ص :2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :3

موسوعةالامام الحسین علیه السلام فی الکتاب والسنة والتاریخ

محمد الری شهری

بمساعدة السیدمحمود الطباطبائی نژاد، السیدروح ا... السیدالطبائی

التحقیق قسم تدوین السیره مرکز بحوث دارالحدیث.

ص :4

ص :5

ص :6

ص:8

ولا یَعتبر أتباعُ أهل البیت علیهم السّلام الإمامة منصباً اجتماعیّاً بحتاً یمکن اختیاره من قبل الناس؛ذلک لأنّ کون هذا المنصب مبیّناً وشارحاً للدین،وقدوة ونموذجاً للناس،یقوم علی مراتب علمیة ومعنویة مضمونة،حیث یعبّر عنها بمنصب الولایة الإلهیّة أیضاً.ولا یمکن لغیر المعصومین تشخیص أصحاب هذا المنصب ومن یلیق به،وإلی هذه الملاحظة یشیر الإمام الرضا علیه السّلام فی حدیث معروف. (1)

وعلی هذا الأساس فقد عمد خاتم الأنبیاء صلّی اللّه علیه و آله فی زمان حیاته مراراً إلی وصف الأئمّة من بعده والتعریف بهم،کما أوضح مصادیقهم العینیة خلال تفسیره للآیات القرآنیة،أمثال آیة المباهلة وآیة التطهیر وغیرهما.

وقد أکّد النبیّ صلّی اللّه علیه و آله یوم الغدیر فی آخر حجّة له علی استمرار النبوّة،والتلازم بین القرآن والعترة،وقدّم لاُمّته أوّل إمام بشکل حضوریّ.

وهکذا فإنّ للإمام منصباً معنویاً یتمثّل فی المرجعیة العلمیة والقیادة الاجتماعیة.

وحصر الإمامة فی المحور الثالث ناشئ من قصور الرؤیة،وعدم المعرفة الدقیقة للإمامة.ولذلک فإنّ الإمامة لیست ظاهرة تاریخیة انقضی زمنها ولا جدوی فی النزاع فیها؛ذلک لأنّ المنصب المعنویّ والمرجعیة العلمیة جدیدان دوماً،ولا استغناء لجمیع الناس والمسلمین عنهما،کما هو الحال بالنسبة إلی شأن القیادة الاجتماعیة فی عصر الغیبة،فإنّ له تأثیراً جدّیاً فی نوع نظرة المسلمین إلی الحکومة الدینیة والحکّام المتدیّنین.

ونظراً إلی أهمّیة منصب الإمامة ومکانتها بالنسبة إلی النبوّة،یتبیّن أنّ عدد الأئمّة وتعیین مصادیقهم إنّما هما شأنان سماویّان مرتبطان بالنصّ الدینی.ولذلک فإنّ الإمامیّة یعمدون إلی توثیق مسألة الإمامة والبرهنة علیها؛استناداً إلی النصوص

ص:10

الصادرة عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فی تفسیر الآیات القرآنیة،إضافة إلی النصوص غیر التفسیریة.کما أنّهم یستندون إلی النصّ الوارد بشأن أوّل إمام منصوص علیه نصبه النبیّ صلّی اللّه علیه و آله للتعریف بالأئمّة الآخرین.

وبعبارة اخری:إنّ الإمامة کالنبوّة أمرٌ توقیفیّ مرتبط بالنصّ،کما أنّ الأدلّة الّتی تستند إلیها المناظرات الفکریّة فی هذا المجال لا تخرج عن نطاق النصوص (الآیات والأحادیث) العامّة والخاصّة.

وسنعرض فی هذا القسم من الموسوعة النصوص المرویّة عن النبیّ والأئمّة -صلوات اللّه علیهم أجمعین-،والّتی تدلّ علی إمامة الإمام الحسین علیه السّلام وأبنائه.وقد صنّفت هذه النصوص والروایات المستفیضة والّتی جاءت فی مصادر الشیعة والسنّة فی أربع مجامیع:

المجموعة الاُولی:الروایات الّتی یخبرنا فیها رسول اللّه بإمامة الإمام الحسین علیه السّلام وأبنائه استناداً إلی الوحی الإلهی،وتدلّ هذه الروایات علی أنّ هناک صحیفة أو وصیّة من جانب اللّه عز و جل وصلت إلی النبیّ صلّی اللّه علیه و آله،وقد سجّلت فیها أسماء الأئمّة من بعده،وأنّ هذه الصحیفة والوصیّة وصلت إلی کلّ واحد من الأئمّة علیهم السّلام،کما یدلّ بعض أحادیث هذه المجموعة علی أنّ هذا الموضوع تمّ إبلاغه إلی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله خلال معراجه.

المجموعة الثانیة:یخبرنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فی هذه المجموعة عن إمامة الإمام الحسین علیه السّلام وأبنائه دون الاستناد إلی الصحیفة أو الوصیّة الإلهیّة،معتبراً طاعتهم ومعصیتهم بمثابة طاعة اللّه عز و جل ومعصیته.

المجموعة الثالثة:یخبرنا أئمّة أهل البیت علیهم السّلام فی هذه المجموعة بإمامة الإمام الحسین علیه السّلام وأبنائه.وقد نقلنا فی هذا الفصل کلام أمیر المؤمنین علیه السّلام،وصحیفة

ص:11

فاطمة علیها السّلام،وأقوال الإمام الحسن علیه السّلام،وأقوال الإمام الحسین علیه السّلام،والإمام السجّاد علیه السّلام،والإمام الباقر علیه السّلام،والإمام الصادق علیه السّلام،والإمام الکاظم علیه السّلام،والإمام الرضا علیه السّلام،والإمام الهادی علیه السّلام،حول إمامة الإمام الحسین علیه السّلام.

المجموعة الرابعة:تتضمّن هذه المجموعة من الروایات وصایا الإمام الحسین علیه السّلام،حیث تدلّ علی أنّه علیه السّلام سلّم امّ سلمة صحیفة مختومة کی تسلّمها بعد شهادته إلی ابنه الأکبر.کما أنّ له وصایا إلی ابنته الکبری فاطمة واُخته زینب.

ورغم أنّ هذه الروایات لا تنصّ بصراحة علی الإمامة،إلاّ أنّها تتضمّن النصّ علی الإمام من بعده.

ص:12

کِتاباً قَبلَ وَفاتِهِ،فَقالَ:یا مُحَمَّدُ هذِهِ وَصِیَّتُکَ إلَی النُّجَبَةِ مِن أهلِکَ،قالَ:ومَا النُّجَبَةُ یا جَبرَئیلُ؟فَقالَ:عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ ووُلدُهُ،وکانَ عَلَی الکِتابِ خَواتیمُ مِن ذَهَبٍ.

فَدَفَعَهُ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله إلی أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السّلام،وأمَرَهُ أن یَفُکَّ خاتَماً مِنهُ ویَعمَلَ بِما فیهِ، فَفَکَّ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام خاتَماً وعَمِلَ بِما فِیهِ،ثُمَّ دَفَعَهُ إلَی ابنِهِ الحَسَنِ علیه السّلام فَفَکَّ خاتَماً وعَمِلَ بِما فیهِ،ثُمَّ دَفَعَهُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَفَکَّ خاتَماً،فَوَجَدَ فیهِ أنِ اخرُج بِقَومٍ إلَی الشَّهادَةِ،فَلا شَهادَةَ لَهُم إلّامَعَکَ،وَاشرِ نَفسَکَ للّهِ ِ عز و جل،فَفَعَلَ،ثُمَّ دَفَعَهُ إلی عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام.... (1)

538.الکافی عن معاذ بن کثیر عن أبی عبداللّه [الصادق] علیه السّلام :إنَّ الوَصِیَّةَ نَزَلَت مِنَ السَّماءِ عَلی مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله کِتاباً،لَم یَنزِل عَلی مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله کِتابٌ مَختومٌ إلَّاالوَصِیَّةُ،فَقالَ جَبرَئیلُ علیه السّلام:

یا مُحَمَّدُ،هذِهِ وَصِیَّتُکَ فی امَّتِکَ عِندَ أهلِ بَیتِکَ.

فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:أیُّ أهلِ بَیتی یا جَبرَئیلُ؟قالَ:نَجیبُ اللّهِ مِنهُم وذُرِّیَّتُهُ، لِیَرِثَکَ عِلمَ النُّبُوَّةِ کَما وَرِثَهُ إبراهیمُ علیه السّلام،ومیراثُهُ لِعَلِیٍّ علیه السّلام،وذُرِّیَّتِکَ مِن صُلبِهِ.قالَ:

وکانَ عَلَیها خَواتیمُ.

قالَ:فَفَتَحَ عَلِیٌّ علیه السّلام الخاتَمَ الأَوَّلَ ومَضی لِما فیها،ثُمَّ فَتَحَ الحَسَنُ علیه السّلام الخاتَمَ الثّانِیَ ومَضی لِما امِرَ بِهِ فیها،فَلَمّا تُوُفِّیَ الحَسَنُ علیه السّلام ومَضی،فَتَحَ الحُسَینُ علیه السّلام الخاتَمَ الثّالِثَ،فَوَجَدَ فیها:أن قاتِل،فَاقتُل وتُقتَلُ،وَاخرُج بِأَقوامٍ لِلشَّهادَةِ،لا شَهادَةَ لَهُم

ص:14

إلّا مَعَکَ،قالَ:فَفَعَلَ علیه السّلام.

فَلَمّا مَضی دَفَعَها إلی عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام قَبلَ ذلِکَ،فَفَتَحَ الخاتَمَ الرّابِعَ.... (1)

539.الغیبة للطوسی عن ابن عبّاس: نَزَلَ جَبرَئیلُ علیه السّلام بِصَحیفَةٍ مِن عِندِ اللّهِ عَلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فیهَا اثنا عَشَرَ خاتَماً مِن ذَهَبٍ،فَقالَ لَهُ:إنَّ اللّهَ تَعالی یَقرَأُ عَلَیکَ السَّلامَ ویَأمُرُکَ أن تَدفَعَ هذِهِ الصَّحیفَةَ إلَی النَّجیبِ مِن أهلِکَ بَعدَکَ،یَفُکُّ مِنها أوَّلَ خاتَمٍ ویَعمَلُ بِما فیها،فَإِذا مَضی دَفَعَها إلی وَصِیِّهِ بَعدَهُ،وکَذلِکَ الأَوَّلُ یَدفَعُها إلَی الآخَرِ،واحِداً بَعدَ واحِدٍ.

فَفَعَلَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله ما امِرَ بِهِ،فَفَکَّ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السّلام أوَّلَها وعَمِلَ بِما فیها،ثُمَّ دَفَعَها إلَی الحَسَنِ علیه السّلام،فَفَکَّ خاتَمَهُ وعَمِلَ بِما فیها،ودَفَعَها بَعدَهُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،ثُمَّ دَفَعَهَا الحُسَینُ إلی عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام،ثُمَّ واحِداً بَعدَ واحِدٍ،حَتّی یَنتَهِیَ إلی آخِرِهِم علیهم السّلام. (2)

540.الغیبة للنعمانی عن یونس بن یعقوب عن أبی عبداللّه [الصادق] علیه السّلام :دَفَعَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله إلی عَلِیٍّ علیه السّلام صَحیفَةً مَختومَةً بِاثنَی عَشَرَ خاتَماً،وقالَ:فُضَّ الأَوَّلَ وَاعمَل بِهِ،وَادفَعها إلَی الحَسَنِ علیه السّلام یَفُضُّ الثّانِیَ ویَعمَلُ بِهِ،ویَدفَعُها إلَی الحُسینِ علیه السّلام یَفُضُّ الثّالِثَ ویَعمَلُ بِما فیهِ،ثُمَّ إلی واحِدٍ واحِدٍ مِن وُلدِ الحُسَینِ علیهم السّلام. (3)

541.الکافی عن حریز: قُلتُ لِأَبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام:جُعِلتُ فِداکَ،ما أقَلَّ بَقاءَکُم أهلَ البَیتِ، وأقرَبَ آجالَکُم بَعضَها مِن بَعضٍ مَعَ حاجَةِ النّاسِ إلَیکُم؟!

ص:15

فَقالَ:إنَّ لِکُلِّ واحِدٍ مِنّا صَحیفَةً،فیها ما یَحتاجُ إلَیهِ أن یَعمَلَ بِهِ فی مُدَّتِهِ،فَإِذَا انقَضی ما فیها مِمّا امِرَ بِهِ عَرَفَ أنَّ أجَلَهُ قَد حَضَرَ،فَأَتاهُ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله یَنعی إلَیهِ نَفسَهُ، وأخبَرَهُ بِما لَهُ عِندَ اللّهِ.

وإنَّ الحُسَینَ علیه السّلام قَرَأَ صَحیفَتَهُ الَّتی اعطِیَها،وفُسِّرَ لَهُ ما یَأتی بِنَعیٍ،وبَقِیَ فیها أشیاءُ لَم تُقضَ،فَخَرَجَ لِلقِتالِ.وکانَت تِلکَ الاُمورُ الَّتی بَقِیَت أنَّ المَلائِکَةَ سَأَلَتِ اللّهَ فی نُصرَتِهِ،فَأَذِنَ لَها،ومَکَثَت تَستَعِدُّ لِلقِتالِ وتَتَأَهَّبُ لِذلِکَ حَتّی قُتِلَ،فَنَزَلَت وقَدِ انقَطَعَت مُدَّتُهُ وقُتِلَ علیه السّلام.

فَقالَتِ المَلائِکَةُ:یا رَبِّ! أذِنتَ لَنا فِی الاِنحِدارِ،وأذِنتَ لَنا فی نُصرَتِهِ،فَانحَدَرنا وقَد قَبَضتَهُ ! فَأَوحَی اللّهُ إلَیهِم:أنِ الزَموا قَبرَهُ حَتّی تَرَوهُ وقَد خَرَجَ فَانصُروهُ،وَابکوا عَلَیهِ وَعَلی ما فاتَکُم مِن نُصرَتِهِ،فَإِنَّکُم قَد خُصِّصتُم بِنُصرَتِهِ وبِالبُکاءِ عَلَیهِ.فَبَکَتِ المَلائِکَةُ تَعَزِّیاً وحُزناً عَلی ما فاتَهُم مِن نُصرَتِهِ؛فَإِذا خَرَجَ یَکونونَ أنصارَهُ. (1)

542.الاختصاص عن أبان بن تغلب: حَدَّثَنی أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام أنَّهُ کانَ فی ذُؤابَةِ سَیفِ (2)عَلِیٍّ علیه السّلام صَحیفَةٌ،[و] (3)أنَّ عَلِیّاً علیه السّلام دَعا إلَیهِ الحَسَنَ علیه السّلام فَرَفَعَها (4)إلَیهِ،ودَفَعَ إلَیهِ سِکّیناً وقالَ لَهُ:

افتَحها،فَلَم یَستَطِع أن یَفتَحَها،فَفَتَحَها لَهُ،ثُمَّ قالَ لَهُ:اِقرَأ،فَقَرَأَ الحَسَنُ علیه السّلام الأَلِفَ وَالباءَ وَالسّینَ وَالّلامَ وَالحَرفَ بَعدَ الحَرفِ،ثُمَّ طَواها.

فَدَفَعَها إلی أخیهِ الحُسَینِ علیه السّلام فَلَم یَقدِر عَلی أن یَفتَحَها،فَفَتَحَها لَهُ،ثُمَّ قالَ لَهُ:

ص:16

اقرَأ،فَقَرَأَها کَما قَرَأَ الحَسَنُ علیه السّلام،ثُمَّ طَواها فَدَفَعَها إلی مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِیَّةِ فَلَم یَقدِر عَلی أن یَفتَحَها،فَفَتَحَها لَهُ عَلِیٌّ علیه السّلام،فَقالَ لَهُ:اِقرَأ،فَلَم یَستَخرِج مِنها شَیئاً،فَأَخَذَها وطَواها،ثُمَّ عَلَّقَها مِن ذُؤابَةِ السَّیفِ.

فَقُلتُ لِأَبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام:وأیُّ شَیءٍ کانَ فی تِلکَ الصَّحیفَةِ؟فَقالَ:هِیَ الأَحرُفُ الَّتی یَفتَحُ کُلُّ حَرفٍ ألفَ حَرفٍ.

قالَ أبو بَصیرٍ:قالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام:فَما خَرَجَ مِنها إلَی النّاسِ حَرفانِ إلَی السّاعَةِ. (1)

راجع:ص 77 (الفصل الرابع:وصایا الإمام علیه السّلام ).

«یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ» 1 قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،عَرَفنَا اللّهَ ورَسولَهُ،فَمَن اولُو الأَمرِ الَّذینَ قَرَنَ اللّهُ طاعَتَهُم بِطاعَتِکَ؟

فَقالَ علیه السّلام:هُم خُلَفائی یا جابِرُ،وأئِمَّةُ المُسلِمینَ مِن بَعدی،أوَّلُهُم عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ،ثُمَّ الحَسَنُ وَالحُسَینُ،ثُمَّ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ ثُمَّ.... (1)

545.بصائر الدرجات عن أبی الجارود عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله دَعا عَلِیّاً علیه السّلام فِی المَرَضِ الَّذی تُوُفِّیَ فیهِ،فَقالَ:یا عَلِیُّ،اُدنُ مِنّی حَتّی اسِرَّ إلَیکَ ما أسَرَّ اللّهُ إلَیَّ، وأئْتَمِنَکَ عَلی مَا ائتَمَنَنِیَ اللّهُ عَلَیهِ،فَفَعَلَ ذلِکَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله بِعَلِیٍّ علیه السّلام،وفَعَلَهُ عَلِیٌّ علیه السّلام بِالحَسَنِ علیه السّلام،وفَعَلَهُ الحَسَنُ علیه السّلام بِالحُسَینِ علیه السّلام،وفَعَلَهُ الحُسَینُ علیه السّلام بِأَبی،وفَعَلَهُ أبی علیه السّلام بی صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِم أجمَعینَ. (2)

546.کمال الدین عن علیّ بن أبی حمزة عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبیه عن آبائه علیهم السّلام: قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:حَدَّثَنی جَبرَئیلُ عَن رَبِّ العِزَّةِ جَلَّ جَلالُهُ،أنَّهُ قالَ:مَن عَلِمَ أن لا إلهَ إلّاأنَا وَحدی،وأنَّ مُحَمَّداً عَبدی ورَسولی،وأنَّ عَلِیَّ بنَ أبی طالِبٍ خَلیفَتی،وأنَّ الأَئِمَّةَ مِن وُلدِهِ حُجَجی،اُدخِلُهُ الجَنَّةَ بِرَحمَتی....

فَقامَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِیُّ،فَقالَ:یا رَسولَ اللّهِ،ومَنِ الأَئِمَّةُ مِن وُلدِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ؟

قالَ:الحَسَنُ وَالحُسَینُ سَیِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ،ثُمَّ....هؤُلاءِ یا جابِرُ خُلَفائی

ص:18

وأوصِیائی وأولادی وعِترَتی،مَن أطاعَهُم فَقَد أطاعَنی،ومَن عَصاهُم فَقَد عَصانی، ومَن أنکَرَهُم أو أنکَرَ واحِداً مِنهُم فَقَد أنکَرَنی،بِهِم یُمسِکُ اللّهُ عز و جل السَّماءَ أن تَقَعَ عَلَی الأَرضِ إلّابِإِذنِهِ،وبِهِم یَحفَظُ اللّهُ الأَرضَ أن تَمیدَ (1)بِأَهلِها. (2)

547.علل الشرائع عن عبد الرحمن بن کثیر الهاشمی: قُلتُ لِأَبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام:جُعِلتُ فِداکَ! مِن أینَ جاءَ لِوُلدِ الحُسَینِ علیه السّلام الفَضلُ عَلی وُلدِ الحَسَنِ علیه السّلام،وهُما یَجرِیانِ فی شَرعٍ واحِدٍ (3)؟

فَقالَ:لا أراکُم تَأخُذونَ بِهِ،إنَّ جَبرَئیلَ علیه السّلام نَزَلَ عَلی مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله وما وُلِدَ الحُسَینُ بَعدُ،فَقالَ لَهُ:یولَدُ لَکَ غُلامٌ تَقتُلُهُ امَّتُکَ مِن بَعدِکَ،فَقالَ:یا جَبرَئیلُ! لا حاجَةَ لی فیهِ،فَخاطَبَهُ ثَلاثاً.

ثُمَّ دَعا عَلِیّاً علیه السّلام،فَقالَ لَهُ:إنَّ جَبرَئیلَ علیه السّلام یُخبِرُنی عَنِ اللّهِ عز و جل أنَّهُ یولَدُ لَکَ غُلامٌ تَقتُلُهُ امَّتُکَ مِن بَعدِکَ.فَقالَ:لا حاجَةَ لی فیهِ-یا رَسولَ اللّهِ-،فَخاطَبَ عَلِیّاً علیه السّلام ثَلاثاً،ثُمَّ قالَ:إنَّهُ یَکونُ فیهِ وفی وُلدِهِ الإِمامَةُ وَالوِراثَةُ وَالخِزانَةُ.

فَأَرسَلَ إلی فاطِمَةَ علیها السّلام:إنَّ اللّهَ یُبَشِّرُکِ بِغُلامٍ تَقتُلُهُ امَّتی مِن بَعدی،فَقالَت فاطِمَةُ علیها السّلام:لَیسَ لی حاجَةٌ فیهِ-یا أبَةِ-،فَخاطَبَها ثَلاثاً،ثُمَّ أرسَلَ إلَیها:لا بُدَّ أن یَکونَ فیهِ الإِمامَةُ وَالوِراثَةُ وَالخِزانَةُ،فَقالَت لَهُ:رَضِیتُ عَنِ اللّهِ عز و جل،فَعَلِقَت وحَمَلَت بِالحُسَینِ علیه السّلام،فَحَمَلَت سِتَّةَ أشهُرٍ،ثُمَّ وَضَعَتهُ،ولَم یَعِش مَولودٌ قَطُّ لِسِتَّةِ أشهُرٍ غَیرُ

ص:19

الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ وعیسَی بنِ مَریَمَ علیهما السّلام. (1)

548.کفایة الأثر عن علقمة بن قیس عن أمیر المؤمنین علیه السّلام: قالَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله:لَمّا عُرِجَ بی إلَی السَّماءِ نَظَرتُ إلی ساقِ العَرشِ،فَإِذا فیهِ مَکتوبٌ:«لا إلهَ إلَّااللّهُ،مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ،أیَّدتُهُ بِعَلِیٍّ،ونَصَرتُهُ بِعَلِیٍّ».ورَأَیتُ اثنَی عَشَرَ نوراً،فَقُلتُ:یا رَبِّ،أنوارُ مَن هذِهِ؟ فَنودیتُ:یا مُحَمَّدُ هذِهِ أنوارُ الأَئِمَّةِ مِن ذُرِّیَّتِکَ.

قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ أفَلا تُسَمّیهِم لی؟

قالَ:نَعَم،أنتَ الإِمامُ وَالخَلیفَةُ بَعدی تَقضی دَینی وتُنجِزُ عِداتی،وبَعدَکَ ابناکَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ،بَعدَ الحُسَینِ ابنُهُ عَلِیٌّ زَینُ العابِدینَ.... (2)

وَ هُمْ یُسْئَلُونَ» 1 . (1)

550.عیون أخبار الرضا علیه السّلام عن محمّد بن أبی یعقوب البلخی: سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ الرِّضا علیه السّلام فَقُلتُ لَهُ:لِأَیِّ عِلَّةٍ صارَتِ الإِمامَةُ فی وُلدِ الحُسَینِ علیه السّلام دونَ وُلدِ الحَسَنِ علیه السّلام؟فَقالَ:لِأَنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَها فی وُلدِ الحُسَینِ علیه السّلام ولَم یَجعَلها فی وُلدِ الحَسَنِ،وَاللّهُ لا یُسأَلُ عَمّا یَفعَلُ. (2)

551.الکافی عن موسی بن عبداللّه بن الحسن- فی ذِکرِ مُحاوَرَةٍ جَرَت بَینَ أبیهِ وبَینَ الإِمامِ الصّادِقِ علیه السّلام،إلی أن قالَ-:فَجَرَی الکَلامُ بَینَهُما حَتّی أفضی إلی ما لَم یَکُن یُریدُ.

وکانَ مِن قَولِهِ [أی عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ]:بِأَیِّ شَیءٍ کانَ الحُسَینُ علیه السّلام أحَقَّ بِها مِنَ الحَسَنِ علیه السّلام؟فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام:رَحِمَ اللّهُ الحَسَنَ ورَحِمَ الحُسَینَ،وکَیفَ ذَکَرتَ هذا؟قالَ:لِأَنَّ الحُسَینَ علیه السّلام کانَ یَنبَغی لَهُ إذا عَدَلَ أن یَجعَلَها فِی الأَسَنِّ مِن وُلدِ الحَسَنِ علیه السّلام.

فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السّلام:إنَّ اللّهَ تَبارَکَ وتَعالی لَمّا أن أوحی إلی مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله أوحی إلَیهِ بِما شاءَ،ولَم یُؤامِر أحَداً مِن خَلقِهِ،وأمَرَ مُحَمَّدٌ صلّی اللّه علیه و آله عَلِیّاً علیه السّلام بِما شاءَ،فَفَعَلَ ما امِرَ بِهِ،ولَسنا نَقولُ فیهِ إلّاما قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله مِن تَبجیلِهِ وتَصدیقِهِ،فَلَو کانَ أمَرَ الحُسَینَ علیه السّلام أن یُصَیِّرَها فِی الأَسَنِّ أو یَنقُلَها فی وُلدِهِما-یَعنِی الوَصِیَّةَ-لَفَعَلَ ذلِکَ الحُسَینُ علیه السّلام،وما هُوَ بِالمُتَّهَمِ عِندَنا فِی الذَّخیرَةِ لِنَفسِهِ،ولَقَد وَلّی وتَرَکَ ذلِکَ،ولکِنَّهُ

ص:21

مَضی لِما امِرَ بِهِ وهُوَ جَدُّکَ وعَمُّکَ،فَإِن قُلتَ خَیراً فَما أولاکَ بِهِ،وإن قُلتَ هُجراً (1)فَیَغفِرُ اللّهُ لَکَ. (2)

552.علل الشرائع عن الربیع بن عبداللّه: وَقَعَ بَینی وبَینَ عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ کَلامٌ فِی الإِمامَةِ، فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ الحَسَنِ:إنَّ الإِمامَةَ فی وُلدِ الحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام،فَقُلتُ:بَل هِیَ فی وُلدِ الحُسَینِ علیه السّلام إلی یَومِ القِیامَةِ دونَ وُلدِ الحَسَنِ علیه السّلام،فَقالَ لی:وکَیفَ صارَت فی وُلدِ الحُسَینِ علیه السّلام دونَ الحَسَنِ علیه السّلام وهُما سَیِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ،وهُما فِی الفَضلِ سَواءٌ إلّا أنَّ لِلحَسَنِ علیه السّلام عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام فَضلاً بِالکِبَرِ،وکانَ الواجِبَ أن تَکونَ الإِمامَةُ إذَن فِی الأَفضَلِ؟

فَقُلتُ لَهُ:إنَّ موسی وهارونَ علیهما السّلام کانا نَبِیَّینِ مُرسَلَینِ،وکانَ موسی علیه السّلام أفضَلُ مِن هارونَ علیه السّلام،فَجَعَلَ اللّهُ عز و جل النُّبُوَّةَ وَالخِلافَةَ فی وُلدِ هارونَ علیه السّلام دونَ وُلدِ موسی علیه السّلام، وکَذلِکَ جَعَلَ اللّهُ عز و جل الإِمامَةَ فی وُلدِ الحُسَینِ علیه السّلام دونَ وُلدِ الحَسَنِ علیه السّلام،لِیُجرِیَ فی هذِهِ الاُمَّةِ سُنَنَ مَن قَبلَها مِنَ الاُمَمِ حَذوَ النَّعلِ بِالنَّعلِ،فَما أجَبتَ فی أمرِ موسی وهارونَ علیهما السّلام بِشَیءٍ فَهُوَ جَوابی فی أمرِ الحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام،فَانقَطَعَ.

ودَخَلتُ عَلَی الصّادقِ علیه السّلام فَلَمّا بَصُرَ بی قالَ لی:أحسَنتَ یا رَبیعُ فیما کَلَّمتَ بِهِ عَبدَ اللّهِ بنَ الحَسَنِ،ثَبَّتَکَ اللّهُ. (3)

553.الکافی عن عبد الرحیم بن روح القصیر عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام :فی قَولِ اللّهِ عز و جل: «اَلنَّبِیُّ أَوْلی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ

ص:22

فِی کِتابِ اللّهِ» 1 فیمَن نَزَلَت؟فَقالَ:نَزَلَت فِی الإِمَرةِ،إنَّ هذِهِ الآیَةَ جَرَت فی وُلدِ الحُسَینِ علیه السّلام مِن بَعدِهِ،فَنَحنُ أولی بِالأَمرِ وبِرَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله مِنَ المُؤمِنینَ وَالمُهاجِرینَ وَالأَنصارِ،قُلتُ:فَوُلدُ جَعفَرٍ لَهُم فیها نَصیبٌ؟قالَ:لا،قُلتُ:فَلِوُلدِ العَبّاسِ فیها نَصیبٌ؟فَقالَ:لا،فَعَدَدتُ عَلَیهِ بُطونَ بَنی عَبدِ المُطَّلِبِ،کُلَّ ذلِکَ یَقولُ:لا.

قالَ:ونَسیتُ وُلدَ الحَسَنِ علیه السّلام،فَدَخَلتُ بَعدَ ذلِکَ عَلَیهِ،فَقُلتُ لَهُ:هَل لِوُلدِ الحَسَنِ علیه السّلام فیها نَصیبٌ؟فَقالَ:لا یا عَبدَ الرَّحیمِ،ما لِمُحَمَّدِیٍّ فیها نَصیبٌ غَیرَنا. (1)

554.کمال الدین عن هشام بن سالم: قُلتُ لِلصّادِقِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام:الحَسَنُ علیه السّلام أفضَلُ أمِ الحُسَینُ علیه السّلام؟فَقالَ:الحَسَنُ علیه السّلام أفضَلُ مِنَ الحُسَینِ علیه السّلام.قالَ:قُلتُ:فَکَیفَ صارَتِ الإِمامَةُ مِن بَعدِ الحُسَینِ علیه السّلام فی عَقِبِهِ دونَ وُلدِ الحَسَنِ علیه السّلام؟

فَقالَ:إنَّ اللّهَ تَبَارَکَ وَتَعالی أحَبَّ أن یَجعَلَ سُنَّةَ موسی وهارونَ علیهما السّلام جارِیَةً فِی الحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام،ألا تَری أنَّهُما کانا شَریکَینِ فِی النُّبُوَّةِ،کَما کانَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام شَریکَینِ فِی الإِمامَةِ،وأنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ النُّبُوَّةَ فی وُلدِ هارونَ ولَم یَجعَلها فی وُلدِ موسی،وإن کانَ موسی أفضَلَ مِن هارونَ علیهما السّلام. (2)

ص:23

ص:24

إلَی الحَسَنِ علیه السّلام،ثُمَّ أومَأَ بِیَدِهِ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام-ثُمَّ قالَ علیه السّلام:الأَئِمَّةُ مِن وُلدِهِ. (1)

557.الکافی عن سلیم بن قیس: سَمِعتُ عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ الطَّیّارِ یَقولُ:کُنّا عِندَ مُعاوِیَةَ أنَا وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام وعَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ وعُمَرُ بنُ امِّ سَلَمَةَ واُسامَةُ بنُ زَیدٍ،فَجَری بَینی وبَینَ مُعاوِیَةَ کَلامٌ،فَقُلتُ لِمُعاوِیَةَ:

سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَقولُ:أنَا أولی بِالمُؤمِنینَ مِن أنفُسِهِم،ثُمَّ أخی عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ أولی بِالمُؤمِنینَ مِن أنفُسِهِم،فَإِذَا استُشهِدَ عَلِیٌّ فَالحَسَنُ بنُ عَلِیٍّ أولی بِالمُؤمِنینَ مِن أنفُسِهِم،ثُمَّ ابنِی الحُسَینُ مِن بَعدِهِ أولی بِالمُؤمِنینَ مِن أنفُسِهِم،فَإِذَا استُشهِدَ فَابنُهُ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ أولی بِالمُؤمِنینَ مِن أنفُسِهِم،وسَتُدرِکُهُ یا عَلِیُّ،ثُمَّ ابنُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ أولی بِالمُؤمِنینَ مِن أنفُسِهِم،وسَتُدرِکُهُ یا حُسَینُ.ثُمَّ یُکَمِّلُهُ (2)اثنَی عَشَرَ إماماً،تِسعَةً مِن وُلدِ الحُسَینِ.

قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ:وَاستَشهَدتُ الحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهما السّلام وعَبدَ اللّهِ بنَ عَبّاسٍ وعُمَرَ بنَ امِّ سَلَمَةَ واُسامَةَ بنَ زَیدٍ،فَشَهِدوا لی عِندَ مُعاوِیَةَ.

قالَ سُلَیمٌ:وقَد سَمِعتُ ذلِکَ مِن سَلمانَ وأبی ذَرٍّ وَالمِقدادَ،وذَکَروا أنَّهُم سَمِعوا ذلِکَ مِن رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله. (3)

ص:26

ثُمَّ اطَّلَعَ إلَی الأَرضِ اطِّلاعَةً ثانِیَةً،فَاختارَ مِنها زَوجَکِ،وأوحی إلَیَّ أن ازَوِّجَکِ إیّاهُ،وأتَّخِذَهُ وَلِیّاً ووَزیراً،وأن أجعَلَهُ خَلیفَتی فی امَّتی،فَأَبوکِ خَیرُ أنبِیاءِ اللّهِ ورُسُلِهِ،وبَعلُکِ خَیرُ الأَوصِیاءِ،وأنتِ أوَّلُ مَن یَلحَقُ بی مِن أهلی.

ثُمَّ اطَّلَعَ إلَی الأَرضِ اطِّلاعَةً ثالِثَةً،فَاختارَکِ ووَلَدَیکِ؛فَأَنتِ سَیِّدَةُ نِساءِ أهلِ الجَنَّةِ،وَابناکِ حَسَنٌ وحُسَینٌ سَیِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ،وأبناءُ بَعلِکِ أوصِیائی إلی یَومِ القِیامَةِ،کُلُّهُم هادونَ مَهدِیّونِ.

وأوَّلُ الأَوصِیاءِ بَعدی أخی عَلِیٌّ،ثُمَّ حَسَنٌ،ثُمَّ حُسَینٌ،ثُمَّ تِسعَةٌ مِن وُلدِ الحُسَینِ فی دَرَجَتی،ولَیسَ فِی الجَنَّةِ دَرَجَةٌ أقرَبَ إلَی اللّهِ مِن دَرَجَتی ودَرَجَةِ أبی إبراهیمَ.

أما تَعلَمینَ یا بُنَیَّةُ أنَّ مِن کَرامَةِ اللّهِ إیّاکِ أن زَوَّجَکِ خَیرَ امَّتی،وخَیرَ أهلِ بَیتی؛ أقدَمَهُم سِلماً،وأعظَمَهُم حِلماً،وأکثَرَهُم عِلماً؟!

فَاستَبشَرَت فاطِمَةُ علیها السّلام وفَرِحَت بِما قالَ لَها رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.

ثُمَّ قالَ:یا بُنَیَّةُ،إنَّ لِبَعلِکِ مَناقِبَ:إیمانَهُ بِاللّهِ ورَسولِهِ قَبلَ کُلِّ أحَدٍ؛فَلَم یَسبِقهُ إلی ذلِکَ أحَدٌ مِن امَّتی،وعِلمَهُ بِکِتابِ اللّهِ عز و جل وسُنَّتی،ولَیسَ أحَدٌ مِن امَّتی یَعلَمُ جَمیعَ عِلمی غَیرُ عَلِیٍّ علیه السّلام،وإنَّ اللّهَ جَلَّ وعَزَّ عَلَّمَنی عِلماً لا یَعلَمُهُ غَیری،وعَلَّمَ مَلائِکَتَهُ ورُسُلَهُ عِلماً،فَکُلَّما عَلَّمَهُ مَلائِکَتَهُ ورُسُلَهُ فَأَنَا أعلَمُهُ،وأمَرَنِیَ اللّهُ أن اعَلِّمَهُ إیّاهُ، فَفَعَلتُ،فَلَیسَ أحدٌ مِن امَّتی یَعلَمُ جَمیعَ عِلمی وفَهمی وحِکمَتی غَیرُهُ،وإنَّکِ یا بُنَیَّةُ زَوجَتُهُ،وَابناهُ سِبطایَ حَسَنٌ وحُسَینٌ،وهُما سِبطا امَّتی،وأمرَهُ بِالمَعروفِ،ونَهیَهُ عَنِ المُنکَرِ؛فَإِنَّ اللّهَ جَلَّ وعَزَّ آتاهُ الحِکمَةَ وفَصلَ الخِطابِ.

یا بُنَیَّةُ ! إنّا أهلُ بَیتٍ أعطانَا اللّهُ عز و جل سِتَّ خِصالٍ لَم یُعطِها أحَداً مِنَ الأَوَّلینَ کانَ قَبلَکُم (1)،ولَم یُعطِها أحَداً مِنَ الآخِرینَ غَیرَنا،نَبِیُّنا سَیِّدُ الأَنبِیاءِ وَالمُرسَلینَ،وهُوَ

ص:28

أبوکِ،ووَصِیُّنا سَیِّدُ الأَوصِیاءِ،وهُوَ بَعلُکِ،وشَهیدُنا سَیِّدُ الشُّهَداءِ،وهُوَ حَمزَةُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ عَمُّ أبیکِ.

قالَت:یا رَسولَ اللّهِ،هُوَ سَیِّدُ الشُّهَداءِ الَّذینَ قُتِلوا مَعَهُ؟

قالَ:لا،بَل سَیِّدُ شُهَداءِ الأَوَّلینَ وَالآخِرینَ ما خَلا الأَنبِیاءَ وَالأَوصِیاءَ.وجَعفَرُ بنُ أبی طالِبٍ ذُو الجَناحَینِ الطَّیّارُ فِی الجَنَّةِ مَعَ المَلائِکَةِ.

وَابناکِ حَسَنٌ وحُسَینٌ سِبطا امَّتی،وسَیِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ.

ومِنّا-وَالَّذی نَفسی بِیَدِهِ-مَهدِیُّ هذِهِ الاُمَّةِ الَّذی یَملَأُ الأَرضَ قِسطاً وعَدلاً کَما مُلِئَت جَوراً وظُلماً.

قالَت:وأیُّ هؤُلاءِ الَّذینَ سَمَّیتَهُم أفضَلُ؟

قالَ:عَلِیٌّ بَعدی أفضَلُ امَّتی،وحَمزَةُ وجَعفَرٌ أفضَلُ أهلِ بَیتی بَعدَ عَلِیٍّ وبَعدَکِ وبَعدَ ابنَیَّ وسِبطَیَّ حَسَنٍ وحُسَینٍ،وبَعدَ الأَوصِیاءِ مِن وُلدِ ابنی هذا-وأشارَ إلَی الحُسَینُ-مِنهُمُ المَهدِیُّ،إنّا أهلُ بَیتٍ اختارَ اللّهُ لَنَا الآخِرَةَ عَلَی الدُّنیا.

ثُمَّ نَظَرَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله إلَیها وإلی بَعلِها وإلَی ابنَیها،فَقالَ:یا سَلمانُ! اشهِدُ اللّهَ أنّی سِلمٌ لِمَن سالَمَهُم،وحَربٌ لِمَن حارَبَهُم،أما إنَّهُم مَعی فِی الجَنَّةِ. (1)

الحُسَینُ،تَقتُلُهُ امَّتی.قالَت:فَلا حاجَةَ لی فیهِ !

فَقالَ:إنَّ اللّهَ عز و جل قَد وَعَدَنی فیهِ عِدَةً.قالَت:وما وَعَدَکَ؟

قالَ:وَعَدَنی أن یَجعَلَ الإِمامَةَ مِن بَعدِهِ فی وُلدِهِ،فَقالَت:رَضیتُ. (1)

561.تفسیر القمّی: إنَّ اللّهَ أخبَرَ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وبَشَّرَهُ بِالحُسَینِ علیه السّلام قَبلَ حَملِهِ،وأنَّ الإِمامَةَ تَکونُ فی وُلدِهِ إلی یَومِ القِیامَةِ،ثُمَّ أخبَرَهُ بِما یُصیبُهُ مِنَ القَتلِ وَالمُصیبَةِ فی نَفسِهِ ووُلدِهِ،ثُمَّ عَوَّضَهُ بِأَن جَعَلَ الإِمامَةَ فی عَقِبِهِ. (2)

562.کامل الزیارات عن عبداللّه بن بکیر عن بعض أصحابنا عن أبی عبداللّه [الصادق] علیه السّلام :دَخَلَت فاطِمَةُ علیها السّلام عَلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وعَیناهُ تَدمَعُ،فَسَأَلَتهُ:ما لَکَ؟

فَقالَ:إنَّ جَبرَئیلَ علیه السّلام أخبَرَنی أنَّ امَّتی تَقتُلُ حُسَیناً،فَجَزِعَت وشَقَّ عَلَیها، فَأَخبَرَها بِمَن یَملِکُ مِن وُلدِها،فَطابَت نَفسُها وسَکَنَت. (3)

563.کفایة الأثر عن أبی هریرة: سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عَن قَولِهِ عز و جل: «وَ جَعَلَها کَلِمَةً باقِیَةً فِی عَقِبِهِ» 4 قالَ:جَعَلَ الإِمامَةَ فی عَقِبِ الحُسَینِ،یَخرُجُ مِن صُلبِهِ تِسعَةٌ مِنَ الأَئِمَّةِ، ومنِهُم مَهدِیُّ هذِهِ الاُمَّةِ. (4)

564.کفایة الأثر عن حذیفة بن الیمان: صَلّی بِنا رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ثُمَّ أقبَلَ بِوَجهِهِ الکَریمِ

ص:30

عَلَینا،فَقالَ:مَعاشِرَ أصحابی،اُوصیکُم بِتَقوَی اللّهِ وَالعَمَلِ بِطاعَتِهِ،فَمَن عَمِلَ بِها فازَ وغَنِمَ وأنجَحَ،ومَن تَرَکَها (1)حَلَّت بِهِ النَّدامَةُ،فَالتَمِسوا بِالتَّقوَی السَّلامَةَ مِن أهوالِ یَومِ القِیامَةِ،فَکَأَنّی ادعی فَاُجیبُ،وإنّی تارِکٌ فیکُمُ الثَّقَلَینِ کِتابَ اللّهِ،وعِترَتی أهلَ بَیتی،ما إن تَمَسَّکتُم بِهِما لَن تَضِلّوا،ومَن تَمَسَّکَ بِعِترَتی مِن بَعدی کانَ مِنَ الفائِزینَ، ومَن تَخَلَّفَ عَنهُم کانَ مِنَ الهالِکینَ.

فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،عَلی مَن تُخَلِّفُنا؟

قالَ:عَلی مَن خَلَّفَ موسَی بنُ عِمرانَ قَومَهُ؟قُلتُ:عَلی وَصِیِّهِ یوشَعَ بنِ نونٍ.

قالَ:فَإِنَّ وَصِیّی وخَلیفَتی مِن بَعدی عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السّلام،قائِدُ البَرَرَةِ،وقاتِلُ الکَفَرَةِ،مَنصورٌ مَن نَصَرَهُ،مَخذولٌ مَن خَذَلَهُ.

قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ ! فَکَم یَکونُ الأَئِمَّةُ مِن بَعدِکَ؟

قالَ:عَدَدَ نُقَباءِ بَنی إسرائیلَ،تِسعَةٌ مِن صُلبِ الحُسَینِ علیه السّلام،أعطاهُمُ اللّهُ عِلمی وفَهمی،خُزّانُ عِلمِ اللّهِ،ومَعادِنُ وَحیِهِ.قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ ! فَما لِأَولادِ الحَسَنِ؟

قالَ:إنَّ اللّهَ تَبارَکَ وَتَعالی جَعَلَ الإِمامَةَ فی عَقِبِ الحُسَینِ،وذلِکَ قَولُهُ تَعالی:

«وَ جَعَلَها کَلِمَةً باقِیَةً فِی عَقِبِهِ» . (2)

فَخِذَیهِ،وهُوَ یُقَبِّلُ عَینَیهِ،ویَلثِمُ فاهُ،وهُوَ یَقولُ:أنتَ سَیِّدٌ ابنُ سَیِّدٍ،أنتَ إمامٌ ابنُ إمامٍ،أبُو الأَئِمَّةِ،أنتَ حُجَّةٌ ابنُ حُجَّةٍ،أبو حُجَجٍ تِسعَةٍ مِن صُلبِکَ،تاسِعُهُم قائِمُهُم. (1)

566.کفایة الأثر عن زینب بنت علیّ عن فاطمة علیها السّلام: کانَ دَخَلَ إلَیَّ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عِندَ وِلادَتِی الحُسَینَ،فَناوَلتُهُ إیّاهُ فی خِرقَةٍ صَفراءَ،فَرَمی بِها،وأخَذَ خِرقَةً بَیضاءَ ولَفَّهُ فیها.

ثُمَّ قالَ:خُذیهِ یا فاطِمَةُ،فَإِنَّهُ إمامٌ ابنُ إمامٍ،أبُو الأَئِمَّةِ،تِسعَةٌ (2)مِن صُلبِهِ أئِمَّةٌ أبرارٌ،وَالتّاسِعُ قائِمُهُم. (3)

567.کفایة الأثر عن أبی هریرة: کُنتُ عِندَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله وأبو بَکرٍ وعُمَرُ وَالفَضلُ بنُ العَبّاسِ وزَیدُ بنُ حارِثَةَ وعَبدُ اللّهِ بنُ مَسعودٍ،إذ دَخَلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَأَخَذَهُ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله وقَبَّلَهُ،ثُمَّ قالَ:حُزُقَّةٌ حُزُقَّهْ (4)تَرَقَّ عَینَ بَقَّهْ (5)،ووَضَعَ فَمَهُ عَلی فَمِهِ.

ثُمَّ قالَ:اللّهُمَّ إنّی احِبُّهُ،فَأَحِبَّهُ وأحِبَّ مَن یُحِبُّهُ،یا حُسَینُ،أنتَ الإِمامُ ابنُ الإِمامِ،أبُو الأَئِمَّةِ،تِسعَةٌ (6)مِن وُلدِکَ أئِمَّةٌ أبرارٌ. (7)

ص:32

568.کفایة الأثر عن زید بن ثابت: مَرِضَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام فَعادَهُما رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله، فَأَخَذَهُما وقَبَّلَهُما،ثُمَّ رَفَعَ یَدَهُ إلَی السَّماءِ،فَقالَ:

اللّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبعِ وما أظَلَّت،ورَبَّ الرِّیاحِ وما ذَرَت،اللّهُمَّ رَبَّ کُلِّ شَیءٍ،أنتَ الأَوَّلُ فَلا شَیءَ قَبلَکَ،وأنتَ الباطِنُ فَلا شَیءَ دونَکَ،ورَبَّ جَبرَئیلَ ومیکائیلَ وإسرافیلَ،وإلهَ إبراهیمَ وإسحاقَ ویَعقوبَ،أسأَلُکَ أن تَمُنَّ عَلَیهِما بِعافِیَتِکَ،وتَجعَلَهُما تَحتَ کَنَفِکَ (1)وحِرزِکَ، (2)وأن تَصرِفَ عَنهُمَا السّوءَ [وَ] المَحذورَ بِرَحمَتِکَ.

ثُمَّ وَضَعَ یَدَهُ عَلی کَتِفِ الحَسَنِ علیه السّلام،فَقالَ:أنتَ الإِمامُ ابنُ وَلِیِّ اللّهِ،ووَضَعَ یَدَهُ عَلی صُلبِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ:أنتَ الإِمامُ أبُو الأَئِمَّةِ،تِسعَةٌ مِن صُلبِکَ أئِمَّةٌ أبرارٌ، وَالتّاسِعُ قائِمُهُم،مَن تَمَسَّکَ بِکُم وبِالأَئِمَّةِ مِن ذُرِّیَّتِکُم کانَ مَعَنا یَومَ القِیامَةِ،وکانَ مَعَنا فِی الجَنَّةِ فی دَرَجاتِنا.

قالَ:فَبَرَءا مِن عِلَّتِهِما (3)بِدُعاءِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله. (4)

569.کمال الدین عن الحسین بن خالد عن علیّ بن موسی الرضا عن أبیه عن آبائه علیهم السّلام عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله: الحَسَنُ وَالحُسَینُ إماما امَّتی بَعدَ أبیهِما،وسَیِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ،واُمُّهُما سَیِّدَةُ نِساءِ العالَمینَ،وأبوهُما سَیِّدُ الوَصِیّینَ،ومِن وُلدِ الحُسَینِ تِسعَةُ أئِمَّةٍ،تاسِعُهُمُ القائِمُ مِن وُلدی،طاعَتُهُم طاعَتی،ومَعصِیَتُهُم مَعصِیَتی. (5)

ص:33

570.کفایة الأثر عن أبی سعید الخدری عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله -لِلحُسَینِ علیه السّلام-:یا حُسَینُ،أنتَ الإِمامُ ابنُ الإِمامِ،تِسعَةٌ مِن وُلدِکَ أئِمَّةٌ أبرارٌ،تاسِعُهُم قائِمُهُم. (1)

571.کفایة الأثر عن أبی سعید الخدری عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله: الخُلَفاءُ بَعدِی اثنا عَشَرَ،تِسعَةٌ مِن صُلبِ الحُسَینِ،وَالتّاسِعُ مَهدِیُّهُم،فَطوبی لِمُحِبّیهِم،وَالوَیلُ لِمُبغِضیهِم. (2)

572.کفایة الأثر عن أبی سعید الخدری: سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَقولُ لِلحُسَینِ علیه السّلام:أنتَ الإِمامُ ابنُ الإِمامِ،وأخُو الإِمامِ،تِسعَةٌ مِن صُلبِکَ أئِمَّةٌ أبرارٌ،وَالتّاسِعُ قائِمُهُم. (3)

573.کفایة الأثر عن جابر بن عبداللّه الأنصاری: قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لِلحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام:یا حُسَینُ،یَخرُجُ مِن صُلبِکَ تِسعَةٌ مِنَ الأَئِمَّةِ مِنهُم مَهدِیُّ هذِهِ الاُمَّةِ،فَإِذَا استُشهِدَ أبوکَ فَالحَسَنُ بَعدَهُ،فَإِذا سُمَّ الحَسَنُ فَأَنتَ،فَإِذَا استُشهِدتَ فَعَلِیٌّ ابنُکَ.... (4)

574.الغیبة للنعمانی عن سلیم بن قیس عن علیّ علیه السّلام عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله: یا أیَّهُا النّاسُ ! إنَّ اللّهَ أمَرَنی أن أنصِبَ لَکُم إماماً یَکونُ وَصِیّی فیکُم،وخَلیفَتی فی أهلِ بَیتی وفی امَّتی مِن بَعدی،وَالَّذی فَرَضَ اللّهُ طاعَتَهُ عَلَی المُؤمِنینَ فی کِتابِهِ،وأمَرَکُم فیهِ بِوِلایَتِهِ.

فَقُلتُ:یا رَبِّ،خَشیتُ طَعنَ أهلِ النِّفاقِ وتَکذیبَهُم ! فَأَوعَدَنی لَاُبَلِّغَنَّها أو لَیُعاقِبُنی.

أیُّهَا النّاسُ ! إنَّ اللّهَ عز و جل أمَرَکُم فی کِتابِهِ بِالصَّلاةِ،وقَد بَیَّنتُها لَکُم،وسَنَنتُها لَکُم،

ص:34

وَالزَّکاةِ وَالصَّومِ،فَبَیَّنتُهُما لَکُم وفَسَّرتُهُما،وقَد أمَرَکُمُ اللّهُ فی کِتابِهِ بِالوِلایَةِ،وإنّی اشهِدُکُم-أیُّهَا النّاسُ-أنَّها خاصَّةً لِهذا ولِأَوصِیائی مِن وُلدی ووُلدِهِ،أوَّلُهُمُ ابنِی الحَسَنُ،ثُمَّ الحُسَینُ،ثُمَّ تِسعَةٌ مِن وُلدِ الحُسَینِ،لا یُفارِقونَ الکِتابَ حَتّی یَرِدوا عَلَیَّ الحَوضَ.

یا أیُّهَا النّاسُ ! إنّی قَد أعلَمتُکُم مَفزَعَکُم بَعدی،وإمامَکُم ووَلِیَّکُم وهادِیَکُم بَعدی. (1)

575.کفایة الأثر عن أبی خالد الکابلی عن علیّ بن الحسین عن أبیه الحسین بن علیّ علیهما السّلام -فی حَدیثٍ لَهُ مَعَ جَدِّهِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله-قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،فَمَن یَملِکُ هذَا الأَمرَ بَعدَکَ؟

قالَ:أبوکَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ أخی وخَلیفَتی،ویَملِکُ بَعدَ عَلِیٍّ الحَسَنُ،ثُمَّ تَملِکُ أنتَ وتِسعَةٌ مِن صُلبِکَ،یَملِکُهُ اثنا عَشَرَ إماماً،ثُمَّ یَقومُ قائِمُنا یَملَأُ الدُّنیا قِسطاً وعَدلاً کَما مُلِئَت جَوراً وظُلماً،ویَشفی صُدورَ قَومٍ مُؤمِنینَ،هُم شیعَتُهُ. (2)

576.کمال الدین عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر محمّد بن علیّ الباقر عن أبیه علیّ بن الحسین عن أبیه الحسین بن علیّ علیهم السّلام: دَخَلتُ أنَا وأخی عَلی جَدّی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَأَجلَسَنی عَلی فَخِذِهِ،وأجلَسَ أخِی الحَسَنَ عَلی فَخِذِهِ الاُخری،ثُمَّ قَبَّلَنا،وقالَ:بِأَبی أَنتُما مِن إمامَینِ صالِحَینِ اختارَکُمَا اللّهُ مِنّی ومِن أبیکُما واُمِّکُما،وَاختارَ مِن صُلبِکَ یا حُسَینُ تِسعَةَ أئِمَّةٍ،تاسِعُهُم قائِمُهُم،وکُلُّکُم فِی الفَضلِ وَالمَنزِلَةِ عِندَ اللّهِ

ص:35

تَعالی سَواءٌ. (1)

577.کفایة الأثر عن عمر بن الخطّاب: سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَقولُ:أیُّهَا النّاسُ! إنّی فَرَطٌ (2)لَکُم، وإنَّکُم وارِدونَ عَلَیَّ الحَوضَ،حَوضاً عَرضُهُ ما بَینَ صَنعاءَ (3)إلی بُصری (4)،فیهِ قُدحانٌ عَدَدَ النُّجومِ مِن فِضَّةٍ،وإنّی سائِلُکُم حینَ تَرِدونَ عَلَیَّ عَنِ الثَّقَلَینِ،فَانظُروا کَیفَ تَخلُفونّی فیهِما:السَّبَبُ الأَکبَرُ کِتابُ اللّهِ،طَرَفُهُ بِیَدِ اللّهِ وطَرَفُهُ بِأَیدیکُم، فَاستَمسِکوا بِهِ ولا تُبَدِّلوا،وعِترَتی أهلُ بَیتی؛فَإِنَّهُ قَد نَبَّأَنِی اللَّطیفُ الخَبیرُ أنَّهُما لَن یَفتَرِقا حَتّی یَرِدا عَلَیَّ الحَوضَ.

فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،مَن عِترَتُکَ؟

قالَ:أهلُ بَیتی مِن وُلدِ عَلِیٍّ وفاطِمَةَ،وتِسعَةٌ مِن صُلبِ الحُسَینِ أئِمَّةٌ أبرارٌ،هُم عِترَتی مِن لَحمی ودَمی. (5)

578.کتاب سلیم بن قیس عن عبداللّه بن جعفر: سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَقولُ-وهُوَ عَلَی المِنبَرِ وأنَا بَینَ یَدَیهِ...-:أیُّهَا النّاسُ ! إذا أنَا استُشِهدتُ فَعَلِیٌّ أولی بِکُم

ص:36

مِن أنفُسِکُم.

فَإِذَا استُشهِدَ عَلِیٌّ فَابنِیَ الحَسَنُ أولی بِالمُؤمِنینَ مِنهُم بِأَنفُسِهِم.

فَإِذَا استُشِهدَ ابنِیَ الحَسَنُ فَابِنیَ الحُسَینُ أولی بِالمُؤمِنینَ مِنهُم بِأَنفُسِهِم.

فَإِذَا استُشهِدَ ابنِیَ الحُسَینُ فَابنی عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ أولی بِالمُؤمِنینَ مِنهُم بِأَنفُسِهِم، لَیسَ لَهُم مَعَهُ أمرٌ.

ثُمَّ أقبَلَ عَلی عَلِیٍّ علیه السّلام فَقالَ:یا عَلِیُّ،إنَّکَ سَتُدرِکُهُ،فَأَقرِئهُ عَنِّی السَّلامَ.

فَإِذَا استُشهِدَ فَابنُهُ مُحَمَّدٌ أولی بِالمُؤمِنینَ مِنهُم بِأَنفُسِهِم،وسَتُدرِکُهُ أنتَ یا حُسَینُ،فَأَقرِئهُ مِنِّی السَّلامَ.

ثُمَّ یَکونُ فی عَقِبِ مُحَمَّدٍ رِجالٌ واحِدٌ بَعدَ واحِدٍ،ولَیسَ لَهُم مَعَهُم أمرٌ.ثُمَّ أعادَها ثَلاثاً،ثُمَّ قالَ:

ولَیسَ مِنهُم أحَدٌ إلّاوهُوَ أولی بِالمُؤمِنینَ مِنهُم بِأَنفُسِهِم،لَیسَ لَهُم مَعَهُ أمرٌ،کُلُّهُم هادونَ مُهتَدونَ،تِسعَةٌ مِن وُلدِ الحُسَینِ.

فَقامَ إلَیهِ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ،وهُوَ یَبکی،فَقالَ:بِأَبی أنتَ واُمّی یا نَبِیَّ اللّهِ،أتُقتَلُ؟

قالَ:نَعَم،أهلِکُ شَهیداً بِالسَّمِّ،وتُقتَلُ أنتَ بِالسَّیفِ،وتُخضَبُ لِحیَتُکَ مِن دَمِ رَأسِکَ،ویُقتَلُ ابنِیَ الحَسَنُ بِالسَّمِّ،ویُقتَلُ ابنِیَ الحُسَینُ بِالسَّیفِ،یَقتُلُهُ طاغٍ ابنُ طاغٍ (1)،دَعِیٌّ ابنُ دَعِیٍّ،مُنافِقٌ ابنُ مُنافِقٍ. (2)

ص:37

579.کمال الدین عن عبد الرحمن بن سمرة: قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،أرشِدنی إلَی النَّجاةِ !

فَقالَ:یَابنَ سَمُرَةَ،إذَا اختَلَفَتِ الأَهواءُ،وتَفَرَّقَتِ الآراءُ،فَعَلَیکَ بِعَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ،فَإِنَّهُ إمامُ امَّتی،وخَلیفَتی عَلَیهِم مِن بَعدی،وهُوَ الفاروقُ الَّذی یُمَیَّزُ بِهِ بَینَ الحَقِّ وَالباطِلِ،مَن سَأَلَهُ أجابَهُ،ومَنِ استَرشَدَهُ أرشَدَهُ،ومَن طَلَبَ الحَقَّ عِندَهُ وَجَدَهُ،ومَنِ التَمَسَ الهُدی لَدَیهِ صادَفَهُ،ومَن لَجَأَ إلَیهِ آمَنَهُ،ومَنِ استَمسَکَ بِهِ نَجّاهُ، ومَنِ اقتَدی بِهِ هَداهُ.

یَابنَ سَمُرَةَ،سَلِمَ مِنکُم مَن سَلَّمَ لَهُ ووالاهُ،وهَلَکَ مَن رَدَّ عَلَیهِ وعاداهُ.

یَابنَ سَمُرَةَ،إنَّ عَلِیّاً مِنّی،روحُهُ مِن روحی،وطینَتُهُ مِن طینَتی،وهُوَ أخی وأنَا أخوهُ،وهُوَ زَوجُ ابنَتی فاطِمَةَ سَیِّدَةِ نِساءِ العالَمینَ مِنَ الأَوَّلینَ وَالآخِرینَ،إنَّ مِنهُ إمامَی امَّتی،وسَیِّدَی شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ الحَسَنَ وَالحُسَینَ،وتِسعَةً مِن وُلدِ الحُسَینِ، تاسِعُهُم قائِمُ امَّتی،یَملَاُ الأَرضَ قِسطاً وعَدلاً کَما مُلِئَت جَوراً وظُلماً. (1)

کُلِّ مُسلِمٍ،ومَولی کُلِّ مُؤمِنٍ بَعدَ وَفاتی.

ألا وإنّی أقولُ:خَیرُ الخَلقِ بَعدی وسَیِّدُهُم ابنی هذا،وهُوَ إمامُ کُلِّ مُؤمِنٍ،ومَولی کُلِّ مُؤمِنٍ بَعدَ وَفاتی،ألا وإنَّهُ سَیُظلَمُ بَعدی کَما ظُلِمتُ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.

وخَیرُ الخَلقِ وسَیِّدُهُم بَعدَ الحَسَنِ ابنی أخوهُ الحُسَینُ،المَظلومُ بَعدَ أخیهِ، المَقتولُ فی أرضِ کَربَلاءَ،أما إنَّهُ وأصحابَهُ مِن سادَةِ الشُّهَداءِ یَومَ القِیامَةِ.

ومِن بَعدِ الحُسَینِ تِسعَةٌ مِن صُلبِهِ،خُلَفاءُ اللّهِ فی أرضِهِ وحُجَجُهُ عَلی عِبادِهِ، واُمَناؤُهُ عَلی وَحیِهِ،وأئِمَّةُ المُسلِمینَ،وقادَةُ المُؤمِنینَ،وسادَةُ المُتَّقینَ،تاسِعُهُم القائِمُ الَّذی یَملَأُ اللّهُ عز و جل بِهِ الأَرضَ نوراً بَعدَ ظُلمَتِها،وعَدلاً بَعدَ جَورِها،وعِلماً بَعدَ جَهلِها.

وَالَّذی بَعَثَ أخی مُحَمَّداً بِالنُّبُوَّةِ وَاختَصَّنی بِالإِمامَةِ،لَقَد نَزَلَ بِذلِکَ الوَحیُ مِنَ السَّماءِ عَلی لِسانِ الرّوحِ الأَمینِ جَبرَئیلَ،ولَقَد سُئِلَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله-وأنَا عِندَهُ-عَنِ الأَئِمَّةِ بَعدَهُ،فَقالَ لِلسّائِلِ:وَالسَّماءِ ذاتِ البُروجِ،إنَّ عَدَدَهُم بِعَدَدِ البُروجِ،ورَبِّ اللَّیالی وَالأَیّامِ وَالشُّهورِ إنَّ عَدَدَهُم کَعَدَدِ الشُّهورِ.

فَقالَ السّائِلُ:فَمَن هُم یا رَسولَ اللّهِ؟فَوَضَعَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَدَهُ عَلی رَأسی،فَقالَ:

أوَّلُهُم هذا،وآخِرُهُم المَهدِیُّ،مَن والاهُم فَقَد والانی،ومَن عاداهُم فَقَد عادانی، ومَن أحَبَّهُم فَقَد أحَبَّنی،ومَن أبغَضَهُم فَقَد أبغَضَنی،ومَن أنکَرَهُم فَقَد أنکَرَنی،ومَن عَرَفَهُم فَقَد عَرَفَنی،بِهِم یَحفَظُ اللّهُ عز و جل دینَهُ،وبِهِم یَعمُرُ بِلادَهُ،وبِهِم یَرزُقُ عِبادَهُ، وبِهِم نَزَلَ القَطرُ مِنَ السَّماءِ،وبِهِم یَخرُجُ بَرَکاتُ الأَرضِ،هؤُلاءِ أصفِیائی وخُلَفائی وأئِمَّةُ المُسلِمینَ ومَوالِی المُؤمِنینَ. (1)

ص:39

قالَ:الحَسَنُ وَالحُسَینُ،أنَا جَدُّهُما،وجَدَّتُهُما خَدیجَةُ سَیِّدَةُ نِساءِ أهلِ الجَنَّةِ.

ألا أدُلُّکُم عَلی خَیرِ النّاسِ أباً واُمّاً؟قُلنا:بَلی یا رَسولَ اللّهِ.

قالَ:الحَسَنُ وَالحُسَینُ،أبوهُما عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ واُمُّهُما فاطِمَةُ سَیِّدَةُ نِساءِ العالَمینَ.

ألا أدُلُّکُم عَلی خَیرِ النّاسِ عَمّاً وعَمَّةً؟قُلنا:بَلی یا رَسولَ اللّهِ.

قالَ:الحَسَنُ وَالحُسَینُ،عَمُّهُما جَعفَرُ بنُ أبی طالِبٍ،وعَمَّتُهُما امُّ هانِیءٍ بِنتُ أبی طالِبٍ.

أیُّهَا النّاسُ ! ألا أدُلُّکُم عَلی خَیرِ النّاسِ خالاً وخالَةً؟قُلنا:بَلی یا رَسولَ اللّهِ.

قالَ:الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام،خالُهُمَا القاسِمُ بنُ رَسولِ اللّهِ،وخالَتُهُما زَینَبُ بِنتُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،ثُمَّ قالَ:عَلی قاتِلِهِما لَعنَةُ اللّهِ وَالمَلائِکَةِ وَالنّاسِ أجمَعینَ.

وإنَّهُ لَیَخرُجُ مِن صُلبِ الحُسَینِ علیه السّلام أئِمَّةٌ أبرارٌ،اُمَناءُ مَعصومونَ،قَوّامونَ بِالقِسطِ، ومِنّا مَهدِیُّ هذِهِ الاُمَّةِ،الَّذی یُصَلّی عیسَی بنُ مَریَمَ خَلفَهُ،قُلنا:مَن (1)یا رَسولَ اللّهِ؟

قالَ:هُوَ التّاسِعُ مِن صُلبِ الحُسَینِ،تِسعَةٌ مِن صُلبِ الحُسَینِ أئِمَّةٌ أبرارٌ،وَالتّاسِعُ مَهدِیُّهُم،یَملَأُ الأَرضَ قِسطاً وعَدلاً کَما مُلِئَت جَوراً وظُلماً. (2)

وُلدِ الحُسَینِ أرکانُ الدّینِ،ودَعائِمُ الإِسلامِ،مَن تَبِعَنا نَجا،ومَن تَخَلَّفَ عَنّا فَإِلَی النّارِ. (1)

ومَن أحَبَّ أن یَلقَی اللّهَ وهُوَ طاهِرٌ مُطَهَّرٌ فَلیُوالِ موسَی الکاظِمَ،ومَن أحَبَّ أن یَلقَی اللّهَ وهُوَ ضاحِکٌ مُستَبشِرٌ فَلیُوالِ عَلِیَّ بنَ موسَی الرِّضا،ومَن أحَبَّ أن یَلقَی اللّهَ وقَد رُفِعَت دَرَجاتُهُ وبُدِّلَت سَیِّئاتُهُ حَسَناتٍ فَلیُوالِ مُحَمَّداً الجَوادَ،ومَن أحَبَّ أن یُحاسِبَهُ اللّهُ حِساباً یَسیراً فَلیُوالِ عَلِیّاً الهادِیَ،ومَن أحَبَّ أن یَلقَی اللّهَ وهُوَ مِنَ الفائِزینَ فَلیُوالِ الحَسَنَ العَسکَرِیَّ،ومَن أحَبَّ أن یَلقَی اللّهَ وقَد کَمَلَ إیمانُهُ وحَسُنَ إسلامُهُ فَلیُوالِ الحُجَّةَ صاحِبَ الزَّمانِ القائِمَ المُنتَظَرَ المَهدِیَّ م ح م د بنَ الحَسَنِ،فَهؤُلاءِ مَصابیحُ الدُّجی،وأئِمَّةُ الهُدی،وأعلامُ التُّقی،فَمَن أحَبَّهُم وتَوَلّاهُم کُنتُ ضامِناً لَهُ عَلَی اللّهِ الجَنَّةَ. (1)

ص:43

ص:44

وأمَرَکَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله أن تَدفَعَهُ إلَی ابنِکَ مُحَمَّدِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،وأقرِئهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ومِنِّی السَّلامَ. (1)

590.مئة منقبة عن المسیّب بن نجیّة عن أمیر المؤمنین علیه السّلام: أنَا وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ وتِسعَةٌ مِن وُلدِ الحُسَینِ خُلَفاءُ اللّهِ فی أرضِهِ،واُمَناؤُهُ عَلی وَحیِهِ،وأئِمَّةُ المُسلِمینَ بَعدَ نَبِیِّهِ، وحُجَجُ اللّهِ عَلی بَرِیَّتِهِ. (2)

591.کمال الدین عن عبداللّه بن الحارث عن علیّ علیه السّلام -وقَد سَأَلَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ الحارِثِ:أخبِرنی بِما یَکونُ مِنَ الأَحداثِ بَعدَ قائِمِکُم-:یَابنَ الحارِثِ،ذلِکَ شَیءٌ ذِکرُهُ مَوکولٌ إلَیهِ،وإنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عَهِدَ إلَیَّ ألّا اخبِرَ بِهِ إلَّاالحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهما السّلام. (3)

592.الکافی عن أبی الجارود عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام :إنَّ عَلِیّاً علیه السّلام حَضَرَهُ الَّذی حَضَرَهُ،فَدَعا وُلدَهُ-وکانُوا اثنَی (4)عَشَرَ ذَکَراً-فَقالَ لَهُم:«یا بَنِیَّ،إنَّ اللّهَ عز و جل قَد أبی إلّاأن یَجعَلَ فِیَّ سُنَّةً مِن یَعقوبَ،وإنَّ یَعقوبَ دَعا وُلدَهُ-وکانُوا اثنَی عَشَرَ ذَکَراً-فَأَخبَرَهُم بِصاحِبِهِم.ألا وإنّی اخبِرُکُم بِصاحِبِکُم،ألا إنَّ هذَینِ ابنا رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام،فَاسمَعوا لَهُما وأطیعوا،ووازِروهُما؛فَإِنّی قَدِ ائتَمَنتُهُما عَلی مَا ائتَمَنَنی عَلَیهِ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،مِمَّا ائتَمَنَهُ اللّهُ عَلَیهِ مِن خَلقِهِ،ومِن غَیبِهِ،ومِن دینِهِ الّذِی ارتَضاهُ لِنَفسِهِ».

ص:46

فَأَوجَبَ اللّهُ لَهُما مِن عَلِیٍّ علیه السّلام ما أوجَبَ لِعَلِیٍّ علیه السّلام مِن رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَلَم یَکُن لِأَحَدٍ مِنهُما فَضلٌ عَلی صاحِبِهِ إلّابِکِبَرِهِ.

وإنَّ الحُسَینَ علیه السّلام کانَ إذا حَضَرَ الحَسَنُ علیه السّلام لَم یَنطِق فی ذلِکَ المَجلِسِ حَتّی یَقومَ.

ثُمَّ إنَّ الحَسَنَ علیه السّلام حَضَرَهُ الَّذی حَضَرَهُ،فَسَلَّمَ ذلِکَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام.

ثُمَّ إنَّ حُسَیناً علیه السّلام حَضَرَهُ الَّذی حَضَرَهُ،فَدَعَا ابنَتَهُ الکُبری فاطِمَةَ بِنتَ الحُسَینِ علیه السّلام،فَدَفَعَ إلَیها کِتاباً مَلفوفاً،ووَصِیَّةً ظاهِرَةً،وکانَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام مَبطوناً (1)،لا یَرَونَ إلّاأنَّهُ لِما بِهِ (2)،فَدَفَعَت فاطِمَةُ الکِتابَ إلی عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام، ثُمَّ صارَ وَاللّهِ ذلِکَ الکِتابُ إلَینا. (3)

593.الکافی عن حبابة الوالبیّة: رَأَیتُ أمیرَ المُؤمِنینَ علیه السّلام فی شُرطَةِ الخَمیسِ ومَعَهُ دِرَّةٌ لَها سَبابَتانِ،یَضرِبُ بِها بَیّاعِی الجِرِّیِّ وَالمارماهی وَالزِّمّارِ،ویَقولُ لَهُم:یا بَیّاعی مُسوخِ بَنی إسرائیلَ وجُندِ بَنی مَروانَ.

فَقامَ إلَیهِ فُراتُ بنُ أحنَفَ،فَقالَ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ ! وما جُندُ بَنی مَروانَ؟

فَقالَ لَهُ:أقوامٌ حَلَقُوا اللِّحی،وفَتَلُوا الشَّوارِبَ،فَمُسِخوا.

فَلَم أرَ ناطِقاً أحسَنَ نُطقاً مِنهُ.ثُمّ اتَّبَعتُهُ،فَلَم أزَل أقفو أثَرَهُ حَتّی قَعَدَ فی رَحَبَةِ المَسجِدِ،فَقُلتُ:لَهُ یا أمیرَ المُؤمِنینَ،ما دَلالَةُ الإِمامَةِ یَرحَمُکَ اللّهُ؟

فَقالَ:إیتِینی بِتِلکَ الحَصاةِ-وأشارَ بِیَدِهِ إلی حَصاةٍ-فَأَتَیتُهُ بِها،فَطَبَعَ لی فیها بِخاتَمِهِ،ثُمَّ قالَ لی:یا حَبابَةُ،إذَا ادَّعی مُدَّعٍ الإِمامَةَ،فَقَدَرَ أن یَطبَعَ کَما رَأَیتِ،

ص:47

فَاعلَمی أنَّهُ إمامٌ مُفتَرَضُ الطّاعَةِ وَالإِمامُ لا یَعزُبُ عَنهُ شَیءٌ یُریدُهُ.

قالَت:ثُمَّ انصَرَفتُ حَتّی قُبِضَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام،فَجِئتُ إلَی الحَسَنِ علیه السّلام وهُوَ فی مَجلِسِ أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السّلام وَالنّاسُ یَسأَلونَهُ،فَقالَ:یا حَبابَةُ الوالِبِیَّةُ،فَقُلتُ:نَعَم یا مَولایَ،فَقالَ:هاتی ما مَعَکِ،قالَ:فَأَعطَیتُهُ،فَطَبَعَ فیها کَما طَبَعَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام.

قالَت:ثُمَّ أتَیتُ الحُسَینَ علیه السّلام وهُوَ فی مَسجِدِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَقَرَّبَ ورَحَّبَ،ثُمَّ قالَ لی:إنَّ فِی الدَّلالَةِ دَلیلاً عَلی ما تُریدینَ،أفَتُریدینَ دَلالَةَ الإِمامَةِ؟

فَقُلتُ:نَعَم یا سَیِّدی،فَقالَ:هاتی ما مَعَکِ،فَنَاوَلتُهُ الحَصاةَ،فَطَبَعَ لی فیها.... (1)

راجع:ص 38 (الفصل الثانی/تسعة من ولده خلفاء اللّه عز و جل فی أرضه).

فِیهِ کِتاباً أبیَضَ شِبهَ لَونِ الشَّمسِ.

فَقُلتُ لَها:بِأَبی واُمّی یا بِنتَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ! ما هذَا اللَّوحُ؟فَقالَت:هذا لَوحٌ أهداهُ اللّهُ إلی رَسولِهِ صلّی اللّه علیه و آله،فیهِ اسمُ أبی،وَاسمُ بَعلی،وَاسمُ ابنَیَّ،وَاسمُ الأَوصِیاءِ مِن وُلدی،وأعطانیهِ أبی لِیُبَشِّرَنی بِذلِکَ.

قالَ جابِرٌ:فَأَعطَتنیهِ امُّکَ فاطِمَةُ علیها السّلام،فَقَرَأتُهُ وَاستَنسَختُهُ،فَقالَ لَهُ أبی:فَهَل لَکَ یا جابِرُ أن تَعرِضَهُ عَلَیَّ؟قالَ:نَعَم،فَمَشی مَعَهُ أبی إلی مَنزِلِ جابِرٍ،فَأَخرَجَ صَحیفَةً مِن رَقٍّ.

فَقالَ:یا جابِرُ! انظُر فی کِتابِکَ لِاَقرَأَ أنَا عَلَیکَ،فَنَظَرَ جابِرٌ فی نُسخَتِهِ،فَقَرَأَهُ أبی،فَما خالَفَ حَرفٌ حَرفاً،فَقالَ جابِرٌ:فَأَشهَدُ بِاللّهِ أنّی هکَذا رَأَیتُهُ فِی اللَّوحِ مَکتوباً:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ

هذا کِتابٌ مِنَ اللّهِ العَزیزِ الحَکیمِ لِمُحَمَّدٍ نَبِیِّهِ ونورِهِ وسَفیرِهِ وحِجابِهِ ودَلیلِهِ،نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمینُ مِن عِندِ رَبِّ العالَمینَ:

عَظِّم-یا مُحَمَّدُ-أسمائی،وَاشکُر نَعمائی،ولا تَجحَد آلائی،إنّی أنَا اللّهُ لا إلهَ إلَّا أنَا،قاصِمُ الجَبّارینَ،ومُدیلُ المَظلومینَ،ودَیّانُ الدّینِ،إنّی أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّاأنَا، فَمَن رَجا غَیرَ فَضلی،أو خافَ غَیرَ عَدلی،عَذَّبتُهُ عَذاباً لا اعَذِّبُهُ أحَداً مِنَ العالَمینَ، فَإِیّایَ فَاعبُد،وعَلَیَّ فَتَوَکَّل.

إنّی لَم أبعَث نَبِیّاً،فَاُکمِلَت أیّامُهُ،وَانقَضَت مُدَّتُهُ،إلّاجَعَلتُ لَهُ وَصِیّاً،وإنّی فَضَّلتُکَ عَلَی الأَنبِیاءِ،وفَضَّلتُ وَصِیَّکَ عَلَی الأَوصِیاءِ،وأکرَمتُکَ بِشِبلَیکَ وسِبطَیکَ حَسَنٍ وحُسَینٍ،فَجَعَلتُ حَسَناً مَعدِنَ عِلمی بَعدَ انقِضاءِ مُدَّةِ أبیهِ.

وجَعَلتُ حُسَیناً خازِنَ وَحیی،وأکرَمتُهُ بِالشَّهادَةِ،وخَتَمتُ لَهُ بِالسَّعادَةِ،فَهُوَ

ص:49

أفضَلُ مَنِ استُشهِدَ،وأرفَعُ الشُّهَداءِ دَرَجَةً،جَعَلتُ کَلِمَتِیَ التّامَّةَ مَعَهُ،وحُجَّتِیَ البالِغَةَ عِندَهُ.

بِعِترَتِهِ اثیبُ واُعاقِبُ،أوَّلُهُم عَلِیٌّ سَیِّدُ العابِدینَ وزَینُ أولِیائِیَ الماضینَ،وَابنُهُ شِبهُ جَدِّهِ المَحمودِ مُحَمَّدٌ الباقِرُ عِلمی،وَالمَعدِنُ لِحِکمَتی.

سَیَهلِکُ المُرتابونَ فی جَعفَرٍ،الرّادُّ عَلَیهِ کَالرّادِّ عَلَیَّ،حَقَّ القَولُ مِنّی لَاُکرِمَنَّ مَثوی جَعفَرٍ،ولَأَسُرَّنَّهُ فی أشیاعِهِ وأنصارِهِ وأولِیائِهِ.

اتیحَت بَعدَهُ موسی فِتنَةٌ عَمیاءُ حِندِسٌ (1)؛لِأَنَّ خَیطَ فَرضی لا یَنقَطِعُ،وحُجَّتی لا تَخفی،وأنَّ أولِیائی یُسقَونَ بِالکَأسِ الأَوفی،مَن جَحَدَ واحِداً مِنهُم فَقَد جَحَدَ نِعمَتی،ومَن غَیَّرَ آیَةً مِن کِتابی فَقَدِ افتَری عَلَیَّ،وَیلٌ لِلمُفتَرینَ الجاحِدینَ عِندَ انقِضاءِ مُدَّةِ موسی عَبدی وحَبیبی،وخِیَرَتی فی عَلِیٍّ وَلِیّی وناصِری،ومَن أضَعُ عَلَیهِ أعباءَ النُّبُوَّةِ،وأمتَحِنُهُ بِالاِضطِلاعِ بِها،یَقتُلُهُ عِفریتٌ مُستَکبِرٌ،یُدفَنُ فِی المَدینَةِ الَّتی بَناهَا العَبدُ الصّالِحُ (2)إلی جَنبِ شَرِّ خَلقی.

حَقَّ القَولُ مِنّی لَأَسُرَّنَّهُ بِمُحَمَّدٍ ابنِهِ،وخَلیفَتِهِ مِن بَعدِهِ،ووارِثِ عِلمِهِ،فَهُوَ مَعدِنُ عِلمی،ومَوضِعُ سِرّی وحُجَّتی عَلی خَلقی،لا یُؤمِنُ عَبدٌ بِهِ إلّاجَعَلتُ الجَنَّةَ مَثواهُ، وشَفَّعتُهُ فی سَبعینَ مِن أهلِ بَیتِهِ کُلُّهُم قَدِ استَوجَبُوا النّارَ،وأختِمُ بِالسَّعادَةِ لِابنِهِ عِلِیٍّ وَلِیّی وناصِری،وَالشّاهِدِ فی خَلقی،وأمینی عَلی وَحیی.

اخرِجُ مِنهُ الدّاعِیَ إلی سَبیلی،وَالخازِنَ لِعِلمِیَ الحَسَنَ،واُکمِلُ ذلِکَ بِابنِهِ«م ح م د»رَحمَةً لِلعالَمینَ،عَلَیهِ کَمالُ موسی،وبَهاءُ عیسی،وصَبرُ أیّوبَ،فَیُذَلُّ أولِیائی فی زَمانِهِ،وتُتَهادی رُؤوسُهُم کَما تُتَهادی رُؤوسُ التُّرکِ وَالدَّیلَمِ،فَیُقتَلونَ ویُحرَقونَ،

ص:50

ویَکونونَ خائِفینَ،مَرعوبینَ وَجِلینَ،تُصبَغُ الاَرضُ بِدِمائِهِم،ویَفشُو الوَیلُ وَالرَّنَّةُ فی نِسائِهِم،اُولئِکَ أولِیائی حَقّاً،بِهِم أدفَعُ کُلَّ فِتنَةٍ عَمیاءَ حِندِسٍ،وبِهِم أکشِفُ الزَّلازِلَ،وأدفَعُ الآصارَ وَالأَغلالَ،اُولئِکَ عَلَیهِم صَلَواتٌ مِن رَبِّهِم ورَحمَةٌ،واُولئِکَ هُمُ المُهتَدونَ.

قالَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ سالِمٍ:قالَ أبو بَصیرٍ:لَو لَم تَسمَع فی دَهرِکَ،إلّاهذَا الحَدیثَ لَکَفاکَ،فَصُنهُ إلّاعَن أهلِهِ. (1)

595.الأمالی للطوسی عن محمّد بن سنان عن أبی عبداللّه جعفر بن محمّد [الصادق] علیه السّلام :قالَ أبی لِجابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ:لی إلَیکَ حاجَةٌ اریدُ أخلو بِکَ فیها،فَلَمّا خَلا بِهِ فی بَعضِ الأَیّامِ، قالَ لَهُ:أخبِرنی عَنِ اللَّوحِ الَّذی رَأَیتَهُ فی یَدِ امّی فاطِمَةَ علیها السّلام.

قالَ جابِرٌ:أشهَدُ بِاللّهِ،لَقَد دَخَلتُ عَلی فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لِاُهَنِّئَها بِوَلَدِهَا الحُسَینِ علیه السّلام،فَإِذا بِیَدِها لَوحٌ أخضَرُ مِن زَبَرجَدَةٍ خَضراءَ،فیهِ کِتابٌ أنوَرُ مِنَ الشَّمسِ،وأطیَبُ مِن رائِحَةِ المِسکِ الأَذفَرِ.

فَقُلتُ:ما هذا،یا بِنتَ رَسولِ اللّهِ؟فَقالَت:هذا لَوحٌ أهداهُ اللّهُ عز و جل إلی أبی،فیهِ اسمُ أبی،وَاسمُ بَعلی،وَاسمُ الأَوصِیاءِ بَعدَهُ مِن وُلدی،فَسَأَلتُها أن تَدفَعَهُ إلَیَّ لِأَنسَخَهُ،فَفَعَلَت،فَقالَ لَهُ:فَهَل لَکَ أن تُعارِضَنی بِهِ،قالَ:نَعَم.

فَمَضی جابِرٌ إلی مَنزِلِهِ،وأتی بِصَحیفَةٍ مِن کاغَذٍ،فَقالَ لَهُ:اُنظُر فی صَحیفَتِکَ حَتّی أقرَأَها عَلَیکَ،وکانَ فی صَحیفَتِهِ مَکتوبٌ:

ص:51

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ

هذا کِتابٌ مِنَ اللّهِ العَزیزِ العَلیمِ،أنزَلَهُ الرّوحُ الأَمینُ عَلی مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِیّینَ:

یا مُحَمَّدُ،عَظِّم أسمائی،وَاشکُر نَعمائی،ولا تَجحَد آلائی،ولا تَرجُ سِوایَ،ولا تَخشَ غَیری،فَإِنَّهُ مَن یَرجو سِوایَ ویَخشی غَیری «أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِینَ» . (1)

یا مُحَمَّدُ،إنِّی اصطَفَیتُکَ عَلَی الأَنبِیاءِ،وفَضَّلتُ وَصِیَّکَ عَلَی الأَوصِیاءِ،وجَعَلتُ الحَسَنَ عَیبَةَ (2)عِلمی مِن بَعدِ انقِضاءِ مُدَّةِ أبیهِ،وَالحُسَینَ خَیرَ أولادِ الأَوَّلینَ وَالآخِرینَ،فیهِ تَثبُتُ الإِمامَةُ،ومِنهُ یَعقُبُ (3)عَلِیٌّ زَینُ العابِدینَ،ومُحَمَّدٌ الباقِرُ لِعِلمی،وَالدّاعی إلی سَبیلی عَلی مِنهاجِ الحَقِّ،وجَعفَرٌ الصّادِقُ فِی العَقلِ وَالعَمَلِ، تَنشَبُ مِن بَعدِهِ فِتنَةٌ صَمّاءُ،فَالوَیلُ کُلُّ الوَیلِ لِلمُکَذِّبِ بِعَبدی وخِیَرَتی مِن خَلقی موسی،وعَلِیٌّ الرِّضا یَقتُلُهُ عِفریتٌ کافِرٌ،یُدفَنُ بِالمَدینَةِ الَّتی بَناهَا العَبدُ الصّالِحُ إلی جَنبِ شَرِّ خَلقِ اللّهِ (4)،ومُحَمَّدٌ الهادی إلی سَبیلی،الذّابُّ عَن حَریمی،وَالقَیِّمُ فی رَعِیَّتِهِ،حَسَنٌ أغَرُّ،یَخرُجُ مِنهُ ذُو الاِسمَینِ عَلِیٌّ وَالحَسَنُ،وَالخَلَفُ مُحَمَّدٌ یَخرُجُ فی آخِرِ الزَّمانِ،عَلی رَأسِهِ غَمامَةٌ بَیضاءُ تُظِلُّهُ مِنَ الشَّمسِ،یُنادی بِلِسانٍ فَصیحٍ، یُسمِعُهُ الثَّقَلَینِ وَالخافِقَینِ،وهُوَ المَهدِیُّ مِن آلِ مُحَمَّدٍ،یَملَأُ الاَرضَ عَدلاً کَما مُلِئَت جَوراً. (5)

ص:52

روحی جِسمی إمامٌ مِن بَعدی،وعِندَ اللّهِ جَلَّ اسمُهُ فِی الکِتابِ،وِراثَةً مِنَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله أضافَهَا اللّهُ عز و جل لَهُ فی وِراثَةِ أبیهِ واُمِّهِ،فَعَلِمَ اللّهُ أنَّکُم خِیَرَةُ خَلقِهِ،فَاصطَفی مِنکُم مُحَمَّداً صلّی اللّه علیه و آله،وَاختارَ مُحَمَّدٌ عَلِیّاً علیه السّلام،وَاختارَنی عَلِیٌّ علیه السّلام بِالإِمامَةِ،وَاختَرتُ أنَا الحُسَینَ علیه السّلام. (1)

597.الإرشاد عن زیاد المخارقی: لَمّا حَضَرَتِ الحَسَنَ علیه السّلام الوَفاةُ،استَدعَی الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام...ثُمَّ وَصّی علیه السّلام إلَیهِ بِأَهلِهِ ووُلدِهِ وتَرِکاتِهِ،وما کانَ وَصّی بِهِ إلَیهِ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام حینَ استَخلَفَهُ وأهَّلَهُ لِمَقامِهِ،ودَلَّ شیعَتَهُ عَلَی استِخلافِهِ،ونَصَبَهُ لَهُم عَلَماً مِن بَعدِهِ. (2)

598.الکافی عن أبی الجارود عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام -فی بَیانِ الوِلایَةِ-:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله حَضَرَهُ الَّذی حَضَرَ،فَدَعا عَلِیّاً،فَقالَ:یا عَلِیُّ! إنّی اریدُ أن أئتَمِنَکَ عَلی مَا ائتَمَنَنِیَ اللّهُ عَلَیهِ...ثُمَّ إنَّ الحَسَنَ علیه السّلام حَضَرَهُ الَّذی حَضَرَهُ،فَسَلَّمَ ذلِکَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام. (3)

599.کفایة الأثر عن الأصبغ عن الحسن بن علیّ علیه السّلام: الأَئِمَّةُ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله اثنا عَشَرَ،تِسعَةٌ مِن صُلبِ أخِی الحُسَینِ،ومِنهُم مَهدِیُّ هذِهِ الاُمَّةِ. (4)

600.عیون المعجزات -فی ذِکرِ الإِمامِ الحَسَنِ علیه السّلام وهُوَ فی ساعاتِهِ الأَخیرَةِ-:ودَخَلَ عَلَیهِ أخوهُ الحُسَینُ علیه السّلام،فَقالَ:کَیفَ تَجِدُ نَفسَکَ؟قالَ:أنَا فی آخِرِ یَومٍ مِنَ الدُّنیا وأوَّلِ یَومٍ مِنَ الآخِرَةِ،عَلی کُرهٍ مِنّی لِفِراقِکَ وفِراقِ إخوَتی.

ص:54

ثُمَّ قالَ:أستَغفِرُ اللّهَ،عَلی مَحَبَّةٍ مِنّی لِلِقاءِ رَسولِ اللّهِ وأمیرِ المُؤمِنینَ وفاطِمَةَ وجَعفَرٍ وحَمزَةَ علیهم السّلام،ثُمَّ أوصی إلَیهِ،وسَلَّمَ إلَیهِ الاِسمَ الأَعظَمَ،ومَواریثَ الأَنبِیاءِ علیهم السّلام الَّتی کانَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام سَلَّمَها إلَیهِ. (1)

تِسعَةٌ مِن صُلبِکَ أئِمَّةٌ أبرارٌ،وَالتّاسِعُ مَهدِیُّهُم،یَملَأُ الأَرضَ قِسطاً وعَدلاً،یَقومُ فی آخِرِ الزَّمانِ کَما قُمتُ فی أوَّلِهِ. (1)

604.کفایة الأثر عن إسماعیل بن عبداللّه عن الحسین بن علیّ علیه السّلام: لَمّا أنزَلَ اللّهُ تَبارَکَ وتَعالی هذِهِ الآیَةَ: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ» 2 سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عَن تَأویلِها،فَقالَ:

وَاللّهِ،ما عَنی غَیرَکُم،وأنتُمُ اولُو الأَرحامِ،فَإِذا مِتُّ فَأَبوکَ عَلِیٌّ أولی بی وبِمَکانی،فَاِذا مَضی أبوکَ فَأَخوکَ الحَسَنُ أولی بِهِ،فَاِذا مَضَی الحَسَنُ فَأَنتَ أولی بِهِ.

قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ ! فَمَن بَعدی أولی بی؟

فَقالَ:اِبنُکَ عَلِیٌّ أولی بِکَ مِن بَعدِکَ،فَإِذا مَضی فَابنُهُ مُحَمَّدٌ أولی بِهِ مِن بَعدِهِ، فَإِذا مَضی فَابنُهُ جَعفَرٌ أولی بِهِ مِن بَعدِهِ بِمَکانِهِ،فَإِذا مَضی جَعفَرٌ فَابنُهُ موسی أولی بِهِ مِن بَعدِهِ،فَإِذا مَضی موسی فَابنُهُ عَلِیٌّ أولی بِهِ مِن بَعدِهِ،فَاِذا مَضی عَلِیٌّ فَابنُهُ مُحَمَّدٌ أولی بِهِ مِن بَعدِهِ،فَاِذا مَضی مُحَمَّدٌ فَابنُهُ عَلِیٌّ أولی بِهِ مِن بَعدِهِ،فَإِذا مَضی عَلِیٌّ فَابنُهُ الحَسَنُ أولی بِهِ مِن بَعدِهِ،فَاِذا مَضَی الحَسَنُ وَقَعَتِ الغَیبَةُ فِی التّاسِعِ مِن وُلدِکَ،فَهذِهِ الأَئِمَّةُ التِّسعَةُ مِن صُلبِکَ،أعطاهُم عِلمی وفَهمی،طینَتُهُم مِن طینَتی،ما لِقَومٍ یُؤذُونّی فیهِم ! لا أنالَهُمُ اللّهُ شَفاعتی. (2)

605.کفایة الأثر عن یحیی بن یعمن (3): کُنتُ عِندَ الحُسَینِ علیه السّلام إذ دَخَلَ عَلَیهِ رَجُلٌ مِنَ

ص:56

العَرَبِ،مُتَلَثِّماً أسمَرُ شَدیدُ السُّمرَةِ،فَسَلَّمَ ورَدَّ الحُسَینُ علیه السّلام،فَقالَ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ، مَسأَلَةٌ.قالَ:هاتِ.

قالَ:...أخبِرنی عَن عَدَدِ الأَئِمَّةِ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؟

قالَ:اِثنا عَشَرَ عَدَدَ نُقَباءِ بَنی إسرائیلَ.قالَ:فَسَمِّهِم لی.

قالَ:فَأَطرَقَ الحُسَینُ علیه السّلام مَلِیّاً،ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ،فَقالَ:نَعَم اخبِرُکَ یا أخَا العَرَبِ، إنَّ الإِمامَ وَالخَلیفَةَ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله أمیرُ المُؤمِنینَ عَلِیٌّ علیه السّلام وَالحَسَنُ علیه السّلام وأنَا،وتِسعَةٌ مِن وُلدی...فَقامَ الأَعرابِیُّ،وهُوَ یَقولُ:

مَسَحَ النَّبِیُّ جَبینَهُ

606.شرح الأخبار عن قیس بن غالب الأسدی: لَمّا وَفَدَ النّاسُ عَلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ لَمَّا استُخلِفَ،قُلتُ لِأَهلِ بَیتی:هَل أن نَجعَلَ نَحنُ وِفادَتَنا عَلَی ابنِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام؟فَأَجابونی،فَخَرَجتُ أنَا،وأخی عَبدُ اللّهِ بنُ غالِبٍ،وزِرُّ بنُ حُبَیشٍ،وهانِیِ ء بنُ عُروَةَ،وعُبادَةُ بنُ رِبعِیٍّ فی جَماعَةٍ مِن قَومِنا،حَتَّی انتَهَینا إلَی المَدینَةِ،فَأَتَینا مَنزِلَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام فَاستَأذَنّا عَلَیهِ،فَخَرَجَت إلَینا جارِیَةٌ، فَقُلتُ لَها:اِستَأذِنی لَنا عَلَی ابنِ رَسولِ اللّهِ،وأعلِمیهِ أنَّ مَوالِیَهُ بِالبابِ،فَأَذِنَت لَنا، فَدَخَلنا عَلَیهِ.

فَقالَ:ما أقدَمَکُم هذَا البَلَدَ فی غَیرِ حَجٍّ ولا عُمرَةٍ؟قُلنا:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،وَفَدَ النّاسُ عَلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،فَأَحبَبنا أنَّ وِفادَتَنا عَلَیکَ،قالَ:وَاللّهِ؟قُلنا:وَاللّهِ.

قالَ:أبشِروا-یَقولُها ثَلاثاً-ثُمَّ قالَ:أتَأذَنونَ لی أن أقومَ؟قُلنا:نَعَم،فَقامَ

ص:57

فَتَوَضَّأَ،ثُمَّ صَلّی رَکعَتَینِ،وعادَ إلَینا.

فَقالَ ابنُ رِبعِیٍّ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،إنَّ الحَوارِیّینَ کانَت لَهُم عَلاماتٌ یُعرَفونَ بِها، فَهَل لَکُم عَلاماتٌ تُعرَفونَ بِها؟

فَقالَ لَهُ:یا عُبادَةُ،نَحنُ عَلاماتُ الإِیمانِ فی بَیتِ الإِیمانِ،مَن أحَبَّنا أحَبَّهُ اللّهُ، ونَفَعَهُ إیمانُهُ یَومَ القِیامَةِ،ویُقبَلُ مِنهُ عَمَلُهُ،ومَن أبغَضَنا أبغَضَهُ اللّهُ،ولَم یَنفَعُه إیمانُهُ، ولَم یُتَقَبَّل عَمَلُهُ.

قالَ:فَقُلتُ:وإن دَأَبَ ونَصِبَ (1)،قالَ:نَعَم،وصامَ وصَلّی.

ثُمَّ قالَ:یا عُبادَةُ،نَحنُ یَنابیعُ الحِکمَةِ،وبِنا جَرَتِ النُّبُوَّةُ،وبِنا یُفتَحُ،وبنا یُختَمُ لا بِغَیرِنا. (2)

607.مقتضب الأثر عن امّ سلیم: لَقیتُ الحُسَینَ علیه السّلام وکُنتُ عَرَفتُ نَعتَهُ مِنَ الکُتُبِ السّالِفَةِ بِصِفَتِهِ،وتِسعَةً مِن وُلدِهِ أوصِیاءَ بِصِفاتِهِم،غَیرَ أنّی أنکَرتُ حِلیَتَهُ لِصِغَرِ سِنِّهِ، فَدَنَوتُ مِنهُ،وهُوَ عَلی کِسرَةِ رَحَبَةِ (3)المَسجِدِ،فَقُلتُ لَهُ:مَن أنتَ یا سَیِّدی؟

قالَ:أنَا طَلِبَتُکِ یا امَّ سُلَیمٍ،أنَا وَصِیُّ الأَوصِیاءِ،وأنَا أبُو التِّسعَةِ الأَئِمَّةِ الهادِیَةِ، أنَا وَصِیُّ أخِیَ الحَسَنِ،وأخی وَصِیُّ أبی عَلِیٍّ،وعَلِیٌّ وَصِیُّ جَدّی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.

فَعَجِبتُ مِن قَولِهِ،فَقُلتُ:ما عَلامَةُ ذلِکَ؟فَقالَ:اِیتینی بِحَصاةٍ،فَرَفَعتُ إلَیهِ حَصاةً مِنَ الأَرضِ،قالَت امُّ سُلَیمٍ:فَلَقَد نَظَرتُ إلَیهِ وقَد وَضَعَها بَینَ کَفَّیهِ،فَجَعَلَها کَهَیئَةِ السَّحیقِ مِنَ الدَّقیقِ،ثُمَّ عَجَنَها،فَجَعَلَها یاقوتَةً حَمراءَ،فَخَتَمَها بِخاتَمِهِ،فَثَبَتَ النَّقشُ فیها،ثُمَّ دَفَعَها إلَیَّ،وقالَ لی:اُنظُری فیها یا امَّ سُلَیمٍ،فَهَل تَرَینَ فیها شَیئاً؟

ص:58

قالَت امُّ سُلَیمٍ:فَنَظَرتُ،فَاِذا فیها رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وعَلِیٌّ وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ،وتِسعَةُ أئِمَّةٍ-صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِم-أوصِیاءُ مِن وُلدِ الحُسَینِ علیه السّلام،قَد تَواطَأَت أسماؤُهُم إلَّا اثنَینِ مِنهُم،أحَدُهُما جَعفَرٌ وَالآخَرُ موسی،وهکَذا قَرَأتُ فِی الإِنجیلِ،فَعَجِبتُ،ثُمَّ قُلتُ فی نَفسی:قَد أعطانِیَ اللّهُ الدَّلائِلَ ولَم یُعطِها مَن کانَ قَبلی.

فَقُلتُ:یا سَیِّدی أعِد عَلَیَّ عَلامَةً اخری ! قالَ:فَتَبَسَّمَ وهُوَ قاعِدٌ،ثُمَّ قامَ،فَمَدَّ یَدَهُ الیُمنی إلَی السَّماءِ،فَوَ اللّهِ،لَکَأَنَّها عَمودٌ مِن نارٍ تَخرِقُ الهَواءَ حَتّی تَواری عَن عَینی،وهُوَ قائِمٌ لا یَعبَأُ بِذلِکَ ولا یَتَحَفَّرُ،فَاُسقِطتُ وصَعِقتُ،فَما أفَقتُ إلّابِهِ، ورَأَیتُ فی یَدِهِ طاقَةً مِن آسٍ یَضرِبُ بِها مَنخِری. (1)

یَتَوَجَّهَ إلَی العِراقِ،وعَهِدَ إلَیَّ فی ذلِکَ قَبلَ أن یُستَشهَدَ بِساعَةٍ،وهذا سِلاحُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عِندی،فَلا تَتَعَرَّضَ لِهذا،فَاِنّی أخافُ عَلَیکَ نَقصَ العُمُرِ،وتَشَتُّتَ الحالِ،إنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ الوَصِیَّةَ وَالإِمامَةَ فی عَقِبِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَاِذا أرَدتَ أن تَعلَمَ ذلِکَ فَانطَلِق بِنا إلَی الحَجَرِ الأَسوَدِ حَتّی نَتَحاکَمَ إلَیهِ ونَسأَلَهُ عَن ذلِکَ.

قالَ أبو جَعفَرٍ علیه السّلام:وکانَ الکَلامُ بَینَهُما بِمَکَّةَ،فَانطَلَقا حَتّی أتَیَا الحَجَرَ الأَسوَدَ.

فَقالَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام لِمُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِیَّةِ:اِبدَأ أنتَ فَابتَهِل إلَی اللّهِ عز و جل،وسَلهُ أن یُنطِقَ لَکَ الحَجَرَ،ثُمَّ سَل.

فَابتَهَلَ مُحَمَّدٌ فِی الدُّعاءِ وسَأَلَ اللّهَ،ثُمَّ دَعَا الحَجَرَ،فَلَم یُجِبهُ.

فَقالَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام:یا عَمِّ! لَو کُنتَ وَصِیّاً وإماماً لَاَجابَکَ.

قالَ لَهُ مُحَمَّدٌ:فَادعُ اللّهَ أنتَ-یَابنَ أخی-وسَلهُ،فَدَعَا اللّهَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام بِما أرادَ،ثُمَّ قالَ:أسأَلُکَ بِالَّذی جَعَلَ فیکَ میثاقَ الأَنبِیاءِ ومیثاقَ الأَوصِیاءِ ومیثاقَ النّاسِ أجمَعینَ،لَمّا أخبَرتَنا مَنِ الوَصِیُّ وَالإِمامُ بَعدَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام؟قالَ:

فَتَحَرَّکَ الحَجَرُ حَتّی کادَ أن یَزولَ عَن مَوضِعِهِ،ثُمَّ أنطَقَهُ اللّهُ عز و جل بِلِسانٍ عَرَبِیٍ مُبینٍ، فَقالَ:اللّهُمَّ إنَّ الوَصِیَّةَ وَالإِمامَةَ بَعدَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام إلی عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ بنِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ،وَابنِ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.

قالَ:فَانصَرَفَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ وهُوَ یَتَوَلّی عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام. (1)

609.کمال الدین عن أبی خالد الکابلی عن علیّ بن الحسین زین العابدین علیه السّلام: إنَّ اولِی

ص:60

الأَمرِ الَّذینَ جَعَلَهُمُ اللّهُ عز و جل أئِمَّةً لِلنّاسِ،وأوجَبَ عَلَیهِم طاعَتَهُم:أمیرُ المُؤمِنینَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السّلام،ثُمَّ الحَسَنُ،ثُمَّ الحُسَینُ ابنا عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیهم السّلام،ثُمَّ انتَهَی الأَمرُ إلَینا. (1)

612.الکافی بسندٍ معتبر عن أبی بصیر عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام :یَکونُ تِسعَةُ أئِمَّةٍ بَعدَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،تاسِعُهُم قائِمُهُم. (1)

613.کمال الدین بسندٍ معتبر عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام :إنَّ أقرَبَ النّاسِ إلَی اللّهِ عز و جل،وأعلَمَهُم بِهِ،وأرأَفَهُم بِالنّاسِ،مُحَمَّدٌ صلّی اللّه علیه و آله وَالأَئِمَّةُ علیهم السّلام،فَادخُلوا أینَ دَخَلوا، وفارِقوا مَن فارَقوا-عَنی بِذلِکَ حُسَیناً ووُلدَهُ علیهم السّلام-فَإِنَّ الحَقَّ فیهِم،وهُمُ الأَوصِیاءُ، ومِنهُمُ الأَئِمَّةُ،فَأَینَما رَأَیتُموهُم فَاتَّبِعوهُم. (2)

614.علل الشرائع عن عبد الرحیم القصیر عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام ،قال:سَأَلتُهُ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل:

«اَلنَّبِیُّ أَوْلی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللّهِ» فیمَن نَزَلَت؟

قالَ:نَزَلَت فِی الإِمرَةِ،إنَّ هذِهِ الآیَةَ جَرَت فِی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،وفی وُلدِ الحُسَینِ علیه السّلام مِن بَعدِهِ،فَنَحنُ أولی بِالأَمرِ وبِرَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله مِنَ المُؤمِنینَ وَالمُهاجِرینَ. (3)

615.الکافی عن إسماعیل بن جابر: قُلتُ لِأَبی جَعفَرٍ علیه السّلام:أعرِضُ عَلَیکَ دینِیَ الَّذی أدینُ اللّهَ عز و جل بِهِ.

قالَ:فَقالَ:هاتِ،قالَ:فَقُلتُ:أشهَدُ أن لا إلهَ إلَّااللّهُ،وَحدَهُ لا شَریکَ لَهُ،وأنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ،وَالإِقرارُ بِما جاءَ بِهِ مِن عِندِ اللّهِ،وأنَّ عَلِیّاً علیه السّلام کانَ إماماً

ص:62

فَرَضَ اللّهُ طاعَتَهُ،ثُمَّ کانَ بَعدَهُ الحَسَنُ علیه السّلام إماماً فَرَضَ اللّهُ طاعَتَهُ،ثُمَّ کانَ بَعدَهُ الحُسَینُ علیه السّلام إماماً فَرَضَ اللّهُ طاعَتَهُ،ثُمَّ کانَ بَعدَهُ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام إماماً فَرَضَ اللّهُ طاعَتَهُ،حَتَّی انتَهَی الأَمرُ إلَیهِ،ثُمَّ قُلتُ:أنتَ یَرحَمُکَ اللّهُ.

قالَ:فَقالَ:هذا دینُ اللّهِ،ودینُ مَلائِکَتِهِ. (1)

أخیهِ عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمَّدٍ،فَقُلتُ لَهُ:جُعِلتُ فِداکَ،ما حَوَّلَکَ إلی هذَا المَنزِلِ؟قالَ:

طَلَبُ النُّزهَةِ،فَقُلتُ:جُعِلتُ فِداکَ ! ألا أقُصُّ عَلَیکَ دینی؟فَقالَ:بَلی،قُلتُ:أدینُ اللّهَ بِشَهادَةِ أن لا إلهَ إلَّااللّهُ،وَحدَهُ لا شَریکَ لَهُ،وأنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ،وأنَّ السّاعَةَ آتِیَةٌ لا رَیبَ فیها،وأنَّ اللّهَ یَبعَثُ مَن فِی القُبورِ،وإقامِ الصَّلاةِ،وإیتاءِ الزَّکاةِ، وصَومِ شَهرِ رَمَضانَ،وحِجِّ البَیتِ،وَالوِلایَةِ لِعَلِیٍّ أمیرِ المُؤمِنینَ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله، وَالوِلایَةِ لِلحَسَنِ وَالحُسَینِ،وَالوِلایَةِ لِعَلِیِّ بنِ الحُسَینِ،وَالوِلایَةِ لِمُحَمَّدِ بنِ عَلِیٍّ ولَکَ مِن بَعدِهِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِم أجمَعینَ،وأنَّکُم أئِمَّتی،عَلَیهِ أحیا،وعَلَیهِ أموتُ، وأدینُ اللّهَ بِهِ.

فَقالَ:یا عَمرُو ! هذا وَاللّهِ دینُ اللّهِ،ودینُ آبائِیَ الَّذی أدینُ اللّهَ بِهِ فِی السِّرِّ وَالعَلانِیَةِ. (1)

619.الکافی بسندٍ معتبر عن أبی بصیر: سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ علیه السّلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل: «أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ» 2 ،فَقالَ:نَزَلَت فی عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ وَالحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهم السّلام.

فَقُلتُ لَهُ:إنَّ النّاسَ یَقولونَ:فَما لَهُ لَم یُسَمِّ عَلِیّاً وأهلَ بَیتِهِ علیهم السّلام فی کِتابِ اللّهِ عز و جل؟

قالَ:فَقالَ:قولوا لَهُم:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله نَزَلَت عَلَیهِ الصَّلاةُ ولَم یُسَمِّ اللّهُ لَهُم ثَلاثاً ولا أربَعاً،حَتّی کانَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله هُوَ الَّذی فَسَّرَ ذلِکَ لَهُم.

ونَزَلَت عَلَیهِ الزَّکاةُ ولَم یُسَمِّ لَهُم مِن کُلِّ أربَعینَ دِرهماً دِرهَمٌ،حَتّی کانَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله هُوَ الَّذی فَسَّرَ ذلِکَ لَهُم.

ونَزَلَ الحَجُّ فَلَم یَقُل لَهُم:طوفوا اسبوعاً،حَتّی کانَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله هُوَ الَّذی

ص:64

فَسَّرَ ذلِکَ لَهُم.

ونَزَلَت: «أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ» -ونَزَلَت فی عَلِیٍّ وَالحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهم السّلام-فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فی عَلِیٍّ علیه السّلام:مَن کُنتُ مَولاهُ فَعَلِیٌّ مَولاهُ،وقالَ صلّی اللّه علیه و آله:اُوصیکُم بِکِتابِ اللّهِ وأهلِ بَیتی،فَإِنّی سَأَلتُ اللّهَ عز و جل ألّا یُفَرِّقَ بَینَهُما حَتّی یورِدَهُما عَلَیَّ الحَوضَ،فَأَعطانی ذلِکَ.

وقالَ:لا تُعَلِّموهُم،فَهُم أعلَمُ مِنکُم.

وقالَ:إنَّهُم لَن یُخرِجوکُم مِن بابِ هُدیً،ولَن یُدخِلوکُم فی بابِ ضَلالَةٍ.

فَلَو سَکَتَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فَلَم یُبَیِّن مَن أهلُ بَیتِهِ،لَادَّعاها آلُ فُلانٍ وآلُ فُلانٍ، لکِنَّ اللّهَ عز و جل أنزَلَهُ فی کِتابِهِ تَصدیقاً لِنَبِیِّهِ صلّی اللّه علیه و آله: «إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً» 1 ،فَکانَ عَلِیٌّ وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ وفاطِمَةُ علیهم السّلام،فَأَدخَلَهُم رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله تَحتَ الکِساءِ فی بَیتِ امِّ سَلَمَةَ.

ثُمَّ قالَ:اللّهُمَّ إنَّ لِکُلِّ نَبِیٍّ أهلاً وثَقَلاً،وهؤُلاءِ أهلُ بَیتی وثَقَلی.

فَقالَت امُّ سَلَمَةَ:ألَستُ مِن أهلِکَ؟فَقالَ:إنَّکَ إلی خَیرٍ،ولکِنَّ هؤُلاءِ أهلی وثَقَلی،فَلَمّا قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله کانَ عَلِیٌّ علیه السّلام أولَی النّاسِ بِالنّاسِ؛لِکَثرَةِ ما بَلَّغَ فیهِ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وإقامَتِهِ لِلنّاسِ،وأخذِهِ بِیَدِهِ.

فَلَمّا مَضی عَلِیٌّ علیه السّلام لَم یَکُن یَستَطیعُ عَلِیٌّ-ولَم یَکُن لِیَفعَلَ-أن یُدخِلَ مُحَمَّدَ بنَ عَلِیٍّ،ولَا العَبّاسَ بنَ عَلِیٍّ،ولا واحِداً مِن وُلدِهِ،إذاً لَقالَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام:إنَّ اللّهَ تَبارَکَ وتَعالی أنزَلَ فینا کَما أنزَلَ فیکَ،فَأَمَرَ بِطاعَتِنا کَما أمَرَ بِطاعَتِکَ،وبَلَّغَ فینا رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله کَما بَلَّغَ فیکَ،وأذهَبَ عَنَّا الرِّجسَ کَما أذهَبَهُ عَنکَ.

ص:65

فَلَمّا مَضی عَلِیٌّ علیه السّلام کانَ الحَسَنُ علیه السّلام أولی بِها لِکِبَرِهِ،فَلَمّا تُوُفِّیَ لَم یَستَطِع أن یُدخِلَ وُلدَهُ،ولَم یَکُن لِیَفعَلَ ذلِکَ،وَاللّهُ عز و جل یَقولُ: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللّهِ» 1 ،فَیَجعَلَها فی وُلدِهِ،إذاً لَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:أمَرَ اللّهُ بِطاعَتی کَما أمَرَ بِطاعَتِکَ وطاعَةِ أبیکَ،وبَلَّغَ فِیَّ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله کَما بَلَّغَ فیکَ وفی أبیکَ،وأذهَبَ اللّهُ عَنِّی الرِّجسَ کَما أذهَبَ عَنکَ وعَن أبیکَ.

فَلَمّا صارَت إلَی الحُسَینِ علیه السّلام لَم یَکُن أحَدٌ مِن أهلِ بَیتِهِ یَستِطیعُ أن یَدَّعِیَ عَلَیهِ کَما کانَ هُوَ یَدَّعی عَلی أخیهِ وعَلی أبیهِ،لَو أرادا أن یَصرِفَا الاَمرَ عَنهُ،ولَم یَکونا لِیَفعَلا،ثُمَّ صارَت حینَ أفضَت إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَجَری تَأویلُ هذِهِ الآیَةِ: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللّهِ» .

ثُمَّ صارَت مِن بَعدِ الحُسَینِ لِعَلِیِّ بنِ الحُسَینِ،ثُمَّ صارَت مِن بَعدِ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ إلی مُحَمَّدِ بنِ عَلِیٍّ علیهم السّلام.

وقالَ:الرِّجسُ هُوَ الشَّکُّ،وَاللّهِ لا نَشُکُّ فی رَبِّنا أبَداً. (1)

620.الکافی بسندٍ معتبر عن منصور بن حازم: قُلتُ لِأَبی عَبدِ اللّهِ علیه السّلام:إنَّ اللّهَ أجَلُّ وأکرَمُ مِن أن یُعرَفَ بِخَلقِهِ،بَلِ الخَلقُ یُعرَفونَ بِاللّهِ،قالَ:صَدَقتَ.قُلتُ:إنَّ مَن عَرَفَ أنَّ لَهُ رَبّاً فَقَد یَنبَغی لَهُ أن یَعرِفَ أنَّ لِذلِکَ الرَّبِّ رِضاً وسَخَطاً،وأنَّهُ لا یُعرَفُ رِضاهُ وسَخَطُهُ إلّا بِوَحیٍ أو رَسولٍ،فَمَن لَم یَأتِهِ الوَحیُ فَیَنبَغی لَهُ أن یَطلُبَ الرُّسُلَ،فَإِذا لَقِیَهُم عَرَفَ أنَّهُمُ الحُجَّةُ،وأنَّ لَهُمُ الطّاعَةَ المُفتَرَضَةَ.

فَقُلتُ لِلنّاسِ:ألَیسَ تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله کانَ هُوَ الحُجَّةَ مِنَ اللّهِ عَلی خَلقِهِ؟

ص:66

قالوا:بَلی،قُلتُ:فَحینَ مَضی صلّی اللّه علیه و آله مَن کانَ الحُجَّةَ؟قالوا:القُرآنُ.

فَنَظَرتُ فِی القُرآنِ،فَإِذا هُوَ یُخاصِمُ به المُرجِئُ (1)وَالقَدَرِیُّ (2)وَالزِّندیقُ (3)الَّذی لا یُؤمِنُ بِهِ،حَتّی یَغلِبَ الرِّجالَ بِخُصومَتِهِ،فَعَرَفتُ أنَّ القُرآنَ لا یَکونُ حُجَّةً إلّابِقَیِّمٍ (4)، فَما قالَ فیهِ مِن شَیءٍ کانَ حَقّاً.

فَقُلتُ لَهُم:مَن قَیِّمُ القُرآنِ؟قالوا:اِبنُ مَسعودٍ قَد کانَ یَعلَمُ،وعُمَرُ یَعلَمُ،وحُذَیفَةُ یَعلَمُ.قُلتُ:کُلَّهُ؟قالوا:لا.

فَلَم أجِد أحَداً یُقالُ إنَّهُ یَعلَمُ القُرآنَ کُلَّهُ إلّاعَلِیّاً صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ،وإذا کانَ الشَّیءُ بَینَ القَومِ،فَقالَ هذا:لا أدری،وقالَ هذا:لا أدری،وقالَ هذا:لا أدری، وقالَ هذا:أنَا أدری.

فَأَشهَدُ أنَّ عَلِیّاً علیه السّلام کانَ قَیِّمَ القُرآنِ،وکانَت طاعَتُهُ مُفتَرَضَةً،وکانَ الحُجَّةَ عَلَی النّاسِ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وأنَّ ما قالَ فِی القُرآنِ فَهُوَ حَقٌّ.

فَقالَ:رَحِمَکَ اللّهُ.

فَقُلتُ:إنَّ عَلِیّاً علیه السّلام لَم یَذهَب حَتّی تَرَکَ حُجَّةً مِن بَعدِهِ کَما تَرَکَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله، وأنَّ الحُجَّةَ بَعدَ عَلِیٍّ علیه السّلام الحَسَنُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،وأشهَدُ عَلَی الحَسَنِ علیه السّلام أنَّهُ لَم یَذهَب حَتّی تَرَکَ حُجَّةً مِن بَعدِهِ کَما تَرَکَ أبوهُ وجَدُّهُ،وأنَّ الحُجَّةَ بَعدَ الحَسَنِ علیه السّلام

ص:67

الحُسَینُ علیه السّلام،وکانَت طاعَتُهُ مُفتَرَضَةً،فَقالَ:رَحِمَکَ اللّهُ.... (1)

621.کتاب من لا یحضره الفقیه عن سالم عن أبی عبداللّه [الصادق] علیه السّلام :أوصی رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله إلی عَلِیٍّ علیه السّلام وَحدَهُ،وأوصی عَلِیٌّ علیه السّلام إلَی الحَسَنِ وَالحَسَینِ علیهما السّلام جَمیعاً،وکانَ الحَسَنُ علیه السّلام إمامَهُ،فَدَخَلَ رَجلٌ یَومَ عَرَفَةَ عَلَی الحَسَنِ علیه السّلام وهُوَ یَتَغَدّی وَالحُسَینُ علیه السّلام صائِمٌ،ثُمَّ جاءَ بَعدَما قُبِضَ الحَسَنُ علیه السّلام،فَدَخَلَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام یَومَ عَرَفَةَ وهُوَ یَتَغَدّی وعَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام صائِمٌ.

فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ:إنّی دَخَلتُ عَلَی الحَسَنِ علیه السّلام وهُوَ یَتَغَدّی وأنتَ صائِمٌ،ثُمَّ دَخَلتُ عَلَیکَ وأنتَ مُفطِرٌ !

فَقالَ:إنَّ الحَسَنِ علیه السّلام کانَ إماماً فَأَفطَرَ؛لِئَلّا یُتَّخَذَ صَومُهُ سُنَّةً؛ولِیَتَأَسّی (2)بِهِ النّاسُ،فَلَمّا أن قُبِضَ کُنتُ أنَا الإِمامَ،فَأَرَدتُ ألّا یُتَّخَذَ صَومی سُنَّةً،فَیَتَأَسَّی النّاسُ بی. (3)

622.الإمامة والتبصرة عن أبی بصیر عن أبی عبداللّه [الصادق] علیه السّلام :نَزَلَ أمرُ الحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام مَعاً،فَتَقَدَّمَهُ الحَسَنُ علیه السّلام بِالکِبَرِ. (4)

623.الکافی عن عیسی بن المستفاد أبی موسی الضریر عن موسی بن جعفر [الکاظم] علیه السّلام :قُلتُ لِأَبی عَبدِاللّهِ علیه السّلام:ألَیسَ کانَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام کاتِبَ الوَصِیَّةِ،ورَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله المُملِیَ عَلَیهِ،وجَبرَئیلُ وَالمَلائِکَةُ المُقَرَّبونَ علیهم السّلام شُهودٌ؟

ص:68

قالَ:فَأَطرَقَ طَویلاً،ثُمَّ قالَ:یا أبَا الحَسَنِ،قَد کانَ ما قُلتَ،ولکِن حینَ نَزَلَ بِرَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله الأَمرُ،نَزَلَتِ الوَصِیَّةُ مِن عِندِ اللّهِ کِتاباً مُسَجَّلاً،نَزَلَ بِهِ جَبرَئیلُ مَعَ امَناءِ اللّهِ تَبارَکَ وتَعالی مِنَ المَلائِکَةِ،فَقالَ جَبرَئیلُ:یا مُحَمَّدُ،مُر بِإِخراجِ مَن عِندَکَ إلّا وَصِیَّکَ،لِیَقبِضَها مِنّا،وتُشهِدَنا بِدَفعِکَ إیّاها إلَیهِ،ضامِناً لَها-یَعنی عَلِیّاً علیه السّلام-.

فَأَمَرَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله بِإِخراجِ مَن کانَ فِی البَیتِ ما خَلا عَلِیّاً علیه السّلام،وفاطِمَةُ فیما بَینَ السِّترِ وَالبابِ...ثُمَّ دَعا رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فاطِمَةَ وَالحَسَنَ وَالحُسَینَ،وأعلَمَهُم مِثلَ ما أعلَمَ أمیرَ المُؤمِنینَ،فَقالوا مِثلَ قَولِهِ،فَخُتِمَتِ الوَصِیَّةُ بِخَواتیمَ مِن ذَهَبٍ لَم تَمَسَّهُ النّارُ، ودُفِعَت إلی أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السّلام. (1)

624.معانی الأخبار عن أبی بصیر: سَأَلتُ أبا عَبدِاللّهِ علیه السّلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل: «وَ جَعَلَها کَلِمَةً باقِیَةً فِی عَقِبِهِ» 2 قالَ:هِیَ الإِمامَةُ،جَعَلَهَا اللّهُ عز و جل فی عَقِبِ الحُسَینِ علیه السّلام باقِیَةً إلی یَومِ القِیامَةِ. (2)

625.الکافی عن ذریح: سَأَلتُ أبا عَبدِاللّهِ علیه السّلام عَنِ الأَئِمَّةِ بَعدَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،فَقالَ:کانَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام إماماً،ثُمَّ کانَ الحَسَنُ علیه السّلام إماماً،ثُمَّ کانَ الحُسَینُ علیه السّلام إماماً،ثُمَّ کانَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ إماماً،ثُمَّ کانَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ إماماً.مَن أنکَرَ ذلِکَ کانَ کَمَن أنکَرَ مَعرِفَةَ اللّهِ تَبارَکَ وتَعالی ومَعرِفَةَ رَسولِهِ صلّی اللّه علیه و آله.

ص:69

ثُمَّ قالَ:قُلتُ:ثُمَّ أنتَ جُعِلتُ فِداکَ،فَأَعَدتُها عَلَیهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ،فَقالَ لی:إنّی إنَّما حَدَّثتُکَ لِتَکونَ مِن شُهَداءِ اللّهِ تَبارَکَ وتَعالی فی أرضِهِ. (1)(2)

626.رجال الکشّی عن یوسف: قُلتُ لِأَبی عَبدِاللّهِ علیه السّلام:أصِفُ لَکَ دینِیَ الَّذی أدینُ اللّهَ بِهِ،فَإِن أکُن عَلی حَقٍّ فَثَبِّتنی،وإن أکُن عَلی غَیرِ الحَقِّ فَرُدَّنی إلَی الحَقِّ.قالَ:هاتِ.

قالَ:قُلتُ:أشهَدُ أن لا إلهَ إلَّااللّهُ،وَحدَهُ لا شَریکَ لَهُ،وأنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ صلّی اللّه علیه و آله،وأنَّ عَلِیّاً علیه السّلام کانَ إمامی،وأنَّ الحَسَنَ علیه السّلام کانَ إمامی،وأنَّ الحُسَینَ علیه السّلام کانَ إمامی،وأنَّ عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام کانَ إمامی،وأنَّ مُحَمَّدَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام کانَ إمامی، وأنتَ جُعِلتُ فِداکَ عَلی مِنهاجِ آبائِکَ.قالَ:فَقالَ عِندَ ذلِکَ مِراراً:رَحِمَکَ اللّهُ.

ثُمَّ قالَ:هذا وَاللّهِ دینُ اللّهِ،ودینُ مَلائِکَتِهِ،ودینی ودینُ آبائی،لا یَقبَلُ اللّهُ غَیرَهُ. (3)

627.المحاسن عن معاذ بن مسلم: أدخَلتُ عُمَرَ أخی عَلی أبی عَبدِاللّهِ علیه السّلام،فَقُلتُ لَهُ:هذا عُمَرُ أخی،وهُوَ یُریدُ أن یَسمَعَ مِنکَ شَیئاً،فَقالَ لَهُ:سَل عَمّا شِئتَ،فَقالَ:أسأَلُکَ عَنِ الَّذی لا یَقبَلُ اللّهُ مِنَ العِبادِ غَیرَهُ،ولا یَعذِرُهُم عَلی جَهلِهِ.

فَقالَ:شَهادَةُ أن لا إلهَ إلَّااللّهُ،وأنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وَالصَّلَواتُ الخَمسُ، وصِیامُ شَهرِ رَمَضانَ،وَالغُسلُ مِنَ الجَنابَةِ،وحِجُّ البَیتِ،وَالإِقرارُ بِما جاءَ مِن عِندِ اللّهِ جُملَةً،وَالاِئتِمامُ بِأَئِمَّةِ الحَقِّ مِن آلِ مُحَمَّدٍ،فَقالَ عُمَرُ:سَمِّهِم لی أصلَحَکَ اللّهُ.

ص:70

فَقالَ:عَلِیٌّ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام،وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام،وعَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام، ومُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،وَالخَیرُ یُعطیهِ اللّهُ مَن یَشاءُ،فَقالَ لَهُ:فَأَنتَ جُعِلتُ فِداکَ؟قالَ:

هذَا الأَمرُ یَجری لِآخِرِنا ما یَجری لِأَوَّلِنا. (1)

628.الأمالی للطوسی عن إبراهیم المخارقی: وَصَفتُ لِأَبی عَبدِاللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ علیه السّلام دینی، فَقُلتُ:أشهَدُ أن لا إلهَ إلَّااللّهُ،وَحدَهُ لا شَریکَ لَهُ،وأنَّ مُحَمَّداً صلّی اللّه علیه و آله رَسولُ اللّهِ، وأنَّ عَلِیّاً علیه السّلام إمامٌ عَدلٌ بَعدَهُ،ثُمَّ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام،ثُمَّ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام،ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،ثُمَّ أنتَ.

فَقالَ:رَحِمَکَ اللّهُ،ثُمَّ قالَ:اِتَّقُوا اللّهَ،اتَّقُوا اللّهَ،اتَّقُوا اللّهَ،عَلَیکُم بِالوَرَعِ وصِدقِ الحَدیثِ،وأداءِ الأَمانَةِ،وعِفَّةِ البَطنِ وَالفَرجِ،تَکونوا مَعَنا بِالرَّفیقِ الأَعلی. (2)

629.مختصر بصائر الدرجات عن یونس بن ظبیان: دَخَلتُ عَلَی الصّادِقِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ علیه السّلام...

ثُمَّ قالَ:یا یونُسُ،إذا أرَدتَ العِلمَ الصَّحیحَ فَعِندَنا أهلَ البَیتِ،فَإِنّا وَرِثناهُ واُوتینا شَرحَ الحِکمَةِ وفَصلَ الخِطابِ،فَقُلتُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،فَکُلُّ مَن کانَ مِن أهلِ البَیتِ وَرِثَ ما وَرِثَ وُلدُ عَلِیٍّ وفاطِمَةَ علیهما السّلام؟فَقالَ:ما وَرِثَهُ إلَّاالأَئِمَّةُ الاِثنا عَشَرَ،قُلتُ:

سَمِّهِم لی یَابنَ رَسولِ اللّهِ.

قالَ:أوَّلُهُم عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السّلام،وبَعدَهُ الحَسَنُ علیه السّلام،وبَعدَهُ الحُسَینُ علیه السّلام،وبَعدَهُ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام،وبَعدَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،وبَعدَهُ أنَا،وبَعدی موسی علیه السّلام وَلَدی، وبَعدَ موسی عَلِیٌّ علیه السّلام ابنُهُ،وبَعدَ عَلِیٍّ مُحَمَّدٌ علیه السّلام،وبَعدَ مُحَمَّدٍ عَلِیٌّ علیه السّلام،وبَعدَ عَلِیٍّ الحَسَنُ علیه السّلام،وَبعدَ الحَسَنِ الحُجَّةُ علیه السّلام،اصطَفانَا اللّهُ وطَهَّرَنا،واُوتینا ما لَم یُؤتَ أحَداً

ص:71

مِنَ العالَمینَ. (1)

630.الغیبة للنعمانی عن داوود بن کثیر الرقّی: قُلتُ لِأَبی عَبدِاللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ علیه السّلام:جُعِلتُ فِداکَ،أخبِرنی عَن قَولِ اللّهِ عز و جل: «اَلسّابِقُونَ السّابِقُونَ* أُولئِکَ الْمُقَرَّبُونَ» 2 قالَ:نَطَقَ اللّهُ بِها یَومَ ذَرَأَ الخَلقَ فِی المیثاقِ قَبلَ أن یَخلُقَ الخَلقَ بِأَلفَی عامٍ،فَقُلتُ:فَسِّر لی ذلِکَ؟فَقالَ:إنَّ اللّهَ جَلَّ وعَزَّ لَمّا أرادَ أن یَخلُقَ الخَلقَ خَلَقَهُم مِن طینٍ،ورَفَعَ لَهُم ناراً،فَقالَ:اُدخُلوها،فَکانَ أوَّلَ مَن دَخَلَها مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وأمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام، وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام،وتِسعَةٌ مِنَ الأَئِمَّةِ،إمامٌ بَعدَ إمامٍ،ثُمَّ أتبَعَهُم بِشیعَتِهِم،فَهُم وَاللّهِ السّابِقونَ. (2)

631.کفایة الأثر عن هشام عن الصادق جعفر بن محمّد علیه السّلام: إنَّ أفضَلَ الفَرائِضِ وأوجَبَها عَلَی الإِنسانِ مَعرِفَةُ الرَّبِّ...وبَعدَهُ مَعرِفَةُ الرَّسولِ...وبَعدَهُ مَعرِفَةُ الإِمامِ الَّذی بِهِ یَأتَمُّ، بِنَعتِهِ وصِفَتِهِ وَاسمِهِ فی حالِ العُسرِ وَالیُسرِ.

وأدنی مَعرِفَةِ الإِمامِ أنَّهُ عِدلُ النَّبِیِّ إلّادَرَجَةَ النُّبُوَّةِ،ووارِثُهُ،وأنَّ طاعَتَهُ طاعَةُ اللّهِ وطاعَةُ رَسولِ اللّهِ،وَالتَّسلیمُ لَهُ فی کُلِّ أمرٍ،وَالرَّدُّ إلَیهِ،وَالأَخذُ بِقَولِهِ،ویَعلَمُ أنَّ الإِمامَ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ،ثُمَّ الحَسَنُ،ثُمَّ الحُسَینُ،ثُمَّ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ،ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ،ثُمَّ أنَا،ثُمَّ مِن بَعدی موسَی ابنی،ثُمَّ مِن بَعدِهِ وَلَدُهُ عَلِیٌّ،وبَعدَ عَلِیٍّ مُحَمَّدٌ ابنُهُ،وبَعدَ مُحَمَّدٍ عَلِیٌّ ابنُهُ،وبَعدَ عَلِیٍّ الحَسَنُ ابنُهُ،وَالحُجَّةُ مِن وُلدِ الحَسَنِ علیهم السّلام. (3)

ص:72

632.کفایة الأثر عن علقمة بن محمّد الحضرمی عن الصادق علیه السّلام،قال: الأَئِمَّةُ اثنا عَشَرَ.قُلتُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،فَسَمِّهِم لی.قالَ:مِنَ الماضینَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السّلام،وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام،وعَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام،ومُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،ثُمَّ أنَا. (1)

635.رجال الکشّی عن إسماعیل بن سهل: حَدَّثَنی بَعضُ أصحابِنا وسَأَلَنی أن أکتُمَ اسمَهُ، قالَ:کُنتُ عِندَ الرِّضا علیه السّلام فَدَخَلَ عَلَیهِ عَلِیُّ بنُ أبی حَمزَةَ وَابنُ السَّرّاجِ وَابنُ المُکاری،فَقالَ لَهُ ابنُ أبی حَمزَةَ:ما فَعَلَ أبوکَ؟قالَ:مَضی،قالَ:مَضی مَوتاً؟ قالَ:نَعَم.

قالَ:فَقالَ:إلی مَن عَهِدَ؟قالَ:إلَیَّ،قالَ:فَأَنتَ إمامٌ مُفتَرَضٌ طاعَتُهُ مِنَ اللّهِ؟ قالَ:نَعَم.قالَ ابنُ السَّرّاجِ وَابنُ المُکاری:قَد وَاللّهِ أمکَنَکَ مِن نَفسِهِ.

قالَ علیه السّلام:وَیلَکَ وبِما امکِنتُ؟أتُریدُ أن آتِیَ بَغدادَ وأقولَ لِهارونَ:أنَا إمامٌ مُفتَرَضٌ طاعَتی؟وَاللّهِ ما ذاکَ عَلَیَّ،وإنَّما قُلتُ ذلِکَ لَکُم عِندَما بَلَغَنی مِنِ اختِلافِ کَلِمَتِکُم، وتَشَتُّتِ أمرِکُم؛لِئَلّا یَصیرَ سِرُّکُم فی یَدِ عُدُوِّکُم.

قالَ لَهُ ابنُ أبی حَمزَةَ:لَقَد أظهَرتَ شَیئاً ما کانَ یُظهِرُهُ أحَدٌ مِن آبائِکَ،ولا یَتَکَلَّمُ بِهِ،قالَ:بَلی وَاللّهِ،لَقَد تَکَلَّمَ بِهِ خَیرُ آبائی رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لَمّا أمَرَهُ اللّهُ تَعالی أن یُنذِرَ عَشیرَتَهُ الأَقرَبینَ،جَمَعَ مِن أهلِ بَیتِهِ أربَعینَ رَجُلاً،وقالَ لَهُم:إنّی رَسولُ اللّهِ إلَیکُم، وکانَ أشَدَّهُم تَکذیباً لَهُ وتَألیباً عَلَیهِ عَمُّهُ أبو لَهَبٍ.

فَقالَ لَهُمُ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله:إن خَدَشَنی خَدشٌ فَلَستُ بِنَبِیٍّ،فَهذا أوَّلُ ما ابدِعُ لَکُم مِن آیَةِ النُّبُوَّةِ،وأنَا أقولُ:إن خَدَشَنی هارونُ خَدشاً فَلَستُ بِإِمامٍ،فَهذا ما ابدِعُ لَکُم مِن آیَةِ الإِمامَةِ.

قالَ لَهُ عَلِیٌّ:إنّا رُوِّینا عَن آبائِکَ أنَّ الإِمامَ لایَلی أمرَهُ إلّاإمامٌ مِثلُهُ،فَقالَ لَهُ أبُو الحَسَنِ علیه السّلام:فَأَخبِرنی عَنِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام،کانَ إماماً أو کانَ غَیرَ إمامٍ؟قالَ:کانَ

ص:74

إماماً.

قالَ:فَمَن وَلِیَ أمرَهُ؟قالَ:عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام،قالَ:وأینَ کانَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام؟

قالَ:کانَ مَحبوساً بِالکوفَةِ فی یَدِ عُبَیدِ اللّهِ بنِ زِیادٍ،قالَ:خَرَجَ وهُم لا یَعلَمونَ حَتّی وَلِیَ أمرَ أبیهِ،ثُمَّ انصَرَفَ.

فَقالَ لَهُ أبُو الحَسَنِ علیه السّلام:إنَّ هذا أمکَنَ عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام أن یَأتِیَ کَربلاءَ فَیَلِیَ أمرَ أبیهِ،فَهُوَ یُمکِنُ صاحِبَ هذَا الأَمرِ أن یَأتِیَ بَغدادَ،فَیَلِیَ أمرَ أبیهِ،ثُمَّ یَنصَرِفَ، ولَیسَ فی حَبسٍ ولا فی إسارٍ.

قالَ لَهُ عَلِیٌّ:إنّا رُوِّینا أنَّ الإِمامَ لا یَمضی حَتّی یَرَی عَقِبَهُ.

قالَ:فَقالَ أبُو الحَسَنِ علیه السّلام:أما رُوِّیتُم فی هذَا الحَدیثِ غَیرَ هذا؟قالَ:لا،قالَ:

بَلی وَاللّهِ لَقَد رُوِّیتُم فیهِ«إلَّا القائِمَ»،وأنتُم لا تَدرونَ ما مَعناهُ ولِمَ قیلَ.

قالَ لَهُ عَلِیٌّ:بَلی وَاللّهِ،إنَّ هذا لَفِی الحَدیثِ.

قالَ لَهُ أبُو الحَسَنِ علیه السّلام:وَیلَکَ کَیفَ اجتَرَأتَ عَلَیَّ بِشَیءٍ تَدَعُ بَعضَهُ؟ثُمَّ قالَ:یا شَیخُ،اتَّقِ اللّهَ ولا تَکُن مِنَ الصّادّینَ عَن دینِ اللّهِ تَعالی. (1)

مَرضِیّاً ثَبَتُّ عَلَیهِ حَتّی ألقَی اللّهَ عز و جل،فَقالَ:هاتِ یا أبَا القاسِمِ !

فَقُلتُ:إنّی أقولُ:إنَّ اللّهَ-تَبارَکَ وتَعالی-واحِدٌ...وإنَّ مُحَمَّداً صلّی اللّه علیه و آله عَبدُهُ ورَسولُهُ خاتَمُ النَّبِیّینَ،فَلا نَبِیَّ بَعدَهُ إلی یَومِ القِیامَةِ،وإنَّ شَریعَتَهُ خاتَمَةُ الشَّرائِعِ،فَلا شَریعَةَ بَعدَها إلی یَومِ القِیامَةِ.

وأقولُ:إنَّ الإِمامَ وَالخَلیفَةَ ووَلِیَّ الأَمرِ بَعدَهُ أمیرُ المُؤمِنینَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السّلام،ثُمَّ الحَسَنُ علیه السّلام،ثُمَّ الحُسَینُ علیه السّلام،ثُمَّ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام،ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،ثُمَّ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ علیه السّلام،ثُمَّ موسَی بنُ جَعفَرٍ علیه السّلام،ثُمَّ عَلِیُّ بنُ موسی علیه السّلام،ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،ثُمَّ أنتَ-یا مَولایَ-....

فَقالَ عَلِیُّ بنُ مُحَمَّدٍ علیه السّلام:یا أبَا القاسِمِ ! هذا وَاللّهِ دینُ اللّهِ الَّذیِ ارتَضاهُ لِعِبادِهِ، فَاثبُت عَلَیهِ،ثَبَّتَکَ اللّهُ بِالقَولِ الثّابِتِ فِی الحَیاةِ الدُّنیا وفِی الآخِرَةِ. (1)

ص:76

قالَ:نَعَم. (1)

639.الکافی بسندٍ معتبر عن عمر بن أبان: سَأَلتُ أبا عَبدِاللّهِ علیه السّلام عَمّا یَتَحَدَّثُ النّاسُ أنَّهُ دُفِعَ إلی امِّ سَلَمَةَ صَحیفَةٌ مَختومَةٌ،فَقالَ:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لَمّا قُبِضَ وَرِثَ عَلِیٌّ علیه السّلام عِلمَهُ وسِلاحَهُ وما هُناکَ،ثُمَّ صارَ إلَی الحَسَنِ علیه السّلام،ثُمَّ صارَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام.

قالَ:قُلتُ:ثُمَّ صارَ إلی عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السّلام،ثُمَّ صارَ إلَی ابنِهِ،ثُمَّ انتَهی إلَیکَ، فَقالَ:نَعَم. (2)

640.إثبات الوصیّة -فی ذِکرِ أحوالِ الإِمامِ الحُسَینِ علیه السّلام یَومَ عاشوراءَ-:ثُمَّ أحضَرَ عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ علیه السّلام،وکانَ عَلیلاً،فَأَوصی إلَیهِ بِالاِسمِ الأَعظَمِ ومَواریثِ الأَنبِیاءِ علیهم السّلام،وعَرَّفَهُ أنَّهُ قَد دَفَعَ العُلومَ وَالصُّحُفَ وَالمَصاحِفَ وَالسِّلاحَ إلی امِّ سَلَمَةَ،وأمَرَها أن تَدفَعَ جَمیعَ ذلِکَ إلَیهِ. (3)

641.الکافی بسندٍ معتبر عن أبی بکر الحضرمی عن أبی عبداللّه [الصادق] علیه السّلام :إنَّ الحُسَینَ علیه السّلام لَمّا سارَ إلَی العِراقِ استَودَعَ امَّ سَلَمَةَ-رَضِیَ اللّهُ عَنهَا-الکُتُبَ وَالوَصِیَّةَ،فَلَمّا رَجَعَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السّلام دَفَعَتها إلَیهِ. (4)

ص:78

الإمام زین العابدین علیه السّلام؛وقد کان ذلک تصرّفاً حکیماً للمحافظة علی الإمام من بعده من شر الحکّام.

وأمّا الملاحظة الاُخری فهی أنّ من الممکن أنّ یقال:إنّ الإمام الحسین علیه السّلام کان قد أودع عدّة نسخ من وصیّة واحدة لدی عدد من الأشخاص رعایة للاحتیاط؛کی تنتقل إلی الأئمّة من بعده.

ص:82

ص:84

وقد نقل ابن کثیر نفس المضمون عن الخلیفة الثالث حین قال:

کان عثمان بن عفّان یکرم الحسن والحسین علیهما السّلام ویحبّهما. (1)

کتابٍ للإمام علیه السّلام ما یلی:

وأعهدک أمس تحمل قعیدة بیتک لیلاً علی حمار،ویداک فی یدی ابنیک الحسن والحسین یوم بویع أبو بکر الصدّیق،فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلّا دعوتهم إلی نفسک،ومشیت إلیهم بامرأتک،وأدلیت إلیهم بابنیک . (1)

وقد نقل نفس المضمون فی کتاب سلیم بن قیس عن سلمان. (2)

ملأه.ثمّ دعا الحسین علیه السّلام،فأعطاه عطاءه،وأقعده علی حجره-أو فخذه-وقبّل ما بین عینیه،وحثا فی حجره حتی ملأه.فقال عبد اللّه بن عمر:قدّمتهما علیَّ ولی صحبة ولیس لهما صحبة،ولی هجرة ولیس لهما هجرة! فقال:اسکت لا امّ لک! أبوهما خیر من أبیک،واُمّهما خیر من امّک . (1)

فجعل الحسن علیه السّلام یکلّم أبا ذرّ،فقال له مروان:إیهاً (1)یا حسن! ألا تعلم أنّ أمیر المؤمنین قد نهی عن کلام هذا الرجل! فإن کنت لا تعلم فاعلم ذلک.

فحمل علیّ علیه السّلام علی مروان،فضرب بالسوط بین اذنی راحلته،وقال:تنحّ لحاک اللّه (2)إلی النار،فرجع مروان مغضباً إلی عثمان فأخبره الخبر،فتلظّی علی علیّ علیه السّلام....

ثمّ تکلّم الحسین علیه السّلام فقال:

یا عَمّاه،إنَّ اللّهَ تَعالی قادِرٌ أن یُغَیِّرَ ما قَد تَری،وَاللّهُ کُلَّ یَومٍ هُوَ فی شَأنٍ،وقَد مَنَعَکَ القَومُ دُنیاهُم ومَنَعتَهُم دینَکَ؛فَما أغناکَ عَمّا مَنَعوکَ وأحوَجَهُم إلی ما مَنَعتَهُم! فَاسأَلِ اللّهَ الصَّبرَ وَالنَّصرَ،وَاستَعِذ بِهِ مِنَ الجَشَعِ وَالجَزَعِ؛فَإِنَّ الصَّبرَ مِنَ الدّینِ وَالکَرَمِ،وإنَّ الجَشَعَ لا یُقَدِّمُ رِزقاً،وَالجَزَعَ لا یُؤَخِّرُ أجَلاً. (3)

التوغّل فیها لکثرة أهلها....

ثمّ إنّ عبد اللّه بن أبی سرح استأذن عثمان فی ذلک واستمدّه،فاستشار عثمان الصحابة فأشاروا به،فجهّز العساکر من المدینة وفیهم جماعة من الصحابة،منهم:

ابن عبّاس وابن عمر وابن عمرو بن العاص وابن جعفر والحسن والحسین علیهما السّلام وابن الزبیر،وساروا مع عبد اللّه بن أبی سرح سنة ستّ وعشرین،ولقیهم عقبة بن نافع فیمن معه من المسلمین ببرقة، (1)ثمّ ساروا إلی طرابلس فنهبوا الروم عندها،ثمّ ساروا إلی إفریقیة وبثّوا السرایا فی کلّ ناحیة. (2)

کما روی عن حنش بن مالک أنّه قال:

غزا سعید بن العاص من الکوفة سنة ثلاثین یرید خراسان،ومعه حذیفة بن الیمان وناس من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله،ومعه الحسن والحسین علیهما السّلام،وعبد اللّه بن عبّاس وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن عمرو بن العاص وعبد اللّه بن الزبیر.

وخرج عبد اللّه بن عامر من البصرة یرید خراسان،فسبق سعیداً ونزل أبرشهر، (3)وبلغ نزوله أبرشهر سعیداً،فنزل سعید قُومِس؛ (4)وهی صلح،صالحهم حذیفة بعد نهاوند،فأتی جرجان فصالحوه علی مئتی ألف،ثمّ أتی طَمیسة، (5)وهی کلّها من طبرستان جرجان،وهی مدینة علی ساحل البحر،وهی فی تخوم جرجان،فقاتله أهلها حتّی صلّی صلاة الخوف،فقال لحذیفة:کیف صلّی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فأخبره،

ص:90

فصلّی بها سعید صلاة الخوف وهم یقتتلون،وضرب یومئذٍ سعید رجلاً من المشرکین علی حبل عاتقه،فخرج السیف من تحت مرفقه.

وحاصرهم فسألوا الأمان،فأعطاهم علی ألّا یقتل منهم رجلاً واحداً،ففتحوا الحصن فقتلهم جمیعاً إلّارجلاً واحداً،وحوی ما کان فی الحصن . (1)

وکذلک یوجد نقلٌ یرتبط بما بعد خلافة عثمان وذلک فی زمان معاویة،وقد جاء فیه:

ووفد [الحسین علیه السّلام ] علی معاویة وتوجّه غازیاً إلی القسطنطینیّة فی الجیش الذی کان أمیره یزید بن معاویة. (2)

وهناک ملاحظات عدّة یجب الالتفات إلیها فی هذه القضیّة؛أی فیما یخصّ مشارکة الحسین علیه السّلام فی هذه الحروب:

أ-لو کان الإمام قد اشترک فی هذه الحروب واقعاً،لدوّنت تفاصیل ذلک؛نظراً إلی مکانة الإمام علیه السّلام السیاسیة والاجتماعیة،فإنّه لا یشارک فی هذه الحروب کمقاتل عادی قطعاً.

ب-قبول الإمام لإمرة أفراد کعبد اللّه بن أبی سرح ویزید بن معاویة مستبعد جدّاً.

ج-من المستبعد جدّاً أن یحدث أمر کهذا ولا یذکر فی روایات أهل البیت علیهم السّلام علی مدی قرنین من الزمن.

وبناء علی هذا فعلی الرغم من أنّ دخول الإمام الحسین علیه السّلام الحروب لأجل

ص:91

الدفاع عن الإسلام قابل للتبریر،ولا یمکننا نفیه بشکل قاطع،إلاّ أنّ القرائن الّتی أشرنا إلیها تدلّ علی خلاف ذلک.

الثالث نظراً لمخالفته له.

ومن ناحیة اخری،أراد الإمام اجتناب الفتن الکبیرة بین المسلمین،کما وقع -بالفعل-حیث جعل طلب ثأر الخلیفة الثالث حجّة لإشعال نیران حروب کالجمل وصفّین والنهروان.وهذان الهدفان کافیان لقیام الإمام بهذا العمل.

2.لا أساس من الصحّة لبعض التفاصیل المنقولة حول هذه الحادثة،کإرسال طلحة والزبیر أبناءهما للدفاع عن عثمان،أو غضب أمیر المؤمنین علیه السّلام لعودة الحسنین علیهما السّلام من دار عثمان ومقتل الخلیفة.

أمّا بطلان الأمر الأوّل فواضح لا یحتاج إلی دلیل؛لأنّ المصادر التاریخیّة متّفقة علی شدّة عداء طلحة والزبیر وعائشة للخلیفة الثالث.وأمّا بطلان الأمر الثانی فمؤکّد؛بسبب عصمة الحسنین علیهما السّلام وعدم تقصیرهما فی أداء واجبهما،فلیس هناک ما یغضب أمیر المؤمنین علیه السّلام،إضافة إلی تصریح الإمام علیّ علیه السّلام مراراً بأنّه ما ساءهُ قتلُ عثمانَ ولا سَرّهُ. (1)

3.لا یدلّ موقف الإمام علیّ علیه السّلام فی الدفاع عن الخلیفة الثالث علی تأییده لمنهجه فی الحکومة أو مشروعیتها أبداً،فقد نبّهه أیّام خلافته کراراً ومراراً،صراحةً وإیماءً،علی الانتهاکات الّتی حصلت فی ظلّ حکومته. (2)

وفی الختام نؤکّد علی أنّ ما نُقل عن أهل البیت علیهم السّلام والإمام الحسین علیه السّلام فی هذا العهد قلیل جدّاً؛وذلک بسبب العزلة الّتی کانوا یعیشونها فی هذه الفترة.

تزامنت السنوات الخمس الأخیرة منها تقریباً مع حکم أمیر المؤمنین علیه السّلام.

فکان الحسین علیه السّلام الساعد القوی والجندیّ المطیع لأبیه فی المیادین المختلفة، من حین بیعة الناس للإمام علیّ علیه السّلام وحتّی لحظة استشهاده.فقد اعتلی المنبر بعد بیعة الناس لعلیّ علیه السّلام وبأمرٍ منه،وخطب بالناس قائلاً:

سَمِعتُ جَدّی رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وهُوَ یَقولُ:«إنَّ عَلِیّاً هُوَ مَدینَةُ هُدًی؛فَمَن دَخَلَها نَجا، ومَن تَخَلَّفَ عَنها هَلَکَ». (1)

وحضر معرکة الجمل مع أخویه الحسن علیه السّلام ومحمّد بن الحنفیة،وکانت له قیادة المیسرة. (2)وفی صفّین خطب فی الکوفیّین قبل بدء المعرکة،وکان یقود الفرسان إلی جانب أخیه طوال المعرکة. (3)وکانت له قیادة عشرة آلاف محارب فی الحرب الّتی لم تتمّ بسبب استشهاد أمیرالمؤمنین علیه السّلام. (4)کما شارک أباه وأخاه فی تطبیق الحدود الإلهیة،وسجّل له التاریخ رجم رجل اعترف بالزنا. (5)

ودفع نیابة عن والده-بعد استشهاده-زکاة الفطرة طیلة حیاته (6). (7)

کان الإمام علیّ علیه السّلام فی هذه المرحلة یولی اهتماماً خاصّاً بالحسنین علیهما السّلام،فکان یرعاهما فی الحروب أشدّ الرعایة،حتّی قال بعض الناس لمحمّد بن الحنفیة:

ما بال أبیک کان یرمی بک فی مرام لا یرمی فیها الحسن والحسین؟قال:

ص:94

لأنّهما کانا خدّیه وکنت یده،فکان یتوقّی بیده عن خدّیه . (1)

وکان علیه السّلام یدعو للحسن والحسین علیهما السّلام بهذا الدعاء:

اللّهُمَّ احفَظ حَسَناً وحُسَیناً،ولا تُمَکِّن فَجَرَةَ قُرَیشٍ مِنهُما ما دُمتُ حَیّاً. (2)

وکان یوصی ابنه الحسن علیه السّلام بالحسین علیه السّلام قائلاً:

وأمّا أخوکَ الحُسَینُ فَهُوَ ابنُ امِّکَ ولا أزیدُ (3)الوَصاةَ بِذلِکَ،وَاللّهُ الخَلیفَةُ عَلَیکُم. (4)

وللإمام علیّ علیه السّلام وصیة معروفة للحسنین علیهما السّلام بعد تعرّضه للضربة،وقد نُقلت فی نهج البلاغة ،جاء فیها:

اُوصیکُما بِتَقوَی اللّهِ،وألّا تَبغِیَا الدُّنیا.... (5)

وله وصیة طویلة قیّمة خاصّة للحسین علیه السّلام،أوّلها:

یا بُنَیَّ،اُوصیکَ بِتَقوَی اللّهِ فِی الغِنی وَالفَقرِ،وکَلِمَةِ الحَقِّ فِی الرِّضی وَالغَضَبِ، وَالقَصدِ فِی الغِنی وَالفَقرِ،وبِالعَدلِ عَلَی الصَّدیقِ وَالعَدُوِّ،وَبِالعَمَلِ فِی النَّشاطِ وَالکَسَلِ،وَالرِّضی عَنِ اللّهِ فِی الشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ.... (6)

ص:95

ص:96

فَقُلتُ (1)لِسَلمانَ:مَنِ الأَربَعَةُ:فَقالَ:أنَا وأبو ذَرٍّ وَالمِقدادُ وَالزُّبَیرُ بنُ العَوّامِ.

ثُمَّ أتاهُم عَلِیٌّ علیه السّلام مِنَ اللَّیلَةِ المُقبِلَةِ فَناشَدَهُم،فَقالوا:نُصبِحُکَ بُکرَةً،فَما مِنهُم أحَدٌ أتاهُ غَیرُنا،ثُمَّ أتاهُمُ اللَّیلَةَ الثّالِثَةَ فَما أتاهُ غَیرُنا.

فَلَمّا رَأی غَدرَهُم وقِلَّةَ وَفائِهِم لَهُ لَزِمَ بَیتَهُ،وأقبَلَ عَلَی القُرآنِ یُؤَلِّفُهُ ویَجمَعُهُ،فَلَم یَخرُج مِن بَیتِهِ حَتّی جَمَعَهُ. (2)

فَدَخَلَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السّلام عَلی تِلکَ الحالِ،فَقالَ:ما یُبکیکَ یا أبا بَکرٍ؟فَقالَ لَهُ القَومُ:قالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام کَذا وکَذا. (1)

الصَّحابَةِ،فَقالوا:ما یُبکیکُما-یَا ابنَی رَسولِ اللّهِ-؟لا أبکَی اللّهُ أعیُنَکُما،لَعَلَّکُما نَظَرتُما إلی مَوقِفِ جَدِّکُما صلّی اللّه علیه و آله فَبَکَیتُما شَوقاً إلَیهِ؟

فَقالا:لا،أوَ لَیسَ قَد ماتَت امُّنا فاطِمَةُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیها ! (1)

650.روضة الواعظین: ...ثُمَّ تُوُفِّیَت-صَلَواتُ اللّهِ عَلَیها وعَلی أبیها وبَعلِها وبَنیها-فَصاحَت أهلُ المَدینَةِ صَیحَةً واحِدَةً،وَاجتَمَعَت نِساءُ بنی هاشِمٍ فی دارِها،فَصَرَخنَ صَرخَةً واحِدَةً کادَتِ المَدینَةُ أن تَزَعزَعَ مِن صُراخِهِنَّ،وهُنَّ یَقُلنَ:یا سَیِّدَتاه ! یا بِنتَ رَسولِ اللّهِ !

وأقبَلَ النّاسُ مِثلَ عُرفِ (2)الفَرَسِ إلی عَلِیٍّ علیه السّلام وهُوَ جالِسٌ،وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام بَینَ یَدَیهِ یَبکِیانِ،فَبَکَی النّاسُ لِبُکائِهِما،وخَرَجَت امُّ کُلثومٍ وعَلَیها بُرقُعَةٌ وتَجُرُّ ذَیلَها،مُتَجَلِّلَةً بِرِداءٍ عَلَیها تَسحَبُها وهِیَ تَقولُ:یا أبَتاه ! یا رَسولَ اللّهِ ! الآنَ حَقّاً فَقَدناکَ فَقداً لا لِقاءَ بَعدَهُ أبَداً.

وَاجتَمَعَ النّاسُ فَجَلَسوا،وهُم یَرجونَ ویَنظُرونَ أن تُخرَجَ الجِنازَةُ،فَیُصَلّوا (3)عَلَیها،وخَرَجَ أبو ذَرٍّ فَقالَ:اِنصَرِفوا؛فَإِنَّ ابنَةَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله اخِّرَ إخراجُها فی هذِهِ العَشِیَّةِ.

فَقامَ النّاسُ وَانصَرَفوا،فَلَمّا أن هَدَأَتِ العُیونُ،ومَضی [شَطرٌ] (4)مِنَ اللَّیلِ، أخرَجَها عَلِیٌّ وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهم السّلام،وعَمّارٌ وَالمِقدادُ وعَقیلٌ وَالزُّبَیرُ وأبو ذَرٍّ وسَلمانُ وبُرَیدَةُ،ونَفَرٌ مِن بَنی هاشِمٍ وخَواصِّهِ،صَلّوا عَلَیها ودَفَنوها فی

ص:100

جَوفِ اللَّیلِ. (1)

651.المناقب لابن شهرآشوب: وفی رِوایاتِنا أنَّهُ صَلّی عَلَیها أمیرُ المُؤمِنینَ وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهم السّلام وعَقیلٌ وسَلمانُ وأبو ذَرٍّ وَالمِقدادُ وعَمّارٌ وبُرَیدَةُ. (2)

652.دلائل الإمامة عن أبی بصیر عن أبی عبداللّه [الصادق ] عن أمیر المؤمنین علیهما السّلام: أخَذَت [فاطِمَةُ علیها السّلام ] عَلَیَّ عَهدَ اللّهِ ورَسولِهِ،أنَّها إذا تُوُفِّیَت لا اعلِمُ أحَداً إلّااُمَّ سَلَمَةَ زَوجَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،واُمَّ أیمَنَ،وفِضَّةَ؛ومِنَ الرِّجالِ ابنَیها،وَعبدَاللّهِ بنَ عَبّاسٍ،وسَلمانَ الفارِسِیَّ،وعَمّارَ بنَ یاسِرٍ،وَالمِقدادَ،وأبا ذَرٍّ،وحُذَیفَةَ.

وقالَت:إنّی قَد أحلَلتُکَ مِن أن تَرانی بَعدَ مَوتی،فَکُن مَعَ النِّسوَةِ فیمَن یُغَسِّلُنی، ولا تَدفِنّی إلّالَیلاً،ولا تُعلِم أحَداً قَبری. (3)

653.الکافی عن أبی بصیر: قالَ أبو جَعفَرٍ علیه السّلام:ألا اقرِئُکَ وَصِیَّةَ فاطِمَةَ علیها السّلام؟قالَ:قُلتُ:بَلی.

قالَ:فَأَخرَج حُقّاً (4)أو سَفَطاً (5)فَأَخرَجَ مِنهُ کِتاباً فَقَرَأَهُ:بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،هذا ما أوصَت بِهِ فاطِمَةُ بِنتُ مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،أوصَت بِحَوائِطِها (6)السَّبعَةِ-:العَوافِ، وَالدَّلالِ،وَالبُرقَةِ،وَالمَیثَبِ،وَالحُسنی،وَالصّافِیَةِ،وما لِاُمِّ إبراهیمَ (7)-إلی عَلِیِّ بنِ

ص:101

أبی طالِبٍ علیه السّلام،فَإِن مَضی عَلِیٌّ فَإِلَی الحَسَنِ،فَإِن مَضَی الحَسَنُ فَإِلَی الحُسَینِ،فَإِنَ مَضَی الحُسَینُ فَإِلَی الأَکبَرِ مِن وُلدی. (1)

شَهِدَ اللّهُ عَلی ذلِکَ،وَالمِقدادُ بنُ الأَسوَدِ وَالزُّبَیرُ بنُ العَوّامِ،وکَتَبَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ. (2)

ص:102

ووَضَعَ یَدَهُ عَلی رَأسِهِ. (1)

655.تاریخ المدینة عن عبداللّه بن کعب: إنَّ حُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام قامَ إلی عُمَرَ وهُوَ عَلی مِنبَرِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَخطُبُ النّاسَ یَومَ الجُمُعَةِ،فَقالَ:اِنزِل عَن مِنبَرِ جَدّی.

فَقالَ عُمَرُ:تَأَخَّر یَابنَ أخی،قالَ:وأخَذَ حُسَینٌ علیه السّلام بِرِداءِ عُمَرَ،فَلَم یَزَل یَجبِذُهُ (2)ویَقولُ:اِنزِل عَن مِنبَرِ جَدّی،وتَرَدَّدَ عَلَیهِ حَتّی قَطَعَ خُطبَتَهُ،ونَزَلَ عَنِ المِنبَرِ وأقامَ الصَّلاةَ.

فَلَمّا صَلّی أرسَلَ إلی حُسَینٍ علیه السّلام،فَلَمّا جاءَهُ قالَ:یَابنَ أخی مَن أمَرَکَ بِالَّذی صَنَعتَ؟قالَ حُسَینٌ علیه السّلام:ما أمَرَنی بِهِ أحَدٌ.قالَ:یَقولُ لَهُ ذلِکَ حُسَینٌ علیه السّلام ثَلاثَ مَرّاتٍ،کُلَّ ذلِکَ یَقولُ:ما أمَرَنی بِهِ أحَدٌ.

قالَ عُمَرُ:أوَ لی؟! ولَم یَزِد عَلی ذلِکَ،وحُسَینٌ علیه السّلام یَومَئِذٍ دونَ المُحتَلِمِ. (3)

656.الأمالی للطوسی عن زید بن علیّ عن أبیه [زین العابدین] علیه السّلام :إنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام أتی عُمَرَ بنَ الخَطّابِ وهُوَ عَلَی المِنبَرِ یَومَ الجُمُعَةِ،فَقالَ لَهُ:اِنزِل عَن مِنبَرِ أبی ! فَبَکی عُمَرُ،ثُمَّ قالَ:صَدَقتَ یا بُنَیَّ،مِنبَرُ أبیکَ لا مِنبَرُ أبی.

فَقالَ عَلِیٌّ علیه السّلام:ما هُوَ وَاللّهِ عَن رَأیی.قالَ:صَدَقتَ وَاللّهِ مَا اتَّهَمتُکَ یا أبَا الحَسَنِ.

ص:104

ثُمَّ نَزَلَ عَنِ المِنبَرِ،فَأَخَذَهُ فَأَجلَسَهُ إلی جانِبِهِ عَلَی المِنبَرِ،فَخَطَبَ النّاسَ وهُوَ جالِسٌ مَعَهُ عَلَی المِنبَرِ.

ثُمَّ قالَ:أیُّهَا النّاسُ ! سَمِعتُ نَبِیَّکُم صلّی اللّه علیه و آله یَقولُ:اِحفَظونی فی عِترَتی وذُرِّیَّتی؛فَمَن حَفِظَنی فیهِم حَفِظَهُ اللّهُ،ألا لَعنَةُ اللّهِ عَلی مَن آذانی فیهِم ! ثَلاثاً. (1)

یَابنَ رَسولِ اللّهِ؟قالَ:لَم یُؤذَن لی،وجاءَ عَبدُاللّهِ فَلَم یُؤذَن لَهُ،فَعَلِمتُ أنَّهُ إذا لَم یُؤذَن لَهُ أنَّهُ لا یُؤذَنُ لی.

فَقالَ لَهُ عُمَرُ:وما أنتَ وعَبدُاللّهِ،هَل أنبَتَ الشَّعرَ فِی الرَّأسِ إلَّااللّهُ وأنتُم؟! إذا جِئتَ فَلا تَستَأذِن. (1)

659.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن سلیمان بن بلال عن جعفر بن محمّد عن أبیه [الباقر] علیهما السّلام :جَعَلَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ عَطاءَ الحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام مِثلَ عَطاءِ أبیهِما علیه السّلام. (2)

660.تاریخ الیعقوبی: دَوَّنَ عُمَرُ الدَّواوینَ وفَرَضَ العَطاءَ...فَکَتَبَ أوَّلَ النّاسِ عَلِیَّ بنَ أبی طالِبٍ فی خَمسَةِ آلافٍ،وَالحَسَنَ بنَ عَلِیٍّ فی ثَلاثَةِ آلافٍ،وَالحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ فی ثَلاثَةِ آلافٍ. (3)

661.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن محمّد بن إبراهیم بن الحارث التیمی: إنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ لَمّا دَوَّنَ الدّیوانَ وفَرَضَ العَطاءَ،ألحَقَ الحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهما السّلام بِفَریضَةِ أبیهِما مَعَ أهلِ بَدرٍ؛لِقَرابَتِهِما بِرَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَفَرَضَ لِکُلِّ واحِدٍ مِنهُما خَمسَةَ آلافٍ. (4)

662.السنن الکبری عن عمر مولی غفرة وغیره: ...وَلّی عُمَرُ بنُ الخَطّابِ فَفَتَحَ الفُتوحَ

ص:106

وجاءَتهُ الأَموالُ...وفَرَضَ لِلحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام خَمسَةَ آلافٍ خَمسَةَ آلافٍ، ألحَقَهُما بِأَبیهِما لِمَکانِهِما مِن رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله. (1)

663.تذکرة الخواصّ عن ابن عبّاس: کانَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ یُحِبُّ الحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهما السّلام ویُقَدِّمُهُما عَلی وُلدِهِ،ولَقَد قَسَّمَ یَوماً فَأعطَی الحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهما السّلام کُلَّ واحِدٍ مِنهُما عَشَرَةَ آلافِ دِرهَمٍ،وأعطی وَلَدَهُ عَبدَاللّهِ ألفَ دِرهَمٍ،فَعاتَبَهُ وَلَدُهُ وقالَ:قَد عَلِمتَ سِبقَتی فِی الإسلامِ وهِجرَتی،وأنتَ تُفَضِّلُ عَلَیَّ هذَینِ الغُلامَینِ؟

فَقالَ:وَیحَکَ یا عَبدَاللّهِ ! إیتِنی بِجَدٍّ مِثلَ جَدِّهِما،وأبٍ مِثلَ أبیهِما،واُمٍّ مِثلَ امِّهِما،وجَدَّةٍ مِثلَ جَدَّتِهِما،وخالٍ مِثلَ خالِهِما،وخالَةٍ مِثلَ خالَتِهِما،وعَمٍّ مِثلَ عَمِّهِما،وعَمَّةٍ مِثلَ عَمَّتِهِما؛جَدُّهُما رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وأبوهُما عَلِیٌّ،واُمُّهُما فاطِمَةُ، وجَدَّتُهُما خَدیجَةُ،وخالُهُما إبراهیمُ ابنُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وخالَتُهُما زَینَبُ ورُقَیَّةُ واُمُّ کُلثومٍ،وعَمُّهُما جَعفَرُ بنُ أبی طالِبٍ،وعَمَّتُهُما امّ هانِئٍ بِنتُ أبی طالِبٍ. (2)

664.المسترشد عن شهر بن حوشب: لَمّا دَوَّنَ عُمَرُ الدَّواوینَ،بَدَأَ بِالحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام،فَدَعَا الحَسَنَ علیه السّلام فَأَعطاهُ عَطاءَهُ،وأقعَدَهُ عَلی حِجرِهِ-أو قالَ:عَلی فَخِذِهِ-وقَبَّلَ بَینَ عَینَیهِ،وحَثا فی حِجرِهِ حَتّی مَلَأَهُ.

ثُمَّ دَعَا الحُسَینَ علیه السّلام،فَأَعطاهُ عَطاءَهُ وأقعَدَهُ عَلی حِجرِهِ-أو فَخِذِهِ-وقَبَّلَ ما بَینَ عَینَیهِ،وحَثا فی حِجرِهِ حَتّی مَلَأَهُ.

فَقالَ عَبدُاللّهِ بنُ عُمَرَ:قَدَّمتَهُما عَلَیَّ ولی صُحبَةٌ ولَیسَ لَهُما صُحبَةٌ،ولی هِجرَةٌ ولَیسَ لَهُما هِجرَةٌ؟

ص:107

فَقالَ:اُسکُت لا امَّ لَکَ ! أبوهُما خَیرٌ مِن أبیکَ،واُمُّهُما خَیرٌ مِن امِّکَ. (1)

665.تاریخ دمشق عن الزهری: إنَّ عُمَرَ کَسا أبناءَ أصحابِ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله فَلَم یَکُن فیها ما یَصلُحُ لِلحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام،فَبَعَثَ إلَی الیَمَنِ فَاُتِیَ لَهُما بِکِسوَةٍ،فَقالَ:الآنَ طابَت نَفسی ! (2)

666.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن سلیمان بن بلال عن جعفر بن محمّد عن أبیه [الباقر] علیهما السّلام :قَدِمَ عَلی عُمَرَ حُلَلٌ مِنَ الیَمَنِ،فَکَسَا النّاسَ،فَراحوا فِی الحُلَلِ وهُوَ بَینَ القَبرِ وَالمِنبَرِ جالِسٌ،وَالنّاسُ یَأتونَهُ فَیُسَلِّمونَ عَلَیهِ ویَدعونَ،فَخَرَجَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ ابنا عَلِیٍّ مِن بَیتِ امِّهِما فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَتَخَطَّیانِ النّاسَ-وکانَ بَیتُ فاطِمَةُ فی جَوفِ المَسجِدِ-لَیسَ عَلَیهِما مِن تِلکَ الُحلَلِ شَیءٌ،وعُمَرُ قاطِبٌ صارٌّ (3)بَینَ عَینَیهِ.

ثُمَّ قالَ:وَاللّهِ ما هَنَأَنی ما کَسَوتُکُم.قالوا:لِمَ یا أمیرَ المُؤمِنینَ؟کَسَوتَ رَعِیَّتَکَ وأحسَنتَ،قالَ:مِن أجلِ الغُلامَینِ یَتَخَطَّیانِ النّاسَ لَیسَ عَلَیهِما مِنها شَیءٌ،کَبُرَت عَنهُما وصَغُرا عَنها،ثُمَّ کَتَبَ إلی صاحِبِ الیَمَنِ أنِ ابعَث إلَیَّ بِحُلَّتَینِ لِحَسَنٍ وحُسَینٍ وعَجِّل،فَبَعَثَ إلَیهِ بِحُلَّتَینِ فَکَساهُما. (4)

راجع:ج 1 ص 208 (القسم الأوّل/الفصل الخامس/الرّباب).

ص:108

صارَ بِأَیدینا وأنتُم رَمیمٌ. (1)

فَقالَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام:قَبَّحَ اللّهُ شَیبَتَکَ،وقَبَّحَ وَجهَکَ ! ثُمَّ نَتَرَ (2)یَدَهُ وتَرَکَهُ، فَلَولاَ النُّعمانُ بنُ بَشیرٍ أخَذَ بِیَدِهِ ورَدَّهُ إلَی المَدینَةِ لَهَلَکَ 3. 4

-صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِما-خَرَجَ مُعتَمِراً فَمَرِضَ فِی الطَّریقِ،فَبَلَغَ عَلِیّاً علیه السّلام ذلِکَ وهُوَ فِی المَدینَةِ،فَخَرَجَ فی طَلَبِهِ فَأَدرَکَهُ بِالسُّقیا وهُوَ مَریضٌ بِها.

فَقالَ:یا بُنَیَّ ما تَشتَکی؟فَقالَ:أشتَکی رَأسی.فَدَعا عَلِیٌّ علیه السّلام بِبَدَنَةٍ فَنَحَرَها وحَلَقَ رَأسَهُ ورَدَّهُ إلَی المَدینَةِ،فَلَمّا بَرَأَ مِن وَجَعِهِ اعتَمَرَ. (1)

670.الثقات لابن حبّان: اعتَمَرَ عُثمانُ فی رَجَبٍ،وخَرَجَ مَعَهُ عَبدُاللّهِ بنُ جَعفَرٍ وَالحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَمَرِضَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَأَقامَ عَبدُاللّهِ بنُ جَعفَرٍ عَلَیهِ بِالسُّقیا،وبَعَثَ إلی عَلِیٍّ علیه السّلام یُخبِرُهُ بِذلِکَ،فَخَرَجَ عَلِیٌّ علیه السّلام فی نَفَرٍ مِن بَنی هاشِمٍ إلَی السُّقیا،فَلَمّا دَخَلَها دَعا بِبَدَنَةٍ فَنَحَرَها وحَلَقَ رَأسَهُ،وأقامَ عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام یُمَرِّضُهُ.

فَلَمّا فَرَغَ عُثمانُ مِن عُمرَتِهِ...ثُمَّ انصَرَفَ فَمَرَّ بِعَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام فی مُنصَرَفِهِ وهُوَ یُمَرِّضُ الحُسَینَ علیه السّلام مَعَ جَماعَةٍ مِن بنی هاشِمٍ،فَقالَ عُثمانُ:

قَد أرَدتُ المُقامَ عَلَیهِ حَتّی تَقدِمَ،ولکِنَّ الحُسَینَ علیه السّلام عَزَمَ عَلَیَّ وجَعَلَ یَقولُ:

امضِ لِرَهطِکَ. (2)

فَقالَ عَلِیٌّ علیه السّلام:ما کانَ ذلِکَ بِشَیءٍ یَفوتُکَ،هَل کانَت إلّاعُمرَةً ! إنَّما یَخافُ الإِنسانُ فَوتَ الحَجِّ،فَأَمَّا العُمرَةُ فَلا...ثُمَّ مَضی عَلِیٌّ مَعَ الحُسَینِ علیهما السّلام إلی مَکَّةَ. (3)

شَیَّعَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام أبا ذَرٍّ،وشَیَّعَهُ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام،وعَقیلُ بنُ أبی طالِبٍ، وعَبدُاللّهِ بنُ جَعفَرٍ،وعَمّارُ بنُ یاسِرٍ،قالَ لَهُم أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام:وَدِّعوا أخاکُم،فَإِنَّهُ لا بُدَّ لِلشّاخِصِ (1)مِن أن یَمضِیَ،ولِلمُشَیِّعِ مِن أن یَرجِعَ،فَتَکَلَّمَ کُلُّ رَجُلٍ مِنهُم عَلی حِیالِهِ.

فَقالَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام:رَحمِکَ اللّهُ یا أبا ذَرٍّ،إنَّ القَومَ إنَّمَا امتَهَنوکَ بِالبَلاءِ؛ لِأَنَّکَ مَنَعتَهُم دینَکَ فَمَنَعوکَ دُنیاهُم،فَما أحوَجَکَ غَداً إلی ما مَنَعتَهُم وأغناکَ عَمّا مَنَعوکَ !

فَقالَ أبو ذَرٍّ:رَحِمَکُمُ اللّهُ مِن أهلِ بَیتٍ ! فَما لی فِی الدُّنیا مِن شَجَنٍ (2)غَیرُکُم،إنّی إذا ذَکَرتُکُم ذَکَرتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله. (3)

672.شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید عن ابن عبّاس: لَمّا اخرِجَ أبو ذَرٍّ إلَی الرَّبَذَةِ،أمَرَ عُثمانُ فَنودِیَ فِی النّاسِ:ألّا یُکَلِّمَ أحَدٌ أبا ذَرٍّ ولا یُشَیِّعَهُ.وأمَرَ مَروانَ بنَ الحَکَمِ أن یَخرُجَ بِهِ،فَخَرَجَ بِهِ،وتَحاماهُ النّاسُ إلّاعَلِیَّ بنَ أبی طالِبٍ علیه السّلام وعَقیلاً أخاهُ،وحَسَناً وحُسَیناً علیهما السّلام،وعَمّاراً،فَإِنَّهُم خَرَجَوا مَعَهُ یُشَیِّعونَهُ.

فَجَعَلَ الحَسَنُ علیه السّلام یُکَلِّمُ أبا ذَرٍّ،فَقالَ لَهُ مَروانُ:إیهاً یا حَسَنُ ! ألا تَعلَمُ أنَّ أمیرَ المُؤمِنینَ قَد نَهی عَن کَلامِ هذَا الرَّجُلِ؟! فَإِن کُنتَ لا تَعلَمُ فَاعلَم ذلِکَ.

فَحَمَلَ عَلِیٌّ علیه السّلام عَلی مَروانَ،فَضَرَبَ بِالسَّوطِ بَینَ اذُنَی راحِلَتِهِ،وقالَ:

ص:112

تَنَحَّ-لَحاکَ اللّهُ !-إلَی النّارِ،فَرَجَعَ مَروانُ مُغضَباً إلی عُثمانَ؛فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ، فَتَلَظّی عَلی عَلِیٍّ علیه السّلام....

ثُمَّ تَکَلَّمَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَقالَ:یا عَمّاه،إنَّ اللّهَ تَعالی قادِرٌ أن یُغَیِّرَ ما قَد تَری،وَاللّهُ «کُلَّ یَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ» 1 ،وقَد مَنَعَکَ القَومُ دُنیاهُم ومَنَعتَهُم دینَکَ؛فَما أغناکَ عَمّا مَنَعوکَ وأحوَجَهُم إلی ما مَنَعتَهُم ! فَاسأَلِ اللّهَ الصَّبرَ وَالنَّصرَ،وَاستَعِذ بِهِ مِنَ الجَشَعَ وَالجَزَعِ؛فَإِنَّ الصَّبرَ مِنَ الدّینِ وَالکَرَمِ،وإنَّ الجَشَعَ لا یُقَدِّمُ رِزقاً،وَالجَزَعَ لا یُؤَخِّرُ أجَلاً. (1)

673.مروج الذهب: قالَ لَهُ عُثمانُ [أی لِأَبی ذَرٍّ]:وارِ عَنّی وَجهَکَ...قالَ:فَإِنّی مُسَیِّرُکَ إلَی الرَّبَذَةِ.

قالَ:اللّهُ أکبَرُ ! صَدَقَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؛قَد أخبَرَنی بِکُلِّ ما أنَا لاقٍ،قالَ عُثمانُ:وما قالَ لَکَ؟

قالَ:أخبَرَنی بِأَنّی امنَعُ عَن مَکَّةَ وَالمَدینَةِ وأموتُ بِالرَّبَذَةِ،ویَتَوَلّی مُواراتی نَفَرٌ مِمَّن یَرِدونَ مِن العِراقِ نَحوَ الحِجازِ.

وبَعَثَ أبو ذَرٍّ إلی جَمَلٍ لَهُ فَحَمَلَ عَلَیهِ امرَأَتَهُ-وقیلَ ابنَتَهُ-وأمَرَ عُثمانُ أن یَتَجافاهُ النّاسُ حَتّی یَسیرَ إلَی الرَّبَذَةِ،فَلَمّا طَلَعَ عَنِ المَدینَةِ-ومَروانُ یُسَیِّرُ[هُ] (2)عَنها-طَلَعَ عَلَیهِ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السّلام ومَعَهُ ابناهُ [الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام ] وعَقیلٌ

ص:113

أخوهُ وعَبدُاللّهِ بنُ جَعفَرٍ وعَمّارُ بنُ یاسِرٍ. (1)

وتَخَضَّبَ مُحَمَّدُ بنُ طَلحَةَ،وشُجَّ قَنبَرٌ مَولی عَلِیٍّ...وأوَّلُ مَن دَخَلَ عَلَیهِ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام فَزِعَینِ وهُما لا یَعلَمانِ بِالکائِنَةِ،وکانا مَشغولَینِ عَلَی البابِ یَنصُرانِهِ ویَمنَعانِ النّاسَ عَنهُ؛فَلَمّا دَخَلوا وَجَدوا عُثمانَ مَذبوحاً. (1)

ص:115

ص:116

فَحَمَلَهُ وضَمَّهُ إلی صَدرِهِ.

ثُمَّ قالَ لِلحُسَینِ علیه السّلام:یا بُنَیَّ ! قُم فَاصعَدِ المِنبَرَ وتَکَلَّم بِکَلامٍ لا تُجَهِّلُکَ قُرَیشٌ مِن بَعدی،فَیَقولونَ:إنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ لا یُبصِرُ شَیئاً،وَلیَکُن کَلامُکَ تَبَعاً لِکَلامِ أخیکَ.

فَصَعِدَ الحُسَینُ علیه السّلام المِنبَرَ،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ وصَلّی عَلی نَبِیِّهِ صلّی اللّه علیه و آله صَلاةً موجَزَةً،ثُمَّ قالَ:مَعاشِرَ النّاسِ،سَمِعتُ جَدّی رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وهُوَ یَقولُ:إنَّ عَلِیّاً هُوَ مَدینَةُ هُدیً؛فَمَن دَخَلَها نَجا ومَن تَخَلَّفَ عَنها هَلَکَ.

فَوَثَبَ إلَیهِ عَلِیٌّ علیه السّلام فَضَمَّهُ إلی صَدرِهِ وقَبَّلَهُ،ثُمَّ قالَ:مَعاشِرَ النّاسِ ! اشهَدوا أنَّهُما فَرخا رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ووَدیعَتُهُ الَّتِی استَودَعَنیها،وأنَا أستَودِعُکُموها مَعاشِرَ النّاسِ ورَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله سائِلُکُم عَنهُما. (1)

ذی قارٍ (1)،فَأَمَّرَ عَلی مُقَدَّمَتِهِ عَبدَاللّهِ بنَ عَبّاسٍ،ثُمَّ أمَّرَ الاُمَراءَ وعَقَدَ الأَلوِیَةَ؛دَفَعَ اللِّواءَ إلَی ابنِهِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِیٍّ...

عَلَی الخَیلِ عَمّارُ بنُ یاسِرٍ،وعَلَی الرَّجّالَةِ مُحَمَّدُ بنُ أبی بَکرٍ،وعَلَی المَیمَنَةِ- وهُم رَبیعَةُ البَصرَةِ والکوفَةِ-عِلباءُ بنُ هَیثَمٍ السَّدوسِیُّ،ویُقالُ:عَبدُاللّهِ بنُ جَعفَرٍ، وعَلَی المَیسَرَةِ-وهُم مُضَرُ البَصرَةِ ومُضَرُ الکوفَةِ-الحَسَنُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،ویُقالُ:عَلَی المَیمَنَةِ الحَسَنُ،وعَلَی المَیسَرَةِ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام. (2)

681.دعائم الإسلام: رُوِّینا عَن عَلِیٍّ علیه السّلام أنَّهُ أعطَی الرّایَةَ یَومَ الجَمَلِ لِمُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِیَّةِ فَقَدَّمَهُ بَینَ یَدَیهِ،وجَعَلَ الحَسَنَ علیه السّلام فی المَیمَنَةِ،وجَعَلَ الحُسَینَ علیه السّلام فِی المَیسَرَةِ. (3)

682.شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: لَمّا تَقاعَسَ مُحَمَّدٌ یَومَ الجَمَلِ عَنِ الحَملَةِ،وحَمَلَ عَلِیٌّ علیه السّلام بِالرّایَةِ،فَضَعضَعَ أرکانَ عَسکَرِ الجَمَلِ،دَفَعَ إلَیهِ الرّایَةَ،وقالَ:اُمحُ الاُولی بِالاُخری،وهذِهِ الأَنصارُ مَعَکَ.وضَمَّ إلَیهِ خُزَیمَةَ بنَ ثابِتٍ ذَا الشَّهادَتَینِ فی جَمعٍ مِنَ الأَنصارِ،کَثیرٌ مِنهُم مِن أهلِ بَدرٍ،فَحَمَلَ حَمَلاتٍ کَثیرَةً،أزالَ بِها القَومَ عَن مَواقِفِهِم وأبلی بَلاءً حَسَناً.

فَقالَ خُزَیمَةُ بنُ ثابِتٍ لِعَلِیٍّ علیه السّلام:أما إنَّهُ لَو کانَ غَیرَ مُحَمَّدٍ الیَومَ لَافتَضَحَ،ولَئِن کُنتَ خِفتَ عَلَیهِ الجُبنَ وهُوَ بَینَکَ وبَینَ حَمزَةَ وجَعفَرٍ لَما خِفناهُ عَلَیهِ،وإن کُنتَ أرَدتَ أن تُعَلِّمَهُ الطِّعانَ فَطالَمَاً عَلَّمتَهُ الرِّجالَ.

وقالَتِ الأَنصارُ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ،لَولا ما جَعَلَ اللّهُ تَعالی لِلحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام

ص:119

لَما قَدَّمنا عَلی مُحَمَّدٍ أحَداً مِنَ العَرَبِ.

فَقالَ عَلِیٌّ علیه السّلام:أینَ النَّجمُ مِنَ الشَّمسِ وَالقَمَرِ؟! أما إنَّهُ قَد أغنی وأبلی،ولَهُ فَضلُهُ،ولا یَنقُصُ فَضلَ صاحِبَیهِ عَلَیهِ،وحَسبُ صاحِبِکُم مَا انتَهَت بِهِ نِعمَةُ اللّهِ تَعالی إلَیهِ.

فَقالوا:یا أمیرَ المُؤمِنینَ! إنّا وَاللّهِ لا نَجعَلُهُ کَالحَسَنِ وَالحُسَینِ،ولا نَظلِمُهُما لَهُ، ولا نَظلِمُهُ-لِفَضلِهِما عَلَیهِ-حَقَّهُ،فَقالَ عَلِیٌّ علیه السّلام:أینَ یَقَعُ ابنی مِنِ ابنَی بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؟! فَقالَ خُزَیمَةُ بنُ ثابِتٍ فیهِ:

مُحَمَّدُ ما فی عودِکَ الیَومَ وَصمَةٌ

683.مروج الذهب -فی خَبَرِ عائِشَةَ-:جَهَّزَها عَلِیٌّ وأتاها فِی الیَومِ الثّانی،ودَخَلَ

ص:120

عَلَیها ومَعَهُ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام وباقی أولادِهِ وأولادُ إخوَتِهِ وفِتیانُ أهلِهِ مِن بَنی هاشِمٍ وغَیرُهُم مِن شیعَتِهِ مِن هَمدانَ،فَلَمّا بَصُرَت بِهِ النِّسوانُ صِحنَ فی وَجهِهِ وقُلنَ:یا قاتِلَ الأَحِبَّةِ.

فَقالَ:لَو کُنتُ قاتِلَ الاَحِبَّةِ لَقَتَلتُ مَن فی هذَا البَیتِ،وأشارَ إلی بَیتٍ مِن تِلکَ البُیوتِ قَدِ اختَفی فیهِ مَروانُ بنُ الحَکَمِ،وعَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ،وعَبدُ اللّهِ بنُ عامِرٍ، وغَیرُهُم.

فَضَرَبَ مَن کانَ مَعَهُ بِأَیدیهِم إلی قَوائِمِ سُیوفِهِم لَمّا عَلِموا مَن فِی البَیتِ مَخافَةَ أن یَخرجُوا مِنهُ فَیَغتالوهُ.

فَقالَت لَهُ عائِشَةُ-بَعدَ خَطبٍ طَویلٍ کانَ بَینَهُما-:إنّی احِبُّ أن اقیمَ مَعَکَ،فَأَسیرَ إلی قِتالِ عَدُوِّکَ عِندَ سَیرِکَ.

فَقالَ:بَلِ ارجِعی إلَی البَیتِ الَّذی تَرَکَکِ فیهِ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.

فَسَأَلَتهُ أن یُؤَمِّنَ ابنَ اختِها عَبدَاللّهِ بنَ الزُّبَیرِ،فَأَمَّنَهُ،وتَکَلَّمَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام فی مَروانَ،فَأَمَّنَهُ،وأمَّنَ الوَلیدَ بنَ عُقبَةَ ووُلدَ عُثمانَ وغَیرَهُم مِن بَنی امَیَّةَ،وأمَّنَ النّاسَ جَمیعَاً،وقَد کانَ نادی یَومَ الوَقَعةِ:مَن ألقی سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ،ومَن دَخَلَ دارَهُ فَهُوَ آمِنٌ. (1)

684.نهج البلاغة: قالوا:اُخِذَ مَروانُ بنُ الحَکَمِ أسیراً یَومَ الجَمَلِ،فَاستَشفَعَ الحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهما السّلام إلی أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السّلام؛فَکَلَّماهُ فیهِ فَخَلّی سَبیلَهُ،فَقالا لَهُ:یُبایِعُکَ یا أمیرَ المُؤمِنینَ.

فَقالَ علیه السّلام:أوَ لَم یُبایِعنی بَعدَ قَتلِ عُثمانَ؟لا حاجَةَ لی فی بَیعَتِهِ،إنَّها کَفٌّ

ص:121

یَهودِیَّةٌ ! ! لَو بایَعَنی بِکَفِّهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ ! (1)أما إنَّ لَهُ إمرَةً کَلَعقَةِ الکَلبِ أنفَهُ،وهُوَ أبُو الأَکبُشِ الأَربَعَةِ،وسَتَلقَی الاُمَّةُ مِنهُ ومِن وُلدِهِ یَومَاً أحمَرَ. (2)

685.إعلام الوری: لَمّا اخِذَ مَروانُ بنُ الحَکَمِ أسیراً یَومَ الجَمَلِ،فَتَکَلَّمَ فیهِ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام فَخَلّی سَبیلَهُ،فَقالا لَهُ:یُبایِعُکَ یا أمیرَ المُؤمِنینَ.

فَقالَ:ألَم یُبایِعنی بَعدَ قَتلِ عُثمانِ؟! لا حاجَةَ لی فی بَیعَتِهِ،أما إنَّ لَهُ إمرَةً کَلَعقَةِ الکَلبِ أنفَهُ،وهُوَ أبُو الأَکبُشِ الأَربَعَةِ،وسَتَلقَی الاُمَّةُ مِنهُ ومِن وُلدِهِ مَوتاً أحمَرَ.

فَکانَ کَما قالَ علیه السّلام. (3)

686.أنساب الأشراف عن أنس بن عیاض عن جعفر بن محمّد عن أبیه عن جدّه علیّ بن الحسین [زین العابدین] علیهم السّلام :إنَّ مَروانَ بنَ الحَکَمِ حَدَّثَهُ-وهُوَ أمیرٌ عَلَی المَدینَةِ-قالَ:لَمّا تَواقَفنا یَومَ الجَمَلِ لَم یَلبَث أهلُ البَصرَةِ أنِ انهَزَموا،فَقامَ صائِحٌ لِعَلِیٍّ علیه السّلام فَقالَ:لا یُقتَل مُدبِرٌ،ولا یُدفَف (4)عَلی جَریحٍ،ومَن أغلَقَ بابَهُ فَهُوَ آمِنٌ،ومَن طَرَحَ السِّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ.

قالَ:فَدَخَلتُ داراً ثُمَّ أرسَلتُ إلی حَسَنٍ وَحُسَینٍ علیهما السّلام وَابنِ جَعفَرٍ وَابنِ عَبّاسٍ فَکَلَّموهُ،فَقالَ:هُوَ آمِنٌ فَلیَتَوَجَّه حَیثُ ما شاءَ.فَقُلتُ:لا تَطیبُ نَفسی حَتّی ابایِعَهُ.

ص:122

قالَ:فَبایَعتُهُ ثُمَّ قالَ:اِذهَب حَیثُ شِئتَ. (1)

وبَینَهُ،فَیَأخُذُهُ بِیَدِهِ إِذا فَعَلَ ذلِکَ فَیُلقیهِ بَینَ یَدَیهِ أو مِن وَرائِهِ.

فَبَصُرَ بِهِ أحمَرُ-مَولی أبی سُفیانَ أو عُثمانَ،أو بَعضِ بَنی امَیَّةَ-فَقالَ [أحمَرُ]:

عَلِیٌّ ورَبِّ الکَعبَةِ،قَتَلَنِی اللّهُ إن لَم أقتُلکَ أو تَقتُلنی !

فَأَقبَلَ نَحوَهُ،فَخَرَجَ إلَیهِ کَیسانُ مَولی عَلِیٍّ،فَاختَلَفا ضَربَتَینِ،فَقَتَلَهُ مَولی بَنی امَیَّةَ،ویَنتِهَزُهُ عَلِیٌّ علیه السّلام،فَیَقَعُ بِیَدِهِ فی جَیبِ دِرعِهِ فَیَجبِذُهُ (1)،ثُمَّ حَمَلَهُ عَلی عاتِقِهِ؛ فَکَأَنّی أنظُرُ إلی رُجَیلَتَیهِ تَختَلِفانِ عَلی عُنُقِ عَلِیٍّ علیه السّلام،ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ الأَرضَ فَکَسَرَ مَنکِبَهُ وعَضُدَیهِ،وشَدَّ ابنا عَلِیٍّ عَلَیهِ:حُسَینٌ علیه السّلام ومُحَمَّدٌ،فَضَرَباهُ بِأَسیافِهِما حَتّی بَرَدَ،فَکَأَنّی أنظُرُ إلی عَلِیٍّ علیه السّلام قائِماً،وإلی شِبلَیهِ یَضرِبانِ الرَّجُلَ. (2)

690.الأخبار الطوال عن زید بن وهب -فی ذِکرِ حَربِ صِفّینَ-:فَإِنّی لَأَنظُرُ إلی عَلِیٍّ علیه السّلام وهُوَ یَمُرُّ نَحوَ رَبیعَةَ،ومَعَهُ بَنوهُ:الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام ومُحَمَّدٌ،وإنَّ النَّبلَ لَیَمُرُّ بَینَ اذُنَیهِ وعاتِقِهِ،وبَنوهُ یَقونَهُ بِأَنفُسِهِم.

فَلَمّا دَنا عَلِیٌّ علیه السّلام مِنَ المَیسَرَةِ وفیهَا الأَشتَرُ،وقَد وَقَفوا فی وُجوهِ أهلِ الشّامِ یُجالِدونَهُم، (3)فَناداهُ عَلِیٌّ علیه السّلام،وقالَ:ائتِ هؤُلاءِ المُنهَزِمینَ،فَقُل:أینَ فِرارُکُم مِنَ المَوتِ الَّذی لَم تُعجِزوهُ إلَی الحَیاةِ الَّتی لا تَبقی لَکُم؟! (4)

691.الفتوح -فی ذِکرِ قَضایا حَربِ صِفّینَ-:أرسَلَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ إلَی

ص:124

الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام:أنَّ لی إلَیکَ حاجَةً،فَالقَنی إذا شِئتَ حَتّی اخبِرَکَ.

قالَ:فَخَرَجَ إلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام حَتّی واقَفَهُ وظَنَّ أنَّهُ یُریدُ حَربَهُ،فَقالَ لَهُ ابنُ عُمَرَ:

إنّی لَم أدعُکَ إلَی الحَربِ،ولکِنِ اسمَع مِنّی؛فَإِنَّها نَصیحَةٌ لَکَ.فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:قُل ما تَشاءُ.فَقالَ:اِعلَم أنَّ أباکَ قَد وَتَرَ قُرَیشاً،وقَد بَغَضَهُ النّاسُ وذَکَروا أنَّهُ هُوَ الَّذی قَتَلَ عُثمانَ،فَهَل لَکَ أن تَخلَعَهُ وتُخالِفَ عَلَیهِ حَتّی نُوَلِّیَکَ هذَا الأَمرَ؟

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:کَلّا وَاللّهِ،لا أکفُرُ بِاللّهِ وبِرَسولِهِ وبِوَصِیِّ رَسولِ اللّهِ،إخسَ وَیلَکَ مِن شَیطانٍ مارِدٍ ! فَلَقَد زَیَّنَ لَکَ الشَّیطانُ سوءَ عَمَلِکَ،فَخَدَعَکَ حَتّی أخرَجَکَ مِن دینِکَ بِاتِّباعِ القاسِطینَ ونُصرَةِ هذَا المارِقِ مِنَ الدّینِ،لَم یَزَل هُوَ وأبوهُ حَربَینِ (1)وعُدَوَّینِ للّهِ ولِرَسولِهِ وَلِلمُؤمِنینَ،فَوَاللّهِ ما أسلَما،ولکِنَّهُمَا استَسلَما خَوفاً وطَمَعاً، فَأَنتَ الیَومَ تُقاتِلُ غَیرَ مُتَذَمِّمٍ، (2)ثُمَّ تَخرُجُ إلَی الحَربِ مُتَخَلِّقاً (3)لِتُرائِیَ بِذلِکَ نِساءَ أهلِ الشّامِ،ارتَع (4)قَلیلاً،فَاِنّی أرجو أن یَقتُلَکَ اللّهُ عز و جل سَریعاً.

قالَ:فَضَحِکَ عُبَیدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ،ثُمَّ رَجَعَ إلی مُعاوِیَةَ،فَقالَ:إنّی أرَدتُ خَدیعَة الحُسَینِ وقُلتُ لَهُ کَذا وکَذا،فَلَم أطمَع فی خَدیعَتِهِ.

فَقالَ مُعاوِیَةُ:إنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ لا یُخدَعُ وهُوَ ابنُ أبیهِ. (5)

692.وقعة صفّین -بَعدَ ذِکرِ کَلامِ الإِمامِ عَلِیٍّ وَالحَسَنِ علیهما السّلام فِی استِنهاضِ النّاسِ لِلقِتالِ مَعَ

ص:125

مُعاوِیَةَ وذلِکَ قَبلَ خُروجِ النّاسِ إلَی القِتالِ-:ثُمَّ قامَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام خَطیباً، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ بِما هُوَ أهلُهُ،ثُمَّ قالَ:یا أهلَ الکوفَةِ ! أنتُمُ الأَحِبَّةُ الکُرَماءُ، وَالشِّعارُ دونَ الدِّثارِ (1)،جِدّوا فی إحیاءِ ما دَثَرَ بَینَکُم،وإسهالِ ما تَوَعَّرَ عَلَیکُم،واُلفَةِ ما ذاعَ مِنکُم.ألا إنَّ الحَربَ شَرُّها ذَریعٌ،وطَعمُها فَظیعٌ،وهِیَ جُرَعٌ مُتَحَسّاةٌ.فَمَن أخَذَ لَها اهبَتَها،وَاستَعَدَّ لَها عُدَّتَها،ولَم یَألَم کُلومَها (2)عِندَ حُلولِها،فَذاکَ صاحِبُها، ومَن عاجَلَها قَبلَ أوانِ فُرصَتِها وَاستِبصارِ سَعیِهِ فیها،فَذاکَ قَمِنٌ (3)ألّا یَنفَعَ قَومَهُ،وأن یُهلِکَ نَفسَهُ.نَسأَلُ اللّهَ بِعَونِهِ أن یَدعَمَکُم بِاُلفَتِهِ.

ثُمَّ نَزَلَ.فَأَجابَ عَلِیّاً علیه السّلام إلَی السَّیرِ وَالجِهادِ جُلُّ النّاسِ. (4)

693.اُسد الغابة: رَوی أبو وَائِلٍ شَقیقُ بنُ سَلَمَةَ،قالَ:بَرَزَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیهما السّلام (5)فَنادی:هَل مِن مُبارِزٍ؟فَأَقبَلَ رَجُلٌ مِن آلِ ذی لَعوَةَ اسمُهُ الزِّبرِقانُ بنُ أسلَمَ وکانَ شَدیدَ البَأسِ، فَقالَ:وَیلَکَ ! مَن أنتَ؟فَقالَ:أنَا الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ.

فَقالَ لَهُ الزِّبرِقانُ:اِنصَرِف یا بُنَیَّ،فَإِنّی وَاللّهِ لَقَد نَظَرتُ إلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله مُقبِلاً مِن ناحِیَةِ قُباءَ عَلی ناقَةٍ حَمراءَ وإنَّکَ یَومَئِذٍ قُدّامَهُ؛فَما کُنتُ لِأَلقی رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله بِدَمِکَ، فَانصَرَفَ. (6)

694.الغیبة للنعمانی عن أبی بصیر عن أبی عبداللّه [الصادق] علیه السّلام :لَمَّا التَقی أمیرُ

ص:126

المُؤمِنینَ علیه السّلام وأهلُ البَصرَةِ نَشَرَ الرّایَةَ-رایَةَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله-فَزُلزِلَت أقدامُهُم،فَمَا اصفَرَّتِ الشَّمسُ حَتّی قالوا:آمِنّا یَابنَ أبی طالِبٍ،فَعِندَ ذلِکَ قالَ:لا تَقتُلُوا الأَسری ولا تُجهِزُوا (1)الجَرحی،ولا تَتبَعوا مُوَلِّیاً،ومَن ألقُی سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ،ومَن أغلَقَ بابَهُ فَهُوَ آمِنٌ.

ولَمّا کانَ یَومُ صِفّینَ سَأَلوهُ نَشرَ الرّایَةِ فَأَبی عَلَیهِم،فَتَحَمَّلوا عَلَیهِ بِالحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام وعَمّارِ بنِ یاسِرٍ،فَقالَ لِلحَسَنِ:یا بُنَیَّ،إنَّ لِلقَومِ مُدَّةً یَبلُغونَها،وإنَّ هذِهِ رایَةٌ لا یَنشُرُها بَعدی إلَّاالقائِمُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ. (2)

695.المناقب لابن شهرآشوب عن إسماعیل بن رجاء وعمرو بن شعیب: أنَّهُ مَرَّ الحُسَینُ علیه السّلام عَلی عَبدِ اللّهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ،فَقالَ عَبدُ اللّهِ:مَن أحَبَّ أن یَنظُرَ إلی أحَبِّ أهلِ الأَرضِ إلی أهلِ السَّماءِ فَلیَنظُر إلی هذَا المُجتازِ،وما کَلَّمتُهُ مُنذُ لَیالی صِفّینَ.فَأَتی بِهِ أبو سَعیدٍ الخُدرِیُّ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:أتَعلَمُ أنّی أحَبُّ أهلِ الأَرضِ إلی أهلِ السَّماءِ وتُقاتِلُنی وأبی یَومَ صِفّینَ؟! وَاللّهِ إنَّ أبی لَخَیرٌ مِنّی.

فَاستَعذَرَ وقال َ:إنَّ النَّبِیَّ صلّی اللّه علیه و آله قالَ لی:أطِع أباکَ.

فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:أما سَمِعتُ قَولَ اللّهِ تَعالی: «وَ إِنْ جاهَداکَ عَلی أَنْ تُشْرِکَ بِی ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما» 3 ،وقَولَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:«إنَّمَا الطّاعَةُ فِی المَعروفِ»، وقَولَهُ:«لا طاعَةَ لِمَخلوقٍ فی مَعصِیَةِ الخالِقِ»؟ (3)

ص:127

696.الأخبار الطوال -فی قَضِیَّةِ التَّحکیمِ-:شَهِدَ عَلی ما فی هذَا الکِتابِ الحَسَنُ وَالحُسَینُ ابنا عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیهم السّلام،وعَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ،وعَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ.... (1)

وحَمائِلُ سَیفِهِ لیفٌ،وفی رِجلَیهِ نَعلانِ مِن لیفٍ،وکَأَنَّ جَبینَهُ ثَفِنَةُ (1)بَعیرٍ....

ثُمَّ نادی بِأَعلی صَوتِهِ:الجِهادَ الجِهادَ عِبادَ اللّهِ ! ألا وإنّی مُعَسکِرٌ فی یَومی هذا؛ فَمَن أرادَ الرَّواحَ إلَی اللّهِ فَلیَخرُج.

وعَقَدَ لِلحُسَینِ علیه السّلام فی عَشَرَةِ آلافٍ،ولِقَیسِ بنِ سَعدٍ فی عَشَرَةِ آلافٍ،ولِأَبی أیّوبَ الأَنصارِیِّ فی عَشَرَةِ آلافٍ،ولِغَیرِهِم عَلی أعدادٍ اخَرَ،وهُوَ یُریدُ الرَّجعَةَ إلی صِفّینَ،فَما دارَتِ الجُمعَةُ حَتّی ضَرَبَهُ المَلعونُ ابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ ! فَتَراجَعَتِ العَساکِرُ. (2)

هذَینِ أن یَهلِکا،وقَد عَلِمتُ أن لَولا مَکانی لَم یَستَقدِما-یَعنی مُحَمَّدَ بنَ عَلِیٍّ وعَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ-وَایمُ اللّهِ لَئِن لَقیتُهُم بَعدَ یَومی لَاَلقَیَنَّهُم ولَیسَ هُما مَعی فی عَسکَرٍ ولا دارٍ. (1)

702.نثر الدرّ: قالَ المُنافِقونَ لَهُ [لِمُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِیَّةِ]:لِمَ یُغَرِّرُ (2)بِکَ أمیرُ المُؤمِنینَ فی الحَربِ ولا یُغَرِّرُ بِالحَسَنِ وَالحُسَینِ؟

قالَ:لِاَنَّهُما عَیناهُ،وأنَا یَمینُهُ؛فَهُوَ یَدفَعُ بِیَمینِهِ عَن عَینَیهِ. 3

703.تهذیب الکمال عن الزهری: قالَ رَجُلٌ لِمُحَمَّدِ بنِ عَلِیٍّ ابنِ الحَنَفِیَّةِ:ما بالُ أبیکَ کانَ یَرمی بِکَ فی مَرامٍ لا یَرمی فیهَا الحَسَنَ وَالحُسَینَ؟

قالَ:لِاَنَّهُما کانا خَدَّیهِ وکُنتُ یَدَهُ،فَکانَ یَتَوَقّی بِیَدِهِ عَن خَدَّیهِ. 4

704.ذوب النضار عن ابن عبّاس: لَمّا کانَ یَومٌ مِن أیّامِ صِفّینَ دَعا عَلِیٌّ علیه السّلام ابنَهُ مُحَمَّدَ ابنَ الحَنَفِیَّةِ،فَقالَ لَهُ:شُدَّ عَلَی المَیمَنَةِ،فَحَمَلَ مُحَمَّدٌ مَعَ أصحابِهِ،فَکَشَفَ مَیمَنَةَ عَسکَرِ مُعاوِیَةَ،ثُمَّ رَجَعَ وقَد جُرِحَ،فَقالَ:العَطشَ العَطشَ ! فَقامَ إلَیهِ أبوهُ علیه السّلام فَسَقاهُ جُرعَةً مِنَ الماءِ،ثُمَّ صَبَّ الماءَ بَینَ دِرعِهِ وجِلدِهِ،فَرَأَیتُ عَلَقَ 5الدَّمِ یَخرُجُ مِن حَلَقِ الدِّرعِ.

ثُمَّ أمهَلَهُ ساعَةً ثُمَّ قالَ:یا بُنَیَّ! شُدَّ عَلَی المَیسَرَةِ،فَحَمَلَ مَعَ أصحابِهِ عَلی مَیسَرَةِ عَسکَرِ مُعاوِیَةَ،فَکَشَفَهُم،ثُمَّ رَجَعَ وبِهِ جَراحَةٌ وَهُوَ یَقُولُ:الماءَ الماءَ،فَقامَ

ص:130

إلَیهِ أبُوهُ علیه السّلام فَفَعَلَ بِهِ مِثلَ الأوَّلِ،ثُمَّ قالَ:یا بُنَیَّ،شُدَّ عَلَی القَلبِ،فَشَدَّ عَلَیهِم فَکَشَفَهُم،ثُمَّ رَجَعَ وقَد أثقَلَتهُ الجِراحاتُ وهُوَ یَبکی،فَقامَ إلَیهِ أبوهُ علیه السّلام فَقَبَّلَ ما بَینَ عَینَیهِ،وقالَ:سَرَرتَنی فِداکَ أبوکَ ! لَقَد سَرَرتَنی-وَاللّهِ-یا بُنَیَّ بِجِهادِکَ بَینَ یَدَیَّ، فَما یُبکیکَ؟أفَرَحٌ أم جَزَعٌ؟

فَقالَ:کَیفَ لا أبکی وقَد عَرَّضتَنی لِلمَوتِ ثَلاثَ مَرّاتٍ فَسَلَّمَنِیَ اللّهُ تَعالی،وکُلَّما رَجَعتُ إلَیکَ لِتُمهِلَنی عَنِ الحَربِ فَما أمهَلتَنی،وهذانِ أخَوایَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام ما تَأمُرُهُما بِشَیءٍ !

فَقَبَّلَ علیه السّلام رَأسَهُ وقالَ:یا بُنَیَّ،أنتَ ابنی،وهذانِ ابنا رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله أفَلا أصونُهُما عَنِ القَتلِ؟

قالَ:بَلی یا أبَتاهُ،جَعَلَنِیَ اللّهُ فِداکَ وفِداهُما ! (1)

اللّهُمَّ احفَظ حَسَناً وحُسَیناً،ولا تُمَکِّن فَجَرَةَ قُرَیشٍ مِنهُما ما دُمتُ حَیّاً،فَإِذا تَوَفَّیتَنی فَأَنتَ الرَّقیبُ عَلَیهِم،وأنتَ عَلی کُلِّ شَیءٍ شَهیدٌ. (1)

الرَّجُلِ الحَدُّ،ولا یَعرِفَنَّ أحَدُکُم صاحِبَهُ،فَأَخرَجَهُ إلَی الجَبّانِ (1)فَقالَ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ،أنظِرنی اصَلّی رَکعَتَینِ.ثُمَّ وَضَعَهُ فی حُفرَتِهِ وَاستَقبَلَ النّاسَ بِوَجهِهِ، فَقالَ:یا مَعاشِرَ المُسلِمینَ ! إنَّ هذا حَقٌّ مِن حُقوقِ اللّهِ عز و جل؛فَمَن کَانَ للّهِ فی عُنُقِهِ حَقٌّ فَلیَنصَرِف ولا یُقیمُ حُدودَ اللّهِ مَن فی عُنُقِهِ للّهِ حَدٌّ،فَانصَرَفَ النّاسُ وبَقِیَ هُوَ وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهم السّلام،فَأَخَذَ حَجَراً فَکَبَّرَ ثَلاثَ تَکبیراتٍ ثُمَّ رَماهُ بِثَلاثَةِ أحجارٍ فی کُلِّ حَجَرٍ ثَلاثَ تَکبیراتٍ،ثُمَّ رَماهُ الحَسَنُ علیه السّلام مِثلَ ما رَماهُ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام،ثُمَّ رَماهُ الحُسَینُ علیه السّلام فَماتَ الرَّجُلُ،فَأَخرَجَهُ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام فَأَمَرَ فَحُفِرَ لَهُ وصَلّی عَلَیهِ ودَفَنَهُ،فَقیلَ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ،ألا تُغَسِّلُهُ؟

فَقالَ:قَدِ اغتَسَلَ بِما هُوَ طاهِرٌ إلی یَومِ القِیامَةِ،لَقَد صَبَرَ عَلی أمرٍ عَظیمٍ. (2)

أمیرُ المُؤمِنینَ! ألا لا تَقتُلُنَّ بی إلّاقاتِلی،انظُروا إذا أنا مِتُّ مِن ضَربَتِهِ هذِهِ،فَاضرِبوهُ ضَربَةً بِضَربَةٍ،ولا تُمَثِّلوا بِالرَّجُلِ،فَإِنّی سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَقولُ:«إیّاکُم وَالمُثلَةَ ولَو بِالکَلبِ العَقورِ». 1

709.تاریخ الطبری -فی ذِکرِ خَبرِ مَقتَلِ الإِمامِ عَلِیٍّ علیه السّلام-:دَعا [عَلِیٌّ علیه السّلام ] حَسَناً وحُسَیناً علیهما السّلام،فَقالَ:اُوصیکُما بِتَقوَی اللّهِ،وألّا تَبغِیَا الدُّنیا وإن بَغَتکُما،ولا تَبکِیا عَلی شَیءٍ زُوِیَ عَنکُما،وقولَا الحَقَّ،وَارحَمَا الیَتیمَ،وأغیثَا المَلهوفَ،وَاصنَعا لِلآخِرَةِ،وکونا لِلظّالِمِ خَصماً ولِلمَظلومِ ناصِراً،وَاعمَلا بِما فِی الکِتابِ ولا تَأخُذکُما فِی اللّهِ لَومَةُ لائِمٍ.

ثُمَّ نَظَرَ إلی مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِیَّةِ،فَقالَ:هَل حَفِظتَ ما أوصَیتُ بِهِ أخَوَیکَ؟قالَ:

نَعَم.

قالَ:فَإِنّی اوصیکَ بِمِثلِهِ،واُوصیکَ بِتَوقیرِ أخَوَیکَ؛لِعَظیمِ حَقِّهِما عَلَیکَ،فَاتَّبِع أمرَهُما،ولا تَقطَع أمراً دونَهُما.

ثُمَّ قالَ:اُوصیکُما بِهِ؛فَإِنَّهُ شَقیقُکُما وَابنُ أبیکُما،وقَد عَلِمتُما أنَّ أباکُما کانَ یُحِبُّهُ. 2

بِتَقوَی اللّهِ فِی الغِنی وَالفَقرِ،وکَلِمَةِ الحَقِّ فِی الرِّضا وَالغَضَبِ،وَالقَصدِ فِی الغِنی وَالفَقرِ،وبِالعَدلِ عَلَی الصَّدیقِ وَالعَدُوِّ،وبِالعَمَلِ فِی النِّشاطِ وَالکَسَلِ،وَالرِّضا عَنِ اللّهِ فِی الشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ.

أی بُنَیَّ! ما شَرٌّ بَعدَهُ الجَنَّةُ بِشَرٍّ،ولا خَیرٌ بَعدَهُ النّارُ بِخَیرٍ.وکُلُّ نَعیمٍ دُونَ الجَنَّةِ مَحقورٌ،وکُلُّ بَلاءٍ دونَ النّارِ عافِیَةٌ.

وَاعلَم-أی بُنَیَّ-،أنَّهُ مَن أبصَرَ عَیبَ نَفسِهِ شَغَلَ عَن عَیبِ غَیرِهِ،ومَن تَعَرّی مِن لِباسِ التَّقوی لَم یَستَتِر بِشَیءٍ مِنَ اللِّباسِ،ومَن رَضِیَ بِقِسمِ اللّهِ لَم یَحزَنَ عَلی ما فاتَهُ،ومَن سَلَّ سَیفَ البَغیِ قُتِلَ بِهِ،ومَن حَفَرَ بِئراً لِأَخیهِ وَقَعَ فیها،ومَن هَتَکَ حِجابَ غَیرِهِ انکَشَفَت عَوراتُ بَیتِهِ،ومَن نَسِیَ خَطیئَتَهُ استَعظَمَ خَطیئَةَ غَیرِهِ،ومَن کابَدَ (1)الاُمورَ عَطَبَ (2)،ومَنِ اقتَحَمَ الغَمَراتِ (3)غَرِقَ،ومَن اعجِبَ بِرَأیهِ ضَلَّ،ومَنِ استَغنی بِعَقلِهِ زَلَّ،ومَن تَکَبَّرَ عَلَی النّاسِ ذَلَّ،ومَن خالَطَ العُلَماءَ وُقِّرَ،ومَن خالَطَ الأَنذالَ حُقِّرَ،ومَن سَفِهَ عَلَی النّاسِ شُتِمَ،ومَن دَخَلَ مَداخِلَ السَّوءِ اتُّهِمَ،ومَن مَزَحَ استُخِفَّ بِهِ،ومَن أکثَرَ مِن شَیءٍ عُرِفَ بِهِ،ومَن کَثُرَ کَلامُهُ کَثُرَ خَطاؤُهُ،ومَن کَثُرَ خَطاؤُهُ قَلَّ حَیاؤُهُ،ومَن قَلَّ حَیاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ،ومَن قَلَّ وَرَعُهُ ماتَ قَلبُهُ،ومَن ماتَ قَلبُهُ دَخَلَ النّارَ.

أی بُنَیَّ! مَن نَظَرَ فی عُیوبِ النّاسِ ورَضِیَ لِنَفسِهِ بِها فَذاکَ الأَحمَقُ بِعَینِهِ،ومَن تَفَکَّرَ اعتَبَرَ،ومَنِ اعتَبَرَ اعتَزَلَ،ومَنِ اعتَزَلَ سَلِمَ،ومَن تَرَکَ الشَّهَواتِ کانَ حُرّاً،ومَن تَرَکَ الحَسَدَ کانَت لَهُ المَحَبَّةُ عِندَ النّاسِ.

ص:136

أی بُنَیَّ! عِزُّ المُؤمِنُ غِناهُ عَنِ النّاسِ،وَالقَناعَةُ مالٌ لا یَنفَدُ،ومَن أکثَرَ ذِکرَ المَوتِ رَضِیَ مِنَ الدُّنیا بِالیَسیرِ،ومَن عَلِمَ أنَّ کَلامَهُ مِن عَمَلِهِ قَلَّ کَلامُهُ إلّافیما یَنفَعُهُ.

أی بُنَیَّ! العَجَبُ مِمَّن یَخافُ العِقابَ فَلَم یَکُفَّ،ورَجَا الثَّوابَ فَلَم یَتُب ویَعمَل.

أی بُنَیَّ! الفِکرَةُ تورِثُ نوراً،وَالغَفلَةُ ظُلمَةٌ،وَالجَهالَةُ ضَلالَةٌ،وَالسَّعیدُ مَن وُعِظَ بِغَیرِهِ،وَالأَدَبُ خَیرُ میراثٍ،وحُسنُ الخُلُقِ خَیرُ قَرینٍ،لَیسَ مَعَ قَطیعَةِ الرَّحِمِ نَماءٌ، ولا مَعَ الفُجورِ غِنیً.

أی بُنَیَّ! العافِیَةُ عَشَرَةُ أجزاءٍ،تِسعَةٌ مِنها فِی الصَّمتِ إلاّ بِذِکرِ اللّهِ،وواحِدٌ فی تَرکِ مُجالَسَةِ السُّفَهاءِ.

أی بُنَیَّ! مَن تَزَیّا بِمَعاصِی اللّهِ فِی المَجالِسِ أورَثَهُ اللّهُ ذُلّاً،ومَن طَلَبَ العِلمَ عَلِمَ.

یا بُنَیَّ! رَأسُ العِلمِ الرِّفقُ وآفَتُهُ الخُرقُ (1)،ومِن کُنوزِ الإِیمانِ الصَّبرُ عَلَی المَصائِبِ، وَالعَفافُ زینَةُ الفَقرِ،وَالشُّکرُ زینَةُ الغِنی،کَثرَةُ الزِّیارَةِ تورِثُ المَلالَةَ،وَالطُّمَأنینَةُ قَبلَ الخُبرَةِ ضِدُّ الحَزمِ،وإعجابُ المَرءِ بِنَفسِهِ یَدُلُّ عَلی ضَعفِ عَقلِهِ.

أی بُنَیَّ! کَم نَظرَةٍ جَلَبَت حَسرَةً،وکَم مِن کَلِمَةٍ سَلَبَت نِعمَةً.

أی بُنَیَّ! لا شَرَفَ أعلی مِنَ الإِسلامِ،ولا کَرَمَ أعَزُّ مِنَ التَّقوی،ولا مَعقِلَ أحرَزُ مِنَ الوَرَعِ،ولا شَفیعَ أنجَحُ مِنَ التَّوبَةِ،ولا لِباسَ أجمَلُ مِنَ العافِیَةِ،ولا مالَ أذهَبُ بِالفاقَةِ مِنَ الرِّضا بِالقوتِ،ومَنِ اقتَصَرَ عَلی بُلغَةِ (2)الکَفافِ تَعَجَّلَ الرّاحَةَ،وتَبَوَّأَ خَفضَ الدَّعَةِ.

أی بُنَیَّ! الحِرصُ مِفتاحُ التَّعَبِ،ومَطِیَّةُ النَّصَبِ،وداعٍ إلَی التَّقَحُّمِ (3)فِی الذُّنوبِ،

ص:137

وَالشَّرَهُ جامِعٌ لِمَساوِی العُیوبِ.وکَفاکَ تَأدیباً لِنَفسِکَ ما کَرِهتَهُ مِن غَیرِکَ،لِأَخیکَ عَلَیکَ مِثلُ الَّذی لَکَ عَلَیهِ،ومَن تَوَرَّطَ فِی الاُمورِ بِغَیرِ نَظَرٍ فِی العَواقِبِ فَقَد تَعَرَّضَ لِلنَّوائِبِ،التَّدبیرُ قَبلَ العَمَلِ یُؤمِنُکَ النَّدَمَ،مَنِ استَقبَلَ وُجوهَ الآراءِ عَرَفَ مَواقِعَ الخَطأِ،الصَّبرُ جُنَّةٌ (1)مِنَ الفاقَةِ،البُخلُ جِلبابُ المَسکَنَةِ،الحِرصُ عَلامَةُ الفَقرِ، وَصولٌ (2)مُعدِمٌ (3)خَیرٌ مِن جافٍ مُکثِرٍ،لِکُلِّ شَیءٍ قوتٌ،وَابنُ آدَمَ قوتُ المَوتِ.

أی بُنَیَّ،لا تُؤیِس مُذنِباً،فَکَم مِن عاکِفٍ عَلی ذَنبِهِ خُتِمَ لَهُ بِخَیرٍ،وکَم مِن مُقبِلٍ عَلی عَمَلِهِ مُفسِدٌ فی آخِرِ عُمُرِهِ صائِرٌ إلَی النّارِ،نَعوذُ بِاللّهِ مِنها.

أی بُنَیَّ،کَم مِن عاصٍ نَجا،وکَم مِن عامِلٍ هَوی،مَن تَحَرَّی الصِّدقَ خَفَّت عَلَیهِ المُؤَنُ.فی خِلافِ النَّفسِ رُشدُها،السّاعاتُ تَنتَقِصُ الأَعمارَ،وَیلٌ لِلباغینَ مِن أحکَمِ الحاکِمینَ وعالِمِ ضَمیرِ المُضمِرینَ.

یا بُنَیَّ،بِئسَ الزّادُ إلَی المَعادِ العُدوانُ عَلَی العِبادِ،فی کُلِّ جُرعَةٍ شَرَقٌ (4)،وفی کُلِّ اکلَةٍ غَصَصٌ.لَن تُنالَ نِعمَةٌ إلّابِفِراقِ اخری،ما أقرَبَ الرّاحَةَ مِنَ النَّصَبِ،وَالبُؤسَ مِنَ النَّعیمِ،وَالمَوتَ مِنَ الحَیاةِ،وَالسَّقَمَ مِنَ الصِّحَّةِ.فَطوبی لِمَن أخلَصَ للّهِ عَمَلَهُ، وعِلمَهُ وحُبَّهُ وبُغضَهُ،وأخذَهُ وتَرکَهُ،وکَلامَهُ وصَمتَهُ،وفِعلَهُ وقَولَهُ.وبَخٍ بَخٍ (5)لِعالِمٍ عَمِلَ فَجَدَّ،وخافَ البَیاتَ (6)فَأَعَدَّ وَاستَعَدَّ،إن سُئِلَ نَصَحَ،وإن تُرِکَ صَمَتَ،کَلامُهُ

ص:138

صَوابٌ وسُکوتُهُ مِن غَیرِ عِیٍّ جَوابٌ.وَالوَیلُ لِمَن بُلِیَ بِحِرمانٍ وخِذلانٍ وعِصیانٍ، فَاستَحسَنَ لِنَفسِهِ ما یَکرَهُهُ مِن غَیرِهِ،وأزری (1)عَلَی النّاسِ بِمِثلِ ما یَأتی.

وَاعلَم أی بُنَیَّ،أنَّهُ مَن لانَت کَلِمَتُهُ وَجَبَت مَحَبَّتُهُ.وَفَّقَکَ اللّهُ لِرُشدِکَ،وجَعَلَکَ مِن أهلِ طاعَتِهِ بِقُدرَتِهِ،إنَّهُ جَوادٌ کَریمٌ. (2)

714.نهج البلاغة عن الإمام علیّ علیه السّلام -مِن وَصِیَّةٍ لَهُ علیه السّلام بِما یُعمَلُ فی أموالِهِ،کَتَبَها بَعدَ مُنصَرَفِهِ مِن صِفّینَ-:هذا ما أمَرَ بِهِ عَبدُ اللّهِ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ أمیرُ المُؤمِنینَ فی مالِهِ،ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ لِیُولِجَهُ بِهِ الجَنَّةَ،ویُعطِیَهُ بِهِ الأمَنَةَ.مِنها:فَإِنَّهُ یَقومُ بِذلِکَ الحَسَنُ بنُ عَلِیٍّ، یَأکُلُ مِنهُ بِالمَعروفِ ویُنفِقُ مِنهُ بِالمَعروفِ،فَإِن حَدَثَ بِحَسَنٍ حَدَثٌ وحُسَینٌ حَیٌّ، قامَ بِالأَمرِ بَعدَهُ،وأصدَرَهُ مَصدَرَهُ.

وإنّ لِابنَی فاطِمَةَ مِن صَدَقَةِ عَلِیٍّ مِثلَ الَّذی لِبَنی عَلِیٍّ،وإنّی إنَّما جَعَلتُ القِیامَ بِذلِکَ إلَی ابنَی فاطِمَةَ ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ،وقُربَةً إلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وتَکریماً لِحُرمَتِهِ، وتَشریفاً لِوُصلَتِهِ. (1)

ص:142

فَقالَ النّاسُ:هذانِ ابنا بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَحَطَمَهُمَا النّاسُ حَتّی لَم یَستَطیعا أن یَمضِیا ومَعَهُم رَجُلٌ مِنَ الرُّکاناتِ،فَأَخَذَ الحُسَینُ علیه السّلام بِیَدِ الرُّکانِیِّ (1)ورَدَّ النّاسَ عَنِ الحَسَنِ علیه السّلام،وکانَ یُجِلُّهُ. (2)

720.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی: خَرَجَ الحَسَنُ علیه السّلام إلی سَفَرٍ فَأَضَلَّ طَریقَهُ لَیلاً،فَمَرَّ بِراعی غَنَمٍ فَنَزَلَ عِندَهُ فَأَلطَفَهُ وباتَ عِندَهُ،فَلَمّا أصبَحَ دَلَّهُ عَلَی الطَّریقِ.

فَقالَ لَهُ الحَسَنُ علیه السّلام:إنّی ماضٍ إلی ضَیعَتی ثُمَّ أعودُ إلَی المَدینَةِ،ووَقَّتَ لَهُ وَقتاً وقالَ لَهُ:تَأتینی بِهِ.

فَلَمّا جاءَ الوَقتُ شُغِلَ الحَسَنُ علیه السّلام بِشَیءٍ مِن امورِهِ (3)عن قُدومِ المَدینَةِ،فَجاءَ الرّاعی وکانَ عَبداً لِرَجُلٍ مِن أهلِ المَدینَةِ،فَصارَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام وهُوَ یَظُنُّهُ الحَسَنَ علیه السّلام،فَقالَ:أنَا العَبدُ الَّذی بِتَّ عِندی لَیلَةَ کَذا،ووَعَدتَنی أن أصیرَ إلَیکَ فی هذَا الوَقتِ.وأراهُ عَلاماتٍ عَرَفَ الحُسَینُ علیه السّلام أنَّهُ الحَسَنُ علیه السّلام.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام لَهُ:لِمَن أنتَ یا غُلامُ؟فَقالَ:لِفُلانٍ.فَقالَ:کَم غَنَمُکَ؟قالَ:

ثَلاثُمِئَةٍ.فَأَرسَلَ إلَی الرَّجُلِ فَرَغَّبَهُ حَتّی باعَهُ الغَنَمَ وَالعَبدَ،فَأَعتَقَهُ ووَهَبَ لَهُ الغَنَمَ مُکافَأَةً لِما صَنَعَ مَعَ أخیهِ.

وقالَ:إنَّ الَّذی باتَ عِندَک أخی،وقَد کافَأتُکَ بِفِعلِکَ مَعَهُ. (4)

ص:144

عَلِیٍّ علیه السّلام بِالبَیعَةِ،فَلَمّا بایَعوهُ قالَ لَهُم:تُبایِعونَ لی عَلَی السَّمعِ وَالطّاعَةِ، وتُحارِبونَ مَن حارَبتُ،وتُسالِمونَ مَن سالَمتُ.

فَلَمّا سَمِعوا ذلِکَ ارتابوا وأمسَکوا أیدِیَهُم وقَبَضَ هُوَ یَدَهُ. (1)

فَأَتَوُا الحُسَینَ علیه السّلام،فَقالوا لَهُ:اُبسُط یَدَکَ نُبایِعکَ عَلی ما بایَعنا عَلَیهِ أباکَ،وعَلی حَربِ المُحِلّینَ الضّالّینَ أهلِ الشّامِ،فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:مَعاذَ اللّهِ أن ابایِعَکُم ما کانَ الحَسَنُ حَیّاً ! (2)

724.الأخبار الطوال: دَخَلَ [حُجرُ بنُ عَدِیٍّ] عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام مَعَ عُبَیدَةَ بنِ عَمرٍو،فَقالا:أبا عَبدِ اللّهِ،شَرَیتُمُ الذُّلَّ بِالعِزِّ،وقَبِلتُمُ القَلیلَ وتَرَکتُمُ الکَثیرَ،أطِعنَا الیَومَ وَاعصِنَا الدَّهرَ، دَعِ الحَسَنَ علیه السّلام وما رَأی مِن هذَا الصُّلحِ،وَاجمَع إلَیکَ شیعَتَکَ مِن أهلِ الکوفَةِ وغَیرِها،ووَلِّنی وصاحِبی هذِهِ المُقَدِّمَةَ،فَلا یُشعِرُ ابنُ هِندٍ إلّاونَحنُ نُقارِعُهُ بِالسُّیوفِ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام،إنّا قَد بایَعنا وعاهَدنا ولا سَبیلَ لِنَقضِ بَیعَتِنا. (3)

725.أنساب الأشراف: لَمّا بایَعَ الحَسَنُ علیه السّلام مُعاوِیَةَ ومَضی،تَلاقَتِ الشّیعَةُ بِإِظهارِ الحَسرَةِ وَالنَّدَمِ عَلی تَرکِ القِتالِ وَالإِذعانِ بِالبَیعَةِ،فَخَرَجَت إلَیهِ جَماعَةٌ مِنهُم فَخَطَّؤوهُ فِی الصُّلحِ،وعَرَضوا لَهُ بِنَقضِ ذلِکَ،فَأَباهُ وأجابَهُم بِخِلافِ ما أرادوهُ عَلَیهِ.

ثُمَّ إنَّهُم أتَوُا الحُسَینَ علیه السّلام فَعَرَضوا عَلَیهِ ما قالوا لِلحَسَنِ علیه السّلام،وأخبَروهُ بِما رَدَّ عَلَیهِم،فَقالَ:قَد کانَ صُلحٌ وکانَت بَیعَةٌ کُنتُ لَها کارِهاً،فَانتَظِروا ما دامَ هذَا الرَّجُلُ [مُعاوِیَةَ] حَیّاً،فَإِن یَهلِک نَظَرنا ونَظَرتُم.

ص:146

فَانصَرَفوا عَنهُ،فَلَم یَکُن شَیءٌ أحَبَّ إلَیهِم وإلَی الشّیعَةِ مِن هَلاکِ مُعاوِیَةَ،وهُم یَأخُذونَ أعطِیَتَهُم ویَغزونَ مَغازِیَهُم.

قالوا:وشَخَصَ (1)مُحَمَّدُ بنُ بِشرٍ الهَمدانِیُّ وسُفیانُ بنُ لَیلَی الهَمدانِیُّ إلَی الحَسَنِ علیه السّلام،وعِندَهُ الشّیعَةُ الَّذینَ قَدِموا عَلَیهِ أوَّلاً،فَقالَ لَهُ سُفیانُ-کَما قالَ لَهُ بِالعِراقِ-:السَّلامُ عَلَیکَ یا أمیرَ المُؤمِنینَ،فَقالَ لَهُ:اِجلِس للّهِ ِ أبوکَ (2)! وَاللّهِ لَو سِرنا إلی مُعاوِیَةَ بِالجِبالِ وَالشَّجَرِ ما کانَ إلَّاالَّذی قُضِیَ.

ثُمَّ أتَیَا الحُسَینَ علیه السّلام فَقالَ:لِیَکُن کُلُّ امرِیٍ مِنکُم حِلساً مِن أحلاسِ بَیتِهِ ما دامَ هذَا الرَّجُلُ [مُعاوِیَةُ] حَیَّاً،فَإِن یَهلِک وأنتُم أحیاءٌ رَجَونا أن یَخیرَ اللّهُ لَنا ویُؤتِیَنا رُشدَنا ولا یَکِلَنا إلی أنفُسِنا فَ «إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ الَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ» . (3)

قالوا:وکانَ حُجرُ بنُ عَدِیٍّ أوَّلَ مَن ذَمَّ الحَسَنَ علیه السّلام عَلَی الصُّلحِ،وقالَ لَهُ قَبلَ خُروجِهِ مِنَ الکوفَةِ:خَرَجنا مِنَ العَدلِ ودَخَلنا فِی الجَورِ،وتَرَکنَا الحَقَّ الَّذی کُنّا عَلَیهِ ودَخَلنا فِی الباطِلِ الَّذی کُنّا نَذُمُّهُ ! واُعطینَا الدَّنِیَّةَ ورَضینا بِالخَسیسَةِ،وطَلَبَ القَومُ أمراً وطَلَبنا أمراً،فَرَجَعوا بِما أحَبّوا مُسرورینَ،ورَجَعنا بِما کَرِهنا راغِمینَ !

فَقالَ لَهُ:یا حُجرُ،لَیسَ کُلُّ النّاسِ یُحِبُّ ما أحبَبتَ،إنّی قَد بَلَوتُ النّاسَ،فَلَو کانوا مِثلَکَ فی نِیَّتِکَ وبَصیرَتِکَ لَأَقدَمتُ.

وأتَی الحُسَینَ علیه السّلام فَقالَ لَهُ:یا أبا عَبدِ اللّهِ،شَرَیتُمُ العِزَّ بِالذُّلِّ ! وقَبِلتُمُ القَلیلَ بِتَرکِ الکَثیرِ،أطِعنِی الیَومَ وَاعصِنی سائِرَ الدَّهرِ،دَع رَأیَ الحَسَنِ علیه السّلام وَاجمَع شیعَتَکَ،ثُمَّ

ص:147

ادعُ قَیسَ بنَ سَعدِ بنِ عُبادَةَ وَابعَثهُ فِی الرِّجالِ،وأخرِج أنَا فِی الخَیلِ،فَلا یُشعِرُ ابنُ هِندٍ إلّاونَحنُ مَعَهُ فی عَسکَرِهِ،فَنُضارِبُهُ حَتّی یَحکُمَ اللّهُ بَینَنا وبَینَهُ وهُوَ خَیرُ الحاکِمینَ،فَإِنَّهُمُ الآنَ غارّونَ. (1)

فَقالَ:إنّا قَد بایَعنا ولَیسَ إلی ما ذَکَرتَ سَبیلٌ. (2)

726.تاریخ دمشق: قَدِمَ المُسَیَّبُ بنُ نَجَبَةَ الفَزارِیُّ وعِدَّةٌ مَعَهُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام بَعدَ وَفاةِ الحَسَنِ علیه السّلام،فَدَعَوهُ إلی خَلعِ مُعاوِیَةَ،وقالوا:قَد عَلِمنا رَأیَکَ ورَأیَ أخیکَ.

فَقالَ:إنّی أرجو أن یُعطِیَ اللّهُ أخی عَلی نِیَّتِهِ فی حُبِّهِ الکَفَّ،وأن یُعطِیَنی عَلی نِیَّتی فی حُبّی جِهادَ الظّالِمینَ. (3)

727.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): لَمّا بایَعَ مُعاوِیَةُ بنُ أبی سُفیانَ النّاسَ لِیَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،کانَ حُسَینُ بنُ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام مِمَّن لَم یُبایِع لَهُ،وکانَ أهلُ الکوفَةِ یَکتُبونَ إلی حُسَینٍ علیه السّلام یَدعونَهُ إلَی الخُروجِ إلَیهِم فی خِلافَةِ مُعاوِیَةَ،کُلَّ ذلِکَ یَأبی.

فَقَدِمَ مِنهُم قَومٌ إلی مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِیَّةِ،فَطَلَبوا إلَیهِ أن یَخرُجَ مَعَهُم فَأَبی، وجاءَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام فَأَخبَرَهُ بِما عَرَضوا عَلَیهِ،وقالَ (4):إنَّ القَومَ إنَّما یُریدونَ أن یَأکُلوا بِنا ویُشیطوا (5)دِماءَنا.فَأَقامَ حُسَینٌ علیه السّلام عَلی ما هُوَ عَلَیهِ

ص:148

مِنَ الهُمومِ. (1)

راجع:ص 199 (ترقّب موت معاویة للقیام).

قَبرِ جَدّی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؛لِاُجَدِّدَ بِهِ عَهداً،ثُمَّ رُدَّنی إلی قَبرِ جَدَّتی فاطِمَةَ بِنتِ أسَدٍ رَحمَةُ اللّهِ عَلَیها،فَادفِنّی هُناکَ.

وسَتَعلَمُ یَابنَ امِّ أنَّ القَومَ یَظُنُّونَ أنَّکُم تُریدونَ دَفنی عِندَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَیُجلِبونَ (1)فی مَنعِکُم عَن ذلِکَ،وبِاللّهِ اقسِمُ عَلَیکَ أَن تُهَریقَ فی أمری مِحجَمَةَ (2)دَمٍ.

ثُمَّ وَصّی علیه السّلام إلَیهِ بِأَهلِهِ ووُلدِهِ وتَرِکاتِهِ،وما کانَ وَصّی بِهِ إلَیهِ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السّلام حینَ استَخلَفَهُ وأهَّلَهُ لِمَقامِهِ،ودَلَّ شیعَتَهُ عَلَی استِخلافِهِ ونَصبِهِ لَهُم عَلَماً مِن بَعدِهِ.

فَلَمّا مَضی علیه السّلام لِسَبیلِهِ،غَسَّلَهُ الحُسَینُ علیه السّلام وکَفَّنَهُ وحَمَلَهُ عَلی سَریرِهِ،ولَم یَشُکَّ مَروانُ ومَن مَعَهُ مِن بَنی امَیَّةَ أَنَّهُم سَیَدفِنونَهُ عِندَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَتَجَمَّعوا لَهُ ولَبِسُوا السِّلاحَ،فَلَمّا تَوَجَّهَ بِهِ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام إلی قَبرِ جَدِّهِ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لِیُجَدِّدَ بِهِ عَهداً،أقبَلوا إلَیهِم فی جَمعِهِم،ولَحِقَتهُم عائِشَةُ عَلی بَغلٍ وهِیَ تَقولُ:ما لی ولَکُم، تُریدونَ أن تُدخِلوا بَیتی مَن لا احِبُّ؟!

وجَعَلَ مَروانُ یَقولُ:

یا رُبَّ هَیجا هِیَ خَیرٌ مِنْ دَعَة!

أیُدفَنُ عُثمانُ فی أقصَی المَدینَةِ،ویُدفَنُ الحَسَنُ مَعَ النَّبِیِّ؟! لا یَکونُ ذلِکَ أبَداً وأنَا أحمِلُ السَّیفَ.

وکادَتِ الفِتنَةُ تَقَعُ بَینَ بَنی هاشِمٍ وبَنی امَیَّةَ،فَبادَرَ ابنُ عَبّاسٍ إلی مَروانَ فَقالَ لَهُ:

ارجِع یا مَروانُ مِن حَیثُ جِئتَ،فَإِنّا ما نُریدُ أن نَدفِنَ صاحِبَنا عِندَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله، لکِنّا نُریدُ أن نُجَدِّدَ بِهِ عَهداً بِزِیارَتِهِ،ثُمَّ نَرُدَّهُ إلی جَدَّتِهِ فاطِمَةَ فَنَدفِنَهُ عِندَها بِوَصِیَّتِهِ بِذلِکَ،ولَو کانَ وَصّی بِدَفنِهِ مَعَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله لَعَلِمتَ أنَّکَ أقصَرُ باعاً مِن رَدِّنا عَن ذلِکَ،

ص:151

لکِنَّهُ علیه السّلام کانَ أعلَمَ بِاللّهِ ورَسولِهِ وبِحُرمَةِ قَبرِهِ مِن أن یَطرُقَ عَلَیهِ هَدماً کَما طَرَقَ ذلِکَ غَیرُهُ،ودَخَلَ بَیتَهُ بِغَیرِ إذنِهِ.

ثُمَّ أقبَلَ عَلی عائِشَةَ فَقالَ لَها:وَاسَوأَتاه ! یَوماً عَلی بَغلٍ ویَوماً عَلی جَمَلٍ، تُریدینَ أن تُطفِئی نورَ اللّهِ،وتُقاتِلینَ أولِیاءَ اللّهِ،ارجِعی فَقَد کُفِیتِ الَّذی تَخافینَ وبَلَغتِ ما تُحِبّینَ،وَاللّهُ تَعالی مُنتَصِرٌ لِأَهلِ هذَا البَیتِ ولَو بَعدَ حینٍ.

وقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:وَاللّهِ لَولا عَهدُ الحَسَنِ علیه السّلام إلَیَّ بِحَقنِ الدِّماءِ،وألّا اهَریقَ فی أمرِهِ مِحجَمَةَ دَمٍ،لَعَلِمتُم کَیفَ تَأخُذُ سُیوفُ اللّهِ مِنکُم مَأخَذَها،وقَد نَقَضتُمُ العَهدَ بَینَنا وبَینَکُم،وأبطَلتُم مَا اشتَرَطنا عَلَیکُم لِأَنفُسِنا.

ومَضَوا بِالحَسَنِ علیه السّلام فَدَفَنوهُ بِالبَقیعِ عِندَ جَدَّتِهِ فاطِمَةَ بِنتِ أسَدِ بنِ هاشِمِ بنِ عَبدِ مَنافٍ رَضِیَ اللّهُ عَنها وأسکَنَها جَنّاتِ النَّعیمِ. (1)

732.الأمالی للطوسی عن ابن عبّاس: دَخَلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام عَلی أخیهِ الحَسَنِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام فی مَرَضِهِ الَّذی تُوُفِّیَ فیهِ،فَقالَ لَهُ:کَیفَ تَجِدُکَ یا أخی؟

قالَ:أجِدُنی فی أوَّلِ یَومٍ مِن أیّامِ الآخِرَةِ وآخِرِ یَومٍ مِن أیّامِ الدُّنیا،وَاعلَم أنّی لا أسبِقُ أجَلی،وأنّی وارِدٌ عَلی أبی وجَدّی علیهما السّلام،عَلی کُرهٍ مِنّی لِفِراقِکَ وفِراقِ إخوَتِکَ وفِراقِ الأَحِبَّةِ،وأستَغفِرُ اللّهَ مِن مَقالَتی هذِهِ وأتوبُ إلَیهِ،بَل عَلی مَحَبَّةٍ مِنّی لِلِقاءِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وأمیرِ المُؤمِنینَ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام ولِقاءِ فاطِمَةَ علیها السّلام وحَمزَةَ وجَعفَرٍ،وفِی اللّهِ عز و جل خَلَفٌ مِن کُلِّ هالِکٍ،وعَزاءٌ مِن کُلِّ مُصیبَةٍ،ودَرَکٌ مِن کُلِّ ما فاتَ.

ص:152

-إلی أن قالَ-:اُکتُب:

هذا ما أوصی بِهِ الحَسَنُ بنُ عَلِیٍّ إلی أخیهِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ:أوصی أنَّهُ یَشهَدُ أن لا إلهَ إلَّااللّهُ وَحدَهُ لا شَریکَ لَهُ،وأنَّهُ یَعبُدُهُ حَقَّ عِبادَتِهِ،لا شَریکَ لَهُ فِی المُلکِ،ولا وَلِیَّ لَهُ مِنَ الذُّلِّ،وأنَّهُ خَلَقَ کُلَّ شَیءٍ فَقَدَّرَهُ تَقدیراً،وأنَّهُ أولی مَن عُبِدَ وأحَقُّ مَن حُمِدَ،مَن أطاعَهُ رَشَدَ،ومَن عَصاهُ غَوی،ومَن تابَ إلَیهِ اهتَدی.

فَإِنّی اوصیکَ یا حُسَینُ بِمَن خَلَّفتُ مِن أهلی ووُلدی وأهلِ بَیتِکَ،أن تَصفَحَ عَن مُسیئِهِم،وتَقبَلَ مِن مُحسِنِهِم،وتَکونَ لَهُم خَلَفاً ووالِداً،وأن تَدفِنَنی مَعَ جَدّی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؛فَإِنّی أحَقُّ بِهِ وبِبَیتِهِ مِمَّن ادخِلَ بَیتَهُ بِغَیرِ إذنِهِ ولا کِتابٍ جاءَهُم مِن بَعدِهِ، قالَ اللّهُ تَعالی فیما أنزَلَهُ عَلی نَبِیِّهِ صلّی اللّه علیه و آله فی کِتابِهِ: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتَ النَّبِیِّ إِلاّ أَنْ یُؤْذَنَ لَکُمْ» 1 فَوَاللّهِ ما أذِنَ لَهُم فِی الدُّخولِ عَلَیهِ فی حَیاتِهِ بِغَیرِ إذنِهِ،ولا جاءَهُمُ الإِذنُ فی ذلِکَ مِن بَعدِ وَفاتِهِ،ونَحنُ مَأذونٌ لَنا فِی التَّصَرُّفِ فیما وَرِثناهُ مِن بَعدِهِ،فَإِن أبَت عَلَیکَ الاِمرَأَةُ فَأَنشُدُکَ بِالقَرابَةِ الَّتی قَرَّبَ اللّهُ عز و جل مِنکَ،وَالرَّحِمِ الماسَّةِ مِن رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،ألّا تُهَریقَ فِیَّ مِحجَمَةً مِن دَمٍ حَتّی نَلقی رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فَنَختَصِمَ إلَیهِ،ونُخبِرَهُ بِما کانَ مِنَ النّاسِ إلَینا بَعدَهُ.ثُمَّ قُبِضَ علیه السّلام.

قالَ ابنُ عَبّاسٍ-[بَعدَ شَهادَةِ الإِمامِ الحَسَنِ علیه السّلام ]-:فَدَعانِی الحُسَینُ علیه السّلام وعَبدَ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ وعَلِیَّ بنَ عَبدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ،فَقالَ:اِغسِلُوا ابنَ عَمِّکُم،فَغَسَّلناهُ وحَنَّطناهُ وألبَسناهُ أکفانَهُ،ثُمَّ خَرَجنا بِهِ حَتّی صَلَّینا عَلَیهِ فِی المَسجِدِ،وإنَّ الحُسَینَ علیه السّلام أمَرَ أن یُفتَحَ البَیتُ،فَحالَ دونَ ذلِکَ مَروانُ بنُ الحَکَمِ وآلُ أبی سُفیانَ ومَن حَضَرَ هُناکَ مِن وُلدِ عُثمانَ بنِ عَفّانَ،وقالوا:أیُدفَنُ أمیرُ المُؤمِنینَ عُثمانُ الشَّهیدُ القَتیلُ ظُلماً بِالبَقیعِ بِشَرِّ مَکانٍ،ویُدفَنُ الحَسَنُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؟وَاللّهِ لا یَکونُ ذلِکَ أبَداً حَتّی تَکَسَّرَ

ص:153

السُّیوفُ بَینَنا وتَنقَصِفَ (1)الرِّماحُ ویَنفَدَ النَّبلُ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:أما وَاللّهِ الَّذی حَرَّمَ مَکَّةَ،لَلحَسَنُ بنُ عَلِیٍّ ابنُ فاطِمَةَ أحَقُّ بِرَسولِ اللّهِ وبَیتِهِ مِمَّن ادخِلَ بَیتَهُ بِغَیرِ إذنِهِ،وهُوَ وَاللّهِ أحَقُّ بِهِ مِن حَمّالِ الخَطایا، مُسَیِّرِ أبی ذَرٍّ،الفاعِلِ بِعَمّارٍ ما فَعَلَ،وبِعَبدِ اللّهِ [بن مسعود] (2)ما صَنَعَ،الحامِی الحِمی،المُؤوی لِطَریدِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،لکِنَّکُم صِرتُم بَعدَهُ الاُمَراءَ،وبایَعَکُم عَلی ذلِکَ الأَعداءُ وأبناءُ الأَعداءُ.

قالَ:فَحَمَلناهُ فَأَتَینا بِهِ قَبرَ امِّهِ فاطِمَةَ (3)،فَدَفَنّاهُ إلی جَنبِها. (4)

733.دلائل الإمامة: لَمّا حَضَرَتهُ [أی الإِمامَ الحَسَنَ علیه السّلام ] الوَفاةُ،قالَ لِأَخیهِ الحُسَینِ علیه السّلام:إذا مِتُّ فَغَسِّلنی وحَنِّطنی وکَفِّنّی،وصَلِّ عَلَیَّ،وَاحمِلنی إلی قَبرِ جَدّی حَتّی تُلحِدَنی إلی جانِبِهِ،فَإِن مُنِعتَ مِن ذلِکَ فَبِحَقِّ جَدِّکَ رَسولِ اللّهِ وأبیکَ أمیرِ المُؤمِنینَ واُمِّکَ فاطِمَةَ وبِحَقّی عَلَیکَ،إن خاصَمَکَ أحَدٌ رُدَّنی إلَی البَقیعِ،فَادفِنّی فیهِ ولا تُهرِق فِیَّ مِحجَمَةَ دَمٍ.

فَلَمّا فرَغَ مِن أمرِهِ وصَلّی عَلَیهِ وسارَ بِنَعشِهِ یُریدُ قَبرَ جَدِّهِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لِیُلحِدَهُ مَعَهُ،بَلَغَ ذلِکَ مَروانَ بنَ الحَکَمِ طَریدِ رَسولِ اللّهِ،فَوافی مُسرِعاً عَلی بَغلَةٍ حَتّی دَخَلَ عَلی عائِشَةَ،فَقالَ لَها:یا امَّ المُؤمِنینَ،إنَّ الحُسَینَ یُریدُ أن یَدفِنَ أخاهُ الحَسَنَ عِندَ قَبرِ جَدِّهِ،ووَاللّهِ لَئِن دَفَنَهُ مَعَهُ لَیَذهَبَنَّ فَخرُ أبیکِ وصاحِبِهِ عُمَرَ إلی یَومِ القِیامَةِ.

ص:154

فَقالَت لَهُ:فَما أصنَعُ یا مَروانُ؟

قالَ:اِلحَقی بِهِ وَامنَعیهِ (1)مِنَ الدُّخولِ إلَیهِ.

قالَت:فَکَیفَ ألحَقُهُ؟

قالَ:هذا بَغلی فَارکَبیهِ وَالحَقِی القَومَ قَبلَ الدُّخولِ.

فَنَزَلَ لَها عَن بَغلِهِ ورَکِبَتهُ،وأسرَعَت إلَی القَومِ،وکانَت أوَّلَ امرَأَةٍ رَکِبَتِ السَّرجَ هِیَ،فَلَحِقَتهُم وقَد صاروا إلی حَرَمِ قَبرِ جَدِّهِما رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَرَمَت بِنَفسِها بَینَ القَبرِ وَالقَومِ،وقالَت:وَاللّهِ،لا یُدفَنُ الحَسَنُ هاهُنا أو تُحلَقَ هذِهِ،وأخرَجَت ناصِیَتَها (2)بِیَدِها.

وکانَ مَروانُ لَمّا رَکِبَت بَغلَهُ جَمَعَ مَن کانَ مِن بَنی امَیَّةَ وحَثَّهُم،فَأَقبَلَ هُوَ وأصحابُهُ وهُوَ یَقولُ:

یا رُبَّ هَیجا هِیَ خَیرٌ مِن دَعَة.

أیُدفَنُ عُثمانُ فی أقصَی البَقیعِ ویُدفَنُ الحَسَنُ مَعَ رَسولُ اللّهِ؟! وَاللّهِ،لا یَکونُ ذلِکَ أبَداً وأنَا أحمِلُ السَّیفَ.

وکادَتِ الفِتنَةُ تَقَعُ،وعائِشَةُ تَقولُ:وَاللّهِ،لا یُدخَلُ داری مَن أکرَهُ !

فَقالَ لَهَا الحُسَینُ علیه السّلام:هذِهِ دارُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وأنتِ حَشِیَّةٌ (3)مِن تِسعِ حَشِیّاتٍ خَلَّفَهُنَّ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وإنَّما نَصیبُکَ مِنَ الدّارِ مَوضِعُ قَدَمَیکِ.

فَأَرادَ بَنو هاشِمٍ الکَلامَ وحَمَلُوا السِّلاحَ،فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:اللّهَ اللّهَ ! لا تَفعَلوا

ص:155

فَتُضَیِّعوا وَصِیَّةَ أخی.وقالَ لِعائِشَةَ:وَاللّهِ لَولا أنَّهُ أوصی إلَیَّ ألّا اهرِقَ فیهِ مِحجَمَةَ دَمٍ،لَدَفَنتُهُ هاهُنا ولَو رَغِمَ لِذلِکِ أنفُکِ.

وعَدَلَ بِهِ إلَی البَقیعِ فَدَفَنَهُ فیهِ مَعَ الغُرَباءِ. (1)

734.تاریخ الیعقوبی: تُوُفِّیَ الحَسَنُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام فی شَهرِ رَبیعِ الأَوَّلِ سَنَةَ (49ه )،ولَمّا حَضَرَتهُ الوَفاةُ قالَ لِأَخیهِ الحُسَینِ علیه السّلام:یا أخی إنَّ هذِهِ آخِرُ ثَلاثٍ مِرارٍ سُقیتُ فیهَا السَّمَّ،ولَم اسقَهُ مِثلَ مَرَّتی هذِهِ،وأنَا مَیِّتٌ مِن یَومی،فَإِذا أنَا مِتُّ فَادفِنّی مَعَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَما أحَدٌ أولی بِقُربِهِ مِنّی،إلّاأن تُمنَعَ مِن ذلِکَ فَلا تُسفِک فیهِ مِحجَمَةَ دَمٍ....

وَاجتَمَعَ مَعَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام جَماعَةٌ وخَلقٌ مِنَ النّاسِ،فَقالوا لَهُ:دَعنا وآلَ مَروانَ،فَوَاللّهِ ما هُم عِندَنا کَأَکلَةِ رَأسٍ.فَقالَ:إنَّ أخی أوصانی ألّا اریقَ فیهِ مِحجَمَةَ دَمٍ.فَدَفَنَ الحَسَنَ علیه السّلام فِی البَقیعِ،وکانَت سِنُّهُ سَبعاً وأربَعینَ سَنَةً.

وتُوُفِّیَ الحَسَنُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام وَابنُ عَبّاسٍ عِندَ مُعاوِیَةَ (2)،فَدَخَلَ عَلَیهِ لَمّا أتاهُ نَعیُ الحَسَنِ علیه السّلام،فَقالَ لَهُ:یَابنَ عَبّاسٍ ! إنَّ حَسَناً ماتَ.

قالَ:إنّا للّهِ ِ وإنّا إلَیهِ راجِعونَ عَلی عِظَمِ الخَطبِ وجَلیلِ المُصابِ ! أما وَاللّهِ یا مُعاوِیَةُ،لَئِن کانَ الحَسَنُ علیه السّلام ماتَ،فَما یُنسِئُ (3)مَوتُهُ فی أجَلِکَ،ولا یَسُدُّ جِسمُهُ حُفرَتَکَ،ولَقَد مَضی إلی خَیرٍ وبَقیتَ عَلی شَرٍّ.

قالَ:لا أحسَبُهُ قَد خَلَّفَ إلّاصِبیَةً صِغاراً.

قالَ:کُلُّنا کانَ صَغیراً فَکَبِرَ.

ص:156

قالَ:بَخٍ بَخٍ یَابنَ عَبّاسٍ،أصبَحتَ سَیِّدَ قَومِکَ.

قالَ:أمّا ما أبقَی اللّهُ أبا عَبدِ اللّهِ الحُسَینَ ابنَ رَسولِ اللّهِ،فَلا. (1)

735.أنساب الأشراف عن جویریّة بن أسماء: لَمّا ماتَ الحَسَنُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام أخرَجوا جِنازَتَهُ، فَحَمَلَ مَروانُ سَریرَهُ،فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:أتَحمِلُ سَریرَهُ؟أما وَاللّهِ لَقَد کُنتَ تُجَرِّعُهُ الغَیظَ.

فَقالَ مَروانُ:إنّی قَد أفعَلُ ذاکَ بِمَن یُوازِنُ حِلمُهُ الجِبالَ. (2)

736.أنساب الأشراف عن أبی مخنف: مَنَعَ مَروانُ مِن دَفنِ الحَسَنِ علیه السّلام مَعَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله حَتّی کادَ یَکونُ بَینَ الحُسَینِ علیه السّلام وبَینَهُ قِتالٌ،وَاجتَمَعَ بَنو هاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ ومَوالیهِم إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،وقالَ أبو سَعیدٍ الخُدرِیُّ وأبو هُرَیرَةَ لِمَروانَ:تَمنَعُ الحَسَنَ مِن أن یُدفَنَ مَعَ جَدِّهِ وقَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:الحَسَنُ وَالحُسَینُ سَیِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ؟!

فَقالَ مَروانُ:لَقَد ضاعَ حَدیثُ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله إن کانَ لا یُرویهِ إلّامِثلُکَ ومِثلُ أبی هُرَیرَةَ ! فَدُفِنَ بِالبَقیعِ. (3)

737.أنساب الأشراف: إنَّ الحَسَنَ علیه السّلام أوصی أن یُدفَنَ مَعَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،فَأَظهَرَ الحُسَینُ علیه السّلام ذلِکَ قَبلَ مَوتِ الحَسَنِ علیه السّلام،فَأَنکَرَهُ مَروانُ بنُ الحَکَمِ،وکَتَبَ بِقَولِ الحُسَینِ علیه السّلام إلی مُعاوِیَةَ.

فَکَتَبَ إلَیهِ مُعاوِیَةُ:إذا ماتَ الحَسَنُ فَامنَع مِن ذلِکَ أشَدَّ المَنعِ کَما مُنِعنا مِن دَفنِ عُثمانَ مَعَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله.

فَأَتَی الحُسَینُ علیه السّلام الحَسَنَ علیه السّلام فَأَخبَرَهُ بِذلِکَ،فَقالَ:یا أخِی اجتَنَبتُ القِتالَ فی

ص:157

حَیاتی،أفَتُریدُ أن یَکونَ ذلِکَ عِندَ سَریری؟فَضَمِنَ لَهُ ألّا یَفعَلَ.

ویُقالُ:إنَّهُ لَم یَجرِ بَینَهُ وبَینَ الحُسَینِ علیه السّلام فی ذلِکَ شَیءٌ،فَلَمّا تُوُفِّیَ أرادَ الحُسَینُ علیه السّلام دَفنَهُ مَعَ النَبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،فَمَنَعَهُ مَروانُ مِن ذلِکَ،وکادَ أن یَکونَ بَینَ الحُسَینِ علیه السّلام وبَینَهُ فی ذلِکَ شَرٌّ فَأَمسَکَ. (1)

739.المناقب لابن شهرآشوب: قالَ الحُسَینُ علیه السّلام لَمّا وَضَعَ الحَسَنَ علیه السّلام فی لَحدِهِ:

أأَدهُنُ رَأسی أم تَطیبُ مَجالِسی

740.قرب الإسناد عن أبی البختری عن جعفر عن أبیه [الباقر] علیهما السّلام :إنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ کانَ یَزورُ قَبرَ الحَسَنِ علیه السّلام فی کُلِّ عَشِیَّةِ جُمُعَةٍ. (1)

ص:159

ص:160

المعتبرة (1)تفید بأنّه دافع بحزم عن الصلح مع معاویة،بل إنّه بایع معاویة،وعندما طلب قیس بن سعد منه أن یبدی رأیه فی هذا المجال أعلن بصراحة-استناداً إلی روایة الکشّی-:

«یا قَیسُ،إنَّهُ إمامی»یعنی الحسنَ علیه السّلام . (2)

بل إنّه لم ینقض بیعته لمعاویة حتّی بعد شهادة الإمام الحسن علیه السّلام.وأمّا ما قیل من أنّ الإمام الحسین علیه السّلام لم یبایع معاویة،أو أنّه لم یکن راضیاً عن مصالحة أخیه لمعاویة (3)-کما ظنّ ذلک بعض الکتّاب مثل طه حسین (4)-فإنّ ذلک یخالف الواقع للأسباب التالیة:

أولاً:إنّ هذه الروایات معارضة بما جاء فی المصادر المعتبرة.

ثانیاً:حتّی إذا لم نأخذ بنظر الاعتبار موضوع عصمة أهل البیت علیهم السّلام،فإنّ المصالح السیاسیة والاجتماعیة لأهل بیت الرسالة لم تکن تستوجب أن یختلف هذان الإمامان فی قضیةٍ تبلغ هذا الحدّ من الأهمّیة.

ثالثاً:واصل الإمام الحسین علیه السّلام بعد شهادة أخیه نهج المصالحة الذی کان أخوه قد اتّبعه من قبل،مادام معاویة علی قید الحیاة،أی حتّی عشر سنوات تلت ذلک.

وعلی هذا،فإنّ ما جاء فی المناقب لابن شهرآشوب و الفتوح لابن أعثم من قولهما:

طلب معاویة البیعة من الحسین علیه السّلام فقال الحسن علیه السّلام:

ص:162

یا مُعاوِیَةَ،لا تُکرِههُ؛فَإنَّهُ لَن یُبایِعَ أبَدَاً أو یُقتَلَ،ولَن یُقتَلَ حَتّی یُقتَلَ أهلُ بَیتِهِ، ولَن یُقتَلَ أهلُ بَیتِهِ حَتّی یُقتَلَ أهلُ الشّامِ. (1)

لیس صحیحاً؛لأنّه-مضافاً إلی الأسباب الّتی سبق ذکرها-لو لم یکن الإمام الحسین علیه السّلام قد بایع معاویة،لکانت دوافع نقلها کثیرة،فی حین أنّ الروایات العدیدة للمصادر المعتبرة تؤیّد بیعته،ولم یرد موضوع عدم مبایعته إلّافی نقلین،مع أنّ ناقل أحدهما-أی المناقب لابن شهرآشوب-نقل خلاف ذلک أیضاً فی روایة اخری. (2)

وبالإضافة إلی جمیع هذه القرائن،فإنّ أفضل شاهد علی عدم صحّة الروایة المذکورة هو نصّها؛لأنّه یقول:«...لن یقتل أهل بیته حتّی یقتل أهل الشام»،فی حین أنّه علیه السّلام استشهد هو وأهل بیته ولم یتضرّر أهل الشام.

ومع الأخذ بنظر الاعتبار ما مرّ ذکره،یبدو أنّ هذا النوع من الإشاعات تمّت إثارتها من جانب أعداء أهل البیت بهدف توجیه ضربة إلی هذه الاُسرة،أو أنّ النهجَین السیاسیّین المختلفین لهذین الإمامین،واللّذین کانا قائمین علی اختلاف الظروف السیاسیة فی عصر إمامتهما،هیّئا الأرضیة للتحلیلات التاریخیّة المختلفة، ثمّ تحوّل التحلیل التاریخی من جانب الأشخاص الجهلة إلی روایة تاریخیة شیئاً فشیئاً.

أیّة فرصة لمحاربة معاویة من الناحیة الإعلامیة،والانتقاد الشدید لمواقفه.

ونحن نشهد فی هذه الحرب الدعائیة أنّ الإمام علیه السّلام استخدم غایة الذکاء فی التخطیط السیاسی؛ذلک لأنّه علیه السّلام کان من جهة یواجه معاویة عن طریق الرسائل وأثناء اللّقاءات المباشرة بصراحة وبکلّ حزم،خاصّة خلال أخذه البیعة لیزید،بل إنّه حال دون زواج یزید من ابنة عبد اللّه بن جعفر وأمثاله،حیث کان یعتبر ذلک مبادرة سیاسیة من جانب معاویة.

وکان من جهة اخری یصلّی خلف عامل معاویة، (1)ویقبل أحیاناً هدایا معاویة. (2)ولذلک فإنّ معاویة لم یکن أمامه سبیل سوی مداراة الإمام،رغم أنّه کان یشعر بالخطر المحدق به من جانب الإمام علیه السّلام،وکان یعتبر حیاة الإمام عقبة فی طریق سیادته وسلطته المطلقة، (3)بل إنّه کان أحیاناً یهدّد الإمام. (4)

وهکذا فقد صعّد الإمام حربه الدعائیة ضدّ معاویة،حتّی ألقی خطبة ذکر فیها حقوق أهل البیت علیهم السّلام بالتفصیل،ودعا فیها المسلمین إلی إحیائها ومحاربة الظلم، (5)وذلک قبل سنة من موت معاویة فی منی،وبحضور أکثر من سبعمئة من شخصیّات العالم الإسلامی،وکان ما یقرب من مئتی شخص منهم من أصحاب النبیّ صلّی اللّه علیه و آله، وبذلک فقد کان یمهّد الأرضیة للثورة ضدّ حکم بنی امیة بعد موت معاویة،وکان ینتظر الفرصة المناسبة. (6)

ص:164

فَکَتَبَ إلَیهِ مُعاوِیَةُ:لا تَعرِض لِلحُسَینِ فی شَیءٍ؛فَقَد بایَعَنا،ولَیسَ بِناقِضِ بَیعَتِنا ولا مُخفِرِ ذِمَّتِنا. (1)

وکَتَبَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام:أمّا بَعدُ،فَقَدِ انتَهَت إلَیَّ امورٌ عَنکَ لَستَ بِها حَرِیّاً، (2)لِأَنَّ مَن أعطی صَفقَةَ یَمینِهِ جَدیرٌ بِالوَفاءِ،فَاعلَم رَحِمَکَ اللّهُ أنّی مَتی انکِرکَ تَستَنکِرنی، ومَتی تَکِدنی أکِدکَ،فَلا یَستَفِزَّنَّکَ السُّفَهاءُ الَّذینَ یُحِبّونَ الفِتنَةَ،وَالسَّلامُ.

فَکَتَبَ إلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام:ما اریدُ حَربَکَ،ولَا الخِلافَ عَلَیکَ. (3)

742.أنساب الأشراف: کانَ رِجالٌ مِن أهلِ العِراقِ ولُثمانُ (4)أهلِ الحِجازِ یَختَلِفونَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،یُجِلّونَهُ ویُعَظِّمونَهُ ویَذکُرونَ فَضلَهُ ویَدعونَهُ إلی أنفُسِهِم،ویَقولونَ:إنّا لَکَ عَضُدٌ ویَدٌ،لِیَتَّخِذُوا الوَسیلَةَ إلَیهِ،وهُم لا یَشُکّونَ فی أنَّ مُعاوِیَةَ إذا ماتَ لَم یَعدِلِ النّاسُ بِحُسَینٍ علیه السّلام أحَداً.

فَلَمّا کَثُرَ اختِلافُ النّاسِ إلیهِ،أتی عَمرُو بنُ عُثمانَ بنِ عَفّانَ مَروانَ بنَ الحَکَمِ- وهُوَ إذ ذاکَ عامِلُ مُعاوِیَةَ عَلَی المَدینَةِ-فَقالَ لَهُ:قَد کَثُرَ اختِلافُ النّاسِ إلی حُسَینٍ، وَاللّهِ إنّی لَأَری أنَّ لَکُم مِنهُ یَوماً عَصیباً.فَکَتَبَ مَروانُ ذلِکَ إلی مُعاوِیَةَ،فَکَتَبَ إلَیهِ مُعاوِیَةُ:بِأَنِ اترُک حُسَیناً ما تَرَکَکَ ولَم یُظهِر عَداوَتَهُ،ویُبدی صَفحَتَهُ (5).وَاکمُن (6)عَنهُ

ص:166

کُمونَ الثَّری (1)إن شاءَ اللّهُ وَالسَّلامُ.

وکَتَبَ مُعاوِیَةُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام:أمّا بَعدُ فَقَد انهِیَت إلَیَّ عَنکَ امورٌ إن کانَت حَقّاً فَإِنّی لَم أکُن أظُنُّها بِکَ رَغبَةً عَنها،وإن کانَت باطِلاً فَأَنتَ أسعَدُ النّاسِ بِمُجانَبَتِها، وبِحَظِّ نَفسِکَ تَبدَأُ،وبِعَهدِ اللّهِ توفی،فَلا تَحمِلنی عَلی قَطیعَتِکَ وَالإِساءَةِ إلَیکَ؛فَإِنّی مَتی أنکَرتُکَ تُنکِرُنی،ومَتی تَکِدنی أکِدکَ،فَاتَّقِ اللّهَ یا حُسَینُ فی شَقِّ عَصَا الاُمَّةِ، وأن تَرُدَّهُم فی فِتنَةٍ ! !

فَکَتَبَ إلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام کِتاباً غَلیظاً یَعُدُّ عَلَیهِ فیهِ ما فَعَلَ فی أمرِ زیادٍ،وفی قَتلِ حُجرٍ،ویَقولُ لَهُ:إنَّکَ قَد فُتِنتَ بِکَیدِ الصّالِحینَ مُذ خَلَفتَ ! فَکِدنی ما بَدا لَکَ !

وکانَ آخِرُ نَصِّ الکِتابِ:وَالسَّلامُ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الهُدی (2). (3)

743.أنساب الأشراف: کَتَبَ مُعاوِیَةُ إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام:أمّا بَعدُ،فَقَدِ انتَهَت إلَیَّ عَنکَ امورٌ أرغَبُ (4)بِکَ عَنها،فَإِن کانَت حَقّاً لَم اقارَّکَ (5)عَلَیها،ولَعَمری إنَّ مَن أعطی صَفقَةَ یَمینِهِ وعَهدَ اللّهِ ومیثاقَهُ لَحَرِیٌّ بِالوَفاءِ.وإن کانَت باطِلاً فَأَنتَ أسعَدُ النّاسِ بِذلِکَ، وبِحَظِّ نَفسِکَ تَبدَأُ،وبِعَهدِ اللّهِ توفی،فَلا تَحمِلنی عَلی قَطیعَتِکَ وَالإِساءَةِ بِکَ،فَإِنّی مَتی انکِرکَ تُنکِرنی،ومَتی تَکِدنی أکِدکَ،فَاتَّقِ شَقَّ عَصا هذِهِ الاُمَّةِ وأن یَرجِعوا عَلی یَدِکَ إلَی الفِتنَةِ،فَقَد جَرَّبتَ النّاسَ وبَلَوتَهُم،وأبوکَ کانَ أفضَلَ مِنکَ،وقَد کانَ اجتَمَعَ عَلَیهِ رَأیُ الَّذینَ یَلوذونَ بِکَ،ولا أظُنُّهُ یَصلُحُ لَکَ مِنهُم ما کانَ فَسَدَ عَلَیهِ،

ص:167

فَانظُر لِنَفسِکَ ودینِکَ «وَ لا یَسْتَخِفَّنَّکَ الَّذِینَ لا یُوقِنُونَ» 1 .

فَکَتَبَ إلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام:أمّا بَعدُ،فَقَد بَلَغَنی کِتابُکَ تَذکُرُ أنَّهُ بَلَغَتکَ عَنّی امورٌ تَرغَبُ عَنها،فَإِن کانَت حَقّاً لَم تُقارَّنی عَلَیها،ولَن یَهدِیَ إلَی الحَسَناتِ ویُسَدِّدَ لَها إلَّا اللّهُ.فَأَمّا ما نُمِّیَ إلَیکَ فَإِنّما رَقّاهُ المَلّاقونَ (1)المَشّاؤونَ بِالنَّمائِمِ (2)،المُفَرِّقونَ بَینَ الجَمیعِ،وما أریدُ حَرباً لَکَ ولا خِلافاً عَلَیکَ،وَایمُ اللّهِ لَقَد تَرَکتُ ذلِکَ وأنَا أخافُ اللّهَ فی تَرکِهِ،وما أظُنُّ اللّهَ راضِیاً عَنّی بِتَرکِ مُحاکَمَتِکَ إلَیهِ،ولا عاذِری دونَ الإِعذارِ إلَیهِ فیکَ وفی أولِیائِکَ القاسِطینَ المُلحِدینَ،حِزبِ الظّالِمینَ وأولِیاءِ الشَّیاطینِ.

ألَستَ قاتِلَ حُجرِ بنِ عَدِیٍّ وأصحابِهِ المُصَلّینَ العابِدینَ،الَّذینَ یُنکِرونَ الظُّلمَ ویَستَعظِمونَ البِدَعَ ولا یَخافونَ فِی اللّهِ لَومَةَ لائِمٍ،ظُلماً وعُدواناً،بَعدَ إعطائِهِمُ الأَمانَ بِالمَواثیقِ وَالأَیمانِ المُغَلَّظَةِ؟

أوَلَستَ قاتِلَ عَمرِو بنِ الحَمِقِ صاحِبِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،الَّذی أبلَتهُ العِبادَةُ وصَفَّرَت لَونَهُ وأنحَلَت جِسمَهُ؟

أوَلَستَ المُدَّعِیَ زِیادَ بنَ سُمَیَّةَ المَولودَ عَلی فِراشِ عُبَیدِ عَبدِ ثَقیفٍ،وزَعَمتَ أنَّهُ ابنُ أبیکَ،وقَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:«الوَلَدُ لِلفِراشِ ولِلعاهِرِ الحَجَرُ»،فَتَرَکتَ سُنَّةَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وخالَفتَ أمرَهُ مُتَعَمِّداً،وَاتَّبَعتَ هَواکَ مُکَذِّباً بِغَیرِ هُدیً مِنَ اللّهِ، ثُمَّ سَلَّطتَهُ عَلَی العِراقَینِ (3)فَقَطَعَ أیدِی المُسلِمینَ وسَمَلَ (4)أعیُنَهُم،وصَلَبَهُم عَلی

ص:168

جُذوعِ النَّخلِ؛کَأَنَّکَ لَستَ مِنَ الاُمَّةِ وکَأَنَّها لَیسَت مِنکَ،وقَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:«مَن ألحَقَ بِقَومٍ نَسَباً لَیسَ لَهُم فَهُوَ مَلعونٌ»؟

أوَلَستَ صاحِبَ الحَضرَمِیّینَ الَّذینَ کَتَبَ إلَیکَ ابنُ سُمَیَّةَ أنَّهُم عَلی دینِ عَلِیٍّ، فَکَتَبتَ إلَیهِ:اُقتُل مَن کانَ عَلی دینِ عَلِیٍّ ورَأیِهِ؟فَقَتَّلَهُم ومَثَّلَ بِهِم بِأَمرِکَ،ودینُ عَلِیٍّ دینُ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله الَّذی کانَ یَضرِبُ عَلَیهِ أباکَ،وَالَّذِی انتِحالُکَ (1)إیّاهُ أجلَسَکَ مَجلِسَکَ هذا،ولَولا هُوَ کانَ أفضَلُ شَرَفِکَ تَجَشُّمَ (2)الرِّحلَتَینِ فی طَلَبِ الخُمورِ.

وقُلتَ:اُنظُر لِنَفسِکَ ودینِکَ وَالاُمَّةِ،وَاتَّقِ شَقَّ عَصَا الاُلفَةِ،وأن تَرُدَّ النّاسَ إلَی الفِتنَةِ ! فَلا أعلَمُ فِتنَةً عَلَی الاُمَّةِ أعظَمَ مِن وِلایَتِکَ عَلَیها،ولا أعلَمُ نَظَراً لِنَفسی ودینی أفضَلَ مِن جِهادِکَ،فَإِن أفعَلهُ فَهُوَ قُربَةٌ إلی رَبّی،وإن أترُکهُ فَذَنبٌ أستَغفِرُ اللّهَ مِنهُ فی کَثیرٍ مِن تَقصیری،وأسأَلُ اللّهَ تَوفیقی لِأَرشَدِ اموری.

وأمّا کَیدُکَ إیّایَ،فَلَیسَ یَکونُ عَلی أحَدٍ أضَرَّ مِنهُ عَلَیکَ،کَفِعلِکَ بِهؤُلاءِ النَّفَرِ الَّذینَ قَتَلتَهُم ومَثَّلتَ بِهِم بَعدَ الصُّلحِ مِن غَیرِ أن یَکونوا قاتَلوکَ ولا نَقَضوا عَهدَکَ،إلّا مَخافَةَ أمرٍ لَو لَم تَقتُلهُم مِتَّ قَبلَ أن یَفعَلوهُ،أو ماتوا قَبلَ أن یُدرِکوهُ.فَأَبشِر یا مُعاوِیَةُ بِالقِصاصِ،وأیقِن بِالحِسابِ،وَاعلَم أنَّ للّهِ ِ کِتاباً لا یُغادِرُ صَغیرَةً ولا کَبیرَةً إلّا أحصاها،ولَیسَ اللّهُ بِناسٍ لَکَ أخذَکَ بِالظِّنَّةِ،وقَتلَکَ أولِیاءَهُ عَلَی الشُّبهَةِ وَالتُّهمَةِ، وأخذَکَ النّاسَ بِالبَیعَةِ لِابنِکَ غُلامٍ سَفیهٍ یَشرَبُ الشَّرابَ ویَلعَبُ بِالکِلابِ،ولا أعلَمُکَ إلّاخَسِرتَ نَفسَکَ،وأوبَقتَ (3)دینَکَ،وأکَلتَ أمانَتَکَ،وغَشَشتَ رَعِیَّتَکَ،

ص:169

وتَبَوَّأتَ مَقعَدَکَ مِنَ النّارِ،فَبُعداً لِلقَومِ الظّالِمینَ ! (1)

744.رجال الکشّی: رُوِیَ أنَّ مَروانَ بنَ الحَکَمِ کَتَبَ إلی مُعاوِیَةَ-وهُوَ عامِلُهُ عَلَی المَدینَةِ-:

أمّا بَعدُ،فَإِنَّ عَمرَو بنَ عُثمانَ ذَکَرَ أنَّ رِجالاً (2)مِن أهلِ العِراقِ ووُجوهَ أهلِ الحِجازِ، یَختَلِفونَ إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ،وذَکَرَ أنَّهُ لایَأمَنُ وُثوبَهُ،وقَد بَحَثتُ عَن ذلِکَ فَبَلَغَنی أنَّهُ یُریدُ الخِلافَ یَومَهُ هذا،ولَستُ آمَنُ أن یَکونَ هذا أیضاً لِما بَعدَهُ،فَاکتُب إلَیَّ بِرَأیِکَ فی هذا،وَالسَّلامُ.

فَکَتَبَ إلَیهِ مُعاوِیَةُ:أمّا بَعدُ:فَقَد بَلَغَنی کِتابُکَ وفَهِمتُ ما ذَکَرتَ فیهِ مِن أمرِ الحُسَینِ،فَإِیّاکَ أن تَعرِضَ لِلحُسَینِ فی شَیءٍ،وَاترُک حُسَیناً ما تَرَکَکَ؛فَإِنّا لا نُریدُ أن تَعرِضَ لَهُ فی شَیءٍ ما وَفی بِبَیعَتِنا ولَم یَنزُ (3)عَلی سُلطانِنا،فَاکمُن عَنهُ ما لَم یُبدِ لَکَ صَفحَتَهُ،وَالسَّلامُ.

وکَتَبَ مُعاوِیَةُ إلَی الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام:أمّا بَعدُ،فَقَدِ انتَهَت (4)إلَیَّ امورٌ عَنکَ،إن کانَت حَقّاً فَقَد أظُنُّکَ تَرَکتَها رَغبَةً فَدَعها،ولَعَمرُ اللّهِ،إنَّ مَن أعطَی اللّهَ عَهدَهُ ومیثاقَهُ لَجَدیرٌ بِالوَفاءِ.وإن کانَ الَّذی بَلَغَنی باطِلاً فَإِنَّکَ أنتَ أعذَلُ (5)النّاسِ لِذلِکَ،وعِظ نَفسَکَ فَاذکُرهُ ولِعَهدِ اللّهِ أوفِ،فَإِنَّکَ مَتی ما انکِرکَ تُنکِرنی ومَتی أکِدکَ تَکِدنی، فَاتَّقِ شَقَّکَ عَصا هذِهِ الاُمَّةِ وأن یَرُدَّهُمُ اللّهُ عَلی یَدَیکَ فی فِتنَةٍ،وقَد عَرَفتَ النّاسَ وبَلَوتَهُم،فَانظُر لِنَفسِکَ ولِدینِکَ ولِاُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله،ولا یَستَخِفَّنَّکَ السُّفَهاءُ وَالَّذینَ لا

ص:170

یَعلَمونَ.

فَلَمّا وَصَلَ الکِتابُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام کَتَبَ إلَیهِ:أمّا بَعدُ،فَقَد بَلَغَنی کِتابُکَ تَذکُرُ أنَّهُ قَد بَلَغَکَ عَنّی امورٌ أنتَ لی عَنها راغِبٌ وأنَا لِغَیرِها عِندَکَ جَدیرٌ،فَإِنَّ الحَسَناتِ لا یَهدی لَها ولا یَرُدُّ إلَیها إلَّااللّهُ.

وأمّا ما ذَکَرتَ أنَّهُ انتَهی إلَیکَ عَنّی،فَإِنَّهُ إنَّما رَقاهُ إلَیکَ المَلّاقونَ المَشّاؤونَ بِالنَّمیمِ،وما اریدُ لَکَ حَرباً ولا عَلَیکَ خِلافاً،وَایمُ اللّهِ،إنّی لَخائِفٌ للّهِ ِ فی تَرکِ ذلِکَ، وما أظُنُّ اللّهَ راضِیاً بِتَرکِ ذلِکَ،ولا عاذِراً بِدونِ الإِعذارِ فیهِ إلَیکَ،وفی أولِیائِکَ القاسِطینَ المُلحِدینَ حِزبِ الظَّلَمَةِ وأولِیاءِ الشَّیاطینِ.

ألَستَ القاتِلَ حُجرَ بنَ عَدِیٍّ أخا کِندَةَ،وَالمُصَلّینَ العابِدینَ الَّذینَ کانوا یُنکِرونَ الظُّلمَ ویَستَعظِمونَ البِدَعَ ولا یَخافونَ فِی اللّهِ لَومَةَ لائِمٍ،ثُمَّ قَتَلتَهُم ظُلماً وعُدواناً مِن بَعدِ ما کُنتَ أعطَیتَهُمُ الأَیمانَ المُغَلَّظَةَ وَالمَواثیقَ المُؤَکَّدَةَ،لا تَأخُذُهُم بِحَدَثٍ کانَ بَینَکَ وبَینَهُم ولا بِإِحنَةٍ (1)تَجِدُها فی نَفسِکَ.

أوَلَستَ قاتِلَ عَمرِو بنِ الحَمِقِ صاحِبِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،العَبدِ الصّالِحِ الَّذی أبلَتهُ العِبادَةُ فَنَحَلَ جِسمُهُ وصُفِّرَت لَونُهُ،بَعدَما آمَنتَهُ وأعطَیتَهُ مِن عُهودِ اللّهِ ومَواثیقِهِ ما لَو أعطَیتَهُ طائِراً لَنَزَلَ إلَیکَ مِن رَأسِ الجَبَلِ،ثُمَّ قَتَلتَهُ جُرَأَةً عَلی رَبِّکَ وَاستِخفافاً بِذلِکَ العَهدِ؟أوَ لَستَ المُدَّعِیَ زِیادَ بنَ سُمَیَّةَ المَولودَ عَلی فِراشِ عُبَیدِ ثَقیفٍ،فَزَعَمتَ أنَّهُ ابنُ أبیکَ،وقَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:«الوَلَدُ لِلفِراشِ ولِلعاهِرِ الحَجَرُ»فَتَرَکتَ سُنَّةَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله تَعَمُّداً،وتَبِعتَ هَواکَ بِغَیرِ هُدیً مِنَ اللّهِ.

ثُمَّ سَلَّطتَهُ عَلَی العِراقَینِ،یَقطَعُ أیدِی المُسلِمینَ وأرجُلَهُم،ویَسمُلُ أعیُنَهُم، ویُصَلِّبُهُم عَلی جُذوعِ النَّخلِ،کَأَنَّکَ لَستَ مِن هذِهِ الاُمَّةِ ولَیسوا مِنکَ؟

أوَ لَستَ صاحِبَ الحَضرَمِیّینَ الَّذینَ کَتَبَ فیهِمُ ابنُ سُمَیَّةَ أنَّهُم کانوا عَلی دینِ

ص:171

عَلِیٍّ علیه السّلام؟فَکَتَبتَ (1)إلَیهِ أنِ اقتُل کُلَّ مَن کانَ عَلی دینِ عَلِیٍّ فَقَتَّلَهُم ومَثَّلَهُم؟ودینُ عَلِیٍّ علیه السّلام سِرُّ اللّهِ الَّذی کانَ یَضرِبُ عَلَیهِ أباکَ ویَضرِبُکَ،وبِهِ جَلَستَ مَجلِسَکَ الَّذی جَلَستَ،ولَولا ذلِکَ لَکانَ شَرَفُکَ وشَرَفُ أبیکَ الرِّحلَتَینِ.

وقُلتَ فیما قُلتَ:«اُنظُر لِنَفسِکَ ولِدینِکَ ولِاُمَّةِ مُحَمَّدٍ،وَاتَّقِ شَقَّ عَصا هذِهِ الاُمَّةِ وأن تَرُدَّهُم إلی فِتنَةٍ»وإنّی لا أعلَمُ فِتنَةً أعظَمَ عَلی هذِهِ الاُمَّةِ مِن وِلایَتِکَ عَلَیها،ولا أعلَمُ نَظَراً لِنَفسی ولِدینی ولِاُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله وعَلَینا أفضَلَ مِن أن اجاهِدَکَ؛فَإِن فَعَلتُ فَإِنَّهُ قُربَةٌ إلَی اللّهِ،وإن تَرَکتُهُ فَإِنّی أستَغفِرُ اللّهَ لِدینی،وأسأَلُهُ تَوفیقَهُ لِإِرشادِ أمری.

وقُلتَ فیما قُلتَ:«إنّی إن أنکَرتُکَ تُنکِرُنی وإن أکِدکَ تَکِدنی»! فَکِدنی ما بَدا لَکَ،فَإِنّی أرجو ألّا یَضُرَّنی کَیدُکَ فِیَّ،وأن لا یَکونَ عَلی أحَدٍ أضَرَّ مِنهُ عَلی نَفسِکَ، عَلی أنَّکَ قَد رَکِبتَ بِجَهلِکَ،وتَحَرَّصتَ عَلی نَقضِ عَهدِکَ،ولَعَمری ما وَفَیتَ بِشَرطٍ.

ولَقَد نَقَضتَ عَهدَکَ بِقَتلِکَ هؤُلاءِ النَّفَرِ الَّذینَ قَتَلتَهُم بَعدَ الصُّلحِ وَالأَیمانِ وَالعُهودِ وَالمَواثیقِ،فَقَتَلتَهُم مِن غَیرِ أن یَکونوا قاتَلوا وقُتِلوا،ولَم تَفعَل ذلِکَ بِهِم إلّالِذِکرِهِم فَضلَنا وتَعظیمِهِم حَقَّنا،فَقَتَلتَهُم مَخافَةَ أمرٍ لَعَلَّکَ لَو لَم تَقتُلهُم مِتَّ قَبلَ أن یَفعَلوا،أو ماتوا قَبلَ أن یُدرَکوا.

فَأَبشِر یا مُعاوِیَةُ بِالقِصاصِ وَاستَیقِن بِالحِسابِ،وَاعلَم أنَّ للّهِ ِ تَعالی کِتاباً لا یُغادِرُ صَغیرَةً ولا کَبیرَةً إلّاأحصاها (2)،ولَیسَ اللّهُ بِناسٍ لِأَخذِکَ بِالظِّنَّةِ وقَتلِکَ أولِیاءَهُ عَلَی التُّهَمِ،ونَقلِ أولِیائِهِ مِن دورِهِم إلی دارِ الغُربَةِ،وأخذِکَ لِلنّاسِ بِبَیعَةِ ابنِکَ غُلامٍ حَدَثٍ،یَشرَبُ الخَمرَ،ویَلعَبُ بِالکِلابِ.لا أعلَمُکَ إلّاوقَد خَسِرتَ نَفسَکَ،وتَبَّرتَ (3)

ص:172

دینَکَ،وغَشَشتَ رَعِیَّتکَ،وأخرَبتَ (1)أمانَتَکَ،وسَمِعتَ مَقالَةَ السَّفیهِ الجاهِلِ، وأخَفتَ الوَرِعَ التَّقِیَّ لِأَجلِهِم،وَالسَّلامُ.

فَلَمّا قَرَأَ مُعاوِیَةُ الکِتابَ،قالَ:لَقَد کانَ فی نَفسِهِ ضَبٌّ (2)ما أشعُرُ بِهِ،فَقالَ یَزیدُ:

یا أمیرَ المُؤمِنینَ ! أجِبهُ جَواباً تُصَغِّرُ إلَیهِ نَفسَهُ،وتَذکُرُ فیهِ أباهُ بِشَیءٍ فَعَلَهُ.

قالَ:ودَخَلَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ،فَقالَ لَهُ مُعاوِیَةُ:أما رَأَیتَ ما کَتَبَ بِهِ الحُسَینُ؟قالَ:وما هُوَ؟قالَ:فَأَقرَأَهُ الکِتابَ،فَقالَ:وما یَمنَعُکَ أن تُجِیبَهُ بِما یُصَغِّرُ إلَیهِ نَفسَهُ؟وإنَّما قالَ ذلِکَ فی هَوی مُعاوِیَةَ.فَقالَ یَزیدُ:کَیفَ رَأَیتَ یا أمیرَ المُؤمِنینَ رَأیی (3)؟فَضَحِکَ مُعاوِیَةُ،فَقالَ:أمّا یَزیدُ فَقَد أشارَ عَلَیَّ بِمِثلِ رَأیِکَ،قالَ عَبدُ اللّهِ:

فَقَد أصابَ یَزیدُ.

فَقالَ مُعاوِیَةُ:أخطَأتُما،أرَأَیتُما لَو أنّی ذَهَبتُ لِعَیبِ عَلِیٍّ مُحِقّاً ما عَسَیتُ أن أقولَ فیهِ؟! ومِثلی لا یُحسِنُ أن یَعیبَ بِالباطِلِ وما لا یَعرِفُ،ومَتی ما عِبتُ بِهِ رَجُلاً بِما لا یَعرِفُهُ النّاسُ،لَم یُخَوَّل 4بِهِ صاحِبُهُ ولا یَراهُ النّاسُ شَیئاً وکَذَّبوهُ،وما عَسَیتُ أن أعیبَ حُسَیناً؟! وَاللّهِ ما أری لِلعَیبِ فیهِ مَوضِعاً،وقَد رَأَیتُ أن أکتُبَ إلَیهِ أتَوَعَّدُهُ وأتَهَدَّدُهُ،ثُمَّ رَأَیتُ ألّا أفعَلَ ولا أفحَلَهُ 5. 6

ص:173

747.تاریخ دمشق عن مصعب: خَرَجَ الحُسَینُ علیه السّلام مِن عِندِ مُعاوِیَةَ فَلَقِیَ ابنَ الزُّبَیرِ، وَالحُسَینُ علیه السّلام مُغضَبٌ،فَذَکَرَ الحُسَینُ علیه السّلام أنَّ مُعاوِیَةَ ظَلَمَهُ فی حَقٍّ لَهُ،فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السّلام:اُخَیِّرُهُ فی ثَلاثِ خِصالٍ وَالرّابِعَةُ الصَّیلَمُ (1)،أن یَجعَلَکَ أو ابنَ عُمَرَ بَینی وبَینَهُ،أو یُقِرَّ بِحَقّی ثُمَّ یَسأَلَنی فَأَهِبَهُ لَهُ أو یَشتَرِیَهُ مِنّی،فَإِن لَم یَفعَل،فَوَالَّذی نَفسی بِیَدِهِ لَأَهتِفَنَّ بِحِلفِ الفُضولِ. (2)

فَقالَ ابنُ الزُّبَیرِ:وَالَّذی نَفسی بِیَدِهِ،لَئِن هَتَفتَ بِهِ وأنَا قاعِدٌ لَأَقومَنَّ،أو قائِمٌ لَأَمشِیَنَّ،أو ماشٍ لَأَشتَدَّنَّ،حَتّی تَفنی روحی مَعَ روحِکَ أو یُنصِفَکَ.

قالَ:ثُمَّ ذَهَبَ ابنُ الزُّبَیرِ إلی مُعاوِیَةَ،فَقالَ:لَقِیَنِی الحُسَینُ فَخَیَّرَنی فی ثَلاثِ خِصالٍ وَالرّابِعَةُ الصَّیلَمُ.

قالَ مُعاوِیَةُ:لا حاجَةَ لَنا بِالصَّیلَمِ،إنَّکَ لَقیتَهُ مُغضَباً،فَهاتِ الثَّلاثَ خِصالٍ.

ص:175

قالَ:تَجعَلُنی أوِ ابنَ عُمَرَ بَینَکَ وبَینَهُ،فَقالَ:قَد جَعَلتُکَ بَینی وبَینَهُ أوِ ابنَ عُمَرَ أو جَعَلتُکُما جَمیعاً،قالَ:أو تُقِرُّ لَهُ بِحَقِّهِ،قالَ:فَأَنَا اقِرُّ لَهُ بِحَقِّهِ وأسأَلُهُ إیّاهُ،قالَ:أو تَشتَریهِ مِنهُ،قالَ:فَأَنَا أشتَریهِ مِنهُ.قالَ:فَلَمَّا (1)انتَهی إلَی الرّابِعَةِ قالَ لِمُعاوِیَةَ کَما قالَ لِلحُسَینِ علیه السّلام:إن دَعانی إلی حِلفِ الفُضولِ أجَبتُهُ،قالَ مُعاوِیَةُ:لا حاجَةَ لَنا بِهذِهِ. (2)

748.نزهة الناظر: تَذاکَرُوا العَقلَ عِندَ مُعاوِیَةَ،فَقالَ الإِمامُ الشَّهیدُ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام:

لا یَکمُلُ العَقلُ إلّابِاتِّباعِ الحَقِّ.فَتَبَسَّمَ مُعاوِیَةُ لَهُ وقالَ:ما فی صُدورِکُم إلّاشَیءٌ واحِدٌ. (3)

749.التوحید عن عمرو بن جمیع عن جعفر بن محمّد [الصادق ] عن آبائه علیهم السّلام: دَخَلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام عَلی مُعاوِیَةَ،فَقالَ لَهُ:ما حَمَلَ أباکَ عَلی أن قَتَلَ أهلَ البَصرَةِ ثُمَّ دارَ عَشِیّاً فی طُرُقِهِم فی ثَوبَینِ؟

فَقالَ علیه السّلام:حَمَلَهُ عَلی ذلِکَ عِلمُهُ أنَّ ما أصابَهُ لَم یَکُن لِیُخطِئَهُ،وأنَّ ما أخطَأَهُ لَم یَکُن لِیُصیبَهُ.قالَ:صَدَقتَ. (4)

750.أنساب الأشراف عن مسافع بن شیبة: حَجَّ مُعاوِیَةُ،فَلَمّا کانَ عِندَ الرَّدمِ (5)أخَذَ الحُسَینُ بِخِطامِ ناقَتِهِ فَأَناخَ بِهِ راحِلَتَهُ،ثُمَّ سارَّهُ طَویلاً،ثُمَّ انصَرَفَ،وزَجَرَ مُعاوِیَةُ راحِلَتَهُ وسارَ،فَقالَ عَمرُو بنُ عُثمانَ بنِ عَفّانَ:یُنیخُ بِکَ الحُسَینُ وتَکُفُّ عَنهُ وهُوَ ابنُ أبی

ص:176

طالِبٍ،وتُسَرِّعُهُ عَلی ما تَعلَمُ؟

فَقالَ مُعاوِیَةُ:دَعنی مِن عَلِیٍّ،فَوَاللّهِ ما فارَقَنی حَتّی خَشیتُ أن یَقتُلَنی،ولَو قَتَلَنی ما أفلَحتُم،وإنَّ لَکُم مِن بَنی هاشِمٍ لَیَوماً عَصیباً. (1)

751.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن مسافع بن شیبة: لَقِیَ الحُسَینُ علیه السّلام مُعاوِیَةَ بِمَکَّةَ عِندَ الرَّدمِ،فَأَخَذَ بِخِطامِ راحِلَتِهِ فَأَناخَ بِهِ،ثُمَّ سارَّهُ حُسَینٌ علیه السّلام طَویلاً وَانصَرَفَ،فَزَجَرَ مُعاوِیَةُ راحِلَتَهُ.

فَقالَ لَهُ یَزیدُ:لا یَزالُ رَجُلٌ قَد عَرَضَ لَکَ فَأَناخَ بِکَ ! قالَ:دَعهُ فَلَعَلَّهُ یَطلُبُها مِن غَیری فَلا یُسَوِّغُهُ فَیَقتُلُهُ. (2)

752.المناقب لابن شهرآشوب: دَخَلَ الحُسَینُ علیه السّلام عَلی مُعاوِیَةَ وعِندَهُ أعرابِیٌّ یَسأَلُهُ حاجَةً، فَأَمسَکَ وتَشاغَلَ بِالحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ الأَعرابِیُّ لِبَعضِ مَن حَضَرَ:مَن هذَا الَّذی دَخَلَ؟قالوا:الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام.

فَقالَ الأَعرابِیُّ لِلحُسَینِ علیه السّلام:یَابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ،لَمّا کَلَّمتَهُ فی حاجَتی،فَکَلَّمَهُ الحُسَینُ علیه السّلام فی ذلِکَ فَقَضی حاجَتَهُ،فَقالَ الأَعرابِیُّ:

أتَیتُ العَبشَمِیَّ (3)فَلَم یَجُد لی

ص:177

فَقالَ مُعاوِیَةُ:یا أعرابِیُّ،اُعطیکَ وتَمدَحُهُ؟!

فَقالَ الأَعرابِیُّ:یا مُعاوِیَةُ،أعطَیتَنی مِن حَقِّهِ،وقَضَیتَ حاجَتی بِقَولِهِ. (1)

راجع:ص211 (کلام العلّامة الأمینی فیما جری فی استخلاف یزید)

أحَدٌ قَبلَکَ ولا أحَدٌ بَعدَکَ لِرَجُلَینِ أشرَفَ ولا أفضَلَ مِنّا. (1)

760.الاحتجاج -فی خَبرِ مُعاوِیَةَ وقَد کَتَبَ إلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام فیهِ تَقریعٌ عَظیمٌ وتَوبیخٌ بَلیغٌ-:

فَما کَتَبَ إلَیهِ مُعاوِیَةُ بِشَیءٍ یَسوؤُهُ،ولا قَطَعَ عَنهُ شَیئاً کانَ یَصِلُهُ بِهِ،کانَ یَبعَثُ إلَیهِ فی کُلِّ سَنَةٍ ألفَ ألفِ دِرهَمٍ،سِوی عُروضٍ وهَدایا مِن کُلِّ ضَربٍ. (2)

761.علل الشرائع: کانَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام ابنا عَلِیٍّ علیه السّلام یَأخُذانِ مِن مُعاوِیَةَ الأَموالَ،فَلا یُنفِقانِ مِن ذلِکَ عَلی أنفُسِهِما وعَلی عِیالِهِما ما تَحمِلُهُ الذُّبابَةُ بِفیها (3). (4)

762.مطالب السؤول: نُقِلَ أنَّ مُعاوِیَةَ لَمّا قَدِمَ مَکَّةَ وَصَلَهُ [أیِ الإِمامَ الحُسَینَ علیه السّلام ] بِمالٍ کَثیرٍ وثِیابٍ وافِرَةٍ وکُسُواتٍ وافِیَةٍ،فَرَدَّ الجَمیعَ عَلَیهِ ولَم یَقبَلْهُ مِنهُ. (5)

راجع:ج 1 ص 382 (القسم الثانی/الفصل الرابع/قصص من جوده وسخائه).

ص:180

لحکومته،کما ورد ذلک فی روایة عن الإمام الباقر علیه السّلام:

إنَّ الحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهما السّلام کانا یَغمِزانِ مُعاوِیَةَ،ویَقولانِ فیهِ،ویَقبَلانِ جَوائِزَهُ. (1)

ثانیاً:فی الحالات الّتی قد یعتبر فیها قبول هدایا معاویة بمثابة تأیید لحکومته، أو أنّ عدم قبوله یوجّه ضربة إلی حکومته،فإنّ الإمام علیه السّلام کان یمتنع عن قبول هدایاه،کما حدث ذلک عندما امتنع الحسین علیه السّلام عن قبول الهدایا الکثیرة الّتی أرسلها معاویة إلیه خلال قدومه إلی مکّة.

وأمّا المصلحة والحکمة اللتان کانتا قد اخذتا بنظر الاعتبار فی قبول هدایا معاویة فی غیر تلک الحالات،فتتمثّلان فی إزالة التوتّر عن المجتمع الإسلامی من جهة،وتأمین حاجات مجموعة من المحتاجین من جهة اخری؛ذلک لأنّ الإمامین الحسن والحسین علیهما السّلام لم یکونا یخصّصان ما کانا یتسلّمانه لنفقات حیاتهما الشخصیة،بل کانا ینفقان ذلک علی الفقراء والمحتاجین.

ص:182

أغَدراً یا حُسَینُ؟! قالَ:أنتَ بَدَأتَ،خَطَبَ أبو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام عائِشَةَ بِنتَ عُثمانَ بنِ عَفّانَ،وَاجتَمَعنا لِذلِکَ،فَتَکَلَّمتَ أنتَ فَزَوَّجتَها من عَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَیرِ، فَقالَ مَروانُ:ما کانَ ذلِکَ ! فَالتَفَتَ الحُسَینُ علیه السّلام إلی مُحَمَّدِ بنِ حاطِبٍ،فَقالَ:أنشُدُکَ اللّهَ،أکانَ ذاکَ؟قالَ:اللّهُمَّ نَعَم.

فَلَم تَزَل هذِهِ الضَّیعَةُ فی أیدی بَنی عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ مِن ناحِیَةِ امِّ کُلثومٍ یَتَوارَثونَها. (1)

764.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن جویریّة بن أسماء: خَطَبَ مُعاوِیَةُ بنُ أبی سُفیانَ ابنَةَ عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ عَلی یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،فَشاوَرَ عَبدُ اللّهِ حُسَیناً علیه السّلام، فَقالَ:أتُزَوِّجُهُ وسُیوفُهُم تَقطُرُ مِن دِمائِنا؟! ضُمَّها إلَی ابنِ أخیکَ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ.

قالَ:إنَّ عَلَیَّ دَیناً،قالَ:دونَکَ البُغَیبِغَةَ،فَاقضِ مِنها دَینَکَ؛فَقَد عَلِمتَ ما کانَ یَصنَعُ فیها عَمُّکَ.فَزَوَّجَها مِنَ القاسِمِ. (2)

765.المناقب لابن شهرآشوب عن عبد الملک بن عمیر والحاکم والعبّاس: إنَّ مُعاوِیَةَ کَتَبَ إلی مَروانَ-وهُوَ عامِلُهُ عَلَی الحِجازِ-یَأمُرُهُ أن یَخطُبَ امَّ کُلثومٍ بِنتَ عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ لِابنِهِ یَزیدَ،فَأَتی (3)عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ فَأَخبَرَهُ بِذلِکَ،فَقالَ عَبدُ اللّهِ:إنَّ أمرَها لَیسَ إلَیَّ إنَّما هُوَ إلی سَیِّدِنَا الحُسَینِ وهُوَ خالُها.فَاُخبِرَ الحُسَینُ علیه السّلام بِذلِکَ،فَقالَ:أستَخیرُ اللّهَ تَعالی،اللّهُمَّ وَفِّق لِهذِهِ الجارِیَةِ رِضاکَ مِن آلِ مُحَمَّدٍ.

ص:184

فَلَمَّا اجتَمَعَ النّاسُ فی مَسجِدِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،أقبَلَ مَروانُ حَتّی جَلَسَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام وعِندَهُ مِن الجِلَّةِ (1)،وقالَ:إنَّ أمیرَ المُؤمِنینَ أمَرَنی بِذلِکَ،وأن أجعَلَ مَهرَها حُکمَ أبیها بالِغاً ما بَلَغَ،مَعَ صُلحِ ما بَینَ هذَینِ الحَیَّینِ،مَعَ قَضاءِ دَینِهِ،وَاعلَم أنَّ مَن یَغبِطُکُم بِیَزیدَ أکثَرُ مِمَّن یَغبِطُهُ بِکُم ! وَالعَجَبُ کَیفَ یُستَمهَرُ یَزیدُ وهُوَ کُفوُ مَن لا کُفوَ لَهُ،وبِوَجهِهِ یُستَسقَی الغَمامُ ! فَرُدَّ خَیراً یا أبا عَبدِ اللّهِ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذِی اختارَنا لِنَفسِهِ وَارتَضانا لِدینِهِ وَاصطَفانا عَلی خَلقِهِ.إلی آخِرِ کَلامِهِ.

ثُمَّ قالَ:یا مَروانُ،قَد قُلتَ فَسَمِعنا،أمّا قَولُکَ:مَهرُها حُکمُ أبیها بالِغاً ما بَلَغَ، فَلَعَمری لَو أرَدنا ذلِکَ ما عَدَونا سُنَّةَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فی بَناتِهِ ونِسائِهِ وأهلِ بَیتِهِ،وهُوَ اثنَتا عَشرَةَ اوقِیَّةً یَکونُ أربَعَمِئَةٍ وثَمانینَ دِرهماً.

وأمّا قَولُکَ:مَعَ قَضاءِ دَینِ أبیها،فَمَتی کُنَّ نِساؤُنا یَقضینَ عَنّا دُیونَنا؟

وأمّا صُلحُ ما بَینَ هذَینِ الحَیَّینِ،فَإِنّا قَومٌ عادَیناکُم فِی اللّهِ ولَم نَکُن نُصالِحُکُم لِلدُّنیا،فَلَعَمری فَلَقَد أعیَی النَّسَبُ فَکَیفَ السَّبَبُ !

وأمّا قَولُکَ:العَجَبُ لِیَزیدَ کَیفَ یُستَمهَرُ،فَقَدِ استُمهِرَ مَن هُوَ خَیرٌ مِن یَزیدَ ومِن أبِ یَزیدَ ومِن جَدِّ یَزیدَ.

وأمّا قَولُکَ:إنَّ یَزیدَ کُفوُ مَن لا کُفوَ لَهُ،فَمَن کانَ کُفوُهُ قَبلَ الیَومِ فَهُوَ کُفوُهُ الیَومَ، ما زادَتهُ إمارَتُهُ فِی الکَفاءَةِ شَیئاً.

وأمّا قَولُکَ:بِوَجهِهِ یُستَسقَی الغَمامُ،فَإِنَّما کانَ ذلِکَ بِوَجهِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.

وأمّا قَولُکَ:مَن یَغبِطُنا بِهِ أکثَرُ مِمَّن یَغبِطُهُ بِنا،فَإِنَّما یَغبِطُنا بِهِ أهلُ الجَهلِ ویَغبِطُهُ

ص:185

بِنا أهلُ العَقلِ.

ثُمَّ قالَ بَعدَ کَلامٍ:فَاشهَدوا جَمیعاً أنّی قَد زَوَّجتُ امَّ کُلثومٍ بِنتَ عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ مَنِ ابنِ عَمِّهَا القاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعفَرٍ،عَلی أربَعِمِئَةٍ وثَمانینَ دِرهَماً،وقَد نَحَلتُها ضَیعَتی بِالمَدینَةِ-أو قالَ:أرضی بِالعَقیقِ (1)-وإنَّ غَلَّتَها فِی السَّنَةِ ثَمانِیَةُ آلافِ دینارٍ، فَفیها لَهُما غِنیً إن شاءَ اللّهُ.

قالَ:فَتَغَیَّرَ وَجهُ مَروانَ،وقالَ:أغَدراً یا بَنی هاشِمٍ؟! تَأبَونَ إلَّاالعَداوَةَ ! فَذَکَّرَهُ الحُسَینُ علیه السّلام خِطبَةَ الحَسَنِ علیه السّلام عائِشَةَ وفِعلَهُ،ثُمَّ قالَ:فَأَینَ مَوضِعُ الغَدرِ یا مَروانُ؟ فَقالَ مَروانُ:

أرَدنا صِهرَکَ لِنَجِدَّ وُدّاً

فَأَجابَهُ ذَکوانُ مَولی بَنی هاشِمٍ:

أماطَ اللّهُ مِنهُم کُلَّ رِجسٍ

بَقِیَت لَذَّةٌ مِنَ الدُّنیا لَم تَنَلها؟قالَ:نَعَم،اُمُّ أبیها هِندٌ بِنتُ سُهَیلِ بنِ عَمرٍو،خَطَبتُها وخَطَبَها عَبدُ اللّهِ بنُ عامِرِ بنِ کَریزٍ فَتَزَوَّجَتهُ وتَرَکَتنی.

فَأَرسَلَ مُعاوِیَةُ إلی عَبدِ اللّهِ بنِ عامِرٍ وهُوَ عامِلُهُ عَلَی البَصرَةِ،فَلَمّا قَدِمَ عَلَیهِ قالَ:

انزِل عَن امِّ أبیها لِوَلِیِّ عَهدِ المُسلِمینَ یَزیدَ،قالَ:ما کُنتُ لِأَفعَلَ،قالَ:اُقطِعُکَ البَصرَةَ،فَإِن لَم تَفعَل عَزَلتُکَ عَنها،قالَ:وإن.

فَلَمّا خَرَجَ مِن عِندِهِ،قالَ لَهُ مَولاهُ:اِمرَأَةٌ بِامرَأَةٍ،أتَترُکُ البَصرَةَ بِطَلاقِ امرَأَةٍ؟ فَرَجَعَ إلی مُعاوِیَةَ،فَقالَ:هِی طَلاقٌ.فَرَدَّهُ إلَی البَصرَةِ،فَلَمّا دَخَلَ تَلَقَّتهُ امُّ أبیها، فَقالَ:اِستَتِری،فَقالَت:فَعَلَهَا اللَّعینُ ! وَاستَتَرَت.

قالَ:فَعَدَّ مُعاوِیَةُ الأَیّامَ حَتّی إذَا انقَضَتِ العِدَّةُ،وَجَّهَ أبا هُرَیرَةَ یَخطُبُها لِیَزیدَ وقالَ لَهُ:أمهِرها بِأَلفِ ألفٍ،فَخَرَجَ أبو هُرَیرَةَ فَقَدِمَ المَدینَةَ،فَمَرَّ بِالحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام، فَقالَ:ما أقدَمَکَ المَدینَةَ یا أبا هُرَیرَةَ؟قالَ:اُریدُ البَصرَةَ أخطُبُ امَّ أبیها لِوَلِیِّ عَهدِ المُسلِمینَ یَزیدَ،قالَ:فَتَری أن تَذکُرَنی لَها،قالَ:إن شِئتَ،قالَ:قَد شِئتُ.

فَقَدِمَ أبو هُرَیرَةَ البَصرَةَ،فَقالَ لَها:یا امَّ أبیها،إنَّ أمیرَ المُؤمِنینَ یَخطُبُکِ لِوَلِیِّ عَهدِ المُسلِمینَ یَزیدَ،وقَد بَذَلَ لَکَ فِی الصَّداقِ ألفَ ألفٍ،ومَرَرتُ بِالحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ فَذَکَرَکِ،قالَت:فَما تَری یا أبا هُرَیرَةَ؟قالَ:ذلِکَ إلَیکِ،قالَت:فَشَفَةٌ قَبَّلَها رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله أحَبُّ إلَیَّ.قالَ:فَتَزَوَّجَتِ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام،ورَجَعَ أبو هُرَیرَةَ، فَأَخبَرَ مُعاوِیَةَ.

قالَ:فَقالَ لَهُ:یا حِمارُ ! لَیسَ لِهذا وَجَّهناکَ.

قالَ:فَلَمّا کانَ بَعدَ ذلِکَ حَجَّ عَبدُ اللّهِ بنُ عامِرٍ،فَمَرَّ بِالمَدینَةِ فَلَقِیَ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَقالَ لَهُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،تَأذَنُ لی فی کَلامِ امِّ أبیها.فَقالَ:إذا شِئتَ، فَدَخَلَ مَعَهُ البَیتَ وَاستَأذَنَ عَلی امِّ أبیها،فَأَذِنَت لَهُ ودَخَلَ مَعَهُ الحُسَینُ علیه السّلام.

ص:187

فَقالَ لَها عَبدُ اللّهِ بنُ عامِرٍ:یا امَّ أبیها،ما فَعَلَتِ الوَدیعَةُ الَّتِی استَودَعتُکِ؟قالَت:

عِندی،یا جارِیَةُ هاتی سَفَطَ (1)کَذا،فَجاءَت بِهِ فَفَتَحَتهُ وإذا هُوَ مَملوءٌ لَآلِئُ وجَوهَرٌ یَتَلَألَأُ،فَبَکَی ابنُ عامِرٍ.فَقالَ الحُسَینُ:ما یُبکیکَ؟فَقالَ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،أتَلومُنی عَلی أن أبکِیَ عَلی مِثلِها فی وَرَعِها وکَمالِها ووَفائِها؟

قالَ:یَابنَ عامِرٍ،نِعمَ المُحَلِّلُ کُنتُ لَکُما،هِیَ طَلاقٌ.فَحَجَّ،فَلَمّا رَجَعَ تَزَوَّجَ بِها. (2)

ص:188

جَمالٍ،إنَّما أردتُ أن أحفَظَها لِزَوجِها.

وبعد ذلک تزوّج عبداللّه بها. (1)

وقد ذُکرت هذه القصّة فی المصادر التاریخیّة بأشکال اخری أیضاً،هی و:

أ-محور القصّة فی أحد النقول هو امّ خالد (ابنة أبی جندل،وزوجة عبد اللّه بن عامر)،وکان الرسول أبا هریرة،فیما کان خطّابها:الإمام الحسن علیه السّلام والإمام الحسین علیه السّلام وعبداللّه بن جعفر ویزید بن معاویة،وقد استجابت لطلب الإمام الحسن علیه السّلام. (2)

ب-فی نقلٍ آخر جعل محور القصّة هند (ابنة سهل بن عمرو،وزوجة عبد اللّه بن عامر بن کریز،والی البصرة)،وذکر أنّ الرسول کان أبا هریرة. (3)

ج-وفی روایة ثالثة تدور القصّة حول زینب (ابنة إسحاق،وزوجة عبد اللّه بن سلّام) وکان الرسول أبا الدرداء،فیما کان خاطباها:الإمام الحسین علیه السّلام ویزید. (4)

والمصادر الّتی نقلت هذه القصّة،بأحد الأشکال المشار إلیها،حسب التسلسل التاریخی هی:

-الإمامة والسیاسة،لابن قتیبة الدینوری (213-276 ه ).

-الکامل،لمحمّد بن یزید المبرّد (م 285 ه ).

-مجمع الأمثال،لأبی الفضل أحمد بن محمّد بن أحمد المیدانی (م 518 ه ).

-مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی (538 ه ).

-المناقب لابن شهرآشوب (م 588 ه ).

-نهایة الأرب،لشهاب الدین أحمد بن عبدالوهّاب النوَیری (677-732 ه ).

ص:190

وقد نقد هذا الخبر التاریخی بعض الکتّاب الشیعة؛حیث یعتقد عبد الرزّاق الموسوی المُقرّم أنّها اسطورة اختُلقت لتشویه صورة الإمام الحسین علیه السّلام (1).

أمّا العلاّمة جعفر مرتضی العاملی،فقد سجّل-بعد بحث الموادّ التاریخیّة-تسع ملاحظات نقدیّة علیها. (2)

ویمکن القول إجمالاً من خلال الجمع بین المعلومات:إنّ هذه القصّة لا تتمتّع بواقعٍ تاریخی؛وذلک للأسباب التالیة:

1.الاختلافات الکثیرة بین أجزاء القصّة،الأمر الذی یجعلها تواجه تشکیکاً شدیداً،من قبیل:

أ-الاختلاف فی اسم المرأة:اُرینب،هند،اُمّ خالد،زینب.

ب-الاختلاف فی الزوج:عبد اللّه بن سلّام،عبداللّه بن عامر.

ج-الاختلاف فی الرسول (الواسطة) هل هو أبو الدرداء،أم أبو هریرة.

د-الاختلاف فی الزوج الجدید:الإمام الحسن علیه السّلام،الإمام الحسین علیه السّلام.

2.إنّ أبا الدرداء-الذی ذُکر اسمه فی بعض المصادر التاریخیّة علی أنّه رسول معاویة فی هذه القصّة-توفّی فی زمان خلافة عثمان (23-34 ه ) طبقاً لبعض النقول التاریخیّة،أو توفّی فی إحدی السنوات التالیة:39،38،34،33،32،31 من الهجرة.والرأی المشهور فی وفاته أنّها کانت فی زمان خلافة عثمان،وحتّی لو فرضنا أنّه قد مات عام 39 ه فلا یمکن-أیضاً-تصدیق دوره المذکور فی القصّة؛ ذلک أنّ القصّة وقعت علی ما یبدو بعد أخذ معاویة البیعة لیزید،أی عام 49 ه. (3)

ومن جانب آخر،کیف یمکن لیزید المولود-کما قالوا-عام 31 أو 27 أو 26

ص:191

أن یعشق امرأة وهو فی سنّ الثانیة عشرة من عمره علی أقصی التقادیر،بناءً علی أنّ أبا الدرداء قد توفّی عام 39 ه؟! (1)

3.لم تذکر المصادر التاریخیّة تولّی عبد اللّه بن سلّام حکم العراق من جانب معاویة.

وفضلاً عن ذلک،فإنّ اسم عبد اللّه بن سلّام قد جاء فی الکتب التاریخیّة لأشخاص ثلاثة،ولد اثنان منهما بعد وقوع هذه الحادثة،والوحید من بینهم الذی یمکن أن یکون موجوداً خلال أیام الحادثة هو عبد اللّه بن سلام الیهودی،إلّاأنّه لا یمکن أن یکون هو المراد أیضاً؛وذلک أنّه توفّی عام 41 أو 43 ه،وقد کان فی تلک الفترة شیخاً عجوزاً مسنّاً. (2)

4.ومن جهة اخری،فإنّ صیغة الطلاق ثلاثاً فی مجلس واحد لا تنسجم مع فقه أهل البیت علیهم السّلام؛فقد ردّ ذلک فقهاء الشیعة بالإجماع. (3)

5.إنّ قصد مختلقی هذه القصّة هو أنّهم یرومون من ورائها أن یصوّروا أسباب ثورة الإمام الحسین علیه السّلام ضدّ یزید بأنّها أسباب ترجع إلی نزاعات جاهلیّة،وأنّها فی نطاق الشجار الشخصی القائم علی الأهواء النفسیّة؛وذلک کی یقلّلوا من شأنه، فکانت النقول التاریخیّة الضعیفة خیر موضع لدسّ مثل هذه المختلقات.

وفضلاً عن ذلک کلّه،فلیس ثمّة مانع شرعی من هذا الزواج علی تقدیر وقوعه، بل إنّ الإمام الحسین علیه السّلام قصد بما أقدم علیه رفع الظلم والجور،کما صرّح هو بذلک،علی ما تقدّم.

ص:192

قالَ:إنَّکَ وَاللّهِ ما تَخافُ الحُسَینَ إلّاعَلی مَن بَعدَکَ،وإنَّکَ لَتُخَلِّفُ لَهُ قِرناً إن صارَعَهُ لَیَصرَعَنَّهُ،وإن سابَقَهُ لَیَسبِقَنَّهُ،فَذَرِ الحُسَینَ مَنِبتَ النَّخلَةِ (1)؛یَشرَب مِنَ الماءِ،ویَصعَد فِی الهَواءِ،ولا یَبلُغ إلَی السَّماءِ. (2)

راجع:ص 211 (کلام العلّامة الأمینی فی ما جری فی استخلاف یزید) و ص 254 (وصیّة معاویة لیزید لمّا حضره الموت).

فَکَتَبَ مُعاوِیَةُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام:إنَّ مَن أعطَی اللّهَ صَفقَةَ یَمینِهِ وعَهدَهُ لَجَدیرٌ بِالوَفاءِ،وقَد انبِئتُ أنَّ قَوماً مِن أهلِ الکوفَةِ قَد دَعَوکَ إلَی الشِّقاقِ؛وأهلُ العِراقِ مَن قَد جَرَّبتَ،قَد أفسَدوا عَلی أبیکَ وأخیکَ،فَاتَّقِ اللّهَ وَاذکُرِ المیثاقَ،فَإِنَّکَ مَتی تَکِدنی أکِدکَ.

فَکَتَبَ إلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام:أتانی کِتابُکَ وأنَا بِغَیرِ الَّذی بَلَغَکَ عَنّی جَدیرٌ،وَالحَسَناتُ لا یَهدی لَها إلَّااللّهُ،وما أرَدتُ لَکَ مُحارَبَةً ولا عَلَیکَ خِلافاً،وما أظُنُّ لی عِندَ اللّهِ عُذراً فی تَرکِ جِهادِکَ،وما أعلَمُ فِتنَةً أعظَمُ مِن وِلایَتِکَ أمرَ هذِهِ الاُمَّةِ.

فَقالَ مُعاوِیَةُ:إن أثَرنا بِأَبی عَبدِ اللّهِ إلّاأسَداً.

وکَتَبَ إلَیهِ مُعاوِیَةُ أیضاً فی بَعضِ ما بَلَغَهُ عَنهُ:إنّی لَأَظُنُّ أنَّ فی رَأسِکَ نَزوَةً، فَوَدِدتُ أنّی أدرَکتُها فَأَغفِرُها لَکَ. (1)

ثُمَّ أرسَلَ رُسُلاً:لا تَدَعوا أحَداً مِمَّن حَجَّ العامَ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله المَعروفینَ بِالصَّلاحِ وَالنُّسُکِ إلَّااجمَعوهُم لی.

فَاجتَمَعَ إلَیهِ بِمِنیً أکثَرُ مِن سَبعِمِئَةِ رَجُلٍ وهُم فی سُرادِقِهِ (1)،عامَّتُهُم مِنَ التّابِعینَ، ونَحوٌ مِن مِئَتَی رَجُلٍ مِن أصحابِ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،وغَیرِهِم.

فَقامَ فیهِمُ الحُسَینُ علیه السّلام خَطیباً،فَحَمِدَ اللّهَ وأثنی عَلَیهِ،ثُمَّ قالَ:أمّا بَعدُ،فَإِنَّ هذَا الطّاغِیَةَ قَد فَعَلَ بِنا وبِشیعَتِنا ما قَد رَأَیتُم وعَلِمتُم وشَهِدتُم،وإنّی اریدُ أن أسأَلَکُم عَن شَیءٍ،فَإِن صَدَقتُ فَصَدِّقونی وإن کَذَبتُ فَکَذِّبونی:أسأَلُکُم بِحَقِّ اللّهِ عَلَیکُم وحَقِّ رَسولِ اللّهِ وحَقِّ قَرابَتی مِن نَبِیِّکُم،لَمّا سَیَّرتُم مَقامی هذا،ووَصَفتُم مَقالَتی،ودَعَوتُم أجمَعینَ فی أنصارِکُم مِن قَبائِلِکُم مَن أمِنتُم مِنَ النّاسِ ووَثِقتُم بِهِ،فَادعوهُم إلی ما تَعلَمونَ مِن حَقِّنا؛فَإِنّی أتَخَوَّفُ أن یَدرُسَ (2)هذَا الأَمرُ ویَذهَبَ الحَقُّ ویُغلَبَ، «وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ» . (3)

وما تَرَکَ شَیئاً مِمّا أنزَلَ اللّهُ فیهِم مِنَ القُرآنِ إلّاتَلاهُ وفَسَّرَهُ،ولا شَیئاً مِمّا قالَهُ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فی أبیهِ وأخیهِ واُمِّهِ وفی نَفسِهِ وأهلِ بَیتِهِ إلّارَواهُ.

وکُلُّ ذلِکَ یَقولُ الصَّحابَةُ:اللّهُمَّ نَعَم،قَد سَمِعنا وشَهِدنا.ویَقولُ التّابِعِیُّ:اللّهُمَّ قَد حَدَّثَنی بِهِ مَن اصَدِّقُهُ وأَأتَمِنُهُ مِنَ الصَّحابَةِ.

فَقالَ:أنشُدُکُمُ اللّهَ إلّاحَدَّثتُم بِهِ مَن تَثِقونَ بِهِ وبِدینِهِ.

فَکانَ فیما ناشَدَهُمُ الحُسَینُ علیه السّلام وذَکَّرَهُم أن قالَ:أنشُدُکُمُ اللّهَ،أتَعلَمونَ أنَّ عَلِیَّ بنَ أبی طالِبٍ کانَ أخا رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله حینَ آخی بَینَ أصحابِهِ،فَآخی بَینَهُ وبَینَ نَفسِهِ وقالَ:«أنتَ أخی وأنَا أخوکَ فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ»؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

ص:196

قالَ:أنشُدُکُمُ اللّهَ،هَل تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله اشتَری مَوضِعَ مَسجِدِهِ ومَنازِلِهِ فَابتَناهُ،ثُمَّ ابتَنی فیهِ عَشَرَةَ مَنازِلَ،تِسعَةً لَهُ وجَعَلَ عاشِرَها فی وَسَطِها لِأَبی،ثُمَّ سَدَّ کُلَّ بابٍ شارِعٍ إلَی المَسجِدِ غَیرَ بابِهِ،فَتَکَلَّمَ فی ذلِکَ مَن تَکَلَّمَ،فَقالَ صلّی اللّه علیه و آله:«ما أنَا سَدَدتُ أبوابَکُم وفَتَحتُ بابَهُ،ولکِنَّ اللّهَ أمَرَنی بِسَدِّ أبوابِکُم وفَتحِ بابِهِ»،ثُمَّ نَهَی النّاسَ أن یَناموا فِی المَسجِدِ غَیرَهُ،وکانَ یُجنِبُ فِی المَسجِدِ ومَنزِلُهُ فی مَنزِلِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَوُلِدَ لِرَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ولَهُ فیهِ أولادٌ؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أفَتَعلَمونَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ حَرَصَ عَلی کَوَّةٍ (1)قَدرَ عَینِهِ یَدَعُها مِن مَنزِلِهِ إلَی المَسجِدِ،فَأَبی عَلَیهِ،ثُمَّ خَطَبَ صلّی اللّه علیه و آله فَقالَ:«إنَّ اللّهَ أمَرَ موسی أن یَبنِیَ مَسجِداً طاهِراً لا یَسکُنُهُ غَیرُهُ وغَیرُ هارونَ وَابنَیهِ،وإنَّ اللّهَ أمَرَنی أن أبنِیَ مَسجِداً طاهِراً لا یَسکُنُهُ غَیری وغَیرُ أخی وَابنَیهِ»؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أنشُدُکُمُ اللّهَ،أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله نَصَبَهُ یَومَ غَدیرِ خُمٍّ،فَنادی لَهُ بِالوِلایَةِ وقالَ:«لِیُبَلِّغِ الشّاهِدُ الغائِبَ»؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أنشُدُکُمُ اللّهَ،أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله قالَ لَهُ فی غَزوَةِ تَبوکَ:«أنتَ مِنّی بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسی،وأنتَ وَلِیُّ کُلِّ مُؤمِنٍ بَعدی»؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أنشُدُکُمُ اللّهَ،أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله حینَ دَعَا النَّصاری مِن أهلِ نَجرانَ إلَی المُباهَلَةِ،لَم یَأتِ إلّابِهِ وبِصاحِبَتِهِ وَابنَیهِ؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أنشُدُکُمُ اللّهَ،أتَعلَمونَ أنَّهُ دَفَعَ إلَیهِ اللِّواءَ یَومَ خَیبَرَ،ثُمَّ قالَ:«لَأَدفَعُهُ إلی رَجُلٍ یُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ویُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ،کَرّارٍ غَیرِ فَرّارٍ،یَفتَحُهَا اللّهُ عَلی یَدَیهِ»؟ قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله بَعَثَهُ بِبَراءَةَ،وقالَ:«لا یُبَلِّغُ عَنّی إلّاأنَا أو رَجُلٌ

ص:197

مِنّی»؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لَم تَنزِل بِهِ شِدَّةٌ قَطُّ إلّاقَدَّمَهُ لَها ثِقَةً بِهِ،وأنَّهُ لَم یَدعُهُ بِاسمِهِ قَطُّ إلّاأن یَقولَ:«یا أخی»،وَ«ادعوا لی أخی»؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله قَضی بَینَهُ وبَینَ جَعفَرٍ وزَیدٍ،فَقالَ لَهُ:«یا عَلِیُّ ! أنتَ مِنّی وأنَا مِنکَ،وأنتَ وَلِیُّ کُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ بَعدی»؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أتَعلَمونَ أنَّهُ کانَت لَهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله کُلَّ یَومٍ خَلوَةٌ وکُلَّ لَیلَةٍ دَخلَةٌ؛إذا سَأَلَهُ أعطاهُ وإذا سَکَتَ أبدَأَهُ؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فَضَّلَهُ عَلی جَعفَرٍ وحَمزَةَ حینَ قالَ لِفاطِمَةَ علیها السّلام:

«زَوَّجتُکِ خَیرَ أهلِ بَیتی،أقدَمَهُم سِلماً وأعظَمَهُم حِلماً وأکثَرَهُم عِلماً»؟قالوا:

اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله قالَ:«أنَا سَیِّدُ وُلدِ آدَمَ،وأخی عَلِیٌّ سَیِّدُ العَرَبِ، وفاطِمَةُ سَیِّدَةُ نِساءِ أهلِ الجَنَّةِ،وَابنایَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ سَیِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ»؟ قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله أمَرَهُ بِغُسلِهِ،وأخبَرَهُ أنَّ جَبرَئیلَ یُعینُهُ عَلَیهِ؟ قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

قالَ:أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله قالَ فی آخِرِ خُطبَةٍ خَطَبَها:«أیُّهَا النّاسُ ! إنّی تَرَکتُ فیکُمُ الثَّقَلَینِ کِتابَ اللّهِ وأهلَ بَیتی،فَتَمَسَّکوا بِهِما لَن تَضِلّوا»؟قالوا:اللّهُمَّ نَعَم.

فَلَم یَدَع شَیئاً أنزَلَهُ اللّهُ فی عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام خاصَّةً وفی أهلِ بَیتِهِ مِنَ القُرآنِ ولا عَلی لِسانِ نَبِیِّهِ صلّی اللّه علیه و آله إلّاناشَدَهُم فیهِ،فَیَقولُ الصَّحابَةُ:اللّهُمَّ نَعَم،قَد سَمِعنا، ویَقولُ التّابِعِیُّ:اللّهُمَّ قَد حَدَّثَنیهِ مَن أثِقُ بِهِ،فُلانٌ وفُلانٌ.

ص:198

ثُمَّ ناشَدَهُم أنَّهُم قَد سَمِعوهُ صلّی اللّه علیه و آله یَقولُ:«مَن زَعَمَ أنَّهُ یُحِبُّنی ویُبغِضُ عَلِیّاً فَقَد کَذَبَ،لَیسَ یُحِبُّنی وهُوَ یُبغِضُ عَلِیّاً»! فَقالَ لَهُ قائِلٌ:یا رَسولَ اللّهِ ! وکَیفَ ذلِکَ؟ قالَ:«لِأَنَّهُ مِنّی وأنَا مِنهُ،مَن أحَبَّهُ فَقَد أحَبَّنی ومَن أحَبَّنی فَقَد أحَبَّ اللّهَ،ومَن أبغَضَهُ فَقَد أبغَضَنی ومَن أبغَضَنی فَقَد أبغَضَ اللّهَ».فَقالوا:اللّهُمَّ نَعَم،قَد سَمِعنا.

وتَفَرَّقوا عَلی ذلِکَ. (1)

ویُعرَفُ نَجدَتُهُ وبَأسُهُ،فَأَفضَوا إلَیهِم بِما هُم عَلَیهِ مِن شَنَآنِ ابنِ أبی سُفیانَ،وَالبَراءَةِ مِنهُ،ویَسأَلونَهُ الکِتابَ إلَیهِم بِرَأیِهِ.

فَکَتَبَ [الحُسَینُ علیه السّلام ] إلَیهِم:إنّی لَأَرجو أن یَکونَ رَأیُ أخی رَحِمَهُ اللّهُ فِی المُوادَعَةِ (1)،ورَأیی فی جِهادِ الظَّلَمَةِ رُشداً وسَداداً،فَالصَقوا بِالأَرضِ وأخفُوا الشَّخصَ،وَاکتُمُوا الهَوی،وَاحتَرِسوا مِنَ الأَظِنّاءِ ما دامَ ابنُ هِندٍ حَیّاً،فَإِن یَحدُث بِهِ حَدَثٌ وأنَا حَیٌّ یَأتِکُم رَأیی إن شاءَ اللّهُ (2). (3)

776.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة): لَمّا بایَعَ مُعاوِیَةُ بنُ أبی سُفیانَ النّاسَ لِیَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ،کانَ حُسَینُ بنُ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام مِمَّن لَم یُبایِع لَهُ،وکانَ أهلُ الکوفَةِ یَکتُبونَ إلی حُسَینٍ علیه السّلام یَدعونَهُ إلَی الخُروجِ إلَیهِم فی خِلافَةِ مُعاوِیَةَ،کُلَّ ذلِکَ یَأبی،فَقَدِمَ مِنهُم قَومٌ إلی مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِیَّةِ فَطَلَبوا إلَیهِ أن یَخرُجَ مَعَهُم،فَأَبی وجاءَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام فَأَخبَرَهُ بِما عَرَضوا عَلَیهِ،وقالَ:إنَّ القَومَ إنَّما یُریدونَ أن یَأکُلوا بِنا ویُشیطوا دِماءَنا.

فَأَقامَ حُسَینٌ علیه السّلام عَلی ما هُوَ عَلَیهِ مِنَ الهُمومِ...فَجاءَهُ أبو سَعیدٍ الخُدرِیُّ،فَقالَ:

یا أبا عَبدِ اللّهِ إنّی لَکُم ناصِحٌ،وإنّی عَلَیکُم مُشفِقٌ،وقَد بَلَغَنی أنَّهُ کاتَبَکَ قَومٌ مِن شیعَتِکُم بِالکوفَةِ یَدعونَکَ إلَی الخُروجِ إلَیهِم،فَلا تَخرُج؛فَإِنّی سَمِعتُ أباکَ علیه السّلام یَقولُ

ص:200

بِالکوفَةِ:وَاللّهِ لَقَد مَلِلتُهُم وأبغَضتُهُم،ومَلّونی وأبغَضونی،وما بَلَوتُ مِنهُم وَفاءً،ومَن فازَ بِهِم فازَ بِالسَّهمِ الأَخیَبِ (1)،وَاللّهِ ما لَهُم نِیّاتٌ ولا عَزمُ أمرٍ،ولا صَبرٌ عَلَی السَّیفِ.

قالَ:وقَدِمَ المُسَیَّبُ بنُ نَجَبَةَ الفَزارِیُّ وعِدَّةٌ مَعَهُ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام بَعدَ وَفاةِ الحَسَنِ علیه السّلام،فَدَعَوهُ إلی خَلعِ مُعاوِیَةَ،وقالوا:قَد عَلِمنا رَأیَکَ ورَأیَ أخیکَ.

فَقالَ:إنّی أرجو أن یُعطِیَ اللّهُ أخی عَلی نِیَّتِهِ فی حُبِّهِ الکَفَّ،وأن یُعطِیَنی عَلی نِیَّتی فی حُبّی جِهادَ الظّالِمینَ. (2)

777.أنساب الأشراف عن العتبی: حَجَبَ الوَلیدُ بنُ عُتبَةَ أهلَ العِراقِ عَنِ الحُسَینِ علیه السّلام،فَقالَ الحُسَینُ علیه السّلام:یا ظالِماً لِنَفسِهِ،عاصِیاً لِرَبِّهِ،عَلامَ تَحولُ بَینی وبَینَ قَومٍ عَرَفوا مِن حَقّی ما جَهِلتَهُ أنتَ وعَمُّکَ؟!

فَقالَ الوَلیدُ:لَیتَ حِلمَنا عَنکَ لا یَدعو جَهلَ غَیرِنا إلَیکَ،فَجِنایَةُ لِسانِکَ مَغفورَةٌ لَکَ ما سَکَنَت یَدُکَ،فَلا تَخطِرها فَتُخطَرَ بِکَ،ولَو عَلِمتَ ما یَکونُ بَعدَنا لَأَحبَبتَنا کَما أبغَضتَنا. (3)

راجع:ص 145 (الفصل الأوّل/تصدیقه رأی أخیه فی الصلح).

ص:201

ص:202

قالَ:فَبَلَغَ ذلِکَ مُعاوِیَةَ،فَأَرسَلَ إلَیهِ بِعَشَرَةِ آلافِ دِرهَمٍ لِیَکُفَّ لِسانَهُ،فَأَنشَأَ عُقَیبَةُ یَقولُ:

إذَا المِنبَرُ الغَربِیُّ حَلَّ مَکانَهُ

قالَ:فَأَرسَلَ إلَیهِ مُعاوِیَةُ بِبَدرَةٍ (1)اخری.وبَلَغَ ذلِکَ عَبدَ اللّهِ بنَ هَمّامٍ السَّلولِیَّ شاعِرَ أهلِ الکوفَةِ،وکانَ أیضاً مِمَّن یُبغِضُ یَزیدَ،فَأَنشَأَ یَقولُ:

فَإِن باتوا بِرَملَةَ أو بِهِندٍ

ص:204

ضَعوا کَلباً عَلَی الأَعناقِ مِنّا

فَبَلَغَ ذلِکَ مُعاوِیَةَ فَقالَ:ما تَرَکَ ابنُ همّامٍ شَیئاً،ذَکَرَ الحُرَمَ وعَیَّرَنا بِالسَّخینَةِ،ما لَهُ إلّایُخرِجُنا مِن جَنَّتِنا.

قالَ:ثُمَّ وَجَّهَ إلَیهِ مُعاوِیَةُ بِبَدرَةٍ،فَلَمّا وَصَلَت إلَیهِ شَکَرَها لِمُعاوِیَةَ،ثُمَّ کَتَبَ إلَیهِ بِهذِهِ الأَبیاتِ:

أتانی کِتابُ اللّهِ وَالدّینُ قائِمٌ

قالَ:ولَم یَزَل مُعاوِیَةُ یَروضُ النّاسَ عَلی بَیعَةِ یَزیدَ،ویُعطِی المَقارِبَ ویُدانِی المُتَباعِدَ،حَتّی مالَ إلَیهِ أکثَرُ النّاسِ وأجابوه إلی ذلِکَ. (1)

ص:205

783.شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید عن أبی الحسن المدائنی: وکانَت وَفاتُهُ [أیِ الإِمامِ الحَسَنِ علیه السّلام ] فی سَنَةِ تِسعٍ وأربَعینَ،وکانَ مَرَضُهُ أربَعینَ یَوماً،وکانَت سِنُّهُ سَبعاً وأربَعینَ سَنَةً،دَسَّ إلَیهِ مُعاوِیَةُ سَمّاً عَلی یَدِ جَعدَةَ بِنتِ الأَشعَثِ بنِ قَیسٍ زَوجَةِ الحَسَنِ،وقالَ لَها:إن قَتَلتِیهِ بِالسَّمِّ فَلَکِ مِئَةُ ألفٍ،واُزَوِّجُکِ یَزیدَ ابنی.

فَلَمّا ماتَ وَفی لَها بِالمالِ ولَم یُزَوِّجها مِن یَزیدَ.قالَ:أخشی أن تَصنَعَ بِابنی کَما صَنَعتِ بِابنِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله. (1)

784.الإصابة عن الزبیر عن عبداللّه بن نافع: خَطَبَ مُعاوِیَةُ فَدَعَا النّاسَ إلی بَیعَةِ یَزیدَ،فَکَلَّمَهُ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام وَابنُ الزُّبیرِ وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ أبی بَکرٍ.

فَقالَ لَهُ عَبدُ الرَّحمنِ:أهِرَقلِیَّةٌ (2)؟! کُلَّما ماتَ قَیصرٌ کانَ قَیصرٌ مَکانَهُ ! لا نَفعَلُ وَاللّهِ أبَداً.

وبِسَنَدٍ لَهُ إلی عَبدِ العَزیزِ الزُّهرِیِّ،قالَ:بَعَثَ مُعاوِیَةُ إلی عَبدِ الرَّحمنِ بنِ أبی بَکرٍ بَعدَ ذلِکَ بِمِئَةِ ألفٍ،فَرَدَّها وقالَ:لا أبیعُ دینی بِدُنیایَ.

وخَرَجَ إلی مَکَّةَ فَماتَ بِها قَبلَ أن تَتِمَّ البَیعَةُ لِیَزیدَ. (3)

785.اُسد الغابة: قیل:لَمّا أرادَ مُعاوِیَةُ البَیعَةَ لِیَزیدَ ابنِهِ،خَطَبَ أهلَ الشّامِ فَقالَ:یا أهلَ الشّامِ ! کَبِرَت سِنّی وقَرُبَ أجَلی،وقَد أرَدتُ أن أعقِدَ لِرَجُلٍ یَکونُ نِظاماً لَکُم،وإنَّما أنَا رَجُلٌ مِنکُم.فَأَصفَقوا (4)عَلَی الرِّضا بِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ خالِدِ بنِ الوَلیدِ،فَشَقَّ ذلِکَ

ص:207

عَلی مُعاوِیَةَ،وأسَرَّها فی نَفسِهِ.ثُمَّ إنَّ عَبدَ الرَّحمنِ مَرِضَ،فَدَخَلَ عَلَیهِ ابنُ اثالَ النَّصرانِیُّ،فَسَقاهُ سَمّاً فَماتَ،فَقیلَ:إنَّ مُعاوِیَةَ أمَرَهُ بِذلِکَ. (1)

786.تاریخ الطبری عن مسلمة بن محارب: إنَّ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ خالِدِ بنِ الوَلیدِ کانَ قَد عَظُمَ شَأنُهُ بِالشّامِ،ومالَ إلَیهِ أهلُها،لِما کانَ عِندَهُم مِن آثارِ أبیهِ خالِدِ بنِ الوَلیدِ،ولِغَنائِهِ عَنِ المُسلِمینَ فی أرضِ الرّومِ،وبَأسِهِ،حَتّی خافَهُ مُعاوِیَةُ وخَشِیَ عَلی نَفسِهِ مِنهُ؛ لِمَیلِ النّاسِ إلَیهِ،فَأَمَرَ ابنَ اثالَ أن یَحتالَ فی قَتلِهِ،وضَمِنَ لَهُ إن هُوَ فَعَلَ ذلِکَ أن یَضَعَ عَنهُ خَراجَهُ ما عاشَ،وأن یُوَلِّیَهُ جِبایَةَ خَراجِ حِمصَ (2)،فَلَمّا قَدِمَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ خالِدٍ حِمصَ مُنصَرِفاً مِن بِلادِ الرّومِ،دَسَّ إلَیهِ ابنُ اثالَ شَربَةً مَسمومَةً مَعَ بَعضِ مَمالیکِهِ،فَشَرِبَها فَماتَ بِحِمصَ،فَوفی لَهُ مُعاوِیَةُ بِما ضَمِنَ لَهُ،ووَلّاهُ خَراجَ حِمصَ ووَضَعَ عَنهُ خَراجَهُ. (3)

وَالإِنصافِ،وأن یُعاقِبَ عَلَی الجُرمِ،ویُجازِیَ عَلَی الإِحسانِ،وأن یَحفَظَ هذَا الحَیَّ مِن قُرَیشٍ خاصَّةً،وأن یُبعِدَ قاتِلِی الأَحِبَّةِ،وأن یُقَدِّمَ بَنی امَیَّةَ وآلَ عَبدِ شَمسٍ عَلی بَنی هاشِمٍ،وأن یُقَدِّمَ آلَ المَظلومِ المَقتولِ أمیرِ المُؤمِنینَ عُثمانَ بنِ عَفّانَ عَلی آلِ أبی تُرابٍ وذُرِّیَّتِهِ.

فَمَن قُرِئَ عَلَیهِ هذَا الکِتابُ وقَبِلَهُ حَقَّ قَبولِهِ وبادَرَ إلی طاعَةِ أمیرِهِ یَزیدِ بنِ مُعاوِیَةَ،فَمَرحَباً بِهِ وأهلاً،ومَن تَأَبّی عَلَیهِ وَامتَنَعَ،فَضَربَ الرِّقابِ أبَداً حَتّی یَرجِعَ الحَقُّ إلی أهلِهِ،وَالسَّلامُ عَلی مَن قُرِئَ عَلَیهِ وقَبِلَ کِتابی هذا. (1)

ص:210

وقال ابن کثیر فی تاریخه:

وفی سنة ستّ وخمسین دعا معاویة الناس إلی البیعة لیزید ولده أن یکون ولیَّ عهده من بعده،وکان قد عزم قبل ذلک علی هذا فی حیاة المغیرة بن شعبة. (1)

فروی ابن جریر من طریق الشعبی:أنّ المغیرة کان قد قدم علی معاویة وأعفاه من إمرة الکوفة فأعفاه لکبره وضعفه،وعزم علی تولیتها سعید بن العاص،فلمّا بلغ ذلک المغیرة کأنّه ندم،فجاء إلی یزید بن معاویة فأشار علیه بأن یسأل من أبیه أن یکون ولیَّ العهد،فسأل ذلک من أبیه فقال:مَن أمرک بهذا؟قال:المغیرة،فأعجب ذلک معاویة من المغیرة،وردّه إلی عمل الکوفة،وأمره أن یسعی فی ذلک،فعند ذلک سعی المغیرة فی توطید ذلک.

وکتب معاویة إلی زیاد یستشیره فی ذلک،فکره زیاد ذلک؛لما یعلم من لعب یزید وإقباله علی اللعب والصید،فبعث إلیه من یثنی رأیه عن ذلک،وهو عُبید بن کعب النمیری،وکان صاحباً أکیداً لزیاد،فسار إلی دمشق فاجتمع بیزید أوّلاً،فکلّمه عن زیاد وأشار علیه بأن لا یطلب ذلک؛فإنّ ترکه خیرٌ له من السعی فیه،فانزجر یزید عمّا یرید من ذلک،واجتمع بأبیه واتّفقا علی ترک ذلک فی هذا الوقت،فلمّا مات زیاد شرع معاویة فی نظم ذلک والدعاء إلیه،وعقد البیعة لولده یزید،وکتب إلی الآفاق بذلک. (2)

وصل إلیه:إن لم أکسبکم الآن ولایة وإمارة لا أفعل ذلک أبداً،ومضی حتّی دخل علی یزید وقال له:إنّه قد ذهب أعیان أصحاب النبیّ صلّی اللّه علیه و آله وکُبراء قریش وذَوو أسنانهم،وإنّما بقی أبناؤهم،وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأیاً وأعلمهم بالسنّة والسیاسة،ولا أدری ما یمنع أمیر المؤمنین أن یعقد لک البیعة؟قال:أو تری ذلک یتمّ؟قال:نعم.

فدخل یزید علی أبیه وأخبره بما قال المغیرة،فأحضر المغیرة وقال له:ما یقول یزید؟فقال:یا أمیر المؤمنین،قد رأیت ما کان من سفک الدماء والاختلاف بعد عثمان (1)،وفی یزید منک خلفٌ فاعقد له،فإن حدث بک حادثٌ کان کهفاً للناس، وخلفاً منک،ولا تُسفک دماء ولا تکون فتنة،قال:ومَن لی بهذا؟قال:أکفیک أهل الکوفة،ویکفیک زیاد أهل البصرة،ولیس بعد هذین المصرین أحدٌ یخالفک،قال:

فارجع إلی عملک وتحدّث مع من تثق إلیه فی ذلک،وتری ونری.

فودّعه ورجع إلی أصحابه،فقالوا:مَه ! قال:لقد وضعتُ رِجلَ معاویة فی غرزٍ (2)بعیدِ الغایة علی امّة محمّد،وفتقت علیهم فتقاً لا یرتق (3)أبداً.وتمثّل:

بمثلی شاهدی نجوی وغالی بی الأعداء والخصم الغضابا (4)

وسار المغیرة حتّی قدم الکوفة،وذاکر من یثق إلیه ومن یعلم أنّه شیعة لبنی امیّة أمر یزید،فأجابوا إلی بیعته،فأوفَدَ منهم عشرة-ویقال:أکثر من عشرة-

ص:213

وأعطاهم ثلاثین ألف درهم،وجعل علیهم ابنه موسی بن المغیرة،وقدموا علی معاویة فزیّنوا له بیعةَ یزید ودعَوه إلی عقدها،فقال معاویة:لا تعجلوا بإظهار هذا وکونوا علی رأیکم.ثمَّ قال لموسی:بِکَمِ اشتری أبوک من هؤلاء دینَهم؟قال:

بثلاثین ألفاً،قال:لقد هان علیهم دینُهم !

وقیل:أرسل أربعین رجلاً وجعل علیهم ابنه عروة،فلمّا دخلوا علی معاویة قاموا خطباء فقالوا:إنَّما أشخصهم إلیه النظر لاُمّة محمّد صلّی اللّه علیه و آله،وقالوا:یا أمیر المؤمنین، کَبِرَت سِنُّک وخِفنَا انتشارَ الحبل فَانصَب لنا عَلَماً،وحدّ لنا حدّاً ننتهی إلیه،فقال:

أشیروا علیَّ،فقالوا:نشیر بیزید ابن أمیر المؤمنین،فقال:أوَقد رضیتموه؟قالوا:

نعم،قال:وذلک رأیکم؟قالوا:نعم،ورأی مَن وراءنا،فقال معاویة لعروة سرّاً عنهم:بکم اشتری أبوک من هؤلاء دینهم؟قال:بأربعمئة دینار.قال:لقد وجد دینهم عندهم رخیصاً ! وقال لهم:ننظر ما قَدِمتُم له،ویقضی اللّه ما أراد،والأناة خیرٌ من العجلة.فرجعوا.

وقوی عزم معاویة علی البیعة لیزید،فأرسل إلی زیاد یستشیره،فأحضر زیاد عبید بن کعب النمیری وقال له:إنّ لکلّ مستشیر ثقة،ولکلّ سرّ مستودع،وإنّ الناس قد أُبدع بهم خصلتان:إذاعة السرّ،وإخراج النصیحة إلی غیر أهلها،ولیس موضوع السرّ إلّاأحد رجلین:رجلُ آخرةٍ یرجو ثوابَها،ورجلُ دنیا له شَرَفٌ فی نفسه وعقلٌ یصون حَسَبَهُ،وقد خَبَرتُهما منک،وقد دعوتُک لأمرٍ اتّهمتُ علیه بطون الصحف:إنّ أمیر المؤمنین کتب یستشیرنی فی کذا وکذا،وإنّه یتخوّف نفرة الناس، ویرجو طاعتهم،وعلاقةُ أمرِ الإسلام وضمانُه عظیم،ویزید صاحب رَسْلَة (1)وتهاون مع ما قد أولع به من الصید،فالقَ أمیر المؤمنین وأدِّ إلیه فعلات یزید،وقل له:رُوَیدَکَ بالأمر،فأحری لک أن یتمّ لک،لا تعجل؛فإنّ دَرَکاً (2)فی تأخیرٍ خیرٌ من فوتٍ فی عجلة.

ص:214

فقال له عُبید:أفلا غیر هذا؟قال:وما هو؟قال:لا تفسد علی معاویة رأیه،ولا تبغّض إلیه ابنه،وألقی أنا یزید فاُخبره أنّ أمیر المؤمنین کتب إلیک یستشیرک فی البیعة له،وأنّک تتخوّف خلاف الناس علیه لِهَنات (1)ینقمونها علیه،وأنّک تری له ترک ما ینقم علیه لتستحکم له الحجّة علی الناس،ویتمّ ما ترید،فتکون قد نصحت أمیر المؤمنین وسلمت ممّا تخاف من أمر الاُمّة.

فقال زیاد:لقد رمیت الأمر بِحُجرِهِ،اشخَص علی برکة اللّه،فإن أصبت فما لا یُنکَر، وإن یکن خطأ فغیرُ مُستَغَشٍّ (2)،وتقول بما تری،ویقضی اللّه بغیب ما یعلم.

فقدم علی یزید فذکر ذلک له،فکفّ عن کثیرٍ ممّا کان یصنع،وکتب زیاد معه إلی معاویة یشیر بالتُّؤَدَةِ (3)وألّا یعجل،فقبل منه،فلمّا مات زیاد عزم معاویة علی البیعة لابنه یزید،فأرسل إلی عبداللّه بن عمر مئة ألف درهم فقبلها،فلمّا ذکر البیعة لیزید قال ابن عمر:هذا أراد؟! إنّ دینی إذاً لرخیص ! ! وامتنع. (4)

معن السلمی،وعبداللّه بن عصام الأشعری،فأمرهم أن یقوموا إذا فرغ الضحّاک وأن یصدّقوا قوله ویدعوه إلی [بیعة] (1)یزید. (2)

ثمّ خطب معاویة،فتکلّم القوم بعده علی ما یروقه من الدعوة إلی یزید،فقال معاویة:أین الأحنف؟فأجابه،قال:ألا تتکلّم؟فقام الأحنف،فحمد اللّه وأثنی علیه،ثمّ قال:

أصلح اللّه أمیر المؤمنین،إنّ الناس قد أمسوا فی مُنکَرِ زمانٍ قد سلف،ومعروفِ زمانٍ مؤتَنَفٍ (3)،ویزید ابن أمیر المؤمنین نِعم الخلف،وقد حَلِبتَ الدّهر أشطُرَهُ (4)یا أمیر المؤمنین ! فاعرف من تسند إلیه الأمر من یدک،ثمّ اعصِ أمرَ من یأمرک،لا یَغرُرک مَن یُشیر علیک ولا ینظر لک،وأنت أنظر للجماعة وأعلم باستقامة الطاعة، [مع ] (5) أنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا یرضون بهذا،ولا یبایعون لیزید ما کان الحسن حیّاً.

فغضب الضحّاک،فقام الثانیة فحمد اللّه وأثنی علیه،ثمّ قال:

أصلح اللّه أمیر المؤمنین،إنّ أهل النفاق من أهل العراق،مروءتهم فی أنفسهم الشقاق،وإلفتهم فی دینهم الفراق،یرون الحقّ علی أهوائهم کأنّما ینظرون بأقفائهم (6)،اختالوا جهلاً وبطراً،لا یرقبون من اللّه راقبة،ولا یخافون وبال عاقبة، اتّخذوا إبلیس لهم ربّاً،واتّخذهم إبلیس حزباً؛فمن یقاربوه لا یسرّوه،ومَن یفارقوه لا یضرّوه،فادفع رأیهم-یا أمیر المؤمنین-فی نحورهم،وکلامهم فی

ص:216

صدورهم،ما للحسن وذوی الحسن فی سلطان اللّه الّذی استخلف به معاویة فی أرضه؟! هیهات ! ولا تورث الخلافة عن کَلالَةٍ (1)،ولا یُحجَب غیر الذکَرِ العَصَبَة (2)، فوطّنوا أنفسکم-یا أهل العراق-علی المناصحة لإمامکم وکاتب نبیّکم وصهره، یسلم لکم العاجل،وتربحوا من الآجل.

ثمّ قام الأحنف بن قیس،فحمد اللّه وأثنی علیه،ثمّ قال:

یا أمیر المؤمنین،إنّا قد فررنا (3)عنک قریشاً فوجدناک أکرمها زنداً،وأشدّها عقداً، وأوفاها عهداً،قد علمت أنّک لم تفتح العراق عنوةً (4)،ولم تظهر علیها قَعصاً (5)، ولکنّک أعطیت الحسن بن علیّ من عهود اللّه ما قد علمت؛لیکون له الأمر من بعدک،فإن تفِ فأنت أهل الوفاء،وإن تغدر (6)تعلم واللّه أنّ وراء الحسن خیولاً جیاداً،وأذرُعاً شداداً،وسیوفاً حداداً،إن تَدنُ له شبراً من غدرٍ،تجد وراءه باعاً (7)من نصر،وإنّک تعلم أنّ أهل العراق ما أحبّوک منذ أبغضوک،ولا أبغضوا علیّاً وحسناً منذ أحبّوهما،وما نزل علیهم فی ذلک خبرٌ (8)من السماء،وإنّ السیوف الّتی شهروها علیک مع علیّ یوم صفّین لعلی عواتقهم،والقلوب الّتی أبغضوک بها لَبین جوانحهم، وایم اللّه،إنّ الحسن لأحبّ إلی أهل العراق من علیّ.

ثمّ قام عبدالرحمن بن عثمان الثقفی،فأثنی علی یزید وحثّ معاویة إلی بیعته.

فقام معاویة فقال:

ص:217

أیّها الناس،إنّ لإبلیس من الناس،إخواناً وخُلّاناً،بهم یستعدّ وإیّاهم یستعین، وعلی ألسنتهم ینطق،إن رَجوا طمعاً أوجفوا (1)،وإن استُغنی عنهم أرجفوا (2)،ثمّ یُلقحون الفتن بالفجور،ویُشقّقون لها حطب النفاق،عیّابون مُرتابون،إن لَوَوا (3)عروة أمرٍ حنفوا (4)،وإن دُعوا إلی غیٍّ أسرفوا،ولیسوا اولئک بمنتهین،ولا بمقلعین، ولا متّعظین حتّی تصیبهم صواعق خزیٍ وبیلٍ (5)،وتحُلّ بهم قوارِع أمرٍ جلیلٍ تجتثّ اصولهم کاجتثاث اصول الفقع (6)،فأولی لاُولئک ثمّ أولی (7)؛فإنّا قد قدّمنا وأنذرنا إن أغنی التقدّم شیئاً أو نفع النُذر.

فدعا معاویة الضحّاک فولّاه الکوفة،ودعا عبد الرحمن فولّاه الجزیرة.

ثمّ قام الأحنف بن قیس فقال:

یا أمیر المؤمنین،أنت أعلمنا بیزید فی لیله ونهاره وسرّه وعلانیته،ومدخله ومخرجه،فإن کنت تعلمه للّه رضاً ولهذه الاُمّة،فلا تشاور الناس فیه،وإن کنت تعلم منه غیر ذلک،فلا تزوّده الدنیا وأنت صائرٌ إلی الآخرة؛فإنّه لیس لک من الآخرة إلّا ما طاب،واعلم أنّه لاحجّة لک عند اللّه إن قدّمت یزید علی الحسن والحسین،وأنت تعلم من هما وإلی ما هما،وإنّما علینا أن نقول: «سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَکَ رَبَّنا وَ إِلَیْکَ الْمَصِیرُ» 8 . (8)

ص:218

قال الأمینی:لمّا حسّ معاویة-بَدءَ إعرابِهِ (1)عمّا رامه من البیعة لیزید-أنّ الفئة الصالحة من الاُمّة قطّ لا تُخبِتُ (2)إلی تلک البیعة الوبیلة ما دامت للحسن السبط الزکیِّ-سلام اللّه علیه-باقیةٌ من الحیاة،علی أنّه أعطی الإمام مواثیق مؤکّدة لیکون له الأمر من بعده،ولیس له أن یعهد إلی أیّ أحدٍ،فرأی توطید السبل لِجُروه (3)فی قتل ذلک الإمام الطاهر،وجعل ما عهد له تحت قدمیه.

قال أبو الفرج:

أراد معاویة البیعة لابنه یزید،فلم یکن شیء أثقل علیه من أمر الحسن بن علیّ علیه السّلام وسعد بن أبی وقّاص،فدسّ إلیهما سمّاً فماتا منه.

وسیوافیک تفصیل القول فی أنّ معاویة هو الّذی قتل الحسن السبط سلام اللّه علیه. (4)

یا أهل الشام،إنّه کبرت سنّی وقرب أجلی،وقد أردت أن أعقد لرجلٍ یکون نظاماً لکم،وإنّما أنا رجلٌ منکم فَرَوْا رأیکم.

فأصفقوا (1)واجتمعوا وقالوا:رضینا عبد الرحمن بن خالد بن الولید ! فشقّ ذلک علی معاویة وأسرّها فی نفسه،ثمّ إنّ عبد الرحمن مرض فأمر معاویة طبیباً عنده یهودیّاً یقال له ابن أثالَ-وکان عنده مکیناً-أن یأتیه فیسقیه سقیة یقتله بها،فأتاه فسقاه فانخرق بطنه فمات،ثمَّ دخل أخوه المهاجر بن خالد دمشق مستخفیاً هو وغلام له،فرصدا ذلک الیهودی،فخرج لیلاً من عند معاویة فهجم علیه ومعه قومٌ هربوا عنه فقتله المهاجر.

وفی الأغانی:

إنّه قتله خالد بن المهاجر،فاُخذ واُتی به معاویة،فقال له:لا جزاک اللّه من زائرٍ خیراً ! قتلت طبیبی؟! قال:قتلت المأمور وبقی الآمر. (2)

قال أبو عمر بعد ذکر القصّة:

وقصّته هذه مشهورةٌ عند أهل السیر والعلم بالآثار والأخبار اختصرناها،ذکرها عمر بن شبّة فی أخبار المدینة وذکرها غیره. (3)

قال الأمینی:وقعت هذه القصّة سنة 46،وهی السنة الثانیة من هاجسة بیعة یزید.

أما لقد اصطنعک أبی ورفاک حتّی بلغت باصطناعه المدی الذی لا یُجاری إلیه ولا یُسامی،فما شکرت بلاءه ولا جازیته بآلائه،وقدّمت علیّ هذا-یعنی یزید بن معاویة-وبایعت له،وواللّه لأنا خیرٌ منه أباً واُمّاً ونفساً.

فقال معاویة:

أمّا بلاء أبیک فقد یحقّ علیّ الجزاء به،وقد کان من شکری لذلک أنّی طلبت بدمه حتّی تکشّفت الاُمور،ولست بلائم لنفسی فی التشمیر (1).وأمّا فضل أبیک علی أبیه، فأبوک واللّه خیرٌ منّی وأقرب برسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله.وأمّا فضل امّک علی امّه فما یُنکر؛ امرأة من قریش خیرٌ من امرأة من کلب.وأمّا فضلک علیه فواللّه ما احبّ أنّ الغوطَةَ (2)دَحَسَت (3)لیزید رجالاً مثلک !

فقال له یزید:

یا أمیر المؤمنین،ابن عمّک وأنت أحقّ مَن نظر فی أمره،وقد عتب علیک لی فأعتبه. (4)

وفی لفظ ابن قتیبة:فلمّا قدم معاویة الشام،أتاه سعید بن عثمان بن عفّان،وکان شیطان قریش ولسانها،قال:

یا أمیر المؤمنین ! عَلام تبایع لیزید وتترکنی؟فواللّه،لتعلم أنّ أبی خیر من أبیه،واُمّی خیرٌ من امّه،وأنا خیرٌ منه،وإنّک إنّما نلت ما أنت فیه بأبی.

فضحک معاویة وقال:

یابن أخی،أمّا قولک:إنّ أباک خیرٌ من أبیه،فیوم من عثمان خیرٌ من معاویة،وأمّا

ص:221

قولک:إنَّ امّک خیرٌ من امّه،ففضل قرشیّة علی کلبیّة فضلٌ بیّن،وأمّا أن أکون نلت ما أنا فیه بأبیک،فإنّما هو الملک یؤتیه اللّه من یشاء،قُتل أبوک رحمه اللّه فتواکلته بنو العاصی،وقامت فیه بنو حرب،فنحن أعظم بذلک منّةً علیک،وأمّا [أن ] (1) تکون خیراً من یزید،فواللّه ما احبّ أنّ داری مملوءة رجالاً مثلک بیزید،ولکن دعنی من هذا القول،وسلنی اعطک.

فقال سعید بن عثمان بن عفّان:

یا أمیر المؤمنین،لا یعدم یزید مزکّیاً ما دمت له،وما کنت لأرضی ببعض حقّی دون بعض،فإذا أبیت فأعطنی ممّا أعطاک اللّه.

فقال معاویة:

لک خراسان،قال سعید:وما خراسان؟قال:إنّها لک طعمة (2)وصلة رحم ! فخرج راضیاً وهو یقول:

ذکرت أمیر المؤمنین وفضله

فعاد أمیر المؤمنین بفضله

فلمّا انتهی قوله إلی معاویة أمر یزید أن یزوّده،وأمر إلیه بخلعة،وشیّعه فرسخاً. (3)

قال ابن عساکر فی تاریخه:کان أهل المدینة یحبّون سعیداً ویکرهون یزید، فقدم علی معاویة،فقال له:یابن أخی،ما شیء یقوله أهل المدینة؟قال:ما

ص:222

یقولون؟قال:قولهم:

واللّه لا ینالها یزیدُ حتّی یعضّ هامه (1)الحدید

إنّ الأمیر بعده سعیدُ

قال:

ما تنکر من ذلک یا معاویة؟! واللّه،إنّ أبی لخیر من أبی یزید،ولاُمّی خیرٌ من امّه، ولأنا خیرٌ منه،ولقد استعملناک فما عزلناک بعدُ،ووصلناک فما قطعناک،ثمّ صار فی یدیک ما قد تری فحلّأتنا (2)عنه أجمع.

فقال له:أمّا قولک.الحدیث.... (3)

وقال:حکی الحسن بن رشیق قصّة سعید مع معاویة بأطول ممّا مرّ-ثمّ ذکر حکایة ابن رشیق-وفیها:فولّاه معاویة خراسان،وأجازه بمئة ألف درهم.

إنّ أمیر المؤمنین قد اختار لکم فلم یألُ،وقد استخلف ابنه یزید بعده.

فقام عبد الرحمن بن أبی بکر فقال:

کذبت واللّه یا مروان وکذب معاویة ! ما الخیار أردتما لاُمّة محمّد،ولکنّکم تریدون أن تجعلوها هرقلیّة کلّما مات هرقل قام هرقل.

فقال مروان:

هذا الّذی أنزل اللّه فیه: «وَ الَّذِی قالَ لِوالِدَیْهِ أُفٍّ لَکُما» 1 الآیة.

فسمعت عائشة مقالته من وراء الحجاب،وقالت:یا مروان ! یا مروان ! فأنصت الناس وأقبل مروان بوجهه،فقالت:

أنت القائل لعبد الرحمن إنّه نزل فیه القرآن؟کذبت واللّه ما هو به،ولکنّه فلان بن فلان،ولکنّک أنت فضض (1)من لعنة نبیّ اللّه.

وقام الحسین بن علیّ علیه السّلام فأنکر ذلک،وفعل مثله ابن عمر وابن الزبیر،فکتب مروان بذلک إلی معاویة،وکان معاویة قد کتب إلی عمّاله بتقریظ یزید ووصفه،وأن یوفدوا إلیه الوفود من الأمصار،فکان فیمن أتاه محمّد بن عمرو بن حزم من المدینة،والأحنف بن قیس فی وفد أهل البصرة.فقال محمّد بن عمرو لمعاویة:

إنّ کلّ راع مسؤول عن رعیّته،فانظر من تولّی أمر امّة محمّد.

فأخذ معاویة بُهر (2)حتّی جعل یتنفّس فی یومٍ شاتٍ،ثمّ وصَله وصرَفه.

وأمر الأحنف أن یدخل علی یزید،فدخل علیه،فلمّا خرج من عنده قال له:

کیف رأیت ابن أخیک؟قال:رأیت شباباً ونشاطاً وجلداً ومزاحاً.

ثمّ إنّ معاویة قال للضحّاک بن قیس الفهری لمّا اجتمع الوفود عنده:

إنّی متکلّم،فإذا سکتُّ فکن أنت الّذی تدعو إلی بیعة یزید وتحثّنی علیها.

ص:224

فلمّا جلس معاویة للناس،تکلّم فعظّم أمر الإسلام وحرمة الخلافة وحقّها،وما أمر اللّه به من طاعة ولاة الأمر،ثمّ ذکر یزید وفضله وعلمه بالسیاسة،وعرّض ببیعته،فعارضه الضحّاک،فحمد اللّه وأثنی علیه،ثمّ قال:

یا أمیر المؤمنین،إنّه لابدّ للناس من والٍ بعدک،وقد بلونا الجماعة والاُلفة فوجدناهما أحقن للدماء،وأصلح للدهماء (1)،وآمن للسبل،وخیراً فی العاقبة، والأیّام عوج رواجع،واللّه کلّ یوم هو فی شأن،ویزید ابن أمیر المؤمنین فی حسن هدیه وقصد سیرته علی ما علمت،وهو من أفضلنا علماً وحلماً،وأبعدنا رأیاً،فولّه عهدک،واجعله لنا علماً بعدک،ومفزعاً نلجأ إلیه،ونسکن فی ظلّه.

وتکلّم عمرو بن سعید الأشدق بنحوٍ من ذلک.ثمّ قام یزید بن المقنع العذری، فقال:

هذا أمیر المؤمنین-وأشار إلی معاویة-فإن هلک فهذا-وأشار إلی یزید-ومَن أبی فهذا-وأشار إلی سیفه-.فقال معاویة:اجلس فأنت سیّد الخطباء.وتکلّم من حضر من الوفود.

فقال معاویة للأحنف:ما تقول یا أبا بحر؟فقال:

نخافکم إن صدقنا،ونخاف اللّه إن کذبنا،وأنت أمیر المؤمنین أعلم بیزید فی لیله ونهاره،وسرِّه وعلانیته،ومدخله ومخرجه،فإن کنت تعلمه للّه تعالی وللاُمّة رضیً فلا تشاور فیه،وإن کنت تعلم فیه غیر ذلک فلا تزوّده الدنیا وأنت صائرٌ إلی الآخرة، وإنّما علینا أن نقول:سمعنا وأطعنا.

وقام رجلٌ من أهل الشام فقال:

ما ندری ما تقول هذه المعدیّة العراقیّة،وإنّما عندنا سمع وطاعة وضرب وازدلاف.

فتفرّق الناس یحکون قول الأحنف.وکان معاویة یعطی المقارب ویُداری المباعد ویلطف به،حتّی استوثق له أکثر الناس وبایعه. (2)

ص:225

صورة اخری:قالوا:ثمّ لم یلبث معاویة بعد وفاة الحسن علیه السّلام إلّایسیراً أن بایع لیزید بالشام،وکتب بیعته إلی الآفاق،وکان عامله علی المدینة مروان بن الحکم، فکتب إلیه یذکر الّذی قضی اللّه به علی لسانه من بیعة یزید،ویأمره بجمع من قبله من قریش وغیرهم من أهل المدینة یبایعوا لیزید.

فلمّا قرأ مروان کتاب معاویة أبی من ذلک وأبته قریش،فکتب لمعاویة:«إنّ قومک قد أبوا إجابتک إلی بیعتک ابنک،فأرِنی رأیک».فلمّا بلغ معاویة کتاب مروان عرف ذلک من قبله،فکتب إلیه یأمره أن یعتزل عمله،ویخبره أنّه قد ولّی المدینة سعید بن العاص،فلمّا بلغ مروان کتاب معاویة،أقبل مغاضباً فی أهل بیته وناس کثیر من قومه،حتّی نزل بأخواله بنی کنانة،فشکا إلیهم وأخبرهم بالّذی کان من رأیه فی أمر معاویة وفی عزله،واستخلافه یزید ابنه عن غیر مشاورة مبادرة له، فقالوا:نحن نبلک فی یدک،وسیفک فی قرابک،فمن رمیته بنا أصبناه،ومن ضربته قطعناه،الرأی رأیک،ونحن طوع یمینک.

ثمّ أقبل مروان فی وفدٍ منهم کثیر ممّن کان معه من قومه وأهل بیته،حتّی نزل دمشق،فخرج حتّی أتی سدَّة (1)معاویة،وقد أذن للناس،فلمّا نظر الحاجب إلی کثرة مَن معه مِن قومه وأهل بیته منعه من الدخول،فوثبوا إلیه فضربوا وجهه،حتّی خلّی عن الباب،ثمّ دخل مروان ودخلوا معه،حتّی إذا کان معاویة بحیث تناله یده،قال بعد التسلیم علیه بالخلافة:

إنّ اللّه عظیمٌ خطره،لا یقدر قادرٌ قدره،خلق من خلقه عباداً جعلهم لدعائم دینه أوتاداً،هم رقباؤه علی البلاد،وخلفاؤه علی العباد،أسفر بهم الظلم،وألّف بهم الدین،وشدّد بهم الیقین،ومنح بهم الظفر،ووضع بهم من استکبر،فکان من قبلک

ص:226

من خلفائنا یعرفون ذلک فی سالف زماننا،وکنّا نکون لهم علی الطاعة إخواناً، وعلی من خالف عنّا أعواناً،یُشدّ بنا العضد،ویُقام منّا الأوَد (1)،ونستشار فی القضیّة،ونستأمر فی أمر الرعیّة،وقد أصبحنا الیوم فی امور مستخیرة،ذات وجوه مستدیرة،تفتح بأزمّة الضّلال،وتجلس بأسوأ الرجال،یؤکل جزورها وتُمقّ (2)أحلابها،فما لنا لا نُستأمر فی رضاعها،ونحن فطامها وأولاد فطامها؟وایم اللّه ! لولا عهودٌ مؤکّدة ومواثیق معقّدة،لأقمت أوَد ولیّها،فأقم الأمر یابن أبی سفیان، واهدأ من تأمیرک الصبیان،واعلم أنّ لک فی قومک نظراً،وأنّ لهم علی مناوأتک (3)وزراً (4).

فغضب معاویة من کلامه غضباً شدیداً،ثمّ کظم غیظه بحلمه،وأخذ بید مروان ثمّ قال:

إنّ اللّه قد جعل لکلّ شیء أصلاً،وجعل لکلّ خیرٍ أهلاً،ثمّ جعلک فی الکرم منّی محتداً (5)،والعزیز منّی والداً،اخترت من قروم (6)قادة،ثمّ استللت سیّد سادة،فأنت ابن ینابیع الکرم، (7)فمرحباً بک وأهلاً من ابن عمّ،ذکرت خلفاء مفقودین،شهداء صدّیقین،کانوا کما نعتّ،وکنت لهم کما ذکرت،وقد أصبحنا فی امور مستخیرة ذات وجوهٍ مستدیرة،وبک واللّه یابن العمّ نرجو استقامة أوَدها،وذلولة صعوبتها،

ص:227

وسفور ظلمتها،حتّی یتطأطأ جسیمها (1)،ویرکب بک عظیمها،فأنت نظیر أمیر المؤمنین بعده،وفی کلّ شیء (2)عضده،وإلیک بعد (3)عهده،فقد ولّیتک قومک، وأعظمنا فی الخراج سهمک،وأنا مجیز وفدک،ومحسن رفدک،وعلی أمیر المؤمنین غناک،والنزول عند رضاک.

فکان أوّل ما رزق ألف دینار فی کلّ هلال،وفرض له فی أهل بیته مئة مئة. (4)

جعفر،والحسین بن علیّ علیه السّلام کتباً،وأمر سعید بن العاص أن یوصلها إلیهم ویبعث بجواباتها.وکتب إلی سعید بن العاص:

أمّا بعد:فقد أتانی کتابک وفهمت ما ذکرت فیه من إبطاء الناس عن البیعة ولا سیّما بنی هاشم،وما ذکر ابن الزبیر،وقد کتبت إلی رؤسائهم کتباً،فسلّمها إلیهم وتنجّز جواباتها،وابعث بها حتّی أری فی ذلک رأیی،ولتشدّ عزیمتک ولتصلب شکیمتک (1)وتحسن نیّتک،وعلیک بالرّفق،وإیّاک والخُرق (2)؛فإنّ الرفق رشد والخرق نکد، وانظر حسیناً خاصّة فلا یناله منک مکروه؛فإنّ له قرابة وحقّاً عظیماً لا ینکره مسلم ولا مسلمة،وهو لیث عرین،ولست آمنک إن تشاوره أن لا تقوی علیه.فأمّا من یرد مع السباع إذا وردت ویکنس (3)إذا کنست،فذلک عبداللّه بن الزبیر،فاحذره أشدّ الحذر،ولا قوّة إلّاباللّه،وأنا قادمٌ علیک إن شاء اللّه.والسّلام.... (4)

ذَکَرتَ أنَّهُ رُقِّیَ إلَیکَ عَنّی،فَإِنَّما رَقّاهُ المَلّاقونَ المَشّاؤونَ بِالنَّمیمَةِ المُفَرِّقونَ بَینَ الجَمعِ،وکَذَبَ الغاوونَ المارِقونَ،ما أرَدتُ حَرباً ولا خِلافاً،وإنّی لَأَخشَی اللّهَ فی تَرکِ ذلِکَ مِنکَ ومِن حِزبِکَ القاسِطینَ المُحِلّینَ،حِزبِ الظّالِمِ وأعوانِ الشَّیطانِ الرَّجیمِ...إلی آخر الکتاب. (1)

وإنِّی لأخشی أن أنا لک بالّذی أردت فیجزی اللّه مَن کان أظلما

فکتب عبداللّه بن الزبیر إلی معاویة:

ألا سمع اللّه الذی أنا عبدهُ

الحمد للّه الّذی أمرنا بحمده،ووعدنا علیه ثوابه،نحمده کثیراً کما أنعم علینا کثیراً، وأشهد أن لا إله إلّااللّه وحده لا شریک له،وأنّ محمّداً عبده ورسوله.

أمّا بعد:فإنّی قد کبر سنّی ووهن عظمی،وقرب أجلی وأوشکت أن ادعی فاُجیب، وقد رأیت أن أستخلف علیکم بعدی یزید،ورأیته لکم رضیً،وأنتم عبادلة قریش وخیارها وأبناء خیارها،ولم یمنعنی أن احضر حسناً وحسیناً إلّاأنّهما أولاد أبیهما،علی حسن رأیی فیهما،وشدید محبّتی لهما،فردّوا علی أمیر المؤمنین خیراً یرحمکم اللّه.

فتکلّم عبداللّه بن العبّاس فقال:

الحمد للّه الّذی ألهمنا أن نحمده،واستوجب علینا الشکر علی آلائه وحسن بلائه، وأشهد أن لا إله إلّااللّه وحده لا شریک له،وأنّ محمّداً عبده ورسوله،وصلّی اللّه علی محمّد وآل محمّد.

أمّا بعد،فإنّک قد تکلّمت فأنصتنا،وقلت فسمعنا،وإنّ اللّه جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه اختار محمّداً صلّی اللّه علیه و آله لرسالته،واختاره لوحیه،وشرّفه علی خلقه،فأشرف الناس من تشرّف به،وأولاهم بالأمر أخصّهم به،وإنّما علی الاُمّة التسلیم لنبیّها إذ اختاره اللّه لها،فإنّه إنّما اختار محمّداً بعلمه وهو العلیم الخبیر،وأستغفر اللّه لی ولکم.

فقام عبداللّه بن جعفر،فقال:

الحمد للّه أهل الحمد ومنتهاه،نحمده علی إلهامنا حمده،ونرغب إلیه فی تأدیة حقّه،وأشهد أن لا إله إلّااللّه واحداً صمداً لم یتّخذ صاحبةً ولا ولداً،وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلّی اللّه علیه و آله.

أمّا بعد،فإنّ هذه الخلافة إن اخذ فیها بالقرآن،ف «أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللّهِ» 1 ،وإن اخذ فیها بسنّة رسول اللّه فاُولو رسول اللّه،وإن اخذ

ص:232

بسنّة الشیخین أبی بکر وعمر فأیّ الناس أفضل وأکمل وأحقّ بهذا الأمر من آل الرسول.وأیم اللّه،لو ولّوه بعد نبیّهم لوضعوا الأمر موضعه،لحقّه وصدقه،ولاُطیع اللّه وعُصی الشیطان،وما اختلف فی الاُمّة سیفان،فاتّق اللّه یا معاویة ! فإنّک قد صرت راعیاً ونحن الرعیّة،فانظر لرعیّتک؛فإنّک مسؤول عنها غداً.وأمّا ما ذکرت من ابنَی عمّی وترکک أن تحضرهما،فواللّه،ما أصبت الحقّ،ولا یجوز لک ذلک إلّا بهما،وإنّک لتعلم أنّهما معدن العلم والکرم،فقُل أو دع،وأستغفر اللّه لی ولکم.

فتکلّم عبداللّه بن الزبیر،فقال:

الحمد للّه الذی عرّفنا دینه،وأکرمنا برسوله،أحمده علی ما أبلی وأولی،وأشهد أن لا إله إلّااللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله.

أمّا بعد،فإنّ هذه الخلافة لقریش خاصّة،تتناولها بمآثرها السنیّة وأفعالها المرضیّة،مع شرف الآباء،وکرم الأبناء،فاتّق اللّه یا معاویة ! وأنصف من نفسک؛ فإنّ هذا عبداللّه بن عبّاس ابن عمّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله،وهذا عبداللّه بن جعفر ذو الجناحین ابن عمّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله،وأنا عبداللّه بن الزبیر ابن عمّة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله،وعلیُّ خلّف حسناً وحسیناً،وأنت تعلم مَن هما وما هما،فاتّق اللّه یا معاویة ! وأنت الحاکم بیننا وبین نفسک.

فتکلّم عبداللّه بن عمر،فقال:

الحمد للّه الّذی أکرمنا بدینه وشرّفنا بنبیّه صلّی اللّه علیه و آله.

أمّا بعد،فإنّ هذه الخلافة لیست بهرقلیّة ولا قیصریّة ولا کسرویّة یتوارثها الأبناء عن الآباء،ولو کان کذلک کنت القائم بها بعد أبی،فواللّه،ما أدخلنی مع الستّة من أصحاب الشوری،إلّاأنّ الخلافة لیست شرطاً مشروطاً،وإنّما هی فی قریش خاصّة،لمن کان لها أهلاً ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم،مَن کان أتقی وأرضی، فإن کنتَ ترید الفتیان من قریش،فلعمری إنّ یزید من فتیانها،واعلم أنّه لا یغنی عنک من اللّه شیئاً.

ص:233

فتکلّم معاویة فقال:

قد قلت وقلتم،وإنّه قد ذهبت الآباء وبقیت الأبناء،فابنی أحبّ إلیَّ من أبنائهم،مع أنّ ابنی إن قاولتموه وجد مقالاً،وإنّما کان هذا الأمر لبنی عبد مناف؛لأنّهم أهل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله،فلمّا مضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله ولّی الناسُ أبا بکر وعمر من غیر معدن الملک والخلافة،غیر أنّهما سارا بسیرةٍ جمیلة،ثمّ رجع الملک إلی بنی عبد مناف، فلا یزال فیهم إلی یوم القیامة،وقد أخرجک اللّه یا بن الزبیر وأنت یابن عمر منها، فأمّا ابنا عمّی هذان (1)فلیسا بخارجین من الرأی إن شاء اللّه.

ثمّ أمر بالرحلة،وأعرض عن ذکر البیعة لیزید،ولم یقطع عنهم شیئاً من صِلاتهم واُعطیاتهم،ثمّ انصرف راجعاً إلی الشام،وسکت عن البیعة فلم یعرض لها إلی سنة إحدی وخمسین. (2)

قال الأمینی:لم یذکر فی هذا اللفظ ما تکلّم به عبد الرحمن،ذکره ابن حجر فی الإصابة ج 2 ص 408 (3)،قال:خطب معاویة فدعا الناس إلی بیعة یزید،فکلّمه الحسین بن علیّ علیه السّلام وابن الزبیر وعبد الرحمن بن أبی بکر،فقال له عبد الرحمن:

أهرقلیّة؟کلّما مات قیصر کان قیصر مکانه؟! لا نفعل واللّه أبداً.

[ یا ] (1) أهل المدینة،مازلت أطوی الحزن من وعثاء السفر (2)بالحبّ لمطالعتکم،حتّی انطوی البعید ولان الخشن،وحقّ لجار رسول اللّه أن یُتاق إلیه.

فردّ علیه القوم:

بنفسک ودارک ومهاجرک،أما إنّ لک منهم کإشفاق الحمیم (3)البرّ والحفیّ. (4)

حتّی إذا کان بِالجُرفِ (5)لقیه الحسین بن علیّ علیه السّلام وعبداللّه بن عبّاس،فقال معاویة:

مرحباً بابن بنت رسول اللّه وابن صنو أبیه،ثمّ انحرف إلی الناس فقال:هذان شیخا بنی عبد مناف.وأقبل علیهما بوجهه وحدیثه،فرحّب وقرّب،وجعل یواجه هذا مرّة،ویضاحک هذا اخری،حتّی ورد المدینة،فلمّا خالطها لقیته المشاة والنساء والصبیان یسلّمون علیه ویسایرونه إلی أن نزل،فانصرفا عنه،فمال الحسین علیه السّلام إلی منزله،ومضی عبداللّه بن عبّاس إلی المسجد فدخله،وأقبل معاویة ومعه خلقٌ کثیرٌ من أهل الشام،حتّی أتی عائشة امّ المؤمنین،فاستأذن علیها فأذنت له وحده لم یدخل علیها معه أحد،وعندها مولاها ذکوان.

فقالت عائشة:

یا معاویة ! أکنت تأمن أن اقعد لک رجلاً فأقتلک کما قتلتَ أخی محمّدبن أبی بکر؟

فقال معاویة:ما کنت لتفعلین ذلک.قالت:لِمَ؟قال:لأنّی فی بیت أمن؛بیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله.

ثمّ إنّ عائشة حمدت اللّه وأثنت علیه،وذکرت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله وذکرت أبا بکر وعمر،وحضّته علی الاقتداء بهما والاتّباع لأثرهما،ثمّ صمتت.قال:فلم یخطب

ص:235

معاویة وخاف أن یبلغ ما بلغت،فارتجل الحدیث ارتجالاً.ثمّ قال:

أنتِ-واللّه یا امّ المؤمنین-العالمة باللّه وبرسوله،دللتنا علی الحقّ،وحضضتنا علی حظّ أنفسنا،وأنت أهلٌ لأن یُطاع أمرک ویُسمع قولک،وإنّ أمر یزید قضاء من القضاء،ولیس للعباد الخیرة من أمرهم،وقد أکّد النّاس بیعتهم فی أعناقهم، وأعطوا عهودهم علی ذلک ومواثیقهم،أفتَرَین (1)أن ینقضوا عهودهم ومواثیقهم؟

فلمّا سمعت ذلک عائشة علمت أنّه سیمضی علی أمره،فقالت:

أمّا ما ذکرت من عهودٍ ومواثیق فاتّق اللّه فی هؤلاء الرهط ولا تعجل فیهم،فلعَلّهم لا یصنعون إلّاما أحببت.

ثمّ قام معاویة،فلمّا قام قالت عائشة:یا معاویة ! قتلت حُجراً وأصحابه العابدین المجتهدین ! فقال معاویة:دعی هذا،کیف أنا فی الّذی بینی وفی حوائجک؟قالت:

صالح،قال:فدعینا وإیّاهم حتّی نلقی ربّنا.

ثمّ خرج ومعه ذکوان،فاتّکأ علی ید ذکوان وهو یمشی ویقول:تاللّه،إن رأیت کالیوم قطّ خطیباً أبلغ من عائشة بعد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله.ثمّ مضی حتّی أتی منزله، فأرسل إلی الحسین بن علیّ علیه السّلام فخلا به،فقال له:

یابن أخی،قد استوثق الناس لهذا الأمر غیر خمسة نفر من قریش أنت تقودهم.

یابن أخی،فما إربک (2)إلی الخلاف؟

قال الحسین علیه السّلام:

أرسِل إلَیهِم،فَإن بایَعوکَ کُنتُ رَجُلاً مِنهُم،وإلّا [لَم ] (3) تَکُن عَجَّلتَ عَلیَّ بِأمرٍ.

قال:[وتفعل؟قال:] (4)نَعَم.فأخذ علیه ألّا یخبر بحدیثهما أحداً،فخرج وقد

ص:236

أقعد له ابن الزبیر رجلاً بالطریق،فقال:یقول لک أخوک ابن الزبیر:ما کان؟فلم یزل به حتّی استخرج منه شیئاً.

ثمّ أرسل معاویة إلی ابن الزبیر فخلا به،فقال له:

قد استوثق الناس لهذا الأمر غیر خمسة نفر من قریش أنت تقودهم یابن أخی،فما إربک إلی الخلاف؟

قال:

فأرسل إلیهم،فإن بایعوک کنت رجلاً منهم،وإلّا [لم ] (1) تکن عجّلت علیَّ بأمرٍ.

قال:وتفعل؟قال:نعم.فأخذ علیه ألّا یخبر بحدیثهما أحداً.

فأرسل بعده إلی ابن عمر،فأتاه وخلا به فکلّمه بکلام هو ألین من صاحبیه، وقال:

إنّی کرهت أن أدع امّة محمّد بعدی کالضأن لا راعی لها، (2)وقد استوثق الناس لهذا الأمر غیر خمسة نفر أنت تقودهم،فما إربک إلی الخلاف؟

قال ابن عمر:هل لک فی أمر تحقن به الدماء وتدرک به حاجتک؟

فقال معاویة:وددت ذلک،فقال ابن عمر:

تبرز سریرک ثمّ أجیء فاُبایعک علی أنّی (3)أدخل فیما اجتمعت علیه الاُمّة،فواللّه لو أنّ الاُمّة اجتمعت (4)علی عبد حبشیّ لدخلت فیما تدخل فیه الاُمّة.قال:وتفعل؟

ص:237

قال:نعم.ثمّ خرج.

وأرسل إلی عبد الرحمن بن أبی بکر فخلا به،قال:بأیّ یدٍ أو رجل تقدم علی معصیتی؟فقال عبد الرحمن:أرجو أن یکون ذلک خیراً لی.فقال معاویة:واللّه،لقد هممت أن أقتلک ! فقال:لو فعلت لأتبعک اللّه فی الدنیا ولأدخلک فی الآخرة النار.

ثمّ خرج.

بقی معاویة یومه ذلک یُعطی الخواصّ.ویُدنی بذمّة الناس (1).فلمّا کان صبیحة الیوم الثانی،أمر بفراشٍ فوضع له،وسوّیت مقاعد الخاصّة حوله وتلقاءه من أهله، ثمّ خرج وعلیه حلّةٌ یمانیّةٌ وعمامةٌ دکناء وقد أسبل طرفها بین کتفیه،وقد تغلّف (2)وتعطّر،فقعد علی سریره وأجلس کتّابه منه بحیث یسمعون ما یأمر به،وأمر حاجبه أن لا یأذن لأحد من النّاس وإن قرب.

ثمّ أرسل إلی الحسین بن علیّ علیه السّلام وعبداللّه بن عبّاس،فسبق ابن عبّاس،فلمّا دخل وسلّم علیه أقعده فی الفراش علی یساره،فحادثه ملیّاً،ثمّ قال:

یابن عبّاس،لقد وفّر اللّه حظّکم من مجاورة هذا القبر الشریف ودار الرّسول صلّی اللّه علیه و آله، فقال ابن عبّاس:نعم أصلح اللّه أمیر المؤمنین ! وحظّنا من القناعة بالبعض والتجافی عن الکلّ أوفر.

فجعل معاویة یحدّثه ویحید به عن طریق المجاوبة،ویعدل إلی ذکر الأعمار (3)علی اختلاف الغرائز والطبائع،حتّی أقبل الحسین بن علیّ علیه السّلام،فلمّا رآه معاویة جمع له وسادة کانت عن یمینه،فدخل الحسین علیه السّلام وسلّم،فأشار إلیه فأجلسه عن یمینه مکان الوسادة،فسأله معاویة عن حال بنی أخیه الحسن علیه السّلام وأسنانهم، فأخبره ثمّ سکت،ثمّ ابتدأ معاویة فقال:

ص:238

أمّا بعد،فالحمد للّه ولیّ النعم،ومنزل النقم،وأشهد أن لا إله إلّااللّه المتعالی عمّا یقول الملحدون علوّاً کبیراً،وأنّ محمّداً عبده المختصّ المبعوث إلی الجنّ والإنس کافّة،لینذرهم بقرآنٍ لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه،تنزیل من حکیمٍ حمید،فأدّی عن اللّه وصدع بأمره،وصبر عن الأذی فی جنبه،حتّی أوضح دین اللّه،وأعزّ أولیاءه،وقمع المشرکین،وظهر أمر اللّه وهم کارهون.

فمضی صلوات اللّه علیه وقد ترک من الدنیا ما بذل له،واختار منها الترک لما سخّر له زهادةً واختیاراً للّه،وأنفة واقتداراً علی الصبر،بُغیاً لما یدوم ویبقی،فهذه صفة الرّسول صلّی اللّه علیه و آله،ثمّ خلفه رجلان محفوظان وثالث مشکوک، (1)وبین ذلک خوض طولٍ ما عالجناه مشاهدةً ومکافحةً ومعاینةً وسماعاً،وما أعلم منه فوق ما تعلمان.

وقد کان من أمر یزید ما سبقتم إلیه وإلی تجویزه،وقد علم اللّه ما احاول به من أمر الرعیّة،من سدّ الخلل ولمّ الصّدع بولایة یزید،بما أیقظ العین وأحمد الفعل،هذا معنای فی یزید،وفیکما فضل القرابة وحظوة العلم وکمال المروءة،وقد أصبت من ذلک عند یزید علی المناظرة والمقابلة،ما أعیانی مثله عندکما وعند غیرکما،مع علمه بالسنّة وقراءة القرآن،والحلم الّذی یرجح بالصمّ (2)الصلاب.

وقد علمتما أنّ الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة،قدّم علی الصدّیق والفاروق ودونهما من أکابر الصحابة وأوائل المهاجرین یوم غزوة السلاسل (3)،مَن لم یقارب القوم ولم یعاندهم برتبة فی قرابة موصولة ولا سنّة مذکورة،فقادهم الرجل بإمرة، وجمع بهم صلاتهم،وحفظ علیهم فیئهم،وقال ولم یقل معه،وفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله اسوة حسنة،فمهلاً بنی عبد المطّلب ! فأنا وأنتم شعبا نفع وجد،ومازلت أرجو الإنصاف فی اجتماعکما،فما یقول القائل إلّابفضل قولکما،فردّا علی ذی رحم مستعتب ما یحمد به البصیرة فی عتابکما،وأستغفر اللّه لی ولکما.

ص:239

ودَع عَنکَ ما تُحاوِلُ،فَما أغناکَ أن تَلقَی اللّهَ بِوِزرِ هذَا الخَلقِ بِأَکثَرَ مِمّا أنتَ لاقیهِ، فَوَاللّهِ ما بَرِحتَ تُقَدِّرُ (1)باطِلاً فی جَورٍ،وحَنَقاً فی ظُلمٍ،حَتّی مَلَأتَ الأَسقِیَةَ،وما بَینَکَ وبَینَ المَوتِ إلّاغَمضَةٌ،فَتَقدَمُ عَلی عَمَلٍ مَحفوظٍ فی یَومٍ مَشهودٍ،ولاتَ حینَ مَناصٍ (2).

ورَأَیتُکَ عَرَضتَ بِنا بَعدَ هذَا الأَمرِ،ومَنَعتَنا عَن آبائِنا [تُراثاً ] (3)،ولَقَد-لَعَمرُ اللّهِ- أورَثَنَا الرَّسولُ علیه السّلام وِلادَةً وجِئتَ لَنا بِها،ما (4)حَجَجتُم بِهِ القائِمَ عِندَ مَوتِ الرَّسولِ فَأَذعَنَ لِلحُجَّةِ بِذلِکَ،ورَدَّهُ الإِیمانُ إلَی النَّصَفِ،فَرَکِبتُمُ الأَعالیلَ،وفَعَلتُمُ الأَفاعیلَ،وقُلتُم:کانَ ویَکونُ،حَتّی أتاکَ الأَمرُ-یا مُعاوِیَةُ-مِن طَریقٍ کانَ قَصدُها لِغَیرِکَ،فَهُناکَ «فَاعْتَبِرُوا یا أُولِی الْأَبْصارِ» 5 .

وذَکَرتَ قِیادَةَ الرَّجُلِ القَومَ بِعَهدِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وتَأمیرَهُ لَهُ،وقَد کانَ ذلِکَ ولِعَمرِو بنِ العاصِ یَومَئِذٍ فَضیلَةٌ بِصُحبَةِ الرَّسولِ وبَیعَتِهِ لَهُ،وما صارَ لِعَمرٍو یَومَئِذٍ حَتّی أنِفَ القَومُ إمرَتَهُ وکَرِهوا تَقدیمَهُ،وعَدّوا عَلَیهِ أفعالَهُ،فَقالَ صلّی اللّه علیه و آله:«لا جَرَمَ مَعشَرَ المُهاجِرینَ،لا یَعمَلُ عَلَیکُم بَعدَ الیَومِ غَیری»،فَکَیفَ تَحتَجُّ بِالمَنسوخِ مِن فِعلِ الرَّسولِ فی أوکَدِ الأَحوالِ وأولاها بِالمُجتَمَعِ عَلَیهِ مِنَ الصَّوابِ؟أم کَیفَ صاحَبتَ بِصاحِبٍ تابِعٍ وحَولَکَ مَن لا یُؤمَنُ فی صُحبَتِهِ،ولا یُعتَمَدُ فی دینِهِ وقَرابَتِهِ، وتَتَخَطّاهُم إلی مُسرِفٍ مَفتونٍ،تُریدُ أن تَلبِسَ النّاسَ شُبهَةً یَسعَدُ بِهَا الباقی فی دُنیاهُ وتَشقی بِها فی آخِرَتِکَ،إنَّ هذا لَهُوَ الخُسرانُ المُبینُ،وَأستَغفِرُ اللّهَ لی ولَکُم.

ص:241

فنظر معاویة إلی ابن عبّاس،فقال:ما هذا یابن عبّاس؟ولما عندک أدهی وأمرّ.

فقال ابن عبّاس:

لعمر اللّه،إنّها لذرّیة الرسول،وأحد أصحاب الکساء،ومن البیت المطهّر،فَالهَ عمّا ترید،فإنّ لک فی الناس مُقنِعاً حتّی یحکم اللّه بأمره وهو خیر الحاکمین.

فقال معاویة:

أعوَد (1)الحلم التحلّم،وخیره التحلّم عن الأهل،انصرفا فی حفظ اللّه.

ثمّ أرسل معاویة إلی عبد الرحمن بن أبی بکر،وإلی عبداللّه بن عمر،وإلی عبداللّه بن الزبیر،فجلسوا،فحمد اللّه وأثنی علیه معاویة،ثمّ قال:

یا عبداللّه بن عمر،قد کنت تحدّثنا أنّک لا تُحبّ أن تبیت لیلة ولیس فی عنقک بیعة جماعة،وإنّ لک الدنیا وما فیها،وإنّی احذّرک أن تشقّ عصا المسلمین،وتسعی فی تفریق ملئهم،وأن تسفک دماءهم،وإنّ أمر یزید قد کان قضاء من القضاء،ولیس للعباد خیرة من أمرهم،وقد وکّد الناس بیعتهم فی أعناقهم،وأعطوا علی ذلک عهودهم ومواثیقهم.ثمّ سکت.

فتکلّم عبداللّه بن عمر،فحمد اللّه وأثنی علیه.ثمّ قال:

أمّا بعد:یا معاویة،قد کان قبلک خلفاء وکان لهم بنون،لیس ابنک بخیر من أبنائهم، فلم یروا فی أبنائهم ما رأیت فی ابنک،فلم یحابوا فی هذا الأمر أحداً،ولکن اختاروا لهذه الاُمّة حیث علموهم،وإن تحذّرنی أن أشقّ عصا المسلمین،واُفرّق ملأهم،وأسفک دماءهم،ولم أکن لأفعل ذلک إن شاء اللّه،ولکن إن استقام الناس فسأدخل فی صالح ما تدخل فیه امّة محمّد صلّی اللّه علیه و آله.

فقال معاویة:یرحمک اللّه ! لیس عندک خلافٌ.

ثمّ قال معاویة لعبد الرحمن بن أبی بکر نحو ما قاله لعبد اللّه بن عمر،فقال له عبد الرحمن:

ص:242

إنّک واللّه لوددنا أن نکلک إلی اللّه فیما جسرت علیه من أمر یزید،والّذی نفسی بیده لتجعلنّها شوری أو لأعیدها جذَعةً (1).

ثمّ قام لیخرج فتعلّق معاویة بطرف ردائه،ثمّ قال:

علی رسلک،اللّهمّ اکفنیه بما شئت،لا تظهرنّ لأهل الشام؛فإنّی أخشی علیک منهم.

ثمّ قال لابن الزبیر نحو ما قاله لابن عمر،ثمّ قال له:

أنت ثعلب روّاغ،کلّما خرجت من جُحر انجحرت فی آخر،أنت ألّبت هذین الرجلین،وأخرجتهما إلی ما خرجا إلیه.

فقال ابن الزبیر:

أترید أن تبایع لیزید؟أرأیت إن بایعناه أیّکما نطیع،أنطیعک أم نطیعه؟! إن کنت مللت الخلافة فاخرج منها وبایع لیزید فنحن نبایعه.

فکثر کلامه وکلام ابن الزبیر،حتّی قال له معاویة فی بعض کلامه:واللّه،ما أراک إلّا قاتلاً نفسک،ولکأنّی بک قد تخبّطت فی الحبالة (2).ثمّ أمرهم بالانصراف، واحتجب عن الناس ثلاثة أیّام لا یخرج.

ثمّ خرج،فأمر المنادی أن ینادی فی الناس أن یجتمعوا لأمرٍ جامع،فاجتمع الناس فی المسجد،وقعّد هؤلاء (3)حول المنبر،فحمد اللّه وأثنی علیه،ثمّ ذکر یزید فضله وقراءته القرآن،ثمّ قال:

یا أهل المدینة ! لقد هممت بیعة یزید وما ترکت قریة ولا مدرة (4)إلّابعثت إلیها بیعته،

ص:243

فبایع الناس جمیعاً وسلّموا،وأخّرت المدینة بیعته،وقلتُ:بیضته وأصله،ومن لا أخافهم علیه،وکان الّذین أبوا البیعة منهم من کان أجدر أن یصله،واللّه لو علمت مکان أحدٍ هو خیر للمسلمین من یزید لبایعت له.

فقام الحسین علیه السّلام فقال:وَاللّهِ،لَقَد تَرَکتَ مَن هُوَ خَیرٌ مِنهُ أباً واُمّاً ونَفساً.فقال معاویة:کأنّک ترید نفسک؟فقال الحسین علیه السّلام:نَعَم،أصلَحَکَ اللّهُ.

فقال معاویة:

إذاً اخبِرُک،أمّا قولک:خیر منه امّاً،فلعمری امّک خیر من امّه،ولو لم یکن إلّاأنّها امرأة من قریش لکان لنساء قریش أفضلهنّ،فکیف وهی ابنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله؟ثمّ فاطمة فی دینها وسابقتها،فاُمّک لعمر اللّه خیر من امّه.وأمّا أبوک فقد حاکم أباه إلی اللّه،فقضی لأبیه علی أبیک.

فقال الحسین علیه السّلام:حَسبُکَ جَهلُکَ؛آثَرتَ العاجِلَ عَلَی الآجِلِ.فقال معاویة:

وأمّا ما ذکرت من أنّک خیر من یزید نفساً،فیزید واللّه خیر لاُمّة محمّد منک ! !

فقال الحسین علیه السّلام:هذا هُوَ الإِفکُ وَالزّورُ،یَزیدُ شارِبُ الخَمرِ ومُشتَرِی اللَّهوِ خَیرٌ مِنّی؟! فقال معاویة:مهلاً عن شتم ابن عمّک؛فإنّک لو ذکرت عنده بسوء لم یشتمک.

ثمّ التفت معاویة إلی الناس وقال:

أیّها الناس،قد علمتم أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله قُبض ولم یستخلف أحداً،فرأی المسلمون أن یستخلفوا أبا بکر،وکانت بیعته بیعة هدی،فعمل بکتاب اللّه وسنّة نبیّه،فلمّا حضرته الوفاة رأی أن [یستخلف عمر،فعمل عمر بکتاب اللّه وسنّة نبیّه،فلمّا حضرته الوفاة رأی أن ] (1) یجعلها شوری بین ستّة نفر اختارهم من المسلمین،فصنع

ص:244

أبو بکر ما لم یصنعه رسول اللّه،وصنع عمر ما لم یصنعه أبو بکر،کلّ ذلک یصنعون نظراً للمسلمین،فلذلک رأیت أن ابایع لیزید لما وقع الناس فیه من الاختلاف، ونظراً لهم بعین الإنصاف. (1)

من أحقّ منه بالخلافة فی فضله وعقله وموضعه؟وما أظنّ قوماً بمنتهین حتّی تصیبهم بوائق تجتثُّ اصولهم،وقد أنذرت إن أغنت النذر.

ثمّ أنشد متمثّلاً:

قد کنت حذّرتک آل المصطلق

ثمّ دخل علی عائشة،وقد بلغها أنّه ذکر الحسین علیه السّلام وأصحابه،فقال:لأقتلنّهم إن لم یبایعوا ! فشکاهم إلیها،فوعظته وقالت له:بلغنی أنّک تهدّدهم بالقتل،فقال:یا امَّ المؤمنین ! هم أعزّ من ذلک،ولکنّی بایعت لیزید وبایعه غیرهم،أفترین أن أنقض بیعة قد تمّت؟قالت:فارفق بهم؛فإنَّهم یصیرون إلی ما تحبّ إن شاء اللّه،قال:

أفعل.

وکان فی قولها له:ما یُؤمِنُک أن اقعد لک رجلاً یقتلک وقد فعلت بأخی ما فعلت -تعنی أخاها محمّداً-؟فقال لها:کلّا یا امَّ المؤمنین ! إنِّی فی بیت أمن،قالت:

أجل.

ومکث بالمدینة ما شاء اللّه،ثمّ خرج إلی مکّة فلقیه الناس،فقال اولئک النفر:نتلقّاه فلعلّه قد ندم علی ما کان منه.فلقوه ببطن مرّ (1)،فکان أوَّل من لقیه الحسین علیه السّلام،فقال له معاویة:مرحباً وأهلاً یابن رسول اللّه،وسیِّد شباب المسلمین ! فأمر له بدابّة فرکب وسایره،ثمّ فعل بالباقین مثل ذلک، وأقبل یسایرهم لا یسیر معه غیرهم حتّی دخل مکّة،فکانوا أوّل داخلٍ وآخر خارجٍ،ولا یمضی یوم إلّاولهم صلة ولا یذکر لهم شیئاً،حتّی قضی نسکه وحمل أثقاله وقرب مسیره.

ص:246

فقال بعض اولئک النفر لبعض:لا تُخدعوا فما صنع بکم هذا لحبّکم وماصنعه إلّا لما یرید،فأعدّوا له جواباً.فاتّفقوا علی أن یکون المخاطب له ابن الزبیر.

فأحضرهم معاویة وقال:

قد علمتم سیرتی فیکم،وصلتی لأرحامکم،وحملی ما کان منکم،ویزید أخوکم وابن عمّکم وأردت أن تقدّموه باسم الخلافة،وتکونوا أنتم تعزلون وتؤمّرون، وتجبون المال وتقسّمونه،لا یعارضکم فی شیء من ذلک.

فسکتوا،فقال:ألا تجیبون؟مرّتین.

ثمَّ أقبل علی ابن الزبیر،فقال:هات لعمری إنّک خطیبهم،فقال:نعم،نخیّرک بین ثلاث خصال،قال:اعرضهنّ،قال:تصنع کما صنع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله،أو کما صنع أبو بکر أو کما صنع عمر.قال معاویة:ماصنعوا؟قال:قُبض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله ولم یستخلف أحداً،فارتضی الناس أبا بکر،قال:لیس فیکم مثل أبی بکر، وأخاف الاختلاف،قالوا:صدقت،فاصنع کما صنع أبو بکر؛فإنّه عهد إلی رجلٍ من قاصیة قریش لیس من بنی أبیه فاستخلفه،وإن شئت فاصنع کما صنع عمر؛جعل الأمر شوری فی ستّة نفرٍ لیس فیهم أحد من ولده ولا من بنی أبیه.قال معاویة:هل عندک غیر هذا؟قال:لا.ثمّ قال:فأنتم؟قالوا:

قولنا قوله.قال:

فإنّی قد أحببت أن أتقدّم إلیکم أنّه قد أعذر مَن أنذر،إنّی کنت أخطب منکم (1)فیقوم إلیّ القائم منکم فیکذّبنی علی رؤوس الناس،فأحمل ذلک وأصفح،وإنّی قائم بمقالةٍ،فاُقسم باللّه لئن ردّ علیّ أحدکم کلمة فی مقامی هذا،لا ترجع إلیه کلمة غیرها حتّی یسبقها السیف إلی رأسه،فلایبقینّ رجل إلّاعلی نفسه.

ثمّ دعا صاحب حرسه بحضرتهم فقال:

ص:247

أقم علی رأس کلِّ رجل من هؤلاء رجلین ومع کلِّ واحدٍ سیف،فإن ذهب رجل منهم یردُّ علیَّ کلمة بتصدیقٍ أو تکذیب فلیضرباه بسیفهما.

ثمّ خرج وخرجوا معه حتّی رقی المنبر،فحمد اللّه وأثنی علیه،ثمّ قال:

إنَّ هؤلاء الرهط سادة المسلمین وخیارهم،لایبتزّ أمر دونهم،ولا یفضی إلّاعن مشورتهم،وإنّهم قد رضوا وبایعوا لیزید،فبایعوا علی اسم اللّه !

فبایع الناس،وکانوا یتربّصون بیعة هؤلاء النفر.ثمّ رکب رواحله وانصرف إلی المدینة،فلقی الناس اولئک النفر فقالوا لهم:زعمتم أنّکم لا تبایعون،فلِمَ رضیتم وأعطیتم وبایعتم (1)؟! قالوا:واللّه،ما فعلنا،فقالوا:ما منعکم أن تردّوا علی الرّجل؟ قالوا:کادنا وخفنا القتل.

وبایعه أهل المدینة،ثمّ انصرف إلی الشام وجفا بنی هاشم.فأتاه ابن عبّاس فقال له:ما بالک جفوتنا؟قال:إنّ صاحبکم-یعنی الحسین علیه السّلام-لم یبایع لیزید فلم تنکروا ذلک علیه.فقال:

یا معاویة ! إنّی لخلیق أن أنحاز إلی بعض السواحل فاُقیم به،ثمّ أنطق بما تعلم حتّی أدع الناس کلّهم خوارج علیک.

قال:یا أبا العبّاس،تُعطون وترضون وترادون. (2)

وجاء فی لفظ ابن قتیبة:إنّ معاویة نزل عن المنبر وانصرف ذاهباً إلی منزله، وأمر من حرسه وشرطته قوماً أن یحضروا هؤلاء النفر الّذین أبوا البیعة،وهم:

الحسین بن علیّ علیه السّلام،وعبداللّه بن عمر،وعبداللّه بن الزبیر،وعبداللّه بن عبّاس،وعبد الرحمن بن أبی بکر،وأوصاهم معاویة قال:

إنّی خارج العشیّة إلی أهل الشام فاُخبرهم أنّ هؤلاء النفر قد بایعوا وسلّموا،فإن تکلّم أحد منهم بکلام یصدّقنی أو یکذّبنی فیه فلا ینقضی کلامه حتّی یطیر رأسه.

ص:248

فحذر القوم ذلک،فلمّا کان العشیّ خرج معاویة،وخرج معه هؤلاء النفر وهو یضاحکهم ویحدّثهم وقد ألبسهم الحلل،فألبس ابن عمر حلّة حمراء،وألبس الحسین علیه السّلام حلّة صفراء،وألبس عبداللّه بن عبّاس حلّة خضراء،وألبس ابن الزبیر حلّة یمانیّة،ثمّ خرج بینهم،وأظهر لأهل الشام الرضا عنهم-أی القوم-وأنّهم بایعوا،فقال:

یا أهل الشام،إنّ هؤلاء النفر دعاهم أمیر المؤمنین فوجدهم واصلین مطیعین،وقد بایعوا وسلّموا ذلک.

والقوم سکوت لم یتکلّموا شیئاً حذر القتل.

فوثب اناس من أهل الشام،فقالوا:یا أمیر المؤمنین،إن کان رابک منهم ریب، فحل بیننا وبینهم حتّی نضرب أعناقهم.

فقال معاویة:

سبحان اللّه ! ما أحلّ دماء قریش عندکم یا أهل الشام ! لا أسمع لهم ذکراً بسوء، فإنّهم قد بایعوا وسلّموا،وارتضونی فرضیت عنهم،رضی اللّه عنهم.

ثمّ ارتحل معاویة راجعاً إلی مکّة،وقد أعطی الناس اعطیاتهم وأجزل العطاء، وأخرج إلی کلّ قبیلة جوائزها واُعطیاتها،ولم یخرج لبنی هاشم جائزة ولا عطاء، فخرج عبداللّه بن عبّاس فی أثره حتّی لحقه بالروحاء (1)فجلس ببابه،فجعل معاویة یقول:مَن بالباب؟فیقال:عبداللّه بن عبّاس،فلم یأذن لأحد،فلمّا استیقظ قال:مَن بالباب؟فقیل:عبداللّه بن عبّاس،فدعا بدابّته فاُدخلت إلیه،ثمّ خرج راکباً،فوثب إلیه عبداللّه بن عبّاس،فأخذ بلجام البغلة،ثمّ قال:أین تذهب؟قال:إلی مکّة، قال:فأین جوائزنا کما أجزت غیرنا؟فأومأ إلیه معاویة،فقال:واللّه،ما لکم عندی جائزة ولا عطاء حتّی یبایع صاحبکم.

قال ابن عبّاس:

ص:249

فقد أبی ابن الزبیر فأخرجت جائزة بنی أسد،وأبی عبداللّه بن عمر فأخرجت جائزة بنی عدیّ،فما لنا إن أبی صاحبنا وقد أبی صاحب غیرنا؟

فقال معاویة:لستم کغیرکم،لا واللّه لا اعطیکم درهماً حتّی یبایع صاحبکم.

فقال ابن عبّاس:

أما واللّه لئن لم تفعل لاُلحقنّ بساحل من سواحل الشام،ثمّ لأقولنّ ما تعلم،واللّه لأترکنّهم علیک خوارج.

فقال معاویة:لا بل اعطیکم جوائزکم،فبعث بها من الروحاء،ومضی راجعاً إلی الشام. (1)

قال الأمینی:إنّ المستشفّ لحقیقة الحال من أمر هذه البیعة الغاشمة جدّ علیم أنّها تمّت برواعد الإرهاب،وبوارق التطمیع،وعوامل البهت والافتراء،فیری معاویة یتوعّد هذا،ویقتل ذاک،ویولّی آخر علی المدن والأمصار ویجعلها طعمة له،ویدرّ من رضائخه (2)علی النفوس الواطئة ذوات الملکات الرذیلة.وفی القوم مَن لا یؤثّر فیه شیء من ذلک کلّه،غیر أنّه لا رأی لمن لا یطاع،لکنّ إمام الهدی، وسبط النبوّة،ورمز الشهادة والإباء لم یفتأ بعد ذلک کلّه مصحراً بالحقیقة، ومصارحاً بالحقّ،وداحضاً للباطل مع کلّ تلکم الحنادس (3)المدلهمّة،أصغت إلیه اذنٌ أم لا،وصغی إلی قیله أحد أو أعرض.

فقام بواجب الموقف رافعاً عقیرته بما تستدعیه الحالة،ویوجبه النظر فی صالح المسلمین،ولم یثنه اختلاق معاویة علیه وعلی مَن وافقه فی شیءٍ من الأمر،ولا ما أعدّه لهم من التوعید والإرجاف بهم.

ولم تک تأخذه فی اللّه لومة لائم،حتّی لفظ معاویة نفسه الأخیر رمزاً للخزایة

ص:250

وشیة العار،ولقی الحسین علیه السّلام ربّه وقد أدّی ما علیه،رمزاً للخلود ومزید الحبور فی رضوان اللّه الأکبر.نعم،لقی الحسین علیه السّلام ربّه وهو ضحیّة تلک البیعة-بیعة یزید-کما لقی أخوه الحسن علیه السّلام ربّه مسموماً من جرّاء تلکم البیعة الملعونة الّتی جرّت الویلات علی امّة محمّد صلّی اللّه علیه و آله،واستتبعت هدم الکعبة،والإغارة علی دار الهجرة یوم الحرّة،وأبرزت بنات المهاجرین والأنصار للنکال والسوءة،وأعظمها رزایا مشهد الطفّ الّتی استأصلت شأفة (1)أهل بیت الرحمة صلوات اللّه علیهم، وترکت بیوت الرسالة تنعق فیها النواعب (2)،وتندب النوادب،وقرّحت الجفون، وأسکبت المدامع، «إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ» (3)«وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ» 4 .

نعم،تمّت تلک البیعة المشؤومة مع فقدان أیّ جدارة وحنکة فی یزید تؤهّله لتسنّم عرش الخلافة،علی ما تردّی به من ملابس الخزی وشیة العار؛من معاقرة الخمور،ومباشرة الفجور،ومنادمة القیان ذوات المعازف،ومحارشة الکلاب،إلی ما لا یتناهی من مظاهر الخزایة.وقد عرفته الناس بذلک کلّه منذ أوّلیّاته وعرفه به اناس آخرون،وحسبک شهادة وفد بعثه أهل المدینة إلی یزید،وفیهم:عبداللّه بن حنظلة غسیل الملائکة،وعبداللّه بن أبی عمرو المخزومی،والمنذر بن الزبیر، وآخرون کثیرون من أشراف أهل المدینة،فقدموا علی یزید فأکرمهم،وأحسن إلیهم،وأعظمهم جوائزهم،وشاهدوا أفعاله،ثمّ انصرفوا من عنده وقدموا المدینة کلّهم إلّاالمنذر.

فلمّا قدم الوفد المدینة قاموا فیهم،فأظهروا شتم یزید وعتبه 5،وقالوا:إنّا قدمنا

ص:251

من عند رجل لیس له دین،یشرب الخمر ویعزف بالطنابیر،ویضرب عنده القیان، ویلعب بالکلاب،ویسامر الحُرّاب-وهم اللصوص-والفتیان،وإنّا نشهدکم أنّا قد خلعناه.فتابعهم الناس. (1)

وقال عبداللّه بن حنظلة-ذلک الصحابی العظیم المنعوت بالراهب،قتیل یوم الحرّة-یومئذٍ:

یا قوم،اتَّقوا اللّه وحده لا شریک له،فواللّه ما خرجنا علی یزید حتّی خفنا أن نُرمی بالحجارة من السماء،إنّ رجلاً ینکح الاُمّهات والبنات والأخوات،ویشرب الخمر،ویدع الصلاة،واللّه لو لم یکن معی أحد من الناس لأبلیت للّه فیه بلاءً حسناً. (2)

ولمّا قدم المدینة أتاه الناس فقالوا:ماوراءک؟قال:أتیتکم من عند رجل واللّه لو لم أجد إلّابنیّ هؤلاء لجاهدته بهم. (3)

وقال المنذر بن الزبیر لمّا قدم المدینة:

إنّ یزید قد أجازنی بمئة ألف،ولا یمنعنی ما صنع فی أن اخبرکم خبره،واللّه إنّه لیشرب الخمر،واللّه إنّه لیسکر حتّی یدع الصلاة. (4)

وقال عتبة بن مسعود لابن عبّاس:أتبایع یزید وهو یشرب الخمر،ویلهو بالقیان،ویستهتر بالفواحش؟قال:

مَه ! فأین ما قلت لکم؟وکم بعده من آت ممّن یشرب الخمر،أو هو شرّ من شاربها

ص:252

أنتم إلی بیعته سراع؟أما واللّه إنِّی لأنهاکم وأنا أعلم أنّکم فاعلون حتّی یصلب مصلوب قریش بمکّة-یعنی عبداللّه بن الزبیر-. (1)

نعم،لم یک علی مخازی یزید من أوّل یومه حجاب مسدول یُخفیها علی الأباعد والأقارب،غیر أنّ أقرب الناس إلیه وهو أبوه معاویة غضّ الطرف عنها جمعاء،وحسب أنّها تُخفی علی الملأ الدینی بالتمویه،وطفق یذکر له فضلاً وعلماً بالسیاسة،فجابهه لسان الحقّ وإنسان الفضیلة حسین العظمة بکلماته (المذکورة فیما تقدّم)،ومعاویة هو نفسه یندّد بابنه فی کتابٍ کتبه إلیه،ومنه قوله:

اعلم یا یزید،إنّ أوّل ما سلبکه السکر معرفة مواطن الشکر للّه علی نعمه المتظاهرة، وآلائه المتواترة،وهی الجرحة العظمی،والفجعة الکبری:ترک الصلوات المفروضات فی أوقاتها،وهو من أعظم ما یحدث من آفاتها،ثمّ استحسان العیوب،ورکوب الذنوب،وإظهار العورة،وإباحة السرّ،فلا تأمن نفسک علی سرّک،ولا تعتقد علی فعلک.الکتاب. (2)

فنظراً إلی ما عرفته الاُمّة من یزید من مخازیه وملکاته الرذیلة،عدّ الحسن البصری استخلاف معاویة إیّاه من موبقاته الأربع،کما مرّ حدیثه (3). (4)

ص:253

فَأَمّا عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ فَرَجُلٌ قَد وَقَذَتهُ (1)العِبادَةُ،وإذا لَم یَبقَ أحَدٌ غَیرُهُ بایَعَکَ.

وأمَّا الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ فَإِنَّ أهلَ العِراقِ لَن یَدَعوهُ حَتّی یُخرِجوهُ،فَإِن خَرَجَ عَلَیکَ فَظَفِرتَ بِهِ فَاصفَح عَنهُ،فَإِنَّ لَهُ رَحِماً ماسَّةً وحَقّاً عَظیماً.

وأمَّا ابنُ أبی بَکرٍ فَرَجُلٌ إن رَأی أصحابَهُ صَنَعوا شَیئاً صَنَعَ مِثلَهُم،لَیسَ لَهُ هِمَّةٌ إلّا فِی النِّساءِ وَاللَّهوِ.

وأمَّا الَّذی یَجثُمُ لَکَ جُثومَ الأَسَدِ ویُراوِغُکَ مُراوَغَةَ الثَّعلَبِ،فَإِذا أمکَنَتهُ فُرصَةٌ وَثَبَ فَذاکَ ابنُ الزُّبَیرِ،فَإِن هُوَ فَعَلَها بِکَ فَقَدَرتَ عَلَیهِ فَقَطِّعهُ إرباً إرباً. (2)

791.تاریخ الطبری عن عوانة: إنَّ مُعاوِیَةَ لَمّا حَضَرَهُ المَوتُ-وذلِکَ فی سَنَةِ سِتّینَ-وکانَ یَزیدُ غائِباً،فَدَعا بِالضَّحّاکِ بنِ قَیسٍ الفِهرِیِّ وکانَ صاحِبَ شُرطَتِهِ ومُسلِمِ بنِ عُقبَةَ المُرِّیِّ،فَأَوصی إلَیهِما،فَقالَ:بَلِّغا یَزیدَ وَصِیَّتی:اُنظُر أهلَ الحِجازِ فَإِنَّهُم أصلُکَ، فَأَکرِم مَن قَدِمَ عَلَیکَ مِنهُم وتَعاهَد مَن غابَ.

وَانظُر أهلَ العِراقِ،فَإِن سَأَلوکَ أن تَعزِلَ عَنهُم کُلَّ یَومٍ عامِلاً فَافعَل،فَإِنَّ عَزلَ عامِلٍ أحَبُّ إلَیَّ مِن أن تُشهَرَ عَلَیکَ مِئَةُ ألفِ سَیفٍ.

وَانظُر أهلَ الشّامِ فَلیَکونوا بِطانَتَکَ وعَیبَتَکَ (3)،فَإِن نابَکَ شَیءٌ مِن عَدُوِّکَ فَانتَصِر بِهِم،فَإِذا أصَبتَهُم فَاردُد أهلَ الشّامِ إلی بِلادِهِم؛فَإِنَّهُم إن أقاموا بِغَیرِ بِلادِهِم أخَذوا بِغَیرِ أخلاقِهِم.

ص:255

وإنّی لَستُ أخافُ مِن قُرَیشٍ إلّاثَلاثَةً:حُسَینَ بنَ عَلِیٍّ،وعَبدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ،وعَبدَ اللّهِ بنَ الزُّبَیرِ.

فَأَمَّا ابنُ عُمَرَ،فَرَجُلٌ قَد وَقَذَهُ الدِّینُ،فَلَیسَ مُلتَمِساً شَیئاً قِبَلَکَ.

وأمَّا الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ،فَإِنَّهُ رَجُلٌ خَفیفٌ،وأرجو أن یَکفِیَکَهُ اللّهُ بِمَن قَتَلَ أباهُ وخَذَلَ أخاهُ،وإنَّ لَهُ رَحِماً ماسَّةً وحَقّاً وقَرابَةً مِن مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله، (1)ولا أظُنُّ أهلَ العِراقِ تارِکیهِ حَتّی یُخرِجوهُ،فَإِن قَدَرتَ عَلَیهِ فَاصفَح عَنهُ؛فَإِنّی لَو أنّی صاحِبُهُ عَفَوتُ عَنهُ.

وأمَّا ابنُ الزُّبَیرِ فَإِنَّهُ خَبٌّ ضَبٌّ،فَإِذا شَخَصَ لَکَ فَالبُد لَهُ إلّاأن یَلتَمِسَ مِنکَ صُلحاً،فَإِن فَعَلَ فَاقبَل وَاحقِن دِماءَ قَومِکَ مَا استَطَعتَ. (2)

792.الفتوح عن معاویة -فی عَهدِهِ لِابنِهِ یَزیدَ-:إنَّ ابنَ عَبّاسٍ حَدَّثَنی فَقالَ:

إنّی حَضَرتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وهُوَ فِی السِّیاقِ (3)وقَد ضَمَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ إلی صَدرِهِ وهُوَ یَقولُ:هذا مِن أطائِبِ أرومَتی (4)وأنوارِ عِترَتی (5)وخِیارِ ذُرِّیَّتی،لا بارَکَ اللّهُ

ص:256

فیمَن لا یَحفَظُهُ بَعدی ! قالَ ابنُ عَبّاسٍ:ثُمَّ اغمِیَ عَلَی النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله ساعَةً ثُمَّ أفاقَ وقالَ:

یا حُسَینُ ! إنَّ لی ولِقاتِلِکَ یَومَ القِیامَةِ مَقاماً بَینَ یَدَی رَبّی وخُصومَةً،وقَد طابَت نَفسی إذ جَعَلَنِیَ اللّهُ خَصیماً لِمَن قَتَلَکَ یَومَ القِیامَةِ.

یا بُنَیَّ ! هذا حَدیثُ ابنِ عَبّاسٍ،وأنَا احَدِّثُکَ عَن رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله أنَّهُ قالَ:أتانی جِبریلُ یَوماً فَخَبَّرَنی وقالَ:یا مُحَمَّدُ ! إنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُ ابنَکَ حُسَیناً وقاتِلَهُ لَعینُ هذِهِ الاُمَّةِ.

ولَقَد لَعَنَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله-یا بُنَیَّ-قاتِلَ الحُسَینِ مِراراً،فَانظُر لِنَفسِکَ ثُمَّ انظُر ألّا یُتَعَرَّضَ لَهُ بِأَذِیَّةٍ،فَحَقُّهُ وَاللّهِ یا بُنَیَّ عَظیمٌ،ولَقَد رَأَیتَنی کَیفَ کُنتُ أحتَمِلُهُ فی حَیاتی،وأضَعُ لَهُ رَقَبَتی وهُوَ یُواجِهُنی بِالکَلامِ الَّذی یُمِضُّنی (1)ویُؤلِم قَلبی،فَلا اجیبُهُ ولا أقدِرُ لَهُ عَلی حیلَةٍ؛فَإِنَّهُ بَقِیَّةُ أهلِ الأَرضِ فی یَومِهِ هذا،وقَد أعذَرَ مَن أنذَرَ.

قالَ:ثُمَّ أقبَلَ عَلَی الضَّحّاکِ ومُسلِمِ بن عُقبَةَ فَقالَ لَهُما مُعاوِیَةُ:اِشهَدا عَلی مَقالَتی هذِهِ،فَوَاللّهِ إن فَعَلَ بِیَ الحُسَینُ کُلَّ ما یَسوؤُنی لَاحتَمَلتُهُ أبَداً ولَم یَکُنِ اللّهُ یَسأَلُنی عَن دَمَهِ،أفَهِمتَ عَنّی ما أوصَیتُکَ بِهِ یا یَزیدُ؟فَقالَ:فَهِمتُ یا أمیرَ المُؤمِنینَ.

ثُمَّ قالَ مُعاوِیَةُ:اُنظُر فی أهلِ الحِجازِ؛فَهُم أصلُکَ وفَرعُکَ،فَأَکرِم مَن قَدِمَ عَلَیکَ مِنهُم ومَن غابَ عَنکَ،فَلا تَجفُهُم ولا تَعِقُّهُم،وَانظُر أهلَ العِراقِ فَإِنَّهُم لا یُحِبّونَکَ أبَداً ولا یَنصَحونَکَ،ولکِن دارِهِم مَهما أمکَنَکَ وَاستَطَعتَ،وإن سَأَلوکَ عَلی کُلِّ یَومٍ

ص:257

أن تَعزِلَ عَنهُم عامِلاً فَافعَل؛فَإِنَّ عَزلَ عامِلٍ واحِدٍ هُوَ أیسَرُ وأخَفُّ مِن أن یُشهَرَ عَلَیکَ مِئَةُ ألفِ سَیفٍ.

وَانظُر یا بُنَیَّ أهلَ الشّامِ؛فَإِنَّهُم بِطانَتُکَ وظِهارَتُکَ وقَد بَلَوتُهُم وَاختَبَرتُهُم،فَهُم صُبَّرٌ عِندَ اللِّقاءِ،حُماةٌ فِی الوَغی (1)،فَإِن رابَکَ أمرٌ مِن عَدُوٍّ یَخرُجُ عَلَیکَ فَانتَصِر بِهِم، فَإِذا أصَبتَ مِنهُم حاجَتَکَ فَاردُدهُم إلی بِلادِهِم یَکونوا بِها إلی وَقتِ الحاجَةِ إلَیهِم.

قالَ:ثُمَّ تَنَفَّسَ مُعاوِیَةُ الصُّعَداءَ (2)وغُشِیَ عَلَیهِ طَویلاً،فَلَمّا أفاقَ قالَ:آوَّه آوَّه (3)«جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً» 4 .ثُمَّ جَعَلَ یَقولُ:

إن تُناقِش یَکُن نِقاشُکَ یا رَ

قالَ:ثُمَّ التَفَتَ إلی أهلِ بَیتِهِ وقَرابَتِهِ وبَنی عَمِّهِ فَقالَ:اِتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ؛فَإِنَّ تَقوَی اللّهِ جُنَّةٌ حَصینَةٌ،ووَیلٌ لِمَن لَم یَتَّقِ اللّهَ ویَخافُ عَذابَهُ وألیمَ عِقابِهِ ! ثُمَّ قالَ:

اعلَموا أنّی کُنتُ بَینَ یَدَیِ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله ذاتَ یَومٍ وهُوَ یُقَلِّمُ أظفارَهُ،فَأَخَذتُ مِن قُلامَتِهِ فَجَعَلتُها فی قارورَةٍ فَهِیَ عِندی،وعِندی أیضاً شَیءٌ مِن شَعرِهِ،إذا أنَا مِتُّ وغَسَّلتُمونی وکَفَّنتُمونی فَقَطِّعوا تِلکَ القُلامَةَ فَاجعَلوها فی عَینی،وَاجعَلُوا الشَّعرَ فی فَمی واُذُنی،وصَلُّوا عَلَیَّ ووارونی فی حُفرَتی،وذَرونی ورَبّی؛فَإِنَّ رَبّی رَؤوفٌ رَحیمٌ.

قالَ:ثُمَّ انقَطَعَ کَلامُهُ فَلَم یَنطِق بِشَیءٍ. (4)

ص:258

793.الأمالی للصدوق عن عبداللّه بن منصور عن الإمام الصادق عن أبیه عن جدّه علیهم السّلام: لَمّا حَضَرَت مُعاوِیَةَ الوَفاةُ،دَعا ابنَهُ یَزیدَ فَأَجلَسَهُ بَینَ یَدَیهِ،فَقالَ لَهُ:

یا بُنَیَّ،إنّی قَد ذَلَّلتُ لَکَ الرِّقابَ الصِّعابَ،ووَطَّدتُ لَکَ البِلادَ،وجَعَلتُ المُلکَ وما فیهِ لَکَ طُعمَةً،وإنّی أخشی عَلَیکَ مِن ثَلاثَةِ نَفَرٍ یُخالِفونَ عَلَیکَ بِجَهدِهِم،وهُم:عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ،وعَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ،وَالحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ؛فَأَمّا عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ،فَهُوَ مَعَکَ فَالزَمهُ ولا تَدَعهُ،وأمّا عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ، فَقَطِّعهُ إن ظَفِرتَ بِهِ إرباً إرباً؛فَإِنَّهُ یَجثو لَکَ کَما یَجثُو الأَسَدُ لِفَریسَتِهِ،ویُوارِبُکَ (1)مُوارَبَةَ الثَّعلَبِ لِلکَلبِ.

وأمَّا الحُسَینُ،فَقَد عَرَفتَ حَظَّهُ مِن رَسولِ اللّهِ،وهُوَ مِن لَحمِ رَسولِ اللّهِ ودَمِهِ، وقَد عَلِمتَ-لا مَحالَةَ-أنَّ أهلَ العِراقِ سَیُخرِجونَهُ إلَیهِم ثُمَّ یَخذُلونَهُ ویُضَیِّعونَهُ، فَإِن ظَفِرتَ بِهِ فَاعرِف حَقَّهُ ومَنزِلَتَهُ مِن رَسولِ اللّهِ،ولا تُؤاخِذهُ بِفِعلِهِ،ومَعَ ذلِکَ فَإِنَّ لَنا بِهِ خِلطَةً (2)ورَحِماً،وإیّاکَ أن تَنالَهُ بِسوءٍ،أو یَری مِنکَ مَکروهاً. (3)

794.مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمی عن معاویة بن أبی سفیان -فی وَصِیَّتِهِ لِابنِهِ یَزیدَ-:یا بُنَیَّ أنّی أخافُ عَلَیکَ مِن هذِهِ الاُمَّةِ أربَعَةَ نَفَرٍ مِن قُرَیشٍ:عَبدَ الرَّحمنِ بنَ أبی بَکرٍ، وعَبدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ،وعَبدَ اللّهِ بنَ الزُّبَیرِ،وشَبیهَ أبیهِ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ....

أمَّا الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ،فَأَوِّه أوِّه یا یَزیدُ،ماذا أقولُ لَکَ فیهِ؟! فَاحذَر أن تَتَعَرَّضَ

ص:259

لَهُ إلّابِسَبیلِ خَیرٍ،وَامدُد لَهُ حَبلاً طَویلاً،وذَرهُ یَذهَب فِی الأَرضِ کَیفَ یَشاءُ،ولا تُؤذِهِ ولکِن أرعِد لَهُ وأبرِق،وإیّاکَ وَالمُکاشَفَةَ لَهُ فی مُحارَبَةٍ بِسَیفٍ أو مُنازَعَةٍ بِطَعنِ رُمحٍ،بَل أعطِهِ وقَرِّبهُ وبَجِّلهُ،فَإِن جاءَ إلَیکَ أحَدٌ مِن أهلِ بَیتِهِ فَوَسِّع عَلَیهِم وأرضِهِم؛فَإِنَّهُم أهلُ بَیتٍ لا یَسَعُهُم إلَّاالرِّضی وَالمَنزِلَةُ الرَّفیعَةُ،وإیّاکَ یا بُنَیَّ أن تَلقَی اللّهَ بِدَمِهِ فَتَکونَ مِنَ الهالِکینَ. (1)

795.فتح الباری عن محمّد بن سعید بن رمّانة: إنَّ مُعاوِیَةَ لَمّا حَضَرَهُ المَوتُ قالَ لِیَزیدَ:قَد وَطَّأتُ لَکَ البِلادَ ومَهَّدتُ لَکَ النّاسَ،ولَستُ أخافُ عَلَیکَ إلّاأهلَ الحِجازِ،فَإِن رابَکَ مِنهُم رَیبٌ (2)فَوَجِّه إلَیهِم مُسلِمَ بنَ عُقبَةَ؛فَإِنّی قَد جَرَّبتُهُ وعَرَفتُ نَصیحَتَهُ.

قالَ:فَلَمّا کانَ مِن خِلافِهِم عَلَیهِ ما کانَ،دَعاهُ فَوَجَّهَهُ فَأَباحَها ثَلاثاً،ثُمَّ دَعاهُم إلی بَیعَةِ یَزیدَ. (3)

796.تاریخ دمشق عن رجل من الزیادیین -لَمّا أصابَت مُعاوِیَةَ اللَّقوَةُ (4)بَکی-:فَقالَ لَهُ مَروانُ بنُ الحَکَمِ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ لِمَ بَکَیتَ؟قالَ:یا مَروانُ کَبُرَ سِنّی ورَقَّ عَظمی، وَابتُلیتُ فی أحسَنِ ما یَبدو مِنّی،وخَشیتُ أن تَکونَ عُقوبَةً مِن رَبّی،ولَولا هَوایَ فی یَزیدَ لَأَبصَرتُ رُشدی. (5)

ص:260

ص:262

أما إنَّهُ سَیِّدُ الشُّهَداءِ مِنَ الأَوَّلینَ وَالآخِرینَ فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ،وسَیِّدُ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ مِنَ الخَلقِ أجمَعینَ،وأبوه أفضَلُ مِنهُ وخَیرٌ،فَأَقرِئهُ السَّلامَ،وبَشِّرهُ بِأَنَّهُ رایَةُ الهُدی،ومَنارُ أولِیائی،وحَفیظی وشَهیدی عَلی خَلقی،وخازِنُ عِلمی،وحُجَّتی عَلی أهلِ السَّماواتِ،وأهلِ الأَرَضینَ،وَالثَّقَلَینِ الجِنِّ وَالإِنسِ. (1)

798.الکافی عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه عن أبیه [الباقر] علیهما السّلام عن جابر-فی حَدیثِ اللَّوحِ- :

فَأَشهَدُ بِاللّهِ أنّی هکَذا رَأَیتُهُ مَکتوباً:...وجَعَلتُ حُسَیناً خازِنَ وَحیی،وأکرَمتُهُ بِالشَّهادَةِ،وخَتَمتُ لَهُ بِالسَّعادَةِ،فَهُوَ أفضَلُ مَنِ استُشهِدَ،وأرفَعُ الشُّهَداءِ دَرَجَةً، جَعَلتُ کَلِمَتِیَ التّامَّةَ مَعَهُ،وحُجَّتِیَ البالِغَةَ عِندَهُ. (2)

قالَ:قَبِلتُ یا رَبِّ،ورَضیتُ وسَلَّمتُ،ومِنکَ التَّوفیقُ وَالصَّبرُ.

وأمَّا الثّانِیَةُ:فَالتَّکذیبُ وَالخَوفُ الشَّدیدُ،وبَذلُکَ مُهجَتَکَ فی مُحارَبَةِ أهلِ الکُفرِ بِمالِکَ ونَفسِکَ،وَالصَّبرُ عَلی ما یُصیبُکَ مِنهُم مِنَ الأَذی ومِن أهلِ النِّفاقِ،وَالأَلَمِ فِی الحَربِ وَالجِراحِ.

قالَ:قَبِلتُ یا رَبِّ،ورَضیتُ وسَلَّمتُ،ومِنکَ التَّوفیقُ وَالصَّبرُ.

وأمَّا الثّالِثَةُ:فَما یَلقی أهلُ بَیتِکَ مِن بَعدِکَ مِنَ القَتلِ،أمّا أخوکَ عَلِیٌّ فَیَلقی مِن امَّتِکَ الشَّتمَ وَالتَّعنیفَ وَالتَّوبیخَ وَالحِرمانَ وَالجَحدَ وَالظُّلمَ،وآخِرُ ذلِکَ القَتلُ.

فَقالَ:یا رَبِّ،قَبِلتُ ورَضیتُ،ومِنکَ التَّوفیقُ وَالصَّبرُ.

وأمَّا ابنَتُکَ فَتُظلَمُ وتُحرَمُ،ویُؤخَذُ حَقُّها غَصباً الَّذی تَجعَلُهُ لَها،وتُضرَبُ وهِیَ حامِلٌ،ویُدخَلُ عَلَیها وعَلی حَریمِها ومَنزِلِها بِغَیرِ إذنٍ،ثُمَّ یَمَسُّها هَوانٌ وذُلٌّ،ثُمَّ لا تَجِدُ مانِعاً،وتَطرَحُ ما فی بَطنِها مِنَ الضَّربِ،وتَموتُ مِن ذلِکَ الضَّربِ.

قالَ (1):إنّا للّهِ ِ وإنّا إلَیهِ راجِعونَ،قَبِلتُ یا رَبِّ وسَلَّمتُ،ومِنکَ التَّوفیقُ وَالصَّبرُ (2).

ویَکونُ لَها مِن أخیکَ ابنانِ،یُقتَلُ أحَدُهُما غَدراً ویُسلَبُ ویُطعَنُ،تَفعَلُ بِهِ ذلِکَ امَّتُکَ.

قالَ:یا رَبِّ،قَبِلتُ وسَلَّمتُ،إنّا للّهِ ِ وإنّا إلَیهِ راجِعونَ،ومِنکَ التَّوفیقُ وَالصَّبرُ.

وأمَّا ابنُهَا الآخَرُ فَتَدعوهُ امَّتُکَ لِلجِهادِ،ثُمَّ یَقتُلونَهُ صَبراً (3)،ویَقتُلونَ وُلدَهُ ومَن

ص:265

مَعَهُ مِن أهلِ بَیتِهِ،ثُمَّ یَسلُبونَ حَرَمَهُ،فَیَستَعینُ بی وقَد مَضَی القَضاءُ مِنّی فیهِ بِالشَّهادَةِ لَهُ ولِمَن مَعَهُ،ویَکونُ قَتلُهُ حُجَّةً عَلی مَن بَینَ قُطرَیها (1)،فَیَبکیهِ أهلُ السَّماواتِ وأهلُ الأَرَضینَ جَزَعاً عَلَیهِ،وتَبکیهِ مَلائِکَةٌ لَم یُدرِکوا نُصرَتَهُ.

ثُمَّ اخرِجُ مِن صُلبِهِ ذَکَراً،بِهِ أنصُرُکَ،وإنَّ شَبَحَهُ عِندی تَحتَ العَرشِ.... (2)

هَبَطَ جَبرَئیلُ علیه السّلام عَلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله بِقَتلِ الحُسَینِ علیه السّلام،أخَذَ بِیَدِ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَخَلا بِهِ مَلِیّاً مِنَ النَّهارِ،فَغَلَبَتهُمَا العَبرَةُ،فَلَم یَتَفَرَّقا حَتّی هَبَطَ عَلَیهِما جَبرَئیلُ علیه السّلام-أو قالَ:

رَسولُ رَبِّ العالَمینَ-فَقالَ لَهُما:رَبُّکُما یُقرِئُکُمَا السَّلامَ،ویَقولُ:قَد عَزَمتُ عَلَیکُما لَمّا صَبَرتُما،قالَ:فَصَبَرا. (1)

ص:267

ص:268

قالَ:وَالَّذی نَفسُ مُحَمَّدٍ بِیَدِهِ،لَقَد طَهَّرَهُ اللّهُ مِن عَلا عَرشِهِ،فَمَدَّ بِیَدِهِ وکَفَّیهِ، فَناوَلَتهُ إیّاهُ،فَطَأطَأَ عَلَیهِ بِرَأسِهِ یُقَبِّلُ مُقلَتَیهِ وخَدَّیهِ،ویَمُجُّ لِسانَهُ کَأَنَّما یَمُجُّ عَسَلاً أو لَبَناً،ثُمَّ بَکی طَویلاً صلّی اللّه علیه و آله،فَلَمّا أفاقَ قالَ:قَتَلَ اللّهُ قَوماً یَقتُلونَکَ! (1)

قالَت صَفِیَّةُ:فَقُلتُ:حَبیبی مُحَمَّدُ،مَن یَقتُلُ عِترَةَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله؟

قالَ:یا عَمَّةُ،تَقتُلُهُ الفِئَةُ الباغِیَةُ مِن بَنی امَیَّةَ. (2)

805.عیون أخبار الرضا علیه السّلام بإسناده عن علیّ بن الحسین [زین العابدین] علیه السّلام عن أسماء بنت عمیس (3): ...فَلَمّا کانَ بَعدَ حَولٍ وُلِدَ الحُسَینُ علیه السّلام،وجاءَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله،فَقالَ:یا أسماءُ، هَلُمِّی ابنی،فَدَفَعتُهُ إلَیهِ فی خِرقَةٍ بَیضاءَ،فَأَذَّنَ فی اذُنِهِ الیُمنی،وأقامَ فِی الیُسری، ووَضَعَهُ فی حِجرِهِ،فَبَکی.

فَقالَت أسماءُ:بِأَبی أنت واُمّی،مِمَّ بُکاؤُکَ؟

قالَ:عَلَی ابنی هذا.قُلتُ:إنَّهُ وُلِدَ السّاعَةَ یا رَسولَ اللّهِ !

فَقالَ:تَقتُلُهُ الفِئَةُ الباغِیَةُ مِن بَعدی لا أنالَهُمُ اللّهُ شَفاعَتی.ثُمَّ قالَ:یا أسماءُ،لا تُخبِری فاطِمَةَ بِهذا؛فَإِنَّها قَریبَةُ عَهدٍ بِوِلادَتِهِ. (4)

806.الأمالی للطوسی بإسناده عن علیّ بن الحسین [زین العابدین] علیه السّلام عن أسماء بنت عمیس:

ص:270

لَمّا وَلَدَت فاطِمَةُ علیها السّلام الحُسَینَ علیه السّلام نَفِستُها بِهِ (1)،فَجاءَنِی النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله فَقالَ:هَلُمِّی ابنی یا أسماءُ،فَدَفَعتُهُ إلَیهِ فی خِرقَةٍ بَیضاءَ،فَفَعَلَ بِهِ کَما فَعَلَ بِالحَسَنِ علیه السّلام.

قالَت:وبَکی رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،ثُمَّ قالَ:إنَّهُ سَیَکونُ لَکَ حَدیثٌ،اللّهُمَّ العَن قاتِلَهُ ! لا تُعلِمی فاطِمَةَ بِذلِکِ. (2)

راجع:ج 1 ص 125 (القسم الأوّل/الفصل الأوّل:الولادة).

قالَ ابنُ عَبّاسٍ:ثُمَّ رَجَعَ وهُوَ مُتَغَیِّرُ اللَّونِ،مُحمَرُّ الوَجهِ،فَخَطَبَ خُطبَةً بَلیغَةً موجَزَةً وعَیناهُ یَهمِلانِ دُموعاً.

ثُمَّ قالَ:أیُّهَا النّاسُ ! إنّی قَد خَلَّفتُ فیکُمُ الثَّقَلَینِ؛کِتابَ اللّهِ وعِترَتی وأرومَتی، ومَراحَ مَماتی وثَمَرَتی،ولَن یَفتَرِقا حَتّی یَرِدا عَلَیَّ الحَوضَ.

ألا وإنّی [لا] (1)أسأَلُکُم فی ذلِکَ إلّاما أمَرَنی رَبّی أن أسأَلَکُمُ المَوَدَّةَ فِی القُربی، فَانظُروا أن لا تَلقَونی غَداً عَلَی الحَوضِ وقَد أبغَضتُم عِترَتی وظَلَمتُموهُم،ألا وإنَّهُ سَیَرِدُ عَلَیَّ فِی القِیامَةِ ثَلاثُ رایاتٍ مِن هذِهِ الاُمَّةِ:رایَةٌ سَوداءُ مُظلِمَةٌ،قَد فَزِعَت لَهَا المَلائِکَةُ،فَتَقِفُ عَلَیَّ،فَأَقولُ:مَن أنتُم؟فَیَنسَونَ ذِکری،ویَقولونَ:نَحنُ أهلُ التَّوحیدِ مِنَ العَرَبِ.

فَأَقولُ:أنَا أحمَدُ نَبِیُّ العَرَبِ وَالعَجَمِ،فَیَقولونَ:نَحنُ مِن امَّتِکَ یا أحمَدُ.

فَأَقولُ لَهُم:کَیفَ خَلَفتُمونی مِن بَعدی فی أهلی وعِترَتی وکِتابِ رَبّی؟

فَیَقولونَ:أمَّا الکِتابُ فَضَیَّعنا ومَزَّقنا،وأمّا عِترَتُکَ فَحَرَصنا عَلی أن نُبیدَهُم (2)مِن جَدیدِ (3)الأَرضِ؛فَاُوَلّی عَنهُم وَجهی،فَیَصدُرونَ ظِماءَ عُطاشی،مُسوَدَّةً وُجوهُهُم.... (4)

إلی سَفَرٍ لَهُ،ثُمَّ رَجَعَ وهُوَ مُتَغَیِّرُ اللَّونِ،مُحمَرُّ الوَجهِ،فَخَطَبَ خُطبَةً بَلیغَةً موجَزَةً، وعَیناهُ تَهمِلانِ دُموعاً.

قالَ فیها:أیُّهَا النّاسُ ! إنّی خَلَّفتُ فیکُمُ الثَّقَلَینِ:کِتابَ اللّهِ وعِترَتی...

ألا وإنَّ جَبرَئیلَ قَد أخبَرَنی بِأَنَّ امَّتی تَقتُلُ وَلَدِیَ الحُسَینَ بِأَرضِ کَربٍ وبَلاءٍ، ألا فَلَعنَةُ اللّهِ عَلی قاتِلِهِ وخاذِلِهِ آخِرَ الدَّهرِ.

قالَ:ثُمَّ نَزَلَ عَنِ المِنبَرِ،ولَم یَبقَ أحَدٌ مِنَ المُهاجِرینَ وَالأَنصارِ إلّاوتَیَقَّنَ بِأَنَّ الحُسَینَ علیه السّلام مَقتولٌ. (1)

810.مثیر الأحزان عن ابن عبّاس: لَمَّا اشتَدَّ بِرَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله مَرَضُهُ الَّذی ماتَ فیهِ،وقَد ضَمَّ الحُسَینَ علیه السّلام إلی صَدرِهِ،یَسیلُ مِن عَرَقِهِ عَلَیهِ وهُو یَجودُ بِنَفسِهِ،ویَقولُ:ما لی ولِیَزیدَ؟لا بارَکَ اللّهُ فیهِ ! اللّهُمَّ العَن یَزیدَ ! ثُمَّ غُشِیَ عَلَیهِ طَویلاً وأفاقَ،وجَعَلَ یُقَبِّلُ الحُسَینَ علیه السّلام وعَیناهُ تَذرِفانِ.

ویَقولُ:أما إنَّ لی ولِقاتِلِکَ مَقاماً بَینَ یَدَیِ اللّهِ عز و جل. (2)

811.الفتوح عن ابن عبّاس: إنّی حَضَرتُ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وهُوَ فِی السِّیاقِ (3)،وقَد ضَمَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام إلی صَدرِهِ،وهُوَ یَقولُ:هذا مِن أطائِبِ أرومَتی،وأنوارِ عِترَتی،وخِیارِ ذُرِّیَّتی،لا بارَکَ اللّهُ فیمَن لا یَحفَظُهُ بَعدی.

قالَ ابنُ عَبّاسٍ:ثُمَّ اغمِیَ عَلَی النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله ساعَةً،ثُمَّ أفاقَ،وقالَ:

یا حُسَینُ،إنَّ لی ولِقاتِلِکَ یَومَ القِیامَةِ مَقاماً بَینَ یَدَی رَبّی،وخُصومَةً،وقَد

ص:274

طابَت نَفسی؛إذ جَعَلَنِیَ اللّهُ خَصیماً لِمَن قَتَلَکَ یَومَ القِیامَةِ. (1)

812.الأمالی للصدوق عن ابن عبّاس: إنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فی ذلِکَ المَرَضِ کانَ یَقولُ:اُدعوا لی حَبیبی،فَجَعَلَ یُدعی لَهُ رَجُلٌ بَعدَ رَجُلٍ،فَیَعرِضُ عَنهُ،فَقیلَ لِفاطِمَةَ علیها السّلام:اِمضی إلی عَلِیٍّ علیه السّلام،فَما نَری رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یُریدُ غَیرَ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَبَعَثَت فاطِمَةُ علیها السّلام إلی عَلِیٍّ علیه السّلام، فَلَمّا دَخَلَ فَتَحَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عَینَیهِ،وتَهَلَّلَ وَجهُهُ.

ثُمَّ قالَ:إلَیَّ یا عَلِیُّ،إلَیَّ یا عَلِیُّ،فَما زالَ صلّی اللّه علیه و آله یُدنیهِ حَتّی أخَذَهُ بِیَدِهِ،وأجلَسَهُ عِندَ رَأسِهِ،ثُمَّ اغمِیَ عَلَیهِ،فَجاءَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام یَصیحانِ ویَبکِیانِ،حَتّی وَقَعا عَلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَأَرادَ عَلِیٌّ علیه السّلام أن یُنَحِّیَهُما عَنهُ،فَأَفاقَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.

ثُمَّ قالَ:یا عَلِیُّ،دَعنی أشُمُّهُما ویَشُمّانّی،وأتَزَوَّدُ مِنهُما ویَتَزَوَّدانِ مِنّی،أما إنَّهُما سَیُظلَمانِ بَعدی،ویُقتَلانِ ظُلماً،فَلَعنَةُ اللّهِ عَلی مَن یَظلِمُهُما،یَقولُ ذلِکَ ثَلاثاً. (2)

813.مسند زید عن زید بن علیّ عن أبیه عن جدّه علیّ علیهما السّلام: لَمّا ثَقُلَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فی مَرَضِهِ، وَالبَیتُ غاصٌّ بِمَن فیهِ،قالَ:اُدعو لِیَ الحَسَنَ وَالحُسَینَ،فَدَعَوتُهُما،فَجَعَلَ یَلثِمُهُما حَتّی اغمِیَ عَلَیهِ،قالَ:فَجَعَلَ عَلِیٌّ علیه السّلام یَرفَعُهُما عَن وَجهِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،قالَ:فَفَتَحَ عَینَیهِ،فَقالَ:دَعهُما یَتَمَتَّعانِ مِنّی وأتَمَتَّعُ مِنهُما؛فَإِنَّهُ سَیُصیبُهُما بَعدی أثَرَةٌ. (3)

814.شرح الأخبار: إنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لَمَّا احتُضِرَ،دَعا بِالحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السّلام فَوَضَعَهُما عَلی وَجهِهِ،وجَعَلَ یُقَبِّلُهُما حَتّی اغمِیَ عَلَیهِ،فَأَخَذَهُما عَلِیٌّ علیه السّلام عَن وَجهِهِ،فَفَتَحَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله عَینَیهِ،وقالَ لِعَلِیٍّ علیه السّلام:دَعهُما یَستَمتِعانِ مِنّی وأستَمتِعُ مِنهُما،فَإِنَّهُ سَیُصیبُهُما

ص:275

بَعدی أثَرَةٌ-أرادَ بِالأَثَرَةِ مَا استَأثَرَ بِهِ أهلُ التَّغَلُّبِ مِن حَقِّهِما،فَأَخَذوهُ لِأَنفُسِهِم، فَأَثَروهُ بِهِ عَلَیهِما أثَرَةً بِغَیرِ حَقٍّ-. (1)

قالَت:فَسَمِعتُ صَوتَهُ،فَدَخَلتُ فَإِذا عِندَهُ حُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،وإذا هُوَ حَزینٌ -أو قالَت:یَبکی-فَقُلتُ:ما لَکَ یا رَسولَ اللّهِ؟

قاَل:حَدَّثَنی جِبریلُ أنَّ امَّتی تَقتُلُ هذا بَعدی.

فَقُلتُ:ومَن یَقتُلُهُ؟فَتَناوَلَ مَدَرَةً (1)،فَقالَ:أهلُ هذِهِ المَدَرَةِ یَقتُلونَهُ. (2)

818.الإرشاد عن امّ سلمة: بَینا رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ذاتَ یَومٍ جالِسٌ وَالحُسَینُ علیه السّلام جالِسٌ فی حِجرِهِ،إذ هَمَلَت عَیناهُ بِالدُّموعِ،فَقُلتُ لَهُ:یا رَسولَ اللّهِ،ما لی أراکَ تَبکی جُعِلتُ فِداکَ؟

فَقالَ:جاءَنی جَبرَئیلُ علیه السّلام فَعَزّانی بِابنِیَ الحُسَینِ،وأخبَرَنی أنَّ طائِفَةً مِن امَّتی تَقتُلُهُ،لا أنالَهُمُ اللّهُ شَفاعَتی. (3)

راجع:ص 285 (إراءة النبیّ صلّی اللّه علیه و آله التربة الّتی یُسفک فیها دمه).

عَینی ! أما إنَّ امَّتی سَتَقتُلُهُ؛فَمَن زارَهُ بَعدَ وَفاتِهِ کَتَبَ اللّهُ لَهُ حَجَّةً مِن حِجَجی.

قالَت:یا رَسولَ اللّهِ،حَجَّةً مِن حِجَجِکَ ! قالَ:نَعَم،وحَجَّتَینِ.قالَت:یا رَسولَ اللّهِ،حَجَّتَینِ مِن حِجَجِکَ ! قالَ:نَعَم،وأربَعاً،قالَ:فَلَم تَزَل تَزیدُهُ،وهُوَ یَزیدُ ویُضعِفُ،حَتّی بَلَغَ سَبعَین حَجَّةً مِن حِجَجِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله بِأَعمارِها. (1)

راجع:ص 285 (إراءة النبی صلّی اللّه علیه و آله التربة التی یُسفک فیها دمه).

حَمَلَهُ،فَلَمّا جَلَسَ جَعَلَ یَدعو ویَرفَعُ یَدَیهِ ویَقولُ.

فَلَمّا قَضَی الصَّلاةَ،قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،لَقَد رَأَیتُکَ تَصنَعُ الیَومَ شَیئاً ما رَأَیتُکَ تَصنَعُهُ !

قالَ:إنَّ جِبریلَ أتانی وأخبَرَنی أنَّ ابنی یُقتَلُ،قُلتُ:فَأَرِنی إذاً،فَأَتانی تُربَةً حَمراءَ. (1)

راجع:ص 285 (إراءة النبیّ صلّی اللّه علیه و آله التّربة التی یُسفک فیها دمه).

التُّربَةَ الَّتی یُقتَلُ عَلَیها. (1)

824.المعجم الکبیر عن سعد بن طریف عن أبی جعفر [الباقر] علیه السّلام عن امّ سلمة عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله: یُقتَلُ الحُسَینُ حینَ یَعلوهُ القَتیرُ (2). (3)

[ الصادق] علیه السّلام :لَمّا وَلَدَت فاطِمَةُ الحُسَینَ علیه السّلام،جاءَ جَبرَئیلُ علیه السّلام إلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَقالَ لَهُ:إنَّ امَّتَکَ تَقتُلُ الحُسَینَ علیه السّلام مِن بَعدِکَ،ثُمَّ قالَ:ألا اریکَ مِن تُربَتِهِ،فَضَرَبَ بِجَناحِهِ،فَأَخرَجَ مِن تُربَةِ کَربَلاءَ وأراها إیّاهُ،ثُمَّ قالَ:هذِهِ التُّربَةُ الَّتی یُقتَلُ عَلَیها. (1)

827.الأمالی للشجری عن امّ سلمة: بَینَما حُسَینٌ علیه السّلام عِندَ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فِی البَیتِ،وقَد خَرَجتُ لِأَقضِیَ حاجَةً،ثُمَّ دَخَلتُ البَیتَ،فَإِذا رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله قَد أخَذَ حُسَیناً علیه السّلام فَأَضجَعَهُ عَلی بَطنِهِ،فَإِذا رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَمسَحُ عَینَیهِ مِنَ الدَّمعِ،فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،ما بُکاؤُکَ؟

قالَ:رَحمَةُ هذَا المِسکینِ،أخبَرَنی جِبریلُ علیه السّلام أنَّهُ سَیُقتَلُ بِکَربَلاءَ،قالَ:دونَ العِراقِ،وهذِهِ تُربَتُها قَد أتانی بِها جِبریلُ علیه السّلام. (2)

828.فضائل الصحابة لابن حنبل عن امّ سلمة: کانَ جِبریلُ علیه السّلام عِندَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله وَالحُسَینُ علیه السّلام مَعی، فَبَکی فَتَرَکتُهُ،فَدَنا مِنَ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،فَقالَ جِبریلُ:أتُحِبُّهُ یا مُحَمَّدُ؟

فَقالَ:نَعَم،فَقالَ:إنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُهُ،وإن شِئتَ أرَیتُکَ مِن تُربَةِ الأَرضِ الَّتی یُقتَلُ بِها،فَأَراهُ إیّاهُ،فَإِذَا الأَرضُ یُقالُ لَها:کَربَلاءُ. (3)

829.تاریخ دمشق عن جمهان: إنَّ جِبریلَ علیه السّلام أتَی النَّبِیَّ صلّی اللّه علیه و آله بِتُرابٍ مِن تُربَةِ القَریَةِ الَّتی قُتِلَ فیهَا الحُسَینُ علیه السّلام،وقیلَ:اِسمُها کَربَلاءُ،فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:کَربٌ و بَلاءٌ. (4)

ص:281

830.المعجم الکبیر عن امّ سلمة: کانَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله جالِساً ذاتَ یَومٍ فی بَیتی،فَقالَ:لا یَدخُل عَلَیَّ أحَدٌ،فَانتَظَرتُ،فَدَخَلَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَسَمِعتُ نَشیجَ (1)رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَبکی، فَاطَّلَعتُ فَإِذا حُسَینٌ علیه السّلام فی حِجرِهِ،وَالنَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله یَمسَحُ جَبینَهُ،وهُوَ یَبکی،فَقُلتُ:

وَاللّهِ،ما عَلِمتُ حینَ دَخَلَ !

فَقالَ:إنَّ جِبریلَ علیه السّلام کانَ مَعَنا فِی البَیتِ،فَقالَ:تُحِبُّهُ؟قُلتُ:أمّا مِنَ الدُّنیا فَنَعَم.

قالَ:إنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُ هذا بِأَرضٍ یُقالُ لَها:کَربَلاءُ،فَتَناوَلَ جِبریلُ علیه السّلام مِن تُربَتِها، فَأَراهَا النَّبِیَ صلّی اللّه علیه و آله،فَلَمّا احیطَ بِحُسَینٍ علیه السّلام حینَ قُتِلَ قالَ:مَا اسمُ هذِهِ الأَرضِ؟قالوا:

کَربَلاءُ،قالَ:صَدَقَ اللّهُ ورَسولُهُ،أرضُ کَربٍ وبَلاءٍ. (2)

فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:اِبنی،فَأَخَذَهُ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله فَجَعَلَهُ عَلی فَخِذِهِ،فَقالَ:أما إنَّهُ سَیُقتَلُ ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:ومَن یَقتُلُهُ؟! قالَ:اُمَّتُکَ،فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:اُمَّتی تَقتُلُهُ؟! قالَ:

نَعَم،وإن شِئتَ أخبَرتُکَ بِالأَرضِ الَّتی یُقتَلُ بِها،فَأَشارَ لَهُ جِبریلُ إلَی الطَّفِّ بِالعِراقِ، وأخَذَ تُربَةً حَمراءَ،فَأَراهُ إیّاها،فَقالَ:هذِهِ مِن تُربَةِ مَصرَعِهِ. (1)

833.المعجم الکبیر عن عائشة: دَخَلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام عَلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وهُوَ یوحی إلَیهِ،فَنَزا (2)عَلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وهُوَ مُنَکِّبٌ،ولَعِبَ عَلی ظَهرِهِ،فَقالَ جِبریلُ لِرَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:أتُحِبُّهُ یا مُحَمَّدُ؟

قالَ:یا جِبریلُ،ما لی لا احِبُّ ابنی؟! قالَ:فَإِنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُهُ مِن بَعدِکَ،فَمَدَّ جِبریلُ علیه السّلام یَدَهُ،فَأَتاهُ بِتُربَةٍ بَیضاءَ،فَقالَ:فی هذِهِ الأَرضِ یُقتَلُ ابنُکَ هذا یا مُحَمَّدُ، وَاسمُهَا الطَّفُّ،فَلَمّا ذَهَبَ جِبریلُ علیه السّلام مِن عِندِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وَالتُّربَةُ فی یَدِهِ یَبکی،فَقالَ:یا عائِشَةُ،إنَّ جِبریلَ علیه السّلام أخبَرَنی أنَّ الحُسَینَ ابنی مَقتولٌ فی أرضِ الطَّفِّ،وأنَّ امَّتی سَتُفتَتَنُ بَعدی.

ثُمَّ خَرَجَ إلی أصحابِهِ-فیهِم:عَلِیٌّ علیه السّلام وأبو بَکرٍ وعُمَرُ وحُذَیفَةُ وعَمّارٌ وأبو ذَرٍّ رَضِیَ اللّهُ عَنهُم-وهُوَ یَبکی،فَقالوا:ما یُبکیکَ یا رَسولَ اللّهِ؟فَقالَ:أخبَرَنی جِبریلُ أنَّ ابنِیَ الحُسَینَ یُقتَلُ بَعدی بِأَرضِ الطَّفِّ،وجاءَنی بِهذِهِ التُّربَةِ،وأخبَرَنی أنَّ فیها مَضجَعَهُ. (3)

ص:283

شَیئاً حَتّی دَخَلَ عَلَی النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،فَدَخَلَت امُّ سَلَمَةَ عَلی أثَرِهِ،فَإِذَا الحُسَینُ علیه السّلام عَلی صَدرِهِ،وإذَا النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله یَبکی،وإذا فی یَدِهِ شَیءٌ یُقَلِّبُهُ،فَقالَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله:

یا امَّ سَلَمَةَ،إنَّ هذا جَبرَئیلُ علیه السّلام یُخبِرُنی أنَّ هذا مَقتولٌ،وهذِهِ التُّربَةُ الَّتی یُقتَلُ عَلَیها،فَضَعیها عِندَکِ،فَإِذا صارَت دَماً فَقَد قُتِلَ حَبیبی.

فَقالَت امُّ سَلَمَةَ:یا رَسولَ اللّهِ،سَلِ اللّهَ أن یَدفَعَ ذلِکَ عَنهُ.قالَ:قَد فَعَلتُ، فَأَوحَی اللّهُ عز و جل إلَیَّ:أنَّ لَهُ دَرَجَةً لا یَنالُها أحَدٌ مِنَ المَخلوقینَ،وأنَّ لَهُ شیعَةً یَشفَعونَ فَیُشَفَّعونَ،وأنَّ المَهدِیَّ مِن وُلدِهِ،فَطوبی لِمَن کانَ مِن أولِیاءِ الحُسَینِ، وشیعَتُهُ هُم-وَاللّهِ-الفائِزونَ یَومَ القِیامَةِ. (1)

840.مسند ابن حنبل عن أنس: استَأذَنَ مَلَکُ المَطَرِ أن یَأتِیَ النَّبِیَّ صلّی اللّه علیه و آله،فَأَذِنَ لَهُ،فَقالَ لِاُمِّ سَلَمَةَ:اِحفَظی عَلَینَا البابَ،لا یَدخُل أحَدٌ.

فَجاءَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السّلام،فَوَثَبَ حَتّی دَخَلَ،فَجَعَلَ یَصعَدُ عَلی مَنکِبِ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،فَقالَ لَهُ المَلَکُ:أتُحِبُّهُ؟قالَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله:نَعَم.

قالَ:فَإِنَّ امَّتَکَ تَقتُلُهُ،وإن شِئتَ أرَیتُکَ المَکانَ الَّذی یُقتَلُ فیهِ.

قالَ:فَضَرَبَ بِیَدِهِ،فَأَراهُ تُراباً أحمَرَ،فَأَخَذَت امُّ سَلَمَةَ ذلِکَ التُّرابَ،فَصَرَّتهُ فی طَرَفِ ثَوبِها،قالَ:فَکُنّا نَسمَعُ یُقتَلُ بِکَربَلاءَ. (2)

ص:286

841.الأمالی للطوسی عن سالم بن أبی الجعد عن أنس بن مالک: إنَّ عَظیماً مِن عُظَماءِ المَلائِکَةِ استَأذَنَ رَبَّهُ عز و جل فی زِیارَةِ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،فَأَذِنَ لَهُ،فَبَینَما هُوَ عِندَهُ إذ دَخَلَ عَلَیهِ الحُسَینُ علیه السّلام،فَقَبَّلَهُ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله وأجلَسَهُ فی حِجرِهِ،فَقالَ لَهُ المَلَکُ:أتُحِبُّهُ؟قالَ:أجَل، أشَدَّ الحُبِّ ! إنَّهُ ابنی.

قالَ لَهُ:إنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُهُ،قالَ:اُمَّتی تَقتُلُ ابنی هذا؟! قالَ:نَعَم،وإن شِئتَ أرَیتُکَ مِنَ التُّربةِ الَّتی یُقتَلُ عَلَیها،قالَ:نَعَم،فَأَراهُ تُربَةً حَمراءَ طَیِّبَةَ الرّیحِ.

فَقالَ:إذا صارَت هذِهِ التُّربَةُ دَماً عَبیطاً فَهُوَ عَلامَةُ قَتلِ ابنِکَ هذا.

قالَ سالِمُ بنُ أبِی الجَعدِ:اُخبِرتُ أنَّ المَلَکَ کانَ میکائیلَ علیه السّلام. (1)

842.مجمع الزوائد عن ابن عبّاس: کانَ الحُسَینُ علیه السّلام جالِساً فی حِجرِ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،فَقالَ جِبریلُ علیه السّلام:أتُحِبُّهُ؟

فَقالَ:وکَیفَ لا احِبُّهُ وهُوَ ثَمَرَةُ فُؤادی؟! فَقالَ:أما إنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُهُ،ألا اریکَ مِن مَوضِعِ قَبرِهِ؟فَقَبَضَ قَبضَةً،فَإِذا تُربَةٌ حَمراءُ. (2)

843.المعجم الکبیر عن أبی امامة: قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله لِنِسائِهِ:لا تُبکُوا هذَا الصَّبِیَّ-یَعنی حُسَیناً علیه السّلام-قالَ:وکانَ یَومَ امِّ سَلَمَةَ،فَنَزَلَ جِبریلُ علیه السّلام،فَدَخَلَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله الدّاخِلَ، وقالَ لِاُمِّ سَلَمَةَ:لا تَدَعی أحَداً یَدخُلُ عَلَیَّ،فَجاءَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَلَمّا نَظَرَ إلَی النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله فِی البَیتِ أرادَ أن یَدخُلَ،فَأَخَذَتهُ امُّ سَلَمَةَ،فَاحتَضَنَتهُ،وجَعَلَت تُناغیهِ وتُسَکِّنُهُ،فَلَمَّا اشتَدَّ فِی البُکاءِ خَلَّت عَنهُ،فَدَخَلَ حَتّی جَلَسَ فی حِجرِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.

ص:287

فَقالَ جِبریلُ علیه السّلام:إنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُ ابنَکَ هذا،فَقالَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله:یَقتُلونَهُ وهُم مُؤمِنونَ بی؟! قالَ:نَعَم،یَقتُلونَهُ،فَتَناوَلَ جِبریلُ تُربَةً،فَقالَ:بِمَکانِ کَذا وکَذا.

فَخَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله قَدِ احتَضَنَ حُسَیناً علیه السّلام،کاسِفَ البالِ (1)مَهموماً،فَظَنَّت امُّ سَلَمَةَ أنَّهُ غَضِبَ مِن دُخولِ الصَّبِیِّ عَلَیهِ،فَقالَت:یا نَبِیَّ اللّهِ،جُعِلتُ لَکَ الفِداءَ ! إنَّکَ قُلتَ لَنا لا تُبکوا هذَا الصَّبِیَّ،وأمَرتَنی ألّا أدَعَ [أحَداً] (2)یَدخُلُ عَلَیکَ،فَجاءَ،فَخَلَّیتُ عَنهُ.

فَلَم یَرُدَّ عَلَیها،فَخَرَجَ إلی أصحابِهِ،وهُم جُلوسٌ،فَقالَ لَهُم:إنَّ امَّتی یَقتُلونَ هذا،وفِی القَومِ أبو بَکرٍ وعُمَرُ،وکانا أجرَأَ القَومِ عَلَیهِ،فَقالا:یا نَبِیَّ اللّهِ،یَقتُلونَهُ وهُم مُؤمِنونَ؟! قالَ:نَعَم،وهذِهِ تُربَتُهُ،وأراهُم إیّاها. (3)

844.المعجم الکبیر عن امّ سلمة: قالَ لی رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:اِجلِسی بِالبابِ،ولا یَلِجَنَّ عَلَیَّ أحَدٌ، فَقُمتُ بِالبابِ،إذ جاءَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَذَهَبتُ أتَناوَلُهُ،فَسَبَقَنِی الغُلامُ،فَدَخَلَ عَلی جَدِّهِ،فَقُلتُ:یا نَبِیَّ اللّهِ،جَعَلَنِیَ اللّهُ فِداکَ ! أمَرتَنی أن لا یَلِجَ عَلَیکَ أحَدٌ وإنَّ ابنَکَ جاءَ،فَذَهَبتُ أتنَاوَلُهُ،فَسَبَقَنی،فَلَمّا طالَ ذلِکَ تَطَلَّعتُ مِنَ البابِ،فَوَجَدتُکَ تُقَلِّبُ بِکَفَّیکَ شَیئاً،ودُموعُکُ تَسیلُ،وَالصَّبِیُّ عَلی بَطنِکَ !

قالَ:نَعَم،أتانی جِبریلُ،فَأَخبَرَنی أنَّ امَّتی یَقتُلونَهُ،وأتانی بِالتُّربَةِ الَّتی یُقتَلُ عَلَیها،فَهِیَ الَّتی اقَلِّبُ بِکَفّی. (4)

ص:288

845.المصنّف لابن أبی شیبة عن امّ سلمة: دَخَلَ الحُسَینُ علیه السّلام عَلَی النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله وأنَا جالِسَةٌ عَلَی البابِ،فَتَطَلَّعتُ،فَرَأَیتُ فی کَفِّ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله شیئاً یُقَلِّبُهُ،وهُوَ نائِمٌ عَلی بَطنِهِ،فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،تَطَلَّعتُ،فَرَأَیتُکَ تُقَلِّبُ شَیئاً فی کَفِّکَ،وَالصَّبِیُّ نائِمٌ عَلی بَطنِکَ، ودُموعُکَ تَسیلُ !

فَقالَ:إنَّ جَبرَئیلَ أتانی بِالتُّربَةِ الَّتی یُقتَلُ عَلَیها،وأخبَرَنی أنَّ امَّتی یَقتُلونَهُ. (1)

846.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن عائشة: بَینا رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله راقِدٌ إذ جاءَ الحُسَینُ یَحبو إلَیهِ،فَنَحَّیتُهُ عَنهُ،ثُمَّ قُمتُ لِبَعضِ أمری،فَدَنا مِنهُ،فَاستَیقَظَ

یَبکی،فَقُلتُ:ما یُبکیکَ؟قالَ:إنَّ جِبریلَ علیه السّلام أرانِی التُّربَةَ الَّتی یُقتَلُ عَلَیهَا الحُسَینُ،فَاشتَدَّ غَضَبُ اللّهِ عَلی مَن یَسفِکُ دَمَهُ ! وبَسَطَ یَدَهُ،فَإِذا فیها قَبضَةٌ مِن بَطحاءء. (2)

فَقالَ:یا عائِشَةُ،وَالَّذی نَفسی بِیَدِهِ،إنَّهُ لَیَحزُنُنی،فَمَن هذا مِن امَّتی یَقتُلُ حُسَیناً بَعدی؟! (3)

847.المعجم الأوسط عن عائشة: إنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله أجلَسَ حُسَیناً علیه السّلام عَلی فَخِذِهِ،فَجاءَهُ جِبریلُ علیه السّلام،فَقالَ:هذَا ابنُکَ؟قالَ:نَعَم.قالَ:اُمَّتُکَ سَتَقتُلُهُ بَعدَکَ،فَدَمَعَت عَینا رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله.

ص:289

قالَ:إن شِئتَ أرَیتُکَ تُربَةَ الأَرضِ الَّتی یُقتَلُ بِها،قالَ:نَعَم،فَأَتاهُ جِبریلُ علیه السّلام بِتُرابٍ مِن تُرابِ الطَّفِّ. (1)

848.المعجم الکبیر عن عائشة: إنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السّلام دَخَلَ عَلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَقالَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله:یا عائِشَةُ،ألا اعَجِّبُکِ؟لَقَد دَخَلَ عَلَیَّ مَلَکٌ آنِفاً،ما دَخَلَ عَلَیَّ قَطُّ،فَقالَ:

إنَّ ابنی هذا مَقتولٌ،وقالَ:إن شِئتَ أرَیتُکَ تُربَةً یُقتَلُ فیها،فَتَناوَلَ المَلَکُ بِیَدِهِ، فَأَرانی تُربَةً حَمراءَ. (2)

849.مسند ابن حنبل عن عائشة أو امّ سلمة: إنَّ النَّبِیَّ صلّی اللّه علیه و آله قالَ لِإِحداهُما:لَقَد دَخَلَ عَلَیَّ البَیتَ مَلَکٌ لَم یَدخُل عَلَیَّ قَبلَها،فَقالَ لی:إنَّ ابنَکَ هذا حُسَینٌ مَقتولٌ،وإن شِئتَ أرَیتُکَ مِن تُربَةِ الأَرضِ الَّتی یُقتَلُ بِها،قالَ:فَأَخرَجَ تُربَةً حَمراءَ. (3)

850.المعجم الکبیر عن امّ سلمة: کانَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السّلام یَلعَبانِ بَینَ یَدَیِ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله فی بَیتی، فَنَزَلَ جِبریلُ علیه السّلام،فَقالَ:یا مُحَمَّدُ ! إنَّ امَّتَکَ تَقتُلُ ابنَکَ هذا مِن بَعدِکَ،فَأَومَأَ بِیَدِهِ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام،فَبَکی رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،وضَمَّهُ إلی صَدرِهِ،ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:وَدیعَةٌ عِندَکِ هذِهِ التُّربَةُ،فَشَمَّها رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وقالَ:وَیحَ کَربٍ وبَلاءٍ !

قالَت:وقالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:یا امَّ سَلَمَةَ،إذا تَحَوَّلَت هذِهِ التُّربَةُ دَماً فَاعلَمی أنَّ ابنی قَد قُتِلَ.

قالَ:فَجَعَلَتها امُّ سَلَمَةَ فی قارورَةٍ (4)،ثُمَّ جَعَلَت تَنظُرُ إلَیها کُلَّ یَومٍ،وتَقولُ:إنَّ

ص:290

یَوماً تُحَوِّلینَ دَماً لَیَومٌ عَظیمٌ. (1)

851.الأمالی للطوسی عن زینب بنت جحش: کانَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ذاتَ یَومٍ عِندی نائِماً،فَجاءَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَجَعَلتُ اعَلِّلُهُ مَخافَةَ أن یوقِظَ النَّبِیَّ صلّی اللّه علیه و آله،فَغَفَلتُ عَنهُ،فَدَخَلَ وَاتَّبَعتُهُ، فَوَجَدتُهُ وقَد قَعَدَ عَلی بَطنِ النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله،...فَجَعَلَ یَبولُ عَلَیهِ،فَأَرَدتُ أن آخُذَهُ عَنهُ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:دَعِی ابنی-یا زَینَبُ-حَتّی یَفرُغَ مِن بَولِهِ.

فَلَمّا فَرَغَ تَوَضَّأَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله وقامَ یُصَلّی،فَلَمّا سَجَدَ ارتَحَلَهُ الحُسَینُ علیه السّلام،فَلَبِثَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله بِحالِهِ حَتّی نَزَلَ،فَلَمّا قامَ عادَ الحُسَینُ علیه السّلام،فَحَمَلَهُ حَتّی فَرَغَ مِن صَلاتِهِ، فَبَسَطَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله یَدَهُ،وجَعَلَ یَقولُ:أرِنی أرِنی یا جَبرَئیلُ.

فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ ! لَقَد رَأَیتُکَ الیَومَ صَنَعتَ شَیئاً ما رَأَیتُکَ صَنَعتَهُ قَطُّ !

قالَ:نَعَم،جاءَنی جَبرَئیلُ علیه السّلام،فَعَزّانی فِی ابنِی الحُسَینِ،وأخبَرَنی أنَّ امَّتی تَقتُلُهُ،وأتانی بِتُربَةٍ حَمراءَ. (2)

852.المستدرک علی الصحیحین عن شدّاد بن عبداللّه عن امّ الفضل بنت الحارث: أنَّها دَخَلَت عَلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله فَقالَت:یا رَسولَ اللّهِ،إنّی رَأَیتُ حُلماً مُنکَراً اللَّیلَةَ،قالَ:وما هُوَ؟ قالَت:إنَّهُ شَدیدٌ،قالَ:ما هُوَ؟قالَت:رَأَیتُ کَأَنَّ قِطعَةً مِن جَسَدِکَ قُطِعَت ووُضِعَت فی حِجری.

فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:رَأَیتِ خَیراً،تَلِدُ فاطِمَةُ إن شاءَ اللّهُ غُلاماً،فَیَکونُ

ص:291

فی حِجرِکِ.

فَوَلَدَت فاطِمَةُ علیها السّلام الحُسَینَ علیه السّلام،فَکانَ فی حِجری،کَما قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله، فَدَخَلتُ بِهِ یَوماً إلی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَوَضَعتُهُ فی حِجرِهِ،ثُمَّ حانَت مِنِّی التِفاتَةٌ،فَإِذا عَینا رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله تُهَریقانِ مِنَ الدُّموعِ.

قالَت:فَقُلتُ:یا نَبِیَّ اللّهِ ! بِأَبی أنت واُمّی ! ما لَکَ؟

قالَ:أتانی جِبریلُ علیه السّلام،فَأَخبَرَنی أنَّ امَّتی سَتَقتُلُ ابنی هذا،فَقُلتُ:هذا ! فَقالَ:

نَعَم،وأتانی بِتُربَةٍ مِن تُربَتِهِ حَمراءَ. (1)

قالَ:فَخَرَجَ أنَسُ بنُ الحارِثِ إلی کَربَلاءَ،فَقُتِلَ مَعَ الحُسَینِ علیه السّلام. (1)

ابنُ مُنافِقٍ. (1)

860.الملهوف: لَمّا أتی عَلَی الحُسَینِ علیه السّلام سَنَتانِ مِن مَولِدِهِ،خَرَجَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله فی سَفَرٍ لَهُ،فَوَقَفَ فی بَعضِ الطَّریقِ،فَاستَرجَعَ،ودَمَعَت عَیناهُ.

فَسُئِلَ عَن ذلِکَ،فَقالَ:هذا جَبرَئیلُ یُخبِرُنی عَن أرضٍ بِشَطِّ الفُراتِ یُقالُ لَها:

کَربَلاءُ،یُقتَلُ بِها وَلَدِیَ الحُسَینُ ابنُ فاطِمَةَ.فَقیلَ لَهُ:مَن یَقتُلُهُ یا رَسولَ اللّهِ؟

فَقالَ:رَجُلٌ اسمُهُ یَزیدُ،وکَأَنَّی أنظُرُ إلی مَصرَعِهِ ومَدفَنِهِ. (1)

فَقالَ:نُعِیَ إلَیَّ حُسَینٌ،واُتیتُ بِتُربَتِهِ،واُخبِرتُ بِقاتِلِهِ،وَالَّذی نَفسی بِیَدِهِ،لا یُقتَلُ بَینَ ظَهرانَی قَومٍ لا یَمنَعونَهُ (1)إلّاخالَفَ اللّهُ بَینَ صُدورِهِم وقُلوبِهِم،وسَلَّطَ عَلَیهِم شِرارَهُم،وألبَسَهُم شِیَعاً،ثُمَّ قالَ:واهاً لِفِراخِ آلِ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله مِن خَلیفَةٍ مُستَخلَفٍ مُترَفٍ،یَقتُلُ خَلَفی وخَلَفَ الخَلَفِ.

فَلَمّا بَلَغتُ عَشَرَةً قالَ:الوَلیدُ اسمُ فِرعَونَ،هادِمُ شَرائِعِ الإِسلامِ،بَینَ یَدَیهِ رَجُلٌ مِن أهلِ بَیتٍ یَسُلُّ اللّهُ سَیفَهُ،فَلا غِمادَ لَهُ،وَاختَلَفَ النّاسُ،فَکانوا هکَذا-وشَبَکَ بَینَ أصابِعِه-.

ثُمَّ قالَ:بَعدَ العِشرینَ ومِئَةٍ مَوتٌ سَریعٌ،وقَتلٌ ذَریعٌ،فَفیهِ هَلاکُهُم،ویَلِی عَلَیهِم رَجُلٌ مِن وُلدِ العَبّاسِ. (2)

راجع:ص 272 ح 808 و ص 274 ح 810.

865.عیون أخبار الرضا علیه السّلام بإسناده عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله: إنَّ قاتِلَ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیه السّلام فی تابوتٍ مِن نارٍ،عَلَیهِ نِصفُ عَذابِ أهلِ الدُّنیا،وقَد شُدَّت یَداهُ ورِجلاهُ بِسَلاسِلَ مِن نارٍ،مُنَکَّسٍ فِی النّارِ،حَتّی یَقَعَ فی قَعرِ جَهَنَّمَ،ولَهُ ریحٌ یَتَعَوَّذُ أهلُ النّارِ إلی رَبِّهِم مِن شِدَّةِ نَتنِهِ،وهُوَ فیها خالِدٌ ذائِقُ العَذابِ الأَلیمِ،مَعَ جَمیعِ مَن شایَعَ عَلی قَتلِهِ،کُلَّما نَضِجَت جُلودُهُم بَدَّلَ اللّهُ عز و جل عَلَیهِمُ الجُلودَ (1)،حَتّی یَذوقُوا العَذابَ الأَلیمَ،لا یُفَتَّرُ عَنهُم ساعَةً،ویُسقَونَ مِن حَمیمِ (2)جَهَنَّمَ،فَالوَیلُ لَهُم مِن عَذابِ اللّهِ تَعالی فِی النّارِ. (3)

866.عیون أخبار الرضا علیه السّلام بإسناده عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله: إنَّ موسَی بنَ عِمرانَ سَأَلَ رَبَّهُ عز و جل،فَقالَ:

یا رَبِّ،إنَّ أخی هارونَ ماتَ،فَاغفِر لَهُ،فَأَوحَی اللّهُ تَعالی إلَیهِ:یا موسی،لَو سَأَلتَنی فِی الأَوَّلینَ وَالآخِرینَ لَأَجَبتُکَ ما خَلا قاتِلَ الحُسَینِ بنِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السّلام،فَإِنّی أنتَقِمُ لَهُ مِن قاتِلِهِ.... (4)

ص:297

867.عیون أخبار الرضا علیه السّلام بإسناده عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله: تُحشَرُ ابنَتی فاطِمَةُ یَومَ القِیامَةِ، ومَعَها ثِیابٌ مَصبوغَةٌ بِالدَّمِ،فَتَعَلَّقُ بِقائِمَةٍ مِن قَوائِمِ العَرشِ،فَتَقولُ:یا عَدلُ،احکُم بَینی وبَینَ قاتِلِ وُلدی.

قالَ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله:فَیَحکُمُ اللّهُ تَعالی لِابنَتی ورَبِّ الکَعبَةِ. (1)

868.الفتوح عن شرحبیل بن أبی عون: إنَّ المَلَکَ الَّذی جاءَ إلَی النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله إنَّما کانَ مَلَکَ البِحارِ...،ثُمَّ حَمَلَ ذلِکَ المَلَکُ مِن تُربَةِ الحُسَینِ علیه السّلام فی بَعضِ أجنِحَتِهِ،فَلَم یَبقَ مَلَکٌ فی سَماءِ الدُّنیا إلّاشَمَّ تِلکَ التُّربَةَ،وصارَ فیها عِندَهُ أثَرٌ وخَبَرٌ.

قالَ:ثُمَّ أخَذَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله تِلکَ القَبضَةَ الَّتی أتاهُ بِهَا المَلَکُ،فَجَعَلَ یَشُمُّها،وهُوَ یَبکی،ویَقولُ فی بُکائِهِ:اللّهُمَّ لا تُبارِک فی قاتِلِ وَلَدِی،وأصلِهِ نارَ جَهَنَّمَ. (2)

رُمِیَ بِسَهمٍ،فَخَرَّ عَن فَرَسِهِ صَریعاً،ثُمَّ یُذبَحُ کَما یُذبَحُ الکَبشُ مَظلوماً. (1)

870.کفایة الأثر عن عبداللّه بن العبّاس: دَخَلتُ عَلَی النَّبِیِّ صلّی اللّه علیه و آله وَالحَسَنُ علیه السّلام عَلی عاتِقِهِ، وَالحُسَینُ علیه السّلام عَلی فَخِذِهِ،یَلثِمُهُما (2)ویُقَبِّلُهُما،ویَقولُ:اللّهُمَّ والِ مَن والاهُما،وعادِ مَن عاداهُما، (3)ثُمَّ قالَ:یَابنَ عَبّاسٍ،کَأَنّی بِهِ وقَد خُضِبَت شَیبَتُهُ مِن دَمِهِ،یَدعو فَلا یُجابُ،ویَستَنصِرُ فَلا یُنصَرُ.قُلتُ:مَن یَفعَلُ ذلِکَ یا رَسولَ اللّهِ؟

قالَ:شِرارُ امَّتی،ما لَهُم؟لا أنالَهُمُ اللّهُ شَفاعَتی ! (4)

871.کامل الزیارات عن مسمع بن عبد الملک عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السّلام :کانَ الحُسَینُ علیه السّلام مَعَ امِّهِ تَحمِلُهُ،فَأَخَذَهُ رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَقالَ:لَعَنَ اللّهُ قاتِلیکَ،ولَعَنَ اللّهُ سالِبیکَ،وأهلَکَ اللّهُ المُتَوازِرینَ عَلَیکَ،وحَکَمَ اللّهُ بَینی وبَینَ مَن أعانَ عَلَیکَ !

فَقالَت فاطِمَةُ:یا أبَه،أیَّ شَیءٍ تَقولُ؟قالَ:یا بِنتاه،ذَکَرتُ ما یُصیبُهُ بَعدی وبَعدَکِ مِنَ الأَذی وَالظُّلمِ وَالغَدرِ وَالبَغیِ،وهُوَ یَومَئِذٍ فی عُصبَةٍ کَأَنَّهُم نُجومُ السَّماءِ، یَتَهادَونَ إلَی القَتلِ،وکَأَنّی أنظُرُ إلی مُعَسکَرِهِم،وإلی مَوضِعِ رِحالِهِم وتُربَتِهِم.

فَقالَت:یا أبَه،وأینَ هذَا المَوضِعُ الَّذی تَصِفُ؟قالَ:مَوضِعٌ یُقالُ لَهُ کَربَلاءُ،وهِیَ ذاتُ کَربٍ وبَلاءٍ عَلَینا وعَلَی الاُمَّةِ،یَخرُجُ عَلَیهِم شِرارُ امَّتی،ولَو أنّ أحَدَهُم شَفَعَ لَهُ مَن فِی السَّماواتِ وَالأَرَضینَ ما شُفِّعوا فیهِم،وهُمُ المُخَلَّدونَ فِی النّارِ.

قالَت:یا أبَه،فَیُقتَلُ؟قالَ:نَعَم یا بِنتاه،وما قُتِلَ قِتلَتَهُ أحَدٌ کانَ قَبلَهُ،وتَبکیهِ

ص:299

السَّماواتُ وَالأَرضونَ،وَالمَلائِکَةُ وَالوَحشُ وَالحیتانُ فِی البِحارِ وَالجِبالُ،لَو یُؤذَنُ لَها ما بَقِیَ عَلَی الأَرضِ مُتَنَفِّسٌ،ویَأتیهِ قَومٌ مِن مُحِبّینا،لَیسَ فِی الأَرضِ أعلَمُ بِاللّهِ ولا أقوَمُ بِحَقِّنا مِنهُم،ولَیسَ عَلی ظَهرِ الأَرضِ أحَدٌ یَلتَفِتُ إلَیهِ غَیرُهُم،اُولئِکَ مَصابیحُ فی ظُلُماتِ الجَورِ،وهُمُ الشُّفَعاءُ،وهُم وارِدونَ حَوضی غَداً،أعرِفُهُم إذا وَرَدوا عَلَیَّ بِسیماهُم،وأهلُ کُلِّ دینٍ یَطلُبونَ أئِمَّتَهُم،وهمُ یَطلُبونَنا ولا یَطلُبونَ غَیرَنا،وهُم قِوامُ الأَرضِ،بِهِم یَنزِلُ الغَیثُ. (1)

علیّ بن أبی طالب علیه السّلام: زارَنا رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ذاتَ یومٍ،فَقَدَّمنا إلَیهِ طَعاماً،وأهدَت إلَینا امُّ أیمَنَ صَحفَةً مِن تَمرٍ،وقَعباً مِن لَبَنٍ وزَبَدٍ،فَقَدَّمنا إلَیهِ،فَأَکَلَ مِنهُ،فَلَمّا فَرَغَ قُمتُ وسَکَبتُ عَلی یَدَی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله ماءً،فَلَمّا غَسَلَ یَدَیهِ مَسَحَ وَجهَهُ ولِحیَتَهُ بِبِلَّةِ یَدَیهِ،ثُمَّ قامَ إلَی مَسجِدٍ فی جانِبِ البَیتِ،وصَلّی وخَرَّ ساجِداً،فَبَکی وأطالَ البُکاءَ،ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ،فَمَا اجتَری مِنّا أهلَ البَیتِ أحَدٌ یَسأَلُهُ عَن شَیءٍ.

فَقامَ الحُسَینُ علیه السّلام یَدرُجُ حَتّی صَعِدَ عَلی فَخِذَی رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،فَأَخَذَ بِرَأسِهِ إلی صَدرِهِ ووَضَعَ ذَقَنَهُ عَلی رَأسِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله،ثُمَّ قالَ:یا أبَه،ما یُبکیکَ؟فَقالَ لَهُ:یا بُنَیَّ،إنّی نَظَرتُ إلَیکُم الیَومَ،فَسُرِرتُ بِکُم سُروراً لَم اسَرَّ بِکُم مِثلَهُ قَطُّ،فَهَبَطَ إلَیَّ جَبرَئیلُ،فَأَخبَرَنی أنَّکُم قَتلی،وأنَّ مَصارِعَکُم شَتّی،فَحَمِدتُ اللّهَ عَلی ذلِکَ، وسَأَلتُ لَکُمُ الخِیَرَةَ،فَقالَ لَهُ:یا أبَه،فَمَن یَزورُ قُبورَنا ویَتَعاهَدُها عَلی تَشَتُّتِها؟ (1)

قالَ:طَوائِفُ مِن امَّتی یُریدونَ بِذلِکَ بِرّی وصِلَتی،أتَعاهَدُهُم فِی المَوقِفِ وآخُذُ بِأَعضادِهِم،فَاُنجیهِم مِن أهوالِهِ وشَدائِدِهِ. (2)

874.الأمالی للطوسی عن جابر عن أبی جعفر [الباقر ] عن أمیر المؤمنین علیهما السّلام: زارَنا رَسولُ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله وقَد أهدَت لَنا امُّ أیمَنَ لَبَناً وزَبَداً وتَمراً،فَقَدَّمناهُ،فَأَکَلَ مِنهُ،ثُمَّ قامَ النَّبِیُّ صلّی اللّه علیه و آله إلی زاوِیَةِ البَیتِ،فَصَلّی رَکَعاتٍ،فَلَمّا کانَ فی آخِرِ سُجودِهِ بَکی بُکاءً شَدیداً،فَلَم یَسأَلهُ أحَدٌ مِنّا إجلالاً لَهُ.

فَقامَ الحُسَینُ علیه السّلام فَقَعَدَ فی حِجرِهِ،وقالَ لَهُ:یا أبَتِ،لَقَد دَخَلتَ بَیتَنا فَما سُرِرنا بِشَیءٍ کَسُرورِنا بِدُخولِکَ،ثُمَّ بَکَیتَ بُکاءً غَمَّنا،فَلِمَ بَکَیتَ؟

ص:301

فَقالَ:یا بُنَیَّ،أتانی جَبرَئیلُ آنِفاً،فَأَخبَرَنی أنَّکُم قَتلی،وأنَّ مَصارِعَکُم شَتّی.

فَقالَ:یا أبَتِ،فَما لِمَن یَزورُ قُبورَنا عَلی تَشَتُّتِها؟

فَقالَ:یا بُنَیَّ اولئِکَ طَوائِفُ مِن امَّتی یَزورونَکُم،یَلتَمِسونَ بِذلِکَ البَرَکَةَ،وحَقیقٌ عَلَیَّ أن آتِیَهُم یَومَ القِیامَةِ حَتّی اخَلِّصَهُم مِن أهوالِ السّاعَةِ مِن ذُنوبِهِم،ویُسکِنُهُمُ اللّهُ الجَنَّةَ (1).

راجع:ج 6 ص 209 (القسم الحادی عشر/الفصل الرابع/بکاء آدم علیه السّلام )

و ص 210 (بکاء إبراهیم علیه السّلام ) و ص 211 (بکاء عیسی علیه السّلام )

و ص 213 ( بکاء النبیّ صلّی اللّه علیه و آله وأهل بیته علیهم السّلام ).

ص:302

فَلَمّا قُتِلَ الحُسَینُ علیه السّلام خَرَجتُ حَتّی أتَیتُ المَکانَ الَّذی قَتَلوهُ فیهِ،فَإِذا هُوَ کَما قالَ،ما أخطَأَ شَیئاً.

قالَ:فَاستَغفَرتُ اللّهَ مِمّا کانَ مِنّی مِنَ الشَّکِّ،وعَلِمتُ أنَّ عَلِیّاً علیه السّلام لَم یَقدَم إلّابِما عُهِدَ إلَیهِ فیهِ. (1)

الحِمارِ،وإذا أصحابُهُ رِبضَةٌ (1)حَولَهُ. (2)

883.البدایة والنهایة عن محمّد بن سعد وغیره من غیر وجه عن علیّ بن أبی طالب علیه السّلام: أنَّهُ مَرَّ بِکَربَلاءَ عِندَ أشجارِ الحَنظَلِ وهُوَ ذاهِبٌ إلی صِفّینَ،فَسَأَلَ عَنِ اسمِها،فَقیلَ:

کَربَلاءُ،فَقالَ:کَربٌ وبَلاءٌ ! فَنَزَلَ وصَلّی عِندَ شَجَرَةٍ هُناکَ.

ثُمَّ قالَ:یُقتَلُ هاهُنا شُهَداءُ هُم خَیرُ الشُّهَداءِ غَیرَ الصَّحابَةِ (3)،یَدخُلونَ الجَنَّةَ بِغَیرِ حِسابٍ،وأشارَ إلی مَکانٍ هُناکَ،فَعَلَموهُ بِشَیءٍ،فَقُتِلَ فیهِ الحُسَینُ علیه السّلام. (4)

أباکَ کانَ أعلَمَ النّاسِ،وإنّی شَهِدتُهُ فی زَمَنِ کَذا وکَذا قالَ:کَذا وکَذا،وإنَّکَ وَاللّهِ لَمَقتولٌ السّاعَةَ.

قالَ:فَما تُریدُ أن تَصنَعَ أنتَ؟أتَلحَقُ بِنا أم تَلحَقُ بِأَهلِکَ؟

قُلتُ:وَاللّهِ،إنَّ عَلَیَّ لَدَیناً،وإنَّ لی لَعِیالاً،وما أظُنُّ إلّاسَأَلحَقُ بِأَهلی.

قالَ:أمّا لا،فَخُذ مِن هذَا المالِ حاجَتَکَ-وإذا مالٌ مَوضوعٌ بَینَ یَدَیهِ-قَبلَ أن یَحرُمَ عَلَیکَ،ثُمَّ النَّجاءَ (1)،فَوَاللّهِ،لا یَسمَعُ الدّاعِیَةَ (2)أحَدٌ،ولا یَرَی البارِقَةَ (3)أحَدٌ ولا یُعینُنا إلّاکانَ مَلعوناً عَلی لِسانِ مُحَمَّدٍ صلّی اللّه علیه و آله.

قالَ:قُلتُ:وَاللّهِ،لا أجمَعُ الیَومَ أمرَینِ:آخُذُ مالَکَ،وأخذُلُکَ.فَانصَرَفَ وتَرَکَهُ. (4)

قَبضَةً مِن تُرابٍ فَأَعطانیها،فَلَم أملِک عَینی أن فاضَتا. (1)

لَیَحُلَّنَّ هاهُنا رَکبٌ مِن آلِ رَسولِ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله یَمُرُّ بِهذَا المَکانِ،فَیَقتُلونَهُم،فَوَیلٌ لَکُم مِنهُم،ووَیلٌ لَهُم مِنکُم ! (1)

بِالحُسَینِ نَجلی وفَرخی ومُضغَتی ومُخّی قَد غَرِقَ فیهِ،یَستَغیثُ فَلا یُغاثُ،وکَأَنَّ الرِّجالَ البیضَ قَد نَزَلوا مِنَ السَّماءِ یُنادونَهُ،ویَقولونَ:صَبراً آلَ الرَّسولِ؛فَإِنَّکُم تُقتَلونَ عَلی أیدی شِرارِ النّاسِ،وهذِهِ الجَنَّةُ یا أبا عَبدِ اللّهِ إلیکَ مُشتاقَةٌ،ثُمَّ یُعَزّونَنی،ویَقولونَ:یا أبَا الحَسَنِ،أبشِر،فَقَد أقَرَّ اللّهُ عَینَکَ بِهِ یَومَ القِیامَةِ،یَومَ یَقومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمینَ،ثُمَّ انتَبَهتُ.

هکَذا وَالَّذی نَفسُ عَلِیٍّ بِیَدِهِ،لَقَد حَدَّثَنِی الصّادِقُ المُصَدَّقُ أبُو القَاسِمِ صلّی اللّه علیه و آله أنّی سَأَراها فی خُروجی إلی أهلِ البَغیِ عَلَینا،وهذِهِ أرضُ کَربٍ وبَلاءٍ،یُدفَنُ فیهَا الحُسَینُ وسَبعَةَ عَشَرَ رَجُلاً کُلُّهُم مِن وُلدی ووُلدِ فاطِمَةَ علیها السّلام،وأنَّها لَفِی السَّماواتِ مَعروفَةٌ،تُذکَرُ أرضُ کَربٍ وبَلاءٍ،کَما تُذکَرُ بُقعَةُ الحَرَمَینِ وبُقعَةُ بَیتِ المَقدِسِ.

ثُمَّ قالَ لی:یَابنَ عَبّاسٍ،اُطلُب لی حَولَها بَعرَ الظِّباءِ،فَوَ اللّهِ،ما کَذَبتُ ولا کُذِبتُ قَطُّ،وهِیَ مُصفَرَّةٌ،لَونُها لَونُ الزَّعفَرانِ.

قالَ ابنُ عَبّاسٍ:فَطَلَبتُها،فَوَجَدتُها مُجتَمِعَةً،فَنادَیتُهُ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ،قَد أصَبتُها عَلَی الصِّفَةِ الَّتی وَصَفتَها لی.

فَقالَ عَلِیٌّ علیه السّلام:صَدَقَ اللّهُ ورَسولُهُ.ثُمَّ قامَ علیه السّلام یُهَروِلُ إلَیها،فَحَمَلَها وشَمَّها،وقالَ:

هِیَ هِیَ بِعَینِها،تَعلَمُ-یَابنَ عَبّاسٍ-ما هذِهِ الأَبعارُ؟هذِهِ قَد شَمَّها عیسَی بنُ مَریَمَ علیه السّلام،وذلِکَ أنَّهُ مَرَّ بِها ومَعَهُ الحَوارِیّونَ فَرَأی هذِهِ الظِّباءَ مُجتَمِعَةً،فَأَقبَلَت إلَیهِ الظِّباءُ وهِیَ تَبکی،فَجَلَسَ عیسی علیه السّلام وجَلَسَ الحَوارِیّونَ،فَبَکی وبَکَی الحَوارِیّونَ، وهُم لا یَدرونَ لِمَ جَلَسَ ولِمَ بَکی.

فَقالوا:یا روحَ اللّهِ وکَلِمَتَهُ،ما یُبکیکَ؟! قالَ:أتَعلَمونَ أیَّ أرضٍ هذِهِ؟قالوا:لا.

قالَ:هذِهِ أرضٌ یُقتَلُ فیها فَرخُ الرَّسولِ أحمَدَ،وفَرخُ الحُرَّةِ الطّاهِرَةِ البَتولِ شَبیهَةِ امّی،ویُلحَدُ فیها،وهِیَ أطیَبُ مِنَ المِسکِ،وهِیَ طینَةُ الفَرخِ المُستَشهَدِ،

ص:312

وهکَذا تَکونُ طینَةُ الأَنبِیاءِ وأولادِ الأَنبِیاءِ،فَهذِهِ الظِّباءُ تُکَلِّمُنی وتَقولُ:إنَّها تَرعی فی هذِهِ الأَرضِ شَوقاً إلی تُربَةِ الفَرخِ المُبارَکِ،وزَعَمَت أنَّها آمِنَةٌ فی هذِهِ الأَرضِ.

ثُمَّ ضَرَبَ بِیَدِهِ إلی هذِهِ الصِّیرانِ،فَشَمَّها،فَقالَ:هذِهِ بَعرُ الظِّباءِ عَلی هذَا الطّیبِ؛ لِمَکانِ حَشیشِها (1)،اللّهُمَّ أبقِها أبَداً حَتّی یَشُمَّها أبوهُ،فَتَکونَ لَهُ عَزاءً وسَلوَةً،قالَ:

فَبَقِیَت إلی یَومِ النّاسِ هذا،وقَدِ اصفَرَّت لِطولِ زَمَنِها،هذِهِ أرضُ کَربٍ وبَلاءٍ.

وقالَ بِأَعلی صَوتِهِ:یا رَبَّ عیسَی بنِ مَریَمَ،لا تُبارِک فی قَتَلَتِهِ،وَالحامِلِ عَلَیهِ، وَالمُعینِ عَلَیهِ،وَالخاذِلِ لَهُ،ثُمَّ بَکی بُکاءً طَویلاً،وبَکَینا مَعَهُ حَتّی سَقَطَ لِوَجهِهِ وغُشِیَ عَلَیهِ طَویلاً،ثُمَّ أفاقَ،فَأَخَذَ البَعرَ،فَصَرَّها فی رِدائِهِ،وأمَرَنی أن أصُرَّها کَذلِکَ.

ثُمَّ قالَ:یَابنَ عَبّاسٍ،إذا رَأَیتَها تَنفَجِرُ دَماً عَبیطاً فَاعلَم أنَّ أبا عَبدِ اللّهِ قَد قُتِلَ بِها ودُفِنَ بِها.

قالَ ابنُ عَبّاسٍ:فَوَاللّهِ،لَقَد کُنتُ أحفَظُها أکثَرَ مِن حِفظی لِبَعضِ مَا افتَرَضَ اللّهُ عَلَیَّ،وأنَا لا أحُلُّها مِن طَرَفِ کُمّی،فَبَینا أنَا فِی البَیتِ نائِمٌ إذِ انتَبَهتُ،فَإِذا هِیَ تَسیلُ دَماً عَبیطاً،وکانَ کُمّی قَدِ امتَلَأَت دَماً عَبیطاً،فَجَلَستُ وأنَا أبکی وقُلتُ:قُتِلَ وَاللّهِ الحُسَینُ علیه السّلام ! وَاللّهِ ما کَذَبَنی عَلِیٌّ قَطُّ فی حَدیثٍ حَدَّثَنی،ولا أخبَرَنی بِشَیءٍ قَطُّ أنَّهُ یَکونُ إلّاکانَ کَذلِکَ؛لِأَنَّ رَسولَ اللّهِ صلّی اللّه علیه و آله کانَ یُخبِرُهُ بِأَشیاءَ لا یُخبِرُ بِها غَیرَهُ، فَفَزِعتُ وخَرَجتُ،وذلِکَ کانَ عِندَ الفَجرِ،فَرَأَیتُ-وَاللّهِ-المَدینَةَ کَأَنَّها ضَبابٌ،لا یَستَبینُ فیها أثَرُ عَینٍ،ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمسُ،فَرَأَیتُ کَأَنَّها کاسِفَةٌ،ورَأَیتُ کَأَنَّ حیطانَ المَدینَةِ عَلَیها دَمٌ عَبیطٌ،فَجَلَستُ وأنَا باکٍ،وقُلتُ:قَد قُتِلَ وَاللّهِ الحُسَینُ علیه السّلام،

ص:313

فَسَمِعتُ صَوتاً مِن ناحِیَةِ البَیتِ،وهُوَ یَقولُ:

اِصبِروا آلَ الرَّسولِ

ثُمَّ بَکی بِأَعلی صَوتِهِ وبَکَیتُ،وأثبَتُّ عِندی تِلکَ السّاعَةَ،وکانَ شَهرُ المُحَرَّمِ ویَومَ عاشوراءَ لِعَشرٍ مَضَینَ مِنهُ،فَوَجَدتُهُ یَومَ وَرَدَ عَلَینا خَبَرُهُ وتاریخُهُ کَذلِکَ، فَحَدَّثتُ بِهذَا الحَدیثِ اولئِکَ الَّذینَ کانوا مَعَهُ،فَقالوا:وَاللّهِ،لَقَد سَمِعنا ما سَمِعتَ ونَحنُ فِی المَعرَکَةِ،لا نَدری ما هُوَ،فَکُنّا نَری أنَّهُ الخِضرُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ وعَلَی الحُسَینِ. (1)

891.الفتوح: سارَ [عَلِیٌّ علیه السّلام ] حَتّی نَزَلَ بِدَیرِ کَعبٍ،فَأَقامَ هُنالِکَ باقِیَ یَومِهِ ولَیلَتِهِ.وأصبَحَ سائِراً حَتّی نَزَلَ بِکَربَلاءَ،ثُمَّ نَظَرَ إلی شاطِئِ الفُراتِ،وأبصَرَ هُنالِکَ نَخیلاً،فَقالَ:

یَابنَ عَبّاسٍ،أتَعرِفُ هذَا المَوضِعَ؟فَقالَ:لا یا أمیرَ المُؤمِنینَ ما أعرِفُهُ.

فَقالَ:أما إنَّکَ لَو عَرَفتَهُ کَمَعرِفَتی لَم تَکُن تُجاوِزُهُ حَتّی تَبکِیَ لِبُکائی.قالَ:ثُمَّ بَکی عَلِیٌّ علیه السّلام بُکاءً شَدیداً،حَتَّی اخضَلَّت لِحیَتُهُ بِدُموعِهِ،وسالَتِ الدُّموعُ عَلی صَدرِهِ،ثُمَّ جَعَلَ یَقولُ:أوّاه ! ما لی ولِآلِ أبی سُفیانَ ! ثُمَّ التَفَتَ إلَی الحُسَینِ علیه السّلام فَقالَ:

اصبِر أبا عَبدِ اللّهِ؛فَلَقَد لَقِیَ أبوکَ مِنهُم مِثلَ الَّذی تَلقی مِن بَعدی.

قالَ:ثُمَّ جَعَلَ عَلِیٌّ علیه السّلام یَجولُ فی أرضِ کَربَلاءَ کَأَنَّهُ یَطلُبُ شَیئاً،ثُمَّ نَزَلَ ودَعا بِماءٍ،فَتَوَضَّأَ وُضوءَ الصَّلاةِ،ثُمَّ قامَ فَصَلّی ما شاءَ أن یُصَلِّیَ،وَالنّاسُ قَد نَزَلوا هُنالِکَ مِن قُربِ نینَوی إلی شاطِئِ الفُراتِ.