سرشناسه:محمدی ری شهری، محمد، 1325 -
عنوان و نام پدیدآور:موسوعة معارف الکتاب والسنة [کتاب]/ محمد الری شهری، بمساعدة عدة من الفضلاء.
مشخصات نشر:قم: موسسه دارالحدیث العلمیه والثقافیه، مرکز للطباعه والنشر، 1432 ق. -= 1390 -
مشخصات ظاهری:10 ج.
فروست:مرکز بحوث دارالحدیث؛ 1/74.
شابک:1000000 ریال: دوره 978-964-493-574-9 : ؛ ج. 1 978-964-493-575-6 : ؛ ج. 2 978-964-493-576-3 : ؛ ج. 3 978-964-493-577-0 : ؛ ج.4 978-964-493-578-7 : ؛ ج. 5 978-964-493-579-4 : ؛ ج. 6 978-964-493-580-0 : ؛ ج. 7 978-964-493-581-7 : ؛ ج. 8 978-964-493-582-4 : ؛ ج. 9 978-964-493-583-1 : ؛ ج. 10 978-964-493-584-8 : ؛ ج.11 978-622-207-010-6 : ؛ ج.12 978-622-207-011-3 :
یادداشت:عربی.
یادداشت:بمساعدة عدة من الفضلاء رسول الموسوی، رضا الحسینی، عبدالهادی المسعودی، احمد الدیلمی، محمدرضا محسنی نیا، محمدرضا وهابی.
یادداشت:ج.11 -12 (چاپ اول: 1398) (فیپا) .
یادداشت:این کتاب با حمایت و مشارکت معاونت امور فرهنگی وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامی منتشر شده است.
یادداشت:کتابنامه.
موضوع:قرآن -- کشف الآیات
موضوع:Qur'an -- Concordances
موضوع:احادیث -- فهرست مطالب
موضوع:Hadith -- Concordances
موضوع:احادیث شیعه -- قرن 14
موضوع:Hadith (Shiites) -- Texts -- 20th century
موضوع:احادیث اهل سنت -- قرن 14
موضوع:*Hadith (Sunnites) -- Texts -- 20th century
شناسه افزوده:موسسه علمی فرهنگی دارالحدیث. سازمان چاپ و نشر
رده بندی کنگره:BP106/م3م8 1390
رده بندی دیویی:297/29
شماره کتابشناسی ملی:2737013
ص :1
ص :2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :3
ص :4
موسوعة معارف الکتاب والسنة
محمد الری شهری
بمساعدة عدة من الفضلاء
ص :5
ص :6
الکتاب
«یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ» . (1)
«أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْکِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ» . (2)
الحدیث
10987. سعد السّعود -فیما أوحَی اللّهُ إلی داودَ علیه السلام فِی الزَّبورِ-:أفصَحتُم فِی الخُطبَةِ،وقَصَّرتُم فِی العَمَلِ،فَلَو نَصَحتُم فِی العَمَلِ وقَصَّرتُم فِی الخُطبَةِ لَکانَت أرجی لَکُم،ولکِنَّکُم عَمَدتُم إلی آیاتی فَاتَّخَذتُموها هُزُواً،وإلی مَظالِمی فَاشتَهَرتُم بِها،وعَلِمتُم أن لا هَرَبَ مِنّی،وأَسَّستُم فَجائِعَ الدُّنیا. (3)
ص:7
10988. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: أوحَی اللّهُ عز و جل إلی عیسَی بنِ مَریَمَ:یا عیسی،عِظ نَفسَکَ بِحِکمَتی،فَإِنِ انتَفَعتَ فَعِظِ النّاسَ،وإلّا فَاستَحِ مِنّی. (1)
10989. عنه صلی الله علیه و آله -فی مَوعِظَتِهِ لِابنِ مَسعودٍ-:یَا بنَ مَسعودٍ،لا تَکونَنَّ مِمَّن یَهدِی النّاسَ إلَی الخَیرِ ویَأمُرُهُم بِالخَیرِ وهُوَ غافِلٌ عَنهُ؛یَقولُ اللّهُ تَعالی: «أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ» ....
یَا بنَ مَسعودٍ،لا تَکُن مِمَّن یُشَدِّدُ عَلَی النّاسِ ویُخَفِّفُ عَن نَفسِهِ؛یَقولُ اللّهُ تَعالی:
«لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ» . (2)
10990. عنه صلی الله علیه و آله -فی وَصِیَّتِهِ لِأَبی ذَرٍّ-:یا أبا ذَرٍّ،مَن وافَقَ قَولَهُ فِعلُهُ فَذاکَ الَّذی أصابَ حَظَّهُ، ومَن خالَفَ قَولَهُ فِعلُهُ فَذلِکَ المَرءُ إنَّما یُوَبِّخُ نَفسَهُ. (3)
10991. عنه صلی الله علیه و آله: مَن دَعَا النّاسَ إلی قَولٍ أو عَمَلٍ ولَم یَعمَل هُوَ بِهِ،لَم یَزَل فی سَخَطِ اللّهِ حَتّی یَکُفَّ،أو یَعمَلَ بِما قالَ أو دَعا إلَیهِ. (4)
10992. عنه صلی الله علیه و آله: سَیَکونُ بَعدی أئِمَّةٌ یُعطَونَ الحِکمَةَ عَلی مَنابِرِهِم،فَإِذا نَزَلوا نُزِعَت مِنهُم، قُلوبُهُم وأَجسادُهُم شَرٌّ مِنَ الجِیَفِ. (5)
ص:8
10993. الإمام علیّ علیه السلام: إنّی لَأَرفَعُ نَفسی أن أنهَی النّاسَ عَمّا لَستُ أنتَهی عَنهُ،أو آمُرَهُم بِما لا أسبِقُهُم إلَیهِ بِعَمَلی،أو أرضی مِنهُم بِما لا یُرضی رَبّی. (1)
10994. عنه علیه السلام: لا تَکُن مِمَّن...یُبالِغُ فِی المَوعِظَةِ ولا یَتَّعِظُ،فَهُوَ بِالقَولِ مُدِلٌّ،ومِنَ العَمَلِ مُقِلٌّ،یُنافِسُ فیما یَفنی،ویُسامِحُ فیما یَبقی،یَرَی الغُنمَ مَغرَماً،وَالغُرمَ مَغنَماً. (2)
10995. عنه علیه السلام: عَجِبتُ لِمَن یُنکِرُ عُیوبَ النّاسِ ونَفسُهُ أکثَرُ شَیءٍ مَعاباً ولا یُبصِرُها ! (3)
10996. عنه علیه السلام: أحمَقُ النّاسِ مَن أنکَرَ عَلی غَیرِهِ رَذیلَةً وهُوَ مُقیمٌ عَلَیها. (4)
10997. عنه علیه السلام: مَن أنکَرَ عُیوبَ النّاسِ ورَضِیَها لِنَفسِهِ فَذلِکَ الأَحمَقُ. (5)
10998. عنه علیه السلام: مَن نَظَرَ فی عُیوبِ النّاسِ فَأَنکَرَها ثُمَّ رَضِیَها لِنَفسِهِ فَذلِکَ الأَحمَقُ بِعَینِهِ. (6)
10999. عنه علیه السلام: یَقبُحُ عَلَی الرَّجُلِ أن یُنکِرَ عَلَی النّاسِ مُنکَراتٍ،ویَنهاهُم عَن رَذائِلَ وسَیِّئاتٍ،وإذا خَلا بِنَفسِهِ ارتَکَبَها،ولا یَستَنکِفُ مِن فِعلِها. (7)
11000. عنه علیه السلام: کَفی بِالمَرءِ غَوایَةً أن یَأمُرَ النّاسَ بِما لا یَأتَمِرُ بِهِ،ویَنهاهُم عَمّا لا یَنتَهی عَنهُ. (8)
ص:9
11001. عنه علیه السلام: کَفی بِالمَرءِ جَهلاً أن یُنکِرَ عَلَی النّاسِ ما یَأتی مِثلَهُ. (1)
11002. عنه علیه السلام: کَیفَ یَهدی غَیرَهُ مَن یُضِلُّ نَفسَهُ؟! (2)
11003. عنه علیه السلام: أشَدُّ النّاسِ نِفاقاً مَن أمَرَ بِالطّاعَةِ ولَم یَعمَل بِها،ونَهی عَنِ المَعصِیَةِ ولَم یَنتَهِ عَنها. (3)
11004. عنه علیه السلام -فی وَصِیَّتِهِ لِابنِهِ مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِیَّةِ-:یا بُنَیَّ...کُن آخَذَ النّاسِ بِما تَأمُرُ بِهِ، وأَکَفَّ النّاسِ عَمّا تَنهی عَنهُ. (4)
11005. عنه علیه السلام: رُبَّ واعِظٍ غَیرِ مُرتَدِعٍ. (5)
11006. عنه علیه السلام: کُن آمِراً بِالمَعروفِ عِاملاً بِهِ،ولا تَکُن مِمَّن یَأمُرُ بِهِ ویَنأی عَنهُ؛فَیَبوءَ بِإِثمِهِ، ویَتَعَرَّضَ مَقتَ رَبِّهِ. (6)
11007. الاحتجاج: رُوِیَ أنَّ زَینَ العابِدینَ علیه السلام مَرَّ بِالحَسَنِ البَصرِیِّ وهُوَ یَعِظُ النّاسَ بِمِنی، فَوَقَفَ علیه السلام عَلَیهِ،ثُمَّ قالَ:أمسِک،أسأَلُکَ عَنِ الحالِ الَّتی أنتَ عَلَیها مُقیمٌ،أتَرضاها لِنَفسِکَ فیما بَینَکَ وبَینَ اللّهِ لِلمَوتِ إذا نَزَلَ بِکَ غَداً؟قالَ:لا.قالَ:أفَتُحَدِّثُ نَفسَکَ بِالتَّحَوُّلِ وَالاِنتِقالِ عَنِ الحالِ الَّتی لا تَرضاها لِنَفسِکَ إلَی الحالِ الَّتی تَرضاها؟ (قالَ):فَأَطرَقَ مَلِیّاً،ثُمَّ قالَ:إنّی أقولُ ذلِکَ بِلا حَقیقَةٍ.قالَ:أفَتَرجو نَبِیّاً بَعدَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله یَکونُ لَکَ مَعَهُ سابِقَةٌ؟قالَ:لا.قالَ:أفَتَرجو داراً غَیرَ الدّارِ الَّتی أنتَ فیها
ص:10
تُرَدُّ إلَیها فَتَعمَلَ فیها؟قالَ:لا.
قالَ:أفَرَأَیتَ أحَداً بِهِ مُسکَةُ عَقلٍ رَضِیَ لِنَفسِهِ مِن نَفسِهِ بِهذا؟! إنَّکَ عَلی حالٍ لا تَرضاها،ولا تُحَدِّثُ نَفسَکَ بِالاِنتِقالِ إلی حالٍ تَرضاها عَلی حَقیقَةٍ،ولا تَرجو نَبِیّاً بَعدَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله،ولا داراً غَیرَ الدّارِ الَّتی أنتَ فیها فَتُرَدَّ إلَیها فَتَعمَلَ فیها،وأنتَ تَعِظُ النّاسَ !
قالَ:فَلَمّا وَلّی علیه السلام قالَ الحَسَنُ البَصرِیُّ:مَن هذا؟قالوا:عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ.قالَ:
أهلُ بَیتِ عِلمٍ.فَما رُئِیَ الحَسَنُ البَصرِیُّ بَعدَ ذلِکَ یَعِظُ النّاسَ. (1)
11008. أعلام الدین: رُوِیَ عَن عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السلام أنَّهُ دَخَلَ المَسجِدَ الحَرامَ فَرَأَی الحَسَنَ البَصریَّ وحَولَهُ جَماعَةٌ مِنَ النّاسِ وهُوَ یَعِظُهُم،وکانَ یُعرَفُ مِنهُ أن یَری رَأیَ المُعتَزِلَةِ فی تَخلیدِ مَن یَعمَلُ ذَنباً کَبیراً فِی النّارِ،فَقالَ لَهُ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السلام:یا هذا،أنتَ عَلی حالٍ تَرضی لِنَفسِکَ مَعَهَا المَوتَ؟فَقالَ لَهُ:لا.فَقالَ:فَأَنتَ عَلی ثِقَةٍ مِنَ البَقاءِ لِوَقتٍ تُدرِکُ فیهِ التَّوبَةَ؟فَقالَ:لا.فَقالَ لَهُ:أفَعِندَ المَوتِ نَظِرَةٌ؟فَقالَ لَهُ:لا.
فَقالَ لَهُ:أفَبَعدَ المَوتِ عَمَلٌ؟فَقالَ:لا.
فَقالَ:فَعِظ نَفسَکَ ودَعِ النّاسَ یَطوفوا بِهذَا البَیتِ الَّذی قَد جاؤوا إلَیهِ مِن کُلِّ فَجٍّ عَمیقٍ. (2)
11009. الإمام الباقر علیه السلام: فی حِکمَةِ آلِ داودَ:یَا بنَ آدَمَ،کَیفَ تَتَکَلَّمُ بِالهُدی وأَنتَ لا تُفیقُ عَنِ الرَّدی؟! (3)
ص:11
11010. الخرائج والجرائح عن أبی بصیر: کُنتُ اقرِئُ امرَأَةً القُرآنَ بِالکوفَةِ،فَمازَحتُها بِشَیءٍ، فَلَمّا دَخَلتُ عَلی أبی جَعفَرٍ علیه السلام عاتَبَنی وقالَ:مَنِ ارتَکَبَ الذَّنبَ فِی الخَلاءِ لَم یَعبَأِ اللّهُ بِهِ.أیُّ شَیءٍ قُلتَ لِلمَرأَةِ؟فَغَطَّیتُ وَجهی حَیاءً،وتُبتُ.
فَقالَ أبو جَعفَرٍ علیه السلام:لا تَعُد. (1)
11011. تفسیر العیّاشی عن یعقوب بن شعیب عن أبی عبد اللّه علیه السلام: قُلتُ:قَولُهُ: «أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ» ؟قالَ:فَوَضَعَ یَدَهُ عَلی حَلقِهِ؛قالَ:کَالذّابِحِ نَفسَهُ. (2)
11012. الإمام الصادق علیه السلام: إنَّ العالِمَ إذا لَم یَعمَل بِعِلمِهِ زَلَّت مَوعِظَتُهُ عَنِ القُلوبِ کَما یَزِلُّ المَطَرُ عَنِ الصَّفا. (3)
11013. عنه علیه السلام: تَجِدُ الرَّجُلَ لا یُخطِئُ بِلامٍ ولا واوٍ،خَطیباً مِصقَعاً،ولَقَلبُهُ أشَدُّ ظُلمَةً مِنَ اللَّیلِ المُظلِمِ ! وتَجِدُ الرَّجُلَ لا یَستَطیعُ یُعَبِّرُ عَمّا فی قَلبِهِ بِلِسانِهِ،وقَلبُهُ یَزهَرُ کَما یَزهَرُ المِصباحُ ! (4)
11014. عنه علیه السلام: إذا رَأَیتَ الحَقَّ قَد ماتَ وذَهَبَ أهلُهُ...ورَأَیتَ المَنابِرَ یُؤمَرُ عَلَیها بِالتَّقوی ولا یَعمَلُ القائِلُ بِما یَأمُرُ...فَکُن عَلی حَذَرٍ،وَاطلُب إلَی اللّهِ عز و جل النَّجاةَ. (5)
11015. مصباح الشریعة -فیما نَسَبَهُ إلَی الإِمامِ الصّادِقِ علیه السلام-:مَثَلُ الواعِظِ وَالمَوعوظِ
ص:12
کَالیَقظانِ وَالرّاقِدِ؛فَمَنِ استَیقَظَ مِن رَقدَةِ غَفلَتِهِ ومُخالَفاتِهِ ومَعاصیهِ صَلُحَ أن یوقِظَ غَیرَهُ مِن ذلِکَ الرُّقادِ.
وأَمَّا السّائِرُ فی مَفاوِزِ الاِعتِداءِ،الخائِضُ فی مَراتِعِ الغَیِّ وتَرکِ الحَیاءِ بِاستِحبابِ السُّمعَةِ وَالرِّیاءِ وَالشُّهرَةِ وَالتَّصَنُّعِ فِی الخَلقِ،المُتَزَیّی بِزِیِّ الصّالِحینَ،المُظهِرُ بِکَلامِهِ عِمارَةَ باطِنِهِ وهُوَ فِی الحَقیقَةِ خالٍ عَنها،قَد غَمَرَتها وَحشَةُ حُبِّ المَحمَدَةِ،وغَشِیَها ظُلمَةُ الطَّمَعِ،فَما أفتَنَهُ بِهَواهُ !وأَضَلَّ النّاسَ بِمَقالَتِهِ ! (1)
11016. الإمام الرضا علیه السلام: لِلإِمامِ عَلاماتٌ...یَکونُ آخَذَ النّاسِ بِما یَأمُرُهُم بِهِ،وأَکَفَّ النّاسِ عَمّا یَنهی عَنهُ. (2)
راجع:ص 43 ( آثار التبلیغ العملی ) و هذه الموسوعة:ج 9 ص 421 ( تطابق القلب واللّسان ) وص 423 ( الدعوة بالعمل قبل اللّسان ).
11017. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: إنّی لا أخافُ عَلی امَّتی مُؤمِناً ولا مُشرِکاً؛أمَّا المُؤمِنُ فَیَمنَعُهُ اللّهُ بِإِیمانِهِ،وأَمَّا المُشرِکُ فَیَقمَعُهُ اللّهُ بِشِرکِهِ.ولکِنّی أخافُ عَلَیکُم کُلَّ مُنافِقِ الجَنانِ، عالِمِ اللِّسانِ،یَقولُ ما تَعرِفونَ،ویَفعَلُ ما تُنکِرونَ. (3)
11018. الإمام علیّ علیه السلام -فی بَیانِ صِفاتِ الفُسّاقِ-:وآخَرُ قَد تَسَمّی عالِماً ولَیسَ بِهِ،فَاقتَبَسَ جَهائِلَ مِن جُهّالٍ،وأَضالیلَ مِن ضُلّالٍ،ونَصَبَ لِلنّاسِ أشراکاً مِن حَبائِلِ غُرورٍ، وقَولِ زورٍ.قَد حَمَلَ الکِتابَ عَلی آرائِهِ،وعَطَفَ الحَقَّ عَلی أهوائِهِ.یُؤمِنُ النّاسَ
ص:13
مِنَ العَظائِمِ،ویُهَوِّنُ کَبیرَ الجَرائِمِ.یَقولُ:أقِفُ عِندَ الشُّبُهاتِ،وفیها وَقَعَ،ویَقولُ:
أعتَزِلُ البِدَعَ،وبَینَهَا اضطَجَعَ.فَالصّورَةُ صورَةُ إنسانٍ،وَالقَلبُ قَلبُ حَیَوانٍ.لا یَعرِفُ بابَ الهُدی فَیَتَّبِعَهُ،ولا بابَ العَمی فَیَصُدَّ عَنهُ.وذلِکَ مَیِّتُ الأَحیاءِ. (1)
11019. عنه علیه السلام: إنَّ أبغَضَ الخَلائِقِ إلَی اللّهِ رَجُلانِ:رَجُلٌ وَکَلَهُ اللّهُ إلی نَفسِهِ فَهُوَ جائِرٌ عَن قَصدِ السَّبیلِ،مَشغوفٌ بِکَلامِ بِدعَةٍ ودُعاءِ ضَلالَةٍ،فَهُوَ فِتنَةٌ لِمَن افتَتَنَ بِهِ،ضالٌّ عَن هَدیِ مَن کانَ قَبلَهُ،مُضِلٌّ لِمَنِ اقتَدی بِهِ فی حَیاتِهِ وبَعدَ وَفاتِهِ،حَمّالُ خَطایا غَیرِهِ، رَهنٌ بِخَطیئَتِهِ.
ورَجُلٌ قَمَشَ جَهلاً،موضِعٌ فی جُهّالِ الاُمَّةِ،عادٍ فی أغباشِ الفِتنَةِ،عَمٍ بِما فی عَقدِ الهُدنَةِ،قَد سَمّاهُ أشباهُ النّاسِ عالِماً ولَیسَ بِهِ. (2)
11020. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: أتَیتُ لَیلَةَ اسرِیَ بی عَلی قَومٍ تُقرَضُ شِفاهُهُم بِمَقاریضَ مِن نارٍ،کُلَّما قُرِضَت وَفَت،فَقُلتُ:یا جِبریلُ،مَن هؤُلاءِ؟قالَ:خُطَباءُ امَّتِکَ الَّذینَ یَقولونَ ما لا یَفعَلونَ،ویَقرَؤونَ کِتابَ اللّهِ ولا یَعمَلونَ. (3)
11021. عنه صلی الله علیه و آله: مَرَرتُ لَیلَةَ اسرِیَ بی عَلی قَومٍ تُقرَضُ شِفاهُهُم بِمَقاریضَ مِن نارٍ،قالَ:
ص:14
قُلتُ:مَن هؤُلاءِ؟قالوا:خُطَباءُ مِن أهلِ الدُّنیا،کانوا یَأمُرونَ النّاسَ بِالبِرِّ ویَنسَونَ أنفُسَهُم،وهُم یَتلونَ الکِتابَ،أفَلا یَعقِلونَ؟! (1)
11022. عنه صلی الله علیه و آله: إنَّ فی جَهَنَّمَ أرحِیَةً تَدورُ بِالعُلَماء،فَیُشرِفُ عَلَیهِم مَن کانَ عَرَفَهُم فِی الدُّنیا، فَیَقولونَ:مَن صَیَّرَکُم إلی هذا وإنَّما کُنّا نَتَعَلَّمُ مِنکُم؟! قالوا:کُنّا نَأمُرُکُم بِأَمرٍ ونُخالِفُکُم إلی غَیرِهِ. (2)
11023. عنه صلی الله علیه و آله -فی وَصِیَّتِهِ لِأَبی ذَرٍّ-:یا أبا ذَرٍّ،یَطَّلِعُ قَومٌ مِن أهلِ الجَنَّةِ إلی قَومٍ مِن أهلِ النّارِ،فَیَقولونَ:ما أدخَلَکُمُ النّارَ،وإنَّما دَخَلنَا الجَنَّةَ بِفَضلِ تَأدیبِکُم وتَعلیمِکُم؟! فَیَقولونَ:إنّا کُنّا نَأمُرُکُم بِالخَیرِ ولا نَفعَلُهُ. (3)
11024. عنه صلی الله علیه و آله: یُجاءُ بِالرَّجُلِ یَومَ القِیامَةِ فَیُلقی فِی النّارِ،فَتَندَلِقُ أقتابُهُ فِی النّارِ،فَیَدورُ کَما یَدورُ الحِمارُ بِرَحاهُ،فَیَجتَمِعُ أهلُ النّارِ عَلَیهِ فَیَقولونَ:أی فُلانُ ! ما شَأنُکَ؟ألَیسَ کُنتَ تَأمُرُنا بِالمَعروفِ وتَنهانا عَنِ المُنکَرِ؟!
قالَ:کُنتُ آمُرُکُم بِالمَعروفِ ولا آتیهِ،وأَنهاکُم عَنِ المُنکَرِ وآتیهِ. (4)
ص:15
11025. عنه صلی الله علیه و آله: یُؤتی بِعُلَماءِ السَّوءِ یَومَ القِیامَةِ فَیُقذَفونَ فی نارِ جَهَنَّمَ،فَیَدورُ أحَدُهُم فی جَهَنَّمَ بِقُصبِهِ (1)کَما یَدورُ الحِمارُ بِالرَّحی،فَیُقالُ لَهُ:یا وَیلَکَ ! بِکَ اهتَدَینا،فَما بالُکَ؟! قالَ:إنّی کُنتُ اخالِفُ ما کُنتُ أنهاکُم. (2)
11026. عنه صلی الله علیه و آله: یُحشَرُ عَشَرَةُ أصنافٍ مِن امَّتی أشتاتاً...بَعضُهُم صُمٌّ بُکمٌ لا یَعقِلونَ،وبَعضُهُم یَمضَغونَ ألسِنَتَهُم فَیَسیلُ القَیحُ مِن أفواهِهِم...وَالَّذینَ یَمضَغونَ بِأَلسِنَتِهِم فَالعُلَماءُ وَالقُضاةُ الذَّینَ خالَفَ أعمالُهُم أقوالَهُم. (3)
11027. عنه صلی الله علیه و آله: مَن دَعَا النّاسَ إلی قَولٍ أو عَمَلٍ ولَم یَعمَل هُوَ بِهِ،لَم یَزَل فی سَخَطِ اللّهِ حَتّی یَکُفَّ،أو یَعمَلَ بِما قالَ أو دَعا إلَیهِ. (4)
11028. الإمام الباقر علیه السلام -لِیَزیدَ الصّائِغِ-:یا یَزیدُ،إنَّ أشَدَّ النّاسِ حَسرَةً یَومَ القِیامَةِ الَّذینَ وَصَفُوا العَدلَ ثُمَّ خالَفوهُ،وهُوَ قَولُ اللّهِ تَعالی: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ یا حَسْرَتی عَلی ما فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللّهِ» (5). (6)
ص:16
الکتاب
«لا إِکْراهَ فِی الدِّینِ قَدْ تَبَیَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَیِّ فَمَنْ یَکْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَ یُؤْمِنْ بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی لاَ انْفِصامَ لَها وَ اللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ» . (1)
«وَ لَوْ شاءَ رَبُّکَ لَآمَنَ مَنْ فِی الْأَرْضِ کُلُّهُمْ جَمِیعاً أَ فَأَنْتَ تُکْرِهُ النّاسَ حَتّی یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ» . (2)
«فَذَکِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَکِّرٌ* لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُصَیْطِرٍ* إِلاّ مَنْ تَوَلّی وَ کَفَرَ» . (3)
«وَ ما أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِجَبّارٍ فَذَکِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ یَخافُ وَعِیدِ» . (4)
«لَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ أَلاّ یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ* إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ آیَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ » . (5)
«فَلَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ عَلی آثارِهِمْ إِنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِیثِ أَسَفاً* إِنّا جَعَلْنا ما عَلَی الْأَرْضِ زِینَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَیُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » . (6)
الحدیث
11029. التّوحید عن أبی الصّلت عبد السّلام بن صالح الهرویّ: سَأَلَ المَأمونُ یَوماً عَلِیَّ بنَ موسَی الرِّضا علیه السلام فَقالَ لَهُ:یَا بنَ رَسولِ اللّهِ،ما مَعنی قَولِ اللّهِ عز و جل: «وَ لَوْ شاءَ رَبُّکَ لَآمَنَ مَنْ فِی الْأَرْضِ کُلُّهُمْ جَمِیعاً أَ فَأَنْتَ تُکْرِهُ النّاسَ حَتّی یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ » ؟
فَقالَ الرِّضا علیه السلام:حَدَّثَنی أبی موسَی بنُ جَعفَرٍ،عَن أبیهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ،عَن أبیهِ
ص:17
مُحَمَّدِ بنِ عَلِیٍّ،عَن أبیهِ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ،عَن أبیهِ الحُسَینِ بنِ عَلِیٍّ،عَن أبیهِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیهم السلام:أنَّ المُسلِمینَ قالوا لِرَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله:لَو أکرَهتَ-یا رَسولَ اللّهِ-مَن قَدَرتَ عَلَیهِ مِنَ النّاسِ عَلَی الإِسلامِ کَثُرَ عَدَدُنا وقَوینا عَلی عَدُوِّنا ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:ما کُنتُ لِأَلقَی اللّهَ عز و جل بِبِدعَةٍ لَم یُحدِث إلَیَّ فیها شَیئاً،وما أنَا مِنَ المُتَکَلِّفینَ.
فَأَنزَلَ اللّهُ تَبارَکَ وتَعالی:یا مُحَمَّدُ «وَ لَوْ شاءَ رَبُّکَ لَآمَنَ مَنْ فِی الْأَرْضِ کُلُّهُمْ جَمِیعاً» عَلی سَبیلِ الإِلجاءِ وَالاِضطِرارِ فِی الدُّنیا کَما یُؤمِنونَ عِندَ المُعایَنَةِ ورُؤیَةِ البَأسِ فِی الآخِرَةِ،ولَو فَعَلتُ ذلِکَ بِهِم لَم یَستَحِقّوا مِنّی ثَواباً ولا مَدحاً،لکِنّی اریدُ مِنهُم أن یُؤمِنوا مُختارینَ غَیرَ مُضطَرّینَ؛لِیَستَحِقّوا مِنِّی الزُّلفی وَالکَرامَةَ ودَوامَ الخُلودِ فی جَنَّةِ الخُلدِ. (1)
الکتاب
«وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُکُمُ الْکَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَی اللّهِ الْکَذِبَ إِنَّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللّهِ الْکَذِبَ لا یُفْلِحُونَ » . (2)
«قُلْ أَ رَأَیْتُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ لَکُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَی اللّهِ تَفْتَرُونَ » . (3)
«وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللّهِ کَذِباً أُولئِکَ یُعْرَضُونَ عَلی رَبِّهِمْ وَ یَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ
ص:18
اَلَّذِینَ کَذَبُوا عَلی رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَی الظّالِمِینَ» . (1)
راجع:آل عمران:94،النساء:50،یونس:69،العنکبوت:13،الحاقّة:44-47.
الحدیث
11030. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: مَن فَسَّرَ القُرآنَ بِرَأیِهِ فَقَدِ افتَری عَلَی اللّهِ الکَذِبَ. (2)
11031. المعجم الکبیر عن مالک بن عبد اللّه الغافقیّ: قالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:عَلَیکُم بِالقُرآنِ؛ فَإِنَّکُم سَتَرجِعونَ إلی قَومٍ یَشتَهونَ الحَدیثَ عَنّی،فَمَن عَقَلَ شَیئاً فَلیُحَدِّث بِهِ،ومَنِ افتَری عَلَیَّ فَلیَتَبَوَّأ مَقعَداً،أو شَیئاً،مِن جَهَنَّمَ-لا أدری أیُّهُما قالَ-. (3)
11032. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: إنَّ کَذِباً عَلَیَّ لَیسَ کَکَذِبٍ عَلی أحَدٍ؛مَن کَذَبَ عَلَیَّ مُتَعَمِّداً فَلیَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ. (4)
11033. الإمام علیّ علیه السلام: أیُّهَا النّاسُ ! ثَلاثٌ لا دینَ لَهُم:لا دینَ لِمَن دانَ بِجُحودِ آیَةٍ مِن کِتابِ اللّهِ،ولا دینَ لِمَن دانَ بِفِریَةِ باطِلٍ عَلَی اللّهِ،ولا دینَ لِمَن دانَ بِطاعَةِ مَن عَصَی اللّهَ تَبارَکَ وتَعالی. (5)
11034. الإمام الباقر علیه السلام -لِأَبِی النُّعمانِ-:یا أبَا النُّعمانِ،لا تَکذِب عَلَینا کَذبَةً؛فَتُسلَبَ
ص:19
الحَنیفِیَّةَ...فَإِنَّکَ مَوقوفٌ-لا مَحالَةَ-ومَسؤولٌ،فَإِن صَدَقتَ صَدَّقناکَ،وإن کَذَبتَ کَذَّبناکَ. (1)
11035. الإمام الصادق علیه السلام: الکَذِبُ عَلَی اللّهِ وعَلی رَسولِهِ صلی الله علیه و آله مِنَ الکَبائِرِ (2). (3)
ص:20
11036. الإمام الکاظم علیه السلام: قالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:اِتَّقوا تَکذیبَ اللّهِ.قیلَ:یا رَسولَ اللّهِ،وکَیفَ
ص:21
ذاکَ؟قالَ:یَقولُ أحَدُکُم:«قالَ اللّهُ»،فَیَقولُ اللّهُ:«کَذَبتَ،لَم أقُلهُ»،أو یَقولُ:«لَم یَقُلِ اللّهُ»،فَیَقولُ اللّهُ عز و جل:«کَذَبتَ،قَد قُلتُهُ». (1)
الکتاب
«إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِکُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِکُمْ ما لَیْسَ لَکُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَیِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظِیمٌ» . (2)
الحدیث
11037. رسول اللّه صلی الله علیه و آله -لِابنِ مَسعودٍ-:یَا بنَ مَسعودٍ،لا تَتَکَلَّم بِالعِلمِ إلّابِشَیءٍ سَمِعتَهُ ورَأَیتَهُ؛فَإِنَّ اللّهَ تَعالی یَقولُ: «وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً » (3). (4)
11038. عنه صلی الله علیه و آله: إنَّ اللّهَ لا یَقبِضُ العِلمَ انتِزاعاً یَنتَزِعُهُ مِنَ النّاسِ،ولکِن یَقبِضُ العِلمَ بِقَبضِ العُلَماءِ،وإذا لَم یَبقَ عالِمٌ اتَّخَذَ النّاسُ رُؤَساءَ جُهّالاً،فَسَأَلوهُم فَقالوا بِغَیرِ عِلمٍ، فَضَلّوا وأَضَلّوا. (5)
ص:22
11039. الإمام علیّ علیه السلام -لِابنِهِ الحَسَنِ علیه السلام-:دَعِ القَولَ فی ما لا تَعرِفُ،وَالخِطابَ فی ما لَم تُکَلَّف،وأَمسِک عَن طَریقٍ إذا خِفتَ ضَلالَتَهُ. (1)
11040. عنه علیه السلام: لا تَقُل ما لا تَعلَمُ وإن قَلَّ ما تَعلَمُ،ولا تَقُل ما لا تُحِبُّ أن یُقالَ لَکَ. (2)
11041. عنه علیه السلام: إیّاکَ وَالکَلامَ فی ما لا تَعرِفُ طَریقَتَهُ ولا تَعلَمُ حَقیقَتَهُ ! فَإِنَّ قَولَکَ یَدُلُّ عَلی عَقلِکَ،وعِبارَتَکَ تُنبِئُ عَن مَعرِفَتِکَ.فَتَوَقَّ مِن طولِ لِسانِکَ ما أمِنتَهُ،وَاختَصِر مِن کَلامِکَ مَا استَحسَنتَهُ؛فَإِنَّهُ بِکَ أجمَلُ،وعَلی فَضلِکَ أدَلُّ. (3)
11042. عنه علیه السلام: لا تَقُل ما لا تَعلَمُ؛فَتُتَّهَمَ بِإِخبارِکَ بِما تَعلَمُ ! (4)
11043. عنه علیه السلام: مِنَ الحِکمَةِ أن...ولا تَتَکَلَّمَ فی ما لا تَعلَمُ. (5)
11044. عنه علیه السلام: العَقلُ أن تَقولَ ما تَعرِفُ،وتَعمَلَ بِما تَنطِقُ بِهِ. (6)
11045. عنه علیه السلام: لا تَقولوا بِما لا تَعرِفونَ؛فَإِنَّ أکثَرَ الحَقِّ فی ما تُنکِرونَ. (7)
11046. الإمام الصادق علیه السلام -لِعَبدِ اللّهِ بنِ جُندَبٍ-:یَا بنَ جُندَبٍ،لا تَقُل فِی المُذنِبینَ مِن أهلِ
ص:23
دَعوَتِکُم إلّاخَیراً...فَکُلُّ مَن قَصَدَنا ووالانا ولَم یُوالِ عَدُوَّنا،وقالَ ما یَعلَمُ، وسَکَتَ عَمّا لا یَعلَمُ أو أشکَلَ عَلَیهِ،فَهُوَ فِی الجَنَّةِ. (1)
الکتاب
«إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الْکِتابِ وَ یَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِیلاً أُولئِکَ ما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ وَ لا یُکَلِّمُهُمُ اللّهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ لا یُزَکِّیهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ » . (2)
«وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ لَتُبَیِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَ لا تَکْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِیلاً فَبِئْسَ ما یَشْتَرُونَ » . (3)
الحدیث
11047. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: مَن کَتَمَ عِلماً مِمّا یَنفَعُ اللّهُ بِهِ فی أمرِ النّاسِ؛أمرِ الدّینِ (4)،ألجَمَهُ اللّهُ یَومَ القِیامَةِ بِلِجامٍ مِنَ النّارِ. (5)
11048. الإمام علیّ علیه السلام: لا تُمسِک عَن إظهارِ الحَقِّ إذا وَجَدتَ لَهُ أهلاً. (6)
ص:24
11049. عنه علیه السلام: أشبَهُ النّاسِ بِأَنبِیاءِ اللّهِ أقوَلُهُم لِلحَقِّ. (1)
11050. الإمام الباقر علیه السلام -فی رِسالَتِهِ إلی سَعدِ الخَیرِ-:العُلَماءُ فی أنفُسِهِم خانَةٌ إن کَتَمُوا النَّصیحَةَ؛إن رَأَوا تائِهاً ضالّاً لا یَهدونَهُ،أو مَیِّتاً لا یُحیونَهُ،فَبِئسَ ما یَصنَعونَ ! لِأَنَّ اللّهَ-تَبارَکَ وتَعالی-أخَذَ عَلَیهِمُ المیثاقَ فِی الکِتابِ:أن یَأمُروا بِالمَعروفِ وبِما امِروا بِهِ،وأَن یَنهَوا عمّا نُهوا عَنهُ،وأَن یَتَعاوَنوا عَلَی البِرِّ وَالتَّقوی،ولا یَتَعاوَنوا عَلَی الإِثمِ وَالعُدوانِ. (2)
راجع:هذه الموسوعة:ج 9 ص 368 ( مکافحة البدع ).
11053. عنه صلی الله علیه و آله: عَلَیکُم بِقِلَّةِ الکَلامِ،ولا یَستَهوِیَنَّکُمُ الشَّیطانُ؛فَإِنَّ تَشقیقَ الکَلامِ مِن شَقاشِقِ (1)الشَّیطانِ. (2)
11054. عنه صلی الله علیه و آله -لِعَبدِ اللّهِ بنِ رَواحَةَ-:کُفَّ عَنِ السَّجعِ؛فَما اعطِیَ عَبدٌ شَیئاً شَرّاً مِن طَلاقَةٍ فی لِسانِهِ. (3)
11055. الإمام علیّ علیه السلام: إنَّ کَثیراً مِنَ الخُطَبِ مِن شَقاشِقِ الشَّیطانِ (4). (5)
11056. الإمام الصادق علیه السلام -ممّا یُنسَبُ إلَیهِ فی مِصباحِ الشَّریعَةِ-:آفَةُ العُلَماءِ عَشَرَةُ أشیاءَ:...وَالتَّکَلُّفُ فی تَزیینِ الکَلامِ بِزَوائِدِ الأَلفاظِ. (6)
11058. عنه صلی الله علیه و آله: إنَّ اللّهَ لَم یَبعَثنی مُعَنِّتاً ولا مُتَعَنِّتاً،ولکِن بَعَثَنی مُعَلِّماً مُیَسِّراً. (1)
11059. عنه صلی الله علیه و آله: عَلِّموا ولا تُعَنِّفوا؛فَإِنَّ المُعَلِّمَ خَیرٌ مِنَ المُعَنِّفِ (2). (3)
11060. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: إنَّ موسی علیه السلام لَقِیَ الخَضِرَ علیه السلام،فَقالَ:أوصِنی.فَقالَ الخَضِرُ:یا طالِبَ العِلمِ، إنَّ القائِلَ أقَلُّ مَلالَةً مِنَ المُستَمِعِ،فَلا تُمِلَّ جُلَساءَکَ إذا حَدَّثتَهُم. (4)
11061. عنه صلی الله علیه و آله: لَیسَ البَیانُ کَثرَةَ الکَلامِ،ولکِن فَصلٌ فی ما یُحِبُّ اللّهُ عز و جل. (5)
11062. أعلام الدّین: رَأَی [النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله ] أعرابِیّاً یَتَکَلَّمُ فَطَوَّلَ،فَقالَ لَهُ:کَم دونَ لِسانِکَ مِن حِجابٍ؟فَقالَ:شَفَتایَ وأَسنانی.فَقالَ علیه السلام:فَتَثَبَّت وَاقتَصِر؛فَإِنَّ اللّهَ تَعالی یَکرَهُ الاِنبِعاقَ (6)فِی الکَلامِ،فَنَضَّرَ اللّهُ وَجهَ امرِئٍ أوجَزَ فی کَلامِهِ،وَاقتَصَرَ عَلی حاجَتِهِ ! (7)
ص:27
11063. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: إنَّ أبغَضَکُم إلَیَّ وأَبعَدَکُم مِنّی مَجلِساً یَومَ القِیامَةِ الثَّرثارونَ (1)، وَالمُتَشَدِّقونَ (2)،وَالمُتَفَیهِقونَ (3). (4)
11064. عنه صلی الله علیه و آله: ألا انَبِّئُکُم بِشِرارِکُم؟هُمُ الثَّرثارونَ المُتَشَدِّقونَ.ألا انَبِّئُکُم بِخِیارِکُم؟ أحاسِنُکُم أخلاقاً. (5)
11065. الإمام علیّ علیه السلام: آفَةُ الکَلامِ الإِطالَةُ. (6)
11066. عنه علیه السلام: مَن أطالَ الحَدیثَ فی ما لا یَنبَغی فَقَد عَرَّضَ نَفسَهُ لِلمَلامَةِ. (7)
11067. عنه علیه السلام: الإِکثارُ یُزِلُّ الحَکیمَ،ویُمِلُّ الحَلیمَ؛فَلا تُکثِر فَتُضجِر،وتُفَرِّط فَتُهَن. (8)
11068. عنه علیه السلام: أقبَحُ مِنَ العِیِّ،الزِّیادَةُ عَلَی المَنطِقِ عَن مَوضِعِ الحاجَةِ. (9)
راجع:هذه الموسوعة:ج 9 ص 456 ( مراعاة الاختصار ).
ص:28
الکتاب
«کَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِینَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ* فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِیعُونِ* وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاّ عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ» . (1)
«کَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِینَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ* فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِیعُونِ* وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاّ عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ» . (2)
«کَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِینَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ* فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِیعُونِ* وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاّ عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ» . (3)
«کَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِینَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ* فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِیعُونِ* وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاّ عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ» . (4)
«کَذَّبَ أَصْحابُ الْأَیْکَةِ الْمُرْسَلِینَ* إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَیْبٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ* فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِیعُونِ* وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاّ عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ» . (5)
«أُولئِکَ الَّذِینَ هَدَی اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِکْری لِلْعالَمِینَ» . (6)
«قُلْ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَکَلِّفِینَ» . (7)
«قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی» . (8)
ص:29
«قُلْ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلی رَبِّهِ سَبِیلاً» . (1)
«قُلْ ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ إِنْ أَجْرِیَ إِلاّ عَلَی اللّهِ وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ» . (2)
راجع:یونس:72،هود:29،51،المؤمنون:72،یس:21،الطور:40،القلم:46.
الحدیث
11069. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: مَکتوبٌ فِی الکِتابِ الأَوَّلِ:یَا بنَ آدَمَ،عَلِّم مَجّاناً کَما عُلِّمتَ مَجّاناً. (3)
11070. عنه صلی الله علیه و آله: عُلَماءُ هذِهِ الاُمَّةِ رَجُلانِ:رَجُلٌ آتاهُ اللّهُ عِلماً فَبَذَلَهُ لِلنّاسِ،ولَم یَأخُذ عَلَیهِ طُعماً،ولَم یَشرِ بِهِ ثَمَناً،فَذلِکَ یَستَغفِرُ لَهُ حیتانُ البَحرِ،ودَوابُّ البَرِّ،وَالطَّیرُ فی جَوِّ السَّماءِ،ویَقدُمُ عَلَی اللّهِ سَیِّداً شَریفاً حَتّی یُرافِقَ المُرسَلینَ.
ورَجُلٌ آتاهُ اللّهُ عِلماً فَبَخِلَ بِهِ عَن عِبادِ اللّهِ،وأَخَذَ عَلَیهِ طُعماً،وشَری بِهِ ثَمَناً، فَذلِکَ یُلجَمُ یَومَ القِیامَةِ بِلِجامٍ مِن نارٍ،ویُنادی مُنادٍ:هذَا الَّذی آتاهُ اللّهُ عِلماً فَبَخِلَ بِهِ عَن عِبادِ اللّهِ،وأَخَذَ عَلَیهِ طُعماً،وَاشتَری بِهِ ثَمَناً.وکَذلِکَ حَتّی یَفرُغَ مِنَ الحِسابِ. (4)
11071. عنه صلی الله علیه و آله: إنَّ اللّهَ یُحِبُّ العَبدَ یَتَّخِذُ المِهنَةَ لِیَستَغنِیَ بِها عَنِ النّاسِ،ویُبغِضُ العَبدَ یَتَعَلَّمُ العِلمَ یَتَّخِذُهُ مِهنَةً. (5)
ص:30
11072. عنه صلی الله علیه و آله: عَلَّمَ اللّهُ عز و جل آدَمَ ألفَ حِرفَةٍ مِنَ الحِرَفِ،فَقالَ لَهُ:قُل لِوُلدِکَ وذُرِّیَّتِکَ:إن لَم تَصبِروا فَاطلُبُوا الدُّنیا بِهذِهِ الحِرَفِ،ولا تَطلُبوها بِدینٍ؛فَإِنَّ الدّینَ لی وَحدی خالِصاً،وَیلٌ لِمَن طَلَبَ بِالدّینِ الدُّنیا ! وَیلٌ لَهُ !! (1)
11073. الإمام علیّ علیه السلام: لا یَکونُ العالِمُ عالِماً حَتّی...لا یَأخُذَ عَلی عِلمِهِ شَیئاً مِن حُطامِ الدُّنیا. (2)
11074. الإمام زین العابدین علیه السلام: مَن کَتَمَ عِلماً أحَداً،أو أخَذَ عَلَیهِ أجراً رِفداً،فَلا یَنفَعُهُ أبَداً. (3)
11075. الإمام الصادق علیه السلام: مَنِ احتاجَ النّاسُ إلَیهِ لِیُفَقِّهَهُم فی دینِهِم،فَیَسأَلُهُمُ الاُجرَةَ،کانَ حَقیقاً عَلَی اللّهِ تَعالی أن یُدخِلَهُ نارَ جَهَنَّمَ. (4)
راجع:هذه الموسوعة:ج 9 ص 326 ( حقوق المبلّغ ).
ص:31
ص:32
مرّ علینا فی ما سبق أنّ سیرة الأنبیاء کانت تقوم علی مبدأ عدم طلب الأجر علی تبلیغ الرسالة؛فقد أعلنوا مرّات وکرّات بأنّهم لا یتقاضون من الناس أجراً فی مقابل الجهود التی یبذلونها فی إبلاغ رسالات اللّه.وأعلن أوّل أنبیاء اولی العزم نوح علیه السلام صراحةً أنّه یقدّم هذه الخدمة للمجتمع بالمجّان.وسار علی النهج نفسه الأنبیاء الآخرون؛کهود،و صالح،ولوط،وشعیب علیهم السلام.أمّا الملاحظة الجدیرة بالتأمّل فی هذا المجال فهی أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله امر من قِبل اللّه عز و جل أن یعلن للاُمّة:
«قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی» . (1)
ویوضّحَ بأمر اللّه الحکمة من هذا الطلب بقوله:
«قُلْ ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ» . (2)
بمعنی أنّنی لا ارید منکم شیئاً فی مقابل إبلاغ رسالة اللّه،و أنا أیضاً کسائر الأنبیاء أخدم الناس بلا أجر ولا منّة،وما اسمّیه أجراً لیس فیه ضمان لمصلحتی وإنّما هو ضمان لمصالحکم،وقصدت من هذا التعبیر العاطفی الرقیق حثّکم علی حفظه؛لکی لا تنحرفوا من بعدی عن الصراط المستقیم.
ص:33
وأبدی مزیداً من التوضیح بهذا الصدد قائلاً:
«قُلْ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلی رَبِّهِ سَبِیلاً» . (1)
وعلی هذا الأساس،فإنّ ما طلبه رسول الإسلام صلی الله علیه و آله کأجر علی إبلاغ الرسالة إنّما هو دعوة الناس إلی السیر علی طریق اللّه،الذی هو طریق القیم الدینیّة والتکامل المعنوی والمادّی للإنسان،والذی یتجسّد فی القیادة الربّانیّة،وأهل بیت الرسول صلی الله علیه و آله الذین هم أکمل مصادیق القادة الربّانیّین. (2)
فی ضوء هذه المقدّمة التی أوردناها فی ما یخصّ التبلیغ،تُثار التساؤلات التالیة:
1.ما هی الحکمة الکامنة وراء تأکید الأنبیاء:علی عدم قبول أجرٍ لقاء إبلاغ الرسالة؟وفی ضوء ما مرّ علینا من سیرة الأنبیاء علیهم السلام،هل یمکن للمبلّغین-الذین هم ورثتهم-أن یطلبوا من الناس أجراً لقاء التبلیغ؟
2.ما حکم أخذ الأجر علی التبلیغ من دون طلبه؟
3.مع افتراض کون التبلیغ مجّانیاً،فکیف یمکن توفیر الحاجات الاقتصادیّة للمبلّغ؟
لغرض تقدیم إجابة علی السؤال الأوّل،وفهم الحکمة الکامنة وراء تأکید الأنبیاء علی مجّانیّة التبلیغ،یکفی أن نلقی نظرة علی الانعکاسات السلبیّة لطلب الأجر فی مقابل التبلیغ:
ص:34
أوّل رکن أخلاقی لتبلیغ الدین هو الإخلاص،و هذا الرکن یتزعزع بسبب طلب الأجر فی مقابل التبلیغ،ویصبح المبلّغ مصداقاً لمن یصفهم الإمام علیّ علیه السلام بقوله:
یَطلُبُ الدُّنیا بِعَمَلِ الآخِرَةَ،ولا یَطلُبُ الآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنیا. (1)
وهکذا،فإنّ من کان یستطیع تحویل شؤونه الدنیویّة إلی عمل اخروی ضمن دوافع إلهیّة خالصة (2)،فعندئذٍ یمکنه أن یجعل طلب الأجر علی التبلیغ-الذی یعتبر أمراً إلهیّاً ومعنویّاً-کوسیلة لکسب العیش وتأمین حیاته المعاشیّة،أو طلبِ الدنیا حسب تعبیر الإمام علیّ علیه السلام.
وفی هذا المجال روی عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال:
مَنِ احتاجَ النّاسُ إلَیهِ لِیُفَقِّهَهُم فی دینهِم،فَیَسأَلُهُم الاُجرَةَ،کانَ حَقیقاً عَلَی اللّهِ أن یُدخِلَهُ نارَ جَهَنَّمَ. (3)
عندما یتزعزع رکن الإخلاص یتناقص تلقائیّاً تأثیر التبلیغ فی حیاة الآخرین، حتّی یصل أحیاناً إلی حدّ الصفر،بل قد تنعکس عنه أحیاناً نتائج سلبیّة؛وذلک لأنّ الناس یحقّ لهم عندئذٍ النظر بعین التهمة إلی کلّ من یتّخذ دین اللّه کوسیلة لضمان حیاته المادّیّة،وألّا یعتبروه ناصحاً مخلصاً لهم،کما قال عیسی علیه السلام فی هذا المعنی:
ص:35
الدّینارُ داءُ الدّینِ،وَالعالِمُ طَبیبُ الدّینِ؛فَإِذا رَأَیتُمُ الطَّبیبَ یَجُرُّ الدّاءَ إلی نَفسِهِ فَاتَّهِموهُ،وَاعلَموا أنَّهُ غَیرُ ناصِحٍ لِغَیرِهِ. (1)
إنّ أجسم الأضرار التی تنجم عن تبلیغ الدین لقاء الأجر هو تحریف القیم الدینیّة.
فعندما ینزَّل التبلیغ علی شکل سلعة،یمیل المبلّغ إلی أخذ رغبة المخاطب بنظر الاعتبار بدلاً من النظر إلی حاجته.ومن هنا یجد نفسه مضطرّاً إلی عرض سلعته وفقاً لرغبة المخاطب،وهکذا فقد یری من الضرورة أحیاناً تحریف القیم الدینیّة فی سبیل نیل أغراضه الدنیویّة.
ویعزو القرآن الکریم تحریفَ الکتب السماویّة السابقة إلی هذه الظاهرة الخطیرة؛ و ذلک لأنّ جماعة من المبلّغین وقادة الأدیان حرّفوا الحقائق الدینیّة نزولاً عند رغبة أصحاب السلطة والمال لقاء ثمن بخسٍ. (2)
إنّ الانعکاسات السلبیّة-التی سبقت الإشارة إلیها-تظهر فی الوقت الذی یتصرّف المبلّغ تصرّفاً یعاکس تماماً ما کان یتصرّفه الأنبیاء؛و ذلک أنّ الأنبیاء کانوا یقولون:
إنّنا لا نرید أجراً علی التبلیغ،أمّا هو فیقول:اُرید أجراً علیه،ویتعامل بدین اللّه کسلعة.لکن فی صورة ما إذا لم یطلب المبلّغ أجراً وبادر الناس إلی تقدیم الأجر له من تلقاء أنفسهم لأجل تأمین شؤونه المعاشیّة،فلا مانع عندئذٍ من قبوله.وقد روی فی هذا المجال عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال:
ص:36
المُعَلِّمُ لا یُعَلِّمُ بِالأَجرِ،وَیَقبَلُ الهَدِیَّةَ إذا اهدِیَ إلَیهِ. (1)
وروی حمزة بن حمران أیضاً،قال:سمعت الإمام الصادق علیه السلام یقول:
مَنِ استَأکَلَ بِعِلمِهِ افتَقَرَ.فَقُلتُ لَهُ:جُعِلتُ فِداکَ ! إنَّ فی شیعَتِکَ ومَوالیکَ قَوماً یَتَحَمَّلونَ عُلومَکُم ویَبُثّونَها فی شیعَتِکُم،فَلا یَعدَمونَ عَلی ذلِکَ مِنهُمُ البِرَّ والصِّلَةَ وَالإِکرامَ.فقال:لَیسَ اولئِکَ بِمُستَأکِلینَ. (2)
الملاحظة الجدیرة بالاهتمام فی هذا المجال هی أنّ أخذ الأجر علی التبلیغ من غیر طلبه وإن لم یکن فیه بأس،ولایتعارض مع بعض مراتب الإخلاص، بید أنّ ترکه أولی؛إذ أنّ الأنبیاء والأولیاء الکمّل کانوا یتجنّبون استلام أیّ نوع من الأجر،ولم یکونوا یقبلون أخذ أیّ أجر،لیس فی مقابل التبلیغ فحسب،بل فی مقابل أیّ عمل اخروی آخر کانوا یؤدّونه للّه،حتّی فی أشدّ الظروف المعیشیّة قسوةً.وقد رویت فی هذا المجال قصّة شائقة جدّاً عن النبیّ موسی علیه السلام،نوردها فی ما یأتی.
قبل أن یُبعث موسی علیه السلام نبیّاً،فرَّ من الفراعنة،وبعد مصاعب جمّة وصل إلی «مدین»،وهی مدینة النبیّ شعیب علیه السلام.وکان علی مقربة من تلک المدینة بئر اجتمع عنده الرعاة لیسقوا أغنامهم من الماء.وکان بجانب هؤلاء الرعاة بنتان جاءتا تستسقیان الماء لأغنامهما،إلّاأنّ شدّة الزحام حال دون تقرّبهما من البئر والاستسقاء منه.وعندما شاهد موسی علیه السلام ذلک شعر أنّ البنتین بحاجة إلی العون،
ص:37
فبادر إلی مساعدتهما وسقی أغنامهما،ثمّ غادرت البنتان المکان برفقة الأغنام.
وکان موسی آنذاک یتضوّر من شدّة الجوع،فرفع یدیه بالدعاء وقال:
«رَبِّ إِنِّی لِما أَنْزَلْتَ إِلَیَّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ» . (1)
وفی هذا الخصوص یقول الإمام علیّ علیه السلام:
وَاللّهِ ما سَأَلَهُ إلّاخُبزاً یَأکُلُهُ !.... (2)
فی تلک الأثناء رجعت إلیه إحدی البنتین و قالت له:
«...إِنَّ أَبِی یَدْعُوکَ لِیَجْزِیَکَ أَجْرَ ما سَقَیْتَ لَنا...» . (3)
فذهب معها موسی علیه السلام إلی دارهم،وعرف أنّ البنتین اللّتین کانتا هناک هما ابنتا النبیّ شعیب علیه السلام،وصادف دخول موسی دار شعیب وقت العشاء،وکان الطعام معدّاً، فدعا شعیب الشابَّ القادم إلی الطعام قائلاً:
یا شابُّ ! اجلِس فَتَعَشَّ.
إلّا أنّ موسی ظلّ واقفاً ولم یجلس إلی المائدة،وقال ردّاً علی دعوة شعیب:
أعوذُ بِاللّهِ !
تعجّب شعیب من ذلک الموقف وقال:
ولِمَ ذلِکَ؟ألَستَ بِجائِعٍ؟!
فَقالَ موسی علیه السلام:
بَلی،ولکِن أخافُ أن یَکونَ هذا عِوَضاً لِما سَقیتُ لَهُما؛وإنّا أهلُ بَیتٍ لا نَبیعُ شَیئاً مِن عَمَلِ الآخِرَةِ بِمِلءِ الأَرضِ ذَهَباً !
ص:38
فقال له شعیب:
لا وَاللّهِ یا شابُّ،ولکِنَّها عادَتی وعادَةُ آبائی؛نُقرِی الضَّیفَ ونُطعِمُ الطَّعامَ.
فجلس موسی یأکل. (1)
إذا کان أخذ الأجر علی التبلیغ مذموماً فی الإسلام علی کلّ الأحوال،فلابدّ أن یتبادر إلی الذهن السؤال التالی:عن أیّ طریق یمکن تأمین الحاجات المعاشیّة للمبلّغ؟
قبل حوالی نصف قرن مضی،کان هناک جماعة من أدعیاء الثقافة والوعی تتصوّر أنّ التبلیغ لیس عملاً أساساً،ویجب علی المبلّغ أن یمارس عملاً آخر إلی جانب تبلیغ الدین وإشاعة القیم الدینیّة ودعوة الناس إلی الصلاح.فکانوا یقولون:إنّ علماء الدین إذا کانوا یمارسون إلی جانب التبلیغ عملاً آخر لکسب الرزق بحیث یستغنون عن الحاجة إلی الناس،یمکنهم تقدیم الإسلام إلی الناس علی حقیقته دون الوقوع تحت تأثیر من یوفّرون لهم حاجاتهم الاقتصادیّة.
إنّ حاجة علماء الدین المباشرة للناس وإن کان لها نتائج ضارّة سبقت الإشارة إلیها،إلّاأنّ اسلوب الحلّ المقترح أعلاه غیر صحیح أیضاً،وهو إنّما یُطرح- حسب تعبیر الإمام الخمینی قدس سره-من قبل المناهضین للإسلام ولعلماء الدین.وإنّما التبلیغ عمل کأیّ عمل آخر.وفی الوقت الحاضر لا یمکن أن یتخصّص أحد فی فروع العلوم الإسلامیّة ویمارس إلی جانبه عملاً آخر لکسب الرزق.
ص:39
عندما یُتاح للنظام الإسلامی تطبیق أحکام الإسلام النیّرة علی نحوٍ کامل،ویصبح بیت المال تحت تصرّف الدولة الإسلامیّة من جهة،وعدم الحاجة إلی إشراف الحوزات العلمیّة والزعماء الدینیّین علی الأجهزة التنفیذیّة والتشریعیّة والقضائیّة من جهة اخری،فلعلّ أفضل طریق لتوفیر الحاجات الاقتصادیّة لعلماء الدین،ومنهم المبلّغون،هو الدولة الإسلامیّة.بید أنّ مثل هذه الظروف لا تتحقّق إلّافی عصر حکومة الإمام المهدی (عجل اللّه تعالی فرجه).
أمّا فی ظلّ الظروف الحالیّة،فیبدو الاستقلال الاقتصادی لعلماء الدین أمراً ضروریّاً،وعدم استقلال علماء الدین یعنی اتّباعهم لسیاسة الحکومات وانقیادهم لها،فی حین أنّهم یجب أن یکونوا مرشدین وموجّهین لولاة الاُمور.
الطریق الثالث لتأمین الحاجات الاقتصادیّة للمبلّغین هو الإدارة الاقتصادیّة الذاتیّة لشریحة علماء الدین؛أی أن یتولّی مدراء الحوزات العلمیّة تنظیم المیزانیّة الخاصّة لدراسة وتبلیغ العلوم الدینیّة علی نحو یوفّر معیشة متوسّطة وکریمة لجمیع الدارسین والباحثین والمبلّغین.ولا أشکّ فی أنّه مع وجود إدارة صحیحة للأموال الموجودة حالیّاً تحت تصرّف علماء الدین-الواردة عن طریق الخمس والزکاة والهدایا وغیر ذلک-فإنّ الحاجات الاقتصادیّة لجمیع المنتسبین لهذا القطاع ستکون مؤمّنة بکلّ سهولة.
إنّ البعض قد تأخذه الدهشة عندما یسمع بأنّ تقویة الجانب المعنوی تمثّل أحد
ص:40
السبل لتأمین الحاجات الاقتصادیّة؛إلّاأنّ العقل والنقل،والروایة والدرایة،تؤیّد هذا الادّعاء.
وقبل تقدیم أیّ توضیح فی هذا المعنی لابدّ من الإشارة-فی ما یخصّ نفقات علماء الدین-إلی أنّ قسماً من هذا الواجب یقع علی عاتق مدراء المراکز الدینیّة والإعلامیّة،ویقع قسم منه أیضاً علی عاتق المتصدّین لإرشاد الناس وهدایتهم.أمّا واجب مدراء المراکز الدینیّة-کما سبقت الإشارة إلیه فی السبیل الثالث-فهی تنظیم النفقات التی جعلها الإسلام لهذا الأمر،أمّا ما نحن بصدد بیانه فی السبیل الرابع فیخصّ واجب المبلّغ نفسه،و هذا الواجب لا یتعارض مع واجب مدراء المراکز الدینیّة،بل یعتبر مکمّلاً له.
صرّحت روایات عدیدة أنّ الباری تعالی،علاوةً علی ما تکفّل به من رزق کلّ إنسان وکلّ دابّة (1)،فإنّه قد أولی عنایة خاصّة بضمان رزق أصحاب العلم ومن نذروا حیاتهم لإرشاد الناس وهدایتهم.
وقد ورد عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله أنّه قال فی هذا المجال:
إنَّ اللّهَ تَعالی قَد تَکَفَّلَ لِطالِبِ العِلمِ بِرزقِهِ خاصَّةً عَمّا ضَمِنَهُ لِغَیرِهِ. (2)
مَن تَفَقَّهَ فی دینِ اللّهِ کَفاهُ اللّهُ هَمَّهُ ورَزَقَهُ مِن حَیثُ لا یَحتَسِبُ. (3)
ص:41
وفی الحقیقة أنّ هذه الأحادیث أتت مفسّرة لآیات قرآنیة کریمة جاء فیها:
«مَنْ یَتَّقِ اللّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ یَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لا یَحْتَسِبُ وَ مَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» . (1)
ولا شکّ أنّ أحد المصادیق البارزة للتقوی والتوکّل هو التفقّه فی الدین فی سبیل اللّه وفی سبیل خدمة الخلق.
إنّ من یعمل فی سبیل تقویة الجانب المعنوی فی ذاته،وینطلق للدراسة والبحث وإرشاد الناس برأسمال التقوی والتوکّل،فقد ضمن له اللّه أن یأتیه برزقه من حیث لا یحتسب.والتجربة القطعیّة لحملة العلم تؤیّد الحقیقة التی صرّح بها القرآن الکریم والأحادیث الشریفة.
ص:42
11076. المناقب لابن شهرآشوب عن اللّیث بن سعد: إنَّ النَّبِیَّ کانَ یُصَلّی یَوماً فی فِئَةٍ وَالحُسَینُ صَغیرٌ بِالقُربِ مِنهُ،وکانَ النَّبِیُّ إذا سَجَدَ جاءَ الحُسَینُ فَرَکِبَ ظَهرَهُ،ثُمَّ حَرَّکَ رِجلَیهِ وقالَ:حِل حِل،وإذا أرادَ رَسولُ اللّهِ أن یَرفَعَ رَأسَهُ أخَذَهُ فَوَضَعَهُ إلی جانِبِهِ،فَإِذا سَجَدَ عادَ عَلی ظَهرِهِ وقالَ:حِل حِل،فَلَم یَزَل یَفعَلُ ذلِکَ حَتّی فَرَغَ النَّبِیُّ مِن صَلاتِهِ.فَقالَ یَهودِیٌّ:یا مُحَمَّدُ،إنَّکُم لَتَفعَلونَ بِالصِّبیانِ شَیئاً ما نَفعَلُهُ نَحنُ ! فَقالَ النَّبِیُّ:أمَا لَو کُنتُم تُؤمِنونَ بِاللّهِ وبِرَسولِهِ لَرَحِمتُمُ الصِّبیانَ.قالَ:فَإِنّی اومِنُ بِاللّهِ وبِرَسولِهِ-فَأَسلَمَ لَمّا رَأی کَرَمَهُ مِن عِظَمِ قَدرِهِ. (1)
11077. الإمام الصادق عن آبائه علیهم السلام: إنَّ أمیرَ المُؤمِنینَ علیه السلام صاحَبَ رَجُلاً ذِمِّیّاً،فَقالَ لَهُ الذِّمِّیُّ:
ص:43
أینَ تُریدُ یا عَبدَ اللّهِ؟فَقالَ:اُریدُ الکوفَةَ.
فَلَمّا عَدَلَ الطَّریقُ بِالذِّمِّیِّ عَدَلَ مَعَهُ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام،فَقالَ لَهُ الذِّمِّیُّ:ألَستَ زَعَمتَ أنَّکَ تُریدُ الکوفَةَ؟! فَقالَ لَهُ:بَلی.
فَقالَ لَهُ الذِّمِّیُّ:فَقَد تَرَکتَ الطَّریقَ ! فَقالَ لَهُ:قَد عَلِمتُ.
قالَ:فَلِمَ عَدَلتَ مَعی وقَد عَلِمتَ ذلِکَ؟! فَقالَ لَهُ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام:هذا مِن تَمامِ حُسنِ الصُّحبَةِ؛أن یُشَیِّعَ الرَّجُلُ صاحِبَهُ هُنَیئَةً إذا فارَقَهُ،وکَذلِکَ أمَرَنا نَبِیُّنا صلی الله علیه و آله.
فَقالَ لَهُ الذِّمِّیُّ:هکَذا قالَ؟! قالَ:نَعَم.
قالَ الذِّمِّیُّ:لا جَرَمَ،إنَّما تَبِعَهُ مَن تَبِعَهُ لِأَفعالِهِ الکَریمَةِ،فَأَنَا اشهِدُکَ أنّی عَلی دینِکَ.ورَجَعَ الذِّمِّیُّ مَعَ أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام،فَلَمّا عَرَفَهُ أسلَمَ. (1)
11078. المناقب لابن شهرآشوب عن المبرّد وابن عائشة: إنَّ شامِیّاً رَآهُ [أیِ الإِمامَ الحَسَنَ علیه السلام ] راکِباً،فَجَعَلَ یَلعَنُهُ وَالحَسَنُ لا یَرُدُّ.فَلَمّا فَرَغَ،أقبَلَ الحَسَنُ علیه السلام فَسَلَّمَ عَلَیهِ وضَحِکَ،وقالَ:أیُّهَا الشَّیخُ،أظُنُّکَ غَریباً،ولَعَلَّکَ شَبَّهتَ؛فَلَوِ استَعتَبتَنا أعتَبناکَ،ولَو سَأَلتَنا أعطَیناکَ،ولَوِ استَرشَدتَنا أرشَدناکَ،ولَوِ استَحمَلتَنا حَمَلناکَ، وإن کُنتَ جائِعاً أشبَعناکَ،وإن کنُتَ عُریاناً کَسَوناکَ،وإن کُنتَ مُحتاجاً أغنَیناکَ،وإن کُنتَ طَریداً آوَیناکَ،وإن کانَ لَکَ حاجَةٌ قَضَیناها لَکَ،فَلَو حَرَّکتَ رَحلَکَ إلَینا وکُنتَ ضَیفَنا إلی وَقتِ ارتِحالِکَ کانَ أعوَدَ عَلَیکَ؛لِأَنَّ لَنا مَوضِعاً رَحباً وجاهاً عَریضاً ومالاً کَبیراً.
ص:44
فَلَمّا سَمِعَ الرَّجُلُ کَلامَهُ بَکی،ثُمَّ قالَ:أشهَدُ أنَّکَ خَلیفَةُ اللّهِ فی أرضِهِ،اللّهُ أعلَمُ حَیثُ یَجعَلُ رِسالاتِهِ،وکُنتَ أنتَ وأَبوکَ أبغَضَ خَلقِ اللّهِ إلَیَّ،وَالآنَ أنتَ أحَبُّ خَلقِ اللّهِ إلَیَّ.وحَوَّلَ رَحلَهُ إلَیهِ،وکانَ ضَیفَهُ إلی أنِ ارتَحَلَ،وصارَ مُعتَقِداً لِمَحَبَّتِهِم. (1)
11079. المناقب لابن شهرآشوب: قالَ لَهُ [ أیِ الإِمامِ الباقِرِ علیه السلام ] نَصرانِیٌّ:أنتَ بَقَرٌ ! قالَ:أنَا باقِرٌ.قالَ:أنتَ ابنُ الطَّبّاخَةِ ! قالَ:ذاکَ حِرفَتُها.قالَ:أنتَ ابنُ السَّوداءِ الزِّنجِیَّةِ البَذِیَّةِ ! قالَ:إن کُنتَ صَدَقتَ غَفَرَ اللّهُ لَها،وإن کُنتَ کَذَبتَ غَفَرَ اللّهُ لَکَ.قالَ:فَأَسلَمَ النَّصرانِیُّ. (2)
11080. المناقب لابن شهرآشوب عن الرّؤیانیّ: إنَّ الحَسَنَ وَالحُسَینَ مَرّا عَلی شَیخٍ یَتَوَضَّأُ ولا یُحسِنُ،فَأَخَذا بِالتَّنازُعِ؛یَقولُ کُلُّ واحِدٍ مِنهُما:أنتَ لا تُحسِنُ الوُضوءَ.فَقالا:
أیُّهَا الشَّیخُ،کُن حَکَماً بَینَنا؛یَتَوَضَّأُ کُلُّ واحِدٍ مِنّا سَوِیَّةً.ثُمَّ قالا:أیُّنا یُحسِنُ؟قالَ:
کِلاکُما تُحسِنانِ الوُضوءَ،ولکِن هذَا الشَّیخُ الجاهِلُ هُوَ الَّذی لَم یَکُن یُحسِنُ،وقَد تَعَلَّمَ الآنَ مِنکُما،وتابَ عَلی یَدَیکُما بِبَرَکَتِکُما وشَفَقَتِکُما عَلی امَّةِ جَدِّکُما. (3)
11081. المحتضر عن عبد العزیز بن یحیی الجلودیّ فی کِتابِ الخُطَبِ لِأَمیرِ المُؤمِنینَ
ص:45
صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ:خَطَبَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام فَقالَ:سَلونی؛فَإِنّی لا اسأَلُ عَن شَیءٍ دونَ العَرشِ إلّاأجَبتُ فیهِ،کَلِمَةً لا یَقولُها بَعدی إلّاجاهِلٌ مُدَّعٍ أو کَذّابٌ مُفتَرٍ.
فَقامَ رَجُلٌ مِن جانِبِ مَسجِدِهِ فی عُنُقِهِ کِتابٌ کَأَنَّهُ مُصحَفٌ-وهُوَ رَجُلٌ آدَمُ ضَربٌ،طُوالٌ (1)،جَعدُ الشَّعرِ،کَأَنَّهُ مِن مُهَوَّدَةِ العَرَبِ-وقالَ رافِعاً صَوتَهُ:أیُّهَا المُدَّعی ما لا یَعلَمُ وَالمُقَلِّدُ ما لا یَفهَمُ ! أنَا سائِلٌ فَأَجِب.فَوَثَبَ بِهِ أصحابُ عَلِیٍّ وشِیعَتُهُ مِن کُلِّ ناحِیَةٍ وهَمّوا بِهِ،فَنَهاهُم علیه السلام وقالَ لَهُم:دَعوهُ ولا تَعجَلوهُ؛فَإِنَّ الطَّیشَ لا تَقومُ بِهِ حُجَجُ اللّهِ،ولا تَظهَرُ بِهِ بَراهینُ اللّهِ.
ثُمَّ التَفَتَ إلَی الرَّجُلِ وقالَ:سَل بِکُلِّ لِسانِکَ وما فی جَوانِحِکَ،فَإِنّی مُجیبٌ؛إنَّ اللّهَ تَعالی لا تَعتَلِجُ عَلَیهِ الشُّکوکُ،ولا یَهیجُهُ وَسَنٌ.
فَقالَ الرَّجُلُ:کَم بَینَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ؟فَقالَ علیه السلام:مَسافَةُ الهَواءِ.قالَ:وما مَسافَةُ الهَواءِ؟فَقالَ:دَوَرانُ الفَلَکِ.قالَ:وما قَدرُ دَوَرانِ الفَلَکِ؟فَقالَ:مَسیرَةُ یَومٍ لِلشَّمسِ.قالَ:صَدَقتَ،فَمَتَی القِیامَةُ؟فَقالَ علیه السلام:عِندَ حُضورِ المَنِیَّةِ وبُلوغِ الأَجَلِ.
قالَ:صَدَقتَ،فَکَم عُمرُ الدُّنیا؟فَقالَ علیه السلام:یُقالُ:سَبعَةُ آلافٍ ثُمَّ لا تَحدیدَ.قالَ:
صَدَقتَ،فَأَینَ بَکَّةُ مِن مَکَّةَ؟قالَ علیه السلام:بَکَّةُ مَوضِعُ البَیتِ،ومَکَّةُ أکنافُ الحَرَمِ.قالَ:
فَلِمَ سُمِّیَت مَکَّةُ مَکَّةَ؟قالَ علیه السلام:لِأَنَّ اللّهَ تَعالی مَکَّ الأَرضَ مِن تَحتِها.قالَ:صَدَقتَ، فَلِمَ سُمِّیَت تِلکَ بَکَّةَ؟فَقالَ:لِأَنَّها بَکَّت رِقابَ الجَبّارینَ وعُیونَ المُذنِبینَ.قالَ:
صَدَقتَ،وأَینَ کانَ اللّهُ قَبلَ أن یَخلُقَ عَرشَهُ؟فَقالَ:سُبحانَ مَن لا یُدرِکُ کُنهَ صِفَتِهِ
ص:46
حَمَلَةُ عَرشِهِ عَلی قُربِ زُمَرِهِم مِن کُرسِیِّ کَرامَتِهِ،ولَا المَلائِکَةُ المُقَرَّبونَ مِن أنوارِ سُبُحاتِ جَلالِهِ.وَیحَکَ ! لا یُقالُ لَهُ أینَ،ولا ثَمَّ،ولا فیمَ،ولا لِمَ،ولا أنّی،ولا حَیثُ،ولا کَیفَ.قالَ:صَدَقتَ،فَکَم مِقدارُ ما لَبِثَ اللّهُ (1)عَرشُهُ عَلَی الماءِ مِن قَبلِ أن یَخلُقَ الأَرضَ وَالسَّماءَ؟قالَ:أتُحسِنُ أن تَحسِبَ؟قالَ:نَعَم.قالَ:لَعَلَّکَ لا تُحسِنُ ! قالَ:لا،بَل إنّی لَاُحسِنُ الحِسابَ !
فَقالَ علیه السلام:أرَأیتَ لَو صُبَّ خَردَلٌ فِی الأَرضِ حَتّی سُدَّ الهَواءُ وما بَینَ الأَرضِ وَالسَّماءِ،ثُمَّ اذِنَ لِمِثلِکَ أن تَنقُلَهُ عَلی ضَعفِکَ حَبَّةً حَبَّةً مِنَ المَشرِقِ إلَی المَغرِبِ،ثُمَّ مُدَّ فی عُمرِکَ واُعطیتَ القُوَّةَ عَلی ذلِکَ حَتّی تَنقُلَهُ،وأَحصَیتَهُ،لَکانَ ذلِکَ أیسَرَ مِن إحصاءِ عَدَدِ أعوامِ ما لَبِثَ عَرشُهُ عَلی الماءِ مِن قَبلِ أن یَخلُقَ الأَرضَ وَالسَّماءَ، وإنَّما وَصَفتُ لَکَ بَعضَ عُشرِ عَشیرِ العَشیرِ مِن جُزءِ مِائَةِ ألفِ جُزءٍ،وأَستَغفِرُ اللّهَ مِنَ التَّقلیلِ فِی التَّحدیدِ.
قالَ:فَحَرَّکَ الرَّجُلُ رَأسَهُ وقالَ:أشهَدُ أن لا إلهَ إلَّااللّهُ،وأَشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللّهِ. (2)
11082. التّوحید عن علیّ بن منصور: قالَ لی هِشامُ بنُ الحَکَمِ:کانَ زِندیقٌ بِمِصرَ یَبلُغُهُ عَن أبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام عِلمٌ،فَخَرَجَ إلَی المَدینَةِ لِیُناظِرَهُ فَلَم یُصادِفهُ بِها،فَقیلَ لَهُ:هُوَ بِمَکَّةَ.
فَخَرَجَ الزِّندیقُ إلی مَکَّةَ ونَحنُ مَعَ أبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام،فَقارَبَنَا الزِّندیقُ-ونَحنُ مَعَ أبی
ص:47
عَبدِ اللّهِ علیه السلام فِی الطَّوافِ-فَضَرَبَ کَتِفُهُ کَتِفَ أبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام.
فَقالَ لَهُ أبو عَبدِ اللّهِ جَعفرٌ علیه السلام:مَا اسمُکَ؟قالَ:اِسمی عَبدُ المَلِکِ.قالَ:فَما کُنیَتُکَ؟قالَ:أبو عَبدِ اللّهِ.قالَ:فَمَنِ المَلِکُ الَّذی أنتَ لَهُ عَبدٌ؛أمِن مُلوکِ السَّماءِ أم مِن مُلوکِ الأَرضِ؟وأَخبِرنی عَنِ ابنِکَ؛أعَبدُ إلهِ السَّماءِ أم عَبدُ إلهِ الأَرضِ؟ فَسَکَتَ.فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام:قُل ما شِئتَ تُخصَمُ.
قالَ هِشامُ بنُ الحَکَمِ:قُلتُ لِلزِّندیقِ:أما تَرُدُّ عَلَیهِ؟فَقَبَّحَ قَولی.فَقالَ لَهُ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام:إذا فَرَغتُ مِنَ الطَّوافِ فَأتِنا.
فَلَمّا فَرَغَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام أتاهُ الزِّندیقُ،فَقَعَدَ بَینَ یَدَیهِ ونَحنُ مُجتَمِعونَ عِندَهُ،فَقالَ لِلزِّندیقِ:أتَعلَمُ أنَّ لِلأَرضِ تَحتاً وفَوقاً؟قالَ:نَعَم.قالَ:فَدَخَلتَ تَحتَها؟قالَ:لا.
قالَ:فَما یُدریکَ بِما تَحتَها؟قالَ:لا أدری،إلّاأنّی أظُنُّ أن لَیسَ تَحتَها شَیءٌ.قالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام:فَالظَّنُّ عَجزٌ ما لَم تَستَیقِن.
قالَ أبو عَبدِ اللّهِ:فَصَعِدتَ السَّماءَ؟قالَ:لا.قالَ:فَتَدری ما فیها؟قالَ:لا.قالَ:
فَأَتَیتَ المَشرِقَ وَالمَغرِبَ فَنَظَرتَ ما خَلفَهُما؟قالَ:لا.قالَ:فَعَجَباً لَکَ ! لَم تَبلُغِ المَشرِقَ،ولَم تَبلُغِ المَغرِبَ،ولَم تَنزِل تَحتَ الأَرضِ،ولَم تَصعَدِ السَّماءَ،ولَم تَخبُر هُنالِکَ فَتَعرِفَ ما خَلفَهُنَّ،وأَنتَ جاحِدٌ ما فیهِنَّ ! وهَل یَجحَدُ العاقِلُ ما لا یَعرِفُ؟! فَقالَ الزِّندیقُ:ما کَلَّمَنی بِهذا أحَدٌ غَیرُکَ.قالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام:فَأَنتَ فی شَکٍّ مِن ذلِکَ؛فَلَعَلَّ هُوَ،أو لَعَلَّ لَیسَ هُوَ.قالَ الزِّندیقُ:ولَعَلَّ ذاکَ:فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام:أیُّهَا الرَّجُلُ،لَیسَ لِمَن لا یَعلَمُ حُجَّةٌ عَلی مَن یَعلَمُ،فَلا حُجَّةَ لِلجاهِلِ عَلَی العالِمِ.
یا أخا أهلِ مِصرَ،تَفَهَّم عَنّی ! فَإنّا لا نَشُکُّ فِی اللّهِ أبَداً؛أما تَرَی الشَّمسَ وَالقَمَرَ
ص:48
وَاللَّیلَ وَالنَّهارَ یَلِجانِ ولا یَشتَبِهانِ،یَذهَبانِ ویَرجِعانِ،قَدِ اضطُرّا لَیسَ لَهُما مَکانٌ إلّا مَکانَهُما؟! فَإن کانا یَقدِرانِ عَلی أن یَذهَبا،فَلا یَرجِعانِ (1)،فَلِمَ یَرجِعانِ؟وإن لَم یَکونا مُضطَرَّینِ فَلِمَ لا یَصیرُ اللَّیلُ نَهاراً وَالنَّهارُ لَیلاً؟! اضطُرّا وَاللّهِ-یا أخا أهلِ مِصرَ-إلی دَوامِهِما،وَالَّذِی اضطَرَّهُما أحکَمُ مِنهُما وأَکبَرُ مِنهُما.قالَ الزِّندیقُ:
صَدَقتَ.
ثُمَّ قالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام:یا أخا أهلِ مِصرَ،الَّذی تَذهَبونَ إلَیهِ وتَظُنّونَهُ بِالوَهمِ فَإِن کانَ الدَّهرُ یَذهَبُ بِهِم لِمَ لایَرُدُّهُم؟! وإن کانَ یَرُدُّهُم لِمَ لایَذهَبُ بِهِم؟! القَومُ مُضطَرّونَ.
یا أخا أهلِ مِصرَ،السَّماءُ مَرفوعَةٌ،وَالأَرضُ مَوضوعَةٌ،لِمَ لا تَسقُطُ السَّماءُ عَلَی الأَرضِ؟! ولِمَ لا تَنحَدِرُ الأَرضُ فَوقَ طاقَتِها فَلا یَتَماسَکانِ ولا یَتَماسَکُ مَن عَلَیهِما؟!
فَقالَ الزِّندیقُ:أمسَکَهُما وَاللّهِ رَبُّهُما وسَیِّدُهُما ! فَآمَنَ الزِّندیقُ عَلی یَدَی أبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام.فَقالَ لَهُ حُمرانُ بنُ أعیَنَ:جُعِلتُ فِداکَ ! إن آمَنَتِ الزَّنادِقَةُ عَلی یَدَیکَ فَقَد آمَنَتِ الکُفّارُ عَلی یَدَی أبیکَ.
فَقالَ المُؤمِنُ الَّذی آمَنَ عَلی یَدَی أبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام:اِجعَلنی مِن تَلامِذَتِکَ.فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام لِهِشامِ بنِ الحَکَمِ:خُذهُ إلَیکَ فَعَلِّمهُ.فَعَلَّمَهُ هِشامٌ،فَکانَ مُعَلِّمَ أهلِ مِصرَ وأَهلِ الشّامِ،وحَسُنَت طَهارَتُهُ حَتّی رَضِیَ بِها أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام. (2)
ص:49
11083. بحار الأنوار عن محمّد بن سنان: حَدَّثَنَا المُفَضَّلُ بنُ عُمَرَ قالَ:کُنتُ ذاتَ یَومٍ بَعدَ العَصرِ جالِساً فِی الرَّوضَةِ بَینَ القَبرِ وَالمِنبَرِ،وأَنَا مُفَکِّرٌ فی ما خَصَّ اللّهُ بِهِ سَیِّدَنا مُحَمَّداً صلی الله علیه و آله مِنَ الشَّرَفِ وَالفَضائِلِ،وما مَنَحَهُ وأَعطاهُ وشَرَّفَهُ بِهِ وحَباهُ مِمّا لا یَعرِفُهُ الجُمهورُ مِنَ الاُمَّةِ،وما جَهِلوهُ مِن فَضلِهِ وعَظیمِ مَنزِلَتِهِ وخَطَرِ مَرتَبَتِهِ،فَإِنّی لَکَذلِکَ إذ أقبَلَ ابنُ أبِی العَوجاءِ،فَجَلَسَ بِحَیثُ أسمَعُ کَلامَهُ.
فَلَمَّا استَقَرَّ بِهِ المَجلِسُ إذا رَجُلٌ مِن أصحابِهِ قَد جاءَ فَجَلَسَ إلَیهِ،فَتَکَلَّمَ ابنُ أبِی العَوجاءِ فَقالَ:لَقَد بَلَغَ صاحِبُ هذَا القَبرِ العِزَّ بِکَمالِهِ،وحازَ الشَّرَفَ بِجَمیعِ خِصالِهِ، ونالَ الحُظوَةَ فی کُلِّ أحوالِهِ.
فَقالَ لَهُ صاحِبُهُ:إنَّهُ کانَ فَیلَسوفاً ادَّعَی المَرتَبَةَ العُظمی وَالمَنزِلَةَ الکُبری،وأَتی عَلی ذلِکَ بِمُعجِزاتٍ بَهَرَتِ العُقولَ،وضَلَّت فیهَا الأَحلامُ،وغاصَتِ الأَلبابُ عَلی طَلَبِ عِلمِها فی بِحارِ الفِکرِ،فَرَجَعَت خاسِئاتٍ وهِیَ حَسیرٌ،فَلَمَّا استَجابَ لِدَعوَتِهِ العُقَلاءُ وَالفُصَحاءُ وَالخُطَباءُ دَخَلَ النّاسُ فی دینِهِ أفواجاً؛فَقُرِنَ اسمُهُ بِاسمِ ناموسِهِ، فَصارَ یُهتَفُ بِهِ عَلی رُؤوسِ الصَّوامِعِ-فی جَمیعِ البُلدانِ وَالمَواضِعِ الَّتِی انتَهَت إلَیها دَعوَتُهُ،وعَلَت بِها کَلِمَتُهُ،وظَهَرَت فیها حُجَّتُهُ،بَرّاً وبَحراً وسَهلاً وجَبَلاً-فی کُلِّ یَومٍ ولَیلَةٍ خَمسَ مَرّاتٍ،مُرَدَّداً فِی الأَذانِ وَالإِقامَةِ؛لِیَتَجَدَّدَ فی کُلِّ ساعَةٍ ذِکرُهُ،لِئَلّا یَخمُلَ أمرُهُ.
فَقالَ ابنُ أبِی العَوجاءِ:دَع ذِکرَ مُحَمَّدٍ-صلی الله علیه و آله-فَقَد تَحَیَّرَ فیهِ عَقلی،وضَلَّ فی أمرِهِ فِکری،وحَدِّثنا فی ذِکرِ الأَصلِ الَّذی یَمشی بِهِ.ثُمَّ ذَکَرَ ابتِداءَ الأَشیاءِ،وزَعَمَ أنَّ ذلِکَ بِإِهمالٍ لا صَنعَةَ فیهِ ولا تَقدیرَ،ولا صانِعَ لَهُ ولا مُدَبِّرَ؛بَلِ الأَشیاءُ تَتَکَوَّنُ
ص:50
مِن ذاتِها بِلا مُدَبِّرٍ،وعَلی هذا کانَتِ الدُّنیا لَم تَزَل ولا تَزالُ.
قالَ المُفَضَّلُ:فَلَم أملِک نَفسی غَضَباً وغَیظاً وحَنَقاً،فَقُلتُ:یا عَدُوَّ اللّهِ !ألحَدتَ فی دینِ اللّهِ،وأَنکَرتَ البارِیَ-جَلَّ قُدسُهُ-الَّذی خَلَقَکَ فی أحسَنِ تَقویمٍ،وصَوَّرَکَ فی أتَمِّ صورَةٍ،نَقَلَکَ فی أحوالِکَ حَتّی بَلَغَ بِکَ إلی حَیثُ انتَهَیتَ،فَلَو تَفَکَّرتَ فی نَفسِکَ وصَدَّقَکَ لَطیفُ حِسِّکَ لَوَجَدتَ دَلائِلَ الرُّبوبِیَّةِ وآثارَ الصَّنعَةِ فیکَ قائِمَةً، وشَواهِدَهُ-جَلَّ وتَقَدَّسَ-فی خَلقِکَ واضِحَةً،وبَراهینَهُ لَکَ لائِحَةً !
فَقالَ:یا هذا،إن کُنتَ مِن أهلِ الکَلامِ کَلَّمناکَ؛فَإِن ثَبَتَ لَکَ حُجَّةٌ تَبِعناکَ،وإن لَم تَکُن مِنهُم فَلا کَلامَ لَکَ،وإن کُنتَ مِن أصحابِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ فَما هکَذا یُخاطِبُنا،ولا بِمِثلِ دَلیلِکَ یُجادِلُنا ! ولَقَد سَمِعَ مِن کَلامِنا أکثَرَ مِمّا سَمِعتَ،فَما أفحَشَ فی خِطابِنا،ولا تَعَدّی فی جَوابِنا.وإنَّهُ لَلحَلیمُ الرَّزینُ العاقِلُ الرَّصینُ؛لا یَعتَریهِ خُرقٌ ولا طَیشٌ ولا نُزقٌ.ویَسمَعُ کَلامَنا،ویُصغی إلَینا،ویَستَعرِفُ حُجَّتَنا، حَتَّی استَفرَغنا ما عِندَنا وظَنَنّا أنّا قَد قَطَعناهُ أدحَضَ حُجَّتَنا بِکَلامٍ یَسیرٍ وخِطابٍ قَصیرٍ،یُلزِمُنا بِهِ الحُجَّةَ،ویَقطَعُ العُذرَ،ولا نَستَطیعُ لِجَوابِهِ رَدّاً،فَإِن کُنتَ مِن أصحابِهِ فَخاطِبنا بِمِثلِ خِطابِهِ.... (1)
11084. الکافی عن أبی منصور المتطبّب: أخبَرَنی رَجُلٌ مِن أصحابی قالَ:کُنتُ أنَا وَابنُ أبِی العَوجاءِ وعَبدُ اللّهِ بنُ المُقَفَّعِ فِی المَسجِدِ الحَرامِ،فَقالَ ابنُ المُقَفَّعِ:تَرَونَ هذَا الخَلقَ؟-وأَومَأَ بِیَدِهِ إلی مَوضِعِ الطَّوافِ-ما مِنهُم أحَدٌ اوجِبُ لَهُ اسمَ الإِنسانِیَّةِ إلّاذلِکَ الشَّیخَ الجالِسَ-یَعنی أبا عَبدِ اللّهِ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ علیهما السلام-فَأَمَّا
ص:51
الباقونَ فَرَعاعٌ وبَهائِمُ.
فَقالَ لَهُ ابنُ أبِی العَوجاءِ:وکَیفَ أوجَبتَ هذَا الاِسمَ لِهذَا الشَّیخِ دونَ هؤُلاءِ؟ قالَ:لِأَ نّی رَأَیتُ عِندَهُ ما لَم أرَهُ عِندَهُم.فَقالَ لَهُ ابنُ أبِی العَوجاءِ:لابُدَّ مِنِ اختِبارِ ما قُلتَ فیهِ مِنهُ.فَقالَ لَهُ ابنُ المُقَفَّعِ:لا تَفعَل؛فَإِنّی أخافُ أن یُفسِدَ عَلَیکَ ما فی یَدِکَ ! فَقالَ:لَیسَ ذا رَأیَکَ ولکِن تَخافُ أن یَضعُفَ رَأیُکَ عِندی فی إحلالِکَ إیّاهُ المَحَلَّ الَّذی وَصَفتَ ! فَقالَ ابنُ المُقَفَّعِ:أمّا إذا تَوَهَّمتَ عَلَیَّ هذا فَقُم إلَیهِ،وتَحَفَّظ مَا استَطَعتَ مِنَ الزَّلَلِ،ولا تَثنِ عِنانَکَ إلَی استِرسالٍ؛فَیُسَلِّمَکَ إلی عِقالٍ،وسِمَهُ ما لَکَ أو عَلَیکَ.
فَقامَ ابنُ أبِی العَوجاءِ وبَقیتُ أنَا وَابنُ المُقَفَّعِ جالِسَینِ،فَلَمّا رَجَعَ إلَینَا ابنُ أبِی العَوجاءِ قالَ:وَیلَکَ یَا بنَ المُقَفَّعِ ! ما هذا بِبَشَرٍ ! وإن کانَ فِی الدُّنیا روحانِیٌّ یَتَجَسَّدُ إذا شاءَ ظاهِراً ویَتَرَوَّحُ إذا شاءَ باطِناً فَهُوَ هذا ! فَقالَ لَهُ:وکَیفَ ذلِکَ؟قالَ:جَلَستُ إلَیهِ،فَلَمّا لَم یَبقَ عِندَهُ غَیرِی ابتَدَأَنی فَقالَ:إن یَکُنِ الأَمرُ عَلی ما یَقولُ هؤُلاءِ،وهُوَ عَلی ما یَقولونَ-یَعنی أهلَ الطَّوافِ-فَقَد سَلِموا وعَطِبتُم،وإن یَکُنِ الأَمرُ عَلی ما تَقولونَ-ولَیسَ کَما تَقولونَ-فَقَدِ استَوَیتُم وهُم.فَقُلتُ لَهُ:یَرحَمُکَ اللّهُ !وأَیُّ شَیءٍ نَقولُ؟وأَیُّ شَیءٍ یَقولونَ؟ما قَولی وقَولُهُم إلّاواحِداً.
فَقالَ:وکَیفَ یَکونُ قَولُکَ وقَولُهُم واحِداً وهُم یَقولونَ:أنَّ لَهُم مَعاداً وثَواباً وعِقاباً،ویَدینونَ بِأَنَّ فِی السَّماءِ إلهاً،وأَنَّها عُمرانٌ،وأَنتُم تَزعُمونَ أنَّ السَّماءَ خَرابٌ لَیسَ فیها أحَدٌ؟!
قالَ:فَاغتَنَمتُها مِنهُ فَقُلتُ لَهُ:ما مَنَعَهُ-إن کانَ الأَمرُ کَما یَقولونَ-أن یَظهَرَ لِخَلقِهِ
ص:52
ویَدعُوَهُم إلی عِبادَتِهِ؛حَتّی لا یَختَلِفَ مِنهُمُ اثنانِ،ولِمَ احتَجَبَ عَنهُم وأَرسَلَ إلَیهِمُ الرُّسُلَ؟ولَو باشَرَهُم بِنَفسِهِ کانَ أقرَبَ إلَی الإِیمانِ بِهِ.
فَقالَ لی:وَیلَکَ ! وکَیفَ احتَجَبَ عَنکَ مَن أراکَ قُدرَتَهُ فی نَفسِکَ؟! نُشوءَکَ ولَم تَکُن،وکِبَرَکَ بَعدَ صِغَرِکَ،وقُوَّتَکَ بَعدَ ضَعفِکَ،وضَعفَکَ بَعدَ قُوَّتِکَ،وسُقمَکَ بَعدَ صِحَّتِکَ،وصِحَّتَکَ بَعدَ سُقمِکَ،ورِضاکَ بَعدَ غَضَبِکَ،وغَضَبَکَ بَعدَ رِضاکَ،وحُزنَکَ بَعدَ فَرَحِکَ،وفَرَحَکَ بَعدَ حُزنِکَ،وحُبَکَ بَعدَ بُغضِکَ،وبُغضَکَ بَعدَ حُبِّکَ،وعَزمَکَ بَعدَ أناتِکَ،وأَناتَکَ بَعدَ عَزمِکَ،وشَهوَتَکَ بَعدَ کَراهَتِکَ،وکَراهَتَکَ بَعدَ شَهوَتِکَ، ورَغبَتَکَ بَعدَ رَهبَتِکَ،ورَهبَتَکَ بَعدَ رَغبَتِکَ،ورَجاءَکَ بَعدَ یَأسِکَ،ویَأسَکَ بَعدَ رَجائِکَ،وخاطِرَکَ بِما لَم یَکُن فی وَهمِکَ،وعُزوبَ ما أنتَ مُعتَقِدُهُ عَن ذِهنِکَ.
ومازالَ یَعُدُّ عَلَیَّ قُدرَتَهُ الَّتی فی نَفسِی الَّتی لا أدفَعُها،حَتّی ظَنَنتُ أنَّهُ سَیَظهَرُ فی ما بَینی وبَینَهُ ! (1)
11085. السّنن الکبری عن الشعبیّ: خَرَجَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ إلَی السّوقِ،فَإِذا هُوَ بِنَصرانِیٍّ یَبیعُ دِرعاً،فَعَرَفَ عَلِیٌّ الدِّرعَ فَقالَ:هذِهِ دِرعی،بَینی وبَینَکَ قاضِی المُسلِمینَ -وکانَ قاضِیَ المُسلِمینَ شُرَیحٌ؛کانَ عَلِیٌّ استَقضاهُ-فَلَمّا رَأی شُرَیحٌ أمیرَ المُؤمِنینَ قامَ مِن مَجلِسِ القَضاءِ وأَجلَسَ عَلِیّاً فی مَجلِسِهِ،وجَلَسَ شُرَیحٌ قُدّامَهُ إلی جَنبِ النَّصرانِیِّ.
ص:53
فَقالَ لَهُ عَلِیٌّ:أما یا شُرَیحُ لَو کانَ خَصمی مُسلِماً لَقَعَدتُ مَعَهُ مَجلِسَ الخَصمِ ولکِنّی سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله یَقولُ:«لا تُصافِحوهُم ولا تَبدَؤوهُم بِالسَّلامِ...
وصَغِّروهُم کَما صَغَّرَهُمُ اللّهُ»،اِقضِ بَینی وبَینَهُ یا شُرَیحُ.
فَقالَ شُرَیحٌ:تَقولُ یا أمیرَ المُؤمِنینَ؟فَقالَ عَلِیٌّ:هذِهِ دِرعی ذَهَبَت مِنّی مُنذُ زَمانٍ.فَقالَ شُرَیحٌ:ما تَقولُ یا نَصرانِیُّ؟فَقالَ النَّصرانِیُّ:ما اکَذِّبُ أمیرَ المُؤمِنینَ، الدِّرعُ هِیَ دِرعی.فَقالَ شُرَیحٌ:ما أری أن تَخرُجَ مِن یَدِهِ،فَهَل مِن بَیِّنَةٍ؟فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام:صَدَقَ شُرَیحٌ.
فَقالَ النَّصرانِیُّ:أما أنَا أشهَدُ أنَّ هذِهِ أحکامُ الأَنبِیاءِ،أمیرُ المُؤمِنینَ یَجیءُ إلی قاضیهِ وقاضیهِ یَقضی عَلَیهِ ! هِیَ وَاللّهِ یا أمیرَ المُؤمِنینَ دِرعُکَ اتَّبَعتُکَ مِنَ الجَیشِ وقَد زالَت عَن جَمَلِکَ الأَورَقِ فَأَخَذتُها؛فَإِنّی أشهَدُ أن لا إلهَ إلَّااللّهُ وأَنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللّهِ.
فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام:أما إذا أسلَمتَ فَهِیَ لَکَ.وحَمَلَهُ عَلی فَرَسٍ عَتیقٍ. (1)
11086. الکافی عن زکریّا بن إبراهیم: کُنتُ نَصرانِیّاً،فَأَسلَمتُ وحَجَجتُ،فَدَخَلتُ عَلی أبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام،فَقُلتُ:إنّی کُنتُ عَلَی النَّصرانِیَّةِ،وإنّی أسلَمتُ.فَقالَ:وأَیُّ شَیءٍ رَأَیتَ فِی الإِسلامِ؟قُلتُ:قَولَ اللّهِ عز و جل: «ما کُنْتَ تَدْرِی مَا الْکِتابُ وَ لاَ الْإِیمانُ وَ لکِنْ
ص:54
جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِی بِهِ مَنْ نَشاءُ» (1).فَقالَ:لَقَد هَداکَ اللّهُ.
ثُمَّ قالَ:اللّهُمَّ اهدِهِ !-ثَلاثاً-:سَل عَمّا شِئتَ یا بُنَیَّ.فَقُلتُ:إنَّ أبی واُمّی عَلَی النَّصرانِیَّةِ وأَهلَ بَیتی،واُمّی مَکفوفَةُ البَصَرِ،فَأَکونُ مَعَهُم وآکُلُ فی آنِیَتِهِم؟فَقالَ:
یَأکُلونَ لَحمَ الخِنزیرِ؟فَقُلتُ:لا،ولا یَمَسّونَهُ.فَقالَ:لا بَأسَ،فَانظُر امَّکَ فَبِرَّها، فَإِذا ماتَت فَلا تَکِلها إلی غَیرِکَ؛کُن أنتَ الَّذی تَقومُ بِشَأنِها،ولا تُخبِرَنَّ أحَداً أنَّکَ أتَیتَنی،حَتّی تَأتِیَنی بِمِنی إن شاءَ اللّهُ.
قالَ:فَأَتَیتُهُ بِمِنی وَالنّاسُ حَولَهُ کَأَنَّهُ مُعَلِّمُ صِبیانٍ؛هذا یَسأَلُهُ،وهذا یَسأَلُهُ،فَلَمّا قَدِمتُ الکوفَةَ ألطَفتُ لِاُمّی،وکُنتُ اطعِمُها،واُفَلّی ثَوبَها ورَأسَها،وأَخدِمُها.فَقالَت لی:یا بُنَیَّ،ما کُنتَ تَصنَعُ بی هذا وأَنتَ عَلی دینی،فَمَا الَّذی أری مِنکَ مُنذُ هاجَرتَ فَدَخَلتَ فِی الحَنیفِیَّةِ؟! فَقُلتُ:رَجُلٌ مِن وُلدِ نَبِیِّنا أمَرَنی بِهذا.فَقالَت:هذَا الرَّجُلُ هُوَ نَبِیٌّ؟فَقُلتُ:لا،ولکِنَّهُ ابنُ نَبِیٍّ.فَقالَت:یا بُنَیَّ،إنَّ هذا نَبِیٌّ؛إنَّ هذِهِ وَصایَا الأَنبِیاءِ.فَقُلتُ:یا امَّه،إنَّهُ لَیسَ یَکونُ بَعدَ نَبِیِّنا نَبِیٌّ،ولکِنَّهُ ابنُهُ.
فَقالَت:یا بُنَیَّ،دینُکَ خَیرُ دینٍ،اِعرِضهُ عَلَیَّ.فَعَرَضتُهُ عَلَیها،فَدَخَلَت فِی الإِسلامِ وعَلَّمتُها،فَصَلَّتِ الظُّهرَ وَالعَصرَ وَالمَغرِبَ وَالعِشاءَ الآخِرَةَ.ثُمَّ عَرَضَ لَها عارِضٌ فِی اللَّیلِ،فَقالَت:یا بُنَیَّ أعِد عَلَیَّ ما عَلَّمتَنی.فَأَعَدتُهُ عَلَیها،فَأَقَرَّت بِهِ وماتَت.فَلَمّا أصبَحَت کانَ المُسلِمونَ الذَّینَ غَسَّلوها،وکُنتُ أنَا الَّذی صَلَّیتُ عَلَیها ونَزَلتُ فی قَبرِها. (2)
ص:55
11087. الطّبقات الکبری عن سالم مولی أبی جعفر: کانَ هِشامُ بنُ إسماعیلَ یُؤذی عَلِیَّ بنَ الحُسَینِ وأَهلَ بَیتِهِ،یَخطُبُ بِذلِکَ عَلَی المِنبَرِ ویَنالُ مِن عَلِیٍّ علیه السلام،فَلَمّا وَلِیَ الوَلیدُ بنُ عَبدِ المَلِکِ عَزَلَهُ وأَمَرَ بِهِ أن یوقَفَ لِلنّاسِ.فَکانَ یَقولُ:لا وَاللّهِ،ما کانَ أحَدٌ مِنَ النّاسِ أهَمَّ إلَیَّ مِن عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ؛کُنتُ أقولُ:رَجُلٌ صالِحٌ یُسمَعُ قَولُهُ فَوُقِفَ لِلنّاسِ.
فَجَمَعَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ وُلدَهُ وحامَّتَهُ ونَهاهُم عَنِ التَّعَرُّضِ.وغَدا عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ مارّاً لِحاجَةٍ فَما عَرَضَ لَهُ،فَناداهُ هِشامُ بنُ إسماعیلَ:اللّهُ أعلَمُ حَیثُ یَجعَلُ رِسالاتِهِ ! (1)
11088. العدد القویّة عن الزّهریّ: خَرَجَ [عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السلام ] یَوماً مِنَ المَسجِدِ،فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَسَبَّهُ،فَلَحِقَهُ العَبیدُ وَالمَوالی،فَهَمّوا بِالرَّجُلِ،فَقالَ:دَعوهُ.ثُمَّ قالَ:ما سَتَرَ اللّهُ عَنکَ مِن أمرِنا أکثَرُ،ألَکَ حاجَةٌ نُعینُکَ عَلَیها؟فَاستَحَی الرَّجُلُ،فَأَلقی عَلِیٌّ عَلَیهِ قَمیصَةً کانَت عَلَیهِ،وأَعطاهُ ألفَ دِرهَمٍ.فَکانَ الرَّجُلُ إذا رَآهُ بَعدَ ذلِکَ یَقولُ:أشهَدُ أنَّکَ مِن أولادِ الرَّسولِ ! (2)
11089. الإرشاد عن أبی محمّد الحسن بن محمّد عن جدّه عن غیر واحد من أصحابه ومشایخه: إنَّ رَجُلاً مِن وُلدِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ کانَ بِالمَدینَةِ یُؤذی أبَا الحَسَنِ
ص:56
موسی علیه السلام،ویَسُبُّهُ إذا رَآهُ،ویَشتُمُ عَلِیّاً علیه السلام،فَقالَ لَهُ بَعضُ جُلَسائِهِ یَوماً:دَعنا نَقتُل هذَا الفاجِرَ،فَنَهاهُم عَن ذلِکَ أشَدَّ النَّهیِ،وزَجَرَهُم أشَدَّ الزَّجرِ،وسَأَلَ عَنِ العُمَرِیِّ، فَذُکِرَ أنَّهُ یَزرَعُ بِناحِیَةٍ مِن نَواحِی المَدینَةِ.فَرَکِبَ،فَوَجَدَهُ فی مَزرَعَةٍ،فَدَخَلَ المَزرَعَةَ بِحِمارِهِ،فَصاحَ بِهِ العُمَرِیُّ:لا توطِئ زَرعَنا ! فَتَوَطَّأَهُ أبُو الحَسَنِ علیه السلام بِالحِمارِ،حَتّی وَصَلَ إلَیهِ،فَنَزَلَ وجَلَسَ عِندَهُ،وباسَطَهُ وضاحَکَهُ،وقالَ لَهُ:کَم غَرِمتَ فی زَرعِکَ هذا؟فَقالَ لَهُ:مِئَةُ دینارٍ.قالَ:فَکَم تَرجو أن تُصیبَ فیهِ؟قالَ:
لَستُ أعلَمُ الغَیبَ.قالَ:إنَّما قُلتُ لَکَ:کَم تَرجو أن یَجیئَکَ فیهِ؟قالَ:أرجو فیهِ مِئَتَی دینارٍ.فَأَخرَجَ لَهُ أبُوالحَسَنِ علیه السلام صُرَّةً فیها ثَلاثُمِئَةِ دینارٍ،وقالَ:هذا زَرعُکَ عَلی حالِهِ،وَاللّهُ یَرزُقُکَ فیهِ ما تَرجو.فَقامَ العُمَرِیُّ فَقَبَّلَ رَأسَهُ وسَأَلَهُ أن یَصفَحَ عَن فارِطِهِ،فَتَبَسَّمَ إلَیهِ أبُو الحَسَنِ علیه السلام وَانصَرَفَ.
وراحَ إلَی المَسجِدِ فَوَجَدَ العُمَرِیَّ جالِساً،فَلَمّا نَظَرَ إلَیهِ قالَ:اللّهُ أعلَمُ حَیثُ یَجعَلُ رِسالاتِهِ ! فَوَثَبَ أصحابُهُ إلَیهِ فَقالوا لَهُ:ما قِصَّتُکَ؟قَد کُنتَ تَقولُ غَیرَ هذا ! فَقالَ لَهُم:قَد سَمِعتُم ما قُلتُ الآنَ،وجَعَلَ یَدعو لِأَبِی الحَسَنِ علیه السلام،فَخاصَموهُ وخاصَمَهُم.
فَلَمّا رَجَعَ أبُو الحَسَنِ إلی دارِهِ،قالَ لِجُلَسائِهِ الَّذینَ سَأَلوهُ فی قَتلِ العُمَرِیِّ:أیُّما کانَ خَیراً:ما أرَدتُم أم ما أرَدتُ؟! إنَّنی أصلَحتُ أمرَهُ بِالمِقدارِ الَّذی عَرَفتُم،وکَفَیتُ بِهِ شَرَّهُ ! (1)
ص:57
11090. تنبیه الخواطر: حُکِیَ أنَّ مالِکاً الأَشتَرَ رضی الله عنه کانَ مُجتازاً بِسوقِ الکوفَةِ وعَلَیهِ قَمیصٌ خامٌ وعِمامَةٌ مِنهُ،فَرَآهُ بَعضُ السّوقَةِ فَازدَری بِزِیِّهِ،فَرَماهُ بَبُندُقَةٍ تَهاوُناً بِهِ،فَمَضی ولَم یَلتَفِت.فَقیلَ لَهُ:وَیلَکَ ! أتَدری بِمَن رَمَیتَ؟فَقالَ:لا،فَقیلَ لَهُ:هذا مالِکٌ صاحِبُ أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام.فَارتَعَدَ الرَّجُلُ ومَضی إلَیهِ لِیَعتَذِرَ مِنهُ،فَرَآهُ وقَد دَخَلَ مَسجِداً وهُوَ قائِمٌ یُصَلّی،فَلَمَّا انفَتَلَ أکَبَّ الرَّجُلُ عَلی قَدَمَیهِ یُقَبِّلُهُما،فَقالَ:ما هذَا الأَمرُ؟فَقالَ:أعتَذِرُ إلَیکَ مِمّا صَنَعتُ.فَقالَ:لا بَأسَ عَلَیکَ؛فَوَاللّهِ ما دَخَلتُ المَسجِدَ إلّالِأَستَغفِرَنَّ لَکَ. (1)
راجع:ص 7 ( مخالفة الفعل للقول ).و هذه الموسوعة:ج 9 ص 421 ( تطابق القلب واللسان ) وص 423 ( الدعوة بالعمل قبل اللسان ).
ص:58
الکتاب
«فَبَشِّرْ عِبادِ اَلَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِکَ الَّذِینَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِکَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ» . (1)
«کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللّهُ لَکُمْ آیاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ» . (2)
«وَ هُوَ الَّذِی یُحْیِی وَ یُمِیتُ وَ لَهُ اخْتِلافُ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ» . (3)
«کَذلِکَ یُحْیِ اللّهُ الْمَوْتی وَ یُرِیکُمْ آیاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ» . (4)
«لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَیْکُمْ کِتاباً فِیهِ ذِکْرُکُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ» . (5)
ص:59
«وَ سَخَّرَ لَکُمْ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً مِنْهُ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ» . (1)
«وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً لِتَسْکُنُوا إِلَیْها وَ جَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ» . (2)
«هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَکُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِیهِ تُسِیمُونَ* یُنْبِتُ لَکُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّیْتُونَ وَ النَّخِیلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ» . (3)
راجع:البقرة:164،الأنعام:32 و 151،الأعراف:169،هود:51،یوسف:2 و 109،الرعد:4، النحل:12 و 67،الحجّ:46،النور:61،القصص:60،العنکبوت:35،الروم:24 و 28، یس:62 و 68،ص:29،غافر:67 و 70،الزخرف:3،الجاثیة:5 و 13،الحدید:17.
الحدیث
11091. الإمام الکاظم علیه السلام -لِهِشامِ بنِ الحَکَمِ-:یا هِشامُ،إنَّ اللّهَ تَبارَکَ وتَعالی بَشَّرَ أهلَ العَقلِ وَالفَهمِ فی کِتابِهِ فَقالَ: «فَبَشِّرْ عِبادِ اَلَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِکَ الَّذِینَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِکَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ» .
یا هِشامُ،إنَّ اللّهَ تَبارَکَ وتَعالی أکمَلَ لِلنّاسِ الحُجَجَ بِالعُقولِ،ونَصَرَ النَّبِیّینَ بِالبَیانِ،ودَلَّهُم عَلی رُبوبِیَّتِهِ بِالأَدِلَّةِ،فَقالَ: «وَ إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِیمُ* إِنَّ فِی خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْکِ الَّتِی تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِما یَنْفَعُ النّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِیها مِنْ کُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِیفِ الرِّیاحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَیْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ» . (4)
یا هِشامُ،قَد جَعَلَ اللّهُ ذلِکَ دَلیلاً عَلی مَعرِفَتِهِ بِأَنَّ لَهُم مُدَبِّراً،فَقالَ: «وَ سَخَّرَ لَکُمُ
ص:60
اَللَّیْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ» . (1)وقالَ: «هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ یُخْرِجُکُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ ثُمَّ لِتَکُونُوا شُیُوخاً وَ مِنْکُمْ مَنْ یُتَوَفّی مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّی وَ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ» ، (2)وقالَ:«إنَّ فِی اختِلافِ اللَّیلِ وَالنَّهارِ وما أنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِن رِزقٍ فَأَحیا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِها وتَصریفِ الرِّیاحِ (3)لَآیاتٍ لِقَومٍ یَعقِلونَ»، (4)وقالَ: «یُحْیِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَیَّنّا لَکُمُ الْآیاتِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ» ، (5)وقالَ: «وَ جَنّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِیلٌ صِنْوانٌ وَ غَیْرُ صِنْوانٍ یُسْقی بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلی بَعْضٍ فِی الْأُکُلِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ» ، (6)وقالَ: «وَ مِنْ آیاتِهِ یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ یُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَیُحْیِی بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ » ، (7)وقالَ: «قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّکُمْ عَلَیْکُمْ أَلاّ تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئاً وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَکُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُکُمْ وَ إِیّاهُمْ وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذلِکُمْ وَصّاکُمْ بِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ» ، (8)وقالَ: «هَلْ لَکُمْ مِنْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ مِنْ شُرَکاءَ فِی ما رَزَقْناکُمْ
ص:61
فَأَنْتُمْ فِیهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ کَخِیفَتِکُمْ أَنْفُسَکُمْ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ» (1)...
یا هِشامُ،ما بَعَثَ اللّهُ أنبِیاءَهُ ورُسُلَهُ إلی عِبادِهِ إلّالِیَعقِلوا عَنِ اللّهِ،فَأَحسَنُهُمُ استِجابَةً أحسَنُهُم مَعرِفَةً،وأَعلَمُهُم بِأَمرِ اللّهِ أحسَنُهُم عَقلاً،وأَکمَلُهُم عَقلاً أرفَعُهُم دَرَجَةً فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ. (2)
11092. تفسیر الفخر الرازی عن قتادة -فی قَولِهِ تَعالی: «أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (3)-:سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَقالَ:یَقولُ:أیُّکُم أحسَنُ عَقَلاً.
ثُمَّ قالَ:أتَمُّکُم عَقلاً أشَدُّکُم للّهِ ِ خَوفاً،وأَحسَنُکُم فیما أمَرَ اللّهُ بِهِ ونَهی عَنهُ نَظَراً. (4)
11093. رسول اللّه صلی الله علیه و آله -فی وَصِیَّتِهِ إلَی ابنِ مَسعودٍ-:یَا بنَ مَسعودٍ،إذا عَمِلتَ عَمَلاً فَاعمَل بِعِلمٍ وعَقلٍ،وإیّاکَ و أن تَعمَلَ عَمَلاً بِغَیرِ تَدَبُّرٍ وعِلمٍ،فَإِنَّهُ جَلَّ جَلالُهُ یَقولُ: «وَ لا تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْکاثاً» (5). (6)
11094. عنه صلی الله علیه و آله: أصدَقُ المُؤمِنینَ إیمانًا أشَدُّهُم تَفَکُّراً فی أمرِ الدُّنیا وَالآخِرَةِ. (7)
راجع:موسوعة العقائد الإسلامیّة (المعرفة):ج 1 ( الفصل الثالث:التعقّل ).
ص:62
الکتاب
«هذا بَیانٌ لِلنّاسِ وَ هُدیً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِینَ» . (1)
«لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَ یَحْیی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ وَ إِنَّ اللّهَ لَسَمِیعٌ عَلِیمٌ» . (2)
«قُلْ إِنِّی عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی وَ کَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِی ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُکْمُ إِلاّ لِلّهِ یَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَیْرُ الْفاصِلِینَ » . (3)
«أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنّا أُنْزِلَ عَلَیْنَا الْکِتابُ لَکُنّا أَهْدی مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَکُمْ بَیِّنَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَ هُدیً وَ رَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ کَذَّبَ بِآیاتِ اللّهِ وَ صَدَفَ عَنْها سَنَجْزِی الَّذِینَ یَصْدِفُونَ عَنْ آیاتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما کانُوا یَصْدِفُونَ» . (4)
«أَ فَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ کَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ» . (5)
«إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَ الْهُدی مِنْ بَعْدِ ما بَیَّنّاهُ لِلنّاسِ فِی الْکِتابِ أُولئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَ یَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ » . (6)
«قُلْ إِنِّی نُهِیتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَمّا جاءَنِی الْبَیِّناتُ مِنْ رَبِّی وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِینَ » . (7)
«وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ إِلاّ رِجالاً نُوحِی إِلَیْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* بِالْبَیِّناتِ
ص:63
وَ الزُّبُرِ وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الذِّکْرَ لِتُبَیِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَیْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ» . (1)
«وَ لَمّا جاءَ عِیسی بِالْبَیِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُکُمْ بِالْحِکْمَةِ وَ لِأُبَیِّنَ لَکُمْ بَعْضَ الَّذِی تَخْتَلِفُونَ فِیهِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِیعُونِ» . (2)
«وَ إِذْ قالَ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ یا بَنِی إِسْرائِیلَ إِنِّی رَسُولُ اللّهِ إِلَیْکُمْ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ یَأْتِی مِنْ بَعْدِی اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْبَیِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِینٌ » . (3)
«یا أَیُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَکُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکُمْ نُوراً مُبِیناً» . (4)
«أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَکُمْ هذا ذِکْرُ مَنْ مَعِیَ وَ ذِکْرُ مَنْ قَبْلِی بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ» . (5)
«وَ مَنْ یَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الْکافِرُونَ» . (6)
«أَمَّنْ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَ مَنْ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ » . (7)
«اُسْلُکْ یَدَکَ فِی جَیْبِکَ تَخْرُجْ بَیْضاءَ مِنْ غَیْرِ سُوءٍ وَ اضْمُمْ إِلَیْکَ جَناحَکَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِکَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّکَ إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ » . (8)
«وَ نَزَعْنا مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ شَهِیداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَکُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّهِ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ » . (9)
ص:64
«قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداکُمْ أَجْمَعِینَ» . (1)
راجع:البقرة:76،87،92،99،111،139،150،185،209،211،213،253،258؛آل عمران:20، 61،65،66،73،86،97،105،183،184؛النساء:153،165؛المائدة:32،110؛الأنعام:
80،83،149؛الأعراف:73،85،101،105؛التوبة:70؛یونس:13،15،74؛هود:17،28، 53،63،88؛یوسف:24؛إبراهیم:9؛الإسراء:101؛مریم:73؛طه:72،133؛الحجّ:16،72؛ النور:1،34،46؛القصص:36،العنکبوت:35،39،49؛الروم:9،47؛سبأ:43؛فاطر:25، 40؛غافر:22،28،34،50،83؛الشوری:15،16؛الجاثیة:17،25؛الأحقاف:7؛الحدید:9؛ المجادلة:5؛التغابن:6؛البیّنة:1،4.
الحدیث
11095. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: إنَّ مِن خِیارِ امّتی-فیما نَبَّأَنِی المَلَأُ الأَعلی فِی الدَّرَجاتِ العُلی- قَومَاً...یَتَقَرَّبونَ بِالوسیلَةِ،یَلبَسون الخِلقانَ،ویَتبَعونَ البُرهانَ،ویَتلونَ الفُرقانَ، ویُقَرِّبونَ القُربانَ. (2)
11096. الإمام علیّ علیه السلام -فی فَضلِ الإِسلامِ-:هُوَ عِندَ اللّهِ وَثیقُ الأَرکَانِ،رَفیعُ البُنیانِ،مُنیرُ البُرهانِ،مُضیءُ النّیرانِ،عَزیزُ السُّلطانِ. (3)
11097. فاطمة علیها السلام -فی خُطبَةٍ لَها-:کِتابُ اللّهِ بَیِّنَةٌ بَصائِرُهُ،وآیٌ مُنکَشِفةٌ سَرائِرهُ،وبُرهانٌ مُتَجَلِّیَةٌ ظَواهِرُهُ. (4)
ص:65
الکتاب
«یا أَیُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَتْکُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِی الصُّدُورِ وَ هُدیً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ» . (1)
«فَجَعَلْناها نَکالاً لِما بَیْنَ یَدَیْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِینَ» . (2)
«اَلَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إِلاّ کَما یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهی فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَی اللّهِ وَ مَنْ عادَ فَأُولئِکَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ » . (3)
«هذا بَیانٌ لِلنّاسِ وَ هُدیً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِینَ» . (4)
«وَ قَفَّیْنا عَلی آثارِهِمْ بِعِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَ آتَیْناهُ الْإِنْجِیلَ فِیهِ هُدیً وَ نُورٌ وَ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَ هُدیً وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِینَ » . (5)
«وَ کَتَبْنا لَهُ فِی الْأَلْواحِ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِیلاً لِکُلِّ شَیْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَ أْمُرْ قَوْمَکَ یَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِیکُمْ دارَ الْفاسِقِینَ » . (6)
«وَ کُلاًّ نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَکَ وَ جاءَکَ فِی هذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِکْری لِلْمُؤْمِنِینَ » . (7)
ص:66
الحدیث
11098. الإمامُ علیّ علیه السلام: فَاتَّقُوا اللّهَ الَّذی نَفَعَکُم بِمَوعِظَتِهِ،ووَعَظَکُم بِرِسالَتِهِ،وَامتَنَّ عَلَیکُم بِنِعمَتِهِ،فَعَبِّدوا أنفُسَکُم لِعِبادَتِهِ،وَاخرُجوا إلَیهِ مِن حَقِّ طاعَتِهِ. (1)
11099. عنه علیه السلام: انتَفِعوا بِبَیانِ اللّهِ،وَاتَّعِظوا بِمَواعِظِ اللّهِ،وَاقبَلوا نَصیحَةَ اللّهِ. (2)
الکتاب
«ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ ما أَمَرْتَنِی بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّی وَ رَبَّکُمْ وَ کُنْتُ عَلَیْهِمْ شَهِیداً ما دُمْتُ فِیهِمْ فَلَمّا تَوَفَّیْتَنِی کُنْتَ أَنْتَ الرَّقِیبَ عَلَیْهِمْ وَ أَنْتَ عَلی کُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ » . (3)
الحدیث (4)
11100. عیسی علیه السلام: طُوبی لِلمُتَراحِمینَ،اُولئِکَ هُمُ المَرحومونَ یَومَ القِیامَةِ.طُوبی لِلمُصلِحینَ بَینَ النّاسِ،اُولئِکَ هُمُ المُقَرَّبونَ یَومَ القِیامَةِ.طُوبی لِلمُطَهَّرَةِ قُلوبُهُم،اُولئِکَ یَزُورونَ اللّهَ یَومَ القِیامَةِ.طُوبی لِلمُتَواضِعینَ فِی الدُّنیا،اُولئِکَ یَرِثونَ مَنابِرَ المُلکِ یَومَ القِیامَةِ. (5)
11101. عنه علیه السلام: یا عَبیدَ السّوءِ،تَلومونَ النّاسَ عَلَی الظَّنِّ ولا تَلُومونَ أنفُسَکُم عَلَی الیَقینِ!...
یا عَبیدَ الدُّنیا،تَحلِقونَ رُؤوسَکُم،وتُقَصِّرونَ قُمُصَکُم،وتُنَکِّسونَ رُؤوسَکُم،ولا
ص:67
تَنزِعونَ الغِلَّ (1)مِن قُلوبِکُم !
یا عَبیدَ الدُّنیا،مَثَلُکُم کَمَثَلِ القُبورِ المُشَیَّدةِ؛یُعجِبُ النّاظِرَ ظَهرُها،وداخِلُها عِظامُ المَوتی،مَملُوءَةً خَطایا.
یا عَبیدَ الدُّنیا،إنّما مَثَلُکُم کمَثَلِ السِّراجِ؛یُضِیءُ لِلنّاسِ ویُحرِقُ نَفسَهُ !
یابَنی إسرائیلَ،زاحِموا العُلَماءَ فی مَجالِسِهِم ولَو حَبواً عَلَی الرُّکَبِ (2)؛فَإِنَّ اللّهَ یُحیِی القُلوبَ المَیِّتَةَ بِنورِ الحِکمَةِ،کَما یُحیِی الأرضَ المَیِّتَةَ بِوابِلِ المَطرِ. (3)
الکتاب
«اُدْعُ إِلی سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ » . (4)
«قُلْ إِنَّما أَعِظُکُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنی وَ فُرادی ثُمَّ تَتَفَکَّرُوا ما بِصاحِبِکُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِیرٌ لَکُمْ بَیْنَ یَدَیْ عَذابٍ شَدِیدٍ » . (5)
الحدیث (6)
11102. رسول اللّه صلی الله علیه و آله -فی وَصِیَّتِهِ لِأَبی ذَرٍّ-:یا أبا ذَرٍّ کُن کَأَنَّکَ فِی الدُّنیا غَرِیبٌ أو کَعابِرِ
ص:68
سَبیلٍ،وعُدَّ نَفسَکَ مِن أصحابِ القُبورِ،یا أبا ذَرٍّ إذا أصبَحتَ فَلا تُحَدِّث نَفسَکَ بِالمَساءِ،وإذا أمسَیتَ فَلا تُحَدِّث نَفسَکَ بِالصَّباحِ،وخُذ مِن صِحَّتِکَ قَبلَ سُقمِکَ، ومِن حَیاتِکَ قَبلَ مَوتِکَ؛فَإِنَّکَ لا تَدری مَا اسمُکَ غَداً. (1)
11103. عنه صلی الله علیه و آله: ما لی أری حُبَّ الدُّنیا قَد غَلَبَ عَلی کَثیرٍ مِنَ النّاسِ؛حَتّی کَأنَّ المَوتَ فی هذِهِ الدّنیا عَلی غَیرِهِم کُتِبَ !...أما یَتَّعِظُ آخِرُهُم بِأوَّلِهِم؟! لَقَد جَهِلوا ونَسوا کُلَّ واعِظٍ فی کِتابِ اللّهِ،وأَمِنوا شَرَّ کُلِّ عاقِبَةِ سوءٍ ! (2)
11104. عنه صلی الله علیه و آله: أیُّهَا النّاسُ ! کَأَنَّ الحَقَّ فیها عَلی غَیرِنا وَجَبَ،وکَأَنَّ المَوتَ فیها علی غَیرِنا کُتِبَ،وکَأَنَّ الَّذینَ نُشَیِّعُ مِنَ الأَمواتِ سَفرٌ عَمّا قَلیلٍ إلَینا عائِدونَ،نُبَوِّئُهُم أجداثَهُم، ونَأکُلُ تُراثَهُم،کَأَ نّا مُخَلَّدونَ بَعدَهُم،قَد نَسینا کُلَّ واعِظَةٍ،وأَمِنّا کُلَّ جائِحَةٍ !
طوبی لِمَن شَغَلَهُ عَیبُهُ عَن عُیوبِ النّاسِ،وأَنفَقَ مِن مالٍ اکتَسَبَهُ مِن غَیرِ مَعصِیَةٍ، وخالَطَ أهلَ الفِقهِ وَالحِکمَةِ،وجانَبَ أهلَ الذُّلِّ وَالمَعصِیَةِ !
طوبی لِمَن ذَلَّ فی نَفسِهِ،وحَسُنَت خَلیقَتُهُ،وأَنفَقَ الفَضلَ مِن مالِهِ،وأَمسَکَ الفَضلَ مِن قَولِهِ،ووَسِعَتهُ السُّنَّةُ ولَم یَعدُها إلَی البِدعَةِ. (3)
ص:69
11105. عنه صلی الله علیه و آله: تَیَقَّظوا بِالعِبَرِ،وتأهَّبوا لِلسَّفَرِ،وتَقَنَّعوا بِالیَسیرِ،وتَأهَّبوا لِلمَسیرِ. (1)
الکتاب
«اُدْعُ إِلی سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ » . (2)
«وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْکِتابِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَ قُولُوا آمَنّا بِالَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْنا وَ أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُکُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » . (3)
الحدیث
11106. الإمام علیّ علیه السلام -فِی الحِکَمِ المَنسوبَةِ إلَیهِ-:مُرُوا الأَحداثَ بِالمِراءِ وَالجِدالِ،وَالکُهولَ بِالفِکرِ،والشُّیوخَ بِالصَّمتِ. (4)
11107. الإمام الصادق علیه السلام -وقَد بَلَغَهُ مَوتُ الطَّیّارِ-:رَحِمَ اللّهُ الطَّیّارَ ولَقّاهُ نَضرَةً وسُروراً؛ فَلَقَد کانَ شَدیدَ الخُصومَةِ عَنّا أهلَ البَیتِ. (5)
11108. رجال الکشّی عن أبی القاسم نصر بن الصّباح: عَبدُالرَّحمن بنُ الحَجّاجِ شَهِدَ لَهُ أبُوالحَسَنِ علیه السلام بِالجَنَّةِ،وکانَ أبو عَبدِاللّهِ علیه السلام یَقولُ لِعَبدِ الرَّحمنِ:یا عَبدَالرَّحمنِ،کَلِّم
ص:70
أهلَ المَدینَةِ فَإِنّی احِبُّ أن یُری فی رِجالِ الشّیعَةِ مِثلُکُ. (1)
11109. رجال الکشّی عن حمّاد: کانَ أبُو الحَسَنِ علیه السلام یَأمُرُ مُحَمَّدَ بنَ حَکیمٍ أن یُجالِسَ أهلَ المَدینَةِ فی مَسجِدِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،وأَن یُکَلِّمَهُم ویُخاصِمَهُم،حَتّی کَلَّمَهُم فی صاحِبِ القَبرِ،فَکانَ إذَا انصَرَفَ إلَیهِ قالَ لَهُ:ما قُلتَ لَهُم؟وما قالوا لَکَ؟ویَرضی بِذلِکَ مِنهُ. (2)
11110. الاحتجاج عن الإمام العسکری علیه السلام: ذُکِرَ عِندَ الصّادِقِ علیه السلام الجِدالُ فِی الدّینِ،وأَنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله وَالأَئِمَّةَ علیهم السلام قَد نَهَوا عَنهُ،فَقالَ الصّادِقُ علیه السلام:لَم یُنهَ عَنهُ مُطلَقاً،ولکِنَّهُ نُهِیَ عَنِ الجِدالِ بِغَیرِ الَّتی هِیَ أحسَنُ،أما تَسمَعونَ اللّهَ عز و جل یَقولُ: «وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْکِتابِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ » وقَولَهُ: «اُدْعُ إِلی سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ » ؟
فَالجِدالُ بِالَّتی هِیَ أحسَنُ قَد قَرَنَهُ العُلَماءُ بِالدّینِ،وَالجِدالُ بِغَیرِ الَّتی هِیَ أحسَنُ مُحَرَّمٌ،حَرَّمَهُ اللّهُ عَلی شیعَتِنا.وکَیفَ یُحَرِّمُ اللّهُ الجِدالَ جُملَةً وهُوَ یَقولُ: «وَ قالُوا لَنْ یَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ کانَ هُوداً أَوْ نَصاری» ،وقالَ اللّهُ تَعالی: «تِلْکَ أَمانِیُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ» (3)،فَجَعَلَ عِلمَ الصِّدقِ وَالإِیمانِ بِالبُرهانِ،وهَل یُؤتی بِبُرهانٍ إلّافِی الجِدالِ بِالَّتی هِیَ أحسَنُ؟
فَقیلَ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ! فَمَا الجِدالُ بِالَّتی هِیَ أحسَنُ؟وَالَّتی لَیسَت بِأَحسَنَ؟
قالَ:أمَّا الجِدالُ بِغَیرِ الَّتی هِیَ أحسَنُ فَأَن تُجادِلَ بِهِ،مُبطِلاً فَیورِدُ عَلَیکَ باطِلاً، فَلا تَرُدُّهُ بِحُجَّةٍ قَد نَصَبَهَا اللّهُ،ولکِن تَجحَدُ قَولَهُ،أو تَجحَدُ حَقّاً،یُریدُ ذلِکَ المُبطِلُ
ص:71
أن یُعینَ بِهِ باطِلَهُ،فَتَجحَدُ ذلِکَ الحَقَّ مَخافَةَ أن یَکونَ لَهُ عَلَیکَ فیهِ حُجَّةٌ،لِأَنَّکَ لاتَدری کَیفَ المَخلَصُ مِنهُ،فَذلِکَ حَرامٌ عَلی شیعَتِنا أن یَصیروا فِتنَةً عَلی ضُعَفاءِ إخوانِهِم وعَلَی المُبطِلینَ.
أمَّا المُبطِلونَ فَیَجعَلونَ ضَعفَ الضَّعیفِ مِنکُم إذا تَعاطی مُجادَلَتَهُ،وضَعفَ ما فی یَدِهِ،حُجَّةً لَهُ عَلی باطِلِهِ.
وأَمَّا الضُّعَفاءُ مِنکُم فَتُغَمُّ قُلوبُهُم لِما یَرَونَ مِن ضَعفِ المُحِقِّ فی یَدِ المُبطِلِ.
وأَمَّا الجِدالُ بِالَّتی هِیَ أحسَنُ،فَهُوَ ما أمَرَ اللّهُ تَعالی بِهِ نَبِیَّهُ أن یُجادِلَ بِهِ مَن جَحَدَ البَعثَ بَعدَ المَوتِ وإحیاءَهُ لَهُ،فَقالَ اللّهُ تَعالی حاکِیاً عَنهُ: «وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِیَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ» (1)فَقالَ اللّهُ تَعالی فِی الرَّدِّ عَلَیهِ: «قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ * اَلَّذِی جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ » إلی آخِرِ السّورَةِ.
فَأَرادَ اللّهُ مِن نَبِیِّهِ أن یُجادِلَ المُبطِلَ الَّذی قالَ:کَیفَ یَجوزُ أن یُبعَثَ هذِهِ العِظامُ وهِیَ رَمیمٌ؟فَقالَ اللّهُ تَعالی: «قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ» (2)أفَیَعجُزُ مَنِ ابتَدَأَ بِهِ لا مِن شَیءٍ أن یُعیدَهُ بَعدَ أن یَبلی؟بَلِ ابتِداؤُهُ أصعَبُ عِندَکُم مِن إعادَتِهِ.
ثُمَّ قالَ: «اَلَّذِی جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً» (3)أی إذا أکمَنَ النّارَ الحارَّةَ فِی الشَّجَرِ الأَخضَرِ الرَّطبِ،ثُمَّ یَستَخرِجُها فَعَرَّفَکُم أنَّهُ عَلی إعادَةِ ما بَلِیَ أقدَرُ.
ثُمَّ قالَ: «أَ وَ لَیْسَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلی أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلی وَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِیمُ » (4)أی:إذا کانَ خَلقُ السَّماواتِ وَالأَرضِ أعظَمَ وأَبعَدَ فی أوهامِکُم وقَدَرِکُم أَن تَقدِروا عَلَیهِ مِن إعادَةِ البالی،فَکَیفَ جَوَّزتُم مِنَ اللّهِ خَلقَ هذَا الأَعجَبِ
ص:72
عِندَکُم،وَالأَصعَبِ لَدَیکُم،ولَم تُجَوِّزوا مِنهُ خَلقَ ما هُوَ أسهَلُ عِندَکُم مِن إعادَةِ البالی؟
فَقالَ الصّادِقُ علیه السلام:فَهذَا الجِدالُ بِالَّتی هِیَ أحسَنُ،لِأَنَّ فیها قَطعَ عُذرِ الکافِرینَ وإزالَةَ شُبَهِهِم.
وأَمَّا الجِدالُ بِغَیرِ الَّتی هِیَ أحسَنُ،فَأَن تَجحَدَ حَقّاً لایُمکِنُکَ أن تُفَرِّقَ بَینَهُ وبَینَ باطِلِ مَن تُجادِلُهُ،وإنَّما تَدفَعُهُ عَن باطِلِهِ،بِأَن تَجحَدَ الحَقَّ،فَهذا هُوَ المُحَرَّمُ،لِأَنَّکَ مِثلُهُ،جَحَدَ هُوَ حَقّاً،وجَحَدتَ أنتَ حَقّاً آخَرَ.
وقالَ أبو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ العَسکَرِیُّ علیه السلام:فَقامَ إلَیهِ رَجُلٌ آخَرُ وقالَ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ، أفجادَلَ رَسولُ اللّهِ؟
فَقالَ الصّادِقُ علیه السلام:مَهما ظَنَنتَ بِرَسولِ اللّهِ مِن شَیءٍ،فَلا تَظُنَّنَّ بِهِ مُخالَفَةَ اللّهِ.ألَیسَ اللّهُ قَد قالَ: «وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ» ؟! وقالَ: «قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ» (1)؟! لِمَن ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً؟أفَتَظُنُّ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله خالَفَ ما أمَرَهُ اللّهُ بِهِ،فَلَم یُجادِل بِما أمَرَهُ اللّهُ بِهِ،ولَم یُخبِر عَن أمرِ اللّهِ بِما أمَرَهُ أن یُخبِرَ بِهِ عَنهُ؟! (2)
الکتاب
«وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ فِی هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآیَةٍ لَیَقُولَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ
ص:73
أَنْتُمْ إِلاّ مُبْطِلُونَ» . (1)
«لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلی جَبَلٍ لَرَأَیْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْیَةِ اللّهِ وَ تِلْکَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ» . (2)
الحدیث
11111. الإمام الباقر علیه السلام: القُرآنُ ضُرِبَ فیهِ الأَمثالُ لِلنّاسِ وخاطَبَ اللّهُ نَبِیَّهُ بِهِ ونَحنُ،فَلَیسَ یَعلَمُهُ غَیرُنا. (3)
11112. الإمام الصادق علیه السلام: إِنَّ أمثالَ القُرآنِ لَها فَوائِدُ؛فَأَنعِمُوا (4)النَّظَرَ فیها،وأَکثِرُوا التَّفَکُّرَ وَالتَّدَبُّرَ فی مَعانیها،ولا تَمُرّوا بِها. (5)
11113. الإمام زین العابدین علیه السلام: اللهُمَّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِهِ،وَاجعَلِ القُرآنَ لَنا فی ظُلَمِ اللَّیالی مُؤنِساً...،حَتّی توصِلَ إلی قُلوبِنا فَهمَ عَجائِبِهِ وزَواجِرَ أمثالِهِ،الَّتی ضَعُفَتِ الجِبالُ الرَّواسی عَلی صَلابَتِها عَنِ احتِمالِهِ. (6)
الکتاب
«وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنّاسِ فِی هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ فَأَبی أَکْثَرُ النّاسِ إِلاّ کُفُوراً» . (7)
ص:74
«وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِی هذَا الْقُرْآنِ لِلنّاسِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ وَ کانَ الْإِنْسانُ أَکْثَرَ شَیْءٍ جَدَلاً» . (1)
«وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ فِی هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآیَةٍ لَیَقُولَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ مُبْطِلُونَ » . (2)
«وَ سَکَنْتُمْ فِی مَساکِنِ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَ تَبَیَّنَ لَکُمْ کَیْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَ ضَرَبْنا لَکُمُ الْأَمْثالَ» . (3)
الحدیث
11114. مصباح الشریعة: قالَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام لِقاضٍ:هَل تَعرِفُ النّاسِخَ وَالمَنسوخَ؟
قالَ:لا.
(قالَ:فَهَل أشرَفتَ عَلی مُرادِ اللّهِ فی أمثالِ القُرآنِ؟
قالَ:لا) (4).
قالَ علیه السلام:إذاً هَلَکتَ وأَهلَکتَ ! وَالمُفتی یَحتاجُ إلی مَعرِفَةِ مَعانِی القُرآنِ،وحَقائِقِ السُّنَنِ،وبَواطِنِ الإِشاراتِ. (5)
«اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ کَمِشْکاةٍ فِیها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِی زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ
ص:75
کَأَنَّها کَوْکَبٌ دُرِّیٌّ یُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَکَةٍ زَیْتُونَةٍ لا شَرْقِیَّةٍ وَ لا غَرْبِیَّةٍ یَکادُ زَیْتُها یُضِیءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلی نُورٍ یَهْدِی اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ یَشاءُ وَ یَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ وَ اللّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ» . (1)
«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِینَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَی الْکُفّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ تَراهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً یَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً سِیماهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِکَ مَثَلُهُمْ فِی التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِی الْإِنْجِیلِ کَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوی عَلی سُوقِهِ یُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِیَغِیظَ بِهِمُ الْکُفّارَ وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِیماً» . (2)
«أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِیَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّیْلُ زَبَداً رابِیاً وَ مِمّا یُوقِدُونَ عَلَیْهِ فِی النّارِ ابْتِغاءَ حِلْیَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ کَذلِکَ یَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَیَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما یَنْفَعُ النّاسَ فَیَمْکُثُ فِی الْأَرْضِ کَذلِکَ یَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ» . (3)
«أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِی السَّماءِ* تُؤْتِی أُکُلَها کُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ یَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ * وَ مَثَلُ کَلِمَةٍ خَبِیثَةٍ کَشَجَرَةٍ خَبِیثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ » . (4)
ص:76
«مَثَلُ الْفَرِیقَیْنِ کَالْأَعْمی وَ الْأَصَمِّ وَ الْبَصِیرِ وَ السَّمِیعِ هَلْ یَسْتَوِیانِ مَثَلاً أَ فَلا تَذَکَّرُونَ» . (1)
«ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ یُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ یَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ * وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلَیْنِ أَحَدُهُما أَبْکَمُ لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ وَ هُوَ کَلٌّ عَلی مَوْلاهُ أَیْنَما یُوَجِّهْهُ لا یَأْتِ بِخَیْرٍ هَلْ یَسْتَوِی هُوَ وَ مَنْ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ» . (2)
«ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِیهِ شُرَکاءُ مُتَشاکِسُونَ وَ رَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ یَسْتَوِیانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ(92) إِنَّکَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ » . (3)
«أَ وَ مَنْ کانَ مَیْتاً فَأَحْیَیْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النّاسِ کَمَنْ مَثَلُهُ فِی الظُّلُماتِ لَیْسَ بِخارِجٍ مِنْها کَذلِکَ زُیِّنَ لِلْکافِرِینَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ » . (4)
«أَ فَمَنْ یَمْشِی مُکِبًّا عَلی وَجْهِهِ أَهْدی أَمَّنْ یَمْشِی سَوِیًّا عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ» . (5)
«وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَیْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَیْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَیْنَهُما زَرْعاً * کِلْتَا الْجَنَّتَیْنِ آتَتْ أُکُلَها وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَیْئاً وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً* وَ کانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ یُحاوِرُهُ أَنَا أَکْثَرُ مِنْکَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً * وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِیدَ هذِهِ أَبَداً * وَ ما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلی رَبِّی لَأَجِدَنَّ خَیْراً مِنْها مُنْقَلَباً * قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ یُحاوِرُهُ أَ کَفَرْتَ بِالَّذِی خَلَقَکَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاکَ رَجُلاً*
ص:77
لکِنَّا هُوَ اللّهُ رَبِّی وَ لا أُشْرِکُ بِرَبِّی أَحَداً* وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَکَ قُلْتَ ما شاءَ اللّهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْکَ مالاً وَ وَلَداً* فَعَسی رَبِّی أَنْ یُؤْتِیَنِ خَیْراً مِنْ جَنَّتِکَ وَ یُرْسِلَ عَلَیْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِیداً زَلَقاً* أَوْ یُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِیعَ لَهُ طَلَباً* وَ أُحِیطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ یُقَلِّبُ کَفَّیْهِ عَلی ما أَنْفَقَ فِیها وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها وَ یَقُولُ یا لَیْتَنِی لَمْ أُشْرِکْ بِرَبِّی أَحَداً» . (1)
«وَ مَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُوا کَمَثَلِ الَّذِی یَنْعِقُ بِما لا یَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً وَ نِداءً صُمٌّ بُکْمٌ عُمْیٌ فَهُمْ لا یَعْقِلُونَ» . (2)
«إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ» . (3)
«مَثَلُ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِیاءَ کَمَثَلِ الْعَنْکَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَیْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُیُوتِ لَبَیْتُ الْعَنْکَبُوتِ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ» . (4)
«حُنَفاءَ لِلّهِ غَیْرَ مُشْرِکِینَ بِهِ وَ مَنْ یُشْرِکْ بِاللّهِ فَکَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّیْرُ أَوْ تَهْوِی بِهِ الرِّیحُ فِی مَکانٍ سَحِیقٍ» . (5)
«لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَجِیبُونَ لَهُمْ بِشَیْءٍ إِلاّ کَباسِطِ کَفَّیْهِ إِلَی الْماءِ لِیَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْکافِرِینَ إِلاّ فِی ضَلالٍ » . (6)
ص:78
«مَثَلُهُمْ کَمَثَلِ الَّذِی اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَکَهُمْ فِی ظُلُماتٍ لا یُبْصِرُونَ » . (1)
«أَوْ کَصَیِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِیهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ یَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِی آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَ اللّهُ مُحِیطٌ بِالْکافِرِینَ » . (2)
«مَثَلُ الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللّهِ کَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِی کُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ یُضاعِفُ لِمَنْ یَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ * الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللّهِ ثُمَّ لا یُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لا أَذیً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَیْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ یَتْبَعُها أَذیً وَ اللّهُ غَنِیٌّ حَلِیمٌ * یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِکُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذی کَالَّذِی یُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ وَ لا یُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَیْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَکَهُ صَلْداً لا یَقْدِرُونَ عَلی شَیْءٍ مِمّا کَسَبُوا وَ اللّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکافِرِینَ * وَ مَثَلُ الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَ تَثْبِیتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ کَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُکُلَها ضِعْفَیْنِ فَإِنْ لَمْ یُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ» . (3)
«یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِکُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذی کَالَّذِی یُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ وَ لا یُؤْمِنُ
ص:79
بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَیْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَکَهُ صَلْداً لا یَقْدِرُونَ عَلی شَیْءٍ مِمّا کَسَبُوا وَ اللّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکافِرِینَ» . (1)
«إِنَّما مَثَلُ الْحَیاةِ الدُّنْیا کَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا یَأْکُلُ النّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتّی إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّیَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَیْها أَتاها أَمْرُنا لَیْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِیداً کَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ» . (2)
«وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَیاةِ الدُّنْیا کَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِیماً تَذْرُوهُ الرِّیاحُ وَ کانَ اللّهُ عَلی کُلِّ شَیْءٍ مُقْتَدِراً» . (3)
«اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَیاةُ الدُّنْیا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِینَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَیْنَکُمْ وَ تَکاثُرٌ فِی الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ کَمَثَلِ غَیْثٍ أَعْجَبَ الْکُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ یَهِیجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ یَکُونُ حُطاماً وَ فِی الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِیدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانٌ وَ مَا الْحَیاةُ الدُّنْیا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ» . (4)
«مَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ کَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّیحُ فِی یَوْمٍ عاصِفٍ لا یَقْدِرُونَ مِمّا کَسَبُوا عَلی شَیْءٍ ذلِکَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِیدُ » . (5)
«وَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَعْمالُهُمْ کَسَرابٍ بِقِیعَةٍ یَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّی إِذا جاءَهُ لَمْ یَجِدْهُ شَیْئاً وَ وَجَدَ اللّهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُ حِسابَهُ وَ اللّهُ سَرِیعُ الْحِسابِ » . (6)
ص:80
«ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُکُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ فَهِیَ کَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما یَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما یَشَّقَّقُ فَیَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما یَهْبِطُ مِنْ خَشْیَةِ اللّهِ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ» . (1)
«أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَکْثَرَهُمْ یَسْمَعُونَ أَوْ یَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاّ کَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِیلاً» . (2)
«یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ* وَ لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا یَسْمَعُونَ* إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ* وَ لَوْ عَلِمَ اللّهُ فِیهِمْ خَیْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ» . (3)
«مَثَلُ الَّذِینَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ یَحْمِلُوها کَمَثَلِ الْحِمارِ یَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِ اللّهِ وَ اللّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّالِمِینَ » . (4)
«وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ الَّذِی آتَیْناهُ آیاتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّیْطانُ فَکانَ مِنَ الْغاوِینَ* وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَی الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ الْکَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ یَلْهَثْ أَوْ تَتْرُکْهُ یَلْهَثْ ذلِکَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ* ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ أَنْفُسَهُمْ کانُوا یَظْلِمُونَ» . (5)
ص:81
«ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ کَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ کانَتا تَحْتَ عَبْدَیْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَیْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ یُغْنِیا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَیْئاً وَ قِیلَ ادْخُلاَ النّارَ مَعَ الدّاخِلِینَ* وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِی عِنْدَکَ بَیْتاً فِی الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِی مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِینَ» . (1)
«وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْیَةً کانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً یَأْتِیها رِزْقُها رَغَداً مِنْ کُلِّ مَکانٍ فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذاقَهَا اللّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما کانُوا یَصْنَعُونَ » . (2)
«وَ یَجْعَلُونَ لِما لا یَعْلَمُونَ نَصِیباً مِمّا رَزَقْناهُمْ تَاللّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمّا کُنْتُمْ تَفْتَرُونَ» . (3)
«تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلی أُمَمٍ مِنْ قَبْلِکَ فَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِیُّهُمُ الْیَوْمَ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ» . (4)
«فَلا وَ رَبِّکَ لا یُؤْمِنُونَ حَتّی یُحَکِّمُوکَ فِیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَیْتَ
ص:82
وَ یُسَلِّمُوا تَسْلِیماً» . (1)
«فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ إِنّا لَقادِرُونَ* عَلی أَنْ نُبَدِّلَ خَیْراً مِنْهُمْ وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِینَ» . (2)
«فَوَ رَبِّکَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ* عَمّا کانُوا یَعْمَلُونَ» . (3)
«فَوَ رَبِّکَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّیاطِینَ» . (4)
«وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لا تَأْتِینَا السّاعَةُ قُلْ بَلی وَ رَبِّی لَتَأْتِیَنَّکُمْ عالِمِ الْغَیْبِ» . (5)
«زَعَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنْ لَنْ یُبْعَثُوا قُلْ بَلی وَ رَبِّی لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَ ذلِکَ عَلَی اللّهِ یَسِیرٌ» . (6)
«وَ یَسْتَنْبِئُونَکَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِی وَ رَبِّی إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ» . (7)
«فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّکُمْ تَنْطِقُونَ» . (8)
«یس* وَ الْقُرْآنِ الْحَکِیمِ* إِنَّکَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ* عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ» . (1)
«ص وَ الْقُرْآنِ ذِی الذِّکْرِ* بَلِ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی عِزَّةٍ وَ شِقاقٍ* کَمْ أَهْلَکْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَ لاتَ حِینَ مَناصٍ* وَ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَ قالَ الْکافِرُونَ هذا ساحِرٌ کَذّابٌ* أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَیْءٌ عُجابٌ» . (2)
«ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِیدِ* بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْکافِرُونَ هذا شَیْءٌ عَجِیبٌ» . (3)
«حم* وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ* إِنّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةٍ مُبارَکَةٍ إِنّا کُنّا مُنْذِرِینَ* فِیها یُفْرَقُ کُلُّ أَمْرٍ حَکِیمٍ * أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنّا کُنّا مُرْسِلِینَ» . (4)
«حم* وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ* إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ* وَ إِنَّهُ فِی أُمِّ الْکِتابِ لَدَیْنا لَعَلِیٌّ حَکِیمٌ» . (5)
«وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ» . (6)
«وَ النَّجْمِ إِذا هَوی* ما ضَلَّ صاحِبُکُمْ وَ ما غَوی* وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحی» . (7)
«فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِیمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ کَرِیمٌ* فِی کِتابٍ مَکْنُونٍ
ص:84
*لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ» . (1)
«وَ الذّارِیاتِ ذَرْواً* فَالْحامِلاتِ وِقْراً* فَالْجارِیاتِ یُسْراً* فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً* إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ* وَ إِنَّ الدِّینَ لَواقِعٌ* وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُکِ* إِنَّکُمْ لَفِی قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ» . (2)
«وَ الصَّافّاتِ صَفًّا* فَالزّاجِراتِ زَجْراً* فَالتّالِیاتِ ذِکْراً* إِنَّ إِلهَکُمْ لَواحِدٌ» . (3)
«وَ الذّارِیاتِ ذَرْواً* فَالْحامِلاتِ وِقْراً* فَالْجارِیاتِ یُسْراً* فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً* إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ* وَ إِنَّ الدِّینَ لَواقِعٌ» . (4)
«وَ الطُّورِ* وَ کِتابٍ مَسْطُورٍ* فِی رَقٍّ مَنْشُورٍ* وَ الْبَیْتِ الْمَعْمُورِ* وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ* وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ* إِنَّ عَذابَ رَبِّکَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ» . (5)
«ن وَ الْقَلَمِ وَ ما یَسْطُرُونَ* ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّکَ بِمَجْنُونٍ* وَ إِنَّ لَکَ لَأَجْراً غَیْرَ مَمْنُونٍ* وَ إِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ» . (6)
«فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ* وَ ما لا تُبْصِرُونَ* إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ کَرِیمٍ* وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِیلاً ما تُؤْمِنُونَ* وَ لا بِقَوْلِ کاهِنٍ قَلِیلاً ما تَذَکَّرُونَ* تَنْزِیلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ» . (7)
«وَ ما یَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّکَ إِلاّ هُوَ وَ ما هِیَ إِلاّ ذِکْری لِلْبَشَرِ* کَلاّ وَ الْقَمَرِ* وَ اللَّیْلِ إِذْ أَدْبَرَ* وَ الصُّبْحِ إِذا
ص:85
أَسْفَرَ* إِنَّها لَإِحْدَی الْکُبَرِ* نَذِیراً لِلْبَشَرِ* لِمَنْ شاءَ مِنْکُمْ أَنْ یَتَقَدَّمَ أَوْ یَتَأَخَّرَ» . (1)
«لا أُقْسِمُ بِیَوْمِ الْقِیامَةِ* وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ* أَ یَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلی قادِرِینَ عَلی أَنْ نُسَوِّیَ بَنانَهُ* بَلْ یُرِیدُ الْإِنْسانُ لِیَفْجُرَ أَمامَهُ* یَسْئَلُ أَیّانَ یَوْمُ الْقِیامَةِ» . (2)
«وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً* فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً* وَ النّاشِراتِ نَشْراً* فَالْفارِقاتِ فَرْقاً* فَالْمُلْقِیاتِ ذِکْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً* إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ» . (3)
«وَ النّازِعاتِ غَرْقاً* وَ النّاشِطاتِ نَشْطاً* وَ السّابِحاتِ سَبْحاً* فَالسّابِقاتِ سَبْقاً* فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً * یَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ* تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ* قُلُوبٌ یَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ* أَبْصارُها خاشِعَةٌ» . (4)
«فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* اَلْجَوارِ الْکُنَّسِ* وَ اللَّیْلِ إِذا عَسْعَسَ* وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ* إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ کَرِیمٍ* ذِی قُوَّةٍ عِنْدَ ذِی الْعَرْشِ مَکِینٍ* مُطاعٍ ثَمَّ أَمِینٍ» . (5)
«فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ* وَ اللَّیْلِ وَ ما وَسَقَ* وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ* لَتَرْکَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ* فَما لَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ* وَ إِذا قُرِئَ عَلَیْهِمُ الْقُرْآنُ لا یَسْجُدُونَ» . (6)
«وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ* وَ الْیَوْمِ الْمَوْعُودِ* وَ شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ* قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ* اَلنّارِ ذاتِ الْوَقُودِ* إِذْ هُمْ عَلَیْها قُعُودٌ* وَ هُمْ عَلی ما یَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِینَ شُهُودٌ* وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَنْ یُؤْمِنُوا بِاللّهِ الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ» . (7)
«وَ السَّماءِ وَ الطّارِقِ* وَ ما أَدْراکَ مَا الطّارِقُ* اَلنَّجْمُ الثّاقِبُ* إِنْ کُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَیْها حافِظٌ» . (8)
ص:86
«وَ الْفَجْرِ* وَ لَیالٍ عَشْرٍ* وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ* وَ اللَّیْلِ إِذا یَسْرِ* هَلْ فِی ذلِکَ قَسَمٌ لِذِی حِجْرٍ» . (1)
«لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ* وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ* وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ* لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِی کَبَدٍ» . (2)
«وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها* وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها* وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها* وَ اللَّیْلِ إِذا یَغْشاها* وَ السَّماءِ وَ ما بَناها* وَ الْأَرْضِ وَ ما طَحاها* وَ نَفْسٍ وَ ما سَوّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَکّاها* وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها» . (3)
«وَ اللَّیْلِ إِذا یَغْشی* وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّی* وَ ما خَلَقَ الذَّکَرَ وَ الْأُنْثی* إِنَّ سَعْیَکُمْ لَشَتّی» . (4)
«وَ الضُّحی* وَ اللَّیْلِ إِذا سَجی* ما وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَ ما قَلی* وَ لَلْآخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الْأُولی* وَ لَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضی» . (5)
«وَ التِّینِ وَ الزَّیْتُونِ* وَ طُورِ سِینِینَ* وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِینِ* لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِی أَحْسَنِ تَقْوِیمٍ* ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِینَ* إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَیْرُ مَمْنُونٍ» . (6)
«وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً* فَالْمُورِیاتِ قَدْحاً* فَالْمُغِیراتِ صُبْحاً* فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً * إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَکَنُودٌ* وَ إِنَّهُ عَلی ذلِکَ لَشَهِیدٌ* وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَیْرِ لَشَدِیدٌ» . (7)
ص:87
ص:88
ص:89
ص:90
کلمتا«البلاء»و«الابتلاء»مصدران من مادة«ب ل و»أو«ب ل ی»بمعنی الامتحان والاختبار.یقول ابن منظور فی هذا المجال:
بَلَوتُ الرَّجُلَ بَلواً وبَلاءً وَابتَلَیتُهُ:اِختَبَرتُهُ،وبَلاهُ یَبلوهُ بَلواً:إذا جَرَّبَهُ وَاختَبَرَهُ. (1)
وأما ابن فارس فیری أنّ لمادّة«بلاء»معنیین:الأول قدم الشیء،والآخر نوع من الاختبار،و هذا نصّ قوله:
الباءُ وَاللّامُ وَالواوُ وَالیاءُ،أصلانِ:أحَدُهُما إخلاقُ الشَّیءِ،وَالثّانی:نَوعٌ مِنَ الاِختِبارِ،ویُحمَلُ عَلَیهِ الإِخبارُ أیضاً. (2)
وقد ربط الراغب فی«المفردات»بین المعنیین المذکورین کالتالی:
بَلِیَ الثَّوبُ بِلیً وبَلاءً:أی خَلَقَ...وبَلَوتُهُ:اِختَبَرتُهُ،کَأَنّی أخلَقتُهُ مِن کَثرَةِ اختِباری لَهُ. (3)
جدیر ذکره أنّ کلمات«الاختبار»و«الامتحان»و«البلاء»و«الفتنة»کلّها تعنی
ص:91
الاختبار،ولکن یبدو أنّ هناک ثمّة تفاوت فیما بینها فی نوع الاختبار ودرجاته، رغم أنّها قد تستعمل أحیاناً بدلاً من بعضها البعض من باب التوسّع والتسامح،وربما أمکننا القول،مع الأخذ بنظر الاعتبار المادة اللغویة،أنّ«الامتحان»یطلق علی البلاء الذی یکون أدقّ من«الاختبار»؛ذلک لأن الاختبار یکون مع الشدّة ومع غیرها،أمّا الامتحان فیقترن عادة مع المحنة والشدّة.کما أنّ«البلاء»أدقّ من الامتحان وأشدّ،و«الفتنة»أصعب أنواع الاختبار وأدقّها. (1)
استُخدمت کلمة البلاء ومشتقّاتها ثمان وثلاثین مرّة فی القرآن،ویراد منها جمیعاً -تقریباً-الاختبار الإلهی للإنسان،کما استخدمت کلمة«الفتنة»ومشتقّاتها ستّین مرة فی القرآن،حیث جاء البعض منها (2)بهذا المعنی،وکذا استخدمت مادة «امتحان»مرّتین (3)فی القرآن بمعنی الاختبار الإلهی.
عندما یطرح موضوع الاختبار الإلهی،یتبادر السؤال التالی إلی الذهن:إنّ من یحتاج إلی الامتحان والاختبار هو الذی لا یعلم بنتیجة الامتحان وعاقبة الأمر، وبناءً علی ذلک فما حاجة اللّه تعالی العالِم بکلّ شیء والذی یتساوی عنده الظاهر والباطن،إلی ابتلاء عباده؟وباختصار ما هی الحکمة من البلاء الإلهی؟!
للإجابة علی هذا السؤال نقول:إنّه ممّا لاشکّ فیه أنّ مفهوم البلاء مختلف بشأن
ص:92
اللّه تعالی والإنسان،فالامتحان الإلهی له هدف آخر،فالإنسان یلجأ إلی الاختبار لاکتشاف الحقیقة بسبب قصور علمه ولکن هذا المعنی غیر معقول بالنسبة إلی العالم المطلق ! وبناء علی ذلک فإن للاختبار الإلهی معنی آخر.
یقول الراغب الإصفهانی فی بیان معنی البلاء الإلهی:
وإذا قیلَ:اِبتَلی فُلانٌ کَذا وأَبلاهُ فَذلِکَ یَتَضَمَّنُ أمرَینِ:أحَدُهُما تَعَرُّفُ حالِهِ وَالوُقوفُ عَلی ما یُجهَلُ مِن أمرِهِ.وَالثّانی:ظُهورُ جَودَتِهِ ورَداءَتِهِ،ورُبَّما قُصِدَ بِهِ الأَمرانِ،ورُبَّما یُقصَدُ بِهِ أحَدُهُما،فَإِذا قیلَ فِی اللّهِ تَعالی:بَلا کَذا وأَبلاهُ فَلَیسَ المُرادُ مِنهُ إلّاظُهورَ جَودَتِهِ ورَداءَتِهِ،دونَ التَّعَرُّفِ لِحالِهِ وَالوقوفِ عَلی ما یُجهَلُ مِن أمرِهِ إذ کانَ اللّهُ عَلّامَ الغُیوبِ. (1)
وإیضاح ذلک هو أنّ الامتحان والاختبار قد یکونان أحیاناً بهدف الکشف عن حقیقة أمرٍ غیر واضح للمختبِر،ویکونان أحیاناً لإماطة اللثام عن شیء تکون حقیقته واضحة للمختبر.
ویتحقّق النوع الثانی من الاختبار من خلال طریقین:
الطریق الأول:أن یکشف المختبر النقاب عن حقیقة ما بُغیة أن تتّضح هذه الحقیقة کما هی.
الطریق الثانی:أن یهیّئ المختبِر الأرضیّة لنموّ شیء ورعایته إلی أن تتضح قابلیاته وقدراته الکامنة علی إثر نموّه وازدهاره،مثل:تهیئة الظروف المطلوبة لنموّ حبّة أو نواة ما وتکاملها،بحیث تکشف عن استعداداتها وخصوصیاتها الکامنة.
والملاحظة التی تثیر الاهتمام أنّ الاختبار فی الصورة الثانیة لا یعنی الکشف عن السرّ الخفیّ،بل یعنی تنمیة الاستعدادات الکامنة.وابتلاء اللّه-تعالی-للعباد هو بالمعنی الأخیر بالضبط.وعلی هذا الأساس،فإنّ فلسفة الاختبار الإلهی،
ص:93
لیست معرفة السر الخفیّ،أو إظهاره للآخرین،بل إنّ الحکمة منه هی تنمیة الاستعدادات والقدرات الکامنة فی الإنسان بإراداته واختیاره.
وتوضیح أنّ تکامل الإنسان اختیاری،هو أنّه قد أودع فی صلب وجوده منذ بدء الخلیقة نوعین من القدرات المتضادة تسمّی إحداهما العقل،والاُخری الشهوة، و هذا الترکیب العجیب،یهیّئ أرضیة نموّ الإنسان بشکل بحیث یمکنه أن یتفوّق علی الملائکة،کما أنّ من شأنه أن یهیّئ أرضیة انحطاطه حتی یغدو أدنی من البهائم (1)،والاختبار الإلهی لیس إلاّ إعداد أدوات وإمکانیات التکامل الاختیاری،أو الانحطاط الإرادی (2).
وقد جاء فی روایة عن الإمام علی علیه السلام فی تفسیر قوله تعالی: «وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُکُمْ وَ أَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ» (3)یقول فیها:
أنَّهُ یَختَبِرُهُم بِالأَموالِ وَالأَولادِ؛لِیَتَبَیَّنَ السّاخِطَ لِرِزقِهِ وَالرّاضِیَ بِقِسمِهِ،وإن کانَ سُبحانَهُ أعلَمَ بِهِم مِن أنفُسِهِم،ولکِن لِتَظهَرَ الأَفعالُ الَّتی بِها یُستَحَقُّ الثَّوابُ وَالعِقابُ. (4)
کما جاء فی روایة اخری عنه علیه السلام:
ألا إنَّ اللّهَ تَعالی قَد کَشَفَ الخَلقَ کَشفَةً،لا أنَّهُ جَهِلَ ما أخفَوهُ مِن مَصونِ أسرارِهِم ومَکنونِ ضَمائِرِهِم،ولکِن لِیَبلُوَهُم أیُّهُم أحسَنُ عَمَلاً،فَیَکونَ الثَّوابُ جَزاءً، وَالعِقابُ بَواءً (5). (6)
ص:94
وبناء علی ذلک،یمکن القول إن البلاء الإلهی فی مفهوم القرآن والحدیث هو إعداد الأرضیة لتکامل الإنسان أو انحطاطه اختیاریاً (1).
من خلال التأمل فی معنی الابتلاء الإلهی تتّضح لنا حکمته أیضاً،فالحکمة من الاختبار والهدف الرئیس منه هما نموّ قدرات الإنسان وازدهارها،نعم قد یسیء الإنسان استغلال إرادته فیفشل فی هذا الاختبار ویسلک طریق الانحطاط بدلاً من طریق التکامل،وبناء علی ذلک،فإن ماجاء فی القرآن الکریم والأحادیث الشریفة حول الحکمة من الابتلاء الإلهی،مثل:ظهور الاعتقاد القلبی بالإسلام ومدی خلوصه وقوته،اتضاح التقوی ومستوی خلوصها وثباتها،انکشاف التقوی ومدی طاعة اللّه تعالی،تعیین الأشخاص الذین یتمتعون بکمالات أکثر وما إلی ذلک (2)...
کل ذلک منصب بلحاظ الهدف الرئیس من الاختبار الإلهی،أی التکامل الاختیاری للإنسان.
یتّضح من خلال الأخذ بنظر الاعتبار معنی الابتلاء الإلهی وحکمته،أنّ جمیع الکائنات التی تتمتع بالإرادة والاختیار،ویکون تکاملها اختیاریاً،لیس أمامها من طریق سوی الاختبار والابتلاء بغیة بلوغ الهدف من خلقها.ولذلک،فإن الاختبار هو من جملة السنن الإلهیة الأکیدة والشاملة (3).یقول القرآن الکریم حول جریان
ص:95
هذه السنة علی جمیع الناس:
«أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ* وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْکاذِبِینَ» . (1)
وبالطبع فإنّ الاختبار الشامل للکلّ،لیس علی مستوی واحد ولیس متماثلاً،بل إنّ اختبار کلّ شخص یکون بحسب إمکانیاته وقدراته،ولذلک فإن ابتلاء الأنبیاء والشخصیات البارزة فی المجتمع البشری،یکون أصعب وأشد من الابتلاء الذی یحیق بالآخرین،کما جاء فی روایة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله:
إنَّ أشَدَّ النّاسِ بَلاءً الأَنبِیاءُ،ثُمَّ الَّذینَ یَلونَهُم،ثُمَّ الَّذینَ یَلونَهُم،ثُمَّ الَّذینَ یَلونَهُم. (2)
من بین الملاحظات التی تحظی بالاهتمام والتأمل إلی حد کبیر فی معرفة سنة الابتلاء،أن هذه السنة تجری علی أساس الحکمة الإلهیة البالغة عبر طریقین، وهذان الطریقان یبدو أحدهما للوهلة الأولی خیراً وجمیلاً والآخر شراً وقبیحاً، لاحظوا الآیات التالیة:
«وَ نَبْلُوکُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَیْرِ فِتْنَةً وَ إِلَیْنا تُرْجَعُونَ» . (3)
«وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّیِّئاتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ» . (4)
ص:96
وقد جاء فی حدیث عن الإمام الصادق علیه السلام أنَّهُ قالَ:
مَرِضَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام فَعادَهُ قَومٌ،فَقالوا لَهُ:کَیفَ أصبَحتَ یا أمیرَالمُؤمِنینَ؟
فقالَ:أصبَحتُ بِشَرٍّ!
فَقالوا لَهُ:سُبحانَ اللّهِ،هذا کَلامُ مِثلِکَ؟!
فَقالَ:یَقولُ اللّهُ تَعالی: «وَ نَبْلُوکُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَیْرِ فِتْنَةً وَ إِلَیْنا تُرْجَعُونَ» (1) ،فَالخَیرُ الصِّحَّةُ وَالغِنی،وَالشَّرُّ المَرَضُ وَالفَقرُ؛ابتِلاءً وَاختِباراً. (2)
ومن البدیهی أنّ ما جاء فی کلام الإمام علیه السلام إنّما هو مثال للحالات التی یبتلی بها الإنسان،وإلا فإنّ الدنیا هی دار بلاء للإنسان،وإنّ ما یحدث له فی الحیاة من فرح وترح أو«قبض وبسط» (3)علی حد تعبیر الروایات،هو ابتلاء له.
هذا الأساس،فإن«البلاء»قد یکون جمیلاً وقد یکون قبیحاً ولکن«النقمة»قبیحة دائماً.
ومما یلفت النظر أن جمال«البلاء»وقبحه،أو خیر البلاء وشرّه،ظاهریّان ومؤقتان، ولا یکونان واقعیین ودائمیین إلّاعندما ینجح الإنسان فی الاختبار الإلهی،أو یفشل.وبعبارة اخری:فإنّ الصحة والثروة والنعم الإلهیة الاُخری لا تکون خیراً للإنسان إلّاإذا استغلّها لسعادته وراحته الدائمتین،کما أنّ المرض والمسکنة والشدائد والمصائب الاُخری فی الحیاة لا تکون شرّاً حقیقیّاً ودائمیّاً للإنسان،إلا إذا أدّت إلی الانحراف العقائدی والأرجاس الأخلاقیة والعملیة.وأمّا إذا أدت الصحة والثروة إلی الانحراف والتلوّث،فإنّهما تکونان شراً حقیقیاً ودائمیاً،ولو أدّی البؤس والمرض إلی الوقایة من الانحراف والتلوث،أو الإقلاع عنهما،فإنّهما یکونان خیراً حقیقیّاً،ولذلک فقد جاء فی روایة عن الإمام العسکری علیه السلام:
ما مِن بَلِیَّةٍ إلّاوللّهِ ِ فیها نِعمَةٌ تُحیطُ بِها. (1)
وجاء فی روایة أخری عن الإمام الصادق علیه السلام:
إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أنعَمَ عَلی قَومٍ بِالمَواهِبِ فَلَم یَشکُروا،فَصارَت عَلَیهِم وَبالاً،وَابتَلی قَوماً بِالمَصائِبِ فَصَبَروا،فَصارَت عَلَیهِم نِعمَةً. (2)
وعلی هذا الأساس،فإن الابتلاءُ بمشاکل الحیاة الصعبة وتحقیق النجاح فیها لیس وحده أمراً عسیراً،بل قد یکون النجاح فی الابتلاء بواسطة النعمة والرفاهیة
ص:98
أصعب بمرات من النجاح فی البلاء بسبب المصیبة،فما أکثر الأشخاص الذین قاوموا فی الابتلاء بالمصاعب وخرجوا مرفوعی الرؤوس وانتصروا،لکنّهم فشلوا فی الابتلاء بالنعمة والسلطة والرئاسة.وقد کان رسول اللّه صلی الله علیه و آله یتوقّع أن یفشل المسلمون فی صدر الإسلام فی اختبار النعمة والسلطة بعد ما قاوموا ونجحوا فی اختبار المصاعب،ولذلک فقد جاء فی روایة یخاطبهم فیها:
فَوَاللّهِ لَاالفَقرَ أخشی عَلَیکُم،ولکِن أخشی عَلَیکُم أن تُبسَطَ عَلَیکُمُ الدُّنیا،کَما بُسِطَت عَلی مَن کانَ قَبلَکُم،فَتَنافَسوها کَما تَنافَسوها،وتُهلِکُکُم کَما أهلَکَتهُم. (1)
وقد تحقق تنبّؤ النبیّ صلی الله علیه و آله هذا بعد رحیله،حیث نجد الخلیفة الثانی للمجتمع الإسلامی بعد النبیّ صلی الله علیه و آله یعترف بذلک صراحة فیقول:
بُلینا بِالضَّرّاءِ فَصَبَرنا،وبُلینا بِالسَّرّاءِ فَلَم نَصبِر. (2)
وأحداث صدر الإسلام بعد رسول اللّه صلی الله علیه و آله،تشهد بصحة هذا الکلام،ومن البدیهی أن هذا الموضوع لا یقتصر علی مسلمی صدر الإسلام،بل یمکننا أن نقدم أمثلة علیه فی جمیع عصور التاریخ ومن جملتها تاریخ الثورة الإسلامیة فی إیران.
ونقدم الآن نصوص الآیات والروایات التی استخدمت کلمة«البلاء»أو الکلمات المرادفة لها بمعنی الاختبار فی خمسة فصول.وممّا یجدر ذکره أنّ المواضع التی استخدمت فیها هذه الکلمات بمعنی المصیبة والشرور سوف تأتی بالتفصیل فی العناوین الخاصة بها إن شاء اللّه.
ص:99
ص:100
الکتاب
«وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِیسَ أَبی وَ اسْتَکْبَرَ وَ کانَ مِنَ الْکافِرِینَ» . (1)
راجع:الأعراف:11،الحجر:30 و 31،الإسراء:61،الکهف:50،طه:116،ص:74.
الحدیث
11115. الإمام علی علیه السلام -مِن خُطبَةٍ لَهُ-:اِستَأدَی (2)اللّهُ سُبحانَهُ المَلائِکَةَ وَدیعَتَهُ لَدَیهِم،وعَهدَ وَصِیَّتِهِ إلَیهِم،فِی الإِذعانِ بِالسُّجودِ لَهُ،وَالخُنوعِ لِتَکرِمَتِهِ،فَقالَ سُبحانَهُ: «اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِیسَ» اعتَرَتهُ الحَمِیَّةُ،وغَلَبَت عَلَیهِ الشِّقوَةُ،وتَعَزَّزَ بِخِلقَةِ النّارِ، وَاستَوهَنَ خَلقَ الصَّلصالِ،فَأَعطاهُ اللّهُ النَّظِرَةَ؛استِحقاقاً لِلسُّخطَةِ،وَاستِتماماً لِلبَلِیَّةِ، وإنجازاً لِلعِدَةِ،فَقالَ: «فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ* إِلی یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» (3)،ثُمَّ أسکَنَ
ص:101
سُبحانَهُ آدَمَ داراً أرغَدَ فیها عَیشَهُ،وآمَنَ فیها مَحَلَّتَهُ،وحَذَّرَهُ إبلیسَ وعَداوَتَهُ، فَاغتَرَّهُ (1)عَدُوُّهُ؛نَفاسَةً عَلَیهِ بِدارِ المُقامِ ومُرافَقَةِ الأَبرارِ. (2)
11116. الإمام الصادق علیه السلام: إنَّ المَلائِکَةَ کانوا یَحسَبونَ أنَّ إبلیسَ مِنهُم،وکانَ فی عِلمِ اللّهِ أنَّهُ لَیسَ مِنهُم،فَاستَخرَجَ ما فی نَفسِهِ بِالحَمِیَّةِ (3)وَالغَضَبِ،فَقالَ: «خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ» (4). (5)
11117. عنه علیه السلام: ...فَأَمّا إبلیسُ فَعَبدٌ خَلَقَهُ لِیَعبُدَهُ ویُوَحِّدَهُ،وقَد عَلِمَ حینَ خَلَقَهُ ما هُوَ وإلی ما یَصیرُ إلَیهِ،فَلَم یَزَل یَعبُدُهُ مَعَ مَلائِکَتِهِ حَتَّی امتَحَنَهُ بِسُجودِ آدَمَ،فَامتَنَعَ مِن ذلِکَ حَسَداً وشَقاوَةً غَلَبَت عَلَیهِ،فَلَعَنَهُ عِندَ ذلِکَ،وأَخرَجَهُ عَن صُفوفِ المَلائِکَةِ،وأَنزَلَهُ إلَی الأَرضِ مَلعوناً مَدحوراً (6)،فَصارَ عَدُوَّ آدَمَ ووُلدِهِ بِذلِکَ السَّبَبِ. (7)
«وَ یا آدَمُ اسْکُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُکَ الْجَنَّةَ فَکُلا مِنْ حَیْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونا مِنَ الظّالِمِینَ
ص:102
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّیْطانُ لِیُبْدِیَ لَهُما ما وُورِیَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَ قالَ ما نَهاکُما رَبُّکُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَکُونا مَلَکَیْنِ أَوْ تَکُونا مِنَ الْخالِدِینَ * وَ قاسَمَهُما إِنِّی لَکُما لَمِنَ النّاصِحِینَ * فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا یَخْصِفانِ عَلَیْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَکُما عَنْ تِلْکُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَکُما إِنَّ الشَّیْطانَ لَکُما عَدُوٌّ مُبِینٌ * قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَکُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِینَ» . (1)
راجع:البقرة:35،طه:115 و 120 و 121.
الکتاب
«إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِیهِ فَجَعَلْناهُ سَمِیعاً بَصِیراً» . (2)
«إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ وَ إِنْ کُنّا لَمُبْتَلِینَ» . (3)
«یا بَنِی آدَمَ لا یَفْتِنَنَّکُمُ الشَّیْطانُ کَما أَخْرَجَ أَبَوَیْکُمْ مِنَ الْجَنَّةِ یَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِیُرِیَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ یَراکُمْ هُوَ وَ قَبِیلُهُ مِنْ حَیْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنّا جَعَلْنَا الشَّیاطِینَ أَوْلِیاءَ لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ» . (4)
«وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ ابْنَیْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَ لَمْ یُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّکَ قالَ إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ » . (5)
الحدیث
11118. الإمام علیّ علیه السلام -مِن خُطبَةٍ لَهُ-:أیُّهَا النّاسُ ! إنَّ اللّهَ قَد أعاذَکُم مِن أن یَجورَ عَلَیکُم،
ص:103
ولَم یُعِذکُم مِن أن یَبتَلِیَکُم،وقَد قالَ جَلَّ مِن قائِلٍ: «إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ وَ إِنْ کُنّا لَمُبْتَلِینَ» (1). (2)
11119. عنه علیه السلام: لا یَقولَنَّ أحَدُکُم:«اللّهُمَّ إنّی أعوذُ بِکَ مِنَ الفِتنَةِ»؛لِأَنَّهُ لَیسَ أحَدٌ إلّاوهُوَ مُشتَمِلٌ عَلی فِتنَةٍ،ولکِن مَنِ استَعاذَ فَلیَستَعِذ مِن مُضِلّاتِ الفِتَنِ،فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ یَقولُ: «وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُکُمْ وَ أَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ» (3). (4)
11120. الإمام الرّضا علیه السلام -لَمّا سَأَلَهُ المَأمونُ عَن قَولِهِ تَعالی: «لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» -:إنَّهُ عز و جل خَلَقَ خَلقَهُ لِیَبلُوَهُم بِتَکلِیفِ طاعَتِهِ وعِبادَتِهِ،لا عَلی سَبیلِ الاِمتِحانِ وَالتَّجرِبَةِ؛لِأَ نَّهُ لَم یَزَل عَلیماً بِکُلِّ شَیءٍ. (5)
الکتاب
«أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّی یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتی نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِیبٌ» . (6)
ص:104
الحدیث
11121. سنن أبی داود عن خبّاب: أتَینا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله وهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُردَةً فی ظِلِّ الکَعبَةِ، فَشَکَونا إلَیهِ،فَقُلنا:ألا تَستَنصِرُ لَنا،ألا تَدعُو اللّهَ لَنا؟
فَجَلَسَ مُحمَرّاً وَجهُهُ فَقالَ:قَد کانَ مَن قَبلَکُم یُؤخَذُ الرَّجُلُ فَیُحفَرُ لَهُ فِی الأَرضِ،ثُمَّ یُؤتی بِالمِنشارِ فَیُجعَلُ عَلی رَأسِهِ فَیُجعَلُ فِرقَتَینِ،ما یَصرِفُهُ ذلِکَ عَن دینِهِ.ویُمشَطُ بِأَمشاطِ الحَدیدِ ما دونَ عَظمِهِ مِن لَحمٍ وعَصَبٍ،ما یَصرِفُهُ ذلِکَ عَن دینِهِ.
وَاللّهِ ! لَیُتِمَّنَّ اللّهُ هذَا الأَمرَ،حَتّی یَسیرَ الرّاکِبُ ما بَینَ صَنعاءَ وحَضرَ مَوتَ ما یَخافُ إلَّااللّهَ تَعالی،وَالذِّئبَ عَلی غَنَمِهِ،ولکِنَّکُم تَعجَلونَ. (1)
11122. المستدرک علی الصحیحین عن خبّاب: أَتَیتُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله وهُوَ مُضطَجِعٌ تَحتَ شَجَرَةٍ واضِعٌ یَدَهُ تَحتَ رَأسِهِ،فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،ألا تَدعُو اللّهَ عَلی هؤُلاءِ القَومِ الَّذینَ قَد خَشینا أن یَرُدّونا عَن دینِنا؟فَصَرَفَ عَنّی وَجهَهُ ثَلاثَ مَرّاتٍ،کُلُّ ذلِکَ أقولُ لَهُ فَیَصرِفُ وَجهَهُ عَنّی،فَجَلَسَ فِی الثّالِثَةِ فَقالَ:
أیُّهَا النّاسُ ! اتَّقُوا اللّهَ وَاصبِروا،فَوَاللّهِ إن کانَ الرَّجُلُ مِنَ المُؤمِنینَ قَبلَکُم لَیوضَعُ المِنشارُ عَلی رَأسِهِ فَیُشَقُّ بِاثنَتَینِ وما یَرتَدُّ عَن دینِهِ،اتَّقُوا اللّهَ،فَإِنَّ اللّهَ فاتِحٌ لَکُم وصانِعٌ. (2)
ص:105
11123. الإمام علیّ علیه السلام -مِن خُطبَةٍ لَهُ-:تَدَبَّروا أحوالَ الماضینَ مِنَ المُؤمِنینَ قَبلَکُم،کَیفَ کانوا فی حالِ التَّمحیصِ (1)وَالبَلاءِ،ألَم یَکونوا أثقَلَ الخَلائِقِ أعباءً،وأَجهَدَ العِبادِ بَلاءً،وأَضیَقَ أهلِ الدُّنیا حالاً؟اتَّخَذَتهُمُ الفَراعِنَةُ عَبیداً فَساموهُم سوءَ العَذابِ، وجَرَّعوهُمُ المِرارَ،فَلَم تَبرَحِ الحالُ بِهِم فی ذُلِّ الهَلَکَةِ وقَهرِ الغَلَبَةِ،لا یَجِدونَ حیلَةً فِی امتنِاعٍ،ولا سَبیلاً إلی دِفاعٍ.
حَتّی إذا رَأَی اللّهُ سُبحانَهُ جَدَّ الصَّبرَ مِنهُم عَلَی الأَذی فی مَحَبَّتِهِ،وَالاِحتمالَ لِلمَکروهِ مِن خَوفِهِ،جَعَلَ لَهُم مِن مَضایِقِ البَلاءِ فَرَجاً،فَأَبدَلَهُمُ العِزَّ مَکانَ الذُّلِّ، وَالأَمنَ مَکانَ الخَوفِ،فَصاروا مُلوکاً حُکّاماً،وأَئِمَّةً أعلاماً،وقَد بَلَغَتِ الکَرامَةُ مِنَ اللّهِ لَهُم ما لَم تَذهَبِ الآمالُ إلَیهِ بِهِم. (2)
11124. الإمام زین العابدین علیه السلام -فی وَصفِ ظُهورِ المَهدِیِّ علیه السلام-:فَما تَمُدّونَ أعیُنَکُم؟ألَستُم آمِنینَ؟لَقَد کانَ مَن قَبلَکُم مَن هُوَ عَلی ما أنتُم عَلَیهِ،یُؤخَذُ فَیُقطَعُ یَدُهُ ورِجلُهُ ویُصلَبُ.ثُمَّ تَلا: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ وَ زُلْزِلُوا» . (3)
11125. الإمام الصادق علیه السلام: قَد کانَ قَبلَکُم قَومٌ یُقتَلونَ ویُحرَقونَ ویُنشَرونَ بِالمَناشیرِ،وتَضیقُ عَلَیهِمُ الأَرضُ بِرُحبِها،فَما یَرُدُّهُم عَمّا هُم عَلَیهِ شَیءٌ مِمّا هُم فیهِ،مِن غَیرِ تِرَةٍ (4)وَتَروا مَن فَعَلَ ذلِکَ بِهِم ولا أذیً،بَل ما نَقَموا مِنهُم إلّاأن یُؤمِنوا بِاللّهِ العَزیزِ الحَمیدِ؛
ص:106
فَاسأَلوا رَبَّکُم دَرَجاتِهِم،وَاصبِروا عَلی نَوائِبِ دَهرِکُم،تُدرِکوا سَعیَهُم. (1)
11126. الغیبة للطوسی عن خالد العاقولی عن الإمام الصّادق علیه السلام -أنَّهُ قالَ-:فَما تَمُدّونَ أعیُنَکُم؟فَما تَستَعجِلونَ؟ألَستُم آمِنینَ؟ألَیسَ الرَّجُلُ مِنکُم یَخرُجُ مِن بَیتِهِ فَیَقضی حَوائِجَهُ ثُمَّ یَرجِعُ لَم یُختَطَف؟! إن کانَ مَن قَبلَکُم مَن هُوَ عَلی ما أنتُم عَلَیهِ،لَیُؤخَذُ الرَّجُلُ مِنهُم فَتُقطَعُ یَداهُ ورِجلاهُ ویُصلَبُ عَلی جُذوعِ النَّخلِ ویُنشَرُ بِالمِنشارِ،ثُمَّ لا یَعدو ذَنبَ نَفسِهِ. (2)
ثُمَّ تَلا هذِهِ الآیَةَ: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّی یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتی نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِیبٌ» . (3)
11128. عنه صلی الله علیه و آله: إنَّ أشَدَّ النّاسِ بَلاءً الأَنبِیاءُ،ثُمَّ الَّذینَ یَلونَهُم،ثُمَّ الَّذینَ یَلونَهُم،ثُمَّ الَّذینَ یَلونَهُم. (1)
11129. یعقوب علیه السلام: إنّا مَعشَرَ الأَنبِیاءِ أسرَعُ شَیءٍ البَلاءُ إلَینا،ثُمَّ الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ مِنَ النّاسِ. (2)
الکتاب
«وَ إِذِ ابْتَلی إِبْراهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی قالَ لا یَنالُ عَهْدِی الظّالِمِینَ» . (3)
راجع:ص 109 ( ابتلاء إسماعیل علیه السلام ).
الحدیث
11130. مجمع البیان -فی قَولِهِ تَعالی: «وَ إِذِ ابْتَلی إِبْراهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ» -:رُوِیَ عَنِ الصّادِقِ علیه السلام أنَّهُ مَا ابتَلاهُ اللّهُ بِهِ فی نَومِهِ مِن ذَبحِ وَلَدِهِ إسماعیلَ أبِی العَرَبِ،فَأَتَمَّها إبراهیمُ وعَزَمَ عَلَیها وسَلَّمَ لِأَمرِ اللّهِ،فَلَمّا عَزَمَ [قالَ] (4)اللّهُ تَعالی ثَواباً لَهُ لِما صَدَّقَ وعَمِلَ بِما أمَرَهُ اللّهُ: «إِنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِماماً» . (5)
ص:108
11131. علل الشرائع عن محمّد بن القاسم عن الإمام الصادق علیه السلام: إنَّ سارَةَ قالَت لِإِبراهیمَ:
یا إبراهیمُ،قَد کَبِرتَ،فَلَو دَعَوتَ اللّهَ عز و جل أن یَرزُقَکَ وَلَداً تَقَرُّ أعیُنُنا بِهِ،فَإِنَّ اللّهَ قَدِ اتَّخَذَکَ خَلیلاً،وهُوَ مُجیبٌ لِدَعوَتِکَ إن شاءَ؟
قالَ:فَسَأَلَ إبراهیمُ رَبَّهُ أن یَرزُقَهُ غُلاماً عَلیماً،فَأَوحَی اللّهُ عز و جل إلَیهِ:إنّی واهِبٌ لَکَ غُلاماً عَلیماً،ثُمَّ أبلوکَ بِالطّاعَةِ لی.... (1)
11132. تفسیر ابن کثیر عن ابن عبّاس: الکَلِماتُ الَّتِی ابتَلَی اللّهُ بِهِنَّ إبراهیمَ فَأَتَمَّهُنَّ:فَراقُ قَومِهِ فِی اللّهِ حینَ أمَرَ بِمُفارَقَتِهِم،ومُحاجَّتُهُ نَمروذَ فِی اللّهِ حینَ وَقَفَهُ عَلی ما وَقَفَهُ عَلَیهِ مِن خَطَرِ الأَمرِ الَّذی فیهِ خِلافُهُ،وصَبَرُهُ-عَلی قَذفِهِ إیّاهُ فِی النّارِ لِیُحرِقوهُ- فِی اللّهِ،عَلی هَولِ ذلِکَ مِن أمرِهِم،وَالهِجرَةُ بَعدَ ذلِکَ مِن وَطَنِهِ وبِلادِهِ فِی اللّهِ حینَ أمَرَهُ بِالخُروجِ عَنهُم،وما أمَرَهُ بِهِ مِنَ الضِّیافَةِ وَالصَّبرِ عَلَیها بِنَفسِهِ ومالِهِ،ومَا ابتُلِیَ بِهِ مِن ذَبحِ ابنِهِ حینَ أمَرَهُ بِذَبحِهِ.
فَلَمّا مَضی عَلی ذلِکَ مِنَ اللّهِ کُلِّهِ وأَخلَصَهُ لِلبَلاءِ،قالَ اللّهُ لَهُ: «إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِینَ » (2). (3)
الکتاب
«فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِیمٍ* فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْیَ قالَ یا بُنَیَّ إِنِّی أَری فِی الْمَنامِ أَنِّی أَذْبَحُکَ فَانْظُرْ ما ذا تَری قالَ یا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِینَ * فَلَمّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِینِ
ص:109
*وَ نادَیْناهُ أَنْ یا إِبْراهِیمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْیا إِنّا کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ* إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِینُ * وَ فَدَیْناهُ بِذِبْحٍ عَظِیمٍ» . (1)
الحدیث
11133. عیون أخبار الرضا علیه السلام عن الحسین بن علیّ بن الفضّال: سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ عَلِیَّ بنَ موسَی الرِّضا علیه السلام عَن مَعنی قَولِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله:«أنَا ابنُ الذَّبیحَینِ»،قالَ:یَعنی إسماعیلَ بنَ إبراهیمَ الخَلیلِ علیهما السلام،وعَبدَ اللّهِ بنَ عَبدِ المُطَّلِبِ.
أمّا إسماعیلُ فَهُوَ الغُلامُ الحَلیمُ الَّذی بَشَّرَ اللّهُ بِهِ إبراهیمَ، «فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْیَ» ،وهُوَ لَمّا عَمِلَ مِثلَ عَمَلِهِ «قالَ یا بُنَیَّ إِنِّی أَری فِی الْمَنامِ أَنِّی أَذْبَحُکَ فَانْظُرْ ما ذا تَری قالَ یا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ» ،ولَم یَقُل:یا أبَتِ افعَل ما رَأَیتَ، «سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِینَ» .... (2)
الکتاب
«وَ تَوَلّی عَنْهُمْ وَ قالَ یا أَسَفی عَلی یُوسُفَ وَ ابْیَضَّتْ عَیْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ کَظِیمٌ* قالُوا تَاللّهِ تَفْتَؤُا تَذْکُرُ یُوسُفَ حَتّی تَکُونَ حَرَضاً أَوْ تَکُونَ مِنَ الْهالِکِینَ » . (3)
الحدیث
11134. تفسیر العیّاشی عن أبی بصیر عن الإمام الباقر علیه السلام: اشتَدَّ حُزنُهُ-یَعنی یَعقوبَ-حَتّی
ص:110
تَقَوَّسَ ظَهرُهُ،وأَدبَرَتِ الدُّنیا عَن یَعقوبَ ووُلدِهِ حَتَّی احتاجوا حاجَةً شَدیدَةً،وفَنِیَت میرَتُهُم،فَعِندَ ذلِکَ قالَ یَعقوبُ لِوُلدِهِ: «اِذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ یُوسُفَ وَ أَخِیهِ وَ لا تَیْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکافِرُونَ» (1).فَخَرَجَ مِنهُم نَفَرٌ وبَعَثَ مَعَهُم بِبِضاعَةٍ یَسیرَةٍ،وکَتَبَ مَعَهُم کِتاباً إلی عَزیزِ مِصَر یَتَعَطَّفُهُ عَلی نَفسِهِ ووُلدِهِ،وأَوصی وُلدَهُ أن یُبدوا بِدَفعِ کِتابِهِ قَبلَ البِضاعَةِ،فَکَتَبَ:
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،إلی عَزیزِ مِصرَ و مُظهِرِ العَدلِ ومُوفِی الکَیلِ،مِن یَعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهیمَ خَلیلِ اللّهِ صاحِبِ نُمرودَ،الَّذی جَمَعَ لِإِبراهیمَ الحَطَبَ وَالنّارَ لِیُحرِقَهُ بِها،فَجَعَلَهَا اللّهُ عَلَیهِ بَرداً وسَلاماً وأَنجاهُ مِنها،اُخبِرُکَ أیُّهَا العَزیزُ،إنّا أهلُ بَیتٍ قَدیمٍ لَم یَزَلِ البَلاءُ إلَینا سَریعاً مِنَ اللّهِ؛لِیَبلُوَنا بِذلِکَ عِندَ السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ، وأَنَّ مَصائِبَ تَتابَعَت عَلَیَّ مُنذُ عِشرینَ سَنَةً،أوَّلُها أنَّهُ کانَ لِیَ ابنٌ سَمَّیتُهُ یوسُفَ، وکانَ سُروری مِن بَینِ وُلدی وقُرَّةَ عَینی وثَمَرَةَ فُؤادی،وإنَّ إخوَتَهُ مِن غَیرِ امِّهِ سَأَلونی أن أبعَثَهُ مَعَهُم یَرتَعُ ویَلعَبُ،فَبَعَثتُهُ مَعَهُم بُکرَةً،وإنَّهُم جاؤونی عِشاءً یَبکونَ،وجاؤونی عَلی قَمیصِهِ بِدَمٍ کَذِبٍ فَزَعَموا أنَّ الذِّئبَ أکَلَهُ،فَاشتَدَّ لِفَقدِهِ حُزنی وکَثُرَ عَلی فِراقِهِ بُکائی،حَتَّی ابیَضَّت عَینایَ مِنَ الحُزنِ.
وإنَّهُ کانَ لَهُ أخٌ مِن خالَتِهِ،وکُنتُ بِهِ مُعجَباً وعَلَیهِ رَفیقاً،وکانَ لی أنیساً،وکُنتُ إذا ذَکَرتُ یوسُفَ ضَمَمتُهُ إلی صَدری فَیَسکُنُ بَعضُ ما أجِدُ فی صَدری،وإنَّ إخوَتَهُ ذَکَروا لی أنَّکَ أیُّهَا العَزیزُ سَأَلتَهُم عَنهُ وأَمَرتَهُم أن یَأتوکَ بِهِ،وإن لَم یَأتوکَ بِهِ مَنَعتَهُمُ المیرَةَ (2)لَنا مِنَ القَمحِ مِن مِصرَ،فَبَعَثتُهُ مَعَهُم لِیَمتاروا لَنا قَمحاً،فَرَجَعوا
ص:111
إلَیَّ فَلَیسَ هُوَ مَعَهُم،وذَکَروا أنَّهُ سَرَقَ مِکیالَ المَلِکِ ! ونَحنُ أهلُ بَیتٍ لا نَسرِقُ،وقَد حَبَستَهُ وفَجَعتَنی بِهِ،وقَدِ اشتَدَّ لِفِراقِهِ حُزنی حَتّی تَقَوَّسَ لِذلِکَ ظَهری،وعَظُمَت بِهِ مُصیبَتی مَعَ مَصائِبَ مُتَتابِعاتٍ عَلَیَّ،فَمُنَّ عَلَیَّ بِتَخلِیَةِ سَبیلِهِ وإطلاقِهِ مِن مَحبَسِهِ، وطَیِّب لَنَا القَمحَ،وَاسمَح لَنا فِی السِّعرِ،وعَجِّل بِسَراحِ آلِ یَعقوبَ.
فَلَمّا مَضی وُلدُ یَعقوبَ مِن عِندِهِ نَحوَ مِصرَ بِکِتابِهِ،نَزَلَ جَبرَئیلُ عَلی یَعقوبَ فَقالَ لَهُ:یا یَعقوبُ،إنَّ رَبَّکَ یَقولُ لَکَ:مَنِ ابتَلاکَ بِمَصائِبِکَ الَّتی کَتَبتَ بِها إلی عَزیزِ مِصرَ؟قالَ یَعقوبُ:أنتَ بَلَوتَنی بِها عُقوبَةً مِنکَ وأَدَباً لی،قالَ اللّهُ:فَهَل کانَ یَقدِرُ عَلی صَرفِها عَنکَ أحَدٌ غَیری؟قالَ یَعقوبُ:اللّهُمَّ لا،قالَ:أفَمَا استَحیَیتَ مِنّی حینَ شَکَوتَ مَصائِبَکَ إلی غَیری ولَم تَستَغِث بی وتَشکو ما بِکَ إلَیَّ؟
فَقالَ یَعقوبُ:أستَغفِرُکَ یا إلهی وأَتوبُ إلَیکَ،وأَشکو بَثّی وحُزنی إلَیکَ.فَقالَ اللّهُ تَبارَکَ وتَعالی:قَد بَلَغتُ بِکَ یا یَعقوبُ وبِوُلدِکَ الخاطِئینَ الغایَةَ فی أدَبی،ولَو کُنتَ یا یَعقوبُ شَکَوتَ مَصائِبَکَ إلَیَّ عِندَ نُزولِها بِکَ،وَاستَغفَرتَ وتُبتَ إلَیَّ مِن ذَنبِکَ، لَصَرَفتُها عَنکَ بَعدَ تَقدیری إیّاها عَلَیکَ،ولکِنَّ الشَّیطانَ أنساکَ ذِکری،فَصِرتَ إلَی القُنوطِ مِن رَحمَتی،وأَنَا اللّهُ الجَوادُ الکَریمُ،اُحِبُّ عِبادِیَ المُستَغفِرینَ التّائِبینَ الرّاغِبینَ إلَیَّ فیما عِندی.
یا یَعقوبُ،أنَا رادٌّ إلَیکَ یوسُفَ وأَخاهُ،ومُعیدٌ إلَیکَ ما ذَهَبَ مِن مالِکَ ولَحمِکَ ودَمِکَ،ورادٌّ إلَیکَ بَصَرَکَ،ومُقَوِّمٌ لَکَ ظَهرَکَ،فَطِب نَفساً وقَرَّ عَیناً،وإنَّ الَّذی فَعَلتُهُ بِکَ کانَ أدَباً مِنّی لَکَ،فَاقبَل أدَبی.
قالَ:ومَضی وُلدُ یَعقوبَ بِکِتابِهِ نَحوَ مِصرَ،حَتّی دَخَلوا عَلی یوسُفَ فی
ص:112
دارِ المَملَکَةِ فَقالوا: «یا أَیُّهَا الْعَزِیزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْکَیْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَیْنا إِنَّ اللّهَ یَجْزِی الْمُتَصَدِّقِینَ » (1)بِأَخینَا ابنِ یامینَ،وهذا کِتابُ أبینا یَعقوبَ إلَیکَ فی أمرِهِ، یَسأَ لُکَ تَخلِیَةَ سَبیلِهِ وأَن تَمُنَّ بِهِ عَلَیهِ.
قالَ:فَأَخَذَ یوسُفُ کِتابَ یَعقوبَ،فَقَبَّلَهُ ووَضَعَهُ عَلی عَینَیهِ،وبَکی وَانتَحَبَ حَتّی بَلَّت دُموعُهُ القَمیصَ الَّذی عَلَیهِ،ثُمَّ أقبَلَ عَلَیهِم فَقالَ: «هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِیُوسُفَ» (2)مِن قَبلُ وأَخیهِ مِن بَعدُ؟ «قالُوا أَ إِنَّکَ لَأَنْتَ یُوسُفُ قالَ أَنَا یُوسُفُ وَ هذا أَخِی قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَیْنا» (3)، «قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَکَ اللّهُ عَلَیْنا» (4)فَلا تَفضَحنا ولا تُعاقِبنَا الیَومَ وَاغفِر لَنا، «قالَ لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ یَغْفِرُ اللّهُ لَکُمْ» (5). (6)
11135. المحاسن عن سالم بن مکرم عن الإمام الصادق علیه السلام: إنَّمَا ابتُلِیَ یَعقوبُ علیه السلام بِیوسُفَ علیه السلام؛ أنَّهُ ذَبَحَ کَبشاً سَمیناً،ورَجُلٌ مِن أصحابِهِ یُدعی«فیومَ»مُحتاجٌ لَم یَجِد ما یُفطِرُ عَلَیهِ،فَأَغفَلَهُ فَلَم یُطعِمهُ،فَابتُلِیَ بِیوسُفَ علیه السلام.
قالَ:فَکانَ بَعدَ ذلِکَ یُنادی مُنادیهِ کُلَّ صَباحٍ:مَن لَم یَکُن صائِماً فَلیَشهَد غَداءَ یَعقوبَ،وإذا أمسی نادی:مَن کانَ صائِماً فَلیَشهَد عَشاءَ یَعقوبَ. (7)
راجع:العنوان الآتی.
ص:113
الکتاب
«إِذْ قالَ یُوسُفُ لِأَبِیهِ یا أَبَتِ إِنِّی رَأَیْتُ أَحَدَ عَشَرَ کَوْکَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَیْتُهُمْ لِی ساجِدِینَ قالَ یا بُنَیَّ لا تَقْصُصْ رُؤْیاکَ عَلی إِخْوَتِکَ فَیَکِیدُوا لَکَ کَیْداً إِنَّ الشَّیْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِینٌ » . (1)
«فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ یَجْعَلُوهُ فِی غَیابَتِ الْجُبِّ وَ أَوْحَیْنا إِلَیْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ» . (2)
«وَ راوَدَتْهُ الَّتِی هُوَ فِی بَیْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَ قالَتْ هَیْتَ لَکَ قالَ مَعاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّی أَحْسَنَ مَثْوایَ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الظّالِمُونَ * وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأی بُرْهانَ رَبِّهِ کَذلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِینَ » . (3)
«قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِیُوسُفَ وَ أَخِیهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ* قالُوا أَ إِنَّکَ لَأَنْتَ یُوسُفُ قالَ أَنَا یُوسُفُ وَ هذا أَخِی قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَیْنا إِنَّهُ مَنْ یَتَّقِ وَ یَصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ» . (4)
الحدیث
11136. علل الشرائع عن الثُّمالیّ: صَلَّیتُ مَعَ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السلام الفَجرَ بِالمَدینَةِ یَومَ جُمُعَةٍ، فَلَمّا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ وسُبحَتِهِ نَهَضَ إلی مَنزِلِهِ وأَنَا مَعَهُ،فَدَعا مَولاةً لَهُ تُسَمّی سُکَینَةَ،فَقالَ لَها:لا یَعبُر عَلی بابی سائِلٌ إلّاأطعَمتُموهُ،فَإِنَّ الیَومَ یَومُ الجُمُعَةِ،
ص:114
قُلتُ لَهُ:لَیسَ کُلُّ مَن یَسأَلُ مُستَحِقّاً ! فَقالَ:یا ثابِتُ،أخافُ أن یَکونَ بَعضُ مَن یَسأَ لُنا مُحِقّاً (1)فَلا نُطعِمَهُ ونَرُدَّهُ،فَیَنزِلَ بِنا أهلَ البَیتِ ما نَزَلَ بِیَعقوبَ وآلِهِ،أطعِموهُم أطعِموهُم.
إنَّ یَعقوبَ کانَ یَذبَحُ کُلَّ یَومٍ کَبشاً،فَیَتَصَدَّقُ مِنهُ ویَأکُلُ هُوَ وعِیالُهُ مِنهُ،وإنَّ سائِلاً مُؤمِناً صَوّاماً مُحِقّاً (2)لَهُ عِندَ اللّهِ مَنزِلَةٌ،وکانَ مُجتازاً غَریباً اعتَرَّ (3)عَلی بابِ یَعقوبَ عَشِیَّةَ جُمُعَةٍ عِندَ أوانِ إفطارِهِ،یَهتِفُ عَلی بابِهِ:«أطعِمُوا السّائِلَ المُجتازَ الغَریبَ الجائِعَ مِن فَضلِ طَعامِکُم»،یَهتِفُ بِذلِکَ عَلی بابِهِ مِراراً وهُم یَسمَعونَهُ وقَد جَهِلوا حَقَّهُ ولَم یُصَدِّقوا قَولَهُ،فَلَمّا یَئِسَ أن یُطعِموهُ وغَشِیَهُ اللَّیلُ،استَرجَعَ (4)وَاستَعبَرَ وشَکا جوعَهُ إلَی اللّهِ عز و جل،وباتَ طاوِیاً (5)،وأَصبَحَ صائِماً جائِعاً صابِراً حامِداً للّهِ ِ،وباتَ یَعقوبُ وآلُ یَعقوبَ شِباعاً بِطاناً (6)،وأَصبَحوا وعِندَهُم فَضلَةٌ مِن طَعامِهِم.
قالَ:فَأَوحَی اللّهُ عز و جل إلی یَعقوبَ فی صَبیحَةِ تِلکَ اللَّیلَةِ:لَقَد أذلَلتَ یا یَعقوبُ عَبدی ذِلَّةً استَجرَرتَ بِها غَضَبی،وَاستَوجَبتَ بِها أدَبی ونُزولَ عُقوبَتی وبَلوایَ عَلَیکَ وعَلی وُلدِکَ،یا یَعقوبُ ! إنَّ أحَبَّ أنبِیائی إلَیَّ وأَکرَمَهُم عَلَیَّ مَن رَحِمَ مَساکینَ عِبادی وقَرَّبَهُم إلَیهِ وأَطعَمَهُم،وکانَ لَهُم مَأویً ومَلجَأً،یا یَعقوبُ ! أما رَحِمتَ ذِمیالَ عَبدِیَ المُجتَهِدَ فی عِبادَتِی القانِعَ بِالیَسیرِ مِن ظاهِرِ الدُّنیا عِشاءَ أمسِ لَمَّا اعتَرَّ بِبابِکَ عِندَ أوانِ إفطارِهِ وهَتَفَ بِکُم:أطعِمُوا السّائِلَ الغَریبَ المُجتازَ القانِعَ؟فَلَم تُطعِموهُ
ص:115
شَیئاً،فَاستَرجَعَ وَاستَعبَرَ وشَکا ما بِهِ إلَیَّ،وباتَ طاوِیاً حامِداً لی،وأَصبَحَ لی صائِماً،وأَنتَ یا یَعقوبُ ووُلدُکَ شِباعٌ،وأَصبَحتَ وعِندَکُم فَضلَةٌ مِن طَعامِکُم !
أوَ ما عَلِمتَ یا یَعقوبُ أنَّ العُقوبَةَ وَالبَلوی إلی أولِیائی أسرَعُ مِنها إلی أعدائی؟ وذلِکَ حُسنُ النَّظَرِ مِنّی لِأَولِیائی وَاستِدراجٌ مِنّی لِأَعدائی.أما وعِزَّتی ! لَاُنزِلُ عَلَیکَ بَلوایَ،ولَأَجعَلَنَّکَ ووُلدَکَ غَرَضاً لِمَصابی (1)،ولَاُوذِیَنَّکَ (2)بِعُقوبَتی،فَاستَعِدّوا لِبَلوایَ، وَارضَوا بِقَضائی،وَاصبِروا لِلمَصائِبِ.
فَقُلتُ لِعَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السلام:جُعِلتُ فِداکَ مَتی رَأی یوسُفُ الرُّؤیا؟فَقالَ:فی تِلکَ اللَّیلَةِ الَّتی باتَ فیها یَعقوبُ وآلُ یَعقوبَ شِباعاً وباتَ فیها ذِمیالُ طاوِیاً جائِعاً،فَلَمّا رَأی یوسُفُ الرُّؤیا وأَصبَحَ یَقُصُّها عَلی أبیهِ یَعقوبَ،فَاغتَمَّ یَعقوبُ لِما سَمِعَ مِن یوسُفَ مَعَ ما أوحَی اللّهُ عز و جل إلَیهِ أنِ استَعِدَّ لِلبَلاءِ،فَقالَ یَعقوبُ لِیوسُفَ:لا تَقصُص رُؤیاکَ هذِهِ عَلی إخوَتِکَ؛فَإِنّی أخافُ أن یَکیدوا لَکَ کَیداً.فَلَم یَکتُم یوسُفُ رُؤیاهُ وقَصَّها عَلی إخوَتِهِ.
قالَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السلام:وکانَت أوَّلُ بَلوی نَزَلَت بِیَعقوبَ وآلِ یَعقوبَ الحَسَدَ لِیوسُفَ لَمّا سَمِعوا مِنهُ الرُّؤیا.قالَ:فَاشتَدَّت رِقَّةُ یَعقوبَ عَلی یوسُفَ،وخافَ أن یَکونَ ما أوحَی اللّهُ عز و جل إلَیهِ مِنَ الاِستِعدادِ لِلبَلاءِ هُوَ فی یوسُفَ خاصَّةً،فَاشتَدَّت رِقَّتُهُ عَلَیهِ مِن بَینِ وُلدِهِ،فَلَمّا رَأی إخوَةُ یوسُفَ ما یَصنَعُ یَعقوبُ بِیوسُفَ وتَکرِمَتَهُ إیّاهُ وإیثارَهُ إیّاهُ عَلَیهِمُ،اشتَدَّ ذلِکَ عَلَیهِم،وبَدَأَ البَلاءُ فیهِم،فَتَآمَروا فیما بَینَهُم وقالوا:إنَّ یوسُفَ وأَخاهُ «أَحَبُّ إِلی أَبِینا مِنّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ*
ص:116
اُقْتُلُوا یُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً یَخْلُ لَکُمْ وَجْهُ أَبِیکُمْ وَ تَکُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِینَ» (1)؛ أی تَتوبونَ،فَعِندَ ذلِکَ «قالُوا یا أَبانا ما لَکَ لا تَأْمَنّا عَلی یُوسُفَ وَ إِنّا لَهُ لَناصِحُونَ* أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً یَرْتَعْ » الآیَةَ. (2)فَقالَ یَعقوبُ: «إِنِّی لَیَحْزُنُنِی أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ یَأْکُلَهُ الذِّئْبُ» (3)، فَانتَزَعَهُ حَذَراً عَلَیهِ مِن أن تَکونَ البَلوی مِنَ اللّهِ عز و جل عَلی یَعقوبَ فی یوسُفَ خاصَّةً؛ لِمَوقِعِهِ مِن قَلبِهِ وحُبِّهِ لَهُ.
قالَ:فَغَلَبَت قُدرَةُ اللّهِ وقَضاؤُهُ ونافِذُ أمرِهِ فی یَعقوبَ ویوسُفَ وإخوَتِهِ،فَلَم یَقدِر یَعقوبُ عَلی دَفعِ البَلاءِ عَن نَفسِهِ ولا عَن یوسُفَ ووُلدِهِ،فَدَفَعَهُ إلَیهِم وهُوَ لِذلِکَ کارِهٌ مُتَوَقِّعٌ لِلبَلوی مِنَ اللّهِ فی یوسُفَ.
فَلَمّا خَرَجوا مِن مَنزِلِهِم لَحِقَهُم مُسرِعاً،فَانتَزَعَهُ مِن أیدیهِم فَضَمَّهُ إلَیهِ وَاعتَنَقَهُ وبَکی،ودَفَعَهُ إلَیهِم،فَانطَلَقوا بِهِ مُسرِعینَ مَخافَةَ أن یَأخُذَهُ مِنهُم ولا یَدفَعَهُ إلَیهِم.فَلَمّا أمعَنوا بِهِ أتَوا بِهِ غَیضَةَ (4)أشجارٍ،فَقالوا:نَذبَحُهُ ونُلقیهِ تَحتَ هذِهِ الشَّجَرَةِ فَیَأکُلُهُ الذِّئبُ اللَّیلَةَ،فَقالَ کَبیرُهُم: «لا تَقْتُلُوا یُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِی غَیابَتِ الْجُبِّ یَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّیّارَةِ إِنْ کُنْتُمْ فاعِلِینَ » (5)،فانطَلَقوا بِهِ إلَی الجُبِّ فَأَلقَوهُ فیهِ وهُم یَظُنُّونَ أنَّهُ یَغرَقُ فیهِ،فَلَمّا صارَ فی قَعرِ الجُبِّ ناداهُم:یا وُلدَ رومینَ ! أقرِؤوا یَعقوبَ مِنِّی السَّلامَ،فَلَمّا سَمِعوا کَلامَهُ قالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ:لا تَزالوا مِن هاهُنا حَتّی تَعلَموا أنَّهُ قَد ماتَ.
فَلَم یَزالوا بِحَضرَتِهِ حَتّی أمسَوا ورَجَعوا إلی أبیهِم «عِشاءً یَبْکُونَ* قالُوا یا أَبانا إِنّا
ص:117
ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَکْنا یُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَکَلَهُ الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ کُنّا صادِقِینَ» (1)،فَلَمّا سَمِعَ مَقالَتَهُمُ استَرجَعَ وَاستَعبَرَ،وذَکَرَ ما أوحَی اللّهُ عز و جل إلَیهِ مِنَ الاِستِعدادِ لِلبَلاءِ،فَصَبَرَ وأَذعَنَ لِلبَلاءِ،وقالَ لَهُم: «بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أَنْفُسُکُمْ أَمْراً» (2).وما کانَ اللّهُ لِیُطعِمَ لَحمَ یوسُفَ لِلذِّئبِ مِن قَبلِ أن رَأی تَأویلَ رُؤیاهُ الصّادِقَةِ.
قالَ أبو حَمزَةَ:ثُمَّ انقَطَعَ حَدیثُ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السلام عِندَ هذا،فَلَمّا کانَ مِنَ الغَدِ غَدَوتُ عَلَیهِ فَقُلتُ لَهُ:جُعِلتُ فِداکَ،إنَّکَ حَدَّثتَنی أمسِ بِحَدیثِ یَعقوبَ ووُلدِهِ ثُمَّ قَطَعتَهُ،ما کانَ مِن قِصَّةِ إخوَةِ یوسُفَ وقِصَّةِ یوسُفَ بَعدَ ذلِکَ؟
فَقالَ:إنَّهُم لَمّا أصبَحوا قالوا:انطَلِقوا بِنا حَتّی نَنظُرَ ما حالُ یوسُفَ،أماتَ أم هُوَ حَیٌّ،فَلَمَّا انتَهَوا إلَی الجُبِّ وَجَدوا بِحَضرَةِ الجُبِّ سَیّارَةً وقَد أرسَلوا وارِدَهُم فَأَدلی دَلوَهُ،فَلَمّا جَذَبَ دَلوَهُ إذا هُوَ بِغُلامٍ مُتَعَلِّقٍ بِدَلوِهِ،فَقالَ لِأَصحابِهِ:یا بُشری ! هذا غُلامٌ،فَلَمّا أخرَجوهُ أقبَلَ إلَیهِم إخوَةُ یوسُفَ فَقالوا:هذا عَبدُنا سَقَطَ مِنّا أمسِ فی هذَا الجُبِّ،وجِئنَا الیَومَ لِنُخرِجَهُ ! فَانتَزَعوهُ مِن أیدیهِم،وتَنَحَّوا بِهِ ناحِیَةً فَقالوا:إمّا أن تُقِرَّ لَنا أنَّکَ عَبدٌ لَنا فَنَبیعَکَ عَلی بَعضِ هذِهِ السَّیّارَةِ،أو نَقتُلَکَ،فَقالَ لَهُم یوسُفُ علیه السلام:لا تَقتُلونی وَاصنَعوا ما شِئتُم،فَأَقبَلوا بِهِ إلَی السَّیّارَةِ فَقالوا:أمِنکُم مَن یَشتَری مِنّا هذَا العَبدَ؟فَاشتَراهُ رَجُلٌ مِنهُم بِعِشرینَ دِرهَماً،وکانَ إخوَتُهُ فیهِ مِنَ الزّاهِدینَ.
وسارَ بِهِ الَّذی اشتَراهُ مِنَ البَدوِ حَتّی أدخَلَهُ مِصرَ،فَباعَهُ الَّذِی اشتَراهُ مِنَ البَدوِ مِن مَلِکِ مِصرَ،وذلِکَ قَولُ اللّهِ عز و جل: «وَ قالَ الَّذِی اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَکْرِمِی مَثْواهُ
ص:118
عَسی أَنْ یَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً» (1).
قالَ أبو حَمزَةَ:فَقُلتُ لِعَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السلام:اِبنَ کَم کانَ یوسُفُ یَومَ ألقَوهُ فِی الجُبِّ؟فَقالَ:کانَ ابنَ تِسعِ سِنینَ،فَقُلتُ:کَم کانَ بَینَ مَنزِلِ یَعقوبَ یَومَئِذٍ وبَینَ مِصرَ؟فَقالَ:مَسیرَةَ اثنَی عَشَرَ یَوماً.
قالَ:وکانَ یوسُفُ مِن أجمَلِ أهلِ زَمانِهِ،فَلَمّا راهَقَ یوسُفُ راوَدَتهُ امرَأَةُ المَلِکِ عَن نَفسِهِ،فَقالَ لَها:مَعاذَ اللّهِ ! أنَا مِن أهلِ بَیتٍ لا یَزنونَ،فَغَلَّقَتِ الأَبوابَ عَلَیها وعَلَیهِ وقالَت:لا تَخَف،وأَلقَت نَفسَها عَلَیهِ،فَأَفلَتَ مِنها هارِباً إلَی البابِ فَفَتَحَهُ، فَلَحِقَتهُ فَجَذَبَت قَمیصَهُ مِن خَلفِهِ فَأَخرَجَتهُ مِنهُ،فَأَفلَتَ یوسُفُ مِنها فی ثِیابِهِ:
«وَ أَلْفَیا سَیِّدَها لَدَی الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِکَ سُوءاً إِلاّ أَنْ یُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِیمٌ» . (2)
قالَ:فَهَمَّ المَلِکُ بِیوسُفَ لِیُعَذِّبَهُ،فَقالَ لَهُ یوسُفُ:وإلهِ یَعقوبَ ما أرَدتُ بِأَهلِکَ سوءاً،بَل «هِیَ راوَدَتْنِی عَنْ نَفْسِی» (3)،فَسَل هذَا الصَّبِیَّ أیُّنا راوَدَ صاحِبَهُ عَن نَفسِهِ.قالَ:
وکانَ عِندَها مِن أهلِها صَبِیٌّ زائِرٌ لَها،فَأَنطَقَ اللّهُ الصَّبِیَّ لِفَصلِ القَضاءِ،فَقالَ:أیُّهَا المَلِکُ،انظُر إلی قَمیصِ یوسُفَ،فَإِن کانَ مَقدوداً مِن قُدّامِهِ فَهُوَ الَّذی راوَدَها،وإن کانَ مَقدوداً مِن خَلفِهِ فَهِیَ الَّتی راوَدَتهُ.فَلَمّا سَمِعَ المَلِکُ کَلامَ الصَّبِیِّ ومَا اقتَصَّ، أفزَعَهُ ذلِکَ فَزَعاً شَدیداً،فَجیءَ بِالقَمیصِ فَنَظَرَ إلَیهِ،فَلَمّا رَآهُ مَقدوداً مِن خَلفِهِ قالَ لَها: «إِنَّهُ مِنْ کَیْدِکُنَّ» (4)،وقالَ لِیوسُفَ: «أَعْرِضْ عَنْ هذا» (5)،ولا یَسمَعهُ مِنکَ أحَدٌ وَاکتُمهُ.
ص:119
قالَ:فَلَم یَکتُمهُ یوسُفُ وأَذاعَهُ فِی المَدینَةِ،حَتّی قُلنَ نِسوَةٌ مِنهُنَّ: «اِمْرَأَتُ الْعَزِیزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ» (1)،فَبَلَغَها ذلِکَ،فَأَرسَلَت إلَیهِنَّ وهَیَّأَت لَهُنَّ طَعاماً ومَجلِساً،ثُمَّ أتَتهُنَّ بِاُترُجٍّ (2)«وَ آتَتْ کُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِکِّیناً» ،ثُمَّ قالَت لِیوسُفَ: «اُخْرُجْ عَلَیْهِنَّ فَلَمّا رَأَیْنَهُ أَکْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَّ» (3)وقُلنَ ما قُلنَ.فَقالَت لَهُنَّ:هذَا الَّذی لُمتُنَّنی فیهِ؛یَعنی فی حُبِّهِ.وخَرَجنَ النِّسوَةُ مِن عِندِها،فَأَرسَلَت کُلُّ واحِدَةٍ مِنهُنَّ إلی یوسُفَ سِرّاً مِن صاحِبَتِها تَسأَ لُهُ الزِّیارَةَ،فَأَبی عَلَیهِنَّ وقالَ: «إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّی کَیْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَیْهِنَّ وَ أَکُنْ مِنَ الْجاهِلِینَ» (4)،فَصَرَفَ اللّهُ عَنهُ کَیدَهُنَّ.
فَلَمّا شاعَ أمرُ یوسُفَ وأَمرُ امرَأَةِ العَزیزِ وَالنِّسوَةِ فی مِصرَ،بَدا لِلمَلِکِ بَعدَما سَمِعَ قَولَ الصَّبِیِّ لَیَسجُنَنَّ یوسُفَ،فَسَجَنَهُ فِی السِّجنِ،ودَخَلَ السِّجنَ مَعَ یوسُفَ فَتَیانِ، وکانَ مِن قِصَّتِهِما وقِصَّةِ یوسُفَ ما قَصَّهُ اللّهُ فِی الکِتابِ.
قالَ أبو حَمزَةَ:ثُمَّ انقَطَعَ حَدیثُ عَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السلام. (5)
11137. تفسیر القمّی عن جابر عن الإمام الباقر علیه السلام: أنَّهُ کانَ مِن خَبَرِ یوسُفَ علیه السلام أنَّهُ کانَ لَهُ أحَدَ عَشَرَ أخاً،فَکانَ لَهُ مِن امِّهِ أخٌ واحِدٌ یُسَمّی بِنیامینَ،وکانَ یَعقوبُ إسرائیلَ اللّهِ ومَعنی إسرائیلِ اللّهِ:خالِصُ اللّهِ-ابنَ إسحاقَ نَبِیِّ اللّهِ ابنِ إبراهیمَ خَلیلِ اللّهِ.فَرَأی یوسُفُ هذِهِ الرُّؤیا ولَهُ تِسعُ سِنینَ،فَقَصَّها عَلی أبیهِ،فَقالَ یَعقوبُ: «یا بُنَیَّ لا تَقْصُصْ رُؤْیاکَ عَلی إِخْوَتِکَ فَیَکِیدُوا لَکَ کَیْداً إِنَّ الشَّیْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِینٌ» .
ص:120
[قَولُهُ] (1): «فَیَکِیدُوا لَکَ کَیْداً» أی یَحتالوا عَلَیکَ.فَقالَ یَعقوبُ لِیوسُفَ: «وَ کَذلِکَ یَجْتَبِیکَ رَبُّکَ وَ یُعَلِّمُکَ مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ وَ یُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ وَ عَلی آلِ یَعْقُوبَ کَما أَتَمَّها عَلی أَبَوَیْکَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِیمَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبَّکَ عَلِیمٌ حَکِیمٌ» (2).
وکانَ یوسُفُ مِن أحسَنِ النَّاسِ وَجهاً،وکانَ یَعقوبُ یُحِبُّهُ ویُؤثِرُهُ عَلی أولادِهِ، فَحَسَدوهُ إخوَتُهُ عَلی ذلِکَ،وقالوا فیما بَینَهُم ما حَکَی اللّهُ عز و جل: «إِذْ قالُوا لَیُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلی أَبِینا مِنّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ» أی جَماعَةٌ «إِنَّ أَبانا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ» (3)،فَعَمَدوا عَلی قَتلِ یوسُفَ،فَقالوا:نَقتُلُهُ حَتّی یَخلُوَ لَنا وَجهُ أبینا ! فَقالَ لاوی:لا یَجوزُ قَتلُهُ،ولکِن نُغَیِّبُهُ عَن أبینا ونَحنُ نَخلو بِهِ،فَقالوا کَما حَکَی اللّهُ عز و جل: «قالُوا یا أَبانا ما لَکَ لا تَأْمَنّا عَلی یُوسُفَ وَ إِنّا لَهُ لَناصِحُونَ* أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً یَرْتَعْ وَ یَلْعَبْ» أی یَرعَی الغَنَمَ ویَلعَبُ «وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ» فَأَجرَی اللّهُ عَلی لِسانِ یَعقوبَ: «إِنِّی لَیَحْزُنُنِی أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ یَأْکُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ» فَقالوا کَما حَکَی اللّهُ: «لَئِنْ أَکَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ» (4)؛وَالعُصبَةُ عَشَرَةٌ إلی ثَلاثَةَ عَشَرَ. «فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ یَجْعَلُوهُ فِی غَیابَتِ الْجُبِّ وَ أَوْحَیْنا إِلَیْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ » أی لَأَخبَرَنَّهُم (5)بِما هَمُّوا بِهِ. (6)
11138. تفسیر القمّی عن حنان بن سدیر عن أبیه عن الإمام الباقر علیه السلام،قال: قُلتُ لَهُ:أخبِرنی عَن یَعقوبَ حینَ قالَ لِوُلدِهِ: «یا بَنِیَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ یُوسُفَ وَ أَخِیهِ» (7)،أکانَ عَلِمَ
ص:121
أنَّهُ حَیٌّ وقَد فارَقَهُ مُنذُ عِشرینَ سَنَةً وذَهَبَت عَیناهُ مِنَ البُکاءِ عَلَیهِ؟قالَ:نَعَم عَلِمَ أنَّهُ حَیٌّ،حَتّی إنَّهُ دَعا رَبَّهُ فِی السَّحَرِ أن یَهبِطَ عَلَیهِ مَلَکُ المَوتِ،فَهَبَطَ عَلَیهِ مَلَکُ المَوتِ فی أطیَبِ رائِحَةٍ وأَحسَنِ صورَةٍ،فَقالَ لَهُ:مَن أنتَ؟قالَ:أنا مَلَکُ المَوتِ، ألَیسَ سَأَلتَ اللّهَ أن یُنزِلَنی عَلَیکَ؟قالَ:نَعَم،قالَ:ما حاجَتُکَ یا یَعقوبُ؟قالَ لَهُ:
أخبِرنی عَنِ الأَرواحِ،تَقبِضُها جُملَةً أو تَفاریقاً؟قالَ:یَقبِضُها أعوانی مُتَفَرِّقَةً ثُمَّ تُعرَضُ عَلَیَّ مُجتَمِعَةً.قالَ یَعقوبُ:فَأَسأَ لُکَ بِإِلهِ إبراهیمَ وإسحاقَ ویَعقوبَ،هَل عُرِضَ عَلَیکَ فِی الأَرواحِ روحُ یوسُفَ؟فَقالَ:لا.فَعِندَ ذلِکَ عَلِمَ أنَّهُ حَیٌّ،فَقالَ لِوُلدِهِ: «اِذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ یُوسُفَ وَ أَخِیهِ وَ لا تَیْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکافِرُونَ» .
فَکَتَبَ عَزیزُ مِصرَ إلی یَعقوبَ:أمّا بَعدُ،فَهذَا ابنُکَ قَدِ اشتَرَیتُهُ بِثَمَنٍ بَخسٍ دَراهِمَ مَعدودَةٍ،وهُوَ یوسُفُ وَاتَّخَذتُهُ عَبداً،وهذَا ابنُکَ بِنیامینُ وقَد وَجَدتُ مَتاعی عِندَهُ وَاتَّخَذتُهُ عَبداً.فَما وَرَدَ عَلی یَعقوبَ شَیءٌ أشَدَّ عَلَیهِ مِن ذلِکَ الکِتابِ،فَقالَ لِلرَّسولِ:مَکانَکَ حَتّی اجیبَهُ.فَکَتَبَ إلَیهِ یَعقوبُ علیه السلام:
«بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،مِن یَعقوبَ إسرائیلِ اللّهِ ابنِ إسحاقَ بنِ إبراهیمَ خَلیلِ اللّهِ،أمّا بَعدُ،فَقَد فَهِمتُ کِتابَکَ تَذکُرُ فیهِ أنَّکَ اشتَرَیتَ ابنی وَاتَّخَذتَهُ عَبداً،وأَنَّ البَلاءَ مُوَکَّلٌ بِبَنی آدَمَ؛إنَّ جَدِّی إبراهیمَ ألقاهُ نُمرودُ مَلِکُ الدُّنیا فِی النَّارِ فَلَم یَحتَرِق وجَعَلَهَا اللّهُ عَلَیهِ بَرداً وسَلاماً،وإنَّ أبی إسحاقَ أمَرَ اللّهُ تَعالی جَدّی أن یَذبَحَهُ بِیَدِهِ، فَلَمّا أرادَ أن یَذبَحَهُ فَداهُ اللّهُ بِکَبشٍ عَظیمٍ،وإنَّهُ کانَ لی وَلَدٌ لَم یَکُن فِی الدُّنیا أحَدٌ أحَبَّ إلَیَّ مِنهُ،وکانَ قُرَّةَ عَینی وثَمَرَةَ فُؤادی،فَأَخرَجُوهُ إخوَتُهُ ثُمَّ رَجَعوا إلَیَّ وزَعَموا أنَّ الذِّئبَ أکَلَهُ،فَاحدَودَبَ لِذلِکَ ظَهری وذَهَبَ مِن کَثرَةِ البُکاءِ عَلَیهِ
ص:122
بَصَری،وکانَ لَهُ أخٌ مِن امِّهِ کُنتُ آنَسُ بِهِ،فَخَرَجَ مَعَ إخوَتِهِ إلی مُلکِکَ لِیَمتاروا (1)لَنا طَعاماً،فَرَجَعوا وذَکَروا أنَّهُ سَرَقَ صُواعَ المَلِکِ وأَنَّکَ حَبَستَهُ،وإنّا أهلُ بَیتٍ لا یَلیقُ بِنَا السَّرَقُ ولَا الفاحِشَةُ،وأَنَا أسأَ لُکَ بِإِلهِ إبراهیمَ وإسحاقَ ویَعقوبَ،إلّامَنَنتَ عَلَیَّ بِهِ وتَقَرَّبتَ إلَی اللّهِ ورَدَدتَهُ إلَیَّ».
فَلَمّا وَرَدَ الکِتابُ عَلی یوسُفَ أخَذَهُ ووَضَعَهُ عَلی وَجهِهِ وقَبَّلَهُ وبَکی بُکاءً شَدیداً،ثُمَّ نَظَرَ إلی إخوَتِهِ فَقالَ: «هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِیُوسُفَ وَ أَخِیهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ» فَقالوا:
«قالُوا أَ إِنَّکَ لَأَنْتَ یُوسُفُ قالَ أَنَا یُوسُفُ وَ هذا أَخِی قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَیْنا إِنَّهُ مَنْ یَتَّقِ وَ یَصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ » (2)،فَقالوا کَما حَکَی اللّهُ عز و جل: «لَقَدْ آثَرَکَ اللّهُ عَلَیْنا وَ إِنْ کُنّا لَخاطِئِینَ* قالَ لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ» ،أی لا تَعییرَ «یَغْفِرُ اللّهُ لَکُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِینَ» (3).
قالَ:فَلَمّا وَلَّی الرَّسولُ إلَی المَلِکِ بِکِتابِ یَعقوبَ،رَفَعَ یَعقوبُ یَدَیهِ إلَی السَّماءِ فَقالَ:
«یا حَسَنَ الصُّحبَةِ،یا کَریمَ المَعونَةِ،یا خَیراً کُلُّهُ،ائتِنی بِرَوحٍ مِنکَ وفَرَجٍ مِن عِندِکَ».
فَهَبَطَ عَلَیهِ جَبرَئیلُ علیه السلام فَقالَ لَهُ:یا یَعقوبُ ! ألا اعَلِّمُکَ دَعَواتٍ یَرُدَّ اللّهُ عَلَیکَ بَصَرَکَ وَابنَیکَ؟
قالَ:نَعَم،قالَ:قُل:
«یا مَن لا یَعلَمُ أحَدٌ کَیفَ هُوَ إلّاهُوَ،یا مَن شَیَّدَ السَّماءَ بِالهَواءِ،وکَبَسَ الأَرضَ
ص:123
عَلَی الماءِ،وَاختارَ لِنَفسِهِ أحسَنَ الأَسماءِ،ائتِنی بِرَوحٍ مِنکَ وفَرَجٍ مِن عِندِکَ».
قالَ:فَمَا انفَجَرَ عَمودُ الصُّبحِ حَتّی اوتیَ بِالقَمیصِ فَطُرِحَ عَلَیهِ،فَرَدَّ اللّهُ عَلَیهِ بَصَرَهُ ووَلَدَهُ. (1)
11139. تفسیر العیّاشی عن بعض أصحابنا عن الإمام الباقر علیه السلام قال: أیَّ شَیءٍ یَقولُ النّاسُ فی قَولِ اللّهِ جَلَّ وعَزَّ: «لَوْ لا أَنْ رَأی بُرْهانَ رَبِّهِ» (2)؟قُلتُ:یَقولونَ:رَأی یَعقوبَ عاضّاً عَلی إصبَعِهِ،فَقالَ:لا لَیسَ کَما یَقولونَ،فَقُلتُ:فَأَیَّ شَیءٍ رَأی؟قالَ:لَمّا هَمَّت بِهِ وهَمَّ بِها،قامَت إلی صَنَمٍ مَعَها فِی البَیتِ فَأَلقَت عَلَیهِ ثَوباً،فَقالَ لَها یوسُفُ:ما صَنَعتِ؟ قالَت:طَرَحتُ عَلَیهِ ثَوباً؛أستَحیی أن یَرانا.قالَ:فَقالَ یوسُفُ:فَأَنتِ تَستَحیی (3)مِن صَنَمِکِ وهُوَ لا یَسمَعُ ولا یُبصِرُ،ولا أستَحی أنَا مِن رَبّی؟ (4)
11140. قصص الأنبیاء للراوندی عن هشام بن سالم: قُلتُ لِأَبی عَبدِ اللّهِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ:ما بَلَغَ مِن حُزنِ یَعقوبَ عَلی یوسُفَ؟قالَ:حُزنَ سَبعینَ ثَکلی. (5)
قالَ:ولَمّا کانَ یوسُفُ-صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ-فِی السِّجنِ،دَخَلَ عَلَیهِ جَبرَئیلُ علیه السلام فَقالَ:إنَّ اللّهَ تَعالَی ابتَلاکَ وَابتَلی أباکَ،وإنَّ اللّهَ یُنجیکَ مِن هذَا السِّجنِ،فَاسأَلِ اللّهَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وأَهلِ بَیتِهِ أن یُخَلِّصَکَ مِمّا أنتَ فیهِ.
فَقالَ یوسُفُ:«اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وأَهلِ بَیتِهِ،إلّاعَجَّلتَ فَرَجی
ص:124
وأَرَحتَنی مِمّا أَنا فیهِ».
قالَ جَبرَئیلُ علیه السلام:فَأَبشِر أیُّهَا الصِّدّیقُ،فَإِنَّ اللّهَ تَعالی أرسَلَنی إلَیکَ بِالبِشارَةِ بِأَنَّهُ یُخرِجُکَ مِنَ السِّجنِ إلی ثَلاثَةِ أیّامِ،ویُمَلِّکُکَ مِصرَ وأَهلَها،تَخدِمُکَ أشرافُها، ویَجمَعُ إلَیکَ إخوَتَکَ وأَباکَ،فَأَبشِر أیُّهَا الصِّدیقُ إنَّکَ صَفِیُّ اللّهِ وَابنُ صَفِّیِةِ.
فَلَم یَلبَث یوسُفُ علیه السلام إلّاتِلکَ اللَّیلَةَ حَتّی رَأَی المَلِکُ رُؤیا أفزَعَتهُ. (1)
راجع:ص 110 ( ابتلاء یعقوب علیه السلام ).
الکتاب
«کَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ* فَقالُوا أَ بَشَراً مِنّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنّا إِذاً لَفِی ضَلالٍ وَ سُعُرٍ* أَ أُلْقِیَ الذِّکْرُ عَلَیْهِ مِنْ بَیْنِنا بَلْ هُوَ کَذّابٌ أَشِرٌ* سَیَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْکَذّابُ الْأَشِرُ* إِنّا مُرْسِلُوا النّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَ اصْطَبِرْ» . (2)
«وَ إِلی ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ قَدْ جاءَتْکُمْ بَیِّنَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَکُمْ آیَةً فَذَرُوها تَأْکُلْ فِی أَرْضِ اللّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَیَأْخُذَکُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ* وَ اذْکُرُوا إِذْ جَعَلَکُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَکُمْ فِی الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُیُوتاً فَاذْکُرُوا آلاءَ اللّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ* قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ* قالَ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إِنّا بِالَّذِی آمَنْتُمْ بِهِ کافِرُونَ* فَعَقَرُوا
ص:125
اَلنّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَ قالُوا یا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ کُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ* فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دارِهِمْ جاثِمِینَ* فَتَوَلّی عَنْهُمْ وَ قالَ یا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُکُمْ رِسالَةَ رَبِّی وَ نَصَحْتُ لَکُمْ وَ لکِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحِینَ» . (1)
راجع:هود:61-68.
الحدیث
11141. الکافی عن أبی بصیر عن الإمام الصادق علیه السلام،قال: قُلتُ لَهُ: «کَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ* فَقالُوا أَ بَشَراً مِنّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنّا إِذاً لَفِی ضَلالٍ وَ سُعُرٍ* أَ أُلْقِیَ الذِّکْرُ عَلَیْهِ مِنْ بَیْنِنا بَلْ هُوَ کَذّابٌ أَشِرٌ » ؟قالَ:هذا کانَ بِما کَذَّبوا بِهِ صالِحاً،وما أهلَکَ اللّهُ عز و جل قَوماً قَطُّ حَتّی یَبعَثَ إلَیهِم قَبلَ ذلِکَ الرُّسُلَ فَیَحتَجُّوا عَلَیهِم،فَبَعَثَ اللّهُ إلَیهِم صالِحاً،فَدَعاهُم إلَی اللّهِ فَلَم یُجیبوا وعَتَوا عَلَیهِ،وقالوا:لَن نُؤمِنَ لَکَ حَتّی تُخرِجَ لَنا مِن هذِهِ الصَّخرَةِ ناقَةً عُشَراءَ (2)،وکانَتِ الصَّخرَةُ یُعَظِّمُونَها ویَعبُدونَها ویُذَبِّحونَ عِندَها فی رَأسِ کُلِّ سَنَةٍ،ویَجتَمِعونَ عِندَها،فَقالوا لَهُ:إن کُنتَ کَما تَزعُمُ نَبِیّاً رَسولاً فَادعُ لَنا إلهَکَ حَتّی یُخرِجَ (3)لَنا مِن هذِهِ الصَّخرَةِ الصَّمّاءِ ناقَةً عُشَراءَ.فَأَخرَجَهَا اللّهُ کَما طَلَبوا مِنهُ.
ثُمَّ أوحَی اللّهُ تَبارَکَ وتَعَالی إلَیهِ:أن یا صالِحُ،قُل لَهُم إنَّ اللّهَ قَد جَعَلَ لِهذِهِ النّاقَةِ مِنَ الماءِ شِربَ یَومٍ ولَکُم شِربَ یَومٍ،وکانَتِ النّاقَةُ إذا کانَ یَومُ شِربِها شَرِبَتِ الماءَ ذلِکَ الیَومَ،فَیَحلُبونَها فَلا یَبقی صَغیرٌ ولا کَبیرٌ إلّاشَرِبَ مِن لَبَنِها یَومَهُم ذلِکَ،فَإِذا کانَ اللَّیلُ وأَصبَحوا غَدَوا إلی مائِهِم فَشَرِبوا مِنهُ ذلِکَ الیَومَ ولَم تَشرَبِ النّاقَةُ ذلِکَ
ص:126
الیَومَ،فَمَکَثوا بِذلِکَ ما شاءَ اللّهُ.
ثُمَّ إنَّهُم عَتَوا عَلَی اللّهِ،ومَشی بَعضُهُم إلی بَعضٍ وقالوا:اِعقِرُوا هذِهِ النّاقَةَ وَاستَریحوا مِنها،لا نَرضی أن یَکونَ لَنا شِربُ یَومٍ ولَها شِربُ یَومٍ،ثُمَّ قالوا:مَنِ الَّذی یَلی قَتلَها ونَجعَلَ لَهُ جُعلاً (1)ما أحَبَّ؟فَجاءَهُم رَجُلٌ أحمَرُ...شَقِیٌّ مِنَ الأَشقِیاءِ مَشؤومٌ عَلَیهِم،فَجَعَلوا لَهُ جُعلاً،فَلَمَّا تَوَجَّهَتِ النّاقَةُ إلَی الماءِ الَّذی کانَت تَرِدُهُ،تَرَکَها حَتّی شَرِبَتِ الماءَ وأَقبَلَت راجِعَةً،فَقَعَدَ لَها فی طَریقِها فَضَرَبَها بِالسَّیفِ ضَربَةً فَلَم تَعمَل شَیئاً،فَضَرَبَها ضَربَةً اخری فَقَتَلَها،وخَرَّت إلَی الأَرضِ عَلی جَنبِها، وهَرَبَ فَصیلُها حَتّی صَعِدَ إلَی الجَبَلِ،فَرَغی ثَلاثَ مَرّاتٍ إلَی السَّماءِ،وأَقبَلَ قَومُ صالِحٍ،فَلَم یَبقَ أحَدٌ مِنهُم إلّاشَرِکَهُ فی ضَربَتِهِ،وَاقتَسَموا لَحمَها فیما بَینَهُم،فَلَم یَبقَ مِنهُم صَغیرٌ ولا کَبیرٌ إلّاأکَلَ مِنها.
فَلَمّا رَأی ذلِکَ صالِحٌ أقبَلَ إلَیهِم فَقالَ:یا قَومِ! ما دَعاکُم إلی ما صَنَعتُم؟أعَصَیتُم رَبَّکُم؟
فَأَوحَی اللّهُ تَبارَکَ وتَعالی إلی صالِحٍ علیه السلام:إنَّ قَومَکَ قَد طَغَوا وبَغَوا،وقَتَلوا ناقَةً بَعَثتُها إلَیهِم حُجَّةً عَلَیهِم،ولَم یَکُن عَلَیهِم فیها ضَرَرٌ،وکانَ لَهُم مِنها أعظَمُ المَنفَعَةِ، فَقُل لَهُم:إنّی مُرسِلٌ عَلَیکُم عَذابی إلی ثَلاثَةِ أیّامٍ،فَإِن هُم تابوا ورَجَعوا قَبِلتُ تَوبَتَهُم وصَدَدتُ عَنهُم،وإن هُم لَم یَتوبوا ولَم یَرجِعوا بَعَثتُ عَلَیهِم عَذابی فِی الیَومِ الثَّالِثِ.
فَأَتَاهُم صالِحٌ علیه السلام فَقالَ لَهُم:یا قَومِ،إنّی رَسولُ رَبِّکُم إلَیکُم،وهُوَ یَقولُ لَکُم:
ص:127
إن أنتُم تُبتُم ورَجَعتُم وَاستَغفَرتُم،غَفَرتُ لَکُم وتُبتُ عَلَیکُم.فَلَمّا قالَ لَهُم ذلِکَ کانوا أعتی (1)ما کانوا وأَخبَثَ،وقالوا:یا صالِحُ! ائتِنا بِما تَعِدُنا إن کُنتَ مِنَ الصّادِقینَ (2)....
فَلَمّا کانَ نِصفُ اللَّیلِ أتاهُم جَبرَئیلُ علیه السلام فَصَرَخَ بِهِم صَرخَةً خَرَقَت تِلکَ الصَّرخَةُ أسماعَهُم،وفَلَقَت قُلوبَهُم،وصَدَعَت أکبادَهُم...فَماتوا أجمَعونَ فی طَرفَةِ عَینٍ...
فَأَصبَحوا فی دِیارِهِم ومَضاجِعِهِم مَوتی أجمَعینَ،ثُمَّ أرسَلَ اللّهُ عَلَیهِم مَعَ الصَّیحَةِ النّارَ مِنَ السَّماءِ،فَأَحرَقَتهُم أجمَعینَ.وکانَت هذِهِ قِصَّتَهُم. (3)
«إِذْ تَمْشِی أُخْتُکَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلی مَنْ یَکْفُلُهُ فَرَجَعْناکَ إِلی أُمِّکَ کَیْ تَقَرَّ عَیْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ قَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّیْناکَ مِنَ الْغَمِّ وَ فَتَنّاکَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِینَ فِی أَهْلِ مَدْیَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلی قَدَرٍ یا مُوسی » . (4)
الکتاب
«وَ اخْتارَ مُوسی قَوْمَهُ سَبْعِینَ رَجُلاً لِمِیقاتِنا فَلَمّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَکْتَهُمْ مِنْ
ص:128
قَبْلُ وَ إِیّایَ أَ تُهْلِکُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا إِنْ هِیَ إِلاّ فِتْنَتُکَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِی مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِیُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَیْرُ الْغافِرِینَ» . (1)
راجع:البقرة:54،92 و 93،النساء:153،الدخان:17-37.
الحدیث
11142. الإمام الباقر علیه السلام: إنَّ فیما ناجَی اللّهُ بِهِ موسی علیه السلام أن قالَ:یا رَبِّ ! هذَا السَّامِرِیُّ صَنَعَ العِجلَ،الخُوارُ مَن صَنَعَهُ؟فَأَوحَی اللّهُ تَبارَکَ وتَعالی إلَیهِ:أنَّ تِلکَ مِن فِتنَتی فَلا تُفصِحَنَّ عَنها. (2)
الکتاب
«وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ فَنادی فِی الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الظّالِمِینَ * فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّیْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ کَذلِکَ نُنْجِی الْمُؤْمِنِینَ» . (3)
الحدیث
11143. عیون أخبار الرضا علیه السلام عن علیّ بن محمّد بن الجهم: حَضَرتُ مَجلِسَ المَأمونِ وعِندَهُ الرِّضا عَلِیُّ بنُ موسی علیه السلام،فَقالَ لَهُ المَأمونُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،ألَیسَ مِن قَولِکَ إنَّ الأَنبِیاءَ مَعصومونَ؟قالَ:بَلی،قالَ:...فَأَخبِرنی عَن قَولِ اللّهِ عز و جل: «وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ» ؟
ص:129
فَقالَ الرِّضا علیه السلام:ذاکَ یونُسُ بنُ مَتّی علیه السلام «ذَهَبَ مُغاضِباً» لِقَومِهِ، «فَظَنَّ» بِمَعنَی استَیقَنَ «أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ» ؛أی لَن نُضَیِّقَ عَلَیهِ رِزقَهُ،ومِنهُ قَولُهُ عز و جل: «وَ أَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَیْهِ رِزْقَهُ» ؛أی (1)ضَیَّقَ وقَتَّرَ، «فَنادی فِی الظُّلُماتِ» -أی ظُلمَةِ اللَّیلِ وظُلمَةِ البَحرِ،وظُلمَةِ بَطنِ الحوتِ-: «أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الظّالِمِینَ» بِتَرکی مِثلَ هذِهِ العِبادَةِ الَّتی قَد فَرَّغتَنی لَها فی بَطنِ الحوتِ،فَاستَجابَ اللّهُ لَهُ وقالَ عز و جل: «فَلَوْ لا أَنَّهُ کانَ مِنَ الْمُسَبِّحِینَ* لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ» . (2)
فَقالَ المَأمونُ:للّهِ ِ دَرُّکَ (3)یا أبَا الحَسَنِ. (4)
الکتاب
«وَ هَلْ أَتاکَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلی داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغی بَعْضُنا عَلی بَعْضٍ فَاحْکُمْ بَیْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا إِلی سَواءِ الصِّراطِ * إِنَّ هذا أَخِی لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِیَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَکْفِلْنِیها وَ عَزَّنِی فِی الْخِطابِ * قالَ لَقَدْ ظَلَمَکَ بِسُؤالِ نَعْجَتِکَ إِلی نِعاجِهِ وَ إِنَّ کَثِیراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَیَبْغِی بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ قَلِیلٌ ما هُمْ وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ راکِعاً وَ أَنابَ * فَغَفَرْنا لَهُ ذلِکَ وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفی وَ حُسْنَ مَآبٍ» . (5)
ص:130
الحدیث
11144. الإمام الرضا علیه السلام -فی رَدِّ نِسبَةِ الإِثمِ إلی داوودَ علیه السلام-:إنَّ داوودَ إنَّما ظَنَّ أن ما خَلَقَ اللّهُ عز و جل خَلقاً هُوَ أعلَمُ مِنهُ،فَبَعَثَ اللّهُ عز و جل إلَیهِ المَلَکَینِ فَتَسَوَّرَا المِحرابَ فَقالا:
«خَصْمانِ بَغی بَعْضُنا عَلی بَعْضٍ فَاحْکُمْ بَیْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا إِلی سَواءِ الصِّراطِ* إِنَّ هذا أَخِی لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِیَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَکْفِلْنِیها وَ عَزَّنِی فِی الْخِطابِ» ، فَعَجَّلَ داوودُ علیه السلام عَلَی المُدَّعی عَلَیهِ فَقالَ: «لَقَدْ ظَلَمَکَ بِسُؤالِ نَعْجَتِکَ إِلی نِعاجِهِ» ،ولم یَسأَلِ المُدَّعِیَ البَیِّنَةَ عَلی ذلِکَ،ولَم یُقبِل عَلَی المُدَّعی عَلَیهِ فَیَقولَ لَهُ:ما تَقولُ؟ فَکانَ هذا خَطِیئَةَ حُکمِهِ،لا ما ذَهَبتُم إلَیهِ.
ألا تَسمَعُ قَولَ اللّهَ عز و جل یَقولُ: «یا داوُدُ إِنّا جَعَلْناکَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ» إلی آخِرِ الآیَةِ؟ (1)
الکتاب
«وَ لَقَدْ فَتَنّا سُلَیْمانَ وَ أَلْقَیْنا عَلی کُرْسِیِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ» . (2)
«وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّیاطِینُ عَلی مُلْکِ سُلَیْمانَ وَ ما کَفَرَ سُلَیْمانُ وَ لکِنَّ الشَّیاطِینَ کَفَرُوا یُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَی الْمَلَکَیْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ وَ ما یُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّی یَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَکْفُرْ فَیَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما یُفَرِّقُونَ بِهِ بَیْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ ما هُمْ بِضارِّینَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَ یَتَعَلَّمُونَ ما یَضُرُّهُمْ وَ لا یَنْفَعُهُمْ وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ» . (3)
ص:131
«وَ داوُدَ وَ سُلَیْمانَ إِذْ یَحْکُمانِ فِی الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِیهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ کُنّا لِحُکْمِهِمْ شاهِدِینَ* فَفَهَّمْناها سُلَیْمانَ وَ کُلاًّ آتَیْنا حُکْماً وَ عِلْماً وَ سَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ یُسَبِّحْنَ وَ الطَّیْرَ وَ کُنّا فاعِلِینَ » . (1)
الحدیث
11145. تفسیر القمّی: «لَقَدْ فَتَنّا سُلَیْمانَ وَ أَلْقَیْنا عَلی کُرْسِیِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ * قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی وَ هَبْ لِی مُلْکاً لا یَنْبَغِی لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِی إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهّابُ » ؛وهُوَ أنَّ سُلَیمانَ لَمّا تَزَوَّجَ بِالیَمانِیَّةِ وُلِدَ مِنهَا ابنٌ وکانَ یُحِبُّهُ،فَنَزَلَ مَلَکُ المَوتِ عَلی سُلَیمانَ وکانَ کَثیراً ما یَنزِلُ عَلَیهِ،فَنَظَرَ إلَی ابنِهِ نَظَراً حَدیداً،فَفَزِعَ سُلَیمانُ مِن ذلِکَ،فَقالَ لِاُمِّهِ:إنَّ مَلَکَ المَوتِ نَظَرَ إلَی ابنی نَظرَةً أظُنُّهُ قَد امِرَ بِقَبضِ روحِهِ.فَقالَ لِلجِنِّ وَالشَّیاطینِ:هَل لَکُم حیلَةٌ فی أن تُفِرّوهُ مِنَ المَوتِ؟
فَقالَ واحِدٌ مِنهُم:أنَا أضَعُهُ تَحتَ عَینِ الشَّمسِ فِی المَشرِقِ،فَقالَ سُلَیمانُ:إنَّ مَلَکَ المَوتِ یُخرِجُ ما بَینَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ.فَقالَ واحِدٌ مِنهُم:أنَا أضَعُهُ فِی الأَرضِ السّابِعَةِ،فَقالَ:إنَّ مَلَکَ المَوتِ یَبلُغُ ذلِکَ.فَقالَ آخَرُ:أنَا أضَعُهُ فِی السَّحابِ وَالهَواءِ.
فَرَفَعَهُ ووَضَعَهُ فِی السَّحابِ.
فَجاءَ مَلَکُ المَوتِ فَقَبَضَ روحَهُ فِی السَّحابِ،فَوَقَعَ جَسَدُهُ مَیِّتاً عَلی کُرسِیِّ سُلَیمانَ،فَعَلِمَ أنَّهُ قَد أخطَأَ،فَحَکَی اللّهُ ذلِکَ فی قَولِهِ: «وَ أَلْقَیْنا عَلی کُرْسِیِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ* قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی وَ هَبْ لِی مُلْکاً لا یَنْبَغِی لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِی إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهّابُ* فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّیحَ تَجْرِی بِأَمْرِهِ رُخاءً حَیْثُ أَصابَ » (2). (3)
11146. مجمع البیان: رُوِیَ أنَّ الجِنَّ وَالشَّیاطینَ لَمّا وُلِدَ لِسُلَیمانَ علیه السلام ابنٌ،قالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ:
ص:132
إن عاشَ لَهُ وَلَدٌ لَنَلقَیَنَّ مِنهُ ما لَقینا مِن أبیهِ مِنَ البَلاءِ.فَأَشفَقَ علیه السلام مِنهُم عَلَیهِ، فَاستَرضَعَهُ فِی المُزنِ؛وهُوَ السَّحابُ.فَلَم یُشعِر إلّاوقَد وُضِعَ عَلی کُرسِیِّهِ مَیِّتاً؛ تَنبیهاً عَلی أنَّ الحَذَرَ لا یَنفَعُ عَنِ القَدَرِ،فَإِنَّما عوتِبَ علیه السلام عَلی خَوفِهِ مِنَ الشَّیاطینِ.
عَنِ الشَّعبِیِّ،وهُوَ المَروِیُّ عَن أبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام. (1)
الکتاب
«وَ أَیُّوبَ إِذْ نادی رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنِیَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِینَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَکَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَیْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِکْری لِلْعابِدِینَ» . (2)
«وَ اذْکُرْ عَبْدَنا أَیُّوبَ إِذْ نادی رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ» . (3)
الحدیث
11147. الإمام الصادق عن أبیه علیهما السلام: إنَّ أیّوبَ علیه السلام ابتُلِیَ مِن غَیرِ ذَنبٍ،وإنَّ الأَنبِیاءَ لا یُذنِبونَ؛ لِأَ نَّهُم مَعصومونَ مُطَهَّرونَ،لا یُذنِبونَ ولا یَزیغونَ،ولا یَرتَکِبونَ ذَنباً صَغیراً ولا کَبیراً.
وقالَ علیه السلام:إنَّ أیّوبَ علیه السلام مَعَ جَمیعِ مَا ابتُلِیَ بِهِ لَم یُنتِن لَهُ رائِحَةٌ،ولا قَبُحَت لَهُ صورَةٌ،ولا خَرَجَت مِنهُ مِدَّةٌ (4)مِن دَمٍ ولا قَیحٍ،ولَا استَقذَرَهُ أحَدٌ رَآهُ،ولَا استَوحَشَ مِنهُ أحَدٌ شاهَدَهُ،ولا یُدَوَّدُ شَیءٌ مِن جَسَدِهِ،وهکَذا یَصنَعُ اللّهُ عز و جل بِجَمیعِ مَن یَبتَلیهِ
ص:133
مِن أنبِیائِهِ وأَولِیائِهِ المُکَرَّمینَ عَلَیهِ،وإنَّمَا اجتَنَبَهُ النّاسُ لِفَقرِهِ وضَعفِهِ فی ظاهِرِ أمرِهِ؛لِجَهلِهِم بِما لَهُ عِندَ رَبِّهِ-تَعالی ذِکرُهُ-مِنَ التَّأییدِ وَالفَرَجِ.
وقَد قالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:«أعظَمُ النّاسِ بَلاءً الأَنبِیاءُ،ثُمَّ الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ».وإنَّمَا ابتَلاهُ اللّهُ عز و جل بِالبَلاءِ العَظیمِ الَّذی یَهونُ مَعَهُ عَلی جَمیعِ النّاسِ؛لِئَلّا یَدَّعوا لَهُ الرُّبوبِیَّةَ إذا شاهَدوا ما أرادَ اللّهُ أن یوصِلَهُ إلَیهِ مِن عَظائِمِ نِعَمِهِ مَتی شاهَدوهُ؛لِیَستَدَلّوا بِذلِکَ عَلی أنَّ الثَّوابَ مِنَ اللّهِ تَعالی ذِکرُهُ عَلی ضَربَینِ:استِحقاقٍ وَاختِصاصٍ؛ولِئَلّا یَحتَقِروا ضَعیفاً لِضَعفِهِ،ولا فَقیراً لِفَقرِهِ،ولا مَریضاً لِمَرَضِهِ.
ولِیَعلَموا أنَّهُ یُسقِمُ مَن یَشاءُ،ویَشفی مَن یَشاءُ مَتی شاءَ کَیفَ شاءَ بِأَیِّ سَبَبٍ شاءَ،ویَجعَلُ ذلِکَ عِبرَةً لِمَن یَشاءُ،وشَقاوَةً لِمَن یَشاءُ،وسَعادَةً لِمَن یَشاءُ،وهُوَ فی جَمیعِ ذلِکَ عَدلٌ فی قَضائِهِ،وحَکیمٌ فی أفعالِهِ،لا یَفعَلُ بِعِبادِهِ إلَّاالأَصلَحَ لَهُم،ولا قُوَّةَ لَهُم إلّابِهِ. (1)
11148. الإمام الصادق علیه السلام: ابتُلِیَ أیّوبُ علیه السلام سَبعَ سِنینَ بِلا ذَنبٍ. (2)
11149. عنه علیه السلام: إنَّ اللّهَ تَبارَکَ وتَعالَی ابتَلی أیُّوبَ علیه السلام بِلا ذَنبٍ،فَصَبَرَ حَتّی عُیِّرَ (3)،وإنَّ الأَنبِیاءَ لا یَصبِرونَ عَلَی التَّعییرِ. (4)
ص:134
کلام حول ابتلاءات الأنبیاء (1)
یستلزم الابتلاء والشدة نوعاً من الإنهاک والضرر والتغیّر الظاهری من جهة،وهما من جهة اخری أساس الاختبار والامتحان.والضغوط المولدة للصبر والمرسخة للإرادة،تؤدّی إلی تعزیز الروح،کما أنّها توجب تمرّس الجسم واستقامته وزوال الکسل عنه.وبناءً علی ذلک فإنّ الابتلاء هو مصنع للرجال،وأساس تجلّی حقیقة الإنسانیة وتنمیتها.
ولذلک فإنّ اللّه-تعالی-قد عمّ بابتلاءاته جمیع الأنبیاء والأولیاء علیه السلام فأصبحوا مشمولین بألطافه الخفیة وعنایاته الخاصة.بحیث جاء فی الروایات بناء علی قاعدة «البلاء للولاء»:
أعظَمُ النّاسِ بَلاءً الأَنبِیاءُ ثُمَّ الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ. (2)
کما نقل عن أشرف الرسل صلی الله علیه و آله قوله:
ما اوذَیَ نَبِیٌّ مِثلَ ما اوذیتُ. (3)
ص:135
ورغم أنّ الأصل فی الابتلاء الاختبار بالمصائب والشدائد.ولکن نظراً إلی أنّ النعمة والرخاء یسببان الغفلة،وأنّ النجاح فی الاختبار فی مثل هذه الظروف هو- عادة-أصعب من النجاح فی الشدائد،فقد استخدمت مادة الابتلاء فی الکتاب والسنّة فی مواضع بمعنی الابتلاء بالمسرّات والنعم أحیاناً.
وعلی هذا الأساس،فإنّ قسماً من اختبارات الأنبیاء وابتلاءاتهم یکون بالنعم والمسرّات فضلاً عن الحجم الهائل من الامتحان والابتلاء بالمصاعب والمحن.
ویقدّم لنا القرآنُ الکریم فی هذا المجال أمثلة حول ابتلاءات الأنبیاء علیهم السلام، والمواضع التالیة جدیرة بالتأمّل والتعمّق فی هذا المجال:
آدم هو أبو الذریة القائمة من البشریة فی الأرض،وأوّل رسول إلهی بُعث علیها.
وکان قد خلق للأرض منذ البدء،وکان اللّه تعالی قد قدّر له مع زوجه بعد الهبوط إلی الأرض التی هی دار التکلیف والامتحان،أن یجرّب مرحلة الحیاة التجریبیة فی جنّة مفعمة بالهناء والراحة وأنواع النعم باعتباره إنموذجاً للإنسان،لا باعتباره إنساناً معصوماً،و أن تجذبهما المغریات الجسدیّة والأرضیة نحو الشجرة المحرمة ویأکلا منها متأثّرین بقَسَم الشیطان ووساوسه،و أن یُخرَجا منها ویبتلیا بالحیاة فی دار العناء والمحنة؛کی یجرّبا هذه الحقیقة وهی أنّهما إذا ارتکبا المعصیة فی دار التکلیف،فإنّهما سوف یبتلیان فی الدار التالیة،أی الآخرة بحیاة بالغة الشدّة وحافلة بالمعاناة والعذاب،فضلاً عن هذه الدار.
وقد أوقعت محنة الحرمان من الجنة الاُولی آدمَ بعد خروجه من الجنة والهبوط إلی الأرض،بالابتلاءات والشدائد إلی درجة بحیث إنّ ذلک أبکاه دهراً طویلاً حتی عُدّ من البکّائین.
ص:136
ومن الآلام والابتلاءات التی ابتُلی بها آدم علیه السلام:
1.الاقتراب من الشجرة المنهی عنها،قبل الهبوط إلی دار التکلیف. (1)
2.الابتلاء بوساوس الشیطان وتسویلاته. (2)
3.الفجیعة بشهادة هابیل ومرارة ضلال قابیل. (3)
4.عداء الشیطان المستمرّ لآدم وزوجه وأولاده. (4)
5.الحیاة الأرضیّة بعد الهبوط من الجنة. (5)
6.نزول الشریعة والتکلیف بعد الهبوط إلی الأرض. (6)
7.موت الأعزّاء وفراقهم والانفصال عنهم. (7)
ذکره اللّه تعالی فی القرآن فی موضعین:
أ-الآیة 56 من سورة مریم.
ب-الآیة 85 من سورة الأنبیاء.فقد ذکره اللّه إلی جانب أنبیاء صابرین مثل:
أیّوب،إسماعیل،ذی الکفل،ثمّ وصفهم کلهم قائلاً:
«کُلٌّ مِنَ الصّابِرِینَ» . (8)
ص:137
ثم ذکر من بعده ذا النون أیضاً-أی یونس الذی ابتُلی بالحبس فی بطن الحوت- وزکریّا ومریم وابتلاءاتها.وتشیر هذه الآیات إلی أنّ نصیب إدریس من هذه الابتلاءات والشدائد التی نزلت علی الأنبیاء کان أکثر وأعظم.
لقد کانت حیاتُه کرسول یضطلع بأعباء الرسالة لأکثر من ألف سنة بین قوم متعنّتین ومتمرّدین ومستکبرین ومعاندین والتی لم یُعرف عنها سوی 950 سنة التی کانت قبل الطوفان،حافلةً بالمواقف الصعبة والمریرة ومفعمة بالتحدّیات.ویشیر القرآن الکریم فی مواضع عدیدة إلی ابتلاءات سیدنا نوح علیه السلام لتطیب نفس رسول اللّه صلی الله علیه و آله ولتکون مواساةً لهذه الاُمّة،ومن هذه المواضع:
1.فداحة عبء الرسالة والشریعة المستقلّة. (1)
2.استکبار قومه،وتمرّدهم وعنادهم وتکذیبهم لرسالته. (2)
3.الصبر والثبات علی الرسالة لأکثر من ألف سنة. (3)
4.تحمّل استهزاء قومه به وبأتباعه. (4)
5.إهانة قومه واحتقارهم للمؤمنین به. (5)
6.ضلال ابنه وهلاکه. (6)
7.کفر زوجته وتعاونها مع الکفار وخیانتها وعرقلتها لإبلاغ الرسالة. (7)
ص:138
إنّ بعض السحرة ومفسّری الأحلام فی بلاط نمرود کانوا یتنبّؤون بولادة طفل سوف یقوّض دعائم مُلک نمرود،ولهذا فقد أمَرَ نمرود أن یحولوا دون حمل النساء لفترة.
وقد ولد إبراهیم علیه السلام فی هذه الحقبة الزمنیة،ونشأ وترعرع فی الخفاء وتحت ظروف صعبة،وبُعث وهو فی عنفوان شبابه برسالة فی غایة الخطورة،وقد واصل کفاحه ضد عبادة الأوثان ومن أجل إقامة التوحید وترسیخه وإقامة القیم التوحیدیة حتی عرف بأبی الأمم الموحدة.ولم یثنه عن ذلک نار نمرود العظیمة التی قذفه فیها،ولا تعرّضه للأذی هو وأتباعه ولا أسر بعض أتباعه،ولا التغرّب عن وطنه بابل.
ولم یکن له ولد حتّی بلوغه المئة من عمره،فرزقه اللّه تعالی إسماعیل.ثم إنّه أسکن إسماعیل واُمّه بأمرٍ من اللّه تعالی فی أرض مکّة القاحلة والفاقدة لظروف الحیاة والعیش،علی إثر حسد زوجته سارة لهما،و ذلک کی تترسخ اسس العبودیة وإقامة الصلاة.فلمّا شبَّ إسماعیلُ امر إبراهیم بأن یذبح ابنه إسماعیل وهو فی ریعان شبابه.وکلّ ذلک ما هو إلا جانبٌ ضئیل من ابتلاءات إبراهیم علیه السلام الکثیرة.ومن جملة الابتلاءات التی ذکرت فی القرآن الکریم بشأن إبراهیم الخلیل علیه السلام:
1.الثورة ضدّ عبادة الأوثان وتحمّل تبعات ذلک وآثاره. (1)
2.الجهاد لتحریر النبی لوط علیه السلام من أسر الکفار. (2)
3.الهجرة من مسقط رأسه إلی بلاد بعیدة من أجل متابعة مسؤولیة الرسالة. (3)
4.الانفصال عن زوجته وأولاده وترکهم فی أرض تفتقر إلی مقوّمات الحیاة،
ص:139
من طاعة لأمر اللّه ولأجل تشریع الصلاة والتعالیم الدینیة الاُخری. (1)
5.تنفیذ أمر اللّه والإقدام علی ذبح إسماعیل علیه السلام. (2)
وردت فی بدایة الحدیث عن ابتلاءات إبراهیم علیه السلام إشارات إلی أرضیة ابتلاءات إسماعیل.ولا یدلّ تخصیص لقب«ذبیح اللّه»لإسماعیل،إلّاعلی فصل من ابتلاءات هذا النبی المرسل والإمام الإلهی المصطفی.ومن جملة الابتلاءات التی یشیر إلیها القرآن الکریم بشأن إسماعیل علیه السلام:
1.تحمّل قضاء عهد الطفولة وعهود الحیاة الاُخری بعیداً عن الأب فی أرضٍ قاحلة وصخریّة. (3)
2.قبول الذبح بید الأب. (4)
کان یعقوب علیه السلام یواصل کأبیه إسحاق علیه السلام شریعة جدّه إبراهیم علیه السلام وسننه وسیرته.
ورغم أنّه لم یواجه من المشاکل بنفس المستوی الذی واجهه إبراهیم ومن نفس النوع،إلّاأنّ السنّة الإلهیّة واللطف الإلهی العظیم کانا یقتضیان أن یُبتلی یعقوب أیضاً بأشکال اخری من الابتلاءات الشدیدة رغم الاحترام الذی کان یتمتّع به بین قومه.
ومن هذه الابتلاءات:
1.فراق یوسف علیه السلام. (5)
ص:140
2.خیانة أولاده وجفاؤهم الطویل له. (1)
3.أسر بنیامین. (2)
4.ابتلاؤه بفقد البصر علی إثر بکائه المتواصل لفراق یوسف علیه السلام. (3)
اقتضی تقدیر اللّه الحکیم أن یُتهّم یوسف الجمیل الوجه ومحبوب أبیه فی السنین الاُولی من طفولته بالسرقة من قبل عمّته التی کانت تحبّه حبّاً بالغاً لیتسنّی لها بذلک فصله عن أبیه والاحتفاظ به عندها.
ونظراً لِما تمتّع به یوسف من الأدب والجمال والکمالات الذاتیة الاُخری،ولِما قُدّر له من نور النبوّة والولایة الإلهیة أیضاً،فقد ابتلاه اللّه بحبّ عظیم من قبل أبیه وبحسد إخوته وأذاهم له،لیکون ذلک منطلقاً للابتلاءات التی تعرّض لها فیما بعد؛ فإذا به یلقی فی البئر،ویباع کعبد،ویسجن بعد سنین طولیة من العبودیة،ولا ذنب له فی ذلک سوی تقواه وعفته.إلّاأنّ هذه الابتلاءات کانت بمقتضی السنّة الإلهیة التی لا تقبل التغییر،مقدمة لنعم کبیرة،وبذلک فقد خرج یوسف الصدّیق والعفیف من السجن أبیض الوجه ومرفوع الرأس لیصبح عزیز مصر،لتصبح هذه السلطة والقدرة الواسعة أرضیّة لرفض عبادة الأوثان وازدهار التوحید وإقامة القیم التوحیدیة.
من الابتلاءات المذکورة فی القرآن الکریم بشأن یوسف علیه السلام یمکن الإشارة إلی ما یلی:
ص:141
1.اتّهامه بالسرقة. (1)
2.حسد إخوته وجفاؤهم له والتآمر علی قتله. (2)
3.الانفصال عن الأب والاُسرة. (3)
4.تحمّل سنوات الرقّ والعبودیّة. (4)
5.محاربة النفس ووساوس الشیطان وإلحاح زوجة عزیز مصر ونساء البلاط الاُخریات مع ممارسة الضغوط علیه وإلحاق الأذی به. (5)
6.تحمل بهتان خیانة عزیز مصر فی شرفه. (6)
7.سنوات السجن الطویلة المثقلة بالمعاناة والمشقّة،دون ارتکاب أدنی جریمة. (7)
8.تقبّل عبء المسؤولیّة فی دولة الفراعنة لإقامة دیانة التوحید. (8)
بُغیة التعرّف علی أبعاد ابتلاءات موسی علیه السلام قائد بنی إسرائیل ومنقذهم،ینبغی الالتفات إلی ملاحظتین:
أ-إن القرآن الکریم لم یذکر أیّ قوم من الأقوام السابقة بمقدار ذکره لبنی
ص:142
إسرائیل.وإنّ دراسة الزوایا المختلفة والمعقدة والعجیبة لهؤلاء القوم تُظهر لنا صورة تجمع أنواع مختلفة من الرذائل الأخلاقیة.
ب-سلطة فرعون مصر والأقباط الکفرة والظالمین علی جمیع زوایا امور بنی إسرائیل وشؤونهم ونوع التعامل معهم.
وهاتان الملاحظتان من شأنهما أن تکشفا عن حجم ابتلاءات موسی الکلیم وعمقها بشکل إجمالی،ومنها:
1.ابتلاء قوم موسی واُسرته بعهد حفل بالإرهاب والضغوط،وقتل الأجنّة والأطفال الرضع. (1)
2.مشاهداته المتواصلة لمظاهر الظلم والحرمان التی کان یتعرّض لها قومه علی ید أصحاب فرعون والأقباط. (2)
3.الهروب من مصر إلی مدین،علی إثر مخطّط اتباع فرعون لقتله. (3)
4.سنوات الرعی التی قضاها موسی فی مِدیَن،بعد حیاته فی قصر فرعون. (4)
5.العداوات المستمرة من قبل أصحاب فرعون لموسی ونقضهم العهود معه فی عهد رسالته. (5)
6.اضطهاد موسی علیه السلام وقومه وإلحاق الأذی بهم. (6)
7.الابتلاء بقومٍ متمرّدین،أنانیّین یتذرّعون بالذرائع المختلفة ویطلبون المزید. (7)
ص:143
8.خذلان موسی وترکه وحیداً مع عدوّه فی الجهاد والتخلّی عن نصرته. (1)
واجه یونس بن متّی علیه السلام فی المرحلة الاُولی من نبوّته تکذیب قومه وتمرّدهم،فلم یؤمن به إلّاالقلیل،عندها یئس شیئاً فشیئاً من هدایة من بقی من امّته وإصلاحهم ودعا علیهم بالعذاب،فنزل الوحیُ علی یونس علیه السلام متوعّداً قومه بالعذاب،فأبلغ قومَه بذلک وفارقهم وقد استولی علیه الغضب.
إلّا أنّ عالِماً ربانیاً من المؤمنین بیونس کان قد رأی علامات العذاب فی السماء،فترحّم علی قومه وأیقن بالخطر،ووعظهم من خلال لفت أنظارهم إلی الغیوم المتراکمة والمشتملة علی العذاب ودعاهم إلی التوبة الجماعیة.
فآتت جهوده ثمارها،وحبس اللّه تعالی عنهم العذاب المنزل بعد قبولهم دین التوحید والتوبة والإنابة إلی اللّه تعالی،وعاد یونس علیه السلام إلیهم مرّة اخری لهدایتهم وقیادتهم.
إلّا أن هناک ابتلاءً شدیداً حاق بیونس علیه السلام خلال هذه المدّة،وقد زاد هذا الابتلاء من صبره وجعله أکثر نجاحاً فی قیادة الجیل الجدید من قومه.
ومن الابتلاءات البارزة التی حدثت لیونس علیه السلام:
1.تحمّل عبء الرسالة إلی قوم لم یکونوا یذعنون للبراهین والمواعظ. (2)
2.التقام الحوت له،بعد غضبه علی قومه وترکه لهم. (3)
ص:144
هیّأ جهادُ داود تحت رایة طالوت مقابل جالوت،ومقتل قائد الکفر وزعیمه حیث تمّ ذلک علی أساس الإیمان والتوکّل مع الدرایة والقوّة والمهارة،الظروفَ العامّةَ لحکم هذا الزعیم الإلهی والشاب الورع،لیتسنّی للمؤمنین من بنی إسرائیل أن یدافعوا تحت لوائه علیه السلام عن کیانهم من شرّ الکافرین،إلّاأنّه وکما تقدّمت الإشارة إلیه فی ابتلاءات موسی علیه السلام أنّ خصوصیات بنی إسرائیل الأخلاقیة والسلوکیة،مضافاً إلیه مرور ردح طویل من عمر داود علیه السلام فی مجاهدة الکفار وقتالهم،کلّ ذلک یکفی لأن نطّلع بشکل إجمالی علی الجانبین الکمّی والکیفی لقسم من ابتلاءات ذلک القائد الإلهی العظیم.ومنها:
1.الجهاد فی مقابل جالوت وسائر الکفّار والظالمین. (1)
2.الابتلاء الإلهی الصعب فی القضیّة الرمزیّة المتمثّلة فی الحکم بین أصحاب النعاج. (2)
3.مسؤولیّة الإمامة والحکم فضلاً عن المسؤولیة الفادحة للرسالة. (3)
نظراً إلی أن خلافة سلیمان علیه السلام لأبیه داود علیه السلام ترتبط بعهد استقرار الحکومة،فإنّ الجهاد والحروب لم یکن یکتنفها مثل تلک المشکلات؛لامتداد ملکه فی الأقالیم العدیدة وفی منطقة مترامیة الأطراف،وخضوع الجنّ والإنس والطیر والحیوانات الاُخری له؛إلّاأن مشاکل إدارة ذلک الملک العظیم والمنقطع النظیر یجب اعتبارها من نوعها،ذلک لأنّ الحکّام کانوا یوظّفون تجارب نظرائهم فی إدارة ملکهم؛ولکن
ص:145
سلیمان علیه السلام الذی کان یری نفسه مقیداً بالالتزام بالقسط والعدالة ورعایة مکارم الأخلاق باعتباره عبداً إلهیّاً صالحاً،لم یکن باستطاعته أن یوظّف تجارب أحد فی تسییر امور ملکه وإدارة الطوائف المختلفة من الشیاطین والحیوانات؟!
وفضلاً عن ذلک،فإنّ مهمّة قیادة بنی إسرائیل کانت لها مشاکلها الخاصّة بها.
ولعلّنا یمکن أن نعتبر الابتلاء بالنعم أکبر ابتلاءات سلیمان علیه السلام؛ذلک لأنّ الأحادیث تُفید بأنّ الابتلاء بالملک والنفوذ والنعمة أشدّ وأصعب بمرّات من الابتلاء بالمصاعب التی تتطلّب الصبر وتربّی الرجال،بسبب اقتران النعم بالغفلة.
ومن أبرز الابتلاءات التی واجهها سلیمان علیه السلام:
1.فتنة سحر السحرة والشیاطین. (1)
2.الابتلاء الشدید بالملک العظیم والمنقطع النظیر. (2)
3.موت الابن. (3)
بلغ أیّوب علیه السلام درجة رفیعة فی الصبر والحلم وکظم الغیظ بحیث غدا مضرباً للأمثال.
وقد کان یتمتع بالنعمة والعافیة فی بدایة حیاته،وکلّما ازدادت نعمته ازداد شکره، ولذلک فقد بلغ مکانة شامخة فی الشکر.إلّاأن اللّه تعالی ابتلاه بعد ذلک لمدّة سبع سنوات بأشدّ أنواع المشاکل والابتلاءات العسیرة،فلم یزیده ذلک إلّاصبراً وحلماً، واستحق بذلک هذا المدح الإلهی العظیم:
«إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ» . (4)
ص:146
ومن الابتلاءات التی أشار إلیها القرآن الکریم بشأن أیّوب علیه السلام:
1.الفقر المدقع وشماتة الرهبان وأهل عصره. (1)
2.المرض المقترن بالمعاناة والألم الشدید. (2)
3.فقده لأبنائه. (3)
4.تغیّر أخلاق زوجته من ناحیته،وعدم وقوفها معه فی أصعب ظروف الابتلاءات. (4)
السیّد المسیح،هو ابن مریم العذراء،واُمّه التی کانت منذ طفولتها تحت کفالة زکریا علیه السلام،وکانت تتعرّض دوماً لحسد رهبان الیهود وأنواع أذاهم.
لقد کان حمل مریم وولادتها بشکل إعجازی ذریعة مناسبة لأن یشدّد الیهود أذاهم لها وضغوطهم علیها.وقد شهد المسیح منذ عهد طفولته مظلومیّة امّه،بل تعرّض هو أیضاً لأذی الأعداء.وفضلاً عن ذلک فإنّ الالتفات إلی ضغوط مجامیع کهنة الیهود وأذاهم لأفراد اسرته،وخاصة زکریا ویحیی علیهما السلام،من شأنه أن یکشف بشکل أفضل عن جو الحیاة المشحون بمظاهر الحرمان والابتلاءات.
واذا ما لاحظنا أن نبیّاً من أنبیاء اولی العزم حمل علی عاتقه عبء رسالة ثقیلة ومشتملة علی شریعة مستقلّة،نشأ فی مثل ذلک الوسط الاُسری المحروم والمتعرّض للأذی والاضطهاد،یُعلم إجمالاً مدی ما سوف یتعرّض له من أذی
ص:147
الأعداء الألدّاء والمعاندین،إلی أن آلَ المآلُ إلی أن یمنّ اللّه تعالی علیه بعد أن استمرّت مطاردته من قبل أعدائه بأن جعل عدوَّه اللدود والخائن-الذی کان یظهر بمظهر المحبّ والصدیق-یبدو لهم وکأنّه المسیح علیه السلام؛لکی یقبضوا علیه ویعاقبوه، ویرفعُ اللّه المسیح علیه السلام إلی السماء.
ومن الابتلاءات البارزة التی ابتُلی بها السید المسیح علیه السلام:
1.افتراء الیهود علیه وعلی امّه بشأن طهارة مولده. (1)
2.اضطهاد رؤساء الکنیسة له بشکل مستمرّ. (2)
3.مطاردته لتنفیذ مؤامرة قتله. (3)
ص:148
الکتاب
«وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْیَةِ الَّتِی کانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ یَعْدُونَ فِی السَّبْتِ إِذْ تَأْتِیهِمْ حِیتانُهُمْ یَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ یَوْمَ لا یَسْبِتُونَ لا تَأْتِیهِمْ کَذلِکَ نَبْلُوهُمْ بِما کانُوا یَفْسُقُونَ» . (1)
الحدیث
11150. الإمام زین العابدین علیه السلام -فی أصحابِ السَّبتِ-:کانَ هؤُلاءِ قَوماً یَسکُنونَ عَلی شاطِئِ بَحرٍ،نَهاهُمُ اللّهُ وأَنبِیاؤُهُ عَنِ اصطِیادِ السَّمَکِ فی یَومِ السَّبتِ،فَتَوَصَّلوا إلی حیلَةٍ لِیُحِلُّوا بِها لِأَنفُسِهِم ما حَرَّمَ اللّهُ،فَخَدُّوا أخادِیدَ وعَمِلوا طُرُقاً تُؤَدّی إلی حِیاضٍ یَتَهَیَّأُ لِلحِیتانِ الدُّخولُ فیها مِن تِلکَ الطُّرُقِ،ولا یَتَهَیَّأُ لَهَا الخُروجُ إذا هَمَّت بِالرُّجوعِ مِنها إلَی اللُّجَجِ (2)،فَجاءَتِ الحِیتانُ یَومَ السَّبتِ جارِیَةً عَلی أمانِ اللّهِ لَها، فَدَخَلَتِ الأَخادیدَ وحَصَلَت فِی الحِیاضِ وَالغُدرانِ.
فَلَمَّا کانَت عَشِیَّةَ الیَومِ هَمَّت بِالرُّجوعِ مِنها إلَی اللُّجَجِ لِتَأمَنَ صائِدَها،فَرامَتِ الرُّجوعَ فَلَم تَقدِر،واُبقِیَت لَیلَتَها فی مَکانٍ یَتَهَیَّأُ أخذُها یَومَ الأَحَدِ بِلَا اصطِیادٍ؛ لِاستِرسالِها فیهِ وعَجزِها عَنِ الاِمتِناعِ لِمَنعِ المَکانِ لَها،فَکانوا یَأخُذُونَها یَومَ الأَحَدِ ویَقولونَ:مَا اصطَدنا یَومَ السَّبتِ،إنَّمَا اصطَدنا فِی الأَحَدِ ! وکَذَبَ أعداءُ اللّهِ،بَل کانوا آخِذینَ لَها بِأَخادیدِهِمُ الَّتی عَمِلوها یَومَ السَّبتِ،حَتّی کَثُرَ مِن ذلِکَ مالُهُم وثَراؤُهُم،وتَنَعَّموا بِالنِّساءِ وغَیرِهِنَّ؛لِاتِّساعِ أیدیهِم بِهِ.
و کانوا فِی المَدینَةِ نَیِّفاً وثَمانینَ ألفاً،فَعَلَ هذا مِنهُم سَبعونَ ألفاً وأَنکَرَ
ص:149
عَلَیهِمُ الباقونَ،کَما قَصَّ اللّهُ تَعالی: «وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْیَةِ الَّتِی کانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ» الآیَةَ.
وذلِکَ أنَّ طائِفَةً مِنهُم وَعَظوهُم وزَجَرُوهُم،ومِن عَذابِ اللّهِ خَوَّفوهُم،ومِنِ انتِقامِهِ وشَدیدِ بَأسِهِ حَذَّرُوهُم،فَأَجابوهُم عَن وَعظِهِم: «لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِکُهُمْ» بِذُنوبِهِم هَلاکَ الاِصطِلامِ (1)«أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِیداً» .
فَأَجابُوا القائِلینَ لَهُم هذا: «مَعْذِرَةً إِلی رَبِّکُمْ» ؛هذَا القَولُ مِنّا لَهُم مَعذِرَةٌ إلی رَبِّکُم،إذ کَلَّفَنَا الأَمرَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهیَ عَنِ المُنکَرِ،فَنَحنُ نَنهی عَنِ المُنکَرِ لِیَعلَمَ رَبُّنا مُخالَفَتَنا لَهُم وکَراهَتَنا لِفِعلِهِم،قالوا: «وَ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ» (2)،ونَعِظُهُم أیضاً لَعَلَّهُم تَنجَعُ فیهِمُ المَواعِظُ فَیَتَّقوا هذِهِ الموبِقَةَ ویَحذَروا عُقوبَتَها.
قالَ اللّهُ تَعالی: «فَلَمّا عَتَوْا» ؛حادُّوا وأَعرَضوا وتَکَبَّرُوا عَن قَبولِهِمُ الزَّجرَ «عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ کُونُوا قِرَدَةً خاسِئِینَ» (3)مُبعَدینَ عَنِ الخَیرِ مُقصَینَ.
قالَ:فَلَمّا نَظَرَ العَشَرَةُ الآلافِ وَالنَّیِّفُ أنَّ السَّبعینَ ألفاً لا یَقبَلونَ مَواعِظَهُم ولا یَحفِلونَ بِتَخویفِهِم إیّاهُم وتَحذیرِهِم لَهُم،اعتَزَلوهُم إلی قَریَةٍ اخری قَریبَةٍ مِن قَریَتِهِم،وقالوا:نَکرَهُ أن یَنزِلَ بِهِم عَذابُ اللّهِ ونَحنُ فی خِلالِهِم.
فَأَمسَوا لَیلَةً فَمَسَخَهُمُ اللّهُ کُلَّهُم قِرَدَةً خاسِئینَ (4)،وبَقِیَ بابُ المَدینَةِ مُغلَقاً لا یَخرُجُ مِنهُ أحَدٌ ولا یَدخُلُهُ أحَدٌ.
وتَسامَعَ بِذلِکَ أهلُ القُری فَقَصَدُوهُم وتَسَنَّموا (5)حِیطانَ البَلَدِ فَاطَّلَعوا عَلَیهِم،فَإِذا
ص:150
هم کُلُّهُم-رِجالُهُم ونِساؤُهُم-قِرَدَةٌ یَموجُ بَعضُهُم فی بَعضٍ،یَعرِفُ هؤُلاءِ النّاظِرُونَ مَعارِفَهُم وقَراباتِهِم وخُلَطاءَهُم،یَقولُ المُطَّلِعُ لِبَعضِهِم:أنتَ فُلانٌ؟أنتِ فُلانَةُ؟فَتَدمَعُ عَینُهُ ویومِئُ بِرَأسِهِ بِلا أو نَعَم.
فَما زَالوا کَذلِکَ ثَلاثَةَ أیّامٍ،ثُمَّ بَعَثَ اللّهُ عز و جل عَلَیهِم مَطَراً ورِیحاً فَجَرَفَهُم إلَی البَحرِ، وما بَقِیَ مَسخٌ بَعدَ ثَلاثَةِ أیّامٍ،وأَمَّا (1)الَّذینَ تَرَونَ مِن هذِهِ المُصَوَّراتِ بِصُوَرِها فَإِنَّما هِیَ أشباهُها لا هِیَ بِأَعیَانِها ولا مِن نَسلِها. (2)
11151. تفسیر القمّی عن أبی عبیدة عن الإمام الباقر علیه السلام: وَجَدنا فی کِتابِ عَلِیٍّ علیه السلام:إنَّ قَوماً مِن أهلِ أیلَةَ (3)مِن قَومِ ثَمودَ،وإنَّ الحیتانَ کانَت سَبَقَت إلَیهِم یَومَ السَّبتِ لِیَختَبِرَ اللّهُ طاعَتَهُم فی ذلِکَ،فَشَرَعَت إلَیهِم یَومَ سَبتِهِم فی نادیهِم وقُدّامَ أبوابِهِم فی أنهارِهِم وسَواقیهِم،فَبادَروا إلَیها فَأَخَذوا یَصطادونَها،فَلَبِثوا فی ذلِکَ ما شاءَ اللّهُ،لا یَنهاهُم عَنهَا الأَحبارُ ولا یَمنَعُهُمُ العُلَماءُ مِن صَیدِها،ثُمَّ إنَّ الشَّیطانَ أوحی إلی طائِفَةٍ مِنهُم:
إنَّما نُهیتُم عَن أکلِها یَومَ السَّبتِ فَلَم تُنهَوا عَن صَیدِها،فَاصطادوا یَومَ السَّبتِ وکُلوها فیما سِوی ذلِکَ مِنَ الأَیّامِ.
فَقالَت طائِفَةٌ مِنهُم:الآنَ نَصطادُها،فَعَتَت (4)،وَانحازَت طائِفَةٌ اخری مِنهُم ذاتَ الیَمینِ،فَقالوا:نَنهاکُم عَن عُقوبَةِ اللّهِ أن تَتَعَرَّضوا لِخِلافِ أمرِهِ،وَاعتَزَلَت طائِفَةٌ مِنهُم ذاتَ الیَسارِ فَسَکَتَت فَلَم تَعظِهُم،فَقالَت لِلطّائِفَةِ الَّتی وَعَظَتهُم: «لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ
ص:151
مُهْلِکُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِیداً» ؟فَقالَتِ الطّائِفَةُ الَّتی وَعَظَتهُم: «مَعْذِرَةً إِلی رَبِّکُمْ وَ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ» .
قالَ:فَقالَ اللّهُ جَلَّ وعَزَّ: «فَلَمّا نَسُوا ما ذُکِّرُوا بِهِ» (1)؛یَعنی لَمّا تَرَکوا ما وُعِظوا بِهِ مَضَوا عَلَی الخَطیئَةِ،فَقالَتِ الطّائِفَةُ الَّتی وَعَظَتهُم:لا وَاللّهِ لا نُجامِعُکُم ولا نُبایِتُکُمُ اللَّیلَةَ فی مَدینَتِکُم هذِهِ الَّتی عَصَیتُمُ اللّهَ فیها؛مَخافَةَ أن یَنزِلَ بِکُمُ البَلاءُ فَیَعُمَّنا مَعَکُم.
قالَ:فَخَرَجوا عَنهُم مِنَ المَدینَةِ؛مَخافَةَ أن یُصیبَهُمُ البَلاءُ،فَنَزَلوا قَریباً مِنَ المَدینَةِ فَباتوا تَحتَ السَّماءِ،فَلَمّا أصبَحَ أولِیاءُ اللّهِ المُطیعونَ لِأَمرِ اللّهِ،غَدَوا لِیَنظُروا ما حالُ أهلِ المَعصِیَةِ،فَأَتَوا بابَ المَدینَةِ فَإِذا هُوَ مُصمِتٌ،فَدَّقوهُ فَلَم یُجابوا ولَم یَسمَعوا مِنها خَبَراً واحِداً (2)،فَوَضَعوا سُلَّماً عَلی سورِ المَدینَةِ ثُمَّ أصعَدوا رَجُلاً مِنهُم فَأَشرَفَ عَلَی المَدینَةِ،فَنَظَرَ فَإِذا هُوَ بِالقَومِ قِرَدَةً یَتَعاوَونَ.
فَقالَ الرَّجُلُ لِأَصحابِهِ:یا قَومِ! أری وَاللّهِ عَجَباً،قالوا:وما تَری؟قالَ:أرَی القَومَ قَد صاروا قِرَدَةً یَتَعاوَونَ ولَها أذنابٌ.فَکَسَرُوا البابَ.قالَ:فَعَرَفَتِ القِرَدَةُ أنسابَها مِنَ الإِنسِ ولَم تَعرِفِ الإِنسُ أنسابَها مِنَ القِرَدَةِ،فَقالَ القَومُ لِلقِرَدَةِ:ألَم نَنهَکُم؟!
فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام:وَالَّذی فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ! إنّی لَأَعرِفُ أنسابَها مِن هذِهِ الاُمَّةِ، لا یُنکِرونَ ولا یُغَیِّرونَ،بَل تَرَکوا ما امِرُوا بِهِ فَتَفَرَّقوا،وقَد قالَ اللّهُ عز و جل: «فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِینَ» (3)،فَقالَ (4)اللّهُ: «أَنْجَیْنَا الَّذِینَ یَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَ أَخَذْنَا الَّذِینَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ
ص:152
بَئِیسٍ بِما کانُوا یَفْسُقُونَ» (1). (2)
11152. تفسیر الطبری عن ابن عبّاس: إنَّ اللّهَ إنَّمَا افتَرَضَ عَلی بَنی إسرائیلَ الیَومَ الَّذِی افتَرَضَ عَلَیکُم فی عیدِکُم یَومَ الجُمُعَةِ،فَخالَفوا إلَی السَّبتِ فَعَظَّموهُ وتَرَکوا ما امِروا بِهِ،فَلَمّا أبَوا إلّالُزومَ السَّبتِ ابتَلاهُمُ اللّهُ فیهِ،فَحَرَّمَ عَلَیهِم ما أحَلَّ لَهُم فی غَیرِهِ.
و کانوا فی قَریَةٍ بَینَ أیلَةَ وَالطّورِ یُقالُ لَها«مَدیَنَ»،فَحَرَّمَ اللّهُ عَلَیهِم فِی السَّبتِ الحیتانَ؛صَیدَها وأَکلَها،و کانوا إذا کانَ یَومُ السَّبتِ أقبَلَت إلَیهم شُرَّعاً إلی ساحِلِ بَحرِهِم،حَتّی إذا ذَهَبَ السَّبتُ ذَهَبنَ،فَلَم یَرَوا حوتاً صَغیراً ولا کَبیراً.حَتّی إذا کانَ یَومُ السَّبتِ أتَینَ إلَیهِم شُرَّعاً،حَتّی إذا ذَهَبَ السَّبتُ ذَهَبنَ.
فَکانوا کَذلِکَ،حَتّی إذا طالَ عَلَیهِمُ الأَمَدُ وقَرِموا (3)إلَی الحیتانِ،عَمَدَ رَجُلٌ مِنهُم فَأَخَذَ حوتاً-سِرّاً-یَومَ السَّبتِ فَخَزَمَهُ (4)بِخَیطٍ ثُمَّ أرسَلَهُ فِی الماءِ،وأَوتَدَ لَهُ وَتِداً فِی السّاحِلِ،فَأَوثَقَهُ ثُمَّ تَرَکَهُ،حَتّی إذا کانَ الغَدُ جاءَ فَأَخَذَهُ؛أی إنّی لَم آخُذهُ فی یَومِ السَّبتِ ! ثُمَّ انطَلَقَ بِهِ فَأَکَلَهُ.
حَتّی إذا کانَ یَومُ السَّبتِ الآخَرُ عادَ لِمِثلِ ذلِکَ،ووَجَدَ النّاسُ ریحَ الحیتانِ،فَقالَ أهلُ القَریَةِ:وَاللّهِ لَقَد وَجَدنا ریحَ الحیتانِ،ثُمَّ عَثَروا عَلی ما صَنَعَ ذلِکَ الرَّجُلُ.قالَ:
فَفَعَلوا کَما فَعَلَ،وأَکَلوا سِرّاً زَماناً طَویلاً،لَم یُعَجِّلِ اللّهُ عَلَیهِم بِعُقوبَةٍ حَتّی صادوها عَلانِیَةً وباعوها بِالأَسواقِ.
وقالَت طائِفَةٌ مِنهُم مِن أهلِ التَّقِیَّةِ:وَیَحکُمُ،اتَّقُوا اللّهَ ! ونَهَوهُم عَمّا کانوا
ص:153
یَصنَعونَ.وقالَت طائِفَةٌ اخری لَم تَأکُلِ الحیتانَ ولَم تَنهَ القومَ عَمّا صَنَعوا: «لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِکُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِیداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلی رَبِّکُمْ» لِسَخَطِنا أعمالَهُم «وَ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ» . (1)
الکتاب
«فَلَمّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِیکُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَیْسَ مِنِّی وَ مَنْ لَمْ یَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّی إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِیَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاّ قَلِیلاً مِنْهُمْ فَلَمّا جاوَزَهُ هُوَ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْیَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالَ الَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللّهِ کَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِیلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً کَثِیرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَ اللّهُ مَعَ الصّابِرِینَ» . (2)
الحدیث
11153. الإمام الباقر علیه السلام -فی قَولِ اللّهِ جَلَّ ذِکرُهُ: «إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِیکُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَیْسَ مِنِّی وَ مَنْ لَمْ یَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّی» -:فَشَرِبوا مِنهُ إلّاثَلاثَمِئَةٍ وثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً،مِنهُم مَنِ اغتَرَفَ ومِنهُم مَن لَم یَشرَب،فَلَمّا بَرَزوا قالَ الَّذینَ اغتَرَفوا: «لا طاقَةَ لَنَا الْیَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ» ،وقالَ الَّذینَ لَم یَغتَرِفوا: «کَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِیلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً کَثِیرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَ اللّهُ مَعَ الصّابِرِینَ» . (3)
11154. الإمام الصادق علیه السلام: القَلیلُ الَّذینَ لَم یَشرَبوا ولَم یَغتَرِفوا ثَلاثُمِئَةٍ وثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً،
ص:154
فَلَمّا جاوَزُوا النَّهَرَ ونَظَروا إلی جُنودِ جالوتَ،قالَ الَّذینَ شَرِبوا مِنهُ: «لا طاقَةَ لَنَا الْیَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ» ،وقالَ الَّذینَ لَم یَشرَبوا: «رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَیْنا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَی الْقَوْمِ الْکافِرِینَ» (1).فَجاءَ داودُ علیه السلام حَتّی وَقَفَ بِحِذاءِ جالوتَ،وکانَ جالوتُ عَلَی الفیلِ وعَلی رَأسِهِ التّاجُ،وفی [جَبهَتِهِ] (2)یاقوتٌ یَلمَعُ نورُهُ،وجُنودُهُ بَینَ یَدَیهِ،فَأَخَذَ داودُ مِن تِلکَ الأَحجارِ حَجَراً فَرَمی بِهِ فی مَیمَنَةِ جالوتَ،فَمَرَّ فِی الهَواءِ ووَقَعَ عَلَیهِم فَانهَزَموا،وأَخَذَ حَجَراً آخَرَ فَرمی بِهِ فی مَیسَرَةِ جالوتَ فَوَقَعَ عَلَیهِم فَانهَزَموا،ورَمی جالوتَ بِحَجَرٍ ثالِثٍ فَصَکَّ (3)الیاقوتَةَ فی جَبهَتِهِ ووَصَلَ إلی دِماغِهِ، ووَقَعَ إلَی الأَرضِ مَیِّتاً،فَهُوَ قَولُهُ: «فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّهِ وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَ آتاهُ اللّهُ الْمُلْکَ وَ الْحِکْمَةَ » (4). (5)
الکتاب
«یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ جاءَتْکُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ کانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیراً* إِذْ جاؤُکُمْ مِنْ فَوْقِکُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْکُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللّهِ الظُّنُونَا* هُنالِکَ ابْتُلِیَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِیداً» . (6)
ص:155
«أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّی یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتی نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِیبٌ» . (1)
الحدیث
11155. الإمام زین العابدین علیه السلام -فِی الصَّلاةِ عَلی أتباعِ الرُّسُلِ ومُصَدِّقیهِم-:اللّهُمَّ وأَصحابُ مُحَمَّدٍ خاصَّةً الَّذینَ أحسَنُوا الصَّحابَةَ،وَالَّذینَ أبلَوُا البَلاءَ الحَسَنَ فی نَصرِهِ، وکانَفوهُ (2)وأَسرَعوا إلی وِفادَتِهِ،وسابَقوا إلی دَعوَتِهِ،وَاستَجابوا لَهُ حَیثُ أسمَعَهُم حُجَّةَ رِسالاتِهِ،وفارَقُوا الأَزواجَ وَالأَولادَ فی إظهارِ کَلِمَتِهِ،وقاتَلُوا الآباءَ وَالأَبناءَ فی تَثبیتِ نُبُوَّتِهِ،وَانتَصَروا بِهِ،ومَن کانوا مُنطَوینَ عَلی مَحَبَّتِهِ،یَرجونَ تِجارَةً لَن تَبورَ فی مَوَدَّتِهِ،وَالَّذینَ هَجَرَتهُمُ العَشائِرُ إذ تَعَلَّقوا بِعُروَتِهِ،وَانتَفَت مِنهُمُ القَراباتُ إذ سَکَنوا فی ظِلِّ قَرابَتِهِ؛فَلا تَنسَ لَهُمُ اللّهُمَّ ما تَرَکوا لَکَ وفیکَ،وأَرضِهِم مِن رِضوانِکَ،وبِما حاشُوا الخَلقَ عَلَیکَ،و کانوا مَعَ رَسولِکَ دُعاةً لَکَ إلَیکَ،وَاشکُرهُم عَلی هَجرِهِم فیکَ دِیارَ قَومِهِم،وخُروجِهِم مِن سَعَةِ المَعاشِ إلی ضیقِهِ،ومَن کَثَّرتَ فی إعزازِ دینِکَ مِن مَظلومِهِم. (3)
الکتاب
«أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ* وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ
ص:156
اَللّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْکاذِبِینَ» . (1)
الحدیث
11156. الإمام علیّ علیه السلام -لَمّا قامَ إلَیهِ رَجُلٌ فَقالَ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ،أخبِرنا عَنِ الفِتنَةِ،وهَل سَأَلتَ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَنها؟-:إنَّهُ لَمّا أنزَلَ اللّهُ سُبحانَهُ قَولَهُ: «الم* أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ» ،عَلِمتُ أنَّ الفِتنَةَ لا تَنزِلُ بِنا ورَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله بَینَ أظهُرِنا،فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،ما هذِهِ الفِتنَةُ الَّتی أخبَرَکَ اللّهُ تَعالی بِها؟
فَقالَ:یا عَلِیُّ،إنَّ امَّتی سَیُفتنَونَ مِن بَعدی.
فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،أوَلَیسَ قَد قُلتَ لی یَومَ احُدٍ حَیثُ استُشهِدَ مَنِ استُشهِدَ مِنَ المُسلِمینَ،وحِیزَت عَنِّی الشَّهادَةُ فَشَقَّ ذلِکَ عَلَیَّ،فَقُلتَ لی:أبشِر،فَإِنَّ الشَّهادَةَ مِن وَرائِکَ؟
فَقالَ لی:إنَّ ذلِکَ لَکَذلِکَ،فَکَیفَ صَبرُکَ إذَن؟،فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،لَیسَ هذا مِن مَواطِنِ الصَّبرِ،ولکِن مِن مَواطِنِ البُشری وَالشُّکرِ.وقالَ:یا عَلِیُّ،إنَّ القَومَ سَیُفتَنونَ بِأَموالِهِم،ویَمُنّونَ بِدینِهِم عَلی رَبِّهِم،ویَتَمَنَّونَ رَحمَتَهُ،ویَأمَنونَ سَطوَتَهُ، ویَستَحِلّونُ حَرامَهُ بِالشُّبُهاتِ الکاذِبَةِ وَالأَهواءِ السّاهِیَةِ،فَیَستَحِلّونَ الخَمرَ بِالنَّبیذِ وَالسُّحتَ بِالهَدِیَّةِ،وَالرِّبا بِالبَیعِ.
قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،فَبِأَیِّ المَنازِلِ انزِلُهُم عِندَ ذلِکَ؟أبِمَنزِلَةِ رِدَّةٍ،أم بِمَنزِلَةِ فِتنَةٍ؟
فَقالَ:بِمَنزِلَةِ فِتنَةٍ. (2)
ص:157
11157. عنه علیه السلام: لَمّا نَزَلَت: «الم* أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ» قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،ما هذِهِ الفِتنَةُ؟قالَ:یا عَلِیُّ،إنَّکَ مُبتَلیً بِکَ،وإنَّکَ مُخاصَمٌ فَأَعِدَّ لِلخُصومَةِ. (1)
11158. مجمع البیان -فی تَفسیرِ قَولِهِ تَعالی: «قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلی أَنْ یَبْعَثَ عَلَیْکُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِکُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِکُمْ أَوْ یَلْبِسَکُمْ شِیَعاً وَ یُذِیقَ بَعْضَکُمْ بَأْسَ بَعْضٍ » (2)-:فی تَفسیرِ الکَلبِیِّ:أنَّهُ لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآیَةُ قامَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله فَتَوَضَّأَ وأَسبَغَ وُضوءَهُ،ثُمَّ قامَ وصَلّی فَأَحسَنَ صَلاتَهُ،ثُمَّ سَأَلَ اللّهَ سُبحانَهُ أن لا یَبعَثَ عَلی امَّتِهِ عَذاباً مِن فَوقِهِم ولا مِن تَحتِ أرجُلِهِم،ولا یُلبِسَهُم شِیَعاً،ولا یُذیقَ بَعضَهُم بَأسَ بَعضٍ،فَنَزَلَ جَبرَئیلُ علیه السلام فَقالَ:یا مُحَمَّدُ،إنَّ اللّهَ تَعالی سَمِعَ مَقالَتَکَ،وأَنَّهُ قَد أجارَهُم مِن خَصلَتَینِ،ولَم یُجرِهُم مِن خَصلَتَینِ؛أجارَهُم مِن أن یَبعَثَ عَلَیهِم عَذاباً مِن فَوقِهِم أو مِن تَحتِ أرجُلِهِم،ولَم یُجِرهُم مِنَ الخَصلَتَینِ الاُخرَیَینِ.
فَقالَ صلی الله علیه و آله:یا جَبرَئیلُ،ما بَقاءُ امَّتی مَعَ قَتلِ بَعضِهِم بَعضاً؟فَقامَ وعادَ إلَی الدُّعاءِ، فَنَزَلَ: «الم* أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ» الآیَتَینِ،فَقالَ:لا بُدَّ مِن فِتنَةٍ تُبتَلی بِهَا الاُمَّةُ بَعدَ نَبِیِّها؛لِیَتَبَیَّنَ الصّادِقُ مِنَ الکاذِبِ؛لِأَنَّ الوَحیَ انقَطَعَ، وبَقِیَ السَّیفُ وَافتِراقُ الکَلِمَةِ إلی یَومِ القِیامَةٍ. (3)
ص:158
11159. الإمام زین العابدین علیه السلام: قَدِ انتَحَلَت طَوائِفُ مِن هذِهِ الاُمَّةِ-بَعدَ مُفارَقَتِها أئِمَّةَ الدّینِ وَالشَّجَرَةَ النَّبَوِیَّةَ-إخلاصَ الدِّیانَةِ،وأَخَذوا أنفُسَهُم فی مَخایِلِ (1)الرَّهبانِیَّةِ،وتَغالَوا فِی العُلومِ،ووَصَفُوا الإِسلامَ بِأَحسَنِ صِفاتِهِم،وتَحَلَّوا بِأَحسَنِ السُّنَّةِ،حَتّی إذا طالَ عَلَیهِمُ الأَمَدُ وبَعُدَت عَلَیهِمُ الشُّقَّةُ،وَامتُحِنوا بِمِحَنِ الصّادِقینَ،رَجَعوا عَلی أعقابِهِم ناکِصینَ عَن سَبیلِ الهُدی وعَلَمِ النَّجاةِ،یَتَفَسَّحونَ تَحتَ أعباءِ الدِّیانَةِ،تَفَسُّحَ حاشِیَةِ الإِبِلِ تَحتَ أوراقِ البُزَّلِ (2). (3)
11160. الإمام علیّ علیه السلام -مِن خُطبَةٍ لَهُ لَمّا بویِعَ بَعدَ مَقتَلِ عُثمانَ-:ألا إن بَلِیَّتَکُم قَد عادَت کَهَیئَتِها یَومَ بَعَثَ اللّهُ نَبِیَّهُ صلی الله علیه و آله،وَالَّذی بَعَثَهُ بِالحَقِّ لَتُبَلبَلُنَّ بَلبَلَةً (4)،ولَتُغَربَلُنَّ غَربَلَةً، حَتّی یَعودَ أسفَلُکُم أعلاکُم وأَعلاکُم أسفَلَکُم،ولَیَسبِقَنَّ سَبّاقونَ کانوا قَصَّروا، وَلَیُقَصِّرَنَّ سَبّاقونَ کَانوا سَبَقوا،وَاللّهِ ما کَتَمتُ وَسمَةً،ولا کَذَبتُ کَذِبَةً،ولَقَد نُبِّئتُ بِهذَا المَقامِ وهذَا الیَومِ. (5)
ص:159
11161. تفسیر الثعلبی عن جابر بن عبد اللّه الأنصاری: أتَینا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله یَوماً فی مَسجِدِ المَدینَةِ،فَذَکَرَ بَعضُ أصحابِهِ الجَنَّةَ...فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام:الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی هَدانا بِکَ، وکَرَّمَنا وشَرَّفَنا.
فَقالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:یا عَلِیُّ،أما عَلِمتَ أنَّ مَن أحَبَّنا وَانتَحَلَ مَحَبَّتَنا أسکَنَهُ اللّهُ تَعالی مَعَنا؟وتَلا هذِهِ الآیة: «فِی مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِیکٍ مُقْتَدِرٍ» (1). (2)
11162. رسول اللّه صلی الله علیه و آله -لِعَلِیٍّ-:یا عَلِیُّ،أنتَ أوَّلُ هذِهِ الاُمَّةِ إیماناً بِاللّهِ ورَسولِهِ،وأَوَّلُهُم هِجرَةً إلَی اللّهِ ورَسولِهِ،وآخِرُهُم عَهداً بِرَسولِهِ،لا یُحِبُّکَ-وَالَّذی نَفسی بِیَدِهِ-إلّا مُؤمِنٌ قَدِ امتَحَنَ اللّهُ قَلبَهُ لِلإِیمانِ،ولا یُبغِضُکَ إلّامُنافِقٌ أو کافِرٌ. (3)
11163. الإمام علیّ علیه السلام: إنَّ اللّهَ-تَبارَکَ اسمُهُ-امتَحَنَ بی عِبادَهُ. (4)
11164. عنه علیه السلام: أما إنَّهُ لَیسَ عَبدٌ مِن عِبادِ اللّهِ مِمَّنِ امتَحَنَ اللّهُ قَلبَهُ لِلإِیمانِ،إلّاوهُوَ یَجِدُ مَوَدَّتَنا عَلی قَلبِهِ فَهُوَ یُحِبُّنا. (5)
ص:160
11165. الإمام علیّ علیه السلام: أما إنَّهُ سَیَأتی عَلَی النّاسِ زَمانٌ یَکونُ الحَقُّ فیهِ مَستوراً،وَالباطِلُ ظاهِراً مَشهوراً؛وذلِکَ إذا کانَ أولَی النّاسِ بِهِم أعداهُم لَهُ،وَاقتَرَبَ الوَعدُ الحَقُّ، وعَظُمَ الإِلحادُ،وظَهَرَ الفَسادُ «هُنالِکَ ابْتُلِیَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِیداً» (1)،ونَحَلَهُمُ الکُفّارُ أسماءَ الأَشرارِ،فَیَکونُ جُهدُ المُؤمِنِ أن یَحفَظَ مُهجَتَهُ مِن أقرَبِ النّاسِ إلَیهِ، ثُمَّ یُتیحُ اللّهُ الفَرَجَ لِأَولِیائِهِ،ویُظهِرُ صاحِبَ الأَمرِ عَلی أعدائِهِ. (2)
11166. الإمام الباقر علیه السلام: وَاللّهِ ! لَتُمَحَّصُنَّ (3)یا مَعشَرَ الشّیعَةِ-شیعَةَ آلِ مُحَمَّدٍ-کَمَخیضِ (4)الکُحلِ فِی العَینِ؛لِأَنَّ صاحِبَ الکُحلِ یَعلَمُ مَتی یَقَعُ فِی العَینِ ولا یَعلَمُ مَتی یَذهَبُ، فَیُصبِحُ أحَدُکُم وهُوَ یَری أنَّهُ عَلی شَریعَةٍ مِن أمرِنا فَیُمسی وقَد خَرَجَ مِنها،ویُمسی وهُوَ عَلی شَریعَةٍ مِن أمرِنا فَیُصبِحُ وقَد خَرَجَ مِنها. (5)
11167. عنه علیه السلام: إنَّما مَثَلُ شیعَتِنا مَثَلُ أندَرٍ-یَعنی بَیدَراً (6)فیهِ طَعامٌ-فَأَصابَهُ آکِلٌ فَنُقِّیَ،ثُمَّ أصابَهُ آکِلٌ فَنُقِّیَ،حَتّی بَقِیَ مِنهُ ما لا یَضُرُّهُ الآکِلُ؛وکَذلِکَ شیعَتُنا یُمَیَّزونَ
ص:161
ویُمَحَّصونَ حَتّی تَبقی مِنهُم عِصابَةٌ لا تَضُرُّهَا الفِتنَةُ. (1)
11168. عنه علیه السلام: وَاللّهِ لَتُمَیَّزُنَّ،وَاللّهِ لَتُمَحَّصُنَّ،وَاللّهِ لَتُغَربَلُنَّ کَما یُغرَبَلُ الزُّؤانُ (2)مِنَ القَمحِ. (3)
11169. الإمام الصادق علیه السلام: وَاللّهِ لَتُکسَرُنَّ کَسرَ الزُّجاجِ،وإنَّ الزُّجاجَ یُعادُ فَیَعودُ کَما کانَ،وَاللّهِ لَتُکسَرُنَّ کَسرَ الفَخّارِ،وإنَّ الفَخّارَ لا یَعودُ کَما کانَ،وَاللّهِ لَتُمَیَّزُنَّ،وَاللّهِ لَتُمَحَّصُنَّ، وَاللّهِ لَتُغَربَلُنَّ کَما یُغَربَلُ الزُّؤانُ مِنَ القَمحِ. (4)
11170. عنه علیه السلام: وَاللّهِ لَتُمَحَّصُنَّ،وَاللّهِ لَتُمَیَّزُنَّ،وَاللّهِ لَتُغَربَلُنَّ حَتّی لا یَبقی مِنکُم إلَّا الأَندَرُ.
قُلتُ:ومَا الأَندَرُ؟قالَ:البَیدرُ؛وهُوَ أن یُدخِلَ الرَّجُلُ فیهِ الطَّعامَ،یُطَیِّنُ عَلَیهِ ثُمَّ یُخرِجُهُ قَد أکَلَ بَعضُهُ بَعضاً،فَلا یَزالُ یُنَقّیهِ،ثُمَّ یُکِنُّ عَلَیهِ ثُمَّ یُخرِجُهُ،حَتّی یَفعَلَ ذلِکَ ثَلاثَ مَرّاتٍ،حَتّی یَبقی ما لا یَضُرُّهُ شَیءٌ. (5)
11171. کمال الدین عن محمّد بن مسلم: سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ علیه السلام یَقولُ:إنَّ قُدّامَ القائِمِ عَلاماتٌ تَکونُ مِنَ اللّهِ عز و جل لِلمُؤمِنینَ،قُلتُ:وما هِیَ جَعَلَنِیَ اللّهُ فِداکَ؟
قالَ:ذلِکَ قَولُ اللّهِ عز و جل: «وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ» یَعنِی المُؤمِنینَ قَبلَ خُروجِ القائِمِ علیه السلام «بِشَیْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِینَ» (6)؛قالَ:
ص:162
یَبلوهُم بِشَیءٍ مِنَ الخَوفِ مِن مُلوکِ بَنی فُلانٍ فی آخِرِ سُلطانِهِم، «وَ الْجُوعِ» بِغَلاءِ أسعارِهِم، «وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ» ؛قالَ:کَسادُ التِّجاراتِ وقِلَّةُ الفَضلِ، «وَ» نَقصٍ مِنَ «اَلْأَنْفُسِ» ؛قالَ:مَوتٌ ذَریعٌ، «وَ» نَقصٍ مِنَ «اَلثَّمَراتِ» ؛قالَ:قِلَّةُ رَیعِ ما یُزرَعُ، «وَ بَشِّرِ الصّابِرِینَ» عِندَ ذلِکَ بِتَعجیلِ خُروجِ القائِمِ علیه السلام.
ثُمَّ قالَ لی:یا مُحَمَّدُ،هذا تَأویلُهُ،إنَّ اللّهَ تَعالی یَقولُ: «وَ ما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ» (1). (2)
11172. الکافی عن ابن أبی یعفور: سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ علیه السلام یَقولُ:وَیلٌ لِطُغاةِ العَرَبِ مِن أمرٍ قَدِ اقتَرَبَ،قُلتُ:جُعِلتُ فِداکَ،کَم مَعَ القائِمِ مِنَ العَرَبِ؟قالَ:نَفَرٌ یَسیرٌ،قُلتُ:وَاللّهِ إنَّ مَن یَصِفُ هذَا الأَمرَ مِنهُم لَکَثیرٌ !
قالَ:لابُدَّ لِلنّاسِ مِن أن یُمَحَّصوا ویُمَیَّزوا ویُغَربَلوا،ویُستَخرَجُ فِی الغَربالِ خَلقٌ کَثیرٌ. (3)
11173. قرب الإسناد عن أحمد بن محمّد بن أبی نصر عن الإمام الرضا علیه السلام: کانَ جَعفَرٌ علیه السلام یَقولُ:وَاللّهِ لا یَکونُ الَّذی تَمُدّونَ إلَیهِ أعناقَکُم حَتّی تُمَیَّزونَ وتُمَحَّصونَ،ثُمَّ یَذهَبُ مِن کُلِّ عَشَرَةٍ شَیءٌ،ولا یَبقی مِنکُم إلّانَزرٌ.
ثُمَّ تَلا هذِهِ الآیَةَ: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا یَعْلَمِ اللّهُ الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْکُمْ وَ یَعْلَمَ
ص:163
11174. الإمام الصادق علیه السلام: إیّاکُم وَالتَّنویهَ (3)،أما وَاللّهِ لَیَغیبَنَّ إمامُکُم سِنیناً مِن دَهرِکُم، ولَتُمَحَّصُنَّ حَتّی یُقالَ:ماتَ،قُتِلَ،هَلَکَ،بِأَیِّ وادٍ سَلَکَ؟ولَتَدمَعَنَّ عَلَیهِ عُیونُ المُؤمِنینَ،ولَتُکفَؤُنَّ کَما تُکفَأُ السُّفُنُ فی أمواجِ البَحرِ،فَلا یَنجو إلّامَن أخَذَ اللّهُ میثاقَهُ،وکَتَبَ فی قَلبِهِ الإِیمانَ،وأَیَّدَهُ بِروحٍ مِنهُ. (4)
11175. عنه علیه السلام -فی غَیبَةِ القائِمِ علیه السلام-:إنَّ اللّهَ عز و جل یُحِبُّ أن یَمتَحِنَ الشّیعَةَ،فَعِندَ ذلِکَ یَرتابُ المُبطِلونَ. (5)
11176. الکافی عن منصور الصیقل: کُنتُ أنَا وَالحارِثُ بنُ المُغیرَةِ وجَماعَةٌ مِن أصحابِنا جُلوساً وأَبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام یَسمَعُ کَلامَنا،فَقالَ لَنا:
فی أیِّ شَیءٍ أنتُم؟هَیهاتَ،هَیهاتَ ! لا وَاللّهِ لا یَکونُ ما تَمُدّونَ إلَیهِ أعیُنَکُم حَتّی تُغَربَلوا،لا وَاللّهِ لا یَکونُ ما تَمُدّونَ إلَیهِ أعیُنَکُم حَتّی تُمَحَّصوا،لا وَاللّهِ لا یَکونُ ما تَمُدّونَ إلَیهِ أعیُنَکُم حَتّی تُمَیَّزوا،لا وَاللّهِ ما یَکونُ ما تَمُدّونَ إلَیهِ أعیُنَکُم إلّابَعدَ إیاسٍ،لا وَاللّهِ لا یَکونُ ما تَمُدّونَ إلَیهِ أعیُنَکُم حَتّی یَشقی مَن
ص:164
یَشقی ویَسعَدَ مَن یَسعَدُ. (1)
11177. الإمام الکاظم علیه السلام: إذا فُقِدَ الخامِسُ مِن وُلدِ السّابِعِ (2)،فَاللّهَ اللّهَ فی أدیانِکُم لا یُزیلُکُم عَنها أحَدٌ.یا بُنَیَّ ! إنَّهُ لا بُدَّ لِصاحِبِ هذَا الأَمرِ مِن غَیبَةٍ،حَتّی یَرجِعَ عَن هذَا الأَمرِ مَن کانَ یَقولُ بِهِ،إنَّما هِیَ مِحنَةٌ مِنَ اللّهِ عز و جل امتَحَنَ بِها خَلقَهُ. (3)
ص:165
ص:166
الکتاب
«أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ* وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْکاذِبِینَ» . (1)
«إِنْ یَمْسَسْکُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْکَ الْأَیّامُ نُداوِلُها بَیْنَ النّاسِ وَ لِیَعْلَمَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ یَتَّخِذَ مِنْکُمْ شُهَداءَ وَ اللّهُ لا یُحِبُّ الظّالِمِینَ* وَ لِیُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ یَمْحَقَ الْکافِرِینَ* أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا یَعْلَمِ اللّهُ الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْکُمْ وَ یَعْلَمَ الصّابِرِینَ» . (2)
«یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَیَبْلُوَنَّکُمُ اللّهُ بِشَیْءٍ مِنَ الصَّیْدِ تَنالُهُ أَیْدِیکُمْ وَ رِماحُکُمْ لِیَعْلَمَ اللّهُ مَنْ یَخافُهُ بِالْغَیْبِ فَمَنِ اعْتَدی بَعْدَ ذلِکَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِیمٌ » (3). (4)
ص:167
الحدیث
11178. رسول اللّه صلی الله علیه و آله -فی قَولِهِ تَعالی: «وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ» -:لابُدَّ مِن فِتنَةٍ تُبتَلی بِهَا الاُمَّةُ بَعدَ نَبِیِّها، لِیَتَبَیَّنَ الصّادِقُ مِنَ الکاذِبِ؛لِأَنَّ الوَحیَ انقَطَعَ وبَقِیَ السَّیفُ وَافتِراقُ الکَلِمَةِ إلی یَومِ القِیامَةِ. (1)
11179. الکافی عن الحلبی: سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ علیه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَیَبْلُوَنَّکُمُ اللّهُ بِشَیْءٍ مِنَ الصَّیْدِ تَنالُهُ أَیْدِیکُمْ وَ رِماحُکُمْ» ،قالَ:حُشِرَ عَلَیهِمُ الصَّیدُ فی کُلِّ مَکانٍ حَتّی دَنا مِنهُم؛لِیَبلُوَهُمُ اللّهُ بِهِ. (2)
11180. الإمام الصادق علیه السلام -فی قَولِ اللّهِ عز و جل: «لَیَبْلُوَنَّکُمُ اللّهُ بِشَیْءٍ مِنَ الصَّیْدِ تَنالُهُ أَیْدِیکُمْ وَ رِماحُکُمْ» -:حُشِرَ لِرَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله الوُحوشُ حَتّی نالَتها أیدیهِم ورِماحُهُم فی عُمرَةِ الحُدَیبِیَةِ؛ لِیَبلُوَهُمُ اللّهُ بِهِ. (3)
11181. الإمام علیّ علیه السلام: لَو أرادَ اللّهُ جَلَّ ثَناؤُهُ بِأَنبِیائِهِ-حَیثُ بَعَثَهُم-أن یَفتَحَ لَهُم کُنوزَ الذِّهبانِ ومَعادِنَ العِقیانِ (4)ومَغارِسَ الجِنانِ،وأَن یَحشُرَ طَیرَ السَّماءِ ووَحشَ
ص:168
الأَرضِ مَعَهُم لَفَعَلَ،ولَو فَعَلَ لَسَقَطَ البَلاءُ،وبَطَلَ الجَزاءُ،وَاضمَحَلَّتِ الأَنباءُ،ولَما وَجَبَ لِلقائِلینَ اجورُ المُبتَلَینَ،ولا لَحِقَ المُؤمِنینَ ثَوابُ المُحسِنینَ،ولا لَزِمَتِ الأَسماءُ أهالِیَها عَلی مَعنیً مُبینٍ،ولِذلِکَ لَو أنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ آیَةً فَظَلَّت أعناقُهُم لَها خاضِعینَ (1)،ولَو فَعَلَ لَسَقَطَ البَلوی عَنِ النّاسِ أجمَعینَ. (2)
11182. الإمام الباقر علیه السلام: إنَّ مَلَکَینِ هَبَطا مِنَ السَّماءِ فَالتَقَیا فِی الهَواءِ،فَقالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ:
فیمَ هَبَطَتَ؟قالَ:بَعَثَنِیَ اللّهُ إلی بَحرِ أیلَةَ،أحُشُّ (3)سَمَکَةً إلی جَبّارٍ مِنَ الجَبابِرَةِ تَشَهّی عَلَیهِ سَمَکَةً فی ذلِکَ البَحرِ،فَأَمَرَنی أن أحُشَّ إلَی الصَّیّادِ سَمَکَ ذلِکَ البَحرِ، حَتّی یَأخُذَها لَهُ؛لِیُبَلِّغَ اللّهُ بِالکافِرِ غایَةَ مُناهُ فی کُفرِهِ.
وقالَ الآخَرُ:فَفَیم بُعِثتَ أنتَ؟قالَ:بَعَثَنِیَ اللّهُ فی أعجَبَ مِنَ الَّذی بَعَثَکَ فیهِ ! بَعَثَنی إلی عَبدِهِ المُؤمِنِ الصّائِمِ القائِمِ المُجتَهِدِ،المَعروفِ دُعاؤُهُ وصَلاتُهُ فِی السَّماءِ، لِاُکفِیَ قِدرَهُ الَّتی طَبَخَها لِإِفطارِهِ؛لِیُبَلِّغَ اللّهُ بِالمُؤمِنِ الغایَةَ فِی اختِبارِ إیمانِهِ. (4)
11183. الإمام الصادق علیه السلام: البَلاءُ زَینُ المُؤمِنِ،وکَرامَةٌ لِمَن عَقَلَ؛لِأَنَّ فی مُباشَرَتِهِ وَالصَّبرِ عَلَیهِ وَالثَّباتِ عِندَهُ تَصحیحَ نِسبَةِ الإِیمانِ. (5)
11184. الإمام علیّ علیه السلام: لا یَکمُلُ إیمانُ المُؤمِنِ حَتّی یَعُدَّ الرَّخاءَ فِتنَةً وَالبَلاءَ نِعمَةً. (6)
ص:169
الکتاب
«أُولئِکَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوی» . (1)
«لَتُبْلَوُنَّ فِی أَمْوالِکُمْ وَ أَنْفُسِکُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ وَ مِنَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا أَذیً کَثِیراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِکَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» . (2)
الحدیث
11185. الإمام الرضا علیه السلام -فی جَوابِ مَسائِلِ مُحَمَّدِ بنِ سِنانٍ-:إنَّ عِلَّةَ الزَّکاةِ مِن أجلِ قوتِ الفُقَراءِ،وتَحصینِ أموالِ الأَغنِیاءِ؛لِأَنَّ اللّهَ عز و جل کَلَّفَ أهلَ الصِّحَّةِ القِیامَ بِشَأنِ أهلِ الزَّمانَةِ (3)وَالبَلوی،کَما قالَ اللّهُ تَبارَکَ وتَعالی: «لَتُبْلَوُنَّ فِی أَمْوالِکُمْ وَ أَنْفُسِکُمْ» ؛فی أموالِکُم إخراجُ الزَّکاةِ،وفی أنفُسَکُم تَوطینُ الأَنفُسِ عَلَی الصَّبرِ،مَعَ ما فی ذلِکَ مِن أداءِ شُکرِ نِعَمِ اللّهِ عز و جل وَالطَّمَعِ فِی الزِّیادَةِ،مَعَ ما فیهِ مِنَ الزِّیادَةِ وَالرَّأفَةِ وَالرَّحمَةِ لِأَهلِ الضَّعفِ وَالعَطفِ عَلی أهلِ المَسکَنَةِ،وَالحَثِّ لَهُم عَلَی المُواساةِ،وتَقوِیَةِ الفُقَراءِ،وَالمَعونَةِ لَهُم عَلی أمرِ الدّینِ.
وهُوَ عِظَةٌ لِأَهلِ الغِنی وعِبرَةٌ لَهُم؛لِیَستَدِلّوا عَلی فُقَراءِ الآخِرَةِ بِهِم،وما لَهُم مِنَ الحَثِّ فی ذلِکَ عَلَی الشُّکرِ للّهِ ِ-تَبارَکَ وتَعالی-لِما خَوَّلَهُم وأَعطاهُم،وَالدُّعاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالخَوفِ مِن أن یَصیروا مِثلَهُم فی امورٍ کَثیرَةٍ فی أداءِ الزَّکاةِ وَالصَّدَقاتِ،وصِلَةِ الأَرحامِ،وَاصطِناعِ المَعروفِ. (4)
ص:170
11186. الإمام الباقر علیه السلام: وَجَدنا فی کِتابِ أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام أنَّ قَوماً مِن أهلِ أیلَةَ مِن قَومِ ثَمودَ،وأَنَّ الحیتانَ کانَت سَبَقَت إلَیهِم یَومَ السَّبتِ؛لِیَختَبِرَ اللّهُ طاعَتَهُم فی ذلِکَ، فَشَرَعَت لَهُم یَومَ سَبتِهِم فی نادیهِم وقُدّامَ أبوابِهِم فی أنهارِهِم وسَواقیهِم،فَتَبادَروا إلَیها فَأَخَذوا یَصطادونَها ویَأکُلونَها،فَلَبِثوا بِذلِکَ ما شاءَ اللّهُ،لا یَنهاهُمُ الأَحبارُ ولا یَنهاهُمُ العُلَماءُ مِن صَیدِها.... (1)
11187. الإمام علیّ علیه السلام: إنَّ اللّهَ عز و جل یَمتَحِنُ الأَوصِیاءَ فی حَیاةِ الأَنبِیاءِ فی سَبعَةِ مَواطِنَ لِیَبتَلِیَ طاعَتَهُم،فَإِذا رَضِیَ طاعَتَهُم ومِحنَتَهُم،أمَرَ الأَنبِیاءَ أن یَتَّخِذوهُم أولِیاءَ فی حَیاتِهِم وأَوصِیاءَ بَعدَ وَفاتِهِم،ویَصیرَ طاعَةُ الأَوصِیاءِ فی أعناقِ الاُمَمِ مِمَّن یَقولُ بِطاعَةِ الأَنبِیاءِ.ثُمَّ یَمتَحِنُ الأَوصِیاءَ بَعدَ وَفاةِ الأَنبِیاءِ علیهم السلام فی سَبعَةِ مَواطِنَ لِیَبلُوَ صَبرَهُم، فَإِذا رَضِیَ مِحنَتَهُم خَتَمَ لَهُم بِالسَّعادَةِ،لِیُلحِقَهُم بِالأَنبِیاءِ وقَد أکمَلَ لَهُمُ السَّعادَةَ. (2)
11188. الإمام زین العابدین علیه السلام: الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی رَکَّبَ فینا آلاتِ البَسطِ،وجَعَلَ لَنا أدَواتِ القَبضِ،ومَتَّعَنا بِأَرواحِ الحَیاةِ،وأَثبَتَ فینا جَوارِحَ الأَعمالِ،وغَذّانا بِطَیِّباتِ الرِّزقِ، وأَغنانا بِفَضلِهِ،وأَقنانا (3)بِمَنِّهِ،ثُمَّ أمَرَنا لِیَختَبِرَ طاعَتَنا،ونَهانا لِیَبَتلِیَ شُکرَنا. (4)
11189. الإمام الصادق علیه السلام: إنَّما وُضِعَتِ الزَّکاةُ اختِباراً لِلأَغنِیاءِ ومَعونَةً لِلفُقَراءِ،ولَو أنَّ النّاسَ أدَّوا زَکاةَ أموالِهِم ما بَقِیَ مُسلِمٌ فَقیراً مُحتاجاً. (5)
ص:171
11190. عنه علیه السلام -فی جَوابِ ابنِ أبِی العَوجاءِ حَیثُ أنکَرَ الحَجَّ وَالطَّوافَ-:هذا بَیتٌ استَعبَدَ اللّهُ بِهِ خَلقَهُ؛لِیَختَبِرَ طاعَتَهُم فی إتیانِهِ،فَحَثَّهُم عَلی تَعظیمِهِ وزِیارَتِهِ،وجَعَلَهُ مَحَلَّ أنبِیائِهِ،وقِبلَةً لِلمُصَلّینَ إلَیهِ. (1)
11191. الاحتجاج: ومِن سُؤالِ الزِّندیقِ الَّذی سَأَلَ أبا عَبدِ اللّهِ [الصّادِقَ] علیه السلام عَن مَسائِلَ کَثیرَةٍ أن قالَ:...فَلِأَیِّ عِلَّةٍ خَلَقَ الخَلقَ وهُوَ غَیرُ مُحتاجٍ إلَیهِم ولا مُضطَرٍّ إلی خَلقِهِم،ولا یَلیقُ بِهِ التَّعَبُّثُ بِنا؟
قالَ:خَلَقَهُم لِإِظهارِ حِکمَتِهِ،وإنفاذِ عِلمِهِ،وإمضاءِ تَدبیرِهِ.
قالَ:وکَیفَ لا یَقتَصِرُ عَلی هذِهِ الدّارِ فَیَجعَلَها دارَ ثَوابِهِ و مُحتَبَسَ عِقابِهِ؟
قالَ:إنَّ هذِهِ الدّارَ دارُ ابتِلاءٍ،ومَتجَرُ الثَّوابِ،ومُکتَسَبُ الرَّحمَةِ،مُلِئَت آفاتٍ، وطُبِّقَت شَهَواتٍ؛لِیَختَبِرَ فیها عَبیدَهُ بِالطّاعَةِ،فَلا یَکونُ دارُ عَمَلٍ دارَ جَزاءٍ. (2)
11192. الإمام علیّ علیه السلام: لا یَقولَنَّ أحَدُکُم:«اللّهُمَّ إنّی أعوذُ بِکَ مِنَ الفِتنَةِ»؛لِأَنَّهُ لَیسَ أحَدٌ إلّا وهُوَ مُشتَمِلٌ عَلی فِتنَةٍ،ولکِن مَنِ استَعاذَ فَلیَستَعِذ مِن مُضِلّاتِ الفِتَنِ،فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ یَقولُ: «وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُکُمْ وَ أَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ» (3)؛ومَعنی ذلِکَ:أنَّهُ یَختَبِرُهُم بِالأَموالِ وَالأَولادِ؛لِیَتَبَیَّنَ السّاخِطَ لِرِزقِهِ وَالرّاضِیَ بِقِسمِهِ،وإن کانَ سُبحانَهُ أعلَمَ
ص:172
بِهِم مِن أنفُسِهِم،ولکِن لِتَظهَرَ الأَفعالُ الَّتی بِها یُستَحَقُّ الثَّوابُ وَالعِقابُ؛لِأَنَّ بَعضَهُم یُحِبُّ الذُّکورَ ویَکرَهُ الإِناثَ،وبَعضَهُم یُحِبُّ تَثمیرَ المالِ ویَکرَهُ انثِلامَ الحالِ (1). (2)
الکتاب
«اَلَّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَیاةَ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْغَفُورُ» . (3)
«وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیّامٍ وَ کانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّکُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَیَقُولَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِینٌ» . (4)
«إِنّا جَعَلْنا ما عَلَی الْأَرْضِ زِینَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَیُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» . (5)
الحدیث
11193. تفسیر الطبری عن عبد اللّه بن عمر عن النبی صلی الله علیه و آله: أنَّهُ تَلا هذِهِ الآیَةَ: «لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» ،قالَ:أیُّکُم أحسَنُ عَقلاً،وأَورَعُ عَن مَحارِمِ اللّهِ،وأَسرَعُ فی طاعَةِ اللّهِ. (6)
11194. مجمع البیان عن أبی قتادة: سَأَلتُ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله عَن قَولِهِ تَعالی: «أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» ما عَنی بِهِ؟فَقالَ:یَقولُ:أیُّکُم أحسَنُ عَقلاً.ثُمَّ قالَ صلی الله علیه و آله:أتَمُّکُم عَقلاً،وأَشَدُّکُم للّهِ ِ
ص:173
خَوفاً،وأَحسَنُکُم فیما أمَرَ اللّهُ بِهِ ونَهی عَنهُ نَظَراً،وإن کانَ أقَلَّکُم تَطَوُّعاً. (1)
11195. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: یَابنَ مَسعودٍ،قَولُ اللّهِ تَعالی: «لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» یَعنی:أیُّکُم أزهَدُ فِی الدُّنیا؛إنَّها دارُ الغُرورِ ودارُ مَن لا دارَ لَهُ؛ولَها یَجمَعُ مَن لا عَقلَ لَهُ؛إنَّ أحمَقَ النّاسِ مَن طَلَبَ الدُّنیا ! (2)
11196. الإمام علیّ علیه السلام -مِن کِتابٍ لَهُ علیه السلام إلی مُعاوِیَةَ-:أمّا بَعدُ،فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ قَد جَعَلَ الدُّنیا لِما بَعدَها،وَابتَلی فیها أهلَها؛لِیَعلَمَ أیُّهُم أحسَنُ عَمَلاً.ولَسنا لِلدُّنیا خُلِقنا،ولا بِالسَّعیِ فیها امرِنا،وإنَّما وُضِعنا فیها لِنُبتَلی بِها،وقَدِ ابتَلانِیَ اللّهُ بِکَ وَابتَلاکَ بی، فَجَعَلَ أحَدَنا حُجَّةً عَلَی الآخَرِ. (3)
11197. عنه علیه السلام: ألا إنَّ اللّهَ تَعالی قَد کَشَفَ الخَلقَ کَشفَةً،لا أنَّهُ جَهِلَ ما أخفَوهُ مِن مَصونِ أسرارِهِم ومَکنونِ ضَمائِرِهِم،ولکِن لِیَبلُوَهُم أیُّهُم أحسَنُ عَمَلاً،فَیَکونَ الثَّوابُ جَزاءً،وَالعِقابُ بَواءً (4). (5)
11198. عنه علیه السلام: أسهِروا عُیونَکُم،وأَضمِروا بُطونَکُم،وَاستَعمِلوا أقدامَکُم،وأَنفِقوا أموالَکُم، وخُذوا مِن أجسادِکُم فَجودوا بِها عَلی أنفُسِکُم،ولا تَبخَلوا بِها عَنها،فَقَد قالَ اللّهُ سُبحانَهُ: «إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ یَنْصُرْکُمْ وَ یُثَبِّتْ أَقْدامَکُمْ» (6)،وقالَ تَعالی: «مَنْ ذَا الَّذِی یُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَیُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ کَرِیمٌ» (7)،فَلَم یَستَنصِرکُم مِن ذُلٍّ،ولَم
ص:174
یَستَقرِضکُم مِن قُلٍّ؛استَنصَرَکُم ولَهُ جُنودُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وهُوَ العَزیزُ الحَکیمُ، وَاستَقرَضَکُم ولَهُ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأَرضِ،وهُوَ الغَنِیُّ الحَمیدُ،وإنَّما أرادَ أنَ یَبلُوَکُم «أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» . (1)
11199. الإمام زین العابدین علیه السلام: إنَّ اللّهَ عز و جل لَم یُحِبَّ زَهرَةَ الدُّنیا وعاجِلَها لِأَحَدٍ مِن أولِیائِهِ،ولَم یُرَغِّبهُم فیها وفی عاجِلِ زَهرَتِها وظاهِرِ بَهجَتِها،وإنَّما خَلَقَ الدُّنیا وخَلَقَ أهلَها لِیَبلُوَهُم فیها أیُّهُم أحسَنُ عَمَلاً لِآخِرَتِهِ. (2)
11200. الإمام الصادق علیه السلام -فی قَولِ اللّهِ عز و جل: «لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» -:لَیسَ یَعنی أکثَرَکُم عَمَلاً، ولکِن أصوَبَکُم عَمَلاً؛وإنَّمَا الإِصابَةُ خَشیَةُ اللّهِ وَالنِّیَّةُ الصّادِقَةُ وَالحَسَنَةُ. (3)
11201. الإمام الرضا علیه السلام -لَمّا سَأَلَهُ المَأمونُ عَن قَولِهِ تَعالی: «وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیّامٍ وَ کانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» -:أمّا قَولُهُ عز و جل: «لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» ،فَإِنَّهُ عز و جل خَلَقَ خَلقَهُ لِیَبلُوَهُم بِتَکلیفِ طاعَتِهِ وعِبادَتِهِ،لا عَلی سَبیلِ الاِمتِحانِ وَالتَّجرِبَةِ؛لِأَنَّهُ لَم یَزَل عَلیماً بِکُلِّ شَیءٍ. (4)
الکتاب
«وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتّی نَعْلَمَ الْمُجاهِدِینَ مِنْکُمْ وَ الصّابِرِینَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَکُمْ» . (5)
ص:175
«وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَیْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِینَ» . (1)
«أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَکُوا وَ لَمّا یَعْلَمِ اللّهُ الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْکُمْ وَ لَمْ یَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَةً وَ اللّهُ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ» . (2)
الحدیث
11202. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: یَقولُ البَلاءُ کُلَّ یَومٍ:إلی أینَ أتَوَجَّهُ؟فَیَقولُ اللّهُ عز و جل:إلی أحِبّائی واُولی طاعَتی؛أبلو بِکَ أخبارَهُم،وأَختَبِرُ صَبرَهُم،واُمَحِّصُ بِکَ ذُنوبَهُم،وأَرفَعُ بِکَ دَرَجاتِهِم.
ویَقولُ الرَّخاءُ کُلَّ یَومٍ:إلی أینَ أتَوَجَّهُ؟فَیَقولُ اللّهُ عز و جل:إلی أعدائی وأَهلِ مَعصِیَتی؛أزیدُ بِکَ طُغیانَهُم،واُضاعِفُ بِکَ ذُنوبَهُم،واُعَجِّلُ بِکَ لَهُم،واُکَثِّرُ بِکَ عَلی غَفلَتِهِم. (3)
11203. الإمام علیّ علیه السلام -مِن خُطبَةٍ لَهُ-:وقَدَّرَ الأَرزاقَ فَکَثَّرَها وقَلَّلَها،وقَسَّمَها عَلَی الضّیقِ وَالسَّعَةِ فَعَدَلَ فیها؛لِیَبتَلِیَ مَن أرادَ بِمَیسورِها ومَعسورِها،ولِیَختَبِرَ بِذلِکَ الشُّکرَ وَالصَّبرَ مِن غَنِیِّها وفَقیرِها. (4)
11204. الإمام الصادق علیه السلام: اعلَم أنَّ الخَلقَ بَینَ فِتَنٍ ومِحَنٍ فِی الدُّنیا؛إمّا مُبتَلیً بِالنِّعَمِ لِیَظهَرَ شُکرُهُ،وإمّا مُبتَلیً بِالشِّدَّةِ لِیَظهَرَ صَبرُهُ. (5)
11205. عنه علیه السلام: قَد عَجَزَ مَن لَم یُعِدَّ لِکُلِّ بَلاءٍ صَبراً،ولِکُلِّ نِعمَةٍ شُکراً،ولِکُلِّ عُسرٍ یُسراً.
ص:176
صَبِّر نَفسَکَ عِندَ کُلِّ بَلِیَّةٍ،فی وَلَدٍ أو مالٍ أو رَزِیَّةٍ،فَإِنَّما یَقبِضُ عارِیَتَهُ ویَأخُذُ هِبَتَهُ،لِیَبلُوَ فیهِما صَبرَکَ وشُکرَکَ. (1)
11206. بحار الأنوار عن عبد اللّه بن جعفر الحمیری: کُنتُ عِندَ مَولایَ أبِی مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِیٍّ العَسکَرِیِّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ،إذ وَرَدَت إلَیهِ رُقعَةٌ مِنَ الحَبسِ مِن بَعضِ مَوالیهِ، یَذکُرُ فیها ثِقَل الحَدیدِ وسوءَ الحالِ وتَحامُلَ السُّلطانِ.
وکَتَبَ إلَیهِ:یا عَبدَ اللّهِ،إنَّ اللّهَ عز و جل یَمتَحِنُ عِبادَهُ لِیَختَبِرَ صَبرَهُم،فُیُثیبَهُم عَلی ذلِکَ ثَوابَ الصّالِحینَ،فَعَلَیکَ بِالصَّبرِ. (2)
راجع:ص 191 ( مجاهدة الأعداء ).
الکتاب
«ما کانَ اللّهُ لِیَذَرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلی ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ حَتّی یَمِیزَ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ وَ ما کانَ اللّهُ لِیُطْلِعَکُمْ عَلَی الْغَیْبِ وَ لکِنَّ اللّهَ یَجْتَبِی مِنْ رُسُلِهِ مَنْ یَشاءُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَکُمْ أَجْرٌ عَظِیمٌ» . (3)
«لِیَمِیزَ اللّهُ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ وَ یَجْعَلَ الْخَبِیثَ بَعْضَهُ عَلی بَعْضٍ فَیَرْکُمَهُ جَمِیعاً فَیَجْعَلَهُ فِی جَهَنَّمَ أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ » . (4)
ص:177
الحدیث
11207. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: إنَّ اللّهَ لَیُجَرِّبُ أحَدَکُم بِالبَلاءِ وهُوَ أعلَمُ بِهِ کَما یُجَرِّبُ أحَدُکُم ذَهَبَهُ بِالنّارِ؛فَمِنهُم مَن یَخرُجُ کَالذَّهَبِ الإِبریزِ (1)،فَذلِکَ الَّذی نَجّاهُ اللّهُ تَعالی مِنَ السَّیِّئاتِ، ومِنهُم مَن یَخرُجُ کَالذَّهَبِ دونَ ذلِکَ،فَذلِکَ الَّذی یَشُکُّ بَعضَ الشَّکِّ،ومِنهُم مَن یَخرُجُ کَالذَّهَبِ الأَسوَدِ،فَذلِکَ الَّذی قَدِ افتَتَنَ. (2)
11208. الإمام علیّ علیه السلام: یُمتَحَنُ المُؤمِنُ بِالبَلاءِ کَما یُمتَحَنُ بِالنّارِ الخِلاصُ (3). (4)
11209. عنه علیه السلام: لا تَفرَح بِالغَناءِ وَالرَّخاءِ،ولا تَغتَمَّ بِالفَقرِ وَالبَلاءِ؛فَإِنَّ الذَّهَبَ یُجَرَّبُ بِالنّارِ، وَالمُؤمِنُ یُجَرَّبُ بِالبَلاءِ. (5)
11210. الإمام الحسن علیه السلام: إنَّ اللّهَ تَعالی-بِمَنِّهِ ورَحمَتِهِ-لَمّا فَرَضَ عَلَیکُمُ الفَرائِضَ،لَم یَفرِض ذلِکَ عَلَیکُم لِحاجَةٍ مِنهُ إلَیهِ،بَل رَحمَةً مِنهُ إلَیکُم لا إلهَ إلّاهُوَ؛لِیَمیزَ الخَبیثَ مِنَ الطَّیِّبِ،ولِیَبتَلِیَ ما فی صُدورِکُم،ولِیُمَحِّصَ ما فی قُلوبِکُم،ولِتَتَسابَقوا إلی رَحمَتِهِ،ولِتَتَفاضَلَ مَنازِلُکُم فی جَنَّتِهِ. (6)
ص:178
الکتاب
«وَ لِیَبْتَلِیَ اللّهُ ما فِی صُدُورِکُمْ وَ لِیُمَحِّصَ ما فِی قُلُوبِکُمْ وَ اللّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» . (1)
«وَ لا تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْکاثاً تَتَّخِذُونَ أَیْمانَکُمْ دَخَلاً بَیْنَکُمْ أَنْ تَکُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبی مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما یَبْلُوکُمُ اللّهُ بِهِ وَ لَیُبَیِّنَنَّ لَکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ ما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ» . (2)
الحدیث
11211. الإمام علیّ علیه السلام: فی تَقَلُّبِ الأَحوالِ عُلِمَ جَواهِرُ الرِّجالِ،وَالأَیّامُ تُوَضِّحُ لَکَ السَّرائِرَ الکامِنَةَ. (3)
ص:179
ص:180
الکتاب
«وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ الْکِتابِ وَ مُهَیْمِناً عَلَیْهِ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَکَ مِنَ الْحَقِّ لِکُلٍّ جَعَلْنا مِنْکُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لکِنْ لِیَبْلُوَکُمْ فِی ما آتاکُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَیْراتِ إِلَی اللّهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ» . (1)
«وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَکُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَکُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِیَبْلُوَکُمْ فِی ما آتاکُمْ إِنَّ رَبَّکَ سَرِیعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِیمٌ» . (2)
«فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا قالَ إِنَّما أُوتِیتُهُ عَلی عِلْمٍ بَلْ هِیَ فِتْنَةٌ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ» . (3)
ص:181
الحدیث
11212. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: قالَ اللّهُ عز و جل:إنَّ مِن عِبادِیَ المُؤمِنینَ لَعِباداً لا یَصلُحُ لَهُم أمرُ دینِهِم إلّا بِالغِنی وَالسَّعَةِ وَالصِّحَّةِ فِی البَدَنِ،فَأَبلوهُم بِالغِنی وَالسَّعَةِ وَالصِّحَّةِ فِی البَدَنِ، فَیَصلُحُ لَهُم أمرُ دینِهِم.
وقالَ:إنَّ مِن العِبادِ لَعِباداً لا یَصلُحُ لَهُم أمرُ دینِهِم إلّابِالفاقَةِ وَالمَسکَنَةِ وَالسُّقمِ فی أبدانِهِم،فَأَبلوهُم بِالفَقرِ وَالفاقَةِ وَالمَسکَنَةِ وَالسُّقمِ فی أبدانِهِم،فَیَصلُحُ لَهُم أمرُ دینِهِم. (1)
11213. عنه صلی الله علیه و آله: لَأَنَا فی فِتنَةِ السَّرّاءِ (2)أخوَفُ عَلَیکُم مِن فِتنَةِ الضَّرّاءِ،إنَّکُم قَدِ ابتُلیتُم بِفِتنَةِ الضَّرّاءِ فَصَبَرتُم،وإنَّ الدُّنیا خَضِرَةٌ حُلوَةٌ ! (3)
11214. الإمام علیّ علیه السلام: کَم مِن مُبتَلیً بِالنَّعماءِ. (4)
11215. عنه علیه السلام: أیُّهَا النّاسُ،لِیَرَکُمُ اللّهُ مِنَ النِّعمَةِ وَجِلینَ کَما یَراکُم مِنَ النَّقِمَةِ فَرِقینَ (5)،إنَّهُ مَن وُسِّعَ عَلَیهِ فی ذاتِ یَدِهِ فَلَم یَرَ ذلِکَ استِدراجاً،فَقَد آمَنَ مَخوفاً،ومَن ضُیِّقَ عَلَیهِ فی ذاتِ یَدِهِ فَلَم یَرَ ذلِکَ اختِباراً،فَقَد ضَیَّعَ مَأمولاً. (6)
ص:182
الکتاب
«وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَیْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِینَ» . (1)
الحدیث
11216. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: یا أیُّهَا النّاسُ،إنَّ هذِهِ الدُّنیا دارُ التِواءٍ لا دارُ استِواءٍ،ودارُ تَرَحٍ (2)لا دارُ فَرَحٍ،فَمَن عَرَفَها لَم یَفرَح لِرَخاءٍ،ولَم یَحزَن لِشِدَّةٍ.
ألا وإنَّ اللّهَ تَعالی خَلَقَ الدُّنیا دارَ بَلوی،وَالآخِرَةَ دارَ عُقبی،فَجَعَلَ بَلوَی الدُّنیا لِثَوابِ الآخِرَةِ،وثَوابَ الآخِرَةِ مِن بَلوَی الدُّنیا عِوَضاً،فَیَأخُذُ ویَبتَلی لِیَجزِیَ؛ فَاحذَروا حَلاوَةَ رَضاعِها لِمَرارَةِ فِطامِها،وَاحذَروا لَذیذَ عاجِلِها لِکُربَةِ آجِلِها،ولا تَسعَوا فی عِمرانِ دارٍ قَد قَضَی اللّهُ خَرابَها،ولا تُواصِلوها وقَد أرادَ مِنکُم اجتِنابَها؛ فَتَکونوا لِسُخطِهِ مُتَعَرِّضینَ،ولِعُقوبَتِهِ مُستَحِقّینَ. (3)
11217. الغیبة للنعمانی عن أبی بصیر عن الإمام الصادق علیه السلام: لا بُدَّ أن یَکونَ قُدّامَ القائِمِ سَنَةٌ یَجوعُ فیهَا النّاسُ،ویُصیبُهُم خَوفٌ شَدیدٌ مِنَ القَتلِ ونَقصٍ مِنَ الأَموالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَراتِ،فَإِنَّ ذلِکَ فی کِتابِ اللّهِ لَبَیِّنٌ.ثُمَّ تَلا هذِهِ الآیَةَ: «وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَیْءٍ مِنَ
ص:183
اَلْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِینَ» . (1)
11218. لقمان علیه السلام: یا بُنَیَّ،إنَّ الذَّهَبَ یُجَرَّبُ بِالنّارِ،وَالعَبدَ الصّالِحَ یُجَرَّبُ بِالبَلاءِ،وإذا أحَبَّ اللّهُ قَوماً ابتَلاهُم،فَمَن رَضِیَ فَلَهُ الرِّضا،ومَن سَخِطَ فَلَهُ السُّخطُ. (2)
الکتاب
«کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوکُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَیْرِ فِتْنَةً وَ إِلَیْنا تُرْجَعُونَ» . (3)
«وَ قَطَّعْناهُمْ فِی الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصّالِحُونَ وَ مِنْهُمْ دُونَ ذلِکَ وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّیِّئاتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ » . (4)
«فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لکِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لکِنَّ اللّهَ رَمی وَ لِیُبْلِیَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ» . (5)
الحدیث
11219. الإمام الصادق علیه السلام: مَرِضَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام،فَعادَهُ قَومٌ فَقالوا لَهُ:کَیفَ أصبَحتَ یا أمیرَ المُؤمِنینَ؟
ص:184
فَقالَ:أصبَحتُ بِشَرٍّ.فَقالوا لَهُ:سُبحانَ اللّهِ! هذا کَلامُ مِثلِکَ؟
فَقالَ:یَقولُ اللّهُ تَعالی: «وَ نَبْلُوکُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَیْرِ فِتْنَةً وَ إِلَیْنا تُرْجَعُونَ» ؛فَالخَیرُ الصِّحَّةُ وَالغِنی،وَالشَّرُّ المَرَضُ وَالفَقرُ؛ابتِلاءً وَاختِباراً (1). (2)
11220. عنه علیه السلام: کانَ عَمُّنَا العَبّاسُ نافِذَ البَصیرَةِ،صَلبَ الإِیمانِ،جاهَدَ مَعَ أبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام، وأَبلی بَلاءً حَسَناً،ومَضی شَهیداً. (3)
11221. الإمام علیّ علیه السلام: ...ولکِنَّ اللّهَ عز و جل یَختَبِرُ عَبیدَهُ بِأَنواعِ الشَّدائِدِ،ویَتَعَبَّدُهُم بِأَلوانِ المَجاهِدِ،ویَبتَلیهِم بِضُروبِ المَکارِهِ؛إخراجاً لِلتَّکَبُّرِ مِن قُلوبِهِم،وإسکاناً لِلتَّذَلُّلِ فی أنفُسِهِم،ولِیَجعَلَ ذلِکَ أبواباً فُتُحاً إلی فَضلِهِ،وأَسباباً ذُلُلاً لِعَفوِهِ وفِتنَتِهِ،کَما قالَ:
«الم* أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ* وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْکاذِبِینَ» (4). (5)
الکتاب
«فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَکْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَیَقُولُ رَبِّی أَکْرَمَنِ* وَ أَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَیْهِ رِزْقَهُ فَیَقُولُ رَبِّی أَهانَنِ» . (6)
ص:185
الحدیث
11222. مجمع البیان عن السکونی عن الإمام الصادق عن آبائه عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله -فی قَولِهِ تَعالی: «أَ یَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِینَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْراتِ بَلْ لا یَشْعُرُونَ» (1)-:
إنَّ اللّهَ تَعالی یَقولُ:یَحزَنُ عَبدِی المُؤمِنُ إذا أقتَرتُ (2)عَلَیهِ شَیئاً مِنَ الدُّنیا،وذلِکَ أقرَبُ لَهُ مِنّی،ویَفرَحُ إذا بَسَطتُ لَهُ الدُّنیا،وذلِکَ أبعَدُ لَهُ مِنّی.
ثُمَّ تَلا هذِهِ الآیَةَ إلی قَولِهِ: «بَلْ لا یَشْعُرُونَ» ،ثُمَّ قالَ:إنَّ ذلِکَ فِتنَةٌ لَهُم. (3)
11223. الإمام علیّ علیه السلام: مَن ضُیِّقَ عَلَیهِ فی ذاتِ یَدِهِ فَلَم یَرَ ذلِکَ اختِباراً،فَقَد ضَیَّعَ مَأمولاً. (4)
11224. تفسیر القمّی -فی قَولِهِ تَعالی: «وَ لا تَطْرُدِ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِیِّ» (5)-:کانَ سَبَبُ نُزولِها أنَّهُ کانَ بِالمَدینَةِ قَومٌ فُقَراءُ مُؤمِنونَ یُسَمَّونَ أصحابَ الصُّفَّةِ (6)،وکانَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله أمَرَهُم أن یَکونوا فِی الصُّفَّةِ یَأوونَ إلَیها،وکانَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله یَتَعاهَدُهُم بِنَفسِهِ، ورُبَّما حَمَلَ إلَیهِم ما یَأکُلونَ،و کانوا یَختَلِفونَ إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَیُقَرِّبُهُم ویَقعُدُ مَعَهُم ویُؤنِسُهُم،وکانَ إذا جاءَ الأَغنِیاءُ وَالمُترَفونَ مِن أصحابِهِ أنکَروا عَلَیهِ ذلِکَ،ویَقولونَ لَهُ:
اطرُدهُم عَنکَ !
فَجاءَ یَوماً رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله وعِندَهُ رَجُلٌ مِن أصحابِ الصُّفَّةِ قَد لَزِقَ بِرَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،ورَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله یُحَدِّثُهُ،فَقَعَدَ الأَنصارِیُّ بِالبُعدِ مِنهُما،فَقالَ لَهُ
ص:186
رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:تَقَدَّم،فَلَم یَفعَل ! فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:لَعَلَّکَ خِفتَ أن یَلزَقَ فَقرُهُ بِکَ؟
فَقالَ الأَنصارِیُّ:اُطرُد هؤُلاءِ عَنکَ ! فَأَنزَلَ اللّهُ: «وَ لا تَطْرُدِ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ...» الآیَةَ، ثُمَّ قالَ: «وَ کَذلِکَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ» ؛أیِ اختَبَرنَا الأَغنِیاءَ بِالغَناءِ لِنَنظُرَ کَیفَ مُواساتُهُم لِلفُقَراءِ،وکَیفَ یُخرِجونَ ما فَرَضَ اللّهُ عَلَیهِم فی أموالِهِم،فَاختَبَرنَا الفُقَراءَ لِنَنظُرَ کَیفَ صَبرُهُم عَلَی الفَقرِ وعَمّا فی أیدِی الأَغنِیاءِ،و «لِیَقُولُوا» أیِ الفُقَراءُ «أَ هؤُلاءِ» الأَغنِیاءُ «مَنَّ اللّهُ عَلَیْهِمْ مِنْ بَیْنِنا أَ لَیْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاکِرِینَ» (1). (2)
11225. الإمام الکاظم علیه السلام: إنَّ اللّهَ عز و جل یَقولُ:إنّی لَم اغنِ الغَنِیَّ لِکَرامَةٍ بِهِ عَلَیَّ،ولَم افقِرِ الفَقیرَ لِهَوانٍ بِهِ عَلَیَّ،وهُوَ مِمَّا ابتَلَیتُ بِهِ الأَغنِیاءَ بِالفُقَراءِ،ولَولَا الفُقَراءُ لَم یَستَوجِبِ الأَغنِیاءُ الجَنَّةَ. (3)
11226. الإمام الصادق علیه السلام: إنَّهُ لَیسَ شَیءٌ فیهِ قَبضٌ أو بَسطٌ مِمّا أمَرَ اللّهُ بِهِ أو نَهی عَنهُ،إلّاوفیهِ للّهِ ِ عز و جل ابتِلاءٌ وقَضاءٌ (4). (5)
ص:187
11227. عنه علیه السلام: ما مِن قَبضٍ ولا بَسطٍ إلّاوللّهِ ِ فیهِ مَشیئَةٌ وقَضاءٌ وَابتِلاءٌ. (1)
11228. عنه علیه السلام: ما اعطِیَ عَبدٌ مِنَ الدُّنیا إلَّااعتِباراً،وما زُوِیَ عَنهُ إلَّااختِباراً. (2)
لعلّ القبض والبسط فی الأرزاق بالتوسیع والتقتیر،وفی النفوس بالسرور والحزن، وفی الأبدان بالصحّة والألم،وفی الأعمال بتوفیق الإقبال إلیه وعدمه،وفی الأخلاق بالتحلیة وعدمها،وفی الدعاء بالإجابة له وعدمها،وفی الأحکام بالرخصة فی بعضها والنهی عن بعضها. (3)
الکتاب
«لَتُبْلَوُنَّ فِی أَمْوالِکُمْ وَ أَنْفُسِکُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ وَ مِنَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا أَذیً کَثِیراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِکَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» . (4)
«وَ لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَیاةِ الدُّنْیا لِنَفْتِنَهُمْ فِیهِ وَ رِزْقُ رَبِّکَ خَیْرٌ وَ أَبْقی» . (5)
«إِنَّما أَمْوالُکُمْ وَ أَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ وَ اللّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِیمٌ» . (6)
ص:188
«وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُکُمْ وَ أَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ وَ أَنَّ اللّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِیمٌ» . (1)
الحدیث
11229. الإمام الصادق علیه السلام -فی قَولِهِ تَعالی: «وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ» (2)-:یُبتَلَونَ فی أنفُسِهِم وأَموالِهِم. (3)
11230. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: إنَّ فی مالِ الرَّجُلِ فِتنَةً،وفی زَوجَتِهِ فِتنَةً،ووَلَدِهِ. (4)
11231. عنه صلی الله علیه و آله: أولادُنا أکبادُنا،صُغَراؤُهُم امَراؤُنا،وکُبَراؤُهُم أعداؤُنا،فَإِن عاشوا فَتَنونا، وإن ماتوا أحزَنونا. (5)
11232. عنه صلی الله علیه و آله: إنَّ لِکُلِّ امَّةٍ فِتنَةً،وفِتنَةَ امَّتِی المالُ. (6)
11233. عنه صلی الله علیه و آله: إنَّ مالَ الدُّنیا کُلَّمَا ازدادَ کَثرَةً وعِظَماً،ازدادَ صاحِبُهُ بَلاءً. (7)
11234. مسند الشامیین عن عبد اللّه بن حوالة: کُنّا عِندَ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،نَشکُو الفَقرَ وَالعُری وقِلَّةَ الشَّیءِ،فَقالَ نَبِیُّ اللّهِ صلی الله علیه و آله:أبشِروا،فَوَاللّهِ لَأَنَا بِکَثرَةِ الشَّیءِ أخوَفُ مِنّی عَلَیکُم مِن قِلَّتِهِ.وَاللّهِ ! لایَزالُ هذَا الأَمرُ فیکُم حَتّی یَفتَحَ اللّهُ لَکُم أرضَ فارِسَ وَالرّومَ
ص:189
وأَرضَ حِمیَرَ،وحَتّی تَکونوا أجناداً مُجَنَّدَةً؛جُنداً بِالشّامِ،وجُنداً بِالعِراقِ،وجُنداً بِالیَمَنِ،وحَتّی یُعطَی الرَّجُلُ المِئَةَ فَیَتَسَخَّطُها. (1)
11235. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: إنَّ إعطاءَ هذَا المَالِ فِتنَةٌ،وإمساکَهُ فِتنَةٌ. (2)
11236. الإمام علیّ علیه السلام -وَقَد عَزَّی الأَشعَثَ عَنِ ابنٍ لَهُ-:یا أشعَثُ،إن تَحزَن عَلَی ابنِکَ فَقَدِ استَحَقَّت مِنکَ ذلِکَ الرَّحِمُ،وإن تَصبِر فَفِی اللّهِ مِن کُلِّ مُصیبَةٍ خَلَفٌ.
یا أشعَثُ،إن صَبَرتَ جَری عَلَیکَ القَدَرُ وأَنتَ مَأجورٌ،وإن جَزِعتَ جَری عَلَیکَ القَدَرُ وأَنتَ مَأزورٌ.
یا أشعَثُ،ابنُکُ سَرَّکَ وهُوَ بَلاءٌ وفِتنَةٌ،وحَزَنَکَ وهُوَ ثَوابٌ ورَحمَةٌ. (3)
11237. عنه علیه السلام -وسَمِعَ رَجُلاً یَقولُ:اللّهُمَّ إنّی أعوذُ بِکَ مِنَ الفِتنَةِ-:أراکَ تَتَعَوَّذُ مِن مالِکَ ووَلَدِکَ ! یَقولُ اللّهُ تَعالی: «أَنَّما أَمْوالُکُمْ وَ أَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ» ،ولکِن قُل:اللّهُمَّ إنّی أعوذُ بِکَ مِن مُضِلّاتِ الفِتَنِ. (4)
11238. عنه علیه السلام: لا تَعتَبِرُوا الرِّضا وَالسُّخطَ بِالمالِ وَالوَلَدِ جَهلاً بِمَواقِعِ الفِتنَةِ وَالاِختِبارِ فی
ص:190
مَوضِعِ الغِنی وَالإِقتارِ (1)،فَقَد قالَ سُبحانَهُ وتَعالی: «أَ یَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِینَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْراتِ بَلْ لا یَشْعُرُونَ» (2)،فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ یَختَبِرُ عِبادَهُ المُستَکبِرینَ فی أنفُسِهِم بِأَولِیائِهِ المُستَضعَفینَ فی أعیُنِهِم. (3)
11239. الإمام الباقر علیه السلام: لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآیَةُ: «مَنْ یَعْمَلْ سُوءاً یُجْزَ بِهِ» (4)،قالَ بَعضُ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله:ما أشَدَّها مِن آیَةٍ! فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:أما تُبتَلونَ فی أموالِکُم وأَنفُسِکُم وذَرارِیِّکُم؟قالوا:بَلی،قالَ:هذا مِمّا یَکتُبُ اللّهُ لَکُم بِهِ الحَسَناتِ ویَمحو بِهِ السَّیِّئاتِ. (5)
11240. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: إنَّ الوَلَدَ فِتنَةٌ. (6)
الکتاب
«وَ لَقَدْ صَدَقَکُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّی إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِی الْأَمْرِ وَ عَصَیْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراکُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْکُمْ مَنْ یُرِیدُ الدُّنْیا وَ مِنْکُمْ مَنْ یُرِیدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَکُمْ عَنْهُمْ لِیَبْتَلِیَکُمْ وَ لَقَدْ عَفا عَنْکُمْ وَ اللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ» . (7)
ص:191
«فَإِذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّی إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً حَتّی تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِکَ وَ لَوْ یَشاءُ اللّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لکِنْ لِیَبْلُوَا بَعْضَکُمْ بِبَعْضٍ وَ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ فَلَنْ یُضِلَّ أَعْمالَهُمْ» . (1)
«ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْکُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً یَغْشی طائِفَةً مِنْکُمْ وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ یَظُنُّونَ بِاللّهِ غَیْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِیَّةِ یَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَیْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ کُلَّهُ لِلّهِ یُخْفُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ ما لا یُبْدُونَ لَکَ یَقُولُونَ لَوْ کانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَیْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ کُنْتُمْ فِی بُیُوتِکُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ وَ لِیَبْتَلِیَ اللّهُ ما فِی صُدُورِکُمْ وَ لِیُمَحِّصَ ما فِی قُلُوبِکُمْ وَ اللّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» . (2)
«فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لکِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لکِنَّ اللّهَ رَمی وَ لِیُبْلِیَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ» . (3)
«إِنْ یَمْسَسْکُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْکَ الْأَیّامُ نُداوِلُها بَیْنَ النّاسِ وَ لِیَعْلَمَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ یَتَّخِذَ مِنْکُمْ شُهَداءَ وَ اللّهُ لا یُحِبُّ الظّالِمِینَ* وَ لِیُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ یَمْحَقَ الْکافِرِینَ* أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا یَعْلَمِ اللّهُ الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْکُمْ وَ یَعْلَمَ الصّابِرِینَ» . (4)
الحدیث
11241. تفسیر القمّی: لَمّا دَخَلَ رَسولُ اللّهِ المَدینَةَ نَزَلَ عَلَیهِ جَبرَئیلُ فَقالَ:یا مُحَمَّدُ،إنَّ اللّهَ یَأمُرُکَ أن تَخرُجَ فی أثَرِ القَومِ،ولا یَخرُجُ مَعَکَ إلّامَن بِهِ جِراحَةٌ.
فَأَمَرَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله مُنادِیاً یُنادی:یا مَعشَرَ المُهاجِرینَ وَالأَنصارِ،مَن کانَت بِهِ
ص:192
جِراحَةٌ فَلیَخرُج،ومَن لَم یَکُن بِهِ جِراحَةٌ فَلیُقِم،فَأَقبَلوا یُضَمِّدونَ جِراحاتِهِم ویُداوونَها.
فَأَنزَلَ اللّهُ عَلی نَبِیِّهِ: «وَ لا تَهِنُوا فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَکُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ یَأْلَمُونَ کَما تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللّهِ ما لا یَرْجُونَ» (1)...قالَ عز و جل: «إِنْ یَمْسَسْکُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْکَ الْأَیّامُ نُداوِلُها بَیْنَ النّاسِ وَ لِیَعْلَمَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ یَتَّخِذَ مِنْکُمْ شُهَداءَ» .فَخَرَجوا عَلی ما بِهِم مِنَ الأَلَمِ وَالجِراحِ. (2)
الکتاب
«وَ جَعَلْنا بَعْضَکُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَ تَصْبِرُونَ وَ کانَ رَبُّکَ بَصِیراً» . (3)
«وَ کَذلِکَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِیَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللّهُ عَلَیْهِمْ مِنْ بَیْنِنا أَ لَیْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاکِرِینَ» . (4)
الحدیث
11242. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: إنَّ الفَقیرَ عِندَ الغَنِیِّ فِتنَةٌ،وإنَّ الضَّعیفَ عِندَ القَوِیِّ فِتنَةٌ،وإنَّ المَملوکَ عِندَ المَلیکِ فِتنَةٌ،فَلیَتَّقِ اللّهَ عز و جل وَلیُکَلِّفهُ ما یَستَطیعُ،فَإِن أمَرَهُ أن یَعمَلَ بِما لا یَستَطیعُ فَلیُعِنهُ عَلَیهِ،فَإِن لَم یَفعَل فَلا یُعَذِّبهُ. (5)
ص:193
11243. عنه صلی الله علیه و آله: لَو شاءَ اللّهُ لَجَعَلَکُم أغنِیاءَ کُلَّکُم لا فَقیرَ فیکُم،ولَو شاءَ اللّهُ لَجَعَلَکُم فُقَراءَ کُلَّکُم لا غَنِیَّ فیکُم،ولکِنِ ابتَلی بَعضَکُم بِبَعضٍ. (1)
11244. عنه صلی الله علیه و آله: إخوانُکُم جَعَلَهُمُ اللّهُ فِتنَةً تَحتَ أیدیکُم؛فَمَن کانَ أخوهُ تَحتَ یَدَیهِ فَلیُطعِمهُ مِن طَعامِهِ،وَلیُکسِهِ مِن لِباسِهِ،ولا یُکَلِّفهُ ما یَغلِبُهُ،فَإِن کَلَّفَهُ ما یَغلِبُهُ فَلیُعِنهُ عَلَیهِ. (2)
11245. الإمام علیّ علیه السلام -فی کِتابِهِ إلی مُعاوِیَةَ-:لَسنا لِلدُّنیا خُلِقنا،ولا بِالسَّعیِ فیها امِرنا، وإنَّما وُضِعنا فیها لِنُبتَلی بِها،وقَدِ ابتَلانِیَ اللّهُ بِکَ وَابتَلاکَ بی،فَجَعَلَ أحَدَنا حُجَّةً عَلَی الآخَرِ. (3)
11246. عنه علیه السلام -فی بابِ العِبرَةٍ بِالماضینَ-:و کانوا قَوماً مُستَضعَفینَ،قَدِ اختَبَرَهُمُ اللّهُ بِالمَخمَصَةِ (4)،وَابتَلاهُم بِالمَجهَدَةِ،وَامتَحَنَهُم بِالمَخاوِفِ،ومَخَضَهُم بِالمَکارِهِ.فَلا تَعتَبِرُوا الرِّضا وَالسُّخطَ بِالمالِ وَالوَلَدِ جَهلاً بِمَواقِعِ الفِتنَةِ وَالاِختِبارِ فی مَوضعِ الغِنی وَالإِقتارِ (5)،فَقَد قالَ سُبحانَهُ وتَعالی: «أَ یَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِینَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْراتِ بَلْ لا یَشْعُرُونَ» ،فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ یَختَبِرُ عِبادَهُ المُستَکبِرینَ فی أنفُسِهِم بِأَولِیائِهِ المُستَضعَفینَ فی أعیُنِهِم.
ص:194
ولَقَد دَخَلَ موسَی بنُ عِمرانَ ومَعَهُ أخوهُ هارونُ علیهما السلام عَلی فِرعَونَ،وعَلَیهِما مَدارِعُ (1)الصّوفِ،وبِأَیدِیهِمَا العِصِیُّ،فَشَرَطا لَهُ-إن أسلَمَ-بَقاءَ مُلکِهِ،ودَوامَ عِزِّهِ، فَقالَ:«ألا تَعجَبونَ مِن هذَینِ یَشرِطانِ لی دَوامَ العِزِّ،وبَقاءَ المُلکِ،وهُما بِما تَرَونَ مِن حالِ الفَقرِ وَالذُّلِّ ! فَهَلّا القِیَ عَلَیهِما أساوِرَةٌ مِن ذَهَبٍ»؟إعظاماً لِلذَّهَبِ وجَمعِهِ، وَاحتِقاراً لِلصّوفِ ولُبسِهِ ! ولَو أرادَ اللّهُ سُبحانَهُ لِأَنبِیائِهِ حَیثُ بَعَثَهُم أن یَفتَحَ لَهُم کُنوزَ الذِّهبانِ،ومَعادِنَ العِقیانِ،ومَغارِسَ الجِنانِ،وأَن یَحشُرَ مَعَهُم طُیورَ السَّماءِ ووُحوشَ الأَرَضینَ لَفَعَلَ،ولَو فَعَلَ لَسَقَطَ البَلاءُ،وبَطَلَ الجَزاءُ،وَاضمَحَلَّتِ الأَنباءُ، ولَما وَجَبَ لِلقابِلینَ اجورُ المُبتَلَینَ،ولَا استَحَقَّ المُؤمِنونَ ثَوابَ المُحسِنینَ،ولا لَزِمَتِ الأَسماءُ مَعانِیَها؛ولکِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ اولی قُوَّةٍ فی عَزائِمِهِم،وضَعَفَةً فیما تَرَی الأَعیُنُ مِن حالاتِهِم،مَعَ قَناعَةٍ تَملَأُ القُلوبَ وَالعُیونَ غِنیً،وخَصاصَةٍ (2)تَملَأُ الأَبصارَ وَالأَسماعَ أذیً.
ولَو کانَتِ الأَنبِیاءُ أهلَ قُوَّةٍ لا تُرامُ،وعِزَّةٍ لا تُضامُ،ومُلکٍ تُمَدُّ نَحوَهُ أعناقُ الرِّجالِ،وتُشَدُّ إلَیهِ عُقَدُ الرِّحالِ،لَکانَ ذلِکَ أهوَنَ عَلَی الخَلقِ فِی الاِعتِبارِ،وأَبعَدَ لَهُم فِی الاِستِکبارِ،ولَآمَنوا عَن رَهبَةٍ قاهِرَةٍ لَهُم،أو رَغبَةٍ مائِلَةٍ بِهِم،فَکانَتِ النِّیّاتُ مُشتَرِکَةً،وَالحَسَناتُ مُقتَسَمَةً؛ولکِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ أرادَ أن یَکونَ الاِتِّباعُ لِرُسُلِهِ،وَالتَّصدیقُ بِکُتُبِهِ،وَالخُشوعُ لِوَجهِهِ،وَالاِستِکانَةُ لِأَمرِهِ،وَالاِستِسلامُ لِطاعَتِهِ،اُموراً لَهُ خاصَّةً،لا تَشوبُها مِن غَیرِها شائِبَةٌ.وکُلَّما کانَتِ البَلوی وَالاِختِبارُ أعظَمَ کانَتِ المَثوبَةُ وَالجَزاءُ أجزَلَ. (3)
ص:195
11247. نوادر الاُصول عن رفاعة بن رافع الزرقی: قالَ رَجُلٌ:یا رَسولَ اللّهِ،کَیفَ تَری فی رَقیقِنا أقوامٌ مُسلِمونَ یُصَلّونَ صَلاتَنا ویَصومونَ صِیامَنا،نَضرِبُهُم؟
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:یوزَنُ ذَنبُهُم وعُقوبَتُکُم إیّاهُم،فَإِن کانَت عُقوبَتُکُم أکثَرَ مِن ذَنبِهِم،أخَذوا مِنکُم. (1)
قال:أَفَرَأَیتَ سَبَّنا إیّاهُم؟
قالَ:یوزَنُ ذَنبُهُم وأَذاکُم إیّاهُم،فَإِن کانَ أذاکُم أکثَرَ اعطوا مِنکُم.
قالَ الرَّجُلُ:ما أسمَعُ عَدُوّاً أقرَبَ إلَیَّ مِنهُم ! فَتَلا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله: «وَ جَعَلْنا بَعْضَکُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَ تَصْبِرُونَ وَ کانَ رَبُّکَ بَصِیراً» (2). (3)
11248. الإمام زین العابدین علیه السلام: حَقُّ السُّلطانِ أن تَعلَمَ أنَّکَ جُعِلتَ لَهُ فِتنَةً،وأَنَّهُ مُبتَلیً فیکَ بِما جَعَلَهُ اللّهُ عز و جل عَلَیکَ مِنَ السُّلطانِ. (4)
11249. الإمام علیّ علیه السلام عن الخضر علیه السلام: إنَّ اللّهَ ابتَلی عِبادَهُ بَعضَهُم بِبَعضٍ،وَابتَلَی العالِمَ بِالعالِمِ، وَالجاهِلَ بِالجاهِلِ،وَالعالِمَ بِالجاهِلِ،وَالجاهِلَ بِالعالِمِ. (5)
11250. الإمام الباقر علیه السلام: إنَّ اللّهَ عز و جل لَمّا أخرَجَ ذُرِّیَّةَ آدَمَ علیه السلام مِن ظَهرِهِ لِیَأخُذَ عَلَیهِمُ المیثاقَ
ص:196
بِالرُّبوبِیَّةِ لَهُ،وبِالنُّبُوَّةِ لِکُلِّ نَبِیٍّ،فَکانَ أوَّلَ مَن أخَذَ لَهُ عَلَیهِمُ المیثاقَ بِنُبُوَّتِهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،ثُمَّ قالَ اللّهُ عز و جل لِآدَمَ:اُنظُر ماذا تَری؟قالَ:فَنَظَرَ آدَمُ علیه السلام إلی ذُرِّیَّتِهِ وهُم ذَرٌّ (1)قَد مَلَؤُوا السَّماءَ،قالَ آدَمُ علیه السلام:یا رَبِّ ما أکثَرَ ذُرِّیَّتی ! ولِأَمرٍ ما خَلَقتَهُم،فَما تُریدُ مِنهُم بِأَخذِکَ المیثاقَ عَلَیهِم؟
قالَ اللّهُ عز و جل:یَعبُدُونَنی لا یُشرِکونَ بی شَیئاً،ویُؤمِنونَ بِرُسُلی ویَتَّبِعونَهُم.
قالَ آدَمُ علیه السلام:یا رَبِّ،فَما لی أری بَعضَ الذَّرِّ أعظَمَ مِن بَعضٍ،وبَعضَهُم لَهُ نورٌ کَثیرٌ،وبَعضَهُم لَهُ نورٌ قَلیلٌ،وبَعضَهُم لَیسَ لَهُ نورٌ؟!
فَقالَ اللّهَ عز و جل:کَذلِکَ خَلَقتُهُم لِأَبلُوَهُم فی کُلِّ حالاتِهِم.
قالَ آدَمُ علیه السلام:یا رَبِّ،فَتَأذَنُ لی فِی الکَلامِ فَأَتَکَلَّمَ؟
قالَ اللّهُ عز و جل:تَکَلَّم،فَإِنَّ روحَکَ مِن روحی،وطَبیعَتَکَ مِن خِلافِ کَینونَتی.
قالَ آدَمُ:یا رَبِّ،فَلَو کُنتَ خَلَقتَهُم عَلی مِثالٍ واحِدٍ،وقَدرٍ واحِدٍ،وطَبیعَةٍ واحِدَةٍ،وجِبِلَّةٍ واحِدَةٍ،وأَلوانٍ واحِدَةٍ،وأَعمارٍ واحِدَةٍ،وأَرزاقٍ سَواءٍ،لَم یَبغِ بَعضُهُم عَلی بَعضٍ،ولَم یَکُن بَینَهُم تَحاسُدٌ ولا تَباغُضٌ،ولَا اختِلافٌ فی شَیءٍ مِنَ الأَشیاءِ.
قالَ اللّهُ عز و جل:یا آدَمُ ! بِروحی نَطَقتَ،وبِضَعفِ طَبیعَتِکَ تَکَلَّفتَ ما لا عِلمَ لَکَ بِهِ، وأَنَا الخالِقُ العالِمُ،بِعِلمی خالَفتُ بَینَ خَلقِهِم،وبِمَشیئَتی یَمضی فیهِم أمری،وإلی تَدبیری وتَقدیری صائِرونَ،لا تَبدیلَ لِخَلقی،إنَّما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ لِیَعبُدونَ، وخَلَقتُ الجَنَّةَ لِمَن أطاعَنی وعَبَدَنی مِنهُم وَاتَّبَعَ رُسُلی ولا ابالی،وخَلَقتُ النّارَ لِمَن
ص:197
کَفَرَ بی وعَصانی ولَم یَتَّبِع رُسُلی ولا ابالی.
وخَلَقتُکَ وخَلَقتُ ذُرِّیَّتَکَ مِن غَیرِ فاقَةٍ بی إلَیکَ وإلَیهِم،وإنَّما خَلَقتُکَ وخَلَقتُهُم لِأَبلُوَکَ وأَبلُوَهُم أیُّکُم أحسَنُ عَمَلاً فی دارِ الدُّنیا،فی حَیاتِکُم وقَبلَ مَماتِکُم.
فَلِذلِکَ خَلَقتُ الدُّنیا وَالآخِرَةَ،وَالحَیاةَ وَالمَوتَ،وَالطّاعَةَ وَالمَعصِیَةَ،وَالجَنَّةَ وَالنّارَ،وکَذلِکَ أرَدتُ فی تَقدیری وتَدبیری،وبِعِلمِی النافِذِ فیهِم خالَفتُ بَینَ صُوَرِهِم وأَجسامِهِم وأَلوانِهِم وأَعمارِهِم وأَرزاقِهِم وطاعَتِهِم ومَعصِیَتِهِم،فَجَعَلتُ مِنهُمُ الشَّقِیَّ وَالسَّعیدَ،وَالبَصیرَ وَالأَعمی،وَالقَصیرَ وَالطَّویلَ،وَالجَمیلَ وَالدَّمیمَ، وَالعالِمَ وَالجاهِلَ،وَالغَنِیَّ وَالفَقیرَ،وَالمُطیعَ وَالعاصِیَ،وَالصَّحیحَ وَالسَّقیمَ،ومَن بِهِ الزَّمانَةُ (1)ومَن لا عاهَةَ بِهِ.فَیَنظُرُ الصَّحیحُ إلَی الَّذی بِهِ العاهَةُ فَیَحمَدُنی عَلی عافِیَتِهِ،ویَنظُرُ الَّذی بِهِ العاهَةُ إلَی الصَّحیحِ فَیَدعونی ویَسأَ لُنی أن اعافِیَهُ، ویَصبِرُ عَلی بَلائی فَاُثیبُهُ جَزیلَ عَطائی،ویَنظُرَ الغَنِیُّ إلَی الفَقیرِ فَیَحمَدُنی ویَشکُرُنی،ویَنظُرُ الفَقیرُ إلَی الغَنِیِّ فَیَدعونی ویَسأَ لُنی،ویَنظُرُ المُؤمِنُ إلَی الکافِرِ فَیَحمَدُنی عَلی ما هَدَیتُهُ.
فَلِذلِکَ خَلَقتُهُم لِأَبلُوَهُم فِی السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ،وفیما اعافیهِم،وفیما أبتَلیهِم،وفیما اعطیهِم وفیما أمنَعُهُم،وأَنَا اللّهُ المَلِکُ القادِرُ،ولی أن امضِیَ جَمیعَ ما قَدَّرتُ عَلی ما دَبَّرتُ،ولی أن اغَیِّرَ مِن ذلِکَ ما شِئتُ إلی ما شِئتُ،واُقَدِّمُ مِن ذلِکَ ما أخَّرتُ، واُؤَخِّرُ مِن ذلِکَ ما قَدَّمتُ،وأَنَا اللّهُ الفَعّالُ لِما اریدُ،لا اسأَلُ عَمّا أفعَلُ،وأَنَا أسأَلُ خَلقی عَمّا هُم فاعِلونَ. (2)
ص:198
11251. الإمام الصادق علیه السلام -فی قَولِهِ تَعالی: «وَ لَوْ لا أَنْ یَکُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ یَکْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُیُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَیْها یَظْهَرُونَ* وَ لِبُیُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَیْها یَتَّکِؤُنَ» (1)-:لَو فَعَلَ اللّهُ ذلِکَ لَما آمَنَ أحَدٌ،ولکِنَّهُ جَعَلَ فِی المُؤمِنینَ أغنِیاءَ وفِی الکافِرینَ فُقَراءَ،وجَعَلَ فِی الکافِرینَ أغنِیاءَ وفِی المُؤمِنینَ فُقَراءَ،ثُمَّ امتَحَنَهُم بِالأَمرِ وَالنَّهیِ وَالصَّبرِ وَالرِّضا. (2)
11252. عنه علیه السلام: مَسأَلَةُ ابنِ آدَمَ لِابنِ آدَمَ فِتنَةٌ؛إن أعطاهُ حَمِدَ مَن لَم یُعطِهِ،وإن رَدَّهُ ذَمَّ مَن لَم یَمنَعهُ. (3)
11253. الکافی عن علیّ بن عیسی رفعه،قال: إنَّ موسی علیه السلام ناجاهُ اللّهُ تَبارَکَ وتَعالی،فَقالَ لَهُ فی مُناجاتِهِ:...یا موسی،أبناءُ الدُّنیا وأَهلُها فِتَنٌ بَعضُهُم لِبَعضٍ،فَکُلٌّ مُزَیَّنٌ لَهُ ما هُوَ فیهِ. (4)
«قالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتابِ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّی لِیَبْلُوَنِی أَ أَشْکُرُ أَمْ أَکْفُرُ وَ مَنْ شَکَرَ فَإِنَّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیٌّ کَرِیمٌ» . (5)
ص:199
11254. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: ما تَرَکتُ بَعدی فِتنَةً أضَرَّ عَلَی الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ. (1)
11255. عنه صلی الله علیه و آله: ما أخافُ عَلی امَّتی فِتنَةً أخوَفَ عَلَیها مِنَ النِّساءِ وَالخَمرِ. (2)
11256. عنه صلی الله علیه و آله: أصابَتکُم فِتنَةُ الضَّرّاءِ فَصَبَرتُم،وإنَّ أخوَفَ ما أخافُ عَلَیکُم فِتنَةُ السَّرّاءِ مِن قِبَلِ النِّساءِ،إذا تَسَوَّرنَ الذَّهَبَ،ولَبِسنَ رَیطَ (3)الشّامِ وعَصبَ الیَمَنِ (4)،وأَتعَبنَ الغَنِیَّ، وکَلَّفنَ الفَقیرَ مالا یَجِدُ. (5)
11257. الإمام علیّ علیه السلام: النِّساءُ أعظَمُ الفِتنَتَینِ. (6)
11258. عنه علیه السلام: لا فِتنَةَ أعظَمُ مِنَ الشَّهوَةِ. (7)
ص:200
11259. الإمام علیّ علیه السلام: ألا إنَّ الدُّنیا دارٌ لا یُسلَمُ مِنها إلّافیها،ولا یُنجی بِشَیءٍ کانَ لَهَا،ابتُلِیَ النّاسُ بِها فِتنَةً،فَما أخَذوهُ مِنها لَها اخرِجوا مِنهُ وحوسِبوا عَلَیهِ،وما أخَذَوهُ مِنها لِغَیرِها قَدِموا عَلَیهِ وأَقاموا فیهِ،فَإِنَّها عِندَ ذَوِی العُقولِ کَفَیءِ الظِّلِّ؛بَینا تَراهُ سابِغاً حَتّی قَلَصَ (1)،وزائِداً حَتّی نَقَصَ. (2)
11260. عنه علیه السلام: احفَظ بَطنَکَ وفَرجَکَ؛فَفیهِما فِتنَتُکَ. (3)
11261. تاریخ دمشق عن عبد اللّه بن جراد: قالَ لی رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله کَم إبِلُکُ؟قالَ:قُلتُ ثَلاثونَ،قالَ:إنَّ ثَلاثَین خَیرٌ مِن مِئَةٍ،قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ! إنّا لَنَری أنَّ المِئَةَ أکثَرُ مِن ثَلاثینَ،وهِیَ أحَبُّ إلَینا !
قالَ:إنَّ رَبَّها بِها مُعجَبٌ وإنَّهُ لا یُؤَدّی حَقَّها،إنَّ المِئَةَ مُفرِحَةٌ مُفتِنَةٌ،وکُلُّ مُفرِحٍ مُفتِنٌ. (4)
11262. الإمام علیّ علیه السلام: ولَو أرادَ اللّهُ أن یَخلُقَ آدَمَ مِن نورٍ یَخطَفُ الأَبصارَ ضِیاؤُهُ،ویَبهَرُ
ص:201
العُقولَ رُواؤُهُ،وطیبٍ یَأخُذُ الأَنفاسَ عَرفُهُ،لَفَعَلَ؛ولَو فَعَلَ لَظَلَّت لَهُ الأَعناقُ خاضِعَةً،ولَخَفَّتِ البَلوی فیهِ عَلَی المَلائِکَةِ،ولکِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ یَبتَلی خَلقَهُ بِبَعضِ ما یَجهَلونَ أصلَهُ؛تَمییزاً بِالاِختِبارِ لَهُم،ونَفیاً لِلاِستِکبارِ عَنهُم،وإبعاداً لِلخُیَلاءِ مِنهُم. (1)
ص:202
الکتاب
«وَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ* وَ أُمْلِی لَهُمْ إِنَّ کَیْدِی مَتِینٌ» . (1)
«فَذَرْنِی وَ مَنْ یُکَذِّبُ بِهذَا الْحَدِیثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ* وَ أُمْلِی لَهُمْ إِنَّ کَیْدِی مَتِینٌ» . (2)
الحدیث
11263. الکافی عن سماعة بن مهران: سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ علیه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل: «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ» قالَ:هُوَ العَبدُ یُذنِبُ الذَّنبَ فَتُجَدَّدُ لَهُ النِّعمَةُ مَعَهُ،تُلهیهِ تِلکَ النِّعمَةُ عَنِ الاِستِغفارِ مِن ذلِکَ الذَّنبِ. (3)
11264. الإمام الصادق علیه السلام: إنَّ اللّهَ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَیراً فَأَذنَبَ ذَنباً أتبَعَهُ بِنَقِمَةٍ ویُذَکِّرُهُ
ص:203
الاِستِغفارَ،وإذا أرادَ بِعَبدٍ شَرّاً فَأَذنَبَ ذَنباً أتبَعَهُ بِنِعمَةٍ؛لِیُنسِیَهُ الاِستِغفارَ ویَتَمادی بِها،وهُوَ قَولُ اللّهِ عز و جل: «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ» بِالنِّعَمِ عِندَ المَعاصی. (1)
11265. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: رُبَّ مُستَدرَجٍ بِالإِحسانِ إلَیهِ،مَفتونٍ بِحُسنِ القَولِ فیهِ،مَغرورٍ بِالسَّترِ عَلَیهِ. (2)
11266. الإمام علیّ علیه السلام: کَم مِن مُستَدرَجٍ بِالإِحسانِ إلَیهِ،ومَغرورٍ بِالسَّترِ عَلَیهِ،ومَفتونٍ بِحُسنِ القَولِ فیهِ،ومَا ابتَلَی اللّهُ أحَداً بِمِثلِ الإِملاءِ لَهُ. (3)
11267. رجال الکشّی عن الحسین بن الحسن: قُلتُ لِأَبِی الحَسَنِ الرِّضا علیه السلام:إنّی تَرَکتُ ابنَ قیاما مِن أعدی خَلقِ اللّهِ لَکَ،قالَ:ذلِکَ شَرٌّ لَهُ،قُلتُ:ما أعجَبَ ما أسمَعُ مِنکَ جُعِلتُ فِداکَ !
قالَ:أعجَبُ مِن ذلِکَ إبلیسُ؛کانَ فی جِوارِ اللّهِ عز و جل فِی القُربِ مِنهُ،فَأَمَرَهُ فَأَبی وتَعَزَّزَ فَکانَ مِنَ الکافِرینَ،فَأَملَی اللّهُ لَهُ،وَاللّهِ ما عَذَّبَ اللّهُ بِشَیءٍ أشَدَّ مِنَ الإِملاءِ، وَاللّهِ یا حُسَینُ،ما عَذَّبَهُمُ اللّهُ بِشَیءٍ أشَدَّ مِنَ الإِملاءِ. (4)
ص:204
11268. الإمام الصادق علیه السلام: مَا ابتُلِیَ النّاسُ بِشَیءٍ أشَدَّ مِن إخراجِ الدِّرهَمِ؛لَاالصَّلاةِ ولَا الصِّیامِ ولَا الحَجِّ،فَإِنَّ اللّهَ تَعالی یَقولُ: «وَ لا یَسْئَلْکُمْ أَمْوالَکُمْ* إِنْ یَسْئَلْکُمُوها فَیُحْفِکُمْ تَبْخَلُوا» (1)،ثُمَّ قالَ: «وَ مَنْ یَبْخَلْ فَإِنَّما یَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَ اللّهُ الْغَنِیُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ» (2). (3)
11269. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: أوحَی اللّهُ تَعالی إلی إبراهیمَ علیه السلام:خَلَقتُکَ وَابتَلَیتُکَ بِنارِ نُمرودَ،فَلَوِ ابتَلَیتُکَ بِالفَقرِ ورَفَعتُ عَنکَ الصَّبرَ فَما تَصنَعُ؟
قالَ إبراهیمُ:یا رَبِّ ! الفَقرُ إلَیَّ أشَدُّ مِن نارِ نُمرودَ.
قالَ اللّهُ تَعالی:فَبِعِزَّتی وجَلالی،ما خَلَقتُ فِی السَّماءِ وَالأَرضِ أشَدَّ مِنَ الفَقرِ. (4)
11270. عنه صلی الله علیه و آله: جَهدُ البَلاءِ (5)کَثرَةُ العِیالِ مَعَ قِلَّةِ الشَّیءِ. (6)
11271. عنه صلی الله علیه و آله: جَهدُ البَلاءِ کَثرَةُ العِیالِ وقِلَّةُ المالِ،وقِلَّةُ العِیالِ أحَدُ الیَسارَینِ. (7)
ص:205
11272. عنه صلی الله علیه و آله: جَهدُ (1)البَلاءِ أن تَحتاجوا إلی ما فی أیدِی النّاسِ فَیَمنَعونَ. (2)
11273. الإمام علیّ علیه السلام -لِلحَسَنِ علیه السلام-:یا بُنَیَّ،مَنِ ابتُلِیَ بِالفَقرِ فَقَدِ ابتُلِیَ بِأَربَعَ خِصالٍ:بِالضَّعفِ فی یَقینِهِ،وَالنُّقصانِ فی عَقلِهِ،وَالرِّقَّةِ فی دینِهِ،وقِلَّةِ الحَیاءِ فی وَجهِهِ؛فَنَعوذُ بِاللّهِ مِنَ الفَقرِ. (3)
11274. الکافی: رُوِیَ عَن لُقمانَ أنَّهُ قالَ لِابنِهِ:یا بُنَیَّ،ذُقتُ الصَّبِرَ،وأَکَلتُ لِحاءَ الشَّجَرِ،فَلَم أجِد شَیئاً هُوَ أمَرُّ مِنَ الفَقرِ ! فَإِن بُلیتَ بِهِ یَوماً فَلا تُظهِرِ (4)النّاسَ عَلَیهِ فَیَستَهینوکَ ولا یَنفَعوکَ بِشَیءٍ،ارجِع إلَی الَّذِی ابتَلاکَ بِهِ فَهُوَ أقدَرُ عَلی فَرَجِکَ وسَلهُ؛مَن ذَا الَّذی سَأَلَهُ فَلَم یُعطِهِ،أو وَثِقَ بِهِ فَلَم یُنجِهِ؟! (5)
11275. الکافی عن أبی اسامة عن الإمام الصادق علیه السلام: مَا ابتُلِیَ المُؤمِنُ بِشَیءٍ أشَدَّ عَلَیهِ مِن خِصالٍ ثَلاثٍ یُحرَمُها.قیلَ:وما هُنَّ؟قالَ:المُؤاساةُ فی ذاتِ یَدِهِ،وَالإِنصافُ من نَفسِهِ،وذِکرُ اللّهِ کَثیراً؛أما إنّی لا أقولُ:«سُبحانَ اللّهِ،وَالحَمدُ للّهِ ِ،ولا إلهَ إلَّااللّهُ»،ولکِن ذِکرُ اللّهِ عِندَ ما أحَلَّ لَهُ،وذِکرُ اللّهِ عِندَ ما حَرَّمَ عَلَیهِ. (6)
ص:206
ص:207
ص:208
کلمة البهتان مصدر من مادة«ب ه ت»،وتدلّ علی النطق بکلام (1)أو القیام بعمل (2)یؤدّی إلی بهت شخص ما وإیقاعه فی الحیرة،ولذلک یسمی الکلام الکاذب الذی تُنسب فیه المخالفة إلی شخص ما،بالبهتان؛ذلک لأنّ هذا الشخص یقع فی الحیرة والدهشة لسماع تلک النسبة.
یقول ابن فارس فی هذا المجال:
الباءُ وَالهاءُ وَالتّاءُ أصلٌ واحِدٌ وهُوَ کَالدَّهشِ وَالحَیرَةِ؛یُقالُ:بُهِتَ الرَّجُلُ یُبهَتُ بَهَتاً،وَالبَهتَةُ الحَیرَةُ،فَأَمَّا البُهتانُ فَالکَذِبُ،یَقولُ العَرَبُ:یا لَلبَهیتَة،أی یا لَلکَذِب. (3)
کما ذکر ابن منظور فی بیان معنی البهتان قائلاً:
بَهَتَ الرَّجُلَ یَبهَتُهُ بَهتاً وبَهَتاً وبُهتاناً،فَهُوَ بَهّاتٌ أی قالَ عَلَیهِ ما لَم یَفعَلهُ فَهُوَ مَبهوتٌ...قالَ أبو إسحاقَ:البُهتانُ الباطِلُ الَّذی یُتَحَیَّرُ مِن بُطلانِهِ،ومِنَ البَهتِ:
التَّحَیُّرُ. (4)
ص:209
و یقول الراغب:
قالَ اللّهُ عز و جل: «فَبُهِتَ الَّذِی کَفَرَ» (1) أی دُهِشَ وتَحَیَّرَ.وقَد بَهَتَهُ،قالَ عز و جل: «هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ» (2) ،أی کَذِبٌ یُبهِتُ سامِعَهُ لِفظاعَتِهِ. (3)
جدیر بالقول أنّ البعض یعتبر«البهتان»و«التهمة»مترادفَین،فی حین أنّ«التهمة» اسم مصدر من مادة«وهم»بمعنی سوء الظنّ.
یقول ابن منظور فی بیان معنی«التهمة»:
التُّهَمَةُ أصلُهَا الوُهَمَةُ مِنَ الوَهمِ،ویُقالُ:اِتَّهَمتُهُ افتِعالٌ مِنهُ. [ قالَ ] الجَوهَرِیُّ:
اتَّهَمتُ فُلاناً بِکَذا،وَالاِسمُ التُّهَمَةُ-بالتحریک-. [ قالَ ] ابنُ سَیِّدَةَ:التُّهَمَةُ:
الظَّنُّ... [ قالَ ] سیبَوَیهِ:اِتَّهَمَ الرَّجُلَ وأَتهَمَهُ وأَوهَمَهُ:أدخَلَ عَلَیهِ التُّهَمَةَ أی ما یُتَّهَمُ عَلَیهِ.... (4)
وبناءً علی ذلک،فإنّ کون النسبة کذباً واضحة للناسب فی«البهتان»،خلافاً للتّهمة فإنّه لیس مطمئنّاً بکذبه بل إنّ سوء الظنّ هو الذی یؤدّی إلی تلک النسبة، ولذلک فإنّنا سوف نطرح روایات«التهمة»فی مبحث«الظن».
استُخدمت کلمة«البهتان»فی الکتاب والسنة بنفس معناها اللغوی،أی نسبة شیء کذباً إلی شخص یعلم الناسب أنه بریء منه،ویذکر القرآن الکریم مشیراً إلی هذا
ص:210
المعنی:
«وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً» . (1)
وقد أبان الإمام الصادق علیه السلام-استناداً إلی نقل الکلینی رحمه الله-الفرقَ بین الغیبة والبهتان حیث قال:
الغیبَةُ أن تَقولَ فی أخیکَ ما سَتَرَهُ اللّهُ عَلَیهِ،وأَمَّا الأَمرُ الظّاهِرُ فیهِ مِثلُ الحِدَّةِ وَالعَجَلَةِ فَلا،وَالبُهتانُ أن تَقولَ فیهِ ما لَیسَ فیهِ. (2)
جدیر ذکره أنّ نسبة الزنا واللواط إلی الشخص المسلم دون دلیل وحجة شرعیة -وهما شهادة أربعة عدول-تعتبر فی الإسلام بهتاناً حتی مع العلم بصحة تلک النسبة.یقول القرآن الکریم مشیراً إلی هذا المعنی:
«لَوْ لا جاؤُ عَلَیْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ یَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِکَ عِنْدَ اللّهِ هُمُ الْکاذِبُونَ... وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما یَکُونُ لَنا أَنْ نَتَکَلَّمَ بِهذا سُبْحانَکَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ» . (3)
وعلی هذا الأساس،فإنَّ الذی یعلم بأنّ أحد المسلمین قد ارتکب هذا الذنب، إلّا أنه لیس بمقدوره أن یأتی بأربعة شهود عدول لإثبات ادعائه،لیس من حقّه أن ینسب الزنا إلیه،وإذا ما فعل ذلک،عوقب بثمانین جلدة حسب النصّ الصریح للقرآن:
«وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ یَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِینَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ» . (4)
ص:211
وبناءً علی ذلک،یمکن القول إنّ«البهتان»فی اصطلاح الکتاب والسنّة،أعمّ من معناه اللغوی فیما یتعلّق بنسبة الزنا أو اللواط إلی المسلم.وبعبارة أکثر وضوحاً، فإنّ الغیبة من وجهة نظر الإسلام فی هذین الموضعین تُعتبر بهتاناً نظراً إلی أنها توجّه ضربةً قاصمةً إلی کرامة الإنسان المسلم،وتهدم کیانه الاجتماعی بشکل کامل.
جدیر ذکره أنّ کلمة«البهتان»استُخدمت فی القرآن الکریم ستّ مرات (1)،کما استُخدمت کلمات مثل«الافتراء» (2)،«الإفک» (3)،«الکذب» (4)،«الرمی» (5)و«التقوّل» (6)بمعنی البهتان فی هذا الکتاب السماوی.
والملاحظة الملفتة للنظر أنّ کلمة«البهتان»فی القرآن،لم تُستخدم إلّافیما یتعلّق بالکذب علی الإنسان،کما استخدمت مشتقات کلمة«الرمی»أربع مرات (7)فی القرآن بمعنی نسبة الکذب إلی الإنسان،فی حین أنّ کلمة«الافتراء»استعملت فی الأعم الأغلب من المواضع فی الکذب علی اللّه تعالی،کما استُخدمت کلمة «التقوّل» (8)مرتین فی الکذب علی اللّه،وأمّا کلمتا«الإفک»و«الکذب»،فقد استخدمتا فی القرآن فی کل من الکذب علی اللّه والکذب علی الإنسان.
وسنورد فیما یلی توضیحاً مختصراً حول إرشادات الکتاب والسنّة الإسلامیة فیما یخصّ هذا السلوک القبیح:
ص:212
رغم أن الکتاب والسنة الإسلامیة اعتبرتا مطلق البهتان والنسبة الباطلة إلی الأشخاص الأبریاء،أمراً مذموماً،إلّاأنّ القرآن قد أشار إلی بعض الأمثلة من النسب الباطلة،حیث یمکن أن نذکرها باعتبارها أذمّ مصادیقها:
إن النسبة الباطلة إلی الآخرین تکون علی نوعین:فقد لا یکون الباهت قد ارتکب ذلک الذنب بنفسه،وقد یکون ارتکبه ثم تبلغ به الوقاحة إلی أن ینسبه إلی شخص آخر،ولا شکّ أنّ النوع الثانی من البهتان أکثر مذمّةً،ومسؤولیته أکثر فداحة،وقد ذکر القرآن هذا النوع من البهتان کالتالی:
«وَ مَنْ یَکْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما یَکْسِبُهُ عَلی نَفْسِهِ وَ کانَ اللّهُ عَلِیماً حَکِیماً* وَ مَنْ یَکْسِبْ خَطِیئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ یَرْمِ بِهِ بَرِیئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً» . (1)
ومن الملفت للنظر أنّه قد جاء فی شأن نزول هذه الآیة أنّ الشخص البریء کان یهودیّاً فاتُّهم بالسرقة من قبل شخص مسلم فی الظاهر،فی حین أنّ المتّهم کان هو نفسه الذی ارتکب هذا الذنب. (2)
من المصادیق الاُخری للبهتان،الافتراء علی إحدی زوجات النبی صلی الله علیه و آله حیث ذکره القرآن تحت عنوان«الإفک» (3)وبرَّأ أسرة النبی صلی الله علیه و آله من هذه التهمة ونهی المسلمین
ص:213
بشدة عن نشر هذه الشائعة العدیمة الأساس ودعا إلی التصدی لها:
«وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما یَکُونُ لَنا أَنْ نَتَکَلَّمَ بِهذا سُبْحانَکَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ» . (1)
وفی الحقیقة فإنّ هذه الآیة لم تطلب من المسلمین عدم الترویج لهذه الشائعة فحسب،بل تطلب منهم أیضاً أن یسعوا من أجل الحیلولة دون انتشارها،ثم تمضی الآیات التی نزلت فی هذا الشأن،إلی تهدید الأشخاص الذین یرجفون بهذه الشائعات،حیث تقول:
«إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» . (2)
من السنن الخاطئة التی کانت سائدة فی العصر الجاهلی أنّ بعض الرجال کانوا یتّهمون زوجاتهم السابقات بالزنا عند تزوجهم من نساء اخریات کی یسلبوهنّ مهورهنّ،وقد اعتبر القرآنُ هذا العملَ إثماً مبیناً،ونهی عنه قائلاً:
«وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَکانَ زَوْجٍ وَ آتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً» . (3)
ص:214
و من السنن الاُخری التی کانت سائدة فی الجاهلیة أنّ بعض النساء کنّ ینسبن أولادهنّ غیر الشرعیّین إلی أزواجهن،حیث أمرَ اللّهُ تعالی النبیَّ صلی الله علیه و آله أن یطلب من النساء اجتناب الذنب المذکور حین مبایعتهنّ له،ضمن تعهّدهنّ باجتناب عددٍ من الذنوب التی کانت شائعة فی ذلک العهد:
« یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَکَ عَلی أَنْ لا یُشْرِکْنَ بِاللّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ فَبایِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ» . (1)
تری الروایات الإسلامیة (2)أنّ ذنب البهتان أثقل من جبال الأرض،وأثقل من السماء وکواکبها،بل هو أشدّ من أیّ ذنبٍ آخر.وأنّ الشرک هو الذنب الوحید الذی یعدل ذنب البهتان:
البُهتانُ عُدِلَ بِالشِّرکِ بِاللّهِ. (3)
ولذلک،فقد اعتبر الشخص الذی یرتکب البهتان أسوء البشر،وسوف لا یحیق به أشدّ أنواع العذاب فی جهنّم فحسب،بل إنّ عذاب الضمیر سوف یقضّ مضجعه فی هذه الدنیا أیضاً. (4)
ص:215
طرحنا فی الفصل الثالث أموراً مثل:البغض والانزجار الداخلی،النفاق والازدواجیّة،التجاوز علی حقوق الآخرین المالیّة،الکذب وجلیس السوء؛اُسساً ودواعی للبهتان.ولکنّ الجذور الأساسیّة لهذه الرذیلة-حاله فی ذلک کحال الرذائل الأخلاقیة والسلوکیّة-تتمثّل فی الأنانیّة دون شکّ.وبناءً علی ذلک فإنّ من الضروری محاربة هذا السلوک القبیح بصورة جذریّة و ذلک عن طریق محاربة الأنانیة التی هی امّ الفتن،مع السعی فی مواجهة الاُمور المشار إلیها آنفاً.
إن المسؤولیة الاُولی التی تقع علی عاتق سامع البهتان،هی الالتفات إلی أنّ معظم ما یسمعه عن الآخرین،لا حقیقة له:
ما رَأَتهُ عَیناکَ فَهُوَ الحَقُّ،وما سَمِعَتهُ اذُناکَ فَأَکثَرُهُ باطِلٌ. (1)
وعلی هذا الأساس ینبغی علی المؤمن أن لا یصدّق الافتراءات التی تذکر فی حقّ إخوانه من المسلمین،وخاصة الموثوقین منهم:
مَن عَرَفَ مِن أخیهِ وَثیقَةَ دینٍ وسَدادَ طَریقٍ،فَلا یَسمَعَنَّ فیهِ أقاویلَ الرِّجالِ. (2)
والمسؤولیة الثانیة التی تقع علی عاتق سامع البهتان،نهی الباهت عن هذا السلوک القبیح والدفاع عن کرامة المسلم،کما جاء فی القرآن:
«وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما یَکُونُ لَنا أَنْ نَتَکَلَّمَ بِهذا سُبْحانَکَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ» . (3)
ص:216
وجاء فی روایة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله بشأن الدفاع عن کرامة المسلم:
مَن رَدَّ عَن عِرضِ أخیهِ المُسلِمِ وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ البَتَّةَ. (1)
علی الإنسان التجنّب عن الأفعال المؤدّیة إلی سوء الظن والتهمة له،قبل أن یتعرّض للبهتان،فقد روی عن النبی صلی الله علیه و آله:
أولَی النّاسِ بِالتُّهَمَةِ مَن جالَسَ أهلَ التُّهَمَةِ. (2)
وجاء فی روایة اخری عن الإمام علیٍّ علیه السلام:
مَن وَقَفَ نَفسَهُ مَوقِفَ التُّهَمَةِ فَلا یَلومَنَّ مَن أساءَ بِهِ الظَّنَّ. (3)
وإذا ما استلزم منع البهتان،إنفاق المال،فقد وردت التوصیة بدفع مثل هذه النفقات من أجل الحفاظ علی الکرامة. (4)
وأمّا إذا اتّهم شخص ما لأیّ سبب من الأسباب،فإنّه لم ترد التوصیة بمواجهة الباهت ومحاربته،فقد جاء عن الإمام الرضا علیه السلام أنه أنشد قائلاً: اِصبِر عَلی بُهتِ السَّفیهِ
ص:217
وثواب الصبر علی البهتان عظیم إلی درجة أنّ کفّة حسنات اولئک الذین ستعوزهم الحسنات عند الحساب یوم القیامة سترجح علی کفة سیّئاتهم،وتؤدّی إلی نجاتهم. (1)
إنّ بعض الروایات تدلّ فی الظاهر،علی أنّ توجیه البهتان إلی أهل البدع بهدف محاربتهم،لیس أمراً جائزاً فحسب،بل هو واجب ومطلوب،و هذا هو نصّ الروایة المنقولة عن النبی صلی الله علیه و آله:
إذا رَأَیتُم أهلَ الرَّیبِ (2)وَالبِدَعِ مِن بَعدی،فَأَظهِرُوا البَراءَةَ مِنهُم،وأَکثِروا مِن سَبِّهِم وَالقَولِ فیهِم وَالوَقیعَةِ،وباهِتوهُم کَی لا یَطمَعوا فِی الفَسادِ فِی الإِسلامِ ویَحذَرَهُمُ النّاسُ ولا یَتَعَلَّمونَ (3)مِن بِدَعِهِم،یَکتُبِ اللّهُ لَکُم بِذلِکَ الحَسَناتِ،ویَرفَع لَکُم بِهِ الدَّرَجاتِ فِی الآخِرَةِ. (4)
وقد أخذ بعض الفقهاء بدلالة هذه الروایة علی جواز البهتان. (5)یقول الشیخ الأنصاری فی معرض بیانه لهذه الروایة:
[ قوله باهتوهم ] محمول علی اتّهامهم وسوء الظنّ بهم بما یحرم اتّهام المؤمن به، بأن یقال:لعلّه زان،أو سارق،وکذا إذا زاد ذکر ما لیس فیه من باب المبالغة.
ویحتمل إبقاؤه علی ظاهره بتجویز الکذب علیهم لأجل المصلحة،فإنّ مصلحة تنفیر الخلق عنهم أقوی من مفسدة الکذب. (6)
ص:218
إلا أن العلامة المجلسی رحمه الله یقول فی توضیح الروایة المذکورة:
والظاهر أنّ المراد بالمباهتة إلزامهم بالحجج القاطعة وجعلهم متحیّرین لا یحیرون جواباً کما قال تعالی: «فَبُهِتَ الَّذِی کَفَرَ» (1) ،ویحتمل أن یکون من البهتان للمصلحة فإنّ کثیراً من المساوی یعدّها أکثر الناس محاسن خصوصاً العقائد الباطلة،والأوّل أظهر،قال الجوهری:بهته بهتاً أخذه بغتةً. (2)
ویبدو أنّ المراد من«باهتوهم»فی الروایة المذکورة،لیس تجویز نسبة الذنب إلی من لم یرتکبه من أهل البدع،ذلک لأنّ مثل هذه الأعمال لا أنّها لیست فی ضررهم فحسب بل إنّها ومن خلال سعیهم لإثبات براءتهم،وإیضاح الحقیقة للناس،ستکون وسیلة لإظهار أهل البدع أنفسهم فی مظهر المظلوم وابراز عدم قیمة کلام المنتقدین،حیث سینتهی کلّ ذلک لصالح أهل البدع.
وبناءً علی ذلک،فإنّ علینا من أجل إیضاح العبارة المذکورة،إما أن نأخذ بالمعنی الأوّل الذی ذکره العلامة المجلسی،أو یمکننا القول إنّ المراد من هذا البهتان هو البهتان الاصطلاحی،لا البهتان اللغوی؛أی إنّ المواضع التی تکون فیها غیبة أهل الإیمان بهتاناً،فهی لا تحمل حکم البهتان فیما یتعلّق بأصحاب البدع،بل إنّ إظهار مخالفاتهم واجب وضروری بهدف محاربة البدعة.
ص:219
ص:220
الکتاب
«وَ مَنْ یَکْسِبْ خَطِیئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ یَرْمِ بِهِ بَرِیئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً» . (1)
«وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً» . (2)
الحدیث
11276. شعب الإیمان عن عائشة: قالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله لِأَصحابِهِ:أخبِرونی ما أربَی الرِّبا؟ قالوا:اللّهُ ورَسولُهُ أعلَمُ !
قالَ:فَإِنَّ أربَی الرِّبا عِندَ اللّهِ عز و جل استِحلالُ عِرضِ المُسلِمِ،ثُمَّ قَرَأَ: «وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً» . (3)
ص:221
11277. صحیح مسلم عن أبی هریرة: إنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله قالَ:أتَدرونَ مَا الغیبَةُ؟قالوا:اللّهُ ورَسولُهُ أعلَمُ ! قالَ:ذِکرُکَ أخاکَ بِما یَکرَهُ.
قیلَ:أفَرَأَیتَ إن کانَ فی أخی ما أقولُ؟
قالَ:إن کانَ فیهِ ما تَقولُ فَقَدِ اغتَبتَهُ،وإن لَم یَکُن فیهِ فَقَد بَهَتَّهُ. (1)
11278. تفسیر الطبری عن أبی هریرة: سُئِلَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَنِ الغیبَةِ،فَقالَ:
هُوَ أن تَقولَ لِأَخیکَ ما فیهِ؛فَإِن کُنتَ صادِقاً فَقَدِ اغتَبتَهُ،وإن کُنتَ کاذِباً فَقَد بَهَتَّهُ. (2)
11279. المعجم الکبیر عن معاذ بن جبل: کُنتُ عِندَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله فَذَکَروا رَجُلاً عِندَهُ فَقالوا:ما أعجَزَهُ ! فَقالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:اِغتَبتُم أخاکُم.قالوا:یا رَسولَ اللّهِ،قُلنا ما فیهِ ! قالَ:إن قُلتُم ما لَیسَ فیهِ فَقَد بَهَتُّموهُ. (3)
11280. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: إنَّ مِن أکبَرِ الکَبائِرِ استِطالَةُ المَرءِ فی عِرضِ رَجُلٍ مُسلِمٍ (4)بِغَیرِ حَقٍّ. (5)
ص:222
11281. مستدرک الوسائل: عَن أبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام أنَّهُ قالَ:الغیبَةُ کُفرٌ،وَالمُستَمِعُ لَها وَالرّاضی بِها مُشرِکٌ.قُلتُ:فَإِن قالَ ما لَیسَ فیهِ؟فَقالَ:ذاکَ بُهتانٌ. (1)
11282. الإمام الصادق علیه السلام: الغیبَةُ أن تَقولَ فی أخیکَ ما هُوَ فیهِ مِمّا قَد سَتَرَهُ اللّهُ عز و جل عَلَیهِ،فَإِذا قُلتَ فیهِ ما لَیسَ فیهِ،فَذلِکَ قَولُ اللّهِ عز و جل فی کِتابِهِ: «فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً» . (2)
11283. عنه علیه السلام: الغیبَةُ أن تَقولَ فی أخیکَ ما سَتَرَهُ اللّهُ عَلَیهِ،وأَمَّا الأَمرُ الظّاهِرُ فیهِ مِثلُ الحِدَّةِ وَالعَجَلَةِ فَلا.وَالبُهتانُ أن تَقولَ فیهِ ما لَیسَ فیهِ. (3)
11284. الإمام الکاظم علیه السلام: مَن ذَکَرَ رَجُلاً مِن خَلفِهِ بِما هُوَ فیهِ مِمّا عَرَفَهُ النّاسُ لَم یَغتَبهُ،ومَن ذَکَرَهُ مِن خَلفِهِ بِما هُوَ فیهِ مِمّا لا یَعرِفُهُ النّاسُ اغتابَهُ،ومَن ذَکَرَهُ بِما لَیسَ فیهِ فَقَد بَهَتَهُ. (4)
11285. مجمع البیان -فی قَولِهِ تَعالی: «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَکَ...» -:ثُمَّ ذَکَرَ سُبحانَهُ بَیعَةَ النِّساءِ،وکانَ ذلِکَ یَومَ فَتحِ مَکَّةَ لَمّا فَرَغَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله مِن بَیعَةِ الرِّجالِ وهُوَ عَلَی الصَّفا،جاءَتهُ النِّساءُ یُبایِعنَهُ،فَنَزَلَت هذِهِ الآیَةُ،فَشَرَطَ اللّهُ تَعالی فی مُبایَعَتِهِنَّ
ص:223
أن یَأخُذَ عَلَیهِنَّ هذِهِ الشُّروطَ،وهُوَ قَولُهُ: «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَکَ» عَلی هذِهِ الشَّرائِطِ وهِیَ: «أَنْ لا یُشْرِکْنَ بِاللّهِ شَیْئاً» مِنَ الأَصنامِ وَالأَوثانِ «وَ لا یَسْرِقْنَ» لا مِن أزواجِهِنَّ،ولا مِن غَیرِهِم «وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ» عَلی وَجهٍ مِنَ الوُجوهِ،لا بِالوَأدِ ولا بِالإِسقاطِ «وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ» أی:بِکَذِبٍ یَکذِبنَهُ فی مَولودٍ یوجَدُ «بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ» أی:لا یُلحِقنَ بِأَزواجِهِنَّ غَیرَ أولادِهِم،عَنِ ابنِ عَبّاسٍ (1). (2)
الکتاب
«وَ مَنْ یَکْسِبْ خَطِیئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ یَرْمِ بِهِ بَرِیئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً» . (3)
الحدیث
11286. تفسیر ابن أبی حاتم عن عطیّة العوفیّ: إنَّ رَجُلاً یُقالُ لَهُ:«طُعمَةُ بنُ ابَیرِقٍ»سَرَقَ دِرعاً عَلی عَهدِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،فَرُفِعَ ذلِکَ إلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،فَأَلقاها فی بَیتِ رَجُلٍ،ثُمَّ قالَ
ص:224
لِأَصحابٍ لَهُ:اِنطَلِقوا فَأَعذِرونی عِندَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،فَإِنَّ الدِّرعَ قَد وُجِدَ فی بَیتِ فُلانٍ، فَانطَلَقوا یُعذِرونَهُ عِندَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،فَأَنزَلَ اللّهُ تَعالی: «وَ مَنْ یَکْسِبْ خَطِیئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ یَرْمِ بِهِ بَرِیئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً» ،قالَ:بُهتانَ قَذفِهِ الرَّجُلَ. (1)
11287. مجمع البیان -فی تَفسیرِ قَولِهِ تَعالی: «إِنّا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ... * إِنَّ اللّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ» (2)-:نَزَلَت فی بَنی ابَیرِقٍ؛و کانوا ثَلاثَةَ إخوَةٍ:بِشرٌ وبُشَیرٌ ومُبَشِّرٌ،وکانَ بُشَیرٌ یُکَنّی أبا طُعمَةَ،وکانَ یَقولُ الشِّعرَ یَهجو بِهِ أصحابَ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،ثُمَّ یَقولُ:قالَهُ فُلانٌ.و کانوا أهلَ حاجَةٍ فِی الجاهِلِیَّةِ وَالإِسلامِ،فَنَقَبَ أبو طُعمَةَ عَلی عِلِّیَّةِ (3)رِفاعَةَ بنِ زَیدٍ وأَخَذَ لَهُ طَعاماً وسَیفاً ودِرعاً،فَشَکا ذلِکَ إلَی ابنِ أخیهِ قَتادَةَ بنِ النُّعمانِ، وکانَ قَتادَةُ بَدرِیّاً،فَتَجَسَّسا فِی الدّارِ وسَأَلا أهلَ الدّارِ فی ذلِکَ،فَقالَ بَنو ابَیرِقٍ:وَاللّهِ ما صاحِبُکُم إلّالَبیدُ بنُ سَهلٍ؛رَجُلٌ ذو حَسَبٍ ونَسَبٍ،فَأَصلَتَ عَلَیهِم لَبیدُ بنُ سَهلٍ سَیفَهُ وخَرَجَ إلَیهِم،وقالَ:یا بَنی ابَیرِقٍ ! أتَرمونَنی بِالسَّرَقِ وأَنتُم أولی بِهِ مِنّی،وأَنتُمُ مُنافِقونَ،تَهجونَ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله وتَنسُبونَ ذلِکَ إلی قُرَیشٍ؟لَتُبَیِّنُنَّ ذلِکَ أو لَأَضَعَنَّ سَیفی فیکُم،فَدارَوهُ.
وأَتی قَتادَةُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَقالَ:یا رَسولَ اللّهِ،إنَّ أهلَ بَیتٍ مِنّا أهلُ بَیتِ سَوءٍ، عَدَوا عَلی عَمّی فَخَرَقوا عِلِّیَّةً لَهُ مِن ظَهرِها،وأَصابوا لَهُ طَعاماً وسِلاحاً.فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:اُنظُروا (4)فی شَأنِکُم.
ص:225
فَلَمّا سَمِعَ بِذلِکَ رَجُلٌ مِن بَطنِهِمُ الَّذی هُم مِنهُ یُقالُ لَهُ:«اُسَیرُ بنُ عُروَةَ»،جَمَعَ رِجالاً مِن أهلِ الدّارِ،ثُمَّ انطَلَقَ إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَقالَ:إنَّ قَتادَةَ بنَ النُّعمانِ وعَمَّهُ عَمَدا إلی أهلِ بَیتٍ مِنّا لَهُم حَسَبٌ ونَسَبٌ وصَلاحٌ وأبَّنوهُم بِالقَبیحِ،وقالوا لَهُم ما لا یَنبَغی،وَانصَرَفَ.
فَلَمّا أتیَ قَتادَةُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله بَعدَ ذلِکَ لِیُکَلِّمَهُ،جَبَهَهُ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله جَبهاً شَدیداً، وقالَ:
عَمَدتَ إلی أهلِ بَیتِ حَسَبٍ ونَسَبٍ تَأتیهم بِالقَبیحِ وتَقولُ لَهُم ما لا یَنبَغی؟!
قالَ:فَقامَ قَتادَةُ مِن عِندِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله ورَجَعَ إلی عَمِّهِ،وقالَ:لَیتَنی مِتُّ ولَم أکُن کَلَمَّتُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَقَد قالَ لی ما کَرِهتُ.فَقالَ عَمُّهُ رَفاعَةُ:اللّهُ المُستَعانُ.
فَنَزَلَتِ الآیاتُ: «إِنّا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ» إلیَ قَولِهِ: «إِنَّ اللّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ» ،فَبَلَغَ بُشَیراً ما نَزَلَ فیهِ مِنَ القُرآنِ فَهَرَبَ إلی مَکَّةَ وَارتَدَّ کافِراً. (1)
11288. الإمام الباقر علیه السلام: إنَّ اناساً مِن رَهطِ بُشَیرٍ الأَدنَینَ قالوا:اِنطَلِقوا إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله، وقالوا:نُکَلِّمُهُ فی صاحِبِنا ونُعذِرُهُ وإنَّ صاحِبَنا بَریءٌ.
فَلَمّا أنزَلَ اللّهُ: «یَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا یَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ» إلی قَولِهِ:
«وَکِیلاً» (2)،فَأَقبَلَت رَهطُ بُشَیرٍ،فَقالَ (3):یا بُشَیرُ استَغفِرِ اللّهَ وتُب إلَیهِ مِنَ الذَّنبِ،فَقالَ:
وَالَّذی أحلِفُ بِهِ ما سَرَقَها إلّالَبیدٌ! فَنَزَلَت: «وَ مَنْ یَکْسِبْ خَطِیئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ یَرْمِ بِهِ بَرِیئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً» .
ص:226
ثُمَّ إنَّ بُشَیراً کَفَرَ ولَحِقَ بِمَکَّةَ.وأَنزَلَ اللّهُ فِی النَّفَرِ الَّذینَ أعذَروا بُشَیراً وأَتَوُا النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله لِیُعذِروهُ قَولَهُ: «وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَیْکَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ یُضِلُّوکَ وَ ما یُضِلُّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما یَضُرُّونَکَ مِنْ شَیْءٍ وَ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَیْکَ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ عَلَّمَکَ ما لَمْ تَکُنْ تَعْلَمُ وَ کانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَیْکَ عَظِیماً» (1).
ونَزَلَت فی بُشَیرٍ وهُوَ بِمَکَّةَ: «وَ مَنْ یُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدی وَ یَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّی وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِیراً» (2). (3)
ص:227
ص:228
11289. الکافی عن جابر بن عبد اللّه: قالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:ألا اخبِرُکُم بِشِرارِ رِجالِکُم؟قُلنا:بَلی یا رَسولَ اللّهِ.
فَقالَ:إنَّ مِن شِرارِ رِجالِکُم البَهّاتَ الجَریءَ الفَحّاشَ،الآکِلَ وَحدَهُ،وَالمانِعَ رِفدَهُ (1)، وَالضّارِبَ عَبدَهُ،وَالمُلجِئَ عِیالَهُ إلی غَیرِهِ. (2)
11290. الإمام الصادق علیه السلام: قالَ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله:ألا انَبِّئُکُم بِشِرارِکُم؟قالوا:بَلی،یا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله.
قالَ:المَشّاؤونَ بِالنَّمیمَةِ،المُفَرِّقونَ بَینَ الأَحِبَّةِ،الباغونَ لِلبُرَآءِ المَعایِبَ. (3)
ص:229
11291. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: البُهتانُ عُدِلَ بِالشِّرکِ بِاللّهِ. (1)
11292. عنه صلی الله علیه و آله: خَمسٌ لَیسَ لَهُنَّ کَفّارَةٌ:الإِشراکُ بِاللّهِ،وقَتلُ النَّفسِ بِغَیرِ حَقٍّ،وبُهتُ المُؤمِنِ، وَالفِرارُ مِنَ الزَّحفِ،ویَمینٌ صَبرٌ یُقطَعُ بِها مالُ امرِئٍ مُسلِمٍ. (2)
11293. عنه صلی الله علیه و آله: مَن قَذَفَ مُؤمِناً بِکُفرٍ فَهُوَ کَقَتلِهِ. (3)
11294. الإمام علی علیه السلام: لا قِحَةَ (4)کَالبُهتِ. (5)
11295. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: البُهتانُ عَلَی البَریءِ أثقَلُ مِنَ السَّماءِ. (6)
11296. الإمام الصادق علیه السلام: تَبِعَ حَکیمٌ حَکیماً سَبعَمِئَةِ فَرسَخٍ فی سَبعِ کَلِماتٍ،فَلَمّا لَحِقَ بِهِ قالَ لَهُ:یا هذا! ما أرفَعُ مِنَ السَّماءِ،وأَوسَعُ مِنَ الأَرضِ،وأَغنی مِنَ البَحرِ،وأَقسی
ص:230
مِنَ الحَجَرِ،وأَشَدُّ حَرارَةً مِنَ النّارِ،وأَشَدُّ بَرداً مِنَ الزَّمهَریرِ،وأَثقَلُ مِنَ الجِبالِ الرّاسِیاتِ؟
فَقالَ لَهُ:یا هذا ! الحَقُّ أرفَعُ مِنَ السَّماءِ،وَالعَدلُ أوسَعُ مِنَ الأَرضِ،وغِنَی النَّفسِ أغنی مِنَ البَحرِ،وقَلبُ الکافِرِ أقسی مِنَ الحَجَرِ،وَالحَریصُ الجَشِعُ أشَدُّ حَرارَةً مِنَ النّارِ،وَالیَأسُ مِن رَوحِ اللّهِ عز و جل أشَدُّ بَرداً مِنَ الزَّمهَریرِ،وَالبُهتانُ عَلَی البَریءِ أثقَلُ مِنَ الجِبالِ الرّاسِیاتِ. (1)
11297. نوادر الاُصول: رُوِیَ فِی الخَبَرِ:إنّ داوودَ علیه السلام سَأَلَ سُلَیمانَ علیه السلام:ما أثقَلُ شَیءٍ؟
فَقالَ:البُهتانُ عَلَی البَریءِ. (2)
11298. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: لا یَرمی رَجُلٌ رَجُلاً بِالفُسوقِ ولا یَرمیهِ بِالکُفرِ،إلَّاارتَدَّت عَلَیهِ إن لَم یَکُن صاحِبُهُ کَذلِکَ. (3)
11299. عنه صلی الله علیه و آله: ...أمّا عَلامَةُ الفاسِقِ فَأَربَعَةٌ:اللَّهوُ،وَاللَّغوُ،وَالعُدوانُ،وَالبُهتانُ. (4)
11300. الإمام الصادق علیه السلام: إیّاکُم أن تُزلِقوا ألسِنَتَکُم بِقَولِ الزُّورِ وَالبُهتانِ وَالإِثمِ وَالعُدوانِ. (5)
ص:231
ص:232
الکتاب
«وَ بِکُفْرِهِمْ وَ قَوْلِهِمْ عَلی مَرْیَمَ بُهْتاناً عَظِیماً» . (1)
الحدیث
11301. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: یا عَلِیُّ،فیکَ مَثَلٌ مِن عیسی؛أبغَضَتهُ الیَهودُ حَتّی بَهَتوا امَّهُ،وأحَبَّتهُ النَّصاری حَتّی أنزَلوهُ بِالمَنزِلِ الَّذی لَیسَ بِهِ. (2)
11302. الإمام علی علیه السلام: یَهلِکُ فینا أهلَ البَیتِ فَریقانِ:مُحِبٌّ مُطرٍ (3)،وباهِتٌ مُفتَرٍ. (4)
ص:233
11303. عنه علیه السلام: یَهلِکُ فِیَّ رَجُلانِ:مُحِبٌّ مُفرِطٌ،وباهِتٌ مُفتَرٍ. (1)
11304. عنه علیه السلام: یَهلِکَ فِیَّ رَجُلانِ:مُحِبٌّ مُفرِطٌ یُقَرِّظُنی (2)بِما لَیسَ فِیَّ،ومُبغِضٌ یَحمِلُهُ شَنَآنی (3)عَلی أن یَبهَتَنی. (4)
11305. عنه علیه السلام: یَهلِکُ فِیَّ رَجُلانِ:مُحِبٌّ مُطرٍ یَضَعُنی غَیرَ مَوضِعی ویَمدَحُنی بِما لَیسَ فِیَّ، ومُبغِضٌ مُفتَرٍ یَرمینی بِما أنَا مِنهُ بَریءٌ. (5)
الکتاب
«وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَکانَ زَوْجٍ وَ آتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً * وَ کَیْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضی بَعْضُکُمْ إِلی بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْکُمْ مِیثاقاً غَلِیظاً » . (6)
الحدیث
11306. تفسیر الصافی: «أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً» إنکارٌ وتَوبیخٌ،قیلَ:کانَ الرَّجُلُ إذا أرادَ جَدیدَةً بَهَتَ الَّتی تَحتَهُ بِفاحِشَةٍ حَتّی یُلجِئَها إلَی الاِفتِداءِ مِنهُ بِما أعطاها؛لِیَصرِفَهُ إلی تَزَوُّجِ الجَدیدَةِ! فَنُهوا عَن ذلِکَ. (7)
ص:234
11307. الکافی عن سلیم بن قیس الهلالی: قُلتُ لِأَمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام:إنّی سَمِعتُ مِن سَلمانَ وَالمِقدادِ وأَبی ذَرٍّ شَیئاً مِن تَفسیرِ القُرآنِ وأَحادیثَ عَن نَبِیِّ اللّهِ صلی الله علیه و آله غَیرَ ما فی أیدِی النّاسِ،ثُمَّ سَمِعتُ مِنکَ تَصدیقَ ما سَمِعتُ مِنهُم،ورَأَیتُ فی أیدِی النّاسِ أشیاءَ کَثیرَةً مِن تَفسیرِ القُرآنِ ومِنَ الأَحادیثِ عَن نَبِیِّ اللّهِ صلی الله علیه و آله أنتُم تُخالِفونَهُم فیها، وتَزعُمونَ أنَّ ذلِکَ کُلَّهُ باطِلٌ،أفَتَرَی النّاسَ یَکذِبونَ عَلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله مُتَعَمِّدینَ، ویُفَسِّرونَ القُرآنَ بِآرائِهِم؟!
قالَ:فَأَقبَلَ عَلَیَّ فَقالَ:قَد سَأَلتَ فَافهَمِ الجَوابَ؛إنَّ فی أیدِی النّاسِ حَقّاً وباطِلاً،وصِدقاً وکِذباً،وناسِخاً ومَنسوخاً،وعامّاً وخاصّاً،ومُحکَماً ومُتَشابِهاً، وحِفظاً ووَهماً،وقَد کُذِبَ عَلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلی عَهدِهِ حتَّی قامَ خَطیباً فَقالَ:
«أیُّهَا النّاسُ قَد کَثُرَت عَلَیَّ الکَذّابَةُ،فَمَن کَذَبَ عَلَیَّ مُتَعَمِّداً فَلیَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ»،ثُمَّ کُذِبَ عَلَیهِ مِن بَعدِهِ !
وإنَّما أتاکُمُ الحَدیثُ مِن أربَعَةٍ لَیسَ لَهُم خامِسٌ:رَجُلٍ مُنافِقٍ یُظهِرُ الإِیمانَ، مُتَصَنِّعٍ بِالإِسلامِ،لا یَتَأَثَّمُ ولا یَتَحَرَّجُ أن یَکذِبَ عَلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله مُتَعَمِّداً،فَلَو عَلِمَ النّاسُ أنَّهُ مُنافِقٌ کَذّابٌ لَم یَقبَلوا مِنهُ ولَم یُصَدِّقوهُ،ولکِنَّهُم قالوا:هذا قَد صَحِبَ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله ورَآهُ وسَمِعَ مِنهُ،وأَخَذوا عَنهُ وهُم لا یَعرِفونَ حالَهُ،وقَد أخبَرَهُ اللّهُ عَنِ المُنافِقینَ بِما أخبَرَهُ،ووَصَفَهُم بِما وَصَفَهُم،فَقالَ عز و جل: «وَ إِذا رَأَیْتَهُمْ تُعْجِبُکَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ یَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ» (1)،ثُمَّ بَقوا بَعدَهُ فَتَقَرَّبوا إلی أئِمَّةِ الضَّلالَةِ
ص:235
وَالدُّعاةِ إلَی النّارِ بِالزّورِ وَالکَذِبِ وَالبُهتانِ،فَوَلَّوهُمُ الأَعمالَ،وحَمَلوهُم عَلی رِقابِ النّاسِ،وأَکَلوا بِهِمُ الدُّنیا،وإنَّمَا النّاسُ مَعَ المُلوکِ وَالدُّنیا إلّامَن عَصَمَ اللّهُ،فَهذا أحَدُ الأَربَعَةِ... (1)
11308. الإمام علی علیه السلام -فِی الدّیوانِ المَنسوبِ إلَیهِ فی شِکایَةِ أهلِ النِّفاقِ-:
هذا زَمانٌ لَیسَ إخوانُهُ
الکَذِبُ،وفَشَتِ الفِریَةُ،وجاءَ الإِفکُ بِکُلِّ وَجهٍ وَالبُهتانُ.وإذا حَصَلَ الصِّدقُ اختَسَأَ الکَذِبُ،وذَلَّ وصَمَتَ الإِفکُ،واُمیتَتِ الفِریَةُ،واُهینَ البُهتانُ. (1)
11311. الإمام علی علیه السلام: احذَر مِمَّن إذا حَدَّثتَهُ مَلَّکَ،وإذا حَدَّثَکَ غَمَّکَ،وإن سَرَرتَهُ أو ضَرَرتَهُ سَلَکَ مَعَکَ فیهِ سَبیلَکَ،وإن فارقَکَ ساءَکَ مَغیبُهُ بِذِکرِ سَوأَتِکَ،وإن مانَعتَهُ بَهَتَکَ وَافتَری،وإن وافَقتَهُ حَسَدَکَ وَاعتَدی،وإن خالَفتَهُ مَقَتَکَ وماری،یَعجِزُ عَن مُکافَأَةِ مَن أحسَنَ إلَیهِ،ویُفرِطُ عَلی مَن بَغی عَلَیهِ،یُصبِحُ صاحِبُهُ فی أجرٍ،ویُصبِحُ هُوَ فی وِزرٍ،لِسانُهُ عَلَیهِ لا لَهُ،ولا یَضبِطُ قَلبُهُ قَولَهُ،یَتَعَلَّمُ المِراءَ،ویَفَقَهُ الرِّیاءَ (2)،یُبادِرُ الدُّنیا،ویُواکِلُ التَّقوی. (3)
ص:237
ص:238
11312. الإمام الصادق علیه السلام: خَمسَةٌ لا یَنامونَ:الهامُّ بِدَمٍ یَسفِکُهُ،وذُو المالِ الکَثیرِ لا أمینَ لَهُ، وَالقائِلُ فِی النّاسِ الزُّورَ وَالبُهتانَ عَن عَرَضٍ مِنَ الدُّنیا یَنالُهُ،وَالمَأخوذُ بِالمالِ الکَثیرِ ولا مالَ لَهُ،وَالمُحِبُّ حَبیباً یَتَوَقَّعُ فِراقَهُ. (1)
11313. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: مَن قالَ فِی امرِیٍ مُسلِمٍ ما لَیسَ فیهِ لِیُؤذِیَهُ،حَبَسَهُ اللّهُ فی رَدغَةِ الخَبالِ (2)یَومَ القِیامَةِ حَتّی یُقضی بَینَ النّاسِ. (3)
11314. عنه صلی الله علیه و آله: مَن قالَ فی مُؤمِنٍ ما لَیسَ فیهِ،أسکَنَهُ اللّهُ رَدغَةَ الخَبالِ حَتّی یَخرُجَ
ص:239
مِمّا قالَ. (1)
11315. عنه صلی الله علیه و آله: أیُّما رَجُلٍ أشاعَ عَلی رَجُلٍ مُسلِمٍ بِکَلِمَةٍ وهُوَ مِنها بَریءٌ،سَبَّهُ بِها فِی الدُّنیا؛ کانَ حَقّاً عَلَی اللّهِ تَعالی أن یُذیبَهُ یَومَ القِیامَةِ فِی النّارِ حَتّی یَأتِیَ بِإِنفاذِ ما قالَ. (2)
11316. عنه صلی الله علیه و آله: مَن ذَکَرَ امرَأً بِما لَیسَ فیهِ لِیَعیبَهُ بِما لَیسَ فیهِ،حَبَسَهُ اللّهُ فی نارِ جَهَنَّمَ حَتّی یَأتِیَ بِنَفاذِ ما قالَ فیهِ. (3)
11317. عنه صلی الله علیه و آله: مَن بَهَتَ مُؤمِناً أو مُؤمِنَةً أو قالَ فیهِ ما لَیسَ فیهِ،أقامَهُ اللّهُ عز و جل یَومَ القِیامَةِ عَلی تَلٍّ مِن نارٍ حَتّی یَخرُجَ مِمّا قالَهُ فیهِ. (4)
11318. الکافی عن ابن أبی یعفور عن الإمام الصادق علیه السلام: مَن بَهَتَ مُؤمِناً أو مُؤمِنَةً بِما لَیسَ فیهِ،بَعَثَهُ اللّهُ فی طینَةِ خَبالٍ حَتّی یَخرُجَ مِمّا قالَ.
قُلتُ:وما طینَةُ الخَبالِ؟قالَ:صَدیدٌ یَخرُجُ مِن فُروجِ المومِساتِ. (5)
ص:240
11319. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: مَنِ اغتابَ مُؤمِناً بِما فیهِ،لَم یَجمَعِ اللّهُ بَینَهُما فِی الجَنَّةِ أبَداً،ومَنِ اغتابَ مُؤمِناً بِما لَیسَ فیهِ،فَقَدِ انقَطَعَتِ العِصمَةُ بَینَهُما،وکانَ المُغتابُ فِی النّارِ خالِداً فیها وبِئسَ المَصیرُ. (1)
ص:241
ص:242
الکتاب
«وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما یَکُونُ لَنا أَنْ نَتَکَلَّمَ بِهذا سُبْحانَکَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ» . (1)
الحدیث
11320. المعجم الکبیر للطبرانی عن ابن عمر: إنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله قالَ لِاُسامَةَ فی شَأنِ عائِشَةَ (2)لَمّا رُمِیَت بِالإِفکَ:ما تَقولُ أنتَ؟
فَقالَ:سُبحانَ اللّهِ! ما یَحِلُّ لَنا أن نَتَکَلَّمَ بِهذا،سُبحانَکَ هذا بُهتانٌ عَظیمٌ. (3)
11321. المعجم الکبیر للطبرانی عن ابن عبّاس: «وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ» یُریدُ:أفَلا سَمِعتُموهُ «قُلْتُمْ ما یَکُونُ لَنا أَنْ نَتَکَلَّمَ بِهذا سُبْحانَکَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ» یُریدُ بِالبُهتانِ الاِفتِراءَ العَظیمَ،مِثلُ قَولِهِ فی مَریَمَ: «وَ قَوْلِهِمْ عَلی مَرْیَمَ بُهْتاناً عَظِیماً» (4). (5)
ص:243
11322. المعجم الکبیر للطبرانی عن سعید بن جبیر: «وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ» یَعنِی القَذفَ،ألا «قُلْتُمْ ما یَکُونُ لَنا» یَعنی ما یَنبَغی لَنا «أَنْ نَتَکَلَّمَ بِهذا» یَعنی بِالقَذفِ،ولَم تَرَ أعیُنُنا «سُبْحانَکَ» یَعنی ألا قُلتُم:سُبحانَکَ «هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ» . (1)
11323. الإمام الباقر علیه السلام: سُئِلَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام:کَم بَینَ الحَقِّ وَالباطِلِ؟فَقالَ:أربَعُ أصابِعَ، ووَضَعَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام یَدَهُ عَلی اذُنِهِ وعَینَیهِ،فَقالَ:ما رَأَتهُ عَیناکَ فَهُوَ الحَقُّ،وما سَمِعَتهُ اذُناکَ فَأَکثَرُهُ باطِلٌ. (2)
11324. نهج البلاغة عن الإمام علیّ علیه السلام -فِی النَّهیِ عَن سَماعِ الغیبَةِ وفِی الفَرقِ بَینَ الحَقِّ وَالباطِلِ-:أیُّهَا النّاسُ! مَن عَرَفَ مِن أخیهِ وَثیقَةَ دینٍ وسَدادَ طَریقٍ،فَلا یَسمَعَنَّ فیهِ أقاویلَ الرِّجالِ.أما إنَّهُ قَد یَرمِی الرّامی وتُخطِئُ السِّهامُ،ویُحیلُ الکَلامُ،وباطِلُ ذلِکَ یَبورُ،وَاللّهُ سَمیعٌ وشَهیدٌ.أما إنَّهُ لَیسَ بَینَ الحَقِّ وَالباطِلِ إلّا أربَعُ أصابِعَ.
فَسُئِلَ علیه السلام عَن مَعنی قَولِهِ هذا،فَجَمَعَ أصابِعَهُ ووَضَعَها بَینَ اذُنِهِ وعَینِهِ،ثُمَّ قالَ:
الباطِلُ أن تَقولَ:«سَمِعتُ»،وَالحَقُّ أن تَقولَ:«رَأَیتُ». (3)
ص:244
11325. عیون أخبار الرضا علیه السلام عن أحمد بن الحسین کاتب أبی الفیّاض عن أبیه: حَضَرنا مَجلِسَ عَلِیِّ بنِ موسی علیه السلام فَشَکا رَجُلٌ أخاهُ،فَأَنشَأَ یَقولُ:
اِعذِر أخاکَ عَلی ذُنوبِهِ
11326. موسی بن عمران علیه السلام -فی مُناجاتِهِ-:أسأَلُکَ یارَبِّ أن لا یُقالَ فِیَّ ما لَیسَ فِیَّ.
فَقالَ:یا موسی،ما فَعَلتُ هذا لِنَفسی،فَکَیفَ لَکَ؟! (1)
11327. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: یُجاءُ بِالعَبدِ یَومَ القِیامَةِ،فَتوضَعُ حَسَناتُهُ فی کِفَّةٍ وسَیِّئاتُهُ فی کِفَّةٍ، فَتَرجَحُ السَّیِّئاتُ،فَتَجیءُ بِطاقَةٌ فَتَقَعُ فی کِفَّةِ الحَسَناتِ فَتَرجَحُ بِها،فَیَقولُ:یا رَبِّ ! ما هذِهِ البِطاقَةُ؟فَما مِن عَمَلٍ عَمِلتُهُ فی لَیلی ونَهاری إلّاوقَدِ استُقبِلتُ بِهِ!
قالَ:هذا ما قیلَ فیکَ وأَنتَ مِنهُ بَریءٌ. (2)
ص:245
11328. الإمام علی علیه السلام: لا یَسوءَنَّکَ ما یَقولُ النّاسُ فیکَ؛فَإِنَّهُ إن کانَ کَما یَقولونَ کانَ ذَنباً عُجِّلَت عُقوبَتُهُ،وإن کانَ عَلی خِلافِ ما قالوا کانَت حَسَنَةً لَم تَعمَلها. (1)
11329. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: رَوی أبو جَعفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَبیبٍ أنَّ الحَسَنَ علیه السلام أعطی شاعِراً،فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِن جُلَسائِهِ:سُبحانَ اللّهِ ! أتُعطی شاعِراً یَعصِی الرَّحمنَ،ویَقولُ البُهتانَ؟
فَقالَ:یا عَبدَ اللّهِ،إنَّ خَیرَ ما بَذَلتَ مِن مالِکَ ما وَقَیتَ بِهِ عِرضَکَ،وإنَّ مِنِ ابتِغاءِ الخَیرِ اتِّقاءَ الشَّرِّ. (2)
ص:246
ص:247
ص:248
کلمة«المباهلة»مشتقّة من مادة«بهل»علی وزن«أهل».والجدیر بالذکر أنّ «البهل»له معانٍ مختلفة (1)،منها:نوع من الدعاء یقترن مع الإخلاص (2)،والإصرار، والتوسّل،والأنین،والعویل.و«البهل»و«المباهلة»هنا بهذا المعنی،یقول الفراهیدی فی هذا المجال:
باهَلتُ فُلاناً،أی:دَعَونا عَلَی الظّالِمِ مِنّا،وبَهَلتُهُ:لَعَنتُهُ.وَابتَهَلَ إلَی اللّهِ فِی الدُّعاءِ،أی:جَدَّ وَاجتَهَدَ. (3)
وبناء علی ذلک فإنّ«البهل»یختلف عن«اللعن»،حیث إنّ«اللعن»عبارة عن الدعاء علی الآخر لیکون بعیداً عن رحمة اللّه ولکن«البهل»هو الاجتهاد والإصرار فی«اللعن»،ولذلک فإنّ الشخص الذی یصرّ ویتوسّل فی الدعاء واللعن یسمی «المبتهل».
ص:249
الجدیر بالذکر أنّ«المباهلة»هی دوماً علاقة بین شخصین،أو مجموعتین متخاصمتین،حیث یطلب کلّ واحد من اللّه أن یرسل اللعنة علی الطرف المقابل والذی یظنّه ظالماً لإثبات أنّه محقّ،وأمّا«الابتهال»فقد یکون دعاء للشخص «المبتهل»فقط،وبناءً علی ذلک،فإنّ کلّ«مباهلة»هی«ابتهال»أیضاً،ولکن لیس کلّ«ابتهال»،«مباهلة».
لم تستخدم کلمة«المباهلة»فی القرآن الکریم،وإنّما استخدمت کلمة«نبتهل»مرّة واحدة بصیغة المضارع المتکلم مع الغیر فی الآیة 61 من سورة آل عمران،ولذلک فقد سمیت بآیة المباهلة،وأمّا فی الأحادیث الإسلامیة والمصادر التاریخیّة فقد استخدمت هذه الکلمة ومشتّقاتها بکثرة لبیان شأن نزول آیة المباهلة. (1)
یمثل حدیث المباهلة روایة حول شأن نزول آیة المباهلة وقد روی نصّ هذا الحدیث بشکل موجز وقصیر أحیاناً،ومقترناً مع قصّته التاریخیّة أحیاناً اخری، حسب المصادر المختلفة التی نقلته،ومن أجل تقدیم أقصر روایات هذا الحدیث، یمکن الإشارة إلی روایة مسلم النیسابوری التی نقلها عن سعد ابن أبی وقاص:
لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآیَةُ: «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» دَعا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلِیّاً وفاطِمَةَ وحَسَناً وحُسَیناً علیهم السلام فَقالَ:اللّهُمَّ هؤُلاءِ أهلی. (2)
وأطول الروایات،روایة السید ابن طاووس والتی سیأتی تفصیلها فی الباب الرابع من الفصل الأول. (3)
ص:250
نقل حدیث المباهلة فی المصادر الحدیثیة والتفسیریة والتاریخیة والکلامیة المختلفة لأتباع أهل البیت وأهل السنة. (1)
جدیر ذکره أنّ الأغلبیة العظمی من ناقلی حدیث المباهلة،قد أیّدوا تواتره أو صحّته،فقد ذکر السید ابن طاووس فی کتاب سعد السعود نقلاً عن تفسیر أبی عبداللّه محمد ابن عباس ابن مروان المعروف بالحجام:
ص:251
وفی آیة المباهلة بمولانا علی وفاطمة والحسن والحسین علیهم السلام لنصاری نجران رواه من أحد وخمسین طریقاً عمّن سمّاه من الصحابة وغیرهم. (1)
ثم یمضی إلی الإشارة إلی أسماء رواة هذا الحدیث.
یقول الحاکم النیسابوری:
وقد تواترت الأخبار فی التفاسیر عن عبداللّه بن عبّاس وغیره أنّ رسول اللّه أخذ یوم المباهلة بید علیّ و حسن وحسین و جعلوا فاطمة وراءهم،ثمّ قال:هؤُلاءِ أبناءُنا وأَنفُسُنا ونِساءُنا.... (2)
وقال الجصاص فی أحکام القرآن:
نقل رواة السیر ونقلة الأثر لم یختلفوا فیه:أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله أخذ بید الحسن والحسین وعلیّ وفاطمة رضی اللّه عنهم،ثمّ دعا النصاری الذین حاجّوه إلی المباهلة. (3)
وکتب الفخر الرازی بعد نقل حدیث المباهلة قائلاً:
واعلم أنّ هذه الروایة کالمتّفق علی صحّتها بین أهل التفسیر. (4)
کما جاء فی سنن الترمذی فی معرض الإشارة إلی حدیث المباهلة:
هذا حدیث صحیح غریب من هذا الوجه (5)
و یقول ابن تیمیة:
أمّا أخذه علیّاً وفاطمة والحسن والحسین فی المباهلة فحدیثٌ صحیح. (6)
ص:252
وبناءً علی ذلک،فإنّ الشکّ فی صحّة هذا الحدیث (1)،أو تحریفه من خلال إضافة أسماء أشخاص آخرین (2)إلی الأشخاص الأربعة (علیّ،فاطمة،الحسن والحسین علیهم السلام ) والذین خرج بهم النبی صلی الله علیه و آله للمباهلة،أو حذف بعضهم (3)،مردّه الجهل والعناد،أو جفاء أهل بیت الرسالة،أو بغضهم،ولا قیمة علمیة له. (4)
أدّی فتح مکّة فی السنة الثامنة من الهجرة علی ید جیش الإسلام دون سفک للدماء، إلی الازدهار التدریجی لنفوذ الإسلام الثقافی والسیاسی فی الحجاز،بل وفی جمیع أنحاء العالم،ولذلک فقد حظیت المدینة-المرکز الرئیس للثورة الإسلامیة-باهتمام الزعماء الدینیین والسیاسیّین فی العالم.
وقد هیّأت هذه الظاهرة الثقافیة والسیاسیة،أرضیّةً مناسبة لأن یدعوهم رسول اللّه صلی الله علیه و آله إلی الدخول فی الإسلام،أو الاعتراف بالدولة الإسلامیة والالتزام بمقرّراتها؛ و ذلک من خلال إرسال السفراء والکتب إلی زعماء العالم السیاسیّین والدینیّین وخاصّة فی المناطق الأقرب إلی المدینة.
وبالطبع فإنّ الکثیر من الأشخاص الذین خاطبهم النبیّ صلی الله علیه و آله فی کتبه کانوا یرغبون فی التعرّف عن کثب علی مرکز الثورة الإسلامیة ورسول اللّه صلی الله علیه و آله،عبر القدوم إلی المدینة،ولذلک فقد کانت وفود القبائل العربیة تتوافد علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله تدریجیاً فی السنة التاسعة من الهجرة،ولهذا سمّی المؤرّخون هذه السنة«عام الوفود».
ص:253
وقد کان کتاب النبی صلی الله علیه و آله إلی نصاری نجران (1)من جملة الکتب التی بعثها صلی الله علیه و آله فی السنة التاسعة من الهجرة (2)،و هذا نصها:
بِسمِ إلهِ إبراهیمَ وإسحاقَ ویَعقوبَ،مِن مُحَمَّدٍ النَّبِیِّ رَسولِ اللّهِ إلی اسقُفِّ نَجرانَ، وأَهلِ نَجرانَ:إن أسلَمتُم فَإِنّی أحمَدُ إلَیکُمُ اللّهَ إلهَ إبراهیمَ وإسحاقَ ویَعقوبَ،أمّا بَعدُ:فَإِنّی أدعوکُم إلی عِبادَةِ اللّهِ مِن عِبادَةِ العِبادِ،وأَدعوکُم إلی وِلایَةِ اللّهِ مِن وِلایَةِ العِبادِ،فَإِن أبَیتُم فَالجِزیَةُ،فَإِن أبَیتُم فَقَد آذَنتُکُم بِحَربٍ،وَالسَّلامُ. (3)
وبعد إرسال هذا الکتاب،قدم إلی المدینة وفد رفیع المستوی من زعماء نصاری نجران وأخذوا یحاورون النبیّ صلی الله علیه و آله،ولکنهّم لم یُذعنوا للبراهین الواضحة التی قدّمها النبیّ صلی الله علیه و آله،لإثبات الرسالة،بسبب التعصّب والعناد ولذلک لم تتمخّض محادثاتهم عن نتیجة.عندها نزلت الآیة 61 من سورة آل عمران فیها أمرٌ للنبیّ صلی الله علیه و آله بأن یعرض علیهم المباهلة کی یقضی اللّه تعالی نفسه بین مدّعی النبوة والنصاری ویفضح الکاذب منهما.
وقد کان اقتراح النبی صلی الله علیه و آله هذا أکثر فاعلیة من أیّ دلیل وبرهان آخر عند خاصة المسلمین وعامتهم والمسیحیّین من أجل حسم المجادلات بینه وبین وفد نصاری نجران،إلّاأنّ زعماء نصاری نجران الذین کانوا قد وافقوا علی هذا الاقتراح، انصرفوا عن القیام بها بعد أن حضروا فی المکان المتّفق علیه فی الیوم الموعود
ص:254
وشاهدوا علامات صدق رسول اللّه صلی الله علیه و آله وأحقّیّته،فرضخوا للتوقیع علی معاهدة الصلح التی حدّد رسول اللّه صلی الله علیه و آله شروطَها ودفع الجزیة.
تحظی حادثة المباهلة بأهمّیة کبیرة من جوانب مختلفة وتستحقّ التأمّل والدراسة، وتتمثّل أهمّ وأبرز الملاحظات التی نراها فی هذه الحادثة فی:
أثبتت حادثة المباهلة أنّ زعماء نصاری نجران-کغیرهم من علماء النصاری المعاصرین للنبیّ صلی الله علیه و آله-کانوا قد قرؤوا علامات النبی الخاتم فی کتبهم السماویة فرأوا تلک العلامات منطبقة بشکل کامل علیه صلی الله علیه و آله،إلّاأنّهم کانوا یکتمون الحقّ لئلّا یفقدوا مرکزهم فی المجتمع المسیحی،کما یصرّح القرآن الکریم بذلک فی قوله:
«اَلَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یَعْرِفُونَهُ کَما یَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِیقاً مِنْهُمْ لَیَکْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ یَعْلَمُونَ» . (1)
وبناءً علی ذلک،فإنّ حادثة المباهلة لم تکن ذات فاعلیّة أکثر من أیّ برهان آخر لإثبات صدق النبیّ وأحقّیته أمام نصاری نجران وحسب،بل إنّها تعتبر من أدلّة أحقیّة الإسلام فی مقابل المسیحیة علی مرّ الزمن وحتی یوم القیامة،والملفت للنظر أنّ أیّ عالِم مسیحیّ لم یعلن عن استعداده لمباهلة المسلمین بعد تلک الحادثة منذ السنة الهجریة التاسعة وحتّی الآن.
الملاحظة الثانیة فیما یتعلّق بحادثة المباهلة،إثبات انحیاز الإسلام للمنطق
ص:255
والسلام.وقد أثبتت هذه الحادثة أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله کان یسعی فی الخطوة الاُولی من تعامله مع القوی المعارضة له لدعوتها إلی الحقّ من خلال توظیف الحوار والمناظرة واستخدام الدلیل والبرهان،ثمّ یدعوهم فی الخطوة الثانیة-إن کانوا یؤمنون باللّه- إلی المباهلة و أن یحکم اللّه بینه وبینهم،فإن لم یرضخوا للمباهلة أبرم معهم معاهدة سیاسیّة إذا ما وافقوا علی شروط الإسلام،وبناءً علی ذلک فإنّ استخدام الإسلام للقوّة فی ساحة الحرب کان لتحطیم الموانع والسدود أمام الوعی والحریة وحسب.
اصطحب النبی صلی الله علیه و آله فی حادثة المباهلة الحسنین علیهما السلام لبیان مصداق«أبنائنا»،وفاطمة لتجسید مصداق«نساءنا»،والإمام علیاً علیه السلام لإظهار مصداق«أنفسنا»،ووصفهم بأنّهم أهله (1).ومبادرة النبیّ صلی الله علیه و آله هذه تدلّ علی أفضلیّتهم علی سائر الاُمّة الإسلامیة، ولذلک فقد احتجّ أهلُ البیت علیهم السلام فی الکثیر من الروایات بآیة المباهلة لإثبات مکانتهم الإلهیة والقرآنیة فی العدید من المواضع. (2)
إن آیة المباهلة إلی جانب مبادرة النبی صلی الله علیه و آله العملیة فی التعریف بالإمام علیّ علیه السلام
ص:256
باعتباره«نفسه»،تثبت بوضوحٍ أنّ أیّاً من الصحابة لم یکن کالإمام علیّ علیه السلام یستحقّ الخلافة بعد النبی صلی الله علیه و آله مباشرة،ولذلک فإنّ المأمون عندما سأل الإمام الرضا علیه السلام:
مَا الدَّلیلُ عَلی خِلافَةِ جَدِّکَ [ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ ] ؟قالَ علیه السلام: «أَنْفُسَنا» ،فَقالَ المَأمونُ:لَولا «نِساءَنا» ! فَقالَ الرِّضا علیه السلام:لَولا «أَبْناءَنا» ! فَسَکَتَ المَأمونُ. (1)
تفید بعض الروایات بأنّ الیوم الرابع والعشرین من ذی الحجّة (2)،هو یوم میعاد مباهلة النبیّ صلی الله علیه و آله مع ممثّلی نصاری نجران،حیث امتنعوا عن المباهلة وقبلوا المصالحة.وقد ذکرت روایات أهل البیت علیهم السلام آداباً وأعمالاً (3)لهذا الیوم ینبغی للمجتمع المسلم وخاصة المعنیین أن یحیطها باهتمامهم من أجل الانتفاع من برکات هذا الیوم المبارک،وإحیاء ذکری حادثة المباهلة.
المباهلة المطلقة لإثبات الحق.
جدیرٌ ذکره أنّ بعض الروایات ذکرت آداباً للمباهلة (1)یؤدّی الالتزام بها إلی تعزیز الحضور القلبی للمباهِل والتفاته إلی اللّه تعالی،ویهیّیء الأرضیّة لاستجابة دعائه.
ص:258
الکتاب
«فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی الْکاذِبِینَ» . (1)
الحدیث
11330. تفسیر الطبری عن زید بن علیّ علیه السلام -فی قَولِهِ تَعالی: «تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» الآیَةَ-:
کانَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله وعَلِیٌّ وفاطِمَةُ وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهم السلام. (2)
11331. دلائل النبوّة لأبی نعیم عن جابر -فی تَفسیرِ آیَةِ المُباهَلَةِ-: «وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ» :رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله وعَلِیٌّ، «أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» :الحَسَنُ وَالحُسَینُ، «وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ» :فاطِمَةُ،رَضِیَ اللّهُ عَنهُم أجمَعینَ. (3)
ص:259
11332. صحیح مسلم عن سعد بن أبی وقّاص: ...لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآیَةُ: «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» دَعا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلِیّاً وفاطِمَةَ وحَسَناً وحُسَیناً علیهم السلام فَقالَ:اللّهُمَّ هؤُلاءِ أهلی. (1)
11333. تفسیر العیّاشی عن عامر بن سعد: قالَ مُعاوِیَةُ لِأَبی:ما یَمنَعُکَ أن تَسُبَّ أبا تُرابٍ؟ قالَ:لِثَلاثٍ رَوَیتُهُنَّ عَنِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله:لَمّا نَزَلَت آیَةُ المُباهَلَةِ: «تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» الآیَةَ،أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِیَدِ عَلِیٍّ وفاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهم السلام قالَ:هؤُلاءِ أهلی. (2)
11334. تفسیر الفخر الرازی: رُوِیَ أنَّهُ صلی الله علیه و آله لَمّا أورَدَ الدَّلائِلَ عَلی نَصاری نَجرانَ،ثُمَّ إنَّهُم أصَرّوا عَلی جَهلِهِم،فَقالَ صلی الله علیه و آله:إنَّ اللّهَ أمَرَنی إن لَم تَقبَلُوا الحُجَّةَ أن اباهِلَکُم.
فَقالوا:یا أبَا القاسِمِ،بَل نَرجِعُ فَنَنظُرُ فی أمرِنا ثُمَّ نَأتیکَ.
فَلَمّا رَجَعوا قالوا لِلعاقِبِ (3)-وکانَ ذا رَأیِهِم-:یا عَبدَ المَسیحِ،ما تَری؟فَقالَ:
وَاللّهِ ! لَقَد عَرَفتُم یا مَعشَرَ النَّصاری أنَّ مُحَمَّداً نَبِیٌّ مُرسَلٌ،ولَقَد جاءَکُم بِالکَلامِ الحَقِّ فی أمرِ صاحِبِکُم.وَاللّهِ ! ما باهَلَ قَومٌ نَبِیّاً قَطُّ فَعاشَ کَبیرُهُم ولا نَبَتَ صَغیرُهُم،ولَئِن فَعَلتُم لَکانَ الاِستِئصالُ،فَإِن أبَیتُم إلَّاالإِصرارَ عَلی دینِکُم وَالإِقامَةِ
ص:260
عَلی ما أنتُم عَلَیهِ،فَوادِعُوا الرَّجُلَ وَانصَرِفوا إلی بِلادِکُم.
وکانَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله خَرَجَ وعَلَیهِ مِرطٌ (1)مِن شَعرٍ أسوَدَ،وکانَ قَدِ احتَضَنَ الحُسَینَ وأَخَذَ بِیَدِ الحَسَنِ،وفاطِمَةُ تَمشی خَلفَهُ،وعَلِیٌّ رَضِیَ اللّهُ عَنهُ خَلفَها،وهُوَ یَقولُ:إذا دَعَوتُ فَأَمِّنوا.
فَقالَ اسقُفُّ نَجرانَ:یا مَعشَرَ النَّصاری ! إنّی لَأَری وُجوهاً لَو سَأَلُوا اللّهَ أن یُزیلَ جَبَلاً مِن مَکانِهِ لَأَزالَهُ بِها،فَلا تُباهِلوا فَتَهلِکوا ولا یَبقی عَلی وَجهِ الأَرضِ نَصرانِیٌّ إلی یَومِ القِیامَةِ.
ثُمَّ قالوا:یا أبَا القاسِمِ،رَأَینا أن لا نُباهِلَکَ وأَن نُقِرَّکَ عَلی دینِکَ.
فَقالَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ:فَإِذا أبَیتُمُ المُباهَلَةَ فَأَسلِموا؛یَکُن لَکُم ما لِلمُسلِمینَ وعَلَیکُم ما عَلَی المُسلِمینَ،فَأَبَوا،فَقالَ:فَإِنّی اناجِزُکُمُ القِتالَ،فَقالوا:ما لَنا بِحَربِ العَرَبِ طاقَةٌ،ولکِن نُصالِحُکَ عَلی أن لا تَغزُوَنا ولا تَرُدَّنا عَن دینِنا،عَلی أن نُؤَدِّیَ إلَیکَ فی کُلِّ عامٍ ألفَی حُلَّةٍ:ألفاً فی صَفَرٍ،وأَلفاً فی رَجَبٍ،وثَلاثینَ دِرعاً عادِیَةً مِن حَدیدٍ.
فَصالَحَهُم عَلی ذلِکَ.وقالَ:وَالَّذی نَفسی بِیَدِهِ،إنَّ الهَلاکَ قَد تَدَلّی عَلی أهلِ نَجرانَ،ولو لاعَنوا لَمُسِخوا قِرَدَةً وخَنازیرَ،ولَاضطَرَمَ عَلَیهِمُ الوادی ناراً، ولَاستَأَصَلَ اللّهُ نَجرانَ وأَهلَهُ،حَتَّی الطَّیرَ عَلی رُؤوسِ الشَّجَرِ،ولَما حالَ الحَولُ عَلَی النَّصاری کُلِّهِم حَتّی یَهلِکوا.
ورُوِیَ أنَّهُ صلی الله علیه و آله لَمّا خَرَجَ فِی المِرطِ الأَسوَدِ،فَجاءَ الحَسَنُ رَضِیَ اللّهُ عَنهُ فَأَدخَلَهُ،
ص:261
ثُمَّ جاءَ الحُسَینُ رَضِیَ اللّهُ عَنهُ فَأَدخَلَهُ،ثُمَّ فاطِمَةُ،ثُمَّ عَلِیٌّ رَضِیَ اللّهُ عَنهُما،ثُمَّ قالَ: «إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً» (1).
وَاعلَم أنَّ هذِهِ الرِّوایَةَ کُالمُتَّفَقِ عَلی صِحَّتِها بَینَ أهلِ التَّفسیرِ وَالحَدیثِ. (2)
11335. الإرشاد: لَمَّا انتَشَرَ الإِسلامُ بَعدَ الفَتحِ وما وَلِیَهُ مِنَ الغَزَواتِ المَذکورَةِ وقَوِیَ سُلطانُهُ، وَفَدَ إلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله الوُفودُ،فَمِنهُم مَن أسلَمَ،ومِنهُم مَنِ استَأمَنَ لِیَعودَ إلی قَومِهِ بِرَأیِهِ صلی الله علیه و آله فیهِم.
وکانَ فیمَن وَفَدَ عَلَیهِ أبو حارِثَةَ اسقُفُّ نَجرانَ فی ثَلاثینَ رَجُلاً مِنَ النَّصاری، مِنهُمُ العاقِبُ وَالسَّیِّدُ وعَبدُ المَسیحِ،فَقَدِمُوا المَدینَةَ وَقتَ صَلاةِ العَصرِ وعَلَیهِم لِباسُ الدّیباجِ وَالصُّلُبِ،فَصارَ إلَیهِمُ الیَهودُ،وتَساءَلوا بَینَهُم،فَقالَتِ النَّصاری لَهُم:لَستُم عَلی شَیءٍ،وقالَت لَهُمُ الیَهودُ:لَستُم عَلی شَیءٍ،وفی ذلِکَ أنزَلَ اللّهُ سُبحانَهُ: «وَ قالَتِ الْیَهُودُ لَیْسَتِ النَّصاری عَلی شَیْءٍ وَ قالَتِ النَّصاری لَیْسَتِ الْیَهُودُ عَلی شَیْءٍ» (3)إلی آخِرِ الآیَةِ.
فَلَمّا صَلَّی النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله العَصرَ تَوَجَّهوا إلَیهِ یَقدُمُهُمُ الاُسقُفُ،فَقالَ لَهُ:یا مُحَمَّدُ،ما تَقولُ فِی السَّیِّدِ المَسیحِ؟
فَقالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:عَبدٌ للّهِ ِ اصطَفاهُ وَانتَجَبَهُ.
ص:262
فَقالَ الاُسقُفُ:أتَعرِفُ لَهُ یا مُحَمَّدُ أباً وَلَّدَهُ؟
فَقالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:لَم یَکُن عَن نِکاحٍ فَیَکونَ لَهُ والِدٌ.
قالَ:فَکَیفَ قُلتَ:إنَّهُ عَبدٌ مَخلوقٌ،وأَنتَ لَم تَرَ عَبداً مَخلوقاً إلّاعَن نِکاحٍ ولَهُ والِدٌ؟!
فَأَنزَلَ اللّهُ تَعالَی الآیاتِ مِن سورَةِ آلِ عِمرانَ إلی قَولِهِ: «إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللّهِ کَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ* اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَلا تَکُنْ مِنَ الْمُمْتَرِینَ* فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی الْکاذِبِینَ» (1)،فَتَلاهَا النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله عَلَی النَّصاری ودَعاهُم إلَی المُباهَلَةِ وقالَ:إنَّ اللّهَ عَزَّ اسمُهُ أخبَرَنی أنَّ العَذابَ یَنزِلُ عَلَی المُبطِلِ عَقیبَ المُباهَلَةِ ویُبَیِّنُ الحَقَّ مِنَ الباطِلِ بِذلِکَ.
فَاجتَمَعَ الاُسقُفُ مَعَ عَبدِ المَسیحِ وَالعاقِبِ عَلَی المَشوَرَةِ،فَاتَّفَقَ رَأیُهُم عَلَی استِنظارِهِ إلی صَبیحَةِ غَدٍ مِن یَومِهِم ذلِکَ.فَلَمّا رَجَعوا إلی رِحالِهِم قالَ لَهُمُ الاُسقُفُ:
انظُروا مُحَمَّداً فی غَدٍ،فَإِن غَدا بِوُلدِهِ وأَهلِهِ فَاحذَروا مُباهَلَتَهُ،وإن غَدا بِأَصحابِهِ فَباهَلوهُ فَإِنَّهُ عَلی غَیرِ شَیءٍ.
فَلَمّا کانَ مِنَ الغَدِ جاءَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله آخِذاً بِیَدِ أمیرِ المُؤمِنینَ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ، وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ بَینَ یَدَیهِ یَمشِیانِ،وفاطِمَةُ-صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِم-تَمشی خَلفَهُ.
وخَرَجَ النَّصاری یَقدُمُهُم اسقُفُّهُم،فَلَمّا رَأَی النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله قَد أقبَلَ بِمَن مَعَهُ سَأَلَ عَنهُم،فَقیلَ لَهُ:هذَا ابنُ عَمِّهِ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ،وهُوَ صِهرُهُ وأبو وُلدِهِ وأَحَبُّ
ص:263
الخَلقِ إلَیهِ،وهذانِ الطِّفلانِ ابنا بِنتِهِ مِن عَلِیٍّ،وهُما مِن أحَبِّ الخَلقِ إلَیهِ،وهذِهِ الجارِیَةُ بِنتُهُ فاطِمَةُ أعَزُّ النّاسِ عَلَیهِ وأَقرَبُهُم إلی قَلبِهِ.
فَنَظَرَ الاُسقُفُ إلَی العاقِبِ وَالسَّیِّدِ وعَبدِ المَسیحِ وقالَ لَهُم:اُنظُروا إلَیهِ قَد جاءَ بِخاصَّتِهِ مِن وُلدِهِ وأَهلِهِ لِیُباهِلَ بِهِم واثِقاً بِحَقِّهِ،وَاللّهِ ما جاءَ بِهِم وهُوَ یَتَخَوَّفُ الحُجَّةَ عَلَیهِ،فَاحذَروا مُباهَلَتَهُ،وَاللّهِ لَولا مَکانُ قَیصَرَ لَأَسلَمتُ لَهُ،ولکِن صالِحوهُ عَلی ما یَتَّفِقُ بَینَکُم وبَینَهُ،وَارجِعوا إلی بِلادِکُم وَارتَؤُوا لِأَنفُسِکُم.فَقالوا لَهُ:رَأیُنا لِرَأیِکَ تَبَعٌ.
فَقالَ الاُسقُفُ:یا أبَا القاسِمِ،إنّا لا نُباهِلُکَ ولکِنّا نُصالِحُکَ،فَصالِحنا عَلی ما نَنهَضُ بِهِ.
فَصالَحَهُمُ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله عَلی ألفَی حُلَّةٍ مِن حُلَلِ الأَواقِیِّ،قیمَةُ کُلِّ حُلَّةٍ أربَعونَ دِرهَماً جِیاداً،فَما زادَ أو نَقَصَ کانَ بِحِسابِ ذلِکَ،وکَتَبَ لَهُمُ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله کِتاباً بِما صالَحَهُم عَلَیهِ،وکانَ الکِتابُ:
«بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،هذا کِتابٌ مِن مُحَمَّدٍ النَّبِیِّ رَسولِ اللّهِ لِنَجرانَ وحاشِیَتِها،فی کُلِّ صَفراءَ وبَیضاءَ وثَمَرَةٍ ورَقیقٍ،لا یُؤخَذُ مِنهُ شَیءٌ مِنهُم غَیرُ ألفَی حُلَّةٍ مِن حُلَلِ الأَواقِیِّ،ثَمَنُ کُلِّ حُلَّةٍ أربَعونَ دِرهَماً،فَما زادَ أو نَقَصَ فَعَلی حِسابِ ذلِکَ،یُؤَدّونَ ألفاً مِنها فی صَفَرٍ وأَلفاً مِنها فی رَجَبٍ،وعَلَیهِم أربَعونَ دیناراً مثواة رسولی مِمّا فَوقَ ذلِکَ،وعَلَیهِم فی کُلِّ حَدَثٍ یَکونُ بِالیَمَنِ مِن کُلِّ ذی عَدَنٍ (1)عارِیَّةً مَضمونَةً؛ثَلاثونَ دِرعاً وثَلاثونَ فَرَساً وثَلاثونَ جَمَلاً عارِیَّةً مَضمونَةً،لَهُم بِذلِکَ جِوارُ اللّهِ وذِمَّةُ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ،فَمَن أکَلَ الرِّبا مِنهُم بَعدَ عامِهِم هذا فَذِمَّتی مِنهُ بَریئَةٌ».
ص:264
وأَخَذَ القَومُ الکِتابَ وَانصَرَفوا. (1)
11336. الإقبال -فی بَیانِ إنفاذِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله لِرُسُلِهِ إلی نَصاری نَجرانَ ومُناظَرَتِهِم فیما بَینَهُم وظُهورِ تَصدیقِهِ فیما دَعاهُم إلَیهِ-:رَوَینا ذلِکَ بِالأَسانیدِ الصَّحیحَةِ،وَالرِّوایاتِ الصَّریحَةِ إلی أبِی المُفَضَّلِ مُحَمَّدِ بنِ [عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ] (2)المُطَّلِبِ الشَّیبانِیِّ رحمه الله مِن کِتابِ المُباهَلَةِ،ومِن أصلِ کِتابِ الحَسَنِ بنِ إسماعیلَ بنِ أشناسٍ مِن کِتابِ عَمَلِ ذِی الحِجَّةِ،فیما رَوَیناهُ بِالطُّرُقِ الواضِحَةِ عَن ذَوِی الهِمَمِ الصّالِحَةِ،لا حاجَةَ إلی ذِکرِ أسمائِهِم؛لِأَنَّ المَقصودَ ذِکرُ کَلامِهِم.
قالوا:لَمّا فَتَحَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله مَکَّةَ،وَانقادَت لَهُ العَرَبُ،وأَرسَلَ رُسُلَهُ ودُعاتِهِ إلَی الاُمَمِ،وکاتَبَ المَلِکَینِ-کِسری وقَیصَرَ-یَدعوهُما إلَی الإِسلامِ،وإلّا أقَرّا بِالجِزیَةِ وَالصَّغارِ (3)،وإلّا أذِنا بِالحَربِ العَوانِ (4)؛أکبَرَ شَأنَهُ نَصاری نَجرانَ وخُلَطاؤُهُم مِن بَنی عَبدِ المَدانِ وجَمیعُ بَنِی الحارِثِ بنِ کَعبٍ،ومَن ضَوی (5)إلَیهِم ونَزَلَ بِهِم مِن دَهماءِ (6)النّاسِ عَلَی اختِلافِهِم هُناکَ فی دینِ النَّصرانِیَّةِ،مِن الأروسِیَّةِ (7)،
ص:265
وَالسّالوسِیَّةِ (1)،وأَصحابِ دینِ المَلِکِ (2)،وَالمارونیَّةِ،وَالعُبّادِ،وَالنّسطورِیَّةِ،واُملِئَت قُلوبُهُم-عَلی تَفاوُتِ مَنازِلِهِم-رَهبَةً مِنهُ ورُعباً.
فَإِنَّهُم کَذلِکَ مِن شَأنِهِم،إذا وَرَدَت عَلَیهِم رُسُلُ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِکِتابِهِ؛وهُم عُتبَةُ بنُ غَزوانَ،وعَبدُ اللّهِ بنُ أبی امَیَّةَ،وَالهُدَیرُ بنُ عَبدِ اللّهِ-أخو تَیمِ بنِ مُرَّةَ-،وصُهَیبُ بنُ سِنانٍ-أخُو النَّمِرِ بنِ قاسِطٍ-یَدعوهُم إلَی الإِسلامِ،فَإِن أجابوا فَإِخوانٌ،وإن أبَوا وَاستَکبَروا فَإِلَی الخُطَّةِ المُخزِیَةِ؛إلی أداءِ الجِزیَةِ عَن یَدٍ،فَإِن رَغِبوا عَمّا دَعاهُم إلَیهِ مِن إحدَی (3)المَنزِلَتَینِ وعَنِدوا،فَقَد آذَنَهُم عَلی سَواءٍ.
وکانَ فی کِتابِهِ صلی الله علیه و آله: «قُلْ یا أَهْلَ الْکِتابِ تَعالَوْا إِلی کَلِمَةٍ سَواءٍ بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَ لا نُشْرِکَ بِهِ شَیْئاً وَ لا یَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ» . (4)
قالوا:وکانَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله لا یُقاتِلُ قَوماً حَتّی یَدعُوَهُم،فَازدادَ القَومُ-لِوُرودِ رُسُلِ نَبِیِّ اللّهِ صلی الله علیه و آله وکِتابِهِ-نُفوراً وَامتِزاجاً،فَفَزِعوا لِذلِکَ إلی بِیعَتِهِمُ العُظمی،وأَمَروا فَفُرِشَ أرضُها واُلبِسَ جُدُرُها بِالحَریرِ وَالدِّیباجِ،ورَفَعُوا الصَّلیبَ الأَعظَمَ-وکانَ مِن ذَهَبٍ مُرَصَّعٍ أنفَذَهُ إلَیهِمُ القَیصَرُ الأَکبَرُ-،وحَضَرَ ذلِکَ بَنُو الحارِثِ بنُ کَعبٍ،وکانوا لُیوثَ الحَربِ وفُرسانَ النّاسِ،قَد عَرَفَتِ العَرَبُ ذلِکَ لَهُم فی قَدیمِ أیّامِهِم فِی الجاهِلِیَّةِ.
ص:266
فَاجتَمَعَ القَومُ جَمیعاً لِلمَشوَرَةِ وَالنَّظَرِ فی امورِهِم،وأَسرَعَت إلَیهِمُ القَبائِلُ مِن مَذحِجٍ وعَکٍّ وحِمیَرٍ وأَنمارٍ ومَن دَنا مِنهُم نَسَباً وداراً مِن قَبائِلِ سَبَأٍ،وکُلُّهُم قَد وَرِمَ أنفُهُ غَضَباً لِقَومِهِم،ونَکَصَ مَن تَکَلَّمَ مِنهُم بِالإِسلامِ ارتِداداً،فَخاضوا وأَفاضوا فی ذِکرِ المَسیرِ بِنَفسِهِم وجَمعِهِم إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله وَالنُّزولِ بِهِ بِیَثرِبَ لِمُناجَزَتِهِ.
فَلَمّا رَأی أبو حارِثَةَ (1)حُصَینُ بنُ عَلقَمَةَ اسقُفُّهُمُ الأَوَّلُ وصاحِبُ مَدارِسِهِم وعَلّامُهُم-وکانَ رَجُلاً مِن بَنی بَکرِ بنِ وائِلٍ-ما أزمَعَ القَومُ عَلَیهِ مِن إطلاقِ الحَربِ،دَعا بِعِصابَةٍ فَرَفَعَ بِها حاجِبَیهِ عَن عَینَیهِ-وقَد بَلَغَ یَومَئِذٍ عِشرینَ ومِئَةَ سَنَةٍ-ثُمَّ قامَ فیهِم خَطیباً مُعتَمِداً عَلی عَصا،وکانَت فیهِ بَقِیَّةٌ ولَهُ رَأیٌ ورَوِیَّةٌ،وکانَ مُوَحِّداً یُؤمِنُ بِالمَسیحِ وبِالنَّبِیِّ علیهما السلام،ویَکتُمُ ذلِکَ مِن کَفَرَةِ قَومِهِ وأَصحابِهِ،فَقالَ:
مَهلاً بَنی عَبدِ المَدانِ مَهلاً،استَدیمُوا العافِیَةَ وَالسَّعادَةَ؛فَإِنَّهُما مَطوِیّانِ فِی الهَوادَةِ،دُبّوا إلی قَومٍ فی هذَا الأَمرِ دَبیبَ (2)الذَّرِّ (3)،وإیّاکُم وَالسَّورَةَ (4)العَجلی؛فَإِنَّ البَدیهَةَ بِها لا تُنجَبُ،إنَّکُم وَاللّهِ عَلی فِعلِ ما لَم تَفعَلوا أقدَرُ مِنکُم عَلی رَدِّ ما فَعَلتُم، ألا إنَّ النَّجاةَ مَقرونَةٌ بِالأَناةِ،ألا رُبَّ إحجامٍ أفضَلُ مِن إقدامٍ،وکَأَیِّن (5)مِن قَولٍ أبلَغُ مِن صَولٍ (6).
ثُمَّ أمسَکَ،فَأَقبَلَ عَلَیهِ کُرزُ بنُ سَبرَةَ الحارِثِیُّ،وکانَ یَومَئِذٍ زَعیمَ بَنِی الحارِثِ بنِ
ص:267
کَعبٍ وفی بَیتِ شَرَفِهِم وَالمُعَصَّبَ فیهِم وأَمیرَ حُروبِهِم،فَقالَ:لَقَدِ انتَفَخَ سَحرُکَ وَاستُطیرَ قَلبُکَ أبا حارِثَةَ،فَظِلتَ کَالمَسبوعِ النزاعة (1)الهَلوعِ،تَضرِبُ لَنَا الأَمثالَ وتُخَوِّفُنَا النِّزالَ،لَقَد عَلِمتَ-وحَقِّ المَنّانِ-بِفَضیلَةِ الحُفّاظِ بِالنّوءِ بِالعِبءِ (2)وهُوَ عَظیمٌ،وتَلقَحُ الحَربَ وهِیَ عَقیمٌ،تَثقَفُ أودَ (3)المَلِکِ الجَبّارِ،ولَنَحنُ أرکانُ الرائِشِ (4)وذِی المنارِ (5)الّذینَ شَدَدنا مُلکَهُما وأَمَّرنا مَلیکَهُما،فَأَیَّ أیّامِنا تُنکِرُ أم لِأَیِّهِما -وَیکَ-تَلمِزُ؟
فَما أتی عَلی آخِرِ کَلامِهِ حَتَّی انتَظَمَ (6)نَصلَ (7)نَبلَةٍ کانَت فی یَدِهِ بِکَفِّهِ غَیظاً وغَضَباً وهُوَ لا یَشعُرُ.فَلَمّا أمسَکَ کُرزُ بنُ سَبرَةَ أقبَلَ عَلَیهِ العاقِبُ،وَاسمُهُ عَبدُ المَسیحِ بنُ شُرَحبیلَ-وهُوَ یَومَئِذٍ عَمیدُ القَومِ وأَمیرُ رَأیِهِم وصاحِبُ مَشوَرَتِهِم، الَّذی لا یَصدِروُن جَمیعاً إلّاعَن قَولِهِ-فَقالَ لَهُ:
أفلَحَ وَجهُکَ،وآنَسَ رَبعُکَ (8)،وعَزَّ جارُکَ،وَامتَنَعَ ذِمارُکَ،ذَکَرتَ-وحَقِّ مُغبَرَّةِ الجِباهِ-حَسَباً صَمیماً،وعیصاً (9)کَریماً،وعِزّاً قَدیماً،ولکِن أبا سَبرَةَ ! لِکُلِّ مَقامٍ
ص:268
مَقالٌ،ولِکُلِّ عَصرٍ رِجالٌ،وَالمَرءُ بِیَومِهِ أشبَهُ مِنهُ بِأَمسِهِ،وهِیَ الأَیّامُ تُهلِکُ جیلاً وتُدیلُ قَبیلاً،وَالعافِیَةُ أفضَلُ جِلبابٍ،ولِلآفاتِ أسبابٌ،فَمِن أوکَدِ أسبابِهَا التَّعَرُّضُ لِأَبوابِها.
ثُمَّ صَمَتَ العاقِبُ مُطرِقاً،فَأَقبَلَ عَلَیهِ السَّیِّدُ وَاسمُهُ أهتَمُ بنُ النُّعمانِ-وهُوَ یَومَئِذٍ اسقُفُّ نَجرانَ،وکانَ نَظیرَ العاقِبِ فی عُلُوِّ المَنزِلَةِ،وهُوَ رَجُلٌ مِن عامِلَةَ وعِدادُهُ فی لَخمٍ،فَقالَ لَهُ:سَعَدَ جَدُّکَ وسَما جَدُّکَ أبا واثِلَةَ،إنَّ لِکُلِّ لامِعَةٍ ضِیاءٌ،وعَلی کُلِّ صَوابٍ نوراً،ولکِن لا یُدرِکُهُ-وحَقِّ واهِبِ العَقلِ-إلّامَن کانَ بَصیراً،إنَّکَ أفضَیتَ وهذانِ فیما تصرّف بِکُمَا الکَلِمُ إلی سَبیلَی حَزَنٍ (1)وسَهلٍ،ولِکُلٍّ عَلی تَفاوُتِکُم حَظٌّ مِنَ الرَّأیِ الرَّبیقِ (2)وَالأَمرِ الوَثیقِ إذا اصیبَ بِهِ مَواضِعُهُ،ثُمَّ إنَّ أخا قُرَیشٍ قَد نَجَدَکُم لِخَطبٍ عَظیمٍ وأَمرٍ جَسیمٍ،فَما عِندَکُم فیهِ قولوا وأَنجِزوا،أبُخوعٌ (3)وإقرارٌ،أم نُزوعٌ؟
قالَ عُتبَةُ وَالهَدیرُ (4)وَالنَّفَرُ مِن أهلِ نَجرانَ:فَعادَ کُرزُ بنُ سَبرَةَ لِکَلامِهِ وکانَ کَمِیّاً (5)أبِیّاً،فَقالَ:
أنَحنُ نُفارِقُ دیناً رَسَخَت عَلَیهِ عُروقُنا،ومَضی عَلَیهِ آباؤُنا،وعَرَفَ مُلوکُ النّاسِ ثُمّ العَرَبُ ذلِکَ مِنّا؟! أنَتَهالَکُ إلی ذلِکَ أم نُقِرُّ بِالجِزیَةِ وهِیَ الخِزیَةُ حَقّاً؟لا وَاللّهِ حَتّی نُجَرِّدَ البَواتِرَ مِن أغمادِها،وتَذهَلَ الحَلائِلُ عَن أولادِها،أو نَشرُقُ نَحنُ [و] (6)مُحَمَّدٌ بِدِمائِنا،ثُمَّ یُدیلُ اللّهُ عز و جل بِنَصرِهِ مَن یَشاءُ.
ص:269
قالَ لَهُ السَّیِّدُ:اِربَع (1)عَلی نَفسِکَ وعَلَینا أبا سَبرَةَ،فَإِنَّ سَلَّ السَّیفِ یَسِلُّ السَّیفَ، وإنَّ مُحَمَّداً قَد بَخَعَت لَهُ العَرَبُ وأَعطَتهُ طاعَتَها ومَلَکَ رِجالَها وأَعِنَّتَها،وجَرَت أحکامُهُ فی أهلِ الوَبَرِ مِنهُم وَالمَدَرِ،ورَمَقَهُ المَلِکانِ العَظیمانِ کِسری وقَیصَرَ،فَلا أراکُم-وَالرّوحِ-لَو نَهَدَ (2)لَکُم إلّاوقَد تَصَدَّعَ عَنکُم مَن خَفَّ مَعَکُم مِن هذِهِ القَبائِلِ، فَصِرتُم جُفاءً کَأَمسِ الذّاهِبِ،أو کَلَحمٍ عَلی وَضَمٍ (3).
وکانَ فیهِم رَجُلٌ یُقالُ لَهُ جَهیرُ بنُ سُراقَةَ البارِقِیُّ مِن زَنادِقَةِ نَصارَی العَرَبِ،و کانَ لَهُ مَنزِلَةٌ مِن مُلوکِ النَّصرانِیَّةِ،وکانَ مَثواهُ بِنَجرانَ،فَقالَ لَهُ:أبا سُعادَ،قُل فی أمرِنا وأَنجِدنا بِرَأیِکَ،فَهذا مَجلِسٌ لَهُ ما بَعدُهُ.
فَقالَ:فَإِنّی أری لَکُم أن تُقارِبوا مُحَمَّداً وتُطیعوهُ فی بَعضِ مُلتَمَسِهِ عِندَکُم، وَلیَنطَلِق وُفودُکُم إلی مُلوکِ أهلِ مِلَّتِکُم؛إلَی المَلِکِ الأَکبَرِ بِالرّومِ قَیصَرَ،وإلی مُلوکِ هذِهِ الجِلدَةِ السَّوداءِ الخَمسَةِ؛یَعنی مُلوکَ السّودانِ:مَلِکَ النّوبَةِ،ومَلِکَ الحَبَشَةِ،و مَلِکَ علوه،و مَلِکَ الرّعا،و مَلِکَ الرّاحاتِ ومَریسَ وَالقِبطِ-وکُلُّ هؤُلاءِ کانوا نَصاری-.قالَ:وکذلک مَن ضَوی (4)إلَی الشّامِ وحَلَّ بِها مِن مُلوکِ غَسّانَ ولَخمٍ وجُذامٍ وقُضاعَةَ،وغَیرِهِم مِن ذَوی یُمنِکُم،فَهُم لَکُم عَشیرَةٌ ومَوالی وأَعوانٌ،وفِی الدّینِ إخوانٌ-یَعنی أنَّهُم نَصاری-وکَذلِکَ نَصارَی الحیرَةِ مِنَ العُبّادِ وغَیرِهِم،فَقَد صَبَت إلی دینِهِم قَبائِلُ تَغلِبَ بِنتِ وائِلٍ وغَیرِهِم مِن رَبیعَةَ بنِ نزارٍ،لِتَسیرَ وُفودُکُم ثُمَّ لِتَخرِقَ إلَیهِمُ البِلادَ إغذاذاً (5)،فَیَستَصرِخونَهُم لِدینِکُم فَیَستَنجِدَکُمُ الرّومُ وتَسیرَ
ص:270
إلَیکُمُ الأَساوِدَةُ (1)مَسیرَ أصحابِ الفیلِ،وتُقبِلَ إلَیکُم نَصارَی العَرَبِ مِن رَبیعَةِ الیَمَنِ.
فَإِذا وَصَلَتِ الأَمدادُ وارِدةً سِرُتم أنتُم فی قَبائِلِکُم وسائِرِ مَن ظاهَرَکُم وبَذَلَ نَصرَهُ ومُوازَرَتَهُ لَکُم،حَتّی تُضاهِئونَ مَن أنجَدَکُم وأَصرَخَکُم مِنَ الأَجناسِ وَالقَبائِلِ الوارِدَةِ عَلَیکُم.
فَأُمُّوا مُحَمَّداً حَتّی تَنجوا بِهِ جَمیعاً،فَسَیَعتِقُ إلَیکُم وافِداً لَکُم مَن صَبا إلَیهِ مَغلوباً مَقهوراً،ویَنعَتِقُ بِهِ مَن کانَ مِنهُم فی مَدَرَتِهِ مَکثوراً (2)،فَیوشِکُ أن تَصطَلِموا (3)حَوزَتَهُ وتُطفِئُوا جَمرَتَهُ،ویَکونَ لَکُم بِذلِکَ الوَجهُ وَالمَکانُ فِی النّاسِ،فَلا تَتَمالَکُ العَرَبُ حینَئِذٍ حَتّی تَتَهافَتَ دُخولاً فی دینِکُم،ثُمَّ لَتَعظُمَنَّ بیعَتُکُم هذِهِ ولَتَشرُفُنَّ حَتّی تَصیرَ کَالکَعبَةِ المَحجوجَةِ بِتِهامَةَ،هذَا الرَّأیُ فَانتَهِزوهُ فَلا رَأیَ لَکُم بَعدَهُ.
فَأَعجَبَ القَومُ کَلامَ جَهیرِ بنِ سُراقَةَ،ووَقَعَ مِنهُم کُلَّ مَوقِعٍ،فَکادَ أن یَتَفَرَّقوا عَلَی العَمَلِ بِهِ،وکانَ فیهِم رَجُلٌ مِن رَبیعَةَ بنِ نزارٍ مِن بَنی قَیسِ بنِ ثَعلَبَةَ،یُدعی حارِثَةَ بنَ أثالٍ عَلی دینِ المَسیحِ علیه السلام،فَقامَ حارِثَةُ عَلی قَدَمَیهِ وأَقبَلَ عَلی جَهیرٍ وقالَ مُتَمَثِّلاً شِعراً: مَتی ما تُقِد بِالباطِلِ الحَقَّ یَأبَهُ
ص:271
ثُمَّ استَقبَلَ السَّیِّدَ وَالعاقِبَ وَالقِسّیسینَ وَالرُّهبانَ وکافَّةَ نَصاری نَجرانَ بِوَجهِهِ لَم یَخلِط مَعَهُم غَیرَهُم،فَقالَ:سَمعاً سَمعاً یا أبناءَ الحِکمَةِ،وبَقایا حَمَلَةِ الحُجَّةِ،إنَّ السَّعیدَ وَاللّهِ مَن نَفَعَتهُ المَوعِظَةُ،ولَم یَعشُ عَنِ التَّذکِرَةِ،ألا وإنّی انذِرُکُم واُذَکِّرُکُم قَولَ مَسیحِ اللّهِ عز و جل.ثُمَّ شَرَحَ وَصِیَّتَهُ ونَصَّهُ عَلی وَصِیِّهِ شَمعونَ بنِ یوحَنّا،وما یَحدُثُ عَلی امَّتِهِ مِنَ الاِفتِراقِ،ثُمَّ ذَکَرَ عیسی علیه السلام وقالَ:إنَّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ أوحی إلَیهِ:
«فَخُذ یَابنَ أمَتی کِتابی بِقُوَّةٍ،ثُمَّ فَسِّرهُ لِأَهلِ سورِیا بِلِسانِهِم،وأَخبِرهُم أنّی أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّاأنَا الحَیُّ القَیّومُ،البَدیعُ الدّائِمُ الَّذی لا أحولُ ولا أزولُ،إنّی بَعَثتُ رُسُلی ونَزَّلتُ کُتُبی رَحمَةً ونوراً وعِصمَةً لِخَلقی،ثُمَّ إنّی باعِثٌ بِذلِکَ نَجیبَ رِسالَتی أحمَدَ،صَفوَتی مِن بَرِیَّتی،البارِقلیطا (1)عَبدی،اُرسِلُهُ فی خُلُوٍّ مِنَ الزَّمانِ،أبعَثُهُ بِمَولِدِهِ فارانَ مِن مَقامِ أبیهِ إبراهیمَ علیه السلام،اُنزِلُ عَلَیهِ تَوراةً حَدیثَةً،أفتَحُ بِها أعیُناً عُمیاً، آذاناً (2)صُمّاً،وقُلوباً غُلفاً،طوبی لِمَن شَهِدَ أیّامَهُ وسَمِعَ کَلامَهُ فَآمَنَ بِهِ،وَاتَّبَعَ النّورَ الَّذی جاءَ بِهِ،فَإِذا ذَکَرتَ یا عیسی ذلِکَ النَّبِیَّ فَصَلِّ عَلَیهِ فَإِنّی ومَلائِکَتی نُصَلّی عَلَیهِ».
قالَ:فَما أتی حارِثَةُ بنُ أثالٍ عَلی قَولِهِ هذا،حَتّی أظلَمَ بِالسَّیِّدِ وَالعاقِبِ مَکانُهُما،وکَرِها ما قامَ بِهِ فِی النّاسِ مُعرِباً ومُخبِراً عَنِ المَسیحِ علیه السلام بِما أخبَرَ وقَدَّمَ مِن ذِکرِ النَّبِیِّ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله؛لِأَنَّهُما کانا قَد أصابا بِمَواضِعِهِما مِن دینِهِما شَرَفاً بِنَجرانَ، ووَجهاً عِندَ مُلوکِ النَّصرانِیَّةِ جَمیعاً،وکَذلِکَ عِندَ سوقَتِهِم وعَرَبِهِم فِی البِلادِ،
ص:272
فَأَشفَقا أن یَکونَ ذلِکَ سَبَباً لِانصِرافِ قَومِهِما عَن طاعَتِهِما لِدینِهِما وفَسخاً لِمَنزِلَتِهِما فِی النّاسِ.
فَأَقبَلَ العاقِبُ عَلی حارِثَةَ فَقالَ:أمسِک عَلَیکَ یا حارِ،فَإِنَّ رادَّ هذَا الکَلامِ عَلَیکَ أکثَرُ مِن قابِلِهِ،ورُبَّ قَولٍ یَکونُ بَلِیَّةً عَلی قائِلِهِ،ولِلقُلوبِ نَفَراتٌ عِندَ الإِصداعِ بِمَظنونِ الحِکمَةِ،فَاتَّقِ نُفورَها،فَلِکُلِّ نَبَإٍ أهلٌ،ولِکُلِّ خَطبٍ مَحَلٌّ،وإنَّمَا الدَّرَکُ ما أخَذَ لَکَ بِمَواضِی النَّجاةِ،وأَلبَسَکَ جُنَّةَ السَّلامَةِ،فَلا تَعدِلَنَّ بِهِما حَظّاً،فَإِنّی لَم آلُکَ -لا أباً لَکَ (1)-نُصحاً.ثُمَّ أرَمَّ (2).
فَأَوجَبَ السَّیِّدُ أن یُشرِکَ العاقِبَ فی کَلامِهِ،فَأَقبَلَ عَلی حارِثَةَ فَقالَ:إنّی لَم أزَل أتَعَرَّفُ لَکَ فَضلاً تَمیلُ إلَیکَ الأَلبابُ،فَإِیّاکَ أن تَقتَعِدَ (3)مَطِیَّةَ اللَّجاجِ،وأَن توجِفَ (4)إلَی السَّرابِ،فَمَن عُذِرَ بِذلِکَ فلَستَ فیهِ أیُّهَا المَرءُ بِمَعذورٍ،وقَد أغفَلَکَ أبو واثِلَةَ- وهُوَ وَلِیُّ أمرِنا وسَیِّدُ حَضَرِنا-عِتاباً،فَأَولِهِ اعتِباراً (5).
ثُمَّ تَعلَمُ أنَّ ناجِمَ (6)قُرَیشٍ-یَعنی رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله-یَکونُ رُزؤُهُ قَلیلاً ثُمَّ یَنقَطِعُ، ویَخلو أنَّ بَعدَ ذلِکَ قَرنٌ (7)یُبعَثُ فی آخِرِهِ النَّبِیُّ المَبعوثُ بِالحِکمَةِ وَالبَیانِ وَالسَّیفِ وَالسُّلطانِ،یَملِکُ مُلکاً مُؤَجَّلاً تُطَبِّقُ فیهِ امَّتُهُ المَشارِقَ وَالمَغارِبَ،ومِن ذُرِّیَّتِهِ الأَمیرُ الظّاهِرُ؛یَظهَرُ عَلی جَمیعِ المَلَکاتِ وَالأَدیانِ،ویَبلُغُ مُلکُهُ ما طَلَعَ عَلَیهِ اللَّیلُ
ص:273
وَالنَّهارُ،وذلِکَ-یا حارِ-أمَلٌ مِن وَرائِهِ أمَدٌ ومِن دونِهِ أجَلٌ،فَتَمَسَّک مِن دِینِکَ بِما تَعلَمُ،وتَمَنَّع-للّهِ ِ أبوکَ (1)-مِن انسٍ مُتَصَرِّمٍ (2)بِالزَّمانِ،أو لِعارِضٍ مِنَ الحَدَثانِ،فَإِنَّما نَحنُ لِیَومِنا ولِغَدٍ أهلُهُ.
فَأَجابَهُ حارِثَةُ بنُ أثالٍ فَقالَ:إیهاً عَلَیکَ أبا قُرَّةَ ! فَإِنَّهُ لا حَظَّ فی یَومِهِ لِمَن لا دَرَکَ لَهُ فی غَدِهِ،وَاتَّقِ اللّهَ تَجدِ اللّهَ جَلَّ وتَعالی بِحَیثُ لا مَفزَعَ إلّاإلَیهِ.
وعَرَّضتَ مُشَیِّداً بِذِکرِ أبی واثِلَةَ ! فَهُوَ العَزیزُ المُطاعُ،الرَّحِبُ الباعُ،وإلَیکُما مَعاً مُلقَی الرِّحالِ،فَلَو اضرِبَتِ التَّذکِرَةُ عَن أحَدٍ لِتَبریزِ فَضلٍ لَکُنتُماهُ،لکِنَّها أبکارُ الکَلامِ تُهدی لِأَربابِها،ونَصیحَةٌ کُنتُما أحَقَّ مَن أصغی لَها (3).إنَّکُما مَلیکا ثَمَراتِ قُلوبِنا،ووَلِیّا طاعَتِنا فی دینِنا،فَالکَیَسَ الکَیَسَ-یا أیُّهَا المُعَظَمّانِ-عَلَیکُما بِهِ، أرِیا مَقاماً یُدهِکُما نَواحیهِ،وَاهجُرا سُنَّةَ (4)التَّسویفِ فیما أنتُما بِعَرضِهِ.
آثِرَا اللّهَ فیما کانَ یُؤثِرُکُما بِالمَزیدِ مِن فَضلِهِ،ولا تَخلُدا فیما أظَلَّکُما إلَی الونیّةِ (5)، فَإِنَّهُ مَن أطالَ عِنانَ الأَمرِ أهلَکَتهُ الغِرَّةُ (6)،ومَنِ اقتَعَدَ مَطِیَّةَ الحَذَرِ کانَ بِسَبیلِ أمنٍ مِنَ المَتالِفِ،ومَنِ استَنصَحَ عَقلَهُ کانَتِ العِبرَةُ لَهُ لا بِهِ،ومَن نَصَحَ للّهِ ِ عز و جل آنَسَهُ اللّهُ جَلَّ وتَعالی بِعِزِّ الحَیاةِ وسَعادَةِ المُنقَلَبِ.
ثُمَّ أقبَلَ عَلَی العاقِبِ مُعاتِباً،فَقالَ:وزَعَمتَ-أبا واثِلَةَ-أنَّ رادَّ ما قُلتُ أکثَرُ
ص:274
مِن قائِلِهِ،وأَنتَ لعَمرُو اللّهِ حَرِیٌّ ألّا یُؤثَرُ هذا عَنکَ،فَقَد عَلِمتَ وعَلِمنا امَّةَ الإِنجیلِ مَعاً بِسیرَةِ ما قامَ بِهِ المَسیحُ علیه السلام فی حَوارِیِّهِ،ومَن آمَنَ لَهُ مِن قَومِهِ،وهذِهِ مِنکَ فَهَّةٌ (1)لا یَرحَضُها (2)إلَّاالتَّوبَةُ وَالإِقرارُ بِما سَبَقَ بِهِ الإِنکارُ.
فَلَمّا أتی عَلی هذَا الکَلامِ صَرَفَ إلَی السَّیِّدِ وَجهَهُ،فَقالَ:
لا سَیفَ إلّاذو نَبوَةٍ،ولا عَلیمَ إلّاذو هَفوَةٍ،فَمَن نَزَعَ عَن وَهلَةٍ وأَقلَعَ فَهُوَ السَّعیدُ الرَّشیدُ،وإنَّمَا الآفَةُ فِی الإِصرارِ.
وأَعرَضتَ بِذِکرِ نَبِیَّینِ یُخلَقانِ-زَعَمتَ-بَعدَ ابنِ البَتولِ،فَأَینَ یَذهَبُ بِکَ عَمّا خَلَدَ فِی الصُّحفِ مِن ذِکری ذلِکَ؟ألَم تَعلَم ما أنبَأَ بِهِ المَسیحُ علیه السلام فی بَنی إسرائیلَ، وقَولَهُ لَهُم:
«کَیفَ بِکُم إذا ذُهِبَ بی إلی أبی وأَبیکُم،وخُلِّفَ بَعدَ أعصارٍ یَخلو مِن بَعدی وبَعدِکُم صادِقٌ وکاذِبٌ؟قالوا:ومَن هُما یا مَسیحَ اللّهِ؟قالَ:نَبِیٌّ مِن ذُرِّیَّةِ إسماعیلَ علیه السلام صادِقٌ،ومُتَنَبِّئٌ مِن بَنی إسرائیلَ کاذِبٌ،فَالصّادِقُ مُنبَعِثٌ مِنهُما بِرَحمَةٍ ومَلحَمَةٍ،یَکونُ لَهُ المُلکُ وَالسُّلطانُ ما دامَتِ الدُّنیا،وأَمَّا الکاذِبُ فَلَهُ نَبزٌ یُذکَرُ بِهِ المَسیحُ الدَّجّالُ،یَملِکُ فُواقاً (3)ثُمَّ یَقتُلُهُ اللّهُ بِیَدی إذا رُجِعَ بی».
قالَ حارِثَةُ:واُحَذِّرُکُم یا قَومِ أن یَکونَ مَن قَبلَکُم مِنَ الیَهودِ اسوَةً لَکُم،إنَّهُم انذِروا بِمَسیحَینِ؛مَسیحِ رَحمَةٍ وهُدیً،ومَسیحِ ضَلالَةٍ،وجُعِلَ لَهُم عَلی کُلِّ واحِدٍ مِنهُما آیَةٌ وأَمارَةٌ،فَجَحَدوا مَسیحَ الهُدی وکَذَّبوا بِهِ،وآمَنوا بِمَسیحِ الضَّلالَةِ الدَّجّالِ
ص:275
وأَقبَلوا عَلَی انتِظارِهِ،وأَضرَبوا فِی الفِتنَةِ ورَکِبُوا نَتجَها،ومِن قَبلُ نَبَذوا کِتابَ اللّهِ وَراءَ ظُهورِهِم وقَتَلوا أنبِیاءَهُ وَالقَوّامینَ بِالقِسطِ مِن عِبادِهِ،فَحَجَبَ اللّهُ عز و جل عَنهُمُ البَصیرَةَ بَعدَ التَّبصِرَةِ بِما کَسَبَت أیدیهِم،ونَزَعَ مُلکَهُم مِنهُم بِبَغیِهِم،وأَلزَمهُمُ الذِّلَّةَ وَالصَّغارَ،وجَعَلَ مُنقَلَبَهُم إلَی النّارِ.
قالَ العاقِبُ:فَما أشعَرَکَ-یا حارِ-أن یَکونَ هذَا النَّبِیُّ المَذکورُ فِی الکُتُبِ هُوَ قاطِنُ یَثرِبَ،ولَعَلَّهُ ابنُ عَمِّکَ صاحِبُ الیَمامَةِ،فَإِنَّهُ یَذکُرُ مِنَ النُّبُوَّةِ ما یَذکُرُ مِنها أخو قُرَیشٍ،وکِلاهُما مِن ذُرِّیَّةِ إسماعیلَ ولِجَمیعِهِما أتباعٌ وأَصحابٌ،یَشهَدونَ بِنُبُوَّتِهِ ویُقِرّونَ لَهُ بِرِسالَتِهِ،فَهَل تَجِدُ بَینَهُما فی ذلِکَ مِن فاصِلَةٍ فَتَذکُرُها؟
قالَ حارِثَةُ:أجَل وَاللّهِ،أجِدُها وَاللّهِ أکبَرَ وأَبعَدَ مِمّا بَینَ السَّحابِ وَالتُّرابِ،وهِیَ الأَسبابُ الَّتی بِها وبِمِثلِها تَثبُتُ حُجَّةُ اللّهِ فی قُلوبِ المُعتَبِرینَ مِن عِبادِهِ لِرُسُلِهِ وأَنبِیائِهِ.
وأَمّا صاحِبُ الیَمامَةِ فَیَکفیکَ فیهِ ما أخبَرَکُم بِهِ سُفَراؤُکُم وغَیرُکُم (1)،وَالمُنتَجِعَةُ (2)مِنکُم أرضَهُ،ومَن قَدِمَ مِن أهلِ الیَمامَةِ عَلَیکُم،ألَم یُخبِروکُم جَمیعاً عَن رُوّادِ مُسَیلِمَةَ وسَمّاعیهِ،ومَن أوفَدَهُ صاحِبُهُم إلی أحمَدَ بِیَثرِبَ،فَعادوا إلَیهِ جَمیعاً بِما تَعَرَّفوا هُناکَ فی بَنی قیلَةَ وتَبَیَّنوا بِهِ ! قالوا:قَدِمَ عَلَینا أحمَدُ یَثرِبَ وبِئارُنا ثِمادٌ (3)ومِیاهُنا مَلِحَةٌ،وکُنّا مِن قَبلِهِ لا نَستَطیبُ ولا نَستَعذِبُ،فَبَصَقَ فی بَعضِها ومَجَّ (4)فی بَعضٍ فَعادَت عِذاباً مُحلَولِیةً،وجاشَ (5)مِنها ما کانَ ماؤُها ثِماداً فَحارَ (6)بَحراً.
ص:276
قالوا:وتَفَلَ مُحَمَّدٌ فی عُیونِ رِجالٍ ذَوی رَمَدٍ،وعَلی کُلومِ (1)رِجالٍ ذوی جِراحٍ، فَبَرَأَت لِوَقتِهِ عُیونُهُم فَمَا اشتَکوها،وَاندَمَلَت جِراحاتُهُم فَما ألِموها،فی کَثیرٍ مِمّا أدَّوا ونَبَّئوا عَن مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله مِن دَلالَةٍ وآیَةٍ.
وأَرادوا صاحِبَهُم مُسَیلِمَةَ عَلی بَعضِ ذلِکَ،فَأَنعَمَ لَهُم کارِهاً،وأَقبَلَ بِهِم إلی بَعضِ بِئارِهِم فَمَجَّ فیها،وکانَتِ الرَّکِیُّ (2)مَعذوذَبَةً فَصارَت مَلِحاً لا یُستَطاعُ شَرابُهُ، وبَصَقَ فی بِئرٍ کانَ ماؤُها وَشَلاً (3)فَعادَت فَلَم تَبِضَّ (4)بِقَطرَةٍ مِن ماءٍ،وتَفَلَ فی عَینِ رَجُلٍ کانَ بِها رَمَدٌ فَعَمِیَت،وعَلی جِراحٍ-أو قالوا:جِراحِ آخَرَ-فَاکتَسی جِلدَهُ بَرَصاً.
فَقالوا لِمُسَیلِمَةَ فیما أبصَروا فی ذلِکَ مِنهُ وَاستَبرَؤوهُ،فَقالَ:وَیحَکُم! بِئسَ الاُمَّةُ أنتُم لِنَبِیِّکُم وَالعَشیرَةُ لِابنِ عَمِّکُم،إنَّکُم کَلَّفتُمونی یا هؤُلاءِ مِن قَبلِ أن یوحی إلَیَّ فی شَیءٍ مِمّا سَأَلتُم،وَالآنَ فَقَد اذِنَ لی فی أجسادِکُم وأَشعارِکُم دونَ بِئارِکُم ومِیاهِکُم،هذا لِمَن کانَ مِنکُم بی مُؤمِناً،وأَمّا مَن کانَ مُرتاباً فَإِنَّهُ لا یَزیدُهُ تَفلَتی عَلَیهِ إلّابَلاءً،فَمَن شاءَ الآنَ مِنکُم فَلیَأتِ لِأَتفِلَ فی عَینِهِ وعَلی جِلدِهِ.
قالوا:ما فینا-وأَبیکَ-أحَدٌ یَشاءُ ذلِکَ،إنّا نَخافُ أن یَشمَتَ بِکَ أهلُ یَثرِبَ.
وأَضرَبوا عَنهُ حَمِیَّةً لِنَسَبِهِ فیهِم وتَذَمُّماً لِمَکانِهِ مِنهُم.
فَضَحِکَ السَّیِّدُ وَالعاقِبُ حَتّی فَحَصَا الأَرضَ بِأَرجُلِهِما،وقالا:مَا النّورُ وَالظَّلامُ وَالحَقُّ وَالباطِلُ،بِأَشَدَّ تَبایُناً وتَفاوُتاً مِمّا بَینَ هذَینِ الرَّجُلَینِ صِدقاً وکِذباً.
ص:277
قالوا:وکانَ العاقِبُ أحَبَّ-مَعَ ما تَبَیَّنَ مِن ذلِکَ-أن یُشَیِّدَ ما فَرَطَ مِن تَفریطِ مُسَیلِمَةَ،ویُؤَهِّلَ (1)مَنزِلَتَهُ لِیَجعَلَهُ لِرَسولِ اللّه صلی الله علیه و آله کُفّاً (2)،استِظهاراً بِذلِکَ فی بَقاءِ عِزَّتِهِ، وما طارَ لَهُ مِنَ السُّمُوِّ فی أهلِ مِلَّتِهِ،فَقالَ:ولَئِن فَخَرَ أخو بَنی حَنیفَةَ فی زَعمِهِ أنَّ اللّهَ عز و جل أرسَلَهُ،وقالَ مِن ذلِکَ ما لَیسَ لَهُ بِحَقٍّ،فَلَقَد بَرَّ فی أن نَقَلَ قَومَهُ مِن عِبادَةِ الأَوثانِ إلَی الإِیمانِ بِالرَّحمنِ.
قالَ حارِثَةُ:أنشُدُکَ بِاللّهِ الَّذی دَحاها (3)،وأَشرَقَ بِاسمِهِ قَمَراها،هَل تَجِدُ فیما أنزَلَ اللّهُ عز و جل فِی الکُتُبِ السّالِفَةِ،یَقولُ اللّهُ عز و جل:
«أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّاأنَا دَیّانُ یَومِ الدّینِ،أنزَلتُ کُتُبی وأَرسَلتُ رُسُلی؛لِأَستَنقِذَ بِهِم عِبادی مِن حَبائِلِ الشَّیطانِ،وجَعَلتُهُم فی بَرِیَّتی وأَرضی کَالنُّجومِ الدَّراری فی سَمائی،یَهدونَ بِوَحیی وأَمری،مَن أطاعَهُم أطاعَنی ومَن عَصاهُم فَقَد عَصانی، وإنّی لَعَنتُ ومَلائِکَتی فی سَمائی وأَرضی وَالّلاعِنونَ مِن خَلقی،مَن جَحَدَ رُبوبِیَّتی، أو عَدَلَ بی شَیئاً مِن بَرِیَّتی،أو کَذَّبَ بِأَحَدٍ مِن أنبِیائی ورُسُلی،أو قالَ:"اُوحِیَ إلَیَّ" و لَم یوحَ إلَیهِ شَیءٌ،أو غَمَصَ (4)سُلطانی أو تَقَمَّصَهُ مُتَبَرِّیاً،أو أکمَهَ (5)عِبادی وأَضَلَّهُم عَنّی،ألا وإنَّما یَعبُدُنی مَن عَرَفَ ما اریدُ مِن عِبادَتی وطاعَتی مِن خَلقی،فَمَن لَم یَقصِد إلَیَّ مِنَ السَّبیلِ الَّتی نَهَجتُها بِرُسُلی،لَم یَزدَد فی عِبادَتِهِ مِنّی إلّابُعداً»؟
قالَ العاقِبُ:رُوَیدَکَ،فَأَشهَدُ لَقَد نَبَّأتَ حَقّاً.
ص:278
قالَ حارِثَةُ:فَما دونَ الحَقِّ مِن مُقنِعٍ،وما بَعدَهُ لِامرِئٍ مَفزَعٌ،ولِذلِکَ قُلتُ الَّذی قُلتُ.
فَاعتَرَضَهُ السَّیِّدُ-وکانَ ذا مِحالٍ (1)وجِدالٍ شَدیدٍ-فَقالَ:ما أحری وما أری أخا قُرَیشٍ مُرسَلاً إلّاإلی قَومِهِ بَنی إسماعیلَ [ بِ ] (2)-دینِهِ،وهُوَ مَعَ ذلِکَ یَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز و جل أرسَلَهُ إلَی النّاسِ جَمیعاً !
قالَ حارِثَةُ:أفتَعَلَمُ أنتَ-یا أبا قُرَّةَ-أنَّ مُحَمَّداً مُرسَلٌ مِن رَبِّهِ إلی قَومِهِ خاصَّةً؟ قالَ:أجَل.
قالَ:أتَشهَدُ لَهُ بِذلِکَ؟
قالَ:وَیحَکَ! وهَل یُستَطاعُ دَفعُ الشَّواهِدِ؟نَعَم،أشهَدُ غَیرَ مُرتابٍ بِذلِکَ،وبِذلِکَ شَهِدَت لَهُ الصُّحُفُ الدّارِسَةُ وَالأَنباءُ الخالِیَةُ.
فَأَطرَقَ حارِثَةُ ضاحِکاً یَنکُتُ الأَرضَ بِسَبّابَتِهِ.
قالَ السَّیِّدُ:ما یُضحِکُکَ یَابنَ اثالٍ؟قالَ:عَجِبتُ فَضَحِکتُ،قالَ:أوَ عَجَبٌ ما تَسمَعُ؟قالَ:نَعَم،العَجَبُ أجمَعُ،أ لَیسَ-بِالإِلهِ-بِعَجیبٍ مِن رَجُلٍ اوتِیَ أثَرَةً مِن عِلمٍ وحِکمَةٍ یَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز و جل اصطَفی لِنُبُوَّتِهِ وَاختَصَّ بِرِسالَتِهِ وأَیَّدَ بِروحِهِ وحِکمَتِهِ، رَجُلاً خَرّاصاً (3)یَکذِبُ عَلَیهِ،ویَقولُ:اُوحِیَ إلَیَّ ولَم یوحَ إلَیهِ،فَیَخلِطُ-کَالکاهِنِ- کَذِباً بِصِدقٍ وباطِلاً بِحَقٍّ؟!
فَارتَدَعَ السَّیِّدُ وعَلِمَ أنَّهُ قَد وَهِلَ (4)،فَأَمسَکَ مَحجوجاً.
ص:279
قالوا:وکانَ حارِثَةُ بِنَجرانَ حَثیثاً (1)،فَأَقبَلَ عَلَیهِ العاقِبُ وقَد قَطَعَهُ ما فَرَطَ إلَی السَّیِّدِ مِن قَولِهِ،فَقالَ لَهُ:
عَلَیکَ أخا بَنی قَیسِ بنِ ثَعلَبَةَ،وَ احبِس عَلَیکَ ذَلَقَ (2)لِسانِکَ،وما لَم تَزَل تَستَحِمُّ (3)لَنا مِن مَثابَةِ سَفَهِکَ،فَرُبَّ کَلِمَةٍ یَرفَعُ صاحِبُها بِها رَأساً قَد ألقَتهُ فی قَعرٍ مُظلِمَةٍ، ورُبَّ کَلِمَةٍ لَأَمَت ورَأَبَت قُلوباً نَغلَةً (4)،فَدَع عَنکَ ما یَسبِقُ إلَی القُلوبِ إنکارُهُ،وإن کانَ عِندَکَ ما یَبینُ اعتِذارُهُ.
ثُمَّ اعلَم أنَّ لِکُلِّ شَیءٍ صورَةً،وصورَةُ الإِنسانِ العَقَلُ،وصورَةُ العَقلِ الأَدَبُ، وَالأَدَبُ أدَبانِ:طباعِیٌّ ومُرتاضِیٌّ،فَأَفضَلُهُما أدَبُ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ،ومِن أدَبِ اللّهِ سُبحانَهُ وحِکمَتِهِ أن یُری لِسُلطانِهِ حَقٌّ لَیسَ لِشَیءٍ مِن خَلقِهِ؛لِأَنَّهُ الحَبلُ بَینَ اللّهِ وبَینَ عِبادِهِ،وَالسُّلطانُ اثنانِ:سُلطانُ مَلَکَةٍ وقَهرٍ،وسُلطانُ حِکمَةٍ وشَرعٍ،فَأَعلاهُما فَوقاً سُلطانُ الحِکمَةِ،قَد تَری یا هذا أنَّ اللّهَ عز و جل قَد صَنَعَ لَنا حَتّی جَعَلَنا حُکّاماً وقُوّاماً عَلی مُلوکِ مِلَّتِنا،ومِن بَعدِهِم مِن حَشوَتِهِم وأَطرافِهِم،فَاعرِف لِذِی الحَقِّ حَقَّهُ أیُّهَا المَرءُ وخَلّاکَ (5)ذَمٌّ.
ثُمَّ قالَ:وذَکَرتَ أخا قُرَیشٍ وما جاءَ بِهِ مِنَ الآیاتِ وَالنُّذُرِ،فَأَطَلتَ وأَعرَضتَ، ولَقد بَرَرتَ (6)؛فَنَحنُ بِمُحَمَّدٍ عالِمونَ،وبِهِ جِدّاً موقِنونَ،شَهِدتُ لَقَد انتَظَمَت لَهُ الآیاتُ وَالبَیِّناتُ،سالِفُها وآنِفُها،إلّاآیَةً (7)هِیَ أشفاها وأَشرَفُها،وإنَّما مَثَلُها فیما
ص:280
جاءَ بِهِ کَمَثلِ الرَّأسِ لِلجَسَدِ،فَما حالُ جَسَدٍ لا رَأسَ لَهُ؟! فَأَمهِل رُوَیداً نَتَجَسَّسُ الأَخبارَ ونَعتَبِرُ الآثارَ،وَلنَستَشِفَّ ما ألفَینا مِمّا افضِیَ إلَینا،فَإِن آنَسنَا الآیَةَ الجامِعَةَ الخاتِمَةَ لَدَیهِ،فَنَحنُ إلَیهِ أسرَعُ ولَهُ أطوَعُ،وإلّا فَاعلَم ما تَذکُرُ (1)بِهِ النُّبُوَّةَ وَ السِّفارَةَ عَنِ الرَّبِّ الَّذی لا تَفاوُتَ فی أمرِهِ ولا تُغایَرَ فی حُکمِهِ.
قالَ لَهُ حارِثَةُ:قَد نادَیتَ فَأَسمَعتَ،وقَرَعتَ (2)فَصَدَعتَ،وسَمِعتَ وأَطَعتَ،فَما هذِهِ الآیَةُ الَّتی أوحَشَ بَعدَ الأُنسَةِ فَقدُها،وأَعقَبَ الشَّکَّ بَعدَ البَیِّنَةِ عُدمُها؟!
وقالَ لَهُ العاقِبُ:قَد أثلَجَکَ أبو قُرَّةَ بِها،فَذَهَبتَ عَنها فی غَیرِ مَذهَبٍ،وحاوَرتَنا فَأَطَلتَ فی غیرِ ما طائِلٍ حِوارَنا (3).
قالَ حارِثَةُ:إلی ذلِکَ فَجَلِّهَا الآنَ لی فِداکَ أبی واُمّی.
قالَ العاقِبُ:أفلَحَ مَن سَلَّمَ لِلحَقِّ وصَدَعَ بِهِ ولَم یَرغَب عَنهُ،وقَد أحاطَ بِهِ عِلماً،فَقَد عَلِمنا وعَلِمتَ مِن أنباءِ الکُتُبِ المُستَودَعَةِ عِلمَ القُرونِ،وما کانَ وما یَکونُ،فَإِنَّهَا استَهَلَّت بِلِسانِ کُلِّ امَّةٍ مِنهُم،مُعرِبَةً مُبَشِّرَةً ومُنذِرَةً بِأَحمَدَ النَّبِیِّ العاقِبِ،الَّذی تُطَبِّقُ امَّتُهُ المَشارِقَ وَالمَغارِبَ،یَملِکُ-وشیعَتُهُ مِن بَعدِهِ-مُلکاً مُؤَجَّلاً یَستَأثِرُ مُقتَبَلُهُم مُلکاً عَلَی الأَحَمِّ (4)مِنهُم بِذلِکَ النَّبِیِّ وتَباعَةَ وبَیتاً (5).
ویوسِع مِن بَعدِهِم امَّتُهُم عُدواناً وهَضماً،فَیَملِکونَ بِذلِکَ سَبتاً (6)طَویلاً،حَتّی
ص:281
لا یَبقی بِجَزیرَةِ العَرَبِ بَیتٌ إلّاوهُوَ راغِبٌ إلَیهِم أو راهِبٌ لَهُم،ثُمَّ یُدالُ بَعدَ لَأیٍ (1)مِنهُم،ویَشعَثُ سُلطانُهُم حَدّاً حَدّاً،وبَیتاً فَبَیتاً،حَتّی تَجیءَ أمثالُ النَّغَفِ (2)مِنَ الأَقوامِ فیهِم،ثُمَّ یَملِکُ أمرَهُم عَلَیهِم عُبَداؤُهم وقِنُّهُم،یَملِکونَ جیلاً فَجیلاً،یَسیرونُ فِی النّاسِ بِالقَعسَرِیَّةِ (3)خبطاً خبطاً،ویَکونُ سُلطانُهُم سُلطاناً عَضوضاً ضَروساً،فَتَنقُصُ الأَرضُ حینَئِذٍ مِن أطرافِها،ویَشتَدُّ البَلاءُ وتَشتَمِلُ الآفاتُ،حَتّی یَکونَ المَوتُ أعَزَّ مِنَ الحَیاةِ الحَمراءِ،أو أحَبَّ حینَئِذٍ إلی أحَدِهِم مِنَ الحَیاةِ،وما ذلِکَ إلّالِما یُدهَونَ (4)بِهِ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرّاءِ،وَالفِتنَةِ العَشواءِ.
وقُوّامُ الدّینِ یَومَئِذٍ وزُعَماؤُهُم یَومَئِذٍ اناسٌ لَیسوا مِن أهلِهِ،فَیَمُجُّ الدّینُ بِهِم وتَعفو آیاتُهُ،ویُدبِرُ تَوَلِّیاً وإمحاقاً،فَلا یَبقی مِنهُ إلَّااسمُهُ،حَتّی یَنعاهُ ناعیهِ، وَالمُؤمِنُ یَومَئِذٍ غَریبٌ،وَالدَّیّانونَ قَلیلٌ ما هُم،حَتّی یَستَأیِسُ (5)النّاسُ مِن رَوحِ اللّهِ وفَرَجِهِ إلّاأقَلُّهُم،وتَظُّنُّ أقوامٌ أن لَن یَنصُرَ اللّهُ رُسُلَهُ ویُحِقَّ وَعدَهُ،فَإِذا بِهِمُ الشَّصائِبُ (6)وَالنِّقَمُ،واُخِذَ مِن جَمیعِهِم بِالکَظمِ،تَلافَی اللّهُ دینَهُ،وراشَ (7)عِبادَهُ مِن بَعدِ ما قَنَطوا بِرَجُلٍ مِن ذُرِّیَّةِ نَبِیِّهِم أحمَدَ ونَجلِهِ،یَأتِی اللّهُ عز و جل بِهِ مِن حَیثُ لا یَشعُرونَ،تُصَلّی عَلَیهِ السَّماواتُ وسُکّانُها،وتَفرَحُ بِهِ الأَرضُ وما عَلَیها مِن سَوامٍ وطائِرٍ وأَنامٍ،وتَخرُجُ لَهُ امُّکُم-یَعنِی الأَرضَ-بَرَکَتَها وزینَتَها،وتُلقِی إلَیهِ کُنوزَها
ص:282
وأَفلاذَ کَبِدِها،حَتّی تَعودَ کَهَیئَتِها عَلی عَهدِ آدَمَ علیه السلام،وتَرفَعُ عَنهُمُ المَسکَنَةَ وَالعاهاتِ فی عَهدِهِ،وَالنَّقِماتِ الَّتی کانَت تَضرِبُ بِهَا الأُمَمَ مِن قَبلُ،وتُلقی فِی البِلادِ الأَمَنَةُ، وتُنزَعُ حُمَةُ (1)کُلِّ ذاتِ حُمَةٍ،ومِخلَبُ کُلِّ ذی مِخلَبٍ،ونابُ کُلِّ ذی نابٍ،حَتّی أنَّ الجُوَیرِیَةَ اللُّکاعَ (2)لَتَلعَبُ بِالأُفعُوانِ (3)فَلا یَضُرُّها شَیئاً،وحَتّی یَکونَ الأَسَدُ فِی الباقِرِ (4)کَأَنَّهُ راعیها،وَالذِّئبُ فِی البُهَمِ کَأَنَّهُ رَبُّها،ویُظهِرُ اللّهُ عَبدَهُ عَلَی الدّینِ کُلِّهِ فَیَملِکُ مَقالیدَ الأَقالیمِ إلی بَیضاءِ الصّینِ،حَتّی لا یَکونَ عَلی عَهدِهِ فِی الأَرضِ أجمَعِها إلّادینُ اللّهِ الحَقُّ الَّذِی ارتَضاهُ لِعِبادِهِ،وبَعَثَ بِهِ آدَمَ بَدیعَ فِطرَتِهِ،وأَحمَدَ خاتَمِ رِسالَتِهِ،ومَن بَینَهُما مِن أنبِیائِهِ ورُسُلِهِ.
فَلَمّا أتَی العاقِبُ عَلَی اقتِصاصِهِ (5)هذا،أقبَلَ عَلَیهِ حارِثَةُ مُجیباً،فَقالَ:أشهَدُ بِاللّهِ البَدیعِ-یا أیُّهَا النَّبیهُ الخَطیرُ وَالعَلیمُ الأَثیرُ !-لَقَدِ ابتَسَمَ الحَقُّ بِقَلبِکَ،وأَشرَقَ الجَنانُ (6)بِعَدلِ مَنطِقِکَ،وتَنَزَّلَت کُتُبُ اللّهِ الَّتی جَعَلَها نوراً فی بِلادِهِ وشاهِدَةً عَلی عِبادِهِ بِمَا اقتَصَصتَ مِن سُطورِها حَقّاً،فَلَم یُخالِف طِرسٌ (7)مِنها طِرساً،ولا رَسمٌ مِن آیاتِها رَسماً،فَما بَعدَ هذا؟!
قالَ العاقِبُ:فَإِنَّکَ زَعَمتَ زَعمَةَ أخا قُرَیشٍ،فَکُنتَ بِما تَأثِرُ مِن هذا حَقَّ غالِطٍ.
ص:283
قالَ:وبِمَ؟ألَم تَعتَرِف لَهُ بِنُبُوَّتِهِ ورِسالَتِهِ الشَّواهِدُ؟
قالَ العاقِبُ:بَلی-لَعَمرُو اللّهِ-ولکِنَّهُما نَبِیّانِ رَسولانِ،یَعتَقِبانِ (1)بَینَ مَسیحِ اللّهِ عز و جل وبَینَ السّاعَةِ،اشتُقَّ اسمُ أحَدِهِما مِن صاحِبِهِ:مُحَمَّدٍ وأَحمَدَ،بَشَّرَ بِأَوَّلِهِما موسی علیه السلام وبِثانیهِما عیسی علیه السلام،فَأَخو قُرَیشٍ هذا مُرسَلٌ إلی قَومِهِ،ویَقفوهُ مِن بَعدِهِ ذُو المُلکِ الشَّدیدِ،وَالأَکلِ الطَّویلِ،یَبعَثُهُ اللّهُ عز و جل خاتِماً لِلدّینِ،وحُجَّةً عَلَی الخَلائِقِ أجمَعینَ،ثُمَّ تَأتی مِن بَعدِهِ فَترَةٌ تَتَزایَلُ فیهَا القَواعِدُ مِن مَراسیها،فَیُعیدُهَا اللّهُ عز و جل ویُظهِرُهُ عَلَی الدّینِ کُلِّهِ،فَیَملِکُ هُوَ وَالمُلوکُ الصّالِحونَ مِن عَقِبِهِ جَمیعَ ما طَلَعَ عَلَیهِ اللَّیلُ وَالنَّهارُ،مِن أرضٍ وجَبَلٍ وبَرٍّ وبَحرٍ،یَرِثونَ أرضَ اللّهِ عز و جل مُلکاً کَما وَرِثَهُما أو مَلَکَهُمَا الأَبَوانِ آدَمُ ونوحٌ علیهما السلام.یُلقَونَ-وهُمُ المُلوکُ الأَکابِرُ-فی مِثلِ هَیئَةِ المَساکینِ بَذاذَةً (2)وَاستِکانَةً،فَاُولئِکَ الأَکرَمونَ الأَماثِلُ،لا یَصلُحُ عِبادُ اللّهِ وبِلادُهُ إلّابِهِم، وعَلَیهِم یَنزِلُ عیسَی ابنُ البِکرِ علیه السلام عَلی آخِرِهِم،بَعدَ مَکثٍ طَویلٍ ومُلکٍ شَدیدٍ،لا خَیرَ فِی العَیشِ بَعدَهُم.وتَردِفُهُم رَجرَجَةُ طَغامٍ (3)فی مِثلِ أحلامِ العَصافیرِ،وعَلَیهِم تَقومُ السّاعَةُ،وإنَّما تَقومُ عَلی شِرارِ النّاسِ وأَخابِثِهِم،فَذلِکَ الوَعدُ الَّذی صَلّی بِهِ اللّهُ عز و جل عَلی أحمَدَ،کَما صَلّی بِهِ [عَلی] (4)خَلیلِهِ إبراهیمَ علیه السلام فی کَثیرٍ مِمّا لِأَحمَدَ صلی الله علیه و آله مِنَ البَراهینِ وَالتَّأییدِ،الَّذی خَبَّرَت بِهِ کُتُبُ اللّهِ الأُولی.
قالَ حارِثَةُ:فَمِنَ الأَثَرِ المُستَقَرِّ عِندَکَ-أبا واثِلَةَ-فی هذَینِ الاِسمَینِ أنَّهُما لِشَخصَینِ؛لِنَبِیَّیَّنِ مُرسَلَینِ،فی عَصرَینِ مُختَلِفَینِ؟
ص:284
قالَ العاقِبُ:أجَل.
قالَ:فَهَل یَتَخالَجُکَ فی ذلِکَ رَیبٌ،أو یَعرِضُ لَکَ فیهِ ظَنٌّ؟
قالَ العاقِبُ:کَلّا وَالمَعبودِ،إنَّ هذا لَأَجلی مِن بُوحٍ (1)-وأَشارَ لَهُ إلی جِرمِ الشَّمسِ المُستَدیرِ-.
فَأَکَبَّ حارِثَةُ مُطرِقاً وجَعَلَ یَنکُتُ فِی الأَرضِ عَجَباً،ثُمَّ قالَ:إنَّمَا الآفَةُ-أیُّهَا الزَّعیمُ المُطاعُ-أن یَکونَ المالُ عِندَ مَن یَخزِنُهُ لا مَن یُنفِقُهُ،وَالسِّلاحُ عِندَ مَن یَتَزَیَّنُ بِهِ لا مَن یُقاتِلُ بِهِ،وَالرَّأیُ عِندَ مَن یَملِکُهُ لا مَن یَنصُرُهُ.
قالَ العاقِبُ:لَقَد أسمَعتَ-یا حُوَیرِثُ-فَأَقذَعتَ (2)،وطَفِقتَ فَأَقدَمتَ،فَمَهْ؟!
قالَ:اُقسِمُ بِالَّذی قامَتِ (3)السَّماواتُ وَالأَرَضونَ بِإِذنِهِ،وغَلَبَتِ الجَبابِرَةُ بِأَمرِهِ، إنَّهُمَا اسمانِ مُشتَقّانِ لِنَفسٍ واحِدَةٍ ولِنَبِیٍّ واحِدٍ ورَسولٍ واحِدٍ (4)،أنذَرَ بِهِ موسَی بنُ عِمرانَ،وبَشَّرَ بِهِ عیسَی بنُ مَریَمَ،ومِن قَبلِهِما أشارَ بِهِ صُحُفُ إبراهیمَ علیه السلام.
فَتَضاحَکَ السَّیِّدُ؛یُری قَومَهُ ومَن حَضَرَهُم أنَّ ضِحکَهُ هُزءٌ مِن حارِثَةَ وتَعَجُّبٌ.
وَانتَشَطَ (5)العاقِبُ مِن ذلِکَ،فَأَقبَلَ عَلی حارِثَةَ مُؤَنِّباً فَقالَ:لا یَغرُرکَ باطِلُ أبی قُرَّةَ،فَإِنَّهُ وإن ضَحِکَ لَکَ فَإِنَّما یَضحَکُ مِنکَ.
ص:285
قالَ حارِثَةُ:لَئِن فَعَلَها لِأَنَّها لِإِحدَی الدَّهارِسِ (1)أو سوءٍ (2)،أفَلَم تَتَعَرَّفا-راجَعَ اللّهُ بِکُما-مِن مَوروثِ الحِکمَةِ:«لا یَنبَغی لِلحَکیمِ أن یَکونَ عَبّاساً فی غَیرِ أدَبٍ،ولا ضَحّاکاً فی غَیرِ عَجَبٍ»؟أ وَلَم یَبلُغکُما عَن سَیِّدِکُمَا المَسیحِ علیه السلام قالَ:«فَضِحکُ العالِمِ فی غَیرِ حینِهِ غَفلَةٌ مِن قَلبِهِ،أو سَکرَةٌ ألهَتهُ عَمّا فی غَدِهِ»؟
قالَ السَّیِّدُ:یا حارِثَةُ ! إنَّهُ لا یَعیشُ-وَاللّهِ-أحَدٌ بِعَقلِهِ حَتّی یَعیشَ بِظَنِّهِ،وإذا أنَا لَم أعلَم إلّاما رَوَیتُ فَلا عَلِمتُ،أوَلَم یَبلُغکَ أنتَ عَن سَیِّدِنَا المَسیحِ-عَلَینا سَلامُهُ-أنَّ للّهِ ِ عِباداً ضَحِکوا جَهراً مِن سَعَةِ رَحمَةِ رَبِّهِم،وبَکَوا سِرّاً مِن خیفَةِ رَبِّهِم؟
قالَ:إذا کانَ هذا فَنَعَم.
قالَ:فَما هُنا فَلیَکُن مَراجِمَ ظُنونِکَ بِعِبادِ رَبِّکَ،وعُد بِنا إلی ما نَحنُ بِسَبیلِهِ،فَقَد طالَ التَّنازُعُ وَالخِصامُ بَینَنا یا حارِثَةُ !
قالوا:وکانَ هذا مَجلِساً ثالِثاً فی یَومٍ ثالِثٍ مِنِ اجتِماعِهِم لِلنَّظَرِ فی أمرِهِم.
فَقالَ السَّیِّدُ:یا حارِثَةُ،ألَم یُنبِئکَ أبو واثِلَةَ بِأَفصَحِ لَفظٍ اختَرَقَ اذُناً،ودَعا ذلِکَ بِمِثلِهِ مُخبِراً،فَأَلقاکَ مَعَ غرماتک (3)بِمَوارِدِهِ حَجَراً؟وها أنَا ذا اؤَکِّدُ (4)عَلَیکَ التَّذکِرَةَ بِذلِکَ مِن مَعدِنٍ ثالِثٍ،فَأَنشُدُکَ اللّهَ وما أنزَلَ إلی کَلِمَةٍ مِن کَلِماتِهِ،هَل تَجِدُ فِی الزّاجِرَةِ المَنقولَةِ مِن لِسانِ أهلِ سورِیا إلی لِسانِ العَرَبِ،یَعنی صَحیفَةَ شَمعونَ بنِ حَمّونَ الصَّفَا الَّتی تَوارَثَها عَنهُ أهلُ النَّجرانِ؟!
ص:286
قالَ السَّیِّدُ:أ لَم یَقُل-بَعدَ نَبذٍ طَویلٍ مِن کَلامٍ-:
«فَإذا طبّقت وقُطِّعَتِ الأَرحامُ،وعَفَتِ الأَعلامُ،بَعَثَ اللّهُ عَبدَهُ الفارِقلیطا بِالرَّحمَةِ وَالمَعدِلَةِ.قالوا:ومَا الفارِقلیطا یا مَسیحَ اللّهِ؟قالَ:أحمَدُ النَّبِیُّ الخاتِمُ الوارِثُ،ذلِکَ الَّذی یُصَلّی عَلَیهِ حَیّاً ویُصَلّی عَلَیهِ بَعدَما یَقبِضُهُ إلَیهِ،بِابنِهِ الطّاهِرِ الخایِرِ،یَنشُرُهُ اللّهُ فی آخِرِ الزَّمانِ،بَعدَمَا انقَضَّت (1)عُرَی الدّینِ،وخَبَتَ مَصابیحُ النّاموسِ،وأفِلَت نُجومُهُ،فَلا یَلبَثُ ذلِکَ العَبدُ الصّالِحُ إلّاأمَماً (2)حَتّی یَعودَ الدّینُ بِهِ کَما بَدَأَ،ویُقِرُّ اللّهُ عز و جل سُلطانَهُ فی عَبدِهِ،ثُمَّ فِی الصّالِحینَ مِن عَقِبِهِ،ویَنشُرُ مِنهُ حَتّی یَبلُغَ مُلکُهُ مُنقَطَعَ التُّرابِ»؟
قالَ حارِثَةُ:کُلُّ ما قَد أنشَدتُما (3)حَقٌّ،لا وَحشَةَ مَعَ الحَقِّ،ولا انسَ فی غَیرِهِ، فَمَه؟!
قالَ السَّیِّدُ:فَإِنَّ مِنَ الحَقِّ أن لا حَظَّ فی هذِهِ الأُکرومَةِ لِلأَبتَرِ.
قالَ حارِثَةُ:إنَّهُ لَکَذلِکَ،ولَیسَ (4)بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله.
قالَ السَّیِّدُ:إنَّکَ ما عَمِلَت إلّالُدّاً (5)،ألَم یُخبِرنا سَفرُنا وأَصحابُنا فیما تَجَسَّسنا مِن خَبَرِهِ،أنَّ وَلَدَیهِ الذَّکَرَینِ-القُرَشِیَّةَ وَالقِبطِیَّةَ-بادا،وغودِرَ مُحَمَّدٌ کَقَرنِ الأَعضَبِ (6)، موفٍ عَلی ضَریحِهِ،فَلَو کانَ لَهُ بَقِیَّةٌ لَکانَ لَکَ بِذلِکَ مَقالاً،إذا وَلَّت أنباؤُهُ الَّذی تَذکُرُ.
ص:287
قالَ حارِثَةُ:العِبَرُ-لَعَمرُو اللّهِ-کَثیرَةٌ،وَالاِعتِبارُ بِها قَلیلٌ،وَالدَّلیلُ موفٍ عَلی سُنَنِ السَّبیلِ إن لَم یَعشُ عَنهُ ناظِرٌ،وکَما أنَّ أبصارَ الرَّمِدَةِ لا تَستَطیعُ النَّظَرَ فی قُرصِ الشَّمسِ لِسُقمِها،فَکَذلِکَ البَصائِرُ القَصیرَةُ لا تَتَعَلَّقُ بِنورِ الحِکمَةِ لِعَجزِها، ألا ومَن کانَ کَذلِکَ فَلَستُماهُ-وأَشارَ إلَی السَّیِّدِ وَالعاقِبِ-إنَّکُما-ویَمینُ اللّهِ- لَمَحجوجانِ بِما آتاکُمَا اللّهُ عز و جل مِن میراثِ الحِکمَةِ،وَاستَودَعَکُما مِن بَقایَا الحُجَّةِ، ثُمَّ بِما أوجَبَ لَکُما مِنَ الشَّرَفِ وَالمَنزِلَةِ فِی النّاسِ،فَقَد جَعَلَ اللّهُ عز و جل مَن آتاهُ سُلطاناً مُلوکاً لِلنّاسِ وأَرباباً،وجَعَلَکُما حَکَماً وقُوّاماً عَلی مُلوکِ مِلَّتِنا،وذادَةً (1)لَهُم یَفزَعونَ إلَیکُما فی دینِهِم ولا تَفزَعانِ إلَیهِم،وتَأمُرانِهِم فَیَأتَمِرونَ لَکُما،وحَقٌّ لِکُلِّ مَلِکٍ أو مُوَطَّإِ الأَکنافِ،أن یَتَواضَعَ للّهِ ِ عز و جل إذ رَفَعَهُ،وأَن یَنصَحَ للّهِ ِ عز و جل فی عِبادِهِ، ولا یَدَّهِنَ (2)فی أمرِهِ.
وذَکَرتُما مُحَمَّداً بِما حَکَمَت لَهُ الشَّهاداتُ الصّادِقَةُ،وبَیَّنَتهُ فیهِ الأَسفارُ المُستَحفَظَةُ،ورَأَیتُماهُ مَعَ ذلِکَ مُرسَلاً إلی قَومِهِ لا إلَی النّاسِ جَمیعاً،وأَن لَیسَ بِالخاتِمِ الحاشِرِ (3)ولَا الوارِثِ العاقِبِ؛لِأَنَّکُما زَعَمتُماهُ أبتَرَ،ألَیسَ کَذلِکَ؟
قالا:نَعَم.
قالَ:أ رَأَیتُکُما لَو کانَ لَهُ بَقِیَّةٌ وعَقِبٌ هَل کُنتُما مُمتَرِیانِ-لِما تَجِدانِ وبِما تُکَذِّبانِ مِنَ الوَراثَةِ وَالظُّهورِ عَلَی النَّوامیسِ-أنَّهُ النَّبِیُّ الخاتِمُ،وَالمُرسَلُ إلی کافَّةِ البَشَرِ؟
قالا:لا.
قالَ:أفَلَیسَ هذَا القیلُ لِهذِهِ الحالِ مَعَ طولِ اللَّوائِمِ وَالخَصائِمِ عِندَکُما مُستَقَرّاً؟
ص:288
قالا:أجَل.
قالَ:اللّهُ أکبَرُ.
قالا:کَبَّرتَ کَبیراً،فَما دَعاکَ إلی ذلِکَ؟
قالَ حارِثَةُ:الحَقُّ أبلَجُ (1)،وَالباطِلُ لَجلَجٌ،ولَنَقلُ ماءِ البَحرِ ولَشَقُّ الصَّخرِ أهوَنُ مِن إماتَةِ ما أحیاهُ اللّهُ عز و جل وإحیاءِ ما أماتَهُ.الآنَ فَاعلَما أنَّ مُحَمَّداً غَیرُ أبتَرٍ،وأنَّهُ الخاتِمُ الوارِثُ،وَالعاقِبُ الحاشِرُ حَقّاً،فَلا نَبِیَّ بَعدَهُ،وعَلی امَّتِهِ تَقومُ السّاعَةُ، ویَرِثُ اللّهُ الأَرضَ ومَن عَلَیها،وأَنَّ مِن ذُرِّیَّتِهِ الأَمیرُ الصّالِحُ الَّذی بَیَّنتُما ونَبَأّتُما أنَّهُ یَملِکُ مَشارِقَ الأَرضِ ومَغارِبَها،ویُظهِرُهُ اللّهُ عز و جل بِالحَنیفِیَّةِ الإِبراهیمِیَّةِ عَلَی النَّوامیسِ کُلِّها.
قالا:أولی لَکَ یا حارِثَةُ ! لَقَد أغفَلناکَ،وتَأبی إلّامُراوَغَةً کَالثَّعالِبَةِ،فَما تَسأَمُ المُنازَعَةَ،ولا تَمَلُّ مِنَ المُراجَعَةِ،ولَقَد زَعَمتَ مَعَ ذلِکَ عَظیماً ! فَما بُرهانُکَ بِهِ؟
قالَ:أما-وجَدِّکُما-لَأُنَبِئُّکُما بِبُرهانٍ یُجیرُ مِنَ الشُّبهَةِ،ویُشفی بِهِ جَوَی الصُّدورِ.ثُمَّ أقبَلَ عَلی أبی حارِثَةَ حُصَینِ بنِ عَلقَمَةَ شَیخِهِم واُسقُفِّهِمُ الأَوَّلِ،فَقالَ:
إن رَأَیتَ أیُّهَا الأَبُ الأَثیرُ أن تُؤنِسَ قُلوبَنا وتُثلِجَ صُدورَنا بِإِحضارِ الجامِعَةِ وَالزّاجِرَةِ.
قالوا:وکانَ هذَا المَجلِسُ الرّابِعُ مِنَ الیَومِ الرّابِعِ،وذلِکَ لَمّا حَلَّقَتِ الشَّمسُ (2)، وفی زَمَنِ قَیظٍ (3)شَدیدٍ،فَأَقبَلا عَلی حارِثَةَ فَقالا:أرجِ هذا إلی غَدٍ؛فَقَد بَلَغَتِ القُلوبُ مِنّا الصُّدورَ.
ص:289
فَتَفَرَّقوا عَلی إحضارِ الزّاجِرَةِ وَالجامِعَةِ مِن غَدٍ،لِلنَّظَرِ فیهِما وَالعَمَلِ بِما یَتَراءانِ مِنهُما.فَلَمّا کانَ مِنَ الغَدِ صارَ أهلُ نَجرانَ إلی بِیعَتِهِم؛لِاعتِبارِ ما أجمَعَ صاحِباهُم مَعَ حارِثَةَ عَلَی اقتِباسِهِ وتَبَیُّنِهِ مِنَ الجامِعَةِ،ولَمّا رَأَی السَّیِّدُ وَالعاقِبُ اجتِماعَ النّاسِ لِذلِکَ،قُطِعَ بِهِما؛لِعِلمِهِما بِصَوابِ قَولِ حارِثَةَ،وَاعتَرَضاهُ لِیَصُدّانِهِ عَن تَصَفُّحِ الصُّحُفِ عَلی أعیُنِ النّاسِ،وکانا مِن شَیاطینِ الإِنسِ.
فَقالَ السَّیِّدُ:إنَّکَ قَد أکثَرتَ وأَملَلتَ،قُضَّ الحَدیثَ لَنا مَعَ قَصِّهِ (1)،ودَعنا مِن تِبیانِهِ.
فَقالَ حارِثَةُ:وهَل هذا إلّامِنکَ وصاحِبِکَ؟فَمِنَ الآنِ فَقولا ما شِئتُما.
فَقالَ العاقِبُ:ما مِن مَقالٍ إلّاقُلنا،وسَنَعودُ فَنُخَبِّرُ بَعضَ ذلِکَ تَخبیراً،غَیرَ کاتِمینَ للّهِ ِ عز و جل مِن حُجَّةٍ،ولا جاحِدینَ لَهُ آیَةً،ولا مُفتَرینَ مَعَ ذلِکَ عَلَی اللّهِ عز و جل لِعَبدٍ أنَّهُ مُرسَلٌ مِنهُ ولَیسَ بِرَسولِهِ،فَنَحنُ نَعتَرِفُ-یا هذا-بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله أنَّهُ رَسولٌ مِنَ اللّهِ عز و جل إلی قَومِهِ مِن بَنی إسماعیلَ علیه السلام،فی غَیرِ أن تَجِبَ لَهُ بِذلِکَ عَلی غَیرِهِم مِن عُربِ النّاسِ ولا أعاجِمِهم تِباعَةٌ ولا طاعَةٌ،بِخُروجٍ لَهُ عَن مِلَّةٍ ولا دُخولٍ مَعَهُ فی مِلَّةٍ،إلَّا الإِقرارَ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسالَةِ إلی أعیانِ قَومِهِ ودینِهِ.
قالَ حارِثَةُ:وبِم شَهِدتُما لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَالأَمرِ؟
قالا:حَیثُ جاءَتنا فیهِ البَیِّنَةُ مِن تَباشیرِ الأَناجیلِ وَالکُتُبِ الخالِیَةِ.
فَقالَ:مُنذُ وَجَبَ هذا لِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله عَلَیکُما فی طَویلِ الکَلامِ وقَصیِرهِ،وبَدئِهِ
ص:290
وعَودِهِ،فَمِن أینَ زَعَمتُما أنَّهُ لَیسَ بِالوارِثِ الحاشِرِ،ولَا المُرسَلِ إلی کافَّةِ البَشَرِ؟
قالا:لَقَد عَلِمتَ وعَلِمنا،فَما نَمتَری بِأَنَّ حُجَّةَ اللّهِ عز و جل لَم یَنتَهِ أمرُها،وأَنَّها کَلِمَةُ اللّهِ جارِیَةٌ فِی الأَعقابِ مَا اعتَقَبَ اللَّیلُ وَالنَّهارُ وما بَقِیَ مِنَ النّاسِ شَخصانِ،وقَد ظَنَنّا مِن قَبلُ أنَّ مُحَمَّداً صلی الله علیه و آله رَبُّها (1)،وأَنَّهُ القائِدُ بِزِمامِها،فَلَمّا أعقَمَهُ اللّهُ عز و جل بِمَهلِکِ الذُّکورَةِ مِن وُلدِهِ عَلِمنا أنَّهُ لَیسَ بِهِ؛لِأَنَّ مُحَمَّداً أبتَرُ،وحُجَّةَ اللّهِ عز و جل الباقِیَةَ ونَبِیَّهُ الخاتِمَ-بِشَهادَةِ کُتُبِ اللّهِ عز و جل المُنزَلَةِ-لَیسَ بِأَبتَرَ،فَإِذاً هُوَ نَبِیٌّ یَأتی ویُخلَدُ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله،اشتُقَّ اسمُهُ مِنِ اسمِ مُحَمَّدٍ،وهُوَ أحمَدُ الَّذی نَبَّأَ المَسیحُ علیه السلام بِاسمِهِ وبِنُبُوَّتِهِ ورِسالاتِهِ الخاتِمَةِ،ویَملِکُ ابنُهُ القاهِرُ الجامِعَةَ لِلنّاسِ جَمیعاً عَلی ناموسِ اللّهِ عز و جل الأَعظَمِ،لَیسَ بِمَظهَرَةِ دینِهِ ولکِنَّهُ مِن ذُرِّیَّتِهِ وعَقِبِهِ،یَملِکُ قُرَی الأَرضِ وما بَینَهُما مِن لوبٍ وسَهلٍ وصَخرٍ وبَحرٍ،مُلکاً مُوَرَّثاً مُوَطَّأً،وهذا نَبَأٌ أحاطَت سَفَرَةُ الأَناجیلِ بِهِ عِلماً،وقَد أوسَعناکَ بِهذَا القیلِ سَمعاً،وعُدنا لَکَ بِهِ آنِفَةً بَعدَ سالِفَةٍ،فَما إربُکَ (2)إلی تِکرارِهِ.
قالَ حارِثَةُ:قَد أعلَمُ أنّی وإیّاکُما فی رَجعٍ مِنَ القَولِ مُنذُ ثَلاثٍ؛وما ذاکَ إلّا لِیَذکُرَ ناسٍ ویَرجِعَ فارِطٌ (3)وتَظهَرَ لَنَا الکَلِمُ.وذَکَرتُما نَبِیَّینِ یُبعَثانِ یَعتَقِبانِ بَینَ مَسیحِ اللّهِ عز و جل وَالسّاعَةِ؛قُلتُما:وکِلاهُما مِن بَنی إسماعیلَ،أوَّلُهُما (4):مُحَمَّدٌ بِیَثرِبَ، وثانیهِما:أحمَدُ العاقِبُ.وأَمّا مُحَمَّدٌ صلی الله علیه و آله-أخو قُرَیشٍ-هذَا القاطِنُ بِیَثرِبَ فَأَنَا به (5)
ص:291
حَقٌّ مُؤمِنٌ،أجَل وهُوَ-وَالمَعبودِ-أحمَدُ الَّذی نَبَّأَت بِهِ کُتُبُ اللّهِ عز و جل،ودَلَّت عَلَیهِ آیاتُهُ،وهُوَ حُجَّةُ اللّهِ عز و جل،ورَسولُهُ صلی الله علیه و آله الخاتِمُ الوارِثُ حَقّاً،ولا نُبُوَّةَ ولا رَسولَ للّهِ ِ عز و جل ولا حُجَّةَ بَینَ ابنِ البَتولِ وَالسَّاعَةِ غَیرُهُ،بَلی ومَن کانَ مِنهُ مِنِ ابنَتِهِ البُهلولَةِ (1)الصِّدّیقَةِ،فَأَنتُما بِبَلاغِ اللّهِ إلَیکُما (2)مِن نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله فی أمرٍ مُستَقَرٍّ،ولَولَا انقِطاعِ نَسلِهِ لَمَا ارتَبتُما فیما زَعَمتُما بِهِ أنَّهُ السّابِقُ العاقِبُ؟
قالا:أجَل،إنَّ ذلِکَ لَمِن أکبَرِ أماراتِهِ عِندَنا.
قالَ:فَأَنتُما-وَاللّهِ-فیما تَزعُمانِ مِن نَبِیٍّ ثانٍ مِن بَعدِهِ فی أمرٍ مُلتَبَسٍ،وَالجامِعَةُ تَحکُمُ فی ذلِکَ بَینَنا.
فَتَنادَی النّاسُ مِن کُلِّ ناحِیَةٍ،وقالوا:الجامِعَةَ-یا أبا حارِثَةَ !-الجامِعَةَ؛وذلِکَ لِما مَسَّهُم فی طولِ تَحاوُرِ الثَّلاثَةِ مِنَ السَّأمَةِ وَالمَلَلِ،وظَنَّ القَومُ مَعَ ذلِکَ أنَّ الفَلجَ (3)لِصاحِبَیهِما لِما کانا یَدَّعِیانِ فی تِلکَ المَجالِسِ مِن ذلِکَ.فَأَقبَلَ أبو حارِثَةَ إلی عِلجٍ (4)واقِفٍ مِنهُ [أمَماً] (5)،فَقالَ:اِمضِ یا غُلامُ فَائتِ بِها.فَجاءَ بِالجامِعَةِ یَحمِلُها عَلی رَأسِهِ وهُوَ لا یَکادُ یَتَماسَکُ بِها لِثِقَلِها.
قالَ:فَحَدَّثَنی رَجُلُ صِدقٍ (6)مِنَ النَّجرانِیَّةِ-مِمَّن کانَ یَلزَمُ السَّیِّدَ وَالعاقِبَ، ویَحِفُّ لَهُما فی بَعضِ امورِهِما،ویَطَّلِعُ عَلی کَثیرٍ مِن شَأنِهِما-قالَ:لَمّا حَضَرَتِ
ص:292
الجامِعَةُ بَلَغَ ذلِکَ مِنَ السَّیِّدِ وَالعاقِبِ کُلَّ مَبلَغٍ؛لِعِلمِهِما بِما یَهجُمانِ عَلَیهِ فی تَصَفُّحِهِما مِن دَلائِلِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله وصِفَتِهِ،وذِکرِ أهلِ بَیتِهِ وأَزواجِهِ وذُرِّیَّتِهِ،وما یَحدُثُ فی امَّتِهِ وأَصحابِهِ مِن بَوائِقِ الاُمورِ مِن بَعدِهِ إلی فَناءِ الدُّنیا وَانقِطاعِها.
فَأَقبَلَ أحَدُهُما عَلی صاحِبِهِ فَقالَ:هذا یَومٌ ما بورِکَ لَنا فی طُلوعِ شَمسِهِ ! لَقَد شَهِدَتهُ أجسامُنا وغابَت عَنهُ آراؤُنا بِحُضورِ طَغامِنا (1)وسَفَلَتِنا،ولَقَلَّما شَهِدَ سُفَهاءُ قَومٍ مَجمَعَةً إلّاکانَت لَهُمُ الغَلَبَةُ.
قالَ الآخَرُ:فَهُم شَرُّ غالِبٍ لِمَن غَلَبَ،إنَّ أحَدَهُم لَیُفیقُ (2)بِأَدنی کَلِمَةٍ،ویَفسُدُ فی بَعضِ ساعَةٍ،ما لا یَستَطیعُ الآسِی الحَلیمُ لَهُ رَتقاً،ولَا الخَوَلِیُّ (3)النَّفیسُ إصلاحاً لَهُ فی حَولٍ مُحَرَّمٍ؛ذلِکَ لِأَنَّ السَّفیهَ هادِمٌ وَالحَلیمَ بانٍ،وشَتّانَ بَینَ البِناءِ وَالهَدمِ.
قالَ:فَانتَهَزَ حارِثَةُ الفُرصَةَ فَأَرسَلَ فی خُفیَةٍ وسِرٍّ إلَی النَّفَرِ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَاستَحضَرَهُمُ استِظهاراً بِمَشهَدِهِم،فَحَضَروا،فَلَم یَستَطِعِ الرَّجُلانِ فَضَّ ذلِکَ المَجلِسِ ولا إرجاءَهُ،وذلِکَ لِما تَبَیَّنا (4)مِن تَطَلُّعِ عامَّتِهِما مِن نَصاری نَجرانَ إلی مَعرِفَةِ ما تَضَّمَنَتِ الجامِعَةُ مِن صِفَةِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله وَانبِعاثِهِم (5)لَهُ مَعَ حُضورِ رُسُلِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله لِذلِکَ،وتَألیبِ حارِثَةَ عَلَیهِما فیهِ،وصَغوِ (6)أبی حارِثَةَ شَیخِهِم إلَیهِ.
ص:293
قالَ:قالَ لی ذلِکَ الرَّجُلُ النَّجرانِیُّ:فَکانَ الرَّأیُ عِندَهُما أن یَنقادا لِما یُدهِمُهُما مِن هذَا الخَطبِ،ولا یُظهِرانِ شِماساً (1)مِنهُ و لا نُفوراً؛حَذارِ أن یُطرَقا الظِّنَّة فیهِ إلَیهِما،وأَن یَکونا أیضاً أوَّلَ مُعتَبِرٍ لِلجامِعَةِ ومُستَحِثٍّ لَها؛لِئَلّا یُفتاتَ (2)فی شَیءٍ مِن ذاکَ المَقامِ وَالمَنزِلَةِ عَلَیهِما،ثُمَّ یَستبینَ (3)أنَّ الصَّوابَ فِی الحالِ ویَستَنجِدانِهِ لِیَأخُذانِ بِمَوجِبِهِ.فَتَقَدَّما لِما تَقَدَّمَ فی أنفُسِهِما مِن ذلِکَ إلَی الجامِعَةِ-وهِیَ بَینَ یَدَی أبی حارِثَةَ-،وحاذاهُما حارِثَةُ بنُ أثالٍ،وتَطاوَلَت إلَیهِما فیهِ الأَعناقُ،وحَفَّت رُسُلُ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِهِم.
فَأَمَرَ أبو حارِثَةَ بِالجامِعَةِ فَفُتِحَ طَرَفُها،وَاستُخرِجَ مِنها صَحیفَةُ آدَمَ الکُبرَی المُستَودَعَةُ عِلمَ مَلَکوتِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ جَلالُهُ،وما ذَرَأَ وما بَرَأَ فی أرضِهِ وسَمائِهِ، وما وَصَلَهُما جَلَّ جَلالُهُ بِهِ مِن ذِکرِ عالَمَیهِ؛وهِیَ الصَّحیفَةُ الَّتی وَرِثَها شَیثٌ مِن أبیهِ آدَمَ علیه السلام،عَمّا دَعا مِنَ الذِّکرِ المَحفوظِ.فَقَرَأَ القَومُ السَّیِّدُ وَالعاقِبُ وحارِثَةُ فِی الصَّحیفَةِ؛تَطَلُّباً لِما تَنازَعوا فیهِ مِن نَعتِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله وصِفَتِهِ،ومَن حَضَرَهُم یَومَئِذٍ مِنَ النّاسِ إلَیهِم،مُضِجّونَ مُرتَقِبونَ لِما یُستَدرَکُ مِن ذِکری ذلِکَ،فَأَلفَوا فِی المِسباحِ الثّانی مِن فَواصِلِها (4):
«بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ،أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّاأنَا الحَیُّ القَیّومُ،مُعَقِّبُ الدُّهورِ، وفاصِلُ الاُمورِ،سَبَقتُ بِمَشِیَّتِی الأَسبابَ،وذَلَّلتُ بِقُدرَتِی الصِّعابَ،فَأَنَا العَزیزُ الحَکیمُ،الرَّحمنُ الرَّحیمُ،اِرحَم تُرحَم،سَبَقَت رَحمَتی غَضَبی،وعَفوی عُقوبَتی،
ص:294
خَلَقتُ عِبادی لِعِبادَتی،وأَلزَمتُهُم حُجَّتی،ألا إنّی باعِثٌ فیهِم رُسُلی،ومُنزِلٌ عَلَیهِم کُتُبی،اُبرِمُ ذلِکَ مِن لَدُن أوَّلِ مَذکورٍ مِن بَشَرٍ،إلی أحمَدَ نَبِیّی وخاتِمِ رُسُلی،ذاکَ الَّذی أجعَلُ عَلَیهِ صَلَواتی،وأسلُکُ فی قَلبِهِ بَرَکاتی،وبِهِ اکمِلُ أنبِیائی ونُذُری.
قالَ آدَمُ علیه السلام:إلهی! مَن هؤُلاءِ الرُّسُلُ؟ومَن أحمَدُ هذَا الَّذی رَفَعتَ وشَرَّفتَ؟
قالَ:کُلٌّ مِن ذُرِّیَّتِکَ،وأَحمَدُ عاقِبُهُم.
قالَ:رَبِّ ! بِما أنتَ باعِثُهُم ومُرسِلُهُم؟
قالَ:بِتَوحیدی،ثُمَّ اقَفّی ذلِکَ بِثَلاثِمِئَةٍ وثَلاثینَ شَریعَةً،أنظُمُها واُکمِلُها لِأَحمَدَ جَمیعاً،فَأَذِنتُ لِمَن جاءَنی بِشَریعَةٍ مِنها مَعَ الإِیمانِ بی وبِرُسُلی أن ادخِلَهُ الجَنَّةَ».
ثُمَّ ذَکَرَ ما جُملَتُهُ أنَّ اللّهَ تَعالی عَرَضَ عَلی آدَمَ علیه السلام مَعرِفَةَ الأَنبِیاءِ علیهم السلام وذُرِّیَّتِهِم، ونَظَرَ إلَیهِم آدَمُ،ثُمَّ قالَ ما هذا لَفظُهُ:
«ثُمَّ نَظَرَ آدَمُ علیه السلام إلی نورٍ قَد لَمَعَ فَسَدَّ الجَوَّ المُنخَرِقَ،فَأَخَذَ بِالمَطالِعِ مِنَ المَشارِقِ،ثُمَّ سَری کَذلِکَ حَتّی طَبَّقَ المَغارِبَ،ثُمَّ سَما حَتّی بَلَغَ مَلَکوتَ السَّماءِ، فَنَظَرَ فَإِذا هُوَ نورُ مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،وإذَا الأَکنافُ بِهِ قَد تَضَوَّعَت طیباً،وإذا أنوارٌ أربَعَةٌ قَدِ اکتَنَفَتَهُ عَن یَمینِهِ وشِمالِهِ ومِن خَلفِهِ وأَمامِهِ،أشبَهُ شَیءٍ بِهِ أرجاً (1)ونوراً، ویَتلوها أنوارٌ مِن بَعدِها تَستَمِدُّ مِنها،وإذا هِیَ شَبیهَةٌ (2)بِها فی ضِیائِها وعِظَمِها ونَشرِها،ثُمَّ دَنَت مِنها فَتَکَلَّلَت عَلَیها وحَفَّت بِها.
ونَظَرَ فَإِذا أنوارٌ مِن بَعدِ ذلِکَ فی مِثلِ عَدَدِ الکَواکِبِ،ودونَ مَنازِلِ الأَوائِلِ جِدّاً
ص:295
جِدّاً،وبَعضُ هذِهِ أضوَأُ مِن بَعضٍ،وهِیَ فی ذلِکَ مُتَفاوِتَةٌ (1)جِدّاً،ثُمَّ طَلَعَ عَلَیهِ سَوادٌ کَاللَّیلِ وکَالسَّیلِ،یَنسِلونَ مِن کُلِّ وِجهَةٍ وأَوبٍ (2)،فَأَقبَلوا کَذلِکَ حَتّی مَلَؤُوا القاعَ وَالأَکَمَ،فَإِذا هُم أقبَحُ شَیءٍ صُوَراً وهَیئَةً،وأَنتَنُهُ ریحاً،فَبَهَرَ (3)آدَمُ علیه السلام ما رَأی مِن ذلِکَ،وقالَ:یا عالِمَ الغُیوبِ وغافِرَ الذُّنوبِ،ویا ذَا القُدرَةِ القاهِرَةِ وَالمَشِیَّةِ الغالِبَةِ ! مَن هذَا الخَلقُ السَّعیدُ الَّذی کَرَّمتَ ورَفَعتَ عَلَی العالَمینَ،ومَن هذِهِ الأَنوارُ المُنیفَةُ المُکتَنِفَةُ لَهُ؟
فَأَوحَی اللّهُ عز و جل إلَیهِ:یا آدَمُ،هذا وهؤُلاءِ وَسیلَتُکَ ووَسیلَةُ مَن أسعَدتُ مِن خَلقی، هؤُلاءِ السّابِقونَ المُقَرَّبونَ وَالشّافِعونَ المُشَفَّعونَ،و هذا أحمَدُ سَیِّدُهُم وسَیِّدُ بَرِیَّتِی، اختَرتُهُ بِعِلمی،وَاشتَقَقتُ اسمَهُ مِن اسمی،فَأَنَا المَحمودُ وهُوَ مُحَمَّدٌ،وهذا صِنوُهُ ووَصِیُّهُ،آزَرتُهُ بِهِ،وجَعَلتُ بَرَکاتی وتَطهیری فی عَقِبِهِ،وهذِهِ سَیِّدَةُ إمائی وَالبَقِیَّةُ فی عِلمی مِن أحمَدَ نَبِیّی،وهذانِ السِّبطانِ وَالخَلَفانِ لَهُم،وهذِهِ الأَعیانُ المُضارِعُ (4)نورُها أنوارَهُم بَقِیَّةٌ مِنهُم،ألا إنَّ کُلاًّ اصطَفَیتُ وطَهَّرتُ،وعَلی کُلٍّ بارَکتُ وتَرَحَّمتُ،فَکُلاًّ بِعِلمی جَعَلتُ قُدوَةَ عِبادی ونورَ بِلادی.
ونَظَرَ فَإِذا شَبَحٌ فی آخِرِهِم یَزهَرُ فی ذلِکَ الصَّفیحِ کَما یَزهَرُ کَوکَبُ الصُّبحِ لِأَهلِ الدُّنیا،فَقالَ اللّهُ تَبارَکَ وتَعالی:وبِعَبدی هذَا السَّعیدِ أفُکُّ عَن عِبادِی الأَغلالَ،وأَضَعُ عَنهُمُ الآصارَ،وأَملَأُ أرضی بِهِ حَناناً و رَأفَةً وعَدلاً،کَما مُلِئَت مِن قَبلِهِ قَسوَةً وقَشعَرِیَّةً وجَوراً.
ص:296
قالَ آدَمُ علیه السلام:رَبِّ ! إنَّ الکَریمَ مَن کَرَّمتَ،وإنَّ الشَّریفَ مَن شَرَّفتَ،وحُقَّ-یا إلهی-لِمَن رَفَعتَ وأَعلَیتَ أن یَکونَ کَذلِکَ،فَیا ذَا النِّعَمِ الَّتی لا تَنقَطِعُ،وَالإِحسانِ الَّذی لا یُجازی ولا یَنفَدُ،بِمَ بَلَغَ عِبادُکَ هؤُلاءِ العالونَ هذِهِ المَنزِلَةَ مِن شَرَفِ عَطائِکَ وعَظیمِ فَضلِکَ وحِبائِکَ،وکَذلِکَ مَن کَرَّمتَ مِن عِبادِکَ المُرسَلینَ؟
قالَ اللّهُ تَبارَکَ وتَعالی:إنّی أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّاأنَا الرَّحمنُ الرَّحیمُ العَزیزُ الحَکیمُ، عالِمُ الغُیوبِ ومُضمَراتِ القُلوبِ،أعلَمُ ما لَم یَکُن مِمّا یَکونُ کَیفَ یَکونُ،وما لا یَکونُ کَیفَ لَو کانَ یَکونُ،وإنِّی اطَّلَعتُ-یا عَبدی-فی عِلمی عَلی قُلوبِ عِبادی، فَلَم أرَ فیهِم أطوَعَ لی ولا أنصَحَ لِخَلقی مِن أنبِیائی ورُسُلی،فَجَعَلتُ لِذلِکَ فیهِم روحی وکَلِمَتی،وأَلزَمتُهُم عِبءَ حُجَّتی،وَاصطَفَیتُهُم عَلَی البَرایا بِرِسالَتی ووَحیی (1).
ثُمَّ ألقَیتُ بِمَکانَتِهِم تِلکَ فی مَنازِلِهِم حَوامَّهُم (2)وأَوصِیاءَهُم مِن بَعدِهم (3)[فَأَلحَقتُهُم بِأَنبِیائی ورُسُلی،وجَعَلتُهُم مِن بَعدِهِم] (4)وَدائِعَ حُجَّتی،وَالسّادَةَ (5)فی بَرِیَّتی؛لِأَجبُرَ بِهِم کَسرَ عِبادی،واُقیمَ بِهِم أَوَدَهُم،ذلِکَ أنّی بِهِم وبِقُلوبِهِم لَطیفٌ خَبیرٌ.
ثُمَّ اطَّلَعتُ عَلی قُلوبِ المُصطَفَینَ مِن رُسُلی،فَلَم أجِد فیهِم أطوَعَ ولا أنصَحَ لِخَلقی مِن مُحَمَّدٍ خِیَرَتی وخالِصَتی،فَاختَرتُهُ عَلی عِلمٍ،ورَفَعتُ ذِکرَهُ إلی ذِکری، ثُمَّ وَجَدتُ قُلوبَ حامَّتِهِ اللّاتی مِن بَعدِهِ عَلی صِبغَةِ قَلبِهِ،فَأَلحَقتُهُم بِهِ،وجَعَلتُهُم
ص:297
وَرَثَةَ کِتابی ووَحیی،وأَوکارَ حِکمَتی ونوری،وآلَیتُ بی ألّا اعَذِّبَ بِناری مَن لَقِیَنی مُعتَصِماً بِتَوحیدی،وحَبلِ (1)مَوَدَّتِهِم أبَداً».
ثُمَّ أمَرَهُم أبو حارِثَةَ أن یَصیروا إلی صَحیفَةِ شَیثٍ الکُبرَی،الَّتِی انتَهی میراثُها إلی إدریسَ النَّبِیِّ علیه السلام،قالَ:وکانَ کِتابَتُها بِالقَلَمِ السُّریانِیِّ القَدیمِ،وهُوَ الَّذی کُتِبَ بِهِ مِن بَعدِ نوحٍ علیه السلام مِن مُلوکِ الهیاطلة وهُمُ النَّمادِرَةُ.
قالَ:فَاقتَصَّ القَومُ الصَّحیفَةَ وأَفضَوا مِنها إلی هذَا الرَّسمِ،قالَ:
«اِجتَمَعَ إلی إدریسَ علیه السلام قَومُهُ وصَحابَتُهُ-وهُوَ یَومَئِذٍ فی بَیتِ عِبادَتِهِ مِن أرضِ کوفانَ-فَخَبَّرَهُم فیمَا اقتَصَّ عَلَیهِم،قالَ:إنَّ بَنی أبیکُم آدَمَ علیه السلام الصُّلبِیَّةَ (2)وبَنی بَنیهِ وذُرِّیَّتَهُ،اختَصَموا فیما بَینَهُم،وقالوا:أیُّ الخَلقِ عِندَکُم أکرَمُ عَلَی اللّهِ عز و جل،وأَرفَعُ لَدَیهِ مَکانَةً،وأَقرَبُ مِنهُ مَنزِلَةً؟
فَقالَ بَعضُهُم:أبوکُم آدَمُ علیه السلام؛خَلَقَهُ اللّهُ عز و جل بِیَدِهِ وأَسجَدَ لَهُ مَلائِکَتَهُ،وجَعَلَهُ الخَلیفَةَ فی أرضِهِ وسَخَّرَ لَهُ جَمیعَ خَلقِهِ.وقالَ آخَرونَ:بَلِ المَلائِکَةُ الَّذینَ لَم یَعصُوا اللّهَ عز و جل.
وقالَ بَعضُهُم:لا،بَل رُؤَساءُ المَلائِکَةِ الثَّلاثَةِ:جَبرَئیلُ،ومیکائیلُ،وإسرافیلُ علیهم السلام.
وقالَ بَعضُهُم:لا،بَل أمینُ اللّهِ جَبرَئیلُ علیه السلام.
فَانطَلَقوا إلی آدَمَ علیه السلام فَذَکَرُوا الَّذی قالوا وَاختَلَفوا فیهِ،فَقالَ:یا بَنِیَّ ! أنَا اخبِرُکُم بِأَکرَمِ الخَلائِقِ جَمیعاً عَلَی اللّهِ عز و جل،إنَّهُ-وَاللّهِ-لَمّا أن نُفِخَ فِیَّ الرّوحُ حَتَّی استَوَیتُ جالِساً،فَبَرَقَ لِیَ العَرشُ العَظیمُ،فَنَظَرتُ فیهِ فَإِذا فیهِ:لا إلهَ إلَّااللّهُ،مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ،فُلانٌ صَفوَةُ اللّهِ،فُلانٌ أمینُ اللّهِ،فُلانٌ خِیَرَةُ اللّهِ عز و جل،فَذَکَرَ عِدَّةَ أسماءٍ
ص:298
مَقرونَةٍ بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله.
قالَ آدَمُ:ثُمَّ لَم أرَ فِی السَّماءِ مَوضِعَ أدیمٍ-أو قالَ:صَفیحٍ-مِنها إلّاوفیهِ مَکتوبٌ:"لا إلهَ إلَّااللّهُ"،وما مِن مَوضِعٍ مَکتوبٌ فیهِ:"لا إله إلَّااللّهُ" إلّاوفیهِ مَکتوبٌ -خَلقاً لا خَطّاً-:"مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ"،وما مِن مَوضِعٍ فیهِ (1)مَکتوبٌ:"مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ" إلّاومَکتوبٌ:"فُلانٌ خِیَرَةُ اللّهِ،فُلانُ صَفوَةُ اللّهِ،فُلانٌ أمینُ اللّهِ عز و جل "،فَذَکَرَ عِدَّةَ أسماءٍ تَنتَظِمُ حِسابَ المَعدودِ.
قالَ آدَمُ علیه السلام:فَمُحَمَّدٌ صلی الله علیه و آله-یا بَنِیَّ-ومَن خُطَّ مِن تِلکَ الأَسماءِ مَعَهُ،أکرَمُ الخَلائِقِ عَلَی اللّهِ تَعالی جَمیعاً».
ثُمَّ ذَکَرَ أنَّ أبا حارِثَةَ سَأَلَ السَّیِّدَ وَالعاقِبَ أن یَقِفا عَلی صَلَواتِ إبراهیمَ علیه السلام الَّذی جاءَ بِهَا الأَملاکُ مِن عِندِ اللّهِ عز و جل،فَقَنَعوا بِما وَقَفوا عَلَیهِ فِی الجامِعَةِ.
قالَ أبو حارِثَةَ:لا،بَل شارِفوها بِأَجمَعِها وأَسبِروها (2)؛فَإِنَّهُ أصرَمُ (3)لِلمَعذورِ وأَرفَعُ لِحِکَّةِ (4)الصُّدورِ،وأَجدَرُ ألّا تَرتابوا فِی الأَمرِ مِن بَعدُ.فَلَم یَجِدا (5)مِنَ المَصیرِ إلی قَولِهِ مِن بُدٍّ،فَعَمَدَ القَومُ إلی تابوتِ إبراهیمَ علیه السلام،قالَ:
«و کانَ اللّهُ عز و جل بِفَضلِهِ عَلی مَن یَشاءُ مِن خَلقِهِ،قَدِ اصطَفی إبراهیمَ علیه السلام بِخُلَّتِهِ، وشَرَّفَهُ بِصَلَواتِهِ وبَرَکاتِهِ،وجَعَلَهُ قِبلَةً وإماماً لِمَن یَأتی مِن بَعدِهِ،وجَعَلَ النُّبُوَّةَ
ص:299
وَالإِمامَةَ وَالکِتابَ فی ذُرِّیَّتِهِ یَتَلَقّاها آخِرٌ عَن أوَّلٍ،ووَرَّثَهُ تابوتَ آدَمَ علیه السلام المُتَضَمِّنَ لِلحِکمَةِ وَالعِلمِ،الَّذی فَضَّلَهُ اللّهُ عز و جل بِهِ عَلَی المَلائِکَةِ طُرّاً.
فَنَظَرَ إبراهیمُ علیه السلام فی ذلِکَ التّابوتِ فَأَبصَرَ فیهِ بُیوتاً بِعَدَدِ ذَوِی العَزمِ مِنَ الأَنبِیاءِ المُرسَلینَ وأَوصِیائِهِم مِن بَعدِهِم،ونَظَرَهُم (1)فَإِذا بَیتُ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله آخِرَ الأَنبِیاءِ،عَن یَمینِهِ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ آخِذٌ بِحُجزَتِهِ (2)،فَإِذا شَکلٌ عَظیمٌ یَتَلَألَأُ نوراً،فیهِ:هذا صِنوُهُ ووَصِیُّهُ المُؤَیَّدُ بِالنَّصرِ،فَقالَ إبراهیمُ علیه السلام:إلهی وسَیِّدی! مَن هذَا الخَلقُ الشَّریفُ؟فَأَوحَی اللّهُ عز و جل:هذا عَبدی وصَفوَتِی الفاتِحُ الخاتِمُ،وهذا وَصِیُّهُ الوارِثُ، قالَ:رَبِّ ! مَا الفاتِحُ الخاتِمُ؟قالَ:هذا مُحَمَّدٌ خِیَرَتی،وبِکرُ فِطرَتی،وحُجَّتِی الکُبری فی بَرِیَّتی،نَبَّأتُهُ وَاجتَبَیتُهُ إذ آدَمُ بَینَ الطّینِ وَالجَسَدِ،ثُمَّ إنّی باعِثُهُ عِندَ انقِطاعِ الزَّمانِ لِتَکمِلَةِ دینی،وخاتِمٌ بِهِ رِسالاتی ونُذُری،وهذا عَلِیٌّ أخوهُ وصِدّیقُهُ الأَکبَرُ،آخَیتُ بَینَهُما وَاختَرتُهُما وصَلَّیتُ وبارَکتُ عَلَیهِما،وطَهَّرتُهُما وأَخلَصتُهُما وَالأَبرارَ مِنهُما وذُرِّیَّتَهُما قَبلَ أن أخلُقَ سَمائی وأَرضی وما فیهِما مِن خَلقی،وذلِکَ لِعِلمی بِهِم وبِقُلوبِهِم،إنّی بِعِبادی عَلیمٌ (3)خَبیرٌ.
قالَ:ونَظَرَ إبراهیمُ علیه السلام فَإِذَا اثنا عَشَرَ [عَظیماً] (4)تَکادُ تَلَألَأُ أشکالُهُم لِحُسنِها نوراً،فَسَأَلَ رَبَّهُ عز و جل فَقالَ:رَبِّ نَبِّئنی بِأَسماءِ هذِهِ الصُّوَرِ المُقرونَةِ بِصوَرةِ مُحَمَّدٍ ووَصِیِّهِ؛وذلِکَ لِما رَأی مِن رَفیعِ دَرَجاتِهِم وَالتِحاقِهِم بِشَکلَی مُحَمَّدٍ ووَصِیِّهِ علیهما السلام،
ص:300
فَأَوحَی اللّهُ عز و جل إلَیهِ:هذِهِ أمَتی وَالبَقِیَّةُ مِن نَبِیّی فاطِمَةُ الصِّدّیقَةُ الزَّهراءُ،وجَعَلتُها مَعَ خَلیلِها عَصَبَةً لِذُرِّیَّةِ نَبِیّی هؤُلاءِ،وهذانِ الحَسَنانِ،وهذا فُلانٌ،وهذا فُلانٌ،وهذا کَلِمَتِی الَّتی أنشُرُ بِهِ رَحمَتی فی بِلادی،وبِهِ أنتاشُ (1)دینی وعِبادی،ذلِکَ بَعدَ إیاسٍ مِنهُم وقُنوطٍ مِنهُم مِن غِیاثی،فَإِذا ذَکَرتَ مُحَمَّداً نَبِیّی لِصَلَواتِکَ (2)فَصَلِّ عَلَیهِم مَعَهُ یا إبراهیمُ.
قالَ:فَعِندَها صَلّی عَلَیهِم إبراهیمُ علیه السلام،فَقالَ:رَبِّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، کَمَا اجتَبَیتَهُم وأَخلَصتَهُم إخلاصاً.
فَأَوحَی اللّهُ عز و جل:لِتَهنِئکَ کَرامَتی وفَضلی عَلَیکَ،فَإِنّی صائِرٌ بِسُلالَةِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله ومَنِ اصطَفَیتُ مَعَهُ مِنهُم إلی قَناةِ صُلبِکَ ومُخرِجُهُم مِنکَ،ثُمَّ مِن بِکرِکَ إسماعیلَ علیه السلام، فَأَبشِر یا إبراهیمُ فَإِنّی واصِلٌ صَلَواتِکَ بِصَلَواتِهِم،ومُتِبعٌ ذلِکَ بَرَکاتی وتَرَحُّمی عَلَیکَ وعَلَیهِم،وجاعِلُ حَنانی (3)وحُجَّتی إلَی الأَمَدِ المَعدودِ وَالیَومِ المَوعودِ الَّذی أرِثُ فیهِ سَمائی وأَرضی،وأبعَثُ لَهُ خَلقی لِفَصلِ قَضائی وإفاضَةِ رَحمَتی وعَدلی».
قالَ:فَلَمّا سَمِعَ أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله ما أفضی إلَیهِ القَومُ مِن تِلاوَةِ ما تَضَمَّنَتِ الجامِعَةُ وَالصُّحُفُ الدّارِسَةُ مِن نَعتِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،وصِفَةِ أهلِ بَیتِهِ المَذکورینَ مَعَهُ بِما هُم بِهِ مِنهُ،وبِما شاهَدوا مِن مَکانَتِهِم عِندَهُ،ازدادَ القَومُ بِذلِکَ یَقیناً وإیماناً، وَاستُطیروا لَهُ فَرَحاً.
قالَ:ثُمَّ صارَ القَومُ إلی ما نَزَلَ عَلی موسی علیه السلام،فَأَلفَوا فِی السَّفرِ الثّانی مِنَ التَّوراةِ:
ص:301
«إنّی باعِثٌ فِی الاُمِّیّینَ مِن وُلدِ إسماعیلَ رَسولاً،اُنزِلُ عَلَیهِ کِتابی،وأَبعَثُهُ بِالشَّریعَةِ القَیِّمَةِ إلی جَمیعِ خَلقی،اُوتیهِ (1)حِکمَتی،وأیَّدتُهُ بِمَلائِکَتی وجُنودی، یَکونُ ذُرِّیَّتُهُ مِنِ ابنَةٍ لَهُ مُبارَکَةٍ بارَکتُها،ثُمَّ مِن شِبلَینِ لَهُما-کَإِسماعیلَ وإسحاقَ-، أصلَینِ لِشُعَبتَینِ عَظیمَتَینِ،اُکَثِّرُهُم جِدّاً جِدّاً،یَکونُ مِنهُمُ اثنا عَشَرَ قَیِّماً (2)،اُکمِلُ بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله وبِما ارسِلُهُ بِهِ مِن بَلاغٍ وحِکمَةٍ دینی،وأَختِمُ بِهِ أنبِیائی ورُسُلی،فَعَلی مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله واُمَّتِهِ تَقومُ السّاعَةُ».
فَقالَ حارِثَةُ:الآنَ أسفَرَ الصُّبحُ لِذی عَینَینِ،ووَضَحَ الحَقُّ لِمَن رَضِیَ بِهِ دیناً، فَهَل فی أنفُسِکُما مِن مَرَضٍ تَستَشفِیانِ بِهِ؟
فَلَم یُرجِعا إلَیهِ قَولاً.
فَقالَ أبو حارِثَةَ:اِعتَبِرُوا الامارَةَ الخاتِمَةَ مِن قَولِ سَیِّدِکُمُ المَسیحِ علیه السلام.فَصارَ [القَومُ] (3)إلَی الکُتُبِ وَالأَناجیلِ الَّتی جاءَ بِها عیسی علیه السلام،فَأَلفَوا فِی المِفتاحِ الرّابِعِ مِنَ الوَحیِ إلَی المَسیحِ علیه السلام:
«یا عیسی،یَابنَ الطّاهِرَةِ البَتولِ،اسمَع قَولی وجِدَّ فی أمری،إنّی خَلَقتُکَ مِن غَیرِ فَحلٍ،وجَعَلتُکَ آیَةً لِلعالَمینَ،فَإِیّایَ فَاعبُد،وعَلَیَّ فَتَوَکَّل،وخُذِ الکِتابَ بِقُوَّةٍ، ثُمَّ فَسِّرهُ لِأَهلِ سورِیا وأَخبِرهُم أنّی أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّاأنَا الحَیُّ القَیّومُ،الَّذی لا أحولُ ولا أزولُ،فَآمِنوا بی وبِرَسولِی النَّبِیِّ الاُمِّیِّ،الَّذی یَکونُ فی آخِرِ الزَّمانِ؛نَبِیِّ الرَّحمَةِ وَالمَلحَمَةِ،الأَوَّلِ وَالآخِرِ-قالَ:أوَّلُ النَّبِیّینَ خَلقاً،وآخِرُهُم مَبعَثاً-ذلِکَ
ص:302
العاقِبُ الحاشِرُ،فَبَشِّر بِهِ بَنی إسرائیلَ.
قالَ عیسی علیه السلام:یا مالِکَ الدُّهورِ،وعَلّامَ الغُیوبِ ! مَن هذَا العَبدُ الصّالِحُ الَّذی قَد أحَبَّهُ قَلبی ولَم تَرَهُ عَینی؟
قالَ:ذلِکَ خالِصَتی ورَسولِیَ المُجاهِدُ بِیَدِهِ فی سَبیلی،یُوافِقُ قَولُهُ فِعلَهُ،و سَریرَتُهُ عَلانِیَتَهُ،اُنزِلُ عَلَیهِ تَوراةً حَدیثَةً،أفتَحُ بِها أعیُناً عُمیاً،وآذاناً صُمّاً،وقُلوباً غُلفاً،فیها یَنابیعُ العِلمِ،وفَهمُ الحِکمَةِ،ورَبیعُ القُلوبِ.وطوباهُ! طوبی امَّتَهُ !
قالَ:رَبِّ ! مَا اسمُهُ وعَلامَتُهُ،وما أکلُ امَّتِهِ-یَقولُ:مُلکُ امَّتِهِ-وهَل لَهُ مِن بَقِیَّةٍ- یَعنی ذُرِّیَّةً-؟
قالَ:سَاُنَبِّئُکَ بِما سَأَلتَ؛اسمُهُ أحمَدُ صلی الله علیه و آله،مُنتَخَبٌ مِن ذُرِّیَّةِ إبراهیمَ،ومُصطَفیً مِن سُلالَةِ إسماعیلَ علیه السلام،ذُو الوَجهِ الأَقمَرِ،وَالجَبینِ الأَزهَرِ،راکِبُ الجَمَلِ،تَنامُ عَیناهُ ولا یَنامُ قَلبُهُ،یَبعَثُهُ اللّهُ فی امَّةٍ امِّیَّةٍ ما بَقِیَ اللَّیلُ وَالنَّهارُ،مَولِدُهُ فی بَلَدِ أبیهِ إسماعیلَ -یَعنی مَکَّةَ-کَثیرُ الأَزواجِ،قَلیلُ الأَولادِ،نَسلُهُ مِن مُبارَکَةٍ صِدّیقَةٍ،یَکونُ لَهُ مِنهَا ابنَةٌ،لَها فَرخانِ سَیِّدانِ یُستَشهَدانِ،أجعَلُ نَسلَ أحمَدَ مِنهُما،فَطوباهُما ولِمَن أحَبَّهُما،وشَهِدَ أیّامَهُما فَنَصَرَهُما.
قالَ عیسی علیه السلام:إلهی ! وما طوبی؟
قالَ:شَجَرَةٌ فِی الجَنَّةِ،ساقُها وأَغصانُها مِن ذَهَبٍ،ووَرَقُها حُلَلٌ،وحَملُها کَثَدیِ الأَبکارِ،أحلی مِنَ العَسَلِ وأَلیَنُ مِنَ الزَّبَدِ،وماؤُها مِن تَسنیمٍ (1)،لَو أنَّ غُراباً طارَ وهُوَ فَرخٌ لَأَدرَکَهُ الهَرَمُ مِن قَبلِ أن یَقطَعهَا،ولَیسَ مَنزِلٌ مِن مَنازِلِ أهلِ الجَنَّةِ
ص:303
إلّا وظِلالُهُ فَنَنٌ (1)مِن تِلکَ الشَّجَرَةِ».
قالَ:فَلَمّا أتَی القَومُ عَلی دِراسَةِ ما أوحَی اللّهُ عز و جل إلَی المَسیحِ علیه السلام،مِن نَعتِ مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله وصِفَتِهِ،ومُلکِ امَّتِهِ،وذِکرِ ذُرِّیَّتِهِ وأَهلِ بَیتِهِ،أمسَکَ الرَّجُلانِ مَخصومینَ،وَانقَطَعَ التَّحاوُرُ بَینَهُم فی ذلِکَ.
قالَ:فَلَمّا فَلَجَ حارِثَةُ عَلَی السَّیِّدِ وَالعاقِبِ بِالجامِعَةِ وما تَبَیَّنوهُ فِی الصُّحُفِ القَدیمَةِ،ولَم یَتِمَّ لَهُما ما قَدَّروا مِن تَحریفِها،ولَم یُمکِنُهما أن یُلَبِّسا عَلَی النّاسِ فی تَأویلِهِما،أمسَکا عَنِ المُنازَعَةِ مِن هذَا الوَجهِ،وعَلِما أنَّهُما قَد أخطَآ سَبیلَ الصَّوابِ، فَصارا إلی مَعبَدِهِم آسِفینَ،لِیَنظُرا ویَرتَئِیا.وفَزِعَ إلَیهِما نَصاری نَجرانَ،فَسَأَلوهُما عَن رَأیهِمِا وما یَعمَلانِ فی دینِهِما،فَقالا ما مَعناهُ:تَمَسَّکوا بِدینِکُم حَتّی یُکشَفَ دینُ مُحَمَّدٍ،وسَنَسیرُ إلی بَنی قُرَیشٍ-إلی یَثرِبَ-ونَنظُرُ إلی ما جاءَ بِهِ وإلی ما یَدعو إلَیهِ.
قالَ:فَلَمّا تَجَهَّزَ السَّیِّدُ وَالعاقِبُ لِلمَسیرِ إلی رَسولِ اللّهِ بِالمَدینَةِ،انتَدَبَ مَعَهُما أربَعَةَ عَشَرَ راکِباً مِن نَصاری نَجرانَ،هُم مِن أکابِرِهِم فَضلاً وعِلماً فی أنفُسِهِم، وسَبعونَ رَجُلاً مِن أشرافِ بَنِی الحارِثِ بنِ کَعبٍ وسادَتِهِم.قالَ:وکانَ قَیسُ بنُ الحُصینِ ذُو الغُصَّةِ ویَزیدُ بنُ عَبدِ المَدانِ بِبِلادِ حَضرَموتَ،فَقَدِما نَجرانَ عَلی بَقِیَّةِ مَسیرِ قَومِهِم،فَشَخَصا مَعَهُم.
فَاغتَرَزَ القَومُ فی ظُهورِ مَطایاهُم،وجَنَبوا خَیلَهُم،وأَقبَلوا لِوُجوهِهِم حَتّی وَرَدُوا المَدینَةَ.
ص:304
قالَ:ولَمَّا استَراثَ (1)رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله خَبَرَ أصحابِهِ،أنفَذَ إلَیهِم خالِدَ بنَ الوَلیدِ فی خَیلٍ سَرَّحَها (2)مَعَهُ لِمُشارَفَةِ أمرِهِم،فَأَلفَوهُم وهُم عامِدونَ (3)إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله.
قالَ:ولَمّا دَنَوا مِنَ المَدینَةِ أحَبَّ السَّیِّدُ وَالعاقِبُ أن یُباهِیَا المُسلِمینَ وأَهلَ المَدینَةِ بِأَصحابِهِما وبِمَن حَفَّ مِن بَنِی الحارِثِ مَعَهُما،فَاعتَرَضاهُم فَقالا:لَو کَفَفتُم صُدورَ رِکابِکُم ومَسَستُمُ الأَرضَ فَأَلقَیتُم عَنکُم تَفَثَکُم (4)وثِیابَ سَفَرِکُم،وشَنَنتُم (5)عَلَیکُم مِن باقی مِیاهِکُم،کانَ ذلِکَ أمثَلَ.فَانحَدَرَ القَومُ عَنِ الرِّکابِ فَأَماطوا مِن شَعَثِهِم،وأَلقَوا عَنهُم ثِیابَ بِذلَتِهِم،ولَبِسوا ثِیابَ صَونِهِم مِنَ الأَتحَمِیّاتِ (6)وَالحَریرِ،وذَرُّوا المِسکَ فی لِمَمِهِم ومَفارِقِهِم،ثُمَّ رَکِبُوا الخَیلَ وَاعتَرَضوا بِالرِّماحِ عَلی مَناسِجِ (7)خَیلِهِم،وأَقبَلوا یَسیرونَ رَزدَقاً (8)واحِداً،و کانوا مِن أجمَلِ العَرَبِ أجساماً وخَلقاً.
فَلَمّا تَشَرَّفَهُمُ (9)النّاسُ أقبَلوا نَحوَهُم،فَقالوا:ما رَأَینا وَفداً أجمَلَ مِن هؤُلاءِ !
فَأَقبَلَ القَومُ حَتّی دَخَلوا عَلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله فی مَسجِدِهِ،وحانَت وَقتُ صَلاتِهِم
ص:305
فَقاموا یُصَلّونَ إلَی المَشرِقِ،فَأَرادَ النّاسُ أن یَنهَوهُم عَن ذلِکَ،فَکَفَّهُم رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله، ثُمَّ أمهَلَهُم وأَمهَلوهُ ثَلاثاً،فَلَم یَدعُهُم ولَم یَسأَلوهُ لِیَنظُروا إلی هَدْیِهِ،ویَعتَبِروا ما یُشاهِدونَ مِنهُ مِمّا یَجِدونَ مِن صِفَتِهِ،فَلَمّا کانَ بَعدَ ثالِثَةٍ دَعاهُم صلی الله علیه و آله إلَی الإِسلامِ.
فَقالوا:یا أبَا القاسِمِ،ما أخبَرَتنا کُتُبُ اللّهِ عز و جل بِشَیءٍ مِن صِفَةِ النَّبِیِّ المَبعوثِ بَعدَ الرّوحِ عیسی علیه السلام إلّاوقَد تَعَرَّفناهُ فیکَ،إلّاخَلَّةً هِیَ أعظَمُ الخِلالِ آیَةً ومَنزِلَةً، وأَجلاها أمارَةً ودَلالَةً !
قالَ صلی الله علیه و آله:وما هِیَ؟
قالوا:إنّا نَجِدُ فِی الإِنجیلِ مِن صِفَةِ النَّبِیِّ الغابِرِ مِن بَعدِ المَسیحِ أنَّهُ یُصَدِّقُ بِهِ ویُؤمِنُ بِهِ،وأَنتَ تَسُبُّهُ وتُکَذِّبُ بِهِ،وتَزعُمُ أنَّهُ عَبدٌ !
قالَ:فَلَم تَکُن خُصومَتُهُم ولا مُنازَعَتُهُم لِلنَّبِیِّ صلی الله علیه و آله إلّافی عیسی علیه السلام.
فَقالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:لا،بَل اصَدِّقُهُ واُصَدِّقُ بِهِ واُؤمِنُ بِهِ،وأَشهَدُ أنَّهُ النَّبِیُّ المُرسَلُ مِن رَبِّهِ عز و جل،وأَقولُ:إنَّهُ عَبدٌ لا یَملِکُ لِنَفسِهِ نَفعاً ولا ضَرّاً ولا مَوتاً ولا حَیاةً ولا نُشوراً.
قالوا:وهَل یَستَطیعُ العَبدُ أن یَفعَلَ ما کانَ یَفعَلُ؟! وهَل جاءَتِ الأَنبِیاءُ بِما جاءَ بِهِ مِنَ القُدرَةِ القاهِرَةِ؟أ لَم یَکُن یُحیِی المَوتی ویُبرِئُ الأَکمَهَ وَالأَبرَصَ،ویُنَبِّئُهُم بِما یُکِنّونَ فی صُدورِهِم وما یَدَّخِرونَ فی بُیوتِهِم؟فَهَل یَستَطیعُ هذا إلَّااللّهُ عز و جل أوِ ابنُ اللّهِ؟!
وقالوا فِی الغُلُوِّ فیهِ وأَکثَروا،تَعالَی اللّهُ عَن ذلِکَ عُلُوّاً کَبیراً.
فَقالَ صلی الله علیه و آله:قَد کانَ عیسی أخی کَما قُلتُم،یُحیِی المَوتی ویُبرِئُ الأَکمَهَ وَالأَبرَصَ، ویُخبِرُ قَومَهُ بِما فی نُفوسِهِم وبِما یَدَّخِرونَ فی بُیوتِهِم،وکُلُّ ذلِکَ بِإِذنِ اللّهِ عز و جل،وهُوَ
ص:306
للّهِ ِ عز و جل عَبدٌ،وذلِکَ عَلَیهِ غَیرُ عارٍ،وهُوَ مِنهُ غَیرُ مُستَنکِفٍ،فَقَد کانَ لَحماً ودَماً وشَعراً وعَظماً وعَصَباً وأَمشاجاً (1)،یَأکُلُ الطَّعامَ ویَظمَأُ ویَنصَبُ بِأَرَبِهِ،ورَبُّهُ الأَحَدُ الحَقُّ الَّذی لَیسَ کَمِثلِهِ شَیءٌ،ولَیسَ لَهُ نِدٌّ.
قالوا:فَأَرِنا مِثلَهُ مَن جاءَ مِن غَیرِ فَحلٍ ولا أبٍ؟
قالَ:هذا آدَمُ علیه السلام أعجَبُ مِنهُ خَلقاً،جاءَ مِن غَیرِ أبٍ ولا امٍّ،ولَیسَ شَیءٌ مِنَ الخَلقِ بِأَهوَنَ عَلَی اللّهِ عز و جل فی قُدرَتِهِ مِن شَیءٍ ولا أصعَبَ، «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ» (2).وتَلا عَلَیهِم: «إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللّهِ کَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ» (3).
قالا:فَما نَزدادُ مِنکَ فی أمرِ صاحِبِنا إلّاتَبایُناً،وهذَا الأَمرُ الَّذی لا نُقِرُّ لَکَ،فَهَلُمَّ فَلنُلاعِنکَ أیُّنا أولی بِالحَقِّ فَنَجعَلَ لَعنَةَ اللّهِ عَلَی الکاذِبینَ،فَإِنَّها مُثلَةٌ وآیَةٌ مُعَجَّلَةٌ.
فَأَنزَلَ اللّهُ عز و جل آیَةَ المُباهَلَةِ عَلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله: «فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی الْکاذِبِینَ» (4)،فَتَلا عَلَیهِم رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله ما نَزَلَ عَلَیهِ فی ذلِکَ مِنَ القُرآنِ، فَقالَ صلی الله علیه و آله:إنَّ اللّهَ قَد أمَرَنی [أن] (5)أصیرَ إلی مُلتَمَسِکُم،وأَمَرَنی بِمُباهَلَتِکُم إن أقَمتُم وأَصرَرتُم عَلی قَولِکُم.
قالا:وذلِکَ آیَةُ ما بَینَنا وبَینَکَ،إذا کانَ غَداً باهَلناکَ.
ص:307
ثُمَّ قاما،وأَصحابُهُما مِنَ النَّصاری مَعَهُما،فَلَمّا أبعَدا وقَد کانوا أنزَلوا (1)بِالحَرَّةِ، أقبَلَ بَعضُهُم عَلی بَعضٍ فَقالوا:قَد جاءَکُم هذا بِالفَصلِ مِن أمرِهِ وأَمرِکُم،فَانظُروا أوَّلاً بِمَن یُباهِلُکُم؛أ بِکافَّةِ أتباعِهِ،أم بِأَهلِ الکِتابِ مِن أصحابِهِ،أو بِذَوِی التَّخَشُّعِ وَالتَّمَسُّکِ (2)وَالصَّفوَةِ دیناً،وهُمُ القَلیلُ مِنهُم عَدداً؟فَإِن جاءَکُم بِالکَثرَةِ وذَوِی الشِّدَّةِ مِنهُم،فَإِنَّما جاءَکُم مُباهِیاً کَما یَصنَعُ المُلوکُ،فَالفَلجُ (3)إذاً لَکُم دونَهُ،وإن أتاکُم بنَفَرٍ قَلیلٍ ذَوی تَخَشُّعٍ فَهؤُلاءِ سَجِیَّةُ (4)الأَنبِیاءِ وصَفوَتُهُم ومَوضِعُ بَهلَتِهِم،فَإِیّاکُم وَالإِقدامَ إذاً عَلی مُباهَلَتِهِم،فَهذِهِ لَکُم أمارَةٌ،وَانظُروا حینَئِذٍ ما تَصنَعونَ ما بَینَکُم وبَینَهُ،فَقَد أعذَرَ مَن أنذَرَ.
فَأَمَرَ صلی الله علیه و آله بِشَجَرَتَینِ فَقُصِدَتا وکُسِحَ ما بَینَهُما،وأَمهَلَ حَتّی إذا کانَ مِنَ الغَدِ أمَرَ بِکِساءٍ أسوَدَ رَقیقٍ فَنُشِرَ عَلَی الشَّجَرَتَینِ،فَلَمّا أبصَرَ السَّیِّدُ وَالعاقِبُ ذلِکَ خَرَجا بِوَلَدَیهِما:صِبغَةِ المُحسِنِ،وعَبدِ المُنعِمِ،وسارَةَ،ومَریَمَ،وخَرَجَ مَعَهُما نَصاری نَجرانَ،ورَکِبَ فُرسانُ بَنِی الحارِثِ بنِ الکَعبِ فی أحسَنِ هَیئَةٍ.
وأَقبَلَ النّاسُ مِن أهلِ المَدینَةِ مِنَ المُهاجِرینَ وَالأَنصارِ وغَیرِهِم مِنَ النّاسِ فی قَبائِلِهِم وشِعارِهِم مِن رایاتِهِم وأَلوِیَتِهِم وأَحسَنِ شارَتِهِم وهَیئَتِهِم،لِیَنظُروا ما یَکونُ مِنَ الأَمرِ.
ولَبِثَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله فی حُجرَتِهِ حَتّی مَتَعَ (5)النَّهارُ،ثُمَّ خَرَجَ آخِذاً بِیَدِ عَلِیٍّ علیه السلام،
ص:308
وَالحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السلام أمامَهُ،وفاطِمَةُ علیها السلام مِن خَلفِهِم،فَأَقبَلَ بِهِم حَتّی أتَی الشَّجَرَتَینِ فَوَقَفَ مِن بَینِهِما مِن تَحتِ الکِساءِ عَلی مِثلِ الهَیئَةِ الَّتی خَرَجَ بِها مِن حُجرَتِهِ، فَأَرسَلَ إلَیهِما یَدعوهُما إلی ما دَعَواهُ إلَیهِ مِنَ المُباهَلَةِ.
فَأَقبَلا إلَیهِ فَقالا:بِمَن تُباهِلُنا یا أبَا القاسِمِ؟
قالَ:بِخَیرِ أهلِ الأَرضِ وأَکرَمِهِم عَلَی اللّهِ عز و جل،بِهؤُلاءِ.وأشارَ لَهُما إلی عَلِیٍّ و فاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَینِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِم.
قالا:فَما نَراکَ جِئتَ لِمُباهَلَتِنا بِالکُبرِ،ولا مِنَ الکُثرِ،ولا أهلِ الشّارَةِ مِمَّن نَری مِمَّن آمَنَ بِکَ وَاتَّبَعَکَ،وما نَری هاهُنا مَعَکَ إلّاهذَا الشّابَّ وَالمَرأَةَ وَالصَّبِیَّینِ، أ فَبِهؤُلاءِ تُباهِلُنا؟!
قالَ صلی الله علیه و آله:نَعَم،أوَلَم اخبِرکُم بِذلِکَ آنِفاً؟! نَعَم بِهؤُلاءِ امِرتُ-وَالَّذی بَعَثَنی بِالحَقِّ-أن اباهِلَکُم.
فَاصفارَّت حینَئِذٍ ألوانُهُما،وکَرّا وعادا إلی أصحابِهِما ومَوقِفِهِما.فَلَمّا رَأی أصحابُهُما ما بِهِما وما دَخَلَهُما،قالوا:ما خَطبُکُما؟فَتَماسَکا وقالا:ما کانَ ثَمَّةَ مِن خَطبٍ فَنُخبِرَکُم.
وأَقبَلَ عَلَیهِم شابٌّ کانَ مِن خِیارِهِم قَد اوتِیَ فیهِم عِلماً،فَقالَ:وَیحَکُم ! لا تَفعَلوا وَاذکُروا ما عَثَرتُم عَلَیهِ فِی الجامِعَةِ مِن صِفَتِهِ،فَوَ اللّهِ إنَّکُم لَتَعلَمونَ حَقَّ العِلمِ أنَّهُ لَصادِقٌ،وإنَّما عَهدُکُم بِإِخوانِکُم حَدیثٌ؛قَد مُسِخوا قِرَدَةً وخَنازیرَ !
فَعَلِموا أنَّهُ قَد نَصَحَ لَهُم،فَأَمسَکوا.
قالَ:وکانَ لِلمُنذِرِ بنِ عَلقَمَةَ-أخی أسقُفِّهِم أبی حارِثَةَ-حَظٌّ مِنَ العِلمِ فیهِم
ص:309
یَعرِفونَهُ لَهُ،وکانَ نازِحاً عَن نَجرانَ فی وَقتِ تَنازُعِهِم،فَقَدِمَ وقَدِ اجتَمَعَ القَومُ عَلَی الرِّحلَةِ إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَشَخَصَ مَعَهُم،فَلَمّا رَأَی المُنذِرُ انتِشارَ أمرِ القَومِ یَومَئِذٍ وتَرَدُّدَهُم فی رَأیِهِم،أخَذَ بِیَدِ السَّیِّدِ وَالعاقِبِ وأَقبَلَ عَلی أصحابِهِ،فَقالَ:«أخلونی وهذَینِ»،فَاعتَزَلَ بِهِما ثُمَّ أقبَلَ عَلَیهِما فَقالَ:إنَّ الرّائِدَ لا یَکذِبُ أهلَهُ،[وأنَا لَکُما حَقُّ نَصیحٍ] (1)وأَنَا لَکُما جِدُّ شَفیقٍ،فَإِن نَظَرتُما لِأَنفُسِکُما نَجَوتُما،وإن تَرَکتُما ذلِکَ هَلَکتُما وأَهلَکتُما.
قالا:أنتَ النّاصِحُ جَیباً (2)،المَأمونُ عَیباً،فَهاتِ.
قالَ:أتَعلَمانِ أنَّهُ ما باهَلَ قَومٌ (3)نَبِیّاً قَطُّ إلّاکانَ مَهلِکُهُم کَلَمحِ البَصَرِ،وقَد عَلِمتُما -وکُلُّ ذی أرِبٍ مِن وَرَثَةِ الکُتُبِ مَعَکُما-أنَّ مُحَمَّداً أبَا القاسِم هذا هُوَ الرَّسولُ الَّذی بَشَّرَت بِهِ الأَنبِیاءُ علیهم السلام،وأَفصَحَت بِنَعتِهِ وأَهلِ بَیتِهِ الاُمَناءُ (4)،واُخری انذِرُکُما بِها فَلا تَعشوا عَنها.
قالا:وما هِیَ یا أبَا المُثَنّی؟
قالَ:اُنظُرا إلَی النَّجمِ قَدِ استَطلَعَ إلَی الأَرضِ،وإلی خُشوعِ الشَّجَرِ،وتَساقُطِ الطَّیرِ بِإِزائِکُما لِوُجوهِها (5)،قَد نَشَرَت عَلَی الأَرضِ أجنِحَتَها،وقاءَت (6)ما فی
ص:310
حَواصِلِها،وما عَلَیها للّهِ ِ عز و جل مِن تَبِعَةٍ،لَیسَ ذلِکَ إلّاما قَد أظَلَّ مِنَ العَذابِ ! وَانظُرا إلَی اقشِعرارِ الجِبالِ،وإلَی الدُّخانِ المُنتَشِرِ،وقَزَعِ السَّحابِ،هذا ونَحنُ فی حَمارَّةِ القَیظِ (1)وإبّانِ الهَجیرِ ! وَانظُروا إلی مُحَمَّدٍ رافِعاً یَدَهُ وَالأَربَعَةُ مِن أهلِهِ (2)مَعَهُ،إنَّما یَنتَظِرُ ما تُجیبانِ بِهِ،ثُمَّ اعلَموا أنَّهُ إن نَطَقَ فوهُ بِکَلِمَةٍ مِن بَهلَةٍ،لَم نَتَدارَکَ هَلاکاً،ولَم نَرجِع إلی أهلٍ ولا مالٍ.
فَنَظَرا فَأَبصَرا أمراً عَظیماً،فَأَیقَنا أنَّهُ الحَقُّ مِنَ اللّهِ تَعالی،فَزَلزَلَت أقدامُهُما، وکادَت أن تَطیشَ عُقولُهُما،وَاستَشعرا أنَّ العَذابَ واقِعٌ بِهِما.
فَلَمّا أبصَرَ المُنذِرُ بنُ عَلقَمَةَ ما قَد لَقِیا مِنَ الخیفَةِ وَالرَّهبَةِ،قالَ لَهُما:إنَّکُما إن أسلَمتُما لَهُ سَلِمتُما فی عاجِلِهِ وآجِلِهِ (3)،وإن آثَرتُما دینَکُما وغَضارَةَ مِلَّتِکُما (4)وشَحَحتُما بِمَنزِلَتِکُم مِنَ الشَّرَفِ فی قَومِکُما،فَلَستُ أحجُرُ عَلَیکُمَا الضَّنینَ بِما نِلتُما مِن ذلِکَ،ولکِنَّکُما بَدَهتُما مُحَمَّداً بِتَطَلُّبِ المُباهَلَةِ،وجَعَلتُماها حِجازاً وآیَةً بَینَکُما وبَینَهُ،وشَخَصتُما مِن نَجرانَ وذلِکَ مِن تَأَلّیکُما،فَأَسرَعَ مُحَمَّدٌ إلی ما بَغَیتُما مِنهُ، وَالأَنبِیاءُ إذا أظهَرَت بِأَمرٍ لَم تَرجِع إلّابِقَضائِهِ وفِعلِهِ،فَإِذا نَکَلتُما عَن ذلِکَ، وأَذهَلَتکُما مَخافَةُ ما تَرَیانِ،فَالحَظُّ فِی النُّکولِ لَکُما،فَالوَحا (5)-یا إخوَتی-الوَحا، صالِحا مُحَمَّداً صلی الله علیه و آله وأَرضِیاهُ،ولا تُرجِئا ذلِکَ؛فَإِنَّکُما-وأَنَا مَعَکُما-بِمَنزِلَةِ قَومِ یونُسَ لَمّا غَشِیَهُمُ العَذابُ !
قالا:فَکُن أنتَ-یا أبَا المُثَنَّی-أنتَ الَّذی تَلقی مُحَمَّداً بِکِفالَةِ ما یَبتَغیهِ لَدَینا،
ص:311
وَالتَمِس لَنا إلَیهِ ابنَ عَمِّهِ هذا لِیَکونَ هُوَ الَّذی یُبرِمُ الأَمرَ بَینَنا وبَینَهُ،فَإِنَّهُ ذُو الوَجهِ وَالزَّعیمُ عِندَهُ،ولا تُبطِئَنَّ بِما (1)تَرجِعُ إلَینا بِهِ.
وَانطَلَقَ المُنذِرُ إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَقالَ:السَّلامُ عَلَیکَ یا رَسولَ اللّهِ،أشهَدُ أن لا إلهَ إلَّااللّهُ الَّذِی ابتَعَثَکَ،وأَنَّکَ وعیسی عَبدانِ للّهِ ِ عز و جل مُرسَلانِ.فَأَسلَمَ وبَلَّغَهُ ما جاءَ لَهُ، فَأَرسَلَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلِیّاً علیه السلام لِمُصالَحَةِ القَومِ،فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام:بِأَبی أنتَ،عَلی ما اصالِحُهُم؟فَقالَ لَهُ:رَأیُکَ-یا أبَا الحَسَنِ-فیما تُبرِمُ مَعَهُم رَأیی.
فَصارَ إلَیهِم،فَصالَحاهُ عَلی ألفِ حُلَّةٍ وأَلفِ دینارٍ خَرجاً فی کُلِّ عامٍ،یُؤَدِّیانِ شَطرَ ذلِکَ فِی المُحَرَّمِ وشَطراً فی رَجَبٍ،فَصارَ عَلِیٌّ علیه السلام بِهِما إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله ذَلیلَینِ صاغِرَینِ،وأَخبَرَهُ بِما صالَحَهُما عَلَیهِ،وأَقَرّا لَهُ بِالخَرجِ وَالصَّغارِ.
فَقالَ لَهُما (2)رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:قَد قَبِلتُ ذلِکَ مِنکُم؛أما إنَّکُم لَو باهَلتُمونی بِمَن تَحتَ الکِساءِ،لَأَضرَمَ اللّهُ عَلَیکُمُ الوادِیَ ناراً تَأَجَّجُ،ثُمَّ لَساقَهَا اللّهُ عز و جل إلی مَن وَراءَکُم فی أسرَعَ مِن طَرفِ العَینِ فَحَرَقَهُم تَأَجُّجاً.
فَلَمّا رَجَعَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله بِأَهلِ بَیتِهِ وصارَ إلی مَسجِدِهِ،هَبَطَ عَلَیهِ جَبرَئیلُ علیه السلام فَقالَ:یا مُحَمَّدُ،إنَّ اللّهَ عز و جل یُقرِئُکَ السَّلامَ ویَقولُ:إنَّ عَبدی موسی علیه السلام باهَلَ عَدُوَّهُ قارونَ بِأَخیهِ هارونَ وبَنیهِ،فَخَسَفتُ بِقارونَ وأَهلِهِ ومالِهِ وبِمَن آزَرَهُ مِن قَومِهِ،وبِعِزَّتی اقسِمُ وبِجَلالی-یا أحمَدُ-،لَو باهَلتَ-بِکَ وبِمَن تَحتَ الکِساءِ مِن أهلِکَ-أهلَ الأَرضِ وَالخَلائِقَ جَمیعاً،لَتَقَطَّعتِ السَّماءُ کِسَفاً وَالجِبالُ زُبَراً،ولَساخَتِ الأَرضُ فَلَم تَستَقِرَّ
ص:312
أبَداً،إلّاأن أشاءَ ذلِکَ.
فَسَجَدَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله،ووَضَعَ عَلَی الأَرضِ وَجهَهُ،ثُمَّ رَفَعَ یَدَیهِ حَتّی تَبَیَّنَ لِلنّاسِ عُفرَةُ إبطَیهِ (1)،فَقالَ:شُکراً لِلمُنعِمِ،شُکراً لِلمُنعِمِ-قالَها ثَلاثاً-.
فَسُئِلَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله عَن سَجدَتِهِ وعَمّا (2)رُئِیَ مِن تَباشیرِ السُّرورِ فی وَجهِهِ،فَقالَ:
«شُکراً للّهِ ِ عز و جل لِما أبلانی مِنَ الکَرامَةِ فی أهلِ بَیتی»،ثُمَّ حَدَّثَهُم بِما جاءَ بِهِ جَبرَئیلُ علیه السلام. (3)
ص:313
ص:314
تفید الوثائق التاریخیّة العدیدة،بأنّ مباهلة النبیّ صلی الله علیه و آله لنصاری نجران،حدثت بعد الهجرة إلی المدینة (1).والمشهور بین المؤرّخین،أنّ هذه الحادثة کانت فی السنة العاشرة،وذکر البعض الآخر أنّها حدثت فی السنة التاسعة،ورأی العلّامة الطباطبائیّ أنّها حدثت فی السنة السادسة،أو قبلها،وسنذکر فیما یلی نقل الأقوال ونقدها:
یری العلّامة الطباطبائی أنّ حادثة المباهلة لا تفصلها من الناحیة التاریخیّة مدّة طویلة عن کتب النبی صلی الله علیه و آله إلی الملوک والحکام،وبما أنّ إرسال هذه الکتب تمّ فی السنة السادسة،فإنّ المباهلة حدثت هی أیضاً فی هذه السنة نفسها،بل قبلها (2).
ص:315
وتتمثّل قرائن العلّامة الطباطبائی،فی وقوع آیة المباهلة فی سورة آل عمران، حیث یری أنّها نزلت مرّة واحدة فی أواسط سنوات الهجرة،أی بعد غزوة احد وقبل الاستقرار التامّ للحکم فی المدینة. (1)
کما یری العلّامة الطباطبائی استناداً إلی قول بعض المفسّرین،أنّ الآیة «قُلْ یا أَهْلَ الْکِتابِ تَعالَوْا إِلی کَلِمَةٍ سَواءٍ بَیْنَنا...» (2)نزلت فی نصاری نجران،وبما أنّ هذه الآیة تطالعنا فی بعض الرسائل التی أرسلها النبی صلی الله علیه و آله إلی زعماء البلدان،فلا بدّ أن تکون هذه الآیة قد نزلت فی السنة السادسة،أو قبلها.
وقد استبعد العلّامة فی الختام،أن یکون النبیّ صلی الله علیه و آله قد بعث الکتب إلی زعماء بلدان بعیدة مثل بلاد الروم ومصر وإیران،ثم یغضّ الطرف عن النجرانیّین الذین هم فی جواره. (3)
إنّ دلیل العلّامة علی نزول سورة آل عمران فی السنوات الوسطی من الهجرة،هو تحلیل واستنباط ولیس وثیقة تاریخیة،فقد استنتج من الدعوة إلی الصبر والثبات فی الحرب،وعدم الاستقرار الکامل للحکم فی المدینة،فی حین أنّنا نشهد فی السنتین الثامنة والتاسعة أیضاً معرکة مؤتة وغزوة تبوک بسب التهدیدات الخارجیة، حیث کان المسلمون بحاجة إلی الثبات.
کما أنّ القرینة الثانیة تقوم علی أن نؤیّد نزول الآیة: «قُلْ یا أَهْلَ الْکِتابِ تَعالَوْا إِلی کَلِمَةٍ سَواءٍ بَیْنَنا...» کان بشکل متزامن مع آیة المباهلة سواء علی أساس نزول سورة
ص:316
آل عمران کلّها دفعة واحدة أو النزول التدریجی للآیات الثمانین والنیّف الاُولی، علی أساس ما ذکره بعض المفسّرین،و أن نعتبر هذا التزامن قطعیّاً إلی درجة أنّه یلغی الوثائق التاریخیة المعارضة؛فی حین أنّ الأمر لیس کذلک.
جدیر ذکره أنّ بالإمکان أن نقول بتعدّد نزول الآیة«تعالوا»مرة فی السنة السادسة واُخری خلال حادثة النجرانیّین،أو اعتبار الآیة «قُلْ یا أَهْلَ الْکِتابِ تَعالَوْا إِلی کَلِمَةٍ سَواءٍ بَیْنَنا...» نازلة فی بدایة الهجرة وأنّ المراد منها الیهود. (1)
کما یمکننا أن نجیب علی استبعاد العلّامة بالقول إنّ رسائل النبی کانت موجّهة إلی ملوک البلدان القویّة والمؤثّرة فی العالم آنذاک،حیث کانت هذه المبادرة نوعاً من السلوک السیاسی وفتح الساحة العالمیة والعامّة لعرض رسالة الإسلام.ولذلک لم تکن هناک حاجة إلی بعث الرسائل إلی أقلیة دینیة داخل الجزیرة العربیة باسم نصاری نجران،وفضلاً عن ذلک،فإنّ إرسال رسائل ذات لهجة حادّة وصارمة إلی ملوک بلاد الروم ومصر والحبشة والذین کانوا یدعمون النجرانیّین بشکل ما،کان نذیراً لهم بما یکفی.
یری المؤرّخ والمفسر الشهیر ابن کثیر أنّ دخول النجرانیّین المدینة کان فی السنة التاسعة من الهجرة،و هذا ما ینسجم مع شهرة هذه السنة باسم«عام الوفود» (2).
ویتّفق الحلبیّ والشنقیطیّ مع ابن کثیر فی هذه النقطة (3)،رغم أنّ وصول الوفود کان مستمرّاً حتی محرم من السنة الحادیة عشرة أیضاً.و مما یجدر ذکره أنّنا لا نمتلک
ص:317
دلیلاً قویّاً لرفض هذا القول،ولا یتعارض معه کلام الشیخ المفید قدس سره الذی یری أنّ المباهلة کانت بعد فتح مکّة (1)،ذلک لأنّ أحداث مکّة ومعرکة حنین ومحاصرة الطائف کلّ ذلک أدّی إلی أن یعود النبیّ إلی المدینة فی أواخر السنة الثامنة،ومراسلة النجرانیّین وتحرّکهم بحاجة إلی شهر أو شهرین.
رأی الطبریّ،المؤرخ المعروف،وابن الأثیر،المؤرّخ الشهیر وکذلک المسعودی وابن خلدون والمقریزی وبعض المعاصرین،أنّ المباهلة حدثت فی السنة العاشرة من الهجرة (2)،وإذا ما کانت کثرة المؤرّخین،مرجِّحاً یمکن الوثوق به،فسوف تکون السنة العاشرة مقبولة أکثر من السنة التاسعة.
تفید الوثائق التاریخیّة بأنّ أشخاصاً قد شهدوا المعاهدة المبرمة بین النبیّ والنجرانیّین،من بینهم أبو سفیان والأقرع بن حابس،حیث کانوا-کبقیة وجهاء قریش-حدیثی العهد بالإسلام فی فتح مکّة (فی أواخر السنة الهجریّة الثامنة).
کما أنّ تهدید مسیحیّی نجران بالحرب،أو دفع الجزیة فی حالة عدم إسلامهم، لا یکون معقولاً إلّاإذا کانت الحکومات المسیحیّة الداعمة لهم قد تراجعت فی معرکةٍ مثل تبوک،وإذا لم یکن هناک مانع مهمّ مثل قریش مکّة فی طریق جیش الإسلام إلی نجران.وفضلاً عن ذلک،فإنّ الجزیة المذکورة فی رسالة النبیّ إلی
ص:318
أهالی نجران،تمّ تشریعها فی السنة التاسعة للهجرة (1)لا فی السنة السادسة،وإلّا لکان النبی صلی الله علیه و آله یطرحها علی الیهود فی معرکة خیبر (7 ه.ق).
لم یعیّن المؤرّخون المعروفون شهرَ المباهلة ویومها،إلّاأنّ المحدّثَین الشیعیَّین، ( الشیخ الطوسی وابن طاووس ) ذکرا أنّ المباهلة کانت فی الرابع والعشرین من شهر ذی الحجّة،علی أساس روایتین ضعیفتی السند،کما احتملوا الحادی والعشرین، والخامس والعشرین والسابع والعشرین أیضاً (2).واستناداً إلی مبدأ التسامح فی هذا النوع من الاُمور،فإنّنا لا نواجه مشکلةً فی قبول هذه الاحتمالات؛ذلک لأنّ حجّ الإمام علی علیه السلام فی السنین التاسعة والعاشرة،وکذلک تواجد النبی الأعظم صلی الله علیه و آله فی الجحفة وغدیر خمّ فی الثامن عشر من ذی الحجّة من السنة العاشرة،یجعل تواجدهما فی المدینة فی أواخر ذی الحجّة سوی الیوم الحادی والعشرین ممکناً، ذلک لأنّ المسافة بین المدینة حتّی الجحفة تبلغ حوالی خمسة أیّام،وحتّی مکة تبلغ حوالی سبعة أیّام.
جدیر ذکره أنّه لیس من الضروری أن نأخذ بنظر الاعتبار فترة زمنیّة مهمّة بین عودة النبیّ صلی الله علیه و آله من الحجّ وانطلاق نصاری نجران إلی المدینة.ویمکننا أن نتصوّر أنّهم انطلقوا وهم علی علم بسفر النبیّ للحجّ وأنّهم وصلوا المدینة مع قوافل الحجیج. (3)
ص:319
11337. الکافی عن أبی مسروق عن الإمام الصادق علیه السلام،قال: قُلتُ:إنّا نُکَلِّمُ النّاسَ فَنَحتَجُّ عَلَیهِم بِقَولِ اللّهِ عز و جل: «أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ» (1)،فَیَقولونَ:نَزَلَت فی امَراءِ السَّرایا ! فَنَحتَجُّ عَلَیهِم بِقَولِهِ عز و جل: «إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ» (2)إلی آخِرِ الآیَةِ، فَیَقولونَ:نَزَلَت فِی المُؤمِنینَ ! ونَحتَجُّ عَلَیهِم بِقَولِ اللّهِ عز و جل: «قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی» (3)،فَیَقولونَ:نَزَلَت فی قُربَی المُسلِمینَ ! قالَ:فَلَم أدَع شَیئاً مِمّا حَضَرَنی ذِکرُهُ مِن هذِهِ وشِبهِهِ إلّاذَکَرتُهُ.
فَقالَ لی:إذا کانَ ذلِکَ فَادعُهُم إلَی المُباهَلَةِ.
قُلتُ:وکَیفَ أصنَعُ؟
قالَ:أصلِح نَفسَکَ ثَلاثاً.وأَظُنُّهُ قالَ:وصُم وَاغتَسِل وَابرُز أنتَ وهُوَ إلَی الجَبّانِ (4)، فَشَبِّک أصابِعَکَ مِن یَدِکَ الیُمنی فی أصابِعِهِ،ثُمَّ أنصِفهُ وَابدَأ بِنَفسِکَ وقُل:«اللّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبعِ ورَبَّ الأَرَضینَ السَّبعِ،عالِمَ الغَیبِ وَالشَّهادَةِ الرَّحمنَ الرَّحیمَ،إن کانَ أبُو مَسروقٍ جَحَدَ حَقّاً وَادَّعی باطِلاً فَأَنزِل عَلَیهِ حُسباناً (5)مِنَ السَّماءِ أو عَذاباً ألیماً»،ثُمَّ رُدَّ الدَّعوَةَ عَلَیهِ فَقُل:«و إن کانَ فُلانٌ جَحَدَ حَقّاً وَادَّعی باطِلاً فَأَنزِل عَلَیهِ حُسباناً مِنَ السَّماءِ أو عَذاباً ألیماً».
ثُمَّ قالَ لی:فَإِنَّکَ لا تَلبَثُ أن تَری ذلِکَ فیهِ.فَوَاللّهِ ما وَجَدتُ خَلقاً یُجیبُنی إلَیهِ ! (6)
ص:320
11338. الکافی عن الخیرانیّ عن أبیه،أنّه قالَ: کانَ یَلزَمُ بابَ أبی جَعفَرٍ [الإِمامِ الجَوادِ] علیه السلام لِلخِدمَةِ الَّتی کانَ وُکِّلَ بِها،وکانَ أحمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عیسی یَجیءُ فِی السَّحَرِ فی کُلِّ لَیلَةٍ لِیَعرِفَ خَبَرَ عِلَّةِ أبی جَعفَرٍ علیه السلام،وکانَ الرَّسولُ الَّذی یَختَلِفُ بَینَ أبی جَعفَرٍ علیه السلام وبَینَ أبی إذا حَضَرَ قامَ أحمَدُ وخَلا بِهِ أبی،فَخَرَجتُ ذاتَ لَیلَةٍ وقامَ أحمَدُ عَنِ المَجلِسِ وخَلا أبی بِالرَّسولِ،وَاستَدارَ أحمَدُ فَوَقَفَ حَیثُ یَسمَعُ الکَلامَ.
فَقالَ الرَّسولُ لِأَبی:إنَّ مَولاکَ یَقرَأُ عَلَیکَ السَّلامَ ویَقولُ لَکَ:إنّی ماضٍ وَالأَمرُ صائِرٌ إلَی ابنی عَلِیٍّ،ولَهُ عَلَیکُم بَعدی ما کانَ لی عَلَیکُم بَعدَ أبی.ثُمَّ مَضَی الرَّسولُ ورَجَعَ أحمَدُ إلی مَوضِعِهِ،وقالَ لِأَبی:مَا الَّذی قَد قالَ لَکَ؟قالَ:خَیراً،قالَ:قَد سَمِعتُ ما قالَ،فَلِمَ تَکتُمُهُ؟وأعادَ ما سَمِعَ،فَقالَ لَهُ أبی:قَد حَرَّمَ اللّهُ عَلَیکَ ما فَعَلتَ؛لِأَنَّ اللّهَ تَعالی یَقولُ: «وَ لا تَجَسَّسُوا» (1)،فَاحفَظِ الشَّهادَةَ لَعَلَّنا نَحتاجُ إلَیها یَوماً ما،وإیّاکَ أن تُظهِرَها إلی وَقتِها.
فَلَمّا أصبَحَ أبی کَتَبَ نُسخَةَ الرِّسالَةِ فی عَشرِ رِقاعٍ،وخَتَمَها ودَفَعَها إلی عَشَرَةٍ مِن وُجوهِ العِصابَةِ،وقالَ:إن حَدَثَ بی حَدَثُ المَوتِ قَبلَ أن اطالِبَکُم بِها فَافتَحوها وَاعمَلوا بِما فیها.
فَلَمّا مَضی أبو جَعفَرٍ علیه السلام ذَکَرَ أبی أنَّهُ لَم یَخرُجُ مِن مَنزِلِهِ حَتّی قَطَعَ عَلی یَدَیهِ نَحوٌ مِن أربَعِمِئَةِ إنسانٍ،وَاجتَمَعَ رُؤَساءُ العِصابَةِ عِندَ مُحَمَّدِ بنِ الفَرَجِ یَتَفاوَضونَ هذَا الأَمرَ،فَکَتَبَ مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ إلی أبی یُعلِمُهُ بِاجتِماعِهِم عِندَهُ،وأَنَّهُ لَولا مَخافَةُ الشُّهرَةِ لَصارَ مَعَهُم إلَیهِ،ویَسأَلُهُ أن یَأتِیَهُ،فَرَکِبَ أبی وصارَ إلَیهِ،فَوَجَدَ القَومَ مُجتَمِعینَ عِندَهُ،فَقالوا لِأَبی:ما تَقولُ فی هذَا الأَمرِ؟
فَقالَ أبی لِمَن عِندَهُ الرِّقاعُ:أحضِرُوا الرِّقاعَ،فَأَحضَروها،فَقالَ لَهُم:هذا
ص:321
ما امِرتُ بِهِ،فَقالَ بَعضُهُم:قَد کُنّا نُحِبُّ أن یَکونَ مَعَکَ فی هذَا الأَمرِ شاهِدٌ آخَرُ.
فَقالَ لَهُم:قَد آتاکُمُ اللّهُ عز و جل بِهِ،هذا أبو جَعفَرٍ الأَشعَرِیُّ یَشهَدُ لی بِسَماعِ هذِهِ الرِّسالَةِ،وسَأَلَهُ أن یَشهَدَ بِما عِندَهُ،فَأَنکَرَ أحمَدُ أن یَکونَ سَمِعَ مِن هذا شَیئاً ! فَدَعاهُ أبی إلَی المُباهَلَةِ،فَقالَ:لَمّا حُقِّقَ عَلَیهِ قالَ:قَد سَمِعتُ ذلِکَ،وهذا مَکرُمَةٌ کُنتُ احِبُّ أن تَکونَ لِرَجُلٍ مِنَ العَرَبِ لا لِرَجُلٍ مِنَ العَجَمِ.فَلَم یَبرَحِ القَومُ حَتّی قالوا بِالحَقِّ جَمیعاً. (1)
11339. الإمام الصادق علیه السلام -فِی المُباهَلَةِ-:تُشَبِّکُ أصابِعَکَ فی أصابِعِهِ ثُمَّ تَقولُ:«اللّهُمَّ إن کانَ فُلانٌ جَحَدَ حَقّاً وأَقَرَّ بِباطِلٍ،فَأَصِبهُ بِحُسبانٍ مِنَ السَّماءِ أو بِعَذابٍ مِن عِندِکَ»، وتُلاعِنُهُ سَبعینَ مَرَّةً. (2)
11340. الکافی عن أبی جمیلة عن بعض أصحابه،قال (3): إذا جَحَدَ الرَّجُلُ الحَقَّ،فَإِن أرادَ أن تُلاعِنُهُ قُل:اللّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبعِ،ورَبَّ الأَرَضینَ السَّبعِ،ورَبَّ العَرشِ العَظیمِ، إن کانَ فُلانٌ جَحَدَ الحَقَّ وکَفَرَ بِهِ،فَأَنزِل عَلَیهِ حُسباناً مِنَ السَّماءِ أو عَذاباً ألیماً. (4)
11341. الإمام الباقر علیه السلام: السّاعَةُ الَّتی تُباهِلُ فیها،ما بَینَ طُلوعِ الفَجرِ إلی طُلوعِ الشَّمسِ. (5)
ص:322
11342. الإمام زین العابدین علیه السلام: لَمّا کانَ مِن أمرِ أبی بَکرٍ وبَیعَةِ النّاسِ لَهُ وفِعلِهِم بِعَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السلام ما کانَ،لَم یَزَل أبو بَکرٍ یُظهِرُ لَهُ الاِنبِساطَ ویَری مِنهُ انقِباضاً،فَکَبُرَ ذلِکَ عَلی أبی بَکرٍ،فَأَحَبَّ لِقاءَهُ وَاستِخراجَ ما عِندَهُ،وَالمَعذِرَةَ إلَیهِ مِمَّا (1)اجتَمَعَ النّاسُ عَلَیهِ وتَقلیدِهِم إیّاهُ أمرَ الاُمَّةِ وقِلَّةِ رَغبَتِهِ فی ذلِکَ وزُهدِهِ فیهِ،أتاهُ فی وَقتِ غَفلَةٍ وطَلَبَ مِنهُ الخَلوَةَ،وقالَ لَهُ:وَاللّهِ یا أبَا الحَسَنِ،ما کانَ هذَا الأَمرُ مُواطَأَةً مِنّی، ولا رَغبَةً فیما وَقَعتُ فیهِ،ولا حِرصاً عَلَیهِ،ولا ثِقَةً بِنَفسی فیما تَحتاجُ إلَیهِ الاُمَّةُ، ولا قُوَّةً لی لِمالٍ،ولا کَثرَةَ العَشیرِةِ،ولَا ابتِزازاً لَهُ دونَ غَیری،فَما لَکَ تُضمِرُ عَلَیَّ ما لَم أستَحِقَّهُ مِنکَ،وتُظهِرُ لِیَ الکَراهَةَ فیما صِرتُ إلَیهِ،وتَنظُرُ إلَیَّ بِعَینِ السَّأَمَةِ مِنّی؟
قالَ:فَقالَ لَهُ علیه السلام:فَما حَمَلَکَ عَلَیهِ إذا لَم تَرغَبَ فیهِ ولا حَرَصتَ عَلَیهِ ولا وَثِقتَ بِنَفسِکَ فِی القِیامِ بِهِ،وبِما یُحتاجُ مِنکَ فیهِ؟!
فَقالَ أبو بَکرٍ:حَدیثٌ سَمِعتُهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله:«إنَّ اللّهَ لا یَجمَعُ امَّتی عَلی
ص:323
ضَلالٍ»،ولَمّا رَأَیتُ اجتِماعَهُمُ اتَّبَعتُ حَدیثَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،وأَحَلتُ أن یَکونَ اجتِماعُهُم عَلی خِلافِ الهُدی،وأَعطَیتُهُم قَوَدَ الإِجابَةِ،ولَو عَلِمتُ أنَّ أحَداً یَتَخَلَّفُ لَامتَنَعتُ.
قالَ:فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام:أمّا ما ذَکَرتَ مِن حَدیثِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله«إنَّ اللّهَ لا یَجمَعُ امّتی عَلی ضَلالٍ»،أفَکُنتُ مِنَ الاُمَّةِ أو لَم أکُن؟
قالَ:بَلی.
قالَ:وکَذلِکَ العِصابَةُ المُمتَنِعَةُ عَلَیکَ مِن سَلمانَ وعَمّارٍ وأبی ذَرٍّ وَالمِقدادِ وَابنِ عُبادَةَ ومَن مَعَهُ مَنِ الأَنصارِ؟
قالَ:کُلٌّ مِنَ الاُمَّةِ.
فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام...فَأَنشُدُکَ بِاللّهِ،أبی بَرَزَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله وبِأَهلِ بَیتی ووُلدی فی مُباهَلَةِ المُشرِکینَ مِنَ النَّصاری،أم بِکَ وبِأَهلِکَ ووُلدِکَ؟
قالَ:بِکُم.... (1)
11343. تاریخ دمشق عن عاصم بن ضمرة وهبیرة وعبّاد بن عبد اللّه الأسدی وعمرو بن واثلة: قالَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ یَومَ الشّوری:وَاللّهِ لَأَحتَجَّنَّ عَلَیهِم بِما لا یَستَطیعُ قُرَشِیُّهُم ولا عَرَبِیُّهُم ولا عَجَمِیُّهُم رَدَّهُ ولا یَقولُ خِلافُهُ.
ثُمَّ قالَ لِعُثمانَ بنِ عَفّانَ ولِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ وَالزُّبَیرِ ولِطَلحَةَ وسَعدٍ:...
نَشَدتُکُم بِاللّهِ،هَل فیکُم أحَدٌ أقرَبُ إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله فِی الرَّحِمِ،ومَن جَعَلَهُ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله نَفسَهُ،وَابناهُ أبناءَهُ،ونِساءَهُ نِساءَهُ،غَیری؟
قالوا:اللّهُمَّ لا ! (2)
ص:324
11344. الأمالی للطوسی عن أبی ذر: إنَّ عَلِیّاً علیه السلام وعُثمانَ وطَلحَةَ وَالزُّبَیرَ وعَبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ وسَعدَ بنَ أبی وَقّاصٍ،أمَرَهُم عُمَرُ بنُ الخَطّابِ أن یَدخُلوا بَیتاً ویُغلِقوا عَلَیهِم بابَهُ ویَتَشاوَروا فی أمِرِهم،وأَجَّلَهُم ثَلاثَةَ أیّامٍ،فَإِن تَوافَقَ خَمسَةٌ عَلی قَولٍ واحِدٍ وأَبی رَجُلٌ مِنهُم قُتِلَ ذلِکَ الرَّجُلُ،وإن تَوافَقَ أربَعَةٌ وأبَی اثنانِ قُتِلَ الاِثنانِ.فَلَمّا تَوافَقوا جَمیعاً عَلی رَأیٍ واحِدٍ،قالَ لَهُم عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السلام:
إنّی احِبُّ أن تَسمَعوا مِنّی ما أقولُ،فَإِن یَکُن حَقّاً فَاقبَلوهُ،وإن یَکُن باطِلاً فَأَنکِروهُ.
قالوا:قُل.
قالَ:أنشُدُکُم بِاللّهِ...فَهَل فیکُم أحَدٌ أنزَلَ اللّهُ عز و جل فیهِ وفی زَوجَتِهِ ووَلَدَیهِ آیَةَ المُباهَلَةِ،وجَعَلَ اللّهُ عز و جل نَفسَهُ نَفسَ رَسولِهِ،غَیری؟
قالوا:لا. (1)
11345. المسترشد -فی ذِکرِ مُناشَدَةِ أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام یَومَ الشّوری-:هذا عَلِیٌّ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام خَطَبَ یَومَ الشّوری فَعَدَّدَ خِصالاً هذِهِ مِنها،فَقالَ:...نَشَدتُکُمُ اللّهَ، أفیکُم أحَدٌ قالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ یَومَ المُباهَلَةِ،إذ نَزَلَت «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ» :أنتَ نَفسی،غَیری؟
قالوا:اللّهُمَّ لا ! (2)
11346. الخصال عن مکحول: قالَ أمیرُ المُؤمِنینَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السلام:لَقَد عَلِمَ المُستَحفَظونَ مِن أصحابِ النَّبِیِّ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله أنَّهُ لَیسَ فیهِم رَجُلٌ لَهُ مَنقَبَةٌ إلّاوقَد شَرِکتُهُ فیها
ص:325
وفُضِّلتُهُ،ولی سَبعونَ مَنقَبَةً لَم یَشرَکنی فیها أحَدٌ مِنهُم.
قُلتُ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ فَأَخبِرنی بِهِنَّ.
فَقالَ علیه السلام:إنَّ أَوَّلَ مَنقَبَةٍ لی أنّی لَم اشرِک بِاللّهِ طَرفَةَ عَینٍ...وأَمَّا الرابِعَةُ وَالثَّلاثونَ فَإِنَّ النَّصارَی ادَّعَوا أمراً فَأَنزَلَ اللّهُ عز و جل فیهِ: «فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی الْکاذِبِینَ» ،فَکانَت نَفسی نَفسَ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،وَالنِّساءَ فاطِمَةُ علیها السلام، وَالأَبناءَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ،ثُمَّ نَدِمَ القَومُ فَسَأَلوا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله الإِعفاءَ فَأَعفاهُم، وَالَّذی أنزَلَ التَّوراةَ عَلی موسی وَالفُرقانَ عَلی مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله ! لَو باهَلونا لَمُسِخوا قِرَدَةً وخَنازیرَ. (1)
11347. الأمالی للطوسی عن أبی عمر زاذان: لَمّا وادَعَ الحَسَنُ بنُ عَلِیٍّ علیه السلام مُعاوِیَةَ،صَعِدَ مُعاوِیَةُ المِنبَرَ،وجَمَعَ النّاسَ فَخَطَبَهُم،وقالَ:إنَّ الحَسَنَ بنَ عَلِیِّ رَآنی لِلخِلافَةِ أهلاً ولَم یَرَ نَفسَهُ لَها أهلاً.
وکانَ الحَسَنُ علیه السلام أسفَلَ مِنهُ بِمِرقاةٍ،فَلَمّا فَرَغَ مِن کَلامِهِ،قامَ الحَسَنُ علیه السلام فَحَمِدَ اللّهَ تَعالی بِما هُوَ أهلُهُ،ثُمَّ ذَکَرَ المُباهَلَةَ فَقالَ:فَجاءَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله مِنَ الأَنفُسِ بِأَبی، ومِنَ الأَبناءِ بی وبِأَخی،ومِنَ النِّساءِ بِاُمّی،وکُنّا أهلَهُ ونَحنُ لَهُ،وهُوَ مِنّا ونَحنُ مِنهُ. (2)
ص:326
11348. کتاب سلیم بن قیس: لَمّا کانَ قَبلَ مَوتِ مُعاوِیَةَ بِسَنَةٍ،حَجَّ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ وعَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ وعَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ مَعَهُ،فَجَمَعَ الحُسَینُ علیه السلام بَنی هاشِمٍ؛ رِجالَهُم ونِساءَهُم ومَوالِیَهُم وشیعَتَهُم مَن حَجَّ مِنهُم،ومِنَ الأَنصارِ مِمَّن یَعرِفُهُ الحُسَینُ علیه السلام وأَهلُ بَیتِهِ،ثُمَّ أرسَلَ رُسُلاً:لا تَدَعو أحَداً مِمَّن حَجَّ العامَ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله المَعروفینَ بِالصَّلاحِ وَالنُّسُکِ إلَّااجمَعوهُم لی،فَاجتَمَعَ إلَیهِ بِمِنیً أکثَرُ مِن سَبعِمِئَةِ رَجُلٍ وهُم فی سُرادِقِهِ،عامَّتُهُم مِنَ التّابِعینَ،ونَحوٌ مِن مِئَتَی رَجُلٍ مِن أصحابِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله وغَیرِهِم.
فَقامَ فیهِمُ الحُسَینُ علیه السلام خَطیباً،فَحَمِدَ اللّهَ وأَثنی عَلَیهِ ثُمَّ قالَ:...أنشُدُکُمُ اللّهَ، أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله حینَ دَعَا النَّصاری مِن أهلِ نَجرانَ إلَی المُباهَلَةِ،لَم یَأتِ إلّا بِهِ وبِصاحِبَتِهِ وَابنَیهِ؟
قالوا:اللّهُمَّ نَعَم ! (1)
11349. الإمام الکاظم علیه السلام -فِی احتِجاجاتٍ لَهُ مَعَ هارونَ الرَّشیدِ-:...ثُمَّ قالَ [أیِ الرَّشیدُ]:
کَیفَ قُلتُم:«إنّا ذُرِّیَّةُ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله»وَالنَّبِیُّ صلی الله علیه و آله لَم یُعَقِّب،وإنَّمَا العَقِبُ لِلذَّکَرِ لا لِلاُنثی، وأَنتُم وَلَدُ البِنتِ ولا یَکونُ لَها عَقِبٌ؟!
فَقُلتُ:...أعوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیمِ،بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ «وَ مِنْ ذُرِّیَّتِهِ
ص:327
داوُدَ وَ سُلَیْمانَ وَ أَیُّوبَ وَ یُوسُفَ وَ مُوسی وَ هارُونَ وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ* وَ زَکَرِیّا وَ یَحْیی وَ عِیسی وَ إِلْیاسَ» (1)،مَن أبو عیسی یا أمیرَ المُؤمِنینَ؟
فَقالَ:لَیسَ لِعیسی أبٌ !
فَقُلتُ:إنَّما ألحَقناهُ بِذرارِیِّ الأَنبِیاءِ علیهم السلام مِن طَریقِ مَریَمَ علیها السلام،وکَذلِکَ الحِقنا بِذَرارِیِّ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله مِن قِبَلِ امِّنا فاطِمَةَ علیها السلام.أزیدُکَ یا أمیرَ المُؤمِنینَ؟
قالَ:هاتِ.
قُلتُ:قَولُ اللّهِ عز و جل: «فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی الْکاذِبِینَ» ، ولَم یَدَّعِ أحَدٌ أنَّهُ أدخَلَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله تَحتَ الکِساءِ عِندَ المُباهَلَةِ لِلنَّصاری إلّاعَلِیَّ بنَ أبی طالِبٍ وفاطِمَةَ وَالحَسَنَ وَالحُسَینَ،فَکانَ تَأویلُ قَولِهِ تَعالی: «أَبْناءَنا» الحَسَنَ وَالحُسَینَ، «وَ نِساءَنا» فاطِمَةَ، «وَ أَنْفُسَنا» عَلِیَّ بنَ أبی طالِبٍ علیهم السلام. (2)
11350. عیون أخبار الرضا علیه السلام عن الریّان بن الصلت: حَضَرَ الرِّضا علیه السلام مَجلِسَ المَأمونِ بِمَروَ، وقَدِ اجتَمَعَ فی مَجلِسِهِ جَماعَةٌ مِن عُلَماءِ أهلِ العِراقِ وخُراسانَ.
فَقالَ المَأمونُ:أخبِرونی عَن مَعنی هذِهِ الآیَةِ: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا» (3)،فَقالَتِ العُلَماءُ:أرادَ اللّهُ عز و جل بِذلِکَ الاُمَّةَ کُلَّها.
ص:328
فَقالَ المَأمونُ:ما تَقولُ یا أبَا الحَسَنِ؟
فَقالَ الرِّضا علیه السلام:لا أقولُ کَما قالوا،ولکِنّی أقولُ:أرادَ اللّهُ عز و جل بِذلِکَ العِترَةَ الطّاهِرَةَ.
فَقالَ المَأمونُ:وکَیفَ عَنَی العِترَةَ مِن دونِ الاُمَّةِ؟
فَقالَ لَهُ الرِّضا علیه السلام:إنَّهُ لَو أرادَ الاُمَّةَ لَکانَت أجمَعُها فِی الجَنَّةِ،لِقَولِ اللّهِ عز و جل: «فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ ذلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ» (1)،ثُمَّ جَمَعَهُم کُلَّهُم فِی الجَنَّةِ فَقالَ عز و جل: «جَنّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَها یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ» (2)الآیَةَ،فَصارَتِ الوِراثَةُ لِلعِترَةِ الطّاهِرَةِ لا لِغَیرِهِم.
فَقالَ المَأمونُ:مَنِ العِترَةُ الطّاهِرَةُ؟
فَقالَ الرِّضا علیه السلام:الَّذینَ وَصَفَهُمُ اللّهُ فی کِتابِهِ،فَقالَ عز و جل: «إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً» (3)،وهُمُ الَّذینَ قالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:«إنّی مُخَلِّفٌ فیکُمُ الثَّقَلَینِ:کِتابَ اللّهِ وعِترَتی أهلَ بَیتی،ألا وإنَّهُما لَن یَفتَرِقا حَتّی یَرِدا عَلَیَّ الحَوضَ، فَانظُروا کَیفَ تُخَلِّفُونّی فیهِما،أیُّهَا النّاسُ! لا تُعَلِّموهُم فَإِنَّهُم أعلَمُ مِنکُم».
قالَتِ العُلَماءُ:أخبِرنا یا أبَا الحَسَنِ عَنِ العِترَةِ،أهُمُ الآلُ أم غَیرُ الآلِ؟
فَقالَ الرِّضا علیه السلام:هُمُ الآلُ.
فَقالَتِ العُلَماءُ:فَهذا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله یُؤثَرُ عَنهُ أنَّهُ قالَ:«اُمَّتی آلی»،وهؤُلاءِ أصحابُهُ یَقولونَ بِالخَبَرِ المُستَفاضِ الَّذی لا یُمکِنُ دَفعُهُ:آلُ مُحَمَّدٍ امَّتُهُ.
فَقالَ أبُو الحَسَنِ علیه السلام:أخبِرونی،فَهَل تَحرُمُ الصَّدَقَةُ عَلَی الآلِ؟فَقالوا:نَعَم.قالَ:
فَتَحرُمُ عَلَی الاُمَّةِ؟قالوا:لا.قالَ:هذا فَرقُ ما بَینَ الآلِ وَالاُمَّةِ.وَیحَکُم! أینَ یُذهَبُ
ص:329
بِکُم،أضَرَبتُم عَنِ الذِّکرِ صَفحاً أم أنتُم قَومٌ مُسرِفونَ (1)؟! أما عَلِمتُم أنَّهُ وَقَعَتِ الوِراثَةُ وَالطَّهارَةُ عَلَی المُصطَفَینِ المُهتَدینَ دونَ سائِرِهِم؟
قالوا:ومِن أینَ یا أبَا الحَسَنِ؟
فَقالَ:مِن قَولِ اللّهِ جَلَّ وعَزَّ: «وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِیمَ وَ جَعَلْنا فِی ذُرِّیَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْکِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ کَثِیرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ» (2)،فَصارَت وِراثَةُ النُّبُوَّةِ وَالکِتابِ لِلمُهتَدینَ دونَ الفاسِقینَ،أما عَلِمتُم أنَّ نوحاً حینَ سَأَلَ رَبَّهُ عز و جل «فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِی مِنْ أَهْلِی وَ إِنَّ وَعْدَکَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْکَمُ الْحاکِمِینَ » (3)وذلِکَ أنَّ اللّهَ عز و جل وَعَدَهُ أن یُنجِیَهُ وأَهلَهُ،فَقالَ رَبُّهُ عز و جل:
«یا نُوحُ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّی أَعِظُکَ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْجاهِلِینَ» (4)؟
فَقالَ المَأمونُ:هَل فَضَّلَ اللّهُ العِترَةَ عَلی سائِرِ النّاسِ؟
فَقالَ أبُو الحَسَنِ علیه السلام:إنَّ اللّهَ عز و جل أبانَ فَضلَ العِترَةِ عَلی سائِرِ النّاسِ فی مُحکَمِ کِتابِهِ.
فَقالَ لَهُ المَأمونُ:أینَ ذلِکَ مِن کِتابِ اللّهِ؟
فَقالَ لَهُ الرِّضا علیه السلام:فی قَولِ اللّهِ عز و جل: «إِنَّ اللّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ* ذُرِّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ» (5)،وقالَ عز و جل فی مَوضِعٍ آخَرَ: «أَمْ یَحْسُدُونَ النّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنا آلَ إِبْراهِیمَ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ آتَیْناهُمْ مُلْکاً عَظِیماً» (6).
ص:330
ثُمَّ رَدَّ المُخاطَبَةَ فی أثَرِ هذِهِ إلی سائِرِ المُؤمِنینَ،فَقالَ: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ» (1)؛یَعنِی الَّذینَ قَرَنَهُم بِالکِتابِ وَالحِکمَةِ وحُسِدوا عَلَیهِما،فَقَولُهُ عز و جل: «أَمْ یَحْسُدُونَ النّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنا آلَ إِبْراهِیمَ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ آتَیْناهُمْ مُلْکاً عَظِیماً» ؛یَعنِی الطّاعَةَ لِلمُصطَفَینِ الطّاهِرینَ، فَالمُلکُ هاهُنا هُوَ الطّاعَةُ لَهُم.
فَقالَتِ العُلَماءُ:فَأَخبِرنا هَل فَسَّرَ اللّهُ عز و جل الاِصطِفاءَ فِی الکِتابِ؟
فَقالَ الرِّضا علیه السلام:فَسَّرَ الاِصطِفاءَ فِی الظّاهِرِ سِوَی الباطِنِ فِی اثنَی عَشَرَ مَوطِناً ومَوضِعاً،فَأَوَّلُ ذلِکَ قَولُهُ عز و جل: «وَ أَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ» (2)ورَهطَکَ (3)المُخلِصینَ،هکَذا فی قِراءَةِ ابَیِّ بنِ کَعبٍ،وهِیَ ثابِتَةٌ فی مُصحَفِ عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعودٍ،وهذِهِ مَنزِلَةٌ رَفیعَةٌ وفَضلٌ عَظیمٌ وشَرَفٌ عالٍ،حینَ عَنَی اللّهُ عز و جل بِذلِکَ الآلَ،فَذَکَرَهُ لِرَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَهذِهِ واحِدَةٌ.
وَالآیَةُ الثّانِیَةُ فِی الاصطِفاءِ قَولُهُ عز و جل: «إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً» (4)،وهذَا الفَضلُ الَّذی لا یَجهَلُهُ أحَدٌ إلّامُعانِدٌ ضالٌّ؛لِأَنَّهُ فَضَّلَ بَعدَ طَهارَةٍ تُنتَظَرُ،فَهذِهِ الثّانِیَةُ.
وأمَّا الثّالِثَةُ فَحینَ مَیَّزَ اللّهُ الطّاهِرینَ مِن خَلقِهِ،فَأَمَرَ نَبِیَّهُ صلی الله علیه و آله بِالمُباهَلَةِ بِهِم فی آیَةِ الاِبتهِالِ،فَقالَ عز و جل:یا مُحَمَّدُ «فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی
ص:331
اَلْکاذِبِینَ» (1)،فَبَرَّزَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله عَلِیّاً وَالحَسَنَ وَالحُسَینَ وفاطِمَةَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِم،وقَرَنَ أنفُسَهُم بِنَفسِهِ،فَهَل تَدرونَ ما مَعنی قَولِهِ عز و جل: «وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ» ؟
قالَتِ العُلَماءُ:عَنی بِهِ نَفسَهُ.
فَقالَ أبُو الحَسَنِ علیه السلام:غَلِطتُم،إنَّما عَنی بِها عَلِیَّ بنَ أبی طالِبٍ علیه السلام،ومِمّا یَدُلُّ عَلی ذلِکَ قَولُ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله حینَ قالَ:«لَیَنتَهِیَنَّ بَنو وَلیعَةَ أو لَأَبعَثَنَّ إلَیهِم رَجُلاً کَنَفسی»؛ یَعنی عَلِیَّ بنَ أبی طالِبٍ علیه السلام،وعَنی بِالأَبناءِ الحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهما السلام،وعَنی بِالنِّساءِ فاطِمَةَ علیها السلام (2)،فَهذِهِ خُصوصِیَّةٌ لا یَتَقَدَّمُهُم فیها أحَدٌ،وفَضلٌ لا یَلحَقُهُم فیهِ بَشَرٌ، وشَرَفٌ لا یَسبِقُهُم إلَیهِ خَلقٌ،إذ جَعَلَ نَفسَ عَلِیٍّ علیه السلام کَنَفسِهِ،فَهذِهِ الثّالِثَةُ.... (3)
11351. الفصول المختارة: قالَ المَأمونُ یَوماً لِلرِّضا علیه السلام:أخبِرنی بِأَکبَرِ فَضیلَةٍ لِأَمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام یَدُلُّ عَلَیهَا القُرآنُ؟
قالَ:فَقالَ لَهُ الرِّضا علیه السلام:فَضیلَتُهُ فِی المُباهَلَةِ؛قالَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ: «فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی الْکاذِبِینَ» ،فَدَعا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله الحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهما السلام فَکانَا ابنَیهِ،ودَعا فاطِمَةَ علیها السلام فَکانَت فی هذَا المَوضِعِ نِساءَهُ،ودَعا أمیرَ المُؤمِنینَ علیه السلام فَکانَ نَفسَهُ بِحُکمِ اللّهِ عز و جل،وقَد ثَبَتَ أنَّهُ لَیسَ أحَدٌ مِن خَلقِ اللّهِ سُبحانَهُ أجَلَّ مِن رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله وأَفضَلَ،فَوَجَبَ أن لا یَکونَ أحَدٌ أفضَلَ مِن نَفسِ
ص:332
رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِحُکمِ اللّهِ عز و جل.
قالَ:فَقالَ لَهُ المَأمونُ:ألَیسَ قَد ذَکَرَ اللّهُ الأَبناءَ بِلَفظِ الجَمعِ،وإنَّما دَعا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله ابنَیهِ خاصَّةً،وذَکَرَ النِّساءَ بِلَفظِ الجَمعِ وإنَّما دَعا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله ابنَتَهُ وَحدَها،فَلِمَ لا جازَ أن یَذکُرَ الدُّعاءَ لِمَن هُوَ نَفسَهُ ویَکونَ المُرادُ نَفسَهُ فِی الحَقیقَةِ دونَ غَیرِهِ،فَلا یَکونُ لِأَمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام ما ذَکَرتَ مِنَ الفَضلِ؟
قالَ:فَقالَ لَهُ الرِّضا علیه السلام:لَیسَ بِصَحیحٍ ما ذَکَرتَ یا أمیرَ المُؤمِنینَ،وذلِکَ أنَّ الدّاعِیَ إنَّما یَکونُ داعِیاً لِغَیرِهِ کَما یَکونُ الآمِرُ آمِراً لِغَیرِهِ،ولا یَصِحُّ أن یَکونَ داعِیاً لِنَفسِهِ فِی الحَقیقَةِ کَما لا یَکونُ آمِراً لَها فِی الحَقیقَةِ،وإذا لَم یَدعُ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله رَجُلاً فِی المُباهَلَةِ إلّاأمیرَ المُؤمِنینَ علیه السلام،فَقَد ثَبَتَ أنَّهُ نَفسُهُ الَّتی عَناهَا اللّهُ تَعالی فی کِتابِهِ، وجَعَلَ حُکمَهُ ذلِکَ فی تَنزیلِهِ.
قالَ:فَقالَ المَأمونُ:إذا وَرَدَ الجَوابَ سَقَطَ السُّؤالُ. (1)
11352. طرائف المقال: إنَّ المَأمونَ قالَ لِلرِّضا علیه السلام:مَا الدَّلیلُ عَلی خِلافَةِ جَدِّکَ [عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ]؟قالَ علیه السلام: «أَنْفُسَنا» ،فَقالَ المَأمونُ:لَولا «نِساءَنا» ! فَقالَ الرِّضا علیه السلام:لَولا «أَبْناءَنا» ! فَسَکَتَ المَأمونُ (2). (3)
ص:333
ص:334
11353. الملهوف: قالَ الرّاوی:وخَرَجَ بُرَیرُ بنُ خُضَیرٍ-وکانَ زاهِداً عابِداً-فَخَرَج إلَیهِ یَزیدُ بنُ مَعقِلٍ،وَاتَّفَقا عَلَی المُباهَلَةِ إلَی اللّهِ فی أن یَقتُلَ المُحِقُّ مِنهُمَا المُبطِلَ،فَتَلاقَیا فَقَتَلَهُ بُرَیرٌ. (1)
11354. رجال النجاشی: مُحَمَّدُ بنُ أحمَدَ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ قُضاعَةَ بنِ صَفوانَ بنِ مِهرانَ الجَمّالِ، مَولی بَنی أسَدٍ،أبو عَبدِ اللّهِ،شَیخُ الطّائِفَةِ،ثِقَةٌ فَقیهٌ فاضِلٌ،وکانَت لَهُ مَنزِلَةٌ مِنَ السُّلطانِ،کانَ أصلُها أنَّهُ ناظَرَ قاضِیَ المَوصِلِ فِی الإِمامَةِ بَینَ یَدَیِ ابنِ حَمدانَ، فَانتَهَی القَولُ بَینَهُما إلی أن قالَ لِلقاضی:تُباهِلُنی؟فَوَعَدَهُ إلی غَدٍ،ثُمَّ حَضَرُوا فَباهَلَهُ وجَعَلَ کَفَّهُ فی کَفِّهِ،ثُمَّ قاما مِنَ المَجلِسِ.
وکانَ القاضی یَحضُرُ دارَ الأَمیرِ ابنِ حَمدانَ فی کُلِّ یَومٍ،فَتَأَخَّرَ ذلِکَ الیَومَ ومِن غَدِهِ،فَقالَ الأَمیرُ:اِعرِفوا خَبَرَ القاضی !
فَعادَ الرَّسولُ فَقالَ:إنَّهُ مُنذُ قامَ مِن مَوضِعِ المُباهَلَةِ حُمَّ وَانتَفَخَ الکَفُّ الَّذی مَدَّهُ لِلمُباهَلَةِ وقَدِ اسوَدَّت،ثُمَّ ماتَ مِنَ الغَدِ.
ص:335
فَانتَشَرَ لِأَبی عَبدِ اللّهِ الصَّفوانِیِّ بِهذا ذِکرٌ عِندَ المُلوکِ،وحُظِیَ مِنهُم وکانَت لَهُ مَنزِلَةٌ. (1)
11355. الغیبة للطوسی عن أبی علیّ بن همّام: أنفَذَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِیٍّ الشَّلمَغانِیُّ العَزاقِرِیُّ إلَی الشَّیخِ الحُسَینِ بنِ روحٍ؛یَسأَلُهُ أن یُباهِلَهُ،وقالَ:أنَا صاحِبُ الرَّجُلِ وقَد امِرتُ بِإِظهارِ العِلمِ،وقَد أظهَرتُهُ باطِناً وظاهِراً،فَباهِلنی.
فَأَنفَذَ إلَیهِ الشَّیخُ رضی الله عنه فی جَوابِ ذلِکَ:أیُّنا تَقَدَّمَ صاحِبَهُ فَهُوَ المَخصومُ.
فَتَقَدَّمَ العَزاقِرِیُّ فَقُتِلَ وصُلِبَ،واُخِذَ مَعَهُ ابنُ أبی عَونٍ،وذلِکَ فی سَنَةِ ثَلاثٍ وعِشرینَ وثَلاثِمِئَةٍ. (2)
11356. بحار الأنوار عن ابن عبّاس: الوُضوءُ غَسلَتانِ ومَسحَتانِ،مَن باهَلَنی باهَلتُهُ. (3)
11357. جامع بیان العلم عن ابن عبّاس: لِیَتَّقِ اللّهَ زَیدٌ (4)،أیَجعَلُ وَلَدَ الوَلَدِ بِمَنزِلَةِ الوَلَدِ،لا یَجعَلُ أبَ الأَبِ بِمَنزِلَةِ الأَبِ؟! إن شاءَ باهَلتُهُ عِندَ الحَجَرِ الأَسوَدِ. (5)
ص:336
11358. الإمام الصادق علیه السلام -فی حَدیثٍ یَذکُرُ فیهِ الأَغسالَ-:غُسلُ الجَنابَةِ واجِبٌ...وغُسلُ المُباهَلَةِ واجِبٌ (1). (2)
11359. الإمام الصادق علیه السلام: مَن صَلّی فی هذَا الیَومِ [یَعنِی الرابِعَ وَالعِشرینَ مِن ذِی الحِجَّةِ] رَکعَتَینِ قَبلَ الزَّوالِ بِنِصفِ ساعَةٍ شُکراً للّهِ ِ عَلی ما مَنَّ بِهِ عَلَیهِ وخَصَّهُ بِهِ،یَقرَأُ فی کُلِّ رَکعَةٍ امَّ الکِتابِ مَرَّةً واحِدَةً،وعَشرَ مَرّاتٍ«قُل هُوَ اللّهُ أحَدٌ»،وعَشرَ مَرّاتٍ آیَةَ
ص:337
الکُرسِیِّ إلی قَولِهِ: «هُمْ فِیها خالِدُونَ» ،وعَشرَ مَرّاتٍ«إنّا أنزَلناهُ فی لَیلَةِ القَدرِ»؛عَدَلَت عِندَ اللّهِ مِئَةَ ألفِ حِجَّةٍ،ومِئَةَ ألفِ عُمرَةٍ،ولَم یَسأَلِ اللّهِ عز و جل حاجَةً مِن حَوائِجِ الدُّنیا وَالآخِرَةِ إلّاقَضاها لَهُ کائِنَةً ما کانَت،إن شاءَ اللّهُ عز و جل. (1)
11360. الإقبال عن الحسین بن خالد عن الإمام الصادق علیه السلام: قالَ أبو جَعفَرٍ علیه السلام:لَو قُلتُ إنَّ فی هذَا الدُّعاءِ الاِسمَ الأَکبَرَ لَصَدَقتُ،ولَو عَلِمَ النّاسُ ما فیهِ مِنَ الإِجابَةِ لَاضطَرَبوا عَلی تَعلیمِهِ بِالأَیدی،وأَنَا لَاُقَدِّمُهُ بَینَ یَدَی حَوائِجی فَیُنجِحُ،وهُوَ دُعاءُ المُباهَلَةِ مِن قَولِ اللّهِ تَعالی: «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ» (2)ثُمَّ إلی آخِرِ الآیَةِ،وإنَّ جَبرَئیلَ علیه السلام نَزَلَ عَلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَأَخبَرَهُ بِهذَا الدُّعاءِ،قالَ:تَخرُجُ أنتَ ووَصِیُّکَ وسِبطاکَ وَابنَتُکَ وباهِلِ القَومَ وَادعوا بِهِ.
قالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام:فَإِذا دَعَوتُم فَاجتَهِدوا فِی الدُّعاءِ،فَإِنَّ ما عِندَ اللّهِ خَیرٌ وأَبقی مِن کُنوزِ العِلمِ،فَاشفَعوا بِهِ وَاکتُموهُ مِن غَیرِ أهلِهِ السُّفَهاءِ وَالمُنافِقینَ.الدُّعاءُ:
«اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن بَهائِکَ بِأَبهاهُ،وکُلُّ بَهائِکَ بَهِیٌّ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِبَهائِکَ کُلِّهِ، اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن جَلالِکَ بِأَجَلِّهِ،وکُلُّ جَلالِکَ جَلیلٌ،اللّهُمَّ إنی أسأَ لُکَ بِجَلالِکَ کُلِّهِ، اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن جَمالِکَ بِأَجمَلِهِ،وکُلُّ جَمالِکَ جَمیلٌ،اللّهُمَّ إنی أسأَ لُکَ بِجَمالِکَ کُلِّهِ، اللّهُمَّ إنّی أدعوکَ کَما أمَرتَنی فَاستَجِب لی کَما وَعَدتَنی.
اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ من عَظَمَتِکَ بِأَعظَمِها،وکُلُّ عَظَمَتِکَ عَظیمَةٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِعَظَمَتِکَ
ص:338
کُلِّها،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن نورِکَ بِأَنوَرِهِ،وکُلُّ نورِکَ نَیِّرٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِنورِکَ کُلِّهِ، اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن رَحمَتِکَ بِأَوسَعِها،وکُلُّ رَحمَتِکَ واسِعَةٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِرَحمَتِکَ کُلِّها،اللّهُمَّ إنّی أدعوکَ کَما أمَرتَنی فَاستَجِب لی کَما وَعَدتَنی.
اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن کَمالِکَ بِأَکمَلِهِ،وکُلُّ کَمالِکَ کامِلٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِکَمالِکَ کُلِّهِ، اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن کَلِماتِکَ بِأَتَمِّها،وکُلُّ کَلِماتِکَ تامَّةٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِکَلِماتِکَ کُلِّها، اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن أسمائِکَ بِأَکبَرِها،وکُلُّ أسمائِکَ کَبیرَةٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِأَسمائِکَ کُلِّها،اللّهُمَّ إنّی أدعوکَ کَما أمَرتَنی فَاستَجِب لی کَما وَعَدتَنی.
اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن عِزَّتِکَ بِأَعَزِّها،وکُلُّ عِزَّتِکَ عَزیزَةٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِعِزَّتِکَ کُلِّها،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن مَشِیَّتِکَ بِأَمضاها،وکُلُّ مَشِیَّتِکَ ماضِیَةٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِمَشِیَّتِکَ کُلِّها،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِقُدرَتِکَ الَّتی استَطَلتَ بِها عَلی کُلِّ شَیءٍ،وکُلُّ قُدرَتِکَ مُستَطیلَةٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِقُدرَتِکَ کُلِّها،اللّهُمَّ إنّی أدعوکَ کَما أمَرتَنی فَاستَجِب لی کَما وَعَدتَنی.
اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن عِلمِکَ بِأَنفَذِهِ،وکُلُّ عِلمِکَ نافِذٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِعِلمِکَ کُلِّهِ، اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن قَولِکَ بِأَرضاهُ،وکُلُّ قَولِکَ رِضاً (1)،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِقَولِکَ کُلِّهِ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن مَسائِلِکَ بِأَحَبِّها إلَیکَ،وکُلُّ مَسائِلِکَ إلَیکَ حَبیبَةٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِمَسائِلِکَ کُلِّها،اللّهُمَّ إنّی أدعوکَ کَما أمَرتَنی فَاستَجِب لی کَما وَعَدتَنی.
اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن شَرَفِکَ بِأَشرَفِهِ،وکُلُّ شَرَفِکَ شَریفٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِشَرَفِکَ کُلِّهِ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن سُلطانِکَ بِأَدوَمِهِ،وکُلُّ سُلطانِکَ دائِمٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِسُلطانِکَ کُلِّهِ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن مُلکِکَ بِأَفخَرِهِ،وکُلُّ مُلکِکَ فاخِرٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ
ص:339
بِمُلکِکَ کُلِّهِ،اللّهُمَّ إنّی أدعوکَ کَما أمَرتَنی فَاستَجِب لی کَما وَعَدتَنی.
اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن عَلائِکَ بِأَعلاهُ،وکُلُّ عَلائِکَ عالٍ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِعَلائِکَ کُلِّهِ، اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن آیاتِکَ بِأَعجَبِها،وکُلُّ آیاتِکَ عَجیبَةٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِآیاتِکَ کُلِّها، اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ مِن مَنِّکَ بِأَقدَمِهِ،وکُلُّ مَنِّکَ قَدیمٌ،اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِمَنِّکَ کُلِّهِ،اللّهُمَّ إنّی أدعوکَ کَما أمَرتَنی فَاستَجِب لی کَما وَعَدتَنی.
اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ بِما أنتَ فیهِ مِنَ الشُّؤونِ وَالجَبَروتِ،اللّهُمَّ وإنّی أسأَ لُکَ بِکُلِّ شَأنٍ، وکُلِّ جَبَروتٍ لَکَ.
اللّهُمَّ وإنّی أسأَ لُکَ بِما تُجیبُنی بِهِ حینَ أسأَ لُکَ،یا اللّهُ،یا لا إلهَ إلّاأنتَ أسأَ لُکَ بِبَهاءِ لا إلهَ إلّاأنتَ،یا لا إلهَ إلّاأنتَ أسأَ لُکَ بِجَلالِ لا إلهَ إلّاأنتَ،یا لا إلهَ إلّاأنتَ أسأَ لُکَ بِجَمالِ لا إلهَ إلّاأنتَ،یا لا إلهَ إلّاأنتَ أسأَ لُکَ بِعَظَمَةِ لا إلهَ إلّاأنتَ،یا لا إلهَ إلّاأنتَ أسأَ لُکَ بِکَمالِ لا إلهَ إلّاأنتَ،یا لا إلهَ إلّاأنتَ أسأَ لُکَ بِقَولِ لا إلهَ إلّاأنتَ،یا لا إلهَ إلّا أنتَ أسأَ لُکَ بِشَرَفِ لا إلهَ إلّاأنتَ،یا لا إلهَ إلّاأنتَ أسأَ لُکَ بِعَلاءِ لا إلهَ إلّاأنتَ،یا لا إلهَ إلّا أنتَ أسأَ لُکَ بِکَلِماتِ لا إلهَ إلّاأنتَ،یا لا إلهَ إلّاأنتَ أسأَ لُکَ بِعِزَّةِ لا إلهَ إلّاأنتَ،یا لا إلهَ إلّاأنتَ أسأَ لُکَ بِلا إلهَ إلّاأنتَ،یا لا إلهَ إلّاأنتَ یا اللّهُ یا رَبّاه-حَتّی یَنقَطِعَ النَّفَسُ-».
وتَقولُ:
«أسأَ لُکَ سَیِّدی فَلَیسَ مِثلَکَ شَیءٌ،وأَسأَ لُکَ بِکُلِّ دَعوَةٍ دَعاکَ بِها نَبِیٌّ مُرسَلٌ أو مَلَکٌ مُقَرَّبٌ أو مُؤمِنٌ امتَحَنتَ قَلبَهُ لِلإِیمانِ استَجَبتَ دَعوَتَهُ مِنهُ،وأَتَوَجَّهُ إلَیکَ بِمُحَمَّدٍ نَبِیِّکَ نَبِیِّ الرَّحمَةِ،وأَتَقَدَّمُ بَینَ یَدَی حوَائِجی بِمُحَمَّدٍ،یا مُحَمَّدُ یا رَسولَ اللّهِ،بِأَبی أنتَ وأُمّی،أتَوَجَّهُ إلی رَبِّکَ ورَبّی واُقَدِّمُکَ بَینَ یَدَی حاجَتی،یا رَبّاه یا اللّهُ یا رَبّاه، أسأَ لُکَ بِکَ فَلَیسَ کَمِثلِکَ شَیءٌ،وأَتَوَجَّهُ إلَیکَ بِمُحَمَّدٍ خَلیلِکَ ونَبِیِّکَ نَبِیِّ الرَّحمَةِ
ص:340
وبِعِترَتِهِ،واُقَدِّمُهُم بَینَ یَدَی حَوائِجی.
وأَسأَ لُکَ بِحَیاتِکَ الَّتی لا تَموتُ،وبِنورِ وَجهِکَ الَّذی لا یُطفَأُ،وبِالعَینِ الَّتی لا تَنامُ، أسأَ لُکَ أن تُصَلِّیَ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ قَبلَ کُلِّ شَیءٍ».
ثُمَّ تَسأَلُ حاجَتَکَ تُقضی إن شاءَ اللّهُ. (1)
11361. الإقبال: (2)دُعاءُ المُباهَلَةِ وَالإِنابَةِ وَالتَّضَرُّعِ وَالمَسأَلَةِ عَن مَولانا أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام:
«اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا یُحِیطُونَ بِشَیْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لا یَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ» (3).
«شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِکَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ» (4).
«قُلِ اللّهُمَّ مالِکَ الْمُلْکِ تُؤْتِی الْمُلْکَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْکَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِیَدِکَ الْخَیْرُ إِنَّکَ عَلی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ* تُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ وَ تُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَیْرِ حِسابٍ» (5).
«لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلی جَبَلٍ لَرَأَیْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْیَةِ اللّهِ وَ تِلْکَ الْأَمْثالُ
ص:341
نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ* هُوَ اللّهُ الَّذِی لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عالِمُ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِیمُ* هُوَ اللّهُ الَّذِی لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِکُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَیْمِنُ الْعَزِیزُ الْجَبّارُ الْمُتَکَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا یُشْرِکُونَ* هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنی یُسَبِّحُ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ» (1).
هُوَ اللّهُ الَّذی لا یُعرَفُ لَهُ سَمِیٌّ،وهُوَ اللّهُ الرَّجاءُ وَالمُرتَجی،وَاللَّجَأُ وَالمُلتَجی،وإلَیهِ المُشتَکی،ومِنهُ الفَرَجُ وَالرَّخاءُ،وهُوَ سَمیعُ الدُّعاءِ.
اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُکَ یا اللّهُ بِحَقِّ الاِسمِ الرَّفیعِ عِندَکَ،العالِی المَنیعِ،الَّذِی اختَرتَهُ لِنَفسِکَ، وَاختَصَصتَهُ لِذِکرِکَ،ومَنَعتَهُ جَمیعَ خَلقِکَ،وأَفرَدتَهُ عَن کُلِّ شَیءٍ دونَکَ،وجَعَلتَهُ دَلیلاً عَلَیکَ وسَبَباً إلَیکَ،وهُوَ أعظَمُ الأَسماءِ،وأَجَلُّ الأَقسامِ،وأَفخَرُ الأَشیاءِ،وأَکبَرُ الغَنائِمِ، وأَوفَقُ الدُّعاءِ،ثُمَّ (2)لا تُخَیِّبُ راجِیَهُ ولا تَرُدُّ داعِیَهُ،ولا یَضعُفُ مَنِ اعتَمَدَ عَلَیهِ ولَجَأَ إلَیهِ.
وأَسأَ لُکَ یا اللّهُ بِالرُّبوبِیَّةِ الَّتی تَفَرَّدتَ بِها أن تَقِیَنِی النّارَ بِقُدرَتِکَ،وتُدخِلَنِی الجَنَّةَ بِرَحمَتِکَ.
یا نورُ أنتَ نورُ السَّماواتِ وَالأَرضِ،قَدِ استَضاءَ بِنورِکَ أهلُ سَماواتِکَ وأَرضِکَ، فَأَسأَ لُکَ أن تَجعَلَ لی نوراً فی سَمعی وبَصَری أستَضیءُ بِهِ فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ.
یا عَظیمُ أنتَ رَبُّ العَرشِ العَظیمِ،بِعَظَمَتِکَ استَعَنتُ فَارفَعنی وأَلحِقنی دَرَجَةَ الصّالِحینَ.
یا کَریمُ بِکَرَمِکَ تَعَرَّضتُ،وبِهِ تَمَسَّکتُ،وعَلَیهِ تَوَکَّلتُ وَاعتَمَدتُ،فَأَکرِمنی بِکَرامَتِکَ،وأَنزِل عَلَیَّ رَحمَتَکَ وبَرَکاتِکَ،وقَرِّبنی مِن جِوارِکَ،وأَلبِسنی مِن مَهابَتِکَ
ص:342
وبَهائِکَ،وأَنِلنی مِن رَحمَتِکَ وجَزیلِ عَطائِکَ.
یا کَبیرُ لا تُصَعِّر خَدّی،ولا تُسَلِّط عَلَیَّ مَن لا یَرحَمُنی،وَارفَع ذِکری،وشَرِّف مَقامی، وأَعلِ فی عِلِّیّینَ دَرَجَتی.یا مُتَعالِ (1)أسأَ لُکَ بِعُلُوِّکَ أن تَرفَعَنی ولا تَضَعَنی،ولا تُذِلَّنی بِمَن هُوَ أرفَعُ مِنّی،ولا تُسَلِّط عَلَیَّ مَن هُوَ دونی،وأَسکِن خَوفَکَ قَلبی.
یا حَیُّ أسأَ لُکَ بِحَیاتِکَ الَّتی لا تَموتُ أن تُهَوِّنَ عَلَیَّ المَوتَ،وأَن تُحیِیَنی حَیاةً طَیِّبَةً، وتَوَفَّنی مَعَ الأَبرارِ.
یا قَیّومُ أنتَ القائِمُ عَلی کُلِّ نَفسٍ (بِما کَسَبَت)،وَالمُقیمُ بِکُلِّ شَیءٍ،اجعَلنی مِمَّن یُطیعُکَ ویَقومُ بِأَمرِکَ وحَقِّکَ،ولا یَغفُلُ عَن ذِکرِکَ.
یا رَحمنُ ارحَمنی بِرَحمَتِکَ،وجُد عَلَیَّ بِفَضلِکَ وجودِکَ (2)،ونَجِّنی مِن عِقابِکَ،وأَجِرنی مِن عَذابِکَ.
یا رَحیمُ تَعَطَّف عَلی ضُرّی بِرَحمَتِکَ،وجُد عَلَیَّ بِجودِکَ ورَأفَتِکَ،وخَلِّصنی مِن عَظیمِ جُرمی بِرَحمَتِکَ؛فَإِنَّکَ الشَّفیقُ الرَّفیقُ،ومَن لَجَأَ إلَیکَ فَقَدِ استَمسَکَ بِالعُروَةِ الوُثقی وَالرُّکنِ الوَثیقِ.
یا مَلِکُ مِن مُلکِکَ أطلُبُ،ومِن خَزائِنِکَ الَّتی لا تَنفَدُ أسأَلُ،فَأَعطِنی مُلکَ الدُّنیا وَالآخِرَةِ؛فَإِنَّهُ لا یُعجِزُکَ ولا یَنقُصُکَ شَیءٌ،ولا یُؤثَرُ فیما عِندَکَ.
یا قُدّوسُ أنتَ الطّاهِرُ المُقَدَّسُ،فَطَهِّر قَلبی وفَرِّغنی لِذِکِرکَ،وعَلِّمنی ما یَنفَعُنی،وزِدنی عِلماً إلی ما عَلَّمتَنی.
یا جَبّارُ بِقُوَّتِکَ أعِنّی عَلَی الجَبّارینَ،وَاجبُرنی یا جابِرَ العَظمِ الکَسیرِ،وکُلُّ جَبّارٍ خاضِعٌ لَکَ.
ص:343
یا مُتَکَبِّرُ اکنُفنی بِرُکنِکَ،وحُل بَینی وبَینَ البُغاةِ مِن خَلقِکَ بِکِبرِیائِکَ.
یا عَزیزُ أعِزَّنی بِطاعَتِکَ،ولا تُذِلَّنی (1)بِالمَعاصی فَأَهونَ عِندَکَ وعِندَ خَلقِکَ.
یا حَلیمُ عُد عَلَیَّ بِحِلمِکَ،وَاستُرنی بِعَفوِکَ،وَاجعَلنی مُؤَدِّیاً لِحَقِّکَ،ولا تَفضَحنی یَومَ الوُقوفِ بَینَ یَدَیکَ.
یا عَلیمُ أنتَ العالِمُ بِحالی وسِرّی وجَهری وخَطَئی وعَمدی،فَاصفَح لی عَمّا خَفِیَ عَن خَلقِکَ مِن أمری.
یا حَکیمُ أسأَ لُکَ بِما أحکَمتَ بِهِ الأَشیاءَ فَأَتقَنتَها،أن تَحکُمَ لی بِالإِجابَةِ فیما أسأَ لُکَ وأَرغَبُ فیهِ إلَیکَ.
یا سَلامُ سَلِّمنی مِن مَظالِمِ العِبادِ،ومِن عَذابِ القَبرِ وأَهوالِ یَومِ القِیامَةِ.
یا مُؤمِنُ آمِنّی مِن کُلِّ خَوفٍ،وَارحَم ضُرّی وذُلَّ مَقامی،وَاکفِنی ما أهَمَّنی مِن أمرِ دُنیای وآخِرَتی.
یا مُهَیمِنُ خُذ بِناصِیَتی إلی رِضاکَ،وَاجعَلنی عامِلاً بِطاعَتِکَ مَعصوماً عَن طاعَةِ مَن سِواکَ.
یا بارِئَ الأَشیاءِ عَلی غَیرِ مِثالٍ،أسأَ لُکَ أن تَجعَلَنی مِنَ الصّادِقینَ المَبرورینَ عِندَکَ.
یا مُصَوِّرُ صَوَّرتَنی فَأَحسَنتَ صورَتی،وخَلَقتَنی فَأَکمَلتَ خَلقی،فَتَمِّم أحسَنَ ما أنعَمتَ بِهِ عَلَیَّ،ولا تُشَوِّه خَلقی یَومَ القِیامَةِ.
یا قَدیرُ بِقُدرَتِکَ قَدَّرتَ وقَدَّرتَنی عَلَی الأَشیاءِ،فَأَسأَ لُکَ أن تُحسِنَ عَلی أمورِ الدُّنیا وَالآخِرَةِ مَعونَتی،وتُنجِینَی مِن سوءِ أقدارِکَ.
ص:344
یا غَنِیُّ أغنِنی بِغَنائِکَ،وأَوسِع عَلَیَّ فی عَطائِکَ،وَاشفِنی بِشِفائِکَ،ولا تُبعِدنی مِن سَلامَتِکَ.
یا حَمیدُ لَکَ الحَمدُ کُلُّهُ،وبِیَدِکَ الأَمرُ کُلُّهُ،ومِنکَ الخَیرُ کُلُّهُ.اللّهُمَّ ألهِمنِی الشُّکرَ عَلی ما أعطَیتَنی.
یا مَجیدُ أنتَ المَجیدُ وَحدَکَ،لا یَفوتُکَ شَیءٌ ولا یَؤُودُکَ (1)شَیءٌ،فَاجعَلنی مِمَّن یُقَدِّسُکَ ویُمَجِّدُکَ ویُثنی عَلَیکَ.
یا أحَدُ أنتَ اللّهُ الفَردُ الأَحَدُ الصَّمَدُ لَم تَلِد ولَم تولَد ولَم یَکُن لَکَ کُفُواً أحَدٌ،فَکُن لی اللّهُمَّ جاراً ومونِساً وحِصناً مَنیعاً.
یا وَترُ أنتَ وَترُ کُلِّ شَیءٍ،ولا یَعدِلُکَ شَیءٌ،فَاجعَل عاقِبَةَ أمری إلی خَیرٍ،وَاجعَل خَیرَ أیّامی یَومَ ألقاکَ.
یا صَمَدُ یا مَن لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَومٌ،ولا یَخفی عَلَیهِ خافِیَةٌ فی ظُلُماتِ البَرِّ وَالبَحرِ، احفَظنی فی تَقَلُّبی (2)ونَومی ویَقَظَتی.
یا سَمیعُ اسمَع صَوتی،وَارحَم صَرخَتی.
یا سَمیعُ یا مُجیبُ یا بَصیرُ،قَد أحاطَ بِکُلِّ شَیءٍ عِلمُکَ ونَفَذَ فیهِ عِلمُکَ وکُلُّهُ بِعَینِکَ، فَانظُر إلَیَّ بِرَحمَتِکَ،ولا تُعرِض عَنّی بِوَجهِکَ.
یا رَؤوفُ أنتَ أرأَفُ بی مِن أبی واُمّی،ولَو لا رَأفَتُکَ لَما عَطَفا عَلَیَّ،فَتَمِّم نِعمَتَکَ عَلَیَّ ولا تُنَغِّصنی ما أعطَیتَنی.
یا لَطیفُ الطُف بی بِلُطفِکَ الخَفِیِّ مِن حَیثُ أعلَمُ ومِن حَیثُ لا أعلَمُ،إنَّکَ أنتَ علّامُ الغُیوبِ.
ص:345
یا حَفیظُ احفَظنی فی نَفسی وأَهلی ومالی ووَلَدی،وما حَضَرتُهُ ووَعَیتُهُ وغِبتُ عَنهُ مِن أمری بِما حَفِظتَ بِهِ السَّماواتِ وَالأَرَضینَ وما بَینَهُما،إنَّکَ عَلی کُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ.
یا غَفورُ اغفِر لی ذُنوبی وَاستُر عُیوبی،ولا تَفضَحنی بِسَرائِری إنَّکَ أرحَمُ الرّاحِمینَ.
ویا وَدودُ اجعَل لی مِنکَ مَوَدَّةً ورَحمَةً فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ،وَاجعَل لی ذلِکَ فی صُدورِ المُؤمِنینَ.
یا ذَا العَرشِ المَجیدِ اجعَلنی مِنَ المُسَبِّحینَ المُمَجِّدینَ لَکَ فی آناءِ اللَّیلِ وأَطرافِ النَّهارِ وبِالغُدُوِّ وَالآصالِ،وأَعِنّی عَلی ذلِکَ.
یا مُبدِئُ أنتَ بَدَأتَ الأَشیاءَ کَما تُریدُ،وأَنتَ المُبدِئُ المُعیدُ الفَعّالُ لِما تُریدُ،فَاجعَل لِیَ الخِیَرَةَ فِی البَدءِ وَالعاقِبَةِ فِی الاُمورِ.
یا مُعیدُ أنتَ تُعیدُ الأَشیاءَ کَما بَدَأتَها أوَّلَ مَرَّةٍ،أسأَ لُکَ إعادَةَ الصِّحَّةِ وَالمالِ وجَلیلِ الأَحوالِ إلَیَّ وَالتَّفَضُّلَ بِذلِکَ.
یا رَقیبُ احرُسنی بِرَقبَتِکَ،وأَعِنّی بِحِفظِکَ،وَاکنُفنی بِفَضلِکَ،ولا تَکِلنی إلی غَیرِکَ.
یا شَکورُ أنتَ المَشکورُ عَلی ما رَعَیتَ وغَذَّیتَ،ووَهَبتَ وأَعطَیتَ وأَغنَیتَ،فَاجعَلنی لَکَ مِنَ الشّاکِرینَ ولِآلائِکَ مِنَ الحامِدینَ.
یا باعِثُ ابعَثنی شَهیداً صِدّیقاً رَضِیّاً،عزیزاً حَمیداً،مُغتَبِطاً مَسروراً،مَشکوراً مَحبوراً.
یا وارِثُ تَرِثُ الأَرضَ ومَن عَلَیها،وَالسَّماواتِ وسُکّانَها،وجَمیعَ ما خَلَقتَ،فَوَرِّثنی حِلماً وعِلماً إنَّکَ خَیرُ الوارِثینَ.
یا مُحیی أحیِنی حَیاةً طَیِّبَةً بِجودِکَ،وأَلهِمنی شُکرَکَ [ وذِکرَکَ] (1)أبَداً ما أبقَیتَنی،
ص:346
وآتِنی فِی الدُّنیا حَسَنَةً وفِی الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنی عَذابَ النّارِ.
یا مُحسِنُ عُد عَلَیَّ اللّهُمَّ بِإِحسانِکَ،وضاعِف عِندی نِعمَتَکَ وجَمیلَ بَلائِکَ.
یا مُمیتُ هَوِّن عَلَیَّ سَکَراتِ المَوتِ وغُصَصَهُ،وبارِک لی فیهِ عِندَ نُزولِهِ،ولا تَجعَلنی مِنَ النّادِمینَ عِندَ مُفارَقَةِ الدُّنیا.
یا مُجمِلُ لا تُبَغِّضنی بِما أعطَیتَنی،ولا تَمنَعنی ما رَزَقتَنی،ولا تَحرِمنی ما وَعَدتَنی، وجَمِّلنی بِطاعَتِکَ.
یا مُنعِمُ تَمِّم نِعمَتَکَ عَلَیَّ،وآنِسنی بِها،وَاجعَلنی مِنَ الشّاکِرینَ لَکَ عَلَیها.
یا مُفضِلُ بِفَضلِکَ أعیشُ،ولَکَ أرجو،وعَلَیکَ أعتَمِدُ،فَأَوسِع عَلَیَّ مِن فَضلِکَ،وَارزُقنی مِن حَلالِ رِزقِکَ.
أنتَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ،وَالظّاهِرُ وَالباطِنُ،وأَنتَ عَلی کُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ،فَاجعَلنی أوَّلَ التّائِبینَ،ومِمَّن یَروی مِن حَوضِ نَبِیِّکَ یَومَ القِیامَةِ.
یا آخِرُ أنتَ الآخِرُ،وکُلُّ شَیءٍ هالِکٌ إلّاوَجهَکَ،تَعالَیتَ عُلُوّاً کَبیراً.
یا ظاهِرُ أنتَ الظّاهِرُ عَلی کُلِّ شَیءٍ مَکنونٍ،وَالعالِمُ بِکُلِّ شَیءٍ مَکتومٍ،فَأَسأَ لُکَ أن تُظهِرَ مِن اموری أحَبَّها إلَیکَ.
یا باطِنُ أنتَ تُبطِنُ فِی الأَشیاءِ مِثلَ ما تُظهِرُهُ فیها،وأَنتَ عَلّامُ الغُیوبِ،فَأَسأَ لُکَ اللّهُمَّ أن تُصلِحَ ظَاهِری وباطِنی بِقُدرَتِکَ.
یا قاهِرُ أنتَ الَّذی قَهَرتَ الأَشیاءَ بِقُدرَتِکَ،فَکُلُّ جَبّارٍ دونَکَ،ونَواصِی الخَلقِ کُلُّهُم بِیَدِکَ،وکُلُّهُم واقِفٌ بَینَ یَدَیکَ وخاضِعٌ لَکَ.
یا وَهّابُ هَب لی مِن لَدُنکَ رَحمَةً وعِلماً ومالاً ووَلَداً طَیِّباً،إنَّکَ أنتَ الوَهّابُ.
یا فَتّاحُ افتَح لی أبوابَ رَحمَتِکَ وأَدخِلنی فیها،وأَعِذنی مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیمِ،وَافتَح لی
ص:347
مِن فَضلِکَ.
یا رَزّاقُ ارزُقنی مِن فَضلِکَ،وزِدنی مِن عَطائِکَ،وسَعَةِ ما عِندَکَ،وأَغنِنی عَن خَلقِکَ.
یا خَلّاقُ أنتَ خَلَقتَ الأَشیاءَ بِغَیرِ نَصَبٍ ولا لُغوبٍ،خَلَقتَنی خَلقاً سَوِیّاً حَسَناً جَمیلاً،وفَضَّلتَنی عَلی کَثیرٍ مِمَّن خَلَقتَ تَفضیلاً.
یا قاضی أنتَ تَقضی فی خَلقِکَ بِما تُریدُ،فَاقضِ لی بِالحُسنی،وجَنِّبنِی الرَّدی،وَاختِم لی بِالحُسنی فِی الآخِرَةِ وَالاُولی.
یا حَنّانُ تَحَنَّن عَلَیَّ بِرَأفَتِکَ،وتَفَضَّل عَلَیَّ بِرِزقِکَ ورَحمَتِکَ،وَاقبِض عَنّی یَدَ کُلِّ جَبّارٍ عَنیدٍ وشَیطانٍ مَریدٍ،وأَخرِجنی بِعِزَّتِکَ مِن حَلَقِ المَضیقِ إلی فَرَجِکَ القَریبِ.
یا مَنّانُ امنُن عَلَیَّ بِالعافِیَةِ فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ،ولا تَسلُبنیها أبَداً ما أبقَیتَنی.
یا ذَا الجَلالِ وَالإِکرامِ اغفِر لی بِجَلالِکَ وکَرَمِکَ مَغفِرَةً تَحُلُّ بِها عَنّی قُیودَ ذُنوبی،وتَغفِرُ لی سَیِّئاتی،إنَّکَ عَلی کُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ.
یا جَوادُ أنتَ الجَوادُ الکَریمُ الَّذی لا تَبخَلُ،وَالمُعطِی الَّذی لا تَنکُلُ،فَجُد عَلَیَّ بِکَرَمِکَ، وَاجعَلنی شاکِراً لِإِنعامِکَ.
یا قَوِیُّ خَلَقتَ السَّماواتِ وما فِی الأَرضِ وما بَینَهُما وما فیهِما وَحدَکَ لا شَریکَ لَکَ بِغَیرِ نَصَبٍ ولا لُغوبٍ،فَقَوِّنی عَلی أمری بِقُوَّتِکَ.
یا شَدیدُ اشدُد أزری،وأَعِنّی عَلی أمری،وکُن لی مِن کُلِّ حاجَةٍ قاضِیاً.یا غالِبُ غَلَبتَ کُلَّ غَلّابٍ بِقُدرَتِکَ،فَاغلِب بالی وهَوایَ حَتّی تَرُدَّهُما إلی طاعَتِکَ،وَاغلِب بِعِزَّتِکَ مَن بَغی عَلَیَّ ورامَ حَربی.
یا دَیّانُ أنتَ تَحشُرُ الخَلقَ،وعَلَیکَ العَرضُ،وکُلٌّ یَدینُ لَکَ ویُقِرُّ لَکَ بِالرُّبوبِیَّةِ،فَاغفِر لِیَ الذُّنوبَ بِعِزَّتِکَ.
ص:348
یا ذَکورُ اذکُرنی فِی الأَوَّلینَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحینَ،وعِندَ کُلِّ خَیرٍ تَقسِمُهُ.
یا خَفِیُّ أنتَ تَعلَمُ السِّرَّ وأَخفی وهُوَ ظاهِرٌ عِندَکَ،فَاغفِر لی ما خَفِیَ عَلَی النّاسِ مِن أمری،ولا تَهتِکنی یَومَ القِیامَةِ عَلی رُؤوسِ الأَشهادِ.
یا جَلیلُ جَلَلتَ عَنِ الأَشیاءِ فَکُلُّها صَغیرَةٌ عِندَکَ،فَأَعطِنی مِن جَلائِلِ نِعمَتِکَ،ولا تَحرِمنی مِن فَضلِکَ.
یا مُنقِذُ أنقِذنی مِنَ الهَلاکِ،وَاکشِف عَنّی غَمّاءَ الضَّلالاتِ،وخَلِّصنی مِن کُلِّ موبِقَةٍ، وفَرِّج عَنّی کُلَّ مُلِمَّةٍ.
یا رَفیعُ ارتَفَعتَ عَن أن یَبلُغَکَ وَصفٌ،أو یُدرِکَکَ نَعتٌ،أو یُقاسَ بِکَ قِیاسٌ،فَارفَعنی فی عِلِّیّینَ.
یا قابِضُ کُلُّ شَیءٍ فی قَبضَتِکَ،مُحیطٌ بِهِ قُدرَتُکَ،فَاجعَلنی فی ضِمانِکَ وحِفظِکَ،ولا تَقبِض یَدی عَن کُلِّ خَیرٍ أفعَلُهُ.
یا باسِطُ ابسُط یَدی بِالخَیراتِ،وأَعطِنی بِقُدرَتِکَ أعلَی الدَّرَجاتِ.
یا واسِعُ وَسِعتَ کُلَّ شَیءٍ رَحمَةً وعِلماً فَوَسِّع عَلَیَّ فی رِزقی.
یا شَفیقُ أنتَ أشفَقُ عَلی خَلقِکَ مِن آبائِهِم واُمَّهاتِهِم وأَرأَفُ بِهِم،فَاجعَلنی شَفیقاً رَفیقاً،وکُن بی شَفیقاً رَفیقاً بِرَحمَتِکَ.
یا رَفیقُ ارفُق بی إذا أخطَأتُ،وتَجاوَز عَنّی إذا أسَأتُ،وَأْمُر مَلَکَ المَوتِ وأَعوانَهُ عَلَیهِمُ السَّلامُ أن یَرفُقوا بِروحی إذا أخرَجوها عَن جَسَدی،ولا تُعَذِّبنی بِالنّارِ.
یا مُنشِئُ أنشَأتَ کُلَّ شَیءٍ کَما أرَدتَ،وخَلَقتَ ما أحبَبتَ،فَبِتِلکَ القُدرَةِ أنشِئنی سَعیداً مَسعوداً فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ،وأَنشِئ ذُرِّیَّتی وما زَرَعتُ وبَذَرتُ فی أرضِکَ،وأَنشِئ مَعاشی ورِزقی وبارِک لی فیهِما بِرَحمَتِکَ.
ص:349
یا بَدیعُ أنتَ بَدیعُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ومُبدِعُهُما،ولَیسَ لَکَ شِبهٌ،ولا یَلحَقُکَ وَصفٌ، ولا یُحیطُ بِکَ فَهمٌ.
یا مَنیعُ لا تَمنَعنی ما أطلُبُ مِن رَحمَتِکَ وفَضلِکَ،وَامنَع عَنّی کُلَّ مَحذورٍ ومَخوفٍ.
یا تَوّابُ اقبَل تَوبَتی،وَارحَم عَبرَتی،وَاصفَح عَن خَطیئَتی،ولا تَحرِمنی ثَوابَ عَمَلی.
یا قَریبُ قَرِّبنی مِن جِوارِکَ،وَاجعَلنی فی حِفظِکَ وکَنَفِکَ،ولا تُبعِدنی عَنکَ بِرَحمَتِکَ.
یا مُجیبُ أجِب دُعائی وتَقَبَّلهُ مِنّی،ولا تَحرِمنِی الثَّوابَ کَما وَعَدتَنی.
یا مُنعِمُ بَدَأتَ بِالنِّعَمِ قَبلَ استِحقاقِها وقَبلَ السُّؤالِ بِها،فَکَذلِکَ إتمامُها بِالکَمالِ وَالزِّیادَةِ مِن فَضلِکَ.
یا ذَا الإِفضالِ (1)،یا مُفضِلُ،لَو لا فَضلُکَ هَلَکنا،فَلا تُقَصِّر عَنّا فَضلَکَ.یا مَنّانُ،فَامنُن عَلَینا بِالدَّوامِ،یا ذَا الإِحسانِ.
یا مَعروفُ أنتَ المَعروفُ الَّذی لا یَجهَلُ،ومَعروفُکَ ظاهِرٌ لا یُنکَلُ،فَلا تَسلُبنا ما أودَعتَناهُ مِن مَعروفِکَ بِرَحمَتِکَ.
یا خَبیرُ خَبَرتَ الأَشیاءَ قَبلَ کَونِها،وخَلَقتَها عَلی عِلمٍ مِنکَ بِها،فَأَنتَ أوَّلُها وآخِرُها، فَزِدنی خَیراً بِما ألهَمتنَیهِ مِن شُکرِکَ وبَصیرَةً.
یا مُعطی أعطِنی مِن جَلیلِ عَطائِکَ،وبارِک لی فی قَضائِکَ،وأَسکِنّی بِرَحمَتِکَ فی جِوارِکَ.
یا مُعینُ أعِنّی عَلی امورِ الدُّنیا وَالآخِرَةِ بِقُوَّتِکَ،ولا تَکِلنی فی شَیءٍ إلی غَیرِکَ.
یا سَتّارُ استُر عُیوبی،وَاغفِر ذُنوبی،وَاحفَظنی فی مَشهَدی ومَغیبَی.
یا شَهیدُ اشهِدُکَ اللّهُمَّ وجَمیعَ خَلقِکَ ومَلائِکَتِکَ أنَّهُ لا إلهَ إلّاأنتَ وَحدَکَ لا شَریکَ
ص:350
لَکَ،فَاکتُب هذِهِ الشَّهادَةَ عِندَکَ ونَجِّنی بِها مِن عَذابِکَ.
یا فاطِرُ أنتَ فاطِرُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وما بَینَهُما وما فیهِما،فَکُن لی فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ،وتَوَفَّنی مُسلِماً وأَلحِقنی بِالصّالِحینَ.
یا مُرشِدُ أرشِدنی إلَی الخَیرِ بِعِزَّتِکَ،وجَنِّبنِی السَّیِّئاتِ بِعِصمَتِکَ،ولا تُخزِنی یَومَ القِیامَةِ.
یا سَیِّدَ السّاداتِ ومَولَی المَوالی إلَیکَ مَصیرُ کُلِّ شَیءٍ،فَانظُر إلَیَّ بِعَینِ عَفوِکَ.
یا سَیِّدُ أنتَ سَیِّدی وعِمادی ومُعتَمَدی،وذُخری وذَخیرَتی وکَهفی،فَلا تَخذُلنی.
یا مُحیطُ أحاطَ بِکُلِّ شَیءٍ عِلمُکَ،ووَسِعَت کُلَّ شَیءٍ رَحمَتُکَ،فَاجعَلنی فی ضِمانِکَ، وحُطنی مِن کُلِّ سوءٍ بِقُدرَتِکَ.
یا مُجیرُ أجِرنی مِن عِقابِکَ،وآمِنّی مِن عَذابِکَ.
اللّهُمَّ إنّی خائِفٌ،وإنّی مُستَجیرٌ بِکَ،فَأَجِرنی مِنَ النّارِ بِرَحمَتِکَ،یا أهلَ التَّقوی وأَهلَ المَغفِرَةِ،یا عَدلُ أنتَ أعدَلُ الحاکِمینَ وأَرحَمُ الرّاحِمینَ،فَالطُف لَنا بِرَحمَتِکَ،وآتِنا شَیئاً بِقُدرَتِکَ،ووَفِّقنا لِطاعَتِکَ،ولا تَبتَلِنا بِما لا طاقَةَ لَنا بِهِ،وخَلِّصنا مِن مَظالِمِ العِبادِ،وأَجِرنا مِن ظُلمِ الظّالِمینَ وغَشمِ الغاشِمینَ بِقُدرَتِکَ،إنَّکَ عَلی کُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ.
اللّهُمَّ اسمَع دُعائی،وَاقبَل ثَنائی،وعَجِّل إجابَتی،وآتِنی فِی الدُّنیا حَسَنَةً وفِی الآخِرَةِ حَسَنَةً،وقِنی بِرَحمَتِکَ عَذابَ النّارِ،وصَلَّی اللّهُ عَلی خِیَرَتِهِ مِن خَلقِهِ مُحَمَّدٍ وعِترَتِهِ الطّاهِرینَ. (1)
11362. الإمام الکاظم علیه السلام: یَومُ المُباهَلَةِ الیَومُ الرّابِعُ وَالعِشرونَ مِن ذِی الحِجَّةِ،تُصَلّی فی ذلِکَ الیَومِ ما أرَدتَ مِنَ الصَّلاةِ،فَکُلَّما صَلَّیتَ رَکعَتَینِ استَغفَرتَ اللّهَ تَعالی بِعَقِبِها سَبعینَ
ص:351
مَرَّةً،ثُمَّ تَقومُ قائِماً وتَرمی (1)بِطَرفِکَ فی مَوضِعِ سُجودِکَ وتَقولُ وأَنتَ عَلی غُسلٍ:
الحَمدُ للّهِ ِ رَبِّ العالَمینَ،الحَمدُ للّهِ ِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالأَرضِ،الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَالأَرضِ، «اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ یَعْدِلُونَ» (2)،الحَمدُ للّهِ ِ الَّذی عَرَّفَنی ما کُنتُ بِهِ جاهِلاً،ولَو لا تَعریفُهُ إیّایَ لَکُنتُ هالِکاً،إذ قالَ وقَولُهُ الحَقُّ: «قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی» (3)،فَبَیَّنَ لِیَ القَرابَةَ فَقالَ سُبحانَهُ: «إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً» (4)،فَبَیَّنَ لِیَ البَیتَ (5)بَعدَ القَرابَةِ،ثُمَّ قالَ تَعالی مُبَیِّناً عَنِ الصّادِقینَ الَّذینَ أمَرَنا بِالکَونِ مَعَهُم وَالرَّدِّ إلَیهِم بِقَولِهِ سُبحانَهُ: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ کُونُوا مَعَ الصّادِقِینَ» (6)،فَأَوضَحَ عَنهُم وأَبانَ عَن صِفَتِهِم بِقَولِهِ جَلَّ ثَناؤُهُ: «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی الْکاذِبِینَ» ؛فَلَکَ الشُّکرُ یا رَبِّ ولَکَ المَنُّ حَیثُ هَدَیتَنی وأَرشَدتَنی،حَتّی لَم یَخفَ عَلَیَّ الأَهلُ وَالبَیتُ وَالقَرابَةُ،فَعَرَّفتَنی نِساءَهُم وأَولادَهُم ورِجالَهُم.
اللّهُمَّ إنّی أتَقَرَّبُ إلَیکَ بِذلِکَ المَقامِ الَّذی لا یَکونُ أعظَمَ مِنهُ فَضلاً لِلمُؤمِنینَ،ولا أکثَرَ رَحمَةً لَهُم،بِتَعریفِکَ إیّاهُم شَأنَهُ،وإبانَتِکَ فَضلَ أهلِهِ الَّذینَ بِهِم أدحَضتَ باطِلَ أعدائِکَ، وثَبَّتَّ بِهِم قَواعِدَ دینِکَ،ولَولا هذَا المَقامُ المَحمودُ الَّذی أنقَذتَنا بِهِ ودَلَلتَنا عَلَی اتِّباعِ
ص:352
المُحِقّینَ مِن أهلِ بَیتِ نَبِیِّکَ الصّادِقینَ عَنکَ،الَّذینَ عَصَمتَهُم مِن لَغوِ المَقالِ ومَدانِسِ الأَفعالِ،لَخُصِمَ أهلُ الإِسلامِ وظَهَرَت کَلِمَةُ أهلِ الإِلحادِ وفِعلُ اولِی العِنادِ،فَلَکَ الحَمدُ ولَکَ المَنُّ ولَکَ الشُّکرُ عَلی نَعمائِکَ وأَیادیکَ.
اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ،الَّذینَ افتَرَضتَ عَلَینا طاعَتَهُم،وعَقَدتَ فی رِقابِنا وِلایَتَهُم،وأَکرَمتَنا بِمَعرِفَتِهِم،وشَرَّفتَنا بِاتِّباعِ آثارِهِم،وثَبَّتَّنا بِالقَولِ الثّابِتِ الَّذی عَرَّفوناهُ،فَأَعِنّا عَلَی الأَخذِ بِما بَصَّروناهُ،وَاجزِ مُحَمَّداً عَنّا أفضَلَ الجَزاءِ بِما نَصَحَ لِخَلقِکَ، وبَذَلَ وُسعَهُ فی إبلاغِ رِسالَتِکَ،وأَخطَرَ بِنَفسِهِ فی إقامَةِ دینِکَ،وعَلی أخیهِ ووَصِیِّهِ وَالهادی إلی دینِهِ وَالقَیِّمِ بِسُنَّتِهِ عَلِیٍّ أمیرِ المُؤمِنینَ،وصَلِّ عَلَی الأَئِمَّةِ مِن أبنائِهِ الصّادِقینَ الَّذینَ وَصَلتَ طاعَتَهُم بِطاعَتِکَ،وأَدخِلنا بِشَفاعَتِهِم دارَ کَرامَتِکَ،یا أرحَمَ الرّاحِمینَ.
اللّهُمَّ هؤُلاءِ أصحابُ الکِساءِ وَالعَباءِ یَومَ المُباهَلَةِ اجعَلهُم شُفَعاءَنا،أسأَ لُکَ بِحَقِّ ذلِکَ المَقامِ المَحمودِ وَالیَومِ المَشهودِ،أن تَغفِرَ لی وتَتوبَ عَلَیَّ إنَّکَ أنتَ التَّوّابُ الرَّحیمُ.
اللّهُمَّ إنّی أشهَدُ أنَّ أرواحَهُم وطینَتَهُم واحِدَةٌ،وهِیَ الشَّجَرَةُ الَّتی طابَ أصلُها وأَغصانُها (1)،اِرحَمنا بِحَقِّهِم،وأَجِرنا مِن مَواقِفِ الخِزیِ فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ بِوِلایَتِهِم، وأورِدنا مَوارِدَ الأَمنِ مِن أهوالِ یَومِ القِیامَةِ بِحُبِّهِم،وإقرارِنا بِفَضلِهِم،وَاتِّباعِنا آثارَهُم، وَاهتِدائِنا بِهُداهُم،وَاعتِقادِنا ما عَرَّفوناهُ مِن تَوحیدِکَ،ووَقَّفونا عَلَیهِ مِن تَعظیمِ شَأنِکَ وتَقدیسِ أسمائِکَ،وشُکرِ آلائِکَ،ونَفیِ الصِّفاتِ أن تَحُلَّکَ،وَالعِلمِ أن یُحیطَ بِکَ وَالوَهمِ أن یَقَعَ عَلَیکَ؛فَإِنَّکَ أقَمتَهُم حُجَجاً عَلی خَلقِکَ،ودَلائِلَ عَلی تَوحیدِکَ،وهُداةً تُنَبِّهُ عَن أمرِکَ،وتَهدی إلی دینِکَ،وتوضِحُ ما أشکَلَ عَلی عِبادِکَ،وباباً لِلمُعجِزاتِ الَّتی یَعجِزُ
ص:353
عَنها غَیرُکَ،وبِها تُبَیِّنُ حُجَّتَکَ وتَدعو إلی تَعظیمِ السَّفیرِ بَینَکَ وبَینَ خَلقِکَ،وأَنتَ المُتَفَضِّلُ عَلَیهِم حَیثُ قَرَّبتَهُم مِن مَلَکوتِکَ،وَاختَصَصتَهُم بِسِرِّکَ،وَاصطَفَیتَهُم لِوَحیِکَ،وأَورَثتَهُم غَوامِضَ تَأویلِکَ؛رَحمَةً بِخَلقِکَ،ولُطفاً بِعِبادِکَ،وحَناناً عَلی بَرِیَّتِکَ،وعِلماً بِما تَنطَوی عَلَیهِ ضَمائِرُ امَنائِکَ،وما یَکونُ مِن شَأنِ صَفوَتِکَ،وطَهَّرتَهُم فی مُنشَئِهِم ومُبتَدَئِهِم، وحَرَستَهُم مِن نَفثِ (1)نافِثٍ إلَیهِم،وأَرَیتَهُم بُرهاناً عَلی مَن عَرَضَ بِسوءٍ لَهُم،فَاستَجابوا لِأَمرِکَ،وشَغَلوا أنفُسَهُم بِطاعَتِکَ،ومَلَؤوا أجزاءَهُم مِن ذِکرِکَ،وعَمَروا قلُوبَهُم بِتَعظیمِ أمرِکَ،وجَزَّؤوا أوقاتَهُم فیما یُرضیکَ،وأَخلَوا دَخائِلَهُم مِن مَعاریضِ الخَطَراتِ الشّاغِلَةِ عَنکَ،فَجَعَلتَ قُلوبَهُم مَکامِنَ لِإِرادَتِکَ،وعُقولَهُم مَناصِبَ لِأَمرِکَ ونَهیِکَ،وأَلسِنَتَهُم تَراجِمَةً لِسُنَّتِکَ،ثُمَّ أکرَمتَهُم بِنورِکَ حَتّی فَضَّلتَهُم مِن بَینِ أهلِ زَمانِهِم وَالأَقرَبینَ إلَیهِم، فَخَصَصتَهُم بِوَحیِکَ،وأَنزَلتَ إلَیهِم کِتابَکَ،وأَمَرتَنا بِالتَّمَسُّکِ بِهِم وَالرَّدِّ إلَیهِم وَالاِستِنباطِ مِنهُم.
اللّهُمَّ إنّا قَد تَمَسَّکنا بِکِتابِکَ وبِعِترَةِ نَبِیِّکَ-صَلَواتُکَ عَلَیهِمُ-الَّذینَ أقَمتَهُم لَنا دَلیلاً وعَلَماً،وأَمَرتَنا بِاتِّباعِهِم،اللّهُمَّ فَإِنّا قَد تَمَسَّکنا بِهِم فَارزُقنا شَفاعَتَهُم حینَ یَقولُ الخائِبونَ: «فَما لَنا مِنْ شافِعِینَ * وَ لا صَدِیقٍ حَمِیمٍ» (2)،وَاجعَلنا مِنَ الصّادِقینَ المُصَدِّقینَ لَهُمُ، المُنتَظِرینَ لِأَیّامِهِمُ،النّاظِرینَ إلی شَفاعَتِهِم،ولا تُضِلَّنا بَعدَ إذ هَدَیتَنا،وهَب لَنا مِن لَدُنکَ رَحمَةً،إنَّکَ أنتَ الوَهّابُ،آمینَ رَبَّ العالَمینَ.
اللّهُمَّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وعَلی أخیهِ وصِنوِهِ؛أمیرِ المُؤمِنینَ،وقِبلَةِ العارِفینَ،وعَلَمِ
ص:354
المُهتَدینَ،وثانِی الخَمسَةِ المَیامینَ،الَّذینَ فَخَرَ بِهِمُ الرّوحُ الأَمینُ،وباهَلَ اللّهُ بِهِمُ المُباهِلینَ،فَقالَ وهُوَ أصدَقُ القائِلینَ: «فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ» إلی آخِرِ الآیَةِ (1).
ذلِکَ الإِمامُ المَخصوصُ بِمُؤاخاتِهِ یَومَ الإِخاءِ،وَالمُؤثِرُ بِالقوتِ بَعدَ ضُرِّ الطَّوی (2)،ومَن شَکَرَ اللّهُ سَعیَهُ فی«هَل أتی»،ومَن شَهِدَ بِفَضلِهِ مُعادوهُ،وأَقَرَّ بِمَناقِبِهِ جاحِدوهُ،مَولَی الأَنامِ ومُکَسِّرُ الأَصنامِ،ومَن لَم تَأخُذهُ فِی اللّهِ لَومَةُ لائِمٍ،صَلَّی اللّهُ عَلَیهِ وآلِهِ ما طَلَعَت شَمسُ النَّهارِ وأَورَقَتِ الأَشجارُ،وعَلَی النُّجومِ المُشرِقاتِ مِن عِترَتِهِ وَالحُجَجِ الواضِحاتِ مِن ذُرِّیَّتِهِ. (3)
ص:355
ص:356
ص:357
ص:358
اشتقّت کلمة«البیعة»من مادّة«ب ی ع»،وهی إلی جانب کلمة«البیع»مصدر من المادّة؛تعنی المعاهدة والتعاقد،العهد والمیثاق،قبول الرئاسة والطاعة والوفاء.
یقول ابن منظور فی هذا المجال:
البَیعَةُ:الصَّفقَةُ عَلی إیجابِ البَیعِ وعَلَی المُبایَعَةِ وَالطّاعَةِ. (1)
وقد کان العرب یتصافقون بأیمانهم عند البیع والشراء؛تعبیراً عن اکتساب المعاملة للقطعیة،و کانوا یسمّون ذلک«صفقة»أو«بیعة»،کما کانوا یمدّون أیدیهم للحاکم والأمیر معبّرین عن قبولهم لرئاسته.و هذا السلوک کان یعتبر نوعاً من الصفقة والتعامل أیضاً،بمعنی أن المبایِع-بالکسر-قد قبل الطاعة،والمبایَع -بالفتح-یتعهّد ببعض الاُمور،ولذلک کان یُسمّی هذا العمل ب«البیعة»أیضاً. (2)
کانت البیعة من السنن المهمّة للعرب فی العصر الجاهلی عند اختیار حاکم أو زعیم
ص:359
للقبیلة أو قائد عسکری،أو التعبیر عن الوفاء لهؤلاء،حیث کانت تتمّ بأشکالٍ مختلفة.
ومن أهمّ البیعات التی یمکن الإشارة إلیها قبل الإسلام،بیعة قریش وبنی کنانة مع قصیّ بن کلاب لإخراج خزاعة وبنی بکیر من مکّة. (1)
ورد مفهوم«البیعة»فی القرآن خمس مرّات وفی ثلاث آیات صریحة،وقد وردت جمیعاً بصیغة المفاعلة (2).کما جاء موردٌ آخر من هذا الباب فی القرآن الکریم،وهو کنظائره الاُخری مستعمل بمعنی بیع الجنّة فی مقابل بذل الروح والمال من قبل المؤمنین:
«إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ فَیَقْتُلُونَ وَ یُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا فِی التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِیلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفی بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِی بایَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ» . (3)
وفی الحقیقة فإنّ مبایعة النبیّ وخلفائه هی مبایعة مع اللّه (4)،والشخص الذی یعقد معهم عهد الطاعة فإنّه یکون فی الحقیقة قد وقع علی أکثر الصفقات ربحاً. (5)
وقد جاءت فی القرآن تعابیر اخری،مثل«العهد»«العقد»و«المیثاق»التی هی بمعنی مطلق المعاهدة،استُخدمت للتعبیر عن«البیعة»أحیاناً،أو فُسّرت بها،أو تمّ
ص:360
تطبیقها علی إحدی البیعات التی تمّت فی عهد النبی صلی الله علیه و آله. (1)
کما ربطت بعض الآیات بموضوع«البیعة»،دون أن تستخدم فیها لفظة خاصّة تدلّ علی«البیعة»،و ذلک عن طریق شأن النزول (2)أو بعض الروایات. (3)
نُسخت السنن الخاطئة التی کانت سائدة فی الجاهلیة علی أساس تعالیم الوحی تزامناً مع بعثة خاتم الأنبیاء صلی الله علیه و آله ونزول القرآن،وأمّا السنن الحسنة فقد تمّ تأییدها (4).
وکانت سنّة البیعة من بین تلک السنن الحسنة التی کان بإمکان المجتمع استغلالها بعد إجراء بعض التعدیلات علیها بهدف تأمین حقوق الناس،ولذلک فقد حظیت بتأیید النبیّ الأعظم صلی الله علیه و آله وانعکست فی القرآن والسیرة النبویّة.
وأمّا البیعات التی تمّت فی عهد النبی صلی الله علیه و آله فهی:
أوّل بیعة تمّت مع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وبها بدأ انتشار الدین الإسلامی،هی بیعة الإمام علی علیه السلام وخدیجة علیها السلام،وقد جاء فی روایة أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله قال لهما:
إنَّ جَبرَئیلَ عِندی یِدعوکُما إلی بَیعَةِ الإِسلامِ فَأَسلِما تَسلَما،وأَطیعا تُهدَیا ! فَقالا:
فَعَلنا وأَطَعنا یا رَسولَ اللّهِ. (5)
وکما جاء فی هذه الروایة،فإنّ البیعة الاُولی التی تحقّقت فی السیرة النبویّة
ص:361
سُمّیت«بیعة الإسلام»من قبل جبرئیل،إلّاأنّ هذا الاصطلاح استُخدم فیما بعد لکلّ من بایع النبی صلی الله علیه و آله ممّن أسلم حدیثاً. (1)
تعدّ بیعة العشیرة أوّل بیعة علنیّة ورسمیّة فی تاریخ الإسلام،حیث حدثت فی السنة الثالثة من البعثة بعد نزول الآیة «وَ أَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ» (2)فی الیوم الذی یُسمّی «یوم الدار» (3)،ففی هذا الیوم طالب النبی الأعظم صلی الله علیه و آله بأمر اللّه بنی هاشم باعتناق الإسلام ومبایعته،وتفید روایات الفریقین (الشیعة وأهل السنّة) أنّ الإمام علیّاً علیه السلام الذی کان أصغر الحاضرین سنّاً،کان الوحید الذی بایع النبی صلی الله علیه و آله. (4)
بعد الإعلان الرسمی عن الرسالة،بدأ رسول اللّه صلی الله علیه و آله نشاطاته المکثّفة للدعوة إلی الإسلام،وقد بلغ هذا النشاط ذروته فی أیّام الحجّ،حیث کان الناس یتوافدون إلی مکّة من المدن المختلفة،وفی السنة الحادیة عشرة من البعثة،التقی النبیّ صلی الله علیه و آله ستّة أشخاص من قبیلة الخزرج التی تقطن المدینة ودعاهم إلی الإسلام، فأجابوه لذلک،فلما عادوا إلی المدینة عملوا علی الدعوة إلی الدین الإسلامی.وقد أدّت دعوتهم المستمرّة والمتواصلة إلی أن تعتنق مجموعة من أهل المدینة الإسلام، وفی السنة الثانیة عشرة من البعثة قدم اثنا عشر شخصاً من أهل المدینة إلی مکّة والتقوا مع النبی صلی الله علیه و آله فی«العقبة»فبایعوه،وبذلک بدأ أوّل تحرّک سیاسیّ لتشکیل
ص:362
الدولة الإسلامیة.
وکان أسعد ابن زرارة وعبادة بن الصامت أبرز الشخصیّات التی شارکت فی هذه البیعة.
وقد روی عبادة بن الصامت قضیّة هذه البیعة کما یلی:
کُنتُ فیمَن حَضَرَ العَقَبَةَ الاُولی،وکُنَّا اثنَی عَشَرَ رَجُلاً،فَبایَعنا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلی بَیعَةِ النِّساءِ،وذلِکَ قَبلَ أن یُفتَرَضَ الحَربُ،عَلی أن لا نُشرِکَ بِاللّهِ شَیئاً،ولا نَسرِقَ،ولا نَزنِیَ،ولا نَقتُلَ أولادَنا،ولا نَأتِیَ بِبُهتانٍ نَفتَریهِ بَینَ أیدینا وأَرجُلِنا، ولا نَعصِیَهُ فی مَعروفٍ؛فَإِن وَفَیتُم فَلَکُمُ الجَنَّةُ،وإن غَشیتُم مِن ذلِکَ شَیئاً فَأَمرُکُم إلَی اللّهِ إن شاءَ عَذَّبَکُم وإن شاءَ غَفَرَ لَکُم. (1)
کما تُسمّی هذه البیعة فی اصطلاح کتّاب السیرة«بیعة النساء»؛ذلک لأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله أخذ البیعة علی النساء عند فتح مکّة بنفس هذه الشروط أیضاً.
بعث المبایعون الأوائل للنبیّ صلی الله علیه و آله فی«العَقَبة»-بعد عودتهم إلی المدینة-رسالة إلی النبی صلی الله علیه و آله،وطلبوا فیها منه مبلّغاً یعلّمهم القرآن،فأرسل النبیّ صلی الله علیه و آله مصعبَ بن عمیر، الذی استطاع خلال فترة قصیرة أن یدخل أعداداً کبیرة من أهل المدینة فی الإسلام، وفی السنة التالیة-أی السنة الثالثة عشرة من البعثة-أرسلوا ثلاثة وسبعین رجلاً وامرأتین (2)إلی مکّة فی موسم الحجّ،وبایعوا النبی صلی الله علیه و آله من جدید فی«العقبة»أی نفس البقعة التی بایعوا النبیّ صلی الله علیه و آله فیها فی السنة السابقة،إلّاأنّ مضمون بیعتهم فی هذه المرّة،کان منطلق حرکة سیاسیّة وعسکریّة.ویروی جابر أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله طلب
ص:363
منهم أن یبایعوه علی هذه الشروط التی ذکرها صلی الله علیه و آله فی قوله:
تُبایِعونی عَلَی السَّمعِ وَالطّاعَةِ فِی النَّشاطِ وَالکَسَلِ،وَالنَّفَقَةِ فِی العُسرِ وَالیُسرِ، وعَلَی الأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهیِ عَنِ المُنکَرِ،و أن تَقولوا فِی اللّهِ لا تَخافونَ فِی اللّهِ لَومَةَ لائِمٍ،وعَلی أن تَنصُرونی فَتَمنَعونی إذا قَدِمتُ عَلَیکُم،مِمّا تَمنَعونَ مِنهُ أنفُسَکُم وأَزواجَکُم وأَبناءَکُم؛ولَکُمُ الجَنَّةُ.قالَ:فَقُمنا إلَیهِ فَبایَعناهُ. (1)
وقد هیّأت هذه البیعة الأرضیّة لهجرة النبیّ صلی الله علیه و آله إلی المدینة.واستناداً إلی ما ذکرَ عدد من المفسّرین فإنّ الآیة السابعة من سورة المائدة والخامسة عشرة من سورة الأحزاب تشیران إلی هذه البیعة. (2)
بعد هجرة النبی صلی الله علیه و آله إلی المدینة،وفی السنة الثانیة من الهجرة وقبل معرکة بدر التی کانت تمثّل أوّل صدامٍ بین المسلمین وکفّار قریش،أخذ النبیُّ صلی الله علیه و آله عند انطلاقه إلی الأعداءِ البیعةَ من المسلمین،وقد سُمّیت هذه البیعةُ فی روایة عن الإمام الصادق علیه السلام ب«بیعة الرضا»،و هذا هو نصّها:
لَمّا هاجَرَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله إلَی المَدینَةِ...وحَضَرَ خُروجُهُ إلی بَدرٍ،دَعَا النّاسَ إلَی البَیعَةِ، فَبایَعَ کُلَّهُم عَلَی السَّمعِ وَالطّاعَةِ. (3)
النبی صلی الله علیه و آله مع عِدّة من المسلمین لأداء مناسک العمرة.وعلی إثر منع المشرکین للمسلمین من دخول مکّة دعا النبیّ صلی الله علیه و آله أصحابه إلی البیعة.
وقد روی أنّ عدد المسلمین الذین رافقوا النبیّ صلی الله علیه و آله فی هذا السفر هو 1200 حتّی 1525 شخصاً علی اختلاف الروایات. (1)
وتفید بعض الروایات بأنّ موضوع هذه البیعة کان المقاومة حتّی الموت،وفی روایات اخری أنّه عدم الهروب من القتال،ویبدو أن لیس هناک تعارض بینها وأنّ المراد استنفار کلّ الإمکانیات فی محاربة العدوّ.
جدیر ذکره أنّ لهذه البیعة اسمین:«بیعة الرضوان»؛لأنّ اللّه تعالی عبّر عن رضاه عن الذین بایعوا النبیّ صلی الله علیه و آله فیها،و«بیعة الشجرة»؛لأنّها تمّت تحت شجرة.
وتفید روایات المصادر الشیعیّة أنّ الإمام علیّاً علیه السلام کان أوّل من بایع النبیّ صلی الله علیه و آله فیها، (2)إلّاأنّ بعض مصادر أهل السنّة اعتبرت أبا سنان الأسدی أوّل المبایعین. (3)
بایع النبیُّ صلی الله علیه و آله بعد فتح مکّة فی السنة الثامنة من الهجرة،النساءَ فضلاً عن الرجال، إلّا أنّ مضمون مبایعة الرجال وکیفیّتها کانتا تختلفان عن النساء.وقد جاء فی بعض الروایات أن مضمونَ مبایعةِ الرجال کانت علی«طاعة اللّه والنبیّ صلی الله علیه و آله قدر المستطاع»،وجاء فی البعض الآخر«الإسلام والإیمان والجهاد»،وفی اخری «الإسلام والشهادة».وبناءً علی ذلک،یمکن القول إنّ الشروط التی أخذها النبیّ صلی الله علیه و آله
ص:365
علی الرجال کانت مختلفة.
وأمّا شروط مبایعة النساء فقد وردت الإشارة إلیها فی الآیة 12 من سورة الممتحنة،أی:اجتناب الشرک،تجنّب السرقة والفحشاء،عدم مخالفة النبیّ صلی الله علیه و آله فی معروف.
رویت فی عدد من المصادر الروائیة (1)بیعة الجنّ مع النبیّ صلی الله علیه و آله فی مسجد الأحزاب (2)، ولکنّنا لا نمتلک معلومات عن خصوصیاتها.
کانت البیعة الأخیرة فی سیرة النبی صلی الله علیه و آله مبایعة المسلمین للإمام علیّ علیه السلام فی الیوم الثامن عشر من شهر ذی الحجّة فی السنة العاشرة من الهجرة،فی موضعٍ یُدعی «غدیر خم» (3)،ففی هذا الیوم قدّم النبیُّ صلی الله علیه و آله الإمامَ علیّاً علیه السلام للمسلمین باعتباره الخلیفة من بعده،وطلب منهم أن یبایعوه.مضافاً لذلک،فقد أمر أن یسلّموا علیه باعتباره الخلیفة اللّاحق للمسلمین. (4)
ص:366
بعد وفاة النبیّ صلی الله علیه و آله،طُویت بیعة الغدیر بمطاوی النسیان حتّی الثامن عشر من ذی الحجّة سنة 35 للهجرة بعد ثورة المسلمین ضدّ الخلیفة الثالث وإصرار عامّة المسلمین علی بیعته قبل بیعتهم،وتولّی زمام امور المسلمین حتّی یوم شهادته فی 21 رمضان من سنة 40 للهجرة لمدّة أربع سنوات وتسعة شهور وثلاثة أیّام.
یمکن القول من خلال التأمّل فی الآیات والروایات التی جاءت حول البیعة،إنّ البیعة مع القائد من وجهة نظر الإسلام هی فی الحقیقة إنشاء نوعٍ من الصفقة والتعاقد،حیث یتعهّد المبایِعُ أن یطیع أوامر القائد حتّی الموت،فی مقابل أن یعمل القائد علی تلبیة حاجاته المادّیة والمعنویة،وقد أکّدت الروایات الإسلامیة بصراحة علی هذه الحقوق (1)،وقد جاء فی روایة عن الإمام علی علیه السلام حول الحقوق المتبادلة بین الإمام والاُمّة:
أیُّهَا النّاسُ ! إنَّ لی عَلَیکُم حَقّاً ولَکُم عَلَیَّ حَقٌّ:فَأَمّا حَقُّکُم عَلَیَّ فَالنَّصیحَةُ لَکُم، وتَوفیرُ فَیئِکُم عَلَیکُم،وتَعلیمُکُم کَیلا تَجهَلوا،وتَأدیبُکُم کَیما تَعلَموا.وأمَّا حَقّی عَلَیکُم فَالوَفاءُ بِالبَیَعةِ،وَالنَّصیحَةُ فِی المَشهَدِ وَالمَغیبِ،وَالإِجابَةُ حینَ أدعوکُم، وَالطّاعَةُ حینَ آمُرُکُم. (2)
استناداً إلی الاُسس العقائدیة لأتباع أهل البیت علیهم السلام،فإنّ الولایة السیاسیّة للنبیّ صلی الله علیه و آله والأئمّة المعصومین علیهم السلام لیست بحاجة إلی البیعة فی مقام الثبوت،إلّاأنّها بحاجة إلی
ص:367
البیعة وأصوات الناس فی مقام الإثبات وإنشاء السلطة التنفیذیّة.
وبعبارة اخری،فإن قَبِل الناسُ ولایةَ النبیّ صلی الله علیه و آله أو الأئمّة المعصومین علیهم السلام وقیادتَهم،فإنّ اللّه تعالی سیضمن لهم تأمین حقوقهم المادّیة والمعنویة فی ظلّ النظام السیاسی الحاکم،فلا تحتاج ولایتهم لأخذ البیعة من الناس،وبناءً علی ذلک فإنّ دور البیعة فی عصر حضور المعصوم یقتصر علی أداء واجب شرعی من جانب الناس باتّجاه خلق السلطة التنفیذیة للقادة الإلهیّین،ولیس له دور فی ثبوت ولایتهم الحقیقیة.
دور البیعة فی عصر غیبة الإمام المعصوم،هو کدورها فی عصر الحضور،بل وقبله، فی تأسیس أو بقاء الحکومة الدینیّة وتحکیم القیم الإلهیّة،و ذلک أنّه وفقاً للمبانی الفقهیّة لولایة الفقیه فی عصر الغیبة،فإنّ حقّ حکومة المعصوم وولایته ینتقل إلی الفقهاء الواجدین للشرائط،النقطة المتبقیّة هی أنّ عدداً من الفقهاء یری أنّ الواجدین للشرائط هم المنصوبون من قبل المعصوم علیه السلام،ویری آخرون أنّ انتخاب واختیار الناس له دور فی مشروعیّة ولایة الفقیه.
وبعبارة اخری:أحد المبانی فی ولایة الفقیه هی أنّ ولایة الفقیه الواجد للشرائط ثابتة فی مرحلة الثبوت،وهی بحاجة لبیعة الناس فی مرحلة الإثبات.وهناک مبنی آخر فی هذا المجال یری أنّ ولایة الفقیه بحاجة لبیعة الناس فی مرحلتی الثبوت والإثبات.
بناء علی ذلک فإنّ فعلیّة ولایة الفقیه وفقاً لکلا المبنیین بحاجة إلی بیعة الناس وآرائهم،وبدون رأی الناس وقبول عامّتهم لاتتحقق للفقیه ولایة.وعلی هذا فإنّ تأسیس وبقاء الحکومة الدینیّة فی عصر الغیبة من دون بیعة أمر غیر ممکن کما هو
ص:368
الحال فی عصر الحضور.
علی هذا لأساس فإنّ الفقیه الواجد لشرائط القیادة لیس له ولایة علی الناس قبل بیعتهم أو بیعة ممثلیهم له،فلا تنفذ أحکامه علیهم.وأمّا بعد بیعتهم له فسیکون والیاً علیهم وتکون أحکامه نافذة علی الجمیع-حتّی الفقهاء الواجدین لشرائط القیادة-ویحرم التمرّد علی أحکامه الولائیّة.
إنّ البیعة هی فی حقیقتها نوع من المعاهدة والعقد بین المبایِع من جهة،والمبایَع من جهة اخری،وعلی هذا الأساس،فإنّ البیعة تشتمل علی ثلاثة أرکان أساسیة:
الرکن الأوّل:المبایِع.
الرکن الثانی:المبایَع.
الرکن الثالث:میثاق الطاعة.
وبناءً علی ذلک،فإنّ مضمون البیعة قد یختلف حسب الشروط المذکورة فی المعاهدة.
من القضایا المهمّة فی مبایعة القادة السیاسیّین،هی أن تکون شروط البیعة متناسبة مع متطلّبات الزمان والحاجات المادّیة والمعنویة للمجتمعات المختلفة،ولذلک فإنّ القیادة الموفّقة والناجحة فی کسب أصوات الناس،هی التی تحیط بزمانها، والمجتمع والقضایا النفسیة.
إنّ دراسة الشروط التی کان النبی صلی الله علیه و آله یطرحها علی أتباعه خلال المراحل المختلفة من قیادته (1)،تظهر بوضوح أنّه صلی الله علیه و آله تبعاً لما یملیه علیه الوحی،وبصیرته
ص:369
الإلهیّة،وعلی ضوء متطلّبات زمان البیعة،وقلّة الأنصار أو کثرتهم،والخصائص الجسمیة والروحیة والاُسریّة للشخص المبایِع،کان یقترح شروطاً مختلفة لهذه المعاهدة،وبذلک فقد کان یقود الناس المعاصرین له علی أفضل وجه ممکن،ولذلک فإنّ سیرته السیاسیة فی هذا الصدد تعدّ درساً کبیراً لقادة المجتمعات الإسلامیة السیاسیّین.
مع الأخذ بنظر الاعتبار ما سبقت الإشارة إلیه فی بیان حقیقة البیعة،فإنّ البیعة نوع من العقود ومشمولة بالقانون العامّ المتمثّل فی «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1)،وعلی هذا الأساس فإنّ الوفاء ببیعة الإمام العادل واجب (2)،ونقضها محرّم،بل هو من الکبائر (3).إلّاإذا أجاز المبایَع فسخها (4)،أو أن یشرط المبایِع جواز فسخ البیعة خلال عقدها،کما حدث ذلک فی واقعة عاشوراء،حیث اکتسب کلا القسمین مصداقیته (5).
من خلال التأمّل فی الأحادیث التی بیّنت کیفیّة بیعة المسلمین لرسول اللّه صلی الله علیه و آله (6)، یمکن القول إنّ کیفیة أخذ البیعة فی النظام الإسلامی تتوقّف علی أعراف المجتمع وثقافته فی عقد هذه المعاهدة،بشرط أن لا تتعارض هذه الأعرافُ مع أحکام
ص:370
الإسلام القطعیّة،ولذلک فقد أخذ رسولُ اللّه صلی الله علیه و آله بیعة الرجال علی ضوء الأعراف المتداولة فی ذلک العصر،وأمّا النساء فقد بایعنه صلی الله علیه و آله من خلال المصافحة من فوق الثیاب،أو غمس الأیدی فی الماء الذی غمس فیه النبی صلی الله علیه و آله یده،أو من خلال التکلّم معهنّ.
بناء علی ذلک ففی العصر الحاضر والذی اندرست فیه السنن السابقة للبیعة مع القائد،یمکن أن تتمّ هذه البیعة من خلال إجراء المسیرات أو الاقتراع،أو من خلال مبایعة المندوبین له،وتترتّب آثار البیعة علیها.
أوضحنا فیما سبق أنّ البیعة هی نوع من المعاهدات والعقود،وعلیه فإنّ التصویت (الاقتراع) فی الانتخاب هو أکثر عمومیة وشمولیة من البیعة،ذلک لأنّ التصویت یمکن أن یکون بمعنی البیعة والمعاهدة،کما هو الحال بالنسبة إلی انتخاب القائد فی الجمهوریة الإسلامیة،ویمکن أن یکون بمعنی الوکالة،مثل التصویت فی انتخابات مجلس الشوری الإسلامی،وبناءً علی ذلک فإنّ ما تصوّره البعضُ من أنّ التصویت هو نوعٌ من التوکیل (1)بشکلٍ مطلق،لا یبدو صحیحاً.جدیر بالذکر أنّ التوکیل لأعضاء مجلس الشوری الإسلامی هو نوع من الولایة أیضاً،ولیس المراد به هو التوکیل بمعناه الفقهی.
ص:371
ص:372
11363. الإمام الکاظم علیه السلام: سَأَلتُ أبی؛جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ علیه السلام عَن بَدءِ الإِسلامِ،کَیفَ أسلَمَ عَلِیٌّ علیه السلام،وکَیفَ أسلَمَت خَدیجَةُ رَضِیَ اللّهُ عَنها؟...فَقالَ لی أبی:إنَّهُما لَمّا أسلَما دَعاهُما رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَقالَ:یا عَلِیُّ ویا خَدیجَةُ،أسلَمتُما للّهِ ِ وسَلَّمتُما لَهُ.وقالَ:إنَّ جَبرَئیلَ عِندی یَدعوکُما إلی بَیعَةِ الإِسلامِ،فَأَسلِما تَسلَما،وأَطیعا تُهدَیا.فَقالا:
فَعَلنا وأَطَعنا یا رَسولَ اللّهِ.
فَقالَ:إنَّ جَبرَئیلَ عِندی یَقولُ لَکُما:إنَّ لِلإِسلامِ شُروطاً وعُهوداً ومَواثیقَ، فَابتَدِئاهُ بِما شَرَطَهُ اللّهُ عَلَیکُما لِنَفسِهِ ولِرَسولِهِ؛أن تَقولا:«نَشهَدُ أن لا إلهَ إلَّااللّهُ وَحدَهُ لا شَریکَ لَهُ فی مُلکِهِ،ولَم یَلِدهُ والِدٌ ولَم یَلِد وَلَداً ولَم یَتَّخِذ صاحِبَةً،إلهاً واحِداً مُخلِصاً،وأَنّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ،أرسَلَهُ إلَی النّاسِ کافَّةً بَینَ یَدَیِ السَّاعَةِ، ونَشهَدُ أنَّ اللّهَ یُحیی ویُمیتُ،ویَرفَعُ ویَضَعُ،ویُغنی ویُفقِرُ،ویَفعَلُ ما یَشاءُ،ویَبعَثُ مَن فِی القُبورِ».قالا:شَهِدنا.
قالَ:وإسباغُ الوُضوءِ عَلَی المَکارِهِ؛غَسلُ الیَدَینِ وَالوَجهِ وَالذِّراعَینِ،ومَسحُ
ص:373
الرَّأسِ ومَسحُ الرِّجلَینِ إلَی الکَعبَینِ.وغُسلُ الجَنابَةِ فِی الحَرِّ وَالبَردِ،وإقامُ الصَّلاةِ، وأَخذُ الزَّکاةِ مِن حِلِّها،ووَضعُها فی أهلِها،وحِجُّ البَیتِ،وصَومُ شَهرِ رَمَضانَ، وَالجِهادُ فی سَبیلِ اللّهِ،وبِرُّ الوالِدَینِ،وصِلَةُ الرَّحِمِ،وَالعَدلُ فِی الرَّعِیَّةِ،وَالقَسمُ بِالسَّوِیَّةِ،وَالوُقوفُ عِندَ الشُّبهَةِ [ورَفعُها] (1)إلَی الإِمامِ؛فَإِنَّهُ لا شُبهَةَ عِندَهُ،وطاعَةُ وَلِیِّ الأَمرِ بَعدی،ومَعرِفَتُهُ فی حَیاتی وبَعدَ مَوتی،وَالأَئِمَّةِ مِن بَعدِهِ واحِداً فَواحِداً، ومُوالاةُ أولِیاءِ اللّهِ،ومُعاداةُ أعداءِ اللّهِ،وَالبَراءَةُ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیمِ وحِزبِهِ وأَشیاعِهِ...وَالحَیاةُ عَلی دینی وسُنَّتی،ودینِ وَصِیّی وسُنَّتِهِ إلی یَومِ القِیامَةِ، وَالمَوتُ عَلی مِثلِ ذلِکَ،غَیرَ شاقَّةٍ لِأَمرِهِ،ولا مُتَقَدِّمَةٍ ولا مُتَأَخِّرَةٍ عَنهُ،وتَرکُ شُربِ الخَمرِ،ومُلاحاةِ النّاسِ.
یا خَدیجَةُ،فَهِمتِ ما شَرَطَ عَلَیکِ رَبُّکِ؟قالَت:نَعَم،وآمَنتُ وصَدَّقتُ،ورَضیتُ وسَلَّمتُ.قالَ عَلِیٌّ علیه السلام:وأَنَا عَلی ذلِکَ.
فَقالَ:یا عَلِیُّ،تُبایِعُ عَلی ما شَرَطتُ عَلَیکَ؟قالَ:نَعَم.
قالَ:فَبَسَطَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله کَفَّهُ فَوَضَعَ کَفَّ عَلِیٍّ فی کَفِّهِ فَقالَ:بایِعنی یا عَلِیُّ عَلی ما شَرَطتُ عَلَیکَ،وأَن تَمنَعَنی مِمّا تَمنَعُ مِنهُ نَفسَکَ.فَبَکی عَلِیٌّ علیه السلام وقالَ:بِأَبی واُمّی لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّابِاللّهِ. (2)
11364. السنن الکبری عن عاصم عن أبیه حصین بن مشمت: أنَّه وَفَدَ إلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله وبایَعَهُ بَیعَةَ الإِسلامِ،وصَدَّقَ إلَیهِ ما لَهُ،وأَقطَعَهُ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله مِیاهَ عِدَّةٍ فَسَمّاهُنَّ...قالَ:
ص:374
وشَرَطَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله لِابنِ مشمتٍ فیما أقطَعَهُ إیّاهُ ألّا یُباحَ ماؤُهُ ولا یُعقَدَ (1)مَرعاهُ ولا یَعضَدَ (2)شَجَرُهُ. (3)
الکتاب
«وَ أَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ» . (4)
الحدیث
11365. مسند ابن حنبل عن ربیعة بن ناجذ عن الإمام علی علیه السلام: جَمَعَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله-أو دَعا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله-بَنی عَبدِ المُطَّلِبِ،فیهِم رَهطٌ (5)کُلُّهُم یَأکُلُ الجَذَعَةَ (6)ویَشرَبُ الفَرَقَ (7)! قالَ:فَصَنَعَ لَهُم مُدّاً مِن طَعامٍ،فَأَکَلوا حَتّی شَبِعُوا.قالَ:وبَقِیَ الطَّعامُ کَما هُوَ کَأَنَّهُ لَم یُمَسَّ،ثُمَّ دَعا بِغُمَرٍ (8)،فَشَرِبوا حَتّی رَوُوا،وبَقِیَ الشَّرابُ کَأَنَّهُ لَم یُمَسَّ،أو لَم
ص:375
یُشرَب،فَقالَ:یا بَنی عَبدِ المُطَّلِبِ،إنّی بُعِثتُ لَکُم خاصَّةً وإلَی النّاسِ بِعامَّةٍ،وقَد رَأَیتُم مِن هذِهِ الآیَةِ ما رَأَیتُم،فَأَیُّکُم یُبایِعُنی عَلی أن یَکونَ أخی وصاحِبی؟قالَ:
فَلَم یَقُم إلَیهِ أحَدٌ،فَقُمتُ إلَیهِ وکُنتُ أصغَرَ القَومِ،قالَ:فَقالَ:اِجلِس،قالَ ثَلاثَ مَرّاتٍ،کُلُّ ذلِکَ أقومُ إلَیهِ فَیَقولُ لی:اِجلِس،حَتّی کانَ فِی الثّالِثَةِ ضَرَبَ بِیَدِهِ عَلی یَدی. (1)
11366. مجمع البیان عن أبی رافع -فی ذِکرِ قَضِیَّةِ جَمعِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله بَنی عَبدِ المُطَّلِبِ-:إنَّهُ صلی الله علیه و آله جَمَعَهُم فِی الشِّعبِ...ثُمَّ قالَ:إنَّ اللّهَ تَعالی أمَرَنی أن انذِرَ عَشیرَتِیَ الأَقرَبینَ،وأَنتُم عَشیرَتی ورَهطی،وإنَّ اللّهَ لَم یَبعَث نَبِیّاً إلّاجَعَلَ مِن أهلِهِ أخاً ووَزیراً ووارِثاً ووَصِیّاً وخَلیفَةً فی أهلِهِ،فَأَیُّکُم یَقومُ فَیُبایِعُنی عَلی أنَّهُ أخی ووارِثی ووَزیری ووَصِیّی،ویَکونُ مِنّی بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسی إلّاأنَّهُ لا نَبِیَّ بَعدی؟
فَسَکَتَ القَومُ فَقالَ:لَیَقومَنَّ قائِمُکُم أو لَیَکونَنَّ فی غَیرِکُم ثُمَّ لَتَندَمُنَّ.ثُمَّ أعادَ الکَلامَ ثَلاثَ مَرّاتٍ،فَقامَ عَلِیٌّ علیه السلام فَبایَعَهُ وأَجابَهُ. (2)
11367. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید عن أبی جعفر الإسکافی: قَد رُوِیَ فِی الخَبَرِ الصَّحیحِ أنَّهُ صلی الله علیه و آله کَلَّفَهُ علیه السلام فی مَبدَإِ الدَّعوَةِ قَبلَ ظُهورِ کَلِمَةِ الإِسلامِ وَانتِشارِها بِمَکَّةَ أن یَصنَعَ لَهُ طَعاماً،و أن یَدعُوَ لَهُ بَنی عَبدِ المُطَّلِبِ،فَصَنَعَ لَهُ الطَّعامَ ودَعاهُم لَهُ، فَخَرَجوا ذلِکَ الیَومَ ولَم یُنذِرهُم صلی الله علیه و آله؛لِکَلِمَةٍ قالَها عَمُّهُ أبو لَهَبٍ.
فَکَلَّفَهُ فِی الیَومِ الثّانی أن یَصنَعَ مِثلَ ذلِکَ الطَّعامِ،و أن یَدعُوَهُم ثانِیَةً،فَصَنَعَهُ
ص:376
ودَعاهُم فَأَکَلوا،ثُمَّ کَلَّمَهُم صلی الله علیه و آله فَدَعاهُم إلَی الدّینِ،ودَعاهُ مَعَهُم؛لِأَ نَّهُ مِن بَنی عَبدِ المُطَّلِبِ،ثُمَّ ضَمِنَ لِمَن یُؤازِرُهُ مِنهُم ویَنصُرُهُ عَلی قَولِهِ أن یَجعَلَهُ أخاهُ فِی الدّینِ،ووَصِیَّهُ بَعدَ مَوتِهِ،وخَلیفَتَهُ مِن بَعدِهِ،فَأَمسَکوا کُلُّهُم وأجابَهُ هُوَ وَحدَهُ، وقالَ:أنَا أنصُرُکَ عَلی ما جِئتَ بِهِ،واُوازِرُکَ واُبایِعُکَ.فَقالَ لَهُم-لَمّا رَأی مِنهُمُ الخِذلانَ ومِنهُ النَّصرَ،وشاهَدَ مِنهُمُ المَعصِیَةَ ومِنهُ الطّاعَةَ،وعایَنَ مِنهُمُ الإِباءَ ومِنهُ الإِجابَةَ-:هذا أخی ووَصِیّی وخَلیفَتی مِن بَعدی.
فَقاموا یَسخَرونَ ویَضحَکونَ،ویَقولونَ لِأَبی طالِبٍ:أطِعِ ابنَکَ؛فَقَد أمَّرَهُ عَلَیکَ. (1)
راجع:موسوعة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام:ج 1 ص 129 ( القسم الثانی:الإمام علیّ علیه السلام مع النبی صلی الله علیه و آله/الفصل الأؤل:المؤازرة علی الدعوة ).
ص:377
ص:378
11368. مسند ابن حنبل عن عُبادة بن الصامت: کُنتُ فیمَن حَضَرَ العَقَبَةَ الاُولی،وکُنَّا اثنَی عَشَرَ رَجُلاً،فَبایَعنا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلی بَیعَةِ النِّساءِ،وذلِکَ قَبلَ أن یُفتَرَضَ الحَربُ؛ عَلی أن لا نُشرِکَ بِاللّهِ شَیئاً،ولا نَسرِقَ،ولا نَزنِیَ،ولا نَقتُلَ أولادَنا،ولا نَأتِیَ بِبُهتانٍ نَفتَریهِ بَینَ أیدینا وأَرجُلِنا،ولا نَعصِیَهُ فی مَعروفٍ؛فَإِن وَفَیتُم فَلَکُمُ الجَنَّةُ، وإن غَشیتُم مِن ذلِکَ شَیئاً فَأَمرُکُم إلَی اللّهِ إن شاءَ عَذَّبَکُم وإن شاءَ غَفَرَ لَکُم. (1)
11369. صحیح البخاری عن أبی إدریس عائذ اللّه: إنَّ عُبادَةَ بنَ الصّامِتِ-مِنَ الَّذینَ شَهِدوا بَدراً مَعَ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،ومِن أصحابِهِ لَیلَةَ العَقَبَةِ-أخبَرَهُ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله قالَ وحَولَهُ عِصابَةٌ مِن أصحابِهِ:تَعالَوا بایِعونی عَلی ألّا تُشرِکوا بِاللّهِ شَیئاً،ولا تَسرِقوا، ولا تَزنوا،ولا تَقتُلوا أولادَکُم،ولا تَأتوا بِبُهتانٍ تَفتَرونَهُ بَینَ أیدیکُم وأَرجُلِکُم،
ص:379
ولا تَعصونی فی مَعروفٍ،فَمَن وَفی مِنکُم فَأَجرُهُ عَلَی اللّهِ،ومَن أصابَ مِن ذلِکَ شَیئاً فَعوقِبَ بِهِ فِی الدُّنیا فَهُوَ لَهُ کَفّارَةٌ،ومَن أصابَ مِن ذلِکَ شَیئاً فَسَتَرَهُ اللّهُ فَأَمرُهُ إلَی اللّهِ،إن شاءَ عاقَبَهُ وإن شاءَ عَفا عَنهُ.قالَ:فَبایَعتُهُ عَلی ذلِکَ. (1)
11370. المناقب لابن شهر آشوب: کانَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله یَعرِضُ نَفسَهُ عَلی قَبائِلِ العَرَبِ فی المَوسِمِ، فَلَقِیَ رَهطاً مِنَ الخَزرَجِ فَقالَ:ألا تَجلِسونَ احَدِّثُکُم؟قالوا:بَلی،فَجَلَسوا إلَیهِ فَدَعاهُم إلَی اللّهِ،وتَلا عَلَیهِمُ القُرآنَ،فَقالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ:یا قَومِ تَعَلَّموا،وَاللّهِ إنَّهُ النَّبِیُّ الَّذی کانَ یوعِدُکُم بِهِ الیَهودُ،فَلا یَسبِقَنَّکُم إلَیهِ أحَدٌ.فَأَجابوهُ،وقالوا لَهُ:إنّا قَد تَرَکنا قَومَنا ولا قَومَ بَینَهُم مِنَ العَداوَةِ وَالشَّرِّ مِثلَما بَینَهُم،وعَسی أن یَجمَعَ اللّهُ بَینَهُم بِکَ،فَتَقدَمُ (2)عَلَیهِم وتَدعوهُم إلی أمرِکَ.و کانوا سِتَّةَ نَفَرٍ.
قالَ:فَلَمّا قَدِمُوا المَدینَةَ فَأَخبَروا قَومَهُم بِالخَبرِ،فَما دارَ حَولٌ إلّاوفیها حَدیثُ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،حَتّی إذا کانَ العامُ المُقبِلُ أتَی المَوسِمَ مِنَ الأَنصارِ اثنا عَشَرَ رَجُلاً، فَلَقُوا النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله فَبایَعوهُ عَلی بَیعَةِ النِّساءِ:ألّا یُشرِکوا بِاللّهِ شَیئاً،ولا یَسرِقوا،إلی آخِرِها.
ثُمَّ انصَرَفوا،وبَعَثَ مَعَهُم مُصعَبَ بنَ عُمَیرٍ یُصَلّی بِهِم،وکانَ بَینَهُم بِالمَدینَةِ یُسَمَّی المُقرِئَ،فَلَم یَبقَ دارٌ فِی المَدینَةِ إلّاوفیها رِجالٌ ونِساءٌ مُسلِمونَ،إلّادارُ امَیَّةَ وحُطَیمَةَ ووائِلٍ،وهُم مِنَ الأَوسِ.
ثُمَّ عادَ مُصعَبٌ إلی مَکَّةَ،وخَرَجَ مَن خَرَجَ مِنَ الأَنصارِ إلَی المَوسِمِ مَعَ حُجّاجِ قَومِهِم،فَاجتَمَعوا فِی الشِّعبِ عِندَ العََقبَةِ؛ثَلاثَةٌ وسَبعونَ رَجُلاً وَامرَأَتانِ فی أیّامِ
ص:380
التَّشریقِ بِاللَّیلِ.
فَقالَ صلی الله علیه و آله:اُبایِعُکُم عَلَی الإِسلامِ.
فَقالَ لَهُ بَعضُهُم:نُریدُ أن تُعَرِّفَنا یا رَسولَ اللّهِ؛ما للّهِ ِ عَلَینا،وما لَکَ عَلَینا،وما لَنا عَلَی اللّهِ.
فَقالَ:أمّا للّهِ ِ عَلَیکُم فَأَن تَعبُدوهُ ولا تُشرِکوا بِهِ شَیئاً،وأَمّا ما لی عَلَیکُم فَتَنصُرونَنی مِثلَ نِسائِکُم وأَبنائِکُم،و أن تَصبِروا عَلی عَضِّ السَّیفِ وإن یُقتَلَ خِیارُکُم.
قالوا:فَإِذا فَعَلنا ذلِکَ ما لَنا عَلَی اللّهِ؟
قالَ:أمّا فِی الدُّنیا فَالظُّهورُ عَلی مَن عاداکُم،وفِی الآخِرَةِ الرِّضوانُ وَالجَنَّةُ.
فَأَخَذَ البَراءُ بنُ مَعرورٍ بِیَدِهِ ثُمَّ قالَ:وَالَّذی بَعَثَکَ بِالحَقِّ ! لَنَمنَعُکَ بِما نَمنَعُ بِهِ ازُرَنا (1)؛فَبایِعنا یا رَسولَ اللّهِ؛فَنَحنُ-وَاللّهِ-أهلُ الحُروبِ وأَهلُ الحِلفَةِ (2)،وَرِثناها کِباراً عَن کِبارٍ.
فَقالَ أبُو الهَیثَمِ:إنَّ بَینَنا وبَینَ الرِّجالِ حِبالاً،وإنّا إن قَطَعناها أو قَطَعوها فَهَل عَسَیتَ إن فَعَلنا ذلِکَ ثُمَّ أظهَرَکَ اللّهُ أن تَرجِعَ إلی قَومِکَ وتَدَعَنا؟
فَتَبَسَّمَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله،ثُمَّ قالَ:بَلِ الدَّمُ الدَّمُ،وَالهَدمُ الهَدمُ،اُحارِبُ مَن حارَبتُم، واُسالِمُ مَن سالَمتُم.
ثُمَّ قالَ:أخرِجوا إلَیَّ مِنکُمُ اثنَی عَشَرَ نَقیباً.فَاختاروا.
ص:381
ثُمَّ قالَ:اُبایِعُکُم کَبَیعَةِ عیسَی بنِ مَریَمَ لِلحَوارِیّینَ کُفَلاءَ عَلی قَومِهِم بِما فیهِم، وعَلی أن تَمنَعونی مِمّا تَمنَعونَ مِنهُ نِساءَکُم وأَبناءَکُم.فَبایَعوهُ عَلی ذلِکَ.
فَصَرَخَ الشَّیطانُ فِی العَقَبَةِ:یا أهلَ الجَباجِبِ (1)،هَل لَکُم فی مُحَمَّدٍ وَالصُّباةِ (2)مَعَهُ؟قَدِ اجتَمَعوا عَلی حَربِکُم.
ثُمَّ نَفَرَ النّاسُ مِن مِنیً،وفَشَا الخَبَرُ،فَخَرَجوا فِی الطَّلَبِ،فَأَدرَکوا سَعدَ بنَ عُبادَةَ وَالمُنذِرَ بنَ عَمرٍو،فَأَمَّا المُنذِرُ فَأَعجَزَ (3)القَومَ،وأمّا سَعدٌ فَأَخَذوهُ ورَبَطوهُ بِنِسعِ (4)رَحلِهِ،وأَدخَلوهُ مَکَّةَ یَضرِبونَهُ،فَبَلَغَ خَبَرُهُ إلی جُبَیرِ بنِ مُطعِمٍ وَالحارِثِ بنِ حَربِ بنِ امَیَّةَ،فَأَتَیاهُ وخَلَّصاهُ.
وکانَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله لَم یُؤمَر إلّابِالدُّعاءِ وَالصَّبرِ عَلَی الأَذی،وَالصَّفحِ عَنِ الجاهِلِ، فَطالَت قُرَیشٌ عَلَی المُسلِمینَ،فَلَمّا کَثُرَ عُتُوُّهُم امِرَ بِالهِجرَةِ.
فَقالَ صلی الله علیه و آله:إنَّ اللّهَ قَد جَعَلَ لَکُم داراً وإخواناً تَأمَنونَ بِها.فَخَرَجوا أرسالاً (5)حَتّی لَم یَبقَ مَعَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله إلّاعَلِیٌّ وأبو بَکرٍ،فَحَذَرَت قُرَیشٌ خُروجَهُ،وعَرَفوا أنَّهُ قَد أجمَعَ لِحَربِهِم،فَاجتَمَعوا فی دارِ النَّدوَةِ-وهِیَ دارُ قُصَیِّ بنِ کِلابٍ-یَتَشاوَرونَ فی أمرِهِ. (6)
11371. الطبقات الکبری عن عُبادة بن الصامت: لَمّا کانَ العامُ المُقبِلُ مِنَ العامِ الَّذی لَقِیَ فیهِ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله النَّفَرَ السِّتَّةَ،لَقِیَهُ اثنا عَشَرَ رَجُلاً بَعدَ ذلِکَ بِعامٍ،وهِیَ العَقَبَةُ الاُولی؛
ص:382
مِن بَنِی النَّجّارِ:أسعَدُ بنُ زُرارَةَ،وعَوفٌ ومُعاذٌ وهُمَا ابنَا الحارِثِ،وهُمَا ابنا عَفراءَ، ومِن بَنی زُرَیقٍ:ذَکوانُ بنُ عَبدِ قَیسٍ ورافِعُ بنُ مالِکٍ،ومِن بَنی عَوفِ بنِ الخَزرَجِ:
عُبادَةُ بنُ الصّامِتِ ویَزیدُ بنُ ثَعلَبَةَ أبو عَبدِ الرَّحمنِ،ومِن بَنی عامِرِ بنِ عَوفٍ:عَبّاسُ بنُ عُبادَةَ بنِ نَضلَةَ،ومِن بَنی سَلِمَةَ:عُقبَةُ بنُ عامِرِ بنِ نابِئٍ،ومِن بَنی سَوادٍ:قُطَبَةُ بنُ عامِرِ بنِ حَدیدَةَ؛فَهؤُلاءِ عَشَرَةٌ مِنَ الخَزرَجِ.
ومِنَ الأَوسِ رَجُلانِ:أبُو الهَیثَمِ بنُ التَّیِّهانِ مِن بَلِیٍّ حَلیفٌ فی بَنی عَبدِ الأَشهَلِ، ومِن بَنی عَمرِو بنِ عَوفٍ:عُوَیمُ بنُ ساعِدَةَ.
فَأَسلَموا،وبایَعوا عَلی بَیعَةِ النِّساءِ؛عَلی أن لا نُشرِکَ بِاللّهِ شَیئاً،ولا نَسرِقَ،ولا نَزنِیَ،ولا نَقتُلَ أولادَنا،ولا نَأتِیَ بِبُهتانٍ نَفتَریهِ بَینَ أیدینا وأَرجُلِنا،ولا نَعصِیَهُ فی مَعروفٍ.
قالَ:فَإِن وَفَیتُم فَلَکُمُ الجَنَّةُ،ومَن غَشِیَ مِن ذلِکَ شَیئاً کانَ أمرُهُ إلَی اللّهِ؛إن شاءَ عَذَّبَهُ وإن شاءَ عَفا عَنهُ.ولَم یُفرَض یَومَئِذٍ القِتالُ.
ثُمَّ انصَرَفوا إلَی المَدینَةِ،فَأَظهَرَ اللّهُ الإِسلامَ،وکانَ أسعَدُ بنُ زُرارَةَ یُجَمِّعُ بِالمَدینَةِ بِمَن أسلَمَ.
وکَتَبَتِ الأَوسُ وَالخَزرَجُ إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله:اِبعَث إلَینا مُقرِئاً یُقرِئُنَا القُرآنَ.فَبَعَثَ إلَیهِم مُصعَبَ بنَ عُمَیرٍ العَبدَرِیَّ،فَنَزَلَ عَلی أسعَدَ بنِ زُرارَةَ،فَکانَ یُقرِئُهُمُ القُرآنَ.
فَرَوی بَعضُهُم أنَّ مُصعَباً کانَ یُجَمِّعُ بِهِم،ثُمَّ خَرَجَ مَعَ السَّبعینَ حَتّی وافَوُا المَوسِمَ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله. (1)
ص:383
11372. الکامل فی التاریخ: فَلَمّا أرادَ اللّهُ إظهارَ دینِهِ وإنجازَ وَعدِهِ،خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله فِی المَوسِمِ الَّذی لَقِیَ فیهِ النَّفَرَ مِنَ الأَنصارِ،فَعَرَضَ نَفسَهُ عَلَی القَبائِلِ کَما کانَ یَفعَلُهُ، فَبَینَما هُوَ عِندَ العَقَبَةِ لَقِیَ رَهطاً مِنَ الخَزرَجِ فَدَعاهُم إلَی اللّهِ عز و جل،وعَرَضَ عَلَیهِمُ الإِسلامَ،وقَد کانَت یَهودُ مَعَهُم بِبِلادِهِم،وکانَ هؤُلاءِ أهلَ أوثانٍ،فَکانوا إذا کانَ بَینَهُم شَرٌّ تَقولُ الیَهودُ:إنَّ نَبِیّاً یُبعَثُ الآنَ نَتَّبِعُهُ ونَقتُلُکُم مَعَهُ قَتلَ عادٍ وثَمودَ.فَقالَ اولئِکَ النَّفَرُ بَعضُهُم لِبَعضٍ:هذا وَاللّهِ النَّبِیُّ الَّذی تَوَعَّدَکُم بِهِ الیَهودُ،فَأَجابوهُ وصَدَّقوهُ وقالوا لَهُ:إنَّ بَینَ قَومِنا شَرّاً،وعَسَی اللّهُ أن یَجمَعَهُم بِکَ،فَإِنِ اجتَمَعوا عَلَیکَ فَلا رَجُلَ أعَزُّ مِنکَ.
ثُمَّ انصَرَفوا عَنهُ،و کانوا سَبعَةَ نَفَرٍ مِنَ الخَزرَجِ:أسعَدُ بنُ زُرارَةَ بنِ عُدَسٍ أبو امامَةَ،وعَوفُ بنُ الحارِثِ بنِ رِفاعَةَ،وهُوَ ابنُ عَفراءَ،کِلاهُما مِن بَنِی النَّجّارِ، ورافِعُ بنُ مالِکِ بنِ عَجلانَ،وعامِرُ بنُ عَبدِ حارِثَةَ بنِ ثَعلَبَةَ بنِ غَنمٍ،کِلاهُما مِن بَنی زُرَیقٍ،وقُطبَةُ بنُ عامِرِ بنِ حَدیدَةَ بنِ سَوادٍ مِن بَنی سَلِمَةَ-سَلِمَةَ هذا بِکَسرِ اللّامِ-،وعُقبَةُ بنُ عامِرِ بنِ نابِئٍ مِن بَنی غَنمٍ،وجابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ رِئابٍ مِن بَنی عُبَیدَةَ. (1)
الکتاب
«وَ اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَیْکُمْ وَ مِیثاقَهُ الَّذِی واثَقَکُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ
ص:384
عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» . (1)
«وَ لَقَدْ کانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا یُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَ کانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْؤُلاً» . 2
الحدیث
11373. مسند ابن حنبل عن جابر: مَکَثَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِمَکَّةَ عَشرَ سِنینَ 3،یَتبَعُ النّاسَ فی مَنازِلِهِم بِعُکاظَ 4ومَجَنَّةَ 5،وفِی المَواسِمِ بِمِنیً،یَقولُ:مَن یُؤوینی،مَن یَنصُرُنی حَتّی ابَلِّغَ رِسالَةَ رَبّی ولَهُ الجَنَّةُ؟
...فَقُلنا:حَتّی مَتی نَترُکُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله یُطرَدُ مِن جِبالِ مَکَّةَ ویَخافُ؟فَرَحَلَ
ص:385
إلَیهِ مِنّا سَبعونَ رَجُلاً حَتّی قَدِموا عَلَیهِ فِی المَوسِمِ،فَواعَدناهُ شِعبَ العَقَبَةِ،فَاجتَمَعنا عَلَیهِ مِن رَجُلٍ ورَجُلَینِ،حَتّی تَوافَینا فَقُلنا:یا رَسولَ اللّهِ نُبایِعُکَ.
قالَ:تُبایِعونی عَلَی السَّمعِ وَالطّاعَةِ فِی النَّشاطِ وَالکَسَلِ،وَالنَّفَقَةِ فِی العُسرِ وَالیُسرِ،وعَلَی الأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهیِ عَنِ المُنکَرِ،و أن تَقولوا فِی اللّهِ لا تَخافونَ فِی اللّهِ لَومَةَ لائِمٍ،وعَلی أن تَنصُرونی فَتَمنَعونی إذا قَدِمتُ عَلَیکُم،مِمّا تَمنَعونَ مِنهُ أنفُسَکُم وأَزواجَکُم وأَبناءَکُم؛ولَکُمُ الجَنَّةُ.قالَ:فَقُمنا إلَیهِ فَبایَعناهُ. (1)
11374. المناقب لابن شهر آشوب: فَلَمّا تُوُفِّیَ أبو طالِبٍ خَرَجَ [رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله ] إلَی الطّائِفِ وأَقامَ فیهِ شَهراً،وکانَ مَعَهُ زَیدُ بنُ الحارِثِ،ثُمَّ انصَرَفَ إلی مَکَّةَ،ومَکَثَ فیها سَنَةً وسِتَّةَ أشهُرٍ فی جِوارِ مُطعِمِ بنِ عَدِیٍّ،وکانَ یَدعُو القَبائِلَ فِی المَواسِمِ،فَکانَت بَیعَةُ العَقَبَةِ الاُولی بِمِنیً،فَبایَعَهُ خَمسَةُ نَفَرٍ مِنَ الخَزرَجِ وواحِدٌ مِنَ الأَوسِ-فی خُفیَةٍ مِن قَومِهِم-بَیعَةَ النِّساءِ،وهُم:جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ،وفِطنَةُ بنُ عامِرِ بنِ حِزامٍ، وعَوفُ بنُ الحارِثِ،وحارِثَةُ بنُ ثَعلَبَةَ،ومَرثَدُ بنُ الأَسَدِ،وأبو امامَةَ ثَعلَبَةُ بنُ عَمرٍو، ویُقالُ:هُوَ أسعَدُ بنُ زُرارَةَ.فَلَمَّا انصَرَفوا إلَی المَدینَةِ وذَکَرُوا القِصَّةَ وقَرَؤُوا القُرآنَ صَدَّقوهُ.
وفِی السَّنَةِ القابِلَةِ-وهِیَ العَقَبَةُ الثّانِیَةُ-أنفَذوا مَعَهُم سِتَّةً اخری بِالسَّلامِ وَالبَیعَةِ،وهُم:أبُو الهَیثَمِ بنُ التَّیِّهانِ،وعُبادَةُ بنُ الصّامِتِ،وذَکوانُ بنُ عَبدِ اللّهِ،ونافِعُ بنُ مالِکِ بنِ العَجلانِ،وعَبّاسُ بنُ عُبادَةَ بنِ نَضلَةَ،ویَزیدُ بنُ ثَعلَبَةَ حَلیفٌ لَهُ،ویُقالُ:
مَسعودُ بنُ الحارِثِ،وعُوَیمُ بنُ ساعِدَةَ حَلیفٌ لَهُم.ثُمَّ أنفَذَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله مَعَهُمُ
ص:386
ابنَ عَمِّهِ مُصعَبَ بنَ هاشِمٍ،فَنَزَلَ دارَ أسعَدَ بنِ زُرارَةَ،فَاجتَمَعوا عَلَیهِ وأَسلَمَ أکثَرُهُم،إلّادارَ امَیَّةَ بنِ زَیدٍ وحَطَمَةَ ووائِلٍ وواقِفٍ،فَإِنَّهُم أسلَموا بَعدَ بَدرٍ واُحُدٍ وَالخَندَقِ.
وفِی السَّنَةِ القابِلَةِ کانَت بَیعَةُ الحارِثِ؛کانوا مِنَ الأَوسِ وَالخَزرَجِ سَبعینَ رَجُلاً وَامرَأَتَینِ،وَاختارَ صلی الله علیه و آله مِنهُم اثنَی عَشَرَ نَقیباً؛لِیَکونوا کُفَلاءَ قَومِهِ،تِسعَةً مِنَ الخَزرَجِ وثَلاثَةً مِنَ الأَوسِ،فَمِنَ الخَزرَجِ أسعَدُ وجابِرٌ وَالبَراءُ بنُ مَعرورٍ وعَبدُ اللّهِ بنُ حِزامٍ وسَعدُ بنُ عُبادَةَ وَالمُنذِرُ بنُ قَمَرٍ وعَبدُ اللّهِ بنُ رَواحَةَ وسَعدُ بنُ الرَّبیعِ،ومِنَ القَواقِلِ (1)عُبادَةُ بنُ الصّامِتِ،ومِنَ الأَوسِ أبو الهَیثَمِ واُسَیدُ بنُ خُضَیرٍ وسَعیدُ بنُ خَیثَمَةَ. (2)
11375. دلائل النبوّة لأبی نعیم عن الزهری -فی ذِکرِ ما جَری بَینَ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله وبَینَ الأَوسِ وَالخَزرَجِ وکَلامِهِ مَعَهُم-:فَمَرَّ العَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ وهُوَ یُکَلِّمُهُم ویُکَلِّمونَهُ، فَعَرَفَ صَوتَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله فَقالَ:ابنَ أخی ! مَن هؤُلاءِ الَّذینَ عِندَکَ؟قالَ:یا عَمِّ،سُکّانُ یَثرِبَ؛الأَوسُ وَالخَزرَجُ،فَدَعَوتُهُم إلی ما دَعَوتُ إلَیهِ مِن قَبلِهِم مِنَ الأَحیاءِ، فَأَجابونی وصَدَّقونی،وذَکَروا أنَّهُم یُخرِجونَنی إلی بِلادِهِم.
فَنَزَلَ العَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ وعَقَلَ راحِلَتَهُ،ثُمَّ قالَ لَهُم:یا مَعشَرَ الأَوسِ وَالخَزرَجِ،هذَا ابنُ أخی وهُوَ أحَبُّ النّاسِ إلَیَّ،فَإِن کُنتُم صَدَّقتُموهُ وآمَنتُم بِهِ وأَرَدتُم إخراجَهُ مَعَکُم،فَإِنّی اریدُ أن آخُذَ عَلَیکُم مَوثِقاً تَطمَئِنُّ بِهِ نَفسی،ولا تَخذُلوهُ ولا تَغِرّوهُ،فَإِنَّ جیرانَکُمُ الیَهودُ،وَالیَهودُ لَهُ عَدُوٌّ ولا آمَنُ مَکرَهُم عَلَیهِ.
ص:387
فَقالَ أسعَدُ بنُ زُرارَةَ وشَقَّ عَلَیهِ قَولُ العَبّاسِ حینَ اتَّهَمَ عَلَیهِ أسعَدَ وأَصحابَهُ، قالَ:یا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله،ائذَن لَنا فَلنُجِبهُ غَیرَ مُخشِنینَ بِصَدرِکَ ولا مُتَعَرِّضینَ لِشَیءٍ مِمّا تَکرَهُ،إلّاتَصدیقاً لِإِجابَتِنا إیّاکَ وإیماناً بِکَ.
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:أجیبوهُ غَیرَ مُتَّهَمینَ.
فَقالَ أسعَدُ بنُ زُرارَةَ وأَقبَلَ عَلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِوَجهِهِ،فَقالَ:یا رَسولَ اللّهِ،إنَّ لِکُلِّ دَعوَةٍ سَبیلاً؛إن لینٌ وإن شِدَّةٌ،وقَد دَعَوتَ الیَومَ إلی دَعوَةٍ مُتَجَهِّمَةٍ (1)لِلنّاسِ مُتَوَعِّرَةٍ عَلَیهِم،دَعَوتَنا إلی تَرکِ دینِنا وَاتِّباعِکَ عَلی دینِکَ،وتِلکَ رُتبَةٌ صَعبَةٌ، فَأَجَبناکَ إلی ذلِکَ،ودَعَوتَنا إلی قَطعِ ما بَینَنا وبَینَ النّاسِ مِنَ الجِوارِ وَالأَرحامِ القَریبِ وَالبَعیدِ،وتِلکَ رُتبَةٌ صَعبَةٌ،فَأَجَبناکَ إلی ذلِکَ،ودَعَوتَنا-ونَحنُ جَماعَةٌ فی دارِ عِزٍّ ومَنَعَةٍ لا یَطمَعُ فیها أحَدٌ-أن یَرأَسَ عَلَینا رَجُلٌ مِن غَیرِنا قَد أفرَدَهُ قَومُهُ وأَسلَمَهُ أعمامُهُ،وتِلکَ رُتبَةٌ صَعبَةٌ،فَأَجَبناکَ إلی ذلِکَ.
وکُلُّ هؤُلاءِ الرُّتَبُ مَکروهَةٌ عِندَ النّاسِ،إلّامَن عَزَمَ اللّهُ عَلی رُشدِهِ،وَالتَمَسَ الخَیرَ فی عَواقِبِها،وقَد أجَبناکَ إلی ذلِکَ بِأَلسِنَتِنا وصُدورِنا وأَیدینا؛إیماناً بِما جِئتَ بِهِ،وتَصدیقاً بِمَعرِفَةٍ ثَبَتَت فی قُلوبِنا،نُبایِعُکَ عَلی ذلِکَ ونُبایِعُ رَبَّنا ورَبَّکَ،یَدُ اللّهِ فَوقَ أیدینا،ودِماؤُنا دونَ دَمِکَ،وأَیدینا دونَ یَدِکَ،نَمنَعُکُ مِمّا نَمنَعُ مِنهُ أنفُسَنا وأَبناءَنا ونِساءَنا،فَإِن نَفِ بِذلِکَ فَلِلّهِ نَفی،وإن نَغدِر فَبِاللّهِ نَغدِرُ ونَحنُ بِهِ أشقِیاءُ،هذَا الصِّدقُ مِنّا یا رَسولَ اللّهِ،وَاللّهُ المُستَعانُ.
ثُمَّ أقبَلَ عَلَی العَبّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ بِوَجهِهِ فَقالَ:وأَمّا أنتَ أیُّهَا المُعتَرِضُ لَنا بِالقَولِ دونَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،وَاللّهُ أعلَمُ ما أرَدتَ بِذلِکَ،ذَکَرتَ أنَّهُ ابنُ أخیکَ وَأَحَبُّ
ص:388
النّاسِ إلَیکَ،فَنَحنُ قَد قَطَعنَا القَریبَ وَالبَعیدَ وذَا الرَّحِمِ،ونَشهَدُ أنَّهُ رَسولُ اللّهِ أرسَلَهُ مِن عِندِهِ لَیسَ بِکَذّابٍ،وإنَّ ما جاءَ بِهِ لا یُشبِهُ کَلامَ البَشَرِ.وأَمّا ما ذَکَرتَ أنَّکَ لا تَطمَئِنُّ إلَینا فی أمرِهِ حَتّی تَأخُذَ مَواثیقَنا،فَهذِهِ خَصلَةٌ لا نَرُدُّها عَلی أحَدٍ أرادَها لِرَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَخُذ ما شِئتَ.
ثُمَّ التَفَتَ إلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله فَقالَ:یا رَسولَ اللّهِ،خُذ لِنَفسِکَ ما شِئتَ وَاشتَرِط لِرَبِّکَ ما شِئتَ.
فَقالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:أشتَرِطُ لِرَبّی عز و جل أن تَعبُدوهُ ولا تُشرِکوا بِهِ شَیئاً،ولِنَفسی أن تَمنَعونی مِمّا تَمنَعونَ مِنهُ أنفُسَکُم وأَبناءَکُم ونِساءَکُم.
قالوا:فَذلِکَ لَکَ یا رَسولَ اللّهِ. (1)
11376. السیرة النبویّة لابن هشام عن کعب بن مالک -وکانَ مِمَّن شَهِدَ العَقَبَةَ وبایَعَ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِها-:خَرَجنا إلَی الحَجِّ،وواعَدَنا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله العَقَبَةَ مِن أوسَطِ أیّامِ التَّشریقِ،فَلَمّا فَرَغنا مِنَ الحَجِّ،وکانَتِ اللَّیلَةُ الَّتی واعَدَنا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله لَها،ومَعَنا عَبدُ اللّهِ بنُ عَمرِو بنِ حَرامٍ أبو جابِرٍ؛سَیِّدٌ مِن ساداتِنا،وشَریفٌ مِن أشرافِنا أخَذناهُ مَعَنا،وکُنّا نَکتُمُ مَن مَعَنا مِن قَومِنا مِنَ المُشرِکینَ أمرَنا،فَکَلَّمناهُ وقُلنا لَهُ:یا أبا جابِرٍ،إنَّکَ سَیِّدٌ مِن ساداتِنا وشَریفٌ مِن أشرافِنا،وإنّا نَرغَبُ بِکَ عَمّا أنتَ فیهِ أن تَکونَ حَطَباً لِلنّارِ غَداً.ثُمَّ دَعَوناهُ إلَی الإِسلامِ،وأَخبَرناهُ بِمیعادِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله إیّانَا العَقَبَةَ.قالَ:فَأَسلَمَ وشَهِدَ مَعَنَا العَقَبَةَ،وکانَ نَقیباً.
قالَ:فَنِمنا تِلکَ اللَّیلَةَ مَعَ قَومِنا فی رِحالِنا،حَتّی إذا مَضی ثُلُثُ اللَّیلِ خَرَجنا مِن رِحالِنا لِمیعادِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،نَتَسَلَّلُ تَسَلُّلَ القَطا مُستخَفینَ،حَتَّی اجتَمَعنا فِی الشِّعبِ عِندَ العَقَبَةِ،ونَحنُ ثَلاثَةٌ وسَبعونَ رَجُلاً،ومَعَنَا امرَأَتانِ مِن نِسائِنا:نُسَیبَةُ
ص:389
بِنتُ کَعبٍ امُّ عُمارَةَ؛إحدی نِساءِ بَنی مازِنِ بنِ النَّجّارِ،وأَسماءُ بِنتُ عَمرِو بنِ عَدِیِّ بنِ نابِئٍ؛إحدی نِساءِ بَنی سَلِمَةَ وهِیَ امُّ مَنیعٍ.
قالَ:فَاجتَمَعنا فِی الشِّعبِ نَنتَظِرُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله،حَتّی جاءَنا ومَعَهُ عَمُّهُ العَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ،وهُوَ یَومَئِذٍ عَلی دینِ قَومِهِ،إلّاأنَّهُ أحَبَّ أن یَحضُرَ أمرَ ابنِ أخیهِ ویَتَوَثَّقَ لَهُ.فَلَمّا جَلَسَ کانَ أوَّلَ مُتَکَلِّمٍ العَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ،فَقالَ:
یا مَعشَرَ الخَزرَجِ-قالَ:وکانَتِ العَرَبُ إنَّما یُسَمّونَ هذَا الحَیَّ مِنَ الأَنصارِ الخَزرَجَ؛خَزرَجَها وأَوسَها-إنَّ مُحَمَّداً مِنّا حَیثُ قَد عَلِمتُم،وقَد مَنَعناهُ مِن قَومِنا مِمَّن هُوَ عَلی مِثلِ رَأیِنا فیهِ،فَهُوَ فی عِزٍّ مِن قَومِهِ ومَنَعَةٍ فی بَلَدِهِ،وإنَّهُ قَد أبی إلَّا الاِنحِیازَ إلَیکُم وَاللُّحوقَ بِکُم،فَإِن کُنتُم تَرَونَ أنَّکُم وافونَ لَهُ بِما دَعَوتُموهُ إلَیهِ ومانِعوهُ مِمَّن خالَفَهُ،فَأَنتُم وما تَحَمَّلتُم مِن ذلِکَ،وإن کُنتُم تَرَونَ أنَّکُم مُسلِموهُ وخاذِلوهُ بَعدَ الخُروجِ بِهِ إلَیکُم،فَمِنَ الآنَ فَدَعوهُ،فَإِنَّهُ فی عِزٍّ ومَنَعَةٍ مِن قَومِهِ وبَلَدِهِ.
قالَ:فَقُلنا لَهُ:قَد سَمِعنا ما قُلتَ،فَتَکَلَّم یا رَسولَ اللّهِ،فَخُذ لِنَفسِکَ ولِرَبِّکَ ما أحبَبتَ.
قالَ:فَتَکَلَّمَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَتَلَا القُرآنَ ودَعا إلَی اللّهِ ورَغَّبَ فِی الإِسلامِ،ثُمَّ قالَ:
ابایِعُکُم عَلی أن تَمنَعونی مِمّا تَمنَعونَ مِنهُ نِساءَکُم وأَبناءَکُم.
قالَ:فَأَخَذَ البَراءُ بنُ مَعرورٍ بِیَدِهِ،ثُمَّ قالَ:نَعَم،وَالَّذی بَعَثَکَ بِالحَقِّ نَبِیّاً،لَنَمنَعَنَّکَ مِمّا نَمنَعُ مِنهُ ازُرَنا،فَبایِعنا یا رَسولَ اللّهِ. (1)
ص:390
11377. الکامل فی التاریخ: لَمّا فَشَا الإِسلامُ فِی الأَنصارِ اتَّفَقَ جَماعَةٌ مِنهُم عَلَی المَسیرِ إلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،مُستَخفینَ لا یَشعُرُ بِهِم أحَدٌ،فَساروا إلی مَکَّةَ فِی المَوسِمِ فی ذِی الحِجَّةِ مَعَ کُفّارِ قَومِهِم،وَاجتَمَعوا بِهِ وواعَدوهُ أوسَطَ أیّامِ التَّشریقِ (1)بِالعَقَبَةِ.
فَلَمّا کانَ اللَّیلُ خَرَجوا بَعدَ مُضِیِّ ثُلُثِهِ مُستَخفینَ یَتَسَلَّلونَ حَتَّی اجتَمَعوا بِالعَقَبَةِ، وهُم سَبعونَ رَجُلاً،مَعَهُمُ امرَأَتانِ:نُسَیبَةُ بِنتُ کَعبٍ امُّ عُمارَةَ،وأَسماءُ امُّ عَمرِو بنِ عَدِیٍّ مِن بَنی سَلِمَةَ،وجاءَهُم رَسولُ اللّهِ ومَعَهُ عَمُّهُ العَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ،وهُوَ کافِرٌ،أحَبَّ أن یَتَوَثَّقَ لِابنِ أخیهِ،فَکانَ العَبّاسُ أوَّلَ مَن تَکَلَّمَ فَقالَ:
یا مَعشَرَ الخَزرَجِ-وکانَتِ العَرَبُ تُسَمِّی الخَزرَجَ وَالأَوسَ بِهِ-إنَّ مُحَمَّداً مِنّا حَیثُ قَد عَلِمتُم فی عِزٍّ ومَنَعَةٍ،وإنَّهُ قَد أبی إلَّاالاِنقِطاعَ إلَیکُم،فَإِن کُنتُم تَرَونَ أنَّکُم وافونَ لَهُ بِما دَعَوتُموهُ إلَیهِ ومانِعوهُ،فَأَنتُم وذلِکَ،وإن کُنتُم تَرَونَ أنَّکُم مُسلِموهُ،فَمِنَ الآنَ فَدَعوهُ فَإِنَّهُ فی عِزٍّ ومَنَعَةٍ.
فَقالَ الأَنصارُ:قَد سَمِعنا ما قُلتَ،فَتَکَلَّم یا رَسولَ اللّهِ وخُذ لِنَفسِکَ ورَبِّکَ ما أحبَبتَ.
فَتَکَلَّمَ وتَلَا القُرآنَ ورَغَّبَ فِی الإِسلامِ،ثُمَّ قالَ:تَمنَعُونّی مِمّا تَمنَعونَ مِنهُ نِساءَکُم وأَبناءَکُم.
ثُمَّ أخَذَ البَراءُ بنُ مَعرورٍ بِیَدِهِ،ثُمَّ قالَ:وَالَّذی بَعَثَکَ بِالحَقِّ لَنَمنَعَنَّکَ مِمّا نَمنَعُ مِنهُ ازُرَنا،فَبایِعنا یا رَسولَ اللّهِ فَنَحنُ وَاللّهِ أهلُ الحَربِ.
فَاعتَرَضَ الکَلامَ أبُو الهَیثَمِ بنِ التَّیِّهانِ فَقالَ:یا رَسولَ اللّهِ،إنَّ بَینَنا وبَینَ النّاسِ حِبالاً،وإنّا قاطِعوها-یَعنِی الیَهودَ-فَهَل عَسَیتَ إن أظهَرَکَ اللّهُ عز و جل أن تَرجِعَ إلی قَومِکَ وتَدَعَنا؟
ص:391
فَتَبَسَّمَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله وقالَ:بَلِ الدَّمُ الدَّمُ وَالهَدمُ الهَدمُ،أنتُم مِنّی وأَنَا مِنکُم،اُسالِمُ مَن سالَمتُم واُحارِبُ مَن حارَبتُم.
وقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:أخرِجوا إلَیَّ اثنَی عَشَرَ نَقیباً یَکونونَ عَلی قَومِهِم.
فَأَخرَجوهُم تِسعَةً مِنَ الخَزرَجِ وثَلاثَةً مِنَ الأَوسِ.
وقالَ لَهُمُ العَبّاسُ بنُ عُبادَةَ بنِ نَضلَةَ الأَنصارِیُّ:یا مَعشَرَ الخَزرَجِ،هَل تَدرونَ عَلامَ تُبایِعونَ هذَا الرَّجُلَ؟تُبایِعونَهُ عَلی حَربِ الأَحمَرِ وَالأَسوَدِ،فَإِن کُنتُم تَرَونَ أنَّکُم إذا نُهِکَت أموالُکُم مُصیبَةً وأَشرافُکُم قَتلاً أسلَمتُموهُ،فَمِنَ الآنَ فَهُوَ وَاللّهِ خِزیُ الدُّنیا وَالآخِرَةِ،وإن کُنتُم تَرَونَ أنَّکُم وافونَ لَهُ،فَخُذوهُ فَهُوَ وَاللّهِ خَیرُ الدُّنیا وَالآخِرَةِ.
قالوا:فَإِنّا نَأخُذُهُ عَلی مُصیبَةِ الأَموالِ وقَتلِ الأَشرافِ،فَما لَنا بِذلِکَ یا رَسولَ اللّهِ؟قالَ:الجَنَّةُ،قالوا:اُبسُط یَدَکَ.فَبایَعوهُ...وکانَتِ البَیعَةُ فی هذِهِ العَقَبَةِ عَلی غَیرِ الشُّروطِ فِی العَقَبَةِ الاُولی،فَإِنَّ الاُولی کانَت عَلی بَیعَةِ النِّساءِ،وهذِهِ البَیعَةَ کانَت عَلی حَربِ الأَحمَرِ وَالأَسوَدِ. (1)
11378. تفسیر القمّی: قَولُهُ: «وَ إِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِیُثْبِتُوکَ أَوْ یَقْتُلُوکَ أَوْ یُخْرِجُوکَ وَ یَمْکُرُونَ وَ یَمْکُرُ اللّهُ وَ اللّهُ خَیْرُ الْماکِرِینَ» (2)فَإِنَّها نَزَلَت بِمَکَّةَ قَبلَ الهِجرَةِ،وکانَ سَبَبُ نُزولِها أنَّهُ لَمّا أظهَرَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله الدَّعوَةَ بِمَکَّةَ قَدِمَت عَلَیهِ الأَوسُ وَالخَزرَجُ.
فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:تَمنَعُونّی وتَکونونَ لی جاراً حَتّی أتلُوَ عَلَیکُم کِتابَ رَبّی وثَوابُکُم عَلَی اللّهِ الجَنَّةُ؟فَقالوا:نَعَم،خُذ لِرَبِّکَ ولِنَفسِکَ ما شِئتَ،فَقالَ لَهُم:
مَوعِدُکُمُ العَقَبَةُ فِی اللَّیلَةِ الوُسطی مِن لَیالِی التَّشریقِ.
ص:392
فَحَجّوا ورَجَعوا إلی مِنیً،وکانَ فیهِم مِمَّن قَد حَجَّ بَشَرٌ کَثیرٌ.فَلَمّا کانَ الیَومُ الثّانی مِن أیّامِ التَّشریقِ،قالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:إذا کانَ اللَّیلُ فَاحضُروا دارَ عَبدِ المُطَّلِبِ عَلَی العَقَبَةِ،ولا تُنَبِّهوا نائِماً،وَلیَنسَلَّ واحِدٌ فَواحِدٌ.
فَجاءَ سَبعونَ رَجُلاً مِنَ الأَوسِ وَالخَزرَجِ،فَدَخَلُوا الدّارَ،فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:
تَمنَعُونّی وتُجیرُونّی حَتّی أتلُوَ عَلَیکُم کِتابَ رَبّی وثَوابُکُم عَلَی اللّهِ الجَنَّةُ؟
فَقالَ أسعَدُ بنُ زُرارَةَ وَالبَراءُ بنُ مَعرورٍ وعَبدُ اللّهِ بنُ حِزامٍ:نَعَم یا رَسولَ اللّهِ، اشتَرِط لِرَبِّکَ ولِنَفسِکَ ما شِئتَ.
فَقالَ:أمّا ما أشتَرِطُ لِرَبّی فَأَن تَعبُدوهُ ولا تُشرِکوا بِهِ شَیئاً،وأَشتَرِطُ لِنَفسی أن تَمنَعونی مِمّا تَمنَعونَ أنفُسَکُم،وتَمنَعوا أهلی مِمّا تَمنَعونَ أهالِیَکُم وأَولادَکُم،فَقالوا:
وما لَنا عَلی ذلِکَ؟فَقالَ:الجَنَّةُ فِی الآخِرَةِ،وتَملِکونَ العَرَبَ وتَدینُ لَکُمُ العَجَمُ فِی الدُّنیا. (1)
فَقالوا:قَد رَضینا.
فَقالَ:أخرِجوا إلَیَّ مِنکُمُ اثنَی عَشَرَ نَقیباً یَکونونَ شُهَداءَ عَلَیکُم بِذلِکَ،کَما أخَذَ موسی مِن بَنی اسرائیلَ اثنَی عَشَرَ نَقیباً.
فَأَشارَ إلَیهِم جَبرَئیلُ فَقالَ:هذا نَقیبٌ،هذا نَقیبٌ؛تِسعَةٌ مِنَ الخَزرَجِ،وثَلاثَةٌ مِنَ الأَوسِ،فَمِنَ الخَزرَجِ:أسعَدُ بنُ زُرارَةَ،وَالبَراءُ بنُ مَعرورٍ،وعَبدُ اللّهِ بنُ حِزامٍ وهُوَ أبو جابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ،ورافِعُ بنُ مالِکٍ،وسَعدُ بنُ عُبادَةَ،وَالمُنذِرُ بنُ عُمَرَ،وعَبدُ اللّهِ بنُ رَواحَةَ،وسَعدُ بنُ الرَّبیعِ وعُبادَةُ بنُ الصّامِتِ.ومِنَ الأَوسِ:أبُو الهَیثَمِ بنُ التَّیِّهانِ وهُوَ مِنَ الیَمَنِ،واُسَیدُ بنُ حُصَینٍ وسَعدُ بنُ خَثیَمَةَ. (2)
ص:393
11379. الإمام الصادق علیه السلام: أشهَدُ عَلی أبی لَحَدَّثَنی عَن أبیهِ عَن جَدِّهِ حُسَینِ بنِ عَلِیٍّ علیهم السلام قالَ:
جاءَتِ الأَنصارُ تُبایِعُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلَی العَقَبَةِ،فَقالَ:قُم یا عَلِیُّ فَبایِعهُم،فَقالَ:
عَلی ما ابایِعُهُم یا رَسولَ اللّهِ؟قالَ:عَلی أن یُطاعَ اللّهُ ولا یُعصی،وعَلی أن تَمنَعوا رَسولَ اللّهِ وأَهلَ بَیتِهِ وذُرِّیَّتَهُ مِمّا تَمنَعونَ مِنهُ أنفُسَکُم وذَرارِیَّکُم. (1)
11380. مسند ابن حنبل عن عبادة [ بن الصامت ]-لَمّا کَلَّمَهُ أبو هُرَیرَةَ فی رَوایَا الخَمرِ الَّتی تُباعُ زَمَنَ مُعاوِیَةَ-:یا أبا هُرَیرَةَ،إنَّکَ لَم تَکُن مَعَنا إذ بایَعنا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله،إنّا بایَعناهُ عَلَی السَّمعِ وَالطّاعَةِ فِی النَّشاطِ وَالکَسَلِ،وعَلَی النَّفَقَةِ فِی الیُسرِ وَالعُسرِ،وعَلَی الأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهیِ عَنِ المُنکَرِ،وعَلی أن نَقولَ فِی اللّهِ تَبارَکَ وتَعالی ولا نَخافَ لَومَةَ لائِمٍ فیهِ،وعَلی أن نَنصُرَ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله إذا قَدِمَ عَلَینا یَثرِبَ،فَنَمنَعَهُ مِمّا نَمنَعُ مِنهُ أنفُسَنا وأَزواجَنا وأَبناءَنا،ولَنَا الجَنَّةُ؛فَهذِهِ بَیعَةُ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله الَّتی بایَعنا عَلَیها،فَمَن نَکَثَ فَإِنَّما یَنکُثُ عَلی نَفسِهِ،ومَن أوفی بِما بایَعَ عَلَیهِ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله وَفَی اللّهُ تَبارَکَ وتَعالی [لُهُ] بِما بایَعَ عَلَیهِ نَبِیَّهُ صلی الله علیه و آله. (2)
11381. السیرة النبویّة لابن هشام عن ابن إسحاق: وکانَت بَیعَةُ الحَربِ،حینَ أذِنَ اللّهُ لِرَسولِهِ صلی الله علیه و آله فِی القِتالِ شُروطاً سِوی شَرطِهِ عَلَیهِم فِی العَقَبَةِ الاُولی،کانَتِ الاُولی عَلی بَیعَةِ النِّساءِ،وذلِکَ أنَّ اللّهَ تَعالی لَم یَکُن أذِنَ لِرَسولِهِ صلی الله علیه و آله فِی الحَربِ،فَلَمّا أذِنَ اللّهُ لَهُ فیها وبایَعَهُم رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله فِی العَقَبَةِ الأَخیرَةِ عَلی حَربِ الأَحمَرِ وَالأَسوَدِ،
ص:394
أخَذَ لِنَفسِهِ وَاشتَرَطَ عَلَی القَومِ لِرَبِّهِ،وجَعَلَ لَهُم عَلَی الوَفاءِ بِذلِکَ الجَنَّةَ. (1)
11382. المعجم الکبیر عن عقبة بن عمرو: وَعَدنا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله فی أصلِ العَقَبَةِ یَومَ الأَضحی ونَحنُ سَبعونَ رَجُلاً،إنّی لَأَصغَرُهُم سِنّاً،فَأَتانا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَقالَ:أوجِزوا فِی الخُطبَةِ،فَإِنّی أخافُ عَلَیکُم کُفّارَ قُرَیشٍ،فَقُلنا:یا رَسولَ اللّهِ،سَلنا لِرَبِّکَ وسَلنا لِنَفسِکَ وسَلنا لِأَصحابِکَ،وأَخبِرنا ما لَنا مِنَ الثَّوابِ عَلَی اللّهِ عز و جل وعَلَیکَ؟
فَقالَ:أمَّا الَّذی أسأَلُ لِرَبّی:أن تُؤمِنوا بِهِ ولا تُشرِکوا بِهِ شَیئاً،وأَمَّا الَّذی أسأَلُ لِنَفسی فَإِنّی أسأَ لُکُم أن تُطیعونی أهدِکُم سَبیلَ الرَّشادِ،وأَسأَ لُکُم لی ولِأَصحابی أن تُواسُونا فی ذاتِ أیدیکُم،وأَن تَمنَعونا مِمّا مَنَعتُم مِنِه أنفُسَکُم؛فَإِذا فَعَلتُم ذلِکَ فَلَکُم عَلَی اللّهِ الجَنَّةُ وعَلَیَّ.
فَمَدَدنا أیدِیَنا فَبایَعناهُ. (2)
11383. الطبقات الکبری عن عبادة بن الولید بن عبادة بن الصامت: إنَّ أسعَدَ بنَ زُرارَةَ أخَذَ بِیَدِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله-یَعنی لَیلَةَ العَقَبَةِ-فَقالَ:یا أیُّهَا النّاسُ! هَل تَدرونَ عَلی ما تُبایِعونَ مُحَمَّداً؟إنَّکُم تُبایِعونَهُ عَلی أن تُحارِبُوا العَرَبَ وَالعَجَمَ وَالجِنَّ وَالإِنسَ مُجلِبَةً (3).
فَقالوا:نَحنُ حَربٌ لِمَن حارَبَ وسِلمٌ لِمَن سالَمَ.
فَقالَ أسعَدُ بنُ زُرارَةَ:یا رَسولَ اللّهِ،اشتَرِط عَلَیَّ.
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:تُبایِعُونّی عَلی أن تَشهَدوا أن لا إلهَ إلَّااللّهُ،وأنّی رَسولُ اللّهِ،
ص:395
وتُقیمُوا الصَّلاةَ وتُؤتُوا الزَّکاةَ،وَالسَّمَعِ وَالطّاعَةَ،ولا تُنازِعُوا الأَمرَ أهلَهُ،وتَمنَعونّی مِمّا تَمنَعونَ مِنهُ أنفُسَکُم وأَهلیکُم.
قالوا:نَعَم.
قالَ قائِلُ الأَنصارِ:نَعَم،هذا لَکَ یا رَسولَ اللّهِ،فَما لَنا؟
قالَ:الجَنَّةُ وَالنَّصرُ. (1)
راجع:الطبقات الکبری:ج 1 ص 221.
11384. السیرة النبویّة لابن هشام عن کعب بن مالک: اجتَمَعنا فِی الشِّعبِ عِندَ العَقَبَةِ ونَحنُ ثَلاثَةٌ وسَبعونَ رَجُلاً،ومَعَنَا امرَأَتانِ مِن نِسائِنا:نُسَیبَةُ بِنتُ کَعبٍ امُّ عُمارَةَ؛إحدی نِساءِ بَنی مازِنِ بنِ النَّجّارِ،وأَسماءُ بِنتُ عَمرِو بنِ عَدِیِّ بنِ نابِئٍ؛إحدی نِساءِ بَنی سَلِمَةَ وهِیَ امُّ مَنیعٍ. (2)
11385. السیرة النبویّة لابن هشام: قالَ إسحاقُ:وهذِهِ تَسمِیَةُ مَن شَهِدَ العَقَبَةَ،وبایَعَ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِها مِنَ الأَوسِ وَالخَزرَجِ،و کانوا ثَلاثَةً وسَبعینَ رَجُلاً وَامرَأَتَینِ،شَهِدَها مِنَ الأَوسِ.... (3)
ص:396
11386. الإمام الصادق علیه السلام: لَمّا هاجَرَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله إلَی المَدینَةِ [وَ]اجتَمَعَ النّاسُ،وسَکَنَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله المَدینَةَ،وحَضَرَ خُروجُهُ إلی بَدرٍ،دَعَا النّاسَ إلَی البَیعَةِ،فَبایَعَ کُلُّهُم عَلَی السَّمعِ وَالطّاعَةِ،وکانَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله إذا خَلا دَعا عَلِیّاً علیه السلام فَأَخبَرَهُ مَن یَفی مِنهُم ومَن لا یَفی،ویَسأَ لُهُ کِتمانَ ذلِکَ.
ثُمَّ دَعا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلِیّاً علیه السلام وحَمزَةَ رضی الله عنه وفاطِمَةَ علیها السلام فَقالَ لَهُم:بایِعونی بِبَیعَةِ الرِّضا (1).
فَقالَ حَمزَةُ:بِأَبی أنتَ واُمِّی عَلی ما نُبایِعُ؟ألَیسَ قَد بایَعنا؟!
فَقالَ:یا أسَدَ اللّهِ وأَسَدَ رَسولِهِ،تُبایِعُ للّهِ ِ ولِرَسولِهِ بِالوَفاءِ وَالاِستِقامَةِ لِابنِ أخیکَ،إذَن تَستَکمِلَ الإِیمانَ.
قالَ:نَعَم سَمعاً وطاعَةً.وبَسَطَ یَدَهُ.
ثُمَّ قالَ لَهُم: «یَدُ اللّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ» (2)،عَلِیٌّ أمیرُ المُؤمِنینَ،وحَمزَةُ سَیِّدُ الشُّهَداءِ،
ص:397
وجَعفَرٌ الطَّیّارُ فِی الجَنَّةِ،وفاطِمَةُ سَیِّدَةُ نِساءِ العالَمینَ،وَالسِّبطانِ الحَسَنُ وَالحُسَینُ سَیِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ،هذا شَرطٌ مِنَ اللّهِ عَلی جَمیعِ المُسلِمینَ،مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ أجمَعینَ «فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً» .ثُمَّ قَرَأَ: «إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللّهَ یَدُ اللّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ» . (1)
11387. الإمام الصادق علیه السلام: ...ثمَّ خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله إلَی النّاسِ،فَدَعاهُم إلی مِثلِ ما دَعا أهلَ بَیتِهِ مِنَ البَیعَةِ رَجُلاً رَجُلاً،فَبایَعوا،وظَهَرَتِ الشَّحناءُ وَالعَداوَةُ مِن یَومَئِذٍ لَنا.
وکانَ مِمّا شَرَطَ عَلَیهِ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله أن لا یُنازَعَ الأَمرَ ولا یُغلَبَهُ،فَمَن فَعَلَ ذلِکَ فَقَد شاقَّ اللّهَ ورَسولَهُ. (2)
11388. الإمام الباقر علیه السلام: لَمّا کانَتِ اللَّیلَةُ الَّتی اصیبَ حَمزَةُ فی یَومِها،دَعاهُ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَقالَ:یا حَمزَةُ یا عَمَّ رَسولِ اللّهِ،یوشِکُ أن تَغیبَ غَیبَةً بَعیدَةً،فَما تَقولُ لَو وَرَدتَ عَلَی اللّهِ تَبارَکَ وتَعالی وسَأَلَکَ عَن شَرائِعِ الإِسلامِ وشُروطِ الإِیمانِ؟
فَبَکی حَمزَةُ فَقالَ:بِأَبی أنتَ واُمّی،أرشِدنی وفَهِّمنی.
فَقالَ:یا حَمزَةُ،تَشهَدُ أن لا إلهَ إلَّااللّهُ مُخلِصاً،وأَنّی رَسولُ اللّهِ بَعَثَنی بِالحَقِّ.
فَقالَ حَمزَةُ:شَهِدتُ.
قالَ:وأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ،وأَنَّ النَّارَ حَقٌّ،وأَنَّ السّاعَةَ آتِیَةٌ لا رَیبَ فیها،وَالصِّراطَ حَقٌّ،وَالمیزانَ حَقٌّ،و «فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ* وَ مَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ» (3)و «فَرِیقٌ فِی الْجَنَّةِ وَ فَرِیقٌ فِی السَّعِیرِ» (4)،وأَنَّ عَلِیّاً أمیرُ المُؤمِنینَ.
ص:398
قالَ حَمزَةُ:شَهِدتُ وأَقرَرتُ وآمَنتُ وصَدَّقتُ.
وقالَ:الأَئِمَّةَ مِن ذُرِّیَّتِهِ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السلام وَ[الإِمامَةَ] (1)فی ذُرِّیَّتِهِ.
قالَ حَمزَةُ:آمَنتُ وصَدَّقتُ.
وقالَ:وفاطِمَةَ سَیِّدَةُ نِساءِ العالَمینَ مِنَ الأَوَلّینَ وَالآخِرینَ.
قالَ:نَعَم،صَدَّقتُ.
وقالَ:وحَمزَةَ سَیِّدُ الشُّهَداءِ وأَسَدُ اللّهِ وأَسَدُ رَسولِهِ وعَمُّ نَبِیِّهِ.
فَبَکی حَمزَةُ وقالَ:نَعَم،صَدَّقتُ،وبَرِرتَ یا رَسولَ اللّهِ.
وبَکی حَمزَةُ حَتّی سَقَطَ عَلی وَجهِهِ،وجَعَلَ یُقَبِّلُ عَینَی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله.
وقالَ:جَعفَر[اً] ابنَ أخِیکَ طَیّارٌ یَطیرُ فِی الجَنَّةِ مَعَ المَلائِکَةِ،وأَنَّ مُحَمَّداً وآلَهُ خَیرُ البَرِیَّةِ،تُؤمِنُ یا حَمزَةُ بِسِرِّهِم وعَلانِیَتِهِم،وظاهِرِهِم وباطِنِهِم،وتَحیا عَلی ذلِکَ وتَموتُ،وتُوالی مَن والاهُم وتُعادی مَن عاداهُم.
قالَ:نَعَم یا رَسولَ اللّهِ،اُشهِدُ اللّهَ واُشهِدُکَ وکَفی بِاللّهِ شَهیداً.
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:سَدَّدَکَ اللّهُ ووَفَّقَکَ. (2)
ص:399
ص:400
الکتاب
«إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللّهَ یَدُ اللّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً» . (2)
«لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّکِینَةَ عَلَیْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً» . (3)
الحدیث
11389. تفسیر القمّی: نَزَلَت فی بَیعَةِ الرِّضوانِ: «لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ
ص:401
اَلشَّجَرَةِ» ،وَاشتَرَطَ عَلَیهِم ألّا یُنکِروا بَعدَ ذلِکَ عَلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله شَیئاً یَفعَلُهُ،ولا یُخالِفوهُ فی شَیءٍ یَأمُرُهُم بِهِ،فَقالَ اللّهُ عز و جل-بَعدَ نُزولِ آیَةِ الرِّضوانِ-: «إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللّهَ یَدُ اللّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً» ،وإنَّما رَضِیَ عَنهُم بِهذَا الشَّرطِ:أن یَفوا بَعدَ ذلِکَ بِعَهدِ اللّهِ ومیثاقِهِ ولا یَنقُضوا عَهدَهُ وعَقدَهُ،فَبِهذَا العَهدِ رَضِیَ اللّهُ عَنهُم،فَقَد قَدَّموا فِی التَّألیفِ آیَةَ الشَّرطِ عَلی بَیعَةِ الرِّضوانِ،وإنَّما نَزَلَت أوَّلاً بَیعَةُ الرِّضوانِ ثُمَّ آیَةُ الشَّرطِ عَلَیهِم فیها. (1)
11390. المناقب للکوفی: عَنِ ابنِ عَبّاسٍ فی قَولِ اللّهِ: «لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّکِینَةَ عَلَیْهِمْ» قالَ:عَلی مَن عَلِمَ مِنهُ الوَفاءَ. (2)
11391. المصنّف لابن أبی شیبة عن إیاس بن سلمة عن أبیه: بَعَثَت قُرَیشٌ خارِجَةَ بنَ کُرزٍ یَطَّلِعُ عَلَیهِم طَلیعَةً،فَرَجَعَ حامِداً یُحسِنُ الثَّناءَ،فَقالوا لَهُ:إنَّکَ أعرابِیٌّ قَعقَعوا لَکَ السِّلاحَ فَطارَ فُؤادُکَ،فَما دَرَیتَ ما قیلَ لَکَ وما قُلتَ !
ثُمَّ أرسَلوا عُروَةَ بنَ مَسعودٍ،فَجاءَهُ فَقالَ:یا مُحَمَّدُ،ما هذَا الحَدیثُ تَدعو إلی ذاتِ اللّهِ،ثُمَّ جِئتَ قَومَکَ بِأَوباشِ النّاسِ مَن تَعرِفُ ومَن لا تَعرِفُ،لِتَقطَعَ أرحامَهُم وتَستَحِلَّ حُرمَتَهُم ودِماءَهُم وأَموالَهُم؟!
فَقالَ:إنّی لَم آتِ قَومی إلّالِأَصِلَ أرحامَهُم،یُبَدِّلُهُمُ اللّهُ بِدینٍ خَیرٍ مِن دینِهِم، ومَعائِشَ خَیرٍ مِن مَعائِشِهِم.فَرَجَعَ حامِداً یُحسِنُ الثَّناءَ.
فَاشتَدَّ البَلاءُ عَلی مَن کانَ فی یَدِ المُشرِکینَ مِنَ المُسلِمینَ.فَدَعا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله
ص:402
عُمَرَ،فَقالَ:یا عُمَرُ،هَل أنتَ مُبَلِّغٌ عَنّی إخوانَکَ مِن اسارَی المُسلِمینَ؟قالَ:بَلی یا نَبِیَّ اللّهِ،وَاللّهِ ما لی بِمَکَّةَ مِن عَشیرَةٍ،غَیری أکثَرُ عَشیرَةً مِنّی ! فَدَعا عُثمانَ فَأَرسَلَهُ إلَیهِم.
فَخَرَجَ عُثمانُ عَلی راحِلَتِهِ حَتّی جاءَ عَسکَرَ المُشرِکینَ،فَعَتَبوا بِهِ وأَساؤوا لَهُ القَولَ،ثُمَّ أجارَهُ أبانُ بنُ سَعیدِ بنِ العاصِ ابنُ عَمِّهِ،وحَمَلَهُ عَلَی السَّرجِ ورَدِفَهُ (1)، فَلَمّا قَدِمَ قالَ:یَابنَ عَمِّ،ما لی أراکَ مُتَخَشِّعاً أسبَلَ؟وکانَ إزارُهُ إلی نِصفِ ساقَیهِ، فَقالَ لَهُ عُثمانُ:هکَذا إزرَةُ صاحِبِنا.فَلَم یَدَع أحَداً بِمَکَّةَ مِن اسارَی المُسلِمینَ إلّا أبلَغَهُم ما قالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله.
قالَ:فَبَینَما نَحنُ قائِلونَ (2)نادی مُنادی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله:أیُّهَا النّاسُ ! البَیعَةَ البَیعَةَ، نَزَلَ رُوحُ القُدُسِ،فَثِرنا إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله وهُوَ تَحتَ شَجَرَةِ سَمُرَةٍ (3)فَبایَعناهُ،وذلِکَ قَولُ اللّهِ: «لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» .فَبایَعَ [النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله ] لِعُثمانَ إحدی یَدَیهِ عَلَی الاُخری،فَقالَ النّاسُ:هَنیئاً لِأَبی عَبدِ اللّهِ،یَطوفُ بِالبَیتِ ونَحنُ هاهُنا.
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:لَو مَکَثَ کَذا وکَذا سَنَةً ما طافَ حَتّی أطوفَ. (4)
11392. المستدرک علی الصحیحین عن عبادة بن الصامت عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله: مَن یُبایِعُنی
ص:403
عَلی هؤُلاءِ الآیاتِ-ثُمَّ قَرَأَ: «قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّکُمْ عَلَیْکُمْ» (1)،حَتّی خَتَمَ الآیاتِ الثَّلاثَ-:فَمَن وَفی فَأَجرُهُ عَلَی اللّهِ،ومَنِ انتَقَصَ شَیئاً أدرَکَهُ اللّهُ بِها فِی الدُّنیا کانَت عُقوبَتُهُ،ومَن اخِّرَ إلَی الآخِرَةِ کانَ أمرُهُ إلَی اللّهِ إن شاءَ عَذَّبَهُ وإن شاءَ غَفَرَ لَهُ. (2)
11393. الإمام علیّ علیه السلام -فیما کَتَبَهُ إلی مُعاوِیَةَ-:أنَا أوَّلُ مَن بایَعَ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله تَحتَ الشّجَرَةِ فی قَولِهِ: «لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» . (3)
11394. المناقب لابن شهر آشوب: کانَ لِلنَّبِیِّ صلی الله علیه و آله بَیعَةٌ عامَّةٌ وبَیعَةٌ خاصَّةٌ؛فَالخاصَّةُ بَیعَةُ الجِنِّ ولَم یَکُن لِلإِنسِ فیها نَصیبٌ،وبَیعَةُ الأَنصارِ ولَم یَکُن لِلمُهاجِرینَ فیها نَصیبٌ،وبَیعَةُ العَشیرَةِ ابتِداءً وبَیعَةُ الغَدیرِ انتِهاءً،وقَد تَفَرَّدَ عَلِیٌ علیه السلام بِهِما وأَخَذَ بِطَرَفَیهِما.وأَمَّا البَیعَةُ العامَّةُ فَهِیَ بَیعَةُ الشَّجَرَةِ؛وهِیَ سَمُرَةٌ أو أراکٌ عِندَ بِئرِ الحُدَیبِیَّةِ،ویُقالُ لَها بَیعَةُ الرِّضوانِ؛لِقَولِهِ: «لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ» ،وَالمَوضِعُ مَجهولٌ وَالشَّجَرَةُ مَفقودَةٌ، فَیُقالُ:إنَّها بِرَوحاءَ،فَلا یُدری أرَوحاءُ مَکَّةَ عِندَ الحَمّامِ أو رَوحاءُ فی طَریقِها؟ وقالوا:الشَّجَرَةُ ذَهَبَتِ السُّیولُ بِها.
وقَد سَبَقَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام الصَّحابَةَ کُلَّهُم فی هذِهِ البَیعَةِ أیضاً بِأَشیاءَ:مِنها أنَّهُ کانَ مِنَ السّابِقینَ فیها،ذَکَرَ أبو بَکرٍ الشِّیرازِیُّ فی کِتابِهِ عَن جابِرٍ الأَنصارِیِّ:
ص:404
إنَّ أوَّلَ مَن قامَ لِلبَیعَةِ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام،ثُمَّ أبو سِنانٍ عَبدُ اللّهِ بنُ وَهبٍ الأَسَدِیُّ،ثُمَّ سَلمانُ الفارِسِیُّ.وفی أخبارِ اللَّیثِ:إنَّ أوَّلَ مَن بایَعَ عَمّارٌ؛یَعنی بَعدَ عَلِیٍّ.
ثُمَّ إنَّهُ أولَی النّاسِ بِهذِهِ الآیَةِ؛لِأَنَّ حُکمَ البَیعَةِ ما ذَکَرَهُ اللّهُ تَعالی: «إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ فَیَقْتُلُونَ وَ یُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا فِی التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِیلِ وَ الْقُرْآنِ» (1)الآیَةَ.ورَوَوا جَمیعاً عَن جابِرٍ الأَنصارِیِّ أنَّهُ قالَ:بایَعَنا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلَی المَوتِ. (2)
11395. المناقب للخوارزمی: قَولُهُ تَعالی: «لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» نَزَلَت فی أهلِ الحُدَیبِیَّةِ،قالَ جابِرٌ:کُنّا یَومَ الحُدَیبِیَّةِ ألفاً وأربَعَمِئَةٍ،فَقالَ لَنَا النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:أنتُمُ الیَومَ خِیارُ أهلِ الأَرضِ،فَبایَعَنا تَحتَ الشَّجَرَةِ عَلَی المَوتِ،فَما نَکَثَ إلّاجَدُّ بنُ قَیسٍ وکانَ مُنافِقاً.
وأَولَی النّاسِ بِهذِهِ الآیَةِ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السلام؛لِأَنَّهُ قالَ تَعالی: «وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً» ؛یَعنی فَتحَ خَیبَرَ،وکانَ ذلِکَ عَلی یَدِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السلام. (3)
11396. السیرة النبویّة لابن هشام عن عبد اللّه بن أبی بکر: دَعا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله النّاسَ إلَی
ص:405
البَیعَةِ،فَکانَت بَیعَةُ الرِّضوانِ تَحتَ الشَّجَرَةِ،فَکانَ النّاسُ یَقولونَ:بایَعَهُم رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلَی المَوتِ.وکانَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ یَقولُ:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله لَم یُبایِعنا عَلَی المَوتِ،ولکِن بایَعَنا عَلی أن لا نَفِرَّ. (1)
11397. المعجم الکبیر عن معقل بن یسار: کُنتُ یَومَ بَیعَةِ الرِّضوانِ رافِعاً غُصناً مِن أغصانِ الشَّجَرَةِ عَن رَأسِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله وهُوَ یُبایِعُ النّاسَ،لَم یُبایِعهُم عَلَی المَوتِ،بایَعَهُم عَلی ألّا یَفِرّوا،وکانَ یُصافِحُ النِّساءَ مِن تَحتِ الثَّوبِ. (2)
11398. سنن الترمذی عن جابر بن عبد اللّه -فی قَولِهِ تَعالی: «لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» -:بایَعنا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلی ألّا نَفِرَّ،ولَم نُبایِعهُ عَلَی المَوتِ. (3)
11399. صحیح البخاری عن یزید بن أبی عبید: قُلتُ لِسَلَمَةَ بنِ الأَکوَعِ:عَلی أیِّ شَیءٍ بایَعتُم رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله یَومَ الحُدَیبِیَّةِ؟قالَ:عَلَی المَوتِ. (4)
11400. صحیح البخاری عن یزید بن أبی عبید عن سلمة: بایَعتُ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله ثُمَّ عَدَلتُ إلی ظِلِّ الشَّجَرَةِ،فَلَمّا خَفَّ النّاسُ قالَ:یَابنَ الأَکوَعِ ألا تُبایِعُ؟قالَ:قُلتُ:قَد بایَعتُ یا رَسولَ اللّهِ ! قالَ:وأَیضاً.فَبایَعتُهُ الثّانِیَةَ.
ص:406
فَقُلتُ لَهُ:یا أبا مُسلِمٍ،عَلی أیِّ شَیءٍ کُنتُم تُبایِعونَ یَومَئِذٍ؟قالَ:عَلَی المَوتِ. (1)
11401. تأویل الآیات الظاهرة عن جابر عن الإمام الباقر علیه السلام،قال: قُلتُ لَهُ:قَولُ اللّهِ عز و جل: «لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» کَم کانوا؟قالَ:ألفاً ومِئَتَینِ،قُلتُ:
هَل کانَ فیهِم عَلِیٌّ علیه السلام؟قالَ:نَعَم،عَلِیٌّ سَیِّدُهُم وشَریفُهُم. (2)
11402. صحیح البخاری عن عبد اللّه بن أبی أوفی: کانَ أصحابُ الشَّجَرَةِ ألفاً وثَلاثَمِئَةٍ، وکانَت أسلَمُ ثُمنَ المُهاجِرینَ. (3)
11403. صحیح مسلم عن جابر: کُنّا یَومَ الحُدَیبِیَّةِ ألفاً وأَربَعَمِئَةٍ،فَقالَ لَنَا النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:أنتُمُ الیَومَ خَیرُ أهلِ الأَرضِ. (4)
11404. الطبقات الکبری عن سالم بن أبی الجعد: سَأَلتُ جابِرَ بنَ عَبدِ اللّهِ:کَم کُنتُم یَومَ الشَّجَرَةِ؟قالَ:کُنّا ألفاً وخَمسَمِئَةٍ.وذَکَرَ عَطَشاً أصابَهُم،قالَ:فَاُتِیَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله،
ص:407
بِماءٍ فی تَورٍ (1)،فَوَضَعَ یَدَهُ فیهِ فَجَعَلَ الماءُ یَخرُجُ مِن بَینِ أصابِعِهِ کَأَنَّهَا العُیونُ.قالَ:
فَشَرِبنا ووَسِعَنا وکَفانا.
قالَ:قُلتُ:کَم کُنتُم؟قالَ:لَو کُنّا مِئَةَ ألفٍ لَکَفانا،کُنّا ألفاً وخَمسَمِئَةٍ ! (2)
11405. تفسیر الطبری عن ابن عبّاس -فی قَولِهِ: «لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» -:کانَ أهلُ البَیعَةِ تَحتَ الشَّجَرَةِ ألفاً وخَمسَمِئَةٍ وخَمساً وعِشرینَ. (3)
ص:408
11406. الکامل فی التاریخ: لَمّا دَخَلَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله مَکَّةَ...ثُمَّ جَلَسَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله لِلبَیعَةِ عَلَی الصَّفا...وَاجتَمَعَ النّاسُ لِبَیعَةِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلَی الإِسلامِ،فَکانَ یُبایِعُهُم عَلَی السَّمعِ وَالطّاعَةِ للّهِ ِ ولِرَسولِهِ فیمَا استَطاعوا،فَکانَت هذِهِ بَیعَةَ الرِّجالِ.وأَمّا بَیعَةُ النِّساءِ،فَإِنَّهُ لَمّا فَرَغَ مِنَ الرِّجالِ بایَعَ النِّساءَ،فَأَتاهُ مِنهُنَّ نِساءٌ مِن نِساءِ قُرَیشٍ. (1)
11407. صحیح البخاری عن مجاشع [ بن مسعود ] : أتَیتُ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله بِأَخی بَعدَ الفَتحِ،قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ جِئتُکَ بِأَخی لِتُبایِعَهُ عَلَی الهِجرَةِ.
قالَ:ذَهَبَ أهلُ الهِجرَةِ بِما فیها.
فَقُلتُ:عَلی أیِّ شَیءٍ تُبایِعُهُ؟
قالَ:اُبایِعُهُ عَلَی الإِسلامِ وَالإِیمانِ وَالجِهادِ. (2)
ص:409
11408. مسند ابن حنبل عن محمّد بن الأسود: أنَّ أباهُ الأَسوَدَ رَأَی النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله یُبایِعُ النّاسَ یَومَ الفَتحِ،قالَ:جَلَسَ عِندَ قَرنِ مَسقَلَةَ (1)،فَبایَعَ النّاسَ عَلَی الإِسلامِ وَالشَّهادَةِ. (2)
11409. المستدرک علی الصحیحین عن یعلی بن امیّة: کَلَّمتُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله فی أبی امَیَّةَ یَومَ الفَتحِ،فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ بایِع أبی عَلَی الهِجرَةِ.
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:اُبایِعُهُ عَلَی الجِهادِ،فَقَدِ انقَطَعَتِ الهِجرَةُ. (3)
الکتاب
«یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَکَ عَلی أَنْ لا یُشْرِکْنَ بِاللّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ فَبایِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ» . (4)
راجع:المیزان فی تفسیر القرآن:ج 19 ص 242 و 243.
الحدیث
11410. صحیح البخاری عن ابن عبّاس: خَرَجَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله کَأَنّی أنظُرُ إلَیهِ حینَ یُجلِسُ بِیَدِهِ،ثُمَّ
ص:410
أقبَلَ یَشُقُّهُم حَتّی جاءَ النِّساءَ مَعهُ بِلالٌ،فَقالَ: «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَکَ» الآیَةَ.ثُمَّ قالَ حینَ فَرَغَ مِنها:أنتُنَّ عَلی ذلِکِ؟قالَتِ امرَأَةٌ واحِدَةٌ مِنهُنَّ لَم یُجِبهُ غَیرُها:نَعَم...
قالَ:فَتَصَدَّقنَ.فَبَسَطَ بِلالٌ ثَوبَهُ ثُمَّ قالَ:هَلُمَّ لَکُنَّ فِداءٌ أبی واُمّی.فَیُلقینَ الفَتَخَ (1)وَالخَواتیمَ فی ثَوبِ بِلالٍ. (2)
11411. صحیح البخاری عن عروة بن الزبیر: إنَّ عائِشَةَ زَوجَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله أخبَرَتهُ:أنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله کانَ یَمتَحِنُ مَن هاجَرَ إلَیهِ مِنَ المُؤمِناتِ بِهذِهِ الآیَةِ؛بِقَولِ اللّهِ: «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَکَ» إلی قَولِهِ: «غَفُورٌ رَحِیمٌ» .
قالَ عُروَةُ:قالَت عائِشَةُ:فَمَن أقَرَّ بِهذَا الشَّرطِ مِنَ المُؤمِناتِ قالَ لَها رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:قَد بایَعتُکِ کَلاماً.ولا وَاللّهِ ما مَسَّت یَدُهُ یَدَ امرَأَةٍ قَطُّ فِی المُبایَعَةِ،ما یُبایِعُهُنَّ إلّا بِقَولِهِ:قَد بایَعتُکِ عَلی ذلِکَ. (3)
11412. مجمع البیان: رُوِیَ أنَّ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله بایَعَهُنَّ وکانَ عَلَی الصَّفا وکانَ عُمَرُ أسفَلَ مِنهُ،وهِندٌ بِنتُ عُتبَةَ مُتَنَقِّبَةٌ مُتَنَکِّرَةٌ مَعَ النِّساءِ خَوفاً أن یَعرِفَها رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله.
فَقالَ:اُبایِعُکُنَّ عَلی ألّا تُشرِکُنَّ بِاللّهِ شَیئاً.
فَقالَت هِندٌ:إنَّکَ لَتَأخُذُ عَلَینا أمراً ما رَأَیناکَ أخَذتَهُ عَلَی الرِّجالِ؛وذلِکَ أنَّهُ بایَعَ الرِّجالَ یَومَئِذٍ عَلَی الإِسلامِ وَالجِهادِ فَقَط.
فَقالَ صلی الله علیه و آله:ولا تَسرِقنَ.فَقالَت هِندٌ:إنَّ أبا سُفیانَ رَجُلٌ مُمسِکٌ وإنّی أصَبتُ مِن
ص:411
مالِهِ هَناتٍ،فَلا أدری أیَحِلُّ لی أم لا؟فَقالَ أبو سُفیانَ:ما أصَبتِ مِن مالی فیما مَضی وفیما غَبَرَ فَهُوَ لَکِ حَلالٌ.
فَضَحِکَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله وعَرَفَها،فَقالَ لَها:وإنَّکِ لَهِندٌ بِنتُ عُتبَةَ؟قالَت:نَعَم، فَاعفُ عَمّا سَلَفَ یا نَبِیَّ اللّهِ،عَفَا اللّهُ عَنکَ.
فَقالَ صلی الله علیه و آله:ولا تَزنینَ.فَقالَت هِندٌ:أوَ تَزنِی الحُرَّةُ؟....
فَقالَ صلی الله علیه و آله:ولا تَقتُلنَ أولادَکُنَّ.فَقالَت هِندٌ:رَبَّیناهُم صِغاراً وقَتَلتُموهُم کِباراً، وأَنتُم وهُم أعلَمُ ! وکانَ ابنُها حَنظَلَةُ بنُ أبی سُفیانَ قَتَلَهُ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السلام یَومَ بَدرٍ،فَضَحِکَ عُمَرُ حَتَّی استَلقی،وتَبَسَّمَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله.
ولَمّا قالَ:ولا تَأتینَ بِبُهتانٍ،فَقالَت هِندٌ:وَاللّهِ إنَّ البُهتانَ قَبیحٌ وما تَأمُرُنا إلّا بِالرُّشدِ ومَکارِمِ الأَخلاقِ.ولَمّا قالَ: «وَ لا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ» ،فَقالَت هِندٌ:ما جَلَسنا مَجلِسَنا هذا وفی أنفُسِنا أن نَعصِیَکَ فی شَیءٍ. (1)
11413. الإمام الصادق علیه السلام: لَمّا فَتَحَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله مَکَّةَ بایَعَ الرِّجالَ،ثُمَّ جاءَ النِّساءُ یُبایِعنَهُ، فَأَنزَلَ اللّهُ عز و جل: «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَکَ عَلی أَنْ لا یُشْرِکْنَ بِاللّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ فَبایِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ» ،فَقالَت هِندٌ:أمَّا الوَلَدُ فَقَد رَبَّینا صِغاراً وقَتَلتَهُم کِباراً.
وقالَت امُّ حَکیمٍ بِنتُ الحارِثِ بنِ هِشامٍ-وکانَت عِندَ عِکرِمَةَ بنِ أبی جَهلٍ-:یا رَسولَ اللّهِ،ما ذلِکَ المَعروفُ الَّذی أمَرَنَا اللّهُ أن لا نَعصِیَنَّکَ فیهِ؟
ص:412
قالَ:لا تَلطِمنَ خَدّاً،ولا تَخمِشنَ وَجهاً،ولا تَنتِفنَ شَعراً،ولا تَشقُقنَ جَیباً،ولا تُسَوِّدنَ ثَوباً،ولا تَدعِینَ بِوَیلٍ.فَبایَعَهُنَّ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلی هذا.
فَقالَت:یا رَسولَ اللّهِ کَیفَ نُبایِعُکَ؟
قالَ:إنَّنی لا اصافِحُ النِّساءَ.فَدَعا بِقَدَحٍ مِن ماءٍ فَأَدخَلَ یَدَهُ ثُمَّ أخرَجَها،فَقالَ:
أدخِلنَ أیدِیَکُنَّ فِی هذَا الماءِ فَهِیَ البَیعَةُ. (1)
11414. تفسیر القمّی -فی قَولِهِ تَعالی: «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَکَ عَلی أَنْ لا یُشْرِکْنَ بِاللّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ فَبایِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ» -:نَزَلَت یَومَ فَتحِ مَکَّةَ؛وذلِکَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله قَعَدَ فِی المَسجِدِ یُبایِعُ الرِّجالَ إلی صَلاةِ الظُّهرِ وَالعَصرِ،ثُمَّ قَعَدَ لِبَیعَةِ النِّساءِ،وأَخَذَ قَدَحاً مِن ماءٍ فَأَدخَلَ یَدَهُ فیهِ،ثُمَّ قالَ لِلنِّساءِ:
مَن أرادَت أن تُبایِعَ فَلتُدخِل یَدَها فِی القَدَحِ،فَإِنّی لا اصافِحُ النِّساءَ.
ثُمَّ قَرَأَ عَلَیهِنَّ ما أنزَلَ اللّهُ مِن شُروطِ البَیعَةِ عَلَیهِنَّ،فَقالَ: «عَلی أَنْ لا یُشْرِکْنَ بِاللّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ فَبایِعْهُنَّ» ،فَقامَت امُّ حَکیمٍ ابنَةُ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ، فَقالَت:یا رَسولَ اللّهِ،ما هذَا المَعروفُ الَّذی أمَرَنَا اللّهُ بِهِ أن لا نَعصِیَکَ فیهِ؟
فَقالَ:أن لا تَخمِشنَ وَجهاً،ولا تَلطِمنَ خَدّاً،ولا تَنتِفنَ شَعراً،ولا تَمزِقنَ جَیباً، ولا تُسَوِّدنَ ثَوباً،ولا تَدعونَ بِالوَیلِ وَالثُّبورِ،ولا تُقیمَنَّ عِندَ قَبرٍ.
فَبایَعَهُنَّ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلی هذِهِ الشُّروطِ. (2)
ص:413
11415. صحیح البخاری عن امّ عطیّة: أخَذَ عَلَینَا النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله عِندَ البَیعَةِ ألّا نَنوحَ،فَما وَفَت مِنَّا امرَأَةٌ غَیرُ خَمسِ نِسوَةٍ:اُمُّ سُلَیمٍ،واُمُّ العَلاءِ،وَابنَةُ أبی سَبرَةَ امَرأَةُ مُعاذٍ،وَامرَأَتانِ.
أوِ ابنَةُ أبی سَبرَةَ،وَامرَأَةُ مُعاذٍ،وَامرَأَةٌ اخری. (1)
11416. الطبقات الکبری عن بکر بن عبد اللّه: أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله فِی البَیعَةِ عَلَی النِّساءِ:ألّا یَشقُقنَ جَیباً،ولا یَدَّعینَ وَیلاً،ولا یَخمِشنَ وَجهاً،ولا یَقُلنَ هُجراً. (2)
11417. سنن أبی داوود عن امرأة من المبایعات: کانَ فیما أخَذَ عَلَینا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله فِی المَعروفِ الَّذی أخَذَ عَلَینا ألّا نَعصِیَهُ فیهِ:ألّا نَخمِشَ وَجهاً،ولا نَدعُوَ وَیلاً،ولا نَشُقَّ جَیباً،وألّا نَنشُرَ شَعراً. (3)
11418. مسند ابن حنبل عن امّ عطیّة: لَمّا قَدِمَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله المَدینَةَ،جَمَعَ نِساءَ الأَنصارِ فی بَیتٍ ثُمَّ بَعَثَ إلَیهِنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ،قامَ عَلَی البابِ فَسَلَّمَ فَرَدَدنَ عَلَیهِ السَّلامَ، فَقالَ:أنَا رَسولُ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله إلَیکُنَّ،قُلنا:مَرحَباً بِرَسولِ اللّهِ ورَسولِ رَسولِ اللّهِ.
وقالَ:تُبایِعنَ عَلی ألّا تُشرِکنَ بِاللّهِ شَیئاً،ولا تَزنینَ،ولا تَقتُلنَ أولادَکُنَّ،ولا تَأتینَ بِبُهتانٍ تَفتَرینَهُ بَینَ أیدیکُنَّ وأَرجُلِکُنَّ،ولا تَعصینَهُ فی مَعروفٍ.
قُلنا:نَعَم.فَمَدَدنا أیدِینَا مِن داخِلِ البَیتِ،ومَدَّ یَدَهُ مِن خارِجِ البَیتِ،ثُمَّ قالَ:
اللّهُمَّ اشهَد.وأَمَرَنا بِالعیدَینِ أن نُخرِجَ العُتَّقَ (4)وَالحُیَّضَ،ونَهی عَنِ اتِّباعِ الجَنائِزِ،ولا جُمُعَةَ عَلَینا.
ص:414
وسَأَلتُها عَن قَولِهِ: «وَ لا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ» ،قالَت:نُهینا عَنِ النِّیاحَةِ. (1)
11419. السنن الکبری للنسائی عن أمیمة بنت رقیقة: أتَیتُ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله فی نِسوَةٍ مِنَ الأَنصارِ نُبایِعُهُ،فَقُلنا:یا رَسولَ اللّهِ،نُبایِعُکَ عَلی ألّا نُشرِکَ بِاللّهِ شَیئاً،ولا نَسرِقَ،ولا نَزِنیَ، ولا نَأتِیَ بِبُهتانٍ نَفتَریهِ بَینَ أیدینا وأَرجُلِنا،ولا نَعصِیَکَ فی مَعروفٍ.
قالَ:فیمَا استَطَعتُنَّ وأَطَقتُنَّ.
قالَت:قُلنا:رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله أرحَمُ بِنا مِن أنفُسِنا.قُلنا:یا رَسولَ اللّهِ لا تُصافِحُنا، هَلُمَّ نُبایِعُکَ یا رَسولَ اللّهِ.
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:إنّی لا اصافِحُ النِّساءَ،إنَّما قَولی لِمِئَةِ امرَأَةٍ کَقَولی لِامرَأَةٍ واحِدَةٍ-أو مِثلَ قَولی لِامرَأَةٍ واحِدَةٍ-. (2)
11420. الإمام علی علیه السلام: أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله البَیعَةَ عَلَی النِّساءِ:ألّا یَنحُنَ،ولا یَخمِشنَ،ولا یَقعُدنَ مَعَ الرِّجالِ فِی الخَلاءِ. (3)
11421. دعائم الاسلام: عَنهُ صلی الله علیه و آله أنَّهُ کانَ مِمّا یَأخُذُ عَلَی النِّساءِ فِی البَیعَةِ:ألّا یُحَدِّثنَ مِنَ الرِّجالِ إلّاذا مَحرَمٍ. (4)
11422. مسند ابن حنبل عن أنس: أخَذَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله عَلَی النِّساءِ حینَ بایَعَهُنَّ ألّا یَنُحنَ،فَقُلنَ:
ص:415
یا رَسولَ اللّهِ،إنَّ نِساءً أسعَدنَنا (1)فِی الجاهِلِیَّةِ أفَنُسعِدُهُنَّ فِی الإِسلامِ؟
فَقالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:لا إسعادَ فِی الإِسلامِ،ولا شِغارَ (2)،ولا عُقرَ فِی الإِسلامِ،ولا جَلَبَ فِی الإِسلامِ ولا جَنَبَ (3)،ومَنِ انتَهَبَ فَلَیسَ مِنّا. (4)
11423. المعجم الکبیر عن ابن عبّاس: لَمّا بایَعَ [النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله ] النِّساءَ:لا یَتَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجاهِلِیَّةِ الاُولی،قالَتِ امرَأَةٌ:یا رَسولَ اللّهِ،أراکَ تَشتَرِطُ عَلَینا ألّا نَتَبَرَّجَ،وإنَّ فُلانَةَ قَد أسعَدَتنی،وقَد ماتَ أخوها.
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:اِذهَبی فَأَسعِدیها،ثُمَّ تَعالَی فَبایِعینی. (5)
11424. صحیح البخاری عن امّ عطیة: أخَذَ عَلَینَا النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله عِندَ البَیعَةِ ألّا نَنوحَ. (6)
11425. مسند ابن حنبل عن سلمی بنت قیس: جِئتُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَبایَعتُهُ فی نِسوَةٍ مِنَ الأَنصارِ،فَلَمّا شَرَطَ عَلَینا ألّا نُشرِکَ بِاللّهِ شَیئاً،ولا نَسرِقَ،ولا نَزنِیَ،ولا نَقتُلَ أولادَنا،ولا نَأتِیَ بِبُهتانٍ نَفتَریهِ بَینَ أیدینا وأَرجُلِنا،ولا نَعصِیَهُ فی مَعروفٍ،قالَ:
ولا تَغشُشنَ أزواجَکُنَّ.قالَت:فَبایَعناهُ،ثُمَّ انصَرَفنا،فَقُلتُ لِامرَأَةٍ مِنهُنَّ:اِرجِعی
ص:416
فَاسأَلی رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله ما غِشُّ أزواجِنا؟
قالَت:فَسَأَلتَهُ،فَقالَ:تَأخُذُ مالَهُ فَتُحابی بِهِ غَیرَهُ. (1)
11426. مسند ابن حنبل عن عائشة بنت قدامة: أنَا مَعَ امّی رائِطَةَ بِنتِ سُفیانَ الخُزاعِیَّةِ، وَالنَّبِیُّ صلی الله علیه و آله یُبایِعُ النِّسوَةَ،ویَقولُ:اُبایِعُکُنَّ عَلی ألّا تُشرِکنَ بِاللّهِ شَیئاً،ولا تَسرِقنَ ولا تَزنینَ،ولا تَقتُلنَ أولادَکُنَّ،ولا تَأتینَ بِبُهتانٍ تَفتَرینَهُ بَینَ أیدیکُنَّ وأَرجُلِکُنَّ،ولا تَعصینَ فی مَعروفٍ،قالَت:فَأَطرَقنَ.
فَقالَ لَهُنَّ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:قُلنَ:نَعَم فیمَا استَطَعتُنَّ.فَکُنَّ یَقُلنَ. (2)
11427. رسول اللّه صلی الله علیه و آله -لَمّا قالَت هِندٌ بِنتُ عُتبَةَ:یا نَبِیَّ اللّهِ بایِعنی-:لا ابایِعُکِ حَتّی تُغَیِّری کَفَّیکِ کَأَنَّهُما کَفّا سَبُعٍ. (3)
11428. مقاتل الطالبیّین عن الزبیر بن العوّام: سَمِعتُ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله یَدعُو النِّساءَ إلَی البَیعَةِ حینَ انزِلَت هذِهِ الآیَةُ: «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَکَ» ،وکانَت فاطِمَةُ بِنتُ
ص:417
أسَدٍ أوَّلَ امرَأَةٍ بایَعَت رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله. (1)
11429. الطبقات الکبری عن عاصم بن عمرو بن قتادة: أوَّلُ مَن بایَعَ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله امُّ سَعدِ بنِ مُعاذٍ کَبشَةُ بِنتُ رافِعِ بنِ عُبَیدٍ،واُمُّ عامِرٍ بِنتُ یَزیدِ بنِ السَّکَنِ،وحَوّاءُ بِنتُ یَزیدِ بنِ السَّکَنِ. (2)
راجع:الطبقات الکبری:ج 8 ص 222 ( تسمیة النساء المسلمات المبایعات )،الکامل فی التاریخ:ج 1 ص 618.
ص:418
الکتاب
«اَلْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَ رَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً» . (1)
«یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکافِرِینَ» . (2)
الحدیث
11430. الإمام الصادق علیه السلام: لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآیَةُ بِالوِلایَةِ،أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِالدَّوحاتِ (3)-دَوحاتِ غَدیرِ خُمٍّ-فَقُمَّت (4)،ثُمَّ نُودِیَ الصَّلاةَ جامِعَةً،ثُمَّ قالَ:أیُّهَا النّاسُ،ألَستُ أولی بِالمُؤمِنینَ مِن أنفُسِهِم؟قالُوا:بَلی.
قالَ:فَمَن کُنتُ مَولاهُ فَعَلِیٌّ مَولاهُ،رَبِّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ.ثُمَّ أمَرَ النّاسَ بِبَیعَتِهِ،وبایَعَهُ النّاسُ،لا یَجیءُ أحَدٌ إلّابَایَعَهُ،ولا یَتَکَلَّمُ. (5)
ص:419
11431. الإمام الباقر علیه السلام: حَجَّ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله مِنَ المَدینَةِ،وقَد بَلَّغَ جمَیعَ الشَّرائِعِ قَومَهُ،غَیرَ الحَجِّ وَالوِلایَةِ،فَأَتاهُ جَبرَئیلُ علیه السلام،فَقالَ لَهُ:یا مُحَمَّدُ،إنَّ اللّهَ جَلَّ اسمُهُ یُقرِئُکَ السَّلامَ ویَقولُ لَکَ:إنّی لَم أقبِض نَبِیّاً مِن أنبِیائی ولا رَسولاً مِن رُسُلی إلّابَعدَ إکمالِ دینی وتَأکیدِ حُجَّتی،وقَد بَقِیَ عَلَیکَ مِن ذاکَ فرَیضَتانِ مِمّا تَحتاجُ أن تُبَلِّغَهُما قَومَکَ:
فَریضَةُ الحَجِّ،وفَریضَةُ الوِلایَةِ وَالخِلافَةِ مِن بَعدِکَ؛فَإِنّی لَم اخلِ أرضی مِن حُجَّةٍ، ولَن اخلِیَها أبَداً،فَإِنَّ اللّهَ-جَلَّ ثَناؤُهُ-یَأمُرُکَ أن تُبَلِّغَ قَومَکَ الحَجَّ،وتَحُجَّ....
فَلَمّا وَقَفَ بِالمَوقِفِ أتاهُ جَبرَئیلُ علیه السلام عَنِ اللّهِ عز و جل،فَقالَ:یا مُحَمَّدُ،إنَّ اللّهَ عز و جل یُقرِئُکَ السَّلامَ ویَقولُ لَکَ:إنَّهُ قَد دَنا أجَلُکَ ومُدَّتُکَ،وأنَا مُستَقدِمُکَ عَلی ما لابُدَّ مِنهُ ولا عَنهُ مَحیصٌ،فَاعهَد عَهدَکَ،وقَدِّمَ وَصِیَّتَکَ،وَاعمِد إلی ما عِندَکَ مِنَ العِلمِ ومیراثِ عُلومِ الأَنبِیاءِ مِن قَبلِکَ،وَالسِّلاحِ وَالتّابوتِ،وجَمیعِ ما عِندَکَ مِن آیاتِ الأَنبِیاءِ،فَسَلِّمهُ إلی وَصِیِّکَ وخَلیفَتِکَ مِن بَعدِکَ؛حُجَّتِی البالِغةِ عَلی خَلقی عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ، فَأَقِمهُ لِلنّاسِ عَلَماً،وجَدِّد عَهدَهُ ومیثاقَهُ وبَیعَتَهُ.
وذَکِّرهُم ما أخَذتَ عَلَیهِم مِن بَیعَتی ومیثاقِی الَّذی واثَقتَهُم بِهِ،وعَهدِی الَّذی عَهِدتَ إلَیهِم؛مِن وِلایَةِ وَلِیّی ومَولاهُم ومَولی کُلِّ مَؤمِنٍ ومَؤمِنَةٍ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ؛ فَإِنّی لَم أقبِض نَبِیّاً مِنَ الأَنبِیاءِ إلّامِن بَعدِ إکمالِ دینی وحُجَّتی،وإتمامِ نِعمَتی بِوِلایَةِ أولِیائی ومُعاداةِ أعدائی،وذلِکَ کَمالُ تَوحیدی ودینی.
وإتمامُ نِعمَتی عَلی خَلقی بِاتِّباعِ وَلِیّی وطاعَتِهِ؛وذلِکَ أنّی لا أترُکُ أرضی بِغَیرِ وَلِیٍّ ولا قَیِّمٍ؛لِیَکونَ حُجَّةً لی عَلی خَلقی،فَ «اَلْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَ رَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً» بِوِلایَةِ وَلِیّی ومَولی کُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ؛عَلِیٍّ عَبدی، ووَصِیِّ نَبِیّی،وَالخَلیفَةِ مِن بَعدِهِ،وحُجَّتِی البالِغَةِ عَلی خَلقی،مَقرونَةٌ طاعَتُهُ بِطاعَةِ مُحَمَّدٍ نَبِیّی،ومَقرونَةٌ طاعَتُهُ مَعَ طاعَةِ مُحَمَّدٍ بِطاعَتی،مَن أطاعَهُ فَقَد أطاعَنی،ومَن عَصاهُ فَقَد عَصانی،جَعَلتُهُ عَلَماً بَینی وبَینَ خَلقی....
ص:420
فَلَمّا بَلَغَ غَدیرَ خُمِّ-قَبلَ الجُحفَةٍ بِثَلاثَةِ أمیالٍ-أتاهُ جَبرَئیلُ علیه السلام-عَلی خَمسِ ساعاتٍ مَضَت مِنَ النَّهارِ-بِالزَّجرِ وَالاِنتِهارِ،وَالعِصمَةِ مِنَ النّاسِ ! فَقالَ:یا مُحَمَّدُ، إنَّ اللّهَ عز و جل یُقرِئُکَ السَّلامَ،ویَقولُ لَکَ: «یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ» فی عَلِیٍّ، «وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّاسِ» .وکانَ أوائِلُهُم قَریباً مِنَ الجُحفَةِ، فَأَمَرَهُ بِأَن یَرُدَّ مَن تَقَدَّمَ مِنهُم،ویَحبِسَ منَ تَأَخَّرَ عَنهُم فی ذلِکَ المَکانِ؛لِیُقیمَ عَلِیّاً لِلنّاسِ عَلَماً،ویُبَلِّغَهُم ما أنزَلَ اللّهُ تَعالی فی عَلِیٍّ علیه السلام،وأخبَرَهُ بِأَنَّ اللّهَ عز و جل قَد عَصَمَهُ مِن النّاسِ. (1)
11432. الإمام الهادی علیه السلام -فی زِیارَةٍ زارَ بِها فی یَومِ الغَدیرِ فِی السَّنَةِ الَّتی أشخَصَهُ المُعتَصِمُ -:...السَّلامُ عَلَیکَ یا سَیِّدَ المُسلِمینَ،ویَعسوبَ المُؤمِنینَ،وإمامَ المُتَّقینَ،وقائِدَ الغُرِّ المُحَجَّلینَ ورَحمَةُ اللّهِ وَبرَکاتُهُ،أشهَدُ أنَّکَ أخُو الرَّسولِ ووَصِیُّهُ،ووارِثُ عِلمِهِ، وأمینُهُ عَلی شَرعِهِ،وخَلیفَتُهُ فی امَّتِهِ،وأوَّلُ مَن آمَنَ بِاللّهِ وصَدَّقَ بِما أنزَلَ عَلی نَبِیِّهِ، وأشهَدُ أنَّهُ قَد بَلَّغَ عَنِ اللّهِ ما أنزَلَهُ فیکَ،وصَدَعَ بِأَمرِهِ،وأوجَبَ عَلی امَّتِهِ فَرضَ وِلایَتِکَ،وعَقَدَ عَلَیهِمُ البَیعَةَ لَکَ،وجَعَلَکَ أولی بِالمُؤمِنینَ مِن أنفُسِهِم کَما جَعَلَهُ اللّهُ کَذلِکَ. (2)
راجع:موسوعة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام:ج 1 ص 511 ( القسم الثالث/الفصل العاشر:حدیث الغدیر ).
ص:421
ص:422
11433. الإمام علیّ علیه السلام -فی وَصفِ بَیعَتِهِ-:أقبَلتُم إلَیَّ إقبالَ العوذِ المَطافیلِ (1)عَلی أولادِها، تَقولونَ:البَیعَةَ البَیعَةَ ! قَبَضتُ کَفّی فَبَسَطتُموها،ونازَعتُکُم یَدی فَجاذَبتُموها ! (2)
11434. عنه علیه السلام -فی صِفَةِ النّاسِ عِندَ بَیعَتِهِ-:فَما راعَنی إلّاوَالنّاسُ کَعُرفِ الضَّبُعِ (3)إلَیَّ، یَنثالونَ عَلَیَّ مِن کُلّ جانِبٍ،حَتّی لَقَد وُطِئَ الحَسَنانِ،وشُقَّ عِطفایَ (4)،مُجتَمِعینَ حَولی کَرَبیضَةِ الغَنَمِ. (5)
ص:423
11435. عنه علیه السلام -فی ذِکرِ البَیعَةِ (1)-:فَتَداکّوا عَلَیَّ تَداکَّ الإِبِلِ الهیمِ (2)یَومَ وِردِها وقَد أرسَلَها راعیها،وخُلِعَت مَثانیها،حَتّی ظَنَنتُ أنَّهُم قاتِلِیَّ،أو بَعضُهُم قاتِلُ بَعضٍ لَدَیَّ. (3)
11436. عنه علیه السلام -فی ذِکرِ بَیعَةِ طَلحَةَ وَالزُّبَیرِ-:أتَیتُمونی فَقُلتُم:بایِعنا،فَقُلتُ:لا أفعَلُ،فَقُلتُم:
بَلی،فَقُلتُ:لا.وقَبَضتُ یَدی فَبَسَطتُموها،ونازَعتُکُم فَجَذَبتُموها،وتَداکَکتُم عَلَیَّ تَداکَّ الإِبلِ الهیمِ عَلی حِیاضِها یَومَ وُرودِها،حَتّی ظَنَنتُ أنَّکُم قاتِلِیَّ،وأنّ بَعضَکُم قاتِلُ بَعضٍ،فَبَسَطتُ یَدی،فَبایَعتُمونی مُختارِینَ،وبایَعَنی فی أوَّلِکُم طَلحَةُ وَالزُّبَیرُ طائِعینَ غَیرَ مُکرَهینَ. (4)
11437. عنه علیه السلام -فی وَصفِ بَیعَتِهِ-:بَسَطتُم یَدی فَکَفَفتُها،ومَدَدتُموها فَقَبَضتُها،ثُمَّ تَداکَکتُم عَلَیَّ تَداکَّ الإِبِلِ الهیمِ عَلی حِیاضِها یَومَ وِردِها،حَتَّی انقَطَعَتِ النَّعلُ،وسَقَطَ الرِّداءُ، ووُطِئَ الضَّعیفُ،وبَلَغَ مِن سُرورِ النّاسِ بِبَیعَتِهِم إیّایَ أنِ ابتَهَجَ بِهَا الصَّغیرُ،وهَدَجَ (5)إلَیهَا الکَبیرُ،وتَحامَلَ نَحوَها العَلیلُ،وحَسَرَت إلَیهَا الکِعابُ. (6)
11438. وقعة صفّین عن خفاف بن عبد اللّه: تَهافَتَ النّاسُ عَلی عَلِیٍّ بِالبَیعَةِ تَهافُتَ الفَراشِ،
ص:424
حَتّی ضَلَّتِ النَّعلُ،وسَقَطَ الرِّداءُ،ووُطِئَ الشَّیخُ. (1)
11439. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید عن ابن عبّاس: لَمّا دَخَلَ عَلِیٌّ علیه السلام المَسجِدَ وجاءَ النّاسُ لِیُبایِعوهُ،خِفتُ أن یَتَکَلَّمَ بَعضُ أهلِ الشَّنَآنِ لِعَلِیٍّ علیه السلام؛مِمَّن قَتَلَ أباهُ أو أخاهُ أو ذا قَرابَتِهِ فی حَیاةِ رسَولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَیَزهَدَ عَلِیٌّ فِی الأَمرِ ویَترُکَهُ،فَکُنتُ أرصُدُ ذلِکَ وأَتَخَوَّفُهُ،فَلَم یَتَکَلَّم أحَدٌ حَتّی بایَعَهُ النّاسُ کُلُّهُم،راضینَ مُسَلِّمینَ غَیرَ مُکرَهینَ (2).
11440. الفتوح: قالَتِ الأَنصارُ [ لِلنّاسِ]:إنَّکُم قَد عَرَفتُم فَضلَ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ وسابِقَتَهُ وقَرابَتَهُ ومَنزِلَتَهُ مِنَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،مَعَ عِلمِهِ بِحَلالِکُم وحَرامِکُم،وحاجَتِکُم إلَیهِ مِن بَینِ الصَّحابَةِ،ولَن یَألُوَکُم نُصحاً،ولَو عَلِمنا مَکانَ أحَدٍ هُوَ أفضَلُ مِنهُ وأَجمَلُ لِهذَا الأَمرِ وأَولَی بِهِ مِنهُ لَدَعَوناکُم إلَیهِ.
فَقالَ النّاسُ کُلُّهُم بِکَلِمَةٍ واحِدَةٍ:رَضینا بِهِ طائِعینَ غَیرَ کارِهینَ.
فَقالَ لَهُم عَلِیٌّ:أخبِرونی عَن قَولِکُم هذا:«رَضینا بِهِ طائِعینَ غَیرَ کارِهینَ»، أحَقٌّ واجِبٌ هذا مِنَ اللّهِ عَلَیکُم،أم رَأیٌ رَأَیتُموهُ مِن عِندِ أنفُسِکُم؟
قالوا:بَل هُوَ واجِبٌ أوجَبَهُ اللّه عز و جل لَکَ عَلَینا. (3)
11441. الجمل عن عبد الحَمید بن عبد الرحمن عن ابن أبزی: أ لا احَدِّثُکَ ما رَأَت عَینایَ
ص:425
وسَمِعَت اذُنایَ؟لَمَّا التَقَی النّاسُ عِندَ بَیتِ المالِ قالَ عَلِیٌّ لِطَلحَةَ:اُبسُط یَدَکَ ابایِعکَ،فَقالَ طَلحَةُ:أنتَ أحَقُّ بِهذَا الأَمرِ مِنّی،وقَدِ اجتَمَعَ لَکَ مِن أهواءِ النّاسِ ما لَم یَجتَمِع لی،فَقالَ علیه السلام لَهُ:ما خَشینا غَیرَکَ ! فَقالَ طَلحَةُ:لا تَخشَ،فَوَاللّهِ لا تُؤتی مِن قِبَلی.
وقامَ عَمّارُ بنُ یاسِرٍ،وأبُو الهَیثَمِ بنُ التَّیِّهانِ،ورِفاعَةُ بنُ رافِعِ بنِ مالِکِ بنِ العَجلانِ،وأبو أیّوبَ خالِدُ بنُ زَیدٍ،فَقَالوا لِعَلِیٍّ:إنَّ هذَا الأَمرَ قَد فَسَدَ،وقَد رَأَیتَ ما صَنَعَ عُثمانُ،وما أتاهُ مِن خِلافِ الکِتابِ وَالسُّنَّةِ،فَابسُط یَدَکَ نُبایِعکَ؛لِتُصلِحَ مِن أمرِ الاُمَّةِ ما قَد فَسَدَ.
فَاستَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام وقالَ:قَد رَأَیتُم ما صُنِعَ بی،وعَرَفتُم رَأیَ القَومِ،فَلا حاجَةَ لی فیهِم.
فَأَقبَلوا عَلَی الأَنصارِ فَقالوا:یا مَعاشِرَ الأَنصارِ،أنتُم أنصارُ اللّهِ وأنصارُ رَسولِهِ، وبِرَسولِهِ أکرَمَکُمُ اللّهُ تَعالی،وقَد عَلِمتُم فَضلَ عَلِیٍّ وسابِقَتَهُ فِی الإِسلامِ،وقَرابَتَهُ ومَکانَتَهُ الَّتی کانَت لَهُ مِنَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،وإن وَلِیَ أنالَکُم خَیراً.فَقالَ القَومُ:نَحنُ أرضَی النّاسِ بِهِ،ما نُریدُ بِهِ بَدَلاً.
ثُمَّ اجتَمَعوا عَلَیهِ،فَلَم یَزالوا بِهِ حَتّی بایَعوهُ. (1)
11442. الطبقات الکبری: لَمّا قُتِلَ عُثمانُ یَومَ الجُمُعَةِ لِثَمانِیَ عَشرَةَ لَیلَةً مَضَت مِن ذِی الحِجَّةِ سَنَةَ خَمسٍ وثَلاثینَ،وبویِعَ لِعَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ-بِالمَدینَةِ الغَدَ مِن یَومَ قُتِلَ عُثمانُ- بِالخِلافَةِ؛بایَعَهُ طَلحَةُ،وَالزُّبَیرُ،وسَعدُ بنُ أبی وَقّاصٍ،وسَعیدُ بنُ زَیدِ بنِ عَمرِو بنِ نُفَیلٍ،وعَمّارُ بنُ یاسِرٍ،واُسامَةُ بنُ زَیدٍ،وسَهلُ بنُ حُنَیفٍ،وأبو أیّوبَ الأَنصارِیُّ،
ص:426
ومُحَمَّدُ بنُ مَسلَمَةَ،وزَیدُ بنُ ثابِتٍ،وخُزَیمَةُ بنُ ثابِتٍ،وجَمیعُ مَن کانَ بِالمَدینَةِ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،وغَیرُهُم. (1)
11443. الإمام علیّ علیه السلام -فی کِتابِهِ إلی أهلِ الکوفَةِ عِندَ مَسیرِهِ مِنَ المَدینَةِ إلَی البَصرَةِ-:
بایَعَنِی النّاسُ غَیرَ مُستَکرَهینَ،ولا مُجبَرینَ،بَل طائِعینَ مُخَیَّرینَ. (2)
11444. عنه علیه السلام: قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله وأنَا أری أنّی أحَقُّ النّاسِ بِهذَا الأَمرِ،فَاجتَمَعَ النّاسُ عَلی أبی بَکرٍ ! فَسَمِعتُ وأطَعتُ،ثُمَّ إنَّ أبا بَکرٍ حَضَرَ فَکُنتُ أری أن لا یَعدِلَها عَنّی، فَوَلّی (3)عُمَرَ! فَسَمِعتُ وأطَعتُ،ثُمَّ إنَّ عُمَرَ اصیبَ،فَظَنَنتُ أنَّهُ لا یَعدِلُها عَنّی،فَجَعَلَها فی سِتَّةٍ أنَا أحَدُهُم ! فَوَلَّوها (4)عُثمانَ،فَسَمِعتُ وأطَعتُ،ثُمَّ إنَّ عُثمانَ قُتِلَ،فَجاؤونی فَبایَعونی طائِعینَ غَیرَ مُکرَهینَ. (5)
11445. عنه علیه السلام -مِن کِتابٍ لَهُ إلی طَلحَةَ وَالزُّبَیرِ-:أمّا بَعدُ،فَقَد عَلِمتُما-وإن کَتَمتُما-أنّی لَم ارِدِ النّاسَ حَتّی أرادونی،ولَم ابایِعهُم حَتّی بایَعونی،وإنَّکُما مِمَّن أرادَنی
ص:427
وبایَعَنی،وإنَّ العامَّةَ لَم تُبایِعنی لِسُلطانٍ غالِبٍ،ولا لِعَرَضٍ حاضِرٍ. (1)
11446. الفتوح: أقبَلَ عَمّارُ بنُ یاسِرٍ إلی عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ رضی الله عنه،فَقالَ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ،إنَّ النّاسَ قَد بایَعوکَ طائِعینَ غَیرَ کارِهینَ،فَلَو بَعَثتَ إلی اسامَةَ بنِ زَیِدٍ وعَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ ومُحَمَّدِ بنِ مَسلَمَةَ وحَسّانِ بنِ ثابِتٍ وکَعبِ بنِ مالِکٍ،فَدَعَوتَهُم لِیَدخُلوا فیما دَخَلَ فیهِ النّاسُ مِنَ المُهاجِرینَ وَالأَنصارِ !
فَقالَ عَلِیٌّ رضی الله عنه:إنَّهُ لا حاجَةَ لَنا فیمَن لا یَرغَبُ فینا. (2)
11447. شرح الأخبار عن عبد اللّه بن موسی بن قادم: سَمِعتُ سُفیانَ الثَّورِیَّ یَقولُ بِأَعلی صَوتِهِ:وَاللّهِ ما أشُکُّ،لَقَد بایَعَ طَلحَةُ وَالزُّبَیرُ عَلِیّاً صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ،ولَقَد نَکَثا عَلَیهِ، وَاللّهِ ما وَجَدا فیهِ لا عِلَّةً فی دینٍ ولا خِیانَةً فی مالٍ. (3)
11448. الکافئة عن الحسن: بایَعَ طَلحَةُ وَالزُّبَیرُ عَلِیّاً علیه السلام عَلی مِنبَرِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله طائِعَینِ غَیرَ مُکرَهَینِ. (4)
11449. تاریخ الیعقوبی -بَعدَ ذِکرِ بَیعَةِ النّاسِ لِعَلِیٍّ علیه السلام-:وقامَ قَومٌ مِنَ الأَنصارِ فَتَکَلَّموا، وکانَ أوَّلَ مَن تَکَلَّمَ ثابِتُ بنُ قَیسِ بنِ شَمّاسٍ الأَنصارِیُّ-وکانَ خَطیبَ الأَنصارِ-
ص:428
فَقالَ:وَاللّهِ یا أمیرَ المُؤمِنینَ،لَئِن کانوا تَقَدَّموکَ فِی الوِلایَةِ فَما تَقَدَّموکُ فِی الدِّینِ، ولَئِن کانوا سَبَقوکَ أمسِ فَقَد لَحِقتَهُمُ الیَومَ،ولَقَد کانوا وکُنتَ لا یَخفی مَوضِعُکَ،ولا یُجهَلُ مَکانُک،یَحتاجونَ إلَیکَ فیما لا یَعلَمونَ،ومَا احتَجتَ إلی أحَدٍ مَعَ عِلمِکَ.
ثُمَّ قامَ خُزَیمَةُ بنُ ثابِتٍ الأَنصارِیُّ-وهُوَ ذُو الشَّهادَتَینِ-فَقالَ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ، ما أصَبنا لِأَمرِنا هذا غَیرَکَ،ولا کانَ المُنقَلَبُ إلّاإلَیکَ،ولَئِن صَدَقنا أنفُسَنا فیکَ، فَلَأَنتَ أقدَمُ النّاسِ إیماناً،وأعلَمُ النّاسِ بِاللّهِ،وأولَی المُؤمِنینَ بِرَسولِ اللّهِ،لَکَ ما لَهُم،ولَیسَ لَهُم ما لَکَ.
وقامَ صَعصَعَةُ بنُ صوحانَ فَقالَ:وَاللّهِ یا أمیرَ المُؤمِنینَ،لَقَد زَیَّنتَ الخِلافَةَ وما زانَتکَ،ورَفَعتَها وما رَفَعَتکَ،ولَهِیَ إلَیکَ أحوَجُ مِنکَ إلَیها.
ثُمَّ قامَ مالِکُ بنُ الحارِثِ الأَشتَرُ فَقالَ:أیُّهَا النّاسُ ! هذا وَصِیُّ الأَوصِیاءِ،ووارِثُ عِلمِ الأَنبِیاءِ،العَظیمُ البَلاءِ،الحَسَنُ العَناءِ (1)،الَّذی شَهِدَ لَهُ کِتابُ اللّهِ بِالإِیمانِ، ورَسولُهُ بِجَنَّةِ الرِّضوانِ،مَن کَمُلَت فیهِ الفَضائِلُ،ولَم یَشُکَّ فی سابِقَتِهِ وعِلمِهِ وفَضلِهِ الأَواخِرُ ولَا الأَوائِلُ.
ثُمَّ قامَ عُقبَةُ بنُ عَمرٍو فَقالَ:مَن لَهُ یَومٌ کَیَومِ العَقَبَةِ،وبَیعَةٌ کَبَیعَةِ الرِّضوانِ، وَالإِمامُ الأَهدَی الَّذی لا یُخافُ جَورُهُ،وَالعالِمُ الَّذی لا یُخافُ جَهلُهُ. (2)
راجع:موسوعة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام:ج 2 ص 325 ( القسم الخامس/الفصل الأوّل:بیعة النور ).
ص:429
ص:430
11450. الإرشاد -فی بَیانِ البَیعَةِ لِلإِمامِ الرِّضا علیه السلام-:جَلَسَ المَأمونُ ووَضَعَ لِلرِّضا علیه السلام وِسادَتَینِ عَظیمَتَینِ حَتّی لَحِقَ بِمَجلِسِهِ وفَرشِهِ،وأَجلَسَ الرِّضا علیه السلام عَلَیهِما فِی الخُضرَةِ (1)وعَلَیهِ عِمامَةٌ وسَیفٌ،ثُمَّ أمَرَ ابنَهُ العَبّاسَ بنَ المَأمونِ یُبایِعُ لَهُ أوَّلَ النّاسِ،فَرَفَعَ الرِّضا علیه السلام یَدَهُ فَتَلَقّی بِها (2)وَجهَ نَفسِهِ وبِبَطنِها وُجوهَهُم.
فَقالَ لَهُ المَأمونُ:اُبسُط یَدَکَ لِلبَیعَةِ.
فَقالَ الرِّضا علیه السلام:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله هکَذا کانَ یُبایِعُ.فَبایَعَهُ النّاسُ ویَدُهُ فَوقَ أیدیهِم. (3)
11451. علل الشرائع عن الریّان بن شبیب خال المعتصم أخی ماردة: إنَّ المَأمونَ لَمّا أرادَ
ص:431
أن یَأخُذَ البَیعَةَ لِنَفسِهِ بِإِمرَةِ المُؤمِنینَ،ولِأَبِی الحَسَنِ عَلِیِّ بنِ موسَی الرِّضا علیه السلام بِوِلایَةِ العَهدِ،ولِلفَضلِ بنِ سَهلٍ بِالوِزارَةِ،أمَرَ بِثَلاثَةِ کَراسِیَّ تُنصَبُ لَهُم،فَلَمّا قَعَدوا عَلَیها أذِنَ لِلنّاسِ فَدَخَلوا یُبایِعونَ،فَکانوا یُصَفِّقونَ بِأَیمانِهِم عَلی أیمانِ الثَّلاثَةِ مِن أعلَی الإِبهامِ إلی أعلَی الخِنصِرِ،ویَخرُجونَ،حَتّی بایَعَ آخِرَ النّاسِ فَتیً مِنَ الأَنصارِ،فَصَفَّقَ بِیَمینِهِ مِنَ الخِنصِرِ إلی أعلَی الإِبهامِ،فَتَبَسَّمَ أبُو الحَسَنِ علیه السلام ثُمَّ قالَ:
کُلُّ مَن بایَعَنا بایَعَ بِفَسخِ البَیعَةِ،غَیرَ هذَا الفَتی،فَإِنَّهُ بایَعَنا بِعَقدِها.
فَقالَ المَأمونُ:وما فَسخُ البَیعَةِ مِن عَقدِها؟
قالَ أبُو الحَسَنِ علیه السلام:عَقدُ البَیعَةِ هُوَ مِن أعلَی الخِنصِرِ إلی أعلَی الإِبهامِ،وفَسخُها مِن أعلَی الإِبهامِ إلی أعلَی الخِنصِرِ.
قالَ:فَماجَ النّاسُ فی ذلِکَ،وأَمَرَ المَأمونُ بِإِعادَةِ النّاسِ إلَی البَیعَةِ عَلی ما وَصَفَهُ أبُو الحَسَنِ علیه السلام،وقالَ النّاسُ:کَیفَ یَستَحِقُّ الإِمامَةَ مَن لا یَعرِفُ عَقدَ البَیعَةِ،إنَّ مَن عَلِمَ لَأَولی بِها مِمَّن لا یَعلَمُ.
قالَ:فَحَمَلَهُ ذلِکَ عَلی ما فَعَلَهُ مِن سَمِّهِ. (1)
11453. سنن ابن ماجة عن عائشة: وَاللّهِ،ما مَسَّت یَدُ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله یَدَ امرَأَةٍ قَطُّ،غَیرَ أنَّهُ یُبایِعُهُنَّ بِالکَلامِ...وَاللّهِ،ما أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلَی النِّساءِ إلّاما أمَرَهُ اللّهُ،ولا مَسَّت کَفُّ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله کَفَّ امرَأَةٍ قَطُّ،وکانَ یَقولُ لَهُنَّ إذا أخَذَ عَلَیهِنَّ:قَد بایَعتُکُنَّ کَلاماً. (1)
11454. صحیح مسلم عن عائشة -فی بَیانِ بَیعَةِ النِّساءِ-:ما مَسَّ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِیَدِهِ امرَأَةً قَطُّ، إلّا أن یَأخُذَ عَلَیها،فَإِذا أخَذَ عَلَیها فَأَعطَتهُ قالَ:اِذهَبی فَقَد بایَعتُکِ. (2)
11455. السیرة النبویّة لابن هشام عن ابن إسحاق: کانَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله لا یُصافِحُ النِّساءَ،إنَّما کانَ یَأخُذُ عَلَیهِنَّ،فَإِذا أقرَرنَ قالَ:اِذهَبنَ فَقَد بایَعتُکُنَّ. (3)
11456. اُسد الغابة عن عقیلة بنت عبید: جِئتُ أنَا واُمّی قَریرَةُ بِنتُ الحارِثِ العُتوارِیَّةُ فی نِساءٍ مِنَ المُهاجِراتِ،فَبایَعنَ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله وهُوَ ضارِبٌ عَلَیهِ قُبَّتَهُ بِالأَبطَحِ،فَأَخَذَ عَلَینا أن لا نُشرِکَ بِاللّهِ شَیئاً الآیَةَ کُلَّها،فَلَمّا أقرَرنا وبَسَطنا أیدِیَنا لِنُبایِعَهُ،قالَ:إنّی لا أمَسُّ أیدِی النِّساءِ،فَاستَغفَرَ لَنا،فَکانَت تِلکَ بَیعَتُنا. (4)
11457. مسند ابن حنبل عن أسماء بنت یزید: إنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله جَمَعَ نِساءَ المُسلِمینَ لِلبَیعَةِ، فَقالَت لَهُ أسماءُ:ألا تَحسِرُ لَنا عَن یَدِکَ یا رَسولَ اللّهِ؟
فَقالَ لَها رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:إنّی لَستُ اصافِحُ النِّساءَ،ولکِن آخُذُ عَلَیهِنَّ. (5)
ص:433
11458. سنن النسائی عن امیمة بنت رقیقة: أتَیتُ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله فی نِسوَةٍ مِنَ الأَنصارِ نُبایِعُهُ، فَقُلنا:یا رَسولَ اللّهِ،نُبایِعُکَ عَلی ألّا نُشرِکَ بِاللّهِ شَیئاً،ولا نَسرِقَ،ولا نَزنِیَ،ولا نَأتِیَ بِبُهتانٍ نَفتَریهِ بَینَ أیدینا وأَرجُلِنا،ولا نَعصِیَکَ فی مَعروفٍ.
قالَ:فیمَا استَطَعتُنَّ وأَطَقتُنَّ.
قالَت:قُلنا:اللّهُ ورَسولُهُ أرحَمُ بِنا،هَلُمَّ نُبایِعُکَ یا رَسولَ اللّهِ.
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:إنّی لا اصافِحُ النِّساءَ،إنَّما قَولی لِمِئَةِ امرَأَةٍ کَقَولی لِامرَأَةٍ واحِدَةٍ-أو مِثل قَولی لِامرَأَةٍ واحِدَةٍ-. (1)
11459. الإمام علی علیه السلام: کانَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله لا یُصافِحُ النِّساءَ،فَکانَ إذا أرادَ أن یُبایِعَ النِّساءَ، أتی بِإِناءٍ فیهِ ماءٌ فَیَغمِسُ یَدَهُ ثُمَّ یُخرِجُها،ثُمَّ یَقولُ:اِغمِسنَ أیدِیَکُنَّ فیهِ،فَقَد بایَعتُکُنَّ. (2)
11460. الکافی عن المفضّل بن عمر: قُلتُ لِأَبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام:کَیفَ ماسَحَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله النِّساءَ حینَ بایَعَهُنَّ؟قالَ:دَعا بِمِرکَنِهِ (3)الَّذی کانَ یَتَوَضَّأُ فیهِ،فَصَبَّ فیهِ ماءَ ثُمَّ غَمَسَ یَدَهُ الیُمنی،فَکُلَّما بایَعَ واحِدَةً مِنهُنَّ قالَ:اِغمِسی یَدَکِ،فَتَغمِسُ کَما غَمَسَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله.فَکانَ هذا مُماسَحَتَهُ إیّاهُنَّ. (4)
ص:434
11461. الکافی عن سعدان بن مسلم: قالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام:أتَدری کَیفَ بایَعَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله النِّساءَ؟قُلتُ:اللّهُ أعلَمُ وَابنُ رَسولِهِ أعلَمُ.
قالَ:جَمَعَهُنَّ حَولَهُ ثُمَّ دَعا بِتَورِ بِرامٍ (1)،فَصَبَّ فیهِ نَضوحاً ثُمَّ غَمَسَ یَدَهُ فیهِ،ثُمَّ قالَ:اِسمَعنَ یا هؤُلاءِ ! ابایِعُکُنَّ عَلی ألّا تُشرِکنَ بِاللّهِ شَیئاً،ولا تَسرِقنَ،ولا تَزنینَ، ولا تَقتُلنَ أولادَکُنَّ،ولا تَأتینَ بِبُهتانٍ تَفتَرینَهُ بَینَ أیدیکُنَّ وأَرجُلِکُنَّ،ولا تَعصینَ بَعولَتَکُنَّ فی مَعروفٍ،أقرَرتُنَّ؟قُلنَ:نَعَم.
فَأَخرَجَ یَدَهُ مِنَ التَّورِ،ثُمَّ قالَ لَهُنَّ:اِغمِسنَ أیدِیَکُنَّ،فَفَعَلنَ،فَکانَت یَدُ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله الطّاهِرَةُ أطیَبَ مِن أن یَمَسَّ بِها کَفَّ انثی لَیسَت لَهُ بِمَحرَمٍ. (2)
11462. الإمام الجواد علیه السلام: کانَت مُبایَعَةُ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله النِّساءَ أن یَغمِسَ یَدَهُ فی إناءٍ فیهِ ماءٌ ثُمَّ یُخرِجَها،وتَغمِسَ النِّساءُ بِأَیدیهِنَّ فی ذلِکَ الإِناءِ؛بِالإِقرارِ وَالإِیمانِ بِاللّهِ وَالتَّصدیقِ بِرَسولِهِ عَلی ما أخَذَ عَلَیهِنَّ. (3)
11463. کتاب من لا یحضره الفقیه عن ربعی بن عبد اللّه: لَمّا بایَعَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله النِّساءَ وأَخَذَ عَلَیهِنَّ،دَعا بِإِناءٍ فَمَلَأَهُ،ثُمَّ غَمَسَ یَدَهُ فِی الإِناءِ ثُمَّ أخرَجَها،فَأَمَرَهُنَّ أن یُدخِلنَ أیدِیَهُنَّ فَیَغمِسنَ فیهِ. (4)
11464. الطبقات الکبری عن عمرو بن شعیب عن أبیه عن جدّه: لَمّا قَدِمَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله المَدینَةَ
ص:435
لِلهِجرَةِ،کانَ نِساءٌ قَد أسلَمنَ فَدَخَلنَ عَلَیهِ فَقُلنَ:یا رَسولَ اللّهِ،إنَّ رِجالَنا قَد بایَعوکَ وإنّا نُحِبُّ أن نُبایِعَکَ.
قالَ:فَدَعا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِقَدَحٍ مِن ماءٍ فَأَدخَلَ یَدَهُ فیهِ،ثُمَّ أعطاهُنَّ امرَأَةً امرَأَةً، فَکانَت هذِهِ بَیعَتَهُنَّ. (1)
11465. رسول اللّه صلی الله علیه و آله -فی حَدیثٍ طَویلٍ یَذکُرُ فیهِ أحکامَ النِّساءِ-:...ولا یَجوزُ لِلمَرأَةِ أن تُصافِحَ غَیرَ ذی مَحرَمٍ إلّامِن وَراءِ ثَوبِها،ولا تُبایِعَ إلّامِن وَراءِ ثَوبِها. (2)
11466. مشکاة الأنوار عن سعیدة وأیمنة اختی محمّد بن أبی عمیر: دَخَلنا عَلی أبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام،فَقُلنا:تَعودُ المَرأَةُ أخاها فِی اللّهِ؟قالَ:نَعَم.قُلنا:فَتُصافِحُهُ؟قالَ:
نَعَم مِن وَراءِ ثَوبٍ؛کانَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله لَبِسَ الصّوفَ یَومَ بایَعَ النِّساءَ،فَکانَت یَدُهُ فی کُمِّهِ،وهُنَّ یَمسَحنَ أیدِیَهُنَّ عَلَیهِ. (3)
11467. الطبقات الکبری عن عامر الشعبی: بایَعَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله النِّساءَ وعَلی یَدِهِ ثَوبٌ. (4)
ص:436
الکتاب
«إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللّهَ یَدُ اللّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً* سَیَقُولُ لَکَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا یَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ یَمْلِکُ لَکُمْ مِنَ اللّهِ شَیْئاً إِنْ أَرادَ بِکُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِکُمْ نَفْعاً بَلْ کانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً» . (1)
«وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَیْمانَ بَعْدَ تَوْکِیدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَیْکُمْ کَفِیلاً إِنَّ اللّهَ یَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ* وَ لا تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْکاثاً تَتَّخِذُونَ أَیْمانَکُمْ دَخَلاً بَیْنَکُمْ أَنْ تَکُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبی مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما یَبْلُوکُمُ اللّهُ بِهِ وَ لَیُبَیِّنَنَّ لَکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ ما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ* وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لکِنْ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ وَ لَتُسْئَلُنَّ عَمّا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* وَ لا تَتَّخِذُوا أَیْمانَکُمْ دَخَلاً بَیْنَکُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ وَ لَکُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ* وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَناً قَلِیلاً إِنَّما
ص:437
عِنْدَ اللّهِ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» . (1)
«یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَکَ عَلی أَنْ لا یُشْرِکْنَ بِاللّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ فَبایِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ» . (2)
«إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ فَیَقْتُلُونَ وَ یُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا فِی التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِیلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفی بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِی بایَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ» . (3)
الحدیث
11468. الفتوح: قالَتِ الأَنصارُ [ لِلنّاسِ]:إنَّکُم قَد عَرَفتُم فَضلَ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ وسابِقَتَهُ وقَرابَتَهُ ومَنزِلَتَهُ مِنَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،مَعَ عِلمِهِ بِحَلالِکُم وحَرامِکُم وحاجَتِکُم إلَیهِ مِن بَینِ الصَّحابَةِ،ولَن یَألُوَکُم نُصحاً،ولَو عَلِمنا مَکانَ أحَدٍ هُوَ أفضَلُ مِنهُ وأَجمَلُ لِهذَا الأَمرِ وأَولی بِهِ مِنهُ لَدَعَوناکُم إلَیهِ.
فَقالَ النّاسُ کُلُّهُم بِکَلِمَةٍ واحِدَةٍ:رَضینا بِهِ طائِعینَ غَیرَ کارِهینَ.
فَقالَ لَهُم عَلِیٌّ علیه السلام:أخبِرونی عَن قَولِکُم هذا:«رَضینا بِهِ طائِعینَ غَیرَ کارِهینَ».
أحَقٌّ واجِبٌ هذا مِنَ اللّهِ عَلَیکُم،أم رَأیٌ رَأَیتُموهُ مِن عِندِ أنفُسِکُم؟
قالوا:بَل هُوَ واجِبٌ أوجَبَهُ اللّهُ عز و جل لَکَ عَلَینا. (4)
11469. الاحتجاج عن الأصبغ بن نباتة: کُنتُ جالِساً عِندَ أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام فَجاءَهُ ابنُ الکَوّا فَقالَ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ،مَنِ البُیوتُ فی قَولِ اللّهِ عز و جل: «وَ لَیْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ
ص:438
ظُهُورِها وَ لکِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقی وَ أْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ أَبْوابِها» (1)؟
قالَ عَلِیٌّ علیه السلام:نَحنُ البُیوتُ الَّتی أمَرَ اللّهُ بِها أن تُؤتی مِن أبوابِها،نَحنُ بابُ اللّهِ وبُیوتُهُ الَّتی یُؤتی مِنهُ،فَمَن بایَعَنا وأَقَرَّ بِوِلایَتِنا فَقَد أتَی البُیوتَ مِن أبوابِها،ومَن خالَفَنا وفَضَّلَ عَلَینا غَیرَنا فَقَد أتَی البُیوتَ مِن ظُهورِها. (2)
11470. بحار الأنوار -مِمّا وَرَدَ فِی استِحبابِ زِیارَةِ المُصافَقَةِ لِلأَئِمَّةِ علیهم السلام-:ثُمَّ تَضَعُ یَدَکَ الیُمنی عَلَی القَبرِ وتَقولُ:هذِهِ یَدَیَّ مُصافَقَةً لَکَ عَلَی البَیعَةِ الواجِبَةِ عَلَینا،فَاقبَل ذلِکَ مِنّی یا إمامی. (3)
11471. مقاتل الطالبیین عن یحیی بن الحسن العلوی: إنَّ المَأمونَ وَجَّهَ إلی جَماعَةٍ مِن آلَ أبی طالِبٍ،فَحَمَلَهُم إلَیهِ مِنَ المَدینَةِ،وفیهِم عَلِیُّ بنُ موسَی الرِّضا،فَأَخَذَ بِهِم عَلی طَریقِ البَصرَةِ حَتّی جاؤوهُ بِهِم،وکانَ المُتَوَلّی لِإِشخاصِهِمُ المَعروفَ بِالجَلُودِیِّ مِن أهلِ خُراسانَ،فَقَدِمَ بِهِم عَلَی المَأمونِ،فَأَنزَلَهُم داراً وأَنزَلَ عَلِیَّ بنَ موسَی الرِّضا داراً،ووَجَّهَ إلَی الفَضلِ بنِ سَهلٍ فَأَعلَمَهُ أنَّهُ یُریدُ العَقدَ لَهُ،وأَمَرَهُ بِالاِجتِماعِ مَعَ أخیهِ الحَسَنِ بنِ سَهلٍ عَلی ذلِکَ،فَفَعَلَ وَاجتَمَعا بِحَضرَتِهِ.
فَجَعَلَ الحَسَنُ یُعظِمُ ذلِکَ عَلَیهِ ویُعَرِّفُهُ ما فی إخراجُ الأَمرَ مِن أهلِهِ عَلَیهِ،فَقالَ
ص:439
لَهُ:إنّی عاهَدتُ اللّهَ أن اخرِجَها إلی أفضَلِ آلِ أبی طالِبٍ إن ظَفِرتُ بِالمَخلوعَ،وما أعلَمُ أحَداً أفضَلُ مِن هذَا الرَّجُلِ،فَاجتَمَعا مَعَهُ عَلی ما أرادَ.
فَأَرسَلَهُما إلی عَلِیِّ بنِ موسی علیه السلام،فَعَرَضا ذلِکَ عَلَیهُ فَأَبی،فَلَم یَزالا بِهِ وهُوَ یَأبی ذلِکَ ویَمتَنِعُ مِنهُ،إلی أن قالَ لَهُ أحَدُهُما:إن فَعَلتَ وإلّا فَعَلنا بِکَ وصَنَعنا،وتَهَدَّدَهُ، ثُمَّ قالَ لَهُ أحَدُهُما:وَاللّهِ،أمَرَنی بِضَربِ عُنُقِکَ إذا خالَفتَ ما یُریدُ.
ثُمَّ دَعا بِهِ المَأمونُ فَخاطَبَهُ فی ذلِکَ فَامتَنَعَ،فَقالَ لَهُ قَولاً شَبیهاً بِالتَّهَدُّدِ،ثُمَّ قالَ لَهُ:إنَّ عُمَرَ جَعَلَ الشُّوری فی سِتَّةٍ أحَدُهُم جَدُّکَ وقالَ:مَن خالَفَ فَاضرِبوا عُنُقَهُ، ولا بُدَّ مِن قَبولِ ذلِکَ.فَأَجابَهُ عَلِیُّ بنُ موسی إلی مَا التَمَسَ. (1)
11472. الأمالی للصدوق عن یاسر: لَمّا وُلِّیَ الرِّضا علیه السلام العَهدَ،سَمِعتُهُ وقَد رَفَعَ یَدَیهِ إلَی السَّماءِ وقالَ:
اللّهُمَّ إنَّکَ تَعلَمُ أنّی مُکرَهٌ مُضطَرٌّ،فَلا تُؤاخِذنی کَما لَم تُؤاخِذ عَبدَکَ ونَبِیَّکَ یوسُفَ حِینَ دُفِعَ إلی وِلایَةِ مِصر. (2)
11473. عیون أخبار الرضا علیه السلام عن محمّد بن عرفة: قُلتُ لِلرِّضا علیه السلام:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،ما حَمَلَکَ عَلَی الدُّخولِ فی وِلایَةِ العَهدِ؟فَقالَ:ما حَمَلَ جَدّی أمیرَ المُؤمِنینَ علیه السلام عَلَی الدُّخولِ فِی الشُّوری. (3)
11474. عیون أخبار الرضا علیه السلام عن الریّان بن الصلت: دَخَلتُ عَلی عَلِیِّ بنِ موسَی الرِّضا علیه السلام،
ص:440
فَقُلتُ لَهُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،النّاسُ یَقولونَ:إنَّکَ قَبِلتَ وِلایَةَ العَهدِ مَعَ إظهارِکَ الزُّهدَ فِی الدُّنیا !
فَقالَ علیه السلام:قَد عَلِمَ اللّهُ کَراهَتی لِذلِکَ،فَلَمّا خُیِّرتُ بَینَ قَبولِ ذلِکَ وبَینَ القَتلِ، اختَرتُ القَبولَ عَلَی القَتلِ.وَیحَهُم أما عَلِموا أنَّ یوسُفَ علیه السلام کانَ نَبِیّاً ورَسولاً،فَلَمّا دَفَعَتهُ الضَّرورَةُ إلی تَوَلّی خَزائِنِ العَزیزِ قالَ: «اِجْعَلْنِی عَلی خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ» (1)! ودَفَعَتنِی الضَّرورَةُ إلی قَبولِ ذلِکَ عَلی إکراهٍ وإجبارٍ بَعدَ الإِشرافِ عَلَی الهَلاکِ،عَلی أنّی ما دَخَلتُ فی هذا الأَمرِ إلّادُخولَ خارِجٍ مِنهُ،فَإِلَی اللّهِ المُشتَکی وهُوَ المُستَعَانُ. (2)
11475. الأمالی للصدوق عن أبی الصلت الهَرَویّ: إنَّ المَأمونَ قالَ لِلرِّضا علیه السلام:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،قَد عَرَفتُ فَضلَکَ وعِلمَکَ وزُهدَکَ ووَرَعَکَ وعِبادَتَکَ،وأَراکَ أحَقَّ بِالخِلافَةِ مِنّی.
فَقالَ الرِّضا علیه السلام:بِالعُبودِیَّةِ للّهِ ِ عز و جل أفتَخِرُ،وبِالزُّهدِ فِی الدُّنیا أرجُو النَّجاةَ مِن شَرِّ الدُّنیا،وبِالوَرَعِ عَنِ المَحارِمِ أرجُو الفَوزَ بِالمَغانِمِ،وبِالتَّواضُعِ فِی الدُّنیا أرجُو الرِّفعَةَ عِندَ اللّهِ عز و جل.
فَقالَ لَهُ المَأمونُ:إنّی قَد رَأَیتُ أن أعزِلَ نَفسی عَنِ الخِلافَةِ وأَجعَلَها لَکَ واُبایِعَکَ.
فَقالَ لَهُ الرِّضا علیه السلام:إن کانَت هذِهِ الخِلافَةُ لَکَ وجَعَلَها اللّهُ لَکَ،فَلا یَجوزُ أن تَخلَعَ
ص:441
لِباساً ألبَسَکَهُ اللّهُ وتَجعَلَهُ لِغَیرِکَ،وإن کانَتِ الخِلافَةُ لَیسَت لَکَ،فَلا یَجوزُ لَکَ أن تَجعَلَ لِیَ ما لَیسَ لَکَ !
فَقالَ لَهُ المَأمونُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،لا بُدَّ لَکَ مِن قَبولِ هذا الأَمرِ.
فَقالَ:لَستُ أفعَلُ ذلِکَ طائِعاً أبَداً.
فَما زالَ یَجهَدُ بِهِ أیّاماً حَتّی یَئِسَ مِن قَبولِهِ،فَقالَ لَهُ:فَإِن لَم تَقبَلِ الخِلافَةَ ولَم تُحِب مُبَایَعَتی لَکَ،فَکُن وَلِیَّ عَهدی لِتَکونَ لَکَ الخِلافَةُ بَعدی.
فَقالَ الرِّضا علیه السلام:وَاللّهِ،لَقَد حَدَّثَنی أبی عَن آبائِهِ،عَن أمیرِ المُؤمِنینَ،عَن رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله:أنّی أخرُجُ مِنَ الدُّنیا قَبلَکَ مَقتولاً بِالسَّمِّ مَظلوماً،تَبکی عَلَیَّ مَلائِکَةُ السَّماءِ ومَلائِکَةُ الأَرضِ،واُدفَنُ فی أرضِ غُربَةٍ إلی جَنبِ هارونَ الرَّشیدِ.
فَبَکَی المَأمونُ،ثُمَّ قالَ لَهُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،ومَنِ الَّذی یَقتُلُکَ،أو یَقدِرُ عَلَی الإِساءَةِ إلَیکَ وأَنَا حَیٌّ؟
فَقالَ الرِّضا علیه السلام:أما إنّی لَو أشاءُ أن أقولَ مَنِ الَّذی یَقتُلُنی لَقُلتُ.
فَقالَ المَأمونُ:یَابنَ رَسولِ اللّهِ،إنَّما تُریدُ بِقَولِکَ هذَا التَّخفیفَ عَن نَفسِکَ،ودَفعَ هذا الأَمرِ عَنکَ،لِیَقولَ النّاسُ:إنَّکَ زاهِدٌ فِی الدُّنیا.
فَقالَ الرِّضا علیه السلام:وَاللّهِ،ما کَذَبتُ مُنذُ خَلَقَنی رَبّی عز و جل،وما زَهِدتُ فِی الدُّنیا لِلدُّنیا، وإنّی لَأَعلَمُ ما تُریدُ.
فَقالَ المَأمونُ:وما اریدُ؟
قالَ:لی الأَمانَ عَلَی الصِّدقِ؟قالَ:لَکَ الأَمانُ.
ص:442
قالَ:تُریدُ بِذلِکَ أن یَقولَ النّاسُ:إنَّ عَلِیَّ بنَ موسی لَم یَزهَد فِی الدُّنیا،بَل زَهِدَتِ الدُّنیا فیهِ،ألا تَرَونَ کَیفَ قَبِلَ وِلایَةَ العَهدِ طَمَعاً فِی الخِلافَةِ؟
فَغَضِبَ المَأمونُ،ثُمَّ قالَ:إنَّکَ تَتَلَقّانی أبَداً بِما أکرَهُهُ،وقَد أمِنتَ سَطَواتی، فَبِاللّهِ اقسِمُ ! لَئِن قَبِلتَ وِلایَةَ العَهدِ وإلّا أجبَرتُکَ عَلی ذلِکَ،فَإِن فَعَلتَ وإلّا ضَرَبتُ عُنُقَکَ.
فَقالَ الرِّضا علیه السلام:قَد نَهانِیَ اللّهُ عز و جل أن القِیَ بِیَدی إلَی التَّهلُکَةِ،فَإِن کانَ الأَمرُ عَلی هذا فَافعَل ما بَدا لَکَ،وأَنَا أقبَلُ ذلِکَ،عَلی أنّی لا اوَلّی أحَداً،ولا أعزِلُ أحَداً،ولا أنقُضُ رَسماً ولا سُنَّةً،وأَکونُ فِی الأَمرِ مِن بَعیدٍ مُشیراً.
فَرَضِیَ مِنهُ بِذلِکَ،وجَعَلَهُ وَلِیَّ عَهدِهِ عَلی کَراهَةٍ مِنهُ علیه السلام لِذلِکَ. (1)
11476. الإمام الصادق عن أبیه علیهما السلام: إنَّ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله بایَعَ الحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهما السلام،وعَبدَ اللّهِ بنَ عَبّاسٍ،و عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ وهُم صِغارٌ لَم یَبلُغوا.
قالَ:ولَم یُبایِع صَغیراً إلّامِنّا. (2)
ص:443
11477. الإمام الحسین علیه السلام -لَمّا قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَیرِ:ما تَری أن تَصنَعَ إن دُعیتَ إلی بَیعَةِ یَزیدَ؟-:أنّی ابایِعُ لِیَزیدَ ! ویَزیدُ رَجُلٌ فاسِقٌ،مُعلِنُ الفِسقِ،یَشرَبُ الخَمرَ،ویَلعَبُ بِالکِلابِ وَالفُهودِ،ویُبغِضُ بَقِیَّةَ آلِ الرَّسولِ ! لا وَاللّهِ لا یَکونُ ذلِکَ أبَداً. (1)
11478. الإمام الحسین علیه السلام -لِوالِی المَدینَةِ-:أیُّهَا الأَمیرُ ! إنّا أهلُ بَیتِ النُّبُوَّةِ ومَعدِنُ الرِّسالَةِ ومُختَلَفُ المَلائِکَةِ،وبِنا فَتَحَ اللّهُ وبِنا خَتَمَ اللّهُ،ویَزیدُ رَجُلٌ فاسِقٌ،شارِبُ الخَمرِ، قاتِلُ النَّفسِ المُحَرَّمَةِ،مُعلِنٌ بِالفِسقِ،لَیسَ لَهُ هذِهِ المَنزِلَةُ،ومِثلی لا یُبایِعُ مِثلَهُ، ولکِن نُصبِحُ وتُصبِحونُ،ونَنظُرُ وتَنظُرونَ،أیُّنا أحَقُّ بِالخِلافَةِ وَالبَیعَةِ. (2)
11479. الإمام علیّ علیه السلام -فی خُطبَةٍ لَهُ-:أما وَالَّذی فَلَقَ الحَبَّةَ،وبَرَأَ النَّسَمَةَ،لَولا حُضورُ الحاضِرِ،وقِیامُ الحُجَّةِ بِوُجودِ النّاصِرِ،وما أخَذَ اللّهُ عَلَی العُلَماءِ ألّا یُقارّوا (3)عَلی کِظَّةِ (4)ظالِمٍ،ولا سَغَبِ (5)مَظلومٍ،لَأَلقَیتُ حَبلَها عَلی غارِبِها،ولَسَقَیتُ آخِرَها بِکَأسِ
ص:444
أوَّلِها،ولَأَلفَیتُم دُنیاکُم هذِهِ أزهَدَ عِندی مِن عَفطَةِ عَنزٍ. (1)
11480. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: بایِعونی عَلی ألّا تُشرِکوا بِاللّهِ شَیئاً،ولا تَسرِقوا ولا تَزنوا...فَمَن وَفی مِنکُم فَأَجرُهُ عَلَی اللّهِ،ومَن أصابَ مِن ذلِکَ شَیئاً فَعوقِبَ فِی الدُّنیا فَهُوَ کَفّارَةٌ لَهُ،و مَن أصابَ مِن ذلِکَ شَیئاً ثُمَّ سَتَرَهُ اللّهُ فَهُوَ إلَی اللّهِ إن شاءَ عَفا عَنهُ وإن شاءَ عاقَبَهُ. (2)
11481. الإصابة عن سهل بن سعد: بایَعتُ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله أنَا وأبو ذَرٍّ وعُبادَةُ بنُ الصّامِتِ ومُحَمَّدُ بنُ مَسلَمَةَ وأبو سَعیدٍ الخُدرِیُّ وسادِسٌ،عَلی ألّا تَأخُذَنا فِی اللّهِ لَومَةُ لائِمٍ.فَاستَقالَ السّادِسُ فَأَقالَهُ. (3)
11482. عدّة الداعی: قالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله یَوماً لِأَصحابِهِ:ألا تُبایِعُونّی؟فَقالوا:قَد بایَعناکَ یا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله،قالَ:تُبایِعُونّی عَلی أن لا تَسأَلُوا النّاسَ شَیئاً.
فَکانَ بَعدَ ذلِکَ تَقَعُ المِخصَرَةُ (4)مِن یَدِ أحَدهِمِ فَیَنزِلُ لَها ولا یَقولُ لِأَحَدٍ:
ناوِلنیها. (5)
ص:445
11483. تاریخ الیعقوبی: بایَعَ النّاسُ إلّاثَلاثَةَ نَفَرٍ مِن قُرَیشٍ:مَروانَ بنَ الحَکَمِ،وسَعیدَ بنَ العاصِ،وَالوَلیدَ بن عُقبَةَ،وکانَ لِسانَ القَومِ فَقالَ:یا هذا،إنَّکَ قَد وَتَرتَنا (1)جَمیعاً، أمّا أنَا فَقَتَلتَ أبی صَبراً (2)یَومَ بَدرٍ،وأمّا سَعیدٌ فَقَتَلتَ أباهُ یَومَ بَدرٍ-وکانَ أبوهُ مِن نورِ قُرَیشٍ-وأمّا مَروانُ فَشَتَمتَ أباهُ وعِبتَ عَلی عُثمانَ حینَ ضَمَّهُ إلَیهِ...فَتَبایَعنا عَلی أن تَضَعَ عَنّا ما أصَبنا،وتُعفِیَ لَنا عَمّا فی أیدینا،وتَقتُلَ قَتَلَةَ صاحِبِنا.
فَغَضِبَ عَلِیٌّ علیه السلام وقالَ:أمّا ما ذَکَرتَ مِن وَتری إیّاکُم،فَالحَقُّ وَتَرَکُم.وأمّا وَضعی عَنکُم ما أصَبتُم،فَلَیسَ لی أن أضَعَ حَقَّ اللّهِ تَعالی.وأمّا إعفائی عَمّا فی أیدیکُم، فَما کانَ للّهِ ِ ولِلمُسلِمینَ فَالعَدلُ یَسَعُکُم.وأمّا قَتلی قَتلَةَ عُثمانَ،فَلَو لَزِمَنی قَتلُهُم الیَومَ لَزِمَنی قِتالُهُم غَداً،ولکِن لَکُم أن أحمِلَکُم عَلی کِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِیِّهِ،فَمَن ضاقَ عَلَیهِ الحَقُّ فَالباطِلُ عَلَیهِ أضیَقُ،وإن شِئتُم فَالحَقوا بِمَلاحِقِکُم.
فَقالَ مَروانُ:بَل نُبایِعُکَ،ونُقیمُ مَعَکَ،فَتَری ونَری. (3)
11484. الإمام الصادق علیه السلام: أتی رَجُلٌ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَقالَ:یا رَسولَ اللّهِ،إنّی جِئتُکَ ابایِعُکَ عَلَی الإِسلامِ.
فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:اُبایِعُکَ عَلی أن تَقتُلَ أباکَ،فَقَبَضَ الرَّجُلُ یَدَهُ فَانصَرَفَ، ثُمَّ عادَ،فَقالَ:یا رَسولَ اللّهِ،إنّی جِئتُ عَلی أن ابایِعَکَ عَلَی الإِسلامِ.
فَقالَ لَهُ:عَلی أن تَقتُلَ أباکَ،قالَ:نَعَم،فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:إنّا وَاللّهِ لا نَأمُرُکُم بِقَتلِ آبائِکُم،ولکِنِ الآنَ عَلِمتُ مِنکَ حَقیقَةَ الإِیمانِ وأَنَّکَ لَن تَتَّخِذَ مِن دونِ اللّهِ
ص:446
وَلیجِةً (1)،أطیعوا آباءَکُم فیما أمَروکُم،ولا تُطیعوهُم فی مَعاصِی اللّهِ. (2)
11485. المستدرک علی الصحیحین عن أبی الیسر کعب بن عمرو: أتَیتُ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله وهُوَ یُبایِعُ النّاسَ،فَقُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،ابسُط یَدَکَ حَتّی ابایِعَکَ،وَاشتَرِط عَلَیَّ فَأَنتَ أعلَمُ بِالشَّرطِ.
قالَ:اُبایِعُکَ عَلی أن تَعبُدَ اللّهَ،وتُقیمَ الصَّلاةَ،وتُؤتِیَ الزَّکاةَ،وتُناصِحَ المُسلِمَ، وتُفارِقَ المُشرِکَ. (3)
11486. المعجم الکبیر عن جریر بن عبد اللّه: کانَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله إذا بایَعَ،بایَعَ عَلی شَهادَةِ أن لا إلهَ إلَّا اللّهُ،وأَنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللّهِ،وإقامِ الصَّلاةِ،وإیتاءِ الزَّکاةِ،وَالسَّمعِ وَالطّاعَةِ للّهِ ِ ولِرَسولِهِ،وَالنُّصحِ لِکُلِّ مُسلِمٍ. (4)
11487. مسند ابن حنبل عن عبادة بن الصامت: بایَعنا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله...عَلَی السَّمعِ وَالطّاعَةِ فِی النَّشاطِ وَالکَسَلِ،وعَلَی النَّفَقَةِ فِی الیُسرِ وَالعُسرِ،وعَلَی الأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهیِ عَنِ المُنکَرِ،وعَلی أن نَقولَ فِی اللّهِ تَبارَکَ وتَعالی ولا نَخافَ لَومَةَ لائِمٍ فیهِ،وعَلی أن نَنصُرَ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله إذا قَدِمَ عَلَینا یَثرِبَ،فَنَمنَعَهُ مِمّا نَمنَعُ مِنهُ أنفُسَنا وأَزواجَنا وأَبناءَنا ولَنَا الجَنَّةُ؛فَهذِهِ بَیعَةُ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله الَّتی بایَعَنا عَلَیها،فَمَن نَکَثَ فَإِنَّما یَنکُثُ عَلی نَفسِهِ،ومَن أوفی بِما بایَعَ عَلَیهِ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله،وَفَّی اللّهَ
ص:447
تَبارَکَ وتَعالی بِما بایَعَ عَلَیهِ نَبِیَّهُ صلی الله علیه و آله. (1)
11488. المستدرک علی الصحیحین عن ابن الخصاصیّة: أتَیتُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله لِاُبایِعَهُ عَلَی الإِسلامِ،فَاشتَرَطَ عَلَیَّ:تَشهَدُ أن لا إلهَ إلَّااللّهُ،وأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ، وتُصَلِّیَ الخَمسَ،وتَصومَ رَمَضانَ،وتُؤَدِّیَ الزَّکاةَ،وتَحُجَّ البَیتَ،وتُجاهِدَ فی سَبیلِ اللّهِ.
قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ،أمَّا اثنَتانِ فَلا اطیقُهُما؛أمَّا الزَّکاةُ فَما لی إلّاعَشرُ ذَودٍ (2)،هُنَّ رَسَلُ أهلی وحَمولَتُهُم،وأمَّا الجِهادُ،فَیَزعُمونَ أنَّهُ مَن وَلّی فَقَد باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ، فَأَخافُ إذا حَضَرَنی قِتالٌ کَرِهتُ المَوتَ وخَشَعَت نَفسی.
قالَ:فَقَبَضَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله یَدَهُ ثُمَّ حَرَّکَها،ثُمَّ قالَ:لا صَدَقَةَ ولا جِهادَ،فَبِمَ تَدخُلُ الجَنَّةَ؟!
قالَ:ثُمَّ قُلتُ:یا رَسولَ اللّهِ ابایِعُکَ،فَبایَعَنی عَلَیهِنَّ کُلِّهِنَّ. (3)
11489. تاریخ دمشق عن أبی عیاض (4)مولی عیاض بن ربیعة الأسدی: أتَیتُ عَلِیَّ بنَ أبی طالِبٍ وأَنَا مَملوکٌ،فَقُلتُ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ،ابسُط یَدَکَ ابایِعکَ،فَرَفَعَ رَأسَهُ إلَیَّ فَقالَ:ما أنتَ؟قُلتُ:مَملوکٌ،قالَ:لا إذَن،قُلتُ لَهُ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ ! إنَّما أقولُ:
ص:448
إنّی إذا شَهِدتُکَ نَصَرتُکَ،وإن غِبتُ نَصَحتُکَ.
قالَ:نَعَم إذاً.قالَ:فَبَسَطَ یَدَهُ فَبایَعَنی. (1)
11490. سنن أبی داود عن عبد اللّه بن عمرو: جاءَ رَجُلٌ إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَقالَ:جِئتُ ابایِعُکَ عَلَی الهِجرَةِ،وتَرَکتُ أبَوَیَّ یَبکِیانِ.
فَقالَ:اِرجِع عَلَیهِما فَأَضحِکهُما کَما أبکَیتَهُما. (2)
11491. مسند الشامیّین عن عتبة بن عبدٍ: بایَعتُ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله خَمساً عَلَی الطَّاعَةِ،وَاثنَتَینِ عَلَی المَحَبَّةِ. (3)
11492. صحیح البخاری عن عبد اللّه بن عمر: کُنّا إذا بایَعنا رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَلَی السَّمعِ وَالطّاعَةِ، یَقولُ لَنا:فیمَا استَطَعتُم. (4)
11493. مسند ابن حنبل عن أنس: بایَعتُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِیَدی هذِهِ-یَعنِی الیُمنی-عَلَی السَّمعِ وَالطّاعَةِ فیمَا استَطَعتُ. (5)
راجع:ص 458 ( حلّ البیعة ).
ص:449
الکتاب
«وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَیْمانَ بَعْدَ تَوْکِیدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَیْکُمْ کَفِیلاً إِنَّ اللّهَ یَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ* وَ لا تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْکاثاً تَتَّخِذُونَ أَیْمانَکُمْ دَخَلاً بَیْنَکُمْ أَنْ تَکُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبی مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما یَبْلُوکُمُ اللّهُ بِهِ وَ لَیُبَیِّنَنَّ لَکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ ما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ* وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لکِنْ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ وَ لَتُسْئَلُنَّ عَمّا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* وَ لا تَتَّخِذُوا أَیْمانَکُمْ دَخَلاً بَیْنَکُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ وَ لَکُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ* وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَناً قَلِیلاً إِنَّما عِنْدَ اللّهِ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» . (1)
الحدیث
11494. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: مَن بایَعَ إماماً فَأَعطاهُ صَفقَةَ یَدِهِ وثَمَرَةَ قَلبِهِ،فَلیُطِعهُ إنِ (2)استَطاعَ. (3)
11495. سنن ابن ماجة عن أبی هریرة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله: إنَّ بَنی إسرائیلَ کانَت تَسوسُهُم أنبِیاؤُهُم،کُلَّما ذَهَبَ نَبِیٌّ خَلَفَهُ نَبِیٌّ،وإنَّهُ لَیسَ کائِنٌ بَعدی نَبِیٌّ فیکُم.
قالوا:فَما یَکونُ یا رَسولَ اللّهِ؟
قالَ:تَکونُ خُلَفاءُ فَیَکثُروا.
قالوا:فَکَیفَ نَصنَعُ؟
ص:450
قالَ:أوفوا بِبَیعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ،أدُّوا الَّذی عَلَیکُم،فَسَیَسأَلُهُمُ اللّهُ عز و جل عَنِ الَّذی عَلَیهِم. (1)
11496. الإمام علیّ علیه السلام -فی خُطبَةٍ لَهُ-:أیُّهَا النّاسُ ! إنَّ لی عَلَیکُم حَقّاً ولَکُم عَلَیَّ حَقٌّ...
وأَمّا حَقّی عَلَیکُم فَالوَفاءُ بِالبَیعَةِ،وَالنَّصیحَةُ فِی المَشهَدِ وَالمَغیبِ. (2)
11497. کنز العمّال عن عبد اللّه بن الحسن: قامَ إلَیهِ [عَلِیٍّ علیه السلام ] رَجُلٌ فَقالَ:یا أمیرَ المُؤمِنینَ، أخبِرنا عَلی ما قاتَلتَ طَلحَةَ وَالزُّبَیرَ؟
قالَ:قاتَلتُهُم عَلی نَقضِهِم بَیعَتی،وقَتِلِهم شیعَتی مِنَ المُؤمِنینَ. (3)
11498. الإمام علیّ علیه السلام -مِن کَلامٍ لَهُ علیه السلام یَعنی بِهِ الزُّبَیرَ-:یَزعُمُ أنَّهُ قَد بایَعَ بِیَدِهِ ولَم یُبایِع بِقَلبِهِ، فَقَد أقَرَّ بِالبَیعَةِ وَادَّعَی الوَلیجَةَ،فَلیَأتِ عَلَیها بِأَمرٍ یُعرَفُ،وإلّا فَلیَدخُل فیما خَرَجَ مِنهُ. (4)
11499. تفسیر العیّاشی عن أبی عثمان مولی بنی قصیّ: شَهِدتُ عَلِیّاً صَلَّی اللّهُ عَلَیهِ سَنَتَهُ کُلَّها،فَما سَمِعتُ مِنهُ وِلایَةً ولا بَراءَةً،وقَد سَمِعتُهُ یَقولُ:
عَذَرَنِیَ اللّهُ مِن طَلحَةَ وَالزُّبَیرِ،بایَعانی طائِعینَ غَیرَ مُکرَهینَ،ثُمَّ نَکَثا بَیعَتی،مِن غَیرِ حَدَثٍ أحدَثتُهُ،وَاللّهِ ما قوتِلَ أهلُ هذِهِ الآیَةِ مُنذُ نَزَلَت حَتّی قاتَلتُهُم: «وَ إِنْ نَکَثُوا
ص:451
أَیْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِی دِینِکُمْ» (1). (2)
11500. الجمل عن أبی مِخنَف: إنَّ أمیرَ المُؤمِنینَ علیه السلام لَمّا هَمَّ بِالمَسیرِ إلَی البَصرَةِ،بَلَغَهُ عَن سَعدِ بنِ أبی وَقّاصٍ وَابنِ مَسلَمَةَ واُسامَةَ بنِ زَیدٍ وَابنِ عُمَرَ تَثاقُلٌ عَنهُ،فَبَعَثَ إلَیهِم، فَلَمّا حَضَروا قالَ لَهُم:
قَد بَلَغَنی عَنکُم هَناتٌ (3)کَرِهتُها،وأنَا لا اکرِهُکُم عَلَی المَسیرِ مَعی،أ لَستُم عَلی بَیعَتی؟
قالوا:بَلی.
قالَ:فَمَا الَّذی یُقعِدُکُم عَن صُحبَتی؟
فَقالَ لَهُ سَعدٌ:إنّی أکرَهُ الخُروجَ فی هذَا الحَربِ؛لِئَلّا اصیبَ مُؤمِناً،فَإِن أعطَیتَنی سَیفاً یَعرِفُ المُؤمِنَ مِنَ الکافِرِ قاتَلتُ مَعَکَ !
وقالَ لَهُ اسامَةُ:أنتَ أعَزُّ الخَلقِ عَلَیَّ،ولکِنّی عاهَدتُ اللّهَ أن لا اقاتِلَ أهلَ لا إلهَ إلَّا اللّهُ...
وقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ:لَستُ أعرِفُ فی هذَا الحَربِ شَیئاً،أسأَلُکَ ألّا تَحمِلَنی عَلی ما لا أعرِفُ.
فَقالَ لَهُم أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام:لَیسَ کُلُّ مَفتونٍ مُعاتَباً،أ لَستُم عَلی بَیعَتی؟قالوا:
بَلی،قالَ:اِنصَرِفوا فَسَیُغنِی اللّهُ تَعالی عَنکُم. (4)
ص:452
11501. نهج البلاغة: اخِذَ مَروانُ بنُ الحَکَمِ أسیراً یَومَ الجَمَلِ،فَاستَشفَعَ الحَسَنَ وَالحُسَینَ علیهما السلام إلی أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام،فَکَلَّماهُ فیهِ،فَخَلّی سَبیلَهُ،فَقالا لَهُ:یُبایِعُکَ یا أمیرَ المُؤمِنینَ؟ فَقالَ علیه السلام:
أوَلَم یُبایِعنی بَعدَ قَتلِ عُثمانَ؟لا حاجَةَ لی فی بَیعَتِهِ ! إنَّها کَفٌّ یَهودِیَّةٌ،لَو بایَعَنی بِکَفِّهِ لَغَدَرَ بِسُبَّتِهِ (1)،أما إنَّ لَهُ إمرَةً کَلَعقَةِ الکَلبِ أنفَهُ،وهُوَ أبُو الأَکبُشِ الأَربَعَةِ، وسَتَلقَی الاُمَّةُ مِنهُ ومِن وُلدِهِ یَوماً (مَوتاً خ ل) أحمَرَ ! (2)
11502. الإمام علیّ علیه السلام -فی کِتابِهِ إلی مُعاوِیَةَ-:وکَأَنّی بِجَماعَتِکَ تَدعونی-جَزَعاً مِنَ الضَّربِ المُتَتابِعِ،وَالقَضاءِ الواقِعِ،ومَصارِعَ بَعدَ مَصارِعَ-إلی کِتابِ اللّهِ،وهِیَ کافِرَةٌ جاحِدَةٌ،أو مُبایِعَةٌ حائِدَةٌ. (3)
11503. عنه علیه السلام -فی جَوابِ کِتابِ مُعاوِیَةَ-:أمّا تَمییزُکَ بَینَکَ وبَینَ طَلحَةَ وَالزُّبَیرِ،وبَینَ أهلِ الشّامِ وأَهلِ البَصرَةِ،فَلَعَمری مَا الأَمرُ فیما هُناکَ إلّاسَواءٌ؛لِأَنَّها بَیعَةٌ شامِلَةٌ،لا یُستَثنی فیهَا الخِیارُ ولا یُستَأنَفُ فیهَا النَّظَرُ. (4)
11504. عنه علیه السلام -فی کِتابِهِ إلی مُعاوِیَةَ-:إنَّهُ بایَعَنِی القَومُ الَّذینَ بایَعوا أبا بَکرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ عَلی ما بایَعوهُم عَلَیهِ،فَلَم یَکُن لِلشّاهِدِ أن یَختارَ،ولا لِلغائِبِ أن یَرُدَّ،وإنَّمَا الشَّوری لِلمُهاجِرینَ وَالأَنصارِ،فَإِنِ اجتَمَعوا عَلی رَجُلٍ وسَمَّوهُ إماماً کانَ ذلِکَ للّهِ ِ
ص:453
رِضاً،فَإِن خَرَجَ عَن أمرِهِم خارِجٌ بِطَعنٍ أو بِدعَةٍ رَدّوهُ إلی ما خَرَجَ مِنهُ،فَإِن أبی قاتَلوهُ عَلَی اتِّباعِهِ غَیرَ سَبیلِ المُؤمِنینَ،ووَلّاهُ اللّهُ ما تَوَلّی. (1)
11505. الإمام الصادق علیه السلام: إنَّ أمیرَ المُؤمِنینَ علیه السلام کانَ إذا أرادَ القِتالَ قالَ هذِهِ الدَّعَواتِ:اللّهُمَّ إنَّکَ أعلَمتَ سَبیلاً مِن سُبُلِکَ جَعَلتَ فیهِ رِضاکَ،ونَدَبتَ إلَیهِ أولِیاءَکَ،وجَعَلتَهُ أشرَفَ سُبُلِکَ عِندَکَ ثَواباً،وأَکرَمَها لَدَیکَ مَآباً،وأَحَبَّها إلَیکَ مَسلَکاً،ثُمَّ اشتَرَیتَ فیهِ مِنَ المُؤمِنینَ أنفُسَهُم وأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ،یُقاتِلونَ فی سَبیلِکَ فَیَقتُلونَ ویُقتَلونَ وَعداً عَلَیکَ حَقّاً.
فَاجعَلنی مِمَّنِ اشتَری فیهِ مِنکَ نَفسَهُ،ثُمَّ وَفی لَکَ بِبَیعِهِ (2)الَّذی بایَعَکَ عَلَیهِ،غَیرَ ناکِثٍ ولا ناقِضٍ عَهداً ولا مُبَدِّلاً تَبدیلاً،بَلِ استیجاباً لِمَحَبَّتِکَ،وتَقَرُّباً بِهِ إلَیکَ. (3)
11506. أنساب الأشراف -فی ذِکرِ مَجیءِ حُجرِ بنِ عَدِیٍّ إلَی الإِمامِ الحُسَینِ علیه السلام بَعدَ صُلحِ الإِمامِ الحَسَنِ علیه السلام مَعَ مُعاوِیَةَ-:أتَی الحُسَینَ فَقالَ لَهُ:یا أبا عَبدِ اللّهِ،شَرَیتُمُ العِزَّ بِالذُّلِّ ! وقَبِلتُمُ القَلیلَ بِتَرکِ الکَثیرِ ! أطِعنِی الیَومَ وَاعصِنی سائِرَ الدَّهرِ ! ! دَع رَأیَ الحَسَنِ وَاجمَع شیعَتَکَ،ثُمَّ ادعُ قَیسَ بنَ سَعدِ بنِ عُبادَةَ وَابعَثهُ فِی الرِّجالِ،وأَخرُجُ أنَا فِی الخَیلِ،فَلا یَشعُرُ ابنُ هِندٍ إلّاونَحنُ مَعَهُ فی عَسکَرِهِ،فَنُضارِبُهُ حَتّی یَحکُمَ اللّهُ بَینَنا وبَینَهُ وهُوَ خَیرُ الحاکِمینَ،فَإِنَّهُمُ الآنَ غارّونَ. (4)
ص:454
فَقالَ:إنّا قَد بایَعنا ولَیسَ إلی ما ذَکَرتَ سَبیلٌ. (1)
11507. الإرشاد عن الکلبی والمدائنی وغیرهما من أصحاب السیرة: لَمّا ماتَ الحَسَنُ بنُ عَلِیٍّ علیه السلام،تَحَرَّکَتِ الشّیعَةُ بِالعِراقِ،وکَتَبوا إلَی الحُسَینِ علیه السلام فی خَلعِ مُعاوِیَةَ وَالبَیعَةِ لَهُ، فَامتَنَعَ عَلَیهِم وذَکَرَ أنَّ بَینَهُ وبَینَ مُعاوِیَةَ عَهداً وعَقداً،لا یَجوزُ لَهُ نَقضُهُ حَتّی تَمضِیَ المُدَّةُ،فَإِن ماتَ مُعاوِیَةُ نَظَرَ فی ذلِکَ. (2)
الکتاب
«إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللّهَ یَدُ اللّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً» . (3)
الحدیث
11508. تاریخ بغداد عن أنس عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله: ثَلاثٌ مَن کُنَّ فیهِ فَهِیَ راجِعَةٌ عَلی صاحِبِها:
البَغیُ وَالمَکرُ وَالنَّکثُ.
ثُمَّ قَرَأَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:... «فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ» (4). (5)
ص:455
11509. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: مَن نَکَثَ بَیعَةً،أو رَفَعَ لِواءَ ضَلالَةٍ،أو کَتَمَ عِلماً،أوِ اعتَقَلَ مالاً ظُلماً، أو أعانَ ظالِماً عَلی ظُلمِهِ وهُوَ یَعلَمُ أنَّهُ ظالِمٌ؛فَقَد بَرِئَ مِنَ الإِسلامِ. (1)
11510. عنه صلی الله علیه و آله: مَن نَکَثَ العَهدَ وماتَ ناکِثاً لِلعَهدِ،جاءَ یَومَ القِیامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ. (2)
11511. عنه صلی الله علیه و آله: مَن خَلَعَ یَدَاً مِن طاعَةٍ،لَقِیَ اللّهَ ولا حُجَّةَ لَهُ. (3)
11512. عنه صلی الله علیه و آله: مَن ماتَ عَلی غَیرِ طاعَةِ اللّهِ،ماتَ ولا حُجَّةَ لَهُ،ومَن ماتَ وقَد نَزَعَ یَدَهُ مِن بَیعَةٍ،کانَت میتَتُهُ میتَةَ ضَلالَةٍ. (4)
11513. عنه صلی الله علیه و آله: مَن بایَعَ إماماً فَأَعطاهُ صَفقَةَ یَدِهِ وثَمَرَةَ قَلبِهِ،فَلیُطِعهُ مَا استَطاعَ،فَإِن جاءَ آخَرُ یُنازِعُهُ،فَاضرِبوا رَقَبَةَ الآخَرِ. (5)
11514. عنه صلی الله علیه و آله: یَجیءُ کُلُّ غادِرٍ-یَومَ القِیامَةِ-بِإِمامٍ مائِلٍ شِدقُهُ (6)حَتّی یَدخُلَ النّارَ،ویَجیءُ کُلُّ ناکِثٍ بَیعَةَ إمامٍ أجذَمَ (7)حَتّی یَدخُلَ النّارَ. (8)
ص:456
11515. عنه صلی الله علیه و آله: ثَلاثٌ موبِقاتٌ:نَکثُ الصَّفقَةِ،وتَرکُ السُّنَّةِ،وفِراقُ الجَماعَةِ. (1)
11516. مسند ابن حنبل عن أبی هریرة: قالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:الصَّلاةُ المَکتوبَةُ إلَی الصَّلاةِ الَّتی بَعدَها کَفّارَةٌ لِما بَینَهُما.قالَ:وَالجُمُعَةُ إلَی الجُمُعَةِ،وَالشَّهرُ إلَی الشَّهرِ-یَعنی رَمَضانَ إلی رَمَضانَ-کَفّارَةٌ لِما بَینَهُما.
قالَ:ثُمَّ قالَ بَعدَ ذلِکَ:إلّامِن ثَلاثٍ.قالَ:فَعَرَفتُ أنَّ ذلِکَ الأَمرَ حَدَثَ؛إلّامِنَ الإِشراکِ بِاللّهِ،ونَکثِ الصَّفقَةِ،وتَرکِ السُّنَّةِ.
قالَ:أَمّا مِن نَکثِ الصَّفقَةِ:أن تُبایِعَ رَجُلاً ثُمَّ تُخالِفَ إلَیهِ تُقاتِلَهُ بِسَیفِکَ،وأمّا تَرکُ السُّنَّةِ:فَالخُروجُ مِنَ الجَماعَةِ. (2)
11517. رسول اللّه صلی الله علیه و آله: ثَلاثَةٌ لا یُکَلِّمُهُمُ اللّهُ عز و جل یَومَ القِیامَةِ ولا یَنظُرُ إلَیهِم ولا یُزَکّیهِم ولَهُم عَذابٌ ألیمٌ:رَجُلٌ بایَعَ إماماً لا یُبایِعُهُ إلّالِلدُّنیا،إن أعطاهُ مِنها ما یُریدُ وَفی لَهُ،وإلّا کَفَّ.... (3)
11518. الإمام علیّ علیه السلام: الکَبائِرُ:الإِشراکُ بِاللّهِ،وقَتلُ النَّفسِ،...ونَکثُ الصَّفقَةِ. (4)
ص:457
11519. الخصال عن مسعدة بن زیاد عن الإمام الصادق عن آبائه علیهم السلام: إنّ عَلِیّاً قالَ:...إنَّ فِی النّارِ لَمَدینَةً یُقالُ لَها الحَصینَةُ،أفَلا تَسأَلُونّی ما فیها؟فَقیلَ:وما فیها یا أمیرَ المُؤمِنینَ؟فَقالَ:فیها أیدِی النّاکِثینَ. (1)
11520. الإمام الصادق علیه السلام: مَن فارَقَ جَماعَةَ المُسلِمینَ ونَکَثَ صَفقَةَ الإِمامِ،جاءَ إلَی اللّهِ عز و جل أجذَمَ. (2)
11521. الإمام الرضا علیه السلام: لا یَعدَمَ المَرءُ دائِرَةَ السَّوءِ (3)مَعَ نَکثِ الصَّفقَةِ. (4)
11522. رسول اللّه صلی الله علیه و آله -لِأَبی دُجانَةَ لَمَّا انهَزَمَ النّاسُ یَومَ احُدٍ-:یا أبا دُجانَةَ،ذَهَبَ النّاسُ فَالحَق بِقَومِکَ،فَقالَ أبو دُجانَةَ:یا رَسولَ اللّهِ ما عَلی هذا بایَعناکَ وبایَعنَا اللّهَ،ولا عَلی هذا خَرَجنا،یَقولُ اللّهُ تَعالی: «إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللّهَ یَدُ اللّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ» .
ص:458
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:یا أبا دُجانَةَ أنتَ فی حِلٍّ مِن بَیعَتِکَ فَارجِع،فَقالَ أبو دُجانَةَ:
یا رَسولَ اللّهِ لا تُحَدِّثُ نِساءُ الأَنصارِ فِی الخُدورِ أنّی أسلَمتُکَ ورَغِبتُ بِنَفسی (1)عَن نَفسِکَ،یا رَسولَ اللّهِ،لا خَیرَ فِی العَیشِ بَعدَکَ.
قالَ:فَلَمّا سَمِعَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله کَلامَهُ ورَغبَتَهُ فِی الجِهادِ،انتَهی رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله إلی صَخرَةٍ فَاستَتَرَ بِها لِیَتَّقِیَ بِها مَنِ السِّهامِ-سِهامِ المُشرِکینَ-،فَلَم یَلبَث أبو دُجانَةَ إلّا یَسیراً حَتّی اثخِنَ جِراحَةً،فَتَحامَلَ حَتَّی انتَهی إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَجَلَسَ إلی جَنبِهِ مُثخَناً لا حَراکَ بِهِ. (2)
11523. تاریخ الطبری عن عبد اللّه بن شریک العامریّ عن الإمام زین العابدین علیه السلام: جَمَعَ الحُسَینُ أصحابَهُ بَعدَما رَجَعَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ،وذلِکَ عِندَ قُربِ المَساءِ،قالَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ:فَدَنَوتُ مِنهُ لِأَسمَعَ وأَنَا مَریضٌ،فَسَمِعتُ أبی وهُوَ یَقولُ لِأَصحابِهِ:اُثنی عَلَی اللّهِ تَبارَکَ وتَعالی أحسَنَ الثَّناءِ،وأَحمَدُهُ عَلَی السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ،اللّهُمَّ إنّی أحمَدُکَ عَلی أن أکرَمتَنا بِالنُّبُوَّةِ،وعَلَّمتَنَا القُرآنَ،وفَقَّهتَنا فِی الدّینِ،وجَعَلتَ لَنا أسماعاً وأَبصاراً وأَفئِدَةً،ولَم تَجعَلنا مِنَ المُشرِکینَ،أمّا بَعدُ،فَإِنّی لا أعلَمُ أصحاباً أولی ولا خَیراً مِن أصحابی،ولا أهلَ بَیتٍ أبَرَّ ولا أوصَلَ مِن أهلِ بَیتی،فَجَزاکُمُ اللّهُ عَنّی جَمیعاً خَیراً،ألا وإنّی أظُنُّ یَومَنا مِن هؤُلاءِ الأَعداءِ غَداً،ألا وإنّی قَد رَأَیتُ لَکُم فَانطَلِقوا جَمیعاً فی حِلٍّ،لَیسَ عَلَیکُم مِنّی ذِمامٌ (3)،هذا لَیلٌ قَد غَشِیَکُم فَاتَّخِذوهُ جَمَلاً. (4)
ص:459
قالَ أبو مِخنَفٍ:حَدَّثَنا عَبدُ اللّهِ بنُ عاصِمٍ الفائِشِیُّ-بَطنٌ مِن هَمدانَ-عَنِ الضَّحّاکِ بنِ عَبدِ اللّهِ المَشرِقِیِّ،قالَ:قَدِمتُ ومالِکَ بنَ النَّضرِ الأَرحَبِیَّ عَلَی الحُسَینِ، فَسَلَّمنا عَلَیهِ ثُمَّ جَلَسنا إلَیهِ فَرَدَّ عَلَینا،ورَحَّبَ بِنا،وسَأَلَنا عَمّا جِئنا لَهُ،فَقُلنا:جِئنا لِنُسَلِّمَ عَلَیکَ،ونَدعُوَ اللّهَ لَکَ بِالعافِیَةِ،ونُحدِثَ بِکَ عَهداً،ونُخبِرَکَ خَبَرَ النّاسِ،وإنّا نُحَدِّثُکَ أنَّهُم قَد جَمَعوا عَلی حَربِکَ فَرَ (1)رَأیَکَ.
فَقالَ الحُسَینُ علیه السلام:حَسبِیَ اللّهُ ونِعمَ الوَکیلُ !
قالَ:فَتَذَمَّمنا وسَلَّمنا عَلَیهِ،ودَعَونَا اللّهَ لَهُ.
قالَ:فَما یَمنَعُکُما مِن نُصرَتی؟فَقالَ مالِکُ بنُ النَّضرِ:عَلَیَّ دَینٌ ولی عِیالٌ.فَقُلتُ لَهُ:إنَّ عَلَیَّ دَیناً،وإنَّ لی لَعِیالاً،ولکِنَّکَ إن جَعَلتَنی فی حِلٍّ مِنَ الاِنصِرافِ إذا لَم أجِد مُقاتِلاً قاتَلتُ عَنکَ ما کانَ لَکَ نافِعاً،وعَنکَ دافِعاً.
قالَ:قالَ:فَأَنتَ فی حِلٍّ،فَأَقَمتُ مَعَهُ.
فَلَمّا کانَ اللَّیلُ قالَ:هذَا اللَّیلُ قَد غَشِیَکُم،فَاتَّخِذوهُ جَمَلاً،ثُمَّ لیَأخُذ کُلُّ رَجُلٍ مِنکُم بِیَدِ رَجُلٍ مِن أهلِ بَیتی،تَفَرَّقوا فی سَوادِکُم ومَدائِنِکُم حَتّی یُفَرِّجَ اللّهُ،فَإِنَّ القَومَ إنَّما یَطلُبُونّی،ولَو قَد أصابونی لَهَوا عَن طَلَبِ غَیری.
فَقالَ لَهُ إخوَتُهُ وأَبناؤُهُ وبَنو أخیهِ وَابنا عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ:لِمَ نَفعَلُ؟لِنَبقی بَعدَکَ؟! لا أرانَا اللّهُ ذلِکَ أبَداً.بَدَأَهُم بِهذَا القَولِ العَبّاسُ بنُ عَلِیٍّ.ثُمَّ إنَّهُم تَکَلَّموا بِهذا ونَحوِهِ. (2)
ص:460
11524. الطبقات الکبری عن الأسود بن قیس العبدی: قیلَ لِمُحَمَّدِ بنِ بَشیرٍ الحَضرَمِیِّ:قَد اسِرَ ابنُکَ بِثَغرِ الرِّیِّ،قالَ:عِندَ اللّهِ أحتَسِبُهُ ونَفسی،ما کُنتُ احِبُّ أن یُؤسَرَ،ولا أن أبقی بَعدَهُ.
فَسَمِعَ قَولَهُ الحُسَینُ علیه السلام فَقالَ لَهُ:رَحِمَکَ اللّهُ،أنتَ فی حِلٍّ مِن بَیعَتی،فَاعمَل فی فِکاکِ ابنِکَ.
قالَ:أکَلَتنِی السِّباعُ حَیّاً إن فارَقتُکَ.
قالَ:فَأَعطِ ابنَکَ هذِهِ الأَثوابَ وَالبُرودَ یَستَعینُ بِها فی فِکاکِ أخیهِ.
فَأَعطاهُ خَمسَةَ أثوابٍ قیمَتُها ألفُ دینارٍ. (1)
11525. مقاتل الطالبیّین عن حمید بن مسلم: جاءَ رَجُلٌ حَتّی دَخَلَ عَسکَرَ الحُسَینِ علیه السلام،فَجاءَ إلی رَجُلٍ مِن أصحابِهِ،فَقالَ لَهُ:إنَّ خَبَرَ ابنِکَ فُلانٍ وافی أنَّ الدَّیلَمَ أسِروهُ،فَتَنصَرِفُ مَعی حَتّی نَسعی فی فِدائِهِ،فَقالَ:حَتّی أصنَعَ ماذا؟عِندَ اللّهِ أحتَسِبُهُ ونَفسی.
فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السلام:اِنصَرِف وأنتَ فی حِلٍّ مِن بَیعَتی،وأنَا اعطیکَ فِداءَ ابنِکَ.
فَقالَ:هَیهاتَ أن افارِقَکَ ثُمَّ أسأَلَ الرُّکبانَ عَن خَبَرِکَ ! لا یَکونُ-وَاللّهِ-هذا أبَداً، ولا افارِقُکَ.ثُمَّ حَمَلَ عَلَی القَومِ فَقاتَلَ حَتّی قُتِلَ رَحمَةُ اللّهِ عَلَیهِ ورِضوانُهُ. (2)
11526. شرح الأخبار عن الحسین علیه السلام -لِأَصحابِهِ-:إنَّ هؤُلاءِ لا یَطلُبونَ مِنکُم غَیری،وأنَا فَلَستُ اسَلِّمُ إلَیهِم نَفسی أو یَقتُلونی،فَمَن شاءَ مِنکُم فَلیَنصَرِف عَنّی مُحَلَّلاً مِن ذلِکَ.
قالوا:وکَیفَ نَنصَرِفُ عَنِ ابنِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله؟! نُقتَلُ بَینَ یَدَیهِ بَعدَ أن نَبذُلَ مَجهودَنا فی عَدُوِّهِ،وفی دَفعِهِ عَنهُ حَتّی نَلقَی اللّهَ عز و جل. (3)
ص:461
ص:462
11527. تاریخ دمشق عن سعد بن عبادة: بایَعَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عِصابَةً مِن أصحابِهِ عَلَی المَوتِ یَومَ احُدٍ حینَ انهَزَمَ المُسلِمونَ،فَصَبَروا ولَزِموا وجَعَلوا یَستُرونَهُ بِأَنفُسِهِم؛یَقولُ الرَّجلُ مِنهُم:نَفسی لِنَفسِکَ الفِداءُ یا رَسولَ اللّهِ،وَجهی لِوَجهِکَ الوِقاءُ یا رَسولَ اللّهِ، وهُم یَحمونَهُ ویَقونَهُ بِأَنفُسِهِم،حَتّی قُتِلَ مِنهُم مَن قُتِلَ. (1)
11528. صحیح مسلم عن عوف بن مالک الأشجعی: کُنّا عِندَ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،تِسعَةٌ أو ثَمانِیَةٌ أو سَبعَةٌ،فَقالَ:ألا تُبایِعونَ رَسولَ اللّهِ؟وکُنّا حَدیثُ عَهدٍ بِبَیعَةٍ،فَقُلنا:قَد بایَعناکَ یا رَسولَ اللّهِ،ثُمَّ قالَ:ألا تُبایِعونَ رَسولَ اللّهِ؟فَقُلنا:قَد بایَعناکَ یا رَسولَ اللّهِ ! ثُمَّ قالَ:
ألا تُبایِعونَ رَسولَ اللّهِ؟فَبَسَطنا أیدِیَنا وقُلنا:قَد بایَعناکَ یا رَسولَ اللّهِ ! فَعَلامَ نُبایِعُکَ؟
قالَ:عَلی أن تَعبُدُوا اللّهَ ولا تُشرِکُوا بِهِ شَیئاً،وَالصَّلَواتِ الخَمسِ،وتُطیعوا (وأَسَرَّ کَلِمَةً خَفِیَّةً) ولا تَسأَلُوا النّاسَ شَیئاً. (2)
ص:463
11529. تاریخ دمشق عن محمّد بن عثمان بن حوشب عن أبیه عن جدّه: لَمّا أن أظهَرَ اللّهُ عز و جل مُحَمَّداً صلی الله علیه و آله،انتَدَبتُ إلیهِ مَعَ النّاسِ فی أربَعینَ فارِساً مَعَ عَبدِ شَرٍّ،فَقَدِموا عَلَیهِ المَدینَةَ بِکِتابی.فَقالَ:أیُّکُم مُحَمَّدٌ؟قالوا:هذا،قالَ:مَا الَّذی جِئتَنا بِهِ؟فَإِن یَکُ حَقّاً اتَّبَعناکَ.
قالَ:تُقیمُوا الصَّلاةَ،وتُؤتُوا الزَّکاةَ،وتَحقِنُوا الدِّماءِ،وتَأمُروا بِالمَعروفِ وتَنهَوا عَنِ المُنکَرِ.
فَقالَ عَبدُ شَرٍّ:إنَّ هذَا لَحَسَنٌ جَمیلٌ،مُدَّ یَدَکَ ابایِعکَ.
فَقالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:مَا اسمُکَ؟قالَ:عَبدُ شَرٍّ،قالَ:أنتَ عَبدُ خَیرٍ.وکَتَبَ مَعَهُ الجَوابَ إلی حوشَبَ ذِی ظلیمٍ،فَآمَنَ. (1)
11530. المناقب لابن شهر آشوب عن ابن عبّاس -فی قَولِهِ: «وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنا» (2)-:قالَ وَفدُ ثَقیفٍ:نُبایِعُکَ عَلی ثَلاثٍ:لا نَنحَنی،ولا نَکسِرُ إلهاً بِأَیدینا، وتَمَتَّعنا بِاللّاتِ سَنَةً.
فَقالَ علیه السلام:لا خَیرَ فی دینٍ لَیسَ فیهِ رُکوعٌ وسُجودٌ،فَأَمّا کَسرُ أصنامِکُم بِأَیدیکُم فَذاکَ لَکُم،وأَمَّا الطّاغِیَةُ اللّاتُ (3)فَإِنّی غَیرُ مُمَتِّعِکُم بِها.
قالوا:أجِّلنا سَنَةً حَتّی نَقبِضَ ما یُهدی لِآلِهَتِنا،فَإِذا قَبَضناها کَسَرناها وأَسلَمنا.
فَهَمَّ بِتَأجیلِهِم،فَنَزَلَت هذِهِ الآیَةُ.
قالَ قَتادَةُ:فَلَمّا سَمِعَ قَولَهُ: «ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ عَلَیْنا نَصِیراً» (4)قالَ:اللّهُمَّ لا تَکِلنی إلی
ص:464
نَفسی طَرفَةَ عَینٍ أبَداً. (1)
11531. السیرة النبویّة لابن هشام عن الزهریّ: إنَّهُ [أی رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله ] أتی بَنی عامِرِ بنِ صَعصَعَةَ،فَدَعاهُم إلَی اللّهِ عز و جل،وعَرَضَ عَلَیهِم نَفسَهُ،فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِنهُم:...أرَأَیتَ إن نَحنُ بایَعناکَ عَلی أمرِکَ ثُمَّ أظهَرَکَ اللّهُ عَلی مَن خالَفَکَ،أیَکونُ لَنا الأَمرُ مِن بَعدِکَ؟
قالَ:الأَمرُ إلَی اللّهِ یَضَعُهُ حَیثُ یَشاءُ.
قالَ:فَقالَ لَهُ:أفَتَهدِفُ نُحورَنا لِلعَرَبِ دونَکَ،فَإِذا أظهَرَکَ اللّهُ کانَ الأَمرُ لِغَیرِنا؟! لا حاجَةَ لَنا بِأَمرِکَ.فَأَبَوا عَلَیهِ. (2)
11532. المناقب لابن شهر آشوب: لَمّا کانَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله یَعرِضُ نَفسَهُ عَلَی القَبائِلِ،جاءَ إلی بَنی کِلابٍ فَقالوا:نُبایِعُکَ عَلی أن یَکونَ لَنَا الأَمرُ بَعدَکَ.
فَقالَ:الأَمرُ للّهِ ِ،فَإِن شاءَ کانَ فیکُم،أو فی غَیرِکُم.
فَمَضَوا فَلَم یُبایِعوهَ،وقالوا:لا نَضرِبُ لِحَربِکَ بِأَسیافِنا ثُمَّ تُحَکِّمُ عَلَینا غَیرَنا. (3)
11533. صحیح البخاری عن جابر بن عبد اللّه: إنَّ أعرابِیّاً بایَعَ رَسولَ للّهِ صلی الله علیه و آله عَلَی الإِسلامِ، فَأَصابَ الأَعرابِیَّ وَعَکٌ بِالمَدینَةِ،فَأَتَی الأَعرابِیُّ إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَقالَ:یا رَسولَ
ص:465
اللّهِ،أقِلنی بَیعَتی،فَأَبی رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله.ثُمَّ جاءَهُ فَقالَ:أقِلنی بَیعَتی،فَأَبی،ثُمَّ جاءَهُ فَقالَ:أقِلنی بَیعَتی،فَأَبی.فَخَرَجَ الأَعرابِیُّ.
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:إنَّمَا المَدینَةُ کَالکِیرِ (1)،تَنفی خَبَثَها وتَنصَعُ (2)طَیِّبَها. (3)
ص:466
1.فهرس الآیات الکریمة 469
2.فهرس الأعلام 500
3.فهرس الأدیان والفرق والمذاهب 508
4.فهرس الجماعات والقبائل 509
5.فهرس البلدان والأماکن 513
6.فهرس الحوادث والوقائع والأیام والأزمنة 515
7.فهرس المفردات اللغویة (المشروحة فی الهامش) 517
8.الفهرس التفصیلی 520
ص:467
ص:468
البقرة
الآیة.....رقم الآیة..........الصفحة
«مثلهم کمثل الذی استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله»17 79
«أو کصیّب مّن السماء فیه ظلمت و رعد و برق یجعلون»......19......79
«و إذ قلنا للمللکة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبلیس»......34......101
«أ تامرون الناس بالبر و تنسون أنفسکم و أنتم تتلون الکتاب»......44......7،8،12
«فجعلناها نکلا لّما بین یدیها و ما خلفها و موعظة»......66......66
«کذلک یحی الله الموتی و یریکم آیاته لعلکم تعقلون»......73......59
«ثم قست قلوبکم مّن بعد ذلک فهی کالحجارة أو أشد»......74......81
«و اتبعوا ما تتلوا الشیاطین علی ملک سلیمان و ما کفر»......102......131
«و قالوا لن یدخل الجنة إلا من کان هودا أو نصاری»......111......71
«تلک أمانیهم قل هاتوا برهانکم إن کنتم صادقین»......111......71
«و قالت الیهود لیست النصاری علی شیء و قالت النصاری»......113......262
«إنّی جاعلک للناس إماما»......124......108
«و إذ ابتلی إبر هیم ربه بکلمت فأتمهن قال إنّی جاعلک»......124......108
«أسلم قال أسلمت لربّ العالمین»......131......109
ص:469
«الذین آتیناهم الکتاب یعرفونه کما یعرفون أبناءهم»......146......255
«و لنبلونکم بشیء مّن الخوف و الجوع و نقص مّن الأمو ل»......155......162،176،183
«إن الذین یکتمون ما أنزلنا من البیّنت و الهدی من بعد ما»......159......63
«و إلهکم إله و حد لا إله إلاهو الرحمن الرحیم»......163......60
«إن فی خلق السمو ت و الأرض و اختلف اللیل و النهار...»......164......60
«و مثل الذین کفروا کمثل الذی ینعق بما لا یسمع إلا دعاء...»......171......78
«إن الذین یکتمون ما أنزل الله من الکتاب و یشترون به»......174......24
«و لیس البر بأن تأتوا البیوت من ظهورها و لکن البر...»......189......439
«أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما یأتکم مثل الذین»......214......104،106،107،156
«کذلک یبیّن الله لکم آیاته لعلکم تعقلون»......242......59
«فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتلیکم بنهر»......249......154
«إن الله مبتلیکم بنهر فمن شرب منه فلیس منی و من لم یطعمه»......249......154
«لا طاقة لنا الیوم بجالوت و جنوده»......249......154،155
«کم مّن فئة قلیلة غلبت فئة کثیرة بإذن الله و الله مع...»......249......154
«ربنا أفرغ علینا صبرا و ثبّت أقدامنا و انصرنا علی...»......250......155
«فهزموهم بإذن الله و قتل داود جالوت وآتله الله...»......251......155
«الله لا إله إلا هو الحی القیوم لا تأخذه سنة و لا نوم»......255......341
«لا إکراه فی الدین قد تبین الرشد من الغی فمن یکفر...»......256......17
«فبهت الذی کفر»......258......210،219
«مثل الذین ینفقون أمو لهم فی سبیل الله کمثل حبة أنبتت...»......261......79
«الذین ینفقون أمو لهم فی سبیل الله ثم لا یتبعون ما أنفقوا»......262......79
«قول معروف و مغفرة خیر مّن صدقة یتبعها أذی و الله غنی...»......263......79
«یا أیها الذین آمنوا لا تبطلوا صدقتکم بالمن ّ و الأذی»......264......79
«و مثل الذین ینفقون أمو لهم ابتغاء مرضات الله و تثبیتا...»......265......79
«الذین یأکلون الرّبوا لا یقومون إلا کما یقوم الذی»......275......66
ص:470
آل عمران
«و ما یعلم تأویله إلا الله و الر سخون فی العلم»......7......163
«شهد الله أنه لا إله إلا هو و المللکة و أولوا العلم»......18......341
«قل اللهم ملک الملک تؤتی الملک من تشاء و تنزع الملک...»......26......341
«تولج اللیل فی النهار و تولج النهار فی اللیل و تخرج الحی...»......27......341
«إن الله اصطفی آدم و نوحا وآل إبر هیم»......33......330
«ذرّیة بعضها من بعض و الله سمیع علیم»......34......330
«إن مثل عیسی عند الله کمثل آدم خلقه من تراب»......59......263،307
«الحق من ربّک فلا تکن مّن الممترین»......60......263
«فمن حاجک فیه من بعد ما جاءک من العلم فقل تعالوا ندع»......61......259،263،307،326،............328،331،332،355
«فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءکم و نساءنا و نساءکم...»......61......250،260،325،338،............352
«أبناءنا و أبناءکم و نساءنا و نساءکم و أنفسنا و أنفسکم»......61......259
«قل یا أهل الکتاب تعالوا إلی کلمة سواء بیننا و بینکم»......64......266،316،317
«هذا بیان لّلناس و هدی و موعظة لّلمتقین»......138......63،66
«إن یمسسکم قرح فقد مس القوم قرح مّثله و تلک الأیام»......140......167،192،193
«و لیمحّص الله الذین آمنوا و یمحق الکافرین»......141......167،192
«أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما یعلم الله الذین جاهدوا»......142......163،167،192
«و لقد صدقکم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتی إذا فشلتم»......152......191
«و لیبتلی الله ما فی صدورکم و لیمحّص ما فی قلوبکم»......154......179
«ثم أنزل علیکم مّن بعد الغمّ أمنة نعاسا یغشی»......154......192
«ما کان الله لیذر المؤمنین علی ما أنتم علیه حتی یمیز»......179......177
«لتبلون فی أمو لکم و أنفسکم و لتسمعن من الذین أوتوا»......186......170،188
«و إذ أخذ الله میثاق الذین أوتوا الکتاب لتبیننه للناس»......187......24
ص:471
النساء
«و إن أردتم استبدال زوج مکان زوج و آتیتم إحدلهن قنطارا»......20......214،234
«أ تاخذونه بهتنا و إثما مبینا»......20......234
«و کیف تأخذونه و قد أفضی بعضکم إلی بعض و أخذن منکم»......21......234
«أم یحسدون الناس علی ماء اتلهم الله من فضله فقدآتینا»......54......330،331
«یا أیها الذین آمنوا أطیعوا الله و أطیعوا الرسول و أولی...»......59......320،331
«فلا و ربّک لا یؤمنون حتی یحکّموک فیما شجر بینهم ثم لا یجدوا»......65......82
«و لا تهنوا فی ابتغاء القوم إن تکونوا تألمون فإنهم یألمون»......104......193
«إنا أنزلنا إلیک الکتاب...»......105......225،226
«یستخفون من الناس و لا یستخفون من الله و هو معهم»......108......226
«و من یکسب إثما فإنما یکسبه علی نفسه و کان الله علیما...»......111......213
«و من یکسب خطیئة أو إثما ثم یرم به بریئا فقد احتمل بهتنا»......112......213،221،224،225،............226
«فقد احتمل بهتنا و إثما مبینا»......112......223
«و لو لا فضل الله علیک و رحمته لهمت طالفة مّنهم أن یضلوک»......113......227
«و من یشاقق الرسول من بعد ما تبین له الهدی و یتبع غیر...»......115......227
«إن الله لا یغفر أن یشرک به»......116......225،226
«من یعمل سوءا یجز به»......123......191
«و بکفرهم و قولهم علی مریم بهتنا عظیما»......156......233،243
«یا أیها الناس قد جاءکم برهان مّن ربّکم و أنزلنا إلیکم»......174......64
المائدة
«أوفوا بالعقود»......1......370
«الیوم أکملت لکم دینکم و أتممت علیکم نعمتی و رضیت...»......3......419،420
«و اذکروا نعمة الله علیکم و میثقه الذی واثقکم به»......7......384
«و اتل علیهم نبأ ابنی آدم بالحقّ إذ قربا قربانا»......27......103
ص:472
«و قفینا علی آثارهم بعیسی ابن مریم مصدّقا»......46......66
«و أنزلنا إلیک الکتاب بالحقّ مصدّقا لّما بین یدیه»......48......181
«إنما ولیکم الله و رسوله»......55......320
«یا أیها الرسول بلّغ ما أنزل إلیک من ربّک و إن لم تفعل»......67......419،421
«یا أیها الذین آمنوا لیبلونکم الله بشیء مّن الصید تناله»......94......167،168
«ما قلت لهم إلا ما أمرتنی به أن اعبدوا الله ربّی و ربکم»......117......67
الأنعام
«الحمد لله الذی خلق السمو ت و الأرض و جعل الظلمت...»......1......352
«و لا تطرد الذین یدعون ربهم بالغداة و العشیّ»......52......186
«و لا تطرد الذین یدعون ربهم...»......53......187
«و کذلک فتنا بعضهم ببعض لّیقولوا أ هؤلاء من الله علیهم»......53......187،193
«من الله علیهم مّن بیننا أ لیس الله بأعلم بالشاکرین»......53......187
«قل إنّی علی بیّنة مّن ربّی و کذبتم به ما عندی ما»......57......63
«قل هو القادر علی أن یبعث علیکم عذابا مّن فوقکم»......65......158
«و من ذرّیته داود و سلیمان و أیوب و یوسف و موسی...»......84......328
«و زکریا و یحیی و عیسی و إلیاس»......85......328
«أوللک الذین هدی الله فبهدلهم اقتده قل لا أسلکم»......90......29
«أو من کان میتا فأحیینه و جعلنا له نورا یمشی به»......122......77
«قل فلله الحجة البلغة فلو شاء لهدلکم أجمعین»......149......65
«قل تعالوا أتل ما حرم ربکم علیکم ألا تشرکوا به شیئا»......151......61،404
«أو تقولوا لو أنا أنزل علینا الکتاب لکنا أهدی منهم»......157......63
«و هو الذی جعلکم خللف الأرض و رفع بعضکم فوق بعض»......165......181
الأعراف
«خلقتنی من نار و خلقته من طین»......12......102
ص:473
«و یادم اسکن أنت و زوجک الجنة فکلا من حیث شئتما»......19......102
«فوسوس لهما الشیطان لیبدی لهما ماوری عنهما»......20......103
«و قاسمهما إنّی لکما لمن النصحین»......21......103
«فدللهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوء تهما و طفقا»......22......103
«قالا ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا»......23......103
«یا بنی آدم لا یفتننکم الشیطان کما أخرج أبویکم»......27......103
«و إلی ثمود أخاهم صلحا قال یا قوم اعبدوا الله ما لکم»......73......125
«و اذکروا إذ جعلکم خلفاء من بعد عاد و بوأکم فی الأرض...»......74......125
«قال الملأ الذین استکبروا من قومه للذین استضعفوا لمن»......75......125
«قال الذین استکبروا إنا بالذی آمنتم به کافرون»......76......125
«فعقروا الناقة و عتوا عن أمر ربّهم و قالوا یصلح ائتنا»......77......125
«فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فی دارهم جثمین»......78......125
«فتولی عنهم و قال یا قوم لقد أبلغتکم رسالة ربّی و نصحت لکم»......79......125
«و کتبنا له فی الألواح من کلّ شیء موعظة و تفصیلا»......145......66
«و اختار موسی قومه سبعین رجلا لمیقاتنا فلما أخذتهم الرجفة»......155 128
«و سئلهم عن القریة التی کانت حاضرة البحر إذ یعدون»......163......149،150
«لم تعظون قوما الله مهلکهم أو معذّبهم عذابا شدیدا»......164......150،152،154
«معذرة إلی ربّکم و لعلهم یتقون»......164......150،152
«فلما نسوا ما ذکّروا به»......165......152
«أنجینا الذین ینهون عن السوء و أخذنا الذین ظلموا بعذاب»......165......152
«فلما عتوا»......166......150
«عن ما نهوا عنه قلنا لهم کونوا قردة خسین»......166......150
«و قطعنهم فی الأرض أمما مّنهم الصالحون و منهم دون ذ لک»......168......184
«و بلونهم بالحسنت و السیّات لعلهم یرجعون»......168......96
«و اتل علیهم نبأ الذی آتیناه آیاتنا فانسلخ منها»......175......81
ص:474
«و لو شئنا لرفعنه بها و لکنه أخلد إلی الأرض»......176......81
«ساء مثلا القوم الذین کذبوا بآیاتنا و أنفسهم کانوا یظلمون»......177......81
«و الذین کذبوا بآیاتنا سنستدرجهم مّن حیث لا یعلمون»......182......203،204
«و أملی لهم إن کیدی متین»......183......203
الأنفال
«فلم تقتلوهم و لکن الله قتلهم و ما رمیت إذ رمیت»......17......184،192
«و لیبلی المؤمنین منه بلاء حسنا»......17......97
«یا أیها الذین آمنوا أطیعوا الله و رسوله و لا تولوا عنه»......20......81
«و لا تکونوا کالذین قالوا سمعنا و هم لا یسمعون»......21......81
«إن شر الدوابّ عند الله الصم البکم الذین لا یعقلون»......22......78،81
«و لو علم الله فیهم خیرا لأسمعهم و لو أسمعهم لتولوا»......23......81
«و اعلموا أنما أمو لکم و أولادکم فتنة و أن الله عنده أجر عظیم»......28......94،104،172،189،190
«و إذ یمکر بک الذین کفروا لیثبتوک أو یقتلوک أو یخرجوک»......30......392
«لیمیز الله الخبیث من الطیّب و یجعل الخبیث بعضه علی...»......37......177
«لیهلک من هلک عن بیّنة و یحیی من حی عن بیّنة و إن الله»......42......63
التوبة
«و إن نکثوا أیمانهم مّن بعد عهدهم و طعنوا فی دینکم»......12......452
«أم حسبتم أن تترکوا و لما یعلم الله الذین جاهدوا منکم»......16......176
«إن الله اشتری من المؤمنین أنفسهم و أمو لهم بأن لهم...»......111......360،405،438
«یا أیها الذین آمنوا اتقوا الله و کونوا مع الصادقین»......119......352
یونس
«إنما مثل الحیاة الدنیا کماء أنزلناه من السماء فاختلط به»......24......80
ص:475
«و یستنبئونک أ حق هو قل إی و ربّی إنه لحق و ما أنتم...»......53......83
«یا أیها الناس قد جاءتکم موعظة مّن ربّکم و شفاء لّما فی...»......57......66
«قل أرءیتم ما أنزل الله لکم من رزق فجعلتم منه حراما»......59......18
«و لو شاء ربک لأمن من فی الأرض کلهم جمیعا أ فأنت تکره...»......99......17،18
هود
«و هو الذی خلق السمو ت و الأرض فی ستة أیام و کان عرشه»......7......173،175
«لیبلوکم أیکم أحسن عملا»......7......62،104،175
«و من أظلم ممن افتری علی الله کذبا أوللک یعرضون علی»......18......18
«مثل الفریقین کالأعمی و الأصمّ و البصیر و السمیع هل...»......24......77
«فقال ربّ إن ابنی من أهلی و إن وعدک الحق»......45......330
«ینوح إنه لیس من أهلک إنه عمل غیر صلح فلا تسئلن»......46......330
«و کلا نقص علیک من أ نبأ الرسل ما نثبّت به فؤادک»......120......66
یوسف
«إذ قال یوسف لأبیه یا أبت إنّی رأیت أحد عشر کوکبا»......4......114
«قال یا بنی لا تقصص رؤیاک علی إخوتک فیکیدوا لک کیدا»......5......114،120
«و کذلک یجتبیک ربک و یعلّمک من تأویل الأحادیث»......6......121
«إذ قالوا لیوسف و أخوه أحب إلی أبینا منا و نحن عصبة»......8......121
«أحب إلی أبینا منا و نحن عصبة إن أبانا لفی ضلال مبین»......8......116
«إن أبانا لفی ضلال مبین»......8......121
«اقتلوا یوسف أو اطرحوه أرضا یخل لکم وجه أبیکم و تکونوا»......9......117
«لا تقتلوا یوسف و ألقوه فی غیبت الجب ّ یلتقطه بعض السیارة»......10......117
«قالوا یأبانا ما لک لا تأمنا علی یوسف و إنا له لنصحون»......11......117،121
«أرسله معنا غدا یرتع و یلعب»......12......117،121
ص:476
«و إنا له لحفظون»......12......121
«إنّی لیحزننی أن تذهبوا به و أخاف أن یأکله الذّئب و أنتم...»......13......117،121
«لئن أکله الذّئب و نحن عصبة إنا إذا لخاسرون»......14......121
«فلما ذهبوا به و أجمعوا أن یجعلوه فی غیبت الجب ّ و أوحینا»......15......114،121
«عشاء یبکون»......16......117
«قالوا یأبانا إنا ذهبنا نستبق و ترکنا یوسف عند متعنا»......17......118
«بل سولت لکم أنفسکم أمرا»......18......118
«و قال الذی اشترله من مّصر لامرأته أکرمی مثوله»......21......118
«و ر و دته التی هو فی بیتها عن نفسه و غلقت الأبو ب»......23......114
«و لقد همت به و هم بها لو لا أن رءا برهان ربّه کذ لک»......24......114،124
«و ألفیا سیّدها لدی الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلک سوءا»......25......119
«هی ر و دتنی عن نفسی»......26......119
«إنه من کیدکن»......28......119
«أعرض عن هذا»......29......119
«امرأت العزیز تر ود فتلها عن نفسه»......30......120
«وآتت کل و حدة مّنهن سکّینا»......31......120
«اخرج علیهن فلما رأینه أکبرنه و قطعن أیدیهن»......31......120
«إلا تصرف عنّی کیدهن أصب إلیهن و أکن مّن الجاهلین»......33......120
«اجعلنی علی خزالن الأرض إنّی حفیظ علیم»......55......441
«و تولی عنهم و قال یأسفی علی یوسف و ابیضت عیناه»......84......110
«قالوا تالله تفتؤا تذکر یوسف حتی تکون حرضا أو تکون»......85......110
«یا بنی اذهبوا فتحسسوا من یوسف و أخیه و لا تیأسوا...»......87......111،121،122
«یا أیها العزیز مسنا و أهلنا الضر و جئنا ببضعة»......88......113
«قال هل علمتم ما فعلتم بیوسف و أخیه إذ أنتم جهلون»......89......113،114،123
«قالوا أءنک لأنت یوسف قال أنا یوسف و هذا أخی قد»......90......113،114،123
«قالوا تالله لقد آثرک الله علینا»......91......113
ص:477
«لقدآثرک الله علینا و إن کنا لخطین»......91......123
«قال لا تثریب علیکم الیوم یغفر الله لکم»......92......113،123
«یغفر الله لکم و هو أرحم الر حمین»......92......123
الرعد
«و جنات مّن أعناب و زرع و نخیل صنوان و غیر صنوان»......4......61
«له دعوة الحقّ و الذین یدعون من دونه لا یستجیبون لهم»......14......78
«أنزل من السماء ماء فسالت أودیة بقدرها فاحتمل السیل»......17......76
إبراهیم
«مثل الذین کفروا بربّهم أعمالهم کرماد اشتدت به الرّیح»......18......80
«ا لم تر کیف ضرب الله مثلا کلمة طیّبة کشجرة طیّبة»......24......76
«تؤتی أکلها کل حین بإذن ربّها و یضرب الله الأمثال»......25......76
«و مثل کلمة خبیثة کشجرة خبیثة اجتثت من فوق الأرض...»......26......76
«و سکنتم فی مسکن الذین ظلموا أنفسهم و تبین لکم»......45......75
الحجر
«إنک من المنظرین»......37......101
«إلی یوم الوقت المعلوم»......38......101
«لعمرک إنهم لفی سکرتهم یعمهون»......72......83
«فأخذتهم الصیحة مشرقین»......73......83
«فو ربّک لنسئلنهم أجمعین»......92......83
«عما کانوا یعملون»......93......83
النحل
«هو الذی أنزل من السماء ماء لکم مّنه شراب و منه شجر فیه»......10......60
ص:478
«ینبت لکم به الزرع و الزیتون و النخیل و الأعنب و من کل ّ...»......11......60
«و سخر لکم اللیل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخر ت...»......12......61
«و ما أرسلنا من قبلک إلا رجالا نوحی إلیهم فسئلوا أهل الذّکر»......43......63
«بالبیّنت و الزبر و أنزلنا إلیک الذّکر لتبیّن للناس»......44......64
«و یجعلون لما لا یعلمون نصیبا مّما رزقناهم تالله لتسئلن عما»......56......82
«تالله لقد أرسلنا إلی أمم مّن قبلک فزین لهم الشیطان أعمالهم»......63......82
«ضرب الله مثلا عبدا مملوکا لا یقدر علی شیء و من رزقنه»......75......77
«و ضرب الله مثلا رجلین أحدهما أبکم لا یقدر علی شیء و هو کل»......76......77
«و أوفوا بعهد الله إذا عهدتم و لا تنقضوا الأیمن بعد توکیدها»......91......437،450
«و لا تکونوا کالتی نقضت غزلها من بعد قوة أنکثا تتخذون»......92......62،179،437،450
«و لو شاء الله لجعلکم أمة و حدة و لکن یضل من یشاء و یهدی...»......93......437،450
«و لا تتخذوا أیمانکم دخلا بینکم فتزل قدم بعد ثبوتها و تذوقوا»......94......437،450
«و لا تشتروا بعهد الله ثمنا قلیلا إنما عند الله هو خیر لکم»......95......437،450
«و ضرب الله مثلا قریة کانت آمنة مطملنة یأتیها رزقها»......112......82
«و لا تقولوا لما تصف ألسنتکم الکذب هذا حلائل و هذا حرام»......116......18
«ادع إلی سبیل ربّک بالحکمة و الموعظة الحسنة وجدلهم»......125......68،70،71
«و جدلهم بالتی هی أحسن»......125......73
الإسراء
«و لا تقف ما لیس لک به علم إن السمع و البصر و الفؤاد»......36......22
«و إن کادوا لیفتنونک عن الذی أوحینا»......73......464
«ثم لا تجد لک علینا نصیرا»......75......464
«و لقد صرفنا للناس فی هذا القرءان من کل ّ مثل فأبی»......89......74
الکهف
«فلعلک بخع نفسک علی آثارهم إن لم یؤمنوا بهذا»......6......17
ص:479
«إنا جعلنا ما علی الأرض زینة لها لنبلوهم أیهم أحسن عملا»......7......17،173
«و اضرب لهم مثلا رجلین جعلنا لأحدهما جنتین من أعناب»......32......77
«کلتا الجنتین آتت أکلها و لم تظلم مّنه شیئا و فجرنا»......33......77
«و کان له ثمر فقال لصحبه و هو یحاوره أنا أکثر منک مالا»......34......77
«و دخل جنته و هو ظالم لّنفسه قال ما أظن أن تبید هذه أبدا»......35......77
«و ما أظن الساعة قالمة و لئن رددت إلی ربّی لأجدن خیرا مّنها»......36......77
«قال له صاحبه و هو یحاوره أ کفرت بالذی خلقک من تراب ثم...»......37......77
«لکنا هو الله ربّی و لا أشرک بربّی أحدا»......38......78
«و لو لا إذ دخلت جنتک قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن»......39......78
«فعسی ربّی أن یؤتین خیرا مّن جنتک و یرسل علیها حسبانا...»......40......78
«أو یصبح ماؤها غورا فلن تستطیع له طلبا»......41......78
«و أحیط بثمره فأصبح یقلّب کفیه علی ما أنفق فیها و هی...»......42......78
«و اضرب لهم مثل الحیاة الدنیا کماء أنزلناه من السماء»......45......80
«و لقد صرفنا فی هذا القرءان للناس من کل ّ مثل و کان الإنسان»......54......75
مریم
«فو ربّک لنحشرنهم و الشیاطین»......68......83
طه
«إذ تمشی أختک فتقول هل أدلکم علی من یکفله فرجعنک إلی أمّک»......40 128
«و لا تمدن عینیک إلی ما متعنا به أزو جا مّنهم»......131......188
الأنبیاء
«لقد أنزلنا إلیکم کتابا فیه ذکرکم ا فلا تعقلون»......1......59
«أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانکم هذا ذکر»......24......64
«کل نفس ذالقة الموت و نبلوکم بالشرّ و الخیر فتنة»......35......184
ص:480
«و نبلوکم بالشرّ و الخیر فتنة و إلینا ترجعون»......35......96،97،185
«و داود و سلیمان إذ یحکمان فی الحرث إذ نفشت فیه غنم»......78......132
«ففهمنها سلیمان و کلاآتینا حکما و علما و سخرنا مع داود»......79......132
«و أیوب إذ نادی ربه أنّی مسنی الضر و أنت أرحم الر حمین»......83......133
«فاستجبنا له فکشفنا ما به من ضر و آتیناه أهله و مثلهم...»......84......133
«کل مّن الصابرین»......85......137
«و ذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر علیه فنادی»......87......129
«فاستجبنا له و نجینه من الغم ّ و کذ لک ننجی المؤمنین»......88......129
الحجّ
«حنفاء لله غیر مشرکین به و من یشرک بالله فکأنما خر»......31......78
المؤمنون
«إن فی ذلک لآیات و إن کنا لمبتلین»......30......103،104
«فبعدا لّلقوم الظالمین»......41......152
«أ یحسبون أنما نمدهم به من مال و بنین»......55......186،191،194
«نسارع لهم فی الخیر ت بل لا یشعرون»......56......186،191،194
«و هو الذی یحیی و یمیت و له اختلف اللیل و النهار ا فلا تعقلون»......80......59
«و من یدع مع الله إلهاء اخر لا برهان له به فإنما حسابه»......117......64
النور
«و الذین یرمون المحصنات ثم لم یأتوا بأربعة شهداء»......4......211
«لو لا جاؤ علیه بأربعة شهداء فإذ لم یأتوا بالشهداء»......13......211
«إذ تلقونه بألسنتکم و تقولون بأفواهکم ما لیس لکم»......15......22،211
«و لو لا إذ سمعتموه قلتم ما یکون لنا أن نتکلم بهذا سبحانک»......16......211،214،216،243،............244
ص:481
«هذا بهتن عظیم»......16......210
«إن الذین یحبون أن تشیع الفاحشة فی الذین آمنوا»......19......214
«الله نور السمو ت و الأرض مثل نوره کمشکاة فیها...»......35......75
«و الذین کفروا أعمالهم کسراب بقیعة یحسبه الظمآن»......39......80
الفرقان
«و جعلنا بعضکم لبعض فتنة أ تصبرون و کان ربک بصیرا»......20......193،196
«أم تحسب أن أکثرهم یسمعون أو یعقلون إن هم إلا کالأنعم»......44......81
«قل ما أسلکم علیه من أجر إلا من شاء أن یتخذ إلی ربه سبیلا»......57......30،34
الشعراء
«لعلک بخع نفسک ألا یکونوا مؤمنین»......3......17
«إن نشأ ننزل علیهم من السماء آیة فظلت أعناقهم لها خضعین»......4......17
«فما لنا من شفعین»......100......354
«و لا صدیق حمیم»......101......354
«کذبت قوم نوح المرسلین»......105......29
«إذ قال لهم أخوهم نوح أ لا تتقون»......106......29
«إنی لکم رسول أمین»......107......29
«فاتقوا الله و أطیعون»......108......29
«و ما أسلکم علیه من أجر إن أجری إلا علی رب العالمین»......109......29
«کذبت عاد المرسلین»......123......29
«إذ قال لهم أخوهم هود أ لا تتقون»......124......29
«إنی لکم رسول أمین»......125......29
«فاتقوا الله و أطیعون»......126......29
«و ما أسلکم علیه من أجر إن أجری إلا علی رب العالمین»......127......29
ص:482
«کذبت ثمود المرسلین»......141......29
«إذ قال لهم أخوهم صلح ألا تتقون»......142......29
«إنی لکم رسول أمین»......143......29
«فاتقوا الله و أطیعون»......144......29
«و ما أسلکم علیه من أجر إن أجری إلا علی رب العالمین»......145......29
«کذبت قوم لوط المرسلین»......160......29
«إذ قال لهم أخوهم لوط أ لا تتقون»......161......29
«إنی لکم رسول أمین»......162......29
«فاتقوا الله و أطیعون»......163......29
«و ما أسلکم علیه من أجر إن أجری إلا علی رب العالمین»......164......29
«کذب أصحاب الایکة المرسلین»......176......29
«إذ قال لهم شعیب أ لا تتقون»......177......29
«إنی لکم رسول أمین»......178......29
«فاتقوا الله و أطیعون»......179......29
«و ما أسلکم علیه من أجر إن أجری إلا علی رب العالمین»......180......29
«و أنذر عشیرتک الأقربین»......214......331،362،375
النمل
«قال الذی عنده علم مّن الکتاب أناء اتیک به قبل أن یرتد إلیک...»......40......199
«أمن یبدؤا الخلق ثم یعیده و من یرزقکم مّن السماء و الأرض»......64......64
القصص
«رب إنی لما أنزلت إلی من خیر فقیر»......24......38
«إن أبی یدعوک لیجزیک أجر ما سقیت لنا...»......25......38
«اسلک یدک فی جیبک تخرج بیضاء من غیر سوء و اضمم إلیک»......32......64
«و نزعنا من کلّ أمة شهیدا فقلنا هاتوا برهانکم فعلموا أن الحق»......75......64
ص:483
العنکبوت
«الم»......1......157،158،185
«أ حسب الناس أن یترکوا أن یقولوا آمنا و هم لا یفتنون»......2......96،156،157،158،............167،185،189
«و لقد فتنا الذین من قبلهم فلیعلمن الله الذین صدقوا»......3......96،157،167،......185
«مثل الذین اتخذوا من دون الله أولیاء کمثل العنکبوت اتخذت»......41......78
«و لا تجدلوا أهل الکتاب إلا بالتی هی أحسن»......46......70،71
الروم
«و من آیاته أن خلق لکم مّن أنفسکم أزو جا لّتسکنوا إلیها»......21......60
«و من آیاته یریکم البرق خوفا و طمعا و ینزّل من السماء ماء»......24......61
«هل لکم مّن ما ملکت أیمانکم مّن شرکاء فی ما رزقنکم»......28......61
«و لقد ضربنا للناس فی هذا القرءان من کل ّ مثل و للن»......58......73،75
الأحزاب
«یا أیها الذین آمنوا اذکروا نعمة الله علیکم إذ جاءتکم»......9......155
«إذ جاؤکم مّن فوقکم و من أسفل منکم و إذ زاغت الأبصار»......10......155
«هنالک ابتلی المؤمنون و زلزلوا زلزالا شدیدا»......11......155،161
«و لقد کانوا عهدوا الله من قبل لا یولون الأدبر و کان»......15......385
«إنما یرید الله لیذهب عنکم الرّجس أهل البیت»......33......262،329،331،352
«و الذین یؤذون المؤمنین و المؤمنات بغیر ما اکتسبوا»......58......211،221
سبأ
«و قال الذین کفروا لا تأتینا الساعة قل بلی و ربّی لتأتینکم»......3......83
ص:484
«قل إنما أعظکم بو حدة أن تقوموا لله مثنی و فر دی»......46......68
«قل ما سألتکم من أجر فهو لکم إن أجری إلا علی الله و هو علی»......47......30،33
فاطر
«ثم أورثنا الکتاب الذین اصطفینا من عبادنا»......32......328
«فمنهم ظالم لّنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخیر ت»......32......329
«جنات عدن یدخلونها یحلون فیها من أساور من ذهب»......33......329
یس
«یس»......1......84
«و القرءان الحکیم»......2......84
«إنک لمن المرسلین»......3......84
«علی صر ط مستقیم»......4......84
«و ضرب لنا مثلا و نسی خلقه قال من یحی العظم و هی رمیم»......78......72
«قل یحییها الذی أنشأها أول مرة و هو بکلّ خلق علیم»......79......72،73
«الذی جعل لکم مّن الشجر الأخضر نارا فإذآ أنتم مّنه توقدون»......80......72
«أ و لیس الذی خلق السمو ت و الأرض بقدر علی أن یخلق...»......81......72
«إنما أمره إذا أراد شیئا أن یقول له کن فیکون»......82......307
الصافّات
«و الصفت صفا»......1......85
«فالز جر ت زجرا»......2......85
«فالتلیت ذکرا»......3......85
«إن إلهکم لو حد»......4......85
«فبشرنه بغلم حلیم»......101......109
ص:485
«فلما بلغ معه السعی قال یا بنی إنّی أری فی المنام أنّی أذبحک»......102......109،110
«ستجدنی إن شاء الله من الصابرین»......102......110
«فلما أسلما و تله للجبین»......103......109
«و ندینه أن یإبر هیم»......104......110
«قد صدقت الرؤیا إنا کذلک نجزی المحسنین»......105......110
«إن هذا لهو البلؤا المبین»......106......110
«و فدینه بذبح عظیم»......107......110
«فلو لا أنه کان من المسبّحین»......143......130
«للبث فی بطنه إلی یوم یبعثون»......144......130
ص
«ص و القرءان ذی الذّکر»......1......84
«بل الذین کفروا فی عزة و شقاق»......2......84
«کم أهلکنا من قبلهم مّن قرن فنادوا و لات حین مناص»......3......84
«و عجبوا أن جاءهم منذر مّنهم و قال الکافرون هذا سحر کذاب»......4......84
«أجعل الألهة إلها و حدا إن هذا لشیء عجاب»......5......84
«و هل أتلک نبا الخصم إذ تسوروا المحراب»......21......130
«خصمان بغی بعضنا علی بعض فاحکم بیننا بالحق...»......22......130،131
«إن هذا أخی له تسع و تسعون نعجة و لی نعجة و حدة»......23......130
«قال لقد ظلمک بسؤال نعجتک إلی نعاجه»......24......130،131
«فغفرنا له ذلک و إن له عندنا لزلفی و حسن مآب»......25......130
«یداود إنا جعلنک خلیفة فی الأرض فاحکم بین الناس بالحق ّ»......26......131
«و لقد فتنا سلیمان و ألقینا علی کرسیّه جسدا ثم أناب»......34......131،132
«قال ربّ اغفر لی و هب لی ملکا لا ینبغی لأحد مّن بعدی»......35......132
«فسخرنا له الرّیح تجری بأمره رخاء حیث أصاب»......36......132
ص:486
«و اذکر عبدنا أیوب إذ نادی ربه أنّی مسنی الشیطان...»......41......133
«إنا وجدنه صابرا نّعم العبد إنه أواب»......44......146
«قل ما أسلکم علیه من أجر و ما أنا من المتکلفین»......86......29
الزمر
«فبشّر عباد»......17......59،60
«الذین یستمعون القول فیتبعون أحسنه أوللک الذین هدلهم...»......18......59،60
«ضرب الله مثلا رجلا فیه شرکاء متشکسون و رجلا سلما»......29......77
«فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولنه نعمة مّنا»......49......181
«أن تقول نفس یا حسرتی علی ما فرطت فی جنب الله»......56......16
غافر
«قل إنّی نهیت أن أعبد الذین تدعون من دون الله»......66......63
«هو الذی خلقکم مّن تراب ثم من نطفة ثم من علقة»......67......61
الشوری
«فریق فی الجنة و فریق فی السعیر»......7......398
«قل لا أسلکم علیه أجرا إلا المودة فی القربی»......23......29،33،320،352
«ما کنت تدری ما الکتاب و لا الإیمان و لکن جعلناه»......52......55
الزخرف
«حم»......1......84
«و الکتاب المبین»......2......84
«إنا جعلناه قرء نا عربیا لعلکم تعقلون»......3......84
«و إنه فی أمّ الکتاب لدینا لعلی حکیم»......4......84
ص:487
«و لو لا أن یکون الناس أمة و حدة لجعلنا لمن یکفر بالرحمن»......33......199
«و لبیوتهم أبو با و سررا علیها یتکون»......34......199
«و لما جاء عیسی بالبیّنت قال قد جئتکم بالحکمة و لأبیّن»......63......64
الدخان
«حم»......1......84
«و الکتاب المبین»......2......84
«إنا أنزلناه فی لیلة مبرکة إنا کنا منذرین»......3......84
«فیها یفرق کل أمر حکیم»......4......84
«أمرا مّن عندنا إنا کنا مرسلین»......5......84
الجاثیة
«و سخر لکم ما فی السمو ت و ما فی الأرض جمیعا مّنه»......13......60
محمّد
«فإذا لقیتم الذین کفروا فضرب الرّقاب حتی إذا أثخنتموهم»......4......192
«إن تنصروا الله ینصرکم و یثبّت أقدامکم»......7......174
«ا فمن کان علی بیّنة مّن ربّه کمن زیّن له سوء عمله»......14......63
«و لنبلونکم حتی نعلم المجهدین منکم و الصابرین...»......31......175
«و لا یسئلکم أمو لکم»......36......205
«إن یسئلکموها فیحفکم تبخلوا»......37......205
«و من یبخل فإنما یبخل عن نفسه و الله الغنی و أنتم الفقراء»......38......205
الفتح
«فمن نکث فإنما ینکث علی نفسه و من أوفی بما عهد علیه الله»......10......398،455
ص:488
«إن الذین یبایعونک إنما یبایعون الله ید الله فوق أیدیهم»......10......398،401،402،......437،455،458
«ید الله فوق أیدیهم»......10......397
«سیقول لک المخلفون من الأعراب شغلتنا أمو لنا و أهلونا»......11......437
«لقد رضی الله عن المؤمنین إذ یبایعونک تحت الشجرة»......18......401،402،403،404،
............405،406،407،408
«و أثبهم فتحا قریبا»......18......405
«محمد رسول الله و الذین معه أشداء علی الکفار»......29......76
الحجرات
«أوللک الذین امتحن الله قلوبهم للتقوی»......3......170
«و لا تجسسوا»......12......321
ق
«ق و القرءان المجید»......1......84
«بل عجبوا أن جاءهم منذر مّنهم فقال الکافرون هذا شیء عجیب»......2......84
«و ما أنت علیهم بجبار فذکر بالقرءان من یخاف وعید»......45......17
الذاریات
«و الذ ریت ذروا»......1......85
«فالحملت وقرا»......2......85
«فالجریت یسرا»......3......85
«فالمقسّمت أمرا»......4......85
«إنما توعدون لصادق»......5......85
«و إن الدّین لوقع»......6......85
ص:489
«و السماء ذات الحبک»......7......85
«إنکم لفی قول مختلف»......8......85
«فو ربّ السماء و الأرض إنه لحق مّثل ما أنکم تنطقون»......23......83
الطور
«و الطور»......1......85
«و کتب مسطور»......2......85
«فی رق منشور»......3......85
«و البیت المعمور»......4......85
«و السقف المرفوع»......5......85
«و البحر المسجور»......6......85
«إن عذاب ربّک لوقع»......7......85
«ما له من دافع»......8......85
النجم
«و النجم إذا هوی»......1......84
«ما ضل صاحبکم و ما غوی»......2......84
«و ما ینطق عن الهوی»......3......84
«إن هو إلا وحی یوحی»......4......84
القمر
«کذبت ثمود بالنذر»......23......125،126
«فقالوا أبشرا مّنا و حدا نتبعه إنا إذا لفی ضلال و سعر»......24......125،126
«أءلقی الذّکر علیه من بیننا بل هو کذاب أشر»......25......125،126
«سیعلمون غدا من الکذاب الأشر»......26......125
ص:490
«إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم و اصطبر»......27......125
«فی مقعد صدق عند ملیک مقتدر»......55......160
الواقعة
«فلا أقسم بموقع النجوم»......75......84
«و إنه لقسم لو تعلمون عظیم»......76......84
«إنه لقرءان کریم»......77......84
«فی کتب مکنون»......78......84
«لا یمسه إلا المطهرون»......79......85
الحدید
«من ذا الذی یقرض الله قرضا حسنا فیضعفه له و له أجر کریم»......11......174
«یحی الأرض بعد موتها قد بینا لکم الآیت لعلکم»......17......61
«اعلموا أنما الحیاة الدنیا لعب و لهو و زینة و تفاخر بینکم»......20......80
«و لقد أرسلنا نوحا و إبر هیم و جعلنا فی ذرّیتهما النبوة»......26......330
الحشر
«لو أنزلنا هذا القرءان علی جبل لرأیته خشعا متصدّعا»......21......74،341
«هو الله الذی لا إله إلا هو علم الغیب و الشهادة هو الرحمن...»......22......342
«هو الله الذی لا إله إلا هو الملک القدوس السلم المؤمن»......23......342
«هو الله الخلق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنی یسبّح...»......24......342
الممتحنة
«یا أیها النبی إذا جاءک المؤمنات یبایعنک علی أن لا یشرکن...»......12......215،223،224،410،............411،412،413،417،438
ص:491
«أن لا یشرکن بالله شیئا»......12......224،432
«و لا یزنین و لا یقتلن أولدهن»......12......224
«و لا یأتین ببهتن یفترینه»......12......224
«بین أیدیهن و أرجلهن»......12......224
الصف
«یا أیها الذین آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون»......2......7،8
«کبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون»......3......7
«و إذ قال عیسی ابن مریم یا بنی إسر ءیل إنّی رسول الله»......6......64
الجمعة
«مثل الذین حمّلوا التورلة ثم لم یحملوها کمثل الحمار»......5......81
المنافقون
«و إذا رأیتهم تعجبک أجسامهم و إن یقولوا تسمع لقولهم»......4......235
التغابن
«زعم الذین کفروا أن لن یبعثوا قل بلی و ربّی لتبعثن»......7......83
«إنما أمو لکم و أولادکم فتنة و الله عنده أجر عظیم»......15......188
الطلاق
«من یتق الله یجعل له مخرجا»......2......42
«و یرزقه من حیث لا یحتسب و من یتوکل علی الله فهو حسبه»......3......42
التحریم
«ضرب الله مثلا لّلذین کفروا امرأت نوح و امرأت لوط»......10......82
ص:492
«و ضرب الله مثلا لّلذین آمنوا امرأت فرعون إذ قالت ربّ ابن لی»......11 82
الملک
«الذی خلق الموت و الحیاة لیبلوکم أیکم أحسن عملا»......2......62،173،174
«ا فمن یمشی مکبا علی وجهه أهدی أمن یمشی سویا علی صر ط»......23......77
القلم
«ن و القلم و ما یسطرون»......1......85
«ما أنت بنعمة ربّک بمجنون»......2......85
«و إن لک لأجرا غیر ممنون»......3......85
«و إنک لعلی خلق عظیم»......4......85
«فذرنی و من یکذّب بهذا الحدیث سنستدرجهم مّن حیث...»......44......203
«و أملی لهم إن کیدی متین»......45......203
الحاقّة
«فلا أقسم بما تبصرون»......38......85
«و ما لا تبصرون»......39......85
«إنه لقول رسول کریم»......40......85
«و ما هو بقول شاعر قلیلا ما تؤمنون»......41......85
«و لا بقول کاهن قلیلا ما تذکرون»......42......85
«تنزیل مّن ربّ العالمین»......43......85
المعارج
«فلا أقسم برب ّ المشرق و المغرب إنا لقادرون»......40......83
«علی أن نبدّل خیرا مّنهم و ما نحن بمسبوقین»......41......83
ص:493
المدّثّر
«و ما یعلم جنود ربّک إلا هو و ما هی إلا ذکری للبشر»......31......85
«کلا و القمر»......32......85
«و اللیل إذ أدبر»......33......85
«و الصبح إذا أسفر»......34......85
«إنها لإحدی الکبر»......35......86
«نذیرا لّلبشر»......36......86
«لمن شاء منکم أن یتقدم أو یتأخر»......37......86
القیامة
«لا أقسم بیوم القیامة»......1......86
«و لا أقسم بالنفس اللوامة»......2......86
«أ یحسب الإنسان ألن نجمع عظامه»......3......86
«بلی قادرین علی أن نسوّی بنانه»......4......86
«بل یرید الإنسان لیفجر أمامه»......5......86
«یسل أیان یوم القیامة»......6......86
الإنسان
«إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتلیه فجعلناه»......2......103
المرسلات
«و المرسلت عرفا»......1......86
«فالعاصفات عصفا»......2......86
«و النشر ت نشرا»......3......86
«فالفرقت فرقا»......4......86
ص:494
«فالملقیات ذکرا»......5......86
«عذرا أو نذرا»......6......86
«إنما توعدون لوقع»......7......86
النازعات
«و النزعت غرقا»......1......86
«و النشطت نشطا»......2......86
«و السبحت سبحا»......3......86
«فالسبقت سبقا»......4......86
«فالمدبّر ت أمرا»......5......86
«یوم ترجف الراجفة»......6......86
«تتبعها الرادفة»......7......86
«قلوب یومئذ واجفة»......8......86
«أبصارها خشعة»......9......86
التکویر
«فلا أقسم بالخنس»......15......86
«الجوار الکنس»......16......86
«و اللیل إذا عسعس»......17......86
«و الصبح إذا تنفس»......18......86
«إنه لقول رسول کریم»......19......86
«ذی قوة عند ذی العرش مکین»......20......86
«مطاع ثم أمین»......21......86
الإنشقاق
«فلا أقسم بالشفق»......16......86
ص:495
«و اللیل و ما وسق»......17......86
«و القمر إذا اتسق»......18......86
«لترکبن طبقا عن طبق»......19......86
«فما لهم لا یؤمنون»......20......86
«و إذا قرئ علیهم القرءان لا یسجدون»......21......86
البروج
«و السماء ذات البروج»......1......86
«و الیوم الموعود»......2......86
«و شاهد و مشهود»......3......86
«قتل أصحاب الأخدود»......4......86
«النار ذات الوقود»......5......86
«إذ هم علیها قعود»......6......86
«و هم علی ما یفعلون بالمؤمنین شهود»......7......86
«و ما نقموا منهم إلا أن یؤمنوا بالله العزیز الحمید»......8......86
الطارق
«و السماء و الطارق»......1......86
«و ما أدرلک ما الطارق»......2......86
«النجم الثاقب»......3......86
«إن کل نفس لما علیها حافظ»......4......86
الغاشیة
«فذکر إنما أنت مذکر»......21......17
«لست علیهم بمصیطر»......22......17
«إلا من تولی و کفر»......23......17
ص:496
الفجر
«و الفجر»......1......87
«و لیال عشر»......2......87
«و الشفع و الوتر»......3......87
«و اللیل إذا یسر»......4......87
«هل فی ذلک قسم لّذی حجر»......5......87
«فأما الإنسان إذا ما ابتلله ربه فأکرمه و نعمه»......15......185
«و أما إذا ما ابتلله فقدر علیه رزقه فیقول ربّی أهنن»......16......130،185
البلد
«لا أقسم بهذا البلد»......1......83،87
«و أنت حل بهذا البلد»......2......83،87
«و والد و ما ولد»......3......83،87
«لقد خلقنا الإنسان فی کبد»......4......83،87
الشمس
«و الشمس و ضحلها»......1......87
«و القمر إذا تللها»......2......87
«و النهار إذا جللها»......3......87
«و اللیل إذا یغشلها»......4......87
«و السماء و ما بنلها»......5......87
«و الأرض و ما طحلها»......6......87
«و نفس و ما سولها»......7......87
«فألهمها فجورها و تقولها»......8......87
«قد أفلح من زکلها»......9......87
ص:497
«و قد خاب من دسلها»......10......87
اللیل
«و اللیل إذا یغشی»......1......87
«و النهار إذا تجلی»......2......87
«و ما خلق الذکر و الأنثی»......3......87
«إن سعیکم لشتی»......4......87
الضحی
«و الضحی»......1......87
«و اللیل إذا سجی»......2......87
«ما ودعک ربک و ما قلی»......3......87
«و للآخرة خیر لک من الأولی»......4......87
«و لسوف یعطیک ربک فترضی»......5......87
التین
«و التّین و الزیتون»......1......87
«و طور سینین»......2......87
«و هذا البلد الأمین»......3......87
«لقد خلقنا الإنسان فی أحسن تقویم»......4......87
«ثم رددنه أسفل سفلین»......5......87
«إلا الذین آمنوا و عملوا الصالحات فلهم أجر غیر ممنون»......6......87
الزلزلة
«من یعمل مثقال ذرة خیرا یره»......7......398
ص:498
«و من یعمل مثقال ذرة شرا یره»......8......398
العادیات
«و العادیات ضبحا»......1......87
«فالموریات قدحا»......2......87
«فالمغیر ت صبحا»......3......87
«فأثرن به نقعا»......4......87
«فوسطن به جمعا»......5......87
«إن الإنسان لربّه لکنود»......6......87
«و إنه علی ذلک لشهید»......7......87
«و إنه لحبّ الخیر لشدید»......8......87
العصر
«و العصر»......1......84
«إن الإنسان لفی خسر»......2......84
ص:499
آدم علیه السلام 11،30،31،102،136،137، 197،199،284،294،295،296، 297،298،299،300،307
أبان بن سعید بن العاص403
إبراهیم النبیّ علیه السلام 108،109،110،120، 122،123،139،140،205،254، 272،284،285،299،300،301، 303
إبلیس102،204
ابن أبی العوجاء50،51،52،172
ابن أبی عون336
ابن الأثیر318
ابن تیمیة252
ابن حمدان335
ابن خلدون318
ابن السّوداء الزّنجیّة البذیّة45
ابن طاووس319
ابن الطّبّاخة45
ابن عبادة324
ابن عبّاس224،402
ابن عفراء384
ابن عمر452
ابن فارس91،209
ابن کثیر317
ابن الکوّا438
ابن مسعود8،22،62،174
ابن مسلمة452
ابن منظور91،209،210،359
ابنة أبی سبرة (امرأة معاذ)414
أبو امامة ثعلبة بن عمرو384،386
أبو أیّوب الأنصاری426
أبو أیّوب خالد بن زید426
أبو بکر بن أبی قحافة323،382،427،453
أبو بکر الشّیرازی404
أبو تراب260
أبو جابر بن عبد اللّه389،393
أبو جعفر الأشعری322
أبو جعفر الإمام الجواد علیه السلام 321
أبو جعفر الباقر علیه السلام 12،338
أبو جعفر محمّد بن حبیب246
ص:500
أبو حارثة262،267،289،292،293، 294،298،299،302،309
أبو الحسن الرّضا علیه السلام 110،130،204، 329،330،332،432
أبو الحسن علیّ بن أبی طالب علیه السلام 312
أبو الحسن موسی الکاظم علیه السلام 56،57،70، 71
أبو حمزة118،119،120
أبو دجانة458،459
أبو ذرّ الغفاری8،15،68،69،235،324، 445
أبو سبرة268،270
أبو سعاد270
أبو سعید الخدری445
أبو سفیان318،411،412
أبو سنان عبد اللّه بن وهب الأسدی365،405
أبو طالب بن عبد المطّلب377،386
أبو طعمة225
أبو عبد اللّه جعفر الصادق علیه السلام 47،48،49، 54،70،133،162،163،164،168، 172،203،223،338،435،436، 434
أبو عبد اللّه الحسین علیه السلام 124،185
أبو عبد اللّه الصّفوانی336
أبو عبد اللّه محمّد بن عبّاس بن مروان251
أبو عبد الرّحمن383
أبو القاسم260،261،264،306،309، 310
أبو قرّة274،279،281،285
أبو لهب376
أبو محمّد الحسن العسکری علیه السلام 73،177
أبو مخنف460
أبو مسروق320
أبو مسلم407
أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه265
أبو النّعمان19
أبو واثلة269،273،274،284،286
أبو هریرة394
أبو الهیثم بن التّیّهان381،383،386،387، 391،393،426
ابیّ بن کعب331
أحمد صلی الله علیه و آله 284،295،303،312
أحمد بن محمّد بن عیسی321
إدریس النّبی علیه السلام 138،298
اسامة بن زید243،426،428،452
إسحاق بن یعقوب علیه السلام 120،122،123، 140،254،302
إسحاق (راوی)396
إسرافیل علیه السلام 298
أسعد387
أسعد بن زرارة بن عدس363،383،384، 386،388،393،395
إسماعیل بن یعقوب علیه السلام 108،110،137، 139،140،276،301،303
أسماء امّ عمرو بن عدیّ391
أسماء بنت عمرو بن عدیّ بن نابئ390،396
اسید بن حصین393
اسید بن خضیر387
اسیر بن عروة226
الأشعث190
ص:501
الأقرع بن حابس318
الإمام الباقر علیه السلام 45
الإمام الحسن علیه السلام 44،454
الإمام الحسین علیه السلام 454
الإمام الرّضا علیه السلام 130،217،257،328، 329،331،333،431،441،442
الإمام زین العابدین علیه السلام 10
الإمام الصّادق علیه السلام 12،35،36،37،71، 73،97،98،108،211،364
الإمام العسکری علیه السلام 98
الإمام علیّ علیه السلام 35،38،94،217،256، 257،319،361،362،366،367
الإمام المهدی علیه السلام 40،106
امّ حکیم ابنة الحارث بن عبد المطّلب412، 413
امّ سعد بن معاذ418
امّ سلیم414
امّ عامر بنت یزید بن السّکن418
امّ العلاء414
امّ عمارة390،391،396
امّ منیع390،396
أمیر المؤمنین علیه السلام 43،44،46،53،58، 75،97،157،171،184،235،244، 263،325،332،333،341،404، 405،438،440،442،448،451، 452،453،454،
أهتم بن النّعمان269
أیّوب النّبی علیه السلام 133،137،146،147
البراء بن معرور381،387،390،391، 393
بریر بن خضیر335
بشیر الأدنین226،227
بلال الحبشی411
بنیامین122
تغلب بنت وائل270
تیم بن مرّة266
ثابت بن قیس بن شمّاس الأنصاری428
جابر بن عبد اللّه الأنصاری387،386، 404،405،406،407
جابر بن عبد اللّه بن رئاب384
جبرئیل علیه السلام 14،112،123،124،125، 128،158،192،298،312،313، 338،361،362،373،393،420، 421
جبیر بن مطعم382
جدّ بن قیس405
جعفر بن محمّد الصّادق علیه السلام 51،163،373
جعفر الطّیّار398،399
جالوت145،154،155
جهیر بن سراقة البارقی270،271
الحارث بن حرب بن امیّة382،383
الحارث بن المغیرة164
حارثة بن أثال 294،271،272،274، 278،279،284،286،287،288، 289
حارثة بن ثعلبة386
حجر بن عدیّ454
حسّان بن ثابت428
الحسن علیه السلام (بن علیّ علیه السلام )23،45،206، 246،250،252،253،259،260،
ص:502
261،262،263،309،326،328، 332،398،399،443،453
الحسن البصری10،11
الحسن بن إسماعیل بن أشناس265
الحسن بن سهل439
الحسن بن علیّ علیه السلام 326،455
الحسن بن علیّ العسکری علیه السلام 177
الحسین علیه السلام (بن علیّ علیه السلام )43،45،250، 252،253،259،260،261،262، 263،309،326،327،328،332، 398،399،443،453،455،459، 460،461
الحسین بن روح336
الحسین بن علیّ علیه السلام 18،327،394
حطمة387
حطیمة380
حمران بن أعین49
حمزة بن عبد المطّلب397،398،399
حمزة بن حمران37
حنظلة بن أبی سفیان412
حوّاء بنت یزید بن السّکن418
حویرث285
خارجة بن کرز402
خالد بن الولید305
خدیجة علیها السلام (بنت خویلد)361،373،374
خزیمة بن ثابت الأنصاری427،429
خضر النبی علیه السلام 27
داود النبی علیه السلام 7،130،131،132،145، 155،231
ذکوان بن عبد اللّه386
ذکوان بن عبد قیس383
ذو النون138
ذو الکفل137
رائطة بنت سفیان الخزاعیّة417
الراغب الإصفهانی93،210
رافع بن مالک بن عجلان383،384،393
ربیعة بن نزار270،271
رسول اللّه صلی الله علیه و آله 18،19،21،33،41،43، 54،62،71،73،96،99،105،138، 157،160،168،186،187،189، 191،192،196،201،217،221، 222،225،226،229،235،243، 250،253،255،256،259،261، 266،267،273،278،293،294، 295،301،304،305،306،307، 308،310،312،323،324،326، 329،332،333،338،361،362، 363،371،370،373،374،375، 379،380،381،382،383،384، 385،386،387،388،389،390، 392،393،394،395،396،397، 398،402،403،404،405،406، 407،409،410،411،412،413، 414،415،416،417،418،419، 420،425،427،428،431،432، 433،434،435،436،442،445، 446،447،448،449،455،457، 459،461،463،465،466
رفاعة بن رافع بن مالک بن العجلان426
رفاعة بن زید225
ص:503
الزّبیر324،325،424،426،427،428، 451،453
زکریّا علیه السلام 138،147
زید بن ثابت427
زید بن الحارث386
سارة109،308
السّامری129
سعد بن أبی وقّاص250،324،325،426، 452
سعد بن خثیمة393
سعد بن الرّبیع387،393
سعد بن عبادة382،387،393
سعد الخیر25
سعید بن خیثمة387
سعید بن زید بن عمرو بن نفیل426
سعید بن العاص446
سفیان الثّوری428
سلمان الفارسی405،235،324
سلمة بن الأکوع406
سلیمان بن داوود علیهما السلام 131،132،145، 146،231
سهل بن حنیف426
السیّد ابن طاووس250
شریح القاضی53،54
شعیب النّبی علیه السلام 33،37،38،39
شمعون بن حمّون286
شمعون بن یوحنّا272
الشیخ الأنصاری218
الشیخ الطوسی319
الشیخ المفید318
الشّیطان25،26،112،136،137،142، 151،278،327،374،382
صالح النبی علیه السلام 33،126،127،128
صعصعة بن صوحان429
صهیب بن سنان266
الضّحّاک بن عبد اللّه المشرقی460
طعمة بن ابیرق224
طلحة324،325،424،426،427، 428،451،453
طالوت145،154
جعفر الطّیّار70
عائشة243،411
العاقب283،284،285
عامر بن عبد حارثة بن ثعلبة بن غنم384
عبادة بن الصامت363،379،383،386، 387،393،445
العبّاس بن عبادة بن نضلة الأنصاری383، 386،392
العبّاس بن عبد المطّلب387،388،390، 391
العبّاس بن علیّ علیه السلام 185،460
العبّاس بن المأمون431
عبد اللّه بن أبی امیّة266
عبد اللّه بن جعفر327،443،460
عبد اللّه بن جندب23
عبد اللّه بن حزام387،393
عبد اللّه بن رواحة26،387،393
عبد اللّه بن الزّبیر444
عبد اللّه بن عاصم الفائشی460
عبد اللّه بن عبّاس252،327،443
ص:504
عبد اللّه بن عبد المطّلب110
عبد اللّه بن عمر428،452
عبد اللّه بن عمرو بن حرام389
عبد اللّه بن مسعود331
عبد اللّه بن المقفّع51
عبد الرّحمن بن الحجّاج70
عبد الرّحمن بن عوف324،325
عبد المسیح بن شرحبیل268
عبد المطّلب376
عبد المنعم308
عتبة بن غزوان266،269
عثمان بن عفّان159،324،325،403، 426،427،446،453
عروة بن مسعود402،411
عزیز مصر111،112،122،142
عفراء383
عقبة بن عامر بن نابئ383،384
عقبة بن عمرو429
عکرمة بن أبی جهل412
العلّامة الطباطبائیّ315،316
العلّامة المجلسی219
علیّ علیه السلام (بن أبی طالب)54،56،151، 152،160،233،250،252،253، 259،260،261،262،308،309، 312،324،328،332،373،374، 376،397،398،404،407،419، 421،425،426،428،438،439، 446،451
علیّ بن أبی طالب علیه السلام 18،53،257،263، 300،323،324،325،333،405، 412،420،428،438،448
علیّ بن الحسین علیه السلام 11،18،56،114، 116،118،119،120،459
علیّ بن موسی الرّضا علیه السلام 17،110،129، 245،432،439،440،443
عمّار بن یاسر324،426،426،428
عمر بن الخطّاب56،325،403،411، 412،414،427،440،453
عمر بن سعد459
العمری57
عوف بن الحارث بن رفاعة383،384،386
عویم بن ساعدة383،386
عیسی بن مریم علیه السلام 8،35،64،66،233، 272،284،285،302،303،306، 312،382
الفارقلیطا287
فاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلی الله علیه و آله 250،252، 253،256،259،260،261،262، 263،301،309،326،328،332، 397،398،399
فاطمة بنت أسد417
الفخر الرازی252
الفراهیدی249
فرعون143،195
الفضل بن سهل432،439
فطنة بن عامر بن حزام386
القائم علیه السلام 162،163،164
قابیل137
قارون312
قتادة بن النّعمان225،226
ص:505
قریرة بنت الحارث العتواریّة433
قصیّ بن کلاب360
قضاعة بن صفوان بن مهران الجمّال335
قطبة بن عامر بن حدیدة بن سواد383،384
قیس بن الحصین304
قیس بن سعد بن عبادة454
قیصر265،270
کبشة بنت رافع بن عبید418
کرز بن سبرة الحارثی267،268،269
کسری265،270
کعب بن مالک428
الکلینی211
لبید بن سهل225
لقمان الحکیم206
لوط النبی علیه السلام 29،33،139
ماروت131
المأمون العبّاسی17،104،129،175، 257،310،328،329،330،332، 333،431،432،439،440،441، 442،443
محمّد رسول اللّه صلی الله علیه و آله 10،11،18،43،47، 50،74،124،158،163،192،197، 254،260،262،263،264،269، 270،271،272،277،279،280، 284،287،288،290،291،292، 295،298،299،300،301،302، 304،310،311،312،326،331، 382،390،395،399،402،420، 421،447،448،464
محمّد بن أحمد بن عبد اللّه335
محمّد بن بشیر الحضرمی461
محمّد بن حکیم71
محمّد بن الحنفیّة10
محمّد بن سنان170
محمّد بن عبد المطّلب الشّیبانیّ265
محمّد بن علیّ الباقر علیه السلام 18
محمّد بن علیّ الشّلمغانی العزاقری336
محمّد بن الفرج321
محمّد بن مسلمة427،428،445
مرثد بن الأسد386
مروان بن الحکم446،453
مریم بنت عمران علیها السلام 138،147،308،328
مسعود بن الحارث386
المسعودی318
مسلم النیسابوری250
المسیح علیه السلام 148،267،271،272،275، 286،291،302،304
مصعب بن عمیر363،380
مصعب بن عمیر العبدری383
مصعب بن هاشم387
مطعم بن عدیّ386
معاذ383
معاویة بن أبی سفیان174،194،260، 326،327،404،453،454،455
المفضّل بن عمر50،51
المقداد235،324
المقریزی318
مالک الأشتر58
مالک بن الحارث الأشتر429
مالک بن النّضر الأرحبی460
ص:506
ملک الموت علیه السلام 122،132
المنذر بن علقمة309،311
المنذر بن عمر393
المنذر بن عمرو382
المنذر بن قمر387
موسی بن عمران علیه السلام 27،37،38،39، 128،129،142،143،145،195، 199،245،284،285،301،312، 326،376
موسی بن جعفر الکاظم علیه السلام 17
میکائیل علیه السلام 298
نافع بن مالک بن العجلان386
النّبی صلی الله علیه و آله 27،43،68،99،110،134، 158،160،173،213،215،217، 218،222،223،224،225،227، 252،253،253،254،256،257، 259،260،262،263،264،265، 306،312،313،315،316،318، 319،319،324،327،328،332، 361،362،363،364،365،366، 367،369،371،374،375،376، 380،382،386،387،388،389، 391،394،397،403،404،405، 406،407،409،410،414،415، 416،417،425،426،432،433، 434،436،438،443،445،447، 449،464،465
نسیبة بنت کعب390،391،396
النّمر بن قاسط266
نمرود111،122،139،205
نوح علیه السلام 29،33،138،284،298
وائل380،387
واقف387
الولید بن عبد الملک56
الولید بن عقبة446
هابیل137
هاروت131
هارون بن عمران علیه السلام 195،312،376
هارون الرّشید327،442
الهدیر بن عبد اللّه266،269
هشام بن إسماعیل56
هشام بن الحکم47،48،49،60،62
هند بنت عتبة411،412،417
هود النبی علیه السلام 33
یحیی بن زکریّا علیه السلام 147
یزید بن ثعلبة383،386
یزید بن عبد المدان304
یزید بن معاویة444
یزید بن معقل335
یزید الصّائغ16
یعقوب النبی علیه السلام 110،111،112،113، 115،116،117،118،119،120، 121،122،123،124،140،254
الیمانیّة132
یوسف بن یعقوب علیهما السلام 110،112،113، 116،117،118،119،120،121، 122،123،124،125،140،141، 441
یونس بن متّی علیه السلام 130،138،144
ص:507
الإسلام18،34،39،40،41،54،55، 65،95،99،159،211،212،218، 225،235،253،255،256،262، 265،266،267،306،317،318، 360،361،362،363،365،367، 368،371،373،374،376،381، 383،384،389،390،391،398، 409،410،411،416،426،446، 448،456،465
الحنیفیّة20،55
الشّیعة71،161،164،362،455
المعتزلة11
النّصاری233،252،254،261،262، 263،270،308،324،326،327
الیهود147،148،233،262،275، 317،319،380،384،387،391
ص:508
آل أبی طالب439،440
آل داود علیه السلام 11
آل الرّسول صلی الله علیه و آله 444
آل محمّد صلی الله علیه و آله 301،329
آل یعقوب علیه السلام 112،115،116
الأئمّة علیهم السلام 71،367،374،399،439
أئمّة الدین257
أئمّة الضّلالة235
الأئمّة المعصومین علیهم السلام 367
أتباع فرعون143
أصحاب جعفر بن محمّد الصّادق علیه السلام 51
أصحاب دین الملک266
أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله 191،225،293، 301،327،427
أصحاب السّبت149
أصحاب الشّجرة407
أصحاب الصّفّة186
أصحاب العلم41
أصحاب علیّ علیه السلام 46
أصحاب فرعون143
أصحاب الفیل271
أصحاب القبور69
أصحاب محمّد صلی الله علیه و آله 156
أصحاب النّبیّ صلی الله علیه و آله 76،325،327
أصحاب النعاج145
الأغنیاء170،186،187
الاُمّة الإسلامیة256
امراء السّرایا320
الأنبیاء علیهم السلام 24،33،36،37،54،55،96، 108،129،133،134،135،136، 138،147،171،195،295،300، 306،308،310،311،328،361، 420،429
الأنصار186،192،308،324،327، 370،380،384،390،391،394، 396،404،415،416،425،426، 428،434،438،453
الأوصیاء171،429
أولاد الرّسول صلی الله علیه و آله 56
أهل أیلة151
ص:509
أهل البدع219
أهل البصرة453
أهل البیت علیهم السلام 73،251،256،257،367، 368
أهل بیت الرسول صلی الله علیه و آله 34
أهل بیت الرسالة253
أهل بیت النّبوّة444
أهل التفسیر252،262
أهل الحدیبیّة405
أهل خراسان439
أهل السنّة251،362،365
أهل سوریا272،286،302
أهل الشّام49،453
أهل الفقه69
أهل القری150
أهل القریة153
أهل الکتاب70،308
أهل الکوفة427
أهل مدین128
أهل المدینة71،305،308،362،363
أهل نجران254،261،269،286،290، 327
أهل یثرب277
أهل الیمامة276
بنو آدم122
بنو ابیرق225
بنو أسد335
بنو إسرائیل68،142،143،145،146، 153،275،303،393،450
بنو إسماعیل علیه السلام 279،290،291
بنو بکر بن وائل267
بنو بکیر360
بنو الحارث بن الکعب265،266،267، 304،305،308
بنو حنیفة278
بنو زریق383،384
بنو سلمة383،384،390،391،396
بنو سواد383
بنو عامر بن صعصعة465
بنو عامر بن عوف383
بنو عبد الأشهل383
بنو عبد المدان265،267
بنو عبد المطّلب375،376،377
بنو عبیدة384
بنو عمرو بن عوف383
بنو عوف بن الخزرج383
بنو غنم384
بنو قریش304
بنو قیس بن ثعلبة271،280
بنو قیلة276
بنو کلاب465
بنو کنانة360
بنو مازن بن النّجّار383،384،390،396
بنو هاشم327،362
الجنّ132،145،197،366،395،398، 404
جنود جالوت155
جهّال الاُمّة14
جیش الإسلام253
الحاکم النیسابوری252
ص:510
الحواریّون382
الخطباء14،50
الدّیلم461
ذرّیّة آدم علیه السلام 196
ذرّیّة إسماعیل علیه السلام 275
الرّاسخون فی العلم163
الربّانیّون34
الرّهبان272
الزعماء الدینیّین40،253
زعماء نصاری254،255
زنادقة270
زوجات النبی صلی الله علیه و آله 213
السّالوسیّة266
السیاسیّون253،369،370
الشّیاطین131،132،133،146،290
شیعة آل محمّد صلی الله علیه و آله 161
العبّاد266
العجم322،393،395
العرب46،108،163،261،265،266، 269،270،271،286،305،322، 359،390،391،393،395،465
عسکر الحسین علیه السلام 461
عسکر المشرکین403
العلماء15،16،22،25،26،68،71، 151،171،328،329،331،332
علماء أهل العراق328
علماء الدین39،41
علماء النصاری255
الفاسقون330
الفراعنة37،106،142
الفسّاق13
الفصحاء50
الفقراء170،187
الفقهاء218،257،368،369
قبائل سبأ267
قبائل العرب253،380
قبیلة أنمار267
قبیلة الأوس380،383،386،387،391، 392،393،396
قبیلة حمیر267
قبیلة الخزرج362،380،383،384، 386،387،390،391،392،393، 396
قبیلة عکّ267
قبیلة مذحج267
قبیلة همدان460
قریش269،273،276،279،280، 283،284،291،318،360،382، 402،446
القسّیسون272
القضاة16
قوم ثمود علیه السلام 29،125،151،171،384
قوم صالح علیه السلام 127
قوم عاد علیه السلام 29،384
قوم لوط علیه السلام 29
قوم موسی علیه السلام 143
قوم یونس علیه السلام 311
الکافرون73،204
الکفّار49،138،139،161
کفّار قریش364،395
ص:511
المارونیّة266
المبلّغون36،40
المحدّثون الشیعیّین319
المرسلون30
المسلمون18،53،55،99،157،196، 211،214،216،254،261،316، 320،364،366،370،380،382، 398،402،403،421،446،458، 463
المسیحیّون254
مسیحیّو نجران318
المشرکون324،365،389،402،459
معشر النّصاری260
المفسّرون316،317،364
الملائکة47،94،101،102،202،298، 300،399،444
ملائکة الأرض442
ملائکة السّماء442
المنافقون225،235،338
المهاجرات433
المهاجرون192،308،404،407،428، 453
المؤرّخون253،315،318،319
المؤمنات221،411
المؤمنون62،105،107،138،144، 145،155،162،164،169،176، 182،191،195،199،221،320، 331،360،419،421،432،451، 454
النّاکثون458
النّبیّون60،107،302
النجرانیّون316،317،318
نساء الأنصار414،459
نساء قریش409
نساء المسلمین433
النّسطوریّة266
نصاری العرب270،271
نصاری نجران252،254،255،257، 260،265،272،293،304،308، 316،317،319
ولد إبراهیم علیه السلام 139
ولد إسماعیل علیه السلام 302
ولد عمر بن الخطّاب56
ولد یعقوب علیه السلام 112
ص:512
احد316،387
إیران99،316
بئر الحدیبیّة404
بابل131،139
بدر364،387،397
البصرة427،439،452
بکّة46
بیت محمّد صلی الله علیه و آله 300
تبوک316
الجحفة319
جذام270
جزیرة العرب282،317
الحبشة270،317
الحجاز253
الحدیبیة168،364
الحرّة308
حضر موت105،304
خراسان328
دار امیّة بن زید380،387
دار أسعد بن زرارة387
دار شعیب علیه السلام 38
دار عبد المطّلب393
دار قصیّ بن کلاب382
الرّاحات270
الرّعا270
الرّوم270،316،317
سوق الکوفة58
الشّام190،270
شعب العقبة386،389،391،392،394، 395،396
الصّفا409،411
الصّفّة186
صنعاء105
الطّائف386
العراق190،455
علوه270
غدیر خمّ319،366،404،421
غسّان270
القبط270
قصر فرعون143
ص:513
قضاعة270
الکعبة105،271
کوفان298
الکوفة12،44،55
لخم270
مدین37،143،153
المدینة47،56،57،71،114،120، 149،152،186،192،253،254، 262،304،305،315،316،317، 318،319،362،363،364،380، 383،386،397،414،420،426، 427،435،439،444،458،464، 465،466
مرو328
مریس270
مسجد الأحزاب366
المسجد الحرام11،51
مسجد رسول اللّه صلی الله علیه و آله 71
مسجد المدینة160
مصر111،112،142،143،316،317
مکّة46،47،226،227،253،265، 303،318،319،360،362،363، 365،376،380،382،385،386، 391،392،403،404،409،412
منی386،393
نجران254،261،262،264،269، 272،304،311،315،318
النّوبة270
یثرب267،276،291،304،387،394، 447
الیمن190،271،393
ص:514
آخر الزّمان287،302
أواخر ذی الحجّة319
أیّام التّشریق381،389،391،393
الثامن عشر من شهر ذی الحجّة319،366
ثمانی عشرة لیلة مضت من ذی الحجّة426
الرّابع والعشرون من ذی الحجّة351،257، 337
زمن معاویة394
السنة التاسعة من الهجرة253،254،317، 365
شهر ذی الحجّة319،391
شهر رجب312
شهر رمضان374،448،457
شهر المحرّم312
صدر الإسلام99
عام الوفود253
العصر الجاهلی359
عصر غیبة الإمام المعصوم368
عهد آدم علیه السلام 283
عهد الجاهلیّة225
عهد النّبی صلی الله علیه و آله 224،361،367
لیلة الإسراء14
لیلة العقبة379،395
لیالی التّشریق392
یوم احد157،458،463
یوم الأحد149
یوم الأضحی395
یوم بایع النّساء436
یوم بدر412،446
یوم بعث اللّه النّبی صلی الله علیه و آله 159
یوم بیعة الرّضوان406
یوم الجمعة114،153،426،457
یوم الجمل453
یوم الحدیبیّة405،406،407
یوم السّبت149،151،153،171
یوم الشّوری325
یوم العقبة429
یوم الغدیر421
یوم فتح مکّة223،413
یوم قتل عثمان426
ص:515
یوم القیامة15،16،24،28،30،67، 158،168،179،218،239،240، 245،255،261،374،456،457
یوم المباهلة252،325،351
یوم میعاد مباهلة النّبی صلی الله علیه و آله 257
ص:516
إبطیه 313
الأتحمیّات 305
اترجّ 120
الأحمّ 281
أربع 270
إربک 291
ازرنا 381
الأساودة 271
استراث 305
استرجع 115
اعترّ 115
الأعضب 287
اغترّه 102
إغذاذا 270
الأفعوان 283
اقتصاصه 283
الإبریز 178
الاصطلام 150
الانبعاق 27
انتظم 268
أبخوع 269
أبلج 289
أبوک 274
أجذم 456
أحشّ 169
أرجا 295
أرسالا 382
أرمّ 273
أسبروها 299
أسعدننا 416
أصرم 299
أعتی 128
أعجز 382
أقترت 186
أقذعت 285
أقنانا 171
أکمه 278
أمشاجا 307
أمما 287
أنتاش 301
أنعموا 74
أیلة 151
الباقر 283
بتور برام 435
بذاذة 284
بطانا 115
بقصبه 16
البلاء 205
بلبلة 159
بوح 285
بهر 296
البهلولة 292
بیدرا 161
تبضّ 277
تجهّمة 388
ترح 183
ترة 106
تسنّموا 150
تسنیم 303
تصرّم 274
ص:517
تصطلموا 271
تفثکم 305
تمحّصن 161
التّمحیص 106
تنصع 466
تور 408
الثّرثارون 28
ثکلی 124
جاش 276
الجباجب 382
الجبّان 320
الجذعة 375
جعلا 127
جملا 459
جنب 416
الجویریة اللّکاع 283
جیبا 310
الحاشر 288
حثیثا 280
حجزته 300
حزن 269
حسبانا 320
الحلفة 381
حمة 283
الحمیّة 102
حوامّهم 297
خاسئین 150
خرّاصا 279
خزمه 153
الخلاص 178
خلّاک 280
الخولی 293
دبیب 267
دحاها 278
درّک 130
الدّهارس 286
دهماء 265
ذادة 288
ذرّ 197
ذلق 280
ذمام 459
ذود 448
راش 282
ربعک 268
ربّها 291
ردغة الخبال 239
ردفه 403
رزدقا 305
رفده 229
الرّکب 68
الرّکی 277
رهط 375
رهطک 331
الرّیب 218
ریط 200
الزّمانة 198
الزّؤان 162
سبتا 281
سبّته 453
السّرّاء 182
سغب 444
سمرة 403
السّورة 267
السّوء 458
السیئة 97
شدقه 456
الشّصائب 282
شغار 416
شقاشق 26
شماسا 294
الصّباة 382
صبرا 446
صدق 292
الصّغار 265
صغو 293
الصّفّة 186
صکّ 155
صول 267
الضّبع 423
ضوی 265،270
طاویا 115
طرس 283
طغام 284
طغامنا 293
طوال 46
الطّوی 355
عامدون 305
العتّق 414
عدن 264
عطفای 423
ص:518
العقیان 168
عکاظ 385
علج 292
علّیّة 225
العناء 429
العوان 265
عیّر 134
غارّون 454
الغلّ 68
غمر 375
غمص 278
غیضة 117
فارط 291
فحار 276
الفرق 375
فرقین 182
فعتت 151
الفلج 292،308
فنن 304
فواقا 275
قائلون 403
قارّوا 444
قحة 230
قرموا 153
القعسریّة 282
قلص 201
قمّت 419
قیّض 107
القیظ 311
قیظ 289
کانفوه 156
کظّة 444
الکلام 25
کلوم 277
الکیر 466
لا أبا لک 273
اللّجج 149
لحکّة 299
لدّا 287
المتشدّقون 28
متع 308
المتفیهقون 28
مجّ 276
مجلبة 395
مجنّة 385
محال 279
مخایل 159
المخصرة 445
المخمصة 194
مدارع 195
مدحورا 102
مدّة 133
مرط 261
مرکنه 434
المطافیل 423
مطر 233
معنّتا 26
المعنّف 27
مکثورا 271
مناسج 305
المیرة 111
ناجم 273
ناقة عشراء 126
النزاعة 268
نسع 382
نصل 268
النّغف 282
نغلة 280
نفث 354
النّمیمة 236
نهد 270
وترتنا 446
الوحا 311
وشلا 277
وضم 270
وعیصا 268
ولیجة 447
الونیّة 274
و هل 279
هنات 452
الهیم 424
یدّهن 288
یرحضها 275
یعضد 375
یفتات 294
یقرّظنی 234
یمتاروا 123
الیمن 200
یؤودک 345
یؤهّل 278
ص:519