حوادث الکونیة والکرامات الواقعة بعد مقتل الامام الحسین علیه السلام المجلد 1

اشارة

بطاقة فهرسة

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنیف LC: BP41. 5.R3 2017

المؤلف الشخصی: الرحمة، حکمت

العنوان: حوادث الکونیة والکرامات الواقعة بعد مقتل الإمام الحسین علیه السلام ؛ دراسة توثیقیة تحلیلیة.

بیان المسؤولیة: تألیف: د. حکمت الرحمة

بیانات الطبعة: الطبعة الأولی.

بیانات النشر: النجف، العراق: العتبة الحسینیة المقدسة، مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة، 1438ه- - 2017م.

الوصف المادی: 2 مجلد.

سلسلة النشر: قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة.

تبصرة عامة:

تبصرة ببلیوغرافیة: یتضمن هوامش، لائحة المصادر: ج 1: الصفحات (383-416).

تبصرة المحتویات:

موضوع شخصی: الحسین بن علی علیه السلام ، الإمام الثالث، 4 - 61 هجریاً - کرامات - أحادیث.

موضوع شخصی: یزید بن معاویة بن أبی سفیان الأموی، 25 - 64هجریاً - الشهادة - أحادیث.

موضوع شخصی: الحسین بن علی علیه السلام ، الإمام الثالث، 4 -61 هجریاً - فضائل - أحادیث.

مصطلح موضوعی: واقعة کربلاء، 61 هجریاً.

مصطلح موضوعی: أهل البیت علیهم السلام - فضائل - أحادیث.

مصطلح موضوعی: أحادیث الشیعة.

مصطلح موضوعی: الأحادیث الموضوعة.

مصطلح موضوعی: الحدیث - الجرح والتعدیل.

مؤلف إضافی:

عنوان إضافی:

--------------------------------

تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق ببغداد (1765) لسنة (2017م)

ص:1

اشارة

الحوادث الکونیة

والکرامات الواقعة

بعد مقتل الإمام الحسین علیه السلام ؛

دراسة توثیقیة تحلیلیة

الجزءالاول

ص:2

ص:3

الحوادث الکونیة

والکرامات الواقعة

بعد مقتل الإمام الحسین علیه السلام ؛

دراسة توثیقیة تحلیلیة

تألیف: د. حکمت الرحمة

الجزءالاول

الاشراف العلمی

مؤسسة وارث الأنبیاء

للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة

ص:4

جمیع حقوق المحفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الأولی

1438 ه- - 2017 م

إصدار

مؤسسة وارث الأنبیاء

للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة

ص:5

بسم الله الرحمن الرحیم

ص:6

هویة الکتاب

عنوان الکتاب الحوادث الکونیة والکرامات الواقعة بعد مقتل الإمام الحسین علیه السلام / الجزء الأول

المؤلف د. حکمت الرحمة

الإشراف العلمی اللجنة العلمیة فی مؤسّسة وارث الأنبیاء

الإخراج الفنی حسین المالکی

الطبعةالأُولی

سنة الطبع1438ه- - 2017م

عدد النسخ1000

ص:7

مقدّمة المؤسّسة

إنّ نشر المعرفة، وبیان الحقیقة، وإثبات المعلومة الصحیحة، غایاتٌ سامیة وأهدافٌ متعالیة، وهی من أهمّ وظائف النُّخب والشخصیات العلمیة، التی أخذت علی عاتقها تنفیذ هذه الوظیفة المقدّسة.

من هنا؛ قامت الأمانة العامة للعتبة الحسینیة المقدسة بإنشاء المؤسّسات والمراکز العلمیة والتحقیقیة؛ لإثراء الواقع بالمعلومة النقیة؛ لتنشئة مجتمعٍ واعٍ متحضّر، یسیر وفق خطوات وضوابط ومرتکزات واضحة ومطمئنة.

وممّا لا شکّ فیه أنّ القضیة الحسینیة - والنهضة المبارکة القدسیة - تتصدّر أولویات البحث العلمی، وضرورة التنقیب والتتبّع فی الجزئیات المتنوّعة والمتعدّدة، والتی تحتاج إلی الدراسة بشکلٍ تخصّصی علمی، ووفق أسالیب متنوّعة ودقیقة، ولأجل هذه الأهداف والغایات تأسّست مؤسّسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصّصیة فی النهضة الحسینیة، وهی مؤسّسة علمیّة متخصّصة فی دراسة النهضة الحسینیة من جمیع أبعادها: التاریخیة، والفقهیة، والعقائدیة، والسیاسیة، والاجتماعیة، والتربویة، والتبلیغیة، وغیرها من الجوانب العدیدة المرتبطة بهذه النهضة العظیمة، وکذلک تتکفّل بدراسة سائر ما یرتبط بالإمام الحسین علیه السلام .

وانطلاقاً من الإحساس بالمسؤولیة العظیمة الملقاة علی عاتق هذه المؤسّسة المبارکة؛ کونها مختصّة بأحد أهمّ القضایا الدینیة، بل والإنسانیة، فقد قامت بالعمل علی مجموعة من المشاریع العلمیة التخصّصیة، التی من شأنها أن تُعطی نقلة نوعیة للتراث، والفکر، والثقافة الحسینیة، ومن تلک المشاریع:

ص:8

1 - قسم التألیف والتحقیق: والعمل فیه جارٍ علی مستویین:

أ - التألیف، والعمل فیه قائم علی تألیف کتبٍ حول الموضوعات الحسینیة المهمّة، التی لم یتمّ تناولها بالبحث والتنقیب، أو التی لم تُعطَ حقّها من ذلک. کما ویتمّ استقبال الکتب الحسینیة المؤلَّفة خارج المؤسّسة، ومتابعتها علمیّاً وفنّیاً من قبل اللجنة العلمیة، وبعد إجراء التعدیلات والإصلاحات اللازمة یتمّ طباعتها ونشرها.

ب - التحقیق، والعمل فیه جارٍ علی جمع وتحقیق التراث المکتوب عن الإمام الحسین علیه السلام ونهضته المبارکة، سواء المقاتل منها، أو التاریخ، أو السیرة، أو غیرها، وسواء التی کانت بکتابٍ مستقل أو ضمن کتاب، تحت عنوان: (الموسوعة الحسینیّة التحقیقیّة). وکذا العمل جارٍ فی هذا القسم علی متابعة المخطوطات الحسینیة التی لم تُطبع إلی الآن؛ لجمعها وتحقیقها، ثمّ طباعتها ونشرها. کما ویتم استقبال الکتب التی تم تحقیقها خارج المؤسسة، لغرض طباعتها ونشرها، وذلک بعد مراجعتها وتقییمها وإدخال التعدیلات اللازمة علیها وتأیید صلاحیتها للنشر من قبل اللجنة العلمیة فی المؤسسة.

2 - مجلّة الإصلاح الحسینی: وهی مجلّة فصلیة متخصّصة فی النهضة الحسینیة، تهتمّ بنشر معالم وآفاق الفکر الحسینی، وتسلیط الضوء علی تاریخ النهضة الحسینیة وتراثها، وکذلک إبراز الجوانب الإنسانیة، والاجتماعیة، والفقهیة، والأدبیة، فی تلک النهضة المبارکة.

3 - قسم ردّ الشبهات عن النهضة الحسینیة: ویتمّ فیه جمع الشبهات المثارة حول الإمام الحسین علیه السلام ونهضته المبارکة، ثمّ فرزها وتبویبها، ثمّ الرد علیها بشکل علمی تحقیقی.

ص:9

4 - الموسوعة العلمیة من کلمات الإمام الحسین علیه السلام : وهی موسوعة تجمع کلمات الإمام الحسین علیه السلام فی مختلف العلوم وفروع المعرفة، ثمّ تبویبها حسب التخصّصات العلمیة، ووضعها بین یدی ذوی الاختصاص؛ لیستخرجوا نظریات علمیّة ممازجة بین کلمات الإمام علیه السلام والواقع العلمی.

5 - قسم دائرة معارف الإمام الحسین علیه السلام : وهی موسوعة تشتمل علی کلّ ما یرتبط بالنهضة الحسینیة من أحداث، ووقائع، ومفاهیم، ورؤی، وأسماء أعلام وأماکن، وکتب، وغیر ذلک من الأُمور، مرتّبة حسب حروف الألف باء، کما هو معمول به فی دوائر المعارف والموسوعات، وعلی شکل مقالات علمیّة رصینة، تُراعی فیها کلّ شروط المقالة العلمیّة، ومکتوبةٌ بلغةٍ عصریة وأُسلوبٍ سلس.

6 - قسم الرسائل الجامعیة: والعمل فیه جارٍ علی إحصاء الرسائل الجامعیة التی کُتبتْ حول النهضة الحسینیة، ومتابعتها من قبل لجنة علمیة متخصّصة؛ لرفع النواقص العلمیة، وتهیئتها للطباعة والنشر، کما ویتمّ إعداد موضوعات حسینیّة تصلح لکتابة رسائل وأطاریح جامعیة تکون بمتناول طلّاب الدراسات العلیا.

7 - قسم الترجمة: والعمل فیه جارٍ علی ترجمة التراث الحسینی باللغات الأُخری إلی اللغة العربیّة.

8 - قسم الرصد: ویتمّ فیه رصد جمیع القضایا الحسینیّة المطروحة فی الفضائیات، والمواقع الإلکترونیة، والکتب، والمجلات والنشریات، وغیرها؛ ممّا یعطی رؤیة واضحة حول أهمّ الأُمور المرتبطة بالقضیة الحسینیة بمختلف أبعادها، وهذا بدوره یکون مؤثّراً جدّاً فی رسم السیاسات العامّة للمؤسّسة، ورفد بقیّة الأقسام فیها، وکذا بقیة المؤسّسات والمراکز العلمیة بمختلف المعلومات.

ص:10

9 - قسم الندوات: ویتمّ من خلاله إقامة ندوات علمیّة تخصّصیة فی النهضة الحسینیة، یحضرها الباحثون، والمحقّقون، وذوو الاختصاص.

10 - قسم المکتبة الحسینیة التخصصیة: حیث قامت المؤسسة بإنشاء مکتبة حسینیة تخصّصیة تجمع التراث الحسینی المطبوع.

11 - قسم الموقع الإلکترونی: وهو قسم مؤلّف من کادر علمی وفنّی؛ یقوم بنشر وعرض النتاجات الحسینیة التی تصدر عن المؤسسة، کما ویتکفل بتغطیة الجنبة الإعلامیة للمؤسسة ومشاریعها العلمیة.

12 - قسم المناهج الدراسیة: ویحتوی علی لجنة علمیة فنیة تقوم بعرض القضیة الحسینیة بشکل مناهج دراسیة علی ناشئة الجیل بالکیفیة المتعارفة من إعداد دروس وأسئلة بطرق معاصرة ومناسبة لمختلف المستویات والأعمار؛ لئلا یبقی بعیداً عن الثورة وأهدافها.

13 - القسم النسوی: ویتضمن کادراً علمیاً وفنیاً یعمل علی استقطاب الکوادر العلمیة النسویة، وتأهیلها للعمل ضمن أقسام المؤسسة؛ للنهوض بالواقع النسوی، وتغذیته بثقافة ومبادئ الثورة الحسینیة.

14 - القسم الفنی: ویتضمن کادراً فنیّاً متخصصاً یقوم بطباعة وإخراج وتصمیم النتاجات الحسینیة التی تصدر عن المؤسسة، وکذلک الإعلانات والدعوات ومختلف الملصقات والأمور الفنیّة الأخری التی تحتاجها کافة الأقسام.

وهناک مشاریع أُخری سیتمّ العمل علیها قریباً إن شاء الله تعالی.

ص:11

هذا الکتاب:

إنّ موضوع الحوادث الکونیة والکرامات التی وقعت بعد حادثة عاشوراء له أهمیة بالغة علی عدة مستویات حیث إنّه یعکس رأی السماء وموقفها من تلک الواقعة الألیمة؛ لأنّه عندما تبکی وتمطر السماء دماً، أو عندما یخرج الدم من تحت الأحجار والأشجار، وعندما تحصل التغییرات فی الکون من أجل ذبیح کربلاء، وعندما تتعدد تلک الحوادث وتتنوّع الکرامات ، فإنّ هذا یدل علی أمور کثیرة، منها: حقانیة النهضة الحسینیة ومبادئها وقائدها وأهدافها ونتائجها، ومنها: أنّها تدل علی بطلان من خالفها بشخصه ومنهجه ومبادئه، وکذا من أیدها أو رضی بها أو لم یخالفها، ومنها: بیان وإظهار عظمة الإمام الحسین علیه السلام الذی تغیر الکون لمظلومیته، ومنها: تجلی الغضب الإلهی، ومنها: ظهور وإتمام الحجة علی من خالف نهج الحسین علیه السلام .

إلی غیر ذلک من الدلالات والمعانی والحقائق التی تدل علیها تلک الحوادث والکرامات، ولأهمیة الموضوع وخطورته فقد حاول بعض السلفیة ومن تأثر بهم أن یشکک فی تلک الحوادث ساعیاً إلی نفیها، خوفاً من النتائج العظیمة المترتبة علیها.

من هنا جاءت هذه الدراسة التوثیقیة التحلیلیة من قبل الدکتور الشیخ حکمت الرحمة وهو أحد أعضاء مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة فی قسم التألیف والتحقیق والحائز علی درجة الدکتوراه فی علم الحدیث المقارن، جاءت هذه الدراسة لتسلط الضوء علی تلک الحوادث من خلال البحث السندی علی وفق قواعد ومعطیات ومبانی علم الرجال عند الفریقین بدراسة موضوعیة علمیة محایدة بعیداً عن التعصب والتمییز، وقد تخللها بحوث تحلیلیة عدیدة مهمة ومؤثرة، کما وقد أجاب عن مجموعة من الشبهات والإشکالات فی المقام.

ص:12

لذلک فإنّ هذا الکتاب یتمیز بهذه الأمور المهمة من حیث کفاءة المؤلف وتخصصه، ومن حیث المنهج المتبع، ومن حیث حجم المادة المبحوثة فی هذا الموضوع، ومن حیث النتائج المهمة التی توصل إلیها.

وفی الختام نتمنّی للمؤلِّف دوام السداد والتوفیق لخدمة القضیة الحسینیة، ونسأل الله تعالی أن یبارک لنا فی أعمالنا، إنّه سمیعٌ مجیبٌ.

اللجنة العلمیة فی

مؤسّسة وارث الأنبیاء

للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة

ص:13

مقدّمة المؤلف

لم تکن واقعة عاشوراء ولیدة ساعتها، فهی کغیرها من الأحداث ساهمت الکثیر من الظروف فی تکوّنها وحصولها.

کما أنّها کحدث لم تکن قد حصلت فی الیوم العاشر فقط، بل نعتقد أنّها انطلقت فی المدینة المنورة حین رفض الحسین علیه السلام بیعة یزید بن معاویة، فکانت (اللاء) الحسینیة بوجه یزید، هی انطلاقة لشرارة الثورة ضدّ الاستبداد والعبودیة، وقد توّجت الثورة فی یوم عاشوراء حین زُفّت قرابین الشهادة إلی العلیّ الأعلی مُعلنةً انتصار الدم علی السیف.

قُتل الحسین علیه السلام وصعدت معه أرواح العشّاق إلی عنان السماء، وفاضت کربلاء بدمائهم الزکیة؛ لتنطلق بعد ذلک حلقة أُخری من حلقات هذه الثورة المبارکة.

تمثّلت هذه الحلقة بمسیرة الإباء والشموخ لأُساری آل محمد صلی الله علیه و آله ، والتی أخذت علی عاتقها إحیاء الثورة، وتخلیدها، وبیان حقائقها.

فکما أنّ تلک الثورة المبارکة لم تکن قد بدأت فی یوم عاشوراء، فکذلک أنّها لم تنتهِ فی یوم عاشوراء، بل صار عاشوراء یوم انطلاق جدید لإحیاء الثورة، وبیان معانیها، والتعریف بقائدها، والوقوف علی أهدافها.

فانطلقت فی تلک اللحظة القیم الحسینیة لتخاطب الضمیر الذی أُرید له أن یموت، وتخاطب الوجدان الذی غیّبه الخوف، فکانت الثورة فی شقّها الثانی، والذی یمکن أنْ نسمیه بالجانب الإعلامی للثورة.

ص:14

تکفّل رکب السبایا وعلی رأسهم زین العابدین علیه السلام وعمّته العقیلة زینب علیها السلام بفضح البیت الأُموی، والوقوف بوجه إعلامه المضلِّل، فکانت لخطبهم وکلماتهم وقعاً فی نفوس السامعین، وتأثیراً علی وجدانهم وضمائرهم، کما أنّها کشفت الکثیر من الحقائق عمّن غُیّبت عنه بفعل الإعلام المعادی.

هذا من جانب، ومن جانب آخر کان هناک تدخّلاً للسماء فی بیان الحقیقة، هذا التدخّل کان أکثره علی نحو إعجازی، أو لا أقل من کونه خارج النظم الطبیعیة المتعارفة، باعتبار أنّ الأُمور الإعجازیة والکرامات المشاهدة والمسموعة هی أکثر وقعاً فی النفوس وتأثیراً علی الوجدان، فنقل التاریخ أحداثاً عظیمة حصلت بعد عاشوراء کمطر السماء دماً، واحمرار السماء، وکسوف الشمس، وغیرها الکثیر.

ولا نشکّ فی أنّ هذه الأحداث تحمل فی طیاتها الکثیر من الدلالات علی حقانیة الثورة، وعظمة قائدها، وغیر ذلک ممّا سنُشیر إلیه أثناء البحث.

غیر أنّ هذه الأحداث وإنْ کانت مقبولة عند الشیعة الإمامیة فی الجملة؛ باعتبار أنّ الحسین علیه السلام یمثّل ثالث أئمّة أهل البیت المنصوبین من السماء، فلا غرابة عند قراءة ثورته، والوقوف علی مغزاها، والطریقة فی قتله، أنْ تحصل تلک الأحداث.

إلّا أنّها محلّ جدل عند الفریق الآخر وخصوصاً علماء السلفیة، فبادروا إلی إنکار الکثیر منها، بل ورمیه بالکذب والاختلاق، وهذا ما یُعطی ضرورة وأهمیّة للقیام بهذا البحث علی نحو التفصیل.

فإنصافاً للحقیقة وبعیداً عن تراشق الاتهامات، وبُغیة السیر خلف الدلیل، ارتأینا أن نسبر غور هذه الأحداث، لعلّنا نصل فیها إلی القول الحقّ بحسب ما تُملیه علینا الدراسة العلمیة بعیداً عن التعصّبات المذهبیة والمیول العاطفیة.

فکان الغرض من الکتاب هو توثیق تلک الأحداث من کُتب الفریقین، ثمّ

ص:15

ملاحظة الثابت من عدمه، مع إشارات من هنا وهناک إلی الدلالات والمعطیات التی یمکن الوقوف علیها من خلالها.

وحیث إنّ هذه الوقائع هی وقائع تاریخیة، فإنّ المسلک فی إثباتها هو تجمیع القرائن من أجل الحصول علی الوثوق بتحقّقها.

ومن القرائن التی نری أنّها تُفید الوثوق واستفدنا منها فی کتابنا هذا هی:

أوّلاً: الصحة السندیة الحاصلة من خلال البحث السندی، بمعنی أن یکون السند مقبولاً بما یشمل الحسن، والموثّق، والقوی، والجید، وغیرها من أوصاف القبول التی تُفید الوثوق بتحقق وحصول الحادثة.

ولا یُتوهم بأنّ المراد من البحث السندی هو الأخذ بما صحّ ورفض الضعیف وردّه، بل إنّ هناک عدّة معطیات نستفیدها من البحث السندی، وأهمّها:

1 - تحقیق أحد معاییر الاعتماد التاریخی، وهو الوثوق بالصدور الناشئ من وثاقة الرواة وقبولهم، وهو ما أشرنا إلیه فیما مضی.

2 - التحقّق من وجود أو عدم وجود کذّابین أو متّهمین بالکذب فی سلسلة السند، إذ ثمّة فارق کبیر بین الکذّاب وبین الضعیف أو المجهول، فبناء علی تطبیق المنهج الحدیثی حتّی فی التاریخ، کما یذهب إلیه بعضهم، فإنّ الأوّل وهو الکذّاب لا تنجبر معه الطرق عادةً، فمهما تعدّدت الطرق وکان فی رواتها کذّابین، فإنّها لا ترقی إلی القبول أو لا أقلّ أنّ نسبة المعاضدة، واحتمال تقویة الخبر بالآخر هی ضعیفة جدّاً، بخلاف الثانی، أی: الضعیف أو المجهول، فهو قابل للانجبار، فقد ینجبر الخبر الضعیف بوروده من وجه آخر فقط، فضلاً عن التعدّد، فإنّه قد یوصل الخبر إلی درجة الصحة.

3 - إنّ نسبة حصول الاستفاضة الموجبة للاطمئنان، أو الوثوق بحصول الحادثة

ص:16

وصدق الخبر من خلال التعدّد، تکون ضعیفة جدّاً إنْ لم تکن معدومة فی الأخبار المتضمّنة أسانیدها للکذّابین أو المتّهمین بالکذب، بخلاف الأخبار المتضمّنة أسانیدها للضعفاء أو المجاهیل، فإنّ نسبة تعاضدها وحصول الوثوق أو الاستفاضة المفیدة للاطمئنان تکون بنسبة قویّة.

4 - إنّ وجود الکذّابین والمتّهمین یُعدّ أحد القرائن القویة علی کذب الخبر ووضعه، بخلاف الضعفاء والمجهولین، فإنّ وجودهم لا یساوق عدم صدور الخبر أو عدم تحقّق الحادثة، وکذلک لا یساوق الثبوت أیضاً، بل یبقی الخبر علی الاحتمال، فقد یکون الخبر ثابتاً واقعاً، وقد یکون لا، ومعه لا یمکن وصف الخبر المروی عن الضعیف أو المجهول بأنّه خبر مکذوب أو موضوع.

بل لربّما یذهب جملة کبیرة من العلماء إلی الأخذ بالخبر الضعیف فی القضایا التاریخیة، قال النووی: «وقد قدّمنا فی مواضع أن أهل العلم متفقون علی العمل بالضعیف فی غیر الأحکام وأُصول العقائد»((1)).

ثانیاً: قد اتّضح من خلال ما تقدّم معیاراً آخر لقبول الأخبار، وهو تعدّد الطرق وإنْ کانت ضعیفة من حیث السند، وهذا التعدّد له أنواع شتّی، فتارةً یُوجب صیرورة الخبر بحکم الحسن أو الصحیح، فیتحقّق معه المعیار الأوّل، وتارةً یُوجب الوثوق بصدور الخبر وتحقّق الحادثة، بمعنی أنّه یعطی نسبة ظن قویة تضاهی الصحة السندیة إنْ لم تکن أقوی، وهذا یُعدّ قرینة معتبرة علی قبول الخبر التاریخی، وتارةً یُوجب الاستفاضة الموجبة للاطمئنان بالصدور والتحقّق، وتارةً یصل إلی درجة التواتر، وهی حالات تکاد تکون نادرة.


1- النووی، یحیی بن شرف، المجموع شرح المهذب: ج5، ص59.

ص:17

وکیفما کان فإنّ أیّ تعدّد للطرق یحقّق الحالات المشار إلیها یُعدّ قرینة قویة علی الإثبات التاریخی.

ثالثاً: روایة الحادثة أو الخبر فی کتب الفریقین خصوصاً مع تعدّد الراوی المباشر أو تعدّد الطرق، فإنّ هذا یوجب الوثوق بصدور الروایة، وإنْ کان وجودها منفرداً فی روایات کلّ فریق لا یولّد وثوقاً کوجود طریق واحد ضعیف أو طریقین فقط، لکن فی حال ورود الخبر فی کُتب کلا الفریقین مع اختلاف الأهواء والمیولات، وفی مسألة حساسة تقتضی عادةً عدم وجودها فی کُتب الفریق الآخر، فإنّ ذلک بلا شک یولّد وثوقاً عقلائیاً بأنّ الحدث والخبر صحیح؛ إذ لا مصلحة للفریق الآخر بالنقل غیر الصحیح لأمر لا یتماشی مع عقیدته وهواه.

وبناء علی ما تقدّم تجدر الإشارة إلی أنّ التصحیح السندی وفق قواعد وأصول أهل السنّة لیس من باب الأخذ بتوثیقاتهم والاعتماد علیها، بل لأنّه یشکل قرینة قویة علی صحّة وتحقّق تلک الحادثة واقعاً.

فهذه المعاییر الثلاثة هی التی اعتمدناها فی دراستنا هذه، وفی غیر ذلک، فإنّ الخبر إذا خلا من وجود الکذّاب والمتّهم فهو خبر ضعیف محتمل الصدور وعدمه، فلا نجزم بعدم صدوره ولا ندّعی تحقّقه، فیبقی فی خانة الاحتمال، وقد یکون ثابتاً ومتحقّقاً فی الواقع، ولعلّ المستقبل یکشف عن وجود طرق أُخری له قد خُفیت علینا.

نعم، قد ترافق الخبر الضعیف قرینة تقوّی نسبة حصول الحادثة، وسنُشیر لذلک فی محلّه إنْ شاء الله.

وأمّا الخبر المنفرد الذی فی سنده کذّاب أو متّهم، فطبیعی أنّ نسبة عدم صدوره أقوی بکثیر من صدوره، فهو أقرب إلی الخبر الموضوع والمکذوب من غیره، نعم وفق احتمالیة أنّ الکذّاب قد یصدق ربّما یرفض البعض نسبة الوضع والجزم به لمجرّد وجود الراوی الکذّاب فیه، إلّا أنّه من الواضح أنّ وجود الکذّاب یُعدّ قرینة قویة علی کذب الخبر ووضعه.

ص:18

هذا ما یتعلّق بالمعاییر التی اعتمدناها فی ثبوت الأخبار من عدمه.

وأمّا ما یتعلّق بالحوادث وطرق تخریجها وجمعها، فکان الاقتصار علی الحوادث والکرامات التی جرت بعد عاشوراء، وکان لها تعلّق بتلک الحادثة دون ما سواها، فلا یشمل الکتاب الکرامات التی حصلت قبل عاشوراء، ولا ما لا تتعلّق بعاشوراء، وقد اعتمدنا فی التخریج - عادةً - علی المصادر الأساسیة للروایة والخبر، وکان الترکیز علیها وحاولنا جهد الإمکان ذکر الروایة بطرقها المتعدّدة إنْ وجدت، والإشارة لعدّة من المصادر الأساسیة إنْ رواها أکثر من مصدر، ثمّ نردفها بعد ذلک ببعض المصادر الثانویة من دون استیعاب فی ذلک، فما دام مصدر الخبر الأساسی موجوداً، والروایة منقولة عن نفس الراوی المباشر، لا نری ضرورة لتحشید المصادر الثانویة، وهی عدیدة بطبیعة الحال.

ثمّ إنّه فی حال عدم وجود المصدر الأساسی لضیاعه، أو عدم وصوله، أو عدم عثورنا علیه، فسنضطر حینئذٍ لاعتماد المصدر الثانوی مع الإشارة إلی المصدر الأساسی الذی نقل منه الخبر والروایة.

وأمّا ما یتعلّق باستقصاء الحوادث واستیعابها، فلا شکّ فی أنّنا ذکرنا أکثر وأهم الحوادث، وقد بذلنا جهوداً مُضنیة فی استیعابها، إلّا أنّنا لا ندّعی حصول ذلک، فقد تکون فاتت منّا حوادث من هنا وهناک، فهی کثیرة جدّاً ومتفرّقة فی کُتب عدیدة.

نعم، فی الحوادث المتعلّقة بالأفراد والأشخاص، فحیث إنّها عدیدة جدّاً، وعدم وجود خلاف کبیر فیها، إذ إنّ الطرف الآخر یقرّ بحدوث أکثرها کما سیأتی؛ لذا فلم نقصد استیعابها وشمولها فی کتابنا هذا، وإن کنّا قد ذکرنا أهمّها، بل أکثرها وترکنا منها متفرّقات من هنا وهناک؛ لعدم الضرورة لذکرها.

ومع هذا العمل من التخریج، وذکر الطرق المتعدّدة للخبر، والإشارة لعدّة من

ص:19

مصادره الثانویة بعد ذکر مصادره الأساسیة، ودراسة الأخبار من جهة السند، ومعرفة ما ورد منها عند السنّة وما ورد منها عند الشیعة، نکون قد وفّرنا علی الباحث والمحقق جهداً جهیداً، وقدّمنا له مادة متکاملة عن کلّ حادثة، وحینئذٍ فبغض النظر عن قبوله بالمعاییر التی اعتمدناها فی قبول الحادثة من عدمه، فإنّ توفیر هذه المادة العلمیة بالشکل المشار إلیه تمکّنه بسهولة من الحصول علی نتیجة نهائیة فی کلّ مورد والحکم علیه قبولاً أو رفضاً.

هذا، وقد وقع الکتاب فی ستّة فصول: دار الأوّل منها علی حادثة مطر السماء، وتضمّن الثانی حادثة ظهور الدم تحت الأحجار، وتکفّل الثالث بمسألة بکاء السموات والأرض علی الحسین علیه السلام فی حین خُصّص الرابع منها لجمع ودراسة الحوادث الکونیة المتفرّقة، وأمّا الخامس فقد تکفّل بدراسة الحوادث الفردیة المتفرقّة، وأمّا السادس فقد اختص بأجوبة الشبهات الموجّهة لهذه الحوادث، ثمّ بیان أهمّ الدلالات والمعطیات العامّة المستفادة من تلک الظواهر والأحداث.

وفی الأخیر لا یفوتنی أنْ أشکر کلّ مَن ساهم فی وصول هذا الجهد إلی ما هو علیه، وأخصّ بالذکر الأخ الأستاذ المحقّق عمّار الفهداوی، الذی تفضّل علینا مشکوراً ووضع تحت تصرّفنا جملة من الأحداث التی کان قد استخرجها بجهده الشخصی.

کما أقدّم وافر شکری وتقدیری إلی مؤسسة وارث الأنبیاء فی الدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیّة، وجمیع القائمین علیها لما وفّروه من خدمات جلیلة علی المستویین الإداری والعلمی من أجل إنجاح مهمّة هذا الکتاب.

فللجمیع دعائی بکلّ خیر وتوفیق.

هذا، وکلّنا أمل بالمحققین الکرام والأساتذة والخطباء والقرّاء الأعزاء، أن یجودوا علینا ویتحفوننا بما تؤول إلیه أنظارهم من نقد، أو إشکال، أو ملاحظات تسهم فی

ص:20

خدمة هذا الکتاب ورفع نواقصه.

نسأل الله سبحانه وتعالی أنْ یتقبّل منّا هذا الیسیر، وأن یجعل الحسین علیه السلام شفیعنا یوم لا ینفع مال ولا بنون إلّا مَن أتی الله بقلب سلیم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی محمد وآله الطاهرین.

حکمت الرحمة

hekmat.alrahma@gmail.com

ص:21

مبحث تمهیدی حول معنی الکرامات وتحقّقها للأحیاء والأموات عند أهل السنّة

اشارة

ص:22

ص:23

أولاً: معنی الکرامات

اشارة

من الواضح للمتتبّع أن لیس ثمّة خلاف کبیر فی تحقّق أصل الکرامات للأولیاء، وأنّ هذا الموضوع لیس من مختصّات الشیعة، بل علیه جمهور أهل السنّة بما فیهم الفرقة السلفیة، یقول ابن تیمیة: «کرامات الأولیاء حق باتفاق أئمة أهل الإسلام والسنّة والجماعة، وقد دلّ علیها القرآن فی غیر موضع والأحادیث الصحیحة والآثار المتواترة عن الصحابة والتابعین وغیرهم، وإنما أنکرها أهل البدع من المعتزلة والجهمیة ومن تابعهم...»((1)).

وذکروا فی عقائد الإمام أحمد بن حنبل، أنّه کان یذهب إلی جواز الکرامات للأولیاء وینکر علی مَن ردّها ویضلّله((2)).

وقال الطحاوی متحدِّثاً عن الأولیاء: «ونؤمن بما جاء من کراماتهم، وصحّ عن الثقات من روایاتهم»((3)).

وقال السبکی: «وکرامات الأولیاء حق»، وفسّرها المحلّی: أی جائزة وواقعة((4)).


1- البعلیّ، محمد بن علی، مختصر الفتاوی المصریة لابن تیمیة: ص600.
2- ابن حنبل، أحمد، العقیدة (روایة أبی بکر الخلال): ص125- 126.
3- اُنظر: ابن أبی العز الحنفی، شرح العقیدة الطحاویة: ص558.
4- اُنظر: العطار الشافعی، حسن بن محمّد، حاشیة العطار علی شرح الجلال المحلی علی جمع الجوامع: ج2، ص481.

ص:24

وقال ابن عابدین: «کرامات الأولیاء ثابتة»((1)).

وذکر النووی أنّ إثبات الکرامات هو مذهب أهل السنّة((2))، وعقد فی کتابه (ریاض الصالحین) باباً أسماه: باب کرامات الأولیاء وفضلهم((3)).

وقال القرطبی: «کرامات الأولیاء ثابتة، علی ما دلّت علیه الأخبار الثابتة، والآیات المتواترة، ولا ینکرها إلّا المبتدع الجاحد، أو الفاسق الحائد»((4)).

وعدّ الذهبی إنکار الإسفرایینی لکرامات الأولیاء بأنّها زلّة کبیرة((5)).

کما أنّ المتتبّع لشراح الحدیث سیجدهم یعلقون عقب الکثیر من الأحادیث والحوادث الدالّة علی کرامات معیّنة ما حاصله: وفیه إثبات کرامات الأولیاء.

وممّا جاء فی جواب محمد بن عبد الوهاب لأهل القصیم فی بیان عقیدته إجمالاً: «وأقرّ بکرامات الأولیاء وما لهم من المکاشفات»((6)).

وفی کتاب أُصول الإیمان فی ضوء الکتاب والسنّة: «الإیمان بمعجزات الأنبیاء وکرامات الأولیاء أصل من أُصول الإیمان دلّت علیه نصوص الکتاب والسنّة والواقع المشاهد فیجب علی المسلم اعتقاد صحّة ذلک وأنّه حق. وإلّا فالتکذیب بذلک أو إنکار شیء منه ردّ للنصوص ومصادمة للواقع وانحراف کبیر عمّا کان علیه أئمّة الدین وعلماء المسلمین فی هذا الباب»((7)).


1- ابن عابدین، محمد، حاشیة ردّ المحتار علی الدر المختار: ج1، ص465.
2- النیسابوری، مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم بشرح النووی: ج14، ص19.
3- النووی، یحیی بن شرف، ریاض الصالحین: ص587.
4- القرطبی، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القران(تفسیر القرطبی): ج11، ص28.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج17، ص355.
6- علماء نجد الأعلام، الدرر السنیة فی الأجوبة النجدیة: ج1، ص32.
7- نخبة من العلماء، أصول الإیمان فی ضوء الکتاب والسنّة: ص204.

ص:25

وقد أفرد عدّة من علماء أهل السنّة مصنّفات فی خصوص کرامات الأولیاء، کأبی بکر الخلال وابن الأعرابی وابن أبی الدنیا واللالکائی وغیرهم.

هذا، وقد أنکر المعتزلة الکرامات، وأثبتها منهم أبو الحسین البصری((1))، وکذلک أنکرها من الأشاعرة الأستاذ أبو إسحاق الإسفرایینی وأبو عبد الله الحلیمی((2)).

وقد تصدّی عدّة من العلماء للإجابة عن شبهات المنکرین لا نری ضرورة لذکرها((3)).

والخلاصة أنّ کرامات الأولیاء ثابتة عند جمهور أهل السنّة.

بقی أنْ نعرف المراد من الأولیاء ثمّ المراد من الکرامات.

أمّا المراد من الأولیاء فی الجملة فهم أهل الإیمان والتقوی والصلاح، قال تعالی: (إِنْ أَوْلِیَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ)((4)) وقال أیضاً: (أَلا إِنَّ أَوْلِیَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ * الَّذِینَ آمَنُواْ وَکَانُواْ یَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَی فِی الْحَیاةِ الدُّنْیَا وَفِی الآخِرَةِ لاَ تَبْدِیلَ لِکَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ)((5))، وورد عن النبی صلی الله علیه و آله فی الحدیث المتّفق علیه بین المسلمین أنّه قال - کما فی لفظ البخاری -: «إنّ الله قال: مَن عادی لی ولیاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلیّ عبدی بشیء أحبّ إلیّ ممّا افترضت علیه وما یزال عبدی یتقرّب إلیّ بالنوافل حتّی أحبّه فإذا أحببته کنت سمْعَه الذی یسمع به


1- اُنظر: فخر الدین الرازی، محمد بن عمر، الأربعون فی أصول الدین: ج2، ص199. الأیجی، عبد الرحمن بن أحمد، المواقف: ج3، ص464.
2- اُنظر: الأیجی، عبد الرحمن بن أحمد، المواقف: ج3، ص464. لوامع الأنوار، السفارینی، محمد بن أحمد بن سالم الحنبلی: ج2، ص394.
3- اُنظر فی ذلک: فخر الدین الرازی، محمد بن عمر، الأربعون فی أُصول الدین: ج2، ص203 - 205.
4- الأنفال: الآیة34.
5- یونس: الآیة62- 64.

ص:26

وبصره الذی یبصر به ویده التی یبطش بها ورجله التی یمشی بها، وإنْ سألنی لأعطینه، ولئن استعاذنی لأعیذنه، وما ترددت عن شیء أنا فاعله تردّدی عن نفس المؤمن یکره الموت وأنا أکره مساءته»((1)).

وقد عرّفهم جلال الدین المحلی، بقوله: «وهم العارفون بالله تعالی حسبما یمکن المواظبون علی الطاعات، المجتنبون للمعاصی المعرضون عن الانهماک فی اللذات والشهوات»((2)).

وعرفهم ابن حجر العسقلانی، بقوله: «المراد بولی الله العالم بالله المواظب علی طاعته المخلص فی عبادته»((3)).

وعرّفهم المعاصر حسن السقاف بقوله: «والصحیح عندنا فی تعریف الولی هو: المسلم المؤمن الذی تعلّم ما یجب علیه معرفته من التوحید والفقه الضروری، المحافظ علی أداء الفرائض ثمّ الزائد علیهما من النوافل، ولا یشترط الإتیان بالنوافل کلّها، وإنّما بقدر الاستطاعة، المتوجه بصدق القلب والإخلاص لله تعالی فی أعماله، الذی تکره نفسه المعاصی وتحبّ الطاعات، الغائر علی حرمات الله تعالی المهتم بأمر المسلمین، ولا یشترط فی حقّه ظهور کرامة علی یدیه. هذا هو التعریف الصحیح الجامع المانع فی تعریف الولی عندنا»((4)).

وأمّا الکرامات فهی جمع کرامة، وقد عرّفوا الکرامة بأنّها: «أمر خارق للعادة، یجریه


1- البخاری، محمد بن إسماعیل، صحیح البخاری: ج7، ص190.
2- العطار الشافعی، حسن بن محمّد، حاشیة العطار علی شرح الجلال المحلی علی جمع الجوامع: ج2، ص481.
3- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، فتح الباری شرح صحیح البخاری: ج11، ص293.
4- السقاف، حسن بن علی، صحیح شرح العقیدة الطحاویة: ص616.

ص:27

الله تعالی علی ید ولی؛ تأییداً له، أو إعانة، أو تثبیتاً، أو نصراً للدین»((1)).

وعرّفوها أیضاً بأنّها: أمر خارق للعادة غیر مقرون بدعوی النبوّة ولا هو مقدّمة، یظهر علی ید عبدٍ ظاهر الصلاح، ملتزم لمتابعة نبی کُلِّف بشریعته مصحوب بصحیح الاعتقاد والعمل الصالح، علم بها ذلک العبد الصالح أم لم یعلم((2)).

ویظهر ممّا تقدّم أنّ حقیقة الکرامة تتقوم بثلاثة أمور أساسیّة، وهی:

1 - أنْ تکون خارقة للعادة.

2 - أنْ لا تکون مقرونة بدعوی النبوّة.

3 - وکونها علی ید ولی.

وأمّا أهدافها والأغراض التی تقوم من أجلها فقد تکون متعدّدة ومختلفة بحسب موارد صدورها، وإنْ کان أکثر أهدافها یدخل تحت عنوان نصرة الدین، فالکرامات التی تقوم لإثبات حق معین، أو بیان باطل ما، أو دفع شبهة من الأذهان، أو تأییداً لشخص ما، کلّها تدخل فی الحقیقة فی باب نصرة الدین.

ومن قیود التعریف أعلاه أخرجوا عدّة من الأمور، فبقولهم (خارق للعادة) خرج ما کان علی وفق العادة من أعمال، وخرج بقولهم (غیر مقرون بدعوی النبوّة)، معجزات الأنبیاء، کما خرج بقولهم (ولا هو مقدمة لها) إرهاصات النبوّة وهی الخوارق التی تتقدّم النبوّة.

کما خرج بقولهم (علی ید ولی أو علی ید عبد ظاهر الصلاح) ما یحصل للمشعوذین والسحرة والکهان من سحر وشعبذة.


1- العثیمین، محمد بن صالح بن محمد، شرح العقیدة الواسطیة: ج2، ص298.
2- اُنظر: السفارینی الحنبلی، محمد بن أحمد، لوامع الأنوار البهیة: ج2، ص392. واُنظر: السجاعی، أحمد بن أحمد، رسالة فی إثبات کرامات الأنبیاء: ص3.

ص:28

غیر أنّ المهم فیما تقدّم هو التفریق بین الکرامة والمعجزة، فهل أنّه لا فرق فی حقیقة الأمرین سوی التحدّی وادّعاء النبوّة، فالمعجزة ما صدرت علی ید نبی فی مقام التحدّی، بخلاف الکرامة إذ لا تحدی فیها، أم أنّ الکرامة لا بدّ أنْ تکون دون المعجزة؟

ذهب عدد کبیر من العلماء إلی عدم الفرق بین المعجزة والکرامة سوی ما ذکرنا، قال ابن عابدین: «والحاصل أنه لا خلاف عندنا فی ثبوت الکرامة، وإنّما الخلاف فیما کان من جنس المعجزات الکبار، والمعتمد الجواز مطلقاً إلّا فیما ثبت بالدلیل عدم إمکانه کالإتیان بسورة»((1)).

وقال النووی: «إنّ الکرامات قد تکون بخوارق العادات علی جمیع أنواعها ومنعه بعضهم وادّعی أنّها تختصّ بمثل إجابة دعاء ونحوه، وهذا غلط من قائله، وإنکار للحسّ، بل الصواب جریاناً بقلب الأعیان وإحضار الشیء من العدم ونحوه»((2)).

وقد أوضح ذلک الفقیه ابن حجر وذکر عدّة من العلماء الذین أشاروا إلی المائز الرئیس بین المعجزة والکرامة، فقال: «الذی علیه معظم الأئمّة أنّه یجوز بلوغها مبلغ المعجزة فی جنسها وعظمها، وإنّما یفترقان فی أنّ المعجزة تقترن بدعوی النبوّة، أی باعتبار الجنس أو ما من شأنه وإلّا فأکثر معجزات الأنبیاء لا سیما نبیّنا محمّد وقعت من غیر ادّعاء نبوّة، والکرامة تقترن بدعوی الولایة أو تظهر علی ید الولی من غیر دعوی شیء وهو الأکثر فمن أولئک الأئمّة الإمام أبو بکر بن فورک وعبارته: المعجزات دلالات الصدق ثم إنْ ادّعی صاحبها النبوّة فالمعجزة تدلّ علی صدقه فی مقالته فإنْ أشار صاحبها إلی الولایة دلّت المعجزة علی صدقه فی مقالته فتسمّی کرامة ولا تسمی معجزة، وإن


1- ابن عابدین، محمد، حاشیة ردّ المختار: ج3، ص606.
2- النیسابوری، مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم بشرح النووی: 16، ص108.

ص:29

کانت من جنس المعجزات»، وذکر عدّة من العلماء الذین ذهبوا إلی ذلک، وأوضح عباراتهم منهم: إمام الحرمین، وأبو حامد الغزالی، والفخر الرازی، والبیضاوی، وحافظ الدین النسفی، وأبو القاسم القشیری.

ثمّ ذکر کلاماً للیافعی یفید ما تقدّم، فقال: «قال الإمام الیافعی بعد نحو ذلک عن هؤلاء الأئمّة وغیرهم: فهؤلاء اتّفقوا علی أنّ الفارق بینهما هو تحدّی النبوّة فقط، ولم یشترط أحد منهم کون الکرامة دون المعجزة فی جنسها وعظمها؛ فدلّ ذلک علی جواز استوائهما فیما عدا التحدّی کما صرّح به إمام الحرمین، فیجوز اجتماعهما فیما عدا التحدّی من سائر الخوارق حتّی إحیاء الموتی»((1)).

ثمّ ذکر عدّة کرامات حصلت وتمّ فیها إحیاء الموتی من الحیوانات((2)).

وجاء فی حاشیة العطار: «والمعجزة المؤید بها الرسل أمر خارق للعادة بأنْ یظهر علی خلافها کإحیاء میت وإعدام جیل وانفجار الماء من بین الأصابع مقرون بالتحدّی منهم مع عدم المعارضة من المرسل إلیهم بأنْ لا یظهر منهم مثل ذلک الخارق، والتحدّی الدعوی للرسالة، فخرج غیر الخارق کطلوع الشمس کل یوم، والخارق من غیر تحدٍّ وهو کرامة الولی»((3)).

وفی کلام آخر لابن عابدین فی ردّه علی المعتزلة((4)) وتمییزه بین المعجزة والکرامة، قال: «إنّ المعجزة لا بدّ أن تکون ممّن یدّعی الرسالة تصدیقاً لدعواه والولی لا بدّ من أن


1- ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الفتاوی الحدیثیة: ص301 - 302.
2- المصدر السابق: ص302 - 303.
3- العطار الشافعی، حسن بن محمّد، حاشیة العطار علی شرح الجلال المحلی علی جمع الجوامع: ج2، ص474.
4- وقد عُرِف عن المعتزلة إنکارهم للکرامة وذلک لالتباسها بالمعجزة وعدم إمکان التفریق بینهما فلا یتمیّز بین النبیّ وغیره کما یدّعون.

ص:30

یکون تابعاً لنبی وتکون کرامته معجزة لنبیه لأنّه لا یکون ولیاً ما لم یکن محقّاً فی دیانته واتّباعه لنبیّه حتی لو ادّعی الاستقلال بنفسه وعدم المتابعة لم یکن ولیاً، بل یکون کافراً ولا تظهر له کرامة، فالحاصل أن الأمر الخارق للعادة بالنسبة إلی النبی معجزة سواء ظهر من قِبَله أو من قِبَل آحاد أُمّته وبالنسبة إلی الولی کرامة لخلوه عن دعوی النبوّة»((1)).

وفی کتاب أُصول الإیمان فی ضوء الکتاب والسنّة لنخبة من العلماء: «الفرق بین المعجزة والکرامة: أنّ المعجزة تکون مقرونة بدعوی النبوّة، بخلاف الکرامة فإنّ صاحبها لا یدّعی النبوّة وإنّما حصلت له الکرامة باتّباع النبیّ والاستقامة علی شرعه، فالمعجزة للنبی والکرامة للولی، وجماعهما الأمر الخارق للعادة، وذهب بعض الأئمّة من العلماء: إلی أنّ کرامات الأولیاء فی الحقیقة تدخل فی معجزات الأنبیاء لأنّ الکرامات إنّما حصلت للولی باتّباع الرسول، فکلّ کرامة لولی هی من معجزات رسوله الذی یعبد الله بشرعه»((2)).


1- ابن عابدین، محمد، حاشیة رد المختار: ج3، ص605.
2- نخبة من العلماء، أصول الإیمان فی ضوء الکتاب والسنّة: ص203.

ص:31

الأدلّة علی جواز الکرامات

اشارة

وقد ذکروا أدلّة متنوعة علی حصول الکرامات منها ما دلّ علی أصل جوازها ومنها ما دلّ علی وقوعها وهو کثیر جدّاً.

فما دلّ علی جوازها ما ذکروه من الدلیل العقلی وهو أنّ وجود الممکنات مستند إلی قدرته تعالی الشاملة لجمیعها، فلا یمتنع شیء منها علی قدرته، ولا شک أنّ الکرامة أمر ممکن، ولا یلزم من فرض وقوعها محال لذاته((1)).

وأضاف بعضهم: «ویدلّ علی ذلک وقوع المعجزة، فیلزم من إنکار الکرامة إنکار المعجزة لأنّ کلاهما خارق للعادة، وإنّما امتازت المعجزة عن الکرامة بأنّ المعجزة مقرونة بادّعاء النبوّة وبرهان علیها»((2)).

وذکر الفخر الرازی فی أربعینه أنّ تشریف الله تعالی عبده بمعرفته ومحبّته أعظم وأعلی من إعطائه رغیفاً فی المفازة أو سقیه شربة من الماء، وإذا لم یبعد الأوّل، کیف یبعد الثانی((3)).

کما ذکر وجوهاً عقلیة عدیدة للجواز فی تفسیره لا نری ضرورة لذکرها((4)).

وقال النووی: «اعلم أنّ مذهب أهل الحق إثبات کرامات الأولیاء وأنّها واقعة


1- اُنظر: الأیجی، عبد الرحمن بن أحمد، المواقف: ج3، ص465. السجاعی، أحمد بن أحمد، رسالة فی إثبات کرامات الأنبیاء: ص3. الهلالی، سلیم بن عید، بهجة الناظرین شرح ریاض الصالحین: ج2، ص594.
2- الهلالی، سلیم بن عید، بهجة الناظرین شرح ریاض الصالحین: ج2، ص594 - 595.
3- فخر الدین الرازی، محمد بن عمر، الأربعون فی أصول الدین: ج2، ص203.
4- اُنظر: فخر الدین الرازی، محمد بن عمر، تفسیر الرازی: ج21، ص76 - 77.

ص:32

موجودة مستمرّة فی الأعصار ویدّل علیه دلائل العقول وصرائح النقول، أما دلائل العقل فهی أمر یمکن حدوثه ولا یؤدی وقوعه إلی رفع أصل من أُصول الدین فیجب وصف الله تعالی بالقدرة علیه وما کان مقدوراً کان جائز الوقوع»((1)).

وأمّا ما دلّ علی وقوعها فقد ذکروا کرامات وردت فی القرآن الکریم وکرامات عدیدة جرت للصحابة والتابعین وغیرهم، وهی کثیرة جدّاً، منها:

الأول: ما ورد فی القرآن الکریم

وهی عدیدة، منها:

1 - ذکروا أنّه من الکرامات الثابتة بالقرآن قصّة أصحاب الکهف، الذین عاشوا فی قوم مشرکین، وهم قد آمنوا بالله، وخافوا أنْ یغلبوا علی أمرهم، فخرجوا من القریة مهاجرین إلی الله (عزّ وجلّ)، فیسّر الله لهم غاراً فی جبل، وجه هذا الغار إلی الشمال، فلا تدخل الشّمس علیهم فتفسد أبدانهم ولا یحرمون منها، إذا طلعت، تزاور عن کهفهم ذات الیمین، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وهم فی فجوة منه، وبقوا فی هذا الکهف ثلاث مائة سنین وازدادوا تسعاً، وهم نائمون، یقلبهم الله ذات الیمین وذات الشمال، فی الصیف وفی الشتاء، لم یزعجهم الحر، ولم یؤلمهم البرد، ما جاعوا وما عطشوا وما ملّوا من النوم، فهذه کرامة بلا شک، بقوا هکذا حتّی بعثهم الله وقد زال الشرک عن هذه القریة، فسلموا منه((2)).


1- النووی، یحیی بن شرف، بستان العارفین: ص59.
2- اُنظر: العثیمین، محمد بن صالح بن محمد، شرح العقیدة الواسطیة: ج2، ص299. وذکر هذه الکرامة أو أشار إلیها عدّة آخرین، فاُنظر: الأیجی، عبد الرحمن بن أحمد، المواقف: ج3، ص465. النووی، یحیی بن شرف، ریاض الصالحین: ص587، فخر الدین الرازی، محمد بن عمر، الأربعون فی أصول الدین: ج2، ص203. ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الفتاوی الحدیثیة: ص301.

ص:33

2 - ومن ذلک قصّة مریم علیها السلام ، وما حصل لها من الحبل من غیر ذکر، وحضور الرزق عندها من غیر سبب ظاهر، وتساقط الرطب علیها من النخلة فی غیر أوان الرطب((1)).

3 - ومن ذلک قصّة الرجل الذی أماته الله مائة عام ثمّ بعثه؛ کرامة له، لیتبیّن له قدرة الله تعالی، ویزداد ثباتاً فی إیمانه((2)).

4 - ومن ذلک قصة آصف بن برخیا، فإنّ إحضاره لعرش بلقیس فی لحظة من مسیرة شهر خارق للعادة حتماً((3)).

وقد ذکر النووی عدّة من الآیات القرآنیة الدالّة علی وقوع الکرامات فلیراجع((4)).

الثانی: ما نقلوه علی لسان النبیّ صلی الله علیه و آله من وقوع کرامات

وهی عدیدة، منها:

1 - تکلیم الطفل لجریج العابد، وقد أشار إلیه ابن حجر الهیتمی((5))، وذکره الفخر


1- اُنظر فی ذلک: فخر الدین الرازی، محمد بن عمر، الأربعون فی أصول الدین: ج2، ص202. الأیجی، عبد الرحمن بن أحمد، المواقف: ج3، ص465. النووی، یحیی بن شرف، ریاض الصالحین: ص587. اللالکائی، هبة الله بن الحسن، کرامات الأولیاء: ص70، ص74 - 77. ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الفتاوی الحدیثیة: ص301. العثیمین، محمد بن صالح بن محمد، شرح العقیدة الواسطیة: ج2، ص299.
2- العثیمین، محمد بن صالح بن محمد، شرح العقیدة الواسطیة: ج2، ص299.
3- الأیجی، عبد الرحمن بن أحمد، المواقف: ج3، ص465. السفارینی، محمد بن أحمد، لوامع الأنوار: ج2، ص394. اللالکائی، هبة الله بن الحسن، کرامات الأولیاء: ص71 - 74، ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الفتاوی الحدیثیة: ص301.
4- النووی، یحیی بن شرف، بستان العارفین: ص59 - 60.
5- ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الفتاوی الحدیثیة: ص301.

ص:34

الرازی((1))، وهو الحدیث المروی فی الصحیحین، عن أبی هریرة عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنّه قال: «قال لم یتکلّم فی المهد إلّا ثلاثة عیسی ابن مریم وصاحب جریج وکان جریج رجلاً عابداً فاتّخذ صومعة فکان فیها فأتته أُمّه وهو یصلّی فقالت: یا جریج فقال: یا ربّ أُمّی وصلاتی. فأقبل علی صلاته فانصرفت، فلمّا کان من الغد أتتْه وهو یصلّی فقالت: یا جریج. فقال: یا ربّ أُمّی وصلاتی. فأقبل علی صلاته، فانصرفت، فلمّا کان من الغد أتتْه وهو یصلّی فقالت: یا جریج، فقال: أی ربّ أُمّی وصلاتی. فأقبل علی صلاته، فقالت: اللّهم لا تمته حتی ینظر إلی وجوه المومسات فتذاکر بنو إسرائیل جریجاً وعبادته، وکانت امرأة بغی یُتمثّل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه لکم! قال: فتعرضت له فلم یلتفت إلیها فأتت راعیاً کان یأوی إلی صومعته فأمکنته من نفسها فوقع علیها فحملت، فلمّا ولدت قالت: هو من جریج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا یضربونه فقال: ما شأنکم قالوا: زنیتَ بهذه البغی فولدت منک. فقال: أین الصبی فجاؤوا به فقال: دعونی حتی أُصلّی فصلّی فلمّا انصرف أتی الصبی فطعن فی بطنه وقال: یا غلام، مَن أبوک؟ قال: فلان الراعی. قال: فاقبلوا علی جریج یقبّلونه ویتمسّحون به، وقالوا: نبنی لک صومعتک من ذهب. قال: لا أعیدوها من طین کما کانت. ففعلوا...»((2)).

2 - انفراج الصخرة عن الثلاثة الذین فی الغار بدعائهم، وقد أشار إلیه الهیثمی أیضاً((3))، وذکره الفخر الرازی((4)) وهو ما ورد عن عبد الله بن عمر، أنّه سمع النبیّ صلی الله علیه و آله


1- فخر الدین الرازی، محمد بن عمر، تفسیر الرازی: ج21، ص73.
2- النیسابوری، مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم: ج8، ص4، وفی: البخاری، محمد بن إسماعیل، صحیح البخاری: ج4، ص140، بنحو من الاختصار. واُنظر: کرامات الأولیاء للالکائی: ص87.
3- اُنظر: ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الفتاوی الحدیثیة: ص301.
4- اُنظر: فخر الدین الرازی، محمد بن عمر، تفسیر الرازی: ج21، ص73 - 74.

ص:35

قال: «عن ابن عمر (رضی الله عنهما)، عن النبی (صلّی الله علیه وسلّم) قال: خرج ثلاثة یمشون فأصابهم المطر فدخلوا فی غار فی جبل فانحطت علیهم صرخة، قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه. فقال أحدهم اللّهم إنّی کان لی أبوان شیخان کبیران فکنت أخرج فأرعی ثمّ أجیء فأحلب فأجیء بالحلاب فأتی به أبوی فیشربان ثم أسقی الصبیة وأهلی وامرأتی فاحتبست لیلة فجئت فإذا هما نائمان قال فکرهت أن أوقظهما والصبیة یتضاغون عند رجلی فلم یزل ذلک دأبی ودأبهما حتی طلع الفجر، اللّهم إن کنت تعلم أنّی فعلت ذلک ابتغاء وجهک فافرج عنّا فرجة نری منها السماء قال: ففرج عنهم وقال الآخر اللّهم إن کنت تعلم أنّی کنت أحبّ امرأة من بنات عمی کأشدّ ما یحبّ الرجل النساء، فقالت: لا تنال ذلک منها تعطیها مائة دینار فسعیت فیها حتی جمعتها، فلمّا قعدت بین رجلیها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلّا بحقّه فقمت وترکتها، فإن کنت تعلم أنّی فعلت ذلک ابتغاء وجهک فافرج عنّا فرجة. قال: ففرج عنهم الثلثین، وقال الآخر: اللّهم إن کنت تعلم أنّی استأجرت أجیراً بفرق من ذرّة فأعطیته وأبی ذلک أن یأخذ فعمدت إلی ذلک الفرق فزرعته حتی اشتریت منه بقراً وراعیها، ثمّ جاء فقال: یا عبد الله، أعطنی حقّی فقلت: انطلق إلی تلک البقر وراعیها، فإنّها لک فقال أتستهزئ بی؟ قال: فقلت: ما استهزئ بک، ولکنّها لک، اللّهم إن کنت تعلم أنّی فعلت ذلک ابتغاء وجهک فافرج عنّا. فکُشِف عنهم»((1)).

3 - قصّة البقرة التی کلّمت صاحبها، وکذلک تکلّم الذئب، وهو ما رواه أبو هریرة عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنّه قال: «بینما رجل یسوق بقرة له قد حمل علیها التفتت إلیه البقرة


1- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، صحیح البخاری: ج3، ص37 - 38، ص51 - 52، النیسابوری، مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم: ج8، ص89 - 90. اللالکائی، هبة الله بن الحسن، کرامات الأولیاء: ص83 - 85.

ص:36

فقالت: إنّی لم أُخلق لهذا، ولکنی إنّما خُلقت للحرث. فقال الناس: سبحان الله! تعجباً وفزعاً أبقرة تکلم، فقال رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم): فإنّی أؤمن به وأبو بکر وعمر. قال أبو هریرة قال رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) بینا راعٍ فی غنمه عدا علیه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعی حتی استنقذها منه فالتفت إلیه الذئب، فقال له: مَن لها یوم السبع یوم لیس لها راعٍ غیری. فقال الناس: سبحان الله! فقال رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم): فإنی أؤمن بذلک أنا وأبو بکر وعمر»((1)).

4 - ما ورد فی تکلم السحابة وسماع صوتها، وهو ما ورد عن أبی هریرة عن النبی أنّه قال: «بینا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتاً فی سحابة اسقِ حدیقة فلان. فتنحی ذلک السحاب فافرغ ماءه فی حرة فإذا شرجة من تلک الشراج قد استوعبت ذلک الماء کلّه فتتبّع الماء فإذا رجل قائم فی حدیقته یحول الماء بمسحاته فقال له: یا عبد الله، ما اسمک؟ قال: فلان للاسم الذی سمع فی السحابة. فقال له: یا عبد الله، لِمَ تسألنی عن اسمی؟ فقال: إنّی سمعت صوتاً فی السحاب الذی هذا ماؤه یقول اسقِ حدیقة فلان لاسمک، فما تصنع فیها؟ قال: أما إذا قلت هذا فأنّی أنظر إلی ما یخرج منها فأتصدّق بثلثه وآکل أنا وعیالی ثلثاً وأرد فیها ثلثه»((2)).

إلی غیر ذلک من الأحادیث الکثیرة التی سیقت فی المقام.


1- النیسابوری، مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم: ج7، ص111، وبنحوه فی: البخاری، محمد بن إسماعیل، صحیح البخاری: ج4، ص192. واُنظر: اللالکائی، هبة الله بن الحسن، کرامات الأولیاء: ص89.
2- النیسابوری، مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم: ج8، ص222 - 223. واُنظر: اللالکائی، هبة الله بن الحسن، کرامات الأولیاء: ص86.

ص:37

الثالث: ما وقع للصحابة والتابعین وغیرهم من الکرامات

وهنا ذکروا کرامات کثیرة، ونحن نورد نماذج ممّا ذکروه، فقد قال ابن تیمیة: «وکرامات الصحابة والتابعین بعدهم وسائر الصالحین کثیرة جدّاً، مثل ما کان أسید بن حضیر یقرأ سورة الکهف فنزل من السماء مثل الظلة فیها أمثال السرج، وهی الملائکة نزلت لقرائته وکانت الملائکة تسلِّم علی عمران بن حصین.

وکان سلمان وأبو الدرداء یأکلان فی صحفة، فسبحت الصحفة أو سبح ما فیها.

وعباد بن بشر وأسید بن حضیر خرجا من عند رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) فی لیلة مظلمة، فأضاء لهما نور مثل طرف السوط، فلمّا افترقا، افترق الضوء معهما، رواه البخاری وغیره.

وقصة الصدیق فی الصحیحین «لما ذهب بثلاثة أضیاف معه إلی بیته، وجعل لا یأکل لقمة إلا ربا من أسفلها أکثر منها، فشبعوا وصارت أکثر مما هی قبل ذلک.

فنظر إلیها أبو بکر وامرأته، فإذا هی أکثر مماکانت، فرفعها إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم، وجاء إلیه أقوام کثیرون فأکلوا منها وشبعوا».

وخبیب بن عدی کان أسیرا عند المشرکین بمکة شرفها الله تعالی، وکان یؤتی بعنب یأکله ولیس بمکة عنبة.

وعامر بن فهیرة قتل شهیدا، فالتمسوا جسده فلم یقدروا علیه، وکان لما کان قتل رفع، فرآه عامر بن الطفیل وقد رفع.

وقال عروة: فیرون الملائکة رفعته وخرجت أم أیمن مهاجرة ولیس معها زاد ولا ماء، فکادت تموت من العطش، فلما کان وقت الفطر وکانت صائمة، سمعت حسا علی رأسها، فرفعته فإذا دلو معلق، فشربت منه حتی رویت، وما عطشت بقیة عمرها... وسفینة مولی رسول الله (صلی الله علیه وسلّم) أخبر الأسد بأنّه رسول رسول الله

ص:38

(صلّی الله علیه وسلّم)، فمشی معه الأسد حتی أوصله مقصده... والبراء بن مالک کان إذا أقسم علی الله تعالی أبر قسمه، وکان الحرب إذا اشتدّت علی المسلمین فی الجهاد یقولون: یا براء! أقسم علی ربّک، فیقول: یا ربّ! أقسمت علیک لما منحتنا أکتافهم، فیهزم العدو، فلمّا کان یوم القادسیة، قال: أقسمت علیک یا ربّ لما منحتنا أکتافهم وجعلتنی أوّل شهید. فمنحوا أکتافهم وقتل البراء شهیداً.

وخالد بن الولید حاصر حصناً منیعاً، فقالوا: لا نسلِّم حتی تشرب السم، فشربه فلم یضره.

وسعد بن أبی وقاص کان مستجاب الدعوة، ما دعا قط إلّا استُجیب له، وهو الذی هزم جنود کسری وفتح العراق.

وعمر بن الخطاب لما أرسل جیشاً أمر علیهم رجلاً یسمی ساریة، فبینما عمر یخطب فجعل یصیح علی المنبر: یا ساریة، الجبل! یا ساریة، الجبل الجبل! فقدم رسول الجیش فسأله، فقال یا أمیر المؤمنین، لقینا عدونا فهزمونا فإذا بصائح: یا ساریة الجبل! یا ساریة الجبل! فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله». وذکر کثیراً من الکرامات إلی أن قال: «وهذا باب واسع، وقد بُسِط الکلام علی کرامات الأولیاء فی غیر هذا الموضع» ثمّ قال: «وأمّا ما نعرفه نحن عیاناً ونعرفه فی هذا الزمان فکثیر»((1)).

کما أنّ من الکرمات التی ذکرها ابن تیمیة هی إحیاء الموتی، فقال: «وصلة بن أشیم مات فرسه وهو فی الغزو، فقال: اللّهم لا تجعل لمخلوق علیّ مِنّة. ودعا الله (عزّ وجلّ) فأحیا له، فرسه، فلمّا وصل إلی بیته قال: یا بنی خذ سرج الفرس فإنّه عاریة، وأخذ


1- ابن تیمیة الحرانی، أحمد بن عبد الحلیم، الفرقان بین أولیاء الرحمن وأولیاء الشیطان: ص158- 166.

ص:39

سرجه فمات الفرس»((1)).

وقال أیضاً: «ورجل من النخع کان له حمار فمات فی الطریق، فقال له أصحابه: هلم نتوزع متاعک علی رحالنا، فقال لهم: أمهلونی هنیهة، ثمّ توضأ فأحسن الوضوء وصلّی رکعتین، ودعا الله تعالی فأحیا له حماره، فحمل علیه متاعه»((2)).

وقال فی کتاب آخر حول هذا الموضوع - أعنی إحیاء الموتی -: «فإنّه لا ریب أنّ الله خصّ الأنبیاء بخصائص لا توجد لغیرهم ولا ریب أنّ من آیاتهم ما لا یقدر أن یأتی به غیر الأنبیاء، بل النبی الواحد له آیات لم یأتِ بها غیره من الأنبیاء، کالعصا والید لموسی وفرق البحر، فإنّ هذا لم یکن لغیر موسی، وکانشقاق القمر، والقرآن وتفجیر الماء من بین الأصابع وغیر ذلک من الآیات التی لم تکن لغیر محمد من الأنبیاء، وکالناقة التی لصالح فإن تلک الآیة لم یکن مثلها لغیره وهو خروج ناقة من الأرض بخلاف إحیاء الموتی فإنّه اشترک فیه کثیر من الأنبیاء، بل ومن الصالحین»((3)).

وقال أیضاً: «وقد یکون إحیاء الموتی علی ید أتباع الأنبیاء کما قد وقع لطائفة من هذه الأُمّة ومن أتباع عیسی فإنّ هؤلاء یقولون: نحن إنّما أحیی الله الموتی علی أیدینا لاتّباع محمد أو المسیح فبإیماننا بهم وتصدیقنا لهم أحیی الله الموتی علی أیدینا فکان إحیاء الموتی مستلزماً لتصدیقه عیسی ومحمداً»((4)).

وعوداً علی ما نقلوه من الکرامات العدیدة فقد ذکر ابن حجر الهیتمی عدّة من الکرامات وختمها بما صحّ فی صحیح مسلم: «رُبّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو


1- المصدر السابق: ص163- 164.
2- المصدر السابق: ص164.
3- ابن تیمیة الحرانی، أحمد بن عبد الحلیم، النبوات: ص218.
4- المصدر السابق: ص213.

ص:40

أقسم علی الله لأبره»، وتعقبه بقوله: «قیل: لو لم یکن إلّا هذا الحدیث لکفی فی الدلالة لهذا المبحث»((1)).

وذکر السفارینی أنّ کرامات الأولیاء ثابتة بالعیان والبرهان، فمن جملة ما ذُکر بعض الآیات القرآنیة المشار إلیها فیما سبق، ثمّ قال: «وثانیاً: ما تواتر معناه وإنْ کانت تفاصیله آحاداً من کرامات الصحابة والتابعین ومن بعدهم وإلی وقتنا هذا ممّا ذاع وشاع، وملأ الآفاق والأسماع، وضاقت عن إحصائه الدفاتر، وشهدت بوجوده الأکابر والأصاغر، ولا ینکره إلا معاند ومکابر، فلا جرم فهو الحقّ الصراح الرادع لأهل الإنکار والکفاح...»((2)).


1- ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الفتاوی الحدیثیة: ص301.
2- السفارینی الحنبلی، محمد بن أحمد، لوامع الأنوار البهیة: ج2، ص394.

ص:41

ثانیاً: فی شمولها للإحیاء والأموات

اشارة

اتّضح ممّا سبق أنّه لا شکّ ولا ریب فی ثبوت الکرامات، وذکرنا أدلّة وأمثلة کثیرة علی ذلک، إلّا أنّه وقع الخلاف فی أنّ الکرامات هل مختصّة بحال الحیاة أم شاملة لحال الموت أیضاً؟

وإذا ما نظرنا إلی الدلیل العقلی الذی سیق لإثبات الکرامة لعرفنا أنّه شامل للأموات أیضاً لأنّه یتحدّث عن قدرة الله وتعلّقها بالممکنات، والکرامة أمر ممکن ولا یلزم من تحقّقها محال لذاته، وهذا الأمر غیر مختص بالحیّ فکما یجری الله تعالی الکرامة من أجل الولی الحی کذلک یمکن أنْ یجریها من أجل الولی المیت.

قال العطار: «ومما ینبغی أنْ یعلم أنّه حیث کانت الکرامة من الله تعالی فلا فرق فی وقوعها بین کون الولی حیّاً أو میتاً خلافاً لمن منعها بعد الموت فإنّه لا وجه له والله ذو الفضل العظیم»((1)).

وفی فتاوی اللجنة الدائمة فی جوابهم عی السؤال الرابع من الفتوی رقم (9027) جاء ما نصّه: «الکرامة: أمر خارق للعادة یظهره الله تعالی علی ید عبد من عباده الصالحین حیاً أو میتاً إکراماً له فیدفع به عنه ضراً، أو یحقق له نفعاً أو ینصر به حقّاً، وذلک الأمر لا یملک العبد الصالح أن یأتی به إذا أراد کما أنّ النبیّ لا یملک أن یأتی بالمعجزة من عند نفسه، بل کلّ ذلک إلی الله وحده...»((2)).


1- العطار الشافعی، حسن بن محمّد، حاشیة العطار علی شرح الجلال المحلی علی جمع الجوامع: ج2، ص481.
2- فتاوی اللجنة الدائمة للبحوث العلمیة والإفتاء: ج1، ص388.

ص:42

وموضع الشاهد من کلامهم هو شمول الکرامة للحی والمیت.

إلّا أنّ ما یؤسف له هو تحریفهم لهذه الفتوی لاحقاً لتبقی بنفس الرقم مع حذف کلمة المیت منها لتکون بالشکل التالی: الکرامة: أمر خارق للعادة یظهره الله تعالی علی ید عبد حی من عباده الصالحین؛ إکرامًا له فیدفع به... إلخ، وهو ما ثُبّت فعلاً فی موقعهم الرسمی، ولذا لا ینتابک العجب عزیزی القارئ حین تری الاضطراب فی محتوی هذه الفتوی من موقع إلی آخر ومن کتاب مطبوع إلی آخر، فما تمّ أخذه قبل التحریف کان یشتمل علی کلمة حیّاً ومیّتاً، وما تمّ أخذه بعد التحریف فقد حذفت منه کلمة میتاً بالشکل الذی نوهنا علیه، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلی العظیم.

هذا وقد تتبّعنا الموضوع بدقّة حتی حصلنا علی فتاوی اللجنة قد نُشرت فی موقع الآلوکة بصورة صوتیة، قد تمّ تسجیلها بصوت أحمد عزت من قِبَل وزارة التربیة والتعلیم السعودیة، الإدارة العامة للتربیة الخاصّة، المکتبة المرکزیة للکتب الناطقة (فتاوی اللجنة الدائمة للبحوث العلمیة والإفتاء جمع وترتیب: الشیخ أحمد بن عبد الرزاق الدویش) فتتبعنا المقاطع المسجلة وقد عثرنا علی الفتوی فی الشریط رقم 12 الوجه الأول فی الدقیقة 19 وتسع ثوانی، وهو منشور فی الموقع برقم 23((1))، وقد قُرِئت الفتوی کما أثبتناها بلا تحریف، وهذا دلیل قوی علی حصول التحریف لاحقاً، وأنّ هذه القراءة کانت قبل التحریف کما هو حال الکتاب المطبوع الذی اعتمدنا علیه فقد کان قبل التحریف، وقد تمّ الاحتفاظ بنسخة صوتیة احتیاطاً لما یتم تحریفه لاحقا أیضاً.

وکیف ما کان، فیکفی فی الرد علی السلفیة أنّ کبیرهم ابن تیمیة یؤمن بالکرامات


1- وقد تم نشر المقاطع علی هذا الرابط: http://www.alukah.net/audio_books/11/15866/.

ص:43

للأموات کما سیأتی لاحقاً إنْ شاء الله.

وفی کتاب بریقة محمودیة: «ویجوز التوسّل إلی الله تعالی والاستغاثة بالأنبیاء والصالحین بعد موتهم لأنّ المعجزة والکرامة لا تنقطع بموتهم.

وعن الرملی أیضاً بعدم انقطاع الکرامة بالموت.

وعن إمام الحرمین: ولا ینکر الکرامة ولو بعد الموت إلّا رافضی((1)).

وعن الأجهوری: الولی فی الدنیا کالسیف فی غمده فإذا مات تجرّد منه فیکون أقوی فی التصرّف»((2)).

فهؤلاء عدّة من العلماء صرّحوا بثبوت الکرامة للأموات.

وبات واضحاً حیث إنّ الکرامة فی حقیقتها إکرام من الله للولی والعبد الصالح فلا فرق فی وقوعها حینئذٍ بین حال حیاته وبعد مماته.

وعلی هذا یحمل کلام الرملی الشافعی حیث قال: «بأنّ الاستغاثة بالأنبیاء والمرسلین والأولیاء والعلماء والصالحین جائزة وللرسل والأنبیاء والأولیاء والصالحین إغاثة بعد موتهم؛ لأن معجزة الأنبیاء، وکرامات الأولیاء لا تنقطع بموتهم. أما الأنبیاء فلأنّهم أحیاء فی قبورهم یصلون ویحجّون کما وردت به الأخبار وتکون الإغاثة منهم معجزة لهم. والشهداء أیضاً أحیاء شوهدوا نهاراً جهاراً یقاتلون الکفار.

وأمّا الأولیاء فهی کرامة لهم، فإنّ أهل الحقّ علی أنّه یقع من الأولیاء بقصد وبغیر


1- لم نفهم استثناء الرافضی هنا وما مقصوده به، فإنْ کان المقصود هم الشیعة حیث تعارف منهم إطلاق اسم الرافضة علیهم، فلا معنی لهذا الاستثناء لأنّهم یثبتون الکرامات للأحیاء والأموات، وإنْ کان اصطلاحاً آخر فلم یتبیّن لنا ما هو. اللّهم إلّا أنْ یکون مراده إلّا الرافض للحق مثلاً.
2- الخادمی الحنفی، محمد بن محمد، بریقة محمودیة فی شرح طریقة محمدیة وشریعة نبویة فی سیرة أحمدیة: ج1، ص203.

ص:44

قصد أُمور خارقة للعادة یجریها الله تعالی بسببهم، والدلیل علی جوازها أنّها أُمور ممکنة لا یلزم من جواز وقوعها محال، وکل ما هذا شأنه فهو جائز الوقوع، وعلی الوقوع قصة مریم ورزقها الآتی من عند الله علی ما نطق به التنزیل وقصّة أبی بکر وأضیافه کما فی الصحیح، وجریان النیل بکتاب عمر، ورؤیته وهو علی المنبر بالمدینة جیشه بنهاوند، حتی قال لأمیر الجیش: یا ساریة، الجبل! محذراً له من وراء الجبل لکمین العدو هناک، وسماع ساریة کلامه وبینهما مسافة شهرین، وشرب خالد السم من غیر تضرر به. وقد جرت خوارق علی أیدی الصحابة والتابعین ومن بعدهم لا یمکن إنکارها لتواتر مجموعها»((1)).

فلا یرد علیه ما قاله بعضهم بأنّه قد استُشهد بوقوع کرامات للأحیاء ونحن نتکلّم عن کرامات الأموات، فإنّ مراده إنّ الکرامة حیث إنّها أمر ممکن وأنّها جائزة الوقوع من الله، یجریها بسبب الولی، وقد وقعت لعدّة من الأحیاء فلا مانع حینئذٍ من وقوعها للأموات.

ویمکن أنْ یُستدلّ لشمول الکرامات لحال الوفاة أیضاً بتقریر أنّ الموت لیس عبارة عن حالة عدمیة، بل هو انتقال من دار إلی دار أُخری لها أحکامها الخاصّة بها، وبعض هذه الأحکام مشابهة للحیاة الدنیا، وهذا المعنی تقرره عدّة من الآیات والروایات، وبه صرّح جملة من العلماء، فقد جاء فی تذکرة القرطبی عن شیخه أحمد بن عمرو، وکذا نقله عنه ابن القیم فی کتابه الروح: «إنّ الموت لیس بعدم محض، وإنّما هو انتقال من حال إلی حال، ویدل علی ذلک: أنّ الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحیاء عند ربهم یرزقون، فرحین مستبشرین، وهذه صفة الأحیاء فی الدنیا، وإذا کان هذا فی الشهداء کان الأنبیاء


1- الرملی الشافعی، أحمد بن حمزة، فتاوی الرملی: ج4، ص382.

ص:45

بذلک أحق وأولی، مع أنّه قد صحّ عن النبیّ: أنّ الأرض لا تأکل أجساد الأنبیاء، وأنّ النبی قد اجتمع بالأنبیاء لیلة الإسراء فی بیت المقدس وفی السماء وخصوصاً بموسی، وقد أخبرنا بما یقتضی أنّ الله تبارک وتعالی یردّ علیه روحه حتّی یردّ السلام علی کلّ من یُسلّم علیه، إلی غیر ذلک ممّا یحصل من جملته القطع بأنّ موت الأنبیاء إنّما هو راجع إلی أنْ غُیّبوا عنّا بحیث لا ندرکهم، وإنْ کانوا موجودین أحیاء، وذلک کالحال فی الملائکة، فإنّهم موجودون أحیاء ولا یراهم أحد من نوعنا»((1)).

فحیاة الشهداء والأنبیاء، بعد موتهم وخروجهم من الدنیا، ممّا لا خلاف فیه، فکما تشملهم الکرامة فی الدنیا فلا مانع أنْ تشملهم بعد الحیاة أیضاً ما دام الأمر یتعلّق بالانتقال من دار إلی دار لیس إلّا.

وکما دلّت الآیات والروایات علی الحیاة فإنّها دلّت کذلک علی أنّهم یسمعون الکلام وبإمکانهم القیام بعدّة من الأفعال کالدعاء والصلاة والاستغفار، ویمکن أنْ نبرز عدّة أدلّة علی ذلک:

الأوّل: الآیات القرآنیة المبارکة الواردة فی الشهداء:

(وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُواْ فِی سَبِیلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْیَاء عِندَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ * فَرِحِینَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَیَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِینَ لَمْ یَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ* یَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ یُضِیعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِینَ) ((2)).

فالآیات الکریمة، بعد ما أثبتت أنّ الشهداء أحیاء، أثبتت لهم عدّة من الآثار: یُرزقون، ویفرحون بما آتاهم الله من فضله، وغیرها، وهذه آثار مشابهة لآثار الحیاة


1- القرطبی، محمد بن أحمد، التذکرة بأحوال الموتی: ج1، ص459 - 460. واُنظر: ابن قیم الجوزیة، محمّد بن أبی بکر، الروح فی الکلام علی أرواح الأموات والأحیاء بالدلائل: ج1، ص35 - 36.
2- آل عمران: الآیة169- 171.

ص:46

الدنیا؛ وهی تدلّل علی أنّ الحیاة البرزخیّة هی حیاة تشابه هذه الحیاة، وأنّ الموت انتقال من دارٍ مشاهدةٍ إلی دارٍ غیر مشاهدة.

الثانی: وهو الحدیث الصحیح المروی عن أنس عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال: «الأنبیاء أحیاء فی قبورهم یصلّون»((1)).

وفی صحیح مسلم: عن أنس، عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال: «مررت علی موسی لیلة أُسری بی عند الکثیب الأحمر وهو قائم یصلّی فی قبره»((2)).

فهذان الحدیثان، وغیرهما ممّا فی الباب، یثبتان أثراً آخر من آثار الحیاة البرزخیة وهو الصلاة، وهو أثر متوافق مع آثار الحیاة الدنیویّة، وظاهر لفظ الصلاة یستلزم الحرکة والفعل من قیام وقعود ورکوع وسجود، ویشمل الدعاء والاستغفار ونحو ذلک.

الثالث: ما ورد عن أبی هریرة، عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال: «ما من أحد یُسلِّم علیّ إلّا ردّ الله علیّ روحی حتّی أردّ علیه السلام »((3)).

قال النووی: «رواه أبو داود بإسناد صحیح»((4)).

وهذه الروایة تثبت صریحاً أنّ النبی صلی الله علیه و آله یردّ السلام علی جمیع مَن یُسلّم علیه، وردّ السلام أثر آخر من آثار الحیاة، وفعل مشابه لأفعال الحیاة الدنیا، ومَن یسمع السلام ویردّه یمکنه أن یدعو للمؤمنین ویستغفر لهم.

الرابع: ما أخرجه الحربی عن أوس بن أوس عن النبی صلی الله علیه و آله قال: «أکثروا علیّ من


1- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، فتح الباری شرح صحیح البخاری: ج6، ص352. الألبانی، محمّد ناصر الدین، سلسلة الأحادیث الصحیحة: ج2، ص187.
2- النیسابوری مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم: ج7، ص102.
3- أبو داود، سلیمان بن الأشعث، سنن أبی داود: ج1، ص453.
4- النووی، یحیی بن شرف، المجموع شرح المهذب: ج8، ص272.

ص:47

الصلاة یوم الجمعة، فإنّ صلاتکم معروضة علیّ. قالوا: کیف تعرض علیک وقد أرمت؟ قال: إنّ الله تعالی حرّم علی الأرض أن تأکل أجساد الأنبیاء»((1)).

قال النووی: «حدیث أوس بن أوس هذا صحیح، رواه أبو داود والنسائی وغیرهما بأسانید صحیحة»((2)). وصحّحه الحاکم والذهبی((3)) والألبانی((4)).

والروایة تثبت أنّ النبی صلی الله علیه و آله یسمع الصلاة، وأنّ له شعوراً وإدراکاً فی قبره، وإلّا فلا معنی لعرض الصلاة علی مَن لا یدرک معناها ولا یشعر بها، وهذا الإدراک والشعور هو أثر آخر من آثار الحیاة الدنیا، خصوصاً أنّ النبی صلی الله علیه و آله علّل ذلک بأنّ الأرض لا تأکل أجساد الأنبیاء، وکأنّه یرید القول بأنّه حیٌّ کما کان فی الحیاة الدنیا بروحه وبدنه.

الخامس: السلام علی النبی صلی الله علیه و آله فی الصلاة، فقد اتّفق المسلمون بکافّة انتماءاتهم علی السلام علی النبی صلی الله علیه و آله فی کلّ تشهد أو فی خصوص الأخیر من الصلاة، بقولهم: «السلام علیک أیّها النبیّ ورحمةُ الله وبرکاته»، فالسلام هنا بصیغة خطاب موجه للنبیّ صلی الله علیه و آله ، فلو کان النبیّ صلی الله علیه و آله لا یسمع ولا یبلغه السلام ؛ لکان ذلک لغواً لا یأمر الله به ولا یفعله العقلاء.

وإذا قال قائل إنّ هذا الکلام إنّما یجری فی الأنبیاء والشهداء ولا یجری فی سائر الصالحین؟

نقول بإنّ نفس الکلام یجری فی الأولیاء والصالحین، بل إنّ الحیاة شاملة لمطلق


1- الحربی، إبراهیم بن إسحاق، غریب الحدیث: ج1، ص67- 68.
2- النووی، یحیی بن شرف، المجموع شرح المهذب: ج4، ص548.
3- الحاکم، محمد بن عبد الله، المستدرک علی الصحیحین، وبذیله التخلیص للذهبی: ج1، ص278.
4- الألبانی، ناصر الدین، إرواء الغلیل: ج1، ص34 - 35. واُنظر: الألبانی، محمّد ناصر الدین، سلسلة الأحادیث الصحیحة: ج4، ص32.

ص:48

الموتی، فکما ذکر ابن القیّم سابقاً: أنّ الوفاة هی انتقال من دار إلی دار. وقد دلّت الأخبار علی حیاة جمیع الناس فی عالم البرزخ.

قال ابن کثیر: «وقد ورد: أنّ أعمال الأحیاء تعرض علی الأموات من الأقرباء والعشائر فی البرزخ، کما قال أبو داود الطیالسی: حدّثنا الصلت بن دینار، عن الحسن، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وسلّم): إن أعمالکم تعرض علی أقربائکم وعشائرکم فی قبورهم، فإن کان خیراً استبشروا به، وإن کان غیر ذلک قالوا: اللهمّ ألهمهم أن یعملوا بطاعتک. وقال الإمام أحمد: أنبأنا عبد الرزاق عن سفیان عمّن سمع أنساً یقول: قال النبیّ (صلّی الله علیه وسلّم): إنّ أعمالکم تُعرض علی أقاربکم وعشائرکم من الأموات فإن کان خیراً استبشروا به وإن کان غیر ذلک قالوا: اللهمّ لا تمتهم حتّی تهدیهم کما هدیتنا»((1)).

وأخرج الحاکم وصحّحه عن النعمان بن بشیر، قال: «سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: ألا أنّه لم یبق من الدنیا إلاّ مثل الذباب تمور فی جوّها، فالله فی إخوانکم من أهل القبور فانّ أعمالکم تعرض علیهم»((2)).

فنلاحظ هنا أنّ الأعمال تعرض علیهم، وهم یستبشرون بالأعمال الصالحة، ویدعون للأحیاء إنْ کانت أعمالهم غیر صالحة.

ولهذا فإنّ الصحابی أبا الدرداء کان یقول عند سجوده: «اللّهم إنّی أعوذ بک أنْ یمقتنی خالی عبد الله بن رواحة إذا لقیته»((3)).

کما أخرج مسلم فی صحیحه، عن أنس بن مالک قال: «قال رسول الله (صلّی الله


1- ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، تفسیر القرآن العظیم: ج2، ص401.
2- الحاکم النیسابوری، محمد بن عبد الله، المستدرک علی الصحیحین: ج4، ص307.
3- ابن أبی الدنیا، عبد الله بن محمد، المنامات: ص10.

ص:49

علیه وسلّم): إنّ المیت إذا وضع فی قبره، أنّه لیسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا»((1)).

فالأخبار والروایات فی ذلک عدیدة وهی تثبت الحیاة للموتی ووجود ارتباط لهم فی عالم الحیاة الدنیا بسماعهم لأصواتهم ودعائهم لهم واستبشارهم أو حزنهم علی أعمالهم.

ومن ذلک یمکن الخروج بعدّة نتائج منها:

1 - إنّ ما هو المراد فی محلّ البحث متحقّق فی حق الأموات أیضاً، وهو أنّ ثبوت الکرامة للولی غیر مختصة فی الحیاة الدنیا، فالمیّت لیس بمعدوم، بل هو حی فی الحقیقة ویسمع الکلام ویدعو ویستغفر، وغایة ما هنالک أنّه انتقل من دار إلی دار.

2 - کما أنّ الطلب من الحی والاستغاثة والاستعانة به فیما یقدر علیه أمر جائز، فکذلک هی فی خصوص المیت، بعد أنْ ثبت أنّه حی فی تلک الدار وله القدرة علی الدعاء والاستغفار، فإنّ الطلب منه راجع فی حقیقته إمّا إلی دعاء المیت من الله أنْ یقضی حاجة هذا المستغیث وهو أمر مقدور کما قدّمنا، أو هو طلب المستغیث من الله أنْ یقضی حاجته إکراماً للنبیّ أو الولی، وهو ممکن وغیر مشتمل علی أیّ نوع من الشرک، خصوصاً أنّ المستغیث لا یقصد عبادة مَن یستغیث به، بل هو یقرّ بعبادته لله الواحد الأحد ویعتقد بأنّ تدبیر الأمور أولاً وآخراً هی لله وحده دون سواه.


1- النیسابوری، مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم: ج8، ص162.

ص:50

نماذج من الکرامات التی جرت للأموات عند أهل السنّة

وخیر ما یمکن الاستدلال به علی إمکان الکرامات للأموات هو وقوعها، وهنا یمکن القول بأنْ وقوع الکرامات للأموات هو أمر حاصل علی مرّ الأزمان والعصور ولا مجال لإنکاره، ولذا أقر به ابن تیمیة، وذکر نماذج من الکرامات وله فی ذلک کلام کثیر، سنأتی علیه لاحقاً.

ومن النماذج التی ذکروها من وقوع الکرامات للأموات:

1 - ما وقع فی حقّ أویس القرنی، وأنّه لمّا مات وجدوا فی ثیابه أکفاناً لم تکن معه قبل، ووجدوا له قبراً محفوراً فیه لحد فی صخرة، فدفنوه فیه وکفّنوه، فی تلک الأثواب، ذکره ابن تیمیة((1)).

2 - ما وقع فی حقّ الأحنف بن قیس، وأنّه لمّا مات، وقعت قلنسوة رجل فی قبره، فأهوی لیأخذها فوجد القبر قد فسح فیه مدّ البصر، ذکره ابن تیمیة أیضاً((2)).

3 - ما حصل لعاصم بن ثابت، فبعد أنْ قتله الکفار، وعلمت قریش بذلک بعث ناس منهم إلیه لیؤتوا بشیء منه یُعرف لأنّه کان قتل رجلاً عظیماً من عظمائهم فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم یقدروا أن یقطعوا منه شیئاً، أخرجه البخاری((3)).

وأورده ابن عبد البر بنحو آخر فیه تفصیل أکثر، ما نصّه: «وبعثت قریش إلی عاصم لیؤتوا بشیء من جسده لیحرقوه، وکان قتل عظیماً من عظمائهم یوم بدر فبعث الله مثل


1- اُنظر: ابن تیمیة الحرانی، أحمد بن عبد الحلیم، الفرقان بین أولیاء الرحمن وأولیاء الشیطان: ص164.
2- اُنظر: المصدر السابق: ص165.
3- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، صحیح البخاری: ج5، ص12- 13.

ص:51

الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم یقدروا منه علی شیء فلما أعجزهم قالوا: إنّ الدبر((1)) ستذهب إذا جاء اللیل حتّی بعث الله (عزّ وجلّ) مطراً جاء بسیل فحمله فلم یوجد، وکان قتلَ کبیراً منهم فأرادوا رأسه فحال الله بینهم وبینه»((2)).

ولابن تیمیة کلام کثیر فی الکرامات التی تحصل للموتی، کما أشرنا لذلک، فممّا قال فی ذلک: «وکذلک ما یذکر من الکرامات وخوارق العادات التی توجد عند قبور الأنبیاء والصالحین مثل نزول الأنوار والملائکة عندها وتوقّی الشیاطین والبهائم لها، واندفاع النار عنها وعمّن جاورها، وشفاعة بعضهم فی جیرانه من الموتی، واستحباب الاندفان عند بعضهم، وحصول الأنس والسکینة عندها، ونزول العذاب بمَن استهان بها، فجنس هذا حق لیس ممّا نحن فیه، وما فی قبور الأنبیاء والصالحین من کرامة الله ورحمته وما لها عند الله من الحرمة والکرامة فوق ما یتوهمه أکثر الخلق، لکن لیس هذا موضع تفصیل ذلک»((3)).

فحصول الکرامات للأموات من الأنبیاء والأولیاء والصالحین هو أمر واقع وحاصل وما إنکاره إلّا إنکار للواضحات المسلّمات لیس إلّا.

الحسین علیه السلام أحد أولیاء الله عند الفریقین

وإذا ما رجعنا لموضوع الکتاب فهو یتناول ما جری من کرامات وخوارق للعادات بعد شهادة الإمام الحسین علیه السلام ، ولا یشکّ أحد من الفریقین فی أنّ الحسین من الأولیاء الخلّص ومن الشهداء، بل هو سیّد الشهداء کما ورد فی الحدیث الصحیح:


1- الظاهر أنّ المراد بها الزنابیر.
2- ابن عبد البرّ، یوسف بن عبد الله، الاستیعاب: ج2، ص87.
3- ابن تیمیة الحرانی، أحمد بن عبد الحلیم، اقتضاء الصراط المستقیم: ص373 - 374.

ص:52

«الحسن والحسین سیِّدا شباب أهل الجنّة»، والذی له طرق متکثرة، لذا قال السیوطی بتواتره((1)) وقال الألبانی: «وبالجملة فالحدیث صحیح بلا ریب، بل هو متواتر»((2)).

فحیاة الحسین إذن فی تلک الدار ممّا لا کلام فیها، ومنزلة الحسین وعظیم فضله ومقامه السامی صرّحت بها الآیات واستفاضت بها الروایات، فالحسین هو أحد المشمولین بآیة التطهیر، والحسین أحد المشمولین بآیة المباهلة، والحسین مشمول بحدیث الثقلین والحسین هو الذی قال فیه جدّه: «حسین منّی وأنا من حسین، أحبّ الله من أحبّ حسیناً»((3))، وهکذا فالروایات فی فضله وعلو منزلته کثیرة جدّاً، ولعله الأوحد الذی بکی له نبیّ الإسلام حین ولادته، واستمرّ بالعزاء علیه فی مواطن عدّة وهو یُذکِّر الأُمّة به وبمظلومیته وبما یجری علیه، ویأتیه المَلک مراراً ویخبره بما یجری علیه ویعطیه تربة من تراب کربلاء((4))، والنبیّ صلی الله علیه و آله یبکی لذلک ویشتدّ حزنه لما سیقع من بعده، فلا غرو إذن ولا غرابة فی أنْ تحصل کرامات للحسین تأکیداً لعظم مقامه ونصرة للحقّ وبیاناً للحقیقة، خصوصاً أنّ فجیعة مقتله فاقت کلّ الفجائع، وطریقة مقتله تقرح العیون وتدمی القلوب، یقول المناوی: «وتفصیل قصّة قتله تمزق الأکباد وتذیب الأجساد فلعنة الله علی مَن قتله أو رضی أو أمر، وبعداً له کما بعدت عاد»((5)).


1- اُنظر: السیوطی، جلال الدین، قطف الأزهار المتناثرة: ص286.
2- الألبانی، محمّد ناصر الدین، سلسلة الأحادیث الصحیحة: ج2، ص423 - 431.
3- ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج4 ص172. الترمذی، محمد بن عیسی، سنن الترمذی: ج5، ص324، وأخرجه أیضاً الحاکم فی المستدرک وصحّحه ووافقه الذهبی. اُنظر: الحاکم النیسابوری، محمد بن عبد الله، المستدرک علی الصحیحین، وبذیله تلخیص الذهبی: ج3، ص177.
4- حدیث نزول الملک وإعطائه للنبیّ صلی الله علیه و آله تربة حمراء من تراب کربلاء، صحّحه الألبانی وأورد جملة من طرقه عن عدّة من الصحابة. اُنظر: الألبانی، محمّد ناصر الدین، سلسلة الأحادیث الصحیحة: ج2 ص465 - 466.
5- المناوی، محمد عبد الرؤوف، فیض القدیر: ج1، ص265.

ص:53

ویقول السیوطی: «وفی قتله قصة فیها طول لا یحتمل القلب ذکرها فإنا لله و إنا إلیه راجعون»((1)).

فشاء الله أنْ یخلّد تلک المعرکة وأنْ تبقی علائمها واضحة بیِّنة علی مرّ التاریخ فحدث ما حدث من کرامات وخوارق للعادات وهو ما سنتناوله مفصّلاً فی هذا الکتاب.


1- السیوطی، جلال الدین، تاریخ الخلفاء: ص182.

ص:54

ص:55

الفصل الاول: حادثة مطر السماء دماً لقتل الحسین علیه السلام

اشارة

ص:56

ص:57

المبحث الأوّل: تخریج ودراسة الأخبار الدالّة علی الحادثة من مصادر الشیعة

أوّلاً: الرواة الذین نقلوا الخبر

وبحسب ما تتبعنا ووقفنا علیه، أنّ الرواة الذین نقلوا الحادثة فی مصادر الشیعة تسعة، وهم:

1 - الریّان بن شبیب، عن الإمام الرضا علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام .

2 - المفضّل بن عمر، عن الإمام الصادق علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام ، عن الإمام الحسن علیه السلام .

3 - السیّدة زینب علیها السلام .

4 - الزهری.

5 - محمد بن سلمة، عمّن حدّثه.

6 - میثم التمّار.

7 - عمرو بن ثبیت، عن أبیه.

8 - عمّار بن أبی عمّار.

9 - رجل من أهل بیت المقدس.

ص:58

ثانیاً: تخریج الأخبار ودراستها سندیّاً

اشارة

ورد هذا المعنی فی عدّة من الأخبار وبطرق عدیدة، وبعض هذه الأخبار معتبرة سنداً، وبعضها الآخر ضعیف تصلح کشاهد ومؤید وقرینة لحصول الحادثة، ولکی تکون الدراسة واضحة ومنظّمة ارتأینا أن نُقسِّم الروایات بحسب الصحة والضعف علی طائفتین: الأُولی: الروایات المعتبرة سنداً، والثانیة: الروایات الضعیفة.

الطائفة الأُولی: الأخبار المعتبرة من الجهة السندیة
الخبر الأوّل: خبر الریّان بن شبیب
اشارة

أخرجه الصدوق، قال: «حدّثنا محمد بن علی ماجیلویه رحمة الله، قال: حدّثنا علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن الریّان بن شبیب، قال: دخلت علی الرضا علیه السلام فی أوّل یوم من المُحرّم، فقال لی: یابن شبیب أصائم أنت ...» إلی أنْ قال: «یا بن شبیب، لقد حدّثنی أبی، عن أبیه، عن جدّه علیه السلام أنّه لمّا قُتل جدّی الحسین (صلوات الله علیه)، مطرت السماء دماً وتراباً أحمر»((1)).

رجال السند

من الواضح عند الشیعة وثاقة علی بن إبراهیم القمّی صاحب التفسیر، بل هو من الأجلّاء((2))، وکذلک وثاقة أبیه إبراهیم بن هاشم، بل ادّعی السیّد ابن طاووس الاتّفاق


1- الصدوق، محمد بن علی، الأمالی: ص192.
2- انظر: النجاشی: أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنفی الشیعة: ص260. أبو علی, الفضل بن الحسن الطبرسی, إعلام الوری بأعلام الهدی: ج1, ص102.

ص:59

علی وثاقته((1))، وکذلک وثاقة الریّان بن شبیب((2)).

وإن کان ثمّة کلام فهو فی شیخ الصدوق محمد بن علی ماجیلویه، والتحقیق یقتضی وثاقته أیضاً بقرائن عدّة:

1 - إنّ الشیخ الصدوق أکثر من الروایة عنه، فقد أحصی الشیخ لطف الله الصافی ما رواه الصدوق عن شیخه ماجیلویه فبلغت مائتین وسبعین روایةً فی الخصال، والعلل، ومعانی الأخبار، وثواب الأعمال وعقاب الأعمال((3)).

2 - إنّ الشیخ الصدوق وکما هو معلوم التزم فی الفقیه بأنّه لا یروی إلّا الصحیح، وما یکون حجّة بینه وبین ربّه، وقد ذکر طرق کتابه فی المشیخة، وبعد التتبع وجدنا أنّ اثنین وخمسین طریقاً من طرقه إلی الرواة الذین ابتدأ بهم فی کتابه هی من طریق شیخه ماجیلویه، وهذا یکشف أنّه ثقة عنده، واعتمد علیه کثیراً فی کتابه هذا.

إنْ قیل: إنّ الصحة لا تستلزم الوثاقة، فقد یکون اعتمد علی قرائن معیّنة فی صحّة الروایات، فلا یمکن التمسّک بتوثیق شیخه ماجیلویه حینئذٍ.

قلنا: إنّ من المعروف أیضاً أنّ الشیخ یعتمد علی وثاقة الراوی أیضاً کما صرّح فی بعض المواضع((4))، ونظراً لکثرة طرقه عن شیخه ماجیلویه، فمن المستبعد جدّاً أنّ جمیع تلک الطرق اعتمد فی صحّتها علی القرائن، ولم یعتمد ولو فی بعض منها علی وثاقة


1- اُنظر: ابن طاووس، علی بن موسی، فلاح السائل: ص158. الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج1، ص291. الشاهرودی، علی النمازی، مستدرکات علم رجال الحدیث: ج1، ص222.
2- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص165. الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج8، ص216.
3- اُنظر: الکلبایکانی، لطف الله الصافی، فقه الحج بحوث استدلالیة فی الحج: ج2، ص305.
4- انظر: الصدوق, محمّد بن علی, من لا یحضره الفقیه: ج2, ص231.

ص:60

الرواة، خصوصاً مع ترضیه المستمر علی شیخه کما سیأتی.

3 - إنّ الشیخ الصدوق ترضّی عنه کثیراً((1))، وخصوصاً فی مشیخته، ویکاد یکون ذلک فی جمیع الموارد، إلّا فی موارد نادرة فقد ترحم علیه فیها، والترضی خصوصاً مع هذه الکثرة أمارة علی الوثاقة عند جملة من العلماء.

4 - أنّه من شیوخ الإجازة((2))، وطبق مبنی عدّة کثیرة من العلماء أنّ شیوخ الإجازة ثقات.

5 - یمکن القول أیضاً أنّ الرجل من المعاریف، فروایاته کثیرة، خصوصاً أنّه فی مشیخة الفقیه، وحیث لم یقدح فیه أحد، فروایاته معتبرة.

والخلاصة: إنّ هذه قرائن عدّة، یُتقوّی من خلالها حال الرجل، ویمکن علی ضوئها الاعتماد علی روایته.

وقد اعتمد علی روایته وقال بصحّتها جملة من المتأخرین علی رأسهم العلّامة الحلّی.

قال بحر العلوم فی ترجمة ما جیلویه: «وحدیثه فی (المنتقی)((3))، و(الحبل المتین)((4))، معدود فی الصحیح، وکذا فی کتب الاستدلال. وحکم العلّامة (رضی الله عنه) فی (الخلاصة) بصحّة طرق الصدوق المشتملة علیه، کطریقه إلی إسماعیل بن رباح، والحسین بن زید، ومنصور بن حازم، وغیرهم.


1- قال التفریشی: «وذکره محمد بن علی بن بابویه فی مشیخته کثیراً، وقال: رضی الله عنه». التفریش، مصطفی بن الحسین، نقد الرجال: ج4، ص280. وقال بحر العلوم: «وقد أکثر الروایة عنه فی مشیخة الفقیه وسائر کتبه، وکلّما ذکره قال: رضی الله عنه». بحر العلوم، محمد مهدی، الفوائد الرجالیة: ج3، ص308.
2- اُنظر: بحر العلوم، محمد مهدی، الفوائد الرجالیة: ج3، ص310.
3- والمراد به کتاب منتقی الجمان للشیخ حسن ابن الشهید الثانی.
4- والمراد به کتاب الحبل المتین للشیخ محمّد بن الحسین البهائی.

ص:61

قال فی (المنهج)((1)): وتابعه مشایخنا علی ذلک. وظاهره الاتّفاق علی صحّة حدیثه. وربّما ناقش فیه بعض المتأخّرین، وهو نادر.

وفی (الرواشح)((2))، و(ألقاب التلخیص)((3)): النصّ علی توثیقه، وهو ظاهر (المنتقی)، و(مشرق الشمسین)((4))، وقد یُستفاد ذلک - أیضاً - من توثیق الشهید الثانی فی (الدرایة) جمیع المشائخ المشهورین من زمان الکلینی إلی زمانه»((5)).

خلاصة الحکم علی السند

تبیّن أنّ الحدیث بهذا السند هو حدیث معتبر صحیح، وعبّر عنه المجلسی الأوّل بالحسن کالصحیح((6)).

الخبر الثانی: خبر المفضّل بن عمر
اشارة

أخرجه الشیخ الصدوق فی أمالیه، قال: «حدّثنا أحمد بن هارون الفامی (رضی الله عنه)، قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن جعفر بن جامع الحمیری، قال: حدّثنا أبی، عن أحمد بن محمد بن یحیی، عن محمد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جدّه علیهم السلام : أنّ الحسین بن علی بن أبی طالب علیه السلام دخل یوماً إلی الحسن علیه السلام ، فلمّا نظر إلیه بکی، فقال له: ما یُبکیک یا أبا عبد الله؟! قال: أبکی لما یُصنع


1- والمراد به کتاب منهج المقال للشیخ محمد بن علی الأسترآبادی.
2- والمراد به کتاب الرواشح السماویة للسید محمّد باقر الداماد.
3- والمراد به باب الألقاب من کتاب تلخیص الأقوال فی معرفة الرجال, وهو الرجال الوسیط للشیخ محمّد بن علی الاسترابادی.
4- والمراد به کتاب مشرق الشمسین للشیخ محمّد بن الحسین البهائی.
5- بحر العلوم، محمد مهدی، الفوائد الرجالیة: ج3، ص310.
6- اُنظر: المجلسی، محمد تقی، روضة المتقین: ج5، ص838.

ص:62

بک. فقال له الحسن علیه السلام : إنّ الذی یؤتی إلیّ سمٌّ یُدس إلیّ فاُقتل به، ولکن لا یوم کیومک یا أبا عبد الله، یزدلف إلیک ثلاثون ألف رجل، یدّعون أنّهم من أُمّة جدّنا محمد صلی الله علیه و آله ، وینتحلون دین الإسلام، فیجتمعون علی قتلک، وسفک دمک، وانتهاک حرمتک، وسبی ذراریک ونسائک، وانتهاب ثقلک، فعندها تحلّ ببنی أُمیّة اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ویبکی علیک کلّ شیء حتی الوحوش فی الفلوات، والحیتان فی البحار»((1)).

رجال السند

أمّا أحمد بن هارون الفامی أو القاضی کما فی بعض الأخبار((2))، والذی ورد أیضاً بعنوان أحمد بن إبراهیم بن هارون الفامی((3))، فهو من مشایخ الصدوق الذین أکثر عنهم الروایة مترضیاً ومترحماً علیه فی موارد کثیرة.

وهذا المقدار کافٍ فی التعویل علی الرجل واعتبار روایته کما نوّهنا إلی ذلک فیما تقدّم.

ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن جامع الحمیری، ثقة من وجوه الشیعة((4)).

وأبوه کذلک لا إشکال فی وثاقته((5)).

وأمّا أحمد بن محمد بن یحیی، فالظاهر هو أحمد بن محمد بن عیسی الأشعری، فإنّ الذی یروی عنه الحمیری وهو یروی عن محمد بن سنان إنّما هو ابن عیسی، وقد روی


1- الصدوق، محمد بن علی، الأمالی: ص177.
2- اُنظر: الصدوق، محمد بن علی، کمال الدین وتمام النعمة: ص510.
3- اُنظر: الصدوق، محمد بن علی، عیون أخبار الرضا علیه السلام : ج1، ص130.
4- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص354.
5- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص219. الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص400.

ص:63

عن ابن سنان کما ذکر السیّد الخوئی اثنین وتسعین مورداً((1)). وابن عیسی هذا هو الأشعری، وهو ثقة بلا کلام((2)).

وأمّا ما ورد بعنوان (أحمد بن محمد بن یحیی) فلم نجد هکذا شخص یروی عن محمد بن سنان، ویروی عنه الحمیری.

وأمّا محمد بن سنان، فهو إمامی وقع فیه کلام کثیر، واختلفت الأقوال والأخبار فی تضعیفه أو توثیقه، لکن کثیراً من المحقّقین انتهوا إلی وثاقة الرجل، بل کونه من خُلّص الشیعة، ومن خواصّ الأئمّة علیهم السلام ((3)).

وأمّا المفضّل بن عمر، فهو وإنْ اختلفت فیه الأقوال والروایات، إلّا أنّ الروایات المادحة له مستفیضة، ویُستفاد منها جلالة قدره، وأنّه من خواصّ أئمّة أهل البیت علیهم السلام ، وقد وثّقه الشیخ المفید، وعدّه الشیخ الطوسی من السفراء الممدوحین، وقد فصّل السیّد الخوئی الکلام فیه وانتهی إلی أنّه جلیل ثقة((4)).

خلاصة الحکم علی السند

تحصّل مما تقدّم، أنّ هذا السند صحیح معتبر یمکن التعویل علیه.

الخبر الثالث: خبر عمرو بن ثبیت عن أبیه
اشارة

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی حکیم بن داوُد بن حکیم، عن سلمة بن


1- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج3، ص92- 93.
2- اُنظر: المامقانی، عبد الله، تنقیح المقال فی علم الرجال: ج8، ص26.
3- اُنظر: الکلباسی، محمد بن محمد، الرسائل الرجالیة: ج3، ص589، ص651. الداوری، مسلم، أُصول علم الرجال: ج2، ص402، ص420.
4- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج19، ص317، ص330.

ص:64

الخطاب، عن محمد بن أبی عمیر، عن الحسین بن عیسی، عن أسلم بن القاسم، قال: أخبرنا عمرو بن ثبیت، عن أبیه، عن علی بن الحسین علیهما السلام ، قال: إنّ السماء لم تبکِ منذُ وضُعت إلّا علی یحیی بن زکریا والحسین بن علی علیهما السلام . قلت: أیّ شیء کان بکاؤها؟ قال: کانت إذا استُقبلت بثوب، وقع علی الثوب شبه أثر البراغیث من الدم»((1)).

رجال السند

أمّا حکیم بن داوُد، فهو من مشایخ ابن قولویه، وقد أکثر عنه، وترحّم علیه فی بعض الأحیان، فهو ثقة.

وسلمة بن الخطاب، قال فیه النجاشی: «کان ضعیفاً فی حدیثه، له عدّة کتب»((2)).

وقد نُوقش فی هذه العبارة وأمثالها بعدم دلالتها علی تضعیف نفس الراوی، فإنّها تُطلق علی مَن یروی عن الضعفاء أو یروی المراسیل، وإنْ کان فی نفسه ثقة، فلا یمکن الحکم بتضعیف الراوی علی ضوئها.

وإذا ما عرفنا أنّ سلمة هذا من رجال کتاب نوادر الحکمة لمحمد بن أحمد بن یحیی الأشعری، بل إنّ سلمة هذا من مشایخه، وبنینا علی أنّ اعتماد ابن الولید ومَن وافقه من المشایخ علی وثاقة رواة النوادر سوی ما استثنوا، فسیکون سلمة ثقة؛ لأنّ ابن الولید لم یذکره فی جملة ما استثناه((3)).

وإذا لم نقبل بهذا، فکذلک یمکن القول بتوثیق سلمة بناءً علی روایة جملة من الأجلّاء عنه، منهم: ابن الولید، ومحمد بن أحمد بن یحیی، ومحمد بن یحیی العطار،


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص183- 184.
2- النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص187.
3- اُنظر: الداوری، مسلم، أصول علم الرجال: ج1، ص199، ص223.

ص:65

وسعد بن عبد الله، وأحمد بن إدریس، وعلی بن إبراهیم، ومحمد بن الحسن الصفّار، وغیرهم((1)).

وبالطریقین المتقدّمین حکم الوحید البهبهانی بوثاقة الرجل وجلالته((2)).

أمّا محمد بن أبی عمیر، فهو من وجوه الطائفة وثقاتها الذین عُرفوا بأنّهم لا یروون ولا یُرسلون إلّا ممّن یوثق به، وهو من أصحاب الإجماع أیضاً.

وهنا ینفتح لنا مجال الحکم بصحّة الروایة من دون دراسة بقیّة سندها؛ وذلک طبق المبنی القائل بأنّ هناک إجماع علی تصحیح ما یصحّ عن جملة من المشایخ، والذی منهم ابن أبی عمیر.

أمّا بناءً علی عدم قبول هذه القاعدة، فلا بدّ من إتمام دراسة بقیّة السند، فنقول:

أمّا الحسین بن عیسی، فیمکن القول بوثاقته بناءً علی وجوده فی کامل الزیارات، إلّا أنّ هذا المبنی غیر تام، وقد تراجع عنه السید الخوئی فی أواخر عمره.

ویمکن أیضاً القول بوثاقته بناءً علی أنّ ابن أبی عمیر لا یروی ولا یرسل إلّا عن ثقة، کما أشرنا، وهذه القاعدة وإن وقع فیها الخلاف، إلّا أنّها وقعت محلاً للقبول عند عدّة من العلماء والفقهاء کما لا یخفی.

وأمّا أسلم بن القاسم، فهو مجهول، ولم یذکروه.

وأمّا عمرو بن ثبیت (عمر بن وهب)، فمجهول ولم یذکروه أیضاً.

وأمّا أبوه (ثبیت)، فقد ذکره النجاشی، وقال: «إنّه کان ممّن یروی عن أبی عبد الله»((3)).


1- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج9، ص214.
2- اُنظر: الوحید البهبهانی، محمد باقر، تعلیقة علی منهج المقال: ص190.
3- النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص117.

ص:66

خلاصة الحکم علی السند

تحصّل أنّ السند فیه عدّة من المجاهیل، فبناءً علی تمامیة قاعدة أصحاب الإجماع، وهم الذین أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنهم، بمعنی أنّ الروایة تکون صحیحة بمجرّد صحّة السند إلی أحدهم من دون حاجة إلی بحث بقیّة السند، فتکون الروایة صحیحة، وإلا فهی ضعیفة.

الطائفة الثانیة: الأخبار التی لم یثبت اعتبارها، لکنّها تُؤیِّد وقوع الحادثة
1 - خبر الزهری
اشارة

أخرجه ابن قولویه، قال: «وعنه [یعنی أبیه]، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، قال: حدّثنی أبو معشر، عن الزهری، قال: لمّا قُتل الحسین علیه السلام ، أمطرت السماء دماً»((1)).

رجال السند

ابن قولویه وأبوه لا کلام فی وثاقتهم، ونصر بن مزاحم أیضاً من الثقات، قال فیه النجاشی: «کوفی، مستقیم الطریقة، صالح الأمر، غیر أنّه یروی عن الضعفاء، کُتبه حسان»((2)). وعدّ له مجموعة من الکُتب منها کتاب مقتل الحسین علیه السلام ((3))، ومن المحتمل جدّاً أن تکون هذه الروایة من کتابه هذا.


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص188.
2- النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص428.
3- اُنظر: المصدر السابق.

ص:67

وذکره الشیخ فی الرجال((1)) والفهرست مجرّداً عن التوثیق والتضعیف، وعدّ له مجموعة من الکُتب ومنها کتاب مقتل الحسین علیه السلام ((2)).

وذکره العلّامة فی القسم الأوّل من خلاصته((3)).

وقال ابن أبی الحدید: «هو ثقة ثبت، صحیح النقل»((4)).

وترجمه الزنجانی وانتهی إلی أنّ أخباره فی غایة الجودة، وأنّ خبره یُعدّ کالصحیح((5)).

والکلام فی ثلاثة، عمر بن سعد، وأبو معشر، والزهری.

أمّا عمر بن سعد، فهو لیس ابن أبی وقّاص قائد معسکر ابن زیاد کما قد یُتوهم، فإنّ ذاک لیس بشیخ لنصر بن مزاحم؛ لأنّ وفاة نصر بن مزاحم کانت فی سنة (212ه-)، ومقتل الحسین علیه السلام کان فی سنة (61ه-)، ووفاة عمر بن سعد وقتْله کان فی سنة (66ه-)، فهما فی عصرین وزمانین مختلفین.

وعمر بن سعد هذا، هو ابن أبی الصید الأسدی کما ذکره تلمیذه نصر بن مزاحم فی وقعة صفّین((6))، وعمر هذا لم أقف له علی ترجمة فی کُتب الرجال الشیعیة، فهو مُهمل، غیر أنّه من رجال کامل الزیارات، فبناءً علی وثاقة جمیع رجال کامل الزیارات، یکون الرجل ثقة بلا معارضة، غیر أنّ هذا المبنی محلّ جدل، والسیّد الخوئی بنفسه قد تخلّی عنه فی آخر حیاته.

لکن النظر فی روایات الرجل توقفک علی أنّه من الشیعة الإمامیة، ویهتم بنقل


1- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص147.
2- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص254- 255.
3- اُنظر: العلّامة الحلی، یوسف بن المطهر، خلاصة الأقوال: ص285.
4- ابن أبی الحدید، عبد الحمید، شرح نهج البلاغة: ج2، ص206.
5- اُنظر: الزنجانی، موسی، الجامع فی الرجال: ج11، ص166.
6- اُنظر: المنقری، نصر بن مزاحم، وقعة صفّین: ص3.

ص:68

فضائل أهل البیت علیهم السلام وما جری علیهم؛ ولذا فإنّ أهل السنّة حین وقفوا علی عقیدته وکونه من خلّص الشیعة، ضعّفوه ولم یعتدّوا بروایته، فهذا ابن أبی حاتم وهو من کبار رجال الجرح والتعدیل یقول فیه: «عمر بن سعد الأسدی... سألت أبی عنه. فقال: شیخ قدیم من عُتّق الشیعة، متروک الحدیث»((1)). وقال الذهبی: «شیعی بغیض، قال أبو حاتم: متروک الحدیث»((2)).

وذکر النمازی أنّ له کتاباً جمع فیه جملة من کتب أمیر المؤمنین علیه السلام وغیرها((3)). وقد روی عنه نصر بن مزاحم کثیراً.

فیمکن الرکون إلی روایته والقول بحسن حاله، وقد ترجمه الشیخ الزنجانی وانتهی إلی نتیجة أنّه: «شیخ من بنی أسد، لا أحسبه إلّا إمامیّاً صحیح العقیدة»((4)).

لکن فی بعض الأخبار کما فی الکافی((5))، وکامل الزیارات((6))، وغیرها((7)) ورد أنّ نصر بن مزاحم یُحدّث عن عمرو بن سعید ولیس عن عمر بن سعد، وهناک نُسخ اختلفت فی نفس الروایة، فبعضها ذکرت عمر بن سعد، وبعضها ذکرت عمرو بن سعید، فتتولّد هنا احتمالات أُخری، فإمّا أنْ یکون هناک تصحیف، وأنّ شیخ نصر هو أحدهما، فیکون إمّا عمر بن سعد (المهمل)، أو عمرو بن سعید (المعروف علی ما سیأتی).


1- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج6، ص112.
2- الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج3، ص199.
3- اُنظر: الشاهرودی، علی النمازی، مستدرکات علم رجال الحدیث: ج6، ص90.
4- الزنجانی، موسی، الجامع فی الرجال: ج8، ص52.
5- اُنظر: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی: ج1، ص345.
6- اُنظر: ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص149- ص150، ص183.
7- اُنظر: الصدوق، محمد بن علی، علل الشرائع: ج1، ص228.

ص:69

أو أنّ لنصر شیخین متشابهین فی الاسم، أحدهما عمر بن سعد، والآخر عمرو بن سعید

والظاهر من معجم الرجال للسیّد الخوئی أنّهما اثنان؛ لأنّ السیّد ذکر عمر بن سعد بعنوان مستقل، وصرّح بأنّ نصر بن مزاحم یروی عنه((1)).

وذکر عمرو بن سعید بعنوان مستقل، وصرّح بأنّ نصر بن مزاحم یروی عنه((2))، وفی ترجمة نصر بن مزاحم ذکر أیضاً أنّه یروی عن عمرو بن سعید مستنداً فی ذلک علی روایة فی الکافی فیها نصر بن مزاحم، عن عمرو بن سعید((3)).

فالنتیجة طبق تجمیع هذه المعطیات أنّ السیّد الخوئی یری أنّ لنصر شیخین، أو أنّ السیّد لم یلتفت إلی التشابه بین الاسمین فی شیوخ نصر فلم یتکفّل بحث ذلک.

ثمّ إنّ السیّد یری أنّ عمرو بن سعید الوارد فی روایات عدیدة جدّاً، هو عمرو بن سعید المدائنی؛ حیث قال: «هذا متحدٌ مع عمرو بن سعید المدائنی»((4)). وعمرو بن سعید المدائنی ثقة روی عن الرضا علیه السلام کما ذکر النجاشی((5)).

وفی کامل الزیارات بتحقیق القیومی، رجّح المحقّق أنّ شیخ نصر هو عمرو بن سعید المدائنی، ولیس عمر بن سعد، وذکر ذلک فی عدّة موارد من دون تحقیق یُذکر، سوی أنّه یدّعی أنّ شیخ نصر هو عمرو بن سعید المدائنی((6)).

والتحقیق یقتضی أنّ هناک تصحیف فی الاسم، وأنّ شیخ نصر هو عمر بن سعد،


1- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج14، ص43.
2- اُنظر: المصدر السابق: ج14، ص108.
3- اُنظر: المصدر السابق: ج20، ص160.
4- المصدر السابق: ج14، ص111.
5- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص287.
6- اُنظر: ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص149- ص150، ص183.

ص:70

ولیس عمرو بن سعید؛ وذلک لعدّة قرائن:

الأُولی: فی بعض نُسخ الکافی أنّ الذی روی عنه نصر هو عمر بن سعد ولیس عمرو بن سعید، کما أشار إلی ذلک المحقّق الأردبیلی((1))، وهذا یدلّ علی التصحیف وعدم التعدّد.

الثانیة: إنّ المواضع التی وردت فی کامل الزیارات وفیها أنّ نصر بن مزاحم روی عن عمرو بن سعید، قد جاءت فی نُسخة أُخری أنّ الذی روی عنه نصر هو عمر بن سعد مکان عمرو بن سعید، ممّا یدلّ أیضاً علی التصحیف وعدم التعدّد.

الثالثة: إنّ نصر بن مزاحم روی فی وقعة صفّین أکثر من ثمانین خبراً کلّها عن عمر بن سعد، ولم یرد ذکر لعمرو بن سعید ولا فی خبر واحد. وکذلک فی بقیّة الکتب، فإنّ أکثر روایاته عن عمر بن سعد، ولیس عمرو بن سعید.

الرابعة: إنّ عمر بن سعد ورد فی کتب أهل السنّة بهذا العنوان، ووصفوه بأنّه من عُتّق الشیعة، وشیعی بغیض، وهذا یناسب أنْ یکون شیخ نصر هو عمر لا عمرو.

ومن مجموع هذه القرائن یتحصّل أنّ شیخ نصر هو عمر بن سعد، ولیس عمرو بن سعید.

ویؤیّد ذلک أیضاً أنّ وفاة نصر فی سنة (212ه-)، فالمناسب من شیخه أنْ یروی عن الإمام الکاظم علیه السلام ، فی حین نری أنّ عمرو بن سعید المدائنی یروی عن الإمام الرضا علیه السلام ، ویروی کثیراً عن مصدق بن صدقة الذی یروی بدوره عن الإمام الکاظم علیه السلام ، فی حین لم نجد لعمرو بن سعید روایة واحدة عن الإمام الکاظم علیه السلام ، وهذا یؤکّد أنّ عمرو المدائنی هو غیر عمر بن سعد، وأنّ شیخ نصر هو عمر بن سعد


1- اُنظر: الأردبیلی، محمد بن علی، جامع الرواة: ج1، ص147.

ص:71

لا المدائنی.

وبعد مدةً من الزمن وأثناء بلوغی أواخر الکتاب، وقع بیدی کتاب الرجال للشیخ الزنجانی، فی نسخته ال(pdf) المعدّة للطباعة، حیث إنّ الکتاب لم یُطبع بعدُ، فاستذکرت إشکالیة عمر بن سعد هذه، وراجعت النُّسخة المذکورة للکتاب فی ترجمة نصر بن مزاحم، فوجدته یقول: «وروی فی موضعین أو مواضع عن عمرو بن سعد أو سعید، وهو مصحّف عمر بن سعد جزماً، کما هو المتحقّق»((1)).

أمّا أبو معشر، فهو نجیح بن عبد الرحمن السندی، ذکره الطوسی فی أصحاب الإمام الصادق علیه السلام ((2))، وذکر النجاشی بأنّ له کتاب الحرّة((3)).

ترجمه السیّد الخوئی مقتصراً علی ذکر الطوسی والنجاشی له((4)).

وترجمه التستری وأضاف إلی ذلک أنّ الرجل مترجم فی کُتب أهل السنّة، وذکر ترجمة الخطیب له، واستظهر بعدها أنّ الرجل من العامّة ولیس من الشیعة، فقال: «وحیث لم یُنسب إلیه تشیُّعاً، ولم ینقله عن أحد فالظاهر عامّیته، وعنوان رجال الشیخ أعمّ، وأمّا النجاشی فمثل الشیخ فی الفهرست قد یعنون العامّی إذا کان ذا کتاب مفید لنا. ویؤیّده أنّه اقتصر فیه علی روایته کتابه الحرّة، والحرّة وقعة یزید بالمدینة وإن کان ظاهر سکوته عن مذهبه إمامیّته.

وقد سکت ابن الندیم أیضاً عن مذهبه، وهو ظاهر فی عامّیته، فقال: أبو معشر، واسمه نجیح المدنی، مولی، وکان مکاتباً لامرأة من بنی مخزوم وعُتِق، عارف بالأحداث


1- الزنجانی، موسی، الجامع فی الرجال: ج11، ص165.
2- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص316.
3- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص457.
4- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج20، ص141.

ص:72

والسیر، وأحد المحدّثین، توفّی أیام الهادی، وله من الکُتب کتاب المغازی، وعنونه ابن حجر والذهبی وسکتا عن مذهبه، لکنّهما قالا: الهاشمی مولاهم»((1)).

أقول: قد تتبّعنا تراجمه فی کتب السنّة، ولم نقف علی ما ینفعنا فی المقام سوی أنّه کان مولی لبنی هاشم، وحکم أکثرهم بضعف حدیث الرجل، ولا یمکن من خلال ذلک البناء علی تشیُّعه، وأنّ تضعیفهم له ناشئ من ذلک.

فالخلاصة: إنّ أبا معشر مجهول، إلّا علی مبنی وثاقة جمیع رجال کامل الزیارات، فیکون ثقة.

نعم، للشیخ الزنجانی رأی آخر، فهو یری أنّ أبا معشر هذا لیس نجیح، بل هو شخص غیره، قال: «وأمّا أبو معشر الذی روی عنه نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عنه، عن الزهری فی (باب 28 من کامل الزیارة)، وإن کان عصره واحداً((2)) إلّا أنّ الظاهر کونه یوسف بن یزید البراء البصری أبو معشر، من رواة العامّة، وحدیثه غایة فی الجودة»((3)).

وأمّا الزهری، فهو محمد بن مسلم بن شهاب الزهری من رجال العامّة، بل من أئمّتهم وثقته عندهم وجلالة قدره ممّا لا خلاف فیها.

وأمّا عند الشیعة فقد ذکره الشیخ الطوسی وقال عنه: «عدو»((4)).

وقال الشیخ حسن ابن الشهید الثانی فی التحریر الطاوسی عند ذکره لسفیان بن سعید، والزهری: «والمشار إلیهما عدوان مُتّهمان، وقد ذکرت فی بعض ما ألفت شیئاً


1- التستری، محمد تقی، قاموس الرجال: ج10، ص345.
2- یعنی عصره متحد مع نجیح بن عبد الرحمن.
3- الزنجانی، موسی، الجامع فی الرجال: ج12، ص286.
4- الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص119.

ص:73

یتعلّق بحالهما»((1)).

لکن السیّد الخوئی والتستری یرون أنّه محبّ لزین العابدین علیه السلام ، فقد ذکر السیّد الخوئی روایة تتضمّن تأثر الزهری بکلام الإمام زین العابدین علیه السلام ، وقوله: «الله یعلم حیث یجعل رسالته»((2))، ثمّ ملازمته له، وقال بعد ذلک: «الزهری وإنْ کان من علماء العامّة، إلّا أنّه یظهر من هذه الروایة وغیرها، أنّه کان یحب علی بن الحسین علیه السلام ویعظمه»((3)).

وذکر بعد ذلک عدّة من الروایات، وقال بعدها: «وبما ذکرنا یظهر أنّ نسبة العدواة إلیه علی ما ذکره الشیخ لم تثبت، بل الظاهر عدم صحتها»((4)).

وقال التستری: «ثمّ لو کان الشیخ قال فیه: (عامّی) کان صحیحاً، وأمّا قوله: (عدوّ) فلیس بحسن، وکیف! والأخبار بمحبته للسجّاد علیه السلام متواترة»((5)).

أمّا المازندرانی فیری خلاف ذلک فیقول: «وأمّا نصبه وعداوته فممّا لا ریب فیه، وقد ذکره الفاضل عبد النبی الجزائری، وقبله العلّامة فی قسم الضعفاء»((6)).

والخلاصة: نحنُ أمام رأیین متناقضین فی الرجل، لکنّ هذا التناقض غیر مُضر بالروایة التی نحن فی صددها، والتی تتکلّم عن مطر السماء دماً؛ وذلک لأنّه إنْ کان عدوّاً ومبغضاً لأهل البیت علیهم السلام ، فهذه الروایة تعدُّ بمنزلة الإقرار؛ إذ لا معنی لأنْ یکذب الإنسان فی شیء علی خلاف مصلحته، خصوصاً إنّه کان من أتباع بنی أُمیّة.


1- ابن الشهید الثانی، حسن زین الدین، التحریر الطاووسی: ص315.
2- الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج17، ص191.
3- المصدر السابق.
4- المصدر السابق: ج7، ص192.
5- التستری، محمد تقی، قاموس الرجال: ج9، ص329.
6- المازندرانی، محمد بن إسماعیل، منتهی المقال: ج6، ص80.

ص:74

وإن کان الرجل غیر مبغض، بل هو محبٌ للإمام زین العابدین علیه السلام ، وله عدّة روایات یرویها عنه فی الکافی، والفقیه، والتهذیب، والاستبصار، فهذا یدلّ علی حسن حال الرجل وإمکان الاعتماد علیه.

هذا وقد انتهی الزنجانی إلی أنّ الرجل أحادیثه جیّدة((1)).

خلاصة الحکم علی السند

تبیّن أنّ هذا السند ضعیف؛ لجهالة أبی معشر فقط، وهو یُعدّ قرینة تتقوّی بها الأخبار المتقدّمة، وأمّا علی القول بإنّ أبا معشر هو یوسف بن یزید (أبو معشر البراء)، وأنّ حدیثه غایة فی الجودة، فیمکن القول باعتبار هذا السند.

2 - خبر محمد بن سلمة عمّن حدّثه
اشارة

أخرجه ابن قولویه، قال: «وعنه [یعنی محمد بن جعفر الرزاز الکوفی]، عن محمد بن الحسین، عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن سعید، عن محمد بن سلمة، عمّن حدّثه، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی علیهما السلام أمطرت السماء تراباً أحمر»((2)).

رجال السند

أمّا محمد بن جعفر الرزاز، فهو شیخ ابن قولویه، وشیخ الکلینی، وقد أکثر عنه، ومن مشایخ الشیعة، فلا إشکال فی وثاقتة((3))، وکذا محمد بن الحسین بن أبی الخطّاب،


1- اُنظر: الزنجانی، موسی، الجامع فی الرجال: ج10، ص206 - 207.
2- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص183.
3- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج16، ص182 - 185.

ص:75

فإنّه من الأجلّاء الثقات((1))، وقد تقدّمت وثاقة نصر بن مزاحم، وحسن حال عمر بن سعد، وأوضحنا أنّ شیخ نصر لیس عمرو وأنّ هذا تصحیف، وبقی عندنا فی هذا السند محمد بن سلمة، وهو مشترک بین جماعة، بل ربّما یکون غیرهم، ولم یتسنَ لنا معرفته؛ لأنّ شیخه هنا مجهول والراوی عنه عمر بن سعد أیضاً لم یذکروه، فیصعب حینئذٍ التمییز بواسطة الشیوخ والتلامیذ.

خلاصة الحکم علی السند

تبیّن أنّ هذا السند ضعیف باثنین؛ محمد بن سلمة وشیخه، فإنّهما مجهولان.

3 - خبر میثم التمار
اشارة

أخرجه الشیخ الصدوق، قال: «حدّثنا الحسین بن أحمد بن إدریس رحمة الله، قال: حدّثنا أبی، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن أرطأة بن حبیب، عن فضیل الرسان، عن جبلة المکیة، قالت: سمعت میثماً التمار (قدس الله روحه) یقول: والله لتقتلن هذه الأُمّة ابن نبیِّها فی المُحرّم لعشر یمضین منه، ولیتخذن أعداء الله ذلک الیوم یوم برکة، وأنّ ذلک لکائن، قد سبق فی علم الله (تعالی ذکره)، أعلم ذلک بعهد عهده إلیّ مولای أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه)، ولقد أخبرنی أنّه یبکی علیه کلّ شیء حتی الوحوش فی الفلوات، والحیتان فی البحار، والطیر فی جو السماء، وتبکی علیه الشمس والقمر والنجوم، والسماء والأرض، ومؤمنو الإنس والجن، وجمیع ملائکة السماوات، ورضوان ومالک وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً. ثمّ قال: وجبت لعنة الله علی قتلة الحسین علیه السلام ، کما وجبت علی المشرکین الذین یجعلون مع


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص334.

ص:76

الله إلها آخر، وکما وجبت علی الیهود والنصاری والمجوس.

قالت جبلة: فقلت له: یا میثم، وکیف یتخذ الناس ذلک الیوم الذی یُقتل فیه الحسین بن علی علیهما السلام یوم برکة؟! فبکی میثم (رضی الله عنه)، ثمّ قال: سیزعمون بحدیث یضعونه، أنّه الیوم الذی تاب الله فیه علی آدم علیه السلام ، وإنّما تاب الله علی آدم علیه السلام فی ذی الحجة، ویزعمون أنّه الیوم الذی قَبِل الله فیه توبة داوُد علیه السلام ، وإنّما قَبِل الله توبته فی ذی الحجة، ویزعمون أنّه الیوم الذی أخرج الله فیه یونس علیه السلام من بطن الحوت، وإنّما أخرجه الله تعالی من بطن الحوت فی ذی القعدة، ویزعمون أنّه الیوم الذی استوت فیه سفینة نوح علیه السلام علی الجودی، وإنّما استوت علی الجودی یوم الثامن عشر من ذی الحجة، ویزعمون أنّه الیوم الذی فلق الله فیه البحر لبنی إسرائیل، وإنّما کان ذلک فی ربیع الأوّل.

ثمّ قال میثم: یا جبلة، اعلمی أنّ الحسین بن علی علیهما السلام سیّد الشهداء یوم القیامة، ولأصحابه علی سائر الشهداء درجة. یا جبلة، إذا نظرت إلی الشمس حمراء کأنّها دم عبیط، فاعلمی أنّ سیّدک الحسین قد قُتل.

قالت جبلة: فخرجت ذات یوم، فرأیت الشمس علی الحیطان کأنّها الملاحف المعصفرة((1))، فصحت حینئذٍ وبکیت، وقلت: قد والله، قُتل سیّدنا الحسین بن علی علیه السلام »((2)).


1- الملاحف المعصفرة: وهی المصبوغة بالعُصفُر، وهو نبت معروف یُصبغ به، والظاهر أنّه یصبغ الثیاب ونحوها بالصبغ الأحمر، والمراد أنّ الحیطان تُری حمراء لشدّة احمرار الشمس فی تلک الفترة. اُنظر: الجوهری، إسماعیل بن حماد، الصحاح: ج2، ص750. ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب: ج4، ص581. مجموعة من المؤلفین، المعجم الوسیط: ج2 ص605.
2- الصدوق، محمد بن علی، الأمالی: ص189. الصدوق، محمد بن علی، علل الشرائع: ج1، ص227 - 228.

ص:77

رجال السند

أمّا الحسین بن أحمد بن إدریس، فهو من مشایخ الصدوق، وقد أکثر عنه مُترحماً ومترضیّاً علیه، وهو من مشایخ الإجازة أیضاً، وهذه قرائن تدلّ علی الوثاقة عند جملة من العلماء((1)).

وقد یُحتمل أنّه هو الحسین الأشعری((2)) الذی نصّ العلّامة علی توثیقه((3))، لکن الوحید فی تعلیقته استبعد کونه ابن أحمد((4))، وکذلک الخوئی، واستظهر أنّ الثانی هو ابن عمران((5)).

أقول: ذکر ابن حجر فی لسان المیزان ترجمة للحسین بن أحمد بن إدریس، جاء فیها: «الحسین بن أحمد بن إدریس القمّی، أبو عبد الله، ذکره الطوسی فی مصنّفی الشیعة الإمامیة، وقال: کان ثقة، روی عن أبیه، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقی، روی عنه محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه، والتلعکبری، وغیرهم»((6)).

لکن فی الفهرست الموجود حالیاً لا توجد هذه الترجمة، فلعلّه توجد نُسخة عند ابن حجر غیر النُّسخة الواصلة إلینا والله العالم.

وأمّا أحمد بن إدریس فهو ثقة أیضاً((7)).


1- اُنظر: الوحید البهبهانی، محمد باقر، تعلیقة علی منهج المقال: ص138.
2- اُنظر: المازندرانی، محمد بن إسماعیل، منتهی المقال: ج4، ص201.
3- اُنظر: العلّامة الحلی، یوسف بن المطهر، خلاصة الأقوال: ص119.
4- اُنظر: الوحید البهبهانی، محمد باقر، تعلیقة علی منهج المقال: ص139. المامقانی، عبد الله، تنقیح المقال: ج21، ص328 - 329.
5- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج6، ص187 - 188.
6- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، لسان المیزان: ج2، ص262.
7- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص92.

ص:78

ومحمد بن الحسین بن أبی الخطاب تقدّم أنّه ثقة، وکذا نصر بن مزاحم، وعمر بن سعد حسن الحال کما تقدّم.

فتبقّی عندنا أرطأة بن حبیب، وفضیل الرسان، وجبلة المکیة، ومیثم التمار.

أمّا أرطأة بن حبیب، فهو کوفی ثقة((1)).

وأمّا فضیل الرسان، فالظاهر کونه زیدی المذهب، ولم نقف علی مَن نصّ علی توثیقه، إلّا بناءً علی وثاقة رجال تفسیر القمی، وکذا کامل الزیارات، وکلاهما محلّ کلام کما لا یخفی.

وللسیّد الجلالی بحث لطیف حول حیاة الرجل، انتهی فیه إلی اعتبار روایته، فقال: «والذی أراه أنّ الرجل معتبر الحدیث، لمِا یبدو من مجموع أخباره وأحواله من انقطاعه إلی أهل البیت علیهم السلام ، واختصاصه بهم، ونصرته لهم، وتعاطفه معهم، وکونه مأموناً علی أسرارهم، وکذلک وقوعه فی طریق کثیر من الروایات - وکلّها خالیة ممّا یوجب القدح فیه - فهذا کلّه مدعاة إلی الاطمئنان به، ولو التزمنا بکفایة عدم القدح فی الراوی لاعتبار حدیثه من دون حاجة إلی معرفة وثاقته بالخصوص - کما هو مذهب القدماء - لکان الرجل معتمد الحدیث بلا ریب»((2)).

وأمّا جبلة المکیة، فهی مجهولة، ولم أقف علی ذکر لها فی غیر هذا الخبر.

ومیثم التمار من خُلّص أتباع أمیر المؤمنین علیه السلام .


1- اُنظر: المصدر السابق: ص107.
2- مؤسسة أهل البیت لإحیاء التراث، مجلة تراثنا، العدد الثانی، السنة الأُولی، خریف سنة 1406ه: ج2، ص145.

ص:79

خلاصة الحکم علی السند

تبیّن ممّا تقدّم اعتبار جمیع رجال السند سوی جبلة المکیة، فلم نقف علی ترجمتها؛ فهو ضعیف لجهالتها.

4 - خبر السیّدة زینب علیها السلام
اشارة

أخرجه الشیخ المفید فی أمالیه، وعنه الطوسی فی الأمالی، قال: أخبرنی أبو عبید الله محمد بن عمران المرزبانی، قال: حدّثنی أحمد بن محمد الجوهری، قال: حدّثنا محمد بن مهران، قال: حدّثنا موسی بن عبد الرحمن المسروقی، عن عمر بن عبد الواحد، عن إسماعیل بن راشد، عن حذلم بن ستیر، قال: «قدِمتُ الکوفة فی الُمحرّم سنة إحدی وستین منصرف علی بن الحسین علیهما السلام بالنسوة من کربلاء، ومعهم الأجناد محیطون بهم، وقد خرج الناس للنظر إلیهم، فلمّا أُقبل بهم علی الجمال بغیر وطاء، جعل نساء أهل الکوفة یبکین وینتدبن، فسمعت علی بن الحسین علیهما السلام ، وهو یقول بصوت ضئیل وقد نهکته العلّة، وفی عنقه الجامعة ویده مغلولة إلی عنقه: أَلا إنّ هؤلاء النسوة یبکین، فمن قتلنا؟! قال: ورأیت زینب بنت علی علیها السلام ولم أرَ خفرة قطُّ أنطق منها، کأنّها تُفرغ عن لسان أمیر المؤمنین علیه السلام . قال: وقد أومأت إلی الناس أنْ اسکتوا، فارتدت الأنفاس وسکتت الأصوات... أفعجبتم أنْ قطرت السماء دماً؟! ولعذاب الآخرة أخزی»((1)).

وفی الاحتجاج للطبرسی: «أفعجبتم أنْ تمطر السماء دماً»((2)).

وأورده المشغری مرسلاً عن أبی إسحاق السبیعی، قال: قال أبو إسحاق السبیعی،


1- المفید، محمد بن محمد، الأمالی: ص321. الطوسی، محمد بن الحسن، الأمالی: ص91. الصدوق، محمد بن علی، عیون أخبار الرضا علیه السلام : ج1، ص268 - 269.
2- الطبرسی، أحمد بن علی، الاحتجاج: ج2، ص31.

ص:80

عن حذیم الأسدی، وأورده بلفظ: «أفعجبتم أن مطرت السماء دماً»((1)).

وأورده السیّد ابن طاووس مرسلاً عن بشیر بن خزیم الأسدی((2)).

رجال السند

أمّا محمد بن عمران المرزبانی، فقد ذکره ابن شهر آشوب، وقال: «له کتاب ما نزل من القرآن فی علی بن أبی طالب»((3)).

وهو من شیوخ السیّد المرتضی، وقد أکثر عنه فی أمالیه، وکذلک من شیوخ المفید، وروی عنه عدّة من الروایات.

وذکره الحرّ العاملی، ونقل فیه قول ابن خلکان بأنّه «صاحب التصانیف المشهورة والمجامیع الغریبة، کان راویة للآداب، صاحب أخبار، وتآلیفه کثیرة، وکان ثقة فی الحدیث ومائلاً إلی التشیع»((4))، وأضاف العاملی قائلاً: «والسیّد المرتضی روی عنه کثیراً فی الدرر والغرر»((5)).

وله تراجم فی کتب أهل السنّة، فقد ذکره الخطیب، وقال: «کان صاحب أخبار وروایة للآداب، وصنّف کُتباً کثیرة فی أخبار الشعراء المتقدّمین والمحدّثین علی طبقاتهم، وکُتبا فی الغزل والنوادر، وغیر ذلک، وکان حسن الترتیب لمِا یجمعه، غیر أنّ أکثر کُتبه لم تکن سماعاً له، وکان یرویها إجازةً، ویقول فی الإجازة: أخبرنا، ولا یبیّنها»((6)).


1- المشغری، یوسف بن حاتم، الدر النظیم: ص560.
2- اُنظر: ابن طاووس، علی بن موسی، اللهوف فی قتلی الطفوف: ص86.
3- ابن شهر آشوب، محمد بن علی، معالم العلماء: ص105.
4- الحر العاملی، محمد بن الحسن، أمل الآمل: ج2، ص292.
5- المصدر السابق.
6- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج3، ص352.

ص:81

وقال: «وحدّثنی ابن أیوب، قال: دخلت یوماً علی أبی علی الفارسی النحوی، فقال: من أین أقبلت؟ قلت: من عند أبی عبید الله المرزبانی. فقال: أبو عبید الله من محاسن الدنیا»((1)).

وقال: «قال لی علی بن أیوب: وکان عضد الدولة یجتاز علی بابه، فیقف ببابه حتی یخرج إلیه أبو عبید الله فیسلّم علیه ویسأله عن حاله»((2)).

وبعد أنْ نقل بعض ما یتعلّق بأخباره، وذکر قول الأزهری بأنّه کان معتزلیاً صنّف کُتاباً فی أخبار المعتزلة، وما کان ثقة، خلص إلی نتیجة جاء فیها: «لیس حال أبی عبید الله عندنا الکذب، وأکثر ما عِیب به المذهب، وروایته عن إجازات الشیوخ له من غیر تبیین الإجازة، فالله أعلم»((3)).

ثمّ ذکر قول العتیقی فیه: «وکان مذهبه التشیع والاعتزال، وکان ثقة فی الحدیث»((4)).

وقال ابن الندیم: «أصله من خراسان آخر مَن رأینا من الأخباریین المصنّفین، راویة، صادق اللهجة، واسع المعرفة، کثیر السماع»((5)).

فتبیّن من جمیع ذلک أنّ الرجل معروف عند الفریقین، وری عنه - عند الشیعة - المفید والمرتضی، وهما من أجلّاء الطائفة، ولم یتعرّض أحد من علماء الشیعة لقدحه، وتُرجم له عند أهل السنّة، وقدحوه بالمذهب، فرموه بالتشیّع تارةً، وبالاعتزال أُخری؛ لذا ضعّفه بعضهم، ووثّقه بعضهم، وانصبّ قَدحُ مَن قدحه علی المذهب أوّلاً، وعلی


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق: ج3، ص353..
4- المصدر السابق: ج3، ص353.
5- ابن الندیم، محمد بن أبی یعقوب، الفهرست: ص146.

ص:82

روایته بالإجازة من دون تبیین ذلک ثانیاً، فظاهر الرجل من جمع هذه القرائن أنّه صادق اللهجة غیر متعمّد الکذب؛ فالنتیجة أنّه یمکن التعویل علی روایته.

أمّا أحمد بن محمد الجوهری، فهو ضعیف الحدیث واختلط فی آخر عمره((1))، وکان النجاشی یروی عنه، وکان صدیقه وصدیق والده، لکن تجنّب الروایة عنه لاحقاً لتضعیفه من قِبل شیوخ الطائفة، قال: «رأیت هذا الشیخ، وکان صدیقاً لی ولوالدی، وسمعت منه شیئاً کثیراً، ورأیتُ شیوخنا یُضعّفونه فلم أروِ عنه وتجنبته»((2)).

ومحمد بن مهران، لم یذکروه، ولم أقف له علی ترجمة.

وموسی بن عبد الرحمن المسروقی، لم یذکروه، ولم أقف له علی ترجمة، أو ذکْر فی غیر هذه الروایة محلّ البحث.

وعمر بن عبد الواحد، لم یذکروه، ولم أقف له علی ترجمة، أو ذکْر غیر هذه الروایة محلّ البحث.

وإسماعیل بن راشد، کسابقیه لم یذکروه، ولم أقف له علی ترجمة.

أمّا حذلم بن ستیر، فقد وقع الاختلاف فی اسمه، فقد ورد فی الاحتجاج باسم (حذیم بن شریک الأسدی)((3))، وبهذا الاسم ذکره الشیخ الطوسی فی أصحاب الإمام زین العابدین علیه السلام من دون جرح ولا تعدیل((4))، ووردت له أسماء أُخری، نکتفی هنا بما ذکره الشیخ علی أکبر غفاری، قال معلّقا علی حذلم بن ستیر فی خبر الأمالی للمفید:


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص85. الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص79. الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص413.
2- النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص86.
3- اُنظر: الطبرسی، أحمد بن علی، الاحتجاج: ج2، ص29، ص31.
4- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص113.

ص:83

«وفی بعض نُسخ الحدیث حذلم بن بشیر، وفی الاحتجاج حذیم بن شریک الأسدی، وعنونه فی الجامع من أصحاب الإمام الحسین علیه السلام ، وعدّه الشیخ فی رجاله من أصحاب الإمام علی بن الحسین علیهما السلام ، وفی البحار فی قصّة نزول أهل البیت علیهم السلام قرب المدینة: (بشیر بن حذلم)، وفی بلاغات النساء لابن طیفور مرّة حذام الأسدی، وأُخری حذیم، وفی اللهوف بشیر بن خزیم الأسدی، وقال فی هامش البحار: والصحیح حذیم بن بشیر»((1)).

والخلاصة: إنّ الرجل لم یوثّق أیضاً.

خلاصة الحکم علی السند

اتّضح من خلال ما تقدّم أنّ هذا السند ضعیف.

5 - خبر عمّار بن أبی عمّار
اشارة

أخرجه الشیخ الطوسی، قال: «أخبرنا ابن خشیش، قال: أخبرنا الحسین بن الحسن، قال: حدّثنا محمد بن دلیل، قال: حدّثنا علی بن سهل، قال: حدّثنا مؤمل، عن حمّاد بن سلمة، عن عمّار بن أبی عمّار، قال: أمطرت السماء یوم قُتل الحسین علیه السلام دماً عبیطاً»((2)).

رجال السند

أمّا ابن خشیش، فهو محمد بن علی بن خشیش التمیمی، روی عنه الشیخ کثیراً فی أمالیه، کما أنّه من شیوخ النجاشی، فهو ثقة، لأنّ شیوخ النجاشی کلّهم ثقات.

ویبدو أنّه من رجال العامّة، فهو شیخ البیهقی، وقد روی عنه کثیراً((3)).


1- المفید، محمد بن محمد، الأمالی (تحقیق علی أکبر غفاری): ص321.
2- الطوسی، محمد بن الحسن، الأمالی: ص330.
3- اُنظر: النحال، محمود بن عبد الفتاح، اتحاف المرتقی بتراجم شیوخ البیهقی: ص469.

ص:84

وقال غلام رضا عرفانیان: «وهو من مشایخه [یعنی مشایخ الطوسی] العامّة علی ما فی الإجازة الکبیرة للعلّامة، المذکورة فی إجازات البحار»((1)).

أمّا الحسین بن الحسن، فهو أبو زید الحسین بن الحسن بن عامر، فلم نجد له ترجمة لا فی کُتب الشیعة ولا فی کُتب السنّة، وإنْ کان له ذکر فی بعض روایات الفریقین، فیبقی حاله علی الجهالة.

وأمّا محمد بن دلیل، فهو أبو بکر محمد بن دلیل بن بشر بن سابق الإسکندرانی، فلم یُترجم له فی کُتب الشیعة، وله ذکر فی کتب السنّة، فقد ذکره الخطیب، وقال: «کان ثقة»((2)). وذکره السمعانی، وقال: «کان ثقة»((3)).

وعلی بن سهل، لیست له ترجمة أیضاً.

ومؤمل، مجهول کذلک.

وأمّا حمّاد بن سلمة، فلم یُترجم له فی کتب الشیعة، لکنّه من رجال تفسیر القمی، فیکون ثقةً بناءً علی وثاقة کلّ رجاله.

وله ترجمة مفصّلة فی کُتب أهل السنّة، وهو ثقة من کبار أهل الحدیث عندهم.

وعمّار بن أبی عمّار، لیس له ترجمة فی کتب الشیعة، وله ترجمة عند أهل السنّة، وکان مولی لبنی هاشم، وهو من التابعین یروی عن عدّة من الصحابة، وثّقه عدّة من علمائهم((4)).


1- عرفانیان، غلام رضا، مشایخ الثقات: ص34.
2- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج2، ص335.
3- السمعانی، عبد الکریم بن محمد، الأنساب: ج1، ص151.
4- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج7، ص353 - 354.

ص:85

خلاصة الحکم علی السند

لعلّ هذا السند برمّته من أبناء العامّة، ابتداءً من ابن خشیش شیخ الطوسی وانتهاءً بعمّار بن أبی عمّار، وهذا یعطی للروایة وإن کانت ضعیفة قیمة أکبر، باعتبار عدم وجود الدواعی لروایتها، بل إنّ الدواعی علی خلاف ذلک، ومع ذلک رویت.

وعلی کلّ حال فالسند ضعیف بعدّة من المجاهیل.

6 - خبر رجل من أهل بیت المقدس
اشارة

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی أبو الحسین محمد بن عبد الله بن علی الناقد((1))، قال: حدّثنی عبد الرحمان الأسلمی، وقال لی أبو الحسین، وأخبرنی عمّی، عن أبیه، عن أبی نصر، عن رجل من أهل بیت المقدس أنّه قال: والله لقد عرفنا أهل بیت المقدس ونواحیها عشیّة قَتل الحسین بن علی علیهما السلام . قلت: وکیف ذاک؟ قال: ما رفعنا حجراً ولا مدراً ولا صخراً إلّا ورأینا تحتها دماً عبیطاً یغلی، واحمرّت الحیطان کالعلق، ومطرنا ثلاثة أیام دماً عبیطاً، وسمعنا منادیا ینادی فی جوف اللیل یقول:

أترجو أُمّةٌ قتلت حسینا

شفاعة جدّه یوم الحساب

معاذ الله لا نُلتم یقیناً

شفاعة أحمد وأبی تراب

قتلتم خیر مَن رکب المطایا

وخیر الشیب طراً والشباب

وانکسفت الشمس ثلاثة أیام، ثمّ تجلّت عنها وانشبکت النجوم، فلمّا کان من غد


1- وفی طبعة بتحقیق بهراد الجعفری، وإشراف علی أکبر الغفاری ص78، أبو الحسین أحمد بن عبد الله، وکان المحقّق قد أشار فی مقدمة الکتاب عند ذکره لمشایخ ابن قولویه إلی أنّ أحمد ومحمّد قد یکونان شخصین، أو أنّهما شخصیة واحدة وقد صُحّفت. ولعلّ ما ورد فی المتن هو الأصحّ بقرینة ما ورد فی موضع آخر متقدّم علی هذا، وهو ما ورد فی ص153 بتحقیق القیومی، وفی ص74 بتحقیق الجعفری، وفیه أنّ الذی یحدّث عن عبد الرحمان الأسلمی هو محمّد ولیس أحمد.

ص:86

ارجفنا بقتله، فلم یأتِ علینا کثیر شیء حتی نُعی إلینا الحسین علیه السلام »((1)).

رجال السند

أمّا محمد بن عبد الله الناقد، فهو وإن لم یُذکر إلّا أنّه ثقة بناءً علی کونه من شیوخ ابن قولویه المباشرین.

وأمّا عبد الرحمن الأسلمی، فلم نقف له علی ترجمة فی کُتب الشیعة، ولم نتعرّف علیه من کُتب السنّة أیضاً؛ إذ إنّ عبد الرحمن الأسلمی الوارد فی کتب أهل السنّة أکثر من شخص، وجلّهم بین تابعی أو صحابی.

فمثلاً عبد الرحمن بن حرملة الأسلمی، توفی (145ه-).

عبد الرحمن بن سنة الأسلمی، له رؤیة.

عبد الرحمن بن أبی حدرد الأسلمی، یروی عن أبی هریرة((2)).

عبد الرحمن بن ربیعة بن کعب الأسلمی، صحابی((3)).

فالغرض أنّ عبد الرحمن هذا مجهول، وکذلک بقیّة رجال السند لم أقف علی تراجم لهم.

خلاصة الحکم علی السند

تبیّن أنّ رجال هذا السند کلّهم من المجاهیل الذین لم یُترجم لهم سوی شیخ ابن قولویه، فهو ثقة بناءً علی التوثیق العام الصادر من ابن قولویه، فلا یمکن تصحیح هذه الروایة إلّا بناءً علی وثاقة جمیع رجال کامل الزیارات، وقد تقدّم تراجع السیّد الخوئی عنه.


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص160- 161.
2- اُنظر: ابن حبّان، محمد، الثقات: ج7، ص68، ج3، ص258، ج5، ص91.
3- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، الإصابة: ج4، ص257.

ص:87

المبحث الثانی: تخریج ودراسة الأخبار الدالة علی الحادثة من مصادر أهل السنّة

أوّلاً: الرواة الذین نقلوا الخبر

1 - سلیم القاص.

2 - نضرة الأزدیة.

3 - خلیفة بن صاعد.

4 - أُمّ سالم.

5 - السیِّدة زینب علیها السلام .

6 - إبراهیم النخعی.

7 - هلال بن ذکوان.

8 - قرط بن عبد الله.

9 - أُمّ سلمة.

10- ابن عباس.

11 - أحد الرهبان.

ص:88

ثانیاً: تخریج الأخبار ودراستها سندیاً وفق مبانی أهل السنّة

اشارة

ورد هذا المعنی فی عدّة من الأخبار وبطرق عدیدة، وبعض هذه الأخبار معتبر سنداً، وبعضها الآخر ضعیف تصلح کشاهد ومؤید لحصول الحادثة، ولکی تکون الدراسة واضحة ومنظمة ارتأینا أن نقسم الروایات بحسب الصحّة والضعف علی طائفتین: الأُولی: الروایات المعتبرة سندیّاً، والثانیة: الروایات الضعیفة.

الطائفة الأُولی: الأخبار المعتبرة سندیّاً
الخبر الأوّل: خبر سلیم القاص
اشارة

أخرجه ابن سعد، قال: «أخبرنا سلیمان بن حرب، وموسی بن إسماعیل، قالا: حدّثنا حمّاد بن سلمة، قال: حدّثنا سلیم القاص، قال: مُطرنا دم((1)) یوم قُتل الحسین»((2)).

وأخرجه البلاذری، قال: «حدّثنی عمر بن شبّة، عن موسی بن إسماعیل، عن حمّاد بن سلمة، عن سالم القاص، قال: مُطرنا أیام قتل الحسین دماً»((3)).

وأخرجه الثعلبی من طریق أبی خیثمة: «حدّثنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا سلیم القاضی((4))، قال: مطرنا دماً أیّام قتل الحسین»((5)).


1- هکذا فی المصدر المطبوع، والصحیح (دماً).
2- ابن سعد، محمد، الطبقات الکبری، الجزء المتمم لطبقات ابن سعد (الطبقة الخامسة فی من قبض رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) وهم أحداث الأسنان):ج1، ص505. ابن سعد، محمد، ترجمة الإمام الحسین علیه السلام (من طبقات ابن سعد): ص90.
3- البلاذری، أحمد بن یحیی، أنساب الأشراف: ج3، ص209.
4- هکذا ورد عند الثعلبی (القاضی) ولیس (القاص)، لکن مَن تقدّمه من علماء التاریخ والرجال کابن سعد، والبخاری، وابن أبی حاتم، أطبقوا علی أنّ اسمه (سلیم القاص).
5- الثعلبی، أحمد بن محمد، الکشف والبیان: ج8، ص353.

ص:89

وأورده البخاری فی تاریخه، والرازی فی الجرح والتعدیل، وابن حبّان فی ثقاته، کلّهم فی ترجمة سلیم القاص((1)).

وأیضاً أورده السیوطی نقلاً عن ابن سعد((2)).

رجال السند

عرفنا أنّ الخبر أخرجه ابن سعد، عن سلیمان بن حرب، وموسی بن إسماعیل، عن حمّاد، عن سلیم القاص، فنقول:

1 - سلیمان بن حرب: من رجال الستّة، وثّقه عدّة من کبار العلماء، کالنسائی، وابن خراش، وابن سعد، وغیرهم((3))، وقال فیه ابن حجر: «ثقة إمام حافظ»((4)). وقال فیه الذهبی: «الإمام الثقة الحافظ، شیخ الإسلام»((5)).

2 - موسی بن إسماعیل: قد عرفنا وثاقة سلیمان بن حرب، إلّا أنّه لم ینفرد بالروایة، فقد تابعه علیها موسی بن إسماعیل، وهو من الثقات المعروفین أیضاً، قال ابن حجر: «ثقة ثبت»((6)). وقال الذهبی: «الحافظ الثقة، أبو سلمة موسی بن إسماعیل»((7)).

3 - حمّاد بن سلمة: من رجال مسلم والأربعة، وروی له البخاری تعلیقاً، وثّقه عدّة من أئمّة هذا الشأن: کأحمد بن حنبل، وابن معین، والساجی، والعجلی، وقد تکلّم


1- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج4، ص129. ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج4، ص216. ابن حبّان، محمد، الثقات: ج4، ص329.
2- اُنظر: السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، المحاضرات والمحاورات: ص79.
3- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج4، ص157- 158.
4- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص383- 384.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج10، ص330.
6- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص220.
7- الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج1، ص395.

ص:90

فیه البعض لأوهام حصلت له، أو لتغیّر طرأ علیه فی آخر عمره((1))؛ لذا قال فیه ابن حجر: «ثقة عابد، أثبت الناس فی ثابت، وتغیّر حفظه بآخره»((2)).

لکن هذا التغیّر وتلک الأوهام لا تنقص من مکانة الرجل ووثاقته، فهو من أئمّة الحدیث وأجلّة الثقات، فمع فرض صحّة ما تکلّموا فیه من التغیّر والأوهام، فإنّه لا یحطّ من حدیث الرجل، ولا أقل من اعتبار حدیثه حسناً، کیف لا، وقد قال فیه علی بن المدینی: «مَن تکلّم فی حمّاد، فاتّهموه فی الدین»((3))، وقال أحمد بن حنبل: «إذا رأیت الرجل ینال من حمّاد بن سلمة، فاتّهمه علی الإسلام»((4))، وقال ابن معین: «إذا رأیت مَن یقع فیه [یعنی ابن سلمة] فاتّهمه علی الإسلام»((5))؛ ولذا قال فیه الذهبی: «کان بحراً من بحور العلم، وله أوهام فی سعة ما روی، وهو صدوق حجّة إنْ شاء الله»((6)).

وذکر الألبانی أنّ الرجل متّفق علی جلالته وصدقه((7)). وفی موضع آخر قال: «وحمّاد ثقة حافظ»((8)) وذکر فی تعلیقه علی السنّة أنّ فی حمّاد کلام لا ینزل حدیثه عن مرتبة الحسن((9)).


1- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج3، ص11- 14.
2- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص238.
3- الجرجانی، عبد الله بن عدی، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج2، ص266.
4- الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج1، ص203. واُنظر: الجرجانی، عبد الله بن عدی، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج2، ص266.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج1، ص349. واُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج7، ص263.
6- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج7، ص446.
7- اُنظر: الألبانی، محمد ناصر الدین، سلسلة الأحادیث الضعیفة والموضوعة: ج2، ص190.
8- المصدر السابق: ج1، ص204.
9- اُنظر: ابن أبی عاصم، أحمد بن عمرو، السنّة (تحقیق الألبانی): ص388.

ص:91

4 - سلیم القاص، ذکره البخاری((1))، وابن أبی حاتم((2))، من دون جرح ولا تعدیل، وذکره ابن حبّان فی الثقات، وقال: «یُخطئ»((3))، فحدیثه حسن؛ لأنّ الخطأ أمر طبیعی ملازم للبشر، ولا ینزل حدیث الرجل عن رتبة الاحتجاج ما لم تکثر أخطاؤه، والمعروف عند أهل العلم أنّ الراوی إذا کان یُخطئ، فروایته قد تنزل من الصحّة إلی درجة الحسن، وهکذا یتعامل ابن حجر والألبانی مع کثیر من الرواة؛ قال الألبانی: «فکثیر من أئمّة الحدیث وحفّاظهم ورواتهم الذین یقال إنّهم فی الثقة کالجبال، مع ذلک لا ینجو منهم أحد من خطأ ومن وهم؛ ولذلک فالمعیار عند علماء الحدیث فی تصنیف المقبولین من الرواة والمردودین، هو أنّ مَن غلب علیه سوء الحفظ، فهو ضعیف، ومَن کان أحسن من ذلک، فهو الصدوق، والذی یُحتجّ بحدیثه فی مرتبة الحدیث الحسن»((4)).

وقال أیضاً فی بیان قول ابن حجر فی الراوی (صدوق یُخطئ): «إنّ قوله فیه: صدوق یُخطئ، لیس نصّاً فی تضعیفه للراوی به، فإنّنا نعرف بالممارسة والتّتبع أنّه کثیراً ما یُحسّن حدیث مَن قال فیه مثل هذه الکلمة»((5)).

ولذا فإنّ ابن حبّان مع تصریحه بأنّه یُخطئ أورده فی الثقات، ولم یورده فی کتابه المجروحین.

وقد یقال: إنّ ابن حبّان یوثّق المجهولین اعتماداً علی أصالة العدالة، فذکره للرجل فی کتابه الثقات مع عدم التنصیص علی وثاقته لا یدلّ علی الوثاقة، فقد یکون الرجل مجهولاً.


1- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج4، ص129.
2- اُنظر: ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج4، ص216.
3- ابن حبّان، محمد، الثقات: ج4، ص329.
4- ابن أبی العینین، أحمد بن إبراهیم، سؤالات ابن أبی العینین للشیخ الألبانی: ص61.
5- الألبانی، محمد ناصر الدین، تمام المنّة: ص203.

ص:92

الجواب

1 - إنّ ابن حبّان یُعدّ من کبار علماء الحدیث والجرح والتعدیل عند أهل السنّة، وله رأی ونظر فی الرواة، وطرق توثیقهم وتجریحهم، ومجرد اختلافه مع غیره فی الاجتهاد لا یُقلل من قیمة رأیه، فیبقی ما ذکر من الرجال فی کتابه الثقات عند ابن حبّان هم رواة ثقات یمکن التمسّک بهم؛ إذ لا نبحث فی التصحیح والتضعیف عن إجماع عند الشیعة فضلاً عن أهل السنّة، فإنّ لکلّ فرقة مبانی مختلفة ونظرات متغایرة، والإجماع من الندرة بمکان؛ لذا یُکتفی بوثاقة الراوی وفق مبنی معیّن وإن رفُض عند آخر؛ لرفضه ذلک المبنی، خصوصاً أنّ هذا المبنی له أنصار ومؤیدون ولم ینفرد به ابن حبّان.

2 - إنّ ابن حبّان لم یذکره فی الثقات بناءً علی أصالة العدالة؛ لأنّه ذکر أنّه یُخطئ، فهو یعرفه إذن، وإلّا من أین عرف أنّه یُخطئ، فهو لا بدّ أن یکون قد سبر له عدّة من المرویات وقارنها بغیرها، فتبیّن له أنّه یُخطئ، لکنّ خطأه لم یتجاوز الحد، فأورده فی الثقات ولم یورده فی المجروحین.

ثمّ إنّ هناک طرق أُخری یمکن من خلالها التمسک بوثاقة واعتبار حال سلیم القاص، وهی:

1 - إنّ الرجل سیکون مجهول الحال، والمُعبّر عنه بالمستور؛ لروایة أکثر من واحد عنه، مع عدم ورود جرح فیه((1))، فقد روی عنه حمّاد بن سلمة، وإسماعیل بن إبراهیم بن علیّة((2))، وهناک طائفة من أهل العلم یرون حجیة روایة مجهول الحال (المستور)، قال


1- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، نزهة النظر: ص102.
2- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج4، ص129. ابن حبّان، محمد، الثقات: ج4، ص329.

ص:93

النووی: «والأصحّ قبول روایة المستور»((1))، بل نَسب الاحتجاج بروایته إلی کثیر من المحققین((2))، وذکر ابن الصلاح أنّ الاحتجاج به هو قول بعض الشافعیین وبه قطع، منهم: الإمام سلیم بن أیوب الرازی، ثمّ قال: «ویشبه أن یکون العمل علی هذا الرأی فی کثیر من کُتب الحدیث المشهورة فی غیر واحد من الرواة، الذین تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة بهم»((3)).

وممّن اختار قبول روایته، ابن جماعة، وکذا الطیبی، وقالا: «والمختار قبوله، وقطع به سلیم الرازی»((4)).

وقال الزرکشی حول المستورین: «فذهب أکثر أهل الحدیث إلی قبول روایاتهم والاحتجاج بها، منهم: البزار، والدارقطنی»((5)).

2 - إنّ الرجل ذکره البخاری وسکت عنه، وذکره ابن أبی حاتم وسکت عنه، ولم یجرحه أحد، وهناک مبنی یری أنّ سکوت هؤلاء بمنزلة التوثیق للراوی، وقد ذهب إلیه الشیخ التهانوی((6)) والعلّامة أحمد شاکر((7))، وکذلک الشیخ عبد الفتاح أبو غدّة، ودافع عنه کثیراً، وذکر أنّ عدّة من العلماء یقولون به، منهم: المجد ابن تیمیة، وابن


1- النووی، یحیی بن شرف، المجموع شرح لمهذب: ج6، ص277.
2- اُنظر: النووی، یحیی بن شرف، المنهاج فی شرح صحیح مسلم: ج1، ص28.
3- ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن، مقدّمة ابن الصلاح: ص89.
4- ابن جماعة، محمد بن إبراهیم، المنهل الروی: ص66. والطیبی، الحسین بن عبد الله، الخلاصة فی أصول الحدیث: ص90.
5- اُنظر: الزرکشی، محمد بن عبد الله، النکت علی مقدّمة ابن الصلاح: ج3، ص376.
6- اُنظر: التهانوی، ظفر أحمد، قواعد فی علوم الحدیث: ص223، ص358.
7- اُنظر: شاکر، أحمد محمد، مقدّمته علی کتاب المسح علی الجوربین للقاسمی: ص5، ص13.

ص:94

حجر، وابن عبد الهادی، والمنذری، وغیرهم((1)).

خلاصة الحکم علی هذا السند

تحصّل أنّ الخبر بهذا الطریق هو صحیح أوحسن لذاته، ولو تنزلنا عن کلّ ما تقدّم من المبانی فلا أقلّ من کون الخبر یتقوّی بوروده من طریق آخر، وهناک طرق أُخری کثیرة سنذکرها فیما یأتی.

الخبر الثانی: خبر نضرة الأزدیة
اشارة

أخرجه ابن سعد، قال: «أخبرنا مسلم بن إبراهیم، قال: حدّثتنا أُمّ شوق العبدیة، قالت: حدّثتنی نضرة الأزدیة، قالت: لمّا قُتل الحسین بن علی مطرت السّماء دماً، فأصبحت خیامنا وکلّ شیء منّا ملیء دم»((2)).


1- وقد ذکر خلاصة کلامه ابن أبی العینین، فقال: «وقد جمع جلّ أقوالهم الشیخ عبد الفتاح أبو غدّة، فی بحث نشره فی مجلة کلیة أُصول الدین فی جامعة الإمام محمد بن سعود فی الریاض، بعنوان: (سکوت المتکلّمین فی الرجال عن الراوی الذی لم یُجرح، ولم یأتِ بمتن منکر یُعدّ توثیقاً له)، ثمّ ختم البحث بقوله: فإذا علم هذا کلّه، اتضحت وجاهة ما أثبته من أنّ مثل البخاری، أو أبی زرعة، أو أبی حاتم، أو ابنه، أو ابن یونس المصری الصدفی، أو ابن حبّان، أو ابن عدی الجرجانی، أو الحاکم الکبیر أبی أحمد، أو ابن النجار البغدادی، أو غیرهم ممَّن تکلّم أو صنّف فی الرجال، إذا سکتوا علی الراوی الذی لم یُجرح ولم یأتِ بمتن منکر، یُعدّ سکوتهم عنه من باب التوثیق والتعدیل، ولا یُعدّ من باب التجریح والتجهیل، ویکون حدیثه صحیحاً، أو حسناً، أو لا ینزل عن درجة الحسن إذا سَلِم من المغامز، والله أعلم». ابن أبی العینین، أحمد بن إبراهیم، مقدّمته علی کتاب الضعفاء الصغیر للبخاری: ص5- 6. کما أنّ أبا غدّة أشار لهذا الموضوع أیضاً فی تحقیقه لکتاب قواعد فی علوم الحدیث: ص358.
2- ابن سعد، محمد، الطبقات الکبری، الجزء المتمم لطبقات ابن سعد (الطبقة الخامسة فی من قبض رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) وهم أحداث الأسنان):ج1، ص508. ابن سعد، محمد، ترجمة الإمام الحسین علیه السلام (من طبقات ابن سعد): ص90.

ص:95

وأخرجه ابن حبّان من طریق ابن قتیبة، قال: «ثنا العباس بن إسماعیل مولی بنی هاشم، قال: ثنا مسلم بن إبراهیم، قال: حدّثتنا أُمّ شوق العبدیة، قالت: حدّثنی نضرة الأزدیة، قالت: لمّا قُتل الحسین بن علی مطرت السماء دماً، فأصبح جرارنا وکلّ شیء لنا ملأی دماً»((1)).

وأخرجه البیهقی من طریق أبی الحسین بن الفضل القطّان: «أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدّثنا یعقوب بن سفیان: حدّثنا مسلم بن إبراهیم، حدّثتنا أُمّ شوق العبدیة، قالت: حدّثتنی نضرة الأزدیة، قالت: لمّا قُتل الحسین بن علی مطرت السماء دماً، فأصبحت وکلّ شیء ملآن دماً»((2)).

وأخرجه الحلبی من طریق البیهقی((3))، وأخرجه الخوارزمی فی مقتله((4))، وأخرجه ابن عساکر من طریق البیهقی، والخطیب، وابن الطبری، کلّهم عن أبی الحسین بن الفضل القطّان، وساق الخبر بسند البیهقی المتقدّم((5)).

وأورده السیوطی وعزاه إلی البیهقی، وأبی نعیم((6)).

وأورده الذهبی من طریق الفسوی((7)).

فهذا الطریق إذن، یدور علی مسلم بن إبراهیم ومن بعده، وأمّا السند إلی مسلم فهو متعدّد، وصحیح بلا إشکال؛ ولذا فقد أورده المزی جازماً بصدوره من مسلم بن إیراهیم، قال: «وقال مسلم بن إبراهیم: حدّثتنا أُمّ شوق العبدیة، قالت: حدّثتنی نضرة


1- ابن حبّان، محمد، الثقات: ج5، ص487.
2- البیهقی، أحمد بن الحسین، دلائل النبوة: ج6، ص471.
3- اُنظر: ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2638.
4- اُنظر: الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص102.
5- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص277.
6- اُنظر: السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، الخصائص الکبری: ج2، ص126.
7- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج3، ص312.

ص:96

الأزدیة، قالت: لمّا أنْ قُتل الحسین بن علی مطرت السماء دماً، فأصبحت وکلّ شیء لنا ملآن دماً»((1)).

وحیث إنّ ابن سعد سمع الحدیث من مسلم بن إبراهیم مباشرةً؛ لذا سنقتصر علی دراسة السند من مسلم بن إبراهیم ومن بعده.

رجال السند

1 - مسلم بن إبراهیم، هو الأزدی الفراهیدی البصری، من رجال الستّة.

قال أبو حاتم: «ثقة صدوق»((2)). وقال ابن معین: «ثقة مأمون»((3)).

وقال ابن حبّان: «کان من المتقنین»((4)).

وقال العجلی: «ثقة»((5)).

وقال الذهبی: «الإمام الحافظ الثقة، مسند البصرة»((6)).

وقال ابن حجر: «ثقة مأمون»((7)).

2 - أُمّ شوق العبدیة، هکذا وردت بهذا الاسم فی أکثر المصادر، لکن فی تاریخ ابن عساکر باسم (أُمّ شرف العبدیة)((8))، وفی سیر أعلام النبلاء باسم (أُمّ سوق)((9)).


1- المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص433.
2- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج8، ص181.
3- المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج27، ص487 - 492.
4- ابن حبّان، محمد، الثقات: ج9، ص157.
5- العجلی، أحمد بن عبد الله، معرفة الثقات: ص276.
6- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج10، ص314.
7- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص177.
8- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص227.
9- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج3، ص312.

ص:97

ولم نجد فیها جرحاً ولا تعدیلاً، ولم نقف علی راوٍ عنها غیر مسلم بن إبراهیم.

3 - نضرة الأزدیة، ذکرها ابن حبّان فی الثقات، وقال: «نضرة الأزدیة من أهل البصرة، تروی عن الحسین بن علی، روی عنها البصریون»((1)).

ومن الواضح من عبارة ابن حبّان أنّها کانت معروفة عند أهل البصرة ویروون عنها.

فالسند إذن لا إشکال فیه إلّا من جهة أُمّ شوق العبدیة؛ حیث لم نقف لها علی توثیق أو تضعیف.

هذا، ویمکن التمسّک بصحة الحدیث بناءً علی إخراج البیهقی له فی دلائله((2))، فقد صرّح البیهقی بأنّه لا یخرّج إلّا الصحیح، وإذا کان الحدیث ضعیفاً أشار إلیه، فقال فی مقدّمته: «ویعلم أنّ کلّ حدیث أوردته فیه قد أردفته بما یُشیر إلی صحته، أو ترکته مبهماً، وهو مقبول فی مثل ما أخرجته، وما عسی أوردته بإسناد فیه ضعف أشرت إلی ضعفه، وجعلت الاعتماد علی غیره»((3)).

وقال بعد ذلک: «وعادتی فی کُتبی المصنّفة فی الأُصول والفروع، الاقتصار من الأخبار علی ما یصح منها دون ما لا یصح، أو التمییز بین ما یصحّ منها وما لا یصحّ؛ لیکون الناظر فیها من أهل السنّة علی بصیرة ممّا یقع الاعتماد علیه... ومَن وقف علی تمییزی فی کُتبی بین صحاح الأخبار وسقیمها، وساعده التوفیق، علم صدقی فی ما ذکرته»((4)).


1- ابن حبّان، محمد، الثقات: ج5، ص487.
2- اُنظر: البیهقی، أحمد بن الحسین، دلائل النبوّة: ج6، ص471.
3- المصدر السابق: ج1، ص46.
4- المصدر السابق ص47.

ص:98

وقد صرّح الشیخ مصطفی السلیمانی بتلک القاعدة أیضاً، ورأی أنّ کلام البیهقی صریح فی ذلک، فقال بعد أنْ ذکر کلامه: «فهذا یدلّ علی أنّ البیهقی ما لم یُضعِّف حدیثاً، فهو عنده ممّا یُحتجّ به»((1)).

خلاصة الحکم علی السند

هذا إسناد صحیح، غیر أنّ نضرة الأزدیة لم نقف لها علی توثیق أو تضعیف، إلّا أنّ إخراج البیهقی لها وعدم تعقّب حدیثها بتضعیف یدلّ علی وثاقتها، بل وصحّة الحدیث عنده کما أومأنا إلیه قبل قلیل.

الخبر الثالث: خبر خلیفة بن صاعد
اشارة

أخرجه ابن عساکر، قال: «أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندی، أنا أحمد بن أبی عثمان، وأحمد بن محمد بن إبراهیم.

وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهیم، نا أبی، أبو طاهر، قالا: أنا إسماعیل بن الحسن بن عبد الله الصرصری، نا الحسین بن إسماعیل المحاملی، نا الحسن بن شبیب المؤدّب، نا خلف بن خلیفة، عن أبیه، قال: لمّا قُتل الحسین اسودّت السماء، وظهرت الکواکب نهاراً، حتّی رأیت الجوزاء عند العصر، وسقط التراب الأحمر»((2)).

وأورده المزی فی تهذیبه، قال: «وقال الحسین بن إسماعیل المحاملی: حدّثنا الحسن بن شیب المؤدّب، قال: حدّثنا خلف بن خلیفة، عن أبیه، قال: لمّا قُتل الحسین اسودّت السماء، وظهرت الکواکب نهاراً، حتّی رأیت الجوزاء عند العصر وسقط التراب الأحمر»((3)).


1- السلیمانی، مصطفی، إتحاف النبیل: ج2، ص86.
2- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص226.
3- المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص432.

ص:99

رجال السند

من الواضح أنّ ابن عساکر له أکثر من طریق إلی إسماعیل بن الحسن الصرصری، والطریق إلیه ثابت بلا شک؛ لذا سنقتصر علی طریق واحد من باب التوثیق لا أکثر.

1 - أبو القاسم بن السمرقندی: وهو إسماعیل بن أحمد بن عمر بن أبی الأشعث السمرقندی، ترجمه تلمیذه ابن عساکر، وقال عنه: «وکان مکثراً ثقةً، صاحب نُسخ وأُصول»((1)).

وقال أبو طاهر السلفی: «هو ثقة، له أُنس بمعرفة الرجال، وقال: کان ثقة یعرف الحدیث، وسمع الکتب»((2)).

2 - أحمد بن أبی عثمان وبقرینة روایة ابن السمرقندی عنه وروایته عن الصرصری، فهو ابن منتاب، قال فیه الذهبی: «الإمام الثقة، أبو محمد، أحمد بن أبی عثمان الحسن بن محمد بن عمرو بن منتاب البصری، ثمّ البغدادی، الدقاق، المقرئ، مقرئ مجوّد مکثر، دیّن مهیب، لقنّ جماعة ختموا علیه، مولده سنة (397ه-). وسمع أبا أحمد الفرضی، وإسماعیل بن الحسن الصرصری... روی عنه مکی الرمیلی، وهبة الله الشیرازی... وأبو القاسم بن السمرقندی»((3)).

3 - إسماعیل بن الحسن بن هشام الصراصری: قال الخطیب: «سألت البرقانی عنه، فقال: صدوق. وسُئل عنه، وأنا أسمع، فقال: ثقة»((4)). ووصفه الذهبی بأنّه: «أحد


1- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج8، ص357.
2- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج20، ص31.
3- المصدر السابق: ج18، ص559.
4- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج6، ص309.

ص:100

الثقات»((1)). وقال السمعانی: «شیخ صدوق ثقة»((2)). وقال ابن الأثیر: «کان ثقة»((3)).

4 - الحسین بن إسماعیل المحاملی: أحد الحفّاظ والمحدّثین المعروفین، ثقة بلا کلام.

5 - الحسن بن شبیب المؤدّب: حدّث عنه جملة من الحفّاظ وأهل الحدیث: کأبی یعلی الموصلی، والقاضی المحاملی، ویعقوب بن شیبة السدوسی، والهیثم بن خلف، ویحیی بن محمد بن صاعد، وغیرهم((4))، وذکره ابن حبّان فی الثقات، وقال: «ربّما أغرب»((5)). وقال عنه ابن المقرئ: «کان یوثق»((6)). وقال عنه المحاملی: «من ثقات أهل بغداد»((7)). وقال عنه الدارقطنی: «إخباری یعتبر به، ولیس بالقوی، یُحدّث عنه المحاملی»((8)).

لذا فإنّ قول ابن عدی بأنّه یحدّث عن الثقات بالبواطیل((9)) بعید للغایة، ولا مبرر ولا دلیل علی إلصاق تلک البواطیل به ما دام موثّق حاله حال غیره، فلربّما کانت البواطیل من غیره ولیست منه، فتلامذته وهم أعرف الناس به، وکذلک مَن کانوا فی عصره کانوا یوثّقونه، وقولهم حینئذٍ یُقدّم علی قول غیرهم.

نعم، لأجل قول ابن حبّان: (ربّما أغرب)، وقول الدارقطنی بأنّه: (لیس بالقوی)،


1- الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج3، ص1078.
2- السمعانی، عبد الکریم بن محمد، الأنساب: ج3، ص535.
3- ابن الأثیر، علی بن أبی الکرم، اللباب فی تهذیب الأنساب: ج2، ص239.
4- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج7، ص338.
5- ابن حبّان، محمد، الثقات: ج8، ص72.
6- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج7، ص339.
7- الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص469.
8- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج7، ص339.
9- اُنظر: الجرجانی، عبد الله بن عدی، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج2، ص330.

ص:101

فالرجل ینزل عن مرتبة الثقة إلی الصدوق ویکون حدیثه حسناً.

6 - خلف بن خلیفة: من رجال البخاری فی الأدب المفرد، ومسلم، والأربعة، له ترجمة فی تهذیب الکمال، ونقل عدّة أقوال فی مدحه، منها:

«قال عباس الدوری، وعبد الخالق بن منصور، وأبو بکر ابن أبی، عن یحیی بن معین: لیس به بأس. وکذلک قال النسائی، وزاد عبد الخالق: صدوق. وقال محمد بن عبد الله بن عمّار: لا بأس به، ولم یکن صاحب حدیث. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال أبو أحمد بن عدی: أرجو أنّه لا بأس به، ولا أُبرئه من أن یُخطئ فی بعض الأحایین فی بعض روایاته. وقال محمد بن سعد: کان ثقة»((1)).

وقال العجلی: «ثقة»((2)).

ویظهر من بعض الأقوال أنّه تغیّر فی آخر عمره؛ بسبب الفالج الذی أصابه، لکن ذلک لا یمنع من التمسّک بحدیثه؛ لذا فإنّ الذهبی قال عنه: «صدوق»((3))، مع وقوفه علی جمیع الکلمات التی قیلت فیه((4)).

7 - خلیفة بن صاعد: من التابعین، ذکره ابن حبّان فی الثقات((5))، وقال فیه ابن حجر: «صدوق»((6)).


1- المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج8، ص288.
2- العجلی، أحمد بن عبد الله، معرفة الثقات: ج1، ص336.
3- الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج1، ص374.
4- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج3، ص341 - 342. الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص659 - 660.
5- اُنظر: ابن حبّان، محمد، الثقات: ج4، ص209. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج3، ص139.
6- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص273.

ص:102

خلاصة الحکم علی السند

تبیّن من خلال دراسة الرجال أنّ هذا السند حسن لذاته، ولو تنزلنا وقلنا بضعف الحسن بن شبیب المؤدّب، فلا شکّ فی صلاحیته فی المتابعات والشواهد؛ إذ لا یمکن إغفال عدّة توثیقات وردت بحقّه من معاصریه وتلامذته، فیتقوّی بغیره من الأخبار الواردة فی الحادثة.

الطائفة الثانیة: الأخبار التی لم یثبت اعتبارها لکنّها تؤیِّد وقوع الحادثة
1 - خبر أُمّ سالم
اشارة

أورده المزی، قال: «قال أبو القاسم البغوی: حدّثنا قطن بن نسیر أبو عبّاد، قال: حدّثنا جعفر بن سلیمان، قال: حدّثتنی خالتی أُمّ سالم، قالت: لمّا قُتل الحسین بن علی مُطرنا مطراً کالدم علی البیوت والجدر، قال: وبلغنی أنّه کان بخراسان والشام والکوفة»((1)).

وأخرجه ابن عساکر من طریق البغوی((2)). وأورده الطبری فی ذخائره، وقال: «خرّجه ابن بنت منیع»((3)). وابن بنت منیع هو أبو القاسم البغوی.

وأخرجه ابن العدیم من طریق آخر عن جعفر، عن أُمّ سالم أیضاً، قال: «أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمی، قال: حدّثنا أبو شجاع عمر بن أبی الحسن بن نصر البسطامی، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهیم بن محمد بن إبراهیم


1- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص433.
2- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص228- 229.
3- الطبری، أحمد بن عبد الله، ذخائر العقبی: ص145.

ص:103

التاجر الأصبهانی، قال: أخبرنا أبو الفضل منصور بن نصر الکاغذی، قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادی الجمّال، قال: حدّثنا بشر بن موسی الأسدی، قال: حدّثنا خالد، قال: حدّثنا جعفر، عن أُمّ سالم...». فذکره، وأضاف فی آخره: «حتّی کنّا لا نشکّ أنّه سینزل عذاب»((1)).

وأخرجه زکریا بن یحیی بن الحارث البزار (شیخ الحنفیة بنیسابور)((2)) فی کتاب الفتن علی ما نقله عنه السیّد ابن طاووس، قال زکریا: «حدّثنا إسحاق بن موسی، قال: حدّثنا المقدّمی، قال: حدّثنا جعفر، قال: حدّثتنی خالتی أُمّ سالم بنت مسلم، قالت: لمّا قُتل الحسین بن علی مُطرنا کالدم علی البیوت والجدر، فبلغنا أنّه کان بالشام والکوفة وخراسان»((3)).

ویبدو أنّ أُمّ سالم صحّفت عند الصالحی الشامی فذکر أنّ الراوی المباشر هو أُمّ سلمة، فروی عن جعفر بن سلیمان أنّه قال: حدّثتنی خالتی أُمّ سلمة((4)).

فالسند کما هو واضح یدور علی جعفر بن سلیمان وخالته أُمّ سالم؛ لذلک حین أورده الذهبی، قال: «قال جعفر بن سلیمان»((5)).

لکن مع ذلک سنقوم بدراسة الخبر الذی ذکره أبو القاسم البغوی: «حدّثنا قطن بن نسیر أبو عبّاد، قال: حدّثنا جعفر بن سلیمان، قال: حدّثتنی خالتی أُمّ سالم،...».

رجال السند

1- ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2635- 2636.
2- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (291- 300ه-)، ج22، ص147.
3- اُنظر: ابن طاووس، علی بن موسی، الملاحم والفتن: ص334.
4- الصالحی، محمد بن یوسف، سبل الهدی والرشاد: ج11، ص541.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (61- 80ه-)، ج5، ص16.

ص:104

أمّا البغوی، فهو (عبد الله بن محمد) ثقة معروف من کبار أئمّة الحدیث((1)).

وقطن بن نسیر، احتجّ به مسلم، وروی عنه أبو داوُد وغیره، وقال ابن حجر وتبعه الألبانی: «صدوق یُخطئ»((2)). فحدیثه حسن، لکنّه لم ینفرد، بل تابعه عبد الله بن أبی بکر المقدّمی، وخالد بن خدّاش کما تقدّم فی التخریج.

أمّا جعفر بن سلیمان، فهو ثقة من رجال مسلم والأربعة، والبخاری فی الأدب المفرد، وله ترجمة مُفصّلة فی التهذیب ذکر فیها عدّة من الکلمات فیه، والظاهر أنّه لم یؤخذ علیه غیر التشیّع((3)).

وخلاصة الآراء فیه: إنّ الرجل إمّا ثقة أو صدوق، قال الذهبی: «ثقة فیه شیء مع کثرة علومه، قیل: کان أُمیّاً، وهو من زهّاد الشیعة»((4)). وقال ابن حجر: «صدوق زاهد، لکنّه کان یتشیّع»((5)). وقال الألبانی: «هو ثقة من رجال مسلم»((6)).

أمّا خالته أُمّ سالم، فلم أقف لها علی ترجمة.

خلاصة الحکم علی السند

والخلاصة: إنّ السند ضعیف؛ لجهالة أُمّ سالم، لکنّه یتقوّی بما تقدّم، وبما سیأتی من أخبار مؤیِّدة للحادثة.


1- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج10، ص110- 115.
2- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص31. الألبانی، محمد ناصر الدین، إرواء الغلیل: ج6، ص241.
3- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج2، ص81 - 83.
4- الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج1، ص294.
5- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص162.
6- الألبانی، محمد ناصر الدین، سلسلة الأحادیث الصحیحة: ج5، ص222.

ص:105

2 - خبر إبراهیم النخعی
اشارة

أخرجه الدولابی، قال: «أخبرنی أبو عبد الله الحسین بن علی، قال: حدّثنا أبو محمد الحسن بن یحیی بن زید بن الحسین بن زید بن علی بن حسین، قال: حدّثنا حسن بن حسین الأنصاری، عن أبی القاسم مؤذِّن بنی مازن، عن عبید المکتب، عن إبراهیم النخعی، قال: لمّا قُتل الحسین احمرّت السماء من أقطارها، ثمّ لم تزل حتی تقطرّت، فقطرت دماً»((1)).

وأخرجه من طریقه ابن العدیم فی بُغیته((2)).

رجال السند

1 - أبو عبد الله، الحسین بن علی: قد بحثت عن هذا الراوی کثیراً، ولم أستطع فی بادئ الأمر أنْ أتعرّف علیه، فإنّ الأسماء متشابهة جدّاً، وقد خفی علی محقّق کتاب (الذرّیة الطاهرة) أیضاً، وذکر أنّه لم یهتدِ إلیه((3))، ثمّ تبیّن لی بعد ذلک أنّ الحسین بن علی هذا، والذی هو شیخ الدولابی، هو الحسین بن علی بن الحسین بن علی بن عمر بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب، وهو شیخ ابن عدی أیضاً سمع منه بمصر((4))، ووسمه بأنّه: «شیخ أهل البیت بمصر»((5)). وکان یُعدّ من أفضل أهل زمانه، فعن أبی سعید الطبری، قال: «أنشدنی الحسین بن علی بن الحسین بن علی بن عمر بن علی (رضی الله


1- الدولابی، محمد بن أحمد، الذریة الطاهرة: ص97.
2- اُنظر: ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2636.
3- اُنظر: الدولابی، محمد بن أحمد، الذریة الطاهرة: ص97.
4- اُنظر: الجرجانی، عبد الله بن عدی، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج2، ص351، وج5، ص260.
5- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج4، ص28.

ص:106

عنه) لنفسه، وکان أفضل أهل زمانه»((1))، ثمّ وقفت علی تعدیل الدارقطنی له، فقد جاء فی سؤالات حمزة للدارقطنی: «وسألته عن أبی عبد الله الحسین بن علی بن الحسین بن علی بن عمر بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب بمصر، فقال: لیس به بأس»((2)).

2 - الحسن بن یحیی بن زید، لم أقف له علی ترجمة بعد طول بحث.

3 - حسن بن حسین الأنصاری، وهو المعروف بحسن بن حسین العرنی، صحّح له الحاکم فی المستدرک((3)).

وأخرج له البیهقی فی السنن وسکت عنه((4))، والبیهقی صرّح بأنّه إذا أورد إسناداً فیه ضعف أشار إلیه((5))، ولم نرَ منه إشارة إلی تضعیف الحسن هذا، فهو مقبول الحدیث عنده.

وقد ضعّفه عدّة من العلماء:

قال أبو حاتم: «لم یکن بصدوق عندهم، کان من رؤساء الشیعة»((6)).

وذکر ابن حبّان أنّه: «شیخ من أهل الکوفة، یروی عن جریر بن عبد الحمید والکوفیین، المقلوبات»((7)).

قلت: أبو حاتم، وابن حبّان کلاهما متشدّد فی الجرح، وابن حبّان یقصب الراوی


1- ابن عبد البر، یوسف بن عبد الله، جامع بیان العلم وفضله: ص114.
2- الدارقطنی، علی بن عمر، سؤالات حمزة: ص203.
3- الحاکم النیسابوری، محمد بن عبد الله، المستدرک علی الصحیحین: ج3، ص151.
4- اُنظر: البیهقی، أحمد بن الحسین، السنن الکبری: ج2، ص307.
5- اُنظر: البیهقی، أحمد بن الحسین، دلائل النبوة: ج1، ص46- 47. السلیمانی، مصطفی بن إسماعیل، إتحاف النبیل: ج2، ص86 - 87.
6- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج3، ص6.
7- ابن حبّان، محمد، المجروحین: ج1، ص238.

ص:107

بالغلطة والغلطتین، وجرح أبی حاتم غیر مفسّر، والحسن هذا من رؤساء الشیعة، فکان طبیعیاً أنْ یُضعّف.

فالتضعیف لم یکن مستنداً إلی أمر صحیح، بل هو مستند إلی العقیدة لا غیر، والجرح المستند إلی العقیدة لا یؤخذ به.

4 - أبو القاسم، مؤذن بنی مازن، أمّا بنو مازن، فهم قبیلة معروفة، ومنهم التابعی عتبة بن غزوان، ومؤذنهم هذا لم أقف علی اسمه، لکن یمکن القول أنّ نفس کونه مؤذن للعشیرة یعطیه نوع من القوّة، ولربما لشهرته فی وقته، فإنّ الراوی لم یصرّح باسمه واکتفی بکونه مؤذن بنی مازن.

5 - عبید المکتب: وهو عبید بن مهران المکتب، من رجال مسلم، ثقة لا کلام فیه، قال یحیی بن معین: «ثقة»((1)). وقال أبو حاتم: «ثقة صالح الحدیث»((2)).

وکذلک وثقه النسائی، ویعقوب بن سفیان، والعجلی، وابن سعد، وذکره ابن حبّان فی الثقات((3)).

6 - إبراهیم النخعی: هو إبراهیم بن یزید بن قیس النخعی، من رجال الستّة، وهو: فقیه ثقة کما قال ابن حجر((4)). «وکان عجباً فی الورع والخیر، متوقیاً للشهرة، رأساً فی العلم» کما قال الذهبی((5)).

خلاصة الحکم علی السند

اتّضح أنّ هذا السند ضعیف؛ لجهالة الحسن بن یحیی بن زید، وکذلک جهالة


1- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج6، ص2.
2- المصدر السابق: ج6، ص2.
3- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج7، ص68 - 69.
4- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص69.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج1، ص227.

ص:108

مؤذن بنی مازن، لکن ضعفه ضعفاً خفیفاً یمکن أنْ یصلح فی المتابعات والشواهد.

3 - خبر قرط بن عبد الله
اشارة

أخرجه الحلبی، قال: «أخبرنا أبو الحسن علی بن أبی عبد الله بن أبی الحسن بن المقیر البغدادی النجار بالقاهرة المعزیة، قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد إجازة، قال: أنبأنا أبو إسحق إبراهیم بن سعید بن عبد الله الحبال الحافظ، قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عمر الناقد، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسین بن أحمد بن سلیمان المعروف بالطبری الأنصاری، قال: حدّثنا أبو علی - یعنی - هارون بن عبد العزیز بن هاشم الأنباری المعروف بالأوارجی، قال: حدّثنا عمر بن سهل، قال: حدّثنا أحمد بن محمد الجمّال، قال: قرأت علی أحمد بن الفرات، قال: حدّثنا محمد بن الصلت، عن مسعدة، عن جابر، عن قرط بن عبد الله، قال: مُطرت ذات یوم بنصف النهار فأصاب ثوبی، فإذا دم، فذهبت بالإبل إلی الوادی فإذا دم، فلم تشرب، وإذ هو یوم قتل الحسین (رحمة الله علیه)»((1)).

رجال السند

وحیث إنّ سلسلة السند طویلة جدّاً، وقلّ ما تجد مَن قدح فی المشایخ المتأخرین؛ لذا سنبدأ ترجمة الرواة من منتصف السند إلی الراوی المباشر، فإنْ صحّ السند أکملنا دراسته، وإنْ لم یصح، فلا نجد ضرورة لإکماله، فنقول:

1 - أحمد بن محمد الجمّال: وهو کما ذکره الخطیب: «أحمد بن محمد بن عبد الله بن مصعب، أبو العباس الجمّال، من أهل أصبهان، أحد مَن کان یُذکر بالعلم، ویُوصف


1- ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2636.

ص:109

بالفضل»((1)).

وقال عنه أبو نعیم: «أحد العلماء والفقهاء»((2)).

وقد روی عنه جمع من الثقات، فهو ثقة وفق المبانی.

2 - أحمد بن الفرات: وهو أبو مسعود الرازی، ثقة حافظ معروف، له ترجمة فی تهذیب التهذیب، ذکر فیها ابن حجر عدّة من التوثیقات فی حقّه، والرد علی ابن خراش الذی تکلّم عنه بلا دلیل((3))؛ ولذا قال فی التقریب: «ثقة حافظ تُکلّم فیه بلا مستند»((4)). وقال الذهبی: «الحافظ الثقة»((5)).

3 - محمد بن الصلت الثوری أو التوزی: قال فیه أبو حاتم: «صدوق، کان یُملی علینا من حفظه التفسیر وغیره، وربّما وهم»((6)). وقال أبو زرعة: «صدوق»((7)). وذکره ابن حبّان فی الثقات((8)). وقال الدارقطنی: «ثقة»((9)). وذکره الذهبی فی المیزان ووثقه((10)).

4 - مسعدة: لم أقف علیه، ولم یتبیّن لی مَن هو.


1- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج5، ص245.
2- أبو نعیم الأصبهانی،أحمد بن عبد الله، ذکر أخبار أصبهان: ج1، ص125. المصدر السابق: ج5، ص246.
3- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج1، ص57- 58.
4- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص43.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص127- 128.
6- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج7، ص289. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج9، ص207.
7- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج7، ص289.
8- اُنظر: ابن حبّان، محمد، الثقات: ج9، ص82.
9- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج9، ص207.
10- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج3، ص586.

ص:110

5 - جابر: لم أقف علیه أیضاً.

نعم، لربّما - والله أعلم - أنّ هناک تصحیف، وأنّ الراوی هو مسعدة بن جابر، ولیس مسعدة عن جابر، ومسعدة بن جابر ذکره ابن أبی حاتم الرازی فی الجرح والتعدیل وسکت عنه((1)).

وقد تقدّم فی روایة سلیم القاص أنّ سکوت ابن أبی حاتم عن الراوی یُعدّ توثیقاً عند جملة من العلماء.

6 - قرط بن عبد الله: لم أقف علی ترجمة له أیضاً.

خلاصة الحکم علی السند

والخلاصة: إنّ هذا السند ضعیف؛ لوجود عدّة مجاهیل فیه.

4 - خبر هلال بن ذکوان
اشارة

أخرجه ابن الجوزی، قال: «أخبرنا علی بن عبید الله، أخبرنا علی بن أحمد السری((2))، أنبأنا عبد الله بن بطّة((3))، حدّثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمی، حدّثنا هلال بن بِشرٍ، حدّثنا عبد الملک بن موسی، عن هلال بن ذکوان، قال: لمّا قُتل الحسین، مُطرنا مطراً بقی أثَره فی ثیابنا مثل الدم»((4)).


1- اُنظر: ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج8، ص371.
2- هکذا فی المطبوع والظاهر بعد التتبع والتحقیق أنّ شیخ علی بن عبید الله الزاغوتی، هو علی بن أحمد بن البسری البندار ولیس السری، وهو الموافق لما ورد فی تذکرة الخواص لسبط بن الجوزی: ص560.
3- الظاهر، بل الذی علیه التحقیق، هو أبو عبد الله بن بطة، وهو عبید الله بن محمد العکبری الملقب بابن بطة، وکان ابن البسری آخر مَن روی عنه بالإجازة. اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج16، ص529. وهو الموافق لما ورد فی تذکرة الخواص:ص560.
4- ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، التبصرة: ج2، ص14.

ص:111

وأخرجه ابن العدیم، قال: «قرأت بخطّ أبی عبد الله الحسین بن خالویه فی بعض أمالیه، حدّثنا البعرانی - یعنی أبا حامد محمد بن هارون الحضرمی - قال: حدّثنا هلال - یعنی - بن بشر قال: حدّثنا عمر بن حبیب القاضی، عن هلال بن ذکوان، قال: لمّا قُتل الحسین مُطرنا مطراً بقی أثره فی ثیابنا مثل الدم»((1)).

رجال السند

1 - الحسین بن أحمد بن خالویه: وثّقه أبو عمرو الدانی، وقال: «کان ابن خالویه عالماً بالعربیة حافظاً للغة، بصیراً بالقراءة، ثقةً مشهوراً، روی عنه غیر واحد من شیوخنا: عبد المنعم بن غلبون، والحسن بن سلیمان، وغیرهما»((2)). وقال الذهبی: «وکان صاحب سنّة»((3)).

2 - محمد بن هارون الحضرمی، أبو حامد: حدّث عنه عدّة من حفّاظ الحدیث وثقاتهم، وذکره یوسف بن عمر القوّاس فی شیوخه الثقات، وسُئل عنه الدارقطنی، فقال: «ثقة»((4)).

3 - هلال بن بشر المزنی: قال فیه النسائی: «ثقة»((5)). وذکره ابن حبّان فی الثقات، وقال: «مستقیم الحدیث»((6)). ووثّقه الذهبی((7))، وابن حجر((8)).


1- ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2639.
2- الحموی، یاقوت بن عبد الله، معجم الأدباء: ج3، ص1031.
3- الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (351- 380ه-)، ج26، ص439.
4- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج4، ص127- 128.
5- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج11، ص67.
6- ابن حبّان، محمد، الثقات: ج9، ص248.
7- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص340.
8- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص271.

ص:112

4 - عمر بن حبیب القاضی: فهو إنْ کان الیمنی، فهو من کبار التابعین، نصّ علی توثیقة عدّة من العلماء((1))، وقال فیه ابن حجر: «ثقة حافظ»((2)).

وإنْ کان هو البصری، فقد اختلفت الکلمات فیه، وبنی بعضهم علی الأخذ بروایته، فی حین ضعّفه فریق آخر، لکن المتابع للکلمات سیصل إلی نتیجة أنّ الرجل وسط الحدیث صدوق، وإنّ الذین توقّفوا فیه نتیجة لقوله بالرأی، وهذا ما صرّح به الساجی حین قال: «یهمّ عن الثقات وکان قاضیا، وکان من أصحاب عبید الله بن الحسن عنه أخذ، فأظنهم ترکوه لموضع الرأی، کان صدوقا ولم یکن من فرسان الحدیث»((3)).

ولذا قال فیه ابن عدی: «هو حسن الحدیث، یُکتب حدیثه مع ضعفه»((4)).

5 - هلال بن ذکوان: لم أقف له علی ترجمة.

تنویه: قد ورد الخبر بطریق ابن الجوزی، عن هلال بن بشر المزنی، عن عبد الملک بن موسی، عن هلال بن ذکوان، ولم یرد عن طریق هلال، عن عمر بن حبیب القاضی، فإمّا أنْ یکون لهلال بن بشر فیه شیخان، وهذا ما یزید الحدیث قوّة، أو یکون قد اختلف علی هلال، ویکون الراوی عنه هلال - فی الواقع - هو واحد وغیر متعدّد، فإنْ کان هو القاضی، فقد تبیّن أنّه إمّا ثقة أو صدوق؛ لکونه مشترک بین اثنین، وإنْ کان هو عبد الملک بن موسی، فهو مجهول لم یرد فیه جرح ولا توثیق.


1- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج7، ص378.
2- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص713.
3- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج11، ص200.
4- المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج21، ص293. الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف فی معرفة من له روایة فی کتب الستة: ج2 ص56.

ص:113

قال فیه الذهبی: «لا یُدری مَن هو، وقال الأزدی: منکر الحدیث»((1)).

أقول: أمّا قول الأزدی (منکر الحدیث)، فلا یمکن الأخذ به؛ لأنّ الأزدی بنفسه ضعیف ولا یعتمد علی قوله، مضافاً لکونه متعنّت متشدّد فی الرجال، فلا یُعتمد علی قوله، قال ابن حجر: «قدّمت غیر مرّة أنّ الأزدی لا یُعتبر تجریحه؛ لضعفه هو»((2)). وقال الذهبی: «وأبو الفتح یسرف فی الجرح، وله مصنّف کبیر إلی الغایة فی المجروحین، جمع فأوعی، وجرح خلقاً بنفسه لم یسبقه أحد إلی التکلّم فیهم، وهو المتکلَّم فیه»((3)). وقال فی موضع آخر: «لیت الأزدی عرف ضعف نفسه»((4)).

وقال الألبانی موثّقاً رجلاً، قال فیه الأزدی (منکر الحدیث). وقد روی عنه جمع من الثقات: «فمثله ممّا تطمئن النفس لحدیثه؛ لروایة هذا الجمع من الثقات عنه، دون أنْ یعرف بما یسقط حدیثه، وأمّا قول الأزدی: (منکر الحدیث) فممّا لا یُلتفت إلیه؛ لأنّه معروف بالتعنّت فی التجریح»((5)).

وإذا ما عرفنا أنّ عبد الملک هذا روی عنه عدّة من الثقات، وهم: هلال بن بشر - کما فی السند المتقدّم((6)) - وعبید الله بن یوسف الجبیری((7))، وسوار بن عبد الله((8))، فیکون


1- الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج2، ص665.
2- العسقلانی، أحمد بن حجر، مقدّمة فتح الباری: ص430.
3- الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص5.
4- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج13، ص389.
5- الألبانی، محمد ناصر الدین، سلسلة الأحادیث الصحیحة: ج1، ص586.
6- اُنظر: الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الأوسط: ج2، ص141. الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج6، ص239.
7- اُنظر: الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج2، ص127.
8- اُنظر: ابن حیّان، عبد الله بن محمد، طبقات المحدّثین بأصبهان: ج4، ص29. ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج9، ص367.

ص:114

الرجل حسن الحدیث.

ولربّما یکون نفسه المذکور بعنوان عبد الملک الطویل الذی ذکره البخاری فی تاریخه وسکت عنه((1))، ونصّ أبو حاتم علی جهالته((2)). وذکره ابن حبّان فی الثقات((3)).

وفی بعض الأخبار التی ورد فیها عبد الملک هذا بروایة هلال بن بشر عنه، علّق الهیثمی قائلاً: «عبد الملک الطویل: وثقه ابن حبّان، وضعّفه الأزدی»((4)).

وقد شاءت الأقدار أنْ أتأمّل مجدّداً فی عبد الملک بن موسی الطویل بعد مدّة طویلة، فتبیّن لی أنّ الهیثمی قد اشتبه علیه الأمر، وأنّ الاحتمال الذی أوردته فیما سبق من اتحاد عبد الملک هو غیر صحیح، فعبد الملک الطویل الذی ذکره البخاری، والرازی، وابن حبّان، إنّما یروی عن عائشة، وعائشة تُوفّیت فی سنة (57ه-)، بینما تُوفّی هلال بن بن بشر - تلمیذ عبد الملک بن موسی - فی سنة (246ه-)، وحینئذٍ یتّضح أنّ وفاة عبد الملک ستکون فی حدود المئتین أو أقل بقلیل أو أکثر، فلا یمکن أنْ یروی عن عائشة بأیّ حال من الأحوال.

ویکون عبد الملک بن موسی أبو بشر الطویل، غیر عبد الملک الطویل، والله أعلم.

بل یبدو أنّ عبد الملک بن موسی الطویل - محلّ البحث - غیر ذاک الذی ذکره الذهبی، وقال فیه الأزدی (متروک)؛ لأنّ الذهبی ذکر أنّه یروی عن أنس، وهذا لا یمکن أنْ یروی عن أنس بنفس التوضیح السابق، اللّهم إلّا أنْ تکون روایته عن أنس مرسلة، خصوصاً أنّ الروایة التی عثرنا علیها عن أنس یُحتمل فی حقّها الإرسال، فقد


1- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج5، ص420.
2- اُنظر: ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج5، ص376.
3- اُنظر: ابن حبّان، محمد، الثقات: ج5، ص121.
4- الهیثمی، علی بن أبی بکر، مجمع الزوائد: ج9، ص132.

ص:115

جاء فیها عن عبد الملک أنّه قال: «کان أنس بن مالک إذا أراد أن یُحدّث عن رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) تغیّر لونه»((1)).

لکن إذا انفتح أمامنا باب الروایة بالإرسال، فیحتمل أنْ تکون روایة عبد الملک الذی ذکره ابن حبّان فی ثقاته عن عائشة أیضاً بالإرسال، فیعود احتمال الاتحاد قویّاً، والله أعلم.

والخلاصة: حیث إنّ عبد الملک هذا روی عنه عدّة من الثقات، ولم یثبت تضعیفه، والأزدی بنفسه ضعیف أیضاً، فیکون عبد الملک صدوق حسن الحدیث.

خلاصة الحکم علی السند

هذا السند ضعیف؛ لجهالة هلال بن ذکوان، وهو یصلح للمعاضدة مع غیره من الطرق الأُخری.

5 - خبر السیّدة زینب علیها السلام
اشارة

أخرجه ابن طیفور: «عن سعید بن محمد الحمیری أبو معاذ، عن عبد الله بن عبد الرحمن - رجل من أهل الشام - عن شعبة، عن حذام الأسدی، وقال مرّة أُخری حذیم، قال: قدِمت الکوفة سنة إحدی وستین، وهی السنة التی قُتل فیها الحسین علیه السلام ، فرأیت نساء أهل الکوفة یومئذٍ یلتدمن مُهتّکات الجیوب، ورأیت علی بن الحسین علیه السلام ، وهو یقول بصوت ضئیل، وقد نحل من المرض: یا أهل الکوفة، إنّکم تبکون علینا فمَن قتلنا غیرکم؟! ثمّ ذکر الحدیث، وهو علی لفظ هارون بن مسلم، وأخبر هارون بن مسلم بن سعدان، قال: أخبرنا یحیی بن حمّاد البصری، عن یحیی بن الحجاج، عن جعفر بن محمد،


1- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج9، ص367.

ص:116

عن آبائه علیهم السلام ، قال: لمّا أُدخل بالنسوة من کربلاء إلی الکوفة، کان علی بن الحسین علیه السلام ضئیلاً قد نهکته العلّة، ورأیت نساء أهل الکوفة مشقّقات الجیوب علی الحسین بن علی علیه السلام ، فرفع علی بن الحسین بن علی علیه السلام رأسه، فقال: أَلا إنّ هؤلاء یبکین فمَن قتلنا؟! ورأیت أُمّ کلثوم علیها السلام ، ولم أرَ خفرة - والله - أنطق منها، کأنّما تنطق وتُفرغ علی لسان أمیر المؤمنین علیه السلام ، وقد أومأت إلی الناس أن اسکتوا، فلمّا سکنت الأنفاس، وهدات الأجراس، قالت: أبدأ بحمد الله والصلاة والسلام علی نبیّه إلی أنْ قالت: أفعجبتم أنْ قطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزی وهم لا ینظرون ...»((1)).

ثمّ قال ابن طیفور: «وحدّثنیه عبد الله بن عمرو، قال: حدّثنی إبراهیم بن عبد ربّه بن القاسم بن یحیی بن مقدم المقدمی، قال: أخبرنی سعید بن محمد أبو معاذ الحمیری، عن عبد الله بن الرحمن رجل من أهل الشام عن حذام الأسدی قال: ...»((2)).

ونقله عن ابن طیفور السیّد البراقی فی تاریخ الکوفة، قال: «یُحدّثنا أبو الفضل أحمد بن أبی طاهر طیفور، عن سعید بن محمد الحمیری أبو معاذ، عن عبد الله بن عبد الرحمن - رجل من أهل الشام - عن شعبة، عن حذام الأسدی، قال:...» وذکر الخبر((3)).

وأورده مرسلاً أحمد بن محمد الهمدانی، ونسب الخبر إلی جریر بن سییر((4)).

وأرسله ابن أعثم فی تاریخه عن خزیمة الأسدی((5)).

وأورده مرسلاً ابن حمدون فی تذکرته((6)).


1- ابن طیفور، أحمد بن أبی طاهر، بلاغات النساء: ص23.
2- ابن طیفور، أحمد بن أبی طاهر، بلاغات النساء: ص24.
3- البراقی النجفی، حسین بن أحمد، تاریخ الکوفة: ص293.
4- اُنظر: ابن الفقیه، أحمد بن محمد، البلدان: ص224.
5- اُنظر: ابن أعثم الکوفی، أحمد، الفتوح: ج5، ص121.
6- اُنظر: ابن حمدون، محمد بن الحسن، التذکرة الحمدونیة: ج6، ص265.

ص:117

ورواه الخوارزمی، قال: «وذکر أبو علی السلام ی، عن البیهقی صاحب التاریخ... قال: وقال بشیر بن حذیم الأسدی...»((1))، وذکر الحدیث.

رجال السند

من الواضح أنّ روایة البیهقی التی نقلها الخوارزمی مرسلة؛ إذ لم یذکر البیهقی طریقه إلی بشیر، وأمّا ابن طیفور فقد نقل القصّة بسندین:

الأوّل: ابن طیفور، عن سعید بن محمد الحمیری أبو معاذ، عن عبد الله بن عبد الرحمن - رجل من أهل الشام - عن شعبة، عن حذام الأسدی، وقال مرّة أُخری: حذیم.

الثانی: وأخبر هارون بن مسلم بن سعدان، قال: أخبرنا یحیی بن حمّاد البصری، عن یحیی بن الحجاج، عن جعفر بن محمد، عن آبائه علیهم السلام .

ثمّ عاد ابن طیفور وذکر سنداً آخر إلا أنّه ینتهی إلی سعید بن محمّد الحمیری ومن بعده، کما أوضحناه فیما تقدّم، فهو یعود فی الحقیقة إلی السند الأول، إلا أنّه لم یذکر فیه شعبة، بل ذکر أنّ عبد الله بن عبد الرحمن رواها عن حذام الأسدی.

دراسة السند الأوّل
اشارة

1 - ابن طیفور (ت280ه-): هو «أحمد بن أبی طاهر، أبو الفضل الکاتب، واسم أبی طاهر طیفور، وهو مروروذی الأصل، کان أحد البلغاء، الشعراء، الرواة، ومن أهل الفهم المذکورین بالعلم، وله کتاب بغداد، المصنّف فی أخبار الخلفاء وأیامهم، وحدّث عن عمر بن شبة، وأحمد بن الهیثم السامی، وعبد الله بن أبی سعید الوراق، وغیرهم.


1- الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص45 - 46.

ص:118

روی عنه ابنه عبید الله، ومحمد بن خلف بن المرزبان، وذکر ابنه أنّه مات فی لیلة الأربعاء لأربع بقین من جمادی الأُولی سنة ثمانین ومائتین، ودُفن فی مقابر باب الشام، وکان مولده ببغداد مدخل المأمون إلیها من خراسان سنة أربع ومائتین»((1)).

2 - سعید بن محمد الحمیری: لم أقف له علی ترجمة.

3 - عبد الله بن عبد الرحمن - وهو رجل من أهل الشام -: أیضاً لم نستطع الوقوف علیه.

3 - شعبة: لم یتّضح لنا مَن المقصود به.

4 - حذیم: تقدّم سابقاً الخلاف فی اسمه عند دراسة خبر السیّدة زینب علیها السلام فی کتب الشیعة، وعرفنا أنّه غیر موثّق.

خلاصة الحکم علی هذا السند

تبیّن أنّ هذا السند ضعیف یشتمل علی عدّة مجاهیل.

دراسة السند الثانی
اشارة

1 - هارون بن مسلم بن سعدان: ثقة معروف عند الشیعة الإمامیة((2))، ولم نجد له توثیقاً أو جرحاً عند أهل السنّة، وقد ترجمه الخطیب وسکت عنه((3)). فیکون ثقة وفق ما تقدّم عن أبی غدّة بأنّ سکوت هؤلاء یُعدّ أمارة علی التوثیق.

2 - یحیی بن حمّاد البصری: ثقة عابد((4)).


1- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج4، ص433.
2- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص438.
3- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج14، ص23.
4- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (211- 220ه-)، ج15، ص442. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص300.

ص:119

3 - یحیی بن الحجاج: هو الکرخی ثقة عند الشیعة((1))، ولم أجد له ذکراً عند أهل السنّة.

4 - جعفر الصادق علیه السلام : أحد الأئمّة عند الشیعة، وثقة جلیل القدر، لا یُسئل عن مثله عند أهل السنّة.

خلاصة الحکم علی هذا السند

تبیّن أنّ هذا السند ضعیف وفق مبانی أهل السنّة، فإنّ یحیی بن الحجاج الکرخی لم نقف له علی ترجمة عندهم، فهو شاهد جید تتقوّی به بقیّة الأخبار.

6 - خبر أُمّ سلمة

قال الصالحی الشامی: «وروی ابن السدی، عن أُمّ سلمة، قالت: لمّا قُتل الحسین (رضی الله تعالی عنه) مُطرنا دماً»((2)).

وفی ذخائر العقبی: «وعن أُمّ سلمة، قالت: لمّا قُتل الحسین مُطرنا دماً»((3)).

وذکر بعده أنّ الخبر خرّجه ابن السُّری.

وقال فی موضع آخر: «عن أُمّ سلمة، قالت: لمّا قُتل الحسین ناحت علیه الجنّ، ومُطرنا دماً»((4)). وأضاف خرّجه ابن السُّری.

لکنّنا لم نعثر علی کتاب ابن السُّری، وعلی سند الخبر من مصدر آخر، فیکون الخبر مرسلاً من دون سند.


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص445.
2- الصالحی، محمد بن یوسف، سبل الهدی والرشاد: ج11، ص541.
3- الطبری، أحمد بن عبد الله، ذخائر العقبی: ص145.
4- المصدر السابق: ص150.

ص:120

7 - خبر ابن عباس

أورده مُرسلاً القندوزی الحنفی، قال: «وعن ابن عباس: إنّ یوم قُتل الحسین علیه السلام قطرت السماء دماً، وإنّ هذه الحمرة التی تُری فی السماء ظهرت یوم قتله، ولم تُرَ قبله، وإنّ أیام قتله لم یُرفع حجر فی الدنیا إلّا وجد تحته دم»((1)).

والخبر مرسل کما هو واضح، والمرسل معدود من الأخبار الضعیفة.

8 - خبر أحد الرهبان

أورده القندوزی الحنفی عن أبی مخنف، فی قصة طویلة، جاء فیها: «فلمّا جنّ اللیل نظر الراهب إلی الرأس الشریف المکرّم رأی نوراً قد سطع منه إلی عنان السماء، ورأی أنّ الملائکة ینزلون ویقولون: یا أبا عبد الله علیک السلام . فبکی، وقال لهم: ما الذی معکم؟ قالوا: رأس الحسین بن علی. فقال: مَن أُمّه؟ قالوا: أُمّه فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفی. قال: صدقت الأحبار. قالوا: ما الذی قالت الأحبار؟ قال: یقولون: إذا قُتل نبیّ أو وصی، أو ولد نبیّ أو ولد وصی، تمطر السماء دماً. فرأینا أنّ السماء تمطر دماً، وقال: وا عجباه من أُمّة قتلت ابن بنت نبیّها»((2)).

وقد عثرنا علی قریب من هذا الخبر فی مقتل أبی مخنف (النسخة المشتهرة المنسوبة إلیه)، جاء فیه: «فقال الراهب: تباً لکم ولمِا جئتم فی طاعته، لقد صدقت الأخبار فی قولها: أنّه إذا قُتل هذا الرجل تمطر السماء دماً، ولا یکون هذا إلّا بقتل نبیّ أو وصیّ نبیّ»((3)).


1- القندوزی، سلیمان بن إبراهیم، ینابیع المودّة: ج3، ص102.
2- المصدر السابق: ج3، ص91.
3- أبو مخنف، لوط بن یحیی، مقتل الحسین علیه السلام : ص191.

ص:121

وهذا الخبر کذلک مرسل وضعیف.

9 - مرسلة سبط ابن الجوزی عن الشعبی

أوردها سبط ابن الجوزی، قال: وقال الشعبی: «لمّا قُتل الحسین اسودّت الدنیا ثلاثة أیام، ورمت السماء رملاً أحمر»((1)).

والمرسل محکوم بالضعف.

روایات أُخری فی مطر السماء دماً

بعد أنْ أوردنا عدّة من الروایات الدالة علی مطر السماء دماً من کتب الشیعة وکتب أهل السنّة، لا بأس أنْ نذکر عدّة أُخری من الروایات المرسلة التی ذکرها القاضی النعمان المغربی - ولربّما أشار لبعضها غیره - والتی نقلها من مصادر مختلفة، لم یتسنَ لنا الوقوف علیها؛ لعدم وصولها إلینا، وبعضها وصلت إلینا أسانیدها من مصادر أُخری، فذکرناها سابقاً وقمنا بدراستها، وبعضها تفرّد بنقلها لنا القاضی المذکور، ولم یتسنَ لنا معرفة أسانیدها لنقوم بدراستها.

والخلاصة: إنّ هناک عدّة من الأخبار ذکرها القاضی المغربی، لم نقف علی مصادرها التی نقلها منها، فیکون هو المصدر الأساس لها، ارتأینا أنْ نفردها هنا لوحدها، وهی کما یلی:

1 - خبر یزید، أو زید بن أبی الزناد، جاء فی شرح الأخبار: «محمد بن الزبیر، بإسناده، عن [زید] بن أبی الزناد، أنّه قال: کنت ابن أربع عشر سنة حین قُتل الحسین (صلوات الله علیه)، فرأینا السماء تقطر دماً، وصار الورس رماداً»((2)).

وهذا الخبر أرسله الطبری الشیعی أیضاً فی دلائله، قال: «وقال یزید بن أبی زیاد:


1- سبط بن الجوزی، یوسف بن فرغلی، مرآة الزمان: ج8، ص172.
2- القاضی المغربی، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج3، ص165 - 166.

ص:122

کنت ابن أربع عشرة سنة حین قُتل الحسین علیه السلام ، فقطرت السماء دماً، وصار علی رؤوس الناس الدم، وأصبح کلّ شیء ملآن دماً» ((1)).

2 - خبر أُمّ سالم، جاء فی شرح الأخبار: «أسامة بن سمیر، باسناده عن أُمّ سالم، أنّها قالت: لمّا قُتل الحسین بن علی علیه السلام ، مطرت السماء مطراً کالدم، احمرّت منه البیوت والحیطان، فبلغ ذلک البصرة والکوفة، والشام وخراسان، حتی کنّا لا نشک أنّه سینزل العذاب»((2)).

وهذا الخبر أورده أیضاً ابن شهر آشوب فی المناقب، ونسبه إلی أسامة بن شبیب، بإسناده، عن أُمّ سلیم((3)).

3 - خبر حمّاد بن سلمة، جاء فی شرح الأخبار: «محمد بن یوسف بإسناده، عن حمّاد بن سلمة، أنّه قال: مطر الناس لیالی قَتل الحسین علیه السلام دماً»((4)).

4 - خبر عمرو بن زیاد، جاء فی شرح الأخبار: «محمد بن مخلّد، بإسناده، عن عمرو بن زیاد، أنّه قال: أصبحت جبابنا یوم قُتل الحسین علیه السلام ملآنة دماً»((5)).

5 - خبر نصرة الأزدیة، جاء فی شرح الأخبار: «محمد بن یوسف، بإسناده، عن نصرة الأزدیة، أنّها قالت: لمّا قُتل الحسین بن علی علیه السلام مطرت السماء دماً، وأصبح کلّ شیء لنا ملآنا دماً»((6)).

وقد تقدّم سابقاً تخریج الخبر ودراسته من مصادر أُخری، وعرفنا هناک أنّ الراوی المباشر هو (نضرة) بالضاد ولیس بالصاد.


1- الطبری، محمد بن جریر، دلائل الإمامة: ص179.
2- القاضی المغربی، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج3، ص166.
3- اُنظر: ابن شهر آشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب: ج3، ص212.
4- القاضی المغربی، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج3، ص166.
5- المصدر السابق.
6- المصدر السابق.

ص:123

المبحث الثالث: إثبات أو نفی نزول المطر بعد مقتل الحسین علیه السلام

اشارة

عند التأمّل فی ما أوردناه من الأخبار یمکن أنْ نخرج بنتیجة إیجابیة، وهی حدوث ذلک الأمر بعد مقتل الحسین علیه السلام ، ویمکن توضیح ذلک من خلال عدّة طرق:

الطریق الأوّل: الدراسة السَنَدیة

اشارة

ولعلّه بملاحظة ما تعرّض له أهل البیت علیهم السلام من ملاحقة وظلم وتعدی، وما لاقاه موالیهم من إقصاء ومحاربة، تجد من الصعوبة التحدّث والتفوّه بکلّ ما یتعلّق من بعید أو قریب فی الوضع السیاسی، سواء ما یرتبط بأحادیث الولایة والخلافة مباشرةً، أو بما یؤدی إلی ذلک، بما فیها الفضائل أو الکرامات التی لها تعلّق واضح بهذا الأمر؛ لأنّ السلاطین أحکموا الأمر وحاولوا القضاء علی کلّ ما یمت لأهل البیت علیهم السلام بصلة، وکلّ الأجواء من أیام بنی أُمیّة وما جاء بعدها لبنی العباس کانت ضدّ خط أهل البیت علیهم السلام ؛ لذا من الصعوبة أنْ تجد روایات صحیحة فی ذلک.

وطبیعی أنّ مطر السماء دماً وغیرها من الأحداث الکونیة تضرب الحکومات السیاسیة المعادیة لأهل البیت علیهم السلام بالصمیم، وتبیّن ظلمها وانحرافها عن جادة الشریعة الإسلامیة؛ لذا لم یکن متوقعاً وفی الحسبان أنْ تجد فی کتب التاریخ والحدیث ما یدلّ علی تلک الحوادث بأسانید صحیحة معتبرة.

لکن رغم أنّ الحکومات کانت بأیدیهم، ورغم التقیة الشدیدة التی یعیشها أتباع أهل البیت علیهم السلام ، فقد وصلت بحمد الله بعض الأخبار ذات الأسانید المعتبرة فی کُتب

ص:124

الفریقین، وقد تقدّم ذکرها مفصّلاً، وهی کما یأتی:

أوّلاً: الأخبار المعتبرة عند الشیعة

1 - خبر الریّان بن شبیب

2 - خبر المفضّل بن عمر

3 - خبر عمرو بن ثبیت

ثانیاً: الأخبار المعتبرة عند أهل السنّة

1 - خبر سلیم القاص

2 - خبر نضرة الأزدیة

3 - خبر خلیفة بن صاعد

ومنه یتّضح أنّه لو قلنا: إنّ المنهج فی ثبوت الأخبار التاریخیة الذی یجب أنْ یُتّبع، هو ما علیه أهل الحدیث من التصحیح والتضعیف، وأنْ ما صحّ فقد ثبت، وما لم یصح فلم یثبت، فستکون الواقعة ثابتة لمِا أوضحناه من ثبوت بعض الأخبار عند الفریقین.

الطریق الثانی: لإثبات الحادثة: تعدّد الطرق

کما عرفنا سابقاً، فإنّ هذه الحادثة لم تروَ بطریق واحد أو طریقین، بل وردت بطرق عدّة، وهی: تسعة طرق عند الشیعة، لکن ثلاثة منها یدوران علی نصر بن مزاحم، وعمر بن سعد، فیکون مجموع الطرق فی هاتین الطبقتین سبعة، وفی باقی طبقات السند تسعة، فمع ملاحظة وثاقة نصر بن مزاحم، بل وحسن حال عمر بن سعد علی ما تقدّم، فإنّه لا یبعد القول بأنّ مجموع هذه الطرق یُشکّل ظنّاً قویّاً یُفید الوثوق بحصول الحادثة، خصوصاً أنّ هذه الأخبار لا یوجد فیها راوٍ کذّاب أو متّهم بالکذب، بل غایة ما هنالک أنّ بعضهم مهملین لم یردوا فی کتب الرجال، أو بعضهم ضعاف لاختلاط ونحوه، وقد تقدّم دراسة تلک الأسانید واتّضح الحال فیها، وأنّ فیها ثلاثة أخبار

ص:125

معتبرة سندیّاً، فبضمّها لغیرها من الأخبار الضعیفة تزداد نسبة الوثوق بحصول الحادثة.

کما أنّه وردت عدّة طرق عند أهل السنّة، فعدد الرواة للخبر کانوا أحد عشر، بعض الطرق مرسلة لم یصل سندها، والطرق المسندة ناهزت التسعة علی تعدد فی بعض الطبقات، منها: ثلاثة معتبرة، والبقیّة أکثرها مبتلاة بضعف خفیف قابل للانجبار؛ إذ إنّه وفق مبانی وقواعد الحدیث عند أهل السنّة فإنّ الخبر الضعیف إذا خلا من کذاب أو متّهم بالکذب ولم یکن شاذّاً، یتقوّی بغیره ویصیر المجموع حسناً أو صحیحاً لغیره، بحسب عدد الأخبار کثرة وقلّة، وحیث إنّ الأخبار متعدّدة وبعضها معتبر بنفسه، فلا شکّ أنّها تتقوّی مع بعضها وتبلغ درجة الصحیح لغیره.

وبالجملة فإذا ما نظرنا إلی مجموع الأخبار عند الفریقین، والبالغة تقریباً تسعة عشر طریقاً غیر المراسیل التی لم نقف علی أسانیدها، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أنّ من بین هذه الطرق ما هو المعتبر سنداً، فسنصل إلی نتیجة أنّ مجموع الطرق واختلاف المخارج یورث الاطمئنان بصدور الحادثة.

الطریق الثالث: لإثبات الحادثة: إجماع الفریقین علی نقلها

وهنا نودّ الإشارة إلی أمر آخر، وهو أنّ هذه الروایات مرویة فی کتب الفریقین، بمعنی أنّه مع اختلاف العقائد وتباین الآراء والمشارب، ومع ذلک فقد اتفقت کلمة المسلمین من أهل الحدیث والتاریخ علی نقل هذه الحادثة وتدوینها فی المصادر.

فلو أمکن لقائل أنْ یقول: إنّ هذه الحادثة تتماشی مع أهواء الشیعة وتتناغم مع عقیدتهم، فإنّها بلا شکّ لا تنسجم ولا تتناغم مع هوی الطائفة الأُخری.

ومن الطبیعی أنّ الحادثة - أیّ حادثة کانت - تکتسب القوّة والتأیید کلّما اتفقت الأطراف المختلفة علی نقلها، بغض النظر عمّا إذا اختلفت الأهواء والآراء، فکیف إذا

ص:126

اختلفت فیها الأنظار وکان لها تأثیر عقدی کبیر؟ فإنّ ذلک یزیدها قوةً وثبوتاً، خصوصاً أنّها تمثّل إقراراً من الطرف المقابل بما یمثّله الحسین علیه السلام من قیمة عُلیا تهتز لها السماء وتمطر دماً لقتله، والإقرار فی هکذا أُمور بنفسه یشکّل قرینة کبیرة علی صحّة الحادثة ووقوعها؛ إذ لا معنی لأنْ یتعمّد الإنسان الکذب فی أُمور لا تصبُّ بمصلحته، وتکون نتیجتها مخالفة لعقیدته.

والخلاصة: إنّ نقل الحادثة من قِبل الفریقین یدفع أیّ شبهةٍ یمکن أنْ تُدّعی بأنّ تلک الأخبار إنّما هی من وضع الشیعة؛ لأنّها تمثّل إقراراً من الطرف المقابل بحصولها.

أضف إلی ذلک أنّه عند الاختلاف فی أمر معیّن لا مناص ولا وسیلة حینئذٍ إلّا بالرجوع إلی ما اتّفق علیه الفریقان؛ لأنّه طریق عقلائی یتّضح من خلاله الثابت من غیره، وهذا الطریق العقلائی متحقق فی الحادثة المذکورة.

الطریق الرابع: المؤیّدات التاریخیة لحصول تلک الحادثة

من المؤیّدات لوقوع هذه الحادثة هو تصریح عدّة من العلماء وأهل السّیَر والتأریخ بحصولها، سواء علی نحو الجزم أو بنسبتها إلی الرواة، فإنّ ذلک بنفسه یدلّ علی عدم رفضهم لوقوع تلک الحادثة، وأنّها مسألة ممکنة فی حدّ ذاتها، وإلّا لو کانت عندهم هذه المسألة غیر قابلة للوقوع أو التحقّق فلا معنی لإیرادها وروایتها، وسنحاول هنا أنْ نذکر نماذج لا غیر، ممّا أورده أهل التاریخ فی خصوص هذه الواقعة:

1 - الوثیقة البریطانیة

ورد فی کتاب یتحدّث عن التاریخ البریطانی، والذی جاء بعنوان: (وقائع عصر الأنغلو ساکسون)، النص الآتی ضمن حوادث سنة (685) للمیلاد:

There was in Britain a bloody rain، and milk and butter were turned to blood.

ص:127

ومعناه: (أنّه من ضمن حوادث عام 685 - للمیلاد - فی بریطانیا، مطرت السماء دماً وتحوّل الحلیب والزبدة إلی دم)((1)).

وقد قیل: إنّه عند مقارنة هذه السنة المیلادیة (685) بالعام الهجری، فإنّها تطابق سنة (61) للهجرة، وهی السنة التی استُشهد فیها الإمام الحسین علیه السلام .

لکن یبدو أنّ هناک جدلاً یتعلّق بمسألة تحویل التاریخ من المیلادی إلی الهجری، فقد قیل أیضاً: إنّ سنة (685م) غیر مطابقة لسنة (61ه-)، بل هی موافقة لسنة (65ه-)، أو (66ه-).

وقد أُجیب علی ذلک أیضاً: بأنّ هناک تلاعباً حصل فی العام المیلادی، وأنّ الصحیح هو المطابقة فی التاریخ.

أقول: بغض النظر عن ذلک، فإنّ الوثیقة لا أقلّ من کونها تُثبت أنّ مسألة نزول المطر من السماء هو أمر حصل فی البلاد الإنجلیزیة، أی: إنّ السماء قد تمطر دماً لأسباب وظروف معیّنة، فلمّاذا الاستغراب واستنکار مسألة نزول المطر بعد مقتل الحسین علیه السلام ؟!

2 - قول البلاذری:

جاء فی مثیر الأحزان: « قال البلاذری فی مختاره: مطرت السماء دماً یوم قتله، وما قُلع حجر بالشام إلّا وتحته دم عبیط»((2)).

3 - قول أبی سعید:

جاء فی الصواعق المحرقة: «قال أبو سعید: ما رُفع حجر من الدنیا إلّا وجد تحته دم عبیط، ولقد مطرت السماء دماً بقی أثره فی الثیاب مدّة حتّی تقطّعت»((3)).


1- http://www.britannia.com/history/docs/ 99 -676.html.
2- ابن نما، جعفر بن محمد، مثیر الأحزان: ص63.
3- ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الصواعق المحرقة: ج2، ص569. اُنظر: القندوزی، سلیمان بن إبراهیم، ینابیع المودّة: ج3، ص20، وقد صرّح بأنّ القائل هو أبو سعید الخدری.

ص:128

ص:129

المبحث الرابع: تأمّلات مختصرة فی دلالة الأخبار

تبیّن فیما سبق أنّ عدّة من الأخبار نصّت علی مطر السماء دماً، وهنا نرید أنْ نتأمّل قلیلاً فی هذه الأخبار، فهل بالإمکان أنْ تمطر السماء دماً؟ وهل کان المطر هو دماً حقیقیّاً أم کان هناک تحوّلاً واضطراباً کونیاً احمرّت لأجله السماء والأرض؟ وهل تُعدّ هذه الحادثة فریدة من نوعها أم قد تکون حدثت فی أزمنة أُخری؟ وهل أنّ المطر شمل جمیع العالم أم کان بأنحاء معیّنة؟ وإذا کان بجمیع العالم فلمّاذا لم یصلنا بصورة متواترة؟

ثمّ ما هی الدلالات الخاصّة التی یمکن أنْ تُستفاد من هذه الأخبار؟

فی الحقیقة لو تأملنا فی أصل قضیة المطر وضمن الموازین الطبیعیة، وحسب القواعد الجغرافیة، فإنّ السماء لا یمکن أنْ تمطر دماً؛ لأنّ المطر کما هو معلوم کظاهرة طبیعیة یتولّد وینشأ من تبخّر المیاه وتحوله إلی غیوم، ثمّ تتکثف وتنزل مطراً، فلا یمکن حینئذٍ أنْ یکون النازل من السحاب هو دم، وحینئذٍ إمّا أنْ نتعامل مع الظاهرة وفق الإعجاز الکونی، ونقول بإنّ ما حاصل بعد عاشوراء کان ظاهرة إعجازیة خارج عن نوامیس ونظم الطبیعة، أو نفسّر ما حصل بشکل آخر یتناسب مع الظواهر الطبیعیة.

وعند التأمّل فی لسان الروایات المتعدّدة الواردة فی الموضوع، تبرز أمامنا بعض الاحتمالات:

1 - أنْ تکون ظاهرة المطر ظاهرة طبیعیة، لکن صاحبتها تغیّرات کونیة عدیدة من شدّة الریاح، وانتشار الغبار، واحمرار الکون، فنزل ما نزل من المطر مصطبغاً باللون الأحمر؛ نتیجة کثرة الغبار الأحمر، بل وتغیّر صورة الکون بأکمله، وهذا الاحتمال

ص:130

یساعد علیه ما ورد من الأخبار الدالة علی مطر السماء تراباً أحمر.

2 - أنْ یکون ما نزل من السماء دماً عبیطاً حقیقیّاً، ولا دخل للغبار والتغیّرات الکونیة فی مشاهدته کذلک، ویساعد علی هذا الاحتمال ما دلّ صریحاً علی مطر السماء دماً، وفی بعضها دماً عبیطاً.

3 - إجتماع تلک الحالات معاً، فمع احمرار الکون وشدّة الغبار مطرت السماء دماً أیضاً، بحیث أصبحت الحالة ما تشبه العاصفة الشدیدة المخیفة، التی یتخوّف معها الإنسان من نزول العذاب، واقتراب العقاب، ونحو ذلک. ویساعد علی ذلک ویدلّ علیه ما ورد من اجتماع الأمرین معاً فی لسان بعض الروایات، أعنی: مطر السماء دماً وتراباً أحمر، بل یمکن أنْ یساعد علیه أیضاً الجمع بین الروایات المصرّحة بالتراب علی حدة، والروایات المصرّحة بالدم علی حدة أُخری.

فنحن إذن أمام ثلاث احتمالات تلوح فی الذهن، یمکن أنْ نستفیدها من خلال الأخبار المتقدّمة.

أمّا الاحتمال الأوّل:

وهو عدم نزول المطر الحقیقی، فلا تساعد علیه الأخبار سوی خبراً واحداً عند الشیعة، دلّ علی أنّ ما نزل کان تراباً أحمر، وهو خبر محمد بن سلمة عمّن حدّثه، والذی جاء فیه: «لمّا قُتل الحسین بن علی علیهما السلام أمطرت السماء تراباً أحمر».

وخبراً ورد عند أهل السنةّ، وهو خبر خلیفة بن صاعد حیث ورد فیه: «وسقط التراب الأحمر».

أمّا الخبر الوارد عند الشیعة، فهو ضعیف من الجهة السندیة کما تقدّم، مضافاً لتنافیه مع بقیّة الأخبار، فحمل هذا الخبر علی الدم أولی من توجیه بقیّة الأخبار علی ضوئه؛ إذ من المحتمل قویّاً أنّ الراوی اشتبه علیه الأمر بعد أنْ رأی أُمور الکون قد تغیّرت، فظنّ أنّ الذی نزل هو تراباً أحمر.

ص:131

علی أنّ نزول التراب الأحمر لا یتنافی مع مطر السماء دماً؛ إذ لا تنافی بین الأمرین کما لا یخفی، إلّا أنْ یقال بإنّ مراد الراوی أنْ یبیّن ما حصل من أُمور غریبة فی ذلک الیوم، فلا بدّ له من ذکر الدم لو حصل ذلک.

وأمّا الخبر الوارد عند أهل السنّة، فهو معتبر السند کما تقدّم، لکنّ الکلام فیه هو نفس الکلام فی نظیره.

وأمّا الاحتمال الثانی:

وهو أنّ السماء مطرت دماً حقیقیّاً، فهو الذی صرّحت به عدّة من الأخبار، ولا مبرر لتأویلها وصرف النظر عن دلالتها، سوی أنّها تتحدّث عن حالة إعجازیة خارج أُطر وقوانین الطبیعة، والإعجاز لیس بعزیز إذا تحقّق ما یبرّر وجوده، وفی المقام کانت هناک حملة کبیرة من التشویه علی الثورة الحسینیة أوّلاً، وتعتیم علی مقام الحسین ثانیاً، وحجم الجریمة التی ارتکبت ونوعیتها ثالثاً، کلّ ذلک کان مبرّراً لحصول کرامات وخوارق للطبیعة بعد مقتله علیه السلام ، وسوف نتکلّم عن ذلک عند البحث عن الدلالات العامّة التی تقتضیها مجمل الأحداث الکونیة التی حصلت بعد عاشوراء.

وأمّا الاحتمال الثالث:

وهو اجتماع الدم مع الرماد والتراب الأحمر، فهو متحقّق أیضاً؛ ذلک أنّ بعض الأخبار صرّحت بنزول التراب والمطر معاً، ومع ملاحظة بقیّة الأخبار التی سنذکرها فی الفصول اللاحقة من احمرار السماء، وتغیّر الکون، یتبیّن أنّ هناک أُموراً مجتمعة قد حصلت فی ذلک الیوم.

کما أنّ نزول التراب والدم معاً صرّح به الإمام الرضا علیه السلام فی الروایة الأُولی التی ذکرناها، وهی روایة صحیحة معتبرة سنداً، وأخبر عنه مسبقاً الإمام الحسن علیه السلام ، وهی الروایة الثانیة التی ذکرناها، وهی معتبرة من حیث السند أیضاً.

أضف إلی ذلک، فإنّ الروایات الدالّة علی مطر السماء دماً من دون اقترانها بنزول

ص:132

التراب الأحمر، لا تتنافی مع الروایات الدالّة علی نزول التراب الأحمر من دون اقترانها بالدم، بل یمکن الجمع والتوفیق بینهما بأنْ نقول: إنّ کلا الأمرین حصلا معاً، وکلّ راوٍ أخبر عمّا فهمه ممّا رآه فی ذلک الیوم المهول.

وأمّا ما یتعلّق بتحقّق هکذا أمر، وهل له نظیر فی التاریخ، أم أنّه لم یتحقّق أبداً فی غیر ذلک الیوم؟ فالظاهر من کتب التاریخ أنّ الحادثة لها مثیل فی التاریخ، وإنْ کانت حالات نادرة جدّاً، لکنّها قضیة موجودة، فقد ذکر السیوطی أنّه: «أخرج أحمد فی الزهد، وابن جریر، وابن المنذر، وابن أبی حاتم، وأبو الشیخ، عن سعید بن جبیر، قال: غَشِیَ قوم یونس العذاب کما یُغشی القبر بالثوب، إذا أُدخل فیه صاحبه، ومطرت السماء دماً»((1)). وفی وقعة صفّین سنة (37ه-) ذکروا أنّ السماء مطرت دماً أیضاً، قال ربیعة بن لقیط (من ثقات التابعین): «مطرت السماء علیهما دماً، کانوا یأخذونه بالآنیة»((2)). وذکر أهل التاریخ فی حوادث سنة (246ه-) نزول المطر دماً فی بلخ، قال الذهبی: «وفیها مطرت بناحیة بلخ مطراً دماً عبیطاً»((3)).


1- السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، الدر المنثور: ج3، ص318.
2- ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، المنتظم فی تاریخ الملوک والأُمم: ج5، ص123. وروی بسند صحّحه السیوطی کما فی کنز العمال: ج8، ص439 (بلفظ: عن ربیعة بن قسیط). وعند الذهبی فی السیَّر: ج4، ص510 (ربیعة بن لقیط): «أنّه کان مع عمرو بن العاص عام الجماعة، وهم راجعون فمُطروا دماً عبیطاً، قال ربیعة: فلقد رأیتنی أنصب الإناء فیمتلئ دماً عبیطاً، فظنّ الناس أنّها هی دماء الناس بعضهم فی بعضهم. (وعند الذهبی: وظنّ الناس أنّها الساعة وماجوا)...». وقال الذهبی أیضاً: «ورواه عمرو بن الحارث، عن یزید، عنه: أنّهم کانوا حین قفلوا من العراق، فأمطرت السماء بدجلة دماً عبیطاً، فقالوا: القیامة وذکر نحوه».
3- الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (241- 250ه-)، ج18، ص17. والخبر أورده الطبری وغیره فی تواریخهم. اُنظر: الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الرسل والملوک: ج7، ص389. ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، المنتظم فی تاریخ الملوک والأُمم: ج11، ص341.

ص:133

و ذکر ابن تغری فی حوادث سنة (545ه-)، أنّها مطرت دماً فی الیمن، قال: «فیها مُطرت الیمن مطراً دماً، وبقی أثره فی الأرض وفی ثیاب الناس»((1)). وهکذا ربّما یجد المتتبّع حالات أُخری.

ومنه یتبیّن أنّ هذه الحادثة لها حصول منذُ قوم یونس حین سلّط الله علیهم العذاب، وقد تکرّرت بعض المرّات، فلا عجب ولا غرو أنْ تحصل فی یوم عاشوراء.

وأمّا ما یتعلّق بالمساحة المکانیة التی نزل فیها المطر، وهل أنّها شاملة لجمیع العالم أم مختصة بمنطقة معیّنة؟ فهذا غیر واضح من الروایات، فإنّ أغلب الرواة ذکروا أنّ السماء مطرت دماً، وطبیعی أنّهم یخبرون عمّا شاهدوه فی مناطقهم ومدنهم التی یسکنون بها، ولا یمکن أنْ یُخبروا عن جمیع مناطق العالم سوی ما یصلهم من خبره، وفی هذا الصدد صرّح بعض الرواة بحسب ما بلغهم أنّ المطر کان فی خراسان، والشام، والکوفة.

نعم، ما ورد فی روایات أهل البیت علیهم السلام لم یُقیّد بمنطقة معیّنة، فلعلّه مجملاً من هذه الجهة، وهو أنّ السماء مطرت فی الجملة، فنزول المطر دماً فی منطقة معیّنة ینطبق علی قول الإمام بأنّها مطرت دماً، فلا یمکن حینئذٍ التمسّک بالإطلاق والقول إنّ المطر شمل جمیع العالم، فلربّما یکون شاملاً لجمیع العالم ولربما یکون مخصوصاً فی مناطق معیّنة.

إلّا أنّه بلحاظ نوع الحرکة الحسینیة، وکونها تهدف إلی إحیاء الدین وإعادة الروح المحمّدیّة إلی الأُمّة، وباعتبار مکانة الإمام الحسین علیه السلام الکبیرة فی عصره، بل هو إمام الأُمّة الواقعی، وأقرب الناس فی عصره إلی النبی صلی الله علیه و آله ، فإنّه ابن بنته، وباعتبار عِظم


1- أبو المحاسن، یوسف بن تغری بردی، النجوم الزاهرة: ج5، ص298.

ص:134

المصیبة وحجم المأساة، وکبر الجریمة والظلم المنقطع النظیر، الذی تعرّض له الإمام الحسین علیه السلام وعیاله، فمن الطبیعی جدّاً أنْ یهتز الکون بأجمعه لأجل ما جری من هول المصاب، فلا معنی لانحصاره فی مکان معیّن، فالمقتول یمثّل إمام العالم بأجمعه وابن بنت نبی هذه الأُمّة، والجریمة اُقترفت بشکل فظیع، وما حدث کان أشبه بنزول العذاب علی الأُمّة، فلا یبعد أنْ تمطر السماء دماً فی جمیع العالم؛ ولذا جاءت روایات أهل البیت مطلقة ولم تقیّده بمکان معیّن.

أمّا ما یمکن قوله من أنّ هذا الحدث إذا کان حصل فی جمیع العالم، فکیف لم یصل إلینا بصورة متواترة؟

والجواب عن ذلک أنْ نقول: إنّ جملة من الأسباب قد ساهمت وساعدت علی عدم نقله، أو وصوله إلینا بصورة متواترة، منها:

1 - إنّ یزید وزبانیته کانوا قد أحکموا القبضة علی العالم الإسلامی، خصوصاً بعد مقتل الحسین علیه السلام ، فإنّ النفوس وإنْ کانت قد تحررت نوعاً ما، إلّا أنّها لم تستطع البوح بکلّ ما شاهدته وعرفته؛ خوف القتل والتنکیل، وهذا أمر معروف من زمن علی علیه السلام ، حینما بلغ بالرواة الخوف من ذکر اسم علی علیه السلام إلی درجة أنْ یقول بعضهم: حدّثنی أبو زینب ولا یصرّح باسمه خوفاً وقرفاً من معاویة وجنوده.

2 - إنّ الحکومات المتتابعة من ذلک الزمان وإلی الیوم، إنّما هی حکومات علی خلاف هوی ومشرب أهل البیت علیهم السلام ، والکثیر من کتب التاریخ والحدیث کُتبت تحت أنظارهم، وأنّ مَن کتبها أیضاً کان یحمل عقیدة مخالفة لأهل البیت علیهم السلام ، فکان طبیعیاً أنْ یطمس کلّ ما له علاقة بأهل البیت وإمامتهم وکراماتهم، ولولا أنّ أمرهم وما ورد بحقّهم کان بمستوی من الکثرة والوضوح لمَا وصل شیء منه فی کتبهم، لکن وصول الأخبار عنهم هنا وهناک ینبؤک أنّ ما کان موجوداً ولم یُنقل إنّما هو أضعافاً مضاعفة.

ص:135

3 - إنّ کُتب التراث وکما هو معلوم وواضح لدی الجمیع، لم تصل بأجمعها إلینا سواء کانت تابعة للتراث السنّی أو التراث الشیعی، فالکثیر منها غاب أو غُیّب ولا یستطیع أحداً أنْ یدّعی أنّ ما بین أیدینا یمثّل جمیع التراث الإسلامی، خصوصاً التراث الشیعی منه، فإنّ المکتبات الشیعیة الضخمة تعرضّت للحرق والنهب وألقیت فی الأنهار، وضاع معها الکثیر من التراث؛ لذا لا یمکن الادّعاء بأنّه لو کان لهذه الحادثة أصل ثابت لوصل بکثرة، فإنّه من الممکن أنْ یکون قد کُتب وأُثبت لکنّ الکُتب للأسف لم تصل.

والخلاصة: إنّ نفس ورود هذه الحوادث بهذا المقدار، مع النظر للأسباب أعلاه، یکشف عن ثبوتها وتحققها خارجاً، وإذا کانت هذه الحوادث مع ورودها بهذا القدر فهی غیر ثابتة، فحینئذٍ علینا أنْ ننسف التأریخ الإسلامی من الأساس؛ لأنّ الکثیر من حوادثه لم تصلنا بهذه الکثرة، ومع ذلک یتمسّک بها العلماء ویرتبون الآثار علیها.

وأمّا الدلالات الخاصّة التی یمکن أنْ نستفیدها من نزول المطر فعدیدة، منها: إنّ مطر السماء دماً یمثّل حالة البکاء التی حصلت من السموات والأرض علی الحسین علیه السلام ، فالمطر حینئذٍ یمثّل حالة الحزن الشدید الحاصلة علی الحسین علیه السلام ، والتی بلغت حدّاً أنْ تبکی علیه السماء والأرض، وسیأتی لاحقاً بیان الروایات الدالّة علی البکاء، ونبیّن الموضوع بصورة أکثر هناک، ونوّضح معنی بکاء السموات والأرض بصورة أجلی.

وقد أشار ونوّه إلی هذا المعنی الشیخ المجلسی رحمة الله، حیث قال فی توجیهه لبکاء السموات والأرض: «ویمکن أنْ یقال: کنایة عن شدّة المصیبة حتّی کأنّه بکی علیه السماء والأرض، أو عن أنّه وصل ضرر تلک المصیبة إلی السماء والأرض وأثّرت فیهما، وظهر بها آثار التغیّر فیهما، أو أنّه أمطرت السماء دماً، وکان یتفجّر الأرض دماً عبیطاً،

ص:136

فهذا بکاؤهما کما فسّر به فی الخبر، ولعلّ الأخیر أظهر»((1)).

کما أنّ إدراج الشیخ ابن قولویه رحمة الله روایات نزول المطر تحت باب (بکاء السماء والأرض علی قتل الحسین علیه السلام ، ویحیی بن زکریا علیه السلام ) یُشیر إلی أنّه یری أنّ المطر دماً کنایة عن بکاء السماء.

مضافاً علی أنّ خبر عمرو بن ثبیت یومئ إلی ذلک أیضاً.

ومنها: أنّها کنایة عن شدّة غضب الباری (عزّ وجلّ) عمّا حصل من عِظم المصیبة، وفداحة الخطب، وعمق الجریمة، فالمقتول هو ابن بنت رسول الله، بطریقة مهولة یقشعر لها جبین الإنسانیة، فلا عجب حینئذٍ أنْ تمطر السماء دماً؛ غضباً وسخطاً علی هؤلاء القوم، وهذا ما أشارت إلیه السیّدة زینب فی خطبتها حین قالت: «أفعجبتم أنْ قطرت السماء دماً؟! ولعذاب الآخرة أخزی، فلا یَستخفنّکم المهل، فإنّه لا یحفزه البدار، ولا یخاف علیه فوت الثار، کلا إنّ ربّک لبالمرصاد...»((2)).

کما أنّ لها دلالات عامّة کثیرة نشیر إلیها لاحقاً حین التکلّم عن دلالات جمیع هذه الأحداث.


1- المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج14، ص183.
2- المفید، محمد بن محمد، الأمالی: ص323.

ص:137

الفصل الثانی: الأخبار الدالّة علی ظهور الدم تحت الأحجار

اشارة

ص:138

ص:139

المبحث الأوّل: تخریج ودراسة الأخبار الدالّة علی الحادثة من مصادر الشیعة

أوّلاً: الرواة الذین نقلوا الخبر

1 - الزهری.

2 - رجل من أهل بیت المقدس.

3 - أبو بصیر.

4 - فاطمة بنت علی علیه السلام .

5 - مرسلة عن الإمام الصادق علیه السلام .

6 - مرسلة ابن شهر آشوب، عن أبی مخنف.

ثانیاً: تخریج الأخبار ودراستها سندیّاً وفق مبانی علماء الشیعة

1 - خبر الزهری
اشارة

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنا أبو الحسین محمد بن عبد الله بن علی الناقد بإسناده، قال: قال عمر بن سعد، قال: حدّثنی أبو معشر، عن الزهری، قال: لمّا قُتل الحسین علیه السلام ، لم یبقَ فی بیت المقدس حصاة إلّا وجد تحتها دم عبیط»((1)).


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص161.

ص:140

وجاء فی موضع آخر:

وقال عمر بن سعد: «وحدّثنی أبو معشر، عن الزهری، قال: لمّا قُتل الحسین علیه السلام ، لم یبقَ فی بیت المقدس حصاة إلّا وُجد تحتها دم عبیط»((1)).

دراسة سندیة لخبر الزهری

من الواضح أنّه قد مرّت ترجمة جمیع رجال السند سابقاً، وتبیّن علی ضوء ذلک أنّ هذا السند ضعیف؛ لجهالة أبی معشر فقط، وهو یعدّ قرینة تتقوّی بها الأخبار الآتیة، وقد تقدّم نقل کلام الزنجانی فی اعتبار روایات أبی معشر هذا، وأنّه لیس نجیح بن عبد الرحمن، بل یوسف بن یزید (أبو معشر البراء).

أضف إلی ذلک، فإنّ خبر الزهری ورد بطرق عدیدة عند أهل السنّة علی ما سیأتی، وأنّ بعض هذه الطرق صحیحة وفق مبانیهم، ممّا یؤکّد أنّ الخبر ثابت عن الزهری.

2 - خبر رجل من أهل بیت المقدس
اشارة

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی أبو الحسین محمد بن عبد الله بن علی الناقد، قال: حدّثنی عبد الرحمان الأسلمی، وقال لی أبو الحسین: وأخبرنی عمّی، عن أبیه، عن أبی نصر، عن رجل من أهل بیت المقدس أنّه قال: والله، لقد عرفنا أهل بیت المقدس ونواحیها عشیة قَتل الحسین بن علی علیهما السلام . قلت: وکیف ذاک؟ قال: ما رفعنا حجراً، ولا مدراً، ولا صخراً، إلّا ورأینا تحتها دماً عبیطاً یغلی، واحمرّت الحیطان کالعلق، ومُطرنا ثلاثة أیام دماً عبیطاً، وسمعنا منادیا ینادی فی جوف اللیل یقول:


1- المصدر السابق: ص188.

ص:141

أترجو أُمّة قتلت حسیناً

شفاعة جدّه یوم الحساب

معاذ الله لا نُلتم یقیناً

شفاعة أحمد وأبی تراب

قتلتم خیر مَن رکب المطایا

وخیر الشیب طُراً والشباب

وانکسفت الشمس ثلاثة أیام، ثمّ تجلّت عنها، وانشبکت النجوم، فلمّا کان من غد اُرجفنا بقتله، فلم یأتِ علینا کثیر شیء حتی نعی إلینا الحسین علیه السلام »((1)).

دراسة سَنَدیة لهذا الخبر

تقدّمت دراسة هذا الخبر سابقاً، وتبیّن أنّ رجال هذا السند کلّهم من المجاهیل الذین لم یُترجم لهم سوی شیخ ابن قولویه، فهو ثقة بناءً علی التوثیق العام الصادر من ابن قولویه، فلا یمکن تصحیح هذه الروایة إلّا بناءً علی وثاقة جمیع رجال کامل الزیارات، وقد تقدّم تراجع السیّد الخوئی عنه.

3 - خبر أبی بصیر عن الإمام الباقر علیه السلام
اشارة

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی أبی رحمة الله، وجماعة مشایخی، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن الحسین بن سعید، عن رجل، عن یحیی بن بشیر، قال: سمعت أبا بصیر یقول: قال أبو عبد الله علیه السلام : بعث هشام بن عبد الملک إلی أبی، فأشخصه إلی الشام، فلمّا دخل علیه، قال له: یا أبا جعفر، أشخصناک لنسألک عن مسألة لم یصلح أنْ یسألک عنها غیری، ولا أعلم فی الأرض خلقا ینبغی أنْ یعرف أو عرف هذه المسألة إن کان إلّا واحداً، فقال أبی: لیسألنی أمیر المؤمنین عمّا أحبّ، فإن علمت أجبت ذلک، وإن لم أعلم قلت: لا أدری، وکان الصدق أولی بی.


1- المصدر السابق: ص160- 161.

ص:142

فقال هشام: أخبرنی عن اللیلة التی قُتل فیها علی بن أبی طالب علیه السلام بما استدلّ به الغائب عن المصر الذی قُتل فیه علی قتله؟ وما العلامة فیه للناس؟ فإن علمت ذلک وأجبت فأخبرنی هل کان تلک العلامة لغیر علی علیه السلام فی قتله؟ فقال له أبی: یا أمیر المؤمنین، إنّه لمّا کان تلک اللیلة التی قُتل فیها أمیر المؤمنین علیه السلام لم یُرفع عن وجه الأرض حجر إلّا وجد تحته دم عبیط حتی طلع الفجر، وکذلک کانت اللیلة التی قُتل فیها هارون أخو موسی علیهما السلام ، وکذلک کانت اللیلة التی قُتل فیها یوشع بن نون، وکذلک کانت اللیلة التی رُفع فیها عیسی بن مریم إلی السماء، وکذلک کانت اللیلة التی قُتل فیها شمعون بن حمون الصفا، وکذلک کانت اللیلة التی قُتل فیها علی بن أبی طالب علیه السلام ، وکذلک کانت اللیلة التی قُتل فیها الحسین بن علی علیهما السلام .

قال: فتربد وجه هشام حتی انتقع لونه، وهمّ أن یبطش بأبی، فقال له أبی: یا أمیر المؤمنین، الواجب علی العباد الطاعة لإمامهم والصدق له بالنصیحة، وأن الذی دعانی إلی أن أجبت أمیر المؤمنین فیما سألنی عنه معرفتی إیّاه بما یجب له علیَّ من الطاعة، فلیُحسن أمیر المؤمنین علیّ الظنّ. فقال له هشام: انصرف إلی أهلک إذا شئت. قال: فخرج.

فقال له هشام عند خروجه: أعطنی عهد الله ومیثاقه أن لا توقع هذا الحدیث إلی أحد حتّی أموت. فأعطاه أبی من ذلک ما أرضاه، وذکر الحدیث بطوله»((1)).

طریق آخر لخبر أبی بصیر

أورده القطب الراوندی فی قصص الأنبیاء: بالإسناد إلی الشیخ الصدوق، «حدّثنا أحمد بن علی، عن أبیه، عن جدّه إبراهیم بن هاشم، عن علی بن معبد، عن علی بن عبد


1- المصدر السابق: ص158- 160.

ص:143

العزیز، عن یحیی بن بشیر، عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: سأل هشام بن عبد الملک أبی، فقال: أخبرنی عن اللیلة التی قُتل فیها علی بن أبی طالب بما استدلّ النائی عن المصر الذی قُتل فیه علی؟ وما کانت العلامة فیه للناس؟ وأخبرنی هل کانت لغیره فی قتله عبرة؟ فقال له أبی: إنّه لمّا کانت اللیلة التی قُتل فیها علی (صلوات الله علیه) لم یُرفع عن وجه الأرض حجر إلّا وجد تحته دم عبیط حتی طلع الفجر، وکذلک کانت اللیلة التی فقد فیها هارون أخو موسی (صلوات الله علیهما)، وکذلک کانت اللیلة التی قُتل فیها یوشع بن نون، وکذلک کانت اللیلة التی رُفع عیسی بن مریم (صلوات الله علیه)، وکذلک اللیلة التی قُتل فیها الحسین (صلوات الله علیه)»((1)).

دراسة سندیة لخبر أبی بصیر

الطریق الأوّل: وهو الذی رواه ابن قولویه: قال: «حدّثنی أبی رحمة الله، وجماعة مشایخی، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن الحسین بن سعید، عن رجل، عن یحیی بن بشیر، قال: سمعت أبا بصیر یقول: ...» وذکره.

دراسة فی سند هذا الخبر

من الواضح وثاقة مشایخ ابن قولویه خصوصاً أنّه فی المقام رواها بسند جمعی، فرواه عن أبیه وجماعة مشایخه، فلا أقل من وثاقة أحدهم حینئذٍ.

وسعد بن عبد الله الأشعری، وأحمد بن محمد بن عیسی، والحسین بن سعید، کلّهم من الثقات الأجلّاء.


1- قطب الدین الراوندی، سعید بن هبة الله، قصص الأنبیاء: ص146. المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج42، ص302.

ص:144

لکن الحسین بن سعید روی الخبر عن رجل، والرجل رواها عن یحیی بن بشیر، ویحیی مجهول أیضاً کما سیأتی.

خلاصة الحکم علی السند

تبیّن أنّ هذا الطریق ضعیف؛ لجهالة اثنین فی السند.

نعم، فی الطریق الثانی صرّح بأنّ الذی روی عن یحیی بن بشیر هو علی بن عبد العزیز، وسیأتی ذکر ذلک عند دراسة الطریق الثانی.

الطریق الثانی: ما رواه القطب الراوندی، بالإسناد إلی الشیخ الصدوق، «حدّثنا أحمد بن علی، عن أبیه، عن جدّه إبراهیم بن هاشم، عن علی بن معبد، عن علی بن عبد العزیز، عن یحیی بن بشیر، عن أبی بصیر...».

أمّا أحمد بن علی بن إبراهیم بن هاشم، فکما قال الوحید: «یروی عنه الصدوق رحمة الله مترضیاً، ویُکثر من الروایة عنه، وفیهما إشعار بحسن الحالة والجلالة»((1)).

وأبوه علی بن إبراهیم، من الثقات الأجلّاء. وأبوه إبراهیم بن هاشم، تقدّم القول بوثاقته.

وأمّا علی بن معبد، فقد عدّه الشیخ من أصحاب الإمام الهادی علیه السلام ، وقال: «بغدادی له کتاب»((2))، وکتابه هذا یرویه عنه إبراهیم بن هاشم کما فی طریق الشیخ إلیه((3))، وموسی بن جعفر کما فی طریق النجاشی إلیه((4))، ولم یذکرا فیه جرحاً ولا تعدیلاً.


1- الوحید البهبهانی، محمد باقر، تعلیقة علی منهج المقال: ص69.
2- الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص388.
3- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص151.
4- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص273.

ص:145

وأورده الشیخ النمازی فی مستدرکاته، وذکر أنّ له: «جملة من الروایات تدلّ علی حسن عقیدته وکماله»((1)).

وعلی بن عبد العزیز، مشترک بین جماعة مجهولین جمیعهم.

ویحیی بن بشیر النبال: ذکره الشیخ فی أصحاب الإمام الصادق علیه السلام من دون جرح ولا توثیق((2)).

وأبو بصیر: ثقة، فهو کما نصّ السید الخوئی ینصرف عند الإطلاق إلی یحیی بن أبی القاسم((3))، وعلی تقدیر الاغماض فالأمر یتردد بینه وبین لیث بن البختری المرادی، الثقة، فلا أثر للتردد، وأما غیرهما فلیس بمعروف بهذه الکنیة، بل لم یوجد مورد یطلق فیه أبو بصیر، ویراد به غیر هذین((4)).

خلاصة الحکم علی الطریق الثانی

والنتیجة أنّ هذا السند ضعیف أیضاً.

خلاصة الحکم علی خبر أبی بصیر

اتّضح أنّ الطریق الأوّل والطریق الثانی کلاهما ضعیفان؛ لاتحادهما فی جهالة یحیی بن بشیر، وفی الراوی عنه، وهو رجل مبهم فی الطریق الأوّل، وعلی بن عبد العزیز فی الطریق الثانی.


1- الشاهرودی، علی النمازی، مستدرکات علم رجال الحدیث: ج5، ص480.
2- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص322.
3- وهو ثقة وجیه, اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص441.
4- الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج22، ص52.

ص:146

4 - خبر فاطمة بنت علی علیه السلام
اشارة

أخرجه الشیخ الصدوق، قال: «حدّثنی بذلک محمد بن علی ماجیلویه رحمة الله، عن عمّه محمد بن أبی القاسم، عن محمد بن علی الکوفی، عن نصر بن مزاحم، عن لوط بن یحیی، عن الحارث بن کعب، عن فاطمة بنت علی (صلوات الله علیهما): ثمّ إنّ یزید (لعنه الله) أمر بنساء الحسین علیه السلام فحبسن مع علی بن الحسین علیهما السلام ، فی محبس لا یکنهم من حر ولا قر حتی تقشّرت وجوههم، ولم یرفع ببیت المقدس حجر عن وجه الأرض إلّا وجد تحته دم عبیط، وأبصر الناس الشمس علی الحیطان حمراء کأنّها الملاحف المعصفرة((1))، إلی أن خرج علی بن الحسین علیهما السلام بالنسوة، وردَّ رأس الحسین علیه السلام إلی کربلاء»((2)).

دراسة طریق فاطمة بنت علی علیه السلام

أمّا ما جیلویه: فقد تقدّم سابقاً أنّه یمکن الاعتماد علی روایته بقرائن عدیدة.

ومحمد بن أبی القاسم: «ثقة»((3)).

لکن محمد بن علی الکوفی، الظاهر هو الصیرفی أبو سمینة، بقرینة روایة محمد بن أبی القاسم عنه، وروایته بعنوان (أبی سمینة) عن نصر بن مزاحم، فقد ذکر النجاشی أنّ أحد طرق کتاب نصر بن مزاحم هی بروایة أبی سمینة، فقال: «وأمّا طریقنا إلیه من جهة القمّیین، فإنّه أخبرنا علی بن أحمد، قال: حدّثنا محمد بن الحسن، قال: حدّثنا أحمد بن


1- الملاحف المعصفرة: وهی المصبوغة بالعُصفُر، وهو نبت معروف یُصبغ به، والظاهر أنّه یصبغ الثیاب ونحوها بالصبغ الأحمر، والمراد أنّ الحیطان تُری حمراء لشدّة احمرار الشمس فی تلک الفترة. اُنظر: الجوهری، إسماعیل بن حماد، الصحاح: ج2، ص750. ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب: ج4، ص581. مجموعة من المؤلفین، المعجم الوسیط: ج2 ص605.
2- الصدوق، محمد بن علی، الأمالی: ص222.
3- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص353.

ص:147

محمد بن أبی علی البرقی، قال: حدّثنا أبو سمینة عنه بکتابه»((1)).

وأبو سمینة هذا ضعیف جدّاً، مغالٍ کذّاب، قال النجاشی: «وکان محمد بن علی یُلّقب أبا سمینة، ضعیف جداً، فاسد الاعتقاد، لا یُعتمد فی شیء، وکان ورد قم وقد اشتهر بالکذب بالکوفة، ونزل علی أحمد بن محمد بن عیسی مدّة، ثمّ تشهّر بالغلو فجفی، وأخرجه أحمد بن محمد بن عیسی عن قم، وله قصّة»((2)).

ونصر بن مزاحم، تقدّم أنّه مستقیم الطریقة، ویمکن الرکون إلی روایته.

ولوط بن یحیی، ثقة مسکون إلی روایته((3)).

والحارث بن کعب، لم یذکروه، ولعلّه الحارث بن کعب الأزدی، الذی ذکره الشیخ فی أصحاب الإمام السجاد علیه السلام ، لکنّه سکت عنه ولم یذکر فیه جرحاً ولا تعدیلاً((4)).

خلاصة الحکم علی السند

وبهذا یتّضح أنّ هذا السند ضعیف أیضاً.

5 - مرسلة عن الصادق علیه السلام

رُوی عن الصادق علیه السلام : «أنّ عبد الملک بن مروان کتب إلی عامله بالمدینة - وفی روایة: هشام بن عبد الملک - أنْ وجّه إلیّ محمد بن علی، فخرج أبی، وأخرجنی معه، فمضینا حتّی أتینا مدین شعیب، فإذا نحن بدیر عظیم [البنیان]، وعلی بابه أقوام علیهم


1- المصدر السابق: ص428.
2- المصدر السابق: ص332. اُنظر: التستری، محمد تقی، قاموس الرجال: ج9، ص421- 423.
3- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج15، ص141- 142.
4- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص112.

ص:148

ثیاب صوف خشنة، فألبسنی والدی، ولبس ثیاباً خشنة، وأخذ بیدی حتّی جئنا وجلسنا عند القوم، فدخلنا مع القوم الدیر، فرأینا شیخاً قد سقط حاجباه علی عینیه من الکبر، فنظر إلینا، فقال لأبی: أنت منّا أم من هذه الأُمّة المرحومة؟ قال: لا، بل من هذه الأُمّة المرحومة. قال من علمائها أم من جهّالها؟ قال أبی: من علمائها. قال: أسألک عن مسألة؟ قال [له]: سل [ما شئت]. قال: أخبرنی عن أهل الجنّة إذا دخلوها وأکلوا من نعیمها هل ینقص من ذلک شیء؟ قال: لا. قال الشیخ: ما نظیره؟ قال أبی: ألیس التوراة والإنجیل والزبور والقرآن یؤخذ منها ولا ینقص منها [شیء]؟ قال: أنت من علمائها. ثمّ قال: أهل الجنّة هل یحتاجون إلی البول والغائط؟ قال أبی: لا. قال [الشیخ]: وما نظیر ذلک؟ قال أبی: ألیس الجنین فی بطن أُمّه یأکل ویشرب ولا یبول ولا یتغوط؟!

قال: صدقت. قال: وسأل عن مسائل [کثیرة] وأجاب أبی [عنها]، ثمّ قال الشیخ: أخبرنی عن توأمین ولدا فی ساعة، وماتا فی ساعة، عاش أحدهما مائة وخمسین سنة، وعاش الآخر خمسین سنة، مَن کانا؟ وکیف قصتهما؟ قال أبی: هما عُزیر وعزرة، أکرم الله تعالی عُزیرا بالنبوة عشرین سنة، وأماته مائة سنة، ثمّ أحیاه فعاش بعده ثلاثین سنة، وماتا فی ساعة [واحدة]. فخر الشیخ مغشیا علیه، فقام أبی، وخرجنا من الدیر، فخرج إلینا جماعة من الدیر، وقالوا: یدعوک شیخنا. فقال أبی: ما لی إلی شیخکم حاجة، فإن کان له عندنا حاجة فلیقصدنا. فرجعوا، ثمّ جاؤوا به، وأُجلس بین یدی أبی، فقال [الشیخ]: ما اسمک؟ قال علیه السلام : محمد. قال: أنت محمد النبی؟ قال: لا أنا ابن بنته. قال: ما اسم أُمّک؟ قال: أُمّی فاطمة. قال: مَن کان أبوک؟ قال: اسمه علی. قال: أنت ابن إلیا بالعبرانیة وعلی بالعربیة؟ قال: نعم. قال: ابن شبّر أم شُبیر؟ قال: إنّی ابن شُبیر. قال الشیخ: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ جدّک محمداً رسول الله. ثمّ ارتحلنا حتی أتینا عبد الملک [ودخلنا علیه]، فنزل من سریره واستقبل أبی، وقال: عرضت لی مسألة لم یعرفها العلماء! فأخبرنی إذ

ص:149

قَتلَتْ هذه الأُمّة إمامها المفروض طاعته علیهم، أیّ عبرة یریهم الله فی ذلک الیوم؟ قال أبی: إذا کان کذلک لا یرفعون حجراً إلّا ویرون تحته دماً عبیطاً. فقبّل عبد الملک رأس أبی، وقال: صدقت، إنّ فی الیوم الذی قُتل فیه أبوک علی بن أبی طالب علیه السلام کان علی باب أبی مروان حجر عظیم، فأمر أن یرفعوه، فرأینا تحته دماً عبیطاً یغلی. وکان لی أیضاً حوض کبیر فی بستانی، وکان حافتاه حجارة سوداء، فأمرت أن تُرفع ویُوضع مکانها حجارة بیض، وکان فی ذلک الیوم قتل الحسین علیه السلام ، فرأیت دماً عبیطاً یغلی تحتها»((1)).

وهذه الروایة مرسلة بلا سند، فهی ضعیفة أیضاً.

6 - مرسلة ابن شهر آشوب عن أبی مخنف

أوردها ابن شهر آشوب، حیث نقل عن أبی مخنف فی روایة: «ولمّا قُتل الحسین صار الورس دماً، وانکسفت الشمس إلی ثلاثة أسباب، وما فی الأرض حجر إلّا وتحته دم»((2)).

وهذه الروایة محکومة بالضعف کسابقتها.


1- قطب الدین الراوندی، سعید بن هبة الله، الخرائج والجرائح: ج1، ص291. وعنه: المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج10، ص152. البحرانی، هاشم بن سلیمان، مدینة المعاجز: ج5، ص173.
2- ابن شهر آشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب: ج3، ص218، وعنه: المجلسی، محمد باقر، البحار: ج45، ص305. البحرانی، هاشم بن سلیمان، مدینة المعاجز: ج4، ص116.

ص:150

ص:151

المبحث الثانی: تخریج ودراسة الأخبار الدالة علی الحادثة من مصادر أهل السنّة

أوّلاً: الرواة الذین نقلوا الخبر

1 - الزهری.

2 - أُمّ حبّان (حیّان).

3 - خلّاد عن أُمّه.

4 - ابن عباس.

5 - محمد بن عمر بن علی.

6 - یزید بن أبی زیاد.

7 - سعید بن المسیّب.

ثانیاً: تخریج الأخبار ودراستها سندیّاً وفق مبانی أهل السنّة

تخریج الحدیث من مصادر أهل السنّة
1 - خبر الزهری
اشارة

ورد بطرق عدیدة إلی الزهری:

الطریق الأوّل: ابن جریج عن الزهری

أخرجه الطبرانی، قال: «حدّثنا زکریا بن یحیی الساجی، ثنا محمد بن المثنی، ثنا

ص:152

الضحّاک بن مخلّد، عن ابن جریج، عن ابن شهاب، قال: ما رُفع بالشام حجر یوم قُتل الحسین بن علی إلّا عن دم (رضی الله عنه)»((1)).

وأخرجه من طریقه أبو نعیم فی معرفة الصحابة، وقال بعده: «رواه الهذیل عن الزهری مثله»((2)).

وأخرجه أبو العرب، قال: «حدّثنی عمر بن یوسف، قال: حدّثنا إبراهیم بن مرزوق، قال: حدّثنی أبو عاصم، عن ابن جریح((3))، عن ابن شهاب، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی، لم یُرفع حجر بالشام إلّا وجد تحته دم»((4)).

وأخرجه زکریا بن یحیی بن الحارث البزّار (شیخ الحنفیة بنیسابور)((5)) فی کتاب الفتن، علی ما نقله عنه السیّد ابن طاووس، قال زکریا: «حدّثنا إبراهیم بن عبد الله السعدی، قال: حدّثنا أبو عاصم، عن ابن جریج، عن ابن شهاب، قال: ما قُلب حجر بالشام یوم قُتل الحسین إلّا عن دم»((6)).

وأخرجه البلاذری، قال: «وحدّثنا [أی: عمر بن شبّة]، عن أبی عاصم النبیل، عن أبی جریج (کذا)، عن ابن شهاب، قال: ما رُفع حجر بالشام یوم قُتل الحسین إلّا عن دم»((7)).

وأخرجه محمد بن سلیمان الکوفی، قال: «حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إبراهیم بن


1- الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج3، ص113.
2- أبو نعیم الأصبهانی، أحمد بن عبد الله، معرفة الصحابة: ج2، ص667.
3- والصحیح (ابن جریج).
4- أبو العرب، محمد بن أحمد، المحن: ص161.
5- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (291- 300ه- )، ج22، ص147.
6- ابن طاووس، علی بن موسی، الملاحم والفتن: ص337.
7- البلاذری، أحمد بن یحیی، أنساب الأشراف: ج3، ص228.

ص:153

عبد الله، قال: حدّثنا [أبو عاصم] النبیل، قال: حدّثنا ابن جریج، عن ابن شهاب، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی، لم یُرفع فی الشام حجر إلّا وجد تحته دم عبیط»((1)).

الطریق الثانی: محمد بن عبد الله بن سعید العاص عن الزهری

أخرجه الطبرانی، قال: «حدّثنا علی بن عبد العزیز، ثنا إبراهیم بن عبد الله الهروی، أنا هشیم، ثنا أبو معشر، عن محمد بن عبد الله بن سعید بن العاص، عن الزهری، قال: قال لی عبد الملک بن مروان: أیّ واحد أنت إنْ أخبرتنی، أیُّ علامة کانت یوم قُتل الحسین بن علی؟ قال: قلت: لم تُرفع حصاة ببیت المقدس إلّا وُجد تحتها دم عبیط. فقال عبد الملک: إنّی وإیّاک فی هذا الحدیث لقرینان»((2)).

ومن طریقه أخرجه الکنجی الشافعی((3)).

الطریق الثالث: أبو بکر الهذلی عن الزهری

أخرجه الطبرانی، قال: «حدّثنا محمد بن عبد الله الحضرمی، ثنا یزید بن مهران أبو خالد، ثنا أسباط بن محمد، عن أبی بکر الهذلی، عن الزهری، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی (رضی الله عنه)، لم یُرفع حجر ببیت المقدس إلّا وجد دم عبیط»((4)).

وأخرجه زکریا بن یحیی بن الحارث البزار (شیخ الحنفیة بنیسابور)((5)) فی کتاب الفتن علی ما نقله عنه السیّد ابن طاووس، قال زکریا: «حدّثنا علی بن سلمة، قال:


1- الکوفی، محمد بن سلیمان، مناقب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام : ج2، ص266.
2- الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج3، ص119.
3- اُنظر: الکنجی الشافعی، محمد بن یوسف، کفایة الطالب: ص444.
4- الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج3، ص113.
5- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (291- 300ه- )، ج22، ص147.

ص:154

حدّثنا أسباط، عن أبی بکر الهذلی، عن الزهری، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی، لم تُقلب ببیت المقدس حصاة إلّا وجد تحتها دم عبیط»((1)).

وأخرجه الحلبی بسنده إلی عبید الله بن محمد الفریابی، قال: «حدّثنا محمد بن شعیب السنجی، عن عیسی بن یونس، عن أبی بکر الهذلی، عن الزهری، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی (رضی الله عنهما) لم تُرفع ببیت المقدس حصاة إلّا وجد تحتها دم عبیط»((2)).

الطریق الرابع: مَعْمَر عن الزهری

أخرجه ابن سعد، قال: «أخبرنا سلیمان بن حرب، قال: حدّثنا حمّاد بن زید، عن مَعْمَر، قال: أوّل ما عُرف الزهری، أنّه کان فی مجلس عبد الملک بن مروان، فسألهم عبد الملک، فقال: مَن منکم یعلم ما صنعت أحجار بیت المقدس یوم قُتل الحسین؟ قال: فلم یکن عند أحد منهم من ذلک علم، فقال الزهری: بلغنی أنّه لم یُقلب منه یومئذٍ حجر إلّا وجد تحته دم عبیط. قال: فعُرف من یومئذٍ» ((3)).

وأخرجه البیهقی، قال: «أخبرنا أبو الحسین بن الفضل، أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدّثنا یعقوب بن سفیان، حدّثنا سلیمان بن حرب، حدّثنا حمّاد بن زید، عن مَعْمَر، قال: أوّل ما عُرف الزهری تکلّم فی مجلس الولید بن عبد الملک. فقال الولید: أیّکم یعلم ما فعلت أحجار بیت المقدس یوم قُتل الحسین بن علی؟ فقال الزهری: بلغنی أنّه لم یُقلب حجر إلّا وُجد تحته دم عبیط»((4)).


1- ابن طاووس، علی بن موسی، الملاحم والفتن: ص336- 337.
2- ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2637.
3- ابن سعد، محمد، طبقات ابن سعد: ص163.
4- البیهقی، أحمد بن الحسین، دلائل النبوة: ج6، ص471.

ص:155

ومن طریق عبد الله بن جعفر أخرجه الحلبی ابن أبی جرادة، قال: «نبأنا عمر بن محمد المؤدب، قال أخبرنا أبو القاسم إسماعیل بن أحمد إجازة إنْ لم یکن سماعاً، قال: أخبرنا محمد بن هبة الله، قال أخبرنا محمد بن الحسین، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر، قال حدّثنا یعقوب - یعنی ابن سفیان - قال: حدّثنا سلیمان بن حرب، قال: حدّثنا حمّاد بن زید، عن مَعْمَر، قال: أوّل ما عرف الزهری تکلّم فی مجلس الولید بن عبد الملک. فقال الولید: أیّکم یعلم ما فعلت أحجار بیت المقدس یوم قُتل الحسین بن علی؟ فقال الزهری: بلغنی أنّه لم تُقلب حجر إلّا وجد تحته دم عبیط»((1)).

ومن طریق البیهقی وغیره أخرجه ابن عساکر بسنده إلی یعقوب بن سفیان: «أنبأنا سلیمان بن حرب، أنبأنا حمّاد بن زید، عن مَعْمَر، قال: أوّل ما عُرف الزهری، [أنّه] تکلّم فی مجلس الولید بن عبد الملک. فقال الولید: أیّکم یعلم ما فعلت أحجار بیت المقدس یوم قُتل الحسین بن علی؟ فقال الزهری - زاد عبد الکریم وابن السمرقندی: بلغنی. وقالوا:- إنّه لم یُقلب حجر إلّا - زاد ابن السمرقندی: وُجد تحته. وقال البیهقی: إلّا - وتحته دم عبیط»((2)).

وأخرجه زکریا بن یحیی بن الحارث البزار (شیخ الحنفیة بنیسابور)((3)) فی کتاب الفتن علی ما نقله عنه السیّد ابن طاووس، قال زکریا: «حدّثنا أحمد بن سعید، قال: حدّثنا سلیمان، قال: حدّثنا حمّاد، عن مَعْمَر، قال: إنّ أوّل ما عُرف الزهری، أنّه کان عند عبد الملک بن مروان، فسأل جلساءه: مَن منکم مَن یعلم ما صنعت أحجار بیت المقدس یوم قُتل الحسین؟ فلم یکن عند أحد منه علم، فقال الزهری: بلغنی أنّه لم یُقلب یومئذٍ


1- ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2637.
2- ابن عساکر، علی بن الحسن، ترجمة الإمام الحسین علیه السلام : ص362 - 363.
3- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (291- 300ه-)، ج22، ص147.

ص:156

منها حجر إلّا وجدوا تحت دماً عبیطاً»((1)).

وأورده المزی، قال: قال یعقوب بن سفیان: «حدّثنا سلیمان بن حرب، قال: حدّثنا حمّاد بن زید، عن مَعْمَر، قال: أوّل ما عُرف الزهری، تکلّم فی مجلس الولید بن عبد الملک، فقال الولید: أیّکم یعلم ما فعلت أحجار بیت المقدس یوم قُتل الحسین بن علی؟ فقال الزهری: بلغنی أنّه لم یُقلب حجر إلّا وُجد تحته دم عبیط»((2)).

وأورده الذهبی فی السیّر: «حمّاد بن زید، عن مَعْمَر، قال: أوّل ما عُرف الزهری، أنّه تکلّم فی مجلس الولید، فقال الولید: أیّکم یعلم ما فعلت أحجار بیت المقدس یوم قُتل الحسین؟ فقال الزهری: بلغنی أنّه لم یُقلب حجر إلّا وُجد تحته دم عبیط»((3)).

وأخرجه الخوارزمی، لکنّه أسقط اسم مَعْمَر، ونسب الروایة إلی حمّاد بن زید((4)).

الطریق الخامس: رجل من آل سعید عن الزهری

أخرجه ابن سعد، قال: «أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنی نجیح، عن رجل من آل سعید، یقول: سمعت الزهری یقول: سألنی عبد الملک بن مروان، فقال: ما کان علامة مقتل الحسین؟ قال: لم تکشف یومئذٍ حجراً إلّا وجدت تحته دماً عبیطاً. فقال عبد الملک: أنا وأنت فی هذا غریبان»((5)).


1- ابن طاووس، علی بن موسی، الملاحم والفتن: ص336.
2- المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص434.
3- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج3، ص314.
4- اُنظر: الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص102.
5- ابن سعد، محمد، الطبقات الکبری، الجزء المتمم لطبقات ابن سعد (الطبقة الخامسة فی من قبض رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) وهم أحداث الأسنان):ج1، ص506. ابن سعد، محمد، ترجمة الإمام الحسین علیه السلام (من طبقات ابن سعد): ص90- 91.

ص:157

الطریق السادس: البصری بن یحیی

أخرجه أبو العرب، قال: «وحدّثنی بکر بن حمّاد، قال: حدّثنی إبراهیم بن سلیمان الرملی، قال: حدّثنی سعید بن کثیر بن غفیر، عن یحیی بن وشاح، عن البصری بن یحیی، عن الزهری، قال: دخلت علی عبد الملک بن مروان وهو فی القبة، فقال لی: استدر من وراء السجف، فاستدرت، فقال: أتدری ما حدث فی الأرض یوم قُتل الحسین؟ قلت: نعم. قال: لم یُقلب حجر ولم یُکشف إناء ببیت المقدس إلّا أصابوا تحته دماً عبیطاً. فقال لی: إنّی وإیّاک غریبان فی هذا الحدیث، فإیّاک أنْ أسمعه من أحد»((1)).

الطریق السابع: عمرو بن قیس وعقیل عن الزهری
اشارة

أخرجه ابن عبد ربّه الأندلسی، قال: «حدّثنا أبو محمد عبد الله بن میسرة، قال: حدّثنا محمد بن موسی الحرشی، قال: حدّثنا حمّاد بن عیسی الجهنی، عن عمر بن قیس.

وقال حمّاد بن عیسی: حدّثنی به عبّاد بن بشر، عن عقیل، قالا: قال الزهری: خرجت مع قتیبة أُرید المصیصة، فقدمنا علی أمیر المؤمنین عبد الملک بن مروان، وإذا هو قاعد فی إیوان له، وإذا سماطان من الناس علی باب الإیوان، فإذا أراد حاجة قالها للذی یلیه حتّی تبلغ المسألة باب الإیوان، ولا یمشی أحد بین السماطین. قال الزهری: فجئنا فقمنا علی باب الإیوان، فقال عبد الملک للذی عن یمینه: هل بلغکم أیّ شیء أصبح فی بیت المقدس لیلة قُتل الحسین بن علی؟ قال: فسأل کلّ واحد منهما صاحبه حتی بلغت المسألة الباب، فلم یرد أحد فیها شیئاً، قال الزهری فقلت: عندی فی هذا علم. قال: فرجعت المسألة رجلاً عن رجل حتی انتهت إلی عبد الملک، قال: فدُعیت، فمشیت بین


1- أبو العرب، محمد بن أحمد، المحن: ص161.

ص:158

السماطین فلمّا انتهیت إلی عبد الملک سلّمت علیه، فقال لی: مَن أنت؟ قلت: أنا محمد بن مسلم بن عبید الله بن شهاب الزهری، قال: فعرفنی بالنسب، وکان عبد الملک طلّابه للحدیث، فقال: ما أصبح ببیت المقدس یوم قُتل الحسین بن علی بن أبی طالب - وفی روایة علی بن عبد العزیز، عن إبراهیم بن عبد الله، عن أبی معشر، عن محمد بن عبد الملک بن سعید بن العاص، عن الزهری أنّه قال: اللیلة التی قُتل فی صبیحتها الحسین بن علی؟ - قال الزهری: نعم، حدّثنی فلان - لم یسمّه لنا - أنّه لم یُرفع تلک اللیلة التی صبیحتها قُتل الحسین بن علی حجر فی بیت المقدس إلّا وُجد تحته دم عبیط. قال عبد الملک: صدقت، حدّثنی الذی حدّثک، وإنّی وإیّاک فی هذا الحدیث لغریبان. ثمّ قال لی: ما جاء بک؟ قلت: مرابطاً. قال: الزم الباب. فأقمت عنده، فأعطانی مالاً کثیراً»((1)).

دراسة سندیة لخبر الزهری

من الواضح أنّ الطرق إلی الزهری عدیدة توجب الاطمئنان بثبوت الخبر عنه، خصوصاً أنّ بعضها صحیحة أو حسنة من حیث السند؛ لذا لا نری مبرراً للخوض تفصیلاً فی دراسة هذه الأسانید، بل سنمرُّ علی بعضها مروراً سریعاً؛ لیتبینّ أنّ الحدیث ثابت للزهری من دون أیّ کلام، وحینئذٍ نقول:

الطریق الأوّل:

أخرجه الطبرانی، قال: «حدّثنا زکریا بن یحیی الساجی، ثنا محمد بن المثنی، ثنا الضحّاک بن مُخلّد، عن ابن جریج، عن ابن شهاب، قال: ما رُفع بالشام حجر یوم قُتل الحسین بن علی إلّا عن دم (رضی الله عنه)»((2)).


1- ابن عبد ربّه الأندلسی، أحمد بن محمد، العقد الفرید: ج4، ص361.
2- الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج3، ص113.

ص:159

وأخرجه آخرون بطرق أُخری کلّها تدور علی ابن جریج، عن الزهری.

وهذا الطریق صحیح سنداً؛ فزکریا الساجی من الأئمّة الثقات المعروفین، ومحمد بن المثنی، ثقة ثبت ورع((1))، والضحّاک بن مُخلّد أبو عاصم النبیل، ثقة ثبت((2))، وابن جریج، إمام، ثقة، معروف((3))، ومحمد بن مسلم الزهری من الأئمّة الثقات.

فرجال هذا السند کلّهم ثقات، وقد قال فیه الهیثمی: «رواه الطبرانی، ورجاله رجال الصحیح»((4)).

الطریق الثانی:

أخرجه الطبرانی، قال: «حدّثنا علی بن عبد العزیز، ثنا إبراهیم بن عبد الله الهروی، أنا هشیم، ثنا أبو معشر، عن محمد بن عبد الله بن سعید بن العاص، عن الزهری...».

وهذا الطریق رجاله ثقات کما صرّح الهیثمی بذلک، قال: «رواه الطبرانی، ورجاله ثقات»((5)).

الطریق الثالث:

أخرجه الطبرانی، قال: «حدّثنا محمد بن عبد الله الحضرمی، ثنا یزید بن مهران أبو خالد، ثنا أسباط بن محمد، عن أبی بکر الهذلی، عن الزهری...».

ورجال السند ثقات علی کلام فی الهذلی، فمحمد بن عبد الله الحضرمی، ثقة


1- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص214. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص129.
2- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج9، ص480. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص444.
3- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج1، ص170- 171.
4- الهیثمی، علی بن أبی بکر، مجمع الزوائد: ج9، ص196.
5- المصدر السابق.

ص:160

حافظ((1))، ویزید بن مهران، ثقة((2))، وإسباط بن محمد، ثقة((3))، وذکر ابن حجر أنّه ضُعّف فی خصوص الثوری((4))، وفی المقام لم یروِ عن الثوری.

وممّا یزید الطریق قوة أنّ الحلبی کما تقدّم قد أخرجه من وجه آخر إلی الهذلی((5)).

وأمّا أبو بکر الهذلی، ففیه کلام، وقد سبر روایاته ابن عدی وخلُص إلی أنّ له أحادیث صالحة، وأنّ عامّة ما یُحدّث به قد شُورک به، وحدیثه محتمل، وفی حدیثه ما لا یُحتمل ولا یتابع علیه((6)).

وفی الخبر - محلّ البحث - فإنّ الهذلی لم ینفرد عن الزهری، بل تابعه علیه ستّة من الرواة کما ظهر من التخریج، فیکون الخبر مقبولاً.

الطریق الرابع:

وهو ما أخرجه ابن سعد، والبیهقی، وغیرهما، والذی مداره سلیمان بن حرب، قال: «حدّثنا حمّاد بن زید، عن مَعْمَر...».

ومن الواضح أنّ رواة هذا الخبر کلّهم من الثقات، فسلیمان بن حرب من الأئمّة الثقات، وحمّاد بن زید کذلک، وأمّا مَعْمَر، فإنّه وإنْ کان ثقة إلّا أنّ فیه بعض الکلام، فقد قال الذهبی: «أحد الأعلام الثقات، له أوهام معروفة، احتملت له فی سعة ما أتقن.


1- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (291- 300ه-)، ج22، ص274.
2- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص390. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج11، ص319.
3- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج3، ص355- 356. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص76.
4- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص76.
5- ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2637.
6- اُنظر: الجرجانی، عبد الله بن عدی، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج3، ص325.

ص:161

قال أبو حاتم: صالح الحدیث، وما حدّث به بالبصرة، ففیه أغالیط»((1)).

وقال ابن حجر: «ثقة ثبت فاضل، إلّا أنّ فی روایته عن ثابت، والأعمش، وهشام بن عروة شیئاً، وکذا فیما حدّث به بالبصرة»((2)).

فتحصّل أنّ هذا الخبر رواته ثقات أیضاً علی بعض الکلام فی مَعْمَر.

الطریق الخامس:

أخرجه ابن سعد، قال: «أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنی نجیح، عن رجل من آل سعید، یقول: سمعت الزهری یقول: ...».

وهذه الروایة ضعیفة؛ لجهالة الرجل الذی سمع الزهری، وکذلک فإنّ هناک کلام کثیر فی محمد بن عمر الواقدی((3))، وکلام فی نجیح أبو معشر أیضاً، لکن ذلک لا یمنع من الاعتماد علی الخبر لطرقه العدیدة التی تقدّمت.

الطریق السادس:

أخرجه أبو العرب فی المحن، قال: «وحدّثنی بکر بن حمّاد، قال: حدّثنی إبراهیم بن سلیمان الرملی، قال: حدّثنی سعید بن کثیر بن غفیر، عن یحیی بن وشاح، عن البصری بن یحیی، عن الزهری...»

وهذا الخبر فیه ضعف من جهة یحیی بن وشاح، والبصری بن یحیی؛ إذ لم أقف علی ترجمة لهما.

الطریق السابع:

أخرجه ابن عبد ربّه الأندلسی، قال: «حدّثنا أبو محمد عبد الله بن میسرة، قال:


1- الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج4، ص154.
2- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص202.
3- وسیأتی لاحقاً إمکان الاعتماد علیه.

ص:162

حدّثنا محمد بن موسی الحرشی، قال: حدّثنا حمّاد بن عیسی الجهنی، عن عمر بن قیس.

وقال حمّاد بن عیسی: حدّثنی به عبّاد بن بشر، عن عقیل، قالا: قال الزهری: ...».

أمّا ابن عبد ربّه، فهو ثقة، قال فیه الذهبی: «العلّامة الأدیب الأخباری، صاحب (کتاب العقد)... وکان موثّقاً نبیلاً، بلیغاً شاعراً»((1)).

وعبد الله بن میسرة((2))، فهو ثقة، قال فیه الذهبی: «کان من علماء أهل قرطبة... وکان جلیلاً فاضلاً خیّراً، ولکنّه اتُّهم بالقدر»((3)).

ومحمد بن موسی الحرشی: إنْ کان هو البصری کما هو الأوفق بحسب الطبقات، فقد ضعّفه ابن داوُد وقوّاه غیره((4)). وقال عنه الذهبی: «صدوق»((5)).

وإنْ کان هو الملقّب بشاباص الذی یروی عن خلیفة بن خیاط وطبقته، فهو ثقة((6)


1- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج15، ص283.
2- هکذا ورد فی المصدر، لکن الظاهر هو عبد الله بن مسرة (بدون یاء)؛ وذلک لعدّة قرائن، أولها: إنّ عبد الله بن مسرة هذا من علماء الأندلس، وابن عبد ربّه أندلسی أیضاً، فیقوی کون الروایة عنه لا عن غیره، خصوصاً أنّ ممّن روی عن عبد الله بن مسرّة هم الأندلسیون کما قال الذهبی فی تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (281- 290ه-)، ج21، ص209- 210. وثانیاً: إنّ الذی روی عنه ابن عبد ربّه یُلقب بأبی محمد، وعبد الله بن مسرّة یُلقب بأبی محمد أیضاً. وثالثاً: إنّ مَن عثرنا علیهم باسم عبد الله بن میسرة، هما: اثنان، أحدهما عبد الله بن میسرة الکوفی الواسطی، الملقب بأبی لیلی الحارثی، ویُکنیه هشیم بابی إسحاق، وأبی عبد الجلیل، والآخر هو عبد الله بن میسرة الطهوی الملقب بابن أبی جمیلة، وهذان مضافاً إلی أنّهما غیر ملقبین بأبی محمد، فإنّه بعد تتبعنا لشیوخهما وتلامذتهما تبینّ أنّ طبقتهما لا تتناسب أنْ یکون أیّ منهما شیخاً لابن عبد ربّه الأندلسی؛ إذ الظاهر أنّهما توفّیا فی القرن الثانی الهجری، بخلاف عبد الله بن مسرة المتوفی (286ه-)، فإنّه یتناسب أن یکون شیخ ابن عبد ربّه المتوفّی (328ه-).
3- الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (281- 290ه-)، ج21، ص209.
4- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص225. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج9، ص425.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج4، ص50.
6- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج4، ص51. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص138.

ص:163

لکنّ الأوفق کما قلنا أنْ یکون المراد به الأوّل دون الثانی، وإنْ کان احتمال الثانی ممکن فی حدّ ذاته؛ فإنّ وفاة خلیفة بن خیاط فی سنة (240ه-)، فالمناسب أنْ یکون الراوی عنه من طبقة عبد الله بن مسرة لا من طبقة تلامیذه.

وأمّا حمّاد بن عیسی الجهنی، فهو من الثقات عند الشیعة الإمامیة((1))، لکنّه محلّ کلام عند أهل السنّة، قال ابن معین: «شیخ صالح»((2)). وضعّفه جماعة غیره. قال الذهبی: «ضعّفه أبو داوُد، وأبو حاتم، والدارقطنی، ولم یترکه»((3)). ولا یبعد أنْ یکون للانتماء المذهبی تأثیر فی ذلک.

وعلی کلّ حال، فقد حکموا علی الرجل بالضعف، لکنّ حدیثه یصلح أنْ یکون حسناً فی المتابعات والشواهد.

أمّا عمر بن قیس، فهو مشترک فی ثلاثة، وهؤلاء الثلاثة کلّهم رووا عن الزهری، وبعد طول بحث وتحقیق لم أتمکّن من تشخیص المراد فی الخبر أعلاه، وهؤلاء الثلاثة هم: قیس بن عمر الماصر، وعمر بن قیس أبو حفص المکی، وعمر بن قیس الأنصاری.

أمّا قیس بن عمر الماصر، فقد روی عن الزهری کما فی معجم الطبرانی((4))، وهو ثقة کما نصّ علیه غیر واحد((5)).


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص142. الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص115.
2- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج3، ص16.
3- الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص598.
4- اُنظر: الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الأوسط: ج7، ص272.
5- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج21، ص485. الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص68.

ص:164

وأمّا عمر بن قیس الکوفی المعروف بسندل، فقد روی عدّة روایات عن الزهری، وهو ضعیف، بل متروک کما هو واضح من ترجمته((1)).

وأمّا عمر بن قیس الأنصاری، فهو مجهول((2)).

فهذا الطریق إلی الزهری مضافاً لضعف حمّاد، ففیه عمر بن قیس، وهو مشترک بین ثقة، ومتروک، ومجهول.

وأمّا الطریق الثانی الذی ذکره ابن عبد ربّه عن حمّاد بن عیسی، فهو عن عبّاد بن بشر، عن عقیل.

وعبّاد بن بشر، وعقیل لم أقف علیهم.

فتحصّل أنّ هذا الطریق ضعیف أیضاً.

خلاصة ونتائج حول روایة الزهری

1 - تبیّن أنّ الروایة ثابتة للزهری؛ لکثرة الطرق المرویة عنه، وبعض هذه الطرق رجالها ثقات، وبعضها وإنْ کان فیها ضعف إلّا أنّها تصلح للمتابعة والمعاضدة.

2 - إنّ هناک اختلافاً فی النقل، فبعض الأخبار ذکرت أنّ القول للزهری وذکرته بصیغة الجزم والقطع، وبعضها جاء بلفظ بلغنی، أو حدّثنی فلان ولم یسمّه، مما یعنی ضعف الخبر؛ لجهالة الراوی الذی روی عنه الزهری.

لکن التحقیق یقتضی أنّ الخبر الوارد بنحو الجزم مقدّم علی غیره؛ ذلک لکثرة طرقه وصحّة بعضها، فمن مجموع سبعة طرق یوجد خمسة طرق ذکرت الخبر بنحو الجزم، وأمّا التی وردت بصیغة بلغنی فهما خبران أحدهما صحیح والآخر ضعیف، وهو


1- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج4، ص487.
2- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج3، ص219.

ص:165

الذی ورد عن ابن عبد ربّه الأندلسی.

3 - لو فرضنا جدلاً أنّ الخبر الصحیح والمقدّم هو بلفظ بلغنی، فحینئذٍ یکون خبر الزهری ضعیف ویحتاج إلی عاضد یعضده، والعاضد والشاهد موجود کما سیأتی، فیرتفع الخبر بالمجموع إلی الحسن أو الصحیح لغیره.

4 - نلاحظ أنّ عبد الملک بن مروان، وهو خلیفة أُموی یصرُّ ویجتهد فی السؤال عن العلامة التی حصلت یوم عاشوراء، ممّا یعنی أنّه کان یعلم بوقوع الحادثة، ویحتاج إلی مَن یُصرّح بها؛ لیتأکّد أکثر ویطمئن بحصول ذلک والله أعلم. ولربما یومئ إلی ذلک قوله للزهری: «إنّی وإیّاک فی هذا الحدیث لقرینان». وفی بعض الأخبار: «لغریبان» کما تقدّم.

5 - إنّ بعض العلماء صرّح بصحة خبر الزهری کالهیثمی، وقد أوردنا قوله سابقاً، وکذلک البیهقی، حیث علّق علی ما ورد من أنّ تلک الحادثة حصلت حین قُتل الإمام علی، قائلاً: «ورُوِی بإسناد أصحّ من هذا، عن الزهری: أنّ ذلک کان من قَتل الحسین بن علی (رضی الله عنهما)»((1)).

وفی لفظ ابن حجر: «والذی صحّ عنه أنّ ذلک حین قُتل الحسین، ولعلّه وُجد عند قتلهما جمیعاً»((2)).

وفی لفظ الزرندی الحنفی: «وقد رُوی بإسناد صحیح عن الزهری أنّ ذلک کان حین قُتل الحسین بن علی علیه السلام ، ولعلّه وُجد عند قتلهما جمیعاً والله أعلم»((3)).


1- البیهقی، أحمد بن الحسین، دلائل النبوة: ج6، ص441.
2- ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الصواعق المحرقة: ج2، ص571.
3- الزرندی الحنفی، محمد بن یوسف، نظم درر السمطین: ص149.

ص:166

2 - روایة أُمّ حبّان أو (حیّان)
اشارة

أخرجها ابن عساکر من طریق البیهقی، والخطیب، وابن هبة الله، قالوا: «أنا محمد بن الحسین، أنا عبد الله بن جعفر، نا یعقوب، حدّثنی أیوب بن محمد الرقی، نا سلام بن سلیمان الثقفی، عن زید بن عمرو الکندی، قال: حدّثتنی أُمّ حیّان، قالت: یوم قُتل الحسین أظلمت علینا ثلاثاً ولم یَمسّ أحد من زعفرانهم شیئاً فجعله علی وجهه إلّا احترق، ولم یُقلب حجر ببیت المقدس إلّا أ صبح تحته دم عبیط»((1)).

ومضافاً لروایة ابن عساکر من طریق البیهقی، فقد عزّاها السیوطی إلی البیهقی أیضاً((2))، لکنّنا مع التتبع لم نعثر علی هذا الخبر فی کتاب الدلائل المطبوع!

وأخرجها الحلبی، قال: «أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علی - فیما أذن لی فی روایته - قال: أخبرنا أبو طاهر برکات بن إبراهیم بن طاهر الخشوعی، قال: أخبرنا أبو الحسن علی بن المشرف بن المسلم بن مسلم بن حمید الأنماطی إجازةً، قال: أخبرنا القاضی أبو الحسین محمد بن حمود الصواف، قال: حدّثنا أبو بکر محمد بن أحمد بن محمد الواسطی، قال: حدّثنا أبو حفص عمر بن الفضل بن المهاجر الربعی، قال: حدّثنا أبی، قال: حدّثنا الولید الرملی، قال: حدّثنا أبو نصر محمد، قال: حدّثنا سلام بن سلیمان الثقفی، عن زید بن عمرو الکندی، قال: حدّثتنی أُمّ حبّان، قالت یوم قُتل الحسین (رضی الله عنه) أظلمت علینا ثلاثاً، ولم یَمسّ أحد من زعفرانهم شیئاً إلّا احترق، ولم یُقلب حجر ببیت المقدّس إلّا أصبح عنده دماً عبیطاً»((3)).

وأوردها المزی عن یعقوب بن سفیان، قال: «وقال یعقوب بن سفیان الفارسی:


1- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص229.
2- اُنظر: السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، الخصائص الکبری: ج2، ص126.
3- ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2637.

ص:167

حدّثنی أیوب بن محمد الرقی، قال: حدّثنا سلام بن سلیمان الثقفی، عن زید بن عمرو الکندی، قال: حدّثتنی أُمّ حیّان، قالت: یوم قُتل الحسین أظلمّت علینا ثلاثاً، ولم یَمسّ أحد من زعفرانهم شیئاً، فجعله علی وجهه إلّا احترق، ولم یقلب حجراً ببیت المقدس إلّا أُصیب تحته دم عبیط»((1)).

وأخرجها الخوارزمی من طریق البیهقی أیضاً، لکنّه ذکر أنّ الراوی المباشر هو: أُمّ حسّان((2))، والظاهر أنّه تصحیف.

دراسة سندیة لخبر أُمّ حبّان (حیّان)

من الواضح أنّ أقصر سند لهذا الخبر هو ما أخرجه یعقوب بن سفیان: «حدّثنی أیوب بن محمد الرقی، قال: حدّثنا سلام بن سلیمان الثقفی، عن زید بن عمرو الکندی، قال: حدّثتنی أُمّ حیّان...» وذکر الخبر.

أمّا یعقوب بن سفیان، فمن الأئمّة الثقات المعروفین، وأیوب بن محمد الرقی، أبو محمد مولی ابن عباس، فمن الثقات((3))، قال فیه ابن حجر: «ثقة»((4)). وقال الذهبی: «حجّة»((5)).

وأمّا سلام بن سلیمان بن سوار الثقفی، فمختلف فیه، قال فیه النسائی: «ثقة مدائنی»((6)). وقال فیه أبو حاتم: «لیس بالقوی»((7)). ومن المعروف فی مصطلح الحدیث أنّ


1- المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص434.
2- اُنظر: الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص102.
3- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج3، ص490- 491.
4- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص118- 119.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج1، ص262.
6- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج4، ص249.
7- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج4 ص259.

ص:168

المراد من قولهم (لیس بالقوی) هو نوع من التعدیل؛ بحیث یکون حدیثه حسناً لا ضعیفاً، ووثّقه الحاکم فی المستدرک((1))، وصحّح له فی موضع آخر((2)).

وفی مقابل ذلک، فهناک مَنْ یری أنّ فی أحادیثه مناکیر، وأنّه غیر متابع علی ما یرویه((3)).

ومع ملاحظة أنّ النسائی، وأبا حاتم من المتشددین فی التوثیق، وأنّ وجود النکارة فی بعض أحادیثه لا ینافی الوثاقة، فیمکن القول بحسن أحادیث الرجل؛ ولذا نری ابن عدی یُصرّح بعد أنْ یذکر له مجموعة من الأحادیث بأنّ سائر أحادیثه حسان، قال: «ولسلام غیر ما ذکرت وعامّة ما یرویه حسان إلّا أنّه لا یُتابع علیه»((4)). فمن الواضح أنّ ابن عدی لم یجد ما یخلّ بروایات سلام هذا، غیر التفرّد وعدم متابعة غیره له، وعدم المتابعة لوحدها غیر قادحة مع تصریح النسائی بوثاقته، وتصریح أبی حاتم - وهو من تلامیذ سلام هذا - بأنّه لیس بالقوی، أی: لیس من الحفّاظ الأثبات کما هو معلوم فی تفسیر هذه العبارة((5))؛ ولذا نری أنّ حدیثه لا یقلّ عن درجة الحسن، خصوصاً أنّه لم ینفرد بهذا الخبر، بل للخبر طرق عدّة کما تقدّم.

وأمّا زید بن عمرو الکندی، فلم نقف علی ترجمة له، نعم عثرنا علی شخص باسم زید بن عمیر الکندی وهو من الصحابة((6))، لکن حینئذٍ یتعیّن سقوط واسطة بینه وبین


1- اُنظر: الحاکم النیسابوری، محمد بن عبد الله، المستدرک: ج3، ص60.
2- اُنظر: المصدر السابق: ج2، ص239، ج2، ص250.
3- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج4، ص249.
4- الجرجانی، عبد الله بن عدی، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج3، ص313.
5- اُنظر: الألبانی، محمد ناصر الدین، سلسلة الأحادیث الصحیحة: ج2، ص28.
6- اُنظر: ابن الأثیر، علی بن أبی الکرم، أُسد الغابة: ج2، ص238. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، الإصابة: ج2، ص509.

ص:169

سلام بن سلیمان الثقفی؛ لأنّ وفاته سنة (210ه-) ولا یمکن أنْ یروی عن الصحابة.

وبعد طول مراجعة وقفنا علی راوٍ باسم زید أبو عمرو، ولیس ابن عمرو، وهذا الراوی یروی عن أُمّ حیّان کما هو الحال فی هذه الروایة، فلعلّ هناک تصحیفاً وقع فی اسم الراوی، والصحیح هو زید أبو عمرو.

وزید أبو عمرو هذا ذکره ابن حبّان فی الثقات، وقال: «زید أبو عمرو یروی عن أُمّ حیّان، روی عنه فضیل بن منبوذ»((1)). وذکره کذلک البخاری فی تاریخه((2)). وابن أبی حاتم فی الجرح والتعدیل((3)). ولم یذکرا له جرحاً أو تعدیلاً، وقد تقدّم سابقاً أنّ سکوت البخاری والرازی عن الراوی یُعدّ توثیقاً له عند جملة من العلماء.

وأمّا أُمّ حبّان (حیّان)، فإنْ کان الراوی عنها هو أبو عمرو کما أوضحنا فهی الهمدانیة، ولم نقف لها علی ترجمة، وإنْ کان الراوی عنها هو زید بن عمرو - ولم نقل إنّ هناک تصحیفاً فی اسم الراوی - فتکون أُمّ حیّان مشترکة، فقد تکون الهمدانیة المشار إلیها، وقد تکون الصحابیة أُمّ حبّان بنت عامر، وقد تکون غیرهما والله العالم.

خلاصة الحکم علی خبر أُمّ حیّان

تبیّن أنّ الخبر بهذا السند لا یخلو من ضعف إمّا من جهة زید بن عمرو، أو من جهة أُم حیّان، لکنّ هذا الضعف لیس ضعفاً شدیداً، بل هو منجبر بورود الخبر من طرق أُخری، فتتقوّی مع بعضها.

هذا، وقد أشرنا سابقاً أنّ ابن عساکر والسیوطی نسبوا تخریج الروایة إلی البیهقی، وعرفنا فیما تقدّم أنّ البیهقی إذا خرّج حدیثاً وسکت عنه، فهو صحیح معتبر عنده،


1- ابن حبّان، محمد، الثقات: ج6، ص316.
2- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج3، ص403.
3- اُنظر: ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج3، ص576.

ص:170

وهذا ما یقوّی صحة الطریق أعلاه، وصحة أصل الخبر، خصوصاً أنّ البیهقی صرّح بصحة طریق الزهری کما ذکرنا عبارته هناک.

3 - خبر خلّاد عن أُمّه
اشارة

أخرجه ابن سعد، قال: «أخبرنا عمرو بن عاصم الکلابی، قال: حدّثنا خلّاد - صاحب السمسم، وکان ینزل بنی جحدر - قال: حدّثتنی أُمّی، قالت: کنّا زماناً بعد مقتل الحسین، وأنّ الشمس تطلع مُحمرّة علی الحیطان والجدران بالغداة والعشی، قالت: وکانوا لا یرفعون حجراً إلّا وجدوا تحته دماً»((1)).

وأخرجه ابن عساکر من طریق عمرو بن عاصم الکلبی، عن خلّاد، عن أُمّه، بلفظ یقرب من ذلک((2)).

دراسة سندیة لخبر خلّاد عن أُمّه

الخبر کما عرفنا أخرجه ابن سعد، قال: «أخبرنا عمرو بن عاصم الکلابی، قال حدّثنا خلاد - صاحب السمسم، وکان ینزل بنی جحدر - قال: حدّثتنی أُمّی...» وذکره.

أمّا عمرو بن عاصم الکلابی، فمن رجال البخاری ومسلم والأربعة، وأحد الحفّاظ المعروفین، وفیه کلام قلیل لا ینزله عن مرتبة الاحتجاج، وحدیثه یدور بین الصحة والحسن؛ ولذا وثّقه الذهبی، فقال فیه تارةً: «ثقة معروف»((3))، وقال عنه تارةً


1- ابن سعد، محمد، الطبقات الکبری، الجزء المتمم لطبقات ابن سعد (الطبقة الخامسة فی من قبض رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) وهم أحداث الأسنان):ج1، ص507. ابن سعد، محمد، ترجمة الإمام الحسین علیه السلام (من طبقات ابن سعد): ص91.
2- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص226.
3- الذهبی، محمد بن أحمد، ذکر أسماء مَن تکلّم فیه وهو موثّق: ص148.

ص:171

أُخری: «الحافظ الثبت»((1)). وقال فیه ابن حجر: «صدوق فی حفظه شیء»((2)).

وأمّا خلّاد صاحب السمسم، فلم أقف له علی ترجمة.

وأُمّه کذلک لم أقف لها علی ترجمة.

خلاصة الحکم علی السند

والخلاصة: إنّ هذا السند ضعیف؛ لجهالة خلّاد وأُمّه، والجهالة لا تمنع من کون الخبر صالحاً للمعاضدة مع غیره من الأخبار.

4 - خبر ابن عباس

أورده مُرسلاً القندوزی الحنفی، قال: «وعن ابن عباس: إنّ یوم قُتل الحسین علیه السلام قطرت السماء دماً، وإنّ هذه الحمرة التی تُری فی السماء ظهرت یوم قتله، ولم تُرَ قبله، وإنّ أیام قتله لم یُرفع حجر فی الدنیا إلّا وجد تحته دم»((3)).

وهذا الخبر لم نقف له علی إسناد معیّن حتی نقوم بدراسته؛ فهو ضعیف بالإرسال.

5 - خبر محمد بن عمر بن علی
اشارة

أخرجه ابن سعد، قال: «أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنی عمر بن محمد بن عمر بن علی، عن أبیه، قال: أرسل عبد الملک إلی ابن رأس الجالوت، فقال: هل کان فی قتل الحسین علامة؟ فقال ابن رأس الجالوت: ما کُشف یومئذٍ حجر إلّا وجد تحته دم عبیط»((4)).


1- الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج1، ص392.
2- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص738.
3- القندوزی، سلیمان بن إبراهیم، ینابیع المودّة: ج3، ص102.
4- ابن سعد، محمد، الطبقات الکبری، الجزء المتمم لطبقات ابن سعد (الطبقة الخامسة فی من قبض رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) وهم أحداث الأسنان):ج1، ص506. ابن سعد، محمد، ترجمة الإمام الحسین علیه السلام (من طبقات ابن سعد): ص90 - 91.

ص:172

ومن طریقه أخرجه ابن عساکر، قال: «أخبرنا أبو بکر الشاهد، أنا الحسن بن علی الجوهری، أنا أبو عمر الخزاز، أنا أبو الحسن الخشاب بن الفهم، أنا محمد بن سعد، أنا محمد بن عمر، حدّثنی عمر بن محمد بن عمر بن علی، عن أبیه، قال: أرسل عبد الملک إلی ابن رأس الجالوت، فقال: هل کان فی قتل الحسین علامة؟ قال ابن رأس الجالوت: ما کُشف یومئذٍ حجر إلّا وجد تحته دم عبیط»((1)).

وأخرجه الکنجی الشافعی أیضاً((2)).

دراسة سندیة للخبر

أمّا محمد بن عمر الواقدی، ففیه کلام طویل جدّاً؛ إذ وثّقه جملة کبیرة من العلماء، وضعّفه غیرهم، وقد نقل الخطیب الکثیر من الکلمات المختلفة فیه، منها:

قال إبراهیم الحربی: «الواقدی أمین الناس علی أهل الإسلام».

وقال أبو بکر الصغانی: «لقد کان الواقدی وکان، وذکر من فضله، وما یحضر مجلسه من الناس من أصحاب الحدیث، مثل: الشاذکونی، وغیره، وحسّن أحادیثه، ثمّ قال أبو بکر: أمّا أنا فلا أحتشم أن أروی عنه».

وقال الذهلی: «ثقة».

وقال عمر الناقد: «قلت للدراوردی: ما تقول فی الواقدی؟ قال: تسألنی عن الواقدی! سل الواقدی عنّی... ذاک أمیر المؤمنین فی الحدیث».

وقال الدراوردی أیضاً: قال أبو عامر العقدی: «نحن نُسأل عن الواقدی! إنّما یُسأل الواقدی عنّا، ما کان یفیدنا الشیوخ والأحادیث بالمدینة إلّا الواقدی».


1- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص229.
2- اُنظر: الکنجی الشافعی، محمد بن یوسف، کفایة الطالب: ص443- 444.

ص:173

وقال مصعب الزبیری: «والله ما رأینا مثله قطُّ».

وقال أیضاً: «ثقة مأمون».

وسُئل المسیبی عنه، فقال: «ثقة مأمون».

وسُئل معن بن عیسی عنه، فقال: «أُسأل أنا عن الواقدی! یُسأل الواقدی عنّی».

وسُئل عنه أبو یحیی الزهری، فقال: «ثقة مأمون».

وقال یزید بن هارون: «محمد بن عمر الواقدی ثقة».

وقال أبو عبید القاسم بن سلام: «الواقدی ثقة».

وفی قبال هذه التوثیقات الصریحة توجد عدّة من التضعیفات الصریحة أیضاً، بل بعضهم اتّهمه بالکذب والوضع، ومن جملة مَن ضعّفه أو کذّبه: الشافعی، وابن معین، وابن المدینی، وأحمد بن حنبل، والبخاری، وأبو زرعة، وغیرهم((1)).

من هنا وقع الاضطراب فی أمره، وتحقیق الحال فیه یحتاج إلی رسالة مفصّلة، إلّا أنّ هناک جملة من العلماء انتهوا إلی صدق الرجل وحسن حدیثه، فهذا ابن کثیر المحدّث والمؤرّخ المعروف، قال عنه: «والواقدی (رح) عنده زیادات حسنة، وتاریخ محرر غالباً، فإنّه من أئمّة هذا الشأن الکبار، وهو صدوق فی نفسه، مکثار، کما بسطنا القول فی عدالته وجرحه فی کتابنا الموسوم بالتکمیل فی معرفة الثقات والضعفاء والمجاهیل، ولله الحمد والمنّة»((2)).

وقال التهانوی: «فإنّ الصحیح فی الواقدی التوثیق»((3)). وذکر بعد ذلک قول الشیخ تقی الدین ابن العید، فی أنّ شیخه ابن سیّد الناس قد جمع الأقوال فی جرحه وتوثیقه،


1- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج3، ص212- 230.
2- ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، البدایة والنهایة: ج3، ص288.
3- اُنظر: التهانوی، أحمد، قواعد فی علوم الحدیث: ص349 - 350.

ص:174

ورجّح توثیقه، وذکر الأجوبة عمّا قیل فیه((1)).

وقال ابن الهمام الحنفی: «وهو حسن عندنا»((2)).

والخلاصة: إنّه یمکن الاعتماد علی روایة وخبر الواقدی، خصوصاً أنّه فی قضیة تاریخیة ولیس فی حدیث نبوی؛ لذا فإنّ یاقوت الحموی بعد أنّ ذکر التوثیقات فی الرجل، قال: «وهو مع ذلک ضعّفه طائفة من المحدّثین کابن معین، وأبی حاتم، والنسائی، وابن عدی، وابن راهویه، والدارقطنی. أمّا فی أخبار الناس والسیر، والفقه وسائر الفنون، فهو ثقة بإجماع»((3)).

أمّا عمر بن محمد بن عمر بن علی، فمجهول الحال.

وأبوه محمد بن عمر بن علی، فذکره ابن حبّان فی الثقات، وقال: «یروی عن علی بن أبی طالب، روی عنه یحیی بن سعید الأنصاری، والثوری»((4)). وقال الذهبی: «ثقة»((5)). وقال ابن حجر: «صدوق»((6)).

خلاصة الحکم علی السند

تبیّن أنّ هذا السند ضعیف؛ لجهالة عمر بن محمد، لکنّه یصلح فی المتابعات والشواهد، ویتعاضد مع بقیّة الطرق.

لکن قد یُقال: إنّ هناک مشکلة أُخری فی الخبر، وهی أنّ محمد بن علی لم یروِ


1- اُنظر: المصدر السابق.
2- ابن الهمام، محمد بن عبد الواحد، شرح فتح القدیر: ج6، ص215.
3- الحموی، یاقوت بن عبد الله، معجم الأدباء: ج6، ص2596.
4- ابن حبّان، محمد، الثقات: ج5، ص353.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص205.
6- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب ج2، ص117.

ص:175

الحادثة، بل شاهد سؤال عبد الملک لابن رأس الجالوت، وابن رأس الجالوت أجابه بذلک، وابن رأس الجالوت من الیهود، فکیف نعتمد علی الیهود فی هذه الأخبار.

والجواب:

1 - إنّه کما أشرنا سابقاً أنّ عبد الملک کان بحسب الظاهر یصرّ علی السؤال، وهذا یکشف أنّه کان یعلم بالحادثة، ویرید الاستفسار من جهات مختلفة؛ لیطمئن أکثر.

2 - إنّ تصریح ابن رأس الجالوت بوقوع الحادثة، یکشف عن أنّ الحادثة معروفة؛ بحیث أقرّ بحدوثها حتی الیهود وکبرائهم.

3 - إنّ القضیّة تتعلّق بالتأریخ، وربّما کان علماء الیهود عندهم اطلاع أکثر من غیرهم علی ذلک؛ لذا عمد عبد الملک وسأل ابن رأس الجالوت عمّا حصل فی ذلک الیوم.

4 - إنّ الاعتماد هنا لیس علی خبر رأس الجالوت منفرداً حتّی یقال إنّه اعتماد علی الیهود، بل هو أحد الشواهد علی حصول الحادثة، علی أنّ هناک روایات صحیحة عند أهل السنّة حول جواز التحدیث عن بنی إسرائیل، فقد جاء فی صحیح البخاری: «وحدّثوا عن بنی إسرائیل ولا حرج»((1)).

6 - خبر یزید بن أبی زیاد

روی أبو الشیخ فی کتاب (السنّة) کما نقله الزرندی فی نظم درر السمطین، بسنده إلی یزید بن أبی زیاد، قال: «شهدت مقتل الحسین، وأنا ابن خمس عشرة سنة، فصار الورس فی عسکرهم رماداً، واحمرّت السماء لقتله، وانکسفت الشمس لقتله حتی بدت الکواکب نصف النهار، وظنّ الناس أنّ القیامة قد قامت، ولم یُرفع حجر فی الشام إلّا


1- البخاری، محمد بن إسماعیل، صحیح البخاری: ج4، ص145.

ص:176

رؤی تحته دم عبیط»((1)).

لکن من المؤسف أنّ کتاب السنّة لأبی الشیخ لم یصل إلینا، فلم نقف علی سنده، فیکون الخبر مرسلاً.

7 - خبر سعید بن المسیّب
اشارة

أخرجه زکریا بن یحیی بن الحارث البزار (شیخ الحنفیة بنیسابور)((2)) فی کتاب الفتن علی ما نقله عنه السیّد ابن طاووس، قال زکریا: «حدّثنا علی بن الحسن، قال: حدّثنا محمد بن القاسم، قال: حدّثنا هشام بن سعد، عمّن حدّثه، عن سعید بن المسیب: أنّ عبد الملک بن مروان کتب إلیه: هل تعلم آیة کانت یوم قُتل الحسین بن علی؟ قال سعید: نعم، ما قُلبت حصاة فی بیت المقدّس یوم قُتل الحسین إلّا وُجد تحتها دم عبیط»((3)).

دراسة سندیة لخبر سعید بن المسیّب

هذا الخبر لم نقف علیه بهذا السند إلّا عند ابن طاووس، فکتاب الفتن لزکریا بن یحیی بن الحارث النیشابوری لم یصل إلینا، ولم نقف علی مَن نقله عنه من علماء أهل السنّة، مضافاً إلی أنّ فی السند إرسال، فقد نقله هشام بن سعد عمّن حدّثه، عن سعید بن المسیّب.

فالخبر ضعیف سنداً إلّا أنّه یُؤیّد ویُقوّی الطرق الأُخری التی نصّت علی الحادثة.


1- الزرندی الحنفی، محمد بن یوسف، نظم درر السمطین: ص220.
2- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (291- 300ه-)، ج22، ص147.
3- ابن طاووس، علی بن موسی، الملاحم والفتن: ص337.

ص:177

المبحث الثالث: إثبات أو نفی ظهور الدم تحت الأحجار

بعد هذه الجولة فی دراسة الأسانید ومعرفة طرق الخبر، والعلماء الذین أخرجوه من الفریقین، من الممکن وفق القواعد العلمیة أنْ ننتهی إلی صحة هذه الحادثة وتحققها خارجاً؛ وذلک وفق قرائن عدیدة، منها:

1 - تعدّد طرق الحدیث حیث وردت خمسة أخبار فی کُتب الشیعة، کما أنّه رُوی عن سبعة فی کُتب السنّة، کما اتّفقت کُتب السنّة والشیعة علی روایة الخبر عن الزهری، وهذه الروایات المختلفة وردت فی مصادر مختلفة أیضاً، فلم تکن مقصورة علی کتاب معیّن، فمثلاً من الکتب التی روت الخبر عند الشیعة: کتاب کامل الزیارات، وأمالی الشیخ الصدوق، وقصص الأنبیاء للراوندی، والخرائج والجرائح للراوندی، وغیرها، کما أنّها وردت عند السنّة فی کُتب عدیدة: أخرجها الطبرانی فی معاجمه، وأخرجها البیهقی فی دلائله، وأبو نعیم فی معرفة الصحابة، والبلاذری فی أنسابه، وأبو الشیخ فی کتاب السنّة، وابن سعد فی الطبقات، وابن عساکر فی تاریخه، وغیرهم ممّن تقدّم ذکرهم.

وتعدّد طرق الخبر وتعدّد مخارجه یُعتبر قرینة قویة علی صحة الخبر وثبوت الواقعة، خصوصاً أنّ المسألة تتعلّق بقضیة تأریخیة، والقضایا التاریخیة بطبیعة الحال تتحقق بهذا المقدار من التعدّد علی مستوی الطرق والمصادر.

2 - إنّ هذا الخبر له بعض الأسانید الصحیحة عند أهل السنّة، وهو خبر الزهری کما تبیّن عند دراسته، مضافاً لانجباره وتقویته ببقیّة الطرق التی تتعاضد مع بعضها،

ص:178

وهو المسمّی عند أهل السنّة بالحسن أو الصحیح لغیره، فبغض النظر عن تعدّد المخارج، فإنّه یکفی فی ثبوت الخبر عند أهل السنّة أنْ یکون حسناً لغیره، ووفق القواعد العلمیة، فإنّ هذا الخبر بغض النظر عن صحة بعض طرق الزهری سیکون فی أقلّ حالاته حسناً لغیره؛ لأنّ أکثر طرقه إنّما ابتُلیت ببعض المجاهیل، ولم یوجد فیها کذّابین أو متّهمین بالکذب، والمقرّر فی علم المصطلح أنّ الخبر إذا تعدّد سنده بأنْ ورد من طریقین علی الأقل، ولم یکن فیه کذّاباً ولا متّهماً، ولم یکن شاذّاً، صار حسناً لغیره، وقد تتکثر الطرق فیرتقی إلی الصحیح لغیره، وهذا متحقق فی الخبر محلّ البحث.

کما أنّ الناظر فی طرق الخبر الشیعیة سیجد أنّ ثلاث طرق منها إنّما ابتُلیت بالجهالة، ولم تبتلِ بتضعیف أو تکذیب رواتها، والمجهول حاله مختلف عن الضعیف، بمعنی أنّه أحسن حالاً منه، خصوصاً عند مَن یقول بأصالة العدالة فی المسلم، فستکون هذه الأخبار صحیحة، وأمّا عند مَن لا یقول بأصالة العدالة فی المسلم، فلا یبعد أنْ یحصل الوثوق من مجموع هذه الأخبار؛ لعدم وجود کذّاب ولا ضعیف فیها، فضلاً عن عدم معارضتها بغیرها، ولا معارضتها بالقرآن، وتأییدها بالأخبار المرویة عند أهل السنّة.

کما عرفنا أنّه یمکن القول باعتبار خبر الزهری بناءً علی اعتبار روایات أبی معشر کما تقدّم.

والخلاصة: إنّه بملاحظة طرق الروایة وتعدّدها، وصحة بعضها عند أهل السنّة، وعدم وجود الکذّابین فی طرقها یتحقّق الوثوق بثبوت الخبر.

3 - یمکن أنْ نذکر هنا عین ما ذکرناه فی الفصل الأوّل، من أنّ هذه الأخبار مرویة فی کتب الفریقین، بمعنی أنّه مع اختلاف العقائد وتباین الآراء والمشارب، ومع ذلک فقد اتفقت کلمة المسلمین من أهل الحدیث والتاریخ علی نقل هذه الحادثة وتدوینها فی

ص:179

المصادر.

فلو أمکن لقائل أنْ یقول: إنّ هذه الحادثة تتماشی مع أهواء الشیعة وتتناغم مع عقیدتهم.

فإنّها بلا شکّ لا تنسجم ولا تتناغم مع هوی الطائفة الأُخری.

ومن الطبیعی أنّ الحادثة - أیّ حادثة کانت - تکتسب القوة والتأیید کلّما اتفقت الأطراف المختلفة علی نقلها، بغض النظر عمّا إذا اختلفت الأهواء والآراء، فکیف إذا اختلفت فیها الأنظار وکان لها تأثیر عقدی کبیر، فإنّ ذلک یزیدها قوةً وثبوتاً، خصوصاً أنّها تمثّل إقراراً من الطرف المقابل بما یمثّله الحسین من قیمة عُلیا تهتز السماء والأرض لقتله، والإقرار فی هکذا أُمور بنفسه یُشکّل قرینةً کبیرةً علی صحة الحادثة ووقوعها؛ إذ لا معنی لأنْ یتعمّد الإنسان الکذب فی أُمور لا تصبّ بمصلحته، وتکون نتیجتها مخالفة لعقیدته.

والخلاصة: إنّ نقل الحادثة من قِبل الفریقین یدفع أیّ شبهة یمکن أنْ تدّعی، بأنّ تلک الأخبار إنّما هی من وضع الشیعة؛ لأنّها تمثّل إقراراً من الطرف المقابل بحصولها.

أضف إلی ذلک أنّه عند الاختلاف فی أمر معیّن لا مناص ولا وسیلة حینئذٍ إلّا بالرجوع إلی ما اتّفق علیه الفریقان؛ لأنّه طریق عقلائی یتّضح من خلاله الثابت من غیره، وهذا الطریق العقلائی متحقق فی الحادثة المذکورة.

4 - تصریح بعض العلماء والمؤرّخین بوقوع تلک الحادثة، قال أبو نعیم: «وکسفت الشمس یوم موته، وصار الورس فی عسکره رماداً، والمنحور من جذره دماً، لم یُرفع حجر بالشام إلّا رُئی تحته دم عبیط، وناحت الجنّ لرزیته وفقده»((1)).


1- أبو نعیم الأصبهانی، أحمد بن عبد الله، معرفة الصحابة: ج2، ص662.

ص:180

وجاء فی مثیر الأحزان: «قال البلاذری فی مختاره: مطرت السماء دماً یوم قتله، وما قُلع حجر بالشام إلّا وتحته دم عبیط»((1)).

وجاء فی الصواعق المحرقة لابن حجر الهیتمی: «وقال أبو سعید: ما رُفع حجر من الدنیا إلّا وجد تحته دم عبیط، ولقد مطرت السماء دماً بقی أثره فی الثیاب مدّة حتّی تقطّعت»((2)).


1- ابن نما، جعفر بن محمد، مثیر الأحزان: ص63.
2- ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الصواعق المحرقة: ج2، ص569.

ص:181

المبحث الرابع: تأمّلات فی دلالة الحدیث

اتّضح ممّا قدّمنا أنّ جملة من الأخبار نصّت علی ظهور الدم تحت الأحجار، وهنا نُرید أنْ نتأمّل قلیلاً فی هذه الأخبار، فهل بالإمکان أنْ یخرج الدم من الأرض؟ وهل کان ما شاهدوه هو دماً حقیقیّاً، أم کان هناک تحوّلاً واضطراباً کونیاً احمرّت لأجله السماء والأرض؟ وهل حصل ذلک فی جمیع العالم أم فی بعضه؟ ولماذا لم یصل إلینا بصورة متواترة؟ وما هی الدلالات الخاصّة التی یمکن أنْ تستفاد من هذه الأخبار؟

فی الحقیقة لو تأمّلنا فی أصل قضیّة ظهور الدم وخروجه من الأرض ضمن الموازین الطبیعیة، فلا یمکن القول بخروج الدم، فإنّ الأرض لا یوجد فیها دم؛ لأنّ الدم کما هو معلوم، عبارة عن سائل أحمر یجری فی داخل جسم الإنسان والحیوان من خلال الأوعیة الدمویة، الأوردة، والشرایین والشعیرات الدمویة، وله وظائف عدیدة: فله وظیفة تنفسیة، ووظیفة غذائیة، ووظیفیة إخراجیة (طرح الفضلات)، وغیر ذلک، فلا یمکن حینئذٍ أنْ یکون الخارج من الأرض دماً حقیقیّاً؛ فإنّ الأرض من الجمادات التی لیس لها لا أوردة ولا شرایین ولا شعیرات، ولا تتنفس، ولا تأکل، ولا...، وحینئذٍ إمّا أنْ نتعامل مع الظاهرة وفق الإعجاز الکونی ونقول: إنّ ما حاصل بعد عاشوراء کان ظاهرة إعجازیة، خارج نوامیس ونظم الطبیعة، أو نفسّر ما حصل بشکل آخر یتناسب مع الظواهر الطبیعیة، کأنْ یکون الظاهر هو سائل مصطبغ باللون الأحمر وظنّ الراوی أنّه دم.

ص:182

وعند التأمّل فی لسان الروایات المتعدّدة الواردة فی الموضوع، تبرز أمامنا بعض الاحتمالات:

1 - أنْ یکون ما وجد تحت الحصاة والأحجار هو دم عبیط حقیقی، فإنّ المسألة إعجازیة خالصة لها دلالاتها، باعتبار أنّ عاشوراء حالة استثنائیة تمثّل تحوّلاً فی واقع الأُمّة وعهداً جدیداً فی حیاتها، خصوصاً أنّ بعض الروایات وردت عن الإمام الباقر علیه السلام ، والإمام حینما یُصرّح ویقول أنّه ما رُفع حجر إلّا ووجد تحته دم. فهذا معناه أنّه یرید الدم الحقیقی الواقعی.

2 - یمکن لقائل أنْ یقول: إنّ ما ورد عن الإمام الباقر علیه السلام هو ضعیف السند، وإنّما ثبت أصل الموضوع بمجموع الروایات، وبقیّة الروایات سواء عند الشیعة أو أهل السنّة إنّما وردت علی لسان الرواة، فلا یمکن أنْ نجزم أنّ الخارج دماً حقیقیّاً حتی مع تصریح الرواة بأنّه دم عبیط، فإنّ الراوی عرضة للخطأ والاشتباه، فقد یکون رأی سائلاً أحمر ظهر تحت الصخور فتوهم أنّه دم.

لکن هذا الاحتمال لا یغیّر من روح الموضوع وحقیقته؛ إذ لا یتسنی لنا معرفة ذلک السائل ولا کنهه، فهو أیضاً یمثّل حالة غیر طبیعة حصلت للأرض عند مقتل الحسین علیه السلام .

3 - أنْ یکون ذلک الدم المتولّد تحت الصخور إنّما هو نتیجة مطر السماء دماً ولیس أمراً جدیداً، فما یقال هناک یقال هنا.

لکن هذا الاحتمال لیس له ما یؤیّده، فمن غیر الواضح أنْ یکون الحاصل حادثة واحدة، خصوصاً أنّ الحادثتین وردتا علی لسان أهل البیت علیهم السلام ، فیتعیّن الجزم بکونهما حادثتین لولا أنّ الحادثة التی نحن بصددها وردت بسند ضعیف.

والخلاصة: إنّ الأوفق المتطابق مع لسان الروایات هو أنّ الذی رأوه دماً حقیقیّاً،

ص:183

خصوصاً أنّ بعضهم صرّح بأنّه دم عبیط، أی: طری.

وأمّا أنّ الحادثة هل حصلت فی جمیع العالم أم فی بعض مناطقه فغیر واضح؛ إذ إنّ بعض الأخبار نصّت علی أنّ ذلک فی بیت المقدس، ونصّ بعضها الآخر علی أنّ ذلک حصل فی بلاد الشام، وورد مرسلاً عن ابن عباس أنّ ذلک حصل فی الدنیا کلّها، ویؤیّده إطلاق بعض الأخبار التی لم تُقیّد ظهور الدم فی بقعة معیّنة، خصوصاً أنّ منها ما ورد عن الإمام الباقر علیه السلام ، فهی مطلقة وغیر مقیّدة بمکان معیّن.

أمّا ما یتعلّق بأخبار بیت المقدس وبلاد الشام فغیر مختلفة؛ إذ إنّ بیت المقدس هی جزء من بلاد الشام، فقد یکون المراد شیء واحد وهو بیت المقدس، خصوصاً أنّ الزهری بنفسه تارةً ذکر بیت المقدس، وأُخری ذکر بلاد الشام، إلّا أنّه یمکن القول أیضاً أنّ الدم ظهر فی بیت المقدس وفی أجزاء أُخری من بلاد الشام، وکلٌّ أخبر عمّا شاهده وعرفه.

وأمّا الأخبار المطلقة، فبالنسبة للصادرة من غیر الإمام لا یمکن الاستفادة من إطلاقها التعمیم؛ إذ إنّ الراوی یُخبر عمّا علمه وشاهده فی مدینته التی یسکن بها، ولا علم له بما جری فی جمیع الدنیا، إلّا أنْ یقال: إنّ المسألة کانت معروفة ومشهورة بینهم، فکان الراوی یطلق القول فیها.

وأمّا ما ورد عن الإمام علیه السلام ، فهو مطلق ویمکن التمسّک به إلّا أنّ الخبر ضعیف ولیس صحیح سندیّاً.

نعم، یمکن القول: إنّ عِظم المصیبة والمأساة وکبر الجریمة یقتضی أنْ یهتز الکون بأجمعه لأجلها، ولا معنی لانحصاره فی مکان معیّن، فالمقتول یمثّل إمام العالم بأجمعه، وابن بنت نبیّ هذه الأُمّة، والجریمة اقتُرفت بشکل فظیع، وما حدث کان أشبه بنزول العذاب علی الأُمّة، فاحتمال حصول ذلک فی جمیع الدنیا أمر وارد فی حدّ ذاته، وجاءت

ص:184

الأخبار مؤیدة ومقوّیة لحصول ذلک.

وأمّا ما قد یقال أنّه لو کانت هذه الحادثة حصلت فی جمیع العالم، فلمّاذا لم تصل إلینا بصورة متواترة؟ فالجواب هو عین ما تقدّم فی مسألة مطر السماء دماً، فلا نُعید.

وأمّا الدلالات الخاصّة التی یمکن أنْ نستفیدها من ظهور الدم تحت الأحجار، فهی کسابقتها فی نزول المطر ولا تختلف عنها، فیمکن أنْ نقول أنّها تمثل حالة البکاء التی حصلت من السموات والأرض علی الحسین علیه السلام ، فظهور الدم یمثّل حالة من الحزن الشدید الحاصلة علی الحسین علیه السلام ، والتی بلغت حدّاً أنْ تبکی علیه السماء والأرض، وسیأتی لاحقاً بیان الروایات الدالة علی البکاء ونبیّن الموضوع بصورة أکثر هناک، ونوّضح معنی بکاء السموات والأرض بصورة أجلی.

وقد أشار ونوّه إلی هذا المعنی الشیخ المجلسی رحمة الله، حیث قال فی توجیهه لبکاء السموات والأرض: «ویمکن أنْ یقال: کنایة عن شدّة المصیبة حتّی کأنّه بکی علیه السماء والأرض، أو عن أنّه وصل ضرر تلک المصیبة إلی السماء والأرض وأثرت فیهما، وظهر بها آثار التغیّر فیهما، أو أنّه أمطرت السماء دماً، وکان یتفجّر الأرض دماً عبیطاً، فهذا بکاؤهما کما فسّر به فی الخبر، ولعلّ الأخیر أظهر»((1)).

کما أنّ إدراج الشیخ ابن قولویه روایات ظهور الدم تحت الأحجار فی باب (بکاء السماء والأرض علی قتل الحسین علیه السلام ، ویحیی بن زکریا) یُشیر إلی أنّه یری أنّ ذلک کنایة عن بکاء الأرض علی الحسین علیه السلام .

کما أنّها کنایة عن شدّة غضب الباری (عزّ وجلّ) عمّا حصل من عظم المصیبة، وفداحة الخطب، وعمق الجریمة، فالمقتول هو ابن بنت رسول الله، بطریقة مهولة یندی


1- المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج14، ص183.

ص:185

لها جبین الأنسانیة، فلا عجب حینئذٍ أنْ تظهر الدماء تحت الأحجار مسجّلة حالة من الغضب والسخط علی هؤلاء القوم.

کما أنّ لها دلالات عامّة کثیرة نُشیر إلیها لاحقاً حین التکلّم عن دلالات جمیع هذه الأحداث.

ص:186

ص:187

الفصل الثالث: بکاء السماوات والأرض علی الحسین علیه السلام

اشارة

ص:188

ص:189

المبحث الأوّل: تخریج ودراسة الأخبار الدالة علی الحادثة من مصادر الشیعة

أوّلاً: الرواة الذین نقلوا الخبر

1 - إبراهیم النخعی.

2 - أبو بصیر.

3 - خبر عبد الله بن هلال.

4 - رجل عن أمیر المؤمنین.

5 - محمد بن علی الحلبی.

6 - داوُد بن فرقد.

7 - عبد الخالق بن عبد ربّه.

8 - جابر الجعفی.

9 - کلیب بن معاویة.

10- عمرو بن ثبیت، عن أبیه.

11 - حنان بن سدیر.

12 - الحسن بن زیاد.

13 - کثیر بن شهاب.

14 - أبو سلمة.

ص:190

15 - میثم التمّار.

16 - الفضیل الهمدانی.

17 - إسحاق الأحمر.

18 - إسماعیل بن کثیر.

19 - الحسین بن ثویر.

20- یونس بن ظبیان.

21 - أبو سلمة السراج.

22 - المفضّل بن عمر.

23 - زرارة بن أعین.

24 - أبو حمزة الثمالی

ثانیاً: تخریج الأخبار ودراستها سندیّاً

اشارة

بعد التتبع وقفنا علی عدد کثیر من الروایات الدالّة علی مسألة البکاء، فقد رواها ما یقارب (24) راوٍ، والطرق إلیهم عدیدة جدّاً؛ لذا لم نجد مبرّراً لدراسة کافّة الأسانید بصورة مفصّلة، خصوصاً أنّ أکثر الروایات متوافقة فی المعنی، وعلیه سنقوم بدراسة مجموعة معیّنة من هذه الروایات، خصوصاً التی تحمل بعض الإضافات المؤثرة فی معنی الحدیث، ونترک البقیّة اکتفاءً بذلک.

فالمبحث حینئذٍ سینقسم علی قسمین، أحدهما: یتعلّق بتخریج جمیع الأخبار المتعلّقة ببکاء السموات والأرض، مع إعطاء الحکم النهائی للسند من حیث الصحة والضعف. والآخر: یتعلّق بنماذج من الروایات یتم دراستها سندیّاً بصورة مجملة.

ص:191

الأوّل: تخریج الروایات مع الحکم علیها سندیّاً
1 - خبر إبراهیم النخعی

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسین، عن الحکم بن مسکین، عن داوُد بن عیسی الأنصاری، عن محمد بن عبد الرحمان بن أبی لیلی، عن إبراهیم النخعی، قال: خرج أمیر المؤمنین علیه السلام ، فجلس فی المسجد واجتمع أصحابه حوله، وجاء الحسین علیه السلام حتی قام بین یدیه، فوضع یده علی رأسه، فقال: یا بنی، إنّ الله عبر أقواماً بالقرآن، فقال: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا کَانُوا مُنظَرِینَ ) ((1))، وأیم الله لیقتُلنک بعدی، ثمّ تبکیک السماء والأرض».

وقال: «وحدّثنی أبی، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب باسناده مثله»((2)).

وهذا الإسناد ضعیف، ویکفی فی ذلک جهالة داوُد (یزداد)((3)) بن عیسی الأنصاری.

وورد قریب من هذا الخبر مرسلاً عن الباقر، عن علی علیه السلام ، أورده ابن شهر آشوب، حیث ذکر عن الباقر علیه السلام فی تفسیر قوله تعالی: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ): «وذلک أنّ علیاً خرج قبل الفجر متوکئاً علی عنزة، والحسین خلفه یتلوه، حتّی أتی حلقة


1- الدخان: 29.
2- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص180.
3- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج8، ص118. الشاهرودی، علی النمازی، مستدرکات علم رجال الحدیث: ج3، ص362.

ص:192

رسول الله، فرمی بالعنزة، ثمّ قال: إنّ الله تعالی ذکر أقواماً، فقال: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ)، والله لیقتُلنه ولتبکی السماء علیه»((1)).

2 - خبر أبی بصیر

أخرجه ابن قولویه، قال: «وحدّثنی محمد بن جعفر، عن محمد بن الحسین، عن وهیب بن حفص النحاس، عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: إنّ الحسین علیه السلام بکی لقتله السماء والأرض واحمرّتا، ولم تبکیا علی أحد قطُّ إلّا علی یحیی بن زکریا، والحسین بن علی علیهما السلام ».

وقال: «وحدّثنی أبی رحمة الله، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسین باسناده مثله»((2)).

وهذا الإسناد معتبر (موثّق) علی ما سیأتی لاحقاً.

3 - خبر عبد الله بن هلال

أخرجه ابن قولویه، قال: «وحدّثنی علی بن الحسین بن موسی بن بابویه وغیره، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن علی بن فضّال، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله بن هلال، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام ، یقول: إنّ السماء بکت علی الحسین بن علی، ویحیی بن زکریا، ولم تبکِ علی أحد غیرهما. قلت: وما بکاؤهما((3))؟ قال: مکثوا أربعین یوماً تطلع الشمس بحمرة وتغرب بحمرة. قلت: فذاک بکاؤهما؟ قال:


1- ابن شهر آشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب: ج3، ص212.
2- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص181.
3- من الواضح أنّ هناک خلل فی سیاق العبارة؛ إذ إنّ لفظ (بکاؤهما) یدلّ علی التثنیة، فی حین أنّ الإمام یتکلّم عن بکاء السماء فقط ولم یذکر الأرض، فإمّا أنْ تکون لفظة (الأرض) ساقطة، أو أنّ لفظ التثنیة غیر صحیح، والظاهر هو الثانی، بدلیل أنّ صاحب البحار فی (ج45، ص210) نقل الروایة بلفظ (بکاؤها)، کما أنّ الطریق الآخر للراویة الآتی ینصّ علی لفظ (بکاؤها) أیضاً.

ص:193

نعم»((1)).

وقال أیضاً: «وحدّثنی أبی، وعلی بن الحسین (رحمهما الله جمیعاً)، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن الحسن بن علی الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله بن هلال، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: سمعته یقول: إنّ السماء بکت علی الحسین بن علی، ویحیی بن زکریا، ولم تبکِ علی أحد غیرهما. قلت: وما بکاؤها؟ قال: مکثوا أربعین یوماً تطلع الشمس بحمرة وتغرب بحمرة. قلت: فذاک بکاؤها؟ قال: نعم»((2)).

وهذا السند ضعیف؛ لجهالة عبد الله بن هلال الراوی المباشر، فقد ذکره الشیخ فی أصحاب الصادق علیه السلام ولم یورد فیه جرحاً ولا توثیقاً، وقال: «عبد الله بن هلال، عربی کوفی جعفی»((3)).

وذهب بعضهم إلی اتحاده مع عبد الله بن هلال بن جابان، مع أنّ الشیخ الطوسی ذکر کلّ واحد منهما علی حده، إلّا أنّ السیّد الخوئی لا یری الاتحاد، خصوصاً مع تصریح الشیخ بأنّ الأوّل عربی، بخلاف الثانی فإنّه مولی علی الظاهر، وما یؤکد ذلک اسم جدّه جابان أو خاقان وهما لیسا من الأسماء العربیة((4)).

ثمّ إنّ الثانی مجهول أیضاً، لکن الثمرة تظهر فی أنّ الثانی یروی عنه الحسن بن محبوب، وهو من أصحاب الإجماع، فیمکن التمسّک بصحة روایاته وفق المبنی المعروف فی أصحاب الإجماع.

نعم وفق المبنی القائل بوثاقة جمیع رجال کتاب کامل الزیارات تکون الروایة معتبرة.


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص181.
2- المصدر السابق: ص185 - 186.
3- الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص264.
4- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج11، ص398.

ص:194

4 - خبر رجل عن أمیر المؤمنین

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی أبی رحمة الله، وجماعة مشایخنا، وعلی بن الحسین، ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن یعقوب بن یزید، عن أحمد بن الحسن المیثمی، عن علی الأزرق، عن الحسن بن الحکم النخعی، عن رجل، قال: سمعت أمیر المؤمنین علیه السلام ، وهو یقول فی الرحبة، وهو یتلو هذه الآیة: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا کَانُوا مُنظَرِینَ) ((1))، وخرج علیه الحسین من بعض أبواب المسجد، فقال: أما إنّ هذا سیُقتل وتبکی علیه السماء والأرض»((2)).

وهذا الخبر أیضاً ضعیف؛ ویکفی فی ذلک جهالة الرجل الذی سمع أمیر المؤمنین علیه السلام .

5 - خبر محمد بن علی الحلبی

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی علی بن الحسین بن موسی، عن علی بن إبراهیم بن هاشم، عن أبیه، عن ابن فضّال، عن أبی جمیلة، عن محمد بن علی الحلبی، عن أبی عبد الله علیه السلام فی قوله تعالی: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا کَانُوا مُنظَرِینَ) ، قال: لم تبکِ السماء علی أحد منذُ قُتل یحیی بن زکریا حتی قُتل الحسین علیه السلام ، فبکت علیه»((3)).

وهذا السند رجاله کلّهم ثقات علی کلام فی المفضّل بن صالح (أبی جمیلة).

وأورده الراوندی فی قصص الأنبیاء: «وعن ابن بابویه، عن أبیه، حدّثنا علی بن


1- الدخان: 29.
2- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص180
3- المصدر السابق: ص182.

ص:195

إبراهیم، عن أبیه، عن ابن فضّال، عن أبی جمیلة، عن محمد بن علی الحلبی، عن أبی عبد الله فی قوله تعالی: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ) ، قال: لم تبکِ السماء علی أحدٍ قبل قتل یحیی بن زکریا حتی قُتل الحسین علیه السلام ، فبکت علیه»((1)).

6 - خبر داوُد بن فرقد

ولابن قولویه فیه طریقان، یختلفان فی بعض الألفاظ:

الأوّل: قال ابن قولویه: «وحدّثنی محمد بن جعفر الرزاز القرشی، قال: حدّثنی محمد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن صفوان بن یحیی، عن داوُد بن فرقد، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: احمرّت السماء حین قُتل الحسین علیه السلام سنة، ویحیی بن زکریا، وحمرتها بکاؤها»((2)).

وهذا السند صحیح رجاله کلّهم إمامیة ثقات علی ما سیأتی.

الثانی: قال ابن قولویه أیضاً: «حدّثنی أبی، عن محمد بن الحسن بن مهزیار، عن أبیه، عن علی بن مهزیار، عن الحسن بن سعید، عن فضالة بن أیوب، عن داوُد بن فرقد، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: کان الذی قتل الحسین بن علی علیهما السلام ولد زنا، والذی قتل یحیی بن زکریا ولد زنا، وقال: احمرّت السماء حین قُتل الحسین بن علی سنة، ثمّ قال: بکت السماء والأرض علی الحسین بن علی، وعلی یحیی بن زکریا وحمرتها بکاؤها»((3)).

وهذا السند ضعیف؛ لجهالة الحسن بن مهزیار.


1- قطب الدین الراوندی، سعید بن هبة الله، قصص الأنبیاء: ص222.
2- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص182.
3- المصدر السابق: ص188.

ص:196

7 - خبر عبد الخالق بن عبد ربّه

أخرجه ابن قولویه، قال: «وحدّثنی أبی رحمة الله، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن الحسن بن علی بن فضّال، عن ابن بکیر، عن زرارة، عن عبد الخالق بن عبد ربّه، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: (لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِیًّا)، الحسین بن علی، لم یکن له من قَبلُ سمیّاً، ویحیی بن زکریا علیه السلام لم یکن له من قَبلُ سمیّا، ولم تبکِ السماء إلّا علیهما أربعین صباحاً. قال: قلت: ما بکاؤها؟ قال: کانت تطلع حمراء وتغرب حمراء»((1)).

وهذا السند معتبر (موثّق) رجاله کلّهم ثقات، علی ما سیأتی.

وأورده السیّد شرف الدین الأسترابادی، وکذلک السیّد هاشم البحرانی، عن القمّی، علی بن إبراهیم، بسنده «عن أبیه، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن بکیر، عن زرارة، عن عبد الخالق، قال: سمعت أبا عبد الله - علیه السلام - یقول فی قول الله (عزّ وجلّ): (لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِیًّا)، فقال: الحسین - علیه السلام - لم یکن له من قَبلُ سمیّا، ویحیی بن زکریا لم یکن له من قَبلُ سمیّا، ولم تبکِ السماء إلّا علیهما أربعین صباحاً. قلت: فما [کان] بکاؤها؟ قال: کانت الشمس تطلع حمراء وتغیب حمراء»((2)).

والخبر بهذا السند لا یختلف عن سابقه من حیث الدلالة؛ لذا فالکلام فی ثبوت أو عدم ثبوت تفسیر القمّی لا یجدی کثیر نفع، إلّا أنّه علی القول بثبوت التفسیر ووثاقة جمیع رجاله، وکذا علی القول بثبوت قسم من التفسیر لعلی بن إبراهیم ووثاقة رجاله أیضاً، فإنّ ذلک یعطی قوّة أکثر للروایة.


1- المصدر السابق: ص182- 183.
2- الأسترابادی النجفی، علی الحسینی، تأویل الآیات: ج1، ص302. البحرانی، هاشم بن سلیمان، مدینة المعاجز: ج3، ص445.

ص:197

إلّا أنّه بعد البحث والتنقیب لم نعثر علی هذه الروایة فی تفسیر القمّی، فلعلّها ساقطة من النُّسخ الواصلة إلینا إنْ کان الواصل إلینا هو تفسیر القمّی علی الخلاف الشدید الذی فیه، وحینئذ یحتمل أنّ هذه الروایة موجودة فی نسخة تفسیر القمّی الأصل، والله العالم.

وقد ذکر السیّد شرف الدین الاسترابادی وجهاً آخر للخبر مضافاً لطریق القمّی المتقدّم،، فقال بعد ذکره الآیة الشریفة:

تأویله: قال محمّد بن العباس رحمة الله: قال: «حدّثنا حمید بن زیاد، عن أحمد بن الحسین بن بکر، قال: حدّثنا الحسن بن علی بن فضّال بإسناده إلی عبد الخالق، قال: سمعت أبا عبد الله - علیه السلام - یقول فی قول الله (عزّ وجلّ): (لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِیًّا) قال: ذلک یحیی بن زکریا - علیهما السلام - لم یکن له من قَبلُ سمیّا، وکذلک الحسین - علیه السلام - لم یکن له من قَبلُ سمیّا، ولم تبکِ السماء إلّا علیهما أربعین صباحاً. قلت: فما کان بکاؤها ؟ قال: تطلع الشمس حمراء»((1)).

والخبر هذا مبتلی بالإرسال، فلم یذکر سند ابن فضّال إلی عبد الخالق، ولعلّه نفس السند السابق، کما أنّ السیّد شرف الدین متوفّی فی سنة (965ه-)، وهو ینقل من کتاب ما نزل من القرآن فی أهل البیت لمحمد بن العباس، وثبوت النُّسخة التی عثر علیها السیّد شرف الدین، وأکثر من النقل عنها، یحتاج إلی تحقیق، فإنّها لم تصل إلینا.

وکیف ما کان، فإنّ الخبر بسنده الذی نقله ابن قولویه هو سند معتبر موثّق.

8 - خبر جابر الجعفی

أخرجه ابن قولویه، قال: «وحدّثنی علی بن الحسین بن موسی، عن علی بن إبراهیم،


1- الأستربادی النجفی، علی الحسینی، تأویل الآیات: ج1، ص303.

ص:198

وسعد بن عبد الله جمیعاً، عن إبراهیم بن هاشم، عن علی بن فضّال، عن أبی جمیلة، عن جابر، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «ما بکت السماء علی أحد بعد یحیی بن زکریا إلّا علی الحسین بن علی علیهما السلام ، فإنّها بکت علیه أربعین یوماً»((1)).

وهذا السند رجاله کلّهم ثقات علی کلام فی المفضّل بن صالح (أبی جمیلة).

9 - خبر کلیب بن معاویة الأسدی

أخرجه ابن قولویه قال: «حدّثنی محمد بن جعفر الرزاز الکوفی، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن جعفر بن بشیر، عن کلیب بن معاویة الأسدی، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: «لم تبکِ السماء إلّا علی الحسین بن علی، ویحیی بن زکریا علیهما السلام »((2)).

وهذا السند صحیح، رجاله کلّهم ثقات علی کلام وخلاف بسیط فی کلیب بن معاویة، غیر أنّ الصحیح وثاقته((3)).

وأخرجه ابن قولویه فی موضع آخر، بلفظ یزید علی سابقه، قال: «حدّثنی أبی رحمة الله، وجماعة مشایخی، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، ومحمد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن جعفر بن بشیر، عن حمّاد، عن کلیب بن معاویة، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: کان قاتل یحیی بن زکریا ولد زنا، وکان قاتل الحسین علیه السلام ولد زنا، ولم تبکِ السماء إلّا علیهما»((4)).

وهذا السند کسابقه رجاله کلّهم ثقات علی ما سیأتی.

وهناک طریق آخر ذکره ابن قولویه، قال: «حدّثنی محمد بن الحسن، ومحمد بن أحمد


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص183.
2- المصدر السابق: ص183.
3- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج15، ص124- 128.
4- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص161.

ص:199

بن الحسین جمیعاً، عن الحسن بن علی بن مهزیار، عن أبیه، عن الحسن، عن فضالة بن أیوب، عن کلیب بن معاویة الأسدی، عن أبی عبد الله علیه السلام مثله»((1)).

10- خبر عمرو بن ثبیت عن أبیه

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی حکیم بن داوُد بن حکیم، عن سلمة بن الخطاب، عن محمد بن أبی عمیر، عن الحسین بن عیسی، عن أسلم بن القاسم، قال: أخبرنا عمرو بن ثبیت، عن أبیه، عن علی بن الحسین علیهما السلام ، قال: إنّ السماء لم تبکِ منذُ وُضعت إلّا علی یحیی بن زکریا، والحسین بن علی علیهما السلام . قلت: أی شیء کان بکاؤها؟ قال: کانت إذا استُقبلت بثوب وقع علی الثوب شبه أثر البراغیث من الدم»((2)).

وقد تقدّم دراسة هذا الحدیث سابقاً، وتحصّل أنّ السند فیه عدّة من المجاهیل، فبناءً علی تمامیة قاعدة أصحاب الإجماع - وهم الذین أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنهم، بمعنی أنّ الروایة تکون صحیحة بمجرد صحّة السند إلی أحدهم من دون حاجة إلی بحث بقیّة السند - فتکون الروایة صحیحة، وإلّا فهی ضعیفة.

11 - خبر حنان بن سدیر

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی أبی رحمة الله، وعلی بن الحسین، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن موسی بن الفضل، عن حنان، قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی زیارة قبر أبی عبد الله الحسین علیه السلام ، فإنّه بلغنا عن بعضهم أنّها تعدل حجة وعمرة؟ قال: لا تعجب، ما أصاب مَن یقول هذا کلّه، ولکن زره ولا تجفه؛ فإنّه سیّد الشهداء، وسیّد شباب أهل الجنّة، وشبیه یحیی بن زکریا، وعلیهما بکت السماء


1- المصدر السابق: ص161.
2- المصدر السابق: ص183- 184.

ص:200

والأرض»((1)).

وهذا السند ضعیف؛ لجهالة موسی بن الفضل، وسیأتی بعد قلیل سند آخر صحیح لهذا الحدیث.

وقال ابن قولویه: «حدّثنی أبی، ومحمد بن الحسن بن الولید، عن محمد بن الحسن الصفار، عن عبد الصمد بن محمد، عن حنان بن سدیر، عن أبی عبد الله علیه السلام مثله سواء»((2)).

وأخرجه الحمیری فی قرب الإسناد، قال: «وعنهما [أی: محمد بن عبد الحمید، وعبد الصمد بن محمد حسب ما تقدّما فی أسانیده السابقة]، عن حنان بن سدیر، قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی زیارة قبر الحسین علیه السلام ؟ فإنّه بلغنا عن بعضکم أنّه قال: تعدل حجّة وعمرة. قال: فقال: ما أضعف هذا الحدیث، ما تعدل هذا کلّه، ولکن زوروه ولا تجفوه. فإنّه سیّد شباب الشهداء، وسیّد شباب أهل الجنّة، وشبیه یحیی بن زکریا، وعلیهما بکت السماء والأرض»((3)).

وهذا السند یمکن القول بصحّته؛ إذ إنّ رواته من الإمامیة الثقات باستثناء عبد الصمد بن محمد الأشعری، فلم یرد فیه جرح ولا توثیق، لکنّ روایة الأجلّاء عنه کمحمد بن الحسن الصفّار، ومحمد بن أحمد بن یحیی، ومحمد بن علی بن محبوب، قد تُوجب القول بوثاقته.

کما أنّ عبد الصمد لم ینفرد، بل تابعه محمد بن عبد الحمید، وهو الآخر فیه کلام بین التوثیق والجهالة.


1- المصدر السابق: ص184.
2- المصدر السابق: ص185.
3- الحمیری، عبد الله بن جعفر، قرب الإسناد: ص99.

ص:201

ولا نجد حاجة للبحث مُفصّلاً؛ لأنّ السند القادم هو سند صحیح.

وقال ابن قولویه: «حدّثنی أبی (رحمه الله تعالی)، وجماعة مشایخی، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع، عن حنان بن سدیر، عن أبی عبد الله علیه السلام مثله»((1)).

وهذا السند صحیح، رجاله کلّهم من الإمامیة الثقات.

12 - خبر الحسن بن زیاد

قال ابن قولویه: «وبهذا الاسناد [أی: حدّثنی أبی (رحمه الله تعالی)، وجماعة مشایخی]، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن غیر واحد، عن جعفر بن بشیر، عن حمّاد، عن عامر بن معقل، عن الحسن بن زیاد، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: کان قاتل یحیی بن زکریا ولد زنا، وقاتل الحسین علیه السلام ولد زنا، ولم تبکِ السماء علی أحد إلّا علیهما. قال: قلت: وکیف تبکی؟ قال: تطلع الشمس فی حمرة وتغیب فی حمرة»((2)).

وقال: «حدّثنی محمد بن جعفر القرشی، عن محمد بن الحسین، عن جعفر بن بشیر بإسناده مثله»((3)).

وهذا السند ضعیف؛ لجهالة عامر بن معقل.

13 - خبر کثیر بن شهاب الحارثی

أخرجه ابن قولویه، قال:« وعنهما [یعنی أبیه، وعلی بن الحسین (رحمهما الله جمیعاً)]، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن البرقی محمد بن خالد، عن عبد


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص185.
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق.

ص:202

العظیم بن عبد الله الحسنی، عن الحسن بن الحکم النخعی، عن کثیر بن شهاب الحارثی، قال: بینما نحن جلوس عند أمیر المؤمنین علیه السلام فی الرحبة إذ طلع الحسین علیه السلام علیه، فضحک علی علیه السلام ضحکاً حتّی بدت نواجده، ثمّ قال: إنّ الله ذکر قوماً وقال: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا کَانُوا مُنظَرِینَ)، والذی فلق الحبّة وبرأ النسمة، لیقتلن هذا ولتبکین علیه السماء والأرض»((1)).

وقال: «حدّثنی أبی رحمة الله، عن سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحمیری، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن محمد بن خالد البرقی، عن عبد العظیم بن عبد الله الحسنی العلوی، عن الحسن بن الحکم النخعی، عن کثیر بن شهاب الحارثی، قال: بینما نحن جلوس عند أمیر المؤمنین علیه السلام بالرحبة إذ طلع الحسین علیه السلام ، قال: فضحک علی علیه السلام حتی بدت نواجده، ثمّ قال: إنّ الله ذکر قوماً، فقال: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا کَانُوا مُنظَرِینَ)، والذی فلق الحبّة وبرأ النسمة، لیقتلن هذا ولتبکین علیه السماء والأرض»((2)).

وهذا السند ضعیف؛ فالحسن بن الحکم النخعی مجهول لم یذکروه.

وکثیر بن شهاب مجهول أیضاً، بل دلّت بعض الأخبار علی سوء سریرته، وکان یُخذّل الناس عن نصرة مسلم بن عقیل((3)).

أضف إلی ذلک لم یتسنَ لنا وجه ضحک الإمام علی علیه السلام بالطریقة التی یصوّرها الراوی، فالموقف کان یحتمل البکاء أکثر من الضحک، فلعلّ الإمام بکی بشدّة حین رأی الحسین وتخیّل الراوی أنّه ضحک، أو أنّ الراوی نسج هذا الضحک من مخیّلته والله أعلم.


1- المصدر السابق: ص186.
2- المصدر السابق: ص187 - 188.
3- اُنظر: الشاهرودی، علی النمازی، مستدرکات علم رجال الحدیث: ج6، ص298- 299.

ص:203

14 - خبر أبی سلمة

قال ابن قولویه: «وحدّثنی أبی رحمة الله، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن البرقی، عن عبد العظیم، عن الحسن، عن أبی سلمة، قال: قال جعفر بن محمد علیهما السلام : ما بکت السماء والأرض إلّا علی یحیی بن زکریا والحسین علیهما السلام »((1)).

وهذا السند ضعیف أیضاً؛ ویکفی فی ضعفه وجود الحسن بن الحکم النخعی، وهو مجهول لم یذکروه.

15 - خبر میثم التمّار

أخرجه الشیخ الصدوق، قال: «حدّثنا الحسین بن أحمد بن إدریس رحمة الله، قال: حدّثنا أبی، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن أرطأة بن حبیب، عن فضیل الرسان، عن جبلة المکیة، قالت: سمعت میثما التمار (قدس الله روحه) یقول: والله لتقتلن هذه الأُمّة ابن نبیّها فی المُحرّم لعشر یمضین منه، ولیتخذن أعداء الله ذلک الیوم یوم برکة، وإنّ ذلک لکائن، قد سبق فی علم الله (تعالی ذکره)، أعلم ذلک بعهد عهده إلیّ مولای أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه)، ولقد أخبرنی أنّه یبکی علیه کلّ شیء حتی الوحوش فی الفلوات، والحیتان فی البحار، والطیر فی جو السماء، وتبکی علیه الشمس والقمر والنجوم، والسماء والأرض، ومؤمنو الإنس والجنّ، وجمیع ملائکة السماوات، ورضوان ومالک وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً. ثمّ قال: وجبت لعنة الله علی قتلة الحسین علیه السلام ، کما وجبت علی المشرکین الذین یجعلون مع الله إلها آخر، وکما وجبت علی الیهود والنصاری والمجوس.

قالت جبلة: فقلت له: یا میثم، وکیف یتخذ الناس ذلک الیوم الذی یُقتل فیه الحسین


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص186.

ص:204

بن علی علیهما السلام یوم برکة؟! فبکی میثم (رضی الله عنه)، ثمّ قال: سیزعمون بحدیث یضعونه أنّه الیوم الذی تاب الله فیه علی آدم علیه السلام ، وإنّما تاب الله علی آدم علیه السلام فی ذی الحجة، ویزعمون أنّه الیوم الذی قبل الله فیه توبة داوُد علیه السلام ، وإنّما قَبِل الله توبته فی ذی الحجة، ویزعمون أنّه الیوم الذی أخرج الله فیه یونس علیه السلام من بطن الحوت، وإنّما أخرجه الله تعالی من بطن الحوت فی ذی القعدة، ویزعمون أنّه الیوم الذی استوت فیه سفینة نوح علیه السلام علی الجودی، وإنّما استوت علی الجودی یوم الثامن عشر من ذی الحجة، ویزعمون أنّه الیوم الذی فلق الله فیه البحر لبنی إسرائیل، وإنّما کان ذلک فی ربیع الأوّل.

ثمّ قال میثم: یا جبلة، اعلمی أنّ الحسین بن علی علیهما السلام سیّد الشهداء یوم القیامة، ولأصحابه علی سائر الشهداء درجة. یا جبلة، إذا نظرت إلی الشمس حمراء کأنّها دم عبیط، فاعلمی أن سیّدک الحسین قد قُتل.

قالت جبلة: فخرجت ذات یوم، فرأیت الشمس علی الحیطان کأنّها الملاحف المعصفرة((1))، فصحت حینئذٍ وبکیت، وقلت: قد والله قُتل سیّدنا الحسین بن علی علیه السلام »((2)).

وقد تقدّمت دراسة هذا الخبر، وتبیّن أنّه ضعیف لجهالة جبلة المکیّة.

16 - خبر الفضیل الهمدانی عن أبیه

أخرجه القمّی فی تفسیره، بعد ذکر الآیة: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا کَانُوا مُنظَرِینَ)، قال: «حدّثنی أبی، عن حنان بن سدیر، عن عبد الله بن الفضیل الهمدانی، عن


1- الملاحف المعصفرة، تقدّم سابقاً أنّها المصبوغة بالعُصفُر، وهو نبت معروف یُصبغ به، والظاهر أنّه یصبغ الثیاب ونحوها بالصبغ الأحمر، والمراد أنّ الحیطان تُری حمراء لشدّة احمرار الشمس فی تلک الفترة.
2- الصدوق، محمد بن علی، الأمالی: ص189. الصدوق، محمد بن علی، علل الشرائع: ج1، ص227- 228.

ص:205

أبیه، عن جدّه، عن أمیر المؤمنین علیه السلام ، قال: مرّ علیه رجل عدو لله ولرسوله، فقال: (وما بکت علیهم السماء والأرض وما کانوا منظرین)، ثمّ مرّ علیه الحسین بن علی علیهما السلام ، فقال: لکن هذا لیبکین علیه السماء والأرض، وقال: وما بکت السماء والأرض إلّا علی یحیی بن زکریا والحسین بن علی علیهما السلام »((1)).

وهذا السند صحیح، بناءً علی وثاقة جمیع رجال تفسیر القمّی کما یذهب إلیه السیّد الخوئی. وکذلک صحیح بناءً علی أنّ تفسیر القمّی قسمان أحدهما لأبی الجارود والآخر للقمّی، ووثاقة جمیع رجال القسم المختص للقمّی؛ لأنّ هذه الروایة من القسم التابع للقمّی کما هو واضح من سندها.

أمّا بناءً علی عدم ثبوت تفسیر القمّی من الأساس، فتکون الروایة ضعیفة.

17 - خبر إسحاق الأحمر

ورد فی مناقب آل أبی طالب: سأل إسحاق الأحمر الحجّة (الإمام المهدی) عجّل الله تعالی فرجه الشریف، عن قول الله تعالی: (کهیعص) ((2)).

فکان ممّا جاء فی آخر جوابه: «... وکان حمل یحیی ستّة أشهر، وحمل الحسین ستة أشهر، وذُبح یحیی کما ذُبح الحسین، ولم تبکِ السماء والأرض إلّا علیهما»((3)).

ومن الواضح أنّ هذا الخبر ضعیف بالإرسال، ولم نقف علی سنده.

18 - خبر إسماعیل بن کثیر

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید، عن محمد بن


1- القمی، علی بن إبراهیم، تفسیر القمی: ج2، ص291.
2- مریم: 1.
3- ابن شهر آشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب: ج3، ص237.

ص:206

الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن الحسن بن علی بن الفضّال، عن مروان بن مسلم، عن إسماعیل بن کثیر، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: کان قاتل الحسین بن علی ولد زنا، وکان قاتل یحیی بن زکریا ولد زنا، ولم تبکِ السماء والأرض إلّا لهما وذکر الحدیث»((1)).

مروان بن مسلم ثقة((2)).

وإسماعیل بن کثیر، مجهول لم یذکروه.

فالسند ضعیف.

19 - خبر الحسین بن ثویر
20- خبر یونس بن ظبیان
21 - خبر أبی سلمة السراج
22 - خبر المفضّل بن عمر

خبر هؤلاء الأربعة أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی محمد بن جعفر القرشی الرزاز، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن الحسن بن علی بن أبی عثمان، عن عبد الجبار النهاوندی، عن أبی سعید، عن الحسین بن ثویر بن أبی فاختة، ویونس بن ظبیان، وأبی سلمة السراج، والمفضّل بن عمر، کلّهم قالوا: سمعنا أبا عبد الله علیه السلام یقول: إنّ أبا عبد الله الحسین بن علی علیهما السلام لمّا مضی، بکت علیه السماوات السبع والأرضون السبع، وما فیهنّ وما بینهنّ، ومَن ینقلب علیهنّ، والجنّة والنار، وما خلق ربنا، وما یُری وما لا


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص164.
2- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص419.

ص:207

یُری»((1)).

والخبر صحیح کما سیأتی، لکنّه بهذا السند ضعیف، ویکفی فی ذلک وجود الحسن بن علی بن أبی عثمان، فقد ضعّفه الأصحاب کما نص النجاشی علی ذلک، مضافاً لفساد عقیدته وکونه من الفرقة العلیائیة، بل یظهر من بعض الأخبار کفره((2)).

وقال ابن قولویه أیضاً: «وحدّثنی أبی رحمة الله، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسین، عن الحسن بن علی بن أبی عثمان باسناده مثله»((3)).

وهذا السند کسابقه فی الضعف؛ لکونه من طریق الحسن بن علی بن أبی عثمان أیضاً.

وقال ابن قولویه: «وحدّثنی أبی، عن سعد بن عبد الله، عن الحسین بن عبید الله، عن الحسن بن علی بن أبی عثمان، عن عبد الجبار النهاوندی، عن أبی سعید، عن الحسین بن ثویر، عن یونس، وأبی سلمة السراج، والمفضّل بن عمر، قالوا: سمعنا أبا عبد الله علیه السلام یقول: لمّا مضی الحسین بن علی علیهما السلام ، بکی علیه جمیع ما خلق الله إلّا ثلاثة أشیاء: البصرة، ودمشق، وآل عثمان»((4)).

وهذا السند فیه الحسن بن علی بن أبی عثمان أیضاً.

وقال ابن قولویه أیضاً: «حدّثنی أبی رحمة الله، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن القاسم بن یحیی، عن الحسن بن راشد، عن الحسین بن ثویر، قال: کنت أنا ویونس بن ظبیان، والمفضّل بن عمر، وأبو سلمة السراج، جلوساً عند أبی عبد الله علیه السلام ،


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص166.
2- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج6، ص24- 25.
3- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص166.
4- المصدر السابق: ص166.

ص:208

فکان المتکلّم یونس، وکان أکبرنا سناً - وذکر حدیثاً طویلاً، یقول: - ثمّ قال أبو عبد الله علیه السلام : إنّ أبا عبد الله علیه السلام لمّا مضی، بکت علیه السماوات السبع والأرضون السبع وما فیهن وما بینهن، وما ینقلب فی الجنّة والنار من خلق ربنا، وما یُری وما لا یُری، بکی علی أبی عبد الله إلّا ثلاثة أشیاء لم تبکِ علیه. قلت: جُعلت فداک، ما هذه الثلاثة الأشیاء؟ قال: لم تبکِ علیه البصرة، ولا دمشق، ولا آل عثمان بن عفان. وذکر الحدیث»((1)).

وهذا السند صحیح معتبر، رجاله إمامیة ثقات علی ما سیأتی لاحقاً.

وأخرجه الکلینی فی الکافی مفصّلاً، عن: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن القاسم بن یحیی، عن جدّه الحسن بن راشد، عن الحسین بن ثویر، قال: کنت أنا، ویونس بن ظبیان، والمفضّل بن عمرو (أبو سلمة السراج) جلوساً عند أبی عبد الله علیه السلام ، وکان المتکلّم منّا یونس، وکان أکبرنا سنّاً...»((2)). وذکر حدیثاً مفصّلاً، من جملته ما ذکره ابن قولویه فیما تقدّم.

وهذا السند صحیح معتبر أیضاً کما سیأتی لاحقاً.

وأخرجه الشیخ الطوسی فی الأمالی، قال: «حدّثنا أبو عبد الله محمد بن محمد، قال: حدّثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید رحمة الله، قال: حدّثنی أبی، قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن محمد بن أبی عمیر، عن الحسین بن أبی فاختة، قال: کنت أنا، وأبو سلمة السراج، ویونس بن یعقوب، والفضیل بن یسار، عند أبی عبد الله جعفر بن محمد علیهما السلام ، فقلت له: جعلت فداک، إنّی أحضر مجالس هؤلاء القوم...، إلی أنْ قال: إنّ أبا عبد الله الحسین علیه السلام لمّا قُتل بکت علیه


1- المصدر السابق: ص167.
2- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی: ج4، ص575.

ص:209

السماوات السبع والأرضون السبع، وما فیهن وما بینهن، ومن یتقلب فی الجنّة والنار، وما یُری وما لا یُری، إلّا ثلاثة أشیاء، فإنّها لم تبکِ علیه. فقلت: جعلت فداک، وما هذه الثلاثة أشیاء التی لم تبکِ علیه؟ فقال: البصرة، ودمشق، وآل الحکم بن أبی العاص»((1)).

وهذا السند صحیح، رجاله کلّهم إمامیة ثقات علی ما سیأتی.

23 - خبر زرارة

أخرجه ابن قولویه: «حدّثنی محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری، عن أبیه، عن علی بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حمّاد البصری، عن عبد الله بن عبد الرحمان الأصم، عن أبی یعقوب، عن أبان بن عثمان، عن زرارة، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : یا زرارة، إنّ السماء بکت علی الحسین أربعین صباحاً بالدم، وإنّ الأرض بکت أربعین صباحاً بالسواد، وإنّ الشمس بکت أربعین صباحاً بالکسوف والحمرة، وإنّ الجبال تقطعت وانتثرت، وإنّ البحار تفجّرت، وإنّ الملائکة بکت أربعین صباحاً علی الحسین علیه السلام ...»((2)).

وهذه الروایة ضعیفة؛ ویکفی فی ذلک جهالة علی بن محمد بن سالم.

وجهالة عبد الله بن حمّاد البصری.

وکذلک ضعف عبد الله بن عبد الرحمن الأصم؛ حیث قال عنه النجاشی: «ضعیف غالٍ، لیس بشیء... له کتاب المزار، سمعت ممن رآه فقال لی: هو تخلیط»((3)). وذکره العلّامة فی القسم الثانی، وقال فیه: «بصری ضعیف غالٍ، لیس بشیء، وله کتاب فی


1- الطوسی، محمد بن الحسن، الأمالی: ص54.
2- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص167- 168.
3- النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص217.

ص:210

الزیارات یدلّ علی خبث عظیم، ومذهب متهافت، وکان من کذّابة أهل البصرة»((1)).

ومن الواضح أنّ العلاّمة قد اعتمد فی ترجمته هذه علی کتاب النجاشی وکتاب ابن الغضائری، وحیث إنّ کتاب ابن الغضائری لم یثبت استناده إلیه، فیبقی کلام النجاشی هو المعتمد فی الحکم علی الرجل.

لذا قد تختلف الآراء حسب فهم وتفسیر کلمات النجاشی، فذهب السید الخوئی إلی ضعف الرجل، حیث قال: «ظاهر کلام النجاشی أنّه لیس بشئ، أنّه ضعیف فی الحدیث، فلا اعتماد علی روایاته»((2)).

لکن قد یقال إنّ سبب تضعیف الرجل هو اتّهامه بالغلو، فإذا أمکن الوقوف علی حقیقة الرجل، وأنّه غیر مغال، زال سبب التضعیف، وهناک کلمات للشیخ الوحید البهبهانی فی دفع الغلو عن الرجل، وتبرئة ساحته((3)).

وکیفما کان، فالروایة ضعیفة من حیث السند لجهالة بعض الرواة کما تقدّم.

نعم، بناء علی وثاقة کلّ رجال کتاب کامل الزیارات، مع ملاحظة عدم ثبوت ضعف عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، فحینئذ یمکن القول باعتبار الروایة.

24 - روایة أبی حمزة الثمالی

أخرجها ابن قولویه، قال: «حدثنی أبو عبد الرحمان محمد بن أحمد بن الحسین العسکری ومحمد بن الحسن جمیعاً، عن الحسن بن علی بن مهزیار، عن أبیه علی بن مهزیار، عن محمد بن أبی عمیر، عن محمد بن مروان، عن أبی حمزة الثمالی، قال: قال


1- العلّامة الحلی، یوسف بن المطهر، خلاصة الأقوال: ص372.
2- الخوئی, أبو القاسم, معجم رجال الحدیث: ج11، ص259.
3- اُنظر: الوحید البهبهانی، محمد باقر، تعلیقة علی منهج المقال: ص227.

ص:211

الصادق علیه السلام : إذا أردت المسیر إلی قبر الحسین...»، وذکر الإمام علیه السلام آداب زیارة الحسین وکیفیّتها، وممّا جاء فی کلامه: «بأبی أنت وأمی یا سیدی، بکیتک یا خیرة الله وابن خیرته، وحق لی أن أبکیک، وقد بکتک السماوات والأرضون والجبال والبحار، فما عذری ان لم أبکک ، وقد بکاک حبیب ربی، وبکتک الأئمة صلوات الله علیهم، وبکاک من دون سدرة المنتهی إلی الثری جزعاً علیک»((1)).

ورجال هذه الروایة کلّهم من الثقات باستثناء محمّد بن مروان فهو مجهول، وقد روی عنه فی هذا الخبر محمّد بن أبی عمیر، وهو من أصحاب الإجماع الذین أجمع الأصحاب علی تصحیح ما یصحّ عنهم، فإن قلنا بأنّ مفاد هذه القاعدة هو وثاقة کلّ بقیة رواة السند أو صحّة الحدیث، فستکون هذه الروایة صحیحة، وإنْ لم نقبل ذلک فالحدیث ضعیف؛ بسبب جهالة محمد بن مروان.

مفاد الروایات المتقدّمة

من الواضح أنّ الروایات المتقدّمة وإنْ اتّفقت جمیعها علی حصول البکاء، إلّا أنّها لم تکن بلسان واحد، ولم تقتصر علی معنی معیّن، بل تفاوتت من واحدة إلی أُخری؛ لذا سنقف علی أهمّ ما جاءت به الروایات فی خصوص ما یتعلّق بالبکاء، ولا نتطرّق لمِا کان خارج ذلک، إذ إنّ بعض الروایات فیها معانٍ أُخری خارجة عن محلّ الکلام فی مبحثنا هذا.

فمن الأُمور التی یمکن استفاداتها من هذه الروایات العدیدة، والتی تتعلّق بموضوع البکاء، ما یلی:

1 - إنّ الروایات اتّفقت علی أصل حادثة البکاء، وهذا المعنی یکاد یکون متحصّل


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص409.

ص:212

فی جمیع الروایات المتقدّمة، سوی أنّ بعض الروایات اقتصر علی بکاء السماء: کروایة عبد الله بن هلال، وروایة محمد بن علی الحلبی، وجابر الجعفی، وعبد الخالق بن عبد ربّه، وکلیب بن معاویة، والحسن بن زیاد، وثبیت، فی حین صرّحت مجموعة أُخری بأنّ البکاء حصل من السموات والأرض، وهی کثیرة جدّاً: کروایة أبی بصیر، وداوُد بن فرقد، وحنان بن سدیر، وکثیر بن شهاب، والحسین بن ثویر، وغیرها ممّا تقدّم فی التخریج.

فبکاء السموات والأرض ثابت لا ریب فیه، خصوصاً مع وجود عدّة من الروایات الصحیحة فی ذلک.

2 - إنّ طائفة من الروایات أثبتت حصول البکاء علی الحسین علیه السلام من قِبل السماء والأرض، ولم تلحظ أیّة جنبة أُخری کمدّته، أو حصوله سابقاً، أو غیر ذلک، بل کان نظرها متوجهاً إلی خصوص البکاء، وهذه من قَبیل: روایة إبراهیم النخعی، وروایة حنان بن سدیر، وکثیر بن شهاب، ومیثم التمّار، وزرارة، وغیرها.

3 - إنّ مجموعة من الروایات صرّحت بأنّ البکاء لم یکن قد حصل سابقاً إلّا علی یحیی بن زکریا، فلم تبکِ السماء ولا الأرض إلّا علی یحیی بن زکریا والحسین علیه السلام ، وهذه الروایات عدیدة، منها: روایة أبی بصیر، وعبد الله بن هلال، ومحمد بن علی الحلبی، وعبد الخالق بن عبد ربّه، وجابر الجعفی، وکلیب بن معاویة، وثبیت، والحسن بن زیاد، وأبی سلمة، وإسماعیل بن کثیر، وغیرها.

4 - إنّ بعض الروایات أوضحت أنّ معنی بکاء السماء هو حمرتها کما فی: روایة الحسن بن زیاد، وعبد الخالق بن عبد ربّه، وداوُد بن فرقد، وعبد الله بن هلال.

5 - إنّ بعض الروایات قیّدت مدّة البکاء بأربعین یوماً أو أربعین صباحاً، منها: روایة جابر الجعفی، وعبد الله بن هلال، وزرارة.

ص:213

6 - إنّ بعض الروایات قیّدت مدّة البکاء بسنة کروایة داوُد بن فراقد.

7 - إنّ بعض الروایات أوضحت أنّ السماء بکت علی الحسین علیه السلام أربعین صباحاً بالدم، وإنّ الأرض بکت أربعین صباحاً بالسواد، کروایة زرارة.

والخلاصة: إنّ هناک معطیات مختلفة من الروایات بعد اتفاقها علی أصل البکاء، ولعلّه یُستشعر بوجود تعارض فی بعضها؛ لذا من الضروری أنْ نری مدی صحّة أو ضعف کلّ طائفة من هذه الطوائف، وهو ما سنتناوله فیما یأتی.

ص:214

دراسة نماذج من الروایات التی تمثّل المعانی المتقدّمة
أوّلاً: ما یتعلّق بأصل قضیة البکاء
اشارة

أوضحنا فیما تقدّم أنّ جمیع الروایات اتّفقت علی موضوع البکاء، واختلفت فی التفاصیل؛ لذا فکلّ ما ندرسه من روایات فیما یأتی إنّما یکون مشمولاً هنا، وبلا شکّ سیتّضح أنّ هناک عدّة کبیرة من الروایات الصحیحة والمعتبرة سندیّاً.

نعم، بعض الروایات اقتصرت علی ذکر بکاء السماء ولم تذکر الأرض معها، وبعضها ذکر بکاء السماء والأرض.

أ- نماذج من الروایات المقتصرة علی بکاء السماء
1 - خبر کلیب بن معاویة الأسدی

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی محمد بن جعفر الرزاز الکوفی، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن جعفر بن بشیر، عن کلیب بن معاویة الأسدی، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: لم تبکِ السماء إلّا علی الحسین بن علی، ویحیی بن زکریا علیهما السلام »((1)).

فهذه الروایة اقتصرت علی ذکر بکاء السماء فقط، ولم تذکر بکاء الأرض.

وسند هذه الروایة صحیح، رجالها کلّهم ثقات، فابن قولویه، وشیخه الرزاز، ومحمد بن الحسین کلّهم ثقات تقدّم ذکرهم غیر مرّة، وجعفر بن بشیر من الثقات


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص183.

ص:215

الأجلّاء العبّاد((1))، وکلیب بن معاویة فیه خلاف بسیط، غیر أنّ الصحیح وثاقته((2)).

کما أنّ ابن قولویه أخرج الخبر السابق فی موضع آخر، بلفظ یزید علی سابقه، قال: «حدّثنی أبی (رحمه الله تعالی)، وجماعة مشایخی، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، ومحمد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن جعفر بن بشیر، عن حمّاد، عن کلیب بن معاویة، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: کان قاتل یحیی بن زکریا ولد زنا، وکان قاتل الحسین علیه السلام ولد زنا، ولم تبکِ السماء إلّا علیهما»((3)).

وهنا کما هو واضح أیضاً اقتصر علی ذکر السماء دون الأرض.

وهذا السند کسابقه، رجاله کلّهم ثقات إلّا أنّ جعفر بن بشیر رواها هنا عن حمّاد، عن کلیب، فإمّا أنْ یکون هناک اختلاف فی السند وأنّ حمّاداً إمّا زِید فی هذا السند أو أُنقص من السند الأوّل، أو نقول: إنّ جعفر بن بشیر قد سمعها تارةً من حمّاد، عن کلیب، وتارةً من کلیب مباشرةً، غیر أنّ الأمر یسهل فیما إذا عرفنا أنّ حمّاداً الذی یکثر عنه جعفر بن بشیر هو حمّاد بن عثمان وهو ثقة، ولو فرضنا أنّه عثمان بن عیسی، فهو ثقة أیضاً، وقد ذکر السیّد الخوئی أنّ الذی ورد بعنوان حمّاد مشترک بین ابن عیسی وابن عثمان، وقد وقع فی إسناد کثیر من الروایات تبلغ ألفاً وثمانمائة وخمسة وعشرین مورداً((4)).

والخلاصة: إنّ الروایة بهذه الألفاظ صحیحة أیضاً.


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص119. الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص92.
2- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج15، ص124- 128.
3- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص161.
4- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج7، ص199، وما بعدها.

ص:216

وهناک طریق آخر ذکره ابن قولویه، قال: «حدّثنی محمد بن الحسن، ومحمد بن أحمد بن الحسین جمیعاً، عن الحسن بن علی بن مهزیار، عن أبیه، عن الحسن، عن فضالة بن أیوب، عن کلیب بن معاویة الأسدی، عن أبی عبد الله علیه السلام مثله»((1)).

ولا نری مبرراً لدراسة سندها مادامت متّحدة مع سابقتها فی اللفظ.

2 - خبر جابر الجعفی

أخرجه ابن قولویه، قال: «وحدّثنی علی بن الحسین بن موسی، عن علی بن إبراهیم، وسعد بن عبد الله جمیعاً، عن إبراهیم بن هاشم، عن علی بن فضّال، عن أبی جمیلة، عن جابر، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: ما بکت السماء علی أحد بعد یحیی بن زکریا إلّا علی الحسین بن علی علیهما السلام ، فإنّها بکت علیه أربعین یوماً»((2)).

وهذه الروایة أیضاً اقتصرت علی ذکر السماء فقط.

وهذا السند رجاله کلّهم ثقات معروفین، فابن قولویه وشیخه الصدوق الأب من الثقات المعروفین، وعلی بن إبراهیم القمّی، وسعد بن عبد الله الأشعری من الثقات الأجلّاء أیضاً، وإبراهیم بن هاشم تقدّم غیر مرّة أنّه ثقة، وأمّا علی بن فضّال، فالظاهر أنّه تحریف وأنّ النص هو (ابن فضّال)؛ لأنّ إبراهیم بن هاشم إنّما یروی عن الحسن بن علی بن فضّال، وأمّا علی بن الحسن بن فضّال، فهو یروی عن إبراهیم بن هاشم لا العکس، وکیفما کان فکلاهما ثقة، فالحسن بن علی بن فضّال، ثقة من الأجلّاء، کان فطحیاً، ثمّ رجع إلی القول الحق((3)).


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص161.
2- المصدر السابق: ص183.
3- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص97- 98. النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص34- 35.

ص:217

وعلی بن الحسن، ثقة جلیل القدر((1)).

وأمّا المفضّل بن صالح فقد وقع الخلاف فیه، وقد مال الوحید إلی توثیقه بقرینة روایة الأجلّاء عنه، وکذلک أصحاب الإجماع وغیر ذلک من القرائن((2)).

3 - خبر داوُد بن فرقد

ولابن قولیه فیه طریقان، یختلفان فی بعض الألفاظ:

الأوّل: قال ابن قولویه: «وحدّثنی محمد بن جعفر الرزاز القرشی، قال: حدّثنی محمد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن صفوان بن یحیی، عن داوُد بن فرقد، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: احمرّت السماء حین قُتل الحسین علیه السلام سنة، ویحیی بن زکریا، وحمرتها بکاؤها»((3)).

فهذا الخبر اقتصر علی ذکر بکاء السماء، ولم یتطرّق لذکر الأرض کما هو واضح.

وأمّا السند فهو صحیح، رجاله إمامیة ثقات، فابن قولویه، والرزاز، ومحمد بن الحسین کلّهم ثقات تقدّم ذکرهم.

وصفوان بن یحیی، من الثقات الأجلّاء العبّاد((4)).

وداوُد بن فرقد ثقة أیضاً((5)).


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص257.
2- اُنظر: الوحید البهبهانی، محمد باقر، تعلیقة علی منهج المقال: ص339- 340.
3- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص182.
4- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص197. الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص145.
5- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص158. الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص336.

ص:218

الثانی: قال ابن قولویه أیضاً: «حدّثنی أبی، عن محمد بن الحسن بن مهزیار، عن أبیه، عن علی بن مهزیار، عن الحسن بن سعید، عن فضالة بن أیوب، عن داوُد بن فرقد، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: کان الذی قتل الحسین بن علی علیهما السلام ولد زنا، والذی قتل یحیی بن زکریا ولد زنا، وقال: احمرّت السماء حین قُتل الحسین بن علی سنة، ثمّ قال: بکت السماء والأرض علی الحسین بن علی، وعلی یحیی بن زکریا، وحمرتها بکاؤها»((1)).

وأمّا هذا الطریق: فابن قولویه وأبوه ثقات کما تقدّم، ومحمد بن الحسن بن مهزیار، فهو أیضاً ثقة من مشایخ ابن قولویه، لکن أبوه الحسن بن مهزیار لم یذکروه، وعلی بن مهزیار ثقة((2))، والحسن بن سعید الأهوازی ثقة((3))، ویری السیّد الخوئی أنّ علی بن مهزیار یروی عن الحسین بن سعید لا عن الحسن کما أنّ الذی یروی عن فضالة بکثرة هو الحسین لا الحسن، وعدم ثبوت روایة الحسن عنه((4))، وکیفما کان فالحسین والحسن کلاهما من الثقات.

وفضالة بن أیوب ثقة أیضاً((5)).

فتلخّص أنّ هذا السند ضعیف؛ لجهالة الحسن بن مهزیار، وهو متّفق مع الطریق المتقدّم فی أصل مسألة البکاء ویختلف عنه فی بعض الجزئیات.

4 - خبر عبد الخالق

وهو أیضاً ذکر بکاء السماء ولم یتعرّض للأرض، وسیأتی ذکره لاحقاً، وهو معتبر من حیث السند أیضاً.


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص188.
2- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص253.
3- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص104.
4- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج5، ص340.
5- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص311.

ص:219

ب - دراسة نماذج من الروایات ذکرت بکاء السماء والأرض
اشارة

وکما دلّت الأخبار علی بکاء السماء، فقد دلّت أخبار أُخری علی بکاء السماء والأرض، منها: خبر أبی بصیر، وخبر حنان بن سدیر، وخبر الحسین بن ثویر وغیرها، وهذه الأخبار الثلاثة کلّها معتبرة سنداً:

1 - خبر أبی بصیر

أخرجه ابن قولویه، قال: «وحدّثنی محمد بن جعفر، عن محمد بن الحسین، عن وهیب بن حفص النحاس، عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: إنّ الحسین علیه السلام بکی لقتله السماء والأرض واحمرّتا، ولم تبکیا علی أحد قطُّ إلّا علی یحیی بن زکریا، والحسین بن علی علیهما السلام »((1)).

وقال ابن قولویه أیضاً: «وحدّثنی أبی رحمة الله، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسین بإسناده مثله»((2)).

فهذا الخبر صرّح بأنّ السماء والأرض بکتا علی الحسین علیه السلام ولم یقتصر علی ذکر السماء.

وأمّا من حیث السند فهو معتبر.

فمحمّد بن جعفر الرزاز، هو شیخ ابن قولویه، وشیخ الکلینی، وقد أکثر عنه، ومن مشایخ الشیعة، فلا إشکال فی وثاقتة((3))، وکذا محمد بن الحسین بن أبی الخطّاب،


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص181.
2- المصدر السابق.
3- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج16، ص182- 185.

ص:220

فإنّه من الأجلّاء الثقات((1)).

والشیخ ابن قولویه لم یقتصر فی طریقه إلی الحسین علی شیخه الرزاز، بل حدّث عن أبیه، عن سعد بن عبد الله، وکلاهما ثقات أیضاً، والغرض أنّ الطریق إلی وهیب صحیح، ووهیب بن حفص النحاس، فقد استظهر السیّد الخوئی أنّه الجریری بعینه، وکذلک التستری، والجریری ثقة((2)).

وأبو بصیر الأسدی ثقة إمامی من أصحاب الإجماع.

فتحصّل أنّ هذا السند رجاله کلّهم ثقات غیر أنّ وهیب واقفی((3))، فیکون السند موثّق.

2 - خبر حنان بن سدیر

أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی أبی رحمة الله، وعلی بن الحسین، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن موسی بن الفضل، عن حنان، قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی زیارة قبر أبی عبد الله الحسین علیه السلام ، فإنّه بلغنا عن بعضهم أنّها تعدل حجة وعمرة؟ قال: لا تعجب، ما أصابَ مَن یقول هذا کلّه، ولکن زره ولا تجفه، فإنّه سیّد الشهداء، وسیّد شباب أهل الجنّة، وشبیه یحیی بن زکریا، وعلیهما بکت السماء والأرض»((4)).

وهذا الخبر أیضاً صریح فی بکاء السماء والأرض معاً.


1- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص334.
2- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج20، ص236، ص238 - 239. التستری، محمد تقی، قاموس الرجال: ج10، ص464.
3- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص431.
4- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص184.

ص:221

لکنّ الخبر بهذا السند ضعیف؛ لجهالة موسی بن الفضل.

وقال ابن قولویه أیضاً: «حدّثنی أبی، ومحمد بن الحسن بن الولید، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن عبد الصمد بن محمد، عن حنان بن سدیر، عن أبی عبد الله علیه السلام مثله سواء»((1)).

وأخرجه الحمیری فی قرب الإسناد، قال: «وعنهما [أی: محمد بن عبد الحمید، وعبد الصمد بن محمد حسب ما تقدّما فی أسانیده السابقة]، عن حنان بن سدیر، قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی زیارة قبر الحسین علیه السلام ؟ فإنّه بلغنا عن بعضکم أنّه قال: تعدل حجّة وعمرة. قال: فقال: ما أضعف هذا الحدیث، ما تعدل هذا کلّه، ولکن زوروه ولا تجفوه. فإنّه سیّد شباب الشهداء، وسیّد شباب أهل الجنّة، وشبیه یحیی بن زکریا، وعلیهما بکت السماء والأرض»((2)).

والخبر بهذا السند أیضاً صرّح ببکاء السماء والأرض، کما أنّه یمکن القول بصحّته؛ إذ إنّ رواته من الإمامیة الثقات باستثناء عبد الصمد بن محمد الأشعری، فلم یرد فیه جرح ولا توثیق، لکن روایة الأجلّاء عنه، کمحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن أحمد بن یحیی، ومحمد بن علی بن محبوب، قد توجب القول بوثاقته.

کما أنّ عبد الصمد لم ینفرد، بل تابعه محمد بن عبد الحمید، وهو الآخر فیه کلام بین التوثیق والجهالة.

ولا نجد حاجة للبحث مفصّلاً؛ لأنّ السند القادم هو سند صحیح.

فقد قال ابن قولویه أیضاً: «حدّثنی أبی (رحمه الله تعالی)، وجماعة مشایخی، عن سعد


1- المصدر السابق: ص185.
2- الحمیری، عبد الله بن جعفر، قرب الإسناد: ص99.

ص:222

بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع، عن حنان بن سدیر، عن أبی عبد الله علیه السلام مثله»((1)).

وهذا السند معتبر، رجاله کلّهم من الثقات، فابن قولویه وأبوه، وجماعة مشایخه، وسعد بن عبد الله الأشعری، وأحمد بن محمد بن عیسی الأشعری، کلّهم ثقات معروفون.

ومحمد بن إسماعیل بن بزیع ثقة أیضاً((2)).

وأمّا حنان بن سدیر، فهو واقفی ثقة أیضاً((3)).

فالسند حینئذٍ موثّق.

3 - خبر الحسین بن ثویر

وهو خبر معتبر سیأتی لاحقاً، وقد نصّ علی أنّ السموات السبع والأرضین السبع کلّها بکت علی الحسین علیه السلام .

ثانیاً: ما دلّ علی البکاء مطلقاً من دون لحاظ جهات أُخری
اشارة

ومن الواضح من خلال التخریج أنّ هناک عدّة أخبار قد تناولت مسألة البکاء بصورة مطلقة، فلم تقیّدها بوقت محدّد، ولم تبیّن نوع البکاء، ولم تُشر إلی أیّ خصوصیة أُخری، فقد اقتصرت علی البکاء فقط، ومن هذه الأخبار:


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص185.
2- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص330 - 331.
3- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص119. الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص334.

ص:223

1 - خبر حنان بن سدیر

وقد تقدّم ذکره ودراسته بطرقه المختلفة، وعرفنا أنّ الخبر معتبر، وقد نصّ الخبر علی أهمیة زیارة الحسین علیه السلام وأنّه شبیه یحیی بن زکریا: «وعلیهما بکت السماء والأرض»((1)).

2 - خبر الحسین بن ثور

تقدّم فی أثناء التخریج أنّ طریقین لهذا الخبر ضعیفان، لکن الخبر ورد بطریق آخر صحیح معتبر، وهو ما أخرجه ابن قولویه أیضاً، قال: «حدّثنی أبی رحمة الله، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن القاسم بن یحیی، عن الحسن بن راشد، عن الحسین بن ثویر، قال: کنت أنا ویونس بن ظبیان، والمفضّل بن عمر، وأبو سلمة السراج جلوساً عند أبی عبد الله علیه السلام ، فکان المتکلّم یونس - وکان أکبرنا سناً - وذکر حدیثاً طویلاً، یقول: ثمّ قال أبو عبد الله علیه السلام : إنّ أبا عبد الله علیه السلام لمّا مضی، بکت علیه السماوات السبع والأرضون السبع وما فیهن وما بینهن، وما ینقلب فی الجنّة والنار من خلق ربنا، وما یُری وما لا یُری بکی علی أبی عبد الله إلّا ثلاثة أشیاء لم تبکِ علیه. قلت: جُعلت فداک، ما هذه الثلاثة الأشیاء؟ قال: لم تبکِ علیه البصرة، ولا دمشق، ولا آل عثمان بن عفان، وذکر الحدیث»((2)).

وأخرجه الکلینی فی الکافی، عن: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن القاسم بن یحیی، عن جدّه الحسن بن راشد، عن الحسین بن ثویر، قال: کنت أنا ویونس بن ظبیان، والمفضّل بن عمرو أبو سلمة السراج، جلوساً عند أبی عبد الله علیه السلام وکان


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص184.
2- المصدر السابق: ص167.

ص:224

المتکلّم منّا یونس، وکان أکبرنا سنّاً...»((1)). وذکر حدیثاً مفصّلاً من جملته ما ذکره ابن قولویه فیما تقدّم.

فهذا الخبر تحدّث عن جنبة البکاء ولم یلحظ جهات أُخری کمدّته، أو نوعه، أو تقییده بأشخاص معینین وما شاکل، بل کان ناظراً فقط إلی جنبة البکاء.

وأمّا من حیث السند، فهو صحیح معتبر، رجاله إمامیة ثقات؛ إذ لا کلام فی وثاقة رجال السند إلی القاسم بن یحیی، وأمّا هو أعنی القاسم بن یحیی، فثقة أیضاً؛ لقرائن عدّة ذکرها الوحید کروایة الأجلّة عنه، وکثرة روایاته والإفتاء بمضمونها، وعدم طعن أحد من علماء الرجال فیه((2)).

کما وثّقه السیّد الخوئی اعتماداً علی الشیخ الصدوق؛ حیث عدّ أحد الروایات الواردة فی الزیارة والتی جاء القاسم فی سندها بأنّها أصحّ الزیارات عنده من طریق الروایة((3)). وجدّه الحسن بن راشد مولی بنی العباس، فیه کلام، لکن الوحید قوّی أمره وتبعه علی ذلک المامقانی((4)). ووثّقه السیّد الخوئی طبق مبناه القاضی بوثاقة رجال تفسیر القمی((5)). کما أنّه جاء فی سند الروایة التی قال عنها الشیخ الصدوق بأنّها أصح الزیارات عنده من طریق الروایة((6)). والحسین بن ثور ثقة أیضاً((7)).


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی: ج4، ص575.
2- اُنظر: الوحید البهبهانی، محمد باقر، تعلیقة علی منهج المقال: ص285.
3- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج15، ص67- 68. الصدوق، محمد بن علی، مَن لا یحضره الفقیه: ج2، ص598.
4- اُنظر: المامقانی، عبد الله، تنقیح المقال فی علم الرجال: ج19، ص184.
5- الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج5، ص512.
6- الصدوق، محمد بن علی، مَن لا یحضره الفقیه: ج2، ص598.
7- النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص55.

ص:225

فتبیّن أنّ هذا الحدیث صحیح معتبر أیضاً.

کما أخرجه الشیخ الطوسی فی الأمالی، قال: «حدّثنا أبو عبد الله محمد بن محمد، قال: حدّثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید رحمة الله، قال: حدّثنی أبی، قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن محمد بن أبی عمیر، عن الحسین بن أبی فاختة، قال: کنت أنا، وأبو سلمة السراج، ویونس بن یعقوب، والفضیل بن یسار عند أبی عبد الله جعفر بن محمد علیهما السلام ، فقلت له: جُعلت فداک، إنّی أحضر مجالس هؤلاء القوم... وقال: إنّ أبا عبد الله الحسین علیه السلام لمّا قُتل بکت علیه السماوات السبع والأرضون السبع، وما فیهن وما بینهن، ومَن یتقلّب فی الجنّة والنار، وما یُری وما لا یُری، إلّا ثلاثة أشیاء، فإنّها لم تبکِ علیه. فقلت: جُعلت فداک، وما هذه الثلاثة أشیاء التی لم تبکِ علیه؟ فقال: البصرة، ودمشق، وآل الحکم بن أبی العاص»((1)).

وهذا السند صحیح، رجاله کلّهم إمامیة ثقات، فشیخ الطوسی هو الشیخ المفید، وشیخه أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید فیه خلاف، لکن قال بوثاقته الکثیر کالعلّامة، والشهید الثانی، وغیرهم، وقد ترجمه المامقانی مفصّلاً وانتهی إلی وثاقته((2)). وبقیّة الرجال کلّهم من المعروفین الثقات.

ثالثاً: إنّ السماء والأرض لم تبکِ إلّا علی الحسین، ویحیی بن زکریا
اشارة

وفی المقام أکثر من عشرة روایات - وفیها المعتبرة - أکّدت علی أنّ حادثة البکاء اقتصرت علی یحیی بن زکریا، والحسین بن علی علیه السلام ، ولم تحصل لغیرهما، فمن هذه الروایات: روایة عبد الله بن هلال، وأبی بصیر، ومحمد بن عبد الله الحلبی، وعبد الخالق


1- الطوسی، محمد بن الحسن، الأمالی: ص54.
2- اُنظر: المامقانی، عبد الله، تنقیح المقال فی علم الرجال: ج7، ص246- 254.

ص:226

بن عبد ربّه، وکلیب بن معاویة، وغیرها ممّا هو واضح فی التخریج، وسنقتصر هنا من باب الإشارة علی ذکر اثنین فقط:

1 - روایة أبی بصیر

وهذه الروایة تقدّمت، وعرفنا أنّها معتبرة سنداً، وقد جاء فیها ما نصّه: «ولم تبکیا علی أحد قطُّ إلّا علی یحیی بن زکریا، والحسین بن علی علیهما السلام »((1)).

2 - روایة محمد بن علی الحلبی

وهذه الروایة أخرجها ابن قولویه، قال: «حدّثنی علی بن الحسین بن موسی، عن علی بن إبراهیم بن هاشم، عن أبیه، عن ابن فضّال، عن أبی جمیلة، عن محمد بن علی الحلبی، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی قوله تعالی: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا کَانُوا مُنظَرِینَ)، قال: لم تبکِ السماء علی أحد منذُ قُتل یحیی بن زکریا حتی قُتل الحسین علیه السلام ، فبکت علیه»((2)).

ورواها الراوندی من طریق الصدوق کما تقدّم.

فهذه الروایة أیضاً صریحة فی أنّ السماء لم تبکِ علی أحد سوی یحیی بن زکریا، والحسین بن علی علیه السلام .

وأمّا من حیث السند، فهو صحیح رجاله کلّهم إمامیة ثقات، فابن قولویه، وشیخه الصدوق الأب، وعلی بن إبراهیم، وأبوه، کلّهم ثقات.

وابن فضّال یُطلق علی جماعة کلّهم ثقات، قال السیّد الخوئی: «إن ابن فضّال یُطلق علی الحسن بن علی بن فضّال، وعلی أبنائه، علی، وأحمد، ومحمد، والمشهور منهم الحسن


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص181.
2- المصدر السابق: ص182.

ص:227

وابنه علی»((1)).

فالحسن بن علی بن فضّال، ثقة من الأجلّاء، کان فطحیاً، ثمّ رجع إلی القول الحق((2)).

وعلی بن الحسن، ثقة جلیل القدر((3)).

وأحمد ثقة، ویقال کان فطحیاً((4)).

ومحمد لا یبعد کونه ثقة أیضاً((5)).

علی أنّه لا یبعد أنْ یکون الوارد فی السند هو الحسن بن علی بن فضّال؛ لروایة إبراهیم بن هاشم عنه.

وأبو جمیلة، هو مفضّل بن صالح، وفیه خلاف، وقد مال الوحید إلی توثیقه بقرینة روایة الأجلّاء عنه، وکذلک أصحاب الإجماع، وغیر ذلک من القرائن((6)).

ومحمد بن علی الحلبی من الثقات الأجلّاء((7)).

رابعاً: إنّ معنی البکاء هو حمرة السماء
اشارة

وهنا توجد عدّة من الروایات، منها:


1- الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج24، ص17.
2- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص97- 98. النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص34- 35.
3- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص257.
4- المصدر السابق: ص80.
5- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج16، ص244- 245.
6- اُنظر: الوحید البهبهانی، محمد باقر، تعلیقة علی منهج المقال: ص339- 340.
7- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص325. الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج17، ص325.

ص:228

1 - خبر داوُد بن فرقد

وقد تقدّم أنّ لابن قولیه فیه طریقان یختلفان فی بعض الألفاظ، وکلاهما نصّا علی أنّ السماء احمرّت حین قُتل الحسین علیه السلام ، ویحیی بن زکریا، وحمرتها بکاؤها.

وعرفنا أنّ الطریق الأوّل، صحیح من حیث السند، رجاله إمامیة ثقات.

وأمّا الطریق الثانی، فهو ضعیف؛ لجهالة الحسن بن مهزیار.

2 - خبر عبد الخالق بن عبد ربّه

أخرجه ابن قولویه، قال: «وحدّثنی أبی رحمة الله، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن الحسن بن علی بن فضّال، عن ابن بکیر، عن زرارة، عن عبد الخالق بن عبد ربّه، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: لم یجعل له من قَبلُ سمیّا، الحسین بن علی لم یکن له من قَبلُ سمیّا، ویحیی بن زکریا علیه السلام لم یکن له من قَبلُ سمیّا، ولم تبکِ السماء إلّا علیهما أربعین صباحاً. قال: قلت: ما بکاؤها؟ قال: کانت تطلع حمراء وتغرب حمراء»((1)).

فالخبر یصرّح بأنّ السماء تطلع حمراء وتغرب حمراء، فی إشارة إلی أنّ السماء محمرّة من حین شروق الشمس إلی حین غروبها.

وأمّا من حیث السند، فهو معتبر، رجاله کلّهم ثقات، فابن قولویه، وأبوه، وسعد بن عبد الله، وأحمد بن محمد بن عیسی، کلّهم من الثقات.

والحسن بن علی بن فضّال، ثقة من الأجلّاء، کان فطحیاً، ثمّ رجع إلی القول الحق((2)).


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص182- 183.
2- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص97- 98. النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص34- 35.

ص:229

وعبد الله بن بکیر هذا، هو عبد الله بن بکیر بن أعین، فطحی لکنّه ثقة، له ترجمة مفصّلة فی معجم رجال الحدیث((1)).

وزرارة بن أعین، ثقة من الأجلّاء.

وعبد الخالق بن عبد ربّه، ثقة أیضاً((2)).

فالسند موثّق.

وأورد السیّد شرف الدین الأسترابادی، وکذلک السیّد هاشم البحرانی هذا الحدیث عن القمّی، علی بن إبراهیم، «عن أبیه، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن بکیر، عن زرارة، عن عبد الخالق، قال: سمعت أبا عبد الله - علیه السلام - یقول فی قول الله (عزّ وجلّ): (لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِیًّا)، فقال الحسین علیه السلام لم یکن له من قَبلُ سمیّا، ویحیی بن زکریا لم یکن له من قَبلُ سمیّا، ولم تبکِ السماء إلّا علیهما أربعین صباحاً. قلت: فما [کان] بکاؤها؟ قال: کانت الشمس تطلع حمراء وتغیب حمراء»((3)).

والخبر بهذا السند لا یختلف عن سابقه من حیث الدلالة؛ لذا فالکلام فی ثبوت أو عدم ثبوت تفسیر القمّی لا یجدی کثیر نفع، إلّا أنّه علی القول بثبوت التفسیر ووثاقة جمیع رجاله، وکذا علی القول بثبوت قسم من التفسیر لعلی بن إبراهیم ووثاقة رجاله أیضاً، فإنّ ذلک یُعطی قوّة أکثر للروایة.

إلّا أنّه بعد البحث والتنقیب لم نعثر علی هذه الروایة فی تفسیر القمّی، فلعلّها ساقطة من النُّسخ الواصلة إلینا.


1- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج11، ص129- 137.
2- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص270.
3- الأستربادی النجفی، علی الحسینی، تأویل الآیات: ج1، ص302. البحرانی، هاشم بن سلیمان، مدینة المعاجز: ج3، ص445.

ص:230

وقد ذکر السیّد شرف الدین الأسترابادی، وجهاً آخر للخبر، مضافاً لطریق القمّی المتقدّم،، فقال بعد ذکره الآیة الشریفة:

تأویله: قال محمد بن العباس رحمة الله: قال: «حدّثنا حمید بن زیاد، عن أحمد بن الحسین بن بکر، قال: حدّثنا الحسن بن علی بن فضّال بإسناده إلی عبد الخالق، قال: سمعت أبا عبد الله - علیه السلام - یقول فی قول الله (عزّ وجلّ) (لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِیًّا)، قال: ذلک یحیی بن زکریا - علیهما السلام - لم یکن له من قَبلُ سمیّا، وکذلک الحسین - علیه السلام - لم یکن له من قَبلُ سمیّا، ولم تبکِ السماء إلّا علیهما أربعین صباحاً. قلت: فما کان بکاؤها؟ قال: تطلع الشمس حمراء»((1)).

والخبر هذا مبتلی بالإرسال، فلم یذکر سند ابن فضّال إلی عبد الخالق، ولعلّه نفس السند السابق، کما أنّ السیّد شرف الدین متوفّی فی سنة (965ه-)، وهو ینقل من کتاب ما نزل من القرآن فی أهل البیت لمحمد بن العباس، وثبوت النُّسخة التی عثر علیها السیّد شرف الدین وأکثر من النقل عنها یحتاج إلی تحقیق، فإنّها لم تصل إلینا.

وکیف ما کان، فإنّ الخبر بسنده الذی نقله ابن قولویه هو سند معتبر موثّق.

خامساً: إنّ مدّة البکاء کانت أربعین یوماً، أو أربعین صباحاً
اشارة

ویدلّ علیه خبر جابر الجعفی، وعبد الخالق بن عبد ربّه، وعبد الله بن هلال، وخبر زرارة بن أعین، وسنقتصر هنا من باب الإشارة علی ذکر خبرین.

1 - خبر جابر الجعفی

أخرجه ابن قولویه، قال: «وحدّثنی علی بن الحسین بن موسی، عن علی بن إبراهیم،


1- الأستربادی النجفی، علی الحسینی، تأویل الآیات: ج1، ص303.

ص:231

وسعد بن عبد الله جمیعاً، عن إبراهیم بن هاشم، عن علی بن فضّال، عن أبی جمیلة، عن جابر، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: ما بکت السماء علی أحد بعد یحیی بن زکریا إلّا علی الحسین بن علی علیهما السلام ، فإنّها بکت علیه أربعین یوماً»((1)).

فهو صریح فی أنّ البکاء کان أربعین یوماً.

وأمّا من حیث السند، فرجاله کلّهم ثقات باستثناء المفضّل بن صالح (أبی جمیلة)، فقد وقع الخلاف فیه، وقد مال الوحید إلی توثیقه بقرینة روایة الأجلّاء عنه، وکذلک أصحاب الإجماع، وغیر ذلک من القرائن((2)).

2 - خبر عبد الخالق بن عبد ربّه

وقد تقدّم فیما سبق وجاء فیه: «ولم تبکِ السماء إلّا علیهما أربعین صباحاً...»

وعرفنا أنّ سنده معتبر (موثّق).

سادساً: إنّ السماء بکت سنة علی الحسین علیه السلام

ویدلّ علیه: خبر داوُد بن فرقد فقد جاء فیه: « احمرّت السماء حین قُتل الحسین علیه السلام سنة...»

وقد تقدّمت دراسته وتبیّن أنّه صحیح.

سابعاً: إنّ السماء بکت أربعین یوماً بالدم والأرض بالسواد

ویدلّ علیه: خبر زرارة والذی جاء فیه: «یا زرارة، إنّ السماء بکت علی الحسین


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص183.
2- اُنظر: الوحید البهبهانی، محمد باقر، تعلیقة علی منهج المقال: ص339- 340.

ص:232

أربعین صباحاً بالدم، وإنّ الأرض بکت أربعین صباحاً بالسواد...»((1)).

لکنّ هذا الخبر ضعیف من حیث السند؛ ویکفی فی ذلک جهالة علی بن محمد بن سالم، وجهالة عبد الله بن حمّاد البصری.

وکذلک ضعف عبد الله بن عبد الرحمن الأصم علی ما قدّمناه سابقاً.


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص167.

ص:233

النتائج التی نخلص إلیها من خلال الروایات المعتبرة

اتّضح أنّ للروایات الواردة فی البکاء علی الحسین علیه السلام معطیات متعدّدة، وأنّ بعضها قد یشم منها رائحة التعارض؛ لذا سنتعرّض للنتائج النهائیة التی یمکن أنْ نصل إلیها من خلال النظر الجمعی لتلک الروایات:

1 - لا شکّ ولا شبهة فی أنّ السماء والأرض بکتا علی الحسین علیه السلام ، وقد دلّت کلّ الروایات المتقدّمة بمختلف ألسنتها علی ذلک، سوی أنّ بعضها قصر البکاء علی السماء دون ذکر الأرض، وبعضها الآخر ذکر بکاء السماء والأرض، وعلی کلا الأمرین دلّت الروایات المعتبرة.

وحیث إنّ الروایات بکلا طائفتیها بصدد إثبات الموضوع، فلا تعارض بینهما، فإثبات الشیء لا ینفی ما سواه، أی: إنّ الروایات الدالة علی بکاء السماء لا تنفی حصول البکاء من الأرض وغیرها، فهی ساکتة عن تلک الجهة، فإذا وردت روایات تؤکّد بکاء الأرض، أو الشمس، أو الکواکب، ثبت ذلک حینئذٍ، والحال أنّ الروایات المعتبرة المعتضدّة مع روایات أُخری لم تبلغ درجة الاعتبار دلّت علی بکاء السماء والأرض کما عرفنا.

فالخلاصة: إنّ أصل مسألة بکاء السماء والأرض دلّت علیها مجموعة کبیرة من الروایات بما فیها المعتبر سنداً.

2 - إنّ السماء والأرض لم تبکیا إلّا علی الحسین بن علی علیه السلام ، ویحیی بن زکریا علیه السلام ، وهذا المعنی أیضاً ورد فی روایات عدیدة بعضها معتبرة سنداً، وهی لا تتنافی مع الروایات المثبتة لأصل البکاء من دون نظر إلی حصوله علی غیر الحسین أو عدمه، فکلاهما یتّفقان علی حصول البکاء علی الحسین، غیر أنّ هذه الطائفة تبیّن أنّ ظاهرة

ص:234

البکاء لم تحصل إلّا علی الحسین علیه السلام ، ومن قَبله یحیی بن زکریا علیه السلام ، فلا مانع من التمسّک بهذا البیان الذی ورد فیها.

3 - یستفاد من مجموعة من الروایات أنّ أحد مصادیق البکاء هو حمرة السماء، فقد ورد أنّ «حمرتها بکاؤها»، «وبکی لقتله السماء والأرض واحمرّتا»، وهذان الخبران معتبران، کما ورد أنّهم: «مکثوا أربعین یوماً تطلع الشمس بحمرة وتغرب بحمرة... فذاک بکاؤهما»، لکن هذه الروایة ضعیفة السند، وورد نحوها بسند معتبر جاء فیه: «ولم تبکِ السماء إلّا علیهما أربعین صباحاً. قال: قلت: ما بکاؤها؟ قال: کانت تطلع حمراء وتغرب حمراء».

و فی روایة ضعیفة أُخری ورد: «تطلع الشمس فی حمرة وتغیب فی حمرة».

والغرض أنّ هذه الروایات أوضحت مصداقاً من مصادیق بکاء السماء والأرض، وهو الاحمرار سواء فی السماء أو فی الأرض.

أمّا روایة زرارة التی ورد فیها أنّ السماء بکته أربعین یوماً بالدم، والأرض أربعین یوماً بالسواد، فهی ضعیفة، إلا أنّها غیر متنافیة مع تلک؛ إذ إنّ الحمرة کما قلنا هی مصداق من مصادیق البکاء، فلیکن الدم فی السماء والاسوداد فی الأرض یمثّل مصداقاً آخر، وسیأتی أنّ هناک مصادیق أُخری یمکن أنْ تمثّل حالة البکاء.

4 - دلّت أربع أخبار بما فیها اثنان معتبران، علی أنّ البکاء کان أربعین یوماً، فی حین دلّت روایة واحدة معتبرة علی أنّ البکاء کان سنة، واکتفت بقیّة الروایات بالتصریح بحدوث أصل البکاء ولم تنظر إلی مدّته.

فالمقدار المتیقّن من حصول البکاء حینئذٍ هو أربعون یوماً، خصوصاً أنّ الروایة التی ذکرت سنة هی تتفق مع البقیّة فی حصوله أربعین یوماً.

ص:235

علی أنّه یمکن حمل الاختلاف علی اختلاف الإماکن، فیکون البکاء فی مکان ما استمر لسنة کاملة، وفی أماکن أخری استمر لأربعین یوماً، والله العالم.

المبحث الثانی: تخریج ودراسة الأخبار الدالّة علی الحادثة من مصادر أهل السنّة

أوّلاً: الرواة الذین نقلوا الخبر

1 - إبراهیم النخعی.

2 - یزید بن أبی زیاد.

3 - قرة بن خالد.

4 - السدی.

5 - ابن سیرین.

6 - أصبغ بن نباتة، عن علی علیه السلام .

7 - الربیع بن خیثم.

ثانیاً: تخریج الأخبار ودراستها سندیّاً

1 - خبر إبراهیم النخعی
اشارة

قال ابن أبی حاتم: «حدّثنا علی بن الحسین، حدّثنا عبد السلام بن عاصم، حدّثنا إسحاق بن إسماعیل، حدّثنا المستورد بن سابق، عن عبید المکتب، عن إبراهیم (رضی الله عنه)، قال: ما بکت السماء منذُ کانت الدنیا إلّا علی اثنین. قیل لعبید: ألیس السماء والأرض تبکی علی المؤمن؟ قال: ذاک مقامه وحیث یصعد عمله. قال: وتدری ما بکاء السماء؟ قال: لا. قال: تحمر وتصیر وردة کالدهان، إنّ یحیی بن زکریا لمّا قُتل احمرّت

ص:236

السماء وقطرت دماً، وإنّ حسین بن علی یوم قُتل احمرّت السماء»((1)).

رجال السند

علی بن الحسین الدرهمی ثقة((2)).

وعبد السلام بن عاصم، قال فیه الهیثمی: «ثقة»((3)). وقال محررا التقریب: شعیب الأرنؤوط، وبشّار عوّاد: «صدوق حسن الحدیث، فقد روی عنه جمع من الثقات. وقال أبو حاتم: شیخ»((4)).

وإسحاق بن إسماعیل الرازی، صدوق حسن الحدیث، قال فیه ابن معین: «أرجو أنْ یکون صدوقاً»((5)). وذکره ابن حبّان فی الثقات((6)).

وأمّا المستورد بن سابق، فقد ذکره البخاری فی تاریخه بعنوان: مستورد بن سابط، ولم یذکر فیه جرحاً ولا تعدیلاً، وقال فیه: «سمع عبید المکتب، کوفی، روی عنه یحیی بن یحیی»((7)).

وذکره ابن أبی حاتم بعنوان: مستورد بن سابق، وقال: «مستورد بن سابق الغزال، ویقال العصاب، روی عن عبید المکتب، روی عنه یحیی بن یحیی، وصالح بن عبد الله الترمذی، وعلی بن الحسن الرازی المعروف بالکراع، سمعت أبی یقول ذلک: نا عبد


1- ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، تفسیر القرآن العظیم: ج4، ص154. وانظر: ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، تفسیر القرآن العظیم: ج10، ص3289.
2- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج7، ص270- 271.
3- الهیثمی، علی بن أبی بکر، مجمع الزوائد: ج4، ص293.
4- الأرنؤوط، شعیب بن محرم، ومعروف، بشّار عوّاد، تحریر التقریب: ج2، ص362.
5- ابن معین، یحیی، تاریخ ابن معین بروایة الدارمی: ص77.
6- اُنظر: ابن حبّان، محمد، الثقات: ج8، ص110.
7- البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج8، ص17.

ص:237

الرحمن، قال: سألت أبی عنه، فقال: هو شیخ»((1)).

فالرجل إذن ذکره البخاری، وابن أبی حاتم، ولم یوردا فیه جرحاً، وهذه قرینة الوثاقة عند طائفة، أضف إلی ذلک فقد روی عنه جماعة من الثقات، وقال عنه أبو حاتم: شیخ. فالرجل صدوق حسن الحدیث فی أقلّ حالاته.

وقد ذکر الألبانی أنّ روایة ثلاثة من الثقات عن الرجل الذی لم یجرح کافٍ فی توثیقه((2)).

وأمّا عبید المکتب، فهو عبید بن مهران المکتب، من رجال مسلم، ثقة لا کلام فیه، قال یحیی بن معین: «ثقة»((3)). وقال أبو حاتم: «ثقة صالح الحدیث»((4)).

وکذلک وثّقه النسائی، ویعقوب بن سفیان، والعجلی، وابن سعد، وذکره ابن حبّان فی الثقات((5)).

وإبراهیم النخعی: هو إبراهیم بن یزید بن قیس النخعی، من رجال البخاری، ومسلم، والأربعة، وهو: فقیه ثقة کما قال ابن حجر((6)). وکان عجباً فی الورع والخیر، متوقّیاً للشهرة، رأساً فی العلم کما قال الذهبی((7)).

خلاصة الحکم علی السند

تحصّل أنّ هذا الخبر جید الإسناد لا شائبة فیه.


1- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج8، ص365.
2- اُنظر: ابن أبی العینین، أحمد بن إبراهیم، سؤالات ابن أبی العینین للشیخ الألبانی: ص63.
3- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج6، ص2.
4- المصدر السابق: ج6، ص2.
5- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج7، ص68- 69.
6- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص69.
7- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج1، ص227.

ص:238

2 - خبر یزید بن أبی زیاد
اشارة

أورده ابن کثیر، قال: «قال ابن أبی حاتم: وحدّثنا علی بن الحسین، حدّثنا أبو غسان محمد بن عمرو زنیج، حدّثنا جریر، عن یزید بن أبی زیاد، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی (رضی الله عنهما) احمرّت آفاق السماء أربعة أشهر، قال یزید: واحمرارها بکاؤها»((1)).

وأورده القرطبی((2))، والماوردی((3)).

رجال السند

علی بن الحسین الدرهمی ثقة((4)).

ومحمد بن عمرو زنیج ثقة أیضاً، من رجال مسلم، وأبی داوُد، وابن ماجة، وثّقه أبو حاتم، وذکره ابن حبّان فی الثقات، وروی عنه جملة من کبار الحفّاظ وأهل الحدیث((5)). وقد صرّح بوثاقته الذهبی((6)) وابن حجر((7)).

وجریر بن عبد الحمید، من الثقات المعروفین، حتّی صرّح بعضهم بأنّه مجمع علی ثقته((8)).

ویزید بن أبی زیاد ثقة، وتکلّموا فیه من أجل حفظه، فبعضهم قال: ساء وتغیّر فی آخره. وبعضهم قال: إنّه صدوق لکنّه کان یغلط. غیر أنّ بعضهم رفض هذا الکلام


1- ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، تفسیر القرآن العظیم: ج4، ص154.
2- اُنظر: القرطبی، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن: ج16، ص141.
3- اُنظر: الماوردی، علی بن محمد، النکت والعیون: ج5، ص253.
4- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج7، ص270 - 271.
5- اُنظر: المصدر السابق: ج9، ص328.
6- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص206.
7- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص118.
8- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج2، ص65.

ص:239

فیه، فقال أحمد بن صالح المصری: «ثقة، ولا یعجبنی قول مَن تکلّم فیه»((1)). وقال یعقوب بن سفیان: «وإنْ کان قد تکلّم الناس فیه لتغیّره فی آخر عمره، فهو علی العدالة والثقة، وإنْ لم یکن مثل منصور، والحکم، والأعمش، فهو مقبول القول ثقة»((2)).

والخلاصة: إنّ الرجل ثقة فی نفسه، أو لا أقل من کونه صدوقاً، وأکثر الکلام فیه إنّما لأجل تغیّره؛ لذا قال ابن حبّان: «وکان یزید صدوقاً إلّا أنّه لمّا کبر ساء حفظه وتغیّر، فکان یتلقّن ما لُقن، فوقع المناکیر فی حدیثه من تلقین غیره إیّاه، وإجابته فیما لیس من حدیثه لسوء حفظه، فسماع مَن سمع منه قبل دخوله الکوفة فی أوّل عمره سماع صحیح، وسماع مَن سمع منه فی آخر قدومه الکوفة بعد تغیّر حفظه وتلقّنه ما یُلقّن سماع لیس بشیء»((3)).

وانتهی الذهبی إلی أنّه: «شیعی عالم، فهم صدوق، ردیء الحفظ، لم یُترک»((4)).

فالرجل إنْ قلنا بوثاقته علی ما ذهب إلیه أحمد بن صالح، ویعقوب الفسوی، مع معرفتهما بالکلام فیه من غیرهم، فالخبر مقبول جید لا شائبة فیه.

وإنْ قلنا: إنّ الرجل فیه کلام من قِبل حفظه، فإذا ما لاحظنا الحدث الذی ینقله، فهو عبارة عن حدث خطیر ولافت للنظر، وظاهرة کونیة واضحة المعالم، وهی عبارة عن احمرار آفاق السماء وبقائها مدّة علی ذلک، فمثل هذه الحادثة لا یمکن أنْ تُنسی أو تُمحی من الذاکرة، حتّی یقال أنّه ردیئ الحفظ، أو تغیّر بآخره، أو أنّه کان یُلقّن وما إلی ذلک، فهی لیست حدیثاً سمعه من غیره، أو قصّة نُقلت له حتّی یمکن القول بتضعیفها، بل هو رأی أمراً بأُمّ عینیه ونقله کما هو، خصوصاً أنّه لم ینفرد بنقله، بل نقله


1- اُنظر: ابن شاهین، عمر بن أحمد، تاریخ أسماء الثقات: ص256.
2- الفسوی، یعقوب بن سفیان، المعرفة والتاریخ: ج3، ص175.
3- ابن حبّان، محمد، المجروحین: ج3، ص100.
4- الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص382.

ص:240

غیره أیضاً، فیکون الخبر مقبولاً.

وبعد برهة من الزمن علی کلامنا الآنف عن یزید، وجدنا کلاماً للشیخ الألبانی یؤیّد ما ذهبنا إلیه، قاله فی عبد الله بن سلمة الذی تغیّر حفظه؛ إذ حسّن سنداً جاء فیه عبد الله هذا، وعلّق قائلاً: «وفی عبد الله بن سلمة ضعف من قِبل أنّه کان تغیّر حفظه، لکنه هنا یروی أمراً شاهده بنفسه، والغالب فی مثل هذا أنّه لا ینساه الراوی وإنْ کان فیه ضعف، بخلاف ما إذا کان یروی أمراً لم یشاهده کحدیث عن النبی (صلّی الله علیه وسلّم)، فإنّه یخشی علیه أنْ یزید فیه أو ینقص منه، وأنْ یکون موقوفاً فی الأصل تخونه ذاکرته فیرفعه»((1)).

خلاصة الحکم علی السند

هذا الخبر یُمکن عدّه من الأخبار الجیّدة الحسنة فی المقام.

3 - خبر قرّة بن خالد
اشارة

أخرجه ابن عساکر، قال: «أخبرنا أبو غالب بن البنّا، أنا محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون، نا محمد بن إسماعیل بن العباس الورّاق إملاءً، نا إسحاق بن محمد بن مروان، نا أبی، نا إسحاق بن یزید، عن عبد الله بن مسلم، عن أبیه، عن قرّة، قال: ما بکت السماء علی أحد إلّا علی یحیی بن زکریا، والحسین بن علی، وحمرتها بکاؤها»((2)).

وأورده السیوطی فی الدر المنثور ((3))، والقرطبی فی تفسیره((4)).


1- الألبانی، محمد ناصر الدین، إرواء الغلیل: ج3، ص63.
2- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج64، ص217.
3- اُنظر: السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، الدر المنثور: ج4، ص264.
4- اُنظر: القرطبی، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن: ج10، ص220.

ص:241

رجال السند

أبو غالب بن البنّا، شیخ ابن عساکر، وابن الجوزی، وغیرهم، وثّقه ابن الجوزی. وقال فیه الذهبی: «شیخ صالح، کثیر الروایة، عالی السند»((1)).

ومحمد بن أحمد بن محمد بن حسنون، قال فیه الخطیب: «کتبنا عنه وکان صدوقاً ثقة من أهل القرآن، حسن الاعتقاد»((2)).

و محمد بن إسماعیل بن العباس الورّاق، محدّث ثقة((3)).

وإسحاق بن محمد بن مروان، لم یرد فیه جرح مفسّر، فغایة ما ذکروا فیه، أنّ الدارقطنی قال فیه وفی أخیه جعفر: «جعفر وإسحاق ابنا محمد بن مروان القطان الکوفی لیسا ممّن یُحتجّ بحدیثهما»((4)). وأنّ أبا الحسین محمد الحجاجی سُئل عنه، فقال: «کانوا یتکلّمون فیه»((5)).

والجرح غیر المفسّر لا یُعتدّ به حسب المشهور، وحینئذٍ وبملاحظة کثرة تلامیذ الراوی، مع وجود عدد کبیر من الثقات والحفّاظ الذین رووا عنه، منهم: محمد بن حبّان البستی، ومحمد بن المظفر البزاز، ومحمد بن العباس (أبو عمر بن حیویه)، وعلی بن محمد بن عبید البزاز، وعلی بن عمر الحربی، وعبد الله بن محمد (أبو الشیخ الأصفهانی)، وغیرهم کثیر، فلا یبعد القول حینئذٍ أنّ الرجل حسن الحدیث.


1- الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (521- 540ه-)، ج36، ص151.
2- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج1، ص373.
3- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج2، ص51- 52. الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج16، ص388. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، لسان المیزان: ج5، ص80.
4- الدارقطنی، علی بن عمر، سؤالات الحاکم للدارقطنی: ص108. الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج6، ص390.
5- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج6، ص390.

ص:242

وأمّا أبوه محمد بن مروان، فقد قال البرقانی، عن الدارقطنی: «شیخ من الشیعة، حاطب لیل، متروک، لا یکاد یُحدّث عن ثقة»((1)).

وما دام الدارقطنی یراه شیخ من الشیعة، فلا غرابة فی أنْ یکون متروکاً وحاطب لیل، فی حین لم یستطع الدارقطنی أنْ یجرحه بأمر واضح، فکونه حاطب لیل لا یعنی أنّه ضعیف فی نفسه، بل الأمر یتعلّق بروایاته، وأنّه یروی کلّ ما یحصل علیه، وهناک جملة من کبار علماء السنة وُصِفوا ب- (حاطب لیل) کالسیوطی مع جلالة قدره ووثاقته.

وأمّا کونه لا یکاد یروی عن الثقات، فهذا أیضاً لیس بعلّة قادحة فی الراوی نفسه، مع أنّه روی عن عدّة بین صدوق وثقة، فقد روی عن خلف بن أیوب وهو ثقة، وروی عن عبد الحمید بن عبد الرحمن الحمانی وأمره یدور بین الثقة والصدوق، وروی عن عثمان بن سعید بن کثیر وهو ثقة أیضاً، وروی عن إبراهیم بن عبید بن الطنافسی وهو ثقة، وروی عن مخلّد بن خداش وهو صدوق، وروی عن عیاش بن عبد الله وهو ثقة، ذکره ابن حبّان فی الثقات، وروی عنه شعبة وهو لا یروی إلّا عن ثقة، وروی عن سعید بن عثمان البزاز وهو من الحفّاظ الثقات وهکذا، لربما یجد المتتبع کثیراً من الثقات الذین روی عنهم محمد بن مروان، ومعه یصبح کلام الداقطنی ضعیفاً لا محلّ له، ومن الواضح أنّه أراد الحطّ منه لکونه شیعیاً لا غیر، والمشهور عدم دخالة العقیدة فی تضعیف الراوی.

هذا، وقد روی عن محمد بن مروان عدّة من الرواة، منهم: ولده إسحاق، وولده جعفر، وعلی بن العباس بن الولید وهو صدوق، وجعفر بن محمد الفزاری، فالرجل فی الحقیقة لا یوجد فیه جرح واضح کما أنّه لم نقف له علی تعدیل، ولم یروِ عنه عدّة من


1- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، لسان المیزان: ج5، ص376.

ص:243

الثقات حتّی نعدّه صدوقاً أو ثقة، فیبقی مجهول الحال، وقد ذکرنا غیر مرّة أنّ مجهول الحال احتجّ به جمع من أهل التحقیق، ولا أقل من کون حدیثه یصلح للمعاضدة والتقویة.

وإسحاق بن یزید، هو الکوفی الطائی، ثقة عند الشیعة، وذکره ابن أبی حاتم من دون جرح ولا تعدیل، وقال: «إسحاق بن یزید الکوفی، روی عن إبراهیم النخعی، وعبد الله بن نافع، عن الشعبی. روی عنه عبد الله بن رجاء الغدانی البصری»((1)).

وأمّا عبد الله بن مسلم، فقد ذکره ابن حبّان فی الثقات، وقال: «عبد الله بن مسلم بن یسار أدرک أنس بن مالک، روی عنه أهل البصرة»((2)).

وذکره البخاری من دون جرح ولا تعدیل((3)).

وکذلک ذکره ابن أبی حاتم، وقال: «عبد الله بن مسلم بن یسار مولی بنی أُمیّة البصری، روی عن أبیه، روی عنه ابن عون، وکهمس، والمبارک بن فضالة، والهیثم بن قیس العائشی، سمعت أبی یقول ذلک»((4)).

فالرجل ثقة، خصوصاً وفق ما تقدّم من أنّ سکوت البخاری وابن أبی حاتم یُعدّ أمارة علی التوثیق عند طائفة من العلماء.

وأمّا أبوه مسلم بن یسار، فقد نصّ علی وثاقته عدّة من العلماء، وقال فیه ابن حجر: «ثقة عابد»((5)).


1- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج2، ص238.
2- ابن حبّان، محمد، الثقات: ج5، ص60.
3- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج5، ص191.
4- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج5، ص165.
5- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص181.

ص:244

وأمّا قرّة بن خالد، فهو ثقة ضابط متقن لا خلاف فیه((1)).

خلاصة الحکم علی السند

والخلاصة: إنّ السند المذکور علّته الأساسیة هو محمد بن مروان، وعرفنا أنّه مجهول الحال، وقد احتجّ بالمجهول جمع کبیر من المحققین، مضافاً إلی أنّ الخبر یتعاضد مع بقیّة الأخبار الواردة فی نفس الموضوع.

4 - خبر السدی
اشارة

حیث ورد عنه أنّه قال: «لمّا قُتل الحسین بن علی بکت علیه السماء، وبکاؤها حمرتها»

وقد أرسله عنه عدّة من العلماء إرسال المسلّمات کابن کثیر((2))، کالقرطبی((3))، والثعلبی((4))، والبغوی((5))، وسبط ابن الجوزی((6))، والزرندی الشافعی((7)).

وإرسالهم له إرسال المسلّمات یُنبئ بثبوت القول له عندهم.

وقد عزاه ابن البطریق إلی مسلم فی صحیحه، وذکر أنّه أورد روایة السدّی فی أوّل الجزء الخامس فی تفسیر قوله سبحانه وتعالی: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ)((8)).

وقد تبع ابن البطریق علی ذلک جماعة، فنسبوا الروایة لمسلم کالسیّد ابن


1- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج8، ص323. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص29.
2- اُنظر: ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، تفسیر القرآن العظیم: ج4، ص154.
3- اُنظر: القرطبی، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن: ج16، ص141.
4- اُنظر: الثعلبی، أحمد بن محمد، الکشف والبیان: ج8، ص353.
5- اُنظر: البغوی، الحسین بن مسعود، معالم التنزیل: ج4، ص152.
6- اُنظر: سبط ابن الجوزی، یوسف بن فرغلی، تذکرة الخواص:ص561.
7- اُنظر: الزرندی الشافعی، محمد بن یوسف، معارج الوصول إلی فضل آل الرسول: ص99.
8- اُنظر: ابن البطریق، یحیی بن الحسن، عمدة صحاح الأخبار: ص405.

ص:245

طاووس((1))، والسیّد هاشم البحرانی((2)).

وأیضاً أخرجه الطبری، قال: «حدّثنی محمد بن إسماعیل الأحمسی، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبی حمّاد، عن الحکم بن ظهیر، عن السُّدّی، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی (رضوان الله علیهما) بکت السماء علیه، وبکاؤها حمرتها»((3)).

رجال السند

أمّا محمد بن إسماعیل الأحمسی، فثقة، وثّقه النسائی، وابن أبی حاتم، وذکره ابن حبّان فی الثقات((4))، وانتهی الذهبی، وابن حجر إلی وثاقته((5)).

وعبد الرحمن بن أبی حمّاد: هو عبد الرحمن بن شکیل أو (سکین)، المقرئ المعروف، قرأ علی حمزة، وکان من أجلّة أصحابه، ثمّ قرأ علی أبی بکر بن عیاش((6))، ذکره ابن أبی حاتم ولم یورد فیه جرحاً ولا تعدیلاً، فقال: «عبد الرحمن بن شکیل روی عن بسّام الصیرفی، وعمر بن ذر، روی عنه یوسف بن عدی، وقال أبو محمد: هو عبد الرحمن بن أبی حمّاد المقرئ الکوفی، روی عن شیبان النحوی، وفطر بن خلیفة، وحمزة الزیات، وعیسی بن عمر، وهشیم، وابن المبارک، روی عنه أبو سعید الأشج، وهارون بن حاتم، وإسحاق بن الحجاج الرازی الطاحونی، ومحمد بن إسماعیل الأحمسی»((7)).


1- اُنظر: ابن طاووس، علی بن موسی، الطرائف فی معرفة مذاهب الطوائف: ص203.
2- اُنظر: البحرانی، هاشم بن سلیمان، مدینة المعاجز: ج4، ص153.
3- الطبری، محمد بن جریر، جامع البیان: ج25، ص160.
4- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج9، ص50
5- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص158. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص55.
6- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (201- 210ه-)، ج14، ص229.
7- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج5، ص244.

ص:246

وقال الذهبی: «قال أبو هشام الرفاعی: أقرأ مَن قرأ علی حمزة أربعة: إبراهیم الأزرق، وخالد الکحال، وخلّاد الأحول، وکان عبد الرحمن بن أبی حمّاد أکبرهم وأعلمهم بعلم القرآن»((1)).

وترجمه الخطیب وقال: «روی عنه یوسف بن عدی، وهارون بن حاتم، وعبد العزیز بن محمد بن ربیعة الکلابی، وعلی بن المثنی الطهوی، وأبو سعید الأشج، وأحمد بن عبد الحمید الحارثی»((2)).

وحدّث عنه أیضاً عثمان بن أبی شیبة((3))، والحسن بن جامع، ومحمد بن جنید، ومحمد بن الهیثم((4))، وذکره ابن الجزری، وقال عنه: «صالح مشهور»((5)).

وصحّح له الحاکم فی المُستدرک((6)).

وفی الجملة، فالرجل من القرّاء المعروفین، وذکره ابن أبی حاتم ولم یورد فیه جرحاً أو تعدیلاً، وروی عنه جمع غفیر من بینهم عدّة من الحفّاظ والثقات، مثل: أبی سعید الأشج، ومحمد بن الهیثم، ویوسف بن عدی، والأحمسی، وأحمد الحارثی، فهو صدوق حسن الحدیث طبق القواعد.

والحکم بن ظهیر، اتّهموه بالرفض((7))، وأنّه کان یشتم الصحابة، کما أنّه روی: (إذا رأیتم معاویة علی منبری فاقتلوه)، فکان طبیعیاً أنْ یکون متّهماً ومتروکاً، فتعاقبت


1- الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (211- 220ه-) ج15، ص142.
2- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، غُنیة الملتمس إیضاح المشتبه: ص262.
3- اُنظر: الدمشقی، محمد بن عبد الله، توضیح المشتبه: ج5، ص150.
4- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (201- 210ه-)، ج14، ص229.
5- ابن الجزری، محمد بن محمد، غایة النهایة فی طبقات القرّاء: ج1، ص334.
6- اُنظر: الحاکم النیسابوری، محمد بن عبد الله، المستدرک: ج21، ص241.
7- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص231.

ص:247

الکلمات فی ذمّه وتضعیفه((1)).

ولربّما لذلک - أی: لأنّ تضعیفه مبتنٍ علی کونه رافضیّاً - نلاحظ أنّ عثمان ابن أبی شیبة قال فیه: «الحکم بن ظهیر صدوق، ولیس ممّن یُحتج به»((2)).

بل قال ابن کثیر: «وهو صاحب حدیث حسن»((3)).

والسُّدی: هو السُّدی الکبیر، إسماعیل بن عبد الرحمن بن أبی کریمة، من رجال مسلم والأربعة، أحد علماء التفسیر المعروفین، وثّقه عدّة من أئمة هذا الشأن، ونسبه بعضهم إلی التشیّع، ولیّنه بعضهم، والجمع یقتضی أنّ أقلّ حالاته أنْ یکون صدوقاً حسن الحدیث((4)).

ولذا قال ابن حجر: «صدوق یهم، ورُمیَ بالتشیع»((5)).

وقال محررا التقریب (شعیب الأرنؤوط، وبشّار عوّاد): «صدوق، حسن الحدیث، إمام فی التفسیر، ما نقم علیه سوی التشیّع، ومفهوم التشیّع فی زمانه غیر الذی عُرف فیما بعد، فهی علّة غیر قادحة، وقد روی عنه أئمّة الناس: سفیان الثوری، وشعبة، وسلیمان التیمی، وزائدة بن قدامة، وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله الیشکری، وغیرهم، ووثّقه أحمد بن حنبل، والعجلی، وابن حبّان، وارتضاه یحیی بن سعید القطان علی تشدّده، فقال: لا بأس به، ما سمعت أحداً یذکره إلّا بخیر، وما ترکه أحد. وقال النسائی: لا بأس به.


1- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج2، ص368.
2- ابن شاهین، عمر بن أحمد، تاریخ أسماء الثقات: ص63.
3- ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، تفسیر القرآن العظیم: ج2، ص486.
4- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج5، ص264. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج1، ص273- 274.
5- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص97.

ص:248

وغضب عبد الرحمن بن مهدی حینما ضعّفه یحیی بن معین، وکره ما قال...»((1)).

خلاصة الحکم علی السند

یمکن القول أنّ سند هذا الخبر جیّد، فالحکم بن ظهیر علّته الأساس هی التشیّع؛ ومن أجلها ترکوه ورموه بالضعف، فیمکن أنْ یعوّل علی خبره هنا خصوصاً عند ضمّه لغیره من بقیّة الأخبار.

5 - خبر ابن سیرین
اشارة

أخرجه ابن عساکر، قال: «أخبرنا أبو عبد الله الخلال، أنا سعید بن أحمد العیّار، أنا أبو بکر محمد بن عبد الله بن محمد بن زکریا الشیبانی، نا عمر بن الحسین بن علی بن مالک الشیبانی القاضی، نا أحمد بن الحسن الخزاز، نا أبی، نا حصین بن مخارق، عن داوُد بن أبی هند، عن ابن سیرین، قال: لم تبکِ السماء علی أحد بعد یحیی بن زکریا إلّا علی الحسین بن علی»((2)).

ومن طریقه ابن العدیم، قال: «أنبأنا أبو نصر بن هبة الله الشافعی، قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم، قال: أخبرنا أبو عبد الله الخلال، قال: أخبرنا سعید بن أحمد العیار، قال: حدّثنا أبو بکر محمد بن عبد الله بن محمد بن زکریا الشیبانی، قال: حدّثنا عمر بن الحسین بن علی بن مالک الشیبانی القاضی، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الخزاز، قال: حدّثنا أبی، قال: حدّثنا حصین بن مخارق، عن داوُد بن أبی هند، عن ابن سیرین، قال: لم تبکِ السماء علی أحد بعد یحیی بن زکریا إلّا علی الحسین بن علی»((3)).


1- الأرنؤوط، شعیب بن محرم، ومعروف، بشّار عوّاد، تحریر التقریب: ج1، ص136 - 137.
2- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص225.
3- ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2634.

ص:249

وأخرجه الکنجی الشافعی بنفس السند((1))، وأورده الذهبی فی سیره((2)).

رجال السند

أمّا أبو عبد الله الخلال، فهو الحسین بن عبد الملک بن الحسین، قال عنه الذهبی: «وکان ثقة صدوقاً، إماماً فی العربیة، کثیر المحاسن»((3)).

وأمّا سعید بن أحمد العیّار، هو سعید بن أبی سعید، قال فیه الذهبی: «صدوق إنْ شاء الله تعالی»((4)).

وأبو بکر محمد بن عبد الله بن محمد بن زکریا الشیبانی الجوزقی، شیخ نیسابور ومحدّثها، وثاقته معلومة((5)).

وعمر بن الحسین (الحسن) بن علی بن مالک الشیبانی القاضی، أحد الحفّاظ المعروفین، ضعّفه الدارقطنی من دون ذکر السبب، والجرح لا یُقبل إلّا مفسّراً، ونُقل عنه أنّه قال: کان یکذب. إلّا أنّ الذهبی ذکر أنّه لم یصحّ عن الدارقطنی ذلک((6)). وفی قبال ذلک أقوال بالتعدیل، فقد حدّث فی زمن إبراهیم الحربی، وقال الخطیب فی ذلک: «تحدیث ابن الأشنانی فی حیاة إبراهیم الحربی، له فیه أعظم الفخر وأکبر الشرف، وفیه


1- اُنظر: الکنجی الشافعی، محمد بن یوسف، کفایة الطالب: ص436 - 437.
2- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج3، ص312.
3- الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (521- 540ه-)، ج36، ص278 - 279.
4- الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج2، ص140.
5- اُنظر: السمعانی، عبد الکریم بن محمد، الأنساب: ج2، ص119. ابن الأثیر، علی بن أبی الکرم، اللباب فی تهذیب الأنساب: ج1، ص309. الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (381- 400ه-)، ج27، ص175.
6- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج3، ص185. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، لسان المیزان: ج4، ص290- 292.

ص:250

دلیل علی أنّه کان فی أعین الناس عظیماً، ومحلّه کان عندهم جلیلاً»((1)). وسئل عنه أبو علی الهروی، فقال: «إنّه صدوق». وقال أبو علی الحافظ: «ثقة»((2)).

وقال طلحة بن محمد بن جعفر: «وهذا رجل من جلّة الناس، ومن أصحاب الحدیث الموجودین، وأحد الحفّاظ له، وحسن المذاکرة بالأخبار، وکان قبل هذا یتولّی القضاء بنواحی الشام، ویستخلف الکفاة، ولم یخرج عن الحضرة، وتقلد الحسبة ببغداد، وقد حدّث حدیثاً کثیراً، وحمل الناس عنه قدیماً وحدیثاً»((3)).

فالرجل إذن ثقة، أو لا أقلّ من کونه صدوقاً حسن الحدیث.

وأمّا أحمد بن الحسن الخزاز، فلم نجد مَن تعرّض له قدحاً أو مدحاً، وقد حدّث عنه أحمد بن محمد ابن عقدة الحافظ المشهور، وأحمد بن محمد بن سعید بن مهران وهو ثقة، وعلی بن الحسین بن محمد الأصفهانی وهو صدوق، وعمر بن الحسن الأشنانی المتقدّم وهو ثقة أو صدوق، فیُقبل حدیثه حینئذٍ، ولو تنزلنا عن ذلک، فهو مجهول الحال ویُقبل حدیثه علی رأی أکثر المتقدّمین، ویُضعّف بضعف خفیف علی رأی المتأخرین.

وأمّا أبوه الحسن بن سعید، فقد روی عنه جمع، وأقل حالاته مجهول الحال کولده المتقدّم.

أمّا حصین بن مخارق، فقد وثّقه الطبرانی علی ما نقله ابن حجر((4))، وقال فیه الدارقطنی: «یضع الحدیث»((5)). وقال ابن حبّان: «لا تجوز الروایة عنه ولا الاحتجاج به،


1- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج11، ص237.
2- اُنظر قولیهما فی: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج11، ص237- 238. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، لسان المیزان: ج4، ص291- 292.
3- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج11، ص237.
4- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، لسان المیزان: ج2، ص319
5- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص554.

ص:251

إلا علی سبیل الاعتبار»((1)).

وداوُد بن أبی هند، من رجال البخاری فی التعلیقات، ومسلم، والأربعة، وثّقه عدّة من أئمّة هذا الشأن((2)).

ومحمد بن سیرین، ثقة معروف من الأجلّاء، من رجال الستّة((3)).

خلاصة الحکم علی السند

لا یمکن الحکم بصحّة هذا الخبر عن ابن سیرین؛ لوجود حصین بن مخارق الذی رماه الدارقطنی بالوضع، لکن وثّقه الطبرانی، فالخبر حینئذٍ یبقی قرینة ینُتفع فیها فی المقام.

6 - خبر الأصبغ بن نباتة عن أمیر المؤمنین علی علیه السلام
اشارة

أخرجه أبو نعیم، قال: «حدّثنا محمد بن عمر بنِ سلمٍ، ثنا علی بن العباسِ، ثنا جعفر بن محمد بنِ حسین، ثنا حسین العربِی، عنِ ابنِ سلامٍ، عن سعد بنِ طرِیف، عن أصبغ بنِ نباتة، عن علی (رضی الله عنه)، قال: أتینا معه موضع قبر الحسین (رضی الله عنه)، فقال: ها هنا مناخ رکابِهِم، وموضع رحالِهم، وها هنا مُهراق دمائهم، فتیة من آل محمد (صلّی الله علیه وسلّم) یُقتلون بهذه العرصة، تبکی علیهم السماء والأرض»((4)).

وأورده عنه السیوطی فی خصائصه((5)).


1- ابن حبان، محمد، المجروحین: ج3 ص155. وانظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص554.
2- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج3، ص177.
3- اُنظر: المصدر السابق: ج9، ص190.
4- أبو نعیم الأصبهانی، أحمد بن عبد الله، دلائل النبوة: ص581- 582.
5- اُنظر: السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، الخصائص الکبری: ج2، ص126.

ص:252

وأورده الطبری فی ذخائره، وابن حجر فی صواعقه عن الملا فی سیرته((1)).

رجال السند

1 - محمد بن عمر بنِ سلمٍ، وهو الجعابی، الحافظ المشهور الذی تقدّم أهل زمانه فی الحفظ، لکنّه کان شیعیّاً؛ لذلک حاولوا تضعیفه رغم شدّة حفظه، ومعرفته التامة بعلوم الحدیث والرجال.

وقد جاء فی ترجمته أقوال کثیرة تُفصح عن دقّة الرجل فی حفظ الحدیث ومعرفة علومه، فقد قال أبو علی النیسابوری: «ما رأیتُ فی أصحابنا أحفظ من أبی بکر ابن الجعابی، حیّرنی حفظه»((2)).

وقال محمد بن الحسین بن الفضل القطان، أنّه سمع الجعابی قال لغلامه بعد أنْ أخبره بضیاع کتبه: «یا بُنیّ لا تغتم، فإنّ فیها مائتی ألف حدیث، لا یشکل علیّ منها حدیث لا إسناداً ولا متناً»((3)).

وقال أبو علی التنوخی: «ما شاهدنا أحداً أحفظ من أبی بکر ابن الجعابی، وسمعت مَن یقول: إنّه یحفظ مائتی ألف حدیث، ویجیب فی مثلها، کان یفضل الحفّاظ بأنّه کان یسوق المتون بألفاظها، وأکثر الحفّاظ یتسمحون فی ذلک، وکان إماماً فی معرفة العلل وثقات الرجال وتواریخهم، وما یطعن علی الواحد منهم، لم یبقَ فی زمانه مَن یتقدّمه»((4)).


1- اُنظر: الطبری، أحمد بن عبد الله، ذخائر العقبی: ص97. ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الصواعق المحرقة: ج2، ص566.
2- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج3، ص670. وقد ذکر الخطیب هذا القول وقصّته بتفصیل أکثر، اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج3، ص237.
3- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج3، ص238. الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (351- 380ه-)، ج26، ص127.
4- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفاظ: ج3، ص926.

ص:253

وقد تُکلّم فیه بسبب المذهب، وبعضهم یری أنّه خلط، فقد «ذکر أبو عبد الرحمن السلمی، أنّه سأل أبا الحسن الدارقطنی عن ابن الجعابی: هل تکلم فیه إلا بسبب المذهب؟ فقال: خلط»((1)).

غیر أنّ الخطیب البغدادی، قال: «سألت أبا بکر البرقانی عن ابن الجعابی فقال: حدّثنا عنه الدارقطنی، وکان صاحب غرائب، ومذهبه معروف فی التشیع. قلت: قد طعن علیه فی حدیثه وسماعه؟ فقال: ما سمعت فیه إلّا خیراً»((2)).

فالظاهر أنّه یمکن الاعتماد علی حدیث الرجل، ولا أقلّ أنّه یُعدّ من الأحادیث الحسان.

وأمّا علی بن العباس، فهو ابن الولید المقانعی البجلی، فقد قال فیه الدارقطنی: «ثقة صدوق»((3)).

وجعفر بن محمد بن الحسین، المشهور بالترک، من الثقات الأثبات((4)).

والحسین العربی، لعلّه الحسن بن الحسین العرنی، والعرنی هذا، صحّح له الحاکم فی المستدرک((5)). وأخرج له البیهقی فی السنن وسکت عنه((6))، والبیهقی صرّح بأنّه إذا أورد إسناداً فیه ضعف أشار إلیه((7))، ولم نرَ منه إشارة إلی تضعیف الحسن هذا، فهو مقبول


1- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج3، ص240. الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج16، ص20.
2- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج3، ص240.
3- الدارقطنی، علی بن عمر، سؤالات الحاکم للدارقطنی: ص125.
4- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج14، ص46- 47، ص111.
5- الحاکم النیسابوری، محمد بن عبد الله، المستدرک علی الصحیحین: ج3، ص151.
6- اُنظر: البیهقی، أحمد بن الحسین، السنن الکبری: ج2، ص307.
7- اُنظر: البیهقی، أحمد بن الحسین، دلائل النبوة: ج1، ص46- 47. السلیمانی، مصطفی بن إسماعیل، إتحاف النبیل: ج2، ص86- 87.

ص:254

الحدیث عنده.

وقال أبو حاتم: «لم یکن بصدوق عندهم، کان من رؤساء الشیعة»((1)).

وذکر ابن حبّان أنّه: «شیخ من أهل الکوفة، یروی عن جریر بن عبد الحمید والکوفیین المقلوبات»((2)).

قلت: أبو حاتم، وابن حبّان کلاهما متشدّد فی الجرح، وابن حبّان یقصب الراوی بالغلطة والغلطتین، وجرح أبی حاتم غیر مفسّر، والحسن هذا من رؤساء الشیعة، فکان طبیعیّاً أنْ یُضعّف.

وابن سلام، الظاهر هو مصعب بن سلام التمیمی؛ لأنّ من شیوخه سعد بن طریف، ومصعب هذا فیه خلاف، وقال فیه ابن معین: «لا بأس به»((3)). ووثّقه العجلی((4)). وقال أبو حاتم: «شیخ محلّه الصدق»((5)). وانتهی فیه ابن حجر إلی أنّه صدوق له أوهام((6)). وقال فیه الذهبی: «ومصعب، فصالح لا بأس به»((7)). ممّا یعنی أنّ حدیث من الحسان.

وأمّا سعد بن طریف، فالرجل معروف بالتشیّع والرفض، فکان طبیعیّاً أنْ یُضعّف ویُطعن به، فکثرت الکلمات فی ذمّه، فقالوا ضعیف، وضعیف جدّا، ومتروک، وغیر ذلک، بل اتّهموه بالوضع((8))، ومن الواضح أنّ ذلک کلّه بسبب عقیدته.


1- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج3، ص6.
2- ابن حبّان، محمد، المجروحین: ج1، ص238.
3- ابن معین، یحیی، تاریخ ابن معین بروایة الدارمی: ص232.
4- اُنظر: العجلی، أحمد بن عبد الله، معرفة الثقات: ج2، ص281.
5- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج8، ص308.
6- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص186.
7- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج2، ص177.
8- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج3، ص410 - 411.

ص:255

إلّا أنّ البخاری خفّف وطأة کلماتهم، فقال فیه: «لیس بالقوی عندهم»((1)). مما یعنی أنّ حدیثه وسط وهو الحسن.

والأصبغ بن نباتة، کذلک شیعی معروف، وکان من خاصّة أمیر المؤمنین؛ لذا أخذ نصیبه من الذمّ والتضعیف فی کلمات القوم، إلّا أنّ العجلی قال فیه: «کوفی تابعی ثقة»((2)). وسکت عنه البخاری فی الکبیر((3)). وقد تقدّم أنّ سکوت البخاری یُعدّ توثیقاً عند طائفة.

ومن الواضح أنّ المضعّفین لا دلیل لهم علی ضعفه سوی روایته لفضائل أمیر المؤمنین ممّا لا یرتضیها القوم، وهذا ما یصرّح به ابن حبّان بکلّ وضوح، فقال: «وهو ممّن فُتن بحبّ علی، أتی بالطامات فی الروایات، فاستحق من أجلها الترک»((4)).

ولذا فإنّ ابن عدی لا یری بأساً فی اعتماد روایته، فیقول: «وإذا حدّث عن الأصبغ ثقة، فهو عندی لا بأس بروایته، وإنّما أتی الإنکار من جهة مَن روی عنه؛ لأنّ الراوی عنه لعلّه یکون ضعیفاً»((5)).

خلاصة الحکم علی السند

من خلال ما تقدّم لا یمکن الحکم بصحّة السند أعلاه، لکنّ هذا الخبر التاریخی یُعتبر قرینة تتقوّی بها سائر الأخبار الدالة علی بکاء السماء والأرض علی الحسین.


1- البخاری، محمد بن إسماعیل، الضعفاء الصغیر: ص56.
2- العجلی، أحمد بن عبد الله، معرفة الثقات: ج1، ص234.
3- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج2، ص35.
4- ابن حبّان، محمد، المجروحین: ج1، ص174.
5- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج3، ص311.

ص:256

7 - خبر الربیع بن خثیم
اشارة

جاء فی أمالی الشجری، قال: «أخبرنا أبو بکر محمد بن علی بن أحمد بن الحسین الجوزدانی المقری، بقراءتی علیه، قال: أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن شهدل المدینی، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن عقدة، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن سعید أبو عبد الله، قال: حدّثنا أبی، قال: حدّثنا حصین، عن أبی حیّان التیمی، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی علیه السلام احمرّت السماء، فقال الربیع بن خثیم: بکت السماء بواکیها، أَما إنّها ما بکت علی أحد بعد یحیی بن زکریا علیهما السلام قبله علیه السلام »((1)).

رجال السند

هذا السند فیه عدّة مشاکل، فعبد الرحمن بن شهدل مجهول، وأحمد بن الحسن بن سعید مجهول، روی عنه ابن عقدة وهو روی عن أبیه. وأبوه مجهول أیضاً، وحصین بن مخارق تقدّم الکلام فیه، وأنّه وثّقه الطبرانی((2)). وقال فیه الدارقطنی: «یضع الحدیث» ((3)). وقال ابن حبّان: «لا تجوز الروایة عنه ولا الاحتجاج به، إلا علی سبیل الاعتبار»((4)).أمّا الربیع بن خثیم فهو ثقة عابد مخضرم((5)).

لکن من غیر الواضح هل أنّ الربیع بن خثیم قد وقع فی سند هذه الروایة وقد حدّث عنه أبو حیّان التیمی، أم أنّ الشجری أقحم قوله هنا بلا سند؟ هذا ما لم یتضح


1- الشجری، یحیی بن الحسین، الأمالی: ج2، ص120.
2- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، لسان المیزان: ج2، ص319
3- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص554.
4- ابن حبان، محمد، المجروحین: ج3 ص155. وانظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص554.
5- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص294.

ص:257

لی خصوصاً، ولم أجد هذا القول عند غیر الشجری.

خلاصة الحکم علی السند

إنْ کان کلام الربیع قد نقله أبو حیّان، فالسند کما أوضحنا ضعیف، وإنْ کان لم یقع فی السند المذکور، فهو مرسل من غیر إسناد، فحکمه الضعف أیضاً.

8 - خبر عمّار بن یاسر
اشارة

ذکر المرعشی النجفی عن الدیلمی فی الفردوس: «عن عمّار بن یاسر، قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم): السماء بکت لقتل یحیی بن زکریا، وأنّها لتبکی لقتل ابنی هذا...»((1)).

ولم نعثر علی هذا الخبر فی الفردوس المطبوع، وهو مرسل محکوم بالضعف؛ لعدم الوقوف علی إسناده.

خلاصة الحکم علی الأخبار المتقدّمة

اتضح من خلال ما تقدّم أنّ خبر بکاء السماء والأرض کما ورد صحیحاً معتبراً عند الشیعة الإمامیة، فهو کذلک عند أهل السنّة، فقد عرفنا أنّ بعض الأسانید جیدة لذاتها، وبعضها فیها نوع ضعف تصلح کمؤید ومقوّی لبقیّة الأخبار.


1- المرعشی، شهاب الدین، تعلیقات علی إحقاق الحق: ج27، ص376.

ص:258

ص:259

المبحث الثالث: إثبات أو نفی بکاء السماء والأرض

بعد أنْ استعرضنا الأخبار الدالة علی البکاء من کتب الفریقین، وقمنا بدراستها وتقییمها سندیاً، سنتعرض الآن لمسألة ثبوت هذه الظاهرة من عدمه، ومن خلال القرائن التی سنبرزها سیتضح أنّه لا إشکال فی ثبوت هذه الظاهرة:

1 - کثرة الطرق، فقد عرفنا أنّ الخبر رُوی عن (24) راوٍ فی کُتب الشیعة، وعن (6) رواة فی کُتب السنّة، وهذا العدد من الرواة یکشف عن ثبوت الحادثة بلا شک.

2 - إنْ قلنا: إنّ ثبوت القضایا التاریخیة یحتاج إلی طرق معتبرة، فقد عرفنا أنّ هناک طرقاً معتبرة فی کُتب الفریقین أثبتت تلک الحادثة، ولا نری مبرراً لنعود ونذکر الطرق المعتبرة التی تقدّمت دراستها.

3 - وکما ذکرنا فی الفصلین الأوّل والثانی، فإنّ نفس ذکر الحادثة فی کتب الفریقین واتفاقهم علی نقلها، یُعدّ قرینة قویة علی حصول الحادثة، ببیان ذکرناه هناک فلا نعید.

ص:260

ص:261

المبحث الرابع: تأمّلات مختصرة فی دلالة الأخبار

أوّلا: بیان الأقوال فی تفسیر آیة: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء...)

أوّلا: بیان الأقوال فی تفسیر آیة: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء...) ((1)).

رأینا من المناسب قبل أنْ ندخل فی بیان دلالة الأخبار ومعطیاتها أنْ نبیّن:

هل أنّ السماء والأرض من الممکن أنْ تبکی علی المیّت أم لا؟ خصوصاً أنّ القرآن الکریم ذکر هذا الموضوع، فقال (عزّ من قائل): (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا کَانُوا مُنظَرِینَ).

فکان من الضرورة أنْ نتعرّض لآراء المفسرین فی هذه الآیة الشریفة، لمِا لها من دخالة فی معرفة معنی البکاء علی الحسین علیه السلام فی الروایات الآنفة الذکر.

وحیث إنّ الآراء والأقوال فی تفسیر هذه الآیة عدیدة؛ لذا سنعرض لها بإیجاز:

1 - إنّ المراد: أهل السماء والأرض، فحذفت کلمة (أهل) کما حذف فی قوله تعالی: (وَاسْأَلِ الْقَرْیَةَ)((2))، وفی قوله: (حَتَّی تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)((3)). أراد أهل القریة، وأصحاب الحرب((4)).


1- الدخان: الآیة29.
2- یوسف: الآیة82.
3- محمد: الآیة4.
4- اُنظر: المرتضی، علی بن الحسین، الأمالی: ص38. ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، زاد المسیر: ج7، ص116. القرطبی، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن: ج16، ص140.

ص:262

2 - إنّه أراد تعالی المبالغة فی وصف القوم بصغر القدر وسقوط المنزلة؛ لأنّ العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالک، قالت: کسفت الشمس لفقده، وأظلم القمر، وبکاه اللیل والنهار، والسماء والأرض، یریدون بذلک المبالغة فی عِظم الأمر وشمول ضرره، ولیس ذلک بکذب منهم؛ لأنّهم جمیعاً متواطئون علیه، والسامع له یعرف مذهب القائل فیه، ونیتهم فی قولهم: أظلمت الشمس، کادت تظلم، وکسف القمر: کاد یکسف، ومعنی (کاد): همّ أنْ یفعل ولم یفعل.

قال جریر یرثی عمر بن عبد العزیز:

الشمس طالعة لیست بکاسفة

تبکی علیک نجوم اللیل والقمر

أراد: الشمس طالعة تبکی علیه، ولیست مع طلوعها کاسفة النجوم والقمر؛ لأنّها مظلمة، وإنّما تکسف بضوئها، فنجوم اللیل بادیة بالنهار، فیکون معنی الکلام: إنّ الله لمّا أهلک قوم فرعون لم یبکِ علیهم باکٍ، ولم یجزع جازع، ولم یوجد لهم فاقد.

وقال یزید بن مفرغ الحمیری:

الریح تبکی شجوها

والبرق یلمع فی الغمامة

وهذا صنیعهم فی وصف کلّ امرئ جلّ خطبه وعظم موقعه، فیصفون النهار بالظلام، وأنّ الکواکب طلعت نهاراً لفقد نور الشمس وضوئها...((1)).

3 - أنْ یکون معنی الآیة الإخبار عن أنّه لا أحد أخذ بثأرهم ولا انتصر لهم؛ لأنّ العرب کانت لا تبکی علی قتیل إلّا بعد الأخذ بثاره، وقتل مَن کان بواء به من عشیرة القاتل، فکنّی تعالی بهذا اللفظ عن فقد الانتصار، والأخذ بالثار علی مذهب القوم


1- اُنظر: المرتضی، علی بن الحسین، الأمالی: ص38 - 39. ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، زاد المسیر: ج7، ص116 - 117. القرطبی، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن: ج19، ص139 - 140.

ص:263

الذین خوطبوا بالقرآن((1)).

4 - أنْ یکون محمولاً علی البکاء حقیقة، وتکون الآیة کنایة عن أنّه لم یکن لهم فی الأرض عمل صالح یُرفع منها إلی السماء((2))، ویدلّ علیه ما رُوی عن أنس بن مالک عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال: «ما من مسلم إلّا وله فی السماء بابان، باب یصعد فیه عمله، وباب ینزل منه رزقه، فإذا مات بکیا علیه. وتلا (صلّی الله علیه وسلّم) هذه الآیة»((3)). وعن علیّ علیه السلام «إنّ المؤمن إذا مات بکی علیه مُصلّاه من الأرض، ومصعد عمله من السماء، وإنّ آل فرعون لم یکن لهم فی الأرض مُصلّی ولا فی السماء مصعد عمل، فقال الله تعالی: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ)»((4)). وإلی نحو هذا ذهب ابن عباس، والضحّاک، ومقاتل. «وقال مجاهد: ما مات مؤمن إلّا بکت علیه السماء والأرض أربعین صباحاً. فقیل له: أو تبکی؟ قال: وما للأرض لا تبکی علی عبد کان یعمرها بالرکوع والسجود؟! وما للسماء لا تبکی علی عبد کان لتسبیحه وتکبیره فیها دوی کدوی النحل؟!»((5)).

وذکر السید المرتضی أنّ معنی البکاء ههنا: «الإخبار عن الاختلال بعده کما یقال بکی منزل فلان بعده...» ((6)).

5 - ویمکن فی الآیة وجه خامس، وهو أنْ یکون البکاء فیها کنایة عن المطر


1- اُنظر: المرتضی، علی بن الحسین، الأمالی: ص38 - 39.
2- اُنظر: المرتضی، علی بن الحسین، الأمالی: ص39 - 40. ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، زاد المسیر: ج7، ص116. القرطبی، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن: ج19، ص139 - 140.
3- الهیثمی، علی بن أبی بکر، مجمع الزوائد: ج7، ص105.
4- ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، زاد المسیر: ج7، ص116.
5- المصدر السابق.
6- المرتضی، علی بن الحسین، الأمالی: ص40.

ص:264

والسقیا؛ لأنّ العرب تُشبّه المطر بالبکاء، ویکون معنی الآیة أنّ السماء لم تسقِ قبورهم، ولم تجد علیهم بالقطر علی مذهب العرب المشهور فی ذلک؛ لأنّهم کانوا یستسقون السحاب لقبور مَن فقدوه من أعزائهم، ویستنبتون لمواضع حفرهم الزهر والریاض..، والفعل الذی أُضیف إلی السماء وإن کان لا یجوز إضافته إلی الأرض، فقد یصحّ عطف الأرض علی السماء بأن یُقدّر لها فعل یصحّ نسبته إلیها، والعرب تفعل مثل هذا، قال الشاعر:

یا لیت زوجک قد غدا

متقلّداً سیفاً ورمحاً

فعطف الرمح علی السیف وإنْ کان التقلّد لا یجوز فیه، لکنّه أراد حاملاً رمحاً. ومثل هذا یقدر فی الآیة، فیقال: إنّه تعالی أراد أنّ السماء لم تسقِ قبورهم، وأنّ الأرض لم تعشب علیها، وکلّ هذا کنایة عن حرمانهم رحمة الله ورضوانه ((1)).

ثانیاً: معنی وحقیقة البکاء فی الآیة

بعد أنْ أوضحنا الأقوال فی الآیة المبارکة، وأنّ بعضاً یحملها علی البکاء بلا تأویل، فلا بدّ أنْ نقف قلیلاً فی المعنی المراد من البکاء، فقد ذکروا فیه احتمالات عدّة:

1 - إنّه کالمعروف من بکاء الحیوان، ویساعد علیه الأخبار العدیدة الدالة علی أنّ السماء والأرض تبکی علی المؤمن، وقد تقدّم بعضها فی النقطة رقم (4) من الأقوال فی معانی الآیة، وقد ذکر الطبری وغیره من المفسّرین عدّة روایات فی ذلک، منها: ما رواه عن سعید بن جبیر: «عن ابن عباس: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا کَانُوا مُنظَرِینَ)، قال: إنّه لیس أحد إلّا له باب فی السماء ینزل فیه رزقه ویصعد فیه عمله، فإذا فُقد بکت علیه مواضعه التی کان یسجد علیها، وإنّ قوم فرعون لم یکن لهم فی الأرض عمل صالح


1- اُنظر: المصدر السابق: ص40 - 41.

ص:265

یُقبل منهم، فیصعد إلی الله (عزّ وجلّ). فقال مجاهد: تبکی الأرض علی المؤمن أربعین صباحاً»((1)).

ومنها: ما رواه، عن شریح بن عبید الحضرمی، قال: «قال رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم): إنّ الإسلام بدأ غریباً وسیعود غریباً، أَلا لا غربة علی المؤمن، ما مات مؤمن فی غربة غابت عنه فیها بواکیه إلّا بکت علیه السماء والأرض، ثمّ قرأ رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم): (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ)، ثمّ قال: إنّهما لا یبکیان علی الکافر»((2)). وعن الضحّاک أنّه کان یقول: «(فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ)، یقول: لا تبکی السماء والأرض علی الکافر، وتبکی علی المؤمن الصالح، معالمه من الأرض، ومقرّ عمله من السماء»((3)).

وعن قتادة، فی قوله: «(فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ) قال: بقاع المؤمن التی کان یُصلّی علیها من الأرض تبکی علیه إذا مات، وبقاعه من السماء التی کان یُرفع فیها عمله»((4)).

وعن عطاء الخراسانی أنّه قال: «ما من عبد یسجد لله سجدة فی بقعة من بقاع الأرض إلّا شهدت له یوم القیامة، وبکت علیه یوم یموت»، وغیر ذلک من الروایات العدیدة((5)).


1- الطبری، محمد بن جریر، جامع البیان: ج25، ص161- 163. واُنظر: القرطبی، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن: ج16، ص140- 141. ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، تفسیر القرآن العظیم: ج4، ص153. السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، الدر المنثور: ج6، ص30 - 31.
2- المصادر السابقة.
3- المصادر السابقة.
4- المصادر السابقة.
5- اُنظر: المصادر السابقة.

ص:266

وکما وردت هذه الروایات فی کتب أهل السنّة، فقد وردت نظیراتها عند الشیعة الإمامیة أیضاً، فقد روی الکلینی، عن علی بن رئاب، قال: سمعت أبا الحسن الأوّل علیه السلام یقول: «إذا مات المؤمن بکت علیه الملائکة، وبقاع الأرض التی کان یعبد الله علیها، وأبواب السماء التی کان یُصعَدُ أعماله فیها»((1)).

وروی الشیخ الصدوق، عن أبی محمد الوابشی، عن الإمام الصادق علیه السلام ، أنّه قال: «ما من مؤمن یموت فی أرض غربة، تغیب عنه فیها بواکیه إلّا بکته بقاع الأرض التی کان یعبد الله (عزّ وجلّ) علیها، وبکته أثوابه وبکته أبواب السماء التی کان یُصعد فیها عمله، وبکاه الملکان الموکلان به»((2)).

وغیر ذلک من الروایات((3)).

2 - بکاء السماء حمرة أطرافها، وبکاء الأرض غبرتها:

أمّا تفسیر بکاء السماء بالحمرة، فقد وردت فیه جملة من الآثار، وقد ذکر الطبری أثرین فی ذلک، أحدهما ما تقدّم عن السُّدی، أنّه: «لمّا قُتل الحسین بن علی (رضوان الله علیهما) بکت السماء علیه، وبکاؤها حمرتها». والآخر عن عطاء فی قوله: «(فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ) قال: بکاؤها حمرة أطرافها»((4)).

ومن هذه الآثار أیضاً: ما تقدّم ذکره عن إبراهیم النخعی حین فسّر بکاء السماء بأنّها «تحمر وتصیر وردة کالدهان، إنّ یحیی بن زکریا لّما قُتل احمرّت السماء وقطرت دماً،


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی: ج3، ص254.
2- الصدوق، محمد بن علی، مَن لا یحضره الفقیه: ج2، ص299.
3- اُنظر: البروجردی، حسین، جامع أحادیث الشیعة: ج3، ص480، ج4، ص418 - 419.
4- الطبری، محمد بن جریر، جامع البیان: ج25، ص160.

ص:267

وإنّ حسین بن علی یوم قُتل احمرّت السماء»((1)).

وأخرج ابن أبی الدنیا، عن الحسن البصری، قال: «بکاء السماء حمرتها».

وأخرج أیضاً عن سفیان الثوری أنّه قال: «کان یقال هذه الحمرة التی تکون فی السماء بکاء السماء علی المؤمن»((2)).

وقد تقدّمت عدّة أخبار من کتب الفریقین فسّرت بکاء السماء والأرض علی الحسین علیه السلام بالحمرة فلا نُعید.

وأمّا بکاء الأرض، فقد قال محمد بن علی الترمذی: «البکاء إدرار الشیء، فإذا أدرّت العین بمائها، قیل: بکت، وإذا أدرّت السماء بحمرتها، قیل: بکت، وإذا أدرّت الأرض بغبرتها، قیل: بکت؛ لأنّ المؤمن نور ومعه نور الله، فالأرض مضیئة بنوره وإن غاب عن عینیک، فإن فقدت نور المؤمن اغبرّت فدرّت باغبرارها؛ لأنّها کانت غبراء بخطایا أهل الشرک، وإنّما صارت مضیئة بنور المؤمن، فإذا قُبض المؤمن منها درّت بغبرتها...»((3)).

3 - إنّ معنی بکاء السماء والأرض، هو أمارة تظهر منها تدلّ علی أسف وحزن، أی: تظهر علامات فی السماء والأرض تکشف عن حزنهما وأسفهما علی فقدان ذلک المؤمن.

وقد ذکر هذه الوجوه الثلاثة القرطبی فی تفسیره، ثمّ اختار القول الأوّل.

وقال: «قلت: والقول الأوّل أظهر؛ إذ لا استحالة فی ذلک، وإذا کانت السماوات


1- ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، تفسیر القرآن العظیم: ج4، ص154. وانظر: ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، تفسیر القرآن العظیم: ج10، ص3289.
2- السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، الدر المنثور: ج2، ص31.
3- القرطبی، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن: ج16، ص142.

ص:268

والأرض تُسبّح وتسمع وتتکلّم - کما بینّاه فی سبحان و(مریم، وحم فصّلت) - فکذلک تبکی، مع ما جاء من الخبر فی ذلک»((1)).

ثالثاً: التحقیق فی معنی بکاء السماء والأرض علی الحسین علیه السلام حسب لسان الروایات

بعد أنْ أوردنا عدّة أقوال واحتمالات فی معنی بکاء السموات والأرض، نعود لنری ما معنی بکاء السماوات والأرض علی الحسین علیه السلام ، وأیّ هذه المعانی یتسق ویتفق مع الروایات المذکورة فی أوّل البحث، وتبرز لدینا ها هنا عدّة احتمالات:

1 - أنْ یکون المعنی أنّه بکی علی الحسین علیه السلام أهل السموات وأهل الأرض.

2 - أنْ یکون المعنی کنایة عن شدّة الحزن والمأساة علی الحسین علیه السلام ، فجری مجری العرب فی المبالغة عند فقدهم لشخص ذی شأن کبیر، فیقولون: اظلمت الدنیا علیه، وبکت لفقده السماوات والأرض.

3 - أنْ تکون الحوادث الکونیة الحاصلة من احمرار السماء والأرض تمثّل حالة البکاء التی حصلت علی الحسین علیه السلام .

4 - أنْ تکون الحوادث الکونیة الأُخری کمطر السماء دماً، وظهوره تحت الأحجار، مضافاً لاحمرار الشمس والأرض وغیرها من الحوادث، کلّها تُمثّل البکاء علی الحسین علیه السلام .

5 - أنْ یکون المراد أنّه بکی علیه موضع مصلّاه وسجوده فی الأرض، ومصعد عمله من السماء، وغیر ذلک ممّا تقدّم ذکره فی البکاء علی المؤمن، فیکون حاله حال المؤمن الذی یموت.

6 - أنْ یکون هو البکاء علی الحقیقة، کما استظهره القرطبی فی البکاء علی المؤمن.


1- المصدر السابق.

ص:269

أمّا الاحتمال الأوّل، فهو فی نفسه ممکن، خصوصاً أنّ الروایات دلّت أیضاً علی بکاء کلّ الکون علی الحسین علیه السلام ، کما ستأتی الإشارة إلیه، إلّا أنّه یصطدم مع تفسیر بعض الروایات، بأنّ بکاءها حمرتها، فهذه القیود فی بعض الروایات تقیّد تلک الروایات التی اطلقت بکاء السموات من دون تبیین حقیقة البکاء، ومع هذا التقیید لا یمکن حملها علی إرادة أهل السموات والأرض، بل المراد هو السموات والأرض حقیقة وبدون تأویل.

وأمّا الاحتمال الثانی، فهو ممکن أیضاً فی حدّ ذاته، وسیکون المعنی کنایة عن أنّ الحسین علیه السلام یتمتع بمکانة عظیمة ومنزلة سامیة، فرحیله یمثّل حالة من الحزن الشدید، وکأنّما قد بکی وحزن لفقده کلّ شیء، حتی السماوات والأرض، لکن هذا قد لا یتماشی مع الروایات المبیّنة لمعنی البکاء، بل للروایات المطلقة أیضاً، والتی یُشمّ منها أنّ المراد هو بکاء السماوات حقیقة، بل ولا یتماشی مع کلّ الأحداث الکونیة التی جرت عند مقتل الحسین علیه السلام ، فهی تُفید أنّ الأمر غیر متعلّق بشدّة حزن المجتمع وعدمه، بل توضح أنّ هناک أُموراً تکوینیة حصلت أیضاً، قد تُمثّل شدّة الحزن والأسی الذی حصل للکون أجمع، فالمعنی حینئذٍ یکون أنّ السماوات والأرض أظهرت حزناً شدیداً علی الحسین علیه السلام تَمثّل فی بکائهما علیه، وقد ظهرت الحمرة ونزل المطر وغیر ذلک ممّا حصل کعلامة لذلک البکاء.

وأمّا الاحتمال الثالث، فهو منسجم مع لسان بعض الروایات ولا یتنافی مع مطلقاتها، وهو تفسیر صریح لمعنی بکاء السموات والأرض، فتکون الحمرة التی ظهرت عبارة عن البکاء، لکن بالجمع مع بقیّة الآثار الکونیة الحاصلة قد نستنتج أنّ الحمرة تمثّل أحد مصادیق البکاء لا غیر.

وأمّا الاحتمال الرابع، فهو قریب أیضاً، فإنّ حمرة السماء والأرض لا تتنافی مع

ص:270

سقوط المطر ولا مع ظهور الدم، فکلّها علامات أصبغت الأرض والسماء بلون الدم حزناً وبکاءً علی الحسین علیه السلام ، فتکون کلّ هذه الحالات تُمثّل بکاء للسماء والأرض.

وأمّا الاحتمال الخامس، فلا یمکن المصیر إلیه؛ إذ لا معنی حینئذٍ لتأکید الروایات علی بکاء السماء والأرض علی الحسین علیه السلام ، مضافاً لتنافیه مع ما دلّ علی أنّ السماء والأرض لم تبکِ إلّا علی الحسین وزکریا علیهما السلام ، وسیأتی الکلام فی خصوص هذا الأمر بعد قلیل.

وأمّا الاحتمال السادس، فهو أیضاً احتمال وارد، وهو متناسب مع الروایات المطلقة فی البکاء علی الحسین علیه السلام ، ولا یتنافی مع روایات الحمرة إذا ما حسبناها مصداقاً من مصادیق البکاء.

والخلاصة التی یمکن الخروج بها من البحث هی: إنّه لا یوجد ما یمنع من کون البکاء الحاصل هو بکاء حقیقی، وهذا البکاء هو نتاج الحزن والأسی الشدیدین، اللذین طالا کلّ مخلوقات الکون، فتفجّع العالم بأسره لتلک المأساة، والجریمة التی اُرتکبت بحق أبناء بیت رسول الله صلی الله علیه و آله ، والتی أُرید من خلالها إخماد صوت الحق، وقتلٌ للعدالة، بل وللإنسانیة أجمع، وکان ذلک بصورة بشعة، فظهرت علامات عدیدة لهذا الحزن والأسی، فاحمرّت السماء ومطرت دماً، وأغبرت الأرض وظهر منها الدم، وغیر ذلک ممّا حدث وجری فی ذلک الیوم المهول، والعلم عند الله أوّلاً وآخراً.

رابعاً: هل بکت السماء علی غیر الحسین علیه السلام

اشارة

لو لاحظنا الروایات التی أوردناها فیما سبق، لرأینا أنّ بعضها تتحدّث عن أنّ السماء والأرض بکت علی الحسین علیه السلام من دون أنْ تنفی بکائهما علی غیره، لکن بعضها أوضحت أنّ السماء والأرض لم تبکِ علی غیر الحسین ویحیی بن زکریا علیهما السلام ، وحینئذٍ سوف یقع التعارض بینها وبین مجموعة من الروایات الدالة علی أنّ السماء والأرض

ص:271

تبکی علی المؤمن، وقد تقدّم قسم منها، وعرفنا أنّها وردت فی کُتب الفریقین، وهی کثیرة لا نری ضرورة لسردها، فما قدّمناه من نماذج - فیما تقدّم - یکفی فی وضوح صورة التعارض بینها وبین ما دلّ علی اختصاص البکاء بالحسین ویحیی بن زکریا علیهما السلام .

حلّ التعارض

من الواضح أنّ - کما عرفنا - الروایات وردت فی کتب الفریقین، ولها طرق عدّة، وحینئذٍ فالنقاش السندی لا معنی له، بل بعد المراجعة تبیّن أنّ بعض طرق هذه الروایات عند الشیعة صحیحة السند، وبعضها عند السنّة صحیحة السند، فیبقی الأمر محصور فی الجمع الدلالی.

وبنظرة تأملیة فی لسان الروایات یمکن القول بأنّ هذه الروایات ناظرة إلی بکاء موضع معیّن من السماء والأرض، وهو موضع مصلّاه، وعمود عمله وهکذا، بینما الروایات الواردة فی بکاء السموات والأرض علی الحسین علیه السلام ناظرة لجمیع السماء والأرض وغیر مختصّة ببقعة معیّنة منها، وحینئذٍ فإنّ السماء والأرض بأجمعها لم تبکِ إلّا علی الحسین ویحیی بن زکریا علیهما السلام ، ولا تنافی حینئذٍ بین الروایات.

ص:272

ص:273

المبحث الخامس: ظهور الحمرة فی السماء

اشارة

کان من المفترض أنْ یکون هذا المبحث خارجاً عن هذا الفصل، لکن تسلسل البحث اضطرنا أنْ ندرجه هنا، لمِا تقدّم فی طیّاته من تصریح بعض الأخبار بأنّ بکاء السماء علی الحسین علیه السلام هو حمرتها، وأنّ أحد معانی البکاء فی الآیة الشریفة (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء) هو احمرار السماء، وتقدّمت عدّة من الروایات فی ذلک؛ لذا رأینا من المناسب أنْ ندرج هذا الحدث الکونی فی هذا الفصل.

وحیث إنّ المعنی قد تقدّم، وإنّ المراد من هذه الحمرة هو البکاء، أو شدّة حزن وأسی الکون بأجمعه علی الحسین علیه السلام ؛ لذا سنقتصر علی ذکر الروایات الدالة علی حصول هذه الظاهرة بعد مقتل الحسین علیه السلام ، مع بعض الإشارات عن معنی الحمرة التی صارت مثاراً للجدل والکلام.

المطلب الأوّل: تخریج ودراسة الروایات الواردة من طرق الشیعة

اشارة

تقدّم فیما سبق بعض الروایات وهی تدل بالمطابقة أو الإلتزام علی احمرار السماء عند مقتل الحسین علیه السلام ، من قَبیل الدالة علی أنّ بکاء السماء هو حمرتها، فهی بالتالی تدلّ علی ظهور الحمرة فی السماء عند مقتل الحسین علیه السلام ، أو من قَبیل الدالة علی احمرار الشمس، فهی تدلّ أیضاً علی ظهور الحمرة فی السماء، فضلاً عن المصرّحة باحمرار السماء، کما أنّ بعض الروایات لم یتقدّم ذکرها لتعلّق موضوعها بحمرة السماء فقط، فلم تندرج فی سیاق المواضیع المتقدّمة.

ص:274

فمن الروایات الدالة علی حمرة السماء، ما یلی:

1 - خبر أبی بصیر

وقد تقدّم سابقاً، وجاء فیه، أنّ الإمام الصادق علیه السلام ، قال: «إنّ الحسین علیه السلام بکی لقتله السماء والأرض واحمرّتا، ولم تبکیا علی أحد قطُّ إلّا علی یحیی بن زکریا والحسین بن علی علیهما السلام »((1)).

وعرفنا فیما مضی أنّ إسناده معتبر (موثّق).

2 - خبر عبد الخالق بن عبد ربّه

وقد تقدّم أیضاً، وهو کذلک عن الإمام الصادق علیه السلام ، وجاء فیه:«سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: لم یجعل له من قَبلُ سمیّاً، الحسین بن علی، لم یکن له من قَبلُ سمیّاً، ویحیی بن زکریا علیه السلام لم یکن له من قَبلُ سمیّاً، ولم تبکِ السماء إلّا علیهما أربعین صباحاً. قال: قلت: ما بکاؤها؟ قال: کانت تطلع حمراء وتغرب حمراء»((2)).

وسند هذا الخبر معتبر (موثّق) رجاله کلّهم ثقات، علی ما تقدّم، کما أنّه له طرقاً أُخری تمّ التطرّق لها سابقاً فلا نُعید.

3 - خبر داوُد بن فرقد

وقد تقدّم أیضاً، عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام ، قال: «احمرّت السماء حین قُتل الحسین علیه السلام سنة، ویحیی بن زکریا، وحمرتها بکاؤها»((3)).


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص181.
2- المصدر السابق: ص182- 183.
3- المصدر السابق.

ص:275

وسند هذا الخبر صحیح، رجاله کلّهم إمامیة ثقات، وللحدیث وجه آخر تقدّم سابقاً.

4 - خبر عبد الله بن هلال

تقدّم أیضاً، وجاء فیه: «سمعت أبا عبد الله علیه السلام ، یقول: إنّ السماء بکت علی الحسین بن علی، ویحیی بن زکریا، ولم تبکِ علی أحد غیرهما. قلت: وما بکاؤهما((1))؟ قال: مکثوا أربعین یوماً تطلع الشمس بحمرة وتغرب بحمرة. قلت: فذاک بکاؤهما. قال: نعم»((2)).

وسند الحدیث ضعیف؛ لجهالة عبد الله بن هلال الراوی المباشر، وقد تقدّم الکلام عنه وعن احتمال اتحاده مع عبد الله بن هلال بن جابان الذی یروی عنه ابن محبوب فلا نُعید.

5 - خبر الحسن بن زیاد

تقدّم أیضاً، وجاء فیه: «عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: کان قاتل یحیی بن زکریا ولد زنا، وقاتل الحسین علیه السلام ولد زنا، ولم تبکِ السماء علی أحد إلّا علیهما. قال: قلت: وکیف تبکی؟ قال: تطلع الشمس فی حمرة وتغیب فی حمرة»((3)).

وسند الحدیث ضعیف؛ لجهالة عامر بن معقل.


1- من الواضح أنّ هناک خلل فی سیاق العبارة؛ إذ إنّ لفظ (بکاؤهما) یدلّ علی التثنیة، فی حین أنّ الإمام یتکلّم عن بکاء السماء فقط ولم یذکر الأرض، فإمّا أنْ تکون لفظة (الأرض) ساقطة، أو أنّ لفظ التثنیة غیر صحیح، والظاهر هو الثانی، بدلیل أنّ صاحب البحار فی: (ج45، ص210) نقل الروایة بلفظ (بکاؤها)، کما أنّ الطریق الآخر للراویة الآتی ینص علی لفظ (بکاؤها) أیضاً.
2- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص181.
3- المصدر السابق: ص185.

ص:276

6 - خبر میثم التمار

وهو خبر طویل تقدّم سابقاً، نقتصر فیه علی ذکر موضع الحاجة، فقد جاء فیه أنّ میثماً التمّار قال لجبلة: «... یا جبلة، إذا نظرت إلی الشمس حمراء کأنّها دم عبیط، فاعلمی أنّ سیّدک الحسین قد قُتل. قالت جبلة: فخرجت ذات یوم، فرأیت الشمس علی الحیطان کأنّها الملاحف المعصفرة، فصحتُ حینئذٍ وبکیت، وقلت: قد والله قُتل سیّدنا الحسین بن علی علیه السلام »((1)).

وقد تقدّم أنّ سنده ضعیف؛ لجهالة جبلة المکّیة، فلم نقف علی ترجمتها.

7 - خبر فاطمة بنت علی علیه السلام

أخرجه الشیخ الصدوق، قال: «حدّثنی بذلک محمد بن علی ماجیلویه رحمة الله، عن عمّه محمد بن أبی القاسم، عن محمد بن علی الکوفی، عن نصر بن مزاحم، عن لوط بن یحیی، عن الحارث بن کعب، عن فاطمة بنت علی (صلوات الله علیهما): ثمّ إنّ یزید (لعنه الله) أمر بنساء الحسین علیه السلام ، فحُبسن مع علی بن الحسین علیهما السلام فی محبس لا یکنهم من حر ولا قر حتی تقشرت وجوههم، ولم یُرفع ببیت المقدس حجر عن وجه الأرض إلّا وجد تحته دم عبیط، وأبصر الناس الشمس علی الحیطان حمراء کأنّها الملاحف المعصفرة، إلی أن خرج علی بن الحسین علیهما السلام بالنسوة، وردّ رأس الحسین علیه السلام إلی کربلاء»((2)).

وقد عرفنا سابقاً أنّ سند هذا الخبر ضعیف.


1- الصدوق، محمد بن علی، الأمالی: ص189. الصدوق، محمد بن علی، علل الشرائع: ج1، ص227- 228.
2- الصدوق، محمد بن علی، الأمالی: ص222.

ص:277

8 - خبر جدّة علی بن مسهر

وهذا الخبر لم یمرّ بنا سابقاً، أخرجه ابن قولویه، قال: «حدّثنی أبی رحمة الله، عن سعد بن عبد الله، عن عبد الله بن أحمد، عن عمر بن سهل، عن علی بن مسهر القرشی، قال: حدّثتنی جدّتی أنّها أدرکت الحسین بن علی حین قُتل، قالت: فمکثنا سنة وتسعة أشهر والسماء مثل العلقة، مثل الدم، ما تُری الشمس»((1)).

وهذا الخبر ضعیف؛ ویکفی فی ذلک أنّ علی بن مسهر لا توجد له ترجمة عند الشیعة، وکذلک جدّته، وستأتی هذه الروایة فی کتب السنّة، وسنعرف أنّ علی بن مسهر من الثقات عندهم.

9 - خبر رجل من أهل بیت المقدس

وهذا الخبر تقدّم سابقاً وقد أخرجه ابن قولویه، عن أبی نصر، عن رجل من أهل بیت المقدس أنّه قال: «... واحمرّت الحیطان کالعلق»((2)).

وقد تقدّم سابقاً أنّ هذه الروایة ضعیفة؛ لجهالة عدّة من رواتها.

ثمّ إنّ هذه الروایة وإنْ لم تُصرّح بظهور الحمرة، إلّا أنّ الظاهر من مجموع الأخبار أنّ هذه آثار الحمرة قد انعکست علی الحیطان، فقد تقدّم فیما سبق أنّ الناس رأوا الشمس علی الحیطان کأنّها الملاحف المعصفرة.

10- خبر سعد الإسکاف

أورده الشیخ المفید، قال: «وروی سعد الإسکاف قال: قال أبو جعفر علیه السلام : «کان قاتل یحیی بن زکریا ولد زنا ، وقاتل الحسین بن علی علیه السلام ولد زنا ، ولم تحمر السماء إلا


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص181- 182.
2- المصدر السابق: ص160- 161.

ص:278

لهما»((1)).

والخبر کما هو واضح مرسل، فهو محکوم بالضعف من الجهة السندیة.

11 - خبر أبی معمر

أورده القاضی النعمان عن محمد بن معین الاصباغی، عن أبی معمر، قال: «أخبرنی من أدرک مقتل الحسین علیه السلام : مکثت السماء بعد مقتله شهرا حمراء»((2)).

وهذا الخبر مرسل لم نقف علی سنده، فهو محکوم بالضعف، کما أنّ القاضی النعمان من الإسماعیلیّة، وینقل فی کتابه هذا من السنّة والشیعة، ولم یتّضح لنا من أین أخذ هذه الروایة.

12 - خبر امرأة کعب

أورده القاضی النعمان، عنها، أنّها قالت: «قیل له[أی زوجها کعب بن مالک]: قتل الحسین بن علی علیه السلام ؟ قال: لا والله ما قتل ولو قتل نهارا لما أمسیتم حتی تروا لذلک علامة، ولو قتل لیلا أصبحتم حتی تروا لذلک علامة. قالت: فلما أمسوا احمرّ أفق المساء. فقال: ألا إنّه قتل الحسین بن علی علیه السلام ، بکت السماء علیه کما بکت علی یحیی بن زکریا»((3)).

وحکم هذا الخبر کسابقه، فهو مرسل محکوم بالضعف، ولم یتّضح لنا من أین أخذ القاضی النعمان هذه الروایة.


1- المفید، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص132.
2- القاضی المغربی، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج3، ص169 - 170.
3- المصدر السابق: ج3، ص174.

ص:279

خلاصة الحکم علی أسانید روایات حمرة السماء عند الشیعة

تبیّن من خلال ما سردناه من الأخبار أعلاه، أنّ عدد الروایات الدالة علی حمرة السماء من طرق الشیعة هی اثنتا عشرة روایة، وهذا العدد لوحده یورث الوثوق بحصول هذه الحادثة، فضلاً عن وجود عدد من الأخبار الصحیحة والمعتبرة فی المقام.

ص:280

المطلب الثانی: تخریج ودراسة الروایات الواردة من طرق أهل السنّة

اشارة

وقد عرفنا أنّ مجموعة من الأخبار المتقدّمة قد فسّرت البکاء بالحمرة، فهی تدلّ علی الحمرة بالملازمة، کما وقفنا بعد التتبع علی مجموعة من الأخبار نصّت علی حصول الحمرة عند مقتل الحسین علیه السلام من دون أنْ تتعرّض لمسألة البکاء؛ لذا سنتعرّض لذکر الأخبار علی شکل طائفتین:

الأُولی: الأخبار التی لم نذکرها سابقاً، ونصّت علی حمرة السماء.

والثانیة: إشارة موجزة إلی الأخبار التی فسّرت البکاء بحمرة السماء

أوّلاً: الأخبار التی نصّت علی حمرة السماء ولم تقرنها بالبکاء
اشارة

وهذه الأخبار عدیدة، منها:

1 - خبر محمد بن سیرین
اشارة

ورد هذا الخبر عن ابن سیرین بطرق عدیدة:

الطریق الأوّل: هشام بن حسّان عنه
اشارة

أخرجه ابن سعد، قال: «حدّثنا عفّان بن مسلم، قال: حدّثنا حمّاد بن زید، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سیرین، قال: لم تُرَ هذه الحمرة فی آفاق السماء حتّی قُتل الحسین بن علی (رحمه الله)»((1)).


1- ابن سعد، محمد، طبقات ابن سعد: ج1، ص507.

ص:281

وأخرجه أبو نعیم، من طریق عفّان أیضاً((1)).

وأخرجه البلاذری، عن عمر بن شبّه، عن عفّان أیضاً((2)).

وأخرجه الطبرانی، قال: «حدّثنا محمد بن عبد الله الحضرمی، ثنا یحیی الحمّانی، ثنا حمّاد بن زید، عن هشام بن حسّان، عن محمد بن سیرین، قال: لم یکن فی السماء حمرة حتّی قُتل الحسین»((3)).

وأخرجه أبو نعیم من طریق الحمّانی أیضاً((4)).

وأخرجه ابن الجوزی من طریق ابن بطة، قال: «وبالإسناد، قال ابن بطة [یعنی الذی تقدّم ذکره، وهو: أخبرنا علی بن عبید الله، أخبرنا علی بن أحمد السری((5))، أنبأنا عبد الله بن بطة((6))]: وحدّثنا إسماعیل بن إسحاق القاضی، حدّثنا سلیمان بن حرب، عن حمّاد بن زید، عن هشام، عن محمد بن سیرین، قال: لم تُرَ هذه الحمرة فی السماء حتی قُتل الحسین»((7)).

وأخرجه ابن عساکر، قال: «أخبرنا أبو محمد عبد الکریم بن حمزة، نا أبو بکر أحمد


1- اُنظر: أبو نعیم الأصبهانی، أحمد بن عبد الله، حلیة الأولیاء: ج2، ص276. أبو نعیم الأصبهانی، أحمد بن عبد الله، معرفة الصحابة: ج2، ص667.
2- اُنظر: البلاذری، أحمد بن یحیی، أنساب الأشراف: ج3، ص209.
3- الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج3، ص114.
4- اُنظر: أبو نعیم الأصبهانی، أحمد بن عبد الله، معرفة الصحابة: ج2، ص667.
5- هکذا فی المطبوع، والظاهر بعد التتبع والتحقیق أنّ شیخ علی بن عبید الله الزاغوتی هو: علی بن أحمد بن البسری البندار ولیس السری، وهو کذلک فی تذکرة الخواص لسبط بن الجوزی: ص560.
6- الظاهر، بل الذی علیه التحقیق هو: أبو عبد الله بن بطة، وهو عبید الله بن محمد العکبری الملقّب بابن بطة، وکان ابن البسری آخر مَن روی عنه بالإجازة. اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج16، ص529. وهو الموافق لما ورد فی تذکرة الخواص لسبط بن الجوزی: ص560.
7- ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، التبصرة: ج2، ص15.

ص:282

بن علی (ح) وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندی، أنا محمد بن هبة الله، قالا: أنا محمد بن الحسین، أنا عبد الله، نا یعقوب، نا سلیمان بن حرب، نا حمّاد بن زید، عن هشام، عن محمد، قال: تعلم هذه الحمرة فی الأفق ممَّ هو؟ فقال: من یوم قُتل الحسین بن علی»((1)).

وأخرجه ثانیة بسنده إلی عفّان: «نا حمّاد بن زید، نا هشام، عن محمد، قال: لم نَرَ هذه الحمرة التی فی آفاق السماء حتی قُتل الحسین بن علی...»((2)).

وأخرجه الخوارزمی، لکنّه ذکر فی السند محلّ هشام: هشیم، عن ابن سیرین، قال قیل له: «أتعلم هذه الحمرة فی الأفق ممّ هی؟ قال: عرفت، من یوم قُتل الحسین بن علی»((3)).

ویبدو أنّ ذکره لهشیم کان تصحیفاً مع أنّ هشیم ثقة من الأثبات أیضاً.

ثمّ إنّ الخوارزمی قال بعد الخبر: «وروی هذا الحدیث أبو عیسی الترمذی»((4)).

وهذا الخبر صحیح، رجال إسناده ثقات، فالطرق إلی حمّاد بن زید متعدّدة، وحمّاد، وهشام، ومحمد بن سیرین من الثقات الأثبات.

ونقتصر هنا علی دراسة طریق ابن سعد، الذی أخرجه عن عفّان بن مسلم، عن حمّاد، فعفّان بن مسلم ثقة ثبت((5))، وحمّاد بن زید ثقة ثبت فقیه((6))، وهشام بن حسّان ثقة من أثبت الناس فی ابن سیرین((7)).


1- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص228.
2- المصدر السابق: ج39، ص493.
3- الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص102- 103.
4- المصدر السابق.
5- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص679.
6- اُنظر: المصدر السابق: ص238.
7- اُنظر: المصدر السابق: ج2، ص266.

ص:283

ومحمد بن سیرین ثقة ثبت عابد کبیر القدر((1)).

فتبیّن أنّ هذا الطریق فی غایة الصحة، ورواته کلّهم من الثقات الأثبات.

تنویه

قد نقل الحافظ الزرندی، عن ابن الجوزی فی التبصرة، عن ابن سیرین، أنّه قال: «لمّا قُتل الحسین أظلمت الدنیا ثلاثة أیام، ثمّ ظهرت هذه الحمرة فی السماء»((2)).

وکذلک نقله ابن حجر الهیتمی((3))، ونقل أیضاً فی بعض نُسخ تذکرة الخواص((4)). لکن الموجود فی التبصرة هو ما ذکرناه أعلاه، وهو: «لم تُرَ هذه الحمرة فی السماء حتی قُتل الحسین»((5)). ولم نجد فیه أنّ الدنیا أظلمت ثلاثة أیام.

الطریق الثانی: یوسف بن عبدة عنه

أخرجه ابن سعد، قال: «أخبرنا موسی بن إسماعیل، قال: حدّثنا یوسف بن عبدة، قال: سمعت محمد بن سیرین یقول: لم تکن تُری هذه الحمرة فی السماء عند طلوع الشمس وعند غروبها حتی قُتل الحسین (رضی الله عنه)»((6)).

وأورده الشیخ المفید، قال: «وروی یوسف بن عبدة، قال: سمعت محمد بن سیرین


1- اُنظر: المصدر السابق: ج2، ص85.
2- الزرندی الحنفی، محمد بن یوسف، نظم درر السمطین: ص211. الزرندی الشافعی، محمد بن یوسف، معارج الوصول إلی فضل آل الرسول: ص98.
3- اُنظر: ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الصواعق المحرقة: ج2، ص569.
4- اُنظر: سبط ابن الجوزی، یوسف بن فرغلی، تذکرة الخواص:ج2، ص231.
5- ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، التبصرة: ج2، ص15.
6- ابن سعد، محمد، طبقات ابن سعد: ج1، ص508.

ص:284

یقول: لم تُرَ هذه الحمرة فی السماء إلّا بعد قتل الحسین علیه السلام »((1)).

وهذا السند - سند ابن سعد - محلّ کلام من جهة یوسف بن عبدة، فوثّقه یحیی بن معین، وذکره ابن حبّان فی الثقات، ومال غیرهم إلی تضعیفه، ف- «قال الأثرم: قلت لعبد الله یوسف بن عبدة أبو عبدة: کیف هو؟ قال: له أحادیث مناکیر عن حمید وثابت، وکأنّه ضعّفه. وقال أبو حاتم: شیخ لیس بالقوی ضعیف، وقال العقیلی: له مناکیر، قال: وأنکر علیه حمّاد بن سلمة حدیثه عن ثابت عن أنس...»((2)).

ولذا اختلفت النتائج فیه فوثّقه الذهبی((3))، لکن ابن حجر قال فیه: «لیّن الحدیث»((4)).

أمّا موسی بن إسماعیل المنقری ف«ثقة ثبت»((5)).

وعلیه فیکون هذا الطریق صحیح السند وفق بعض المبانی، وفیه ضعف خفیف طبق مبانی أُخری.

الطریق الثالث: عبد الله بن عون عن محمد بن سیرین
اشارة

أخرجه ابن عساکر، قال: «أخبرنا أبو الحسن علی بن أحمد بن منصور، وأبو إسحاق إبراهیم بن طاهر بن برکات، قالا: أنا أبو القاسم بن أبی العلاء، أنا أبو الحسن محمد بن محمد بن أحمد بن سعید بن الروزبهان، أنا أبو الحسن علی بن الفضل بن إدریس الستوری، نا محمد بن مقبل، نا یحیی بن السری، نا روح بن عبادة، عن ابن عون، عن


1- المفید، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص132.
2- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج11، ص366.
3- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص400.
4- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص344.
5- المصدر السابق: ص220. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج10، ص296.

ص:285

محمد بن سیرین، قال: لم تکن تری الحمرة فی السماء حتّی قُتل الحسین بن علی»((1)).

وأخرجه ابن العدیم فی بُغیته((2)).

وهذا الطریق فیه ضعف من جهة محمد بن مقبل، فلم أقف له علی ترجمة، وکذلک یحیی بن السری، فإنّه مجهول، لکن یحیی یمکن اعتماد روایته؛ وذلک بعد التتبع فقد وقفنا علی روایة عدّة من الثقات عنه، وهذا کافٍ فی اعتماد الرجل.

فتبقی علّة هذا الخبر هی جهالة ابن مقبل لا غیر، نعم، علی القول باعتبار روایة المجهول یکون هذا الطریق معتبراً أیضاً، فرجاله کلّهم ثقات غیر ابن مقبل.

علی أنّه ورد الخبر من طریق آخر، عن ابن عون، فقد أخرجه محمد بن سلیمان الکوفی، قال:«[حدّثنا] أبو أحمد، قال: حدّثنا إبراهیم بن الحسین، قال: حدّثنا عمّار، قال: حدّثنا حمّاد بن زید، عن أبی عون، عن محمد بن سیرین، قال: ما ظهرت الحمرة فی السماء إلّا حین قُتل الحسین بن علی»((3)).

وقد أورده مرّةً أُخری باختلاف فی السند، فقال: «[ حدّثنا ] أبو أحمد، قال: حدّثنا إبراهیم بن الحسین، قال: حدّثنا عفّان بن مسلم، قال: حدّثنا حمّاد بن زید، عن أبی عون، عن محمد بن سیرین، قال: ما ظهرت الحمرة فی السماء إلّا حین قُتل الحسین بن علی علیه السلام »((4)).

والظاهر أنّ هناک تصحیفاً طال السند، فقد ورد فی السند الأوّل أنّ الراوی عن حمّاد هو عمّار، وفی الثانی هو عفّان بن مسلم، ویبدو أنّهما طریق واحد وقد تکرر سهواً،


1- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص228.
2- اُنظر: ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2639.
3- الکوفی، محمد بن سلیمان، مناقب الإمام أمیر المؤمنین: ج2، ص266.
4- المصدر السابق: ج2، ص268.

ص:286

وأنّ الراوی عن حمّاد هو عفّان ولیس عمّاراً، إذ لم نجد فی تلامیذ حمّاد ولا شیوخ إبراهیم مَن اسمه عمّاراً، بینما وجدنا عفّاناً فی کلیهما.

ثمّ بعد ذلک عثرنا علی الطبعة الثانیة للکتاب، ووجدنا أنّ مَن قام بتحقیق الکتاب قد أثبت فی المتن عثماناً ولیس عمّاراً کما أوضحنا، وذکر فی الهامش أنّه کان فی النُّسختین اللتین تمّ الاعتماد علیهما (عمّار) بدل (عثمان)((1))، لکنّ تغییر متن الکتاب عن نسخته الخطیة فیه مخالفة للتحقیق العلمی، فکان اللازم إثبات إسم (عمّار) کما هو والإشارة إلی أنّه (عفّان) فی الهامش.

علی أنّ إیراد المؤّلف للروایة بسندها ومتنها مع تغییر فی هذا الراوی فقط، قد توحی أنّ المؤلف أیضاً وقف علی السند تارةً بلفظ عمّار وأُخری بلفظ عفّان، ویکون التحریف لیس فی نسخته الخطیة، بل فیما اعتمد علیه ونقل منه.

وکیفما کان، فالأمر یدور بین کون الراوی هو عفّان وهو الأقوی، أو أنّها نقلت تارةً عن عمّار، وأُخری عن عفّان، وحیث إنّ عفّان ثقة ثبت فالأمر فیه سهل.

أمّا أبو عون، فهو نفسه ابن عون، وهو عبد الله بن عون بن أرطبان، أبو عون البصری((2))، فورود الروایة فی المصادر الأُخری عن ابن عون، وفی هذا الکتاب عن أبی عون لیس فیها تصحیفاً کما قد یُتوهم.

وکیف ما کان، فإنّ عفّان وحمّاد تقدّما، وکلاهما من الثقات الأثبات، وعبد الله بن عون ثقة ثبت أیضاً((3)).


1- المصدر السابق: ج2، ص100.
2- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج1، ص156. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص520.
3- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص520.

ص:287

والراوی عن عفّان هو إبراهیم بن الحسین بن علی، وهو ابن دیزیل الهمذانی، الإمام الحافظ الثقة العابد((1)).

فإنْ کان هناک کلام فی السند فهو فی شیخ المؤلّف أبی أحمد، وهو عبد الرحمن بن أحمد الهمدانی؛ إذ لم أقف له علی ترجمة، مع إکثار المؤلّف من النقل عنه، إذ نقل عنه (132) روایة، عن (58) شیخاً((2)).

فتلخّص أنّ رجال هذا السند کلّهم من الثقات الأثبات باستثناء شیخ المؤلف؛ إذ لم أقف علیه، فهذا الطریق یصلح شاهداً قویاً یتقوّی به طریق ابن عساکر المتقدّم، ویکون المجموع حسناً لغیره.

خلاصة الحکم علی خبر محمد بن سیرین

اتّضح أنّ لهذا الخبر عدّة طرق، الأوّل منها: صحیح بلا ریب ولا إشکال؛ فرواته کلّهم من الثقات الأجلّاء. وأمّا الطریق الثانی: فهو صحیح وفق مبانی قوم، وفیه ضعف خفیف طبق مبانی آخرین. وأمّا الثالث فضعیف؛ لجهالة أحد رواته، لکنّه منجبر بوروده من طریق آخر أیضاً.

والخلاصة: إنّ الخبر صحیح وثابت عن ابن سیرین؛ لوجود الطریق الصحیح، ولتعاضده مع الطریقین الآخرین.

2 - خبر ابن عباس
اشارة

أخرجه الحافظ المؤرخ أبو العرب محمد بن أحمد بن تمیم، قال: «وحدّثنی بکر بن


1- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج13، ص184- 185.
2- اُنظر: الکوفی، محمد بن سلیمان، مناقب الإمام أمیر المؤمنین (مقدّمة تحقیق الکتاب فی طبعته الثانیة): ص19.

ص:288

حمّاد، قال: حدّثنی علی بن سلیمان الهاشمی، قال: أبو العرب، وکان قدِم المغرب، وکان ثقة، عن حمّاد بن سلمة، عن عمّار بن أبی عمّار، عن ابن عباس، قال: إنّما حدثت هذه الحمرة التی فی السماء حین قُتل الحسین»((1)).

رجال السند

بکر بن حمّاد، قال فیه یاقوت الحموی: «من حفّاظ الحدیث وثقات المحدّثین المأمونین»((2)). وقال العجلی: «کان من أئمّة أصحاب الحدیث»((3)).

وعلی بن سلیمان ثقة کما صرح أبو العرب فی السند أعلاه.

حمّاد بن سلمة، ثقة، تقدّم سابقاً.

وعمّار بن أبی عمّار ثقة أیضاً تقدّمت الإشارة إلیه.

خلاصة الحکم علی السند

تبیّن أنّ السند إلی ابن عبّاس صحیح.

3 - خبر الأسود بن قیس
اشارة

أخرجه ابن سعد، قال: «أخبرنا علی بن محمد، عن علی بن مدرک، عن جدّه الأسود بن قیس، قال: احمرّت آفاق السماء بعد قَتل الحسین ستة أشهر، یُری ذلک فی آفاق السماء کأنّها الدم.

قال: [الظاهر أنّ القائل علی بن مدرک] فحدّثت بذلک شریکاً، فقال لی: ما أنت من


1- أبو العرب، محمد بن أحمد، المحن: ص162.
2- الحموی، یاقوت، معجم البلدان: ج2، ص8.
3- العجلی، أحمد بن عبد الله، معرفة الثقات: ج2، ص254.

ص:289

الأسود؟ قلت: هو جدّی أبو أُمّی. قال: أَما والله، إن کان لصدوق الحدیث، عظیم الأمانة، مُکرماً للضیف» ((1)).

وأخرجه من طریقه ابن عساکر((2)).

وأورده المزی((3))، والذهبی((4)).

رجال السند

أمّا علی بن محمد، فهو المدائنی الأخباری المعروف، «قال [فیه] یحیی [بن معین]: «ثقة ثقة ثقة»((5)).

وعلی بن مدرک، مجهول((6)).

والأسود بن قیس، ثقة((7)).

خلاصة الحکم علی السند

والخلاصة: إنّ هذا الخبر ضعیف؛ لجهالة علی بن مدرک.


1- ابن سعد، محمد، ترجمة الإمام الحسین علیه السلام (من طبقات ابن سعد): ص91. ابن سعد، محمد، الطبقات الکبری، الجزء المتمم لطبقات ابن سعد (الطبقة الخامسة فی من قبض رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) وهم أحداث الأسنان):ج1، ص508.
2- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص227.
3- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص432.
4- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: ج5، ص15.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج10، ص400 - 401.
6- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج21، ص129. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص703.
7- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج1، ص298.

ص:290

4 - خبر خلّاد عن أُمّه

هذا الخبر تقدّم سابقاً، أخرجه ابن سعد، قال: «أخبرنا عمرو بن عاصم الکلابی، قال: حدّثنا خلّاد - صاحب السمسم، وکان ینزل بنی جحدر - قال: حدّثتنی أُمّی، قالت: کنّا زماناً بعد مقتل الحسین وإنّ الشمس تطلع مُحمرّة علی الحیطان والجدران بالغداة والعشی، قالت: وکانوا لا یرفعون حجراً إلّا وجدوا تحته دماً»((1)).

وأخرجه ابن عساکر من طریق عمرو بن عاصم الکلبی، عن خلّاد، عن أُمّه، بلفظ یقرب من ذلک((2)).

وسنده ضعیف؛ لجهالة خلّاد وأُمّه کما تقدّم.

5 - خبر أُمّ حکیم

أخرجه الطبرانی، قال: «حدّثنا محمد بن عبد الله الحضرمی، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا علی بن مسهر، حدّثتنی جدّتی أُمّ حکیم، قالت: قُتل الحسین بن علی وأنا یومئذٍ جویریة، فمکثت السماء أیاماً مثل العلقة»((3)).


1- ابن سعد، محمد، ترجمة الإمام الحسین علیه السلام (من طبقات ابن سعد): ص91.
2- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص226.
3- الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج3، ص113.

ص:291

وأخرجه البیهقی من طریق یعقوب بن سفیان: «... حدّثنا یعقوب بن سفیان، حدّثنا إسماعیل بن الخلیل، حدّثنا علی بن مسهر، قال: حدّثتنی جدّتی، قالت: کنت أیام الحسین جاریة شابة، فکانت السماء أیاماً علقة»((1)).

وأخرجه ابن عساکر من الطریق المذکور بنفس اللفظ((2)).

وأخرجه من طریق آخر: «عن إسماعیل بن الخلیل، عن علی بن مسهر، عن جدّته، قالت: لمّا قُتل الحسین کنت جاریة شابة، فمکثت السماء سبعة أیام بلیالیها کأنّها علقة»((3)).

وأخرجه الخوارزمی من طریق یعقوب بن سفیان وأضاف فی آخره: «بعد ما قُتل»((4)).

وهذا الخبر لیس فیه ضعف إلّا من جهة أُمّ حکیم جدّة علی بن مسهر، فهی مجهولة، وأمّا السند إلیها فصحیح بلا ریب، ونقتصر هنا علی دراسة سند الطبرانی، فرجاله کلّهم من الثقات، فالحضرمی من الحفّاظ الثقات المعروفین، وقد تقدّمت الإشارة إلیه سابقاً.

ومنجاب بن الحارث، روی عنه مسلم، وأبو حاتم، وغیرهم، وذکره ابن حبّان فی الثقات((5)). وقال بوثاقته الذهبی((6))، وابن حجر((7)).

وعلی بن مسهر ثقة من رجال مسلم والبخاری والأربعة، ومن الحفّاظ الثقات((8)).

لذا قال الهیثمی بعد نقله للخبر: «رواه الطبرانی، ورجاله إلی أُمّ حکیم رجال الصحیح»((9)).

نعم، یمکن التمسّک بصحة الخبر بناءً علی إخراج البیهقی له وعدم قدحه فیه، فقد


1- البیهقی، أحمد بن الحسین، دلائل النبوة: ج6، ص472.
2- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص226.
3- المصدر السابق.
4- الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص102.
5- اُنظر: ابن حبان، محمد، الثقات: ج9 ص206. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج10، ص264.
6- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص294.
7- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص212.
8- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج7، ص335. الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص47. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص703.
9- الهیثمی، علی بن أبی بکر، مجمع الزوائد: ج9، ص197.

ص:292

صرّح البیهقی بأنّه لا یخرج إلّا الصحیح، وإذا کان الحدیث ضعیفاً أشار إلیه، وقد أوضحنا ذلک سابقاً.

6 - خبر جمیل بن زید
اشارة

أخرجه الطبرانی، قال: «حدّثنا محمد بن عبد الله الحضرمی، ثنا عبد الله بن یحیی بن الربیع بن أبی راشد الکاهلی، حدّثنا منصور بن أبی نویرة، عن أبی بکر بن عیاش، عن جمیل بن زید، قال: لمّا قُتل الحسین احمرّت السماء. قلت: أیّ شیء تقول؟ فقال: إنّ الکذّاب منافق، إنّ السماء احمرّت حین قُتل»((1)).

رجال السند

الحضرمی، حافظ ثقة، وعبد الله بن یحیی، مجهول الحال لم أقف له علی ترجمة، وقد روی عنه الحضرمی، وابن أبی شیبة فی العرش.

ومنصور بن أبی نویرة، ذکره البخاری، وابن أبی حاتم، ولم یوردا فیه جرحاً ولا تعدیلاً((2)). وذکره ابن حبّان فی الثقات، وقال: «مستقیم الحدیث»((3)).

وأبو بکر بن عیاش فیه کلام طویل یتعلّق بحفظه، والظاهر أنّه صدوق فی أقلّ حالاته.

وجمیل بن زید هو الطائی، ضعیف((4)).


1- الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج3، ص113.
2- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج3، ص349. ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج8، ص179.
3- ابن حبّان، محمد، الثقات: ج9، ص172.
4- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص423. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج2، ص98.

ص:293

خلاصة الحکم علی السند

تبیّن أنّ هذا السند ضعیف.

7 - خبر عیسی بن الحرث الکندی
اشارة

أخرجه الطبرانی، قال: «حدّثنا محمد بن عبد الله الحضرمی، ثنا عثمان بن أبی شیبة، حدّثنی أبی، عن جدّی، عن عیسی بن الحارث الکندی، قال: لمّا قُتل الحسین (رضی الله عنه) مکثنا سبعة أیام، إذا صلینا العصر نظرنا إلی الشمس علی أطراف الحیطان کأنّها الملاحف المعصفرة((1))، ونظرنا إلی الکواکب یضرب بعضها بعضاً»((2)).

وأخرجه من طریقه ابن عساکر فی تاریخه((3)).

وأورده المزی فی تهذیبه((4))، والذهبی فی سیره((5)).

رجال السند

الحضرمی حافظ ثقة أشرنا إلیه سابقاً، وعثمان بن أبی شیبة العبسی، هو عثمان بن محمد بن إبراهیم من الحفّاظ الثقات المعروفین أیضاً ((6)).


1- الملاحف المعصفرة، تقدّم أنّها المصبوغة بالعُصفُر، وهو نبت معروف یُصبغ به، والظاهر أنّه یصبغ الثیاب ونحوها بالصبغ الأحمر، والمراد أنّ الحیطان تُری حمراء لشدّة احمرار الشمس فی تلک الفترة. ویؤید ذلک أنّ الخبر أعلاه نقله ابن حجر الهیتمی من طریق عثمان بن أبی شیبة أیضاً، بلفظ: «أن السماء مکثت بعد قتله سبعة أیام تری علی الحیطان کأنها ملاحف معصفرة من شدّة حمرتها وضربت الکواکب بعضها بعضاً». ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الصواعق المحرقة: ج2، ص569.
2- الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج3، ص114.
3- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص227.
4- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص432.
5- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج3، ص312.
6- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج2، ص444. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص664.

ص:294

وأبوه محمد بن إبراهیم ثقة أیضاً((1)).

وأمّا جدّ عثمان (إبراهیم)، فقال البخاری: «سکتوا عنه»((2)). وقال ابن عدی: «له أحایث صالحة»((3))، لکن الکثیر من أهل الفن صرّحوا بضعفه ((4)).

وعیسی بن الحارث، قال فیه أبو زرعة: «لا بأس به»((5)).

خلاصة الحکم علی السند

اتّضح أنّ هذا الخبر ضعیف بعثمان وهو المسمّی بأبی شیبة، وقد قال فیه ابن عدی أنّ له أحادیث صالحة، فیکون الخبر قرینة قویة تتقوّی بها بقیّة الأخبار فی المسألة محلّ البحث.

8 - خبر یزید بن أبی زیاد

قال یحیی بن معین: «حدّثنا جریر، عن یزید بن أبی زیاد، قال: قُتل الحسین بن علی ولی أربع عشرة سنة، وصار الورس الذی کان فی عسکرهم رماداً، واحمرّت آفاق السماء، ونحروا ناقة فی عسکرهم، فکانوا یرون فی لحمها النیران»((6)).

وأخرجه من طریقه ابن عساکر((7))، وأورده المزی فی تهذیبه((8))، والذهبی فی سیره((9)).


1- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج9، ص11- 12.
2- البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج1، ص310.
3- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج1، ص125- 126.
4- اُنظر: المصدر السابق: ج1، ص125- 126.
5- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج6، ص274.
6- ابن معین، یحیی، تاریخ ابن معین بروایة الدارمی: ج1، ص361.
7- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص230.
8- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص434- 435.
9- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج3، ص313.

ص:295

وکذلک أخرجه الخوارزمی من طریق ابن معین أیضاً، لکن تصحّف عنده اسم الراوی المباشر إلی زید بن أبی الزناد، کما اختلف متنه یسیراً، فبدل کلمة (النیران) وردت کلمة (المرار)((1)).

وتقدّم أیضاً أنّ ابن أبی حاتم أخرجه من وجه آخر عن جریر، عن یزید بن أبی زیاد، أنّه قال: «لمّا قُتل الحسین بن علی (رضی الله عنهما) احمرّت آفاق السماء أربعة أشهر، قال یزید: واحمرارها بکاؤها»((2)). وسیأتی ذکره لاحقاً.

والسند جید؛ فجریر بن عبد الحمید ثقة کما تقدّم، ویزید أیضاً ثقة علی کلام مرّ فیه مفصّلاً.

9 - خبر إبراهیم النخعی

أخرجه الدولابی، قال: «أخبرنی أبو عبد الله الحسین بن علی، قال: حدّثنا أبو محمد الحسن بن یحیی بن زید بن الحسین بن زید بن علی بن حسین، قال: حدّثنا حسن بن حسین الأنصاری، عن أبی القاسم مؤذن بنی مازن، عن عبید المکتب، عن إبراهیم النخعی، قال: لمّا قُتل الحسین احمرّت السماء من أقطارها، ثمّ لم تزل حتی تقطرّت فقطرت دماً»((3)).

وأخرجه من طریقه ابن العدیم فی بُغیته((4)).

وقد تقدّم هذا الخبر سابقاً فی مطر السماء دماً، وعرفنا أنّه ضعیف؛ لجهالة اثنین من رواته.


1- اُنظر: الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص103.
2- اُنظر: ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، تفسیر القرآن العظیم: ج4، ص154.
3- الدولابی، محمد بن أحمد، الذریة الطاهرة: ص97.
4- اُنظر: ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2636.

ص:296

10- خبر أبی حیّان التیمی

أخرجه الشجری، قال: «أخبرنا أبو بکر محمد بن علی بن أحمد بن الحسین الجوزدانی المقری، بقراءتی علیه، قال: أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن شهدل المدینی، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن عقدة، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن سعید أبو عبد الله، قال: حدّثنا أبی، قال: حدّثنا حصین، عن أبی حیّان التیمی، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی علیه السلام احمرّت السماء...»((1)).

وهذا السند ضعیف؛ ویکفی فی ذلک أنّ عبد الرحمن بن شهدل مجهول، وأحمد بن الحسن بن سعید مجهول، روی عنه ابن عقدة وهو روی عن أبیه، وأبوه مجهول أیضاً، وحصین بن مخارق تقدّم الکلام فیه، وأنّه وثقه الطبرانی((2)).وقال فیه الدارقطنی: «یضع الحدیث» ((3)). وقال ابن حبّان: «لا تجوز الروایة عنه ولا الاحتجاج به، إلا علی سبیل الاعتبار»((4)).

11 - خبر الحسن بن الحسن بن علی

أخرجه الشجری معتمداً علی السند السابق، قال: «حدّثنا حصین، عن مسکین السمان، عن محمد بن عبد الله بن الحسن، عن أبیه، عن جدّه علیهم السلام ، قال: لم تُر هذه الحمرة فی السماء، حتی قُتل الحسین علیه السلام »((5)).


1- الشجری، یحیی بن الحسین، الأمالی الخمیسیة: ج2، ص120.
2- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، لسان المیزان: ج2، ص319.
3- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص554.
4- ابن حبان، محمد، المجروحین: ج 33 ص155. وانظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص554.
5- الشجری، یحیی بن الحسین، الأمالی الخمیسیة: ج2، ص121.

ص:297

وقد عرفنا أنّ السند السابق فیه ثلاثة مجاهیل، علی کلام فی حصین بن مخارق، فیکون هذا السند ضعیف أیضاً، ولسنا بحاجة لتتبع بقیّة رجال إسناده، وإنْ کان محمد بن عبد الله (النفس الزکیة)، وأبوه، وجدّه، کلّهم من الثقات.

12 - خبر حصین بن عبد الرحمن
13 - خبر هلال بن ذکوان

وهذان الخبران سیأتی البحث عنهما ودراستهما فی أوّل الفصل اللاحق؛ لأنّهما یتکلّمان عن رؤیة الحیطان وکأنّها ملطّخة بالدم، ونحن نحتمل بقوة أنْ یکون انعکاس هذه الحمرة التی ظهرت فی الکون قد تسببت فی رؤیة الحیطان بذلک الشکل؛ لذا فإنّهما من حیث المعنی قد یدخلان فی هذه الحادثة، لکنّهما من حیث اللفظ مختلفان، لذلک أفردناهما ببحث مستقل تحت عنوان: (رؤیة الحیطان وکأنّها ملطخة بالدم).

ثانیاً: إشارة موجزة إلی الأخبار التی فسّرت البکاء بحمرة السماء
اشارة

وهی مجموعة من الأخبار تقدّمت فیما سبق، منها:

1 - خبر إبراهیم النخعی

قال ابن أبی حاتم: «حدّثنا علی بن الحسین، حدّثنا عبد السلام بن عاصم، حدّثنا إسحاق بن إسماعیل، حدّثنا المستورد بن سابق، عن عبید المکتب، عن إبراهیم (رضی الله عنه)، قال: ما بکت السماء منذُ کانت الدنیا إلّا علی اثنین. قیل لعبید: ألیس السماء والأرض تبکی علی المؤمن؟ قال: ذاک مقامه وحیث یصعد عمله. قال: وتدری ما بکاء السماء؟ قال: لا. قال: تحمرّ وتصیر وردة کالدهان، إنّ یحیی بن زکریا لمّا قُتل احمرّت

ص:298

السماء وقطرت دماً، وإنّ حسین بن علی یوم قُتل احمرّت السماء»((1)).

وقد عرفنا أنّ هذا الخبر جید الإسناد لا شائبة فیه.

2 - یزید بن أبی زیاد

أورده ابن کثیر، قال: قال ابن أبی حاتم: «وحدّثنا علی بن الحسین، حدّثنا أبو غسان محمد بن عمرو زنیج، حدّثنا جریر، عن یزید بن أبی زیاد، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی (رضی الله عنهما) احمرّت آفاق السماء أربعة أشهر، قال یزید: واحمرارها بکاؤها»((2)).

هذا الخبر یُمکن عدّه من الأخبار الجیّدة الحسنة فی المقام کما تقدّم.

3 - خبر قرّة بن خالد

أخرجه ابن عساکر، قال: «أخبرنا أبو غالب بن البنّا، أنا محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون، نا محمد بن إسماعیل بن العباس الوراق إملاءً، نا إسحاق بن محمد بن مروان، نا أبی، نا إسحاق بن یزید، عن عبد الله بن مسلم، عن أبیه، عن قرّة، قال: ما بکت السماء علی أحد إلّا علی یحیی بن زکریا، والحسین بن علی وحمرتها بکاؤها»((3)).

وقد عرفنا أنّ السند المذکور علّته الأساسیة هو محمد بن مروان، وعرفنا أنّه مجهول الحال، وقد احتجّ بالمجهول جمع کبیر من المحققین، مضافاً إلی أنّ الخبر یتعاضد مع بقیّة الأخبار الواردة فی نفس الموضوع.


1- ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، تفسیر القرآن العظیم: ج4، ص154. وانظر: ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، تفسیر القرآن العظیم: ج10، ص3289.
2- ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، تفسیر القرآن العظیم: ج4، ص154.
3- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج64، ص217.

ص:299

4 - خبر السدی
اشارة

أخرجه الطبری، قال: «حدّثنی محمد بن إسماعیل الأحمسی، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبی حمّاد، عن الحکم بن ظهیر، عن السُّدّی، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی (رضوان الله علیهما) بکت السماء علیه، وبکاؤها حمرتها»((1)).

وقد تقدّم أنّه یمکن القول أنّ سند هذا الخبر جیّد، فالحکم بن ظهیر علّته الأساس هی التشیّع، ومن أجلها ترکوه ورموه بالضعف، فیمکن أنْ یعوّل علی خبره هنا، خصوصاً عند ضمّه لغیره من بقیّة الأخبار.

خلاصة الحکم علی أسانید روایات حمرة السماء عند أهل السنّة

تبیّن من خلال ما سردناه من الأخبار أعلاه، أنّ عدد الروایات الدالة علی حمرة السماء من طرق أهل السنّة هی خمس عشرة روایة، وهذا العدد لوحده یورث الوثوق بحصول هذه الحادثة، فضلاً عن وجود عدد من الأخبار الصحیحة فی المقام: کخبر ابن سیرین، وخبر ابن عباس، وخبر إبراهیم النخعی، وخبر یزید بن أبی زیاد، وغیرها.

وفضلاً عن الخبرین الأخیرین فی الطائفة الأُولی (خبر حصین، وخبر هلال)، فإنّهما علی القول باتحاد الحادثة سیزیدانها قوّة، خصوصاً أنّ خبر حصین صحیح علی ما سیأتی.

خلاصة الحکم علی حادثة ظهور الحمرة فی السماء

تبیّن من خلال ما قدّمناه أنّ هذه الحادثة روتها کتب الفریقین من السنّة والشیعة، وبطرق متعدّدة عند کلّ فریق، وکذلک فإنّ بعضها صحیح ومعتبر بحسب مبانی کلّ


1- الطبری، محمد بن جریر، جامع البیان: ج25، ص160.

ص:300

فریق.

وهذه الأمور توجب الوثوق والاطمئنان بحصول هذه الحادثة وتحققها خارجاً.

تأمّلات فی المراد من الحمرة

أشکل بعض أهل السنّة بأنّ الحمرة إنّما هی مسألة تکوینیة متعلّقة بغروب الشمس، فهی بمنزلة الشفق، ولا علاقة لها بمقتل الحسین علیه السلام ، وقال فی ذلک ابن تیمیة: «فإنّ هذا من الترهات، فما زالت هذه الحمرة تظهر ولها سبب طبیعی من جهة الشمس، فهی بمنزلة الشفق»((1)).

لکنّ المتأمّل فی روایات الحمرة یمکن أنْ یستنتج عدّة أُمور:

أوّلاً: إنّ الحمرة التکوینیة الطبیعیة إنّما تظهر فی السماء عند غروب الشمس، ولا تظهر طوال الیوم أو أکثر أوقاته، ولا یوجد فیما بین أیدینا من الأخبار ما یدلّ علی أنّ المراد هو الحمرة وقت الغروب حتی یقال بأنّ هذا أمر تکوینی لا علاقة له بمقتل الحسین علیه السلام .

ثانیاً: الظاهر أنّ نقلة الحادثة کانوا یریدون حمرة معیّنة یُشار إلیها فی السماء؛ لأنّ حمرة الشفق لا تغیب عن ذهن ابن سیرین، وابن عباس، والنخعی، وغیرهم من الثقات الأجلّاء المعروفین الذین نقلوا الخبر، بل ولا تغیب عن غیرهم من الرواة، ولا ممّن سمعوه منهم ونقلوه إلی غیرهم بلا جدل ولا نقاش، وهذا یدلُّ علی أنّ هناک حمرة ما فی السماء کانت الناس تراها ولا تعرفها، فبیّن لهم ابن سیرین، وابن عباس، والنخعی، وغیرهم بأنّ هذه الحمرة حصلت حین مقتل الحسین علیه السلام .

ثالثاً: إنّ بعض الأخبار قد حدّدت الحمرة المشار إلیها بوقت معین کشهرین، أو


1- ابن تیمیة، أحمد بن عبد الحلیم، منهاج السنّة: ج4، ص560.

ص:301

ثلاثة، أو ستّة، وهذا یعنی أنّهم لم یکونوا یقصدون حمرة الشفق؛ لأنّ حمرة الشفق غیر مقیّدة بوقت معیّن.

رابعاًً: لو تنزلنا وقلنا: إنّ المراد بالحمرة هو الشفق فی وقت المغرب فأیضاً سیکون المراد أنّ هذه الحمرة قد ازدادت ولیست کسابقتها، فیکون إخبار ابن سیرین وغیره إنّما ناظر إلی هذه الحمرة الجدیدة وهی المتسمة بالشدّة، فهذه الصورة الجدیدة للحمرة لم تکن موجودة قبل مقتل الحسین علیه السلام .

قال المجلسی: «یمکن أن یکون المراد کثرة الحمرة وزیادتها»((1)).

وقال ابن الوزیر: «فإن قیل: کیف یمکن صحّة هذا، وقد ثبت أنّ أوّل وقت العشاء زوال الشفق الأحمر عند أهل البیت، وأکثر الفقهاء؟ وذلک ثابتٌ منذ شُرِعَتِ الصلوات فی وقت رسول الله - صلّی الله علیه وسلّم - واتفق جمهور العلماء وأهل اللغة علی أنّ الشفق هو الحمرة، حتی قال الزمخشری فی (الکشَّاف): إنّ أبا حنیفة رجع إلی ذلک؛ لأنّه المخالف فی ذلک.

قلت: یمکن أنّه کان شیئاً یسیراً، وأنّه کان فی وقت قتل الحسین علیه السلام حُمرةٌ عظیمةٌ متفاحشةٌ کما تقدّم ذلک عن أُمّ حکیم من روایة الطبرانی بإسنادٍ رجاله ثقاتٌ، وأنّه بقیَ ذلک مدّة کثیرة إلی وقت کلام محمد بن سیرین المتکلّم بهذا، وهو من التابعین وعلمائهم وثقاتهم، ثمّ تناقص عن تلک الکثرة، کما تناقص الآیات المختصّة بمقتله علیه السلام .

وقد اشتهرت قصة الحمرة بعد قتله (علیه أفضل السلام ) حتَّی ذکرها المعرِّی فی شعره علی بُعده من الأفراد المشهورات من الشرائع، فقال:

وعلی الدَّهرِ مِنْ دماء الشهیدی-

نِ علیٍّ ونجله شاهدانِ


1- المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص219.

ص:302

فهما فی أواخر اللیلِ فجرانِ

وفی أُولیاتهِ شَفَقَانِ»((1)).

خامساً: فسّر بعض العلماء هذه الحمرة بنحو لا یمکن أنْ یکون المراد منها الحمرة المعتادة، وإنّما هی حمرة أخری تعبّر عن عدم الرضا الإلهی، وغضبه سُبحانه وتعالی علی هؤلاء القوم؛ لمِا ارتکبوه من جرم کبیر لا یغتفر، وجنایة عظیمة اهتز لها عرشه، وهی قتلهم الحسین علیه السلام ، وهو ما أشار إلیه عبد الرحمن بن الجوزی، حین قال: «لمّا کان الغضبان یحمرّ وجهه فیتبیّن بالحمرة تأثیر غضبه، والحقّ سُبحانه لیس بجسم، أظهر تأثیر غضبه بحمرة الأفق حین قُتل الحسین»((2)).


1- ابن الوزیر، محمد بن إبراهیم، العواصم والقواصم: ج8، ص56- 57.
2- ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، التبصرة: ج2، ص16.

ص:303

الفصل الرابع: فی بیان حوادث کونیة متفرّقة جرت بعد مقتل الحسین علیه السلام

اشارة

ص:304

ص:305

أوّلاً: رؤیة الحیطان وکأنّها ملطخة بالدم

اشارة

والخبر بهذا اللفظ لم نعثر علیه إلّا فی کتب أهل السنّة، وقد رُوی عن اثنین، وهما: أبو الحصین، وهلال بن ذکوان.

1- خبر أبی الحصین (حصین)

اشارة

أخرج البلاذری فی أنسابه، قال: «حدّثنا سعید بن سلیمان، حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن أبی حصین، قال: لمّا قُتل الحسین مکثوا شهرین أو ثلاثة، وکأنّما تلطّخ الحیطان بالدم، من حین صلاة الغداة إلی طلوع الشمس»((1)).

وبنحوه أورده الطبری، وابن کثیر، وابن العدیم، وأرسلوه إرسال المسلّمات بلفظ: قال حصین، کما سیأتی((2)).

رجال السند

سعید بن سلیمان الضبی الملقّب بسعدویه، ثقة حافظ((3)).


1- البلاذری، أحمد بن یحیی، أنساب الأشراف: ج1، ص424.
2- اُنظر: الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الرسل والملوک: ج4، ص296. ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، البدایة والنهایة: ج8، ص185. ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2639.
3- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج1، ص398.

ص:306

وعبّاد بن العوّام، ثقة((1)).

وأبو حصین، الظاهر أنّه حصین بن عبد الرحمن، ولیس أبا حصین، وقد وقع تحریف فی المتن؛ لأنّ عبّاد بن العوّام یروی عن حصین بن عبد الرحمن، ولا یروی عن أبی حصین، کما أنّ الطبری وکذلک ابن کثیر نسبا القول لحصین علی ما سیأتی.

مضافاً لذلک، فإنّه فی نفس أنساب البلاذری، نجد أنّ هناک خبرین آخرین یروی فیهما عبّاد بن العوّام عن حصین ولیس عن أبی حصین، وکلاهما بنفس السند: البلاذری، سعید بن سلمان (سعدویه)، عبّاد بن العوّام، حصین((2)).

وحصین هذا هو ابن عبد الرحمن السلمی الکوفی، حافظ ثقة حجّة((3)).

وقد توفّیَ فی سنة (136ه-) وعمره (93)سنة، ممّا یعنی أنّ عمره فی وقعة عاشوراء کان (18) سنة.

خلاصة الحکم علی السند

والخلاصة: إنّ هذا الخبر صحیح الإسناد، ولعلّه لوضوح صحة إسناده فقد أرسله الطبری، وکذا ابن کثیر إرسال المسلّمات مع اختلاف یسیر فی اللفظ، فقالا: قال حصین: «فلمّا قُتل الحسین لبثوا شهرین أو ثلاثة، کأنّما تلطّخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتی ترتفع»((4)).


1- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص468.
2- اُنظر: البلاذری، أحمد بن یحیی، أنساب الأشراف: ج3، ص173، ج3، ص224.
3- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج1، ص338. الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج1، ص143- 144. اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج2، ص328.
4- الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الرسل والملوک: ج4، ص296. ابن کثیر، إسماعیل بن عمر، البدایة والنهایة: ج8، ص185.

ص:307

2 - خبر هلال بن ذکوان

اشارة

أخرجه سبط ابن الجوزی، قال: «أخبرنا غیر واحد، عن علی بن عبید الله، أخبرنا علی بن أحمد بن البسری، أخبرنا أبو عبد الله بن بطه، أخبرنا محمد بن هارون الحضرمی، حدّثنا هلال بن بشر، عن عبد المطلب بن موسی((1))، عن هلال بن ذکوان، قال: لمّا قُتل الحسین مکثنا شهرین أو ثلاثة، کأنّما لُطّخت الحیطان بالدم، من صلاة الفجر إلی غروب الشمس»((2)).

رجال السند

الظاهر أنّ هذا السند لا شائبة فیه لولا جهالة الراوی المباشر هلال بن ذکوان، فلم نقف له علی ترجمة، وأمّا بقیّة رجاله فبین ثقة وصدوق، وقد تقدّم الکلام فی بعضهم، ولم یتبقَ غیر علی بن عبید الله (الزاغونی، ابن أبی السری)، وعلی بن أحمد بن البسری، وأبو عبد الله بن بطة (عبید الله بن محمد العکبری)، وکلّهم ثقات لا نری حاجة لتفصیل الکلام فیهم بعد معرفتنا بجهالة هلال بن ذکون.

خلاصة الحکم علی السند

والخلاصة: إنّ السند ضعیف بهلال بن ذکوان وهو صالح لأن یتقوّی ویتعاضد مع بقیّة الأخبار الدالة علی حصول تلک الحادثة.

خلاصة الحکم علی هذه الحادثة

1- لم نقف علی راوٍ بهذا الاسم، ولعلّ الصحیح هو عبد الملک بن موسی کما تقدّم معنا فی سند ابن الجوزی الجد.
2- سبط ابن الجوزی، یوسف بن فرغلی، تذکرة الخواص:ص560.

ص:308

اتّضح أنّ هذه الحادثة وردت بسند صحیح عند البلاذری، وسند آخر فیه ضعف؛ بسبب جهالة الراوی هلال بن ذکوان، إلّا أنّه یصلح قرینة یتقوّی بها خبر البلاذری، وقد أرسل الطبری الخبر إرسال المسلّمات، فالظاهر أنّ الحادثة ثابتة، خصوصاً أنّ ابن الأثیر الجزری أرسل الحادثة باختلاف یسیر إرسال المسلمات، فقال: «ومکث الناس شهرین أو ثلاثة، کأنّما تلطّخ الحوائط بالدماء، ساعة تطلع الشمس حتّی ترتفع»((1)).

الارتباط بین الحادثة وبین حمرة السماء

عرفنا فیما سبق أنّ حادثة احمرار السماء عند مقتل الحسین علیه السلام ثابتة، قد وردت بأسانید عدیدة عن عدّة کثیرة من الرواة، وبعض طرقها صحیحة، ومن تلک الأخبار ما دلّ علی انعکاس الحمرة علی الحیطان حتی بدت وکأنّها الملاحف المعصفرة، من هنا یتوجه احتمال أنْ تکون هذه الحادثة هی انعکاس لحمرة السماء، فکانوا یرون الحیطان کأنّها ملطّخة بالدم من شدّة الحمرة؛ ولذا لم یقولوا فی الخبر بأنّهم رأوا الدم علی الحیطان، بل قالوا کأنّها ملطّخة بالدم، وهذا یقوّی احتمالیة انعکاس تلک الحمرة علی الحیطان، فتکون هذه الروایات مثبتة لحادثة الحمرة أیضاً، وتتعاضد مع سابقاتها وتعطی الحادثة وثوقاً أکثر.


1- ابن الأثیر، علی بن أبی الکرم، الکامل فی التاریخ: ج4، ص90.

ص:309

ثانیاً: انکسفت الشمس واظلمت السماء حتی بدت الکواکب

اشارة

وهذا المعنی قد ورد عند السنّة والشیعة باختلاف فی اللفظ:

أ- الروایات عند أهل السنّة

اشارة

أمّا ما ورد عند أهل السّنة، فهو عدّة أخبار، وهی:

1 - خبر أبی قبیل
اشارة

أخرجه البلاذری، قال: «حدّثنا عمرو، عن ابن وهب، عن ابن لهیعة، عن أبی قبیل [قال]: إنّ السماء أظلمت یوم قُتل الحسین حتّی رأوا الکواکب»((1)).

وأخرجه البیهقی فی سننه، قال: «وأخبرنا أبو الحسین بن الفضل القطان، أنبأ عبد الله بن جعفر، ثنا یعقوب بن سفیان، حدّثنی أبو الأسود النضر بن عبد الجبار، أنبأ ابن لهیعة، عن أبی قبیل، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی (رضی الله عنهما)، کسفت الشمس کسفةً بدت الکواکب نصف النهار، حتی ظننا أنّها هی»((2)).

ومن طریقه ابن عساکر((3))، والخوارزمی((4)).

وأورده المزی فی التهذیب، قال: «وقال أبو الأسود النضر بن عبد الجبار، عن ابن لهیعة، عن أبی قبیل: لمّا قُتل الحسین بن علی کسفت الشمس کسفةً، بدت الکواکب


1- البلاذری، أحمد بن یحیی، أنساب الأشراف: ج3، ص209.
2- البیهقی، أحمد بن الحسین، السنن الکبری: ج3، ص337.
3- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص228.
4- اُنظر: الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص101- 102.

ص:310

نصف النهار، حتی ظننا أنّها هی»((1)).

وأخرجه الطبرانی، قال: «حدّثنا قیس بن أبی قیس البخاری، ثنا قتیبة بن سعید، ثنا ابن لهیعة، عن أبی قبیل، قال: لمّا قُتل الحسین بن علی (رضی الله عنه)، انکسفت الشمس کسفةً، حتّی بدت الکواکب نصف النهار، حتّی ظننا أنّها هی»((2)).

ومن طریقه، أخرجه أبو نعیم((3))، والکنجی الشافعی((4)).

رجال السند

من الواضح أنّ السند یدور علی عبد الله بن لهیعة، وأبی قبیل، وقد رُویت عنهم بثلاث طرق، وهذه الطرق الثلاثة کلّها صحیحة، لا نری ضرورة للخوض فیها، ونُشیر لها مجملاً، ففی سند البلاذری، عمرو بن محمد الناقد، ثقة، وعبد الله بن وهب المصری، ثقة حافظ.

وفی سند البیهقی کلّهم ثقات معروفین، وعبد الجبار أبو الأسود، ثقة أیضاً.

وفی سند الطبرانی قیس بن أبی قیس البخاری، ثقة، وقتیبة بن سعید، ثقة ثبت.

فالسند إلی عبد الله بن لهیعة صحیح من غیر ریب.

وأمّا عبد الله بن لهیعة، فقد اختلفت فیه الأقوال، وقد خلص أهل الفن إلی نتائج مختلفة أهمّها:

1 - أنّه ثقة صحیح الحدیث، کما ذهب إلیه العلّامة أحمد محمد شاکر، حیث قال فی


1- المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص433.
2- الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج3، ص114.
3- اُنظر: أبو نعیم الأصبهانی، أحمد بن عبد الله، معرفة الصحابة: ج2، ص667.
4- اُنظر: الکنجی الشافعی، محمد بن یوسف، کفایة الطالب: ص444.

ص:311

تحقیقه علی سنن الترمذی: «وهو ثقة صحیح الحدیث، وقد تکلّم فیه کثیرون بغیر حجّة من جهة حفظه، وقد تتبعنا کثیراً من حدیثه، وتفهمّنا کلام العلماء فیه، فترجّح لدینا أنّه صحیح الحدیث، وأنّ ما قد یکون فی الروایة من الضعف إنّما هو ممّن فوقه أو ممّن دونه، وقد یُخطئ هو کما یُخطئ کلّ عالم وکلّ راوٍ»((1)).

وقیّد صحة روایاته فی تحقیقه علی المسند فیما إذا روی عنه ثقة حافظ معروف، فقال: «وهو ثقة، تکلّموا فیه من قِبل حفظه بعد احتراق کُتبه، ونحن نری تصحیح حدیثه إذا رواه عنه ثقة حافظ من المعروفین»((2)).

2 - أنّه حسن الحدیث، وهذا ما ذهب إلیه الحافظ نور الدین الهیثمی، حیث حسّن له أحادیث عدیدة فی کتابه مجمع الزوائد بقوله: «وفیه ابن لهیعة وحدیثه حسن»، أو بقوله: «وهو حسن الحدیث»((3))، أو غیر ذلک((4)). وکذلک ذهب إلیه السیوطی((5))، والفتنی((6))، والمناوی((7))، والشوکانی((8)).

وقد صرّح الألبانی بهذه الحقیقة، وهی أنّ من العلماء مَن یُصحّح حدیث ابن لهیعة،


1- الترمذی، محمد بن عیسی، سنن الترمذی (تحقیق أحمد محمد شاکر): ج1، ص16.
2- ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد (تحقیق أحمد محمد شاکر): ج1، ص202.
3- الهیثمی، علی بن أبی بکر، مجمع الزوائد: ج1، ص155، ج2، ص250.
4- اُنظر: المصدر السابق: ج3، ص255، ص257، ص298، ج4، ص18، ص20، ص31، ص57، ص80، ص82، ص84، ص94، ج5، ص16، ص19، ص23، ص25، ص27، ص54، إلی غیر ذلک من الموارد العدیدة جداً التی بیّن فیها الهیثمی أنّ ابن لهیعة حسن الحدیث.
5- اُنظر: السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، اللآلئ المصنوعة: ج1، ص225. السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، النکت البدیعات: ص185- 186.
6- اُنظر: الفتنی، محمد بن طاهر، تذکرة الموضوعات: ص185.
7- اُنظر: المناوی، محمد عبد الرؤوف، فیض القدیر: ج1، ص641.
8- اُنظر: الشوکانی، محمد بن علی، نیل الأوطار: ج5، ص101.

ص:312

ومنهم مَن یُحسّن حدیثه، فقال فی کتابه جلباب المرأة المسلمة، عند کلامه عن حدیث فی سنده ابن لهیعة: «وعلّته ابن لهیعة... وهو ثقة فاضل، لکنّه کان یحدّث من کُتبه، فاحترقت، فحدّث من حفظه، فخلط، وبعض المتأخرین یحسّن حدیثه وبعضهم یصحّحه»((1)).

3 - أنّ حدیثه معتبر ما قبل احتراق کُتبه، وضعیف ما بعد احتراقها، إلّا أنّه یصلح فی المتابعات والشواهد، وممّن ذهب إلی هذا الرأی الحافظ ابن حجر العسقلانی، وکذا الشیخ الألبانی، والشیخ الحوینی الأثری، وغیرهم.

قال ابن حجر: «عبد الله بن لهیعة... صدوق من السابعة، خلط بعد احتراق کُتبه، وروایة ابن المبارک، وابن وهب عنه أعدل من غیرهما، وله فی مسلم بعض شیء مقرون»((2)).

أمّا الألبانی فقد تقدّم قوله بأنّ ابن لهیعة خلط بعد احتراق کُتبه، وقال فی الصحیحة: «ابن لهیعة فیه کلام لا یخفی، والأحادیث التی نوردها فی (سلسلة الأحادیث الضعیفة) من روایته أکثر من أن تُحصر، بید أنّ هذا الکلام فیه لیس علی إطلاقه، فإنّ روایة العبادلة الثلاثة عنه صحیحة، وهم: عبد الله بن المبارک، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن یزید المقریء، فإنّهم رووا عنه قبل احتراق کُتبه، کما هو مشروح فی ترجمته من التهذیب»((3)). وحین سُئل عن رأیه حول مَن ینکر احتراق کُتبه وبالتالی اختلاطه بعدها، أجاب: «هذا غیر صحیح، فابن لهیعة قد اختلط بعد احتراق کُتبه، ومَن روی عنه قبل


1- الألبانی، محمد ناصر الدین، جلباب المرأة المسلمة: ص59.
2- العسقلانی، أحمد بن حجر، تقریب التهذیب: ج1، ص526.
3- الألبانی، محمد ناصر الدین، سلسلة الأحادیث الصحیحة: ج2، ص24.

ص:313

اختلاط کُتبه، فحدیثه صحیح»((1))، وذکر بعد ذلک أنّه وقف حتّی ساعة السؤال علی ثلاثة عشر راویاً رووا عن ابن لهیعة قبل احتراق کُتبه، وعدّ منهم عبد الله بن وهب، وقتیبة بن سعید((2)).

وقال الحوینی: «والحق أنّ حدیث ابن لهیعة من روایة القدماء عنه قویٌ مقبول، ولم یکن دلّس فیه، أمّا بعد احتراق کُتبه، فقد وقعت منه مناکیر کثیرة فی حدیثه...». ثمّ ذکر جملة ممّن وقف علیهم أنّهم رووا قبل الاحتراق، وعدّ منهم ابن وهب((3)).

ومن خلال ذلک یتّضح أنّ حدیث ابن لهیعة فی الخبر أعلاه یکون مقبولاً علی کلّ الأقوال الثلاثة المتقدّمة؛ لأنّه إمّا صحیح الحدیث مطلقاً، أو حسن الحدیث مطلقاً، أو صحیح بروایة القدماء عنه، وقد روی عنه فی الخبر أعلاه عبد الله بن وهب کما فی سند البلاذری، وقتیبة بن سعید کما فی سند الطبرانی.

وأمّا أبو قبیل فهو حیی بن هانئ، وثّقه عدّة من أئمّة الشأن، منهم أحمد بن حنبل، وأبو زرعة، والدارقطنی، والعجلی، ویعقوب بن سفیان الفسوی، وابن معین، وأحمد بن صالح المصری((4)).

نعم، قال فیه أبو حاتم: «صالح الحدیث»((5)). وذکره ابن حبّان فی الثقات، وقال: «وکان یخطئ»((6)). ومع ملاحظة تشدّدد أبی حاتم، وکذا ابن حبّان، وأیضاً ملاحظة أنّ


1- هادی، عصام موسی، محدّث العصر الإمام الألبانی کما عرفته: ص78- 79.
2- اُنظر: المصدر السابق.
3- أبو إسحاق الحوینی، حجازی محمّد شریف، بذل الإحسان بتقریب سنن النسائی أبی عبد الرحمن: ج1، ص32.
4- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج3، ص64.
5- اُنظر: ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج3، ص275.
6- ابن حبّان، محمد، الثقات: ج4، ص178.

ص:314

الخطأ لا یسلم منه راوٍ ما، سیتضّح أنّ الرجل ثقة، وإذا تنزلنا عن ذلک، فحینئذٍ یدور الأمر فیه بین کونه صدوقاً أو ثقة، وقد انتهی الأرنؤوط وبشّار عوّاد إلی أنّه ثقة((1)).

خلاصة الحکم علی السند

والخلاصة: إنّه بناءً علی وثاقة ابن لهیعة، ووثاقة أبی قبیل، فإنّ الخبر صحیح الإسناد، وأمّا بناءً کون أحدهما صدوقاً فالسند حسن، وهو ما ذهب إلیه الهیثمی، حیث قال: «رواه الطبرانی وإسناده حسن»((2)).

تنویه فی اختلاف لفظ الحدیث

عرفنا أنّ لفظ الحدیث عند البلاذری هو أنّ السماء أظلمت، بینما فی الطریقین الآخرین عند البیهقی والطبرانی، أنّ الشمس انکسفت، والظاهر أنّه لا یوجد خبران لأبی قبیل فی الموضوع، بل هو خبر واحد بقرینة أنّ کلّ الطرق هی عن ابن لهیعة، عن أبی قبیل، فالظاهر أنّ هناک نقلاً بالمعنی لاستلزام الکسوف للظلام کما هو واضح، فالراوی حین رأی الظلام ظنّ أنّ الشمس انکسفت؛ لذا اختلف الرواة فی النقل فبعضهم نقل انکساف الشمس، وبعضهم نقل حصول الظلام، والله أعلم.

وما یؤید ذلک أنّ بقیّة الرواة غیر أبی قبیل أیضاً اختلفوا فبعضهم نقل الکسوف، وبعضهم نقل الظلام، وسیأتی مزیداً من الکلام عن ذلک فیما یأتی.

2 - خبر خلیفة بن صاعد

تقدم أنّ هذا الخبر أخرجه ابن عساکر، عن خلف بن خلیفة، عن أبیه، قال:


1- اُنظر: الأرنؤوط، شعیب بن محرم، ومعروف، بشّار عوّاد، تحریر التقریب: ج1، ص337.
2- الهیثمی، علی بن أبی بکر، مجمع الزوائد: ج9، ص197.

ص:315

«لمّا قُتل الحسین اسودّت السماء وظهرت الکواکب نهاراً، حتّی رأیت الجوزاء عند العصر، وسقط التراب الأحمر»((1)).

وأورده المزی فی تهذیبه((2)).

وقد تبیّن من خلال دراسة الرجال أنّ سند هذا الخبر حسن لذاته.

3 - خبر أُمّ حیّان

وقد تقدّم سابقاً أنّ هذا الخبر أخرجه ابن عساکر من طریق البیهقی، والخطیب، وابن هبة الله، بسندهم إلی أُمّ حیّان، قالت: «یوم قُتل الحسین أظلمت علینا ثلاثاً...»((3)).

وقد تقدّم ما یتعلّق بتخریج الخبر.

وأمّا من حیث السند فقد تقدّم فیه الکلام مفصّلاً وتبیّن أنّ الخبر ضعیف، لکن الضعف لیس شدیداً؛ لأنّه یتعلّق بالجهالة، فیکون صالحاً لأنْ یتقوّی مع غیره.

هذا، وقد أشرنا سابقاً أنّ ابن عساکر والسیوطی نسبوا تخریج الروایة إلی البیهقی، وعرفنا فیما تقدّم أنّ البیهقی إذا خرّج حدیثاً وسکت عنه، فهو صحیح معتبر عنده، وهذا ما یقوّی صحة الطریق أعلاه، وصحة أصل الخبر.

4 - خبر ابن عباس
اشارة

وهذا الخبر روته المصادر الشیعیة، نقلاً عن المصادر السنیّة، فقد رواه الشیخ الصدوق فی الأمالی والإکمال، والراوندی فی الخرائج، وعنهم أخذه الکثیر کالبحار وغیره.


1- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص226.
2- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص432.
3- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص229.

ص:316

أمّا روایة الشیخ الصدوق، فهی عن محمد بن أحمد السنانی (رضی الله عنه) کما فی الأمالی((1))، وأحمد بن الحسن بن القطان «وکان شیخاً لأصحاب الحدیث ببلد الری، یعرف بأبی علی بن عبد ربّه» کما فی الإکمال((2))، کلاهما قالا: حدّثنا أحمد بن یحیی بن زکریا القطان، قال: حدّثنا بکر بن عبد الله بن حبیب، قال: حدّثنا تمیم بن بهلول، قال: حدّثنا علی بن عاصم، عن الحصین بن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن ابن عباس.

وقال الراوندی فی الخرائج: بأنّ هذا الخبر«یُروی عن مشیخة المخالفین، عن شیخ لأصحاب الحدیث بالری یعرف بأبی علی بن عبد ربّه، قال: ثنا أحمد بن یحیی بن زکریا القطان، ثنا بکر بن عبد الله بن حبیب، عن تمیم بن بهلول، عن علی بن عاصم، عن الحصین بن عبد الرحمان، عن مجاهد، عن ابن عباس».

قال: «وتُروی عن شیخ لهم بأصفهان یعرف بأبی بکر بن مردویه بإسناده عن ابن عباس»((3)).

وأصل الخبر مع عدم ذکر بعض التفاصیل، وعدم التعرّض لمسألة الکسوف أیضاً، رواه ابن الأعثم فی الفتوح((4)).

والخبر طویل وخلاصة موضع الشاهد منه کما رواه فی الخرائج عن ابن مردویه، أنّ الإمام علی علیه السلام حین مرّ بکربلاء بکی بکاءً طویلاً، وبیّن لابن عباس أنّ الإمام الحسین علیه السلام سیُقتل هنا، وأنّ فی هذا المکان بعر الظباء، وهی مصفرة لونها لون الزعفران، فأمر ابن عباس أنْ یطلبها، فوجدها ابن عباس کما وصفها الإمام، فأخذها


1- اُنظر: الصدوق، محمد بن علی، الأمالی: ص694.
2- اُنظر: الصدوق، محمد بن علی، کمال الدین وتمام النعمة: ص532.
3- قطب الدین الراوندی، سعید بن هبة الله، الخرائج والجرائح: ج3، ص1144.
4- اُنظر: ابن أعثم الکوفی، أحمد، الفتوح: ج2 ص551، وما بعدها.

ص:317

الإمام وشمّها، وهو یقول: هی هی بعینها، أتعلم یا بن عباس، ما هذه الأباعر؟ هذه قد شمّها عیسی من مریم، وقال: هذا الطیب لمکان حشیشها، ثمّ إنّ الإمام أخذ من البعر وصرّه فی ردائه، وأمر ابن عباس کذلک، وقال له: «إذا رأیتها تنفجر دماً عبیطاً، فاعلم أنّ أبا عبد الله قد قُتل بها [ودفن]. قال ابن عباس: لقد کنت أحفظها، ولا أحلّها من طرف کمّی، فبینا أنا فی البیت نائم وقد خلا عشر المحرّم إذ انتبهت، فإذا تسیل دماً، فجلست وأنا باکٍ، فقلت: قُتل الحسین، وذلک عند الفجر، فرأیت المدینة کأنّها ضباب، ثمّ طلعت الشمس وکأنّها منکسفة، وکأنّ علی الجدران دماً، فسمعت صوتا یقول وأنا باکٍ:

اصبروا آل الرسول

قُتل الفرخ البجول((1)).

نزل الروح الأمین

ببکاء وعویل

ثمّ بکی وبکیت، ثمّ حدّثت الذین کانوا مع الحسین، فقالوا: لقد سمعنا ما سمعت ونحن فی المعرکة، فکنّا نری أنّه الخضر علیه السلام »((2)).

خلاصة الحکم السندی فی هذا الخبر

وهذا السند ضعیف علی کلا المبنیین؛ ویکفی فی ذلک جهالة وضعف بعض رجاله، فمثلاً: أحمد بن یحیی بن زکریا القطان، مجهول عند الشیعة، ولم أقف له علی ذکر عند أهل السنّة، وتمیم بن بهلول، مجهول عند الشیعة، ولیس له ذکر عند أهل السنّة، وعلی بن عاصم، ضعیف عند أهل السنة، ولیس له ذکر عند الشیعة، والمذکور عند


1- وفی کتاب الأمالی وکذلک کمال الدین للشیخ الصدوق: (النحول) بدل البجول.
2- قطب الدین الراوندی، سعید بن هبة الله، الخرائج والجرائح: ج3، ص1145- 1147. واُنظر: الصدوق، محمد بن علی، الأمالی: ص694- 696. الصدوق، محمد بن علی، کمال الدین وتمام النعمة: ص535.

ص:318

الشیعة مختلف الطبقة عن ذاک کما أوضح السیّد الخوئی((1)). وهکذا بقیّة الرجال بین الجهالة والخلاف بین الفریقین، فلا یسلم السند علی مبنی أیّ منهما، فالخبر بهذا السند ضعیف.

أضف إلی ذلک ففی الخبر ما یدلّ علی ضعفه أیضاً، وهو أنّ ابن عباس کان أعمی، فکیف تمکّن من رؤیة سیلان الدم وانکساف الشمس وما إلی ذلک من الأُمور المذکورة فی الروایة؟!

مضافاً لمِا سیأتی فی بعض الأخبار بأنّ أُمّ سلمة رأت تحوّل التربة دماً وصرخت، وجاءها الناس وکان ممّن جاء مستفسراً عن الوضع هو ابن عباس یقوده قائده، ممّا یدل علی أنّ ابن عباس قد عرف الخبر من أُمّ سلمة!

5 - خبر یزید بن أبی زیاد

روی أبو الشیخ فی کتاب (السنّة) کما نقله الزرندی فی نظم درر السمطین، بسنده إلی یزید بن أبی زیاد، قال: «شهدت مقتل الحسین وأنا ابن خمس عشرة سنة، فصار الورس فی عسکرهم رماداً، واحمرّت السماء لقتله، وانکسفت الشمس لقتله، حتی بدت الکواکب نصف النهار، وظنّ الناس أنّ القیامة قد قامت، ولم یُرفع حجر فی الشام إلّا رؤی تحته دم عبیط»((2)).

لکن من المؤسف أنّ کتاب السنّة لأبی الشیخ لم یصل إلینا، فلم نقف علی سنده، فیکون الخبر مرسلاً.


1- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج13، ص70.
2- الزرندی الحنفی، محمد بن یوسف، نظم درر السمطین: ص220.

ص:319

6 - خبر مرسل عن الشعبی

أورده سبط ابن الجوزی، قال: وقال الشعبی: «لمّا قُتل الحسین اسودّت الدنیا ثلاثة أیام، ورمت السماء رملاً أحمر»((1)).

ومن الواضح أنّ الخبر المرسل محکوم بالضعف.

ب - الروایات الواردة عند الشیعة

1 - روایة أبی مخنف

أرسلها ابن شهر آشوب عن أبی مخنف فی روایة: «... وانکسفت الشمس إلی ثلاثة أسبات»((2))، وعنه المجلسی((3))، والبحرانی((4)).

وهی مرسلة بلا سند محکومة بالضعف.

وقد فسّر المجلسی المقصود من ثلاثة أسبات، أی: ثلاثة أسابیع بدأت من السبت، قال: « قوله (إلی ثلاثة أسبات)، أی: أسابیع، وإنّما ذکر هکذا؛ لأنّهم ذکروا أنّ قتله علیه السلام کان یوم السبت، فابتداء ذلک من هذا الیوم»((5)).

2 - روایة رجل من أهل بیت المقدس
اشارة

تقدّم ذکر هذه الروایة سابقاً، وقد أخرجها ابن قولویه بسنده إلی أبی نصر، عن رجل من أهل بیت المقدس فی خبر طویل جاء فیه: «... وانکسفت الشمس ثلاثة


1- سبط بن الجوزی، یوسف بن فرغلی، مرآة الزمان: ج8، ص172.
2- ابن شهر آشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب: ج3، ص218.
3- اُنظر: المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص305.
4- اُنظر: البحرانی، هاشم بن سلیمان، مدینة المعاجز: ج4، ص116.
5- المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص305.

ص:320

أیام»((1)).

وقد عرفنا سابقاً أنّ هذا السند ضعیف؛ لوجود عدّة مجاهیل فیه.

خلاصة حکم هذه الحادثة

اتضح أنّ هذه الحادثة وردت بعدّة طرق عند أهل السنّة، بعضها صحیحة کخبر أبی قبیل، وخبر خلیفة بن صاعد، کما أنّها وردت من طرق الشیعة أیضاً کما تقدّم.

غیر أنّه لم یرد فی خبر خلیفة، وخبر أُمّ حیّان إشارة إلی کسوف الشمس، بل اقتصر الرواة علی ذکر الظلام الذی حصل فی الکون فی ذلک الیوم، وکما قدّمنا سابقاً، فإنّ الظلام ملازم لانکساف الشمس، فالأظهر أنّ المراد من الأخبار هو شیء واحد.

ثمّ الظاهر أنّه یوجد غیر أبی قبیل قد صرّح بالکسوف، وهو ما أشار إلیه ابن حجر العسقلانی، حین ذکر خبر أبی قبیل فی کسوف الشمس، وأوضح أنّ غیر أبی قبیل رواه أیضاً، فقال: «روی البیهقی عن أبی قبیل وغیره أنّ الشمس کُسفت یوم قُتل الحسین»((2)).

کما أنّ ابن عباس صرّح بالکسوف کما فی خبر الصدوق والراوندی، وکذلک یزید بن أبی زیاد کما فی خبر أبی الشیخ.

فاتّضح أنّ القدر المشترک من الخبر هو حصول ظاهرة الانکساف، وقد وردت فی کتب الفریقین، ممّا یُشکّل قرینة أُخری تقوّی مسألة الوثوق بحصول الحادثة.

کما أنّ هذه الحادثة تُعدُّ من المشهورات، وهو ما صرّح به الشربینی، حیث قال: «وکذا اشتهر أنّها کسفت یوم قُتل الحسین، وأنّه قُتل یوم عاشوراء»((3)).


1- ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص160- 161.
2- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، التلخیص الحبیر: ج5، ص84.
3- الشربینی، محمد بن أحمد، مغنی المحتاج: ج1، ص320.

ص:321

وأمّا ما یتعلّق بفترة الانکساف والاختلاف فی ذلک فغیر ضار بعد اتّفاق الأخبار علی أصل ظاهرة الانکساف، ولربّما یکون منشأ الاختلاف راجع إلی اختلاف الأماکن، والله العالم.

معنی انکساف الشمس

عرفنا قبل قلیل أنّ الأخبار تارةً ذکرت الظلام وأُخری ذکرت الانکساف، فهل من الممکن حصول الانکساف حقیقة أَم الأمر لا یعدو حصول الظلام، وتوهم الرواة أنّ الشمس انکسفت؟

من المعروف علمیّاً أنّ انکساف الشمس بمعنی حیلولة القمر بینها وبین الأرض لا یحصل إلّا فی أواخر الشهور العربیة، ولا یمکن حصول ذلک قبل یوم السابع والعشرین قطعاً، ومقتل الحسین علیه السلام حصل فی یوم العاشر من المحرّم فمن جهة علمیة لا یمکن حصول الکسوف.

إلّا أنّه قد یقال بأنّنا ما دمنا نتکلّم عن حوادث إعجازیة خارقة للعادة، فلا معنی للحساب العلمی، فکما أنّ مطر السماء دماً یُعتبر خارجاً عن الأُطر الطبیعیة، فکذلک لتنکسف الشمس خارج الأُطر الطبیعیة.

غیر أنّ هذا الکلام مردود روائیاً أیضاً، فقد ورد عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه لا تنکسف الشمس لموت أحد، رواه الکلینی فی الکافی، عن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن عمرو بن سعید، عن علی بن عبد الله، قال: «سمعت أبا الحسن موسی علیه السلام ، یقول: إنّه لمّا قُبض إبراهیم ابن رسول الله صلی الله علیه و آله جرت فیه ثلاث سنن: أمّا واحدة، فإنّه لمّا مات انکسفت الشمس. فقال الناس: انکسفت الشمس لفقد ابن رسول الله. فصعد رسول الله صلی الله علیه و آله

ص:322

المنبر، فحمد الله وأثنی علیه، ثمّ قال: یا أیّها الناس، إنّ الشمس والقمر آیتان من آیات الله یجریان بأمره مطیعان [له] لا ینکسفان لموت أحد ولا لحیاته...»((1)).

إلّا أنّ المجلسی یری أنّ الروایة مختصّة بمحض الموت مالم ترافقه أسباب أُخری، فقال فیها: «أی بمحض الموت، بل إذا کان ذلک بسبب فعل الأُمّة واستحقوا العذاب والتخویف یمکن أن ینکسفا لذلک، فلا ینافی ما رُوی فی الأخبار من انکسافهما لشهادة الحسین (صلوات الله علیه)، ولعنة الله علی قاتله، فإنّها کانت بفعل الأُمّة الملعونة، واستحقوا بذلک التخویف والعذاب بخلاف فوت إبراهیم علیه السلام ، فإنّه لم یکن بفعل الأُمّة»((2)).

بینما یلتزم الشیخ حسن زادة آملی بالروایة دون تأویل، ویری عدم تحقق الکسوف الحقیقی، فیقول: «لم یکن الانکساف علی معناه الواقعی الحقیقی المعروف بین الناس، أعنی: انکساف الشمس بحیلولة القمر بینها وبین الأرض؛ لمِا ثبت بالبرهان الیقینی الریاضی المبتنی علی الأرصاد من قدیم الدهر إلی الآن، المعاضد بالمشاهدة أیضاً، من أنّ الشمس لا تنکسف إلّا فی أواخر الشهور العربیة، ولا یصادف الحیلولة قبل الیوم السابع والعشرین قطعاً، کما أنّ انخساف القمر یکون فی أواسط الشهر فقط، ولا یقع قبل اللیلة الثالثة عشر حتماً، فالانکساف فی وقت اجتماعهما دائماً، والانخساف فی استقبالهما کذلک، فإذا لم یکن انکسافها علی معناه، فالجدیر أن یقال أنّ الشمس أظلمت بتلک الواقعة الهائلة؛ لمِا دریت من أنّ للذنوب تأثیرات فی تغییر الأحوال الکونیّة، وأمّا أنّ الشمس بماذا أظلمت حینئذٍ فعلمه مستور عنّا.


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی: ج3، ص208.
2- المجلسی، محمد باقر، مرآة العقول: ج14، ص138.

ص:323

وقد روی الشیخ الأجل قطب الدین الراوندی رحمة الله فی آخر کتابه الخرائج والجرائح عن الإمام أبی جعفر الباقر علیه السلام ، قال: آیتان تکونان قبل قیام القائم لم یکونا منذُ هبط آدم إلی الأرض، تنکسف الشمس فی النصف من شهر رمضان والقمر آخره، فعند ذلک یسقط حساب المنجّمین»((1)).

والراجح عندنا من خلال ما قدّمناه وأوضحناه أنّ الکسوف حاصل، ولا معنی للتمسّک بالمعطیات العلمیة مادام الکلام فی حوادث وأُمور خارجة عن نوامیس الطبیعة، وإذا أنکرنا الکسوف رغم دلالة الروایات علیه، فلا معنی أیضاً أنْ نتمسّک بالظلام ونقول إنّ سرّه مخفی، فهو خارج عن الأُطر الطبیعیة أیضاً.

ثمّ إنّ کتب الفریقین صرّحت بانکساف الشمس لموت إبراهیم، وقد مات فی الیوم العاشر أیضاً علی ما سیأتی، أضف إلی ذلک، فإنّ العلماء یبحثون مسألة ما إذا اتّفق حصول الکسوف مع العید، ومن المعلوم أنّ العید إمّا یکون أوّل الشهر وهو عید الفطر، أو عاشر الشهر وهو عید الأضحی.

وکیف ما کان، فالحادثة حاصلة وما أبرزناه من کلمات لا یوجد فیها نفی للحادثة بقدر ما فیها توجیه للمراد، وهل أنّ الکسوف حصل أَم أنّ الدنیا أظلمت لأمر خفی غیر الکسوف؟ وکلاهما یُعدّ حادثة کونیة غیر طبیعیة، وهو المراد الأوّل من البحث کما لا یخفی.

وقد صرّح جملة من علماء أهل السنة بإمکانیة حصول الکسوف فی أوائل الشهر، عند بحثهم مسألة اجتماع العید والکسوف:

قال ابن عابدین: «فإن قیل: کیف یجتمعان والکسوف فی العادة لا یکون إلّا فی آخر


1- آملی، حسن حسن زاده، دروس معرفة الوقت والقبلة: ص85.

ص:324

یوم من الشهر، والعید أوّل یوم، أو یوم العاشر؟ قلنا: لا یمتنع، فقد رُوی أنّها کسفت یوم مات إبراهیم ابن رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم)، وموته کان یوم العاشر من ربیع الأوّل»((1)).

وقال الدسوقی: «استُشکل بأنّ أهل الهیئة أحالوا اجتماع العید والکسوف؛ لأنّ الکسوف لا یکون إلّا فی التاسع والعشرین من الشهر، والعید إمّا أوّل یوم من الشهر، أو عاشره، والحاصل أنّهم یقولون: إنّ الکسوف سببه حیلولة القمر بیننا وبین الشمس، ولا تکون الحیلولة إلّا عند اجتماع القمر مع الشمس فی منزلة واحدة، وفی عید الفطر یکون بینهما منزلة کاملة ثلاث عشرة درجة، وفی عید الأضحی نحو مائة وثلاثین درجة، وحینئذٍ فلا یتأتی اجتماع العید والکسوف.

وردّ ابن العربی علیهم: بأنّ لله أنْ یخلق الکسوف فی أیّ وقت شاء؛ لأنّ الله فاعل مختار، فیتصرف فی کلّ وقت بما یرید.

وفی حاشیة الرسالة لح: أنّ الرافعی نقل أنّ الشمس کسفت یوم مات الحسین، وکان یوم عاشوراء، وورد أنّها کسفت یوم مات إبراهیم ولد النبی (صلّی الله علیه وسلّم)، وکان موته فی العاشر من الشهر عند الأکثر، وقیل: فی رابعه، وقیل: فی رابع عشره...»((2)).

وقال النووی: «فرع: اعترضت طائفة علی قول الشافعی: اجتمع عید وکسوف. وقالت: هذا محال، فإنّ الکسوف لا یقع إلّا فی الثامن والعشرین، أو التاسع والعشرین. فأجاب الأصحاب بأجوبة:


1- ابن عابدین، محمد أمین بن عمر، حاشیة ردّ المحتار: ج2، ص181.
2- الدسوقی، محمد بن عرفة، حاشیة الدسوقی: ج1، ص405.

ص:325

أحدها: أنّ هذا قول المنجمین، وأمّا نحن، فنجوّز الکسوف فی غیرهما، فإنّ الله تعالی علی کلّ شیء قدیر. وقد نُقل مثل ذلک، فقد صحّ أنّ الشمس کسفت یوم مات إبراهیم ابن رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم)، وروی الزبیر بن بکار فی (الأنساب): أنّه توفّی فی العاشر من شهر ربیع الأوّل. وروی البیهقی مثله عن الواقدی.

وکذا اشتهر أنّ قتل الحسین (رضی الله عنه) کان یوم عاشوراء. وروی البیهقی عن أبی قبیل: أنّه لمّا قُتل الحسین، کسفت الشمس»((1)).


1- النووی، یحیی بن شرف، روضة الطالبین: ج1، ص598.

ص:326

ص:327

ثالثاً: حیطان دار الإمارة تسایل دماً

اشارة

أورده المزی، قال: قال أبو القاسم البغوی: «حدّثنی أحمد بن محمد بن یحیی بن سعید، قال: حدّثنا زید بن الحباب، قال: حدّثنی أبو یحیی مهدی بن میمون، قال: سمعت مروان مولی هند بنت المهلّب، قال: حدّثنی بواب عبید الله بن زیاد: أنّه لمّا جیء برأس الحسین، فوضع بین یدیه، رأیت حیطان دار الإمارة تسایل دماً»((1)).

وأخرجه من طریقه ابن عساکر((2))، وابن العدیم((3)).

وأورده الطبری فی ذخائره عن مروان مولی هند بنت المهلّب، قال: «حدّثنی بواب عبید الله بن زیاد: أنّه لمّا جیء برأس الحسین بین یدیه رأیت حیطان دار الإمارة تسایل دماً. [وقال:] خرّجه ابن بنت منیع»((4)). وابن بنت منیع هو نفسه أبو القاسم البغوی.

وأورده الصالحی الشامی من طریق البغوی أیضاً، لکنّه ذکر أنّ الراوی المباشر هو أیوب بن عبید الله((5))، ولیس بواب عبید الله، والظاهر أنّه تصحیف مخالف لبقیّة النقولات المتعدّدة عن بواب عبید الله.

رجال السند


1- المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص434.
2- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص229.
3- اُنظر: ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2636.
4- الطبری، أحمد بن عبد الله، ذخائر العقبی: ص145.
5- اُنظر: الصالحی، محمد بن یوسف، سبل الهدی والرشاد: ج11، ص541.

ص:328

وهذا السند لا کلام فیه إلا من جهة الراوی المباشر، فأحمد بن محمد بن یحیی بن سعید القطان، ثقة((1))، وزید بن الحباب وثقه جمع، وفیه کلام یسیر((2))، وانتهی الذهبی إلی أنّه ثقة وغیره أقوی منه((3))، وأبو یحیی مهدی بن میمون ثقة((4))، ومروان مولی هند بنت المهلّب ثقة((5))، ولم یبق سوی بواب عبید الله بن زیاد، فلم نعرفه، لکن أغلب الظن أنّه کان من أعداء أهل البیت باعتبار عمله لهذا الطاغیة، ومع ذلک یروی هذا الخبر، ممّا یُعطی للخبر قوة.

خلاصة الحکم السندی علی هذا الخبر

اتّضح أنّ هذا السند رجاله إلی الراوی المباشر کلّهم ثقات، إلّا أنّ بواب عبید الله بن زیاد مجهول لم نعرفه، لکن أغلب الظن أنّه کان من أعداء أهل البیت باعتبار عمله لهذا الطاغیة، کما ذکرنا، وحینئذ، فلا موجب لکذبه فی خبر علی خلاف هواه ومصلحته، فروایته لهذا الخبر، تعطیه قوة، وتزید من احتمالیة مطابقته للواقع بنسبة کبیرة.


1- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج1، ص69. الأرنؤوط، شعیب بن محرم، ومعروف، بشّار عوّاد، تحریر التقریب: ج1، ص75.
2- اُنظر: المصدر السابق: ج3، ص347- 348.
3- الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفاظ: ج1، ص350- 351.
4- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج10 ص290- 291.
5- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص172.

ص:329

رابعاً: الورس صار رماداً

اشارة

والورس (بفتح الواو وسکون الراء): «نبات کالسمسم لیس إلّا بالیمن ...»((1)).

وقد ورد هذا الخبر بلفظ (دماً) بدل رماداً عند أبی مخنف علی ما أرسله عنه ابن شهر آشوب، حیث نقل عن أبی مخنف فی روایة: «ولمّا قُتل الحسین صار الورس دماً»((2)). وعنه المجلسی((3))، والبحرانی((4)).

لکنّ الظاهر أنّه من خطأ النُّسّاخ، مع أنّ الخبر مرسل لا یعوّل علیه.

وقد ورد فی تحوّله رماداً عدّة أخبار، منها:

1 - خبر جدّة سفیان بن عیینة

اشارة

أورده المزی، قال: «قال أبو بکر الحمیدی: عن سفیان بن عیینة، عن جدّته أُمّ أبیه: «لقد رأیت الورس عاد رماداً، ولقد رأیت اللحم کأنّ فیه النار حین قُتل الحسین»((5)).

ومن طریق الحمیدی، أخرجه البیهقی، قال: أخبرنا أبو الحسین((6))، أخبرنا عبد الله((7))، حدّثنا یعقوب((8))، حدّثنا أبو بکر الحمیدی به((9)).


1- الفیروز آبادی، محمد بن یعقوب، القاموس المحیط: ص747.
2- ابن شهر آشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب: ج3، ص218.
3- اُنظر: المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص305.
4- اُنظر: البحرانی، هاشم بن سلیمان، مدینة المعاجز: ج4، ص116.
5- المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص435.
6- أبو الحسین، محمد بن الحسین بن الفضل القطان.
7- عبد الله بن جعفر بن درستویه النحوی.
8- یعقوب بن سفیان الحافظ.
9- اُنظر: البیهقی، أحمد بن الحسین، دلائل النبوة: ج6، ص472.

ص:330

وبعدّة طرق أخرجه ابن عساکر عن أبی الحسین القطان بالسند السابق((1)).

وأخرجه الطبرانی، قال: «حدّثنا علی بن عبد العزیز، ثنا إسحاق بن إسماعیل، ثنا سفیان، حدّثتنی جدّتی أُمّ أبی، قال: رأیت الورس الذی أُخذ من عسکر الحسین صار مثل الرماد»((2)).

وأخرجه أیضاً ابن العدیم فی بُغیته((3)).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: «حدّثنی أبی، قال: ذکر لسفیان جدّته، فقال: قالت - یعنی یوم قُتل الحسین -: صار اللحم کذا، وصار الورس أسود»((4)).

رجال السند

ومن الواضح صحة سند الخبر إلی جدّة سفیان، فرجال سند البیهقی إلی جدّة سفیان کلّهم من الثقات المعروفین، فأبو الحسین بن الفضل القطان مُجمع علی ثقته((5))، وعبد الله بن جعفر بن درستویه ثقة أیضاً((6))، ویعقوب بن سفیان الفسوی حافظ ثقة معروف صاحب کتاب المعرفة والتاریخ وغیرها((7))، وأبو بکر الحمیدی هو عبد الله بن الزبیر بن عیسی الحمیدی، ثقة إمام، من أثبت الناس فی سفیان بن عیینة((8)).

وکذلک رجال الطبرانی، فإنّ علی بن عبد العزیز هو البغوی الحافظ، شیخ


1- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص230.
2- الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج3، ص119.
3- اُنظر: ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2639.
4- ابن حنبل، أحمد، العلل ومعرفة الرجال: ج1، ص450.
5- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج17، ص331- 332.
6- اُنظر: المصدر السابق: ج15، ص531- 532.
7- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج32، ص324- 335.
8- المصدر السابق: ج14، ص512- 513.

ص:331

الطبرانی، وعمّ الحافظ المعروف عبد الله بن محمد بن عبد العزیز البغوی. قال الدارقطنی: «ثقة مأمون»((1)). وقال الذهبی: «ثقة، لکنّه یطلب علی التحدیث، ویعتذر بأنّه محتاج»((2)).

وإسحاق بن إسماعیل هو الطالقانی، ثقة((3)).

وکذلک سند عبد الله بن أحمد فهو یرویه عن أبیه أحمد بن حنبل الثقة الإمام الحافظ المعروف إمام المذهب.

وأمّا سفیان بن عیینة الذی تدور علیه الأسانید فهو ثقة ثبت حافظ إمام((4)).

لذا قال فیه الهیثمی فی طریق الطبرانی: «رواه الطبرانی ورجاله إلی جدّة سفیان ثقات»((5)).

لکن جدّة سفیان لم نقف علی ترجمة لها، غیر أنّ روایة البیهقی لها من دون إشارة إلی ضعف الخبر توجب القول بصحته، کما أوضحنا سابقاً من أنّ البیهقی التزم فی کتبه بنقل الصحیح سوی ما أشار إلیه وبیّن ضعفه.

أضف إلی ذلک فإنّ ابن عیینة من المُتقنیین ومن الذین یتحرون الأخبار، ومن الذین ثبت عنهم أنّهم لا یرسلون إلّا عن ثقة، کما أنّه لم یتوقف أحد فی مشایخه إذا


1- السلمی، محمد بن الحسین، سؤالات أبی عبد الرحمن السلمی للدارقطنی: ص99. الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج2، ص622.
2- الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج3، ص143.
3- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج1، ص234. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص79.
4- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج1، ص449.
5- الهیثمی، علی بن أبی بکر، مجمع الزوائد: ج9، ص197.

ص:332

حدّث بالسماع((1)).

فلا یبعد حینئذٍ القول بصحّة هذا السند، خصوصاً أنّه رواه عن جدّته التی عاصرها وعرفها، فمن المستبعد جدّاً أنْ یروی عنها هکذا خبر مع علمه بضعفها، فلا بدّ أنْ تکون ثقة عنده.

وقد ورد المعنی المتقدّم بلفظ آخر عن أُمّ عیینة أیضاً: أخرجه أبو نعیم، قال: «حدّثنا عبد الله بن محمد بن جعفر من أصله، ثنا محمود بن أحمد الفرج، ثنا محمد بن المنذر البغدادی سنة اثنتین وثلاثین ومائتین، ثنا سفیان بن عیینة، حدّثتنی جدّتی أُمّ عیینة: أنّ حمالاً کان یحمل ورساً، فهوی قتل الحسین بن علی، فصار ورسه رماداً»((2)).

ومن طریقه الخطیب((3))، وابن عساکر((4)).

وأورده فی تهذیب الکمال، قال: «وقال محمد بن المنذر البغدادی، عن سفیان بن عیینة: حدّثتنی جدّتی أُمّ عیینة: أنّ حمّالاً کان یحمل ورساً، فهوی قتل الحسین، فصار ورسه رماداً»((5)).

فهو طریق آخر إلی ابن عیینه مضافاً للطرق الصحیحة الثلاثة المتقدّمة، ولیس فیه علّة ظاهرة سوی أنّ محمد بن المنذر، ذکره الخطیب وغیره ولم یذکروه بجرح ولا


1- اُنظر: السلیمانی، مصطفی، إتحاف النبیل: ج2، ص98.
2- أبو نعیم الأصبهانی، أحمد بن عبد الله، ذکر أخبار أصبهان: ج2، ص182- 183. اُنظر: أبو نعیم الأصبهانی، أحمد بن عبد الله، معرفة الصحابة: ج2، ص667.
3- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج4، ص68. لکنّه جاء بلفظ: (فصار ورسه دماً). والظاهر أنّه من خطأ النُّسّاخ، خصوصاً أنّه رواها عن أبی نعیم، وعند أبی نعیم رماداً، کما نقلنا أعلاه.
4- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص231.
5- المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص345.

ص:333

تعدیل، وکان قد حدّث فی أصفهان((1)).

خلاصة الحکم علی السند

وبما تقدّم یتبیّن أنّ الخبر بروایة سفیان عن جدّته یمکن القول باعتباره بلحاظ أمرین:

الأوّل: روایة البیهقی له وسکوته عنه.

الثانی: أنّه یمکن القول بوثاقة جدّة سفیان بناءً علی تحرّی سفیان فی النقل، وعدم إرساله إلّا عن الثقات، وعدم الوقوف علی مشایخ ضعاف له ممّن حدّث عنهم، مع خصوصیة کونه یروی عن جدّته أمر خارج عن نظم الکون الطبیعیة.

2 - خبر أبی حفصة السلولی

اشارة

أخرجه ابن سعد، قال: «أخبرنا الفضل بن دکین، قال: حدّثنا عقبة بن أبی حفصة السلولی، عن أبیه، قال: إنْ کان الورس من ورس الحسین، لیقال به هکذا [أی: یُفرَک] فیصیر رماداً»((2)).

وأخرجه ابن عساکر، قال: «أخبرنا أبو محمد السلمی، أنا أبو بکر الخطیب (ح)، وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندی، أنا أبو بکر، قالا: أنا أبو الحسین، أنا عبد الله، نا یعقوب، نا أبو نعیم، نا عقبة بن أبی حفصة السلولی، عن أبیه، قال: إن کان الورس من


1- اُنظر: ابن حیّان، عبد الله بن محمد، طبقات المحدّثین بأصبهان: ج2، ص186. الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج4، ص68.
2- ابن سعد، محمد، الطبقات الکبری، الجزء المتمم لطبقات ابن سعد (الطبقة الخامسة فی من قبض رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) وهم أحداث الأسنان):ج1، ص509. ابن سعد، محمد، ترجمة الإمام الحسین علیه السلام (من طبقات ابن سعد): ص91.

ص:334

ورس الحسین، یقال به هکذا، فیصیر رماداً»((1)).

وأخرجه ابن العدیم من طریق أبو الحسین بسنده ومتنه سواء((2)).

وأخرجه الخوارزمی بسنده إلی یعقوب بن سفیان، وساقه بسنده ومتنه((3)).

رجال السند

أمّا الفضل بن دکین، فهو حافظ ثقة ثبت((4)).

وعقبة بن أبی حفصة السلولی، لعلّه عقبة بن إسحاق، بقرینة روایة أبی نعیم الفضل بن دکین عنه، فقد ذکر الرازی فی الجرح والتعدیل، عقبة بن إسحاق السلولی، وقال: «روی عن إسماعیل بن أبی خالد، ولیث بن أبی سلیم، وأبی شراعة، روی عنه ابن إدریس، وإسحاق بن منصور، وأبو نعیم، سمعت أبی یقول ذلک»((5)).

فابن أبی حاتم لم یذکر فیه جرحاً لا تعدیلاً، وبضمیمة روایة ثلاثة من الثقات عنه، وهم عبد الله بن إدریس، والفضل بن دکین، وإسحاق بن منصور، فلا یبعد القول بوثاقته حینئذٍ، ولا أقل من کونه صدوقاً حسن الحدیث.

أمّا أبو حفصة فلم یتبیّن لنا مَن هو، فلعلّه أبو حفصة مولی عائشة، وقد ذکره الرازی من دون جرح ولا تعدیل((6)).


1- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص230.
2- اُنظر: ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2639- 2640.
3- اُنظر: الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص103.
4- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج1، ص372. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص11.
5- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج6، ص308.
6- اُنظر: ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج9، ص363.

ص:335

خلاصة الحکم علی السند

والخلاصة: إنّ هذا السند ضعیف؛ لعدم الوقوف یقیناً علی المراد من أبی حفصة، بل کذلک عدم الاطمئنان من کون عقبة بن أبی حفصة هو عقبة بن إسحاق.

لکن هذا لا یمنع من کون هذا الخبر التاریخی یُعتبر قرینة قویة تتقوّی به بقیّة الأخبار الدالة علی حصول وتحقق الحادثة.

3 - خبر یزید بن أبی زیاد

اشارة

رواه عنه جریر بن عبد الحمید، وعن جریر روی بطریقین:

الأوّل: طریق یحیی بن معین، قال: «حدّثنا جریر، عن یزید بن أبی زیاد، قال: قُتل الحسین بن علی ولی أربع عشرة سنة، وصار الورس الذی کان فی عسکرهم رماداً، واحمرّت آفاق السماء، ونحروا ناقةً فی عسکرهم، فکانوا یرون فی لحمها النیران»((1)).

وأخرجه من طریقه ابن عساکر((2))، والخوارزمی((3))، وأورده المزی فی تهذیبه((4))، والذهبی فی سیره((5)).

والسند جید کما تقدّم سابقاً، فجریر بن عبد الحمید ثقة، ویزید أیضاً ثقة علی کلام مرّ فیه مفصّلاً.

الثانی: أخرجه أبو نعیم الأصبهانی، قال: «حدّثنا أحمد بن إسحاق، ثنا محمود بن


1- ابن معین، یحیی، تاریخ ابن معین بروایة الدارمی: ج1، ص361.
2- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص230.
3- اُنظر: الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص103، لکنه ذکر بدل کلمة (النیران) (المرار).
4- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص434- 435.
5- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج3، ص313.

ص:336

أحمد بن الفرج، ثنا محمد بن المنذر البغدادی سنة اثنتین وثلاثین ومائتین، ثنا جریر بن عبد الحمید، عن یزید بن أبی زیاد، قال: شهدت مقتل الحسین بن علی، وأنا ابن خمس عشرة سنة، فصار الورس فی عسکرهم رماداً»((1)).

وهذا الطریق إلی جریر فیه ضعف من جهة محمد بن المنذر البغدادی؛ إذ لم یرد فیه توثیق، فقد ذکره الخطیب وغیره، ولم یذکروه بجرح ولا تعدیل، وکان قد حدّث فی أصبهان((2)).

وکیفما کان، فهو یُزید الطریق السابق قوّةً ویؤکّد صحّة الطریق إلی یزید بن أبی زیاد.

کما أنّ الخبر ورد مرسلاً عند أبی الشیخ، فقد روی فی کتاب (السنّة) کما نقله الزرندی فی نظم درر السمطین، بسنده إلی یزید بن أبی زیاد، قال: «شهدت مقتل الحسین، وأنا ابن خمس عشرة سنة، فصار الورس فی عسکرهم رماداً، واحمرّت السماء لقتله، وانکسفت الشمس لقتله حتّی بدت الکواکب نصف النهار، وظنّ الناس أنّ القیامة قد قامت، ولم یُرفع حجر فی الشام إلّا رؤیَ تحته دم عبیط»((3)).

لکن من المؤسف أنّ کتاب السنّة لأبی الشیخ لم یصل إلینا، فلم نقف علی سنده، فیکون الخبر مرسلاً.

خلاصة الحکم علی حادثة تحوّل الورس رماداً

1- أبو نعیم الأصبهانی، أحمد بن عبد الله، ذکر أخبار أصبهان: ج2، ص183. اُنظر: أبو نعیم الأصبهانی، أحمد بن عبد الله، معرفة الصحابة: ج2، ص668.
2- اُنظر: ابن حیّان، عبد الله بن محمد، طبقات المحدّثین بأصبهان: ج2، ص186. الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج4، ص68.
3- الزرندی الحنفی، محمد بن یوسف، نظم درر السمطین: ص220.

ص:337

تبیّن أنّ هذه الحادثة رویت بطرق عدّة عن ثلاثة من الرواة، وهم: جدّة سفیان، ویزید بن أبی زیاد، وأبو حفصة السلولی، ومن حیث السند فخبر یزید سنده جید، وخبر جدّة سفیان یمکن المصیر إلی قبوله، وخبر أبو حفصة یزیدهما قوّة، وفی الجملة فإنّ هذه الأخبار تتقوّی مع بعضها البعض.

دلالات هذه الحادثة

وهذه الحادثة لا تخرج عن سیاق الحوادث المتقدّمة، فی أنّها تُبیّن الحزن الشدید الذی حلّ بالسماء والأرض علی مقتل الحسین علیه السلام بهذه الکیفیة، وما رافقه من غضب إلهی علی هؤلاء القوم؛ بحیث تغیّر العالم بأسره، وحتی نبات الورس الذی اصطحبوه معهم احترق وتحوّل إلی رماد.

ص:338

ص:339

خامساً: طبخوا الإبل فصارت مثل العلقم

اشارة

وهذا الخبر ورد عند السنّة والشیعة باختلاف فی اللفظ:

فأخرجه البیهقی، قال: «أخبرنا أبو الحسن((1))، أخبرنا عبد الله، حدّثنا یعقوب، حدّثنا سلیمان بن حرب، حدّثنا حمّاد بن زید، قال: حدّثنی حمید((2)) بن مرّة، قال: أصابوا إبلاً فی عسکر الحسین یوم قُتل، فنحروها وطبخوها، قال: فصارت مثل العلقم، فما استطاعوا أنْ یسیغوا منها شیئاً»((3)).

ومن طریق البیهقی وغیره أخرجه ابن عساکر، وکذلک ابن العدیم، لکنهما ذکرا أنّ الراوی المباشر هو جمیل بن مرّة، ولیس حمید بن مرّة((4)).

وأورده المزی والذهبی وغیرهما، قالوا: «قال: حمّاد بن زید، عن جمیل بن مرّة...»((5)).

وأورده السیوطی، قال: «وأخرج البیهقی عن جمیل بن مرّة...»((6)).


1- الظاهر أنّ الصحیح هو أبو الحسین محمد بن الفضل القطان، بقرینة الروایات السابقة علی هذه الروایة، وبقرینة أنّ شیخ البیهقی الذی یروی عن عبد الله بن جعفر هو أبو الحسین محمد بن الفضل القطان، وبقرینة أنّ ابن عساکر وابن العدیم نقلوها عن البیهقی بروایة القطان المشار إلیه.
2- الظاهر هو جمیل بن مرّة بقرائن أوضحناها فی ترجمة الرجل.
3- البیهقی، أحمد بن الحسین، دلائل النبوة: ج6، ص472.
4- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص231. وابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2641.
5- المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص435. الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: حوادث وفیات (61- 80ه-)، ج5، ص16. اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج3، ص313.
6- السیوطی، عبد الرحمن بن أبی بکر، الخصائص الکبری: ج2، ص126.

ص:340

وأخرجه الخوارزمی بسنده إلی حمّاد بن زید، عن جمیل بن مرّة أیضاً((1)).

رجال السند

وسند هذا الخبر إلی الراوی المباشر صحیح، رجاله کلّهم ثقات، وقد تقدّمت الإشارة إلی جمیعهم سابقاً.

وأمّا الراوی المباشر، فهو جمیل بن مرّة ولیس حمید بن مرّة؛ ذلک أنّ کُتب التراجم ذکرت فی شیوخ حمّاد بن زید جمیل بن مرّة، ولم یذکروا حمید بن مرّة، وکذلک فإنّ کلّ مَن نقل الروایة سواء من طریق البیهقی أو غیره إنّما ذکروا الروایة عن جمیل بن مرّة، کابن عساکر، وابن العدیم، والمزی، والذهبی، والسیوطی، وغیرهم.

وجمیل بن مرّة ثقة، وثّقه النسائی((2))، ویحیی بن معین((3))، وذکره ابن حبّان فی الثقات((4))، وتبعهم علی توثیقه الذهبی((5))، وابن حجر((6)).

خلاصة الحکم علی السند

فتبیّن أنّ هذا الخبر صحیح الإسناد.

تنویه

قد اختُلف فی هذه الروایة سنداً متناً، فقد أخرجها ابن الجوزی وکذلک سبطه من


1- اُنظر: الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص103.
2- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج5، ص131.
3- اُنظر: ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج2، ص518.
4- اُنظر: ابن حبّان، محمد، الثقات: ج6، ص146.
5- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج1، ص297.
6- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص166.

ص:341

طریق عبد الوهاب بن المبارک((1)): «أنبأنا أبو الحسین بن عبد الجبار، أنبأنا الحسین بن علی الطناجیری، ثنا عمر بن أحمد بن شاهین، ثنا أحمد بن عبد الله بن سالم، ثنا علی بن سهل، ثنا خالد بن خداش، ثنا حمّاد بن زید، عن جمیل بن مرّة، عن أبی الوصی((2))، قال: نُحرت الإبل التی حُمل علیها رأس الحسین وأصحابه، فلم یستطیعوا أکلها، کانت لحومها أمرّ من الصبر»((3)).

فالاختلاف فی السند وقع فی الراوی المباشر، فهنا الراوی المباشر لیس جمیل بن مرّة، بل رواه عن أبی الوضیء، والاختلاف فی المتن وقع فی أنّ روایة البیهقی عن جمیل بن مرّة تحدّثت عن مطلق الإبل، ولم تقیّدها بالإبل التی حُمل علیها رأس الحسین علیه السلام کما فی هذه الروایة.

کما أنّ (أبو الوضیء) الراوی المباشر عند ابن الجوزی ثقة أیضاً((4)).

وقد ورد قریب منه عند الشیعة، فنقل ابن شهر آشوب مرسلاً، عن أبی مخنف فی


1- وهو حافظ ثقة متقن. اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج4، ص1282- 1283.
2- هکذا فی المطبوع من کتاب المنتظم، وأمّا فی المطبوع من کتاب الردّ علی المتعصب العنید، فجاء باسم: أبو الوصنی، والظاهر أنّ الصحیح هو أبو الوضیء، وهوعبّاد بن نسیب القیسی، فقد روی عنه جمیل بن مرّة، ثمّ إنّ فی نُسخ تذکرة الخواص أیضاً یوجد اختلاف وخلط فی الراوی المباشر کما مرّ، بل فی بعض النُّسخ جعلهما اثنان: فقال: أبو الوضی، ومروان بن الوضین، ولعلّه من إضافات النُّسّاخ. اُنظر: سبط ابن الجوزی، یوسف بن فرغلی، تذکرة الخواص (تحقیق حسین تقی زادة): ج2 ص211، وطبعة دار نینوی: ص267. واُنظر أیضاً: ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، الرد علی المتعصب العنید: ص57. ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، المنتظم فی تاریخ الملوک والأُمم: ج5، ص342.
3- ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، الرد علی المتعصب العنید: ص57. ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی، المنتظم فی تاریخ الملوک والأُمم: ج5، ص342. سبط ابن الجوزی، یوسف بن فرغلی، تذکرة الخواص (تحقیق حسین تقی زادة): ج2 ص211، وطبعة دار نینوی: ص267.
4- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج14، ص169- 170.

ص:342

روایة: «لمّا دُخل بالرأس علی یزید، کان للرأس طیب قد فاح علی کلّ طیب، ولمّا نحر الجمل الذی حُمل علیه رأس الحسین کان لحمه أمرّ من الصبر»((1)).

وأورده عنه المجلسی((2))، والبحرانی((3)).

وهذه الروایة مرسلة کما هو واضح.

لکن إنْ قلنا: إنّ روایة البیهقی هی المقدّمة علی روایة ابن الجوزی، فهذه الروایة لا تنافیها؛ فروایة البیهقی نصّت علی أنّهم أصابوا إبلاً فی عسکر الحسین علیه السلام ، ولمّا طبخوها کانت کالعلقم، وهذه تنصّ علی أنّهم نحروا الجمل الذی حُمل علیه رأس الحسین علیه السلام ، فکان لحمه أمرّ من الصبر، فهذا الجمل بالنتیجة هو أحد الإبل التی کانت فی عسکر الحسین علیه السلام ، ولم یذکر أیّ من الخبرین متی کان النحر والطبخ، فمن غیر المعلوم أنّه کان بعد الواقعة مباشرة، حتی یقال أنّ الرؤوس لم تُرفع علی الجمال بعدُ، فربّما کان فی الیوم الثانی أو الثالث أو بعدها، فیکون هذا الجمل هو من جملة تلک الإبل لا غیر.

وإنْ کانت روایة ابن الجوزی هی المقدّمة، فمن الواضح أنّ مرسلة المناقب مؤیدة لها.

أمّا لماذا لا یمکن الجمع بین روایة ابن الجوزی وروایة البیهقی؛ فذلک لأنّها فی الحقیقة روایة واحدة تدور علی جمیل بن مرّة، ولیس هما روایتین.

والنتیجة أنّ بعض الأبل التی نُحرت کان لحمها أمرّ من الصبر، فسواء کانت التی رفع علیها رأس الحسین علیه السلام أو غیرها لیس ذو فائدة إضافیة، فالحادثة علی کلّ حال تدخل ضمن الحوادث الخارجة عن الأُطر الطبیعیة؛ ولذا لا منفعة کثیرة تحصل فی


1- ابن شهر آشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب: ج3، ص218.
2- اُنظر: المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج35، ص305.
3- اُنظر: البحرانی، هاشم بن سلیمان، مدینة المعاجز: ج4، ص116.

ص:343

الترجیح بین روایة البیهقی وروایة ابن الجوزی، إلّا فی تحدید الراوی المباشر الذی روی الحادثة، فطبق روایة ابن الجوزی، فإنّ الراوی المباشر لا شکّ فی معاصرته للحادثة؛ لأنّه کان معاصراً لأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام وسمع منه، وکان من فرسانه علی شرطة الخمیس((1))، وحضر معه وقعة الخوارج بالنهروان((2)).

وأمّا طبق روایة البیهقی، فالراوی المباشر هو جمیل بن مرّة، فقد یقال بعدم معاصرته؛ لأنّ وفاته کانت فی سنة (121ه-)، ووقعة الطفّ کانت فی سنة (61ه-).

لکن عند التأمّل، فالقول بالمعاصرة هو المتعیّن، فلو فرضنا أنّ عمره کان ثمانون سنة حین الوفاة، وهو عمر طبیعی للراوی آنذاک، فیکون عمره فی واقعة الطفّ فی حدود العشرین سنة، فهو معاصر للحادثة حینئذٍ.

فحیثُ إنّه روی خبراً یتعلّق بالحادثة، وإمکانیة معاصرته لها حاصلة وطبیعیة، فالنفی حینئذٍ یحتاج للإثبات، کأنْ نعلم أنّ وفاته کانت فی سن مبکر - مثلاً - فیکون خبره منقطعاً، ومع عدم المعرفة بعمره الحقیقی، وإمکان المعاصرة باعتبار أنّ عمر الثمانین هو عمر طبیعی جدّاً، فیُعدّ خبره متّصلاً لا منقطعاً.

وقد نَضمُّ إلی ذلک قرینة احتمالیة ولیست قطعیة، وهی من خلال ترجمة أبی الوضیء، فقد صرّحوا بروایة جمیل بن مرّة عنه، وذکروا کما تقدّم أنّه کان معاصراً لأمیر المؤمنین علیه السلام ، وکان علی شرطته، وقد اشترک فی بعض حروبه، ممّا قد یولّد انطباعاً أنّه کان کبیر السن فی تلک المدّة؛ بحیث صار قائداً لشرطة الخمیس، فقد تکون وفاته حینئذٍ بعد عاشوراء بمدّة قلیلة، ویترتب علی ذلک أنّ روایة جمیل بن مرّة عنه توجب


1- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج6، ص31.
2- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج11، ص102.

ص:344

معاصرة جمیل لحادثة عاشوراء، وأنّ ولادته کانت سابقة لذلک؛ لیتمکّن من الروایة عنه.

إلّا أنّ هذه قرینة احتمالیة کما أسلفنا، فقد یکون أبو الوضیء توفّیَ وهو فی سن متقدّم أیضاً.

وکیف ما کان، فظاهر الروایة هو معاصرة الراوی للحادثة ولا یوجد ما ینفی ذلک.

وأمّا ما یمکن أنْ نستفیده من هذا الخبر، فمن الواضح أنّه یحمل فی طیاته عدّة من الدلالات أبرزها:

إنّ الحادثة تُعدُّ نوعاً من الغضب الإلهی علی قتلة الحسین علیه السلام ، ونوعاً من العقاب لهم؛ بحیث إنّ هذه الأبل لم یهنأوا بها، بل کان طعمها شدید المرورة مثل العلقم.

وسیأتی التکلّم عن الدلالات العامّة المشترکة فی کلّ الحوادث فی الفصل الأخیر إنْ شاء الله.

ص:345

سادساً: تحوّل التربة إلی دم عبیط

اشارة

وهذه الروایات وردت من طرق ووجوه عدیدة عند الشیعة والسنّة:

أوّلاً: الروایات من طرق الشیعة

اشارة

وهی قسمان: یتضمّن الأوّل: إخبارات النبی صلی الله علیه و آله بأنّ من علامات قتل الحسین علیه السلام هی تحوّل تربته إلی دم، وأمّا الثانی: فهی ما تضمّنت تحقق حادثة تحوّل التربة إلی دم، وکلاهما یصبّان فی مجری واحد، فإنّ إخبار النبی صلی الله علیه و آله - باعتبار ما أطلعه الله علی الغیب - لا یمکن أنْ یتخلّف، فمجرد ثبوت إخباره یثبت تحقق تلک الواقعة حتی لو لم تصل لنا أخبار فی تحققها خارجاً.

ومثل هذه الإخبارات خارجة عن دائرة البداء؛ لأنّ ذلک یؤدی إلی تکذیب النبی صلی الله علیه و آله وعدم الوثوق بإخباره.

وأمّا الموارد التی أخبر فیها صلوات الله علیه وآله، ولم یتحقق ما أخبر به، کإخباره بموت الیهودی((1)) فی وقت معیّن ولم یتحقّق؛ فإنّه لا یستلزم عدم الوثوق به صلی الله علیه و آله ؛ وذلک لأنّه صلوات الله علیه وآله جاء بالشاهد والدلیل علی صدق دعواه حینما کشف للناس وأراهم الإفعی التی کان یحملها الیهودی..

خصوصاّ أنّ الفترة الزمنیة بین الإخبار وإقامة الدلیل علی صدق إخباره صلی الله علیه و آله لا


1- انظر: الکلینی, محمّد بن یعقوب, الکافی: ج4 ص5.

ص:346

تتجاوز الیوم الواحد، بخلاف ما نحن فیه، فإنّ إخباره صلی الله علیه و آله بتحول التربة یتعلّق بفترة ما بعد وفاته؛ الأمر الذی یتعذر معه إقامة الشاهد علی صدق دعواه فیما لو حصل البداء.

والغرض أنّنا سنورد هنا ما وقفنا علیه من روایات سواء کانت إخباریة عن النبی صلی الله علیه و آله ، أو التی تتضمّن حصول الحادثة:

1 - روایة أنس بن مالک
اشارة

أخرجها الطوسی، قال: «أخبرنا ابن خشیش، قال: حدّثنا محمد بن عبد الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعید أبو العباس الهمدانی، قال: حدّثنا إبراهیم بن عبد الله الخصاف النحوی، قال: حدّثنا محمد بن سلمة بن أرتبیل، قال: حدّثنا یونس بن أرقم، عن الأعمش، عن سالم بن أبی الجعد، عن أنس بن مالک: أنّ عظیماً من عظماء الملائکة استأذن ربّه (عزّ وجلّ) فی زیارة النبی صلی الله علیه و آله فأذن له، فبینما هو عنده إذ دخل علیه الحسین علیه السلام ، فقبّله النبی صلی الله علیه و آله وأجلسه فی حجره، فقال له الملک: أتحبّه؟ قال: أجل أشدّ الحبّ، إنّه ابنی. قال له: إنّ أُمّتک ستقتله. قال: أُمّتی تقتل ابنی هذا؟! قال: نعم، وإنْ شئت أریتک من التربة التی یُقتل علیها. قال نعم. فأراه تربة حمراء طیبة الریح، فقال: إذا صارت هذه التربة دماً عبیطاً فهو علامة قتل ابنک هذا. قال سالم بن أبی الجعد: أُخبرت أنّ الملک کان میکائیل علیه السلام »((1)).

رجال السند

أمّا ابن خشیش، فتقدّم سابقاً أنّه ثقة من أبناء العامّة.

ومحمد بن عبد الله، هو أبو المفضّل محمد بن عبد الله بن محمد بن عبید الله بن


1- الطوسی، محمد بن الحسن، الأمالی: ص314.

ص:347

المطلب الشیبانی، مختلف فیه، قال فیه الطوسی: «کثیر الروایة، حسن الحفظ، غیر أنّه ضعّفه جماعة من أصحابنا»((1)).

وقال النجاشی: «وکان فی أوّل أمره ثبتاً ثمّ خلط، ورأیت جلّ أصحابنا یغمزونه ویُضعّفونه... رأیت هذا الشیخ، وسمعت منه کثیراً، ثمّ توقفت عن الروایة عنه إلّا بواسطة بینی وبینه»((2)).

فمن غیر الواضح أنّ الشیخ الطوسی یری تضعیفه مع تصریحه بأنّه حسن الحفظ، کما أنّ النجاشی یری أنّه کان ثبتاً ثمّ خلط، وعند معرفة أنّ الرجل توفّیَ وله (90) عاماً((3))، فلربما یکون المراد بالخلط هو التغیّر بالحفظ، ومعه سیکون الرجل حسن الحدیث، خصوصاً أنّه أکثر عنه الخزاز القمی مترحماً علیه؛ قال النمازی: «نقل العلامة المامقانی تضعیفه فی آخر عمره عن جماعة، ثم قال: ونقل المولی الوحید فی فصل الکنی فی ترجمة أبی المفضل الشیبانی، أنّه أکثر الثقة الجلیل علی بن محمد الخزاز من ذکره مترحماً علیه فی کتابه الکفایة (یعنی کفایة الأثر) قال: ویظهر منه أنه شیخه، وحینئذ فیکون الرجل من الحسان» ((4)).

وعدّه الشیخ الزنجانی من أعاظم المشایخ، ثقة جلیل((5)).

وأحمد بن محمد بن سعید، هو الحافظ ابن عقدة، وأمره فی الثقة والجلالة وعظم


1- الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص216.
2- النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص396.
3- ولادته کانت فی سنة (297ه-) ووفاته فی سنة (387ه-). اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج5، ص466. اُنظر: الشاهرودی، علی النمازی، مستدرکات علم رجال الحدیث: ج7، ص188.
4- اُنظر: الشاهرودی، علی النمازی، مستدرکات علم رجال الحدیث: ج7، ص188.
5- الزنجانی، موسی، الجامع فی الرجال: ج12، ص288.

ص:348

الحفظ أشهر من أن یذکر((1)).

وإبراهیم بن عبد الله الخصاف النحوی، قال فیه الزنجانی: «إبراهیم بن عبد الله الخصاف النحوی، أبو إسحاق، وقع فی الطرق، وفی طریق النجاشی إلی محمد بن الحسن الرواسی، یروی عن خلّاد بن عیسی وغیره، روی عنه ابن عقدة، وجعفر بن محمد بن اللیث، وظاهر النجاشی الاعتماد علیه، وحدیثه جید»((2)).

ومحمد بن سلمة بن أرتبیل، ثقة جلیل القدر فقیه((3)).

ویونس بن أرقم، مجهول لم یذکروه، لکن ترجمه الزنجانی، وقال: «وأحادیثه جیّدة»((4)).

الأعمش، هو سلیمان بن مهران، ثقة جلیل القدر من خواص الإمام الصادق علیه السلام ((5)).

سالم بن أبی الجعد، ثقة، من خواص أمیر المؤمنین((6)).

أمّا أنس بن مالک، فهو من الصحابة، وإنْ کان موقفه من أمیر المؤمنین علیه السلام سیئاً؛ إذ ورد أنّه کتم الشهادة فی حدیث الغدیر، ودعا علیه الأمیر حین ذاک، إلّا أنّ روایته هذه الخبر تُعدُّ قرینة علی صدقه فیه، إذ لیس فیها ما یدعو إلی أنْ یقول خلاف الحقیقة، ویخترع هذه الحادثة الکونیة من قِبله، فإنّ المناسب بلحاظ سوء موقفه مع أمیر


1- اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص73.
2- الزنجانی، موسی، الجامع فی الرجال: ج1، ص129.
3- اُنظر: النجاشی، أحمد بن علی، فهرست أسماء مصنّفی الشیعة: ص333.
4- الزنجانی، موسی، الجامع فی الرجال: ج11، ص475.
5- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج9، ص294. الشاهرودی، علی النمازی، مستدرکات علم رجال الحدیث: ج4، ص150.
6- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج9، ص14- 15.

ص:349

المؤمنین علیه السلام أنْ ینفی هذه الأُمور عن البیت العلوی، لا أنْ یثبتها من عنده.

خلاصة الحکم علی السند

والخلاصة: إنّ السند من جهة أنس لا شائبة فیه بنظرنا، لکن تبقی مشکلة جهالة یونس بن أرقم لا غیر، وبناءً علی ما ذکره الشیخ الزنجانی من أنّ أحادیث یونس جیّدة، سیکون سند هذا الحدیث جید معتبر.

2 - روایة أبی الجارود عن الباقر علیه السلام
اشارة

أخرجها الصدوق، قال: «حدّثنا أبی رحمة الله، قال: حدّثنا حبیب بن الحسین التغلبی، قال: حدّثنا عبّاد بن یعقوب، عن عمرو بن ثابت، عن أبی الجارود، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: کان النبی صلی الله علیه و آله فی بیت أُمّ سلمة (رضی الله عنها)، فقال لها: لا یدخل علی أحد.

فجاء الحسین علیه السلام وهو طفل، فما ملکت معه شیئاً حتی دخل علی النبی صلی الله علیه و آله ، فدخلت أُمّ سلمة علی أثره، فإذا الحسین علی صدره، وإذا النبی صلی الله علیه و آله یبکی، وإذا فی یده شیء یقلّبه، فقال النبی صلی الله علیه و آله : یا أُمّ سلمة، إنّ هذا جبرئیل یُخبرنی أنّ هذا مقتول، وهذه التربة التی یُقتل علیها، فضعیها عندک، فإذا صارت دماً فقد قُتل حبیبی. فقالت أُمّ سلمة: یا رسول الله، سلْ الله أن یدفع ذلک عنه. قال: قد فعلت، فأوحی الله (عزّ وجلّ) إلیّ: أنّ له درجة لا ینالها أحد من المخلوقین، وأنّ له شیعة یَشفعون فیُشفّعون، وأنّ المهدی من ولده، فطوبی لمَن کان من أولیاء الحسین، وشیعته هم - والله - الفائزون یوم القیامة»((1)).


1- الصدوق، محمد بن علی، الأمالی: ص203.

ص:350

خلاصة الحکم السندی علی هذه الروایة

هذه الروایة ضعیفة من حیث السند؛ فحبیب بن حسین التغلبی مجهول، وأبو الجارود فیه کلام کثیر، والأکثر علی تضعیفه، غیر أنّ السیّد الخوئی یری وثاقته((1)).

إلا أنّ الضعف السندی لا یعنی عدم تحقق تلک الحادثة؛ ذلک لورود الحادثة من طرق أُخری فی کتب الفریقین کما سیأتی، وقد تقدّمت روایة أنس ولیس فیها علّة کما ذکرنا.

3 - روایة عبد الله بن عباس، عن أُمّ سلمة، والباقر علیه السلام ، عن عمر بن أبی سلمة، عن أُمّه أُمّ سلمة
اشارة

أخرجها الشیخ الطوسی، قال: «أخبرنا ابن خشیش، قال: حدّثنا محمد بن عبد الله، قال: حدّثنا علی بن محمد بن مخلّد الجعفی من أصل کتابه بالکوفة، قال: حدّثنا محمد بن سالم بن عبد الرحمن الأزدی، قال: حدّثنی غوث بن مبارک الخثعمی، قال: حدّثنا عمرو بن ثابت، عن أبیه أبی المقدام، عن سعید بن جبیر، عن عبد الله بن عباس، قال: بینا أنا راقد فی منزلی إذ سمعت صراخاً عظیماً عالیاً من بیت أُمّ سلمة زوج النبی صلی الله علیه و آله ، فخرجت یتوجّه بی قائدی إلی منزلها، وأقبل أهل المدینة إلیها الرجال والنساء، فلمّا انتهیت إلیها قلت: یا أُمّ المؤمنین، ما بالک تصرخین وتغوثین؟ فلم تجبنی، وأقبلت علی النسوة الهاشمیات، وقالت: یا بنات عبد المطلب، اسعدننی وابکین معی، فقد والله قُتل سیّدکن وسیّد شباب أهل الجنّة، قد والله قُتل سبط رسول الله وریحانته الحسین. فقیل: یا أُمّ المؤمنین، ومن أین علمت ذلک؟ قالت: رأیت رسول الله صلی الله علیه و آله فی المنام الساعة شعثاً مذعوراً، فسألته عن شأنه ذلک، فقال: قُتل ابنی الحسین وأهل بیته الیوم، فدفنتهم،


1- اُنظر: المامقانی، عبد الله، تنقیح المقال: ج29، ص55 - 66. الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج8، ص332- 337.

ص:351

والساعة فرغت من دفنهم. قالت: فقمت حتی دخلت البیت، وأنا لا أکاد أن أعقل، فنظرت فإذا بتربة الحسین التی أتی بها جبرئیل من کربلاء، فقال: إذا صارت هذه التربة دماً، فقد قُتل ابنک. وأعطانیها النبی صلی الله علیه و آله . فقال: اجعلی هذه التربة فی زجاجة - أو قال: فی قارورة - ولتکن عندک، فإذا صارت دماً عبیطاً، فقد قُتل الحسین. فرأیت القارورة الآن وقد صارت دماً عبیطاً تفور. قال: وأخذت أُمّ سلمة من ذلک الدم فلطخت به وجهها، وجعلت ذلک الیوم مأتماً ومناحةً علی الحسین علیه السلام ، فجاءت الرکبان بخبره، وأنّه قُتل فی ذلک الیوم.

قال عمرو بن ثابت، قال أبی: فدخلت علی أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام منزله، فسألته عن هذا الحدیث، وذکرت له روایة سعید بن جبیر هذا الحدیث، عن عبد الله بن عباس، فقال: أبو جعفر علیه السلام : حدّثنیه عمر بن أبی سلمة، عن أُمّه أُمّ سلمة.

قال ابن عباس: فی روایة سعید بن جبیر عنه، قال: فلمّا کانت اللیلة رأیت رسول الله صلی الله علیه و آله فی منامی أغبر أشعث، فذکرت له ذلک وسألته عن شأنه. فقال لی: ألم تعلم أنّی فرغت من دفن الحسین وأصحابه؟!

قال عمرو بن أبی المقدام: فحدّثنی سدیر، عن أبی جعفر علیه السلام : أنّ جبرئیل جاء إلی النبی صلی الله علیه و آله بالتربة التی یُقتل علیها الحسین علیه السلام ، قال أبو جعفر: فهی عندنا»((1)).

رجال السند

أمّا ابن خشیش، ومحمد بن عبد الله، فقد تقدّم الکلام عنهما، والأوّل ثقة، والثانی مختلف فیه، وعرفنا أنّ بعضهم انتهی إلی حسن حدیثه، بل وثقه الزنجانی علی ما مر.

علی بن محمد بن مخلّد الجعفی، لم یذکروه، وله کتاب، وهذه الروایة من أصل


1- الطوسی، محمد بن الحسن، الأمالی: ص314- 316.

ص:352

کتابه.

ومحمد بن سالم بن عبد الرحمن الأزدی، مجهول.

وغوث بن مبارک الخثعمی، لم یذکروه.

وعمرو بن ثابت، ثقة عند جملة من العلماء((1)).

وأبو المقدام، ثابت بن هرمز، مختلف فیه، ووثقه السیّد الخوئی بناءً علی وروده فی تفسیر القمی((2)).

وسعید بن جبیر، تابعی من الأجلّاء((3)).

وعبد الله بن عباس، صحابی ثقة جلیل القدر((4)).

وکما عرفنا فإنّ عمرو بن ثابت له طریق آخر، فقد رواها عن أبیه، عن الباقر، عن عمر بن أبی سلمة، عن أُمّ سلمة.

فلا إشکال فی الطریق بین عمرو بن ثابت وأُمّ سلمة، إلّا أنّ الطریق إلی عمرو فیه ثلاثة من المجاهیل.

خلاصة الحکم علی السند

والخلاصة: إنّ الروایة ضعیفة؛ لجهالة ثلاثة من الرواة.

تنویه: أورد هذا الخبر ابن شهر آشوب فی مناقبه باختلاف یسیر فی اللفظ، وذکر أنّه رواه عن الغزالی فی کیمیاء السعادة، وابن بطة فی کتاب الإبانة من خمسة عشر طریقاً،


1- اُنظر: الشاهرودی، علی النمازی، مستدرکات علم رجال الحدیث: ج6، ص23.
2- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج4، ص305، ص307.
3- اُنظر: الشاهرودی، علی النمازی، مستدرکات علم رجال الحدیث: ج4، ص57.
4- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج11، ص245- 256.

ص:353

وابن حبیش التمیمی واللفظ له، قال ابن عباس: وذکره((1)).

فإنْ تمّ ما ذکره ولم یکن من سهو القلم، فستکون الروایة مرویّة بخمسة عشر طریقاً، وهذا المقدار یحقّق الاستفاضة الموجبة للاطمئنان.

4 - روایة أُخری مرسلة عن الباقر علیه السلام

کما أنّ الخبر عن الإمام الباقر علیه السلام ، عن أُمّ سلمة (رضی الله عنها)، ورد مرسلاً فی کتاب الثاقب فی المناقب بألفاظ مختلفة، وبقصة أُخری تختلف عن سابقتها، حصلت لأُمّ سلمة مع الإمام الحسین علیه السلام ، وفیها تُخبر أُمّ سلمة الإمام الحسین علیه السلام بالتربة التی أودعها إیّاها الرسول صلی الله علیه و آله ، کما أنّ الخبر فیه تکملة بأنّ الحسین علیه السلام أیضاً أعطاها من تلک التربة فمزجتهما معاً، وأنّ أُمّ سلمة رأت بأنّ ما فی القارورة قد تحوّل دماً عند مقتل الحسین علیه السلام ، فقد جاء فی الخبر:

عن الباقر (صلوات الله علیه)، قال: «لمّا أراد الحسین (صلوات الله علیه) الخروج إلی العراق، بعثت إلیه أُمّ سلمة (رضی الله عنها)، وهی التی کانت ربته، وکان أحبّ الناس إلیها، وکانت أرق الناس علیه، وکانت تربة الحسین عندها فی قارورة دفعها إلیها رسول الله صلی الله علیه و آله .

فقالت: یا بنی، أتُرید أنْ تخرج؟ فقال لها: یا أُمّه، أُرید أنْ أخرج إلی العراق.

فقالت: إنّی أذکرک الله تعالی أنْ تخرج إلی العراق. قال: ولِمَ ذلک یا أُمّه؟

قالت: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: یُقتل ابنی الحسین بالعراق. وعندی یا بنی تربتک فی قارورة مختومة دفعها إلیّ رسول الله صلی الله علیه و آله .

فقال: یا أُمّاه والله، إنّی لمقتول، وإنّی لا أفرّ من القدر والمقدور، والقضاء المحتوم،


1- اُنظر: ابن شهر آشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب: ج3، ص213.

ص:354

والأمر الواجب من الله تعالی.

فقالت: وا عجباه، فأین تذهب وأنت مقتول؟

فقال: یا أُمّه، إنْ لم أذهب الیوم ذهبت غداً، وإنْ لم أذهب غداً لذهبت بعد غد، وما من الموت - والله یا أُمّه - بُد، وإنّی لأعرف الیوم والموضع الذی أُقتل فیه، والساعة التی أُقتل فیها، والحفرة التی أُدفن فیها، کما أعرفک، وأنظر إلیها کما أنظر إلیک.

قالت: قد رأیتها؟! قال: إنْ أحببت أنْ أریک مضجعی ومکانی، ومکان أصحابی فعلت. فقالت: قد شئتها.

فما زاد أنْ تکلّم بسم الله، فخُفضت له الأرض حتّی أراها مضجعه ومکانه، ومکان أصحابه، وأعطاها من تلک التربة، فخلطتها مع التربة التی کانت عندها، ثمّ خرج الحسین (صلوات الله علیه)، وقد قال لها: إنّی مقتول یوم عاشوراء.

فلمّا کانت تلک اللیلة التی صبیحتها قُتل الحسین بن علی (صلوات الله علیهما) فیها، أتاها رسول الله صلی الله علیه و آله فی المنام أشعث باکیاً مغبراً، فقالت: یا رسول الله، مالی أراک باکیا مغبراً أشعث؟ فقال: دفنت ابنی الحسین علیه السلام ، وأصحابه الساعة.

فانتبهت أُمّ سلمة (رضی الله عنها)، فصرخت بأعلی صوتها، فقالت: وا ابناه. فاجتمع أهل المدینة وقالوا لها: ما الذی دهاک؟

فقالت: قُتل ابنی الحسین بن علی (صلوات الله علیهما). فقالوا لها: وما علمک [بذلک]؟

قالت: أتانی فی المنام رسول الله (صلوات الله علیه) باکیاً أشعث أغبر، فأخبرنی أنّه دفن الحسین وأصحابه الساعة. فقالوا: أضغاث أحلام. قالت: مکانکم، فإنّ عندی تربة

ص:355

الحسین علیه السلام ، فأخرجت لهم القارورة، فإذا هی دم عبیط»((1)).

لکن الخبر مرسل، والمرسل محکوم بالضعف.

وبنحو آخر أرسل الراوندی فی خرائجه هذا الخبر عن أُمّ سلمة مع اختلاف واختصار فی الحادثة علی ما یبدو، فقد جاء فیه: «أنّ الإمام الحسین علیه السلام لمّا أراد الخروج، قالت له أُمّ سلمة: لا تخرج إلی العراق، فقد سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله ، یقول: یُقتل ابنی الحسین ب [أرض] العراق، وعندی تربة دفعها إلیّ فی قارورة.

فقال: والله إنّی مقتول کذلک، وإنْ لم أخرج إلی العراق یقتلوننی أیضاً، وإنْ أحببت أنْ أُریکِ مضجعی، ومصرع أصحابی. ثمّ مسح بیده علی وجهها، ففسح الله فی بصرها حتّی أراها ذلک کلّه، وأخذ تربة فأعطاها من تلک التربة أیضاً فی قارورة أُخری، وقال علیه السلام : فإذا فاضتا دماً، فاعلمی أنّی قد قُتلت.

فقالت أُمّ سلمة: فلمّا کان یوم عاشوراء نظرت إلی القارورتین بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دماً، فصاحت»((2)).

والروایة مرسلة أیضاً، وبنحوها روی علی بن یونس العاملی مرسلاً عن أُمّ سلمة أیضاً((3)).

5 - روایة المفید عن أُمّ سلمة

قال الشیخ المفید: وروی بإسناد آخر عن أُمّ سلمة - رضی الله عنها - أنّها قالت: «خرج رسول الله صلی الله علیه و آله من عندنا ذات لیلة، فغاب عنّا طویلاً، ثمّ جاءنا وهو أشعث أغبر


1- ابن حمزة، محمد بن علی، الثاقب فی المناقب: ص330.
2- قطب الدین الراوندی، سعید بن هبة الله، الخرائج والجرائح: ج1، ص254.
3- اُنظر: العاملی، علی بن یونس، الصراط المستقیم: ج2، ص179.

ص:356

ویده مضمومة، فقلت: یا رسول الله، ما لی أراک شعثاً مغبراً ؟! فقال: أُسری بی فی هذا الوقت إلی موضع من العراق یقال له کربلاء، فأُریت فیه مصرع الحسین ابنی وجماعة من ولدی وأهل بیتی، فلم أزل ألقط دماءهم فها هی فی یدی، وبسطها إلیّ فقال: خذیها واحتفظی بها، فأخذتها فإذا هی شبه تراب أحمر، فوضعته فی قارورة وسددت رأسها واحتفظت به، فلمّا خرج الحسین علیه السلام من مکّة متوجهاً نحو العراق، کنت أخرج تلک القارورة فی کلّ یوم ولیلة فأشمّها وأنظر إلیها، ثمّ أبکی لمصابه، فلمّا کان فی الیوم العاشر من المحرّم - وهو الیوم الذی قُتل فیه علیه السلام - أخرجتها فی أوّل النهار وهی بحالها، ثمّ عدت إلیها آخر النهار، فإذا هی دم عبیط، فصحتُ فی بیتی وبکیت، وکظمت غیظی؛ مخافة أنْ یسمع أعداؤهم بالمدینة، فیسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت حتّی جاء الناعی ینعاه، فحقق ما رأیت»((1)).

6 - روایة الطبری الشیعی عن أُمّ سلمة
اشارة

وأرسله الطبری الشیعی، عن أُمّ سلمة بلفظ: «إنّ أُمّ سلمة أخرجت یوم قُتل الحسین بکربلاء، وهی بالمدینة قارورة فیها دم، فقالت: قُتل والله الحسین. فقیل لها: من أین علمتِ؟ قالت: دفع إلیّ رسول الله من تربته، وقال لی: إذا صار هذا دماً فاعلمی أنّ ابنی قد قُتل، فکان کما قال»((2)).

فالروایة من جهة السند محکومة بالضعف أیضاً.

وبهذا یتضّح أنّ آحاد إسناد هذه الروایات ضعیفة، لکنّها روایات متعدّدة مسنودة بروایات أُخری من طرق أهل السنّة، وهذا ما یعزّز تحقق الحادثة واقعاً.


1- المفید، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص131.
2- الطبری، محمد بن جریر، دلائل الإمامة: ص180.

ص:357

تأمّلات فی روایة التربة من طرق الشیعة

1 - عند التأمّل فی الروایات أعلاه نجد أنّ الروایات المسندة ثلاث روایات، وأمّا البقیّة فمرسلات، لکن متونها مختلفة عن بعضها، ممّا یدلّل علی أنّهنّ لسن روایة واحدة، بل هناک رواة مختلفین لکلّ واحدة منهنّ، ولذا اختلف النقل، والتعدّد فی النقل یعزز من ثبوت الحادثة.

2 - من الواضح أنّ هناک اختلافاً فی متون الروایات المتقدّمة، وهو ملخص بالشکل التالی:

أ - اقتصرت الروایة الأُولی علی إخبار المَلَک للنبی صلی الله علیه و آله ، بأنّ أُمّته ستقتل ولده الحسین، وناوله من تربته، وکشف له عن علامة قتله، قال: «إذا صارت هذه التربة دماً عبیطاً، فهو علامة قتل ابنک هذا».

ولم تتعرّض هذه الروایة إلی تحقق أو حصول تلک الحادثة، لکن حیث إنّ المُخبر هو الملک المعصوم من السماء، وکان الغرض هو کشف الأُمور المستقبلیة للنبی صلی الله علیه و آله ، فکان لا بدّ من تحقق هذا الإخبار ولزوم حصوله، فهو لا یتنافی مع ما دلّ علی حصوله ووقوعه، بل کلاهما یصبّان فی معنی واحد.

ب - إنّ الروایة الثانیة جاءت مکمّلة للروایة الأُولی وتصبّ فی بوتقتها، فبعد أنْ اطّلع النبی صلی الله علیه و آله علی أسرار السماء بواسطة الملک، جاء وأخبر أُمّ سلمة بما کشفه الله له من الغیب، فقال لها: «إنّ هذا جبرئیل یُخبرنی أنّ هذا مقتول، وهذه التربة التی یُقتل علیها، فضعیها عندک، فإذا صارت دماً، فقد قُتل حبیبی». وبهذا یکون السرّ السماوی قد وصل إلی الأرض فی عملیة تمهید واستعداد لمِا سیحصل من مأساة إنسانیة، یکون ضحیتها ابن الرسول الأکرم صلی الله علیه و آله .

ج- - إنّ الروایة الثالثة جاءت لتُکمل دور الروایتین الأوّلیتین لتعرض أمامنا قصّة

ص:358

التحقّق، ووقوع الإخبار، وحصول الحادثة، فقد حان الوقت لتتحول تلک التربة الطاهرة إلی دم عبیط؛ لتؤذن بدخول عهد جدید فی الإسلام، فقد احتوشت سیوف الغدر ذلک الجسد الطاهر، ولم یراعوا له إلّاً ولا ذمّة، فارتعد الکون بأسره، فما کان من أُمّ سلمة إلّا النوح واللطم والبکاء، فاجتمع علیها أهل المدینة، وفی مقدّمتهم ابن عباس، فحدّثتهم بما أخبر به النبی صلی الله علیه و آله ، وبما تحقق فی ذلک الیوم.

إذن فالروایات الأُولی والثانیة والثالثة یصدّق بعضها بعضاً، وهی سلسلة من الأخبارات یکمّل بعضها البعض الآخر.

د - إنّ بعض المتون حصل فیها اختلاف شدید، فمثلاً: فی روایة ابن عباس أنّ أُمّ سلمة رأت النبی صلی الله علیه و آله فی المنام أشعث أغبر، وأخبرها بقتل الحسین علیه السلام ، ففزعت وذهبت للقارورة، فرأتها تحوّلت دماً، فعرفتْ بمقتل الحسین علیه السلام ، وقریب من هذا ما ورد فی المرسل عن الباقر علیه السلام ، الواردة فی الثاقب فی المناقب.

لکن روایة الشیخ المفید تُعطی معنی آخر، وتختلف عن بقیّة الروایات بثلاثة أُمور:

الأوّل: تضمّنت الروایة أنّ النبی صلی الله علیه و آله أُسری به إلی کربلاء، والتقط دم الحسین علیه السلام وأصحابه وأعطاه لأُمّ سلمة، فکانت شبه التراب الأحمر، ولم تتضمّن أنّ هناک ملکاً أتی إلی النبی صلی الله علیه و آله وأخبره بقتل الحسین علیه السلام وناوله التراب.

الثانی: إنّ أُمّ سلمة کانت تتفقد القارورة باستمرار صباحاً ومساءً، وفی یوم عاشوراء رأتها أوّل النهار فلم تتغیّر، ثمّ رأتها آخر النهار فوجدتها متغیّرة، فعلمت بمقتل الحسین علیه السلام ، وهذا یعنی أنّها لم ترَ فی المنام أنّ النبی صلی الله علیه و آله أشعث أغبر، وأخبرها بقتل الحسین علیه السلام ، ثمّ توجهت للتربة، بل إنّها تفقدت التربة فی آخر النهار ووجدتها قد تغیّرت.

الثالث: إنّ أُمّ سلمة لم تصرخ وتعول، ولم یجتمع الناس عندها، بل کتمت غیظها؛

ص:359

مخافة أنْ یسمع الأعداء بها فیشمتوا، بخلاف ما تقدّم من صریخها واجتماع الناس لدیها بما فیهم ابن عباس وقائده.

والخلاصة: إنّ روایة الشیخ المفید تسوق الأحداث بنحو جدید آخر یختلف عن روایة ابن عباس، وعن المرسل عن الباقر علیه السلام ، لکنّها تتفق معهن بالنتیجة، وهی: إنّ التربة تحوّلت إلی دم أحمر یوم عاشوراء.

فإنْ کان هذا الاختلاف موجب لرفع الید عن أحد القسمین من هذه الروایات، فلا شکّ فی أنّنا سوف نرفع الید عن روایة الشیخ المفید؛ لأنّها مرسلة أوّلاً، واحتواء متنها علی غرابة من جهة إسراء النبی صلی الله علیه و آله ؛ حیث إنّ الروایات عدیدة من الفریقین تؤکد نزول الملک علیه، وإعطائه من تربة کربلاء، ومن جهة کتمان أُمّ سلمة غیظها خوفاً من شماتة الأعداء، فهذا بعید أیضاً، ومن غیر المتصوّر أنّ أُمّ سلمة مع معرفتها بقدر الحسین علیه السلام وقیمته، ومعرفتها بإخبار النبی صلی الله علیه و آله عن قتله، ورؤیتها للتراب المتحوّل دماً، ومع ذلک تکتم الخبر ولا تصرخ ولا تعول، لا لشیء سوی الخوف من شماتة الأعداء، کما أنّ المدینة ملیئة بدور بنی هاشم والعلویین، ومن المستبعد أنْ یجرأ أحد ویشمت بهم لمقتل الحسین علیه السلام .

والخلاصة: إنْ قلنا - کما هو غیر بعید - بأنّه یمکن التمسک بالقدر المشترک من الروایات، وهو تحوّل التربة إلی دم فبه، وإلّا فتطرح روایة الشیخ المفید لا غیر.

وأمّا روایة الطبری فقد احتوت علی إضافة جدیدة، ولیس فیها ما یتنافی مع روایة ابن عباس ومرسلة الباقر علیه السلام ، فقد تضمّنت أنّ الحسین علیه السلام أیضاً أعطاها من تربة کربلاء، وأنّها وضعت کلّ تربة فی قارورة، وأمّا باقی الأحداث فهی متقاربة.

والنتیجة: نحن ذکرنا ست روایات، ثلاث منها مسندة وثلاث منها مرسلة، والمسندات فیهما اثنتان نصتا علی الإخبار بأنّ التربة ستتحوّل إلی دم، والثالثة تناولت

ص:360

تحقق الواقعة فی یوم عاشوراء.

والمرسلات کلّها تحدّثت عن تحقق الواقعة بصور لا تخلو من الاختلاف، بل زادت سعة الاختلاف فی روایة الشیخ المفید، مع اتفاق الکلّ علی تحوّل التربة إلی دم فی یوم عاشوراء.

وهذا المعنی حیث إنّه ورد بهذا العدد فی کتب الشیعة، وورد أیضاً بطرق ومضامین متعددة عند أهل السنّة، فلا یبعد حدوثه واقعاً؛ إذ إنّ الاتفاق لا یمکن حصوله فی هکذا أُمور حساسة إذا لم یکن لها أصل.

ص:361

ثانیاً: الروایات عند أهل السنّة

1 - روایة أبی وائل عن أُمّ سلمة
اشارة

أخرجها الطبرانی، قال: «حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدّثنی عبّاد بن زیاد الأسدی، ثنا عمرو بن ثابت، عن الأعمش، عن أبی وائل شقیق بن سلمة، عن أُمّ سلمة، قالت: کان الحسن والحسین (رضی الله عنهما) یلعبان بین یدی النبی (صلّی الله علیه وسلّم) فی بیتی، فنزل جبریل علیه السلام ، فقال: یا محمد، إنّ أُمّتک تقتل ابنک هذا من بعدک. فأومأ بیده إلی الحسین، فبکی رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم)، وضمّه إلی صدره، ثمّ قال رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم): ودیعة عندک هذه التربة، فشمّها رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم)، وقال: ویح کرب وبلاء. قالت: وقال رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم): یا أُم سلمة، إذا تحوّلت هذه التربة دماً، فاعلمی أنّ ابنی قد قُتل. قال: فجعلتها أُمّ سلمة فی قارورة، ثمّ جعلت تنظر إلیها کلّ یوم وتقول: إنّ یوماً تُحَوّلین دماً لیوم عظیم»((1)).

ومن طریق الطبرانی أخرجها ابن عساکر((2))، وابن العدیم((3)).

وأوردها المزی فی التهذیب((4))، والهیثمی فی المجمع((5))، وغیرهم کُثُر.


1- الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج3، ص108.
2- اُنظر: ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج14، ص192.
3- اُنظر: ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2599.
4- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج6، ص409.
5- اُنظر: الهیثمی، علی بن أبی بکر، مجمع الزوائد: ج9، ص189.

ص:362

وقد روی الزرندی الحنفی تتمّة لتلک الروایة، فقال: فقالت أُمّ سلمة: «فأخذته، فجعلته فی قارورة، فأصبته یوم قُتل الحسین وقد صار دماً»((1)).

رجال السند

أمّا عبد الله بن أحمد، فثقة ثبت معروف، وعبّاد بن زیاد الأسدی، قال فیه أبو داوُد: صدوق، وروی عنه عدّة من الثقات والمحدّثین((2))، وقال ابن حجر: «صدوق، رُمی بالقدر والتشیّع»((3)).

وعمرو بن ثابت، فیه کلام کثیر، وقد حقّقنا الحال فیه وتبیّن أنّه صدوق حسن الحدیث، وغایة ما أُخذ علیه إنّما هی أُمور خارجة عن محلّ التوثیق کالتشیّع والرفض وغیرها؛ لذا قال فیه ابن داوُد أنّه صدوقاً فی الحدیث، ولیس فی حدیثه نکارة، بل لا یشبه حدیثه أحادیث الشیعة((4)).

والأعمش ثقة جلیل القدر، وغایة ما أُخذ علیه أنّه مُدلّس.

غیر أنّ جلالة قدر الأعمش وکونه من أئمّة الحدیث، جعلت الکثیر من العلماء یغضّون الطرف عن الروایات التی عنعن فیها، ویحملونها علی الاتّصال ما لم یتبیّن فیها الانقطاع؛ لذا قال الحافظ الفسوی: «وحدیث سفیان، وأبی إسحاق، والأعمش، ما لم یُعلم أنّه مُدلّس یقوم مقام الحجّة»((5)).

ویظهر أنّ الإمام أحمد یری الاحتجاج بروایة الأعمش المعنعنة، قال أبو داوُد:


1- الزرندی الحنفی، محمد بن یوسف، نظم درر السمطین: ص215.
2- اُنظر: المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج14، ص122- 123.
3- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص466.
4- اُنظر: الرحمة، حکمت، دراسة فی حدیث السفینة علی مبانی أهل السنّة: ص188- 195.
5- الفسوی، یعقوب بن سفیان، المعرفة والتاریخ: ج3، ص14.

ص:363

«سمعت أحمد سُئل عن الرجل یُعرف بالتدلیس، یحتجّ فیما لم یقل حدّثنی أو سمعت؟ قال: لا أدری. فقلت: الأعمش متی تصاد له الألفاظ؟ قال: یضیق هذا، أی: أنّک تحتجّ به»((1)).

بل إنّ روایاته فی الصحیحین وهی معنعنة.

لذا فإنّ العلائی، وابن حجر ذکروه فی الطبقة الثانیة من طبقات الُمدلّسین، وهم: مَن احتمل الأئمّة حدیثهم، وأخرجوا لهم فی الصحیح؛ لإمامتهم وقلّة تدلیسهم فی جنب ما رووا((2))، وهؤلاء یُقبل حدیثهم سواء صرّحوا بالسماع أَم لم یصرّحوا.

والنتیجة: إنّ الکثیر من العلماء یأخذون بروایة الأعمش المعنعنة، ما لم یتبیّن لهم الانقطاع فیه، قال الألبانی: «لکن العلماء جروا علی تمشیة روایة الأعمش المعنعنة، ما لم یظهر الانقطاع فیها»((3)).

کما أنّ البعض قصر تدلیس الأعمش فیما إذا روی عن الصحابة دون غیرهم، منهم الشیخ شعیب الأرنؤوط، والدکتور بشّار عوّاد((4)).

وشقیق بن سلمة، أبو وائل، من رجال الستّة، ثقة مخضرم، بل قال ابنُ عبد البرّ: «أجمعوا علی أنّه ثقة»((5)).


1- ابن حنبل، أحمد بن حنبل، سؤالات أبی داوُد لأحمد بن حنبل: ص199.
2- اُنظر: العلائی، خلیل بن کیکلدی، جامع التحصیل فی أحکام المراسیل: ص113. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، طبقات المُدلّسین: ص13، ص33.
3- الألبانی، محمد ناصر الدین، سلسلة الأحادیث الضعیفة: ج4، ص403.
4- اُنظر: الأرنؤوط، شعیب بن محرم، ومعروف، بشّار عوّاد، تحریر التقریب: ج1، ص40.
5- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج4، ص317. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص421.

ص:364

خلاصة الحکم علی السند

وبهذا یتّضح أنّ هذا السند معتبر لا غبار علیه، فالروایة حسنة الإسناد، ولو فرضنا أنّ فیه ضعفاً، فإنّ له طرقاً أُخری یتقوّی بها کما یأتی.

2 - روایة عمر بن أبی سلمة عن أُمّ سلمة
اشارة

أخرجها الشجری، قال: «أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحیم بقراءتی علیه، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حیّان، قال حدّثنا أبو بکر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، قال: حدّثنا إبراهیم بن سعید الجوهری، قال حدّثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین، قال سمعت عبد الرحیم بن محمد بن عمر بن أبی سلمة، یذکر عن أبیه، عن جدّه، عن أُمّ سلمة (رضی الله عنها)، قالت: جاء جبریل علیه السلام إلی النبی صلی الله علیه و آله ، فدخل علیه الحسن والحسین علیهما السلام ، فقال: إنّ أُمّتک تقتله - یعنی الحسین علیه السلام - بعدک، ثمّ قال: أَلا أُریک من تربة مقتله؟ قالت: فجاءه بحصیات فجعلهنّ رسول الله صلی الله علیه و آله فی قارورة، فلمّا کان لیلة قتل الحسین علیه السلام ، قالت أُمّ سلمة: سمعت قائلاً یقول:

أیّها القاتلون جهلاً حسیناً

أبشروا بالعذاب والتنکیل

قد لُعنتم علی لسان ابن داوُد

وموسی وصاحب الإنجیل

قالت: فبکیت، قالت: ففتحت القارورة، فإذا قد حدث فیها دم»((1)).

وأخرجه الخوارزمی من طریق أبی طاهر محمد بن أحمد بالسند المتقدّم((2)).

وأورده الزرندی الحنفی عن أُمّ سلمة، وجاء فی آخره: «فبکیت، وفتحت القارورة،


1- الشجری، یحیی بن الحسین، الأمالی الخمیسیة: ج2، ص115.
2- اُنظر: الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص107.

ص:365

فإذا الحصیات قد جرت دماً»((1)).

رجال السند

أمّا أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحیم، فهو إمام محدّث ثقة((2)).

وأمّا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حیّان، فهو المعروف بأبی الشیخ الأصبهانی، حافظ ثقة ثبت معروف((3)).

وأبو بکر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، هو الحافظ البزار صاحب المسند، قال فیه الخطیب: «وکان ثقة حافظاً، صنّف المسند، وتکلّم علی الأحادیث، وبیّن عللها»((4)).

وقال الذهبی: «الحافظ العلّامة أبو بکر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصری، صاحب المسند الکبیر المعلل»((5)).

إبراهیم بن سعید الجوهری، من رجال مسلم والأربعة، ثقة حافظ((6))، ومحمد بن جعفر بن محمد، الظاهر أنّه ثقة؛ لأنّ البخاری ذکره فی تاریخه، وقال: «قال لی إبراهیم بن المنذر: کان إسحاق أخوه أوثق منه، وأقدم سنّاً»((7)). وهذا القول یدلّ علی أنّ الرجل ثقة أیضاً.


1- الزرندی الحنفی، محمد بن یوسف، نظم درر السمطین: ص217. اُنظر: ابن حجر الهیتمی، أحمد بن محمد، الصواعق المحرقة: ج2، ص565- 566.
2- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج17، ص639.
3- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج3، ص945.
4- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج5، ص95.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج2، ص653- 654.
6- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج1، ص107. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص57.
7- البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج1، ص57.

ص:366

وذکره ابن أبی حاتم بروایة جماعة عنه، ولم یذکر فیه جرحاً ولا تعدیلاً، فقال: «روی عن أبیه، روی عنه عتیق بن یعقوب الزبیری، وإبراهیم بن المنذر الحزامی، ویعقوب بن حمید بن کاسب، وأحمد بن محمد بن الولید بن برد الأنطاکی، ومحمد بن أبی عمر العدنی»((1)).

فبقرینة ذکر البخاری، وابن أبی حاتم له من دون جرح، وروایة عدّة من العدول عنه، والمفاضلة بینه وبین أخیه، بأنّ أخاه أوثق منه، یکون الرجل ثقة أو لا أقلّ من کونه صدوقاً حسن الحدیث.

وأمّا عبد الرحیم بن محمد بن عمر بن أبی سلمة، فالظاهر هو عبد الرحمن؛ لأنّ ابن محمد هو عبد الرحمن، وقد ورد ذکره بروایته عن أبیه محمد فی عدّة من الروایات((2)).

کما أنّ الخوارزمی نقل الروایة أعلاه من طریق عبد الرحمن، ولیس عبد الرحیم((3)).

وعبد الرحمن هذا ذکره البخاری، وابن أبی حاتم الرازی من دون جرح ولا توثیق((4)). وقد ذکرنا سابقاً أنّ جملة من العلماء یرون أنّ ذلک أمارة التوثیق.

کما أنّ ابن حبّان ذکره فی ثقاته((5))، وأخرج له فی صحیحه((6)).

فالرجل یمکن الاعتماد علیه، ولا أقل من کون حدیثه حسناً.


1- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج7، ص220.
2- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج1، ص176. ابن حبّان، محمد، صحیح ابن حبّان: ج12، ص11.
3- اُنظر: الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج2، ص107- 108.
4- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج5، ص346. ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج5، ص281.
5- اُنظر: ابن حبّان، محمد، الثقات: ج7، ص88.
6- اُنظر: ابن حبّان، محمد، صحیح ابن حبّان: ج12، ص11.

ص:367

ومحمد بن عمر بن أبی سلمة، ذکره البخاری من دون جرح ولا تعدیل((1)).

وذکره الرازی، وقال: «سمعت أبی یقول: لا أعرفه»((2)).

وذکره ابن حبّان فی الثقات، وقال: «محمد بن عمر بن أبی سلمة بن عبد الأسد، یروی عن أبیه، وله صحبة، روی عنه ابنه أبو بکر بن محمد»((3)).

وقول ابن حبّان: وله صحبة، الظاهر أنّه یرجع علی أبیه عمر بن أبی سلمة؛ لأنّ عمر صحابی صغیر، فلا یعقل أنْ یکون ابنه محمد صحابی أیضاً.

والخلاصة: إنّه مع سکوت البخاری عنه، وذکر ابن حبّان له فی الثقات، وعدم وجود جرح فیه، یمکن الاعتماد علیه.

أمّا عمر بن أبی سلمة فهو صحابی((4)) کما أسلفنا فیکون ثقةً عدلاً.

وأُمّ سلمة، هی أُمّ المؤمنین زوج النبی صلی الله علیه و آله ، صحابیة.

خلاصة الحکم علی السند

وبهذا یتّضح أنّ هذالحدیث جید الإسناد، وهو متعاضد مع غیره من الأحادیث.

3 - روایة عبد المطلب بن حنتب عن أُمّ سلمة
اشارة

أخرجها ابن العدیم، قال: «أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدی، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن عبد الرحمن الکشمیهنی.

وأخبرنا علی بن عبد المنعم بن علی بن الحداد، قال: أخبرنا یوسف بن آدم المراغی،


1- اُنظر: البخاری، محمد بن إسماعیل، التاریخ الکبیر: ج1، ص176.
2- ابن أبی حاتم الرازی، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعدیل: ج8، ص18.
3- ابن حبّان، محمد، الثقات: ج5، ص363.
4- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص718.

ص:368

قالا: أنبأنا أبو بکر محمد بن منصور بن محمد السمعانی، قال: أخبرنا الشیخ أبو غالب محمد بن الحسن، قال: أخبرنا أبو علی بن شاذان، قال: أخبرنا عبد الخالق بن الحسن السقفی، قال: حدّثنا إسحاق بن الحسن الحربی، قال: حدّثنا یحیی الحمانی، قال: حدّثنا سلیمان بن بلال، عن عمرو بن أبی عمرو، عن المطلب بن حنطب، عن أُمّ سلمة، قالت: دخل علی النبی صلی الله علیه و آله ، فقال لی: احفظی الباب لا یدخل علیّ أحد. فسمعت نحیبه، فدخلت، فإذا الحسین بین یدیه، فقلت: والله یا رسول الله، ما رأیته حین دخل. فقال: إنّ جبریل کان عندی آنفاً، فقال لی: یا محمد أتُحبّه؟ فقلت: یا جبریل، أمّا مِن حبّ الدنیا، فنعم. قال: فإنّ أُمّتک ستقتله بعدک، ترید أُریک تربته یا محمد؟ فدفع إلیّ هذا التراب. قالت أُمّ سلمة: فأخذته، فجعلته فی قارورة، فأصبته یوم قُتل الحسین وقد صار دماً»((1)).

وأوردها ابن الأثیر مختصراً، قال: «ورُوی أنّ النبی (صلّی الله علیه وسلّم) أعطی أُمّ سلمة تراباً من تربة الحسین، حمله إلیه جبریل، فقال النبی (صلّی الله علیه وسلّم) لأُمّ سلمة: إذا صار هذا التراب دماً، فقد قُتل الحسین. فحفظت أُمّ سلمة ذلک التراب فی قارورة عندها، فلمّا قُتل الحسین صار التراب دماً...»((2)).

رجال السند

أمّا عبد الرحمن فهو ثقة، قال فیه الذهبی: «وکان له فهم ومعرفة، وعنایة تامّة بالحدیث، وفیه دین وصلاح، ومعرفة بفقه الشافعی»((3)).

والکشهمینی مجهول، لکن جهالته منجبره بورد الحدیث من طریق آخر کما تقدّم، فإنّ ابن العدیم رواه من وجهین ینتهیان إلی السمعانی.


1- ابن العدیم، عمر بن أحمد، بُغیة الطلب فی تاریخ حلب: ج6، ص2597- 2598.
2- ابن الأثیر، علی بن أبی الکرم، الکامل فی التاریخ: ج4، ص93.
3- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج22، ص303.

ص:369

والسمعانی، أبو بکر محمد بن منصور بن محمد، هو والد السمعانی صاحب الأنساب، حافظ ثقة معروف((1)).

والشیخ أبو غالب محمد بن الحسن الباقلانی، ذکره ابن نقطة، وقال: «ثقة»((2)).

وأبو علی بن شاذان، ترجمه الخطیب، وقال: «کتبنا عنه وکان صدوقاً صحیح الکتاب، وکان یفهم الکلام علی مذهب الأشعری... وکتب عنه جماعة من شیوخنا کأبی بکر البرقانی، ومحمد بن طلحة النعالی، وأبی محمد الخلال، وأبی القاسم الأزهری، وعبد العزیز الأزجی، وغیرهم. سمعت أبا الحسن بن رزقویه یقول: أبو علی بن شاذان ثقة. وسمعت الأزهری یقول: أبو علی بن شاذان من أوثق مَن برّأ الله فی الحدیث»((3)).

وعبد الخالق بن الحسن السقفی، وثّقه البرقانی، والخطیب البغدادی((4)).

وإسحاق بن الحسن الحربی، ثقة حجّة((5)).

أمّا یحیی الحمانی، فقد اضطربت فیه کلمات العلماء بین موثّق ومضعّف، بل تعدّدت فیه کلمات أحمد بن حنبل بین التوثیق والتضعیف.

وقد وثّقه جملة من العلماء، منهم: ابن نمیر، والبوشنجی، والرمادی، وابن معین، وغیرهم، وضعفه النسائی، وابن المدینی، وغیرهم((6))، ولعلّنا من خلال کلام ابن معین،


1- اُنظر: السمعانی، عبد الکریم بن محمد، الأنساب: ج3، ص300. الذهبی، محمد بن أحمد، تذکرة الحفّاظ: ج4، ص1266- 1267.
2- ابن نقطة، محمد بن عبد الغنی، تکملة الإکمال: ج2، ص413.
3- الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج7، ص288- 289.
4- اُنظر: المصدر السابق: ج11، ص126.
5- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، میزان الاعتدال: ج1، ص190.
6- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج14، ص173- 181. المزی، یوسف بن عبد الرحمن، تهذیب الکمال: ج31، ص419- 434. ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج11، ص213- 218.

ص:370

وابن عدی نستطیع أنْ نصل إلی نتیجة أنّ الرجل صدوقاً، حسن الحدیث، خصوصاً أنّه من رجال مسلم، وقد أصرّ ابن معین علی توثیقه، فقال فیه: «ابن الحمانی، صدوق مشهور، ما بالکوفة مثل ابن الحمانی، ما یقال فیه إلّا من حسد»((1)).

فابن معین علی اطلاع تام بالرجل، وما قیل فیه، إلّا أنّه یری أنّ ذلک بسبب الحسد، وکلّ کلماته تدل علی أنّه متیقّن من وثاقة الرجل، فعن أحمد بن زهیر، قال: «سمعت یحیی بن معین، یقول: یحیی بن عبد الحمید الحمانی ثقة، وما کان بالکوفة فی أیامه رجل یحفظ معه، هؤلاء یحسدونه»((2)).

وعن أبی جعفر، محمد بن عثمان بن أبی شیبة، قال: «سألت یحیی بن معین، عن یحیی بن عبد الحمید فقال: ثقة»((3)).

وعن عباس بن محمد الدوری، قال: «سمعت یحیی یقول: أبو یحیی الحمانی، وابنه ثقة. قال عباس: ناظرناه فی هذا غیر مرّة»((4)).

وفی روایة أخری عن الدوری، أنّه قال: «سمعت یحیی بن معین یقول: أبو یحیی الحمانی ثقة، ویحیی بن عبد الحمید الحمانی ثقة. قال عباس: لم یزل یحیی یقول هذا حتی مات»((5)).

وعن صالح بن محمد، قال: «سمعت یحیی بن معین - وسُئل عن یحیی بن عبد الحمید الحمانی - فقال: «صاحب حدیث صدوق»((6)).


1- ابن معین، یحیی، تاریخ ابن معین بروایة الدارمی: ص232.
2- اُنظر: الخطیب البغدادی، أحمد بن علی، تاریخ بغداد: ج14، ص174.
3- اُنظر: المصدر السابق.
4- اُنظر: المصدر السابق.
5- اُنظر: المصدر السابق.
6- اُنظر: المصدر السابق: ج14، ص175.

ص:371

وعن عبد الخالق بن منصور، قال: «سُئل یحیی بن معین، عن یحیی بن الحمانی، فقال: صدوق ثقة»((1)).

وعن عبد الله بن محمد بن منیع، قال: «کنّا علی باب یحیی بن عبد الحمید الحمانی، فجاء یحیی بن معین علی بغلته فسأله أصحاب الحدیث - یعنی أن یُحدّثهم - فأبی، وقال: جئت مُسلّماً علی أبی زکریا، فدخل ثمّ خرج، فسألوه عنه. فقال: ثقة ابن ثقة»((2)).

وعن أبی هارون الهمدانی قال: «سألت یحیی بن معین عن الحمانی، فقال: ثقة. فقلت: یعنی یقولون فیه. فقال: یحسدونه، هو والله الذی لا إله إلّا هو ثقة»((3)).

فهذه الکلمات بیّنة وظاهرة فی أنّ ابن معین یعرف الحمانی جیّداً، ویعرف أنّ بعض العلماء یضعّفه، لکنّه مصر علی أنّ الرجل ثقة.

وقال فیه ابن عدی، بعد أنْ ذکر الأقوال المختلفة فیه: «ولم أرَ فی مسنده، وأحادیثه، أحادیث مناکیر فأذکرها، وأرجو أنّه لا بأس به»((4)).

والظاهر أنّ منشأ تضعیفه یتعلّق بالعقیدة، فقد اتُّهم بالتشیّع، والطعن فی معاویة، وفی هذا یقول العالم السنّی المعاصر حسن السقّاف: «وقد حمل علیه بعضهم لتشیّعه المحمود، ولطعنه فی معاویة بن أبی سفیان، وقوله عنه: إنّه مات علی غیر ملة الإسلام، ومع ذلک وصفه الحافظ الذهبی فی سیر أعلام النبلاء بقوله: الحافظ الإمام الکبیر، أبو زکریا ابن المحدّث الثقة أبی یحیی الحمانی الکوفی، صاحب المسند الکبیر. فتضعیفهم لا


1- اُنظر: المصدر السابق: ج14، ص175.
2- اُنظر: المصدر السابق: ج14، ص175.
3- الجرجانی، عبد الله بن عدی، الکامل فی ضعفاء الرجال: ج7، ص238.
4- المصدر السابق: ج7، ص239.

ص:372

قیمة له البتة؛ لأنّه قد تبیّن سببه»((1)).

والمُحقَق علمیاً أنّ العقیدة غیر مؤثرة فی التوثیق والتضعیف.

والخلاصة: إنّه مع التصریح بوثاقة الرجل، ومع التصریح من ابن معین بأنّ تضعیفهم له بسبب الحسد، ومع کون الرجل متّهم بالتشیّع، وأنّه یطعن فی معاویة، لا یمکن التمسّک بالتضعیفات، کما أنّه لا یمکن طرحها بالکامل، فالجمع بین الأمرین یقتضی أنّ الرجل صدوقاً حسن الحدیث.

وأمّا سلیمان بن بلال فثقة، وثّقه أحمد، وابن معین، وابن سعد، وغیرهم((2)).

وعمرو بن أبی عمرو، قال فیه ابن حجر: «ثقة ربما وهم»((3)). وقال الذهبی: «صدوق»((4)).

والمطلب بن حنطب، قال عنه الذهبی: «أحد الثقات»((5)).

وقال ابن حجر: «صدوق، کثیر التدلیس والإرسال»((6)). لکن تعقبه محررا التقریب بشّار عوّاد وشعیب الأرنؤوط، فقالا: «بل ثقة، وروایته عن الصحابة منقطعة (مرسلة) إلّا سهل بن سعد، وأنساً، وسلمة بن الأکوع، ومَن کان قریباً منهم، ولم یتهمه أحد بالتدلیس، لکن یظهر أنّهم یریدون بالتدلیس الإرسال، وقد وثّقه أبو زرعة الرازی، ویعقوب بن سفیان، والدارقطنی، وذکره ابن حبّان فی الثقات، وقد ضعّفه ابن سعد؛


1- السقاف، حسن بن علی، تناقضات الألبانی الواضحات: ج3، ص163.
2- اُنظر: ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج4، ص154- 155.
3- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج1، ص741.
4- الذهبی، محمد بن أحمد، الکاشف: ج2، ص84.
5- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج5، ص317.
6- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تقریب التهذیب: ج2، ص189.

ص:373

بسبب کثرة إرساله»((1)).

وأُمّ سلمة، صحابیة.

فالسند معتبر إلی أُمّ سلمة، والمطلب بن حنطب وإنْ کان عامّة ما یرویه منقطع عن الصحابة، إلّا أنّه من الممکن ملاقاته لأُمّ سلمة، فهو حی لسنة (120ه-)((2))، وهذا یعنی لو فرضنا أنّ عمره ناهز الثمانین، سیکون عاش عشرین سنة فی حیاة أُمّ سلمة.

خلاصة الحکم علی السند

اتّضح أنّه یمکن عدّ هذا السند من الأسانید الجیّدة المعتبرة.

4 - روایة شرحبیل

أوردها الخوارزمی، قال: قال شرحبیل بن أبی عون: «... ثمّ أخذ النبی صلی الله علیه و آله تلک القبضة التی أتاه بها المَلَک، فجعل یشمّها ویبکی، ویقول فی بکائه: اللهمّ لا تبارک فی قاتل ولدی، وأصله نار جهنّم، ثمّ دفع تلک القبضة إلی أُمّ سلمة، وأخبرها بقتل الحسین بشاطئ الفرات، وقال: یا أُمّ سلمة، خذی هذه التربة إلیک، فإنّها إذا تغیّرت وتحوّلت دماً عبیطاً، فعند ذلک یُقتل ولدی الحسین»((3)).

وهذه الروایة مرسلة لم نقف لها علی سند، فهی ضعیفة من هذه الجهة.

5 - مرسلة عن سلمی المدنیة عن أُمّ سلمة
اشارة

أوردها الخوازمی فی مقتله، قال: وجاء فی المراسیل أنّ سلمی المدنیّة، قالت: «رفع


1- الأرنؤوط، شعیب بن محرم، ومعروف، بشّار عوّاد، تحریر التقریب: ج3، ص386.
2- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج5، ص317.
3- الخوارزمی، محمد بن أحمد، مقتل الحسین علیه السلام : ج1، ص237.

ص:374

رسول الله صلی الله علیه و آله إلی أُمّ سلمة قارورة فیها رمل من الطفّ، وقال لها: إذا تحوّل هذا دماً عبیطاً، فعند ذلک یُقتل الحسین. قالت سلمی: فارتفعت واعیة من حجرة أُمّ سلمة، فکنت أوّل مَن أتاها، فقلت لها: ما دهاک یا أُمّ المؤمنین؟ قالت: رأیت رسول الله فی المنام، والتراب علی رأسه، فقلت: مالک؟ قال: وثب الناس علی ابنی فقتلوه، وقد شهدته قتیلاً الساعة. فاقشعرّ جلدی وانتبهت وقمت إلی القارورة، فوجدتها تفور دماً. قالت سلمی: ورأیتها موضوعة بین یدیها»((1)).

والروایة مرسلة، ومحکومة بالضعف کما هو واضح.

غیر أنّ الروایة عن سلمی، عن أُمّ سلمة وردت مسندة بصورة مختصرة فی مصادر عدّة، فقد أخرجها الترمذی، قال: «حدّثنا أبو سعید الأشج، أخبرنا أبو خالد الأحمر، أخبرنا رزین، قال حدّثتنی سلمی، قالت: دخلت علی أُمّ سلمة وهی تبکی، فقلت: ما یُبکیک؟ قالت: رأیت رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) - تعنی فی المنام - وعلی رأسه ولحیته التراب، فقلت: مالک یا رسول الله؟ قال شهدت قتل الحسین آنفاً»((2)).

وأخرجها الطبرانی((3))، والآجری((4))، وغیرهم.

وهذه الروایة تبیّن أنّ منشأ معرفة وعلم أُمّ سلمة بمقتل الحسین علیه السلام ، إنّما هی الرؤیة التی رأتها للرسول الکریم صلی الله علیه و آله ، وعلی رأسه ولحیته التراب، وأخبرها بأنّه شهد قتل الحسین علیه السلام آنفاً، ولم تکمل أنّ أُمّ سلمة قامت وذهبت إلی القارورة التی أودعها النبی صلی الله علیه و آله عندها، ورأت القارورة قد تحوّلت دماً.


1- المصدر السابق: ج2، ص109- 110.
2- الترمذی، محمد بن عیسی، سنن الترمذی: ج5، ص323.
3- اُنظر: الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج23، ص273.
4- اُنظر: الآجری، محمد بن الحسین، الشریعة: ج5، ص2174- 2175.

ص:375

ویبدو أنّ ذلک من فعل الرواة، فکثیراً ما یحصل أنّ بعض الرواة ینقلون القصة کاملة، وبعضهم یقتصرون علی قسم منها، ولعلّ الروایة المرسلة المتقدّمة ترجّح أنّ المسندة اقتصرت علی جزء من القصّة، خصوصاً أنّ مسألة المنام وذهاب أُمّ سلمة بعده إلی القارورة، قد ورد فی کتب الفریقین کما أوضحنا.

وکیف ما کان، فإنّ هذه الروایة أیضاً محکومة بالضعف؛ وذلک لأنّ سلمی لم نقف علی حالها، فهی مجهولة، واسمها «سلمی البکریة، من بکر بن وائل، مولاة لهم، روت عن عائشة، وأُمّ سلمة. وعنها رزین الجهنی، ویقال البکری»((1)).

خلاصة الحکم علی روایات أُمّ سلمة عند أهل السنّة

اتّضح أنّ الطرق الثلاثة المسندة التی ذکرناها کلّها حسنة الإسناد ومتعاضدة مع بعضها، واشترکت فی المضمون المشار إلیه، وهو تحوّل التربة إلی دم، فالحدیث بمجموع طرقه یکون صحیحاً لغیره، ومع التنزّل عن ذلک فلا أقلّ من کونه حسناً لغیره.

ومضافاً للطرق الثلاثة المسندة، فقد أوردنا روایتین مرسلتین لم نقف علی إسنادهما تتضامن وتؤیّد الطرق الثلاثة.

خلاصة الحکم علی حادثة تحوّل التربة إلی دم

تبیّن أنّ هذه الحادثة وردت بطرق متعدّدة فی کتب الفریقین، فقد وردت عند الشیعة من طریق أُمّ سلمة، وأنس بن مالک، ووردت عند السنّة من عدّة طرق عن أُمّ سلمة، فیمکن القول إنّ الحادثة ثابتة؛ لورودها فی کتب الفریقین أوّلاً، ولتعدّد طرقها


1- ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، تهذیب التهذیب: ج12، ص376.

ص:376

ثانیاً، ولجودة بعض طرقها عند الشیعة، بل وجودة عدّة من طرقها وفق منهج أهل السنّة ثالثاً، وقد ذکرنا سابقاً أنّ نقل الروایة - خصوصاً مع جودة الإسناد - عند الفرقة الأُخری مع ملاحظة اختلاف الأهواء والمیولات والعقائد، یُشکّل قرینة قویة علی صحّتها، فکیف مع اتّفاق الفریقین علی النقل وبطرق متعدّدة.

شبهة: الحدیث ضعیف؛ لأنّ أُمّ سلمة توفّیت قبل مقتل الحسین علیه السلام
اشارة

قد یقول قائل: بأنّ أُمّ سلمة توفّیت قبل مقتل الحسین علیه السلام ، فلا یمکن صدور تلک الروایات عنها، فتکون کلّها ضعیفة لا یمکن التمسّک بها.

الجواب

ما ذُکر غیر صحیح، فإنّه من غیر المقطوع به أنّ وفاة أُمّ سلمة قبل مقتل الحسین علیه السلام ، حتّی نضعّف تلک الروایات علی ضوئه، فقد اختلف فی سنة وفاتها، فقیل: فی سنة (59ه-). وقیل: سنة (60ه-)((1)). وقیل: سنة (61ه-) ((2)). والظاهر أنّ الأخیر هو الصحیح، وأنّها توفّیت بعد مقتل الحسین علیه السلام ؛ لدلالة الأخبار المتقدّمة علی ذلک، ولوجود أخبار أُخری تؤیّد بقاءها بعد مقتل الحسین علیه السلام ، فقد ورد عن شهر بن حوشب، أنّه قال: «أتیتُ أُمّ سلمة أُعزّیها بقتل الحسین بن علی»((3)).

والسند معتبر متعاضد ورد بحسب ما وقفنا علیه من طریقین عن شهر، وکلّ طریق متأرجح بین الحسن لذاته أو الضعیف ضعفاً خفیفاً، یرتفع عند المعاضدة لدرجة


1- اُنظر: ابن عبد البرّ، یوسف بن عبد الله، الاستیعاب: ج4، ص1921.
2- اُنظر: الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج2، ص210.
3- الحاکم النیسابوری، عبد الله، المستدرک: ج4، ص19. وقد رواها عن شهر، إسماعیل بن نشیط. الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الأوسط: ج2، ص371. وقد رواها عن شهر، أبو الجحاف داوُد بن أبی عوف، والسند فی أقل حالاته حسن لغیره بضمیمة الطریقین.

ص:377

الحسن علی ما علیه التحقیق.

وأخرج أحمد، والطبرانی عن عبد الحمید بن بهرام، قال: «حدّثنی شهر بن حوشب، قال: سمعت أُمّ سلمة زوج النبی (صلّی الله علیه وسلّم) حین جاء نعی الحسین بن علی، لعنت أهل العراق...»((1)).

فالسند جید إلی شهر، وشهر وإنْ اختُلف فیه إلّا أنّ التوثیقات فیه قویة جدّاً، وحدیثه لا ینزل عن مرتبة الحسن علی التحقیق؛ ولذا ذکره الذهبی فی کتابه: (ذکر مَن تُکلّم فیه وهو مُوثّق أو صالح الحدیث)، وذکر محقق الکتاب عبد الله الرحیلی: «أنّ الرجل مختلف فیه، والعمل علی تحسین حدیثه عند علماء الحدیث»((2)).

وقال الشیخ حمزة أحمد الزین معلّقاً علی الحدیث: «إسناده حسن»((3)).

والغرض أنّ هذه شواهد علی أنّ وفاة أُمّ سلمة بعد مقتل الحسین علیه السلام ، أی: فی سنة (61ه-)، واختار هذا الرأی الذهبی، وقال: «وبعضهم أرّخ موتها فی سنة تسع وخمسین، فوهم أیضاً، والظاهر وفاتها فی سنة إحدی وستین (رضی الله عنها)»((4)).

وذهب ابن عساکر إلی هذا الرأی أیضاً، فقد روی أنّ أُمّ سلمة زوج النبی صلی الله علیه و آله ماتت سنة إحدی وستین، حین جاء نعی الحسین، وقال بعد ذلک: «وهذا هو الصحیح»((5)).


1- ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج9، ص194. الطبرانی، سلیمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج3، ص108.
2- الذهبی، محمد بن أحمد، مَن تُکلّم فیه وهو موثّق أو صالح الحدیث (تحقیق الرحیلی): ص265- 266.
3- ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد (تحقیق حمزة أحمد الزین): ج18، ص258.
4- الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج2، ص210.
5- ابن عساکر، علی بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج3، ص211.

ص:378

ومن المعلوم أنّ الحسین قد استُشهد فی الیوم العاشر من الشهر الأوّل - وهو شهر محرّم الحرام - من سنة (61ه-).

شبهة: روایات تحوّل التربة إلی دم تتنافی مع مطر السماء دماً

قد یتبادر إلی الذهن أنّ احمرار التربة یتنافی مع روایات مطر السماء دماً؛ لأنّ أُمّ سلمة کانت علامتها الوحیدة التی رأتها وصرخت علی ضوئها هی احمرار التربة، وحین اجتمع علیها الناس من کلّ حدب وصوب، کانوا مستغربین، ولم یروا مطراً للسماء ولا غیره، فأخبرتهم أُمّ سلمة بما جری، فإمّا أنْ تکون هذه الروایة لا صحة لها وتبقی روایات المطر سالمة، أو تکون هذه الحادثة ثابتة وروایات المطر غیر ثابتة.

ویمکن أن یجاب عن ذلک بأُمور:

الأوّل: إنّ المطر لم یکن قد حصل فی المدینة؛ بل حصل فی مناطق أُخری من العالم، فلا تنافی حینئذٍ، فعلامة أُمّ سلمة وهی احمرار التربة لا تتنافی مع غیرها، وفزع الناس واستغرابهم ممّا جری یکون أمراً طبیعیاً.

لکن مطر السماء فی أنحاء أُخری من العالم وعدم مطرها فی مرکز بیت الوحی بعید جدّاً، فالمدینة کانت تمثّل ثقل العالم الإسلامی، وهی مرکز الرسالة، وفیها بقیّة أهل البیت، فإنْ کان هناک من مطر فلا بدّ أنْ یکون شاملاً للمدینة، وقد رجّحنا سابقاً أنّ المطر شمل العالم الإسلامی بأسره.

الثانی: أنْ یکون الأمران قد حصلا فی المدینة، لکن بعد فوارق زمنیة قریبة، فمثلاً: حین رأت أُمّ سلمة احمرار التربة لم تکن السماء قد مطرت، وبعدها بوقت قصیر، وبعد أن عرف الناس ماذا جری احمرّت السماء ومطرت وحدث ما حدث.

الثالث: من المحتمل أنْ تکون الأُمور تزامنت فالجو اضطرب ونزلت الأمطار المحمّلة بالغبار، ولم یلتفت الناس إلی أنّ هذا دماً، وصاحبه صراخ أُمّ سلمة، فأقبلوا

ص:379

لیعرفوا الأمر، فأخبرتهم بما شاهدته عن التربة.

روایة ابن عباس فی تحوّل بعر الظباء دماً وتنافیها مع روایة أُم سلمة

رأینا من المناسب أنْ نذکر هذا الخبر هنا؛ لتناسبه فی المقام، ولتعارضه مع روایة أُمّ سلمة المرویة عن ابن عباس کما سیتّضح.

والخبر فی الحقیقة یتناول حادثة کونیة أُخری غیر تحوّل التربة إلی دم عبیط، وهی سیلان الدم من بعر الظبا الذی احتفظ به ابن عباس، حینما کان فی مسیره مع علی بن أبی طالب علیه السلام .

وهذا الخبر تقدّم ذکره سابقاً فی مسألة انکساف الشمس، وعرفنا أنّه قد روته المصادر الشیعیة، نقلاً عن المصادر السنیّة، ولا نری مبرراً لاعادة تخریجه، ونقتصر هنا علی نقل ما یتعلّق بموضع الشاهد للضرورة إلیه، فقد رُوی فی الخرائج عن ابن مردویه، أنّ الإمام علی حین مرّ بکربلاء بکی بکاءً طویلاً وبیّن لابن عباس أنّ الإمام الحسین علیه السلام سیُقتل هنا، وأنّ فی هذا المکان بعر الظباء، وهی مصفرة لونها لون الزعفران، فأمر ابن عباس أنْ یطلبها، فوجدها ابن عباس کما وصفها الإمام، فأخذها الإمام وشمّها، وهو یقول: «هی هی بعینها، أتعلم یا بن عباس ما هذه الأباعر؟ [هذه] قد شمها عیسی بن مریم، وقال: هذا الطیب لمکان حشیشها». ثمّ إنّ الإمام أخذ من البعر وصرّه فی ردائه، وأمر ابن عباس کذلک، وقال له: «إذا رأیتها تنفجر دماً عبیطاً، فاعلم أنّ أبا عبد الله قد قُتل بها [ودفن]. قال ابن عباس: لقد کنت أحفظها، ولا أحلّها من طرف کمّی، فبینا أنا فی البیت نائم، وقد خلا عشر المحرّم إذ انتبهت، فإذا تسیل دماً، فجلست وأنا باکٍ، فقلت: قُتل الحسین، وذلک عند الفجر، فرأیت المدینة کأنّها ضباب، ثمّ طلعت الشمس وکأنّها منکسفة، وکأنّ علی الجدران دماً، فسمعت صوتاً یقول وأنا باکٍ:

ص:380

اصبروا آل الرسول

قُتل الفرخ البجول

نزل الروح الأمین

ببکاء وعویل

ثمّ بکی وبکیت، ثمّ حدّثت الذین کانوا مع الحسین، فقالوا: لقد سمعنا ما سمعت ونحن فی المعرکة، فکنّا نری أنّه الخضر علیه السلام »((1)).

وهذا الخبر ضعیف لا یمکن التمسّک به لأُمور ثلاثة:

أوّلها: إنّ السند ضعیف علی کلا المبنیین سواء الشیعی أو السنّی، ویکفی فی ذلک جهالة وضعف بعض رجاله، فمثلاً: أحمد بن یحیی بن زکریا القطان مجهول عند الشیعة، ولم أقف له علی ذکر عند أهل السنّة، وتمیم بن بهلول مجهول عند الشیعة، ولیس له ذکر عند أهل السنّة، وعلی بن عاصم ضعیف عند أهل السنة، ولیس له ذکر عند الشیعة، والمذکور عند الشیعة مختلف الطبقة عن ذاک کما أوضح السیّد الخوئی((2))، وهکذا بقیّة الرجال بین الجهالة والخلاف بین الفریقین، فلا یسلم السند علی مبنی أیّ منهما، فالخبر بهذا السند ضعیف.

وثانیها: إنّ فی الخبر ما یدلّ علی ضعفه أیضاً، وهو أنّ ابن عباس کان أعمی، فکیف تمکّن من رؤیة سیلان الدم، وانکساف الشمس وما إلی ذلک من الأُمور المذکورة فی الروایة؟!

وثالثها: إنّها معارضة لخبر أُمّ سلمة الذی تقدّم نقله عن الأمالی، بأنّ أُمّ سلمة رأت تحوّل التربة دماً وصرخت وجاءها الناس، وکان ممّن جاء مستفسراً عن الوضع هو ابن


1- قطب الدین الراوندی، سعید بن هبة الله، الخرائج والجرائح: ج3، ص1145- 1147. الصدوق، محمد بن علی، الأمالی: ص694- 696. الصدوق، محمد بن علی، کمال الدین وتمام النعمة: ص534.
2- اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج13، ص70.

ص:381

عباس یقوده قائده، ممّا یدل علی أنّ ابن عباس قد کان أعمی، وأنّه قد عرف الخبر من أُمّ سلمة، ولم یعلم به قبل ذلک، فکیف رأی بعر الظبا تسیل دماً، وعرف من خلالها أنّ الحسین علیه السلام قد قُتل؟!

ص:382

ص:383

مصادر البحث

•القرآن الکریم.

- أ -

1.إتحاف المرتقی بتراجم شیوخ البیهقی، محمود بن عبد الفتاح النحال، إشراف ومراجعة وضبط وتدقیق: الفریق العلمی لمشروع موسوعة جامع السنة، الناشر: دار المیمان للنشر والتوزیع، ط1، 1429ه/2008 م، الریاض - السعودیة.

2.إتحاف النبیّل بأجوبة أسئلة علوم الحدیث والعلل والجرح والتعدیل، أبو الحسن مصطفی بن إسماعیل السلیمانی المآربی، تحقیق: أبو إسحاق الدمیاطی، الناشر: مکتبة الفرقان، عجمان، ط2.

3.الآحاد والمثانی، أبو بکر أحمد بن عمرو الضحاک الشیبانی، تحقیق: د. باسم فیصل أحمد الجوابرة، الناشر: دار الرایة، الریاض، ط1، 1411ه.

4.الاحتجاج، أبو منصور أحمد بن علی بن أبی طالب الطبرسی، تعلیق وملاحظات: السید محمد باقر الخرسان، الناشر: دار النعمان، النجف الأشرف، طبعة عام 1386ه.

5.الأخبار الطوال، أبو حنیفة أحمد بن داود الدینوری، الناشر: دار إحیاء الکتب العربی، تحقیق: عبد المنعم عامر، مراجعة: الدکتور جمال الدین الشیال، ط1، 1960ه.

6.أربع مجالس للخطیب البغدادی، أبو بکر أحمد بن علی بن ثابت بن أحمد بن مهدی الخطیب البغدادی، الناشر: مخطوط نُشر فی برنامج جوامع الکلم المجانی التابع لموقع

ص:384

الشبکة الإسلامیة.

7.الأربعون فی أصول الدین، فخر الدین الرازی، محمد بن عمر، تحقیق: د. أحمد حجازی السقّا، الناشر: مکتبة الکلیات الأزهریة، القاهرة، ط1، 1406ه.

8.الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفید العکبری البغدادی، تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لتحقیق التراث، الناشر: دار المفید، بیروت، ط2، 1414ه.

9.إرواء الغلیل فی تخریج أحادیث منار السبیل الألبانی، محمد ناصر الدین، إشراف: زهیر الشاویش، الناشر: المکتب الإسلامی، بیروت، ط2، 1405ه/1985م.

10.الاستیعاب فی معرفة الأصحاب، یوسف بن عبد الله بن محمد، المشهور بابن عبد البرّ، تحقیق: علی محمد البجاوی، الناشر: دار الجیل، بیروت، ط1، 1412ه.

11.أُسد الغابة فی معرفة الصحابة، عزّ الدین أبو الحسن علی بن محمد المعروف بابن الأثیر الجزری، الناشر: دار الکتاب العربی، بیروت.

12.الإشراف فی منازل الأشراف، أبو بکر عبد الله بن محمّد الأُموی المعروف بابن أبی الدنیا، تحقیق: د. نجم عبد الرحمن خلف، الناشر: مکتبة الرشد، الریاض - السعودیة، ط1، 1411ه/1990م.

13.الإصابة فی تمییز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه-)، تحقیق: الشیخ عادل أحمد عبد الموجود وعلی محمد معوض، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت، ط1، 1415ه.

14.أصول الإیمان فی ضوء الکتاب والسنّة، تألیف: نخبة من العلماء، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامیة والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملکة العربیة السعودیة، ط1، 1421ه.

15.أُصول علم الرجال، تقریرات بحث الشیخ مسلم الداوری، تألیف: محمد علی صالح المعلم، ط2، 1426ه، الناشر: مؤسسة المحبّین للطباعة والنشر.

ص:385

16.أضواء علی ثورة الإمام الحسین علیه السلام ، السید محمد محمد صادق الصدر، الناشر: دار الکتاب الإسلامی، قم - إیران، ط3، 1430ه.

17.إعلام الوری بأعلام الهدی، أبو علی الفضل بن الحسن الطبرسی، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، ط1، 1417ه.

18.اقتضاء الصراط المستقیم لمخالفة أصحاب الجحیم، ابن تیمیة، أبو العباس أحمد بن عبد الحلیم الحرانی الحنبلی، تحقیق: محمّد حامد الفقی، الناشر: مطبعة السنّة المحمدیّة- القاهرة، ط2 - 1369ه.

19.الإکمال فی رفع الارتیاب عن المؤتلف والمختلف فی الأسماء والکنی، علی بن هبة الله بن أبی نصر بن ماکولا، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت، ط1، 1411ه.

20.الأمالی الخمیسیة (ترتیب الأمالی الخمیسیة)، یحیی (المرشد بالله) بن الحسین (الموفق) بن إسماعیل بن زید الحسنی الشجری الجرجانی، رتّبها: القاضی محیی الدین محمد بن أحمد القرشی، تحقیق: محمّد حسن محمد حسن إسماعیل، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، ط1، 1422 ه/2001 م.

21.الأمالی، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی، تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة، مؤسسة البعثة، الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزیع، قم، ط1، 1414ه.

22.الأمالی، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفید، تحقیق: الحسین أستاد ولی - علی أکبر الغفاری، الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت - لبنان، ط2، 1414 ه/1993م.

23.الأمالی، الشریف أبو القاسم علی بن الطاهر أبی أحمد الحسین المرتضی، تصحیح وتعلیق: السید محمد بدر الدین النعسانی الحلبی، الناشر: منشورات مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی، قم، ط1، 1325ه/1907م.

24.الأمالی، أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی الصدوق، تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة، مؤسسة البعثة، الناشر: مرکز الطباعة والنشر فی مؤسسة

ص:386

البعثة، قم، ط1، 1417ه.

25.أمل الآمل، محمد بن الحسن المعروف بالحر العاملی، تحقیق: السید أحمد الحسینی، الناشر: مکتبة الأندلس - بغداد.

26.الإنباء فی تاریخ الخلفاء، محمد بن علی بن محمد المعروف بابن العمرانی، تحقیق: قاسم السامرائی، الناشر: دار الآفاق العربیة، القاهرة، ط1، 1421ه/2001م.

27.أنساب الأشراف، أحمد بن یحیی البلاذری، تحقیق: د. سهیل زکار، ود. ریاض زرکلی، الناشر: دار الفکر، بیروت، ط1، 1417ه/1996م.

28.الأنساب، أبو سعد عبد الکریم بن محمد بن منصور السمعانی، تقدیم وتعلیق: عبد الله البارودی، الناشر: دار الجنان، بیروت، ط1، 1408ه.

- ب -

29.بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، محمد باقر المجلسی، الناشر: مؤسسة الوفاء، بیروت - لبنان، ط2، 1403ه/1983م.

30.البدایة والنهایة، ابن کثیر الدمشقی، أبو الفداء، إسماعیل بن عمر، تحقیق: علی شیری، الناشر: دار إحیاء التراث العربی، بیروت، ط1، 1408ه.

31.بذل الإحسان بتقریب سنن النسائی أبی عبد الرحمن، حجازی محمّد شریف الحوینی الأثری، الناشر: مکتبة التربیة الإسلامیة لإحیاء التراث الإسلامی، ط1، 1410ه.

32.بریقة محمودیة فی شرح طریقة محمدیة وشریعة نبویة فی سیرة أحمدیة، محمد بن محمد بن مصطفی الخادمی الحنفی، الناشر: مطبعة الحلبی، طبع سنة: 1348ه.

33.بستان العارفین، یحیی بن شرف النووی، الناشر: دار الریان للتراث.

34.بستان الواعظین وریاض السامعین، جمال الدین أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن محمد المعروف بابن الجوزی، تحقیق: أیمن البحیری، الناشر: مؤسسة الکتب الثقافیة، بیروت - لبنان، ط2، 1419ه/1998م.

ص:387

35.بغیة الطلب فی تاریخ حلب، کمال الدین عمر بن أحمد بن أبی جرادة المعروف بابن العدیم، تحقیق: د. سهیل زکار، الناشر: دار الفکر، بیروت.

36.بغیة الوعاة فی طبقات اللغویین والنحاة، السیوطی، أبو الفضل جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر، تحقیق: محمد أبی الفضل إبراهیم، الناشر: المکتبة العصریة، لبنان.

37.بلاغات النساء، أبو الفضل بن أبی طاهرالمعروف بابن طیفور، منشورات مکتبة بصیرتی، قم - إیران.

38.البلدان، أحمد بن محمد الهمذانی (ابن الفقیه الهمذانی)، تحقیق: یوسف الهادی، الناشر: عالم الکتب للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت - لبنان، ط1، 1416ه/1996م.

39.بهجة الناظرین شرح ریاض الصالحین، الهلالی، سلیم بن عید، الناشر: دار ابن الجوزی.

- ت -

40.تاریخ ابن معین بروایة الدارمی، ابن معین، یحیی بن معین بن عون المری، تحقیق: د. أحمد محمّد نور سیف، دار المأمون للتراث، دمشق، بیروت.

41.تاریخ ابن معین بروایة الدوری، یحیی بن معین بن عون المری، المعروف بابن معین، تحقیق: عبد الله أحمد حسن، الناشر: دار القلم، بیروت.

42.تاریخ أسماء الثقات، عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهین البغدادی، تحقیق: صبحی السامرائی، المطبعة: الدار السلفیة، الکویت، ط1، 1404ه.

43.تاریخ الإسلام، شمس الدین أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبی، تحقیق: د. عمر عبد السلام تدمری، الناشر: دار الکتاب العربی، بیروت - لبنان، ط1، 1407ه.

44.تاریخ الأُمم والملوک، محمد بن جریر الطبری، مراجعة وتصحیح وضبط: نخبة من العلماء، الناشر: مؤسسة الأعلمی، بیروت، ط4، 1403ه/1983م.

45.تاریخ الخلفاء، جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی، تحقیق: محمد محی

ص:388

الدین عبد الحمید، الناشر: مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1371ه.

46.التاریخ الکبیر، البخاری، محمد بن إسماعیل بن إبراهیم بن المغیرة، الناشر: المکتبة الإسلامیة، دیار بکر - ترکیا.

47.تاریخ الکوفة، السید حسین بن السید أحمد البراقی النجفی، تحقیق: ماجد أحمد العطیة، استدراکات السید محمد صادق آل بحر العلوم، الناشر: انتشارات المکتبة الحیدریة، النجف - العراق، ط، 1424ه/1382ش.

48.تاریخ بغداد، أبو بکر أحمد بن علی بن ثابت، المعروف بالخطیب البغدادی، دراسة وتحقیق: مصطفی عبد القادر عطا، دار الکتب العلمیة، بیروت، ط1، 1417ه.

49.تاریخ مدینة دمشق، ابن عساکر، أبو القاسم علی بن الحسن بن هبة الله، تحقیق: علی شیری، الناشر: دار الفکر، بیروت، طبعة عام 1415ه.

50.تاریخ واسط، أبو الحسن أسلم بن سهل بن أسلم بن حبیب (بَحْشَل) الرزّاز الواسطی، تحقیق: کورکیس عواد، الناشر: عالم الکتب، بیروت - لبنان، ط1، 1406ه.

51.تأویل الآیات الظاهرة فی فضائل العترة الطاهرة التبصرة، السید شرف الدین علی الحسینی الأسترآبادی، تحقیق: مدرسة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف، الناشر: مدرسة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف، الحوزة العلمیة، قم المقدّسة، ط1، 1407ه/1366ش.

52.التبصرة، جمال الدین أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن محمد الجوزی (ت597ه-)، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، ط1، 1406ه/1986م.

53.تحریر التقریب، شعیب الأرنؤوط، بشار عواد، الناشر: مؤسسة الرسالة، بیروت، ط1، 1417ه/1997م.

54.التحریر الطاووسی المستخرج من کتاب حل الإشکال للسید أحمد بن موسی الطاووس، تألیف: الشیخ حسن بن زین الدین صاحب المعالم، تحقیق: فاضل الجواهری، الناشر: مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی، قم المقدّسة، ط1،

ص:389

1411ه.

55.تدریب الراوی شرح تقریب النواوی، أبو الفضل جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی، تحقیق: أبو قتیبة نظر الفاریابی، الناشر: مکتبة الکوثر، الریاض، ط2، 1415ه.

56.تذکرة الحفاظ، شمس الدین أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبی، تصحیح: عبد الرحمن بن یحیی المعلمی، الناشر: دار إحیاء التراث العربی - بیروت.

57.التذکرة الحمدونیة، محمّد بن الحسن بن محمّد بن علی، المعروف بابن حمدون، تحقیق: إحسان عبّاس وبکر عبّاس الناشر: دار صادر للطباعة والنشر، ط1، 1996م.

58.تذکرة الخواص، أبو المظفر یوسف بن فرغلی، المشهور بسبط ابن الجوزی، الناشر: مکتبة نینوی الحدیثة، طهران.

59.تذکرة الخواص، أبو المظفر یوسف بن فرغلی، المشهور بسبط ابن الجوزی، تحقیق: الدکتور عامر النجار، الناشر: مکتبة الثقافة الدینیة، ط1، 1429ه/2008م.

60.تذکرة الخواص، أبو المظفر یوسف بن فرغلی، المشهور بسبط ابن الجوزی، تحقیق: حسین تقی زادة، الناشر: مرکز الطباعة والنشر للمجمع العالمی لأهل البیت، ط2، 1433ه.

61.التذکرة بأحوال الموتی وأُمور الآخرة، القرطبی الأنصاری، أبو عبد الله محمد بن أحمد، الناشر: مکتبة دار المنهاج - الریاض، طبعة عام 1425ه.

62.تذکرة الموضوعات، محمّد طاهر بن علی الفتنی، إدارة الطباعة المنیریّة، ط1، 1343ه.

63.ترجمة الإمام الحسین علیه السلام من تاریخ ابن عساکر، أبو القاسم علی بن الحسن بن هبة الله الشافعی، المعروف بابن عساکر، تحقیق: محمد باقر المحمودی، الناشر: مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة ط2، 1414ه.

ص:390

64.ترجمة الإمام الحسین علیه السلام من طبقات ابن سعد بن منیع، محمد بن سعد، تهذیب وتحقیق: السید عبد العزیز الطباطبائی، الناشر: مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث، قم، ط1، 1415ه.

65.التعدیل والتجریح لمَن خرّج عنه البخاری فی الجامع الصحیح، أبو الولید سلیمان بن خلف بن سعد الباجی المالکی، دراسة وتحقیق: أحمد البزار، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامیة، مراکش.

66.تعلیقة علی منهج المقال، الوحید البهبهانی، منشورة علی القرص الکمبیوتری (مکتبة أهل البیت علیهم السلام ).

67.تفسیر ابن أبی حاتم (تفسیر القرآن العظیم مسنداً عن رسول الله صلّی الله علیه وسلّم والصحابة والتابعین)، أبو محمد عبد الرحمن بن أبی حاتم، تحقیق: أسعد محمد خطیب، الناشر: المکتبة العصریة، صیدا.

68.تفسیر ابن کثیر (تفسیر القرآن العظیم)، إسماعیل بن عمر بن کثیر القرشی الدمشقی أبو الفداء، المعروف بابن کثیر، تقدیم: یوسف عبد الرحمن المرعشلی، الناشر: دار المعرفة، بیروت، طبعة عام 1412ه/1992م.

69.تفسیر البغوی (معالم التنزیل فی تفسیر القرآن)، الحسین بن مسعود الشافعی البغوی، تحقیق: خالد عبد الرحمن العک، الناشر: دار المعرفة - بیروت.

70.تفسیر الثعلبی (الکشف والبیان)، أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهیم الثعلبی النیسابوری، تحقیق: أبو محمد بن عاشور، مراجعة وتدقیق: نظیر الساعدی، الناشر: دار إحیاء التراث العربی - بیروت، ط1، 1422ه/2002م.

71.تفسیر الطبری (جامع البیان عن تأویل آی القرآن)، محمد بن جریر الطبری، ضبط وتوثیق وتخریج: صدقی جمیل العطار، الناشر: دار الفکر - بیروت، طبعة عام 1415ه.

72.تفسیر القرطبی (الجامع لأحکام القرآن)، أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبی

ص:391

الأنصاری، تصحیح: أحمد عبد العلیم البردونی، الناشر: دار إحیاء التراث العربی - بیروت.

73.تفسیر القمی، علی بن إبراهیم، تصحیح وتعلیق وتقدیم: السید طیب الموسوی الجزائری، الناشر: مؤسسة دار الکتاب للطباعة والنشر، قم - إیران، ط3، 1404ه.

74.التفسیر الکبیر، الرازی، محمد بن عمر بن حسین الشافعی الطبرستانی، الناشر: دار الکتب العلمیة - بیروت، ط1، 1421ه.

75.تقریب التهذیب، أبو الفضل أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه-)، دراسة وتحقیق: مصطفی عبد القادر عطا، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت، ط2، 1415ه.

76.تکملة الإکمال (تکملة لکتاب الإکمال لابن ماکولا)، محمّد بن عبد الغنی بن أبی بکر بن شجاع، المعروف بابن نقطة، تحقیق: د. عبد القیوم عبد ریب النبیّ، الناشر: جامعة أُمّ القری، مکّة المکرمة، ط1، 1410ه.

77.تلخیص الحبیر فی أحادیث الرافعی الکبیر، أبو الفضل أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه-)، تحقیق: السید عبد الله هاشم الیمانی المدنی، الناشر: دار المدینة المنورة، 1384ه.

78.تلخیص المتشابه فی الرسم، أبو بکر أحمد بن علی بن ثابت، المعروف بالخطیب البغدادی، تحقیق: سُکینة الشهابی، الناشر: طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، ط1، 1985م.

79.تمام المنّة، الألبانی، محمد ناصر الدین، الناشر: دار الرایة، الریاض، المکتبة الإسلامیة، عمان - الأردن، ط2، 1409ه.

80.تناقضات الألبانی الواضحات فیما وقع له فی تصحیح الأحادیث وتضعیفها من أخطاء وغلطات، السید حسن بن علی السقاف، الناشر: دار الإمام النووی، عمّان - الأردن، ط3، 1412ه/1992م.

ص:392

81.تنقیح المقال فی علم الرجال، محمد رضا المامقانی، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم - إیران، ط1، 1434ه.

82.تهذیب التهذیب، أبو الفضل أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه-)، الناشر: دار الفکر - بیروت، ط1، 1404ه.

83.تهذیب الکمال، أبو الحجاج جمال الدین یوسف بن عبد الرحمن المزی، تحقیق وضبط وتعلیق: د. بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة، بیروت، طبعة عام 1413ه.

84.توضیح المشتبه فی ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وکناهم، شمس الدین محمّد بن عبد الله بن محمّد القیسی الدمشقی، تحقیق: محمّد نعیم العرقسوسی، مؤسسة الرسالة، بیروت، ط1، 1993م.

- ث -

85.الثاقب فی المناقب، عماد الدین أبو جعفر محمّد بن علی الطوسی، المعروف بابن حمزة، تحقیق: الأستاذ نبیل رضا علوان، الناشر: مؤسّسة أنصاریان، قم المقدّسة، ط2، 1412ه.

86.الثقات، محمّد بن حبّان التمیمی البستی، الناشر: مؤسسة الکتب الثقافیة، المطبعة: مجلس دائرة المعارف العثمانیة بحیدر آباد الدکن، الهند، ط1، 1393ه/1973م.

87.ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی الصدوق، تقدیم: السید محمد مهدی السید حسن الخرسان، الناشر: منشورات الشریف الرضی، قم - إیران، ط2، 1368ش.

- ج -

88.جامع أحادیث الشیعة، حسین الطباطبائی البروجردی، المطبعة العلمیة - قم، طبعة عام 1399ه.

89.جامع التحصیل فی أحکام المراسیل، خلیل بن کیکلدی بن عبد الله العلائی،

ص:393

تحقیق: حمدی عبد المجید السلفی، عالم الکتب، بیروت، ط2، 1407ه.

90.جامع الرواة، محمد بن علی الأردبیلی الغروی، الناشر: مکتبة المحمدی.

91.جامع بیان العلم وفضله، یوسف بن عبد الله بن محمد، الناشر، المعروف بابن عبد البرّ،: دار الکتب العلمیة، طبعة عام 1398ه.

92.الجامع فی الرجال، آیة الله الشیخ موسی العباسی الزنجانی، تحقیق: السید محمّد الحسینی القزوینی بمساعدة اللجنة العلمیة، الناشر: مؤسسة ولی عصر للدراسات الإسلامیة، ط1، 1436ه.

93.الجرح والتعدیل، أبو محمّد عبد الرحمن بن أبی حاتم الرازی، الناشر: دار إحیاء التراث العربی، بیروت، ط1، 1371 ه/1952م.

94.جلباب المرأة المسلمة فی الکتاب والسنة، محمّد ناصر الدین الألبانی، الناشر: المکتبة الإسلامیة، عمّان، ط1، 1413ه.

95.جواهر المطالب فی مناقب الإمام علی علیه السلام ، أبو البرکات شمس الدین محمد بن أحمد الدمشقی الباعونی الشافعی، تحقیق: الشیخ محمد باقر المحمودی، الناشر: مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة، قم، ط1، 1415ه.

- ح -

96.حاشیة الدسوقی علی الشرح الکبیر، شمس الدین محمد عرفة الدسوقی، الناشر: دار إحیاء الکتب العربیة.

97.حاشیة ردّ المحتار علی الدر المختار شرح تنویر الأبصار فی فقه مذهب الإمام أبی حنیفة النعمان، علاء الدین محمد بن محمد أمین المعروف بابن عابدین الحسینی الدمشقی، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت - لبنان، 1415ه.

98.حاشیة العطار علی شرح الجلال المحلی علی جمع الجوامع، حسن بن محمّد العطار الشافعی، الناشر: دار الکتب العلمیة.

99.حقبة من التاریخ، عثمان بن محمّد الخمیس، الناشر: دار الإیمان للطبع والنشر

ص:394

والتوزیع، الإسکندریة.

100.حلیة الأولیاء وطبقات الأصفیاء، أحمد بن عبد الله، المعروف بأبی نعیم الأصبهانی، الناشر: دار الکتاب العربی، بیروت، ط4، 1405ه.

- خ -

101.الخرائج والجرائح، قطب الدین سعید بن هبة الله الراوندی، تحقیق ونشر: مؤسسة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف، ط1، 1409ه.

102.خاتمة مستدرک الوسائل، حسین بن محمد تقی النوری الطبرسی، تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث، قم، ط1، 1416ه.

103.الخصائص الکبری (کفایة الطالب اللبیب فی خصائص الحبیب)، أبو الفضل جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی، الناشر: دار الکتاب العربی، 1320ه.

104.خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال، أبو منصور الحسن بن یوسف بن المطهر الأسدی، المعروف بالعلاّمة الحلّی، تحقیق: الشیخ جواد القیومی، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، ط1، 1417ه.

105.الخلاصة فی أُصول الحدیث، الحسین بن عبد الله الطیبی، تحقیق: صبحی السامرائی، عالم الکتب، ط1، 1405ه.

- د -

106.الدرر السنیة فی الأجوبة النجدیة، تألیف: علماء نجد الأعلام، تحقیق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط6، 1417ه/1996م.

107.الدر المنثور فی التفسیر بالمأثور، أبو الفضل جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی، الناشر: دار المعرفة، بیروت.

108.الدر النظیم، الشیخ جمال الدین یوسف بن حاتم العاملی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، قم - إیران.

ص:395

109.دراسة فی حدیث السفینة علی مبانی أهل السنّة، د. حکمت جارح الرحمة، الناشر: مرکز بین المللی، ترجمة ونشر المصطفی، قم - إیران، ط1، 1394ش.

110.دروس معرفة الوقت والقبلة، حسن حسن زادة آملی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرّسین، قم - إیران، ط4، 1416ه.

111.الدروع الواقیة، علی بن موسی ابن طاووس، تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم - إیران، ط1، 1414ه.

112.دلائل الإمامة، محمّد بن جریر بن رستم الطبری، تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة، مؤسسة البعثة، قم، الناشر: مرکز الطباعة والنشر فی مؤسسة البعثة، قم - إیران، ط1، 1413ه.

113.الدمعة الساکبة فی أحوال النبیّ والعترة الطاهرة، المولی محمّد باقر بن عبد الکریم البهبهانی، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت - لبنان، ط1، 1408ه.

- ذ -

114.ذخائر العقبی، أحمد بن عبد الله الطبری، الناشر: مکتبة القدسی، القاهرة، طبعة عام 1356ه.

115.الذریة الطاهرة الدولابی، محمد بن أحمد الرازی، تحقیق: سعد المبارک الحسن، الناشر: الدار السلفیة، الکویت، ط1، 1407ه.

116.ذکر أخبار أصبهان، أحمد بن عبد الله، المعروف بأبی نعیم الأصبهانی، الناشر: مطبعة بریل، لیدن، طبعة عام: 1934م.

117.ذکر أسماء مَن تُکلّم فیه وهو موثق، شمس الدین، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبی، تحقیق: محمد شکور أمریر المیادینی، الناشر: مکتبة المنار، الزرقاء، ط1، 1406ه.

118.ذیل تاریخ بغداد، الحافظ محب الدین أبی عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن، المعروف بابن النجار البغدادی (ت643ه)، دراسة وتحقیق: مصطفی عبد القادر عطا، الناشر: دار الکتاب العلمیة، بیروت - لبنان، ط1،

ص:396

1417ه/1997م.

- ر -

119.ربیع الأبرار ونصوص الأخیار، جار الله الزمخشری (583ه)، الناشر: مؤسسة الأعلمی، بیروت ط1، 1412ه.

120.رجال الطوسی، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی، تحقیق: جواد القیومی الأصفهانی، الناشر: جماعة المدرّسین، قم، ط1، 1415ه.

121.رجال النجاشی، أبو العباس أحمد بن علی بن أحمد النجاشی، الناشر: جماعة المدرّسین - قم، ط5، 1416ه.

122.الرد علی المتعصب العنید المانع من ذم یزید، أبو الفرج عبد الرحمن بن علی، المعروف ابن الجوزی، تحقیق: د. هیثم عبد السلام محمد، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، ط1، 2005م/1426ه.

123.الرسائل الرجالیة، أبو المعالی محمد بن محمد إبراهیم الکلباسی، تحقیق: محمد حسین الدرایتی، الناشر: دار الحدیث للطباعة والنشر، قم - ایران، ط1، 1422ه/1380ش.

124.رسالة فی إثبات کرامات الأنبیاء، السجاعی، شهاب الدین أحمد بن أحمد، الناشر: مکتبة ایشیق، إستانبول، ترکیا، سنة الطبع: 1396ه/1976م.

125.الروح فی الکلام علی أرواح الأموات والأحیاء بالدلائل من الکتاب والسنة، ابن قیم الجوزیة، شمس الدین محمّد بن أبی بکر بن أیوب بن سعد الزرعی الدمشقی، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت، 1395ه/1975م.

126.روضة الطالبیین، النووی، تحقیق: الشیخ عادل أحمد عبد الموجود، الشیخ علی محمد معوض، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان.

127.روضة المتقین فی شرح من لا یحضره الفقیه، محمّد تقی المجلسی الأوّل، علّق علیه وأشرف علی طبعه: السید حسین الموسوی الکرمانی والشیخ علی پناه

ص:397

الإشتهاردی، الناشر: بنیاد فرهنک إسلامی حاج محمد حسین کوشانپور.

128.روضة الواعظین، محمّد بن الفتال النیسابوری، الناشر: منشورات الرضی قم - إیران.

129.ریاض الصالحین من حدیث سید المرسلین، یحیی بن شرف النووی، الناشر: دار الفکر المعاصر، بیروت - لبنان، ط2، 1411ه/1991م.

- ز -

130.زاد المسیر فی علم التفسیر، أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن محمّد، المعروف ابن الجوزی، تحقیق: محمّد عبد الرحمن عبد الله، الناشر: دار الفکر - بیروت، ط1، 1407ه.

- س -

131.سبل الهدی والرشاد فی سیرة خیرة العباد، محمّد بن یوسف الصالحی الشامی، تحقیق: الشیخ عبد المعز عبد الحمید الجزار، الناشر: لجنة إحیاء التراث الإسلامی، المجلس الأعلی للشؤون الإسلامیة، القاهرة، مصر، 1416ه/1995م.

132.سلسلة الأحادیث الصحیحة، محمّد ناصر الدین الألبانی، الناشر: مکتبة المعارف، الریاض، 1415ه.

133.سلسلة الأحادیث الضعیفة والموضوعة، محمّد ناصر الدین الألبانی، الناشر: مکتبة المعارف، الریاض، ط5، 1412ه.

134.سنن أبی داود، أبو داود، سلیمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو السجستانی، تحقیق وتعلیق: سعید محمد اللحام، الناشر: دار الفکر، بیروت، ط1، 1410ه.

135.سنن الترمذی، أبو عیسی محمّد بن عیسی بن سورة الترمذی، تحقیق وتصحیح: عبد الوهاب عبد اللطیف، وعبد الرحمن محمّد عثمان، دار الفکر، بیروت، ط2، 1403ه.

136.سنن الترمذی، أبو عیسی محمّد بن عیسی بن سورة الترمذی، تحقیق: أحمد محمّد

ص:398

شاکر، شرکة ومطبعة مصطفی البابی الحلبی وأولاده بمصر.

137.سنن الدار قطنی، أبو الحسن علی بن عمر بن أحمد بن مهدی الدار قطنی البغدادی، تعلیق وتخریج: مجدی بن منصور سید الشوری، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، طبع سنة 1417ه.

138.السنن الکبری، أبو بکر أحمد بن الحسین بن علی البیهقی، الناشر: دار الفکر - بیروت.

139.سؤالات أبی داود للإمام أحمد بن حنبل فی جرح الرواة وتعدیلهم، أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشیبانی، تحقیق: د. زیاد محمّد منصور، مکتبة العلوم والحکم، المدینة المنورة، ط1، 1414ه.

140.سؤالات أبی عبد الرحمن السلمی للدارقطنی فی الجرح والتعدیل الدارقطنی، أبو الحسن علی بن عمر بن أحمد بن مهدی الدارقطنی البغدادی، تحقیق: مجدی فتحی السید، دار الصحابة للتراث، طنطا، ط1، 1413ه.

141.سؤالات الحاکم النیسابوری للدارقطنی، أبو الحسن علی بن عمر بن أحمد بن مهدی الدارقطنی البغدادی، تحقیق: د. موفق بن عبد الله بن عبدالقادر، مکتبة المعارف، الریاض، ط1، 1404ه.

142.سؤالات حمزة بن یوسف السهمی للدارقطنی وغیره من المشایخ فی الجرح والتعدیل، أبو الحسن علی بن عمر بن أحمد بن مهدی الدارقطنی البغدادی، تحقیق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الناشر: مکتبة المعارف، الریاض، ط1، 1404ه.

143.سؤالات للعلّامة محدّث العصر الألبانی، سألها له ابن أبی العینین، أحمد بن إبراهیم، الناشر: مهبط الوحی، 2002م.

144.سیر أعلام النبلاء، شمس الدین أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبی، إشراف وتخریج: شعیب الأرنؤوط، تحقیق: حسین الأسد، الناشر: مؤسسة الرسالة - بیروت، ط9، 1413ه.

ص:399

145.السیرة النبویّة، أبو الفداء إسماعیل بن عمر بن کثیر الدمشقی، تحقیق: مصطفی عبد الواحد، الناشر: دار المعرفة، بیروت.

- ش -

146.شذرات الذهب فی أخبار مَن ذهب، عبد الحی بن أحمد بن محمد، المعروف بابن العماد العکری الحنبلی، تحقیق: عبد القادر الأرنؤوط، محمود الأرنؤوط، الناشر: دار ابن کثیر، دمشق، ط1، 1406ه.

147.شرح إحقاق الحق المرعشی، شهاب الدین المرعشی النجفی، تحقیق: السید إبراهیم المیانجی، الناشر: مکتبة المرعشی - قم.

148.شرح الأخبار فی فضائل الأئمّة الأطهار، أبو حنیفة بن محمد بن منصور المغربی، المعروف بالقاضی النعمان، تحقیق: السید محمد الحسینی الجلالی، الناشر: جماعة المدرّسین - قم، ط2، 1414ه.

149.شرح الشفا للقاضی عیاض، شرحه الملا علی القاری، ضبطه وصحّحه: عبد الله محمد الخلیلی، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، ط1، 1421ه/2001م.

150.شرح العقیدة الطحاویة لابن أبی العز الحنفی، الناشر: المکتب الإسلامی، بیروت، ط4، 1391ه.

151.شرح العقیدة الواسطیة، محمد بن صالح بن محمد العثیمین، خرج أحادیثه واعتنی به: سعد بن فواز الصمیل، الناشر: دار ابن الجوزی للنشر والتوزیع، المملکة العربیة السعودیة، ط6، 1421ه.

152.شرح فتح القدیر، کمال الدین محمد بن عبد الواحد السیواسی، الناشر: دار الفکر، بیروت، ط2.

153.شرح مشکل الآثار، أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوی، تحقیق: شعیب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، لبنان، ط1، 1408ه/1978م.

154.شرح نهج البلاغة، عزّ الدین أبو حامد بن هبة الله بن محمد، المعروف بابن أبی

ص:400

الحدید المعتزلی، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، الناشر: دار إحیاء الکتب العربیة.

155.الشریعة، أبو بکر محمّد بن الحسین الآجری، تحقیق: الدکتور عبد الله بن عمر بن سلیمان الدمیجی، دار الوطن، الریاض، ط2، 1420ه/1999م.

- ص -

156.الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربیة، إسماعیل بن حمّاد الجوهری، تحقیق: أحمد عبد الغفور عطا، الناشر: دار العلم للملایین، بیروت، ط4، 1407ه.

157.صحیح ابن حبّان بترتیب ابن بلبان، محمد بن حبّان التمیمی البستی، تحقیق: شعیب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط2، 1414ه.

158.صحیح ابن خزیمة، محمد بن إسحاق بن خزیمة السلمی النیسابوری، تحقیق وتعلیق وتخریج وتقدیم: الدکتور محمد مصطفی الأعظمی، الناشر: المکتب الإسلامی، ط2، 1412ه/1999م.

159.صحیح البخاری (الجامع المسند الصحیح)، محمد بن إسماعیل بن إبراهیم بن المغیرة البخاری، الناشر: دار الفکر، بیروت، طبعة عام 1401ه.

160.صحیح الترغیب والترهیب، محمّد ناصر الدین الألبانی، مکتبة المعارف للنشر والتوزیع، الریاض، ط1، 1421ه.

161.صحیح شرح العقیدة الطحاویة، السقاف، حسن بن علی، الناشر: دار الإمام النووی - الأردن، ط1، 1416ه.

162.صحیح مسلم بشرح النووی (المنهاج شرح صحیح مسلم بن الحجاج)، الناشر: دار الکتاب العربی، بیروت، طبعة عام 1407ه.

163.الصراط المستقیم، علی بن یونس العاملی، الناشر: المکتبة المرتضویة لإحیاء الآثار الجعفریة، تحقیق: محمد الباقر البهبودی، ط1، 1384ه.

164.الصواعق المحرقة، أبو العباس أحمد بن محمد بن علی بن حجر المکی الهیتمی، تحقیق: عبد الرحمن بن عبد الله الترکی، کامل محمد الخراط، الناشر: مؤسسة الرسالة -

ص:401

بیروت، ط1، 1417ه.

- ض -

165.الضعفاء الصغیر، محمّد بن إسماعیل البخاری، تحقیق: محمود إبراهیم زاید، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت - لبنان، ط1، 1406ه/1986م.

- ط -

166.الطبقات الکبری (الجزء المتمّم لطبقات ابن سعد) [الطبقة الخامسة فی مَن قُبض رسول الله صلّی الله علیه وسلّم. وهم أحداث الأسنان]، أبو عبد الله محمّد بن سعد بن منیع البصری البغدادی، المعروف بابن سعد، تحقیق: محمّد بن صامل السلمی، الناشر: مکتبة الصدیق، الطائف، ط1، 1414ه/1993م.

167.الطبقات الکبری، (القسم المتمم لتابعی أهل المدینة ومن بعدهم)، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منیع البصری البغدادی، المعروف بابن سعد، تحقیق زیاد محمد منصور، الناشر مکتبة العلوم والحکم، المدینة المنورة، 1408ه.

168.الطبقات الکبری، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منیع البصری البغدادی، المعروف بابن سعد، الناشر: دار صادر، بیروت.

169.طبقات المحدّثین بأصبهان والواردین، عبد الله بن محمد بن جعفر بن حیان، المعروف بأبی الشیخ، تحقیق: عبد الغفور عبد الحق البلوشی، الناشر: مؤسسة الرسالة - بیروت، ط2، 1412ه.

170.طبقات المدلسین، أبو الفضل أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه-)، تحقیق: د. عاصم بن عبد الله القریونی، مکتبة المنار، ط1.

171.طرائف المقال فی معرفة طبقات الرجال، علی أصغر بن محمّد شفیع البروجردی، تحقیق: السید مهدی الرجائی، الناشر: مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی العامّة، قم المقدسة، ط1، 1410ه.

ص:402

- ع -

172.العبر فی خبر مَن غبر، شمس الدین أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبی، تحقیق: محمد السعید بن بسیونی زغلول، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان.

173.العقد الفرید، ابن عبد ربّه الأندلسی، أحمد بن محمد، الناشر: دار إحیاء التراث العربی - بیروت، ط3، 1420ه.

174.العقد النضید والدر الفرید فی فضائل أمیر المؤمنین وأهل بیت النبی علیهم السلام ، محمّد بن الحسن القمّی، تحقیق: علی أوسط الناطقی، الناشر: دار الحدیث للطباعة والنشر، ط1، 1423ه/1381ش.

175.العقیدة، روایة أبی بکر الخلال، أحمد بن محمد بن حنبل الشیبانی أبو عبد الله، تحقیق: عبد العزیز عز الدین السیروان، الناشر: دار قتیبة، دمشق، ط1، 1408ه.

176.علل الشرائع، محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی الصدوق، تقدیم: السید محمد صادق بحر العلوم، الناشر: منشورات المکتبة الحیدریة، النجف الأشرف، طبعة عام 1385ه.

177.علوم الحدیث (مقدمة ابن الصلاح)، عثمان بن عبد الرحمن، المعروف بابن الصلاح، تعلیق وشرح وتخریج: أبی عبد الرحمن صلاح بن محمّد بن عویضة، دار الکتب العلمیة، بیروت، ط1، 1416ه.

178.العمدة، شمس الدین یحیی بن الحسن الأسدی الحلّی، المعروف بابن البطریق، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرّسین، قم، طبعة عام 1407ه.

179.العواصم والقواصم فی الذب عن سنة أبی القاسم فی تحقیق مواقف الصحابة بعد وفاة النبی (صلّی الله علیه وسلّم)، أبو بکر محمّد بن عبد الله، المعروف بابن العربی، تحقیق: محب الدین الخطیب، ومحمود مهدی الاإستانبولی، الناشر: دار الجیل، بیروت - لبنان، ط2، 1407ه/1987م.

180.عیون أخبار الرضا، محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی الصدوق، تحقیق:

ص:403

حسین الأعلمی، الناشر: مؤسسة الأعلمی، بیروت، طبعة عام 1404ه.

181.عیون الأخبار، أبو محمد عبد الله بن مسلم، المعروف بابن قتیبة الدینوری، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت، نشر عام 1418ه.

- غ -

182.غایة النهایة فی طبقات القراء، شمس الدین محمّد بن محمّد بن علی ابن الجزری، تحقیق: ج. برجستراسر، الناشر:دار الکتب العلمیة، بیروت، ط1، 2006م.

183.غریب الحدیث، أحمد بن محمد بن إبراهیم الخطابی، تحقیق: عبد الکریم إبراهیم العزباوی، الناشر: جامعة أُمّ القری، مکّة المکرمة، طبع سنة 1402ه.

184.غریب الحدیث، إبراهیم بن إسحاق الحربی، تحقیق: د. سلیمان إبراهیم محمد العاید، الناشر: جامعة أم القری - مکة المکرمة، ط1، 1405ه.

185.غنیة الملتمس إیضاح المشتبه، الخطیب البغدادی، أبو بکر أحمد بن علی بن ثابت، تحقیق: د. یحیی بن عبد الله البکری الشهری، مکتبة الرشید، الریاض، ط1، 1422ه.

- ف -

186.الفتاوی الحدیثیة، أحمد بنه محمد بن حجر الهیتمی المکی، الناشر: دار المعرفة، بیروت - لبنان.

187.فتاوی الرملی، شهاب الدین أحمد بن حمزة الأنصاری الرملی الشافعی، جمعها: ابنه شمس الدین محمّد بن أبی العباس أحمد بن حمزة شهاب الدین الرملی، الناشر: المکتبة الإسلامیة.

188.فتاوی اللجنة الدائمة للبحوث العلمیة والإفتاء، المؤلف: اللجنة الدائمة للبحوث العلمیة والإفتاء، جمع وترتیب: أحمد بن عبد الرزاق الدویش، حقوق الطبع محفوظة للرئاسة العامة للبحوث العلمیة والإفتاء.

189.فتح الباری شرح صحیح البخاری، ابن حجر العسقلانی، شهاب الدین أبو

ص:404

الفضل أحمد بن علی، الناشر: دار المعرفة - بیروت، ط2.

190.فتح المغیث شرح ألفیة الحدیث، شمس الدین محمّد بن عبد الرحمن السخاوی، دار الکتب العلمیة، لبنان، ط1، 1403ه.

191.الفرقان بین أولیاء الرحمن وأولیاء الشیطان، ابن تیمیة الحرانی، أحمد بن عبد الحلیم، حققه وخرج أحادیثه: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: مکتبة دار البیان، دمشق، 1405ه/1985م.

192.فضائل الصحابة، أبو عبد الله أحمد بن حنبل، تحقیق: د. وصی الله محمّد عباس، الناشر: مؤسسة الرسالة، بیروت، ط1، 1403ه.

193.فقه الحج (بحوث استدلالیة فی الحج)، الشیخ لطف الله الصافی الگلپایگانی، الناشر: مؤسسة سیدة المعصومة، قم - إیران، ط1، 1423ه/1381ش.

194.الفهرست، أبو الفرج محمد بن أبی یعقوب المعروف بابن الندیم، تحقیق: رضا - تجدد.

195.الفهرست، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی، تحقیق: الشیخ جواد القیومی، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، ط1، 1417ه.

196.الفوائد الرجالیة، السید محمّد مهدی بحر العلوم، الناشر: مکتبة الصادق، طهران - إیران، ط1، 1363ش.

197.الفوائد المنتقاة الحسان الصحاح والغرائب، علی بن الحسن الخلعی، (مخطوط) من برنامج جوامع الکلم.

198.الفوائد، تمام بن محمد الرازی، تحقیق: حمدی عبد المجید السلفی، الناشر: مکتبة الرشد، الریاض، ط1، 1412ه.

199.فیض القدیر شرح الجامع الصغیر، محمد عبد الرؤوف المناوی، تصحیح: أحمد عبد السلام ، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت، ط1، 1415ه.

ص:405

- ق -

200.قاموس الرجال، محمد تقی التستری، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرفة، ط1، 1419ه.

201.القاموس المحیط، محمّد بن یعقوب الفیروزآبادی، الناشر: مؤسسة الرسالة، بیروت.

202.قرب الإسناد، الحمیری القمی، تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم، ط1، 1413ه.

203.قصص الأنبیاء، قطب الدین سعید بن هبة الله الراوندی، تحقیق: المیرزا غلام رضا عرفانیان الیزدی الخراسانی، الناشر: الهادی، قم - إیران، ط1، 1418ه/1376ش.

204.قطف الأزهار المتناثرة فی الأحادیث المتواترة، جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی، تحقیق: خلیل محیی الدین، الناشر: المکتب الإسلامی، بیروت، دمشق، ط1، 1405ه/1985م.

205.قواعد التحدیث من فنون مصطلح الحدیث، محمّد جمال الدین القاسمی، دار الکتب العلمیة، بیروت، ط1، 1399ه.

206.قواعد فی علوم الحدیث، ظفر أحمد العثمانی التهانوی، تحقیق: عبد الفتاح أبو غدّة، مکتب المطبوعات الإسلامیة، الریاض، ط5، 1404ه.

- ک -

207.الکاشف فی معرفة مَن له روایة فی الکتب الستّة، شمس الدین أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبی، تحقیق: محمد عوامة، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامیة - جدّة، ط1، 1413ه.

208.الکافی، أبو جعفر محمد بن یعقوب الکلینی البغدادی، تعلیق: علی أکبر الغفاری، الناشر: دار الکتب الإسلامیة، طهران - إیران، ط5، 1363ش.

209.کامل الزیارات، جعفر بن محمّد بن قولویه القمّی، تحقیق: جواد القیومی، الناشر:

ص:406

مؤسّسة نشر الفقاهة، ط1، 1417ه. وطبعة أخری بتحقیق: بهراد الجعفری، وإشراف: علی أکبر الغفّاری، نشر صدوق، 1375ش.

210.الکامل فی التاریخ، عز الدین أبو الحسن علی بن محمد، المعروف بابن الأثیر الجزری، الناشر: دار صادر ودار بیروت للطباعة والنشر، بیروت - لبنان، طبعة عام 1385ه/1966م.

211.الکامل فی ضعفاء الرجال، عبد الله بن عدی بن عبد الله بن محمّد الجرجانی، قراءة وتدقیق: یحیی مختار غزاوی، دار الفکر، بیروت، ط3، 1409ه.

212.کتاب السنّة (ابن أبی عاصم الضحاک، أبو بکر عمرو الشیبانی) ومعه ظلال الجنة فی تخریج السنّة، محمد ناصر الدین الألبانی، الناشر: المکتب الإسلامی - بیروت، ط3، 1993م.

213.کتاب الضعفاء الکبیر، أبو جعفر محمّد بن عمرو المکی العقیلی، تحقیق: د. عبد المعطی أمین قلعجی، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت، ط2، 1418ه.

214.کتاب الفتوح، أبو محمد أحمد بن محمد، المعروف بابن أعثم الکوفی، تحقیق: علی شیری، الناشر: دار الأضواء - لبنان، ط1، 1411ه.

215.کرامات الأولیاء (کرامات أولیاء الله عزّ وجلّ)، هبة الله بن الحسن اللالکائی الطبری، تحقیق: د. أحمد سعد الحمان، الناشر: دار طیبة، الریاض، ط1، 1412ه.

216.کشف الغمة فی معرفة الأئمّة، أبو الحسن علیّ بن عیسی بن أبی الفتح الإربلی، الناشر: دار الأضواء، بیروت - لبنان، ط2، 1405ه/1985م.

217.کفایة الطالب فی مناقب علی بن أبی طالب علیه السلام ، محمد بن یوسف الکنجی الشافعی، تحقیق وتصحیح وتعلیق: محمد هادی الأمینی، الناشر: دار إحیاء تراث أهل البیت علیهم السلام ، ط3، 1404ه.

218.الکفایة فی علم الروایة، أبو بکر أحمد بن علی بن ثابت، المعروف بالخطیب البغدادی، تحقیق: أحمد عمر هاشم، دار الکتاب العربی، بیروت، ط1، 1405ه.

ص:407

219.کمال الدین وتمام النعمة، محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی الصدوق، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرّسین - قم، طبعة عام 1405ه.

220.کنز العمال فی سنن الأقوال والأفعال، علاء الدین علی بن حسام الدین المتقی الهندی، ضبط وتفسیر: الشیخ بکری حیانی، تصحیح وفهرسة: الشیخ صفوة السقا، الناشر: مؤسسة الرسالة، بیروت، طبعة عام 1409ه.

221.الکواکب النیرات، أبو البرکات محمد بن أحمد بن محمد بن یوسف، المعروف بابن الکیال الشافعی، تحقیق: حمدی عبد المجید السلفی، الناشر: عالم الکتب، مکتبة النهضة العربیة، بیروت - لبنان، ط2، 1407ه/1987م.

- ل -

222.اللآلیء المصنوعة فی الأحادیث الموضوعة، أبو الفضل جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی، تحقیق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمّد بن عویضة، دار الکتب العلمیة، بیروت، ط1، 1417ه.

223.اللباب فی تهذیب الأنساب، عز الدین علی بن محمّد، المعروف بابن الأثیر الجزری، تحقیق: الدکتور إحسان عباس، الناشر: دار صادر، بیروت - لبنان.

224.لسان العرب، أبو الفضل جمال الدین بن مکرم، المعروف بابن منظور، دار صادر، بیروت، ط1.

225.لسان المیزان، أبو الفضل أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه-)، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت، ط2، 1390ه/1971م.

226.اللهوف فی قتلی الطفوف، علی بن موسی، المعروف بابن طاووس، الناشر: أنوار الهدی، قم - إیران، ط1، 1417ه.

227.لوامع الأنوار البهیة وسواطع الأسرار الأثریة لشرح الدرة المضیة فی عقد الفرقة

ص:408

المرضیة، محمد بن أحمد بن سالم السفارینی الحنبلی، الناشر: مؤسسة الخافقین ومکتبتها - دمشق، ط2، 1402ه/1982م.

- م -

228.مثیر الأحزان، نجم الدین جعفر بن محمّد بن نما الحلی، الناشر: المطبعة الحیدریة، النجف الأشرف، سنة الطبع: 1369ه/1950م.

229.مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدین علی بن أبی بکر الهیثمی، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1408ه.

230.مجابو الدعوة، أبو بکر عبد الله بن محمّد، المعروف بابن أبی الدنیا.

231.مجالس ثعلب، أبو العباس أحمد بن یحیی ثعلب.

232.المجروحین، محمّد بن حبّان التمیمی البستی، تحقیق: محمود إبراهیم زاید، الناشر: دار الباز للنشر والتوزیع، مکّة.

233.مجلة تراثنا، نشرة فصلیة تصدرها مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، العدد الثانی، السنة الأُولی، خریف سنة 1406ه، الناشر: مؤسسة آل لإحیاء التراث، قم - إیران.

234.المجموع شرح المهذب، أبو زکریا محیی الدین النووی، الناشر: دار الفکر - بیروت.

235.المحاسن والمساوئ، إبراهیم بن محمّد البیهقی، تحقیق: محمّد أبو الفضل إبراهیم، الناشر: دار المعارف، القاهرة.

236.المحاضرات والمحاورات، جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی، الناشر: دار الغرب الإسلامی، بیروت، ط1، 1424ه.

237.محدّث العصر الإمام الألبانی کما عرفته، عصام موسی هادی، الناشر: دار الصدیق، ط1، 1423ه.

238.المحن، أبو العرب محمّد بن أحمد بن تمیم بن تمام التمیمی، تحقیق: د. عمر سلیمان العقیلی، الناشر: دار العلوم، الریاض - السعودیة، ط1، 1404ه/1984م.

ص:409

239.المختار من مناقب الأخیار، المبارک بن محمد بن عبد الکریم بن الأثیر الجزری، حقّقه وعلّق علیه: مأمون الصاغرجی، عدنان عبد ربه، محمد أدیب الجادر.

240.مختصر الفتاوی المصریة لابن تیمیة، محمد بن علی بن أحمد بن عمر بن یعلی، أبو عبد الله بدر الدین البعلیّ، تحقیق: عبد المجید سلیم - محمد حامد الفقی، الناشر: مطبعة السنة المحمدیة.

241.مدینة معاجز الأئمة الاثنی عشر ودلائل الحجج علی البشر: السید هاشم بن سلیمان البحرانی. تحقیق: الشیخ عزة الله المولائی الهمدانی، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة، ط1، 1413ه.

242.مرآة الزمان فی تواریخ الأعیان، سبط ابن الجوزی، تحقیق: مجموعة من المحققین، الناشر: الرسالة العالمیة، ط1، 1434ه/2013م.

243.مرآة العقول فی شرح أخبار آل الرسول، محمد باقر المجلسی، الناشر: دار الکتب الإسلامیة، طهران - إیران، ط2، 1404ه/1363ش.

244.المستدرک علی الصحیحین، محمّد بن عبد الله الحاکم النیسابوری، وبذیله التلخیص للحافظ الذهبی، إشراف: د. یوسف عبد الرحمن المرعشلی، دار المعرفة، بیروت.

245.مستدرکات علم رجال الحدیث، الشیخ علی النمازی الشاهرودی، الناشر: ابن المؤلف علی نفقة حسینیة عماد زاده، أصفهان، ط1، 1412ه.

246.مسند أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشیبانی، الناشر: دار الحدیث، القاهرة، تعلیق: حمزة أحمد الزین، وأحمد محمد شاکر، ط1، 1995م.

247.مسند أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشیبانی، تحقیق وتعلیق: شعیب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، بیروت، ط1، 1416ه.

248.مسند أحمد بن حنبل، أبو عبد الله، أحمد بن حنبل الشیبانی، الناشر: دار صادر - بیروت.

249.مسند البزار (البحر الزخار)، أبو بکر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، تحقیق: د.

ص:410

محفوظ الرحمن زین الله، مؤسسة علوم القرآن، مکتبة العلوم والحکم - بیروت، المدینة، ط1، 1409ه.

250.مشایخ الثقات، المیرزا غلام رضا عرفانیان، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی، ط1، 1417ه.

251.المصنف فی الأحادیث والآثار، أبو بکر عبد الله بن محمّد بن أبی شیبة الکوفی، تحقیق وتعلیق: سعید اللحام، دار الفکر للطباعة، بیروت، ط1، 1409ه.

252.المطالب العالیة بزوائد المسانید الثمانیة، أبو الفضل أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه-)، تحقیق: د. سعد بن ناصر بن عبد العزیز الشتری، دار العاصمة، دار الغیث، السعودیة، ط1، 1419ه.

253.معارج الوصول إلی فضل آل الرسول، محمد بن یوسف الزرندی، تحقیق: ماجد بن أحمد بن عطیة.

254.معالم العلماء فی فهرست کتب الشیعة وأسماء المصنّفین منهم قدیماً وحدیثاً، ابن شهر آشوب المازندرانی. مطبعة فردین، طهران، 1353ه.

255.معالی السبطین فی أحوال الحسن والحسین علیهما السلام ، الشیخ محمد مهدی الحائری، الناشر: موسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت - لبنان، ط1، 1432ه.

256.معجم الأدباء (إرشاد الأریب إلی معرفة الأدیب)، أبو عبد الله یاقوت بن عبد الله الرومی الحموی البغدادی، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، ط1، 1411 ه/1991م.

257.المعجم الأوسط، أبو القاسم، سلیمان بن أحمد الطبرانی، تحقیق: قسم التحقیق بدار الحرمین، الناشر: دار الحرمین، طبعة عام 1415ه.

258.معجم البلدان، أبو عبد الله، یاقوت بن عبد الله الحموی الرومی البغدادی، الناشر: دار إحیاء التراث العربی، بیروت، طبعة عام 1399ه.

259.المعجم الکبیر، أبو القاسم سلیمان بن أحمد الطبرانی، تحقیق وتخریج: حمدی عبد

ص:411

المجید السلفی، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، ط2.

260.المعجم الوسیط، مجموعة من المؤلفین، تحقیق: مجمع اللغة العربیة، الناشر: دار الدعوة.

261.معجم رجال الحدیث، أبو القاسم بن علی أکبر الموسوی الخوئی، ط5، 1413ه.

262.المعجم فی أسامی شیوخ أبی بکر الإسماعیلی، أحمد بن إبراهیم الإسماعیلی، تحقیق: د. زیاد محمّد منصور، مکتبة العلوم والحکم، المدینة المنورة، ط1، 1410ه.

263.معرفة الثقات، أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلی، مکتبة الدار، المدینة المنورة، ط1، 1405ه.

264.معرفة الصحابة، أبو نعیم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهانی، تحقیق: عادل بن یوسف العزازی، الناشر: دار الوطن للنشر، الریاض، ط1، 1419ه/1998م.

265.المعرفة والتاریخ، یعقوب بن سفیان الفسوی، تحقیق: خلیل المنصور، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت، 1419ه/1999م.

266.مغنی المحتاج إلی معرفة معانی ألفاظ المنهاج، شمس الدین محمّد بن الخطیب الشربینی، الناشر: دار إحیاء التراث العربی، بیروت، طبع سنة 1377ه/1958م.

267.مفتاح الفلاح فی عمل الیوم واللیلة من الواجبات والمستحبات والآداب، بهاء الدین محمد بن الحسین بن عبد الصمد البهائی الحارثی الهمدانی، الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت - لبنان.

268.مقاتل الطالبیین، أبو الفرج الأصفهانی، علی بن الحسین، تحقیق: السید أحمد صقر، الناشر: دار المعرفة، بیروت.

269.مقتل الحسین علیه السلام ، الموفق بن أحمد الخوارزمی، تحقیق: محمد السماوی، انتشارات أنوار الهدی، ط5، 1431ه/2010م.

270.مقتل الحسین علیه السلام ، لوط بن یحیی، المعروف بأبی مخنف، تعلیق: حسن الغفاری،

ص:412

المطبعة العلمیة، قم.

271.مقتل الحسین علیه السلام ، لوط بن یحیی، المعروف بأبی مخنف، منشورات الشریف الرضی، قم - إیران، ط2.

272.مقدمة ابن أبی العینین علی کتاب الضعفاء الصغیر للبخاری (المطبوعة فی أول الکتاب)، أحمد بن إبراهیم ابن أبی العینین، الناشر: مکتبة ابن عبّاس، ط1، 1426ه.

273.مقدمة علی کتاب المسح علی الجوربین للقاسمی، أحمد محمّد شاکر، مطبوعة فی أول الکتاب، تحقیق: محمّد ناصر الدین الإسلامی، المکتب الإسلامی، بیروت، ط3، 1399ه.

274.مقدمة فتح الباری (هدی الساری مقدمة فتح الباری شرح صحیح البخاری)، أبو الفضل أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه-)، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، ط1، 1408ه.

275.الملاحم والفتن، علی بن موسی بن جعفر، المعروف بابن طاووس، الناشر: مؤسسة صاحب الأمر، تحقیق: مؤسسة صاحب الأمر عجل الله تعالی فرجه الشریف، ط1، 1416ه.

276.مَن تکلّم فیه وهو موثوق أو صالح الحدیث، شمس الدین محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبی، تحقیق: عبد الله بن ضیف الله الرحیلی، ط1، 1426ه/2005م.

277.مَن لا یحضره الفقیه، محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی الصدوق، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرفة، ط2.

278.مناقب آل أبی طالب، مشیر الدین محمد بن علی، المعروف بابن شهر آشوب المازندرانی، تصحیح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، الناشر: المطبعة الحیدریة، النجف الأشرف، طبعة عام 1376ه.

279.مناقب الإمام أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، محمّد بن سلیمان الکوفی، تحقیق:

ص:413

محمّد باقر المحمودی، الناشر: مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة،قم المقدّسة، ط1، 1412ه. وکذلک: ط2، 1423ه.

280.مناقب علی بن أبی طالب وما نزل من القرآن فی علیّ، أبو بکر أحمد بن موسی ابن مردویه الأصفهانی، جمعه ورتّبه وقدم له: عبد الرزاق محمد حسین حرز الدین، الناشر: دار الحدیث، قم - إیران، ط2، 1424ه/1382ش.

281.مناقب علی بن أبی طالب، علی بن محمّد الواسطی المعروف بابن المغازلی، الناشر: انتشارات سبط النبی صلی الله علیه و آله ، ط1، 1426ه/1384ش.

282.المنامات، أبو بکر عبد الله بن محمد بن عبید المعروف بابن أبی الدنیا، تحقیق: عبد القادر أحمد عطا، الناشر: مؤسسة الکتب الثقافیة، بیروت، ط1، 1413ه.

283.المنتخب للطریحی فی جمع المراثی والخطب المشتهر ب- الفخری، الشیخ فخر الدین الطریحی النجفی، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت - لبنان، ط1، 1424ه.

284.المنتخب من کتاب ذیل المذیل من تاریخ الصحابة والتابعین، أبو جعفر محمد بن جریر الطبری، الناشر: مؤسسة الأعلمی، بیروت - لبنان، طبع سنة: 1358ه/ 1939م.

285.المنتظم فی تاریخ الملوک والأُمم، أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن محمد المعروف بابن الجوزی، الناشر: دار صادر، بیروت، ط1، 1358ه.

286.منتهی المقال فی أحوال الرجال، أبو علی محمد بن اسماعیل الحائری المازندرانی، تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم - إیران، ط1، 1416ه.

287.منهاج السنة النبویّة فی نقض کلام الشیعة القدریة، أبو العباس أحمد بن عبد الحلیم المشهور بابن تیمیة، تحقیق: د. محمد رشاد سالم، الناشر: مؤسسة قرطبة، بیروت، ط1، 1406ه.

288.المنهل الروی فی مختصر علوم الحدیث النبویّ ابن جماعة، محمّد بن إبراهیم، تحقیق:

ص:414

د. محیی الدین عبد الرحمن رمضان، الناشر: دار الفکر، دمشق، ط2، 1406ه.

289.المواقف، عبد الرحمن بن أحمد الأیجی، تحقیق: عبد الرحمن عمیرة، الناشر: دار الجیل، بیروت - لبنان، ط1، 1417ه/1997م.

290.الموسوعة الفقهیة الکویتیة، صادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الدینیة، الکویت، ط2، طبع الوزارة، 1408ه.

291.موقع الآلوکة الإلکترونی من علی الرابط التالی:

http://www.alukah.net/audio_books/11/15866.

292.میزان الاعتدال فی نقد الرجال، شمس الدین أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبی، تحقیق: علی محمد البجاوی، الناشر: دار المعرفة، بیروت، ط1، 1963م.

- ن -

293.النبوات، أحمد بن عبد الحلیم بن تیمیة الحرانی، الناشر: المطبعة السلفیة - القاهرة، 1386ه.

294.النجوم الزاهرة فی ملوک مصر والقاهرة، یوسف بن تغری الأتابکی، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومی، المؤسسة المصریة العامّة للتألیف والترجمة والطباعة والنشر.

295.نزهة النظر فی توضیح نخبة الفکر فی مصطلح أهل الأثر، أبو الفضل أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (ت852ه-)، تحقیق: نور الدین عتر، مطبعة الصباح، دمشق، ط3، 1421ه.

296.نظم درر السمطین فی فضائل المصطفی والمرتضی والبتول والسبطین، جمال الدین محمد بن یوسف الزرندی الحنفی، ط1، 1377ه/1958م.

297.نقد الرجال، السید مصطفی بن الحسین التفریشی، تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم - إیران، ط1، 1418ه.

298.النکت البدیعات علی الموضوعات، أبو الفضل جلال الدین عبد الرحمن بن أبی

ص:415

بکر السیوطی، تحقیق: د. عبد الله شعبان، دار مکة المکرمة، ط1، 1425ه.

299.النکت علی مقدمة ابن الصلاح، أبو عبد الله محمّد بن بهادر بن عبد الله الزرکشی، تحقیق: د. زین العابدین بن محمّد بلا فریج، أضواء السلف، الریاض، ط1، 1419ه.

300.النکت والعیون (تفسیر الماوردی)، أبو الحسن علی بن محمد بن حبیب الماوردی، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان.

301.نهایة الإرب فی فنون الأدب، شهاب الدین أحمد بن عبد الوهاب النویری، تحقیق: مفید قمحیة وجماعة، الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت ط1، 1424ه.

302.نوادر المعجزات، محمد بن جریر الطبری (الشیعی)، تحقیق: مؤسسة الإمام المهدی، الناشر: مؤسسة الإمام المهدی، قم - إیران، ط1، 1410ه.

303.نیل الأوطار من أحادیث سید الأخیار شرح منتقی الأخبار، محمّد بن علی بن محمّد الشوکانی، دار الجیل، بیروت، طبعة عام 1973م.

- ه- -

304.الهدایة والإرشاد فی معرفة أهل الثقة والسداد (رجال صحیح البخاری)، أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسین بن الحسن البخاری الکلاباذی، تحقیق: عبد الله اللیثی، الناشر: دار المعرفة، بیروت، ط1، 1407ه.

305.الهواتف، أبو بکر عبد الله بن محمّد بن عبید ابن أبی الدنیا القرشی البغدادی، تحقیق: مصطفی عبد القادر عطا، الناشر: مؤسّسة الکتب الثقافیة، بیروت - لبنان، ط1، 1413ه.

- و -

306.الوافی بالوفیات، صلاح الدین خلیل بن أیبک الصفدی، تحقیق: أحمد الأرناؤوط وترکی مصطفی، الناشر: دار إحیاء التراث، بیروت، طبعة عام 1420ه.

307.وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس شمس الدین أحمد بن محمد بن أبی

ص:416

بکر المعروف بابن خلکان، تحقیق: إحسان عباس، الناشر: دار الثقافة، بیروت.

308.وقائع عصر الأنغلو ساکسون، کتاب یتحدث عن التاریخ البریطانی، منشور من علی الموقع الالکترونی:

http://www.britannia.com/history/docs/676-99.html.

309.وقعة صفین، نصر بن مزاحم المنقری، الناشر: المؤسسة العربیة الحدیثة - القاهرة، ط2، 1382ه- ش.

- ی -

310.ینابیع المودّة لذوی القربی، سلیمان بن إبراهیم القندوزی الحنفی، تحقیق: سید علی جمال أشرف الحسینی، الناشر: دار الأُسوة، ط1، 1416ه.

ص:417

المحتویات

مقدّمة المؤسّسة7

مقدّمة المؤلف13

مبحث تمهیدی21

حول معنی الکرامات21

وتحقّقها للأحیاء والأموات عند أهل السنّة21

أولاً: معنی الکرامات23

الأدلّة علی جواز الکرامات31

الأول: ما ورد فی القرآن الکریم32

الثانی: ما نقلوه علی لسان النبیّ صلی الله علیه و آله من وقوع کرامات33

الثالث: ما وقع للصحابة والتابعین وغیرهم من الکرامات37

ثانیاً: فی شمولها للإحیاء والأموات41

نماذج من الکرامات التی جرت للأموات عند أهل السنّة50

ص:418

الحسین علیه السلام أحد أولیاء الله عند الفریقین51

الفصل الاول 55

حادثة مطر السماء دماً لقتل الحسین علیه السلام 55

المبحث الأوّل57

تخریج ودراسة الأخبار الدالّة علی الحادثة من مصادر الشیعة57

أوّلاً: الرواة الذین نقلوا الخبر57

ثانیاً: تخریج الأخبار ودراستها سندیّاً58

الطائفة الأُولی: الأخبار المعتبرة من الجهة السندیة58

الخبر الأوّل: خبر الریّان بن شبیب58

رجال السند58

ص:419

خلاصة الحکم علی السند61

الخبر الثانی: خبر المفضّل بن عمر61

رجال السند62

خلاصة الحکم علی السند63

الخبر الثالث: خبر عمرو بن ثبیت عن أبیه63

رجال السند64

خلاصة الحکم علی السند66

الطائفة الثانیة: الأخبار التی لم یثبت اعتبارها، لکنّها تُؤیِّد وقوع الحادثة66

1 - خبر الزهری66

رجال السند66

خلاصة الحکم علی السند74

2 - خبر محمد بن سلمة عمّن حدّثه74

رجال السند74

خلاصة الحکم علی السند75

3 - خبر میثم التمار75

رجال السند77

خلاصة الحکم علی السند79

4 - خبر السیّدة زینب علیها السلام 79

رجال السند80

خلاصة الحکم علی السند83

5 - خبر عمّار بن أبی عمّار83

ص:420

رجال السند83

خلاصة الحکم علی السند85

6 - خبر رجل من أهل بیت المقدس85

رجال السند86

خلاصة الحکم علی السند86

المبحث الثانی87

تخریج ودراسة الأخبار الدالة علی الحادثة من مصادر أهل السنّة87

أوّلاً: الرواة الذین نقلوا الخبر87

ثانیاً: تخریج الأخبار ودراستها سندیاً وفق مبانی أهل السنّة88

الطائفة الأُولی: الأخبار المعتبرة سندیّاً88

الخبر الأوّل: خبر سلیم القاص88

رجال السند89

الجواب92

خلاصة الحکم علی هذا السند94

الخبر الثانی: خبر نضرة الأزدیة94

رجال السند96

خلاصة الحکم علی السند98

الخبر الثالث: خبر خلیفة بن صاعد98

رجال السند99

ص:421

خلاصة الحکم علی السند102

الطائفة الثانیة: الأخبار التی لم یثبت اعتبارها لکنّها تؤیِّد وقوع الحادثة102

1 - خبر أُمّ سالم102

رجال السند103

خلاصة الحکم علی السند104

2 - خبر إبراهیم النخعی105

رجال السند105

خلاصة الحکم علی السند107

3 - خبر قرط بن عبد الله108

رجال السند108

خلاصة الحکم علی السند110

4 - خبر هلال بن ذکوان110

رجال السند111

خلاصة الحکم علی السند115

5 - خبر السیّدة زینب علیها السلام 115

رجال السند117

دراسة السند الأوّل117

خلاصة الحکم علی هذا السند118

دراسة السند الثانی118

خلاصة الحکم علی هذا السند119

6 - خبر أُمّ سلمة119

ص:422

7 - خبر ابن عباس120

8 - خبر أحد الرهبان120

9 - مرسلة سبط ابن الجوزی عن الشعبی121

روایات أُخری فی مطر السماء دماً121

المبحث الثالث123

إثبات أو نفی نزول المطر بعد مقتل الحسین علیه السلام 123

الطریق الأوّل: الدراسة السَنَدیة123

أوّلاً: الأخبار المعتبرة عند الشیعة124

ثانیاً: الأخبار المعتبرة عند أهل السنّة124

الطریق الثانی لإثبات الحادثة: تعدّد الطرق124

الطریق الثالث لإثبات الحادثة: إجماع الفریقین علی نقلها125

الطریق الرابع: المؤیّدات التاریخیة لحصول تلک الحادثة126

المبحث الرابع129

تأمّلات مختصرة فی دلالة الأخبار129

الفصل الثانی 137

ص:423

الأخبار الدالّة علی137

ظهور الدم تحت الأحجار137

المبحث الأوّل139

تخریج ودراسة الأخبار الدالّة علی الحادثة من مصادر الشیعة139

أوّلاً: الرواة الذین نقلوا الخبر139

ثانیاً: تخریج الأخبار ودراستها سندیّاً وفق مبانی علماء الشیعة139

1 - خبر الزهری139

دراسة سندیة لخبر الزهری140

2 - خبر رجل من أهل بیت المقدس140

دراسة سَنَدیة لهذا الخبر141

ص:424

3 - خبر أبی بصیر عن الإمام الباقر علیه السلام 141

طریق آخر لخبر أبی بصیر142

دراسة سندیة لخبر أبی بصیر143

دراسة فی سند هذا الخبر143

خلاصة الحکم علی السند144

خلاصة الحکم علی الطریق الثانی145

خلاصة الحکم علی خبر أبی بصیر145

4 - خبر فاطمة بنت علی علیه السلام 146

دراسة طریق فاطمة بنت علی علیه السلام 146

خلاصة الحکم علی السند147

5 - مرسلة عن الصادق علیه السلام 147

6 - مرسلة ابن شهر آشوب عن أبی مخنف149

المبحث الثانی151

تخریج ودراسة الأخبار الدالة علی الحادثة من مصادر أهل السنّة151

أوّلاً: الرواة الذین نقلوا الخبر151

ثانیاً: تخریج الأخبار ودراستها سندیّاً وفق مبانی أهل السنّة151

تخریج الحدیث من مصادر أهل السنّة151

1 - خبر الزهری151

الطریق الأوّل: ابن جریج عن الزهری151

ص:425

الطریق الثانی: محمد بن عبد الله بن سعید العاص عن الزهری153

الطریق الثالث: أبو بکر الهذلی عن الزهری153

الطریق الرابع: مَعْمَر عن الزهری154

الطریق الخامس: رجل من آل سعید عن الزهری156

الطریق السادس: البصری بن یحیی157

الطریق السابع: عمرو بن قیس وعقیل عن الزهری157

دراسة سندیة لخبر الزهری158

خلاصة ونتائج حول روایة الزهری164

2 - روایة أُمّ حبّان أو (حیّان)166

دراسة سندیة لخبر أُمّ حبّان (حیّان)167

خلاصة الحکم علی خبر أُمّ حیّان169

3 - خبر خلّاد عن أُمّه170

دراسة سندیة لخبر خلّاد عن أُمّه170

خلاصة الحکم علی السند171

4 - خبر ابن عباس171

5 - خبر محمد بن عمر بن علی171

دراسة سندیة للخبر172

خلاصة الحکم علی السند174

6 - خبر یزید بن أبی زیاد175

7 - خبر سعید بن المسیّب176

دراسة سندیة لخبر سعید بن المسیّب176

ص:426

المبحث الثالث177

إثبات أو نفی ظهور الدم تحت الأحجار177

المبحث الرابع181

تأمّلات فی دلالة الحدیث181

الفصل الثالث 187

بکاء السماوات والأرض علی الحسین علیه السلام 187

المبحث الأوّل189

تخریج ودراسة الأخبار الدالة علی الحادثة من مصادر الشیعة189

أوّلاً: الرواة الذین نقلوا الخبر189

ص:427

ثانیاً: تخریج الأخبار ودراستها سندیّاً190

الأوّل: تخریج الروایات مع الحکم علیها سندیّاً191

1 - خبر إبراهیم النخعی191

2 - خبر أبی بصیر192

3 - خبر عبد الله بن هلال192

4 - خبر رجل عن أمیر المؤمنین194

5 - خبر محمد بن علی الحلبی194

6 - خبر داوُد بن فرقد195

7 - خبر عبد الخالق بن عبد ربّه196

8 - خبر جابر الجعفی197

9 - خبر کلیب بن معاویة الأسدی198

10- خبر عمرو بن ثبیت عن أبیه199

11 - خبر حنان بن سدیر199

12 - خبر الحسن بن زیاد201

13 - خبر کثیر بن شهاب الحارثی201

14 - خبر أبی سلمة203

15 - خبر میثم التمّار203

16 - خبر الفضیل الهمدانی عن أبیه204

17 - خبر إسحاق الأحمر205

18 - خبر إسماعیل بن کثیر205

19 - خبر الحسین بن ثویر206

ص:428

20- خبر یونس بن ظبیان206

21 - خبر أبی سلمة السراج206

22 - خبر المفضّل بن عمر206

23 - خبر زرارة209

24 - روایة أبی حمزة الثمالی210

مفاد الروایات المتقدّمة211

دراسة نماذج من الروایات التی تمثّل المعانی المتقدّمة214

أوّلاً: ما یتعلّق بأصل قضیة البکاء214

أ- نماذج من الروایات المقتصرة علی بکاء السماء214

1 - خبر کلیب بن معاویة الأسدی214

2 - خبر جابر الجعفی216

3 - خبر داوُد بن فرقد217

4 - خبر عبد الخالق218

ب - دراسة نماذج من الروایات ذکرت بکاء السماء والأرض219

1 - خبر أبی بصیر219

2 - خبر حنان بن سدیر220

3 - خبر الحسین بن ثویر222

ثانیاً: ما دلّ علی البکاء مطلقاً من دون لحاظ جهات أُخری222

1 - خبر حنان بن سدیر223

2 - خبر الحسین بن ثور223

ص:429

ثالثاً: إنّ السماء والأرض لم تبکِ إلّا علی الحسین، ویحیی بن زکریا225

1 - روایة أبی بصیر226

2 - روایة محمد بن علی الحلبی226

رابعاً: إنّ معنی البکاء هو حمرة السماء227

1 - خبر داوُد بن فرقد228

2 - خبر عبد الخالق بن عبد ربّه228

خامساً: إنّ مدّة البکاء کانت أربعین یوماً، أو أربعین صباحاً230

1 - خبر جابر الجعفی230

2 - خبر عبد الخالق بن عبد ربّه231

سادساً: إنّ السماء بکت سنة علی الحسین علیه السلام 231

سابعاً: إنّ السماء بکت أربعین یوماً بالدم والأرض بالسواد231

النتائج التی نخلص إلیها من خلال الروایات المعتبرة233

المبحث الثانی235

تخریج ودراسة الأخبار الدالّة علی الحادثة من مصادر أهل السنّة235

أوّلاً: الرواة الذین نقلوا الخبر235

ثانیاً: تخریج الأخبار ودراستها سندیّاً235

1 - خبر إبراهیم النخعی235

ص:430

رجال السند236

خلاصة الحکم علی السند237

2 - خبر یزید بن أبی زیاد238

رجال السند238

خلاصة الحکم علی السند240

3 - خبر قرّة بن خالد240

رجال السند241

خلاصة الحکم علی السند244

4 - خبر السدی244

رجال السند245

خلاصة الحکم علی السند248

5 - خبر ابن سیرین248

رجال السند249

خلاصة الحکم علی السند251

6 - خبر الأصبغ بن نباتة عن أمیر المؤمنین علی علیه السلام 251

رجال السند252

خلاصة الحکم علی السند255

7 - خبر الربیع بن خثیم256

رجال السند256

خلاصة الحکم علی السند257

8 - خبر عمّار بن یاسر257

ص:431

خلاصة الحکم علی الأخبار المتقدّمة257

المبحث الثالث259

إثبات أو نفی بکاء السماء والأرض259

المبحث الرابع261

تأمّلات مختصرة فی دلالة الأخبار261

أوّلا: بیان الأقوال فی تفسیر آیة: (فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاء...) ().261

ثانیاً: معنی وحقیقة البکاء فی الآیة264

ثالثاً: التحقیق فی معنی بکاء السماء والأرض علی الحسین علیه السلام حسب لسان الروایات268

رابعاً: هل بکت السماء علی غیر الحسین علیه السلام 270

حلّ التعارض271

المبحث الخامس273

ظهور الحمرة فی السماء273

المطلب الأوّل: تخریج ودراسة الروایات الواردة من طرق الشیعة273

1 - خبر أبی بصیر274

2 - خبر عبد الخالق بن عبد ربّه274

3 - خبر داوُد بن فرقد274

4 - خبر عبد الله بن هلال275

ص:432

5 - خبر الحسن بن زیاد275

6 - خبر میثم التمار276

7 - خبر فاطمة بنت علی علیه السلام 276

8 - خبر جدّة علی بن مسهر277

9 - خبر رجل من أهل بیت المقدس277

10- خبر سعد الإسکاف277

11 - خبر أبی معمر278

12 - خبر امرأة کعب278

خلاصة الحکم علی أسانید روایات حمرة السماء عند الشیعة279

المطلب الثانی: تخریج ودراسة الروایات الواردة من طرق أهل السنّة280

أوّلاً: الأخبار التی نصّت علی حمرة السماء ولم تقرنها بالبکاء280

1 - خبر محمد بن سیرین280

الطریق الأوّل: هشام بن حسّان عنه280

تنویه283

الطریق الثانی: یوسف بن عبدة عنه283

الطریق الثالث: عبد الله بن عون عن محمد بن سیرین284

خلاصة الحکم علی خبر محمد بن سیرین287

2 - خبر ابن عباس287

رجال السند288

خلاصة الحکم علی السند288

3 - خبر الأسود بن قیس288

ص:433

رجال السند289

خلاصة الحکم علی السند289

4 - خبر خلّاد عن أُمّه290

5 - خبر أُمّ حکیم290

6 - خبر جمیل بن زید292

رجال السند292

خلاصة الحکم علی السند293

7 - خبر عیسی بن الحرث الکندی293

رجال السند293

خلاصة الحکم علی السند294

8 - خبر یزید بن أبی زیاد294

9 - خبر إبراهیم النخعی295

10- خبر أبی حیّان التیمی296

11 - خبر الحسن بن الحسن بن علی296

12 - خبر حصین بن عبد الرحمن297

13 - خبر هلال بن ذکوان297

ثانیاً: إشارة موجزة إلی الأخبار التی فسّرت البکاء بحمرة السماء297

1 - خبر إبراهیم النخعی297

2 - یزید بن أبی زیاد298

3 - خبر قرّة بن خالد298

4 - خبر السدی299

ص:434

خلاصة الحکم علی أسانید روایات حمرة السماء عند أهل السنّة299

خلاصة الحکم علی حادثة ظهور الحمرة فی السماء299

تأمّلات فی المراد من الحمرة300

الفصل الرابع 303

فی بیان حوادث کونیة متفرّقة303

جرت بعد مقتل الحسین علیه السلام 303

ص:435

أوّلاً: رؤیة الحیطان وکأنّها ملطخة بالدم305

أ- خبر أبی الحصین (حصین)305

رجال السند305

خلاصة الحکم علی السند306

2 - خبر هلال بن ذکوان307

رجال السند307

خلاصة الحکم علی السند307

خلاصة الحکم علی هذه الحادثة307

الارتباط بین الحادثة وبین حمرة السماء308

ثانیاً: انکسفت الشمس واظلمت السماء حتی بدت الکواکب309

أ- الروایات عند أهل السنّة309

1 - خبر أبی قبیل309

رجال السند310

خلاصة الحکم علی السند314

تنویه فی اختلاف لفظ الحدیث314

2 - خبر خلیفة بن صاعد314

3 - خبر أُمّ حیّان315

4 - خبر ابن عباس315

خلاصة الحکم السندی فی هذا الخبر317

5 - خبر یزید بن أبی زیاد318

6 - خبر مرسل عن الشعبی319

ص:436

ب - الروایات الواردة عند الشیعة319

1 - روایة أبی مخنف319

2 - روایة رجل من أهل بیت المقدس319

خلاصة حکم هذه الحادثة320

معنی انکساف الشمس321

ثالثاً: حیطان دار الإمارة تسایل دماً327

رجال السند327

خلاصة الحکم السندی علی هذا الخبر328

رابعاً: الورس صار رماداً329

1 - خبر جدّة سفیان بن عیینة329

رجال السند330

خلاصة الحکم علی السند333

2 - خبر أبی حفصة السلولی333

رجال السند334

خلاصة الحکم علی السند335

3 - خبر یزید بن أبی زیاد335

خلاصة الحکم علی حادثة تحوّل الورس رماداً336

دلالات هذه الحادثة337

خامساً: طبخوا الإبل فصارت مثل العلقم339

رجال السند340

ص:437

خلاصة الحکم علی السند340

تنویه340

سادساً: تحوّل التربة إلی دم عبیط345

أوّلاً: الروایات من طرق الشیعة345

1 - روایة أنس بن مالک346

رجال السند346

خلاصة الحکم علی السند349

2 - روایة أبی الجارود عن الباقر علیه السلام 349

خلاصة الحکم السندی علی هذه الروایة350

3 - روایة عبد الله بن عباس، عن أُمّ سلمة، والباقر علیه السلام ، عن عمر بن أبی سلمة، عن أُمّه أُمّ سلمة350

رجال السند351

خلاصة الحکم علی السند352

4 - روایة أُخری مرسلة عن الباقر علیه السلام 353

5 - روایة المفید عن أُمّ سلمة355

6 - روایة الطبری الشیعی عن أُمّ سلمة356

تأمّلات فی روایة التربة من طرق الشیعة357

الروایات عند أهل السنّة361

1 - روایة أبی وائل عن أُمّ سلمة361

رجال السند362

خلاصة الحکم علی السند364

ص:438

2 - روایة عمر بن أبی سلمة عن أُمّ سلمة364

رجال السند365

خلاصة الحکم علی السند367

3 - روایة عبد المطلب بن حنتب عن أُمّ سلمة367

رجال السند368

خلاصة الحکم علی السند373

4 - روایة شرحبیل373

5 - مرسلة عن سلمی المدنیة عن أُمّ سلمة373

خلاصة الحکم علی روایات أُمّ سلمة عند أهل السنّة375

خلاصة الحکم علی حادثة تحوّل التربة إلی دم375

شبهة: الحدیث ضعیف؛ لأنّ أُمّ سلمة توفّیت قبل مقتل الحسین علیه السلام 376

الجواب376

شبهة: روایات تحوّل التربة إلی دم تتنافی مع مطر السماء دماً378

روایة ابن عباس فی تحوّل بعر الظباء دماً وتنافیها مع روایة أُم سلمة379

مصادر البحث383

المحتویات417

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.