ص :2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :3

موسوعةالامام الحسین علیه السلام فی الکتاب والسنة والتاریخ

محمد الری شهری

بمساعدة السیدمحمود الطباطبائی نژاد، السیدروح ا... السیدالطبائی

التحقیق قسم تدوین السیره مرکز بحوث دارالحدیث.

ص :4

ص :5

ص :6

973.الفتوح: خَرَجَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ مِن مَنزِلِهِ ذاتَ لَیلَةٍ وأتی إلی قَبرِ جَدِّهِ صلّی اللّه علیه و آله فَقالَ:

السَّلامُ عَلَیکَ یا رَسولَ اللّهِ،أنَا الحُسَینُ ابنُ فاطِمَةَ،أنَا فَرخُکَ وَابنُ فَرخَتِکَ، وسِبطُکَ فِی الخَلَفِ الَّذی خَلَفتَ عَلی امَّتِکَ،فَاشهَد عَلَیهِم یا نَبِیَّ اللّهِ أنَّهُم قَد خَذَلونی وضَیَّعونی وأنَّهُم لَم یَحفَظونی،وهذا شَکوایَ إلَیکَ حَتّی ألقاکَ،صَلَّی اللّهُ عَلَیکَ وَسلَّمَ.ثُمَّ وَثَبَ قائِماً وصَفَّ قَدَمَیهِ ولَم یَزَل راکِعاً وساجِداً.

قالَ:وأرسَلَ الوَلیدُ بنُ عُتبَةَ إلی مَنزِلِ الحُسَینِ علیه السّلام لِیَنظُرَ هَل خَرَجَ مِنَ المَدینَةِ أم لا؟فَلَم یُصِبهُ فی مَنزِلِهِ،فَقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی لَم یُطالِبنِی اللّهُ عز و جل بِدَمِهِ.وظَنَّ أنَّهُ خَرَجَ مِنَ المَدینَةِ.

قالَ:ورَجَعَ الحُسَینُ علیه السّلام إلی مَنزِلِهِ مَعَ الصُّبحِ.فَلمَّا کانَتِ اللَّیلَةُ الثّانِیَةُ خَرَجَ إلَی القَبرِ أیضاً فَصَلّی رَکعَتَینِ،فَلَمّا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ جَعَلَ یَقولُ:اللّهُمَّ إنَّ هذا قَبرُ نَبِیِّکَ مُحَمَّدٍ وأنَا ابنُ بِنتِ مُحَمَّدٍ،وقَد حَضَرَنی مِنَ الأَمرِ ما قَد عَلِمتَ،اللّهُمَّ وإنّی احِبُّ المَعروفَ وأکرَهُ المُنکَرَ،وأنَا أسأَ لُکَ یا ذا الجَلالِ وَالإِکرامِ بِحقِّ هذَا القَبرِ ومَن فیهِ مَا اختَرتَ مِن أمری هذا ما هُوَ لَکَ رِضیً.

قالَ:ثُمَّ جَعَلَ الحُسینُ علیه السّلام یَبکی،حَتّی إذا کانَ فی بَیاضِ الصُّبحِ وَضَعَ رَأسَهُ عَلَی القَبرِ فَأَغفی ساعَةً،فَرَأَی النَّبِیَّ صلّی اللّه علیه و آله قَد أقبَلَ فی کَبکَبَةٍ (1)مِنَ المَلائِکَةِ عَن یَمینِهِ وعَن شِمالِهِ ومِن بَینِ یَدَیهِ ومِن خَلفِهِ،حَتّی ضَمَّ الحُسَینَ علیه السّلام إلی صَدرِهِ وقَبَّلَ بَینَ عَینَیهِ، وقالَ:یا بُنَیَّ یا حُسَینُ،کَأَنَّکَ عَن قَریبٍ أراکَ مَقتولاً مَذبوحاً بِأَرضِ کَربٍ وبَلاءٍ، مِن عِصابَةٍ مِن امَّتی،وأنتَ فی ذلِکَ عَطشانُ لا تُسقی وظَمآنُ لا تُروی،وهُمَ مَعَ ذلِکَ یَرجونَ شَفاعَتی ! ما لَهُم؟! لا أنالَهُمُ اللّهُ شَفاعَتی یَومَ القِیامَةِ،فَما لَهُم عِندَ اللّهِ

ص:8

مِن خَلاقٍ.حَبیبی یا حُسَینُ،إنَّ أباکَ واُمَّکَ وأخاکَ قَد قَدِموا عَلَیَّ وهُم إلَیکَ مُشتاقونَ،وإنَّ لَکَ فِی الجَنَّةِ دَرَجاتٍ لَن تَنالَها إلّابِالشَّهادَةِ.

قالَ:فَجَعَلَ الحُسَینُ علیه السّلام یَنظُرُ فی مَنامِهِ إلی جَدِّهِ صلّی اللّه علیه و آله ویَسمَعُ کَلامَهُ وهُوَ یَقولُ:یا جَدّاه لا حاجَةَ لی فِی الرُّجوعِ إلَی الدُّنیا أبَداً،فَخُذنی إلَیکَ وَاجعَلنی مَعَکَ إلی مَنزِلِکَ.

قالَ:فَقالَ لَهُ النّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله:یا حُسَینُ،إنَّهُ لا بُدَّ لَکَ مِنَ الرُّجوعِ إلَی الدُّنیا حَتّی تُرزَقَ الشَّهادَةَ وما کَتَبَ اللّهُ لَکَ فیها مِنَ الثَّوابِ العَظیمِ؛فَإِنَّکَ وأباکَ وأخاکَ وعَمَّکَ وعَمَّ أبیکَ تُحشَرونَ یَومَ القِیامَةِ فی زُمرَةٍ واحِدَةٍ حَتّی تَدخُلُوا الجَنَّةَ.

قالَ:فَانتَبَهَ الحُسَینُ علیه السّلام مِن نَومِهِ فَزِعاً مَذعوراً،فَقَصَّ رُؤیاهُ عَلی أهلِ بَیتِهِ وبَنی عَبدِ المُطَّلِبِ،فَلَم یَکُن ذلِکَ الیَومُ فی شَرقٍ ولا غَربٍ أشَدَّ غَمّاً مِن أهلِ بَیتِ الرَّسولِ صلّی اللّه علیه و آله ولا أکثَرَ مِنهُ باکِیاً وباکِیَةً.

وتَهَیَّأَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام وعَزَمَ عَلَی الخُروجِ مِنَ المَدینَةِ،ومَضی فی جَوفِ اللَّیلِ إلی قَبرِ امِّهِ،فَصَلّی عِندَ قَبرِها ووَدَّعَها.

ثُمَّ قامَ عَن قَبرِها وصارَ إلی قَبرِ أخیهِ الحَسَنِ علیه السّلام فَفَعَلَ مِثلَ ذلِکَ،ثُمَّ رَجَعَ إلی مَنزِلِهِ. (1)

974.المناقب لابن شهر آشوب: کانَ الحُسَینُ علیه السّلام یُصَلّی یَوماً إذ وَسِنَ (2)،فَرَأَی النَّبِیَّ صلّی اللّه علیه و آله فی مَنامِهِ یُخبِرُهُ بِما یَجری عَلَیهِ،فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:لا حاجَةَ لی فِی الرُّجوعِ إلَی الدُّنیا فَخُذنی إلَیکَ،فَیَقولُ:لا بُدَّ مِنَ الرُّجوعِ حَتّی تَذوقَ الشَّهادَةَ (3).

ص:9

ذاکَ ابنُ فاطِمَةَ المُصا

الجَنَّةَ أحَدٌ آذاها فی ذُرِّیَّتِها. (1)

قالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:فَإِنّی ذاهِبٌ یا أخی.

قالَ:فَانزِل مَکَّةَ،فَإِنِ اطمَأَنَّت بِکَ الدّارُ فَسَبیلٌ ذلِکَ،وإن نَبَت (1)بِکَ لَحِقتَ بِالرِّمالِ وشَعَفِ (2)الجِبالِ،وخَرَجتَ مِن بَلَدٍ إلی بَلَدٍ حَتّی تَنظُرَ إلی ما یَصیرُ أمرُ النّاسِ وتَعرِفَ عِندَ ذلِکَ الرَّأیَ،فَإِنَّکَ أصوَبُ ما تَکونُ رَأیاً وأحزَمُهُ عَمَلاً حینَ تَستَقبِلُ الاُمورَ استِقبالاً،ولا تَکونُ الاُمورُ عَلَیکَ أبَداً أشکَلَ مِنها حینَ تَستَدبِرُها استِدباراً.

قالَ:یا أخی ! قَد نَصَحتَ فَأَشفَقتَ،فَأَرجو أن یَکونَ رَأیُکَ سَدیداً مُوَفَّقاً. (3)

978.الفتوح: لَمّا جاءَ إلَیهِ [أی إلَی الإِمامِ الحُسَینِ علیه السّلام ] مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِیَّةِ قالَ:یا أخی فَدَتکَ نَفسی،أنتَ أحَبُّ النّاسِ إلَیَّ وأعَزُّهُم عَلَیَّ،ولَستُ وَاللّهِ أدَّخِرُ النَّصیحَةَ لأَِحَدٍ مِنَ الخَلقِ،ولَیسَ أحَدٌ أحَقَّ بِها مِنکَ،فَإِنَّکَ کَنَفسی وروحی وکَبیرُ أهلِ بَیتی ومَن عَلَیهِ اعتِمادی وطاعَتُهُ فی عُنُقی،لأَِنَّ اللّهَ تَبارَکَ وتَعالی قَد شَرَّفَکَ وجَعَلَکَ مِن ساداتِ أهلِ الجَنَّةِ،وإنّی اریدُ أن اشیرَ عَلَیکَ بِرَأیی فَاقبَلهُ مِنّی.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:قُل ما بَدا لَکَ.فَقالَ:اُشیرُ عَلَیکَ أن تَنجُوَ نَفسَکَ عَن یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ وعَنِ الأَمصارِ مَا استَطَعتَ،وأن تَبعَثَ رُسُلَکَ إلَی النّاسِ وتَدعُوَهُم إلی بَیعَتِکَ،فَإِنّی إن بایَعَکَ النّاسُ وتابَعوکَ حَمِدتُ اللّهَ عَلی ذلِکَ،وقُمتَ فیهِم بِما یَقومُ فیهِمُ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله وَالخُلَفاءُ الرّاشِدونَ المَهدِیّونَ مِن بَعدِهِ،حَتّی یَتَوَفّاکَ اللّهُ وهُوَ عَنکَ راضٍ،وَالمُؤمِنونَ کَذلِکَ،کَما رَضوا عَن أبیکَ وأخیکَ،وإن أجمَعَ النّاسُ

ص:13

عَلی غَیرِکَ حَمِدتَ اللّهَ عَلی ذلِکَ،وإنّی خائِفٌ عَلَیکَ أن تَدخُلَ مِصراً مِنَ الأَمصارِ أو تَأتِیَ جَماعَةً مِنَ النّاسِ فَیَقتَتِلونَ فَتَکونُ طائِفَةٌ مِنهُم مَعَکَ وَطائِفَةٌ عَلَیکَ فَتُقتَلَ بَینَهُم (1).

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:یا أخی ! إلی أینَ أذهَبُ؟قالَ:اُخرُج إلی مَکَّةَ،فَإِنِ اطمَأَنَّت بِکَ الدّارُ فَذاکَ الَّذی تُحِبُّ واُحِبُّ،وإن تَکُنِ الاُخری خَرَجتَ إلی بِلادِ الیَمَنِ،فَإِنَّهُم أنصارُ جَدِّکَ وأخیکَ وأبیکَ،وهُم أرأَفُ النّاسِ وأرَقُّهُم قُلوباً،وأوسَعُ النّاسِ بِلاداً وأرجَحُهُم عُقولاً،فَإِنِ اطمَأَنَّت بِکَ أرضُ الیَمَنِ وإلّا لَحِقتَ بِالرِّمالِ وشُعوبِ (2)الجِبالِ،وصِرتَ مِن بَلَدٍ إلی بَلَدٍ لِتَنظُرَ ما یَؤُولُ إلَیهِ أمرُ النّاسِ،ویُحکَمَ بَینَکَ وبَینَ القَومِ الفاسِقینَ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:یا أخی ! وَاللّهِ لَو لَم یَکُن فِی الدُّنیا مَلجَأٌ ولا مَأوی لَما بایَعتُ وَاللّهِ یَزیدَ بنَ مُعاوِیَةَ أبَداً،وقَد قالَ صلّی اللّه علیه و آله:«اللّهُمَّ لا تُبارِک فی یَزیدَ».

قالَ:فَقَطَعَ عَلَیهِ مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِیَّةِ الکَلامَ وبَکی،فَبَکی مَعَهُ الحُسَینُ علیه السّلام سَاعَةً ثُمَّ قالَ:جَزَاکَ اللّهُ-یا أخی-عَنّی خَیراً،ولَقَد نَصَحتَ وأشَرتَ بِالصَّوابِ،وأنَا أرجو أن یَکونَ إن شاءَ اللّهُ رَأیُکَ مُوَفَّقاً مُسَدَّداً،وإنّی قَد عَزَمتُ عَلَی الخُروجِ إلی مَکَّةَ، وقَد تَهَیَّأتُ لِذلِکَ أنَا وإخوَتی وبَنو إخوَتی وشیعَتی،وأمرُهُم أمری،ورَأیُهُم رَأیی.

وأمّا أنتَ یا أخی فَلا عَلَیکَ أن تُقیمَ بِالمَدینَةِ فَتَکونَ لی عَیناً عَلَیهِم،ولا تُخفِ عَلَیَّ شَیئاً مِن امورِهِم. (3)

ص:14

قالَ:ثُمَّ طَوَی الکِتابَ الحُسَینُ علیه السّلام وخَتَمَهُ بِخاتَمِهِ،ودَفَعَهُ إلی أخیهِ مُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِیَّةِ ثُمَ وَدَّعَهُ. (1)

لا تُعجِلونی؛فَإِنّی آتیکُم،أمهِلونی.فَأَلَحّوا عَلَیهِما عَشِیَّتَهُما تِلکَ کُلَّها وأوَّلَ لَیلِهِما، وکانوا عَلی حُسَینٍ علیه السّلام أشَدَّ إبقاءً.

وبَعَثَ الوَلیدُ إلَی ابنِ الزُّبَیرِ مَوالِیَ لَهُ فَشَتَموهُ وصاحوا بِهِ:یَابنَ الکاهِلِیَّةِ،وَاللّهِ لَتَأتِیَنَّ الأَمیرَ أو لَیَقتُلَنَّکَ.فَلَبِثَ بِذلِکَ نَهارَهُ کُلَّهُ وأوَّلَ لَیلِهِ،یَقولُ:الآنَ أجیءُ،فَإِذَا استَحَثّوهُ قالَ:وَاللّهِ لَقَدِ استَرَبتُ بِکَثرَةِ الإِرسالِ وتَتابُعِ هذِهِ الرِّجالِ،فَلا تُعجِلونی حَتّی أبعَثَ إلَی الأَمیرِ مَن یَأتینی بِرَأیِهِ وأمرِهِ.فَبَعَثَ إلَیهِ أخاهُ جَعفَرَ بنَ الزُّبیرِ، فَقالَ:رَحِمَکَ اللّهُ کُفَّ عَن عَبدِ اللّهِ؛فَإِنَّکَ قَد أفزَعتَهُ وذَعَرتَهُ بِکَثرَةِ رُسُلِکَ وهُوَ آتیکَ غَداً إن شاءَ اللّهُ،فَمُر رُسُلَکَ فَلیَنصَرِفوا عَنّا.فَبَعَثَ إلَیهِم فَانصَرَفوا.

وخَرَجَ ابنُ الزُّبَیرِ مِن تَحتِ اللَّیلِ،فَأَخَذَ طَریقَ الفُرعِ (1)هُوَ وأخوهُ جَعفَرٌ لَیسَ مَعَهُما ثالِثٌ،وتَجَنَّبَ الطَّریقَ الأَعظَمَ مَخافَةَ الطَّلَبِ،وتَوَجَّهَ نَحوَ مَکَّةَ.

فَلَمّا أصبَحَ بَعَثَ إلَیهِ الوَلیدُ فَوَجَدَهُ قَد خَرَجَ،فَقالَ مَروانُ:وَاللّهِ إن أخطَأَ مَکَّةَ فَسَرِّح فی أثَرِهِ الرِّجالَ.فَبَعَثَ راکِباً مِن مَوالی بَنی امَیَّةَ فی ثَمانینَ راکِباً فَطَلَبوهُ فَلَم یَقدِروا عَلَیهِ فَرَجَعوا،فَتَشاغَلوا عَن حُسَینٍ علیه السّلام بِطَلَبِ عَبدِ اللّهِ یَومَهُم ذلِکَ حَتّی أمسَوا.

ثُمَّ بَعَثَ الرِّجالَ إلی حُسَینٍ علیه السّلام عِندَ المَساءِ،فَقالَ:أصبِحوا ثُمَّ تَرَونَ ونَری.

فَکَفّوا عَنهُ تِلکَ اللَّیلَةَ ولَم یُلِحّوا عَلَیهِ،فَخَرَجَ حُسَینٌ علیه السّلام مِن تَحتِ لَیلَتِهِ وهِیَ لَیلَةُ الأَحَدِ لِیَومَینِ بَقِیا مِن رَجَبٍ سَنَةَ سِتّینَ،وکانَ مَخرَجُ ابنِ الزُّبَیرِ قَبلَهُ بِلَیلَةٍ؛خَرَجَ لَیلَةَ السَّبتِ. (2)

ص:17

982.البدایة والنهایة عن أبی مخنف: بَعَثَ الوَلیدُ إلی عَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَیرِ فَامتَنَعَ عَلَیهِ وماطَلَهُ یَوماً ولَیلَةً،ثُمَّ إنَّ ابنَ الزُّبَیرِ رَکِبَ فی مَوالیهِ وَاستَصحَبَ مَعَهُ أخاهُ جَعفَراً وسارَ إلی مَکَّةَ عَلی طَریقِ الفُرعِ،وبَعَثَ الوَلیدُ خَلفَ ابنِ الزُّبَیرِ الرِّجالَ وَالفُرسانَ فَلَم یَقدِروا عَلی رَدِّهِ....

وأمَّا الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام فَإِنَّ الوَلیدَ تَشاغَلَ عَنهُ بِابنِ الزُّبَیرِ وجَعَلَ کُلَّما بَعَثَ إلَیهِ یَقولُ:حَتّی تَنظُرَ ونَنظُرَ.ثُمَّ جَمَعَ أهلَهُ وبَنیهِ ورَکِبَ لَیلَةَ الأَحَدِ لِلَیلَتَینِ بَقِیَتا مِن رَجَبٍ مِن هذِهِ السَّنَةِ [60 ه] بَعدَ خُروجِ ابنِ الزُّبَیرِ بِلَیلَةٍ،ولَم یَتَخَلَّف عَنهُ أحَدٌ مِن أهلِهِ سِوی مُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِیَّةِ. (1)

983.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): خَرَجَ الحُسَینُ علیه السّلام وعَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ-مِن لَیلَتِهِما إلی مَکَّةَ،فَأَصبَحَ النّاسُ فَغَدَوا عَلَی البَیعَةِ لِیَزیدَ،وطُلِبَ الحُسَینُ علیه السّلام وَابنُ الزُّبَیرِ فَلَم یوجَدا.

فَقالَ الِمسوَرُ بنُ مَخرَمَةَ:عَجِلَ أبو عَبدِ اللّهِ،وَابنُ الزُّبَیرِ الآنَ یَلفِتُهُ (2)ویُزجیهِ (3)إلَی العِراقِ لِیَخلُوَ بِمَکَّةَ. (4)

984. تاریخ الطبری عن عقبة بن سمعان -مَولَی الرَّبابِ ابنَةِ امرِئِ القَیسِ الکَلبِیَّةِ امرَأَةِ الحُسَینِ علیه السّلام-:خَرَجنا فَلَزِمنَا الطَّریقَ الأَعظَمَ،فَقالَ للِحُسیَنِ علیه السّلام أهلُ بَیتِهِ:لَو تَنَکَّبتَ الطّریقَ الأَعظَمَ کَما فَعَلَ ابنُ الزُّبَیرِ،لا یَلحَقُکَ الطَّلَبُ.قالَ:لا وَاللّهِ،لا افارِقُهُ حَتّی

ص:18

یَقضِیَ اللّهُ ما هُوَ أحَبُّ إلَیهِ. (1)

985.تاریخ الطبری عن أبی سعد المقبری: نَظَرتُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام داخِلاً مَسجِدَ المَدینَةِ، وإنَّهُ لَیَمشی وهُوَ مُعتَمِدٌ عَلی رَجُلَینِ یَعتَمِدُ عَلی هذا مَرَّةً وعَلی هذا مَرَّةً،وهُوَ یَتَمَثَّلُ بِقَولِ ابنِ مُفَرِّغٍ:

لا ذَعَرتُ السَّوامَ (2)فی فَلَقِ الصُب

قالَ:فَقُلتُ فی نَفسی:وَاللّهِ ما تَمَثَّلَ بِهذَینِ البَیتَینِ إلّالِشَیءٍ یُریدُ.قالَ:فَما مَکَثَ إلّایَومَینِ حَتّی بَلَغَنی أنَّهُ سارَ إلی مَکَّةَ. (3)

986.الفتوح -فی خُروجِ الحُسَینِ علیه السّلام عَنِ المَدینَةِ-:فَجَعَلَ یَسیرُ وَیَقرَأُ هذِهِ الآیَةَ: «فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً یَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِینَ» 4 ،قالَ لَهُ ابنُ عَمِّهِ مُسلِمُ بنُ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ:یَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،لَو عَدَلنا عَنِ الطَّریقِ وسَلَکنا غَیرَ الجادَّةِ کَما فَعَلَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ کانَ عِندِی الرَّأیُ؛فَإِنّا نَخافُ أن یَلحَقَنَا الطَّلَبُ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:لا وَاللّهِ یَا بنَ عَمّی،لا فارَقتُ هذَا الطَّریقَ أبَداً أو أنظُرَ إلی أبیاتِ مَکَّةَ،أو یَقضِیَ اللّهُ فی ذلِکَ ما یُحِبُّ ویَرضی.

ثُمَّ جَعَلَ الحُسَینُ علیه السّلام یَتَمَثَّلُ شِعرَ یَزیدَ بنِ المُفَرِّغِ الحِمیَرِیِّ وهُوَ یَقولُ:

ص:19

لا سَهَرتُ السَّوامَ فی فَلَقِ الصُب

987.تاریخ الطبری عن أبی مخنف: فَلَمّا سارَ الحُسَینُ نَحوَ مَکَّةَ،قالَ: «فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً یَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِینَ» . (1)

988.الإرشاد: سارَ الحُسَینُ علیه السّلام إلی مَکَّةَ وهُوَ یَقرَأُ: «فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً یَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِینَ» ولَزِمَ الطَّریقَ الأَعظَمَ.فَقالَ لَهُ أهلُ بَیتِهِ:لَو تَنَکَّبتَ الطَّریقَ الأَعظَمَ کَما صَنَعَ ابنُ الزُّبَیرِ لِئَلّا یَلحَقَکَ الطَّلَبُ،فَقالَ:لا وَاللّهِ،لا افارِقُهُ حَتّی یَقضِیَ اللّهُ ما هُوَ قاضٍ. (2)

989.تاریخ الطبری عن عون بن أبی جحیفة: کانَ مَخرَجُ الحُسَینِ مِنَ المَدینَةِ إلی مَکَّةَ یَومَ الأَحَدِ لِلَیلَتَینِ بَقِیَتا مِن رَجَبٍ سَنَةَ سِتّینَ ودَخَلَ [الإمام الحُسَینُ علیه السّلام ] مَکَّةَ لَیلَةَ الجُمُعَةِ لِثَلاثٍ مَضَینَ مِن شَعبانَ،فَأَقامَ بِمَکَّةَ شَعبانَ وشَهرَ رَمَضانَ وشَوّالاً وذَا القَعدَة ثُمَّ خَرَجَ مِنها لِثَمانٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ یَومَ الثُّلاثاءِ-یَومَ التَّروِیَةِ-فِی الیَومِ الَّذی خَرَجَ فیهِ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ. (3)

990.الفتوح: خَرَجَ [الإمامُ الحُسَینُ علیه السّلام ] فی جَوفِ اللَّیلِ یُریدُ مَکَّةَ بِجَمیعِ أهلِهِ،وذلِکَ

ص:20

لِثَلاثِ لَیالٍ مَضَینَ مِن شَهرِ شَعبانَ فی سَنَةِ سِتّینَ. (1)

راجع:ج2 ص389 (الفصل الأوّل/ما جری بین الإمام علیه السّلام والولید لأخذ البیعة).

994.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی عن الإمام الحسین علیه السّلام -فیما قالَهُ لأَِخیهِ مُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِیَّةِ-:أنَا عازِمٌ عَلَی الخُروجِ إلی مَکَّةَ،وقَد تَهَیَّأتُ لِذلِکَ أنَا وإخوَتی وبَنو أخی وشیعَتی مِمَّن أمرُهُم أمری ورَأیُهُم رَأیی،وأمّا أنتَ یا أخی فَلا عَلَیکَ أن تُقیمَ فِی المَدینَةِ فَتَکونَ لی عَیناً عَلَیهِم،ولا تُخفِ عَلَیَّ شَیئاً مِن امورِهِم. (1)

الحُسَینَ علیه السّلام عِندَهُم أعظَمُ فی أنفُسِهِم مِنِ ابنِ الزُّبَیرِ. (1)

1000.تاریخ الطبری عن عقبة بن سمعان: فَأَقبَلَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] حَتّی نَزَلَ مَکَّةَ،فَأَقبَلَ أهلُها یَختَلِفونَ إلَیهِ ویَأتونَهُ ومَن کانَ بِها مِنَ المُعتَمِرینَ وأهلِ الآفاقِ،وَابنُ الزُّبَیرِ بِها قَد لَزِمَ الکَعبَةَ فَهُوَ قائِمٌ یُصَلّی عِندَها عامَّةَ النَّهارِ ویَطوفُ،ویَأتی حُسَیناً علیه السّلام فیمَن یَأتیهِ،فَیَأتیهِ الیَومَینِ المُتَوالِیَینِ،ویَأتیهِ بَینَ کُلِّ یَومَینِ مَرَّةً،ولا یَزالُ یُشیرُ عَلَیهِ بِالرَّأیِ وهُوَ أثقَلُ خَلقِ اللّهِ عَلَی ابنِ الزُّبَیرِ،قَد عَرَفَ أنَّ أهلَ الحِجازِ لا یُبایِعونَهُ ولا یُتابِعونَهُ أبَداً ما دامَ حُسَینٌ علیه السّلام بِالبَلَدِ،وأنَّ حُسَیناً علیه السّلام أعظَمُ فی أعیُنِهِم وأنفُسِهِم مِنهُ، وأطوَعُ فِی النّاسِ مِنهُ. (2)

1001.الأخبار الطوال: مَضَی [الحُسَینُ علیه السّلام ] حَتّی وافی مَکَّةَ،فَنَزَلَ شِعبَ عَلِیٍّ،وَاختَلَفَ النّاسُ إلَیهِ،فَکانوا یَجتَمِعونَ عِندَهُ حَلَقاً حَلَقاً،وَتَرَکوا عَبدَ اللّهِ بنَ الزُّبَیرِ،وکانوا قَبلَ ذلِکَ یَتَحَفَّلونَ (3)إلَیهِ،فَساءَ ذلِکَ ابنَ الزُّبَیرِ،وعَلِمَ أنَّ النّاسَ لا یَحفِلونَ بِهِ وَالحُسَینُ علیه السّلام مُقیمٌ بِالبَلَدِ،فَکانَ یَختَلِفُ إلیَ الحُسَینِ علیه السّلام صَباحاً ومَساءً. (4)

1002.تهذیب الکمال: قَدِما [الحُسَینُ علیه السّلام وعَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ] مَکَّةَ،فَنَزَلَ الحُسَینُ علیه السّلام دارَ العَبّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ،ولَزِمَ ابنُ الزُّبَیرِ الحِجرَ ولَبِسَ المَعافِرِیّ َ (5)،وجَعَلَ یُحَرِّضُ

ص:24

النّاسَ عَلی بَنی امَیَّةَ. (1)

1003.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی عن أحمد بن أعثم الکوفی: کانَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] قَد نَزَلَ بِأَعلی مَکَّةَ وضَرَبَ هُناکَ فُسطاطاً ضَخماً،ونَزَلَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ دارَهُ بِقیقِعانَ (2)، ثُمَّ تَحَوَّلَ الحُسَینُ علیه السّلام إلی دارِ العَبّاسِ،حَوَّلَهُ إلَیها عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ،وکانَ أمیرَ مَکَّةَ مِن قِبَلِ یَزیدَ یَومَئِذٍ عُمَرُ بنُ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ (3)،فَأَقامَ الحُسَینُ علیه السّلام مُؤَذِّناً یُؤَذِّنُ رافِعاً صَوتَهُ فَیُصَلّی بِالنّاسِ،وهابَ ابنُ سَعدٍ أن یَمیلَ الحُجّاجُ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام لِما یَری مِن کَثرَةِ اختِلافِ النّاسِ إلَیهِ مِنَ الآفاقِ،فَانحَدَرَ إلَی المَدینَةِ وَکَتَبَ بِذلِکَ إلی یَزیدَ. (4)

1004.البدایة والنهایة: عَکَفَ النّاسُ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام یَفِدونَ إلَیهِ ویَقدَمونَ عَلَیهِ،ویَجلِسونَ حَوالِیَهُ ویَستَمِعونَ کَلامَهُ،حینَ سَمِعوا بِمَوتِ مُعاوِیَةَ وخِلافَةِ یَزیدَ.وأمَّا ابنُ الزُّبَیرِ فَإِنَّهُ لَزِمَ مُصَلّاهُ عِندَ الکَعبَةِ،وجَعَلَ یَتَرَدَّدُ فی غُبونِ ذلِکَ (5)إلَی الحُسَینِ علیه السّلام فی جُملَةِ النّاسِ،ولا یُمکِنُهُ أن یَتَحَرَّکَ بِشَیءٍ مِمّا فی نَفسِهِ مَعَ وُجودِ الحُسَینِ علیه السّلام،لِما یَعلَمُ مِن تَعظیمِ النّاسِ لَهُ وتَقدیمِهِم إیّاهُ عَلَیهِ،غَیرَ أنَّهُ قَد تَعَیَّنَتِ السَّرایا وَالبُعوثُ إلی مَکَّةَ بِسَبَبِهِ،ولکِن أظفَرَهُ اللّهُ بِهِم کَما تَقَدَّمَ ذلِکَ آنِفاً،فَانقَشَعَتِ السَّرایا عَن مَکَّةَ مَفلولینَ

ص:25

وَانتَصَرَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ عَلی مَن أرادَ هَلاکَهُ مِنَ الیَزیدِیّینَ،وضَرَبَ أخاهُ عَمراً وسَجَنَهُ وَاقتَصَّ مِنهُ وأهانَهُ.

وعَظُمَ شَأنُ ابنِ الزُّبَیرِ عِندَ ذلِکَ بِبِلادِ الحِجازِ،وَاشتَهَرَ أمرُهُ وبَعُدَ صیتُهُ،ومَعَ هذا کُلِّهِ لَیسَ هُوَ مُعَظَّماً عِندَ النّاسِ مِثلَ الحُسَینِ علیه السّلام،بَلِ النّاسُ إنَّما مَیلُهُم إلَی الحُسَینِ علیه السّلام لأَِنَّهُ السَّیِّدُ الکَبیرُ،وَابنُ بِنتِ رسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَلَیسَ عَلی وَجهِ الأَرضِ یَومَئِذٍ أحَدٌ یُسامیهِ ولا یُساویهِ،وَلکِنَّ الدَّولَةَ الیَزیدِیَّةَ کانَت کُلُّها تُناوِئُهُ. (1)

شَدّادٍ (1)،وحَبیبِ بنِ مُظاهِرٍ (2)،وشیعَتِهِ مِنَ المُؤمِنینَ وَالمُسلِمینَ مِن أهلِ الکوفَةِ.

سَلامٌ عَلَیکَ،فَإِنّا نَحمَدُ إلَیکَ اللّهَ الَّذی لا إلهَ إلّاهُوَ.أمّا بَعدُ،فَالحَمدُ للّهِ ِ الَّذی قَصَمَ عَدُوَّکَ الجَبّارَ العَنیدَ،الَّذِی انتَزی عَلی هذِهِ الاُمَّةِ،فَابتَزَّها أمرَها وغَصَبَها فَیئَها وتَأَمَّرَ عَلَیها بِغَیرِ رِضیً مِنها،ثُمَّ قَتَلَ خِیارَها وَاستَبقی شِرارَها،وجَعَلَ مالَ اللّهِ دُولَةً بَینَ جَبابِرَتِها وأغنِیائِها،فَبُعداً لَهُ کَما بَعُدَت ثَمودُ.إنَّهُ لَیسَ عَلَینا إمامٌ،فَأَقبِل لَعَلَّ اللّهَ أن یَجمَعَنا بِکَ عَلَی الحَقِّ،وَالنُّعمانُ بنُ بَشیرٍ فی قَصرِ الإِمارَةِ لَسنا نَجتَمِعُ مَعَهُ فی جُمُعَةٍ ولا نَخرُجُ مَعَهُ إلی عیدٍ،ولَو قَد بَلَغَنا أنَّکَ قَد أقبَلتَ إلَینا أخرَجناهُ حَتّی نُلحِقَهُ بِالشّامِ إن شاءَ اللّهُ،وَالسَّلامُ ورَحمَةُ اللّهِ عَلَیکَ.

قالَ:ثُمَّ سَرَّحنا بِالکِتابِ مَعَ عَبدِ اللّهِ بنِ سَبعٍ الهَمْدانِیِّ وعَبدِ اللّهِ بنِ والٍ وأمَرناهُما بِالنَّجاءِ (3)،فَخَرَجَ الرَّجُلانِ مُسرِعَینِ حَتّی قَدِما عَلی حُسَینٍ لِعَشرٍ مَضَینَ مِن شَهرِ رَمَضانَ بِمَکَّةَ.

ثُمَّ لَبِثنا یَومَینِ،ثُمَّ سَرَّحنا إلَیهِ قَیسَ بنَ مُسهِرٍ الصَّیداوِیَّ،وعَبدَ الرَّحمنِ بنَ عَبدِ اللّهِ بنِ الکَدِنِ الأَرحَبِیَّ،وعُمارَةَ بنَ عُبَیدٍ السَّلولِیَّ (4)،فَحَمَلوا مَعَهُم نَحواً مِن ثَلاثٍ

ص:28

وخَمسینَ صَحیفَةً مِنَ الرَّجُلِ والاِثنَینِ وَالأَربَعَةِ.

قالَ:ثُمَّ لَبِثنا یَومَینِ آخَرَینِ،ثُمَّ سَرَّحنا إلَیهِ هانِئَ بنَ هانِئٍ السَّبیعِیَّ وسَعیدَ بنَ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیَّ،وکَتَبنا مَعَهُما:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ

لِحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ مِن شیعَتِهِ مِنَ المُؤمِنینَ وَالمُسلِمینَ،أمّا بَعدُ،فَحَیَّهَلا (1)؛فَإِنَّ النّاسَ یَنتَظِرونَکَ،ولا رَأیَ لَهُم فی غَیرِکَ،فَالعَجَلَ العَجَلَ،وَالسَّلامُ عَلَیکَ.

وکَتَبَ شَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ،وحَجّارُ بنُ أبجَرَ،ویَزیدُ بنُ الحارِثِ بنِ یَزیدَ بنِ رُوَیمٍ، وعَزرَةُ بنُ قَیسٍ،وعَمرُو بنُ الحَجّاجِ الزُّبَیدِیُّ،وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَیرٍ التَّمیمِیُّ:

أمّا بَعدُ،فَقَدِ اخضَرَّ الجَنابُ (2)وأینَعَتِ الثِّمارُ وطَمَّتِ (3)الجِمامُ (4)،فَإِذا شِئتَ فَاقدَم عَلی جُندٍ لَکَ مُجَنَّدٍ، (5)وَالسَّلامُ عَلَیکَ.

وتَلاقَتِ الرُّسُلُ کُلُّها عِندَهُ،فَقَرَأَ الکُتُبَ وسَأَلَ الرُّسُلَ عَن أمرِ النّاسِ. (6)

ص:29

1008.الفتوح: اجتَمَعَتِ الشّیعَةُ فی دارِ سُلَیمانَ بنِ صُرَدٍ الخُزاعِیِّ،فَلَمّا تَکامَلوا فی مَنزِلِهِ قامَ فیهِم خَطیباً،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ وصَلّی عَلَی النّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله وعَلی أهلِ بَیتِهِ،ثُمَّ ذَکَرَ أمیرَ المُؤمِنینَ عَلِیَّ بنَ أبی طالِبٍ،فَتَرَحَّمَ عَلَیهِ وذَکَرَ مَناقِبَهُ الشَّریفَةَ،ثُمَّ قالَ:

یا مَعشَرَ الشّیعَةِ ! إنَّکُم قَد عَلِمتُم بِأَنَّ مُعاوِیَةَ قَد صارَ إلی رَبِّهِ،وقَدِمَ عَلی عَمَلِهِ، وسَیَجزیهِ اللّهُ تَبارَکَ وتَعالی بِما قَدَّمَ مِن خَیرٍ أو شَرٍّ،وقَد قَعَدَ فی مَوضِعِهِ ابنُهُ یَزیدُ- زادَهُ اللّهُ خِزیاً-وهذَا الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام قَد خالَفَهُ وصارَ إلی مَکَّةَ خائِفاً مِن طَواغیتِ آلِ أبی سُفیانَ،وأنتُم شیعَتُهُ وشیعَةُ أبیهِ مِن قَبلِهِ،وقَدِ احتاجَ إلی نُصرَتِکُمُ الیَومَ،فَإِن کُنتُم تَعلَمونَ أنَّکُم ناصِروهُ ومُجاهِدو عَدُوِّهِ فَاکتُبوا إلَیهِ،وإن خِفتُمُ الوَهنَ وَالفَشَلَ فَلا تَغُرُّوا الرَّجُلَ مِن نَفسِهِ.

فَقالَ القَومُ:بَل نَنصُرُهُ ونُقاتِلُ عَدُوَّهُ،ونَقتُلُ أنفُسَنا دونَهُ حَتّی یَنالَ حاجَتَهُ.فَأَخَذَ عَلَیهِم سُلَیمانُ بنُ صُرَدٍ بِذلِکَ میثاقاً وعَهداً أنَّهُم لا یَغدِرونَ ولا یَنکِثونَ.

ثُمَّ قالَ:اُکتُبوا إلَیهِ الآنَ کِتاباً مِن جَماعَتِکُم أنَّکُم لَهُ کَما ذَکَرتُم،وسَلوهُ القُدومَ عَلَیکُم.قالوا:أفَلا تَکفینا أنتَ الکِتابَ إلَیهِ؟قالَ:لا،بَل یَکتُبُ جَماعَتُکُم.قالَ:

فَکَتَبَ القَومُ إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیِّ علیه السّلام:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ

إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،مِن سُلَیمانَ بنِ صُرَدٍ،وَالمُسَیَّبِ بنِ نَجَبَةَ،وحَبیبِ بنِ مُظاهِرٍ،ورِفاعَةَ بنِ شَدّادٍ،وعَبدِ اللّهِ بنِ والٍ،وجَماعَةِ شیعَتِهِ مِنَ المُؤمِنینَ.أمّا بَعدُ، فَالحَمدُ للّهِ ِ الَّذی قَصَمَ عَدُوَّکَ وَعَدُوَّ أبیکَ مِن قَبلِکَ،الجَبّارَ العَنیدَ الغَشومَ الظَّلومَ،

ص:30

الَّذی أبتَرَ هذِهِ الاُمَّةَ وعَضاها (1)،وتَأَمَّرَ عَلَیها بِغَیرِ رِضاها،ثُمَّ قَتَلَ خِیارَها وَاستَبقی أشرارَها،فَبُعداً لَهُ کَما بَعُدَت ثَمودُ.ثُمَّ إنَّهُ قَد بَلَغَنا أنَّ وَلَدَهُ اللَّعینَ قَد تَأَمَّرَ عَلی هذِهِ الاُمَّةِ بِلا مَشوَرَةٍ ولا إجماعٍ ولا عِلمٍ مِنَ الأَخبارِ،ونَحنُ مُقاتِلونَ مَعَکَ وباذِلونَ أنفُسَنا مِن دونِکَ،فَأَقبِل إلَینا (2)فَرِحاً مَسروراً،مَأموناً مُبارَکاً،سَدیداً وسَیِّداً،أمیراً مُطاعاً،إماماً خَلیفَةً عَلَینا مَهدِیّاً،فَإِنَّهُ لَیسَ عَلَینا (3)إمامٌ ولا أمیرٌ إلَّاالنُّعمانُ بنُ بَشیرٍ،وهُوَ فی قَصرِ الإِمارَةِ وَحیدٌ طَریدٌ،لَیسَ یُجتَمَعُ مَعَهُ فی جُمُعَةٍ،ولا یُخرَجُ مَعَهُ إلی عیدٍ،ولا یُؤَدّی إلَیهِ الخَراجُ،یَدعو فَلا یُجابُ،ویَأمُرُ فَلا یُطاعُ.ولَو بَلَغَنا أنَّکَ قَد أقبَلتَ إلَینا أخرَجناهُ عَنّا حَتّی یَلحَقَ بِالشّامِ،فَاقدَم إلَینا فَلَعَلَّ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ أن یَجمَعَنا بِکَ عَلَی الحَقِّ،وَالسَّلامُ عَلَیکَ ورَحمَةُ اللّهِ وَبرَکاتُهُ یَابنَ رَسولِ اللّهِ،ولا قُوَّةَ إلّابِاللّهِ العَلِیِّ العَظیمِ.

ثُمَّ طَوَی الکِتابَ وخَتَمَهُ ودَفَعَهُ إلی عَبدِ اللّهِ بنِ سَبعٍ الهَمدانِیِّ وعَبدِ اللّهِ بنِ مِسمَعٍ البَکرِیِّ،ووَجَّهوا بِهِما إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام.فَقَرَأَ الحُسَینُ علیه السّلام کِتابَ أهلِ الکوفَةِ فَسَکَتَ ولَم یُجِبهُم بِشَیءٍ.

ثُمَّ قَدِمَ عَلَیهِ بَعدَ ذلِکَ قَیسُ بنُ مُسهِرٍ الصَّیداوِیُّ وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَرحَبِیُّ وعُمارَةُ بنُ عُبَیدٍ السَّلولِیُّ وعَبدُ اللّهِ بنُ والٍ التَّمیمِیُّ،ومَعَهُم جَماعَةٌ نَحوَ خَمسینَ ومِئَةٍ،کُلُّ کِتابٍ مِن رَجُلَینِ وثَلاثَةٍ وأربَعَةٍ ویَسأَلونَهُ القُدومَ عَلَیهِم، وَالحُسَینُ علیه السّلام یَتَأَنّی فی أمرِهِ فَلا یُجیبُهُم بِشَیءٍ.

ثُمَّ قَدِمَ عَلَیهِ بَعدَ ذلِکَ هانِئُ بنُ هانِئٍ السَّبیعِیُّ وسَعیدُ بنُ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیُّ بِهذَا الکِتابِ-وهُوَ آخِرُ ما وَرَدَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام مِن أهلِ الکوفَةِ-:

ص:31

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ

لِلحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ أمیرِ المُؤمِنینَ مِن شیعَتِهِ وشیعَةِ أبیهِ.أمّا بَعدُ،فَحَیَّهَلا فَإِنَّ النّاسَ مُنتَظِرونَ لا رَأیَ لَهُم فی غَیرِکَ،فَالعَجَلَ العَجَلَ یَابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ! قَدِ اخضَرَّتِ الجَنّاتُ،وَأینَعَتِ الثِّمارُ،وأعشَبَتِ الأَرضُ،وأورَقَتِ الأَشجارُ،فَاقدَم إذا شِئتَ فَإِنَّما تَقدَمُ إلی جُندٍ لَکَ مُجَنَّدٍ،وَالسَّلامُ عَلَیکَ وَرحمَةُ اللّهِ وبَرَکاتُهُ وعَلی أبیکَ مِن قَبلِکَ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام لِهانِئٍ وَسعیدِ بنِ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیِّ:خَبِّرانی مَنِ اجتَمَعَ عَلی هذَا الکِتابِ الَّذی کُتِبَ مَعَکُما إلَیَّ؟فَقالا:یا أمیرَ المُؤمِنینَ،اجتَمَعَ عَلَیهِ شَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ، وحَجّارُ بنُ أبجَرَ،ویَزیدُ بنُ الحارِثِ،ویَزیدُ بنُ رُوَیمٍ،وعُروَةُ بنُ قَیسٍ،وعَمرُو بنُ الحَجّاجِ،ومُحَمَّدُ بنُ عُمَیرِ بنِ عُطارِدٍ.

قالَ:فَعِندَها قامَ الحُسَینُ،فَتَطَهَّرَ وصَلّی رَکعَتَینِ بَینَ الرُّکنِ وَالمَقامِ،ثُمَّ انفَتَلَ مِن صَلاتِهِ وسَأَلَ رَبَّهُ الخَیرَ فیما کَتَبَ إلَیهِ أهلُ الکوفَةِ،ثُمَّ جَمَعَ الرُّسُلَ فَقالَ لَهُم:إنّی رَأَیتُ جَدّی رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فی مَنامی،وقَد أمَرَنی بِأَمرٍ وأنَا ماضٍ لأَِمرِهِ،فَعَزَمَ اللّهُ لی بِالخَیرِ،إنَّهُ وَلِیُّ ذلِکَ وَالقادِرُ عَلَیهِ إن شاءَ اللّهُ تَعالی. (1)

8 100.الأخبار الطوال: لَمّا بَلَغَ أهلَ الکوفَةِ وَفاةُ مُعاوِیَةَ وخُروجُ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام إلی مَکَّةَ،اجتَمَعَ جَماعَةٌ مِنَ الشّیعَةِ فی مَنزِلِ سُلَیمانَ بنِ صُرَدٍ،وَاتَّفَقوا عَلی أن یَکتُبوا إلَی الحُسَینِ علیه السّلام یَسأَلونَهُ القُدومَ عَلَیهِم،لِیُسَلِّمُوا الأَمرَ إلَیهِ ویَطرِدُوا النُّعمانَ بنَ بَشیرٍ، فَکَتَبوا إلَیهِ بِذلِکَ،ثُمَّ وَجَّهوا بِالکِتابِ مَعَ عُبَیدِ اللّهِ بنِ سُبَیعٍ الهَمدانِیِّ وعَبدِ اللّهِ بنِ وَدّاکٍ السُلَمِیِّ،فَوافُوا الحُسَینَ علیه السّلام بِمَکَّةَ لِعَشرٍ خَلَونَ مِن شَهرِ رَمَضانَ،فَأَوصَلُوا

ص:32

الکِتابَ إلَیهِ.

ثُمَّ لَم یُمسِ الحُسَینُ علیه السّلام یَومَهُ ذلِکَ حَتّی وَرَدَ عَلَیهِ بِشرُ بنُ مُسهِرٍ الصَّیداوِیُّ وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ عُبَیدٍ الأَرحَبِیُّ،ومَعَهُما خَمسونَ کِتاباً مِن أشرافِ أهلِ الکوفَةِ ورُؤَسائِها،کُلُّ کِتابٍ مِنها مِنَ الرَّجُلَینِ وَالثَّلاثَةِ وَالأَربَعَةِ بِمِثلِ ذلِکَ.

فَلَمّا أصبَحَ وافاهُ هانِئُ بن هانِئٍ السَّبیعِیُّ وسَعیدُ بنُ عَبدِ اللّهِ الخَثعَمِیُّ،ومَعَهُما أیضاً نَحوٌ مِن خَمسینَ کِتاباً.

فَلَمّا أمسی أیضاً ذلِکَ الیَومَ وَرَدَ عَلَیهِ سَعیدُ بنُ عَبدِ اللّهِ الثَّقَفِیُّ،وَمَعَهُ کِتابٌ واحِدٌ مِن شَبَثِ بنِ رِبِعیٍّ،وحَجّارِ بنِ أبجَرَ،ویَزیدَ بنِ الحارِثِ،وعَزرَةَ بنِ قَیسٍ،وعَمرِو بنِ الحَجّاجِ،ومُحَمَّدِ بنِ عُمَیرِ بنِ عُطارِدٍ،وکانَ هؤُلاءِ الرُّؤَساءَ مِن أهلِ الکوفَةِ، فَتَتابَعَت عَلَیهِ فی أیّامٍ رُسُلُ أهلِ الکوفَةِ،ومِنَ الکُتُبِ ما مَلأََ مِنهُ خُرجَینِ. (1)

1009.الفخریّ: لَمَّا استَقَرَّ [الحُسَینُ علیه السّلام ] بِمَکَّةَ اتَّصَلَ بِأَهلِ الکوفَةِ تَأَبّیهِ مِن بَیعَةِ یَزیدَ،وکانوا یَکرَهونَ بَنی امَیَّةَ خُصوصاً یَزیدَ؛لِقُبحِ سیرَتِهِ ومُجاهَرَتِهِ بِالمَعاصی،وَاشتِهارِهِ بِالقَبائِحِ.

فَراسَلُوا الحُسَینَ علیه السّلام وکَتَبوا إلَیهِ الکُتُبَ یَدعونَهُ إلی قُدومِ الکوفَةِ،ویَبذُلونَ لَهُ النُّصرَةَ عَلی بنی امَیَّةَ،وَاجتَمَعوا وتَحالَفوا عَلی ذلِکَ،وتابَعُوا الکُتُبَ إلَیهِ فی هذَا المَعنی. (2)

1010.تذکرة الخواصّ عن الواقدی: لَمَّا استَقَرَّ الحُسَینُ علیه السّلام بِمَکَّةِ وعَلِمَ بِهِ أهلُ الکوفَةِ،کَتَبوا إلَیهِ یَقولونَ:إنّا قَد حَبَسنا أنفُسَنا عَلَیکَ،ولَسنا نَحضُرُ الصَّلاةَ مَعَ الوُلاةِ،فَاقدَم عَلَینا فَنَحنُ فی مِئَةِ ألفٍ،فَقَد فَشا فینَا الجَورُ،وعُمِلَ فینا بِغَیرِ کِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِیَّهِ،

ص:33

ونَرجو أن یَجمَعَنَا اللّهُ بِکَ عَلَی الحَقِّ،ویَنفی عَنّا بِکَ الظُّلمَ،فَأَنتَ أحَقُّ بِهَذَا الأَمرِ مِن یَزیدَ وأبیهِ الَّذی غَصَبَ الاُمَّةَ فَیئَها (1)،وشَرِبَ الخَمرَ،ولَعِبَ بِالقُرودِ وَالطَّنابیرِ، وتَلاعَبَ بِالدّینِ. (2)

1011.تاریخ الیعقوبی: خَرَجَ الحُسَینُ علیه السّلام إلی مَکَّةَ،فَأَقامَ بِها أیّاماً،وکَتَبَ أهلُ العِراقِ إلَیهِ، ووَجَّهوا بِالرُّسلِ عَلی إثرِ الرُّسلِ،فَکانَ آخِرُ کِتابٍ وَرَدَ عَلَیهِ مِنهُم کِتابَ هانِئِ بنِ أبی هانِئٍ وسَعیدِ بنِ عَبدِ اللّهِ الخَثعَمِیِّ:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ

لِلحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ مِن شیعَتِهِ المُؤمِنینَ وَالمُسلِمینَ،أمّا بَعدُ فَحَیَّهَلا؛فَإِنَّ النّاسَ یَنتَظِرونَکَ،لا إمامَ لَهُم غَیرُکَ،فَالعَجَلَ ثُمَّ العَجَلَ،وَالسَّلامُ. (3)

طاعَتَهُم وأمرَهُم ویَکتُبَ إلَیهِ بِحالِهِم ورَأیِهِم. (1)

1014.تاریخ الطبری عن أبی المخارق الراسبی: دَعَا [ الحُسَینُ ] علیه السّلام مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ، فَسَرَّحَهُ مَعَ قَیسِ بنِ مُسهِرٍ الصَّیداوِیِّ وعُمارَةَ بنِ عُبَیدٍ السَّلولِیِّ وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ الکَدِنِ الأَرحَبِیِّ،فَأَمَرَهُ بِتَقوَی اللّهِ وکِتمانِ أمرِهِ وَاللُّطفِ،فَإِن رَأَی النّاسَ مُجتَمِعینَ مُستَوسِقینَ (2)عَجَّلَ إلَیهِ بِذلِکَ. (3)

1015.الأخبار الطوال: کَتَبَ الحُسَینُ علیه السّلام إلَیهِم جَمیعاً واحِداً،ودَفَعَهُ إلی هانِئِ بنِ هانِئٍ وسَعیدِ بنِ عَبدِ اللّهِ،نُسخَتُهُ:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ

مِنَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ إلی مَن بَلَغَهُ کِتابی هذا مِن أولِیائِهِ وشیعَتِهِ بِالکوفَةِ،سَلامٌ عَلَیکُم.أمّا بَعدُ،فَقَد أتَتنی کُتُبُکُم،وفَهِمتُ ما ذَکَرتُم مِن مَحَبَّتِکُم لِقُدومی عَلَیکُم، وإنّی باعِثٌ إلَیکُم بِأَخی وَابنِ عَمّی وثِقَتی مِن أهلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ لِیَعلَمَ لی کُنهَ أمرِکُم،ویَکتُبَ إلَیَّ بِما یَتَبَیَّنُ لَهُ مِنِ اجتِماعِکُم،فَإِن کانَ أمرُکُم عَلی ما أتَتنی بِهِ کُتُبُکُم وأخبَرَتنی بِهِ رُسُلُکُم أسرَعتُ القُدومَ عَلَیکُم إن شاءَ اللّهُ،وَالسَّلامُ.

وقَد کانَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ خَرَجَ مَعَهُ مِنَ المَدینَةِ إلی مَکَّةَ،فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:

یَابنَ عَمِّ،قَد رَأَیتُ أن تَسیرَ إلَی الکوفَةِ،فَتَنظُرَ مَا اجتَمَعَ عَلَیهِ رَأیُ أهلِها،فَإِن کانوا

ص:35

عَلی ما أتَتنی بِهِ کُتُبُهُم فَعَجِّل عَلَیَّ بِکِتابِکَ لاُِسرِعَ القُدومَ عَلَیکَ،وإن تَکُنِ الاُخری فَعَجِّلِ الِانصِرافَ. (1)

1016.تاریخ الطبری عن محمّد بن بشر الهمْدانی: کَتَبَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] مَعَ هانِئِ بنِ هانِئٍ السَّبیعِیِّ وسَعیدِ بنِ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیِّ-وکانا آخِرَ الرُّسُلِ-:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ

مِن حُسَینِ بنِ عَلِیٍّ إلَی المَلَأِ مِنَ المُؤمِنینَ وَالمُسلِمینَ.أمّا بَعدُ،فَإِنَّ هانِئاً وسَعیداً قَدِما عَلَیَّ بِکُتُبِکُم،وکانا آخِرَ مَن قَدِمَ عَلَیَّ مِن رُسُلِکُم،وقَد فَهِمتُ کُلَّ الَّذِی اقتَصَصتُم وذَکَرتُم،ومَقالَةُ جُلِّکُم:أنَّهُ لَیسَ عَلَینا إمامٌ،فَأَقبِل لَعَلَّ اللّهَ أن یَجمَعَنا بِکَ عَلَی الهُدی وَالحَقِّ.وقَد بَعَثتُ إلَیکُم أخی وَابنَ عَمّی وثِقَتی مِن أهلِ بَیتی،وأمَرتُهُ أن یَکتُبَ إلَیَّ بِحالِکُم وأمرِکُم ورَأیِکُم،فَإِن کَتَبَ إلَیَّ أنَّهُ قَد أجمَعَ رَأیُ مَلَئِکُم وذَوِی الفَضلِ وَالحِجا مِنکُم عَلی مِثلِ ما قَدِمَت عَلَیَّ بِهِ رُسُلُکُم وقَرَأتُ فی کُتُبِکُم أقدَمُ عَلَیکُم وَشیکاً إن شاءَ اللّهُ.

فَلَعَمری مَا الإِمامُ إلَّاالعامِلُ بِالکِتابِ،وَالآخِذُ بِالقِسطِ،وَالدّائِنُ بِالحَقِّ، وَالحابِسُ نَفسَهُ عَلی ذاتِ اللّهِ،وَالسَّلامُ. (2)

1017.الفتوح: ذِکرُ کِتابِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام إلی أهلِ الکوفَةِ:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ

مِنَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ إلَی المَلأَِ مِنَ المُؤمِنینَ،سَلامٌ عَلَیکُم! أمّا بَعدُ،فَإِنَّ هانِئَ بنَ

ص:36

هانِئٍ وسَعیدَ بنَ عَبدِ اللّهِ قَدِما عَلَیَّ بِکُتُبِکُم فَکانا آخِرَ مَن قَدِمَ عَلَیَّ مِن عِندِکُم،وقَد فَهِمتُ الَّذی قَد قَصَصتُم وذَکَرتُم ولَستُ اقَصِّرُ عَمّا أحبَبتُم،وقَد بَعَثتُ إلَیکُم أخی وَابنَ عَمّی وثِقَتی مِن أهلِ بَیتی مُسلِمَ بنَ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ،وقَد أمَرتُهُ أن یَکتُبَ إلَیَّ بِحالِکُم ورَأیِکُم ورَأیِ ذَوِی الحِجا وَالفَضلِ مِنکُم،وهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلی ما قِبَلَکُم إن شاءَ اللّهُ تَعالی وَالسَّلامُ،ولا قُوَّةَ إلّابِاللّهِ،فَإِن کُنتُم عَلی ما قَدِمَت بِهِ رُسُلُکُم وقَرَأتُ فی کُتُبِکُم فَقوموا مَعَ ابنِ عَمّی وبایِعوهُ وَانصُروهُ ولا تَخذُلوهُ.فَلَعَمری لَیسَ الإِمامُ العادِلُ بِالکِتابِ وَالعادِلُ بِالقِسطِ کَالَّذی یَحکُمُ بِغَیرِ الحَقِّ ولا یَهدی ولا یَهتَدی، جَمَعَنَا اللّهُ وإیّاکُم عَلَی الهُدی،وألزَمَنا وإیّاکُم کَلِمَةَ التَّقوی،إنَّهُ لَطیفٌ لِما یَشاءُ، وَالسَّلامُ عَلَیکُم ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَکاتُهُ.

ثُمَّ طَوَی الکِتابَ وخَتَمَهُ،ودَعا بِمُسلمِ بنِ عَقیلٍ فَدَفَعَ إلَیهِ الکِتابَ،وقالَ لَهُ:إنّی مُوَجِّهُکَ إلی أهلِ الکوفَةِ وهذِهِ کُتُبُهُم إلَیَّ،وسَیَقضِی اللّهُ مِن أمرِکَ ما یُحِبُّ ویَرضی، وأنَا أرجو أن أکونَ أنَا وأنتَ فی دَرَجَةِ الشُّهَداءِ،فَامضِ عَلی بَرَکَةِ اللّهِ حَتّی تَدخُلَ الکوفَةَ،فَإِذا دَخَلتَها فَانزِل عِندَ أوثَقِ أهلِها،وَادعُ النّاسَ إلی طاعَتی وَاخذُلهُم عَن آلِ أبی سُفیانَ،فَإِن رَأَیتَ النّاسَ مُجتَمِعینَ عَلی بَیعَتی فَعَجِّل لی بِالخَبَرِ حَتّی أعمَلَ عَلی حَسَبِ ذلِکَ إن شاءَ اللّهُ تَعالی.ثُمَّ عانَقَهُ الحُسَینُ علیه السّلام ووَدَّعَهُ وبَکَیا جَمیعاً. (1)

1018.البدایة والنهایة: اجتَمَعَتِ الرُّسُلُ کُلُّها بِکُتُبِها عِندَ الحُسَینِ علیه السّلام...فَعِندَ ذلِکَ بَعَثَ ابنَ عَمِّهِ مُسلِمَ بنَ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ إلَی العِراقِ،لِیَکشِفَ لَهُ حَقیقَةَ هذَا الأَمرِ وَالاِتِّفاقِ،فَإِن کانَ مُتَحَتِّماً وأمراً حازِماً مُحکَماً بَعَثَ إلَیهِ لِیَرکَبَ فی أهلِهِ وذَویهِ، ویَأتِیَ الکوفَةَ لِیَظفَرَ بِمَن یُعادیهِ؛وکَتَبَ مَعَهُ کِتاباً إلی أهلِ العِراقِ بِذلِکَ. (2)

ص:37

1019.الملهوف -بَعدَ ذِکرِ الکُتُبِ الَّتی وَصَلَت مِن أهلِ الکوفَةِ لِلإِمامِ الحُسَینِ علیه السّلام-:فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام لِهانِئِ بنِ هانِئٍ السَّبیعِیِّ وسَعیدِ بنِ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِیِّ:خَبِّرانی مَنِ اجتَمَعَ عَلی هذَا الکِتابِ الَّذی وَرَدَ عَلَیَّ مَعَکُما؟فَقالا:یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! شَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ، وحَجّارُ بنُ أبجَرَ،ویَزیدُ بنُ الحارِثِ،ویَزیدُ بنُ رُوَیمٍ،وعُروَةُ بنُ قَیسٍ،وعَمرُو بنُ الحَجّاجِ،ومُحَمَّدُ بنُ عُمَیرِ بنِ عُطارِدٍ.

قالَ:فَعِندَها قامَ الحُسَینُ علیه السّلام فَصَلّی رَکعَتَینِ بَینَ الرُّکنِ وَالمَقامِ وَسأَلَ اللّهَ الخِیَرَةَ فی ذلِکَ.ثُمَّ دَعا بِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ وأطلَعَهُ عَلَی الحالِ،وکَتَبَ مَعَهُ جَوابَ کُتُبِهِم یَعِدُهُم بِالوُصولِ إلَیهِم ویَقولُ لَهُم ما مَعناهُ:قَد نَفَذتُ إلَیکُمُ ابنَ عَمّی مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ لِیُعَرِّفَنی ما أنتُم عَلَیهِ مِنَ الرَّأیِ. (1)

1020.تذکرة الخواصّ عن ابن إسحاق: اجتَمَعَتِ الرُّسُلُ کُلُّها بِمَکَّةَ عِندَهُ [أی عِندَ الحُسَینِ علیه السّلام ] فَحینَئِذٍ بَعَثَ إلَیهِم مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ وکَتَبَ مَعَهُ کِتاباً:

قَد بَعَثتُ إِلَیکُم أخی وَابنَ عَمّی وثِقَتی مِن أهلِ بَیتی،وأمَرتُهُ أن یَکتُبَ إلَیَّ بِحالِکُم،فَإِن کَتَبَ إلَیَّ أنَّهُ قَدِ اجتَمَعَ رَأیُ مَلَئِکُم وذِی الحِجا مِنکُم عَلی مِثلِ ما قَدِمَت بِهِ رُسُلُکُم قَدِمتُ عَلَیکُم،وإلّا لَم أقدَم،وَالسَّلامُ.

ثُمَّ دَعا مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ فَبَعَثَهُ مَعَ قَیسِ بنِ مُسهِرٍ الصَّیداوِیِّ وعُمارَةَ بنِ عَبدِ اللّهِ السَّلولِیِّ وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَبدِ اللّهِ الأَرحَبِیِّ،وأمَرَهُ بِکِتمانِ الأَمرِ. (2)

1021.مثیر الأحزان عن الشعبی: عِندَ ذلِکَ رَدَّ [ الإِمامُ الحُسَینُ علیه السّلام ] جَوابَ کُتُبِهِم یُمَنّیهِم بِالقَبولِ ویَعِدُهُم بِسُرعَةِ الوُصولِ:وإنَّهُ قَد جاءَ ابنُ عَمّی مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ لِیُعَرِّفَنی ما أنتُم عَلَیهِ مِن رَأیٍ جَمیلٍ.ولَعَمری مَا الإِمامُ إلَّاالعامِلُ بِالکِتابِ،القائِمُ بِالقِسطِ،

ص:38

الدّائِنُ بِدینِ الحَقِّ،الحابِسُ نَفسَهُ فی ذاتِ اللّهِ.وأمَرَ مُسلِماً بِالتَّوَجُّهِ بِالکِتابِ إلَی الکوفَةِ. (1)

1022.مقاتل الطالبیّین عن أبی إسحاق: لَمّا بَلَغَ أهلَ الکوفَةِ نُزولُ الحُسَینِ علیه السّلام مَکَّةَ وأنَّهُ لَم یُبایِع لِیَزیدَ،وَفَدَ إلَیهِ وَفدٌ مِنهُم،عَلَیهِم أبو عَبدِ اللّهِ الجَدَلِیُّ،وکَتَبَ إلَیهِ شَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ وسُلَیمانُ بنُ صُرَدٍ وَالمُسَیَّبُ بنُ نَجَبَةَ ووُجوهُ أهلِ الکوفَةِ یَدعونَهُ إلی بَیعَتِهِ وخَلعِ یَزیدَ،فَقالَ لَهُم:أبعَثُ مَعَکُم أخی وَابنَ عَمّی،فَإِذا أخَذَ لی بَیعَتی وأتانی عَنهُم بِمِثلِ ما کَتَبوا بِهِ إلَیَّ قَدِمتُ عَلَیهِم.

ودَعا مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ،فَقالَ:اِشخَص إلَی الکوفَةِ،فَإِن رَأَیتَ مِنهُمُ اجتِماعاً عَلی ما کَتَبوا ورَأَیتَهُ أمراً تَرَی الخُروجَ مَعَهُ فَاکتُب إلَیَّ بِرَأیِکَ.فَقَدِمَ مُسلِمٌ الکوفَةَ وأتَتهُ الشّیعَةُ،فَأَخَذَ بَیعَتَهُم لِلحُسَینِ علیه السّلام. (2)

مِسمَعٍ البَکرِیِّ،وإلَی الأَحنَفِ بنِ قَیسٍ (1)،وإلَی المُنذِرِ بنِ الجارودِ (2)،وإلی مَسعودِ بنِ عَمرٍو،وإلی قَیسِ بنِ الهَیثَمِ،وإلی عَمرِو بنِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ مَعمَرٍ،فَجاءَت مِنهُ نُسخَةٌ واحِدَةٌ إلی جَمیعِ أشرافِها:

أمّا بَعدُ،فَإِنَّ اللّهَ اصطَفی مُحَمَّداً صلّی اللّه علیه و آله عَلی خَلقِهِ وأکرَمَهُ بِنُبُوَّتِهِ وَاختارَهُ لِرِسالَتِهِ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللّهُ إلَیهِ،وقَد نَصَحَ لِعِبادِهِ وبَلَّغَ ما ارسِلَ بِهِ صلّی اللّه علیه و آله،وکُنّا أهلَهُ وأولِیاءَهُ وأوصِیاءَهُ ووَرَثَتَهُ وأحَقَّ النّاسِ بِمَقامِهِ فی النّاسِ،فَاستَأثَرَ عَلَینا قَومُنا بِذلِکَ فَرَضینا،وکَرِهنَا الفُرقَةَ،وأحبَبنَا العافِیَةَ،ونَحنُ نَعلَمُ أنّا أحَقُّ بِذلِکَ الحَقِّ المُستَحَقِّ عَلَینا مِمَّن تَوَلّاهُ،وقَد أحسَنوا وأصلَحوا وتَحَرَّوُا الحَقَّ فَرَحِمَهُمُ اللّهُ وغَفَرَ لَنا ولَهُم، وقَد بَعَثتُ رَسولی إلَیکُم بِهذَا الکِتابِ،وأنَا أدعوکُم إلی کِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِیِّهِ صلّی اللّه علیه و آله،

ص:40

فَإِنَّ السُّنَّةَ قد امیتَت،وإنَّ البِدعَةَ قَد احیِیَت،وإن تَسمَعوا قَولی وتُطیعوا أمری أهدِکُم سَبیلَ الرَّشادِ،وَالسَّلامُ عَلَیکُم ورَحمَةُ اللّهِ.

فَکُلُّ مَن قَرَأَ ذلِکَ الکِتابَ مِن أشرافِ النّاسِ کَتَمَهُ،غَیرَ المُنذِرِ بنِ الجارودِ فَإِنَّهُ خَشِیَ بِزَعمِهِ أن یَکونَ دَسیساً مِن قِبَلِ عُبَیدِ اللّهِ،فَجاءَهُ بِالرَّسولِ مِنَ العَشِیَّةِ الَّتی یُریدُ صَبیحَتَها أن یَسبِقَ إلَی الکوفَةِ وأقرَأَهُ کِتابَهُ،فَقَدَّمَ الرَّسولَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ،وصَعِدَ عُبَیدُ اللّهِ مِنبَرَ البَصرَةِ،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،ثُمَّ قالَ:

أمّا بَعدُ،فَوَاللّهِ ما تُقرَنُ بِیَ الصَّعبَةُ ولا یُقَعقَعُ لی بِالشِّنانِ (1)،وإنّی لَنِکلٌ لِمَن عادانی،وسَمٌّ لِمَن حارَبَنی،أنصَفَ القارَةَ مَن راماها. (2)

یا أهلَ البَصرَةِ ! إنَّ أمیرَ المُؤمِنینَ وَلّانِیَ الکوفَةَ وأنَا غادٍ إلَیهَا الغَداةَ،وقَدِ استَخلَفتُ عَلَیکُم عُثمانَ بنَ زیِادِ بنِ أبی سُفیانَ،وإیّاکُم وَالخِلافَ وَالإِرجافَ (3)، فَوَالَّذی لا إلهَ غَیرُهُ لَئِن بَلَغَنی عَن رَجُلٍ مِنکُم خِلافٌ لأََقتُلَنَّهُ وَعریفَهُ ووَلِیَّهُ، ولآَخُذَنَّ الأَدنی بِالأَقصی،حَتّی تَستَمِعوا لی،ولا یَکونَ فیکمُ مُخالِفٌ ولا مُشاقٌّ، أنَا ابنُ زِیادٍ أشبَهتُهُ مِن بَینِ مَن وَطِئَ الحَصی،ولَم یَنتَزِعنی شَبَهُ خالٍ ولَا ابنُ عَمٍّ.

ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البَصرَةِ وَاستَخلَفَ أخاهُ عُثمانَ بنَ زِیادٍ،وأقبَلَ إلَی الکوفَةِ ومَعَهُ

ص:41

مُسلِمُ بنُ عَمرٍو الباهِلِیُّ وشَریکُ بنُ الأَعوَرِ (1). (2)

1024.الفتوح: قَد کانَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام قَد کَتَبَ إلی رُؤَساءِ أهلِ البَصرَةِ،مِثلِ:الأَحنَفِ بنِ قَیسٍ،ومالِکِ بنِ مِسمَعٍ،وَالمُنذِرُ بنِ الجارودِ،وقَیسِ بنِ الهَیثَمِ،ومَسعودِ بنِ عَمرٍو،وعُمَرَ بنِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ مَعمَرٍ،فَکَتَبَ إلَیهِم کِتاباً یَدعوهُم فیهِ إلی نُصرَتِهِ وَالقِیامِ مَعَهُ فی حَقِّهِ،فَکانَ کُلُّ مَن قَرَأَ کِتابَ الحُسَینِ علیه السّلام کَتَمَهُ ولَم یُخبِر بِهِ أحَداً إلَّاالمُنذِرَ بنَ الجارودِ،فَإِنَّهُ خَشِیَ أن یَکونَ هذَا الکِتابُ دَسیساً مِن عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،وکانَت حَومَةُ بِنتُ المُنذِرِ بنِ الجارودِ تَحتَ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَأَقبَلَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ فَخَبَّرَهُ بِذلِکَ.

قالَ:فَغَضِبَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ وقالَ:مَن رَسولُ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ إلَی البَصرَةِ؟ فَقالَ المُنذِرُ بنُ الجارودِ:أیُّهَا الأَمیرُ ! رَسولُهُ إلَیهِم مَولیً یُقالُ لَهُ سُلَیمانُ،فَقالَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ:عَلَیَّ بِهِ،فَاُتِیَ بِسُلَیمانَ مَولَی الحُسَینِ علیه السّلام وقَد کانَ مُتَخَفِّیاً عِندَ بَعضِ الشّیعَةِ بِالبَصرَةِ،فَلَمّا رَآهُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ لَم یُکَلِّمهُ دونَ أن أقدَمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ صَبراً رَحِمَهُ اللّهُ ! ثُمَّ أمَرَ بِصَلبِهِ. (3)

ص:42

1025.مثیر الأحزان عن الشعبی: وکَتَبَ [الحُسَینُ] علیه السّلام کِتاباً إلی وُجوهِ أهلِ البَصرَةِ،مِنهُمُ:

الأَحنَفُ بنُ قَیسٍ،وقَیسُ بنُ الهَیثَمِ،وَالمُنذِرُ بنُ الجارودِ،ویَزیدُ بنُ مَسعودٍ النَهشَلِیُّ،وبَعَثَ الکِتابَ مَعَ زَرّاعٍ السَّدوسِیِّ-وقیلَ:مَعَ سُلَیمانَ المُکَنّی بِأَبی رَزینٍ-فیهِ:إنّی أدعوکُم إلَی اللّهِ وإلی نَبِیِّهِ،فَإِنَّ السُّنَّةَ قَد امیتَت،فَإِن تُجیبوا دَعوَتی وتُطیعوا أمری أهدِکُم سَبیلَ الرَّشادِ.

فَلَمّا وَصَلَ الکِتابُ کَتَموا عَلَی الرَّسولِ إِلَّا المُنذِرَ بنَ الجارودِ،فَإِنَّهُ أتی عُبَیدَ اللّهِ بِالکِتابِ ورَسولِ الحُسَینِ علیه السّلام؛لأَِنَّهُ خافَ أن یَکونَ الکِتابُ قَد دَسَّهُ عُبَیدُ اللّهِ إلَیهِم لِیَختَبِرَ حالَهُم مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام،لِأَنَّ بَحرِیَّةَ بِنتَ المُنذِرِ زَوجَةُ عُبَیدِ اللّهِ،فَلَمّا قَرَأَ الکِتابَ ضَرَبَ عُنُقَ الرَّسولِ. (1)

1026.أنساب الاشراف: قَد کانَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام کَتَبَ إلی وُجوهِ أهلِ البَصرَةِ یَدعوهُم إلی کِتابِ اللّهِ،ویَقولُ لَهُم:«إنَّ السُّنَّةَ قَد امیتَت،وإنَّ البِدعَةَ قَد احیِیَت ونُعِشَت» وکَتَموا کِتابَهُ إلَّاالمُنذِرَ بنَ الجارودِ العَبدِیَّ،فَإِنَّهُ خافَ أن یَکونَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ دَسَّهُ إلَیهِ،فَأَخبَرَهُ بِهِ وأقرَأَهُ إیّاهُ. (2)

1027.الأخبار الطوال: قَد کانَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام کَتَبَ کِتاباً إلی شیعَتِهِ مِن أهلِ البَصرَةِ مَعَ مَولیً لَهُ یُسَمّی سَلمانَ (3)،نُسخَتُهُ:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ

مِنَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ إلی مالِکِ بنِ مِسمَعٍ،وَالأَحنَفِ بنِ قَیسٍ،وَالمُنذِرِ بنِ الجارودِ، ومَسعودِ بنِ عَمرٍو،وقَیسِ بنِ الهَیثَمِ،سَلامٌ عَلَیکُم.أمّا بَعدُ،فَإِنّی أدعوکُم إلی

ص:43

إحیاءِ مَعالِمِ الحَقِّ وإماتَةِ البِدَعِ،فَإِن تُجیبوا تَهتَدوا سُبُلَ الرَّشادِ،وَالسَّلامُ.

فَلَمّا أتاهمُ هذَا الکِتابُ کَتَموهُ جَمیعاً إلَّاالمُنذِرَ بنَ الجارودِ،فَإِنَّهُ أفشاهُ، لِتَزویجِهِ ابنَتَهُ هِنداً مِن عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَأَقبَلَ حَتّی دَخَلَ عَلَیهِ فَأَخبَرَهُ بِالکِتابِ، وحَکی لَهُ ما فیهِ،فَأَمَرَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ بِطَلَبِ الرَّسولِ،فَطَلَبوهُ فَأَتَوهُ بِهِ،فَضُرِبَت عُنُقُهُ. (1)

1028.عیون الأخبار لابن قتیبة عن السکن: کَتَبَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام إلَی الأَحنَفِ یَدعوهُ إلی نَفسِهِ،فَلَم یَرُدَّ الجَوابَ،وقالَ:قَد جَرَّبنا آلَ أبِی الحَسَنِ فَلَم نَجِد عِندَهُم إیالَةً (2)لِلمُلکِ،ولا جَمعاً لِلمالِ،ولا مَکیدَةً فِی الحَربِ. (3)

سُلَیمانُ ویُکَنّی أبا رَزینٍ،یَدعوهُم فیهِ إلی نُصرَتِهِ ولُزومِ طاعَتِهِ،مِنهُم:یَزیدُ بنُ مَسعودٍ النَهشَلِیُّ،وَالمُنذِرُ بنُ الجارودِ العَبدِیُّ.فَجَمَعَ یَزیدُ بنُ مَسعودٍ بَنی تَمیمٍ وبَنی حَنظَلَةَ وبَنی سَعدٍ،فَلَمّا حَضَروا قالَ:یا بَنی تَمیمٍ ! کَیفَ تَرَونَ مَوضِعی مِنکُم وحَسَبی فیکُم؟فَقالوا:بَخٍّ بَخٍّ،أنتَ واللّهِ فِقرَةُ الظَّهرِ ورَأسُ الفَخرِ،حَلَلتَ فِی الشَّرَفِ وَسَطاً وتَقَدَّمتَ فیهِ فَرَطاً.

قالَ:فَإِنّی قَد جَمَعتُکُم لأَِمرٍ اریدُ أن اشاوِرَکُم فیهِ وأستَعینُ بِکُم عَلَیهِ.فَقالوا:

وَاللّهِ إنّا نَمنَحُکَ النَّصیحَةَ ونَجهَدُ لَکَ الرَّأیَ،فَقُل نَسمَع.

فَقالَ:إنَّ مُعاوِیَةَ قَد ماتَ فَأَهوِن بِهِ وَاللّهِ هالِکاً ومَفقوداً،ألا وإنَّهُ قَدِ انکَسَرَ بابُ الجَورِ وَالإِثمِ،وتَضَعضَعَت أرکانُ الظُّلمِ،وقَد کانَ أحدَثَ بَیعَةً عَقَدَ بِها أمراً وظَنَّ أنَّهُ قَد أحکَمَهُ،وهَیهاتَ وَالَّذی أرادَ،اجتَهَدَ وَاللّهِ فَفَشِلَ،وشاوَرَ فَخُذِلَ،وقَد قامَ ابنُهُ یَزیدُ شارِبُ الخُمورِ ورَأسُ الفُجورِ،یَدَّعِی الخِلافَةَ عَلَی المُسلِمینَ،ویَتَأَمَّرُ عَلَیهِم بِغَیرِ رِضیً مِنهُم،مَعَ قَصرِ حِلمٍ وقِلَّةِ عِلمٍ،لا یَعرِفُ مِنَ الحَقِّ مَوطِئَ قَدَمِهِ،فَاُقسِمُ بِاللّهِ قَسَماً مَبروراً،لَجِهادُهُ عَلَی الدّینِ أفضَلُ مِن جِهادِ المُشرِکینَ.

وهذَا الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ ابنُ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله-ذُو الشَّرَفِ الأَصیلِ وَالرَّأیِ الأَثیلِ -لَهُ فَضلٌ لا یوصَفُ،وعِلمٌ لا یُنزَفُ،وهُوَ أولی بِهذَا الأَمرِ لِسابِقَتِهِ وسِنِّهِ وقَدمِهِ وقَرابَتِهِ،یَعطِفُ عَلَی الصَّغیرِ،وَیحنو عَلَی الکَبیرِ،فَأَکرِم بِهِ راعی رَعِیَّةٍ وإمامِ قَومٍ، وَجَبَت للِّهِ بِهِ الحُجَّةُ،وَبَلَغَت بِهِ المَوعِظَةُ.فَلا تَعشوا عَن نورِ الحَقِّ،ولا تَسکَعوا (1)فی وَهدَةِ الباطِلِ،فَقَد کانَ صَخرُ بنُ قَیسٍ قَدِ انخَذَلَ بِکُم یَومَ الجَمَلِ فَاغسِلوها بِخُروجِکُم إلَی ابنِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ونُصرَتِهِ،وَاللّهِ لا یَقصُرُ أحَدٌ عَن نُصرَتِهِ إلّاأورَثَهُ

ص:45

اللّهُ الذُّلَّ فی وَلَدِهِ،وَالقِلَّةَ فی عَشیرَتِهِ،وها أنَا قد لَبِستُ لِلحَربِ لَأمَتَها،وَادَّرَعتُ لها بِدِرعِها،مَن لَم یُقتَل یَمُت،ومَن یَهرُب لَم یَفُت،فَأَحسِنوا رَحِمَکُمُ اللّهُ رَدَّ الجَوابِ.

فَتَکَلَّمَت بَنو حَنظَلَةَ،فَقالوا:یا أبا خالِدٍ ! نَحنُ نَبلُ کِنانَتِکَ وفارِسُ عَشیرَتِکَ،إن رَمَیتَ بِنا أصَبتَ،وإن غَزَوتَ بنا فَتَحتَ،لا تَخوضُ وَاللّهِ غَمرَةً إلّاخُضناها،ولا تَلقی وَاللّهِ شِدَّةً إلّالَقیناها،نَنصُرُکَ بِأَسیافِنا،ونَقیکَ بِأَبدانِنا،فَانهَض لِما شِئتَ.

وتَکَلَّمَت بَنو سَعدِ بنِ یَزیدَ،فَقالوا:یا أبا خالِدٍ ! إنَّ أبغَضَ الأَشیاءِ إلَینا خِلافُکَ وَالخُروجُ مِن رَأیِکَ،وقَد کانَ صَخرُ بنُ قَیسٍ أمَرَنا بِتَرکِ القِتالِ،فَحَمِدنا أمرَنا وبَقِیَ عِزُّنا فینا،فَأَمهِلنا نُراجِعِ المَشوَرَةَ ونَأتِکَ بِرَأیِنا.

وَتَکَلَّمَت بَنو عامِرِ بنِ تَمیمٍ،فَقالوا:یا أبا خالِدٍ ! نَحنُ بنو أبیکَ وحُلَفاؤُکَ،لا نَرضی إن غَضِبتَ،ولا نَقطُنُ إن ظَعَنتَ،وَالأَمرُ إلَیکَ،فَادعُنا نُجِبکَ،ومُرنا نُطِعکَ، وَالأَمرُ إلَیکَ إذا شِئتَ.

فَقالَ:وَاللّهِ-یا بَنی سَعدٍ-،لَئِن فَعَلتُموها لا یَرفَعُ اللّهُ عَنکُمُ السَّیفَ أبَداً،ولا یَزالُ سَیفُکُم فیکُم.

ثُمّ کَتَبَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام:بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،أمّا بَعدُ،فَقَد وَصَلَ إلَیَّ کِتابُکَ،وفَهِمتُ ما نَدَبتَنی إلَیهِ ودَعَوتَنی لَهُ مِنَ الأَخذِ بِحَظّی مِن طاعَتِکَ وَالفَوزِ بِنَصیبی مِن نُصرَتِکَ،وأنَّ اللّهَ لَم یُخلِ الأَرضِ مِن عامِلٍ عَلَیها بِخَیرٍ ودَلیلٍ عَلی سَبیلِ النَّجاةِ،وأنتُم حُجَّةُ اللّهِ عَلَی خَلقِهِ ووَدیعَتُهُ فی أرضِهِ،تَفَرَّعتُم مِن زَیتونَةٍ أحمَدِیَّةٍ هُوَ أصلُها وأنتُم فَرعُها،فَأَقدِم سَعِدتَ بِأَسعَدِ طائِرٍ،فَقَد ذَلَّلتُ لَکَ أعناقَ بَنی تَمیمٍ وتَرَکتُهُم أشَدَّ تَتابُعاً لَکَ مِنَ الإِبِلِ الظِّماءِ یَومَ خِمسِها لِوُرودِ الماءِ،وقَد ذَلَّلتُ لَکَ رِقابَ بَنی سَعدٍ وغَسَلتُ لَکَ دَرَنَ صُدورِها بِماءِ سَحابَةِ مُزنٍ حَتَّی استَهَلَّ بَرقُها فَلَمَعَ.

ص:46

فَلَمّا قَرَأَ الحُسَینُ علیه السّلام الکِتابَ قالَ:آمَنَکَ اللّهُ یَومَ الخَوفِ،وأعَزَّکَ وأرواکَ یَومَ العَطَشِ الأَکبَرِ.فَلَمّا تَجَهَّزَ المُشارُ إلَیهِ لِلخُروجِ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام بَلَغَهُ قَتلُهُ قَبلَ أن یَسیرَ،فَجَزِعَ مِنِ انقِطاعِهِ عَنهُ.

وأمَّا المُنذِرُ بنُ الجارودِ فَإِنَّهُ جاءَ بِالکِتابِ وَالرَّسولِ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ؛لأَِنَّ المُنذِرَ خافَ أن یَکونَ الکِتابُ دَسیساً مِن عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،وکانَت بَحرِیَّةُ بِنتُ المُنذِرِ زَوجَةً لِعُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَأَخَذَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ الرَّسولَ فَصَلَبَهُ،ثُمَّ صَعِدَ المِنبَرَ فَخَطَبَ وتَوَعَّدَ أهلَ البَصرَةِ عَلَی الخِلافِ وإثارَةِ الإِرجافِ،ثُمَّ باتَ تِلکَ اللَّیلَةَ،فَلمَّا أصبَحَ استَنابَ عَلَیهِم أخاهُ عُثمانَ بنَ زِیادٍ،وأسرَعَ هُوَ إلی قَصدِ الکوفَةِ. (1)

بِالجَدَدِ (1)لَهانَ عَلَیَّ طَلَبُ مَن طَلَبَنی.

قالَ:ثُمَّ خَرَجَ فَتَقَدّی (2)فِی الطَّریقِ حَتَّی انتَهی إلی حُسَینٍ علیه السّلام،فَدَخَلَ فی رَحلِهِ بِالأَبطَحِ،وبَلَغَ الحُسَینَ علیه السّلام مَجیؤُهُ،فَجَعَلَ یَطلُبُهُ،وجاءَ الرَّجُلُ إلی رَحلِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَقیلَ لَهُ:قَد خَرَجَ إلی مَنزِلِکَ.فَأَقبَلَ فی أثَرِهِ،ولَمّا لَم یَجِدهُ الحُسَینُ علیه السّلام جَلَسَ فی رَحلِهِ یَنتَظِرُهُ،وجاءَ البَصرِیُّ فَوَجَدَهُ فی رَحلِهِ جالِساً،فَقالَ:

«بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِکَ فَلْیَفْرَحُوا» 3 .قالَ:فَسَلَّمَ عَلَیهِ،وجَلَسَ إلَیهِ،فَخَبَّرَهُ بِالَّذی جاءَ لَهُ،فَدَعا لَهُ بِخَیرٍ،ثُمَّ أقبَلَ مَعَهُ حَتّی أتی فَقاتَلَ مَعَهُ،فَقُتِلَ مَعَهُ هُوَ وَابناهُ. (3)

ص:48

أمّا بَعدُ،فَإِنّی أقبَلتُ مِنَ المَدینَةِ مَعی دَلیلانِ لی،فَجارا عَنِ الطَّریقِ وضَلّا، وَاشتَدَّ عَلَینَا العَطَشُ،فَلَم یَلبَثا أن ماتا،وأقبَلنا حَتَّی انتَهَینا إلَی الماءِ،فَلَم نَنجُ إلّا بِحُشاشَةِ أنفُسِنا (1)،وذلِکَ الماءُ بِمَکانٍ یُدعَی المَضیقَ مِن بَطنِ الخُبَیتِ،وقَد تَطَیَّرتُ مِن وَجهی هذا،فَإِن رَأَیتَ أعفَیتَنی مِنهُ وبَعَثتَ غَیری،وَالسَّلامُ.

فَکَتَبَ إلَیهِ حُسَینٌ علیه السّلام:

أمّا بَعدُ،فَقَد خَشیتُ ألّا یَکونَ حَمَلَکَ عَلَی الکِتابِ إلَیَّ فِی الاِستِعفاءِ مِنَ الوَجهِ الَّذی وَجَّهتُکَ لَهُ إلَّاالجُبنُ،فَامضِ لِوَجهِکَ الَّذی وَجَّهتُکَ لَهُ،وَالسَّلامُ عَلَیکَ.

فَقالَ مُسلِمٌ لَمّا (2)قَرَأَ الکِتابَ:هذا ما لَستُ أتَخَوَّفُهُ عَلی نَفسی.فَأَقبَلَ کَما هُوَ حَتّی مَرَّ بِماءٍ لِطَیِّئٍ،فَنَزَلَ بِهِم ثُمَّ ارتَحَلَ مِنهُ،فَإِذا رَجُلٌ یَرمِی الصَّیدَ،فَنَظَرَ إلَیهِ قَد رَمی ظَبیاً حینَ أشرَفَ لَهُ فَصَرَعَهُ،فَقالَ مُسلِمٌ:یُقتَلُ عَدُوُّنا إن شاءَ اللّهُ. (3)

1032.تاریخ الطبری عن عمّار الدُّهنی: قُلتُ لِأَبی جَعفَرٍ علیه السّلام:حَدِّثنی بِمَقتَلِ الحُسَینِ علیه السّلام حَتّی کَأَنّی حَضَرتُهُ.

قالَ:ماتَ مُعاوِیَةُ وَالوَلیدُ بنُ عُتبَةَ بنِ أبی سُفیانَ عَلَی المَدینَةِ،فَأَرسَلَ إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام لِیَأخُذَ بَیعَتَهُ،فَقالَ لَهُ:أخِّرنی وَارفقُ،فَأَخَّرَهُ فَخَرَجَ إلی مَکَّةَ، فَأَتاهُ أهلُ الکوفَةِ ورُسُلُهُم:إنّا قَد حَبَسنا أنفُسَنا عَلَیکَ،ولَسنا نَحضُرُ الجُمُعَةَ مَعَ

ص:50

الوالی،فَاقدَم عَلَینا.وکانَ النُّعمانُ بنُ بَشیرٍ الأَنصارِیُّ عَلَی الکوفَةِ.

قالَ:فَبَعَثَ الحُسَینُ علیه السّلام إلی مُسلِمِ بنِ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ ابنِ عَمِّهِ،فَقالَ لَهُ:سِر إلَی الکوفَةِ،فَانظُر ما کَتَبوا بِهِ إلَیَّ،فَإِن کانَ حَقّاً خَرَجنا إلَیهِم.

فَخَرَجَ مُسلِمٌ حَتّی أتَی المَدینَةَ،فَأَخَذَ مِنها دَلیلَینِ،فَمَرّا بِهِ فِی البَرِّیَّةِ،فَأَصابَهُم عَطَشٌ فَماتَ أحَدُ الدَّلیلَینِ،وکَتَبَ مُسلِمٌ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام یَستَعفیهِ،فَکَتَبَ إلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام:أنِ امضِ إلَی الکوفَةِ. (1)

1033.الثقات لابن حبّان: خَرَجَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ مِنَ المَدینَةِ مَعَهُ قَیسُ بنُ مُسهِرٍ الصَّیداوِیُّ یُریدانِ الکوفَةَ،ونالَهُما فِی الطَّریقِ تَعَبٌ شَدیدٌ،وجَهدٌ جَهیدٌ؛لِأَنَّهُما أخَذا دَلیلاً تَنَکَّبَ بِهِما الجادَّةَ،فَکادَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ أن یَموتَ عَطَشاً،إلی أن سَلَّمَهُ اللّهُ. (2)

1034.الفتوح: خَرَجَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ مِن مَکَّةَ نَحوَ المَدینَةِ مُستَخفِیاً،لِئَلّا یَعلَمَ بِهِ أحَدٌ مِن بَنی امَیَّةَ،فَلَمّا دَخَلَ المَدینَةَ بَدَأَ بِمَسجِدِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَصَلّی فیهِ رَکعَتَینِ،ثُمَّ أقبَلَ فی جَوفِ اللَّیلِ حَتّی وَدَّعَ مَن أحَبَّ مِن أهلِ بَیتِهِ،ثُمَّ إنَّهُ استَأجَرَ دَلیلَینِ مِن قَیسِ عَیلانَ یَدُلّانِهِ عَلَی الطَّریقِ،ویَصحَبانِهِ إلَی الکوفَةِ عَلی غَیرِ الجادَّةِ.

قالَ:فَخَرَجَ بِهِ الدَّلیلانِ مِنَ المَدینَةِ لَیلاً وسارا،فَغَلَطَا الطَّریقَ،وجارا عَنِ القَصدِ، وَاشتَدَّ بِهِمَا العَطَشُ،فَماتا جَمیعاً عَطَشاً.

قالَ:وکَتَبَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ رحمه الله إلَی الحُسَینِ علیه السّلام:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،لِلحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ مِن مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،أمّا بَعدُ،فَإِنّی خَرَجتُ مِنَ المَدینَةِ مَعَ الدَّلیلَینِ استَأجَرتُهُما،فَضَلّا عَنِ الطَّریقِ وماتا عَطَشاً.ثُمَّ

ص:51

إنّا صِرنا إلَی الماءِ بَعدَ ذلِکَ،وکِدنا أن نَهلِکَ،فَنَجَونا بِحُشاشَةِ أنفُسِنا،واُخبِرُکَ یَابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:أنّا أصَبنَا الماءَ بِمَوضِعٍ یُقالُ لَهُ المَضیقُ،وقَد تَطَیَّرتُ مِن وَجهی هذَا الَّذی وَجَّهتَنی بِهِ،فَرَأیُکَ فی إعفائی مِنهُ،وَالسَّلامُ.

قالَ:فَلَمّا قَرَأَ کِتابَ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ رحمه الله عَلِمَ أنَّهُ قَد تَشاءَمَ وتَطَیَّرَ مِن مَوتِ الدَّلیلَینِ،وأنَّهُ جَزِعَ،فَکَتَبَ إلَیهِ:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،مِنَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ إلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ:أمّا بَعدُ،فَإِنّی خَشیتُ ألّا یَکونَ حَمَلَکَ عَلَی الکِتابِ إلَیَّ،وَالاِستِعفاءِ مِن وَجهِکَ هذَا الَّذی أنتَ فیهِ،إلَّاالجُبنُ وَالفَشَلُ،فَامضِ لِما امِرتَ بِهِ،وَالسَّلامُ عَلَیکَ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَکاتُهُ.

فَلَمّا وَرَدَ الکِتابُ عَلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،کَأَنَّهُ وَجَدَ (1)مِن ذلِکَ فی نَفسِهِ،ثُمَّ قالَ:

وَاللّهِ لَقَد نَسَبَنی أبو عَبدِ اللّهِ الحُسَینُ علیه السّلام إلَی الجُبنِ وَالفَشَلِ ! وهذا شَیءٌ لَم أعرِفهُ مِن نَفسی أبَداً.

ثُمَّ سارَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ مِن مَوضِعِهِ ذلِکَ یُریدُ الکوفَةَ،فَإِذا بِرَجُلٍ یَرمِی الصَّیدَ، فَنَظَرَ إلَیهِ مُسلِمٌ،فَرَآهُ وقَد رَمی ظَبیاً فَصَرَعَهُ،فَقالَ مُسلِمٌ:نَقتُلُ أعداءَنا إن شاءَ اللّهُ تَعالی. (2)

1035.الأخبار الطوال: خَرَجَ مُسلِمٌ عَلی طریقِ المَدینَةِ لِیُلِمَّ (3)بِأَهلِهِ،ثُمَّ استَأجَرَ دَلیلَینِ مِن قَیسٍ وسارَ،فَضَلّا ذاتَ لَیلَةٍ،فَأَصبَحا وقَد تاها،وَاشتَدَّ عَلَیهِمَا العَطَشُ وَالحَرُّ، فَانقَطَعا فَلَم یَستَطیعَا المَشیَ،فَقالا لِمُسلِمٍ:عَلَیکَ بِهذَا السَّمتِ فَالزَمهُ،لَعَلَّکَ أن

ص:52

تَنجُوَ.

فَتَرَکَهُما مُسلِمٌ ومَن مَعَهُ مِن خَدَمِهِ بِحُشاشَةِ الأَنفُسِ،حَتّی أفضَوا إلی طریقٍ فَلَزِموهُ،حَتّی وَرَدُوا الماءَ،فَأَقامَ مُسلِمٌ بِذلِکَ الماءِ.وکَتَبَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام مَعَ رَسولٍ استَأجَرَهُ مِن أهلِ ذلِکَ الماءِ،یُخبِرُهُ خَبَرَهُ وخَبَرَ الدَّلیلَینِ وما مِنَ (1)الجَهدِ،ویُعلِمُهُ أنَّهُ قَد تَطَیَّرَ مِنَ الوَجهِ الَّذی تَوَجَّهَ لَهُ،ویَسأَلُهُ أن یُعفِیَهُ ویُوَجِّهَ غَیرَهُ،ویُخبِرَهُ أنَّهُ مُقیمٌ بِمَنزِلِهِ ذلِکَ مِن بَطنِ الحُربُثِ. (2)

فَسارَ الرَّسولُ حَتّی وافی مَکَّةَ،وأوصَلَ الکِتابَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَقَرَأَهُ وکَتَبَ فی جَوابِهِ:

أمّا بَعدُ،فَقَد ظَنَنتُ أنَّ الجُبنَ قَد قَصَّرَ بِکَ عَمّا وَجَّهتُکَ بِهِ،فَامضِ لِما أمَرتُکَ، فَإِنّی غَیرُ مُعفیکَ،وَالسَّلامُ. (3)

1036.البدایة والنهایة: لَمّا سارَ مُسلِمٌ مِن مَکَّةَ،اِجتازَ بِالمَدینَةِ فَأَخَذَ مِنها دَلیلَینِ،فَسارا بِهِ عَلی بَراری مَهجورَةِ المَسالِکِ،فَکانَ أحَدُ الدَّلیلَینِ مِنهُما أوَّلَ هالِکٍ،وذلِکَ مِن شِدَّةِ العَطَشِ،وقَد أضَلُّوا الطَّریقَ،فَهَلَکَ الدَّلیلُ الواحِدُ بِمَکانٍ یُقالُ لَهُ المَضیقُ مِن بَطنِ خُبَیتٍ،فَتَطَیَّرَ بِهِ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،فَتَلَبَّثَ مُسلِمٌ عَلی ما هُنالِکَ،وماتَ الدَّلیلُ الآخَرُ، فَکَتَبَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام یَستَشیرُهُ فی أمرِهِ،فَکَتَبَ إلَیهِ یَعزِمُ عَلَیهِ أن یَدخُلَ العِراقَ، وأن یَجتَمِعَ بِأَهلِ الکوفَةِ،لِیَستَعلِمَ أمرَهُم ویَستَخبِرَ خَبَرَهُم. (4)

ص:53

ص:54

واستلام الجواب من الإمام،والعودة،والمدّة المتبقّیة فی المدینة،والفترة التی کانت تلزمه للاستراحة؛فإنّ المدّة التی استغرقها السفر من المفترض أن تتجاوز الشهر علی الأقلّ.

3.من المستبعد أن یهلک الدلیلان عطشاً مع اعتیادهما علی مشقّات الطریق فی حین بقی مسلم ومرافقوه علی قید الحیاة!

4.ذمّت الثقافة الإسلامیة التطیّر، (1)ولذلک یبدو من المستبعد أن تطلب شخصیة مرموقة مثل مسلم الذی اختاره الإمام الحسین علیه السّلام سفیراً له فی أداء مهمّة خطیرة،الإعفاء من المهمّة بحجّة التطیّر.

5.لم یرد فی نقل ابن کثیر التعبیر بالاستقالة والاعتزال،وإنّما ورد فیه أنّ مسلماً استشار الإمام واستأمره فیما یجب أن یفعله. (2)

6.من المستبعد أن یتّهم الإمام الحسین علیه السّلام شخصیة کبیرة مثل مسلم بالخوف والتوانی فی أداء الواجب.

و استناداً إلی هذه الأدلّة والقرائن یمکن القول:إنّ موضوع استقالة مسلم من سفارة الإمام،والقصص المتعلّقة به،یعدّ محطّاً لشکوک أکیدة،ویبدو أنّ هذه الإشاعات والتحریفات قد اثیرت من قبل أنصار بنی امیّة بهدف تحریف تاریخ عاشوراء،أو من القصّاصین الّذین خلطوا الکثیر من الحقائق التاریخیة مع القصص المنتحلة.

ص:56

1039.الإرشاد: أقبَلَ [مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ] حَتّی دَخَلَ الکوفَةَ،فَنَزَلَ فی دارِ المُختارِ بنِ أبی عُبَیدٍ،وهِیَ الَّتی تُدعَی الیَومَ دارَ سَلَمِ (1)بنِ المُسَیَّبِ،وأقبَلَتِ الشّیعَةُ تَختَلِفُ إلَیهِ، فَکُلَّمَا اجتَمَعَ إلَیهِ مِنهُم جَماعَةٌ قَرَأَ عَلَیهِم کِتابَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام وهُم یَبکونَ، وبایَعَهُ النّاسُ،حَتّی بایَعَهُ مِنهُم ثَمانِیَةَ عَشَرَ ألفاً.

فَکَتَبَ مُسلِمٌ-رَحِمَهُ اللّهُ-إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،یُخبِرُهُ بِبَیعَةِ ثَمانِیَةَ عَشَرَ ألفاً،ویَأمُرُهُ بِالقُدومِ،وجَعَلَتِ الشّیعَةُ تَختَلِفُ إلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ-رَضِیَ اللّهُ عَنهُ-حَتّی عُلِمَ مَکانُهُ،فَبَلَغَ النُّعمانَ بنَ بَشیرٍ ذلِکَ،وکانَ والِیاً عَلَی الکوفَةِ مِن قِبَلِ مُعاوِیَةَ،فَأَقَرَّهُ یَزیدُ عَلَیها. (2)

1040.الملهوف: سارَ مُسلِمٌ بِالکِتابِ [الَّذی کَتَبَهُ الإِمامُ الحُسَینُ علیه السّلام لِأَهلِ الکوفَةِ] حَتّی دَخَلَ إلَی الکوفَةِ،فَلَمّا وَقَفوا عَلی کِتابِهِ،کَثُرَ استِبشارُهُم بِإِتیانِهِ إلَیهِم،ثُمَّ أنزَلوهُ فی دارِ المُختارِ بنِ أبی عُبَیدَةَ الثَّقَفِیِّ،وصارَتِ الشّیعَةُ تَختَلِفُ إلَیهِ.

فَلَمَّا اجتَمَعَ إلَیهِ مِنهُم جَماعَةٌ،قَرَأَ عَلَیهِم کِتابَ الحُسَینِ علیه السّلام وهُم یَبکونَ،حَتّی بایَعَهُ مِنهُم ثَمانِیَةَ عَشَرَ ألفاً. (3)

1041.الفتوح: أقبَلَ مُسلِمٌ حَتّی دَخَلَ الکوفَةَ،فَنَزَلَ دارَ سالِم بنِ المُسَیَّبِ،وهِیَ دارُ المُختارِ بنِ أبی عُبَیدٍ الثَّقَفِیِّ،وجَعَلَتِ الشّیعَةُ تَختَلِفُ إلی دارِ مُسلِمٍ،وهُوَ یَقرَأُ عَلَیهِم کِتابَ الحُسَینِ علیه السّلام،وَالقَومُ یَبکونَ شَوقاً مِنهُم إلی قُدومِ الحُسَینِ علیه السّلام.

ثُمَّ تَقَدَّمَ إلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ رَجُلٌ مِن هَمدانَ،یُقالُ لَهُ عابِسُ بنُ أبی شَبیبٍ

ص:58

الشّاکِرِیُّ،فَقالَ:أمّا بَعدُ،فَإِنّی لا اخبِرُکَ عَنِ النّاسِ بِشَیءٍ،فَإِنّی [لا] (1)أعلَمُ ما فی أنفُسِهِم،ولکِنّی اخبِرُکَ عَمّا أنَا مُوَطِّنٌ عَلَیهِ نَفسی:وَاللّهِ اجیبُکُم إذا دَعَوتُم،واُقاتِلُ مَعَکُم عَدُوَّکُم،وأضرِبُ بِسَیفی دونَکُم أبَداً حَتّی ألقَی اللّهَ،وأنَا لا اریدُ بِذلِکَ إلّاما عِندَهُ.

ثُمَّ قامَ حَبیبُ بنُ مُظاهِرٍ الأَسَدِیُّ الفَقعَسِیُّ،قالَ:وأنَا وَاللّهِ الَّذی لا إلهَ إلّاهُوَ عَلی ما أنتَ عَلَیهِ.وتَبایَعَتِ الشّیعَةُ عَلی کَلامِ هذَینِ الرَّجُلَینِ،ثُمَّ بَذَلُوا الأَموالَ،فَلَم یَقبَل مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ مِنها شَیئاً. (2)

1042.الکامل فی التاریخ: سارَ مُسلِمٌ حَتّی أتَی الکوفَةَ،ونَزَلَ فی دارِ المُختارِ،وقیلَ غَیرِها،وأقبَلَتِ الشّیعَةُ تَختَلِفُ إلَیهِ،فَکُلَّمَا اجتَمَعَت إلَیهِ جَماعَةٌ مِنهُم قَرَأَ عَلَیهِم کِتابَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَیَبکونَ،ویَعِدونَهُ مِن أنفُسِهِمُ القِتالَ وَالنُّصرَةَ. (3)

1043.تاریخ الطبری عن النضر بن صالح: نَزَلَ [مُسلِمٌ] دارَ المُختارِ-وهِیَ الیَومَ دارُ سَلَمِ بنِ المُسَیَّبِ-فَبایَعَهُ المُختارُ بنُ أبی عُبَیدٍ فیمَن بایَعَهُ مِن أهلِ الکوفَةِ،وناصَحَهُ،ودَعا إلَیهِ مَن أطاعَهُ،حَتّی خَرَجَ ابنُ عَقیلٍ. (4)

1044.الثقات لابن حبّان: دَخَلَ [مُسلِمٌ] الکوفَةَ،فَلَمّا نَزَلَها دَخَلَ دارَ المُختارِ بنِ أبی عُبَیدٍ، وَاختَلَفَت إلَیهِ الشّیعَةُ یُبایِعونَهُ أرسالاً (5)،ووالِی الکوفَةِ یَومَئِذٍ النُّعمانُ بنُ بَشیرٍ،وَلّاهُ یَزیدُ بنُ مُعاوِیَةَ الکوفَةَ.

ثُمَّ تَحَوَّلَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ مِن دارِ المُختارِ إلی دارِ هانِئِ بنِ عُروَةَ،وجَعَلَ النّاسُ

ص:59

یُبایِعونَهُ فی دارِ هانِئٍ،حَتّی بایَعَ ثَمانِیَةَ عَشَرَ ألفَ رَجُلٍ مِنَ الشّیعَةِ. (1)

1045.تذکرة الخواصّ -فی وُصولِ مُسلِمٍ إلَی الکوفَةِ-:فَلَمّا وَصَلَها نَزَلَ دارَ المُختارِ بنِ أبی عُبَیدَةَ الثَّقَفِیِّ،وأقبَلَتِ الشّیعَةُ إلَیهِ،فَقَرَأَ عَلَیهِم کِتابَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَبَکَوا بِأَجمَعِهِم، ثُمَّ قالوا:وَاللّهِ،لَنَضرِبَنَّ بَینَ یَدَیهِ بِسُیوفِنا حَتّی نَموتَ جَمیعاً. (2)

1046.المناقب لابن شهر آشوب: دَخَلَ مُسلِمٌ الکوفَةَ فَسَکَنَ فی دارِ سالِمِ بنِ المُسَیَّبِ، فَاختَلَفَ إلَیهِ الشّیعَةُ،فَقَرَأَ عَلَیهِم کِتابَهُ [أی کِتابَ الحُسَینِ علیه السّلام ]،فَبایَعَهُ اثنا عَشَرَ ألفَ رَجُلٍ،فَرُفِعَ ذلِکَ إلَی النُّعمانِ بنِ بَشیرٍ-وهُوَ والِی الکوفَةِ-فَجَمَعَ النّاسَ،وخَطَبَ فیهِم ونَصَحَهُم. (3)

1047.تاریخ الطبری عن عمّار الدهنی عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام -حَولَ خُروجِ مُسلِمٍ إلَی الکوفَةِ-:خَرَجَ حَتّی قَدِمَها،ونَزَلَ عَلی رَجُلٍ مِن أهلِها یُقالُ لَهُ ابنُ عَوسَجَةَ،فَلَمّا تَحَدَّثَ أهلُ الکوفَةِ بِمَقدَمِهِ،دَبّوا (4)إلَیهِ فَبایَعوهُ،فَبایَعَهُ مِنهُمُ اثنا عَشَرَ ألفاً. (5)

1048.مروج الذهب: نَزَلَ [مُسلِمٌ] عَلی رَجُلٍ یُقالُ لَهُ عَوسَجَةُ مُستَتِراً،فَلَمّا ذاعَ خَبَرُ قُدومِهِ،بایَعَهُ مِن أهلِ الکوفَةِ اثنا عَشَرَ ألفَ رَجُلٍ،وقیلَ:ثَمانِیَةَ عَشَرَ ألفاً. (6)

ص:60

1049.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): کانَ الحُسَینُ علیه السّلام قَدَّمَ مُسلِمَ بنَ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ إلَی الکوفَةِ،وأمَرَهُ أن یَنزِلَ عَلی هانِئِ بنِ عُروَةَ المُرادِیِّ،ویَنظُرَ إلَی اجتِماعِ النّاسِ عَلَیهِ،ویَکتُبَ إلَیهِ بِخَبَرِهِم.فَقَدِمَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ الکوفَةَ مُستَخفِیاً،وأتَتهُ الشّیعَةُ فَأَخَذَ بَیعَتَهُم. (1)

1050.الطبقات الکبری: مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،وهُوَ الَّذی بَعَثَهُ الحُسَینُ بنُ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام مِن مَکَّةَ یُبایِعُ لَهُ النّاسُ،فَنَزَلَ بِالکوفَةِ عَلی هانِئِ بنِ عُروَةَ المُرادِیِّ. (2)

1051.أنساب الأشراف عن وهب بن جریر بن حازم: کانَ الحُسَینُ علیه السّلام قَدَّمَ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ بَینَ یَدَیهِ،فَنَزَلَ عَلی هانِئِ بنِ عُروَةَ المُرادِیِّ،وجَعَلَ یُبایِعُ أهلَ الکوفَةِ. (3)

1052.البدایة والنهایة: لَمّا دَخَلَ [مُسلِمٌ] الکوفَةَ،نَزَلَ عَلی رَجُلٍ یُقالُ لَهُ مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ الأَسَدِیُّ،وقیلَ:نَزَلَ فی دارِ المُختارِ بنِ أبی عُبَیدٍ الثَّقَفِیِّ،فَاللّهُ أعلَمُ.

فَتَسامَعَ أهلُ الکوفَةِ بِقُدومِهِ،فَجاؤوا إلَیهِ فَبایَعوهُ عَلی إمرَةِ الحُسَینِ علیه السّلام،وحَلَفوا لَهُ لَیَنصُرُنَّهُ بِأَنفُسِهِم وأموالِهِم. (4)

1053.تاریخ الیعقوبی: لَمّا قَدِمَ مُسلِمٌ الکوفَةَ اجتَمَعوا إلَیهِ،فَبایَعوهُ وعاهَدوهُ وعاقَدوهُ، وأعطَوهُ المَواثیقَ عَلَی النُّصرَةِ وَالمُشایَعَةِ (5)وَالوَفاءِ. (6)

ص:61

1054.شرح الأخبار: کانَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ-رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِ-قَد بایَعَ لَهُ جَماعَةٌ مِن أهلِ الکوفَةِ فِی استِتارِهِم. (1)

1055.الأمالی للشجری عن سعید بن خالد: کانَ الحُسَینُ علیه السّلام،قَدَّمَ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ یُبایِعُ لَهُ فِی السِّرِّ إلَی الکوفَةِ،فَقَدِمَ مُسلِمٌ فَنَزَلَ عَلی شَریکِ بنِ الأَعوَرِ الحارِثِیِّ. (2)

ص:62

یبدو مستبعداً،فالکثیر من الروایات یفید بأنّه قدم إلی الکوفة من البصرة مع ابن زیاد (1)، وبناءً علی ذلک،فإنّه لم یکن فی الکوفة عند وصول مسلم إلیها،وقد روت الکثیر من المصادر أنّ شریکاً رقد بعد مرضه فی دار هانی، (2)وهو ما یدلّ علی أنّه لم تکن له دار فی الکوفة.

ص:64

عدد المبایعین بمرور الزمان.

کتب ابن کثیر قائلاً:

فاجتمع علی بیعته من أهلها اثنا عشر ألفاً،ثمّ تکاثروا حتّی بلغوا ثمانیة عشر ألفاً. (1)

وأمّا النقول التی سجّلت أعداداً اخری،فإنّها قد تکون روایات تقریبیة وتخمینیة؛ نظراً إلی أنّ مصادرها قلیلة.

وممّا یجدر ذکره أنّ بعض المصادر ذکرت أنّ أهل الکوفة أعربوا فی رسالة بعثوها إلی الإمام الحسین علیه السّلام لدعوته إلیهم،أنّ مئة ألف رجل مقاتل سیرافقونه فی الکوفة،وقد ذکر الشیخ المفید هذا الموضوع کالتالی:

وکَتَبَ إلَیهِ أهلُ الکوفَةِ:إنَّ لَکَ هاهُنا مِئَةَ ألفِ سَیفٍ،فَلا تَتَأَخَّر. (2)

ومن البدیهی أنّ هذا الکلام لا یدلّ علی أنّ جمیع هؤلاء قد بایعوه بعد وصول مسلم إلی الکوفة،بل من الممکن أن یشیر إلی المقاتلین المتواجدین فی الکوفة،أو أنهّ مبالغة فی تعبیر المحبّین للإمام لترغیبه فی القدوم إلی الکوفة.

ص:66

لا یُصلِحُ ما تَری إلَّاالغَشمُ (1)،إنَّ هذَا الَّذی أنتَ عَلَیهِ فیما بَینَکَ وبَینَ عَدُوِّکَ رَأیُ المُستَضعَفینَ.

فَقالَ:أن أکونَ مِنَ المُستَضعَفینَ فی طاعَةِ اللّهِ،أحَبُّ إلَیَّ مِن أن أکونَ مِنَ الأَعَزّینَ فی مَعصِیَةِ اللّهِ.ثُمَّ نَزَلَ. (2)

1057.تاریخ الطبری عن عمّار الدُّهنی عن أبی جعفر [ الباقر ] علیه السّلام :قامَ رَجُلٌ مِمَّن یَهوی یَزیدَ بنَ مُعاوِیَةَ إلَی النُّعمانِ بنِ بَشیرٍ،فَقالَ لَهُ:إنَّکَ ضَعیفٌ أو مُتَضَعِّفٌ،قَد فَسدَ البِلادُ !

فَقالَ لَهُ النُّعمانُ:أن أکونَ ضَعیفاً وأنا فی طاعَةِ اللّهِ،أحَبُّ إلَیَّ مِن أن أکونَ قَوِیّاً فی مَعصِیَةِ اللّهِ،وما کُنتُ لِأَهتِکَ سِتراً سَتَرَهُ اللّهُ.فَکَتَبَ بِقَولِ النُّعمانِ إلی یَزیدَ. (3)

1058.الفتوح: بَلَغَ ذلِکَ النُّعمانَ بنَ بَشیرٍ؛قُدومُ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ الکوفَةَ،وَاجتِماعُ الشّیعَةِ عَلَیهِ،وَالنُّعمانُ یَومَئِذٍ أمیرُ الکوفَةِ،فَخَرَجَ مِن قَصرِ الإِمارَةِ مُغضَباً،حَتّی دَخَلَ المَسجِدَ الأَعظَمَ،فَنادی فِی النّاسِ فَاجتَمَعوا إلَیهِ،فَصَعِدَ المِنبَرَ،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،ثُمَّ قالَ:

أمّا بَعدُ یا أهلَ الکوفَةِ،فَاتَّقُوا اللّهَ رَبَّکُم،ولا تُسارِعوا إلَی الفِتنَةِ وَالفُرقَةِ؛فَإِنَّ فیها سَفکَ الدِّماءِ،وذَهابَ الرِّجالِ وَالأَموالِ،وَاعلَموا أنّی لَستُ اقاتِلُ إلّامَن قاتَلَنی،ولا أثِبُ إلّاعَلی مَن وَثَبَ عَلَیَّ،غَیرَ أنَّکُم قَد أبدَیتُم صَفحَتَکُم،ونَقَضتُم

ص:68

بَیعَتَکُم،وخالَفتُم إمامَکُم،فَإِن رَأَیتُم أنَّکُم رَجَعتُم عَن ذلِکَ،وإلّا فَوَاللّهِ الَّذی لا إلهَ إلّا هُوَ،لَأَضرِبَنَّکُم بِسَیفی ما ثَبَتَ قائِمُهُ فی یَدی،ولَو لَم یَکُن لی مِنکُم ناصِرٌ،مَعَ أنّی أرجو أنَّ مَن یَعرِفُ الحَقَّ مِنکُم أکثَرُ مِمَّن یُریدُ الباطِلَ.

فَقامَ إلَیهِ عَبدُ اللّهِ بنُ مُسلِمِ بنِ سَعیدٍ الحَضرَمِیُّ،فَقالَ:أیُّهَا الأَمیرُ،أصلَحَکَ اللّهُ ! إنَّ هذَا الَّذی أنتَ عَلَیهِ مِن رَأیِکَ،إنَّما هُوَ رَأیُ المُستَضعَفینَ.

فَقالَ لَهُ النُّعمانُ بنُ بَشیرٍ:یا هذا،وَاللّهِ لَأَن أکونَ مِنَ المُستَضعَفینَ فی طاعَةِ اللّهِ، أحَبُّ إلَیَّ مِن أن أکونَ مِنَ المَغلوبینَ فی مَعصِیَةِ اللّهِ.قالَ:ثُمَّ نَزَلَ عَنِ المِنبَرِ،ودَخَلَ قَصرَ الإِمارَةِ. (1)

1059.البدایة والنهایة -فی خَبَرِ مُسلِمٍ ومَن بایَعَهُ-:اِنتَشَرَ خَبَرُهُم حَتّی بَلَغَ أمیرَ الکوفَةِ النُّعمانَ بنَ بَشیرٍ،خَبَّرَهُ رَجُلٌ بِذلِکَ،فَجَعَلَ یَضرِبُ عَن ذلِکَ صَفحاً،ولا یَعبَأُ بِهِ، ولکِنَّهُ خَطَبَ النّاسَ ونَهاهُم عَنِ الاِختِلافِ وَالفِتنَةِ،وأمَرَهُم بِالاِئتِلافِ وَالسُّنَّةِ.

وقالَ:إنّی لا اقاتِلُ مَن لا یُقاتِلُنی،ولا أثِبُ عَلی مَن لا یَثِبُ عَلَیَّ،ولا آخُذُکُم بِالظِّنَّةِ،ولکِن وَاللّهِ الَّذی لا إلهَ إلّاهُوَ،لَئِن فارَقتُم إمامَکُم،ونَکَثتُم بَیعَتَهُ،لَاُقاتِلَنَّکُم ما دامَ فی یَدی مِن سَیفی قائِمَتُهُ. (2)

فی عَدُوِّکَ؛فَإِنَّ النُّعمانَ بنَ بَشیرٍ رَجُلٌ ضَعیفٌ،أو هُوَ یَتَضَعَّفُ.

فَکانَ أوَّلَ مَن کَتَبَ إلَیهِ.ثُمَّ کَتَبَ إلَیهِ عُمارَةُ بنُ عُقبَةَ بِنَحوٍ مِن کِتابِهِ،ثُمَّ کَتَبَ إلَیهِ عُمَرُ بنُ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ بِمِثلِ ذلِکَ. (1)

1061.الفتوح: کَتَبَ عَبدُ اللّهِ بنُ مُسلِمٍ إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ یُخبِرُهُ بِذلِکَ:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،لِعَبدِ اللّهِ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ أمیرِ المُؤمِنینَ،مِن شیعَتِهِ مِن أهلِ الکوفَةِ،أمّا بَعدُ،فَإِنَّ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ قَد قَدِمَ الکوفَةَ،وقَد بایَعَهُ الشّیعَةُ لِلحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ،وهُم خَلقٌ کَثیرٌ،فَإِن کانَ لَکَ فِی الکوفَةِ حاجَةٌ،فَابعَث إلَیها رَجُلاً قَوِیّاً یُنَفِّذُ فیها أمرَکَ،ویَعمَلُ فیها بِعَمَلِکَ مِن عَدُوِّکَ (2)،فَإِنَّ النُّعمانَ بنَ بَشیرٍ رَجُلٌ ضَعیفٌ، أو هُوَ مُضَعّفٌ (3)،وَالسَّلامُ.

قالَ:ثُمَّ کَتَبَ أیضاً عُمارَةُ بنُ عُقبَةَ بنِ أبی مُعَیطٍ بِنَحوٍ مِن ذلِکَ،فَکَتَبَ (4)إلَیهِ عُمَرُ بنُ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ بِمِثلِ ذلِکَ. (5)

1062.أنساب الأشراف: کَتَبَ وُجوهُ أهلِ الکوفَةِ:عُمَرُ بنُ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ الزُّهرِیُّ، ومُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ الکِندِیُّ،وغَیرُهُما،إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ بِخَبَرِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ، وتَقدیمِ الحُسَینِ علیه السّلام إیّاهُ إلَی الکوفَةِ أمامَهُ،وبِما ظَهَرَ مِن ضَعفِ النُّعمانِ بنِ بَشیرٍ، وعَجزِهِ ووَهنِ أمرِهِ. (6)

ص:70

1063.الأخبار الطوال: کَتَبَ مُسلِمُ بنُ سَعیدٍ الحَضرَمِیُّ،وعُمارَةُ بنُ عُقبَةَ-وکانا عَینَی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ-إلی یَزیدَ،یُعلِمانِهِ قُدومَ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ الکوفَةَ،داعِیاً لِلحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،وأنَّهُ قَد أفسَدَ قُلوبَ أهلِها عَلَیهِ،فَإِن یَکُن لَکَ فی سُلطانِکَ حاجَةٌ،فَبادِر إلَیهِ مَن یَقومُ بِأَمرِکَ،ویَعمَلُ مِثلَ عَمَلِکَ فی عَدُوِّکَ،فَإِنَّ النُّعمانَ رَجُلٌ ضَعیفٌ أو مُتَضاعِفٌ،وَالسَّلامُ. (1)

1064.الملهوف: کَتَبَ عَبدُ اللّهِ بنُ مُسلِمٍ الباهِلِیُّ،وعُمارَةُ بنُ الوَلیدِ،وعُمَرُ بنُ سَعدٍ،إلی یَزیدَ یُخبِرونَهُ بِأَمرِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،ویُشیرونَ عَلَیهِ بِصَرفِ النُّعمانِ بنِ بَشیرٍ،ووِلایَةِ غَیرِهِ. (2)

نَحوَ الکوفَةِ،ومُسلِمُ بنُ عَقیلٍ بِالکوفَةِ یُبایِعُ لِلحُسَینِ،وقَد بَلَغَنی عَنِ النُّعمانِ ضَعفٌ وقَولٌ سَیِّئٌ-وأقرَأَهُ کُتُبَهُم-،فَما تَری؟مَن أستَعمِلُ عَلَی الکوفَةِ؟وکانَ یَزیدُ عاتِباً عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ.

فَقالَ سَرجونُ:أرَأَیتَ مُعاوِیَةَ لَو نُشِرَ (1)لَکَ،أکُنتَ آخِذاً بِرَأیِهِ؟قالَ:نَعمَ.

فَأَخرَجَ عَهدَ عُبَیدِ اللّهِ عَلَی الکوفَةِ،فَقالَ:هذا رَأیُ مُعاوِیَةَ،وماتَ وقَد أمَرَ بِهذَا الکِتابِ.

فَأَخَذَ بِرَأیِهِ،وضَمَّ المِصرَینِ إلی عُبَیدِ اللّهِ،وبَعَثَ إلَیهِ بِعَهدِهِ عَلَی الکوفَةِ. (2)

1066.تاریخ الطبری عن عمّار الدُّهنی عن أبی جعفر [ الباقر ] علیه السّلام :دَعا [یَزیدُ] مَولیً لَهُ یُقالُ لَهُ:سَرجونُ-وکانَ یَستَشیرُهُ-فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ [أی خَبَرَ ضَعفِ النُّعمانِ بنِ بَشیرٍ].

فَقالَ لَهُ:أکُنتَ قابِلاً مِن مُعاوِیَةَ لَو کانَ حَیّاً؟قالَ:نَعَم،قالَ:فَاقبَل مِنّی؛فَإِنَّهُ لَیسَ لِلکوفَةِ إلّاعُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ،فَوَلِّها إیّاهُ.وکانَ یَزیدُ عَلَیهِ ساخِطاً،وکانَ هَمَّ بِعَزلِهِ عَنِ البَصرَةِ.

فَکَتَبَ إلَیهِ بِرِضائِهِ،وأنَّهُ قَد وَلّاهُ الکوفَةَ مَعَ البَصرَةِ،وکَتَبَ إلَیهِ أن یَطلُبَ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ،فَیَقتُلَهُ إن وَجَدَهُ. (3)

1067.الفتوح: لَمَّا اجتَمَعَتِ الکُتُبُ عِندَ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،دَعا بِغُلامِ أبیهِ-وکانَ اسمُهُ

ص:72

سَرجونَ-فَقالَ:یا سَرجونُ،مَا الَّذی عِندَکَ فی أهلِ الکوفَةِ،فَقَد قَدِمَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،وقَد بایَعَهُ التُّرابِیَّةُ لِلحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ؟

فَقالَ لَهُ سَرجونُ:أتَقبَلُ مِنّی ما اشیرُ بِهِ عَلَیکَ؟فَقالَ یَزیدُ:قُل حَتّی أسمَعَ، فَقالَ:اُشیرُ عَلَیکَ أن تَکتُبَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ؛فَإِنَّهُ أمیرُ البَصرَةِ،فَتَجعَلَ لَهُ الکوفَةَ زِیادَةً فی عَمَلِهِ،حَتّی یَکونَ هُوَ الَّذی یَقدَمُ الکوفَةَ فَیَکفیکَ أمرَهُم.فَقالَ یَزیدُ:هذا لَعَمری هُوَ الرَّأیُ ! (1)

1068.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: لَمَّا اجتَمَعَتِ الکُتُبُ عِندَ یَزیدَ؛دَعا بِغُلامٍ کانَ کاتِباً عِندَ أبیهِ،یُقالُ لَهُ:سَرحونُ،فَأَعلَمَهُ بِما وَرَدَ عَلَیهِ.

فَقالَ:اُشیرُ عَلَیکَ بِما تَکرَهُ.قالَ:وإن کَرِهتُ ! قالَ:اِستَعمِل عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ عَلَی الکوفَةِ،قالَ:إنَّهُ لا خَیرَ فیهِ-وکانَ یُبغِضُهُ-فَأَشِر بِغَیرِهِ.قالَ:لَو کانَ مُعاوِیَةُ حاضِراً،أکُنتَ تَقبَلُ قَولَهُ وتَعمَلُ بِقَولِهِ؟قالَ:نَعَم.

قالَ:فَهذا عَهدُ عُبَیدِ اللّهِ عَلَی الکوفَةِ؛أمَرَنی مُعاوِیَةُ أن أکتُبَهُ فَکَتَبتُهُ،وخاتَمُهُ عَلَیهِ،فَماتَ وبَقِیَ العَهدُ عِندی.قالَ:وَیحَکَ ! فَأَمضِهِ. (2)

1069.المحاسن والمساوئ عن أبی معشر: قَدَّمَ الحُسَینُ علیه السّلام مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ إلَی الکوفَةِ لِیَأخُذَ عَلَیهِمُ البَیعَةَ،وکانَ عَلَی الکوفَةِ-حینَ ماتَ مُعاوِیَةُ-النُّعمانُ بنُ بَشیرِ بنِ سَعدٍ الأَنصارِیُّ،فَلَمّا بَلَغَهُ خَبَرُ الحُسَینِ علیه السّلام،قالَ:لَابنُ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله أحَبُّ إلَینا مِنِ ابنِ بِنتِ بَحدَلٍ. (3)

فَبَلَغَ ذلِکَ یَزیدَ،فَأَرادَ أن یَعزِلَهُ،فَقالَ لِأَهلِ الشّامِ:أشیروا عَلَیَّ مَن أستَعمِلُ عَلَی

ص:73

الکوفَةِ؟فَقالوا:أتَرضی بِرَأیِ مُعاوِیَةَ؟قالَ:نَعَم.

قالوا:فَإِنَّ العَهدَ بِإِمارَةِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ عَلَی العِراقَینِ (1)قَد کُتِبَ فِی الدّیوانِ، فَاستَعمِلهُ عَلَی الکوفَةِ،فَقَدِمَ الکوفَةَ قَبلَ أن یَقدَمَ الحُسَینُ علیه السّلام. (2)

لِعُبَیدِ اللّهِ،وکَتَبَ إلَیهِ بِعَهدِهِ،وسَیَّرَهُ إلَیهِ مَعَ مُسلِمِ بنِ عَمرٍو الباهِلِیِّ والدِ قُتَیبَةَ،فَأَمَرَهُ بِطَلَبِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،وبِقَتلِهِ،أو نَفیِهِ.فَلَمّا وَصَلَ کِتابُهُ إلی عُبَیدِ اللّهِ،أمَرَ بِالتَّجَهُّزِ لِیَبرُزَ مِنَ الغَدِ. (1)

1072.أنساب الأشراف: کَتَبَ یَزیدُ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادِ بنِ أبی سُفیانَ بِوِلایَةِ الکوفَةِ إلی ما کانَ یَلی مِنَ البَصرَةِ،وبَعَثَ بِکِتابِهِ فی ذلِکَ مَعَ مُسلِمِ بنِ عَمرٍو الباهِلِیّ-أبی قُتَیبَةَ بنِ مُسلِمٍ-،وأمَرَ عُبَیدَ اللّهِ بِطَلَبِ ابنِ عَقیلٍ ونَفیِهِ إذا ظَفِرَ بِهِ،أو قَتلِهِ،وأن یَتَیَقَّظَ فی أمرِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،ویَکونَ عَلَی استِعدادٍ لَهُ. (2)

1073.الثقات لابن حبّان: لَمَّا اتَّصَلَ الخَبَرُ بِیَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،أنَّ مُسلِماً یَأخُذُ البَیعَةَ بِالکوفَةِ لِلحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،کَتَبَ یَزیدُ بنُ مُعاوِیَةَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ-وهُوَ إذ ذاکَ بِالبَصرَةِ-وأمَرَهُ بِقَتلِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،أو بَعثِهِ إلَیهِ،فَدَخَلَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ الکوفَةَ، حَتّی نَزَلَ القَصرَ،وَاجتَمَعَ إلَیهِ أصحابُهُ. (3)

1074.الملهوف: کَتَبَ یَزیدُ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ-وکانَ والِیاً عَلَی البَصرَةِ-بِأَنَّهُ قَد وَلّاهُ الکوفَةَ وضَمَّها إلَیهِ،ویُعَرِّفُهُ أمرَ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،وأمرَ الحُسَینِ علیه السّلام،ویُشَدِّدُ عَلَیهِ فی تَحصیلِ مُسلِمٍ وقَتلِهِ. (4)

1075.الفتوح: کَتَبَ یَزیدُ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ:أمّا بَعدُ،فَإِنَّ شیعَتی مِن أهلِ الکوفَةِ کَتَبوا إلَیَّ،فَخَبَّرونی أنَّ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ یَجمَعُ الجُموعَ ویَشُقُّ عَصَا المُسلِمینَ،وقَدِ اجتَمَعَ عَلَیهِ خَلقٌ کَثیرٌ مِن شیعَةِ أبی تُرابٍ.

ص:75

فَإِذا وَصَلَ إلَیکَ کِتابی هذا،فَسِر حینَ تَقرَؤُهُ،حَتّی تَقدَمَ الکوفَةَ فَتَکفِیَنی أمرَها،فَقَد جَعَلتُها زِیادَةً فی عَمَلِکَ،وضَمَمتُها إلَیکَ،فَانظُر أینَ تَطلُبُ مُسلِمَ بنَ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ بِها،فَاطلُبهُ طَلَبَ الخَرَزَةِ،فَإِذا ظَفِرتَ بِهِ فَاقتُلهُ،ونَفِّذ إلَیَّ رَأسَهُ،وَاعلَم أنَّه لا عُذرَ لَکَ عِندی دونَ ما أمَرتُکَ بِهِ،فَالعَجَلَ العَجَلَ،وَالوَحا الوَحا (1)! وَالسَّلامُ.

ثُمَّ دَفَعَ الکِتابَ إلی مُسلِمِ بنِ عَمرٍو الباهِلِیِّ،ثُمَّ أمَرَهُ أن یَجِدَّ السَّیرَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ.قالَ:فَلَمّا وَرَدَ الکِتابُ عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ وقَرَأَهُ،أمَرَ بِالجَهازِ إلَی الکوفَةِ. (2)

1076.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: وکَتَبَ [یَزیدُ]:مِن عَبدِ اللّهِ یَزیدَ أمیرِ المُؤمِنینَ،إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،سَلامٌ عَلَیکَ؛أمّا بَعدُ،فَإِنَّ المَمدوحَ مَسبوبٌ یَوماً،وإنَّ المَسبوبَ مَمدوحٌ یَوماً؛ولَکَ ما لَکَ وعَلَیکَ ما عَلَیکَ؛وقَدِ انتَمَیتَ ونُمیتَ إلی کُلِّ مَنصِبٍ،کَما قالَ الأَوَّلُ:

رُفِعتَ فَما زِلتَ السَّحابَ تَفوقُهُ فَما لَکَ إلّامَقعَدَ الشَّمسِ مَقعَدُ

وقَدِ ابتُلِیَ بِالحُسَینِ زَمانُکَ مِن بَینِ الأَزمانِ،وَابتُلِیَ بِهِ بَلَدُکَ مِن بَینِ البُلدانِ، وَابتُلیتَ بِهِ بَینَ العُمّالِ،وفی هذِهِ تُعتَقُ أو تَکونُ عَبداً،تَعبُدُ کَما تَعبُدُ العَبیدُ.

وقَد أخَبَرَتنی شیعَتی مِن أهلِ الکوفَةِ،أنّ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ بِالکوفَةِ یَجمَعُ الجُموعَ،ویَشُقُّ عَصَا المُسلِمینَ،وقَدِ اجتَمَعَ إلَیهِ خَلقٌ کَثیرٌ مِن شیعَةِ أبی تُرابٍ،فَإِذا أتاکَ کِتابی هذا فَسِر حینَ تَقرَؤُهُ،حَتّی تَقدَمَ الکوفَةَ فَتَکفِیَنی أمرَها فَقَد ضَمَمتُها

ص:76

إلَیکَ،وجَعَلتُها زِیادَةً فی عَمَلِکَ-وکانَ عُبَیدُ اللّهِ أمیرَ البَصرَةِ-،وَانظُر أن تَطلُبَ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ کَطَلَبِ الحَرِدِ (1)،فَإِذا ظَفِرتَ بِهِ فَخُذ بَیعَتَهُ،أوِ اقتُلهُ إن لَم یُبایِع،وَاعلَم أنَّهُ لا عُذرَ لَکَ عِندی وما أمَرتُکَ بِهِ،فَالعَجَلَ العَجَلَ،وَالوَحاءَ الوَحاءَ،وَالسَّلامُ.

ثُمَّ دَفَعَ یَزیدُ کِتابَهُ إلی مُسلِمِ بنِ عَمرٍو الباهِلِیِّ،وأمَرَهُ أن یُسرِعَ السَّیرَ إلی عُبَیدِ اللّهِ.فَلَمّا وَرَدَ الکِتابُ إلی عُبَیدِ اللّهِ وقَرَأَهُ،أمَرَ بِالجَهازِ،وتَهَیَّأَ لِلمَسیرِ إلَی الکوفَةِ. (2)

1077.سیر أعلام النبلاء عن عمّار الدّهنی عن أبی جعفر الباقر علیه السّلام: کانَ یَزیدُ ساخِطاً عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَکَتَبَ إلَیهِ بِرِضاهُ عَنهُ،وأنَّهُ وَلّاهُ الکوفَةَ مُضافاً إلَی البَصرَةِ.وکَتَبَ إلَیهِ أن یَقتُلَ مُسلِماً. (3)

1078.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): کانَ النُّعمانُ بنُ بَشیرٍ الأَنصارِیُّ عَلَی الکوفَةِ فی آخِرِ خِلافَةِ مُعاوِیَةَ،فَهَلَکَ وهُوَ عَلَیها،فَخافَ یَزیدُ ألّا یَقدَمَ النُّعمانُ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَکَتَبَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادِ بنِ أبی سُفیانَ-وهُوَ عَلَی البَصرَةِ- فَضَمَّ إلَیهِ الکوفَةَ،وکَتَبَ إلَیهِ بِإِقبالِ الحُسَینِ علیه السّلام إلَیها:فَإِن کانَ لَکَ جَناحانِ فَطِر حَتّی تَسبِقَ إلَیها.

فَأَقبَلَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ عَلَی الظَّهرِ سَریعاً،حَتّی قَدِمَ الکوفَةَ. (4)

ص:77

1080.الأخبار الطوال: أقبَلَ [ابنُ زِیادٍ] حَتّی دَخَلَ المَسجِدَ الأَعظَمَ،فَاجتَمَعَ لَهُ النّاسُ، فَقامَ،فَقالَ:أنصَفَ القارَةَ مَن راماها،یا أهلَ البَصرَةِ ! إنَّ أمیرَ المُؤمِنینَ قَد وَلّانی مَعَ البَصرَةِ الکوفَةَ،وأنَا سائِرٌ إلَیها،وقَد خَلَّفتُ عَلَیکُم أخی عُثمانَ بنَ زِیادٍ،فَإِیّاکُم وَالخِلافَ وَالإِرجافَ،فَوَاللّهِ الَّذی لا إلهَ غَیرُهُ،لَئِن بَلَغَنی عَن رَجُلٍ مِنکُم خالَفَ أو أرجَفَ،لَأَقتُلَنَّهُ ووَلِیَّهُ،ولَآخُذَنَّ الأَدنی بِالأَقصی،وَالبَریءَ بِالسَّقیمِ،حَتّی تَستَقیموا،وقَد أعذَرَ مَن أنذَرَ.ثُمَّ نَزَلَ وسارَ. (1)

1081.أنساب الأشراف: خَطَبَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ النّاسَ بِالبَصرَةِ،فَأَرعَدَ وأبرَقَ،وتَهَدَّدَ وتَوَعَّدَ،وقالَ:أنَا نَکَلٌ لِمَن عادانی،وسِمامٌ لِمَن حارَبَنی.وأعلَمَهُم أنَّهُ شاخِصٌ (2)إلَی الکوفَةِ،وأنَّهُ قَد وَلّی عُثمانَ بنَ زِیادٍ أخاهُ خِلافَتَهُ عَلَی البَصرَةِ،وأمَرَهُم بِطاعَتِهِ وَالسَّمعِ لَهُ،ونَهاهُم عَنِ الخِلافِ وَالمُشاقَّةِ. (3)

فَظَنّوا حینَ قَدِمَ عُبَیدُ اللّهِ أنَّهُ الحُسَینُ علیه السّلام،فَأَخَذَ لا یَمُرُّ عَلی جَماعَةٍ مِنَ النّاسِ إلّا سَلَّموا عَلَیهِ،وقالوا:مَرحَباً بِکَ یَا بنَ رَسولِ اللّهِ،قَدِمتَ خَیرَ مَقدَمٍ،فَرَأی مِن تَباشیرِهِم بِالحُسَینِ علیه السّلام ما ساءَهُ.

فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَمرٍو لَمّا أکثَروا:تَأَخَّروا،هذَا الأَمیرُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ.فَأَخَذَ حینَ أقبَلَ عَلَی الظَّهرِ،وإنَّما مَعَهُ بِضعَةَ عَشَرَ رَجُلاً.

فَلَمّا دَخَلَ القَصرَ،وعَلِمَ النّاسُ أنَّهُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ،دَخَلَهُم مِن ذلِکَ کَآبَةٌ وحُزنٌ شَدیدٌ،وغاظَ عُبیدَ اللّهِ ما سَمِعَ مِنهُم،وقالَ:ألا أری هؤُلاءِ کَما أری. (1)

1083.تاریخ الطبری عن عیسی بن یزید الکنانیّ: لَمّا جاءَ کِتابُ یَزیدَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ انتَخَبَ مِن أهلِ البَصرَةِ خَمسَمِئَةٍ،فیهِم عَبدُ اللّهِ بنُ الحارِثِ بنُ نَوفَلٍ،وشَریکُ بنُ الأَعوَرِ-وکانَ شیعَةً لِعَلِیٍّ-فَکانَ أوَّلَ مَن سَقَطَ بِالنّاسِ شَریکٌ،فَیُقالُ:إنَّهُ تَساقَطَ غَمرَةً (2)ومَعَهُ ناسٌ،ثُمَّ سَقَطَ عَبدُ اللّهِ بنُ الحارِثِ وسَقَطَ مَعَهُ ناسٌ،ورَجَوا أن یَلوِیَ (3)عَلَیهِم عُبَیدُ اللّهِ،ویَسبِقَهُ الحُسَینُ علیه السّلام إلَی الکوفَةِ،فَجَعَلَ لا یَلتَفِتُ إلی مَن سَقَطَ ویَمضی،حَتّی وَرَدَ القادِسِیَّةَ (4)،وسَقَطَ مِهرانُ مَولاهُ.

فَقالَ:أیا مِهرانُ ! عَلی هذِهِ الحالِ،إن أمسَکتُ عَنکَ حَتّی تَنظُرَ إلَی القَصرِ فَلَکَ مِئَةُ ألفٍ.قالَ:لا وَاللّهِ ما أستَطیعُ !

ص:80

فَنَزَلَ عُبَیدُ اللّهِ،فَأَخرَجَ ثِیاباً مُقَطَّعَةً مِن مُقَطَّعاتِ (1)الیَمَنِ،ثُمَّ اعتَجَرَ (2)بِمِعجَرَةٍ یَمانِیَّةٍ،فَرَکِبَ بَغلَتَهُ ثُمَّ انحَدَرَ راجِلاً وَحدَهُ،فَجَعَلَ یَمُرُّ بِالمَحارِسِ،فَکُلَّما نَظَروا إلَیهِ لَم یَشُکّوا أنَّهُ الحُسَینُ علیه السّلام،فَیَقولونَ:مَرحَباً بِکَ یَا بنَ رَسولِ اللّهِ،وجَعَلَ لا یُکَلِّمُهُم؛وخَرَجَ إلَیهِ النّاسُ مِن دورِهِم وبُیوتِهِم.

وسَمِعَ بِهِمُ النّعمانُ بنُ بَشیرٍ،فَغَلَّقَ عَلَیهِ وعَلی خاصَّتِهِ،وَانتَهی إلَیهِ عُبَیدُ اللّهِ وهُوَ لا یَشُکُّ أنَّهُ الحُسَینُ علیه السّلام،ومَعَهُ الخَلقُ یَضُجّونَ،فَکَلَّمَهُ النُّعمانُ،فَقالَ:أنشُدُکَ اللّهَ إلّا تَنَحَّیتَ عَنّی،ما أنَا بِمُسَلِّمٍ إلَیکَ أمانَتی،وما لی فی قَتلِکَ مِن إربٍ (3)،فَجَعَلَ لا یُکَلِّمُهُ،ثُمَّ إنَّهُ دَنا،وتَدَلَّی الآخَرُ بَینَ شُرفَتَینِ،فَجَعَلَ یُکَلِّمُهُ،فَقالَ:اِفتَح لا فَتَحتَ ! فَقدَ طالَ لَیلُکَ.

فَسَمِعَها إنسانٌ خَلفَهُ،فَتَکَفّی إلَی القَومِ،فَقالَ:أی قَومُ،ابنُ مَرجانَةَ وَالَّذی لا إلهَ غَیرُهُ ! فَقالوا:وَیحَکَ ! إنَّما هُوَ الحُسَینُ علیه السّلام.فَفَتَحَ لَهُ النُّعمانُ فَدَخَلَ،وضَرَبُوا البابَ فی وُجوهِ النّاسِ فَانفَضّوا،وأصبَحَ فَجَلَسَ عَلَی المِنبَرِ.

فَقالَ:أیُّهَا النّاسُ ! إنّی لَأَعلَمُ أنَّهُ قَد سارَ مَعی وأظهَرَ الطّاعَةَ لی مَن هُوَ عَدُوٌّ لِلحُسَینِ حینَ ظَنَّ أنَّ الحُسَینَ قَد دَخَلَ البَلَدَ وغَلَبَ عَلَیهِ،وَاللّهِ ما عَرَفتُ مِنکُم أحَداً،ثُمَّ نَزَلَ. (4)

1084.الکامل فی التاریخ: خَرَجَ [ابنُ زِیادٍ] مِنَ البَصرَةِ ومَعَهُ مُسلِمُ بنُ عَمرٍو الباهِلِیُّ،

ص:81

وشَریکُ بنُ الأَعوَرِ الحارِثِیُّ،وحَشَمُهُ وأهلُ بَیتِهِ،وکانَ شَریکٌ شیعِیّاً.

وقیلَ:کانَ مَعَهُ خَمسُمِئَةٍ فَتَساقَطوا عَنهُ،فَکانَ أَوّلَ مَن سَقَطَ شَریکٌ،ورَجَوا أن یَقِفَ عَلَیهِم ویَسبِقَهُ الحُسَینُ علیه السّلام إلَی الکوفَةِ؛فَلَم یَقِف عَلی أحَدٍ مِنهُم،حَتّی دَخَلَ الکوفَةَ وَحدَهُ.

فَجَعَل یَمُرُّ بِالمَجالِسِ فَلا یَشُکّونَ أنَّهُ الحُسَینُ علیه السّلام،فَیَقولونَ:مَرحَباً بِکَ یَا بنَ رَسولِ اللّهِ ! وهُوَ لا یُکَلِّمُهُم،وخَرَجَ إلَیهِ النّاسُ مِن دورِهِم،فَساءَهُ ما رَأی مِنهُم، وسَمِعَ النُّعمانُ فَأَغلَقَ عَلَیهِ البابَ،وهُوَ لا یَشُکُّ أنَّهُ الحُسَینُ علیه السّلام،وَانتَهی إلَیهِ عُبَیدُ اللّهِ ومَعَهُ الخَلقُ یَصیحونَ،فَقالَ لَهُ النُّعمانُ:أنشُدُکَ اللّهَ إلّاتَنَحَّیتَ عَنّی ! فَوَاللّهِ ما أنَا بِمُسَلِّمٍ إلَیکَ أمانَتی،وما لی فی قِتالِکَ مِن حاجَةٍ.

فَدَنا مِنهُ عُبَیدُ اللّهِ،وقالَ لَهُ:اِفتَح لا فَتَحتَ.فَسَمِعَها إنسانٌ خَلفَهُ،فَرَجَعَ إلَی النّاسِ وقالَ لَهُم:إنَّهُ ابنُ مَرجانَةَ ! فَفَتَحَ لَهُ النُّعمانُ،فَدَخَلَ وأغلَقُوا البابَ،وتَفَرَّقَ النّاسُ. (1)

1085.تاریخ الطبری عن عمّار الدُّهنی عن أبی جعفر[ الباقر ] علیه السّلام :أقبَلَ عُبیدُ اللّهِ فی وُجوهِ أهلِ البَصرَةِ،حَتّی قَدِمَ الکوفَةَ مُتَلَثِّماً،ولا یَمُرُّ عَلی مَجلِسٍ مِن مَجالِسِهِم فَیُسَلِّمُ إلّا قالوا:عَلَیکَ السَّلامُ یَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ،وهُم یَظُنّونَ أنَّهُ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،حَتّی نَزَلَ القَصرَ. (2)

1086.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): أقبَلَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ عَلَی الظَّهرِ

ص:82

سَریعاً حَتّی قَدِمَ الکوفَةَ،فَأَقبَلَ مُتَعَمِّماً مُتَنَکِّراً حَتّی دَخَلَ السّوقَ،فَلَمّا رَأَتهُ السَّفِلَةُ (1)وأهلُ السّوقِ،خَرَجوا یَشتَدّونَ بَینَ یَدَیهِ وهُمَ یَظُنّونَ أنَّهُ حُسَینٌ علیه السّلام،وذاکَ إنَّهُم کانوا یَتَوَقَّعونَهُ،فَجَعَلوا یَقولونَ لِعُبَیدِ اللّهِ:یَا بنَ رَسولِ اللّهِ ! الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی أراناکَ.وجَعَلوا یُقَبِّلونَ یَدَهُ ورِجلَهُ.فَقالَ عُبَیدُ اللّهِ:لَشَدَّ ما فَسَدَ هؤُلاءِ !

ثُمَّ مَضی حَتّی دَخَلَ المَسجِدَ،فَصَلّی رَکعَتَینِ،ثُمَّ صَعِدَ المِنبَرَ وَکَشَفَ عَن وَجهِهِ، فَلَمّا رَآهُ النّاسُ،مالَ بَعضُهُم عَلی بَعضٍ،وأقشَعوا (2)عَنهُ. (3)

1087.أنساب الأشراف: شَخَصَ [عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ] إلَی الکوفَةِ ومَعَهُ المُنذِرُ بنُ الجارودِ العَبدِیُّ،وشَریکُ بنُ الأَعوَرِ الحارِثِیُّ،ومُسلِمُ بنُ عَمرٍو الباهِلِیُّ،وحَشَمُهُ وغِلمانُهُ، فَوَرَدَها مُتَلَثِّماً بِعِمامَةٍ سَوداءَ.

وکانَ النّاسُ بِالکوفَةِ یَتَوَقَّعونَ وُرودَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَجَعَلوا یَقولونَ:مَرحَباً یَا بنَ رَسولِ اللّهِ،قَدِمتَ خَیرَ مَقدَمٍ،وهُم یَظُنّونَ أنَّهُ الحُسَینُ علیه السّلام،فَساءَ ابنَ زیادٍ تَباشیرُ النّاسِ بِالحُسَینِ علیه السّلام،وغَمَّهُ،وصارَ إلَی القَصرِ فَدَخَلَهُ. (4)

1088.مروج الذهب: اتَّصَلَ الخَبَرُ [أی خَبَرُ خُروجِ الإِمامِ الحُسَینِ علیه السّلام ] بِیَزیدَ،فَکَتَبَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ بِتَولِیَةِ الکوفَةِ،فَخَرَجَ مِنَ البَصرَةِ مُسرِعاً،حَتّی قَدِمَ الکوفَةَ عَلَی الظَّهرِ،فَدَخَلَها فی أهلِهِ وحَشَمِهِ،وعَلَیهِ عِمامَةٌ سَوداءُ قَد تَلَثَّمَ بِها،وهُوَ راکِبٌ بَغلَةً، وَالنّاسُ یَتَوَقَّعونَ قُدومَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَجَعَلَ ابنُ زِیادٍ یُسَلِّمُ عَلَی النّاسِ،فَیَقولونَ:

ص:83

وعَلَیکَ السَّلامُ یَا بنَ رَسولِ اللّهِ،قَدِمتَ خَیرَ مَقدَمٍ،حَتَّی انتَهی إلَی القَصرِ وفیهِ النُّعمانُ بنُ بَشیرٍ،فَتَحَصَّنَ فیهِ.

ثُمَّ أشرَفَ [أیِ النُّعمانُ بنُ بَشیرٍ] عَلَیهِ،فَقالَ:یَا بنَ رَسولِ اللّهِ،ما لی ولَکَ؟وما حَمَلَکَ عَلی قَصدِ بَلَدی مِن بَینِ البُلدانِ؟!

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:لَقَد طالَ نَومُکَ یا نَعیمُ،وحَسَرَ اللِّثامَ عَن فیهِ فَعَرَفَهُ،فَفَتَحَ لَهُ، وتَنادَی النّاسُ:ابنُ مَرجانَةَ ! وحَصَبوهُ (1)بِالحَصباءِ،فَفاتَهُم ودَخَلَ القَصرَ. (2)

1089.الملهوف: لَمّا أصبَحَ [ابنُ زِیادٍ] استَنابَ عَلَیهِم أخاهُ عُثمانَ بنَ زِیادٍ،وأسرَعَ هُوَ إلی قَصدِ الکوفَةِ،فَلَمّا قارَبَها نَزَلَ حَتّی أمسی،ثُمَّ دَخَلَها لَیلاً،فَظَنَّ أهلُها أنَّهُ الحُسَینُ علیه السّلام،فَتَباشَروا بِقُدومِهِ ودَنَوا مِنهُ،فَلَمّا عَرَفوا أنَّهُ ابنُ زِیادٍ تَفَرَّقوا عَنهُ.

فَدَخَلَ قَصرَ الإِمارَةِ،وباتَ لَیلَتَهُ إلَی الغَداةِ،ثُمَّ خَرَجَ وصَعِدَ المِنبَرَ وخَطَبَهُم، وتَوَعَّدَهُم عَلی مَعصِیَةِ السُّلطانِ،ووَعَدَهُم مَعَ الطّاعَةِ بِالإِحسانِ. (3)

1090.مثیر الأحزان: أسرَعَ هُوَ [أیِ ابنُ زِیادٍ] إلی قَصدِ الکوفَةِ،فَلَمّا أشرَفَ عَلَیها نَزَلَ حَتّی أمسی؛لِئَلّا تَظُنُّ أهلُها أنَّهُ الحُسَینُ علیه السّلام (4)،ودَخَلَها مِمّا یَلِی النَّجَفَ.

فَقالَتِ امرَأَةٌ:اللّهُ أکبَرُ،ابنُ رَسولِ اللّهِ ورَبِّ الکَعبَةِ ! فَتَصایَحَ النَّاسُ،قالوا:إنّا مَعَکَ أکثَرُ مِن أربَعینَ ألفاً،وَازدَحَموا عَلَیهِ،حَتّی أخَذوا بِذَنَبِ دابَّتِهِ،وظَنُّهُم أنَّهُ الحُسَینُ علیه السّلام.

فَحَسَرَ اللِّثامَ،وقالَ:أنَا عُبَیدُ اللّهِ،فَتَساقَطَ القَومُ،ووَطِئَ بَعضُهُم بَعضاً،ودَخَلَ

ص:84

دارَ الإِمارَةِ وعَلَیهِ عِمامَةٌ سَوداءُ. (1)

1091.الفتوح: لَمّا کانَ مِنَ الغَدِ،نادی [ابنُ زِیادٍ] فِی النّاسِ،وخَرَجَ مِنَ البَصرَةِ یُریدُ الکوفَةَ،ومَعَهُ مُسلِمُ بنُ عَمرٍو الباهِلِیُّ،وَالمُنذِرُ بنُ الجارودِ العَبدِیُّ،وشَریکُ بنُ الأَعوَرِ الحارِثِیُّ،وحَشَمُهُ وأهلُ بَیتِهِ،فَلَم یَزَل یَسیرُ حَتّی بَلَغَ قَریباً مِنَ الکوفَةِ.

فَلَمّا تَقارَبَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ مِنَ الکوفَةِ نَزَلَ،فَلمّا أمسی وجاءَ اللَّیلُ،دَعا بِعِمامَةٍ غَبراءَ وَاعتَجَرَ بِها،ثُمَّ تَقَلَّدَ سَیفَهُ،وتَوَشَّحَ قَوسَهُ،وتَکَنَّنَ کِنانَتَهُ (2)،وأخَذَ فی یَدِهِ قَضیباً وَاستَوی عَلی بَغلَتِهِ الشَّهباءِ،ورَکِبَ مَعَهُ أصحابُهُ،وأقبَلَ حَتّی دَخَلَ الکوفَةَ مِن طَریقِ البادِیَةِ،وذلِکَ فی لَیلَةٍ مُقمِرَةٍ،وَالنّاسُ مُتَوَقِّعونَ قُدومَ الحُسَینِ علیه السّلام.

قالَ:فَجَعَلوا یَنظُرونَ إلَیهِ وإلی أصحابِهِ،وهُوَ فی ذلِکَ یُسَلِّمُ عَلَیهِم فَیَرُدّونَ عَلَیهِ السَّلامَ،وهُم لایَشُکّونَ أنَّهُ الحُسَینُ علیه السّلام،وهُم یَمشونَ بَینَ یَدَیهِ،وهُم یَقولونَ:

مَرحَباً بِکَ یَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ،قَدِمتَ خَیرَ مَقدَمٍ.

قالَ:فَرأی عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ مِن تَباشیرِ النّاسِ بِالحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام ما ساءَهُ ذلِکَ،وسَکَتَ ولَم یُکَلِّمهُم،ولا رَدَّ عَلَیهِم شَیئاً.قالَ:فَتَکَلَّمَ مُسلِمُ بنُ عَمرٍو الباهِلِیُّ،وقالَ:إلَیکُم عَنِ الأَمیرِ یا تُرابِیَّةُ،فَلَیسَ هذا مَن تَظُنّونَ،هذَا الأَمیرُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ !

قالَ:فَتَفَرَّقَ النّاسُ عَنهُ،ودَخَلَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ قَصرَ الإِمارَةِ،وقَدِ امتَلَأَ غَیظاً وغَضَباً. (3)

ص:85

1092.مطالب السَّؤول: جَهَّزَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ إلَی الکوفَةِ،فَلَمّا قَرُبَ مِنها تَنَکَّرَ ودَخَلَ لَیلاً وأوهَمَ أنَّهُ الحُسَینُ علیه السّلام،ودَخَلَها مِن جِهَةِ البادِیَةِ فی زِیِّ (1)أهلِ الحِجازِ،فَصارَ یَجتازُ بِجَماعَةٍ جَماعَةٍ یُسَلِّمُ عَلَیهِم ولا یَشُکّونَ فی أنَّهُ هُوَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَیَمشونَ بَینَ یَدَیهِ ویَقولونَ:مَرحَباً یَا بنَ رَسولِ اللّهِ،قَدِمتَ خَیرَ مَقدَمٍ،فَرَأی عُبَیدُ اللّهِ مِن تَباشیرِهِم بِالحُسَینِ علیه السّلام ما ساءَهُ،وکَشَفَ أحوالَهُم وهُوَ ساکِتٌ ! (2)

1093.الفصول المهمّة: إنَّهُ [أیِ ابنَ زِیادٍ] قَصَدَ قَصرَ الإِمارَةِ،وجاءَ یُریدُ الدُّخولَ إلَیهِ، فَوَجَدَ النُّعمانَ بنَ بَشیرٍ قَد أغلَقَهُ،وتَحَصَّنَ فیهِ هُوَ وأصحابُهُ،وذلِکَ أنَّ النُّعمانَ بنَ بَشیرٍ-هُوَ وأصحابُهُ-ظَنّوا أنَّ ابنَ زِیادٍ هُوَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَصاحَ بِهِم عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ:اِفتَحوا،لا بارَکَ اللّهُ فیکُم،ولا کَثَّرَ فی أمثالِکُم ! فَعَرَفوا صَوتَهُ لَعَنَهُ اللّهُ،وقالوا:

ابنُ مَرجانَةَ ! فَنَزَلوا وفَتَحوا لَهُ،ودَخَلَ القَصرَ وباتَ بِهِ. (3)

ص:86

ثُمَّ نَزَلَ،فَأَتی القَصرَ فَنَزَلَهُ،وَارتَحَلَ النُّعمانُ بنُ بَشیرٍ نَحوَ وَطَنِهِ بِالشّامِ. (1)

1096.الفتوح: لَمّا أصبَحَ [ابنُ زِیادٍ] نادی الصَّلاةَ جامِعَةً،فَاجتَمَعَ النّاسُ إلَی المَسجِدِ الأَعظَمِ،فَلَمّا عَلِمَ أنَّهُم قَد تَکامَلوا،خَرَجَ إلَیهِم مُتَقَلِّداً بِسَیفٍ،مُتَعَمِّماً بِعِمامَةٍ،حَتّی صَعِدَ المِنبَرَ،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،ثُمَّ قالَ:

أمّا بَعدُ یا أهلَ الکوفَةِ،فَإِنَّ أمیرَ المُؤمِنینَ یَزیدَ بنَ مُعاوِیَةَ،وَلّانی مِصرَکُم وثَغرَکُم،وأمَرَنی أن اغیثَ مَظلومَکُم،وأن اعطِیَ مَحرومَکُم،وأن احسِنُ إلی سامِعِکُم ومُطیعِکُم،وبِالشِّدَّةِ عَلی مُریبِکُم،وأنَا مُتَّبِعٌ فی ذلِکَ أمرَهُ،ومُنَفِّذٌ فیکُم عَهدَهُ،وَالسَّلامُ.ثُمَّ نَزَلَ ودَخَلَ القَصرَ.

فَلَمّا کانَ الیَومُ الثّانی،خَرَجَ إلَی النّاسِ ونادی بِالصَّلاةِ جامِعَةً،فَلَمَّا اجتَمَعَ النّاسُ،خَرَجَ إلَیهِم بِزِیً ّ خِلافَ ما خَرَجَ بِهِ أمسِ،فَصَعِدَ المِنبَرَ،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،ثُمَّ قالَ:

أمّا بَعدُ،فَإِنَّهُ لا یَصلُحُ هذَا الأَمرُ إلّافی شِدَّةٍ مِن غَیرِ عُنفٍ،ولینٍ فی غَیرِ ضَعفٍ، وأن آخُذَ مِنکُمُ البَریءَ بِالسَّقیمِ،وَالشّاهِدَ بِالغائِبِ،وَالولِیَّ بِالوَلِیِّ.

قالَ:فَقامَ إلَیهَ رَجُلٌ مِن أهلِ الکوفَةِ،یُقالُ لَهُ أسَدُ بنُ عَبدِ اللّهِ المُرِّیُّ،فَقالَ:أیُّهَا الأَمیرُ ! إنَّ اللّهَ تَبارَکَ وتَعالی یَقولُ: «وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری» 2 ،وإنَّمَا المَرءُ بِجَدِّهِ، وَالسَّیفُ بِحَدِّهِ،وَالفَرَسُ بِشَدِّهِ،وعَلَیکَ أن تَقولَ،وعَلَینا أن نَسمَعَ،فَلا تُقَدِّم فَینَا السَّیِّئَةَ قَبلَ الحَسَنَةِ.

ص:89

قالَ:فَسَکَتَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ،ونَزَلَ عَنِ المِنبَرِ،فَدَخَلَ قَصرَ الإِمارَةِ. (1)

1097.مثیر الأحزان: لَمّا أصبَحَ [ابنُ زِیادٍ] قامَ خاطِباً،وعَلَیهِم عاتِباً،ولِرُؤَسائِهِم مُؤَنِّباً (2)ولِأَهلِ الشِّقاقِ مُعاتِباً،ووَعَدَهُم بِالإِحسانِ عَلی لُزومِ طاعَتِهِ،وبِالإِساءَةِ عَلی مَعصِیَتِهِ وَالخُروجِ عَن حَوزَتِهِ. (3)

ثُمَّ قالَ:یا أهلَ الکوفَةِ ! إنَّ أمیرَ المُؤمِنینَ یَزیدُ وَلّانی بَلَدَکُم،وَاستَعمَلَنی عَلی مِصرِکُم،وأمَرَنی بِقِسمَةِ فَیئِکُم بَینَکُم،وإنصافِ مَظلومِکُم مِن ظالِمِکُم،وأخذِ الحَقِّ لِضَعیفِکُم مِن قَوِیِّکُم،وَالإِحسانِ إلَی السّامِعِ المُطیعِ،وَالتَّشدیدِ عَلَی المُریبِ، فَأَبلِغوا هذَا الرَّجُلَ الهاشِمِیَّ مَقالَتی،لِیَتَّقِیَ غَضَبی.ونَزَلَ.

یَعنی بِالهاشِمِیِّ:مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ (4).

عَلی بابِ دارِهِ،واُلقِیَت تِلکَ العَرافَةُ مِنَ العَطاءِ،وسُیِّرَ إلی مَوضِعٍ بِعُمانَ الزّارَةِ (1).

1099.مطالب السؤول: لَمّا دَخَلَ [ابنُ زِیادٍ] قَصرَ الإِمارَةِ وأصبَحَ،جَمَعَ النّاسَ وقالَ وأرعَدَ وأبرَقَ،وقَتَلَ وفَتَکَ،وسَفَکَ وَانتَهَکَ،وعَمَلُهُ ومَا اعتَمَدَهُ مَشهورٌ فی تَحَیُّلِهِ،حَتّی ظَفِرَ بِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ وقَتَلَهُ. (2)

1100.الفصول المهمّة: دَخَلَ [ابنُ زِیادٍ] القَصرَ وباتَ بِهِ،فَلَمّا أصبَحَ جَمَعَ النّاسَ فَصالَ وجالَ،وقالَ فَطالَ،وأرعَدَ وأبرَقَ،ومَسَکَ جَماعَةً مِن أهلِ الکوفَةِ فَقَتَلَهُم فِی السّاعَةِ،ثُمَّ إنَّهُ تَحَیَّلَ عَلَیهِم حَتّی ظَفِرَ بِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،فَمَسَکَهُ وقَتَلَهُ. (3)

1101.تاریخ الطبری عن یونس بن أبی إسحاق السبیعی: لَمّا بَلَغَ عُبیدَ اللّهِ إقبالُ الحُسَینِ علیه السّلام مِن مَکَّةَ إلَی الکوفَةِ،بَعَثَ الحُصَینَ بنَ تَمیمٍ-صاحِبَ شُرَطِهِ-حَتّی نَزَلَ القادِسِیَّةَ، ونَظَّمَ الخَیلَ ما بَینَ القادِسِیَّةِ إلی خَفّانَ (4)،وما بَینَ القادِسِیَّةِ إلَی القُطقُطانَةِ (5)وإلی لَعلَعٍ (6). (7)

1102.الفتوح: مَضی قَیسٌ إلَی الکوفَةِ،وعُبیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ قَد وَضَعَ المَراصِدَ وَالمَصابیحَ عَلَی

ص:91

الطُّرُقِ،فَلَیسَ أحَدٌ یَقدِرُ أن یَجوزَ إلّافُتِّشَ. (1)

1103.الأخبار الطوال: إنَّ ابنَ زِیادٍ وَجَّهَ بِالحُصَینِ بنِ نُمَیرٍ-وکانَ عَلی شُرَطِهِ-فی أربَعَةِ آلافِ فارِسٍ مِن أهلِ الکوفَةِ،وأمَرَهُ أن یُقیمَ بِالقادِسِیَّةِ إلَی القُطقُطانَةِ،فَیمنَعَ مَن أرادَ النُّفوذَ مِن ناحِیَةِ الکوفَةِ إلَی الحِجازِ،إلّامَن کانَ حاجّاً أو مُعتَمِراً،ومَن لا یُتَّهَمُ بِمُمالَأَةِ (2)الحُسَینِ علیه السّلام. (3)

1104.الإرشاد: کانَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ أمَرَ فَاُخِذَ ما بَینَ واقِصَةَ إلی طَریقِ الشّامِ،إلی طَریقِ البَصرَةِ،فَلا یَدَعونَ أحَداً یَلِجُ (4)ولا أحَداً یَخرُجُ،وأقبَلَ الحُسَینُ علیه السّلام لا یَشعُرُ بِشَیءٍ، حَتّی لَقِیَ الأَعرابَ فَسَأَلَهُم،فَقالوا:لا وَاللّهِ ما نَدری،غَیرَ أنّا لا نَستَطیعُ أن نَلِجَ أو نَخرُجَ ! فَسارَ تِلقاءَ وَجهِهِ علیه السّلام. (5)

1105.تاریخ الطبری عن عقبة بن أبی العیزار: قالَ لَهُمُ الحُسَینُ علیه السّلام:أخبِرونی خَبَرَ النّاسِ وَراءَکُم.فَقالَ لَهُ مُجَمِّعُ بنُ عَبدِ اللّهِ العائِذِیُّ-وهُوَ أحَدُ النَّفَرِ الأَربَعَةِ الَّذینَ جاؤوهُ [مِنَ الکوفَةِ]-:أمّا أشرافُ النّاسِ فَقَد اعظِمَت رِشوَتُهُم،ومُلِئَت غَرائِرُهُم (6)،یُستَمالُ وُدُّهُم،ویُستَخلَصُ بِهِ نَصیحَتُهُم،فَهُم إلبٌ (7)واحِدٌ عَلَیکَ،وأمّا سائِرُ النّاسِ بَعدُ،فَإِنَّ أفئِدَتَهُم تَهوی إلَیکَ،وسُیوفَهُم غَداً مَشهورَةٌ عَلَیکَ. (8)

ص:92

کانَ مِن خُطبَةِ ابنِ زِیادٍ ووَعیدِهِ،فَخافَ عَلی نَفسِهِ.فَخَرَجَ مِنَ الدّارِ الَّتی کانَ فیها بَعدَ عَتَمَةٍ،حَتّی أتی دارَ هانِئِ بنِ وَرَقَةَ المَذحِجِیِّ،وکانَ مِن أشرافِ أهلِ الکوفَةِ، فَدَخَلَ دارَهُ الخارِجَةَ،فَأَرسَلَ إلَیهِ وکانَ فی دارِ نِسائِهِ،یَسأَلُهُ الخُروجَ إلَیهِ،فَخَرَجَ إلَیهِ.وقامَ مُسلِمٌ،فَسَلَّمَ عَلَیهِ،وقالَ:إنّی أتَیتُکَ لِتُجیرَنی وتُضَیِّفَنی.

فَقالَ لَهُ هانِئٌ:لَقَد کَلَّفتَنی شَطَطاً بِهذَا الأَمرِ،ولَولا دُخولُکَ مَنزِلی لَأَحبَبتُ أن تَنصَرِفَ عَنّی،غَیرَ أنَّهُ قَد لَزِمَنی ذِمامٌ لِذلِکَ.فَأَدخَلَهُ دارَ نِسائِهِ،وأفرَدَ لَهُ ناحِیَةً مِنها.وجَعَلَتِ الشّیعَةُ تَختَلِفُ إلَیهِ فی دارِ هانِئٍ. (1)

1109.الملهوف: لَمّا سَمِعَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ بِذلِکَ [أی بِقُدومِ ابنِ زِیادٍ]،خافَ عَلی نَفسِهِ مِنَ الاِشتِهارِ،فَخَرَجَ مِن دارِ المُختارِ،وقَصَدَ دارَ هانِئِ بنِ عُروَةَ فَآواهُ،وکَثُرَ اختِلافُ الشّیعَةِ إلَیهِ،وکانَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ قَد وَضَعَ المَراصِدَ (2)عَلَیهِ. (3)

1110.الفتوح: سَمِعَ بِذلِکَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،وبِقُدومِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ وکَلامِهِ،فَکَأَنَّهُ اتَّقی عَلی نَفسِهِ،فَخَرَجَ مِنَ الدّارِ الَّتی هُوَ فیها فی جَوفِ اللَّیلِ،حَتّی أتی دارَ هانِئِ بنِ عُروَةَ المَذحِجِیِّ-رَحِمَهُ اللّهُ-فَدَخَلَ عَلَیهِ.

فَلَمّا رَآهُ هانِئٌ قامَ إلَیهِ،وقالَ:ما وَراءَکَ؟جُعِلتُ فِداکَ ! فَقالَ مُسلِمٌ:وَرائی ما عَلِمتَ،هذا عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ الفاسِقُ ابنُ الفاسِقِ قَد قَدِمَ الکوفَةَ،فَاتَّقَیتُهُ عَلی نَفسی،وقَد أقبَلتُ إلَیکَ لِتُجیرَنی وتُؤوِیَنی،حَتّی أنظُرَ إلی ما یَکونُ.

فَقالَ لَهُ هانِئُ بنُ عُروَةَ:جُعِلتُ فِداکَ ! وَاللّهِ لَقَد کَلَّفتَنی شَطَطاً،ولَولا دُخولُکَ داری لَأَحبَبتُ أن تَنصَرِفَ،غَیرَ أنّی أری ذلِکَ عاراً عَلَیَّ،أن یَکونَ رَجُلٌ أتانی

ص:94

مُستَجیراً،فَانزِل عَلی بَرَکَةِ اللّهِ.

قالَ:فَنَزَلَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ فی دارِ هانِئٍ المَذحِجِیِّ،وجَعَلَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ یَسأَلُ عَنهُ،فَلَم یَجِد مَن یُرشِدُهُ عَلَیهِ.

وجَعَلَتِ الشّیعَةُ تَختَلِفُ إلی مُسلِمٍ-رَحِمَهُ اللّهُ-فی دارِ هانِئٍ،ویُبایِعونَ لِلحُسَینِ علیه السّلام سِرّاً،ومُسلِمُ بنُ عَقیلٍ یَکتُبُ أسماءَهُم،ویَأخُذُ عَلَیهِمُ العُهودَ وَالمَواثیقَ لا یَرکَنونَ ولا یُعَذِّرونَ،حَتّی بایَعَ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ نَیِّفٌ وعِشرونَ ألفاً.

قالَ:وهَمَّ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ أن یَثِبَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَیَمنَعُهُ هانِئٌ مِن ذلِکَ ویَقولُ:لا تَعجَل ! فَإِنَّ العَجَلَةَ لا خَیرَ فیها. (1)

1111.المناقب لابن شهر آشوب: انتَقَلَ مُسلِمٌ مِن دارِ سالِمٍ إلی دارِ هانِی بنِ عُروَةَ المَذحِجِیِّ فِی اللَّیلِ،ودَخَلَ فی أمانِهِ،وکانَ یُبایِعُهُ النّاسُ،حَتّی بایَعَهُ خَمسَةٌ وعِشرونَ ألفَ رَجُلٍ،فَعَزَمَ عَلَی الخُروجِ،فَقالَ هانی:لا تَعجَل ! (2)

1112.تاریخ الطبری عن عمّار الدهنی عن أبی جعفر[ الباقر ] علیه السّلام :تَحَوَّلَ مُسلِمٌ حینَ قَدِمَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ مِنَ الدّارِ الَّتی کانَ فیها،إلی مَنزِلِ هانِئِ بنِ عُروَةَ المُرادِیِّ. (3)

1113.العقد الفرید عن أبی عبید القاسم بن سلّام: بایَعَ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ أکثَرُ مِن ثَلاثینَ ألفاً مِن أهلِ الکوفَةِ،وخَرَجوا مَعَهُ یُریدونَ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ،فَجَعَلوا کُلَّما انتَهَوا إلی زُقاقٍ انسَلَّ مِنهُم ناسٌ،حَتّی بَقِیَ فی شِرذِمَةٍ (4)قَلیلَةٍ.

ص:95

قالَ:فَجَعَلَ النّاسُ یَرمونَهُ بِالآجُرِّ مِن فَوقِ البُیوتِ،فَلَمّا رَأی ذلِکَ دَخَلَ دارَ هانِئِ بنِ عُروَةَ المُرادِیِّ،وکانَ لَهُ شَرَفٌ ورَأیٌ (1). (2)

1116.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): کَتَبَ [مُسلِمٌ] إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام:إنّی قَدِمتُ الکوفَةَ،فَبایَعَنی مِنهُم إلی أن کَتَبتُ إلَیکَ ثَمانِیَةَ عَشَرَ ألفاً، فَعَجِّلِ القُدومَ؛فَإِنَّهُ لَیسَ دونَها مانِعٌ. (1)

1117.الأخبار الطوال: وَرَدَ کِتابُ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام:إنَّ الرّائِدَ لا یَکذِبُ أهلَهُ،وقَد بایَعَنی مِن أهلِ الکوفَةِ ثَمانِیَةَ عَشَرَ ألفَ رَجُلٍ،فَاقدَم؛فَإِنَّ جَمیعَ النّاسِ مَعَکَ،ولا رَأیَ لَهُم فی آلِ أبی سُفیانَ. (2)

1118.الإرشاد: کَتَبَ مُسلِمٌ-رَحِمَهُ اللّهُ-إلَی الحُسَینِ علیه السّلام یُخبِرُهُ بِبَیعَةِ ثَمانِیَةَ عَشَرَ ألفاً، ویَأمُرُهُ بِالقُدومِ. (3)

1119.تاریخ الطبری عن عمّار الدهنی عن أبی جعفر [ الباقر ] علیه السّلام :کَتَبَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام یُخبِرُهُ بِبَیعَةِ اثنَی عَشَرَ ألفاً مِن أهلِ الکوفَةِ،ویَأمُرُهُ بِالقُدومِ (4).

1120.البدایة والنهایة: کَتَبَ مُسلِمٌ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام لِیَقدَمَ عَلَیها [أیِ الکوفَةِ]،فَقَد تَمَهَّدَت (5)لَهُ البَیعَةُ وَالاُمورُ (6).

ص:97

شَریکُ بنُ الأَعوَرِ،وکانَ کَریماً عَلَی ابنِ زِیادٍ،وعَلی غَیرِهِ مِنَ الاُمَراءِ،وکانَ شَدیدَ التَّشَیُّعِ،فَأَرسَلَ إلَیهِ عُبَیدُ اللّهِ:إنّی رائِحٌ إلَیکَ العَشِیَّةَ.

فَقالَ لِمُسلِمٍ:إنَّ هذَا الفاجِرَ عائِدِی العَشِیَّةَ،فَإِذا جَلَسَ فَاخرُج إلَیهِ فَاقتُلهُ،ثُمَّ اقعُد فِی القَصرِ لَیسَ أحَدٌ یَحولُ بَینَکَ وبَینَهُ،فَإِن بَرِئتُ مِن وَجَعی هذا أیّامی هذِهِ، سِرتُ إلَی البَصرَةِ وکَفَیتُکَ أمرَها.

فَلَمّا کانَ مِنَ العَشِیِّ أقبَلَ عُبَیدُ اللّهِ لِعِیادَةِ شَریکٍ،فَقامَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ لِیَدخُلَ، وقالَ لَهُ شَریکٌ:لا یَفوتَنَّکَ إذا جَلَسَ،فَقامَ هانِئُ بنُ عُروَةَ إلَیهِ فَقالَ:إنّی لا احِبُّ أن یُقتَلَ فی داری.کَأَنَّهُ استَقبَحَ ذلِکَ.

فَجاءَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ،فَدَخَلَ فَجَلَسَ،فَسَأَلَ شَریکاً عَن وَجَعِهِ،وقالَ:مَا الَّذی تَجِدُ،ومَتَی اشکیتَ؟فَلَمّا طالَ سُؤالُهُ إیّاهُ،ورَأی أنَّ الآخَرَ لا یَخرُجُ،خَشِیَ أن یَفوتَهُ،فَأَخَذَ یَقولُ:«ما تَنظُرونَ بِسَلمی أن تُحَیّوها» (1)اسقِنیها وإن کانَت فیها نَفسی، فَقالَ ذلِکَ مَرَّتَینِ أو ثَلاثاً.

فَقالَ عُبَیدُ اللّهِ-ولا یَفطُنُ-:ما شَأنُهُ؟! أتَرَونَهُ یَهجُرُ (2)؟فَقالَ لَهُ هانِئٌ:نَعَم أصلَحَکَ اللّهُ ! ما زالَ هذا دَیدَنُهُ قُبَیلَ عَمایَةِ الصُّبحِ حَتّی ساعَتِهِ هذِهِ.ثُمَّ إنَّهُ قامَ فَانصَرَفَ.

فَخَرَجَ مُسلِمٌ،فَقالَ لَهُ شَریکٌ:ما مَنَعَکَ مِن قَتلِهِ؟فَقالَ:خَصلَتانِ:أمّا إحداهُما فَکَراهَةُ هانِئٍ أن یُقتَلَ فی دارِهِ،وأمَّا الاُخری فَحَدیثٌ حَدَّثَهُ النّاسُ عَنِ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله:

ص:99

إنَّ الإیمانَ قَیَّدَ الفَتکَ (1)،ولا یَفتِکُ مُؤمِنٌ. (2)

فَقالَ هانِئٌ:أمَا وَاللّهِ لَو قَتَلتَهُ لَقَتَلتَ فاسِقاً فاجِراً کافِراً غادِراً،ولکن کَرِهتُ أن یُقتَلَ فی داری،ولَبِثَ شَریکُ بنُ الأَعوَرِ بَعدَ ذلِکَ ثَلاثاً ثُمَّ ماتَ.

فَخَرَجَ ابنُ زِیادٍ فَصَلّی عَلَیهِ،وبَلَغ عُبَیدَ اللّهِ بَعدَما قَتَلَ مُسلِماً وهانِئاً،أنَّ ذلِکَ الَّذی کُنتَ سَمِعتَ مِن شَریکٍ فی مَرَضِهِ،إنَّما کانَ یُحَرِّضُ مُسلِماً ویَأمُرُهُ بِالخُروجِ إلَیکَ لِیَقتُلَکَ،فَقالَ عُبَیدُ اللّهِ:وَاللّهِ لا اصَلّی عَلی جَنازَةِ رَجُلٍ مِن أهلِ العِراقِ أبَداً، ووَاللّهِ لَولا أنَّ قَبرَ زِیادٍ فیهِم لَنَبَشتُ شَریکاً. (3)

1123.الأخبار الطوال: کانَ هانِئُ بنُ عُروَةَ مُواصِلاً لِشَریکِ بنِ الأَعوَرِ البَصرِیِّ الَّذی قامَ (4)مَعَ ابنِ زِیادٍ،وکانَ ذا شَرَفٍ بِالبَصرَةِ وخَطَرٍ،فَانطَلَقَ هانِئٌ إلَیهِ حَتّی أتی بِهِ مِنزِلَهُ، وأنزَلَهُ مَعَ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ فِی الحُجرَةِ الَّتی کانَ فیها.وکانَ شَریکٌ مِن کِبارِ الشّیعَةِ بِالبَصرَةِ،فَکانَ یَحُثُّ هانِئاً عَلَی القِیامِ بِأَمرِ مُسلِمٍ،وجَعَلَ مُسلِمٌ یُبایِعُ مَن أتاهُ منِ أهلِ الکوفَةِ،ویَأخُذُ عَلَیهِمُ العُهودَ وَالمَواثیقَ المُؤَکَّدَةَ بِالوَفاءِ.

ومَرِضَ شَریکُ بنُ الأَعوَرِ فی مَنزِلِ هانِئِ بنِ عُروَةَ مَرَضاً شَدیداً،وبَلَغَ ذلِکَ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ،فَأَرسَلَ إلَیهِ یُعلِمُهُ أنَّهُ یَأتیهِ عائِداً.

فَقالَ شَریکٌ لِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ:إنَّما غایَتُکَ وغایَةُ شیعَتِکَ هَلاکُ هذَا الطّاغِیَةِ،وقَد أمکَنَکَ اللّهُ مِنهُ،هُوَ صائِرٌ إلَیَّ لِیعودَنی،فَقُم فَادخُلِ الخِزانَةَ حَتّی إذَا اطمَأَنَّ عِندی،

ص:100

فَاخرُج إلَیهِ فَقاتِلهُ (1)،ثُمَّ صِر إلی قَصرِ الإِمارَةِ فَاجلِس فیهِ؛فَإِنَّهُ لا یُنازِعُکَ فیه أحَدٌ مِنَ النّاسِ،وإن رَزَقنِیَ اللّهُ العافِیَةَ صِرتُ إلَی البَصرَةِ،فَکَفَیتُکَ أمرَها،وبایَعَ لَکَ أهلُها.

فَقالَ هانِئُ بنُ عُروَةَ:ما احِبُّ أن یُقتَلَ فی دارِی ابنُ زِیادٍ.

فَقالَ لَهُ شَریکٌ:ولِمَ،فَوَاللّهِ إنَّ قَتلَهُ لَقُربانٌ إلَی اللّهِ؟! ثُمَّ قالَ شَریکٌ لِمُسلِمٍ:لا تُقَصِّر فی ذلِکَ.

فَبَینَما هُم عَلی ذلِکَ إذ قیلَ لَهُم:الأَمیرُ بِالبابِ.فَدَخَلَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ الخِزانَةَ، ودَخَلَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ عَلی شَریکٍ،فَسَلَّمَ عَلَیهِ،وقالَ:مَا الَّذی تَجِدُ وتَشکو؟ فَلَمّا طالَ سُؤالُهُ إیّاهُ استَبطَأَ شَریکٌ خُروجَ مُسلِمٍ،وجَعَلَ یَقولُ،ویُسمِعُ مُسلِماً:

ما تَنظُرونَ بِسَلمی عِندَ فُرصَتِها فَقَد وَفی وُدُّها واستَوسَقَ الصَّرَمُ

وجَعَلَ یُرَدِّدُ ذلِکَ.فَقالَ ابنُ زِیادٍ لِهانِئٍ:أیهَجُرُ؟-یَعنی یَهذی-.قالَ هانِئٌ:نَعَم، أصلَحَ اللّهُ الأَمیرَ ! لَم یَزَل هکَذا مُنذُ أصبَحَ.ثُمَّ قامَ عُبَیدُ اللّهِ وخَرَجَ،فَخَرَجَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ مِنَ الخِزانَةِ.

فَقالَ شَریکٌ:مَا الَّذی مَنَعَکَ مِنهُ إلَّاالجُبنُ وَالفَشَلُ !

قالَ مُسلِمٌ:مَنَعَنی مِنهُ خَلَّتانِ:إحداهُما کَراهِیَةُ هانِئٍ لِقَتلِهِ فی مَنزِلِهِ،وَالاُخری قَولُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:إنَّ الإیمان قَیَّدَ الفَتکَ،لا یَفتِکُ مُؤمِنٌ.

فَقالَ شَریکٌ:أمَا وَاللّهِ لَو قَتَلتَهُ لَاستَقامَ لَکَ أمرُکَ،وَاستَوسَقَ (2)لَکَ سُلطانُکَ.ولَم یَعِش شَریکٌ بَعدَ ذلِکَ إلّاأیّاماً حَتّی تُوُفِّیَ،وشَیَّعَ ابنُ زِیادٍ جَنازَتَهُ،وتَقَدَّمَ فَصَلّی عَلَیهِ.

ص:101

ولَم یَزَل مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ یَأخُذُ البَیعَةَ مِن أهلِ الکوفَةِ،حَتّی بایَعَهُ مِنهُم ثَمانِیَةَ عَشَرَ ألفَ رَجُلٍ فی سِترٍ ورِفقٍ. (1)

1124.الفتوح: مَرِضَ شَریکُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَعوَرُ الهَمدانِیُّ فی مَنزِلِ هانِئِ بنِ عُروَةَ،وعَزَمَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ عَلی أن یَصیرَ إلَیهِ فَیَجتَمِعَ بِهِ،ودَعا شَریکُ بنُ عَبدِ اللّهِ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ،فَقالَ لَهُ:جُعِلتُ فِداکَ ! غَداً یَأتینی هذَا الفاسِقُ عائِداً،وأنَا مُشغِلُهُ لَکَ بِالکَلامِ،فَإِذا فَعَلتُ ذلِکَ فَقُم أنتَ اخرُج إلَیهِ مِن هذِهِ الدّاخِلَةِ فَاقتُلُه،فَإِن أنَا عِشتُ فَسَأَکفیکَ أمرَ النُّصرَةِ (2)إن شاءَ اللّهُ.

قالَ:فَلَمّا أصبَحَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ،رَکِبَ وسارَ یُریدُ دارَ هانِئٍ (3)،لِیَعودَ شَریکَ بنَ عَبدِ اللّهِ،قالَ:فَجَلَسَ وجَعَلَ یَسأَلُ مِنهُ.

قالَ:وهَمَّ مُسلِمٌ أن یَخرُجَ إلَیهِ لِیَقتُلَهُ فَمَنَعَهُ مِن ذلِکَ صاحِبُ المَنزِلِ هانِئٌ،ثُمَّ قالَ:جُعِلتُ فِداکَ،فی داری صِبیَةٌ وإماءٌ،وأنَا لا آمَنُ الحَدَثانَ (4).قالَ:فَرَمی مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ السَّیفَ مِن یَدِهِ وجَلَسَ ولَم یَخرُج،وجَعَلَ شَریکُ بنُ عَبدِ اللّهِ یَرمُقُ الدّاخِلَةَ،وهُوَ یَقولُ:

ما تَنظُرونَ بِسَلمی عِندَ فُرصَتِها فَقَد وَفی وُدُّها وَاستَوسَقَ الصَّرَمُ

فَقالَ لَهُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ:ما یَقولُ الشَّیخُ؟فَقیلَ لَهُ:إنَّهُ مُبرَسَمٌ (5)أصلَحَ اللّهُ الأَمیرَ ! قالَ:فَوَقَعَ فی قَلبِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ أمرٌ مِنَ الاُمورِ،فَرَکِبَ مِن ساعَتِهِ

ص:102

ورَجَعَ إلَی القَصرِ.

وخَرَجَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ إلی شَریکِ بنِ عَبدِ اللّهِ مِن داخِلِ الدّارِ،فَقالَ لَهُ شَریکٌ:یا مَولایَ ! جُعِلتُ فِداکَ ! مَا الَّذی مَنَعَکَ مِنَ الخُروجِ إلَی الفاسِقِ،وقَد کُنتُ أمَرتُکَ بِقَتلِهِ،وشَغَلتُهُ لَکَ بِالکَلامِ؟!

فَقالَ:مَنَعَنی مِن ذلِکَ حَدیثٌ سَمِعتُهُ مِن عَمّی عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام أنَّهُ قالَ:

«الإیمانُ قَیَّدَ الفَتکَ»،فَلَم احِبَّ أن أقتُلَ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ فی مَنزِلِ هذَا الرَّجُلِ.فَقالَ لَهُ شَریکٌ:وَاللّهِ لَو قَتَلتَهُ،لَقَتَلتَ فاسِقاً فاجِراً مُنافِقاً.

قالَ:ثُمَّ لَم یَلبَث شَریکُ بنُ عَبدِ اللّهِ إلّاثَلاثَةَ أیّامٍ حَتّی ماتَ-رَحِمَهُ اللّهُ-وکانَ مِن خِیارِ الشّیعَةِ،غَیرَ أنَّهُ یَکتُمُ ذلِکَ إلّاعَمَّن یَثِقُ بِهِ مِن إخوانِهِ.

قالَ:وخَرَجَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ فَصَلّی عَلَیهِ،ورَجَعَ إلی قَصرِهِ. (1)

1125.مثیر الأحزان: نَزَلَ [مُسلِمٌ] دَارَ هانِی بنِ عُروَةَ،وَاختَلَفَ إلَیهِ الشّیعَةُ،وألَحَّ عُبَیدُ اللّهِ فی طَلَبِهِ،ولا یَعلَمُ أینَ هُوَ،وکانَ شَریکُ بنُ الأَعوَرِ الهَمدانِیُّ قَدِمَ مِنَ البَصرَةِ مَعَ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،ونَزَلَ دارَ هانِی بنِ عُروَةَ،وکانَ شَریکٌ مِن مُحِبّی أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السّلام وشیعَتِهِ،عَظیمَ المَنزِلَةِ،جَلیلَ القَدرِ،فَمَرِضَ وسَأَلَ عُبَیدُ اللّهِ عَنهُ،فَاُخبِرَ أنَّهُ مَوعوکٌ،فَأَرسَلَ ابنُ زِیادٍ إلَیهِ:إنّی رائِحٌ إلَیکَ فی هذِهِ اللَّیلَةِ لِعِیادَتِکَ.

فَقالَ شَریکٌ لِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ:یَابنَ عَمِّ رَسولِ اللّهِ،إنَّ ابنَ زِیادٍ یُریدُ عِیادَتی، فَادخُل بَعضَ الخَزائِنِ،فَإِذا جَلَسَ فَاخرُج وَاضرِب عُنُقَهُ،وأنَا أکفیکَ أمرَ مَن بِالکوفَةِ مَعَ العافِیَةِ.

وکانَ مُسلِمٌ-رَحِمَهُ اللّهُ-شُجاعاً مِقداماً جَسوراً،فَفَعَلَ ما أشارَ بِهِ شَریکٌ،

ص:103

فَجاءَ عُبَیدُ اللّهِ،وسَأَلَ شَریکاً عَن حالِهِ وسَبَبِ مَرَضِهِ،وشَریکٌ عَینُهُ إلَی الخِزانَةِ وامِقَةٌ،وطالَ ذلِکَ فَجَعَلَ یَقولُ:«مَا الاِنتِظارُ بِسَلمی لا تُحَیّیها»یُکرِّرُ ذلِکَ،فَأَنکَرَ عُبَیدُ اللّهِ القَولَ،وَالتَفَتَ إلی هانِی بنِ عُروَةَ،وقالَ:ابنُ عَمِّکَ یَخلِطُ فی عِلَّتِهِ! وهانی قَد ارتَعَدَ وتَغَیَّرَ وَجهُهُ.

فَقالَ هانی:إنَّ شَریکاً یَهجُرُ مُنذُ وَقَعَ فِی المَرَضِ،ویَتَکَلَّمُ بِما لا یَعلَمُ.

فَثارَ عُبَیدُ اللّهِ خارِجاً نَحوَ قَصرِ الإِمارَةِ مَذعوراً،فَخَرَجَ مُسلِمٌ وَالسَّیفُ فی کَفِّهِ، وقالَ لَهُ شَریکٌ:یا هذا،ما مَنَعَکَ مِنَ الأَمرِ؟قالَ مُسلِمٌ:لَمّا هَمَمتُ بِالخُروجِ تَعَلَّقَت بِیَ امرَأَةٌ،قالَت:ناشَدتُکَ اللّهَ إن قَتَلتَ ابنَ زِیادٍ فی دارِنا،وبَکَت فی وَجهی،فَرَمَیتُ السَّیفَ وجَلَستُ.

قالَ هانی:یا وَیلَها،قَتَلَتنی وقَتَلَت نَفسَها،وَالَّذی فَرَرتُ مِنهُ وَقَعتُ فیهِ. (1)

1126.إعلام الوری: نَزَلَ شَریکُ بنُ الأَعوَرِ دارَ هانِئِ بنِ عُروَةَ أیضاً ومَرِضَ،فَاُخبِرَ بِأَنَّ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ یَأتیهِ یَعودُهُ،فَقالَ لِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ:اُدخُل هذَا البَیتَ،فَإِذا دَخَلَ هذَا اللَّعینُ،وتَمَکَّنَ جالِساً،فَاخرُج إلَیهِ وَاضرِبهُ ضَربَةً بِالسَّیفِ تَأتی عَلَیهِ،وقَد حَصَلَ المُرادُ وَاستَقامَ لَکَ البَلَدُ،ولَو مَنَّ اللّهُ عَلَیَّ بِالصِّحَّةِ،ضَمِنتُ لَکَ استِقامَةَ أمرِ البَصرَةِ.

فَلَمّا دَخَلَ ابنُ زِیادٍ،وأمکَنَهُ ما وافَقَهُ عَلَیهِ،بَدا لَهُ فی ذلِکَ ولَم یَفعَل،وَاعتَذَرَ إلی شَریکٍ بَعدَ فَواتِ الأَمرِ بِأَنَّ ذلِکَ کانَ یَکونُ فَتکاً،وقَد قالَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله:«إنَّ الإیمانَ قَیَّدَ الفَتکَ».

فَقالَ:أمَا وَاللّهِ لَو قَد قَتَلتَهُ،لَقَتَلتَ غادِراً فاجِراً کافِراً.ثُمَّ ماتَ شَریکٌ مِن تِلکَ

ص:104

العِلَّةِ،رَحِمَهُ اللّهُ. (1)

1127.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): کانَ قَدِمَ مَعَ عُبَیدِ اللّهِ مِنَ البَصرَةِ شَریکُ بنُ الأَعوَرِ الحارِثیُّ،وکانَ شیعَةً لِعَلِیٍّ علیه السّلام،فَنَزَلَ أیضاً عَلی هانِئِ بنِ عُروَةَ، فَاشتَکی شَریکٌ،فَکانَ عُبَیدُ اللّهِ یَعودُهُ فی مَنزِلِ هانِئٍ،ومُسلِمُ بنُ عَقیلٍ هُناکَ لا یَعلَمُ بِهِ،فَهَیَّؤوا لِعُبَیدِ اللّهِ ثَلاثینَ رَجُلاً،یَقتُلونَهُ إذا دَخَلَ عَلَیهِم.

وأقبَلَ عُبَیدُ اللّهِ فَدَخَلَ عَلی شَریکٍ یَسأَلُ بِهِ.فَجَعَلَ شَریکٌ یَقولُ:«ما تَنظُرونَ بِسَلمی أن تُحَیّوها».اِسقونی ولَو کانَت فیها نَفسی.

فَقالَ عُبَیدُ اللّهِ:ما یَقولُ؟قالوا:یَهجُرُ،وتَحَشحَشَ (2)القَومُ فِی البَیتِ،فَأَنکَرَ عُبَیدُ اللّهِ ما رَأی مِنهُم،فَوَثَبَ فَخَرَجَ،ودَعا مَولیً لِهانِئِ بنِ عُروَةَ-کانَ فِی الشُّرطَةِ (3)- فَسَأَلَهُ،فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ.

فَقالَ:أو لا (4).ثُمَّ مَضی حَتّی دَخَلَ القَصرَ. (5)

1128.سیر أعلام النبلاء: قَدِمَ مَعَ عُبَیدِ اللّهِ شَریکُ بنُ الأَعوَرِ-شیعِیٌّ-فَنَزَلَ عَلی هانِئِ بنِ عُروَةَ،فَمَرِضَ،فَکانَ عُبَیدُ اللّهِ یَعودُهُ،فَهَیَّؤوا لِعُبَیدِ اللّهِ ثَلاثینَ رَجُلاً لِیَغتالوهُ،فَلَم یَتِمَّ ذلِکَ،وفَهِمَ عُبَیدُ اللّهِ فَوَثَبَ وخَرَجَ. (6)

1129.أنساب الأشراف: مَرِضَ هانِئُ بنُ عُروَةَ المُرادِیُّ،فَأَتاهُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ عائِداً،فَقیلَ لِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ:اُخرُج إلَیهِ فَاقتُلهُ.فَکَرِهَ هَانِئٌ أن یَکونَ قَتلُهُ فی مَنزِلِهِ،فَأَمسَکَ

ص:105

مُسلِمٌ عَنهُ.

ونَزَلَ شَریکُ بنُ الأَعوَرِ الحارِثیُّ-أیضاً-عَلی هانِئِ بنِ عُروَةَ،فَمَرِضَ عِندَهُ فَعادَهُ ابنُ زِیادٍ،وکانَ شَریکٌ شیعِیّاً،شَهِدَ الجَمَلَ وصِفّینَ مَعَ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَقالَ لِمُسلِمٍ:

إنَّ هذَا الرَّجُلَ یَأتینی عائِداً،فَاخرُج إلَیهِ فَاقتُلهُ.فَلَم یَفعَل [مُسلِمٌ] لِکَراهَةِ هانِئٍ ذلِکَ.

فَقالَ شَریکٌ:ما رَأَیتُ أحَداً أمکَنَتهُ فُرصَةٌ فَتَرَکَها إلّاأعقَبَتهُ نَدَماً وحَسرَةً،وأنتَ أعلَمُ ! وما عَلی هانِئٍ فی هذا لَولا الحَصرُ ! وماتَ شَریکُ بنُ الأَعوَرِ فی دارِ هانِئٍ مِن مَرَضِهِ ذلِکَ.واسمُ الأَعوَرِ الحارِثُ. (1)

1130.الإمامة والسیاسة: دَخَلَ [مُسلِمٌ] دارَ هانِئِ بنِ عُروَةَ المُرادِیِّ،وکانَ لَهُ فیهِم رَأیٌ.

فَقالَ لَهُ هانِئُ بنُ عُروَةَ:إنَّ لی مِنِ ابنِ زِیادٍ مَکاناً،سَوفَ أتَمارَضُ لَهُ،فَإِذا جاءَ یَعودُنی فَاضرِب عُنُقَهُ.

قالَ:فَقیلَ لِابنِ زِیادٍ:إنَّ هانِئَ بنَ عُروَةَ شاکٍ یَقیءُ الدَّمَ.قالَ:وشَرِبَ المَغرَةَ (2)فَجَعَلَ یَقیؤُها.

قالَ:فَجاءَ ابنُ زِیادٍ یَعودُهُ،وقالَ لَهُم هانِئٌ:إذا قُلتُ لَکُم«اِسقونی»فَاخرُج إلَیهِ فَاضرِب عُنُقَهُ،فَقالَ:اِسقونی،فَأَبطَؤوا عَلَیهِ،فَقالَ:وَیحَکُم ! اسقونی ولَو کانَ فیهِ ذَهابُ نَفسی.

قالَ:فَخَرَجَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ ولَم یَصنَعِ الآخَرُ شَیئاً،وکانَ مِن أشجَعِ النّاسِ، ولکِنَّهُ أخَذَتهُ کَبوَةٌ (3)،فَقیلَ لِابنِ زِیادٍ:وَاللّهِ إنّ فِی البَیتِ رَجُلاً مُتَسَلِّحاً. (4)

ص:106

1131.تاریخ الیعقوبی: قَدِمَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ الکوفَةَ،وبِها مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ قَد نَزَلَ عَلی هانِئ بنِ عُروَةَ،وهانِئٌ شَدیدُ العِلَّةِ،وکانَ صَدیقاً لاِبنِ زِیادٍ.

فَلَمّا قَدِمَ ابنُ زِیادٍ الکوفَةَ اخبِرَ بِعِلَّةِ هانِئٍ،فَأَتاهُ لِیَعودَهُ،فَقالَ هانِئٌ لِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ وأصحابِهِ-وهُم جَماعَةٌ-:إذا جَلَسَ ابنُ زِیادٍ عِندی وتَمَکَّنَ،فَإِنّی سَأَقولُ:

«اِسقونی»،فَاخرُجوا فَاقتُلوهُ.

فَأدخَلَهُمُ البَیتَ وجَلَسَ فِی الرِّواقِ (1)،وأتاهُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ یَعودُهُ،فَلَمّا تَمَکَّنَ، قالَ هانِئُ بنُ عُروَةَ:اِسقونی ! فَلَم یَخرُجوا،فَقالَ:اِسقونی،ما یُؤَخِّرُکُم؟ثُمَّ قالَ:

اسقونی،ولَو کانَت فیهِ نَفسی،فَفَهِمَ ابنُ زِیادٍ،فَقامَ فَخَرَجَ مِن عِندِهِ،ووَجَّهَ بالشُّرَطِ یَطلبُونَ مُسلِماً،وخَرَجَ وأصحابُهُ وهُوَ لا یَشُکَّ فی وَفاءِ القَومِ وصِحَّةِ نِیّاتِهِم،فَقاتَلَ [مُسلِمٌ] عُبَیدَ اللّهِ،فَأَخَذوهُ فَقَتَلَهُ عُبَیدُ اللّهِ،وجَرَّ بِرِجلِهِ فِی السّوقِ،وقَتَلَ هانِئَ بنَ عُروَةَ لِنُزولِ مُسلِمٍ مَنزِلَهُ،وإعانَتِهِ إیّاهُ. (2)

1132.البدایة والنهایة: تَحَوَّلَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ إلی دارِ هانِئِ بنِ حمیدِ بنِ عُروَةَ المُرادِیِّ،ثُمَّ إلی دارِ شَریکِ بنِ الأَعوَرِ-وکانَ مِنَ الاُمَراءِ الأَکابِرِ-وبَلَغَهُ أنَّ عُبَیدَ اللّهِ یُریدُ عِیادَتَهُ،فَبَعَثَ إلی هانِئٍ یَقولُ لَهُ:اِبعَث مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ حَتّی یَکونَ فی داری لِیَقتُلَ عُبَیدَ اللّهِ إذا جاءَ یَعودُنی.فَبَعَثَهُ إلَیهِ،فَقالَ لَهُ شَریکٌ:کُن أنتَ فِی الخِباءِ،فَإِذا جَلَسَ عُبَیدُ اللّهِ،فَإِنّی أطلُبُ الماءَ-وهِیَ إشارَتی إلَیکَ-فَاخرُج فَاقتُلهُ.

فَلَمّا جاءَ عُبَیدُ اللّهِ جَلَسَ عَلی فِراشِ شَریکٍ،وعِندَهُ هانِئُ بنُ عُروَةَ،وقامَ مِن بَینِ یَدَیهِ غُلامٌ یُقالُ لَهُ مِهرانُ،فَتَحَدَّثَ عِندَهُ ساعَةً،ثُمَّ قالَ شَریکٌ:اِسقونی،فَتَجَبَّنَ

ص:107

مُسلِمٌ عَن قَتلِهِ،وخَرَجَت جارِیَةٌ بِکوزٍ مِن ماءٍ فَوَجَدَت مُسلِماً فِی الخِباءِ، فَاستَحیَت ورَجَعَت بِالماءِ ثَلاثاً،ثُمَّ قالَ:اِسقونی ولَو کانَ فیهِ ذَهابُ نَفسی، أتَحمونَنی مِنَ الماءِ؟فَفَهِمَ مِهرانُ الغَدرَ،فَغَمَزَ مَولاهُ،فَنَهَضَ سَریعاً وخَرَجَ.

فَقالَ شَریکٌ:أیُّهَا الأَمیرُ ! إنّی اریدُ أن اوصِیَ إلَیکَ،فَقالَ:سَأَعودُ !

فَخَرَجَ بِهِ مَولاهُ فَأَرکَبَهُ وطَرَّدَ بِهِ-أی ساقَ بِهِ-وجَعَلَ یَقولُ لَهُ مَولاهُ:إنَّ القَومَ أرادوا قَتلَکَ،فَقالَ:وَیحَکَ،إنّی بِهِم لَرَفیقٌ،فَما بالُهُم؟!

وقالَ شَریکٌ لِمُسلِمٍ:ما مَنَعَکَ أن تَخرُجَ فَتَقتُلَهُ؟قالَ:حَدیثٌ بَلَغَنی عَن رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله أنَّهُ قالَ:الإیمانُ ضِدُّ الفَتکِ،لا یَفتِکُ مُؤمِنٌ،وکَرِهتُ أن أقتُلَهُ فی بَیتِکَ.

فَقالَ:أما لَو قَتَلتَهُ لَجَلَستَ فِی القَصرِ،لَم یَستَعِدَّ مِنهُ أحَدٌ،ولَیُکفَیَنَّکَ أمرُ البَصرَةِ، ولَو قَتَلتَهُ لَقَتَلتَ ظالِماً فاجِراً.وماتَ شَریکٌ بَعدَ ثَلاثٍ. (1)

1133.الأمالی للشجری عن سعید بن خالد: مَرِضَ شَریکُ بنُ الأَعورِ،ومُسلِمٌ فی مَنزِلِهِ فی حَجَلَةٍ (2)لِشَریکٍ ومَعَهُ السَّیفُ،فَقالَ لَهُ شَریکٌ:إنَّ عُبَیدَ اللّهِ-یَعنی ابنَ زِیادٍ- سَیَأتینی عائِداً السّاعَةَ،فَإِذا جاءَکَ فَدونَکَ هُوَ.فَجاءَ عُبَیدُ اللّهِ فَدَخَلَ عَلَیهِ وسَأَلَهُ، وخَرَجَ عُبَیدُ اللّهِ فَلَم یَصنَع مُسلِمٌ شَیئاً.

وتَحَوَّلَ مُسلِمٌ إلی هانِئِ بنِ عُروَةَ المُرادِیِّ،وبَلَغَ عُبَیدَ اللّهِ الخَبَرُ،فَقالَ:وَاللّهِ لَولا أن تَکونَ سُبَّةً،لَسَبَبتُ شَریکاً. (3)

ص:108

أن یتمّ ذلک فی داره،والآخر:الحدیث الذی نقل عن النبیّ صلّی اللّه علیه و آله:

إنَّ الإیمانَ قَیَّدَ الفَتکَ،ولا یَفتِکُ مُؤمِنٌ. (1)

وقد جاء فی بعض الروایات أنّ مسلماً ذکر أنّ سبب امتناعه هو الحدیث المشار إلیه فحسب. (2)

وجاء فی روایة اخری أنّ مسلماً اعتبر أنّ سبب امتناعه إنّما هو کراهة هانی لذلک. (3)

وجاء فی نقل آخر أنّ مسلماً أشار إلی عاملین لتبریر عمله:الأوّل حدیث«الفتک»، والآخر أنّه لم یکن یرغب فی أن یتمّ هذا العمل فی دار شریک بن الأعور. (4)

ومن خلال التأمّل فی هذه الروایات المتناقضة،فإنّ الملاحظة الاُولی التی تتبادر إلی الذهن هی کونها منتحلة کلّها،للأسباب التالیة:

أوّلاً:مجیء ابن زیاد إلی بیوت محبّی مسلم یعنی وضع نفسه فی معرض الخطر،وإذا أخذنا بنظر الاعتبار الدهاء السیاسی لابن زیاد وأوضاع الکوفة المتأزّمة،فإنّه لایمکن تصدیق وقوع هذا التصرّف غیر المحتاط من قبله،خاصّة وإنّه کان یعلم من خلال جاسوسه أنّ مسلماً مختبئ فی دار هانی.

ثانیاً:تعدّ السرّیة أهمّ شروط تنفیذ مخطّط الاغتیال،وهذا المعنی یتنافی مع تواجد ثلاثین رجلاً لا ضرورة لجلبهم لاغتیال شخص واحد.

ثالثاً:إذا کان مخطّط اغتیال ابن زیاد حقیقیاً،فإنّ التدبیر السیاسی والأمنی کان یقتضی أن یوکل تنفیذه إلی شخص غیر مسلم الذی کان یتولّی قیادة ثورة الکوفة.

وعلی هذا الأساس یمکن القول:إنّ مخطّط اغتیال ابن زیاد کان مفتعلاً ومنتحلاً من

ص:110

قبله هو نفسه وأعوانه،بهدف تبریر إقدامهم ضدّ مسلم علیه السّلام وزعماء القبائل الموالین له.

وإذا لم نأخذ بالتحلیل المذکور واعتبرنا المخطّط المذکور حقیقیاً،فإنّ الروایة الثانیة والتی تفید اکتشاف ابن زیاد للمخطّط عن طریق القرائن،أو الروایة الثالثة التی تصرّح بأنّ امرأة حالت دون تنفیذه فی دار هانی،أقرب إلی الصحّة.

وأمّا صحّة الروایات الاُخری التی تفید أنّ مسلماً علیه السّلام انثنی عن عزمه علی قتل ابن زیاد عند تذکّره لحدیث«الفتک»فإنّها مستبعدة للغایة،بل یمکن القول إنّها إهانة لمسلم علیه السّلام.

وهل یمکن القول:إنّ سفیر الإمام علیه السّلام لم یکن یعلم بحکم المخطّط المذکور عند التصمیم له، ثمّ ینثنی عن عزمه عند تنفیذه لتذکّره حدیث«الفتک»؟!

علی أنّ سائر ماجاء فی الروایات المذکورة فی سبب امتناع مسلم علیه السّلام عن تنفیذ مخطّط الاغتیال،یبلغ من الوهن والضعف حدّاً یجعله لا یستحقّ النقد.

وممّا یجدر ذکره أنّ البلاذری ذکر روایة اخری حول محاولة اغتیال ابن زیاد علی ید عمّار بن أبی سلامة،ولکنّه فشل هو الآخر،وهذا هو نصّ الروایة:

وهمّ عمار بن أبی سلامة الدالانی أن یفتک بعبید اللّه بن زیاد فی عسکره بالنخیلة (1)فلم یمکنه ذلک،فلطف حتّی لحق بالحسین علیه السّلام فقُتل معه. (2)

ص:111

فَأَخَذَ بَیعَتَهُ قَبلَ أن یَبرَحَ،وأخَذَ عَلَیهِ المَواثیقَ المُغَلَّظَةَ،لَیُناصِحَنَّ ولَیَکتُمَنَّ، فَأَعطاهُ مِن ذلِکَ ما رَضِیَ بِهِ،ثُمَّ قالَ لَهُ:اِختَلِف إلَیَّ أیّاماً فی مَنزِلی،فَأَنَا طالِبٌ لَکَ الإِذنَ عَلی صاحِبِکَ.فَأَخَذَ یَختَلِفُ مَعَ النّاسِ،فَطَلَبَ لَهُ الإِذنَ....

ثُمَّ إنَّ مَعقِلاً-مَولَی ابنِ زِیادٍ الَّذی دَسَّهُ بِالمالِ إلَی ابنِ عَقیلٍ وأصحابِهِ-اختَلَفَ إلی مُسلِمِ بنِ عَوسَجَةَ أیّاماً،لِیُدخِلَهُ عَلَی ابنِ عَقیلٍ،فَأَقبَلَ بِهِ حَتّی أدخَلَهُ عَلَیهِ بَعدَ مَوتِ شَریکِ بنِ الأَعوَرِ،فَأَخبَرَهُ خَبَرَهُ کُلَّهُ،فَأَخَذَ ابنُ عَقیلٍ بَیعَتَهُ،وأمَرَ أبا ثُمامَةَ الصائِدِیَّ فَقَبَضَ مالَهُ الَّذی جاءَ بِهِ.

وهُوَ [أی أبو ثُمامَةَ] الَّذی کانَ یَقبِضُ أموالَهُم،وما یُعینُ بِهِ بَعضُهُم بَعضاً،یَشتَری لَهُمُ السِّلاحَ،وکانَ بِهِ بَصیراً،وکانَ مِن فُرسانِ العَرَبِ ووُجوهِ الشّیعَةِ.

وأقبَلَ ذلِکَ الرَّجُلُ یَختَلِفُ إلَیهِم،فَهُوَ أوَّلُ داخِلٍ وآخِرُ خارِجٍ،یَسمَعُ أخبارَهُم ویَعلَمُ أسرارَهُم،ثُمَّ یَنطَلِقُ بِها حَتّی یَقِرَّها فی اذُنِ ابنِ زِیادٍ. (1)

1135.تاریخ الطبری عن عمّار الدهنی عن أبی جعفر[ الباقر ] علیه السّلام :دَعا [ابنُ زِیادٍ] مَولیً لَهُ فَأَعطاهُ ثَلاثَةَ آلافٍ،وقالَ لَهُ:اِذهَب حَتّی تَسأَلَ عَنِ الرَّجُلِ الَّذی یُبایِعُ لَهُ أهلُ الکوفَةِ،فَأَعلِمهُ أنَّکَ رَجُلٌ مِن أهلِ حِمصَ،جِئتَ لِهذَا الأَمرِ،وهذا مالٌ تَدفَعُهُ إلَیهِ لِیَتَقَوّی.فَلَم یَزَل یُتَلَطَّفُ ویُرفَقُ بِهِ حَتّی دُلَّ عَلی شَیخٍ مِن أهلِ الکوفَةِ یَلِی البَیعَةَ، فَلَقِیَهُ فَأَخبَرَهُ.

فَقالَ لَهُ الشَّیخُ:لَقَد سَرَّنی لِقاؤُکَ إیّایَ وقَد ساءَنی،فَأَمّا ما سَرَّنی مِن ذلِکَ،فَما هَداکَ اللّهُ لَهُ،وأمّا ما ساءَنی،فَإِنَّ أمرَنا لَم یَستَحکِم بَعدُ؛فَأَدخَلَهُ إلَیهِ فَأَخذَ مِنهُ

ص:113

المالَ وبایَعَهُ،ورَجَعَ إلی عُبَیدِ اللّهِ فَأَخبَرَهُ. (1)

1136.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: دَعا عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ مَولیً لَهُ یُقالُ لَهُ مَعقِلٌ،فَقالَ:

هذِهِ ثَلاثَةُ آلافِ دِرهَمٍ،خُذها إلَیکَ وَالتَمِس مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ حَیثُما کانَ بِالکوفَةِ، فَإِذا عَرَفتَ مَوضِعَهُ،فَادخُل إلَیهِ،وأعلِمهُ أنَّکَ مِن شیعَتِهِ وعَلی مَذهَبِهِ،وَادفَع إلَیهِ هذِهِ الدّراهِمَ،وقُل لَهُ:اِستَعِن بِها عَلی عَدُوِّکَ،فَإِنَّکَ إذا دَفَعتَ إلَیهِ هذِهِ الدَّراهِمَ وَثِقَ بِکَ،وَاطمَأَنَّ إلَیکَ،ولَم یَکتُمکَ مِن أمرِهِ شَیئاً،ثُمَّ اغدُ عَلَیَّ بِالأَخبارِ عَنهُ.

فَأَقبَلَ مَعقِلٌ حَتّی دَخَلَ المَسجِدَ الأَعظَمَ،فَنَظَرَ إلی رَجُلٍ مِنَ الشّیعَةِ یُقالُ لَهُ مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ الأَسَدِیُّ،فَجَلَسَ إلَیهِ ثُمَّ قالَ لَهُ:یا عَبدَ اللّهِ،إنّی رَجُلٌ مِن أهلِ الشّامِ،غَیرَ أنّی احِبُّ أهلَ هذَا البَیتِ،واُحِبُّ مَن یُحِبُّهُم،ومَعی ثَلاثَةُ آلافِ دِرهَمٍ، أحبَبتُ أن أدفَعَها إلی رَجُلٍ بَلَغَنی أنَّهُ قَد قَدِمَ إلی بَلَدِکُم هذا یَأخُذُ البَیعَةَ لاِبنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَإِن رَأَیتَ أن تَدُلَّنی عَلَیهِ حَتّی أدفَعَ هذَا المالَ إلَیهِ واُبایِعَهُ،وإن شِئتَ فَخُذ بَیعَتی لَهُ قَبلَ أن تَدُلَّنی عَلَیهِ.

فَظَنَّ مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ أنَّ القَولَ عَلی ما یَقولُهُ،فَأَخَذَ عَلَیهِ الأَیمانَ وَالعُهودَ أنَّهُ ناصِحٌ،وأنَّهُ یَکونُ مَعَ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ عَلَی ابنِ زِیادٍ،فَأَعطاهُ مَعقِلٌ مِنَ العُهودِ ماوَثِقَ بِها مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ؛ثُمَّ قالَ لَهُ:اِنصَرِف عَنّی الآنَ یَومی هذا حَتّی أنظُرَ فی ذلِکَ.

فَانصَرَفَ عَنهُ....

فَلَمّا کانَ مِنَ الغَدِ أقبَلَ مَعقِلٌ إلی مُسلِمِ بنِ عَوسَجَةَ،فَقالَ لَهُ:إنَّکَ قَد کُنتَ وَعَدتَنی أن تُدخِلَنی عَلی هذَا الرَّجُلِ فَأَدفَعَ إلَیهِ هذَا المالَ،فَمَا الَّذی بَدا لَکَ مِن

ص:114

ذلِکَ؟فَقالَ لَهُ:إنّا اشتَغَلنا بِمَوتِ هذَا الرَّجُلِ شَریکِ بنِ عَبدِ اللّهِ،وقَد کانَ مِن خِیارِ الشّیعَةِ،ویَتَوَلّی أهلَ هذَا البَیتِ.فَقالَ لَهُ مَعقِلٌ:ومُسلِمُ بنُ عَقیلٍ فی مَنزِلِ هانِی بنِ عُروَةَ؟فَقالَ لَهُ:نَعَم،هُوَ فی مَنزِلِ هانِی بنِ عُروَةَ؛فَقالَ مَعقِلٌ:قُم بِنا إلَیهِ حَتّی أدفَعَ لَهُ هذَا المالَ.فَأَخَذَ بِیَدِهِ وأدخَلَهُ عَلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،فَرَحَّبَ بِهِ مُسلِمٌ وأدناهُ، وأخَذَ بَیعَتَهُ وأمَرَ أن یُقبَضَ ما مَعَهُ مِنَ المالِ.

وأقامَ مَعقِلٌ فی مَنزِلِ هانِی بنِ عُروَةَ یَومَهُ،حَتّی إذا أمسَی انصَرَفَ إلی ابنِ زِیادٍ، فَأَخبَرَهُ بِأَمرِ مُسلِمٍ،فَبَقِیَ ابنُ زِیادٍ مُتَعَجِّباً،وقالَ لِمَعقِلٍ:اُنظُر أن تَختَلِفَ إلی مُسلِمٍ فی کُلِّ یَومٍ ولا تَنقَطِع عَنهُ،فَإِنَّکَ إن قَطَعتَهُ استَرابَکَ،وتَنَحّی عَن مَنزِلِ هانی إلی مَنزِلٍ آخَرَ،فَأَلقی فی طَلَبِهِ عَناءً. (1)

1137.الأخبار الطوال: خَفِیَ عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ مَوضِعُ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،فَقالَ لِمَولیً لَهُ مِن أهلِ الشّامِ یُسَمّی مَعقِلاً،وناوَلَهُ ثَلاثَةَ آلافِ دِرهَمٍ فی کیسٍ،وقالَ:خُذ هذَا المالَ،وَانطَلِق فَالتَمِس مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ،وتَأَتَّ (2)لَهُ بِغایَةِ التَّأَتّی.

فَانطَلَقَ الرَّجُلُ حَتّی دَخَلَ المَسجِدَ الأَعظَمَ،وجَعَلَ لا یَدری کَیفَ یَتَأَتَّی الأَمرَ، ثُمَّ إنَّهُ نَظَرَ إلی رَجُلٍ یُکثِرُ الصَّلاةَ إلی سارِیَةٍ مِن سَوارِی المَسجِدِ،فَقالَ فی نَفسِهِ:إنَّ هؤُلاءِ الشّیعَةَ یُکثِرونَ الصَّلاةَ،وأحسَبُ هذا مِنهُم. (3)

فَجَلَسَ الرَّجُلُ،حَتّی إذَا انفَتَلَ مِن صلاتِهِ قامَ،فَدَنا مِنهُ وجَلَسَ،فَقالَ:جُعِلتُ فِداکَ،إنّی رَجُلٌ مِن أهلِ الشّامِ،مَولیً لِذی الکِلاعِ،وقَد أنعَمَ اللّهُ عَلَیَّ بِحُبِّ أهلِ بَیتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وحُبِّ مَن أحَبَّهُم،ومَعی هذِهِ الثَّلاثَةُ الآلافِ دِرهَمٍ،اُحِبُّ

ص:115

إیصالَها إلی رَجُلٍ مِنهُم،بَلَغَنی أنَّهُ قَدِمَ هذَا المِصرَ داعِیةً لِلحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَهَل تَدُلُّنی عَلَیهِ لِاُوصِلَ هذَا المالَ إلَیهِ،لِیَستَعینَ بِهِ عَلی بَعضِ امورِهِ،ویَضَعَهُ حَیثُ أحَبَّ مِن شیعَتِهِ؟

قالَ لَهُ الرَّجُلُ:وکَیفَ قَصَدتَنی بِالسُّؤالِ عَن ذلِکَ دونَ غَیری مِمَّن هُوَ فِی المَسجِدِ؟

قالَ:لِأَنّی رَأَیتُ عَلَیکَ سیماءَ الخَیرِ،فَرَجَوتُ أن تَکونَ مِمَّن یَتَوَلّی أهلَ بَیتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.

قالَ لَهُ الرَّجُلُ:وَیحَکَ،قَد وَقَعتَ عَلَیَّ بِعَینِکَ،أنَا رَجُلٌ مِن إخوانِکَ وَاسمی مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ،وقَد سُرِرتُ بِکَ،وساءَنی ما کانَ مِن حِسّی قِبَلَکَ؛فَإِنّی رَجُلٌ مِن شیعَةِ أهلِ هذَا البَیتِ،خَوفاً مِن هذَا الطّاغِیَةِ ابنِ زِیادٍ،فَأَعطِنی ذِمَّةَ اللّهِ وعَهدَهُ أن تَکتُمَ هذا عَن جَمیعِ النّاسِ.فَأَعطاهُ مِن ذلِکَ ما أرادَ.

فَقالَ لَهُ مُسلِمُ بنُ عَوسَجَةَ:اِنصَرِف یَومَکَ هذا،فَإِن کانَ غَدٌ فَائتِنی فی مَنزِلی حَتّی أنطَلِقَ مَعَکَ إلی صاحِبِنا-یَعنی مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ-فَاُوصِلَکَ إلَیهِ.

فَمَضَی الشّامِیُّ،فَباتَ لَیلَتَهُ،فَلَمّا أصبَحَ غَدا إلی مُسلِمِ بنِ عَوسَجَةَ فی مَنزِلِهِ، فَانطَلَقَ بِهِ حَتّی أدخَلَهُ إلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،فَأَخبَرَهُ بِأَمرِهِ،ودَفَعَ إلَیهِ الشّامِیُّ ذلِکَ المالَ،وبایَعَهُ.

فَکانَ الشّامِیُّ یَغدو إلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،فَلا یُحجَبُ عَنهُ،فَیَکونُ نَهارَهُ کُلَّهُ عِندَ[هُ]،فَیَتَعَرَّفُ جَمیعَ أخبارِهِم،فَإِذا أمسی وأظلَمَ عَلَیهِ اللَّیلُ،دَخَلَ عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ فَأَخبَرَهُ بِجَمیعِ قِصَصِهِم،وما قالوا وفَعَلوا فی ذلِکَ،وأعلَمَهُ نُزولَ مُسلِمٍ فی دارِ هانِئِ بنِ عُروَةَ. (1)

ص:116

فَدَعا بِثِیابِهِ فَلَبِسَها،ثُمَّ دَعا بِبَغلَةٍ فَرَکِبَها،حَتّی إذا دَنا مِنَ القَصرِ؛کَأَنَّ نَفسَهُ أحَسَّت بِبَعضِ الَّذی کانَ،فَقالَ لِحَسّانَ بنِ أسماءَ بنِ خارِجَةَ:یَابنَ أخی،إنّی وَاللّهِ لِهذَا الرَّجُلِ لَخائِفٌ،فَما تَری؟قالَ:أی عَمُّ،وَاللّهِ ما أتَخَوَّفُ عَلَیکَ شَیئاً،ولِمَ تَجعَلُ عَلی نَفسِکَ سَبیلاً وأنتَ بَریءٌ؟

وزَعَموا أنَّ أسماءَ لَم یَعلَم فی أیِّ شَیءٍ بَعَثَ إلَیهِ عُبَیدُ اللّهِ،فَأَمّا مُحَمَّدٌ فَقَد عَلِمَ بِهِ،فَدَخَلَ القَومُ عَلَی ابنِ زِیادٍ ودَخَلَ مَعَهُم،فَلَمّا طَلَعَ قالَ عُبَیدُ اللّهِ:أتَتکَ بِحائِنٍ (1)رِجلاهُ ! وقَد عَرَّسَ عُبَیدُ اللّهِ إذ ذاکَ بِاُمِّ نافِعٍ ابنَةِ عَمارَةَ بنِ عُقبَةَ،فَلَمّا دَنا مِنِ ابنِ زِیادٍ-وعِندَهُ شُرَیحٌ القاضی-التَفَتَ نَحوَهُ فَقالَ:

اُریدُ حَباءَهُ ویُریدُ قَتلی عُذَیرُکَ مِن خَلیلِکَ مِن مُرادِ

وقَد کانَ لَهُ أوَّلَ ما قَدِمَ مُکرِماً مُلطِفاً،فَقالَ لَهُ هانِئٌ:وما ذاکَ أیُّهَا الأَمیرُ؟

قالَ:إیهِ یا هانِئَ بنَ عُروَةَ،ما هذِهِ الاُمورُ الَّتی تَرَبَّصُ فی دورِکَ لِأَمیرِ المُؤمِنینَ، وعامَّةِ المُسلِمینَ؟جِئتَ بِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ فَأَدخَلتَهُ دارَکَ،وجَمَعتَ لَهُ السِّلاحَ وَالرِّجالَ فِی الدّورِ حَولَکَ،وظَنَنتَ أنَّ ذلِکَ یَخفی عَلَیَّ لَکَ !

قالَ:ما فَعَلتُ،وما مُسلِمٌ عِندی،قالَ:بَلی قَد فَعَلتَ،قالَ:ما فَعَلتُ،قالَ:بَلی.

فَلَمّا کَثُرَ ذلِکَ بَینَهُما،وأبی هانِئٌ إلّامُجاحَدَتَهُ ومُناکَرَتَهُ،دَعَا ابنُ زِیادٍ مَعقِلاً ذلِکَ العَینَ،فَجاءَ حَتّی وَقَفَ بَینَ یَدَیهِ،فَقالَ:أتَعرِفُ هذا؟قالَ:نَعَم.

وعَلِمَ هانِئٌ عِندَ ذلِکَ أنَّهُ کانَ عَیناً عَلَیهِم،وأنَّهُ قَد أتاهُ بِأَخبارِهِم،فَسُقِطَ فی خَلَدِهِ (2)ساعَةً،ثُمَّ إنَّ نَفسَهُ راجَعَتهُ فَقالَ لَهُ:

اسمَع مِنّی وصَدِّق مَقالَتی،فَوَاللّهِ لا أکذِبُکَ،وَاللّهِ الَّذی لا إلهَ غَیرُهُ،ما دَعَوتُهُ إلی مَنزِلی،ولا عَلِمتُ بِشَیءٍ مِن أمرِهِ،حَتّی رَأَیتُهُ جالِساً عَلی بابی،فَسَأَلَنِی النُّزولَ

ص:118

عَلَیَّ،فَاستَحیَیتُ مِن رَدِّهِ،ودَخَلَنی مِن ذلِکَ ذِمامٌ (1)،فَأَدخَلتُهُ داری وضِفتُهُ وآوَیتُهُ، وقَد کانَ مِن أمرِهِ الَّذی بَلَغَکَ،فَإِن شِئتَ أعطَیتُ الآنَ مَوثِقاً مُغَلَّظاً،وما تَطمَئِنُّ إلَیهِ ألّا أبغِیَکَ سوءاً،وإن شِئتَ أعطَیتُکَ رَهینَةً تَکونُ فی یَدِکَ حَتّی آتِیَکَ،وأنطَلِقُ إلَیهِ فَآمُرُهُ أن یَخرُجَ مِن داری إلی حَیثُ شاءَ مِنَ الأَرضِ،فَأَخرُجُ مِن ذِمامِهِ وجِوارِهِ.

فَقالَ:لا وَاللّهِ،لا تُفارِقُنی أبَداً حَتّی تَأتِیَنی بِهِ.

فَقالَ:لا وَاللّهِ لا أجیؤُکَ بِهِ أبَداً،أنَا أجیؤُکَ بِضَیفی تَقتُلُهُ؟! قالَ:وَاللّهِ لَتَأتِیَنّی بِهِ.

قالَ:وَاللّهِ لا آتیک بِهِ.

فَلَمّا کَثُرَ الکَلامُ بَینَهُما،قامَ مُسلِمُ بنُ عَمرٍو الباهِلِیُّ،ولَیسَ بِالکوفَةِ شامِیٌّ ولا بَصرِیٌّ غَیرُهُ،فَقالَ:أصلَحَ اللّهُ الأَمیرَ ! خَلِّنی وإیّاهُ حَتّی اکَلِّمَهُ لَمّا رَأی لَجاجَتَهُ وتَأبّیهِ عَلَی ابنِ زِیادٍ أن یَدفَعَ إلَیهِ مُسلِماً.

فَقالَ لِهانِئٍ:قُم إلی هاهُنا حَتّی اکَلِّمَکَ،فَقامَ،فَخَلا بِهِ ناحِیَةً مِنِ ابنِ زِیادٍ،وهُما مِنهُ عَلی ذلِکَ قَریبٌ حَیثُ یَراهُما،إذا رَفَعا أصواتَهُما سَمِعَ ما یَقولانِ،وإذا خَفَضا خَفِیَ عَلَیهِ ما یَقولانِ.

فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ:یا هانِئُ ! إنّی أنشُدُکَ اللّهَ أن تَقتُلَ نَفسَکَ،وتُدخِلَ البَلاءَ عَلی قَومِکَ وعَشیرَتِکَ،فَوَاللّهِ إنّی لَأَنفَسُ بِکَ عَنِ القَتلِ-وهُوَ یَری أنَّ عَشیرَتَهُ سَتَحَرَّکُ فی شَأنِهِ-إنَّ هذَا الرَّجُلَ ابنُ عَمِّ القَومِ،ولَیسوا قاتِلیهِ ولا ضائِریهِ،فَادفَعهُ إلَیهِ،فَإِنَّهُ لَیسَ عَلَیکَ بِذلِکَ مَخزاةٌ ولا مَنقَصَةٌ،إنَّما تَدفَعُهُ إلَی السُّلطانِ.

قالَ:بَلی وَاللّهِ،إنَّ عَلَیَّ فی ذلِکَ لَلخِزیُ وَالعارُ،أنَا أدفَعُ جاری وضَیفی،وأنَا حَیٌّ صَحیحٌ أسمَعُ وأری،شَدیدُ السّاعِدِ کَثیرُ الأَعوانِ ! وَاللّهِ لَو لَم أکُن إلّاواحِداً لَیسَ لی ناصِرٌ لَم أدفَعهُ حَتّی أموتَ دونَهُ.فَأَخَذَ یُناشِدُهُ وهُوَ یَقولُ:وَاللّهِ لا أدفَعُهُ

ص:119

إلَیهِ أبَداً،فَسَمِعَ ابنُ زِیادٍ ذلِکَ،فَقالَ:أدنوهُ مِنّی،فَأَدنَوهُ مِنهُ،فَقالَ:وَاللّهِ لَتَأتِیَنّی بِهِ أو لَأَضرِبَنَّ عُنُقَکَ.قالَ:إذاً تَکثُرَ البارِقَةُ (1)حَولَ دارِکَ.فَقالَ:والَهفاً عَلَیکَ،أبِالبارِقَةِ تُخَوِّفُنی؟وهُوَ یَظُنَّ أنَّ عَشیرَتَهُ سَیَمنَعونَهُ.

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:أدنوهُ مِنّی،فَاُدنِیَ،فَاستَعرَضَ وَجهَهُ بِالقَضیبِ،فَلَم یَزَل یَضرِبُ أنفَهُ وجَبینَهُ وخَدَّهُ،حَتّی کَسَرَ أنفَهُ وسَیَّلَ الدِّماءَ عَلی ثِیابِهِ،ونَثَرَ لَحمَ خَدَّیهِ وجَبینِهِ عَلی لِحیَتِهِ،حَتّی کُسِرَ القَضیبُ،وضَرَبَ هانِئٌ بِیَدِهِ إلی قائِمِ سَیفِ شُرطِیٍّ مِن تِلکَ الرِّجالِ،وجابَذَهُ (2)الرَّجُلُ ومُنِعَ.

فَقالَ عُبَیدُ اللّهِ:أحَرورِیٌّ سائِرَ الیَومِ،أحلَلتَ بِنَفسِکَ ! قَد حَلَّ لَنا قَتلُکَ،خُذوهُ فَأَلقوهُ فی بَیتٍ مِن بُیوتِ الدّارِ،وأغلِقوا عَلَیهِ بابَهُ،وَاجعَلوا عَلَیهِ حَرَساً.فَفُعِلَ ذلِکَ بِهِ.

فَقامَ إلَیهِ أسماءُ بنُ خارِجَةَ،فَقالَ:أ رُسُلُ غَدرٍ سائِرَ الیَومِ؟أمَرتَنا أن نَجیئَکَ بِالرَّجُلِ،حَتّی إذا جِئناکَ بِهِ،وأدخَلناهُ عَلَیکِ،هَشَمتَ وَجهَهُ،وسَیَّلتَ دَمَهُ عَلی لِحیَتِهِ،وزَعَمتَ أنَّکَ تَقتُلُهُ !

فَقالَ لَهُ عُبَیدُ اللّهِ:وإنَّکَ لَهاهُنا ! فَأَمَرَ بِهِ فَلُهِزَ (3)وتُعتِعَ (4)بِهِ،ثُمَّ تُرِکَ فَحُبِسَ.وأمّا مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ،فَقالَ:قَد رَضینا بِما رَأَی الأَمیرُ،لَنا کانَ أم عَلَینا،إنَّمَا الأَمیرُ مُؤَدِّبٌ !

وبَلَغَ عَمرَو بنَ الحَجّاجِ أنَّ هانِئاً قَد قُتِلَ،فَأَقبَلَ فی مَذحِجٍ حَتّی أحاطَ بِالقَصرِ،

ص:120

ومَعَهُ جَمعٌ عَظیمٌ،ثُمَّ نادی:أنَا عَمرُو بنُ الحَجّاجِ،هذِهِ فُرسانُ مَذحِجٍ ووُجوهُها، لَم تَخلَع طاعَةً ولَم تُفارِق جَماعَةً،وقَد بَلَغَهُم أنَّ صاحِبَهُم یُقتَلُ فَأَعظَموا ذلِکَ.

فَقیلَ لِعُبَیدِ اللّهِ:هذِه مَذحِجٌ بِالبابِ ! فَقالَ لِشُرَیحٍ القاضی:اُدخُل عَلی صاحِبِهِم فَانظُر إلَیهِ،ثُمَّ اخرُج فَأَعلِمهُم أنَّهُ حَیٌّ لَم یُقتَل،وأنَّکَ قَد رَأَیتَهُ،فَدَخَلَ إلَیهِ شُرَیحٌ فَنَظَرَ إلَیهِ.

قالَ أبو مِخنَفٍ:فَحَدَّثَنِی الصَّقعَبُ بنُ زُهَیرٍ عَن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ شُرَیحٍ،قالَ:

سَمِعتُهُ یُحَدِّثُ إسماعیلَ بنَ طَلحَةَ،قالَ:دَخَلتُ عَلی هانِئٍ،فَلَمّا رَآنی قالَ:یا لَلّهِ، یا لَلمُسلِمینَ ! أهَلَکَت عَشیرَتی؟فَأَینَ أهلُ الدّینِ؟وأینَ أهلُ المِصرِ؟تَفاقَدوا ! یُخَلّونی وعَدُوَّهُم وَابنَ عَدُوِّهِم ! وَالدِّماءُ تَسیلُ عَلی لِحیَتِهِ،إذ سَمِعَ الرَّجَّةَ عَلی بابِ القَصرِ،وخَرَجتُ وَاتَّبَعَنی،فَقالَ:یا شُرَیحُ،إنّی لَأَظُنُّها أصواتَ مَذحِجٍ،وشیعَتی مِنَ المُسلِمینَ،إن دَخَلَ عَلَیَّ عَشرَةُ نَفَرٍ أنقَذونی.

قالَ:فَخَرَجتُ إلَیهِم ومَعی حُمَیدُ بنُ بُکَیرٍ الأَحمَرِیُّ،أرسَلَهَ مَعیَ ابنُ زِیادٍ،وکانَ مِن شُرَطِهِ،مِمَّن یَقومُ عَلی رَأسِهِ،وَایمُ اللّهِ،لَولا مَکانُهُ مَعی،لَکُنتُ أبلَغتُ أصحابَهُ ما أمَرَنی بِهِ.

فَلَمّا خَرَجتُ إلَیهِم قُلتُ:إنَّ الأَمیرَ لَمّا بَلَغَهُ مَکانُکُم ومَقالَتُکُم فی صاحِبِکُم، أمَرَنی بِالدُّخولِ إلَیهِ،فَأَتَیتُهُ فَنَظَرتُ إلَیهِ،فَأَمَرنی أن ألقاکُم وأن اعلِمَکُم أنَّهُ حَیٌّ، وأنَّ الَّذی بَلَغَکُم مِن قَتلِهِ کانَ باطِلاً،فَقالَ عَمرٌو وأصحابُهُ:فَأَمّا إذ لَم یُقتَل فَالحَمدُ للّهِ ِ،ثُمَّ انصَرَفوا. (1)

ص:121

1139.تاریخ الطبری عن عیسی بن یزید الکنانیّ: أرسَلَ [ابنُ زِیادٍ] إلی أسماءَ بنِ خارِجَةَ، ومُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ،فَقالَ:إیتِیانی بِهانِئٍ،فَقالا لَهُ:إنَّهُ لا یَأتی إلّابِالأَمانِ،قالَ:وما لَهُ ولِلأَمانِ؟! وهَل أحدَثَ حَدَثاً؟اِنطَلِقا فَإِن لَم یَأتِ إلّابِأَمانٍ فَآمِناهُ،فَأَتَیاهُ فَدَعَواهُ،فَقالَ:إنَّهُ إن أخَذَنی قَتَلَنی،فَلَم یَزالا بِهِ حَتّی جاءا بِهِ،وعُبَیدُ اللّهِ یَخطُب یَومَ الجُمُعَةِ،فَجَلَسَ فِی المَسجِدِ وقَد رَجَّلَ (1)هانِئٌ غَدیرَتَیهِ. (2)

فَلَمّا صَلّی عُبَیدُ اللّهِ،قالَ:یا هانِئُ! فَتَبِعَهُ ودَخَلَ فَسَلَّمَ،فَقالَ عُبَیدُ اللّهِ:یا هانِئُ، أما تَعلَمُ أنَّ أبی قَدِمَ هذَا البَلَدَ فَلَم یَترُک أحَداً مِن هذِهِ الشّیعَةِ إلّاقَتَلَهُ،غَیرَ أبیکَ وغَیرَ حُجرٍ،وکانَ مِن حُجرٍ ما قَد عَلِمتَ،ثُمَّ لَم یَزَل یُحسِنُ صُحبَتَکَ،ثُمَّ کَتَبَ إلی أمیرِ الکوفَةِ:إنَّ حاجَتی قِبَلَکَ هانِئٌ؟قالَ:نَعَم،قالَ:فَکانَ جَزائی أن خَبَّأتَ فی بَیتِکَ رَجُلاً لِیَقتُلَنی؟! قالَ:ما فَعَلتُ،فَأَخرَجَ التَّمیمِیَّ الَّذی کانَ عَیناً عَلَیهِم،فَلَمّا رَآهُ هانِئٌ عَلِمَ أن قَد أخبَرَهُ الخَبَرَ،فَقالَ:أیُّهَا الأَمیرُ ! قَد کانَ الَّذی بَلَغَکَ ولَن اضَیِّعَ یَدَکَ عَنّی،فَأَنتَ آمِنٌ وأهلُکَ،فَسِر حَیثُ شِئتَ.

فَکَبا عُبَیدُ اللّهِ عِندَها،ومِهرانُ قائِمٌ عَلی رَأسِهِ فی یَدِهِ مِعکَزَةٌ (3)،فَقالَ:واذُلّاه ! هذَا العَبدُ الحائِکُ یُؤَمِّنُکَ فی سُلطانِکَ،فَقالَ:خُذهُ،فَطَرَحَ المِعکَزَةَ وأخَذَ بِضَفیرَتَی هانِئٍ،ثُمَّ أقنَعَ بِوَجهِهِ،ثُمَّ أخَذَ عُبَیدُ اللّهِ المِعکَزَةَ فَضَرَبَ بِها وَجهَ هانِئٍ،ونَدَرَ (4)

ص:122

الزُّجُّ (1)فَارتَزَّ (2)فِی الجِدارِ،ثُمَّ ضَرَبَ وَجهَهُ حَتّی کَسَرَ أنفَهُ وجَبینَهُ.

وسَمِعَ النّاسُ الهَیعَةَ (3)،وبَلَغَ الخَبَرُ مَذحِجَ فَأَقبَلوا فَأَطافوا بِالدّارِ،وأمَرَ عُبَیدُ اللّهِ بِهانِئٍ فَاُلقِیَ فی بَیتٍ،وصَیَّحَ المَذحِجِیّونَ،وأمَرَ عُبَیدُ اللّهِ مِهرانَ أن یُدخِلَ عَلَیهِ شُرَیحاً،فَخَرَجَ فَأَدخَلَهُ عَلَیهِ،ودَخَلَتِ الشُّرَطُ مَعَهُ،فَقالَ:یا شُرَیحُ،قَد تَری ما یُصنَعُ بی،قالَ:أراکَ حَیّاً،قالَ:وحَیٌّ أنَا مَعَ ما تَری ! أخبِر قَومی أنَّهُم إنِ انصَرَفوا قَتَلَنی.

فَخَرَجَ إلی عُبَیدِ اللّهِ،فَقالَ:قَد رَأَیتُهُ حَیّاً،ورَأَیتُ أثَراً سَیِّئاً،قالَ:وتُنکِرُ (4)أن یُعاقِبَ الوالی رَعِیَّتَهُ؟! اخرُج إلی هؤُلاءِ فَأَخبِرهُم.فَخَرَجَ،وأمَرَ عُبَیدُ اللّهِ الرَّجُلَ فَخَرَجَ مَعَهُ،فَقالَ لَهُم شُرَیحٌ:ما هذِهِ الرِّعَةُ (5)السَّیِّئَةُ؟! الرَّجُلُ حَیٌّ،وقَد عاتَبَهُ سُلطانُهُ بِضَربٍ لَم یَبلُغ نَفسَهُ،فَانصَرِفوا ولا تُحِلّوا بِأَنفُسِکُم ولا بِصاحِبِکُم.

فَانصَرَفوا. (6)

1140.تاریخ الطبری عن عمّار الدهنی عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام :قالَ عُبَیدُ اللّهِ لِوُجوهِ أهلِ الکوفَةِ:ما لی أری هانِئَ بنَ عُروَةَ لَم یَأتِنی فیمَن أتانی؟

ص:123

قالَ:فَخَرَجَ إلَیهِ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ فی ناسٍ مِن قَومِهِ،وهُوَ عَلی بابِ دارِهِ، فَقالوا:إنَّ الأَمیرَ قَد ذَکَرَکَ،وَاستَبطَأَکَ فَانطَلِق إلَیهِ ! فَلَم یَزالوا بِهِ حَتّی رَکِبَ مَعَهُم، وسارَ حَتّی دَخَلَ عَلی عُبَیدِ اللّهِ،وعِندَهُ شُرَیحٌ القاضی.

فَلَمّا نَظَرَ إلَیهِ،قالَ لِشُرَیحٍ:«أتَتکَ بِحائِنٍ رِجلاهُ»،فَلَمّا سَلَّمَ عَلَیهِ قالَ:یا هانِئُ، أینَ مُسلِمٌ؟قالَ:ما أدری.فَأَمَرَ عُبَیدُ اللّهِ مَولاهُ صاحِبَ الدَّراهِمِ فَخَرَجَ إلَیهِ،فَلَمّا رَآهُ قُطِعَ بِهِ،فَقالَ:أصلَحَ اللّهُ الأَمیرَ ! وَاللّهِ ما دَعَوتُهُ إلی مَنزِلی،ولکِنَّهُ جاءَ فَطَرَحَ نَفسَهُ عَلَیَّ،قالَ:إیتِنی بِهِ،قالَ:وَاللّهِ لَو کان تَحتَ قَدَمَیَّ ما رَفَعتُهُما عَنهُ.

قالَ:أَدنوهُ إلَیَّ،فَاُدنِیَ فَضَرَبَهُ عَلی حاجِبِهِ فَشَجَّهُ،قالَ:وأهوی هانِئٌ إلی سَیفِ شُرطِیٍّ لِیَسُلَّهُ،فَدُفِعَ عَن ذلِکَ.

وقالَ:قَد أحَلَّ اللّهُ دَمَکَ،فَأَمَرَ بِهِ فَحُبِسَ فی جانِبِ القَصرِ.

وقالَ غَیرُ أبی جَعفَرٍ:الَّذی جاءَ بِهانِئِ بنِ عُروَةَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،عَمرُو بنُ الحَجّاجِ الزُّبَیدِیُّ....

قالَ علیه السّلام:فَبَینا هُوَ کَذلِکَ،إذ خَرَجَ الخَبَرُ إلی مَذحِجٍ،فَإِذا عَلی بابِ القَصرِ جَلَبَةٌ سَمِعَها عُبَیدُ اللّهِ،فَقالَ:ما هذا؟فَقالوا:مَذحِجٌ،فَقالَ لِشُرَیحٍ:اُخرُج إلَیهِم فَأَعلِمهُم أنّی إنَّما حَبَستُهُ لِاُسائِلَهُ،وبَعَثَ عَیناً عَلَیهِ مِن مَوالیهِ یَسمَعُ ما یَقولُ،فَمَرَّ بِهانِئِ بنِ عُروَةَ،فَقالَ لَهُ هانِئٌ:اِتَّقِ اللّهَ یا شُرَیحُ فَإِنَّهُ قاتِلی،فَخَرَجَ شُرَیحٌ حَتّی قامَ عَلی بابِ القَصرِ،فَقالَ:لا بَأسَ عَلَیهِ،إنَّما حَبَسَهُ الأَمیرُ لِیُسائِلَهُ.فَقالوا:صَدَقَ،لَیسَ عَلی صاحِبِکُم بَأسٌ،فَتَفَرَّقوا. (1)

1141.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): أرسَلَ [ابنُ زِیادٍ] إلی هانِئِ بنِ عُروَةَ-وهُوَ یَومَئِذٍ ابنُ بِضعٍ وتِسعینَ سَنَةً-فَقالَ:ما حَمَلَکَ عَلی أن تُجیرَ عَدُوّی

ص:124

وتَنطَوِیَ عَلَیهِ؟

فَقالَ:یَابنَ أخی،إنَّهُ جاءَ حَقٌّ،هُوَ أحَقُّ مِن حَقِّکَ،وحَقِّ أهلِ بَیتِکِ.

فَوَثَبَ عُبَیدُ اللّهِ وفی یَدِهِ عَنَزَةٌ (1)،فَضَرَبَ بِها رَأسَ هانِئٍ حَتّی خَرَجَ الزُّجُّ وَاغتَرَزَ فِی الحائِطِ،ونُثِرَ دِماغُ الشَّیخِ فَقَتَلَهُ مَکانَهُ. (2)

1142.أنساب الأشراف: وَجَّهَ [ابنُ زِیادٍ] مُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ الکِندِیَّ،وأسماءَ بنَ خارِجَةَ بنِ حُصَینٍ الفَزارِیَّ،إلی هانِئِ بنِ عُروَةَ،فَرَفَقا بِهِ حَتّی أتَی ابنَ زِیادٍ،فَأَنَّبَهُ عَلی إیوائِهِ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ،وقالَ لَهُ:إنَّ أمرَ النّاسِ مُجتَمِعٌ،وکَلِمَتَهُم مُتَّفِقَةٌ،أفَتُعینُ عَلی تَشتیتِ أمرِهِم-بِتَفریقِ کَلِمَتِهِم وَاُلفَتِهِم-رَجُلاً قَدِمَ لِذلِکَ؟فَاعتَذَرَ إلَیهِ مِن إیوائِهِ،وقالَ:

أصلَحَ اللّهُ الأَمیرَ ! دَخَلَ داری عَن غَیرِ مُواطَأَةٍ مِنّی لَهُ،وسَأَلَنی أن اجیرَهُ،فَأَخَذَتنی لِذلِکَ ذِمامَةٌ.

قالَ:فَائتِنی بِهِ لِتَتَلافَی الَّذی فَرَطَ مِن سوءِ رَأیِکَ،فَأَبی،فَقالَ:وَاللّهِ لَئِن لَم تَأتِنی بِهِ لَأَضرِبَنَّ عُنُقَکَ.

قالَ:وَاللّهِ لَئِن ضَرَبتَ عُنُقی،لَتَکثُرَنَّ البارِقَةُ حَولَ دارِکَ.فَأَمَرَ بِهِ فَاُدنِیَ مِنهُ فَضَرَبَ وجهَهُ بِقَضیبٍ أو مِحجَنٍ (3)کانَ مَعَهُ،فَکَسَرَ أنفَهُ وشَقَّ حاجِبَهُ،ثُمَّ أمَرَ بِهِ، فَحُبِسَ فی بَعضِ بُیوتِ الدّارِ. (4)

ص:125

قالَ:فَنَزَلَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ عَنِ المِنبَرِ مُسرِعاً،وبادَرَ فَدَخَلَ القَصرَ وأغلَقَ الأَبوابَ. (1)

کِندَةَ ورَبیعَةَ،وقالَ:سِر أمامی فِی الخَیلِ،ثُمَّ عَقَدَ لِمُسلِمِ بنِ عَوسَجَةَ الأَسدِیِّ عَلی رُبعِ مَذحِجٍ وأسَدٍ،وقالَ:اِنزِل فِی الرِّجالِ فَأَنتَ عَلَیهِم،وعَقَدَ لِأَبی ثُمامَةَ الصّائِدِیِّ عَلی رُبعِ تَمیمٍ وهَمدانَ،وعَقَدَ لِعَبّاسِ بنِ جُعدَةَ الجَدَلِیِّ عَلی رُبعِ المَدینَةِ،ثُمَّ أقبَلَ نَحوَ القَصرِ،فَلَمّا بَلَغَ ابنَ زِیادٍ إقبالُهُ،تَحَرَّزَ (1)فِی القَصرِ وغَلَّقَ الأَبوابَ. (2)

1146.الإرشاد عن عبد اللّه بن حازم: أنَا وَاللّهِ رَسولُ ابنِ عَقیلٍ إلَی القَصرِ،لِأَنظُرَ ما فَعَلَ هانِئٌ،فَلَمّا حُبِسَ وضُرِبَ،رَکِبتُ فَرَسی فَکُنتُ أوَّلَ أهلِ الدّارِ دَخَلَ عَلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ بِالخَبَرِ،فَإِذا نِسوَةٌ لِمُرادٍ مُجتَمِعاتٌ یُنادینَ:یا عَبرَتاه ! یا ثُکلاه ! فَدَخَلتُ عَلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ فَأَخبَرتُهُ،فَأَمَرَنی أن انادِیَ فی أصحابِهِ-وقَد مَلَأَ بِهِمُ الدّورَ حَولَهُ- وکانوا فیها أربَعَةَ آلافِ رَجُلٍ،فَنادَیتُ:«یا مَنصورُ أمِت»،فَتَنادی أهلُ الکوفَةِ وَاجتَمَعوا عَلَیهِ.

فَعَقَدَ مُسلِمٌ لِرُؤوسِ الأَرباعِ عَلَی القَبائِلِ کِندَةَ ومَذحِجٍ وأسَدٍ وتَمیمٍ وهَمدانَ، وتَداعَی النّاسُ وَاجتَمَعوا،فَما لَبِثنا إلّاقَلیلاً حَتَّی امتَلَأَ المَسجِدُ مِنَ النّاسِ وَالسّوقِ، وما زالوا یَتَوَثَّبونَ حَتَّی المَساءِ،فَضاقَ بِعُبَیدِ اللّهِ أمرُهُ،وکانَ أکثَرُ عَمَلِهِ أن یُمسِکَ بابَ القَصرِ،ولَیسَ مَعَهُ فِی القَصرِ إلّاثَلاثونَ رَجُلاً مِنَ الشُّرَطِ،وعِشرونَ رَجُلاً مِن أشرافِ النّاسِ،وأهلُ بَیتِهِ وخاصَّتُهُ. (3)

1147.تاریخ الطبری عن عمّار الدهنی عن أبی جعفر[الباقر] علیه السّلام :فَأَتی مُسلِماً الخَبَرُ [خَبَرُ

ص:128

حَبسِ هانِئٍ]،فَنادی بِشِعارِهِ،فَاجتَمَعَ إلَیهِ أربَعَةُ آلافٍ مِن أهلِ الکوفَةِ،فَقَدَّمَ مُقَدِّمَتَهُ،وعَبّی مَیمَنَتَهُ ومَیسَرَتَهُ،وسارَ فِی القَلبِ إلی عُبَیدِ اللّهِ. (1)

1148.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: أقبَلَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ فی وَقتِهِ ذلِکَ،ومَعَهُ ثَمانِیَةَ عَشَرَ ألفاً أو یَزیدونَ،وبَینَ یَدَیهِ الأَعلامُ وَالسِّلاحُ الشّاکُّ،وهُم فی ذلِکَ یَشتِمونَ ابنَ زِیادٍ ویَلعَنونَ أباهُ،وکانَ شِعارُهُم«یا مَنصورُ أمِت».

وکانَ قَد عَقَدَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ لِعَبدِ اللّهِ الکِنِدیِّ عَلی کِندَةَ،وقَدَّمَهُ أمامَ الخَیلِ، وعَقَدَ لِمُسلِمِ بنِ عَوسَجَةَ عَلی مَذحِجٍ وأسَدٍ،وعَقَدَ لِأَبی ثَمامَةَ (2)بنِ عُمَرَ الصائِدِیِّ علی تَمیمٍ وهَمدانَ،وعَقَدَ لِلعَبّاسِ بنِ جُعدَةَ الجَدَلِیِّ عَلی أهلِ المَدینَةِ،وأقبَلَ مُسلِمٌ یَسیرُ حَتّی خَرَجَ فی بَنِی الحَرثِ بنِ کَعبٍ. (3)

1149.البدایة والنهایة: سَمِعَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ الخَبَرَ [خَبَرَ حَبسِ هانِئٍ]،فَرَکِبَ ونادی بِشِعارِهِ«یا مَنصورُ أمِت»،فَاجتَمَعَ إلَیهِ أربَعَةُ آلافٍ مِن أهلِ الکوفَةِ،وکانَ مَعَهُ المُختارُ بنُ أبی عُبَیدٍ ومَعَهُ رایَةٌ خَضراءُ،[و] (4)عَبدُ اللّهِ بنُ نَوفَلِ بنِ الحارِثِ بِرایَةٍ حَمراءَ،فَرَتَّبَهُم مَیمَنَةً ومَیسَرَةً،وسارَ هُوَ فِی القَلبِ إلی عُبَیدِ اللّهِ،وهُوَ یَخطُبُ النّاسَ فی أمرِ هانِئٍ ویُحَذِّرُهُم مِنَ الاِختِلافِ،وأشرافُ النّاسِ واُمَراؤُهُم تَحتَ مِنبَرِهِ، فَبَینَما هُوَ کَذلِکَ إذ جاءَتِ النَّظّارَةُ یَقولونَ:جاءَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،فَبادَرَ عُبَیدُ اللّهِ

ص:129

فَدَخَلَ القَصرَ ومَن مَعَهُ،وأغلَقوا عَلَیهِمُ البابَ. (1)

1153.المناقب لابن شهر آشوب: وَصَلَ الخَبَرُ [أی خَبرُ حَبسِ هانِئٍ] إلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ، فی أربَعَةِ آلافٍ کانوا حَوالَیهِ،فَاجتَمَعَ إلَیهِ ثَمانِیَةُ آلافٍ مِمَّن بایَعوهُ،فَتَحَرَّزَ عُبَیدُ اللّهِ،وغَلَّقَ الأَبوابَ،وسارَ مُسلِمٌ حَتّی أحاطَ بِالقَصرِ. (1)

1156.تاریخ الطبری عن عیسی بن یزید: إنَّ المُختارَ بنَ أبی عُبَیدٍ،وعَبدَ اللّهِ بنَ الحارِثِ بنِ نَوفَلٍ،کانا خَرَجا مَعَ مُسلِمٍ،خَرَجَ المُختارُ بِرایَةٍ خَضراءَ،وخَرَجَ عَبدُ اللّهِ بِرایَةٍ حَمراءَ،وعَلَیهِ ثِیابٌ حُمرٌ،وجاءَ المُختارُ بِرایَتِهِ فَرَکَزَها عَلی بابِ عَمرِو بنِ حُرَیثٍ،وقالَ:إنَّما خَرَجتُ لِأَمنَعَ عَمراً.

وإنَّ ابنَ الأَشعَثِ وَالقَعقاعَ بنَ شَورٍ وشَبَثَ بنَ رِبعِیٍّ،قاتَلوا مُسلِماً وأصحابَهُ -عَشِیَّةَ سارَ مُسلِمٌ إلی قَصرِ ابنِ زِیادٍ-قِتالاً شَدیداً،وإنَّ شَبَثاً جَعَلَ یَقولُ:اِنتَظِروا بِهِمُ اللَّیلَ یَتَفَرَّقوا،فَقالَ لَهُ القَعقاعُ:إنَّکَ قَد سَدَدتَ عَلَی النّاسِ وَجهَ مَصیرِهِم، فَاخرُج لَهُم یَنسَرِبوا.وإنَّ عُبَیدَ اللّهِ أمَرَ أن یُطَلَب المُختارُ وعَبدُ اللّهِ بنُ الحارِثِ، وجَعَلَ فیهِما جُعلاً (1)،فَاُتِیَ بِهِما فَحُبِسا. (2)

1157.الأخبار الطوال: لَمّا بَلَغَ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ قَتلُ هانِئِ بنِ عُروَةَ،نادی فیمَن کانَ بایَعَهُ، فَاجتَمَعوا،فَعَقَدَ لِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ کَریزٍ الکِندِیِّ عَلی کِندَةَ ورَبیعَةَ،وعَقَدَ لِمُسلِمِ بنِ عَوسَجَةَ عَلی مَذحِجٍ وأسَدٍ،وعَقَدَ لِأَبی ثُمامَةَ الصَّیداوِیِّ عَلی تَمیمٍ وهَمدانَ،وعَقَدَ لِلعَبّاسِ بنِ جُعدَةَ بنِ هُبَیرَةَ عَلی قُرَیشٍ وَالأَنصارِ،فَتَقَدَّموا جَمیعاً حَتّی أحاطوا بِالقَصرِ،وَاتَّبَعَهُم هُوَ فی بَقِیَّةِ النّاسِ.

وتَحَصَّنَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ فِی القَصرِ،مَعَ مَن حَضَرَ مَجلِسَهُ فی ذلِکَ الیَومِ مِن أشرافِ أهلِ الکوفَةِ،وَالأَعوانِ وَالشُّرَطِ،وکانوا مِقدارَ مِئَتَی رَجُلٍ،فَقاموا عَلی سورِ القَصرِ یَرمونَ القَومَ بِالمَدَرِ (3)وَالنُّشّابِ (4)،ویَمنَعونَهُم مِنَ الدُّنُوّ مِنَ القَصرِ،فَلَم یَزالوا

ص:132

بِذلِکَ حَتّی أمسَوا. (1)

1158.مثیر الأحزان: لَمّا بَلَغَ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ خَبَرُهُ [أی خَبَرُ حَبسِ هانِئٍ]،خَرَجَ بِجَماعَةٍ مِمَّن بایَعَهُ إلی حَربِ عُبَیدِ اللّهِ،بَعدَ أن رَأی أکثَرَ مَن بایَعَهُ مِنَ الأَشرافِ نَقَضُوا البَیعَةَ، وهُم مَعَ عُبَیدِ اللّهِ،فَتَحَصَّنَ بِدارِ الإِمارَةِ،وَاقتَتَلوا قِتالاً شَدیداً،إلی أن جاءَ اللَّیلُ فَتَفَرَّقوا عَنهُ،وبَقِیَ مَعَهُ اناسٌ قَلیلٌ،فَدَخَلَ المَسجِدَ یُصَلّی،وطَلَعَ مُتَوَجِّهاً نَحوَ بابِ کِندَةَ،فَإِذا هُوَ وَحدَهُ لا یَدری أینَ یَذهَبُ. (2)

1159.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): بَلَغَ الخَبَرُ [أی خَبَرُ حَبسِ هانِئٍ] مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ،فَخَرَجَ فی نَحوٍ مِن أربَعِمِئَةٍ مِنَ الشّیعَةِ،فَما بَلَغَ القَصرَ إلّاوهُوَ فی نَحوِ سِتّینَ رَجُلاً،فَغَرَبَتِ الشَّمسُ وَاقتَتَلوا قَریباً مِنَ الرَّحبَةِ،ثُمَّ دَخَلُوا المَسجِدَ، وکَثَرَهُم أصحابُ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ (3).

1160.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: ثُمَّ خَرَجَ [مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ] عَلی مَسجِدِ الأَنصارِ حَتّی أحاطَ بِالقَصرِ،ولَیسَ فِی القَصرِ إلّانَحوٌ مِن ثَلاثینَ رَجُلاً مِنَ الشُّرَطِ،ومِقدارُ عِشرینَ مِنَ الأَشرافِ،وأهلُ بَیتِهِ ومَوالیهِ،ورَکِبَ أصحابُ ابنُ زِیادٍ،وَاختَلَطَ القَومُ فَاقتَتَلوا قِتالاً شَدیداً،وَابنُ زِیادٍ فی جَماعَةٍ مِنَ الأَشرافِ قَد وَقَفوا عَلی جِدارِ القَصرِ یَنظُرونَ إلی مُحارَبَةِ النّاسِ. (4)

1161.الأمالی للشجری عن سعید بن خالد: جاءَ القَعقاعُ بنُ شَورٍ وشَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ فَقاتَلوا حَتّی ثارَ اللَّیلُ بَینَهُم،وذلِکَ عِندَ التَّمّارینَ عِندَ اختِلاطِ الظَّلامِ،فَقالَ:وَیحَکُم ! قَد

ص:133

خَلَّیتُم بَینَ النّاسِ أن (1)یَنهَزِموا فَاخرُجوا،فَفَعَلوا ذلِکَ،وَانهَزَمَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،فَأوی إلَی امرَأَةٍ فَآوَتهُ. (2)

1162.الکامل فی التاریخ: کانَ فیمَن قاتَلَ مُسلِماً مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ،وشَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ التَّمیمِیُّ،وَالقَعقاعُ بنُ شَورٍ،وجَعَلَ شَبَثٌ یَقولُ:اِنتَظِروا بِهِمُ اللَّیلَ یَتَفَرَّقوا،فَقالَ لَهُ القَعقاعُ:إنَّکَ قَد سَدَدتَ عَلَیهِم وَجهَ مَهرَبِهِم،فَافرِج لَهُم یَتَفَرَّقوا. (3)

عَنِ ابنِ عَقیلٍ.

قالَ أبو مِخنَفٍ:فَحَدَّثَنی أبو جَنابٍ الکَلبِیُّ أنَّ کَثیراً ألفی رَجُلاً مِن کَلبٍ یُقالُ لَهُ عَبدُ الأَعلَی بنُ یَزیدَ،قَد لَبِسَ سِلاحَهُ یُریدُ ابنَ عَقیلٍ فی بَنی فِتیانٍ،فَأَخَذَهُ حَتّی أدخَلَهُ عَلَی ابنِ زِیادٍ،فَأَخبَرَهُ خَبَرَهُ،فَقالَ لاِبنِ زِیادٍ:إنَّما أرَدتُکَ،قالَ:وکُنتَ وَعَدتَنی ذلِکَ مِن نَفسِکَ،فَأَمَرَ بِهِ فَحُبِسَ.

وخَرَجَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ حَتّی وَقَفَ عِندَ دورِ بَنی عُمارَةَ،وجاءَهُ عُمارَةُ بنُ صَلخَبٍ الأَزدِیُّ وهُوَ یُریدُ ابنَ عَقیلٍ،عَلَیهِ سِلاحُهُ،فَأَخَذَهُ فَبَعَثَ بِهِ إلَی ابنِ زِیادٍ فَحَبَسَهُ.

فَبَعَثَ ابنُ عَقیلٍ إلی مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ مِنَ المَسجِدِ عبدَ الرَّحمنِ بنَ شُرَیحٍ الشِّبامِیَّ،فَلَمّا رَأی مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ کَثرَةَ مَن أتاهُ،أخَذَ یَتَنَحّی ویَتَأَخَّرُ.

وأرسَلَ القَعقاعُ بنُ شَورٍ الذُّهلِیُّ إلی مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ:قَد جُلتُ عَلَی ابنِ عَقیلٍ مِنَ العِرارِ (1)،فَتَأَخَّرَ عَن مَوقِفِهِ،فَأَقبَلَ حَتّی دَخَلَ عَلَی ابنِ زِیادٍ مِن قِبَلِ دارِ الرّومِیّینَ.

فَلَمّا اجتَمَعَ عِندَ عُبَیدِ اللّهِ کَثیرُ بنُ شِهابٍ ومُحَمَّدٌ وَالقَعقاعُ فیمَن أطاعَهُم مِن قَومِهِم،فَقالَ لَهُ کَثیرٌ-وکانوا مُناصِحینَ لِابنِ زِیادٍ-:أصلَحَ اللّهُ الأَمیرَ ! مَعَکَ فِی القَصرِ ناسٌ کَثیرٌ مِن أشرافِ النّاسِ،ومِن شُرَطِکَ وأهلِ بَیتِکَ ومَوالیکَ،فَاخرُج بِنا إلَیهِم.

فأبی عُبَیدُ اللّهِ،وعَقَدَ لِشَبَثِ بنِ رِبعِیٍّ لِواءً فَأَخرَجَهُ،وأقامَ النّاسُ مَعَ ابنِ عَقیلٍ یُکَبِّرونَ ویُثَوِّبونَ حَتَّی المَساءِ،وأمرُهُم شَدیدٌ،فَبَعَثَ عُبَیدُ اللّهِ إلَی الأَشرافِ فَجَمَعَهُم إلَیهِ،ثُمَّ قالَ:أشرِفوا عَلَی النّاسِ،فَمَنّوا أهلَ الطّاعَةِ الزِّیادَةَ وَالکَرامَةَ،

ص:135

وخَوِّفوا أهلَ المَعصِیَةِ الحِرمانَ وَالعُقوبَةَ،وأعلِموهُم فُصولَ (1)الجُنودِ مِنَ الشّامِ إلَیهِم.

قالَ أبو مِخنَفٍ:حَدَّثَنی سُلَیمانُ بنُ أبی راشِدٍ،عَن عَبدِ اللّهِ بنِ خازِمٍ الکَثیریِّ مِنَ الأَزدِ مِن بَنی کَثیرٍ،قالَ:أشرَفَ عَلَینَا الأَشرافُ،فَتَکَلَّمَ کَثیرُ بنُ شِهابٍ أوَّلَ النّاسِ حَتّی کادَتِ الشَّمسُ أن تَجِبَ (2)،فَقالَ:أیُّهَا النّاسُ ! الحَقوا بِأَهالیکُم ولا تَعَجَّلُوا الشَّرَّ،ولا تُعَرِّضوا أنفُسَکُم لِلقَتلِ؛فَإِنَّ هذِهِ جُنودُ أمیرِ المُؤمِنینَ یَزیدَ قَد أقبَلَت،وقَد أعطَی اللّهَ الأَمیرُ عَهداً،لَئِن أتمَمتُم عَلی حَربِهِ،ولَم تَنصَرِفوا مِن عَشِیَّتِکُم،أن یَحرِمَ ذُرِّیَّتَکُمُ العَطاءَ،ویُفَرِّقَ مُقاتِلَتَکُم فی مَغازی أهلِ الشّامِ عَلی غَیرِ طَمَعٍ،وأن یَأخُذَ البَریءَ بِالسَّقیمِ،وَالشّاهِدَ بِالغائِبِ،حَتّی لا یَبقی لَهُ فیکُم بَقِیَّةٌ مِن أهلِ المَعصِیَةِ إلّاأذاقَها وَبالَ ما جَرَّت أیدِیها.

وتَکَلَّمَ الأَشرافُ بِنَحوٍ مِن کَلامِ هذا،فَلَمّا سَمِعَ مَقالَتَهُمُ النّاسُ أخَذوا یَتَفَرَّقونَ، وأخَذوا یَنصَرِفونَ. (3)

1164.الإرشاد: أقبَلَ مَن نَأی عَنهُ [أی عَنِ ابنِ زِیادٍ] مِن أشرافِ النّاسِ،یَأتونَهُ مِن قِبَلِ البابِ الَّذی یَلی دارَ الرّومِیّینَ،وجَعَلَ مَن فِی القَصرِ مَعَ ابنِ زِیادٍ یُشرِفونَ عَلَیهِم فَیَنظُرونَ إلَیهِم،وهُم یَرمونَهُم بِالحِجارَةِ ویَشتِمونَهُم،و[لا] (4)یَفتُرونَ عَلی عُبَیدِ اللّهِ وعَلی أبیهِ.

ودَعَا ابنُ زِیادٍ کَثیرَ بنَ شِهابٍ،وأمَرَهُ أن یَخرُجَ فیمَن أطاعَهُ مِن مَذحِجٍ،فَیَسیرَ فِی الکوفَةِ ویُخَذِّلَ النّاسَ عَنِ ابنِ عَقیلٍ،ویُخَوِّفَهُمُ الحَربَ ویُحَذِّرَهُم عُقوبَةَ

ص:136

السُّلطانِ،وأمَرَ مُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ أن یَخرُجَ فیمَن أطاعَهُ مِن کِندَةَ وحَضرَمَوتَ، فَیَرفَعَ رایَةَ أمانٍ لِمَن جاءَهُ مِنَ النّاسِ،وقالَ مِثلَ ذلِکَ لِلقَعقاعِ الذُّهلِیِّ،وشَبَثِ بنِ رِبعِیٍّ التَّمیمِیِّ،وحَجّارِ بنِ أبجَرٍ العِجلِیِّ،وشِمرِ بنِ ذِی الجَوشَنِ العامِرِیِّ،وحَبَسَ باقِیَ وُجوهِ النّاسِ عِندَهُ استیحاشاً إلَیهِم؛لِقِلَّةِ عَدَدِ مَن مَعَهُ مِنَ النّاسِ.

فَخَرَجَ کَثیرُ بنُ شِهابٍ یُخَذِّلُ النّاسَ عَنِ ابنِ عَقیلٍ،وخَرَجَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ حَتّی وَقَفَ عِندَ دورِ بَنی عُمارَةَ،فَبَعَثَ ابنُ عَقیلٍ إلی مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ مِنَ المَسجِدِ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ شُرَیحٍ الشِّبامِیَّ،فَلَمّا رَأَی ابنُ الأَشعَثِ کَثرَةَ مَن أتاهُ تَأَخَّرَ عَن مَکانِهِ،وجَعَلَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ،وکَثیرُ بنُ شِهابٍ،وَالقَعقاعُ بنُ شَورٍ الذُهلِیُّ، وشَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ،یَرُدّونَ النّاسَ عَنِ اللُّحوقِ بِمُسلِمٍ ویُخَوِّفونَهُمُ السُّلطانَ،حَتَّی اجتَمَعَ إلَیهِم عَدَدٌ کَثیرٌ مِن قَومِهِم وغَیرِهِم،فَصاروا إلَی ابنِ زِیادٍ مِن قِبَلِ دارِ الرّومِیّینَ،ودَخَلَ القَومُ مَعَهُم.

فَقالَ لَهُ کَثیرُ بنُ شِهابٍ:أصلَحَ اللّهُ الأَمیرَ ! مَعَکَ فِی القَصرِ ناسٌ کَثیرٌ مِن أشرافِ النّاسِ،ومِن شُرَطِکَ وأهلِ بَیتِکَ ومَوالیکَ،فَاخرُج بِنا إلَیهِم،فَأَبی عُبَیدُ اللّهِ،وعَقَدَ لشَبَثِ بنِ رِبعِیٍّ لِواءً فَأَخرَجَهُ.

وأقامَ النّاسُ مَعَ ابنِ عَقیلٍ یَکثُرونَ حَتَّی المَساءِ،وأمرُهُم شَدیدٌ،فَبَعَثَ عُبَیدُ اللّهِ إلَی الأَشرافِ فَجَمَعَهُم،ثُمَّ أشرَفوا عَلَی النّاسِ فَمَنَّوا أهلَ الطّاعَةِ الزِّیادَةَ وَالکَرامَةَ، وخَوَّفوا أهلَ العِصیانِ الحِرمانَ وَالعُقوبَةَ،وأعلَموهُم وُصولَ الجُندِ مِنَ الشّامِ إلَیهِم. (1)

1165.الکامل فی التاریخ: أقبَلَ أشرافُ النّاسِ یَأتونَ ابنَ زِیادٍ مِن قِبَلِ البابِ الَّذی یَلی

ص:137

دارَ الرُّومِیّینَ،وَالنّاسُ یَسُبّونَ ابنَ زِیادٍ وأباهُ،فَدَعَا ابنُ زِیادٍ کَثیرَ بنَ شِهابٍ الحارِثِیَّ،وأمَرَهُ أن یَخرُجَ فیمَن أطاعَهُ مِن مَذحِجٍ،فَیَسیرَ ویُخَذِّلَ النّاسَ عَنِ ابنِ عَقیلٍ ویُخَوِّفَهُم،وأمَرَ مُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ أن یَخرُجَ فیمَن أطاعَهُ مِن کِندَةَ وحَضرَمَوتَ،فَیَرفَعَ رایَةَ أمانٍ لِمَن جاءَهُ مِنَ النّاسِ،وقالَ مِثلَ ذلِکَ لِلقَعقاعِ بنِ شَورٍ الذُهلِیِّ،وشَبَثِ بنِ رِبعِیٍّ التَّمیمِیِّ،وحَجّارِ بنِ أبجَرٍ العِجلِیِّ،وشِمرِ بنِ ذِی الجَوشَنِ الضَّبابِیِّ،وتَرَکَ وُجوهَ النّاسِ عِندَهُ استِئناساً بِهِم لِقِلّةِ مَن مَعَهُ.

وخَرَجَ اولئِکَ النَّفَرُ یُخَذِّلونَ النّاسَ،وأمَرَ عُبَیدُ اللّهِ مَن عِندَهُ مِنَ الأَشرافِ أن یُشرِفوا عَلَی النّاسِ مِنَ القَصرِ فَیُمَنّوا أهلَ الطّاعَةِ ویُخَوِّفوا أهلَ المَعصِیَةِ،فَفَعَلوا (1).

1166.الأخبار الطوال: قالَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ لِمَن کانَ عِندَهُ مِن أشرافِ أهلِ الکوفَةِ:لِیُشرِف کُلُّ رَجُلِ مِنکُم فی ناحِیَةٍ مِنَ السّورِ،فَخَوِّفُوا القَومَ.

فَأَشرَفَ کَثیرُ بنُ شِهابٍ،ومُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ،وَالقَعقاعُ بنُ شَورٍ،وشَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ،وحَجّارُ بنُ أبجَرٍ،وشِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ،فَتَنادَوا:یا أهلَ الکوفَةِ،اِتَّقوا اللّهَ ولا تَستَعجِلُوا الفِتنَةَ،ولا تَشُقّوا عَصا هذِهِ الاُمَّةِ،ولا تورِدوا عَلی أنفُسِکُم خُیولَ الشّامِ،فَقَد ذُقتُموهُم،وجَرَّبتُم شَوکَتَهُم. (2)

1167.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: وجَعَلَ رَجُلٌ مِن أصحابِ ابنِ زِیادٍ یُقالُ لَهُ کَثیرُ بنُ شِهابٍ،ومُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ،وَالقَعقاعُ بنُ شَورٍ،وشَبَثُ بنُ رِبعِیٍّ،یُنادونَ فَوقَ القَصرِ بِأَعلی أصواتِهِم:ألا یا شیعَةَ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،ألا یا شیعَةَ الحُسینِ بنِ عَلِیٍّ، اللّهَ اللّهَ فی أنفُسِکُم وأهلیکُم وأولادِکُم؛فَإِنَّ جُنودَ أهلِ الشّامِ قَد أقبَلَت،وإنَّ الأَمیرَ عُبَیدَ اللّهِ قَد عاهَدَ اللّهَ لَئِن أنتُم أقَمتُم عَلی حَربِکُم،ولَم تَنصَرِفوا مِن یَومِکُم هذا،

ص:138

لَیَحرِمَنَّکُمُ العَطاءَ ولَیُفَرِّقَنَّ مُقاتِلَتَکُم فی مَغازی أهلِ الشّامِ؛ولَیَأخُذَنَّ البَریءَ بِالسَّقیمِ،وَالشّاهِدَ بِالغائِبِ،حَتّی لا یُبقی مِنکُم بَقِیَّةً مِن أهلِ المَعصِیَةِ إلّاأذاقَها وَبالَ أمرِها. (1)

1168.تذکرة الخواصّ: کانَ عِندَ ابنِ زِیادٍ وُجوهُ أهلِ الکوفَةِ،فَقالَ لَهُم:قوموا فَفَرِّقوا عَشائِرَکُم عَن مُسلِمٍ،وإلّا ضَرَبتُ أعناقَکُم.

فَصَعِدوا عَلَی القَصرِ وجَعَلوا یُکَلِّمونَهُم،فَتَفَرَّقَ مَن کانَ مَعَ مُسلِمٍ،وتَسَلَّلوا عَنهُ. (2)

انصَرِف،النّاسُ یَکفونَکَ.ویَجیءُ الرَّجُلُ إلَی ابنِهِ أو أخیهِ فَیَقولُ:غَداً یَأتیکَ أهلُ الشّامِ،فَما تَصنَعُ بِالحَربِ وَالشَّرِّ؟اِنصَرِف! فَیَذهَبُ بِهِ.

فَما زالوا یَتَفَرَّقونَ ویَتَصَدَّعونَ،حَتّی أمسَی ابنُ عَقیلٍ وما مَعَهُ ثَلاثونَ نَفساً فی المَسجِدِ،حَتّی صُلِّیَتِ المَغرِبُ،فَما صَلّی مَعَ ابنِ عَقیلٍ إلّاثَلاثونَ نَفساً. (1)

1171.تاریخ الطبری عن عمّار الدّهنی عن أبی جعفر[ الباقر ] علیه السّلام :بَعَثَ عُبَیدُ اللّهِ إلی وُجوهِ أهلِ الکوفَةِ فَجَمَعَهُم عِندَهُ فِی القَصرِ،فَلَمّا سارَ إلَیهِ مُسلِمٌ فَانتَهی إلی بابِ القَصرِ، أشرَفوا عَلی عَشائِرِهِم فَجَعَلوا یُکَلِّمونَهُم ویَرُدّونَهُم،فَجَعَلَ أصحابُ مُسلِمٍ یَتَسَلَّلونَ حَتّی أمسی فی خَمسِمِئَةٍ،فَلَمَّا اختَلَطَ الظَّلامُ ذَهَبَ اولئِکَ أیضاً. (2)

1172.الأخبار الطوال: لَمّا سَمِعَ أصحابُ مُسلِمٍ مَقالَتَهُم [أی مَقالَةَ وُجوهِ أهلِ الکوفَةِ] فَتَروا بَعضَ الفُتورِ.

وکانَ الرَّجُلُ مِن أهلِ الکوفَةِ یَأتِی ابنَهُ وأخاهُ وابنَ عَمِّهِ فَیقولُ:اِنصَرِف؛فَإِنَّ النّاسَ یَکفونَکَ،وتَجیءُ المَرأَةُ إلَی ابنِها وزَوجِها وأخیها فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حَتّی یَرجِعَ.

فَصَلّی مُسلِمٌ العِشاءَ فِی المَسجِدِ،وما مَعَهُ إلّازُهاءُ ثَلاثینَ رَجُلاً. (3)

1173.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: لَمّا سَمِعَ ذلِکَ [أی مَقالَةَ الأَشرافِ] النّاسُ،جَعَلوا

ص:140

یَتَفَرَّقونَ ویَتَخاذَلون عَن مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،ویَقولُ بَعضُهُم لِبَعضٍ:ما نَصنَعُ بِتَعجیلِ الفِتنَةِ وغَداً تَأتینا جُموعُ أهلِ الشّامِ؟! فَیَنبَغی أن نَقعُدَ فی مَنازِلِنا،ونَدَعَ هؤُلاءِ القَومَ حَتّی یُصلِحَ اللّهُ ذاتَ بَینِهِم.

قالَ:وکانَتِ المَرأَةُ تَأتی أخاها وأباها أو زَوجَها أو بَنیها فَتُشَرِّدُهُ،ثُمَّ جَعَلَ القَومُ یَتَسَلَّلونَ وَالنَّهارُ یَمضی،فَما غابَتِ الشَّمسُ حَتّی بَقِیَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ فی عَشَرَةٍ مِن أصحابِهِ،وَاختَلَطَ الظَّلامُ فَدَخَلَ مُسلِمٌ المَسجِدَ الأَعظَمَ لِیُصَلِّیَ المَغرِبَ،فَتَفَرَّقَ عَنهُ العَشَرَةُ. (1)

1174.الثقات لابن حبّان: ثُمَّ رَکِبَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ فی ثَلاثَةِ آلافِ فارِسٍ یُریدُ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ،فَلَمّا قَرُبَ مِن قَصرِ عُبَیدِ اللّهِ،نَظَرَ فَإِذا مَعَهُ مِقدارُ ثَلاثِمِئَةِ فارِسٍ،فَوَقَفَ یَلتَفِتُ یَمنَةً ویَسرَةً،فَإِذا أصحابُهُ یَتَخَلَّفونَ عَنهُ،حَتّی بَقِیَ مَعَهُ عَشَرَةُ أنفُسٍ.

فَقالَ:یا سُبحانَ اللّهِ ! غَرَّنا هؤُلاءِ بِکُتُبِهِم،ثُمَّ أسلَمونا إلی أعدائِنا هکَذا ! فَوَلّی راجِعاً،فَلَمّا بَلَغَ طَرَفَ الزُّقاقِ التَفَتَ فَلَم یَرَ خَلفَهُ أحَداً،وعُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ فِی القَصرِ مُتَحَصِّنٌ،یُدَبِّرُ فی أمرِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ. (2)

وَحدَهُ یَتَرَدَّدُ فِی الطُّرُقِ،أتی باباً فَنَزَلَ عَلَیهِ،فَخَرَجَت إلَیهِ امرَأَةٌ،فَقالَ لَها:اِسقینی، فَسَقَتهُ،ثُمَّ دَخَلَت فَمَکَثَت ما شاءَ اللّهُ،ثُمَّ خَرَجَت فَإِذا هُوَ عَلَی البابِ،قالَت:یا عَبدَ اللّهِ،إنَّ مَجلِسَکَ مَجلِسُ ریبَةٍ فَقُم.

قالَ:إنّی أنَا مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،فَهَل عِندَکِ مَأویً؟قالَت:نَعَم،اُدخُل. (1)

1176.تاریخ الطبری عن المجالد بن سعید: لَمّا رَأی [مُسلِمٌ] أَنَّهُ قَد أمسی ولَیسَ مَعَهُ إلّا اولئِکَ النَّفَرُ [ثَلاثونَ نَفَراً]،خَرَجَ مُتَوَجِّهاً نَحوَ أبوابِ کِندَةَ،وبَلَغَ الأَبوابَ وَمَعهُ مِنهُم عَشَرَةٌ،ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البابِ وإذا لَیسَ مَعَهُ إنسانٌ،وَالتَفَتَ فَإِذا هُوَ لا یُحِسُّ أحَداً یَدُلُّهُ عَلَی الطَّریقِ،ولا یَدُلُّهُ عَلی مَنزِلٍ،ولا یُواسیهِ بِنَفسِهِ إن عَرَضَ لَهُ عَدُوٌّ.

فَمَضی عَلی وَجهِهِ یَتَلَدَّدُ فی أزِقَّةِ الکوفَةِ،لا یَدری أینَ یَذهَبُ،حَتّی خَرَجَ إلی دورِ بَنی جَبَلَةَ مِن کِندَةَ،فَمَشی حَتّی انتَهی إلی بابِ امرَأَةٍ یُقالُ لَها:طَوعَةُ، (2)امُّ وَلَدٍ کانَت لِلأَشعَثِ بنِ قَیسٍ فَأَعتَقَها،فَتَزَوَّجَها اسَیدٌ الحَضرَمِیُّ،فَوَلَدَت لَهُ بِلالاً،وکانَ بِلالٌ قَد خَرَجَ مَعَ النّاسِ واُمُّهُ قائِمَةٌ تَنتَظِرُهُ،فَسَلَّمَ عَلَیهَا ابنُ عَقیلٍ،فَرَدَّت عَلَیهِ.

فَقالَ لَها:یا أمَةَ اللّهِ اسقینی ماءً،فَدَخَلَت فَسَقَتهُ،فَجَلَسَ،وأدخَلَتِ الإِناءَ ثُمَّ خَرَجَت فَقالَت:یا عَبدَ اللّهِ،ألَم تَشرَب؟قالَ:بَلی،قالَت:فَاذهَب إلی أهلِکَ ! فَسَکَتَ.ثُمَّ عادَت فَقالَت مِثلَ ذلِکَ،فَسَکَتَ.

ثُمَّ قالَت لَهُ:فِئ (3)للّهِ ِ،سُبحانَ اللّهِ یا عَبدَ اللّهِ،فَمُرَّ إلی أهلِکَ عافاکَ اللّهُ ! فَإِنَّهُ لا یَصلُحُ لَکَ الجُلوسُ عَلی بابی،ولا احِلُّهُ لَکَ.فَقامَ فَقالَ:یا أمَةَ اللّهِ،ما لی فی هذَا

ص:142

المِصرِ مَنزِلٌ ولا عَشیرَةٌ،فَهَل لَکِ إلی أجرٍ ومَعروفٍ،ولَعَلّی مُکافِئُکِ بِهِ بَعدَ الیَومِ؟ فَقالَت:یا عَبدَ اللّهِ وما ذاکَ؟قالَ:أنَا مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،کَذَبَنی هؤُلاءِ القَومُ وغَرّونی.

قالَت:أنتَ مُسلِمٌ؟! قالَ:نَعَم.

قالَت:اُدخُل،فَأَدخَلَتهُ بَیتاً فی دارِها غَیرَ البَیتِ الَّذی تَکونُ فیهِ،وفَرَشَت لَهُ، وعَرَضَت عَلَیهِ العَشاءَ فَلَم یَتَعَشَّ،ولَم یَکُن بِأَسرَعَ مِن أن جاءَ ابنُها،فَرَآها تُکِثرُ الدُّخولَ فِی البَیتِ وَالخُروجَ مِنهُ،فَقالَ:وَاللّهِ إنَّهُ لَیُریبُنی کَثرَةُ دُخولِکِ هذَا البَیتَ مُنذُ اللَّیلَةِ وخُروجِکِ مِنهُ،إنَّ لَکِ لَشَأناً !

قالَت:یا بُنَیَّ الهَ (1)عَن هذا.قالَ لَها:وَاللّهِ لَتُخبِرِنّی.قالَت:أقبِل عَلی شَأنِکَ ولا تَسَأَلنی عَن شَیءٍ،فَأَلَحَّ عَلَیها،فَقالَت:یا بُنَیَّ لا تُحَدِّثَنَّ أحَداً مِنَ النّاسِ بِما اخبِرُکَ بِهِ،وأخَذَت عَلَیهِ الأَیمانَ،فَحَلَفَ لَها،فَأَخبَرَتهُ،فَاضطَجَعَ وسَکَتَ،وزَعَموا أنَّهُ قَد کانَ شَریداً مِنَ النّاسِ،وقالَ بَعضُهُم:کانَ یَشرَبُ مَعَ أصحابٍ لَهُ. (2)

1177.أنساب الأشراف: دُفِعَ [مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ] إلی بابِ امرَأَةٍ یُقالُ لَها:طَوعَةُ،فَاستَسقی ماءً فَسَقَتهُ،ثُمَّ قالَ:یا أمَةَ اللّهِ،أنَا مُسلِمُ بنُ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ،کَذَبَنی هؤُلاءِ القَومُ وغَرّونی،فَآوینی.

فَأَدخَلَتهُ مَنزِلَها وآوَتهُ،وجاءَ ابنُها فَجَعَلَ یُنکِرُ کَثرَةَ دُخولِها إلی مُسلِمٍ وخُروجِها مِن عِندِهِ،فَسَأَلَها عَن قِصَّتِها،فَأَعلَمَتهُ إجارَتَها مُسلِماً،فَأَتی عَبدَ الرَّحمنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ فَأَخبَرَهُ بِذلِکَ. (3)

ص:143

1178.مروج الذهب: فَلَم یُمسِ مُسلِمٌ ومَعَهُ غَیرَ مِئَةِ رَجُلٍ،فَلَمّا نَظَرَ إلَی النّاسِ یَتَفَرَّقونَ عَنهُ،سارَ نَحوَ أبوابِ کِندَةَ،فَما بَلَغَ البابَ إلّاومَعَهُ مِنهُم ثَلاثَةٌ،ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البابِ فَإِذا لَیسَ مَعَهُ مِنهُم أحَدٌ،فَبَقِیَ حائِراً لا یَدری أینَ یَذهَبُ،ولا یَجِدُ أحَداً یَدُلُّهُ عَلَی الطَّریقِ.

فَنَزَلَ عَن فَرَسِهِ،ومَشی مُتَلَدِّداً فی أزِقَّةِ الکوفَةِ،لا یَدری أینَ یَتَوَجَّهُ،حَتَّی انتَهی إلی بابِ مَولاةٍ لِلأَشعَثِ بنِ قَیسٍ،فَاستَسقاها ماءً فَسَقَتهُ،ثُمَّ سَأَلَتهُ عَن حالِهِ، فَأَعلَمَها بِقَضِیَّتِهِ،فَرَقَّت لَهُ وآوَتهُ. (1)

1179.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): وکَثَرَهُم أصحابُ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ، وجاءَ اللَّیلُ فَهَرَبَ مُسلِمٌ،حَتّی دَخَلَ عَلَی امرَأَةٍ مِن کِندَةَ یُقالُ لَها:طَوعَةُ،فَاستَجارَ بِها. (2)

1180.الأخبار الطوال: صَلّی مُسلِمٌ العِشاءَ فِی المَسجِدِ،وما مَعَهُ إلّازُهاءُ ثَلاثینَ رَجُلاً،فَلَمّا رَأی ذلِکَ مَضی مُنصَرِفاً ماشِیاً ومَشَوا مَعَهُ،فَأَخَذَ نَحوَ کِندَةَ،فَلَمّا مَضی قَلیلاً التَفَتَ فَلَم یَرَ مِنهُم أحَداً،ولَم یُصِب إنساناً یَدُلُّهُ عَلَی الطَّریقِ،فَمَضی هائِماً عَلی وَجهِهِ فی ظُلمَةِ اللَّیلِ،حَتّی دَخَلَ عَلی کِندَةَ.فَإِذَا امرَأَةٌ قائِمَةٌ عَلی بابِ دارِها تَنتَظِرُ ابنَها -وکانَت مِمَّن خَفَّ مَعَ مُسلِمٍ-فَآوَتهُ وأدخَلَتهُ بَیتَها.

وجاءَ ابنُها،فَقالَ:مَن هذا فِی الدّارِ؟فَأَعلَمَتهُ،وأمَرَتهُ بِالکِتمانِ. (3)

ص:144

1181.تذکرة الخواصّ: جاءَ [مُسلِمٌ] إلی بابٍ فَجَلَسَ عَلَیهِ،فَجاءَتهُ امَرأَةٌ-أو خَرَجَت إلَیهِ-فَقالَ لَها:یا أمَةَ اللّهِ اسقینی ماءً،فَسَقَتهُ وقالَت:مَن أنتَ؟فَقالَ:أنَا مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،فَقالَت:اُدخُل،فَدَخَلَ.

وکانَتِ المَرأَةُ امَّ مَولیً لِمُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ،فَعَرَفَهُ ابنُها،فَانطَلَقَ فَأَخبَرَ ابنَ الأَشعَثِ،فَأَخبَرَ ابنَ زِیادٍ. (1)

1182.مثیر الأحزان: دَخَلَ [مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ] المَسجِدَ یُصَلّی،وطَلَعَ مُتَوَجِّهاً نَحوَ بابِ کِندَةَ، فَإِذا هُوَ وَحدَهُ لا یَدری أینَ یَذهَبُ،حَتّی وَصَلَ إلی دورِ بَنی جَبَلَةَ،فَتَوَقَّفَ عَلی بابِ امرَأَةٍ اسمُها«طَوعَةُ»،وهِیَ تَنتَظِرُ وَلَدَها وَاسمُهُ بِلالٌ،فَاستَسقاها فَسَقَتهُ، وأشعَرَها بِأَمرِهِ،فَأَدخَلَتهُ. (2)

1183.المناقب لابن شهر آشوب: مَشی [مُسلِمٌ] حَتّی أتی إلی بابِ امرَأَةٍ یُقالُ لَها:طَوعَةُ، کانَت امَّ وَلَدِ مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ،فَتَزَوَّجَها اسَیدٌ الحَضرَمِیُّ فَوَلَدَت لَهُ بِلالاً،وکانَ بِلالٌ خَرَجَ مَعَ النّاسِ واُمُّهُ قائِمَةٌ تَنتَظِرُهُ،فَقالَ لَها مُسلِمٌ:یا أمَةَ اللّهِ اسقینی،فَسَقَتهُ وجَلَسَ.

فَقالَت لَهُ:یا عَبدَ اللّهِ اذهَب إلی أهلِکَ،فَسَکَتَ،ثُمَّ عادَت فَسَکَتَ.

فَقالَت:سُبحانَ اللّهِ،قُم إلی أهلِکَ ! فَقالَ:ما لی فی هذَا المِصرِ مَنزِلٌ ولا عَشیرَةٌ.

قالَت:فَلَعَلَّکَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،فَآوَتهُ،فَلَمّا دَخَلَ بِلالٌ عَلی امِّهِ وَقَفَ عَلَی الحالِ ونامَ. (3)

1184.الفتوح: دَخَلَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ المَسجِدَ الأَعظَمَ لِیُصَلِّیَ المَغرِبَ،وتَفَرَّقَ عَنهُ العَشَرَةُ، فَلَمّا رَأی ذلِکَ استوی عَلی فَرَسِهِ ومَضی فی بَعضِ أزِقَّةِ الکوفَةِ،وقَد اثخِنَ

ص:145

بِالجِراحاتِ،حَتّی صارَ إلی دارِ امرَأَةٍ یُقالُ لَها:طَوعَةُ،وقَد کانَت فیما مَضَی امرَأَةَ قَیسٍ الکِندِیِّ،فَتَزَوَّجَها رَجُلٌ مِن حَضرَمَوتَ یُقالُ لَهُ:أسَدُ بنُ البطینِ (1)،فَأَولَدَها وَلَداً یُقالُ لَهُ أسَدٌ. (2)

وکانَتِ المَرأَةُ واقِفَةً عَلی بابِ دارِها،فَسَلَّمَ عَلَیها مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،فَرَدَّت عَلَیهِ السَّلامَ،ثُمَّ قالَت:ما حاجَتُکَ؟قالَ:اِسقینی شُربَةً مِنَ الماءِ،فَقَد بَلَغَ مِنِّی العَطَشُ.

قالَ:فَسَقَتهُ حَتّی رَوِیَ،فَجَلَسَ عَلی بابِها.

فَقالَت:یا عَبدَ اللّهِ،ما لَکَ جالِسٌ؟أما شَرِبتَ؟فَقالَ:بَلی وَاللّهِ،ولکِنّی ما لی بِالکوفَةِ مَنزِلٌ،وإنّی غَریبٌ قَد خَذَلنی مَن کُنتُ أثِقُ بِهِ،فَهَل لَکِ فی مَعروفٍ تَصطَنِعیهِ إلَیَّ،فَإِنّی رَجُلٌ مِن أهلِ بَیتِ شَرَفٍ وکَرَمٍ،ومِثلی مَن یُکافِئُ بِالإِحسانِ.

فَقالَت:وکَیفَ ذلِکَ،ومَن أنتَ؟فَقالَ مُسلِمٌ رَحِمَهُ اللّهُ:خَلّی هذَا الکَلامَ وأدخِلینی مَنزِلَکِ،عَسَی اللّهُ أن یُکافِئَکِ غَداً بِالجَنَّةِ.

فَقالَت:یا عَبدَ اللّهِ،خَبِّرنِی اسمَکَ ولا تَکتُمنی شَیئاً مِن أمرِکَ؛فَإِنّی أکرَهُ أن یُدخَلَ مَنزلی مِن قَبلِ مَعرِفَةِ خَبَرِکَ،وهذِهِ الفِتنَةٌ قائِمَةٌ،وهذا عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ بِالکوفَةِ.

فَقالَ لَها مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ:إنَّکِ لَو عَرَفتِنی حَقَّ المَعرِفَةِ لَأَدخَلتِنی دارَکِ،أَنا مُسلِمُ بنُ عَقیلِ بنِ أبی طالِبٍ،فَقالَتِ المَرأَةُ:قُم فَادخُل رَحِمَکَ اللّهُ ! فَأَدخَلَتهُ مَنزِلَها،وجاءَتهُ بِالمِصباحِ وبِالطَّعامِ،فَأَبی أن یَأکُلَ.

فَلَم یَکُن بِأَسرَعَ مِن أن جاءَ ابنُها،فَلَمّا أتی وَجَدَ امَّهُ تُکِثرُ دُخولَها وخُروجَها إلی بَیتٍ هُناکَ،وهِیَ باکِیَةٌ،فَقالَ لَها:یا امّاهُ،إنَّ أمرَکِ یُریبُنی لِدُخولِکِ هذَا البَیتَ

ص:146

وخُروجِکِ مِنهُ باکِیَةً،ما قِصَّتُکِ؟

فَقالَت:یا وَلَداه،إنّی مُخبِرَتُکَ بِشَیءٍ لا تُفشِهِ لِأَحَدٍ،فَقالَ لَها:قولی ما أحبَبتِ، فَقالَت لَهُ:یا بُنَیَّ،إنَّ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ فی ذلِکَ البَیتِ،وقَد کانَ مِن قِصَّتِهِ کَذا وکَذا.

قالَ:فَسَکَتَ الغُلامُ ولَم یَقُل شَیئاً،ثُمَّ أخَذَ مَضجَعَهُ ونامَ. (1)

1186.الأخبار الطوال: إنَّ ابنَ زِیادٍ لَمّا فَقَدَ الأَصواتَ،ظَنَّ أنَّ القَومَ دَخَلُوا المَسجِدَ،فَقالَ:

انظُروا،هَل تَرَونَ فِی المَسجِدِ أحَداً؟-وکانَ المَسجِدُ مَعَ القَصرِ-فَنَظَروا فَلَم یَرَوا أحَداً،وجَعَلوا یُشعِلونَ أطنابَ (1)القَصَبِ،ثُمَ یَقذِفونَ بِها فی رُحبَةِ المَسجِدِ لِیُضیءَ لَهُم،فَتَبَیَّنوا،فَلَم یَرَوا أحَداً.

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:إنَّ القَومَ قَد خَذَلوا وأسلَموا مُسلِماً وَانصَرَفوا.فَخَرَجَ فیمَن کانَ مَعَهُ،وجَلَسَ فِی المَسجِدِ،ووُضِعَتِ الشُّموعُ والقَنادیلُ. (2)

فَقالَ:مُر حَرَسی فَلیَقوموا وَرائی کَما کانوا یَقِفونَ،ودُر فیهِم فَإِنّی لَستُ بِداخِلٍ إذاً.فَصَلّی بِالنّاسِ.

ثُمَّ قامَ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،ثُمَّ قالَ:أمّا بَعدُ،فَإِنَّ ابنَ عَقیلٍ السَّفیهَ الجاهِلَ،قَد أتی ما قدَ رَأَیتُم مِنَ الخِلافِ وَالشِّقاقِ،فَبَرِئَت ذِمَّةُ اللّهِ مِن رَجُلٍ وَجَدناهُ فی دارِهِ، ومَن جاءَ بِهِ فَلَهُ دِیَتُهُ،اِتَّقُوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ،وَالزَموا طاعَتَکُم وبَیعَتَکُم،ولا تَجعَلوا عَلی أنفُسِکُم سَبیلاً.

یا حُصَینَ بنَ تَمیمٍ،ثَکِلَتکَ (1)امُّکَ إن صاحَ بابُ سِکَّةٍ (2)مِن سِکَکِ الکوفَةِ،أو خَرَجَ هذَا الرَّجُلُ ولَم تأتِنی بِهِ،وقَد سَلَّطتُکَ عَلی دورِ أهلِ الکوفَةِ فَابعَث مُراصِدَةً عَلی أفواهِ السِّکَکِ،وأصبِح غَداً وَاستَبرِ الدّورَ وجُسَّ (3)خِلالَها،حَتّی تَأتِیَنی بِهذَا الرَّجُلِ-وکانَ الحُصَینُ عَلی شُرَطِهِ،وهُوَ مِن بَنی تَمیمٍ-ثُمَّ نَزَلَ ابنُ زِیادٍ فَدَخَلَ، وقَد عَقَدَ لِعَمرِو بنِ حُرَیثٍ رایَةً وأمَّرَهُ عَلَی النّاسِ. (4)

1188.الفتوح: لَمّا کانَ مِنَ الغَدِ،نادی عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ فِی النّاسِ أن یَجتَمِعوا،ثُمَّ خَرَجَ مِنَ القَصرِ،وأتی إلَی المَسجِدِ الأَعظَمِ فَصَعِدَ المِنبَرَ،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،ثُمَّ قالَ:أیُّهَا النّاسُ ! إنَّ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ أتی هذَا البِلادَ،وأظهَرَ العِنادَ وشَقَّ العَصا،وقَد بَرِئَتِ الذِّمَّةُ مِن رَجُلٍ أصَبناهُ فی دارِهِ،ومَن جاءَ بِهِ فَلَهُ دِیَتُهُ،اِتَّقُوا اللّهَ عَبادَ اللّهِ،وَالزَموا طاعَتَکُم وبَیعَتَکُم،ولا تَجعَلوا عَلی أنفُسِکُم سَبیلاً،ومَن أتانی بِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ فَلَهُ

ص:149

عَشَرَةُ آلافِ دِرهَمٍ،وَالمَنزِلَةُ الرَّفیعَةُ مِن یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،ولَهُ فی کُلِّ یَومٍ حاجَةٌ مَقضِیَّةٌ.وَالسَّلامُ.

ثُمَّ نَزَلَ عَنِ المنِبَرِ،ودَعَا الحُصَینَ بنَ نُمَیرٍ السَّکونِیَّ،فَقالَ:ثَکِلَتکَ امُّکَ إن فاتَتکَ سِکَّةٌ مِن سِکَکِ الکوفَةِ لَم تُطبَق عَلی أهلِها،أو یَأتوکَ بِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،فَوَاللّهِ لَئِن خَرَجَ مِنَ الکوفَةِ سالِماً لَنُریقَنَّ (1)أنفُسَنا فی طَلَبِهِ،فَانطَلِقِ الآنَ فَقَد سَلَّطتُکَ عَلی دورِ الکوفَةِ وسِکَکِها،فَانصِبِ المَراصِدَ،وجُدَّ الطَّلَبَ،حَتّی تَأتِیَنی بِهذَا الرَّجُلِ. (2)

1189.الأمالی للشجری عن سعید بن خالد: قالَ عُبَیدُ اللّهِ عَلَی المِنبَرِ:یا أهلَ الکوفَةِ ! وَاللّهِ لا أدَعُ فِی الکوفَةِ بِیتَ مَدَرٍ (3)إلّاهَدَمتُهُ،ولا بَیتَ قَصَبٍ إلّاأحرَقتُهُ. (4)

1190.البدایة والنهایة: أمّا عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ،فَإِنَّهُ نَزَلَ مِنَ القَصرِ بِمَن مَعَهُ مِنَ الاُمَراءِ وَالأَشرافِ،بَعدَ العِشاءِ الآخِرَةِ،فَصَلّی بِهِمُ العِشاءَ فِی المَسجِدِ الجامِعِ،ثُمَّ خَطَبَهُم، وطَلَبَ مِنهُم مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ،وحَثَّ عَلی طَلَبِهِ،ومَن وَجَدَهُ عِندَهُ ولَم یُعلِم بِهِ فَدَمُهُ هَدرٌ (5)،ومَن جاءَ بِهِ فَلَهُ دِیَتُهُ.وطَلَبَ الشُّرَطَ وحَثَّهُم عَلی ذلِکَ،وتَهَدَّدَهُم. (6)

مَولیً لِمُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ،فَلَمّا عَلِمَ بِهِ [أی بِمُسلِمٍ] الغُلامُ،اِنطَلَقَ إلی مُحَمَّدٍ فَأَخبَرَهُ،فَانطَلَقَ مُحَمَّدٌ إلی عُبَیدِ اللّهِ فَأَخبَرَهُ. (1)

1192.تاریخ الطبری عن المجالد بن سعید: لَمّا أصبَحَ [ابنُ زِیادٍ] جَلَسَ مَجلِسَهُ،وأذِنَ لِلنّاسِ فَدَخَلوا عَلَیهِ،وأقبَلَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ فَقالَ:مَرحَباً بِمَن لا یُستَغَشُّ ولا یُتَّهَمُ،ثُمَّ أقعَدَهُ إلی جَنبِهِ،وأصبَحَ ابنُ تِلکَ العَجوزِ وهُوَ بِلالُ بنُ اسَیدٍ،الَّذی آوَت امُّهُ ابنَ عَقیلٍ،فَغَدا إلی عَبدِ الرَّحمنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ فَأَخبَرَهُ بِمَکانِ ابنِ عَقیلٍ عِندَ امِّهِ.

قالَ:فَأَقبَلَ عَبدُ الرَّحمنِ حَتّی أتی أباهُ وهُوَ عِندَ ابنِ زِیادٍ فَسارَّهُ،فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:ما قالَ لَکَ؟قالَ:أخبَرَنی أنَّ ابنَ عَقیلٍ فی دارٍ مِن دورِنا.فَنَخَسَ (2)بِالقَضیبِ فی جَنبِهِ،ثُمَّ قالَ:قُم فَاْتِنی بِهِ السّاعَةَ. (3)

1193.أنساب الأشراف: کانَ ابنُ زِیادٍ-حینَ تَفَرَّقَ عَنِ ابنِ عَقیلٍ النّاسُ-فَتَحَ بابَ القَصرِ، وخَرَجَ إلَی المَجلِسِ فَجَلَسَ فیهِ،وحَضَرَهُ أهلُ الکوفَةِ،فَجاءَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ إلی أبیهِ-وهُوَ عِندَ ابنِ زِیادٍ-فَأَخبَرَهُ خَبَرَ ابنِ عَقیلٍ،فَأَعلَمَ

ص:151

مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ ابنَ زِیادٍ بِذلِکَ. (1)

1194.الفتوح: أقبَلَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ حَتّی دَخَلَ عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَلَمّا رَآهُ قالَ:

مَرحَباً بِمَن لا یُتَّهَمُ فی مَشورَةٍ.ثُمَّ أدناهُ وأقعَدَهُ إلی جَنبِهِ،وأقبَلَ ابنُ تِلکَ المَرأَةِ- الَّتی مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ فی دارِها-إلی عَبدِ الرَّحمنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ،فَخَبَّرهُ بِمَکانِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ عِندَ امِّهِ،فَقالَ لَهُ عَبدُ الرَّحمنِ:اُسکُتِ الآنَ ولا تُعلِم بِهذا أحَداً مِنَ النّاسِ.

قالَ:ثُمَّ أقبَلَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُحَمَّدٍ إلی أبیهِ فَسارَّهُ فی اذُنِهِ وقالَ:إنَّ مُسلِماً فی دارِ طَوعَةَ،ثُمَّ تَنَحّی عَنهُ.

فَقالَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ:مَا الَّذی قالَ لَکَ عَبدُ الرَّحمنِ؟فَقالَ:أصلَحَ اللّهُ الأَمیرَ، البِشارَةُ العُظمی ! فَقالَ:وما ذاکَ؟ومِثلُکَ مَن بَشَّرَ بِخَیرٍ ! فَقالَ:إنَّ ابنی هذا یُخبِرُنی أنَّ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ فی دارِ طَوعَةَ،عِندَ مَولاةٍ لَنا.قالَ:فَسُرَّ بِذلِکَ،ثُمَّ قالَ:قُم فَائتِ بِهِ،ولَکَ ما بَذَلتُ مِنَ الجائِزَةِ الحَظُّ الأَوفی. (2)

یُصادَفَ فیهِم مِثلُ ابنِ عَقیلٍ،فَبَعَثَ مَعَهُ عَمرَو بنَ عُبَیدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ السُّلَمِیَّ فی سِتّینَ أو سَبعینَ مِن قَیسٍ،حَتّی أتَوا الدّارَ الَّتی فیهَا ابنُ عَقیلٍ. (1)

1196.الفتوح: أمَرَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ خَلیفَتَهُ عَمرَو بنَ حُرَیثٍ المَخزومِیَّ،أن یَبعَثَ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ ثَلاثَمِئَةِ راجِلٍ مِن صَنادیدِ (2)أصحابِهِ.

قالَ:فَرَکِبَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ حَتّی وافَی الدّارَ الَّتی فیها مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ. (3)

1197.تاریخ الطبری عن عمّار الدهنی عن أبی جعفر[ الباقر ] علیه السّلام :بَعَثَ عُبَیدُ اللّهِ عَمرَو بنَ حُرَیثٍ المَخزومِیَّ-وکانَ صاحِبَ شُرَطِهِ-إلَیهِ،ومَعَهُ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ،فَلَم یَعلَم مُسلِمٌ حَتّی احیطَ بِالدّارِ،فَلَمّا رَأی ذلِکَ مُسلِمٌ خَرَجَ إلَیهِم بِسَیفِهِ فَقاتَلَهُم. (4)

1198.الأمالی للشجری عن سعید بن خالد: فَبَعَثَ [ابنُ زِیادٍ] رَجُلاً مِن بَنی سُلَیمٍ فی مِئَةِ فارِسٍ إلَی الدّارِ،فَأَخَذَ فَواتَها (5). (6)

ص:153

البُیوتِ فَرَمَوهُ بِالحِجارَةِ.

وجَعَلوا یُلهِبونَ النّارَ بِأَطرافِ القَصَبِ،ثُمَّ یُلقونَها عَلَیهِ مِن فَوقِ البُیوتِ،فَلَمّا رَأی ذلِکَ قالَ:أکُلُّ ما أری مِنَ الإِحلابِ (1)لِقَتلِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ؟یا نَفسُ اخرُجی إلَی المَوتِ الَّذی لَیسَ عَنهُ مَحیصٌ.

فَخَرَجَ إلَیهِم مُصلِتاً سَیفَهُ إلَی السِّکَّةِ فَقاتَلَهُم،وَاختَلَفَ هُوَ وبُکَیرُ بنُ حُمرانَ الأَحمَرِیُّ ضَربَتَینِ:فَضَرَبَ بُکَیرٌ فَمَ مُسلِمٍ فَقَطَعَ السَّیفُ شَفَتَهُ العُلیا وشَرَعَ فِی السُّفلی،وضَرَبَهُ مُسلِمٌ ضَربَةً مُنکَرَةً فی رَأسِهِ،ثُمَّ ضَرَبَهُ اخری عَلی حَبلِ العاتِقِ فَکادَ یَصِلُ إلی جَوفِهِ،وهُوَ یَرتَجِزُ ویَقولُ:

اُقسِمُ لا اقتَلُ إلّاحُرّا

1201.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: أمَرَ ابنُ زِیادٍ خَلیفَتَهُ عَمرَو بنَ حُرَیثٍ المَخزوِمیَّ أن یَبعَثَ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ ثَلاثَمِئَةِ رَجُلٍ مِن صَنادیدِ أصحابِهِ،فَرَکِبَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ حَتّی وافَی الدّارَ الّتی فیها مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،فَسَمِعَ مُسلِمٌ وَقعَ حَوافِرِ الخَیلِ وأصواتَ الرِّجالِ،فَعَلِمَ أنَّهُ قَد اتِیَ،فَبادَرَ مُسرِعاً إلی فَرَسِهِ،فَأَسرَجَهُ وألجَمَهُ وصَبَّ عَلَیهِ دِرعَهُ،وَاعتَجَرَ بِعِمامَتِهِ وتَقَلَّدَ سَیفَهُ،وَالقَومُ یَرمونَ الدّارَ بِالحِجارَةِ، ویُلهِبونَ النّارَ فی هوارِی القَصَبِ،فَتَبَسَّمَ مُسلِمٌ ثُمَّ قالَ:یا نَفسِی ! اخرُجی إلَی المَوتِ الَّذی لَیسَ مِنهُ مَحیصٌ ولا مَحیدٌ.

ثُمَّ قالَ لِلمَرأَةِ:رَحِمَکِ اللّهُ وجَزاکِ خَیراً،اِعلَمی إنّی ابتُلیتُ مِن قِبَلِ ابنِکِ، فَافتَحِی البابَ،فَفَتَحَتهُ،وخَرَجَ مُسلِمٌ فی وُجوهِ القَومِ کَالأَسَدِ المُغضَبِ،فَجَعَلَ یُضارِبُهُم بِسَیفِهِ حَتّی قَتَلَ جَماعَةً،وبَلَغَ ذلِکَ ابنَ زِیادٍ،فَأَرسَلَ إلی مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ:سُبحانَ اللّهِ أبا عَبدِ الرَّحمنِ،بَعَثناکَ إلی رَجُلٍ واحِدٍ لِتَأتِیَنا بِهِ،فَثَلَمَ مِن

ص:155

أصحابِکَ ثُلمَةً عَظیمَةً!!

فَأَرسَلَ إلَیهِ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ:أیُّهَا الأَمیرُ،أتَظُنُّ أنَّکَ بَعَثتَنی إلی بَقّالٍ مِن بَقاقیلِ الکوفَةِ،أو جُرمُقانِیٍّ مِن جَرامِقَةِ الحیرَةِ؟أفَلا تَعلَمُ أیُّهَا الأَمیرُ،أنَّکَ بَعَثتَنی إلی أسَدٍ ضِرغامٍ (1)،وبَطَلٍ هُمامٍ؛فی کَفِّهِ سَیفٌ حُسامٌ (2)،یَقطُرُ مِنهُ المَوتُ الزُّؤامُ (3)!

فَأَرسَلَ إلَیهِ ابنُ زِیادٍ:أن أعطِهِ الأَمانَ؛فَإِنَّکَ لَن تَقدِرَ عَلَیهِ إلّابِالأَمانِ المُؤَکَّدِ بِالأَیمانِ. (4)

1202.الملهوف: خَرَجَ [مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ] وَحیداً فی سِکَکِ الکوفَةِ،حَتّی وَقَفَ عَلی بابِ امرَأَةٍ یُقالُ لَها:طَوعَةُ،فَطَلَبَ مِنها ماءً فَسَقَتهُ،ثُمَّ استَجارَها فَأَجارَتهُ،فَعَلِمَ بِهِ وَلَدُها فَوَشَی الخَبَرَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَأَحضَرَ مُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ وضَمَّ إلَیهِ جَماعَةً،وأنفَذَهُ لإِحضارِ مُسلِمٍ،فَلَمّا بَلَغوا دارَ المَرأَةِ،وسَمِعَ مُسلِمٌ وَقعَ حَوافِرِ الخَیلِ،لَبِسَ دِرعَهُ،ورَکِبَ فَرَسَهُ،وجَعَلَ یُحارِبُ أصحابَ عُبَیدِ اللّهِ. (5)

1203.المناقب لابن شهر آشوب: أنفَذَ عُبَیدُ اللّهِ عَمرَو بنَ حُرَیثٍ المَخزومِیَّ،ومُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ،فی سَبعینَ رَجُلاً حَتّی أطافوا بِالدّارِ،فَحَمَلَ مُسلِمٌ عَلَیهِم وهُوَ یَقولُ:

هُوَ المَوتُ فَاصنَع وَیکَ ما أنتَ صانِعُ

فَقَتَلَ مِنهُم واحِداً وأربَعینَ رَجُلاً،فَأَنفَذَ ابنُ زِیادٍ اللّائِمَةَ إلَی ابنِ الأَشعَثِ،فَقالَ:

ص:156

أیُّهَا الأَمیرُ ! إنَّکَ بَعَثتَنی إلی أسَدٍ ضِرغامٍ،وسَیفٍ حُسامٍ،فی کَفِّ بَطَلٍ هُمامٍ،مِن آلِ خَیرِ الأَنامِ. (1)

1204.البدایة والنهایة: دَخَلوا عَلَیهِ [أی عَلی مُسلِمٍ] فَقامَ إلَیهِم بِالسَّیفِ،فَأَخرَجَهُم مِنَ الدّارِ ثَلاثَ مَرّاتٍ،واُصیبَت شَفَتُهُ العُلیا وَالسُّفلی،ثُمَّ جَعَلوا یَرمونَهُ بِالحِجارَةِ، ویُلهِبونَ النّارَ فی أطنابِ القَصَبِ،فَضاقَ بِهِم ذَرعاً،فَخَرَجَ إلَیهِم بِسَیفِهِ فَقاتَلَهُم. (2)

1205.الأخبار الطوال: قالَ [ابنُ زِیادٍ] لِعُبَیدِ بنِ حُرَیثٍ:اِبعَث مِئَةَ رَجُلٍ مِن قُرَیشٍ (3)،وکَرِهَ أن یَبعَثَ إلَیهِ غَیرَ قُرَیشٍ (4)خَوفاً مِنَ العَصَبِیَّةِ أن تَقَعَ،فَأَقبَلوا حَتّی أتَوا الدّارَ الَّتی فیها مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ فَفَتَحوها،فَقاتَلَهُم،فَرُمِیَ فَکُسِرَ فوهُ واُخِذَ،فَاُتِیَ بِبَغلَةٍ فَرَکِبَها، وصاروا بِهِ إلَی ابنِ زِیادٍ. (5)

1206.العقد الفرید عن أبی عبید القاسم بن سلام: ارسِلَ إلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،فَخَرَجَ إلَیهِم بِسَیفِهِ،فَما زالَ یُقاتِلُهُم حَتّی أثخَنوهُ بِالجِراحِ،فَأَسَروهُ. (6)

الأَمانُ.فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ:وأیُّ أمانٍ لِلغَدَرَةِ الفَجَرَةِ ! ثُمَّ أقبَلَ یُقاتِلُهُم ویَرتَجِزُ بِأبیاتِ حَمرانَ بنِ مالِکٍ الخَثعَمِیِّ یَومَ القرنِ،حَیثُ یَقولُ:

أقسَمتُ لا اقتَلُ إلّاحُرّا

فَقالوا لَهُ:إنَّکَ لا تُخدَعُ ولا تُغَرُّ،فَلَم یَلتَفِت إلی ذلِکَ،وتَکاثَروا عَلَیهِ بَعدَ أن اثخِنَ بِالجِراح،فَطَعَنَهُ رَجُلٌ مِن خَلفِهِ،فَخَرَّ إلَی الأَرضِ،فَاُخِذَ أسیراً. (1)

1208.المناقب لابن شهر آشوب: قالَ [ابنُ الأَشعَثِ]:وَیحَکَ ابنَ عَقیلٍ ! لَکَ الأَمانُ.وهُوَ یَقولُ:لا حاجَةَ لی فی أمانِ الفَجَرَةِ ! وهُوَ یَرتَجِزُ:

أقسَمتُ لا اقتَلُ إلّاحُرّا

فَضَرَبوهُ بِالسِّهامِ وَالأَحجارِ حَتّی عَیِیَ وَاستَنَدَ حائِطاً،فَقالَ:ما لَکُم تَرمونی بِالأَحجارِ کَما تُرمَی الکُفّارُ،وأنَا مِن أهلِ بَیتِ الأَنبِیاءِ الأَبرارِ؟! ألا تَرعَونَ حَقَّ رَسولِ اللّهِ فی ذُرِّیَّتِهِ؟!

فَقالَ ابنُ الأَشعَثِ:لا تَقتُل نَفسَکَ،وأنتَ فی ذِمَّتی،قالَ:اُؤسَرُ وبی طاقَةٌ؟! لا وَاللّهِ،لا یَکونُ ذلِکَ أبَداً.وحَمَلَ عَلَیهِ فَهَرَبَ مِنهُ،فَقالَ مُسلِمٌ:اللّهُمَّ إنَّ العَطَشَ قَد بَلَغَ مِنّی.

فَحَمَلوا عَلَیهِ مِن کُلِّ جانِبٍ،فَضَرَبَهُ بُکَیرُ بنُ حُمرانَ الأَحمَرِیُّ عَلی شَفَتِهِ

ص:158

العُلیا،وضَرَبَهُ مُسلِمٌ فی جَوفِهِ فَقَتَلَهُ،وطُعِنَ مِن خَلفِهِ فَسَقَطَ مِن فَرَسِهِ فَاُسِرَ. (1)

1209.الفتوح: أرسَلَ إلَیهِ [أی إلی مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ] عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ أن أعطِهِ الأَمانَ؛ فَإِنَّکَ لَن تَقدِرَ عَلَیهِ إلّابِالأَمانِ.فَجَعَلَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ یَقولُ:وَیحَکَ یَابن عَقیلٍ ! لا تَقتُل نَفسَکَ،لَکَ الأَمانُ،ومُسلِمُ بنُ عَقیلٍ یَقولُ:لا حاجَةَ إلی أمانِ الغَدَرَةِ،ثُمَّ جَعَلَ یُقاتِلُهُم وهُوَ یَقولُ:

أقسَمتُ لا اقتَلُ إلّاحُرّا

أضرِبُکُم ولا أخافُ ضُرّا

قالَ:فَناداهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ وقالَ:وَیحَکَ یَابنَ عَقیلٍ ! إنَّکَ لا تُکذَبُ ولا تُغَرُّ، القَومُ لَیسوا بِقاتِلیکَ فَلا تَقتُل نَفسَکَ.

قالَ:فَلَم یَلتَفِت مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ-رَحِمَهُ اللّهُ-إلی کَلامِ ابنِ الأَشعَثِ،وجَعَلَ یُقاتِلُ حَتّی اثخِنَ بِالجِراحِ،وضَعُفَ عَنِ القِتالِ،وتَکاثَروا عَلَیهِ فَجَعَلوا یَرمونَهُ بِالنَّبلِ وَالحِجارَةِ،فَقالَ مُسلِمٌ:وَیلَکُم ! ما لَکُم تَرمونَنی بِالحِجارَةِ کَما تُرمَی الکُفّارُ،وأنَا مِن أهلِ بَیتِ الأَنبِیاءِ الأَبرارِ؟! وَیلَکُم ! أما تَرعَونَ حَقَّ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وذُرِّیَّتِهِ؟

قالَ:ثُمَّ حَمَلَ عَلَیهِم-عَلی ضَعفِهِ-فَکَسَرَهُم وفَرَّقَهُم فِی الدُّروبِ،ثُمَّ رَجَعَ وأسنَدَ ظَهرَهُ إلی بابِ دارٍ هُناکَ،فَرَجَعَ القَومُ إلَیهِ فَصاحَ بِهِم مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ:

ذَروهُ حَتّی اکَلِّمَهُ بِما یُریدُ.

قالَ:ثُمَّ دَنا مِنهُ ابنُ الأَشعَثِ حَتّی وَقَفَ قُبالَتَهُ،وقالَ:وَیلَکَ یَابنَ عَقیلٍ، لا تَقتُل نَفسَکَ،أنتَ آمِنٌ ودَمُکَ فی عُنُقی.فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ:أتَظُنُّ یَابنَ الأَشعَثِ

ص:159

أنّی اعطی بِیَدی أبَداً وأنَا أقدِرُ عَلَی القِتالِ؟لا وَاللّهِ،لا کانَ ذلِکَ أبَداً،ثُمَّ حَمَلَ عَلَیهِ حَتّی ألحَقَهُ بِأَصحابِهِ.ثُمَّ رَجَعَ مَوضِعَهُ فَوَقَفَ وقالَ:اللّهُمَّ إنَّ العَطَشَ قَد بَلَغَ مِنّی.

قالَ:فَلَم یَجسُر أحَدٌ أن یَسِقیَهُ الماءَ ولا قَرُبَ مِنهُ،فَأَقبَلَ ابنُ الأَشعَثِ عَلی أصحابِهِ وقالَ:وَیلَکُم ! إنَّ هذا لَهُوَ العارُ وَالفَشَلُ أن تَجزَعوا مِن رَجُلٍ واحِدٍ هذا الجَزَعَ،اِحمِلوا عَلَیهِ بِأَجمَعِکُم حَملَةً واحِدَةً.

قالَ:فَحَمَلوا عَلَیهِ وحَمَلَ عَلَیهِم،فَقَصَدَهُ مِن أهلِ الکوفَةِ رَجُلٌ یُقالُ لَهُ بُکَیرُ بنُ حُمرانَ الأَحمَرِیُّ،فَاختَلَفا بِضَربَتَینِ:فَضَرَبَهُ بُکَیرٌ ضَربَةً عَلی شَفَتِهِ العُلیا،وضَرَبَهُ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ ضَرَبةً فَسَقَطَ إلَی الأَرضِ قَتیلاً؛قالَ:فَطُعِنَ [مُسلِمٌ] مِن وَرائِهِ طَعنَةً فَسَقَطَ إلَی الأَرضِ،فَاُخِذَ أسیراً،ثُمَّ اخِذَ فَرَسُهُ وسِلاحُهُ.

وتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِن بَنی سُلَیمانَ،یُقالُ لَهُ:عُبَیدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ،فَأَخَذَ عِمامَتَهُ. (1)

1210.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: أرسَلَ إلَیهِ [أی إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ] مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ:أیُّهَا الأَمیرُ ! أتَظُنُّ أنَّکَ بَعَثتَنی إلی بَقّالٍ مِن بَقاقیلِ الکوفَةِ،أو جُرمُقانِیٍّ مِن جَرامِقَةِ الحیرَةِ ! أفَلا تَعلَمُ-أیُّهَا الأَمیرُ-أنَّکَ بَعَثتَنی إلی أسَدٍ ضِرغامٍ،وبَطَلٍ هُمامٍ، فی کَفِّهِ سَیفٌ حُسامٌ،یَقطُرُ مِنهُ المَوتُ الزُّؤامُ؟!

فَأَرسَلَ إلَیهِ ابنُ زِیادٍ:أن أعطِهِ الأَمانَ،فَإِنَّکَ لَن تَقدِرَ عَلَیهِ إلّابِالأَمانِ المُؤَکَّدِ بِالأَیمانِ؛فَجَعَلَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ یُنادیهِ:وَیحَکَ یَابنَ عَقیلٍ ! لا تَقتُل نَفسَکَ،لَکَ الأَمانُ،فَیَقولُ مُسلِمٌ:لا حاجَةَ لی فی أمانِ الغَدَرةِ الفَجَرَةِ،ویُنشِدُ:

أقسَمتُ لا اقتَلُ إلّاحُرّا

ص:160

أضرِبُکُم ولا أخافُ ضُرّا

أخافُ أن اخدَعَ أو اغَرّا

فَناداهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ:وَیحَکَ یا مُسلِمُ ! إنَّکَ لَن تُغَرَّ ولَن تُخدَعَ،وَالقَومُ لَیسوا بِقاتِلیکَ،فَلا تَقتُل نَفسَکَ،فَلَم یَلتَفِت إلَیهِ،فَجَعَلَ یُقاتِلُهُم حَتّی اثخِنَ بِالجِراحِ، وضَعُفَ عَنِ الکِفاحِ،وتَکاثَروا عَلَیهِ مِن کُلِّ جانِبٍ،وجَعَلوا یَرمونَهُ بِالنَّبلِ وَالحِجارَةِ.

فَقالَ مُسلِمٌ،وَیلَکُم ! ما لَکُم تَرمونّی بِالحِجارَةِ کَما تُرمَی الکُفّارُ،وأنَا مِن أهلِ بَیتِ النَّبِیِّ المُختارِ؟! وَیلَکُم ! أما تَرعَونَ حَقَّ رَسولِ اللّهِ،ولا حَقَّ قُرباهُ؟ثُمَّ حَمَلَ عَلَیهِم-فی ضَعفِهِ-فَهَزَمَهُم وکَسَرَهُم فِی الدُّروبِ وَالسِّکَکِ.

ثُمَّ رَجَعَ وأسنَدَ ظَهرَهُ عَلی بابِ دارٍ مِن تِلکَ الدّورِ،ورَجَعَ القَومُ إلَیهِ،فَصاحَ بِهِم مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ:ذَروهُ حَتّی اکَلِّمَهُ بِما اریدُ،فَدَنا مِنهُ وقالَ:وَیحَکَ یَابنَ عَقیلٍ ! لا تَقتُل نَفسَکَ،أنتَ آمِنٌ ودَمُکَ فی عُنُقی،وأنتَ فی ذِمَّتی.

فَقالَ مُسلِمٌ:أتَظُنُّ یَابنَ الأَشعَثِ أنّی اعطی بِیَدی وأنَا أقدِرُ عَلَی القِتالِ؟! لا وَاللّهِ لا یَکونُ ذلِکَ أبَداً.ثُمَّ حَمَلَ عَلَیهِ فَأَلحَقَهُ بِأَصحابِهِ،ثُمَّ رَجَعَ إلی مَوضِعِهِ وهُوَ یَقولُ:

اللّهُمَّ إنَّ العَطَشَ قَد بَلَغَ مِنّی،فَلَم یَجتَرِئ أحَدٌ أن یَسقِیَهُ الماءَ ویَدنُوَ مِنهُ.

فَقالَ ابنُ الأَشعَثِ لِأَصحابِهِ:إنَّ هذا لَهُوَ العارُ وَالشَّنارُ (1)،أتَجزَعونَ مِن رَجُلٍ واحِدٍ هذَا الجَزَعَ؟اِحمِلوا عَلَیهِ بِأَجمَعِکُم حَملَةَ رَجُلٍ واحِدٍ.فَحَمَلوا عَلَیهِ وحَمَلَ عَلَیهِم،وقَصَدَهُ رَجُلٌ مِن أهلِ الکوفَةِ یُقالُ لَهُ بُکَیرُ بنُ حُمرانَ الأَحمَرِیُّ،فَاختَلَفا

ص:161

بِضَربَتَینِ:ضَرَبَهُ بُکَیرٌ عَلی شَفَتِهِ العُلیا،وضَرَبَهُ مُسلِمٌ فَبَلَغَتِ الضَّربَةُ جَوفَهُ فَأَسقَطَهُ قَتیلاً. (1)

وطُعِنَ [مُسلِمٌ] مِن وَرائِهِ فَسَقَطَ إلَی الأَرضِ،فَاُخِذَ أسیراً،ثُمَّ اخِذَ فَرَسُهُ وسِلاحُهُ،وتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِن بَنی سُلَیمٍ یُقالُ لَهُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ،فَأَخَذَ عِمامَتَهُ. (2)

1211.تاریخ الطبری عن قدامة بن سعید بن زائدة بن قدامة الثّقفی: فَأَقبَلَ عَلَیهِ [أی عَلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ] مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ،فَقالَ:یافَتی،لَکَ الأَمانُ،لا تَقتُل نَفسَکَ ! فَأَقبَلَ یُقاتِلُهُم وهُوَ یَقولُ:

أقسَمتُ لا اقتَلُ إلّاحُرّا

فَقالَ لَهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ:إنَّکَ لا تُکذَبُ ولا تُخدَعُ ولا تُغَرُّ،إنَّ القَومَ بَنو عَمِّکَ، ولَیسوا بِقاتِلیکَ ولا ضارِبیکَ.

وقَد اثخِنَ بِالحِجارَةِ،وعَجَزَ عَنِ القِتالِ وَانبَهَرَ (3)،فَأَسنَدَ ظَهرَهُ إلی جَنبِ تِلکَ الدّارِ،فَدَنا مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ فَقالَ:لَکَ الأَمانُ.

فَقالَ:آمِنٌ أنا؟قالَ:نَعَم،وقالَ القَومُ:أنتَ آمِنٌ،غَیرَ عَمرِو بنِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ السُّلَمِیِّ فَإِنَّهُ قالَ:لا ناقَةَ لی فی هذا ولا جَمَلٍ،وتَنَحّی.

وقالَ ابنُ عَقیلٍ:أما لَو لَم تُؤَمِّنونی،ما وَضَعتُ یَدی فی أیدیکُم. (4)

ص:162

1212.مروج الذهب: لَمّا رَأَوا ذلِکَ مِنهُ [أی شِدَّةَ قِتالِ مُسلِمٍ وبَسالَتَهُ]،تَقَدَّمَ إلَیهِ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ،فَقالَ لَهُ:فَإِنَّکَ لا تُکذَبُ ولا تُغَرُّ،وأعطاهُ الأَمانَ،فَأَمکَنَهُم مِن نَفسِهِ، وحَمَلوهُ عَلی بَغلَةٍ وأتَوا بِهِ ابنَ زِیادٍ،وقَد سَلَبَهُ ابنُ الأَشعَثِ حینَ أعطاهُ الأَمانَ سَیفَهُ وسِلاحَهُ. (1)

1214.تاریخ الطبری عن عمّار الدّهنی عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام :فَأَعطاهُ عَبدُ الرَّحمنِ الأَمانَ،فَأَمکَنَ مِن یَدِهِ. (2)

ص:163

ص:164

أکبر،وخصوصاً إذا کان إعطاء الأمان من جانب فاسق وفاجر مثل ابن زیاد،لیس سوی خدعة،فکیف یمکن القبول بأنّ مسلماً لم یدرک هذا المعنی،وأنّه قبل أمانه دون نقاش وسلّم نفسه؟!

ویبدو فیما یتعلّق بالروایة الثانیة التی تفید أنّ استسلام مسلم قد تمّ عندما عجز عن القتال بسبب کثرة الجراح،هو الذی دفع الراوی إلی أن یتصوّر قبول الأمان.

وعلی هذا الأساس فإنّ الروایة الاُولی التی نقلتها المصادر الکثیرة،والتی ینسجم نصّها مع شهامة أصحاب سیّد الشهداء وعزمهم الراسخ وجرأتهم وشجاعتهم،هی أقرب إلی الواقع القاضی بأنّ مسلماً لم یقبل أبداً عرض الأمان،وأنّه حارب حتّی آخر رمق من حیاته، وأنّه اسر عندما فقد القدرة علی الدفاع عن نفسه.

ص:166

إلَیهِ راجِعونَ.

فَقالَ بَعضُ مَن حَولَهُ:إنَّ مَن یَطلُبُ مِثلَ الَّذی تَطلُبُ،لا یَبکی إذا نَزَلَ بِهِ هذا !

فَقالَ:أمَا وَاللّهِ لَستُ أبکی عَلی نَفسی،ولکِن أبکی عَلَی الحُسَینِ وآلِ الحُسَینِ، إنَّهُ قَد خَرَجَ إلَیکُمُ الیَومَ أو أمسِ مِن مَکَّةَ. (1)

أمَرَهُ ابنُ عَقیلٍ.

وقالَ لَهُ:هذا زادُکَ وجَهازُکَ ومُتعَةٌ لِعِیالِکَ،فَقالَ:مِن أینَ لی بِراحِلَةٍ؟فَإِنَّ راحِلَتی قَد أنضَیتُها (1)،قالَ:هذِهِ راحِلَةٌ فَارکَبها بِرَحلِها،ثُمَّ خَرَجَ فَاستَقبَلَهُ بِزُبالَةَ (2)لِأَربَعِ لَیالٍ،فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ،وبَلَّغَهُ الرِّسالَةَ،فَقالَ لَهُ حُسینٌ علیه السّلام:کُلُّ ما حُمَّ (3)نازِلٌ، وعِندَ اللّهِ نَحتَسِبُ أنفُسَنا،وفَسادَ امَّتِنا. (4)

1218.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: لَمّا رَکِبَ [مُسلِمٌ] عَلَی البَغلَةِ،ونُزِعَ مِنهُ السَّیفُ، استَرجَعَ،وقالَ:هذا أوَّلُ الغَدرِ،وأیِسَ مِن نَفسِهِ،وعَلِمَ أن لا أمانَ لَهُ مِنَ القَومِ، فَقالَ لِمُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ:إنّی لَأَظُنُّکَ أن تَعجِزَ عَن أمانی،أفَتَستَطیعُ أن تَبعَثَ رَجُلاً عَن لِسانی یُبلِغُ حُسَیناً علیه السّلام؛فَإِنّی لا أراهُ إلّاقَد خَرَجَ إلی ما قِبَلَکُم،هُوَ وأهلُ بَیتِهِ،فَیقولَ لَهُ:إنَّ مُسلِماً بَعَثَنی إلَیکَ،وهُوَ أسیرٌ فی یَدِ العَدُوِّ،یَذهَبونَ بِهِ إلَی القَتلِ، فَارجِع بِأَهلِکَ،ولا یَغُرَّنَّکَ أهلُ الکوفَةِ؛فَإِنَّهُم أصحابُ أبیکَ الَّذی کانَ یَتَمَنّی فِراقَهُم بِالمَوتِ أوِ القَتلِ،إنَّ أهلَ الکوفَةِ قَد کَذَبونی فَکَتَبتُ إلَیکَ،ولَیسَ لِمکذوبٍ رَأیٌ.

فَقالُ مُحَمَّدٌ:وَاللّهِ لَأَفعَلَنَّ،ودَعا بِإِیاسٍ الطائِیِّ،وکَتَبَ مَعَهُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام ما قالَهُ مُسلِمٌ عَن لِسانِ مُسلِمٍ،وأعطاهُ راحِلَةً وزاداً،فَذَهَبَ فَاستَقبَلَ الحُسَینَ علیه السّلام

ص:169

بِزُبالَةَ،وکانَ مُسلِمٌ حینَ تَحَوَّلَ إلی دارِ هانی کَتَبَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام کِتاباً،ذَکَرَ فیهِ کَثرَةَ مَن بایَعَهُ،فَهُوَ قَولُهُ:کَذَبونی فَکَتَبتُ إلَیکَ (1).

1219.الأخبار الطوال: لَمّا وافی [أیِ الإِمامُ الحُسَین علیه السّلام ] زُبالَةَ،وافاهُ بِها رَسولُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ وعُمَرَ بنِ سَعدٍ بِما کانَ سَأَلَهُ مُسلِمٌ أن یَکتُبَ بِهِ إلَیهِ مِن أمرِهِ،وخِذلانِ أهلِ الکوفَةِ إیّاهُ بَعدَ أن بایَعوهُ،وقَد کانَ مُسلِمٌ سَأَلَ مُحَمَّدَ بنَ الأَشعَثِ ذلِکَ.

فَلَمّا قَرَأَ الکِتابَ استَیقَنَ بِصِحَّةِ الخَبَرِ،وأفظَعَهُ قَتلُ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ وهانِئِ بنِ عُروَةَ،ثُمَّ أخبَرَهُ الرَّسولُ بِقَتلِ قَیسِ بنِ مُسهِرٍ،رَسولِهِ الَّذی وَجَّهَهُ مِن بَطنِ الرِّمَّةِ.

وقَد کانَ صَحِبَهُ قَومٌ مِن مَنازِلِ الطَّریقِ،فَلَمّا سَمِعوا خَبَرَ مُسلِمٍ-وقَد کانوا ظَنّوا أنَّهُ یَقدَمُ عَلی أنصارٍ وعَضُدٍ-تَفَرَّقوا عَنهُ،ولَم یَبقَ مَعَهُ إلّاخاصَّتُهُ (2).

1221.المحاسن والمساوئ عن أبی معشر: أرسَلَ [ابنُ زِیادٍ] إلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،فَخَرَجَ عَلَیهِم بِسَیفِهِ،فَما زالَ یُناوِشُهُم ویُقاتِلُهُم حَتّی جُرِحَ واُسِرَ،فَعَطِشَ وقالَ:اِسقونی ماءً،ومَعَهُ رَجُلٌ مِن آلِ أبی مُعَیطٍ،ورَجُلٌ مِن بَنی سُلَیمٍ.

فَقالَ شِمرُ بنُ ذی جَوشَنٍ:وَاللّهِ لا نَسقیکَ إلّامِنَ البِئرِ.وقالَ المُعَیطِیُّ:وَاللّهِ لا نَسقیهِ إلّامِنَ الفُراتِ.فَأَتاهُ غُلامٌ لَهُ بِإِبریقٍ مِن ماءٍ،وقَدَحٍ قَواریرَ ومِندیلٍ فَسَقاهُ، فَتَمَضمَضَ فَخَرَجَ الدَّمُ،فَما زالَ یَمُجُّ (1)الدَّمَ ولا یُسیغُ (2)شَیئاً،حَتّی قالَ:أخِّرهُ عَنّی، فَلَمّا أصبَحَ دَعاهُ عُبَیدُ اللّهِ لِیَضرِبَ عُنُقَهُ. (3)

1222.الفتوح: فَجَعَلَ [مُسلِمٌ] یَقولُ:اِسقونی شُربَةً مِنَ الماءِ،فَقالَ لَهُ مُسلِمُ بنُ عَمرٍو الباهِلِیُّ:وَاللّهِ لا تَذوقُ الماءَ یَابنَ عَقیلٍ أو تَذوقَ المَوتَ،فَقالَ لَهُ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ:

وَیلَکَ یا هذا،ما أجفاکَ وأفَظَّکَ وأغلَظَکَ ! ! اشهِدُ عَلَیکَ أنَّکَ إن کُنتَ مِن قُرَیشٍ فَإِنَّکَ مُلصَقٌ (4)،وإن کُنتَ مِن غَیرِ قُرَیشٍ فَإِنَّکَ مُدَّعٍ إلی غَیرِ أبیکَ.مَن أنتَ یا عَدُوَّ اللّهِ؟

فَقالَ:أنَا مَن عَرَفَ الحَقَّ إذ أنکَرتَهُ،ونَصَحَ لِإِمامِهِ إذ غَشَشتَهُ (5)،وسَمِعَ وأطاعَ إذ خالَفتَهُ،أنَا مُسلِمُ بنُ عَمرٍو الباهِلِیُّ.

ص:172

فَقالَ لَهُ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ:أنتَ أولی بِالخُلودِ وَالحَمیمِ،إذ آثَرتَ طاعَةَ بَنی سُفیانَ عَلی طاعَةِ الرَّسولِ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله.

ثُمَّ قالَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ-رَحِمَهُ اللّهُ-:وَیحَکُم یا أهلَ الکوفَةِ ! اسقونی شُربَةً مِن ماءٍ.فَأَتاهُ غُلامٌ لِعَمرِو بنِ حُرَیثٍ الباهِلِیِّ بِقُلَّةٍ فیها ماءٌ،وقَدَحٍ فیها،فَناوَلَهُ القُلَّةَ، فَکُلَّما أرادَ أن یَشرَبَ امتَلَأَ القَدَحُ دَماً،فَلَم یَقدِر أن یَشرَبَ مِن کَثرَةِ الدَّمِ،وسَقَطَت ثَنِیَّتاهُ فِی القَدَحِ،فَامتَنَعَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ-رَحِمَهُ اللّهُ-مِن شُربِ الماءِ.

قالَ:واُتِیَ بِهِ حَتّی ادخِلَ عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ. (1)

1223.البدایة والنهایة: لَمَّا انتَهی مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ إلی بابِ القَصرِ،إذا عَلی بابِهِ جَماعَةٌ مِنَ الاُمَراءِ مِن أبناءِ الصَّحابَةِ،مِمَّن یَعرِفُهُم ویَعرِفونَهُ،یَنتَظِرونَ أن یُؤذَنَ لَهُم عَلَی ابنِ زِیادٍ،ومُسلِمٌ مُخَضَّبٌ بِالدِّماءِ فی وَجهِهِ وثِیابِهِ،وهُوَ مُثخَنٌ بِالجِراحِ،وهُوَ فی غایَةِ العَطَشِ،وإذا قُلَّةٌ مِن ماءٍ بارِدٍ هُنالِکَ،فَأَرادَ أن یَتَناوَلَها لِیَشرَبَ مِنها،فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِن اولئِکَ:وَاللّهِ لا تَشرَبُ مِنها حَتّی تَشرَبَ مِنَ الحَمیمِ !

فَقالَ لَهُ:وَیلَکَ یَابنَ ناهِلَةَ (2)،أنتَ أولی بِالحَمیمِ وَالخُلودِ فی نارِ الجَحیمِ مِنّی.ثُمَّ جَلَسَ فَتَسانَدَ إلَی الحائِطِ مِنَ التَّعَبِ وَالکَلالِ وَالعَطَشِ،فَبَعَثَ عُمارةُ بنُ عُقبَةَ بنِ أبی مُعَیطٍ مَولیً لَهُ إلی دارِهِ،فَجاءَ بِقُلَّةٍ عَلَیها مِندیلٌ ومَعَهُ قَدَحٌ،فَجَعَلَ یُفرِغُ لَهُ فِی القَدَحِ ویُعطیهِ فَیَشرَبُ،فَلا یَستَطیعُ أن یُسیغَهُ مِن کَثرَةِ الدِّماءِ الَّتی تَعلو عَلَی الماءِ، مَرَّتَینِ أو ثَلاثاً،فَلَمّا شَرِبَ سَقَطَت ثَنایاهُ مَعَ الماءِ،فَقالَ:اَلحَمدُ للّهِ ِ،لَقَد کانَ بَقِیَ لی مِنَ الرِّزقِ المَقسومِ شُربَةُ ماءٍ. (3)

ص:173

إلی بَعضِ قَومی،فَنَظَرَ إلی جُلَساءِ عُبَیدِ اللّهِ،وفیهِم عُمَرُ بنُ سَعدٍ،فَقالَ:یا عُمَرُ، إنَّ بَینی وبَینَکَ قَرابَةً،ولی إلَیکَ حاجَةٌ،وقَد یَجِبُ لی عَلَیکَ نُجحَ حاجَتی وهُوَ سِرٌّ، فَأَبی أن یُمَکِّنَهُ مِن ذِکرِها.

فَقالَ لَهُ عُبَیدُ اللّهِ:لا تَمتَنِع أن تَنظُرَ فی حاجَةِ ابنِ عَمِّکَ.فَقامَ مَعَهُ فَجَلَسَ حَیثُ یَنظَرُ إلَیهِ ابنُ زِیادٍ،فَقالَ لَهُ:إنَّ عَلَیَّ بِالکوفَةِ دَیناً استَدَنتُهُ مُنذُ قَدِمتُ الکوفَةَ سَبعَمِئَةِ دِرهَمٍ فَاقضِها عَنّی،وَانظُر جُثَّتی فَاستَوهِبها مِنِ ابنِ زِیادٍ فَوارِها،وَابعَث إلی حُسَینٍ علیه السّلام مَن یَرُدُّهُ؛فَإِنّی قَد کَتَبتُ إلَیهِ اعلِمُهُ أنَّ النّاسَ مَعَهُ،ولا أراهُ إلّامُقبِلاً.

فَقالَ عُمَرُ لِابنِ زِیادٍ:أتَدری ما قالَ لی؟إنَّهُ ذَکَرَ کَذا وکَذا،قالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:إنَّه لا یَخونُکَ الأَمینُ،ولکِن قَد یُؤتَمَنُ الخائِنُ،أمّا مالُک فَهُوَ لَکَ ولَسنا نَمنَعُکَ أن تَصنَعَ فیه ما أحبَبتَ،وأمّا حُسَینٌ فَإِنَّهُ إن لَم یُرِدنا لَم نُرِدهُ،وإن أرادَنا لَم نَکُفَّ عَنهُ،وأمّا جُثَّتُهُ فَإِنّا لَن نُشَفِّعَکَ فیها،إنَّهُ لَیسَ بِأَهلٍ مِنّا لِذلِکَ،قَد جاهَدَنا وخالَفَنا وجَهَدَ عَلی هلاکِنا.وزَعَموا أنَّهُ قالَ:أمّا جُثَّتُهُ فَإِنّا لا نُبالی إذا قَتَلناهُ ما صُنِعَ بِها.

ثُمَّ إنَّ ابنَ زِیادٍ قالَ:إیهِ یَابنَ عَقیلٍ،أتَیتَ النّاسَ وأمرُهُم جَمیعٌ،وکَلِمَتُهُم واحِدَةٌ،لِتُشَتِّتَهُم وتُفَرِّقَ کَلِمَتَهُم،وتَحمِلَ بَعضَهُم عَلی بَعضٍ؟قالَ:کَلّا،لَستُ أتَیتُ،ولکِنَّ أهلَ المِصرِ زَعَموا أنَّ أباکَ قَتَلَ خِیارَهُم،وسَفَکَ دِماءَهُم،وعَمِلَ فیهِم أعمالَ کِسری وقَیصرَ،فَأَتَیناهُم لِنَأمُرَ بِالعَدلِ،ونَدعُوَ إلی حُکمِ الکِتابِ.

قالَ:وما أنتَ وذاکَ یا فاسِقُ؟! أوَلَم نَکُن نَعمَلُ بِذاکَ فیهِم؛إذ أنتَ بِالمَدینَةِ تَشرَبُ الخَمرَ؟

قالَ:أنَا أشرَبُ الخَمرَ؟! وَاللّهِ،إنَّ اللّهَ لَیَعلَمُ إنَّکَ غَیرُ صادِقٍ،وإنَّکَ قُلتَ بِغَیرِ عِلمٍ،وإنّی لَستُ کَما ذَکَرتَ،وإنَّ أحَقَّ بِشُربِ الخَمرِ مِنّی وأولی بِها مَن یَلَغُ فی دِماءِ المُسلِمینَ وَلغاً،فَیَقتُلُ النَّفسَ الَّتی حَرَّمَ اللّهُ قَتلَها،ویَقتُلُ النَّفسَ بِغَیرِ النَّفسِ،

ص:175

ویَسفِکُ الدَّمَ الحَرامَ،ویَقتُلُ عَلَی الغَضَبِ وَالعَداوَةِ وسوءِ الظَّنِّ،وهُوَ یَلهو ویَلعَبُ کَأَن لَم یَصنَع شَیئاً !

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:یا فاسِقُ ! إنَّ نَفسَکَ تُمَنّیکَ ما حالَ اللّهُ دونَهُ،ولَم یَرَکَ أهلَهُ.

قالَ:فَمَن أهلُهُ یَابنَ زِیادٍ؟

قالَ:أمیرُ المُؤمِنینَ یَزیدُ.

فَقالَ:الحَمدُ للّهِ ِ عَلی کُلِّ حالٍ،رَضینا بِاللّهِ حَکَماً بَینَنا وبَینَکُم.

قالَ:کَأَنَّکَ تَظُنُّ أنَّ لَکُم فِی الأَمرِ شَیئاً؟

قالَ:وَاللّهِ ما هُوَ بِالظَّنِّ ولکِنَّهُ الیَقینُ.

قالَ:قَتَلَنِی اللّهُ إن لَم أقتُلکَ قِتلَةً لَم یُقتَلها أحَدٌ فِی الإِسلامِ.

قالَ:أما إنَّکَ أحَقُّ مَن أحدَثَ فِی الإِسلامِ ما لَم یَکُن فیهِ،أما إنَّکَ لا تَدَعُ سوءَ القِتلَةِ،وقُبحَ المُثلَةِ،وخُبثَ السّیرَةِ،ولُؤمَ الغَلَبَةِ،ولا أحَدَ مِنَ النّاسِ أحَقُّ بِها مِنکَ.

وأقبَلَ ابنُ سُمَیَّةَ یَشتِمُهُ،ویَشتِمُ حُسَیناً وعَلِیّاً وعَقیلاً،وأخَذَ مُسلِمٌ لا یُکَلِّمُهُ، وزَعَمَ أهلُ العِلمِ أنَّ عُبَیدَ اللّهِ أمَرَ لَهُ بِماءٍ فَسُقِیَ بِخَزَفَةٍ.

ثُمَّ قالَ لَهُ:إنَّهُ لَم یَمنَعنا أن نَسقِیَکَ فیها،إلّاکَراهَةَ أن تُحَرَّمَ بِالشُّربِ فیها،ثُمَّ نَقتُلَکَ،ولِذلِکَ سَقَیناکَ فی هذا. (1)

ص:176

7 122.الفتوح: ادخِلَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَقالَ لَهُ الحَرَسِیُّ:سَلِّم عَلَی الأَمیرِ،فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ:اُسکُت لا امَّ لَکَ ! ما لَکَ ولِلکَلامِ،وَاللّهِ لَیسَ هُوَ لی بِأَمیرٍ فَاُسَلِّمَ عَلَیهِ،واُخری:فَما یَنفَعُنِی السَّلامُ عَلَیهِ وهُوَ یُریدُ قَتلی؟فَإِنِ استَبقانی فَسَیَکثُرُ عَلَیهِ سَلامی.

فَقالَ لَهُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ:لا عَلَیکَ،سَلَّمتَ أم لَم تُسَلِّم فَإِنَّکَ مَقتولٌ.

فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ:إن قَتَلتَنی فَقَد قَتَلَ شَرٌّ مِنکَ مَن کانَ خَیراً مِنّی.

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:یا شاقُّ یا عاقُّ ! خَرَجتَ عَلی إمامِکَ،وشَقَقتَ عَصَا المُسلِمینَ، وألقَحتَ الفِتنَةَ !

فَقالَ مُسلِمٌ:کَذَبتَ یَابنَ زِیادٍ ! وَاللّهِ ما کانَ مُعاوِیَةُ خَلیفَةً بِإِجماعِ الاُمَّةِ،بَل تَغَلَّبَ عَلی وَصِیِّ النَّبِیِّ بِالحیلَةِ،وأخَذَ عَنهُ الخِلافَةَ بِالغَصبِ،وکَذلِکَ ابنُهُ یَزیدُ.وأمَّا الفِتنَةُ،فَإِنَّکَ ألقَحتَها،أنتَ وأبوکَ زِیادُ بنُ (1)عِلاجٍ مِن بَنی ثَقیفٍ،وأنَا أرجو أن یَرزُقَنِی اللّهُ الشَّهادَةَ عَلی یَدَی شَرِّ بَرِیَّتِهِ،فَوَاللّهِ ما خالَفتُ ولا کَفَرتُ ولا بَدَّلتُ، وإنَّما أنَا فی طاعَةِ أمیرِ المُؤمِنینَ الحُسینِ بنِ عَلِیٍّ ابنِ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله، ونَحنُ أولی بِالخِلافَةِ مِن مُعاوِیَةَ وَابنِهِ وآلِ زِیادٍ.

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:یا فاسِقُ ! ألَم تَکُن تَشرَبُ الخَمرَ فِی المَدینَةِ؟

فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ:أحَقُّ وَاللّهِ بِشُربِ الخَمرِ مِنّی مَن یَقتُلُ النَّفسَ الحَرامَ،وهُوَ فی ذلِکَ یَلهو ویَلعَبُ کَأَنَّهُ لَم یَسمَع شَیئاً !

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:یا فاسِقُ ! مَنَّتکَ نَفسُکَ أمراً أحالَکَ اللّهُ دونَهُ،وجَعَلَهُ لِأَهلِهِ.

فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ:ومَن أهلُهُ یَابنَ مَرجانَةَ؟

ص:177

فَقالَ:أهلُهُ یَزیدُ ومُعاوِیَةُ.

فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ:اَلحَمدُ للّهِ ِ،کَفی بِاللّهِ حَکَماً بَینَنا وبَینَکُم.

فَقالَ ابنُ زِیادٍ-لَعَنَهُ اللّهُ-:أتَظُنُّ أنَّ لَکَ مِنَ الأَمرِ شَیئاً؟

فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ:لا وَاللّهِ ما هُوَ الظَّنُّ ولکِنَّهُ الیَقینُ.

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:قَتَلَنِی اللّهُ إن لَم أقتُلکَ.

فَقالَ مُسلِمٌ:إنَّکَ لا تَدَعُ سوءَ القِتلَةِ،وقُبحَ المُثلَةِ،وخُبثَ السَّریرَةِ،وَاللّهِ لَو کانَ مَعی عَشرَةٌ مِمَّن أثِقُ بِهِم،وقَدَرتُ عَلی شَربَةٍ مِن ماءٍ،لَطالَ عَلَیکَ أن ترانی فی هذَا القَصرِ،ولکن إن کُنتَ عَزَمتَ عَلی قَتلی-ولا بُدَّ لَکَ مِن ذلِکَ-فَأَقِم إلَیَّ رَجُلاً مِن قُرَیشٍ اوصی إلَیهِ بِما اریدُ.

فَوَثَبَ إلَیهِ عُمَرُ بنُ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ،فَقالَ:أوصِ إلَیَّ بِما تُریدُ یَابنَ عَقیلٍ.

فَقالَ:اُوصیکَ ونَفسی بِتَقوَی اللّهِ؛فَإِنَّ التَّقوی فیهَا الدَّرکُ لِکُلِّ خَیرٍ،وقَد عَلِمتَ ما بَینی وبَینَکَ مِنَ القَرابَةِ،ولی إلَیکَ حاجَةٌ،وقَد یَجِبُ عَلَیکَ لِقَرابَتی أن تَقضِیَ حاجَتی.

قالَ:فَقالَ ابنُ زِیادٍ:یَجِبُ (1)یا عُمَرُ أن تَقضِیَ حاجَةَ ابنِ عَمِّکَ وإن کانَ مُسرِفاً عَلی نَفسِهِ؛فَإِنَّهُ مَقتولٌ لا مَحالَةَ.

فَقالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:قُل ما أحبَبتَ یَابنَ عَقیلٍ.

فَقالَ مُسلِمٌ-رَحِمَهُ اللّهُ-:حاجَتی إلَیکَ أن تَشتَرِیَ فَرَسی وسِلاحی مِن هؤُلاءِ القَومِ فَتَبیعَهُ،وتَقضِیَ عَنّی سَبعَمِئَةِ دِرهَمٍ استَدَنتُها فی مِصرِکُم،وأن تَستَوهِبَ جُثَّتی إذا قَتَلَنی هذا وتُوارِیَنی فِی التُّرابِ،وأن تَکتُبَ إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام ألّا یَقدَمَ

ص:178

فَیَنزِلَ بِهِ ما نَزَلَ بی.

قالَ:فَالتَفَتَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَقالَ:أیُّهَا الأَمیرُ،إنَّهُ یَقولُ کَذا وکَذا.

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:أمّا ما ذَکَرتَ-یَابنَ عَقیلٍ-مِن أمرِ دَینِکَ فَإِنَّما هُوَ مالُکَ یُقضی بِهِ دَینُکَ،ولَسنا نَمنَعُکَ أن تَصنَعَ فیهِ ما أحبَبتَ.وأمّا جَسَدُکَ إذا نَحنُ قَتَلناکَ فَالخَیارُ فی ذلِکَ لَنا،ولَسنا نُبالی ما صَنَعَ اللّهُ بِجُثَّتِکَ.وأمَّا الحُسَینُ فَإِن لَم یُرِدنا لَم نُرِدهُ،وإن أرادَنا لَم نَکُفَّ عَنهُ.ولکِنّی اریدُ أن تُخبِرَنی یَابنَ عَقیلٍ،بِماذا أتَیتَ إلی هذَا البَلَدِ؟ شَتَّتتَ أمرَهُم،وفَرَّقتَ کَلِمَتَهُم،ورَمَیتَ بَعضَهُم عَلی بَعضٍ؟!

فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ:لَستُ لِذلِکَ أتَیتُ هذَا البَلَدَ،ولکِنَّکُم أظهَرتُمُ المُنکَرَ ودَفَنتُمُ المَعروفَ،وتَأَمَّرتُم عَلَی النّاسِ مِن غَیرِ رِضی،وحَمَلتُموهُم عَلی غَیرِ ما أمَرَکُمُ اللّهُ بِهِ،وعَمِلتُم فیهِم بِأَعمالِ کِسری وقَیصَرَ،فَأَتَیناهُم لِنَأمُرَ فیهِم بِالمَعروفِ، ونَنهاهُم عَنِ المُنکَرِ،ونَدعوَهُم إلی حُکمِ الکِتابِ وَالسُّنَّةِ،وکُنّا أهلَ ذلِکَ،ولَم تَزَلِ الخِلافَةُ لَنا مُنذُ قُتِلَ أمیرُ المُؤمِنینَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السّلام،ولا تَزالُ الخِلافَةُ لَنا،فَإِنّا قُهِرنا عَلَیها،لِأَنَّکُم أوَّلُ مَن خَرَجَ عَلی إمامِ هُدیً،وشَقَّ عَصَا المُسلِمینَ،وأخَذَ هذَا الأَمرَ غَصباً،ونازَعَ أهلَهُ بِالظُّلمِ وَالعُدوانِ،ولا نَعلَمُ لَنا ولَکُم مَثَلاً إلّاقَولَ اللّهِ تَبارَکَ وتَعالی: «وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ» 1 .

قالَ:فَجَعَلَ ابنُ زِیادٍ یَشتِمُ عَلِیّاً وَالحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهم السّلام.

فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ:أنتَ وأبوکَ أحَقُّ بِالشَّتیمَةِ مِنهُم،فَاقضِ ما أنتَ قاضٍ ! فَنَحنُ

ص:179

أهلُ بَیتٍ مُوَکَّلٌ بِنَا البَلاءُ.

فَقالَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ:اِلحَقوا بِهِ إلی أعلَی القَصرِ،فَاضرِبوا عُنُقَهُ،وألحِقوا رَأسَهُ جَسَدَهُ.

فَقالَ مُسلِمٌ-رَحِمَهُ اللّهُ-:أمَا وَاللّهِ یَا بنَ زِیادٍ ! لَو کُنتَ مِن قُرَیشٍ،أو کانَ بَینی وبَینَکَ رَحِمٌ أو قَرابَةٌ لَما قَتَلتَنی،ولکِنَّکَ ابنُ أبیکَ (1). (2)

1228.الملهوف: لَمّا ادخِلُ [مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ] عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،لَم یُسَلِّم عَلَیهِ،فَقالَ لَهُ الحَرَسِیُّ:سَلِّم عَلَی الأَمیرِ،فَقالَ لَهُ:اُسکُت یا وَیحَکَ ! وَاللّهِ ما هُوَ لی بِأَمیرٍ.

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:لا عَلَیکَ،سَلَّمتَ أم لَم تُسَلِّم فَإِنَّکَ مَقتولٌ.

فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ:إن قَتَلتَنی فَلَقَد قَتَلَ مَن هُوَ شَرٌّ مِنکَ مَن هُوَ خَیرٌ مِنّی،وبَعدُ،فَإِنَّکَ لا تَدَعُ سوءَ القِتلَةِ،وقُبحَ المُثلَةِ،وخُبثَ السَّریرَةِ،ولُؤمَ الغَلَبَةِ،لا أحَدَ أولی بِها مِنکَ.

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:یا عاقُّ یا شاقُّ،خَرَجتَ عَلی إمامِکَ،وشَقَقتَ عَصَا المُسلِمینَ،وألقَحتَ الفِتنَةَ بَینَهُم.

فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ:کَذَبتَ یَابنَ زِیادٍ ! إنَّما شَقَّ عَصَا المُسلِمینَ مُعاوِیَةُ وَابنُهُ یَزیدُ، وأمَّا الفِتنَةُ فَإِنَّما ألقَحَها أنتَ وأبوکَ زِیادُ بنُ عُبَیدٍ،عَبدُ بَنی عِلاجٍ مِن ثَقیفٍ (3)،وأنَا أرجو أن یَرزُقَنی اللّهُ الشَّهادَةَ عَلی یَدَی أشَرِّ البَرِیَّةِ.

ص:180

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:مِنَّتکَ نَفسُکَ أمراً حالَ اللّهُ دونَهُ،ولَم یَرَکَ لَهُ أهلاً،وجَعَلَهُ لِأَهلِهِ.

فَقالَ مُسلِمٌ:ومَن أهلُهُ یَابنَ مَرجانَةَ؟

فَقالَ:أهلُهُ یَزیدُ بنُ مُعاوِیَةَ.

فَقالَ مُسلِمٌ:اَلحَمدُ للّهِ ِ،رَضینا بِاللّهِ حَکَماً بَینَنا وبَینَکُم.

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:أتَظُنُّ أنَّ لَکَ فِی الأَمرِ شَیئاً.

فَقالَ مُسلِمٌ:وَاللّهِ ما هُوَ الظَّنُّ ولکِنَّهُ الیَقینُ.

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:أخَبِرنی یا مُسلِمُ،لِمَ أتَیتَ هذَا البَلَدَ وأمرُهُم مُلتَئِمٌ فَشَتَّتتَ أمرَهُم بَینَهُم،وفَرَّقتَ کَلِمَتَهُم؟

فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ:ما لِهذا أتَیتُ،ولکِنَّکُم أظهَرتُمُ المُنکَرَ،ودَفَنتُمُ المَعروفَ، وتَأَمَّرتُم عَلَی النّاسِ بِغَیرِ رِضیً مِنهُم،وحَمَلتُموهُم عَلی غَیرِ ما أمَرَکُم بِهِ اللّهُ، وعَمِلتُم فیهِم بِأَعمالِ کِسری وقَیصَرَ،فَأَتَیناهُم لِنَأمُرَ فیهِم بِالمَعروفِ،ونَنهی عَنِ المُنکَرِ،ونَدعُوَهُم إلی حُکمِ الکِتابِ وَالسُّنَّةِ،وکُنّا أهلَ ذلِکَ کَما أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.

فَجَعَلَ ابنُ زِیادٍ لَعَنَهُ اللّهُ یَشتِمُهُ،ویَشتِمُ عَلِیّاً وَالحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهم السّلام.فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ:أنتَ وأبوکَ أحَقُّ بِالشَّتمِ،فَاقضِ ما أنتَ قاضٍ یا عَدُوَّ اللّهِ. (1)

1229.أنساب الأشراف عن الشعبی: ادخِلَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ-رَحِمَهُ اللّهُ تَعالی-عَلَی ابنِ زِیادٍ،وقَد ضُرِبَ عَلی فَمِهِ،فَقالَ:یَابنَ عَقیلٍ،أتَیتَ لِتَشتیتِ الکَلِمَةِ !

فَقالَ:ما لِذلِکَ أتَیتُ،ولکِنَّ أهلَ المِصرِ کَتَبوا أنَّ أباکَ سَفَکَ دِماءَهُم،وَانتَهَکَ أعراضَهُم،فَجِئنا لِنَأمُرَ بِالمَعروفِ،ونَنهی عَنِ المُنکَرِ.

ص:181

فَقالَ:وما أنتَ وذاکَ؟وجَری بَینَهُما کَلامٌ،فَقَتَلَهُ. (1)

1230.أنساب الأشراف عن عوانة: جَری بَینَ ابنِ عَقیلٍ وَابنِ زِیادٍ کَلامٌ،فَقالَ لَهُ [ابنُ زِیادٍ]:

إیهِ یَابنَ حُلَیّةَ (2)،فَقالَ لَهُ ابنُ عَقیلٍ:حُلَیّةُ خَیرٌ مِن سُمَیَّةَ (3)وأعَفُّ. (4)

1232.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): بَعَثَ [ابنُ زِیادٍ] إلی مُسلِمٍ فَجیءَ بِهِ،فَأَنَّبَهُ وبَکَّتَهُ (1)وأمَرَ بِقَتلِهِ.

فَقالَ:دَعنی اوصی.قالَ:نَعَم.فَنَظَرَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ،فَقالَ:إنَّ لی إلَیکَ حاجَةً،وبَینی وبَینَکَ رَحِمٌ.فَقالَ عُبَیدُ اللّهِ:اُنظُر فی حاجَةِ ابنِ عَمِّکَ.

فَقامَ إلَیهِ،فَقالَ:یا هذا،إنَّهُ لَیسَ هاهُنا رَجُلٌ مِن قُرَیشٍ غَیرُکَ،وهذَا الحُسَینُ بنُ عَلیٍّ علیه السّلام قَد أظَلَّکَ،فَأَرسِل إلَیهِ رَسولاً فَلیَنصَرِف؛فَإِنَّ القَومَ قَد غَرّوهُ وخَدَعوهُ وکَذَّبوهُ،وإنَّهُ إن قُتِلَ لَم یَکُن لِبَنی هاشِمٍ بَعدَهُ نِظامٌ،وعَلَیَّ دَینٌ أخَذتُهُ مُنذُ قَدِمتُ الکوفَةَ فَاقضِهِ عَنّی،وَاطلُب جُثَّتی مِنِ ابنِ زِیادٍ فَوارِها.

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:ما قالَ لَکَ؟فَأَخبَرَهُ بِما قالَ،فَقالَ:قُل لَهُ:أمّا مالُک فَهُوَ لَکَ لا نَمنَعُکَ مِنهُ،وأمّا حُسَینٌ فَإِن تَرَکَنا لَم نُرِدهُ،وأمّا جُثَّتُهُ فَإِذا قَتَلناهُ لَم نُبالِ ما صُنِعَ بِهِ.

ثُمَّ أمَرَ بِهِ فَقُتِلَ...وقَضی عُمَرُ بنُ سَعدٍ دَینَ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،وأخَذَ جُثَّتَهُ فَکَفَّنَهُ ودَفَنَهُ،وأرسَلَ رَجُلاً إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَحَمَلَهُ عَلی ناقَةٍ وأعطاهُ نَفَقَةً،وأمَرَهُ أن یُبَلِّغَهُ ما قالَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،فَلَقِیَهُ عَلی أربَعِ مَراحِلٍ فَأَخبَرَهُ. (2)

1233.العقد الفرید عن أبی عبیدالقاسم بن سلّام: واُتِیَ بِهِ [أی بِمُسلِمٍ] ابنَ زِیادٍ،فَقَدَّمَهُ لِیَضرِبَ عُنُقَهُ،فَقالَ لَهُ:دَعنی حَتّی اوصِیَ،فَقالَ لَهُ:أوصِ.فَنَظَرَ فی وُجوهِ النّاسِ، فَقالَ لِعُمَرَ بنِ سَعدٍ:ما أری قُرَشِیّاً هُنا غَیرَکَ،فَادنُ مِنّی حَتّی اکَلِّمَکَ،فَدَنا مِنهُ.

ص:183

فَقالَ لَهُ:هَل لَکَ أن تَکونَ سَیِّدَ قُرَیشٍ ما کانَت قُرَیشٌ؟إنَّ حُسَیناً ومَن مَعَهُ -وهُم تِسعونَ إنساناً ما بَینَ رَجُلٍ وَامرَأَةٍ-فِی الطَّریقِ،فَاردُدهُم،وَاکتُب لَهُم ما أصابَنی.ثُمَّ ضُرِبَ عُنُقُهُ.

فَقالَ عُمَرُ لِابنِ زِیادٍ:أتَدری ما قالَ لی:قالَ:اُکتُم عَلَی ابنِ عَمِّکَ،قالَ:هُوَ أعظَمُ مِن ذلِکَ.قالَ:وما هُوَ؟

قالَ:قالَ لی:إنَّ حُسَیناً أقبَلَ،وهُم تِسعونَ إنساناً ما بَینَ رَجُلٍ وَامرَأَةٍ،فَاردُدهُم وَاکتُب إلَیهِ بِما أصابَنی.

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:أما وَاللّهِ إذ دَلَلتَ عَلَیهِ،لا یُقاتِلُهُ أحَدٌ غَیرُکَ. (1)

1234.الأخبار الطوال: لَمّا ادخِلَ [مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ] عَلَیهِ،وقَدِ اکتَنَفَهُ الجَلاوِزَةُ،قالوا لَهُ:سَلِّم عَلَی الأَمیرِ.قالَ:إن کانَ الأَمیرُ یُریدُ قَتلی فَما أنتَفِعُ بِسَلامٍ عَلَیهِ ! وإن کانَ لَم یُرِد، فَسَیَکثُرُ عَلَیهِ سَلامی.

قالَ ابنُ زِیادٍ:کَأَنَّکَ تَرجُو البَقاءَ؟فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ:فَإِن کُنتَ مُزمِعاً عَلی قَتلی، فَدَعنی اوصِ إلی بَعضِ مَن هاهُنا مِن قَومی.قالَ لَهُ:أوصِ بِما شِئتَ.

فَنَظَرَ إلی عُمَرَ بنِ سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ،فَقالَ لَهُ:اُخلُ مَعی فی طَرَفِ هذَا البَیتِ حَتّی اوصِیَ إلَیکَ،فَلَیسَ فِی القَومِ أقرَبُ إلَیَّ ولا أولی بی مِنکَ.فَتَنَحّی مَعَهُ ناحِیَةً، فَقالَ لَهُ:أتَقبَلُ وَصِیَّتی؟قالَ:نَعَم.

قالَ مُسلِمٌ:إنَّ عَلَیَّ هاهُنا دَیناً مِقدارَ ألفِ دِرهَمٍ،فَاقضِ عَنّی،وإذا أنَا قُتِلتُ فَاستَوهِب مِنِ ابنِ زِیادٍ جُثَّتی لِئَلّا یُمَثَّلَ بِها،وَابعَث إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام رَسولاً قاصِداً مِن قِبَلِکَ یُعلِمهُ حالی،وما صِرتُ إلَیهِ مِن غَدرِ هؤُلاءِ الَّذینَ یَزعُمونَ أنَّهُم شِیعَتُهُ،وأخبِرهُ بِما کانَ مِن نَکثِهِم بَعدَ أن بایَعَنی مِنهُم ثَمانِیَةَ عَشَرَ ألفَ رَجُلٍ،

ص:184

لِیَنصَرِفَ إلی حَرَمِ اللّهِ فَیُقیمَ بِهِ،ولا یَغَتَرَّ بِأَهلِ الکوفَةِ.وقَد کانَ مُسلِمٌ کَتَبَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام أن یَقدَمَ ولا یَلبَثَ.

فَقالَ لَهُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ:لَکَ عَلَیَّ ذلِکَ کُلُّهُ،وأنا بِهِ زَعیمٌ.فَانصَرَفَ إلَی ابنِ زِیادٍ فَأَخبَرَهُ بِکُلِّ ما أوصی بِهِ إلَیهِ مُسلِمٌ.

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:قَد أسَأتَ فی إفشائِکَ ما أسَرَّهُ إلَیکَ،وقَد قیلَ:إنَّهُ لا یَخونُکَ إلّا الأَمینُ،ورُبَّما ائتَمَنَکَ الخائِنُ (1). (2)

1235.مقاتل الطالبیّین عن مدرک بن عمارة: ثُمَّ ادخِلَ عَلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ-لَعَنَهُ اللّهُ-فَلَم یُسَلِّم عَلَیهِ،فَقالَ لَهُ الحَرَسُ:ألا تُسَلِّمُ عَلَی الأَمیرِ؟فَقالَ:إن کانَ الأَمیرُ یُریدُ قَتلی فما سَلامی عَلَیهِ؟! وإن کانَ لا یُریدُ قَتلی،فَلَیَکثُرَنَّ سَلامی عَلَیهِ.

فَقالَ لَهُ عُبَیدُ اللّهِ-لَعَنَهُ اللّهُ-:لَتُقتَلَنَّ.قالَ:أکَذلِکَ؟قالَ:نَعَم.قالَ:دَعنی إذاً اوصی إلی بَعضِ القَومِ.قالَ:أوصِ إلی مَن أحبَبتَ.

فَنَظَرَ ابنُ عَقیلٍ إلَی القَومِ وهُم جُلَساءُ ابنِ زِیادٍ،وفیهِم عُمَرُ بنُ سَعدٍ،فَقالَ:یا عُمَرُ،إنَّ بَینی وبَینَکَ قَرابَةً دَونَ هؤُلاءِ،ولی إلَیکَ حاجَةٌ،وقَد یَجِبُ عَلَیکَ لِقَرابَتی نُجحُ حاجَتی،وهِیَ سِرٌّ.فَأَبی أن یُمَکِّنَهُ مِن ذِکرِها.

فَقالَ لَهُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ:لا تَمتَنِع مِن أن تَنظُرَ فی حاجَةِ ابنِ عَمِّکَ.فَقامَ مَعَهُ، وجَلَسَ حَیثُ یَنظُرُ إلَیهِما ابنُ زِیادٍ لَعَنَهُ اللّهُ.

فَقالَ لَهُ ابنُ عَقیلٍ:إنَّ عَلَیَّ بِالکوفَةِ دَیناً استَدَنتُهُ مُذ قَدِمتُها،تَقضیهِ عَنّی حَتّی

ص:185

یَأتِیَکَ مِن غَلَّتی بِالمَدینَةِ،وجُثَّتی فَاطلُبها مِنِ ابنِ زِیادٍ فَوارِها،وَابعَث إلَی الحُسَینِ علیه السّلام مَن یَرُدُّهُ.

فَقالَ عُمَرُ لِابنِ زِیادٍ:أتَدری ما قالَ؟قالَ:اُکتُم ما قالَ لَکَ.قالَ:أتَدری ما قالَ لی؟قالَ:هاتِ،فَإِنَّهُ لا یَخونُ الأَمینُ،ولا یُؤتَمَنُ الخائِنُ (1).قالَ:کَذا وکَذا.

قالَ:أمّا مالُکَ،فَهُوَ لَکَ ولَسنا نَمنَعُکَ مِنهُ،فَاصنَع فیهِ ما أحبَبتَ.وأمّا حُسَینٌ، فَإِنَّهُ إن لَم یُرِدنا لَم نُرِدهُ،وإن أرادَنا لَم نَکُفَّ عَنهُ.وأمّا جُثَّتُهُ،فَإِنّا لا نُشَفِّعُکَ فیها؛ فَإِنَّهُ لَیسَ لِذلِکَ مِنّا بِأَهلٍ،وقَد خالَفَنا وحَرَصَ عَلی هَلاکِنا.

ثُمَّ قالَ ابنُ زِیادٍ لِمُسلِمٍ:قَتَلَنِی اللّهُ إن لَم أقتُلکَ قِتلَةً لَم یُقتَلها أحَدٌ مِنَ النّاسِ فِی الإِسلامِ.قالَ:أما إنَّکَ أحَقُّ مَن أحدَثَ فِی الإِسلامِ ما لَیسَ فیهِ،أما إنَّکَ لَم تَدَع سوءَ القِتلَةِ،وقُبحَ المُثلَةِ،وخُبثَ السّیرَةِ،ولُؤمَ الغیلَةِ،لِمَن هُوَ أحَقُّ بِهِ مِنکَ.

ثُمَّ قالَ ابنُ زِیادٍ:اِصعَدوا بِهِ فَوقَ القَصرِ فَاضرِبوا عُنُقَهُ. (2)

1236.الأمالی للشجری عن سعید بن خالد: قالَ [مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ لِعُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ]:اِیذَن لی فِی الوَصِیَّةِ،فَقالَ:أوصِ،فَدَعا عُمَرَ بنَ سَعدٍ،لِلقَرابَةِ بَینَهُ وبَینَ الحُسَینِ علیه السّلام، فَقالَ لَهُ:إنَّ الحُسَینَ علیه السّلام قَد أقبَلَ فی سِیافِهِ وتِراسِهِ (3)،واُناسٌ مِن وُلدِهِ وأهلِ بَیتِهِ،فَابعَث إلَیهِ مَن یُحَذِّرُهُ ویُنذِرُهُ فَیَرجِعَ؛فَقَد رَأَیتُ مِن خِذلانِ أهلِ الکوفَةِ ما قَد رَأَیتُ.

ص:186

فَقالَ لَهُ عُبَیدُ اللّهِ:ما قالَ لَکَ هذا؟قالَ:قالَ لی کَذا وکَذا،وجاءَ عُبَیدَ اللّهِ فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ (1)،فَقالَ عُبَیدُ اللّهِ:إنَّهُ لا یَخونُ الأَمینُ،ولکِنَّهُ قَد یُؤتَمَنُ الخائِنُ. (2)

سبی الشام. (1)وتفید روایة الطبریّ أنّ مسلماً ولد فی الکوفة، (2)وتدلّ هذه الروایة-إلی جانب الروایات التی تصرّح أنّه کان من أصحاب الإمام علی علیه السّلام،وکان أحد قادة میمنة الجیش المشاة فی معرکة صفین- (3)علی أنّ عقیلاً کان یعیش فی الکوفة قبل قدوم الإمام علی علیه السّلام إلیها بسنوات،ولذلک ربما کانت معرفته بأهل الکوفة أحد الأسباب التی دفعت الإمام الحسین علیه السّلام إلی إرساله إلی الکوفة ممثِّلاً عنه.

کان مسلم صهر أمیر المؤمنین علیه السّلام،و اسم زوجته رقیة، (4)وذکرت بعض الروایات أنَّ اسمها امّ کلثوم (5)،ویحتمل أن یکون کنیة رقیة.و کان له ابنان هما عبداللّه وعلی. (6)وقد استشهد عبداللّه فی کربلاء. (7)نعم ذکر له أولاد آخرون أیضاً، (8)لکن علی أی حال فقد جاء التصریح بأنّه قد انقطع نسله. (9)

شهد عدد من إخوة مسلم واقعة کربلاء واستشهدوا رحمة اللّه علیهم أجمعین. (10)

ص:188

1237.الإرشاد: قالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:قَتَلَنِی اللّهُ إن لَم أقتُلکَ قِتلَةً لَم یُقتَلها أحَدٌ فِی الإِسلامِ مِنَ النّاسِ.

قالَ لَهُ مُسلِمٌ:أما إنَّکَ أحَقُّ مَن أحدَثَ فِی الإِسلامِ ما لَم یَکُن،وإنَّکَ لا تَدَعُ سوءَ القِتلَةِ،وقُبحَ المُثلَةِ،وخُبثَ السّیرَةِ،ولُؤمَ الغَلَبَةِ.

فَأَقبَلَ ابنُ زِیادٍ یَشتِمهُ ویَشتِمُ الحُسَینَ و عَلِیّاً وعَقیلاً عَلَیهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وأخَذَ مُسلِمٌ لا یُکَلِّمُهُ.ثُمَّ قالَ ابنُ زِیادٍ:اِصعَدوا بِهِ فَوقَ القَصرِ فَاضرِبوا عُنُقَهُ،ثُمَّ أتبِعوهُ جَسَدَهُ.

فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ-رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِ-:لَو کانَ بَینی وبَینَکَ قَرابَةٌ ما قَتَلتَنی.

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:أینَ هذَا الَّذی ضَرَبَ ابنُ عَقیلٍ رَأسَهُ بِالسَّیفِ؟فَدُعِیَ بَکرُ بنُ حُمرانَ الأَحمَرِیُّ،فَقالَ لَهُ:اِصعَد فَلتَکُن أنتَ الَّذی تَضرِبُ عُنُقَهُ.

فَصَعِدَ بِهِ وهُوَ یُکَبِّرُ ویَستَغفِرُ اللّهَ،ویُصَلّی عَلی رَسولِهِ،ویَقولُ:اللّهُمّ احکُم بَینَنا وبَینَ قَومٍ غَرّونا وکَذَّبونا وخَذَلونا.

وأشرَفوا بِهِ عَلی مَوضِعِ الحَذّائینَ الیَومَ،فَضُرِبَت عُنُقُهُ،واُتبِعَ جَسَدُهُ رَأسَهُ. (1)

1238.تاریخ الطبری عن أبی مخنف :حَدَّثنی سعید بن مدرک بن عُمارة:ثُمَّ قالَ [ابنُ زِیادٍ]:

اصعَدوا بِهِ فَوقَ القَصرِ فَاضرِبوا عُنُقَهُ،ثُمَّ أتبِعوا جَسَدَهُ رَأسَهُ،فَقالَ [مُسلِمٌ]:یَابنَ الأَشعَثِ:أما وَاللّهِ لَولا أنَّکَ آمَنتَنی مَا استَسلَمتُ،قُم بِسَیفِکَ دونی فَقَد أخفَرتَ (2)ذِمَّتَکَ.

ص:189

ثُمَّ قالَ:یَا بنَ زِیادٍ ! أمَا وَاللّهِ لَو کانَت بَینی وبَینَکَ قَرابَةٌ ما قَتَلتَنی.

ثُمَّ قالَ ابنُ زِیادٍ:أینَ هذَا الَّذی ضَرَبَ ابنُ عَقیلٍ رَأسَهُ بِالسَّیفِ وعاتِقَهُ؟فَدُعِیَ فَقالَ:اِصعَد فَکُن أنتَ الَّذی تَضرِبُ عُنُقَهُ.

فَصَعِدَ بِهِ وهُوَ یُکَبِّرُ ویَستَغفِرُ،ویُصَلّی عَلی مَلائِکَةِ اللّهِ وَرُسُلِهِ،وهُوَ یَقولُ:اللّهُمَّ احکُم بَینَنا وبَینَ قَومٍ غَرّونا وکَذَّبونا وأذَلّونا.

واُشرِفَ بِهِ عَلی مَوضِعِ الجَزّارینَ الیَومَ،فَضُرِبَت عُنُقُهُ،واُتبِعَ جَسَدُهُ رَأسَهُ.

قالَ أبو مِخنَفٍ:حَدَّثَنِی الصَّقعَبُ بنُ زُهَیرٍ،عَن عَوفِ بنِ أبی جُحَیفَةَ،قالَ:نَزَلَ الأَحمَرِیُّ بُکَیرُ بنُ حُمرانَ الَّذی قَتَلَ مُسلِماً،فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:قَتَلتَهُ؟قالَ:نَعَم، قالَ:فَما کانَ یَقولُ وأنتُم تَصعَدونَ بِهِ؟قالَ:کانَ یُکَبِّرُ ویُسَبِّحُ ویَستَغفِرُ،فَلَمّا أدنَیتُهُ لِأَقتُلَهُ،قالَ:اللّهُمَّ احکُم بَینَنا وبَینَ قَومٍ کَذَّبونا وغَرّونا،وخَذَلونا وقَتَلونا.

فَقُلتُ لَهُ:اُدنُ مِنّی،الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی أقادَنی (1)مِنکَ،فَضَرَبتُهُ ضَربَةً لَم تُغنِ شَیئاً.

فَقالَ [مُسلِمٌ]:أما تَری فی خَدَشٍ تَخدِشنیهِ وَفاءً مِن دَمِکَ أیُّهَا العَبدُ؟

فَقالَ ابنُ زِیادٍ:أوَ فَخراً عِندَ المَوتِ !

قالَ:ثُمَّ ضَرَبتُهُ الثّانِیَةَ فَقَتَلتُهُ. (2)

1239.مروج الذهب: ادخِلَ إلَی ابنِ زِیادٍ،فَلَمَّا انقَضی کَلامُهُ،ومُسلِمٌ یُغلِظُ لَهُ فِی الجَوابِ، أمَرَ بِهِ فاُصعِدَ إلی أعلَی القَصرِ،ثُمَّ دَعا الأَحمَرِیَّ-الَّذی ضَرَبَهُ مُسلِمٌ-فَقالَ:کُن أنتَ الَّذی تَضرِبُ عُنُقَهُ،لِتَأخُذَ بِثَأرِکَ مِن ضَربَتِهِ،فَأَصعَدوهُ إلی أعلَی القَصرِ، فَضَرَبَ بُکَیرٌ الأَحمَرِیُّ عُنُقَهُ،فَأَهوی رَأسُهُ إلَی الأَرضِ،ثُمَّ أتبَعوا رَأسَهُ جَسَدَهُ....

ثُمَّ دَعَا ابنُ زِیادٍ بِبُکَیرِ بنِ حُمرانَ الَّذی ضَرَبَ عُنُقَ مُسلِمٍ،فَقالَ:أقَتَلتَهُ؟قالَ:

ص:190

نَعَم،قالَ:فَما کانَ یَقولُ وأنتُم تَصعَدونَ بِهِ لِتَقتُلوهُ؟قالَ:کانَ یُکَبِّرُ ویُسَبِّحُ اللّهَ، ویُهَلِّلُ ویَستَغفِرُ اللّهَ،فَلَمّا أدنَیناهُ لِنَضرِبَ عُنُقَهُ،قالَ:اللّهُمَّ احکُم بَینَنا وبَینَ قَومٍ غَرّونا وکَذَّبونا،ثُمَّ خَذَلونا وقَتَلونا.

فَقُلتُ:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی أقادَنی مِنکَ،وضَرَبتُهُ ضَربَةً لَم تَعمَل شَیئاً،فَقالَ لی [مُسلِمٌ]:أوَ ما یَکفیکَ،وفی خَدشٍ مِنّی وَفاءٌ بِدَمِکَ أیُّهَا العَبدُ؟!

قالَ ابنُ زِیادٍ:أوَ فَخراً عِندَ المَوتِ !

قالَ:وضَرَبتُهُ الثّانِیَةَ فَقَتَلتُهُ،ثُمَّ أتبَعنا رَأسَهُ جَسَدَهُ. (1)

1240.الثقات لابن حبّان: وأدخَلوهُ [أی مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ] عَلی عُبَیدِ اللّهِ،فَاُصعِدَ القَصرَ وهُوَ یَقرَأُ ویُسَبِّحُ ویُکَبِّرُ ویَقولُ:اللّهُمَّ احکُم بَینَنا وبَینَ قَومٍ غَرّونا،وکَذَّبونا،ثُمَّ خَذَلونا، حَتّی دُفِعنا إلی ما دُفِعنا إلَیهِ.

ثُمَّ أمَرَ عُبَیدُ اللّهِ بِضَربِ رَقَبَةِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ،فَضَرَبَ رَقَبَةَ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ بُکَیرُ بنُ حُمرانَ الأَحمَرِیُّ عَلی طَرَفِ الجِدارِ،فَسَقَطَت جُثَّتُهُ،ثُمَّ أتَبَعَ رَأسَهَ جَسَدَهُ. (2)

1241.الأخبار الطوال: أمَرَ ابنُ زِیادٍ بِمُسلِمٍ فَرُقِیَ بِهِ إلی ظَهرِ القَصرِ،فَاُشرِفَ بِهِ عَلَی النّاسِ، وهُم عَلی بابِ القَصرِ مِمّا یَلِی الرَّحَبَةَ (3)،حَتّی إذا رَأَوهُ ضُرِبَت عُنُقُهُ هُناکَ،فَسَقَطَ رَأسُهُ إلَی الرَّحَبَةِ،ثُمَّ اتبِعَ الرَّأسُ بِالجَسَدِ.وکانَ الَّذی تَوَلّی ضَربَ عُنُقِهِ أَحمَرُ بنُ بُکَیرٍ (4).

ص:191

1242.الملهوف: أمَرَ ابنُ زِیادٍ بُکَیرَ بنَ حُمرانَ أن یَصعَدَ بِهِ [أی بِمُسلِمٍ] إلی أعلَی القَصرِ فَیَقتُلَهُ،فَصَعِدَ بِهِ وهُوَ یُسَبِّحُ اللّهَ تَعالی ویَستَغفِرُهُ،ویُصَلّی عَلی نَبِیِّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَضَرَبَ عُنُقَهُ،ونَزَلَ وهُوَ مَذعورٌ.

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:ما شَأنُکَ؟فَقالَ:أیُّهَا الأَمیرُ،رَأَیتُ ساعَةَ قَتلِهِ رَجُلاً أسوَدَ شَنیءَ الوَجهِ حِذایَ،عاضّاً عَلی إصبَعِهِ-أو قالَ عَلی شَفَتَیهِ-فَفَزِعتُ فَزَعاً لَم أفزَعهُ قَطُّ.فَقالَ ابنُ زِیادٍ:لَعَلَّکَ دَهِشتَ (1).

1243.الفتوح: قالَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ:اِلحَقوا بِهِ [أی بِمُسلِمٍ] إلی أعلَی القَصرِ فَاضرِبوا عُنُقَهُ، وألحِقوا رَأسَهُ جَسَدَهُ.

فَقالَ مُسلِمٌ:أما وَاللّهِ یَا بنَ زِیادٍ:لَو کُنتَ مِن قُرَیشٍ،أو کانَ بَینی وبَینَکَ رَحِمٌ أو قَرابَةٌ لَما قَتَلتَنی،ولکِنَّکَ ابنُ أبیکَ !

قالَ:فَأَدخَلَهُ ابنُ زِیادٍ القَصرَ،ثُمَّ دَعا رَجُلاً مِن أهلِ الشّام قَد کانَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ ضَرَبَهُ عَلی رَأسِهِ ضَربَةً مُنکَرَةً،فَقالَ لَهُ:خُذ مُسلِماً وَاصعَد بِهِ إلی أعلَی القَصرِ،وَاضرِب عُنُقَهُ بِیَدِکَ،لِیَکونَ ذلِکَ أشفی لِصَدرِکَ.

قالَ:فَاُصعِدَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ إلی أعلَی القَصرِ،وهُوَ فی ذلِکَ یُسَبِّحُ اللّهَ تَعالی ویَستَغفِرُهُ،وهُوَ یَقولُ:اللّهُمَّ احکُم بَینَنا وبَینَ قَومٍ غَرّونا وخَذَلونا.

فَلَم یَزَل کَذلِکَ،حَتّی اتِیَ بِهِ إلی أعلَی القَصرِ،وتَقَدَّمَ ذلِکَ الشّامِیُّ فَضَرَبَ عُنُقَهُ -رَحِمَهُ اللّهُ-ثُمَّ نَزَلَ الشّامِیُّ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ وهُوَ مَدهوشٌ.

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:ما شَأنُکَ؟أقَتَلتَهُ؟قالَ:نَعَم،أصلَحَ اللّهُ الأَمیرَ،إلّاأنَّهُ عَرَضَ

ص:192

لی عارِضٌ،فَأَنَا لَهُ فَزِعٌ مَرعوبٌ.فَقالَ:مَا الَّذی عَرَضَ لَکَ؟قالَ:رَأَیتُ ساعَةَ قَتَلتُهُ رَجُلاً حِذایَ أسوَدَ،کَثیرَ السَّوادِ کَریهَ المَنظَرِ،وهُوَ عاضٌّ عَلی إصبَعَیهِ-أو قالَ:شَفَتَیهِ-فَفَزِعتُ مِنهُ فَزَعاً لَم أفزَع قَطُّ مِثلَهُ !

قالَ:فَتَبَسَّمَ ابنُ زِیادٍ،وقالَ لَهُ:لَعَلَّکَ دَهِشتَ،وهذِهِ عادَةٌ لَم تَعتَدها قَبلَ ذلِکَ (1).

1244.مثیر الأحزان: أمَرَ [عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ] بِقَتلِهِ،فَأَغلَظَ لَهُ مُسلِمٌ فِی الکَلامِ وَالسَّبِّ، فَاُصعِدَ عَلَی القَصرِ،فَضَرَبَ عُنُقَهُ بُکَیرُ بنُ حُمرانَ الأَحمَرِیُّ،وألقی جَسَدَهُ إلَی النّاسِ (2).

1245.المناقب لابن شهر آشوب: فَاُتِیَ بِهِ [أی بِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ] إلَی ابنِ زِیادٍ فَتَجاوَبا،وکانَ ابنُ زِیادٍ یَسُبُّ حُسَیناً وعَلِیّاً علیهما السّلام،فَقالَ مُسلِمٌ:فَاقضِ ما أنتَ قاضٍ یا عَدُوَّ اللّهِ،فَقالَ ابنُ زِیادٍ:اِصعَدوا بِهِ فَوقَ القَصرِ وَاضرِبوا عُنُقَهُ،وکانَ مُسلِمٌ یَدعُو اللّهِ،ویَقولُ:اللّهُمَّ احکُم بَینَنا وبَینَ قَومٍ غَرّونا وخَذَلونا،فَقَتَلَهُ وهُوَ عَلی مَوضِعِ الحَذّائینَ. (3)

1246.تذکرة الخواصّ: فَآمَنَهُ [أی مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ] ابنُ الأَشعَثِ،وجاءَ بِهِ إلَی ابنِ زِیادٍ، فَأَمَرَ بِهِ،فَاُصعِدَ إلی أعلَی القَصرِ فَضُرِبَت عُنُقُهُ،واُلقِیَ رَأسُهُ إلَی النّاسِ،وصُلِبَت جُثَّتُهُ بِالکُناسَةِ (4).ثُمَّ فُعِلَ بِهانِی بنِ عُروَةَ کَذلِکَ. (5)

لِخَمسٍ خَلَونَ مِن شَوّالٍ. (1)

1248.مروج الذهب: کانَ ظُهورُ مُسلِمٍ بِالکوفَةِ یَومَ الثَّلاثاءِ،لِثَمانِ لَیالٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ سَنةَ سِتّینَ،وهُوَ الیَومُ الَّذِی ارتَحَلَ فیهِ الحُسَینُ علیه السّلام مِن مَکَّةَ إلَی الکوفَةِ، وقیلَ:یَومَ الأَربِعاءِ،یَومَ عَرَفَةَ،لِتِسعٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ سنَةَ سِتّینَ. (2)

1249.الإرشاد: کانَ خُروجُ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ-رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِما-بِالکوفَةِ یَومَ الثَّلاثاءِ،لِثَمانٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ،سَنَةَ سِتّینَ،وقَتلُهُ یَومَ الأَربِعاءِ،لِتِسعٍ خَلَونَ مِنهُ یَومَ عَرَفَةَ، وکانَ تَوَجُّهُ الحُسَینِ علیه السّلام مِن مَکَّةَ إلَی العِراقِ فی یَومِ خُروجِ مُسلِمٍ بِالکوفَةِ،وهُوَ یَومُ التَّروِیَةِ (3). (4)

1250.تذکرة الخواصّ: کانَ قَتلُ مُسلِمٍ لِثَمانٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ،بَعدَ رَحیلِ الحُسَین علیه السّلام مِن مَکَّةَ بِیَومٍ،وقیلَ:یومَ رَحیلِهِ،ولَم یَعلَمِ الحُسَینُ علیه السّلام بِما جَری فِی الکوفَةِ. (5)

1251.الأخبار الطوال: کانَ قَتلُ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ یَومَ الثَّلاثاءِ،لِثَلاثٍ خَلَونَ مِن ذِی الحِجَّةِ سَنَةَ سِتّینَ،وهِیَ السَّنَةُ الَّتی ماتَ فیها مُعاوِیَةُ. (6)

1252.الملهوف: کانَ قَد تَوَجَّهَ الحُسَینُ علیه السّلام مِن مَکَّةَ یَومَ الثَّلاثاءِ،لِثَلاثٍ مَضَینَ مِن

ص:194

ذِی الحِجَّةِ،وقیلَ:لِثَمانٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ،سَنةَ سِتّینَ مِنَ الهِجرَةِ،قَبلَ أن یَعلَمَ بِقَتلِ مُسلِمٍ،لِأَنَّهُ علیه السّلام خَرَجَ مِن مَکَّةَ فِی الیَومِ الَّذی قُتِلَ فیهِ مُسلِمٌ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (1)

ص:195

الکوفة. (1)

کان هانی یبلغ من العمر عند شهادته حوالی تسعین سنة. (2)

1253.تاریخ الطبری عن عون بن أبی جحیفة: قامَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ فَکَلَّمَهُ فی هانِئِ بنِ عُروَةَ،وقالَ:إنَّکَ قَد عَرَفتَ مَنزِلَةَ هانِئِ بنِ عُروَةَ فِی المِصرِ، وبَیتَهُ فِی العَشیرَةِ،وقَد عَلِمَ قَومُهُ أنّی وصاحِبی سُقناهُ إلَیکَ،فَأَنشُدُکَ اللّهَ لَمّا وَهَبتَهُ لی،فَإِنّی أکرَهُ عَداوَةَ قَومِهِ؛هُم أعَزُّ أهلِ المِصرِ،وعُدَدُ أهلِ الیَمَنِ !

قالَ:فَوَعَدَهُ أن یَفعَلَ،فَلَمّا کانَ مِن أمرِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ ما کانَ،بَدا لَهُ فیهِ،وأبی أن یَفِیَ لَهُ بِما قالَ.

قالَ:فَأَمَرَ بِهانِئِ بنِ عُروَةَ حینَ قُتِلَ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ،فَقالَ:أخرِجوهُ إلَی السّوقِ (3)فَاضرِبوا عُنُقَهُ،قالَ:فَاُخرِجَ بِهانِئٍ حَتَّی انتَهی إلی مَکانٍ مِنَ السّوقِ کانَ یُباعُ فیهِ الغَنَمُ،وهُوَ مَکتوفٌ،فَجَعَلَ یَقولُ:وامَذحِجاه،ولا مَذحِجَ لِیَ الیَومَ،وامَذحِجاه،أینَ مِنّی مَذحِجٌ؟

فَلَمّا رَأی أنَّ أحَداً لا یَنصُرُهُ،جَذَبَ یَدَهُ فَنَزَعَها مِنَ الکِتافِ (4)،ثُمَّ قالَ:أما مِن

ص:198

عَصاً أو سِکّینٍ أو حَجَرٍ أو عَظمٍ یُجاحِشُ (1)بِهِ رَجُلٌ عَن نَفسِهِ.

قالَ:ووَثَبوا إلَیهِ فَشَدّوهُ وَثاقاً،ثُمَّ قیلَ لَهُ:اُمدُد عُنُقَکَ،فَقالَ:ما أنَا بِها مُجدٍ سَخِیٌّ،وما أنَا بِمُعینِکُم عَلی نَفسی.

قالَ:فَضَرَبَهُ مَولیً لِعُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ-تُرکِیٌّ یُقالُ لَهُ رَشیدٌ-بِالسَّیفِ فَلَم یَصنَع سَیفُهُ شَیئاً،فَقالَ هانِئٌ:إلَی اللّهِ المَعادُ،اللّهُمَّ إلی رَحمَتِکَ ورِضوانِکَ.ثُمَّ ضَرَبَهُ اخری فَقَتَلَهُ.

قالَ:فَبَصُرَ بِهِ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ الحُصَینِ المُرادِیُّ بِخازِرَ (2)،وهُوَ مَعَ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَقالَ النّاسُ:هذا قاتِلُ هانِئِ بنِ عُروَةَ،فَقالَ ابنُ الحُصَینِ:قَتَلَنِی اللّهُ إن لَم أقتُلهُ أو اقتَل دونَهُ،فَحَمَلَ عَلَیهِ بِالرُّمحِ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ. (3)

1254.تاریخ الطبری عن الحسین بن نصر: أرسَلَ [ابنُ زِیادٍ] إلی هانِئٍ فَأَتاهُ،فَقالَ:ألَم اوَقِّرکَ؟ألَم اکرِمکَ؟ألَم أفعَل بِکَ؟قالَ:بَلی،قالَ:فَما جَزاءُ ذلِکَ؟قالَ:جَزاؤُهُ أن أمنَعَکَ.قالَ:تَمنَعُنی؟! قالَ:فَأَخَذَ قَضیباً مَکانَهُ فَضَرَبَهُ بِهِ،وأمَرَ فَکُتِفَ ثُمَّ ضُرِبَ عُنُقُهُ.فَبَلَغَ ذلِکَ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ،فَخَرَجَ. (4)

1255.مروج الذهب: فَأَصعَدوهُ [أی مُسلِماً] إلی أعلَی القَصرِ،فَضَرَبَ بُکَیرٌ الأَحمَرِیُّ عُنُقَهُ،

ص:199

فَأَهوی رَأسَهُ إلَی الأَرضِ،ثُمَّ أتبَعوا رَأسَهُ جَسَدَهُ،ثُمَّ امِرَ بِهانِئِ بنِ عُروَةَ،فَاُخرِجَ إلَی السّوقِ،فَضُرِبَ عُنُقُهُ صَبراً،وهُوَ یَصیحُ:یا آلَ مُرادٍ،وهُوَ شَیخُها وزَعیمُها، وهُوَ یَومَئِذٍ یَرکَبُ فی أربَعَةِ آلافِ دارِعٍ،وثَمانِیَةِ آلافِ راجِلٍ،وإذا أجابَتها أحلافُها (1)مِن کِندَةَ وغَیرِها،کانَ فی ثَلاثینَ ألفَ دارِعٍ،فَلَم یَجِد زَعیمُهُم مِنهُم أحَداً فَشَلاً وخِذلاناً (2).

1256.تاریخ الیعقوبی: فَقاتَلَ [مُسلِمٌ] عُبَیدَ اللّهِ،فَأَخَذوهُ،فَقَتَلَهُ عُبَیدُ اللّهِ،وجَرَّ بِرِجلِهِ فِی السّوقِ،وقَتَلَ هانِئَ بنَ عُروَةَ،لِنُزولِ مُسلِمٍ مَنزِلَهُ،وإعانَتِهِ إیّاهُ (3).

1257.الفتوح: ثُمَّ أمَرَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ بِهانِئِ بنِ عُروَةَ أن یُخرَجَ فَیُلحَقَ بِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ، فَقالَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ:أصلَحَ اللّهُ الأَمیرَ،إنَّکَ قَد عَرَفتَ شَرَفَهُ فی عَشیرَتِهِ،وقَد عَرَفَ قَومُهُ أنّی وأسماءَ بنَ خارِجَةَ جِئنا بِهِ إلَیکِ،فَأنشُدُکَ اللّهَ أیُّهَا الأَمیرُ،إلّا (4)وَهَبتَهُ لی،فَإِنّی أخافُ عَداوَةَ أهلِ بَیتِهِ،وإنَّهُم ساداتُ أهلِ الکوفَةِ،وأکثَرُهُم عَدَداً.

قالَ:فَزَبَرَهُ (5)ابنُ زِیادٍ،ثُمَّ أمَرَ بِهانِئِ بنِ عُروَةَ فَاُخرِجَ إلَی السّوقِ إلی مَوضِعٍ یُباعُ فیهِ الغَنَمُ،وهُوَ مَکتوفٌ.

قالَ:وعَلِمَ أنَّهُ مَقتولٌ فَجَعَلَ یَقولُ:وامَذحِجاه،واعَشیرَتاه،ثُمَّ أخرَجَ یَدَهُ مِنَ الکِتافِ،وقالَ:أما مِن شَیءٍ فَأَدفَعُ بِهِ عَن نَفسی؟! قالَ:فَصَکّوهُ (6)ثُمَّ أوثَقوهُ کِتافاً، فَقالوا:اُمدُد عُنُقَکَ،فَقالَ:لا وَاللّهِ،ما کُنتُ الَّذی اعینُکُم عَلی نَفسی !

ص:200

فَتَقَدَّمَ إلَیهِ غُلامٌ لِعُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ-یُقالُ لَهُ رَشیدٌ-فَضَرَبَهُ بِالسَّیفِ فَلَم یَصنَع شَیئاً.فَقالَ هانِئٌ:إلَی اللّهِ المَعادُ،اللّهُمَّ إلی رَحمَتِکَ ورِضوانِکَ،اللّهُمَّ اجعَل هذَا الیَومَ کَفّارَةً لِذُنوبی،فَإِنّی إنَّما تَعَصَّبتُ لاِبنِ بِنتِ نَبِیِّکَ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله.

فَتَقَدَّمَ رَشیدٌ وضَرَبَهُ ضَربَةً اخری فَقَتَلَهُ،ثُمَّ أمَرَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ بِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ وهانِئِ بنِ عُروَةَ رَحِمَهُمَا اللّهُ،فَصُلِبا جَمیعاً مُنَکَّسَینَ،وعَزَمَ أن یُوَجِّهَ بِرَأسَیهِما إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ. (1)

1258.الأمالی للشجری عن سعید بن خالد: فَلَمّا اتِیَ بِمُسلِمٍ-وقَد عَرَّسَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ بِاُمِّ أیّوبَ بِنتِ عُتبَةَ-قالَ:فَاُتِیَ بِهانِئِ بنِ عُروَةَ المُرادِیِّ،فَلَمّا ادخِلَ عَلی عُبَیدِ اللّهِ قالَ:اِستَأثَرَ عَلَیَّ الأَمیرُ بِالعُرسِ !

قالَ:وهَل أرَدتَ العُرسَ یا هانِئُ؟ورَماهُ بِمِحجَنٍ (2)کانَ فی یَدِهِ،فَارتَجَّ فِی الحائِطِ،وأمَرَ بِهِ إلَی السّوقِ فَضُرِبَت عُنُقُهُ،ثُمَّ أمَرَ بِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ فَقالَ:اِیذَن لی بِالوَصِیَّةِ.... (3)

1259.مثیر الأحزان: أمَرَ [ابنُ زِیادٍ] بِهانِی بنِ عُروَةَ فَسُحِبَ إلَی الکُناسَةِ،فَقُتِلَ وصُلِبَ هُناکَ،وقیلَ:ضَرَبَ عُنُقَهُ فِی السّوقِ غُلامٌ لِعُبَیدِ اللّهِ اسمُهُ رَشیدٌ. (4)

1260.تاریخ الطبری عن عمّار الدهنی عن أبی جعفر[ الباقر ] علیه السّلام :أمَرَ [ابنُ زِیادٍ] بِهانِئٍ، فَسُحِبَ إلَی الکُناسَةِ فَصُلِبَ هُنالِکَ،وقالَ شاعِرُهُم فی ذلِکَ:

فَإِن کُنتِ لا تَدرینَ مَا المَوتُ فَانظُری إلی هانِیً فِی السّوقِ وَابنِ عَقیلِ

ص:201

أصابَهُما أمرُ الإِمامِ فَأَصبَحا

1261.تاریخ الطبری عن عون بن أبی جُحیفة: قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ الأَسَدِیُّ فی قِتلَةِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ وهانِئِ بنِ عُروَةَ المُرادِیِّ-ویُقالُ:قالَهُ الفَرَزدَقُ-:

فَإِن (1)کُنتِ لا تَدرینَ مَا المَوتُ فَانظُری

ص:202

فَإِن أنتُمُ لَم تَثأَروا بِأَخیکُمُ فَکونوا بَغایا ارضِیَت بِقَلیلِ. (1)

راجع:ص 98 (ما روی فی التخطیط لاغتیال ابن زیاد)

و ص 112 (بَثّ العیون والأموال لمعرفة مکان مسلم)

و ص 130 (محاصرة مسلم وأصحابه قصر ابن زیاد)

و ص 131 (القتال بین مسلم وقوّات ابن زیاد وجرح مسلم)

و ص 203 (بعث ابن زیاد رأسی مسلم وهانئ إلی یزید)

و ص 345 (الفصل السابع/خبر شهادة مسلم بن عقیل).

وأنّی جَعَلتُ عَلَیهِمَا العُیونَ،ودَسَستُ إلَیهِمَا الرِّجالَ،وکِدتُهُما (1)حَتَّی استَخرَجتُهُما، وأمکَنَ اللّهُ مِنهُما،فَقَدَّمتُهُما فَضَرَبتُ أعناقَهُما.وقَد بَعَثتُ إلَیکَ بِرُؤوسِهِما مَعَ هانِئِ بنِ أبی حَیَّةَ الهَمدانِیِّ،وَالزُّبَیرِ بنِ الأَروَحِ التَّمیمِیِّ،وهُما مِن أهلِ السَّمعِ وَالطّاعَةِ وَالنَّصیحَةِ،فَلیَسأَلهُما أمیرُ المُؤمِنینَ عَمّا أحَبَّ مِن أمرٍ،فَإِنَّ عِندَهُما عِلماً وصِدقاً،وفَهماً ووَرَعاً،وَالسَّلامُ. (2)

1263.الفتوح: أمَرَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ بِمُسلِمِ بنِ عَقیلٍ و هانِئِ بنِ عُروَةَ-رَحِمَهُمَا اللّهُ-فَصُلِبا جَمیعاً مُنَکَّسَینَ،وعَزَمَ أن یُوَجِّهَ بِرَأسَیهِما إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ....

ثُمَّ کَتَبَ ابنُ زِیادٍ إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،لِعَبدِ اللّهِ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ أمیرِ المُؤمِنینَ،مِن عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی أخَذَ لِأَمیرِ المُؤمِنینَ بِحَقِّهِ،وکَفاهُ مَؤونَةَ عَدُوِّهِ،اُخبِرُ أمیرَ المُؤمِنینَ-أیَّدَهُ اللّهُ-أنَّ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ الشّاقَّ لِلعَصا،قَدِمَ إلَی الکوفَةِ،ونَزَلَ فی دارِ هانِئِ بنِ عُروَةَ المَذحِجِیِّ،وإنّی جَعَلتُ عَلَیهِمَا العُیونَ حَتّی استَخرَجتُهُما،فَأَمکَنَنِی اللّهُ مِنهُما بَعدَ حَربٍ ومُناقَشَةٍ،فَقَدَّمتُهُما فَضَرَبتُ أعناقَهُما،وقَد بَعَثتُ بِرَأسَیهِما مَعَ هانِئِ بنِ أبی حَیَّةَ الوادِعِیِّ،وَالزُّبَیرِ بنِ الأَروَحِ التَّمیمِیِّ،وهُما مِن أهلِ الطّاعَةِ وَالسُّنَّةِ وَالجَماعَةِ،فَلیَسأَلهُما أمیرُ المُؤمِنینَ عَمّا أحَبَّ (3)،فَإِنَّهُما ذَوا عَقلٍ وفَهمٍ وصِدقٍ.

ص:204

فَلَمّا وَرَدَ الکِتابُ وَالرَّأسانِ جَمیعاً إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،قَرَأَ الکِتابَ،وأمَرَ بِالرَّأسَینِ فَنُصِبا عَلی بابِ مَدینَةِ دِمَشقَ. (1)

1264.مروج الذهب: ثُمَّ أمَرَ ابنُ زِیادٍ بِجُثَّةِ مُسلِمٍ فَصُلِبَت،وحُمِلَ رَأسُهُ إلی دِمَشقَ،وهذا أوَّلُ قَتیلٍ صُلِبَت جُثَّتُهُ مِن بَنی هاشِمٍ،وأوَّلُ رَأسٍ حُمِلَ مِن رُؤوسِهِم إلی دِمَشقَ. (2)

1266.أنساب الأشراف: لَمّا کَتَبَ ابنُ زِیادٍ إلی یَزیدَ بِقَتلِ مُسلِمٍ،وبِعثَتِهِ إلَیهِ بِرَأسِهِ ورَأسِ هانِئِ بنِ عُروَةَ،ورَأسِ ابنِ صَلحَبٍ (1)،وما فَعَلَ بِهِم،کَتَبَ [یَزیدُ] إلَیهِ:

إنَّکَ لَم تَعدُ أن کُنتَ کَما احِبُّ،عَمِلتَ عَمَلَ الحازِمِ،وصُلتَ صَولَةَ الشُّجاعِ، وحَقَّقتَ ظَنّی بِکَ،وقَد بَلَغَنی أنَّ حُسَیناً تَوَجَّهَ إلَی العِراقِ،فَضَعِ المَناظِرَ وَالمَسالِحَ، وأذکِ العُیونَ،وَاحتَرِس کُلَّ الاِحتِراسِ،وَاحبِس عَلَی الظِّنَّةِ،وخُذ بِالتُّهمَةِ،غَیرَ أن لا تُقاتِل إلّامَن قاتَلَکَ،وَاکتُب إلَیَّ فی کُلِّ یَومٍ بِما یَحدُثُ مِن خَبَرٍ إن شاءَ اللّهُ. (2)

1267.الکامل فی التاریخ: بَعَثَ ابنُ زِیادٍ بِرَأسَیهِما [أی مُسلِمٍ وهانِئٍ] إلی یَزیدَ،فَکَتَبَ إلَیهِ یَزیدُ یَشکُرُهُ،ویَقولُ لَهُ:

وقَد بَلَغَنی أنَّ الحُسَینَ قَد تَوَجَّهَ نَحوَ العِراقِ،فَضَعِ المَراصِدَ وَالمَسالِحَ، وَاحتَرِس،وَاحبِس عَلَی التُّهمَةِ،وخُذ عَلَی الظِّنَّةِ،غَیرَ أن لا تَقتُل إلّامَن قاتَلَکَ. (3)

1268.الأخبار الطوال: بَعَثَ عُبَیدُ اللّهِ بِرُؤوسِهِما [أی مُسلِمٍ وهانِئٍ] إلی یَزیدَ،وکَتَبَ إلَیهِ بِالنَّبَأِ فیهِما،فَکَتَبَ إلَیهِ یَزیدُ:لَم نَعدُ الظَّنَّ بِکَ،وقَد فَعَلتَ فِعلَ الحازِمِ الجَلیدِ (4)،وقَد سَأَلتُ رَسولَیکَ عَنِ الأَمرِ،فَفَرَشاهُ لی،وهُما کَما ذَکَرتَ فِی النُّصحِ وفَضلِ الرَّأیِ، فَاستَوصِ بِهِما.

وقَد بَلَغَنی أنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ قَد فَصَلَ مِن مَکَّةَ مُتَوَجِّهاً إلی ما قِبَلِکَ،فَأَدرِکِ العُیونَ عَلَیهِ،وضَعِ الأَرصادَ عَلَی الطُّرُقِ،وقُم أفضَلَ القِیامِ،غَیرَ أن لا تُقاتِل إلّامَن قاتَلَکَ،وَاکتُب إلَیَّ بِالخَبَرِ فی کُلِّ یَومٍ. (5)

ص:206

1269.الملهوف: کَتَبَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ بِخَبَرِ مُسلِمٍ وهانِئٍ إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،فَأَعادَ عَلَیهِ الجَوابَ یَشکُرُهُ فیهِ عَلی فِعالِهِ وسَطوَتِهِ (1)،ویُعرِّفُهُ أن قَد بَلَغَهُ تَوَجُّهُ الحُسَینِ علیه السّلام إلی جِهَتِهِ،ویَأمُرُهُ عِندَ ذلِکَ بِالمُؤاخَذَةِ وَالاِنتِقامِ،وَالحَبسِ عَلَی الظُّنونِ وَالأَوهامِ. (2)

1270.الفتوح: لَمّا وَرَدَ الکِتابُ وَالرَّأسانِ [رَأسُ مُسلِمٍ وهانِئٍ] جَمیعاً إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ، قَرَأَ الکِتابَ،وأمَرَ بِالرَّأسَینِ فَنُصِبا عَلی بابِ مَدینَةِ دِمَشقَ.ثُمَّ کَتَبَ إلی ابنِ زِیادٍ:

أمّا بَعدُ،فَإِنَّکَ لَم تَعدُ إذا (3)کُنتَ کَما احِبُّ،عَمِلتَ عَمَلَ الحازِمِ،وصُلتَ صَولَةَ الشُّجاعِ الرّابِضِ،فَقَد کَفَیتَ ووَقَیتَ ظَنّی ورَأیی فیکَ،وقَد دَعَوتُ رَسولَیکَ فَسَأَلتُهُما عَنِ الَّذی ذَکَرتَ،فَقَد وَجَدتُهُما فی رَأیِهِما وعَقلِهِما وفَهمِهِما وفَضلِهِما ومَذهَبِهِما کَما ذَکَرتَ،وقَد أمَرتُ لِکُلِّ واحِدٍ مِنهُما بِعَشرَةِ آلافِ دِرهَمٍ،وسَرَّحتُهُما إلَیکَ،فَاستَوصِ بِهِما خَیراً.

وقَد بَلَغَنی أنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ قَد عَزَمَ عَلَی المَسیرِ إلَی العِراقِ،فَضَعِ المَراصِدَ وَالمَناظِرَ،وَاحتَرِس وَاحبِس عَلَی الظَّنِّ،وَاکتُب إلَیَّ فی کُلِّ یَومٍ بِما یَتَجَدَّدُ لَکَ مِن خَیرٍ أو شَرٍّ،وَالسَّلامُ. (4)

1271.الصواعق المحرقة: قَدَّمَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] أمامَهُ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ،فَبایَعَهُ مِن أهلِ الکوفَةِ اثنا عَشَرَ ألفاً،وقیلَ:أکثَرُ مِن ذلِکَ،وأمَرَ یَزیدُ ابنَ زِیادٍ فَجاءَ إلَیهِ،وقَتَلَهُ وأرسَلَ بِرَأسِهِ إلَیهِ فَشَکَرَهُ،وحَذَّرَهُ مِنَ الحُسَینِ علیه السّلام. (5)

ص:207

ص:208

ویبدو أنّه لم یستطع أحد حتّی الآن رفع هذا الإبهام.

2.وجاء فی طائفة اخری من الروایات،أنّ عبد اللّه بن یقطر کان یحمل کتاب مسلم إلی الإمام علیه السّلام، (1)فاعتُقل وأمر عبیدُ اللّه بضرب عنقه صبراً. (2)

3.کما تدلّ بعض الروایات علی أنّه استشهد فی کربلاء. (3)

وممّا یجدر ذکره أنّ هناک بعض الملاحظات التی تستحقّ التوقّف عندها فیما یتعلّق بعبد اللّه بن یقطر:

الملاحظة الاُولی:لم یُذکر اسمه سوی فی أحداث نهضة الإمام الحسین علیه السّلام،ولا تتوفّر لدینا عدا ذلک معلومات دقیقة عن شخصیّته،نعم ورد فی کتاب الخرائج والجرائح :

عبد اللّه بن یقطر بن أبی عقب اللیثی،من بنی لیث بن بکر بن عبد مناف بن کنانة، رضیع الحسین علیه السّلام. (4)

الملاحظة الثانیة:ما جاء فی روایات مشهورة من أنّه أخو الإمام الحسین علیه السّلام من الرضاعة، (5)فی حین أنّ المصادر التی روت عهد طفولة الإمام علیه السّلام لم تشر إلی أنّ الإمام علیه السّلام

ص:210

کان له أخٌ فی الرضاعة،بل إنّ بعض الروایات تؤکّد العکس من ذلک؛وهو أنّ الإمام لم یرضع من أیّ امرأة. (1)

وممّا ینبغی الالتفات إلیه أنّ المرحوم محمّد السماوی قال فی کتاب إبصار العین لتوجیه هذه المشکلة:

عبد اللّه بن یقطر الحمیری (رضیع الحسین علیه السّلام ) کانت امّه حاضنة للحسین علیه السّلام کاُمّ قیس بن ذریح للحسن علیه السّلام...قال ابن حجر فی الإصابة :إنّه کان صحابیّاً؛لأنّه لدة الحسین علیه السّلام. (2)

لکن لم نعثر علی مستند لهذا الادّعاء،ولم نعثر علی ما نقله عن ابن حجر فی الإصابة (3). (4)

الملاحظة الثالثة:لا تشیر الروایات-التی تری أنّ إرسال عبد اللّه کان من جانب الإمام علیه السّلام-إلی نصّ رسالة الإمام والمکان الذی توجّه إلیه عبد اللّه، (5)ولکنّ ابن الأعثم

ص:211

الذی یعتبر أنّ اعتقاله کان له علاقة بکتاب مسلم إلی الإمام،ذکر نصّ الکتاب أیضاً. (1)وقد وجد هذا الموضوع طریقه بعد ذلک إلی کتب اخری؛مثل مقتل الخوارزمی. (2)

الملاحظة الرابعة:یبدو أنّ شهادة عبداللّه بن یقطر کانت قبل قیس بن مسهر.

وقد ذُکر اسمه فی الزیارة الرجبیة کالتالی:

السَّلامُ عَلی عَبدِ اللّهِ بن یَقْطُرَ رَضیعِ الحُسَین. (3)

1272.تاریخ الطبری عن بکر بن مصعب المزنی: کانَ الحُسَینُ علیه السّلام لا یَمُرُّ بِأَهلِ ماءٍ إلَّا اتَّبَعوهُ،حَتّی إذَا انتَهی إلی زُبالَةَ،سَقَطَ إلَیهِ مَقتَلُ أخیهِ مِنَ الرَّضاعَةِ؛مَقتَلُ عَبدِ اللّهِ بنِ بُقطُرٍ،وکانَ سَرَّحَهُ إلی مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ مِنَ الطَّریقِ،وهُوَ لا یَدری أنَّهُ قَد اصیبَ، فَتَلَقّاهُ خَیلُ الحُصَینِ بنِ تَمیمٍ بِالقادِسِیَّةِ،فَسَرَّحَ بِهِ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ.

فَقالَ:اِصعَد فَوقَ القَصرِ فَالعَنِ الکَذّابَ ابنَ الکَذّابِ،ثُمَّ انزِل حَتّی أری فیکَ رَأیی،قالَ:فَصَعِدَ،فَلَمّا أشرَفَ عَلَی النّاسِ قالَ:أیُّهَا النّاسُ ! إنّی رَسولُ الحُسَینِ ابنِ فاطِمَةَ بنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،لِتَنصُروهُ وتُوازِروهُ عَلَی ابنِ مَرجانَةَ،ابنِ سُمَیَّةَ الدَّعِیِّ (4).

فَأَمَرَ بِهِ عُبَیدُ اللّهِ فَاُلقِیَ مِن فَوقِ القَصرِ إلَی الأَرضِ،فَکُسِرَت عِظامُهُ وبَقِیَ بِهِ رَمَقٌ،فَأَتاهُ رَجُلٌ یُقالُ لَهُ عَبدُ المَلِکِ بنُ عُمَیرٍ اللَّخمِیُّ،فَذَبَحَهُ،فَلَمّا عیبَ ذلِکَ عَلَیهِ قالَ:إنَّما أرَدتُ أن اریحَهُ. (5)

ص:212

1273.أنساب الأشراف: سارَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] إلی زُبالَةَ وقَدِ استَکثَرَ مِنَ الماءِ،وکانَ کُلَّما مَرَّ بِماءٍ اتّبَعَهُ مِنهُ قَومٌ،وبَعَثَ الحُسَینُ علیه السّلام أخاهُ مِنَ الرَّضاعَةِ-وهُوَ عَبدُ اللّهِ بنُ یَقطُرَ- إلی مُسلِمٍ قَبلَ أن یَعلَمَ أنَّهُ قُتِلَ،فَأَخَذَهُ الحُصَینُ بنُ تَمیمٍ وبَعَثَ بِهِ إلَی ابنِ زِیادٍ، فَأَمَرَ أن یُعلی بِهِ القَصرُ لِیَلعَنَ الحُسَینَ علیه السّلام،ویَنسِبَهُ وأباهُ إلَی الکَذِبِ.

فَلَمّا عَلَا القَصرَ،قالَ:إنّی رَسولُ الحُسَینِ علیه السّلام ابنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ إلَیکُم،لِتَنصُروهُ وتُؤازِروهُ عَلَی ابنِ مَرجانَةَ،وَابنِ سُمَیَّةَ الدَّعِیِّ وَابنِ الدَّعِیِّ لَعَنَهُ اللّهُ.

فَاُمِرَ بِهِ فَاُلقِیَ مِن فَوقِ القَصرِ إلَی الأَرضِ،فَتَکَسَّرَت عِظامُهُ وبَقِیَ بِهِ رَمَقٌ،فَأَتاهُ رَجُلٌ فَذَبَحَهُ،فَقیلَ لَهُ:وَیحَکَ،ما صَنَعتَ؟! فَقالَ:أحبَبتُ أن اریحَهُ.

فَلَمّا بَلَغَ الحُسَینَ علیه السّلام قَتلُ ابنِ یَقطُرَ خَطَبَ فَقالَ:أیُّهَا النّاسُ ! قَد خَذَلَتنا شیعَتُنا، وقُتِلَ مُسلِمٌ وهانِئٌ وقَیسُ بنُ مُسهِرٍ ویَقطُرَ (1)،فَمَن أرادَ مِنکُمُ الاِنصِرافَ فَلیَنصَرِف. (2)

1274.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: لَمّا وَصَلَ کِتابُ یَزیدَ إلَی ابنِ زِیادٍ أن یَأخُذَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام بِالمَراصِدِ وَالمَسالِحِ وَالثُّغورِ،أَنفَذَ ابنُ زِیادٍ لِلحُصَینِ بنِ نُمَیرٍ التَّمیمِیِّ -وکانَ عَلی شُرطَتِهِ-أن یَنزِلَ القادِسِیَّةَ،ویُنَظِّمَ المَسالِحَ ما بَینَ القُطقُطانِیَةِ (3)إلی خَفّانَ (4)،وتَقَدَّمَ إلَی الحُرِّ بنِ یَزیدَ الرِّیاحِیِّ أن یَتَقَدَّمَ بَینَ یَدَیِ الحُصَینِ فی ألفِ

ص:213

فارِسٍ،وکانَ الحُسَینُ علیه السّلام قَد بَعَثَ بِأَخیهِ مِنَ الرَّضاعَةِ عَبدِ اللّهِ بنِ یَقطُرَ إلی أهلِ الکوفَةِ،فَأَخَذَهُ الحُصَینُ وأنفَذَهُ إلَی ابنِ زِیادٍ.

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:اِصعَدِ المِنبَرَ فَالعَنِ الحُسَینَ وأباهُ.

فَصَعِدَ المِنبَرَ،ودَعا لِلحُسَینِ علیه السّلام،ولَعَنَ یَزیدَ بنَ مُعاوِیَةَ وعُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ وأبَوَیهِما،فَرُمِیَ بِهِ مِن فَوقِ القَصرِ فَجَعَلَ یَضطَرِبُ وبِهِ رَمَقٌ،فَقامَ إلَیهِ عَبدُ المَلِکِ بنُ عُمَیرٍ اللَّخمِیُّ فَذَبَحَهُ،وَلیمَ عَبدُ المَلِکِ،فَاعتَذَرَ أنَّهُ أرادَ أن یُریحَهُ مِمّا فیهِ مِنَ العَذابِ. (1)

1275.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): وعَبدُ اللّهِ بنُ بُقطُرٍ،رَضیعٌ لِلحُسَینِ علیه السّلام،قُتِلَ بِالکوفَةِ،رُمِیَ بِهِ مِن فَوقِ القَصرِ فَماتَ،وهُوَ الَّذی قیلَ فیهِ:

«وآخَرُ یَهوی مِن طَمارِ قَتیلُ». (2)

1276.المناقب لابن شهر آشوب: فَلَمّا دَخَلَ [ابنُ زِیادٍ] القَصرَ [بَعدَ عِیادَةِ شَریکِ بنِ الأَعورِ]،أتاهُ مالِکُ بنُ یَربوعٍ التَّمیمِیُّ بِکِتابٍ أخَذَهُ مِن یَدَی عَبدِ اللّهِ بنِ یَقطُرَ،فَإِذا فیهِ:لِلحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ،أمّا بَعدُ:فَإِنّی اخبِرُکَ أنَّهُ قَد بایَعَکَ مِن أهلِ الکوفَةِ کَذا،فَإِذا أتاکَ کِتابی هذا فَالعَجَلَ العَجَلَ،فَإِنَّ النّاسَ مَعَکَ ولَیسَ لَهُم فی یَزیدَ رَأیٌ ولا هَویً.

فَأَمَرَ ابنُ زِیادٍ بِقَتلِهِ. (3)

1277.الثقات لابن حبّان: قُبِضَ عَلی عَبدِ اللّهِ بنِ بُقطُرٍ رَضیعِ الحُسَینِ بنِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام فی ذلِکَ الیَومِ [أی فی یَومِ عاشوراءَ]،وقیلَ:حُمِلَ إلَی الکوفَةِ ثُمَّ رُمِیَ بِهِ مِن فَوقِ القَصرِ،أو قیدَ فَانکَسَرَت رِجلُهُ،فَقامَ إلَیهِ رَجُلٌ مِن أهلِ الکوفَةِ

ص:214

وضَرَبَ عُنُقَهُ. (1)

1278.البدایة والنهایة: ومِمَّن قُتِلَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام بِکَربَلاءَ،أخوهُ مِنَ الرَّضاعَةِ عَبدُ اللّهِ بنُ بُقطُرٍ،وقَد قیلَ:إنَّهُ قُتِلَ قَبلَ ذلِکَ،حَیثُ بَعَثَ مَعَهُ کِتاباً إلی أهلِ الکوفَةِ،فَحُمِلَ إلَی ابنِ زِیادٍ فَقَتَلَهُ. (2)

راجع:ص 352 (الفصل السابع/خبر شهادة عبد اللّه یقطر فی زبالة).

4.مرافقة الإمام فی السفر إلی کربلاء،وحمل کتاب الإمام علیه السّلام إلی أهل الکوفة من موضع یدعی«الحاجر».إلّاأنّه اعتُقل خلال هذه المهمّة علی ید الحصین بن تمیم (نمیر)،فمزّق الکتاب بمجرّد اعتقاله؛کی لا یقع بید العدو.ثمّ قُذف من فوق دار الإمارة إلی الأرض بأمر ابن زیاد،فمضی شهیداً رحمه الله. (1)

وجاء فی الزیارة الرجبیة (2)وزیارة الناحیة: (3)

السَّلامُ عَلی قَیسِ بنِ مُسهِرٍ الصَّیداوِیِّ.

1279.الإرشاد: لَمّا بَلَغَ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ إقبالُ الحُسَینِ علیه السّلام مِن مَکَّةَ إلَی الکوفَةِ،بَعَثَ الحُصَینَ بنَ نُمَیرٍ صاحِبَ شُرَطِهِ حَتّی نَزَلَ القادِسِیَّةِ،ونَظَّمَ الخَیلَ بَینَ القادِسِیَّةِ إلی خَفّانَ،وما بَینَ القادِسِیَّةِ إلَی القُطقُطانَةِ.

وقالَ النّاسُ:هذَا الحُسَینُ علیه السّلام یُریدُ العِراقَ.ولَمّا بَلَغَ الحُسَینُ علیه السّلام الحاجِرَ (4)مِن بَطنِ الرُّمَّةِ (5)،بَعَثَ قَیسَ بنَ مُسهِرٍ الصَّیداوِیَّ-ویُقالُ:بَل بَعَثَ أخاهُ مِنَ الرَّضاعَةِ عَبدَ اللّهِ بنَ یَقطُرَ-إلی أهلِ الکوفَةِ،ولَم یَکُن علیه السّلام عَلِمَ بِخَبَرِ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِما،وکَتَبَ مَعَهُ إلَیهِم:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،مِنَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ إلی إخوانِهِ مِنَ المُؤمِنینَ

ص:216

وَالمُسلِمینَ،سَلامٌ عَلَیکُم،فَإِنّی أحمَدُ إلَیکُمُ اللّهَ الَّذی لا إلهَ إلّاهُوَ.أمّا بَعدُ:فَإِنَّ کِتابَ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ جاءَنی یُخبِرُ فیهِ بِحُسنِ رَأیِکُم،وَاجتِماعِ مَلَئِکُم عَلی نَصرِنا وَالطَّلَبِ بِحَقِّنا،فَسَأَلتُ اللّهَ أن یُحسِنَ لَنَا الصَّنیعَ،وأن یُثیبَکُم عَلی ذلِکَ أعظَمَ الأَجرِ،وقَد شَخَصتُ إلَیکُم مِن مَکَّةَ یَومَ الثَّلاثاءِ،لِثَمانٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ،یَومَ التَّروِیَةِ،فَإِذا قَدِمَ عَلَیکُم رَسولی فَانکَمِشوا فی أمرِکُم وجِدّوا،فَإِنّی قادِمٌ عَلَیکُم فی أیّامی هذِهِ،وَالسَّلامُ عَلَیکُم ورَحمَةُ اللّهِ.

وکانَ مُسلِمٌ کَتَبَ إلَیهِ قَبلَ أن یُقتَلَ بِسَبعٍ وعِشرینَ لَیلَةً،وکَتَبَ إلَیهِ أهلُ الکوفَةِ:

إنَّ لَکَ هاهُنا مِئَةَ ألفِ سَیفٍ،فَلا تَتَأَخَّر.

فَأَقبَلَ قَیسُ بنُ مُسهِرٍ إلَی الکوفَةِ بِکِتابِ الحُسَینِ علیه السّلام،حَتّی إذَا انتَهی إلَی القادِسِیَّةِ،أخَذَهُ الحُصَینُ بنُ نُمَیرٍ فَأَنفَذَهُ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَقالَ لَهُ عُبَیدُ اللّهِ:

اصعَد فَسُبَّ الکَذّابَ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ.

فَصَعِدَ قَیسٌ،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،ثُمَّ قالَ:أیُّهَا النّاسُ،إنَّ هذَا الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام خَیرُ خَلقِ اللّهِ،ابنُ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ،وأنَا رَسولُهُ إلَیکُم فَأَجیبوهُ.ثُمَّ لَعَنَ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ وأباهُ،وَاستَغفَرَ لِعَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام وصَلّی عَلَیهِ،فَأَمَرَ بِهِ عُبَیدُ اللّهِ أن یُرمی بِهِ مِن فَوقِ القَصرِ،فَرَمَوا بِهِ فَتَقَطَّعَ.

ورُوِیَ أنَّهُ وَقَعَ إلَی الأَرضِ مَکتوفاً،فَتَکَسَّرَت عِظامُهُ وبَقِیَ بِهِ رَمَقٌ،فَجاءَ رَجُلٌ یُقالُ لَهُ عَبدُ المَلِکِ بنُ عُمَیرٍ اللَّخمِیُّ فَذَبَحَهُ،فَقیلَ لَهُ فی ذلِکَ وعِیبَ عَلَیهِ،فَقالَ:

أرَدتُ أن اریحَهُ! (1)

1280.الکامل فی التاریخ: لَمّا بَلَغَ ابنَ زِیادٍ مَسیرُ الحُسَینِ علیه السّلام مِن مَکَّةَ،بَعَثَ الحُصَینَ بنَ

ص:217

نُمَیرٍ التَّمیمِیَّ-صاحِبَ شُرطَتِهِ-فَنَزَلَ القادِسِیَّةِ،ونَظَّمَ الخَیلَ ما بَینَ القادِسِیَّةِ إلی خَفّانَ،وما بَینَ القادِسِیَّةِ إلَی القُطقُطانَةِ،وإلی جَبَلِ لَعلَعٍ. (1)

فَلَمّا بَلَغَ الحُسَینُ علیه السّلام الحاجِرَ (2)،کَتَبَ إلی أهلِ الکوفَةِ مَعَ قَیسِ بنِ مُسهِرٍ الصَّیداوِیِّ،یُعَرِّفُهُم قُدومَهُ،ویَأمُرُهُم بِالجِدِّ فی أمرِهِم،فَلَمَّا انتَهی قَیسٌ إلَی القادِسِیَّةِ،أخَذَهُ الحُصَینُ فَبَعَثَ بِهِ إلَی ابنِ زِیادٍ.

فَقالَ لَهُ ابنُ زِیادٍ:اِصعَدِ القَصرَ فَسُبَّ الکَذّابَ ابنَ الکَذّابِ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ.

فَصَعِدَ قَیسٌ،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،ثُمَّ قالَ:إنَّ هذَا الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام،خَیرُ خَلقِ اللّهِ،ابنُ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،أنَا رَسولُهُ إلَیکُم،وقَد فارَقتُهُ بِالحاجِرِ فَأَجیبوهُ.ثُمَّ لَعَنَ ابنَ زِیادٍ وأباهُ وَاستَغفَرَ لِعَلِیٍّ علیه السّلام.

فَأَمَرَ بِهِ ابنُ زِیادٍ فَرُمِیَ مِن أعلَی القَصرِ،فَتَقَطَّعَ فَماتَ. (3)

1281.تاریخ الطبری عن عقبة بن أبی العیزار: قالَ [الإِمامُ الحُسَینُ علیه السّلام لِلرِّجالِ الأَربَعِ الَّذینَ أقبَلوا مِنَ الکوفَةِ]:أخبِرونی،فَهَل لَکُم بِرَسولی إلَیکُم؟قالوا:مَن هُوَ؟قالَ:قَیسُ بنُ مُسهِرٍ الصَّیداوِیُّ،فَقالوا:نَعَم،أخَذَهُ الحُصَینُ بنُ تَمیمٍ،فَبَعَثَ بِهِ إلَی ابنِ زِیادٍ، فَأَمَرَهُ ابنُ زِیادٍ أن یَلعَنَکَ ویَلعَنَ أباکَ،فَصَلّی عَلَیکَ وعَلی أبیکَ ولَعَنَ ابنَ زِیادٍ وأباهُ، ودَعا إلی نُصرَتِکَ،وأخبَرَهُم بِقُدومِکَ،فَأَمَرَ بِهِ ابنُ زِیادٍ فَاُلقِیَ مِن طَمارِ القَصرِ.

فَتَرَقرَقَت عَینا حُسَینٍ علیه السّلام ولَم یَملِک دَمعَهُ،ثُمَّ قالَ: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلاً» 4 ،اللّهُمَّ اجعَل لَنا ولَهُمُ الجَنَّةَ نُزُلاً،وَاجمَع بَینَنا وبَینَهُم فی

ص:218

مُستَقَرٍّ مِن رَحمَتِکَ،ورَغائِبَ مَذخورِ ثَوابِکَ. (1)

راجع:ص 334 (الفصل السابع/کتاب الإمام علیه السّلام إلی أهل الکوفة بالحاجر من بطن الرمّة وشهادة رسوله).

1283.تاریخ الطبری عن عون بن أبی جُحیفة: إنَّ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ لَمّا قَتَلَ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ وهانِئَ بنَ عُروَةَ،دَعا بِعَبدِ الأَعلَی الکَلِبیِّ الَّذی کانَ أخَذَهُ کَثیرُ بنُ شِهابٍ فی بَنی فِتیانَ،فَأَتی بِهِ،فَقالَ لَهُ:أخبِرنی بِأَمرِکَ.

فَقالَ:أصلَحَکَ اللّهُ،خَرَجتُ لِأَنظُرَ ما یَصنَعُ النّاسُ،فَأَخَذنی کَثیرُ بنُ شِهابٍ، فَقالَ لَهُ:فَعَلَیکَ وعَلَیکَ مِنَ الأَیمانِ المُغَلَّظَةِ إن کانَ أخرَجَکَ إلّاما زَعَمتَ،فَأَبی أن یَحلِفَ،فَقالَ عُبَیدُ اللّهِ:اِنطَلِقوا بِهذا إلی جَبّانَةِ (1)السَّبیعِ،فَاضرِبوا عُنُقَهُ بِها.قالَ:

فَانطُلِقَ بِهِ فَضُرِبَت عُنُقُهُ. (2)

1284.أنساب الأشراف: قُتِلَ مَعَهُ [أی مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام ] عَبدُ الأَعلَی بنُ زَیدِ بنِ الشُّجاعِةِ الکَلبِیُّ. (3)

1285.تاریخ الطبری عن أبی جناب الکلبی: خَرَجَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ حَتّی وَقَفَ عِندَ دورِ بَنی عُمارَةَ،وجاءَهُ عُمارَةُ بنُ صَلخَبٍ الأَزدِیُّ وهُوَ یُریدُ ابنَ عَقیلٍ،عَلَیهِ سِلاحُهُ، فَأَخَذَهُ فَبَعَثَ بِهِ إلَی ابنِ زِیادٍ فَحَبَسَهُ. (1)

1286.تاریخ الطبری عن عون بن أبی جُحیفة: اخرِجَ عُمارَةُ بنُ صَلخَبٍ الأَزدِیُّ-وکانَ مِمَّن یُریدُ أن یَأتِیَ مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ بِالنُّصرَةِ لِیَنصُرَهُ-فَاُتِیَ بِهِ أیضاً عُبَیدَ اللّهِ،فَقالَ لَهُ:مِمَّن أنتَ؟قالَ:مِنَ الأَزدِ،قالَ:اِنطَلِقوا بِهِ إلی قَومِهِ،فَضُرِبَت عُنُقُهُ فیهِم. (2)

1287.أنساب الأشراف: خَرَجَ عُمارَةُ بنُ صَلحَبٍ (3)الأَزدِیُّ-وکانَ مِمَّن أرادَ نُصرَةَ مُسلِمٍ- فَأَخَذَهُ أصحابُ ابنِ زِیادٍ فَأَتَوهُ بِهِ،فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَت عُنُقُهُ فِی الأَزدِ،وبَعَثَ بِرَأسِهِ مَعَ رَأسِ مُسلِمٍ وهانِئٍ إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،وکانَ رَسولُهُ بِهذِهِ الرُّؤوسِ هانِئَ بنَ أبی حَیَّةَ الوادعِیَّ مِن هَمدانَ. (4)

الحُسَینِ علیه السّلام،وبَعَثَ الحُسَینُ علیه السّلام مُسلِمَ بنَ عَقیلٍ إلَی الکوفَةِ،نَزَلَ دارَ المُختارِ وهِیَ الیَومَ دارُ سَلمِ بنِ المُسَیَّبِ،فَبایَعَهُ المُختارُ بنُ أبی عُبَیدٍ فیمَن بایَعَهُ مِن أهلِ الکوفَةِ، وناصَحَهُ ودَعا إلَیهِ مَن أطاعَهُ،حَتّی خَرَجَ ابنُ عَقیلٍ یَومَ خَرَجَ وَالمُختارُ فی قَریَةٍ لَهُ بِخُطَرنِیَةَ (1)تُدعی«لقفا».

فَجاءَهُ خَبَرُ ابنِ عَقیلٍ عِندَ الظُّهرِ أنَّهُ قَد ظَهَرَ بِالکوفَةِ،فَلَم یَکُن خُروجُهُ یَومَ خَرَجَ عَلی میعادٍ مِن أصحابِهِ،إنَّما خَرَجَ حینَ قیلَ لَهُ:إنَّ هانِئَ بنَ عُروَةَ المُرادِیَّ قَد ضُرِبَ وحُبِسَ.

فَأَقبَلَ المُختارُ فی مَوالٍ لَهُ،حَتَّی انتَهی إلی بابِ الفیلِ بَعدَ الغُروبِ،وقَد عَقَدَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ لِعَمرِو بنِ حُرَیثٍ رایَةً عَلی جَمیعِ النّاسِ،وأمَرَهُ أن یَقعُدَ لَهُم فِی المَسجِدِ.

فَلَمّا کانَ المُختارُ وَقَفَ عَلی بابِ الفیلِ،مَرَّ بِهِ هانِئُ ابنُ أبی حَیَّةَ الوادِعِیُّ،فَقالَ لِلمُختارِ:ما وُقوفُکَ هاهُنا ! لا أنتَ مَعَ النّاسِ ولا أنتَ فی رَحلِکَ؟قالَ:أصبَحَ رَأیی مُرتَجّاً لِعظَمِ خَطیئَتِکُم،فَقالَ لَهُ:أظُنُّکَ وَاللّهِ قاتِلاً نَفسَکَ ! ثُمَّ دَخَلَ عَلی عَمرِو بنِ حُرَیثٍ فَأَخبَرَهُ بِما قالَ لِلمُختارِ وما رَدَّ عَلَیهِ المُختارُ.

قالَ أبو مِخنَفٍ:فَأَخبَرَنِی النَّضَرُ بنُ صالِحٍ،عَن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ أبی عُمَیرٍ

ص:222

الثَّقَفِیِّ،قالَ:کُنتُ جالِساً عِندَ عَمرِو بنِ حُرَیثٍ حینَ بَلَّغَهُ هانِئُ ابنُ أبی حَیَّةَ عَنِ المُختارِ هذِهِ المَقالَةَ،فَقالَ لی:قُم إلَی ابنِ عَمِّکَ فَأَخبِرهُ أنَّ صاحِبَهُ لا یَدری أینَ هُوَ،فَلا یَجعَلَنَّ عَلی نَفسِهِ سَبیلاً،فَقُمتُ لِآتِیَهُ،ووَثَبَ إلَیهِ زائِدَةُ بنُ قُدامَةَ بنِ مَسعودٍ،فَقالَ لَهُ:یَأتیکَ عَلی أنَّهُ آمِنٌ؟فَقالَ لَهُ عَمرُو بنُ حُرَیثٍ:أمّا مِنّی فَهُوَ آمِنٌ، وإن رَقی إلَی الأَمیرِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ شَیءٌ مِن أمرِهِ أقَمتُ لَهُ بِمَحضَرِهِ الشَّهادَةَ، وشَفَعتُ لَهُ أحسَنَ الشَّفاعَةِ،فَقالَ لَهُ زائِدَةَ بنُ قُدامَةَ:لا یَکونَنَّ مَعَ هذا إن شاءَ اللّهُ إلّا خَیرٌ.

قالَ عَبدُ الرَّحمنِ:فَخَرَجتُ وخَرَجَ مَعی زائِدَةُ إلَی المُختارِ،فَأَخبَرناهُ بِمَقالَةِ ابنِ أبی حَیَّةَ،وبِمَقالَةِ عَمرِو بنِ حُرَیثٍ،وناشَدناهُ بِاللّهِ ألّا یَجعَلَ عَلی نَفسِهِ سَبیلاً،فَنَزَلَ إلَی ابنِ حُرَیثٍ فَسَلَّمَ عَلَیهِ،وجَلَسَ تَحتَ رایَتِهِ حَتّی أصبَحَ.

وتَذاکَرَ النّاسُ أمرَ المُختارِ وفِعلِهِ،فَمَشی عُمارَةُ بنُ عُقبَةَ بنِ أبی مُعَیطٍ بِذلِکَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،فَذَکَرَ لَهُ،فَلَمَّا ارتَفَعَ النَّهارُ فُتِحَ بابُ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،وأذِنَ لِلنّاس،فَدَخَلَ المُختارُ فیمَن دَخَلَ،فَدعاهُ عُبَیدُ اللّهِ،فَقالَ لَهُ:أنتَ المُقبِلُ فِی الجُموعِ لِتَنصُرَ ابنَ عَقیلٍ؟فَقالَ لَهُ:لَم أفعَل،ولکِنّی أقبَلتُ ونَزَلتُ تَحتَ رایَةِ عَمرِو بنِ حُرَیثٍ،وبِتُّ مَعَهُ وأصبَحتُ.

فَقالَ لَهُ عَمرٌو:صَدَقَ أصلَحَکَ اللّهُ،قالَ:فَرَفَعَ القَضیبَ فَاعتَرَضَ بِهِ وَجهَ المُختارِ فَخَبَطَ بِهِ عَینَهُ فَشَتَرَها (1)،وقالَ:أولی لَکَ،أمَا وَاللّهِ لَولا شَهادَةُ عَمرٍو لَکَ لِضَرَبتُ عُنُقَکَ،اِنطَلِقوا بِهِ إلَی السِّجنِ،فَانطَلَقوا بِهِ إلَی [السِّجنِ] (2)فَحُبِسَ فیهِ،فَلَم یَزَل فِی السِّجنِ حَتّی قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام.

ص:223

ثُمَّ إنَّ المُختارَ بَعَثَ إلی زائِدَةَ بنِ قُدامَةَ،فَسَأَلَهُ أن یَسیرَ إلی عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ بِالمَدینَةِ،فَیَسأَلَهُ أن یَکتُبَ لَهُ إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،فَیَکتُبَ إلی عُبَیدِ اللّهِ بنَ زِیادٍ بِتَخلِیَةِ سَبیلِهِ،فَرَکِبَ زائِدَةُ إلی عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ،فَقَدِمَ عَلَیهِ فَبَلَّغَهُ رِسالَةَ المُختارِ، وعَلِمَت صَفِیَّةُ اختُ المُختارِ بِمَحبَسِ أخیها-وهِیَ تَحتَ عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ-فَبَکَت وجَزِعَت.

فَلَمّا رَأی ذلِکَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ،کَتَبَ مَعَ زائِدَةَ إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ:أمّا بَعدُ،فَإِنَّ عُبَیدَ اللّهِ بنَ زِیادٍ حَبَسَ المُختارَ وهُوَ صِهری،وأنَا احِبُّ أن یُعافی ویُصلَحَ مِن حالِهِ، فَإِن رَأَیتَ-رَحِمَنَا اللّهُ وإیّاکَ-أن تَکتُبَ إلَی ابنِ زِیادٍ فَتَأمُرَهُ بِتَخلِیَتِهِ،فَعَلتَ، وَالسَّلامُ عَلَیکَ.

فَمَضی زائِدَةُ عَلی رَواحِلِهِ بِالکِتابِ حَتّی قَدِمَ بِهِ عَلی یَزیدَ بِالشّامِ،فَلَمّا قَرَأَهُ ضَحِکَ،ثُمَّ قالَ:یُشَفَّعُ أبو عَبدِ الرَّحمنِ وأهلُ ذلِکَ هُوَ.

فَکَتَبَ لَهُ إلَی ابنِ زِیادٍ:أمّا بَعدُ،فَخَلِّ سَبیلَ المُختارِ بنِ أبی عُبَیدٍ حینَ تَنظُرُ فی کِتابی،وَالسَّلامُ عَلَیکَ.

فَأَقبَلَ بِهِ زائِدَةُ حَتّی دَفَعَهُ،فَدَعَا ابنُ زِیادٍ بِالمُختارِ فَأَخرَجَهُ،ثُمَّ قالَ لَهُ:قَد أجَّلتُکَ ثَلاثاً،فَإِن أدرَکتُکَ بِالکوفَةِ بَعدَها قَد بَرِئَت مِنکَ الذِّمَّةُ.فَخَرَجَ إلی رَحلِهِ.

وقالَ ابنُ زِیادٍ:وَاللّهِ لَقَدِ اجتَرَأَ عَلَیَّ زائِدَةُ حینَ یَرحَلُ إلی أمیرِ المُؤمِنینَ حَتّی یَأتِیَنی بِالکِتابِ فی تَخلِیَةِ رَجُلٍ قَد کانَ مِن شَأنی أن اطیلَ حَبسَهُ ! عَلَیَّ بِهِ.فَمَرَّ بِهِ عَمرُو بنُ نافِعٍ أبو عُثمانَ-کاتِبٌ لاِبنِ زِیادٍ-وهُوَ یُطلَبُ،وقالَ لَهُ:النَّجاءَ بِنَفسِکَ، وَاذکُرها یَداً لی عِندَکَ.

قالَ:فَخَرَجَ زائِدَةُ فَتَواری یَومَهُ ذلِکَ،ثُمَّ إنَّهُ خَرَجَ فی اناسٍ مِن قَومِهِ حَتّی أتَی القَعقاعَ بنَ شَورٍ الذُّهلِیَّ،ومُسلِمَ بنَ عَمرٍو الباهِلِیَّ،فَأَخَذا لَهُ مِنِ ابنِ زِیادٍ

ص:224

الأَمانَ. (1)

1289.تاریخ الیعقوبی: کانَ المُختارُ بنُ أبی عُبَیدٍ الثَّقَفِیُّ أقبَلَ فی جَماعَةٍ عَلَیهِمُ السِّلاحُ، یُریدونَ نَصرَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَأَخَذَهُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ فَحَبَسَهُ،وضَرَبَهُ بِالقَضیبِ،حَتّی شَتَرَ عَینَهُ. (2)

راجع:ج 5 ص 340 (القسم العاشر/المدخل/ثورة أهل الکوفة بقیادة المختار).

1292.أنساب الأشراف: ومِن وُلدِ نَوفَلٍ،عَبدُ اللّهِ بنُ الحارِثِ بنِ نَوفَلِ بنِ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ وهُوَ بَبَّةُ،وإنَّما سُمِّیَ بَبَّةَ؛لِأَنَّ امَّهُ هِندُ بِنتُ أبی سُفیانَ بنِ حَربٍ،واُمُّها امُّ عَمرٍو ابنَةُ أبی عَمرِو بنِ امَیَّةَ،وکانَت تُزَفِّنُهُ صَغیراً-أی تُرَقِّصُهُ-فَتَقولُ:

لَاُنکِحَنَّ بَبَّه

کَریمَةً فِی النَّسبَه

وکانَ مِمَّن سَفَرَ بَینَ الحَسَنِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام وبَینَ مُعاوِیَةَ فِی الصُّلحِ،ونَزَلَ مَعَ أبیهِ بِالبَصرَةِ،وکانَ سَأَلَ مُعاوِیَةَ تَولِیَتَهُ،فَقالَ:لامٌ ألِفٌ،یَعنی:لا،ووَلّاهُ عُبَیدُ اللّهِ بنُ زِیادٍ أمرَ مَدینَةِ الرِّزقِ،وإعطاءِ النّاسِ،وحَبَسَهُ ابنُ زِیادٍ ثُمَّ خَلّی سَبیلَهُ. (1)

1293.اُسد الغابة: عَبدُ اللّهِ بنُ الحارِثِ بنِ نَوفَلِ بنِ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ بنِ هاشِمٍ القُرَشِیُّ الهاشِمِیُّ،لَهُ وَلِأَبیهِ صُحبَةٌ،وقیلَ:إنَّ لَهُ إدراکاً ولِأَبیهِ صُحبَةً،واُمُّهُ هِندُ بنتُ أبی سُفیانَ بنِ حَربِ بنِ امَیَّةَ.

وُلِدَ قَبلَ وَفاةِ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله بِسَنَتَینِ،واُتِیَ بِهِ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فَحَنَّکَهُ ودَعا لَهُ.یُکنی أبا مُحَمَّدٍ،وقیلَ:أبا إسحاقَ،ویُلَقَّبُ بَبَّةَ،وإنَّما لُقِّبَ بَبَّةَ لِأَنَّ امَّهُ کانَت تُرَقِّصُهُ وهُوَ طِفلٌ وتَقولُ:

لَاُنکِحَنَّ بَبَّه جارِیَةً خِدَبَّه

ص:226

مُکرَمةً مُحَبَّه تَجُبُّ أهلَ الکَعبَه

وهُوَ الَّذِی اتَّفَقَ عَلَیهِ أهلُ البَصرَةِ عِندَ مَوتِ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،حَتّی یَتَّفِقَ النّاسُ عَلی إمامٍ،وإنَّما فَعَلوا ذلِکَ لِأَنَّ أباهُ مِن بَنی هاشِمٍ،واُمَّهُ مِن بَنی امَیَّةَ،فَقالوا:مَن وَلِیَ الأَمرَ رضِیَ بِهِ.

وسَکَنَ البَصرَةَ،وماتَ بِعُمانَ سَنَةَ أربَعٍ وثَمانینَ،لِأَنَّهُ کانَ مَعَ ابنِ الأَشعَثِ لَمّا خَلَعَ الحَجّاجَ وقاتَلَهُ،فَلَمَّا انهَزَمَ ابنُ الأَشعَثِ،هَرَبَ عَبدُ اللّهِ إلی عُمانَ فَماتَ بِها. (1)

1294.الإصابة عن یعقوب بن شیبة: کانَ [عَبدُ اللّهِ بنُ الحارِثِ] ثِقَةً ظاهِرَ الصَّلاحِ،ولَهُ رِضیً فِی العامَّةِ.ولَمّا ماتَ یَزیدُ بنُ مُعاوِیَةَ،وهَرَبَ عُبَیدُاللّهِ (2)بنُ زِیادٍ عامِلُهُ عَلَی العِراقَینِ،رَضِیَ أهلُ البَصرَةِ بِعَبدِ اللّهِ بنِ الحارِثِ هذا.

وذَکَرَ البَغَوِیُّ فی تَرجَمَتِهِ:أنَّهُ وَلِیَ البَصرَةَ لاِبنِ الزُّبَیرِ،وکانَت وَفاتُهُ بِعُمانَ سَنَةَ أربَعٍ وثَمانینَ؛قالَهُ ابنُ سَعدٍ،وقالَ ابنُ حَبّانَ فِی«الثِّقاتِ»:ماتَ بِالأَبواءِ (3)،قَتَلَتهُ السَّمومُ سَنَةَ تِسعٍ وسَبعینَ.

وقالَ غَیرُهُ:إنَّ الَّذی ماتَ بِالسَّمومِ إنَّما هُوَ وَلَدُهُ [عَبدُ اللّهِ بنُ] (4)عَبدِ اللّهِ بنِ الحارِثِ. (5)

ص:227

ص:228

وبذلک انطلق الإمام الحسین علیه السّلام نحو الکوفة،وحدثت واقعة کربلاء الدمویّة الألیمة !

وکما مرت الإشارة فإنّ هذا التقییم لِما قام به مسلم،إنّما هو تقییم سطحی،متشائم ولم یأخذ بنظر الاعتبار الملابسات التی أحاطت بمهمّته.ولکن مع الأخذ بنظر الاعتبار حقائق نطاق مهمّته،یجب القول بأنّه قد أدّی مسؤولیته ما استطاع إلی ذلک سبیلاً،وأنّ ماحدث کان له أسبابه الخاصّة.

ومن أجل تقدیم تقییم موضوعی لما قام به مسلم فی الکوفة،علینا أن نرکّز اهتمامنا ودراستنا لبعض القضایا:

وبالإضافة إلی ذلک،فإنّ التعبیر ب«أخی»و«ثقتی»یدلّان علی المکانة السامیة لمسلم علیه السّلام فی کمالاته الروحیة من جهة،واعتماد الإمام علیه السّلام علیه بدرایته وحنکته السیاسیة من جهة اخری.والآن یجب أن نری إلی أیّ مدی کان مسلم ناجحاً فی أداء هذه المهمّة؟

بعد أن یصل قائدُها-أی الإمام الحسین علیه السّلام-إلی الکوفة بسرعة،وفی حالة تأخّره فإنّ من المحتمل جدّاً أن تغیّر إجراءاتُ الاُمویین المضادّة الجوَّ السائد،ولذلک فقد طلب من الإمام علیه السّلام فی کتاب بعثه إلیه أن یعجّل مجیئه إلی الکوفة،وعلی العکس من ذلک فقد کان یزید وعملاؤه یسعون من أجل ألّایقترب الإمام من الکوفة. (1)

ومع الأخذ بنظر الاعتبار ما مرّ سابقاً،فإنّ مسلماً لم یکن منزّهاً عن التقصیر فی أداء مهمّته فحسب،بل إنّه أحسن القیام بواجبه،ولکنّ مساعیه فشلت لبعض الأسباب.

وسوف نسلّط الضوء علی أسباب فشل جهود مسلم وعوامله خلال تقییم سفر الإمام الحسین علیه السّلام إلی الکوفة. (2)

ص:232

فَقالَ:جَزاکَ اللّهُ یَابنَ عَمِّ خَیراً،فَلَقَدِ اجتَهَدتَ رَأیَکَ،وَمهما یَقضِ اللّهُ مِن أمرٍ یَکُن.فَقالَ أبو بَکرٍ:إنّا للّهِ ِ ! عِندَ اللّهِ نَحتَسِبُ أبا عَبدِ اللّهِ. (1)

1296.مروج الذهب: دَخَلَ أبو بَکرِ بنِ الحارِثِ (2)بنِ هِشامٍ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ:یَا بنَ عَمِّ،إنَّ الرَّحِمَ یُظائِرُنی عَلَیکَ،ولا أدری کَیفَ أنَا فِی النَّصیحَةِ لَکَ؟

فَقالَ:یا أبا بَکرٍ،ما أنتَ مِمَّن یُستَغَشُّ ولا یُتَّهَمُ،فَقُل.

فَقالَ أبو بَکرٍ:کانَ أبوکَ أقدَمَ سابِقَةً،وأحسَنَ فِی الإِسلامِ أثَراً،وأشَدَّ بَأساً، وَالناسُ لَه أرجی،ومِنهُ أسمَعَ،وعَلَیهِ أجمَعَ،فَسارَ إلی مُعاوِیَةَ وَالنّاسُ مُجتَمِعونَ عَلَیهِ،إلّاأهلَ الشّامِ،وهُوَ أعَزُّ مِنهُ،فَخَذَلوهُ وتَثاقَلوا عَنهُ،حِرصاً عَلَی الدُّنیا وضَنّاً بِها،فَجَرَّعوهُ الغَیظَ،وخالَفوهُ،حَتّی صارَ إلی ما صارَ إلَیهِ مِن کَرامَةِ اللّهِ ورِضوانِهِ.

ثُمَّ صَنَعوا بِأَخیکَ بَعدَ أبیکَ ما صَنَعوا،وقَد شَهِدتَ ذلِکَ کُلَّهُ ورَأَیتَهُ،ثُمَّ أنتَ تُریدُ أن تَسیرَ إلَی الَّذینَ عَدَوا عَلی أبیکَ وأخیکَ،تُقاتِلُ بِهِم أهلَ الشّامِ وأهلَ العِراقِ، ومن هُوَ أعَدُّ مِنکَ وأقوی،وَالنّاسُ مِنهُ أخوَفُ ولَهُ أرجی ! فَلَو بَلَغَهُم مَسیرُکَ إلَیهِم لَاستَطغَوُا النّاسَ بِالأَموالِ،وهُم عَبیدُ الدُّنیا،فَیُقاتِلُکَ مَن وَعَدَکَ أن یَنصُرَکَ، ویَخذُلُکَ مَن أنتَ أحَبُّ إلَیهِ مِمَّن یَنصُرُهُ،فَاذکُرِ اللّهَ فی نَفسِکَ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:جَزاکَ اللّهُ خَیراً یَابنَ عَمِّ،فَقَد أجهَدَکَ رَأیُکَ،وَمهما یَقضِ اللّهُ یَکُن.

ص:234

فَقالَ:إنّا للّهِ ِ ! وعِندَ اللّهِ نَحتَسِبُ یا أبا (1)عَبدِ اللّهِ.ثُمَّ دَخَلَ عَلَی الحارِثِ بنِ خالِدِ بنِ العاصِ بنِ هِشامٍ المَخزومِیِّ-والی مَکَّةَ-وهُوَ یَقولُ:

کَم نَری ناصِحاً یَقولُ فَیُعصی وظَنینَ المَغیبِ یُلفی نَصیحاً

فَقالَ:وما ذاکَ؟فَأَخبَرَهُ بِما قالَ لِلحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ:نَصَحتَ لَهُ ورَبِّ الکَعبَةِ. (2)

1297.مثیر الأحزان: جاءَ إلَیهِ [أی إلَی الحُسَینِ علیه السّلام ] أبو بَکرِ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ الحارِثِ بنِ هِشامٍ،فَأَشارَ إلَیهِ بِتَرکِ ما عَزَمَ عَلَیهِ،وبالَغَ فی نُصحِهِ،وذَکَّرَهُ بِما فُعِلَ بِأَبیهِ وأخیهِ، فَشَکَرَ لَهُ وقالَ:قَدِ اجتَهَدتَ رَأیَکَ،ومَهما یَقضِ اللّهُ یَکُن.فَقالَ:إنّا عِندَ اللّهِ نَحتَسِبُکَ.

ثُمَّ دَخَلَ أبو بَکرٍ عَلَی الحارِثِ بنِ خالِدِ بنِ العاصِ بنِ هِشامٍ المَخزومِیِّ،وهُوَ یَقولُ:

کَم تَری ناصِحاً یَقولُ فَیُعصی وظَنینَ المَغیبِ یُلفی نَصیحاً

قالَ:فَما ذاکَ؟فَأَخبَرَهُ بِما قالَ لِلحُسَینِ علیه السّلام،قالَ:نَصَحتَ لَهُ ورَبِّ الکَعبَةِ. (3)

مَعَهُ وسُیوفَهُم عَلَیهِ،فَأَومَأَ بِیَدِهِ نَحوَ السَّماءِ،فَفُتِحَت أبوابُ السَّماءِ،ونَزَلَ مِنَ المَلائِکَةِ عَدَدٌ لا یُحصیهِم إلَّااللّهُ،وقالَ:لَولا تَقارُبُ الأَشیاءِ،وحُبوطُ الأَجرِ، لَقاتَلتُهُم بِهؤُلاءِ،ولکِن أعلَمُ عِلماً أنَّ مِن هُناکَ مَصعَدی (1)،وهُناکَ مَصارِعُ أصحابی، لا یَنجو مِنهُم إلّاوَلَدی عَلِیٌّ. (2)

سَمِعتُ أباکَ رَحِمَهُ اللّهُ یَقولُ بِالکوفَةِ:

وَاللّهِ لَقَد مَلِلتُهُم وأبغَضتُهُم،وَملّونی وأبغَضونی،وما بَلَوتُ مِنهُم وَفاءً،ومَن فازَ بِهِم فازَ بِالسَّهمِ الأَخیَبِ،وَاللّهِ ما لَهُم نِیّاتٌ،ولا عَزمُ أمرٍ،ولا صَبرٌ عَلَی السَّیفِ. (1)

أنّی قَد قُتِلتُ.فَفاضَتا دَماً بَعدَ الظُّهرِ فی یَومِ عاشوراءَ. (1)

إلَی الکوفَةِ،فَسَأَلَهُ عَنهُم،فَقالَ:إنَّ أهلَ العِراقِ أهلُ غَدرٍ. (1)

غَسّانَ وحِمَیرٍ،ومِنَ النُّعمانِ بنِ المُنذِرِ،ومِنَ الأَسوَدِ وَالأَحمَرِ،وَاللّهِ إن دَخَلَ عَلَینا ذُلٌّ قَطُّ،فَأَسیرُ مَعَکَ حَتّی انزِلَکَ القَریَةَ،ثُمَّ نَبعَثُ إلَی الرِّجالِ مِمَّن بِأَجَأٍ وسَلمی مِن طَیِّئٍ،فَوَاللّهِ لا یَأتی عَلَیکَ عَشَرَةُ أیّامٍ حَتّی یَأتِیَکَ طَیِّئٌ رِجالاً و رُکباناً،ثُمَّ أقِم فینا ما بَدا لَکَ،فَإِن هاجَکَ هَیجٌ فَأَنا زَعیمٌ لَکَ بِعِشرینَ ألفَ طائِیٍّ یَضرِبونَ بَینَ یَدَیکَ بِأَسیافِهِم،وَاللّهِ لا یوصَلُ إلَیکَ أبَداً ومِنهُم عَینٌ تَطرِفُ.

فَقالَ لَهُ:جَزاکَ اللّهُ وقَومَکَ خَیراً،إنَّهُ قَد کانَ بَینَنا وبَینَ هؤُلاءِ القَومِ قَولٌ لَسنا نَقدِرُ مَعَهُ عَلَی الاِنصِرافِ،ولا نَدری عَلامَ تَنصَرِفُ بِنا وبِهِمُ الاُمورُ فی عاقِبِهِ. (1)

1309.مثیر الأحزان: رُوِّیتُ أنَّ الطِّرِمّاحَ بنَ حَکَمٍ قالَ:لَقیتُ حُسَیناً علیه السّلام وقَدِ امتَرتُ لِأَهلی میرَةً (2)،فَقُلتُ:اُذَکِّرُکَ فی نَفسِکَ،لا یَغُرَّنَّکَ أهلُ الکوفَةِ،فَوَاللّهِ لَئِن دَخَلتَها لَتُقتَلَنَّ، وإنّی لَأَخافُ ألّا تَصِلَ إلَیها،فَإِن کُنتَ مُجمِعاً عَلَی الحَربِ فَانزِل أجَأً،فَإِنَّهُ جَبَلٌ مَنیعٌ،وَاللّهِ ما نالَنا فیهِ ذُلٌّ قَطُّ،وعَشیرَتی یَرَونَ جَمیعاً نَصرَکَ،فَهُم یَمنَعونَکَ ما أقَمتَ فیهِم.

فَقالَ:إنَّ بَینی و بَینَ القَومِ مَوعِداً أکرَهُ أن اخلِفَهُم،فَإِن یَدفَعِ اللّهُ عَنّا،فَقَدیماً ما أنعَمَ عَلَینا وکَفی،وإن یَکُن ما لابُدَّ مِنهُ،فَفَوزٌ وشَهادَةٌ إن شاءَ اللّهُ. (3)

راجع:ص 380 (الفصل السابع/إقبال أربعة نفر من الکوفة معهم

ص:241

الطرمّاح بن عدیّ إلی الإمام علیه السّلام ).

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،لِلحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام مِن عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ،أمّا بَعدُ، أنشُدُکَ اللّهَ ألّا تَخرُجَ عَن مَکَّةَ،فَإِنّی خائِفٌ عَلَیکَ مِن هذَا الأَمرِ الَّذی قَد أزمَعتَ عَلَیهِ أن یَکونَ فیه هَلاکُکَ وأهلِ بَیتِکَ؛فَإِنَّکَ إن قُتِلتَ أخافُ أن یُطفَأَ نورُ الأَرضِ، وأنتَ روحُ الهُدی،وأمیرُ المُؤمِنینَ،فَلا تَعجَل بِالمَسیرِ إلَی العِراقِ،فَإِنّی آخُذُ لَکَ الأَمانَ مِن یَزیدَ وجَمیعِ بَنی امَیَّةَ،عَلی نَفسِکَ ومالِکَ ووَلَدِکَ وأهلِ بَیتِکَ،وَالسَّلامُ.

قالَ:فَکَتَبَ إلَیهِ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام:

أمّا بَعدُ،فَإِنَّ کِتابَکَ وَرَدَ عَلَیَّ فَقَرَأتُهُ،وفَهِمتُ ما ذَکَرتَ،واُعلِمُکَ أنّی رَأَیتُ جَدّی رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فی مَنامی،فَخَبَّرَنی بِأَمرٍ وأنَا ماضٍ لَهُ،لی کانَ أو عَلَیَّ،وَاللّهِ -یَابنَ عَمّی-،لَو کُنتُ فی جُحرِ هامَّةٍ مِن هَوامِّ الأَرضِ لَاستَخرَجونی وَیقتُلونّی، وَاللّهِ یَابنَ عَمّی،لَیُعدَیَنَّ عَلَیَّ کَما عَدَتِ الیَهودُ عَلَی السَّبتِ،وَالسَّلامُ. (1)

1312.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): کَتَبَ عَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرِ بنِ أبی طالِبٍ إلیهِ کِتاباً،یُحَذِّرُهُ أهلَ الکوفَةِ،ویُناشِدُهُ اللّهَ أن یَشخَصَ إلَیهِم.

فَکَتَبَ إلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام:إنّی رَأَیتُ رُؤیا،ورَأَیتُ فیها رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وأمَرَنی بِأَمرٍ أنَا ماضٍ لَهُ،ولَستُ بِمُخبِرٍ بِها أحَداً حَتّی الاقِیَ عَمَلی. (2)

راجع:ص 318 (الفصل السابع/امتناع الإمام علیه السّلام من قبول أمان عمرو بن سعید).

ص:243

نِساءَکَ ووُلدَکَ مَعَکَ،فَوَاللّهِ إنّی لَخائِفٌ أن تُقتَلَ کَما قُتِلَ عُثمانُ،ونِساؤُهُ ووُلدُهُ یَنظُرونَ إلَیهِ.

فَکانَ الَّذی رَدَّ عَلَیهِ:لَأَن اقتَلَ وَاللّهِ بِمَکانِ کَذا،أحَبُّ إلَیَّ مِن أن استَحَلَّ بِمَکَّةَ.

فَیَئِسَ ابنُ عَبّاسٍ مِنهُ،وخَرَجَ مِن عِندِهِ. (1)

1314.المصنّف لابن أبی شیبة عن ابن عبّاس: جاءَنی حُسَینٌ علیه السّلام یَستَشیرُنی فِی الخُروجِ إلی ما هاهُنا-یَعنِی العِراقَ-فَقُلتُ:لَولا أن یَزرَؤوا (2)بی وبِکَ لَشَبِثتُ یَدَیَّ فی شَعرِکَ ! إلی أینَ تَخرُجُ؟إلی قَومٍ قَتَلوا أباکَ وطَعَنوا أخاکَ؟! فَکانَ الَّذی سَخا بِنَفسی عَنهُ أن قالَ لی:إنَّ هذَا الحَرَمَ یُستَحَلُّ بِرَجُلٍ،ولَأَن اقتَلَ فی أرضِ کَذا وکَذا-غَیرَ أنَّهُ یُباعِدُهُ-أحَبُّ إلَیَّ مِن أن أکونَ أنا هُوَ. (3)

1315.المعجم الکبیر عن ابن عبّاس: استَأذَنَنی حُسَینٌ علیه السّلام فِی الخُروجِ فَقُلتُ:لَولا أن یُزری ذلِکَ بی أو بِکَ،لَشَبَکتُ بِیَدَیَّ فی رَأسِکَ.قالَ:فَکانَ الَّذی رَدَّ عَلَیَّ أن قالَ:لَأَن اقتَلَ بِمَکانِ کَذا وکَذا،أحَبُّ إلَیَّ مِن أن یُستَحَلَّ بی حَرَمُ اللّهِ ورَسولِهِ.قالَ:فَذلِکَ الَّذی سَلا بِنَفسی عَنهُ. (4)

1316.مطالب السؤول: اجتَمَعَ بِهِ [أی بِالإِمامِ الحُسَینِ علیه السّلام ] ذَوُو النُّصحِ لَهُ،وَالتَّجرِبَةِ لِلاُمورِ،وأهلُ الدِّیانَةِ وَالمَعرِفَةِ،کَعَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ وعَمرِو بنِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ الحَرثِ المَخزومِیِّ وغَیرِهِما.وَوَرَدَت عَلَیهِ کُتُبُ أهلِ لمَدینَةِ،مِن عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ

ص:245

وسَعیدِ بنِ العاصِ وجَماعَةٍ کَثیرَةٍ،کُلُّهُم یُشیرونَ عَلَیهِ ألّا یَتَوَجَّهَ إلَی العِراقِ وأن یُقیمَ بِمَکَّةَ،هذا کُلُّهُ وَالقَضاءُ غالِبٌ عَلی أمرِهِ،وَالقَدَرُ آخِذٌ بِزِمامِهِ،فَلَم یَکتَرِث بِما قیلَ لَهُ،ولا بِما کُتِبَ إلَیهِ،وتَجَهَّزَ وخَرَجَ مِن مَکَّةَ یَومَ الثَّلاثاءِ،وهُوَ یَومُ التَّروِیَةِ. (1)

راجع:ص 278 (الفصل السابع/حوار الإمام علیه السّلام مع عبد اللّه بن عبّاس).

العُمرَةِ،فَقالَ لَهُمَا ابنُ عُمَرَ:اُذَکِّرُکُمَا اللّهَ إلّارَجَعتُما فَدَخَلتُما فی صالِحِ ما یَدخُلُ فیهِ النّاسُ،وتَنظُرا،فَإِنِ اجتَمَعَ النّاسُ عَلَیهِ لَم تَشُذّا،وإنِ افتُرِقَ عَلَیهِ کانَ الَّذی تُریدانِ.

وقالَ ابنُ عُمَرَ لِحُسَینٍ علیه السّلام:لا تَخرُج،فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله خَیَّرَهُ اللّهُ بَینَ الدُّنیا وَالآخِرَةِ فَاختارَ الآخِرَةَ،وأنتَ بَضعَةٌ مِنهُ،ولا تَنالُها-یَعنِی الدُّنیا-فَاعتَنَقَهُ وبَکی ووَدَّعَهُ.

فَکانَ ابنُ عُمَرَ یَقولُ:غَلَبَنا حُسَینٌ علیه السّلام عَلَی الخُروجِ،ولَعَمری لَقَد رَأی فی أبیهِ وأخیهِ عِبرَةً،ورَأی مِنَ الفِتنَةِ وخِذلانِ النّاسِ لَهُم ما کانَ یَنبَغی لَهُ ألّا یَتَحَرَّکَ ما عاشَ،وأن یَدخُلَ فی صالِحِ ما دَخَلَ فیهِ النّاسُ،فَإِنَّ الجَماعَةَ خَیرٌ. (1)

1318.الملهوف: جاءَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ-فی مَکَّةَ-فَأَشارَ إلَیهِ بِصُلحِ أهلِ الضَّلالِ،وحَذَّرَهُ مِنَ القَتلِ وَالقِتالِ.

فَقالَ لَهُ:یا أبا عَبدِ الرَّحمنِ،أما عَلِمتَ أنَّ مِن هَوانِ الدُّنیا عَلَی اللّهِ أنَّ رَأسَ یَحیَی بنِ زَکَرِیّا اهدِیَ إلی بَغِیٍّ مِن بَغایا بَنی إسرائیلَ؟!

أما عَلِمتَ أنَّ بَنی إسرائیلَ کانوا یَقتُلونَ ما بَینَ طُلوعِ الفَجرِ إلی طُلوعِ الشَّمسِ سَبعینَ نَبِیّاً،ثُمَّ یَجلِسونَ فی أسواقِهِم یَبیعونَ ویَشتَرونَ کَأَن لَم یَصنَعوا شَیئاً،فَلَم یُعَجِّلِ اللّهُ عَلَیهِم،بَل أمهَلَهُم وأخَذَهُم بَعدَ ذلِکَ أخذَ عَزیزٍ مُقتَدِرٍ ! اتَّقِ اللّهَ یا أبا عَبدِ الرَّحمنِ،ولا تَدَعَنَّ نُصرَتی. (2)

ص:247

1319.العقد الفرید عن سالم بن عبد اللّه بن عمر: قیلَ لِأَبی-عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ-:إنَّ الحُسَینَ علیه السّلام تَوَجَّهَ إلَی العِراقِ،فَلَحِقَهُ عَلی ثَلاثِ مَراحِلَ مِنَ المَدینَةِ-وکانَ غائِباً عِندَ خُروجِهِ-فَقالَ:أینَ تُریدُ؟فَقالَ:اُریدُ العِراقَ،وأخرَجَ إلَیهِ کُتُبَ القَومِ،ثُمَّ قالَ:هذِهِ بَیعَتُهُم وکُتُبُهُم.فَناشَدَهُ اللّهَ أن یَرجِعَ،فَأَبی.

فَقالَ:اُحَدِّثُکَ بِحَدیثٍ ما حَدَّثتُ بِهِ أحَداً قَبلَکَ:إنَّ جِبریلَ أتَی النَّبِیَّ صلّی اللّه علیه و آله یُخَیِّرُهُ بَینَ الدُّنیا وَالآخِرَةِ،فَاختارَ الآخِرَةَ،وإنَّکُم بَضعَةٌ مِنهُ،فَوَاللّهِ لا یَلیها أحَدٌ مِن أهلِ بَیتِهِ أبَداً،وما صَرَفَهَا اللّهُ عَنکُم إلّالِما هُوَ خَیرٌ لَکُم.

فَارجِع؛فَأَنتَ تَعرِفُ غَدرَ أهلِ العِراقِ،وما کانَ یَلقی أبوکَ مِنهُم.فَأَبی،فَاعتَنَقَهُ وقالَ:اِستَودَعتُکَ اللّهَ مِن قَتیلٍ ! (1)

1320.سیر أعلام النبلاء عن الشعبی: کانَ ابنُ عُمَرَ قَدِمَ المَدینَةَ،فَاُخبِرَ أنَّ الحُسَینَ علیه السّلام قَد تَوَجَّهَ إلَی العِراقِ،فَلَحِقَهُ عَلی مَسیرَةِ لَیلَتَینِ،فَقالَ:أینَ تُریدُ؟قالَ:العِراقَ،ومَعَهُ طَوامیرُ (2)وکُتُبٌ،فَقالَ:لا تَأتِهِم،قالَ:هذِهِ کُتُبُهُم وبَیعَتُهُم.

فَقالَ:إنَّ اللّهَ خَیَّرَ نَبِیَّهُ بَینَ الدُّنیا وَالآخِرَةِ،فَاختارَ الآخِرَةَ،وإنَّکُم بَضعَةٌ مِنهُ، لایَلیها أحَدٌ مِنکُم أبَداً،وما صَرَفَهَا اللّهُ عَنکُم إلّالِلَّذی هُوَ خَیرٌ لَکُم،فَارجِعوا، فَأَبی،فَاعتَنَقَهُ ابنُ عُمَرَ،وقالَ:أستَودِعُکَ اللّهَ مِن قَتیلٍ. (3)

1321.الأمالی للصدوق عن عبداللّه بن منصور عن جعفر بن محمد بن علیّ بن الحسین عن

ص:248

أبیه عن جدّه [زین العابدین ] علیهم السّلام: سَمِعَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ بِخُروجِهِ [أیِ الحُسَینِ علیه السّلام ] فَقَدَّمَ راحِلَتَه،وخَرَجَ خَلفَهُ مُسرِعاً،فَأَدرَکَهُ فی بَعضِ المَنازِلِ،فَقالَ:أینَ تُریدُ یَابنَ رَسولِ اللّهِ؟قالَ:العِراقَ.قالَ:مَهلاً،اِرجِع إلی حَرَمِ جَدِّکَ.فَأَبَی الحُسَینُ علیه السّلام عَلَیهِ، فَلَمّا رَأَی ابنُ عُمَرَ إباءَهُ...بَکی وقالَ:أستَودِعُکَ اللّهَ یا أبا عَبدِ اللّهِ،فَإِنَّکَ مَقتولٌ فی وَجهِکَ هذا. (1)

1322.تاریخ دمشق عن الشعبی: لَمّا تَوَجَّهَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام [إلَی] (2)العِراقِ،قیل لِابنِ عُمَرَ:إنَّ أخاکَ الحُسَینَ علیه السّلام قَد تَوَجَّهَ إلَی العِراقِ،فَأَتاهُ فَناشَدَهُ اللّهَ،فَقالَ:إنَّ أهلَ العِراقِ قَومٌ مَناکیرُ،وقَد قَتَلوا أباکَ،وضَرَبوا أخاکَ،وفَعَلوا وفَعَلوا !

فَلَمّا أیِسَ مِنهُ،عانَقَهُ وقَبَّلَ بَینَ عَینَیهِ،وقالَ:أستَودِعُکَ اللّهَ مِن قَتیلٍ ! سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَقولُ:إنَّ اللّهَ عز و جل أبی لَکُمُ الدُّنیا. (3)

1323.تذکرة الخواصّ: قالَ الواقِدِیُّ:ولَمّا بَلَغَ عَبدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ ما عَزَمَ عَلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام، دَخَلَ عَلَیهِ سفری،فَلامَهُ ووَبَّخَهُ ونَهاهُ عَنِ المَسیرِ.

وقالَ لَهُ:یا أبا عَبدِ اللّهِ ! سَمِعتُ جَدَّکَ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَقولُ:«ما لی ولِلدُّنیا،وما لِلدُّنیا وما لی»،وأنتَ بَضعَةٌ مِنهُ.وذَکَرَ لَهُ نَحوَ ما ذَکَرَ ابنُ عَبّاسٍ،فَلمّا رَآهُ مُصِرّاً عَلَی المَسیرِ،قَبَّلَ ما بَینَ عَینَیهِ وبَکی،وقالَ:أستَودِعُکَ اللّهَ مِن قَتیلٍ. (4)

1324.تاریخ دمشق عن یحیی بن إسماعیل بن سالم الأسدی: سَمِعتُ الشَّعبِیَّ یُحَدِّثُ عَنِ

ص:249

ابنِ عُمَرَ:أنَّهُ کانَ بِماءٍ لَهُ،فَبَلَغَهُ أنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام قَد تَوَجَّهَ إلَی العِراقِ،فَلَحِقَهُ عَلی مَسیرَةِ ثَلاثِ لَیالٍ،فَقالَ لَهُ:أینَ تُریدُ؟فَقالَ:العِراقَ،وإذا مَعَهُ طَوامیرُ [و] (1)کُتُبٌ،فَقالَ:هذِهِ کُتُبُهُم وبَیعَتُهُم،فَقالَ:لا تَأتِهِم (2)،فَأَبی.

قالَ:إنّی مُحَدِّثُکَ حَدیثاً:إنَّ جِبریلَ أتَی النَّبِیَّ صلّی اللّه علیه و آله فَخَیَّرَهُ بَینَ الدُّنیا وَالآخِرَةِ، فَاختارَ الآخِرَةَ ولَم یُرِدِ الدُّنیا،وإنَّکُم بَضعَةٌ مِن رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وَاللّهِ لا یَلیها أحَدٌ مِنکُم،وما صَرَفَهَا اللّهُ عَنکُم إلّالِلَّذی هُوَ خَیرٌ لَکُم.فَأبی أن یَرجِعَ.

قالَ:وَاعتَنَقَهُ ابنُ عُمَرَ وبَکی،وقالَ:أستَودِعُکَ اللّهَ مِن قَتیلٍ ! (3)

1325.أنساب الأشراف عن الشعبی: لَمّا أرادَ الحُسَینُ علیه السّلام الخُروجَ مِن مَکَّةَ إلَی الکوفَةِ،قالَ لَهُ ابنُ عُمَرَ حینَ أرادَ تَودیعَهُ:أطِعنی وأقِم ولا تَخرُج،فَوَاللّهِ،ما زَواهَا اللّهُ عَنکُم إلّا وهُوَ یُریدُ بِکُم خَیراً.فَلَمّا وَدَّعَهُ قالَ:أستَودِعُکَ اللّهَ مِن قَتیلٍ ! (4)

1326.الجوهرة: لَمّا أرادَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] الخُروجَ مِن مَکَّةَ،جاءَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ فَقالَ:إلی أینَ تَسیرُ یا أبا عَبدِ اللّهِ؟قالَ:هذِهِ بَیعَةُ أهلِ العِراقِ وکُتُبُهُم قَد أتَتنی.قالَ:أتَسیرُ إلی قَومٍ قَتَلوا أباکَ وخَذَلوا أخاکَ،وکانَت طاعَتُهُم لَهُما أکثَرَ مِمّا لَکَ الآنَ؟!

وجَعَلَ عَبدُ اللّهِ یُثَبِّطُهُ (5)عَنِ الخُروجِ،فَلَمّا أبی عَلَیهِ،اِعتَنَقَهُ وقالَ:أستَودِعُکَ اللّهَ مِن قَتیلٍ ! (6)

ص:250

بمکان لقائهما.

هَلَکتَ لَنُستَرَقَّنَّ بَعدَکَ.فَأقبَلَ حَتّی نَزَلَ مَکَّةَ. (1)

1328.أنساب الأشراف: شَخَصَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] إلی مَکَّةَ،فَلَقِیَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ مُطیعٍ العَدَوِیُّ مِن قُرَیشٍ،فَقالَ لَهُ:جُعِلتُ فِداکَ أینَ تُریدُ؟قالَ:أمَّا الآنَ فاُریدُ مَکَّةَ،وأمّا بَعدَ أن آتِیَ مَکَّةَ فَإِنّی أستَخیرُ اللّهَ.

فَقالَ:خارَ اللّهُ لَکَ یَابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ،وجَعَلَنی فِداکَ ! فَإِذا أتَیتَ مَکَّةَ فَاتَّقِ اللّهَ ولا تَأتِ الکوفَةَ؛فَإِنَّها بَلدَةٌ مَشؤومَةٌ،بِها قُتِلَ أبوکَ وطُعِنَ أخوکَ،وأنا أری أن تَأتِیَ الحَرَمَ فَتَلزَمَهُ،فَإِنَّکَ سَیِّدُ العَرَبِ،ولَن یَعدِلَ أهلُ الحِجازِ بِکَ أحَداً،ووَاللّهِ لَئِن هَلَکتَ لَنُستَرَقَّنَّ بَعدَکَ.

ویُقالُ:إنَّهُ کانَ لَقِیَهُ عَلی ماءٍ فی طَریقِهِ حینَ تَوَجَّهَ إلَی الکوفَةِ مِن مَکَّةَ،فَقالَ لَهُ:

إنّی أری لَکَ أن تَرجِعَ إلَی الحَرَمِ فَتَلزَمَهُ،ولا تأتِیَ الکوفَةَ. (2)

1329.الأخبار الطوال: جَعَلَ الحُسَینُ علیه السّلام یَطوِی المَنازِلَ،فَاستَقبَلَهُ عَبدُاللّهِ بنُ مُطیعٍ،وهُوَ مُنصَرِفٌ مِن مَکَّةَ یُریدُ المَدینَةَ،فَقالَ لَهُ:أینَ تُریدُ؟قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:أمَّا الآنَ فَمَکَّةَ.

قالَ:خارَ اللّهُ لَکَ،غَیرَ أنّی احِبُّ أن اشیرَ عَلَیکَ بِرَأیٍ.

قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:وما هُوَ؟

قالَ:إذا أتَیتَ مَکَّةَ،فَأَرَدتَ الخُروجَ مِنها إلی بَلَدٍ مِنَ البُلدانِ،فَإِیّاکَ وَالکوفَةَ؛ فَإِنَّها بَلدَةٌ مَشؤومَةٌ،بِها قُتِلَ أبوکَ،وبِها خُذِلَ أخوکَ،وَاغتیلَ بِطَعنَةٍ کادَت تَأتی عَلی نَفسِهِ،بَلِ الزَمِ الحَرَمَ؛فَإِنَّ أهلَ الحِجازِ لا یَعدِلونَ بِکَ أحَداً،ثُمَّ ادعُ إلَیکَ شیعَتَکَ مِن کُلِّ أرضٍ،فَسَیَأتونَکَ جَمیعاً.

قالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:یَقضِی اللّهُ ما أحَبَّ.ثُمَّ أطلَقَ عِنانَهُ،ومَضی حَتّی وافی مَکَّةَ،

ص:253

فَنَزَلَ شِعبَ عَلِیٍّ علیه السّلام (1). (2)

1330.الفتوح: فَبَینَمَا الحُسَینُ علیه السّلام کَذلِکَ بَینَ المَدینَةِ ومَکَّةَ،إذِ (3)استَقبَلَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ مُطیعٍ العَدَوِیُّ،فَقالَ:أینَ تُریدُ أبا عَبدِ اللّهِ،جَعَلَنِی اللّهُ فِداکَ؟!

قالَ:أمّا فی وَقتی هذا اریدُ مَکَّةَ،فَإِذا صِرتُ إلَیهَا استَخَرتُ اللّهَ تَعالی فی أمری بَعدَ ذلِکَ.

فَقالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ مُطیعٍ:خارَ اللّهُ لَکَ یَابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فیما قَد عَزَمتَ عَلَیهِ،غَیرَ أنّی اشیرُ عَلَیکَ بِمَشورَةٍ،فَاقبَلها مِنّی،فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:وما هِیَ یَابنَ مُطیعٍ؟

قالَ:إذا أتَیتَ مَکَّةَ فَاحذَر أن یَغُرَّکَ أهلُ الکوفَةِ،فیها قُتِلَ أبوکَ،و[طُعِنَ] (4)أخوکَ بِطَعنَةٍ طَعَنوهُ کادَت أن تَأتِیَ عَلی نَفسِهِ،فَالزَمِ الحَرَمَ فَأَنتَ سَیِّدُ العَرَبِ فی دَهرِکَ هذا،فَواللّهِ لَئِن هَلَکتَ لَیَهلِکَنَّ أهلُ بَیتِکَ بِهَلاکِکَ،وَالسَّلامُ.

قالَ:فَوَدَّعَهُ الحُسَینُ علیه السّلام ودَعا لَهُ بِخَیرٍ. (5)

1331.العقد الفرید عن أبی عبید القاسم بن سلّام: دَعَا الحُسَینُ علیه السّلام بِرَواحِلِهِ،فَرَکِبَها وتَوَجَّهَ نَحوَ مَکَّةَ عَلَی المَنهَجِ الأَکبَرِ،ورَکِبَ ابنُ الزُّبَیرِ بِرذَوناً (6)لَهُ،وأخَذَ طَریقَ العَرجِ (7)حَتّی قَدِمَ مَکَّةَ.ومَرَّ حُسَینٌ علیه السّلام حَتّی أتی عَلی عَبدِ اللّهِ بنِ مُطیعٍ وهُوَ عَلی بِئرٍ لَهُ،

ص:254

فَنَزَلَ عَلَیهِ،فَقالَ لِلحُسَینِ علیه السّلام:یا أبا عَبدِ اللّهِ،لا سَقانَا اللّهُ بَعدَکَ ماءً طَیِّباً،أینَ تُریدُ؟ قالَ:العِراقَ.قالَ:سُبحانَ اللّهِ ! لِمَ؟قالَ:ماتَ مُعاوِیَةُ،وجاءَنی أکثَرُ مِن حِملٍ صُحُفٌ.

قالَ:لا تَفعَل أبا عَبدِ اللّهِ ! فَوَاللّهِ ما حَفِظوا أباکَ وکانَ خَیراً مِنکَ،فَکَیفَ یَحفَظونَکَ؟ووَاللّهِ لَئِن قُتِلتَ،لا بَقِیَت حُرمَةٌ بَعدَکَ إلَّااستُحِلَّت ! فَخَرَجَ حُسَینٌ علیه السّلام حَتّی قَدِمَ مَکَّةَ. (1)

1332.تهذیب الکمال: قالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ مُطیعٍ:لا تَفعَل،أی فِداکَ أبی واُمّی ! مَتِّعنا بِنَفسِکَ، ولا تَسِر إلَی العِراقِ،فَوَاللّهِ لَئِن قَتَلَکَ هؤُلاءِ القَومُ،لَیَتَّخِذُنّا خَوَلاً وعَبیداً. (2)

1333.الطبقات الکبری عن عبد اللّه عن أبیه: مَرَّ حُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام عَلَی ابنِ مُطیعٍ-وهُوَ بِبِئرِهِ قَد أنبَطَها (3)-فَنَزَلَ حُسَینٌ علیه السّلام عَن راحِلَتِهِ،فَاحتَمَلَهُ ابنُ مُطیعٍ احتِمالاً حَتّی وَضَعَهُ عَلی سَریرِهِ،ثُمَّ قالَ:بِأَبی واُمّی ! أمسِک عَلَینا نَفسَکَ،فَوَاللّهِ لَئِن قَتَلوکَ لَیَتَّخِذُنّا هؤُلاءِ القَومُ عَبیداً. (4)

1334.الطبقات الکبری عن أبی عون: لَمّا خَرَجَ حُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام مِنَ المَدینَةِ یُریدُ مَکَّةَ، مَرَّ بِابنِ مُطیعٍ وهُوَ یَحفِرُ بِئرَهُ،فَقالَ لَهُ:أینَ (5)،فِداکَ أبی واُمّی؟قالَ:أرَدتُ مَکَّةَ...

ص:255

وذَکَرَ لَهُ أنَّهُ کَتَبَ إلَیهِ شیعَتُهُ بِها.

فَقالَ لَهُ ابنُ مُطیعٍ:أی (1)فِداکَ أبی واُمّی ! مَتِّعنا بِنَفسِکَ ولا تَسِر إلَیهِم،فَأَبی حُسَینٌ علیه السّلام.

فَقالَ لَهُ ابنُ مُطیعٍ:إنَّ بِئری هذِهِ قَد رَشَّحتُها (2)،وهذا الیَومُ أوانٌ ما خَرَجَ إلَینا فِی الدَّلوِ شَیءٌ مِن ماءٍ،فَلَو دَعَوتَ اللّهَ لَنا فیها بِالبَرَکَةِ.

قالَ:هاتِ مِن مائِها،فَاُتِیَ مِن مائِها فِی الدَّلوِ،فَشَرِبَ مِنهُ،ثُمَّ مَضمَضَ،ثُمَّ رَدَّهُ فِی البِئرِ،فَأَعذَبَ وأمهی (3). (4)

1335.تاریخ الطبری عن محمّد بن قیس: ثُمَّ أقبَلَ الحُسَینُ علیه السّلام سَیراً إلَی الکوفَةِ،فَانتَهی إلی ماءٍ مِن مِیاهِ العَرَبِ،فَإِذا عَلَیهِ عَبدُ اللّهِ بنُ مُطیعٍ العَدَوِیُّ،وهُوَ نازِلٌ هاهنا،فَلَمّا رَأَی الحُسَینَ علیه السّلام قامَ إلَیهِ،فَقالَ:بِأَبی أنتَ واُمّی یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! ما أقدَمَکَ؟! وَاحتَمَلَهُ فَأَنزَلَهُ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:کانَ مِن مَوتِ مُعاوِیَةَ ما قَد بَلَغَکَ،فَکَتَبَ إلَیَّ أهلُ العِراقِ یَدعونَنی إلی أنفُسهِمِ.

فَقالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ مُطیعٍ:اُذَکِّرُکَ اللّهَ-یَابنَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله-وحُرمَةَ الإِسلامِ أن تُنتَهَکَ ! أنشُدُکَ اللّهَ فی حُرمَةِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ! أنشُدُکَ اللّهَ فی حُرمَةِ العَرَبِ ! فَوَاللّهِ لَئِن طَلَبتَ ما فی أیدی بَنی امَیَّةَ لَیَقتُلُنَّکَ،ولَئِن قَتَلوکَ لا یَهابونَ بَعدَکَ أحَداً أبَداً،وَاللّهِ

ص:256

إنَّها لَحُرَمَةُ الإِسلامِ تُنتَهَکُ،وحُرمَةُ قُرَیشٍ،وحُرمَةُ العَرَبِ،فَلا تَفعَل،ولا تَأتِ الکوفَةَ،ولا تَعرِض لِبَنی امَیَّةَ.

قالَ:فَأَبی إلّاأن یَمضِیَ،قالَ:فَأَقبَلَ الحُسَینُ علیه السّلام حَتّی کانَ بِالماءِ فَوقَ زَرودَ (1). (2)

1336.الإرشاد: ثُمَّ أقبَلَ الحُسَینُ علیه السّلام مِنَ الحاجِزِ یَسیرُ نَحوَ الکوفَةِ،فَانتَهی إلی ماءٍ مِن مِیاهِ العَرَبِ،فَإِذا عَلَیهِ عَبدُ اللّهِ بنُ مُطیعٍ العَدَوِیُّ،وهُوَ نازِلٌ بِهِ،فَلَمّا رَأَی الحُسَینَ علیه السّلام قامَ إلَیهِ فَقالَ:بِأَبی أنتَ واُمّی یَابنَ رَسولِ اللّهِ،ما أقدَمَکَ؟وَاحتَمَلَهُ وأنزَلَهُ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:کانَ مِن مَوتِ مُعاوِیَةَ ما قَد بَلَغَکَ،فَکَتَبَ إلَیَّ أهلُ العِراقِ یَدعونَنی إلی أنفُسِهِم.

فَقالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ مُطیعٍ:اُذَکِّرُکَ اللّهَ-یَابنَ رَسولِ اللّهِ-وحُرمَةَ الإِسلامِ أن تُنتَهَکَ،أنشُدُکَ اللّهَ فی حُرمَةِ قُرَیشٍ،أنشُدُکَ اللّهَ فی حُرمَةِ العَرَبِ ! فَوَاللّهِ لَئِن طَلَبتَ ما فی أیدی بَنی امَیَّةَ لَیَقتُلُنَّکَ،ولَئِن قَتَلوکَ لا یَهابوا بَعدَکَ أحَداً أبَداً،وَاللّهِ إنَّها لَحُرمَةُ الإِسلامِ تُنتَهَکُ،وحُرمَةُ قُرَیشٍ،وحُرمَةُ العَرَبِ،فَلا تَفعَل،ولا تَأتِ الکوفَةَ،ولا تُعَرِّض نَفسَکَ لِبَنی امَیَّةَ؛فَأَبَی الحُسَینُ علیه السّلام إلّاأن یَمضِیَ. (3)

1337.الأخبار الطوال: سارَ الحُسَینُ علیه السّلام مِن بَطنِ الرُّمَّةِ (4)،فَلَقِیَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ مُطیعٍ،وهُوَ مُنصَرِفٌ مِنَ العِراقِ،فَسَلَّمَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام،وقالَ لَهُ:

بِأَبی أنتَ واُمّی یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! ما أخرَجَکَ مِن حَرَمِ اللّهِ وحَرَمِ جَدِّکَ؟

ص:257

فَقالَ:إنَّ أهلَ الکوفَةِ کَتَبوا إلَیَّ یَسأَلونَنی أن أقدَمَ عَلَیهِم،لِما رَجَوا مِن إحیاءِ مَعالِمِ الحَقِّ،وإماتَةِ البِدَعِ.

قالَ لَهُ ابنُ مُطیعٍ:أنشُدُکَ اللّهَ ألّا تَأتِیَ الکوفَةَ،فَوَاللّهِ لَئِن أتَیتَها لَتُقتَلَنَّ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام: «لَنْ یُصِیبَنا إِلاّ ما کَتَبَ اللّهُ لَنا» ، (1)ثُمَّ وَدَّعَهُ ومَضی. (2)

1338.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: وأقبَلَ إلَیهِ [أی إلَی الحُسَینِ علیه السّلام ] عَبدُ اللّهِ بنُ مُطیعٍ العَدَوِیُّ،فَقالَ:جُعِلتُ فِداکَ یَابنَ رَسولِ اللّهِ،لا تَخرُج إلَی العِراقِ،فَإِنَّ حُرمَتَکَ مِنَ اللّهِ حُرمَةٌ،وقَرابَتَکَ مِن رَسولِ اللّهِ قَرابَةٌ،وقَد قُتِلَ ابنُ عَمِّکَ بِالکوفَةِ،وإنَّ بَنی امَیَّةَ إن قَتَلوکَ لَم یَرتَدِعوا عَن حُرمَةِ اللّهِ أن یَنتَهِکوها،ولَم یَهابوا أحَداً بَعدَکَ أن یَقتُلوهُ، فَاللّهَ اللّهَ أن تَفجَعَنا بِنَفسِکَ ! فَلَم یَلتَفِتِ الحُسَینُ علیه السّلام إلی کَلامِهِ. (3)

کُتُبُ أهلِ العِراقِ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،وتَهَیَّأَ لِلمَسیرِ إلَی العِراقِ،أتَیتُهُ فَدَخَلتُ عَلَیهِ وهُوَ بِمَکَّةَ،فَحَمِدتُ اللّهَ وأثنَیتُ عَلَیهِ،ثُمَّ قُلتُ:أمّا بَعدُ،فَإِنّی أتَیتُکَ یَابنَ عَمِّ لِحاجَةٍ اریدُ ذِکرَها لَکَ نَصیحَةً،فَإِن کُنتَ تَری أنَّکَ تَستَنصِحُنی وإلّا کَفَفتُ عَمّا اریدُ أن أقولَ.

فَقالَ:قُل،فَوَاللّهِ ما أظُنُّکَ بِسَیِّئِ الرَّأیِ،ولا هَوٍ (1)لِلقَبیحِ مِنَ الأَمرِ وَالفِعلِ.

قالَ:قُلتُ لَهُ:إنَّهُ قَد بَلَغَنی أنَّکَ تُریدُ المَسیرَ إلَی العِراقِ،وإنّی مُشفِقٌ عَلَیکَ مِن مَسیرِکَ؛إنَّکَ تَأتی بَلَداً فیهِ عُمّالُهُ واُمَراؤُهُ،ومَعَهُم بُیوتُ الأَموالِ،وإنَّمَا النّاسُ عَبیدٌ لِهذَا الدِّرهَمِ وَالدّینارِ،ولا آمَنُ عَلَیکَ أن یُقاتِلَکَ مَن وَعَدَکَ نَصرَهُ،ومَن أنتَ أحَبُّ إلَیهِ مِمَّن یُقاتِلُکَ مَعَهُ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:جَزاکَ اللّهُ خَیراً یَابنَ عَمِّ ! فَقَد وَاللّهِ عَلِمتُ أنَّکَ مَشَیتَ بِنُصحٍ، وتَکَلَّمتَ بِعَقلٍ،ومَهما یُقضَ مِن أمرٍ یَکُن،أخَذتُ بِرَأیِکَ أو تَرَکتُهُ،فَأَنتَ عِندی أحمَدُ مُشیرٍ،وأنصَحُ ناصِحٍ.

قالَ:فَانصَرَفتُ مِن عِندِهِ فَدَخَلتُ عَلَی الحارِثِ بنِ خالِدِ بنِ العاصِ بنِ هِشامٍ، فَسَأَلَنی:هَل لَقیتَ حُسَیناً؟فَقُلتُ لَهُ:نَعَم.

قالَ:فَما قالَ لَکَ؟وما قُلتَ لَهُ؟قالَ:فَقُلتُ لَهُ:قُلتُ کَذا وکَذا،وقالَ:کَذا وکَذا.

فَقالَ:نَصَحتَهُ ورَبِّ المَروَةِ الشَّهباءِ (2)،أما ورَبِّ البَنِیَّةِ،إنَّ الرَّأیَ لَما رَأَیتَهُ،قَبِلَهُ أو تَرَکَهُ،ثُمَّ قالَ:

ص:259

رُبَّ مُستَنصَحٍ یَغُشُّ وَیُردی (1) وَظنینٍ بِالغَیبِ یُلفی (2)نصیحاً. (3)

1340.أنساب الأشراف: ولَمّا کَتَبَ أهلُ الکوفَةِ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام بِما کَتَبوا بِهِ،فَاستَخَفّوهُ لِلشُّخوصِ،جاءَهُ عُمَرُ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ الحارِثِ بنِ هِشامٍ المَخزومِیُّ بِمَکَّةَ،فَقالَ لَهُ:بَلَغَنی أنَّکَ تُریدُ العِراقَ،وأنَا مُشفِقٌ عَلَیکَ مِن مَسیرِکَ،لِأَنَّکَ تَأتی بَلَداً فیهِ عُمّالُهُ واُمَراؤُهُ،ومَعَهُم بُیوتُ الأَموالِ،وِإنّما النّاسُ عَبیدُ الدّینارِ وَالدِّرهَمِ،فَلا آمَنُ عَلَیکَ أن یُقاتِلَکَ مَن وَعَدَکَ نَصرَهُ،ومَن أنتَ أحَبُّ إلَیهِ مِمَّن یُقاتِلُکَ مَعَهُ.

فَقالَ لَهُ:قَد نَصَحتَ،ویَقضِی اللّهُ. (4)

1341.الفتوح: إنَّهُ [أیِ الحُسینَ علیه السّلام ] عَزَمَ عَلَی المَسیرِ إلَی العِراقِ،فَدَخَلَ عَلَیهِ عُمَرُ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ الحارِثِ بنِ هِشامٍ المَخزومِیُّ،فَقالَ:یَابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،إنّی أتَیتُ إلَیکَ بِحاجَةٍ اریدُ أن أذکُرَها لَکَ،فَأَنَا غَیرُ غَاشٍّ لَکَ فیها،فَهَل لَکَ أن تَسمَعَها؟

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:هاتِ،فَوَاللّه ما أنتَ عِندی بِمُسیءِ الرَّأیِ،فَقُل ما أحبَبتَ.

فَقالَ:قَد بَلَغَنی أنَّکَ تُریدُ العِراقَ،وإنّی مُشفِقٌ عَلَیکَ مِن ذلِکَ؛إنَّکَ تَرِدُ إلی قَومٍ فیهِمُ الاُمَراءُ،وَمَعهُم بُیوتُ الأَموالِ،ولا آمَنُ عَلَیکَ أن یُقاتِلَکَ مَن أنتَ أحَبُّ إلَیهِ مِن أبیهِ واُمِّهِ،مَیلاً إلَی الدُّنیا وَالدِّرهَمِ،فَاتَّقِ اللّهَ ولا تَخرُج مِن هذَا الحَرَمِ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:جَزاکَ اللّهُ خَیراً یَابن عَمِّ ! فَقَد عَلِمتُ أنَّکَ أمَرتَ بِنُصحٍ، ومَهما یَقضِ اللّهُ مِن أمرٍ فَهُوَ کائِنٌ،أخَذتُ بِرَأیِکَ أم تَرکتُهُ.

ص:260

قالَ:فَانصَرَفَ عَنهُ عُمَرُ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ وهُوَ یَقولُ:

رُبَّ مُستَنصَحٍ سَیُعصی ویُؤذی وظَنینٍ (1)بِالغَیبِ یُلفی نَصیحا (2)

1342.المناقب لابن شهر آشوب: فَلَمّا عَزَمَ الحُسَینُ علیه السّلام عَلَی الخُروجِ،نَهاهُ عَمرُو (3)بنُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ هِشامٍ المَخزومِیُّ.

فَقالَ:جَزاکَ اللّهُ خَیراً یَابن عَمِّ،مَهما یُقضَ یَکُن،وأنتَ عِندی أحمَدُ مُشیرٍ، وأنصَحُ ناصِحٍ. (4)

فاطِمَةُ أباها شاکِیَةً ما لَقِیَت ذُرِّیَّتُها مِن امَّتِهِ،ولا یَدخُلُ الجَنَّةَ أحَدٌ آذاها فی ذُرِّیَّتِها. (1)

[الحُسَینُ علیه السّلام ] أصحابَهُ فَاستَقَوا ماءً وأکثَروا،ثُمَّ سارَ حَتّی مَرَّ بِبَطنِ العَقَبَةِ (1)فَنَزَلَ عَلَیها،فَلَقِیَهُ شَیخٌ مِن بَنی عِکرِمَةَ یُقالُ لَهُ عَمرُو بنُ لوذانَ،فَسَأَلَهُ:أینَ تُریدُ؟

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:الکوفَةَ،فَقالَ الشَّیخُ:أنشُدُکَ اللّهَ لَمَّا انصَرَفتَ؛فَوَاللّهِ ما تَقدَمُ إلّا عَلَی الأَسِنَّةِ وحَدِّ السُّیوفِ،وإنَّ هؤُلاءِ الَّذینَ بَعَثوا إلَیکَ لَو کانوا کَفَوکَ مَؤونَةَ القِتالِ،ووَطَّؤوا لَکَ الأَشیاءَ فَقَدِمتَ عَلَیهِم کانَ ذلِکَ رَأیاً،فَأَمّا عَلی هذِهِ الحالِ الَّتی تَذکُرُ،فَإِنّی لا أری لَکَ أن تَفعَلَ !

فَقالَ لَهُ:یا عَبدَ اللّهِ،لَیسَ یَخفی عَلَیَّ الرَّأیُ،ولکِنَّ اللّهَ تَعالی لا یُغلَبُ عَلی أمرِهِ.

ثُمَّ قالَ علیه السّلام:وَاللّهِ لا یَدَعونّی حَتّی یَستَخرِجوا هذِهِ العَلَقَةَ مِن جَوفی،فَإِذا فَعَلوا، سَلَّطَ اللّهُ عَلَیهِم مَن یُذِلُّهُم،حَتّی یَکونوا أذَلَّ (2)فِرَقِ الاُمَمِ. (3)

1346.الأخبار الطوال: سارَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] حَتَّی انتَهی إلی بَطنِ العَقیقِ (4)،فَلَقِیَهُ رَجُلٌ مِن بَنی عِکرِمَةَ فَسَلَّمَ عَلَیهِ،وأخبَرَهُ بِتَوطیدِ ابنِ زِیادٍ الخَیلَ ما بَینَ القادِسِیَّةِ إلَی العُذَیبِ رَصَداً لَهُ.

ثُمَّ قالَ لَهُ:اِنصَرفِ بِنَفسی أنتَ ! فَوَاللّهِ ما تَسیرُ إلّاإلَی الأَسِنَّةِ وَالسُّیوفِ،ولا

ص:263

تَتَّکِلَنَّ عَلَی الَّذینَ کَتَبوا لَکَ؛فَإِنَّ اولئِکَ أوَّلُ النّاسِ مُبادَرَةً إلی حَربِکَ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:قَد ناصَحتَ وبالَغتَ،فَجُزیتَ خَیراً.ثُمَّ سَلَّمَ عَلَیهِ،ومَضی حَتّی نَزَلَ بِشراة (1)باتَ بِها،ثُمَّ ارتَحَلَ وسارَ. (2)

فَقالَ:یا أخی ! قَد نَصَحتَ وأشفَقتَ،وأرجو أن یَکونَ رَأیُکَ سَدیداً مُوَفَّقاً. (1)

1349.تاریخ الطبری عن أبی مخنف -فی ذِکرِ خُروجِ الإِمامِ مِنَ المَدینَةِ-:وأمَّا الحُسَینُ علیه السّلام،فَإِنَّهُ خَرَجَ بِبَنیهِ وإخوَتِهِ،وبَنی أخیهِ وجُلِّ أهلِ بَیتِهِ،إلّامُحَمَّدَ بنَ الحَنَفِیَّةِ،فَإِنَّهُ قالَ لَهُ:یا أخی،أنتَ أحَبُّ النّاسِ إلَیَّ،وأعَزُّهُم عَلَیَّ،ولَستُ أدَّخِرُ النَّصیحَةَ لِأَحَدٍ مِنَ الخَلقِ أحقَّ بِها مِنکَ.

تَنَحَّ بِتَبِعَتِکَ (2)عَن یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ وعَنِ الأَمصارِ مَا استَطَعتَ،ثُمَّ ابعَث رُسُلَکَ إلَی النّاسِ فَادعُهُم إلی نَفسِکَ،فَإِن بایَعوا لَکَ حَمِدتَ اللّهَ عَلی ذلِکَ،وإن أجمَعَ النّاسُ عَلی غَیرِکَ لَم یَنقُصِ اللّهُ بِذلِکَ دینَکَ ولا عَقلَکَ،ولا یَذهَبُ بِهِ مُروءَتُکَ ولا فَضلُکَ.

إنّی أخافُ أن تَدخُلَ مِصراً مِن هذِهِ الأَمصارِ،وَتأتِیَ جَماعَةً مِنَ النّاسِ، فَیَختَلِفونَ بَینَهُم،فَمِنهُم طائِفَةٌ مَعَکَ واُخری عَلَیکَ،فَیَقتَتِلونَ فَتَکونُ لِأَوَّلِ الأَسِنَّةِ، فَإِذا خَیرُ هذِهِ الاُمَّةِ کُلِّها نَفساً وأباً واُمّاً،أضیَعُها دَماً،وأذَلُّها أهلاً.

قالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:فَإِنّی ذاهِبٌ یا أخی،قالَ:فَانزِل مَکَّةَ،فَإِنِ اطمَأَنَّت بِکَ الدّارُ فَسَبیلُ ذلِکَ،وإن نَبَت بِکَ،لَحِقتَ بِالرِّمالِ وشَعَفِ الجِبالِ،وخَرَجتَ مِن بَلَدٍ إلی بَلَدٍ، حَتّی تَنظُرَ إلی ما یَصیرُ أمرُ النّاسِ،وتَعرِفَ عِندَ ذلِکَ الرَّأیَ،فَإِنَّکَ أصوَبُ ما تَکونُ رَأیاً وأحزَمُهُ عَمَلاً حینَ تَستَقبِلُ الاُمورَ استِقبالاً،ولا تَکونُ الاُمورُ عَلَیکَ أبداً أشکَلَ مِنها حینَ تَستَدبِرُهَا استِدباراً.

قالَ:یا أخی،قَد نَصَحتَ فَأَشفَقتَ،فَأَرجو أن یَکونَ رَأیُکَ سَدیداً مُوَفَّقاً. (3)

ص:266

1350.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): بَعَثَ حُسَینٌ علیه السّلام إلَی المَدینَةِ،فَقَدِمَ عَلَیهِ مَن خَفَّ مَعَهُ مِن بَنی عَبدِ المُطَّلِبِ،وهُم تِسعَةَ عَشَرَ رَجُلاً،ونِساءٌ وصِبیانٌ مِن أخَواتِهِ وبَناتِهِ ونِسائِهِم،وتَبِعَهُم مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِیَّةِ فَأَدرَکَ حُسَیناً علیه السّلام بِمَکَّةَ،وأعلَمَهُ أنَّ الخُروجَ لَیسَ لَهُ بِرَأیٍ یَومَهُ هذا،فَأَبَی الحُسَینُ علیه السّلام أن یَقبَلَ. (1)

1351.المناقب لابن شهر آشوب: کانَ مُحَمَّدُ بنُ الحَنَفِیَّةِ وعَبدُ اللّهِ بنُ المُطیعِ نَهَیاهُ عَنِ الکوفَةِ،وقالا:إنَّها بَلدَةٌ مَشؤومَةٌ،قُتِلَ فیها أبوکَ،وخُذِلَ فیها أخوکَ،فَالزَمِ الحَرَمَ فَإِنَّکَ سَیِّدُ العَرَبِ،لا یَعدِلُ بِکَ أهلُ الحِجازِ،وتَتَداعی إلَیکَ النّاسُ مِن کُلِّ جانِبٍ.

ثُمَّ قالَ مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِیَّةِ:وإن نَبَت بِکَ،لَحِقتَ بِالرِّمالِ وشَعَفِ الجِبالِ،وتَنَفَّلتَ (2)مِن بَلَدٍ إلی بَلَدٍ حَتّی تَفرُقَ لَکَ الرَّأیَ،فَتَستَقبِلُ الاُمورَ استِقبالاً،ولا تَستَدبِرُهَا استدِباراً. (3)

1352.إثبات الوصیّة: خَرَجَ مُحَمَّدُ بنُ الحَنَفِیَّةِ یُشَیِّعُهُ [أیِ الإِمامَ الحُسَینَ علیه السّلام ]،فَقالَ لَهُ عِندَ الوَداعِ:یا أبا عَبدِ اللّهِ،اللّهَ اللّهَ فی حُرَمِ (4)رَسولِ اللّهِ ! فَقالَ لَهُ:أبَی اللّهُ إلّاأن یَکُنَّ سَبایا. (5)

1353.تاریخ الطبری عن هشام بن الولید عمّن شهد ذلک: أقبَلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام بِأَهلِهِ مِن مَکَّةَ،ومُحَمَّدُ بنُ الحَنَفِیَّةِ بِالمَدینَةِ،قالَ:فَبَلَغَهُ خَبَرُهُ وهُوَ یَتَوَضَّأُ فی طَستٍ؛

ص:267

قالَ:فَبَکی حَتّی سَمِعتُ وَکفَ (1)دُموعِهِ فِی الطَّستِ. (2)

1354.تذکرة الخواصّ عن الواقدی: لَمّا بَلَغَ مُحَمَّدَ بنَ الحَنَفِیَّةِ مَسیرُهُ [أی مَسیرُ الحُسَینِ علیه السّلام ] وکانَ یَتَوَضَّأُ وبَینَ یَدَیهِ طَشتٌ،فَبَکی حَتّی مَلَأَهُ مِن دُموعِهِ،ولَم یَبقَ بِمَکَّةَ إلّامَن حَزِنَ لِمَسیرِهِ،ولَمّا کَثُروا عَلَیهِ،أنشَدَ أبیاتَ أخِی الأَوسِ:

سَأَمضی فَما فِی المَوتِ عارٌ عَلَی الفَتی

ثُمَّ قَرَأ: «وَ کانَ أَمْرُ اللّهِ قَدَراً مَقْدُوراً» 3 . (3)

خَرَجَ:أمّا بَعدُ،فَإِنَّ أهلَ الکوفَةِ قَد أبَوا إلّاأن یُبغِضوکَ،وقَلَّ مَن أبغَضَ إلّاقَلِقَ، وإنّی اعیذُکَ بِاللّهِ أن تَکونَ کَالمُغتَرِّ بِالبَرقِ،وکَالمُهریقِ ماءً لِلسَّرابِ «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا یَسْتَخِفَّنَّکَ» أهلُ الکوفَةِ «اَلَّذِینَ لا یُوقِنُونَ» 1 . (1)

ص:270

عنیتُمُ قَومَکُم فَخراً بِاُمِّکُمُ

قالَ:فَکَتَبَ إلَیهِ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ:إنّی لَأَرجو ألّا یَکونَ خُروجُ الحُسَینِ علیه السّلام لِأَمرٍ تَکرَهُهُ،ولَستُ أدَعُ النَّصیحَةَ لَهُ فی ما یَجمَعُ اللّهُ بِهِ الاُلفَةَ،ویُطفِئُ بِهِ النّائِرَةَ (1). (2)

1358.تذکرة الخواصّ عن الواقدی: لَمّا نَزَلَ الحُسَینُ علیه السّلام مَکَّةَ،کَتَبَ یَزیدُ بنُ مُعاوِیَةَ إلَی ابنِ عَبّاسٍ:أمّا بَعدُ،فَإِنَّ ابنَ عَمِّکَ حُسَیناً،وعَدُوَّ اللّهِ ابنَ الزُّبَیرِ التَوَیا بِبَیعَتی،ولَحِقا بِمَکَّةَ مُرصِدَینِ لِلفِتنَةِ،مُعَرِّضَینِ أنفُسَهُما لِلهَلَکَةِ،فَأَمَّا ابنُ الزُّبَیرِ،فَإِنَّهُ صَریعُ الفِناءِ وقَتیلُ السَّیفِ غَداً،وأمَّا الحُسَینُ،فَقَد أحبَبتُ الإِعذارَ إلَیکُم-أهلَ البَیتِ-مِمّا کانَ مِنهُ.

وقَد بَلَغَنی أنَّ رِجالاً مِن شیعَتِهِ مِن أهلِ العِراقِ یُکاتِبونَهُ ویُکاتِبُهُم،ویُمَنّونَهُ

ص:272

الخِلافَةَ ویُمَنّیهِمُ الإِمرَةَ،وقَد تَعلَمونَ ما بَینی وبَینَکُم مِنَ الوُصلَةِ،وعَظیمِ الحُرمَةِ، ونَتایِجِ الأَرحامِ،وقَد قَطَعَ ذلِکَ الحُسَینُ وبَتَّهُ. (1)

وأنتَ زَعیمُ أهلِ بَیتِکَ،وسَیِّدُ أهلِ بِلادِکَ،فَالقَهُ فَاردُدهُ عَنِ السَّعیِ فِی الفُرقَةِ، ورُدَّ هذِهِ الاُمَّةَ عَنِ الفِتنَةِ،فَإِن قَبِلَ مِنکَ وأنابَ إلَیکَ،فَلَهُ عِندِی الأَمانُ وَالکَرامَةُ الواسِعَةُ،واُجری عَلَیهِ ما کانَ أبی یُجریهِ عَلی أخیهِ،وإن طَلَبَ الزِّیادَةَ فَاضمَن لَهُ ما أراکَ اللّهُ،اُنفِذُ ضَمانَکَ وأقومُ لَهُ بِذلِکَ،ولَهُ عَلَیَّ الأَیمانُ المُغَلَّظَةُ وَالمَواثیقُ المُؤَکَّدَةُ، بِما تَطمَئِنُّ بِهِ نَفسُهُ،ویَعتَمِدُ فی کُلِّ الاُمورِ عَلَیهِ،عَجِّل بِجَوابِ کِتابی،وبِکُلِّ حاجَةٍ لَکَ إلَیَّ وقِبَلی،وَالسَّلامُ.

قالَ هِشامُ بنُ مُحَمَّدٍ:وکَتَبَ یَزیدُ فی أسفَلِ الکِتابِ:

یا أیُّهَا الرّاکِبُ الغادی لِطِیَّتِهِ (2)

ص:273

فَأَنصِفوا قَومَکُم لا تَهلِکوا بَذَخاً فَرُبَّ ذی بَذَخٍ زَلَّت بِهِ القَدَمُ

فَکَتَبَ إلَیهِ ابنُ عَبّاسٍ:أمّا بَعدُ،فَقَد وَرَدَ کِتابُکَ تَذکُرُ فیهِ لَحاقَ الحُسَینِ علیه السّلام وَابنِ الزُّبَیرِ بِمَکَّةَ،فَأَمَّا ابنُ الزُّبَیرِ فَرَجُلٌ مُنقَطِعٌ عَنّا بِرَأیِهِ وهَواهُ،یُکاتِمُنا مَعَ ذلِکَ أضغاناً یُسِرُّها فی صَدرِهِ،یوری عَلَینا وَریَ الزِّنادِ (1)،لا فَکَّ اللّهُ أسیرَها،فَارأَ فی أمرِهِ ما أنتَ راءٍ. (2)

وأمَّا الحُسَینُ علیه السّلام،فَإِنَّهُ لَمّا نَزَلَ مَکَّةَ،وتَرَکَ حَرَمَ جَدِّهِ ومَنازِلَ آبائِهِ،سَأَلتُهُ عَن مَقدَمِهِ،فَأَخبَرَنی أنَّ عُمّالَکَ فِی المَدینَةِ أساؤوا إلَیهِ،وعَجَّلوا عَلَیهِ بِالکَلامِ الفاحِشِ، فأقبَلَ إلی حَرَمِ اللّهِ مُستَجیراً بِهِ،وسَأَلقاهُ فیما أشَرتَ إلَیهِ،ولَن أدَعَ النَّصیحَةَ فیما یَجمَعُ اللّهُ بِهِ الکَلِمَةَ،ویُطفِئُ بِهِ النّائِرَةَ،ویُخمِدُ بِهِ الفِتنَةَ،ویَحقُنُ بِهِ دِماءَ الاُمَّةِ.

فَاتَّقِ اللّهَ فِی السِّرِّ وَالعَلانِیَةِ،ولا تَبیتَنَّ لَیلَةً وأنتَ تُریدُ لِمُسلِمٍ غائِلَةً (3)،ولا تَرصُدهُ بِمَظلَمَةٍ،ولا تَحفِر لهُ مَهواةً،فَکَم مِن حافِرٍ لِغَیرِهِ حَفراً وَقَعَ فیهِ،وکَم مِن مُؤَمِّلٍ أمَلاً لَم یُؤتَ أمَلَهُ.وخُذ بِحَظِّکَ مِن تِلاوَةِ القُرآنِ ونَشرِ السُّنَّةِ،وعَلَیکَ بِالصِّیامِ وَالقِیامِ،لا تَشغَلکَ عَنهُما مَلاهِی الدُّنیا وأباطیلُها،فَإِنَّ کُلَّ ما شُغِلتَ بِهِ عَنِ اللّهِ یَضُرُّ ویَفنی،وکُلَّ مَا اشتَغَلتَ بِهِ مِن أسبابِ الآخِرَةِ یَنفَعُ ویَبقی،وَالسَّلامُ. (4)

1359.الفتوح: کِتابُ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ قَد أقبَلَ مِنَ الشّامِ إلی أهلِ المَدینَةِ عَلَی البَریدِ،مِن

ص:274

قُرَیشٍ وغَیرِهِم مِن بَنی هاشِمٍ،وفیهِ هذِهِ الأَبیاتُ:

یا أیُّهَا الرّاکِبُ الغادی لِطِیَّتِهِ

قالَ:فَنَظَرَ أهلُ المَدینَةِ إلی هذِهِ الأَبیاتِ،ثُمَّ وَجَّهوا بِها وبِالکِتابِ إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَلَمّا نَظَرَ فیهِ عَلِمَ أنَّهُ کِتابُ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ.

فَکَتَبَ الحُسَینُ علیه السّلام الجَوابَ:بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ «وَ إِنْ کَذَّبُوکَ فَقُلْ لِی عَمَلِی وَ لَکُمْ عَمَلُکُمْ أَنْتُمْ بَرِیئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِیءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ» 1 وَالسَّلامُ. (1)

مَکَّةَ،فَقالَ لَهُ:یا أخی،إنَّ أهلَ الکوفَةِ مَن قَد عَرَفتَ غَدرَهُم بِأَبیکَ وأخیکَ،وقَد خِفتُ أن یَکونَ حالُکَ کَحالِ مَن مَضی،فَإِن رَأَیتَ أن تُقیمَ؛فَإِنَّکَ أعَزُّ مَن بِالحَرَمِ وأمنَعُهُ.

فَقالَ:یا أخی،قَد خِفتُ أن یَغتالَنی یَزیدُ بنُ مُعاوِیَةَ بِالحَرَمِ،فَأَکونَ الَّذی یُستَباحُ بِهِ حُرمَةُ هذَا البَیتِ.

فَقالَ لَهُ ابنُ الحَنَفِیَّةِ:فَإِن خِفتَ ذلِکَ فَصِر إلَی الیَمَنِ أو بَعضِ نَواحِی البَرِّ،فَإِنَّکَ أمنَعُ النّاسِ بِهِ،ولا یَقدِرُ عَلَیکَ أحَدٌ.

فَقالَ:أنظُرُ فیما قُلتَ.فَلَمّا کانَ السَّحَرُ ارتَحَلَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَبَلَغَ ذلِکَ ابنَ الحَنَفِیَّةِ،فَأَتاهُ فَأَخَذَ زِمامَ ناقَتِهِ وقَد رَکِبَها،فَقالَ:یا أخی،ألَم تَعِدنِی النَّظَرَ فیما سَأَلتُکَ؟قالَ:بَلی.

قالَ:فَما حَداکَ عَلَی الخُروجِ عاجِلاً؟فَقالَ:أتانی رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله بَعدَما فارَقتُکَ، فَقالَ:یا حُسَینُ اخرُج،فَإِنَّ اللّهَ قَد شاءَ أن یَراکَ قَتیلاً.

فَقالَ مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِیَّةِ: «إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ» 1 ،فَما مَعنی حَملِکَ هؤُلاءِ النِّساءَ مَعَکَ وأنتَ تَخرُجُ عَلی مِثلِ هذَا الحالِ؟

قالَ:فَقالَ لَهُ:قَد قالَ لی:إنَّ اللّهَ قَد شاءَ أن یَراهُنَّ سَبایا.وسَلَّمَ عَلَیهِ ومَضی. (1)

1361.الملهوف عن معمر بن المثنّی فی مقتل الحسین علیه السّلام: فَلَمّا کانَ یَومُ التَّروِیَةِ (2)،قَدِمَ عَمرُو بنُ سَعیدِ بنِ العاصِ (3)إلی مَکَّةَ فی جُندٍ کَثیفٍ،قَد أمَرَهُ یَزیدُ أن یُناجِزَ

ص:276

الحُسَینَ علیه السّلام القِتالَ إن هُوَ ناجَزَهُ،أو یُقاتِلَهُ إن قَدَرَ عَلَیهِ،فَخَرَجَ الحُسَینُ علیه السّلام یَومَ التَّروِیَةِ. (1)

1362.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن الفرزدق: لَقیتُ حُسَیناً علیه السّلام، فَقُلتُ:بِأَبی أنتَ ! لَو أقَمتَ حَتّی یَصدُرَ النّاسُ لَرَجَوتُ أن یَتَقَصَّفَ (2)أهلُ المَوسِمِ مَعَکَ،فَقالَ:لَم آمَنهُم یا أبا فِراسٍ. (3)

1363.الإرشاد: لَمّا أرادَ الحُسَینُ علیه السّلام التَّوَجُّهَ إلَی العِراقِ،طافَ بِالبَیتِ وسَعی بَینَ الصَّفا وَالمَروَةِ،وأحَلَّ مِن إحرامِهِ وجَعَلَها عُمرَةً؛لِأَنَّهُ لَم یَتَمَکَّن مِن تَمامِ الحَجِّ؛مَخافَةَ أن یُقبَضَ عَلَیهِ بِمَکَّةَ فَیُنفَذَ إلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،فَخَرَجَ علیه السّلام مُبادِراً بِأَهلِهِ ووُلدِهِ ومَنِ انضَمَّ إلَیهِ مِن شیعَتِهِ،ولَم یَکُن خَبَرُ مُسلِمٍ قَد بَلَغَهُ؛لِخُروجِهِ یَومَ خُروجِهِ عَلی ما ذَکَرناهُ.

فَرُوِیَ عَنِ الفَرَزدَقِ الشّاعِرِ أنَّهُ قالَ:حَجَجتُ بِاُمّی فی سَنَةِ سِتّینَ،فَبَینا أنَا أسوقُ بَعیرَها حینَ دَخَلتُ الحَرَمَ،إذ لَقیتُ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام خارِجاً مِن مَکَّةَ، مَعَهُ أسیافُهُ وتِراسُهُ. (4)

ص:277

فَقُلتُ:لِمَن هذا القِطارُ (1)؟فَقیلَ:لِلحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَأَتَیتُهُ فَسَلَّمتُ عَلَیهِ، وقُلتُ لَهُ:أعطاکَ اللّهُ سُؤلَکَ وأَمَلَکَ فیما تُحِبُّ،بِأَبی أنتَ واُمّی یَابنَ رَسولِ اللّهِ ! ما أعجَلَکَ عَنِ الحَجِّ؟

فَقالَ:لَو لَم أعجَل لَاُخِذتُ. (2)

فَقالَ لَهُ حُسَینٌ علیه السّلام:وإنّی أستَخیرُ اللّهَ وأنظُرُ ما یَکونُ،قالَ:فَخَرَجَ ابنُ عَبّاسٍ مِن عِندِهِ،وأتاهُ ابنُ الزُّبَیرِ فَحَدَّثَهُ ساعَةً،ثُمَّ قالَ:ما أدری ما تَرکُنا هؤُلاءِ القَومَ وکَفُّنا عَنهُم،ونَحنُ أبناءُ المُهاجِرینَ،ووُلاةُ هذَا الأَمرِ دُونَهُم،خَبِّرنی ماتُریدُ أن تَصنَعَ؟

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:وَاللّهِ لَقَد حَدَّثتُ نَفسی بِإِتیانِ الکوفَةِ،ولَقَد کَتَبَ إلَیَّ شیعَتی بِها وأشرافُ أهلِها،وأستَخیرُ اللّهَ.فَقالَ لَهُ ابنُ الزُّبَیرِ:أما لَو کانَ لی بِها مِثلُ شیعَتِکَ ما عَدَلتُ بِها.

قالَ:ثُمَّ إنَّهُ خَشِیَ أن یَتَّهِمَهُ فَقالَ:أما إنَّکَ لَو أقَمتَ بِالحِجازِ،ثُمَّ أرَدتَ هذَا الأَمرَ هاهُنا،ما خولِفَ عَلَیکَ إن شاءَ اللّهُ،ثُمَّ قامَ فَخَرَجَ مِن عِندِهِ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:ها إنَّ هذا لَیسَ شَیءٌ یُؤتاهُ مِنَ الدُّنیا أحَبَّ إلَیهِ مِن أن أخرُجَ مِنَ الحِجازِ إلَی العِراقِ،وقَد عَلِمَ أنَّهُ لَیسَ لَهُ مِنَ الأَمرِ مَعی شَیءٌ،وأنَّ النّاسَ لَم یَعدِلوهُ بی،فَوَدَّ أنّی خَرَجتُ مِنها لِتَخلُوَ لَهُ.

قالَ:فَلَمّا کانَ مِنَ العَشِیِّ-أو مِنَ الغَدِ-أتَی الحُسَینَ علیه السّلام عَبدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ، فَقالَ:یَا بنَ عَمِّ،إنّی أتَصَبَّرُ ولا أصبِرُ،إنّی أتَخَوَّفُ عَلَیکَ فی هذَا الوَجهِ الهَلاکَ وَالاِستِئصالَ،إنَّ أهلَ العِراقِ قَومٌ غُدُرٌ فَلا تَقرَبَنَّهُم،أقِم بِهذَا البَلَدِ فَإِنَّکَ سَیِّدُ أهلِ الحِجازِ،فَإِن کانَ أهلُ العِراقِ یُریدونَکَ کَما زَعَموا،فَاکتُب إلَیهِم فَلیَنفوا عَدُوَّهُم،ثُمَّ اقدَم عَلَیهِم.فَإِن أبَیتَ إلّاأن تَخرُجَ،فَسِر إلَی الیَمَنِ،فَإِنَّ بِها حُصوناً وشِعاباً (1)،وهِیَ أرضٌ عَریضَةٌ طَویلَةٌ،ولِأَبیکَ بِها شیعَةٌ،وأنتَ عَنِ النّاسِ فی عُزلَةٍ،فَتَکتُبُ إلَی النّاسِ،وتُرسِلُ وتَبُثُّ دُعاتَکَ،فَإِنّی أرجو أن یَأتِیَکَ عِندَ ذلِکَ الَّذی تُحِبُّ فی عافِیَةٍ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:یَا بنَ عَمِّ،إنّی وَاللّهِ لَأَعلَمُ أنَّکَ ناصِحٌ مُشفِقٌ،ولکِنّی قَد أزمَعتُ وأجمَعتُ عَلَی المَسیرِ.فَقالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ:فَإِن کُنتَ سائِراً فَلا تَسِر بِنِسائِکَ

ص:279

وصِبیَتِکَ،فَوَاللّهِ إنّی لَخائِفٌ أن تُقتَلَ کَما قُتِلَ عُثمانُ،ونِساؤُهُ ووُلدُهُ یَنظُرونَ إلَیهِ.

ثُمَّ قالَ ابنُ عَبّاسٍ:لَقَد أقرَرتَ عَینَ ابنِ الزُّبَیرِ بِتَخلِیَتِکَ إیّاهُ وَالحِجازَ،وَالخُروجِ مِنها،وهُوَ یَومٌ لا یَنظُرُ إلَیهِ أحَدٌ مَعَکَ،وَاللّهِ الَّذی لا إلهَ إلّاهُوَ،لَو أعلَمُ أنَّکَ إذا أخَذتُ بِشَعرِکَ وناصِیَتِکَ حَتّی یَجتَمِعَ عَلَیَّ وعَلَیکَ النّاسُ أطَعتَنی،لَفَعَلتُ ذلِکَ.

قالَ:ثُمَّ خَرَجَ ابنُ عَبّاسٍ مِن عِندِهِ،فَمَرَّ بِعَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَیرِ،فَقالَ:قَرَّت عَینُکَ یَا بنَ الزُّبَیرِ،ثُمَّ قالَ:

یا لَکِ مِن قُبَّرَةٍ بِمَعمَرِ خَلا لَکِ الجَوُّ فَبیضی وَاصفِری

وَنَقِّری ما شِئتِ أن تُنَقِّری

هذا حُسَینٌ علیه السّلام یَخرُجُ إلَی العِراقِ،وعَلَیکَ بِالحِجازِ. (1)

1365.الأخبار الطوال: لَمّا عَزَمَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] عَلَی الخُروجِ،وأخَذَ فِی الجَهازِ،بَلَغَ ذلِکَ عَبدَ اللّهِ بنَ عَبّاسٍ،فَأَقبَلَ حَتّی دَخَلَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ:یَا بنَ عَمِّ،قَد بَلَغَنی أنَّکَ تُریدُ المَسیرَ إلَی العِراقِ.قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:أنَا عَلی ذلِکَ.قالَ عَبدُ اللّهِ:اُعیذُکَ بِاللّهِ یَا بنَ عَمِّ مِن ذلِکَ ! قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:قَد عَزَمتُ،ولا بُدَّ مِنَ المَسیرِ.

قالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ:أتَسیرُ إلی قَومٍ طَرَدوا أمیرَهُم عَنهُم،وضَبَطوا بِلادَهُم؟فَإِن کانوا فَعَلوا ذلِکَ فَسِر إلَیهِم،وإن کانوا إنَّما یَدعونَکَ إلَیهِم،وأمیرُهُم عَلَیهِم،وعُمّالُهُ یَجبونَهُم،فَإِنَّهُم إنَّما یَدعونَکَ إلَی الحَربِ،ولا آمَنُهُم أن یَخذُلوکَ کَما خَذَلوا أباکَ وأخاکَ !

ص:280

قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:یَا بنَ عَمِّ ! سَأَنظُرُ فیما قُلتَ.

وبَلَغَ عَبدَ اللّهِ بنَ الزُّبَیرِ ما یَهُمُّ بِهِ الحُسَینُ علیه السّلام،فَأَقبَلَ حَتّی دَخَلَ عَلَیهِ،فَقالَ لَهُ:لَو أقَمتَ بِهذَا الحَرَمِ،وبَثَثتَ رُسُلَکَ فِی البُلدانِ،وکَتَبتَ إلی شیعَتِکَ بِالعِراقِ أن یَقدَموا عَلَیکَ،فَإِذا قَوِیَ أمرُکَ نَفَیتَ عُمّالَ یَزیدَ عَن هذَا البَلَدِ،وعَلَیَّ لَکَ المُکانَفَةُ وَالمُؤازَرَةُ،وإن عَمِلتَ بِمَشورَتی،طَلَبتَ هذَا الأَمرَ بِهذَا الحَرَمِ؛فَإِنَّهُ مَجمَعُ أهلِ الآفاقِ،ومَورِدُ أهلِ الأَقطارِ،لَم یُعدِمکَ بِإِذنِ اللّهِ إدراکَ ما تُریدُ،ورَجَوتُ أن تَنالَهُ.

قالوا:ولَمّا کانَ فِی الیَومِ الثّالِثِ،عادَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ لَهُ:

یَا بنَ عَمِّ،لا تَقرَب أهلَ الکوفَةِ؛فَإِنَّهُم قَومٌ غَدَرَةٌ،وأقِم بِهذِهِ البَلدَةِ،فَإِنَّکَ سَیِّدُ أهلِها،فَإِن أبَیتَ فَسِر إلی أرضِ الیَمَنِ،فَإِنَّ بِها حُصوناً وشِعاباً،وهِیَ أرضٌ طَویلَةٌ عَریضَةٌ،ولِأَبیکَ فیها شیعَةٌ،فَتَکونُ عَنِ النّاسِ فی عُزلَةٍ،وتَبُثُّ دُعاتَکَ فِی الآفاقِ، فَإِنّی أرجو إن فَعَلتَ ذلِکَ أتاکَ الَّذی تُحِبُّ فی عافِیَةٍ.

قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:یَا بنَ عَمِّ،وَاللّهِ إنّی لَأَعلَمُ أنَّکَ ناصِحٌ مُشفِقٌ،غَیرَ أنّی قَد عَزَمتُ عَلَی الخُروجِ.

قالَ ابنُ عَبّاسٍ:فَإِن کُنتَ-لا مَحالَةَ-سائِراً،فَلا تُخرِجِ النِّساءَ وَالصِّبیانَ؛فَإِنّی لا آمَنُ أن تُقتَلَ کَما قُتِلَ ابنُ عَفّانَ،وصِبیَتُهُ یَنظُرونَ إلَیهِ.

قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:[یابن] عَمِّ ! ما أری إلَّاالخُروجَ بِالأَهلِ وَالوَلَدِ.فَخَرَجَ ابنُ عَبّاسٍ مِن عِندِ الحُسَینِ علیه السّلام. (1)

1366.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): دَخَلَ عَبدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام فَکَلَّمَهُ طَویلاً،وقالَ:أنشُدُکَ اللّهَ أن تَهلِکَ غَداً بِحالِ مَضیعَةٍ،لا تأتِ العِراقَ،وإن کُنتَ لابُدَّ فاعِلاً،فَأَقِم حَتّی یَنقَضِیَ المَوسِمُ وتَلقَی النّاسَ،وتَعلَمَ عَلی

ص:281

ما یَصدُرونَ،ثُمَّ تَری رَأیَکَ-وذلِکَ فی عَشرِ ذِی الحِجَّةِ سَنَةَ سِتّینَ-فَأَبَی الحُسَینُ علیه السّلام إلّاأن یَمضِیَ إلَی العِراقِ.

فَقالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ:وَاللّهِ إنّی لَأَظُنُّکَ سَتُقتَلُ غَداً بَینَ نِسائِکَ وبَناتِکَ کَما قُتِلَ عُثمانُ بَینَ نِسائِهِ وبَناتِهِ،وَاللّهِ إنّی لَأَخافُ أن تَکونَ الَّذی یُقادُ بِهِ عُثمانُ ! فَإِنّا للّهِ ِ وإنّا إلَیهِ راجِعونَ ! فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:أبَا العَبّاسِ،إنَّکَ شَیخٌ قَد کَبَرتَ.

فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ:لَولا أن یُزرِیَ ذلِکَ بی أو بِکَ لَنَشَبتُ یَدَیَّ فی رَأسِکَ،ولَو أعلَمُ أنّا إذا تَناصَینا أقمتَ لَفَعَلتُ،ولکن لا أخالُ ذلِکَ نافِعی !

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:لَأَن اقتَلَ بِمَکانِ کَذا و کَذا أحَبُّ إلَیَّ أن تُستَحَلَّ بی-یَعنی مَکَّةَ-قالَ:فَبَکَی ابنُ عَبّاسٍ وقالَ:أقرَرتَ عَینَ ابنِ الزُّبَیرِ.فَذاکَ الَّذی سَلا بِنَفسی عَنهُ.

ثُمَّ خَرَجَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ مِن عِندِهِ وهُوَ مُغضَبٌ،وَابنُ الزُّبَیرِ عَلَی البابِ،فَلَمّا رَآهُ قالَ:یَابنَ الزُّبَیرِ،قَد أتی ما أحبَبتَ،قَرَّت عَینُکَ،هذا أبو عَبدِ اللّهِ یَخرُجُ ویَترُکُکَ وَالحِجازَ:

یا لَکِ مِن قُبَّرَةٍ بمَعمَرِ خَلا لَکِ الجَوُّ فَبیضی وَاصفِری

ونَقِّری ما شِئتِ أن تُنَقِّری. (1)

1367.الفتوح: دَخَلَ الحُسَینُ علیه السّلام إلی مَکَّةَ،فَفَرِحَ بِهِ أهلُها فَرَحاً شَدیداً،قالَ:وجَعَلوا یَختَلِفونَ إلَیهِ بُکرَةً وعَشِیَّةً،وَاشتَدَّ ذلِکَ عَلی عَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَیرِ؛لِأَنَّهُ قَد کانَ طَمِعَ

ص:282

أن یُبایِعَهُ أهلُ مَکَّةَ،فَلَمّا قَدِمَ الحُسَینُ علیه السّلام شَقَّ ذلِکَ عَلَیهِ،غَیرَ أنَّهُ لا یُبدی ما فی قَلبِهِ إلَی الحُسَین علیه السّلام،لکِنَّهُ یَختَلِفُ إلَیهِ ویُصَلّی بِصَلاتِهِ،ویَقعُدُ عِندَهُ ویَسمَعُ مِن حَدیثِهِ،و هُوَ مَعَ ذلِکَ یَعلَمُ أنَّهُ لا یُبایِعُهُ أحَدٌ مِن أهلِ مَکَّةَ وَالحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام بِها؛ لِأَنَّ الحُسَینُ علیه السّلام عِندَهُم أعظَمُ فی أنفُسِهِم مِنِ ابنِ الزُّبَیرِ.

قالَ:وبَلَغَ ذلِکَ أهلَ الکوفَةِ أنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام قَد صارَ إلی مَکَّةَ.وأقامَ الحُسَینُ علیه السّلام بِمَکَّةَ باقِیَ شَهرِ شَعبانَ ورَمَضانَ وشَوّالَ وذِی القِعدَةِ.

قالَ:وبِمَکَّةَ یَومَئِذٍ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ و عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ،فَأَقبَلا جَمیعاً حَتّی دَخَلا عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام،وقَد عَزَما عَلی أن یَنصَرِفا إلَی المَدینَةِ،فَقالَ لَهُ ابنُ عُمَرَ:أبا عَبدِ اللّهِ رَحِمَکَ اللّهُ،اِتَّقِ اللّهَ الَّذی إلَیهِ مَعادُکَ،فَقَد عَرَفتَ مِن عَداوَةِ أهلِ هذَا البَیتِ لَکُم،وظُلمَهُم إیّاکُم،وقَد وَلِیَ النّاسَ هذَا الرُّجُلُ یَزیدُ بنُ مُعاوِیَةَ، ولَستُ آمَنُ أن یَمیلَ النّاسُ إلَیهِ لِمَکانِ هذِهِ الصَّفراءِ وَالبَیضاءِ،فَیَقتُلونَکَ ویَهلِکُ فیکَ بَشَرٌ کَثیرٌ؛فَإِنّی قَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وهُوَ یَقولُ:«حُسَینٌ مَقتولٌ،ولَئِن قَتَلوهُ وخَذَلوهُ ولَن یَنصُروهُ،لَیَخذُلُهُمُ اللّهُ إلی یَومِ القِیامَةِ».

وأنَا اشیرُ عَلَیکَ أن تَدخُلَ فی صُلحِ ما دَخَلَ فیهِ النّاسُ،وَاصبِر کَما صَبَرتَ لِمُعاوِیَةَ مِن قَبلُ،فَلَعَلَّ اللّهَ أن یَحکُمَ بَینَکَ وبَینَ القَومِ الظّالِمینَ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:أبا عَبدِ الرَّحمنِ ! أنَا ابایِعُ یَزیدَ وأدخُلُ فی صُلحِهِ ! وقَد قالَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله فیهِ وفی أبیهِ ما قالَ؟!

فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ:صَدَقتَ أبا عَبدِ اللّهِ ! قالَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله فی حَیاتِهِ:«ما لی ولِیَزیدَ؟لا بارَکَ اللّهُ فی یَزیدَ ! وإنَّهُ یَقتُلُ وَلَدِی ووَلَدَ ابنَتِیَ الحُسَینَ،وَالَّذی نَفسی بِیَدِهِ،لا یُقتَلُ وَلَدی بَینَ ظَهرانَی قَومٍ فَلا یَمنَعونَهُ،إلّاخالَفَ اللّهُ بَینَ قُلوبِهِم وألسِنَتِهِم».

ثُمَّ بَکَی ابنُ عَبّاسٍ،وبَکی مَعَهُ الحُسَینُ علیه السّلام،وقالَ:یَا بنَ عَبّاسٍ،تَعلَمُ أنِّی

ص:283

ابنُ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؟فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ:اللّهُمَّ نَعَم،نَعلَمُ ونَعرِفُ أنَّ ما فِی الدُّنیا أحَدٌ هُوَ ابنُ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله غَیرُکَ،وأنَّ نَصرَکَ لَفَرضٌ عَلی هذِهِ الاُمَّةِ،کَفَریضَةِ الصَّلاةِ وَالزَّکاةِ الَّتی لا یُقدَرُ أن یُقبَلَ أحَدُهُما دونَ الاُخری.

قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:یَابنَ عَبّاسٍ،فَماتَقولُ فی قَومٍ أخرَجُوا ابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله مِن دارِهِ وقَرارِهِ،ومَولِدِهِ وحَرَمِ رَسولِهِ،ومُجاوَرَةِ قَبرِهِ ومَولِدِهِ،ومَسجِدِهِ ومَوضِعِ مُهاجَرِهِ،فَتَرَکوهُ خائِفاً مَرعوباً لا یَستَقِرُّ فی قَرارٍ،ولا یأوی فی مَوطِنٍ،یُریدونَ فی ذلِکَ قَتلَهُ وسَفکَ دَمِهِ،وهُوَ لَم یُشرِک بِاللّهِ شَیئاً،ولَا اتَّخَذَ مِن دونِهِ وَلِیّاً،ولَم یَتَغَیَّر عَمّا کانَ عَلَیهِ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وَالخُلَفاءُ مِن بَعدِهِ؟

فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ:ما أقولُ فیهِم إلّا «أَنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لا یَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاّ وَ هُمْ کُسالی» 1 «یُراؤُنَ النّاسَ وَ لا یَذْکُرُونَ اللّهَ إِلاّ قَلِیلاً * مُذَبْذَبِینَ بَیْنَ ذلِکَ لا إِلی هؤُلاءِ وَ لا إِلی هؤُلاءِ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِیلاً» 2 وعَلی مِثلِ هؤُلاءِ تَنزِلُ البَطشَةُ الکُبری.

وأمّا أنتَ یَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَإِنَّکَ رَأسُ الفَخارِ بِرَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وَابنُ نَظیرَةِ البَتولِ (1)،فَلا تَظُنَّ یَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله أنَّ اللّهَ غافِلٌ عَمّا یَعمَلُ الظّالِمونَ،وأنَا أشهَدُ أنَّ مَن رَغِبَ عَن مُجاوَرَتِکَ،وطَمِعَ فی مُحارَبَتِکَ ومُحارَبَةِ نَبِیِّکَ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله، فَما لَهُ مِن خَلاقٍ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:اللّهُمَّ اشهَد ! فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ:جُعِلتُ فِداکَ یَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ ! کَأَنَّکَ تُریدُنی إلی نَفسِکَ،وتُریدُ مِنّی أن أنصُرَکَ ! وَاللّهِ الَّذی لا إلهَ إلّاهُوَ،أن لَو ضَرَبتُ بَینَ یَدَیکَ بِسَیفی هذا حَتّی انخَلَعَ جَمیعاً مِن کَفّی،لَما کُنتُ مِمَّن اوفی

ص:284

مِن حَقِّکَ عُشرَ العُشرِ،وها أنَا بَینَ یَدَیکَ،مُرنی بِأَمرِکَ.

فَقالَ ابنُ عُمَرَ:مَهلاً ! ذَرنا مِن هذا یَا بنَ عَبّاسٍ.قالَ:ثُمَّ أقبَلَ ابنُ عُمَرَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ:أبا عَبدِ اللّهِ،مَهلاً عَمّا قَد عَزَمتَ عَلَیهِ،وَارجِع مِن هُنا إلَی المَدینَةِ،وَادخُل فی صُلحِ القَومِ،ولا تَغِب عَن وَطَنِکَ وحَرَمِ جَدِّکَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله، ولا تَجعَل لِهؤُلاءِ الَّذینَ لا خَلاقَ لَهُم عَلی نَفسِکَ حُجَّةً وسَبیلاً،وإن أحببَتَ ألّا تُبایِعَ فَأَنتَ مَتروکٌ حَتّی تَری بِرَأیِکَ،فَإِنَّ یَزیدَ بنَ مُعاوِیَةَ عَسی ألّا یَعیشَ إلّاقَلیلاً، فَیَکفِیَکَ اللّهُ أمرَهُ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:اُفٍّ لِهذَا الکَلامِ أبَداً مادامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ،أسأَلُکَ بِاللّهِ یا عَبدَ اللّهِ،أنَا عِندَکَ عَلی خَطَأٍ مِن أمری هذا؟فَإِن کُنتُ عِندَکَ عَلی خَطَأٍ فَرُدَّنی، فَإِنّی أخضَعُ وأسمَعُ واُطیعُ.

فَقالَ ابنُ عُمَرَ:اللّهُمَّ لا،ولَم یَکُنِ اللّهُ تَعالی یَجعَلُ ابنَ بِنتِ رَسولِهِ عَلی خَطَأٍ، ولَیسَ مِثلُکَ مِن طَهارَتِهِ وصَفوَتِهِ مِنَ الرَّسولِ صلّی اللّه علیه و آله عَلی مِثلِ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ بِاسمِ الخِلافَةِ،ولکن أخشی أن یُضرَبَ وَجهُکَ هذَا الحَسَنُ الجَمیلُ بِالسُّیوفِ،وتَری مِن هذِهِ الاُمَّةِ ما لا تُحِبُّ،فَارجِع مَعَنا إلَی المَدینَةِ،وإن لَم تُحِبَّ أن تُبایِعَ،فَلا تُبایِع أبداً وَاقعُد فی مَنزِلِکَ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:هَیهاتَ یَا بنَ عُمَرَ،إنَّ القَومَ لا یَترُکونّی،وإن أصابونی وإن لَم یُصیبونی فَلا یَزالونَ حَتّی ابایِعَ وأنَا کارِهٌ،أو یَقتُلونی،أما تَعلَمُ یا عَبدَ اللّهِ،أنَّ مِن هَوانِ هذِهِ الدُّنیا عَلَی اللّهِ تَعالی أنَّهُ اتِیَ بِرَأسِ یَحیَی بنِ زَکَرِیّا علیه السّلام إلی بَغِیَّةٍ مِن بَغایا بَنی إسرائیلَ،وَالرَّأسُ یَنطِقُ بِالحُجَّةِ عَلَیهِم؟! أما تَعلَمُ أبا عَبدِ الرَّحمنِ،أنَّ بَنی إسرائیلَ کانوا یَقتُلونَ ما بَینَ طُلوعِ الفَجرِ إلی طُلوعِ الشَّمسِ سَبعینَ نَبِیّاً،ثُمَّ یَجلِسونَ فی أسواقِهِم یَبیعونَ ویَشتَرونَ کُلُّهُم کَأَنَّهُم لَم یَصنَعوا شَیئاً؟! فَلَم یُعَجِّلِ اللّهُ

ص:285

عَلَیهِم،ثُمَّ أخَذَهُم بَعدَ ذلِکَ أخذَ عَزیزٍ مُقتَدِرٍ.اِتَّقِ اللّهَ أبا عَبدِ الرَّحمنِ ولا تَدَعَنَّ نُصرَتی....

ثُمَّ أقبَلَ الحُسَینُ علیه السّلام عَلی عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ،فَقالِ:یَا بنَ عَبّاسٍ،إنَّکَ ابنُ عُمِّ والِدی،ولَم تَزَل تَأمُرُ بِالخَیرِ مُنذُ عَرَفتُکَ،وکُنتَ مَعَ والِدی تُشیرُ عَلَیهِ بِما فیهِ الرَّشادُ،وقَد کانَ یَستَنصِحُکَ ویَستَشیرُکَ فُتُشیرُ عَلَیهِ بِالصَّوابِ،فَامضِ إلَی المَدینَةِ فی حِفظِ اللّهِ وکَلائِهِ،ولا یَخفی عَلَیَّ شَیءٌ مِن أخبارِکَ،فَإِنّی مُستَوطِنٌ هذَا الحَرَمَ، ومُقیمٌ فیهِ أبَداً ما رَأَیتُ أهلَهُ یُحبّونّی ویَنصُرونّی،فَإِذا هُم خَذَلونِی استَبدَلتُ بِهِم غَیرَهُم،وَاستَعصَمتُ بِالکَلِمَةِ الَّتی قالَها إبراهیمُ الخَلیلُ علیه السّلام یَومَ القِیَ فِی النّارِ:

«حَسِبیَ اللّهُ ونِعمَ الوَکیلُ»فَکانَتِ النّارُ عَلَیهِ بَرداً وسَلاماً.

قالَ:فَبَکَی ابنُ عَبّاسٍ وابنُ عُمَرَ فی ذلِکَ الوَقتِ بُکاءً شَدیداً،وَالحُسَینُ علیه السّلام یَبکی مَعَهُما ساعَةً،ثُمَّ وَدَّعَهُما،وصارَ ابنُ عُمَرَ وَابنُ عَبّاسٍ إلَی المَدینَةِ،وأقامَ الحُسَینُ علیه السّلام بِمَکَّةَ. (1)

1368.تذکرة الخواصّ عن هشام بن محمّد: إنَّ حُسَیناً علیه السّلام کَثُرَت عَلَیهِ کُتُبُ أهلِ الکوفَةِ، وتَواتَرَت إلَیهِ رُسُلُهُم:«إن لَم تَصِل إلَینا فَأَنتَ آثِمٌ»،فَعَزَمَ عَلَی المَسیرِ،فَجاءَ إلَیهِ ابنُ عَبّاسٍ ونَهاهُ عَن ذلِکَ،وقالَ لَهُ:یَا بنَ عَمِّ،إنَّ أهلَ الکوفَةِ قَومٌ غُدُرٌ،قَتَلوا أباکَ، وخَذَلوا أخاکَ وطَعَنوهُ وسَلَبوهُ وسَلَّموهُ إلی عَدُوِّهِ،وفَعَلوا ما فَعَلوا.

فَقالَ:هذِهِ کُتُبُهُم ورُسُلُهُم،وقَد وَجَبَ عَلَیَّ المَسیرُ لِقِتالِ أعداءِ اللّهِ.فَبَکَی ابنُ عَبّاسٍ،وقالَ:واحُسَیناه ! (2)

1369.دلائل الإمامة عن عبد اللّه بن عبّاس: لَقیتُ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام وهُوَ یَخرُجُ إلَی

ص:286

العِراقِ،فَقُلتُ لَهُ:یَا بنَ رَسولِ اللّهِ،لا تَخرُج،قالَ:فَقالَ لی:یَا بنَ عَبّاسٍ،أما عَلِمتَ أنّ مَنِیَّتی مِن هُناکَ،وأنَّ مَصارِعَ أصحابی هُناکَ؟فَقُلتُ لَهُ:فَأنّی لَکَ ذلِکَ؟ قالَ:بِسِرٍّ سُرَّ لی،وعِلمٍ اعطیتُهُ. (1)

1370.کشف الریبة عن عبداللّه بن سلیمان النوفلی عن جعفر بن محمّد الصادق عن أبیه محمّد بن علیّ بن الحسین [الباقر] علیهما السّلام :لَمّا تَجَهَّزَ الحُسَینُ علیه السّلام إلَی الکوفَةِ،أتاهُ ابنُ عَبّاسٍ،فَناشَدَهُ اللّهَ وَالرَّحِمَ أن یَکونَ هُوَ المَقتولَ بِالطَّفِّ.فَقالَ:[أنا أعرَفُ] (2)بِمَصرَعی مِنکَ،وما وُکدی (3)مِنَ الدُّنیا إلّافِراقُها. (4)

1371.الملهوف: وجاءَهُ [أی الإمامَ الحُسَینَ علیه السّلام عِندَ الخُروجِ مِن مَکَّةَ] عَبدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ، وعَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ،فَأَشارا عَلَیهِ بِالإِمساکِ.

فَقالَ لَهُما:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله قَد أمَرَنی بِأَمرٍ وأنَا ماضٍ فیهِ.

قالَ:فَخَرَجَ ابنُ عَبّاسٍ وهُوَ یَقولُ:واحُسَیناه. (5)

1372.اُسد الغابة: سارَ [الإِمامُ الحُسَینُ علیه السّلام ] مِنَ المَدینَةِ إلی مَکَّةَ،فَأَتاهُ کُتُبُ أهلِ الکوفَةِ وهُوَ بِمَکَّةَ،فَتَجَهَّزَ لِلمَسیرِ،فَنَهاهُ جَماعَةٌ،مِنهُم:أخوهُ مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِیَّةِ،وَابنُ عُمَرَ،وَابنُ عَبّاسٍ،وغَیرُهُم.

فَقالَ:رَأَیتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فِی المَنامِ،وأمَرَنی بِأَمرٍ فَأَنَا فاعِلٌ ما أمَرَ. (6)

راجع:ص244 (الفصل السادس/عبد اللّه بن عبّاس).

ص:287

ولا تُستَحَلُّ بِنا (1)،ولَأَن اقتَلَ عَلی تَلِّ أعفَرَ (2)أحَبُّ إلَیَّ مِن أن اقتَلَ بِها. (3)

1375.کامل الزیارات عن أبی سعید عقیصا: سَمِعتُ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام و خَلا بِهِ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ وناجاهُ طَویلاً،قالَ:ثُمَّ أقبَلَ الحُسَینُ علیه السّلام بِوَجهِهِ إلَیهِم،وقالَ:إنَّ هذا یَقولُ لی:کُن حَماماً مِن حَمامِ الحَرَمِ ! ولَأَن اقتَلَ بَینی وبَینَ الحَرَمِ باعٌ أحَبُّ إلَیَّ مِن أن اقتَلَ وبَینی وبَینَهُ شِبرٌ،ولَأَن اقتَلَ بِالطَّفِّ أحَبُّ إلَیَّ مِن أن اقتَلَ بِالحَرَمِ. (4)

1376.تاریخ دمشق عن بشر بن غالب: قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ لِحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام:أینَ تَذهَبُ؟إلی قَومٍ قَتَلوا أباکَ وطَعَنوا أخاکَ؟! (5)

فَقالَ لَهُ حُسَینٌ علیه السّلام:لَأَن اقتَلَ بِمَکانِ کَذا وکَذا،أحَبُّ إلَیَّ مِن أن تُستَحَلَّ بی -یَعنی مَکَّةَ-. (6)

1377.الأمالی للشجری عن بشر بن غالب الأسدی: إنَّ ابنَ الزُّبَیرِ لَحِقَ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام، قالَ:أینَ تُریدُ؟قالَ:العِراقَ.قالَ:هُمُ الَّذینَ قَتَلوا أباکَ وطَعَنوا أخاکَ ! وأنا أری أنَّهُم قاتِلوکَ.قالَ:وأنا أری ذلِکَ. (7)

ص:289

1378.تاریخ دمشق عن معمر: سَمِعتُ رَجُلاً یُحَدِّثُ عَنِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،قالَ:سَمِعتُهُ یَقولُ لِعَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَیرِ:أتَتنی (1)بَیعَةُ أربَعینَ ألفاً یَحلِفونَ لی بِالطَّلاقِ وَالعِتاقِ مِن أهلِ الکوفَةِ-أو قالَ:مِن أهلِ العِراقِ-.

فَقالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ:أتَخرُجُ إلی قَومٍ قَتَلوا أباکَ،وأخرَجوا أخاکَ؟! (2)

1379.تاریخ الطبری عن أبی سعید عقیصا عن بعض أصحابه: سَمِعتُ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام وهُوَ بِمَکَّةَ،وهُوَ واقِفٌ مَعَ عَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَیرِ،فَقالَ لَهُ ابنُ الزُّبَیرِ:إلَیَّ یَا بنَ فاطِمَةَ، فَأَصغی إلَیهِ فَسارَّهُ،قالَ:ثُمَّ التَفَتَ إلَینَا الحُسَینُ علیه السّلام فَقالَ:أتَدرونَ ما یَقولُ ابنُ الزُّبَیرِ؟فَقُلنا:لا نَدری جَعَلَنَا اللّهُ فِداکَ ! فَقالَ:قالَ:أقِم فِی هذَا المَسجِدِ؛أجمَعُ لَکَ النّاسَ.

ثُمَّ قالَ الحُسَینُ علیه السّلام:وَاللّه ِ،لَأَن اقتَلَ خارِجاً مِنها بِشِبرٍ،أحَبُّ إلَیَّ مِن أن اقتَلَ داخِلاً مِنها بِشِبرٍ،وَایمُ اللّهِ،لَو کُنتُ فی جُحرٍ هامّةٍ مِن هذِهِ الهَوامِّ لَاستَخرَجونی حَتّی یَقضوا فِیَّ حاجَتَهُم،ووَاللّهِ لَیَعتَدُنَّ عَلَیَّ کَمَا اعتَدَتِ الیَهودُ فِی السَّبتِ. (3)

1380.تاریخ الطبری عن عبد اللّه بن سلیم و المذری بن المشمعل الأسدیّین: خَرَجنا حاجّینَ مِنَ الکوفَةِ حَتّی قَدِمنا مَکَّةَ،فَدَخَلنا یَومَ التَّروِیَةِ،فَإِذا نَحنُ بِالحُسَینِ علیه السّلام وعَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَیرِ قائِمَینِ عِندَ ارتِفاعِ الضُّحی فیما بَینَ الحِجرِ وَالبابِ،قالا:فَتَقَرَّبنا مِنهُما، فَسَمِعنا ابنَ الزُّبَیرِ وهُوَ یَقولُ لِلحُسَینِ علیه السّلام:إن شِئتَ أن تُقیمَ أقَمتَ فَوُلّیتَ هذَا الأَمرَ،

ص:290

فَآزَرناکَ وساعَدناکَ،ونَصَحنا لَکَ وبایَعناکَ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:إنَّ أبی حَدَّثَنی أنَّ بِها کَبشاً یَستَحِلُّ حُرمَتَها،فَما احِبُّ أن أکونَ أنا ذلِکَ الکَبشَ،فَقالَ لَهُ ابنُ الزُّبَیرِ:فَأَقِم إن شِئتَ،وتُوَلّینی-أنَا-الأَمرَ فَتُطاعُ ولا تُعصی.فَقالَ:وما اریدُ هذا أیضاً.

قالا:ثُمَّ إنَّهُما أخفَیا کَلامَهُما دونَنا،فَما زالا یَتَناجَیانِ حَتّی سَمِعنا دُعاءَ النّاسِ رائِحینَ مُتَوَجِّهینَ إلی مِنیً عِندَ الظُّهرِ؛قالا:فَطافَ الحُسَینُ علیه السّلام بِالبَیتِ وبَینَ الصَّفا وَالمَروَةِ،وقَصَّ مِن شَعرِهِ وحَلَّ مِن عُمرَتِهِ،ثُمَّ تَوَجَّهَ نَحوَ الکوفَةِ،وتَوَجَّهنا نَحوَ النّاسِ إلی مِنی. (1)

1381.تاریخ الطبری عن عقبة بن سمعان: أتَاهُ ابنُ الزُّبَیرِ فَحَدَّثَهُ ساعَةً،ثُمَّ قالَ:ما أدری ما تَرکُنا هؤُلاءِ القَومَ وکَفُّنا عَنهُم،ونَحنُ أبناءُ المُهاجِرینَ ووُلاةُ هذَا الأَمرِ دونَهُم ! خَبِّرنی ما تُریدُ أن تَصنَعَ؟

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:وَاللّهِ لَقَد حَدَّثتُ نَفسی بِإِتیانِ الکوفَةِ،ولَقَد کَتَبَ إلَیَّ شیعَتی بِها وأشرافُ أهلِها،وأستَخیرُ اللّهَ.

فَقالَ لَهُ ابنُ الزُّبَیرِ:أما لَو کانَ لی بِها مِثلُ شیعَتِکَ ما عَدَلتُ بِها ! ثُمَّ إنَّهُ خَشِیَ أن یَتَّهِمَهُ،فَقالَ:أما إنَّکَ لَو أقَمتَ بِالحِجازِ ثُمَّ أرَدتَ هذَا الأَمرَ هاهُنا ما خولِفَ عَلَیکَ إن شاءَ اللّهُ،ثُمَّ قامَ فَخَرَجَ مِن عِندِهِ.

فَقالُ الحُسَینُ علیه السّلام:ها،إنَّ هذا لَیسَ شَیءٌ یُؤتاه مِنَ الدُّنیا أحَبَّ إلَیهِ مِن أن أخرُجَ مِنَ الحِجازِ إِلَی العِراقِ،وقَد عَلِمَ أنَّهُ لَیسَ لَهُ مِنَ الأَمرِ مَعی شَیءٌ،وأنَّ النّاسَ لَم یَعدِلوهُ بی،فَوَدَّ أنّی خَرَجتُ مِنها لِتَخلُوَ لَهُ. (2)

1382.الکامل فی التاریخ: خَرَجَ ابنُ عَبّاسٍ وأتاهُ [أیِ الحُسَینَ علیه السّلام ] ابنُ الزُّبَیرِ فَحَدَّثَهُ

ص:291

ساعَةً،ثُمَّ قالَ:ما أدری ما تَرکُنا هؤُلاءِ القَومَ وکَفُّنا،ونَحنُ أبناءُ المُهاجِرینَ ووُلاةُ هذَا الأَمرِ دونَهُم،خَبِّرنی ما تُریدُ أن تَصنَعَ؟

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:لَقَد حَدَّثتُ نَفسی بِإِتیانِ الکوفَةِ،ولَقَد کَتَبَت إلَیَّ شیعَتی بِها، وأشرافُ النّاسِ،وأستَخیرُ اللّهَ.

فَقالَ لَهُ ابنُ الزُّبَیرِ:أما لَو کانَ لی بِها مِثلُ شیعَتِکَ لَما عَدَلتُ عَنها ! ثُمَّ خَشِیَ أن یَتَّهِمَهُ فَقالَ لَهُ:أما إنَّکَ لَو أقَمتَ بِالحِجازِ ثُمَّ أرَدتَ هذَا الأَمرَ هاهُنا،لَما خالَفنا عَلَیکَ،وساعَدناکَ وبایَعناکَ ونَصَحنا لَکَ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:إنَّ أبی حَدَّثَنی أنَّ لَها کَبشاً بِهِ تُستَحَلُّ حُرمَتُها،فَما احِبُّ أن أکونَ أنا ذلِکَ الکَبشَ.

قالَ:فَأَقِم إن شِئتَ وتُوَلّینی أنَا الأَمرَ،فَتُطاعُ ولا تُعصی.

قالَ:ولا اریدُ هذا أیضاً.ثُمَّ إنَّهُما أخفَیا کَلامَهُما دونَنا،فَالتَفَتَ الحُسَینُ علیه السّلام إلی مَن هُناکَ وقالَ:أتَدرونَ ما یَقولُ؟قالوا:لا نَدری،جَعَلَنا اللّهُ فِداکَ ! قالَ:إنَّهُ یَقولُ:

أقِم فی هذَا المَسجِدِ أجمَعُ لَکَ النّاسَ !

ثُمَّ قالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:وَاللّهِ لَأَن اقتَلَ خارِجاً مِنها بِشِبرٍ أحَبُّ إلَیَّ مِن أن اقتَلَ فیها،ولَأَن اقتَلَ خارِجاً مِنها بِشِبرَینِ أحَبُّ إلَیَّ مِن أن اقتَلَ خارِجاً مِنها بِشِبرٍ،وَایمُ اللّهِ،لَو کُنتُ فی جُحرِ هامَّةٍ مِن هذِهِ الهَوامِّ لَاستَخرَجونی حَتّی یَقضوا بی حاجَتَهُم ! وَاللّهِ لَیَعتَدُنَّ عَلَیَّ کَما اعتَدَتِ الیَهودُ فِی السَّبتِ.

فَقامَ ابنُ الزُّبَیرِ فَخَرَجَ مِن عِندِهِ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:إنَّ هذا لَیسَ شَیءٌ مِنَ الدُّنیا أحَبَّ إلَیهِ مِن أن أخرُجَ مِنَ الحِجازِ،وقَد عَلِمَ أنَّ النّاسَ لا یَعدِلونَهُ بی،فَوَدَّ أنّی خَرَجتُ حَتّی یَخلُوَ لَهُ. (1)

ص:292

1383.شرح الأخبار عن أبی سعید: کُنّا جُلوساً مَعَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام عِندَ جَمرَةِ العَقَبَةِ، فَلَقِیَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ،فَخَلا بِهِ،ثُمَّ مَضی.

فَقالَ لَنَا الحُسَینُ علیه السّلام:أتَدرونَ ما یَقولُ هذا؟یَقولُ:کُن حَمامَةً مِن حَمامِ هذَا المَسجِدِ ! وَاللّهِ لَأَن اقتَلَ خارِجاً مِنهُ بِشِبرٍ أحَبُّ إلَیَّ مِن أن اقتَلَ فیهِ،ولَأَن اقتَلَ خارِجاً مِنهُ بِشِبرَینِ أحَبُّ إلَیَّ مِن أن اقتَلَ خارِجاً مِنهُ بِشِبرٍ.وَاللّهِ لَو کُنتُ فی جُحرِ هامَّةٍ لَأَخرَجونی حَتّی یَقضوا فِیَّ حاجَتَهُم،وَاللّهِ لیعتدوا (1)فِیَّ کَمَا اعتَدَتِ الیَهودُ فِی السَّبتِ. (2)

1384.مروج الذهب: بَلَغَ ابنَ الزُّبَیرِ أنَّهُ [أیِ الحُسَینَ علیه السّلام ] یُریدُ الخُروجَ إلَی الکوفَةِ،وهُوَ أثقَلُ النّاسِ عَلَیهِ،قَد غَمَّهُ مَکانُهُ بِمَکَّةَ؛لِأَنَّ النّاسَ ما کانوا یَعدِلونَهُ بِالحُسَینِ علیه السّلام، فَلَم یَکُن شَیءٌ یُؤتاهُ أحَبَّ إلَیهِ مِن شُخوصِ الحُسَینِ علیه السّلام عَن مَکَّةَ،فَأَتاهُ فَقالَ:أبا عَبدِ اللّهِ،ما عِندَکَ؟فَوَاللّهِ لَقَد خِفتُ اللّهَ فی تَرکِ جِهادِ هؤُلاءِ القَومِ عَلی ظُلمِهِم وَاستِذلالِهِمُ الصّالحینَ مِن عِبادِ اللّهِ.

فَقالَ حُسَینٌ علیه السّلام:قَد عَزَمتُ عَلی إتیانِ الکوفَةِ.فَقالَ:وَفَّقَکَ اللّهُ،أما لَو أنَّ لی بِها مِثلَ أنصارِکَ ما عَدَلتُ عَنها.ثُمَّ خافَ أن یَتَّهِمَهُ،فَقالَ:ولَو أقَمتَ بِمَکانِکَ فَدَعَوتَنا وأهلَ الحِجازِ إلی بَیعَتِکَ،أجَبناکَ وکُنّا إلَیکَ سِراعاً،وکُنتَ أحَقَّ بِذلِکَ مِن یَزیدَ وأبی یَزیدَ. (3)

1385.أنساب الأشراف: عَرَضَ ابنُ الزُّبَیرِ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام أن یُقیمَ بِمَکَّةَ فَیُبایِعَهُ ویُبایِعَهُ

ص:293

النّاسُ،وإنَّما أرادَ بِذلِکَ ألّا یَتَّهِمَهُ وأن یُعذِرَ فِی القَولِ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:لَأَن اقتَلَ خارِجاً مِن مَکَّةَ بِشِبرٍ أحَبُّ إلَیَّ مِن أن اقتَلَ فیها، ولَأَن اقتَلَ خارِجاً مِنها بِشِبرَینِ أحَبُّ إلَیَّ مِن أن اقتَلَ خارِجاً مِنها بِشِبرٍ. (1)

1386.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): خَرَجَ الحُسَینُ علیه السّلام وعَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ مِن لَیلَتِهِما إلی مَکَّةَ،فَأَصبَحَ النّاسُ فَغَدَوا عَلَی البَیعَةِ لِیَزیدَ،وطُلِبَ الحُسَینُ علیه السّلام وابنُ الزُّبَیرِ فَلَم یوجَدا،فَقالَ المِسوَرُ بنُ مَخرَمَةَ:عَجَّلَ أبو عَبدِ اللّهِ، وابنُ الزُّبَیرِ الآنَ یَلفِتُهُ (2)ویُزجیهِ إلَی العِراقِ لِیَخلُوَ بِمَکَّةَ.

فَقَدِما مَکَّةَ،فَنَزَلَ الحُسَینُ علیه السّلام دارَ العَبّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ،ولَزِمَ ابنُ الزُّبَیرِ الحِجرَ ولَبِسَ المَعافِرِیَّ (3)،وجَعَلَ یُحَرِّضُ النّاسَ عَلی بَنی امَیَّةَ،وکانَ یَغدو ویَروحُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام ویُشیرُ عَلَیهِ أن یَقدَمَ العِراقَ،ویَقولُ:هُم شیعَتُکَ وشیعَةُ أبیکَ،وکانَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ یَنهاهُ عَن ذلِکَ،ویَقولُ:لا تَفعَل،وقالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ مُطیعٍ:أی فِداکَ أبی واُمّی مَتِّعنا بِنَفسِکَ،ولا تَسِر إلَی العِراقِ،فَوَاللّهِ لَئِن قَتَلَکَ هؤُلاءِ القَومُ لَیَتَّخِذُنّا خَوَلاً (4)وعَبیداً. (5)

1387.الأخبار الطوال: بَلَغَ عَبدَ اللّهِ بنَ الزُّبَیرِ ما یَهُمُّ بِهِ الحُسَینُ علیه السّلام،فَأَقبَلَ حَتّی دَخَلَ عَلَیهِ، فَقالَ لَهُ:لَو أقَمتَ بِهذَا الحَرَمِ،وبَثَثتَ رُسُلَکَ فِی البُلدانِ،وکَتَبتَ إلی شیعَتِکَ بِالعِراقِ أن یَقدَموا عَلَیکَ،فَإِذا قَوِیَ أمرُکَ نَفَیتَ عُمّالَ یَزیدَ عَن هذَا البَلَدِ،وعَلَیَّ لَکَ

ص:294

المُکانَفَةُ (1)وَالمُؤازَرَةُ،وإن عَمِلتَ بِمَشورَتی طَلَبتَ هذَا الأَمرَ بِهذَا الحَرَمِ؛فَإِنَّهُ مَجمَعُ أهلِ الآفاقِ،ومَورِدُ أهلِ الأَقطارِ،لم یُعدِمکَ بِإِذنِ اللّهِ إدراکَ ما تُریدُ،ورَجَوتُ أن تَنالَهُ. (2)

1388.شرح الأخبار: لَمّا هَمَّ [الحُسَینُ علیه السّلام ] بِالخُروجِ مِن مَکَّةَ لَقِیَهُ ابنُ الزُّبَیرِ،فَقالَ:یا أبا عَبدِ اللّهِ،إنَّکَ مَطلوبٌ،فَلَو مَکَثتَ بِمَکَّةَ،فَکُنتَ کَأَحدِ حَمامِ هذَا البَیتِ،وَاستَجَرتَ بِحَرَمِ اللّهِ،لَکانَ ذلِکَ أحسَنُ لَکَ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:یَمنَعُنی مِن ذلِکَ قَولُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:«سَیَستَحِلُّ هذَا الحَرَمَ مِن أجلی رَجُلٌ مِن قُرَیشٍ» (3)،وَاللّهِ لا أکونُ ذلِکَ الرَّجَلُ،صَنَعَ اللّهُ بی ما هُوَ صانِعٌ. (4)

1389.تذکرة الخواصّ: لَمّا بَلَغَ ابنَ الزُّبَیرِ عَزمُهُ [أیِ الحُسَینِ علیه السّلام ]،دَخَلَ عَلَیهِ وقالَ لَهُ:لَو أقَمتَ هاهُنا بایَعناکَ،فَأَنتَ أحَقُّ مِن یَزیدَ وأبیهِ.وکانَ ابنُ الزُّبَیرِ أسَرَّ النّاسِ بِخُروجِهِ من مَکَّةَ،وإنَّما قالَ لَهُ هذا لِئَلّا یَنسِبَهُ إلی شَیءٍ آخَرَ. (5)

1390.تاریخ الطبری عن عقبة بن سمعان: نَزَلَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] مَکَّةَ،فَأَقبَلَ أهلُها یَختَلِفونَ إلَیهِ ویَأتونَهُ،ومَن کانَ بِها مِنَ المُعتَمِرینَ وأهلِ الآفاقِ،وَابنُ الزُّبَیرِ بِها قَد لَزِمَ الکَعبَةَ،فَهُوَ قائِمٌ یُصَلّی عِندَها عامّةَ النَّهارِ ویَطوفُ،ویَأتی حُسَیناً علیه السّلام فیمَن یَأتیهِ، فَیَأتیهِ الیَومَینِ المُتَوالِیَینِ،ویَأتیهِ بَینَ کُلِّ یَومَینِ مَرَّةً،ولا یَزالُ یُشیرُ عَلَیهِ بِالرَّأیِ، وهُوَ أثقَلُ خَلقِ اللّهِ عَلَی ابنِ الزُّبَیرِ،قَد عَرَفَ أنَّ أهلَ الحِجازِ لا یُبایِعونَهُ ولا یُتابِعونَهُ أبَداً مادامَ حُسَینٌ علیه السّلام بِالبَلَدِ،وأنَّ حُسَیناً علیه السّلام أعظَمُ فی أعیُنِهِم وأنفُسِهِم مِنهُ،

ص:295

وأطوَعُ فِی النّاسِ مِنهُ. (1)

1391.مقاتل الطالبیّین: کانَ مُسلِمٌ قَد کَتَبَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام بِأَخذِ البَیعَةِ لَهُ،وَاجتِماعِ النّاسِ عَلَیهِ وَانتِظارِهِم إیّاهُ،فَأَزمَعَ الشُّخوصَ إلَی الکوفَةِ،ولَقِیَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ فی تِلکَ الأَیّامِ-ولَم یَکُن شَیءٌ أثقَلَ عَلَیهِ مِن مَکانِ الحُسَینِ علیه السّلام بِالحِجازِ،ولا أحَبَّ إلَیهِ مِن خُروجِهِ إلَی العِراقِ طَمَعاً فِی الوُثوبِ بِالحِجازِ،وعِلماً بِأَنَّ ذلِکَ لا یَتِمُّ لَهُ إلّابَعدَ خُروجِ الحُسَینِ علیه السّلام-فَقالَ لَهُ:عَلی أیِّ شَیءٍ عَزَمتَ یا أبا عَبدِ اللّهِ؟

فَأَخبَرَهُ بِرَأیِهِ فی إتیانِ الکوفَةِ،وأعلَمَهُ بِما کَتَبَ بِهِ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ إلَیهِ،فَقالَ لَهُ ابنُ الزُّبَیرِ:فَما یَحبِسُکَ؟فَوَاللّهِ لَو کانَ لی مِثلُ شیعَتِکَ بِالعِراقِ ما تَلَوَّمتُ فی شَیءٍ ! وقَوّی عَزمَهُ،ثُمَّ انصَرَفَ. (2)

1392.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن أبی سلمة بن عبد الرحمن: قَد کانَ یَنبَغی لِحُسَینٍ علیه السّلام أن یَعرِفَ أهلَ العِراقِ،ولا یَخرُجَ إلَیهِم،ولکِن شَجَّعَهُ عَلی ذلِکَ ابنُ الزُّبَیرِ. (3)

1393.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: أقبَلَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ فَسَلَّمَ عَلَیهِ وجَلَسَ ساعَةً،ثُمَّ قالَ:أما وَاللّهِ یَابنَ رَسولِ اللّهِ،لَو کانَ لی بِالعِراقِ مِثلُ شیعَتِکَ لَما أقَمتُ بِمَکَّةَ یَوماً واحِداً،ولَو أنَّکَ أقَمتَ بِالحِجازِ ما خالَفَکَ أحَدٌ،فَعَلی ماذا نُعطی هؤُلاءِ الدَّنِیَّةَ، ونُطمِعُهُم فی حَقِّنا،ونَحنُ أبناءُ المُهاجِرینَ وهُم أبناءُ المُنافِقینَ؟!

قالَ:وکانَ هذَا الکَلامُ مَکراً مِنِ ابنِ الزُّبَیرِ؛لِأَنَّهُ لا یُحِبُّ أن یَکونَ بِالحِجازِ أحَدٌ

ص:296

یُناویهِ (1)،فَسَکَتَ عَنهُ الحُسَینُ علیه السّلام وعَلِمَ ما یُریدُ. (2)

المَوتُ عَلی وُلدِ آدَمَ مَخَطَّ القِلادَةِ عَلی جیدِ الفَتاةِ،وما أولَهَنی (1)إلی (2)أسلافِی اشتِیاقَ یَعقوبَ إلی یوسُفَ،وخیرَ لی مَصرَعٌ أنَا لاقیهِ،کَأَنّی بِأَوصالی تُقَطِّعُها ذِئابُ الفَلَواتِ بَینَ النَّواویسِ (3)وکَربَلاءَ،فَیَملَأنَ مِنّی أکراشاً جوفاً وأجرِبَةً سُغباً (4)،لا مَحیصَ عَن یَومٍ خُطَّ بِالقَلَمِ،رِضَی اللّهِ رِضانا أهلَ البَیتِ،نَصبِرُ عَلی بَلائِهِ ویُوَفّینا اجورَ الصّابِرینَ،لَن تَشُذَّ عَن رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لُحمَتُهُ (5)،بَل هِیَ مَجموعَةٌ لَهُ فی حَظیرَةِ القُدسِ،تَقَرُّ بِهِم عَینُهُ،ویُنجَزُ بِهِم وَعدُهُ.مَن کانَ باذِلاً فینا مُهجَتَهُ،ومُوَطِّناً عَلی لِقاءِ اللّهِ نَفسَهُ،فَلیَرحَل مَعَنا؛فَإِنّی راحِلٌ مُصبِحاً إن شاءَ اللّهُ. (6)

فَقالَ:یَابنَ الزَّبَیرِ،لَأَن ادفَنَ بِشاطِئِ الفُراتِ،أحَبُّ إلَیَّ مِن أن ادفَنَ بِفِناءِ الکَعبَةِ. (1)

1397.تهذیب الأحکام عن إبراهیم بن عمر الیمانیّ عن أبی عبداللّه [الصادق] علیه السّلام :إنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام خَرَجَ یَومَ التَّروِیَةِ إلَی العِراقِ،وقَد کانَ دَخَلَ مُعتَمِراً. (2)

1398.الکافی عن معاویة بن عمّار عن أبی عبداللّه [الصادق] علیه السّلام :قَدِ اعتَمَرَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام فی ذِی الحِجَّةِ،ثُمَّ راحَ یَومَ التَّروِیَةِ إلَی العِراقِ،وَالنّاسُ یَروحونَ إلی مِنی. (3)

1399.تاریخ الطبری عن عون بن أبی جحیفة: کانَ مَخرَجُ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ بِالکوفَةِ یَومَ الثَّلاثاءِ،لِثَمانِ لَیالٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ سَنَةَ سِتّینَ،ویُقالُ (4):یَومَ الأَربِعاءِ لِتِسعٍ (5)مَضَینَ سَنَةَ سِتّینَ مِن یَومِ عَرَفَةَ (6)،بَعدَ مَخرَجِ الحُسَینِ علیه السّلام مِن مَکَّةَ مُقبِلاً إلَی الکوفَةِ بِیَومٍ.

قالَ:وکانَ مَخرَجُ الحُسَینِ علیه السّلام مِنَ المَدینَةِ إلی مَکَّةَ یَومَ الأَحَدِ،لِلَیلَتَینِ بَقِیَتا مِن رَجَبٍ سَنَةَ سِتّینَ،ودَخَلَ مَکَّةَ لَیلَةَ الجُمُعَةِ،لِثَلاثٍ مَضَینَ مِن شَعبانَ،فَأَقامَ بِمَکَّةَ شَعبانَ وشَهرَ رَمضانَ وشَوّالاً وذَا القِعدَةِ،ثُمَّ خَرَجَ مِنها لِثَمانٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ، یَومَ الثَّلاثاءِ یَومَ التَّروِیَةِ،فِی الیَومِ الَّذی خَرَجَ فیهِ مُسلِمُ بنُ عَقیلٍ. (7)

ص:299

1400.الإرشاد: کانَ خُروجُ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ بِالکوفَةِ یَومَ الثَّلاثاءِ،لِثَمانٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ سَنَةَ سِتّینَ،وقَتلُهُ یَومَ الأَربِعاءِ،لِتِسعٍ خَلَونَ مِنهُ یَومَ عَرَفَةَ.

وکانَ تَوجُّهُ الحُسَینِ علیه السّلام مِن مَکَّةَ إلَی العِراقِ فی یَومِ خُروجِ مُسلِمٍ بِالکوفَةِ-وهُوَ یَومُ التَّروِیَةِ-بَعدَ مُقامِهِ بِمَکَّةَ بَقِیَّةَ شَعبانَ وشَهرَ رَمضانَ وشَوّالاً وذَاالقِعدَةِ وثَمانِیَ لَیالٍ خَلَونَ مِن ذِی الحِجَّةِ،سَنَةَ سِتّینَ. (1)

1401.مروج الذهب: کانَ ظُهورُ مُسلِمٍ بِالکوفَةِ یَومَ الثَّلاثاءِ،لِثَمانِ لَیالٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ سَنَةَ سِتّینَ،وهُوَ الیَومُ الَّذِی ارتَحَلَ فیهِ الحُسَینُ علیه السّلام مِن مَکَّةَ إلَی الکوفَةِ.

وقیلَ:یَومَ الأَربِعاءِ،یَومَ عَرَفَةَ،لِتِسعٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ سَنَةَ سِتّینَ. (2)

1402.الملهوف: کانَ قَد تَوَجَّهَ الحُسَینُ علیه السّلام مِن مَکَّةَ یَومَ الثَّلاثاءِ،لِثَلاثٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ،وقیلَ:لِثَمانٍ مَضَینَ مِن ذِی الحِجَّةِ،سَنَةَ سِتّینَ مِنَ الهِجرَةِ،قَبل أن یَعلَمَ بِقَتلِ مُسلِمٍ؛لِأَنَّهُ علیه السّلام خَرَجَ مِن مَکَّةَ فِی الیَومِ الَّذی قُتِلَ فیهِ مُسلِمٌ رِضوانُ اللّهِ عَلَیهِ. (3)

1403.الأخبار الطوال: کانَ قَتلُ مُسلِمِ بنِ عَقیلٍ یَومَ الثَّلاثاءِ،لِثَلاثٍ خَلَونَ مِن ذِی الحِجَّةِ

ص:300

سَنَةَ سِتّینَ،وهِیَ السَّنَةُ الَّتی ماتَ فیها مُعاوِیَةُ،وخَرَجَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام مِن مَکَّةَ فی ذلِکَ الیَومِ. (1)

1404.تاریخ الإسلام: بَعَثَ أهلُ العِراقِ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام الرُّسُلَ وَالکُتُبَ یَدعونَهُ إلَیهِم،فَخَرَجَ مِن مَکَّةَ مُتَوَجِّهاً إلَی العِراقِ فی عَشرِ ذِی الحِجَّةِ. (2)

ص:301

ص:302

المصدر الرئیس لهذه الشهرة هو ما ذکره بعض أرباب المقاتل وأصحاب السیر، (1)ومن جملتهم العلّامة المجلسی رحمه الله،حیث قال فی بیان سبب خروج الإمام من المدینة إلی مکّة، ومن مکّة فی موسم الحجّ:

إنّه قد ظهر لک من الأخبار السابقة أنّه علیه السّلام هرب من المدینة-خوفاً من القتل-إلی مکّة،وکذا خرج من مکّة بعدما غلب علی ظنّه أنّهم یریدون غیلته وقتله،حتّی لم یتیسّر له-فداه نفسی وأبی واُمّی وولدی-أن یتمّ حجّه،فتحلّل وخرج منها خائفاً یترقّب،وقد کانوا لعنهم اللّه ضیّقوا علیه جمیع الأقطار،ولم یترکوا له موضعاً للفرار.

ولقد رأیت فی بعض الکتب المعتبرة أنّ یزید أنفذ عمرو بن سعید بن العاص فی عسکر عظیم وولّاه أمر الموسم وأمّره علی الحاجّ کلّهم،وکان قد أوصاه بقبض الحسین علیه السّلام سرّاً،وإن لم یتمکّن منه بقتله غیلة،ثم إنّه دسّ مع الحاجّ فی تلک السنة ثلاثین رجلاً من شیاطین بنی امیة،وأمرهم بقتل الحسین علیه السّلام علی أیّ حالٍ اتّفقَ، فلمّا علم الحسین علیه السّلام بذلک حلّ من إحرام الحجّ،وجعلها عمرةً مفردةً. (2)

ولکنّ هذا الکلام لا یمکن الأخذ به للأسباب التالیة:

أوّلاً:إنّ روایة معاویة بن عمّار،وکذلک إبراهیم بن عمیر الیمانی-المعتبرتان من حیث السند-تدلّان بوضوح علی أنّ عمرة الإمام الحسین علیه السّلام کانت عمرة مفردة لا عمرة تمتّع، وعلی هذا فإنّ الإمام علیه السّلام لم یکن محرماً أساساً عند خروجه من مکّة،ولم یکن یواجه مشکلة من هذه الناحیة،ویفید نصّ روایة معاویة بن عمار بأنّه سأل الإمام الصادق علیه السّلام:

من أین افترق المتمتّع والمعتمر؟فقال:

ص:304

إنَّ المُتَمَتِّعَ مُرتَبِطٌ بِالحَجِّ،وَالمُعتَمِرُ إذا فَرَغَ مِنها ذَهَبَ حَیثُ شاءَ،وقَدِ اعتَمَرَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام فی ذِی الحِجَّةِ ثُمَّ راحَ یَومَ التَّروِیَةِ إلَی العِراقِ،وَالنّاسُ یَروحونَ إلی مِنی،ولا بَأسَ بِالعُمرَةِ فی ذی الحِجَّةِ لِمَن لا یُریدُ الحَجَّ. (1)

ثانیاً:لا یصحّ من الناحیة الفقهیة تغییر إحرام الحجّ إلی العمرة،والشخص المحرم بإحرام الحجّ یخرج من الإحرام بالتضحیة إذا ما منعه شیء منه. (2)ولا یتغیّر حجّه إلی العمرة، ولذلک یقول الفقیه الکبیر آیة اللّه السیّد محسن الحکیم فی هذا المجال:

وأمّا ما فی بعض کتب المقاتل من أنّه جعل عمرتَه عمرةً مفردة ممّا یظهر منه أنّها کانت عمرة تمتّع وعدل بها إلی الإفراد،فلیس ممّا یصحّ التعویل علیه فی مقابل الأخبار المذکورة الّتی رواها أهل البیت علیهم السّلام. (3)

ومن البدیهی أنّه لو کان هناک دلیل یمکن الاعتماد علیه علی أنّ الإمام کان قد أبدل حجّه إلی عمرة،لَما أفتی الفقهاء بخلافه،وعلی هذا-وکما سبقت الإشارة-فإنّنا لا نفتقد الدلیل علی هذا المعنی وحسب،بل إنّ الدلیل یُثبت خلاف ذلک.

ص:305

ص:306

حسب التسلسل کما یلی:

1-مکّة 2-التنعیم 3-الصّفاح 4-بستان ابن عامر 5-ذات عرق 6-غمرة 7-المسلح 8-الاُفیعیة 9-معدن بنی سلیم 10-العمق 11-السلیلیة 12-الرّبذة 13-مغیثة الماوان 14-النقرة 15-الحاجر 16-سمیراء 17-توز 18-فید 19-الأجفر 20-الخزیمیّة 21-زرود 22-الثعلبیة 23-البطان 24-الشقوق 25-زبالة 26-القاع 27-العقبة 28-واقصة 29-شراف 30-ذو حسم 31-البیضة 32-عذیب الهجانات 33-الرّهیمة 34-قصر بنی مقاتل 35-الطفّ 36-کربلاء.

واستناداً إلی الحسابات التی اجریت،فقد اجتازت قافلة الإمام هذه المنازل بعد أن طوت مسافة بلغت حوالی (1447 کیلومتراً) فی مدّة استغرقت خمسة وعشرین یوماً،ودخلت کربلاء فی الیوم الثانی من محرّم عام (61 ه.ق). (1)

ص:308

وخاصَّتِهِ وحاشِیَتِهِ. (1)

راجع:ص 275 (تآمر یزید لقتل الإمام علیه السّلام فی مکّة).

1411.الکامل فی التاریخ: ثُمَّ خَرَجَ الحُسَینُ علیه السّلام یَومَ التَّروِیَةِ،فَاعتَرَضَهُ رُسُلُ عَمرِو بنِ سَعیدِ بنِ العاصِ،وهُوَ أمیرٌ عَلَی الحِجازِ لِیَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ مَعَ أخیهِ یَحیی،یَمنَعونَهُ، فَأَبی عَلَیهِم ومَضی،وتَضارَبوا بِالسِّیاطِ،وَامتَنَعَ الحُسَینُ علیه السّلام وأصحابُهُ. (1)

1412.العقد الفرید عن أبی عبید القاسم بن سلّام: قَدِمَ عَمرُو بنُ سَعیدٍ فی رَمضانَ أمیراً عَلَی المَدینَةِ وَالمَوسِمِ،وعَزَلَ الوَلیدَ بنَ عُتبَةَ،فَلَمَّا استَوی عَلَی المِنبَرِ رَعَفَ (2)،فَقالَ أعرابِیٌّ:مَه (3)! جاءَنا وَاللّهِ بِالدَّمِ ! قالَ:فَتَلَقّاهُ رَجُلٌ بِعِمامَتِهِ،فَقالَ:مَه ! عَمَّ النّاسَ وَاللّهِ ! ثُمَّ قامَ فَخَطَبَ،فَناوَلوهُ عَصاً لَها شُعبَتانِ،فَقالَ:تَشَعَّبَ النّاسُ وَاللّهِ !

ثُمَّ خَرَجَ إلی مَکَّةَ فَقَدِمَها قَبلَ یَومِ التَّروِیَةِ بِیَومٍ،ووَفَدَتِ النّاسُ لِلحُسَینِ علیه السّلام یَقولونَ:یا أبا عَبدِ اللّهِ،لَو تَقَدَّمتَ فَصَلَّیتَ بِالنّاسِ فَأَنزَلتَهُم بِدارِکَ؟إذ جاءَ المُؤَذِّنُ فَأَقامَ الصَّلاةَ،فَتَقَدَّمَ عَمرُو بنُ سَعیدٍ فَکَبَّرَ،فَقیلَ لِلحُسَینِ علیه السّلام:اُخرُج أبا عَبدِ اللّهِ إذ أبَیتَ أن تَتَقَدَّم.فَقالَ:اَلصَّلاةُ فِی الجَماعَةِ أفضَلُ.قالَ:فَصَلّی ثُمَّ خَرَجَ.

فَلَمَّا انصَرَفَ عَمرُو بنُ سَعیدٍ،بَلَغَهُ أنَّ حُسَیناً علیه السّلام قَد خَرَجَ،فَقالَ:اُطلُبوهُ،اِرکَبوا کُلَّ بَعیرٍ بَینَ السَّماءِ وَالأَرضِ فَاطلُبوهُ.قالَ:فَعَجِبَ النّاسُ مِن قَولِهِ هذا،فَطَلَبوهُ فَلَم یُدرِکوهُ. (4)

1413.المحاسن والمساوئ عن أبی معشر: قَدِمَ عَمرُو بنُ سَعیدِ بنِ العاصِ فی رَمَضانَ أمیراً عَلَی المَدینَةِ وعَلَی المَوسِمِ،وعَزَلَ الوَلیدَ بنَ عُتبَةَ،فَلَمَّا استَوی عَلَی المِنبَرِ

ص:311

رَعَفَ،فَقالَ أعرابِیٌّ:ما (1)جاءَنا وَاللّهِ بِالدّمِ ! قالَ:فَتَلَقّاهُ رَجُلٌ بِعِمامَتِهِ،فَقالَ:ما عَمَّ النّاسَ وَاللّهِ ! ثُمَّ قامَ وخَطَبَ،فَناوَلوهُ عَصاً لَها شُعبَتانِ،فَقالَ:تَشَعَّبَ النّاسُ وَاللّهِ !

ثُمَّ خَرَجَ إلی مَکَّةَ فَقَدِمَها قَبلَ التَّروِیَةِ بِیَومٍ،وخَرَجَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَقیلَ لَهُ:خَرَجَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَقالَ:اِرکَبوا کُلَّ بَعیرٍ وفَرَسٍ بَینَ السَّماءِ وَالأَرضِ فی طَلَبِهِ فَاطلُبوهُ.

قالَ:فَکانَ النّاسُ یَتَعَجَّبونَ مِن قَولِهِ هذا،فَطَلَبوهُ فَلَم یُدرِکوهُ. (2)