ سودٍ مِنَ المَشرِقِ،فَیَسأَلونَ الحَقَّ فَلا یُعطونَهُ،ثُمَّ یَسأَلونَهُ فَلا یُعطونَهُ،ثُمَّ یَسأَلونَهُ فَلا یُعطونَهُ،فَیُقاتِلونَ فَیُنصَرونَ،فَمَن أدرَکَهُ مِنکُم أو مِن أعقابِکُم فَلیَأتِ إمامَ أهلِ بَیتی ولَو حَبواً عَلَی الثَّلجِ،فَإِنَّها رایاتُ هُدیً،یَدفَعونها إلی رَجُلٍ مِن أهلِ بَیتی،یُواطِئُ اسمُهُ اسمی...
فَیَملِکُ الأَرضَ،فَیَملَؤُها قِسطاً وعَدلاً کَما مُلِئَت جَوراً وظُلماً. (1)
2794.الأمالی للصدوق عن مُحَمَّد بن عبد الرحمن عن أبیه عن علیّ بن أبی طالب علیه السّلام: بَینا أنَا وفاطِمَةُ وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ عِندَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،إذِ التَفَتَ إلَینا فَبَکی،فَقُلتُ:ما یُبکیکَ یا رَسولَ اللّهِ؟
فَقالَ:أبکی مِمّا یُصنَعُ بِکُم بَعدی.فَقُلتُ:وما ذاکَ یا رَسولَ اللّهِ؟
قالَ:أبکی مِن ضَربَتِکَ عَلَی القَرنِ،ولَطمِ فاطِمَةَ خَدَّها،وطَعنَةِ الحَسَنِ فی الفَخِذِ،وَالسَّمِّ الّذی یُسقی،وقَتلِ الحُسَینِ.
قالَ:فَبَکی أهلُ البَیتِ جَمیعاً. (2)
2795.المناقب للکوفی عن أنس: التَفَتَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله إلی فاطِمَةَ علیها السّلام فَقالَ:أجَزِعتِ إذ رَأَیتِ مَوتَهُما [أیِ الحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام ] فَکَیفَ لَو رَأَیتِ الأَکبَرَ مَسقِیّاً بِالسَّمِّ وَالأَصغَرِ مُلَطَّخاً
ص:215
بِدَمِهِ فی قاعٍ مِنَ الأَرضِ یَتَناوَبُهُ السِّباعُ؟! قالَ:فَبَکَت فاطِمَةُ علیها السّلام وبَکی عَلِیٌّ وبَکَی الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهم السّلام.
فَقالَت فاطِمَةُ علیها السّلام:یا أبَتا أکُفّارٌ یَفعَلونَ ذلِکَ أم مُنافِقونَ؟
قالَ:بَل مُنافِقو هذِهِ الاُمَّةِ ویَزعُمونَ أنَّهُم مُؤمِنونَ!! (1)
2796.الأمالی للصدوق عن إبراهیم بن أبی محمود عن الرضا علیه السّلام: إنَّ یَومَ الحُسَینِ علیه السّلام أقرَحَ (2)جُفونَنا،وأسبَلَ دُموعَنا،وأذَلَّ عَزیزَنا بِأَرضِ کَربٍ و بَلاءٍ،أورَثَتنَا الکَربَ وَالبَلاءَ إلی یَومِ الاِنقِضاءِ،فَعَلی مِثلِ الحُسَینِ علیه السّلام فَلیَبکِ الباکونَ،فَإِنَّ البُکاءَ یَحُطُّ الذُّنوبَ العِظامَ. (3)
راجع:ج 2 ص 269 (القسم السادس/الفصل الثانی:
إنباء النبیّ صلّی اللّه علیه و آله بشهادة الحسین علیه السّلام ).
2797.خصائص الأئمّة علیهم السّلام عن عبد اللّه بن میمون عن جعفر بن مُحَمَّد [الصادق ] عن أبیه عن آبائه علیهم السّلام:
مَرَّ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام فی ناسٍ مِن أصحابِهِ بِکَربَلاءَ،فَلَمّا مَرَّ بِهَا اغرَورَقَت عَیناهُ بِالبُکاءِ،ثُمَّ قالَ:هذا مُناخُ رِکابِهِم،و هذا مُلقی رِحالِهِم،وهاهُنا تُهَراقُ (4)دِماؤُهُم، طوبی لَکِ مِن تُربَةٍ،عَلَیها تُهرَقُ دِماءُ الأَحِبَّةِ. (5)
ص:216
2798.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی عن شیخ الإسلام الحاکم الجشمی: إنَّ أمیرَ المُؤمِنینَ علیه السّلام لَمّا سارَ إلی صِفّینَ نَزَلَ بِکَربَلاءَ،وقالَ لِابنِ عَبّاسٍ:أتَدری ما هذِهِ البُقعَةُ؟قالَ:لا،قالَ:لَو عَرَفتَها لَبَکَیتَ بُکائی،ثُمَّ بَکی بُکاءً شَدیداً.
ثُمَّ قالَ:ما لی ولِآلِ أبی سُفیانَ،ثُمَّ التَفَتَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،وقالَ:صَبراً یا بُنَیَّ، فَقَد لَقِیَ أبوکَ مِنهُم مِثلَ الَّذی تَلقی بَعدَهُ. (1)
2799.کمال الدین عن ابن عبّاس: کُنتُ مَعَ أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السّلام فی خَرجَتِهِ إلی صِفّینَ،فَلَمّا نَزَلَ بِنینوی-و هُوَ شَطُّ الفُراتِ-قالَ بِأَعلی صَوتِهِ:یَا بنَ عَبّاسٍ،أتَعرِفُ هذَا المَوضِعَ؟ قالَ:قُلتُ:ما أعرِفُهُ یا أمیرَ المُؤمِنینَ،فَقالَ:لَو عَرَفتَهُ کَمَعرِفَتی لَم تَکُن تَجوزُهُ حَتّی تَبکِیَ کَبُکائی.
قالَ:فَبَکی طَویلاً حَتَّی اخضَلَّت (2)لِحیَتُهُ،وسالَتِ الدُّموعُ عَلی صَدرِهِ،وبَکَینا مَعَهُ،وهُوَ یَقولُ:أوِّه أوِّه! ما لی ولِآلِ أبی سُفیانَ؟ما لی و لِآلِ حَربٍ حِزبِ الشَّیطانِ وأولِیاءِ الکُفرِ؟صَبراً یا أبا عَبدِ اللّهِ،فَقَد لَقِیَ أبوکَ مِثلَ الَّذی تَلقی مِنهُم...
وقالَ بِأَعلی صَوتِهِ:یا رَبِّ عیسَی بنِ مَریَمَ ! لا تُبارِک فی قَتَلَتِهِ،وَالحامِلِ عَلَیهِ، وَالمُعینِ عَلَیهِ،وَالخاذِلِ لَهُ،ثُمَّ بَکی بُکاءً طَویلاً وبَکَینا مَعَهُ،حَتّی سَقَطَ لِوَجهِهِ وغُشِیَ عَلَیهِ طَویلاً،ثُمَّ أفاقَ. (3)
ص:217
2800.کتاب سُلیم بن قیس عن ابن عبّاس: لَقَد دَخَلتُ عَلی عَلِیٍّ علیه السّلام بِذی قارٍ (1)،فَأَخرَجَ إلَیَّ صَحیفَةً وقالَ لی:یَابنَ عَبّاسٍ،هذِهِ صَحیفَةٌ أملاها عَلَیَّ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وخَطّی بِیَدی. (2)فَقُلتُ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ،إقرَأها عَلَیَّ،فَقَرَأَها فَإِذا فیها کُلُّ شَیءٍ کانَ مُنذُ قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله إلی مَقتَلِ الحُسَینِ علیه السّلام،وکَیفَ یُقتَلُ؟ومَن یَقتُلُهُ؟و مَن یَنصُرُهُ؟ ومَن یُستَشهَدُ مَعَهُ؟فَبَکی بُکاءً شَدیداً وأبکانی.
فَکانَ فیما قَرَأَهُ عَلَیَّ:کَیفَ یُصنَعُ بِهِ؟وکَیفُ تُستَشهَدُ فاطِمَةُ علیها السّلام؟وکَیفَ یُستَشهَدُ الحَسَنُ ابنُهُ علیه السّلام؟وکَیفَ تَغدِرُ بِهِ الاُمَّةُ؟فَلَمّا أن قَرَأَ کَیفَ یُقتَلُ الحُسَینُ علیه السّلام ومَن یَقتُلُهُ أکثَرَ البُکاءَ،ثُمَّ أدرَجَ الصَّحیفَةَ وقَد بَقِیَ ما یَکونُ إلی یَومِ القِیامَةِ. (3)
راجع:ج 2 ص 303 (القسم السادس/الفصل الثالث/إنباء
أمیر المؤمنین علیه السّلام بشهادة الحسین علیه السّلام ).
2801.دلائل الإمامة عن موسی بن إبراهیم المروزی عن موسی بن جعفر عن أبیه جعفر بن مُحَمَّد عن جدّه مُحَمَّد الباقر علیهم السّلام عن جابر بن عبد اللّه الأنصاری عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله -لِفاطِمَةَ علیها السّلام-:أتانی جَبرَئیلُ فَبَشَّرَنی بِفَرخَینِ یَکونانِ لَکِ،ثُمَّ عُزّیتُ بِأَحَدِهِما،وعَرَفتُ أنَّهُ یُقتَلُ غَریباً عَطشاناً.فَبَکَت فاطِمَةُ حَتّی عَلا بُکاؤُها،ثُمَّ قالَت:یا أبَه،لِمَ یَقتُلونَهُ وأنتَ جَدُّهُ،
ص:218
وأبوهُ عَلِیٌّ،وأنَا امُّهُ؟
قالَ:یا بُنَیَّةُ،لِطَلَبِهِمُ المُلکَ،أما إنَّهُ سَیَظهَرُ عَلَیهِم سَیفٌ لا یُغمَدُ إلّاعَلی یَدِ المَهدِیِّ مِن وُلدِکِ. (1)
2802.کمال الدین عن ابن عبّاس: لَمّا وُلِدَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام وکانَ مَولِدُهُ عَشِیَّةَ الخَمیسِ لَیلَةَ الجُمُعَةِ...فَهَبَطَ جَبرَئیلُ علیه السّلام عَلَی النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله فَهَنَّأَهُ کَما أمَرَهُ اللّهُ عز و جل وعَزّاهُ.
فَقالَ لَهُ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله:تَقتُلُهُ امَّتی؟فَقالَ لَهُ:نَعَم یا مُحَمَّدُ،فَقالَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله:ما هؤُلاءِ بِاُمَّتی أنَا بَریءٌ مِنهُم،وَاللّهُ عز و جل بَریءٌ مِنهُم،قالَ جَبرَئیلُ علیه السّلام:وأنَا بَریءٌ مِنهُم یا مُحَمَّدُ،فَدَخَلَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله عَلی فاطِمَةَ علیها السّلام فَهَنَّأَها وعَزّاها،فَبَکَت فاطِمَةُ علیها السّلام وقالَت:
یا لَیتَنی لَم ألِدهُ،قاتِلُ الحُسَینِ فِی النّارِ.
فَقالَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله:وأنَا أشهَدُ بِذلِکِ-یا فاطِمَةُ-،ولکِنَّهُ لا یُقتَلُ حَتّی یَکونَ مِنهُ إمامٌ یَکونُ مِنهُ الأَئِمَّةُ الهادِیَةُ بَعدَهُ،...فَسَکَتَت فاطِمَةُ علیها السّلام مِنَ البُکاءِ. (2)
2803.کامل الزیارات عن عبد الملک بن مقرن عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :إذا زُرتُم أبا عَبدِ اللّهِ علیه السّلام فَالزَمُوا الصَّمتَ إلّامِن خَیرٍ،وإنَّ مَلائِکَةَ اللَّیلِ وَالنَّهارِ مِنَ الحَفَظَةِ تَحضُرُ المَلائِکَةَ الَّذینَ بِالحائِرِ فَتُصافِحُهُم،فَلا یُجیبونَها مِن شِدَّةِ البُکاءِ...وإنَّ فاطِمَةَ علیها السّلام إذا نَظَرَت إلَیهِم،ومَعَها ألفُ نَبِیٍّ وألفُ صِدّیقٍ وألفُ شَهیدٍ،ومِنَ الکَرّوبِیّینَ (3)ألفُ ألفٍ یُسعِدونَها عَلَی البُکاءِ،وإنَّها لَتَشهَقُ شَهقَةً،فَلا تَبقی فِی السَّماواتِ مَلَکٌ إلّابَکی رَحمَةً لِصَوتِها،وما تَسکُنُ حَتّی یَأتِیَهَا النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله فَیَقولَ:یا بُنَیَّةُ ! قَد أبکَیتِ أهلَ
ص:219
السَّماواتِ،وشَغَلتِهِم عَنِ التَّسبیحِ وَالتَّقدیسِ،فَکُفّی حَتّی یُقَدِّسوا،فَإِنَّ اللّهَ بالِغُ أمرِهِ،وإنَّها لَتَنظُرُ إلی مَن حَضَرَ مِنکُم،فَتَسأَلُ اللّهَ لَهُم مِن کُلِّ خَیرٍ،ولا تَزهَدوا فی إتیانِهِ،فَإِنَّ الخَیرَ فی إتیانِهِ أکثَرُ مِن أن یُحصی. (1)
2804.کامل الزیارات عن أبی بصیر: کُنتُ عِندَ أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام احَدِّثُهُ...ثُمَّ بَکی وقالَ:یا أبا بَصیرٍ ! إذا نَظَرتُ إلی وُلدِ الحُسَینِ علیه السّلام أتانی ما لا أملِکُهُ بِما أتی إلی أبیهِم وإلَیهِم.یا أبا بَصیرٍ ! إنَّ فاطِمَةَ علیها السّلام لَتَبکیهِ وتَشهَقُ،فَتَزفِرُ جَهَنَّمُ زَفرَةً،لَولا أنَّ الخَزَنَةَ یَسمَعونَ بُکاءَها،وقَدِ استَعَدّوا لِذلِکَ مَخافَةَ أن یَخرُجَ مِنها عُنُقٌ أو یَشرُدَ دُخانُها،فَیُحرِقَ أهلَ الأَرضِ،فَیَکبَحونَها (2)ما دامَت باکِیَةً،ویَزجُرونَها ویوثِقونَ مِن أبوابِها مَخافَةً عَلی أهلِ الأَرضِ،فَلا تَسکُنُ حَتّی یَسکُنَ صَوتُ فاطِمَةَ علیها السّلام.
وإنَّ البِحارَ تَکادُ أن تَنفَتِقَ،فَیَدخُلَ بَعضُها عَلی بَعضٍ،وما مِنها قَطرَةٌ إلّابِها مَلَکٌ مُوَکَّلٌ،فَإِذا سَمِعَ المَلَکُ صَوتَها أطفَأَ نارَها (3)بِأَجنِحَتِهِ،وحَبَسَ بَعضَها عَلی بَعضٍ مَخافَةً عَلَی الدُّنیا وما فیها ومَن عَلَی الأَرضِ.فَلا تَزالُ المَلائِکَةُ مُشفِقینَ،یَبکونَهُ لِبُکائِها،ویَدعونَ اللّهَ،ویَتَضَرَّعونَ إلَیهِ،ویَتَضَرَّعُ أهلُ العَرشِ ومَن حَولَهُ،وتَرتَفِعُ أصواتٌ مِنَ المَلائِکَةِ بِالتَّقدیسِ للّهِ ِ مَخافَةً عَلی أهلِ الأَرضِ،ولَو أنَّ صَوتاً مِن أصواتِهِم یَصِلُ إلَی الأَرضِ لَصَعِقَ أهلُ الأَرضِ،وتَقَطَّعَتِ الجِبالُ وزُلزِلَتِ الأَرضُ بِأَهلِها.
قُلتُ:جُعِلتُ فِداکَ،إنَّ هذَا الأَمرَ عَظیمٌ! قالَ:غَیرُهُ أعظَمُ مِنهُ ما لَم تَسمَعهُ.
ص:220
ثُمَّ قالَ لی:یا أبا بَصیرٍ،أما تُحِبُّ أن تَکونَ فیمَن یُسعِدُ فاطِمَةَ علیها السّلام،فَبَکَیتُ حینَ قالَها فَما قَدَرتُ عَلَی المَنطِقِ،وما قَدَرتُ عَلی کَلامی مِنَ البُکاءِ.
ثُمَّ قامَ إلَی المُصَلّی یَدعو،فَخَرَجتُ مِن عِندِهِ عَلی تِلکَ الحالِ،فَمَا انتَفَعتُ بِطَعامٍ وما جاءَنِی النَّومُ،وأصبَحتُ صائِماً وَجِلاً حَتّی أتَیتُهُ،فَلَمّا رَأَیتُهُ قَد سَکَنَ سَکَنتُ، وحَمِدتُ اللّهَ حَیثُ لَم تَنزِل بی عُقوبَةٌ. (1)
2805.تفسیر فرات عن جعفر بن مُحَمَّد الفزاری معنعناً عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :کانَ الحُسَینُ علیه السّلام مَعَ امِّهِ تَحمِلُهُ،فَأَخَذَهُ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله وقالَ:لَعَنَ اللّهُ قاتِلَکَ،ولَعَنَ اللّهُ سالِبَکَ،وأهلَکَ اللّهُ المُتَوازِرینَ عَلَیکَ،وحَکَمَ اللّهُ بَینی وبَینَ مَن أعانَ عَلَیکَ.
قالَت فاطِمَةُ علیها السّلام:یا أبَه! أیَّ شَیءٍ تَقولُ؟قالَ:یا بِنتاه،ذَکَرتُ ما یُصیبُهُ (2)بَعدی وبَعدَکِ مِنَ الأَذی وَالظُّلمِ وَالبَغیِ،وهُوَ یَومَئِذٍ فی عُصبَةٍ کَأَنَّهُم نُجومُ السَّماءِ یَتَهادَونَ إلَی القَتلِ،وکَأَنّی أنظُرُ إلی مُعَسکَرِهِم وإلی مَوضِعِ رِحالِهِم وتُربَتِهِم.
قالَت:یا أبَه ! وأنّی (وأینَ) هذَا المَوضِعُ الَّذی تَصِفُ؟
قالَ:مَوضِعٌ یُقالُ لَهُ کَربَلاءُ،وهِیَ دارُ کَربٍ وبَلاءٍ عَلَینا وعَلَی الاُمَّةِ،یَخرُجُ عَلَیهِم شِرارُ امَّتی،وإنَّ أحَدَهُم لَو یَشفَعُ لَهُ مَن فِی السَّماواتِ وَالأَرَضینَ ما شُفِّعوا فیهِ،وهُمُ المُخَلَّدونَ فِی النّارِ.
قالَت:یا أبَه! فَیُقتَلُ؟قالَ:نَعَم یا بِنتاه،وما قُتِلَ قِتلَتَهُ أحَدٌ کانَ قَبلَهُ،وتَبکیهِ السَّماواتُ وَالأَرَضونَ وَالمَلائِکَةُ وَالوَحشُ وَالنَّباتاتُ وَالبِحارُ وَالجِبالُ،ولَو یُؤذَنُ لَها
ص:221
ما بَقِیَ عَلَی الأَرضِ مُتَنَفِّسٌ،ویَأتیهِ قَومٌ مِن مُحِبّینا لَیسَ فِی الأَرضِ أعلَمُ بِاللّهِ ولا أقوَمُ بِحَقِّنا مِنهُم،ولَیسَ عَلی ظَهرِ الأَرضِ أحَدٌ یَلتَفِتُ إلَیهِ غَیرُهُم،اُولئِکَ مَصابیحُ فی ظُلُماتِ الجَورِ،وهُمُ الشُّفَعاءُ،وهُم وارِدونَ حَوضی غَداً،أعرِفُهُم إذا وَرَدوا عَلَیَّ بِسیماهُم،وکُلُّ أهلِ دینٍ یَطلُبونَ أئِمَّتَهُم،وهُم یَطلُبونَنا لا یَطلُبونَ غَیرَنا،وهُم قِوامُ الأَرضِ،وبِهِم یُنزَلُ الغَیثُ.
فَقالَت فاطِمَةُ علیها السّلام:یا أبَه ! إنّا للّهِ ِ،وبَکَت.فَقالَ لَها:یا بِنتاه ! إنَّ أهلَ الجِنانِ هُمُ الشُّهَداءُ فِی الدُّنیا،بَذَلوا أنفُسَهُم وأموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ یُقاتِلونَ فی سَبیلِ اللّهِ، فَیَقتُلونَ ویُقتَلونَ وَعداً عَلَیهِ حَقّاً،فَما عِندَ اللّهِ خَیرٌ مِنَ الدُّنیا وما فیها،وما فیها قِتلَةٌ أهوَنُ مِن میتَتِهِ (1)،مَن کُتِبَ عَلَیهِ القَتلُ خَرَجَ إلی مَضجَعِهِ،ومَن لَم یُقتَل فَسَوفَ یَموتُ. (2)
2806.الملهوف: سارَ الحُسَینُ علیه السّلام حَتّی بَلَغَ زُبالَةَ،فَأَتاهُ فیها خَبَرُ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ...
قالَ الرّاوی:وَارتَجَّ المَوضِعُ بِالبُکاءِ وَالعَویلِ لِقَتلِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،وسالَتِ
ص:222
الدُّموعُ عَلَیهِ کُلَّ مَسیلٍ...
قالَ:فَاستَعبَرَ الحُسَینُ علیه السّلام باکِیاً،ثُمَّ قالَ:رَحِمَ اللّهُ مُسلِماً،فَلَقَد صارَ إلی رَوحِ اللّهِ ورَیحانِهِ وتَحِیَّتِهِ ورِضوانِهِ،أما إنَّهُ قَد قَضی ما عَلَیهِ وبَقِیَ ما عَلَینا. (1)
راجع:ج 3 ص 334 (القسم السابع/الفصل السابع/کتاب الإمام علیه السّلام إلی أهل الکوفة بالحاجر من بطن الرمّة وشهادة رسوله) و ص 345 (خبر شهادة مسلم بن عقیل).
2807.تاریخ الطبری عن عقبة بن أبی العیزار -بَعدَ خَبَرِ شَهادَةِ قَیسِ بنِ مُسهِرٍ الصَّیداوِیِّ-:
فَتَرَقرَقَت عَینا حُسَینٍ علیه السّلام ولَم یَملِک دَمعَهُ،ثُمَّ قالَ: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلاً» 2 اللّهُمَّ اجعَل لَنا ولَهُمُ الجَنَّةَ نُزُلاً،وَاجمَع بَینَنا وبَینَهُم فی مُستَقَرٍّ مِن رَحمَتِکَ ورَغائِبَ مَذخورِ ثَوابِکَ. (2)
2808.الفتوح: بَلَغَ ذلِکَ [أی خَبَرُ قَتلِ قَیسِ بنِ مُسهِرٍ الصَّیداوِیِّ] الحُسَینَ علیه السّلام،فَاستَعبَرَ باکِیاً، ثُمَّ قالَ:اللّهُمَّ اجعَل لَنا ولِشیعَتِکَ مَنزِلاً کَریماً عِندَکَ،وَاجمَعَ بَینَناوإیّاهُم فی مُستَقَرٍّ رَحمَتِکَ،إنَّکَ عَلی کُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ...فَخَرَجَ الحُسَینُ علیه السّلام ووُلدُهُ وإخوَتُهُ وأهلُ بَیتِهِ رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِم بَینَ یَدَیهِ،فَنَظَرَ إلَیهِم ساعَةً وبَکی،وقالَ:
ص:223
اللّهُمَّ إنّا عِترَةُ نَبِیِّکَ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله وقَد اخرِجنا وطُرِدنا عَن حَرَمِ جَدِّنا،وتَعَدَّت بَنو امَیَّةَ عَلَینا،فَخُذ بِحَقِّنا وانصُرنا عَلَی القَومِ الکافِرینَ. (1)
راجع:ج 3 ص 334 (القسم السابع/الفصل السابع/کتاب الإمام علیه السّلام إلی أهل الکوفة بالحاجر من بطن الرمّة وشهادة رسوله).
2809.مقاتل الطالبیّین عن سعید بن ثابت: لَمّا بَرَزَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ إلَیهِم،أرخَی الحُسَینُ -صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ وسَلامُهُ-عَینَیهِ فَبَکی. (2)
2810.مثیر الأحزان -فی وَصفِ مَقتَلِ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام-:رَجَعَ إلی مَوقِفِ نِزالِهِم ومَأزِقِ (3)مَجالِهِم،فَرَماهُ مُنقِذُ بنُ مُرَّةَ العَبدِیُّ فَصَرَعَهُ،وَاحتَواهُ القَومُ فَقَطَّعوهُ،فَوَقَفَ [الحُسَینُ] علیه السّلام عَلَیهِ،وقالَ:
قَتَلَ اللّهُ قَوماً قَتَلوکَ،فَما أجرَأَهُم عَلَی اللّهِ وعَلَی انتِهاکِ حُرمَةِ الرَّسولِ، وَاستَهَلَّت عَیناهُ بِالدُّموعِ،ثُمَّ قالَ:عَلَی الدُّنیا بَعدَکَ العَفاءُ. (4)
راجع:ج 4 ص 289 (القسم الثامن/الفصل الرابع/علیّ بن الحُسَینِ علیه السّلام ).
ص:224
2811.الملهوف -فی وَصفِ حالِ القِتالِ یَومَ عاشوراءَ-:اقتَطَعُوا العَبّاسَ علیه السّلام عَنهُ [الحُسَینِ علیه السّلام ]،وأحاطوا بِهِ مِن کُلِّ جانِبٍ ومَکانٍ،حَتّی قَتَلوهُ قَدَّسَ اللّهُ روحَهُ، فَبَکَی الحُسَینُ علیه السّلام بُکاءً شَدیداً. (1)
2812.المناقب لابن شهرآشوب -فی وَصفِ مَقتَلِ العَبّاسِ علیه السّلام-:فَلَمّا رَآهُ الحُسَینُ علیه السّلام مَصروعاً عَلی شَطِّ الفُراتِ بَکی. (2)
راجع:ج 4 ص 324 (القسم الثامن/الفصل الخامس/العبّاس بن علیّ).
2813.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی عن أبی مخنف: خَرَجَ مِن بَعدِهِ [أی بَعدَ عَونِ بنِ عَبدِ اللّهِ] عَبدُ اللّهِ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ فی بَعضِ الرِّوایاتِ-وفی بَعضِ الرِّوایاتِ القاسِمُ بنُ الحَسَنِ علیه السّلام-وهُوَ غُلامٌ صَغیرٌ لَم یَبلُغِ الحُلُمَ-فَلَمّا نَظَرَ إلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام اعتَنَقَهُ وجَعَلا یَبکِیانِ حَتّی غُشِیَ عَلَیهِما،ثُمَّ استَأذَنَ الغُلامُ لِلحَربِ،فَأَبی عَمُّهُ الحُسَینُ أن یَأذَنَ لَهُ،فَلَم یَزَلِ الغُلامُ یُقَبِّلُ یَدَیهِ ورِجلَیهِ ویَسأَلُهُ الإِذنَ حَتّی أذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ ودُموعُهُ عَلی خَدَّیهِ. (3)
راجع:ج 4 ص 345 (القسم الثامن/الفصل السادس/قاسم بن الحسن).
ص:225
2814.تذکرة الخواصّ عن هشام بن مُحَمَّد: لَمّا رَآهُمُ الحُسَینُ علیه السّلام مُصِرّینَ عَلی قَتلِهِ أخَذَ المُصحَفَ ونَشَرَهُ،وجَعَلَهُ عَلی رَأسِهِ،ونادی:بَینی وبَینَکُم کِتابُ اللّهِ وجدِّی مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،یا قَومِ بِمَ تَستَحِلّونَ دَمی؟...
فَالتَفَتَ الحُسَینُ علیه السّلام فَإِذا بِطِفلٍ لَهُ یَبکی عَطَشاً،فَأَخَذَهُ عَلی یَدِهِ،وقالَ:یا قَومِ، إن لَم تَرحَمونی فَارحَموا هذَا الطِّفلَ،فَرَماهُ رَجُلٌ مِنهُم بِسَهمٍ فَذَبَحَهُ،فَجَعَلَ الحُسَینُ علیه السّلام یَبکی ویَقولُ:اللّهُمَّ احکُم بَینَنا وبَینَ قَومٍ دَعَونا لِیَنصُرونا فَقَتَلونا.فَنودِیَ مِنَ الهَواءِ:
دَعهُ-یا حُسَینُ-،فَإِنَّ لَهُ مُرضِعاً فِی الجَنَّةِ.
ورَماهُ حُصَینُ بنُ تَمیمِ بِسَهمٍ فَوَقَعَ فی شَفَتَیهِ،فَجَعَلَ الدَّمُ یَسیلُ مِن شَفَتَیهِ،وهُوَ یَبکی ویَقولُ:اللّهُمَّ إنّی أشکو إلَیکَ ما یُفعَلُ بی وبِإِخوَتی ووُلدی وأهلی. (1)
راجع:ج 4 ص 302 (القسم الثامن/الفصل الرابع/الطفل الصغیر).
2815.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ثُمَّ خَرَجَ غُلامٌ تُرکِیٌّ مُبارِزٌ،قارِئٌ لِلقُرآنِ،عارِفٌ بِالعَرَبِیَّةِ، وهُوَ مِن مَوالِی الحُسَینِ علیه السّلام،فَجَعَلَ یُقاتِلُ ویَقولُ:
البَحرُ مِن طَعنی وضَربی یَصطَلی (2) وَالجَوُّ مِن سَهمی ونَبلی یَمتَلی
ص:226
إذا حُسامی فی یَمینی یَنجَلی یَنشَقُّ قَلبُ الحاسِدُ المُبَجَّلُ
فَقَتَلَ جَماعَةً،فَتَحاوَشوهُ (1)فَصَرَعوهُ،فَجاءَهُ الحُسَینُ علیه السّلام وبَکی،ووَضَعَ خَدَّهُ عَلی خَدِّهِ،فَفَتَحَ عَینَیهِ ورَآهُ فَتَبَسَّمَ،ثُمَّ صارَ إلی رَبِّهِ. (2)
2816.الإرشاد: نادی عُمَرُ بنُ سَعدٍ:یا خَیلَ اللّهِ ارکَبی وأبشِری،فَرَکِبَ النّاسُ،ثُمَّ زَحَفَ نَحوَهُم بَعدَ العَصرِ،وحُسَینٌ علیه السّلام جالِسٌ أمامَ بَیتِهِ،مُحتَبٍ (3)بِسَیفِهِ،إذ خَفَقَ (4)بِرَأسِهِ عَلی رُکبَتَیهِ،وسَمِعَت اختُهُ الصَّیحَةَ،فَدَنَت مِن أخیها،فَقالَت:یا أخی ! أما تَسمَعُ الأَصواتَ قَدِ اقتَرَبَت؟فَرَفَعَ الحُسَینُ علیه السّلام رَأسَهُ،فَقالَ:إنّی رَأَیتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله السّاعَةَ فِی المَنامِ،فَقالَ لی:إنَّکَ تَروحُ إلَینا.
فَلَطَمَت اختُهُ وَجهَها،ونادَت بِالوَیلِ،فَقالَ لَها:لَیسَ لَکِ الوَیلُ (5)-یا اخَیَّةُ-.
اسکُتی رَحِمَکِ اللّهُ. (6)
ص:227
2817.الإرشاد: ادخِلَ عِیالُ الحُسَینِ علیه السّلام عَلَی ابنِ زِیادٍ،فَدَخَلَت زَینَبُ علیها السّلام اختُ الحُسَینِ علیه السّلام فی جُملَتِهِم مُتَنَکِّرَةً وعَلَیها أرذَلُ ثِیابِها،...
فَقالَ لَهَا ابنُ زِیادٍ:لَقَد شَفَی اللّهُ نَفسی مِن طاغِیَتِکِ وَالعُصاةِ مِن أهلِ بَیتِکِ !
فَزَقَت (1)زَینَبُ علیها السّلام وبَکَت،وقالَت لَهُ:لَعَمری لَقَد قَتَلتَ کَهلی،وأبَدتَ أهلی، وقَطَعتَ فَرعی،وَاجتَثَثتَ أصلی،فَإِن یَشفِکَ هذا فَقَدِ اشتَفَیتَ. (2)
راجع:ج 4 ص 55 (القسم الثامن/الفصل الأوّل/استمهال لیلة للصلاة والدعاء والاستغفار)
و ص 74 (حالة زینب علیها السّلام لیلة عاشوراء).
2818.الخصال عن حمران بن أعین عن أبی جعفر مُحَمَّد بن علیّ الباقر علیه السّلام: کانَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام یُصَلّی فِی الیَومِ وَاللَّیلَةِ ألفَ رَکعَةٍ...ولَقَد کانَ بَکی عَلی أبیهِ الحُسَینِ علیه السّلام عِشرینَ سَنَةً،وما وُضِعَ بَینَ یَدَیهِ طَعامٌ إلّابَکی،حَتّی قالَ لَهُ مَولیً لَهُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ! أما آنَ لِحُزنِکَ أن یَنقَضِیَ (3)؟!
فَقالَ لَهُ:وَیحَکَ،إنَّ یَعقوبَ النَّبِیَّ علیه السّلام کانَ لَهُ اثنا عَشَرَ ابناً،فَغَیَّبَ اللّهُ عَنهُ واحِداً مِنهُم،فَابیَضَّت عَیناهُ مِن کَثرَةِ بُکائِهِ عَلَیهِ،وشابَ رَأسُهُ مِنَ الحُزنِ،وَاحدَودَبَ ظَهرُهُ مِنَ الغَمِّ،وکانَ ابنُهُ حَیّاً فِی الدُّنیا،وأنَا نَظَرتُ إلی أبی وأخی وعَمّی وسَبعَةَ عَشَرَ مِن أهلِ بَیتی مَقتولینَ حَولی،فَکَیفَ یَنقَضی حُزنی؟ (4)
ص:228
2819.الخصال عن مُحَمَّد بن سهل البحرانی یرفعه إلی أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :البَکّاؤونَ خَمسَةٌ:
آدَمُ،ویَعقوبُ،ویوسُفُ علیهم السّلام،وفاطِمَةُ بِنتُ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله،وعَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیهما السّلام.
فَأَمّا آدَمُ علیه السّلام فَبَکی عَلَی الجَنَّةِ حَتّی صارَ فی خَدَّیهِ أمثالُ الأَودِیَةِ،وأمّا یَعقوبُ علیه السّلام فَبَکی عَلی یوسُفَ علیه السّلام حَتّی ذَهَبَ بَصَرُهُ،وحَتّی قیلَ لَهُ: «تَاللّهِ تَفْتَؤُا تَذْکُرُ یُوسُفَ حَتّی تَکُونَ حَرَضاً أَوْ تَکُونَ مِنَ الْهالِکِینَ» . (1)
وأمّا یوسُفُ علیه السّلام فَبَکی عَلی یَعقوبَ علیه السّلام حَتّی تَأَذّی بِهِ أهلُ السِّجنِ،فَقالوا لَهُ:إمّا أن تَبکِیَ اللَّیلَ وتَسکُتَ بِالنَّهارِ،وإمّا أن تَبکِیَ النَّهارَ وتَسکُتَ بِاللَّیلِ فَصالَحَهُم عَلی واحِدٍ مِنهُما.
وأمّا فاطِمَةُ علیها السّلام،فَبَکَت عَلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله حَتی تَأَذّی بِها أهلُ المَدینَةِ،وقالوا لَها:
قَد آذَیتِنا بِکَثرَةِ بُکائِکِ،فَکَانَت تَخرُجُ إلَی المَقابِرِ-مَقابِرِ الشُّهَداءِ-فَتَبکی حَتّی تَقضِیَ حاجَتَها ثُمَّ تَنصَرِفُ.
وأمّا عَلِیُّ بنُ الحُسَین علیهما السّلام فَبَکی عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام عِشرینَ سَنَةً أو أربَعینَ سَنَةً (2)،ما وُضِعَ بَینَ یَدَیهِ طَعامٌ إلّابَکی حَتّی قالَ لَهُ مَولیً لَهُ:جُعِلتُ فِداکَ یَابنَ رَسولِ اللّهِ،إنّی أخافُ عَلَیکَ أن تَکونَ مِنَ الهالِکینَ.قالَ: «إِنَّما أَشْکُوا بَثِّی وَ حُزْنِی إِلَی اللّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» 3 إنّی ما أذکُرُ مَصرَعَ بَنی فاطِمَةَ إلّاخَنَقَتنی لِذلِکَ عَبرَةٌ. (3)
ص:229
2820.الملهوف عن الإمام الصادق علیه السّلام: إنَّ زَینَ العابِدینَ علیه السّلام بَکی عَلی أبیهِ أربَعینَ سَنَةً،صائِماً نَهارُهُ،وقائِماً لَیلُهُ،فَإِذا حَضَرَهُ الإِفطارُ وجاءَ غُلامُهُ بِطَعامِهِ وشَرابِهِ،فَیَضَعُهُ بَینَ یَدَیهِ،فَیَقولُ:کُل یا مَولایَ.
فَیَقولُ:قُتِلَ ابنُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله جائِعاً،قُتِلَ ابنُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عَطشاناً،فَلا یَزالُ یُکَرِّرُ ذلِکَ ویَبکی حَتّی یُبَلَّ طَعامُهُ مِن دُموعِهِ،ویَمتَزِجَ شَرابُهُ مِنها،فَلَم یَزَل کَذلِکَ حَتّی لَحِقَ بِاللّهِ عَزَّ وجَلَّ. (1)
2821.تهذیب الکمال عن أبی حمزة مُحَمَّد بن یعقوب بن سَوّار عن جعفر بن مُحَمَّد [الصادق] علیه السّلام :سُئِلَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیهما السّلام عَن کَثرَةِ بُکائِهِ،فَقالَ:لا تَلومونی،فَإِنَّ یَعقوبَ علیه السّلام فَقَدَ سِبطاً مِن وُلدِهِ،فَبَکی حَتَّی ابیَضَّت عَیناهُ ولَم یَعلَم أنَّهُ ماتَ،ونَظَرتُ أنَا إلی أربَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِن أهلِ بَیتی ذُبِحوا فی غَداةٍ واحِدَةٍ،فَتَرَونَ حُزنَهُم یَذهَبُ مِن قَلبی أبَداً؟! (2)
2822.مثیر الأحزان عن أبی حمزة الثمالی: سُئِلَ [الإِمامُ زَینُ العابِدینَ] علیه السّلام عَن کَثرَةِ بُکائِهِ،فَقالَ:
إنَّ یَعقوبَ علیه السّلام فَقَدَ سِبطاً مِن أولادِهِ،فَبَکی عَلَیهِ حَتَّی ابیَضَّت عَیناهُ وَابنُهُ حَیٌّ فِی الدُّنیا ولَم یَعلَم أنَّهُ ماتَ،وقَد نَظَرتُ إلی أبی وسَبعَةَ عَشَرَ مِن أهلِ بَیتی قُتِلوا فی ساعَةٍ واحِدَةٍ،فَتَرَونَ حُزنَهُم یَذهَبُ مِن قَلبی؟! (3)
2823.کامل الزیارات عن زرارة عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام -فی ذِکرِ بُکاءِ الإِمامِ زَینِ العابِدینَ علیه السّلام عَلی أبیهِ الحُسَینِ علیه السّلام-:کانَ جَدّی إذا ذَکَرَهُ بَکی حَتّی تَملَأَ عَیناهُ لِحیَتَهُ،
ص:230
وحَتّی یَبکِیَ لِبُکائِهِ رَحمَةً لَهُ مَن رَآهُ. (1)
2824.المناقب لابن شهرآشوب: کانَ [الإِمامُ زَینُ العابِدینَ علیه السّلام ] إذا أخَذَ إناءً یَشرَبُ ماءً بَکی حَتّی یَملَأَها دَمعاً.
فَقیلَ لَهُ فی ذلِکَ،فَقالَ:وکَیفَ لا أبکی وقَد مُنِعَ أبی مِنَ الماءِ الَّذی کانَ مُطلَقاً لِلسِّباعِ وَالوُحوشِ؟
وقیلَ لَهُ:إنَّکَ لَتَبکی دَهرَکَ،فَلَو قَتَلتَ نَفسَکَ لَما زِدتَ عَلی هذا،فَقالَ:نَفسی قَتَلتُها وعَلَیها أبکی. (2)
2825.کامل الزیارات عن إسماعیل بن منصور عن بعض أصحابنا: أشرَفَ مَولیً لِعَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیهما السّلام وهُوَ فی سَقیفَةٍ لَهُ ساجِدٌ یَبکی،فَقالَ لَهُ:یا مَولایَ یا عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ، أما آنَ لِحُزنِکَ أن یَنقَضِیَ؟
فَرَفَعَ رَأسَهُ إلَیهِ وقالَ:وَیلَکَ-أو ثَکِلَتکَ امُّکَ-وَاللّهِ،لَقَد شَکی یَعقوبُ علیه السّلام إلی رَبِّهِ فی أقَلَّ مِمّا رَأَیتُ،حَتّی قالَ: «یا أَسَفی عَلی یُوسُفَ» 3 ،إنَّهُ فَقَد ابناً واحِداً،وأنَا رَأَیتُ أبی وجَماعَةَ أهلِ بَیتی یُذبَحونَ حَولی. (3)
2826.الملهوف: حَدَّثَ مَولیً لَهُ [ أی لِلإِمامِ زَینِ العَابِدینَ] علیه السّلام أنَّهُ بَرَزَ إلَی الصَّحراءِ یَوماً،قالَ:
فَتَبِعتُهُ فَوَجَدتُهُ قَد سَجَدَ عَلی حِجارَةٍ خَشِنَةٍ،فَوَقَفتُ وأنَا أسمَعُ شَهیقَهُ وبُکاءَهُ، وأحصَیتُ عَلَیهِ ألفَ مَرَّةٍ یَقولُ:«لا إلهَ إلَّااللّهُ حَقّاً حَقّاً،لا إلهَ إلَّااللّهُ تَعَبُّداً ورِقّاً، لا إلهَ إلَّااللّهُ إیماناً وصِدقاً»،ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ مِن سُجودِهِ،وإنَّ لِحیَتَهُ ووَجهَهُ قَد غَمَرا
ص:231
مِنَ الدُّموعِ،فَقُلتُ:یا مَولایَ ! أما آنَ لِحُزنِکَ أن یَنقَضِیَ ولِبُکائِکَ أن یَقِلَّ؟
فَقالَ لی:وَیحَکَ إنَّ یَعقوبَ بنَ إسحاقَ بنِ إبراهیمَ علیهم السّلام کانَ نَبِیّاً ابنَ نَبِیٍّ،لَهُ اثنا عَشَرَ ابناً فَغَیَّبَ اللّهُ سُبحانَهُ واحِداً مِنهُم،فَشابَ رَأسُهُ مِنَ الحُزنِ،وَاحدَودَبَ ظَهرُهُ مِنَ الغَمِّ وَالهَمِّ،وذَهَبَ بَصَرُهُ مِنَ البُکاءِ،وَابنُهُ حَیٌّ فی دارِ الدُّنیا؛وأنَا رَأَیتُ أبی وأخی وسَبعَةَ عَشَرَ مِن أهلِ بَیتی صَرعی مَقتولینَ،فَکَیفَ یَنقَضی حُزنی ویَقِلُّ بُکائی؟ (1)
2827.الملهوف: قَد رُوِیَ عَن مَولانا زَینِ العابِدینَ علیه السّلام-وهُو ذُو الحِلمِ الَّذی لا یَبلُغُ الوَصفُ إلَیهِ-إنَّهُ کانَ کَثیرَ البُکاءِ لِتِلکَ البَلوی،عَظیمَ البَثِّ وَالشَّکوی. (2)
2828.الدعوات: لَمّا بَعَثَ المُختارُ بِرَأسِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ عَلَیهِ اللَّعنَهُ إلَیهِ،وقالَ:لا تُعلِم أحَداً ما مَعَکَ حَتّی یَضَعَ الغِذاءَ،فَدَخَلَ وقَد وُضِعَتِ المائِدَةُ،فَخَرَّ زَینُ العابِدینَ علیه السّلام ساجِداً، وبَکی وأطالَ البُکاءَ،ثُمَّ جَلَسَ.
فَقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی أدرَکَ لی بِثَأری قَبلَ وَفاتی. (3)
2829.مروج الذهب عن مُحَمَّد بن سلیمان النوفلی: لَمّا قالَ الکُمَیتُ بنُ زَیدٍ الأَسَدِیُّ-مِن أسَدِ مُضَرَ بنِ نِزارٍ-الهاشِمِیّاتِ...فَحینَئِذٍ قَدِمَ المَدینَةَ،فَأَتی أبا جَعفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیهم السّلام،فَأَذِنَ لَهُ لَیلاً وأنشَدَهُ،فَلَمّا بَلَغَ مِنَ المیمِیَّةِ قَولَهُ:
ص:232
وقَتیلٍ بِالطَّفِّ غَودِرَ مِنهُم بَینَ غَوغاءِ (1)امَّةٍ وطَغامِ (2)
بَکی أبو جَعفَرٍ علیه السّلام،ثُمَّ قالَ:یا کُمَیتُ ! لَو کانَ عِندَنا مالٌ لَأَعطَیناکَ،ولکِن لَکَ ما قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لِحَسّانِ بنِ ثابِتٍ:لازِلتَ مُؤَیَّداً بِروحِ القُدُسِ ما ذَبَبتَ عَنّا أهلَ البَیتِ. (3)
2830.کفایة الأثر عن الکمیت: دَخَلتُ عَلی سَیِّدی أبی جَعفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِیٍّ الباقِرِ علیهما السّلام،فَقُلتُ:
یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! إنّی قَد قُلتُ فیکُم أبیاتاً،أفَتَأذَنُ لی فی إنشادِها.
فَقالَ:إنَّها أیّامُ البیضِ.قُلتُ:فَهُوَ فیکُم خاصَّةً.قالَ:هاتِ ! فَأَنشَأتُ أقولُ:
أضحَکَنِی الدَّهرُ وأبکانی وَالدَّهرُ ذو صَرفٍ وألوانِ
لِتِسعَةٍ بِالطَّفِّ قَد غودِروا صاروا جَمیعاً رَهنَ أکفانِ
فَبَکی وبَکی أبو عَبدِ اللّهِ علیهما السّلام،وسَمِعتُ جارِیَةً تَبکی مِن وَراءِ الخِباءِ.فَلَمّا بَلَغتُ إلی قَولی:
وسِتَّةٌ لا یُتَجاری بِهِم بَنو عَقیلٍ خَیرُ فِتیانِ
ثُمَّ عَلِیُّ الخَیرِ مَولاکُمُ ذِکرُهُم هَیَّجَ أحزانی
فَبَکی،ثُمَّ قالَ علیه السّلام:ما مِن رَجُلٍ ذَکَرَنا أو ذُکِرنا عِندَهُ فَخَرَجَ مِن عَینَیهِ ماءٌ ولَو قَدرَ مِثلِ جَناحِ البَعوضَةِ،إلّابَنَی اللّهُ لَهُ بَیتاً فِی الجَنَّةِ،وجَعَلَ ذلِکَ حِجاباً بَینَهُ وبَینَ النّارِ،فَلَمّا بَلَغتُ إلی قَولی:
ص:233
مَن کانَ مَسروراً بِما مَسَّکُم أو شامِتاً یَوماً مِنَ الآنِ
فَقَد ذَلَلتُم بَعدَ عِزٍّ فَما أدفَعُ ضَیماً حینَ یَغشانی
أخَذَ بِیَدی وقالَ:اللّهُمَّ اغفِر لِلکُمَیتِ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وما تَأَخَّرَ،فَلَمّا بَلَغتُ إلی قَولی:
مَتی یَقومُ الحَقُّ فیکُم مَتی یَقومُ مَهدِیُّکُمُ الثّانی
قالَ:سَریعاً إن شاءَ اللّهُ سَریعاً.
ثُمَّ قالَ:یا أبَا المُستَهِلِّ (1)! إنَّ قائِمَنا هُوَ التّاسِعُ مِن وُلدِ الحُسَینِ علیه السّلام،لِأَنَّ الأَئِمَّةَ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله اثنا عَشَرَ،وهُوَ القائِمُ. (2)
راجع:ص 207 (الفصل الرابع/فضل إنشاد الشعر فی مصیبتهم).
2831.مصباح المتهجّد عن عبد اللّه بن سنان: دَخَلتُ عَلی سَیِّدی أبی عَبدِ اللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ [الصّادِقِ] علیهما السّلام فی یَومِ عاشوراءَ،فَأَلفَیتُهُ کاسِفَ (3)اللَّونِ،ظاهِرَ الحُزنِ،ودُموعُهُ تَنحَدِرُ مِن عَینَیهِ کَاللُّؤلُؤِ المُتَساقِطِ.فَقُلتُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! مِمَّ بُکاؤُکَ،لا أبکَی اللّهُ عَینَیکَ؟
فَقالَ لی:أوَ فی غَفلَةٍ أنتَ؟أما عَلِمتَ أنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام اصیبَ فی مِثلِ
ص:234
هذَا الیَومِ؟...قالَ:وبَکی أبو عَبدِ اللّه علیه السّلام حَتَّی اخضَلَّت لِحیَتُهُ بِدُموعِهِ. (1)
2832.کامل الزیارات عن هارون بن خارجة عن أبی عبد اللّه [الصّادق] علیه السّلام،قال: کُنّا عِندَهُ،فَذَکَرنَا الحُسَینَ علیه السّلام،فَبَکی أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام وبَکَینا.
قالَ:ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ،فَقالَ:قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:أنَا قَتیلُ العَبرَةِ،لا یَذکُرُنی مُؤمِنٌ إلّا بَکی. (2)
2833.کامل الزیارات عن صفوان الجمّال عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام،قال: سَأَلتُهُ فی طَریقِ المَدینَةِ ونَحنُ نُریدُ مَکَّةَ،فَقُلتُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! ما لی أراکَ کَئیباً حَزیناً مُنکَسِراً؟
فَقالَ:لَوتَسمَعُ ما أسمَعُ لَشَغَلَکَ عَن مَسأَلَتی،قُلتُ:فَمَا الَّذی تَسمَعُ؟
قالَ:اِبتِهالَ المَلائِکَةِ إلَی اللّهِ عز و جل عَلی قَتَلَةِ أمیرِ المُؤمِنینَ وقَتَلَةِ الحُسَینِ علیهما السّلام، ونوحَ الجِنِّ وبُکاءَ المَلائِکَةِ الَّذینَ حَولَهُ وشِدَّةَ جَزَعِهِم،فَمَن یَتَهَنَّأُ مَعَ هذا بِطَعامٍ أو بِشَرابٍ أو نَومٍ؟ (3)
2834.کامل الزیارات عن أبی بصیر: کُنتُ عِندَ أبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام احَدِّثُهُ،فَدَخَلَ عَلَیهِ ابنُهُ،فَقالَ لَهُ:
مَرحَباً ! وضَمَّهُ وقَبَّلَهُ،وقالَ:حَقَّرَ اللّهُ مَن حَقَّرَکُم،وَانتَقَمَ مِمَّن وَتَرَکُم (4)،وخَذَلَ اللّهُ مَن خَذَلَکُم،ولَعَنَ اللّهُ مَن قَتَلَکُم،وکانَ اللّهُ لَکُم وَلِیّاً وحافِظاً وناصِراً.
فَقَد طالَ بُکاءُ النِّساءِ وبُکاءُ الأَنبِیاءِ وَالصِّدّیقینَ وَالشُّهَداءِ ومَلائِکَةِ السَّماءِ.
ثُمَّ بَکی وقالَ:یا أبا بَصیرٍ ! إذا نَظَرتُ إلی وُلدِ الحُسَینِ علیه السّلام أتانی ما لا أملِکُهُ بِما
ص:235
أتی إلی أبیهِم وإلَیهِم. (1)
راجع:ص 176 (الفصل الثانی/ذکر مصائبه عند شرب الماء)
و ص 179 (ذکر مصائبه عند الإمام الصادق علیه السّلام ).
2835.الأمالی للصدوق عن إبراهیم بن أبی محمود عن الرضا علیه السّلام: کانَ أبی علیه السّلام إذا دَخَلَ شَهرُ المُحَرَّمِ لا یُری ضاحِکاً،وکانَتِ الکَآبَةُ تَغلِبُ عَلَیهِ حَتّی یَمضِیَ مِنهُ عَشَرَةُ أیّامٍ،فَإِذا کانَ یَومُ العاشِرِ کانَ ذلِکَ الیَومُ یَومَ مُصیبَتِهِ وحُزنِهِ وبُکائِهِ،ویَقولُ:هُوَ الیَومُ الَّذی قُتِلَ فیهِ الحُسَینُ علیه السّلام. (2)
2836.کامل الزیارات عن أبی بکّار: أخَذتُ مِنَ التُّربَةِ الَّتی عِندَ رَأسِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَإِنَّها طینَةٌ حَمراءُ (3)،فَدَخَلتُ عَلَی الرِّضا علیه السّلام فَعَرَضتُها عَلَیهِ،فَأَخَذَها فی کَفِّهِ،ثُمَّ شَمَّها، ثُمَّ بَکی حَتّی جَرَت دُموعُهُ،ثُمَّ قالَ:هذِهِ تُربَةُ جَدّی. (4)
ص:236
2837.المزار الکبیر -فی زِیارَةِ النّاحِیَةِ-:فَلَئِن أخَّرَتنِی الدُّهورُ،وعاقَنی عَن نَصرِکَ المَقدورُ،ولَم أکُن لِمَن حارَبَکَ مُحارِباً،ولِمَن نَصَبَ لَکَ العَداوَةَ مُناصِباً،فَلَأَندُبَنَّکَ صَباحاً ومَساءً،ولَأَبکِیَنَّ عَلَیکَ بَدَلَ الدُّموعِ دَماً،حَسرَةً عَلَیکَ وتَأَسُّفاً عَلی ما دَهاکَ وتَلَهُّفاً،حَتّی أموتَ بِلَوعَةِ المُصابِ،وغُصَّةِ الاِکتِیابِ. (1)
2838.المزار الکبیر -فی زِیارَةِ النّاحِیَةِ-:السَّلامُ عَلَیکَ،سَلامَ العارِفِ بِحُرمَتِکَ...سَلامَ مَن قَلبُهُ بِمُصابِکَ مَقروحٌ،ودَمعُهُ عِندَ ذِکرِکَ مَسفوحٌ،سَلامَ المَفجوعِ المَحزونِ،الوالِهِ المُستَکینِ. (2)
راجع:ج 8 ص 215 (القسم الثالث عشر/الفصل الثالث عشر/الزیادة الاُولی بروایة المزار الکبیر)
2839.تذکرة الخواصّ عن هشام بن مُحَمَّد: إنَّ حُسَیناً علیه السّلام کَثُرَت عَلَیهِ کُتُبُ أهلِ الکوفَةِ،وتَواتَرَت إلَیهِ رُسُلُهُم:إن لَم تَصِل إلَینا فَأَنتَ آثِمٌ،فَعَزَمَ عَلَی المَسیرِ،فَجاءَ إلَیهِ ابنُ عَبّاسٍ، ونَهاهُ عَن ذلِکَ،وقالَ لَهُ:یَابنَ عَمِّ،إنَّ أهلَ الکوفَةِ قَومٌ غُدَرٌ،قَتَلوا أباکَ،وخَذَلوا
ص:237
أخاکَ،وطَعَنوهُ وسَلَبوهُ وسَلَّموهُ إلی عَدُوِّهِ،وفَعَلوا ما فَعَلوا.
فَقالَ:هذِهِ کُتُبُهُم ورُسُلُهُم،وقَد وَجَبَ عَلَیَّ المَسیرُ لِقتالِ أعداءِ اللّهِ،فَبَکَی ابنُ عَبّاسٍ،وقالَ:وا حُسَیناه! (1)
2840.مقاتل الطالبیّین عن یوسف بن یزید: فَلَمّا أبَی الحُسَینُ علیه السّلام قَبولَ رَأیِ ابنِ عَبّاسٍ،قالَ لَهُ:
وَاللّهِ،لَو أعلَمُ أنّی إذا تَشَبَّثتُ بِکَ وقَبَضتُ عَلی مَجامِعِ ثَوبِکَ،وأدخَلتُ یَدی فی شَعرِکَ حَتّی یَجتَمِعَ النّاسُ عَلَیَّ وعَلَیکَ،کانَ ذلِکَ نافِعی لَفَعَلتُهُ،ولکِن أعلَمُ أنَّ اللّهَ بالِغُ أمرِهِ،ثُمَّ أرسَلَ عَینَیهِ فَبَکی،ووَدَّعَ الحُسَینَ علیه السّلام وَانصَرَفَ. (2)
2841.الفتوح -فی ذِکرِ لِقاءِ الإِمامِ الحُسَینِ علیه السّلام مَعَ ابنِ عَبّاسٍ وَابنِ عُمَرَ-:بَکَی ابنُ عَبّاسٍ وَابنُ عُمَرَ فی ذلِکَ الوَقتِ بُکاءً شَدیداً،وَالحُسَینُ یَبکی مَعَهُما ساعَةً،ثُمَّ وَدَّعَهُما، وصارَ ابنُ عُمَرَ وَابنُ عَبّاسٍ إلَی المَدینَةِ،وأقامَ الحُسَینُ علیه السّلام بِمَکَّةَ. (3)
2842.کتاب سُلَیم بن قیس: لَمّا قُتِلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام بَکَی ابنُ عَبّاسٍ بُکاءً شَدیداً،ثُمَّ قالَ:
ما لَقِیَت هذِهِ الاُمَّةُ بَعدَ نَبِیِّها؟اللّهُمَّ إنّی اشهِدُکَ أنّی لِعَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ وَلِیٌّ ولِوُلدِهِ، ومِن عَدُوِّهِ وعَدُوِّهِم بَریءٌ،وإنّی اسَلِّمُ لِأَمرِهِم. (4)
2844.تاریخ الطبری عن هشام بن الولید عمّن شهد ذلِکَ: أقبَلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام بِأَهلِهِ مِن مَکَّةَ، ومُحَمَّدُ بنُ الحَنَفِیَّةِ بِالمَدینَةِ،قالَ:فَبَلَغَهُ خَبَرُهُ وهُوَ یَتَوَضَّأُ فی طَستٍ،قالَ:فَبَکی حَتّی سَمِعتُ وَکفَ (1)دُموعِهِ فِی الطَّستِ. (2)
راجع:ج 3 ص 265 (القسم السابع/الفصل السادس/محمّد بن الحنفیّة).
2845.الإرشاد: لَمّا وَصَلَ رَأسُ الحُسَینِ علیه السّلام ووَصَلَ ابنُ سَعدٍ-لَعَنَهُ اللّهُ-مِن غَدِ یَومِ وُصولِهِ، ومَعَهُ بَناتُ الحُسَینِ علیه السّلام وأهلُهُ،جَلَسَ ابنُ زِیادٍ لِلنّاسِ فی قَصرِ الإِمارَةِ وأذِنَ لِلنّاسِ إذناً عامّاً،وأمَرَ بِإِحضارِ الرَّأسِ،فَوُضِعَ بَینَ یَدَیهِ،فَجَعَلَ یَنظُرُ إلَیهِ ویَتَبَسَّمُ،وفی یَدِهِ قَضیبٌ یَضرِبُ بِهِ ثَنایاهُ،وکانَ إلی جانِبِهِ زَیدُ بنُ أرقَمَ صاحِبُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله -وهُوَ شَیخٌ کَبیرٌ-فَلَمّا رَآهُ یَضرِبُ بِالقَضیبِ ثَنایاهُ قالَ لَهُ:
ارفَع قَضیبَکَ عَن هاتَینِ الشَّفَتَینِ،فَوَاللّهِ الَّذی لا إلهَ إلّاغَیرُهُ،لَقَد رَأَیتُ شَفَتَی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عَلَیهِما ما لا احصیهِ کَثرَةً یُقَبِّلُهُما (4)،ثُمَّ انتَحَبَ باکِیاً.
فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:أبکَی اللّهُ عَینَیکَ،أتَبکی لِفَتحِ اللّهِ؟وَاللّهِ،لَولا أنَّکَ شَیخٌ قَد خَرِفتَ وذَهَبَ عَقلُکَ لَضَرَبتُ عُنُقَکَ،فَنَهَضَ زَیدُ بنُ أرقَمَ مِن بَینِ یَدَیهِ،وصارَ إلی مَنزِلِهِ. (5)
ص:239
2846.سیر أعلام النبلاء عن زید بن أرقم: کُنتُ عِندَ عُبَیدِ اللّهِ،فَاُتِیَ بِرَأسِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَأَخَذَ قَضیباً،فَجَعَلَ یَفتُرُ بِهِ عَن شَفَتَیهِ،فَلَم أرَ ثَغراً کانَ أحسَنَ مِنهُ،کَأَنَّهُ الدُّرُّ،فَلَم أملِک أن رَفَعتُ صَوتی بِالبُکاءِ.فَقالَ:ما یُبکیکَ أیُّهَا الشَّیخُ؟
قُلتُ:یُبکینی ما رَأَیتُ مِن رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،رَأَیتُهُ یَمَصُّ مَوضِعَ هذَا القَضیبِ، ویَلثِمُهُ،ویَقولُ:اللّهُمَّ إنّی احِبُّهُ فَأَحِبَّهُ. (1)
راجع:ج 5 ص 93 (القسم التاسع/الفصل الرابع/رأس الإمام علیه السّلام فی مجلس ابن زیاد).
2847.لباب الأنساب: لَمّا قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام حَمَلوا أولادَهُ وعَشیرَتَهُ إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،فَلَمّا رَآهُم یَزیدُ قالَ:...یا أهلَ الشّامِ،ما تَرَونَ فی هؤُلاءِ؟
فَقامَ النُّعمانُ بنُ بَشیرٍ صاحِبُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وقالَ:اِفعَل ما کانَ رَسولُ اللّهِ یَفعَلُ بِهِم،وبَکَی النُّعمانُ بُکاءً شَدیداً،فَبَکی بِبُکائِهِ یَزیدُ. (3)
2848.أنساب الأشراف عن أبی بکر الهذلی: عَنِ الحَسَنِ [البَصرِیِّ] أنَّهُ لَمّا قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام بَکی حَتَّی اختَلَجَ (1)جَنباهُ،ثُمَّ قالَ:وا ذُلَّ امَّةٍ قَتَلَ ابنُ دَعِیِّهَا ابنَ نَبِیِّها! (2)
2849.تذکرة الخواصّ عن الزهری: لَمّا بَلَغَ الرَّبیعَ بنَ خُثَیمٍ قَتلُ الحُسَینِ علیه السّلام،بَکی وقالَ:لَقَد قَتَلوا فِتیَةً لَو رَآهُم رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لَأَحَبَّهُم،أطعَمَهُم بِیَدِهِ،وأجلَسَهُم عَلی فَخِذِهِ. (4)
2850.الکافی عن هارون بن خارجة: سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ [الصّادِقَ] علیه السّلام یَقولُ:وَکَّلَ اللّهُ بِقَبرِ الحُسَینِ علیه السّلام أربَعَةَ آلافِ مَلَکٍ،شُعثٍ غُبرٍ،یَبکونَهُ إلی یَومِ القِیامَةِ. (5)
2851.کامل الزیارات عن هارون بن خارجة عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :إنَّ الحُسَینَ لَمّا اصیبَ بَکَتهُ حَتَّی البِلادُ (6)،فَوَکَّلَ اللّهُ بِهِ أربعَةَ آلافِ مَلَکٍ،شُعثاً غُبراً،یَبکونَهُ
ص:241
إلی یَومِ القِیامَةِ. (1)
2852.الأمالی للصدوق عن أبان بن تغلب عن أبی عبد اللّه الصادق علیه السّلام: إنَّ أربَعَةَ آلافِ مَلَکٍ هَبَطوا یُریدونَ القِتالَ مَعَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَلَم یُؤذَن لَهُم فِی القِتالِ،فَرَجَعوا فِی الاِستِئذانِ،وهَبَطوا وقَد قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَهُم عِندَ قَبرِهِ شُعثٌ غُبرٌ یَبکونَهُ إلی یَومِ القِیامَةِ. (2)
2853.کامل الزیارات عن زرارة عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :إنَّ المَلائِکَةَ الَّذینَ عِندَ قَبرِهِ [أی قبرِ الحُسَینِ علیه السّلام ] لَیَبکونَ،فَیَبکی لِبُکائِهِم کُلُّ مَن فِی الهَواءِ وَالسَّماءِ مِنَ المَلائِکَةِ. (3)
2854.کامل الزیارات عن أبی حمزة الثمالی عن الصادق علیه السّلام -فی زِیارَةِ الحُسَینِ علیه السّلام-:اللّهُمَّ إنّی أستَشفِعُ إلَیکَ بِوَلَدِ حَبیبِکَ،وبِالمَلائِکَةِ الَّذینَ یَضِجّونَ عَلَیهِ ویَبکونَ ویَصرُخونَ،لا یَفتُرونَ ولا یَسأَمونَ،وهُم مِن خَشیَتِکَ مُشفِقونَ،ومِن عَذابِکَ حَذِرونَ. (4)
راجع:ج 4 ص 381 (القسم الثامن/الفصل التاسع/استئذان الملائکة لنصرة الإمام علیه السّلام )
وج 7 ص 310 (القسم الثالث عشر/الفصل الخامس/عند قبره أربعة آلاف ملک هبطوا لنصرته).
2855.المناقب ابن شهرآشوب عن الاوزاعی عن علیّ بن الحسین [زین العابدین] علیه السّلام :أنَا ابنُ مَن
ص:242
ناحَت عَلَیهِ الجِنُّ فِی الأَرضِ وَالطَّیرُ فِی الهَواءِ. (1)
راجع:ج 5 ص 52 (القسم التاسع/الفصل الثانی/نیاحة الجنّ).
2856.کامل الزیارات عن الحارث الأعور عن علیّ علیه السّلام: بِأَبی واُمِّی الحُسَینُ المَقتولُ بِظَهرِ الکوفَةِ، وَاللّهِ،کَأَنّی أنظُرُ إلَی الوُحوشِ مادَّةً أعناقَها عَلی قَبرِهِ مِن أنواعِ الوَحشِ،یَبکونَهُ ویَرثونَهُ لَیلاً حَتَّی الصَّباحِ،فَإِذا کانَ ذلِکَ فَإِیّاکُم وَالجَفاءَ. (2)
2857.کامل الزیارات عن أبی بصیر عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام :بَکَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ وَالطَّیرُ وَالوَحشُ عَلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیهما السّلام،حَتّی ذَرَفَت (3)دُموعُها. (4)
2858.المزار الکبیر -فی زِیارَةِ النّاحِیَةِ-:أسرَعَ فَرَسُکَ شارِداً،وإلی خِیامِکَ قاصِداً، مُحَمحِماً (5)باکِیاً. (6)
2859.کامل الزیارات عن زرارة عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :لَقَد خَرَجَت نَفسُهُ [أیِ الحُسَینُ] علیه السّلام
ص:243
فَزَفَرَت (1)جَهَنَّمُ زَفرَةً کادَتِ الأَرضُ تَنشَقُّ لِزَفرَتِها...وإنَّها لَتَبکیهِ وتَندُبُهُ،وإنَّها لَتَتَلَظّی عَلی قاتِلِهِ. (2)
2860.کامل الزیارات عن عمرو بن ثبیت عن أبیه عن علیّ بن الحُسَینِ [زین العابدین] علیه السّلام :إنَّ السَّماءَ لَم تَبکِ مُنذُ وُضِعَت إلّاعَلی یَحیَی بنِ زَکَرِیّا وَالحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیهما السّلام.
قُلتُ:أیَّ شَیءٍ کانَ بُکاؤُها؟
قالَ:کانَت إذَا استُقبِلَت بِثَوبٍ وَقَعَ عَلَی الثَّوبِ شِبهُ أثَرِ البَراغیثِ مِنَ الدَّمِ. (3)
2861.کامل الزیارات عن أبی حمزة الثمالی عن الصادق علیه السّلام -فی زِیارَةٍ الإِمام الحُسَینِ علیه السّلام-:بِأَبی أنتَ واُمّی یا سَیِّدی،بَکَیتُکَ یا خِیَرَةَ اللّهِ وَابنَ خِیَرَتِهِ،وحُقَّ لی أن أبکِیَکَ،وقَد بَکَتکَ السَّماواتُ وَالأَرَضونَ،وَالجِبالُ وَالبِحارُ،فَما عُذری إن لَم أبکِکَ،وقَد بَکاکَ حَبیبُ رَبّی،وبَکَتکَ الأَئِمَّةُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِم،وبَکاکَ مَن دونَ سِدرَةِ المُنتَهی (4)إلَی الثَّری،جَزَعاً عَلَیکَ. (5)
ص:244
2862.الکافی عن الحسین بن ثویر عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :إنَّ أبا عَبدِ اللّهِ الحُسَینَ علیه السّلام لَمّا قَضی بَکَت عَلَیهِ السَّماواتُ السَّبعُ،وَالأَرَضونَ السَّبعُ،وما فیهِنَّ وما بَینَهُنَّ،ومَن یَنقَلِبُ فِی الجَنَّةِ وَالنّارِ مِن خَلقِ رَبِّنا،وما یُری وما لا یُری بَکی عَلی أبی عَبدِ اللّهِ الحُسَینِ علیه السّلام. (1)
راجع:ج 5 ص 44 (القسم التاسع/الفصل الثانی/بکاء السماء والأرض).
ص:245
ص:246
استناداً للنقول الکثیرة والمتواترة الشیعیّة والسنّیة،وکما مرّ فی فصل«ما ظهر من الآیات»بشأن القضایا التی حدثت بعد شهادة الإمام علیه السّلام،فإنّ قضیة استشهاد الإمام ترکت أثرها فی عالم التکوین،ولا ریب فی أنّه لا یوجد دلیل عقلیّ ینفی وقوع الاُمور الخارقة للعادة فی نظام الطبیعة مع وقوعها خارجاً.
ومن الواضح فإنّ التعبیر ببکاء المخلوقات والجمادات وحزنها لایعنی بکاءً کبکاء البشر،بل یمکن أن یکون نوعاً من التأثیر التکوینی.
وینبغی أن نضیف هذه الملاحظة أیضاً بشأن الحیوانات وهی إنّه استناداً للکتاب والسنّة،فإنّ الحیوانات تتمتّع بإدراکات خاصّة،وخیر دلیلٍ علی ذلک قصّتا الهدهد والنملة اللتان إن دلّتا علی شیء فإنّما تدلّان علی الإدراکات العمیقة للحیوانات.
وبناءً علی ذلک،فإنّ إدراک الحیوانات وتأثّرها بالنسبة لقضیّة عاشوراء العظیمة هو أمر ممکن.
ص:247
تدلّ الروایات التالیة علی أنّ فاجعة عاشوراء والمصائب التی حلّت بأهل بیت سیّد الشهداء علیه السّلام،کانت ألیمة ومثیرة للأحزان إلی درجة بحیث إنّها لم تؤثّر علی محبّی أهل بیت الرسالة فحسب،بل أثّرت حتّی علی ألدّ أعدائهم رغم ما کانوا علیه من القساوة فی ذروتها،وکذلک الذین سبّبوا هذه الفاجعة بخذلهم الإمام علیه السّلام؛إذ لم یتمکّنوا من الامتناع عن البکاء عند رؤیة المشاهد الفجیعة للحوادث المذکورة.
لکنّ بکاء قساة القلوب أمثال یزید یمکن أن یکون له هدفٌ سیاسی،إذ إنّه وبعد ظهور الحقیقة أراد أن یخدع الرأی العام ویلقی اللوم علی الآخرین،فتظاهر بالبکاء.
وعلی هذا الأساس فإنّ أمثال هذا البکاء لایندرج تحت هذا الفصل.
وأمّا ذِکرنا لها فی آخر هذا الفصل فهو لبیان عظمة مصائب الإمام الحسین علیه السّلام وأهل بیته والتی أبکت حتّی أعداءهم.
2863.الإمامة والسیاسة -فی ذکرِ ما جَری عَلی أهلِ البَیتِ فی مَجلِسِ یَزیدَ:فقالت فاطِمَةُ بِنتُ الحُسَینِ علیه السّلام:یا یَزیدُ ! بَناتُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله [سَبایا!] (1)قالَ:فَبَکی یَزیدُ حَتّی کادَت نَفسُهُ تَفیضُ،وبَکی أهلُ الشّامِ حَتّی عَلَت أصواتُهُم. (2)
2864.مثیر الأحزان: قالَت فاطِمَةُ بِنتُ الحُسَینِ علیه السّلام:یا یَزیدُ،بَناتُ رَسولِ اللّهِ سَبایا،فَبَکَی النّاسُ،وبَکی أهلُ دارِهِ حَتّی عَلَتِ الأَصواتُ. (3)
ص:248
2865.المعجم الکبیر عن مُحَمَّد بن الحسن المخزومی: لَمّا ادخِلَ ثَقَلُ الحُسَینِ بنُ عَلِیٍّ علیهما السّلام عَلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،وُضِعَ رَأسُهُ بَینَ یَدَیهِ،بَکی یَزیدُ. (1)
2866.شرح الأخبار عن مُحَمَّد بن علیّ بن الحسین [الباقر] علیه السّلام -فی ذِکرِ ما جَری عَلی أهلِ البَیتِ علیهم السّلام فی مَجلِسِ یَزیدَ-:ثُمَّ قالَ [یَزیدُ]:یا أهلَ الشّامِ ! ما تَرَونَ فی هؤُلاءِ؟
فَقالَ قائِلُهُم:قَد قُتِلَ (2)ولا تَتَّخِذ جَرواً (3)مِن کَلبِ سَوءٍ. (4)
فَقالَ النُّعمانُ بنُ بَشیرٍ:اُنظُر ما کُنتَ تَری أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَفعَلُهُ فیهِم لَو کانَ حَیّاً،فَافعَلهُ.
فَبَکی یَزیدُ،فَقالَت فاطِمَةُ بِنتُ الحُسَینِ علیه السّلام:یا یَزیدُ ! ما تَقولُ فی بَناتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله سَبایا عِندَکَ؟فَاشتَدَّ بُکاؤُهُ حَتّی سَمِعَ ذلِکَ نِساؤُهُ،فَبَکَینَ حَتّی سَمِعَ بُکاءَهُنَّ مَن کانَ فی مَجلِسِهِ. (5)
راجع:ج 5 ص 229 (القسم التاسع/الفصل السابع/آل الرسول علیهم السّلام فی مجلس یزید)
و ص 273 (الفصل الثامن/إدبار الناس عن یزید).
2867.تاریخ الطبری عن عبد اللّه بن عمّار بن عبد یغوث: إذ خَرَجَت زَینَبُ ابنَةُ فاطِمَةَ علیها السّلام اختُهُ [أی اختُ الحُسَینِ علیه السّلام ]،وکَأَنّی أنظُرُ إلی قُرطِها یَجولُ بَینَ اذُنَیها وعاتِقِها،وهِیَ تَقولُ:
لَیتَ السَّماءَ تَطابَقَت عَلَی الأَرضِ،وقَد دَنا عُمَرُ بنُ سَعدٍ مِن حُسَینٍ علیه السّلام.فَقالَت:یا
ص:249
عُمَرَ بنَ سَعدٍ،أیُقتَلُ أبو عَبدِ اللّهِ وأنتَ تَنظُرُ إلَیهِ؟قالَ:فَکَأَنّی أنظُرُ إلی دُموعِ عُمَرَ وهِیَ تَسیلُ عَلی خَدَّیهِ ولِحیَتِهِ،قالَ:وصَرَفَ بِوَجهِهِ عَنها. (1)
2868.مثیر الأحزان عن حمید بن مسلم: فَلَمّا رَأَی الحُسَینُ علیه السّلام أنَّهُ لَم یَبقَ مِن عَشیرَتِهِ وأصحابِهِ إلاَّ القَلیلُ،فَقامَ ونادی:هَل مِن ذابٍّ عَن حَرَمِ رَسولِ اللّهِ؟! هَل مِن مُوَحِّدٍ؟هَل مِن مُغیثٍ؟! هَل مِن مُعینٍ؟! فَضَجَّ النّاسُ بِالبُکاءِ. (2)
2869.تاریخ الطبری عن قرّة بن قیس التمیمی: ما نَسیتُ مِنَ الأَشیاءِ لا أنسَ قَولَ زَینَبَ ابنَةِ فاطِمَةَ علیها السّلام حینَ مَرَّت بِأَخیهَا الحُسَینِ علیه السّلام صَریعاً،وهِیَ تَقولُ:
یا مُحَمَّداه ! یا مُحَمَّداه ! صَلّی عَلَیکَ مَلائِکَةُ السَّماءِ،هذَا الحُسَینُ بِالعَراءِ،مُرَمَّلٌ (3)بِالدِّماءِ،مُقَطَّعُ الأَعضاءِ،یا مُحَمَّداه ! وبَناتُکَ سَبایا،وذُرِّیَّتُکَ مُقَتَّلَةٌ،تَسفی (4)عَلَیهَا الصَّبا،قالَ:فَأَبکَت-وَاللّهِ-کُلَّ عَدُوٍّ وصَدیقٍ. (5)
راجع:ج 5 ص 137 (القسم التاسع/الفصل السادس/وداع أهل البیت مع الشهداء).
2870.سیر أعلام النبلاء: اخِذَ ثَقَلُ الحُسَینِ علیه السّلام،وأخَذَ رَجُلٌ حُلِیَّ فاطِمَةَ بِنتِ الحُسَینِ علیه السّلام،
ص:250
وبَکی،فَقالَت:لِمَ تَبکی؟فَقالَ:أأَسلُبُ بِنتَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،ولا أبکی؟قالَت:فَدَعهُ، قالَ:أخافُ أن یَأخُذَهُ غَیری! (1)
2871.الأمالی للصدوق عن فاطمة بنت الحسین علیه السّلام: دَخَلَتِ الغاغَةُ عَلَینَا الفُسطاطَ،وأنَا جارِیَةٌ صَغیرَةٌ،وفی رِجلی خَلخالانِ مِن ذَهَبٍ،فَجَعَلَ رَجُلٌ یَفُضُّ الخَلخالَینِ مِن رِجلی وهُوَ یَبکی.
فَقُلتُ:ما یُبکیکَ،یا عَدُوَّ اللّهِ؟
فَقالَ:کَیفَ لا أبکی وأنَا أسلُبُ ابنَةَ رَسولِ اللّهِ!
فَقُلتُ:لا تَسلُبنی.
قالَ:أخافُ أن یَجیءَ غَیری فَیَأخُذَهُ! (2)
2872.تاریخ الطبری عن سعد بن عبیدة: إنَّ أشیاخاً مِن أهلِ الکوفَةِ لَوُقوفٌ عَلَی التَّلِّ یَبکونَ، ویَقولونَ:اللّهُمَّ أنزِل نَصرَکَ.
قالَ:قُلتُ:یا أعداءَ اللّهِ ! ألا تَنزِلونَ فَتَنصُرونَهُ؟! (3)
2873.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن حباب بن موسی عن جعفر بن مُحَمَّد عن أبیه عن علیّ بن الحسین [زین العابدین] علیهم السّلام :حُمِلنا مِنَ الکوفَةِ إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،فَغَصَّت طُرُقُ الکوفَةِ بِالنّاسِ یَبکونَ!! فَذَهَبَ عامَّةُ اللَّیلِ ما یَقدِرونَ أن یَجوزوا بِنا لِکَثرَةِ النّاسِ.
ص:251
فَقُلتُ:هؤُلاءِ الَّذینَ قَتَلونا وهُمُ الآنَ یَبکونَ! (1)
2874.الأمالی للمفید عن حذلم بن ستیر: قَدِمتُ الکوفَةَ فِی المُحَرَّمِ سَنَةَ إحدی وسِتّینَ عِندَ مُنصَرَفِ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام بِالنِّسوَةِ مِن کَربَلاءَ،ومَعَهُمُ الأَجنادُ مُحیطونَ بِهِم،وقَد خَرَجَ النّاسُ لِلنَّظَرِ إلَیهِم،فَلَمّا اقبِلَ بِهِم عَلَی الجِمالِ بِغَیرِ وِطاءٍ،جَعَلَ نِساءُ أهلِ الکوفَةِ یَبکینَ ویَنتَدِبنَ،فَسَمِعتُ عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام وهُوَ یَقولُ بِصَوتٍ ضَئیلٍ-وقَد نَهَکَتهُ العِلَّةُ،وفی عُنُقِهِ الجامِعَةُ (2)،ویَدُهُ مَغلولَةٌ إلی عُنُقِهِ-:ألا إنَّ هؤُلاءِ النِّسوَةَ یَبکینَ،فَمَن قَتَلَنا؟ (3)
2875.الأمالی للمفید عن حذلم بن ستیر: رَأَیتُ زَینَبَ بِنتَ عَلِیٍّ علیهما السّلام ولَم أرَ خَفِرَةً قَطُّ أنطَقَ مِنها، کَأَنَّها تُفرِغُ عَن لِسانِ أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السّلام،قالَ:وقَد أومَأَت إلَی النّاسِ أنِ اسکُتوا، فَارتَدَّتِ الأَنفاسُ،و سَکَتَتِ الأَصواتُ،فَقالَت:الحَمدُ للّهِ ِ،وَالصَّلاةُ عَلی أبی رَسولِ اللّهِ،أمّا بَعدُ،یا أهلَ الکوفَةِ،ویا أهلَ الخَتلِ وَالخَذلِ...أتَبکونَ! إی وَاللّهِ،فَابکوا کَثیراً،وَاضحَکوا قَلیلاً،فَلَقَد فُزتُم بِعارِها وشَنارِها،ولَن تَغسِلوا دَنَسَها عَنکُم أبَداً...
ثُمَّ سَکَتَت،فَرَأَیتُ النّاسَ حَیاری،قَد رَدّوا أیدِیَهُم فی أفواهِهِم،ورَأَیتُ شَیخاً قَد بَکی حَتَّی اخضَلَّت لِحیَتُهُ وهُوَ یَقولُ:
کُهولُهُم خَیرُ الکُهولِ ونَسلُهُم إذا عُدَّ نَسلٌ لا یَخیبُ ولا یَخزی (4)
ص:252
2876.مثیر الأحزان: لَمّا أصبَحَ غَدا بِالرَّأسِ إلَی ابنِ زِیادٍ،وَاجتَمَعَ النّاسُ لِلنَّظَرِ إلی سَبیِ آلِ الرَّسولِ وقُرَّةِ عَینِ البَتولِ،فَأَشرَفَتِ امرَأَةٌ مِنَ الکوفَةِ،وقالَت:مِن أیِّ الاُساری أنتُنَّ؟فَقُلنَ:نَحنُ اساری مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله،فَنَزَلَت وجَمَعَت مُلاءً (1)وإزاراً ومَقانِعَ وأعطَتهُنَّ فَتَغَطَّینَ،وعَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام مَعَهُنَّ،وَالحَسَنُ بنُ الحَسَنِ المُثَنّی،وکانَ قَد نُقِلَ مِنَ المَعرَکَةِ وبِهِ رَمَقٌ،ومَعَهُم زَیدٌ و عُمَرُ وَلَدَا الحَسَنِ علیه السّلام،فَجَعَلَ أهلُ الکوفَةِ یَبکونَ. (2)
راجع:ج 5 ص 140 (القسم التاسع/الفصل السادس/کیفیّة دخول حرم الرسول صلّی اللّه علیه و آله الکوفة)
و ص 142 (خطبة زینب علیها السّلام فی أهل الکوفة).
ص:253
ص:254
السیر التاریخی لمراسم عزاء الإمام الحسین علیه السّلام (1)
حادثة کربلاء وقضیّة ثورة أبی عبد اللّه الحسین علیه السّلام الدمویّة والعجیبة،والتی وقعت فی الأیّام الاُولی من عام 61 ه-بعد نصف قرن من رحیل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله-هزّت ضمیرَ الاُمّة الإسلامیّة آنذاک،وأوقعتها فی حیرة وحزن عمیقین،بحیث سُمّی ذلک العام استناداً إلی بعض المصادر التاریخیة«عام الحزن». (2)
ویدلّ اهتمام أئمّة الدین بهذه الحادثة والتأکید علی إحیائها،عن طریق روایة کیفیتها، وإقامة مجالس العزاء لها،حتّی أنّ الأحادیث التی وصلتنا عن النبیّ صلّی اللّه علیه و آله (3)والإمام علیّ علیه السّلام، (4)تبیّن بکاءهما علی هذه الحادثة قبل وقوعها،کلّ ذلک وغیره یدلّ علی أنّ هذه الحادثة تتجاوز حدود«المصیبة»أو«المأساة»أو«الحادثة المحزنة»،کی یبقی العزاء والرثاء والحزن بسببها فی نطاق إنشاد التعازی والمراثی العادیّة والمتداولة.
ولا شکّ فی أنّ الحضّ علی العزاء،والتشجیع علی إقامة شعائر الحداد لأبی عبد اللّه الحسین علیه السّلام،والبکاء والعویل علی سیّد الشهداء وأصحابه والحزن علیهم،أسمی وأعمق بکثیر من مجرّد تذکّر حادثة محزنة،والرثاء حین فقدان الأعزّاء،وإن کانوا أعزّاء للغایة.
ص:255
وما سنقرّره هنا هو المسیرة التاریخیة لشعائر العزاء هذه،مستندین فی ذلک إلی المصادر والمستندات الکثیرة،کی نبرز من جهةٍ حقیقة هذه الحادثة،ونجیب من جهةٍ اخری علی السؤال أو الاستفسار المطروح فی السطور السابقة.
یمکن أن نتناول مراسم العزاء علی سیّد الشهداء علیه السّلام بالدراسة والنقد والتحلیل علی عدّة مراحل تاریخیّة هی:
المرحلة الاُولی:من شهادة الإمام علیه السّلام وحتّی هلاک قاتلیه. (1)
المرحلة الثانیة:إقامة العزاء کشعیرة دینیّة من قبل الأئمّة علیهم السّلام،حیث اجتازت هی بدورها بعض المراحل:
أولاً:تهیئة الأرضیّة لسنّة العزاء علی ید الإمام زین العابدین علیه السّلام.
ثانیاً:تحکیم أرکان العزاء من قبل الإمام الباقر والإمام الصادق علیهما السّلام.
ثالثاً:إکمال العزاء ونشره من قبل الإمام الکاظم والإمام الرضا علیهما السّلام.
المرحلة الثالثة:تطوّر العزاء حتّی عصر اکتسابه الطابع الرسمی.
ص:256
المرحلة الرابعة:عصر اکتساب العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام الصفة الرسمیّة بعد إقامة الدول الشیعیّة فی القرنین الرابع والخامس الهجریّین.
المرحلة الخامسة:مراسم العزاء فی القرن السادس وحتّی القرن التاسع الهجری،أی حتّی بدایة قیام الدولة الصفویة المقتدرة.
المرحلة السادسة:العزاء فی عهد حکم الصفویّین (القرن العاشر وحتّی الثانی عشر الهجری).
المرحلة السابعة:العزاء بعد العهد الصفوی وحتّی الیوم.
کان هدف أهل البیت علیهم السّلام منصبّاً فی هذه المرحلة علی السعی من أجل إیقاظ الضمائر النائمة،وفتح الأذهان المغلقة،وتحریر الأفکار المکبّلة بالإعلام الواسع لبنی امیّة.وقد جاء فی بعض الروایات-التی وصلتنا علی الرغم من التعتیم الإعلامی والثقافی والتاریخی الشدید من قبل بنی امیّة-أنّ أهل بیت النبیّ صلّی اللّه علیه و آله کانوا یصرخون (1)من أعماق قلوبهم عند غروب یوم عاشوراء المفعم بالأحزان عند رؤیتهم جسد الإمام الحسین علیه السّلام وأجساد أهل بیته وأصحابه الملطّخة بالدماء،إلی درجة جعلت الأعداء أنفسهم یتأثّرون لهذا المشهد، حتّی بکی بعض الأشخاص فی جیش یزید.
وبعد ذلک سجّل الأسری-الذین کانوا یضطلعون برسالة التوعیة-مواقف تدعو إلی الدهشة والإجلال خلال مرورهم بالقری والمدن المختلفة.
وعلی سبیل المثال،فإنّ أهالی الکوفة عند رؤیتهم اساری أهل بیت النبیّ صلّی اللّه علیه و آله،وعند استماعهم إلی الخطب الملحمیّة لأهل بیت الرسالة-والتی ذکّرتهم بأیّام تواجدهم فی
ص:257
الکوفة والذی امتدّ لعدّة سنوات من جانب وأخذت تنشر الوعی والحماس إلی حدٍّ بعید من جانب آخر (1)-وبعد حضور الأسری فی الشام-والذی أدّی إلی نشر الوعی وفضح السیاسات الاُمویّة،والذی لم یسلم من آثاره من کان فی قصر الخلافة أیضاً (2)-،سمحت الحکومة بإقامة مراسم العزاء لاعتبارات سیاسیة.
وبالإضافة إلی ذلک فقد أقام موکب السبایا عند عودته من الشام إلی المدینة،مجلس العزاء عند مزار الإمام علیه السّلام وأصحابه. (3)کما ضجّت المدینة بالبکاء والعویل عند سماع صوت بکاء امّ سلمة زوج النبیّ صلّی اللّه علیه و آله التی سمعت باستشهاد الإمام الحسین علیه السّلام فی الرؤیا (4)( أو عن طریق التربة التی أودعها النبیّ صلّی اللّه علیه و آله لدیها،والتی تحوّلت إلی دمٍ استناداً لروایةٍ اخری). (5)وعندما ذاع خبر شهادة الإمام علیه السّلام بشکلٍ رسمی من قبل بنی امیّة فی المدینة،حوّلت امّ سلمة (6)وأهالی المدینة المدینة إلی کتلة واحدة من المآتم والعزاء،وأقاموا مجالس العزاء (7)، کما أقام بنو هاشم العزاء علی سیّد الشهداء، (8)کما جلس للحداد علیه ابن عبّاس ومحمّد بن
ص:258
الحنفیّة، (1)،وبنات عقیل (2)،وجعلت نساء بنی هاشم محلاًّ خاصّاً للعزاء. (3)
کما ینبغی أن لا ننسی إقامة أهل المدینة العزاء عند عودة أهل بیت النبیّ صلّی اللّه علیه و آله، (4)وعزاء زوجات الإمام علیه السّلام، (5)وکذلک العزاء الذی أقامته امّ البنین لأولادها فی البقیع. (6)ویجب أن نضیف إلی کلّ ذلک مراثی وحداد أهل بیت عبد المطّلب،والذی کانوا یقیمونه یومیّاً خلال عام الشهادة فی ذکری شهادة الإمام الحسین علیه السّلام حتّی ثلاث أعوام فی المدینة، (7)وکان یشارک فیه بعض الصحابة والتابعین أیضاً، (8)ولبس أهل بیت الإمام علیه السّلام ملابسَ الحزن، (9)ومواصلة الأحزان والمآتم حتّی موت ابن زیاد، (10)وتعاطف بعض الأصحاب والتابعین معهم؛ (11)کلّ ذلک خلق أجواء تمخّضت عن نشوء حرکة«التوّابین»،حیث بدأوا مسیرتهم باتّجاه الشام ومحاربة قتلة الإمام الحسین علیه السّلام،بالتجمّع عند قبر الإمام علیه السّلام وأصحابه وأقامة العزاء،ثمّ واصلوا مسیرهم (12). (13)
ص:259
ظهرت مراسم العزاء علی أبی عبد اللّه الحسین علیه السّلام فی هذه المرحلة باعتبارها شعیرة دینیّة، وقد اکتسبت هذه الحقیقة الشکل النهائی فی ثلاث مراحل:
تهیّأت فی هذه المرحلة الأرضیّة اللّازمة لبلورة شعائر العزاء،وتشکیل محیط مناسب لظهور شعیرة دینیّة.ویجب أن نعتبر الإمام زین العابدین علیه السّلام صاحب الدور الرئیسی لهذه المرحلة.وقد أحدثت واقعة کربلاء من الناحیة العقائدیّة والسیاسیّة تحوّلاً کبیراً فضلاً عن الحزن العمیق الذی ترکته فی المجتمع الإسلامی-کما سبقت الإشارة إلی ذلک-.وقد سکن سیّد الساجدین علیه السّلام بعد شهادة أبیه الإمام الحسین علیه السّلام المدینة فی ظلّ هذه الأجواء المرعبة، وواصل رسالة الإمامة فیها.ویعدّ هذا العصر دون شکّ أکثر عصور تاریخ الشیعة ظلاماً واحتقاناً،وکان فی ذات الوقت أکثرها امتلاءً بالوعی والیقظة.
وقد تابع الإمام زین العابدین علیه السّلام فی الاتّجاه العام لرسالة الإمامة،جهاداً واسعاً ومدروساً ودقیقاً؛بهدف توعیة المجتمع الإسلامی وتحریره من الجهل،ومن تضلیلات بنی امیّة الإعلامیّة. (1)
ص:260
وقد مضت حرکة الإمام علیه السّلام من المواجهة السلمیّة الهادئة،إلی المواجهة العنیفة والمهیّجة والصریحة،ووظّف من أجل تحقیق هذا الهدف اسلوب التذکیر بحادثة کربلاء وبیان أبعادها،ابتداءً من التذکیر العادی بها والبکاء البحت علیها،وحتّی استعراض أبعاد الفاجعة ومداها.
وکان بکاء الإمام علیه السّلام یثیر التساؤلات أحیاناً،خاصّة عند رؤیته للماء وعند إحضار الطعام. (1)وقد بلغ هذا البکاء من الکثرة والسعة درجة بحیث إنّ الناس کانوا ینصحونه بالإقلال من البکاء حفاظاً علی سلامته،ولکنّ الإمام علیه السّلام ومن خلال الإشارة إلی عمق مأساة کربلاء،والمکانة الاجتماعیّة والدینیّة للأشخاص الذین استشهدوا فیها،کان یعتبر البکاء علی اولئک الأشخاص الأعزّاء أمراً لازماً ومنطقیّاً من جهة،ومن جهة اخری کان یشجّع ویحضّ الآخرین علیه.فقد اعتبر البکاء علی الإمام علیه السّلام وأصحابه الشهداء سبباً للنجاة من العذاب الإلهی والدخول فی الجنّة (2)،وفی بحبوحة الأمن الإلهی،ولم یکفّ هو نفسه عن البکاء،حتّی هلاک عبید اللّه بن زیاد والقتلة الآخرین لشهداء کربلاء،بل حتّی نهایة عمره الشریف. (3)
وعلی هذا فإنّ الإمام زین العابدین علیه السّلام فی السنوات الأخیرة من حیاته کانت قد توسّعت قاعدتُهُ الاجتماعیّة والثقافیّة والسیاسیّة من جهة،کما ازداد أصحابُه وأتباعُه وناشرو أفکاره من جهة اخری.ولذلک،فقد ترک موقفه واتّجاهُه آثاراً عمیقة.وبذلک یجب اعتبار عهد إمامة الإمام زین العابدین علیه السّلام مرحلة إعداد الأرضیة،وتأسیس سنّة مراسم العزاء علی
ص:261
أبی عبد اللّه علیه السّلام.
یختلف عهد الإمام الباقر علیه السّلام من بعض النواحی عن عهد الإمام زین العابدین علیه السّلام،فمن جهة کانت حرکات التوعیة التی قام بها الإمام زین العابدین علیه السّلام وأصحابه قد غیّرت-إلی حدٍّ ما-الجوّ الفکری والسیاسی،وکان تحرّر العراق من سلطة الاُمویّین فی السنوات العشر الأخیرة،قد هیّأ من جهة اخری الأرضیّة لمراسم العزاء علی سیّد الشهداء علیه السّلام.
وإنّ حضور«التوّابین»عند قبر الإمام علیه السّلام-والذی حدث فی هذا العقد-هو نموذج للتغیّر الفکری السائد.
ففی هذه السنوات-ومع الأخذ بنظر الاعتبار ما مرّ ذکره من العوامل والأسباب مضافاً للعوامل والأسباب الاُخری التی یجب أن نتناولها فی مجال آخر-تغیّر الضمیر الاجتماعی والدینیّ للمسلمین،وتفجّرت ثورات،منها:ثورة أهل المدینة،ثمّ علی أثرها وقعة الحَرّة، وثورة ابن الزبیر،وثورتی التوّابین والمختار.وعلی الرغم من أنّ کلّ هذه الثورات لم تکن متّحدة فی الدوافع والأهداف والاتّجاهات؛إلّاأنّها ترکت أثراً فی حدوث التحوّل علی الأصعدة السیاسیّة والفکریّة المختلفة فی المجتمع.وقد تعامل بنو امیة بکلّ قسوة وبطش مع هذه الحرکات،ولم یألوا جهداً فی قمعها،وتجاوزوا الحدود فی انتهاک حرمة مدینتی مکّة والمدینة المقدّستین فی هذه الأحداث.
وعلی إثر أحداث کهذه تولّی الإمام الباقر علیه السّلام إمامة الاُمّة،فقد کانت مرّت سنوات طویلة علی شهادة الإمام الحسین علیه السّلام،وکان المختار قد أنزل العقوبة بالقتلة،ولکن کلّ ذلک،لم یمنع من أن یواصل الإمام الباقر علیه السّلام التذکیر بحادثة کربلاء،بل کان کأبیه علیه السّلام،یستغلّ أیّ فرصة من أجل توعیة الناس أکثر وتبیین الأسباب التی أدّت إلی حادثة کربلاء وکیفیتها، وتحویل مراسم العزاء الحسینیّة إلی شعائر وتیّار دینی وفکری.
ونظراً إلی ما مرّ،وفی ظلّ الظروف التی سادت آنذاک،فقد کان الإمام علیه السّلام یتمتّع بمرکز
ص:262
اجتماعی وفکری رفیع،وکان قد اکتسب المرجعیّة الدینیّة؛إذ کان الناس یرجعون إلیه کثیراً.ولذلک فقد کان شعاع وجوده ونفوذ کلامه یفوق والده علیه السّلام،وقد استغلّ الإمام الباقر علیه السّلام کلّ ذلک من أجل تحویل العزاء إلی شعائر وتیّار فکری علی مرّ التاریخ،ومن جملة ذلک بیان أقوال الإمام زین العابدین علیه السّلام-باعتباره الشاهد فی حادثة کربلاء-فی فضل البکاء علی الإمام الحسین علیه السّلام (1)،وإقامة مجالس العزاء فی داره،وتشجیع منشدی المراثی (2)علی تناول أبعاد هذه المأساة فی قالب الأشعار وإنشاد الرثاء،وتحریض الشیعة علی إقامة مجالس العزاء فی بیوتهم مع مراعاة الاحتیاط؛بهدف الأمن من ردود فعل النظام الحاکم (3)،والاهتمام بالأدب والشعر فی تخلید الحادثة (4)،وطرح فکرة التعطیل عن العمل فی یوم عاشوراء لأوّل مرّة. (5)
وأخیراً التأکید علی أنّ إقامة العزاء علی سیّد الشهداء علیه السّلام تعین الأفراد فی الدنیا علی دینهم،وتؤدّی فی الآخرة إلی جوارهم للإمام الحسین علیه السّلام والنبیّ صلّی اللّه علیه و آله (6)،وتعتبر هذه النقطة من النقاط البالغة الأهمّیة؛إذ کیف یمکن لعزاء الإمام الحسین علیه السّلام أن یعین مقیمیه فی الدنیا، وتکون نتیجته مجاورة النبیّ صلّی اللّه علیه و آله،ولماذا؟ألیس الإمام یواصل بکلامه البالغ الأهمّیة هذا نفسَ الجبهة الواسعة التی کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله قد اتّخذها؟! وهو من کان حسینیّاً فهو محمّدی، ومن لیس کذلک فلیس بمحمّدی ! وهذا حقّاً یدعو إلی التأمّل.
وعلی أیّ حال،فعلی الرغم من الاضطهاد الشدید الذی تعرّض له الشیعة والعلویّون فی عهد تلک الحکومة الظالمة،والحیلولة دون إقامة العزاء،إلّاأنّ الإمام علیه السّلام سعی من خلال
ص:263
التشجیع والحضّ علی إقامة مجالس العزاء علی سیّد الشهداء علیه السّلام،من أجل تثبیت أرکان مراسم العزاء ما أمکنه ذلک،وأضفی علیها طابع الشعائر،وجسّد فی مجالس العزاء أدب التعزیة (1)الذی لا یقتصر فی مسیرة التذکیر بکربلاء علی أمس والیوم،بل یمتدّ إلی الغد وما بعده أیضاً.کما أظهر کیفیة الإسهام فی مواصلة هذه السنّة علی امتداد التاریخ.
عندما تولّی الإمام الصادق علیه السّلام إمامة الشیعة،کان قد مرّ نصف قرن علی حادثة کربلاء الألیمة،وخلال ذلک العصر کان المجتمع قد طرأ علیه تحوّل واسع للغایة من النواحی السیاسیة والثقافیة والعقائدیة،وقد استغلّ الإمام الصادق علیه السّلام هذا الظرف والجوّ الذی سنح له أقصی استغلال،وبذل جهوداً کبیرة من أجل بیان وتفسیر أبعاد الدین المبین والقرآن الکریم،کما سعی أصحاب الإمام علیه السّلام وتلامذته کثیراً من أجل بیان الفکر الدینی الأصیل.وتحتلّ حادثة کربلاء مکانة بالغة الأهمّیة بین جهود الإمام الصادق علیه السّلام، سواء من حیث القول أو العمل والسلوک،وتحظی تعالیمه علیه السّلام بالاهتمام فی تقدیم إطار شعائر العزاء واُسسها العامّة،وصیغة إقامة العزاء.ویمکننا أن نبیّن ما وصلنا من سیرة هذا الإمام کالتالی:
التوصیة بالبکاء علی الإمام الحسین علیه السّلام،وإبکاء الآخرین. (2)
التذکیر بمصائبه (3)فی المواقف المختلفة،ومنها شرب الماء. (4)
ص:264
الحثّ علی إقامة مجالس العزاء فی الفرص والأوقات المختلفة. (1)
تشجیع الشعراء علی توظیف فنّ الشعر فی بیان أبعاد حرکة الإمام الحسین علیه السّلام. (2)
دعوة منشدی المراثی إلی إنشاد مراثیهم فی محضر الإمام علیه السّلام. (3)
ویجب أن نلتفت إلی أنّ فنّ الشعر له دور کبیر فی تخلید الأفکار،حیث کان هذا الدور مؤثّراً إلی حدٍّ کبیر فی ذلک العصر نظراً إلی الثقافة السائدة فیه،والتفات الإمام الباقر والإمام الصادق علیهما السّلام إلی هذه الملاحظة مهمّ للغایة.
الطلب من منشدی المراثی أن یمزجوا مراثی عاشوراء بثقافة الحزن والألم من أجل جعلها ذات تأثیر أکبر. (4)وکان الإمام الصادق علیه السّلام یطلب من أهل بیته أن یجلسوا فی هذه المجالس،ویعبّروا عن ذلک ببکائهم وعویلهم، (5)وکان یوصی الآخرین بالحضور عند قبر الإمام الحسین علیه السّلام،ونثر دموع الحزن،وکان یدعو لمن کان یفعل ذلک. (6)
کما أنّ له علیه السّلام تعلیمات وإرشادات خاصّة فیما یتعلّق بیوم عاشوراء تستحقّ التأمّل.
کان الإمام الصادق علیه السّلام یؤکّد علی لزوم إبقاء یوم عاشوراء خالداً فی الأذهان،وأن تُعدّ مصیبة هذا الیوم مهمّة للغایة،وأن یسعی المؤمنون من أجل إحیاء هذه الذکری؛ (7)ولذلک
ص:265
کان یوصی المؤمنین أن یجلسوا للعزاء فی یوم عاشوراء،وأن یزوروا مرقد سیّد الشهداء إن أمکنهم ذلک (1)،ویرتدوا ملابس العزاء (2)،وأن یصوّروا فی أذهانهم حادثة کربلاء الألیمة والمدهشة (3)،وأن یتذکّروا ذلک الیوم ویقیموا العزاء حتّی وإن کانوا لوحدهم (4)،وأن یمسکوا عن اللذائذ وتناول الأطعمة اللّذیذة. (5)
أولیس کلّ هذا یفوق حدّ التذکیر بقصّة مؤلمة وحزینة؟إنّ عاشوراء تعنی فی سیرة الأئمّة علیهم السّلام الاضطلاع بمسؤولیّة ثقافة بأکملها،فحادثة عاشوراء تمثّل مدرسة،لا مجرّد حادثة مثیرة للأحزان والأسف وما إلی ذلک.
یعدّ عهد الإمام الکاظم علیه السّلام من العهود التی تستحقّ الاهتمام والتأمّل الکبیرین من الناحیتین السیاسیّة والثقافیّة،وفی الحقیقة فإنّ عهد الإمام الکاظم علیه السّلام هو عهد وقف فیه الشیعة علی أعتاب نهضة شاملة.ولذلک فإنّ تعالیم الإمام الکاظم علیه السّلام من شأنها أن تثیر الوعی والیقظة.
لقد دعا الإمام علیه السّلام المجتمع الشیعی برمّته إلی مواجهة الباطل ومحاربته وذمّ عدم المبالاة بذلک، (6)واعتبر حادثة عاشوراء من الناحیة العملیّة ثقافة مواجهة الباطل،وشجّع کسلفه
ص:266
الصالح منشدی المراثی علی إنشادها. (1)والأهمّ من کلّ ذلک أنّ الإمام الکاظم علیه السّلام کان یجسّد حزنه منذ بدایة محرّم،وکان یواصله حتّی یوم عاشوراء،وبذلک فقد أسّس سنّة العزاء فی العشرة الاُولی من محرّم (2)،وعلّم الشیعة فی الحقیقة أدب إقامة العزاء فی یوم عاشوراء.وقد أظهر الإمام علیه السّلام بهذا الاتّجاه أنّ علی المؤمنین أن یتهیّؤوا لاستقبال عاشوراء،وأن یهتمّوا بهذا الحدث المهمّ قبل حلول ذکراه بعدّة أیام،ویعیشوه وهم فی ذروة الحزن.
وکان الإمام الرضا علیه السّلام أیضاً-والذی کانت له منزلة ومکانة سامیة من الناحیة السیاسیّة والثقافیّة،وأدّت مکانته الظاهریّة الرفیعة إلی نفوذ کلامه أکثر-یولّی هذا الحدث الأهمیّة القصوی،ویبصّر الشیعة بأهمّیة محرّم وعشرته الاُولی،ویسعی من أجل الترویج لحادثة کربلاء من خلال بیان سیرة أبیه علیه السّلام. (3)وفضلاً عن ذلک،فقد کان یسعی من أجل أن یستغلّ الفرص المختلفة لإحیاء ذکری عاشوراء فی أذهان الناس وألسنتهم،فکان یجعل مع الملابس التی کان یهدیها للآخرین تربة قبر الإمام الحسین علیه السّلام (4)،وإذا اهدیت له تربة شمّها وبکی. (5)
ونضیف هنا أنّه خلال عهد هذین الإمامین العظیمین وللأسباب المذکورة،فإنّ النظام الحاکم ضاعف من ضغوطه علی المجتمع الشیعی وتضییق الخناق علیه،وضیّق الأجواء علی هذین الإمامین العظیمین وشدّد أجواء الرقابة.وعلی هذا فإنّ من الطبیعی ألّا تکون تعالیم هذین الإمامین بسعة عهد الإمامین السابقین لهما؛ولکن یجب التأکید علی أنّ نظام
ص:267
الوکالة (1)الذی کان تمّ تأسیسه فی عصر الأئمّة السابقین،کان قد اتّسع فی عهدهما وبأسالیب وأدوات خاصّة،فترک أثراً بالغاً فی نشر تعالیم الأئمّة علیهم السّلام.ومن الطبیعی أنّ العزاء ونظراً لما کان یحظی به من أهمّیة فی تعالیم الأئمّة علیهم السّلام،یجب ألّا یکون فی منأی عنهم،إلّاأنّه وللأسف لم ینعکس ذلک بالشکل المطلوب فی المصادر التاریخیّة،کما حدث لحقائق صادقة کثیرة؛نظراً إلی محاربة الحکّام آنذاک لها.
ما ذکرناه حتّی الآن کان نظرة سریعة إلی سیرة الأئمّة علیهم السّلام فیما یتعلّق بثورة الإمام الحسین علیه السّلام علی مستوی الأقوال والأفعال والترغیب،ویمکن تقسیم ما ذُکر حتّی الآن تحت عنوانین رئیسیّین:
الأوّل:السعی من أجل إبراز أهمّیة العزاء والحداد علی الإمام علیه السّلام.
الثانی:تکریم یوم عاشوراء وإقامة العزاء فیه.
ویمکن تعیین ملامح سیرة الأئمّة علیهم السّلام فی الاتّجاه الأوّل،کالتالی:
1.إنّ البکاء علی الإمام علیه السّلام وتذکّر مصائبه هما نصرة للدین. (2)
2.رعایة أدب تذکّر الإمام علیه السّلام (3)وتذکّر الإمام والمصائب الجاریة علیه عند شرب الماء. (4)
3.ضرورة إقامة مجالس العزاء حتّی فی البیوت،وتنظیم برامج العزاء حتّی وإن کانت
ص:268
بشکل فردی. (1)
4.إنّ للبکاء علی مصائب أبی عبداللّه الحسین علیه السّلام قیمة وأجراً عظیمین؛ولذلک ینبغی عدم التهاون به وذرف الدموع علیه ولو دمعةً واحدة،بل إنّ التباکی أیضاً له أجره العظیم، (2)فعلی المؤمنین البکاء والتباکی حین ذکر مصائبه وبعدها. (3)
5.علی الشعراء أن یحاولوا استعراض مصائبه علیه السّلام وإبکاء المؤمنین، (4)وعلیهم أن یبیّنوا أبعاد الحادثة ببیانهم ویخلّدوها.
6.علی النساء المشارکة فی مجالس العزاء وأن یجزعن بالصراخ والعویل،فإنّ فی ذلک الأجر الاُخروی.
7.یجب أن یتبادل الحاضرون التعازی بأدبٍ خاصّ.
8.یجب أن یمتزج الرثاء وإنشاد المراثی بالحزن وأن یکون مؤثّراً.
9.عندما یقیم المؤمنون مجلس عزاء أو حزن فعلیهم ان یبدؤوه بالبکاء علی أبی عبد اللّه الحسین علیه السّلام. (5)
10.ضرورة الحضور عند مرقد الإمام علیه السّلام وأصحابه الشهداء،وإقامة العزاء والبکاء بشکل مستمرّ. (6)
ص:269
کما یمکننا أن نبیّن سیرة الأئمّة علیهم السّلام فی العنوان الثانی والمتمثّل فی تکریم یوم عاشوراء، وإقامة العزاء وکیفیّة التعزیة فی هذا الیوم کالتالی:
1.الاهتمام بشهر محرّم.
2.استقبال یوم عاشوراء من حین دخول شهر محرّم،ونشر الحزن والغمّ وإظهاره فیه.
3.البلوغ بالعزاء والحزن والغمّ إلی ذروتها فی یوم عاشوراء.
4.أن یکتسب یوم عاشوراء أهمّیة خاصّة نظراً إلی أنّه یذکّر بمصیبة آل اللّه.
5.الحضور والبکاء عند قبر الإمام علیه السّلام،إن تیسّر ذلک.
6.أن یبدأ یوم عاشوراء بالسلام علی الإمام علیه السّلام ولعن قتلته،وأن یتواصل بالصلاة، والبکاء،وإقامة المآتم فی البیوت،وإظهار الجزع والبکاء والعویل بشکل جماعی،وأن یقترن ذلک بالحضور عند قبر الإمام علیه السّلام إن أمکن. (1)
7.ضرورة التعطیل فی یوم عاشوراء. (2)
8.أهمّیة إقامة المجالس فی البیوت والبکاء علی أهل البیت علیهم السّلام.
9.استذکار یوم عاشوراء ومصائب الإمام علیه السّلام وإن کان بشکل فردی.
10.تجسیم واقعة عاشوراء فی الأذهان.
11.من الحری لبس ملابس الحزن کأصحاب العزاء.
12.الامتناع عن أکل وشرب الأطعمة والأشربة،وعن اللذائذ الاُخری حتّی
ص:270
الغروب.
ذکرنا فیما سبق أنّ من غیر المستبعد أن تکون مراسم العزاء الاُولی وحتّی ثورة المختار وانتقامه من قتلة سیّد الشهداء،کانت متأثّرة بالثقافة الاجتماعیّة العربیّة،مع تشذیب وتهذیب تلک الثقافة والأدب.ونضیف هنا قائلین إنّ هذا الموقف لو کان متجانساً بنسبة ضئیلة مع تلک الثقافة،لکانت أبعاده مختلفة إلی حدّ کبیر حتّی من الناحیة الزمنیّة.
یقول الإمام الصادق علیه السّلام:
مَا اختَضَبَت مِنّا امرَأَةٌ ولَا ادَّهَنَت ولَا اکتَحَلَت ولا رَجَّلَت حَتّی أتانا رَأسُ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،وما زِلنا فی عَبرَةٍ بَعدَهُ . (1)
ففی الثقافة العربیّة کان الانتقام من القاتل یمثّل نهایة مراسم العزاء عندهم،بخلافه فی حادثة عاشوراء حیث لم ینته العزاء علی سیّد الشهداء وأصحابه المیامین بالانتقام من قتلتهم؛وذلک أنّ شهادة الإمام الحسین علیه السّلام تتمتّع وفق هذه النظرة بخصوصیّة مهمّة،وهی امتزاجها بأبعاد الدین واستهداف إحیاء الثقافة الدینیّة،ولذلک فقد کانوا یعتبرون إحیاء ذکر هذه الحادثة واجباً علی الدوام.ویمکن أن ندرک هذه الحقیقة من سیرة الأئمّة علیهم السّلام بالإضافة إلی هذه الروایة فقد سعی الأئمّة علیهم السّلام-وکما سبق بیانه-من أجل ترسیخ اسس مراسم العزاء علی سیّد الشهداء،ووضعوها فی معرض الأجیال باعتبارها شعائر عظیمة.
تولّی الإمام الجواد علیه السّلام الإمامة فی طفولته (عام 203 ه)،وقد انتهی جهاز الحکم العبّاسی الظالم من خلال تجربته مع خلفیّات مواقف الأئمّة علیهم السّلام وماضیهم،إلی أن یواصل مراقبة الأئمّة علیهم السّلام،وکان قد صعّد هذه المراقبة من خلال دعوة الإمام الرضا علیه السّلام إلی مرو.وها هو الآن یکرّس کلّ جهوده من أجل أن یفصم عری الأواصر الفکریّة والإرشادیّة للشیعة عن
ص:271
مرکز السعی والنشاط والحرکة؛أی الإمام علیه السّلام.
وفی قبال ذلک فقد اهتمّ الأئمّة علیهم السّلام بنظام الوکالة الذی تمّ تأسیسه فی عهد الإمام الباقر والإمام الصادق علیهما السّلام،فوسّعوا نطاقها،بحیث کانوا ینقلون إلی الشیعة ما یرونه واجباً وأساسیّاً فی الهدایة.وکان الشیعة أیضاً قد عملوا علی تنظیم صفوفهم استناداً إلی هذه التعالیم،وکانوا یرسّخون علاقتهم مع العلماء والمفکّرین الذین کانوا قد تخرّجوا من مدرسة الأئمّة علیهم السّلام ویواصلون حیاتهم الدینیّة.وهکذا،فقد کان ارتباط الشیعة فی الغالب مع العلماء؛نظراً إلی أوضاع المجتمع من جهة.
ومن جهة اخری فإنّ الأئمّة علیهم السّلام کانوا تحت المراقبة الشدیدة والحصار،ولهذا فإنّ ارتباطهم بالشیعة کان ضعیفاً،وعلی هذا فمن الواضح أنّ التاریخ سوف لا یستعرض من أقوالهم وسیرتهم حول«إقامة العزاء فی عاشوراء»،وخاصّة فی عهد المتوکّل،حیث بلغ الاختناق العامّ ذروته وخاصّة فیما یتعلّق بالذهاب إلی کربلاء وزیارة المرقد الطاهر لسیّد الشهداء علیه السّلام.
ومع کلّ ذلک،ونظراً إلی التربیة التی کان الشیعة قد تلقّوها فی هذا المجال علی ید الأئمّة علیهم السّلام،فقد أبرزوا اهتماماً بالعزاء علی أبی عبد اللّه الحسین علیه السّلام بشکلٍ جدّی ومارسوه فی بیوتهم وأوساطهم،کما کان یقام فی عهد الإمامین الباقر والصادق علیهما السّلام،إلّاأنّ تکتّم الشیعة من جهة،والتعتیم الإعلامی للحکومة من جهة اخری،حالا دون انعکاس هذه المراسم فی المصادر التاریخیّة.
وهکذا وکما سبقت الإشارة،فإنّ التضییق علی الشیعة،والمشاکل والعراقیل التی وضعت أمامهم فی زیارة قبر الإمام الحسین علیه السّلام وإقامة العزاء علیه فی عصر المتوکّل،کلّ ذلک کان قد بلغ ذروته.لکن لمّا تولّی المنتصر العباسی زمام الحکم (عام 248 ه.ق)،طلب من الشیعة أن یواصلوا زیارة کربلاء کالسابق (1)،وأمر من جهةٍ اخری بإعادة بناء مرقد
ص:272
الإمام علیه السّلام، (1)ومنع فی النهایة اضطهاد الشیعة وإلحاق الأذی بهم. (2)
وبعد ذلک یبدو أنّ هناک اضطهاداً وضغوطاً ما کانت تمارس ضدّ الشیعة بعض الحدود (مثل:عهد سیطرة الحنابلة علی بغداد قبل تولّی البویهیّین لزمام الحکم) (3)؛وأمّا بقیة الخلفاء العباسیّین فلم یکونوا مثل المتوکّل أبداً،فلم یسبّبوا مضایقات کثیرة لزوّار مرقد الإمام الحسین علیه السّلام،حیث کان الشیعة یتوجّهون لزیارة کربلاء فی یوم عاشوراء وعرفة والنصف من شعبان ویقیمون العزاء عند قبر الإمام علیه السّلام،حتّی صار قبر الإمام علیه السّلام شیئاً فشیئاً مکاناً دائمیّاً لإقامة العزاء.
وفی عهد الغیبة الصغری أیضاً وصلتنا وثائق تاریخیّة تدلّ علی إقامة العزاء والرثاء عند قبر الإمام علیه السّلام.ومن جملة ذلک روایة ابن الأثیر بشأن الحوادث الأخیرة لحدود العام 296 ه.ق،حیث تدلّ علی حضور الشیعة عند مرقد الإمام علیه السّلام وما حدث لأحد الیمنیّین الشیعة خلال تلک الحوادث. (4)کما ذکر القاضی أبو علیّ التنوخی (ت 384 ه.ق) أنّ ابن الأصدق
ص:273
کان منشغلاً بالنوح علی الإمام علیه السّلام أیّام تسلّط الحنابلة علی بغداد،وکان الراوی یسعی للتعرّف علیه والالتقاء به من أجل التوصیة بالرثاء،فرآه فی لیلة النصف من شعبان حیث کان الشیعة متواجدین عند قبر سیّد الشهداء مقتحمین جمیع المخاطر،وهو یمضی لیله فی تلک الأجواء بالنیاحة فیما کان الناس یبکون معه. (1)
وفی أواخر عهد الغیبة الصغری أصدر البربهاری (2)إمام الحنابلة فی بغداد (ت 329 ه.ق)،الأمر بقتل«خلب»التی کانت تنشد المراثی علی الإمام الحسین علیه السّلام سرّاً فی بیوت الشیعة. (3)
وتحدّث ابن حجر أیضاً فی لسان المیزان عن شاعر شیعیّ رثی الإمام علیه السّلام عام 346 ه.ق حتّی ظهر یوم عاشوراء،وبکی الناس معه. (4)
ویبدو أنّ هذه الروایات قلیلة،ولکنّنا یمکن أن نستنتج آخذین بنظر الاعتبار التعتیم الإعلامی للنظام الحاکم،أنّ کلّ ذلک یدلّ علی إقامة الشیعة مراسم العزاء والبکاء والنیاحة،
ص:274
حیث کانوا یسعون قدر إمکانهم من أجل أن لا یطوی النسیان حادثة عاشوراء.
وفی مصر أیضاً کان الناس فی عهد حکومتی الإخشید وکافور غیر الشیعیتین (323- 358 ه.ق)،یتجمّعون عند قبری السیّدتین امّ کلثوم ونفیسة،ویقیمون العزاء،حتّی أنّ حکومة کافور کانت قد بثّت الشرطة فی الصحراء لمنع إقامته. (1)
ویبدو أنّ هذه الروایات القلیلة تیسّر للمؤرّخین روایتها بعد عهد اکتساب مراسم العزاء الطابع الرسمی فی بغداد ومصر؛ذلک لأنّ الدول الشیعیّة کانت قد اقیمت،والمؤسّسات الرسمیّة قد اوجدت،فاضطرّ المؤرّخون إلی أن یرووا ماکان یحدث،ومن جملتها مراسم العزاء والحداد وغیرها.
فی شمال أفریقیا،واتّسع نطاقهما تدریجیاً.وفی النصف الثانی من القرن الرابع کانت إیران (عدا مناطقها الشرقیة) ووسط العراق،تحت سیطرة البویهیین،کما کان الشمال الشرقی من أفریقیا والشام وفلسطین تحت سیطرة الفاطمیین.وفی عام 352ه.ق،دعا معزّ الدولة الدیلمی حاکم بغداد البویهیّ الناسَ إلی إقامة العزاء فی یوم عاشوراء وفی الطرقات (1)؛ وبذلک اکتسب العزاء الطابع الرسمی.وقام الفاطمیّون فی مصر بالعمل نفسه بعد عقد من الزمن. (2)
وبالإضافة إلی هاتین الدولتین اللتین کانتا تسیطران علی أرجاء واسعة من العالم الإسلامی،اهتمّت دول اخری ذات میول شیعیّة بهذا الموضوع،ورغم أنّنا لا نمتلک نصوصاً صریحة فی هذا المجال إلّاأنّ هناک أشخاصاً-مثل:أبی الریحان البیرونی (3)
ص:276
وعبدالجبّار المعتزلی (1)-أشاروا إلی ظاهرة إقامة مراسم العزاء فی مدن العالم الإسلامی الکبری فی ظلّ الدول الشیعیّة فی القرنین الرابع والخامس.
بعد مرسوم معزّ الدولة،تحوّل العزاء فی بغداد إلی شعائر رسمیّة کانت تقام سنویّاً فی کلّ حارة وزقاق بحضور الشیعة. (2)ولکنّ المجتمع السنّی الساکن فی حاضرة الخلافة لم یکن یستسیغ هذه الظاهرة،ولذلک کانت تقع بعض المصادمات أحیاناً. 3
ص:277
ومع ضعف الدولة البویهیّة،ازدادت المعارضة وکثرت الصدامات،بحیث لم یکن بمقدور الدولة أحیاناً أن تفعل شیئاً من أجل إحلال الهدوء.وفی العقد الأخیر من دولة البویهیّین-والتی کانت تحکم فی بغداد-کانت الدولة تطلب من الشیعة أحیاناً ألّا یخرجوا للعزاء فی یوم عاشوراء من أجل الحیلولة دون حدوث الاضطرابات وسفک الدماء،بل إنّهم کانوا أحیاناً یعطّلون مراسم العزاء 1.وقد جاءت تفاصیل هذه النزاعات فی المصادر التاریخیّة ومن جملتها المنتظم لابن الجوزی،إلّاأنّ الشیعة واصلوا إقامة العزاء رغم کلّ المشاکل حتّی سقوط البویهیّین ومجیء الدولة السلجوقیّة عام 447ه.ق،وقد منع السلاجقة رفع أیّ شعار شیعی،بما فی ذلک إقامة مراسم العزاء.ومع کلّ ذلک،فإنّ هناک روایة تدلّ علی أنّ شیعة بغداد أقاموا شعائر العزاء فی یوم عاشوراء من عام 458 ه.ق. 2
إنّ کلّ ذلک یدلّ علی أنّ الشیعة کانوا یحافظون علی مسیرة العزاء فی عاشوراء،وإحیاء ذکری حادثة کربلاء بفضل التعالیم القیّمة لأئمّتهم،باعتبار هذه الحادثة حرکة فکریّة، ثوریّة ودینیّة،وکانوا یستغلّون کلّ فرصة من أجل إقامتها.
ومن المناسب الآن أن ندرج فی نهایة هذا الفصل،الکلام القیّم لمعلّم الاُمّة الشیخ المفید، العالم الشیعیّ الکبیر فی ذلک العصر،الذی له فضل کبیر علی الشیعة فی تدوین وترسیم
ص:278
المعتقدات الشیعیّة فی عصر الغیبة،حیث یقول حول یوم عاشوراء:
فی الیوم العاشر منه [ شهر المحرّم ] قُتل سیّدنا أبو عبد اللّه الحسین بن علیّ علیه السّلام من سنة إحدی وستّین من الهجرة،وهو یوم یتجدّد فیه أحزان محمّد وآل محمّد وشیعتهم.وجاءت الروایة عن الصادقین علیهم السّلام باجتناب الملاذ فیه،وإقامة سنن المصائب،والإمساک عن الطعام والشراب إلی أن تزول الشمس،والتغذّی بعد ذلک بما یتغذّی به أصحاب أهل المصائب،کالألبان وما أشبهها دون الملذّ من الطعام والشراب . (1)
مع استقرار الدولة الفاطمیّة کانت طائفة من الشیعة تقیم العزاء کما مرّ فی یوم عاشوراء عند قبری السیّدتین امّ کلثوم ونفیسة،وقد واصلوا هذه المسیرة بعد فترة داخل مدینة القاهرة وعند مشهد الحسین علیه السّلام،واکتسب العزاء فی ظلّ هذه الدولة الطابع الحکومی،وکان یقام مقترناً ببعض التشریفات، (2)حیث ذُکرت کیفیّتها فی المصادر
ص:279
التاریخیّة. (1)وقد کانت مراسم العزاء تُعطّل فی ظلّ هذه الدولة لبعض الأسباب؛إلّاأنّها استمرّت حتّی سقوط الفاطمیّین. (2)
ومع إمساک الأیّوبیین لزمام الحکم والذین بذلوا جهوداً واسعة من أجل محو الثقافة الشیعیّة، (3)کان من الطبیعیّ أن یحولوا دون إقامة شعائر العزاء.ومع کلّ ذلک،فقد کان الشیعة فی المناطق البعیدة عن مرکز الحکومة مثل:الشام وحلب وشمال العراق یستغلّون کلّ فرصة من أجل إقامة شعائرهم؛ومن جملتها إقامة مجالس العزاء.وعلی سبیل المثال،
ص:280
فعندما هجم السلطان الأیّوبی علی تلک المنطقة من أجل القضاء علی حاکم حلب وطلب الحاکم من الناس المساعدة،اشترط الشیعة لحضورهم إظهار الشعائر،ومن جملتها نداء «حیّ علی خیر العمل»فی المسجد الجامع،فوافق الحاکم علی شرطهم. (1)
بدأت المناطق الشیعیّة فی إیران والعراق القرن السادس الهجری باستمرار حکم السلاجقة، وفی هذا العهد کان الفاطمیّون الشیعة الإسماعیلیّون مایزالون یحکمون مصر.ومع مرور الزمن خفّف السلاجقة من ضغوطهم،وأظهر الشیعة مراسم العزاء فی عاشوراء تدریجیّاً بعد حصولهم علی حرّیة أکثر.وتدلّ الروایات المختلفة-سواءً ما ذکرناه حتّی الآن أو ما جاء بشکل متفرّق فی صفحات التاریخ-علی أنّ الشیعة کانوا یقیمون العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام من أجل بیان عقائدهم وأفکارهم،وکذلک بهدف إبراز تلک الحادثة باعتبارها رمزاً للمواقف الشیعیّة،ولم یکفّوا أبداً عن إقامة ذلک العزاء،وکانوا یستغلّون أیّة فرصة لإقامته سرّاً وعلناً بشکل یتناسب مع نوع أنظمة الحکم،والحرّیات المتاحة لهم،أو الضغوط المفروضة علیهم.
وتعدّ روایة عبد الجلیل الرازی القزوینی فی کتاب النقض فی القرن السادس الهجری فی غایة الوضوح،فهو من جهة یجیب علی الشبهات،ویروی من جهة اخری إقامة أهل السنّة مراسم العزاء فی المناطق المختلفة کی یظهرها علی أنّها ظاهرة طبیعیّة إنسانیّة ودینیّة،کما یتحدّث عن مجالس العزاء لخطیبین معروفین هما (علی بن الحسین الغزنوی وقطب الدین مظفّر أمیر عبادی) وأنّ عزاء الإمام الحسین علیه السّلام یتجدّد کلّ عام یوم عاشوراء فی بغداد مقترناً بالصراخ والعویل. (2)
ص:281
ونظراً إلی ما حکاه هذا الکتاب من انتشار مراسم العزاء الحسینی فی القرن السادس الهجری وسعتها-وبوضوح-،فلذا ارتأینا هنا ذکر خلاصة ما جاء فیه حول هذا الموضوع فی عدّة فقرات:
إقامة شعائر العزاء فی یوم عاشوراء من کلّ سنة،وإظهار الجزع.
روایة أحداث کربلاء علی المنابر وتجدّد مصائب شهداء کربلاء.
لإظهار العزاء یلقی العلماء العمائم عن رؤوسهم،ویشقّ عامّة الناس جیوبهم،وتخمش النساء وجوههنّ ویبکین.
التزم الوجهاء والعلماء الکبار من المذهبین الحنفی والشافعی،وعلماؤهما وفقهاؤهما، جیلاً بعد آخر،بسنّة إقامة العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام.وللشافعی الذی یعدّ إمام الشافعیّین أشعار کثیرة فی رثاء الإمام الحسین علیه السّلام وشهداء کربلاء،حیث یقول فی مطلع إحدی مراثیه:
أبکی الحسین وأرثی [منه] جحجاحا من أهل بیت رسول اللّه مصباحا (1)
ویقول فی قصیدة عزاء اخری:
تَأَوّبَ هَمّی والفؤاد کئیب وأرّق نَومی فالرقادُ غریب (2)
ولکبار الشافعیّة والحنفیّة،مراثٍ کثیرة فی شهداء کربلاء.
وکان الخواجه أبو نصر ماشادة أحد شخصیّات أهل السنّة فی إصفهان،یقیم سنویّاً فی یوم عاشوراء،مراسم العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام مقترنة بالأنین والصراخ.
وکان الخواجه علیّ الغزنوی الحنفیّ،یقیم هذه الشعائر بحفاوة بالغة فی دار الخلافة بغداد.
ص:282
وکانت مراسم العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام تقام سنویّاً فی یوم عاشوراء مقترنة بالعویل والنیاح،وکانت شعائر حیّة.فکان مجد الدین المُذکّر الهمدانی یقیم مراسم عزاء مفعمة بالحماس فی همدان-التی کانت معسکر الأتراک السلاجقة-حتّی أنّها کانت قد أثارت دهشة أهل قمّ.
وفی نیسابور،کان أبو المعالی نجم الدین أبو القاسم البُزاری الذی کان حنفیّ المذهب یقیم فی یوم عاشوراء شعائر العزاء کاملة،وکان یلقی العمامة،وینثر التراب علی رأسه، وکان بکاؤه وصراخه یتجاوزان الحدّ.
وفی مدینة الریّ التی کانت من أکبر مدن البلاد الإسلامیّة فی ذلک العصر،کان الشیخ أبو الفتوح النصر آبادی والخواجه محمود الحدادی الحنفیّان وآخرون یقیمون مراسم العزاء فی خان کوشک والمساجد الکبیرة علی الإمام الحسین علیه السّلام ویلعنون الظلمة.
ومن جهة اخری،کان الخواجه الإمام شرف الأئمّة أبو نصر الهسنجانی یذکر واقعة کربلاء بحضور ومساعدة الاُمراء الأتراک والوجهاء والحنفیّین المعروفین بشکل لا یستطیعه الآخرون.
کما کان الخواجه الإمام أبو منصور الحضرة-من علماء الشافعیّة ومن الطراز الأوّل فیهم-یقیم مراسم العزاء فیذکر أحداث کربلاء عندما کان قاطناً فی الریّ،وذلک فی یوم عاشوراء فی مسجد سرهنگ الجامع.
کما أن القاضی عمدة الساوجی الحنفیّ المذهب الذی کان خطیباً معروفاً،حسر عن رأسه وشقّ ثیابه عند ذکر مصیبة أبی عبد اللّه الحسین علیه السّلام بنحوٍ لم یُرَ مثله،وذلک فی ساوة وفی المسجد الجامع طغرل وفی محضر عشرین ألف شخص.
وأقام الخواجه تاج شعری النیسابوری فی یوم عاشوراء سنة 555 ه.ق مجلس عزاء فخم بإذن القاضی فی الجامع العتیق.
مضافاً إلی ذلک،فقد کان شهاب المشّاط یقیم مجلس العزاء بحضور نساء الاُمراء الأتراک،وکان یبدأه کلّ سنة مع حلول شهر محرّم.وکان یروی مقتل عثمان وعلیّ علیه السّلام فی
ص:283
الأیّام الاُولی منه،ومقتل الإمام الحسین علیه السّلام فی یوم عاشوراء،وکان یذکرها بنحو کان یثیر مشاعر الحاضرین بشدّة،فکان الکثیر منهم یشقّون جیوبهم وینثرون التراب علی رؤوسهم ویحسر العلماء رؤوسهم،وکانت الحشود تطلق أصواتها بالنیاح.
کما نقل بعض الروایات الدالّة علی قراءة العلماء للمقتل وذکرهم للمصیبة فی المساجد، وإلقاء العلماء للعمائم عن رؤوسهم،ونیاح النساء والرجال.
واستناداً إلی ما ذکرناه فإنّ إقامة العزاء علی الإمام الحسین لم تکن تختصّ بالشیعة، وإنّما کانت شائعة أیضاً بین الفرق الاُخری ومن بینها الشافعیّة والحنفیّة،وکان هذا العزاء یقام من قبل علماء مثل:محمّد المنصور والأمیر العبّادی،والخواجه علی الغزنوی،وصدر الدین الخجندی،وأبی منصور ماشادة،ومجد الهمدانی،والخواجه أبی نصر الهسنجانی، والشیخ أبی الفضائل المشّاط،وأبی منصور الحضرة وقاضی ساوة،والخواجه أبی المعالی الجوینی.
بالإضافة إلی ذلک فقد وصلتنا روایات اخری تدلّ بشکل من الأشکال علی استمرار مسیرة رثاء الإمام الحسین علیه السّلام وإقامة العزاء علیه فی القرن السادس،وهی کالتالی:
1.روایة الذهبی إقامة العزاء فی بغداد سنة 561 ه.ق، (1)فی غایة السعة والحماس.
2.یصرّح الذهبی بأنّ المذهب الشیعی کان قد نشط وانتشر فی حوالی عام 590 ه.ق، وکان الناس قد طلبوا من رضیّ الدین الطالقانی القزوینی-الخطیب الشهیر آنذاک-،أن یلعن یزید علی المنبر فی یوم عاشوراء.ووافق علی ذلک ابن الجوزی الذی کان بدوره خطیباً ذائع الصیت. (2)
ص:284
3.الروایة التی جاء فیها أنّ الناس طلبوا من سبط ابن الجوزی أن یقرأ المقتل، فاستجاب لهم،وبکی هو نفسه أثناء قراءته للمقتل.علماً أنّ ذلک حدث فی زمان الملک الناصر. (1)
4.ذکرنا سابقاً أنّ الشیعة اشترطوا لنصرة حاکم حلب أن یسمح لهم بإقامة الشعائر ومن جملتها إقامة العزاء علنیّاً. (2)
5.تحدّث ابن الجوزی فی حوادث 529 ه.ق عن تحرّک جموع حاشدة انطلقت لزیارة مرقدی الإمام علیّ والإمام الحسین علیهما السّلام.
هذا وقد ورد التعبیر بعبارة«وظهر التشیّع»فی المصادر التاریخیّة لذلک العصر،وهو دالّ علی الحرکة العلنیّة للشیعة من جهة،وعلی وجود الحرّیات النسبیّة من جهة اخری. (3)
6.عند بیان أحداث سنة 553 ه.ق وقع الحدیث عن ذهاب الخلیفة العبّاسی المقتفی لأمر اللّه إلی کربلاء وزیارته المشهد الحسینی. (4)
7.یروی ابن حجر أنّ الواعظ البلخی (ت 556 ه.ق) أقام مأتم العزاء علی
ص:285
فاطمة علیها السّلام فی المدرسة النظامیّة ببغداد وأبکی الشیعة (1)،ومن خلاله یمکننا القول بإقامة العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام-والذی کان یمثّل ثقافة شائعة-بطریق أولی.
8.الروایة الدالّة علی أنّ دولة آل باوند-والتی ظهرت فی طبرستان بمیول شیعیّة واستمرّت حتّی نهایة هذا القرن.وفی عهد حکم السیّد بهاء الدین الحسن بن المهدیّ المامطیری-بعثت رسالة إلی حاکم الهند،الأمیر مهراج،تدلّ علی مدی نفوذ التشیّع وانتشاره وشموله لمناطق العراق والشام والحجاز وبلاد مکّة والمدینة ومدن خراسان والعراق وطبرستان وغیرها. (2)وممّا یجدر ذکره أنّ الشیعة کلّما قویت شوکتهم فی مکان، فإنّ إقامة العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام کانت تجری قدر الإمکان کشعیرة دینیّة بشکل طبیعی حتّی وإن کانت فی الخفاء.وعلیه فمن الطبیعی أن یکون الأمر کذلک فی هذه المناطق.
اقترن هذا القرن بقیام الدولة الخوارزمیّة فی شرق البلاد الإسلامیة وإحیاء الخلافة العبّاسیة من جدید،بعد أن لم یبق منها سوی الاسم فی عهد حکم البویهیّین والسلاجقة لبغداد.
تفید الروایات الواصلة أنّ مراسم العزاء فی هذا القرن تماثل مراسم العزاء فی القرن السادس بل کانت أوسع منها أحیاناً،وتدلّ بعض الأخبار الواصلة من عقود النصف الأوّل- حیث لم یکن المغول قد استولوا بعد علی بغداد-علی إقامة العزاء وقراءة المقتل فی عاصمة الخلافة العبّاسیة،فقد طلب المستعصم العبّاسی سنة 641 ه.ق،من محتسب بغداد (جمال الدین عبدالرحمن بن الجوزی) أن یمنع الناس من قراءة المقتل فی یوم عاشوراء؛
ص:286
ولکنّه أذن لهم فی قراءته إلی جوار مرقد الإمام الکاظم علیه السّلام. (1)
کما ذکر عماد الدین الطبری (ت:القرن7) الاجتماعَ الواسع والکثیف للزائرین فی أیّام عزاء أمیرالمؤمنین وسیّد الشهداء علیهما السّلام عند ضریحیهما فی النجف وکربلاء. (2)
کما أشار المولوی،الشاعر الشهیر فی القرن السابع فی کتابه«مثنوی»إلی وجود العزاء العلنی فی مدینة حلب،حیث ذکر ضمن أبیات له ما ترجمته:
یئن الشیعة وینوحون مجهشین بالبکاء فی یوم عاشوراء،لمصیبة کربلاء. (3)
ویتحدّث العالم الشیعی الکبیر السیّد ابن طاووس عن إقامة العزاء فی العشرة الاُولی من محرّم ویدافع عنه. (4)بالإضافة إلی ذلک فإنّ توصیته بقراءة الملهوف فی یوم عاشوراء،تدلّ علی وجود ثقافة قراءة المقتل والعزاء فی عشرة محرّم فی عصر المؤلّف،أی القرن السابع. (5)
ص:287
وهذه الروایات؛ومن جملتها ما سبقت الإشارة إلیه،تدلّ علی أنّ إقامة العزاء کان قد تجاوز فی الثقافة الشیعیّة یوم عاشوراء وشمل العشرة الاُولی من شهر محرّم،وکان یقام دوماً وعلی مرّ الزمن وبشکل مستوعب،وبخلفیّة ثقافیّة ودینیّة،علی الرغم من أنّه کان یمرّ بمنعطفات کثیرة،إلّاأنّه کان یقام باعتباره سنّة قدیمة وشعیرة راسخة.
وفی النصف الثانی من القرن السابع الهجری استولی المغول علی العراق بقیادة هولاکو.
وحال بعض العلماء من ذوی الحکمة دون القتل والنهب،وطلبوا من هولاکو أن یعطیهم الأمان ویحافظ علیهم فاستجاب لهم،وبذلک نجت شیعة جنوب بغداد (مثل الحلّة والکوفة وغیرهما) من الفتنة. (1)وبسقوط العبّاسیین حصل الشیعة علی بعض الحرّیات،ومن جهة اخری فقد تشیّع أحد خلفاء هولاکو وهو غازان خان فی العقود الأخیرة من هذا القرن وسعی فی إعمار کربلاء،وبطبیعة الحال فإنّه یفسح الأرضیّة لإعلان إقامة الشعائر.
فی هذا القرن خطا غازان خان-الذی بدأت حکومتُه فی سنة 694 ه-بعضَ الخطوات لنشر المذهب الشیعیّ.وتولّی الحکم من بعده أخوه السلطان محمّد خدا بنده الذی تشیّع بعد فترة،وبذل جهوداً کبیرة من أجل نشر التشیّع وجعله مذهباً رسمیّاً.وهکذا،اتّسعت أرضیّة الممارسة العلنیّة للعزاء ورفع الشعائر الشیعیّة مع تشیّع الحکّام المغول واکتساب هذا المذهب الطابع الرسمی.
کما کانت سلالة الجلائریّین التی تولّت الحکم فی العراق-وکانوا أبناء اخت السلطان
ص:288
محمّد خدابنده-هی الاُخری ذات میول شیعیّة،واستمرّ حکمهم حتّی عام 814 ه.ق.
ویذکر ابن بطّوطة (ت 779 ه.ق) المناطق التالیة:کربلاء،الحلّة،البحرین،قم،کاشان، ساوة وطوس باعتبارها مناطق شیعیّة متعصّبة. (1)
وفی هذا القرن انتشر التشیّع فی خراسان أیضاً،خاصّة فی حوالی بیهق (سبزوار) حتّی أنّ الخواجه علیّ المؤیّد (ت 737 ه.ق) أحد الحکّام السربداریّة،طلب من الشهید الأوّل الذی کان فی الشام أن یرحل إلی خراسان لسدّ احتیاجاتهم العلمیّة والفقهیّة،فألّف هذا العالم الجلیل کتاب اللُّمعة الدمشقیة وبعثه إلیه.ویمکننا أن نتوصّل من خلال مواقف ابن تیمیّة (2)(ت 728 ه.ق) وتلمیذه ابن کثیر (ت 774 ه.ق) (3)،حول مراسم العزاء أنّ إقامة المآتم کانت رائجة فی تلک العصور.فقد کتب ابن تیمیّة بعض الردود،کما ذکر ابن کثیر مراسم العزاء التی کان یقیمها الشیعة بعبارة«ما یفعله الشیعة من إظهار الجزع والفزع».
کما أنّ قیام دولة المرعشیّین فی طبرستان ذات النزعة الشیعیّة،یمکنه أن یهیّئ الأرضیةَ لإقامة شعائر عاشوراء.
ویدلّ کتاب روضة الشهداء الذائع الصیت للکاشفی (من الخطباء المعروفین فی القرن التاسع) والمشتمل علی مراثٍ نُظمت قبله علی منزلة الرثاء،وإنشاد المراثی فی أدب القرن الثامن.کما یجب أن نذکر القصیدة الغرّاء لسیف الفرغانی،الشاعر والعارف الشیعیّ فی هذا القرن،ومطلعها ما ترجمته:
أیّها القوم ابکوا فی هذا العزاء ابکوا علی قتیل کربلاء (4)
ص:289
بدأ القرن التاسع بهجوم تیمورلنک ولم یسلم العراق والشام من هذا الهجوم أیضاً.وبموت تیمور وإمساک ابنه شاهرخ بزمام الحکم،تغیّرت الأوضاع حیث صبّ اهتمامه علی نشر الثقافة وإعمار المدن وسعی فی إعادة بناء ما دمّره والده،وأسّست زوجته مسجد«جوهر شاد»الفخم إلی جوار حرم الإمام الرضا علیه السّلام،وتدلّ هذه الأعمال والاتّجاهات علی أنّ بعض الحرّیات النسبیّة کانت قد اتیحت للشیعة فی أداء الشعائر.وعلی أیّ حال،فقد ظهرت فی هذا القرن دولة سلالة الآقاقویونلویین فی غرب إیران باُسس شیعیّة،ومن المفترض أن تکون سنّة العزاء القدیمة قد تواصلت فیها أیضاً.وهناک جملة من الروایات التی تروی بصراحة إقامة المآتم والعزاء فی القرن التاسع،ومن جملتها:
1.تقریر السائح الروسی،نکیتین،سنة 880 ه.ق،عن الریّ وحرکة مواکب العزاء فی هذه المدینة. (1)
2.إشارات کتاب روضة الشهداء للکاشفی،حیث یقول فی مقدّمة الکتاب أنّه استند إلی کتب المقاتل،مثل: مصابیح القلوب للملّا حسن الشیعیّ السبزواری،و مقتل الشهداء لأبی المفاخر الرازی،حیث تدلّ هذه الإشارات علی«أدب التعزیة»وانتشاره فی ذلک العصر، کما کتب هو نفسه قائلاً:
یحیی محبّو أهل البیت علیهم السّلام فی کلّ سنة عند حلول محرّم،مصیبة سیّد الشهداء ویقیمون العزاء علی أولاد أهل بیت الرسالة...ویکرّرون أخبار مقتل الشهداء المسطورة فی الکتب. (2)
ص:290
ویعدّ صاحب روضة الشهداء ،من الخطباء وقرّاء المقاتل فی السنوات الأخیرة من القرن التاسع،ویدلّ متن الکتاب والأشعار والمراثی المذکورة فیه علی الأدب الرفیع الحسینی باللغة الفارسیة فی هذا القرن.
ویدلّ نظم الکتاب علی وجود مجالس العزاء السنویّة فی عاشوراء.کما یبدو من مقدّمة الکتاب ومتنه والإشارات المدرجة فیه،وأشعار الرثاء والمراثی المذکورة فیه علی أنّ عشرة محرّم کانت ممزوجة بالحداد والعزاء وقراءة المقاتل،وأنّه یبلغ العزاء والحزن ذروته فی یوم عاشوراء. (1)
کلّ ذلک یدلّ علی إقامة هذه السنّة القویمة فی شرق العالم الإسلامی.وإنّ التعرّف علی أسالیب إقامة مراسم العزاء فی هذا العصر،فی الحلّة والکوفة وکربلاء ومدن العراق الشیعیّة الاُخری بحاجة إلی تتبّع واسع فی تضاعیف النصوص المختلفة المتبقّیة من تلک البرهة الزمنیة.ونحن نری استناداً إلی ما مضی ومن خلال التأمّل فی هذه الثقافة والأدب الحسینی الرفیع فی هذا القرن،أنّ من المستبعد أن یخلو هذا القرن من العزاء،ونضیف لذلک کلّه الرؤیة السنّیة المعتدلة والبعیدة عن العصبیّات فی هذه العصور وفی تلک المناطق.
اکتسب التشیّع فی إیران الطابع الرسمی بتتویج الشاه إسماعیل الصفوی سنة 907 ه.ق، وکان نشر الشعائر الشیعیّة من جملة الأهداف المهمّة لهذه الدولة.وکما سبقت الإشارة فقد
ص:291
کانت هناک مقاتل تُقرأ فی الذکری السنویّة لعاشوراء فی خراسان قبل تألیف روضة الشهداء ،وقد ألّف کتاب روضة الشهداء لتسهیل قراءة المقتل فی تلک المجالس، وحظی بالإقبال الواسع بسبب سلاسة عباراته.ومع اکتساب المذهب الشیعی الطابع الرسمی فی إیران،أصبح هذا الکتاب یتمتّع بمکانة وشهرة خاصّة،فنظمه حسین الفدائی النیسابوری علی شکل شعر ملحمی،وقدّمه إلی الملک الصفوی. (1)
وفی هذه الفترة،اکتسب إقامة العزاء الطابع العلنی،ومارس الشیعة هذه الشعائر فی غایة الفخامة،نظیر ما کان فی القرنین الرابع والخامس (عهد البویهیین والفاطمیین).وقد ذکرت کیفیة هذه المراسم فی العهد الصفویّ،فی مصادر کثیرة،من جملتها کتب ورحلات الاُوروبیّین والسوّاح فی إیران،حیث وصفت شعائر العزاء برؤیة دقیقة سنذکرها فیما بعد.
وکان الملوک الصفویّون یهتمّون بشکل خاصّ بمراسم العزاء فی محرّم،حتّی أنّهم لم یکونوا یدَعونها حتّی فی الدورات العسکریّة.فیذکر لنا التاریخ أنّ الشاه عبّاس الصفوی توقّف سنة 1011 ه.ق فی یوم عاشوراء عند«ماء خطب»،وذلک خلال حربه مع جیش الأوزبک،وأقام مراسم العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام. (2)وفی محرّم عام 1013 ه.ق حاصر الشاه عبّاس قلعة أیروان وأقام مراسم العزاء فی المعسکر لیلاً،وارتفعت أصوات العویل والبکاء من المعسکر،حتّی ظنّ سکان القلعة أنّ الأمر قد صدر بالهجوم اللیلی، فبعثوا رسولاً وأعلنوا عن تسلیم أنفسهم. (3)
وفی بلاط الصفویّین کان یُقرأ کتاب روضة الشهداء فی أیّام محرّم وعاشوراء. (4)
ص:292
وبالإضافة إلی ذلک،فقد کان ملوک هذه الاُسرة یحضرون المراسم العامّة لیوم عاشوراء فی ساحة المدینة،وکانت مواکب العزاء تمرّ من أمامهم.وکانوا یرتدون لباس العزاء. (1)وکانوا یوقفون بعض الأملاک لإقامة مراسم العزاء أیضاً.
ذکر المیرزا عبداللّه أفندی،الکاتب والمحقّق والمؤرّخ الخبیر فی ذلک العصر قائلاً:
منذ سنین طویلة...ومراسم العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام تقام فی العشرة الاُولی من محرّم وخاصّة عاشوراء،فی جمیع مناطق إیران. (2)
کما یؤکّد قائلاً:
لقد صارت هذه السنّة الحسنة...طیلة هذه المدّة المدیدة بمثابة شعار للشیعة. (3)
وتدلّ مواقف المعارضین واتّجاهاتهم بشأن مراسم العزاء علی سعة نطاق هذه المراسم.
فقد ذکر الأفندی أنّهم ذکروها بعبارة«شرّ الشیعة وحماسهم فی بیان التعزیة فی أیّام عاشوراء». (4)
کما أنّ ممّا یجدر ذکره،قصیدة الرثاء الطویلة والعظیمة والشهیرة لمحتشم الکاشانی التی نظمها بناءً علی طلب الشاه طهماسب،والتی تبدأ بما هذه ترجمته:
ما هذه الثورة والحماس اللذان نراهما فی خلق العالم؟
وما هذا النواح والعزاء والمأتم؟ (5)
ص:293
من المناسب الآن أن نسلّط الضوء علی ما کتبه الرحّالة الذین زاروا إیران.فقد قدّم «بیترودلاواله»الذی سافر إلی إیران فی سنة 1618م/1207 ه.ق،تقریراً واضحاً وطریفاً فی رحلته کالتالی:
إنّ الناس یعمّهم الحزن فی العشرة الاُولی من محرّم،ویرتدون ثیاب العزاء فی الملأ العامّ ویسیرون فی الحارات والأزقّة،ویتذکّرون مصیبة الإمام الحسین علیه السّلام بهذه الحرکة التی یطغی علیها الحزن والألم.کما أنّ البعض یلطّخون أجسامهم باللون الأحمر؛علامة علی الدم المسفوک جوراً والأعمال القبیحة التی ارتُکبت فی ذلک العصر.وینشدون أثناء ذلک الأشعار الحزینة بانسجام،ویضربون بالأعواد بعضها علی بعض بحیث تصدر منها الألحان الحزینة،وعند الظهر یجتمعون فی الساحة وینشد علیهم المراثی أحد الخطباء من نسل آل محمّد صلّی اللّه علیه و آله، ویتحدّث عن الحسین علیه السّلام ویسرد أحداث ذلک الیوم.وکانت هذه المراسم تقام فی المساجد نهاراً وفی الأماکن العامّة والبیوت لیلاً.فالراثی ینشد والناس یبکون ویردّدون«آه یا حسین! سیّدنا یا حسین!».
کما قدّم تقریراً دقیقاً عن کیفیّة حمل السلاح علی الخیل والنعوش الرمزیّة،ووضع الأطفال علی سروج الخیل والتوابیت کتعبیر عن التشییع الرمزی. (1)
کما سافر«تاورنیه» (2)إلی إیران فی العامین 1632 و1667م وروی فی رحلته أسالیب
ص:294
عزاء الإیرانیّین فی عاشوراء،مختلطة أحیاناً بانطباعات خاطئة ناجمة عن عدم الاطّلاع علی طبیعة هذه المسیرة.وقد روی لنا:
إنّ الناس یحضرون المراسم وهم فی غایة الحزن والغمّ،ویصطحبون إلی بیوتهم لیلاً أشخاصاً مقدّسین وطاهرین ویطعمونهم،وعندما یحلّ الغروب ینصبون المنابر فی الطرق کی یعتلیها الوعّاظ لیعظوا الناس ویهیّئونهم للعزاء فی هذا الیوم.
کما ذکر قائلاً:
أوکل الملک منذ مدّة مسؤولیة الحفاظ علی النظم فی هذه المراسم إلی (بیگلر بیگی) کی ینظّم حرکة المواکب وکیفیّة إقامة مراسم العزاء فی نفس الوقت.
وتحدّث عن کیفیة حرکة مواکب العزاء،والذهاب إلی الساحة،والمجیء بالخیل، ونصب النعوش وإجلاس الأطفال علیها بشکل رمزی.وذکر قائلاً:
إنّ الملک یقدّم أثناء مراسم العزاء الخلع الملکیّة إلی ستّة من قرّاء الرثاء الذین یجلسون بشکل خاصّ إلی جانب قاعة الملک،علی أسرّة خاصّة لیرووا قصّة شهادة الإمام الحسین علیه السّلام...وهذه المراسم تبدأ قبل الظهر بخمس ساعات وتستمرّ حتّی ظهر عاشوراء. (1)
کما روی«جملی کاردی»الذی قدم إلی إیران عام 1105 ه.ق أیّام سلطة الشاه سلیمان الصفوی،مراسم العزاء فی محرّم کالتالی:
بحلول شهر محرّم ینشغل الناس بالعزاء وقد سیطر علیهم الحزن العمیق،وتستمرّ هذه المراسم عشرة أیّام.ویضعون الکراسی فی الساحات والحارات والأزقّة والطرق،ویتحدّث الخطباء لهم عن أقوال القتلی ومناقبهم ومصائبهم وکیفیة شهادتهم،فیما یصغی أهالی الحارات إلی هذه المواعظ وهم یرتدون الثیاب الدالّة علی الحداد. (2)
ص:295
وعلی أیّ حال،فقد کان لمراسم العزاء فی هذا العصر نطاق واسع ملفت للنظر،وعلی سبیل المثال،فقد وصلتنا من بین الوثائق الحکومیّة للدولة العثمانیّة تقاریر عن شعائر العزاء التی کانت تقیمها الفرقة البکتاشیة (1)فی یوم عاشوراء،رغم کلّ التشدّد الذی کانت تمارسه هذه الدولة. (2)وکان الشیعة فی العراق والشام وحلب وحتّی فی شرق الإمبراطوریّة العثمانیّة یمارسون هذه الشعائر،ویروی المؤرّخ«مارینو سالزتون»أنّ الشیعة کانوا یشکّلون فی أعتاب القرن العاشر الهجری أربعة أخماس آسیا الصغری (ترکیا). (3)ومن الطبیعیّ أنّهم کانوا یقیمون مراسم العزاء وخاصّة فی مدن الحلّة وکربلاء والنجف نظراً إلی أنّ إقامة العزاء کان قد أصبح سنّة ثابتة.ومن الطریف أنّ ابن طولون،مؤرّخ القرن العاشر،یخبرنا عن مسیرة العزاء وکیفیّته فی الشام خلال تقریر حوادث عامی 907 (4)و 924 ه.ق.
وقد کان العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام واسعاً للغایة فی العهد الصفوی؛نظراً إلی تمتّعه بدعم حکومیّ مضافاً الی تنوّعه،وأصبح الناس الذین کانوا قد حافظوا علی هذه السنّة
ص:296
وأقاموا العزاء سرّاً وعلناً علی مرّ التاریخ،أصبحوا الآن یقیمون العزاء بشکل علنی ودون أن یعیروا الأهمّیة لانتقادات المعارضین،بل صاروا یضیفون إلی أسالیب العزاء الرائجة أسالیب اخری أحیاناً،بنحو لم یکن بعضها مرضیّاً عند العلماء،وعلی حدّ تعبیر عبد اللّه الأفندی«أطواراً غریبة» (1)،لکنّها لم تبلغ الحدّ الذی یدفع العلماء إلی أن یمنعوا الناس منها.
وقد أدّی اتّساع مراسم العزاء فی البلدان المختلفة وبأشکال متباینة،إلی أن تنفذ شیئاً فشیئاً بین الشعائر المحلّیة والوطنیّة أیضاً وتحوّلت إلی شعائر وطنیّة ودینیّة.وقد تعدّت شعائر العزاء النطاق الجغرافی لإیران إلی المناطق الاُخری. (2)وعلی سبیل المثال فقد انتشرت بین شیعة الهند،واکتسبت هناک الطابع المحلّی بشکل مدهش،ثمّ انتقلت مع المهاجرین الهنود إلی بلدان مثل أندونیسیا،بل وحتّی بلدان أمیرکا الوسطی.
ص:297
وسنذکر فیما یلی فهرساً بأسالیب العزاء الشائعة فی العاصمة الصفویّة،والتی انعکست فی الرحلات والمؤلّفات المکتوبة فی ذلک العصر (1):
1.ظهور حالة العزاء علی المدن.
2.جعل السواد فی المساجد والحسینیّات والتکایا والطرق منذ بدایة محرّم.
3.ارتداء الثیاب السوداء وعدم الاهتمام بالزینة الظاهریة (مثل حلق اللحیة وتقصیر الشعر وما إلی ذلک،وکان البعض یسوّدون جلود أجسامهم ویسیرون فی الطرقات).
4.قراءة المراثی فی العشرة الاُولی من محرّم ویوم عاشوراء فی البیوت والمساجد والتکایا.
5.حرکة مواکب العزاء فی الطرق فی العشرة الاُولی من محرّم (وتشمل مواکب اللطم والضرب بالسلاسل والشفرات والحجر).
6.رفع أعلام العزاء علی أبواب الدور.
7.قراءة المراثی والتعزیات فی مجالس العزاء.
8.توزیع العشاء علی المشارکین فی العزاء.
9.تجمّع المواکب فی مکان (مثل التکایا) خارج المدینة.
10.حرکة أشباه شخصیات کربلاء (مثل الإمام الحسین علیه السّلام وأولاده واُسرته) فی الطرق، حیث کانوا أحیاناً یسیرون بین حشود الناس علی هیآت ملطّخة بالدماء وواجمة،وکانوا أحیاناً یعیدون إلی الأذهان سبی أطفال أهل البیت علیهم السّلام من خلال حمل الأطفال نصف العراة علی الجمال بشکل معکوس.
11.حمل تابوت الإمام الحسین علیه السّلام وقد وضع علیه السیف والعمامة والأسلحة الاُخری،وتسییر عدد من الخیول دون فرسان کرمز للإمام علیه السّلام وأصحابه وقد وضعت علیها
ص:298
أنواع الأسلحة والعمائم.
12.المحامل والهوادج التی یجلس داخلها ممثّلون یمثّلون سبی أطفال الإمام الحسین علیه السّلام،وتسییر عدد من الجمال وقد وضعت علیها المحامل والهوادج.
13.عرض جلد خروف مذبوح لتوّه فوق جمل وقد نفذ فیه عدد من السهام.
14.عرض الرؤوس المقطوعة لشهداء کربلاء من خلال استخدام التماثیل،أو التمثیل الفنّی.
15.بکاء ونیاح النساء الواقفات علی جانبی الطریق لمشاهدة مسیرة مواکب العزاء.
16.حرکة موکب ضرب الأحجار،حیث کانوا یصدرون أصواتاً مثیرة للحزن من خلال ضرب قطعتین من الحجر ببعضهما البعض.
17.نثر التبن علی رؤوس المشارکین فی مراسم العزاء.
18.حمل الأعلام والرایات أمام مواکب العزاء وحمل المشاعل والشموع أحیاناً.
19.حرکة حاملی الأطباق إلی جوار تابوت الإمام الحسین علیه السّلام وقد وضعت أنواع الأسلحة علی الأطباق،فی حین یدور حاملو الأطباق حول أنفسهم علی صوت الصنج والنایات.
20.ارتداء الثیاب الزرقاء،أو الحمراء فی الأیّام العشرة الاُولی من محرّم.
21.ارتداء الثیاب الخضراء الفاخرة المزرکشة.
22.تسییر حصان مجلّل بالسروج المزرکشة الفاخرة فی مقدّمة المواکب وتزیینه بالسهام والأقواس والسیوف وعدّة الحرب.
23.إطلاق اثنتی عشرة حمامة فی الهواء.
24.تسییر 72 شخصاً یرتدون الدروع بین صفوف المشارکین فی العزاء.
25.الطواف بدمیتین تمثّلان ابن زیاد وابن ملجم فی الطرق وإحراقهما بالنار فی نهایة المراسم.
ص:299
اتّجهت الدولة الصفویة إلی الضعف والانحطاط بعد قرنین ولم تستمرّ أمام هجوم أشرف الأفغانی،فسقطت.ولم تُجدِ الجهود المحدودة للشاه طهماسب الثانی نفعاً؛ولکن نادراً سیطر علی الأوضاع علی إثر هجومه الصاعق،واستعاد المناطق المحتلّة من الأفغان والدولة العثمانیّة واستردّ السیادة لإیران.
وقد عمل نادر منذ بدایة حکمه إلی تغییر الثقافة الدینیّة الشائعة فی إیران،بدافع أو بذریعة تحقیق الوحدة والسّلام،ومنع عن بعض الاُمور ومن جملتها مراسم العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام،وذکرها علی شکل عبارة فی میثاق بیان«مُغان». (1)ویروی لنا المیرزا محمّد خلیل المرعشی الصفوی مساعی نادر من أجل محو جمیع الشعائر الشیعیّة. (2)
ولم یدم حکم نادر طویلاً وتولّت الحکم من بعده دول اخری ذات میول شیعیّة (مثل الزندیة والقاجاریین) وإذا بالشعائر الشیعیّة تحیی مرّة اخری وتستمرّ شعائر العزاء.
وبعد تولّی«القاجاریین»للسلطة،اتّسعت شعائر العزاء فی محرّم کمّاً وکیفاً،وبلغت أسالیب العزاء الذروة،وسعی رجال الحکم أیضاً فی نشرها،بل إنّهم أسّسوا التکایا والمواکب الحکومیّة.وانتشر العزاء فی العراق والهند بالإضافة إلی إیران،وکان الشیعة فی مناطق العالم الإسلامی المختلفة یمارسون العزاء.ولکن حدث فی إیران افول بعد ذلک الازدهار،وبدأت محاربة المظاهر الدینیّة بنفوذ الاستعمار البریطانی،ومجیء طاغیة مستهتر وعدیم الهویّة هو«رضاخان»علی رأس الحکم،فمنع العزاء منعاً باتّاً،وقد عادت مراسم العزاء إلی حالتها العادیّة بعد خروجه من إیران،لتزدهر کما کانت فی القرون الماضیة.
ص:300
وفی العراق واجهت مراسم العزاء المشاکل فی عهد حکم صدّام وتسلّط حزب البعث، وخاصّة فی السنوات الأخیرة من حکمه.
لقد کان ما ذکرناه حتّی الآن،نظرة عابرة وسریعة إلی المسیرة التاریخیّة لشعائر العزاء علی الإمام الحسین علیه السّلام علی مرّ التاریخ.ولم نتحدّث عن دور محرّم وعاشوراء ومراسم العزاء فی عهد الثورة الإسلامیّة وأثرها العجیب فی نهضة الاُمّة وانتصارها،فکلّ ذلک یمثّل حدثاً کبیراً یستحقّ الاهتمام،ولا یتّسع المجال هنا للحدیث عنه.
ص:301
ص:302
ص:303
ص:304
نظرة إلی التغیّرات الطارئة علی الشعر الحسینی
یعتبر الأدب والفنّ وخاصّة الشعر من العوامل المهمّة لتخلید الأفکار والثقافات ونشرها.وبما أنّ الشعر یستعین بالمشاعر و العواطف ویثیر الإحساس بالجمال لدی الإنسان من جانب،ویستخدم اللغة السائدة فی الغالب من جانب آخر،فإنّ له دوراً هامّاً فی تخلید الثقافة ونشرها.
وقد تمتّعت حادثة عاشوراء-والتی تمثّل ذروة الفکر والثقافة والتطلّعات الإنسانیّة السامیة-علی مرّ التاریخ بهذه العوامل،فقد صاغ الشعراء هذه الحادثة فی قالب الشعر من حین وقوعها،فأوّل من صاغها هم المجاهدون من شهداء کربلاء وذویهم،ذلک لأنّنا لا یمکن أن نتجاهل أراجیز یوم عاشوراء باعتبارها جزءاً من الشعر الحسینیّ،کما لا یمکن تغافل أشعار امّهات الشهداء و زوجاتهم وذویهم الآخرین،فإنّه قسم آخر من الشعر الحسینیّ.ومنذ ذلک الحین وحتّی الیوم اهتمّ الشعراء من أبناء العربیّة وغیرها وخاصّة الفارسیّة فی جمیع العصور بهذه الحادثة العظیمة،رغم أنّ هذا الاهتمام لم یکن علی وتیرة واحدة،بل مرّ ببعض المنعطفات أحیاناً،وسما أحیاناً اخری،کما أنّ وجهات النظر کانت مختلفة تماماً.
وقد استقصی مؤلّف کتاب أدب الطفّ ،أکثر من 500 شاعرٍ عربیٍّ نظم الشعر
ص:305
حول الإمام الحسین علیه السّلام وعاشوراء منذ وقوع هذه الحادثة الألیمة وحتّی بدایة القرن الخامس عشر (1).کما ذکر مؤلّف کتاب دانشنامه شعر عاشورائی (موسوعة شعر عاشوراء) 340 شاعراً فارسیّاً. (2)
ولا یمکننا ادّعاء أنّ هذه الإحصاءات تعکس کلّ ما حدث،بل یمکن القول إنّها مرآةً تعکس إلی حدٍّ ما اهتمام الشعراء بهذا الموضوع،علماً أنّ تاریخ الشعر العربیّ فی هذا المجال یمتدّ إلی أربعة عشر قرناً،فی حین یبلغ عمر الشعر الفارسی فی هذا المجال عشرة قرون.وکلّ ذلک یدلّ علی اهتمام شعراء المسلمین الکبیر بهذا الحدث الکبیر،بل سیأتی أنّ علماء کباراً أیضاً قد أبدوا اهتمامهم فی هذا المجال. (3)
وسنحاول فی هذا البحث إلقاء نظرة عامّة علی الشعر الحسینیّ فی هذه القرون الأربعة عشر،ونشیر إشارات عابرة إلی ما مرّ به من مدّ وجزر؛کی یکون بحثنا هذا مدخلاً للانتفاع بالأشعار التی أدرجناها فی هذا الباب من الکتاب.
وإذا ما غضضنا الطرف عن القوالب والمذاهب والفنون الشعریّة،فإنّ المفاهیم الخمسة التالیة تشکّل مضامین الأشعار الحسینیّة:
1.إظهار الندم من قبل المسببّین لهذه الحادثة.
2.الرثاء وذکر مصائب کربلاء.
3.ذکر مناقب وفضائل شهداء وأسری کربلاء.
4.لعن المسبّبین لحادثة کربلاء والطلب بالثأر منهم.
ص:306
5.تبیان تعالیم ثورة عاشوراء.
عرضت هذه المفاهیم ضمن قوالب مختلفة خلال العصور المختلفة،ولکن ما یطالعنا فی أشعار جمیع تلک العصور هو الرثاء وذکر المصائب؛لکنّها غالباً ذُکرت بلسان الحال لا طبقاً للنصوص التاریخیة،وأمّا المفاهیم الاُخری فقد اختلفت بین مدٍّ وجزر علی مرّ العصور.
وبما أنّ الشعر العربیّ والفارسیّ یختلفان عن بعضهما البعض بدایةً ومضموناً ومقداراً،وکذلک التغیّرات الطارئة علی مرّ التاریخ،فسوف نقوم بدراسة کلّ منهما بشکل مستقلّ،وسنحاول أن نستعرض تغیّرات کلّ منهما بشکل إجمالیّ،ومن خلال تسلیط الضوء علی خصائص کلّ عصر.
ونبدأ حدیثنا بالشعر العربی ثمّ نعقبه بالشعر الفارسی.
یعود تاریخ الشعر العربیّ إلی عهد وقوع هذه الحادثة-کما تقدّم-فیشهد لذلک الأشعار المنسوبة للإمام الحسین علیه السّلام وأصحابه الکرام فی أراجیزهم یوم عاشوراء، وکذلک الأشعار التی وصلتنا من السیّدات:زینب،والرباب،وسکینة،واُمّ البنین، وذوی الشهداء الآخرین.وإذا ما اجتزنا هذه المرحلة فإنّ بالإمکان تقسیم الشعر العربیّ إلی خمس مراحل تاریخیّة،یتمیّز کلّ منها ببعض الخصائص،لکن-کما أشرنا سابقاً-ما یمکن ملاحظته بوضوح فی جمیع مراحل شعر الطفّ،هو التطرّق إلی مصائب أهل البیت علیهم السّلام ورثاء شهداء کربلاء.
أشهرهم:الفرزدق،والکمیت الأسدی،ودعبل الخزاعیّ.کما تجب الإشارة إلی أنّ من بین شعراء هذا العصر:أبو الأسود الدؤلی،والإمام الشافعیّ.
وأمّا الخصائص العامّة لأشعار هذا العصر فهی:
نری بین أوائل الشعراء أشخاصاً عبّروا عن ندمهم وحسرتهم لعدم نصرة الإمام الحسین علیه السّلام،مثل عبید اللّه بن الحرّ الجعفی.
فقد أنشد قائلاً:
فَأَقسَمتُ لا تَنفَکُّ عَینی حَزینَةً وَعَینِیَ تَبکی لا یَخِفُّ سُجومُها (1)
من الخصائص الاُخری لأشعار هذه الفترة،هی لعن بنی امیّة وقتلة سبط النبیّ الأعظم صلّی اللّه علیه و آله والدعوة لطلب الثأر له.رغم أنّ الإرهاب الذی مارسه حکّام بنی امیّة کان قد ضیّق الخناق علی الشعراء وفرض علیهم المطاردة أحیاناً.
فقد أنشد دعبل الخزاعی قائلاً:
لُعنوا وقد لُعنوا بقتل إمامهم ترکوه وهو مبضّعٌ مخموسُ (2)
وقد قامت حکومة بنی امیّة بمطاردة منصور النمری (ت 190 ه ) لنظمه أشعاراً مثل:
وَیلَکَ یا قاتِلَ الحُسَینِ لَقَد بُؤتَ بِحَملٍ یَنوءُ بِالحامِلِ (3)
ص:308
یعتبر هذا العصر عصر ازدهار الشعر والأدب العربی،فقد عاش فیه کبار الشعراء ونظم أکثر من 68 شاعراً (1)منهم الشعر فی الإمام الحسین علیه السّلام وحادثة عاشوراء، ویمکن الإشارة إلی شعراء کبار مثل:أبی فراس الحمدانی،والشریف الرضی، والشریف المرتضی،ومهیار الدیلمی،وأبی العلاء المعرّی.والخصوصیّة البارزة فی شعر هذا العصر هی الرثاء والتفجّع علی المصائب،إضافة إلی خصوصیّات اخری نذکرها فیما یلی:
سعی بعض أنصار بنی العبّاس لتنزیههم عن الرضا بقتل شهداء کربلاء،لیستغلّوا ذلک لصالح دولة بنی العبّاس،و بالتالی توطید مُهلِکهم.فی حین انبرت طائفة من الشعراء لمواجهة ذلک وفضح هذه الخدعة واعتبروهم شرکاء فی الجریمة،فإنّهم وإن لم یکونوا قد تصدّروا الاُمور فی ذلک العصر ولم یکن لهم دور مباشر فی حادثة الطفّ،إلّاأنّهم لم یتورّعوا أیّام حکومتهم عن إلحاق الأذی بالشیعة والعلویین،بل و هدم قبر الحسین بن علیّ علیه السّلام.
توفّرت فی هذا العصر الحرّیات النسبیّة فی بعض البلاد العربیّة علی إثر إقامة الحکومات الشیعیّة أو ذات النزعة الشیعیّة،ممّا أدّی إلی أن تُطرح بعض القضایا التی لم یکن طرحها ممکناً فی السابق.
ص:309
وتطالعنا فی أشعار هذا العصر إلی حدٍّ ما ظاهرة تتبّع جذور فاجعة کربلاء، والإشارة إلی الحوادث بعد وفاة النبیّ صلّی اللّه علیه و آله واغتصاب حقوق أهل البیت علیهم السّلام.
فمثلاً یشیر طلائع بن رزیک (ت 566 ه.ق) وزیر الدولة الفاطمیة إلی هذه الملاحظة بقوله:
تَحتَ السَّقیفَةِ اضمِرَت ما بِالطُّفوفِ غَدَت مَذیعَةٌ. (1)
کانت الهجمات الرئیسة موجّهة إلی بنی امیّة فی العصور السابقة،ولکن تغیّر شکل المطالبة بالانتقام فی هذا العصر،فعدّ بعض الشعراء الانتقام من بنی العبّاس مصداقاً للانتقام من أعداء الإمام الحسین علیه السّلام،فی حین کان البعض یوکل الانتقام إلی ظهور الإمام المهدیّ علیه السّلام.
واعتقد البعض الآخر أنّ المصیبة عظیمة جدّاً بحیث لا تقبل القصاص والانتقام فی هذه الدنیا،فالعقاب الإلهی هو الوحید الذی یمکن أن یکون انتقاماً حقیقیّاً لهذه الدماء الطاهرة.
اقترن هذا العصر بفتور الحماس فی الشعر الحسینی،والذی کان قد بدأ فی نهایة المرحلة السابقة من جهة،وقارن عهد انحطاط الأدب العربی وجموده من جهة اخری،ولذلک فقد انحسر عدد الشعراء الحسینییّن الذین سُجّلت أسماؤهم فی هذه القرون الثلاثة إلی 36 شاعراً. (2)
ومن الشعراء البارزین فی هذه المرحلة:ابن أبی الحدید،والحافظ البُرسی الحلّی.ویتمیّز شعر هذه الفترة بالخصوصیّات التالیة،مضافاً إلی إفصاحه عن المصائب الواقعة فی یوم عاشوراء:
ص:310
علی إثر التغیّرات التی حدثت فی العصر السابق والتی سبقت الإشارة إلیها، اتّجهت النزعة الانتقامیّة شیئاً فشیئاً نحو انتقام الإمام المهدیّ علیه السّلام أو الانتقام الاُخروی،حتّی إنّ الهجاء هبط مستواه هو الآخر إلی طلب العقوبة الاُخرویّة للمسبّبین فی المأساة.
فقد أنشد الحافظ البُرسی (743-813 ه.ق ) قائلاً:
ما یَکشِفُ الغَمَّاءَ إلّانَفحَةٌ یُحیی بِهِ المَوتی نَسیمٌ نافِحُ
نَبَویِّةٌ عَلَویَّةٌ مَهدیَّةٌ یُشفی بِرَیّاها العَلیلُ البارِحُ (1)
ونظم ابن العرندس (ت 840 ه.ق) الأبیات التالیة:
فَلَیسَ لاَِخذِ الثَّأرِ إلّاخَلیفَةٌ یَکونُ لِکَسرِ الدّینِ مِن عَدلِهِ جَبرُ
تَحَفُّ بِهِ الأَملاکُ مِن کُلِّ جانِبٍ وَیَقدُمُهُ الإقبالُ وَالعِزُّ والنَّصرُ
عَوامِلُهُ فی الدّارِعینَ شَوارِعٌ وَ حاجِبُهُ عیسی وَ ناظِرُهُ الخَضِرُ (2)
فی هذا العصر اعتبر بعض شعراء أهل السنّة مصیبةَ عاشوراء شاملة،ولا تخصّ الشیعة فقط.
فقد نظم القاضی السیّد هبة اللّه بن جعفر سناء الملک المعروف بابن سناء الملک (500-608 ه.ق) الأبیات التالیة:
وَنَظَمتُها فی یَومِ عا شوراءَ مِن هَمّی وَحُزنی
یَومٌ یُناسِبُ غُبنَ مَن قَتَلوهُ ظُلماً مِثلَ غُبنی
ص:311
یَومٌ یُساءُ بِهِ وَفی هِ کُلُّ شِیعِیٍّ وَسُنّی (1)
وانشد ابن أبی الحدید (586-655 ه.ق) قائلاً:
وَلَقَد بَکَیتُ لِقَتلِ آلِ مُحَمَّدٍ بِالطَفِّ حَتّی کُلُّ عُضوٍ مَدمَعُ
تَاللّهِ لا أنسَی الحُسَینَ وَشِلوُهُ تَحتَ السَّنابِکِ بِالعَراءِ مُوَزَّعُ (2)
کان هذا الدافع فی العصور السابقة أیضاً،ولکن قوّة الدوافع الاُخری کانت تغطّی علیه،وأمّا فی هذا العصر فقد أصبح علنیّاً.
یقول مغامس بن داغر (ت 850 ه.ق) فی قصیدة طویلة فی رثاء الإمام الحسین علیه السّلام:
رَحِمَ الإلَهُ مُمِدَّها أقلامَهُ وَرَجاؤُهُ ألّا یَخیبُ مَدادُها
فتَشَفَّعوا لِکَبائِرٍ أسلَفتُها قَلَقَت لَها نَفسی وَقَلَّ رُقادُها (3)
فی هذا العصر نظم أکثر من 180 شاعراً (4)الشعر فی وقعة عاشوراء،ولکنّ عدد الشعراء الذائعی الصیت فیهم قلیل،ویمکن الإشارة إلی السیّد بحر العلوم (محمّد مهدی الطباطبائی البروجردی)،والسیّد حیدر الحلّی.ونظراً إلی قلّة الشعراء المعروفین فی هذا العصر،فإنّ الفنون واللطائف الشعریّة محدودة فی أشعار هذا العصر.وکان بعض شعراء هذا العصر من الفقهاء والعلماء،وقد نظموا الشعر تقرّباً
ص:312
لأهل البیت علیهم السّلام،ویکثر الاقتباس والتشابه فی أشعار هذا العصر.
ونذکر فیما یلی بعض ما تمیّز به شعر هذا العصر من خصائص،إضافةً إلی الرثاء وذکر المصائب:
شاع فی هذا العصر قراءة المقاتل،فرکّز الشعراء جانباً من اهتمامهم لنظم مشاهد القتال والروایات التاریخیّة شعراً.
تستوقفنا روح الیأس والقنوط فی الکثیر من أشعار هذا العصر،فهی تری أنّ بصیص الأمل الوحید یکمن فی انتظار الإمام المهدیّ الموعود علیه السّلام.
فأنشد الشیخ یوسف البحرانی قائلاً:
فَمَتی إمامُ العَصرِ یَظهَرُ فی الوَری یُحیی الشَّریعَةَ بَعدَ طولِ مَماتِها؟ (1)
قال الشیخ عبدالله الشبراوی (ت 1091-1172 ه.ق):
مَشهَدُکَ السّامیِّ غَدا کَعبَةٌ لَنا طَوافٌ حَولَهُ وَاستِلامُ (2)
نظم فی هذا العصر أکثر من مئتی شاعر (3)الشعر باللغة العربیّة حول الإمام الحسین علیه السّلام وحادثة الطفّ،وتطالعنا بین شعراء هذا العصر شخصیّات مثل:السیّد جعفر الحلّی،
ص:313
وکاشف الغطاء،ونزار القبّانی،وأحمد شوقی،وعبدالحسین الاُزری،ومحمّد مهدی الجواهری.
ونلاحظ فی أشعار هذا العصر،فضلاً عن الرثاء وذکر المصائب اللذین یمثّلان العنصر المشترک بین جمیع الأعصار،خصائص لها علاقة بالأوضاع والأحوال الثقافیّة والاجتماعیّة فی عالمنا المعاصر.
اقترن العصر الحدیث بحرکات اجتماعیّة وتحرّریة فی العالم الإسلامی،وقد اهتمّ بعض الشعراء العرب فی إطار هذه الحرکات بحادثة عاشوراء ونهضة الإمام الحسین علیه السّلام،حیث نشهد فی أشعارهم الاهتمام بأحداث جنوب لبنان وفلسطین، وربطها بحادثة عاشوراء.
ویربط نزار القبّانی أحداث جنوب لبنان بحادثة عاشوراء حیث یقول:
سمّیتک الجنوب
یا لابساً عباءة الحسین
وشمس کربلاء... (1)
ویری الشاعر اللبنانی حسین سلیم،أنّ مدن وقری لبنان هی بنات الإمام الحسین علیه السّلام:
إیهِ بِنتَ الحُسَینِ أرضَ الرِّجولَةِ أَنتِ شَمسٌ عَلی الرِّمالِ خَجولَةٌ... (2)
ویصوّر الشاعر العراقی جواد جمیل دور عاشوراء فی العصیان والتمرّد علی الظلمة فی قوله:
ص:314
لَم یَبقَ مِن جُرحِ الحُسَینِ سِوی التَّمَرُّدِ والتَّحَدّی جُرحٌ لَهُ وَالشَّمسُ ألفُ غَدٍ یَجیءُ وَألفُ وَعْدِ... (1)
إذا اجتاز الشعر الحسینی فی بعض العصور الاُطر المذهبیّة،وتجاوز حدود المذهب الشیعیّ،وعمد محبّو أهل البیت بین أهل السنّة إلی نظم الشعر،فإنّ الشعر الحسینیّ تجاوز الحدود الدینیّة فی العصر الحدیث،فنظم بعض أتباع الأدیان الاُخری الشعر حول عاشوراء. (2)
ظهر الشعر الفارسی فی إیران من القرن الثالث واجتاز أدواراً ثمانیة،هی الطریقة الخراسانیّة،العراقیّة،مدرسة الوقوع،الطریقة الهندیة،الإصفهانیّة، ومرحلتی الرجوع التجدید،والشعر الحدیث.ورغم أنّ مدح النبیّ صلّی اللّه علیه و آله وأهل البیت علیهم السّلام دخل الشعر الفارسی فی أوائل القرن الرابع،إلّاأنّ الشعر الحسینیّ دخل الأشعار الفارسیّة علی شکل إشارات من أواخر هذا القرن،ویمکن القول إنّ هذه الأشعار أخذت مسیر نموّها باقترانها بتأسیس الدول الشیعیّة أو ذات المیول الشیعیّة.
ونلاحظ أنّ ذکر المصائب کان متداولاً فی الشعر الفارسیّ فی جمیع الأعصار کما هو الحال بالنسبة إلی الشعر العربیّ،لکن بالإضافة إلی ذلک یمکن لحاظ خصائص اخری له فی کلّ عصر.
ویمکن تقسیم الشعر الحسینیّ الفارسیّ إلی ثلاثة أعصار:
ص:315
1.من البدایة وحتّی العهد الصفوی (القرن الرابع حتّی التاسع الهجریّ).
2.العهد الصفویّ حتّی عهد الحکومة الوطنیّة (القرن العاشر حتّی أوائل القرن الرابع عشر الهجریّ).
3.العصر الحاضر (القرنان الرابع عشر والخامس عشر الهجریّان).
ونورد فیما یلی تقریراً إجمالیاً عن خصائص هذه العهود الثلاثة وسماتها:
فی هذا العصر نظم 32 شاعراً فارسیّاً (1)علی الأقلّ أشعاراً حول حادثة عاشوراء والإمام الحسین علیه السّلام،وکان معظمهم شعراء وعلماء ذائعی الصیت فی عصرهم؛مثل:
القوامی الرازی،والسنائی،والعطّار،والمولوی،والجامی وغیرهم،علی أنّ الشعر الحسینیّ قلیل فی هذه القرون السبعة،وهناک شعراء من أهل السنّة نظموا الشعر حول عاشوراء.
ورکّزت أشعار هذا العهد علی الرثاء وذکر المصائب فی الغالب.
فی هذا العهد نظم مایقرب من 40 شاعراً فارسیاً أشعاراً حول الثورة الحسینیّة، ویمکن أن نذکر من بینهم شعراء مثل:شابور الطهرانی،ومحتشم الکاشانی، وصائب التبریزی،وبیدل الدهلوی،والقاءانی.
وفی بدایة هذا العهد-والذی تولّت فیه الدولة الصفویّة الشیعیة الحکم فی إیران-انتشر الشعر الحسینی حتّی امتلأ الأدب الدینیّ فی هذا العهد بأدب الطفّ.
ومن خصائص الشعر الحسینیّ فی هذا العهد:
ص:316
فضلاً عن شیوع الأشعار الحسینیّة وانتشارها،فقد ظهر فی هذا العهد اسلوب جدید من المراثی یناسب اللطم والذی یعرف فی زماننا ب«اللطمیّات»،وذلک فی شعر یغمائی الجندقی (1190-1276 ه.ق).
شاع فی هذا العهد الشعر القصصیّ والروائیّ،فقد نظم بعض الشعراء أحداث عاشوراء وما تلاها شعراً.
وعلی سبیل المثال،فقد نظم فدائی المازندرانی (1200-1282 ه.ق) أحداث لیلة عاشوراء وتوبة الحرّ فی قالب الشعر،کما أنّ لنیّر التبریزی (1247-1312 ه.ق) قصائد تحمل العناوین التالیة:اللیلة الحادیة عشرة،وصف علیّ الأکبر،وصف الحرّ،وصف العبّاس،وهی باُسلوب الشعر القصصی والروائی.
نعم،یطغی الرثاء وذکر المصائب علی أشعار هذا العهد.
تناول فی هذا العصر أکثر من 250 شاعراً فارسیاً حادثة عاشوراء باُسلوب الشعر،وامتازت هذه المرحلة بالنموّ الکمّی للشعر المذهبیّ والدینیّ.ومن خصائص الشعر فی هذا العصر:
شمل ظهور الشعر الحدیث فی هذا العصر باعتباره اسلوباً شعریاً جدیداً،حادثة عاشوراء أیضاً،فنظم الشعر الحسینی بهذا الاُسلوب،شعراء مثل:علیّ الموسوی الگرمارودی،وحسن الحسینی.
ص:317
وظّفت التحوّلات الاجتماعیّة السیاسیّة فی العالم الإسلامیّ والحرکات الاجتماعیّة فی العصر الحدیث فی إیران من عهد الحکم الوطنیّ وحتّی الثورة الإسلامیة،حادثةَ عاشوراء علی نطاق واسع،ورکّزت اهتمامها علی أهداف ثورة الإمام الحسین علیه السّلام ودروس عاشوراء وقضایا مثل:الشهامة والإباء والنجابة ومحاربة الظلم.
ممّا أدّی إلی خروج الشعر الحسینی إلی حدٍّ ما من طابع الرثاء المحض وذکر المصائب المجرّدة،وأن یتناول حادثة الطفّ من أعماقها.
فقد أنشد إقبال اللّاهوری قائلاً:
آن امام عاشقان پور بتول سرو آزادی ز بستان رسول
تا قیامت قطع استبداد کرد موج خون او چمن إیجاد کرد. (1)
الترجمة:«إنّ إمام العاشقین ابن البتول،شجرة سرو الحرّیة من بستان الرسول، وإنّ جریان دمائه قد قطع جذور الاستبداد حتّی القیامة،فأینعت الأرض خضرة».
کما أنشد المرحوم الاُستاذ بهجتی شفق قائلاً:
اندر آنجا که باطل امیر است اندر آنجا که حق سر به زیر است
اندر آنجا که دین ومروت پایمال وزبون واسیر است
راستی زندگی ناگوار است مرگ بالاترین افتخار است (2)
الترجمة:«هناک حیث تأمّر الباطل وطأطأ الحقّ رأسه،هناک حیث الدین والمروءة یداسان بالأقدام وهما ذلیلان وأسیران،فإنّ الحیاة کانت مرّة ومنغَّصة حقّاً،
ص:318
وإنّ الموت کان أکبر مفخرة».
اقترنت بعض الأشعار الحسینیّة فی هذا العهد بالغلوّ والخرافات،بمعنی أنّ هذه الأشعار لا تنسجم مع الأدب الدینی والحسینیّ،وتهبط بمستوی الثقافة الدینیّة،بل قد تترک أثراً سلبیاً علی العقائد الحقّة واُصول الدین والمذهب.وقد تنتهی أحیاناً إلی الاستخفاف بمنزلة أئمّة أهل البیت علیهم السّلام والشهداء والهبوط بمستواهم. (1)
ص:319
ص:320
نَماذِجُ مِنَ المَراثی الّتی انشِدَت فی القَرنِ الأوّلِ
2877.الملهوف: لَمّا خَطَبَ الإِمامُ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام فی أهلِ الکوفَةِ بَعدَ واقِعَةِ الطَّفِّ،أنشَدَ فیهِم قائِلاً:
فَلا غَروَ (2)إن قُتِلَ الحُسَینُ وشَیخُهُ قَد کانَ خَیراً مِن حُسَینٍ وأَکرَما
فَلا تَفرَحوا یا أَهلَ کوفانَ بِالَّذی أصابَ (3)حُسَیناً کانَ ذلِکَ أعظَما
قَتیلٌ بِشَطِّ النَّهرِ روحی فِداؤُهُ جَزاءُ الَّذی أرداهُ نارُ جَهَنَّما (4)
(5) 2878.تاریخ دمشق: قالَ أبُو الأَسوَدِ الدُّؤَلِیُّ فی قَتلِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام:
ص:321
أقولُ وزادَنی جَزَعاً وغَیظاً أزالَ اللّهُ مُلکَ بَنی زِیادِ
وأَبعَدَهُم کَما بَعِدوا وخابوا کَما بَعِدَت ثَمودُ وقَومُ عادِ
ولا رَجَعَت رِکابُهُم إلَیهِم إذا قَفَّت إلی یَومِ التَّنادِ (1)
2879.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): قالَ أبُو الأَسوَدِ الدُّؤَلِیُّ فی قَتلِ الحُسَینِ علیه السّلام:
أقولُ وذاکَ مِن جَزَعٍ ووَجدٍ أزالَ اللّهُ مُلکَ بَنی زِیادِ
وأبعَدَهُم بِما غَدَروا وخانوا کَما بَعِدَت ثَمودُ وقَومُ عادِ
هُمُ خَشَمُوا (2)الاُنوفَ وکُنَّ شُمّاً بِقَتلِ ابنِ القَعاسِ (3)أخی مُرادِ
قَتیلَ السّوقِ یا لَکَ مِن قَتیلٍ بِهِ نَضحٌ مِنَ احمَرَ کَالجِسادِ (4)
وأهلُ نَبِیِّنا مِن قَبلُ کانوا ذَوی کَرَمٍ دَعائِمَ لِلبِلادِ
حُسَینٌ ذُو الفُضولِ وذُو المَعالی یَزینُ الحاضِرینَ وکُلَّ بادِ
أصابَ العِزَّ مَهلَکُهُ فَأَضحی عَمیداً (5)بَعدَ مَصرَعِهِ فُؤَادی
ص:322
وقالَ أیضاً:
أیَرجو مَعشَرٌ قَتَلوا حُسَیناً شَفاعَةَ جَدِّهِ یَومَ الحِسابِ (1)
2880.أدب الطّف: وقالَ-أیضاً-یَرثیهِ ویُحَرِّضُ عَلَی ثَأرِهِ علیه السّلام:
یا ناعِیَ الدّینِ الَّذی یَنعَی التُّقی قُم فَانعَهُ وَالبَیتَ ذَا الأَستارِ
أبَنو عَلِیٍّ آلُ بَیتِ مُحَمَّدٍ بِالطَّفِّ تَقتُلُهُم جُفاةُ نِزارِ
سُبحانَ ذِی العَرشِ العَلِیِّ مَکانُهُ أنّی یُکابِرُهُ ذَوُو الأَوزارِ
أبَنی قُشَیرٍ إنَّنی أدعوکُمُ لِلحَقِّ قَبلَ ضَلالَةٍ وخَسارِ
کونوا لَهُم جُنَناً وذودوا عَنهُمُ أشیاعَ کُلِّ مُنافِقٍ جَبّارِ (2)
(3) 2881.الأغانی: قالَ أبو دِهبِلٍ فی قَتلِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام:
ص:323
تَبیتُ سُکاری مِن امَیَّةَ نُوَّماً وبِالطَّفِّ قَتلی ما یَنامُ حَمیمُها
وما أفسَدَ الإِسلامَ إلّاعِصابَةٌ تَأَمَّرَ نَوکاها (1)ودامَ نَعیمُها
فَصارَت قَناةُ الدّینِ فی کَفِّ ظالِمٍ إذَا اعوَجَّ مِنها جانِبٌ لا یُقیمُها (2)
2882.أعیان الشیعة: خَرَجَ [أبو دِهبِلٍ] مَعَ التَّوَّابینَ بِقِیادَةِ سُلَیمانَ بنِ صُرَدٍ الخُزاعِیِّ،ولَمّا وَقَفَ عَلی قَبرِ الحُسَینِ علیه السّلام فی کَربَلاءَ (3)قالَ:
إلَیکَ أخَا الصَّبِّ الشَّجِیِّ صَبابَةً تُذیبُ الصُّخورَ الجامِداتِ هُمومُها
عَجِبتُ وأَیّامُ الزَّمانِ عَجائِبٌ ویَظهَرُ بَینَ المُعجِباتِ عَظیمُها
تَبیتُ النَّشاوی مِن امَیَّةَ نُوَّماً وبِالطَّفِّ قَتلی ما یَنامُ حَمیمُها
وتَضحی کِرامٌ مِن ذُؤابَةِ هاشِمٍ یُحَکَّمُ فیها کَیفَ شاءَ لَئیمُها
وتَغدو جُسومٌ ما تَغَذَّت سِوَی العُلی غِذاها عَلی رَغمِ المَعالی سُهومُها...
اولئِکَ آلُ اللّهِ آلُ مُحَمَّدٍ کِرامٌ تَحَدَّت ما حَداها کَریمُها
أکارِمُ أولَینَ المَکارِمَ رِفعَةً فَحَمدُ العُلی لَولا عُلاهُم ذَمیمُها
ضَیاغِمُ أعطَینَ الضَّیاغِمَ جُرأَةً فَما کانَ إلّامِن عَطاهُم قُدومُها
یَخوضونَ تَیّارَ المَنایا ظَوامِیاً کَما خاضَ فی عَذبِ المَوارِدِ هیمُها (4)
یَقومُ بِهِم لِلمَجدِ أبیضُ ماجِدٌ أخو عَزَماتٍ أقعَدَت مَن یَرومُها
حَمی بَعدَ ما أدَّی الحِفاظَ حِمایَةً وأَحمَی الحُماةِ الحافِظینَ زَعیمُها
ص:324
إلی أن قَضی مِن بَعدِ ما أن قَضی عَلی ظَماءٍ یُسَلّی بِالسِّهامِ فَطیمُها
أصابَتهُ شَنعاءٌ (1)فَلَو حَلَّ وَقعُها عَلَی الأَرضِ دُکَّت قَبلَ ذاکَ تُخومُها (2)
(3)2883. الحدائق الوردیّة: أنشَدَ عَوفُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ الأَحمَرِ قَصیدَةً طَویلَةً یُحَرِّضُ فیها الشّیعَةَ عَلَی القِیامِ عَلی قَتَلَةِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام ویَرثیهِ فیها:
ألا وَانعَ خَیرَ النّاسِ امّاً ووالِداً حُسَیناً لِأَهلِ الدّینِ إن کُنتَ ناعِیاً
لِیَبکِ حُسَیناً کُلَّما ذَرَّ شارِقٌ وعِندَ غُسوقِ اللَّیلِ مَن کانَ باکِیا
لِیَبکِ حُسَیناً مَن رَعَی الدّینَ وَالتُّقی وکانَ لِتَضعیفِ المَثوبَةِ راجِیا
لِیَبکِ حُسَیناً مُملِقٌ ذو (4)خَصاصَةٍ عَدیمٌ وأَیتامٌ تَشَکَّی المَوالِیا
لَحا اللّهُ قَوماً أشخَصوهُ وغَرَّروا فَلَم یَرَ یَومَ البَأسِ مِنهُم مُحامِیا
ولا موفِیاً بِالوَعدِ إذ حَمِسَ (5)الوَغا ولا زاجِراً عَنهُ المُضِلّینَ ناهِیا
ولا قایِلاً لا تَقتُلوهُ فَتُسحَتوا ومَن یَقتُلِ الزّاکینَ یَلقَی المَخازِیا
ص:325
فَلَم یَکُ إلّاناکِباً أو مُقاتِلاً وذا فَجرَةٍ یَسعی عَلَیهِ مُعادِیا
سِوی عُصبَةٍ لَم یَعظُمِ القَتلُ عِندَهُم یُشَبِّهُها الرّاؤونَ اسداً ضَوارِیا
وَقَوهُ بِأَیدیهِم وَحُرِّ وُجوهِهِم وباعُوا الَّذی یَفنی بِما کانَ باقِیا
وأَضحی حُسَینٌ لِلرِّماحِ دَرِیَّةً (1) فَغودِرَ مَسلوباً لَدَی الطَّفِّ ثاوِیا
قَتیلاً کَأَن لَم یَغنَ بِالناسِ لَیلَةً جَزَی اللّهُ قَوماً أسلَموهُ الجَوازِیا
فَیا لَیتَنی إذ ذاکَ کُنتُ شَهِدتُهُ فَضارَبتُ عَنهُ الشّائِنینَ الأَعادِیا
ودافَعتُ عَنهُ مَا استَطَعتُ مُجاهِداً وأَعمَلتُ سَیفِیَ فیهِمُ وسِنانِیا
ولکِن قَعَدتُ فی مَعاشِرَ ثَبَّطوا وکانَ قُعودی ضَلَّةً مِن ضَلالِیا
فَما تَنسَنی الأَیَّامُ مِن نَکَباتِها فَإِنِّیَ لَن الفی لَهُ الدَّهرَ ناسِیا
ویا لَیتَنی غودِرتُ فیمَن أجابَهُ وکُنتُ لَهُ مِن مُفظِعِ القَتلِ فادِیا
ویا لَیتَنی أخطَرتُ عَنهُ بِاُسرَتی وأَهلی وخِلّانی جَمیعاً ومالِیا
سَقَی اللّهُ قَبراً ضُمِّنَ المَجدَ وَالتُّقی بِغَربِیَّةِ الطَّفِّ الغَمامَ الغَوادِیا (2)
فِی الحُسَینِ علیه السّلام وقالَ:
أجالَت عَلی عَینی سَحائِبُ عَبرَةٍ فَلَم تَصحُ بَعدَ الدَّمعِ حَتَّی ارمَعَلَّتِ (1)
تَبکَی عَلی آلِ النَّبِیِّ مُحَمَّدٍ وما أکثَرَت فِی الدَّمعِ لا بَل أقَلَّتِ
اولئِکَ قَومٌ لَم یَشیموا سُیوفَهُم وقَد نَکَأَت أعداءَهُم حینَ سُلَّتِ
وإنَّ قَتیلَ الطَّفِّ مِن آلِ هاشِمٍ أذَلَّ رِقاباً مِن قُرَیشٍ فَذَلَّتِ
فَقالَت فاطِمَةُ:یا أَبا رُمحٍ،أهکَذا تَقولُ؟! قالَ:فَکَیفَ أقولُ جَعَلَنِیَ [اللّهُ] (2)فِداکِ؟قالَت:قُل:أذَلَّ رِقابَ المُسلِمینَ فَذَلَّتِ،فَقالَ:لا انشِدُها بَعدَ الیَومِ إلّا هکَذا. (3)
سَفَکتُم دِماءً حَرَّمَ اللّهُ سَفکَها وحَرَّمَهَا القُرآنُ ثُمَّ مُحَمَّدُ
ألا فَابشِروا بِالنّارِ إنَّکُم غَداً لَفی قَعرِ نارٍ حَرُّها یَتَصَعَّدُ
وإِنّی لَأَبکی فی حَیاتی عَلی أخی عَلی خَیرِ مَن بَعدَ النَّبِیِّ سَیولَدُ (1)
بِدَمعٍ غَزیرٍ مُستَهِلٍّ مُکَفکَفٍ عَلَی الخَدِّ مِنّی ذائِبٍ لَیسَ یَجمُدُ (2)(3)
(4) 2886.الملهوف: قالَ بَشیرُ (5)بنُ حَذلَمٍ:فَلَمّا قَرُبنا مِنها [أی مِنَ المَدینَةِ] نَزَلَ (6)عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام،فَحَطَّ رَحلَهُ وضَرَبَ فِسطاطَهُ وأَنزَلَ نِساءَهُ،وَقالَ:یا بِشرُ،رَحِمَ اللّهُ أباکَ لَقَد کانَ شاعِراً،فَهَل تَقدِرُ عَلی شَیءٍ مِنهُ؟قُلتُ:بَلی یَابنَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،إنِّی لَشاعِرٌ.قالَ:فَادخُلِ المَدینَةَ وَانعَ أبا عَبدِ اللّهِ علیه السّلام.قالَ بِشرٌ:فَرَکِبتُ فَرَسی ورَکَضتُ حَتّی دَخَلتُ المَدینَةَ،فَلَمّا بَلَغتُ مَسجِدَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،رَفَعتُ صَوتِیَ بِالبُکاءِ وأَنشَأتُ أقولُ:
یا أهلَ یَثرِبَ لا مُقامَ لَکُم بِها قُتِل الحُسَینُ فَأَدمُعی مِدرارُ
الجِسمُ مِنهُ بِکَربَلاءَ مُضَرَّجٌ وَالرَّأسُ مِنهُ عَلَی القَناةِ یُدارُ
ص:328
قالَ:ثُمَّ قُلتُ:هذا عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ مَعَ عَمّاتِهِ وأَخَواتِهِ قَد حَلّوا بِساحَتِکُم ونَزَلوا بِفِنائِکُم،وأَنا رَسولُهُ إلَیکُم اعَرِّفُکُم مَکانَهُ.
قالَ:فَما بَقِیَت فِی المَدینَةِ مُخَدَّرَةٌ ولا مُحَجَّبَةٌ إلّابَرَزنَ مِن خُدورِهِنَّ،مَکشوفَةً شُعورُهُنَّ،مُخَمَّشَةً وُجوهُهُنَّ،ضارِباتٍ خُدودَهُنَّ،یَدعونَ بِالوَیلِ وَالثُّبورِ،فَلَم أرَ باکِیاً ولا باکِیَةً أکثَرَ مِن ذلِکَ الیَومِ،ولا یَوماً أمَرَّ عَلَی المُسلِمینَ مِنهُ بَعدَ وَفاةِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.
وسَمِعتُ جارِیَةً تَنوحُ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام وتَقولُ:
نَعی سَیِّدی ناعٍ نَعاهُ فَأَوجَعا فَأَمرَضَنی ناعٍ نَعاهُ فَأَفجَعا
أعَینَیَّ جودا بِالمَدامِعِ وَاسکُبا وجودا بِدَمعٍ بَعدَ دَمعِکُما مَعا
عَلی مَن دَهی عَرشَ الجَلیلِ فَزَعزَعا وأَصبَحَ أنفُ الدّینِ وَالمَجدِ أجدَعا (1)
عَلَی ابنِ نَبِیِّ اللّهِ وَابنِ وَصِیِّهِ وإِن کانَ عَنّا شاحِطَ (2)الدّارِ أشسَعا (3)
ثُمَّ قالَت:أیُّهَا النّاعی،جَدَّدتَ حُزنَنا بِأَبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام،وخَدَشتَ مِنّا قُروحاً لَمّا تَندَمِل،فَمَن أنتَ یَرحَمُکَ اللّهُ؟
قُلتُ:أنَا بَشیرُ بنُ حَذلَمٍ،وَجَّهَنی مَولایَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام وهُوَ نازِلٌ مَوضِعَ کَذا وکَذا مَعَ عِیالِ أبی عَبدِ اللّهِ الحُسَینِ علیه السّلام ونِسائِهِ. (4)
ص:329
(1) 2887.تاریخ دمشق عن أبی عبد اللّه الحافظ (2): سَمِعتُ أبَا الحُسَینِ عَلِیَّ بنَ مُحَمَّدٍ الأَدیبَ یَذکُرُ بِإِسنادٍ لَهُ أنَّ رَأسَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام لَمّا صُلِبَ بِالشّامِ،أخفی خالِدُ بنُ غُفرانَ- وهُوَ مِن أفاضِلِ التّابِعینَ-شَخصَهُ عَن أصحابِهِ،فَطَلَبوهُ شَهراً حَتّی وَجَدوهُ،فَسَأَلوهُ عَن عُزلَتِهِ،فَقالَ:أما تَرونَ ما نَزَلَ بِنا! ثُمَّ أنشَأَ یَقولُ.
وأَخبَرَنا أبو عَبدِ اللّهِ الفَراوِیُّ،أخبَرَنا أبو عُثمانَ الصابونِیُّ،قالَ:أنشَدَنِی الحاکِمُ أبو عَبدِ اللّهِ الحافِظُ فی مَجلِسِ الاُستاذِ أبی مَنصورٍ الحَشاذِیِّ عَلی حُجزَتِهِ فی قَتلِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام:
جاؤوا بِرَأسِکَ یَابنَ بِنتِ مُحَمَّدٍ مُتَزَمِّلاً بِدِمائِهِ تَزمیلا
وکَأَنَّما بِکَ یَابنَ بِنتِ مُحَمَّدٍ قَتَلوا جِهاراً عامِدینَ رَسولا
قَتَلوکَ عَطشاناً ولَم یَتَرَقَّبوا فی قَتلِکَ التَّنزیلَ وَالتَّأویلا
وَیُکَبِّرونَ بِأَن قُتِلتَ وَإِنَّما قَتَلوا بِکَ التَّکبیرَ وَالتَّهلیلا (3)
ص:330
(1) 2888.الأغانی: رَثَت الرَّبابُ بنتُ امرئِ القَیسِ-اُمُّ سُکَینَةَ بِنتِ الحُسَینِ علیه السّلام-زَوجَها الحُسَینَ علیه السّلام حینَ قُتِلَ،فَقالَت:
إنَّ الَّذی کانَ نوراً یُستَضاءُ بِهِ بِکَربَلاءَ قَتیلٌ غَیرُ مَدفونِ
سِبطُ النَّبِیِّ جَزاکَ اللّهُ صالِحَةً عَنّا وَجُنِّبتَ خُسرانَ المَوازینِ
قَد کُنتَ لی جَبَلاً صَعباً ألوذُ بِهِ وکُنتَ تَصحَبُنا (2)بِالرَّحمِ وَالدّینِ
مَن لِلیَتامی ومَن لِلسّائِلینَ ومَن یُغنی ویَأوی إلَیهِ کُلُّ مِسکینِ
وَاللّهِ لا أبتَغی صِهراً بِصِهرِکُمُ حَتّی اغیَّبَ بَینَ الرَّملِ وَالطّینِ (3)
2889.تذکرة الخواصّ: قِیلَ:إنَّ الرَّبابَ بِنتَ امرِئِ القَیسِ-زَوجَ الحُسَینِ علیه السّلام-أخَذَتِ الرَّأسَ ووَضَعَتهُ فی حِجرِها وقَبَّلَتهُ،وقالت:
وا حُسَیناً فَلا نَسیتُ حُسَیناً أقصَدَتهُ أسِنَّةُ الأَعداءِ
غادَروهُ بِکَربلاءَ صَریعاً لا سَقَی اللّهُ جانِبَی کَربَلاءِ (4)
2890.مثیر الأحزان: حَدَّثَ أبُو العَبَّاسِ الحِمیَرِیُّ،قالَ:رَجُلٌ مِن عَبدِ القَیسِ قُتِلَ أخوهُ مَعَ
ص:331
الحُسَینِ علیه السّلام فَقالَ:
یا فَروُ قومی فَاندُبی خَیرَ البَرِیَّةِ فِی القُبورِ
وَابکِی الشَّهیدَ بِعَبرَةٍ مِن فَیضِ دَمعٍ ذی دُرورِ
ذاکَ الحُسَینَ مَعَ التَّفَجُّ عِ وَالتَّأَوُّهِ وَالزَّفیرِ
قَتَلُوا الحَرامَ مِنَ الأَئِمَّ ةِ فِی الحَرامِ مِنَ الشُّهورِ (1)
(2) 2891.مثیر الأحزان عن ابن عائشة: مَرَّ سُلَیمانُ بنُ قَتَّةَ العَدَوِیُّ ومَولی بَنی تَمیمٍ بِکَربَلاءَ بَعدَ قَتلِ الحُسَینِ علیه السّلام بِثَلاثٍ،فَنَظَرَ إلی مَصارِعِهِم فَاتَّکَأَ عَلی فَرَسٍ لَهُ عَرَبِیَّةٍ وأَنشَأَ:
مَرَرتُ عَلی أبیاتِ آلِ مُحَمَّدٍ فَلَم أرَها أمثالَها یَومَ حُلَّتِ
ألَم تَرَ أنَّ الشَّمسَ أضحَت مَریضَةً لِفَقدِ حُسَینٍ وَالبِلادَ اقشَعَرَّتِ
وکانوا رَجاءً ثُمَّ أضحَوا رَزِیَّةً لَقَد عَظُمَت تِلکَ الرَّزایا وجَلَّتِ
وتَسأَلُنا قَیسٌ فَنُعطی فَقیرَها وتَقتُلُنا قَیسٌ إذَا النَّعلُ زَلَّتِ
ص:332
وعِندَ غَنیٍّ قَطرَةٌ مِن دِمائِنا سَنَطلِبُهُم یَوماً بِها حَیثُ حَلَّتِ
فَلا یُبعِدِ اللّهُ الدِّیارَ وأَهلَها وإِن أصبَحَت مِنهُم بِرَغمٍ تَخَلَّتِ
فَإِنَّ قَتیلَ الطَّفِّ مِن آلِ هاشِمٍ أذَلَّ رِقابَ المُسلِمینَ فَذَلَّتِ
وقَد أعوَلَت تَبکی النِّساءُ لِفَقدِهِ وأَنجُمُنا ناحَت عَلَیهِ وصَلَّتِ (1)
2892.تاریخ دمشق: قال سُلَیمانُ بنُ قَتَّةَ (2)یَرثی لِلحُسینِ علیه السّلام:
وإِنَّ قَتیلَ الطَّفِّ مِن آلِ هاشِمٍ أذَلَّ رِقاباً مِن قُرَیشٍ فَذَلَّتِ
فَإِن تَبتَغوهُ عائِذَ البَیتِ تُصبِحوا کَعادٍ تَعَمَّت عَن هُداها فَضَلَّتِ
مَرَرتُ عَلی أبیاتِ آلِ مُحَمَّدٍ فَلَم أرَ مِن أمثالِها حَیثُ حُلَّتِ
وکانوا لَنا غُنماً فَعادوا رَزِیَّةً لَقَد عَظُمَت تِلکَ الرَّزایا وجَلَّتِ
فَلا یُبعِدِ اللّهُ الدِّیارَ وأَهلَها وإِن أصبَحَت مِنهُم بِرَغمی تَخَلَّتِ
إذَا افتَقَرَت قَیسٌ جَبَرنا فَقیرَها وَتَقتُلُنا قَیسٌ إذَا النَّعلُ زَلَّتِ (3)
(4) 2893.الإرشاد: فی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ وَهانِیِ بنِ عُروَةَ یَقولُ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ الأَسَدِیُّ:
ص:333
فَإِن (1)کُنتِ لا تَدرینَ مَا المَوتُ فَانظُری إلی هانِئٍ فِی السّوقِ وَابنِ عَقیلِ
إلی بَطَلٍ قَد هَشَّمَ السَّیفُ وَجهَهُ وَآخَرَ یَهوی مِن طِمارِ قَتیلِ
أصابَهُما أمرُ الأَمیرِ فَأَصبَحا أحادیثَ مَن یَسری بِکُلِّ سَبیلِ
تَرَی جَسَداً قَد غَیَّرَ المَوتُ وَجهَهُ ونَضحَ دَمٍ قَد سالَ کُلَّ مَسیلِ
فَتیً هُوَ أحیا مِن فَتاةٍ حَیِیَّةٍ وأَقطَعُ مِن ذی شَفرَتَینِ صَقیلِ
أیَرکَبُ أسماءُ الهَمالیجَ (2)آمِناً وقَد طَلَبَتهُ مَذحِجٌ بِذُحولِ
تَطیفُ حَوالَیهِ مُرادٌ وکُلُّهُمُ عَلی رِقبَةٍ مِن سائِلٍ ومَسولِ
فَإِن أنتُمُ لَم تَثأَروا بِأَخیکُمُ فَکونوا بَغایا ارضِیَت بِقَلیلِ (3)
(4) 2894.تاریخ دمشق: عُبَیدُ اللّهِ بنُ الحُرِّ بنِ عُروَةَ:أحَدُ شُعَراءِ الکوفَةِ وفُتّاکِها،دَعاهُ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام إلی نَصرِهِ فَأَبی عَلَیهِ،ثُمَّ نَدِمَ.
ص:334
ومِن قَولِهِ:
تَبیتُ السُّکاری مِن امیَّةَ نُوَّماً وبِالطَّفِّ قَتلی ما یَنامُ حَمیمُها
وما ضَیَّعَ (1)الإِسلامَ إلّاقَبیلَةٌ تَأَمَّرَ نَوکاها ودامَ نَعیمُها
وأَضحَت قَناةُ الدّینِ فی کَفِّ ظالِمٍ إذَا اعوَجَّ مِنها جانِبٌ لا یُقیمُها
فَأَقسَمتُ لا تَنفَکُّ عَینی حَزینَةً وعَینِیَ تَبکی لا یَخِفُّ سُجومُها
حَیاتِیَ أو تَلقی امَیَّةُ جِزیَةً یَذِلُّ بِها حَتّی المَماتِ عَمیمُها (2)
2895.تاریخ الطبری: ثُمَّ خَرَجَ [عُبَیدُ اللّهِ بنُ الحُرِّ بَعدَ شَهادَةِ الحسین علیه السّلام ] حَتّی أتی کَربَلاءَ، فَنَظَرَ إلی مَصارِعِ القَومِ،فَاستَغفَرَ لَهُم هُوَ وأَصحابُهُ،ثُمَّ مَضی حَتّی نَزَلَ المَدائِنَ، وقالَ فی ذلِکَ:
یَقولُ أمیرٌ غادِرٌ حَقَّ غادِرٍ (3) ألا کُنتَ قاتَلتَ الشَّهیدَ ابنَ فاطِمَه
فَیا نَدَمی ألّا أکونَ نَصَرتُهُ ألا کُلُّ نَفسٍ لا تُسَدَّدُ نادِمَه
وإِنِّی لِأَنِّی لَم أکُن مِن حُماتِهِ لَذو حَسرَةٍ ما أن تُفارِقَ لازِمَه
سَقَی اللّهُ أرواحَ الَّذینَ تَأَزَّروا عَلی نَصرِهِ سُقیاً مِنَ الغَیثِ دائِمَه
وَقَفتُ عَلی أجداثِهِم ومَجالِهِم فَکادَ الحَشا یَنفَضُّ وَالعینُ ساجِمَه
ص:335
لَعَمری لَقَد کانوا مَصالیتَ (1)فِی الوَغی سِراعاً إلَی الهَیجا حُماةً خَضارِمَه (2)
تَآسَوا عَلی نصرِ ابنِ بِنتِ نَبِیِّهِم بِأَسیافِهِم آسادَ غیلٍ (3)ضَراغِمَه
فَإِن یُقتَلوا فَکُلُّ نَفسٍ تَقِیَّةٍ عَلَی الأرضِ قَد أضَحت لِذلِکَ واجِمَه
وما أن رَأَی الرَّاؤونَ أفضَلَ مِنهُمُ لَدَی المَوتِ ساداتٍ وزُهراً قُماقِمَه (4)
أتَقتُلُهُم ظُلماً وتَرجو وِدادَنا فَدَع خِطَّةً لَیسَت لَنا بِمُلائِمَه
لَعَمری لَقَد راغَمتُمونا بِقَتلِهِم فَکَم ناقِمٍ مِنّا عَلَیکُم وناقِمَه
أهُمُّ مِراراً أن أسیرَ بِجَحفَلٍ إلی فِئَةٍ زَاغَت عَنِ الحَقِّ ظالِمَة
فَکُفّوا وإِلّا ذُدتُکُم فی کَتائِبٍ أشَدُّ عَلَیکُم مِن زُحوفِ الدَّیالِمَه (5)
2896.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): وقالَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ الحُرِّ أیضاً:
فَیا لَکِ حَسرَةً ما دُمتُ حَیّاً تَرَدَّدُ بَینَ حَلقِیَ وَالتَّراقی (6)
حُسَیناً حینَ یَطلُبُ بَذلَ نَصری عَلی أهلِ العَداوَةِ وَالشِّقاقِ
ولَو أنِّی اواسیهِ بِنَفسی لِنِلتُ کَرامَةً یَومَ التَّلاقی
مَعَ ابنِ المُصطَفی نَفسی فِداهُ فَوَلّی ثُمَّ وَدَّعَ بِالفِراقِ
غَداةَ یَقولُ لی بِالقَصرِ قَولاً أتَترُکُنا وتُزمِعُ بِانطِلاقِ؟
فَلَو فَلَقَ التَّلَهُّفُ قَلبَ حَیٍّ لَهَمَّ الیَومَ قَلبِیَ بِانفِلاقِ
ص:336
فَقَد فازَ الاُولی نَصَروا حُسَیناً وخابَ الآخَرونَ اولُو النِّفاقِ (1)
راجع:ج 3 ص 385 (القسم السابع/الفصل السابع/استنصاره بعبید اللّه بن الحرّ).
(2) 2897.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): قالَ عُبَیدَةُ بنُ عَمروٍ الکِندِیُّ یَرثِی الحُسینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام ووَلَدَهُ،ویَذکُرُ قَتلَهُم وقَتَلَتَهُم:
صَحَا القَلبُ بَعدَ الشَّیبِ عَن امِّ عامِرٍ وأَذهَلَهُ عَنها صُروفُ الدَّوائِرِ
ومَقتَلُ خَیرِ الآدَمِیّینَ والِداً وجَدّاً إذا عُدَّت مَساعی المَعاشِرِ
دَعاهُ الرِّجالُ الحائِرونَ لِنَصرِهِ فَکُلاًّ رَأَیناهُ لَهُ غَیرَ ناصِرِ
وَجَدناهُمُ مِن بَینِ ناکِثِ بَیعَةٍ وساعٍ بِهِ عِندَ الإِمامِ وغادِرِ
ورامٍ لَهُ لَمّا رَآهُ وطاعِنٍ ومُسلٍ عَلَیهِ المُصلِتینَ وناحِرِ
فَیا عَینُ أدرِی الدَّمعَ مِنکِ وَأَسبِلی عَلی خَیرِ بادٍ فِی الأَنامِ وحاضِرِ
عَلَی ابنِ عَلِیٍّ وَابنِ بِنتِ مُحَمَّدٍ نَبِیِّ الهُدی وابنِ الوَصِیِّ المُهاجِرِ
تَداعَت عَلَیهِ مِن تَمیمٍ عِصابَةٌ واُسرَةُ سَوءٍ مِن کِلابِ بنِ عامِرِ
وَمِن حَیِّ وَهبیلٍ تَداعَت عِصابَةٌ عَلَیهِ واُخری أردَفَت مِن یَحابِرِ
وخَمسونَ شَیخاً مِن أبانِ بنِ دارِمٍ تَداعَوا عَلَیهِ کَاللُّیوثِ الخَواطِرِ
ص:337
ومِن کُلِّ حَیٍّ قَد تَداعی لِقتَلِهِ ذَوُو النَّکثِ وَالإِفراطِ أهلُ التَّفاخُرِ
شَفَی اللّهُ نَفسی مِن سِنانٍ ومالِکٍ ومِن صاحِبِ الفُتیا لَقیطِ بنِ یاسِرِ
ومِن مُرَّةَ العَبدیِّ وَابنِ مُساحِقٍ ومِن فارِسِ الشَّقراءِ کَعبِ بنِ جابِرِ
ومِن أورَقِ الصَّیداءِ وَابنِ مُوَزَّعٍ ومِن بُجر تَیمِ اللَّاتِ وَالمَرءِ عامِرِ
ومِن نَفَرٍ مِن حَضرَمَوتَ وتَغلِبٍ ومِن مانِعیهِ الماءَ فی شَهرِ ناجِرِ
وخَولِیِّ لا یَقتُلکَ رَبِّی وهانِئٍ وثَعلَبَةَ المَستوهِ (1)وَابنِ تُباحِرِ
ولا سَلَّمَ اللّهُ ابنَ أبجَرَ ما دَعَت حَمامَةُ أیکٍ فی غُصونٍ نَواضِرِ
ومِن ذلِکَ الفَدمُ (2)الأَبانِیُّ وَالَّذی رَماهُ بِسَهمٍ-ضَیعَةً-والمُهاجِرِ (3)
ولاَ ابنِ رُقادٍ لا نَجا مِن حَذارِهِ ولاَ ابنِ یَزیدٍ مِن حَذارِ المُحاذِرِ
ومِن رُؤوسِ ضُلَّالِ العِراقِ وغَیرِهِم تَمیمٌ ومِن ذاکَ اللَّعینُ ابنُ زاجِرِ
ولَا الحَنظَلِیّینَ الَّذینَ تَتابَعَت نِبالُهُمُ فی وَجهِهِ وَالخَواصِرِ
ولَا نَفَرٍ مِن آلِ سَعدِ بنِ مِذحِجٍ ولاَ الأَبرَصِ الجِلفِ اللَّئیمِ العَناصِرِ
ولَا عُصبَةٍ مِن طَیِّیً أحدَقَت بِهِ ولا نَفَرٍ مِنّا شِرارِ السَّرائِرِ
ولَا الخَثعَمِیّینَ الَّذینَ تَنازَلوا عَلَیهِ ولا مَن زارَهُ بِالمَناشِرِ
ولا شَبِثٍ لا سَلَّمَ اللّهُ نَفسَهُ ولاقَی ابنُ سَعدٍ حَدَّ أبیَضَ باتِرِ (4)
ص:338
(1) 2898.الأمالی للمفید عن إبراهیم بن داحة: أوَّلُ شِعرٍ رُثِیَ بِهِ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام قَولُ عُقبَةَ بنِ عَمرٍو السَّهمِیِّ،مِن بَنی سَهمِ بنِ عَوفِ بنِ غالِبٍ:
إذَا العَینُ قَرَّت فِی الحَیاةِ وَأَنتُمُ تَخافونَ فِی الدُّنیا فَأَظلَمَ نورُها
مَرَرتُ عَلی قَبرِ الحُسَینِ بِکَربَلا فَفاضَ عَلَیهِ مِن دُموعی غَزیرُها
فَما زِلتُ أرثیهِ وأَبکی لِشَجوِهِ ویُسعِدُ عَینی دَمعُها وزفیرُها
وبَکَیتُ مِن بَعدِ الحُسَینِ عَصائِباً أطافَت بِهِ مِن جانِبَیها (2)قُبورُها
سَلامٌ عَلی أهلِ القُبورِ بِکَربَلا وقَلَّ لَها مِنِّی سَلامٌ یَزورُها
سَلامٌ بِآصالِ العَشِیِّ وبِالضُّحی تُؤَدّیهِ نَکباءُ (3)الرِّیاحِ ومورُها (4)
ولا بَرِحَ الوُفَّادُ زُوَّارُ قَبرِهِ یَفوحُ عَلَیهِم مِسکُها وعَبیرُها (5)
ص:339
(1) 2899.کشف الغمة: قالَ الفَضلُ بنُ عَبّاسِ بنِ عُتبَةَ (2)بنِ أبی لَهَبٍ،یَرثی مَن قُتِلَ مَعَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام-یَعنی مِن أهلِهِ-:
أعَینَیَّ إن لا تَبکِیا لِمُصیبَتی فَکُلُّ (3)عُیونِ النّاسِ عَنِّیَ أصبَرُ
أعَینَیَّ جودا (4)مِن دُموعٍ غَزیرَةٍ فَقَد حَقَّ إشفاقی وما کُنتُ أحذَرُ
بَکیتُ لِفَقدِ الأکرَمینَ تَتابَعوا لِوَصلِ المَنایا دارِعونَ وحُسَّرُ (5)
مِنَ الأَکرَمینَ البیضِ مِن آلِ هاشِمٍ لَهُم سَلَفٌ مِن واضِحِ (6)المَجدِ یُذکَرُ
مَصابیحُ أمثالُ الأَهِلَّةِ إذ هُمُ لَدَی الجودِ أو دَفعِ الکَریهَةِ أبصَرُ
بِهِم فَجَعَتنا وَالفَواجِعُ کَاسمِها تَمیمٌ وبکرٌ وَالسَّکونُ وحِمیَرُ
وهَمدانُ قَد جاشَت عَلَینا وأَجلَبَت هَوازِنُ فی أفناءِ قَیسٍ وأَعصُرُ
ص:340
وفی کُلِّ حَیٍّ نَضحَةٌ مِن دِمائِنا بَنی هاشِمٍ یَعلو سَناها ویُشهَرُ
فَلِلّهِ مَحیانا وکانَ مَماتُنا وللّهِ ِ قَتلانا تُدانُ وتُنشَرُ
لِکُلِّ دَمٍ مَولیً وَمَولی دِمائِنا بِمُرتَقَبٍ یَعلو عَلَیکُم ویَظهَرُ
فَسَوفَ یَری أعداؤُنا حینَ نَلتَقی لِأَیِّ الفَریقَینِ النَّبِیُّ المُطَهَّرُ (1)
2900.الأمالی للمفید عن أبی هیاج عبد اللّه بن عامر: لَمّا أتی نَعیُ الحُسَینِ علیه السّلام إلَی المَدینَةِ،خَرَجَت أسماءُ بِنتُ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ-رَضِیَ اللّهُ عَنها-فی جَماعَةٍ مِن نِسائِها،حَتَّی انتَهَت إلی قَبرِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فَلاذَت بِهِ،وشَهَقَت عِندَهُ،ثُمَّ التَفَتَت إلَی المُهاجِرینَ وَالأَنصارِ وهِیَ تَقولُ:
ماذا تَقولونَ إن قالَ النَّبِیُّ لَکُم یَومَ الحِسابِ وصِدقُ القَولِ مَسموعُ
خَذَلتُمُ عِترَتی أو کُنتُمُ غُیَباً وَالحَقُّ عِندَ وَلِیِّ الأَمرِ مَجموعُ
أسلَمتُموهُم بِأَیدِی الظّالِمینَ فَما مِنکُم لَهُ الیَومَ عِندَ اللّهِ مَشفوعُ
ما کانَ عند غَداةَ الطَّفِّ إذ حَضروا تِلکَ المَنایا ولا عَنهُنَّ مَدفوعُ
قالَ:فَما رَأَینا باکِیاً ولا باکِیَةً أکثَرَ مِمَّا رَأَینا ذلِکَ الیَومَ. (2)
2901.الإرشاد: خَرَجَت امُّ لُقمانَ بِنتُ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ-حینَ سَمِعَت نَعیَ الحُسَینِ علیه السّلام- حاسِرَةً،ومَعَها أخواتُها:اُمُّ هانِئٍ،وأَسماءُ،ورَملَةُ،وزَینَبُ،بَناتُ عَقیلِ بنِ
ص:341
أبی طالِبٍ-رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِنَّ-تَبکی قَتلاها بِالطَّفِّ،وهِیَ تَقولُ:
ماذا تَقولونَ إن (1)قالَ النَّبِیُّ لَکُم ماذا فَعَلتُم وأَنتُم آخِرُ الاُمَمِ
بِعِترَتی وبِأَهلی بَعدَ مُفتَقَدی مِنهُم اساری ومِنهُم ضُرِّجوا بِدَمِ
ما کانَ هذا جَزائی إذ نَصَحتُ لَکُم أن تَخلُفونی بِسوءٍ فی ذَوی رَحِمی (2)
2902.أنساب الأشراف: قالَت زَینبُ بِنتُ عَقیلٍ تَرثی قَتلی أهلِ الطَّفِّ،وخَرَجَت تَنوحُ بِالبَقیعِ:
ماذا تَقولونَ إن قالَ النَّبِیُّ لَکُم ماذا فَعَلتُم وأَنتُم آخِرُ الاُمَمِ
بِأَهلِ بَیتی وأَنصاری أما لَکُمُ عَهدٌ کَریمٌ أما توفونَ بِالذِّمَمِ
ذُرِیَّتی وبنو عَمّی بِمَضیَعَةٍ مِنهُم اساری وقَتلی ضُرِّجوا بِدَمِ
ما کانَ ذاکَ جَزائی إذ نَصَحتُکُمُ أن تَخلُفونی بِسوءٍ فی ذَوی رَحِمی (3)
2903.المعجم الکبیر عن مصعب بن عبد اللّه: خَرَجَت زَینَبُ الصُّغری بِنتُ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ عَلَی النّاسِ بِالبَقیعِ،تَبکی قَتلاها بِالطَّفِّ وهِیَ تَقولُ:
ماذا تَقولونَ إن قالَ النَّبِیُّ لَکُم ماذا فَعَلتُم وکُنتُم آخِرَ الاُمَمِ
بِأَهلِ بَیتی وأَنصاری وذُرِّیَّتی مِنهُم اساری وقَتلی ضُرِّجوا بِدَمِ
ما کانَ ذاکَ جَزائی إذ نَصَحتُ لَکُم أن تَخلُفونی بِسوءٍ فی ذَوی رَحِمی
فَقالَ أبُو الأَسوَدِ الدُّؤَلِیُّ،نقول: «رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَکُونَنَّ
ص:342
مِنَ الْخاسِرِینَ» 1 . (1)
راجع:ص 166 (القسم الحادی عشر/الفصل الأوّل/حین وصل الخبر).
(2) 2904.مروج الذهب: یَقولُ مُسلِمُ بنُ قُتَیبَةَ مَولی بَنی هاشِمٍ:
عَینُ جودی بِعَبرَةٍ وعَویلِ وَاندُبی إن نَدَبتِ آلَ الرَّسولِ
وَاندُبی تِسعَةً لِصُلبِ عَلِیٍّ قَد اصیبوا وخَمسَةً لِعَقیلِ
وَابنَ عَمِّ النَّبِیِّ عَوناً أخاهُم لَیسَ فیما یَنوبُهُم بِخَذولِ
وسَمِیَّ النَّبِیِّ غودِرَ فیهِم قَد عَلَوهُ بِصارِمٍ مَصقولِ
وَاندُبی کَهلَهُم فَلَیسَ إذا ما عُدَّ فِی الخَیرِ کَهلُهُم کَالکُهولِ
لَعَنَ اللّهُ-حَیثُ کانَ-زِیاداً وَابنَهُ وَالعَجوزَ ذاتَ البُعولِ (3)
ص:343
(1) 2905.أنساب الأشراف: قالَ المُغیرَةُ بنُ نَوفَلِ بنِ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ:
أضحَکَنِی الدَّهرُ وأَبکانی وَ الدَّهرُ ذو صَرفٍ وأَلوانِ
یا لَهفَ نَفسی وهِیَ النَّفسُ لا تَنفَکُّ مِن هَمٍّ وأَحزانِ
عَلی اناسٍ قُتِلوا تِسعَةٍ بِالطَفِّ أمسَوا رَهنَ أکفانِ
وسِتَّةٍ ما إن أری مِثلَهُم بَنی عَقیلٍ خَیرِ فُرسانِ (2)
2906.الأمالی للشجری: قالَ المُغیرَةُ بنُ نَوفَلٍ الهاشِمِیُّ لِلجَرَّاحِ بنِ سِنانٍ (3)الأَسَدِیِّ لَمّا طَعَنَ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام:
إذا سَقَی اللّهُ عَبداً صَوبَ غادِیَةٍ فَلا سَقَی اللّهُ جَرَّاحاً مِنَ الدِّیَمِ
أعنی بِهِ ابنَ سِنانٍ شَرَّ مَن حَمَلَت اُنثی وَمِن شَرِّ مَن یَمشی عَلی قَدَمِ
شُلَّت یَمینُکَ مِن غادٍ بِمِعوَلِهِ عَلی فَتیً لَیسَ بِالوانی ولَا البَرِمِ
یا نَصرُ نَصرَ قَعینٍ کَیفَ نَومُکُمُ وقَد أتَیتُم عَظیماً لَیسَ بِالأَمَمِ (4)
حاشا جُذیمَةَ إنِّی غَیرُ ذاکِرِها ولا بَنی جابِرٍ لَم یَنطِفوا بِدَمِ
ص:344
قالَ أبو بَکرٍ:الجَرّاحُ بنُ سِنانٍ هذا-الَّذی طَعَنَ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام-مِن بَنی أسَدٍ،مِن بَنی نَصرِ بنِ قَعینٍ. (1)
2907.کامل الزیارات عن عمر بن عکرمة (2): أصبَحنا لَیلَةَ قَتلِ الحُسَینِ علیه السّلام بِالمَدینَةِ،فَإِذا مَولیً لَنا یَقولُ:سَمِعنا البارِحَةَ مُنادِیاً یُنادی ویَقولُ:
أیُّهَا القاتِلونَ جَهلاً حُسَیناً أبشِروا بِالعَذابِ وَالتَّنکیلِ
کُلُّ أهلِ السَّماءِ یَدعو عَلَیکُم مِن نَبِیٍّ ومُرسَلٍ وَقَبیلِ
قَد لُعِنتُم عَلی لِسانِ ابنِ داو دَ وذی الرّوحِ حامِلِ الإِنجیلِ (3)
یا جَعدُ بَکّیهِ ولا تَسأَمی بُکاءَ حَقٍّ لَیسَ بِالباطِلِ
عَلَی ابنِ بِنتِ الطّاهِرِ المُصطَفی وَابنِ ابنِ عَمِّ المُصطَفی الفاضِلِ
لَن تَغلِقی باباً عَلی مِثلِهِ فِی النّاسِ مِن حافٍ ولا ناعِلِ (1)
ص:346
نَماذِجُ مِنَ المَراثی الّتی انشِدَت فِی القَرنِ الثّانی
(1) 2909.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: قالَ جَعفَرُ بنُ عَفّانَ الطّائِیُّ یَرثِی الإِمامَ الحُسَینَ علیه السّلام:
لِیَبکِ عَلَی الإِسلامِ مَن کانَ باکِیاً فَقَد ضُیِّعَت أحکامُهُ واستُحِلَّتِ
غَداةَ حُسَینٌ لِلرِّماحِ دَرِیَّةً وقَد نَهَلَت مِنهُ السُّیوفُ وعَلَّتِ
وغودِرَ فِی الصَّحراءِ لَحماً مُبَدَّداً عَلَیهِ عِناقُ الطَّیرِ باتَت وظَلَّتِ
فَما نَصَرَتهُ امَّةُ السَّوءِ إذ دَعا لَقَد طاشَتِ الأَحلامُ مِنها وضَلَّتِ
بَلی قَد مَحَوا أنوارَهُم بِأَکُفِّهِم فَلا سَلِمَت تِلکَ الأَکُفُّ وشُلَّتِ
فَما حَفِظوا قُربَ الرَّسولِ ولا رَعَوا وزَلَّت بِهِم أقدامُهُم وَاستُزِلَّتِ
أذاقَتهُ حَرَّ القَتلِ امَّةُ جَدِّهِ هَفَت نَعلُها فِی کَربَلاءَ وزَلَّتِ
فَلا قَدَّسَ الرَّحمنُ مِنها نُفوسَها وإِن هِیَ صامَت لِلإِلهِ وصَلَّتِ
ص:347
کَما أفجَعَت بِنتَ الرَّسولِ بِنَسلِها وکانوا حُماةَ الحَربِ حَیثُ استَقَلَّتِ
وکانوا سُروراً ثُمَّ عادوا رَزِیَّةً لَقَد عَظُمَت تِلکَ الرَّزایا وجَلَّتِ 1
2910.أعیان الشیعة: مِن شِعرِ جَعفَرِ بنِ عَفّانَ الطّائِیِّ فی أهلِ البَیتِ علیهم السّلام قَولُهُ:
ألا یا عَینُ فَابکی ألفَ عامٍ وزیدی إن قَدَرتِ عَلَی المَزیدِ
إذا ذُکِرَ الحُسَینُ فَلا تَمَلّی وجودِی الدَّهرَ بِالعَبَراتِ جودی
فَقَد بَکَتِ الحَمائِمُ مِن شَجاها بَکَت لِأَلیفِها الفَردِ الوَحیدِ
بَکَینَ وما دَرَینَ وأَنتَ تَدری فَکَیفَ تَهُمُّ عَینُکَ بِالجُمودِ
أتَنسی سِبطَ أحمَدَ حینَ یُمسی ویُصبِحُ بَینَ أطباقِ الصَّعیدِ 2
3 2911.الأغانی عن علیّ بن إسماعیل التمیمی عن أبیه: کُنتُ عِندَ أبی عَبدِ اللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ علیه السّلام،
ص:348
إذِ استَأذَنَ آذِنَهُ السَّیِّدُ الحِمیَرِیُّ،فَأَمَرَهُ بِإِیصالِهِ،وأَقعَدَ حَرَمَهُ خَلفَ سِترٍ،ودَخَل فَسَلَّمَ وجَلَسَ،فَاستَنشَدَهُ،فَأَنشَدَ قَولَهُ:
اُمرُر عَلی جَدَثِ الحُسَینِ فَقُل لِأَعظُمِهِ الزَّکِیَّه
یا أَعظُماً لا زِلتِ مِن وَطفاءَ ساکِبَةٍ رَوِیَّه
وإذا مَرَرتَ بِقَبرِهِ فَأَطِل بِهِ وَقفَ المَطِیَّه
وَابکِ المُطَهَّرَ لِلمُطَهَّرِ وَالمُطَهَّرَةِ النَّقِیّه
کَبُکاءِ مُعوِلَةٍ أتَت یَوماً لِواحِدِهَا المَنِیَّه (1)
2912.أعیان الشیعة: لَهُ فی رِثاءِ الحُسَینِ علیه السّلام:
اُمرُر عَلی جَدَثِ الحُسَینِ و قُل لِأَعظُمِهِ الزَّکِیَّه
یا أعظُماً لا زِلتِ مِن وَطفاءَ ساکِبَةٍ رَوِیَّه
ما لَذَّ عَیشٌ بَعدَ رَضِّکِ بِالجِیادِ الأعوَجِیَّه
قَبرٌ تَضَمَّنَ طَیِّباً آباؤُهُ خَیرُ البَرِیَّه
آباؤُهُ أهلُ الرِّیاسَةِ وَ الخِلافَةِ وَالوَصِیَّه
وَالخَیرِ وَالشِّیَمِ المُهَذَّ بَةِ المُطَیَّبَةِ الرَّضِیَّه
فَإِذا مَرَرتَ بِقَبرِهِ فَأَطِل بِهِ وَقفَ المَطِیَّه
وَابکِ المُطَهَّرَ لِلمُطَهَّرِ وَ المُطَهَّرَةِ الزَّکِیَّه
کَبُکاءِ مُعوِلَةٍ غَدَت یَوماً بِواحِدِهَا المَنِیَّه
وَالعَن صَدی عُمَرَ بنَ سَعدٍ وَ المُلَمَّعَ بِالنَّقِیَّه
شِمَرِ بنَ جَوشَنٍ الَّذی طاحَت بِهِ نَفسٌ شَقِیَّه
ص:349
جَعَلُوا ابنَ بِنتِ نَبِیِّهِم غَرَضاً کَما تُرمَی الدَّرِیَّه
لَم یَدعُهُم لِقِتالِهِ إلّا الجُعالَةُ وَالعَطِیَّه
لَمّا دَعَوهُ لِکَی تَحَ کَّمَ فیهِ أولادُ البَغِیَّه
أولادُ أخبَثِ مَن مَشی مَرَحاً وأَخبَثِهِم سَجِیَّه
فَعَصاهُمُ وأَبَت لَهُ نَفسٌ مُعَزَّزَةٌ أبِیَّه
فَغَدَوا لَهُ بِالسّابِغاتِ عَلَیهِمُ (1)وَالمَشرَفِیَّه
وَالبیضِ وَالیَلَبِ (2)الیَما نی وَالطِّوالِ السَّمهَرِیَّه
وهُمُ الوفٌ وَهوَ فی سَبعینَ نَفسٍ هاشِمِیَّه
فَلَقَوهُ فی خَلَفٍ لِأَح مَدَ مُقبِلینَ مِنَ الثَّنِیَّه
مُستَیقِنینَ بِأَنَّهُم سیقوا لِأَسبابِ المَنِیَّه
یا عَینُ فَابکی ما حَییتُ عَلی ذَوِی الذِّمَمِ الوَفِیَّه
لا عُذر فی تَرکِ البُکا ءِ دَماً وأَنتِ بِهِ حَرِیَّه 3
4
2913.شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: لَمّا قُتِلَ زَیدُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام فی سَنَةِ اثنَتَینِ وعِشرینَ
ص:350
ومِئَةٍ فی خِلافَةِ هِشامِ بنِ عَبدِ المَلِکِ...قالَ الفَضلُ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ مِن قَصیدَةٍ لَهُ طَویلَةٍ:...
أینَ قَتلی مِنّا بَغَیتُم عَلَیهِم ثُمَّ قَتَّلتُموهُمُ ظالِمینا
أرجعوا هاشِماً ورُدّوا أبَا الیَق ظانَ وَابنَ البُدَیلِ فی آخَرینا
قُتِلوا بِالطُّفوفِ یَومَ حُسَینٍ مِن بَنی هاشِمٍ،ورُدّوا حُسَینا
أینَ عَمرٌو وأَینَ بِشرٌ وقَتلی مَعَهُم بِالعَراءِ ما یُدفَنونا
أرجِعوا عامِراً ورُدّوا زُهَیراً ثُمَّ عُثمانَ،فَارجِعوا عازِمینا
وَارجِعوا الحُرَّ وَابنَ قَینٍ وقَوماً قُتِلوا حینَ جاوَزوا صِفّینا
وَارجِعوا هانِئاً ورُدّوا إلَینا مُسلِماً وَالرُّواعَ فی آخَرینا (1)
لَن تَرُدّوهُمُ إلَینا ولَسنا مِنکُمُ غَیرَ ذلِکُم قابِلینا (2)
2914.کفایة الأثر عن الکمیت بن أبی المستهل: دَخَلتُ عَلی سَیِّدی أبی جَعفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِیٍّ
ص:351
الباقِرِ علیه السّلام فَقُلتُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! إنِّی قَد قُلتُ فیکُم أبیاتاً،أفَتَأذَنُ لی فی إنشادِها؟ فَقالَ:إنَّها أیَّامُ البیضِ ! قُلتُ:فَهُوَ فیکُم خاصَّةً.قالَ:هاتِ،فَأَنشَأتُ أقولُ:
أضحَکَنِی الدَّهرُ وأَبکانی وَالدَّهرُ ذو صَرفٍ وَأَلوانِ
لِتِسعَةٍ بِالطَّفِّ قَد غودِروا صاروا جَمیعاً رَهنَ أکفانِ
فَبَکی علیه السّلام وبَکی أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام،وسَمِعتُ جارِیَةً تَبکی مِن وَراءِ الخِباءِ،فَلَمّا بَلَغتُ إلی قَولی:
وسِتَّةٍ لا یُتَجاری (1)بِهِم بَنو عَقیلٍ خَیرُ فِتیانِ
ثُمَّ عَلِیُّ الخَیرِ مَولاکُمُ ذِکرُهُمُ هَیَّجَ أحزانی
فَبَکی ثُمَّ قالَ علیه السّلام:ما مِن رَجُلٍ ذَکَرَنا أو ذُکِرنا عِندَهُ فَخَرَجَ مِن عَینَیهِ ماءٌ ولَو قَدرُ مِثلِ جَناحِ البَعوضَةِ،إلّابَنَی اللّهُ لَهُ بَیتاً فِی الجَنَّةِ،وجَعَلَ ذلِکَ حِجاباً بَینَهُ وبَینَ النّارِ.
فَلَمّا بَلَغتُ إلی قَولی:
مَن کانَ مَسروراً بِما مَسَّکُم أو شامِتاً یَوماً مِنَ الآنِ
فَقَد ذَلَلتُم بَعدَ عِزٍّ فَما أدفَعُ ضَیماً حینَ یَغشانی
أخَذَ بِیَدی وقالَ:اللّهُمَّ اغفِر لِلکُمَیتِ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وما تَأَخَّرَ. (2)
ص:352
2915.الروضة المختارة: قالَ الکُمَیتُ رَحِمَهُ اللّهُ تَعالی:
ومِن أکبَرِ الأحداثِ کانَت مُصیبَةً عَلَینا قَتیلُ الأَدعِیاءِ المُلَحَّبُ
قَتیلٌ بِجَنبِ الطَّفِّ مِن آلِ هاشِمٍ فَیا لَکَ لَحماً لَیسَ عَنهُ مُذَبَّبُ (1)
ومُنَعفِرُ الخَدَّینِ مِن آلِ هاشِمٍ ألا حَبَّذا ذاکَ الجَبینُ المُتَرَّبُ (2)
2916.الروضة المختارة: وَقالَ أیضاً رَضِیَ اللّهُ عَنهُ:
ومِن عَجَبٍ لَم أقضِهِ أنَّ خَیلَهُم لِأَجوافِها تَحتَ العَجاجَةِ أزمُلُ
یُحَلِّئنَ عَن ماءِ الفُراتِ وظِلِّهِ حُسَیناً (3)ولَم یُشهَر عَلَیهِنَّ مُنصَلُ
کَأَنَّ حُسَیناً وَالبَهالیلُ حَولَهُ لِأَسیافِهِم ما یَختَلِی المُتَبَقِّلُ
یَخُضنَ بِهِ مِن آلِ أحمَدَ فِی الوَغی دَماً ظَلَّ مِنهُم کَالبَهیمِ المُحَجَّلُ
وغابَ نَبِیُّ اللّهِ عَنهُم وفَقدُهُ عَلَی النَّاسِ رُزءٌ ما هُناکَ مُجَلَّلُ
فَلَم أرَ مَخذولاً أجَلَّ مُصیبَةً وأَوجَبَ مِنهُ نُصرَةً حینَ یُخذَلُ
یُصیبُ بِهِ الرّامونَ عَن قَوسِ غَیرِهِم فَیا آخِراً أسدی لَهُ الغَیُّ أوَّلُ
تَهافَتَ ذِبّانُ المَطامِعِ حَولَهُ فَریقانِ شَتّی ذو سِلاحٍ وأَعزَلُ
إذا شَرَعَت فیهِ الأَسِنَّةُ کَبَّرَت غُواتُهُمُ مِن کُلِّ أوبٍ وهَلَّلوا
فَما ظَفِرَ المُجری إلَیهِم بِرَأسِهِ ولا عُذِلَ الباکی عَلَیهِ المُوَلوِلُ
فَلَم أرَ مَوتورینَ أهلَ بَصیرَةٍ وحَقٍّ لَهُم أیدٍ صِحاحٌ وأَرجُلُ
کَشیعَتِهِ وَالحَربُ قَد ثُفِیَت لَهُم أمامَهُمُ قِدرٌ تَجیشُ ومِرجَلُ
ص:353
فَریقانِ هذا راکِبٌ فی عَداوَةٍ وباکٍ عَلی خِذلانِهِ الحَقَّ مُعوِلُ
فَما نَفَعَ المُستَأخِرینَ نَکیصُهُم ولا ضَرَّ أهلَ السّابِقاتِ التَعَجُّلُ (1)
2917.الروضة المختارة: وقالَ أیضاً:
ووَصِیُّ الوَصِیِّ ذِی الخِطَّةِ الفَصلِ ومُردِی الخُصومِ یَومَ الخِصامِ
وقَتیلٌ بِالطَّفِّ غودِرَ مِنهُ بَینَ غَوغاءِ امَّةٍ وطَغامِ...
وتُطیلُ المُرَزَّآتُ المَقالیتُ (2) عَلَیهِ القُعودَ بَعدَ القِیامِ
یَتَعَرَّفنَ حُرَّ وَجهٍ عَلَیهِ عُقبَةُ السَّروِ ظاهِراً وَالوِسامِ
قُتِلَ الأَدعِیاءُ إذ قَتَلوهُ أکرَمُ الشارِبینَ صَوبَ الغَمامِ...
وأَبُو الفَضلِ إنَّ ذِکرَهُمُ الحُلوَ بِفِیَّ الشِّفاءُ لِلأَسقامِ...
لا ابالی ولَن ابالِیَ فیهِم أبَداً رَغمَ ساخِطینَ رِغامِ
فَهُمُ شیعَتی وقِسمی مِنَ الاُمَّةِ حَسبی مِن سائِرِ الأَقسامِ...
وَلِهَت نَفسِیَ الطَّروبُ إلَیهِم وَلَهاً حالَ دونَ طَعمِ الطَّعامِ (3)
2918.إبصار العین: یَقولُ الکُمَیتُ بنُ زَیدٍ الأَسَدِیُّ [فی حَبیبِ بنِ مُظاهِرٍ وأَنَسِ بنِ الحَرثِ الکاهِلِیِّ]:
سِوی عُصبَةٍ فیهِم حَبیبٌ مُعَفَّرٌ قَضی نَحبَهُ وَالکاهِلِیُّ مُرَمَّلُ (4)
ص:354
2919.نسبُ مَعد -فی ذکرِ أبی الشعثاء-:قُتِلَ مَعَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام بِالطَّفِّ،وذکَرَهُ الکُمَیتُ فی قَصیدَتِهِ:
ومالَ أبُو الشَّعثاءِ أشعَثَ دامِیاً وإِنَّ أبا حِجرٍ قَتیلٌ مُزَمَّلُ (1)
(2) 2920.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: لِمَنصورِ بنِ سَلَمَةَ بنِ الزِّبرِقانِ النَّمِرِیِّ مِن قَصیدَةٍ جَیِّدَةٍ [یَرثی بِها الإِمامَ الحُسَینَ علیه السّلام ]:
مَتی یَشفیکَ دَمعُکَ مِن هُمولِ ویَبرُدُ ما بِقَلبِکَ مِن غَلیلِ
وقَد شَرَقَت رِماحُ بَنی زِیادٍ بِرَیٍّ مِن دِماءِ بَنِی الرَّسولِ
فُؤادَکَ وَالسُّلُوَّ فَإِنَّ قَلبی لَیَأبی أن یَعودَ إلی ذُهولِ
فَیا طولَ الأَسی مِن بَعدِ قَومٍ اُدیرَ عَلَیهِمُ کَأسُ الاُفولِ
تَعاوَرُهُم أسِنَّةُ آلِ حَربٍ وأَسیافٌ قَلیلاتُ الفُلولِ...
اریقَ دَمُ الحُسَینِ ولَم یُراعوا وفِی الأَحیاءِ أمواتُ العُقولِ
فَدَت نَفسی جَبینَکَ مِن جَبینٍ جَری دَمُهُ عَلَی الخَدِّ الأَسیلِ
ص:355
أیَخلو قَلبُ ذی وَرَعٍ ودینٍ مِنَ الأَحزانِ وَالأَلَمِ الطَّویلِ
وأَوصالُ الحُسَینِ بِبَطنِ قاعٍ مَلاعِبُ للدَّبورِ ولِلقَبولِ
بِتُربَةِ کَربَلاءَ لَهُ دِیارٌ نِیامُ الأَهلِ دارِسَةُ الطُّلولِ
تَحِیّاتٌ ومَغفِرَةٌ ورَوحٌ عَلی تِلکَ المَحِلَّةِ والحُلولِ
قَتیلٌ ما قَتیلُ بَنی زِیادٍ ألا بِأَبی ونَفسِیَ مِن قَتیلِ
بَرِئنا یارَسولَ اللّهِ مِمَّن أصابَکَ بِالأَذِیَّةِ وَالذُّحولِ (1)
2921.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ولِمَنصورِ بنِ سَلَمَةَ-هذا-مِن قَصیدَةٍ جَیِّدَةٍ جِدّاً:
نَفسی فِداءُ الحُسَینِ یَومَ غَدا إلَی المَنایا غُدُوَّ لا قافِل
ذلِکَ یَومٌ أنی بِکَلکَلِهِ عَلی سَنامِ الإِسلامِ وَالکاهِل
مَظلومَةٌ وَالنَّبِیُّ والِدُها تُدیرُ أرجاءَ مُقلَةِ حافِل
ألا مَساعیرُ یَغضَبونَ لَها بِسَلَّةِ البیضِ وَالقَنَا الذَّابِل
کَم مَیِّتٍ مِنهُم بِغُصَّتِهِ مُغتَرِبَ القَبرِ (2)بِالعَرا نازِل
ما أنتَجَت حَولَهُ قَرابَتُهُ عِندَ مُقاساةِ یَومِهِ النّازِل (3)
ص:356
نَماذِجُ مِنَ المَراثی الَّتی انشِدَت فِی القَرنِ الثّالِثِ
(1) 2922.الأمالی للشجری عن أحمد بن القاسم: أنشَدَنی أبوطالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِاللّهِ الجَعفَرِیُّ:
لِی نَفسٌ تُحِبُّ فِی اللّهِ وَاللّهِ حُسَیناً ولا تُحِبُّ یَزیدا
یَابنَ أکّالَةِ الکُبودِ لَقَد أنضَجتَ مِن لابِسِی الکِساءِ الکُبودا
أیَّ هَولٍ رَکِبتَ عَذَّبَکَ الرَّحمنُ فی نارِهِ عَذاباً شَدیدا
لَهفَ نَفسی عَلی یزیدَ وأَشیاعِ یَزیدٍ ضَلّوا ضَلالاً بَعیدا
یا أَبا عَبدِ اللّهِ یَابنَ رَسولِ اللّهِ یا أَکرَمَ البَرِیَّةِ عودا
لَیتَنی کُنتُ یَومَ کُنتَ فَاُمسی فیکَ فی کَربَلا قَتیلاً شَهیدا. (2)
ص:357
(1) 2923.مختصر أخبار شعراء الشیعة: قالَ دِعبِلٌ:لَمّا قُلتُ:«مَدارِسُ آیاتٍ»نَذَرتُ ألّا اسمِعَها أحَداً قَبلَ الرِّضا علیه السّلام،فَسِرتُ إلَیه؛وکانَ وَلِیَّ عَهدِ المَأمونِ بِخُراسانَ،فَلَمّا وَصَلتُ إلَیهِ أنشَدتُهُ إیّاها فَاستَحسَنَها وقالَ:لا تُنشِدها أحَداً حَتّی آمُرَکَ.وَاتَّصَلَ خَبَری بِالمَأمونِ فَأَحضَرَنی وأَمرَنی بِإِنشادِها،فَقُلتُ:لا أعرِفُها،فَقالَ:یا غُلامُ ! سَل ابنَ عَمِّیَ الرِّضا أن یَحضُرَ،فَلَمّا حَضَرَ قالَ لَهُ:یا أَبَا الحَسَنِ،إنّی قُلتُ لِدعبِلٍ یُنشِدُنی «مَدارِسُ آیاتٍ»فَذَکَرَ أنَّهُ لا یَعرِفُها ! فَالتَفَتَ إلَیَّ الرِّضا علیه السّلام،وقالَ:أنشِدها، فَاندَفَعتُ انشِدُ:
تَجاوَبنَ بِالإِرنانِ وَالزَّفَراتِ نَوائِحُ عُجمِ اللَّفظِ وَالنَّطِقاتِ...
مَدارِسُ آیاتٍ خَلَت مِن تِلاوَةٍ ومَنزِلُ وَحیٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ
لِآلِ رَسولِ اللّهِ بِالخَیفِ مِن مِنی وبِالبَیتِ وَالتَّعریفِ وَالجَمَراتِ
دِیارٌ لِعَبدِ اللّهِ بِالخَیفِ مِن مِنی وَلِلسَیِّدِ الدّاعی إلَی الصَّلَواتِ
دِیارُ عَلِیٍّ وَالحُسَینِ وَجَعفَرٍ وَحَمزَةَ وَالسَّجادِ ذِی الثَّفِناتِ
ص:358
دِیارٌ لِعَبدِ اللّهِ وَالفَضلِ صِنوِهِ نَجِیِّ رَسولِ اللّهِ فِی الخَلَواتِ
وسِبطَی رَسولِ اللّهِ وَابنَی وَصِیِّهِ ووارثِ عِلمِ اللّهِ وَالحَسَناتِ...
أفاطِمُ لَو خِلتِ الحُسَینَ مُجَدَّلاً وقَد ماتَ عَطشاناً بِشَطِّ فُراتِ
إذَن لَلَطَمتِ الخَدَّ فاطِمُ عِندَهُ وأَجرَیتِ دَمعَ العَینِ فِی الوَجَناتِ
أفاطِمُ قومی یَابنَةَ الخَیرِ وَاندُبی نُجومَ سَماواتٍ بِأَرضِ فَلاةِ
قُبورٌ بِکوفانٍ،واُخری بِطَیبَةٍ واُخری بِفَخٍّ نالَها صَلَواتِ
وَاُخری بِأَرضِ الجَوزَجانِ مَحِلُّها وقَبرٌ بِباخَمری لَدَی الغُرُباتِ
وقَبرٌ بِبَغدادٍ لِنَفسٍ زَکِیَّةٍ تضَمَّنَها الرَّحمانُ فِی الغُرُفاتِ (1)
فَأَمَّا المُهِمّاتُ الَّتی لَستُ بالِغاً مَبالِغَها مِنّی بِکُنهِ صِفاتِ
قُبورٌ بِبَطنِ النَّهرِ مِن أرضِ کَربَلا مُعَرَّسُهُم مِنها بِشَطِّ فُراتِ
تُوُفّوا عُطاشی بِالفُراتِ فَلَیتَنی تُوُفّیتُ فیهِم قَبلَ حینَ وَفاتی
وآلُ رَسولِ اللّهِ تُسبی حَریمُهُم وآلُ زِیادٍ آمِنُوا السَّرَباتِ
وآلُ زِیادٍ فِی القُصورِ مَصونَةٌ وآلُ رَسولِ اللّهِ فِی الفَلَواتِ
إلَی اللّهِ أشکو لَوعَةً عِندَ ذِکرِهِم سَقَتنی بِکَأسِ الذُّلِّ وَالفَظَعاتِ... (2)
2924.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: لِدِعبلٍ مِن قَصیدَةٍ طَویلَةٍ [فی رِثاءِ الإِمامِ السِّبطِ الشَّهیدِ علیه السّلام ]:
ص:359
أأَسبَلتَ دَمعَ العَینِ بِالعَبَراتِ وَبِتَّ تُقاسی شِدَّةَ الزَّفَراتِ
وتَبکی عَلی آثارِ آلِ مُحَمَّدٍ وقَد ضاقَ مِنکَ الصَّدرُ بِالحَسَراتِ
ألا فَابکِهِم حَقّاً وأَجرِ عَلَیهِمُ عُیوناً لِرَیبِ الدَّهرِ مُنسَکِباتِ
ولا تَنسَ فی یَومِ الطُّفوفِ مُصابَهُم بِداهِیَةٍ مِن أعظَمِ النَّکَباتِ
سَقَی اللّهُ أجداثاً عَلی طَفِّ کَربَلا مَرابِعَ أمطارٍ مِنَ المُزُناتِ
وصَلِّ عَلی روحِ الحُسَینِ وجِسمِهِ طَریحاً عَلَی النَّهرَینِ بِالفَلَواتِ
قَتیلاً بِلا جُرمٍ یُنادی لِنَصرِهِ فَریداً وَحیداً أینَ أینَ حُماتی
أأنسی وهذا النَّهرُ یَطفَحُ ظامِئاً قَتیلاً ومَظلوماً بِغَیرِ تِراتِ
فَقُل لابنِ سَعدٍ:أبعَدَ اللّهُ سَعدَهُ سَتَلقی عَذابَ النّارِ وَاللَّعَناتِ
سَأَندِبُ طولَ الدَّهرِ ما هَبَّتِ الصَّبا وأَقنُتُ بِالآصالِ وَالغُدُواتِ
عَلی مَعشَرٍ ضَلّوا جَمیعاً عَنِ الهُدی وأَلقَوا رَسولَ اللّهِ بِالکُرُباتِ
لَقَد رَفَعوا رَأسَ الحُسَینِ عَلَی القَنا وساقوا نِساهُ حُسَّراً وَلِهاتِ (1)
2925.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: وَلِدعبِلٍ مِن قَصیدَةٍ أیضاً:
إن کُنتَ مَحزوناً فَما لَکَ تَرقُدُ هَلّا بَکَیتَ لِمَن بَکاهُ مُحَمَّدُ
هَلّا بَکَیتَ عَلَی الحُسَینِ وَقَتلِهِ إنَّ البُکاءَ عَلَی الحُسَینِ لَیُحمَدُ
فَلَقَد بَکَتهُ مِنَ السَّماءِ مَلائِکٌ زُهرٌ کِرامٌ راکِعونَ وسُجَّدُ
لَم یَحفَظوا حَقَّ النَّبِیِّ مُحَمَّدٍ إذ جَرَّعوهُ حَرارَةً ما تَبرُدُ
أنسَیتَ إذ سارَت إلَیهِ کَتائِبٌ فیهَا ابنُ سَعدٍ وَالطُّغاةُ الجُحَّدُ
فَسَقَوهُ مِن جُرَعِ الحُتوفِ بِمَشهَدٍ کَثُرَ العَدُوُّ بِهِ وقَلَّ المُسعِدُ
ص:360
ثُمَّ استَباحوا الطّاهِراتِ حَواسِراً فَالشَّملُ مِن بَعدِ الحُسَینِ مُبَدَّدُ
وتَضَعضَعَ الإِسلامُ یَومَ مُصابِهِ فَالدّینُ یَبکی فَقدَهُ وَالسُّؤدَدُ
کَیفَ القَرارُ وفِی السَّبایا زَینَبٌ تَدعو شَجاً،یا جَدَّنا یا أَحمَدُ
هذا حُسَینٌ بِالسُّیوفِ مُقَطَّعٌ مُتَخَضِّبٌ بِدِمائِهِ مُستَشهَدُ
عارٍ بِلا کَفَنٍ صَریعٌ فِی الثَّری تَحتَ الحَوافِرِ وَالسَّنابِکِ یُخضَدُ
وَالطَّیِّبونَ بَنوکَ قَتلی حَولَهُ فَوقَ التُّرابِ ذَبائِحٌ لا تُلحَدُ
یا جَدُّ مِن ثُکلی وطولِ مُصیبَتی فیما اعایِنُهُ أقومُ وَأَقعُدُ
یا جَدُّ قَد مُنِعوا الفُراتَ وقُتِّلوا عَطَشاً فَکانَ مِنَ الدِّماءِ المَورِدُ
یا جَدُّ إنَّ الکَلبَ یَشرَبُ آمِناً رِیّاً ونَحنُ عَنِ الفُراتِ نُطَرَّدُ (1)
2926.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی عن دعبل: حَدَّثَنی أبی عَن جَدّی عَن امِّهِ سُعدی بِنتِ مالِکٍ الخُزاعِیَّةِ...أنَّها سَمِعَت لَیلَةَ قَتلِ الحُسَینِ علیه السّلام نَوحَ الجِنِّ،فَحَفِظَت مِن جِنِیَّةٍ مِنهُم هذَینِ البَیتَینِ:
یَابنَ الشَّهیدِ ویا شَهیداً عَمُّهُ خَیرُ العُمومَةِ جَعفَرُ الطَّیّارُ
عَجباً لِمَصقولٍ أصابَکَ حَدُّهُ فِی الوَجهِ مِنکَ وقَد عَلاکَ غُبارُ.
قالَ دِعبلٌ:فَقُلتُ فی قَصیدَةٍ لی تَشتَمِلُ عَلی هذینِ البَیتَینِ:
زُر خَیرَ قَبرٍ بِالعِراقِ یُزارُ وَاعصِ الحِمارَ فَمَن نَهاکَ حِمارُ
لِمَ لا أزورُکَ یا حُسَینُ لَکَ الفِدا قَومی ومَن عَطَفَت عَلَیهِ نِزارُ
ولَکَ المَوَدَّةُ فی قُلوبِ ذَوِی النُّهی وعَلی عَدُوِّکَ مَقتَةٌ ودَمارُ
ص:361
یَا بنَ الشَّهیدِ ویا شهیداً عَمُّهُ خَیرُ العُمومَةِ جَعفَرُ الطَّیّارُ
عَجَباً لِمَصقولٍ أصابَکَ حَدُّهُ فِی الوَجهِ مِنکَ وقَد عَلاهُ غُبارُ. (1)
2927. الأمالی للمفید عن یحیی بن أکثم المروزی: أقدَمَ المَأمونُ دِعبِلَ بنَ عَلِیٍّ الخُزاعِیَّ رحمه الله وأَمَّنَهُ عَلی نَفسِهِ،فَلَمّا مَثُلَ بَینَ یَدَیهِ،وکُنتُ جالِساً بَینَ یَدَی المَأمونِ،فَقالَ لَهُ:أنشِدنی قَصیدَتَکَ الکَبیرَةَ،فَجَحَدَها دِعبِلٌ،وأَنکَرَ مَعرِفَتَها،فَقالَ لَهُ:لَکَ الأَمانُ عَلَیها کَما أمَّنتُکَ عَلی نَفسِکَ،فَأَنشَدَهُ:
تَأَسَّفَت جارَتی لَمّا رَأَت زَوَری (2) وعَدَّتِ الحِلمَ ذَنباً غَیرَ مُغتَفَرِ
تَرجو الصِّبا بَعدَما شابَت ذَوائِبُها وقَد جَرَت طَلَقاً فی حَلبَةِ الکِبَرِ
أجارَتی إنَّ شَیبَ الرَّأسِ یُعلِمُنی ذِکرَ المَعادِ وإِرضائی عَنِ القَدَرِ
لَو کُنتُ أرکَنُ لِلدُّنیا وزینَتِها إذاً بَکَیتُ عَلَی الماضینَ مِن نَفَرِ
أخنَی الزَّمانُ عَلی أهلی فَصَدَّعَهُم تَصَدُّعَ الشِّعبِ لاقی صَدمَةَ الحَجَرِ
بَعضٌ أقامَ وبَعضٌ قَد أصاتَ بِهِ داعِی المَنِیَّةِ وَالباقی عَلَی الأثَرِ
أمَّا المُقیمُ فَأَخشی أن یُفارِقَنی ولَستُ أوبَةَ مَن وَلّی بِمُنتَظِرِ
أصبَحتُ اخبِرُ عَن أهلی وعَن وَلَدی کَحالِمٍ قَصَّ رُؤیا بَعدَ مُدَّکَرِ
لَولا تَشاغُلُ نَفسی بِالاُولی سَلَفوا مِن أهلِ بَیتِ رَسولِ اللّهِ لَم أقِرِ...
کَم مِن ذِراعٍ لَهُم بِالطَّفِّ بائِنَةٍ وعارِضٍ بِصَعیدِ التُّربِ مُنعَفِرِ
أمسَی الحُسَینُ ومَسراهُم بِمَقتَلِهِ وهُم یَقولونَ هذا سَیِّدُ البَشَرِ
یا امَّةَ السَّوءِ ما جازَیتِ أحمَدَ عَن حُسنِ البَلاءِ عَلَی التَّنزیلِ وَالسُّوَرِ
خَلَفتُموهُ عَلَی الأَبناءِ حینَ مَضی خِلافَةَ الذِّئبِ فی إنقاذِ ذی بَقَرِ
ص:362
قالَ یَحیی:وأَنفَذَنی المَأمونُ فی حاجَةٍ،أقَمتُ وعُدتُ إلَیهِ وقَدِ انتَهی دِعبِلٌ إلی قولِهِ:
لَم یَبقَ حَیٌّ مِنَ الأَحیاءِ نَعلَمُهُ مِن ذی یَمانٍ ولا بَکرٍ ولا مُضَرِ
إلّا وهُم شُرَکاءُ فی دِمائِهِمُ کَما تَشارَکَ أیسارٌ عَلی جُزُرِ
قَتلاً وأَسراً وتَخویفاً ومَنهَبَةً فِعلَ الغُزاةِ بِأَرضِ الرّومِ وَالخَزَرِ
أری امَیَّةَ مَعذورینَ إن قَتَلوا ولا أری لِبَنِی العَبّاسِ مِن عُذُرِ
قَومٌ قَتَلتُم عَلَی الإِسلامِ أوَّلَهُم حَتّی إذَا استَملَکوا جازَوا عَلَی الکُفُرِ
أبناءُ حَربٍ ومَروانَ واُسرَتُهُم بَنو مَعیطٍ وُلاةُ الحِقدِ وَالوَغَرِ
أربِع بِطوسٍ عَلی قَبرِ الزَّکِیِّ بِها إن کُنتَ تَربَعُ مِن دینٍ عَلی وَطَرِ
هَیهاتَ کُلُّ امرئٍ رَهنٌ بِما کَسَبَت لَهُ یَداهُ فَخُذ ما شِئتَ أو فَذَرِ (1)
2928.المناقب لابن شهر آشوب: [وَ لَهُ أیضاً فی رِثاءِ الإِمامِ السِّبطِ علیه السّلام ]:
رَأسُ ابنِ بِنتِ مُحَمَّدٍ ووَصِیِّهِ لِلنّاظِرینَ عَلی قَناةٍ یُرفَعُ
وَالمُسلِمونَ بِمَنظَرٍ وبِمَسمَعٍ لا مُنکِرٌ مِنهُم ولا مُتَفَجِّعُ
کُحِلت بِمَنظَرِکَ العُیونُ عَمایَةً وأَصَمَّ رُزؤُکَ کُلَّ اذنٍ تَسمَعُ
أیقَظتَ أجفاناً وکُنتَ لَها کَریً وأَنَمتَ عَیناً لَم تَکُن بِکَ تَهجَعُ
ص:363
ما رَوضَةٌ إلّاتَمَنَّت أنَّها لَکَ مَنزِلٌ ولِخَطِّ قَبرِکَ مَضجَعُ (1)
2929.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ولِدِعبِلٍ أیضاً مِن قَصیدَةٍ:
مَنازِلُ بَینَ أکنافِ الغَرِیِّ إلی وادی المِیاهِ إلَی الطُّوِیِّ
تَرَکنَ الدَّمعَ یَنبَعُ مِن فُؤادی کَما نَبَعَ الدِّفاعُ مِنَ الرَّکِیِّ
لَقَد شَغَلَ الدُّموعَ عَنِ الغَوانی مُصابُ الأَکرَمینَ بَنی عَلِیِّ
ألَم یَحزُنکَ أنَّ بَنی زِیادٍ أصابوا بِالتِّراتِ بَنِی النَّبِیِّ
وأَنَّ بَنِی الحَصانِ تَعیثُ فیهِم عَلانِیَةً سُیوفُ بَنِی البَغِیِّ
ألا فَقِفِ الدُّموعَ عَلی حُسَینٍ ! وذِکرِکَ مَصرَعِ الحَبرِ التَّقِیِّ
فَیا أسَفی عَلی هَفَواتِ دَهرٍ تُقَتَّلُ فیهِ أولادُ الزَّکِیِّ (2)
ما أَنتَ مِنّی ولا رَبعاکَ لی وَطَرُ الهَمُّ أملَکُ بی وَالشَّوقُ وَالفِکَرُ
وراعَها أنَّ دَمعی فاضَ مُنتَثِراً لا أو تَری کَبِدی لِلحُزنِ تَنتَثِرُ
أینَ الحُسَینُ وقَتلی مِن بَنی حَسَنٍ وجَعفَرٍ وعَقیلٍ غَالَهُم عُمَرُ
قَتلی یَحِنُّ إلَیهَا البَیتُ وَالحَجَرُ شَوقاً وتَبکیهِمُ الآیاتُ وَالسُّوَرُ
لا دَرَّ دَرُّ الأَعادی عِندَما وَتَروا ودَرَّ دَرُّکِ ما تَحوینَ یا حُفَرُ
لَمّا رَأَوا طُرُقاتِ الصَّبرِ مُعرِضَةً إلی لِقاءٍ ولُقیا رَحمَةٍ صَبَروا
قالوا لِأَنفُسِهِم یا حَبَّذا نَهَلٌ مُحَمَّدٌ وعَلِیٌّ بَعدَهُ صَدَرُ
رِدوا هَنیئاً مَریئاً آلَ فاطِمَةٍ حَوضَ الرَّدی فَارتَضوا بِالقَتلِ وَاصطَبِروا
الحَوضُ حَوضُکُمُ وَالجَدُّ جَدُّکُمُ وعِندَ رَبِّکُمُ فی خَلقِهِ غِیَرُ
أبکیکُمُ یا بَنِی التَّقوی واُعوِلُکُم وأَشرَبُ الصَّبرَ وهوَ الصّابُ وَالصَّبِرُ
أبکیکُمُ یا بَنی آلِ الرَّسولِ ولا عَفَّت مَحَلَّکُمُ الأَنواءُ وَالمَطَرُ
فی کُلِّ یَومٍ لِقَلبی مِن تَذَکُّرِکُم تَغریبَةٌ وَلِدَمعی فیکُمُ سَفَرُ
مَوتاً وقَتلاً بِهاماتِ مُفَلَّقَةٍ مِن هاشِمٍ غابَ عَنهَا النَّصرُ وَالظَّفَرُ
کَفی بِأَنَّ أناةَ اللّهِ واقِعَةٌ یَوماً وللّهِ ِ فی هذَا الوَری نَظَرُ (1)
2931.أدب الطفّ: و قالَ مِن مَرثِیَّةٍ فِی الحُسَینِ علیه السّلام:
أصبَحتُ مُلقیً فِی الفِراشِ سَقیماً أجِدُ النَّسیمَ مِنَ السَّقامِ سُموما
ماءٌ مِنَ العَبَراتِ حَرّی أرضُهُ لَو کانَ مِن مَطَرٍ لَکانَ هَزیما (2)
وبَلابِلٌ لَو أنّهُنَّ مآکِلٌ لَم تُخطِئِ الغِسلینَ وَالزَّقوما
وکَریً یُرَوِّعُنی سُریً لَو أنَّهُ ظِلٌّ لَکانَ الحَرَّ وَالیَحموما
ص:365
مَرَّت بِقَلبی ذِکرَیاتُ بَنِی الهُدی فَنَسیتُ مِنهَا الرَّوحَ وَالتَّهویما
ونَظَرتُ سِبطَ مُحَمَّدٍ فی کَربَلا فَرداً یُعانی حُزنَهُ المَکظوما
تَنحو أضالِعَهُ سُیوفُ امَیَّةٍ فَتَراهُمُ الصَّمصومَ فَالصَّمصوما
فَالجِسمُ أضحی فِی الصَّعیدِ مُوَزَّعاً وَالرَّأسُ أمسی فِی الصِّعادِ کَریما (1)
2932.أدب الطفّ: و قالَ أیضاً:
یا عَینُ لا لِلغَضا ولَا الکُتُبِ بُکا الرَّزایا سِوی بُکَا الطَّرَبِ
جودی وجُدِّی بِمِلءِ جَفنِکِ ثُ مَّ احتَفِلی بِالدُّموعِ وَانسَکِبی
یا عَینُ فی کَربَلا مَقابِرُ قَد تَرَکنَ قَلبی مَقابِرَ الکُرَبِ
مَقابرٌ تَحتَها مَنابِرُ مِن عِلمٍ وحِلمٍ ومَنظَرٍ عَجَبِ
مِنَ البَهالیلِ آلِ فاطِمَةٍ أهلِ المَعالی [وَ] (2)السّادَةِ النُّجُبِ
کَم شَرَقَت مِنهُمُ السُّیوفُ وکَم رُوِّیَتِ الأَرضُ مِن دَمٍ سَرِبِ
نَفسی فداءٌ لَکُم ومَن لَکُمُ نَفسی واُمّی واُسرَتی وأَبی
لا تَبعُدوا یا بَنِی النَّبِیِّ عَلی أن قَد بَعُدتُم وَالدَّهرُ ذو نُوَبِ
فَکَّرتُ فیکُم وفِی المُصابِ فَما انفَکَّ فُؤادی یَعومُ فی عَجَبِ
ما زِلتُمُ فِی الحَیاةِ بَینَهُمُ بَینَ قَتیلٍ وبَینَ مُستَلَبِ
یَومٌ أصابَ الضُّحی بِظُلمَتِهِ وقَنَّعَ الشَّمسَ مِن دُجَی الغَهَبِ (3)
وغادَرَ المُعوِلاتِ مِن هاشِمِ ال خَیرِ حَیاری مَهتوکَةَ الحُجُبِ
تُمری عُیوناً عَلی أبی حَسَنٍ مَخفوقَةً بِالکَلامِ وَالنُّدَبِ
ص:366
تَغمُرُ رَبعَ الهُمومِ أعیُنُها بِالدَّمعِ حُزناً لِرَبعِها الخَرِبِ
تَئِنُّ وَالنَّفسُ تَستَدیرُ بِها رَحیً مِنَ المَوتِ مُرَّةُ القُطُبِ (1)
(2) 2933.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی عن أبی النجم بدر بن إبراهیم الدینوری: لِلشافِعِیِّ مُحَمَّدِ بنِ إدریسَ:
تَأَوَّبَ هَمّی وَالفُؤادُ کَئیبُ وأَرَّقَ نَومی فَالرُّقادُ غَریبُ
ومِمّا نَفی نَومی وشَیَّبَ لِمَّتی تَصاریفُ أیّامٍ لَهُنَّ خُطوبُ
فَمَن مُبلِغٌ عَنِّی الحُسَینَ رِسالَةً وإِن کَرِهَتها أنفُسٌ وقُلوبُ
قَتیلاً بِلا جُرمٍ کَأَنَّ قَمیصَهُ صَبیغٌ بِماءِ الاُرجُوانِ خَضیبُ
فَللِسَّیفِ إعوالٌ ولِلرُّمحِ رَنَّةٌ ولِلخَیلِ مِن بَعدِ الصَّهیلِ نَحیبُ
تَزَلزَلَتِ الدُّنیا لِآلِ مُحمَّدٍ وکادَت لَهُم صُمُّ الجِبالِ تَذوبُ
وغارَت نُجومٌ وَاقشَعَرَّت کَواکِبٌ وهُتِّکَ أستارٌ وشُقَّ جُیوبُ
یُصَلَّی عَلَی المَهدِیِّ مِن آلِ هاشِمٍ وتُغزی بَنوهُ إنَّ ذا لَعَجیبُ
لَئِن کانَ ذَنبی حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ فَذلِکَ ذَنبٌ لَستُ عَنهُ أتوبُ
هُمُ شُفَعائی یَومَ حَشری ومَوقِفی إذا کَثَرَتنی یَومَ ذاکَ ذُنوبُ (3)
ص:367
(1) 2934.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: لِبَعضِهِم (2)عاشورِیَّةٌ طَویلَةٌ اختَرنا مِنها هذِهِ الأَبیاتِ:
إذا جاءَ عاشورٌ تَضاعَفَ حَسرَتی لآلِ رَسولِ اللّهِ وَانهَلَّ دَمعَتی
هُوَ الیَومُ فیهِ اغبَرَّتِ الأَرضُ کُلُّها شُجوناً عَلَیهِم وَالسَّماءُ اقشَعَرَّتِ
مَصائِبُ ساءَت کُلَّ مَن کانَ مُسلِماً ولکِنَّ عُیونَ الفاجِرینَ أقَرَّتِ
إذا ذَکَرَت نَفسی مُصیبَةَ کَربَلا وأَشلاءَ ساداتٍ بِها قَد تَفَرَّتِ
أضاقَت فُؤادی وَاستَباحَت تَجَلُّدی وزادَت عَلی کَربی وعَیشی أمَرَّتِ
بِنَفسی خُدودٌ فِی التُّرابِ تَعَفَّرَت بِنَفسی جُسومٌ بِالعَراءِ تَعَرَّتِ
بِنَفسی رَؤوسٌ مُشرِقاتٌ عَلَی القَنا إلَی الشّامِ تُهدی بارِقاتُ الأَسِرَّةِ (3)
بِنَفسی شِفاهٌ ذابِلاتٌ مِنَ الظَّما ولَم تُروَ مِن ماءِ الفُراتِ بِقَطرَةِ
بِنَفسی عُیونٌ غائِراتٌ شَواخِصٌ إلَی الماءِ مِنها نَظرَةٌ بَعدَ نَظرَةِ
بِنَفسِیَ مِن آلِ النَّبِیِّ خَرائِدٌ حَواسِرُ لَم یُرأَف عَلَیها بِسَترَةِ
تَفیضُ دُموعاً بِالدِّماءِ مَشوبَةً کَقَطرِ الغَوادی مِن مَدامِعَ ثَرَّةِ
ص:368
عَلی خَیرِ قَتلی مِن کُهولٍ وفِتیَةٍ مَصالیتُ أنجادٍ إذَا الخَیلُ کَرَّتِ
رَبیعُ الیَتامی وَالأَرامِلِ فِی المَلا دَوارِسُ لِلقُرآنِ فی کُلِّ سَحرَةِ
وأَعلامُ دینِ المُصطَفی ووُلاتُهُ وأَصحابُ قُربانٍ وحَجٍّ وعُمرَةِ
یُنادینَ یا جَدَّاهُ أیَّةُ مِحنَةٍ تَراها عَلَینا مِن امَیَّةَ مَرَّتِ
ضَغائِنُ بَدرٍ بَعدَ سِتّینَ اظهِرَت وکانَت أجَنَّت فِی الحَشا وأَسَرَّتِ
شَهدِتُ بِأَن لَم تَرضَ نَفسٌ بِهذِهِ وَفیها مِنَ الإِسلامِ مِثقالُ ذَرَّةِ
کَأَنّی بِبِنتِ المُصطَفی قَد تَعَلَّقَت یَداها بِساقِ العَرشِ وَالدَّمعَ أذرَتِ
وفی حِجرِها ثَوبُ الحُسَینِ مُضَرَّجاً وعَنها جَمیعُ العالَمینَ بِحَسرَةِ (1)
(2) 2935.شعرُ ابنِ المعتزّ: قالَ یَرثِی الحُسَینَ علیه السّلام:
کَم قَتیلٍ لَکَ بِالطَّفِّ غالی أرخَصَتهُ غَفَلاتُ العَوالی
غادَرَتهُ الحَربُ یَومَ تَوَلّی مَیِّتَ الناصِرِ حَیَّ المَعالی
ساکِنَ اللَّحظَةِ یَسخو بِنَفسٍ صانَها السِّلمُ لِیَومِ القِتالِ
صادِیاً یَحمی مَوارِدَ ماءٍ مُنتَضی الصَّفوَةِ عَذبَ الزُّلالِ
ص:369
صافَحَ الأَرضَ بِخَدٍّ أسیلٍ طالَما أشرَقَ عِندَ السُّؤالِ
حَرَّ أنفاسی لِیَومِ حُسَینٍ وإلَیهِ حَنَّ وَفدُ مَقالی
لَکَ نَفسی مِن قَتیلٍ وقَلَّت یَومَ یَدعُو المُعَلَّمونَ نَزالِ
مُستَضیفٌ مَشرَعَ الماءِ یَقری ظُبَةَ النَّصلِ ووَقعَ النِّبالِ
یُطفِئُ النَّخوَةَ مِن کُلِّ قَرنٍ باِختِضابِ السَّیفِ وَالنَّقعُ عالی... (1)
2936.أدبُ الطفّ -مِن قَصیدَةٍ لِعَبدِ اللّهِ بنِ المُعتَزِّ-:
ولا عَجَبٌ غَیرَ قَتلِ الحُسَینِ ظَمآنَ یُقصی عَنِ المَشرَبِ
فَیا أسَداً ظَلَّ بَینَ الکِلابِ تَنهَشُهُ دامِیَ المِخلَبِ
لَئِن کانَ رَوَّعَنا فَقدُهُ وفاجَأَ مِن حَیثُ لَم یُحسَبِ
وکَم قَد بَکینا عَلَیهِ دَماً بِسُمرٍ مُثَّقَفَةِ الأَکعُبِ
وبیضٍ صَوارِمَ مَصقولَةٍ مَتی یُمتَحَن وَقعُها تَشرَبِ
وکَم مِن شِعارٍ لَنا بِاسمِهِ یُجَدَّدُ مِنها عَلَی المُذنِبِ
وکَم مِن سَوادٍ حَدَدنا بِهِ وتَطویلَ شَعرٍ عَلَی المَنکِبِ
ونَوحٍ عَلَیهِ لَنا بِالصَّهیلِ وصَلصَلَةِ اللُّجمِ فی مِنقَبِ
وذاکَ قَلیلٌ لَهُ مِن بَنی أبیهِ ومَنصِبِهِ الأَقرَبِ (2)
إنَّ الکِرامَ بَنِی النَّبِیِّ مُحَمَّدٍ خَیرِ البَرِیَّةِ رائِحٍ أو غادی
قَومٌ هَدَی اللّهُ العِبادَ بِجَدِّهِم وَالمُؤثِرونَ الضَّیفَ بِالأَزوادِ
کانوا إذا نَهَلَ القَنا بِأَکُفِّهِم سَلَبُوا السُّیوفَ أعالِیَ الأَغمادِ
ولَهُم بِجَنبِ الطَّفِّ أکرَمُ مَوقِفٍ صَبَروا عَلَی الرَّیَبِ الفَظیعِ العادی
حَولَ الحُسَینِ مُصَرَّعینَ کَأَنَّما کانَت مَنایاهُم عَلی میعادِ (1)
2938.المجدی: وَجَدتُ لِأَبِی العَبّاسِ الفَضلِ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ الفَضلِ فی جَدِّهِ العَبّاسِ السَّقّاءِ ابنِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام:
إنِّی لَأَذکُرُ لِلعَبّاسِ مَوقِفَهُ بِکَربَلاءَ وهامُ القَومِ تُختَطَفُ
یَحمِی الحُسَینَ ویَسقیهِ عَلی ظَما ولا یُوَلّی ولا یُثنی فَیُختَلَفُ
فَلا أری مَشهَداً یَوماً کَمَشهَدِهِ مَعَ الحُسَینِ عَلَیهِ الفَضلُ وَالشَّرَفُ
أکرِم بِهِ مَشهَداً بانَت فَضائِلُهُ وما أضاعَ لَهُ أفعالَهُ خَلَفُ (3)
2939.شرح الأخبار: یَقولُ الفَضلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام [فی
ص:371
رِثاءِ جَدِّهِ العَبّاسِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام ]:
أحَقُّ الناسِ أن یُبکی عَلَیهِ فَتی (1)أبکَی الحُسَینَ بِکَربَلاءِ
أخوهُ وَابنُ والدِهِ عَلِیٍّ أبُو الفَضلِ المُضَرَّجُ بِالدِّماءِ
ومَن واساهُ لا یُثنیهِ شَیءٌ وجَاءَ لَهُ عَلی عَطَشٍ بِماءِ (2)
(3) 2940.مختصر أخبار شعراء الشیعة: ولَهُ یَرثِی الإِمامَ الحُسَینَ علیه السّلام:
سَلِّم عَلی قَبرِ الحُسَینِ وقُل صَلّی عَلَیکَ اللّهُ مِن قَبرِ
وسَقاکَ صَوبَ الغادِیاتِ ولا زالَت عَلَیکَ رَوائِحٌ تَسری
یَابنَ النَّبِیِّ وخَیرَ امَّتِهِ بَعدَ النَّبِیِّ مَقالُ ذی خُبرِ
ماذا تَحَمَّلَ قاتِلوکَ مِنَ ال آصارِ وَالأَعباءِ وَالوِزرِ
ما تَنقَضی حَسَراتُ ذی وَرَعٍ ودَمُ الحُسَینِ عَلَی الثَّری یَجری
ودِماءُ إخوَتِهِ وشیعَتِهِ مُستَلحِمونَ بِشَاطِئِ النَّهرِ
خُذِلوا وقلَّ هُناکَ ناصِرُهُم فَاستَعصَموا بِاللّهِ وَالصَّبرِ
مُستَقدِمینَ عَلی بَصائِرِهِم لا یَنکِصونَ لِرَوعَةِ الذُّعرِ
تَغشی مَنایاهُم وُجوهَهُمُ قُبُلاً ولا یُؤلونَ مِن دُبرِ
ص:372
یَأبَونَ أن یُعطُوا الدَّنِیَّةَ أو یَرضَوا مُهادَنَةً عَلی قَسرِ
فَابکِ الحُسَینَ بِمَدمَعٍ قَرِحٍ وَابکِ الحُسَینَ بِوابِلٍ غُزرِ
حَقَّ البُکاءُ لَهُ وَحَقَّ لَهُ حُسنُ الثَّناءِ وطَیِّبُ النَّشرِ (1)
ص:373
ص:374
2941.أدب الطفّ -مِن قَصیدَةٍ لِلحُسَینِ بنِ الحَجَّاجِ البَغدادیِّ یَقولُ فیها-:
أباحوا دَمَ المَقتولِ بِالطَّفِّ بَعدَما سَقَوهُ کُؤوسَ المَوتِ بِالبیضِ وَالأَسَل (2)
وَتَاللّهِ ما أنساهُ بِالطَّفِّ صائِلاً کَمَا اللَّیثُ فی سِربِ النِّعاجِ إذا حَمَل
یُنَهنِهُ عَنهُ القَومَ یُمنی ویَسرَةً ویَصبِرُ لِلحَربِ الشَّنیعِ إذَا اشتَعَل
فَلَهفی لِمَن کانَ النَّبِیُّ قَلوصَهُ (3) فَیا خَیرَ مَحمولٍ ویا خَیرَ مَن حَمَل
یُقَبِّلُ فاهُ مَرَةً بَعدَ مَرَّةٍ ویَنکِتُهُ أهلُ البَدائِعِ وَالزَّلَل (4)
ص:375
2942.الغدیر: لَهُ فی رِثاءِ الإِمامِ السِّبطِ الشَّهیدِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ قَولُهُ:
حَیِّ قَبراً بِکَربَلا مُستَنیرا ضَمَّ کَنزَ التُّقی وعِلماً خَطیرا
وأَقِم مَأتَمَ الشَّهیدِ وأَذرِف مِنکَ دَمعاً فِی الوَجنَتَینِ غَزیرا
وَالتَثِم تُربَةَ الحُسَینِ بِشَجوٍ وأَطلِ بَعدَ لَثمِکَ التَّعفیرا
ثُمَّ قُل:یا ضَریحَ مَولایَ سُقی تَ مِنَ الغَیثِ هامِیاً جَمهَریرا
فیکَ مَن هَدَّ قَتلُهُ عُمُدَ الدّی نِ وقَد کانَ بِالهُدی مَعمورا
آهِ وا حَسرَتی لَهُ وهوَ بِالسَّی فِ نَحیرٌ أفدَیتُ ذاکَ النَّحیرا
آهِ إذ ظَلَّ طَرفُهُ یَرمُقُ الفِس طاطَ خَوفاً عَلَی النِّساءِ غَیورا
آهِ إذ أقبَلَ الجَوادُ عَلَی النِّس وانِ یَنعاهُ بِالصَّهیلِ عَفیرا
فَتَبادَرنَ بِالعَویلِ وهَتَّک نَ الاَقراطَ بارِزاتِ الشُّعورا
وتَبادَرنَ مُسرِعاتٍ مِن الخِد رِ ومِن قَبلُ مُسبَلاتِ السُّتورا
ولَطَمنَ الخُدودَ مِن ألَمِ الثُّکلِ وغادَرنَ بِالنِّیاحِ الخُدورا
ثُمَّ لَمّا رَأَینَ رَأسَ حُسَینٍ فَوقَ رُمحٍ حَکَی الهِلالَ المُنیرا
ص:376
صِحنَ بِالذُلِّ أیُّهَا النّاسُ لِمَ نُس بی ولَم نَأتِ فِی الأَنامِ نَکیرا
ما لَنا لا نَری لِآلِ رَسولِ اللّ هِ فیکُم یا هؤُلاءِ نَصیرا (1)
2943.الغدیر: ولَهُ أیضاً:
آهِ یا کَربلاءُ کَم فیکِ مِن کَر بٍ لِنَفسٍ شَجِیَّةٍ وبَلاءِ
أأَلذُّ الحَیاةَ بَعدَ قَتیلِ الطَّفِّ ظُلماً-إذَن-لَقَلَّ حَیائی
کَیفَ ألتَذُّ شُربَ ماءٍ وقَد جُرِّ عَ کَأسَ الرَّدی بِکَربِ الظَّماءِ
کَیفَ لا اسلَبُ العَزاءَ إذا مَثَّلتُهُ عارِیاً سَلیبَ الرِّداءِ
کَیفَ لا تَسکُبُ الدُّموعَ عُیونی بَعدَ تَضریجِ شَیبِهِ بِالدِّماءِ
تَطأُ الخَیلُ جِسمَهُ فِی ثَرَی الطَّ فِّ وجِسمی یَلتَذُّ لینَ الوِطاءِ
بِأَبی زَینَبٌ وقَد سُبِیَت بِال ذُّلِّ مِن خِدرِها کَسَبیِ الإِماءِ
فَإِذا عایَنَتهُ مُلقیً عَلَی التُر بِ مُعرَّیً مُجَدَّلاً بِالعَراءِ
أقبَلَت نَحوَهُ فَیَسمَعُهَا الشِّم رُ فَتَدعو فی خیفَةٍ وخَفاءِ:
أیُّهَا الشِّمرُ خَلِّنی أتَزَوَّد نَظرَةً مِنهُ فَهیَ أقصی مُنائی
ثُمَّ تَدعو الحُسَینَ:لِمَ یا شَقیقی وَابنَ امّی خَلَّفتَنی بِشَقائی
یا أَخی یَومُکَ العَظیمُ بَری عَظمی وأَضنی جِسمی وَأَوهی قُوائی
یا أَخی کُنتُ أرتَجیکَ لِمَوتی وحَیاتی فَخابَ مِنّی رَجائی
یا أَخی لَو فَدی مِنَ المَوتِ شَخصٌ کُنتُ أفدیکَ بی وقَلَّ فِدائی
یا أَخی لا حَبیبَ بَعدَکَ بَل لا عِشتُ إلّابِمُقلَةٍ عَمیاءِ... (2)
2944.الغدیر: وَ لَهُ یَرثی بِها الإِمامَ السِّبطَ الشَّهیدَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ:
لا تَأمَنِ الدَّهرَ إنَّ الدَّهرَ ذو غِیَرٍ وذو لِسانَینِ فِی الدُّنیا ووَجهَینِ
ص:377
أخنی عَلی عِترَةِ الهادی فَشَتَّتَهُم فَما تَری جامِعاً مِنهُم بِشَخصَینِ
کَأَنَّما الدَّهرُ آلی أن یُبَدِّدَهُم کَعاتِبٍ ذی عِنادٍ أو کَذی دَینِ
بَعضٌ بِطَیبَةَ مَدفونٌ وبَعضُهُمُ بِکَربَلاءَ وَبَعضٌ بِالغَرِیَّینِ
وأَرضِ طوسٍ وسامَرّا وقَد ضَمِنَت بَغدادُ بَدرَینِ حَلّا وَسطَ قَبرَینِ
یا سادَتی ألِمَن أبکی أسیً ولِمَن أبکی بِجَفنَینِ مِن عَینَی قَریحَینِ
أبکی عَلَی الحَسَنِ المَسمومِ مُصطَلَماً أمِ الحُسَینِ لُقیً بَینَ الخَمیسَینِ
أبکی عَلَیهِ خَضیبَ الشَّیبِ مِن دَمِهِ مُعَفَّرَ الخَدِّ مَحزوزَ الوَریدَینِ
وزَینَبٌ فی بَناتِ الطُّهرِ لاطِمَةً وَالدَّمعُ فی خَدِّها قَد خَدَّ خَدَّینِ
تَدعوهُ:یا واحِداً قَد کُنتُ آمُلُهُ حَتَّی استَبَدَّت بِهِ دونی یَدُ البَینِ
وَالسِّبطُ فی غَمَراتِ المَوتِ مُشتَغِلٌ بِبَسطِ کَفَّینِ أو تَقبیضِ رِجلَینِ
لا یَستَطیعُ جَواباً لِلنِّداءِ سِوی یومی بِلَحظَینِ مِن تَکسیرِ جَفنَینِ. (1)
2945.أدب الطفّ: قَصیدَةٌ لِأَبی بَکرِ بنِ دُرَیدٍ الأَزدِیِّ فی أهلِ البَیتِ علیهم السّلام [ثُمَّ یُعَرِّجُ فیها عَلی رِثاءِ السِّبطِ الشَّهیدِ علیه السّلام،یَقولُ]:
ص:378
حَتّی أطافوا بِالحُسَینِ وقَد عَطَفَ البَلاءُ وقَلَّ مُنجِدُهُ
فَرَمَوهُ عَن غَرَضٍ ولَیسَ لَهُ مِن مَلجأٍ إلّامُهَنَّدُهُ
وصَمیمُ اسرَتِهِ وخُلصَتِهِ ونَأَی فَلَم یَشهَدهُ أحمَدُهُ
لَو أنَّ حَمزَتَهُ وجَعفَرَهُ وعَلِیَّه إذ ذاکَ یَشهَدُهُ
ما رامَتِ الطُّلَقاءُ حَوزَتَهُ بَل عَمَّها بِالذُّعرِ مَنهَدُهُ (1)
مَنَعوهُ وِردَ الماءِ وَیلَهُمُ وحِماهُ لَم یُمنَع تَوَرُّدُهُ
خَمساً ادیمَ عَلَیهِ سَرمَدُهُ وأَشَدُّ وَقعِ الشَّرِ سَرمَدُهُ
حَتّی إذا حامَت مُناجَزَةٌ فی صَدرِ یَومٍ غابَ أسعَدُهُ
ثاروا إلَیهِ فَثارَ لا وَکِلاً (2) وأَمامَهُ عَزمٌ یُؤَیِّدُهُ
کَالقَرمِ رَدَّدَ فی لَغادِدِهِ (3) هَدراً یُرَدِّدُهُ ویُرعِدُهُ
وَالخَیلُ تُرهِقُهُ فَیُرهِقُها ضَرباً یَفُضُّ البیضَ أهوَدُهُ
حَتّی إذَا القَتلُ استَحَرَّ بِهِم فی مأزِقٍ ضَنکٍ مُقَصَّدُهُ
وتُخُرِّمَت أنصارُهُ وخَلا کَاللَّیثِ لَم یَنکُل تَجَلُّدُهُ
ثَبتَ الجَنابِ عَلی بَصیرَتِهِ وَالعَزمُ لَم یَنقُص تَأَکُّدُهُ
وتَعاوَرَتهُ ظُبی سُیوفِهِمُ فَتُقیمُهُ طَوراً وتُقعِدُهُ
حَتّی هَوی فَهَوی بِناءُ عُلاً وَاجتُثَّ مُنتَزَعاً مُوَطَّدُهُ
طَمَسوا بِمَقَتلِهِ الهُدی طُمِسَت عَنهُم مَناهِجُهُ وأَنجُدُهُ
وَتَرُوا النَّبِیَّ بِهِ وقَد وَتَرُوا الرّوحَ الأَمینَ غَداةَ یَشهَدُهُ
ص:379
لَعَنَ الإِلهُ بَنی امَیَّةَ ما غَنّی عَلی فَنَنٍ مُغَرِّدُهُ (1)
2946.أدب الطفّ: القاضی أبو حَنیفَةَ المَغرِبِیُّ [صاحِبُ کتابِ شَرحِ الأَخبارِ،فی ارجوزَةٍ لَهُ یَقولُ فیها]:
وجاءَ بِالوَعظِ وبِالتَّحذیرِ لَهُم بِقَولٍ جامِعٍ کَثیرِ
فَلَم یَزِدهُم ذاکَ إلّاحَنَقا ومَنَعُوا الماءَ وسَدُّوا الطُّرُقا
حَتّی إذا أجهَدَهُ حَرُّ العَطَش وقَد تَغَطّی بِالهَجیرِ وَافتَرَش
حَرارَةَ الرَّمضاءِ نادی وَیلَکُم أرَی الکِلابَ فِی الفُراتِ حَولَکُم
تَلِغُ فِی الماءِ وتَمنَعونا وقَد تَعِبنا وَیحَکُم فَاسقونا
قالوا لَهُ لَستَ تَنالُ الماءا حَتّی تَنالَ کَفُّکَ السَّماءا
قالَ فَما تَرَونَ فِی الأَطفالِ وسائِرِ النِّساءِ وَالعِیالِ
بَنی عَلِیٍّ وبَناتِ فاطِمَه عُیونُهُم تَهمی لِذاکَ ساجِمَه
فَهَل لَکُم أن تَترُکوا الماءَ لَهُم فَإِنَّکُم قَد تَعلَمونَ فَضلَهُم
فَإِن تَرَونی عِندَکُم عَدُوَّکُم فَشَفِّعوا فی وَلَدی نَبِیَّکُم
ص:380
فَلَم یَرَوا جَوابَهُ وشَدّوا عَلَیهِ فَاستَعَدَّ وَاستَعَدّوا
فَثَبتوا أصحابُهُ (1)تَکَرُّما مِن بَعدِ أن قَد عَلِموا وعَلِما
بِأَنَّهُم فی عَدَدِ الأَمواتِ لِما رَأَوا مِن کَثرَةِ العُداةِ
فَلَم یَنالوا مِنهُمُ قَتیلا حَتّی شَفی مِنَ العِدَی الغَلیلا
وَاستُشهِدوا کُلُّهُمُ مِن بَعدِما قَد قَتَلوا أضعافَهُم تَقَحُّما
وَاستُشهِدَ الحُسَینُ صَلّی رَبُّهُ عَلَیهِ لَمّا أن تَوَلّی صَحبُهُ (2)
2947.دیوان أبی فراس: قالَ فی أهلِ البَیتِ علیهم السّلام:
ومُهَفهَفٍ کَالغُصنِ حُسنُ قِوامِهِ وَالظَّبیُ مِنهُ إذا رَنا عَیناهُ
إن لَم أکُن أهواهُ أو أهوَی الرَّدی فِی العالَمینَ لِکُلِّ ما یَهواهُ
فَحُرِمتُ قُربَ الوَصلِ مِنهُ مِثلَما حُرِمَ الحُسَینُ الماءَ وهوَ یَراهُ
إذ قالَ:اِسقونی فَعُوِّضَ بِالقَنا مِن شُربِ عَذبِ الماءِ ما أَرواهُ
فَاحتُزَّ رأسٌ طالَما مِن حِجرِهِ أدنَتهُ کَفّا جَدِّهِ ویَداهُ
یَومٌ بِعَینِ اللّهِ کانَ وإِنَّما یُملی لِظُلمِ الظّالِمینَ اللّهُ
ص:381
یَومٌ عَلَیهِ تَغَیَّرَت شَمسُ الضُّحی وبَکَت دَماً مِمّا رَأَتهُ سَماهُ
لا عُذرَ فیهِ لِمُهجَةٍ لَم تَنفَطِر أو ذی بُکاءٍ لَم تَفِض عَیناهُ
تَبّاً لِقَومٍ تابَعوا أهواءَهُم فیما یَسوؤُهُمُ غَداً عُقباهُ
لَو لَم تُنَزَّل فیهِ إلّا«هَل أتی» مِن دونِ کُلِّ مُنَزَّلٍ لَکَفاهُ
مَن کانَ أوَّلَ مَن جَنَی القُرآنَ مِن لَفظِ النَّبِیِّ ونُطقِهِ وتَلاهُ
أظَننَتُمُ أن تَقتُلوا أولادَهُ ویُظِلُّکُم یَومَ المَعادِ لِواهُ!
أو تَشرَبوا مِن حَوضِهِ بِیَمینِهِ کَأساً وقَد شَرِبَ الحُسَینُ دِماهُ ! (1)
2948.مقتل الحسین: لِبَدیعِ الزَّمانِ أحمَدِ بنِ الحُسَینِ الهَمَدانِیِّ:
یَا لِمَّةً ضَرَبَ الزَّمانُ عَلی مُعَرَّسِها خِیامَه
للّهِ ِ دَرُّکِ مِن خُزامی رَوضَةٍ عادَت ثَغامَه (3)
لِرَزِیَّةٍ قامَت بِها لِلدّینِ أشراطُ القِیامَه
لِمُضرَّجٍ بِدَمِ النُّبُوَّةِ ضارِبٍ بِیَدِ الإِمامَه
مُتَقَسَّمٍ بِظُبا السُّیوفِ مُجَرَّعٍ مِنها حِمامَه
ص:382
مُنِعَ الوُرودَ وماؤُهُ مِنهُ عَلی طَرَفِ الثُّمامَه (1)
نَصَبَ ابنُ هِندٍ رَأسَهُ فَوقَ القَنا نَصبَ العَلامَه
ومُقَبَّلٍ کانَ النَّبِیُّ بِلَثمِهِ یَشفی غَرامَه
قَرَعَ ابنُ هِندٍ بِالقَضیبِ عِذابَهُ فَرطَ استِضامَه
وشَدا بِنَغمَتِهِ عَلَیهِ وصَبَّ بِالفَضَلاتِ جامَه
وَالدّینُ أبلَجُ ساطِعٌ وَالعَدلُ ذو خالٍ وشامَه (2)
2949.وفیات الأعیان: لَمّا هَدَمَ المُتَوَکِّلُ قَبرَ الحُسَینِ بنِ عَلِیِّ بنِ أبی طالبٍ علیه السّلام فی سَنَةِ (236 ه ) (4)قالَ (5)البَسامِیُّ:
تَاللّهِ إن کانَت امَیَّةُ قَد أتَت قَتلَ ابنِ بِنتِ نَبِیِّها مَظلوما
فَلَقَد أتاهُ بَنو أبیهِ بِمِثلِهِ هذا لَعَمرُکَ قَبرُهُ مَهدوما
أسِفوا عَلی أن لا یَکونوا شارَکوا فی قَتلِهِ فَتَتَبَّعوهُ رَمیما (6)(7)
ص:383
2950.دیوان تمیم ابن معزّ الدین الفاطمی: [مِن قَصیدَةٍ یَرثی فیها أهلَ البَیتِ علیهم السّلام ]:
نَأَت بَعدَما بانَ العَزاءُ سُعادُ فَحَشوُ جُفونِ المُقلَتَینَ سُهادُ
ثَوَت لِیَ أسلافٌ کِرامٌ بِکَربَلا هُمُ لِثُغورِ المُسلِمینَ سَدادُ
أصابَتهُمُ مِن عَبدِ شَمسٍ عَداوَةٌ وعاجَلَهُم بِالنّاکِثینَ حَصادُ
فَکَیفَ یَلَذُّ العَیشُ عَفواً وقَد سَطا وجارَ عَلی آلِ النَّبِیِّ زِیادُ...
فَکَم کُربَةٍ فی کَربَلاءَ شَدیدَةٍ دَهاهُم بِها لِلنّاکِثینَ کِیادُ...
تُداسُ بِأَقدامِ العُصاةِ جُسومُهُم وتَدرُسُهُم جُردٌ هُناکَ جِیادُ
تُضیمُهُمُ بِالقَتلِ امَّةُ جَدِّهِم سِفاهاً وعَن ماءِ الفُراتِ تُذادُ
فَماتوا عُطاشی صابِرینَ عَلَی الوَغی ولَم یَجبُنوا بَل جالَدوا فَأَجادوا
ولَم یَقبَلوا حُکمَ الدَّعِیِّ لِأَنَّهُم تَسامَوا وسادوا فِی المُهودِ وقادوا
ولکِنَّهُم ماتوا کِراماً أعِزَّةً وعاشَ بِهِم قَبلَ المَماتِ عِبادُ
وکَم بِأَعالی کَربَلا مِن حَفائِرَ بِها جُثَثُ الأَبرارِ لَیسَ تُعادُ
بِها مِن بَنِی الزَّهراءِ کُلُّ سَمَیدَعٍ جَوادٍ إذا أعیا الأَنامَ جَوادُ
مُعَفَّرَةٌ فی ذلِکَ التُّربِ مِنهُمُ وُجوهٌ بِها کانَ النَّجاحُ یُفادُ
فَلَهفی عَلی قَتلِ الحُسَینِ ومُسلِمٍ وخِزیٌ لِمَن عاداهُما وبِعادُ...
ص:384
تُساقُ عَلَی الإِرغامِ قَسراً نِساؤُهُم سَبایا إلی أرضِ الشَّآمِ تُقادُ
یُسَقنَ إلی دارِ اللَّعینِ صَواغِراً کما سِیقَ فی عَصفِ الرِّیاحِ جَرادُ
کَأنَّهُمُ فَیءُ النَّصاری وإِنَّهُم لَأَکرَمُ مَن قَد عَزَّ عَنهُ قِیادُ
یَعُزُّ عَلَی الزَّهراءِ ذِلَّةُ زَینَبٍ وقَتلُ حُسَینٍ وَالقُلوبُ شِدادُ
وقَرعُ یَزیدٍ بِالقَضیبِ لِسِنِّهِ لَقَد مَجَسوا أهلُ الشَّآمِ وهادوا (1)
2951.مقتل الحسین: لِأَبِی الحَسَنِ الجَوهَرِیِّ مِن قَصیدَةٍ طَویلَةٍ [یَقولُ فیها]:
أهَلَّ عاشورُ یا لَهفی عَلَی الدّینِ خُذوا حِدادَکُمُ یا آلَ یاسینِ
الیَومَ شُقِّقَ جَیبُ الدّینِ وَانتُهِبَت بَناتُ أحمَدَ نَهبَ الرّومِ وَالصّینِ
الیَومَ قامَ بِأَعلَی الطَّفِّ نادِبُهُم یَقولُ مَن لِیَتیمٍ أو لِمِسکینِ
الیَومَ خَرَّت نُجومُ الفَخرِ مِن مُضَرٍ عَلی مَناخِرِ تَذلیلٍ وتَوهینِ
الیَومَ خُضِّبَ شَیبُ المُصطَفی بِدَمٍ أمسی عَبیرَ نُحورِ الخُرَّدِ العینِ...
یا امَّةً وَلِیَ الشَّیطانُ رایَتَها ومُکِّنَ الغَیُّ مِنها کُلَّ تَمکینِ
یَابنَی زِیادٍ وهِندٍ تَرجُوانِ غَداً رَوحَ الجِنانِ بِمَقذوفٍ ومَلعونِ
مَا المُرتَضی وبَنوهُ مِن مُعاوِیَةٍ ومَا الفَواطِمُ مِن هِندٍ ومَیسونِ
ص:385
آلُ الرَّسولِ عَبادیدُ (1)السُّیوفِ فَمِن سارٍ عَلی وَجهِهِ خَوفاً ومَسجونِ
یاعَینُ لا تَدَعی شَیئاً لِغادِیَةٍ تَهمی ولا تَدَعی دَمعاً لِمَحزونِ
سُحّی عَلی جَدَثٍ بِالطَّفِّ وَانتَفِضی بِکُلِّ لُؤلُؤِ دَمعٍ فیکِ مَکنونِ
یا آلَ أحمَدَ إنَّ الجَوهَرِیَّ لَکُم سَیفٌ یُقَطِّعُ عَنکُم کُلَّ مَوضونِ (2)(3)
2952.المناقب: [لِأَبِی القاسِمِ الزّاهی مِن قَصیدَةٍ یَقولُ فیها]:
اُعاتِبُ عَینی إذا قَصَّرَت وأَفنی دُموعی إذا ما جَرَت
لِذِکراکُمُ یا بَنِی المُصطَفی دُموعی عَلَی الخَدِّ قَد سُطِّرَت
لَکُم وعَلَیکُم جَفَت غُمضَها جُفونی عَنِ النَّومِ وَاستَشعَرَت
أمِثِّلُ أجسادِکُم بِالعِراقِ وفیها الأَسِنَّةُ قَد کُسِّرَت
أمِثلُکُمُ فی عِراصِ الطُّفوفِ بُدورٌ تَکَسَّفُ إذ أقمَرَت
غَدَت أرضُ یَثرِبَ مِن جَمعِکُم کَخَطِّ الصَّحیفَةِ إذ أقَفَرَت
وأَضحی بِکُم کَربَلا مَغرِباً لِزُهرِ النُّجومِ إذا أغوَرَت
ص:386
کَأَنِّی بِزَینَبَ حَولَ الحُسَینِ ومِنها الذَّوائِبُ قَد نُشِّرَت
تُمَرِّغُ فی نَحرِهِ شَعرَها وتُبدی مِنَ الوَجدِ ما أضمَرَت
وفاطِمَةُ عَقلُها طائِرٌ إذِ السَّوطَ فی جَنبِها أبصَرَت
ولِلسِّبطِ فَوقَ الثَّری شَیبَةٌ بِفَیضِ دَمِ النَّحرِ قَد عُفِّرَت
ورَأسُ الحُسَینِ أمامَ الرِّفاقِ کَغُرَّةِ صُبحٍ إذا أسفَرَت (1)
2953.الغدیر: و لَهُ فی رِثائِهِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ قَولُهُ:
إبکِ یا عَینُ إبکِ آلَ رَسولِ اللّ هِ حَتّی تُخَدَّ مِنکِ الخُدودُ
وتَقَلَّب یا قَلبُ فی ضَرَمِ الحُزنِ فَما فِی الشَّجا لَهُم تَفنیدُ
فَهُمُ النَّخلُ باسِقاتٌ کَما قالَ سَوامٍ لَهُنَّ طَلعٌ نَضیدُ
وهُمُ فِی الکتابِ زَیتونَةُ النّورِ وفیها لِکُلِّ نارٍ وَقودُ
وبِأَسمائِهِم إذا ذُکِرَ اللّهُ بِأَسمائِهِ اقتِرانٌ أکیدُ
غادَرَتهُم حَوادِثُ الدَّهرِ صَرعی کُلُّ شَهمٍ بِالنَّفسِ مِنهُ یَجودُ
لَستُ أنسَی الحُسَینَ فی کَربَلاءَ وهوَ ظامٍ بَینَ الأَعادی وَحیدُ
ساجِدٌ یَلثِمُ الثَّری وعَلَیهِ قُضُبُ الهِندِ رُکَّعٌ وسُجودُ
یَطلُبُ الماءَ وَالفُراتُ قَریبٌ ویَرَی الماءَ وهوَ عَنهُ بَعیدُ
یا بَنِی الغَدرِ مَن قَتَلتُم لَعَمری قَد قَتَلتُم مَن قامَ فیهِ الوُجودُ (2)
ص:387
2954.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: لِلسّوسِیِّ الشّاعِرِ مِن قَصیدَةٍ [یَقولُ فیها]:
لَهفی عَلَی السِّبطِ وما نالَهُ قَد ماتَ عَطشاناً بِکَربِ الظَّما
لَهفی لِمَن نُکِّسَ مِن سَرجِهِ لَیسَ مِنَ النّاسِ لَهُ مِن حِمی
لَهفی عَلی بَدرِ الهُدی إذ عَلا فی رُمحِهِ یَحکیهِ بَدرُ الدُّجی
لَهفی عَلَی النِّسوَةِ إذ ابرِزَت تُساقُ سَبیاً (2)بِالعَنا وَالجَفا
لَهفی عَلی تِلکَ الوُجوهِ الَّتی اُبرِزنَ بَعدَ الصَّونِ بَینَ المَلا
لَهفی عَلی ذاکَ العِذارِ (3)الَّذی عَلاهُ بِالطَّفِّ تُرابُ العَرا
لَهفی عَلی ذاکَ القِوامِ الَّذی حَنَتهُ بِالطَّفِّ سُیوفُ العِدی (4)
2955.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ولَهُ أیضاً مِن قَصیدَةٍ:
کَم دُموعٍ مَمزوجَةٍ بِالدِّماءِ سَکَبَتهَا العُیونُ فی کَربَلاءِ
لَستُ أنسی عَلَی الطُّفوفِ حُسَیناً مُفرَداً بَینَ صَحبِهِ بِالعَراءِ
وکَأَنِّی بِهِ وقَد خَرَّ فِی التُّربِ صَریعاً مُخَضَّباً بِالدِّماءِ
ص:388
وکَأَنّی بِهِ وقَد لَحَظَ النِّسوانَ یُسلَبنَ (1)مِثلَ هَتکِ الإِماءِ (2)
2956.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ولَهُ أیضاً مِن قَصیدَةٍ:
أأَنسی حُسَیناً بِالطُّفوفِ مُجَدَّلاً ومِن حَولِهِ الأَطهارُ کَالأَنجُمِ الزُّهرِ
أأَنسی حُسَیناً یَومَ سیرَ بِرَأسِهِ عَلَی الرُّمحِ مِثلَ البَدرِ فی لَیلَةِ البَدرِ
أأَنسی السَّبایا مِن بَناتِ مُحَمَّدٍ یُهتَکنَ مِن بَعدِ الصِّیانَةِ وَالخِدرِ (3)
2957.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ولَهُ أیضاً مِن قَصیدَةٍ:
لا عُذرَ لِلشّیعِیِّ یَرقَأُ دَمعُهُ ودَمُ الحُسَینِ بِکَربَلاءَ اریقا
یا یَومَ عاشوراءَ قَد غادَرتَنی ما عِشتُ فی بَحرِ الدُّموعِ غَریقا
فیکَ استُبیحَ حَریمُ آلِ مُحَمَّدٍ وتَمَزَّقَت أسبابُهُم تَمزیقا
أأَذوقُ طَعمَ الماءِ وَابنُ مُحَمَّدٍ ماذاقَهُ حَتَّی الحِمامَ اذیقا (4)
2958.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ولَهُ أیضاً مِن قَصیدَةٍ:
وکَّلَ جَفنَیَّ بِالسُّهادِ وعَرَّسَ الحُزنُ فی فُؤادی
ناعٍ نَعی بِالطُّفوفِ بَدراً أکرِم بِهِ رائِحاً وغادی
نَعی حُسَیناً فَدَتهُ نَفسی لَمّا أحاطَت بِهِ الأَعادی
فی فِتیَةٍ ساعَدوا وواسَوا وجاهَدوا أعظَمَ الجِهادِ
ص:389
حَتّی تَفانَوا وظَلَّ فَردا فَنَکَّسوهُ عَنِ الجَوادِ
وجاءَ شِمرٌ إلَیهِ حَتّی جَرَّعَهُ المَوتَ وهوَ صادی
ورَکَّبَ الرّأسَ فی سِنانٍ کَالبَدرِ یَجلو دُجَی السَّوادِ
وَاحتَمَلوا أهلَهُ سَبایا عَلی مَطایا بِلا مِهادِ (1)
2959.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: لِلصاحِبِ إسماعیلَ بنِ عَبّادٍ الوَزیرِ کافِی الکُفاةِ [یَرثی بِها الحُسَینَ علیه السّلام ]:
هِیَ نَفسُ الحُسَینِ نَفسُ رَسولِ اللّهِ نَفسُ الوَصِیِّ نَفسُ البَتولِ
ذَبَحوهُ ذَبحَ الأَضاحی فَیا قَلبُ تَصَدَّع عَلَی العَزیزِ الذَّلیلِ
وَطَؤوا جِسمَهُ وقَد قَطَّعوهُ وَیلَهُم مِن عِقابِ یَومٍ وَبیلِ
ص:390
أخَذوا رَأسَهُ وقَد بَضَّعوهُ إنَّ سَعیَ الکُفَّارِ فی تَضلیلِ
نَصبوهُ عَلَی القَنا فَدِمائی لا دُموعی تَسیلُ کُلَّ مَسیلِ
وَاستَباحوا بَناتِ فاطِمَةَ الزَّ هراءِ لَمّا صَرَخنَ حَولَ القَتیلِ
حَمَلوهُنَّ قَد کُشِفنَ عَلَی الأَقتا بِ سَبیاً بِالعُنفِ وَالتَّهویلِ
یا لِکَربٍ بِکَربَلاءَ عَظیمٍ ولِرُزءٍ عَلَی النَّبِیِّ ثَقیلِ (1)
2960.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ولِلصاحِبِ أیضاً مِن قَصیدَةٍ طَویلَةٍ:
أجرَوا دِماءَ أخِی النَّبِیِّ مُحَمَّدٍ فَلتَجرِ غُزرُ دُموعِنا وَلتَهمُلِ
وَلتَصدُرِ اللَّعَناتُ غَیرَ مُزالَةٍ لِعِداهُ مِن ماضٍ ومِن مُستَقبَلِ
وتَجَرَّدوا لِبَنیهِ ثُمَّ بَناتِه بِعَظائِمٍ فَاسمَع حَدیثَ المَقتَلِ
مَنعوا الحُسَینَ الماءَ وهوَ مُجاهِدٌ فی کَربَلاءَ فنُح کَنَوحِ المُعوِلِ
مَنَعوهُ أعذَبَ مَنهَلٍ وهُمُ غَداً یَرِدونَ فِی النّیرانِ أوخَمَ مَنهَلِ
أیُجَزُّ رأسُ ابنِ النَّبِیِّ وفِی الوَری حَیٌّ أمامَ رِکابِهِ لَم یُقتَلِ
وبَنو السِّفاحِ تَحَکَّموا فی أهلِ حَیَّ عَلَی الفَلاحِ بِفُرصَةٍ وتَعَجُّلِ
نَکَتَ الدَّعِیُّ ابنُ البَغِیِّ ضَواحِکاً هِیَ لِلنَّبِیِّ الخَیرِ خَیرُ مُقَبَّلِ
تُمضی بَنو هِندٍ سُیوفَ الهِندِ فی أوداجِ أولادِ النَّبِیِّ المُرسَلِ
ناحَت مَلائِکَةُ السَّماءِ لِقَتلِهِم وبَکَت فَقَد سُقوا کُؤوسَ الذُّبَّلِ
وأَرَی البُکاءَ عَلَی الزَّمان مُحَلَّلاً وَالضَّحکَ بَعدَ الطَّفِّ غَیرَ مُحَلَّلِ
کَم قُلتُ لِلأَحزانِ دومی هکَذا وتَنَزَّلی فِی القَلبِ لا تَتَرَحَّلی (2)
ص:391
2961.المناقب: [قالَ] الصَّقرُ البَصرِیُّ:
لَو أنَّ عَینَکَ عایَنَت بَعضَ الَّذی بِبَنیکَ حَلَّ لَقَد رَأَیتَ فَظایِعا
أمَّا ابنُکَ الحَسَنُ الزَّکِیُّ فَإِنَّهُ لَمّا مَضَیتَ سَقَوهُ سُمّاً ناقِعا
هَرّوا بِهِ کَبِداً لدَیکَ کَریمَةً مِنهُ وأَحشاءً بِهِ وأَضالِعا
وسَقَوا حُسَیناً بِالطُّفوفِ عَلَی الظَّما کَأسَ المَنِیَّةِ فَاحتَساها جارِعا
قَتَلوهُ عَطشاناً بِعَرصَةِ کَربَلا وسَبَوا حَلائِلَهُ وخُلِّفَ ضائِعا
جَسَداً بِلا رَأسٍ یَمُدُّ عَلَی الثَّری رِجلاً لَهُ ویَکُفُّ اخری نازِعا (2)
2962.المناقب: [قالَ] الصَّنَوبَرِیُّ:
یا خَیرَ مَن لَبِسَ النُّبُ وَّةَ مِن جَمیعِ الأَنبِیاءِ
وَجدی عَلی سِبطَیکَ وَجدٌ لَیسَ یُؤذِنُ بِانقِضاءِ
ص:392
هذا قَتیلُ الأَشقِیاءِ وَذا قَتیلُ الأَدعِیاءِ
یَومَ الحُسَینِ هَرَقتَ دَمعَ الأَرضِ بَل دَمعَ السَّماءِ
یَومَ الحُسَینِ تَرَکتَ بابَ العِزِّ مَهجورَ الفِناءِ
یا کَربَلا خَلَّفتِ مِن کَربٍ عَلَیَّ ومِن بَلاءِ
کَم فیکِ مِن وَجهٍ تَشَرَّ بَ ماؤُهُ ماءَ البَهاءِ...
فَاختارَ دِرعَ الصَّبرِ حَی ثُ الصَّبرُ مِن لُبسِ السَّناءِ
وأَبی إباءَ الاُسدِ إنَّ الاُسدَ صادِقَةُ الإِباءِ
وقَضی کَریماً إذ قَضی ظَمآنَ فی نَفَرٍ ظِماءِ
مَنَعوهُ طَعمَ الماءِ لا وَجَدوا لِماءٍ طَعمَ ماءِ
مَن ذا لِمَعفورِ الجَوا دِ مُمالِ أعوادِ الخِباءِ
مَن لِلطریحِ الشِّلوِ عُر یاناً مُخَلّی بِالعَراءِ
مَن لِلمُحَنَّطِ بِالتُّرابِ ولِلمُغَسَّلِ بِالدِّماءِ
مَن لِابنِ فاطِمَةَ المُغَیَّ بِ عَن عُیونِ الأَولِیاءِ (1)
2963.أدب الطفّ: ومِن شِعرِهِ فی أهلِ البَیتِ علیهم السّلام قَولُهُ کَما فِی المَجموعِ الرّائِقِ:
یَومُ الحُسَینِ ابتَزَّ صَبری فَما مِنّیَ لَاالصَّبرُ ولَا الصّابِرُ
لَهفی عَلی مَولایَ مُستَنصِراً غُیِّبَ عَن نُصرَتِهِ النّاصِرُ
حَتّی إذا دارَ بِما ساءَنا عَلَی الحُسَینِ القَدَرُ الدّائِرُ
خَرَّ یُضاهی قَمَراً زاهِراً وأَینَ مِنهُ القَمَرُ الزّاهِرُ
واُمُّ کُلثومٍ ونِسوانُها بِمَنظَرٍ یُکبِرُهُ النّاظِرُ
یُسارِقُ الطَّرفَ إلَیها وقَد أنحی عَلی مَنحَرِهِ النّاحِرُ
ص:393
فَالدَّمعُ مِن مُقلَتِهِ قاطِرٌ وَالدَّمعُ مِن مُقلَتِها قاطِرُ (1)
2964.الغدیر: ولَهُ یَرثِی الإِمامَ السِّبطَ المُفَدَّی صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ:
یا نُوَبَ الدَّهرِ لَم یَدَع لی صَرفُکِ مِن حادِثٍ صَلاحا
أبَعدَ یَومِ الحُسَینِ وَیحی أستَعذِبُ اللَّهوَ وَالمِزاحا...
یا بِأَبی أنفُساً ظِماءً ماتَت ولَم تَشرَبِ المُباحا
یا بِأَبی أوجُهاً صِباحاً باکَرَها حَتفُها صَباحا
یا سادَتی یا بَنِی عَلِیٍّ بَکَی الهُدی فَقدَکُم وناحا (3)
2965.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ولَهُ أیضاً مِن قَصیدَةٍ:
أیا بَضعَةً مِن فُؤادِ النَّبِیِّ بِالطَّفِّ أضحَت کَثیباً مَهیلا
ص:394
ویا حَبَّةً مِن فُؤادِ البَتولِ بِالطَّفِّ سُلَّت فَأَضحَت أکیلا
قُتِلتَ فَأَبکَیتَ عَینَ الرَّسولِ وأَبکَیتَ مِن رَحمَةٍ جَبرَئیلا (1)
2966.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ولَهُ أیضاً مِن قَصیدَةٍ:
لَم أنسَ یَوماً لِلحُسَینِ وقَد ثَوی بِالطَّفِّ مَسلوبَ الرِّداءِ خَلیعا
ظَمآنَ مِن ماءِ الفُراتِ مُحَلَّئاً رَیّانَ مِن غُصَصِ الحُتوفِ نَقیعا
یَرنو إلی ماءِ الفُراتِ بِطَرفِهِ فَیَراهُ عَنهُ مُحَرَّماً مَمنوعا (2)
2967.دیوان کشاجم: [مِن قَصیدَةٍ لَهُ فی مَدحِ أهلِ البَیتِ علیهم السّلام ویَرثی فیها الحُسَینَ علیه السّلام ]:
لَهُ شُغُلٌ عَن سُؤالِ الطَّلَل أقامَ الخَلیطُ بِهِ أم رَحَل...
لَهُ فِی البُکاءِ عَلَی الطّاهِرینَ مَندوحَةٌ عَن بُکاءِ الطَّلَل
ص:395
فَکَم فیهِمُ مِن هِلالٍ هَوی قُبَیلَ التَّمامِ وبَدرٍ أفَل...
وتُردِی الحُسَینَ سُیوفُ الطُّغا ةِ ظمآنَ لَم یُطفِ حَرَّ الغَلَل
ثَوی (1)عَطَشاً وتَنالُ الرِّما حُ مِن دَمِهِ عَلَّها وَالنَّهَل
فَلَم یَخسِفِ اللّهُ بِالظّالِمینَ ولکِنَّهُ لا یَخافُ العَجَل
لَقَد نَشِطَت لِعِنادِ الرَّسولِ رِجالٌ بِها عَن هُداها کَسَل
فَلا بوعِدَت أعیُنٌ مِن عَمی ولا عوفِیَت أذرُعٌ مِن شَلَل (2)
2968.دیوان کشاجم: ولَهُ أیضاً یَرثی آلَ الرَّسولِ صلّی اللّه علیه و آله:
أجَل هُوَ الرُّزءُ جَلَّ فادِحُهُ باکِرُهُ فاجِعٌ ورائِحُهُ
لا رَبعُ دارٍ عَفا ولا طَلَلٌ اُوحِشَ لَمّا نَأَت مَلائِحُهُ...
یا بُؤسَ دَهرٍ (3)عَلی آلِ رَسو لِ اللّهِ تَجتاحُهُم جَوائِحُهُ
إذا تَفَکَّرتُ فی مُصابِهِمُ أثقَبَ زَندَ الهُمومِ قادِحُهُ
فَبَعضُهُم قُرِّبَت مَصارِعُهُ وبَعضُهُم بوعِدَت مَطارِحُهُ
أظلَمَ فی کَربَلاءَ یَومُهُم ثُمَّ تَجَلّی وهُم ذبائِحُهُ
لا بَرِحَ الغَیثُ کُلَّ شارِقَةٍ تَهمی غَوادیهِ أو رَوائِحُهُ
عَلی ثَریً حَلَّهُ غَریبُ رَسو لِ اللّهِ مَجروحَةً جَوارِحُهُ
ذَلَّ حِماهُ وقَلَّ ناصِرُهُ ونالَ أقصی مُناهُ کاشِحُهُ...
یا شِیَعَ الغَیِّ وَالضَّلالِ ومَن کُلُّهُمُ جَمَّةٌ فَضائِحُهُ...
ص:396
عَفَّرتُمُ بِالثَّری جَبینَ فَتیً جِبریلُ قَبلَ النَّبِیِّ ماسِحُهُ... (1)
2969.دیوان ابن هانی الأندلسی: [مِن قَصیدَةٍ لَهُ یُبَیِّنُ فیها جَوانِبَ مِن ظُلامَةِ أهلِ البَیتِ علیهم السّلام ]:
فَلا حَمَلَت فُرسانُ حَربٍ جِیادَها إذا لَم تَزُرهُم مِن کُمَیتٍ وأَدهَمِ
ولا عَذُبَ الماءُ القَراحُ لِشارِبٍ وفِی الأَرضِ مَروانِیَّةٌ غَیرُ أیِّمِ
ألا إنَّ یَوماً هاشِمِیّاً أظَلَّهُم یُطیرُ فَراشَ الهامِ عَن کُلِّ مِجثَمِ
کَیَومِ یَزیدٍ وَالسَّبایا طَریدَةٌ عَلی کُلِّ مَوّارِ (3)المِلاطِ (4)عَثَمثَمِ (5)
وقَد غَصَّتِ البَیداءُ بِالعیسِ فَوقَها کَرائِمُ أبناءِ النَّبِیِّ المُکَرَّمِ...
ص:397
فَما فی حَریمٍ بَعدَها مِن تَحَرُّجٍ ولا هَتکُ سِترٍ بَعدَها بِمُحَرَّمِ
فَإِن یُتَخَرَّم خَیرُ سِبطَی مُحَمَّدٍ فَإِنَّ وَلِیَّ الثارِ لَم یُتَخَرَّمِ
ألا سائِلوا عَنهُ البَتولَ فَتُخبَروا أکانَت لَهُ امّاً وکانَ لَهَا ابنُمِ...
وأَولی بِلَومٍ مِن امَیَّةَ کُلِّها وإِن جَلَّ أمرٌ عَن مَلامٍ ولُوَّمِ
اناسٌ هُمُ الدّاءُ الدَّفینُ الَّذی سَری إلی رِمَمٍ بِالطَّفِّ مِنکُم وأَعظُمِ
هُمُ قَدَحوا تِلکَ الزِّنادِ الّتی وَرَت ولَو لَم تُشَبَّ النارُ لَم تَتَضَرَّمِ
وهُم رَشَّحوا تَیماً لِإِرثِ نَبِیِّهِم وما کانَ تَیمِیٌّ إلَیهِ بِمُنتَمِ
عَلی أیِّ حُکمِ اللّهِ إذ یَأفِکونَهُ اُحِلَّ لَهُم تَقدیمُ غَیرِ المُقَدَّمِ
وفی أیِّ دینِ الوَحیِ وَالمُصطَفی لَهُ سَقَوا آلَهُ مَمزوجَ صابٍ بِعَلقَمِ...
ولکِنَّ أمراً کانَ ابرِمَ بَینَهُم وإِن قالَ قَومٌ فَلتَةٌ غَیرُ مُبرَمِ
بِأَسیافِ ذاکَ البَغیِ أوَّلَ سَلِّها اُصیبَ عَلِیٌّ لا بِسَیفِ ابنِ مُلجَمِ (1)
2970.مثیر الأحزان: قالَ الهَرَوِیُّ الکاتِبُ:سَمِعتُ مَنصورَ بنَ مَسلَمَةَ الهَرَوِیَّ یُنشِدُ بِبَغدادَ فی شَهرِ رَمَضانَ سَنَةَ إحدی عَشَرَ وثَلاثَمِئَةٍ شِعراً مِن جُملَتِهِ:
تُصانُ بِنتُ الدَّعِیِّ فی کِلَلِ المُلکِ وبِنتُ الرَّسولِ تُبتَذَلُ
یُرجی رِضَی المُصطَفی فَواعَجَبا هُ تُقتَلُ أولادُهُ ویَحتَمِلُ (3)
ص:398
2971.أدب الطفّ: وللناشی فی أهل البیت علیهم السّلام:
رَجائی بَعیدٌ وَالمَماتُ قَریبُ ویُخطِئُ ظَنّی فیکُمُ ویُصیبُ
مَتی تَأخُذونَ الثَّأرَ مِمّن تَأَلّبوا عَلیکُم وشَبّوا الحَربَ وهیَ ضُروبُ
فَذلِکَ قَد أدمَی ابنُ مُلجَمَ شَیبَهُ فَخَرَّ عَلَی المِحرابِ وهوَ خَضیبُ
وذاکَ تَوَلّی السُّمُّ عَنهُ حُشاشَةً واُنشِبنَ أظفارٌ بِها ونُیوبُ
وهذا تَوَزَّعنَ الصَّوارِمُ جسمَهُ فَخَرَّ بِأَرضِ الطَّفِّ وهوَ تَریبُ
قَتیلٌ عَلی نَهرِ الفُراتِ عَلی ظَماً تَطوفُ بِهِ الأَعداءُ وهوَ غَریبُ
کَأَن لَم یَکُن رَیحانَةً لِمُحَمَّدٍ وما هُوَ نَجلٌ لِلوَصِیِّ حَبیبُ
ولَم یَکُ مِن أهلِ الکِساءِ الاُولی بِهِم یُعاقِبُ جَبّارُ السَّما ویَتوبُ
اناسٌ عَلَوا أعلَی المَعالی مِنَ العُلی فَلَیسَ لَهُم فِی العالَمینَ ضَریبُ...
وقَد حَفِظَت غَیبَ العُلومِ صُدورُهُم فَمَا الغَیبُ عَن تِلکَ الصُّدورِ یَغیبُ
فَإِن ظُلِمَت أو قُتِّلَت أو تُهُضِّمَت فَما ذاکَ مِن شَأنِ الزَّمانِ عَجیبُ (2)
2972.أعیان الشیعة: قالَ ابنُ عَبدِ الرَّحیمِ:حَدَّثَنِی الخالِعُ قالَ:کُنتُ مَعَ والِدی فی سَنَةِ (346 ه)-وأَنا صَبِیٌّ-فی مَجلِسِ الکَبوذِیِّ فِی المَسجِدِ الَّذی بَینَ الوَرّاقینَ وَالصّاغَةِ،وهوَ غاصٌّ بِالنّاسِ،وإِذا رَجُلٌ وافی وعَلَیهِ مُرَقَعَةٌ،وفی یَدِهِ سَطیحَةٌ
ص:399
ورَکوَةٌ ومَعَهُ عُکّازٌ،وهُوَ شَعِثٌ،فَسَلَّمَ عَلَی الجَماعَةِ بِصَوتٍ رَفَعَهُ،ثُمَّ قالَ:أنا رَسولُ فاطِمَةَ الزَّهراءِ علیها السّلام،فَقالوا:مَرحَباً وأَهلاً،ورَفعوهُ،فَقالَ:أتَعرِفونَ لی أحمَدَ المُرَوِّقَ النائِحَ؟فَقالوا:ها هُوَ جالِسٌ.فَقالَ:رَأَیتُ مَولاتَنا علیها السّلام فِی النَّومِ فَقالَت لی:امضِ إلی بَغدادَ وَاطلُبهُ،وقُل لَهُ:نُح عَلَی ابنی بِشِعرِ الناشِی الَّذی یَقولُ فیهِ:
بَنی أحمَدَ قَلبی لَکُم یَتَقَطَّعُ بِمِثلِ مُصابی فیکُمُ لَیسَ یُسمَعُ
عَجِبتُ لَکُم تَفنونَ قَتلاً بِسَیفِکُم ویَسطو عَلَیکُم مَن لَکُم کانَ یَخضَعُ
أقولُ:وبَعدَهُ:
فَما بُقعَةٌ فِی الأَرضِ شَرقاً ومَغرِباً ولَیسَ لَکُم فیها قَتیلٌ ومَصرَعُ
ظُلِمتُم وقُتِّلتُم وقُسِّمَ فَیؤُکُم ویُسلِمُنی طیبُ الهُجوعِ فَأَهجَعُ
کَأَنَّ رَسولَ اللّهِ أوصی بِقَتلِکُم فَأَجسامُکُم فی کُلِّ أرضٍ تُوَزَّعُ (1)
2973.المناقب لابن شهرآشوب: [وله أیضاً]:
مَصائِبُ نَسلِ فاطِمَةَ البَتولِ نَکَت حَسَراتُها کَبِدَ الرَّسولِ
ألا بِأَبِی البُدورُ لَقینَ کَسفاً وأَسلَمَها الطُّلوعُ إلَی الاُفولِ
ألا یا یَومَ عاشورا رَمانی مُصابی مِنکَ بِالدّاءِ الدَّخیلِ
کَأَنّی بِابنِ فاطِمَةٍ جَدیلا یُلاقِی التُّربَ بِالوَجهِ الجَمیلِ
صَریعاً ظَلَّ فَوقَ الأَرضِ أرضاً فَوا أَسَفاً عَلَی الجِسمِ النَّحیلِ
أعادیهِ تَوَطَّؤُهُ ولکِن تَخَطّاهُ العِتاقُ مِنَ الخُیولِ
وقَد قَطَع العُداةُ الرَّأسَ مِنهُ وَعَلَّوهُ عَلی رُمحٍ طَویلِ
وقَد بَرَزَ النِّساءُ مُهَتَّکاتٍ یُجَزِّزنَ الشُّعورَ مِنَ الاُصولِ
یَسِرنَ مَعَ الیَتامی مِن قَتیلٍ یُخَضَّبُ بِالدِّماءِ إلی قَتیلِ
فَطَوراً یَلتَثِمنَ بَنی عَلِیٍّ وطَوراً یَلتَثِمنَ بَنی عَقیلِ
وفاطِمَةُ الصَّغیرَةُ بَعدَ عِزٍّ کَساها الحُزنُ أثوابَ الذَّلیلِ
ص:400
تُنادی جَدَّها یا جَدُّ إنّا طُلِبنا بَعدَ فَقدِکَ بِالذُّحولِ (1)
2974.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: وَللناشی عَلیِّ بنِ وَصیفٍ مِمّا یُناحُ بِهِ فِی المَآتِمِ:
أما شَجاکَ یا سَکَن قَتلُ الحُسَینِ وَالحَسَن
ظَمَأتُ مِن فَرطِ الحَزَن وکُلُّ وَغدٍ ناهِلُ
یَقولُ یا قَومُ أبی عَلِیٌّ البَرُّ الأَبی
وفاطِمٌ بِنتُ النَّبِی اُمّی وعَنّی سائِلوا
مُنّوا عَلی طِفلی بِما فَقَد ضَرا فیهِ الظَّما
ولَم یَکُن قَد أجرَما حَیثُ الفُراتُ سائِلُ
قالوا فَلَن یَرتَوِیا فَإِن تَجی مُستَجدِیا
فَانزِل بِحُکمِ الأَدعِیا فَقالَ بَل اناضِلُ
حَتّی أتاهُ مِشقَصُ رَماهُ وَغدٌ أبرَصُ
مِن سَقَرٍ لا یَخلُص رِجسٌ دَعِیٌّ واغِلُ (2)
فَأَجمَعوا لِخَتلِهِ وَاعصَوصَبوا لِقَتلِهِ
وذَبحِهِ مَع طِفلِهِ فَاستَنَّتِ المَناصِلُ
فَوَصَلوا عَرینَهُ وخَضَّبوا جَبینَهُ
بِالدَّمِ یا مُعینَهُ ما أنتَ عَنهُ غافِلُ
وَانتَهَکوا حَریمَهُ وذَبَحوا فَطیمَهُ
وقَیَّدوا سَقیمَهُ وسیقَتِ الحَلائِلُ (3)
ص:401
ص:402
2975.مثیر الأحزان: دَعا یَزیدُ الخاطِبَ،وأَمَرَهُ أن یَصعَدَ المِنبَرَ ویَذُمَّ الحُسَینَ وأَباهُ،فَصَعِدَ وبالَغَ فی ذَمِّ أمیرِ المُؤمِنینَ وَالحُسَینِ سَلامُ اللّهِ عَلَیهِما وَالمَدحِ لِمُعاوِیَةِ ویَزیدَ...ولَقَد أجادَ ابنُ سِنانٍ الخَفاجِیُّ بِقَولِهِ:
یا امَّةً کَفَرَت وفی أفواهِهَا القُرآنُ فیهِ ضَلالُها ورَشادُها
أعَلَی المَنابِرِ تُعلِنونَ بِسَبِّهِ وبِسَیفِهِ نُصِبَت لَکُم اعوادُها
تِلکَ الخَلائِقُ بَینَکُم بَدرِیَّةٌ قُتِلَ الحُسَینُ وما خَبَت أحقادُها (2)
ص:403
2976.أدب الطفّ -مِن قَصیدَة لِأَبِی الحَسَنِ التِّهامِیِّ یَقولُ فیها (2)-:
حُکمُ المَنِیَّةِ فِی البَرِیَّةِ جاری ما هذِهِ الدُّنیا بِدارِ قَرارِ
بَینا تَرَی الإِنسانَ فیها مُخبِراً حَتّی یُری خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
طُبِعَت عَلی کَدَرٍ وأَنتَ تُریدُها صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَکدارِ
ومُکَلِّفُ الأَیَّامِ ضِدَّ طِباعِها مُتَطَلِّبٌ فِی الماءِ جَذوَةَ نارِ
وإِذا رَجَوتَ المُستَحیلَ فَإِنَّما تَبنی الرَّجاءَ عَلی شَفیرٍ هارِ
فَالعَیشُ نَومٌ وَالمَنِیَّةُ یَقظَةٌ وَالمَرءُ بَینَهُما خَیالٌ سارِ
فَاقضوا مآرِبَکُم عُجالی إنَّما أعمارُکُم سَفَرٌ مِنَ الأَسفارِ
وتَراکَضوا خَیلَ الشَّبابِ وحاذِروا أن تُستَرَدَّ فَإِنَّهُنَّ عَوارِ...
لَیسَ الزَّمانُ وَإِن حَرَصتَ مُسالِماً خُلُقُ الزَّمانِ عَداوَةُ الأَحرارِ
ص:404
وَالنَّفسُ إن رَضِیَت بِذلِکَ أو أبَت مُنقادَةٌ بِأَزِمَّةِ الأَقدارِ
وَلِبَعضِهِم مُذَیِّلاً:
لا تَأمَنِ الأَیّامَ یَوماً بَعدَما غَدَرَت بِعَترَةِ أحمَدَ المُختارِ
فَجَعَت حُسَیناً بِابنِهِ مَن أشبَهَ ال مُختارَ فی خُلُقٍ وفی أطوارِ
لَمّا رَآهُ مُقَطَّعَ الأَوصالِ مُل قَیً فِی الثَّری یَذری عَلَیهِ الذّاری
ناداهُ وَالأَحشاءُ تَلهَبُ وَالمَدا مِعُ تَستَهِلُّ بِدَمعِها المِدرارِ
تَتِمَّةُ قَصیدَةِ أبی الحَسَنِ التِّهامِیِّ:
یا کَوکباً ما کانَ أقصَرَ عُمرَهُ وکَذا تَکونُ کَواکِبُ الأَسحارِ
وهِلالُ أیّامٍ مَضی لَم یَستَدِر بَدراً ولَم یُمهَل لِوَقتِ سِرارِ (1)
عَجَلَ الخُسوفُ عَلَیهِ قَبلَ أوانِهِ فَمَحاهُ قَبلَ مَظِنَّةِ الإِبدارِ
فَکَأَنَّ قَلبی قَبرُهُ وکَأَنَّهُ فی طَیِّهِ سِرٌّ مِنَ الأَسرارِ
جاوَرتُ أعدائی وجاوَرَ رَبَّهُ شَتّانَ بَینَ جِوارِهِ وجِواری
هَیهاتَ قَد عَلِقَتکَ أشراکُ الرَّدی وأَبادَ عُمرَکَ قاطِعُ الأَعمارِ
ولَقَد جَریتُ کَما جَریتَ لِغایَةٍ فَبَلغتَها وأَبوکَ فِی المِضمارِ
واُخَفِّضُ الزَّفَراتِ وهیَ صَواعِدٌ واُکَفکِفُ العَبَراتِ وهیَ جَوارِ (2)
ص:405
2977.تذکرة الخواصّ: قالَ أبُو العَلاءِ المَعَرِّیُّ یُشیرُ بِالشَّنارِ إلی هذهِ الاُمَّةِ:
أرَی الأَیَّامَ تَفعَلُ کُلَّ نُکرٍ فَما أنا فِی العَجائِبِ مُستَزیدُ
ألَیسَ قُرَیشُکُم قَتَلَت حُسَیناً وکانَ عَلی خَلافَتِکُم یَزیدُ (2)
2978.دیوان المعرّی:
وعَلَی الدَّهرِ مِن دِماءِ الشَّهیدَی نِ عَلِیٍّ ونَجلِهِ شاهِدانِ
فَهُما فی أواخِرِ اللَّیلِ فَجرا نِ وفی اولَیاتِهِ شَفَقانِ (3)
2979.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: رُوِیَ أنَّ أبا یُوسُفَ عَبدَ السَّلامِ بنَ مُحَمَّدٍ القَزوینِیَّ ثُمَّ البَغدادِیَّ،قالَ لِأَبِی العَلاءِ المَعَرّیّ:هَل لَکَ شِعرٌ فی أهلِ البَیتِ علیهم السّلام؟فَإِنَّ بَعضَ شُعَراءِ قَزوینَ یَقولُ فیهِم مالا تَقولُهُ شُعَراءُ تُنوخٍ.
فَقالَ:وَماذا قالَ؟قالَ:یَقولُ (4):
رَأسُ ابنِ بِنتِ مُحَمَّدٍ ووَصِیِّهِ لِلنّاظِرینَ عَلی قَناةٍ یُرفَعُ
وَالمُسلِمونَ بِمَنظَرٍ وبِمَسمَعٍ لا جازِعٌ مِنهُم ولا مُتَوَجِّعُ
ص:406
أیقَظتَ أجفاناً وَکُنتَ لَها کَریً وأَنَمتَ عَیناً لَم تَکُن بِکَ تَهجَعُ
کُحِلَت بِمَنظَرِکَ العُیونُ عَمایَةً وأَصَمَّ نَعیُکَ کُلَّ اذنٍ تَسمَعُ
ما رَوضَةٌ إلّاتَمَنَّت أنَّها لَکَ مَضجَعٌ ولِخَطِّ قَبرِکَ مَوضِعُ
فَقالَ المَعَرّی:وأَنا أقولُ:
مَسَحَ الرَّسولُ جَبینَهُ فَلَهُ بَریقٌ فِی الخُدودِ
أَبواهُ مِن عَلیا قُرَیشٍ جَدُّهُ خَیرُ الجُدودِ (1)(2)
2980. مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی عن أبی نصر أحمد بن علیّ بن عامر الفقیه العکبری: أنشَدَنی أحمَدُبنُ مَنصورِ بنِ عَلِیٍّ القَطیعِیُّ (4)المَعروفُ بِالقَطّانِ،بِبَغدادَ لِنَفسِهِ:...
یا قاتِلی بِالصُّدودِ رِفقا بِمُهجَةٍ شَفَّها الغَلیلُ...
غُصنٌ مِنَ البانِ حَیثُ مالَت ریحُ النَّعامی (5)بِهِ یَمیلُ
یَسطو عَلَینا بِلَحظِ جَفنٍ (6) کَأَنَّهُ مُرهَفٌ صَقیلُ
کَما سَطَت بِالحُسَینِ قَومٌ أراذِلٌ ما لَهُم اصولُ...
قَد أفرَدوهُ فَظَلَّ یَدعو ولا سَمیعَ لِما یَقولُ
یا أهلَ کُوفانَ لِم غَدَرتُم بِنا ولِم أنتُمُ نُکولُ
ص:407
أنتُم کَتَبتُم إلَیَّ کُتبا وفی طَوِیّاتِها ذُحولُ...
فَراقِبُوا اللّهَ فی خِباءٍ فیهِ لَنا صِبیَةٌ غُفولُ
وَاُمُّ کُلثومَ قَد تُنادی وقَد عَرا طَرفَها الذُّهولُ
تَقولُ لَمّا رَأَتهُ شِلواً قَد خَسَفَت صَدرَهُ الخُیولُ
أینَ الَّذی حینَ أرضَعوهُ ناغاهُ فی المَهدِ جَبرَئیلُ...
أینَ الَّذی حَیدَرٌ أبوهُ وَاُمُّهُ فاطِمُ البَتولُ (1)
صاحَت بِذَودِیَ بَغدادٌ فَآنَسَنی تَقَلُّبی فی ظُهورِ الخَیلِ وَالعیرِ
وکُلَّما هَجهَجَت بی عَن مَنازِلِها عارَضتُها بِجَنانٍ غَیرِ مَذعورِ
أطغی عَلی قاطِنیها غَیرَ مُکتَرِثٍ وأَفعَلُ الفِعلَ فیها غَیرَ مَأمورِ
خَطبٌ یُهدِّدُنی بِالبُعدِ عَن وَطَنی وما خُلِقتُ لِغَیرِ السَّرجِ وَالکورِ
ورُبَّ قائِلَةٍ وَالهَمُّ یُتحِفُنی بِناظِرٍ مِن نِطافِ الدَّمعِ مَمطورِ
خَفِّض عَلَیکَ فَلِلأَحزانِ آوِنَةٌ ومَا المُقیمُ عَلی حُزنٍ بِمَعذورِ
فَقُلتُ:هَیهاتَ فاتَ السَّمعُ لائِمَه لا یُفهَمُ الحُزنُ إلّایَومَ عاشورِ
یَومٌ حَدَا الطَّعنَ فیهِ بِابنِ فاطِمَةٍ سِنانُ مُطَّرِدِ الکَعبَینِ مَطرورِ (1)
وخَرَّ لِلمَوتِ لا کَفٌّ تُقَلِّبُهُ إلّا بِوَط ءٍ مِنَ الجُردِ المَحاضیرِ
ظَمآنُ سَلّی نَجیعُ الطَّعنِ غَلَّتَهُ عَن بارِدٍ مِن عُبابِ الماءِ مَقرورِ
کَأَنَ بیضَ المَواضی وهیَ تَنهَبُهُ نارٌ تَحَکَّمُ فی جِسمٍ مِنَ النّورِ
للّهِ ِ مُلقیً عَلَی الرَّمضاءِ غَصَّ بِهِ فَمُ الرَّدی بَینَ إقدامٍ وتَشمیرِ
تَحنو عَلَیهِ الرُّبی ظِلاًّ وتَستُرُهُ عَنِ النَّواظِرِ أذیالُ الأَعاصیرِ
تَهابُهُ الوَحشُ أن تَدنو لِمَصرَعِهِ وَقَد أقامَ ثَلاثاً غَیرَ مَقبورِ
أغری به ابنَ زِیادٍ لُؤمُ عُنصُرِهِ وسَعیُهُ لِیَزیدٍ غَیرُ مَشکورِ (2)
2982. دیوان الشریف الرضی: ولَهُ أیضاً:یَرثی أبا عَبدِ اللّهِ الحُسَینَ بنَ عَلیٍّ علیه السّلام فی یَومِ عاشوراءَ سَنَةَ (387 ه):
راحِلٌ أنتَ وَاللَّیالی نُزولُ ومُضِرٌّ بِکَ البَقاءُ الطَّویلُ
لا شُجاعٌ یَبقی فَیَعتَنِقُ ال بیضَ ولا آمِلٌ ولا مَأمولُ
ص:409
غایَةُ النّاسِ فِی الزَّمانِ فَناءٌ وکَذا غایَةُ الغُصونِ الذُّبولُ
إنَّمَا المَرءُ لِلمَنِیَّةِ مَخبو ءٌ وَلِلطَّعنِ تُستَجَمُّ الخُیولُ...
عادَةٌ لِلزَّمانِ فی کُلِّ یَومٍ یَتناءی خِلٌّ وتُبکی طُلولُ...
کُلُّ باکٍ یُبکی عَلَیهِ وإِن طا لَ بَقاءٌ وَالثاکِلُ المَثکولُ...
ما یُبالی الحِمامُ أینَ تَرَقّی بَعدَما غالَتِ ابنَ فاطِمَ غولُ
أیُّ یَومٍ أدمَی المَدامِعَ فیهِ حادِثٌ رائِعٌ وخَطبٌ جَلیلُ
یَومُ عاشوراءَ الَّذی لا أعانَ ال صَّحبُ فیهِ ولا أجارَ القَبیلُ
یَابنَ بِنتِ الرَّسولِ ضَیَّعَتِ العَه دَ رِجالٌ وَالحافِظونَ قَلیلُ
ما أطاعُوا النَّبِیَّ فیکَ وقَد ما لَت بِأَرماحِهِم إلَیکَ الذُّحولُ
وأَحالوا عَلَی المَقادیرِ فی حَر بِکَ لَو أنَّ عُذرَهُم مَقبولُ
وَاستَقالوا مِن بَعدِ ما أجلَبوا فی ها أأَلآنَ أیُّهَا المُستَقیلُ !
إنَّ أمراً قَنَّعتَ مِن دونِهِ السَّی فَ لِمَن حازَهُ لَمَرعیً وَبیلُ
یا حُساماً فَلَّت مَضارِبُهُ الها مَ وقَد فَلَّهُ الحُسامُ الصَّقیلُ
یا جَواداً أدمَی الجَوادَ مِنَ الطَّع نِ ووَلّی ونَحرُهُ مَبلولُ
حَجَّلَ الخَیلَ مِن دِماءِ الأَعادی یَومَ یَبدو طَعنٌ وتَخفی حُجولُ
أتُرانی اعیرُ وَجهِیَ صَوناً وعَلی وَجهِهِ تَجولُ الخُیولُ !
أتُرانی ألَذُّ ماءً ولَمّا یَروَ مِن مُهجَةِ الإِمامِ الغَلیلُ !
قَبَّلَتهُ الرِّماحُ وَانتَضَلَت فی هِ المَنایا وعانَقَتهُ النُّصولُ
وَالسَّبایا عَلَی النَّجائِبِ تُستا قُ وقَد نالَتِ الجُیوبَ الذُّیولُ
مِن قُلوبٍ یَدمی بِها ناظِرُ الوَج دِ ومِن أدمُعٍ مَراها الهُمولُ
قَد سُلِبنَ القِناعَ عَن کُلِّ وَجهٍ فیهِ لِلصَّونِ مِن قِناعٍ بَدیلُ
ص:410
وتَنَقَّبنَ بِالأَنامِلِ وَالدَّم عُ عَلی کُلِّ ذی نِقابٍ دَلیلُ
وتَشاکَینَ وَالشَّکاةُ بُکاءٌ وتَنادَینَ وَالنِّداءُ عَویلُ
لا یَغِبُّ الحادِی العَنیفُ ولا یَف تُرُ عَن رَنَّةِ العَدیلِ العَدیلُ
یا غَریبَ الدِّیارِ صَبری غَریبٌ وقَتیلَ الأَعداءِ نَومی قَتیلُ
بِی نِزاعٌ یَطغی إلَیکَ وَشَوقٌ وغَرامٌ وزَفرَةٌ وعَویلُ
لَیتَ أنّی ضَجیعُ قَبرِکَ أو أ نَّ ثَراهُ بِمَدمَعی مَطلولُ
لا أغَبَّ الطُّفوفَ فی کُلِّ یَومٍ مِن طِراقِ الأَنواءِ غَیثٌ هَطولُ (1)
2983. دیوان الشریف الرضی: وقالَ وهوَ بِالحائِرِ الحُسَینِیِّ یَرثی جَدَّهُ سَیِّدَ الشُّهداءِ علیه السّلام: (2)
کَربَلا لازِلتِ کَرباً وبَلا ما لَقی عِندَکِ آلُ المُصطَفی
کَم عَلی تُربِکِ لَمّا صُرِّعوا مِن دَمٍ سالَ ومِن دَمعٍ جَری...
وضُیوفٍ لِفَلاةٍ قَفرَةٍ نَزَلوا فیها عَلی غَیرِ قِری
لَم یَذوقوا الماءَ حَتّی اجتَمَعوا بِحِدَی السَّیفِ عَلی وِردِ الرَّدی
تَکسِفُ الشَّمسُ شُموساً مِنهُمُ لا تُدانیها ضِیاءً وَعُلا
وتَنوشُ الوَحشُ مِن أجسادِهِم أرجُلَ السَّبقِ وأَیمانَ النَّدی
ووُجوهاً کَالمَصابیحِ فَمِن قَمَرٍ غابَ ونَجمٍ قَد هَوی
غَیَّرَتهُنَّ اللَّیالی وغدا جایِرَ الحُکمِ ! عَلَیهِنَّ البِلی
یا رَسولَ اللّهِ لَو عایَنتَهُم وهُمُ ما بَینَ قَتلٍ وسِبا
ص:411
مِن رَمیضٍ یُمنَعُ الظِّلَّ ومِن عاطِشٍ یُسقی أنابیبَ القَنا
ومَسوقٍ عاثِرٍ یُسعی بِهِ خَلفَ مَحمولٍ عَلی غَیرِ وِطا...
لَرَأَت عَیناکَ مِنهُم مَنظَراً لِلحَشی شَجواً ولِلعَینِ قَذی
لَیسَ هذا لِرَسولِ اللّهِ یا اُمَّةَ الطُّغیانِ وَالبَغیِ جَزا...
جَزَروا جَزرَ الأَضاحی نَسلَهُ ثُمَّ ساقوا أهلَهُ سَوقَ الإِما...
یا قَتیلاً قَوَّضَ الدَّهرُ بِهِ عُمُدَ الدّینِ وأَعلامَ الهُدی
قَتَلوهُ بَعدَ عِلمٍ مِنهُمُ أنَّهُ خامِسُ أصحابِ الکِسا
وصَریعاً عالَجَ المَوتَ بِلا شَدِّ لَحیَینِ ولا مَدِّ رِدا
غَسَّلوهُ بِدَمِ الطَّعنِ وما کَفَّنوهُ غَیرَ بَوغاءِ الثَّری...
مَیِّتٌ تَبکی لَهُ فاطِمَةٌ وأَبوها وعَلِیٌّ ذُو العُلی
لَو رَسولُ اللّهِ یَحیا بَعدَهُ قَعَدَ الیَومَ عَلَیهِ لِلعَزا (1)
2985. المناقب لابن شهرآشوب: [مِن قَصیدَةٍ] لِلسَّیِّدِ المُرتَضی:
إنَّ یَومَ الطَّفِّ یَوماً کانَ لِلدّینِ عَصیبا
لَم یَدَع لِلقَلبِ مِنّی فِی المَسَرّاتِ نَصیبا
لَعَنَ اللّهُ رِجالاً أترَعوا الدُّنیا غُصوبا
سالَموا عَجزاً فَلَمّا قَدَروا شَنُّوا الحُروبا
طَلَبوا أوتارَ بَدرٍ عِندَنا ظُلماً وحوبا (2)
2986. الغدیر: وقالَ یَرثِی الإِمامَ السِّبطَ المُفَدّی وأَصحابَهُ:
یا یَومَ عاشورَ کَم طَأطَأتَ مِن بَصَرٍ بَعدَ السُّمُوِّ وکَم أذلَلتَ مِن جیدِ
یا یَومَ عاشورَ کَم أطرَدتَ لی أمَلاً قَد کانَ قَبلَکَ عِندی غَیرَ مَطرودِ
أنتَ المُرَنِّقُ (3)عَیشی بَعدَ صَفوَتِهِ ومولِجُ البیضِ مِن شَیبی عَلَی السّودِ
ص:413
جُز بِالطُّفوفِ فَکَم فیهِنَّ مِن جَبَلٍ خَرَّ القَضاءُ بِهِ بَینَ الجَلامیدِ
وکَم جَریحٍ بِلا آسٍ تُمَزِّقُهُ إمّا النُّسورُ وإِمّا أضبُعُ البیدِ
وکَم سَلیبِ رِماحٍ غَیرِ مُستَتَرٍ وکَم صَریحِ حِمامٍ غَیرِ مَلحودِ
کَأَنَّ أوجُهَهُم بِیضاً مُلَألَأَةٍ کَواکِبٌ فی عِراصِ القَفرَةِ السّودِ
لَم یَطعَمُوا المَوتَ إلّابَعدَ أن حَطَموا بِالضَربِ وَالطَّعنِ أعناقَ الصَّنادیدِ
وَلَم یَدَع فیهِمُ خَوفُ الجَزاءِ غَداً دَماً لِتُربٍ ولا لَحماً إلی سیدِ (1)
مِن کُلِّ أبلَجَ کَالدّینارِ تَشهَدُهُ وَسطَ النَّدِیِّ بِفَضلٍ غَیرِ مَجحودِ
یَغشَی الهِیاجَ بِکَفٍّ غَیرِ مُنقَبِضٍ عَنِ الضِّرابِ وقَلبٍ غَیرِ مَزؤودِ
لَم یَعرِفوا غَیرَ بَثِّ العُرفِ بَینَهُمُ عَفواً ولا طُبِعوا إلّاعَلَی الجودِ
یا آلَ أحمَدَ کَم تُلوی حُقوقُکُم لَیَّ الغَرائِبِ عَن نَبتِ القَرادیدِ
وکَم أراکُم بِأَجوازِ الفَلا جُزُراً مُبَدَّدینَ ولکِن أیَّ تَبدیدِ (2)
2987. دیوان الشریف المرتضی: وقالَ أیضاً یَرثی جَدَّهُ الإِمامَ السِّبطَ المُفَدّی یَومَ عاشوراءَ سَنَةَ (413 ه):
لَکَ اللَّیلُ بَعدَ الذّاهِبینَ طَویلا ووَفدُ هُمومٍ لَم یُرِدنَ رَحیلا
ودَمعٌ إذا حَبَّستُهُ عَن سَبیلِهِ یَعودُ هَتوناً فِی الجُفونِ هَطولا
فَیا لَیتَ أسرابَ الدُّموعِ الَّتی جَرَت أسَونَ کَلیماً أو شَفَینَ غَلیلا...
فَقُل لِلَّذی یَبکی نُؤَیّاً (3)ودِمنَةً ویَندُبُ رَسماً بِالعَراءِ مُحیلا
ص:414
عَدانی دَمٌ لی طُلَّ بِالطَّفِّ أن اری شَجِیّاً أُبکِّی أربُعاً وطُلولا...
فَقُل لِبَنی حَربٍ وآلِ امَیَّةٍ إذا کُنتَ تَرضی أن تَکونَ قَؤولا
سَلَلتُم عَلی آلِ النَّبِیِّ سُیوفَهُ مُلِئنَ ثُلوماً فِی الطُّلی وفُلولا...
نساءُ رَسولِ اللّهِ عُقرَ دِیارِکُم یُرَجِّعنَ مِنکُم لَوعَةً وعَویلا
لَهُنَّ بِبَوغاءِ الطُّفوفِ أعِزَّةٌ سُقُوا المَوتَ صِرفاً صِبیَةً وکُهولا...
فَأَیُّ بُدورٍ ما مُحینَ بِکاسِفٍ ! وأَیُّ غُصونٍ ما لَقینَ ذُبولا...
ولا أنتُمُ أفرَجتُمُ عَن طَریقِهِ إلَیکُم ولا لَمّا أرادَ قُفولا
وکُلُّ کَریمٍ لا یُلِمُّ بِریبَةٍ فَإِن سیمَ قَولَ الفُحشِ قالَ جَمیلا
یُذادونَ عَن ماءِ الفُراتِ وقَد سُقُوا ال شَهادَةَ مِن ماءِ الفُراتِ بَدیلا
رُموا بِالرَّدی مِن حَیثُ لا یَحذَرونَهُ وغُرّوا وکَم غَرَّ الغُفولُ غَفولا
أیا یَومَ عاشوراءَ کَم مِن فَجیعَةٍ عَلی الغُرِّ آلِ اللّهِ کُنتَ نَزولا
دَخَلتَ عَلی أبیاتِهِم بِمُصابِهِم ألا بِئسَما ذاکَ الدُّخولُ دُخولا
نَزَعتَ شَهیدَ اللّهِ مِنّا وإِنَّما نَزَعتَ یَمیناً أو قَطَعتَ تَلیلا (1)
قَتیلاً وَجَدنا بَعدَهُ دینَ أحمَدٍ فَقیداً وعِزَّ المُسلِمینَ قَتیلا (2)
أرَی الدّینَ مِن بَعدِ یَومِ الحُسَینِ عَلیلاً لَهُ المَوتُ بِالمَرصَدِ
ومَا الشِّرکُ للّهِ ِ مِن قَبلِهِ إذا أنتَ قِستَ بِمُستَبعَدِ
وما آلُ حَربٍ جَنَوا إنَّما أعادُوا الضَّلالَ عَلی مَن بَدی
سَیَعلَمُ مَن فاطِمُ خَصمُهُ بِأَیِّ نَکالٍ غَداً یَرتَدی
ومَن ساءَ أحمَدَ یا سِبطَهُ فَباءَ بِقَتلِکَ ماذا یَدی (1)
فِداؤُکَ نَفسی ومَن لی بِذا کَ لَو أنَّ مَولیً بِعَبدٍ فُدی
ولَیتَ دَمی ما سَقَی الأَرضَ مِنکَ یَقوتُ الرَّدی وأَکونُ الرَّدی
ولَیتَ سَبَقتُ فَکُنتُ الشَّهیدَ أمامَکَ یا صاحِبَ المَشهَدِ
عَسَی الدَّهرُ یَشفی غَداً مِن عِدا کَ قَلبَ مَغیظٍ بِهِم مُکمَدِ (2)
2989.الغدیر: ولَهُ أیضاً:
وشَهیدٍ بِالطَّفِّ أبکَی السَّماوا تِ وکادَت لَهُ تَزولُ الجِبالُ
یا غَلیلی لَهُ وقَد حُرِّمَ الما ءُ عَلَیهِ وهوَ الشَّرابُ الحَلالُ
قُطِعَت وُصلَةُ النَّبِیِّ بِأَن تُق طَعَ مِن آلِ بَیتِهِ الأَوصالُ
لَم تُنَجِّ الکُهولَ سِنٌّ ولَا الشُّبّ انَ زُهدٌ ولا نَجَا الأَطفالُ
لَهفَ نَفسی یا آلَ طهَ عَلَیکُم لَهفَةً کَسبُها جَویً وخَبالُ (3)
ص:416