ص :2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :3

موسوعةالامام الحسین علیه السلام فی الکتاب والسنة والتاریخ

محمد الری شهری

بمساعدة السیدمحمود الطباطبائی نژاد، السیدروح ا... السیدالطبائی

التحقیق قسم تدوین السیره مرکز بحوث دارالحدیث.

ص :4

ص :5

ص :6

ص:8

أوائِلُ خَیلِ عُبَیدِ اللّهِ،فَلَمّا رَأی ذلِکَ عَدَلَ إلی کَربَلاءَ،فَأَسنَدَ ظَهرَهُ إلی قَصباءَ (1)وخَلاً (2)؛کَیلا یُقاتِلَ إلّامِن وَجهٍ واحِدٍ،فَنَزَلَ وضَرَبَ أبنِیَتَهُ،وکانَ أصحابُهُ خَمسَةً وأربَعینَ فارِساً ومِئَةَ راجِلٍ. (3)

1512.المِحَن: فَلَقِیَهُ [أیِ الحُسَینَ علیه السّلام ] الجَیشُ عَلی خُیولِهِم بِوادِی السِّباعِ...ثُمَّ قالوا:سِر بِنا یَابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ،فَما زالوا یَرجونَهُ،وأخَذوا بِهِ عَلَی النُّجُبِ حَتّی نَزَلوا بِکَربَلاءَ. (4)

ص:10

الجمعة 1؛تکون حادثة عاشوراء قد وقعت فی یوم الجمعة المصادف للعاشر من محرّم سنة 61 ه.

إلّا أنّ روایة عدد آخر من المصادر تدلّ علی أنّ حادثة عاشوراء وقعت فی یوم الإثنین، 2کما روت بعض المصادر أنّها کانت یوم السبت 3ویوم الأربعاء. 4

وبناءً علی ذلک،فإنّ الوثائق التاریخیة لأوثق الروایات تدلّ علی أنّ یوم عاشوراء کان یوم الجمعة،ویلیه فی الشهرة یوم الإثنین،إلّاأنّ الملاحظة الملفتة للنظر هی أنّ الحسابات القائمة علی التقاویم المقارنة لا تؤیّد وقوع حادثة عاشوراء فی أحد هذین الیومین،بل إنّ

ص:12

هذه الحسابات تفید بأنّ یوم عاشوراء کان یوم الأربعاء (1)أو الثلاثاء (2).وممّا یجدر ذکره أنّ بعض الباحثین رجّحوا الروایات التی ذکرت أنّ یوم عاشوراء کان یوم الاثنین،وذلک من خلال الاستنتاج والمقارنة بین الروایات التاریخیّة والحسابات الفلکیّة،ومن خلال الأخذ بنظر الاعتبار بأنّ الحسابات الفلکیّة قد تختلف أحیاناً بمقدار یومٍ بسبب رؤیة الهلال (3).

ص:13

کانَ جَبرَئیلُ عِندَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وأنتَ مَعی،فَبَکَیتَ،فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:دَعِی ابنی، فَتَرَکتُکَ،فَأَخَذَکَ ووَضَعَکَ فی حِجرِهِ،فَقالَ جَبرَئیلُ علیه السّلام:أتُحِبُّهُ؟قالَ:نَعَم.

قالَ:فَإِنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُهُ ! قالَ:وإن شِئتَ أن ارِیَکَ تُربَةَ أرضِهِ الَّتی یُقتَلُ فیها؟ قالَ:نَعَم،قالَت:فَبَسَطَ جَبرَئیلُ علیه السّلام جَناحَهُ عَلی أرضِ کَربَلا،فَأَراهُ إیّاها.

فَلَمّا قیلَ لِلحُسَینِ علیه السّلام هذِهِ أرضُ کَربَلاءَ،شَمَّها وقالَ:هذِهِ-وَاللّهِ-هِیَ الأَرضُ الَّتی أخبَرَ بِها جَبرائیلُ علیه السّلام رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وإنَّنی اقتَلُ فیها.

وفی رِوایَةٍ:قَبَضَ مِنها قَبضَةً،فَشَمَّها. (1)

1516.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جدّه [زین العابدین] علیهم السّلام :سارَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] حَتّی نَزَلَ کَربَلاءَ،فَقالَ:أیُّ مَوضِعٍ هذا؟ فَقیلَ:هذا کَربَلاءُ یَابنَ رَسولِ اللّهِ.

فَقالَ:هذا-وَاللّهِ-یَومُ کَربٍ وبَلاءٍ،وهذَا المَوضِعُ الَّذی یُهَراقُ فیهِ دِماؤُنا،ویُباحُ فیهِ حَریمُنا. (2)

1517.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): سارَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] حَتّی نَزَلَ بِکَربَلاءَ، فَاضطَرَبَ فیهِ،ثُمَّ قالَ:أیُّ مَنزِلٍ نَحنُ بِهِ؟قالوا:بِکَربَلاءَ.فَقالَ:یَومُ کَربٍ وبَلاءٍ. (3)

1518.الملهوف: ...ثُمَّ إنَّ الحُسَینَ علیه السّلام قامَ ورَکِبَ،وصارَ کُلَّما أرادَ المَسیَر یَمنَعونَهُ تارَةً، ویُسایِرونَهُ اخری،حَتّی بَلَغَ کَربَلاءَ،وکانَ ذلِکَ فِی الیَومِ الثّانی مِنَ المُحَرَّمِ،فَلَمّا

ص:15

وَصَلَها قالَ:مَا اسمُ هذِهِ الأَرضِ؟فَقیلَ:کَربَلاءُ.

فَقالَ:اِنزِلوا،هاهُنا-وَاللّهِ-مَحَطُّ رِکابِنا،وسَفکُ دِمائِنا (1)،هاهُنا-وَاللّهِ-مَخَطُّ قُبورِنا،وهاهُنا-وَاللّهِ-سَبیُ حَریمِنا،بِهذا حَدَّثَنی جَدّی. (2)

1519.الفتوح -بَعدَ ذِکرِ وُصولِ أمرِ عُبَیدِ اللّهِ بِالتَّضییقِ فی وَراءِ عُذَیبِ الهِجاناتِ (3)-:خَرَجَ الحُسَینُ علیه السّلام ووُلدُهُ وإخوَتُهُ وأهلُ بَیتِهِ-رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِم-بَینَ یَدَیهِ،فَنَظَرَ إلَیهِم ساعَةً وبَکی،وقالَ:اللّهُمَّ إنّا عِترَةُ نَبِیِّکَ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله،وقَد اخرِجنا وطُرِدنا عَن حَرَمِ جَدِّنا،وتَعَدَّت بَنو امَیَّةَ عَلَینا،فَخُذ بِحَقِّنا،وَانصُرنا عَلَی القَومِ الکافِرینَ.

قالَ:ثُمَّ صاحَ الحُسَینُ علیه السّلام فی عَشیرَتِهِ،ورَحَلَ مِن مَوضِعِهِ ذلِکَ،حَتّی نَزَلَ کَربَلاءَ فی یَومِ الأَربِعاءِ،أو یَومِ الخَمیسِ،وذلِکَ فِی الثّانی مِنَ المُحَرَّمِ،سَنَةَ إحدی وسِتّینَ،ثُمَّ أقبَلَ إلی أصحابِهِ،فَقالَ لَهُم:أهذِهِ کَربَلاءُ؟فَقالوا:نَعَم.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام لِأَصحابِهِ:اِنزِلوا،هذا مَوضِعُ کَربٍ وبَلاءٍ،هاهُنا مُناخُ رِکابِنا، ومَحَطُّ رِحالِنا،وسَفکُ دِمائِنا.

قالَ:فَنَزَلَ القَومُ،وحَطُّوا الأَثقالَ ناحِیَةً مِنَ الفُراتِ،وضُرِبَت خَیمَةُ الحُسَینِ علیه السّلام لِأَهلِهِ وبَنیهِ،وضَرَبَ عَشیرَتُهُ خِیامَهُم مِن حَولِ خَیمَتِهِ. (4)

1520.الأخبار الطوال: وسارَ الحُسَینُ علیه السّلام مِن قَصرِ بَنی مُقاتِلٍ،ومَعَهُ الحُرُّ بنُ یَزیدَ،کُلَّما أرادَ

ص:16

أن یَمیلَ نَحوَ البادِیَةِ مَنَعَهُ،حَتَّی انتَهی إلَی المَکانِ الَّذی یُسَمّی«کَربَلاءَ»،فَمالَ قَلیلاً مُتَیامِناً،حَتَّی انتَهی إلی نِینَوی،فَإِذا هُوَ بِراکِبٍ عَلی نَجیبٍ،مُقبِلٍ مِنَ القَومِ،فَوَقَفوا جَمیعاً یَنتَظِرونَهُ،فَلَمَّا انتَهی إلَیهِم سَلَّمَ عَلَی الحُرِّ،ولَم یُسَلِّم عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام.

ثُمَّ ناوَلَ الحُرَّ کِتاباً مِن عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَقَرَأَهُ،فَإِذا فیهِ:أمّا بَعدُ،فَجَعجِع بِالحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ وأصحابِهِ بِالمَکانِ الَّذی یُوافیکَ کِتابی،ولا تُحِلَّهُ إلّابِالعَراءِ عَلی غَیرِ خَمَرٍ (1)ولا ماءٍ،وقَد أمَرتُ حامِلَ کِتابی هذا أن یُخبِرَنی بِما کانَ مِنکَ فی ذلِکَ، وَالسَّلامُ.

فَقَرَأَ الحُرُّ الکِتابَ،ثُمَّ ناوَلَهُ الحُسَینَ علیه السّلام،وقالَ:لا بُدَّ مِن إنفاذِ أمرِ الأَمیرِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَانزِل بِهذَا المَکانِ،ولا تَجعَل لِلأَمیرِ عَلَیَّ عِلَّةً.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:تَقَدَّم بِنا قَلیلاً إلی هذِهِ القَریَةِ الَّتی هِیَ مِنّا عَلی غَلوَةٍ (2)،وهِیَ الغاضِرِیَّةُ،أو هذِهِ الاُخرَی الَّتی تُسَمَّی«السَّقَبَةَ»،فَنَنزِل فی إحداهُما.

قالَ الحُرُّ:إنَّ الأَمیرَ کَتَبَ إلَیَّ أن احِلَّکَ عَلی غَیرِ ماءٍ،ولا بُدَّ مِنَ الاِنتِهاءِ إلی أمرِهِ.

فَقالَ زُهَیرُ بنُ القَینِ لِلحُسَینِ علیه السّلام:بِأَبی واُمّی یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! وَاللّهِ لَو لَم یَأتِنا غَیرُ هؤُلاءِ لَکانَ لَنا فیهِم کِفایَةٌ،فَکَیفَ بِمَن سَیَأتینا مِن غَیرِهِم؟فَهَلُمَّ بِنا نُناجِز هؤُلاءِ؛ فَإِنَّ قِتالَ هؤُلاءِ أیسَرُ عَلَینا مِن قِتالِ مَن یَأتینا مِن غَیرِهم.

قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:فَإِنّی أکرَهُ أن أبدَأَهُم بِقِتالٍ حَتّی یَبدَأوا.

فَقالَ لَهُ زُهَیرٌ:فَهاهُنا قَریَةٌ بِالقُربِ مِنّا عَلی شَطِّ الفُراتِ،وهِیَ فی عاقُولٍ (3)

ص:17

حَصینَةٍ،الفُراتُ یُحدِقُ بِها إلّامِن وَجهٍ واحِدٍ.

قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:ومَا اسمُ تِلکَ القَریَةِ؟

قالَ:العَقرُ. (1)

قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:نَعوذُ بِاللّهِ مِنَ العَقرِ. (2)

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام لِلحُرِّ:سِر بِنا قَلیلاً،ثُمَّ نَنزِلُ.

فَسارَ مَعَهُ حَتّی أتَوا کَربَلاءَ،فَوَقَفَ الحُرُّ وأصحابُهُ أمامَ الحُسَینِ علیه السّلام،ومَنَعوهُم مِنَ المَسیرِ،وقالَ:اِنزِل بِهذَا المَکانِ،فَالفُراتُ مِنکَ قَریبٌ.

قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:ومَا اسمُ هذَا المَکانِ؟قالوا لَهُ:کَربَلاءُ.

قالَ:ذاتُ کَربٍ وبَلاءٍ،ولَقَد مَرَّ أبی بِهذَا المَکانِ عِندَ مَسیرِهِ إلی صِفّینَ،وأنَا مَعَهُ،فَوَقَفَ،فَسَأَلَ عَنهُ،فَاُخبِرَ بِاسمِهِ،فَقالَ:«هاهُنا مَحَطُّ رِکابِهِم،وهاهُنا مُهَراقُ دِمائِهِم»،فَسُئِلَ عَن ذلِکَ،فَقالَ:«ثَقَلٌ لِآلِ بَیتِ مُحَمَّدٍ یَنزِلونَ هاهُنا».

ثُمَّ أمَرَ الحُسَینُ علیه السّلام بِأَثقالِهِ،فَحُطَّت بِذلِکَ المَکانِ یَومَ الأَربِعاءِ،غُرَّةَ المُحَرَّمِ مِن سَنَةِ إحدی وسِتّینَ. (3)

1521.المطالب العالیة عن أبی یحیی عن رجل من بنی ضبّة: شَهِدتُ عَلِیّاً علیه السّلام حینَ نَزَلَ کَربَلاءَ، فَانطَلَقَ،فَقامَ ناحِیَةً،فَأَومَأَ بِیَدِهِ،فَقالَ:مُناخُ رِکابِهِم أمامَهُ،ومَوضِعُ رِحالِهِم عَن

ص:18

یَسارِهِ،فَضَرَبَ بِیَدَیهِ الأَرضَ،فَأَخَذَ مِنَ الأَرضِ قَبضَةً،فَشَمَّها فَقالَ:واحَبَّذَا الدِّماءُ یُسفَکُ فیهِ.

ثُمَّ جاءَ الحُسَینُ علیه السّلام فَنَزَلَ کَربَلاءَ.قالَ الضَّبِّیُّ:فَکُنتُ فِی الخَیلِ الَّتی بَعَثَهَا ابنُ زِیادٍ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام؛فَلَمّا قَدِمتُ فَکَأَنَّما نَظَرتُ إلی مَقامِ عَلِیٍّ علیه السّلام وإشارَتِهِ بِیَدِهِ، فَقَلَبتُ فَرَسی،ثُمَّ انصَرَفتُ إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام فَسَلَّمتُ عَلَیهِ،وقُلتُ لَهُ:إنَّ أباکَ کانَ أعلَمَ النّاسِ،وإنّی شَهِدتُهُ فی زَمَنِ کَذا وکَذا قالَ:کَذا وکَذا،وإنَّکَ-وَاللّهِ- لَمَقتولٌ السّاعَةَ.

قالَ:فَما تُریدُ أن تَصنَعَ أنتَ؟أتَلحَقُ بِنا،أم تَلحَقُ بِأَهلِکَ؟

قُلتُ:وَاللّهِ،إنَّ عَلَیَّ لَدَیناً،وإنَّ لی لَعِیالاً،وما أظُنُّ إلّاسَأَلحَقُ بِأَهلی.

قالَ:أمّا لا،فَخُذ مِن هذَا المالِ حاجَتَکَ-وإذا مالٌ مَوضوعٌ بَینَ یَدَیهِ-قَبلَ أن یَحرُمَ عَلَیکَ،ثُمَّ النَّجاءَ،فَوَاللّهِ،لا یَسمَعُ الدّاعِیَةَ أحَدٌ ولا یَرَی البارِقَةَ (1)أحَدٌ ولا یُعینُنا،إلّاکانَ مَلعوناً عَلی لِسانِ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله.

قالَ:قُلتُ:وَاللّهِ،لا أجمَعُ الیَومَ أمرَینِ:آخُذُ مالَکَ،وأخذُلُکَ.فَانصَرَفَ وتَرَکَهُ (2).

راجع:ج 2 ص 269 (القسم السادس/الفصل الثانی:إنباء النبی صلّی اللّه علیه و آله بشهادة الحسین علیه السّلام )

و ص 303 (الفصل الثالث:إنباء أمیر المؤمنین علیه السّلام بشهادة الحسین علیه السّلام ).

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ

مِنَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ إلی مُحَمَّدِ بنِ عَلِیٍّ ومَن قِبَلَهُ مِن بَنی هاشِمٍ:

أمّا بَعدُ،فَکَأَنَّ الدُّنیا لَم تَکُن،وکَأَنَّ الآخِرَةَ لَم تَزَل،وَالسَّلامُ. (1)

1525.تاریخ الطبری عن عقبة بن سمعان: کانَ سَبَبُ خُروجِ ابنِ سَعدٍ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام أنَّ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ بَعَثَهُ عَلی أربَعَةِ آلافٍ مِن أهلِ الکوفَةِ یَسیرُ بِهِم إلی دَستَبی (1)،وکانَتِ الدَّیلَمُ قَد خَرَجوا إلَیها،وغَلَبوا عَلَیها،فَکَتَبَ إلَیهِ ابنُ زِیادٍ عَهدَهُ عَلَی الرَّیِّ،وأمَرَهُ بِالخُروجِ،فَخَرَجَ مُعَسکِراً بِالنّاسِ بِحَمّامِ أعیَنَ.

فَلَمّا کانَ مِن أمرِ الحُسَینِ علیه السّلام ما کانَ،وأقبَلَ إلَی الکوفَةِ،دَعَا ابنُ زِیادٍ عُمَرَ بنَ سَعدٍ،فَقالَ:سِر إلَی الحُسَینِ،فَإِذا فَرَغنا مِمّا بَینَنا وبَینَهُ سِرتَ إلی عَمَلِکَ.

فَقالَ لَهُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:إنَ رَأَیتَ-رَحِمَکَ اللّهُ-أن تُعفِیَنی فَافعَل،فَقالَ لَهُ عُبَیدُ اللّهِ:نَعَم،عَلی أن تَرُدَّ لَنا عَهدَنا،قالَ:فَلَمّا قالَ لَهُ ذاکَ،قالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:أمهِلنِی الیَومَ حَتّی أنظُرَ،قالَ:فَانصَرَفَ عُمَرُ یَستَشیرُ نُصَحاءَهُ،فَلَم یَکُن یَستَشیرُ أحَداً إلّا نَهاهُ.

قالَ:وجاءَ حَمزَةُ بنُ المُغیرَةِ بنِ شُعبَةَ،وهُوَ ابنُ اختِهِ،فَقالَ:أنشُدُکَ اللّهَ-یا خالِ-أن تَسیرَ إلَی الحُسَینِ،فَتَأثَمَ بِرَبِّکَ وتَقطَعَ رَحِمَکَ ! فَوَاللّهِ،لَأَن تَخرُجَ مِن دُنیاکَ ومالِکَ وسُلطانِ الأَرضِ کُلِّها-لَو کانَ لَکَ-خَیرٌ لَکَ مِن أن تَلقَی اللّهَ بِدَمِ الحُسَینِ !

فَقالَ لَهُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:فَإِنّی أفعَلُ إن شاءَ اللّهُ.

قالَ هِشامٌ:حَدَّثَنی عَوانَةُ بنُ الحَکَمِ،عَن عَمّارِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ یَسارٍ الجُهَنِیِّ عَن أبیهِ،قالَ:دَخَلتُ عَلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ وقَد امِرَ بِالمَسیرِ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ

ص:21

لی:إنَّ الأَمیرَ أمَرَنی بِالمَسیرِ إلَی الحُسَینِ،فَأَبَیتُ ذلِکَ عَلَیهِ،فَقُلتُ لَهُ:أصابَ اللّهُ بِکَ،أرشَدَکَ اللّهُ،أحِل فَلا تَفعَل ولا تَسِر إلَیهِ.

قالَ:فَخَرَجتُ مِن عِندِهِ،فَأَتانی آتٍ،وقالَ:هذا عُمَرُ بنُ سَعدٍ یَندُبُ النّاسَ إلَی الحُسَینِ،قالَ:فَأَتَیتُهُ فَإِذا هُوَ جالِسٌ،فَلَمّا رَآنی أعرَضَ بِوَجهِهِ،فَعَرَفتُ أنَّهُ قَد عَزَمَ عَلَی المَسیرِ إلَیهِ،فَخَرَجتُ مِن عِندِهِ.

قالَ:فَأَقبَلَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ إلَی ابنِ زِیادٍ،فَقالَ:أصلَحَکَ اللّهُ،إنَّکَ وَلَّیتَنی هذَا العَمَلَ،وکَتَبتَ لِیَ العَهدَ،وسَمِعَ بِهِ النّاسُ،فَإِن رَأَیتَ أن تُنفِذَ لی ذلِکَ فَافعَل،وَابعَث إلَی الحُسَینِ فی هذَا الجَیشِ مِن أشرافِ الکوفَةِ مَن لَستُ بِأَغنی ولا أجزَأَ عَنکَ فی الحَربِ مِنهُ،فَسَمّی لَهُ اناساً.

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:لا تُعلِمنی بِأَشرافِ أهلِ الکوفَةِ،ولَستُ أستَأمِرُکَ فیمَن اریدُ أن أبعَثَ ! إن سِرتَ بِجُندِنا،وإلّا فَابعَث إلَینا بِعَهدِنا.

فَلَمّا رَآهُ قَد لَجَّ،قالَ:فَإِنّی سائِرٌ.

قالَ:فَأَقبَلَ فی أربَعَةِ آلافٍ حَتّی نَزَلَ بِالحُسَینِ علیه السّلام مِنَ الغَدِ مِن یَومَ نَزَلَ الحُسَینُ علیه السّلام نِینَوی. (1)

1526.الفتوح: جَمَعَ [ابنُ زِیادٍ] أصحابَهُ،وقالَ:أیُّهَا النّاسُ ! مَن مِنکُم تَوَلّی قِتالَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ وَلِیَ وِلایَةَ أیِّ بَلَدٍ شاءَ؟فَلَم یُجِبهُ أحَدٌ بِشَیءٍ.

قالَ:فَالتَفَتَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ،وقَد کانَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ قَبلَ ذلِکَ

ص:22

بِأَیّامٍ قَد عَقَدَ لَهُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ عَقداً ووَلّاهُ الرَّیَّ ودَستَبی،وأمَرَهُ بِحَربِ الدَّیلَمِ، فَأَرادَ أن یَخرُجَ إلَیها،فَلَمّا کانَ ذلِکَ الیَومُ أقبَلَ عَلَیهِ ابنُ زِیادٍ،فَقالَ:اُریدُ أن تَخرُجَ إلی قِتالِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ،فَإِذا نَحنُ فَرَغنا مِن شُغُلِهِ سِرتَ إلی عَمَلِکَ إن شاءَ اللّهُ.

فَقالَ لَهُ عُمَرُ:أیُّهَا الأَمیرُ ! إن أرَدتَ أن تُعفِیَنی مِن قِتالِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ فَافعَل !

فَقالَ:قَد أعفَیتُکَ،فَاردُد إلَینا عَهدَنَا الَّذی کَتَبناهُ لَکَ،وَاجلِس فی مَنزِلِکَ نَبعَثُ غَیرَکَ.

فَقالَ لَهُ عُمَرُ:أمهِلنِی الیَومَ حَتّی أنظُرَ فی أمری.قالَ:قَد أمهَلتُکَ.فَانصَرَفَ عُمَرُ إلی مَنزِلِهِ وجَعَلَ یَستَشیرُ بَعضَ إخوانِهِ ومَن یَثِقُ بِهِ،فَلَم یُشِر عَلَیهِ أحَدٌ بِشَیءٍ غَیرَ أنَّهُ یَقولُ لَهُ:اِتَّقِ اللّهَ ولا تَفعَل !

قالَ:وأقبَلَ عَلَیهِ حَمزَةُ بنُ المُغیرَةِ بنِ شُعبَةَ،وهُوَ ابنُ اختِهِ،فَقالَ:أنشُدُکَ اللّهَ- یا خالِ-أن تَسیرَ إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ،فَإِنَّکَ تَأثَمُ بِرَبِّکَ،وتَقطَعُ رَحِمَکَ،وما لَکَ ولِسُلطانِ الأَرضِ؟اِتَّقِ اللّهَ أن تَتَقَدَّمَ یَومَ القِیامَةِ بِدَمِ الحُسَینِ ابنِ فاطِمَةَ.

قالَ:فَسَکَتَ عُمَرُ وفی قَلبِهِ مِنَ الرَّیِّ.

فَلَمّا أصبَحَ أقبَلَ حَتّی دَخَلَ عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَقالَ:ما عِندَکَ یا عُمَرُ؟ فَقالَ:أیُّهَا الأَمیرُ ! إنَّکَ قَد وَلَّیتَنی هذَا الأَمرَ وکَتَبتَ لی هذَا العَهدَ،وقَد سَمِعَ بِهِ النّاسُ،وفِی الکوفَةِ أشرافٌ-وعَدَّهُم-فَقالَ لَهُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ:أنَا أعلَمُ مِنکَ بِأَشرافِها،وما اریدُ مِنکَ إلّاأن تَکشِفَ هذِهِ الغُمَّةَ،وأنتَ الحَبیبُ القَریبُ،وإلَّا اردُد عَلَینا عَهدَنا وَالزَم مَنزِلَکَ،فَإِنّا لا نُکرِهُکَ.

قالَ:فَسَکَتَ عُمَرُ،فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:یَابنَ سَعدٍ،وَاللّهِ،لَئِن لَم تَسِر إلَی الحُسَینِ وتَتَوَّلَ حَربَهُ وتَقدَم عَلَینا بِما یَسوؤُهُ،لَأَضرِبَنَّ عُنُقَکَ،ولَأَنهَبَنَّ أموالَکَ.

قالَ:فَإِنّی سائِرٌ إلَیهِ غَداً إن شاءَ اللّهُ،فَجَزاهُ ابنُ زِیادٍ خَیراً،ووَصَلَهُ وأعطاهُ

ص:23

وحَیّاهُ (1)،ودَفَعَ إلَیهِ أربَعَةَ آلافِ فارِسٍ،وقالَ لَهُ:سِر حَتّی تَنزِلَ بِالحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ (2).

1527.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): فَوَجَّهَ إلَیهِ [أی إلَی الحُسَینِ علیه السّلام ] عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ عُمَرَ بنَ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ فی أربَعَةِ آلافٍ،وقَد کانَ استَعمَلَهُ قَبلَ ذلِکَ عَلَی الرَّیِّ وهَمذانَ،وقَطَعَ ذلِکَ البَعثَ مَعَهُ،فَلَمّا أمَرَهُ بِالمَسیرِ إلی حُسَینٍ علیه السّلام تَأَبّی ذلِکَ وکَرِهَهُ وَاستَعفی مِنهُ.

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:اُعطِی اللّهَ عَهداً لَئِن لَم تَسِر إلَیهِ وتُقدِم عَلَیهِ،لَأَعزِلَنَّکَ عَن عَمَلِکَ،وأهدِمُ دارَکَ،وأضرِبُ عُنُقَکَ ! فَقالَ:إذَن أفعَلُ.

فَجاءَتهُ بَنو زُهرَةَ،قالوا:نَنشُدُکَ اللّهَ أن تَکونَ أنتَ الَّذی تَلی هذا مِن حُسَینٍ، فَتَبقی عَداوَةٌ بَینَنا وبَینَ بنی هاشِمٍ،فَرَجَعَ إلی عُبَیدِ اللّهِ فَاستَعفاهُ فَأَبی أن یُعفِیَهُ، فَصَمَّمَ وسارَ إلَیهِ.ومَعَ حُسَینٍ علیه السّلام یَومَئِذٍ خَمسونَ رَجُلاً،وأتاهُم مِنَ الجَیشِ عِشرونَ رَجُلاً،وکانَ مَعَهُ مِن أهلِ بَیتِهِ تِسعَةَ عَشَرَ رَجُلاً.

فَلَمّا رَأَی الحُسَینُ علیه السّلام عُمَرَ بنَ سَعدٍ قَد قَصَدَ لَهُ فی مَن مَعَهُ قالَ:یا هؤُلاءِ، اسمَعوا یَرحَمُکُمُ اللّهُ ! ما لَنا ولَکُم؟! ما هذا بِکُم یا أهلَ الکوفَةِ؟! قالوا:خِفنا طَرحَ العَطاءِ،قالَ:ما عِندَ اللّهِ مِنَ العَطاءِ خَیرٌ لَکُم. (3)

1528.الفتوح: أرسَلَ إلَیهِ [أی إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ] الحُسَینُ علیه السّلام بُرَیراً،فَقالَ بُرَیرٌ:یا عُمَرَ بنَ

ص:24

سَعدٍ،أتَترُکُ أهلَ بَیتِ النُّبُوَّةِ یَموتونَ عَطَشاً،وحُلتَ بَینَهُم وبَینَ الفُراتِ أن یَشرَبوهُ وتَزعُمُ أنَّکَ تَعرِفُ اللّهَ ورَسولَهُ؟!

قالَ:فَأَطرَقَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ ساعَةً إلَی الأَرضِ،ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وقالَ:إنّی-وَاللّهِ- أعلَمُهُ یا بُرَیرُ عِلماً یَقیناً،أنَّ کُلَّ مَن قاتَلَهُم وغَصَبَهُم عَلی حُقوقِهِم فِی النّارِ لا مَحالَةَ،ولکِن وَیحَکَ یا بُرَیرُ ! أتُشیرُ عَلَیَّ أن أترُکَ وِلایَةَ الرَّیِّ فَتَصیرَ لِغَیری؟ما أجِدُ نَفسی تُجیبُنی إلی ذلِکَ أبَداً،ثُمَّ أنشَأَ یَقولُ:

دَعانی عُبَیدُ اللّهِ مِن دونِ قَومِهِ

قالَ:فَرَجَعَ بُرَیرُ بنُ حُضَیرٍ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ:یَابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ،إنَّ عُمَرَ بنَ سَعدٍ قَد رَضِیَ أن یَقتُلَکَ بِمُلکِ الرَّیِّ! (1)1529.مطالب السؤول: کَتَبَ عُبَیدُ اللّهِ کِتاباً إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ یَحُثُّهُ عَلی مُناجَزَةِ الحُسَینِ علیه السّلام، فَعِندَها ضَیَّقَ الأَمرَ عَلَیهِم،وَاشتَدَّ بِهِمُ العَطَشُ،فَقالَ إنسانٌ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام یُقالُ لَهُ یَزیدُ بنُ حُصَینٍ الهَمدانِیُّ-وکانَ زاهِداً-لِلحُسَینِ علیه السّلام:إیذَن لی یَابنَ رَسولِ اللّهِ لِآتِیَ ابنَ سَعدٍ فَاُکَلِّمَهُ فی أمرِ الماءِ عَساهُ یَرتَدِعُ،فَقالَ لَهُ:ذلِکَ إلَیکَ.

فَجاءَ الهَمدانِیُّ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَدَخَلَ عَلَیهِ ولَم یُسَلِّم،قالَ:یا أخا هَمدانَ،ما مَنَعَکَ مِنَ السَّلامِ عَلَیَّ؟ألَستُ مُسلِماً أعرِفُ اللّهَ ورَسولَهُ؟

ص:25

فَقالَ لَهُ الهَمدانِیُّ:لَو کُنتَ مُسلِماً کَما تَقولُ لَما خَرَجتَ إلی عِترَةِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله تُریدُ قَتلَهُم ! وبَعدُ،فَهذا ماءُ الفُراتِ یَشرَبُ مِنهُ کِلابُ السَّوادِ وخَنازیرُها،وهذَا الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام وإخوَتُهُ ونِساؤُهُ وأهلُ بَیتِهِ یَموتونَ عَطَشاً،قَد حُلتَ بَینَهُم وبَینَ ماءِ الفُراتِ أن یَشرَبوهُ وتَزعُمُ أنَّکَ تَعرِفُ اللّهَ ورَسولَهُ؟!

فَأَطرَقَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ،ثُمَّ قالَ:وَاللّهِ یا أخا هَمدانَ،إنّی لَأَعلَمُ حُرمَةَ أذاهُم ولکِن:

دَعانی عُبَیدُ اللّهِ مِن دونِ قَومِهِ

یا أخا هَمدانَ ! ما أجِدُ نَفسی تُجیبُنی إلی تَرکِ الرَّیِّ لِغَیری.

فَرَجَعَ یَزیدُ بنُ حُصَینِ الهَمدانِیُّ،فَقالَ لِلحُسَینِ علیه السّلام:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،إنَّ عُمَرَ بنَ سَعدٍ قَد رَضِیَ أن یَقتُلَکَ بِوِلایَةِ الرَّیِّ! (1)راجع:ص 44 (منع الماء عن الإمام علیه السّلام وأصحابه فی السابع من المحرّم).

اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،ثُمَّ قالَ:أیُّهَا النّاسُ ! إنَّکُم قَد بَلَوتُم آلَ سُفیانَ فَوَجَدتُموهُم عَلی ما تُحِبّونَ،وهذا یَزیدُ قَد عَرَفتُموهُ أنَّهُ حَسَنُ السّیرَةِ،مَحمودُ الطَّریقَةِ،مُحسِنٌ إلَی الرَّعِیَّةِ،مُتَعاهِدُ الثُّغورِ،یُعطِی العَطاءَ فی حَقِّهِ،حَتّی أنَّهُ کانَ أبوهُ کَذلِکَ،وقَد زادَ أمیرُ المُؤمِنینَ فی إکرامِکُم،وکَتَبَ إلَیَّ یَزیدُ بنُ مُعاوِیَةَ بِأَربَعَةِ آلافِ دینارٍ ومِئَتَی ألفِ دِرهَمٍ،أفرُقُها عَلَیکُم،واُخرِجُکُم إلی حَربِ عَدُوِّهِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ،فَاسمَعوا لَهُ وأطیعوا،وَالسَّلامُ.

قالَ:ثُمَّ نَزَلَ عَنِ المِنبَرِ،ووَضَعَ لِأَهلِ الشّامِ (1)العَطاءَ فَأَعطاهُم،ونادی فیهِم بِالخُروجِ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ؛لِیَکونوا أعواناً لَهُ عَلی قِتالِ الحُسَینِ علیه السّلام.

قالَ:فَأَوَّلُ مَن خَرَجَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ الشِّمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ السَّلولِیُّ-لَعَنَهُ اللّهُ-فی أربَعَةِ آلافِ فارِسٍ،فَصارَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ فی تِسعَةِ آلافٍ،ثُمَّ أتبَعَهُ زَیدُ بنُ رَکّابٍ الکَلبِیُّ فی ألفَینِ،وَالحُصَینُ بنُ نُمَیرٍ السَّکونِیُّ فی أربَعَةِ آلافٍ،وَالمصابُ الماری فی ثَلاثَةِ آلافٍ،ونَصرُ بنُ حَربَةَ فی ألفَینِ،فَتَمَّ لَهُ عِشرونَ ألفاً،ثُمَّ بَعَثَ ابنُ زِیادٍ إلی شَبَثِ بنِ رِبعِیٍّ الرِّیاحِیِّ رَجُلاً،وسَأَلَ أن یُوَجِّهَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَاعتَلَّ بِمَرَضٍ،فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:أتَتَمارَضُ؟! إن کُنتَ فی طاعَتِنا فَاخرُج إلی قِتالِ عَدُوِّنا، فَخَرَجَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ فی ألفِ فارِسٍ بَعدَ أن أکرَمَهُ ابنُ زِیادٍ وأعطاهُ وحَباهُ، وأتبَعَهُ بِحَجّارِ بنِ أبجَرَ فی ألفِ فارسٍ،فَصارَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ فِی اثنَینِ وعِشرینَ ألفاً ما بَینَ فارِسٍ وراجِلٍ.

ثُمَّ کَتَبَ ابنُ زِیادٍ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ:إنّی لَم أجعَل لَکَ عِلَّةً فی قِتالِ الحُسَینِ مِن کَثرَةِ الخَیلِ وَالرِّجالِ،فَانظُر أن لا تَبدَأَ أمراً حَتّی تُشاوِرَنی غُدُوّاً وعَشِیّاً مَعَ کُلِّ غادٍ ورائِحٍ،وَالسَّلامُ.

ص:27

قالَ:وکانَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ فی کُلِّ وَقتٍ یَبعَثُ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ ویَستَعجِلُهُ فی قِتالِ الحُسَینِ علیه السّلام.

قالَ:وَالتَأَمَتِ العَساکِرُ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ لِسِتٍّ مَضَینَ مِنَ المُحَرَّمِ. (1)

1531.الأخبار الطوال: وَجَّهَ الحُصَینَ بنَ نُمَیرٍ وحَجّارَ بنَ أبجَرَ وشَبَثَ بنَ رِبعِیٍّ وشِمرَ بنَ ذِی الجَوشَنِ،لِیُعاوِنوا عُمَرَ بنَ سَعدٍ عَلی أمرِهِ،فَأَمّا شِمرٌ فَنَفَذَ لِما وَجَّهَهُ لَهُ،وأمّا شَبَثٌ فَاعتَلَّ بِمَرَضٍ،فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:أتَتَمارَضُ؟إن کُنتَ فی طاعَتِنا فَاخرُج إلی قِتالِ عَدُوِّنا.فَلَمّا سَمِعَ شَبَثٌ ذلِکَ خَرَجَ،ووَجَّهَ أیضاً الحارِثَ بنَ یَزیدَ بنِ رُوَیمٍ.

قالوا:وکانَ ابنُ زِیادٍ إذا وَجَّهَ الرَّجُلَ إلی قِتالِ الحُسَینِ علیه السّلام فِی الجَمعِ الکَثیرِ، یَصِلونَ إلی کَربَلاءَ،ولَم یَبقَ مِنهُم إلَّاالقَلیلُ،کانوا یَکرَهونَ قِتالَ الحُسَینِ علیه السّلام، فَیَرتَدِعونَ ویَتَخَلَّفونَ.فَبَعَثَ ابنُ زِیادٍ سُوَیدَ بنَ عَبدِ الرَّحمنِ المِنقَرِیَّ فی خَیلٍ إلَی الکوفَةِ،وأمَرَهُ أن یَطوفَ بِها،فَمَن وَجَدَهُ قَد تَخَلَّفَ أتاهُ بِهِ.

فَبَینا هُوَ یَطوفُ فی أحیاءِ الکوفَةِ إذ وَجَدَ رَجُلاً مِن أهلِ الشّامِ قَد کانَ قَدِمَ الکُوفَةَ فی طَلَبِ میراثٍ لَهُ،فَأَرسَلَ بِهِ إلَی ابنِ زِیادٍ،فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَت عُنُقُهُ،فَلَمّا رَأَی النّاسُ ذلِکَ خَرَجوا. (2)

1532.أنساب الأشراف: قالوا:ولَمّا سَرَّحَ ابنُ زِیادٍ عُمَرَ بنَ سَعدٍ مِن حَمّامِ أعیَنَ،أمَرَ النّاسَ فَعَسکَروا بِالنُّخَیلَةِ،وأمَرَ أن لا یَتَخَلَّفَ أحَدٌ مِنهُم،وصَعِدَ المِنبَرَ،فَقَرَّظَ مُعاوِیَةَ، وذَکَرَ إحسانَهُ،وإدرارَهُ الأَعطِیاتِ،وعِنایَتَهُ بِاُمورِ الثُّغورِ،وذَکَرَ اجتِماعَ الاُلفَةِ بِهِ وعَلی یَدِهِ،وقالَ:إنَّ یَزیدَ ابنُهُ المُتَقَیِّلُ لَهُ،السّالِکُ لِمَناهِجِهِ،المُحتَذی لِمِثالِهِ،

ص:28

وقَد زادَکُم مِئَةً مِئَةً فی أعطِیَتِکُم،فَلا یَبقَیَنَّ رَجُلٌ مِنَ العُرَفاءِ وَالمَناکِبِ وَالتُّجّارِ وَالسُّکّانِ إلّاخَرَجَ فَعَسکَرَ مَعی،فَأَیُّما رَجُلٍ وَجَدناهُ بَعدَ یَومِنا هذا مُتَخَلِّفاً عَنِ العَسکَرِ بَرِئتُ مِنهُ الذِّمَّةَ.

ثُمَّ خَرَجَ ابنُ زِیادٍ فَعَسکَرَ،وبَعَثَ إلَی الحُصَینِ بنِ تَمیمٍ،وکانَ بِالقادِسِیَّةِ فی أربَعَةِ آلافٍ،فَقَدِمَ النُّخَیلَةَ فی جَمیعِ مَن مَعَهُ،ثُمَّ دَعَا ابنُ زِیادٍ کَثیرَ بنَ شِهابٍ الحارِثِیَّ،ومُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ بنِ قَیسٍ،وَالقَعقاعَ بنَ سُوَیدِ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ المِنقَرِیَّ،وأسماءَ بنَ خارِجَةَ الفَزارِیَّ،وقالَ:طوفوا فِی النّاسِ،فَمُروهُم بِالطّاعَةِ وَالاِستِقامَةِ،وخَوِّفوهُم عَواقِبَ الاُمورِ وَالفِتنَةَ وَالمَعصِیَةَ،وحُثّوهُم عَلَی العَسکَرَةِ.

فَخَرَجوا فَعَذَّروا (1)وداروا بِالکوفَةِ،ثُمَّ لَحِقوا بِهِ،غَیرَ کَثیرِ بنِ شِهابٍ؛فَإِنَّهُ کانَ مُبالِغاً یَدورُ بِالکوفَةِ یَأمُرُ النّاسَ بِالجَماعَةِ،ویُحَذِّرُهُمُ الفِتنَةَ وَالفُرقَةَ،ویُخَذِّلُ عَنِ الحُسَینِ علیه السّلام.

وسَرَّحَ ابنُ زِیادٍ أیضاً حُصَینَ بنَ تَمیمٍ فی الأَربَعَةِ الآلافِ الَّذینَ کانوا مَعَهُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام بَعدَ شُخوصِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ بِیَومٍ أو یَومَینِ،ووَجَّهَ أیضاً إلَی الحُسَینِ علیه السّلام حَجّارَ بنَ أبجَرَ العِجلِیَّ فی ألفٍ،وتَمارَضَ شَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ،فَبَعَثَ إلَیهِ فَدَعاهُ وعَزَمَ عَلَیهِ أن یَشخَصَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام فی ألفٍ فَفَعَلَ.

وکانَ الرَّجُلُ یُبعَثُ فی ألفٍ فَلا یَصِلُ إلّافی ثَلاثِمِئَةٍ أو أربَعِمِئَةٍ وأقَلَّ مِن ذلِکَ، کَراهَةً مِنهُم لِهذَا الوَجهِ.

ووَجَّهَ أیضاً یَزیدَ بنَ الحارِثِ بنِ یَزیدَ بنِ رُوَیمٍ فی ألفٍ أو أقَلَّ،ثُمَّ إنَّ ابنَ زِیادٍ استَخلَفَ عَلَی الکوفَةِ عَمرَو بنَ حُرَیثٍ،وأمَرَ القَعقاعَ بنَ سُوَیدِ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ بُجَیرٍ المِنقَرِیَّ بِالتَّطوافِ بِالکوفَةِ فی خَیلٍ،فَوَجَدَ رَجُلاً مِن هَمدانَ قَد قَدِمَ یَطلُبُ

ص:29

میراثاً لَهُ بِالکوفَةِ،فَأَتی بِهِ ابنَ زِیادٍ فَقَتَلَهُ،فَلَم یَبقَ بِالکوفَةِ مُحتَلِمٌ إلّاخَرَجَ إلَی العَسکَرِ بِالنُّخَیلَةِ.

ثُمَّ جَعَلَ ابنُ زِیادٍ یُرسِلُ العِشرینَ وَالثَّلاثینَ وَالخَمسینَ إلَی المِئَةِ غُدوَةً وضَحوَةً ونِصفَ النَّهارِ وعَشِیَّةً مِنَ النُّخَیلَةِ،یُمِدُّ بِهِم عُمَرَ بنَ سَعدٍ،وکانَ یَکرَهُ أن یَکونَ هَلاکُ الحُسَینِ علیه السّلام عَلی یَدِهِ.فَلَم یَکُن شَیءٌ أحَبَّ إلَیهِ مِن أن یَقَعَ الصُّلحُ.

ووَضَعَ ابنُ زِیادٍ المَناظِرَ عَلَی الکوفَةِ؛لِئَلّا یَجوزَ أحَدٌ مِنَ العَسکَرِ مَخافَةً لِأَن یَلحَقَ الحُسَینَ علیه السّلام مُغیثاً لَهُ،ورَتَّبَ المَسالِحَ (1)حَولَها،وجَعَلَ عَلی حَرَسِ الکوفَةِ وَالعَسکَرِ زَحرَ بنَ قَیسٍ الجُعِفیَّ،ورَتَّبَ بَینَهُ وبَینَ عَسکَرِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ خَیلاً مُضَمَّرَةً (2)مُقَدَّحَةً (3)،فَکانَ خَبرُما قِبَلَهُ یَأتیهِ فی کُلِّ وَقتٍ. (4)

1533.المناقب لابن شهرآشوب: جَهَّزَ ابنُ زِیادٍ عَلَیهِ خَمساً وثَلاثینَ ألفاً،فَبَعَثَ الحُرَّ فی ألفِ رَجُلٍ مِنَ القادِسِیَّةِ،وکَعبَ بنَ طَلحَةَ فی ثَلاثَةِ آلافٍ،وعُمَرَ بنَ سَعدٍ فی أربَعَةِ آلافٍ،وشِمرَ بنَ ذِی الجَوشَنِ السَّلولِیَّ فی أربَعَةِ آلافٍ مِن أهلِ الشّامِ،ویَزیدَ بنَ رَکّابٍ الکَلبِیَّ فی ألفَینِ،وَالحُصَینَ بنَ نُمَیرٍ السَّکونِیَّ فی أربَعَةِ آلافٍ،ومُضایِرَ بنَ

ص:30

رَهینَةَ المازِنِیَّ فی ثَلاثَةِ آلافٍ،ونَصرَ بنَ حَرَشَةَ فی ألفَینِ،وشَبَثَ بنَ رِبعِیٍّ الرِّیاحِیَّ فی ألفٍ،وحَجّارَ بنَ أبجَرَ فی ألفٍ،وکانَ جَمیعُ أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام اثنَینِ وثَمانینَ رَجُلاً،مِنهُمُ الفُرسانُ اثنانِ وثَلاثونَ فارِساً،ولَم یَکُن لَهُم مِنَ السِّلاحِ إلاَّ السَّیفُ وَالرُّمحُ. (1)

1534.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جدّه [زین العابدین] علیهم السّلام :أقبَلَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ بِعَسکَرِهِ حَتّی عَسکَرَ بِالنُّخَیلَةِ،وبَعَثَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام رَجُلاً یُقالُ لَهُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ قائِدُهُ فی أربَعَةِ آلافِ فارِسٍ،وأقبَلَ عَبدُ اللّهِ بنُ الحُصَینِ التَّمیمِیُّ فی ألفِ فارِسٍ،یَتبَعُهُ شَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ فی ألفِ فارِسٍ ومُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ بنِ قَیسٍ الکِندِیُّ أیضاً فی ألفِ فارِسٍ،وکَتَبَ لِعُمَرَ بنِ سَعدٍ عَلَی النّاسِ، وأمَرَهُم أن یَسمَعوا لَهُ ویُطیعوهُ. (2)

1535.إثبات الوصیّة: تَوَجَّهَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ-لَعَنَهُ اللّهُ-بِالجُیوشِ مِن قِبَلِ یَزیدَ فی ثَمانِیَةٍ وعِشرینَ ألفاً. (3)

فَاستَحیی مِنهُ أن یَأتِیَهُ.

قالَ:فَعَرَضَ ذلِکَ عَلَی الرُّؤَساءِ الَّذینَ کاتَبوهُ،فَکُلُّهُم أبی وکَرِهَهُ.

قالَ:وقامَ إلَیهِ کَثیرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الشَّعبِیُّ-وکانَ فارِساً شُجاعاً لَیس یَرُدُّ وَجهَهُ شَیءٌ-فَقالَ:أنَا أذهَبُ إلَیهِ،وَاللّهِ،لَئِن شِئتَ لَأَفتِکَنَّ بِهِ،فَقالَ لَهُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:ما اریدُ أن یُفتَکَ بِهِ،ولکِنِ ائتِهِ فَسَلهُ مَا الَّذی جاءَ بِهِ؟

قالَ:فَأَقبَلَ إلَیهِ،فَلَمّا رَآهُ أبو ثُمامَةَ الصّائِدِیُّ،قالَ لِلحُسَینِ علیه السّلام:أصلَحَکَ اللّهُ أبا عَبدِ اللّهِ ! قَد جاءَکَ شَرُّ أهلِ الأَرضِ وأجرَؤُهُ عَلی دَمٍ وأفتَکُهُ.فَقامَ إلَیهِ،فَقالَ:ضَع سَیفَکَ،قالَ:لا وَاللّهِ،ولا کَرامَةَ،إنَّما أنَا رَسولٌ،فَإِن سَمِعتُم مِنّی أبلَغتُکُم ما ارسِلتُ بِهِ إلَیکُم،وإن أبَیتُمُ انصَرَفتُ عَنکُم،فَقالَ لَهُ:فَإِنّی آخِذٌ بِقائِمِ سَیفِکَ،ثُمَّ تَکَلَّم بِحاجَتِکَ،قالَ:لا وَاللّهِ،لا تَمُسُّهُ،فَقالَ لَهُ:أخبِرنی ما جِئتَ بِهِ وأنَا ابلِغُهُ عَنکَ،ولا أدَعُکَ تَدنو مِنهُ،فَإِنَّکَ فاجِرٌ،قالَ:فَاستَبّا.

ثُمَّ انصَرَفَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ،قالَ:فَدَعا عُمَرُ قُرَّةَ بنَ قَیسٍ الحَنظَلِیَّ،فَقالَ لَهُ:وَیحَکَ یا قُرَّةُ ! القَ حُسَیناً فَسَلهُ ما جاءَ بِهِ؟وماذا یُریدُ؟

قالَ:فَأَتاهُ قُرَّةُ بنُ قَیسٍ،فَلَمّا رَآهُ الحُسَینُ علیه السّلام مُقبِلاً قالَ:أتَعرِفونَ هذا؟فَقالَ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ:نَعَم،هذا رَجُلٌ مِن حَنظَلَةَ تَمیمِیٌّ،وهُوَ ابنُ اختِنا،ولَقَد کُنتُ أعرِفُهُ بِحُسنِ الرَّأیِ،وما کُنتُ أراهُ یَشهَدُ هذَا المَشهَدَ،فَجاءَ حَتّی سَلَّمَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام،وأبلَغَهُ رِسالَةَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ إلَیهِ لَهُ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:کَتَبَ إلَیَّ أهلُ مِصرِکُم هذا أن أقدَمَ،فَأَمّا إذ کَرِهونی فَأَنَا أنصَرِفُ عَنهُم،قالَ:ثُمَّ قالَ لَهُ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ:وَیحَکَ یا قُرَّةَ بنَ قَیسٍ ! أنّی تَرجِعُ إلَی القَومِ الظّالِمینَ ! انصُر هذَا الرَّجُلَ الَّذی،بِآبائِهِ أیَّدَکَ اللّهُ بِالکَرامَةِ وإیّانا مَعَکَ، فَقالَ لَهُ قُرَّةُ:أرجِعُ إلی صاحِبی بِجَوابِ رِسالَتِهِ،وأری رَأیی.

ص:32

قالَ:فَانصَرَفَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ،فَقالَ لَهُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:إنّی لَأَرجو أن یُعافِیَنِی اللّهُ مِن حَربِهِ وقِتالِهِ. (1)

1537.تاریخ الیعقوبی: وَجَّهَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ،لَمّا بَلَغَهُ قُربُهُ [أیِ الحُسَینِ علیه السّلام ] مِنَ الکوفَةِ، بِالحُرِّ بنِ یَزیدَ،فَمَنَعَهُ مِن أن یَعدِلَ،ثُمَّ بَعَثَ إلَیهِ بِعُمَرَ بنِ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ فی جَیشٍ،فَلَقِیَ الحُسَینَ علیه السّلام بِمَوضِعٍ عَلَی الفُراتِ یُقالُ لَهُ کَربَلاءُ،وکانَ الحُسَینُ علیه السّلام فِی اثنَینِ وسِتّینَ،أوِ اثنَینِ وسَبعینَ رَجُلاً مِن أهلِ بَیتِهِ وأصحابِهِ،وعُمَرُ بنُ سَعدٍ فی أربَعَةِ آلافٍ،فَمَنَعوهُ الماءَ،وحالوا بَینَهُ وبَینَ الفُراتِ،فَناشَدَهُمُ اللّهَ عز و جل،فَأَبَوا إلّاقِتالَهُ أو یَستَسلِمَ،فَیَمضوا (2)بِهِ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَیَری رَأیَهُ فیهِ،ویُنفِذَ فیهِ حُکمَ یَزیدَ. (3)

1538.إعلام الوری: نَزَلَ [الإِمامُ الحُسَینُ علیه السّلام ] وذلِکَ فی یَومِ الخَمیسِ،الثّانی مِنَ المُحَرَّمِ،سَنَةَ إحدی وسِتّینَ،فَلَمّا کانَ مِنَ الغَدِ قَدِمَ عَلَیهِم عُمَرُ بنُ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ فی أربَعَةِ آلافِ فارِسٍ،فَنَزَلَ نِینَوی،فَبَعَثَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،عُروَةَ بنَ قَیسٍ الأَحمَسِیَّ،فَقالَ لَهُ:فَأتِهِ فَسَلهُ مَا الَّذی جاءَ بِکَ؟وکانَ عُروَةُ مِمَّن کَتَبَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَاستَحیی مِنهُ أن یَأتِیَهُ،فَعَرَضَ ذلِکَ عَلَی الرُّؤَساءِ،فَکُلُّهُم أبی ذلِکَ لِمَکانِ أنَّهُم کاتَبوهُ،فَدَعا عُمَرُ قُرَّةَ بنَ قَیسٍ الحَنظَلِیَّ فَبَعَثَهُ،فَجاءَ،فَسَلَّمَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَبَلَّغَهُ رِسالَةَ ابنِ سَعدٍ.

ص:33

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:کَتَبَ إلَیَّ أهلُ مِصرِکُم هذا أن أقدَمَ،فَأَمّا إذا کَرِهونی فَأَنَا أنصَرِفُ عَنکُم. (1)

1539.الملهوف: قالَ الرّاوی:ونَدَبَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ أصحابَهُ إلی قِتالِ الحُسَینِ علیه السّلام فَاتَّبَعوهُ، وَاستَخَفَّ قَومَهُ فَأَطاعوهُ،وَاشتَری مِن عُمَرَ بنِ سَعدٍ آخِرَتَهُ بِدُنیاهُ،ودَعاهُ إلی وِلایَةِ الحَربِ فَلَبّاهُ،وخَرَجَ لِقِتالِ الحُسَینِ علیه السّلام فی أربَعَةِ آلافِ فارِسٍ،وأتبَعَهُ ابنُ زِیادٍ بِالعَساکِرِ،حَتّی تَکامَلَت عِندَهُ إلی سِتِّ لَیالٍ خَلَونَ مِنَ المُحَرَّمِ عِشرونَ ألفاً،فَضَیَّقَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام حَتّی نالَ مِنهُ العَطَشُ ومِن أصحابِهِ. (2)

فَقالَ الرَّسولُ لِابنِ زِیادٍ ذلِکَ،فَغَضِبَ مِن ذلِکَ أشَدَّ الغَضَبِ. (1)

قالَ أبو مِخنَفٍ:وأمّا ما حَدَّثَنا بِهِ المُجالِدُ بنُ سَعیدٍ وَالصَّقعَبُ بنُ زُهَیرٍ الأَزدِیُّ وغَیرُهُما مِنَ المُحَدِّثینَ،فَهُوَ ما عَلَیهِ جَماعَةُ المُحَدِّثینَ،قالوا:إنَّهُ قالَ:اِختاروا مِنّی خِصالاً ثَلاثاً:إمّا أن أرجِعَ إلَی المَکانِ الَّذی أقبَلتُ مِنهُ،وإمّا أن أضَعَ یَدی فی یَدِ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،فَیَری فیما بَینی وبَینَهُ رَأیَهُ،وإمّا أن تُسَیِّرونی إلی أیِّ ثَغرٍ مِن ثُغورِ المُسلِمینَ شِئتُم،فَأَکونَ رَجُلاً مِن أهلِهِ،لی ما لَهُم،وعَلَیَّ ما عَلَیهِم.

قالَ أبو مِخنَفٍ:فَأَمّا عَبدُ الرَّحمنِ بنُ جُندَبٍ فَحَدَّثَنی عَن عُقبَةَ بنِ سِمعانَ قالَ:

صَحِبتُ حُسَیناً،فَخَرَجتُ مَعَهُ مِنَ المَدینَةِ إلی مَکَّةَ،ومِن مَکَّةَ إلَی العِراقِ،ولَم افارِقهُ حَتّی قُتِلَ،ولَیسَ مِن مُخاطَبَتِهِ النّاسَ کَلِمَةٌ بِالمَدینَةِ،ولا بِمَکَّةَ،ولا فِی الطَّریقِ،ولا بِالعِراقِ،ولا فی عَسکَرٍ إلی یَومِ مَقتَلِهِ إلّاوقَد سَمِعتُها.

ألا وَاللّهِ،ما أعطاهُم ما یَتَذاکَرُ النّاسُ وما یَزعُمونَ؛مِن أن یَضَعَ یَدَهُ فی یَدِ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،ولا أن یُسَیِّروهُ إلی ثَغرٍ مِن ثُغورِ المُسلِمینَ،ولکِنَّهُ قالَ:دَعونی فَلَأَذهَبُ فی هذِهِ الأَرضِ العَریضَةِ حَتّی نَنظُرَ ما یَصیرُ أمرُ النّاسِ. (1)

1542.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: أرسَلَ الحُسَینُ علیه السّلام إلَی ابنِ سَعدٍ:إنّی اریدُ أن اکَلِّمَکَ فَالقَنِی اللَّیلَةَ بَینَ عَسکَری وعَسکَرِکَ،فَخَرَجَ إلَیهِ عُمَرُ بنُ سَعدٍ فی عِشرینَ فارِساً وَالحُسَینُ علیه السّلام فی مِثلِ ذلِکَ،ولَمَّا التَقَیا أمَرَ الحُسَینُ علیه السّلام أصحابَهُ،فَتَنَحَّوا عَنهُ،وبَقِیَ مَعَهُ أخوهُ العَبّاسُ علیه السّلام،وَابنُهُ عَلِیٌّ الأَکبَرُ،وأمَرَ ابنُ سَعدٍ أصحابَهُ،فَتَنَحَّوا عَنهُ،وبَقِیَ مَعَهُ ابنُهُ حَفصٌ،وغُلامٌ لَهُ یُقالُ لَهُ لاحِقٌ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام لِابنِ سَعدٍ:وَیحَکَ ! أما تَتَّقِی اللّهَ الَّذی إلَیهِ مَعادُکَ؟أتُقاتِلُنی

ص:36

وأنَا ابنُ مَن عَلِمتَ یا هذا؟ذَر هؤُلاءِ القَومَ وکُن مَعی؛فَإِنَّهُ أقرَبُ لَکَ مِنَ اللّهِ.

فَقالَ لَهُ عُمَرُ:أخافُ أن تُهدَمَ داری ! فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:أنَا أبنیها لَکَ.

فَقالَ عُمَرُ:أخافُ أن تُؤخَذَ ضَیعَتی ! فَقالَ:أنَا اخلِفُ عَلَیکَ خَیراً مِنها مِن مالی بِالحِجازِ.

فَقالَ:لی عِیالٌ أخافُ عَلَیهِم،فَقالَ:أنَا أضمِنُ سَلامَتَهُم.

قالَ:ثُمَّ سَکَتَ فَلَم یُجِبهُ عَن ذلِکَ،فَانصَرَفَ عَنهُ الحُسَینُ علیه السّلام وهُوَ یَقولُ:ما لَکَ ذَبَحَکَ اللّهُ عَلی فِراشِکَ سَریعاً عاجِلاً،ولا غَفَرَ لَکَ یَومَ حَشرِکَ ونَشرِکَ ! فَوَاللّهِ،إنّی لَأَرجو أن لا تَأکُلَ مِن بُرِّ العِراقِ إلّایَسیراً.

فَقالَ لَهُ عُمَرُ:یا أبا عَبدِ اللّهِ،فِی الشَّعیرِ عِوَضٌ عَنِ البُرِّ ! ! ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ إلی مُعَسکَرِهِ (1).

1543.أنساب الأشراف: تَواقَفَ الحُسَینُ علیه السّلام وعُمَرُ بنُ سَعدٍ خِلوَینِ،فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:اِختاروا مِنِّی الرُّجوعَ إلَی المَکانِ الَّذی أقبَلتُ مِنهُ،أو أن أضَعَ یَدی فی یَدِ یَزیدَ،فَهُوَ ابنُ عَمّی لِیَری رَأیَهُ فِیَّ،وإمّا أن تُسَیِّرونی إلی ثَغرٍ مِن ثُغورِ المُسلِمینَ،فَأَکونَ رَجُلاً مِن أهلِهِ،لی ما لَهُ،وعَلَیَّ ما عَلَیهِ.

ویُقالُ:إنَّهُ لَم یَسَلهُ إلّاأن یَشخَصَ إلَی المَدینَةِ فَقَط. (2)

1544.تذکرة الخواصّ: قَد وَقَعَ فی بَعضِ النُّسَخِ،أنَّ الحُسَینَ علیه السّلام قالَ لِعُمَرَ بنِ سَعدٍ:دَعونی أمضی إلَی المَدینَةِ أو إلی یَزیدَ،فَأَضَعُ یَدی فی یَدِهِ،ولا یَصِحُّ ذلِکَ عَنهُ،فَإِنَّ عُقبَةَ بنَ سِمعانَ قالَ:صَحِبتُ الحُسَینَ علیه السّلام مِنَ المَدینَةِ إلَی العِراقِ،ولَم أزَل مَعَهُ إلی

ص:37

أن قُتِلَ،وَاللّهِ،ما سَمِعتُهُ قالَ ذلِکَ. (1)

1545.المناقب لابن شهرآشوب: إنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام قالَ لِعُمَرَ بنِ سَعدٍ:إنَّ مِمّا یُقِرُّ لِعَینی أنَّکَ لا تَأکُلُ مِن بُرِّ العِراقِ بَعدی إلّاقَلیلاً،فَقالَ مُستَهزِئاً:یا أبا عَبدِ اللّهِ،فِی الشَّعیرِ خَلَفٌ !! فَکانَ کَما قالَ لَم یَصِل إلَی الرَّیِّ،وقَتَلَهُ المُختارُ. (2)

قالَ:فَلَمّا أتی عُمَرَ بنَ سَعدٍ الکِتابُ،قالَ:قَد حَسِبتُ ألّا یَقبَلَ ابنُ زِیادٍ العافِیَةَ (1).

1547.تاریخ الطبری عن المجالد بن سعید الهمدانی والصّقعب بن زهیر: إنَّهُما کانَا التَقَیا مِراراً ثَلاثاً أو أربَعاً؛حُسَینٌ علیه السّلام وعُمَرُ بنُ سَعدٍ؛قالَ:فَکَتَبَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ:

أمّا بَعدُ،فَإِنَّ اللّهَ قَد أطفَأَ النّائِرَةَ (2)،وجَمَعَ الکَلِمَةَ،وأصلَحَ أمرَ الاُمَّةِ،هذا حُسَینٌ قَد أعطانی أن یَرجِعَ إلَی المَکانِ الَّذی مِنهُ أتی،أو أن نُسَیِّرَهُ إلی أیِّ ثَغرٍ مِن ثُغورِ المُسلِمینَ شِئنا،فَیَکونَ رَجُلاً مِنَ المُسلِمینَ،لَهُ ما لَهُم،وعَلَیهِ ما عَلَیهِم،أو أن یَأتِیَ یَزیدَ أمیرَ المُؤمِنینَ،فَیَضَعَ یَدَهُ فی یَدِهِ،فَیَری فیما بَینَهُ وبَینَهُ رَأیَهُ،وفی هذا لَکُم رِضیً ولِلاُمَّةِ صَلاحٌ.

قالَ:فَلَمّا قَرَأَ عُبَیدُ اللّهِ الکِتابَ قالَ:هذا کِتابُ رَجُلٍ ناصِحٍ لِأَمیرِهِ،مُشفِقٍ عَلی قَومِهِ،نَعَم قَد قَبِلتُ.

قالَ:فَقامَ إلَیهِ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ،فَقالَ:أتَقبَلُ هذا مِنهُ وقَد نَزَلَ بِأَرضِکَ إلی جَنبِکَ؟وَاللّهِ،لَئِن رَحَلَ مِن بَلَدِکَ ولَم یَضَع یَدَهُ فی یَدِکَ لَیَکونَنَّ أولی بِالقُوَّةِ وَالعِزَّةِ، ولَتَکونَنَّ أولی بِالضَّعفِ وَالعَجزِ،فَلا تُعطِهِ هذِهِ المَنزِلَةَ،فَإِنَّها مِنَ الوَهَنِ،ولکِن لِیَنزِل عَلی حُکمِکَ هُوَ وأصحابُهُ،فَإِن عاقَبتَ فَأَنت وَلِیُّ العُقوبَةِ،وإن غَفَرتَ کانَ ذلِکَ لَکَ،وَاللّهِ،لَقَد بَلَغَنی أنَّ حُسَیناً وعُمَرَ بنَ سَعدٍ یَجلِسانِ بَینَ العَسکَرَینِ،فَیَتَحَدَّثانِ عامَّةَ اللَّیلِ.

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:نِعمَ ما رَأَیتَ ! الرَّأیُ رَأیُکَ. (3)

ص:39

1548.المناقب لابن شهرآشوب: أقبَلَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ فی أربَعَةِ آلافٍ حَتّی نَزَلَ بِالحُسَینِ علیه السّلام، وبَعَثَ مِن غَدِهِ قُرَّةَ بنَ قَیسٍ الحَنظَلِیَّ یَسأَلُهُ مَا الَّذی جاءَ بِهِ؟فَلَمّا بَلَّغَ رِسالَتَهُ قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:کَتَبَ إلَیَّ أهلُ مِصرِکُم أن أقدَمَ،فَأَمّا إذا کَرِهتُمونی فَأَنَا أنصَرِفُ عَنکُم.

فَلَمّا سَمِعَ عُمَرُ جَوابَهُ کَتَبَ إلَی ابنِ زِیادٍ بِذلِکَ،فَلَمّا رَأَی ابنُ زِیادٍ کِتابَهُ قالَ:

الآنَ إذ عَلِقَت مَخالِبُنا بِهِ یَرجُو النَّجاةَ ولاتَ حینَ مَناصِ

وکَتَبَ إلی عُمَرَ:اِعرِض عَلَی الحُسَینِ أن یُبایِعَ یَزیدَ وجَمیعُ أصحابِهِ،فَإِذا فَعَلَ ذلِکَ رَأَینا رَأیَنا،وإن أبی فَائتِنی بِهِ. (1)

1549.الإرشاد عن حمید بن مسلم: لَمّا رَأَی الحُسَینُ علیه السّلام نُزولَ العَساکِرِ مَعَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ بِنینَوی ومَدَدَهُم لِقِتالِهِ أنفَذَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ:إنّی اریدُ أن ألقاکَ،فَاجتَمَعا لَیلاً،فَتَناجَیا طَویلاً،ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ إلی مَکانِهِ،وکَتَبَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ:

أمّا بَعدُ،فَإِنَّ اللّهَ قَد أطفَأَ النّائِرَةَ،وجَمَعَ الکَلِمَةَ،وأصلَحَ أمرَ الاُمَّةِ،هذا حُسَینٌ قَد أعطانی أن یَرجِعَ إلَی المَکانِ الَّذی أتی مِنهُ،أو أن یَسیرَ إلی ثَغرٍ مِنَ الثُّغورِ، فَیَکونَ رَجُلاً مِنَ المُسلِمینَ،لَهُ ما لَهُم،وعَلَیهِ ما عَلَیهِم،أو أن یَأتِیَ أمیرَ المُؤمِنینَ یَزیدَ،فَیَضَعَ یَدَهُ فی یَدِهِ،فَیَری فیما بَینَهُ وبَینَهُ رَأیَهُ،وفی هذا لَکُم رِضیً ولِلاُمَّةِ صَلاحٌ.

فَلَمّا قَرَأَ،عُبَیدُ اللّهِ الکِتابَ قالَ:هذا کِتابُ ناصِحٍ مُشفِقٍ عَلی قَومِهِ.

ص:40

فَقامَ إلَیهِ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ،فَقالَ:أتَقبَلُ هذا مِنهُ وقَد نَزَلَ بِأَرضِکَ وإلی جَنبِکَ؟وَاللّهِ،لَئِن رَحَلَ مِن بِلادِکَ ولَم یَضَعَ یَدَهُ فی یَدِکَ لَیَکونَنَّ أولی بِالقُوَّةِ، ولَتَکونَنَّ أولی بِالضَّعفِ وَالعَجزِ،فَلا تُعطِهِ هذِهِ المَنزِلَةَ،فَإِنَّها مِنَ الوَهَنِ،ولکِن لِیَنزِل عَلی حُکمِکَ هُوَ وأصحابُهُ،فَإِن عاقَبتَ فَأَنتَ أولی بِالعُقوبَةِ،وإن عَفَوتَ کانَ ذلِکَ لَکَ.

قالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:نِعمَ ما رَأَیتَ،الرَّأیُ رَأیُکَ،اخرُج بِهذَا الکِتابِ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَلیَعرِض عَلَی الحُسَینِ وأصحابِهِ النُّزولَ عَلی حُکمی،فَإِن فَعَلوا فَلیَبعَث بِهِم إلَیَّ سِلماً،وإن هُم أبَوا فَلیُقاتِلهُم،فَإِن فَعَلَ فَاسمَع لَهُ وأطِع،وإن أبی أن یُقاتِلَهُم فَأَنتَ أمیرُ الجَیشِ،وَاضرِب عُنُقَهُ،وَابعَث إلَیَّ بِرَأسِهِ....

فَأَقبَلَ شِمرٌ بِکِتابِ عُبَیدِ اللّهِ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَلَمّا قَدِمَ عَلَیهِ وقَرَأَهُ،قالَ لَهُ عُمَرُ:

ما لَکَ وَیلَکَ؟لا قَرَّبَ اللّهُ دارَکَ،قَبَّحَ اللّهُ ما قَدِمتَ بِهِ عَلَیَّ،وَاللّهِ،إنّی لَأَظُنُّکَ أنَّکَ نَهَیتَهُ أن یَقبَلَ ما کَتَبتُ بِهِ إلَیهِ،وأفسَدتَ عَلَینا أمرَنا. (1)

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:قَد أذِنتُ لَکَ یا حَبیبُ.

قالَ:فَخَرَجَ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ فی جَوفِ اللَّیلِ مُنکَراً حَتّی صارَ إلی اولئِکَ القَومِ، فَحَیّاهُم وحَیَّوهُ،وعَرَفوا أنَّهُ مِن بَنی أسَدٍ،فَقالوا:ما حاجَتُکَ یَابنَ عَمٍّ؟

فَقالَ:حاجَتی إلَیکُم قَد أتَیتُکُم بِخَیرِ ما أتی بِهِ وافِدٌ إلی قَومٍ،أتَیتُکُم أدعوکُم إلی نُصرَةِ ابنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؛فَإِنَّهُ فی عِصابَةٍ مِنَ المُؤمِنینَ،الرَّجُلُ مِنهُم خَیرٌ مِن ألفِ رَجُلٍ،لَن یَخذُلوهُ ولَن یُسلِموهُ وفیهِم عَینٌ نَظَرَت،وهذا عُمَرُ بنُ سَعدٍ قَد أحاطَ بِهِ فِی اثنَینِ وعِشرینَ ألفٍ،وأنتُم قَومی وعَشیرَتی،وقَد جِئتُکُم بِهذِهِ النَّصیحَةِ، فَأَطیعونِی الیَومَ فی نُصرَتِهِ تَنالوا (1)غَداً شَرَفاً فِی الآخِرَةِ؛فَإِنّی اقسِمُ بِاللّهِ،أنَّهُ لا یُقتَلُ مِنکُم رَجُلٌ مَعَ ابنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله صابِراً مُحتَسِباً إلّاکانَ رَفیقَ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله فی أعلی عِلِّیّینَ.

قالَ:فَوَثَبَ رَجُلٌ مِن بَنی أسَدٍ یُقالُ لَهُ بِشرُ بنُ عُبَیدِ اللّهِ،فَقالَ:وَاللّهِ،أنَا أوَّلُ مَن أجابَ إلی هذِهِ الدَّعوَةِ:ثُمَّ أنشَأَ یَقولُ:

قَد عَلِمَ القَومُ إذا تَواکَلوا

قالَ:ثُمَّ تَبادَرَ رِجالُ الحَیِّ مَعَ حَبیبِ بنِ مُظاهِرٍ الأَسَدِیِّ.

قالَ:وخَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الحَیِّ فی ذلِکَ الوَقتِ حَتّی صارَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ فی جَوفِ الَّلیلِ،فَخَبَّرَهُ بِذلِکَ.

فَدَعا رَجُلاً مِن أصحابِهِ یُقالُ لَهُ الأَزرَقُ بنُ حَربٍ الصَّیداوِیُّ،فَضَمَّ إلَیهِ أربَعَةَ آلافِ فارِسٍ،ووَجَّهَ بِهِ فی جَوفِ اللَّیلِ إلی حَیِّ بَنی أسَدٍ مَعَ الرَّجُلِ الَّذی جاءَ

ص:42

بِالخَبَرِ.

قالَ:فَبَینَمَا القَومُ فی جَوفِ اللَّیلِ قَد أقبَلوا یُریدونَ مُعَسکَرَ الحُسَینِ علیه السّلام،إذِ استَقبَلَهُم جُندُ عُمَرَ بنِ سَعدٍ عَلی شاطِئِ الفُراتِ،قالَ:فَتَناوَشَ القَومُ بَعضُهُم بَعضاً، وَاقتَتَلوا قِتالاً شَدیداً،وصاحَ بِهِ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ:وَیلَکَ یا أزرَقُ ! ما لَکَ ولَنا؟ دَعنا ! قالَ:وَاقتَتَلوا قِتالاً شَدیداً.فَلَمّا رَأَی القَومُ بِذلِکَ انهَزَموا راجِعینَ إلی مَنازِلِهِم.

فَرَجَعَ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام فَأَعلَمَهُ بِذلِکَ الخَبَرِ،فَقالَ:لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّابِاللّهِ العَلِیِّ العَظیمِ. (1)

1551.أنساب الأشراف: قالَ حَبیبُ بنُ مُظَهَّرٍ لِلحُسَینِ علیه السّلام:إنَّ هاهُنا حَیّاً مِن بَنی أسَدٍ أعراباً یَنزِلونَ النَّهرَینِ،ولَیسَ بَینَنا وبَینَهُم إلّارَوحَةٌ،أفَتَأذَنُ لی فی إتیانِهِم ودُعائِهِم،لَعَلَّ اللّهَ أن یَجُرَّ بِهِم إلَیکَ نَفعاً أو یَدفَعَ عَنکَ مَکروهاً؟فَأَذِنَ لَهُ فی ذلِکَ فَأَتاهُم،فَقالَ لَهُم:

إنّی أدعوکُم إلی شَرَفِ الآخِرَةِ وفَضلِها وجَسیمِ ثَوابِها،أنَا أدعوکُم إلی نَصرِ ابنِ بِنتِ نَبِیِّکُم،فَقَد أصبَحَ مَظلوماً،دَعاهُ أهلُ الکوفَةِ لِیَنصُروهُ،فَلَمّا أتاهُم خَذَلوهُ، وعَدَوا عَلَیهِ لِیَقتُلوهُ،فَخَرَجَ مَعَهُم مِنهُم سَبعونَ.

وأتی عُمَرَ بنَ سَعدٍ رَجُلٌ مِمَّن هُناکَ یُقالُ لَهُ:جَبَلَةُ بنُ عَمرٍو،فَأَخبَرَهُ خَبَرَهُم، فَوَجَّهَ أزرَقَ بنَ الحارِثِ الصَّیداوِیَّ فی خَیلٍ،فَحالوا بَینَهُم وبَینَ الحُسَینِ،ورَجَعَ ابنُ مُظَهِّرٍ إلَی الحُسَینِ،فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ،فَقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ کَثیراً. (2)

ص:43

1553.الأخبار الطوال: وَرَدَ کِتابُ ابنِ زِیادٍ عَلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ أنِ امنَعِ الحُسَینَ وأصحابَهُ الماءَ، فَلا یَذوقوا مِنهُ حُسوَةً (1)،کَما فَعَلوا بِالتَّقِیِّ عُثمانَ بنِ عَفّانَ.

فَلَمّا وَرَدَ عَلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ ذلِکَ أمَرَ عَمرَو بنَ الحَجّاجِ أن یَسیرَ فی خَمسِمِئَةِ راکِبٍ،فَیُنیخَ عَلَی الشَّریعَةِ،ویَحولوا بَینَ الحُسَینِ علیه السّلام وأصحابِهِ وبَینَ الماءِ،وذلِکَ قَبلَ مَقتَلِهِ بِثَلاثَةِ أیّامٍ،فَمَکَثَ أصحابُ الحُسَینِ علیه السّلام عَطاشی. (2)

1554.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: رَجَعَت تِلکَ الخَیلُ [أیِ الخَیلُ الَّتی أرسَلَهَا ابنُ سَعدٍ لِمَنعِ قَومٍ مِن بَنی أَسدٍ] حَتّی نَزَلَت عَلَی الفُراتِ،وحالوا بَینَ الحُسَینِ علیه السّلام وأصحابِهِ وبَینَ الماءِ،فَأَضَرَّ العَطَشُ بِالحُسَینِ علیه السّلام وبِمَن مَعَهُ،فَأَخَذَ الحُسَینُ علیه السّلام فَأساً وجاءَ إلی وَراءِ خَیمَةِ النِّساءِ،فَخَطا عَلَی الأَرضِ تِسعَ عَشرَةَ خُطوَةً نَحوَ القِبلَةِ،ثُمَّ احتَفَرَ هُنالِکَ، فَنَبَعَت لَهُ هُناکَ عَینٌ مِنَ الماءِ العَذبِ،فَشَرِبَ الحُسَینُ علیه السّلام وشَرِبَ النّاسُ بِأَجمَعِهِم، ومَلَؤوا أسقِیَتَهُم،ثُمَّ غارَتِ العَینُ،فَلَم یُرَ لَها أثَرٌ.

وبَلَغَ ذلِکَ عُبَیدَ اللّهِ،فَکَتَبَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ:بَلَغَنی أنَّ الحُسَینَ یَحفِرُ الآبارَ، ویُصیبُ الماءَ،فَیَشرَبُ هُوَ وأصحابُهُ،فَانظُر إذا وَرَدَ عَلَیکَ کِتابی فَامنَعهُم مِن حَفرِ الآبارِ مَا استَطَعتَ،وضَیِّق عَلَیهِم،ولا تَدَعهُم أن یَذوقوا مِنَ الماءِ قَطرَةً،وَافعَل بِهِم کَما فَعَلوا بِالزَّکِیِّ عُثمانَ وَالسَّلامُ.

فَضَیَّقَ عَلَیهِمُ ابنُ سَعدٍ غایَةَ التَّضییقِ. (3)

ص:45

1555.الفتوح -فی ذِکرِ الإِمامِ علیه السّلام حینَ مُنِعَ مِن الوُصولِ إلَی الماءِ-:فَاشتَدَّ العَطَشُ مِنَ الحُسَینِ علیه السّلام وأصحابِهِ،وکادوا أن یَموتوا عَطَشاً. (1)

1556.بستان الواعظین: رَأَیتُ فی کِتابِ التَّعازی وَالعَزاءِ مِن وَضعِ أبی مُحَمَّدٍ عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمَّدٍ البللورِیِّ:إنَّ الحُسَینَ علیه السّلام استَسقی ماءً حینَ قُتِلَ،فَمُنِعَ مِنهُ،وقُتِلَ وهُوَ عَطشانُ، وأتَی اللّهَ حَتّی سَقاهُ مِن شَرابِ الجَنَّةِ. (2)

بنَ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام أخاهُ،فَبَعَثَهُ فی ثَلاثینَ فارِساً وعِشرینَ راجِلاً،وبَعَثَ مَعَهُم بِعِشرینَ قِربَةً،فَجاؤوا حَتّی دَنَوا مِنَ الماءِ لَیلاً،وَاستَقدَمَ أمامَهُم بِاللِّواءِ نافِعُ بنُ هِلالٍ الجَمَلِیُّ.

فَقالَ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ الزُّبَیدِیُّ:مَنِ الرَّجُلُ؟فجئ (1)،فَقالَ:ما جاءَ بِکَ؟قالَ:

جِئنا نَشرَبُ مِن هذَا الماءِ الَّذی حَلَّأتُمونا (2)عَنهُ،قالَ:فَاشرَب هَنیئاً،قالَ:لا وَاللّهِ، لا أشرَبُ مِنهُ قَطرَةً وحُسَینٌ علیه السّلام عَطشانُ ومَن تَری مِن أصحابِهِ ! فَطَلَعوا عَلَیهِ،فَقالَ:

لا سَبیلَ إلی سَقیِ هؤُلاءِ،إنَّما وُضِعنا بِهذَا المَکانِ لِنَمنَعَهُمُ الماءَ.

فَلَمّا دَنا مِنهُ أصحابُهُ قالَ لِرِجالِهِ:اِملَؤوا قِرَبَکُم،فَشَدَّ الرَّجّالَةُ فَمَلَؤوا قِرَبَهُم، وثارَ إلَیهِم عَمرُو بنُ الحَجّاجِ وأصحابُهُ،فَحَمَلَ عَلَیهِمُ العَبّاسُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام ونافِعُ بنُ هِلالٍ،فَکَفّوهُم،ثُمَّ انصَرَفوا إلی رِحالِهِم،فَقالوا:اِمضوا،ووَقَفوا دونَهُم،فَعَطَفَ عَلَیهِم عَمرُو بنُ الحَجّاجِ وأصحابُهُ،وَاطَّرَدوا قَلیلاً.ثُمَّ إنَّ رَجُلاً مِن صُداءَ طُعِنَ مِن أصحابِ عَمرِو بنِ الحَجّاجِ،طَعَنَهُ نافِعُ بنُ هِلالٍ،فَظَنَّ أنَّها لَیسَت بِشَیءٍ،ثُمَّ إنَّهَا انتَقَضَت (3)بَعدَ ذلِکَ،فَماتَ مِنها،وجاءَ أصحابُ حُسَینٍ علیه السّلام بِالقِرَبِ،فَأَدخَلوها عَلَیهِ. (4)

1559.الإمامة والسیاسة: نَزَلوا [أیِ الحُسَینُ علیه السّلام وأصحابُهُ بِکَربَلاءَ] وبَینَهُم وبَینَ الماءِ رَبوَةٌ (5)، فَأَرادَ الحُسَینُ علیه السّلام وأصحابُهُ الماءَ،فَحالوا بَینَهُم وبَینَهُ.فَقالَ لَهُ شَهرُ بنُ حَوشَبٍ:لا

ص:47

تَشرَبوا (1)مِنهُ حَتّی تَشرَبوا مِنَ الحَمیمِ !

فَقالَ عَبّاسُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام:یا أبا عَبدِ اللّهِ،نَحنُ عَلَی الحَقِّ،فَنُقاتِلُ؟قالَ:نَعَم.

فَرَکِبَ فَرَسَهُ،وحَمَلَ بَعضَ أصحابِهِ عَلَی الخُیولِ،ثُمَّ حَمَلَ عَلَیهِم،فَکَشَفَهُم عَنِ الماءِ،حَتّی شَرِبوا وسَقوا. (2)

1560.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی -فی قَضِیَّةِ مَنعِ الإِمامِ مِنَ الماءِ-:ودَعا [ابنُ سَعدٍ] بِرَجُلٍ یُقالُ لَهُ:عَمرُو بنُ الحَجّاجِ الزُّبَیدِیُّ،فَضَمَّ إلَیهِ خَیلاً کَثیرَةً،وأمَرَهُ أن یَنزِلَ عَلَی الشَّریعَةِ الَّتی هِیَ حِذاءَ مُعَسکَرِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَنَزَلَتِ الخَیلُ عَلَی شَریعَةِ الماءِ.

فَلَمَّا اشتَدَّ العَطَشُ بِالحُسَینِ علیه السّلام وأصحابِهِ دَعا أخاهُ العَبّاسَ علیه السّلام،وضَمَّ إلَیهِ ثَلاثینَ فارِساً وعِشرینَ راجِلاً،وبَعَثَ مَعَهُم عِشرینَ قِربَةً فی جَوفِ اللَّیلِ حَتّی دَنَوا مِنَ الفُراتِ،فَقالَ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ:مَن هذا؟فَقالَ لَهُ هِلالُ بنُ نافِعٍ الجَمَلِیُّ:أنَا ابنُ عَمٍّ لَکَ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام،جِئتُ حَتّی أشرَبَ مِن هذَا الماءِ الَّذی مَنَعتُمونا عَنهُ، فَقالَ لَهُ عَمرٌو:اِشرَب هَنیئاً مَریئاً.

فَقالَ نافِعٌ:وَیحَکَ کَیفَ تَأمُرُنی أن أشرَبَ مِنَ الماءِ وَالحُسَینُ علیه السّلام ومَن مَعَهُ یَموتونَ عَطَشا؟! فَقالَ:صَدَقتَ قَد عَرَفتُ هذا،ولکِن امِرنا بِأَمرٍ ولا بُدَّ لَنا أن نَنتَهِیَ إلی ما امِرنا بِهِ.

فَصاحَ هِلالٌ بِأَصحابِهِ ودَخَلُوا الفُراتَ،وصاحَ عَمرٌو بِأَصحابِهِ لِیَمنَعوا،فَاقتَتَلَ القَومُ عَلَی الماءِ قِتالاً شَدیداً،فَکانَ قَومٌ یُقاتِلونَ وقَومٌ یَملَؤونَ القِرَبَ حَتّی مَلَؤوها،

ص:48

وقُتِلَ مِن أصحابِ عَمرِو بنِ الحَجّاجِ جَماعَةٌ،ولَم یُقتَل مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام أحَدٌ،ثُمَّ رَجَعَ القَومُ إلی مُعَسکَرِهِم بِالماءِ،فَشَرِبَ الحُسَینُ علیه السّلام ومَن کانَ مَعَهُ،ولُقِّبَ العَبّاسُ علیه السّلام یَومَئِذٍ السَّقّاءَ. (1)

انهَدوا (1)إلَی القَومِ. (2)

1564.تاریخ الطبری عن سعد بن عبیدة: إنّا لَمُستَنقِعونَ فِی الماءِ مَعَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،إذ أتاهُ رَجُلٌ،فَسارَّهُ وقالَ لَهُ:قَد بَعَثَ إلَیکَ ابنُ زِیادٍ جُوَیرِیَةَ بنَ بَدرٍ التَّمیمِیَّ،وأمَرَهُ إن لَم تُقاتِلِ القَومَ أن یَضرِبَ عُنُقَکَ.

قالَ:فَوَثَبَ إلی فَرَسِهِ فَرَکِبَهُ،ثُمَّ دَعا سِلاحَهُ فَلَبِسَهُ،وإنَّهُ عَلی فَرَسِهِ،فَنَهَضَ بِالنّاسِ إلَیهِم،فَقاتَلوهُم. (3)

1565.تاریخ الطبری عن أبی مخنف عن سلیمان بن أبی راشد عن حمید بن مسلم: إنَّ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ دَعا شِمرَ بنَ ذِی الجَوشَنِ،فَقالَ لَهُ:اُخرُج بِهذَا الکِتابِ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ، فَلیَعرِض عَلَی الحُسَینِ وأصحابِهِ النُّزولَ عَلی حُکمی،فَإِن فَعَلوا فَلیَبعَث بِهِم إلَیَّ سِلماً،وإن هُم أبَوا فَلیُقاتِلهُم،فَإِن فَعَلَ فَاسمَع لَهُ وأطِع،وإن هُوَ أبی فَقاتِلهُم،فَأَنتَ أمیرُ النّاسِ،وثِب عَلَیهِ،فَاضرِب عُنُقَهُ،وَابعَث إلَیَّ بِرَأسِهِ.

قالَ أبو مِخنَفٍ:حَدَّثَنی أبو جَنابٍ الکَلبِیُّ،قالَ:ثُمَّ کَتَبَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ:أمّا بَعدُ،فَإِنّی لَم أبعَثکَ إلَی حُسَینٍ لِتَکُفَّ عَنهُ ولا لِتُطاوِلَهُ،ولا لِتُمَنِّیَهُ السَّلامَةَ وَالبَقاءَ،ولا لِتَقعُدَ لَهُ عِندی شافِعاً...،اُنظُر فَإِن نَزَلَ حُسَینٌ وأصحابُهُ عَلَی الحُکمِ وَاستَسلَموا فَابعَث بِهِم إلَیَّ سِلماً،وإن أبَوا فَازحَف إلَیهِم حَتّی تَقتُلَهُم وتُمَثِّلَ بِهِم؛فَإِنَّهُم لِذلِکَ مُستَحِقّونَ ! فَإِن قُتِلَ حُسَینٌ فَأَوطِئِ الخَیلَ صَدرَهُ وظَهرَهُ؛فَإِنَّهُ عاقٌّ مُشاقٌّ قاطِعٌ ظَلومٌ !! ولَیسَ دَهری فی هذا أن یُضَرَّ بَعدَ المَوتِ شَیئاً،ولکِن عَلَیَّ

ص:50

قَولٌ لَو قَد قَتَلتُهُ فَعَلتُ هذا بِهِ !!

إن أنتَ مَضَیتَ لِأَمرِنا فیهِ جَزَیناکَ جَزاءَ السّامِعِ المُطیعِ،وإن أبَیتَ فَاعتَزِل عَمَلَنا وجُندَنا،وخَلِّ بَینَ شِمرِ بنِ ذِی الجَوشَنِ وبَینَ العَسکَرِ،فَإِنّا قَد أمَرناهُ بِأَمرِنا، وَالسَّلامُ. (1)

1566.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: رَجَعَ عُمَرُ [بنُ سَعدٍ] إلی مُعَسکَرِهِ،ثُمَّ إنَّهُ وَرَدَ عَلَیهِ کِتابٌ مِن ابنِ زِیادٍ یُؤَنِّبُهُ ویُضَعِّفُهُ،ویَقولُ:ما هذِهِ المُطاوَلَةُ؟اُنظُر إن بایَعَ الحُسَینُ وأصحابُهُ ونَزَلوا عِندَ حُکمی فَابعَث بِهِم إلَیَّ سِلماً،وإن أبَوا ذلِکَ فَازحَف إلَیهِم حَتّی تَقتُلَهُم وتُمَثِّلَ بِهِم؛فَإِنَّهُم لِذلِکَ مُستَحِقّونَ،فَإِذا قَتَلتَ الحُسَینَ فَأَوطِئِ الخَیلَ ظَهرَهُ وبَطنَهُ،فَإِنَّهُ عاقٌّ شاقٌّ قاطِعٌ ظَلومٌ !! فَإِذا فَعَلتَ ذلِکَ جَزَیناکَ جَزاءَ السّامِعِ المُطیعِ، وإن أبَیتَ ذلِکَ فَاعتَزِل خَیلَنا وجُندَنا،وسَلِّمِ الجُندَ وَالعَسکَرَ إلی شِمرِ بنِ ذِی الجَوشَنِ؛فَإِنَّهُ أشَدُّ مِنکَ حَزماً،وأمضی مِنکَ عَزماً.

وقالَ غَیرُهُ:إنَّ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ دَعا حُوَیرَةَ بنَ یَزیدَ التَّمیمِیَّ،وقالَ:إذا وَصَلتَ بِکِتابی إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَإِن قامَ مِن ساعَتِهِ لِمُحارَبَةِ الحُسَینِ فَذاکَ،وإن لَم یَقُم فَخُذهُ وقَیِّدهُ،وَاندُب شَهرَ بنَ حَوشَبٍ لِیَکونَ أمیراً عَلَی النّاسِ.

فَوَصَلَ الکِتابُ وکانَ فِی الکِتابِ:إنّی لَم أبعَثکَ-یَابنَ سَعدٍ-لِمُنادَمَةِ الحُسَینِ، فَإِذا أتاکَ کِتابی فَخَیِّرِ الحُسَینَ بَینَ أن یَأتِیَ إلَیَّ وبَینَ أن تُقاتِلَهُ.فَقامَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ مِن ساعَتِهِ وأخبَرَ الحُسَینَ علیه السّلام بِذلِکَ،فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:أخِّرنی إلی غَدٍ. (2)

ص:51

فَأَمَرَ کاتِبَهُ،فَکَتَبَ لَهُم أماناً،فَبَعَثَ بِهِ عَبدُ اللّهِ بنُ أبِی المُحِلِّ مَعَ مَولیً لَهُ یُقالُ لَهُ:کُزمانُ،فَلَمّا قَدِمَ عَلَیهِم دَعاهُم،فَقالَ:هذا أمانٌ بَعَثَ بِهِ خالُکُم،فَقالَ لَهُ الفِتیَةُ:

أقرِئ خالَنَا السَّلامَ،وقُل لَهُ:أن لا حاجَةَ لَنا فی أمانِکُم،أمانُ اللّهِ خَیرٌ مِن أمانِ ابنِ سُمَیَّةَ.

قالَ:فَأَقبَلَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ بِکِتابِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ:

فَلَمّا قَدِمَ بِهِ عَلَیهِ فَقَرَأَهُ قالَ لَهُ عُمَرُ:ما لَکَ وَیلَکَ ! لا قَرَّبَ اللّهُ دارَکَ،وقَبَّحَ اللّهُ ما قَدِمتَ بِهِ عَلَیَّ ! وَاللّهِ إنّی لَأَظُنُّکَ أنتَ ثَنَیتَهُ أن یَقبَلَ ما کَتَبتُ بِهِ إلَیهِ،أفسَدتَ عَلَینا أمراً کُنّا رَجَونا أن یَصلُحَ،لا یَستَسلِمُ-وَاللّهِ-حُسَینٌ،إنَّ نَفساً أبِیَّةً لَبَینَ جَنبَیهِ.

فَقالَ لَهُ شِمرٌ:أخبِرنی ما أنتَ صانِعٌ؟أتَمضی لِأَمرِ أمیرِکَ وتَقتُلُ عَدُوَّهُ،وإلاّ فَخَلِّ بَینی وبَینَ الجُندِ وَالعَسکَرِ.

قالَ:لا،ولا کَرامَةَ لَکَ،وأنَا أتَوَلّی ذلِکَ،قالَ:فَدونَکَ،وکُن أنتَ عَلَی الرِّجالِ، قالَ:فَنَهَضَ إلَیهِ عَشِیَّةَ الخَمیسِ لِتِسعٍ مَضَینَ مِنَ المُحَرَّمِ،قالَ:وجاءَ شِمرٌ حَتّی وَقَفَ عَلی أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ:أینَ بَنو اختِنا؟فَخَرَجَ إلَیهِ العَبّاسُ وجَعفَرٌ وعُثمانُ بَنو عَلِیٍّ علیه السّلام،فَقالوا لَهُ:ما لَکَ وما تُریدُ؟قالَ:أنتُم یا بَنی اختی آمِنونَ.

قالَ لَهُ الفِتیَةُ:لَعَنَکَ اللّهُ ولَعَنَ أمانَکَ ! لَئِن کُنتَ خالَنا أتُؤمِنُنا وَابنُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لا أمانَ لَهُ؟! (1)1569.أنساب الأشراف: وَقَفَ شِمرٌ فَقالَ:أینَ بَنو اختِنا؟یَعنی:العَبّاسَ وعَبدَ اللّهِ وجَعفَراً وعُثمانَ بَنی عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام،واُمُّهُم امُّ البَنینَ بِنتُ حِزامِ بنِ رَبیعَةَ الکِلابِیِّ

ص:53

الشّاعِرِ،فَخَرَجوا إلَیهِ،فَقالَ:لَکُمُ الأَمانُ.فَقالوا:لَعَنَکَ اللّهُ ولَعَنَ أمانَکَ ! أتُؤمِنُنا وَابنُ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لا أمانَ لَهُ؟! (1)1570.الفتوح: أقبَلَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ حَتّی وَقَفَ عَلی مُعَسکَرِ الحُسَینِ علیه السّلام فَنادی بِأَعلی صَوتِهِ:أینَ بَنو اختِنا عَبدُ اللّهِ وجَعفَرٌ والعَبّاسُ بَنو عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ ! فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام لِإِخوَتِهِ:أجیبوهُ وإن کانَ فاسِقاً،فَإِنَّهُ مِن أخوالِکُم ! فَنادَوهُ فَقالوا:ما شَأنُکَ وما تُریدُ؟فَقالَ:یا بَنی اختی،أنتُم آمِنونَ،فَلا تَقتُلوا أنفُسَکُم مَعَ أخیکُمُ الحُسَینِ،وَالزَموا طاعَةَ أمیرِ المُؤمِنینَ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ !

فَقالَ لَهُ العَبّاسُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام:تَبّاً لَکَ یا شِمرُ،ولَعَنَکَ اللّهُ،ولَعَنَ ما جِئتَ بِهِ مِن أمانِکَ هذا یا عَدُوَّ اللّهِ ! أتَأمُرُنا أن نَدخُلَ فی طاعَةِ العِنادِ ونَترُکَ نُصرَةَ أخینَا الحُسَینِ علیه السّلام؟! (2)1571.الملهوف: أقَبَل شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ-لَعَنَهُ اللّهُ-فَنادی:أینَ بنو اختی عَبدُ اللّهِ وجَعفَرٌ وَالعَبّاسُ وعُثمانُ؟فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:أجیبوهُ وإن کانَ فاسِقاً،فَإِنَّهُ بَعضُ أخوالِکُم، فَقالوا لَهُ:ما شَأنُکَ؟

فَقالَ:یا بَنی اختی،أنتُم آمِنونَ،فَلا تَقتُلوا أنفُسَکُم مَعَ أخیکُمُ الحُسَینِ،وَالزَموا طاعَةَ أمیرِ المُؤمِنینَ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ !

فَناداهُ العَبّاسُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام:تَبَّت یَداکَ ولُعِنَ ما جِئتَ بِهِ مِن أمانِکَ یا عَدُوَّ اللّهِ ! أتَأمُرُنا أن نَترُکَ أخانا وسَیِّدَنَا الحُسَینَ بنَ فاطِمَةَ ونَدخُلَ فی طاعَةِ اللَّعناءِ أولادِ اللَّعناءِ؟!

ص:54

فَرَجَعَ الشِّمرُ إلی عَسکَرِهِ مُغضَباً. (1)

1572.الأمالی للشجری عن الحسن بن خضر عن أبیه عن ابن الکلبی: صاحَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ یَومَ واقَعُوا الحُسَینَ علیه السّلام:أیا عَبّاسُ (2)-یَعنِی العَبّاسَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام-اُخرُج إلَیَّ اکَلِّمکَ.

فَاستَأذَنَ الحُسَینَ علیه السّلام فَأَذِنَ لَهُ،فَقالَ لَهُ:ما لَکَ؟قالَ:هذا أمانٌ لَکَ ولِإِخوَتِکَ مِن امَّکَ،أخَذتُهُ لَکَ مِنَ الأَمیرِ-یَعنِی ابنَ زِیادٍ-لِمَکانِکُم مِنّی؛لِأَنّی أحَدُ أخوالِکُم، فَاخرُجوا آمِنینَ.

فَقالَ لَهُ العَبّاسُ:لَعَنَکَ اللّهُ ولَعَنَ أمانَکَ ! وَاللّهِ،إنَّکَ تَطلُبُ لَنَا الأَمانَ أن کُنّا بَنی اختِکَ،ولا یَأمَنُ ابنُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؟!

فَأَرادَ العَبّاسُ أن یَنزِلَ فَقالَ لَهُ الحُسَینُ:قَدِّم أخَوَیکَ بَینَ یَدَیکَ،وهُما عَبدُ اللّهِ وجَعفَرٌ؛فَإِنَّهُما لَیسَ لَهُما وَلَدٌ ولَکَ وَلَدٌ حَتّی تربهما (3)وتَحتَسِبَهُما،فَأَمَرَ أخَوَیهِ فَنَزَلا فَقاتَلا حَتّی قُتِلا،ثُمَّ نَزَلَ فَقاتَلَ حَتّی قُتِلَ.

قالَ الحَسَنُ:قالَ أبی:وهؤُلاءِ الثَّلاثَةُ بَنو امِّ جَعفَرٍ،وهِیَ الکِلابِیَّةُ وهِیَ امُّ البَنینَ. (4)

وأبشِری ! فَرَکِبَ فِی النّاسِ،ثُمَّ زَحَفَ نَحوَهُم بَعدَ صَلاةِ العَصرِ،وحُسَینٌ علیه السّلام جالِسٌ أمامَ بَیتِهِ،مُحتَبِیاً (1)بِسَیفِهِ،إذ خَفَقَ بِرَأسِهِ عَلی رُکبَتَیهِ،وسَمِعَت اختُهُ زَینَبُ علیها السّلام الصَّیحَةَ،فَدَنَت مِن أخیها،فَقالَت:یا أخی،أما تَسمَعُ الأَصواتَ قَدِ اقتَرَبَت؟!

قالَ:فَرَفَعَ الحُسَینُ علیه السّلام رَأسَهُ،فَقالَ:إنّی رَأَیتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فِی المَنامِ،فَقالَ لی:

إنَّکَ تَروحُ إلَینا،قالَ:فَلَطَمَت اختُهُ وَجهَها،وقالَت:یا وَیلَتا ! فَقالَ:لَیسَ لَکِ الوَیلُ یا اخَیَّةُ،اسکُنی رَحِمَکِ الرَّحمنُ !

وقالَ العَبّاسُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام:یا أخی ! أتاکَ القَومُ،قالَ:فَنَهَضَ،ثُمَّ قالَ:یا عَبّاسُ، ارکَب بِنَفسی أنتَ یا أخی حَتّی تَلقاهُم،فَتَقولُ لَهُم:ما لَکُم،وما بَدا لَکُم؟وتَسأَ لُهُم عَمّا جاءَ بِهِم؟

فَأَتاهُمُ العَبّاسُ علیه السّلام،فَاستَقبَلَهُم فی نَحوٍ مِن عِشرینَ فارِساً،فیهِم زُهَیرُ بنُ القَینِ، وحَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ،فَقالَ لَهُمُ العَبّاسُ علیه السّلام:ما بَدا لَکُم،وما تُریدونَ؟قالوا:جاءَ أمرُ الأَمیرِ بِأَن نَعرِضَ عَلَیکُم أن تَنزِلوا عَلی حُکمِهِ،أو نُنازِلَکُم !

قالَ:فَلا تَعجَلوا حَتّی أرجِعَ إلی أبی عَبدِ اللّهِ،فَأَعرِضَ عَلَیهِ ما ذَکَرتُم،قالَ:

فَوَقَفوا،ثُمَّ قالوا:اِلقَهُ فَأَعلِمهُ ذلِکَ،ثُمَّ القَنا بِما یَقولُ.

قالَ:فَانصَرَفَ العَبّاسُ علیه السّلام راجِعاً یَرکُضُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام یُخبِرُهُ بِالخَبَرِ،ووَقَفَ أصحابُهُ یُخاطِبونَ القَومَ،فَقالَ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ لِزُهَیرِ بنِ القَینِ:کَلِّمِ القَومَ إن شِئتَ، وإن شِئتَ کَلَّمتُهُم.

فَقالَ لَهُ زُهَیرٌ:أنتَ بَدَأتَ بِهذا،فَکُن أنتَ تُکَلِّمُهُم،فَقالَ لَهُم (2)حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ:

ص:56

أما وَاللّهِ،لَبِئسَ القَومُ عِندَ اللّهِ غَداً قَومٌ یَقدَمونَ عَلَیهِ قَد قَتَلوا ذُرِّیَّةَ نَبِیِّهِ علیه السّلام وعِترَتَهُ وأهلَ بَیتِهِ صلّی اللّه علیه و آله،وعُبّادَ أهلِ هذَا المِصرِ المُجتَهِدینَ بِالأَسحارِ،وَالذّاکِرینَ اللّهَ کَثیراً.

فَقالَ لَهُ عَزرَةُ بنُ قَیسٍ:إنَّکَ لَتُزَکّی نَفسَکَ مَا استَطَعتَ !

فَقالَ لَهُ زُهَیرٌ:یا عَزرَةُ ! إنَّ اللّهَ قَد زَکّاها وهَداها،فَاتَّقِ اللّهَ یا عَزرَةُ،فَإِنّی لَکَ مِنَ النّاصِحینَ،أنشُدُکَ اللّهَ یا عَزرَةُ أن تَکونَ مِمَّن یُعینُ الضَّلالَ عَلی قَتلِ النُّفوسِ الزَّکِیَّةِ !

قالَ:یا زُهَیرُ ! ما کُنتَ عِندَنا مِن شیعَةِ أهلِ هذَا البَیتِ.إنَّما کُنتَ عُثمانِیّاً !

قالَ:أفَلَستَ تَستَدِلُّ بِمَوقِفی هذا أنّی مِنهُم ! أما وَاللّهِ،ما کَتَبتُ إلَیهِ کِتاباً قَطُّ،ولا أرسَلتُ إلَیهِ رَسولاً قَطُّ،ولا وَعَدتُهُ نُصرَتی قَطُّ،ولکِنَّ الطَّریقَ جَمَعَ بَینی وبَینَهُ، فَلَمّا رَأَیتُهُ ذَکَرتُ بِهِ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ومَکانَهُ مِنهُ،وعَرَفتُ ما یُقدَمُ عَلَیهِ مِن عَدُوِّهِ وحِزبِکُم،فَرَأَیتُ أن أنصُرَهُ،وأن أکونَ فی حِزبِهِ،وأن أجعَلَ نَفسی دونَ نَفسِهِ، حِفظاً لِما ضَیَّعتُم مِن حَقِّ اللّهِ وحَقِّ رَسولِهِ صلّی اللّه علیه و آله.

قالَ:وأقبَلَ العَبّاسُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام یَرکُضُ حَتَّی انتَهی إلَیهِم،فَقالَ:یا هؤُلاءِ،إنَّ أبا عَبدِ اللّهِ یَسأَ لُکُم أن تَنصَرِفوا هذِهِ العَشِیَّةَ حَتّی یَنظُرَ فی هذَا الأَمرِ...وکانَ العَبّاسُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام حینَ أتی حُسَیناً علیه السّلام بِما عَرَضَ عَلَیهِ عُمَرُ بنُ سَعدٍ قالَ:اِرجِع إلَیهِم،فَإِنِ استَطَعتَ أن تُؤَخِّرَهُم إلی غُدوَةٍ وتَدفَعَهُم عِندَ العَشِیَّةِ؛لَعَلَّنا نُصَلّی لِرَبِّنَا اللَّیلَةَ، ونَدعوهُ ونَستَغفِرُهُ،فَهُوَ یَعلَمُ أنّی قَد کُنتُ احِبُّ الصَّلاةَ لَهُ،وتِلاوَةَ کِتابِهِ،وکَثرَةَ الدُّعاءِ وَالاِستِغفارِ !

قالَ أبو مِخنَفٍ:حَدَّثَنِی الحارِثُ بنُ حَصِیرَةَ،عَن عَبدِ اللّهِ بنِ شَریکٍ العامِرِیِّ، عَن عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام قالَ:أتانا رَسولٌ مِن قِبَلِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَقامَ مِثلَ حَیثُ

ص:57

یُسمَعُ الصَّوتُ،فَقالَ:إنّا قَد أجَّلناکُم إلی غَدٍ،فَإِنِ استَسلَمتُم سَرَّحنا بِکُم إلی أمیرِنا عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،وإن أبَیتُم فَلَسنا تارِکیکُم. (1)

1574.الفتوح: إذَا المُنادی یُنادی مِن عَسکَرِ عُمَرَ:یا جُندَ اللّهِ ارکَبوا.

قالَ:فَرَکِبَ النّاسُ وساروا نَحوَ مُعَسکَرِ الحُسَینِ علیه السّلام،وَالحُسَینُ علیه السّلام فی وَقتِهِ ذلِکَ جالِسٌ قَد خَفَقَ رَأسُهُ عَلی رُکبَتَیهِ،وسَمِعَت اختُهُ زَینَبُ رَضِیَ اللّهُ عَنهَا الصَّیحَةَ وَالضَّجَّةَ،فَدَنَت مِن أخیها وحَرَّکَتهُ،فَقالَت:یا أخی،ألا تَسمَعُ الأَصواتَ قَدِ اقتَرَبَت مِنّا؟!

قالَ:فَرَفَعَ الحُسَینُ علیه السّلام رَأسَهُ،وقالَ:یا اختاه،إنّی رَأَیتُ جَدّی فِی المَنامِ وأبی عَلِیّاً وفاطِمَةَ امّی وأخِی الحَسَنَ علیهم السّلام،فَقالوا:یا حُسَینُ،إنَّکَ رائِحٌ إلَینا عَن قَریبٍ، وقَد وَاللّهِ یا اختاه دَنَا الأَمرُ فی ذلِکَ،لا شَکَّ.

قالَ:فَلَطَمَت زَینَبُ علیها السّلام وَجهَها،وصاحَت واخَیبَتاه ! فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:مَهلاً ! اسکُتی ولا تَصیحی،فَتَشمَتَ بِنَا الأَعداءُ.

ثُمَّ أقبَلَ الحُسَینُ علیه السّلام عَلی أخیهِ العَبّاسِ علیه السّلام،فَقالَ:یا أخی،ارکَب وتَقَدَّم إلی هؤُلاءِ القَومِ،وسَلهُم عَن حالِهِم،وَارجِع إلَیَّ بِالخَبَرِ.

قالَ:فَرَکِبَ العَبّاسُ علیه السّلام فی إخوَتِهِ-رَضِیَ اللّهُ عَنهُم-ومَعَهُ أیضاً عَشَرَةُ فَوارِسَ حَتّی دَنا مِنَ القَومِ،ثُمَّ قالَ:ما شَأنُکُم وما تُریدونَ؟فَقالوا:نُریدُ أنَّهُ قَد جاءَ الأَمرُ

ص:58

مِن عِندِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ یَأمُرُنا أن نَعرِضَ عَلَیکُم أن تَنزِلوا عَلی أمرِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،أو نُلحِقَکُم بِمَن سَلَفَ !

فَقالَ لَهُمُ العَبّاسُ علیه السّلام:لا تَعجَلوا حَتّی أرجِعَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام فَاُخبِرَهُ بِذلِکَ.

قالَ:فَوَقَفَ القَومُ فی مَواضِعِهِم،ورَجَعَ العَبّاسُ إلَی الحُسَینِ علیهما السّلام،فَأَخبَرَهُ بِذلِکَ، فَأَطرَقَ الحُسَینُ علیه السّلام ساعَةً،وَالعَبّاسُ علیه السّلام واقِفٌ بَینَ یَدَیهِ،وأصحابُ الحُسَینِ علیه السّلام یُخاطِبونَ أصحابَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ.

فَقالَ لَهُم حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ:أما وَاللّهِ،لَبِئسَ القَومُ یَقدَمونَ غَداً عَلَی اللّهِ عز و جل وعَلی رَسولِهِ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله وقَد قَتَلوا ذُرِّیَّتَهُ وأهلَ بَیتِهِ المُجتَهِدینَ بِالأَسحارِ،الذّاکِرینَ اللّهَ کَثیراً بِاللَّیلِ وَالنَّهارِ،وشیعَتَهُ الأَتقِیاءَ الأَبرارَ.

قالَ:فَقالَ رَجُلٌ مِن أصحابِ عُمَرَ یُقالُ لَهُ عَزرَةُ (1)بنُ قَیسٍ:یابنَ مُظاهِرٍ،إنَّکَ لَتُزَکّی نَفسَکَ مَا استَطَعتَ !

فَقالَ لَهُ زُهَیرٌ:اِتَّقِ اللّهَ یابنَ قَیسٍ،ولا تَکُن مِنَ الَّذینَ یُعینونَ عَلَی الضَّلالِ، ویَقتُلونَ النُّفوسَ الزَّکِیَّةَ الطّاهِرَةَ عِترَةَ خَیرِ الأَنبِیاءِ.

فَقالَ لَهُ عَزرَةُ بنُ قَیسٍ:إنَّکَ لَم تَکُن عِندَنا مِن شیعَةِ أهلِ البَیتِ،إنَّما کُنتَ عُثمانِیّاً نَعرِفُکَ !

هؤُلاءِ فِی المُخاطَبَةِ،وَالحُسَینُ علیه السّلام مُفَکِّرٌ فی أمرِ نَفسِهِ وأمرِ الحَربِ،وَالعَبّاسُ علیه السّلام واقِفٌ فی حَضرَتِهِ.

قالَ:وأقبَلَ العَبّاسُ علیه السّلام عَلَی القَومِ وهُم وُقوفٌ،فَقالَ:یا هؤُلاءِ،إنَّ أبا عَبدِ اللّهِ یَسأَ لُکُمُ الاِنصِرافَ عَنهُ فی هذَا الیَومِ حَتّی یَنظُرَ فی هذَا الأَمرِ،ثُمَّ یَلقاکُم غَداً إن

ص:59

شاءَ اللّهُ تَعالی.

قالَ:فَخَبَّرَ القَومُ بِهذا أمیرَهُم عُمَرَ بنَ سَعدٍ،فَقالَ لِلشِّمرِ بنِ ذِی الجَوشَنِ:ما تَری مِنَ الرَّأیِ؟فَقالَ:أری رَأیَکَ أیُّهَا الأَمیرُ ! فَقالَ عُمَرُ:إنَّنی أحبَبتُ أن لا أکونَ أمیراً،قالَ:ثُمَّ إنّی اکرِهتُ.

قالَ:وأقبَلَ عُمَرُ عَلی أصحابِهِ،فَقالَ:مَا الَّذی عِندَکُم فی هذَا الرَّأیِ؟فَقالَ رَجُلٌ مِن أصحابِهِ یُقالُ لَهُ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ:سُبحانَ اللّهِ العَظیمِ ! لَو کانوا مِنَ التُّرکِ وَالدَّیلَمِ وسَأَلوا هذِهِ المَنزِلَةَ لَقَد کانَ حَقّاً عَلَینا أن نُجیبَهُم إلی ذلِکَ،وکَیفَ وهُم آلُ الرَّسولِ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله وأهلُهُ؟!

فَقالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:إنّا قَد أجَّلناهُم فی یَومِنا هذا.قالَ:فَنادی رَجُلٌ مِن أصحابِ عُمَرَ:یا شیعَةَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ! قَد أجَّلناکُم یَومَکُم هذا إلی غَدٍ،فَإِنِ استَسلَمتُم ونَزَلتُم عَلی حُکمِ الأَمیرِ وَجَّهنا بِکُم إلَیهِ،وإن أبَیتُم ناجَزناکُم.

قالَ:فَانصَرَفَ الفَریقانِ بَعضُهُم مِن بَعضٍ. (1)

1575.الملهوف: لَمّا رَأَی الحُسَینُ علیه السّلام حِرصَ القَومِ عَلی تَعجیلِ القِتالِ وقِلَّةَ انتِفاعِهِم بِالوَعظِ وَالمَقالِ،قالَ لِأَخیهِ العَبّاسِ علیه السّلام:إنِ استَطَعتَ أن تَصرِفَهُم عَنّا فی هذَا الیَومِ فَافعَل؛ لَعَلَّنا نُصَلّی لِرَبِّنا فی هذِهِ اللَّیلَةِ،فَإِنَّهُ یَعلَمُ أنّی احِبُّ الصَّلاةَ لَهُ وتِلاوَةَ کِتابِهِ.

قالَ الرّاوی:فَسَأَلَهُمُ العَبّاسُ علیه السّلام ذلِکَ،فَتَوَقَّفَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ،فَقالَ لَهُ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ الزُّبَیدِیُّ:وَاللّهِ،لَو أنَّهُم مِنَ التُّرکِ وَالدَّیلَمِ وسَأَلوا ذلِکَ لَأَجَبناهُم،فَکَیفَ وهُم آلُ مُحَمَّدٍ؟! فَأَجابوهُم إلی ذلِکَ.

قالَ الرّاوی:وجَلَسَ الحُسَینُ علیه السّلام فَرَقَدَ،ثُمَّ استَیقَظَ وقالَ:یا اختاه إنّی رَأَیتُ

ص:60

السّاعَةَ جَدّی مُحَمَّداً صلّی اللّه علیه و آله وأبی عَلِیّاً واُمّی فاطِمَةَ وأخِی الحَسَنَ علیهم السّلام،وهُم یَقولونَ:

یا حُسَینُ،إنَّکَ رائِحٌ إلَینا عَن قَریبٍ،وفی بَعضِ الرِّوایاتِ:غَداً.

قالَ الرّاوی:فَلَطَمَت زَینَبُ علیها السّلام وَجهَها،وصاحَت،فَقالَ لَهَا الحُسَینُ علیه السّلام:مَهلاً! لا تُشمِتِی القَومَ بِنا. (1)

1576.مثیر الأحزان: فَلَمّا کانَ التّاسِعُ مِنَ المُحَرَّمِ دَعاهُم عُمَرُ بنُ سَعدٍ إلَی المُحارَبَةِ،فَأَرسَلَ الحُسَینُ علیه السّلام العَبّاسَ علیه السّلام یَلتَمِسُ مِنهُم تَأخیرَ تِلکَ اللَّیلَةِ،فَقالَ عُمَرُ لِشِمرٍ:ما تَقولُ؟ قالَ:أمّا أنَا لَو کُنتُ الأَمیرَ لَم انظِرهُ.فَقالَ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ بنِ سَلَمَةَ بنِ عَبدِ یَغوثَ الزُّبَیدِیُّ:سُبحانَ اللّهِ! وَاللّهِ،لَو کانَ مِنَ التُّرکِ وَالدَّیلَمِ وسَأَلوکَ عَن هذا ما کانَ لَکَ أن تَمنَعَهُم حینَئِذٍ،أمهِلهُم.

فَکانَ لَهُم فی تِلکَ اللَّیلَةِ دَوِیٌّ کَالنَّحلِ مِنَ الصَّلاةِ وَالتِّلاوَةِ،فَجاءَ إلَیهِم جَماعَةٌ مِن أصحابِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ. (2)

1577.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): قَدِمَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ الضِّبابِیُّ عَلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ بِما أمَرَهُ بِهِ عُبَیدُ اللّهِ،عَشِیَّةَ الخَمیسِ،لِتِسعٍ خَلَونَ مِنَ المُحَرَّمِ،سَنَةَ إحدی وسِتّینَ بَعدَ العَصرِ،فَنودِیَ فِی العَسکَرِ فَرَکِبوا،وحُسَینٌ علیه السّلام جالِسٌ أمامَ بَیتِهِ مُحتَبِیاً،فَنَظَرَ إلَیهِم قَد أقبَلوا.

فَقالَ لِلعَبّاسِ بنِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام:اِلقَهُم فَاسأَلهُم ما بَدا لَهُم؟فَسَأَلَهُم، فَقالوا:أتانا کِتابُ الأَمیرِ یَأمُرُنا أن نَعرِضَ عَلَیکَ أن تَنزِلَ عَلَی حُکمِهِ،أو نُناجِزَکَ !

فَقالَ:اِنصَرِفوا عَنَّا العَشِیَّةَ حَتّی نَنظُرَ لَیلَتَنا هذِهِ فیما عَرَضتُم،فَانصَرَفَ عُمَرُ. (3)

ص:61

1578.الأخبار الطوال: فَنَهَضَ [عُمَرُ بنُ سَعدٍ] إلَیهِم عَشِیَّةَ الخَمیسِ ولَیلَةَ الجُمُعَةِ،لِتِسعِ لَیالٍ خَلَونَ مِنَ المُحَرَّمِ،فَسَأَلَهُمُ الحُسَینُ علیه السّلام تَأخیرَ الحَربِ إلی غَدٍ،فَأَجابوهُ. (1)

ونُقاتِلُ مَعَکَ حَتّی نَرِدَ مَورِدَکَ،فَقَبَّحَ اللّهُ العَیشَ بَعدَکَ....

قالَ:فَقامَ إلَیهِ مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ الأَسَدِیُّ،فَقالَ:أنَحنُ نُخَلّی عَنکَ ولَمّا نُعذِر إلَی اللّهِ فی أداءِ حَقِّکَ؟! أما وَاللّهِ،حَتّی أکسِرَ فی صُدورِهِم رُمحی،وأضرِبَهُم بِسَیفی ما ثَبَتَ قائِمُهُ فی یَدی،ولا افارِقُکَ،ولَو لَم یَکُن مَعی سِلاحٌ اقاتِلُهُم بِهِ لَقَذَفتُهُم بِالحِجارَةِ دونَکَ حَتّی أموتَ مَعَکَ.

قالَ:وقالَ سَعیدُ بنُ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیُّ:وَاللّهِ،لا نُخَلّیکَ حَتّی یَعلَمَ اللّهُ أنا حَفِظنا غَیبَةَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فیکَ،وَاللّهِ،لَو عَلِمتُ أنّی اقتَلُ،ثُمَّ احیا،ثُمَّ احرَقُ حَیّاً،ثُمَّ اذَرُّ،یُفعَلُ ذلِکَ بی سَبعینَ مَرَّةً ما فارَقتُکَ حَتّی ألقی حِمامی (1)دونَکَ،فَکَیفَ لا أفعَلُ ذلِکَ ! وإنَّما هِیَ قَتلَةٌ واحِدَةٌ،ثُمَّ هِیَ الکَرامَةُ الَّتی لَاانقِضاءَ لَها أبَداً؟!

قالَ:وقالَ زُهَیرُ بنُ القَینِ:وَاللّهِ،لَوَدِدتُ أنّی قُتِلتُ،ثُمَّ نُشِرتُ،ثُمَّ قُتِلتُ حَتّی اقتَلَ کَذا ألفَ قَتلَةٍ،وأنَّ اللّهَ یَدفَعُ بِذلِکَ القَتلَ عَن نَفسِکَ وعَن أنفُسِ هؤُلاءِ الفِتیَةِ مِن أهلِ بَیتِکَ.

قالَ:وتَکَلَّمَ جَماعَةُ أصحابِهِ بِکَلامٍ یُشبِهُ بَعضُهُ بَعضاً فی وَجهٍ واحِدٍ،فَقالوا:

وَاللّهِ،لا نُفارِقُکَ،ولکِنَّ أنفُسَنا لَکَ الفِداءُ،نَقِیکَ بِنُحورِنا وجِباهِنا وأیدینا،فَإِذا نَحنُ قُتِلنا کُنّا وَفَّینا،وقَضَینا ما عَلَینا. (2)

1581.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جده [زین العابدین] علیهم السّلام :لَمّا وَصَلَ الکِتابُ [مِن عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ] إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ،أمَرَ

ص:64

مُنادِیَهُ،فَنادی:إنّا قَد أجَّلنا حُسَیناً وأصحابَهُ یَومَهُم ولَیلَتَهُم،فَشَقَّ ذلِکَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام وعَلی أصحابِهِ،فَقامَ الحُسَینُ علیه السّلام فی أصحابِهِ خَطیباً،فَقالَ:

اللّهُمَّ إنّی لا أعرِفُ أهلَ بَیتٍ أبَرَّ ولا أزکی ولا أطهَرَ مِن أهلِ بَیتی،ولا أصحاباً هُم خَیرٌ مِن أصحابی،وقَد نَزَلَ بی ما قَد تَرَونَ،وأنتُم فی حِلٍّ مِن بَیعَتی،لَیسَت لی فی أعناقِکُم بَیعَةٌ،ولا لی عَلَیکُم ذِمَّةٌ،وهذَا اللَّیلُ قَد غَشِیَکُم،فَاتَّخِذوهُ جَمَلاً،وتَفَرَّقوا فی سَوادِهِ،فَإِنَّ القَومَ إنَّما یَطلُبونَنی،ولَو ظَفِروا بی لَذَهَلوا عَن طَلَبِ غَیری.

فَقامَ إلَیهِ عَبدُ اللّهِ بنُ مُسلِمِ بنِ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ،فَقالَ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،ماذا یَقولُ لَنَا النّاسُ إن نَحنُ خَذَلنا شَیخَنا وکَبیرَنا وسَیِّدَنا،وَابنَ سَیِّدِ الأَعمامِ،وَابنَ نَبِیِّنا سَیِّدِ الأَنبِیاءِ،لَم نَضرِب مَعَهُ بِسَیفٍ،ولَم نُقاتِل مَعَهُ بِرُمحٍ؟لا وَاللّهِ،أو نَرِدَ مَورِدَکَ، ونَجعَلَ أنفُسَنا دونَ نَفَسِکَ،ودِماءَنا دونَ دَمِکَ،فَإِذا نَحنُ فَعَلنا ذلِکَ فَقَد قَضَینا ما عَلَینا،وخَرَجنا مِمّا لَزِمَنا.

وقامَ إلَیهِ رَجُلٌ یُقالُ لَهُ زُهَیرُ بنُ القَینِ البَجَلِیُّ،فَقالَ:یَا بنَ رَسولِ اللّهِ،وَدِدتُ أنّی قُتِلتُ،ثُمَّ نُشِرتُ (1)،ثُمَّ قُتِلتُ،ثمَّ نُشِرتُ،ثُمَّ قُتِلتُ،ثُمّ نُشِرتُ فیکَ وفِی الَّذینَ مَعَکَ مِئَةَ قَتلَةٍ،وإنَّ اللّهَ دَفَعَ بی عَنکُم أهلَ البَیتِ.

فَقالَ لَهُ و لِأَصحابِهِ:جُزِیتُم خَیراً. (2)

1582.مثیر الأحزان: جَمَعَ الحُسَینُ علیه السّلام أصحابَهُ،وحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،ثُمَّ قالَ:

ص:65

أمّا بَعدُ،فَإِنّی لا أعلَمُ لی أصحاباً أوفی ولا خَیراً مِن أصحابی،ولا أهلَ بَیتٍ أبَرَّ ولا أوصَلَ مِن أهلِ بَیتی،فَجَزاکُمُ اللّهُ عَنّی جَمیعاً خَیراً،ألا وإنّی قَد أذِنتُ لَکُم، فَانطَلِقوا أنتُم فی حِلٍّ،لَیسَ عَلَیکُم مِنّی ذِمامٌ (1)،هذَا اللَّیلُ قَد غَشِیَکُم،فَاتَّخِذوهُ جَمَلاً.

فَقالَ لَهُ إخوَتُهُ وأبناؤُهُ وأبناءُ عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ:ولِمَ نَفعَلُ ذلِکَ،لِنَبقی بَعدَکَ؟! لا أرانَا اللّهُ ذلِکَ،وبَدَأَهُمُ العَبّاسُ أخوهُ علیه السّلام،ثُمَّ تابَعوهُ.

وقالَ لِبَنی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ:حَسبُکُم مِنَ القَتلِ بِصاحِبِکُم مُسلِمٍ،اِذهَبوا فَقَد أذِنتُ لَکُم،فَقالوا:لا وَاللّهِ،لا نُفارِقُکَ أبَداً حَتّی نَقِیَکَ بِأَسیافِنا،ونُقتَلَ بَینَ یَدَیکَ...ثُمَّ قالَ مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ:نَحنُ نُخَلّیکَ وقَد أحاطَ بِکَ العَدُوُّ؟! لا أرانَا اللّهُ ذلِکَ أبَداً حَتّی أکسِرَ فی صُدورِهِم رُمحی،واُضارِبَهُم بِسَیفی،ولَو لَم یَکُن لی سِلاحٌ لَقَذَفتُهُم بِالحِجارَةِ،ولَم افارِقکَ.

وقامَ سَعیدُ بنُ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیُّ وزُهَیرُ بنُ القَینِ،فَأَجمَلا فِی الجَوابِ،وأحسَنا فِی المَآبِ. (2)

1583.مقاتل الطالبیّین عن عتبة بن سمعان الکلبی: قامَ الحُسَینُ علیه السّلام فی أصحابِهِ خَطیباً،فَقالَ:

اللّهُمَّ إنَّکَ تَعلَمُ أنّی لا أعلَمُ أصحاباً خَیراً مِن أصحابی،ولا أهلَ بَیتٍ خَیراً مِن أهلِ بَیتی،فَجَزاکُمُ اللّهُ خَیراً،فَقَد آزَرتُم وعاوَنتُم،وَالقَومُ لا یُریدونَ غَیری،ولَو قَتَلونی لَم یَبتَغوا غَیری أحَداً،فَإِذا جَنَّکُمُ اللَّیلُ فَتَفَرَّقوا فی سَوادِهِ،وَانجوا بِأَنفُسِکُم.

فَقامَ إلیهِ العَبّاسُ بنُ عَلِیٍّ أخوهُ وعَلِیٌّ ابنُهُ وبَنو عَقیلٍ علیهم السّلام،فَقالوا لَهُ:مَعاذَ اللّهِ

ص:66

وَالشَّهرِ الحَرامِ،فَماذا نَقولُ لِلنّاسِ إذا رَجَعنا إلَیهِم،إنّا تَرَکنا سَیِّدَنا وَابنَ سَیِّدِنا وعِمادَنا،وتَرَکناهُ غَرَضاً لِلنَّبلِ،ودَریئَةً (1)لِلرِّماحِ،وجَزَراً (2)لِلسِّباعِ،وفَرَرنا عَنهُ رَغبَةً فِی الحَیاةِ؟مَعاذَ اللّهِ،بَل نَحیا بِحَیاتِکَ،ونَموتُ مَعَکَ.فَبَکی وبَکَوا عَلَیهِ، وجَزاهُم خَیراً،ثُمَّ نَزَلَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ. (3)

1584.أنساب الأشراف: عَرَضَ الحُسَینُ علیه السّلام عَلی أهلِهِ ومَن مَعَهُ أن یَتَفَرَّقوا ویَجعَلُوا اللَّیلَ جَمَلاً...،فَقالوا:قَبَّحَ اللّهُ العَیشَ بَعدَکَ.

وقالَ مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ الأَسَدِیُّ:أنُخَلّیکَ ولِمَ نَعذِرُ إلَی اللّهِ فیکَ فی أداءِ حَقِّکَ؟! لا وَاللّهِ،حَتّی أکسِرَ رُمحی فی صُدورِهِم،وأضرِبَهُم بِسَیفی ما ثَبَتَ قائِمُهُ فی یَدی، ولَو لَم یَکُن سِلاحی مَعی لَقَذَفتُهُم بِالحِجارَةِ دونَکَ.

وقالَ لَهُ سَعیدُ بنُ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیُّ نَحوَ ذلِکَ،فَتَکَلَّمَ أصحابُهُ بِشَبیهٍ بِهذَا الکَلامِ. (4)

1585.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): جَمَعَ حُسَینٌ علیه السّلام أصحابَهُ فی لَیلَةِ عاشوراءَ لَیلَةِ الجُمُعَةِ،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،وذَکَرَ النَّبِیَّ صلّی اللّه علیه و آله وما أکرَمَهُ اللّهُ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ،وما أنعَمَ بِهِ عَلی امَّتِهِ وقالَ:

إنّی لا أحسَبُ القَومَ إلّامُقاتِلوکُم غَداً،وقَد أذِنتُ لَکُم جَمیعاً،فَأَنتُم فی حِلٍّ مِنّی،وهذَا اللَّیلُ قَد غَشِیَکُم،فَمَن کانَت لَهُ مِنکُم قُوَّةٌ فَلیَضُمَّ رَجُلاً مِن أهلِ بَیتی إلَیهِ،وتَفَرَّقوا فی سَوادِکُم حَتّی یَأتِیَ اللّهُ بِالفَتحِ أو أمرٍ مِن عِندِهِ فَیُصبِحوا عَلی

ص:67

ما أسَرّوا فی أنفُسِهِم نادِمینَ (1)،فَإِنَّ القَومَ إنَّما یَطلُبونَنی،فَإِذا رَأَونی لَهَوْا عَن طَلَبِکُم.

فَقالَ أهلُ بَیتِهِ:لا أبقانَا اللّهُ بَعدَکَ،لا وَاللّهِ،لا نُفارِقُکَ حَتّی یُصیبَنا ما أصابَکَ، وقالَ ذلِکَ أصحابُهُ جَمیعاً.فَقالَ:أثابَکُمُ اللّهُ عَلی ما تَنوُونَ الجَنَّةَ. (2)

1586.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن الأسود بن قیس العبدی: قیلَ لِمُحَمَّدِ بنِ بَشیرٍ الحَضرَمِیِّ:قَد اسِرَ ابنُکَ بِثَغرِ الرِّیِّ.

قالَ:عِندَ اللّهِ أحتَسِبُهُ ونَفسی،ما کُنتُ احِبُّ أن یُؤسَرَ،ولا أن أبقی بَعدَهُ.

فَسَمِعَ قَولَهُ الحُسَینُ علیه السّلام فَقالَ لَهُ:رَحِمَکَ اللّهُ،أنتَ فی حِلٍّ مِن بَیعَتی،فَاعمَل فی فِکاکِ ابنِکَ.قالَ:أکَلَتنِی السِّباعُ حَیّاً إن فارَقتُکَ.

قالَ:فَأَعطِ ابنَکَ هذِهِ الأَثوابَ وَالبُرودَ یَستَعینُ بِها فی فِکاکِ أخیهِ.

فَأَعطاهُ خَمسَةَ أثوابٍ قیمَتُها ألفُ دینارٍ. (3)

1587.مقاتل الطالبیّین عن حمید بن مسلم: جاءَ رَجُلٌ حَتّی دَخَلَ عَسکَرَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَجاءَ إلی رَجُلٍ مِن أصحابِهِ،فَقالَ لَهُ:إنَّ خَبَرَ ابنِکَ فُلانٍ وافی أنَّ الدَّیلَمَ أسِروهُ،فَتَنصَرِفُ مَعی حَتّی نَسعی فی فِدائِهِ،فَقالَ:حَتّی أصنَعَ ماذا؟عِندَ اللّهِ أحتَسِبُهُ ونَفسی.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:اِنصَرِف وأنتَ فی حِلٍّ مِن بَیعَتی،وأنَا اعطیکَ فِداءَ ابنِکَ.

فَقالَ:هَیهاتَ أن افارِقَکَ،ثُمَّ أسأَلَ الرُّکبانَ عَن خَبَرِکَ ! لا یَکونُ-وَاللّهِ-

ص:68

هذا أبَداً،ولا افارِقُکَ،ثُمَّ حَمَلَ عَلَی القَومِ فَقاتَلَ حَتّی قُتِلَ رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِ ورِضوانُهُ (1). (2)

1588.شرح الأخبار عن الحسین علیه السّلام -لِأَصحابِهِ-:إنَّ هؤُلاءِ لا یَطلُبونَ مِنکُم غَیری،وأنَا فَلَستُ اسَلِّمُ إلَیهِم نَفسی أو یَقتُلونی،فَمَن شاءَ مِنکُم فَلیَنصَرِف عَنّی مُحَلَّلاً مِن ذلِکَ.

قالوا:وکَیفَ نَنصَرِفُ عَنِ ابنِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؟! نُقتَلُ بَینَ یَدَیهِ بَعدَ أن نَبذُلَ مَجهودَنا فی عَدُوِّهِ،وفی دَفعِهِ عَنهُ حَتّی نَلقَی اللّهَ عز و جل. (3)

فی حِلٍّ،فَإِنَّکُم إن أصبَحتُم مَعی قُتِلتُم کُلُّکُم.

فَقالوا:لا نَخذُلُکَ،ولا نَختارُ العَیشَ بَعدَکَ.

فَقالَ علیه السّلام:إنَّکُم تُقتَلونَ کُلُّکمُ حَتّی لا یُفلِتَ مِنکُم واحِدٌ،فَکانَ کَما قالَ علیه السّلام. (1)

1591.الخرائج والجرائح عن أبی حمزة الثمالی: قالَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ:کُنتُ مَعَ أبِیَ اللَّیلَةَ الَّتی قُتِلَ صَبیحَتَها،فَقالَ لِأَصحابِهِ:هذَا اللَّیلُ فَاتَّخِذوهُ جَمَلاً؛فَإِنَّ القَومَ إنَّما یُریدونَنی، ولَو قَتَلونی لَم یَلتَفِتوا إلَیکُم،وأنتُم فی حِلٍّ وسَعَةٍ،فَقالوا:لا وَاللّهِ،لا یَکونُ هذا أبَداً.

قالَ:إنَّکُم تُقتَلونَ غَداً کَذلِکَ،لا یُفلِتُ مِنکُم رَجُلٌ.قالوا:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی شَرَّفَنا بِالقَتلِ مَعَکَ.

ثُمَّ دَعا،وقالَ لَهُم:اِرفَعوا رُؤوسَکُم وَانظُروا.فَجَعَلوا یَنظُرونَ إلی مَواضِعِهِم ومَنازِلِهِم مِنَ الجَنَّةِ،وهُوَ یَقولُ لَهُم:هذا مَنزِلُکَ یا فُلانُ،وهذا قَصرُکَ یا فُلانُ،وهذِهِ دَرَجَتُکَ یا فُلانُ.

فَکانَ الرَّجُلُ یَستَقبِلُ الرِّماحَ وَالسُّیوفَ بِصَدرِهِ،ووَجهِهِ لِیَصِلَ إلی مَنزِلِهِ مِنَ الجَنَّةِ. (2)

ویُسَبِّحونَ ویَستَغفِرونَ ویَدعونَ ویَتَضَرَّعونَ. (1)

1593.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: جاءَ اللَّیلُ،فَباتَ الحُسَینُ علیه السّلام تِلکَ اللَّیلَةَ [لَیلَةَ عاشوراءَ] راکِعاً ساجِداً باکِیاً مُستَغفِراً مُتَضَرِّعاً،وباتَ أصحابُهُ ولَهُم دَوِیٌّ کَدَوِیِّ النَّحلِ. (2)

1594.الملهوف: قالَ الرّاوی:وباتَ الحُسَینُ علیه السّلام وأصحابُهُ تِلکَ اللَّیلَةَ ولَهُم دَوِیٌّ کَدَوِیِّ النَّحلِ، ما بَینَ راکِعٍ وساجِدٍ وقائِمٍ وقاعِدٍ،فَعَبَرَ عَلَیهِم فی تِلکَ اللَّیلَةِ مِن عَسکَرِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ اثنانِ وثَلاثونَ رَجُلاً.وکَذا کانَت سَجِیَّةُ الحُسَینِ علیه السّلام فی کَثرَةِ صَلاتِهِ وکَمالِ صِفاتِهِ. (3)

1595.البدایة والنهایة عن الحارث بن کعب وأبی الضحاک عن علیّ بن الحسین [زین العابدین] علیه السّلام :

باتَ الحُسَینُ علیه السّلام وأصحابُهُ طولَ لَیلِهِم یُصَلّونَ ویَستَغفِرونَ ویَدعونَ ویَتَضَرَّعونَ، وخُیولُ حَرَسِ عَدُوِّهِم تَدورُ مِن وَرائِهِم،عَلَیها عَزرَةُ بنُ قَیسٍ الأَحمَسِیُّ، وَالحُسَینُ علیه السّلام یَقرَأُ: «وَ لا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّما نُمْلِی لَهُمْ خَیْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِی لَهُمْ لِیَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ * ما کانَ اللّهُ لِیَذَرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلی ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ حَتّی یَمِیزَ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ» ،الآیَةَ (4). (5)

ص:71

قالَ:ثُمَّ انصَرَفَ عَنّا،وکانَ الَّذی یَحرُسُنا بِالَّلیلِ فِی الخَیلِ عَزرَةُ بنُ قَیسٍ الأَحمَسِیُّ،وکانَ عَلَی الخَیلِ. (1)

1597.الإرشاد: رَجَعَ [الحُسَینُ] علیه السّلام إلی مَکانِهِ،فَقامَ اللَّیلَ کُلَّهُ یُصَلّی ویَستَغفِرُ،ویَدعو ویَتَضَرَّعُ،وقامَ أصحابُهُ کَذلِکَ یُصَلّونَ ویَدعونَ ویَستَغفِرونَ.

قالَ الضَّحّاکُ بنُ عَبدِ اللّهِ:ومَرَّ بِنا خَیلٌ لِابنِ سَعدٍ یَحرُسُنا،وإنَّ حُسَیناً علیه السّلام لَیَقرَأُ:

«وَ لا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّما نُمْلِی لَهُمْ خَیْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِی لَهُمْ لِیَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ * ما کانَ اللّهُ لِیَذَرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلی ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ حَتّی یَمِیزَ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ» 2 ،فَسَمِعَها مِن تِلکَ الخَیلِ رَجُلٌ یُقالُ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ سُمَیرٍ،وکانَ مِضحاکاً،وکانَ شُجاعاً بَطَلاً فارِساً فاتِکاً شَریفاً،فَقالَ:نَحنُ-ورَبِّ الکَعبَةِ-الطَّیِّبونَ،مُیِّزنا مِنکُم.

فَقالَ لَهُ بُرَیرُ بنُ خُضَیرٍ:یا فاسِقُ ! أنتَ یَجعَلُکَ اللّهُ مِنَ الطَّیِّبینَ !! فَقالَ لَهُ:مَن أنتَ وَیلَکَ؟قالَ:أنَا بُرَیرُ بنُ خُضَیرٍ،فَتَسابّا. (2)

وأنتُمُ الخَبیثونَ ! وقَد مُیِّزنا مِنکُم.

قالَ:فَقَطَعَ بُرَیرٌ الصَّلاةَ،فَناداهُ:یا فاسِقُ ! یا فاجِرُ ! یا عَدُوَّ اللّهِ ! أمِثلُکَ یَکونُ مِنَ الطَّیِّبینَ؟! ما أنتَ إلّابَهیمَةٌ ولا تَعقِلُ،فَأَبشِر بِالنّارِ یَومَ القِیامَةِ وَالعَذابِ الأَلیمِ.قالَ:

فَصاحَ بِهِ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ-لَعَنَهُ اللّهُ-وقالَ:أیُّهَا المُتَکَلِّمُ،إنَّ اللّهَ تَبارَکَ وتَعالی قاتِلُکَ وقاتِلُ صاحِبِکَ عَن قَریبٍ.

فَقالَ لَهُ بُرَیرٌ:یا عَدُوَّ اللّهِ! أبِالمَوتِ تُخَوِّفُنی،وَاللّهِ،إنَّ المَوتَ أحَبُّ إلَینا مِنَ الحَیاةِ مَعَکُم ! وَاللّهِ،لا یَنالُ شَفاعَةَ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله قَومٌ أراقوا دِماءَ ذُرِّیَّتِهِ وأهلِ بَیتِهِ.

قالَ:وأقبَلَ رَجُلٌ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام إلی بُرَیرِ بنِ حُضَیرٍ،فَقالَ لَهُ:رَحِمَکَ اللّهُ یا بُرَیرُ ! إنَّ أبا عَبدِ اللّهِ یَقولُ لَکَ:اِرجِع إلی مَوضِعِکَ ولا تُخاطِبِ القَومَ،فَلَعَمری لَئِن کانَ مُؤمِنُ آلِ فِرعَونَ نَصَحَ لِقَومِهِ وأبلَغَ فِی الدُّعاءِ،فَلَقَد نَصَحتَ وأبلَغتَ فِی النُّصحِ. (1)

یا دَهرُ افٍّ لَکَ مِن خَلیلِ

قالَ:فَأَعادَها مَرَّتَینِ أو ثَلاثاً حَتّی فَهِمتُها،فَعَرَفتُ ما أرادَ،فَخَنَقَتنی عَبرَتی، فَرَدَدتُ دَمعی ولَزِمتُ السُّکونَ،فَعَلِمتُ أنَّ البَلاءَ قَد نَزَلَ،فَأَمّا عَمَّتی فَإِنَّها سَمِعَت ما سَمِعتُ،وهِیَ امرَأَةٌ،وفِی النِّساءِ الرِّقَّةُ وَالجَزَعُ،فَلَم تَملِک نَفسَها أن وَثَبَت تَجُرُّ ثَوبَها،وإنَّها لَحاسِرَةٌ حَتَّی انتَهَت إلَیهِ،فَقالَت:وَاثُکْلاه ! لَیتَ المَوتَ أعدَمَنِی الحَیاةَ ! الیَومَ ماتَت فاطِمَةُ امّی وعَلِیٌّ أبی وحَسَنٌ أخی ! یا خَلیفَةَ الماضی وثِمالَ (1)الباقی. (2)

قالَ:فَنَظَرَ إلَیهَا الحُسَینُ علیه السّلام فَقالَ:یا اخَیَّةُ،لا یُذهِبَنَّ حِلمَکِ الشَّیطانُ.

قالَت:بِأَبی أنتَ واُمّی یا أبا عَبدِ اللّهِ،استَقتَلتَ نَفسی فِداکَ ! فَرَدَّ غُصَّتَهُ، وتَرَقرَقَت عَیناهُ،وقالَ:لَو تُرِکَ القَطا لَیلاً لَنامَ، (3)قالَت:یا وَیلَتی،أفَتُغصَبُ نَفسُکَ اغتِصاباً،فَذلِکَ أقرَحُ لِقَلبی،وأشَدُّ عَلی نَفسی ! ولَطَمَت وَجهَها،وأهوَت إلی جَیبِها وشَقَّتهُ،وخَرَّت مَغشِیّاً عَلَیها.

فَقامَ إلَیهَا الحُسَینُ علیه السّلام،فَصَبَّ عَلی وَجهِهَا الماءَ،وقالَ لَها:یا اخَیَّةُ،اتَّقِی اللّهَ وتَعَزَّی بِعَزاءِ اللّهِ،وَاعلَمی أنَّ أهلَ الأَرضِ یَموتونَ،وأنَّ أهلَ السَّماءِ لا یَبقَونَ،وأنَّ کُلَّ شَیءٍ هالِکٌ إلّاوَجهَ اللّهِ الَّذی خَلَقَ الأَرضَ بِقُدرَتِهِ،ویَبعَثُ الخَلقَ فَیَعودونَ، وهُوَ فَردٌ وَحدَهُ،أبی خَیرٌ مِنّی،واُمّی خَیرٌ مِنّی،وأخی خَیرٌ مِنّی،ولی ولَهُم ولِکُلِّ مُسلِمٍ بِرَسولِ اللّهِ اسوَةٌ.

قالَ:فَعَزّاها بِهذا ونَحوِهِ،وقالَ لَها:یا اخَیَّةُ،إنّی اقسِمُ عَلَیکِ فَأَبِرِّی قَسَمی،

ص:75

لا تَشُقّی عَلَیَّ جَیباً،ولا تَخمُشی عَلَیَّ وَجهاً،ولا تَدعی عَلَیَّ بِالوَیلِ وَالثُّبورِ إذا أنَا هَلَکتُ.

قالَ:ثُمَّ جاءَ بِها حَتّی أجلَسَها عِندی،وخَرَجَ إلی أصحابِهِ،فَأَمَرَهُم أن یُقَرِّبوا بَعضَ بُیوتِهِم مِن بَعضٍ،وأن یُدخِلُوا الأَطنابَ (1)بَعضَها فی بَعضٍ،وأن یَکونوا هُم بَینَ البُیوتِ إلَّاالوَجهَ الَّذی یَأتیهِم مِنهُ عَدُوُّهُم. (2)

1600.مقاتل الطالبیّین عن الحرث بن کعب عن علیّ بن الحسین [زین العابدین] علیه السّلام :إنّی وَاللّهِ لَجالِسٌ مَعَ أبی فی تِلکَ اللَّیلَةِ،وأنَا عَلیلٌ،وهُوَ یُعالِجُ سِهاماً لَهُ،وبَینَ یَدَیهِ جَونٌ مَولی أبی ذَرٍّ الغِفارِیِّ،إذِ ارتَجَزَ الحُسَینُ علیه السّلام:

یا دَهرُ افٍّ لَکَ مِن خَلیلِ

قالَ:وأمّا أنَا فَسَمِعتُهُ ورَدَدتُ عَبرَتی.

وأمّا عَمَّتی فَسَمِعَتهُ دونَ النِّساءِ،فَلَزِمَتهَا الرِّقَّةُ وَالجَزَعُ،فَشَقَّت ثَوبَها،ولَطَمَت وَجهَها،وخَرَجَت حاسِرَةً تُنادی:وَاثُکلاه ! واحُزناه ! لَیتَ المَوتَ أعدَمَنِی الحَیاةَ،یا حُسَیناه! یا سَیِّداه ! یا بَقِیَّةَ أهلِ بَیتاه ! استَقَلتَ (3)ویَئِستَ مِنَ الحَیاةِ،الیَومَ ماتَ جَدّی

ص:76

رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله واُمّی فاطِمَةُ الزَّهراءُ وأبی عَلِیٌّ وأخِی الحَسَنُ ! یا بَقِیَّةَ الماضینَ وثِمالَ الباقینَ.

فَقالَ لَها الحُسَینُ علیه السّلام:یا اختی! لَو تُرِکَ القَطا لَنامَ.

قالَت:فَإِنَّما تُغتَصَبُ نَفسُکَ اغتِصاباً،فَذاکَ أطوَلُ لِحُزنی،وأشجی لِقَلبی ! وخَرَّت مَغشِیّاً عَلَیها،فَلَم یَزَل یُناشِدُها،وَاحتَمَلَها حَتّی أدخَلَهَا الخِباءَ. (1)

1601.أنساب الأشراف -عن الامام زین العابدین علیه السّلام- : کانَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام حُوَیٌّ مَولی أبی ذَرٍّ الغِفارِیِّ،فَجَعَلَ یُعالِجُ سَیفَهُ ویُصلِحُهُ،ویَقولُ:

یا دَهرُ افٍّ لَکَ مِن خَلیلِ

ورَدَّدَها حَتّی حَفِظتُ،وسَمِعَتها زَینَبُ بِنتُ عَلِیٍّ علیها السّلام،فَنَهَضَت إلَیهِ تَجُرُّ ثَوبَها وهِیَ تَقولُ:واثُکلاه ! لَیتَ المَوتَ أعدَمَنِی الحَیاةَ ! الیَومَ ماتَت فاطِمَةُ امّی وعَلِیٌّ أبی وَالحَسَنُ أخی ! یا خَلیفَةَ الماضی وثِمالَ الباقی.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:یا اخَیَّةُ،لا یُذهِبَنَّ حِلمَکِ الشَّیطانُ.

قالَت:أتَغتَصِبُ نَفسَکَ اغتِصاباً؟! ثُمَّ لَطَمَت وَجهَها،وشَقَّت جَیبَها،وهُوَ یُعَزّیها ویُصَبِّرُها. (2)

1602.الملهوف: نَزَلَ الحُرُّ وأصحابُهُ ناحِیَةً،وجَلَسَ الحُسَینُ علیه السّلام یُصلِحُ سَیفَهُ،ویَقولُ:

یا دَهرُ افٍّ لَکَ مِن خَلیلِ کَم لَکَ بِالإِشراقِ وَالأَصیلِ

ص:77

مِن طالِبٍ و صاحِبٍ قَتیلِ

قالَ الرّاوی:فَسَمِعَت زَینَبُ ابنَةُ فاطِمَةَ علیها السّلام ذلِکَ فَقالَت:یا أخی! هذا کَلامُ مَن قَد أیقَنَ بِالقَتلِ.

فَقالَ:نَعَم یا اختاه ! فَقالَت زَینَبُ علیها السّلام:واثُکلاه،یَنعی إلَیَّ الحُسَینُ علیه السّلام نَفسَهُ !!

قالَ:وبَکَی النِّسوَةُ،ولَطَمنَ الخُدودَ،وشَقَقنَ الجُیوبَ،وجَعَلَت امُّ کُلثومٍ تُنادی:

وامُحَمّداه ! واعَلِیّاه ! وااُمّاه ! وافاطِمَتاه ! واحَسَناه ! واحُسَیناه ! واضَیعَتاه بَعدَکَ یا أبا عَبدِ اللّهِ !

قالَ:فَعَزّاهَا الحُسَینُ علیه السّلام وقالَ لَها:یا اختاه تَعَزَّی بِعَزاءِ اللّهِ،فَإِنَّ سُکّانَ السَّماواتِ یَموتونَ،وأهلَ الأَرضِ لا یَبقَونَ،وجَمیعَ البَرِیَّةِ یَهلِکونَ.

ثُمَّ قالَ:یا اختاه یا امَّ کُلثومٍ! وأنتِ یا زَینَبُ! وأنتِ یا رُقَیَّةُ! وأنتِ یا فاطِمَةُ! وأنتِ یا رَبابُ! انظُرنَ إذا أنَا قُتِلتُ،فَلا تَشقُقنَ عَلَیَّ جَیباً،ولا تَخمُشنَ عَلَیَّ وَجهاً، ولا تَقُلنَ عَلَیَّ هُجراً.

ورُوِیَ مِن طَریقٍ آخَرَ:أنَّ زَینَبَ علیها السّلام لَمّا سَمِعَتِ الأَبیاتَ-وکانَت فی مَوضِعٍ مُنفَرِدٍ عَنهُ مَعَ النِّساءِ وَالبَناتِ-خَرَجَت حاسِرَةً تَجُرُّ ثَوبَها،حَتّی وَقَفَت عَلَیهِ، وقالَت:واثُکلاه ! لَیتَ المَوتَ أعدَمَنِی الحَیاةَ ! الیَومَ ماتَت امّی فاطِمَةُ الزَّهراءُ،وأبی عَلِیٌّ المُرتَضی،وأخِی الحَسَنُ الزَّکِیُّ ! یا خَلیفَةَ الماضینَ وثِمالَ الباقینَ.

فَنَظَرَ الحُسَینُ علیه السّلام إلَیها وقالَ:یا اختاه لا یَذهَبَنَّ حِلمُکِ.فَقالَت:بِأَبی أنتَ واُمّی أسَتُقتَلُ؟! نَفسی لَکَ الفِداءُ.

فَرَدَّ غُصَّتَهُ وتَغَرغَرَت عَیناهُ بِالدُّموعِ،ثُمَّ قالَ:هَیهاتَ هَیهاتَ! لَو تُرِکَ القَطا لَیلاً

ص:78

لَنامَ !

فَقالَت:یا وَیلَتاه،أفَتَغتَصِبُ نَفسَکَ اغتِصاباً،فَذلِکَ أقرَحُ لِقَلبی وأشَدُّ عَلی نَفسی ! ثُمَّ أهوَت إلی جَیبِها فَشَقَّتهُ،وخَرَّت مَغشِیّاً عَلَیها.

فَقامَ علیه السّلام فَصَبَّ عَلی وَجهِهَا الماءَ حَتّی أفاقَت،ثُمَّ عَزّاها علیه السّلام بِجُهدِهِ،وذَکَّرَهَا المُصیبَةَ بِمَوتِ أبیهِ وجَدِّهِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِم أجمَعینَ. (1)

ص:79

ص:80

[ زین العابدین] علیهم السّلام :إنَّ الحُسَینَ علیه السّلام أمَرَ بِحَفیرَةٍ فَحُفِرَت حَولَ عَسکَرِهِ شِبهَ الخَندَقِ، وأمَرَ فَحُشِیَت حَطَباً،وأرسَلَ عَلِیّاً ابنَهُ علیه السّلام فی ثَلاثینَ فارِساً وعِشرینَ راجِلاً لِیَستَقُوا الماءَ،وهُم عَلی وَجَلٍ شَدیدٍ،وأنشَأَ الحُسَینُ علیه السّلام یَقولُ:

یا دَهرُ افٍّ لَکَ مِن خَلیلِ

ثُمَّ قالَ لِأَصحابِهِ:قُوموا فَاشرَبوا مِنَ الماءِ یَکُن آخِرَ زادِکُم،وتَوَضَّؤوا وَاغتَسِلوا،وَاغسِلوا ثِیابَکُم لِتَکونَ أکفانَکُم.ثُمَّ صَلّی بِهِمُ الفَجرَ،وعَبَّأَهُم تَعبِئَةَ الحَربِ،وأمَرَ بِحَفیرَتِهِ الَّتی حَولَ عَسکَرِهِ،فَاُضرِمَت بِالنّارِ؛لِیُقاتِلَ القَومَ مِن وَجهٍ واحِدٍ. (1)

1605.تاریخ الطبری عن أبی مخنف عن الحارث بن کعب وأبی الضحّاک عن علیّ بن الحسین [زین العابدین] علیه السّلام :خَرَجَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] إلی أصحابِهِ،فَأَمَرَهُم أن یُقَرِّبوا بَعضَ بُیوتِهِم مِن بَعضٍ وأن یُدخِلُوا الأَطنابَ بَعضَها فی بَعضٍ،وأن یَکونوا هُم بَینَ البُیوتِ إلَّاالوَجهَ الَّذی یَأتیهِم مِنهُ عَدُوُّهُم....

قالَ أبو مِخنَفٍ:عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عاصِمٍ عَنِ الضَّحّاکِ بنِ عَبدِ اللّهِ المِشرَقِیِّ قالَ:

-فی غداة عاشوراء-وجَعَلُوا البُیوتَ فی ظُهورِهِم،وأمَرَ بِحَطَبٍ وقَصَبٍ کانَ مِن وَراءِ البُیوتِ یُحرَقُ بِالنّارِ؛مَخافَةَ أن یَأتوهُم مِن وَرائِهِم.

قالَ:وکانَ الحُسَینُ علیه السّلام أتی بِقَصَبٍ وحَطَبٍ إلی مَکانٍ مِن وَرائِهِم مُنخَفِضٍ کَأَنَّهُ ساقِیَةٌ،فَحَفَروهُ فی ساعَةٍ مِنَ اللَّیلِ،فَجَعَلوهُ کَالخَندَقِ،ثُمَّ ألقَوا فیهِ ذلِکَ الحَطَبَ

ص:83

وَالقَصَبَ،وقالوا:إذا عَدَوا عَلَینا فَقاتَلونا ألقَینا فیهِ النّارَ؛کی لا نُؤتی مِن وَرائِنا، وقاتَلنَا القَومَ مِن وَجهٍ واحِدٍ.فَفَعَلوا وکانَ لَهُم نافِعاً.

قالَ أبو مِخنَفٍ:فَحَدَّثَنی عَبدُ اللّهِ بنُ عاصِمٍ قالَ:حَدَّثَنِی الضَّحّاکُ المِشرَقِیُّ قالَ:

لَمّا أقبَلوا نَحوَنا،فَنَظَروا إلَی النّارِ تَضطَرِمُ فِی الحَطَبِ وَالقَصَبِ،الَّذی کُنّا ألهَبنا فیهِ النّارَ مِن وَرائِنا لِئَلّا یَأتونا مِن خَلفِنا،إذ أقبَلَ إلَینا مِنهُم رَجُلٌ یَرکُضُ عَلی فَرَسٍ کامِلِ الأَداةِ،فَلَم یُکَلِّمنا حَتّی مَرَّ عَلی أبیاتِنا،فَنَظَرَ إلی أبیاتِنا،فَإِذا هُوَ لا یَری إلّا حَطَباً تَلتَهِبُ النّارُ فیهِ،فَرَجَعَ راجِعاً،فَنادی بِأَعلی صَوتِهِ:یا حُسَینُ،استَعجَلتَ النّارَ فِی الدُّنیا قَبلَ یَومِ القِیامَةِ !

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:مَن هذا؟کَأَنَّهُ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ.فَقالوا:نَعَم،أصلَحَکَ اللّهُ،هُوَ هُوَ.

فَقالَ:یَابنَ راعِیَةِ المِعزی ! أنتَ أولی بِها صِلِیّاً.

فَقالَ لَهُ مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،جُعِلتُ فِداکَ،ألا أرمیهِ بِسَهمٍ؟فَإِنَّهُ قَد أمکَنَنی،ولَیسَ یَسقُطُ مِنّی سَهمٌ،فَالفاسِقُ مِن أعظَمِ الجَبّارینَ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:لا تَرمِهِ؛فَإِنّی أکرَهُ أن أبدَأَهُم. (1)

1606.الأخبار الطوال: أمَرَ الحُسَینُ علیه السّلام أصحابَهُ أن یَضُمّوا مَضارِبَهُم بَعضَهُم مِن بَعضٍ،ویَکونوا أمامَ البُیوتِ،وأن یَحفِروا مِن وَراءِ البُیوتِ اخدوداً،وأن یُضرِموا فیهِ حَطَباً وقَصَباً کَثیراً؛لِئَلّا یُؤتَوا مِن أدبارِ البُیوتِ،فَیَدخُلوها. (2)

ص:84

1607.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: فَلَمّا أیِسَ الحُسَینُ علیه السّلام مِنَ القَومِ وعَلِمَ أنَّهُم مُقاتِلوهُ،قالَ لِأَصحابِهِ:قوموا فَاحفِروا لَنا حَفیرَةً شِبهَ الخَندَقِ حَولَ مُعَسکَرِنا وأجِّجوا فیها ناراً، حَتّی یَکونَ قِتالُ هؤُلاءِ القَومِ مِن وَجهٍ واحِدٍ؛فَإِنَّهُم لَو قاتَلونا وشَغَلنا بِحَربِهِم لَضاعَتِ الحَرَمُ،فَقاموا مِن کُلِّ ناحِیَةٍ،فَتَعاوَنوا وَاحتَفَرُوا الحَفیرَةَ،ثُمَّ جَمَعُوا الشَّوکَ وَالحَطَبَ،فَأَلقَوهُ فِی الحَفیرَةِ،وأجَّجوا فیهَا النّارَ. (1)

1608.المناقب لابن شهرآشوب: فَلَمّا أصبَحوا عَبَّی الحُسَینُ علیه السّلام أصحابَهُ،وأمَرَ بِأَطنابِ البُیوتِ، فَقُرِّبَت حَتّی دَخَلَ بَعضُها فی بَعضٍ،وجَعَلوها وَراءَ ظُهورِهِم؛لِیَکونَ الحَربُ مِن وَجهٍ واحِدٍ،وأمَرَ بِحَطَبٍ وقَصَبٍ کانوا أجمَعوهُ وَراءَ البُیوتِ،فَطُرِحَ ذلِکَ فی خَندَقٍ جَعَلوهُ،وألقَوا فیهِ النّارَ،وقالَ:لا نُؤتی مِن وَرائِنا. (2)

ص:85

ص:86

الخندق وألقوا فیه حطباً وقصباً کی یضرموا فیه النار عند هجوم العدوّ،ویوجِدوا مانعاً آخرَ أمام هجوم العدوّ من الخلف،وهذا هو نصّ الروایة:

وأمَرَ بِحَطَبٍ وقَصَبٍ کانَ مِن وَراءِ البُیوتِ یُحرَقُ بِالنّارِ؛مَخافَةَ أن یَأتوهُم مِن وَرائِهِم.

قالَ:وکانَ الحُسَینُ علیه السّلام أتی بِقَصَبٍ وحَطَبٍ إلی مَکانٍ مِن وَرائِهِم مُنخَفِضٍ کَأَنَّهُ ساقِیَةٌ،فَحَفَروهُ فی ساعَةٍ مِنَ اللَّیلِ،فَجَعَلوهُ کَالخَندَقِ،ثُمَّ ألقَوا فیهِ ذلِکَ الحَطَبَ وَالقَصَبَ،وقالوا:إذا عَدَوا عَلَینا فَقاتَلونا ألقَینا فیهِ النّارَ؛کَی لا نُؤتی مِن وَرائِنا، وقاتَلنَا القَومَ مِن وَجهٍ واحِدٍ.فَفَعَلوا وکانَ لَهُم نافِعاً. (1)

الإجراء الآخر الذی تمّ فی لیلة عاشوراء بأمر الإمام علیه السّلام للحیلولة دون هجوم العدوّ من الخلف،هو أنّ خیام أصحاب الإمام نُصبت إلی جانب بعضها البعض وربطوها مع بعضها بحبلٍ من ثلاث جهات،ولم یترکوا سوی طریقاً واحداً من الأمام لمواجهة العدوّ،فلنتأمّل الروایة التالیة:

وخَرَجَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] إلی أصحابِهِ،فَأَمَرَهُم أن یُقَرِّبوا بَعضَ بُیوتِهِم مِن بَعضٍ وأن یُدخِلُوا الأَطنابَ بَعضَها فی بَعضٍ،وأن یَکونوا هُم بَینَ البُیوتِ إلَّاالوَجهَ الَّذی یَأتیهِم مِنهُ عَدُوُّهُم. (2)

ولو لم تکن هذه الإجراءات الحکیمة،لما کان باستطاعة جیش ابن سعد أن یهاجم أصحاب الإمام علیه السّلام من الخلف فحسب،بل کان باستطاعته أن یحاصرهم بسهولة ویقتل الإمام علیه السّلام وأصحابه،أو یأسرهم من الخلف فی أیسرِ قتالٍ.

ولکن فوجئ العدوّ عندما همّ بالهجوم فی صباح عاشوراء،حیث رأی نفسه أمام ألسنة النیران والدخّان التی کانت تحیط بأطراف خیام الإمام علیه السّلام وأصحابه،یقول الضحّاک المشرقی فی هذا المجال:

ص:88

لَمّا أقبَلوا نَحوَنا،فَنَظَروا إلَی النّارِ تَضطَرِمُ فِی الحَطَبِ وَالقَصَبِ،الَّذی کُنّا ألهَبنا فیهِ النّارَ مِن وَرائِنا لِئَلّا یَأتونا مِن خَلفِنا. (1)

ویضیف قائلاً:إنّ خیام أصحاب الإمام علیه السّلام ضُرب حولها طوق من النیران والدخّان، بحیث إنّ الشمر عندما مرّ بالقرب منها لم یکن یری سوی نیران وسحب من الدخّان کانت تتصاعد منها!

واستناداً إلی هذه الخطّة،وبفضل هذا التنظیم العسکری،استطاع جیش الإمام علیه السّلام الذی لم یکن عدده یتجاوز 72 نفراً حسب النقل المشهور، (2)أن یقاوم لساعات أمام جیش العدوّ الذی قدّر عدده ب 35 ألفاً،وأن یقتل عدداً کبیراً منه،حیث یصرّح الطبری فی هذا المجال:

وقاتَلوهُم حَتَّی انتَصَفَ النَّهارُ،أشَدَّ قِتالٍ خَلَقَهُ اللّهُ،وأخَذوا لا یَقدِرونَ عَلی أن یَأتوهم إلّامِن وَجهٍ واحِدٍ؛لِاجتِماعِ أبنِیَتِهِم،وتَقارُبِ بَعضِها مِن بَعضٍ. (3)

وقد أدّت شدّة مقاومة أصحاب الإمام الحسین علیه السّلام فی المواجهة المباشرة،إلی أن یأمر عمر بن سعد مجموعة من جیشه بأن یطیحوا بخیامهم کی یستطیعوا محاصرتهم. (4)

ولکنّ هذه الخطّة لم تنفع هی الاُخری؛ذلک لأنّ أصحابَ الإمام علیه السّلام کانوا ینصبون الکمائن بین الخیام فی مجامیع مؤلّفة من ثلاثة أشخاص أو أربعة،فکانوا یقتلون الأعداء الذین کانوا منشغلین بإطاحة الخیام.

وعندما لم یجنِ ابنُ سعدٍ فائدةً من هذه الخطّة،أصدر الأمرَ بإیقافها من أجل الحیلولة دون تکبّد خسائر أکبر فی الأرواح،ثمّ أمر من جدید:

أحرِقوها بِالنّارِ،ولا تَدخُلوا بَیتاً ولا تُقَوِّضوهُ،فَجاءوا بِالنّارِ،فَأَخَذوا یُحرِقونَ. (5)

ص:89

فأراد أصحاب الإمام علیه السّلام منعهم من إحراق الخیام ولکنّ الإمام علیه السّلام خاطبهم قائلاً:

دَعوهُم فَلیُحرِقوها؛فَإِنَّهُم لَو قَد حَرَقوها لَم یَستَطیعوا أن یَجوزوا إلَیکُم مِنها. (1)

وبذلک فقد أحرق العدوّ قسماً من خیام أصحاب الإمام علیه السّلام والتی کانت تحول دون نفوذه،ولکنّهم وکما أنبأهم الإمام علیه السّلام لم یستطیعوا فی هذه المرّة أیضاً أن ینفذوا فی الحلقة الدفاعیّة لأصحاب الإمام،وبذلک استطاع الإمام وأصحابه الأبطال والأوفیاء أن یقاوموا حتّی آخر مقاتل وحتّی آخر نفس،أمام جیش الکوفة الذی کان قد تدفّق علیهم کالسیل من کلّ جانب.

ویمکننا أن نستنتج استناداً إلی الروایات السابقة:

1.إنّ انتشار خیام أصحاب الإمام علیه السّلام کان علی شکل قوس بحیث کانت خیام النساء فی وسطه،وکان ضلعاها یمتدّان من الجانبین وحتّی ساحة الحرب.ومن المحتمل أنّ هذین الضلعین کانا یمثّلان خیام أصحاب الإمام التی کانت خالیة فی الغالب؛بسبب تواجد سکّانها فی ساحة القتال،وکانوا یستخدمونها کمتاریس أو حواجز دفاعیّة،وقد احرقت فی نهایة المطاف بأمر عمر بن سعد.

2.لم تکن هناک مسافة کبیرة تفصل بین خیام أصحاب الإمام علیه السّلام وبین ساحة المعرکة، ونحن نلاحظ هذا المعنی فی روایات اخری أیضاً عن ساحة القتال،کالذی جاء فی الروایة المتعلّقة بشهادة علیّ الأکبر علیه السّلام:

فَحَمَلوهُ مِن مَصرَعِهِ حَتّی وَضَعوهُ بَینَ یَدَیِ الفُسطاطِ الَّذی کانوا یُقاتِلونَ أمامَهُ. (2)

3.کان أهل بیت الإمام علیه السّلام یشاهدون عن کَثَب شجاعة أعزّائهم وقساوة الأعداء وبطشهم،ولذلک یمکننا أن نتصوّر ما حدث للنساء والأطفال الذین رأوا باُمّ أعینهم أعزّاءَهم وهم یُقطّعون إرباً إرباً!!

ص:90

فَقالَ:أنتَ تَقولُ هذا یَابنَ راعِیَةِ المِعزی ! أنتَ-وَاللّهِ-أولی بِها صِلِیّاً.

فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! ألا أرمیهِ بِسَهمٍ؟فَإِنَّهُ قَد أمکَنَنی.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:لا تَرمِهِ،فَإِنّی أکرَهُ أن أبدَأَهُم. (1)

1611.الملهوف: فَلَمّا کانَ الغَداةُ أمَرَ الحُسَینُ علیه السّلام بِفُسطاطِهِ فَضُرِبَ،وأمَرَ بِجَفنَةٍ فیها مِسکٌ کَثیرٌ،وجُعِلَ فیها نورَةٌ،ثُمَّ دَخَلَ لِیَطَّلِیَ.

فَرُوِیَ أنَّ بُرَیرَ بنَ حُصَینٍ الهَمدانِیَّ وعَبدَ الرَّحمنِ بنَ عَبدِ رَبِّهِ الأَنصارِیَّ وَقَفا عَلی بابِ الفُسطاطِ لِیَطَّلِیا بَعدَهُ،فَجَعَلَ بُرَیرٌ یُضاحِکُ عَبدَ الرَّحمنِ،فَقالَ لَهُ عَبدُ الرَّحمنِ:یا بُرَیرُ،أتَضحَکُ؟! ما هذِهِ ساعَةُ ضِحکٍ ولا باطِلٍ.

فَقالَ بُرَیرٌ:لَقَد عَلِمَ قَومی أنّی ما أحبَبتُ الباطِلَ کَهلاً ولا شابّاً،وإنَّما أفعَلُ ذلِکَ استِبشاراً بِما نَصیرُ إلَیهِ،فَوَاللّهِ،ما هُوَ إلّاأن نَلقی هؤُلاءِ القَومَ بِأَسیافِنا نُعالِجُهُم بِها ساعَةً،ثُمَّ نُعانِقُ الحورَ العینَ. (2)

1612.رجال الکشّی: لَقَد مَزَحَ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ الأَسَدِیُّ،فَقالَ لَهُ یَزیدُ بنُ خُضَیرٍ الهَمدانِیُّ- وکانَ یُقالُ لَهُ سَیِّدُ القُرّاءِ-:یا أخی،لَیسَ هذِهِ بِساعَةِ ضِحکٍ ! قالَ:فَأَیُّ مَوضِعٍ أحَقُّ مِن هذا بِالسُّرورِ؟وَاللّهِ،ما هُوَ إلّاأن تَمیلَ عَلَینا هذِهَ الطَّغامُ بِسُیوفِهِم،فَنُعانِقَ الحورَ العینَ. (3)

1613.مثیر الأحزان: دَخَلَ [الحُسَینُ] علیه السّلام لِیَطَّلِیَ،ووَقَفَ عَلی بابِ الفُسطاطِ بُرَیرُ بنُ خُضَیرٍ الهَمدانِیُّ وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَبدِ رَبِّهِ الأَنصارِیُّ،فَجَعَلَ بُرَیرٌ یُضاحِکُ عَبدَ الرَّحمنِ، فَقالَ:یا بُرَیرُ،ما هذِهِ ساعَةُ باطِلٍ.

ص:92

فَقالَ بُرَیرٌ:وَاللّهِ،ما أحبَبتُ الباطِلَ قَطُّ،وإنَّما فَعَلتُ ذلِکَ استِبشاراً بِما نَصیرُ إلَیهِ (1). (2)

ص:93

ص:94

1616.تاریخ الطبری عن أبی مخنف عن عبد اللّه بن عاصم عن الضحّاک بن عبد اللّه المشرقی: عَبَّأَ الحُسَینُ علیه السّلام أصحابَهُ وصَلّی بِهِم صَلاةَ الغَداةِ،وکانَ مَعَهُ اثنانِ وثَلاثونَ فارِساً وأربَعونَ راجِلاً،فَجَعَلَ زُهَیرَ بنَ القَینِ فی مَیمَنَةِ أصحابِهِ،وحَبیبَ بنَ مُظاهِرٍ فی مَیسَرَةِ أصحابِهِ،وأعطی رایَتَهُ العَبّاسَ بنَ عَلِیٍّ أخاهُ علیه السّلام....

قالَ أبومِخنَفٍ:حَدَّثَنی فُضَیلُ بنُ خَدیجٍ الکِندِیُّ عَن مُحَمَّدِ بنِ بِشرٍ عَن عَمرٍو الحَضرَمِیِّ،قالَ:لَمّا خَرَجَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ بِالنّاسِ،کانَ عَلی رَبعِ أهلِ المَدینَةِ یَومَئِذٍ:

عَبدُ اللّهِ بنُ زُهَیرِ بنِ سُلَیمٍ الأَزدِیُّ،وعَلی رَبعِ مَذحِجٍ وأسَدٍ:عَبدُ الرَّحمنِ بنُ أبی سَبرَةَ الجُعفِیُّ،وعَلی رَبعِ رَبیعَةَ وکِندَةَ:قَیسُ بنُ الأَشعَثِ بنِ قَیسٍ،وعَلی رَبعِ تَمیمٍ وهَمدانَ:الحُرُّ بنُ یَزیدَ الرِّیاحِیُّ،فَشَهِدَ هؤُلاءِ کُلُّهُم مَقتَلَ الحُسَینِ إلَّاالحُرَّ بنَ یَزیدَ؛ فَإِنَّهُ عَدَلَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام وقُتِلَ مَعَهُ.

وجَعَلَ عُمَرُ عَلی مَیمَنَتِهِ:عَمرَو بنَ الحَجّاجِ الزُّبَیدِیَّ،وعَلی مَیسَرَتِهِ:شِمرَ بنَ ذِی الجَوشَنِ بنِ شُرَحبیلَ بنِ الأَعوَرِ بنِ عُمَرَ بنِ مُعاوِیَةَ-وهُوَ الضِّبابُ بنُ کِلابٍ- وعَلَی الخَیلِ:عَزرَةَ بنَ قَیسٍ الأَحمَسِیَّ،وعَلَی الرِّجالِ:شَبَثَ بنَ رِبعِیٍّ الرِّیاحِیَّ، وأعطَی الرّایَةَ ذُوَیداً مَولاهُ. (1)

1617.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: لَمّا أصبَحَ الحُسَینُ علیه السّلام یَومَ الجُمُعَةِ عاشِرَ مُحَرَّمٍ-وفی رِوایَةٍ:یَومَ السَّبتِ-عَبَّأَ أصحابَهُ،وکانَ مَعَهُ اثنانِ وثَلاثونَ فارِساً وأربَعونَ راجِلاً،

ص:96

وفی رِوایَةٍ:اِثنانِ وثَمانونَ راجِلاً،فَجَعَلَ عَلی مَیمَنَتِهِ:زُهَیرَ بنَ القَینِ،وعَلی مَیسَرَتِهِ حَبیبَ بنَ مُظاهِرٍ،ودَفَعَ اللِّواءَ إلی أخیهِ العَبّاسِ بنِ عَلِیٍّ،وثَبَتَ علیه السّلام مَعَ أهلِ بَیتِهِ فِی القَلبِ.

وعَبَّأَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ أصحابَهُ،فَجَعَلَ عَلی مَیمَنَتِهِ:عَمرَو بنَ الحَجّاجِ،وعَلی مَیسَرَتِهِ:شِمرَ بنَ ذِی الجَوشَنِ،وثَبَتَ هُوَ فِی القَلبِ،وکانَ جُندُهُ اثنَینِ وعِشرینَ ألفاً،یَزیدُ أو یَنقُصُ. (1)

1618.مثیر الأحزان: وعَبَّأَ [الإِمامُ الحُسَینُ علیه السّلام ] أصحابَهُ لِلقِتالِ وکانوا خَمسَةً وأربَعینَ فارِساً ومِئَةَ راجِلٍ. (2)

ص:97

ص:98

600 نفراً، (1)والبعض الآخر 1000 نفر، (2)وغیر ذلک. (3)

والملاحظة الملفتة للنظر،هی أنّنا سوف نسرد فی بیان أسماء ومواصفات شهداء کربلاء 154 نفراً استشهدوا مع الإمام،وأنّ حدود 72 نفراً منهم هم من أهل بیت الإمام الحسین علیه السّلام، وأصحاب الإمام علیّ علیه السّلام،وأصحاب النبیّ صلّی اللّه علیه و آله.

لذا فإنّ ماورد فی الروایة المشهورة یحتمل أن یکون إشارة إلی هذه المجموعة،أو أنّه بصدد ذکر أصحاب الإمام قبل أن یلتحق بهم الأصحاب الآخرون،ذلک لأنّه وردت فی بعض الروایات أنّ 20 إلی 30 نفراً التحقوا بالإمام،ومن المحتمل أیضاً أن تکون بعض الأسماء قد تکرّرت بسبب التصحیف.

وعلی أیّ حال،فإنّ عدد أصحاب الإمام کان أکثر من 72 نفراً،وبطبیعة الحال فإنّ عدداً من الشهداء أمثال علیّ الأصغر وعبد اللّه بن الحسن واُمّ وهب لم یعدّوا ضمن العسکر،کما أنّ عدداً من عسکر الإمام لم یستشهدوا،أمثال:الحسن المثنّی،والضحّاک بن عبداللّه المشرقیّ.

جدیر بالذکر أنّ عدداً من أصحاب الإمام علیه السّلام کانوا من أهل بیته ومقرّبیه،وعدداً منهم کانوا من أصحاب النبیّ صلّی اللّه علیه و آله والإمام علیّ علیه السّلام،وسوف نورد أیضاحاً أکثر فی هذا المجال خلال بیان عدد أفراد شهداء کربلاء (4).

ص:100

ورغم أنّ سند الروایتین لا یتمتّع باعتبار کافٍ،إلّاأنّه نظراً للنفیر العامّ الذی أصدره بواسطة ابن زیاد لإخراج أهل الکوفة إلی کربلاء،ومع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ هذا العدد أقلّ من نصف القوات العسکریّة فی الکوفة والتی تمّ تخمینها ب 100/000 نفر،فإنّ هذا العدد یکون مقبولاً.

والقرینة الاُخری التی یمکن أن تؤیّد العدد 30/000 هی الروایات التی ذکرت عدد جیش المختار 60/000 نفر. (1)ویبدو أنّ الذین شکّلوا جیشه هم الذین لم یکونوا فی صفوف عسکر عمر بن سعد فی کربلاء.

ص:102

عَذابِ اللّهِ نَذارِ ! إنَّ حَقّاً عَلَی المُسلِمِ نَصیحَةُ أخیهِ المُسلِمِ،ونَحنُ حَتَّی الآنَ إخوَةٌ، وعَلی دینٍ واحِدٍ ومِلَّةٍ واحِدَةٍ،ما لَم یَقَع بَینَنا وبَینَکُمُ السَّیفُ،وأنتُم لِلنَّصیحَةِ مِنّا أهلٌ،فَإِذا وَقَعَ السَّیفُ انقَطَعَتِ العِصمَةُ،وکُنّا امَّةً وأنتُم امَّةً،إنَّ اللّهَ قَدِ ابتَلانا وإیّاکُم بِذُرِّیَّةِ نَبِیِّهِ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله،لِیَنظُرَ ما نَحنُ وأنتُم عامِلونَ،إنّا نَدعوکُم إلی نَصرِهِم وخِذلانِ الطّاغِیَةِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ؛فَإِنَّکُم لا تُدرِکونَ مِنهُما إلّابِسوءِ عُمُرِ سُلطانِهِما کُلِّهِ، لَیَسمُلانِّ أعیُنَکُم،ویَقطَعانِّ أیدِیَکُم وأرجُلَکُم،ویُمَثِّلانِّ بِکُم،ویَرفَعانِّکُم عَلی جُذوعِ النَّخلِ،ویُقَتِّلانِّ أماثِلَکُم وقُرّاءَکُم،أمثالَ حُجرِ بنِ عَدِیٍّ وأصحابِهِ، وهانِئِ بنِ عُروَةَ وأشباهِهِ.

قالَ:فَسَبّوهُ وأثنَوا عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،ودَعَوا لَهُ،وقالوا:وَاللّهِ،لا نَبرَحُ حَتّی نَقتُلَ صاحِبَکَ ومَن مَعَهُ،أو نَبعَثَ بِهِ وبِأَصحابِهِ إلَی الأَمیرِ عُبَیدِ اللّهِ سِلماً.

فَقالَ لَهُم:عِبادَ اللّهِ! إنَّ وَلَدَ فاطِمَةَ رِضوانُ اللّهِ عَلَیها أحَقُّ بِالوُدِّ وَالنَّصرِ مِنِ ابنِ سُمَیَّةَ،فَإِن لَم تَنصُروهُم فَاُعیذُکُم بِاللّهِ أن تَقتُلوهُم،فَخَلّوا بَینَ الرَّجُلِ وبَینَ ابنِ عَمِّهِ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،فَلَعَمری إنَّ یَزیدَ لَیَرضی مِن طاعَتِکُم بِدونِ قَتلِ الحُسَینِ علیه السّلام.

قالَ:فَرَماهُ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ بِسَهمٍ،وقالَ:اُسکُت،أسکَتَ اللّهُ نَأمَتَکَ (1)، أبرَمتَنا (2)بِکَثرَةِ کَلامِکَ !

فَقالَ لَهُ زُهَیرٌ:یَابنَ البَوّالِ عَلی عَقِبَیهِ،ما إیّاکَ اخاطِبُ،إنَّما أنتَ بَهیمَةٌ،وَاللّهِ ما أظُنُّکَ تُحکِمُ مِن کِتابِ اللّهِ آیَتَینِ ! فَأَبشِر بِالخِزیِ یَومَ القِیامَةِ وَالعَذابِ الأَلیمِ.

فَقالَ لَهُ شِمرٌ:إنَّ اللّهَ قاتِلُکَ وصاحِبَکَ عَن ساعَةٍ.

ص:104

قالَ:أفَبِالمَوتِ تُخَوِّفُنی؟فَوَاللّهِ،لَلمَوتُ مَعَهُ أحَبُّ إلَیَّ مِنَ الخُلدِ مَعَکُم.

قالَ:ثُمَّ أقبَلَ عَلَی النّاسِ رافِعاً صَوتَهُ،فَقالَ:عِبادَ اللّهِ ! لا یَغُرَّنَّکُم مِن دینِکُم هذَا الجِلفُ (1)الجافی (2)وأشباهُهُ ! فَوَاللّهِ،لا تَنالُ شَفاعَةُ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله قَوماً هَراقوا (3)دِماءَ ذُرِّیَّتِهِ وأهلِ بَیتِهِ،وقَتَلوا مَن نَصَرَهُم وذَبَّ عَن حَریمِهِم.

قالَ:فَناداهُ رَجُلٌ،فَقالَ لَهُ:إنَّ أبا عَبدِ اللّهِ علیه السّلام یَقولُ لَکَ:أقبِل،فَلَعَمری لَئِن کانَ مُؤمِنُ آلِ فِرعَونَ نَصَحَ لِقَومِهِ وأبلَغَ فِی الدُّعاءِ،لَقَد نَصَحتَ لِهؤُلاءِ وأبلَغتَ لَو نَفَعَ النُّصحُ وَالإِبلاغُ. (4)

1621.تاریخ الیعقوبی: خَرَجَ زُهَیرُ بنُ القَینِ عَلی فَرَسٍ لَهُ،فَنادی:یا أهلَ الکوفَةِ ! نَذارِ لَکُم مِن عَذابِ اللّهِ نَذارِ! عِبادَ اللّهِ،وَلَدُ فاطِمَةَ علیها السّلام أحَقُّ بِالوُدِّ وَالنَّصرِ مِن وَلَدِ سُمَیَّةَ،فَإِن لَم تَنصُروهُم فَلا تُقاتِلوهُم.

أیُّهَا النّاسُ! إنَّهُ ما أصبَحَ عَلی ظَهرِ الأَرضِ ابنُ بِنتِ نَبِیٍّ إلَّاالحُسَینُ علیه السّلام،فَلا یُعینُ أحَدٌ عَلی قَتلِهِ ولَو بِکَلِمَةٍ إلّانَغَّصَهُ (5)اللّهُ الدُّنیا،وعَذَّبَهُ أشَدَّ عَذابِ الآخِرَةِ. (6)

وأصحابِهِ،فَدَخَلَ عَلَیهِ رَجُلٌ مِن شیعَتِهِ یُقالُ لَهُ:بُرَیرُ بنُ خُضَیرٍ الهَمدانِیُّ (1)-قالَ إبراهیمُ بنُ عَبدِ اللّهِ راوِی الحَدیثِ:هُوَ خالُ أبی إسحاقَ الهَمدانِیِّ-فَقالَ:یَا بنَ رَسولِ اللّهِ،أتَأذَنُ لی فَأَخرُجَ إلَیهِم،فَاُکَلِّمَهُم؟

فَأَذِنَ لَهُ،فَخَرَجَ إلَیهِم،فَقالَ:

یا مَعشَرَ النّاسِ ! إنَّ اللّهَ عز و جل بَعَثَ مُحَمَّداً بِالحَقِّ بَشیراً ونَذیراً وداعِیاً إلَی اللّهِ بِإِذنِهِ وسِراجاً مُنیراً،وهذا ماءُ الفُراتِ تَقَعُ فیهِ خَنازیرُ السَّوادِ وکِلابُها،وقَد حِیلَ بَینَهُ وبَینَ ابنِهِ !

فَقالوا:یا بُرَیرُ،قَد أکثَرتَ الکَلامَ فَاکفُف،فَوَاللّهِ،لَیَعطَشُ الحُسَینُ کَما عَطِشَ مَن کانَ قَبلَهُ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:اُقعُد یا بُرَیرُ. (2)

قالَ:أنشُدُکُمُ اللّهَ،هَل تَعلَمونَ أنَّ امّی فاطِمَةُ بِنتُ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أنشُدُکُمُ اللّهَ،هَل تَعلَمونَ أنَّ أبی عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السّلام؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أنشُدُکُمُ اللّهَ،هَل تَعلَمونَ أنَّ جَدَّتی خَدیجَةُ بِنتُ خُوَیلِدٍ أوَّلُ نِساءِ هذِهِ الاُمَّةِ إسلاماً؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أنشُدُکُمُ اللّهَ،هَل تَعلَمونَ أنَّ سَیِّدَ الشُّهَداءِ حَمزَةُ عَمُّ أبی؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:فَأَنشُدُکُمُ اللّهَ،هَل تَعلَمونَ أنَّ جَعفَراً الطَّیّارَ فِی الجَنَّةِ عَمّی؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:فَأَنشُدُکُمُ اللّهَ،هَل تَعلَمونَ أنَّ هذا سَیفُ رَسولِ اللّهِ وأنَا مُتَقَلِّدُهُ؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:فَأَنشُدُکُمُ اللّهَ،هَل تَعلَمونَ أنَّ هذِهِ عِمامَةُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله أنَا لابِسُها؟قالوا:

اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:فَأَنشُدُکُمُ اللّهَ،هَل تَعلَمونَ أنَّ عَلِیّاً کانَ أوَّلَهُم إسلاماً،وأعلَمَهُم عِلماً، وأعظَمَهُم حِلماً،وأنَّهُ وَلِیُّ کُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:فَبِمَ تَستَحِلّونَ دَمی،وأبِی الذّائِدُ (1)عَنِ الحَوضِ غَداً یَذودُ عَنهُ رِجالاً کَما یُذادُ البَعیرُ الصّادی (2)عَنِ الماءِ،ولِواءُ الحَمدِ فی یَدَی جَدّی یَومَ القِیامَةِ؟

قالوا:قَد عَلِمنا ذلِکَ کُلَّهُ،ونَحنُ غَیرُ تارِکیکَ حَتّی تَذوقَ المَوتَ عَطَشاً.

فَأَخَذَ الحُسَینُ علیه السّلام بِطَرَفِ لِحیَتِهِ،وهُوَ یَومَئِذٍ ابنُ سَبعٍ وخَمسینَ سَنَةً،ثُمَّ قالَ:

اشتَدَّ غَضَبُ اللّهِ عَلَی الیَهودِ حینَ قالوا:عُزَیرٌ ابنُ اللّهِ،وَاشتَدَّ غَضَبُ اللّهِ عَلَی

ص:107

النَّصاری حینَ قالوا:المَسیحُ ابنُ اللّهِ،وَاشتَدَّ غَضَبُ اللّهِ عَلَی المَجوسِ حینَ عَبَدُوا النّارَ مِن دونِ اللّهِ،وَاشتَدَّ غَضَبُ اللّهِ عَلی قَومٍ قَتَلوا نَبِیَّهُم،وَاشتَدَّ غَضَبُ اللّهِ عَلی هذِهِ العِصابَةِ الَّذینَ یُریدونَ قَتلَ ابنِ نَبِیِّهِم. (1)

1624.تاریخ الطبری عن الضحّاک المشرقیّ: کانَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام فَرَسٌ لَهُ یُدعی لاحِقاً حَمَلَ عَلَیهِ ابنَهُ عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام،قالَ:فَلَمّا دَنا مِنهُ القَومُ عادَ بِراحِلَتِهِ فَرَکِبَها،ثُمَّ نادی بِأَعلی صَوتِهِ دُعاءً یُسمِعُ جُلَّ النّاسِ:

أیُّهَا النّاسُ ! اسمَعوا قَولی،ولا تُعجِلونی حَتّی أعِظَکُم بِما لِحَقٍّ لَکُم عَلَیَّ، (2)وحَتّی أعتَذِرَ إلَیکُم مِن مَقدَمی عَلَیکُم،فَإِن قَبِلتُم عُذری،وصَدَّقتُم قَولی، وأعطَیتُمونِی النَّصَفَ،کُنتُم بِذلِکَ أسعَدَ،ولَم یَکُن لَکُم عَلَیَّ سَبیلٌ،وإن لَم تَقبَلوا مِنِّی العُذرَ،ولَم تُعطُوا النَّصَفَ مِن أنفُسِکُم «فَأَجْمِعُوا أَمْرَکُمْ وَ شُرَکاءَکُمْ ثُمَّ لا یَکُنْ أَمْرُکُمْ عَلَیْکُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَیَّ وَ لا تُنْظِرُونِ» 3 ، «إِنَّ وَلِیِّیَ اللّهُ الَّذِی نَزَّلَ الْکِتابَ وَ هُوَ یَتَوَلَّی الصّالِحِینَ» 4.

قالَ:فَلَمّا سَمِعَ أخَواتُهُ کَلامَهُ هذا صِحنَ وبَکَینَ،وبَکی بَناتُهُ،فَارتَفَعَت أصواتُهُنَّ،فَأَرسَلَ إلَیهِنَّ أخاهُ العَبّاسَ بنَ عَلِیٍّ وعَلِیّاً علیهما السّلام ابنَهُ،وقالَ لَهُما:أسکِتاهُنَّ، فَلَعَمری لَیَکثُرَنَّ بُکاؤُهُنَّ....

فَلَمّا سَکَتنَ حَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،وذَکَرَ اللّهَ بِما هُوَ أهلُهُ،وصَلّی عَلی مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله

ص:108

وعَلی مَلائِکَتِهِ وأنبِیائِهِ،فَذَکَرَ مِن ذلِکَ مَا اللّهُ أعلَمُ وما لا یُحصی ذِکرُهُ.

قالَ:فَوَاللّهِ،ما سَمِعتُ مُتَکَلِّماً قَطُّ قَبلَهُ ولا بَعدَهُ أبلَغَ فی مَنطِقٍ مِنهُ.

ثُمَّ قالَ:أمّا بَعدُ،فَانسُبونی فَانظُروا مَن أنَا،ثُمَّ ارجِعوا إلی أنفُسِکُم وعاتِبوها، فَانظُروا هَل یَحِلُّ لَکُم قَتلی وَانتِهاکُ حُرمَتی؟

ألَستُ ابنَ بِنتِ نَبِیِّکُم صلّی اللّه علیه و آله وَابنَ وَصِیِّهِ وَابنِ عَمِّهِ،وأوَّلِ المُؤمِنینَ بِاللّهِ وَالمُصَدِّقِ لِرَسولِهِ بِما جاءَ بِهِ مِن عِندِ رَبِّهِ؟أوَلَیسَ حَمزَةُ سَیِّدُ الشُّهَداءِ عَمَّ أبی؟أوَلَیسَ جَعفَرٌ الشَّهیدُ الطَّیّارُ ذُو الجَناحَینِ عَمّی؟أوَلَم یَبلُغکُم قَولٌ مُستَفیضٌ فیکُم:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله قالَ لی ولِأَخی:«هذانِ سَیِّدا شَبابِ أهِلِ الجَنَّةِ»؟

فَإِن صَدَّقتُمونی بِما أقولُ،وهُوَ الحَقُّ،فَوَاللّهِ،ما تَعَمَّدتُ کَذِباً مُذ عَلِمتُ أنَّ اللّهَ یَمقُتُ عَلَیهِ أهلَهُ،ویَضُرُّ بِهِ مَنِ اختَلَقَهُ،وإن کَذَّبتُمونی فَإِنَّ فیکُم مَن إن سَأَلتُموهُ عَن ذلِکَ أخبَرَکُم،سَلوا جابِرَ بنَ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِیَّ،أو أبا سَعیدٍ الخُدرِیَّ،أو سَهلَ بنَ سَعدٍ السّاعِدِیَّ،أو زَیدَ بنَ أرقَمَ،أو أنَسَ بنَ مالِکٍ،یُخبِروکُم أنَّهُم سَمِعوا هذِهِ المَقالَةَ مِن رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لی ولِأَخی.أفَما فی هذا حاجِزٌ لَکُم عَن سَفکِ دَمی؟

فَقالَ لَهُ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ:هُوَ یَعبُدُ اللّهَ عَلی حَرفٍ إن کانَ یَدری ما یَقولُ ! (1)فَقالَ لَهُ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ:وَاللّهِ،إنّی لَأَراکَ تَعبُدُ اللّهَ عَلی سَبعینَ حَرفاً،وأنَا أشهَدُ أنَّکَ صادِقٌ ما تَدری ما یَقولُ،قَد طَبَعَ اللّهُ عَلی قَلبِکَ.

ثُمَّ قالَ لَهُمُ الحُسَینُ علیه السّلام:فَإِن کُنتُم فی شَکٍّ مِن هذَا القَولِ أفَتَشُکّونَ أثَراً ما أنِّی (2)ابنُ بِنتِ نَبِیِّکُم ! فَوَاللّهِ،ما بَینَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ابنُ بِنتِ نَبِیٍّ غَیری مِنکُم ولا مِن غَیرِکُم،أنَا ابنُ بِنتِ نَبِیِّکُم خاصَّةً.

ص:109

أخبِرونی،أتَطلُبُونّی بِقَتیلٍ مِنکُم قَتَلتُهُ،أو مالٍ لَکُمُ استَهلَکتُهُ،أو بِقِصاصٍ مِن جِراحَةٍ؟قالَ:فَأَخَذوا لا یُکَلِّمونَهُ،قالَ:فَنادی:یا شَبَثَ بنَ رِبعِیٍّ،ویا حَجّارَ بنَ أبجَرَ،ویا قَیسَ بنَ الأَشعَثِ،ویا یَزیدَ بنَ الحارِثِ،ألَم تَکتُبوا إلَیَّ:أن قَد أینَعَتِ (1)الثِّمارُ،وَاخضَرَّ الجَنابُ،وطَمَّتِ (2)الجِمامُ (3)،وإنَّما تَقدَمُ عَلی جُندٍ لَکَ مُجَنَّدٍ،فَأَقبِل؟

قالوا لَهُ:لَم نَفعَل،فَقالَ:سُبحانَ اللّهِ ! بَلی وَاللّهِ،لَقَد فَعَلتُم.

ثُمَّ قالَ:أیُّهَا النّاسُ ! إذ کَرِهتُمونی فَدَعونی أنصَرِف عَنکُم إلی مَأمَنی مِنَ الأَرضِ.

قالَ:فَقالَ لَهُ قَیسُ بنُ الأَشعَثِ:أوَلا تَنزِلُ عَلی حُکمِ بَنی عَمِّکَ؟فَإِنَّهُم لَن یُروکَ إلّا ما تُحِبُّ،ولَن یَصِلَ إلَیکَ مِنهُم مَکروهٌ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:أنتَ أخو أخیکَ، (4)أتُریدُ أن یَطلُبَکَ بَنو هاشِمٍ بِأَکثَرَ مِن دَمِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ؟لا وَاللّهِ،لا اعطیهِم بِیَدی إعطاءَ الذَّلیلِ،ولا اقِرُّ إقرارَ العَبیدِ.

عِبادَ اللّهِ ! إنّی عُذتُ بِرَبّی ورَبِّکُم أن تَرجُمونِ،أعوذُ بِرَبّی ورَبِّکُم مِن کُلِّ مُتَکَبِّرٍ لا یُؤمِنُ بِیَومِ الحِسابِ.

قالَ:ثُمَّ إنَّهُ أناخَ راحِلَتَهُ،وأمَرَ عُقبَةَ بنَ سِمعانَ،فَعَقَلَها،وأقبَلوا یَزحَفونَ نَحوَهُ. (5)

1625.سیر أعلام النبلاء: لَمّا أصبَحوا قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:اللّهُمَّ أنتَ ثِقَتی فی کُلِّ کَربٍ،ورَجائی

ص:110

فی کُلِّ شِدَّةٍ،وأنتَ فیما نَزَلَ بی ثِقَةٌ،وأنتَ وَلِیُّ کُلِّ نِعمَةٍ،وصاحِبُ کُلِّ حَسَنَةٍ.

وقالَ لِعُمَرَ وجُندِهِ:لا تَعجَلوا،وَاللّهِ،ما أتَیتُکُم حَتّی أتَتنی کُتُبُ أماثِلِکُم بِأَنَّ السُّنَّةَ قَد امیتَت،وَالنِّفاقَ قَد نَجَمَ (1)،وَالحُدودَ قَد عُطِّلَت،فَاقدَم لَعَلَّ اللّهَ یَصلُحُ بِکَ الاُمَّةَ،فَأَتَیتُ،فَإِذ کَرِهتُم ذلِکَ،فَأَنَا راجِعٌ،فَارجِعوا إلی أنفُسِکُم،هَل یَصلُحُ لَکُم قَتلی،أو یَحِلُّ دَمی؟

ألَستُ ابنَ بِنتِ نَبِیِّکُم وَابنَ ابنِ عَمِّهِ؟أوَ لَیسَ حَمزَةُ وَالعَبّاسُ وجَعفَرٌ عُمومَتی؟ ألَم یَبلُغکُم قَولُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فِیَّ وفی أخی:«هذانِ سَیِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ»؟

فَقالَ شِمرٌ،هُوَ یَعبُدُ اللّهَ عَلی حَرفٍ إن کانَ یَدری ما یَقولُ !

فَقالَ عُمَرُ:لَو کانَ أمرُکَ إلَیَّ لَأَجَبتُ.

وقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:یا عُمَرُ ! لَیَکونَنَّ لِما تَری یَومٌ یَسوؤُکَ،اللّهُمَّ إنَّ أهلَ العِراقِ غَرّونی وخَدَعونی،وصَنَعوا بِأَخی ما صَنَعوا،اللّهُمَّ شَتِّت عَلَیهِم أمرَهُم،وأحصِهِم عَدَداً. (2)

1626.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: تَقَدَّمَ الحُسَینُ علیه السّلام حَتّی وَقَفَ قُبالَةَ القَومِ،وجَعَلَ یَنظُرُ إلی صُفوفِهِم کَأَنَّهَا السَّیلُ،ونَظَرَ إلَی ابنِ سَعدٍ واقِفاً فی صَنادیدِ (3)الکوفَةِ،فَقالَ:

الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی خَلَقَ الدُّنیا فَجَعَلَها دارَ فَناءٍ وزَوالٍ،مُتَصَرِّفَةً بِأَهلِها حالاً بَعدَ حالٍ،فَالمَغرورُ مَن غَرَّتهُ،وَالشَّقِیُّ مَن فَتَنَتهُ،فَلا تَغُرَّنَّکُم هذِهِ الدُّنیا؛فَإِنَّها تَقطَعُ رَجاءَ مَن رَکَنَ إلَیها،وتُخَیِّبُ طَمَعَ مَن طَمِعَ فیها،وأراکُم قَدِ اجتَمَعتُم عَلی أمرٍ قَد

ص:111

أسخَطتُمُ اللّهَ فیهِ عَلَیکُم،فَأَعرَضَ بِوَجهِهِ الکَریمِ عَنکُم،وأحَلَّ بِکُم نَقِمَتَهُ،وجَنَّبَکُم رَحمَتَهُ؛فَنِعمَ الرَّبُّ رَبُّنا،وبِئسَ العَبیدُ أنتُم،أقرَرتُم بِالطّاعَةِ،وآمَنتُم بِالرَّسولِ مُحَمَّدٍ،ثُمَّ إنَّکُم زَحَفتُم إلی ذُرِّیَّتِهِ تُریدونَ قَتلَهُم! لَقَدِ استَحوَذَ (1)عَلَیکُمُ الشَّیطانُ، فَأَنساکُم ذِکرَ اللّهِ العَظیمِ،فَتَبّاً لَکُم ولِما (2)تُریدونَ؛إنّا للّهِ ِ وإنّا إلَیهِ راجِعونَ،هؤُلاءِ قَومٌ کَفَروا بَعدَ إیمانِهِم؛فَبُعداً لِلقَومِ الظّالِمینَ.

فَقالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:وَیلَکُم کَلِّموهُ فَإِنَّهُ ابنُ أبیهِ،وَاللّهِ،لَو وَقَفَ فیکُم هکَذا یَوماً جَدیداً لَما قَطَعَ ولَما حَصَرَ،فَکَلِّموهُ،فَتَقَدَّمَ إلَیهِ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ،فَقالَ:یا حُسَینُ،ما هذَا الَّذی تَقولُ؟أفهِمنا حَتّی نَفهَمَ؟

فَقالَ علیه السّلام:أقولُ لَکُم:اِتَّقُوا اللّهَ رَبَّکُم ولا تَقتُلونِ؛فَإِنَّهُ لا یَحِلُّ لَکُم قَتلی ولَا انتِهاکُ حُرمَتی،فَإِنِّی ابنُ بِنتِ نَبِیِّکُم،وجَدَّتی خَدیجَةُ زَوجَةُ نَبِیِّکُم؛ولَعَلَّهُ قَد بَلَغَکُم قَولُ نَبِیِّکُم مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله:الحَسَنُ وَالحُسَینُ سَیِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ ما خَلَا النَّبِیّینَ وَالمُرسَلینَ،فَإن صَدَّقتُمونی بِما أقولُ،وهُوَ الحَقُّ،فَوَاللّهِ ما تَعَمَّدتُ کَذِباً مُنذُ عَلِمتُ أنَّ اللّهَ یَمقُتُ عَلَیهِ أهلَهُ،وإن کَذَّبتُمونی فَإِنَّ فیکُم مِنَ الصَّحابَةِ مِثلَ:جابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ،وسَهلِ بنِ سَعدٍ،وزَیدِ بنِ أرقَمَ،وأنَسِ بنِ مالِکٍ،فَاسأَلوهُم عَن هذا؛فَإِنَّهُم یُخبِرونَکُم أنَّهُم سَمِعوهُ مِن رَسولِ اللّهِ،فَإِن کُنتُم فی شَکٍّ مِن أمری،أفَتَشُکّونَ أنِّی ابنُ بِنتِ نَبِیِّکُم،فَوَاللّهِ،ما بَینَ المَشرِقَینِ وَالمَغرِبَینِ ابنُ بِنتِ نَبِیٍّ غَیری.

وَیلَکُم ! أتَطلُبُونّی بِدَمِ أحَدٍ مِنکُم قَتَلتُهُ،أو بِمالٍ استَملَکتُهُ،أو بِقِصاصٍ مِن جِراحاتٍ استَهلَکتُهُ؟فَسَکَتوا عَنهُ لا یُجیبونَهُ.

ثُمَّ قالَ علیه السّلام:وَاللّهِ،لا اعطیهِم یَدی إعطاءَ الذَّلیلِ،ولا أفِرُّ فِرارَ العَبیدِ.

ص:112

عِبادَ اللّهِ ! إنّی عُذتُ بِرَبّی ورَبِّکُم أن تَرجُمونِ،وأعوذُ بِرَبّی ورَبِّکُم مِن کُلِّ مُتَکَبِّرٍ لا یُؤمِنُ بِیَومِ الحِسابِ.

فَقالَ لَهُ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ:یا حُسَینَ بنَ عَلِیٍّ،أنَا أعبُدُ اللّهَ عَلی حَرفٍ إن کُنتُ أدری ما تَقولُ،فَسَکَتَ الحُسَینُ علیه السّلام.

فَقالَ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ لِلشِّمرِ:یا عَدُوَّ اللّهِ وعَدُوَّ رَسولِ اللّهِ،إنّی لَأَظُنُّکَ تَعبُدُ اللّهَ عَلی سَبعینَ حَرفاً،وأنَا أشهَدُ أنَّکَ لا تَدری ما یَقولُ؛فَإِنَّ اللّهَ تَبارَکَ و تَعالی قَد طَبَعَ عَلی قَلبِکَ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:حَسبُکَ یا أخا بَنی أسَدٍ،فَقَد قُضِیَ القَضاءُ،وجَفَّ القَلمُ، وَاللّهُ بالِغٌ أمرَهُ،وَاللّهِ،إنّی لَأَشوَقُ إلی جَدّی وأبی واُمّی وأخی وأسلافی مِن یَعقوبَ إلی یوسُفَ وأخیهِ،ولی مَصرَعٌ أنَا لاقیهِ. (1)

1627.تذکرة الخواصّ: قالَ هِشامُ بنُ مُحَمَّدٍ:لَمّا رَآهُمُ الحُسَینُ علیه السّلام مُصِرّینَ عَلی قَتلِهِ،أخَذَ المُصحَفَ ونَشَرَهُ وجَعَلَهُ عَلی رَأسِهِ،ونادی:بَینی وبَینَکُم کِتابُ اللّهِ وجَدّی مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ،یا قَومِ،بِمَ تَستَحِلّونَ دَمی؟ألَستُ ابنَ بِنتِ نَبِیِّکُم؟ألَم یَبلُغکُم قَولُ جَدّی فِیَّ وفی أخی:«هذانِ سَیِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ»؟إن لَم تُصَدِّقونی فَاسأَلوا جابِراً وزَیدَ بنَ أرقَمَ وأبا سَعیدٍ الخُدرِیَّ،ألَیسَ جَعفَرٌ الطَّیّارُ عَمّی؟

فَناداهُ شِمرٌ:السّاعَةَ تَرِدُ الهاوِیَةَ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:اللّهُ أکبَرُ ! أخبَرَنی جَدّی رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فَقالَ:رَأَیتُ کَأَنَّ کَلباً وَلَغَ فی دِماءِ أهلِ بَیتی،وما أخالُکَ إلّاإیّاهُ.

ص:113

فَقالَ شِمرٌ:أنَا أعبُدُ اللّهَ عَلی حَرفٍ إن کُنتُ أدری ما تَقولُ. (1)

1628.الملهوف: رَکِبَ أصحابُ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَبَعَثَ الحُسَینُ علیه السّلام بُرَیرَ بنَ حُصَینٍ،فَوَعَظَهُم فَلَم یَسمَعوا،وذَکَّرَهُم فَلَم یَنتَفِعوا.

فَرَکِبَ الحُسَینُ علیه السّلام ناقَتَهُ-وقیلَ فَرَسَهُ-فَاستَنصَتَهُم فَأَنصَتوا،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،وذَکَرَهُ بِما هُوَ أهلُهُ،وصَلّی عَلی مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله وعَلَی المَلائِکَةِ وَالأَنبِیاءِ وَالرُّسُلِ، وأبلَغَ فِی المَقالِ،ثُمَّ قالَ:

تَبّاً لَکُم أیَّتُهَا الجَماعَةُ وتَرَحاً (2)! حینَ استَصرَختُمونا والِهینَ (3)،فَأَصرَخناکُم موجِفینَ (4)،سَلَلتُم عَلَینا سَیفاً لَنا فی أیمانِکُم،وحَشَشتُم (5)عَلَینا ناراً اقتَدَحناها عَلی عَدُوِّنا وعَدُوِّکُم،فَأَصبَحتُم أولِیاءَ لِأَعدائِکُم عَلی أولِیائِکُم بِغَیرِ عَدلٍ أفشَوهُ فیکُم، ولا أمَلٍ أصبَحَ لَکُم فیهِم.

فَهَلّا لَکُمُ الوَیلاتُ تَرَکتُمونا وَالسَّیفُ مَشیمٌ (6)،وَالجَأشُ ضامِرٌ،وَالرَّأیُ لَمّا یَستَحصِف (7)،ولکِن أسرَعتُم إلَیها کَطَیرِ الدَّبا (8)،وتَداعَیتُم إلَیها کَتَهافُتِ الفَراشِ؛ فَسُحقاً لَکُم یا عَبیدَ الاُمَّةِ،وشِرارَ الأَحزابِ،ونَبَذَةَ الکِتابِ،ومُحَرِّفِی الکَلِمِ، وعَصَبَةَ الآثامِ،ونَفَثَةَ الشَّیطانِ،ومُطفِئِی السُّنَنِ.أهؤُلاءِ تَعضُدونَ وعَنّا تَتَخاذَلونَ؟

ص:114

أجَل،وَاللّهِ غَدرٌ فیکُم قَدیمٌ،وَشَجَت (1)عَلَیهِ اصولُکُم،وتَأَزَّرَت (2)عَلَیهِ فُروعُکُم، فَکُنتُم أخبَثَ شَجاً (3)لِلنّاظِرِ واُکلَةً لِلغاصِبِ.

ألا وإنَّ الدَّعِیَّ ابنَ الدَّعِیِّ (4)قَد رَکَزَ بَینَ اثنَتَینِ،بَینَ السَّلَّةِ وَالذِّلَّةِ،وهَیهاتَ مِنّا الذِّلَّةُ،یَأبَی اللّهُ لَنا ذلِکَ ورَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ،وحُجورٌ طابَت،وحُجورٌ طَهُرَت، واُنوفٌ حَمِیَّةٌ ونُفوسٌ أبِیَّةٌ،مِن أن تُؤثَرَ طاعَةُ اللِّئامِ عَلی مَصارِعِ الکِرامِ.

ألا وإنّی زاحِفٌ بِهذِهِ الاُسرَةِ مَعَ قِلَّةِ العَدَدِ وخِذلانِ النّاصِرِ.ثُمَّ أوصَلَ کَلامَهُ علیه السّلام بِأَبیاتِ فَروَةَ بنِ مُسَیکٍ المُرادِیِّ:

فَإِن نَهزِم فَهَزّامونَ قِدماً

ثُمَّ قالَ:أما وَاللّهِ،لا تَلبَثونَ بَعدَها إلّاکَریثِ (5)ما یُرکَبَ الفَرَسُ حَتّی یَدورَ بِکُم دَورَ الرَّحی،ویَقلَقَ بِکُم قَلَقَ المِحوَرِ،عَهدٌ عَهِدَهُ إلَیَّ أبی عَن جَدّی «فَأَجْمِعُوا

ص:115

أَمْرَکُمْ وَ شُرَکاءَکُمْ ثُمَّ لا یَکُنْ أَمْرُکُمْ عَلَیْکُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَیَّ وَ لا تُنْظِرُونِ» 1 ، «إِنِّی تَوَکَّلْتُ عَلَی اللّهِ رَبِّی وَ رَبِّکُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِیَتِها إِنَّ رَبِّی عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ» 2 .اللّهُمَّ احبِس عَنهُم قَطرَ السَّماءِ،وَابعَث عَلَیهِم سِنینَ کَسِنی یوسُفَ،وسَلِّط عَلَیهِم غُلامَ ثَقیفٍ یَسومُهُم کَأساً مُصَبَّرَةً؛فَإِنَّهُم کَذَّبونا وخَذَلونا،وأنتَ رَبُّنا،عَلَیکَ تَوَکَّلنا، وإلَیکَ أنَبنا،وإلَیکَ المَصیرُ. (1)

1629.تاریخ دمشق عن أبی بکر بن درید: لَمَّا استَکَفَّ (2)النّاسُ بِالحُسَینِ علیه السّلام،رَکِبَ فَرَسَهُ،ثُمَّ استَنصَتَ النّاسَ،فَأَنصَتوا لَهُ،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،وصَلّی عَلَی النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،ثُمَّ قالَ:

تَبّاً لَکُم أیَّتُهَا الجَماعَةُ وتَرَحاً ! أحینَ استَصرَختُمونا وَلِهینَ،فَأَصرَخناکُم موجِفینَ،شَحَذتُم عَلَینا سَیفاً کانَ فی أیمانِنا،وحَشَشتُم عَلَینا ناراً قَدَحناها (3)عَلی عَدُوِّکُم وعَدُوِّنا،فَأَصبَحتُم إلباً عَلی أولِیائِکُم،ویَداً عَلَیهِم لِأَعدائِکُم،بِغَیرِ عَدلٍ رَأَیتُموهُ بَثّوهُ فیکُم،ولا أصلٍ (4)أصبَحَ لَکُم فیهِم،ومِن غَیرِ حَدَثٍ کانَ مِنّا،ولا رَأیٍ یُفَیَّلُ (5)فینا.

فَهَلّا لَکُمُ الوَیلاتُ إذ کَرِهتُموها،تَرَکتُمونا وَالسَّیفُ مَشیمٌ،وَالجَأشُ طامِنٌ،

ص:116

وَالرَّأیُ لَم یَستَخِفَّ،ولکِنِ استَصرَعتُم إلَینا طَیرَةَ الدَّبا،وتَداعَیتُم إلَینا کَتَداعِی الفَراشِ قَیحاً وحَکَّةً وهَلوعاً،وذِلَّةً لِطَواغیتِ الاُمَّةِ،وشُذّاذِ الأَحزابِ،ونَبَذَةِ الکِتابِ،وعَصَبَةِ (1)الآثامِ،وبَقِیَّةِ الشَّیطانِ،ومُحَرِّفِی الکَلامِ،ومُطفِئِی السُّنَنِ، ومُلحِقِی العَهَرَةِ بِالنَّسَبِ،وأسَفِ المُؤمِنینَ،ومُزاحِ المُستَهزِئینَ «اَلَّذِینَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِینَ» 2 ، «لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَیْهِمْ وَ فِی الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ» 3 ، فَهؤُلاءِ تَعضُدونَ،وعَنّا تَتَخاذَلونَ؟

أجَل وَاللّهِ،الخَذلُ فیکُم مَعروفٌ،وشَبَحَت (2)عَلَیهِ عُروقُکُم،وَاستَأزَرَت عَلَیهِ اصولُکُم فَأَفرَعَکُم،فَکُنتُم أخبَثَ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ لِلنّاسِ،واُکلَةٍ لِغاصِبٍ (3)،ألا فَلَعنَةُ اللّهِ عَلَی النّاکِثینَ الَّذینَ یَنقُضونَ الأَیمانَ بَعدَ تَوکیدِها،وقَد جَعَلُوا اللّهَ عَلَیهِم کَفیلاً.

ألا وإنَّ البَغِیَّ قَد رَکَنَ بَینَ اثنَتَینِ،بَینَ المَسأَلَةِ وَالذِّلَّةِ،وهَیهاتَ مِنَّا الدَّنِیَّةُ،أبَی اللّهُ ذلِکَ ورَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ،وحُجورٌ طابَت،وبُطونٌ طَهُرَت،واُنوفٌ حَمِیَّةٌ، ونُفوسٌ أبِیَّةٌ،أن تُؤثَرَ مَصارِعُ الکِرامِ عَلی ظِئارِ (4)اللِّئامِ 7،ألا وإنّی زاحِفٌ بِهذِهِ الاُسرَةِ عَلی قُلِّ العَدَدِ وکَثرَةِ العَدُوِّ وخَذلَةِ النّاصِرِ،ثُمَّ تَمَثَّلَ:

ص:117

فَإِن نَهزِم فَهَزّامونَ قِدماً

ألا ثُمَّ لا یَلبَثوا إلّاریثَ ما یُرکَبُ فَرَسٌ،حَتّی تُدارَ بِکُم دَورَ الرَّحی،ویُفلَقَ بِکُم فَلَقَ المِحوَرِ،عَهداً عَهِدَهُ النَّبِیُّ إلی أبی: «فَأَجْمِعُوا أَمْرَکُمْ وَ شُرَکاءَکُمْ ثُمَّ لا یَکُنْ أَمْرُکُمْ عَلَیْکُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَیَّ وَ لا تُنْظِرُونِ» 1 ،الآیَةَ،وَالآیَةَ الاُخری. (1)

1630.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی عن عبد اللّه بن الحسن: خَرَجَ الحُسَینُ علیه السّلام مِن أصحابِهِ حَتّی أتَی النّاسَ،فَاستَنصَتَهُم،فَأَبَوا أن یُنصِتوا.

فَقالَ لَهُم:وَیلَکُم ! ما عَلَیکُم أن تُنصِتوا إلَیَّ،فَتَسمَعوا قَولی،وإنَّما أدعوکُم إلی سَبیلِ الرَّشادِ،فَمَن أطاعَنی کانَ مِنَ المُرشَدینَ،ومَن عَصانی کانَ مِنَ المُهلَکینَ، وکُلُّکُم عاصٍ لِأَمری،غَیرُ مُستَمِعٍ لِقَولی،قَدِ انخَزَلَت عَطِیّاتُکُم مِنَ الحَرامِ،ومُلِئَت بُطونُکُم مِنَ الحَرامِ،فَطَبَعَ اللّهُ عَلی قُلوبِکُم،وَیلَکُم ألا تُنصِتونَ؟ألا تَسمَعونَ؟

فَلاوَمَ أصحابُ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،وقالوا:أنصِتوا لَهُ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:تَبّاً لَکُم أیَّتُهَا الجَماعَةُ وتَرَحاً ! أفَحینَ استَصرَختُمونا وَلِهینَ مُتَحَیِّرینَ،فَأَصرَخناکُم مُؤَدّینَ مُستَعِدّینَ،سَلَلتُم عَلَینا سَیفاً فی رِقابِنا،وحَشَشتُم عَلَینا نارَ الفِتَنِ الَّتی جَناها عَدُوُّکُم وعَدُوُّنا،فَأَصبَحتُم إلباً عَلی أولِیائِکُم،ویَداً عَلَیهِم لِأَعدائِکُم،بِغَیرِ عَدلٍ أفشَوهُ فیکُم،ولا أمَلٍ أصبَحَ لَکُم فیهِم،إلَّاالحَرامَ مِنَ الدُّنیا أنالوکُم،وخَسیسَ عَیشٍ طَمِعتُم فیهِ،مِن غَیرِ حَدَثٍ کانَ مِنّا،ولا رَأیٍ تَفَیَّلَ لَنا.

ص:118

فَهَلّا-لَکُمُ الوَیلاتُ-إذ کَرِهتُمونا تَرَکتُمونا،فَتَجَهَّزتُموها وَالسَّیفُ لَم یُشهَر، وَالجَأشُ طامِنٌ،وَالرَّأیُ لَم یَستَحصِف،ولکِن أسرَعتُم عَلَینا کَطَیرَةِ الدَّبا،وتَداعَیتُم إلَیها کَتَداعِی الفَراشِ،فَقُبحاً لَکُم،فَإِنَّما أنتُم مِن طواغیتِ الاُمَّةِ،وشُذّاذِ الأَحزابِ، ونَبَذَةِ الکِتابِ،ونَفَثَةِ الشَّیطانِ،وعَصَبَةِ الآثامِ،ومُحَرِّفِی الکِتابِ،ومُطفِئِی السُّنَنِ، وقَتَلَةِ أولادِ الأَنبِیاءِ،ومُبیری عِترَةِ الأَوصِیاءِ،ومُلحِقِی العُهّارِ بِالنَّسَبِ،ومُؤذِی المُؤمِنینَ،وصُراخِ أئِمَّةِ المُستَهزِئینَ،الَّذینَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضینَ،وأنتُمُ ابنَ حَربٍ وأشیاعَهُ تَعتَمِدونَ،وإیّانا تَخذُلونَ؟!

أجَل وَاللّهِ،الخَذلُ فیکُم مَعروفٌ،وشَجَت عَلَیهِ عُروقُکُم،وتَوارَثَتهُ اصولُکُم وفُروعُکُم،ونَبَتَت عَلَیهِ قُلوبُکُم،وغُشِیَت بِهِ صُدورُکُم،فَکُنتُم أخبَثَ شَیءٍ،سِنخاً (1)لِلنّاصِبِ،واُکلَةً لِلغاصِبِ؛ألا لَعنَةُ اللّهِ عَلَی النّاکِثینَ،الَّذینَ یَنقُضونَ الأَیمانَ بَعدَ تَوکیدِها،وقَد جَعَلتُمُ اللّهَ عَلَیکُم کَفیلاً؛فَأَنتُم-وَاللّهِ-هُم.

ألا إنَّ الدَّعِیَّ ابنَ الدَّعِیِّ قَد رَکَزَ بَینَ اثنَتَینِ،بَینَ القَتلَةِ وَالذِّلَّةِ،وهَیهاتَ مِنّا أخذُ الدَّنِیَّةِ،أبَی اللّهُ ذلِکَ ورَسولُهُ،وجُدودٌ طابَت،وحُجورٌ طَهُرَت،واُنوفٌ حَمِیَّةٌ، ونُفوسٌ أبِیَّةٌ،لا تُؤثِرُ طاعَةَ اللِّئامِ عَلی مَصارِعِ الکِرامِ.

ألا إنّی قَد أعذَرتُ وأنذَرتُ،ألا إنّی زاحِفٌ بِهذِهِ الاُسرَةِ عَلی قِلَّةِ العَتادِ،وخَذَلَةِ الأَصحابِ.ثُمَّ أنشَدَ:

فَإِن نَهزِم فَهَزّامونَ قِدماً

أما إنَّهُ لا تَلبَثونَ بَعدَها إلّاکَرَیثِ ما یُرکَبُ الفَرَسُ،حَتّی تَدورَ بِکُم دَورَ الرَّحی،

ص:119

عَهدٌ عَهِدَهُ إلَیَّ أبی عَن جَدّی «فَأَجْمِعُوا أَمْرَکُمْ وَ شُرَکاءَکُمْ» 1 «فَکِیدُونِی جَمِیعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّی تَوَکَّلْتُ عَلَی اللّهِ رَبِّی وَ رَبِّکُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِیَتِها إِنَّ رَبِّی عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ» 2 .

اللّهُمَّ احبِس عَنهُم قَطرَ السَّماءِ،وَابعَث عَلَیهِم سِنینَ کَسِنِی یوسُفَ،وسَلِّط عَلَیهِم غُلامَ ثَقیفٍ یَسقیهِم،کَأساً مُصَبَّرَةً،فَلا یَدَعُ فیهِم أحَداً،قَتلَةً بِقَتلَةٍ،وضَربَةً بِضَربَةٍ، یَنتَقِمُ لی ولِأَولِیائی وأهلِ بَیتی وأشیاعی مِنهُم،فَإِنَّهُم غَرّونا وکَذَّبونا وخَذَلونا، وأنتَ رَبُّنا،عَلَیکَ تَوَکَّلنا،وإلَیکَ أنَبنا،وإلَیکَ المَصیرُ. (1)

1631.تاریخ الطبری عن سعد بن عبیدة: أقبَلَ الحُسَینُ علیه السّلام یُکَلِّمُ مَن بَعَثَ إلَیهِ ابنُ زِیادٍ،قالَ:

وإنّی لَأَنظُرُ إلَیهِ،وعَلَیهِ جُبَّةٌ مِن بُرودٍ،فَلَمّا کَلَّمَهُمُ انصَرَفَ،فَرَماهُ رَجُلٌ مِن بَنی تَمیمٍ -یُقالُ لَهُ:عُمَرُ الطُّهَوِیُّ-بِسَهمٍ،فَإِنّی لَأَنظُرُ إلَی السَّهمِ بَینَ کَتِفَیهِ مُتَعَلِّقاً فی جُبَّتِهِ، فَلَمّا أبَوا عَلَیهِ رَجَعَ إلی مَصافِّهِ،وإنّی لَأَنظُرُ إلَیهِم وإنَّهُم لَقَریبٌ مِن مِئَةِ رَجُلٍ،فیهِم لِصُلبِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام خَمسَةٌ،ومِن بَنی هاشِمٍ سِتَّةَ عَشَرَ،ورَجُلٌ مِن بَنی سُلَیمٍ حَلیفٌ لَهُم،ورَجُلٌ مِن بَنی کِنانَةَ حَلیفٌ لَهُم،وَابنُ عُمَرَ بنِ زِیادٍ. (2)

ادعوا لی عُمَرَ،فَدُعِیَ لَهُ،وکانَ کارِهاً لا یُحِبُّ أن یَأتِیَهُ،فَقالَ:یا عُمَرُ،أنتَ تَقتُلُنی وتَزعُمُ أن یُوَلِّیَکَ الدَّعِیُّ بنُ الدَّعِیِّ بِلادَ الرَّیِّ وجُرجانَ؟وَاللّهِ،لا تَتَهَنَّأُ بِذلِکَ أبدَاً، عَهدٌ مَعهودٌ،فَاصنَع ما أنتَ صانِعٌ؛فَإِنَّکَ لا تَفرَحُ بَعدی بِدُنیا ولا آخِرَةٍ،وکَأَنّی بِرَأسِکَ عَلی قَصَبَةٍ قَد نُصِبَ بِالکوفَةِ،یَتَراماهُ الصِّبیانُ،ویَتَّخِذونَهُ غَرَضاً (1)بَینَهُم.

فَغَضِبَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ مِن کَلامِهِ،ثُمَّ صَرَفَ وَجهَهُ عَنهُ،ونادی بِأَصحابِهِ:ما تَنتَظِرونَ (2)بِهِ؟اِحمِلوا بِأَجمَعِکُم،إنَّما هِیَ اکلَةٌ واحِدَةٌ. (3)

1633.إثبات الوصیّة: أمَرَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] أصحابَهُ بِالقِتالِ،فَقالَ عُمَرُ بنُ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ لَعَنَهُ اللّهُ:یا أبا عَبدِ اللّهِ،لِمَ لا تَنزِلُ عَلی حُکمِ الأَمیرِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ؟

فَقالَ لَهُ:یا شَقِیُّ ! إنَّکَ لا تَأکُلُ مِن بُرِّ العِراقِ بَعدی إلّاقَلیلاً،فَشَأنَکَ ومَا اختَرتَهُ لِنَفسِکَ. (4)

1635.الملهوف: فَتَقَدَّمَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ،ورَمی نَحوَ عَسکَرِ الحُسَینِ علیه السّلام بِسَهمٍ،وقالَ:اِشهَدوا لی عِندَ الأَمیرِ أنّی أوَّلُ مَن رَمی،وأقبَلَتِ السِّهامُ مِنَ القَومِ کَأَنَّهَا القَطرُ.

فَقالَ علیه السّلام لِأَصحابِهِ:قوموا رَحِمَکُمُ اللّهُ إلَی المَوتِ الَّذی لا بُدَّ مِنهُ؛فَإِنَّ هذِهِ السِّهامَ رُسُلُ القَومِ إلَیکُم.

فَاقتَتَلوا ساعَةً مِنَ النَّهارِ حَملَةً وحَملَةً،حَتّی قُتِلَ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام جَماعَةٌ. (1)

1636.مثیر الأحزان: رَمی عُمَرُ بنُ سَعدٍ إلی أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام،وقالَ:اِشهَدوا لی عِندَ الأَمیرِ أنّی أوَّلُ مَن رَمی !

فَقالَ علیه السّلام:قوموا إلَی المَوتِ الَّذی لا بُدَّ مِنهُ،فَنَهَضوا جَمیعاً،وَالتَقَی العَسکَرانِ، وَامتازَ الرَّجّالَةُ مِنَ الفُرسانِ،وَاشتَدَّ الصِّراعُ،وخَفِیَ لِإِثارَةِ العِثیَرِ (2)الشُّعاعُ (3)، وَالسَّمهَرِیَّةُ (4)تَرعُفُ نَجیعاً (5)،وَالمَشرَفِیَّةُ (6)یُسمَعُ لَها فِی الهامِ رَقیعاً. (7)

1637.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: زَحَفَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ،فَنادی غُلامَهُ دُرَیداً:قَدِّم رایَتَکَ یا دُرَیدُ،ثُمَّ وَضَعَ سَهمَهُ فی کَبِدِ قَوسِهِ،ثُمَّ رَمی بِهِ،وقالَ:اِشهَدوا لی عِندَ الأَمیرِ أنّی أوَّلُ مَن رَمی ! فَرَمی أصحابُهُ کُلُّهُم بِأَجمَعِهِم فی أثَرِهِ رَشقَةً واحِدَةً،فَما بَقِیَ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام أحَدٌ إلّاأصابَهُ مِن رَمیَتِهِم سَهمٌ....

ص:122

فَلَمّا رَمَوهُم هذِهِ الرَّمیَةَ قَلَّ أصحابُ الحُسَینِ علیه السّلام،فَبَقِیَ فی هؤُلاءِ القَومِ الَّذینَ یُذکَرونَ فِی المُبارَزَةِ،وقَد قُتِلَ مِنهُم ما یُنیفُ عَلی خَمسینَ رَجُلاً. (1)

1638.الفتوح: تَقَدَّمَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ حَتّی وَقَفَ قُبالَةَ الحُسَینِ علیه السّلام عَلی فَرَسٍ لَهُ،فَاستَخرَجَ سَهماً،فَوَضَعَهُ فی کَبِدِ القَوسِ،ثُمَّ قالَ:

أیُّهَا النّاسُ! اشهَدوا لی عِندَ الأَمیرِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ أنّی أوَّلُ مَن رَمی بِسَهمٍ إلی عَسکَرِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ قالَ:فَوَقَعَ السَّهمُ بَینَ یَدَیِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَتَنَحّی عَنهُ راجِعاً إلی وَرائِهِ،وأقبَلَتِ السِّهامُ کَأَنَّهَا المَطَرُ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام لِأَصحابِهِ:أیُّهَا النّاسُ ! هذِهِ رُسُلُ القَومِ إلَیکُم،فَقوموا إلَی المَوتِ الَّذی لا بُدَّ مِنهُ.

قالَ:فَوَثَبَ أصحابُ الحُسَینِ علیه السّلام فَخَرَجوا مِن بابِ خَندَقِهِم،وهُم یَومَئِذٍ اثنانِ وثَلاثونَ فارِساً وأربَعونَ راجِلاً،وَالقَومُ اثنانِ وعِشرونَ ألفاً،لا یَزیدونَ ولا یَنقُصونَ،فَحَمَلَ بَعضُهُم عَلی بَعضٍ،فَاقتَتَلوا ساعَةً مِنَ النَّهارِ،حَملَةً واحِدَةً،حَتّی قُتِلَ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام نَیِّفٌ وخَمسونَ رَجُلاً،رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِم. (2)

1639.تاریخ الیعقوبی: لَمّا کانَ مِنَ الغَدِ خَرَجَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] فَکَلَّمَ القَومَ،وعَظَّمَ عَلَیهِم حَقَّهُ، وذَکَّرَهُمُ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ ورَسولَهُ،وسَأَلَهُم أن یُخَلّوا بَینَهُ وبَینَ الرُّجوعِ،فَأَبَوا إلّاقِتالَهُ، أو أخذَهُ حَتّی یَأتوا بِهِ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ،فَجَعَلَ یُکَلِّمُ القَومَ بَعدَ القَومِ وَالرَّجُلَ بَعدَ الرَّجُلِ،فَیَقولونَ:ما نَدری ما تَقولُ.

فَأَقبَلَ عَلی أصحابِهِ،فَقالَ:إنَّ القَومَ لَیسوا یَقصِدونَ غَیری،وقَد قَضَیتُم ما

ص:123

عَلَیکُم،فَانصَرِفوا،فَأَنتُم فی حِلٍّ.

فَقالوا:لا وَاللّهِ یَابنَ رَسولِ اللّهِ،حَتّی تَکونَ أنفُسُنا قَبلَ نَفسِکَ،فَجَزاهُمُ الخَیرَ. (1)

1640.کامل الزیارات عن الحلبی: سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ علیه السّلام یَقولُ:إنَّ الحُسَینَ علیه السّلام صَلّی بِأَصحابِهِ الغَداةَ،ثُمَّ التَفَتَ إلَیهِم،فَقالَ:إنَّ اللّهَ قَد أذِنَ فی قَتلِکُم،فَعَلَیکُم بِالصَّبرِ. (2)

1641.کامل الزیارات عن الحسین بن أبی العلاء عن أبی عبد اللّه علیه السّلام: إنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام قالَ لِأَصحابِهِ یَومَ اصیبوا:أشهَدُ أنَّهُ قَد اذِنَ فی قَتلِکُم،فَاتَّقُوا اللّهَ وَاصبِروا. (3)

1642.إثبات الوصیّة: فَلَمّا صافَّهُ لِلحَربِ [أیِ ابنُ زِیادٍ لِحَربِ الحُسَینِ علیه السّلام ] صَلَّی الحُسَینُ علیه السّلام بِأَصحابِهِ الغَداةَ،ورُوِیَ:أنَّهُ کانَ ذلِکَ مِن یَومِ العاشِرِ مِنَ المُحَرَّمِ،سَنَةَ إحدی وسِتّینَ،قامَ خَطیباً،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،وقالَ لِأَصحابِهِ:إنَّ اللّهَ عز و جل قَد أذِنَ فی قَتِلکُمُ الیَومَ وقَتلی،وعَلَیکُم بِالصَّبرِ وَالجِهادِ. (4)

ص:124

ویبدو أنّ أوّل مصدر أشار إلی أنّ عدد شهداء الحملة علی أصحاب الإمام رحمه الله کان خمسین شخصاً،هو الفتوح لابن أعثم،الّذی قال-بعد إشارته إلی الحملة الاُولی والّتی تمثّلت برمی السهام من قبل عسکر الکوفة-:

فاقتتلوا ساعةً من النهار،حملةً واحدة،حتّی قُتل من أصحاب الحسین علیه السّلام نیّف وخمسون رجلاً. (1)

وبالتأمّل فی روایة ابن أعثم،یتّضح أنّ مراده هو أنّ العدد المذکور استشهدوا خلال الحرب وفی فترة من یوم عاشوراء،لا أنّهم استشهدوا فی الحملة الاُولی.إلاّ أنّ الخوارزمیّ (2)-ومن دون الالتفات إلی المعنی الدقیق للعبارة-نقل الحادثة بشکل آخر؛فبعد أن نقل خبر الحملة الاُولی کتب قائلاً:

فلمّا رموهم هذه الرمیة قلّ أصحاب الحسین علیه السّلام،فبقی فی هؤلاء القوم الّذین یُذکرون فی المبارزة،وقد قُتل منهم ما ینیف علی خمسین رجلاً. (3)

وفی سیاق أمثال هذه النقول ذکر ابن شهر آشوب أسماء 28 منهم-کما أشرنا-علی أنّهم شهداء الحملة الاُولی،إلاّ أنّ الظاهر عدم صحّة ذلک لما یلی:

أوّلاً:لا توجد فی المصادر القدیمة نقول بهذا النحو عن الحملة الاُولی،وکلام ابن أعثم لیس فیه دلالة علی هذا المعنی،بل هو دالّ علی خلافه،کما أشرنا.

ثانیاً:ذکرت بعض المصادر المعتبرة-کالإرشاد للمفید،وتاریخ الطبری-رمیَ السهام من قبل الأعداء بعنوان الحملة الاُولی،من دون إشارة إلی استشهاد أحد فی هذه الحملة،بل ذکرت فی هذا السیاق انتصار أصحاب الإمام رحمه الله عبر المبارزة الفردیة بالقتال،ممّا حَدا بالعدوّ إلی العدول عن هذا الاُسلوب فی القتال إلی الهجوم الجماعی.

ص:126

ثالثاً:المسألة المهمّة هی أنّ عدد أصحاب الإمام الحسین علیه السّلام-وفقاً لبعض هذه النقول- کان 72 شخصاً،وعلیه فإن کان عدد شهداء الحملة الاُولی خمسین شخصاً،فلایبقی منهم حینئذ إلّاقلائل لا یمکن توزیعهم علی ساحة القتال بالشکل المطلوب،وکیف یتسنّی لهذا العدد القلیل مقاومة العدوّ حتّی عصر عاشوراء؟

علی أنّه لو کان العدوّ قد کبّد جیش الإمام هذا العدد من القتلی فی حملة واحدة وبرمی السهام،لما کانت هناک حاجة للمبارزة،ولَاستمرّ علی هذا الاُسلوب لیحسم النتیجة لصالحه فی وقتٍ قصیر !

فعلی هذا الأساس،لا یمکن قبول ما ورد حول شهداء الحملة الاُولی،وخصوصاً ما جاء فی المناقب لابن شهر آشوب.

ص:127

ص:128

العالم،ولتسلیط الضوء علی هذا الموضوع نقول:إنّ کلّ ظاهرة فی نظام الخلق لها سبب خاصّ ولا تتحقّق إلّامن خلاله،ولکنّ تأثیر الأسباب فی المسبّبات یتوقّف علی الإذن الإلهی،بمعنی أنّ النار لا تُحرق إلّابمشیئة اللّه،کما حدث لإبراهیم علیه السّلام عندما لم تحرقه نار نمرود،کما أنّ السکّین لا تقطع ما لم یشأ اللّه،کما حدث لسکّین إبراهیم علیه السّلام عندما لم تقطع نحر إسماعیل علیه السّلام،وهذا هو معنی التوحید الأفعالی.

وعلی هذا الأساس،فإنّ حرّیة الإنسان تقتضی إمکان اجتماع الإذن التکوینی الإلهی، ونهیه التشریعی،وإلّا ففی غیر هذه الحالة سوف لا تمکن معارضة النهی التشریعی،وهذا لا یعنی شیئاً سوی عدم حرّیة الإنسان فی اختیار طریق السعادة،أو الشقاء.

وبناءً علی ذلک فإنّ ما قاله الإمام الحسین علیه السّلام بشأن إذن اللّه تعالی فی قتله هو وأصحابه، إشارة إلی الآیة الکریمة: «ما أَصابَ مِنْ مُصِیبَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَ مَنْ یُؤْمِنْ بِاللّهِ یَهْدِ قَلْبَهُ وَ اللّهُ بِکُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیمٌ» ، (1)والمراد منه الإذن التکوینی الإلهی فی حادثة کربلاء الدامیة.

وهکذا،فإنّ الإمام علیه السّلام أراد من خلال هذا الکلام أن یقول لأصحابه:إنّ التقدیر الإلهی الحکیم یقضی بأن نستشهد کلّنا الیوم فی سبیل أداء المسؤولیة،ولذلک فإنّ علینا أن نصبر فی هذه المصیبة،ونستسلم للتقدیر الإلهی ونرضی بقضاء اللّه سبحانه و تعالی.

ص:130

إذَا اعتَلَفوا سُمرَ الرِّماحِ وتَمَّموا

ألّا یُبارِزَ رَجُلٌ مِنکُم رَجُلاً مِنهُم. (1)

1649.مثیر الأحزان: فَقالَ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ:یا حَمقی ! أتَدرونَ مَن تُقاتِلونَ مُبارَزَةً؟فُرسانَ الحَرِّ (2)،وقَوماً مُستَمیتینَ،فَصاحَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ،فَرَجَعوا إلی مَواقِفِهِم. (3)

1650.شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: قیلَ لِرَجُلٍ شَهِدَ یَومَ الطَّفِّ مَعَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ:وَیحَکَ ! أقَتَلتُم ذُرِّیَّةَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؟فَقالَ:عَضَضتُ بِالجَندَلِ (4)؛إنَّکَ لَو شَهِدتَ ما شَهِدنا لَفَعَلتَ ما فَعَلنا،ثارَت عَلَینا عِصابَةٌ،أیدیها فی مَقابِضِ سُیوفِها کَالاُسودِ الضّارِیَةِ، تَحطِمُ الفُرسانَ یَمیناً وشِمالاً،وتُلقی أنفُسَها عَلَی المَوتِ؛لا تَقبَلُ الأَمانَ،ولا تَرغَبُ فِی المالِ،ولا یَحولُ حائِلٌ بَینَها وبَینَ الوُرودِ عَلی حِیاضِ المَنِیَّةِ،أوِ الاِستیلاءِ عَلَی المُلکِ؛فَلَو کَفَفنا عَنها رُوَیداً لَأَتَت عَلی نُفوسِ العَسکَرِ بِحَذافیرِها (5)؛ فَما کُنّا فاعِلینَ لا امَّ لَکَ؟! (6)

زادَهُم ذلِکَ إلّاإقداماً عَلَیهِ،ودَعا عُمَرُ بنُ سَعدٍ الحُصَینَ بنَ تَمیمٍ،فَبَعَثَ مَعَهُ المُجَفَّفَةَ (1)وخَمسَمِئَةٍ مِنَ المُرامِیَةِ،فَرَشَقُوا الحُسَینَ علیه السّلام وأصحابَهُ بِالنَّبلِ حَتّی عَقَروا خُیولَهُم،فَصاروا رَجّالَةً کُلُّهُم،وَاقتَتَلوا نِصفَ النَّهارِ أشَدَّ قِتالٍ وأبرَحَهُ،وجَعَلوا لا یَقدِرونَ عَلی إتیانِهِم إلّامِن وَجهٍ واحِدٍ؛لِاجتِماعِ أبنِیَتِهِم وتَقارُبِها،ولِمَکانِ النّارِ الَّتی أوقَدوها خَلفَهُم.

وأمَرَ عُمَرُ بِتَخریقِ أبنِیَتِهِم وبُیوتِهِم،فَأَخَذوا یُخرِقونَها بِرِماحِهِم وسُیوفِهِم، وحَمَلَ شِمرٌ فِی المَیسَرَةِ حَتّی طَعَنَ فُسطاطَ الحُسَینِ علیه السّلام بِرُمحِهِ،ونادی:عَلَیَّ بِالنّارِ حَتّی احرِقَ هذَا البَیتَ عَلی أهلِهِ،فَصِحنَ النِّساءُ ووَلوَلنَ،وخَرَجنَ مِنَ الفُسطاطِ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:وَیحَکَ،أتَدعو بِالنّارِ لِتُحرِقَ بَیتی عَلی أهلی؟ (2)1652.تاریخ الطبری عن غلام لعبد الرّحمن بن عبد ربّه الأنصاری: إنَّ الحُسَینَ علیه السّلام رَکِبَ دابَّتَهُ،ودَعا بِمُصحَفٍ،فَوَضَعَهُ أمامَهُ،قالَ:فَاقتَتَلَ أصحابُهُ بَینَ یَدَیهِ قِتالاً شَدیداً (3).

1653.تاریخ الطبری عن الزبیدی: وقاتَلَهُم أصحابُ الحُسَینِ علیه السّلام قِتالاً شَدیداً،وأخَذَت خَیلُهُم تَحمِلُ وإنَّما هُمُ اثنانِ وثَلاثونَ فارِساً،وأخَذَت لا تَحمِلُ عَلی جانِبٍ مِن خَیلِ أهلِ الکوفَةِ إلّاکَشَفَتهُ،فَلَمّا رَأی ذلِکَ عَزرَةُ بنُ قَیسٍ-وهُوَ عَلی خَیلِ أهلِ الکوفَةِ-أنَّ خَیلَهُ تَنکَشِفُ مِن کُلِّ جانِبٍ،بَعَثَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ حِصنٍ،فَقالَ:

أما تَری ما تَلقی خَیلی مُذُ الیَومِ مِن هذِهِ العِدَّةِ الیَسیرَةِ؟اِبعَث إلَیهِمُ الرِّجالَ وَالرُّماةَ....

ص:134

ودَعا عُمَرُ بنُ سَعدٍ الحُصَینَ بنَ تَمیمٍ،فَبَعَثَ مَعَهُ المُجَفَّفَةَ وخَمسَمِئَةٍ مِنَ المُرامِیَةِ،فَأَقبَلوا حَتّی إذا دَنَوا مِنَ الحُسَینِ علیه السّلام وأصحابِهِ رَشَقوهُم بِالنَّبلِ،فَلَم یَلبَثوا أن عَقَروا خُیولَهُم،وصاروا رَجّالَةً کُلُّهُم. (1)

1654.تاریخ الطبری عن أبی مخنف: حَدَّثَنی نُمَیرُ بنُ وَعلَةَ:حَمَلَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ حَتّی طَعَنَ فُسطاطَ الحُسَینِ علیه السّلام بِرُمحِهِ،ونادی:عَلَیَّ بِالنّارِ حَتّی احَرِّقَ هذَا البَیتَ عَلی أهلِهِ.قالَ:فَصاحَ النِّساءُ،وخَرَجنَ مِنَ الفُسطاطِ.

قالَ:وصاحَ بِهِ الحُسَینُ علیه السّلام:یَا بنَ ذِی الجَوشَنِ ! أنتَ تَدعو بِالنّارِ لِتُحَرِّقَ بَیتی عَلی أهلی؟حَرَّقَکَ اللّهُ بِالنّارِ !

قالَ أبو مِخنَفٍ:حَدَّثَنی سُلَیمانُ بنُ أبی راشِدٍ عَن حُمَیدِ بنِ مُسلِمٍ،قالَ:قُلتُ لِشِمرِ بنِ ذِی الجَوشَنِ:سُبحانَ اللّهِ ! إنَّ هذا لا یَصلُحُ لَکَ،أتُریدُ أن تَجمَعَ عَلی نَفسِکَ خَصلَتَینِ،تُعَذِّبُ بِعَذابِ اللّهِ،وتَقتُلُ الوِلدانَ وَالنِّساءَ ! وَاللّهِ،إنَّ فی قَتلِکَ الرِّجالَ لَما تُرضی بِهِ أمیرَکَ.

قالَ:فَقالَ:مَن أنتَ؟قالَ:قُلتُ:لا اخبِرُکَ مَن أنَا.قالَ:وخَشیتُ وَاللّهِ،أن لَو عَرَفَنی أن یَضُرَّنی عِندَ السُّلطانِ.

قالَ:فَجاءَهُ رَجُلٌ کانَ أطوَعَ لَهُ مِنّی،شَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ،فَقالَ:ما رَأَیتُ مَقالاً أسوَأَ مِن قَولِکَ،ولا مَوقِفاً أقبَحَ مِن مَوقِفِکَ،أمُرعِباً لِلنِّساءِ صِرتَ؟قالَ:فَأَشهَدُ أنَّهُ استَحیا،فَذَهَبَ لِیَنصَرِفَ،وحَمَلَ عَلَیهِ زُهَیرُ بنُ القَینِ فی رِجالٍ مِن أصحابِهِ عَشَرَةٍ، فَشَدَّ عَلی شِمرِ بنِ ذِی الجَوشَنِ وأصحابِهِ،فَکَشَفَهُم عَنِ البُیوتِ حَتَّی ارتَفَعوا عَنها، فَصَرَعوا أبا عَزَّةَ الضِّبابِیَّ فَقَتَلوهُ،فَکانَ مِن أصحابِ شِمرٍ،وتَعَطَّفَ النّاسُ عَلَیهِم

ص:135

فَکَثَروهُم،فَلا یَزالُ الرَّجُلُ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام قَد قُتِلَ،فَإِذا قُتِلَ مِنهُمُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ تَبَیَّن فیهِم،واُولئِکَ کَثیرٌ لا یَتَبَیَّنُ فیهِم ما یُقتَلُ مِنهُم. (1)

1655.الإرشاد: تَراجَعَ القَومُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَحَمَلَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ لَعَنَهُ اللّهُ عَلی أهلِ المَیسَرَةِ،فَثَبَتوا لَهُ فَطاعَنوهُ،وحُمِلَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام وأصحابِهِ مِن کُلِّ جانِبٍ، وقاتَلَهُم أصحابُ الحُسَینِ علیه السّلام قِتالاً شَدیداً،فَأَخَذَت خَیلُهُم تَحمِلُ،وإنَّما هِیَ اثنانِ وثَلاثونَ فارِساً،فَلا تَحمِل عَلی جانِبٍ مِن خَیلِ الکوفَةِ إلّاکَشَفَتهُ.

فَلَمّا رَأی ذلِکَ عُروَةُ بنُ قَیسٍ-وهُوَ عَلی خَیلِ أهلِ الکوفَةِ-بَعَثَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ:أما تَری ما تَلقی خَیلی مُنذُ الیَومِ مِن هذِهِ العِدَّةِ الیَسیرَةِ؟اِبعَث إلَیهِمُ الرِّجالَ وَالرُّماةَ،فَبَعَثَ عَلَیهِم بِالرُّماةِ،فَعُقِرَ بِالحُرِّ بنِ یَزیدَ فَرَسُهُ،فَنَزَلَ عَنهُ،وجَعَلَ یَقولُ:

إن تَعقِروا بی فَأَنَا ابنُ الحُرِّ أشجَعُ مِن ذی لِبَدٍ (2)هِزَبرِ (3)

ویَضرِبُهُم بِسَیفِهِ،وتَکاثَروا عَلَیهِ،فَاشتَرَکَ فی قَتلِهِ أیّوبُ بنُ مُسَرِّحٍ ورَجُلٌ آخَرُ مِن فُرسانِ أهلِ الکوفَةِ.

وقاتَلَ أصحابُ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام القَومَ أشَدَّ قِتالٍ حَتَّی انتَصَفَ النَّهارُ،فَلَمّا رَأَی الحُصَینُ بنُ نُمَیرٍ-وکانَ عَلَی الرُّماةِ-صَبرَ أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام،تَقَدَّمَ إلی أصحابِهِ-وکانوا خَمسَمِئَةِ نابِلٍ-أن یَرشُقوا أصحابَ الحُسَینِ علیه السّلام بِالنَّبلِ،فَرَشَقوهُم، فَلَم یَلبَثوا أن عَقَروا خُیولَهُم،وجَرَحُوا الرِّجالَ وأرجَلوهُم،وَاشتَدَّ القِتالُ بَینَهُم ساعَةً.

ص:136

وجاءَهُم شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ فی أصحابِهِ،فَحَمَلَ عَلَیهِم زُهَیرُ بنُ القَینِ رَحِمَهُ اللّهُ فی عَشَرَةِ رِجالٍ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَکَشَفَهُم عَنِ البُیوتِ،وعَطَفَ عَلَیهِم شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ،فَقَتَلَ مِنَ القَومِ،ورَدَّ الباقینَ إلی مَواضِعِهِم،وأنشَأَ زُهَیرُ بنُ القَینِ یَقولُ مُخاطِباً لِلحُسَینِ علیه السّلام:

الیَومَ نَلقی جَدَّکَ النَّبِیّا وحَسَناً وَالمُرتَضی عَلِیّاً

وذَا الجَناحَینِ الفَتَی الکَمِیّا (1)وکانَ القَتلُ یَبینُ فی أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام؛لِقِلَّةِ عَدَدِهِم،ولا یَبینُ فی أصحابِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ؛لِکَثرَتِهِم،وَاشتَدَّ القِتالُ وَالتَحَمَ،وکَثُرَ القَتلُ وَالجِراحُ فی أصحابِ أبی عَبدِ اللّهِ الحُسَینِ علیه السّلام إلی أن زالَتِ الشَّمسُ،فَصَلَّی الحُسَینُ علیه السّلام بِأَصحابِهِ صَلاةَ الخَوفِ. (2)

1656.تاریخ الطبری عن نُمیر بن وعلة: وقاتَلوهُم [أیِ الحُسَینَ علیه السّلام وأصحابَهُ] حَتَّی انتَصَفَ النَّهارُ،أشَدَّ قِتالٍ خَلَقَهُ اللّهُ،وأخَذوا لا یَقدِرونَ عَلی أن یَأتوهم إلّامِن وَجهٍ واحِدٍ؛ لِاجتِماعِ أبنِیَتِهِم،وتَقارُبِ بَعضِها مِن بَعضٍ.

قالَ:فَلَمّا رَأی ذلِکَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ،أرسَلَ رِجالاً یُقَوِّضونَها عَن أیمانِهِم وعَن شَمائِلِهِم؛لِیُحیطوا بِهِم،قالَ:فَأَخَذَ الثَّلاثَةُ وَالأَربَعَةُ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام یَتَخَلَّلونَ البُیوتَ،فَیَشُدّونَ عَلَی الرَّجُلِ وهُوَ یُقَوِّضُ ویَنتَهِبُ،فَیَقتُلونَهُ ویَرمونَهُ مِن قَریبٍ ویَعقِرونَهُ،فَأَمَرَ بِها عُمَرُ بنُ سَعدٍ عِندَ ذلِکَ،فَقالَ:أحرِقوها بِالنّارِ،ولا تَدخُلوا بَیتاً ولا تُقَوِّضوهُ،فَجاءوا بِالنّارِ،فَأَخَذوا یُحرِقونَ.

ص:137

فَقالَ حُسَینٌ علیه السّلام:دَعوهُم فَلیُحرِقوها،فَإِنَّهُم لَو قَد حَرَّقوها لَم یَستَطیعوا أن یَجوزوا إلَیکُم مِنها،وکانَ ذلِکَ کَذلِکَ،وأخَذوا لا یُقاتِلونَهُم إلّامِن وَجهٍ واحِدٍ. (1)

1657.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: حَمَلَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ،فَثَبَتوا لَهُ،وقاتَلَ أصحابُ الحُسَینِ علیه السّلام قِتالاً شَدیداً،وإنَّما هُمُ اثنانِ وثَلاثونَ فارِساً،فَلا یَحمِلونَ عَلی جانِبٍ مِن أهلِ الکوفَةِ إلّاکَشَفوهُ.

فَدَعا عُمَرُ بنُ سَعدٍ بِالحُصَینِ بنِ نُمَیرٍ فی خَمسِمِئَةٍ مِنَ الرُّماةِ،فَأَقبَلوا حَتّی دَنَوا مِنَ الحُسَینِ علیه السّلام وأصحابِهِ،فَرَشَقوهُم بِالنَّبلِ،فَلَم یَلبَثوا أن عَقَروا خُیولَهُم،وقاتَلوهُم حَتَّی انتَصَفَ النَّهارُ،وَاشتَدَّ القِتالُ،ولَم یَقدِر أصحابُ ابنِ سَعدٍ أن یَأتوهُم إلّامِن جانِبٍ واحِدٍ؛لِاجتِماعِ أبنِیَتِهِم،وتَقارُبِ بَعضِها مِن بَعضٍ.

فَأَرسَلَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ الرِّجالَ لِیُقَوِّضُوا الأَبنِیَةَ مِن عَن شَمائِلِهِم وأیمانِهِم،لِیُحیطوا بِها،وأخَذَ الثَّلاثَةُ وَالأَربَعَةُ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام یَتَخَلَّلونَ بَینَها،فَیَشُدّونَ عَلَی الرَّجُلِ وهُوَ یُقَوِّضُ،ویَنهَبُ فَیَرمونَهُ عَن قَریبٍ،فَیَصرَعونَهُ ویَقتُلونَهُ.

فَأَمَرَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ أن یُحرِقوها بِالنّارِ،فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام لِأَصحابِهِ:دَعوهُم فَلیُحرِقوها،فَإِنَّهُم لَو فَعَلوا لَم یَجوزوا إلَیکُم مِنها،فَأَحرَقوها،وکانَ ذلِکَ کَذلِکَ.

وقیلَ:قالَ لَهُ شَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ:أفزَعتَ النِّساءَ ثَکِلَتکَ امُّکَ ! فَاستَحیا مِن ذلِکَ، وَانصَرَفَ عَنهُ،وجَعَلوا لا یُقاتِلونَهُم إلّامِن وَجهٍ واحِدٍ.

وشَدَّ أصحابُ زُهَیرِ بنِ القَینِ،فَقَتَلوا أبا عُذرَةَ الضِّبابِیَّ منِ أصحابِ شِمرٍ.

قالَ:ولا یَزالُ یُقتَلُ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام الواحِدُ وَالاِثنانِ،فَتَبَیَّنُ ذلِکَ فیهِم؛لِقِلَّتِهِم،ویُقتَلُ مِن أصحابِ عُمَرَ العَشَرَةُ وَالعِشرونَ،فَلا یَتَبَیَّنُ ذلِکَ فیهِم؛

ص:138

لِکَثرَتِهِم. (1)

1658.تاریخ الطبری عن أبی جناب: حَمَلَ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ-وهُوَ عَلی مَیمَنَةِ النّاسِ-فِی المَیمَنَةِ،فَلَمّا أن دَنا مِن حُسَینٍ علیه السّلام جَثَوا لَهُ عَلَی الرُّکَبِ،وأشرَعُوا الرِّماحَ نَحوَهُم، فَلَم تُقدِم خَیلُهُم عَلَی الرِّماحِ،فَذَهَبَتِ الخَیلُ لِتَرجِعَ،فَرَشَقوهُم بِالنَّبلِ،فَصَرَعوا مِنهُم رِجالاً،وجَرَحوا مِنهُم آخَرینَ. (2)

1659.البدایة والنهایة عن أبی جناب: حَمَلَ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ أمیرُ مَیمَنَةِ جَیشِ ابنِ زِیادٍ، وجَعَلَ یَقولُ:قاتِلوا مَن مَرَقَ مِنَ الدِّینِ وفارَقَ الجَماعَةَ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:وَیحَکَ یا حَجّاجُ! أعَلَیَّ تُحَرِّضُ النّاسَ ! أنَحنُ مَرَقنا مِنَ الدّینِ وأنتَ تُقیمُ عَلَیهِ؟! سَتَعلَمونَ إذا فارَقَت أرواحُنا أجسادَنا مَن أولی بِصِلِیِّ النّارِ. (3)

قالَ:فَرَفَعَ الحُسَینُ علیه السّلام رَأسَهُ،ثُمَّ قالَ:ذَکَرتَ الصَّلاةَ،جَعَلَکَ اللّهُ مِنَ المُصَلّینَ الذّاکِرینَ ! نَعَم،هذا أوَّلُ وَقتِها،ثُمَّ قالَ:سَلوهُم أن یَکُفُّوا عَنّا حَتّی نُصَلِّیَ.

فَقالَ لَهُمُ الحُصَینُ بنُ تَمیمٍ:إنَّها لا تُقبَلُ ! فَقالَ لَهُ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ:لا تُقبَلُ؟! زَعَمتَ الصَّلاةَ مِن آلِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لا تُقبَلُ،وتُقبَلُ مِنکَ یا حِمارُ (1)؟!...

وقَتَلَ أبو ثُمامَةَ الصّائِدِیُّ ابنَ عَمٍّ لَهُ کانَ عَدُوّاً لَهُ،ثُمَّ صَلُّوا الظُّهرَ،صَلّی بِهِمُ الحُسَینُ علیه السّلام صَلاةَ الخَوفِ،ثُمَّ اقتَتَلوا بَعدَ الظُّهرِ،فَاشتَدَّ قِتالُهُم. (2)

1661.الملهوف: حَضَرَت صَلاةُ الظُّهرِ،فَأَمَرَ الحُسَینُ علیه السّلام زُهَیرَ بنَ القَینِ وسَعیدَ بنَ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیَّ أن یَتَقَدَّما أمامَهُ بِنِصفِ مَن تَخَلَّفَ مَعَهُ،ثُمَّ صَلّی بِهِم صَلاةَ الخَوفِ،فَوَصَلَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام سَهمٌ،فَتَقَدَّمَ سَعیدُ بنُ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیُّ ووَقَفَ یَقیهِ بِنَفسِهِ،ما زالَ ولا تَخَطّی حَتّی سَقَطَ إلَی الأَرضِ،وهُوَ یَقولُ:اللّهُمَّ العَنهُم لَعنَ عادٍ وثَمودَ،اللّهُمَّ أبلِغ نَبِیَّکَ عَنِّی السَّلامَ،وأبلِغهُ ما لَقیتُ مِن ألَمِ الجِراحِ؛فَإِنّی أرَدتُ ثَوابَکَ فی نَصرِ ذُرِّیَّةِ نَبِیِّکَ،ثُمَّ قَضی نَحبَهُ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ،فَوُجِدَ بِهِ ثَلاثَةَ عَشَرَ سَهماً سِوی ما بِهِ مِن ضَربِ السُّیوفِ وطَعنِ الرِّماحِ. (3)

1662.مثیر الأحزان: حَضَرَت صَلاةُ الظُّهرِ،فَأَمَرَ [الحُسَینُ] علیه السّلام لِزُهَیرِ بنِ القَینِ وسَعیدِ بنِ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیِّ أن یَتَقَدَّما أمامَهُ بِنِصفِ مَن تَخَلَّفَ مَعَهُ،وصَلّی بِهِم صَلاةَ الخَوفِ بَعدَ أن

ص:140

طَلَبَ مِنهُمُ الفُتورَ عَنِ القِتالِ لِأَداءِ الفَرضِ.

قالَ ابنُ حُصَینٍ:إنَّها لا تُقبَلُ مِنکَ.

قالَ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ:لا یُقبَلُ مِن آلِ رَسولِ اللّهِ وأنصارِهِم وتُقبَلُ مِنکَ وأنتَ شارِبُ الخَمرِ؟!

وقیلَ:صَلَّی الحُسَینُ علیه السّلام وأصحابُهُ فُرادی بِالإِیماءِ،وقاتَلَ زُهَیرٌ قِتالاً شَدیداً حَتّی قُتِلَ. (1)

1663.الإرشاد: اشتَدَّ القِتالُ وَالتَحَمَ،وکَثُرَ القَتلُ وَالجِراحُ فی أصحابِ أبی عَبدِ اللّهِ الحُسَینِ علیه السّلام إلی أن زالَتِ الشَّمسُ،فَصَلَّی الحُسَینُ علیه السّلام بِأَصحابِهِ صَلاةَ الخَوفِ. (2)

ص:141

ص:142

اللّهَ تَعالی خَلَقَ الدُّنیا لِلبَلاءِ،وخَلَقَ أهلَها لِلفَناءِ،فَجَدیدُها بالٍ،ونَعیمُها مُضمَحِلٌّ، وسُرورُها مُکفَهِرٌّ (1)،وَالمَنزِلُ بُلغَةٌ (2)،وَالدّارُ قُلعَةٌ (3)فَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَیرَ الزّادِ التَّقوی، وَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّکُم تُفلِحونَ (4). (5)

1666.الخرائج والجرائح عن جابر عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام :قالَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام لِأَصحابِهِ قَبلَ أن یُقتَلَ:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله قالَ:یا بُنَیَّ،إنَّکَ سَتُساقُ إلَی العِراقِ،وهِیَ أرضٌ قَدِ التَقی بِهَا النَّبِیّونَ وأوصِیاءُ النَّبِیّینَ،وهِیَ أرضٌ تُدعی«عَمورا»،وإنَّکَ تُستَشهَدُ بِها،ویُستَشهَدُ مَعَکَ جَماعَةٌ مِن أصحابِکَ،لا یَجِدونَ ألَمَ مَسِّ الحَدیدِ، وتَلا: «قُلْنا یا نارُ کُونِی بَرْداً وَ سَلاماً عَلی إِبْراهِیمَ» 6 ،تَکونُ الحَربُ عَلَیکَ وعَلَیهِم بَرداً وسَلاماً.

فَأَبشِروا،فَوَاللّهِ،لَئِن قَتَلونا فَإِنّا نَرِدُ عَلی نَبِیِّنا صلّی اللّه علیه و آله. (6)

1667.الأمالی للشجری عن حسین بن زید بن علی عن آبائه علیهم السّلام: إنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام خَطَبَ یَومَ اصیبَ،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،وقالَ:

الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی جَعَلَ الآخِرَةَ لِلمُتَّقینَ،وَالنّارَ وَالعِقابَ عَلَی الکافِرینَ،وإنّا

ص:145

-وَاللّهِ-ما طَلَبنا فی وَجهِنا هذَا الدُّنیا،فَنَکونَ الشّاکّینَ (1)فی رِضوانِ رَبِّنا،فَاصبِروا فَإِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذینَ اتَّقَوا،ودارُ الآخِرَةِ خَیرٌ لَکُم.

فَقالوا:بِأَنفُسِنا نَفدیکَ.

فَقالَ الحُسَینُ بنُ زَیدِ بنِ عَلِیٍّ:فَکانوا-وَاللّهِ-یُبادِرونَهُ إلَی القِتالِ،حَتّی مَضَوا بَینَ یَدَیهِ،فَیَحتَسِبُهُم ویَستَغفِرُ لَهُم. (2)

یَدعو لَهُم،ویَقولُ:جَزاکُمُ اللّهُ أحسَنَ جَزاءِ المُتَّقینَ ! فَجَعَلوا یُسَلِّمونَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام ویُقاتِلونَ،حَتّی یُقتَلوا. (1)

إلَیکَ،قادِرٌ عَلی ما أرَدتَ،ومُدرِکٌ ما طَلَبتَ،وشَکورٌ إذا شُکِرتَ،وذَکورٌ إذا ذُکِرتَ،أدعوکَ مُحتاجاً،وأرغَبُ إلَیکَ فَقیراً،وأفزَعُ إلَیکَ خائِفاً،وأبکی إلَیکَ مَکروباً،وأستَعینُ بِکَ ضَعیفاً،وأتَوَکَّلُ عَلَیکَ کافِیاً؛اُحکُم بَینَنا وبَینَ قَومِنا،فَإِنَّهُم غَرّونا وخَدَعونا وخَذَلونا،وغَدَروا بِنا وقَتَلونا،ونَحنُ عِترَةُ نَبِیِّکَ،ووُلدُ حَبیبِکَ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله الَّذِی اصطَفَیتَهُ بِالرِّسالَةِ،وَائتَمَنتَهُ عَلی وَحیِکَ،فَاجعَل لَنا مِن أمرِنا فَرَجاً ومَخرَجاً،بِرَحمَتِکَ یا أرحَمَ الرّاحِمینَ. (1)

راجع:ج 9 ص 240 (القسم الخامس عشر/الفصل العاشر/أدعیته یوم عاشوراء).

ص:148

أنّی لا أعلَمُ أصحاباً خَیراً مِن أصحابی (1). (2)

وتدلّ هذه الأحادیث علی أنّ أصحاب الإمام الحسین علیه السّلام کانوا اناساً کاملین فی عصر ذلک الإمام العظیم (3)،ولذا ورد فی الزیارة الرجبیّة:

السَّلامُ عَلَیکُم أیُّهَا الرَّبّانِیّونَ،أنتُم خِیَرَةُ اللّهِ،اختارَکُمُ اللّهُ لِأَبی عَبدِ اللّهِ عَلَیهِ السَّلامُ. (4)

کما جاء فی زیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلَیکُم یا خَیرَ أنصارٍ. (5)

وکذلک کلام زهیر بن القین،حیث قال:

وَاللّهِ،لَوَدِدتُ أنّی قُتِلتُ،ثُمَّ نُشِرتُ،ثُمَّ قُتِلتُ حَتّی اقتَلَ کَذا ألفَ قَتلَةٍ،وأنَّ اللّهَ یَدفَعُ بِذلِکَ القَتلَ عَن نَفسِکَ وعَن أنفُسِ هؤُلاءِ الفِتیَةِ مِن أهلِ بَیتِکَ. (1)

فهذه الکلمات التی صدرت عن أفرادٍ غیر مجبورین علی اختیار طریق الشهادة،ومن الممکن أن یسلکوا سبیل العافیة بابتعادهم عن الإمام،إن دلّت علی شیء فإنّما تدلّ علی استحکام إیمانهم وحرکتهم فی ظلّ نور الیقین.

فَکانَ الرَّجُلُ یَستَقبِلُ الرِّماحَ وَالسُّیوفَ بِصَدرِهِ ووَجهِهِ لِیَصِلَ إلی مَنزِلِهِ مِنَ الجَنَّةِ. (1)

فکان بلوغ أصحاب الإمام علیه السّلام قمّة الیقین یستوجب أن تزداد سکینتهم أکثر کلّما ازدادت الأوضاع تأزّماً وتوتّراً،خاصّة الذین کانوا یتمتّعون بکمالات أکثر،کما روی عن الإمام زین العابدین علیه السّلام:

وکانَ الحُسَینُ علیه السّلام وبَعضُ مَن مَعَهُ مِن خَصائِصِهِ،تُشرِقُ ألوانُهُم،وتَهدَأُ جَوارِحُهُم، وتَسکُنُ نُفوسُهُم،فَقالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ:اُنظُروا،لا یُبالی بِالمَوتِ !. (2)

وقال الإمام السجّاد علیه السّلام:

إنَّ لِلعَبّاسِ عِندَ اللّهِ تَبارَکَ وتَعالی مَنزِلَةً یَغبِطُهُ بِها جَمیعُ الشُّهداءِ یَومَ القِیامَةِ. (1)

کما نقل الشیخ الصدوق رحمه الله عن میثم التمّار،مخاطباً امرأة تدعی جبلة:

اعلَمی أنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام سَیِّدُ الشُّهَداءِ یَومَ القِیامَةِ،ولِأَصحابِهِ عَلی سائِرِ الشُّهَداءِ دَرَجَةٌ. (2)

واستناداً إلی بعض الروایات،فإنّه کان من أصحاب الإمام علیّ علیه السّلام الأبطال الشجعان، وقد شارک فی الحروب التی وقعت فی عصره،وکان بعد ذلک من أصحاب الإمام المجتبی علیه السّلام.

کان أبو ثمامة یسکن الکوفة،وهو أحد الأشخاص الذین أرسلوا الکتب بعد موت معاویة إلی الإمام الحسین علیه السّلام یدعوه إلی الثورة. (1)وعندما جاء مسلم بن عقیل بوصفه سفیراً للإمام،کان من أصحابه الموثوقین،ونشط فی خصوص تهیئة الأسلحة والإمکانیات المالیّة، (2)وعیّنه مسلم قائداً علی ربع تمیم وهمدان،وقد حاصر جیشُه ابنَ زیاد فی القصر. (3)وعندما خذل أهل الکوفة مسلماً وترکوه وحیداً،خرج أبو ثمامة من الکوفة والتحق بالإمام الحسین علیه السّلام، (4)وصار فی صفوف عشّاقه والمتفانین دونه.

ونظرة خاطفة فی حیاة هذا الرجل العظیم الملیئة بالفخر والاعتزاز،تُظهر أنّه کان یتمتّع بفطنة وذکاء سیاسیّین،ومعلومات أمنیّة وسیعة،فضلاً عن ثباته فی الإیمان وصلابته فی ولایة أهل البیت وبطولته وشجاعته،لذا عندما أراد کثیر بن عبد اللّه-الذی اقترح علی ابن سعد اغتیال الإمام علیه السّلام والکید به-أن یدخل علی الإمام مسلّحاً بوصفه حاملاً رسالة ابن سعد،حال أبو ثمامة دون ذلک. (5)

ومن النقاط البارزة والساطعة لهذا الرجل العظیم،والتی سجّلت فی تاریخ عاشوراء،

ص:155

هی التذکیر بإقامة الصلاة عند الظهر فی بحبوحة الحرب فی یوم عاشوراء،حیث خاطب أبو ثمامة الإمام فی تلک الغوغاء:

یا أبا عَبدِ اللّهِ،نَفسی لَکَ الفِداءُ ! إنّی أری هؤُلاءِ قَدِ اقتَرَبوا مِنکَ،ولا وَاللّهِ،لا تُقتَلُ حَتّی اقتَلَ دونَکَ إن شاءَ اللّهُ،واُحِبُّ أن ألقی رَبّی وقَد صَلَّیتُ هذِهِ الصَّلاةَ الَّتی دَنا وَقتُها.

وعندما سمع الإمام الحسین علیه السّلام کلام أبی ثمامة رفع رأسه وقال:

ذَکَرتَ الصَّلاةَ،جَعَلَکَ اللّهُ مِنَ المُصَلّینَ الذّاکِرینَ ! نَعَم،هذا أوَّلُ وَقتِها.ثُمَّ قالَ:

سَلوهُم أن یَکُفُّوا عَنّا حَتّی نُصَلِّیَ.

فتجاسر حصین بن نمیر علی الإمام وقال:إنّ صلاتکم غیر مقبولة! فأجابه حبیب بن مظاهر،وقاتله واستشهد،کما قُتل ابن عمّ أبی ثمامة الذی کان فی عسکر ابن سعد فی هذا الاشتباک علی یده (1)،وأخیراً فقد اقیمت صلاة الظهر فی ظهر عاشوراء جماعة وباقتراح أبی ثمامة،فکانت صلاةً تاریخیّة للإمام الحسین علیه السّلام فی ساحة الحرب. (2)

وقد تجلّی مسرح صلاة الجماعة بإمامة الحسین علیه السّلام،ووجهه ملطّخ بالدماء فی ساحة القتال،أمام النبال التی کانت تتقاطر علیهم.

وبعد استشهاد عدد من أصحاب أبی عبد اللّه علیه السّلام،دخل أبوثمامة ساحة القتال وهجم علی صفوف الأعداء،وهو یرتجز بهذه الأبیات:

عَزاءٌ لِآلِ المُصطَفی وبَناتِهِ

ص:156

وأخیراً التحق بموکب شهداء کربلاء فی اشتباکٍ مع قیس بن عبد اللّه؛وقد ورد اسمه فی الزیارتین الرجبیّة (1)والناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی أبی ثُمامَةَ عُمَرَ بنِ عَبدِ اللّهِ الصّائِدِیِّ. (2)

1673.الحدائق الوردیة: قُتِلَ مِن هَمدانَ أبو ثُمامَةَ عُمَرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الصّائِدِیُّ،وکانَ مِن أصحابِ أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السّلام،قَتَلَهُ قَیسُ بنُ عَبدِ اللّهِ. (3)

1674.تاریخ الطبری عن محمّد بن قیس: قَتَلَ أبو ثُمامَةَ الصّائِدِیُّ ابنَ عَمٍّ لَهُ،کانَ عَدُوّاً لَهُ. (4)

1675.أنساب الأشراف: قُتِلَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام زِیادُ بنُ عَمرِو بنِ عَریبٍ الصّائِدِیُّ مِن هَمدانَ، فَکانَ یُکَنّی أبا ثُمامَةَ. (5)

هزلة، (1)ومالک بن أنس الکاهلی. (2)

اعتبر أنس بن الحارث أحد أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله (3)و الإمام الحسین علیه السّلام. (4)

روی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله إذ قال:

إنَّ ابنی هذا-یَعنِی الحُسَینَ علیه السّلام-یُقتَلُ بِأَرضٍ یُقالُ لَها:کَربَلاءُ،فَمَن شَهِدَ ذلِکَ مِنکُم فَلیَنصُرهُ.

وتستمرّ الروایة قائلة:

فَخَرَجَ أنَسُ بنُ الحارِثِ إلی کَربَلاءَ،فَقُتِلَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام. (5)

إلّا أنّه ورد فی روایة البلاذری،أنّه خرج من الکوفة شأنه شأن عبید اللّه بن الحرّ الجعفی، حیث لم یکن یرغب أن یکون مع الإمام ولا مع ابن زیاد،وعندما التقی الإمام قال:

وَاللّهِ،ما أخرَجَنی مِنَ الکوفَةِ إلّاما أخرَجَ هذا،مِن کَراهَةِ قِتالِکَ أوِ القِتالِ مَعَکَ، ولکِنَّ اللّهَ قَذَفَ فی قَلبی نُصرَتَکَ وشَجَّعَنی عَلَی المَسیرِ مَعَکَ. (6)

جدیر بالذکر أنّه مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ أنس بن الحارث هو راوی الروایة التی تنبّأ

ص:158

فیها النبیّ صلّی اللّه علیه و آله بشهادة الإمام علیه السّلام، (1)وأنّ روایة البلاذری هذه لم ترد فی سائر المصادر،فإنّه من المستبعد أن تکون هذه الروایة صحیحة.

بل یمکن القول:إنّ من المحتمل أن یکون هو ذلک الشخص الذی أقام فی هذه المنطقة منذ سنوات قبل واقعة کربلاء،وذلک بدلیل استماع التنبّؤ المذکور کی ینال فیض الشهادة مع سیّد الشهداء علیه السّلام. (2)

وقد ذکر فی زیارتی الرجبیة (3)والناحیة المقدّسة هکذا:

السَّلامُ عَلی أنَسِ بنِ کاهِلٍ الأَسَدِیِّ (4)

1676.مثیر الأحزان: ...ثُمَّ خَرَجَ أنَسُ بنُ الحارِثِ الکاهِلِیُّ وهُوَ یَقولُ:

قَد عَلِمَت کاهِلُنا وذودانِ

ص:159

وآلُ حَربٍ شیعَةُ الشَّیطانِ (1)

1677.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جدّه [زین العابدین] علیهم السّلام :بَرَزَ...مالِکُ بنُ أنَسٍ الکاهِلِیُّ،وهُوَ یَقولُ:

قَد عَلِمَت کاهِلُها ودودانِ

فَقَتَلَ مِنهُم ثَمانِیَةَ عَشَرَ رَجُلاً،ثُمَّ قُتِلَ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (2)

یزید بن خضیر الهمدانی، (1)یزید بن حصین الهمدانی المشرقی، (2)زید بن حصین الهمدانی المشرقی، (3)یزید بن عبداللّه المشرقی، (4)وبریر بن حصین الهمدانی. (5)

إذا تأمّلنا قلیلاً،یتّضح أنّ المراد من کافّة هذه الأسماء هو شخص واحد،وأنّ تعابیر مثل:

«یزید»،«زید»هی تصحیفات فی الکتابة.

کان الإمام علیه السّلام وأصحابه فی حلقة محاصرة الأعداء وفی مقربة من الشهادة، (1)وکان یتحدّث مع صاحبه عبدالرحمن بوجه بشوش،وعندما اعترض صدیقه علی ذلک قائلاً:

یا بریر! أتضحک؟! ما هذه ساعة ضحک ولا باطل؟

أجابه بقوله:

لقد علم قومی أنّی ما أحببت الباطل کهلاً ولا شابّاً،وإنّما أفعل ذلک استبشاراً بما نصیر إلیه،فواللّه،ما هو إلاّ أن نلقی هؤلاء القوم بأسیافنا نعالجهم بها ساعة،ثمّ نعانق الحور العین. (2)

و استشهد فی یوم عاشوراء-بعد أن خاض معرکة بطولیّة-علی ید کعب بن جابر. (3)

وجاء فی زیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی یَزیدَ بنِ حُصَینٍ الهَمدانِیِّ المِشرَقِیِّ القاری،المُجَدَّلِ بِالمَشرَفِیِّ. (4)

وقد ورد اسمه فی الزیارة الرجبیّة أیضاً. (5)

1678.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جدّه [زین العابدین] علیهم السّلام :بَرَزَ...بُرَیرُ بنُ خُضَیرٍ الهَمدانِیُّ،وکانَ أقرَأَ أهلِ زَمانِهِ،وهُوَ یَقولُ:

أنَا بُرَیرٌ وأبی خُضَیرُ لا خَیرَ فیمَن لَیسَ فیهِ خَیرُ

ص:163

فَقَتَلَ مِنهُم ثَلاثینَ رَجُلاً،ثُمَّ قُتِلَ رِضوانُ اللّهِ عَلیهِ. (1)

1679.الملهوف: خَرَجَ بُرَیرُ بنُ خُضَیرٍ وکانَ زاهِداً عابِداً،فَخَرَجَ إلَیهِ یَزیدُ بنُ مَعقِلٍ،وَاتَّفَقا عَلَی المُباهَلَةِ إلَی اللّهِ فی أن یَقتُلَ المُحِقُّ مِنهُمَا المُبطِلَ،فَتَلاقَیا فَقَتَلَهُ بُرَیرٌ،ولَم یَزَل یُقاتِلُ حَتّی قُتِلَ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (2)

1680.تاریخ الطبری عن أبی مخنف عن یوسف بن یزید عن عفیف بن زهیر بن أبی الأخنس -وکانَ قَد شَهِدَ مَقتَلَ الحُسَینِ علیه السّلام-:خَرَجَ یَزیدُ بنُ مَعقِلٍ مِن بَنی عَمیرَةَ بنِ رَبیعَةَ وهُوَ حَلیفٌ لِبَنی سَلیمَةَ مِن عَبدِ القَیسِ،فَقالَ:یا بُرَیرَ بنَ حُضَیرٍ ! کَیفَ تَرَی اللّهَ صَنَعَ بِکَ؟

قالَ:صَنَعَ اللّهُ-وَاللّهِ-بی خَیراً،وصَنَعَ اللّهُ بِکَ شَرّاً.

قالَ:کَذَبتَ،وقَبلَ الیَومِ ما کُنتَ کَذّاباً،هَل تَذکُرُ وأنَا اماشیکَ فی بَنی لَوذانَ وأنتَ تَقولُ:إنَّ عُثمانَ بنَ عَفّانَ کانَ عَلی نَفسِهِ مُسرِفاً،وإنَّ مُعاوِیَةَ بنَ أبی سُفیانَ ضالٌّ مُضِلٌّ،وإنَّ إمامَ الهُدی وَالحَقِّ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ؟

فَقالَ لَهُ بُرَیرٌ:أشهَدُ أنَّ هذا رَأیی وقَولی،فَقالَ لَهُ یَزیدُ بنُ مَعقِلٍ:فَإِنّی أشهَدُ أنَّکَ مِنَ الضّالّینَ.

فَقالَ لَهُ بُرَیرُ بنُ حُضَیرٍ:هَل لَکَ فَلاُباهِلکَ؟وَلنَدعُ اللّهَ أن یَلعَنَ الکاذِبَ وأن یَقتُلَ المُبطِلَ،ثُمَّ اخرُج فَلاُبارِزکَ.قالَ:فَخَرَجا فَرَفَعا أیدِیَهُما إلَی اللّهِ یَدعُوانِهِ أن یَلعَنَ الکاذِبَ،وأن یَقتُلَ المُحِقُّ المُبطِلَ،ثُمَّ بَرَزَ کُلُّ واحِدٍ مِنهُما لِصاحِبِهِ،فَاختَلَفا

ص:164

ضَربَتَینِ،فَضَرَبَ یَزیدُ بنُ مَعقِلٍ بُرَیرَ بنَ حُضَیرٍ ضَربَةً خَفیفَةً لَم تَضُرَّهُ شَیئاً، وضَرَبَهُ بُرَیرُ بنُ حُضَیرٍ ضَربَةً قَدَّتِ المِغفَرَ (1)،وبَلَغَتِ الدِّماغَ،فَخَرَّ کَأَنَّما هَوی مِن حالِقٍ،وإنَّ سَیفَ ابنِ حُضَیرٍ لَثابِتٌ فی رَأسِهِ،فَکَأَنّی أنظُرُ إلَیهِ یُنَضنِضُهُ (2)مِن رَأسِهِ.

وحَمَلَ عَلَیهِ رَضِیُّ بنُ مُنقِذٍ العَبدِیُّ فَاعتَنَقَ بُرَیراً،فَاعتَرَکا ساعَةً.ثُمَّ إنَّ بُرَیراً قَعَدَ عَلی صَدرِهِ،فَقالَ رَضِیٌّ:أینَ أهلُ المِصاعِ (3)وَالدِّفاعِ؟قالَ:فَذَهَبَ کَعبُ بنُ جابِرِ بنِ عَمرٍو الأَزدِیُّ لِیَحمِلَ عَلَیهِ،فَقُلتُ:إنَّ هذا بُرَیرُ بنُ حُضَیرٍ القارِئُ الَّذی کانَ یُقرِئُنَا القُرآنَ فِی المَسجِدِ،فَحَمَلَ عَلَیهِ بِالرُّمحِ حَتّی وَضَعَهُ فی ظَهرِهِ،فَلَمّا وَجَدَ مَسَّ الرُّمحِ بَرَکَ عَلَیهِ فَعَضَّ بِوَجهِهِ،وقَطَعَ طَرَفَ أنفِهِ،فَطَعَنَهُ کَعبُ بنُ جابِرٍ حَتّی ألقاهُ عَنهُ،وقَد غَیَّبَ السِّنانَ فی ظَهرِهِ،ثُمَّ أقبَلَ عَلَیهِ یَضرِبُهُ بِسَیفِهِ حَتّی قَتَلَهُ.

قالَ عَفیفٌ:کَأَنّی أنظُرُ إلَی العَبدِیِّ الصَّریعِ قامَ یَنفُضُ التُّرابَ عَن قَبائِهِ،ویَقولُ:

أنعَمتَ عَلَیَّ یا أخَا الأَزدِ نِعمَةً لَن أنساها أبَداً.

قالَ:فَقُلتُ:أنتَ رَأَیتَ هذا؟قالَ:نَعَم،رَأْیَ عَینی وسَمْعَ اذُنی.

فَلَمّا رَجَعَ کَعبُ بنُ جابِرٍ،قالَت لَهُ امرَأَتُهُ-أو اختُهُ-النَّوارُ بِنتُ جابِرٍ:أعَنتَ عَلَی ابنِ فاطِمَةَ وقَتَلتَ سَیِّدَ القُرّاءِ ! لَقَد أتَیتَ عَظیماً مِنَ الأَمرِ،وَاللّهِ لا اکَلِّمُکَ مِن رَأسی کَلِمَةً أبَداً.وقالَ کَعبُ بنُ جابِرٍ:

سَلی تُخبَری عَنّی وأنتِ ذَمیمَةٌ

ص:165

مَعی یَزَنِیٌّ (1)لَم تَخُنهُ کُعوبُهُ

قالَ أبو مِخنَفٍ:حَدَّثَنی عَبدُ الرَّحمنِ بنُ جُندَبٍ،قالَ:سَمِعتُهُ فی إمارَةِ مُصعَبِ بنِ الزُّبَیرِ وهُوَ یَقولُ:یا رَبِّ إنّا قَد وَفَینا فَلا تَجعَلنا یا رَبِّ کَمَن قَد غَدَرَ، فَقالَ لَهُ أبی:صَدَقَ،ولَقَد وَفی وکَرُمَ،وکَسَبتَ لِنَفسِکَ شَرّاً،قالَ:کَلّا ! إنّی لَم أکسِب لِنَفسی شَرّاً،ولکِنّی کَسَبتُ لَها خَیراً.

قالَ:وزَعَموا أنَّ رَضِیَّ بنَ مُنقِذٍ العَبدِیَّ رَدَّ بَعدُ علَی کَعبِ بنِ جابِرٍ جَوابَ قَولِهِ فَقالَ:

لَو شاءَ رَبّی ما شَهِدتُ قِتالَهُم

ص:166

فَیا لَیتَ أنّی کُنتُ مِن قَبلِ قَتلِهِ ویَومَ حُسَینٍ کُنتُ فی رَمسِ (1)قابِرِ (2)

1681.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: أصبَحَ الحُسَینُ علیه السّلام فَصَلّی بِأَصحابِهِ،ثُمَ قُرِّبَ إلَیهِ فَرَسُهُ فَاستَوی عَلَیهِ،وتَقَدَّمَ نَحوَ القَومِ فی نَفَرٍ مِن أصحابِهِ،وبَینَ یَدَیهِ بُرَیرُ بنُ خُضَیرٍ الهَمدانِیُّ،فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:کَلِّمِ القَومَ یا بُرَیرُ وَانصَحهُم.فَتَقَدَّمَ بُرَیرٌ حَتّی وَقَفَ قَریباً مِنَ القَومِ وَالقَومُ قَد زَحَفوا إلَیهِ عَن بُکرَةِ أبیهِم،فَقالَ لَهُم بُرَیرٌ:یا هؤُلاءِ اتَّقُوا اللّهَ؛فَإِنَّ ثَقَلَ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله قَد أصبَحَ بَینَ أظهُرِکُم،هؤُلاءِ ذُرِّیَّتُهُ وعِترَتُهُ وَبناتُهُ وحَرَمُهُ، فَهاتوا ما عِندَکُم،ومَا الَّذی تُریدونَ أن تَصنَعوا بِهِم؟

فَقالوا:نُریدُ أن نُمَکِّنَ مِنهُمُ الأَمیرَ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ فَیَری رَأیَهُ فیهِم.

فَقالَ بُرَیرٌ:أفَلا تَرضَونَ مِنهُم أن یَرجِعوا إلَی المَکانِ الَّذی أقبَلوا مِنهُ؟وَیلَکُم یا أهلَ الکوفَةِ ! أنَسیتُم کُتُبَکُم إلَیهِ وعُهودَکُمُ الَّتی أعطَیتُموها مِن أنفُسِکُم وأشهَدتُمُ اللّهَ عَلَیها وکَفی بِاللّهِ شَهیداً؟وَیلَکُم ! دَعَوتُم أهلَ بَیتِ نَبِیِّکُم وزَعَمتُم أنَّکُم تَقتُلونَ أنفُسَکُم مِن دونِهِم،حَتّی إذا أتَوکُم أسلَمتُموهُم لِعُبَیدِ اللّهِ،وحَلَّأتُموهُم (3)عَن ماءِ الفُراتِ الجاری وهُوَ مَبذولٌ،یَشرَبُ مِنهُ الیَهودُ وَالنَّصاری وَالمَجوسُ،وتَرِدُهُ الکِلابُ وَالخَنازیرُ ! بِئسَما خَلَفتُم مُحَمَّداً فی ذُرِّیَّتِهِ ! ما لَکُم؟! لا سَقاکُمُ اللّهُ یَومَ القِیامَةِ ! فَبِئسَ القَومُ أنتُم.

فَقالَ لَهُ نَفَرٌ مِنهُم:یا هذا ! ما نَدری ما تَقولُ.

ص:167

فَقالَ بُرَیرٌ:الحَمدُ لِلّهِ الَّذی زادَنی فیکُم بَصیرَةً،اللّهُمَّ إنّی أبرَأُ إلَیکَ مِن فِعالِ هؤُلاءِ القَومِ،اللّهُمَّ ألقِ بَأسَهُم بَینَهُم حَتّی یَلقَوکَ وأنتَ عَلَیهِم غَضبانُ.

فَجَعَلَ القَومُ یَرمونَهُ بِالسِّهامِ،فَرَجَعَ بُرَیرٌ إلی وَرائِهِ. (1)

1682.المناقب لابن شهرآشوب: بَرَزَ بُرَیرُ بنُ خُضَیرٍ الهَمدانِیُّ وهُوَ یَقولُ:

أنَا بُرَیرٌ وأبی خُضَیرٌ

کَذاکَ فِعلُ الخَیرِ مِن بُرَیرِ

قَتَلَهُ بَحیرُ بنُ أوسٍ الضَّبِّیُّ. (2)

راجع:ص 72 (الفصل الأوّل/من وقائع لیلة عاشوراء)

و ص 73 (حوار بریر و شمر)

و ص 106 (الفصل الثانی/احتجاجات الإمام علیه السّلام علی جیش الکوفة).

بشیر بن عمرو، (1)ومحمد بن بشیر الحضرمی. (2)وهو من أصحاب الإمام علیه السّلام الراسخین والأوفیاء.

سمع النبأ الفادح لأسر ابنه وهو فی کربلاء،وفی حین کان بإمکانه أن یترک ساحة الحرب بذریعة فکاک ابنه من الأسر،إلّاأنّه أثبت فتوّته ولم یترک الإمام علیه السّلام.وعندما قال له الإمام علیه السّلام:

أنتَ فی حِلٍّ مِن بَیعَتی،فَاعمَل فی فِکاکِ ابنِکَ.

أجاب:

أکَلَتنِی السِّباعُ حَیّاً إن فارَقتُکَ. (3)

وجاء فی روایة اخری أنّ الإمام علیه السّلام قال إنّه سیعطیه فدیة فکاک أسر ابنه أیضاً،لکنّه لم یقبل ذلک،وقال:

هَیهاتَ أن افارِقَکَ،ثُمَّ أسأَلَ الرُّکبانَ عَن خَبَرِکَ ! لا یَکونُ-وَاللّهِ-هذا أبَداً،ولا افارِقُکَ. (4)

واستناداً لروایة الطبری (5)فإنّ بشیراً وسویداً کانا آخر أصحاب الإمام الذین التحقوا بموکب شهداء کربلاء.

خرج لقتال الأعداء وهو یرتجز بهذه الأبیات حتّی استشهد:

الیَومَ یا نَفسُ الاقِی الرَّحمانَ وَالیَومَ تُجزَینَ بِکُلِّ إحسانِ

ص:169

لا تَجزَعی فَکُلُّ شَیءٍ فانٍ وَالصَّبرُ أحظی لَکَ عِندَ الدَّیّانِ (1)

ورد اسمه فی زیارة الناحیة المقدّسة هکذا:

السَّلامُ عَلی بِشرِ بنِ عُمَرَ الحَضرَمِیِّ،شَکَرَ اللّهُ لَکَ قَولَکَ لِلحُسَینِ وقَد أذِنَ لَکَ فِی الاِنصِرافِ:أکَلَتنی إذَن السِّباعُ حَیّاً إن فارَقتُکَ وأسأَلُ عَنکَ الرُّکبانَ،وأخذُلُکَ مَعَ قِلَّةِ الأَعوانِ،لا یَکونُ هذا أبَداً. (2)

کما جاء اسمه فی الزیارة الرجبیّة أیضاً. (3)

1683.تهذیب الکمال عن الأسود بن قیس: قیلَ لِمُحَمَّدِ بنِ بَشیرٍ الحَضرَمِیِّ:قَد اسِرَ ابنُکَ بِثَغرِ الرَّیِّ،قالَ:عِندَ اللّهِ أحتَسِبُهُ ونَفسی،ما کُنتُ احِبُّ أن یُؤسَرَ،ولا أن أبقی بَعدَهُ.

فَسَمِعَ الحُسَینُ علیه السّلام قَولَهُ،فَقالَ لَهُ:رَحِمَکَ اللّهُ ! أنتَ فی حِلٍّ مِن بَیعَتی،فَاعمَل فی فِکاکِ ابنِکَ،قالَ:أکَلَتنِی السِّباعُ حَیّاً إن فارَقتُکَ.

قالَ:فَأَعطِ ابنَکَ هذِهِ الأَثوابَ البُرودَ (4)یَستَعینُ بِها فی فِداءِ أخیهِ،فَأَعطاهُ خَمسَةَ أثوابٍ ثَمَنُها ألفُ دینارٍ. (5)

1684.مقاتل الطالبیّین عن حمید بن مسلم: جاءَ رَجُلٌ حَتّی دَخَلَ عَسکَرَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَجاءَ إلی رَجُلٍ مِن أصحابِهِ،فَقالَ لَهُ:إنَّ خَبَرَ ابنِکَ فُلانٍ وافی؛إنَّ الدَّیلَمَ أسِروهُ، فَتَنصَرِفُ مَعی حَتّی نَسعی فی فِدائِهِ،فَقالَ:حَتّی أصنَعَ ماذا؟عِندَ اللّهِ أحتَسِبُهُ

ص:170

ونَفسی.فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:اِنصَرِف وأنتَ فی حِلٍّ مِن بَیعَتی،وأنَا اعطیکَ فِداءَ ابنِکَ،فَقالُ:هَیهاتَ أن افارِقَکَ،ثُمَّ أسأَلَ الرُّکبانَ عَن خَبَرِکَ ! لا یَکونُ وَاللّهِ هذا أبَداً ولا افارِقُکَ.

ثُمَّ حَمَلَ عَلَی القَومِ،فَقاتَلَ حَتّی قُتِلَ رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِ ورِضوانُهُ. (1)

الحائری، (1)ومالک بن سریع. (2)

کانا من أصحاب الإمام الحسین علیه السّلام، (3)جاءا إلیه فی اللحظات العسیرة من یوم عاشوراء وهما یبکیان،وعندما سألهما الإمام عن سبب بکائهما،أجاباه بقولهما:

جَعَلَنَا اللّهُ فِداکَ ! لا وَاللّهِ ما عَلی أنفُسِنا نَبکی،ولکِنّا نَبکی عَلَیکَ،نَراکَ قَد احیطَ بِکَ ولا نَقدِرُ عَلی أن نَمنَعَکَ.

فدعا لهما الإمام علیه السّلام. (4)

ورد اسماهما فی زیارتی الناحیة والرجبیّة، (5)فنقرأ فی زیارة الناحیة: (6)

السَّلامُ عَلی شَبیبِ بنِ الحارِثِ بنِ سَریعٍ.السَّلامُ عَلی مالِکِ بنِ عَبدِ بنِ سَریعٍ.

1685.تاریخ الطبری عن محمّد بن قیس: جاءَ الفَتَیانِ الجابِرِیّانِ (7):سَیفُ بنُ الحارِثِ بنِ سُرَیعٍ، ومالِکُ بنُ عَبدِ بنِ سُرَیعٍ،وهُمَا ابنا عَمٍّ وأخَوانِ لِاُمٍّ،فَأَتَیا حُسَیناً علیه السّلام فَدَنَوا مِنهُ وهُما یَبکیانِ.

فَقالَ:أیِ ابنَی أخی،ما یُبکیکُما؟فَوَاللّهِ إنّی لَأَرجو أن تَکونا عَن ساعَةٍ قَریرَی عَینٍ.

قالا:جَعَلَنَا اللّهُ فِداکَ ! لا وَاللّهِ ما عَلی أنفُسِنا نَبکی،ولکِنّا نَبکی عَلَیکَ،نَراکَ قَد احیطَ بِکَ ولا نَقدِرُ عَلی أن نَمنَعَکَ.

ص:172

فَقالَ:جَزاکُمَا اللّهُ یا بَنی أخی بِوَجدِکُما مِن ذلِکَ ومُواساتِکُما إیّایَ بِأَنفُسِکُما أحسَنَ جَزاءِ المُتَّقینَ...ثُمَّ استَقدَمَ الفَتَیانِ الجابِرِیّانِ یَلتَفِتانِ إلی حُسَینٍ علیه السّلام ویَقولانِ:السَّلامُ عَلَیکَ یَابنَ رَسولِ اللّهِ،فَقالَ:وعَلَیکُمَا السَّلامُ ورَحمَةُ اللّهِ،فَقاتَلا حَتّی قُتِلا. (1)

وذکره ابن شهرآشوب باسم«حباب بن الحارث»وعدّه ضمن شهداء الحملة الاُولی.

واعتبر ابن الکلبی حیّان بن الحارث من شهداء کربلاء.وعدّت بعض المصادر جنادة بن الحارث الأنصاری وابنه عمرو ضمن شهداء کربلاء.ونحن نحتمل أن یکون جنادة بن الحارث السلمانی نفسه.

هجم علی صفوف الأعداء وهو یرتجز هذه الأبیات،وقاتل حتّی استشهد:

أنَا جُنادَةُ أنَا ابنُ الحارِثِ

فحمل ولم یزل یقاتل حَتّی قُتل.ثمّ خرج من بعده عمرو بن جنادة،وهو ینشد ویقول:

أضِقِ الخِناقَ مِنِ ابنِ هِندٍ وَارمِهِ

ص:174

وجاء فی زیارة الناحیة:

السَّلامُ عَلی حَیّانَ بنِ الحارِثِ السَّلمانِیِّ الأَزدِیِّ. (1)

وذکر اسمه فی الزیارة الرجبیّة أیضاً. (2)

ثمّ دخل ساحة المعرکة وهجم علی العدوّ وهو ینشد هذه الأشعار:

کَیفَ تَرَی الفُجّارُ ضَربَ الأَسوَدِ

وقاتل هذا الموالی الصادق لأهل البیت علیه السّلام حتّی استشهد.وجاء فی روایة أنّ الإمام علیه السّلام وقف علی جنازته ودعا له بما یلی:

اللّهُمَّ بَیِّض وَجهَهُ،وطَیِّب ریحَهُ وَاحشُرهُ مَعَ الأَبرارِ،وعَرِّف بَینَهُ وبَینَ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ. (1)

وروی عن الإمام زین العابدین علیه السّلام أنّه عندما جاء الناس لدفن الشهداء بعد عشرة أیّام، کان عطر المسک یستشمّ من جنازته. (2)

ص:176

وجاء فی زیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی جَونِ بنِ حَرِیٍّ مَولی أبی ذَرٍّ الغِفارِیِّ. (1)

کما ذکر اسمه فی الزیارة الرجبیّة أیضاً. (2)

1686.الملهوف -فی ذِکرِ مَقتَلِ أصحابِ الإِمامِ عَلِیٍّ علیه السّلام-:بَرَزَ جَونٌ مَولی أبی ذَرٍّ،وکانَ عَبداً أسوَدَ،فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:

أنتَ فی إذنٍ مِنّی؛فَإِنَّما تَبِعتَنا طَلَباً لِلعافِیَةِ،فَلا تَبتَلِ بِطَریقِنا.

فَقالَ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،أنَا فِی الرَّخاءِ ألحَسُ قِصاعَکُم،وفِی الشِّدَّةِ أخذُلُکُم؟! وَاللّهِ إنَّ ریحی لَمُنتِنٌ،وإنَّ حَسَبی لَلَئیمٌ،ولَونی لَأَسوَدُ،فَتَنفَسُ عَلَیَّ بِالجَنَّةِ،فَیَطیبَ ریحی،ویَشرُفَ حَسَبی،ویَبیَضَّ وَجهی،لا وَاللّهِ لا افارِقُکُم حَتّی یَختَلِطَ هذَا الدَّمُ الأَسوَدُ مَعَ دِمائِکُم.

ثُمَّ قاتَلَ حَتّی قُتِلَ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (3)

حبیب بن مظهّر (1)الفقعسیّ (2)أیضاً،من خاصّة أصحاب الإمام علیّ والإمام الحسن والإمام الحسین علیهم السّلام، (3)بل استناداً إلی قول ابن حجر،فإنّه أدرک عصر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله أیضاً. (4)

کان فی عصر حکم الإمام علیّ علیه السّلام أحدَ أعضاء جیشه الخاصّ،والذی کان یسمّی ب «شرطة الخمیس». (5)

إنّ حدیث حبیب بن مظاهر مع میثم التمّار ورشید الهجری حول أحداث المستقبل، تدلّ علی أنّهم کانوا من أصحاب سرّ الإمام علیّ علیه السّلام،وممّن یتمتّعون بکمالات معنویّة رفیعة، وکانوا علی معرفة بعلم المنایا والبلایا. (6)

کان من أوائل الذین دعوا الإمام الحسین علیه السّلام للمجیء إلی الکوفة، (7)وبعد دخول مسلم علیه السّلام الکوفة وقراءة کتاب الإمام علیه السّلام علی أهلها،قام عابس فأظهر نوعاً من الشکّ بشأن صدق أهل الکوفة،وأقسم بأنّه یلبّی دعوة الإمام علیه السّلام وسفیره،ویحارب فی سبیل اللّه أعداءهما حتّی یلقی اللّه،وقام بعده حبیبٌ وقال:رحمک اللّه! قد قضیت ما فی نفسک بواجز من قولک.

ص:178

ثمّ قال:

وأنا واللّه الذی لا إله إلّاهو،علی مثل ما هذا علیه. (1)

وبدأت بیعة الناس لمسلم بعد کلام هذین الشخصین. (2)وکان لحبیب دور فعّال فی أخذ البیعة من أهل الکوفة. (3)

وبعد التحاقه بالإمام علیه السّلام بذل جهوداً کثیرة من أجل استقطاب الأفراد والمقاتلین من قبیلة بنی أسد إلی عسکر الإمام علیه السّلام (4)ومجابهة الأعداء. (5)

تولّی حبیب فی یوم عاشوراء قیادة میسرة عسکر الإمام علیه السّلام، (6)وکان یتمتّع بالسکینة بشکل عال،وکان مسروراً عند اقترابه من الشهادة،وفی نقلٍ أنّه کان یداعب أصحابه، (7)وحینما قال له بریر:

یا أخی! لَیسَ هذِهِ بِساعَةِ ضِحکٍ !

أجاب:

فَأَیُّ مَوضِعٍ أحَقُّ مِن هذا بِالسُّرورِ،وَاللّهِ ما هُوَ إلّاأن تَمیلَ عَلَینا هذِهِ الطَّغامُ بِسُیوفِهِم،فَنُعانِقُ الحورَ العینَ. (8)

وحمل علی جیش العدوّ وهو یرتجز هذه الأبیات:

ص:179

أنَا حَبیبٌ وأبی مُظاهِرُ

وهکذا قاتل حتّی التحق بموکب شهداء کربلاء.

وکانت شهادته مؤلمة جدّاً للإمام الحسین علیه السّلام،لذا فإنّه قال عند شهادته:

أحتَسِبُ نَفسی وحُماةَ أصحابی. (1)

وجاء فی زیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی حَبیبِ بنِ مُظاهِرٍ الأَسَدِیِّ. (2)

کما ذکر اسمه فی الزیارة الرجبیّة أیضاً. (3)

راجع:ص 240 (الفصل الثالث/مسلم بن عوسجة).

1687.رجال الکشّی عن فضیل بن الزبیر: مَرَّ میثَمٌ التَّمّارُ عَلی فَرَسٍ لَهُ،فَاستَقبَلَ حَبیبَ بنَ مُظاهِرٍ الأَسَدِیَّ عِندَ مَجلِسِ بَنی أسَدٍ،فَتَحَدَّثا حَتَّی اختَلَفَ أعناقُ فَرَسَیهِما.

ثُمَّ قالَ حَبیبٌ:لَکَأَنّی بِشَیخٍ أصلَعَ ضَخمِ البَطنِ یَبیعُ البِطّیخَ عِندَ دارِ الرِّزقِ،قَد صُلِبَ فی حُبِّ أهلِ بَیتِ نَبِیِّهِ صلّی اللّه علیه و آله،ویُبقَرُ بَطنُهُ عَلَی الخَشَبِ.

فَقالَ میثَمٌ:وإنّی لَأَعرِفُ رَجُلاً أحمَرَ لَهُ ضَفیرَتانِ (1)یَخرُجُ لِیَنصُرَ ابنَ بِنتِ نَبِیِّهِ، فَیُقتَلُ ویُجالُ بِرَأسِهِ بِالکوفَةِ.ثُمَّ افتَرَقا،فَقالَ أهلُ المَجلِسِ:ما رَأَینا أحَداً أکذَبَ مِن هذَینِ !

قالَ:فَلَم یَفتَرِق أهلُ المَجلِسِ حَتّی أقبَلَ رُشَیدٌ الهَجَرِیُّ،فَطَلَبَهُما فَسَأَلَ أهلَ المَجلِسِ عَنهُما،فَقالوا:اِفتَرَقا،وسَمِعناهُما یَقولانِ کَذا وکَذا،فَقالَ رُشَیدٌ:رَحِمَ اللّهُ میثَماً ! نَسِیَ:ویُزادُ فی عَطاءِ الَّذی یَجیءُ بِالرَّأسِ مِئَةُ دِرهَمٍ،ثُمَّ أدبَرَ،فَقالَ القَومُ:

هذا وَاللّهِ أکذَبُهُم !!

فَقالَ القَومُ:وَاللّهِ ما ذَهَبَتِ الأَیّامُ وَاللَّیالی حَتّی رَأَیناهُ مَصلوباً عَلی بابِ دارِ عَمرِو بنِ حُرَیثٍ،وجیءَ بِرَأسِ حَبیبِ بنِ مُظاهِرٍ قَد قُتِلَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام،ورَأَینا کُلَّ ما قالوا.

وکانَ حَبیبٌ مِنَ السَّبعینَ الرِّجالِ الَّذینَ نَصَرُوا الحُسَینَ علیه السّلام،ولَقوا جِبالَ الحَدیدِ، وَاستَقبَلُوا الرِّماحَ بِصُدورِهِم وَالسُّیوفَ بِوُجوهِهِم،وهُم یُعرَضُ عَلَیهِمُ الأَمانُ وَالأَموالُ فَیَأبونَ،ویَقولونَ:لا عُذرَ لَنا عِندَ رَسولِ اللّه صلّی اللّه علیه و آله إن قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام ومِنّا عَینٌ تَطرِفُ،حَتّی قُتِلوا حَولَهُ.

ولَقَد مَزَحَ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ الأَسَدِیُّ،فَقالَ لَهُ یَزیدُ بنُ خُضَیرٍ الهَمدانِیُّ،وکانَ

ص:181

یُقالُ لَهُ سَیِّدُ القُرّاءِ:یا أخی لَیسَ هذِهِ بِساعَةِ ضِحکٍ !

قالَ:فَأَیُّ مَوضِعٍ أحَقُّ مِن هذا بِالسُّرورِ،وَاللّهِ ما هُوَ إلّاأن تَمیلَ عَلَینا هذِهِ الطَّغامُ (1)بِسُیوفِهِم،فَنُعانِقُ الحورَ العینَ (2).

1688.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جدّه [زین العابدین] علیهم السّلام :ثُمَّ بَرَزَ حَبیبُ بنُ مُظَهَّرٍ الأَسَدِیُّ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ،وهُوَ یَقولُ:

أنَا حَبیبٌ وأبی مُظَهَّرُ لَنَحنُ أزکی مِنکُمُ وأطهَرُ

نَنصُرُ خَیرَ النّاسِ حینَ یُذکَرُ

فَقَتَلَ مِنهُم أحَداً وثَلاثینَ رَجُلاً،ثُمَّ قُتِلَ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (3)

1689.الفتوح: وخَرَجَ...حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ الأَسَدِیُّ،وهُوَ یَرتَجِزُ ویَقولُ:

أنَا حَبیبٌ وأبی مُظاهِرُ

ثُمَّ حَمَلَ فَلَم یَزَل یُقاتِلُ حَتّی قُتِلَ رَحِمَهُ اللّهُ. (4)

1690.تاریخ الطبری عن أبی مخنف عن سلیمان بن أبی راشد عن حمید بن مسلم: قالَ [ الحُسَینُ علیه السّلام

ص:182

فی ظُهرِ عاشوراءَ ]:سَلوهُم أن یَکُفّوا عَنّا حَتّی نُصَلِّیَ،فَقالَ لَهُمُ الحُصَینُ بنُ تَمیمٍ:

إنَّها لا تُقبَلُ،فَقالَ لَهُ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ:لا تُقبَلُ ! زَعَمتَ الصَّلاة مِن آل رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لا تُقبَلُ،وتُقبَلُ مِنکَ یا حِمارُ؟

قالَ:فَحَمَلَ عَلَیهِم حُصَینُ بنُ تَمیمٍ،وخَرَجَ إلَیهِ حَبیبُ بنُ مَظاهِرٍ،فَضَرَبَ وَجهَ فَرَسِهِ بِالسَّیفِ،فَشَبَّ ووَقَعَ عَنهُ،وحَمَلَهُ أصحابُهُ فَاستَنقَذوهُ،وأخَذَ حَبیبٌ یَقولُ:

اُقسِمُ لَو کُنّا لَکُم أعداداً أو شَطرَکُم وَلَّیتُمُ أکتادا (1)

یا شَرَّ قَومٍ حَسَباً وآدا (2)قالَ:وجَعَلَ یَقولُ یَومَئِذٍ:

أنَا حَبیبٌ وأبی مُظاهِرُ

وقاتَلَ قِتالاً شَدیداً،فَحَمَلَ عَلَیهِ رَجُلٌ مِن بَنی تَمیمٍ فَضَرَبَهُ بِالسَّیفِ عَلی رَأسِهِ فَقَتَلَهُ-وکانَ یُقالُ لَهُ:بُدَیلُ بنُ صُرَیمٍ مِن بَنی عُقفانَ-وحَمَلَ عَلَیهِ آخَرُ مِن بَنی تَمیمٍ فَطَعَنَهُ فَوَقَعَ،فَذَهَبَ لِیَقومَ،فَضَرَبَهُ الحُصَینُ بنُ تَمیمٍ عَلی رَأسِهِ بِالسَّیفِ فَوَقَعَ، ونَزَلَ إلَیهِ التَّمیمِیُّ فَاحتَزَّ رَأسَهُ.

فَقالَ لَهُ الحُصَینُ:إنّی لَشَریکُکَ فی قَتلِهِ،فَقالَ الآخَرُ:وَاللّهِ ما قَتَلَهُ غَیری،فَقالَ الحُصَینُ:أعطِنیهِ اعَلِّقهُ فی عُنُقِ فَرَسی کَیما یَرَی النّاسُ ویَعلَموا أنّی شَرِکتُ فی قَتلِهِ،ثُمَّ خُذهُ أنتَ بَعدُ فَامضِ بِهِ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَلا حاجَةَ لی فیما تُعطاهُ عَلی قَتلِکَ إیّاهُ.

ص:183

قالَ:فَأَبی عَلَیهِ،فَأَصلَحَ قَومُهُ فیما بَینَهُما عَلی هذا،فَدَفَعَ إلَیهِ رَأسَ حَبیبِ بنِ مُظاهِرٍ،فَجالَ بِهِ فِی العَسکَرِ قَد عَلَّقَهُ فی عُنُقِ فَرَسِهِ،ثُمَّ دَفَعَهُ بَعدَ ذلِکَ إلَیهِ.

فَلَمّا رَجَعوا إلَی الکوفَةِ أخَذَ الآخِرُ رَأسَ حَبیبٍ فَعَلَّقَهُ فی لَبانِ (1)فَرَسِهِ،ثُمَّ أقبَلَ بِهِ إلَی ابنِ زِیادٍ فِی القَصرِ فَبَصُرَ بِهِ ابنُهُ القاسِمُ بنُ حَبیبٍ،وهُوَ یَومَئِذٍ قَد راهَقَ، فَأَقبَلَ مَعَ الفارِسِ لا یُفارِقُهُ،کُلَّما دَخَلَ القَصرَ دَخَلَ مَعَهُ،وإذا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُ، فَارتابَ بِهِ،فَقالَ:ما لَکَ یا بُنَیَّ تَتبَعُنی؟قالَ:لا شَیءَ،قالَ:بَلی،یا بُنَیَّ أخبِرنی، قالَ لَهُ:إنَّ هذَا الرَّأسَ الَّذی مَعَکَ رَأسُ أبی،أفَتُعطینیهِ حَتّی أدفِنَهُ؟قالَ:یا بُنَیَّ،لا یَرضَی الأَمیرُ أن یُدفَنَ،وأنَا اریدُ أن یُثیبَنِی الأَمیرُ عَلی قَتلِهِ ثَواباً حَسَناً،قالَ لَهُ الغُلامُ:لکِنَّ اللّهَ لا یُثیبُکَ عَلی ذلِکَ إلّاأسوَأَ الثَّوابِ،أما وَاللّهِ لَقَد قَتَلتَ خَیراً مِنکَ، وبَکی،فَمَکَثَ الغُلامُ حَتّی إذا أدرَکَ لَم یَکُن لَهُ هِمَّةٌ إلَّااتِّباعُ أثَرِ قاتِلِ أبیهِ لِیَجِدَ مِنهُ غِرَّةً (2)فَیَقتُلَهُ بِأَبیهِ.

فَلَمّا کانَ زَمانُ مُصعَبِ بنِ الزُّبَیرِ وغَزا مُصعَبٌ باجُمَیری (3)،دَخَلَ عَسکَرَ مُصعَبٍ فَإِذا قاتِلُ أبیهِ فی فُسطاطِهِ (4)،فَأَقبَلَ یَختَلِفُ فی طَلَبِهِ وَالتِماسِ غِرَّتِهِ،فَدَخَلَ عَلَیهِ وهُوَ قائِلٌ نِصفَ النَّهارِ،فَضَرَبَهُ بِسَیفِهِ حَتّی بَرَدَ.

قالَ أبو مِخنَفٍ:حَدَّثَنی مُحَمَّدُ بنُ قَیسٍ،قالَ:لَمّا قُتِلَ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ هَدَّ ذلِکَ حُسَیناً علیه السّلام وقالَ عِندَ ذلِکَ:أحتَسِبُ نَفسی وحُماةَ أصحابی. (5)

ص:184

ورد اسمه فی زیارة الناحیة:

السَّلامُ عَلی الحَجّاجِ بنِ مَسروقٍ الجُعفِیِّ. (1)

کما ذکر اسمه فی الزیارة الرجبیّة. (2)

1691.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: خَرَجَ...الحَجّاجُ بنُ مَسروقٍ-وهُوَ مُؤَذِّنُ الحُسَینِ علیه السّلام- فَجَعَلَ یَقولُ:

أقدِم حُسَینُ هادِیاً مَهدِیّا

ثُمَّ حَمَلَ فَقاتَلَ،حَتّی قُتِلَ. (3)

کان الحرّ الشخص الوحید الذی اجتاز فی یوم عاشوراء المسافة بین الجنّة والنار خلال ساعات قصیرة،وصعد بنفسه من حضیض الشقاوة إلی قمّة السعادة،لذا فإنّ مصیر الحرّ دلیل واضح علی اختیار الإنسان الطریق الصحیح للحیاة.

کان الحرّ أوّل من أغلق الطریق علی الإمام الحسین وأصحابه، (1)وإنّ انتخابه بوصفه قائداً للجیش حیث قام بأوّل مواجهة للإمام علیه السّلام، (2)یدلّ علی الاعتماد الکامل للحکم الاُمویّ علیه.لم یکن الذنب الذی اقترفه الحرّ ذنباً صغیراً،إلّاأنّه عندما شاهد نفسه بین الجنّة والنار،لم یغرّه الظاهر الخادع للدنیا والذی کانت جهنّم تکمن فی باطنه،فاختار کبقیّة شهداء کربلاء الآخرین طریق الجنّة،وقال بشأن هذا الاختیار:

إنّی وَاللّهِ،اُخَیِّرُ نَفسی بَینَ الجَنَّةِ وَالنّارِ،ووَاللّهِ،لا أختارُ عَلَی الجَنَّةِ شَیئاً ولَو قُطِّعتُ وحُرِّقتُ. (3)

وهذه رسالة تعلیمیّة لجمیع الذین تنتابهم الحیرة عند مفترق طریق الجنّة والنار، وخاصّة الشباب.وبعد اختیاره طریق الجنّة ضرب فرسه وتوجّه نحو خیام سیّد الشهداء ویده علی رأسه،وکان یکرّر مع نفسه هذه العبارات أثناء الطریق:

اللّهُمَّ إنّی تُبتُ إلَیکَ فَتُب عَلَیَّ،فَقَد أرعَبتُ قُلوبَ أولِیائِکَ وأولادِ بِنتِ نَبِیِّکَ.

وبسبب الخطأ الکبیر الذی ارتکبه الحرّ کان یحتمل ألّا تُقبل توبته؛لذا فإنّه عندما وصل إلی الإمام علیه السّلام قال:

ص:187

جُعِلتُ فِداکَ ! أنَا صاحِبُکَ الَّذی حَبَسَکَ عَنِ الرُّجوعِ وجَعجَعَ بِکَ،وَاللّهِ ما ظَنَنتُ أنَّ القَومَ یَبلُغونَ بِکَ ما أری،وأنَا تائِبٌ إلَی اللّهِ،فَهَل تَری لی مِن تَوبَةٍ؟

فأجابه الإمام الحسین علیه السّلام:

نَعَم،یَتوبُ اللّهُ عَلَیکَ،فَانزِل.

فقال الحرّ:

أنَا لَکَ فارِساً خَیرٌ مِنّی راجِلاً،وإلَی النُّزولِ یَؤولُ آخِرُ أمری.

ثمّ أضاف قائلاً:

فإِذا کُنتُ أوَّلَ مَن خَرَجَ عَلَیکَ،فَأئذَن لی أن أکونَ أوَّلَ قَتیلٍ بَینَ یَدَیکَ،لَعَلّی أکونُ مِمَّن یُصافِحُ جَدَّکَ مُحَمَّداً صلّی اللّه علیه و آله غَداً فِی القِیامَةِ. (1)

ویدلّ کلام الحرّ هذا علی اعتقاده الراسخ بالمبدأ والمعاد،وهذا هو الذی أدّی إلی فلاحه.

ثمّ تقدّم نحو جیش الکوفة،ووعظهم فی خطبة ألقاها فیهم،ثمّ هجم علیهم وقاتل حتّی استشهد.

فحمله أصحاب الإمام من ساحة القتال وفیه رمق من الحیاة وجعلوه مقابل الإمام علیه السّلام.

فتکلّم الإمام وهو جالس عنده بکلمات جدیرة بالتأمّل جدّاً.فقال علیه السّلام وهو یمسح التراب عن وجه الحرّ:

أنتَ الحُرُّ کَما سَمَّتکَ امُّکَ،حُرٌّ فِی الدُّنیا وحُرٌّ فِی الآخِرَةِ. (2)

وجاء فی زیارة الناحیة المقدّسة:

ص:188

السَّلامُ عَلَی الحُرِّ بنِ یَزیدَ الرِّیاحِیِّ. (1)

کما ذکر اسمه فی الزیارة الرجبیّة أیضاً. (2)

1692.تاریخ الطبری عن عدیّ بن حرملة: إنَّ الحُرَّ بنَ یَزیدَ لَمّا زَحَفَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ،قالَ لَهُ:

أصلَحَکَ اللّهُ ! مُقاتِلٌ أنتَ هذَا الرَّجُلَ؟قالَ:إی وَاللّهِ،قِتالاً أیسَرُهُ أن تَسقُطَ الرُّؤوسُ وتَطیحَ الأَیدی.

قالَ:أفَما لَکُم فی واحِدَةٍ مِنَ الخِصالِ الَّتی عَرَضَ عَلَیکُم رِضیً؟

قالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:أما وَاللّهِ لَو کانَ الأَمرُ إلَیَّ لَفَعَلتُ،ولکِنَّ أمیرَکَ قَد أبی ذلِکَ.

قالَ:فَأَقبَلَ حَتّی وَقَفَ مِنَ النّاسِ مَوقِفاً،ومَعَهُ رَجُلٌ مِن قَومِهِ یُقالُ لَهُ:قُرَّةُ بنُ قَیسٍ.

فَقالَ:یا قُرَّةُ ! هَل سَقَیتَ فَرَسَکَ الیَومَ؟قالَ:لا،قالَ:إنَّما تُریدُ أن تَسقِیَهُ؟قالَ:

فَظَنَنتُ وَاللّهِ أَنّهُ یُریدُ أن یَتَنَحّی فَلا یَشهَدَ القِتالَ،وکَرِهَ أن أراهُ حینَ یَصنَعُ ذلِکَ، فَیَخافُ أن أرفَعَهُ عَلَیهِ،فَقُلتُ لَهُ:لَم أسقِهِ،وأنَا مُنطَلِقٌ فَساقیهِ.

قالَ:فَاعتَزَلتُ ذلِکَ المَکانَ الَّذی کانَ فیهِ.

قالَ:فَوَاللّهِ لَو أنَّهُ أطلَعَنی عَلَی الَّذی یُریدُ،لَخَرَجتُ مَعَهُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام.

قالَ:فَأَخَذَ یَدنو مِن حُسَینٍ قَلیلاً قَلیلاً.

فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِن قَومِهِ یُقالُ لَهُ المُهاجِرُ بنُ أوسٍ:ما تُریدُ یَابنَ یَزیدَ؟أتُریدُ أن تَحمِلَ؟فَسَکَتَ وأخَذَهُ مِثلُ العُرَواءِ (3).

فَقالَ لَهُ:یَابنَ یَزیدَ ! وَاللّهِ إنَّ أمرَکَ لَمُریبٌ،وَاللّهِ ما رَأَیتُ مِنکَ فی مَوقِفٍ قَطُّ

ص:189

مِثلَ شَیءٍ أراهُ الآنَ،ولَو قیلَ لی:مَن أشجَعُ أهلِ الکوفَةِ رَجُلاً ما عَدَوتُکَ،فَما هذَا الَّذی أری مِنکَ؟

قالَ:إنّی وَاللّهِ اخَیِّرُ نَفسی بَینَ الجَنَّةِ وَالنّارِ،ووَاللّهِ لا أختارُ عَلَی الجَنَّةِ شَیئاً ولَو قُطِّعتُ وحُرِّقتُ،ثُمَّ ضَرَبَ فَرَسَهُ فَلَحِقَ بِحُسَینٍ علیه السّلام.

فَقالَ لَهُ:جَعَلَنِی اللّهُ فِداکَ یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! أنَا صاحِبُکَ الَّذی حَبَستُکَ عَنِ الرُّجوعِ،وسایَرتُکَ فِی الطَّریقِ،وجَعجَعتُ (1)بِکَ فی هذَا المَکانِ،وَاللّهِ الَّذی لا إلهَ إلّا هُوَ،ما ظَنَنتُ أنَّ القَومَ یَرُدّونَ عَلَیکَ ما عَرَضتَ عَلَیهِم أبَداً،ولا یَبلُغونَ مِنکَ هذِهِ المَنزِلَةَ،فَقُلتُ فی نَفسی:لا ابالی أن اطیعَ القَومَ فی بَعضِ أمرِهِم،ولا یَرَونَ أنّی خَرَجتُ مِن طاعَتِهِم،وأمّا هُم فَسَیَقبَلونَ مِن حُسَینٍ هذِهِ الخِصالَ الَّتی یَعرِضُ عَلَیهِم،ووَاللّهِ لَو ظَنَنتُ أنَّهُم لا یَقبَلونَها مِنکَ ما رَکِبتُها مِنکَ،وإنّی قَد جِئتُکَ تائِباً مِمّا کانَ مِنّی إلی رَبّی،ومُواسِیاً لَکَ بِنَفسی حَتّی أموتَ بَینَ یَدَیکَ،أفَتَری ذلِکَ لی تَوبَةً؟

قالَ:نَعَم یَتوبُ اللّهُ عَلَیکَ ویَغفِرُ لَکَ،مَا اسمُکَ؟قالَ:أنَا الحُرُّ بنُ یَزیدَ.

قالَ:أنتَ الحُرُّ کَما سَمَّتکَ امُّکَ،أنتَ الحُرُّ إن شاءَ اللّهُ فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ،انزِل.

قالَ:أنَا لَکَ فارِساً خَیرٌ مِنّی راجِلاً،اُقاتِلُهُم عَلی فَرَسی ساعَةً،وإلَی النُّزولِ ما یَصیرُ آخِرُ أمری،قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:فَاصنَع یَرحَمُکَ اللّهُ ما بَدا لَکَ.

فَاستَقدَمَ أمامَ أصحابِهِ،ثُمَّ قالَ:أیُّهَا القَومُ ! ألا تَقبَلونَ مِن حُسَینٍ خَصلَةً مِن هذِهِ الخِصالِ الَّتی عَرَضَ عَلَیکُم فَیُعافِیَکُمُ اللّهُ مِن حَربِهِ وقِتالِهِ؟قالوا:هذَا الأَمیرُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ فَکَلِّمهُ،فَکَلَّمَهُ بِمِثلِ ما کَلَّمَهُ بِهِ قَبلُ،وبِمِثلِ ما کَلَّمَ بِهِ أصحابَهُ.

قالَ عُمَرُ:قَد حَرَصتُ لَو وَجَدتُ إلی ذلِکَ سَبیلاً فَعَلتُ.

ص:190

فَقالَ:یا أهلَ الکوفَةِ ! لِاُمِّکُمُ الهَبَلُ (1)وَالعُبرُ (2)،إذ دَعَوتُموهُ حَتّی إذا أتاکُم أسلَمتُموهُ،وزَعَمتُم أنَّکُم قاتِلو أنفُسِکُم دونَهُ،ثُمَّ عَدَوتُم عَلَیهِ لِتَقتُلوهُ،أمسَکتُم بِنَفسِهِ،وأخَذتُم بِکَظَمِهِ،وأحَطتُم بِهِ مِن کُلِّ جانِبٍ،فَمَنَعتُموهُ التَّوَجُّهَ فی بِلادِ اللّهِ العَریضَةِ حَتّی یَأمَنَ ویَأمَنَ أهلُ بَیتِهِ،وأصبَحَ فی أیدیکُم کَالأَسیرِ لا یَملِکُ لِنَفسِهِ نَفعاً ولا یَدفَعُ ضَرّاً،وحَلَّأتُموهُ ونِساءَهُ واُصَیبِیَتَهُ وأصحابَهُ عَن ماءِ الفُراتِ الجارِی، الَّذی یَشرَبُهُ الیَهودِیُّ وَالمَجوسِیُّ وَالنَّصرانِیُّ،وتَمَرَّغُ فیهِ خَنازیرُ السَّوادِ وکِلابُهُ، وهاهُم اولاءِ قَد صَرَعَهُمُ العَطَشُ،بِئسَما خَلَفتُم مُحَمَّداً فی ذُرِّیَّتِهِ،لا سَقاکُمُ اللّهُ یَومَ الظَّمَأِ إن لَم تَتوبوا وتَنزَعوا عَمّا أنتُم عَلَیهِ مِن یَومِکُم هذا فی ساعَتِکُم هذِهِ.

فَحَمَلَت عَلَیهِ رَجّاَلةٌ لَهُم تَرمیهِ بِالنَّبلِ،فَأَقبَلَ حَتّی وَقَفَ أمامَ الحُسَینِ علیه السّلام. (3)

1693.تاریخ الطبری عن هلال بن یساف: کانَ فیمَن بُعِثَ إلَیهَ [إلَی الحُسَینِ علیه السّلام ] الحُرُّ بنُ یَزیدَ الحَنظَلِیُّ ثُمَّ النَّهشَلِیُّ عَلی خَیلٍ،فَلَمّا سَمِعَ ما یَقولُ الحُسَینُ علیه السّلام،قالَ لَهُم:ألا تَقبَلونَ مِن هؤُلاءِ ما یَعرِضونَ عَلَیکُم؟وَاللّهِ لَو سَأَلَکُم هذَا التُّرکُ وَالدَّیلَمُ ما حَلَّ لَکُم أن تَرُدّوهُ،فَأَبَوا إلّاعَلی حُکُمِ ابنِ زِیادٍ.

فَصَرَفَ الحُرُّ وَجهَ فَرَسِهِ وَانطَلَقَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام وأصحابِهِ،فَظَنّوا أنَّهُ إنَّما جاءَ لِیُقاتِلَهُم،فَلَمّا دَنا مِنهُم قَلَبَ تُرسَهُ وسَلَّمَ عَلَیهِم،ثُمَّ کَرَّ عَلی أصحابِ ابنِ زِیادٍ

ص:191

فَقاتَلَهُم،فَقَتَلَ مِنهُم رَجُلَینِ،ثُمَّ قُتِلَ رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِ. (1)

1694.تاریخ الطبری عن محمّد بن قیس: لَمّا قُتِلَ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ هَدَّ ذلِکَ حُسَیناً علیه السّلام،وقالَ عِندَ ذلِکَ:أحتَسِبُ نَفسی وحُماةَ أصحابی،قالَ:فَأَخَذَ الحُرُّ یَرتَجِزُ ویَقولُ:

آلَیتُ لا اقتَلُ حَتّی أقتُلا

وأخَذَ یَقولُ أیضاً:

أضرِبُ فی أعراضِهِم (2)بِالسَّیفِ عَن خَیرِ مَن حَلَّ مِنیً وَالخَیفِ

فَقاتَلَ هُوَ وزُهَیرُ بنُ القَینِ قِتالاً شَدیداً،فَکانَ إذا شَدَّ أحَدُهُما فَإِنِ استُلحِمَ (3)شَدَّ الآخَرُ حَتّی یُخَلِّصَهُ،فَفَعَلا ذلِکَ ساعَةً،ثُمَّ إنَّ رَجّالَةً شَدَّت عَلَی الحُرِّ بنِ یَزیدَ، فَقُتِلَ. (4)

1695.تاریخ الطبری عن النضر بن صالح أبی زهیر العبسی: إنَّ الحُرَّ بنَ یَزیدَ لَمّا لَحِقَ بِحُسینٍ علیه السّلام،قالَ رَجُلٌ مِن بَنی تَمیمٍ مِن بَنی شَقِرَةَ،وهُم بَنُو الحارِثِ بنِ تَمیمٍ، یُقالُ لَهُ یَزیدُ بنُ سُفیانَ:أما وَاللّهِ،لَو أنّی رَأَیتُ الحُرَّ بنَ یَزیدَ حینَ خَرَجَ لَأَتبَعتُهُ السِّنانَ.

ص:192

قالَ:فَبَینَا النّاسُ یَتَجاوَلونَ ویَقتَتِلونَ،وَالحُرُّ بنُ یَزیدَ یَحمِلُ عَلَی القَومِ مُقدِماً، ویَتَمَثَّلُ قَولَ عَنتَرَةَ:

ما زِلتُ أرمیهِم بِثُغرَةِ (1)نَحرِهِ ولَبانِهِ حَتّی تَسَربَلَ بِالدَّمِ

قالَ:وإنَّ فَرَسَهُ لَمَضروبٌ عَلی اذُنَیهِ وحاجِبِه،وإنَّ دِماءَهُ لَتَسیلُ،فَقالَ الحُصَینُ بنُ تَمیمٍ-وکانَ عَلی شُرطَةِ عَبیدِ اللّهِ فَبَعَثَهُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام وکانَ مَعَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ، فَوَلّاهُ عُمَرُ مَعَ الشُّرطَةِ المُجَفَّفَةِ (2)-لِیَزیدَ بنِ سُفیانَ:هذَا الحُرُّ بنُ یَزیدَ الَّذی کُنتَ تَتَمَنّی،قالَ:نَعَم،فَخَرَجَ إلَیهِ فَقالَ لَهُ:هَل لَکَ یا حُرَّ بنَ یَزیدَ فِی المُبارَزَةِ؟قالَ:

نَعَم،قَد شِئتُ.

فَبَرَزَ لَهُ،قالَ:فَأَنَا سَمِعتُ الحُصَینَ بنَ تَمیمٍ یَقولُ:وَاللّهِ لَأَبرُزُ لَهُ فَکَأَنَّما کانَت نَفسُهُ فی یَدِهِ،فَما لَبِثَهُ الحُرُّ حینَ خَرَجَ إلَیهِ أن قَتَلَهُ. (3)

1696.تاریخ الطبری عن نمیر بن وعلة: إنَّ أیّوبَ بنَ مِشرَحٍ الخَیوانِیُّ کانَ یَقولُ:أنَا وَاللّهِ عَقَرتُ بِالحُرِّ بنِ یَزیدَ فَرَسَهُ،حَشَأتُهُ (4)سَهماً فَما لَبِثَ أن ارعِدَ الفَرَسُ وَاضطَرَبَ وکَبا، فَوَثَبَ عَنهُ الحُرُّ کَأَنَّهُ لَیثٌ وَالسَّیفُ فی یَدِهِ وهُوَ یَقولُ:

إن تَعقِروا بی فَأَنَا ابنُ الحُرِّ أشجَعُ مِن ذی لِبَدٍ هِزَبرِ

قالَ:فَما رَأَیتُ أحَداً قَطُّ یُفری فَریَهُ (5).

ص:193

قالَ:فقال لَهُ أشیاخٌ مِنَ الحَیِّ:أنتَ قَتَلتَهُ؟قالَ:لا وَاللّهِ ما أنَا قَتَلتُهُ،ولکِن قَتَلَهُ غَیری،وما احِبُّ أنّی قَتَلتُهُ،فَقالَ لَهُ أبُو الوَدّاکِ:ولِمَ؟

قالَ:إنَّهُ کانَ زَعَموا مِنَ الصّالِحینَ،فَوَاللّهِ لَئِن کانَ ذلِکَ إثماً،لَأَن ألقَی اللّهَ بِإِثمِ الجِراحَةِ وَالمَوقِفِ أحَبُّ إلَیَّ مِن أن ألقاهُ بِإِثمِ قَتلِ أحَدٍ مِنهُم.

فَقالَ لَهُ أبُو الوَدّاکِ:ما أراکَ إلّاسَتَلقَی اللّهَ بِإِثمِ قَتلِهِم أجمَعینَ،أرَأَیتَ لَو أنَّکَ رَمَیتَ ذا فَعَقَرتَ ذا،ورَمَیتَ آخَرَ ووَقَفتَ مَوقِفاً،وکَرَرتَ عَلَیهِم،وحَرَّضتَ أصحابَکَ،وکَثَّرتَ أصحابَکَ،وحُمِلَ عَلَیکَ فَکَرِهتَ أن تَفِرَّ،وفَعَلَ آخَرُ مِن أصحابِکَ کَفِعلِکَ وآخَرُ وآخَرُ،کانَ هذا وأصحابُهُ یُقتَلونَ؟أنتُم شُرَکاءُ کُلُّکُم فی دِمائِهِم.

فَقالَ لَهُ:یا أبَا الوَدّاکِ،إنَّکَ لَتُقَنِّطُنا مِن رَحمَةِ اللّهِ ! إن کُنتَ وَلِیَّ حِسابِنا یَومَ القِیامَةِ فَلا غَفَرَ اللّهُ لَکَ إن غَفَرتَ لَنا ! قالَ:هُوَ ما أقولُ لَکَ. (1)

1697.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جدّه [زین العابدین] علیهم السّلام :ضَرَبَ الحُرُّ بنُ یَزیدَ فَرَسَهُ،وجازَ عَسکَرَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ لَعَنَهُ اللّهُ إلی عَسکَرِ الحُسَینِ علیه السّلام،واضِعاً یَدَهُ عَلی رَأسِهِ،وهُوَ یَقولُ:اللّهُمَّ إلَیکَ انیبُ فَتُب عَلَیَّ؛فَقَد أرعَبتُ قُلوبَ أولِیائِکَ وأولادِ نَبِیِّکَ.یَابنَ رَسولِ اللّهِ،هَل لی مِن تَوبَةٍ؟

قالَ:نَعَم،تابَ اللّهُ عَلَیکَ.قالَ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! أتَأذَنُ لی فَاُقاتِلَ عَنکَ؟فَأَذِنَ لَهُ،فَبَرَزَ وهُوَ یَقولُ:

أضرِبُ فی أعناقِکُم بِالسَّیفِ عَن خَیرِ مَن حَلَّ بِلادَ الخَیفِ (2)

ص:194

فَقَتَلَ مِنهُم ثَمانِیَةَ عَشَرَ رَجُلاً ثُمَّ قُتِلَ،فَأَتاهُ الحُسَینُ علیه السّلام ودَمُهُ یَشخَبُ (1)،فَقالَ:بَخٍ بَخٍ یا حُرُّ،أنتَ حُرٌّ کَما سُمِّیتَ فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ،ثُمَّ أنشَأَ الحُسَینُ علیه السّلام یَقولُ:

لَنِعمَ الحُرُّ حُرُّ بَنی رِیاحِ

1698.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی عن أبی مخنف: صاحَ [الحُسَینُ علیه السّلام ]:أما مِن مُغیثٍ یُغیثُنا لِوَجهِ اللّهِ تَعالی.أما مِن ذابٍّ یَذُبُّ عَن حَرَمِ رَسولِ اللّهِ !

فَلَمّا سَمِعَ الحُرُّ بنُ یَزیدَ هذَا الکَلامَ،اضطَرَبَ قَلبُهُ،ودَمَعَت عَیناهُ فَخَرَجَ باکِیاً مُتَضَرِّعاً مَعَ غُلامٍ لَهُ تُرکِیٍّ.وکانَ کَیفِیَّةُ انتِقالِهِ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام أنَّهُ لَمّا سَمِعَ هذَا الکَلامَ مِنَ الحُسَینِ علیه السّلام أتی إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَقالَ لَهُ:أمُقاتِلٌ أنتَ هذَا الرَّجُلَ؟ قالَ:إی وَاللّهِ ! قِتالاً شَدیداً أیسَرُهُ أن تَسقُطَ الرُّؤوسُ وتَطیحَ الأَیدی،فَقالَ:أما لَکُم فی واحِدَةٍ مِنَ الخِصالِ الَّتی عَرَضَ عَلَیکُم رِضیً؟فَقالَ:وَاللّهِ لَو کانَ الأَمرُ إلَیَّ لَفَعَلتُ،ولکِنَّ أمیرَکَ قَد أبی ذلِکَ.

فَأَقبَلَ الحُرُّ حَتّی وَقَفَ عَنِ النّاسِ جانِباً ومَعَهُ رَجُلٌ مِن قَومِهِ یُقالُ لَهُ:قُرَّةُ بنُ قَیسٍ،فَقالَ لَهُ:یا قُرَّةُ ! هَل سَقَیتَ فَرَسَکَ الیَومَ ماءً؟قالَ:لا ! قالَ:أما تُریدُ أن تَسقِیَهُ؟قالَ قُرَّةُ:فَظَنَنتُ وَاللّهِ أنَّهُ یُریدُ أن یَتَنَحّی فَلا یَشهَدَ القِتالَ،ویَکرَهُ أن أراهُ یَصنَعُ ذلِکَ مَخافَةَ أن أرفَعَ عَلَیهِ،فَقُلتُ لَهُ:لَم أسقِهِ،وأنَا مُنطَلِقٌ فَأَسقیهِ.

قالَ:فَاعتَزَلتُ ذلِکَ المَکانَ الَّذی کانَ فیهِ،وَاللّهِ لَو أطلَعَنی عَلَی الَّذی یُریدُ

ص:195

لَخَرَجتُ مَعَهُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام.فَأَخَذَ یَدنو قَلیلاً قَلیلاً،فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِن قَومِهِ:

یا أبا یَزیدَ ! إنَّ أمرَکَ لَمُریبٌ،فَمَا الَّذی تُریدُ؟قالَ:وَاللّهِ إنّی اخَیِّرُ نَفسی بَینَ الجَنَّةِ وَالنّارِ،ووَاللّهِ لا أختارُ عَلَی الجَنَّةِ شَیئاً ولَو قُطِّعتُ وحُرِّقتُ.

ثُمَّ ضَرَبَ فَرَسَهُ،ولَحِقَ بِالحُسَینِ علیه السّلام مَعَ غُلامِهِ التُّرکِیِّ،فَقالَ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ، جَعَلَنِیَ اللّهُ فِداکَ ! إنّی صاحِبُکَ الَّذی حَبَستُکَ عَنِ الرُّجوعِ،وسایَرتُکَ فِی الطَّریقِ، وجَعجَعتُ بِکَ فی هذَا المَکانِ،وَاللّهِ الَّذی لا إلهَ إلّاهُوَ،ما ظَنَنتُ القَومَ یَرُدّونَ عَلَیکَ ما عَرَضتَ عَلَیهِم،ولا یَبلُغونَ بِکَ هذِهِ المَنزِلَةَ،وإنّی لَو سَوَّلَت (1)لی نَفسی أنَّهُم یَقتُلونَکَ ما رَکِبتُ هذا مِنکَ،وإنّی قَد جِئتُکَ تائِباً إلی رَبّی مِمّا کانَ مِنّی،ومُواسیکَ بِنَفسی حَتّی أموتَ بَینَ یَدَیکَ،أفَتَری ذلِکَ لی تَوبَةً؟

قالَ:نَعَم ! یَتوبُ اللّهُ عَلَیکَ ویَغفِرُ لَکَ،مَا اسمُکَ؟قالَ:أنَا الحُرُّ،قالَ:أنتَ الحُرُّ کَما سَمَّتکَ امُّکَ،أنتَ الحُرُّ فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ؛انزِل،فَقالَ:أنَا لَکَ فارِساً خَیرٌ مِنّی لَکَ راجِلاً،اُقاتِلُهُم عَلی فَرَسی ساعَةً،وإلَی النُّزولِ ما یَصیرُ أمری.

ثُمَّ قالَ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! کُنتُ أوَّلَ خارِجٍ عَلَیکَ،فَائذَن لی أن أکونَ أوَّلَ قَتیلٍ بَینَ یَدَیکَ،فَلَعَلّی أن أکونَ مِمَّن یُصافِحُ جَدَّکَ مُحَمَّداً غَداً فِی القِیامَةِ.فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:إن شِئتَ فَأَنتَ مِمَّن تابَ اللّهُ عَلَیهِ وهُوَ التَّوّابُ الرَّحیمُ.فَکانَ أوَّلَ مَن تَقَدَّمَ إلی بِرازِ القَومِ الحُرُّ بنُ یَزیدَ الرِّیاحِیُّ،فَأَنشَدَ فی بِرازِهِ:

إنّی أنَا الحُرُّ ومَأویَ الضَّیفِ

ورُوِیَ أنَّ الحُرَّ لَمّا لَحِقَ بِالحُسَینِ علیه السّلام قالَ رَجُلٌ مِن بَنی تَمیمٍ یُقالُ لَهُ یَزیدُ بنُ سُفیانَ:أما وَاللّهِ،لَو لَقیتُ الحُرَّ حینَ خَرَجَ لَأَتبَعتُهُ السِّنانَ.فَبَینا هُوَ یُقاتِلُ،وإنَّ

ص:196

فَرَسَهُ لَمَضروبٌ عَلی اذُنَیهِ وحاجِبِهِ،وإنَّ الدِّماءَ لَتَسیلُ،إذ قالَ الحُصَینُ بنُ نُمَیرٍ:یا یَزیدُ،هذَا الحُرُّ الَّذی کُنتَ تَتَمَنّاهُ،فَهَل لَکَ بِهِ؟قالَ:نَعَم،وخَرَجَ إلَیهِ،فَما لَبِثَ الحُرُّ أن قَتَلَهُ وقَتَلَ أربَعینَ فارِساً وراجِلاً،ولَم یَزَل یُقاتِلُ حَتّی عُرقِبَ (1)فَرَسُهُ،وبَقِیَ راجِلاً،فَجَعَلَ یُقاتِلُ وهُوَ یَقولُ:

إن تَعقِروا (2)بی فَأَنَا ابنُ الحُرِّ

ثُمَّ لَم یَزَل یُقاتِلُ حَتّی قُتِلَ،فَاحتَمَلَهُ أصحابُ الحُسَینِ علیه السّلام حَتّی وَضَعوهُ بَینَ یَدَیِ الحُسَینِ علیه السّلام وبِهِ رَمَقٌ،فَجَعَلَ الحُسَینُ علیه السّلام یَمسَحُ التُّرابَ عَن وَجهِهِ،وهُوَ یَقولُ لَهُ:

أنتَ الحُرُّ کَما سَمَّتکَ بِهِ امُّکَ،أنتَ الحُرُّ فِی الدُّنیا وأنتَ الحُرُّ فِی الآخِرَةِ.ثُمَّ رَثاهُ بعضُ أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام-وقالَ الحاکِمُ الجُشَمِیُّ:بَل رَثاهُ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام- بِقَولِهِ:

لَنِعمَ الحُرُّ حُرُّ بَنی رِیاحِ

ورُوِیَ أنَّهُ کانَ یُنشِدُ عِندَ مُکافَحَتِهِ:

آلَیتُ لا اقتَلُ حَتّی أقتُلا

ص:197

1699.الملهوف: صاحَ الحُسَینُ علیه السّلام:أما مِن مُغیثٍ یُغیثُنا لِوَجهِ اللّهِ ! أما مِن ذابٍّ یَذُبُّ عَن حَرَمِ رَسولِ اللّهِ؟

فَإِذَا الحُرُّ بنُ یَزیدَ الرِّیاحِیُّ قَد أقبَلَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ فَقالَ لَهُ:أمُقاتِلٌ أنتَ هذَا الرَّجُلَ؟فَقالَ:إی وَاللّهِ! قِتالاً أیسَرُهُ أن تَطیرَ الرُّؤوسُ وتَطیحَ الأَیدی.قالَ:فَمَضَی الحُرُّ ووَقَفَ مَوقِفاً مِن أصحابِهِ،وأخَذَهُ مِثلُ الأَفکَلِ (1).

فَقالَ لَهُ المُهاجِرُ بنُ أوسٍ:وَاللّهِ إنَّ أمرَکَ لَمُریبٌ ! ولَو قیلَ مَن أشجَعُ أهلِ الکوفَةِ لَما عَدَوتُکَ،فَما هذَا الَّذی أراهُ مِنکَ؟فَقالَ:إنّی وَاللّهِ اخَیِّرُ نَفسی بَینَ الجَنَّةِ وَالنّارِ، فَوَاللّهِ لا أختارُ عَلَی الجَنَّةِ شَیئاً ولَو قُطِّعتُ واُحرِقتُ.ثُمَّ ضَرَبَ فَرَسَهُ قاصِداً إلَی الحُسَینِ علیه السّلام ویَدُهُ عَلی رَأسِهِ،وهُوَ یَقولُ:اللّهُمَّ إنّی تُبتُ إلَیکَ فَتُب عَلَیَّ،فَقَد أرعَبتُ قُلوبَ أولِیائِکَ وأولادِ بِنتِ نَبِیِّکَ.

وقالَ لِلحُسَینِ علیه السّلام:جُعِلتُ فِداکَ ! أنَا صاحِبُکَ الَّذی حَبَسَکَ عَنِ الرُّجوعِ وجَعجَعَ بِکَ،وَاللّهِ ما ظَنَنتُ أنَّ القَومَ یَبلُغونَ بِکَ ما أری،وأنَا تائِبٌ إلَی اللّهِ،فَهَل تَری لی مِن تَوبَةٍ؟

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:نَعَم،یَتوبُ اللّهُ عَلَیکَ،فَانزِل،فَقالَ:أنَا لَکَ فارِساً خَیرٌ مِنّی راجِلاً،وإلَی النُّزولِ یَؤولُ آخِرُ أمری.

ثُمَّ قالَ:فإِذا کُنتُ أوَّلَ مَن خَرَجَ عَلَیکَ،فَأذَن لی أن أکونَ أوَّلَ قَتیلٍ بَینَ یَدَیکَ، (2)لَعَلّی أکونُ مِمَّن یُصافِحُ جَدَّکَ مُحَمَّداً صلّی اللّه علیه و آله غَداً فِی القِیامَةِ.

ص:198

فَأَذِنَ لَهُ فَجَعَلَ یُقاتِلُ أحسَنَ قِتالٍ،حَتّی قَتَلَ جَماعَةً مِن شُجعانٍ وأبطالٍ،ثُمَّ استُشهِدَ،فَحُمِلُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَجَعَلَ یَمسَحُ التُّرابَ عَن وَجهِهِ،ویَقولُ:أنتَ الحُرُّ کَما سَمَّتکَ امُّکُ،حُرٌّ فِی الدُّنیا وحُرٌّ [فِی] (1)الآخِرَةِ. (2)

1700.الإرشاد: نَشِبَ القِتالُ فَقُتِلَ مِنَ الجَمیعِ جَماعَةٌ.وحَمَلَ الحُرُّ بنُ یَزیدَ عَلی أصحابِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،وهُوَ یَتَمَثَّلُ بِقَولِ عَنتَرَةَ:

ما زِلتُ أرمیهِم بِغُرَّةِ (3)وَجهِهِ ولَبانِهِ حَتّی تَسَربَلَ بِالدَّمِ

فَبَرَزَ إلَیهِ رَجُلٌ مِن بَلحارِثٍ یُقالُ لَهُ:یَزیدُ بنُ سُفیانَ،فَما لَبِثَهُ الحُرُّ حَتّی قَتَلَهُ...

قاتَلَهُم أصحابُ الحُسَینِ قِتالاً شَدیداً،فَأَخَذَت خَیلُهُم تَحمِلُ وإنَّما هِیَ اثنانِ وثَلاثونَ فارِساً،فَلا تَحمِلُ عَلی جانِبٍ مِن خَیلِ الکوفَةِ إلّاکَشَفَتهُ،فَلَمّا رَأی ذلِکَ عُروَةُ بن قَیسٍ-وهُوَ عَلی خَیلِ أهلِ الکوفَةِ-بَعَثَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ:أما تَری ما تَلقی خَیلی مُنذُ الیَومِ مِن هذِهِ العِدَّةِ الیَسیرَةِ؟ابعَث إلَیهِمُ الرِّجالَ وَالرُّماةَ فَبَعَثَ عَلَیهِم بِالرُّماةِ فَعُقِرَ بِالحُرِّ بنِ یَزیدَ فَرَسُهُ فَنَزَلَ عَنهُ وجَعَلَ یَقولُ:

إن تَعقِروا بی فَأَنَا ابنُ الحُرِّ أشجَعُ مِن ذی لِبَدٍ هِزَبرِ

ویَضرِبُهُم بِسَیفِهِ،وتَکاثَروا عَلَیهِ،فَاشتَرَکَ فی قَتلِهِ أیّوبُ بنُ مُسَرَّحٍ ورَجُلٌ آخَرُ مِن فُرسانِ أهلِ الکوفَةِ. (4)

1701.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): أقبَلَ الحُرُّ بنُ یَزیدَ-أحَدُ بَنی رِیاحِ بنِ یَربوعٍ-عَلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَقالَ:أمُقاتِلٌ أنتَ هذا الرَّجُلَ؟قالَ:نَعَم،قالَ:أما

ص:199

لَکُم فی واحِدَةٍ مِن هذِهِ الخِصالِ الَّتی عَرَضَ رِضیً؟قالَ:لَو کانَ الأَمرُ إلَیَّ فَعَلتُ.

فَقالَ:سُبحانَ اللّهِ ! ما أعظَمَ هذا أن یَعرِضَ ابنُ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عَلَیکُم ما یَعرِضُ فَتَأبَونَهُ !! ثُمَّ مالَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام فَقاتَلَ مَعَهُ حَتّی قُتِلَ.

فَفی ذلِکَ یَقولُ الشّاعِرُ المُتَوَکِّلُ اللَّیثِیُّ:

لَنِعمَ الحُرُّ حُرُّ بَنی رِیاحِ

وقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:أما وَاللّهِ یا عُمَرُ،لَیَکونَنَّ لِما تَری یَوماً یَسوؤُکَ. (1)

1702.تذکرة الخواصّ: إنَّهُ [أیِ الإِمامَ الحُسَینَ علیه السّلام ] نادی:یا شَبَثَ بنَ رِبعِیٍّ،ویا حَجّارَ بنَ أبجَرَ (2)،ویا قَیسَ بنَ الأَشعَثِ،ویا زَیدَ بنَ الحَرثِ،ویا فُلانُ،ویا فُلانُ ! ألَم تَکتُبوا إلَیَّ؟فَقالوا:ما نَدری ما تَقولُ.

وکانَ الحُرُّ بنُ یَزیدَ الیَربوعِیُّ مِن ساداتِهِم،فَقالَ لَهُ:بَلی وَاللّهِ لَقَد کاتَبناکَ، (3)ونَحنُ الَّذینَ أقدَمناکَ،فَأَبعَدَ اللّهُ الباطِلَ وأهلَهُ،وَاللّهِ لا أختارُ الدُّنیا عَلَی الآخِرَةِ، ثُمَّ ضَرَبَ رَأسَ فَرَسِهِ ودَخَلَ فی عَسکَرِ الحُسَینِ علیه السّلام.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:أهلاً بِکَ وسَهلاً،أنتَ وَاللّهِ الحُرُّ فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ.

ص:200

ثُمَّ ناداهُمُ الحُرُّ:وَیحَکُم لا امَّ لَکُم ! أنتُمُ الَّذینَ أقدَمتُموهُ،فَلَمّا أتاکُم أسلَمتُموهُ، فَصارَ کَالأَسیرِ،ومَنَعتُموهُ وأهلَهُ الماءَ الجارِیَ،الَّذی تَشرَبُ مِنهُ الیَهودُ وَالنَّصاری وَالمَجوسُ،ویَتَمَرَّغُ فیهِ خَنازیرُ السَّوادِ،بِئسَ ما خَلَفتُم مُحَمَّداً فی أهلِهِ وذُرِّیَّتِهِ،وإذا لَم تَنصُروهُ وتَفوا لَهُ بِما حَلَفتُم عَلَیهِ،فَدَعوهُ یَمضی حَیثُ شاءَ مِن بِلادِ اللّهِ،أما أنتُم بِاللّهِ مُؤمِنونَ؟وبِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ جَدِّهِ مُصَدِّقونَ؟وبِالمَعادِ موقِنونَ؟ثُمَّ حَمَلَ وقالَ:

أضرِبُ فی أعناقِکُم بِالسَّیفِ عَن خَیرِ مَن حَلَّ مِنیً وَالخَیفِ

وَقَتَلَ مِنهُم جَماعَةً،ثُمَّ تَکاثَروا عَلَیهِ فَقَتَلوهُ. (1)

1703.المناقب لابن شهرآشوب: بَرَزَ الحُرُّ وهُوَ یَرتَجِزُ:

إنّی أنَا الحُرُّ ومَأوَی الضَّیفِ

فَقَتَلَ نَیِّفاً (2)وأربَعینَ رَجُلاً. (3)

1704.مثیر الأحزان: رَوَیتُ بِإِسنادی أنَّهُ [أیِ الحُرَّ بنَ یَزیدَ الرِّیاحِیَّ] قالَ لِلحُسَینِ علیه السّلام:لَمّا وَجَّهَنی عُبَیدُ اللّهِ إلَیکَ،خَرَجتُ مِنَ القَصرِ فَنودیتُ مِن خَلفی:أبشِر یا حُرُّ بِخَیرٍ، فَالتَفَتُّ فَلَم أرَ أحَداً.فَقلتُ:وَاللّهِ ما هذِهِ بِشارَةٌ وأنَا أسیرُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام ! وما احَدِّثُ نَفسی بِاتِّباعِکَ.

فَقالَ علیه السّلام:لَقَد أصَبتَ أجراً وخَیراً. (4)

ص:201

أفَلا نَروحُ إلی رَبِّنا ونَلحَقُ بِأَصحابِنا؟

فأجابه الإمام قائلاً:

بَل رُح إلی ما هُوَ خَیرٌ لَکَ مِنَ الدُّنیا وما فیها،وإلی مُلکٍ لا یَبلی. (1)

وبعد الاستئذان من الإمام ودّعه بهذه العبارات:

السَّلامُ عَلَیکَ یا أبا عَبدِ اللّهِ،صَلَّی اللّهُ عَلَیکَ وعلَی أهلِ بَیتِکَ،وعَرَّفَ بَینَنا وبَینَکَ فی جَنَّتِهِ.

وقال الإمام:

آمینَ آمینَ. (2)

وبذلک دخل حنظلة ساحة الحرب وذاق شهد الشهادة.

وقد ورد فی زیارتی الناحیة (3)والرجبیّة:

السَّلامُ عَلی حَنظَلَةَ بنِ أسعَدَ الشِّبامِیِّ. (4)

1705.تاریخ الطبری عن محمّد بن قیس: جاءَ حَنظَلَةُ بنُ أسعَدَ الشَّبامِیُّ،فَقامَ بَینَ یَدَی حُسَینٍ علیه السّلام فَأَخَذَ یُنادی: «یا قَوْمِ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ مِثْلَ یَوْمِ الْأَحْزابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ مَا اللّهُ یُرِیدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ * وَ یا قَوْمِ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ یَوْمَ التَّنادِ * یَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِینَ ما لَکُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ» 5 ، یا قَومِ [لا] (5)تَقتُلوا حُسَیناً فَیُسحِتَکُمُ (6)اللّهُ بِعَذابٍ «وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَری» 8 .

ص:203

فَقالَ لَهُ حُسَینٌ علیه السّلام:یَابنَ أسعَدَ ! رَحِمَکَ اللّهُ ! إنَّهُم قَدِ استَوجَبُوا العَذابَ حینَ رَدّوا عَلَیکَ ما دَعَوتَهُم إلَیهِ مِنَ الحَقِّ،ونَهَضوا إلَیکَ لِیَستَبیحوکَ وأصحابَکَ،فَکَیفَ بِهِمُ الآنَ وقَد قَتَلوا إخوانَکَ الصّالِحینَ؟!

قالَ:صَدَقتَ جُعِلتُ فِداکَ ! أنتَ أفقَهُ مِنّی وأحَقُّ بِذلِکَ،أفَلا نَروحُ إلَی الآخِرَةِ ونَلحَقُ بِإِخوانِنا؟

فَقالَ:رُح إلی خَیرٍ مِنَ الدُّنیا وما فیها،وإلی مُلکٍ لا یَبلی.

فَقالَ:السَّلامُ عَلَیکَ أبا عَبدِ اللّهِ ! صَلَّی اللّهُ عَلَیکَ وعلَی أهلِ بَیتِکَ،وعَرَّفَ بَینَنا وبَینَکَ فی جَنَّتِهِ.فَقالَ:آمینَ آمینَ ! فَاستَقدَمَ فَقاتَلَ حَتّی قُتِلَ. (1)

1706.الملهوف: جاءَ حَنظَلَةُ بنُ سَعدٍ الشِّبامِیُّ،فَوَقَفَ بَینَ یَدَیِ الحُسَینِ علیه السّلام یَقیهِ السِّهامَ وَالسُّیوفَ وَالرِّماحَ بِوَجهِهِ ونَحرِهِ،وأخَذَ یُنادی: «یا قَوْمِ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ یَوْمَ التَّنادِ* یَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِینَ ما لَکُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ» ،یا قَومِ لا تَقتُلوا حُسَیناً فَیُسحِتَکُمُ اللّهُ بِعَذابٍ «وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَری» .

ثُمَّ التَفَتَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام فَقالَ لَهُ:أفَلا نَروحُ إلی رَبِّنا ونَلحَقُ بِأَصحابِنا؟

فَقالَ لَهُ:بَل رُح إلی ما هُوَ خَیرٌ لَکَ مِنَ الدنیا وما فیها،وإلی مُلکٍ لا یَبلی.فَتَقَدَّمَ فَقاتَلَ قِتالَ الأَبطالِ،وصَبَرَ عَلَی احتِمالِ الأَهوالِ،حَتّی قُتِلَ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (2)

1707.مثیر الأحزان: جاءَ حَنظَلَةُ بنُ أسعَدَ الشِّبامِیُّ فَوَقَفَ بَینَ یَدَیِ الحُسَینِ علیه السّلام،یَقیهِ الرِّماحَ

ص:204

وَالسِّهامَ والسُّیوفَ بِوَجهِهِ ونَحرِهِ،ثُمَّ التَفَتَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ:أفَلا نَروحُ إلی رَبِّنا ونَلحَقُ؟

فَقالَ:رُح إلی ما هُوَ خَیرٌ لَکَ مِنَ الدُّنیا وما فیها.فَقاتَلَ قِتالَ الشُّجعانِ،وصَبَرَ عَلی مَضَضِ (1)الطِّعانِ،حَتّی قُتِلَ وألحَقَهُ اللّهُ بِدارِ الرِّضوانِ. (2)

مستبشر،یدلّ علی تغییرٍ أساسیّ فی معنویّاته،وأمر أن تنقل خیمته إلی مقربة من خیام الإمام الحسین علیه السّلام. (1)

وقد أشار إلی هذا التغییر الذی طرأ علیه عندما وعظ جیش ابن زیاد فی عصر الیوم التاسع من محرّم،فقالوا له:

یا زهیر،ما کنت عندنا من شیعة أهل هذا البیت،إنّما کنت عثمانیّاً !

فأجابهم زهیر قائلاً:

أفَلَستَ تَستَدِلُّ بِمَوقِفی هذا أنّی مِنهُم ! أما وَاللّهِ،ما کَتَبتُ إلَیهِ کِتاباً قَطُّ،ولا أرسَلتُ إلَیهِ رَسولاً قَطُّ،ولا وَعَدتُهُ نُصرَتی قَطُّ،ولکِنَّ الطَّریقَ جَمَعَ بَینی وبَینَهُ،فَلَمّا رَأَیتُهُ ذَکَرتُ بِهِ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ومَکانَهُ مِنهُ،وعَرَفتُ ما یُقدَمُ عَلَیهِ مِن عَدُوِّهِ وحِزبِکُم،فَرَأَیتُ أن أنصُرَهُ،وأن أکونَ فی حِزبِهِ،وأن أجعَلَ نَفسی دونَ نَفسِهِ، حِفظاً لِما ضَیَّعتُم مِن حَقِّ اللّهِ وحَقِّ رَسولِهِ صلّی اللّه علیه و آله. (2)

ولا نعلم ما قاله الإمام علیه السّلام لزهیر فی هذا اللقاء القصیر،إلّاأنّه یبدو من الکلام الذی أدلی به إلی أصحابه عند الوداع،بأنّ إحدی المسائل التی أبداها الإمام الحسین علیه السّلام له،هی التذکیر بذکری مهمّة وسارّة من ذکریات حرب بلنجر.

وبعد رجوعه من لدن الإمام علیه السّلام حکی زهیر هذه الذکری لرفاقه لعلّه یستجذبهم معه، فخاطبهم قائلاً:

مَن أحَبَّ مِنکُم أن یَتبَعَنی،وإلّا فَإِنَّهُ آخِرُ العَهدِ،إنّی سَاُحَدِّثُکُم حَدیثاً:

غَزَونا بَلَنجَرَ،فَفَتَحَ اللّهُ عَلَینا،وأصَبنا غَنائِمَ،فَقالَ لَنا سَلمانُ الباهِلِیُّ:أفَرِحتُم بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَیکُم،وأصَبتُم مِنَ الغَنائِمِ؟! فَقُلنا:نَعَم،فَقالَ لَنا:إذا أدرَکتُم شَبابَ آلِ مُحَمَّدٍ فَکونوا أشَدَّ فَرَحاً بِقِتالِکُم مَعَهُم مِنکُم بِما أصَبتُم مِنَ الغَنائِمِ،فَأَمّا أنا،

ص:206

فَإِنّی أستَودِعُکُمُ اللّهَ. (1)

واستمرّ قائلاً:

مَن أحَبَّ مِنکُمُ الشَّهادَةَ فَلیَقُم،ومَن کَرِهَها فَلیَتَقَدَّم.

فلم یقم معه منهم أحد. (2)وبعد هذه اللحظة المصیریّة التحق زهیرٌ بصفوف أصحاب الإمام الراسخین،بحیث أنّه حینما خاطب الإمام علیه السّلام أصحابه:

ألا وإنّی لَأَظُنُّ إنّه آخِرُ یَومٍ لَنا مِن هؤُلاءِ.ألا وإنّی قَد أذِنتُ لَکُم،فَانطَلِقوا جَمیعاً فی حِلّ،لَیسَ عَلَیکُم مِنّی ذِمامٌ،هذَا اللَّیلُ قَد غَشِیَکُم،فَاتَّخِذوهُ جَمَلاً. (3)

فوقف زهیر وأبدی وفاءه للإمام بهذه العبارات الجمیلة والعجیبة:

وَاللّهِ،لَوَدِدتُ أنّی قُتِلتُ،ثُمَّ نُشِرتُ،ثُمَّ قُتِلتُ حَتّی اقتَلَ کَذا ألفَ قَتلَةٍ،وأنَّ اللّهَ یَدفَعُ بِذلِکَ القَتلَ عَن نَفسِکَ وعَن أنفُسِ هؤُلاءِ الفِتیَةِ مِن أهلِ بَیتِکَ. (4)

وفی ظهر عاشوراء وقف زهیر إلی جانب سعد بن عبد اللّه الحنفیّ مع النصف الباقین من أصحاب الإمام لیشکّلوا ساتراً دفاعیّاً للإمام،فإنّهم وقفوا أمام الإمام وصلّی الإمام خلفهم، (5)وعندما هجم العدوّ علی خیام أهل البیت علیهم السّلام،قاومهم زهیر مع عشرة أفراد من أصحاب الإمام علیه السّلام وأجبروهم علی التراجع، (6)وأنشأ زهیر هذه الأشعار مخاطباً بها الإمام الحسین علیه السّلام:

ص:207

الیَومَ نَلقی جَدَّکَ النَّبِیّا وحَسَناً وَالمُرتَضی عَلِیّا

وذَا الجَناحَینِ الفَتَی الکَمِیّا (1)وبعد حربٍ ضروس وبطولیّة،استُشهد زهیرٌ علی أیدی کثیر بن عبد اللّه والمهاجر بن أوس،وعندما خرّ صریعاً علی الأرض،قال الإمام علیه السّلام مخاطباً هذا المجاهد العظیم:

لا یُبعِدَنَّکَ اللّهُ یا زُهَیرُ،ولَعَنَ اللّهُ قاتِلَکَ،لَعنَ الَّذینَ مَسَخَهُم قِرَدَةً وخَنازیرَ ! (2)

ونقرأ فی زیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی زُهَیرِ بنِ القَینِ البَجَلِیِّ،القائِلِ لِلحُسَینِ وقَد أذِنَ لَهُ فِی الاِنصِرافِ:«لا وَاللّهِ لا یَکونُ ذلِکَ أبَداً،أترُکُ ابنَ رَسولِ اللّهِ أسیراً فی یَدِ الأَعداءِ وأنجو! لا أرانِیَ اللّهُ ذلِکَ الیَومَ». (3)

کما ذکر اسمه فی الزیارة الرجبیّة. (4)

لم تذکر المصادر المعتبرة ما جاء فی کتاب مجالس المواعظ ،من أنّ زهیراً کان یلعب ذات یوم فی طفولته مع الإمام الحسین علیه السّلام،وأنّه کان یقبّل التراب تحت قدمیه، ولذلک فقد حظی بملاطفة النبیّ صلّی اللّه علیه و آله.کما أنّ تاریخ حیاة زهیر یدلّ علی عدم صحّة هذه الروایة. (5)

الجدیر بالذکر أنّ هذه الحادثة جاءت بتفصیلٍ أکثر فی کتاب المنتخب للطریحی،

ص:208

ولکن لم یذکر اسم الطفل، (1)ویدور علی الألسنة اسم حبیب بن مظاهر عادة؛إلّاأنّ أصل الحادثة واسم الطفل یفتقدان علی أیّ حالٍ إلی سندٍ معتبر.

1708.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جدّه [زین العابدین] علیهم السّلام :بَرَزَ...زُهَیرُ بنُ القَینِ البَجَلِیُّ،وهُوَ یَقولُ مُخاطِباً لِلحُسَینِ علیه السّلام:

الیَومَ نَلقی جَدَّکَ النَّبِیّا وحَسَناً وَالمُرتَضی عَلِیّا

فَقَتَلَ مِنهُم تِسعَةَ عَشَرَ رَجُلاً،ثُمَّ صُرِعَ وهُوَ یَقولُ:

أنَا زُهَیرٌ وأنَا ابنُ القَینِ أذُبُّکُم بِالسَّیفِ عَن حُسَینِ (2)

1709.تاریخ الطبری عن محمّد بن قیس: قاتَلَ زُهَیرُ بنُ القَینِ قِتالاً شَدیداً،وأخَذَ یَقولُ:

أنَا زُهَیرٌ وأنَا ابنُ القَینِ أذودُهُم بِالسَّیفِ عَن حُسَینِ

قالَ:وأخَذَ یَضرِبُ عَلی مَنکِبِ حُسَینٍ علیه السّلام ویَقولُ:

أقدِم هُدیتَ هادِیاً مَهدِیّا

وأسَدَ اللّهِ الشَّهیدَ الحَیّا

قالَ:فَشَدَّ عَلَیهِ کَثیرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الشَّعبِیُّ ومُهاجِرُ بنُ أوسٍ فَقَتَلاهُ. (3)

1710.الإرشاد: جاءَهُم شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ فی أصحابِهِ،فَحَمَلَ عَلَیهِم زُهَیرُ بنُ القَینِ رَحِمَهُ اللّهُ فی عَشَرَةِ رِجالٍ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَکَشَفَهُم عَنِ البُیوتِ،وعَطَفَ عَلَیهِم

ص:209

شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ فَقَتَلَ مِنَ القَومِ ورَدَّ الباقینَ إلی مَواضِعِهِم،وأنشَأَ زُهَیرُ بنُ القَینِ یَقولُ مُخاطِباً لِلحُسَینِ علیه السّلام:

الیَومَ نَلقی جَدَّکَ النَّبِیّا وحَسَناً وَالمُرتَضی عَلِیّا

وذَا الجَناحَینِ الفَتَی الکَمِیّا (1)1711.مثیر الأحزان: تَقَدَّمَ زُهَیرُ بنُ القَینِ فَقاتَلَ بَینَ یَدَیِ الحُسَینِ علیه السّلام وهُوَ یَقولُ:

أنَا زُهَیرٌ وأنَا ابنُ القَینِ أذودُهُم بِالسَّیفِ عَن حُسَینِ

قالَ:وحَضَرَت صَلاةُ الظُّهرِ،فَأَمَرَ علیه السّلام لِزُهَیرِ بنِ القَینِ وسَعیدِ بنِ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیِّ أن یَتَقَدَّما أمامَهُ بِنِصفِ مَن تَخَلَّفَ مَعَهُ،وصَلّی بِهِم صَلاةَ الخَوفِ...وقاتَلَ زُهَیرٌ قِتالاً شَدیداً حَتّی قُتِلَ. (2)

1712.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: خَرَجَ...زُهَیرُ بنُ القَینِ البَجَلِیُّ،وهُوَ یَقولُ:

أنَا زُهَیرٌ وأنَا ابنُ القَینِ

ورُوِیَ أنَّ زُهَیراً لَمّا أرادَ الحَملَةَ وَقَفَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام وضَرَبَ عَلی کَتِفِهِ،وقالَ:

أقدِم حُسَینُ هادِیاً مَهدِیّاً. (3)

ثُمَّ قاتَلَ قِتالاً شَدیداً،فَشَدَّ عَلَیهِ کَثیرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الشَّعبِیُّ،ومُهاجِرُ بنُ أوسٍ التَّمیمِیُّ فَقَتَلاهُ.

ص:210

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام حینَ صُرِعَ زُهَیرٌ:لا یُبعِدَنَّکَ اللّهُ یا زُهَیرُ،ولَعَنَ اللّهُ قاتِلَکَ، لَعنَ الَّذینَ مَسَخَهُم قِرَدَةً وخَنازیرَ ! (1)راجع:ص14 (الفصل الأول/أرض کرب و بلاء)

وص 63 (الفصل الأوّل/جواب أهل بیته وأصحابه)

وص 103 (الفصل الثانی/کلمة زهیر بن القین لجیش الکوفة)

و ج 3 ص 362 (القسم السابع/الفصل السابع/سدّ الحرّ الطریق علی الإمام علیه السّلام )

و ص 374 (الفصل السابع/خطبه الإمام علیه السّلام فی ذی حُسم)

و ص 377 (الفصل السابع/خطاب الإمام علیه السّلام لإصحابه وأصحاب الحرّ فی بیضة)

و ص 394 (الفصل السابع/کتاب ابن زیاد إلی الحرّ یأمره بتضییق الأمر علی الإمام علیه السّلام ).

من مخالفی الصلح مع معاویة،لکن وافق علیه بعد التشاور مع الإمام الحسین علیه السّلام. (1)

کان سعید بن عبد اللّه أحد الذین دعوا الإمام الحسین علیه السّلام إلی الکوفة (2)والتقی الإمام برفقة المجموعة الثانیة التی حملت کتب الکوفییّن إلیه،کما کان عاملَ إیصال جواب الإمام علیه السّلام لأهل الکوفة. (3)

جاء سعیدٌ إلی دار المختار بعد مجیء مسلم علیه السّلام إلی الکوفة وأعلن عن نصرته ووفائه للنهضة الحسینیّة،من خلال کلمة ألقاها وحرّض فیها الناس علی البیعة لمسلم والطاعة له. (4)وعندما أذن الإمام الحسین علیه السّلام لیلة عاشوراء لأصحابه أن یترکوه ویخرجوا من أرض المعرکة،أظهر محبّته ووفاءه فی خطبة ملحمیّة،حیث قال:

وَاللّهِ،لَو عَلِمتُ أنّی اقتَلُ،ثُمَّ احیا،ثُمَّ احرَقُ حَیّاً،ثُمَّ اذَرُّ،یُفعَلُ ذلِکَ بی سَبعینَ مَرَّةً؛ما فارَقتُکَ حَتّی ألقی حِمامی دونَکَ. (5)

واستناداً إلی بعض الروایات،کان سعید بن عبد اللّه أحد الذین وقفوا ظهر عاشوراء لیشکّلوا حصناً إزاء الإمام الحسین علیه السّلام،کی یستطیع الإمام أداء صلاته. (6)

واستناداً إلی روایة الخوارزمی فإنّه عندما سقط سعید بن عبد اللّه الحنفی علی الأرض کان یتمتم بهذه الکلمات:

اللّهُمَّ العَنهُم لَعنَ عادٍ وثَمودَ،اللّهُمَّ أبلِغ نَبِیَّکَ عَنِّی السَّلامَ،وأبلِغهُ ما لَقیتُ مِن ألَمِ

ص:212

الجِراحِ؛فَإِنّی أرَدتُ ثَوابَکَ فی نَصرِ ذُرِّیَّةِ نَبِیِّکَ. (1)

وقد جاء فی الزیارة الرجبیّة. (2)وکذلک فی زیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیِّ،القائِلِ لِلحُسَینِ وقَد أذِنَ لَهُ فِی الاِنصِرافِ:

«لا وَاللّهِ لا نُخَلّیکَ حَتّی یَعلَمَ اللّهُ أنّا قَد حَفِظنا غَیبَةَ رَسولِ اللّهِ صَلَّی اللّهُ عَلَیهِ وآلِهِ فیکَ،وَاللّهِ لَو أعلَمُ أنّی اقتَلُ ثُمَّ احیی ثُمَّ احَرُقُ ثُمَّ اذری،ویُفعَلُ بی ذلِکَ سَبعینَ مَرَّةً ما فارَقتُکَ،حَتّی ألقی حِمامی دونَکَ،وکَیفَ لا أفعَلُ ذلِکَ وإنَّما هِیَ مَوتَةٌ أو قَتلَةٌ واحِدَةٌ،ثُمَّ هِیَ بَعدَهَا الکَرامَةُ الَّتی لَاانقِضاءَ لَها أبَداً».

فَقَد لَقیتَ حِمامَکَ،وواسَیتَ إمامَکَ،ولَقیتَ مِنَ اللّهِ الکَرامَةَ فی دارِ المُقامَةِ، حَشَرَنَا اللّهُ مَعَکُم فِی المُستَشهَدینَ،ورَزَقَنا مُرافَقَتَکُم فی أعلی عِلِّیّینَ. (3)

1713.تاریخ الطبری عن محمّد بن قیس: صَلُّوا الظُّهرَ [أی فی یَومِ عاشوراءَ]،صَلّی بِهِمُ الحُسَینُ علیه السّلام صَلاةَ الخَوفِ،ثُمَّ اقتَتَلوا بَعدَ الظُّهرِ،فَاشتَدَّ قِتالُهُم ووَصَلَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَاستَقدَمَ الحَنَفِیُّ أمامَهُ،فَاستَهدَفَ لَهُم یَرمونَهُ بِالنَّبلِ یَمیناً وشِمالاً قائِماً بَینَ یَدَیهِ،فَما زالَ یُرمی حَتّی سَقَطَ. (4)

1714.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: قالَ الحُسَینُ علیه السّلام لِزُهیرِ بنِ القَینِ وسَعیدِ بنِ عَبدِ اللّهِ:تَقَدَّما أمامی،فَتَقَدَّما أمامَهُ فی نَحوٍ مِن نِصفِ أصحابِهِ،حَتّی صَلّی بِهِم صَلاةَ الخَوفِ.

ورُوِیَ أنَّ سَعیدَ بنَ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیَّ تَقَدَّمَ أمامَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَاستَهدَفَ لَهُ یَرمونَهُ بِالنَّبلِ،فَما أخَذَ الحُسَینُ علیه السّلام یَمیناً وشِمالاً إلّاقامَ بَینَ یَدَیهِ،فَما زالَ یُرمی حَتّی سَقَطَ إلَی الأَرضِ وهُوَ یَقولُ:اللّهُمَّ العَنهُم لَعنَ عادٍ وثَمودَ،اللّهُمَّ أبلِغ نَبِیَّکَ عَنِّی

ص:213

السَّلامَ،وأبلِغهُ ما لَقیتُ مِن ألَمِ الجِراحِ،فَإِنّی أرَدتُ بِذلِکَ نُصرَةَ ذُرِّیَّةِ نَبِیِّکَ.ثُمَّ ماتَ فَوُجِدُ بِهِ ثَلاثَةَ عَشَرَ سَهماً سِوی ما بِهِ مِن ضَربِ السُّیوفِ وطَعنِ الرِّماحِ. (1)

1715.مثیر الأحزان: لَمّا وَصَلَ القِتالُ إلَیهِ علیه السّلام تَقَدَّمَ أمامَهُ رَجُلٌ مِن بَنی حَنیفَةَ یَقیهِ بِنَفسِهِ حَتّی سَقَطَ بَینَ یَدَیِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ الحَنَفِیُّ:اللّهُمَّ لا یُعجِزُکَ شَیءٌ تُریدُهُ،فَأَبلِغ مُحمَّداً صلّی اللّه علیه و آله نُصرَتی ودَفعی عَنِ الحُسَینِ علیه السّلام،وَارزُقنی مُرافَقَتَهُ فی دارِ الخُلودِ. (2)

1716.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: خَرَجَ...سَعیدُ بنُ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیُّ وهُوَ یَقولُ:

أقدِم حُسَینُ الیَومَ نَلقی أحمَدا

فَحَمَلَ وقاتَلَ حَتّی قُتِلَ.

ورُوِیَ أنَّ هذِهِ الأَبیاتَ لِسُوَیدِ بنِ عَمرِو بنِ أبِی المُطاعِ،وَاللّهُ أعلَمُ. (3)

المطاع، (1)وسوید بن أبی المطاع الخثعمی، (2)هو آخر شهید (3)من أصحاب الإمام الحسین علیه السّلام. (4)

یقول السیّد ابن طاووس حول کیفیّة شهادته:

فَقاتَلَ قِتالَ الأَسَدِ الباسِلِ،وبالَغَ فِی الصَّبرِ عَلَی الخَطبِ النّازِلِ،حَتّی سَقَطَ بَینَ القَتلی وقَد اثخِنَ بِالجِراحِ،ولَم یَزَل کَذلِکَ ولَیسَ بِهِ حَراکٌ حَتّی سَمِعَهُم یَقولونَ:

قُتِلَ الحُسَینُ،فَتَحامَلَ وأخرَجَ مِن خُفِّهِ سِکّیناً،وجَعَلَ یُقاتِلُهُم بِها حَتّی قُتِلَ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (5)

وجاء فی بعض الکتب الاُخری:

ثمّ خرجَ...عُمرُ بن مطاع الجعفیّ،وهو یقول:

أنَا ابنُ جُعفِیٍّ وأبی مُطاعُ

ثُمَّ حَمَلَ فَقاتَلَ حَتّی قُتِلَ. (6)

ص:215

والظاهر أنّ هذا الشخص هو سوید بن عمرو بن أبی المطاع نفسه.

جدیر بالذکر أنّ اسمه لم یرد فی الزیارة الرجبیّة وزیارة الناحیة المقدّسة.

1717.الملهوف: تَقَدَّمَ سُوَیدُ بنُ عُمر بنِ أبِی المُطاعِ،وکانَ شَریفاً کَثیرَ الصَّلاةِ،فَقاتَلَ قِتالَ الأَسَدِ الباسِلِ،وبالَغَ فِی الصَّبرِ عَلَی الخَطبِ النّازِلِ،حَتّی سَقَطَ بَینَ القَتلی وقَد اثخِنَ بِالجِراحِ،ولَم یَزَل کَذلِکَ ولَیسَ بِهِ حَراکٌ حَتّی سَمِعَهُم یَقولونَ:قُتِلَ الحُسَینُ، فَتَحامَلَ وأخرَجَ مِن خُفِّهِ سِکّیناً،وجَعَلَ یُقاتِلُهُم بِها حَتّی قُتِلَ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (1)

1718.تاریخ الطبری عن زهیر بن عبد الرحمن الخثعمیّ: إنَّ سُوَیدَ بنَ عَمرِو بنِ أبِی المُطاعِ کانَ صُرِعَ فَاُثخِنَ،فَوَقَعَ بَینَ القَتلی مُثخَناً،فَسَمِعَهُم یَقولونَ:قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَوَجَدَ إفاقَةً،فَإِذا مَعَهُ سِکّینٌ وقَد اخِذَ سَیفُهُ،فَقاتَلَهُم بِسِکّینِهِ ساعَةً،ثُمَّ إنَّهُ قُتِلَ،قَتَلَهُ عُروَةُ بنُ بطار التَّغلِبِیُّ وزَیدُ بنُ رُقادٍ الجَنبِیُّ،وکانَ آخِرَ قَتیلٍ. (2)

1719.تاریخ الطبری عن زهیر بن عبد الرحمن بن زهیر الخثعمیّ: کانَ آخِرَ مِن بَقِیَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام مِن أصحابِهِ سُوَیدُ بنُ عَمرِو بنِ أبِی المُطاعِ الخَثعَمِیُّ.

قالَ:وکانَ أوَّلَ قَتیلٍ مِن بَنی أبی طالِبٍ یَومَئِذٍ عَلِیٌّ الأَکبَرُ بنُ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام. (3)

1720.نَسَبُ مَعَدّ: سُوَیدُ بنُ عَمرِو بنِ أبِی المُطاعِ،قُتِلَ مَعَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام بِالطَّفِّ،وهُوَ

ص:216

الَّذی یَقولُ:

أنَا سُوَیدٌ وأبِی المُطاعُ. (1)

فَخَرَجَ وهُوَ یَقولُ:

أمیری حُسَینٌ ونِعمَ الأَمیرُ

ثُمَّ قاتَلَ فَقُتِلَ،وحُزَّ رَأسُهُ ورُمِیَ بِهِ إلی عَسکَرِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَأَخَذَت امُّهُ رَأسَهُ وقالَت:أحسَنتَ یا بُنَیَّ ! یا قُرَّةَ عَینی وسُرورَ قَلبی ! ثُمَّ رَمَت بِرَأسِ ابنِها رَجُلاً فَقَتَلَتهُ،وأخَذَت عَمودَ خَیمَةٍ وحَمَلَت عَلَی القَومِ،وهِیَ تَقولُ:

أنَا عَجوزٌ فِی النِّسا ضَعیفَةٌ

فَضَرَبَت رَجُلَینِ فَقَتَلَتهُما،فَأَمَرَ الحُسَینُ علیه السّلام بِصَرفِها ودَعا لَها. (1)

راجع:ص 173 (جنادة بن الحارث وابنه عمرو) و ص 250 (وهب بن وهب).

ویبدو أنّه ذلک الشخص نفسه الذی سمّاه ابن نما بأبی عمر النهشلی. (1)

وذکر فی الزیارة الرجبیّة (2)وزیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی شَبیبِ بنِ عَبدِ اللّهِ النَّهشَلِیِّ. (3)

1722.مثیر الأحزان عن مهران مولی بنی کاهل: شَهِدتُ کَربَلاءَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَرَأَیتُ رَجُلاً یُقاتِلُ قِتالاً شَدیداً،لا یَحمِلُ عَلی قَومٍ إلّاکَشَفَهُم،ثُمَّ یَرجِعُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام ویَرتَجِزُ ویَقولُ:

أبشِر هُدیتَ الرُّشدَ تَلقی أحمَدا فی جَنَّةِ الفِردَوسِ تَعلو صُعُدا

فَقُلتُ:مَن هذا؟فَقالوا:أبو عُمَرَ (4)النَّهشَلِیُّ-وقیلَ:الخَثعَمِیُّ-فَاعتَرَضَهُ عامِرُ بنُ نَهشَلٍ أحَدُ بَنِی اللّاتِ مِن ثَعلَبَةَ،فَقَتَلَهُ وَاجتَزَّ رَأسَهُ،وکانَ أبو عُمَرَ هذا مُتَهَجِّداً کَثیرَ الصَّلاةِ. (5)

کان شوذب یجلس للشیعة فیأتونه للحدیث،وکان متقدّماً فی الشیعة. (1)

ووصفه بعض المتاخّرین بما یلی:

قد ذکر أهل السیر أنّه کان من رجال الشیعة ووجوهها ومن الفرسان المعدودین، وکان حافظاً للحدیث حاملاً له عن أمیر المؤمنین،وکان یجلس للشیعة فیأتونه للحدیث. (2)

فإذا ثبتت هذه الروایات فالظاهر أنّها لا تنسجم مع الروایات الدالّة علی کونه غلام عابس،لذا یقول المحدّث القمّی:

شاکر قبیلة فی الیمن من همدان ینتهی نسبهم إلی شاکر بن ربیعة بن مالک، (3)وعابس کان من هذه القبیلة،وشوذب کان مولاهم أی نزیلهم،أو حلیفهم،لا أنّه کان غلاماً لعابس،أو معتقه،أو عبده کما رسخ فی الأذهان،بل قال شیخنا الأجلّ المحدّث النوری صاحب المستدرک علیه الرحمة (4):ولعلّ کان مقامه أعلی من مقام عابس، لما قالوا فی حقّه:وکان-أی شوذب-متقدّماً فی الشیعة. (5)

وجاء فی زیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی شَوذَبٍ مَولی شاکِرٍ. (6)

وورد فی الزیارة الرجبیّة:

السَّلامُ عَلی سُوَیدٍ مَولی شاکِرٍ. (7)

1723.تاریخ الطبری عن محمّد بن قیس: جاءَ عابِسُ بنُ أبی شَبیبٍ الشّاکِرِیُّ ومَعَهُ شَوذَبٌ مَولی

ص:220

شاکِرٍ،فَقالَ:یا شَوذَبُ،ما فی نَفسِکَ أن تَصنَعَ؟قالَ:ما أصنَعُ؟اُقاتِلُ مَعَکَ دونَ ابنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله حَتّی اقتَلَ،قالَ:ذلِکَ الظَّنُّ بِکَ،أمّا لا (1)فَتَقَدَّم بَینَ یَدَی أبی عَبدِ اللّهِ حَتّی یَحتَسِبَکَ کَمَا احتَسَبَ غَیرَکَ مِن أصحابِهِ،وحَتّی أحتَسِبَکَ أنَا،فَإِنَّهُ لَو کانَ مَعِی السّاعَةَ أحَدٌ أنَا أولی بِهِ مِنّی بِکَ لَسَرَّنی أن یَتَقَدَّمَ بَینَ یَدَیَّ حَتّی أحتَسِبَهُ، فَإِنَّ هذا یَومٌ یَنبَغی لَنا أن نَطلُبَ الأَجرَ فیهِ بِکُلِّ ما قَدَرنا عَلَیهِ،فَإِنَّهُ لا َّعَمَلَ بَعدَ الیَومِ وإنَّما هُوَ الحِسابُ.

قالَ:فَتَقَدَّمَ فَسَلَّمَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام،ثُمَّ مَضی فَقاتَلَ حَتّی قُتِلَ. (2)

1724.الإرشاد: تَقَدَّمَ...شَوذَبٌ مَولی شاکِرٍ،فَقالَ:السَّلامُ عَلَیکَ یا أبا عَبدِ اللّهِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَکاتُهُ،أستَودِعُکَ اللّهَ وأستَرعیکَ،ثُمَّ قاتَلَ حَتّی قُتِلَ رَحِمَهُ اللّهُ. (3)

الکوفة،کان عابس أوّل شخص قام من مکانه،وبعد حمد اللّه والثناء علیه قال:

أمّا بَعدُ،فَإِنّی لا اخبِرُکَ عَنِ النّاسِ،ولا أعلَمُ ما فی أنفُسِهِم،وما أغُرُّکَ مِنهُم، وَاللّهِ لَاُحَدِّثَنَّکَ عَمّا أنَا مُوَطِّنٌ نَفسی عَلَیهِ،وَاللّهِ لَاُجیبَنَّکُم إذا دَعَوتُم،ولَاُقاتِلَنَّ مَعَکُم عَدُوَّکُم،ولَأَضرِبَنَّ بِسَیفی دونَکُم حَتّی ألقَی اللّهَ،لا اریدُ بِذلِکَ إلّاما عِندَ اللّهِ.

وقام بعده حبیب بن مظاهر وأبدی استعداده لنصرة الإمام،وهیّأت کلمة هذین الرجلین الأرضیّة لبیعة الناس. (1)

حمل عابس کتاب مسلم للإمام إلی مکّة، (2)وکان له حضور مؤثّر فی المقاطع المختلفة من النهضة الحسینیّة،ویدلّ کلامه عند الوداع مع الإمام الحسین علیه السّلام فی یوم عاشوراء،علی ذروة إیمانه وإیثاره وحبّه لأهل بیت الرسالة،حیث خاطب الإمام قائلاً:

یا أبا عَبدِ اللّهِ،وَاللّهِ ما أقدِرُ عَلی أن أدفَعَ عَنکَ القَتلَ وَالضَّیمَ بِشَیءٍ أعَزَّ عَلَیَّ مِن نَفسی،فَعَلَیکَ السَّلامُ ! (3)

وحینما عجز عسکر العدوّ عن مواجهته،أمر عمر بن سعد أن یرشقوه بالحجارة من کلّ جانب،فلمّا رأی ذلک،استبشر وألقی درعه ومغفره،واستقبل رشق الحجارة دون درعٍ ومغفر!

یقول الراوی فی تبیین شجاعته بعد أن استشهد عابس:

رَأَیتُ رَأسَهُ فی أیدی رِجالٍ ذَوی عُدَّةٍ،هذا یَقولُ:أنَا قَتَلتُهُ،وهذا یَقولُ:أنَا قَتَلتُهُ، فَأَتَوا عُمَرَ بنَ سَعدٍ فَقالَ:لا تَختَصِموا،هذا لَم یَقتُلهُ سِنانٌ واحِدٌ. (4)

ص:222

وجاء فی الزیارة الرجبیّة (1)وزیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی عابِسِ بنِ شَبیبٍ الشّاکِرِیِّ. (2)

1725.أنساب الأشراف: قالوا:فَلَمّا رَأی بَقِیَّةُ أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام أنَّهُم لا یَقدِرونَ عَلی أن یَمتَنِعوا ولا یَمنَعوا حُسَیناً علیه السّلام،تَنافَسوا فی أن یُقتَلوا،فَجَعَلوا یُقاتِلونَ بَینَ یَدَیهِ حَتّی یُقتَلوا.

وجاءَ عابِسُ بنُ أبی شَبیبٍ فَقالَ:یا أبا عَبدِ اللّهِ،وَاللّهِ ما أقدِرُ عَلی أن أدفَعَ عَنکَ القَتلَ وَالضَّیمَ (3)بِشَیءٍ أعَزَّ عَلَیَّ مِن نَفسی،فَعَلَیکَ السَّلامُ !

وقاتَلَ بِسَیفِهِ،فَتَحاماهُ (4)النّاسُ لِشَجاعَتِهِ،ثُمَّ عَطَفوا عَلَیهِ مِن کُلِّ جانِبٍ،فَقُتِلَ. (5)

1726.تاریخ الطبری عن أبی مخنف عن محمّد بن قیس: ثُمَّ قالَ عابِسُ بنُ أبی شَبیبٍ:یا أبا عَبدِ اللّهِ،أما وَاللّهِ ما أمسی عَلی ظَهرِ الأَرضِ قَریبٌ ولا بَعیدٌ أعَزَّ عَلَیَّ ولا أحَبَّ إلَیَّ مِنکَ،ولَو قَدَرتُ عَلی أن أدفَعَ عَنکَ الضَّیمَ وَالقَتلَ بِشَیءٍ أعَزَّ عَلَیَّ مِن نَفسی ودَمی لَفَعَلتُهُ؛السَّلامُ عَلَیکَ یا أبا عَبدِ اللّهِ،اُشهِدُ اللّهَ أنّی عَلی هَدیِکَ وهَدیِ أبیکَ.ثُمَّ مَشی بِالسَّیفِ مُصلِتاً نَحوَهُم،وبِهِ ضَربَةٌ عَلی جَبینِهِ.

قالَ أبو مِخنَفٍ:حَدَّثَنی نُمَیرُ بنُ وَعلَةَ عَن رَجُلٍ مِن بَنی عَبدٍ مِن هَمدانَ،یُقالُ لَهُ رَبیعُ بنُ تَمیمٍ شَهِدَ ذلِکَ الیَومَ،قالَ:لَمّا رَأَیتُهُ مُقبِلاً عَرَفتُهُ وقَد شاهَدتُهُ فِی المَغازی وکانَ أشجَعَ النّاسِ،فَقُلتُ:أیُّهَا النّاسُ هذَا الأَسَدُ الأَسوَدُ،هذَا ابنُ

ص:223

أبی شَبیبٍ،لا یَخرُجَنَّ إلَیهِ أحَدٌ مِنکُم.فَأَخَذَ یُنادی:ألا رَجُلٌ لِرَجُلٍ ! فَقالَ عُمَرُ بنُ سِعدٍ:اِرضَخوهُ (1)بِالحِجارَةِ.

قالَ:فَرُمِیَ بِالحِجارَةِ مِن کُلِّ جانِبٍ،فَلَمّا رَأی ذلِکَ ألقی دِرعَهُ ومِغفَرَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَی النّاسِ،فَوَاللّهِ لَرَأَیتُهُ یَکرُدُ (2)أکثَرَ مِن مِئَتَینِ مِنَ النّاسِ،ثُمَّ إنَّهُم تَعَطَّفوا عَلَیهِ مِن کُلِّ جانِبٍ فَقُتِلَ.قالَ:فَرَأَیتُ رَأسَهُ فی أیدی رِجالٍ ذَوی عُدَّةٍ،هذا یَقولُ:أنَا قَتَلتُهُ، وهذا یَقولُ:أنَا قَتَلتُهُ،فَأَتَوا عُمَرَ بنَ سَعدٍ فَقالَ:لا تَختَصِموا،هذا لَم یَقتُلهُ سِنانٌ واحِدٌ،فَفَرَّقَ بَینَهُم بِهذَا القَولِ. (3)

1727.مثیر الأحزان: جاءَ عابِسُ بنُ أبی شَبیبٍ الشّاکِرِیُّ مَولی بَنی شاکِرٍ،فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:

یا أبا شَوذَبَ ما فی نَفسِکَ؟قالَ:اُقاتِلُ مَعَکَ،فَدَنا مِنَ الحُسَینِ علیه السّلام وقالَ:لَو قَدَرتُ أن أرفَعَ (4)عَنکَ بِشَیءٍ هُوَ أعَزُّ مِن نَفسی لَفَعَلتُ.ثُمَّ تَقَدَّمَ فَلَم یُقدِم عَلَیهِ أحَدٌ.

فَقالَ زِیادُ بنُ الرَّبیعِ بنِ أبی تَمیمٍ الحارِثِیُّ:هذَا ابنُ أبی شَبیبٍ الشّاکِرِیُّ القَوِیُّ، لا یَخرُجَنَّ إلَیهِ أحَدٌ،اِرموهُ بِالحِجارَةِ.فَرَمَوهُ حَتّی قُتِلَ. (5)

الخزرجی، (1)وعبد الرحمن بن عبد ربّ. (2)کان من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله، (3)والإمام علیّ علیه السّلام، (4)والإمام الحسین علیه السّلام، (5)وقیل فی شأنه:کان أمیر المؤمنین ربّاه وعلّمه القرآن. (6)

ومن التاریخ المشرق لهذا الرجل العظیم أنّه حینما ناشد الإمام علیّ علیه السّلام جمعاً من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فی الکوفة،وأقسم علیهم وطلب منهم أن ینهض کلّ من سمع کلام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فی غدیر خمّ فلیشهد علی ذلک،کان أحدَ الذین نهضوا وشهدوا بذلک. (7)کما ذکر اسمه فیمن تمازح من أصحاب الإمام الحسین إبّان الشهادة. (8)

جدیر بالذکر أنّ اسمه لم یرد فی زیارة الناحیة المقدّسة والزیارة الرجبیّة.

أصحاب الإمام علی علیه السّلام والإمام الحسین علیه السّلام. (1)

کان یعیش فی الکوفة،وحینما علم بأنّ الناس یستعدّون لحرب الإمام الحسین علیه السّلام، عزم علی الذهاب إلی کربلاء لنصرة الإمام علیه السّلام،وفاتح زوجته بشأن قراره هذا،فأیّدت قرار زوجها،وقالت له:خذنی معک.وأوصلا أنفسهما إلی کربلاء لیلاً. (2)

کان مقاتلاً باسلاً شجاعاً،وقد اختاره الإمام الحسین علیه السّلام لیکون أوّل مبارز یبارز العدوّ؛ فقام بمبارزة اثنین من شجعانهم وأرداهما قتیلین،وقام بقتل اثنین أیضاً فی الهجوم الجماعی للعدوّ لینال بعدها وسام الشهادة،وکان الثانی من أصحاب الإمام علیه السّلام الذین التحقوا برَکب الشهداء.

وبعد شهادة عبد اللّه أخذت زوجته بالبکاء علی جنازته،فضربها غلام شمر واسمه رستم،فالتحقت بموکب الشهداء. (3)

وقد ورد فی الزیارة الرجبیّة (4)وزیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَیرٍ الکَلبِیِّ. (5)

1728.تاریخ الطبری عن أبی مخنف عن أبی جناب: کانَ مِنّا رَجُلٌ یُدعی عَبدَ اللّهِ بنَ عُمَیرٍ،مِن بَنی عُلَیمٍ،کانَ قَد نَزَلَ الکوفَةَ،وَاتَّخَذَ عِندَ بِئرِ الجَعدِ مِن هَمدانَ داراً،وکانَت مَعَهُ امرَأَةٌ لَهُ مِنَ النَّمِرِ بنِ قاسِطٍ،یُقالُ لَها:اُمُّ وَهبٍ بِنتُ عَبدٍ،فَرَأَی القَومَ بِالنُّخَیلَةِ (6)یُعرَضونَ

ص:226

لِیُسَرَّحوا (1)إلَی الحُسَینِ علیه السّلام.

قالَ:فَسَأَلَ عَنهُم،فَقیلَ لَهُ:یُسَرَّحونَ إلی حُسَینِ بنِ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.

فَقالَ:وَاللّهِ لَقَد کُنتُ عَلی جِهادِ أهلِ الشِّرکِ حَریصاً،وإنّی لَأَرجو ألّا یَکونَ جِهادُ هؤُلاءِ الَّذینَ یَغزونَ ابنَ بِنتِ نَبِیِّهِم أیسَرَ ثَواباً عِندَ اللّهِ مِن ثَوابِهِ إیّایَ فی جِهادِ المُشرِکینَ،فَدَخَلَ إلَی امرَأَتِهِ فَأَخبَرَها بِما سَمِعَ،وأعلَمَها بِما یُریدُ،فَقالَت:أصَبتَ أصابَ اللّهُ بِکَ أرشَدَ امورِکَ،افعَل وأخرِجنی مَعَکَ.

قالَ:فَخَرَجَ بِها لَیلاً حَتّی أتی حُسَیناً علیه السّلام،فَأَقامَ مَعَهُ،فَلَمّا دَنا مِنهُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ ورَمی بِسَهمٍ ارتَمَی النّاسُ،فَلَمَّا ارتَمَوا خَرَجَ یَسارٌ مَولی زِیادِ بنِ أبی سُفیانَ وسالِمٌ مَولی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَقالا:مَن یُبارِزُ؟لِیَخرُج إلَینا بَعضُکُم.

قالَ:فَوَثَبَ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ وبُرَیرُ بنُ حُضَیرٍ،فَقالَ لَهُما حُسَینٌ علیه السّلام:اِجلِسا، فَقامَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَیرٍ الکَلبِیُّ فَقالَ:أبا عَبدِ اللّهِ،رَحِمَکَ اللّهُ،ائذَن لی فَلأَخرُج إلَیهِما،فَرَأی حُسَینٌ علیه السّلام رَجُلاً آدَمَ (2)طَویلاً شَدیدَ السّاعِدَینِ بَعیدَ ما بَینَ المَنکِبَینِ.

فَقالَ حُسَینٌ علیه السّلام:إنّی لَأَحسَبُهُ لِلأَقرانِ قَتّالاً،اخرُج إن شِئتَ،قالَ:فَخَرَجَ إلَیهِما، فَقالا لَهُ:مَن أنتَ؟فَانتَسَبَ لَهُما،فَقالا:لا نَعرِفُکَ،لِیَخرُج إلَینا زُهَیرُ بنُ القَینِ أو حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ أو بُرَیرُ بنُ حُضَیرٍ،ویَسارٌ مُستَنتِلٌ (3)أمامَ سالِمٍ.

فَقالَ لَهُ الکَلبِیُّ:یَابنَ الزّانِیَةِ،وبِکَ رَغبَةٌ عَن مُبارَزَةِ أحَدٍ مِنَ النّاسِ؟ وما یَخرُجُ إلَیکَ أحَدٌ مِنَ النّاسِ إلّاوهُوَ خَیرٌ مِنکَ،ثُمَّ شَدَّ عَلَیهِ فَضَرَبَهُ بِسَیفِهِ

ص:227

حَتّی بَرَدَ،فَإِنَّهُ لَمُشتَغِلٌ بَهَ یَضرِبُهُ بِسَیفِهِ إذ شَدَّ عَلَیهِ سالِمٌ،فَصاحَ [أیِ النّاسُ] بِهِ:

قَد رَهِقَکَ (1)العَبدُ،قالَ:فَلَم یَأبَه لَهُ حَتّی غَشِیَهُ فَبَدَرَهُ الضَّربَةَ،فَاتَّقاهُ الکَلبِیُّ بِیَدِهِ الیُسری،فَأَطارَ أصابِعَ کَفِّهِ الیُسری،ثُمَّ مالَ عَلَیهِ الکَلبِیُّ فَضَرَبَهُ حَتّی قَتَلَهُ.

وأقبَلَ الکَلبِیُّ مُرتَجِزاً وهُوَ یَقولُ،وقَد قَتَلَهُما جَمیعاً:

إن تُنکِرونی فَأَنَا ابنُ کَلبِ

ضَربِ غُلامٍ مُؤمِنٍ بِالرَّبِّ

فَأَخَذَت امُّ وَهبٍ امرَأَتُهُ عَموداً،ثُمَّ أقبَلَت نَحوَ زَوجِها تَقولُ لَهُ:فِداکَ أبی واُمّی ! قاتِل دونَ الطَّیِّبینَ ذُرِّیَّةِ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله،فَأَقبَلَ إلَیها یَرُدُّها نَحوَ النِّساءِ،فَأَخَذَت تُجاذِبُ ثَوبَهُ،ثُمَّ قالَت:إنّی لَن أدَعَکَ دونَ أن أموتَ مَعَکَ.

فَناداها حُسَینٌ علیه السّلام فَقالَ:جُزیتُم مِن أهلِ بَیتٍ خَیراً،ارجِعی رَحِمَکِ اللّهُ إلَی النِّساءِ فَاجلِسی مَعَهُنَّ،فَإِنَّهُ لَیسَ عَلَی النِّساءِ قِتالٌ.فَانصَرَفَت إلَیهِنَّ....قالَ أبو مِخنَفٍ:حَدَّثَنِی الحُسَینُ بنُ عُقبَةَ المُرادِیُّ:قالَ الزُّبَیدِیُّ:...وحَمَلَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ فِی المَیسَرَةِ عَلی أهلِ المَیسَرَةِ،فَثَبَتوا لَهُ فَطاعَنوهُ وأصحابَهُ،وحُمِلَ عَلی حُسَینٍ علیه السّلام وأصحابِهِ مِن کُلِّ جانِبٍ،فَقُتِلَ الکَلبِیُّ،وقَد قَتَلَ رَجُلَینِ بَعدَ الرَّجُلَینِ الأَوَّلَینِ،وقاتَلَ قِتالاً شَدیداً،فَحَمَلَ عَلَیهِ هانِئُ بنُ ثُبَیتٍ الحَضرَمِیُّ وبُکَیرُ بنُ

ص:228

حَیٍّ التَّیمِیُّ مِن تَیمِ اللّهِ بنِ ثَعلَبَةَ فَقَتَلاهُ،وکانَ القَتیلَ الثّانِیَ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام....

قالَ أبو مِخنَفٍ:حَدَّثَنی نُمَیرُ بنُ وَعلَةَ:...وخَرَجَتِ امرَأَةُ الکَلبِیِّ تَمشی إلی زَوجِها حَتّی جَلَسَت عِندَ رَأسِهِ تَمسَحُ عَنهُ التُّرابَ وتَقولُ:هَنیئاً لَکَ الجَنَّةُ،فَقالَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ لِغُلامٍ یُسَمّی رُستَمَ:اِضرِب رَأسَها بِالعَمودِ،فَضَرَبَ رَأسَها فَشَدَخَهُ (1)فَماتَت مَکانَها. (2)

1729.أنساب الأشراف: خَرَجَ یَسارٌ مَولی زِیادٍ وسالِمٌ مَولَی ابنِ زِیادٍ فَدَعَوا إلَی المُبارَزَةِ،فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَیرٍ الکَلبِیُّ:أبا عَبدِ اللّهِ-رَحِمَکَ اللّهُ-ائذَن لی أخرُج إلَیهِما،فَخَرَجَ رَجُلٌ آدَمُ طُوالٌ شَدیدُ السّاعِدَینِ بَعیدُ ما بَینَ المَنکِبَینِ،فَشَدَّ عَلَیهِما فَقَتَلَهُما،وهُوَ یَقولُ:

إن تُنکِرونی فَأَنَا ابنُ کَلبِ

ضَربِ غُلامٍ مُؤمِنٍ بِالرَّبِّ

فَأَقبَلَت إلَیهِ امرَأَتُهُ فَقالَت:قاتِل بِأَبی أنتَ واُمّی عَنِ الحُسَینِ ذُرِّیَّةِ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله.

فَأَقبَلَ یَرُدُّها نَحوَ النِّساءِ....

وحَمَلَ شِمرٌ فِی المَیسَرَةِ فَثَبَتوا لَهُ وطاعَنوهُ،ونادی أصحابَهُ فَحَمَلَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام وأصحابِهِ مِن کُلِّ جانِبٍ،وقُتِلَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَیرٍ الکَلبِیُّ،فَجَعَلَتِ

ص:229

امرَأَتُهُ تَبکی عِندَ رَأسِهِ،فَأَمَرَ شِمرٌ غُلاماً لَهُ یُقالُ لَهُ رُستَمُ،فَضَرَبَ رَأسَها بِعَمودٍ حَتّی شَدَخَهُ فَماتَت مَکانَها. (1)

1730.الإرشاد: نادی عُمَرُ بنُ سَعدٍ:یا ذُوَیدُ أدنِ رایَتَکَ،فَأَدناها،ثُمَّ وَضَعَ سَهمَهُ فی کَبِدِ قَوسِهِ ثُمَّ رَمی،وقالَ:اِشهَدوا أنّی أوَّلُ مَن رَمی،ثُمَّ ارتَمَی النّاسُ وتَبارَزوا،فَبَرَزَ یَسارٌ مَولی زِیادِ بنِ أبی سُفیانَ،وبَرَزَ إلَیهِ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَیرٍ،فَقالَ لَهُ یَسارٌ:مَن أنتَ؟فَانتَسَبَ لَهُ،فَقالَ:لَستُ أعرِفُکَ،لِیَخرُج إلَیَّ زُهَیرُ بنُ القَینِ أو حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ.

فَقالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَیرٍ:یَابنَ الفاعِلَةِ،وبِکَ رَغبَةٌ عَن مُبارَزَةِ أحَدٍ مِنَ النّاسِ؟! ثُمَّ شَدَّ عَلَیهِ فَضَرَبَهُ بِسَیفِهِ حَتّی بَرَدَ،فَإِنَّهُ لَمُشتَغِلٌ بِضَربِهِ إذ شَدَّ عَلَیهِ سالِمٌ مَولی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَصاحوا بِهِ:قَد رَهِقَکَ العَبدُ،فَلَم یُشعِر حَتّی غَشِیَهُ فَبَدَرَهُ ضَربَةً اتَّقاهَا ابنُ عُمَیرٍ بِکَفِّهِ الیُسری فَأَطارَت أصابِعَ کَفِّهِ،ثُمَّ شَدَّ عَلَیهِ فَضَرَبِهُ حَتّی قَتَلَهُ، وأقبَلَ وقَد قَتَلَهُما جَمیعاً وهُوَ یَرتَجِزُ،ویَقولُ:

إن تُنکِرونی فَأَنَا ابنُ کَلبِ إنِّی امرُؤٌ ذو مِرَّةٍ وعَضبِ

ولَستُ بِالخَوّارِ عِندَ النَّکبِ (2)1731.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): کانَ أوَّلَ مَن قاتَلَ مَولیً لِعُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ یُقالُ لَهُ سالِمٌ،فَصَلَ مِنَ الصَّفِّ،فَخَرَجَ إلَیهِ عَبدُ اللّهِ بنُ تَمیمٍ الکَلبِیُّ فَقَتَلَهُ. (3)

1732.مثیر الأحزان: کانَ أوَّلَ مَن قُتِلَ مَولیً لِعُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ اسمُهُ سالِمٌ،فَصَلَ مِنَ الصَّفِّ،

ص:230

فَخَرَجَ إلَیهِ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَیرٍ الکَلبِیُّ،وکانَ طَویلاً بَعیدَ ما بَینَ المَنکِبَینِ،فَنَظَرَ إلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام وقالَ:إنّی أحسَبُهُ لِلأَقرانِ قَتّالاً،فَقَتَلَ سالِماً.

ثُمَّ رَجَعَ وعَطَفَ عَلَیهِ مَولیً لِابنِ زِیادٍ فَصاحَ بِهِ النّاسُ:قَد رَهِقَکَ الرَّجُلُ، فَانعَطَفَ عَلَیهِ وضَرَبَهُ فَاتَّقی بِیَدِهِ فَقَطَعَها،وجالَ عَلَیهِ فَقَتَلَهُ،ورَجَعَ وهُوَ یَقولُ:

إن تُنکِرونی فَأَنَا ابنُ کَلبِ

وفی یَدِهِ سَیفٌ تَلوحُ المَنِیَّةُ فی شَفرَتَیهِ (1)،فَکانَ ابنُ المُعتَزِّ وَصَفَهُ بِقَولِهِ فی بَیتِهِ:

ولی صارِمٌ فیهِ المَنایا کَوامِنُ

وعبد الرحمن ابنا قیس بن أبی عروة، (1)وعبد الرحمن وعبد اللّه ابنا عروة، (2)وعبد اللّه وعبد الرحمن ابنا عروة الحراق الغفاریّان. (3)

کانا من أصحاب الإمام الحسین علیه السّلام، (4)جاءا إلی الإمام فی الظروف العسیرة للحرب والهجوم الشامل للعدوّ،وقالا:

یا أبا عَبدِ اللّهِ عَلَیکَ السَّلامُ،حازَنَا العُدُوُّ إلَیکَ،فَأَحبَبنا أن نُقتَلَ بَینَ یَدَیکَ،نَمنَعُکَ ونَدفَعُ عَنکَ.

قالَ:مَرحبَاً بِکُمَا،ادنُوا مِنّی،فَدَنَوا مِنهُ،فَجَعَلا یُقاتِلانِ قَریباً مِنهُ.

وقد نُقل رجزٌ لأحد الأخوین. (5)

وروی فی مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی (6)قضیّة ذهابهما إلی ساحة القتال کروایة الطبری (7)بشأن الأخوین الجابریّین،وورد اسماهما فی زیارتی الرجبیّة (8)و الناحیة:

السَّلامُ عَلی عَبدِ اللّهِ وعَبدِ الرَّحمنِ ابنَی عُروَةَ بنِ حَراقٍ الغِفارِیَّینِ. (9)

عدّ ابن أعثم والخوارزمی وابن شهرآشوب قرّة بن أبی قرّة الغفاری من شهداء کربلاء،کما نقلوا رجزاً عنه، (10)وهذا الرجز شبیه بالرجز الذی نقل عن الغفاریّین،

ص:232

لذا یحتمل اتّحادهما. (1)

وفی الفتوح :ثمّ خرج من بعده (بعد یحیی بن سلیم المازنی) قرّة بن أبی قرّة الغفاری وهو یقول:

قَد عَلِمَت حقّاً بَنو غفّارِ

رَهطِ النَّبِیِّ السّادةِ الأبرارِ

ثمّ حمل فقاتل حتّی قتل. (2)

1733.تاریخ الطبری عن محمّد بن قیس: فَلَمّا رَأی أصحابُ الحُسَینِ علیه السّلام أنَّهُم قَد کُثِروا (3)،وأنَّهُم لا یَقدِرونَ عَلی أن یَمنَعوا حُسَیناً ولا أنفُسَهُم،تَنافَسُوا فی أن یُقتَلوا بَینَ یَدَیهِ،فَجاءَهُ عَبدُ اللّهِ وعَبدُ الرَّحمنِ ابنا عَزرَةَ الغِفارِیّانِ،فَقالا:یا أبا عَبدِ اللّهِ عَلَیکَ السَّلامُ،حازَنَا العُدُوُّ إلَیکَ،فَأَحبَبنا أن نُقتَلَ بَینَ یَدَیکَ،نَمنَعُکَ ونَدفَعُ عَنکَ.

قالَ:مَرحبَاً بِکُمَا ! ادنُوا مِنّی،فَدَنَوا مِنهُ،فَجَعَلا یُقاتِلانِ قَریباً مِنهُ،وأحَدُهُما یَقولُ:

قَد عَلِمَت حَقّاً بَنو غِفارِ

ص:233

یا قَومِ ذودوا عَن بَنِی الأَحرارِ بِالمَشرَفِیِّ وَالقَنَا الخَطّارِ (1). (2)

1734.مثیر الأحزان: تَقَدَّمَ عَبدُ اللّهِ وعَبدُ الرَّحمنِ الغِفارِیّانِ،وأحَدُهُما یَقولُ:

قَد عَلِمَت حَقّاً بَنو غِفَارِ

فَقاتَلا حَتّی قُتِلا رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِما. (3)

1735.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ثُمَّ خَرَجَ...عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عُروَةَ،وَجَعَلَ یَقولُ:

قَد عَلِمَت حَقّاً بَنو غِفارِ

ثُمَّ قاتَلَ حَتّی قُتِلَ. (4)

سعدٌ، (1)أو سعیدٌ، (2)من شهداء کربلاء أیضاً.التحق هذان الشخصان مع نافع بن هلال المرادی ومُجِمَّعُ بن عبداللّه بن العائذی بقافلة الإمام علیه السّلام،بإرشاد من الطرمّاح بن عدیّ فی طریق الکوفة،وفی منزل یدعی عذیب الهجانات. (3)

واستناداً إلی روایة الطبری هجم عمر بن خالد مع غلامه،وجابر بن الحارث، (4)ومجمع بن عبداللّه علی صفوف الأعداء فی یوم عاشوراء وفی بدایة الحرب،فحاصرهم عسکر العدوّ وقطع ارتباطهم بعسکر الإمام علیه السّلام،إلّاأنّهم نجوا من المحاصرة بمساعدة العبّاس علیه السّلام وهم جرحی،ثمّ اقترب منهم العدوّ ثانیة وقتلهم جمیعاً دفعة واحدة. (5)

لکن استناداً لروایة السیّد ابن طاووس، (6)قال عمرو بن خالد للإمام علیه السّلام فی یوم عاشوراء:

جُعِلتُ فِداکَ قَد هَمَمتُ أن ألحَقَ بِأَصحابی،وکَرِهتُ أن أتَخَلَّفَ فَأَراکَ وَحیداً فَریداً بَینَ أهلِکَ قَتیلاً.

فأجابه الإمام:

تَقَدَّم فَإِنّا لاحِقونَ بِکَ عَن ساعَةٍ.

ص:235

فأسرع عمرو إلی ساحة القتال،وحارب حتّی التحق برکب الشهداء. (1)

وجاء اسم عمر بن خالد ومولاه فی زیارة الناحیة المقدّسة هکذا:

السَّلامُ عَلی عُمَرَ بنِ خالِدٍ الصَّیداوِیِّ،السَّلامُ عَلی سَعیدٍ مَولاهُ. (2)

وقد جاء اسمه فی الزیارة الرجبیّة علی شکل عمرو بن خلف. (3)

1736.تاریخ الطبری عن فضیل بن خدیج الکندی: فَأَمَّا الصَّیداوِیُّ عُمَرُ بنُ خالِدٍ،وجابِرُ بنُ الحارِثِ السَّلمانِیُّ،وسَعدٌ مَولی عُمَرَ بنِ خالِدٍ،ومُجَمِّعُ بنُ عَبدِ اللّهِ العائِذِیُّ،فَإِنَّهُم قاتَلوا فی أوَّلِ القِتالِ،فَشَدّوا مُقدِمینَ بِأَسیافِهِم عَلَی النّاسِ،فَلَمّا وَغَلوا عَطَفَ عَلَیهِمُ النّاسُ فَأَخَذوا یَحوزونَهُم،وقَطَعوهُم مِن أصحابِهِم غَیرَ بَعیدٍ،فَحَمَلَ عَلَیهِمُ العَبّاسُ بنُ عَلِیٍّ فَاستَنقَذَهُم،فَجاؤوا قَد جُرِحوا،فَلَمّا دَنا مِنهُم عَدُوُّهُم شَدّوا بِأَسیافِهِم فَقاتَلوا فی أوَّلِ الأَمرِ،حَتّی قُتِلوا فی مَکانٍ واحِدٍ. (4)

1737.الملهوف: بَرَزَ عَمرُو بنُ خالِدٍ الصَّیداوِیُّ،فَقال لِلحُسَینِ علیه السّلام:یا أبا عَبدِ اللّهِ،جُعِلتُ فِداکَ! قَد هَمَمتُ أن ألحَقَ بِأَصحابی،وکَرِهتُ أن أتَخَلَّفَ فَأَراکَ وَحیداً فَریداً بَینَ أهلِکَ قَتیلاً.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:تَقَدَّم فَإِنّا لاحِقونَ بِکَ عَن ساعَةٍ.فَتَقَدَّمَ فَقاتَلَ حَتّی قُتِلَ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (5)

ص:236

یَصِلُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام سوءٌ حَتّی اثخِنَ بِالجِراحِ.

وفی آخر لقائه بالإمام علیه السّلام قال له وهو مثخن بالجراح:

یَابنَ رَسولِ اللّهِ،أوَفَیتُ؟

فأجابه الإمام:

نَعَم،أنتَ أمامی فِی الجَنَّةِ،فَاقرَأ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عَنِّی السَّلامَ وأعلِمهُ أنّی فِی الأَثَرِ.

فقاتل عمرو بن قرظة حتّی استشهد. (1)

أمّا الابن الآخر لقرظة،أی علیّ بن قرظة فکان فی النقطة المقابلة لعمرو،وحینما رأی أخاه قُتل صرخ:

یا حُسَینُ ! یا کَذّابَ ابنَ الکَذّابِ،أضلَلتَ أخی وغَرَرتَهُ حَتّی قَتَلتَهُ !

فقال الإمام:

إنَّ اللّهَ لَم یُضِلَّ أخاکَ،ولکِنَّهُ هَدی أخاکَ وأضَلَّکَ.

فقال علیّ بن قرظه بکلّ وقاحة:

قَتَلَنِیَ اللّهُ إن لَم أقتُلکَ أو أموتَ دونَکَ.

قال هذه العبارة وهجم علی الإمام علیه السّلام،فقطع علیه نافع بن هلال الطریق وضربه بالرمح وصرعه قتیلاً. (2)

وجاء فی الزیارة الرجبیّة (3)وزیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی عَمرِو بنِ قَرَظَةَ الأَنصارِیِّ. (4)

1738.تاریخ الطبری عن أبی مخنف عن عبد الرحمن بن جندب: خَرَجَ عَمرُو بنُ قَرَظَةَ الأَنصارِیُّ

ص:238

یُقاتِلُ دونَ حُسَینٍ علیه السّلام،وهُوَ یَقولُ:

قَد عَلِمَت کَتیبَةُ الأَنصارِ

قالَ أبو مِخنَفٍ عِن ثابِتِ بنِ هُبَیرَةَ:فَقُتِلَ عَمرُو بنُ قَرَظَةَ بنِ کَعبٍ وکانَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام،وکانَ عَلِیٌّ أخوهُ مَعَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،فَنادی عَلِیُّ بنُ قَرَظَةَ (1):یا حُسَینُ،یا کَذّابَ ابنَ الکَذّابِ،أضلَلتَ أخی وغَرَرتَهُ حَتّی قَتَلتَهُ.

قالَ:إنَّ اللّهَ لَم یُضِلَّ أخاکَ ولکِنَّهُ هَدی أخاکَ وأضَلَّکَ.

قالَ:قَتَلَنِیَ اللّهُ إن لَم أقتُلکَ أو أموتَ دونَکَ.فَحَمَلَ عَلَیهِ،فَاعتَرَضَهُ نافِعُ بنُ هِلالٍ المُرادِیُّ فَطَعَنَهُ فَصَرَعَهُ،فَحَمَلَهُ أصحابُهُ فَاستَنقَذوهُ،فَدُووِیَ بَعدُ فَبَرَأَ. (2)

1739.الملهوف: خَرَجَ عَمرُو بنُ قَرَظَةَ الأَنصارِیُّ فَاستَأذَنَ الحُسَینَ علیه السّلام فَأَذِنَ لَهُ،فَقاتَلَ قِتالَ المُشتاقینَ إلَی الجَزاءِ،وبالَغَ فی خِدمَةِ سُلطانِ السَّماءِ،حَتّی قَتَلَ جَمعاً کَثیراً مِن حِزبِ ابنِ زِیادٍ،وجَمَعَ بَینَ سَدادٍ وجِهادٍ،وکانَ لا یَأتی إلَی الحُسَین علیه السّلام سَهمٌ إلَّااتَّقاهُ بِیَدِهِ، ولا سَیفٌ إلّاتَلَقّاهُ بِمُهجَتِهِ،فَلَم یَکُن یَصِلُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام سوءٌ حَتّی اثخِنَ بِالجِراحِ، فَالتَفَتَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام وقالَ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ أوَفَیتُ؟

قالَ:نَعَم،أنتَ أمامی فِی الجَنَّةِ،فَاقرَأ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عَنِّی السَّلامَ وأعلِمهُ أنّی فِی الأَثَرِ،فَقاتَلَ حَتّی قُتِلَ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (3)

ص:239

1740.مثیر الأحزان: قاتَلَ عُمَرُ بنُ أبی قَرَظَةَ الأَنصارِیُّ دونَ الحُسَینِ علیه السّلام،وهُوَ یَقولُ:

قَد عَلِمَت کَتیبَةُ الأَنصارِ

قَولُهُ:«وداری»أشارَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدٍ لَمَّا التَمَسَ مِنهُ الحُسَینُ علیه السّلام المُهادَنَةَ (1)قالَ:

تُهدَمُ داری.فَقاتَلَ قِتالَ الرَّجُلِ الباسِلِ،وصَبَرَ عَلَی الخَطبِ الهائِلِ،وکانَ یَلتَقِی السِّهامَ بِمُهجَتِهِ،فَلَم یَصِل إلَی الحُسَینِ علیه السّلام سوءٌ،حَتّی اثخِنَ بِالجِراحِ،فَقالَ لَهُ:

أوَفَیتُ؟

قالَ:نَعَم،أنتَ أمامی فِی الجَنَّةِ،فَاقرَأ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله [السَّلامَ] (2)وأعلِمهُ أنّی فِی الأَثَرِ،فَقُتِلَ. (3)

شارک مسلم فی حرب آذربایجان فی صدر الإسلام مشارکةً فاعلة (1)،واعتبره البعضُ من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله، (2)إلّاأنّنا لم نعثر علی دلیلٍ معتمد لهذا الإدّعاء.

وکان له نشاط ملفت للنظر فی نهضة الکوفة والتعاون مع مسلم بن عقیل علیه السّلام، (3)لکنّه انخدع من قبل معقل مولی ابن زیاد فی قضیّة البحث عن محلّ اختفاء مسلم. (4)وبناء علی هذا وبواسطة نفوذ معقل فی تنظیمات النهضة،کان ابن زیاد یطّلع علی الأعمال التی کان مسلم ینوی القیام بها،ولذا یمکن القول بأنّ هذا الخطأ لم یکن بلا تأثیر فی فشل نهضة الکوفة،إلّاأنّه کان أحد قادة قوات مسلم فی الهجوم علی قصر ابن زیاد (5).وبعد الهزیمة التی لحقت بثورة الکوفة لحق بالإمام الحسین علیه السّلام فی کربلاء،وفی کربلاء صار یخدم الإمام علیه السّلام بعشق،ویدلّ کلامه لیلة عاشوراء حینما أذن الإمام علیه السّلام لأصحابه بالإنفصال عنه،علی رسوخ إیمانه وحبّه العمیق لأهل البیت علیهم السّلام. (6)

وهو أوّل شهید التحق برکب الشهداء. (7)

وفی اللحظات الأخیرة من حیاته کانت وصیّته الوحیدة لصدیقه الحمیم حبیب هی:

اُوصیک بهذا-وأشار بیده إلی الحسین علیه السّلام-فقاتلْ دونه. (8)

ص:241

ورد اسمه فی الزیارة الرجبیّة. (1)وخوطب فی زیارة الناحیة المقدّسة بما یلی:

السَّلامُ عَلی مُسلِمِ بنِ عَوسَجَةَ الأَسَدِیِّ،القائِلِ لِلحُسَینِ وقَد أذَنِ لَهُ فِی الاِنصرافِ:

«أنَحنُ نُخَلّی عَنکَ؟وبِمَ نَعتَذِرُ عِندَ اللّهِ مِن أداءِ حَقِّکَ؟لا وَاللّهِ حَتّی أکسِرَ فی صُدورِهِم رُمحی هذا،وأضرِبَهُم بِسَیفی ما ثَبَتَ قائِمُهُ فی یَدی،ولا افارِقُکَ،ولَو لَم یَکُن مَعی سِلاحٌ اقاتِلُهُم بِهِ لَقَذَفتُهُم بِالحِجارَةِ،ولَم افارِقکَ حَتّی أموتَ مَعَکَ».

وکُنتَ أوَّلَ مَن شَری (2)نَفسَهُ،وأوَّلَ شَهیدٍ من شهداء اللّهِ قَضی نَحبَهُ،فَفُزتَ ورَبِّ الکَعبَةِ،شَکَرَ اللّهُ استِقدامَکَ ومُواساتَکَ إمامَکَ،إذ مَشی إلَیکَ وأنتَ صَریعٌ،فَقالَ:

«یَرحَمُکَ اللّهُ یا مُسلِمَ بنَ عَوسَجَةَ»،وقَرَأَ: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلاً» 3 ،لَعَنَ اللّهُ المُشتَرِکینَ فی قَتلِکَ:عَبدَ اللّهِ الضِّبابِیَّ،وعَبدَ اللّهِ بنَ خُشکارَةَ البَجَلِیَّ. (3)

1741.تاریخ الطبری عن الزبیدی: إنَّ عَمرَو بنَ الحَجّاجِ حَمَلَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام فی مَیمَنَةِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ مِن نَحوِ الفُراتِ فَاضطَرَبوا ساعَةً،فَصُرِعَ مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ الأَسَدِیُّ أوَّلَ أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام،ثُمَّ انصَرَفَ عَمرُو بنُ الحَجّاجَ وأصحابُهُ وَارتَفَعَتِ الغَبَرَةُ فَإِذا هُم بِهِ صَریعٌ،فَمَشی إلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام فَإِذا بِهِ رَمَقٌ،فَقالَ:رَحِمَکَ رَبُّکَ یا مُسلِمَ بنَ عَوسَجَةَ «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلاً» 5 .

ودَنا مِنهُ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ،فَقالَ:عَزَّ عَلَیَّ مَصرَعُکَ یا مُسلِمُ،أبشِر بِالجَنَّةِ.

فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ قَولاً ضَعیفاً:بَشَّرَکَ اللّهُ بِخَیرٍ.

ص:242

فَقالَ لَهُ حَبیبٌ:لَولا أنّی أعلَمُ أنّی فی أثَرِکَ لاحِقٌ بِکَ مِن ساعَتی هذِهِ، لَأَحبَبتُ أن توصِیَنی بِکُلِّ ما أهَمَّکَ،حَتّی أحفَظَکَ فی کُلِّ ذلِکَ بِما أنتَ أهلٌ لَهُ فِی القَرابَةِ وَالدّینِ.

قالَ:بَل أنَا اوصیکَ بِهذا رَحِمَکَ اللّهُ-وأهوی بِیَدِهِ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام-أن تَموتَ دونَهُ،قالَ:أفعَلُ ورَبِّ الکَعبَةِ.

قالَ:فَما کانَ بِأَسرَعَ مِن أن ماتَ فی أیدیهِم،وصاحَت جارِیَةٌ لَهُ فَقالَت:یَابنَ عَوسَجَتاه،یا سَیِّداه ! فَتَنادی أصحابُ عَمرِو بنِ الحَجّاجِ:قَتَلنا مُسلِمَ بنَ عَوسَجَةَ الأَسَدِیَّ.

فَقالَ شَبَثٌ لِبَعضِ مَن حَولَهُ مِن أصحابِهِ:ثَکِلَتکُم امَّهاتُکُم،إنَّما تَقتُلونَ أنفُسَکُم بِأَیدیکُم وتُذَلِّلونَ أنفُسَکُم لِغَیرِکُم،تَفرَحونَ أن یُقتَلَ مِثلُ مُسلِمِ بنِ عَوسَجَةَ ! أما

وَالَّذی أسلَمتُ لَهُ،لَرُبَّ مَوقِفٍ لَهُ قَد رَأَیتُهُ فِی المُسلِمینَ کَریمٍ،لَقَد رَأَیتُهُ یَومَ سَلَقِ أذربیجانَ قَتَلَ سِتَّةً مِنَ المُشرِکینَ قَبلَ تَتامِّ خُیولِ المُسلِمینَ،أفَیُقتَلُ مِنکُم مِثلُهُ وتَفرَحونَ؟!

قالَ:وکانَ الَّذی قَتَلَ مُسلِمَ بنَ عَوسَجَةَ مُسلِمُ بنُ عَبدِ اللّهِ الضِّبابِیُّ وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ أبی خُشکارَةَ البَجَلِیُّ. (1)

1742.الملهوف: خَرَجَ مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ،فَبالَغَ فی قِتالِ الأَعداءِ وصَبَرَ عَلی أهوالِ البَلاءِ، حَتّی سَقَطَ إلَی الأَرضِ وبِهِ رَمَقٌ،فَمَشی إلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام ومَعَهُ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:رَحِمَکَ اللّهُ یا مُسلِمُ «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلاً» ودَنا مِنهُ حَبیبٌ فَقالَ:عَزَّ وَاللّهِ عَلَیَّ مَصرَعُکَ-یا مُسلِمُ-،أبشِر

ص:243

بِالجَنَّةِ.

فَقالَ لَهُ بِصَوتٍ ضَعیفٍ:بَشَّرَکَ اللّهُ بِخَیرٍ،ثُمَّ قالَ لَهُ حَبیبٌ:لَولا أنَّنی أعلَمُ أنّی فِی الأَثَرِ لَأَحبَبتُ أن توصِیَ إلَیَّ بِکُلِّ ما أهَمَّکَ.

فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ:فَإِنّی اوصیکَ بِهذا-وأشارَ بِیَدِهِ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام-فَقاتِل دونَهُ حَتّی تَموتَ.

فَقالَ لَهُ حَبیبٌ:لَأُنعِمَنَّکَ عَیناً،ثُمَّ ماتَ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (1)

1743.المناقب لابن شهرآشوب: بَرَزَ مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ مُرتَجِزاً:

إن تَسأَلوا عَنّی فَإِنّی ذو لِبَدٍ

فَقاتَلَ حَتّی قَتَلَهُ مُسلِمٌ الضِّبابِیُّ وعَبدُ الرَّحمنِ البَجَلِیُّ. (2)

1744.جواهر المطالب: حَمَلَ ابنُ سَعدٍ وحَمَلَ النّاسُ مِن کُلِّ جانِبٍ،فَکانَ أوَّلَ مَن قُتِلَ مِن أصحابِ الحُسَینِ علیه السّلام مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ رَحِمَهُ اللّهُ،وحَمَلَ الشِّمرُ لَعَنَهُ اللّهُ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام وحَمَلوا مَعَهُ مِن کُلِّ جانِبٍ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام وأصحابِهِ.

وقاتَلَ أصحابُ الحُسَینِ علیه السّلام قتِالاً شَدیداً،لَم یَحمِلوا عَلی ناحِیَةٍ إلّاکَشَفوها، فَرَشَقَهُم أصحابُ عُمَرَ بنِ سَعدٍ بِالنَّبلِ فَعَقَروا عامَّةَ خُیولِهِم فَصاروا رَجّالَةً کُلُّهُم، ودَخَلَ الأَعداءُ إلی بُیوتِهِم فَأَحرَقوها بِالنّارِ. (3)

ص:244

کان أحد الأفراد الأربعة الذین التحقوا بالإمام علیه السّلام فی طریق الکوفة فی منزل یدعی «عذیب الهجانات». (1)وحینما ألقی الإمام خطبته المعروفة مخاطباً فیها أصحابه،حیث قال فی آخر الخطبة:

فإِنّی لا أری المَوتَ إلّاشَهادَةً،ولا الحَیاةَ مَعَ الظّالِمینَ إلّابَرَماً.

نهض نافع من بعد زهیر بن القین وقال:

وَاللّهِ،ما کَرِهنا لِقاءَ رَبِّنا،وإنّا عَلی نِیّاتِنا وبَصائِرِنا،نُوالی مَن والاکَ ونُعادی مَن عاداکَ. (2)

کان لنافع بن هلال دور مهمّ فی إیصال الماء لأهل بیت الإمام علیه السّلام،وکان صاحبَ اللواء فی جماعة تولّوا مهمّة تهیئة الماء فی لیلةٍ من لیالی عاشوراء بعد منع الماء عنهم. (3)

وحینما هجم علیّ بن قرظة علی الإمام بذریعة الثأر لأخیه،سدّ نافعٌ الطریقَ أمامه وردّه بطعنة رمح وجّهها له. (4)

کان نافع بن هلال من الرماة الماهرین،وقد أصاب فی یوم عاشوراء اثنی عشر رجلاً من عسکر العدوّ،وجرح عدداً منهم أیضاً، (5)وبعد نفاد سهامه هجم علی صفوف العدوّ بسیفه، وهو ینشد هذا الرجز:

أنَا الغُلامُ الیَمَنِیُّ الجَمَلِی دینی عَلی دینِ حُسَینٍ وعَلِیّ (6)

ص:246

وأخیراً قاتل إلی أن هشّمت سواعده واُسر علی ید العدوّ،وحینما أخذوه إلی عمر بن سعد والدم یجری علی لحیته،خاطبه بکلّ شهامة:

وَاللّهِ،لَقَد قَتَلتُ مِنکُمُ اثنَی عَشَرَ سِوی مَن جَرَحتُ،وما ألومُ نَفسی عَلَی الجَهدِ،ولَو بَقِیَت لی عَضُدٌ وساعِدٌ ما أسَرتُمونی.

أمر عمر بن سعد شمراً بأن یقتله،فقال نافع فی آخر لحظات حیاته مخاطباً شمراً:

أما وَاللّهِ،أن لَو کُنتَ مِنَ المُسلِمینَ لَعَظُمَ عَلَیکَ أن تَلقَی اللّهَ بِدِمائِنا،فَالحَمدُ لِلّهِ الّذی جَعَلَ مَنایانا عَلی یَدَی شِرارِ خَلقِهِ. (1)

ورد اسمه فی الزیارة الرجبیّة (2)وزیارة الناحیة المقدّسة،ففی زیارة الناحیة:

السَّلامُ عَلی نافِعِ بنِ هِلالِ بنِ نافِعٍ البَجَلِیِّ المُرادِیِّ. (3)

1745.تاریخ الطبری عن یحیی بن هانئ بن عروة: إنَّ نافِعَ بنَ هِلالٍ کانَ یُقاتِلُ یَومَئِذٍ وهُوَ یَقولُ:

أنَا الجَمَلِیُّ أنَا عَلی دینِ عَلِیٍّ

قالَ:فَخَرَجَ إلَیهِ رَجُلٌ یُقالُ لَهُ مُزاحِمُ بنُ حُرَیثٍ،فَقالَ:أنَا عَلی دینِ عُثمانَ.

فَقالَ لَهُ:أنتَ عَلی دینِ شَیطانٍ،ثُمَّ حَمَلَ عَلَیهِ فَقَتَلَهُ. (4)

1746.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ثُمَّ تابَعَهُ [مُسلِمَ بنَ عَوسَجَةَ] نافِعُ بنُ هِلالٍ الجَمَلِیُّ وهُوَ یَقولُ:

ص:247

أنَا عَلی دینِ عَلِیٍّ

فَخَرَجَ لِنافِعٍ رَجُلٌ مِن بَنی قَطیعَةَ،فَقالَ لِنافِعٍ:أنَا عَلی دینِ عُثمانَ.

فَقالَ نافِعٌ:إذَن أنتَ عَلی دینِ الشَّیطانِ.وحَمَلَ عَلَیهِ فَقَتَلَهُ؛فَأَخَذَ نافِعٌ ومُسلِمٌ یَجولانِ فی مَیمَنَةِ ابنِ سَعدٍ. (1)

1747.أنساب الأشراف: کانَ نافِعُ بنُ هِلالٍ قَد سَوَّمَ نَبلَهُ؛أی أعلَمَها،فَکانَ یَرمی بِها ویَقولُ:

أرمی بِها مُعلَّماً أفواقُها (2) وَالنَّفسُ لا یَنفَعُها إشفاقُها

فَقَتَلَ اثنَی عَشَرَ رَجُلاً مِن أصحابِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،ثُمَّ کُسِرَت عَضُدُهُ واُخِذَ أسیراً،فَضَرَبَ شِمرٌ عُنُقَهُ. (3)

1748.تاریخ الطبری عن محمّد بن قیس: کانَ نافِعُ بنُ هِلالٍ الجَمَلِیُّ قَد کَتَبَ اسمَهُ عَلی أفواقِ نَبلِهِ،فَجَعَلَ یَرمی بِها مُسَوَّمَةً،وهُوَ یَقولُ:أنَا الجَمَلِیُّ،أنَا علی دینِ عَلِیٍّ،فَقَتَلَ اثنَی عَشَرَ مِن أصحابِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ سِوی مَن جَرَحَ.

قالَ:فَضُرِبَ حَتّی کُسِرَت عَضُداهُ واُخِذَ أسیراً،قالَ:فَأَخَذَهُ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ ومَعَهُ أصحابٌ لَهُ یَسوقونَ نافِعاً حَتّی أتی بِهِ عُمَرَ بنَ سَعدٍ،فَقالَ لَهُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:وَیحَکَ یا نافِعُ،ما حَمَلَکَ عَلی ما صَنَعتَ بِنَفسِکَ؟قالَ:إنَّ رَبّی یَعلَمُ ما أرَدتُ،قالَ:وَالدِّماءُ تَسیلُ عَلی لِحیَتِهِ،وهُوَ یَقولُ:وَاللّهِ لَقَد قَتَلتُ مِنکُمُ اثنَی عَشَرَ

ص:248

سِوی مَن جَرَحتُ،وما ألومُ نَفسی عَلَی الجَهدِ،ولَو بَقِیَت لی عَضُدٌ وساعِدٌ ما أسِرتُمونی.

فَقالَ لَهُ شِمرٌ:اُقتُلهُ أصلَحَکَ اللّهُ،قالَ:أنتَ جِئتَ بِهِ فَإِن شِئتَ فَاقتُلهُ.

قالَ:فَانتَضی شِمرٌ سَیفَهُ،فَقالَ لَهُ نافِعٌ:أما وَاللّهِ أن لَو کُنتَ مِنَ المُسلِمینَ لَعَظُمَ عَلَیکَ أن تَلقَی اللّهَ بِدِمائِنا،فَالحَمدُ لِلّهِ الّذی جَعَلَ مَنایانا عَلی یَدَی شِرارِ خَلقِهِ.

فَقَتَلَهُ. (1)

1749.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: خَرَجَ...نافِعُ بنُ هِلالٌ الجَمَلِیُّ وقیلَ هِلالُ بنُ نافِعٍ،وجَعَلَ یَرمیهِم بِالسِّهامِ فَلا یُخطِئُ،وکانَ خاضِباً یَدَهُ،وکانَ یَرمی ویَقولُ:

أرمی بِها مُعلَمَةً أَفواقُها

فَلَم یَزَل یَرمیهِم حَتّی فَنِیَت سِهامُهُ،ثُمَّ ضَرَبَ إلی قائِمِ سَیفِهِ فَاستَلَّهُ،وحَمَلَ وهُوَ یَقولُ:

أنَا الغُلامُ الیَمَنِیُّ الجَمَلِی

فَقَتَلَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً حَتّی کَسَرَ القَومُ عَضُدَیهِ وأخَذوهُ أسیراً،فَقامَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. (2)

1750.المناقب لابن شهرآشوب: بَرَزَ نافِعُ بنُ هِلالٍ البَجَلِیُّ قائِلاً:

ص:249

أنَا الغُلامُ الیَمَنِیُّ البَجَلِی

فَقَتَلَ اثنَی عَشَرَ رَجُلاً،ورُوِیَ سَبعینَ رَجُلاً. (1)

1751.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جدّه [زین العابدین] علیهم السّلام :وبَرَزَ...وَهبُ بنُ وَهبٍ،وکانَ نَصرانِیّاً أسلَمَ عَلی یَدَیِ الحُسَینِ علیه السّلام هُوَ واُمُّهُ،فَاتَّبَعوهُ إلی کَربَلاءَ،فَرَکِبَ فَرَساً وتَناوَلَ بِیَدِهِ عودَ الفُسطاطِ (1)، فَقاتَلَ وقَتَلَ مِنَ القَومِ سَبعَةً أو ثِمانِیَةً،ثُمَّ استُؤسِرَ.

فَاُتِیَ بِهِ عُمَرَ بنَ سَعدٍ لَعَنَهُ اللّهُ فَأَمَرَ بِضَربِ عُنُقِهِ،فَضُرِبَت عُنُقُهُ،ورُمِیَ بِهِ إلی عَسکَرِ الحُسَینِ علیه السّلام،وأخَذَت امُّهُ سَیفَهُ وبَرَزَت.

فَقالَ لَهَا الحُسَینُ علیه السّلام:یا امَّ وَهبٍ ! اجلِسی فَقَد وَضَعَ اللّهُ الجِهادَ عَنِ النِّساءِ،إنَّکِ وَابنَکِ مَعَ جَدّی مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله فِی الجَنَّةِ. (2)

1752.الملهوف: خَرَجَ وَهبُ بنُ حُبابٍ الکَلبِیُّ فَأَحسَنَ فِی الجِلادِ (3)وبالَغَ فِی الجِهادِ،وکانَ مَعَهُ زَوجَتُهُ ووالِدَتُهُ،فَرَجَعَ إلَیهِما وقالَ:یا امّاه،أرَضیتِ أم لا؟

فَقالَت:لا ما رَضیتُ حَتّی تُقتَلَ بَینَ یَدَیِ الحُسَینِ علیه السّلام،وقالَتِ امرَأَتُهُ:بِاللّهِ عَلَیکَ لا تَفجَعنی فی نَفسِکَ.

فَقالَت لَهُ امُّهُ:یا بُنَیَّ! اعزُب عَن قَولِها،وَارجِع فَقاتِل بَینَ یَدَیِ ابنِ بِنتِ نَبِیِّکَ تَنَل شَفاعَةَ جَدِّهِ یَومَ القِیامَةِ.فَرَجَعَ ولَم یَزَل یُقاتِلُ حَتّی قُطِعَت یَداهُ،فَأَخَذَتِ امرَأَتُهُ عَموداً فَأَقبَلَت نَحوَهُ وهِیَ تَقولُ:فِداکَ أبی واُمّی قاتِل دونَ الطَّیِّبینَ حَرَمِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَأَقبَلَ لِیَرُدَّها إلَی النِّساءِ فَأَخَذَت بِثَوبِهِ وقالَت:لَن أعودَ دونَ أن أموتَ مَعَکَ.

ص:251

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:جُزِیتُم مِن أهلِ بَیتٍ خَیراً،ارجِعی إلَی النِّساءِ یَرحَمُکِ اللّهِ، فَانصَرَفَت إلَیهِنَّ،ولَم یَزَلِ الکَلبِیُّ یُقاتِلُ حَتّی قُتِلَ رِضوانُ اللّه عَلَیهِ. (1)

1753.المناقب لابن شهرآشوب: بَرَزَ وَهبُ بنُ عَبدِ اللّهِ الکَلبِیُّ وهُوَ یَرتَجِزُ.

إن تُنکِرونی فَأَنَا ابنُ الکَلبِ

فَلَم یَزَل یُقاتِلُ حَتّی قَتَلَ مِنهُم جَماعَةً،ثُمَّ قالَ لِاُمِّهِ:یا امّاه أرَضیتِ أم لا؟

فَقالَت:ما أرضی أو تُقتَلَ بَینَ یَدَیِ الحُسَینِ علیه السّلام.

فَرَجَعَ قائِلاً:

إنّی زَعیمٌ لَکِ امَّ وَهبِ

فَلَم یَزَل یُقاتِلُ حَتّی قَتَلَ تِسعَةَ عَشَرَ فارِساً وَاثنَی عَشَرَ راجِلاً،ثُمَّ قُطِعَت یَمینُهُ واُخِذَ أسیراً. (2)

1754.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: خَرَجَ وَهبُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ جَنابٍ الکَلبِیُّ،وکانَت مَعَهُ امُّهُ، فَقالَت لَهُ:قُم یا بُنَیَّ فَانصُرِ ابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ،فَقالَ:أفعَلُ یا امّاه،ولا اقَصِّرُ إن شاءَ اللّهُ،ثُمَّ بَرَزَ وهُوَ یَقولُ:

ص:252

إن تُنکِرونی فَأَنَا ابنُ الکَلبِی

ثُمَّ حَمَلَ،فَلَم یَزَل یُقاتِلُ حَتّی قَتَلَ جَماعَةً،فَرَجَعَ إلی امِّهِ وَامرَأَتِهِ فَوَقَفَ عَلَیهِما،فَقالَ:یا امّاه ! أرَضیتِ عَنّی؟فَقالَت:ما رَضیتُ،أو تُقتَلَ بَینَ یَدَیِ ابنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَقالَت لَهُ امرَأَتُهُ:أسأَلُکَ بِاللّهِ أن لا تُفجِعَنی بِنَفسِکَ.

فَقالَت لَهُ امُّهُ:لا تَسمَع قَولَها،وَارجِع فَقاتِل بَینَ یَدَیِ ابنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؛ لِیَکونَ غَداً شَفیعَکَ عِندَ رَبِّکَ.فَتَقَدَّمَ وهُوَ یَقولُ:

إنّی زَعیمٌ لَکِ امَّ وَهبِ

ولَم یَزَل یُقاتِلُ حَتّی قُطِعَت یَمینُهُ،فَلَم یُبالِ،وجَعَلَ یُقاتِلُ حَتّی قُطِعَت شِمالُهُ، ثُمَّ قُتِلَ؛فَجاءَت إلَیهِ امُّهُ تَمسَحُ الدَّمَ عَن وَجهِهِ،فَأَبصَرَها شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ، فَأَمَرَ غُلاماً لَهُ فَضَرَبَها بِالعَمودِ حَتّی شَدَخَها وقَتَلَها،فَهِیَ أوَّلُ امرَأَةٍ قُتِلَت فی حَربِ الحُسَینِ علیه السّلام.

ذَکَرَ مَجدُ الأَئِمَّةِ السرخسکیُّ عَن أبی عَبدِ اللّهِ الحَدّادِ أنَّ وَهبَ بنَ عَبدِ اللّهِ هذا کانَ نَصرانِیّاً،فَأَسلَمَ هُوَ واُمُّهُ عَلی یَدِ الحُسَینِ علیه السّلام،وأنَّهُ قَتَلَ فِی المُبارَزَةِ أربَعَةً وعِشرینَ رَجُلاً (1)وَاثنَی عَشَرَ فارِساً،فَاُخِذَ أسیراً واُتِیَ بِهِ عُمَرَ بنَ سَعدٍ،فَقالَ لَهُ:

ص:253

ما أشَدَّ صَولَتَکَ؟ثُمَّ أمَرَ فَضُرِبَ عُنُقُهُ ورُمِیَ بِرَأسِهِ إلی عَسکَرِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَأَخَذَت امُّهُ الرَّأسَ فَقَبَّلَتهُ؛ثُمَّ شَدَّت بِعَمودِ الفُسطاطِ،فَقَتَلَت بِهِ رَجُلَینِ.

فَقالَ لَهَا الحُسَینُ علیه السّلام:اِرجِعی امَّ وَهبٍ،فَإِنَّ الجِهادَ مَرفوعٌ عَنِ النِّساءِ،فَرَجَعَت وهِیَ تَقولُ:إلهی لا تَقطَع رَجائی،فَقالَ لَهَا الحُسَینُ علیه السّلام:لا یَقطَعُ اللّهُ رَجاءَکَ یا امَّ وَهبٍ،أنتِ ووَلَدُکِ مَعَ رَسولِ اللّه وذُرِّیَّتِهِ فِی الجَنَّةِ. (1)

«وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَدْعُونَ إِلَی النّارِ وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ لا یُنْصَرُونَ» 1 فَهُو إمامُکُ. (1)

کان مقاتلاً ورامیاً ماهراً،قتل بسهامه فی یوم عاشوراء عدداً من عسکر العدوّ،فدعا له الإمام وقال:

اللّهُمَّ سَدِّد رَمیَتَهُ،وَاجعَل ثَوابَهُ الجَنَّةَ. (2)

جدیر بالذکر أنّ الطبری عدّه ضمن عسکر عمر بن سعد،حیث التحق بعسکر الإمام علیه السّلام کالحرّ (3)،إلّاأنّ هذا الکلام یتنافی مع محاججته مع رسول ابن زیاد والتی رواها الطبری نفسه. (4)لذا یبدو أنّ روایة الشیخ المفید الذی اعتبره من مصاحبی الإمام الحسین (5)صحیحة.

ص:255

وجاء فی الزیارة الرجبیّة:

السَّلامُ عَلی زائِدَةَ بنِ مُهاجِرٍ. (1)

وجاء فی زیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی یَزیدَ بنِ زِیادِ بنِ المُهاجِرِ الکِندِیِّ. (2)

1755.تاریخ الطبری عن فضیل بن خُدیج الکندی: إنَّ یَزیدَ بنَ زِیادٍ وهُوَ أبُو الشَّعثاءِ الکِندِیُّ مِن بَنی بَهدَلَةَ،جَثا عَلی رُکبَتَیهِ بَینَ یَدَیِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَرَمی بِمِئَةِ سَهمٍ ما سَقَطَ مِنها خَمسَةُ أسهُمٍ،وکانَ رامِیاً،فَکانَ کُلَّما رَمی قالَ:

أنَا ابنُ بَهدَلَه فُرسانِ العَرجَلَه (3)

ویَقولُ حُسَینٌ علیه السّلام:اللّهُمَّ سَدِّد رَمیَتَهُ،وَاجعَل ثَوابَهُ الجَنَّةَ.

فَلَمّا رَمی بِها قامَ فَقالَ:ما سَقَطَ مِنها إلّاخَمسَةُ أسهُمٍ،ولَقَد تَبَیَّنَ لی أنّی قَد قَتَلتُ خَمسَةَ نَفَرٍ،وکانَ فی أوَّلِ مَن قُتِلَ،وکانَ رَجَزُهُ یَومَئِذٍ:

أنَا یَزیدُ وأبی مُهاصِر

وکانَ یَزیدُ بنُ زِیادِ بنِ المُهاصِرِ مِمَّن خَرَجَ مَعَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،

ص:256

فَلَمّا رَدُّوا الشُّروطَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام،مالَ إلَیهِ فَقاتَلَ مَعَهُ حَتّی قُتِلَ. (1)

1756.أنساب الأشراف: بَرَکَ (2)أبُو الشَّعثاءِ یَزیدُ بنُ زِیادِ بنِ المُهاصِرِ بنِ النُّعمانِ الکِنِدیُّ بَینَ یَدَیِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَرَمی ثَمانِیَةَ أسهُمٍ أصابَ مِنها بِخَمسَةٍ قَتَلَت خَمسَةَ نَفَرٍ،وقالَ:

أنَا یَزیدُ وأبِی المُهاصِر

وکانَ أبُو الشَّعثاءِ مَعَ مَن خَرَجَ مَعَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ،ثُمَّ صارَ إلَی الحُسَینٍ حینَ رَدّوا ما سَأَلَ ولَم یُنفِذوهُ،فَقاتَلَ حَتّی قُتِلَ. (3)

1757.الفتوح: خَرَجَ...یَزیدُ بنُ زیادِ بنِ المُهاصِرِ الجُعفِیُّ وهُوَ یَقولُ:

أنَا یَزیدُ وأبِی مُهاصِر

وکُلُّهُم إلَی الجَحیمِ صائِر

قالَ:ثُمَّ حَمَلَ فَقاتَلَ حَتّی قُتِلَ رَحِمَهُ اللّهُ. (4)

1758.الأمالی للصدوق عن عبد اللّه بن منصور عن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن

ص:257

جدّه [زین العابدین] علیهم السّلام :بَرَزَ...زِیادُ بنُ مُهاصِرٍ الکِندِیُّ فَحَمَلَ عَلَیهِم وأنشَأَ یَقولُ:

أنَا زِیادٌ وأبی مُهاصِر

فَقَتَلَ مِنهُم تِسعَةً ثُمَّ قُتِلَ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (1)

1759.مثیر الأحزان: خَرَجَ یَزیدُ بنُ المُهاجِرِ فَقَتَلَ خَمسَةً مِن أصحابِ عُمَرَ بِالنُّشّابِ (2)،وصارَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام وهُوَ یَقولُ:

أنَا یَزیدُ وأبِی المُهاجِر

وکانَ یُکنّی أبَا الشَّعثاءِ مِن بَنی بَهدَلَةَ مِن کِندَةَ. (3)

کان من الشیعة،من طائفة عبد القیس من أهل البصرة. (1)وکان شریفاً فی قومه،وکان ممّن حضر المؤتمر السرّی الشیعیّ فی بیت المرأة المؤمنة ماریّة بنت منقذ العبدیّة، التی کانت دارها مألفاً ومنتدی للشیعة فی البصرة یتحدّثون فیه،ویتداولون أخبار حرکة الأحداث آنذاک. (2)

وقد روی کُتّاب السیر أنّه کان لدیه عشرة أبناء،فدعاهم لنصرة الإمام الحسین علیه السّلام، فأجاب دعوته عبد اللّه وعبید اللّه.وخرجوا من البصرة وأوصلوا أنفسهم إلی مکّة، وصاحبوا الإمام ونالوا فیض الشهادة فی رکاب الإمام علیه السّلام. (3)وقیل إنّ ابنیه استشهدا فی الحملة الاُولی.

وجاء فی زیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی زیدِ بنِ ثُبَیتٍ القَیسِیِّ.السَّلامُ عَلی عَبدِ اللّهِ وعُبَیدِ اللّهِ ابنَی یَزیدَ بنِ ثُبَیتٍ (4)القَیسِیِّ. (5)

وورد فی الزیارة الرجبیّة:

السَّلامُ عَلی بَدرِ بنِ رَقیطٍ وَابنَیهِ عَبدِ اللّهِ وعُبَیدِ اللّهِ. (6)

1760.تاریخ الطبری عن أبی المخارق الراسبی: اجتَمَعَ ناسٌ مِنَ الشّیعَةِ بِالبَصرَةِ فی مَنزِلِ امرَأَةٍ مِن عَبدِ القَیسِ یُقالُ لَها مارِیَةُ ابنَةُ سَعدٍ-أو مُنقِذٍ-أیّاماً،وکانَت تَشَیَّعُ،وکانَ

ص:259

مَنزِلُها لَهُم مَألَفاً یَتَحَدَّثونَ فیهِ،وقَد بَلَغَ ابنَ زِیادٍ إقبالُ الحُسَینِ علیه السّلام،فَکَتَبَ إلی عامِلِهِ بِالبَصرَةِ أن یَضَعَ المَناظِرَ ویَأخُذَ بِالطَّریقِ.

قالَ:فَأَجمَعَ یَزیدُ بنُ نُبَیطٍ الخُروجَ-وهُوَ مِن عَبدِ القَیسِ-إلَی الحُسَینِ علیه السّلام، وکانَ لَهُ بَنونَ عَشَرَةٌ،فَقالَ:أیُّکُم یَخرُجُ مَعی؟فَانتَدَبَ مَعَهُ ابنانِ لَهُ:عَبدُ اللّهِ وعُبَیدُ اللّهِ،فَقالَ لِأصحابِهِ فی بَیتِ تِلکَ المَرأَةِ:إنّی قَد أزمَعتُ عَلَی الخُروجِ،وأنَا خارِجٌ، فَقالوا لَهُ:إنّا نَخافُ عَلَیکَ أصحابَ ابنِ زِیادٍ،فَقالَ:إنّی وَاللّهِ لَو قَدِ استَوَت أخفافُهُما بِالجَدَدِ (1)لَهانَ عَلَیَّ طَلَبُ مِن طَلَبَنی.

قالَ:ثُمَّ خَرَجَ فَتَقَدّی (2)فِی الطَّریقِ حَتّی انتَهی إلی حُسَینٍ علیه السّلام،فَدَخَلَ فی رَحلِهِ بِالأَبطَحِ،وبَلَغَ الحُسَینَ علیه السّلام مَجیئُهُ فَجَعَلَ یَطلُبُهُ،وجاءَ الرَّجُلُ إلی رَحلِ الحُسَینِ علیه السّلام، فَقیلَ لَهُ:قَد خَرَجَ إلی مَنزِلِکَ،فَأَقبَلَ فی أثَرِهِ،ولَمّا لَم یَجِدهُ الحُسَینُ علیه السّلام جَلَسَ فی رَحلِهِ یَنتَظِرُهُ،وجاءَ البَصرِیُّ فَوَجَدَهُ فی رَحلِهِ جالِساً،فَقالَ: «بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِکَ فَلْیَفْرَحُوا» 3 قالَ:فَسَلَّمَ عَلَیهِ وجَلَسَ إلَیهِ فَخَبَّرَهُ بِالَّذی جاءَ لَهُ،فَدَعا لَهُ بِخَیرٍ، ثُمَّ أقبَلَ مَعَهُ حَتّی أتی فَقاتَلَ مَعَهُ،فَقُتِلَ مَعَهُ هُوَ وَابناهُ. (3)

ص:260

قبیلة بنی عبد القیس. (1)

ونقرأ فی زیارة الناحیة المقدّسة:

السَّلامُ عَلی جُندَبِ بنِ حُجرٍ الخَولانِیِّ. (1)

یکون زید بن معقل هو نفس أنیس بن معقل الذی أسلفنا ذکره. (1)

قاتل قتالاً شدیداً فقُتل. (1)

السَّلامُ عَلی سَیفِ بنِ مالِکٍ.

السّلام علی ضِرغامَةَ بنِ مالِکٍ.

الکوفیّین. (1)

وعندما أشخص الإمام مسلماً إلی الکوفة،أرسل معه عبد الرحمن مرافقاً له فی هذا السفر الخطیر. (2)وعُدّ ضمن شهداء الحملة الاُولی. (3)ونقل عنه هذا الرجز البدیع.

إنّی لِمَن یُنکِرُنِی ابنُ الکَدِن إنّی عَلی دینِ حُسَینٍ وحَسَن

وقاتل حتّی قُتل. (4)

وجاء فی نقل الفتوح :

خرج...عبد الرحمن بن عبد اللّه الیزنیّ (5)وهو یقول:

أنَا ابنُ عَبدِ اللّهِ مِن آلِ یَزَن

ثمّ حمل فقاتل حتّی قُتل رحمه اللّه. (6)

ص:275

وورد فی زیارة الناحیة:

السَّلامُ عَلی عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ الکَدِرِ الأَرحَبِیِّ . (1)

وجاء فی الزیارة الرجبیة:

السَّلامُ عَلی عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَبدِ اللّهِ الأَزدِیِّ . (2)

ویبدو أنّ جمیع هذه النقول تشیر لشخص واحد.

عدّ من شهداء الحملة الاُولی، (1)وجاء اسمه فی زیارة الناحیة:

السَّلامُ عَلی عَمّارِ بن أبی سَلامَةَ الهَمدانِیِّ. (2)