سرشناسه : مرکز تحقیقات رایانه ای قائمیه اصفهان،1398
عنوان و نام پدیدآور : دروس حوزه پایه اول تا دهم/ واحد تحقیقات مرکز تحقیقات رایانه ای قائمیه اصفهان
مشخصات نشر : اصفهان : مرکز تحقیقات رایانه ای قائمیه اصفهان 1398.
مشخصات ظاهری : نرم افزار تلفن همراه و رایانه
موضوع : حوزه و دانشگاه.
موضوع : حوزه های علمیه-- ایران.
موضوع : دانشگاه ها و مدارس عالی-- ایران.
شناسه افزوده : مرکز تحقیقات رایانه ای قائمیه اصفهان
توضیح : مجوعه حاضر،متن کتب متداول حوزه از پایه اول تا دهم می باشد.
ص: 1
[شماره صفحه واقعی : 205]
ص: 1
[شماره صفحه واقعی : 206]
ص: 2
صوت
[*حیدری فسایی]
الظاهر : أنّ النهی بمادّته وصیغته فی الدلالة علی الطلب ، مثلُ الأمر بمادّته وصیغته ، غیر أنّ متعلّق الطلب فی أحدهما الوجود ، وفی الآخر العدم ، فیعتبر فیه ما استظهرنا اعتبارَه فیه ، بلا تفاوتٍ أصلاً .
نعم ، یختصّ النهی بخلافٍ ، وهو : أنّ متعلّق الطلب فیه هل هو الکفّ ، أو مجرّدُ الترک وأن لا یفعل ؟ والظاهر هو الثانی .
وتوهُّمُ : أنّ الترک ومجرّد أن « لا یفعل » خارجٌ عن تحت الاختیار ، فلا یصحّ أن یتعلّق به البعث والطلب .
فاسدٌ ؛
[*حیدری فسایی]
فإنّ الترک أیضاً یکون مقدوراً ، وإلّا لَما کان الفعل مقدوراً وصادراً بالإرادة والاختیار .
وکون العدم الأزلیّ لا بالاختیار ، لا یوجب أن یکون کذلک بحسب البقاء والاستمرار الّذی یکون بحسبه محلّاً للتکلیف .
ثمّ إنّه لا دلالة لصیغته علی الدوام والتکرار ، کما لا دلالة لصیغة الأمر ، وإن کان قضیّتهما عقلاً یختلف (1) ولو مع وحدة متعلّقهما ، بأن یکون طبیعةٌ
[شماره صفحه واقعی : 207]
ص: 3
واحدة بذاتها وقیدها تعلَّقَ بها الأمر مرّةً ، والنهی أُخری؛ ضرورة أنّ وجودها یکون بوجود فردٍ واحدٍ ، وعدَمَها لا یکاد یکون إلّابعدم الجمیع ، کما لا یخفی .
ومن ذلک یظهر : أنّ الدوام والاستمرار إنّما یکون فی النهی إذا کان متعلّقهُ طبیعةً مطلقة غیرَ مقیّدةٍ بزمان أو حال ، فإنّه حینئذٍ لا یکاد یکون مثلُ هذه الطبیعة معدومةً إلّابعدم جمیع أفرادها الدفعیّة والتدریجیّة .
وبالجملة: قضیّة النهی لیس إلّاترک تلک الطبیعة الّتی تکون متعلّقةً له ، - کانت مقیّدةً أو مطلقة - ، وقضیّة ترکها عقلاً إنّما هو ترک جمیع أفرادها .
صوت
[*حیدری فسایی]
ثمّ إنّه لا دلالة للنهی علی إرادة الترک لو خولف ، أو عدمِ إرادته ، بل لابدّ فی تعیین ذلک من دلالةٍ ، ولو کان إطلاق المتعلّق من هذه الجهة ، ولا یکفی إطلاقها من سائر الجهات ، فتدبّر جیّداً .
[شماره صفحه واقعی : 208]
ص: 4
اختلفوا فی جواز اجتماع الأمر والنهی فی واحد و امتناعِهِ علی أقوال ، ثالثها : جوازه عقلاً وامتناعه عرفاً .
وقبل الخوض فی المقصود یقدّم أُمور :
الأوّل : المراد بالواحد مطلقُ ما کان ذا وجهین ، ومندرجاً تحت عنوانین، بأحدهما کان مورداً للأمر ، وبالآخر للنهی ، وإن کان کلّیّاً مقولاً علی کثیرین ، کالصلاة فی المغصوب (1) .
وإنّما ذُکر (2) لإخراج ما إذا تعدّد متعلّق الأمر والنهی ، ولم یجتمعا وجوداً - ولو جمعهما واحدٌ مفهوماً ، کالسجود للّٰه- تعالی - ، والسجود للصنم مثلاً - ، لا لإخراج الواحد الجنسیّ أو النوعیّ (3) ، کالحرکة والسکون الکلّیَّین المعنونَین بالصلاتیّة والغصبیّة .
[شماره صفحه واقعی : 209]
ص: 5
الفرق بین هذه المسألة ومسألة النهی فی العبادة
[*حیدری فسایی]
الثانی : الفرق بین هذه المسألة ومسألة النهی فی العبادة هو : أنّ الجهة المبحوث عنها فیها - الّتی بها تمتاز المسائل - هی أنّ تعدُّد الوجه والعنوانِ فی الواحد یوجب تعدّد متعلّق الأمر والنهی - بحیث یرتفع به غائلةُ استحالة الاجتماع فی الواحد بوجهٍ واحد - أو لا یوجبه ، بل یکون حاله حالَه ؟
فالنزاع فی سرایة کلٍّ من الأمر والنهی إلی متعلّق الآخر - لاتّحاد متعلّقیهما وجوداً - ، وعدمِ سرایته - لتعدّدهما وجهاً - . وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها فی المسألة الاُخری؛ فإنّ البحث فیها عن أنّ النهی فی العبادة (1) یوجب فسادها ، بعد الفراغ عن التوجّه إلیها .
نعم ، لو قیل بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی مسألة الاجتماع ، یکون مثل الصلاة فی الدار المغصوبة من صغریات تلک المسألة .
فانقدح : أنّ الفرق بین المسألتین فی غایة الوضوح .
وأمّا ما أفاده فی الفصول من الفرق بما هذه عبارته :
[*حیدری فسایی]
«ثمّ اعلم : أنّ الفرق بین المقام والمقام المتقدّم - وهو أنّ الأمر والنهی هل یجتمعان فی شیءٍ واحد أو لا ؟ - أمّا فی المعاملات فظاهر ، وأمّا فی العبادات فهو أنّ النزاع هناک فی ما إذا تعلَّق الأمرُ والنهی بطبیعتین متغایرتین بحسب الحقیقة ، وإن کان بینهما عموم مطلق ، وهنا فی ما إذا اتّحدتا حقیقةً وتغایرتا بمجرّد الإطلاق والتقیید ، بأن تعلّق الأمر بالمطلق والنهی بالمقیّد» (2) ، انته موضع الحاجة .
[شماره صفحه واقعی : 210]
ص: 6
فاسدٌ (1)؛ فإنّ مجرّد تعدّد الموضوعات وتغایرِها بحسب الذوات ، لا یوجب التمایزَ بین المسائل ما لم یکن هناک اختلافُ الجهات ، ومعه لا حاجة أصلاً إلی تعدّدها ، بل لابدّ من عقد مسألتین مع وحدة الموضوع وتعدّد الجهة المبحوث عنها ، وعَقْدِ مسألة واحدة فی صورة العکس ، کما لا یخفی .
ومن هنا انقدح أیضاً : فساد الفرق بأنّ النزاع هنا فی جواز الاجتماع عقلاً ، وهناک فی دلالة النهی لفظاً.
[*حیدری فسایی]
فإنّ مجرّد ذلک - لو (2) لم یکن تعدّد الجهة فی البین - لا یوجب إلّاتفصیلاً فی المسألة الواحدة ، لا عقْدَ مسألتین ، هذا .
مع عدم اختصاص النزاع فی تلک المسألة بدلالة اللفظ ، کما سیظهر .
الثالث : أنّه حیث کانت نتیجة هذه المسألة ممّا تقع فی طریق الاستنباط ، کانت المسألة من المسائل الاُصولیّة، لا من مبادئها الأحکامیّة (3)، ولا التصدیقیّة، ولا من المسائل الکلامیّة (4) ، ولا من المسائل الفرعیّة ، وإن کانت فیها جهاتها ، کما لا یخفی؛ ضرورة أنّ مجرّد ذلک لا یوجب کونَها منها ، إذا کانت فیها جهةٌ أُخری یمکن عقدها معها من المسائل؛ إذ لا مجال حینئذٍ لتوهّم عقدها من
[شماره صفحه واقعی : 211]
ص: 7
غیرها فی الأُصول ، وإن عقدت کلامیّةً فی الکلام (1) ، وصحّ عقدها فرعیّةً أو غیرَها بلا کلام .
[*حیدری فسایی]
وقد عرفت فی أوّل الکتاب (2): أنّه لا ضیر فی کون مسألة واحدة یبحث فیها عن جهة خاصّة من مسائل علمین؛ لانطباق جهتین عامّتین علی تلک الجهة : کانت بإحداهما من مسائل علمٍ ، وبالاُخری من آخر . فتذکّر .
مسألة الاجتماع عقلیّة لا لفظیّة
الرابع : إنّه قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه: أنّ المسألة عقلیّة ، ولا اختصاص للنزاع فی جواز الاجتماع والامتناع فیها بما إذا کان الإیجاب والتحریم باللفظ ، کما ربّما یوهمه التعبیر ب « الأمر والنهی » الظاهرَین فی الطلب بالقول ، إلّاأنّه لکون الدلالة علیهما غالباً بهما ، کما هو أوضح من أن یخفی .
وذهاب البعض (3) إلی الجواز عقلاً والامتناع عرفاً ، لیس بمعنی دلالة اللفظ ، بل بدعوی أنّ الواحد بالنظر الدقیق العقلیّ اثنان (4) ، وأنّه بالنظر المسامحیّ العرفیّ واحد ذو وجهین ، وإلّا فلا یکون معنیً محصّلاً للامتناع العرفیّ .
[*حیدری فسایی]
غایة الأمر دعوی دلالة اللفظ علی عدم الوقوع ، بعد اختیار جواز الاجتماع ، فتدبّر جیّداً .
شمول النزاع لجمیع أقسام الأمر والنهی
الخامس : لا یخفی أنّ ملاک النزاع فی جواز الاجتماع والامتناع یعمّ جمیعَ أقسام الإیجاب والتحریم ، کما هو قضیّة إطلاق لفظ الأمر والنهی .
[شماره صفحه واقعی : 212]
ص: 8
ودعوی الانصراف إلی النفسیّین التعیینیّین العینیّین فی مادّتهما ، غیرُ خالیةٍ عن الاعتساف ، وإن سُلّم فی صیغتهما ، مع أنّه فیها ممنوع .
نعم ، لا یبعدُ دعوی الظهور والإنسباق من الإطلاق ، بمقدّمات الحکمة غیر الجاریة فی المقام؛ لما عرفت من عموم الملاک لجمیع الأقسام ، وکذا ما وقع فی البین من النقض والإبرام .
[*حیدری فسایی]
مثلاً : إذا أمر بالصلاة والصوم تخییراً بینهما ، وکذلک نهی عن التصرّف فی الدار ، والمجالسة مع الأغیار ، فصلّی فیها مع مجالستهم ، کان حالُ الصلاة فیها حالَها کما إذا أمر بها تعییناً ، ونهی عن التصرّف فیها کذلک ، فی جریان النزاع فی الجواز والامتناع ، ومجیءِ أدلّة الطرفین ، وما وقع من النقض والإبرام فی البین ، فتفطّن .
الکلام فی اعتبار قید المندوحة
السادس : أنّه ربما یؤخذ فی محلّ النزاع قید «المندوحة» فی مقام الامتثال (1) . بل ربما قیل (2) بأنّ الإطلاق إنّما هو للإتّکال علی الوضوح؛ إذ بدونها یلزم التکلیف بالمحال .
ولکنّ التحقیق - مع ذلک - : عدمُ اعتبارها فی ما هو المهمّ فی محلّ النزاع من : لزوم المحال ، - وهو اجتماع الحکمین المتضادّین ، وعدمِ الجدوی فی کون موردهما موجَّهاً بوجهین فی دفع (3) غائلة اجتماع الضدّین - ، أو عدمِ لزومه ، وأنّ تعدّد الوجه (4) یجدی فی دفعها (5) . ولا یتفاوت فی ذلک أصلاً
[شماره صفحه واقعی : 213]
ص: 9
وجودُ المندوحة وعدمُها . ولزوم التکلیف بالمحال بدونها محذورٌ آخرُ ، لا دخلَ له بهذا النزاع .
[*حیدری فسایی]
نعم ، لابدّ من اعتبارها فی الحکم بالجواز فعلاً ، لمن یری التکلیف بالمحال محذوراً ومحالاً ، کما ربما لابدّ من اعتبار أمر آخر فی الحکم به کذلک أیضاً .
وبالجملة: لا وجه لاعتبارها إلّالأجل اعتبار القدرة علی الامتثال ، وعدمِ لزوم التکلیف بالمحال ، ولا دخل له بما هو المحذور فی المقام من التکلیف المحال . فافهم واغتنم .
توهّمان فی مبنی النزاع والمناقشة فیهما
السابع : انّه ربما یتوهّم:
تارةً: أنّ النزاع فی الجواز والامتناع یبتنی علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع . وأمّا الامتناع علی القول بتعلّقها بالأفراد فلا یکاد یخفی؛ ضرورة لزوم تعلّق الحکمین بواحدٍ شخصیّ - ولو کان ذا وجهین - علی هذا القول .
وأُخری : أنّ القول بالجواز مبنیٌّ علی القول بالطبائع؛ لتعدُّدِ متعلّق الأمر والنهی ذاتاً علیه ، وإن اتّحد (1) وجوداً ، والقولَ بالامتناع علی القول بالأفراد؛ لاتّحاد متعلّقهما شخصاً خارجاً ، وکونِه فرداً واحداً .
[*حیدری فسایی]
وأنت خبیر بفساد کلا التوهّمین؛ فإنّ تعدُّدَ الوجه إن کان یُجدی - بحیث لا یضرّ معه الاتّحادُ بحسب الوجود والإیجاد - ، لکان یُجدی ولو علی القول بالأفراد؛ فإنّ الموجود الخارجیّ الموجَّه بوجهین یکون فرداً لکلّ من الطبیعتین ، فیکون مجمعاً لفردین موجودین بوجودٍ واحد . فکما لا یضرّ وحدة الوجود بتعدّد الطبیعتین ، لا یضرّ (2) بکون المجمع اثنین بما هو مصداقٌ وفردٌ
[شماره صفحه واقعی : 214]
ص: 10
لکلٍّ من الطبیعتین ، وإلّا لما کان یُجدی أصلاً حتّی علی القول بالطبائع ، کما لا یخفی؛ لوحدة الطبیعتین وجوداً واتّحادهما خارجاً .
فکما أنّ وحدة الصلاتیّة والغصبیّة فی الصلاة فی الدار المغصوبة وجوداً ، غیرُ ضائر بتعدّدهما وکونِهما طبیعتین ، کذلک وحدة ما وقع فی الخارج من خصوصیّات الصلاة فیها وجوداً ، غیرُ ضائرٍ بکونه فرداً للصلاة ، فیکون مأموراً به ، وفرداً للغصب ، فیکون منهیّاً عنه ، فهو - علی وحدته وجوداً - یکون اثنین؛ لکونه مصداقاً للطبیعتین . فلا تغفل .
صوت
[*حیدری فسایی]
الثامن : أنّه لا یکاد یکون من باب الاجتماع ، إلّاإذا کان فی کلّ واحد من متعلّقی الإیجاب والتحریم مناطُ حکمه مطلقاً ، حتّی فی مورد التّصادق والاجتماع ، کی یحکم علی الجواز بکونه فعلاً محکوماً بالحکمین ، وعلی الامتناع بکونه محکوماً بأقوی المناطین ، أو بحکمٍ آخر غیر الحکمین فی ما لم یکن هناک أحدهما أقوی ، کما یأتی تفصیله (1) .
وأمّا إذا لم یکن للمتعلّقین مناطٌ کذلک ، فلا یکون (2) من هذا الباب ، ولا یکون مورد الاجتماع محکوماً إلّابحکم واحدٍ منهما إذا کان له مناطه ، أو حکمٍ آخر غیرهما فی ما لم یکن لواحدٍ منهما ، قیل بالجواز أو الامتناع .
هذا بحسب مقام الثبوت .
وأمّا بحسب مقام الدلالة والإثبات: فالروایتان الدالّتان علی الحکمین متعارضتان ، إذا أُحرز أنّ المناط من قبیل الثانی ، فلابدّ من عمل المعارضة
[شماره صفحه واقعی : 215]
ص: 11
حینئذٍ بینهما من الترجیح أو التخییر (1) ، وإلّا فلا تعارض فی البین ، بل کان من باب التزاحم بین المقتضیین . فربما کان الترجیح مع ما هو أضعف دلیلاً ؛ لکونه أقوی مناطاً ، فلا مجال حینئذٍ لملاحظة مرجّحات الروایات أصلاً ، بل لابدّ من مرجّحات المقتضیات المتزاحمات ، کما تأتی الإشارة إلیها (2) .
نعم ، لو کان کلّ منهما متکفّلاً للحکم (3) الفعلیّ لَوقع بینهما التعارض ، فلابدّ من ملاحظة مرجّحات باب المعارضة ، لو لم یوفّق بینهما بحمل أحدهما علی الحکم الاقتضائیّ بملاحظة مرجّحات باب المزاحمة ، فتفطّن .
صوت
[*حیدری فسایی]
التاسع (4) : إنّه قد عرفت : أنّ المعتبر فی هذا الباب أن یکون کلّ واحد من الطبیعة المأمور بها والمنهیّ عنها مشتملةً علی مناط الحکم مطلقاً ، حتّی فی حال الاجتماع .
فلو کان هناک ما دلّ علی ذلک من إجماع أو غیره فلا إشکال .
ولو لم یکن إلّاإطلاق دلیلی الحکمین ففیه تفصیل ، وهو:
أنّ الإطلاق لو کان فی بیان الحکم الاقتضائیّ لکان دلیلاً علی ثبوت المقتضی والمناط فی مورد الاجتماع ، فیکون من هذا الباب .
ولو کان بصدد الحکم الفعلیّ فلا إشکال فی استکشاف ثبوت المقتضی فی الحکمین علی القول بالجواز ، إلّاإذا علم إجمالاً بکذب أحد الدلیلین ، فیعامل معهما معاملة المتعارضین .
[شماره صفحه واقعی : 216]
ص: 12
وأمّا علی القول بالامتناع فالإطلاقان متنافیان ، من غیر دلالة علی ثبوت المقتضی للحکمین فی مورد الاجتماع أصلاً؛ فإنّ انتفاء أحد المتنافیین کما یمکن أن یکون لأجل المانع مع ثبوت المقتضی له ، یمکن أن یکون لأجل انتفائه .
[*حیدری فسایی]
إلّاأن یقال: إنّ قضیّة التوفیق بینهما (1) هو : حمل کلٍّ منهما علی الحکم الاقتضائیّ لو لم یکن أحدهما أظهر ، وإلّا فخصوص الظاهر منهما .
فتلخّص: أنّه کلّما کانت هناک دلالة علی ثبوت المقتضی فی الحکمین ، کان من مسألة الاجتماع ، وکلّما لم تکن هناک دلالة علیه ، فهو من باب التعارض مطلقاً ، إذا کانت هناک دلالة علی انتفائه فی أحدهما بلا تعیین ولو علی الجواز ، وإلّا فعلی الامتناع .
العاشر (2) : أنّه لا إشکال فی سقوط الأمر وحصول الامتثال بإتیان المجمع بداعی الأمر علی الجواز مطلقاً ، - ولو فی العبادات - ، وإن کان معصیةً للنهی أیضاً .
وکذا الحال علی الامتناع مع ترجیح جانب الأمر ، إلّاأنّه لا معصیة علیه .
وأمّا علیه وترجیح جانب النهی: فیسقط به الأمر به مطلقاً فی غیر العبادات؛ لحصول الغرض الموجب له .
وأمّا فیها فلا ، مع الالتفات إلی الحرمة ، أو بدونه تقصیراً؛ فإنّه وإن کان متمکّناً - مع عدم الالتفات - من قصد القربة ، وقد قَصَدها ، إلّاأنّه مع التقصیر
[شماره صفحه واقعی : 217]
ص: 13
لا یصلح لأن یتقرّب به أصلاً ، فلا یقع مقرِّباً ، وبدونه لا یکاد یحصل به الغرض الموجب للأمر به عبادةً ، کما لا یخفی .
[*حیدری فسایی]
وأمّا إذا لم یلتفت إلیها قصوراً ، وقد قصد القربة بإتیانه ، فالأمر یسقط ؛ لقصد التقرّب بما یصلح لأنْ (1) یتقرّب به؛ لاشتماله علی المصلحة ، مع صدوره حَسَناً؛ لأجل الجهل بحرمته قصوراً ، فیحصل به الغرض من الأمر ، فیسقط به (2) قطعاً وإن لم یکن امتثالاً له ، بناءً علی تبعیّة الأحکام لما هو الأقوی من جهات المصالح والمفاسد واقعاً ، لا لِما هو المؤثّر منها (3) فعلاً للحسن (4) أو القبح؛ لکونهما تابعین لما علم منهما ، کما حُقّق فی محلّه .
مع أنّه یمکن أن یقال بحصول الامتثال مع ذلک؛ فإنّ العقل لا یری تفاوتاً بینه وبین سائر الأفراد فی الوفاء بغرض الطبیعة المأمور بها ، وإن لم تعمّه بما هی مأمور بها ، لکنّه لوجود المانع ، لا لعدم المقتضی .
ومن هنا انقدح : أنّه یجزئ ولو قیل باعتبار قصد الامتثال فی صحّة العبادة ، وعدمِ کفایة الإتیان بمجرّد المحبوبیّة ،
[*حیدری فسایی]
کما یکون کذلک فی ضدّ الواجب ، حیث لا یکون هناک أمرٌ یُقصد أصلاً .
وبالجملة: مع الجهل - قصوراً - بالحرمة موضوعاً أو حکماً ، یکون الإتیان بالمجمع امتثالاً، وبداعی الأمر بالطبیعة لا محالة. غایة الأمر أنّه لا یکون ممّا تَسَعه (5) بما هی مأمورٌ بها ، لو قیل بتزاحم الجهات فی مقام تأثیرها للأحکام الواقعیّة .
[شماره صفحه واقعی : 218]
ص: 14
وأمّا لو قیل بعدم التزاحم إلّافی مقام فعلیّة الأحکام ، لکان ممّا تَسَعه ، وامتثالاً لأمرها بلا کلام .
وقد انقدح بذلک : الفرقُ بین ما إذا کان دلیلا الحرمة والوجوب متعارضین ، وقُدِّم دلیلُ الحرمة تخییراً أو ترجیحاً ، حیث لا یکون معه مجالٌ للصحّة أصلاً ، وبین ما إذا کانا من باب الاجتماع ، وقیل بالامتناع ، وتقدیمِ جانب الحرمة ، حیث یقع صحیحاً فی غیر موردٍ من موارد الجهل والنسیان ؛ لموافقته للغرض بل للأمر .
ومن هنا عُلم: أنّ الثواب علیه من قبیل الثواب علی الإطاعة ، لا الانقیاد ومجرّدِ اعتقاد الموافقة .
وقد ظهر بما ذکرناه : وجهُ حکم الأصحاب بصحّة الصلاة فی الدار المغصوبة مع النسیان أو الجهل بالموضوع ، بل أو الحکم ، إذا کان عن قصور ، مع أنّ الجلّ - لولا الکلّ - قائلون بالامتناع وتقدیم الحرمة ، ویحکمون بالبطلان فی غیر موارد العذر . فلتکن من ذلک علی ذُکر .
صوت
[*حیدری فسایی]
إذا عرفت هذه الأُمور فالحقّ هو : القول بالامتناع ، کما ذهب إلیه المشهور . وتحقیقه - علی وجهٍ یتّضح به فساد ما قیل أو یمکن أن یقال ، من وجوه الاستدلال لسائر الأقوال - یتوقّف علی :
تمهید مقدّمات :
إحداها : أنّه لا ریب فی أنّ الأحکام الخمسة متضادّة فی مقام فعلیّتها ، وبلوغِها إلی مرتبة البعث والزجر؛ ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامّة بین البعث نحوَ واحدٍ فی زمانٍ ، والزجرِ عنه فی ذاک الزمان ، وإن لم یکن بینها
[شماره صفحه واقعی : 219]
ص: 15
مضادّة ما لم تبلغ إلی تلک المرتبة؛ لعدم المنافاة والمعاندة بین وجوداتها الإنشائیّة قبل البلوغ إلیها ، کما لایخفی .
فاستحالة اجتماع الأمر والنهی فی واحد لا تکون من باب التکلیف بالمحال ، بل من جهة أنّه بنفسه محال ، فلا یجوز عند من یجوّز التکلیف بغیر المقدور أیضاً .
ثانیتها : أنّه لا شبهة فی أنّ متعلّق الأحکام هو فعل المکلّف ، وما هو فی الخارج یصدر عنه ، وما هو فاعله وجاعله (1) ، لا ما هو اسمه - وهو واضح - ، ولا ما هو عنوانه ممّا قد انتُزع عنه - بحیث لولا انتزاعه تصوّراً واختراعه ذهناً ، لَما کان بحذائه شیءٌ خارجاً - ویکون خارج المحمول (2) ، کالملکیّة والزوجیّة والرقیّة والحرّیّة والغصبیّة ... إلی غیر ذلک من الاعتبارات والإضافات؛
[*حیدری فسایی]
ضرورة أنّ البعث لیس نحوَه ، والزجرَ لا یکون عنه ، وإنّما یؤخذ فی متعلّق الأحکام آلةً للحاظ متعلّقاتها ، والإشارةِ إلیها بمقدار الغرض منها والحاجةِ إلیها ، لا بما هو هو وبنفسه ، وعلی استقلاله وحیاله .
ثالثتها : انّه لا یوجب تعدُّدُ الوجه والعنوان تعدُّدَ المعنون ، ولا ینثلم به وحدتُه؛ فإنّ المفاهیم المتعدّدة والعناوین الکثیرة ربما تنطبق علی الواحد ، وتصدق علی الفارد الّذی لا کثرة فیه من جهةٍ ، بل بسیطٌ من جمیع الجهات ، لیس فیه « حیثٌ » غیر « حیثٍ » ، وجهةٌ مغایرة لجهةٍ أصلاً ، کالواجب - تبارک وتعالی - ، فهو علی بساطته و وحدته وأحدیّته ، تصدق علیه مفاهیم الصفات
[شماره صفحه واقعی : 220]
ص: 16
الجلالیّة والجمالیّة ، له الأسماء الحسنی والأمثال العلیا ، لکنّها بأجمعها حاکیة عن ذاک (1) الواحد الفرد الأحد . عباراتنا شتّی وحُسنک واحدٌ وکلٌّ إلی ذاک الجمال یشیر
صوت
[*حیدری فسایی]
رابعتها : انّه لا یکاد یکون للموجود بوجودٍ واحد ، إلّاماهیّةً واحدة وحقیقةً فاردة ، لا یقع فی جواب السؤال عن حقیقته بما هو إلّاتلک الماهیّة ، فالمفهومان المتصادقان علی ذاک لا یکاد یکون کلٌّ منهما ماهیّةً وحقیقة ، وکانت (2) عینَه فی الخارج ، کما هو شأن الطبیعیّ وفرده ، فیکون الواحد وجوداً ، واحداً ماهیّةً وذاتاً لا محالة ، فالمجمع وإن تصادق علیه متعلّقا الأمر والنهی ، إلّاأنّه کما یکون واحداً وجوداً ، یکون واحداً ماهیّةً وذاتاً ، ولا یتفاوت فیه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهیّة .
ومنه ظهر : عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع فی المسألة علی القولین فی تلک المسألة ، کما توهّم فی الفصول (3) .
کما ظهر : عدم الابتناء علی تعدّد وجود الجنس والفصل فی الخارج ، وعدمِ تعدّده (4) ؛ ضرورةَ عدم کون العنوانین المتصادقین علیه من قبیل الجنس
[شماره صفحه واقعی : 221]
ص: 17
والفصل له ،
[*حیدری فسایی]
وأنّ (1) مثل الحرکة فی دار - من أیّ مقولة کانت - لا تکاد تختلف (2) حقیقتها وماهیّتها وتتخلّف (3) ذاتیّاتها ، وقعت جزءً للصلاة ، أو لا ، کانت تلک الدار مغصوبةً ، أو لا (4)* .
إذا عرفت ما مهّدناه عرفت:
أنّ المجمع حیث کان واحداً وجوداً وذاتاً ، کان تعلّق الأمر والنهی به محالاً ولو کان تعلّقهما به بعنوانین؛ لما عرفت من کون فعل المکلّف - بحقیقته وواقعیّته الصادرة عنه - متعلّقاً للأحکام ، لا بعناوینه الطارئة علیه .
إنّ الطبائع من حیث هی هی وإن کانت لیست إلّاهی ، ولا تتعلّق بها الأحکام الشرعیّة - کالآثار العادیّة والعقلیّة - ، إلّاأنّها مقیّدةً بالوجود - بحیث کان القید خارجاً والتقیّد داخلاً - صالحةٌ لتعلُّقِ الأحکام بها .
ومتعلّقا الأمر والنهی علی هذا لا یکونان متّحدین أصلاً ، لا فی مقام تعلّق البعث والزجر ، ولا فی مقام عصیان النهی وإطاعة الأمر بإتیان المجمع بسوء الاختیار :
أمّا فی المقام الأوّل: فلتعدّدهما بما هما متعلّقان لهما ، وإن کانا متّحدین فی ما هو خارج عنهما بما هما کذلک .
وأمّا فی المقام الثانی: فلسقوط أحدهما بالإطاعة ، والآخر بالعصیان بمجرّد الإتیان ، ففی أیّ مقام اجتمع الحکمان فی واحد ؟
[*حیدری فسایی]
وأنت خبیر: بأنّه لا یکاد یُجدی بعد ما عرفت من أنّ تعدّد العنوان لا یوجب تعدّد المعنون ، لا وجوداً ولا ماهیّةً ، ولا تنثلم به وحدتُه أصلاً ، وأنّ المتعلّق للأحکام هو المعنونات لا العنوانات ، وأنّها إنّما تؤخذ فی المتعلّقات بما هی حاکیات - کالعبارات - ، لا بما هی علی حیالها واستقلالها .
وضوح فساده ، وأنّ الفرد هو عین الطبیعیّ فی الخارج ، کیف ؟ والمقدّمیّة تقتضی الإثنینیّة بحسب الوجود ، ولا تعدُّدَ کما هو واضح - أنّه إنّما یُجدی لو لم یکن المجمع واحداً ماهیّةً ، وقد عرفت - بما لا مزید علیه - أنّه بحسبها أیضاً واحد .
صوت
[*حیدری فسایی]
ثمّ إنّه قد استدلّ علی الجواز (1) بأُمور :
منها: أنّه لو لم یجز اجتماع الأمر والنهی لما وقع نظیرُه ، وقد وقع ، کما فی العبادات المکروهة ، کالصلاة فی مواضع التُّهمة وفی الحمّام ، والصیام فی السفر وفی بعض الأیّام .
بیان الملازمة: أنّه لو لم یکن تعدّد الجهة مجدیاً فی إمکان اجتماعهما ، لما جاز اجتماع حکمین آخرین فی موردٍ مع تعدّدها؛ لعدم اختصاصهما من بین الأحکام بما یوجب الامتناع من التضادّ؛ بداهةَ تضادّها بأسرها ، والتالی باطلٌ؛ لوقوع اجتماع الکراهة والإیجاب أو الاستحباب فی مثل الصلاة فی الحمّام ، والصیام فی السفر وفی عاشوراء - ولو فی الحضر - ، واجتماعِ الوجوب أو الاستحباب مع الإباحة أو الاستحباب فی مثل الصلاة فی المسجد أو الدار (2) .
والجواب عنه:
أمّا إجمالاً: فبأنّه لابدّ من التصرّف والتأویل فی ما وقع فی الشریعة ممّا ظاهره الاجتماع ، بعدَ قیام الدلیل علی الامتناع؛ ضرورةَ أنّ الظهور
[شماره صفحه واقعی : 224]
ص: 20
لا یصادم البرهان .
مع أنّ قضیّة ظهور تلک الموارد : اجتماعُ الحکمین فیها بعنوانٍ واحد ، ولا یقول الخصم بجوازه کذلک ، بل بالامتناع ما لم یکن بعنوانین وبوجهین .
فهو أیضاً لابدّ له من التفصّی عن إشکال الاجتماع فیها ، لا سیّما إذا لم یکن هناک مندوحة ، کما فی العبادات المکروهة الّتی لا بدل لها ، فلا یبقی له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فیها علی جوازه أصلاً ، کما لا یخفی .
وأمّا تفصیلاً: فقد اجیب عنه بوجوه ، یوجب ذکرها - بما فیها من النقض والإبرام - طولَ الکلام بما لا یسعه المقام .
فالأولی : الاقتصار علی ما هو التحقیق فی حَسْم مادّة الإشکال ، فیقال - وعلی اللّٰه الاتّکال - :
إنّ العبادات المکروهة علی ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تعلّق به النهی بعنوانه وذاته ، ولا بدل له ، کصوم یوم عاشوراء ، والنوافل المبتدأة فی بعض الأوقات .
ثانیها: ما تعلّقَ به النهی کذلک ، ویکون له البدل ، کالنهی عن الصلاة فی الحمّام .
ثالثها: ما تعلّق النهی به لا بذاته ، بل بما هو مجامع معه وجوداً ، أو ملازمٌ له خارجاً ، کالصلاة فی مواضع التُّهمة ، بناءً علی کون النهی عنها لأجل اتّحادها مع الکون فی مواضعها .
صوت
[*حیدری فسایی]
أمّا القسم الأوّل: فالنهی تنزیهاً عنه - بعد الإجماع علی أنّه یقع صحیحاً (1)،
[شماره صفحه واقعی : 225]
ص: 21
ومع ذلک یکون ترکه أرجح ، کما یظهر من مداومة الأئمّة علیهم السلام علی الترک (1) - :
إمّا لأجل انطباق عنوانٍ ذی مصلحةٍ (2) علی الترک ، فیکون الترک - کالفعل - ذا مصلحةٍ موافقةٍ للغرض ، وإن کان مصلحة الترک أکثر ، فهما حینئذٍ یکونان من قبیل المستحبّین المتزاحمین ، فیحکم بالتخییر بینهما لو لم یکن أهمّ فی البین ، وإلّا فیتعیّن الأهمّ ، وإن کان الآخر یقع صحیحاً ؛ حیث إنّه کان راجحاً وموافقاً للغرض ، کما هو الحال فی سائر المستحبّات المتزاحمات ، بل الواجبات .
وأرجحیّة الترک من الفعل لا توجب حزازة ومنقصة فیه أصلاً (3)* ، کما یوجبها ما إذا کان فیه مفسدةً غالبةً علی مصلحته ، ولذا لا یقع صحیحاً علی
[شماره صفحه واقعی : 226]
ص: 22
الامتناع؛ فإنّ الحزازة والمنقصة فیه مانعة عن صلاحیّة التقرّب به ، بخلاف المقام ، فإنّه علی ما هو علیه من الرجحان وموافقةِ الغرض - کما إذا لم یکن ترکه راجحاً - بلا حدوثِ حزازةٍ فیه أصلاً .
وإمّا لأجل ملازمة الترک لعنوانٍ کذلک من دون انطباقه علیه ، فیکون کما إذا انطبق علیه من غیر تفاوت ،
[*حیدری فسایی]
إلّافی أنّ الطلب المتعلّق به حینئذٍ لیس بحقیقیٍّ ، بل بالعرَض والمجاز ، فإنّما یکون فی الحقیقة متعلّقاً بما یلازمه من العنوان . بخلاف صورة الانطباق ؛ لتعلّقه به حقیقةً ، کما فی سائر المکروهات من غیر فرق ، إلّاأنّ منشأه فیها حزازةٌ ومنقصة فی نفس الفعل ، وفیه رجحان فی الترک ، من دون حزازة فی الفعل أصلاً ، غایة الأمر کون الترک أرجح .
نعم ، یمکن أن یحمل النهی - فی کلا القسمین - علی الإرشاد إلی الترک الّذی هو أرجح من الفعل ، أو ملازمٌ لما هو الأرجح وأکثر ثواباً لذلک ، وعلیه یکون النهی علی نحو الحقیقة ، لا بالعرض والمجاز ، فلا تغفل .
وأمّا القسم الثانی: فالنهی فیه یمکن أن یکون لأجل ما ذُکر فی القسم الأوّل طابق النعل بالنعل .
کما یمکن أن یکون بسبب حصول منقصة فی الطبیعة المأمور بها ، لأجل تشخُّصها فی هذا القسم بمشخِّص غیرِ ملائم لها ، کما فی الصلاة فی الحمّام؛ فإنّ تشخّصها بتشخّص وقوعها فیه لا یناسب کونَها معراجاً ، وإن لم یکن نفسُ الکون فی الحمّام بمکروهٍ ، ولا حزازة فیه أصلاً ، بل کان راجحاً کما لا یخفی .
وربما یحصل لها - لأجل تخصّصها بخصوصیّة شدیدة الملائمة معها - مزیّةٌ فیها ، کما فی الصلاة فی المسجد والأمکنة الشریفة؛ وذلک لأنّ الطبیعة المأمور
[شماره صفحه واقعی : 227]
ص: 23
بها فی حدّ نفسها - إذا کانت (1) مع تشخُّصٍ لا تکون له شدّةُ الملائمة ، ولا عدم الملائمة - لها مقدارٌ من المصلحة والمزیّة ، کالصلاة فی الدار - مثلاً - ، وتزداد تلک المزیّة فی ما کان تشخّصها بما لَه شدّة الملائمة ، وتنقص فی ما إذا لم تکن له ملائمة . ولذلک ینقص ثوابها تارةً ، ویزید أُخری .
[*حیدری فسایی]
ویکون النهی فیه - لحدوث نقصانٍ فی مزیّتها فیه - إرشاداً إلی ما لا نقصان فیه من سائر الأفراد ، ویکون أکثر ثواباً منه .
ولْیکن هذا (2) مراد من قال: إنّ الکراهة فی العبادة بمعنی أنّها تکون أقلّ ثواباً .
ولا یردّ علیه : بلزوم اتّصاف العبادة الّتی تکون أقلّ ثواباً من الاُخری بالکراهة (3) ، ولزومِ اتّصاف ما لا مزیّة فیه ولا منقصة بالاستحباب؛ لأنّه أکثر ثواباً ممّا فیه المنقصة .
لما عرفت من أنّ المراد من کونه أقلَّ ثواباً ، إنّما هو بقیاسه إلی نفس الطبیعة المتشخّصة ، بما لا یحدث معه مزیّة لها ولا منقصة من المشخّصات ، وکذا کونه أکثرَ ثواباً .
ولا یخفی: أنّ النهی فی هذا القسم لا یصحّ إلّاللإرشاد ، بخلاف القسم الأوّل ، فإنّه یکون فیه مولویّاً ، وإن کان حمله علی الإرشاد بمکانٍ من الإمکان .
[شماره صفحه واقعی : 228]
ص: 24
وأمّا القسم الثالث: فیمکن أن یکون النهی فیه عن العبادة - المتّحدة مع ذاک العنوان ، أو الملازمةِ له - بالعرض والمجاز ، وکان المنهیّ عنه به حقیقةً ذاک العنوان .
ویمکن أن یکون - علی الحقیقة - إرشاداً إلی غیرها من سائر الأفراد ، ممّا لا یکون متّحداً معه أو ملازماً له؛ إذ المفروض : التمکّن من استیفاء مزیّة العبادة بلا ابتلاءٍ بحزازةِ ذاک العنوان أصلاً .
[*حیدری فسایی]
هذا علی القول بجواز الاجتماع .
وأمّا علی الامتناع : فکذلک فی صورة الملازمة . وأمّا فی صورة الاتّحاد وترجیح جانب الأمر - کما هو المفروض ، حیث إنّه صحّة العبادة - فیکون حال النهی فیه حاله فی القسم الثانی ، فیحمل علی ما حُمِل علیه فیه ، طابق النعل بالنعل ، حیث إنّه بالدقّة یرجع إلیه؛ إذ علی الامتناع لیس الاتّحاد مع العنوان الآخر إلّامن مخصِّصاته ومشخِّصاته ، الّتی تختلف الطبیعة المأمور بها فی المزیّة - زیادةً ونقیصةً - بحسب اختلافها فی الملائمة ، کما عرفت .
وقد انقدح بما ذکرناه: أنّه لا مجال أصلاً لتفسیر الکراهة فی العبادة بأقلّیّة الثواب فی القسم الأوّل مطلقاً ، وفی هذا القسم علی القول بالجواز .
کما انقدح حالُ اجتماع الوجوب والاستحباب فیها ،
[*حیدری فسایی]
وأنّ الأمر الاستحبابیّ یکون علی نحو الإرشاد إلی أفضل الأفراد مطلقاً علی نحو الحقیقة ، و مولویّاً اقتضائیّاً کذلک ، وفعلیّاً بالعرض والمجاز فی ما کان ملاکه ملازمتها لما هو مستحبّ ، أو متّحد معه (1) علی القول بالجواز .
[شماره صفحه واقعی : 229]
ص: 25
ولا یخفی: أنّه لایکاد یأتی القسم الأوّل هاهنا (1)؛ فإنّ انطباق عنوان راجح علی الفعل الواجب الّذی لا بدل له إنّما یؤکّد إیجابه ، لا أنّه یوجب استحبابه أصلاً ، ولو بالعرض والمجاز ،
[*حیدری فسایی]
إلّاعلی القول بالجواز . وکذا فی ما إذا لازَمَ مثلَ هذا العنوان ، فإنّه لو لم یؤکّد الإیجاب لما یصحَّح (2) الاستحباب إلّااقتضائیّاً بالعرض والمجاز . فتفطّن .
ومنها: أنّ أهل العرف یعدّون من أتی بالمأمور به فی ضمن الفرد المحرّم ، مطیعاً وعاصیاً من وجهین ، فإذا أمر المولی عبده بخیاطة ثوب ، ونهاه عن الکون فی مکان خاصّ - کما مثّل به الحاجبیّ والعضدیّ (3) - فلو خاطه فی ذاک المکان ، عُدَّ مطیعاً لأمر الخیاطة ، وعاصیاً للنهی عن الکون فی ذلک المکان (4) .
وفیه: - مضافاً إلی المناقشة فی المثال بأنّه لیس من باب الاجتماع؛ ضرورةَ أنّ الکون المنهیّ عنه غیرُ متّحد مع الخیاطة وجوداً أصلاً ، کما لا یخفی - المنعُ إلّا عن صدق أحدهما: إمّا الإطاعة بمعنی الامتثال فی ما غلب جانب الأمر ، أو العصیان فی ما غلب جانب النهی؛ لما عرفت من البرهان علی الامتناع .
[شماره صفحه واقعی : 230]
ص: 26
نعم ، لا بأس بصدق الإطاعة - بمعنی حصول الغرض - والعصیانِ فی التوصّلیّات . وأمّا فی العبادات فلا یکاد یحصل الغرض منها إلّافی ما صدر من المکلّف فعلاً غیر محرّم وغیر مبغوض علیه ، کما تقدّم (1) .
صوت
[*حیدری فسایی]
بقی الکلام فی حال التفصیل من بعض الأعلام ، والقول بالجواز عقلاً ، والامتناع عرفاً (2) .
وفیه: أنّه لا سبیل للعرف فی الحکم بالجواز أو الامتناع إلّاطریق العقل ، فلا معنی لهذا التفصیل إلّاما أشرنا إلیه من النظر المسامحیّ غیر المبتنی علی التدقیق والتحقیق . وأنت خبیر بعدم العبرة به ، بعد الإطّلاع علی خلافه بالنظر الدقیق .
وقد عرفت فی ما تقدّم (3) : أنّ النزاع لیس فی خصوص مدلول صیغة الأمر والنهی ، بل فی الأعمّ ، فلا مجال لأن یتوهّم أنّ العرف هو المحکّم فی تعیین المدالیل ، ولعلّه کان بین مدلولیهما - حسب تعیینه - تنافٍ لا یجتمعان فی واحد ولو بعنوانین ، وإن کان العقل یری جواز اجتماع الوجوب والحرمة فی واحد بوجهین ، فتدبّر .
[شماره صفحه واقعی : 231]
ص: 27
وینبغی التنبیه علی أُمور:
الأوّل: إنّ الاضطرار إلی ارتکاب الحرام وإن کان یوجب ارتفاعَ حرمته والعقوبةِ علیه ، مع بقاء ملاک وجوبه - لو کان - مؤثّراً له ، کما إذا لم یکن بحرام بلا کلام، إلّاأنّه إذا لم یکن الاضطرار إلیه بسوء الاختیار ، - بأن یختار ما یؤدّی إلیه لا محالة - ، فإنّ الخطاب بالزجر عنه حینئذٍ وإن کان ساقطاً ، إلّاأنّه حیث یصدر عنه مبغوضاً علیه ، وعصیاناً لذاک الخطاب ، ومستحقّاً علیه العقاب ، لا یصلح لأن یتعلّق به الإیجاب .
[*حیدری فسایی]
وهذا فی الجملة ممّا لا شبهة فیه ولا ارتیاب .
وإنّما الإشکال فی ما إذا کان ما اضطُرَّ إلیه بسوء اختیاره ، ممّا ینحصر به التخلّص عن محذور الحرام - کالخروج عن الدار المغصوبة فی ما إذا توسّطها بالاختیار - فی کونه منهیّاً عنه ، أو مأموراً به ، مع جریان حکم المعصیة علیه (1) أو بدونه (2) ، فیه أقوال .
هذا علی الامتناع .
وأمّا علی القول بالجواز:
فعن أبی هاشم: أنّه مأمور به ومنهیّ عنه (3) . واختاره الفاضل القمّیّ ،
[شماره صفحه واقعی : 232]
ص: 28
ناسباً له إلی أکثر المتأخّرین وظاهرِ الفقهاء (1) .
والحقّ : أنّه منهیٌّ عنه بالنهی السابق الساقط بحدوث الاضطرار إلیه ، وعصیانٌ له بسوء الاختیار . ولا یکاد یکون مأموراً به - کما إذا لم یکن هناک توقّف علیه (2)* ، أو بلا انحصارٍ به - ؛ وذلک ضرورة أنّه حیث کان قادراً علی ترک الحرام رأساً ، لا یکون عقلاً معذوراً فی مخالفته فی ما اضطرّ إلی ارتکابه بسوء اختیاره ، ویکون معاقباً علیه - کما إذا کان ذلک بلا توقّف علیه ، أو مع عدم الانحصار به - .
ولا یکاد یُجدی توقّف انحصار التخلّص عن الحرام به (3)؛ لکونه بسوء الاختیار .
[شماره صفحه واقعی : 233]
ص: 29
إن قلت: کیف لا یجدیه ، ومقدّمة الواجب واجبة ؟
قلت: إنّما تجب المقدّمة لو لم تکن محرّمة ، ولذا لا یترشّح الوجوب من الواجب إلّاعلی ما هو المباح من المقدّمات ، دون المحرّمة ، مع اشتراکهما فی المقدّمیّة .
[*حیدری فسایی]
وإطلاق الوجوب (1) بحیث ربما یترشّح منه الوجوب علیها مع انحصار المقدّمة بها ، إنّما هو فی ما إذا کان الواجب أهمَّ من ترک المقدّمة المحرّمة ، والمفروض هاهنا وإن کان ذلک ، إلّاأنّه کان بسوء الاختیار ، ومعه لا یتغیّر عمّا هو علیه من الحرمة والمبغوضیّة ، وإلّا لکانت الحرمة معلّقةً علی إرادة المکلّف واختیاره لغیره ، وعدمُ حرمته مع (2) اختیاره له ، وهو کما تری ، مع أنّه خلاف الفرض ، وأنّ الاضطرار یکون بسوء الاختیار .
إن قلت: إنّ التصرّف فی أرض الغیر بدون إذنه بالدخول والبقاء حرامٌ بلا إشکال ولا کلام . وأمّا التصرّف بالخروج الّذی یترتّب علیه رفع الظلم ، ویتوقّف علیه التخلّص عن التصرّف الحرام ، فهو لیس بحرام فی حالٍ من الحالات ، بل حاله مثل حال (3) شرب الخمر ، المتوقّف علیه النجاة من الهلاک ، فی الاتّصاف بالوجوب فی جمیع الأوقات .
[*حیدری فسایی]
ومنه ظهر المنع عن کون جمیع أنحاء التصرّف فی أرض الغیر - مثلاً - حراماً قبل الدخول ، وأنّه یتمکّن من ترک الجمیع حتّی الخروج؛ وذلک لأنّه
[شماره صفحه واقعی : 234]
ص: 30
لو لم یدخل لما کان متمکّناً من الخروج وترکِه . وترکُ الخروج بترک الدخول رأساً لیس فی الحقیقة إلّاترک الدخول . فمن لم یشرب الخمر ؛ لعدم وقوعه فی المهلکة الّتی یعالجها به - مثلاً - لم یصدق علیه إلّا: أنّه لم یقع فی المهلکة ، لا : أنّه ما شرب الخمر فیها ، إلّاعلی نحو السالبة المنتفیة بانتفاء الموضوع ، کما لا یخفی .
وبالجملة: لا یکون الخروج - بملاحظة کونه مصداقاً للتخلّص عن الحرام أو سبباً له - إلّامطلوباً ، ویستحیل أن یتّصف بغیر المحبوبیّة ، ویحکم علیه بغیر المطلوبیّة .
قلت: هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تقریب الاستدلال علی کون ما انحصر به التخلّص مأموراً به . وهو موافق لما أفاده شیخنا العلّامة أعلی اللّٰه مقامه - علی ما فی تقریرات بعض الأجلّة (1) - .
لکنّه لا یخفی : أنّ ما به التخلّص عن فعل الحرام أو ترک الواجب ، إنّما یکون حَسَناً عقلاً ، ومطلوباً شرعاً بالفعل - وإن کان قبیحاً ذاتاً - إذا لم یتمکّن المکلّف من التخلّص بدونه ، ولم یقع بسوء اختیاره : إمّا (2) فی الاقتحام فی ترک الواجب ، أو فعلِ الحرام ، وإمّا فی (3) الإقدام علی ما هو قبیح وحرام ، لولا أنّ به (4) التخلّص بلا کلامٍ ، کما هو المفروض فی المقام؛ ضرورة تمکّنه منه قبل اقتحامه فیه بسوء اختیاره .
[شماره صفحه واقعی : 235]
ص: 31
وبالجملة : کان قبل ذلک متمکّناً من التصرّف خروجاً ، کما یتمکّن منه دخولاً ، غایة الأمر یتمکّن منه بلا واسطة ، ومنه بالواسطة . ومجرّدُ عدم التمکّن منه إلّابواسطةٍ لا یُخرجه عن کونه مقدوراً ،
[*حیدری فسایی]
کما هو الحال فی البقاء ، فکما یکون ترکه مطلوباً فی جمیع الأوقات ، فکذلک الخروج ، مع أنّه مثله فی الفرعیّة علی الدخول ، فکما لا تکون الفرعیّة مانعةً عن مطلوبیّته قبلَه وبعدَه ، کذلک لم تکن مانعةً عن مطلوبیّته ، وإن کان العقل یحکم بلزومه ، إرشاداً إلی اختیار أقلّ المحذورین وأَخفّ القبیحین .
ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجاً وتخلّصاً عن المهلکة ، وأنّه إنّما یکون مطلوباً علی کلّ حالٍ لو لم یکن الاضطرار إلیه بسوء الاختیار ، وإلّا فهو علی ما هو علیه من الحرمة ، وإن کان العقل یُلزمه ، إرشاداً إلی ما هو أهمّ وأولی بالرعایة من ترکه؛ لکون الغرض فیه أعظم .
فمن تَرَکَ الاقتحام فی ما یؤدّی إلی هلاک النفس ، أو شَربَ الخمر لئلّا یقع فی أشدّ المحذورین منهما ، فیصدق (1) أنّه تَرَکَهما ، ولو بترکه ما لو فَعَلَه لأدّی - لا محالة - إلی أحدهما ، کسائر الأفعال التولیدیّة (2) ، حیث یکون العمدُ إلیها بالعمد إلی أسبابها ، واختیارُ ترکها بعدم العمد إلی الأسباب ، وهذا یکفی فی استحقاق العقاب علی الشرب للعلاج ، وإن کان لازماً عقلاً ، للفرار عمّا هو أکثر عقوبةً .
[شماره صفحه واقعی : 236]
ص: 32
ولو سُلّم عدمُ الصدق إلّابنحو السالبة المنتفیة بانتفاء الموضوع ، فهو غیر ضائرٍ ، بعدَ تمکّنه من الترک - ولو علی نحو هذه السالبة - ، ومن الفعل بواسطة تمکّنه ممّا هو من قبیل الموضوع فی هذه السالبة ، فیوقع نفسَه - بالاختیار - فی المهلکة ، أو یدخل الدار ، فیعالج بشرب الخمر ، ویتخلّص بالخروج ، أو یختار ترکَ الدخول والوقوعِ فیها (1) ، لئلّا یحتاج إلی التخلّص والعلاج .
[*حیدری فسایی]
إن قلت: کیف یقع مثل الخروج والشرب ممنوعاً عنه شرعاً ، ومعاقباً علیه عقلاً (2) ، مع بقاء ما یتوقّف علیه علی وجوبه ، ووضوح سقوط الوجوب (3) مع امتناع المقدّمة المنحصرة ، ولو کان بسوء الاختیار ، والعقلُ قد استقلّ بأنّ الممنوع شرعاً کالممتنع عادةً أو عقلاً ؟
قلت: أوّلاً: إنّما کان الممنوع کالممتنع ، إذا لم یحکم العقل بلزومه ، إرشاداً إلی ما هو أقلّ المحذورین ، وقد عرفت لزومَه بحکمه؛ فإنّه مع لزوم الإتیان بالمقدّمة عقلاً ، لا بأس فی بقاء (4) ذی المقدّمة علی وجوبه ، فإنّه حینئذٍ لیس من التکلیف بالممتنع ، کما إذا کانت المقدّمة ممتنعة .
وثانیاً: لو سلّم ، فالساقط إنّما هو الخطاب فعلاً بالبعث والإیجاب ، لا لزوم إتیانه عقلاً ؛ - خروجاً عن عهدة ما تنجّز علیه سابقاً - ؛ ضرورة أنّه لو لم یأتِ به لوقع فی المحذور الأشدّ ، ونقضِ الغرض الأهمّ ؛ حیث إنّه الآن کما
[شماره صفحه واقعی : 237]
ص: 33
کان علیه من الملاک والمحبوبیّة ، بلا حدوث قصورٍ أو طروء فتورٍ فیه أصلاً ، وإنّما کان سقوط الخطاب لأجل المانع ، وإلزامُ العقل به لذلک إرشاداً کافٍ ، لاحاجة معه إلی بقاء الخطاب بالبعث إلیه والإیجاب له فعلاً ، فتدبّر جیّداً .
وقد ظهر ممّا حقّقناه : فساد القول بکونه مأموراً به ، مع إجراء حکم المعصیة علیه ، نظراً إلی النهی السابق (1) .
[*حیدری فسایی]
مع ما فیه من لزوم اتّصاف فعلٍ واحدٍ بعنوانٍ واحدٍ بالوجوب والحرمة .
ولا یرتفع غائلته باختلاف زمان التحریم والإیجاب قبل الدخول وبعده - کما فی الفصول (2) - ، مع اتّحاد زمان الفعل المتعلّق لهما ، وإنّما المفید اختلاف زمانه ولو مع اتّحاد زمانهما . وهذا أوضح من أن یخفی ، کیف ؟ ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول عصیاناً للنهی السابق ، وإطاعةً للأمر اللاحق فعلاً ، ومبغوضاً ومحبوباً کذلک بعنوانٍ واحد ، وهذا ممّا لا یرضی به القائل بالجواز ، فضلاً عن القائل بالامتناع .
کما لا یُجدی فی رفع هذه الغائلة : کونُ النهی مطلقاً وعلی کلِّ حالٍ ، وکونُ الأمر مشروطاً بالدخول؛ ضرورةَ منافاة حرمة شیءٍ کذلک مع وجوبه فی بعض الأحوال .
وأمّا القول بکونه مأموراً به و منهیّاً عنه (3): ففیه - مضافاً إلی ما عرفت من امتناع الاجتماع فی ما إذا کان بعنوانین ، فضلاً عمّا إذا کان بعنوانٍ واحد ، کما فی المقام ، حیث کان الخروج بعنوانه سبباً للتخلّص ، وکان بغیر إذن المالک ،
[شماره صفحه واقعی : 238]
ص: 34
ولیس التخلّص إلّامنتزعاً عن ترک الحرام المسبّب عن الخروج (1) ، لا عنواناً له - : أنّ الاجتماع هاهنا لو سلّم أنّه لا یکون بمحالٍ - لتعدّد العنوان ، وکونِه مجدیاً فی رفع غائلة التضادّ - کان محالاً؛ لأجل کونه طلبَ المحال ، حیث لا مندوحة هنا ؛
[*حیدری فسایی]
وذلک لضرورة عدم صحّة تعلّق الطلب والبعث حقیقةً بما هو واجب أو ممتنع (2) ، ولو کان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختیار .
وما قیل: « إنّ الامتناع أو الإیجاب بالاختیار لا ینافی الاختیار » ، إنّما هو فی قبال استدلال الأشاعرة للقول بأنّ الأفعال غیر اختیاریّة بقضیّة : أنّ الشیء ما لم یجب لم یُوجد .
فانقدح بذلک : فساد الاستدلال (3) لهذا القول بأنّ الأمر بالتخلّص والنهی عن الغصب دلیلان یجب إعمالهما ، ولا موجب للتقیید عقلاً؛ لعدم استحالة کون الخروج واجباً وحراماً باعتبارین مختلفین؛ إذ منشأ الاستحالة :
[شماره صفحه واقعی : 239]
ص: 35
إمّا لزوم اجتماع الضدّین ، وهو غیر لازم مع تعدّد الجهة ، وإمّا لزوم التکلیف بما لا یطاق ، وهو لیس بمحال إذا کان مسبّباً عن سوء الاختیار .
وذلک لما عرفت من ثبوت الموجِب للتقیید عقلاً ولو کانا بعنوانین ، وأنّ اجتماع الضدّین لازمٌ ولو مع تعدّد الجهة ، مع عدم تعدّدها هاهنا . والتکلیف بما لا یطاق محالٌ علی کلِّ حالٍ .
[*حیدری فسایی]
نعم ، لو کان بسوء الاختیار لا یسقط العقاب بسقوط التکلیف بالتحریم أو الإیجاب .
ثمّ لا یخفی: أنّه لا إشکال فی صحّة الصلاة مطلقاً فی الدار المغصوبة ، علی القول بالاجتماع .
وأمّا علی القول بالامتناع ، فکذلک ، مع الاضطرار (1) إلی الغصب لا بسوء الاختیار ، أو معه (2) ولکنّها وقعت فی حال الخروج ، علی القول بکونه مأموراً به بدون إجراء حکم المعصیة علیه ، أو مع غلبة ملاک الأمر علی النهی مع ضیق الوقت .
أمّا مع السعة فالصحّة وعدمها مبنیّان علی عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن الضدّ واقتضائه؛ فإنّ الصلاة فی الدار المغصوبة وإن کانت مصلحتها
[شماره صفحه واقعی : 240]
ص: 36
غالبةً علی ما فیها من المفسدة ، إلّاأنّه لا شبهة فی أنّ الصلاة فی غیرها تُضادّها ، بناءً علی أنّه لا یبقی مجال مع إحداهما للاُخری ، مع کونها أهمّ منها؛ لخلوّها عن (1) المنقصة الناشئة من قِبَل اتّحادها مع الغصب .
لکنّه عرفت (2) : عدم الاقتضاء بما لا مزید علیه ، فالصلاة فی الغصب اختیاراً فی سعة الوقت صحیحةٌ (3) ، وإن لم تکن مأموراً بها .
صوت
[*حیدری فسایی]
الأمر الثانی: قد مرّ - فی بعض المقدّمات (4) - : أنّه لا تعارض بین مثل خطاب «صلّ» وخطاب «لا تغصب» علی الامتناع ، تعارُضَ الدلیلین بما هما دلیلان حاکیان ، کی یقدّم الأقوی منهما دلالةً أو سنداً ، بل إنّما هو من باب تزاحم المؤثّرین والمقتضیین ، فیقدّم الغالب منهما ، وإن کان الدلیل علی مقتضی الآخر أقوی من دلیل مقتضاه .
هذا فی ما إذا أُحرز الغالب منهما ، وإلّا کان بین الخطابین تعارضٌ ، فیقدّم الأقوی منهما دلالةً أو سنداً ، و بطریق « الإنّ » یُحرز به أنّ مدلوله أقوی مقتضیاً .
[شماره صفحه واقعی : 241]
ص: 37
هذا لو کان کلٌّ من الخطابین متکفّلاً لحکم (1) فعلیّ ، وإلّا فلابدّ من الأخذ بالمتکفّل لذلک منهما لو کان ، وإلّا فلا محیص عن الانتهاء إلی ما تقتضیه الأُصول العملیّة .
ثمّ لا یخفی: أنّ ترجیح أحد الدلیلین وتخصیصَ الآخر به فی المسألة ، لا یوجب خروجَ مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأساً (2) ، کما هو قضیّة التقیید والتخصیص فی غیرها ، ممّا لا یحرز فیه المقتضی لکلا الحکمین ،
[*حیدری فسایی]
بل قضیّته لیس إلّا خروجه فی ما کان الحکم الّذی هو مفاد الآخر فعلیّاً ؛ وذلک لثبوت المقتضی فی کلّ واحد من الحکمین فیها . فإذا لم یکن المقتضی لحرمة الغصب مؤثّراً لها (3) - لاضطرارٍ أو جهلٍ أو نسیانٍ - کان المقتضی لصحّة الصلاة مؤثّراً لها فعلاً ، کما إذا لم یکن دلیل الحرمة أقوی ، أو لم یکن واحدٌ من الدلیلین دالّاً علی الفعلیّة أصلاً .
فانقدح بذلک : فساد الإشکال فی صحّة الصلاة - فی صورة الجهل أو النسیان ونحوهما - ، فی ما إذا قُدّم خطاب « لا تغصب » ، کما هو الحال فی ما إذا کان الخطابان من أوّل الأمر متعارضین ، ولم یکونا من باب الاجتماع أصلاً؛ وذلک لثبوت المقتضی فی هذاالباب ، کما إذا لم یقع بینهما تعارضٌ ، ولم یکونا متکفّلین للحکم الفعلیّ .
[شماره صفحه واقعی : 242]
ص: 38
فیکون وزانُ التخصیص فی مورد الاجتماع ، وزانَ التخصیص العقلیّ الناشئ من جهة تقدیم أحد المقتضیین وتأثیرِه فعلاً ، المختصِّ بما إذا لم یمنع عن تأثیره مانعٌ ، المقتضی لصحّة مورد الاجتماع مع الأمر ، أو بدونه فی ما کان هناک مانع عن تأثیر المقتضی للنهی له (1) ، أو عن فعلیّته ، کما مرّ تفصیله (2) .
وکیف کان ، فلابدّ فی ترجیح أحد الحکمین من مرجّح .
[*حیدری فسایی]
وقد ذکروا لترجیح النهی وجوهاً :
منها: أنّه أقوی دلالة؛ لاستلزامه انتفاءَ جمیع الأفراد ، بخلاف الأمر .
وقد أُورد علیه (3) : بأنّ ذلک فیه من جهة إطلاق متعلّقه بقرینة الحکمة ، کدلالة الأمر علی الاجتزاء بأیّ فردٍ کان .
وقد أُورد علیه (4) : بأنّه لو کان العموم المستفاد من النهی بالإطلاق بمقدّمات الحکمة ، وغیرَ مستند إلی دلالته علیه بالالتزام ، لکان استعمال مثل « لا تغصب » فی بعض أفراد الغصب حقیقةً ، وهذا واضح الفساد ، فتکون دلالته علی العموم من جهة أنّ وقوع الطبیعة فی حیّز النفی أو النهی یقتضی عقلاً سریانَ الحکم إلی جمیع الأفراد؛ ضرورة عدم الانتهاء عنها أو انتفائها إلّا بالانتهاء عن الجمیع أو انتفائه .
قلت: دلالتهما علی العموم والاستیعاب - ظاهراً - ممّا لا یُنکر ، لکنّه من
[شماره صفحه واقعی : 243]
ص: 39
الواضح : أنّ العموم المستفاد منهما کذلک ، إنّما هو بحسب ما یراد من متعلّقهما ، فیختلف سعةً وضیقاً ، فلا یکاد یدلّ علی استیعاب جمیع الأفراد ، إلّاإذا أُرید منه الطبیعة مطلقةً وبلا قیدٍ . ولایکاد یستظهر ذلک - مع عدم دلالته علیه (1) بالخصوص - إلّابالإطلاق وقرینة الحکمة ، بحیث لو لم یکن هناک قرینتها - بأن یکون الإطلاق فی غیر مقام البیان - لم یکد یستفاد استیعاب أفراد الطبیعة ،
[*حیدری فسایی]
وذلک لا ینافی دلالَتهما علی استیعاب أفراد ما یراد من المتعلّق؛ إذ الفرض عدم الدلالة علی أنّه المقیّد أو المطلق .
اللهمّ إلّاأن یقال: إنّ فی دلالتهما علی الاستیعاب کفایةً ودلالةً علی أنّ المراد من المتعلّق هو المطلق ، کما ربما یدّعی ذلک فی مثل: «کلّ رجل» ، وأنّ مثل لفظة «کلّ» تدلّ علی استیعاب جمیع أفراد الرجل ، من غیر حاجةٍ إلی ملاحظة إطلاق مدخوله وقرینة الحکمة ، بل یکفی إرادة ما هو معناه - من الطبیعة المهملة ولابشرط - فی دلالته علی الاستیعاب ، وإن کان لا یلزم مجاز أصلاً لو أُرید منه خاصٌّ بالقرینة ، لا فیه؛ لدلالته علی استیعاب أفراد ما یراد من المدخول ، ولا فیه إذا کان بنحو تعدّد الدالّ والمدلول؛ لعدم استعماله إلّا فی ما وضع له ، والخصوصیّةُ مستفادة من دالٍّ آخر ، فتدبّر .
صوت
[*حیدری فسایی]
ومنها: أنّ دفع المفسدة أولی من جلب المنفعة .
وقد أورد علیه - فی القوانین (2) - بأنّه مطلقاً ممنوع؛ لأنّ فی ترک الواجب أیضاً مفسدة إذا تعیّن .
[شماره صفحه واقعی : 244]
ص: 40
ولا یخفی ما فیه؛ فإنّ الواجب - ولو کان معیّناً - لیس إلّالأجل أنّ فی فعله مصلحة یلزم استیفاؤها ، من دون أن یکون فی ترکه مفسدة ، کما أنّ الحرام لیس إلّالأجل المفسدة فی فعله بلا مصلحة فی ترکه .
ولکن یرد علیه : أنّ الأولویّة مطلقاً ممنوعة ، بل ربما یکون العکس أولی ، کما یشهد به مقایسة فعل بعض المحرّمات مع ترک بعض الواجبات ، خصوصاً مثل الصلاة وما یتلو تلوها .
ولو سلّم فهو أجنبیّ عن المقام (1)*؛ فإنّه فی ما إذا دار بین الواجب والحرام .
ولو سلّم فإنّما یُجدی فی ما لو حصل به القطع .
ولو سلّم أنّه یُجدی ولو لم یحصل ، فإنّما یُجدی (2) فی ما لا یکون هناک مجالٌ لأصالة البراءة أو الاشتغال ، کما فی دوران الأمر بین الوجوب والحرمة التعیینیّین ، لا فی ما تجری ، کما فی محلّ الاجتماع؛ لأصالة البراءة عن حرمته ، فیحکم بصحّته ، ولو قیل بقاعدة الاشتغال فی الشکّ فی الأجزاء والشرائط ، فإنّه لا مانع عقلاً إلّافعلیّة الحرمة المرفوعة بأصالة البراءة عنها عقلاً ونقلاً (3) .
[*حیدری فسایی]
نعم ، لو قیل (4) بأنّ المفسدة الواقعیّة الغالبة مؤثّرةٌ فی المبغوضیّة ولو لم
[شماره صفحه واقعی : 245]
ص: 41
تکن الغلبة بمحرزة (1) ، فأصالة البراءة غیر جاریة (2) ، بل کانت أصالة الاشتغال بالواجب - لو کان عبادةً - محکّمةً ، ولو قیل بأصالة البراءة فی الأجزاء والشرائط؛ لعدم تأ تّی قصدِ القربة مع الشکّ فی المبغوضیّة ، فتأمّل .
ومنها: الاستقراء ، فإنّه یقتضی ترجیحَ جانب الحرمة علی جانب الوجوب ، کحرمة الصلاة فی أیّام الاستظهار ، وعدمِ جواز الوضوء من الإناءین المشتبهین .
وفیه: أنّه لادلیل علی اعتبار الاستقراء ما لم یُفِد القطع .
ولو سلّم فهو لا یکاد یثبت بهذا المقدار .
ولو سلّم فلیس حرمة الصلاة فی تلک الأیّام ، ولا عدمُ جواز الوضوء منهما مربوطاً بالمقام؛ لأنّ حرمة الصلاة فیها إنّما تکون لقاعدة الإمکان
[شماره صفحه واقعی : 246]
ص: 42
والاستصحاب المثبتین لکون الدم حیضاً ، فیحکم بجمیع أحکامه ، ومنها حرمة الصلاة علیها ، لا لأجل تغلیب جانب الحرمة کما هو المدّعی .
[*حیدری فسایی]
هذا لو قیل بحرمتها الذاتیّة فی أیّام الحیض ، وإلّا فهو خارج عن محلّ الکلام .
ومن هنا انقدح: أنّه لیس منه ترک الوضوء من الإناءین؛ فإنّ حرمة الوضوء من الماء النجس لیس إلّاتشریعیّاً ، ولا تشریعَ فی ما لو توضّأ منهما احتیاطاً ، فلا حرمة فی البین غُلّب جانبها . فعدم جواز الوضوء منهما ولو کذلک ، - بل إراقتهما ، کما فی النصّ (1) - لیس إلّامن باب التعبّد ، أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً بحکم الاستصحاب؛ للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضّئ من (2) الإناء (3) الثانیة : إمّا بملاقاتها ، أو بملاقاة الأُولی وعدم استعمال مطهّر (4) بعدَه ،
[*حیدری فسایی]
ولو طهّر بالثانیة مواضع الملاقاة بالأُولی .
نعم، لو طهُرت - علی تقدیر نجاستها - بمجرّد ملاقاتها، - بلا حاجةٍ إلی التعدّد أو انفصال (5) الغسالة - لا یعلم (6) تفصیلاً بنجاستها، وإن علم بنجاستها حین ملاقاة الأُولی أو الثانیة إجمالاً ، فلامجال لاستصحابها ، بل کانت قاعدة الطهارة محکّمةً .
[شماره صفحه واقعی : 247]
ص: 43
الأمر الثالث: الظاهر : لحوق تعدّد الإضافات بتعدّد العنوانات والجهات ، فی أنّه لو کان تعدّد الجهة والعنوان کافیاً - مع وحدة المعنون وجوداً - فی جواز الاجتماع ، کان تعدّد الإضافات مجدیاً؛ ضرورة أنّه یوجب أیضاً اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة والمفسدة ، والحسن والقبح عقلاً ، وبحسب الوجوب والحرمة شرعاً .
فیکون مثل «أکرم العلماء» و«لاتکرم الفسّاق» من باب الاجتماع ، ک «صلّ» و «لا تغصب» ، لا من باب التعارض ، إلّاإذا لم یکن للحکم فی أحد الخطابین فی مورد الاجتماع مقتضٍ ، کما هو الحال أیضاً فی تعدّد العنوانین .
فما یُتراءی منهم - من المعاملة مع مثل « أکرم العلماء » و « لا تکرم الفسّاق » معاملةَ تعارُضِ العموم من وجه - إنّما یکون بناءً علی الامتناع ، أو عدم المقتضی لأحد الحکمین فی مورد الاجتماع .
[شماره صفحه واقعی : 248]
ص: 44
ولیقدّم أُمور:
الأوّل: أنّه قد عرفت فی المسألة السابقة الفرق بینها وبین هذه المسألة ، وأنّه لا دخل للجهة المبحوث عنها فی إحداهما بما هو جهة البحث فی الاُخری ، وأنّ البحث فی هذه المسألة فی دلالة النهی - بوجهٍ یأتی تفصیله - علی الفساد ، بخلاف تلک المسألة ، فإنّ البحث فیها فی أنّ تعدّد الجهة یجدی فی رفع غائلة اجتماع الأمر والنهی فی مورد الاجتماع أم لا ؟
صوت
[*حیدری فسایی]
الثانی: أنّه لا یخفی أنّ عدّ هذه المسألة من مباحث الألفاظ ، إنّما هو لأجل أنّه فی الأقوال قولٌ بدلالته علی الفساد فی المعاملات ، مع إنکار الملازمة بینه وبین الحرمة الّتی هی مفاده فیها (1) .
ولا ینافی ذلک: أنّ الملازمة علی تقدیر ثبوتها فی العبادة إنّما تکون بینه وبین الحرمة ولو لم تکن مدلولةً بالصیغة ، وعلی تقدیر عدمها تکون منتفیةً بینهما (2)؛ لإمکان أن یکون البحث معه فی دلالة الصیغة بما تعمّ دلالتها بالالتزام ، فلا تقاس بتلک المسألة الّتی لا یکاد یکون لدلالة اللفظ بها مساس، فتأمّل جیّداً .
[شماره صفحه واقعی : 249]
ص: 45
الثالث: ظاهر لفظ النهی وإن کان هو النهی التحریمیّ ، إلّاأنّ ملاک البحث یعمّ التنزیهیّ . ومعه لا وجه لتخصیص العنوان (1) . واختصاص عموم ملاکه بالعبادات لایوجب التخصیص به ، کما لا یخفی .
کما لا وجه لتخصیصه بالنفسیّ ، فیعمّ الغیریّ إذا کان أصلیّاً . وأمّا إذا کان تبعیّاً فهو وإن کان خارجاً عن محلّ البحث - ؛ لما عرفت أنّه فی دلالة النهی ، والتبعیّ منه من مقولة المعنی - ، إلّاأنّه داخلٌ فی ما هو ملاکه؛
[*حیدری فسایی]
فإنّ دلالته علی الفساد - علی القول به فی ما لم یکن للإرشاد إلیه - إنّما یکون لدلالته علی الحرمة ، من غیر دَخْلٍ لاستحقاق العقوبة علی مخالفته فی ذلک ، کما توّهمه القمیّ قدس سره (2).
ویؤیّد ذلک : أنّه جُعِل ثمرة النزاع فی أنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه : فسادُه إذا کان عبادةً ، فتدبّر جیّداً .
الرابع: ما یتعلّق به النهیُ : إمّا أن یکون عبادةً أو غیرَها . والمراد بالعبادة هنا ما یکون بنفسه وبعنوانه عبادةً له - تعالی - ، موجِباً بذاته للتقرّب من حضرته - لولا حرمته - ، کالسجود والخضوع والخشوع له وتسبیحه وتقدیسه ، أو ما لو تعلّق الأمر به کان أمره أمراً عبادیّاً ، لا یکاد یسقط إلّاإذا أُتی به بنحوٍ قُربیّ ، کسائر أمثاله ، نحو صوم العیدین والصلاة فی أیّام العادة (3) .
[شماره صفحه واقعی : 250]
ص: 46
لا ما أُمر به لأجل التعبّد به (1) ، ولا ما یتوقّف صحّته علی النیّة (2) ، ولا ما لا یُعلم انحصار المصلحة فیه فی شیءٍ (3) - کما عُرّفت بکلٍّ منها العبادةُ - ؛ ضرورةَ أنّها بواحدٍ منها لا یکاد یمکن أن یتعلّق بها النهی .
مع ما أُورد علیها بالانتقاض طرداً أو عکساً ، أو بغیره - کما یظهر من مراجعة المطوّلات (4) - . وإن کان الإشکال بذلک فیها فی غیر محلّه؛ لأجل کون مثلها من التعریفات لیس بحدٍّ ولا برسمٍ ، بل من قبیل شرح الإسم ، کما نبّهنا علیه غیر مرّة ، فلا وجه لإطالة الکلام بالنقض والإبرام فی تعریف العبادة ، ولا فی تعریف غیرها کما هو العادة .
صوت
[*حیدری فسایی]
الخامس: أنّه لا یدخل فی عنوان النزاع إلّاما کان قابلاً للاتّصاف بالصحّة والفساد ، بأن یکون تارةً تامّاً ، یترتّب علیه ما یُترقّب عنه من الأثر ، وأُخری لا کذلک؛ لاختلال بعض ما یعتبر فی ترتّبه .
أمّا ما لا أثر له شرعاً ، أو کان أثره ممّا لا یکاد ینفکّ عنه - کبعض أسباب الضمان - فلا یدخل فی عنوان النزاع؛ لعدم طروء الفساد علیه ، کی ینازع فی أنّ النهی عنه یقتضیه أو لا .
فالمراد ب « الشیء » - فی العنوان - هو : العبادة بالمعنی الّذی تقدّم ، والمعاملة بالمعنی الأعمّ ، ممّا یتّصف بالصحّة والفساد ، عقداً کان أو إیقاعاً أو غیرهما ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 251]
ص: 47
السادس: إنّ الصحّة والفساد وصفان إضافیّان ، یختلفان بحسب الآثار والأنظار ، فربما یکون شیءٌ واحد صحیحاً بحسب أثرٍ أو نظرٍ ، وفاسداً بحسب آخر .
ومن هنا صحّ أن یقال: إنّ الصحّة فی العبادة والمعاملة لا تختلف ، بل فیهما بمعنی واحد وهو « التمامیّة » ، وإنّما الاختلاف فی ما هو المرغوب منهما ، من الآثار الّتی بالقیاس علیها (1) تتّصف بالتمامیّة وعدمها .
وهکذا الاختلاف بین الفقیه والمتکلّم فی صحّة العبادة (2) إنّما یکون لأجل الاختلاف فی ما هو المهمّ لکلٍّ منهما من الأثر ، بعد الاتّفاق ظاهراً علی أنّها بمعنی التمامیّة ، کما هی معناها لغةً وعرفاً .
[*حیدری فسایی]
فلمّا کان غرض الفقیه هو : وجوب القضاء أو الإعادة ، أو عدمُ الوجوب ، فَسَّر صحّة العبادة بسقوطهما . وکان غرض المتکلّم هو : حصول الامتثال - الموجب عقلاً لاستحقاق المثوبة - فَسَّرها بما یوافق الأمر تارةً ، وبما یوافق الشریعة أُخری .
وحیث إنّ الأمر فی الشریعة یکون علی أقسام - من الواقعیّ الأوّلیّ والثانویّ ، والظاهریّ - ، والأنظار تختلف فی أنّ الأخیرین یفیدان الإجزاء ، أو لا یفیدان ، کان الإتیان بعبادةٍ موافقةً لأمرٍ ، ومخالفةً لآخر ، أو مسقطاً للقضاء والإعادة بنظرٍ ، وغیرَ مسقطٍ لهما بنظرٍ آخر .
فالعبادة الموافقة للأمر الظاهریّ تکون صحیحةً عند المتکلّم والفقیه ، بناءً
[شماره صفحه واقعی : 252]
ص: 48
علی أنّ « الأمر » فی تفسیر الصحّة بموافقة الأمر ، أعمُّ من الظاهریّ (1) مع اقتضائه للإجزاء ، وعدمُ اتّصافها بها (2) عند الفقیه بموافقته (3) ، بناءً علی عدم الإجزاء ، وکونُه مراعی بموافقة الأمر الواقعیّ عند المتکلّم (4) ، بناءً علی کون الأمر فی تفسیرها خصوصَ الواقعیّ (5) .
صوت
[*حیدری فسایی]
تنبیه :
وهو أنّه لا شبهة فی أنّ الصحّة والفساد عند المتکلّم وصفان اعتباریّان ، ینتزعان من مطابقة المأتیّ به مع المأمور به وعدمها .
وأمّا الصحّة - بمعنی سقوط القضاء والإعادة - عند الفقیه: فهی من لوازم الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعیّ الأوّلیّ عقلاً ؛ حیث لا یکاد یعقل ثبوت الإعادة أو القضاء معه جزماً .
[شماره صفحه واقعی : 253]
ص: 49
فالصحّة بهذا المعنی فیه وإن کان لیس بحکمٍ وضعیٍّ مجعولٍ بنفسه أو بتبع تکلیفٍ ، إلّاأنّه لیس (1) بأمرٍ اعتباریِّ یُنتزع - کما تُوهّم (2) - ، بل ممّا یستقلّ به العقل ، کما یستقلّ باستحقاق المثوبة به .
وفی غیره ، فالسقوط ربما یکون مجعولاً ، وکان الحکم به تخفیفاً ومنّةً علی العباد ، مع ثبوت المقتضی لثبوتهما - کما عرفت فی مسألة الإجزاء (3) - کما ربما یحکم بثبوتهما، فیکون الصحّة والفساد فیه حکمین مجعولین، لا وصفین انتزاعیّین .
نعم ، الصحّة والفساد فی الموارد الخاصّة لا یکاد یکونان مجعولین ، بل إنّما هی تتّصف بهما بمجرّد الانطباق علی ما هو المأمور به (4) .
هذا فی العبادات .
وأمّا الصحّة فی المعاملات: فهی تکون مجعولة ؛ حیث کان ترتّب الأثر علی معاملة إنّما هو بجعل الشارع ، وترتیبه علیها ولو إمضاءً ؛ ضرورة أنّه لولا جعله (5) لما کان یترتّب علیه؛ لأصالة الفساد .
[*حیدری فسایی]
نعم ، صحّة کلّ معاملة شخصیّةٍ وفسادُها لیس إلّالأجل انطباقها مع ما
[شماره صفحه واقعی : 254]
ص: 50
هو المجعول سبباً وعدمِه (1) ، کما هو الحال فی التکلیفیّة من الأحکام؛ ضرورة أنّ اتّصاف المأتیّ به بالوجوب أو الحرمة أو غیرهما ، لیس إلّالانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام (2) .
السابع: لا یخفی: أنّه لا أصل فی المسألة یعوّل علیه لو شکّ فی دلالة النهی علی الفساد . نعم ، کان الأصل فی المسألة الفرعیّة : الفساد ، لو لم یکن هناک إطلاق أو عموم یقتضی الصحّة فی المعاملة .
وأمّا العبادة فکذلک؛ لعدم الأمر بها مع النهی عنها ، کما لا یخفی (3) .
[شماره صفحه واقعی : 255]
ص: 51
الثامن: إنّ متعلّق النهی : إمّا أن یکون نفسَ العبادة ، أو جزأَها ، أو شرطَها الخارج عنها ، أو وصفَها الملازم لها ، کالجهر والإخفات للقراءة (1)* ، أو وصفَها غیرَ الملازم ، کالغصبیّة لأکوان الصلاة المنفکّة عنها .
لا ریب فی دخول القسم الأوّل فی محلّ النزاع، وکذا القسم الثانی، بلحاظ أنّ جزء العبادة عبادة ، إلّاأنّ بطلان الجزء لا یوجب بطلانها إلّامع الاقتصار علیه ، لا مع الإتیان بغیره ممّا لا نهی عنه ، إلّاأن یستلزم محذوراً آخر .
وأمّا القسم الثالث: فلا تکون حرمة الشرط والنهی عنه موجباً لفساد العبادة إلّافی ما کان عبادةً ، کی تکون حرمته موجبة لفساده ، المستلزمِ لفساد المشروط به .
[*حیدری فسایی]
وبالجملة: لا یکاد یکون النهی عن الشرط موجباً لفساد العبادة المشروطة به لو لم یکن موجباً لفساده ، کما إذا کان عبادةً .
وأمّا القسم الرابع: فالنهی عن الوصف اللازم مساوقٌ للنهی عن موصوفه ، فیکون النهی عن الجهر فی القراءة - مثلاً - مساوقاً للنهی عنها؛ لاستحالة کون القراءة الّتی یجهرُ بها مأموراً بها ، مع کون الجهر بها منهیّاً عنه فعلاً ، کما لا یخفی .
وهذا بخلاف ما إذا کان مفارقاً - کما فی القسم الخامس - ؛ فإنّ النهی عنه لا یسری إلی الموصوف إلّافی ما إذا اتّحد معه وجوداً ، بناءً علی امتناع الاجتماع . وأمّا بناءً علی الجواز فلا یسری إلیه ، کما عرفت فی المسألة السابقة .
[شماره صفحه واقعی : 256]
ص: 52
هذا حال النهی المتعلّق بالجزء أو الشرط أو الوصف .
وأمّا النهی عن العبادة لأجل أحد هذه الاُمور: فحاله حال النهی عن أحدها إن کان من قبیل الوصف بحال المتعلّق ، وبعبارةٍ أُخری: کان النهی عنها بالعرَض .
وإن کان النهی عنها (1) علی نحو الحقیقة والوصف بحاله - وإن کان بواسطة أحدها ، إلّاأنّه من قبیل الواسطة فی الثبوت ، لا العروض - کان حالُه حالَ النهی فی القسم الأوّل ، فلا تغفل .
وممّا ذکرنا فی بیان أقسام النهی فی العبادة یظهر حال الأقسام فی المعاملة ، فلا یکون بیانها علی حِدَة بمهمّ . کما أنّ تفصیل الأقوال فی الدلالة علی الفساد وعدمها - الّتی ربما تزید علی العشرة ، علی ما قیل (2) - کذلک .
إنّما المهمّ بیان ما هو الحقّ فی المسألة ، ولابدّ فی تحقیقه - علی نحوٍ یظهر الحال فی الأقوال - من بسط المقال فی مقامین:
صوت
[*حیدری فسایی]
فنقول - وعلی اللّٰه الاتّکال - : إنّ النهی المتعلّق بالعبادة بنفسها ، ولو کانت
[شماره صفحه واقعی : 257]
ص: 53
جزء عبادة بما هو عبادة - کما عرفت (1) - مقتضٍ لفسادها؛ لدلالته علی حرمتها ذاتاً ، ولا یکاد یمکن اجتماع الصحّة - بمعنی موافقة الأمر أو الشریعة - مع الحرمة ، وکذا بمعنی سقوط الإعادة؛ فإنّه مترتّب علی إتیانها بقصد القربة ، وکانت ممّا یصلح لأن یتقرّب به (2) ، ومع الحرمة لا تکاد تصلح لذلک ، ولا یتأتّی (3) قصدُها من الملتفِت إلی حرمتها ، کما لا یخفی .
الإشکال فی الاقتضاء
لا یقال: هذا لو کان النهی عنها دالّاً علی الحرمة الذاتیّة ، ولا یکاد یتّصف بها العبادة؛ لعدم الحرمة بدون قصد القربة ، وعدمِ القدرة علیها مع قصد القربة بها إلّاتشریعاً ، ومعه تکون محرّمة بالحرمة التشریعیّة لا محالة ، ومعه لا تتّصف بحرمة أُخری؛ لامتناع اجتماع المثلین کالضدّین .
الجواب الأول عن الإشکال
فإنّه یقال: لا ضیر فی اتّصاف ما یقع عبادةً - لو کان مأموراً به - بالحرمة الذاتیّة ، مثلاً : صوم العیدین کان عبادةً منهیّاً عنها ، بمعنی أنّه لو أُمر به کان عبادةً ، لا یسقط الأمر به إلّاإذا أُتی به بقصد القربة ، کصوم سائر الأیّام .
هذا فی ما إذا لم یکن ذاتاً عبادةً ، کالسجود للّٰه- تعالی - ونحوه ، وإلّا کان محرّماً مع کونه فعلاً عبادةً ، مثلاً: إذا نُهِی الجنبُ أو الحائض عن السجود له - تبارک وتعالی - ، کان عبادةً محرّمةً ذاتاً حینئذٍ؛ لما فیه من المفسدة والمبغوضیّة فی هذا الحال .
[شماره صفحه واقعی : 258]
ص: 54
صوت
[*حیدری فسایی]
الجواب الثانی مع أنّه لا ضیر فی اتّصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشریعیّة ، بناءً علی أنّ الفعل فیها لا یکون فی الحقیقة متّصفاً بالحرمة ، بل إنّما یکون المتّصف بها ما هو من أفعال القلب ، کما هو الحال فی التّجرّی والانقیاد ، فافهم ، هذا .
الجواب الثالث مع أنّه لو لم یکن النهی فیها دالّاً علی الحرمة لکان دالّاً علی الفساد؛ لدلالته علی الحرمة التشریعیّة ، فإنّه لا أقلّ من دلالته علی أنّها لیست بمأمورٍ بها ، وإن عمّها إطلاق دلیل الأمر بها أو عمومه .
نعم ، لو لم یکن النهی عنها إلّاعَرَضاً ، کما إذا نهی عنها فی ما کانت ضدّاً لواجبٍ - مثلاً - لا یکون مقتضیاً للفساد ، بناءً (1) علی عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن الضدّ إلّاکذلک - أی عَرَضاً - ، فیخصَّص به أو یقیَّد (2) .
ونخبة القول: أنّ النهی الدالّ علی حرمتها لا یقتضی الفساد؛ لعدم الملازمة فیها - لغةً ولا عرفاً - بین حرمتها وفسادها أصلاً : کانت الحرمة متعلّقةً بنفس
[شماره صفحه واقعی : 259]
ص: 55
المعاملة بما هی فعلٌ بالمباشرة ، أو بمضمونها بما هو فعلٌ بالتسبیب ، أو بالتسبّب بها إلیه ، وإن لم یکن السبب ولا المسبَّب - بما هو فعل من الأفعال - بحرام .
[*حیدری فسایی]
وإنّما یقتضی الفساد فی ما إذا کان دالّاً علی حرمة ما لا یکاد یحرم مع صحّتها ، مثل النهی عن أکل الثمن أو المثمن فی بیع ، أو بیع شیءٍ .
نعم ، لا یبعد دعوی ظهور النهی عن المعاملة فی الإرشاد إلی فسادها ، کما أنّ الأمر بها یکون ظاهراً فی الإرشاد إلی صحّتها ، من دون دلالته علی إیجابها أو استحبابها ، کما لا یخفی . لکنّه فی المعاملات بمعنی العقود والإیقاعات ، لا المعاملات بالمعنی الأعمّ المقابل للعبادات .
فالمعوّل هو : ملاحظة القرائن (1) فی خصوص المقامات ، ومع عدمها لا محیص عن الأخذ بما هو قضیّة صیغة النهی من الحرمة ، وقد عرفت أنّها غیر مستتبعة للفساد لا لغةً ولا عرفاً .
نعم ، ربما یتوهّم (2) استتباعها له شرعاً من جهة دلالة غیر واحد من الأخبار علیه:
منها: ما رواه فی الکافی والفقیه عن زرارة عن الباقر علیه السلام : سألته عن مملوکٍ تزوَّجَ بغیر إذن سیّده ، فقال: «ذاک إلی سیّده ، إن شاء أجازه وإن شاء
[شماره صفحه واقعی : 260]
ص: 56
فرَّق بینهما » . قلت : - أصلحک اللّٰه تعالی - إنّ الحَکَم بن عُتَیبَة (1) وإبراهیمَ النَّخعیّ وأصحابَهما یقولون: «إنّ أصل النکاح فاسدٌ ولا یحلّ (2) إجازة السیّد له» . فقال أبو جعفر علیه السلام : «إنّه لم یعصِ اللّٰه ، إنّما عصی سیّده ، فإذا أجاز (3) فهو له جائز» (4)؛ حیث دلّ بظاهره علی (5) أنّ النکاح لو کان ممّا حرّمه اللّٰه - تعالی - علیه کان فاسداً .
صوت
[*حیدری فسایی]
ولا یخفی: أنّ الظاهر أن یکون المراد بالمعصیة المنفیّة هاهنا : أنّ النکاح لیس ممّا لم یُمضه اللّٰه ولم یُشرّعه کی یقع فاسداً ، ومن المعلوم استتباع المعصیة بهذا المعنی للفساد ، کما لا یخفی . ولابأس بإطلاق المعصیة علی عمل لم یمضه اللّٰه ولم یأذن به ، کما اطلق علیه بمجرّد عدم إذن السیّد فیه أنّه معصیة (6)(7)* .
[شماره صفحه واقعی : 261]
ص: 57
وبالجملة: لو لم یکن ظاهراً فی ذلک ، لما کان ظاهراً فی ما تُوهّم .
وهکذا حال سائر الأخبار الواردة فی هذا الباب ، فراجع وتأمّل .
لاعتبار القدرة فی متعلّق النهی ، کالأمر ، ولا یکاد یقدر علیهما إلّافی ما کانت المعاملة مؤثّرةً صحیحة .
[*حیدری فسایی]
وأمّا إذا کان عن السبب ، فلا؛ لکونه مقدوراً وإن لم یکن صحیحاً . نعم ، قد عرفت : أنّ النهی عنه لا ینافیها .
وأمّا العبادات: فما کان منها عبادةً ذاتیّة - کالسجود والرکوع والخشوع والخضوع له « تبارک وتعالی » - فمع النهی عنه یکون مقدوراً ، کما إذا کان مأموراً به . وما کان منها عبادةً لاعتبار قصد القربة فیه لو کان مأموراً به ، فلا یکاد یقدر علیه إلّاإذا قیل باجتماع الأمر والنهی فی شیءٍ ولو بعنوان واحد ، وهو محال . وقد عرفت : أنّ النهی فی هذا القسم إنّما یکون نهیاً عن العبادة ، بمعنی أنّه لو کان مأموراً به ، کان الأمر به أمرَ عبادة لا یسقط إلّابقصد القربة ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 263]
ص: 59
[شماره صفحه واقعی : 264]
ص: 60
[شماره صفحه واقعی : 265]
ص: 61
[شماره صفحه واقعی : 266]
ص: 62
صوت
[*حیدری فسایی]
وهی: أنّ المفهوم - کما یظهر من موارد إطلاقه - هو عبارةٌ عن حکم إنشائیٍّ أو إخباریٍّ ، تستتبعه خصوصیّةُ المعنی الّذی أُرید من اللفظ بتلک الخصوصیّة ، ولو بقرینة الحکمة ، وکان یلزمه لذلک ، وافقه فی الإیجاب والسلب ، أو خالفه .
[*حیدری فسایی]
فمفهوم «إن جاءک زیدٌ فأکرمه» مثلاً - لو قیل به - قضیّةٌ شرطیّةٌ سالبةٌ بشرطها وجزائها ، لازمةٌ للقضیّة الشرطیّة الّتی تکون معنی القضیّة اللفظیّة ، ویکون لها خصوصیّةٌ ، بتلک الخصوصیّة کانت مستلزمةً لها .
فصحّ أن یقال: إنّ المفهوم إنّما هو حکمٌ غیر مذکور؛ لا أنّه حکمٌ لغیر مذکور - کما فُسِّر به (1) - ، وقد وقع فیه النقض والإبرام بین الأعلام (2) ، مع أنّه لا موقع له ، - کما أشرنا إلیه فی غیر مقام - ؛ لأنّه من قبیل شرح الاسم ، کما فی التفسیر اللغویّ .
ومنه قد انقدح حال غیر هذا التفسیر ممّا ذکر فی المقام ، فلا یهمّنا التصدّی
لذلک ، کما لا یهمّنا بیان أنّه من صفات المدلول أو الدلالة؛ وإن کان بصفات المدلول أشبه ، وتوصیف الدلالة به - أحیاناً - کان من باب التوصیف بحال المتعلّق .
[شماره صفحه واقعی : 267]
ص: 63
وقد انقدح من ذلک: أنّ النزاع فی ثبوت المفهوم وعدمه فی الحقیقة ، إنّما یکون فی أنّ القضیّة الشرطیّة أو الوصفیّة أو غیرهما ، هل تدلّ - بالوضع أو بالقرینة العامّة - علی تلک الخصوصیّة المستتبعة لتلک القضیّة الاُخری ، أم لا ؟
الجملة الشرطیّة هل تدلّ علی الانتفاء عند الانتفاء - کما تدلّ علی الثبوت عند الثبوت بلا کلام - أم لا ؟ فیه خلاف بین الأعلام .
لاشبهة فی استعمالها وإرادة الانتفاء عند الانتفاء فی غیر مقام ، إنّما الإشکال والخلاف فی أنّه بالوضع أو بقرینة عامّة ، بحیث لابدّ من الحمل (1) علیه ، لو لم یقم علی خلافه قرینةٌ من حالٍ أو مقالٍ ؟
فلابدّ للقائل بالدلالة من إقامة الدلیل علی الدلالة - بأحد الوجهین - علی تلک الخصوصیّة المستتبعة لترتّب الجزاء علی الشرط ، نحو ترتّب المعلول علی علّته المنحصرة .
[*حیدری فسایی]
وأمّا القائل بعدم الدلالة ففی فُسْحة؛ فإنّ له منعَ دلالتها علی اللزوم - بل علی مجرّد الثبوت عند الثبوت ، ولو من باب الاتّفاق - ، أو منعَ دلالتها علی الترتّب ، أو علی نحو الترتّب علی العلّة ، أو العلّة المنحصرة ، بعد تسلیم اللزوم أو العلّیّة .
[شماره صفحه واقعی : 268]
ص: 64
لکن منع دلالتها علی اللزوم ، ودعوی کونِها اتفاقیّةً فی غایة السقوط؛ لانسباق اللزوم منها قطعاً .
وأمّا المنع عن أنّه بنحو الترتّب علی العلّة - فضلاً عن کونها منحصرة - فله مجالٌ واسعٌ .
ودعوی : تبادر اللزوم والترتّب بنحو الترتّب علی العلّة المنحصرة - مع کثرة استعمالها فی الترتّب علی نحو الترتّب علی غیر المنحصرة منها ، بل فی مطلق اللزوم - بعیدةٌ ، عهدتُها علی مدّعیها .
کیف ؟ ولا یُری فی استعمالها فیهما (1) عنایةٌ ورعایةُ علاقةٍ ، بل إنّما تکون إرادتهما (2) - کإرادة الترتّب علی العلّة المنحصرة - بلا عنایة . کما یظهر علی من (3) أمعن النظر وأجال البصر (4) فی موارد الاستعمالات ، وفی عدم الإلزام والأخذ بالمفهوم فی مقام المخاصمات والاحتجاجات ، وصحّة الجواب ب : أنّه لم یکن لکلامه مفهوم ، وعدم صحّته لو کان له ظهور فیه ، معلومٌ .
صوت
[*حیدری فسایی]
وأمّا دعوی الدلالة ، بادّعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومیّة إلی ما هو أکمل أفرادها ، وهو اللزوم بین العلّة المنحصرة ومعلولها ، ففاسدة جدّاً؛ لعدم کون الأکملیّة موجبة للانصراف إلی الأکمل ، لا سیّما مع کثرة الاستعمال فی غیره ، کما لا یکاد یخفی ، هذا .
[شماره صفحه واقعی : 269]
ص: 65
مضافاً إلی منع کون اللزوم بینهما أکمل ممّا إذا لم تکن العلّة بمنحصرة؛ فإنّ الانحصار لا یوجب أن یکون ذاک الربط الخاصّ - الّذی لابدّ منه فی تأثیر العلّة فی معلولها - آکدَ وأقوی .
إن قلت: نعم ، ولکنّه قضیّة الإطلاق بمقدّمات الحکمة ، کما أنّ قضیّة إطلاق صیغة الأمر هو الوجوب النفسیّ .
قلت: أوّلاً: هذا فی ما تمّت هناک مقدّمات الحکمة ، ولا تکاد تتمّ فی ما هو مفاد الحرف ، کما هاهنا ، وإلّا لما کان معنی حرفیّاً ، کما یظهر وجهه بالتأمّل .
وثانیاً: تعیُّنُه من بین أنحائه بالإطلاق المسوق فی مقام البیان بلا معیِّن .
ومقایستُه مع تعیّن الوجوب النفسیّ بإطلاق صیغة الأمر مع الفارق؛ فإنّ النفسیّ هو الواجب (1) علی کلِّ حالٍ ، بخلاف الغیریّ ، فإنّه واجب علی تقدیرٍ دون تقدیر ، فیحتاج بیانه إلی مؤونة التقیید بما إذا وجب الغیر ، فیکون الإطلاق فی الصیغة مع مقدّمات الحکمة محمولاً علیه . وهذا بخلاف اللزوم والترتّب بنحو الترتّب علی العلّة المنحصرة؛ ضرورة أنّ کلّ واحد من أنحاء اللزوم والترتّب ، محتاج فی تعیّنه إلی القرینة مثل الآخر بلا تفاوت أصلاً ، کما لا یخفی .
صوت
[*حیدری فسایی]
ثمّ إنّه ربما یتمسّک للدلالة علی المفهوم بإطلاق الشرط ، بتقریب : أنّه
[شماره صفحه واقعی : 270]
ص: 66
لولم یکن بمنحصر یلزم (1) تقییده؛ ضرورة أنّه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أ ثّر وحده (2) ، وقضیّةُ إطلاقه أنّه یؤثّر کذلک مطلقاً .
وفیه: أنّه لا تکاد تُنکَر الدلالة علی المفهوم مع إطلاقه کذلک ، إلّاأنّه من المعلوم ندرةَ تحقّقه ، لولم نقل بعدم اتّفاقه .
فتلخّص - بما ذکرناه - : أنّه لم ینهض دلیلٌ علی وضع مثل «إن» علی تلک الخصوصیّة المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء ، ولم تقم علیها قرینة عامّة .
أمّا قیامها أحیاناً - کانت مقدّمات الحکمة أو غیرها - ممّا لا یکاد ینکر ، فلا یجدی القائل بالمفهوم : أنّه قضیّة الإطلاق فی مقامٍ من باب الاتّفاق .
وأمّا توهُّم : أنّه قضیّة إطلاق الشرط ، بتقریب: أنّ مقتضاه تعیّنُه ، کما أنّ مقتضی إطلاق الأمر تعیّنُ الوجوب .
ففیه: أنّ التعیّن لیس فی الشرط نحوٌ (3) ، یغایر نحوَه فی ما إذا کان متعدّداً ، کما کان فی الوجوب کذلک ، وکان الوجوب فی کلّ منهما متعلّقاً بالواجب بنحوٍ آخر ، لابدّ فی التخییریّ منهما من العِدل . وهذا بخلاف الشرط ،
[شماره صفحه واقعی : 271]
ص: 67
فإنّه - واحداً کان أو متعدّداً - کان نحوُه واحداً ، ودخلُه فی المشروط بنحوٍ واحد ، لا تتفاوت الحال فیه ثبوتاً ، کی تتفاوت عند الإطلاق إثباتاً ، وکان الإطلاق مثبتاً لنحوٍ لا یکون له عِدْل؛ لاحتیاج ما لَه العِدل إلی زیادةِ مؤونةٍ ، وهو ذِکره بمثل : «أو کذا» .
[*حیدری فسایی]
واحتیاج ما إذا کان الشرط متعدّداً إلی ذلک إنّما یکون لبیان التعدّد ، لا لبیان نحو الشرطیّة . فنسبة إطلاق الشرط إلیه لاتختلف ، کان هناک شرط آخر أم لا ، حیث کان مسوقاً لبیان شرطیّته بلاإهمال ولا إجمال . بخلاف إطلاق الأمر؛ فإنّه لو لم یکن لبیان خصوص الوجوب التعیینیّ ، فلا محالة یکون فی مقام الإهمال أو الإجمال ، تأمّل تعرف . هذا .
مع أنّه لو سلّم لا یُجدی القائل بالمفهوم؛ لما عرفت أنّه لا یکاد ینکر فی ما إذا کان مفاد الإطلاق من باب الاتّفاق .
ثمّ إنّه ربما استدلّ المنکرون للمفهوم بوجوه:
أحدها: ما عُزِی إلی السیّد (1) من أنّ تأثیر الشرط إنّما هو تعلیق الحکم به ، ولیس بممتنع أن یخلفه وینوب منابه شرطٌ آخر یجری مجراه ، ولا یخرج عن کونه شرطاً؛ فإنّ قوله تعالی: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهیدَیْنِ مِنْ رِجالِکُمْ » (2)یمنع من قبول الشاهد الواحد حتّی ینضمّ إلیه شاهد آخر ، فانضمام الثانی إلی الأوّل شرط فی القبول ، ثمّ علمنا: أنّ ضمّ امرأتین إلی الشاهد الأوّل شرط فی القبول ، ثمّ علمنا: أنّ ضمّ الیمین یقوم مقامه أیضاً . فنیابة بعض الشروط عن بعض أکثر
[شماره صفحه واقعی : 272]
ص: 68
من أن تحصی ، مثل الحرارة ؛ فإنّ انتفاء الشمس لا یلزم منه (1) انتفاء الحرارة (2)؛ لاحتمال قیام النار مقامها . والأمثلة لذلک کثیرة شرعاً وعقلاً .
الجواب عنه
[*حیدری فسایی]
والجواب: أنّه قدس سره إن کان بصدد إثبات (3) إمکان نیابة بعض الشروط عن بعض فی مقام الثبوت وفی الواقع ، فهو ممّا لا یکاد ینکر؛ ضرورة أنّ الخصم یدّعی عدَمَ وقوعه فی مقام الإثبات ، ودلالةَ القضیّة الشرطیّة علیه .
وإن کان بصدد إبداء احتمال وقوعه ، فمجرّد الاحتمال لا یضرّه ، ما لم یکن بحسب القواعد اللفظیّة راجحاً أو مساویاً ، ولیس فی ما أفاده ما یثبت ذلک أصلاً ، کما لا یخفی .
ثانیها: ا نّه لو دلّ لکان بإحدی الدلالات ، والملازمة - کبطلان التالی - ظاهرة .
الجواب عنه
وقد أُجیب عنه (4) بمنع بطلان التالی ، وأنّ الالتزام ثابت . وقد عرفت بما لا مزید علیه ما قیل أو یمکن أن یقال فی إثباته أو منعه ، فلا تغفل .
ثالثها: قوله تبارک وتعالی: «ولاتُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلیٰ الْبِغاءِ إِنْ أرَدْنَ تَحَصُّناً » (5).
[شماره صفحه واقعی : 273]
ص: 69
الجواب عنه
وفیه ما لا یخفی؛ ضرورة أنّ استعمال الجملة الشرطیّة فی ما لا مفهوم له أحیاناً وبالقرینة لا یکاد ینکر ، کما فی الآیة وغیرها . وإنّما القائل به إنّما یدّعی ظهورها فی ما له المفهوم وضعاً أو بقرینةٍ عامّة ، کما عرفت .
الأمر الأوّل: أنّ المفهوم هو : انتفاء سنخ الحکم المعلّق علی الشرط عند انتفائه ، لا انتفاءُ شخصه (1)؛ ضرورة انتفائه عقلاً بانتفاء موضوعه ولو ببعض قیوده ، فلا (2) یتمشّی الکلام فی أنّ للقضیّة الشرطیّة مفهوماً أو لیس لها مفهومٌ ، إلّا فی مقامٍ کان هناک ثبوت سنخ الحکم فی الجزاء ، وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممکناً . وإنّما وقع النزاع فی أنّ لها دلالةً علی الانتفاء عند الانتفاء ، أو لا یکون لها دلالة .
فی تمهید القواعد: أنّه لا إشکال فی دلالتها علی المفهوم (1) .
وذلک لأنّ انتفاءها عن غیر ما هو المتعلّق لها ، - من الأشخاص الّتی تکون بألقابها ، أو بوصف شیءٍ ، أو بشرطه ، مأخوذةً فی العقد ، أو مثل العهد - لیس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب علیه ، بل لأجل أنّه إذا صار شیءٌ وقفاً علی أحدٍ ، أو اوصی به ، أو نُذر له - إلی غیر ذلک - لا یقبل أن یصیر وقفاً علی غیره أو وصیّةً أو نذراً له . وانتفاءُ شخص الوقف أو النذر أو الوصیّة عن غیر مورد المتعلّق ، قد عرفت أنّه عقلیٌّ مطلقاً ، ولو قیل بعدم المفهوم فی موردٍ صالح له .
إشکال ودفع :
لعلّک تقول: کیف یکون المناط فی المفهوم هو سنخ الحکم ، لا نفس شخص الحکم فی القضیّة ، وکان الشرط فی الشرطیّة إنّما وقع شرطاً بالنسبة إلی الحکم الحاصل بإنشائه دون غیره ؟ فغایة قضیّتها انتفاء ذاک الحکم بانتفاء شرطه ، لا انتفاء سنخه . وهکذا الحال فی سائر القضایا الّتی تکون مفیدة للمفهوم (2) .
صوت
[*حیدری فسایی]
ولکنّک غفلت عن أنّ المعلّق علی الشرط إنّما هو نفس الوجوب الّذی
[شماره صفحه واقعی : 275]
ص: 71
هو مفاد الصیغة ومعناها ، وأمّا الشخص والخصوصیّة الناشئة من قِبَل استعمالها فیه ، لا تکاد (1) تکون من خصوصیّات معناها المستعملة فیه ، کما لا یخفی ، کما لا تکون الخصوصیّة الحاصلة من قِبَل الإخبار به ، من خصوصیّات ما اخبر به واستعمل فیه إخباراً لا إنشاءً .
وبالجملة: کما لا یکون المخبَر به المعلّق علی الشرط خاصّاً بالخصوصیّات الناشئة من قِبَل الإخبار به ، کذلک المُنشأ بالصیغة المعلّق علیه ، وقد عرفت بما حقّقناه فی معنی الحرف وشبهه (2): أنّ ما استعمل فیه الحرف عامّ کالموضوع له ، وأنّ خصوصیّة لحاظِه بنحو الآلیّة والحالیّة لغیره من خصوصیّة الاستعمال ، کما أنّ خصوصیّة لحاظ المعنی بنحو الاستقلال فی الاسم کذلک ، فیکون اللحاظ الآلیّ - کالاستقلالیّ - من خصوصیّات الاستعمال ، لا المستعمل فیه .
وبذلک قد انقدح فساد ما یظهر من التقریرات (3) - فی مقام التفصّی عن هذا الإشکال - من التفرقة بین الوجوب الإخباریّ والإنشائیّ ، بأنّه کلّیٌّ فی الأوّل وخاصٌّ فی الثانی ، حیث دفع الإشکال بأنّه لا یتوجّه فی (4) الأوّل ؛ لکون الوجوب کلّیّاً (5) ، وعلی الثانی بأنّ ارتفاع مطلق الوجوب فیه من فوائد العلّیّة المستفادة من الجملة الشرطیّة؛
بما حاصله: أنّ التفصّی لا یبتنی علی کلّیّة الوجوب ؛ لما أفاده . وکونُ الموضوع له فی الإنشاء عامّاً لم یقم علیه دلیل ، لو لم نقل بقیام الدلیل علی خلافه؛ حیث إنّ الخصوصیّات بأنفسها مستفادة من الألفاظ .
وذلک لما عرفت من أنّ الخصوصیّات فی الإنشاءات والإخبارات ، إنّما تکون ناشئة من الاستعمالات بلا تفاوتٍ أصلاً بینهما .
ولعمری لا یکاد ینقضی تعجّبی ، کیف تُجعل خصوصیّات الإنشاء من خصوصیّات المستعمل فیه ؟ مع أنّها - کخصوصیّات الإخبار - تکون ناشئة من الاستعمال ، ولا یکاد یمکن أن یدخل فی المستعمل فیه ما ینشأ من قِبَل الاستعمال ، کما هو واضح لمن تأمّل .
الأمر الثانی: انّه إذا تعدّد الشرط مثل: «إذا خفی الأذانُ فقصِّر» و «إذا خفی الجدران فقصِّر» ، فبناءً علی ظهور الجملة الشرطیّة فی المفهوم ، لابدّ من التصرّف ورفع الید عن الظهور:
- إمّا بتخصیص مفهوم کلّ منهما بمنطوق الاُخری ، فیقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطین .
- وإمّا برفع الید عن المفهوم فیهما ، فلا دلالة لهما علی عدم مدخلیّة شیءٍ آخر فی الجزاء ، بخلاف الوجه الأوّل ، فإنّ فیهما الدلالة علی ذلک .
- وإمّا بتقیید إطلاق الشرط فی کلّ منهما بالآخر ، فیکون الشرط هو خفاء الأذان والجدران معاً ، فإذا خفیا وجب القصر ، ولا یجب عند انتفاء خفائهما ، ولو خفی أحدهما .
[*حیدری فسایی]
- وإمّا بجعل الشرط هو القدر المشترک بینهما ، بأن یکون تعدّد الشرط قرینة علی أنّ الشرط فی کلٍّ منهما لیس بعنوانه الخاصّ ، بل بما هو مصداق لما
[شماره صفحه واقعی : 277]
ص: 73
یعمّهما من العنوان .
ولعلّ العرف یساعد علی الوجه الثانی ، کما أنّ العقل ربما یعیّن هذا الوجه ، بملاحظة أنّ الأُمور المتعدّدة - بما هی مختلفة - لا یمکن أن یکون کلّ منها (1) مؤثّراً فی واحد؛ فإنّه لابدّ من الربط الخاصّ بین العلّة والمعلول ، ولا یکاد یکون الواحد بما هو واحد مرتبطاً بالاثنین - بما هما إثنان - ، ولذلک أیضاً لا یصدر من الواحد إلّاالواحد .
فلابدّ من المصیر إلی أنّ الشرط فی الحقیقة واحد ، وهو المشترک بین الشرطین ، بعد البناء علی رفع الید عن المفهوم ، وبقاءِ إطلاق الشرط فی کلّ منهما علی حاله ، وإن کان بناء العرف والأذهان العامیّة علی تعدّد الشرط ، وتأثیر کلّ شرط بعنوانه الخاصّ ، فافهم (2) .
صوت
[*حیدری فسایی]
الأمر الثالث: إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء ، فلا إشکال علی الوجه الثالث . وأمّا علی سائر الوجوه ، فهل اللازم الإتیان (3) بالجزاء متعدّداً ، حَسَبَ تعدُّدِ الشروط ، أو یتداخل ، ویُکتفی بإتیانه دفعةً واحدةً ؟ فیه أقوال :
[شماره صفحه واقعی : 278]
ص: 74
والمشهور: عدم التداخل .
وعن جماعة - منهم المحقّق الخوانساریّ (1) - : التداخل .
وعن الحلّی (2) : التفصیل بین اتّحاد جنس الشروط وتعدّده .
والتحقیق: أنّه لمّا کان ظاهر الجملة الشرطیّة حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه ، أو بکشفه عن سببه ، وکان قضیّته تعدّدَ الجزاء عند تعدّد الشرط ، کان الأخذُ بظاهرها - إذا تعدّد الشرط حقیقةً أو وجوداً - محالاً؛ ضرورة أنّ لازمه أن تکون الحقیقة الواحدة - مثل الوضوء - بما هی واحدة - فی مثل : إذا بُلتَ فتوضّأ ، و : إذا نمتَ فتوضّأ ، أو فی ما إذا بال مکرّراً ، أو نام کذلک - محکوماً (3) بحکمین متماثلین ، وهو واضح الاستحالة کالمتضادّین .
فلابدّ علی القول بالتداخل من التصرّف فیه:
إمّا بالالتزام بعدم دلالتها فی هذا الحال علی الحدوث عند الحدوث ، بل علی مجرّد الثبوت .
[*حیدری فسایی]
- أو الالتزامِ بکون متعلّق الجزاء وإن کان واحداً صورةً ، إلّاأنّه حقائقُ متعدّدة - حَسَبَ تعدّد الشرط - ، متصادقةٌ علی واحدٍ . فالذمّة وإن اشتغلت بتکالیفِ متعدّدة حسب تعدّد الشروط ، إلّاأنّ الاجتزاء بواحد؛ لکونه مجمعاً لها ، کما فی : أکرِم هاشمیّاً وأضِف عالماً ، فأکرمَ العالمَ الهاشمیّ بالضیافة؛ ضرورة أنّه بضیافته بداعی الأمرین یصدق أنّه امتثلهما ، ولا محالة یسقط الأمر بامتثاله
[شماره صفحه واقعی : 279]
ص: 75
وموافقته ، وإن کان له امتثال کلّ منهما علی حدة ، کما إذا أکرم الهاشمیَّ بغیر الضیافة ، وأضاف العالمَ غیرَ الهاشمیّ .
إن قلت: کیف یمکن ذلک - أی الامتثالُ بما تصادق علیه العنوانان - مع استلزامه محذورَ اجتماع الحکمین المتماثلین فیه ؟
قلت: انطباق عنوانین واجبین علی واحدٍ لا یستلزم اتّصافَه بوجوبین ، بل غایته أنّ انطباقهما علیه یکون منشئاً لاتّصافه بالوجوب ، وانتزاعِ صفته له .
مع أنّه - علی القول بجواز الاجتماع - لا محذور فی اتّصافه بهما ، بخلاف ما إذا کان بعنوان واحد ، فافهم .
[*حیدری فسایی]
- أو الالتزامِ بحدوث الأثر عند وجود کلِّ شرطٍ ، إلّاأنّه وجوب الوضوء فی المثال عند الشرط الأوّل ، وتأکُّدُ وجوبه عند الآخر .
ولا یخفی: أنّه لا وجه لأن یصار إلی واحدٍ منها؛ فإنّه رفع الید عن الظاهر بلا وجه . مع ما فی الأخیرین من الاحتیاج إلی إثبات أنّ متعلّق الجزاء متعدّدٌ متصادقٌ علی واحد ، وإن کان صورةً واحداً سمّی باسم واحدٍ کالغُسل ، وإلی إثبات أنّ الحادث بغیر الشرط الأوّل تأکُّدُ ما حدث بالأوّل ، ومجرّدُ الاحتمال لا یُجدی ، ما لم یکن فی البین ما یثبته .
إن قلت: وجه ذلک هو لزوم التصرّف فی ظهور الجملة الشرطیّة؛ لعدم إمکان الأخذ بظهورها ، حیث إنّ قضیّته اجتماع الحکمین فی الوضوء فی المثال ، کما مرّت الإشارة إلیه (1) .
قلت: نعم ، إذا لم یکن المراد بالجملة - فی ما إذا تعدّد الشرط ، کما فی
[شماره صفحه واقعی : 280]
ص: 76
المثال - هو وجوب وضوءٍ (1) - مثلاً - بکلِّ شرطٍ غیر ما وجب بالآخر ، ولا ضیر فی کون فردٍ محکوماً بحکم فردٍ آخر أصلاً ، کما لا یخفی .
إن قلت: نعم ، لو لم یکن تقدیر تعدّد الفرد علی خلاف الإطلاق .
قلت: نعم ، لو لم یکن ظهور الجملة الشرطیّة فی کون الشرط سبباً أو کاشفاً عن السبب ، مقتضیاً لذلک - أی لتعدّد الفرد - ، وإلّا کان بیاناً (2) لما هو المراد من الإطلاق .
[*حیدری فسایی]
وبالجملة: لا دوران بین ظهور الجملة فی حدوث الجزاء وظهورِ الإطلاق؛ ضرورة أنّ ظهور الإطلاق یکون معلّقاً علی عدم البیان ، وظهورَها فی ذلک صالحٌ لأن یکون بیاناً ، فلا ظهور له مع ظهورها ، فلا یلزم علی القول بعدم التداخل تصرّفٌ أصلاً ، بخلاف القول بالتداخل کما لا یخفی (3)* .
فتلخّص بذلک: أنّ قضیّة ظاهر الجملة الشرطیّة هو القول بعدم التداخل عند تعدّد الشرط .
[شماره صفحه واقعی : 281]
ص: 77
وقد انقدح ممّا ذکرناه: أنّ الُمجدی للقول بالتداخل هو أحد الوجوه الّتی ذکرناها ، لا مجرّد کون الأسباب الشرعیّة معرِّفات لا مؤثّرات .
فلا وجه لما عن الفخر (1) وغیره (2) من ابتناء المسألة علی أنّها معرّفات أو مؤثّرات . مع أنّ الأسباب الشرعیّة حالها حال غیرها ، فی کونها معرّفات تارةً ، ومؤثّرات أُخری؛ ضرورة أنّ الشرط للحکم الشرعیّ فی الجمل الشرطیّة ربما یکون ممّا له دخل فی ترتّب الحکم ، بحیث لولاه لما وجدت له علّة ، کما أنّه فی الحکم غیر الشرعیّ قد یکون أمارة علی حدوثه بسببه ، وإن کان ظاهر التعلیق أنّ له الدخل فیهما ، کما لا یخفی .
[*حیدری فسایی]
نعم ، لو کان المراد بالمعرِّفیّة فی الأسباب الشرعیّة : أنّها لیست بدواعی الأحکام الّتی هی فی الحقیقة عللٌ لها ، وإن کان لها دخْلٌ فی تحقّق موضوعاتها ، بخلاف الأسباب غیرِ الشرعیّة ، فهو وإن کان له وجه ، إلّاأنّه ممّا لا یکاد یتوهّم أنّه یُجدی فی ما همّ و أراد .
ثمّ إنّه لا وجه للتفصیل بین اختلاف الشروط بحسب الأجناس وعدمِه ، واختیار عدم التداخل فی الأوّل ، و التداخِل فی الثانی (3) ، إلّاتوهُّم عدم صحّة التعلّق (4) بعموم اللفظ فی الثانی؛ لأنّه من أسماء الأجناس ، فمع تعدّد أفراد شرط واحد لم یوجد إلّاالسبب الواحد ، بخلاف الأوّل؛ لکون کلّ منها سبباً ، فلا وجه لتداخلها .
[شماره صفحه واقعی : 282]
ص: 78
وهو فاسد؛ فإنّ قضیّة إطلاق الشرط فی مثل : « إذا بُلت فتوضّأ » هو حدوث الوجوب عند کلّ مرّةٍ لو بال مرّات ، وإلّا فالأجناس المختلفة لابدّ من رجوعها إلی واحد ، فی ما جُعلت شروطاً وأسباباً لواحد؛ لما مرّت إلیه الإشارة (1) : من أنّ الأشیاء المختلفة بما هی مختلفة لا تکون أسباباً لواحد .
صوت
[*حیدری فسایی]
هذا کلّه فی ما کان موضوع الحکم فی الجزاء قابلاً للتعدّد ، وأمّا إذا لم یکن قابلاً له (2) ، فلابدّ من تداخل الأسباب فی (3) ما لا یتأکّد المسبّب ، ومن التداخل فیه فی ما یتأکّد .
الظاهر : أنّه لا مفهوم للوصف وما بحکمه مطلقاً؛ لعدم ثبوت الوضع، وعدمِ لزوم اللغویّة بدونه؛ لعدم انحصار الفائدة به ، وعدمِ قرینة أُخری ملازمة له .
وعلّیّته - فی ما إذا استفیدت - غیر مقتضیة له ، کما لا یخفی (4) . ومع کونها بنحو الانحصار وإن کانت مقتضیة له ، إلّاأنّه لم یکن من مفهوم الوصف؛ ضرورة أنّه قضیّة العلّة الکذائیّة المستفادة من القرینة علیها فی خصوص مقام ،
[شماره صفحه واقعی : 283]
ص: 79
وهو ممّا لا إشکال فیه ولا کلام ، فلا وجه لجعله تفصیلاً فی محلّ النزاع ، ومورداً للنقض والإبرام .
ولا ینافی (1) ذلک ما قیل من أنّ الأصل فی القید أن یکون احترازیّاً؛ لأنّ الاحترازیّة لا توجب إلّاتضییق دائرة موضوع الحکم فی القضیّة، مثل ما إذا کان هذا الضیق (2) بلفظ واحد . فلا فرق أن یقال: جئنی بإنسان ، أو : بحیوان ناطق .
[*حیدری فسایی]
کما أنّه لا یلزم من (3) حمل المطلق علی المقیّد - فی ما وُجد شرائطه - إلّاذلک ، من دون حاجةٍ فیه إلی دلالته علی المفهوم (4)؛ فإنّ (5) من المعلوم أنّ قضیّة الحمل لیس إلّاأنّ المراد بالمطلق هو المقیّد ، وکأنّه لا یکون فی البین غیره . بل ربما قیل (6): إنّه لا وجه للحمل لو کان بلحاظ المفهوم ؛ فإنّ ظهوره فیه لیس بأقوی من ظهور المطلق فی الإطلاق کی یحمل علیه ، لو لم نقل بأنّه الأقوی ؛ لکونه بالمنطوق ، کما لا یخفی .
صوت
[*حیدری فسایی]
وأمّا الاستدلال علی ذلک - أی: عدمِ الدلالة علی المفهوم - بآیة « وَ رَبٰائِبُکُمُ اللاّٰتِی فِی حُجُورِکُمْ » (7)، ففیه: أنّ الاستعمال فی غیره أحیاناً مع القرینة ممّا لا یکاد ینکر ، کما فی الآیة قطعاً .
[شماره صفحه واقعی : 284]
ص: 80
مع أنّه یعتبر فی دلالته علیه - عند القائل بالدلالة - أن لا یکون وارداً مورد الغالب - کما فی الآیة - ، ووجهُ الاعتبار واضح؛ لعدم دلالته معه علی الاختصاص ، وبدونها لا یکاد یتوهّم دلالته علی المفهوم ، فافهم .
تذنیبٌ:
لا یخفی أنّه لا شبهة فی جریان النزاع فی ما إذا کان الوصف أخصّ من موصوفه ولو من وجهٍ ، فی مورد الافتراق من جانب الموصوف .
وأمّا فی غیره: ففی جریانه إشکالٌ، أظهره عدم جریانه . وإن کان یظهر ممّا عن بعض الشافعیّة (1) - حیث قال: قولنا: فی الغنم السائمة زکاةٌ ، یدلّ علی عدم الزکاة فی معلوفة الإبل - جریانُه فیه، ولعلّ وجهه استفادة العلّیّة المنحصرة منه .
وعلیه فیجری فی ما کان الوصف مساویاً أو أعمّ مطلقاً أیضاً ، فیدلّ علی انتفاء سنخ الحکم عند انتفائه ، فلا وجه فی التفصیل بینهما وبین ما إذا کان أخصّ من وجهٍ ، - فی ما إذا کان الافتراق من جانب الوصف (2) - بأنّه لا وجه للنزاع فیهما ، معلّلاً بعدم الموضوع ، واستظهارِ جریانه من بعض الشافعیّة فیه (3) ، کما لا یخفی ، فتأمّل جیّداً .
[شماره صفحه واقعی : 285]
ص: 81
صوت
[*حیدری فسایی]
هل الغایة فی القضیّة تدلّ علی ارتفاع الحکم عمّا بعد الغایة - بناءً علی دخول الغایة فی المغیّا - أو عنها وبعدها - بناءً علی خروجها - أو لا ؟
فیه خلافٌ . وقد نُسب إلی المشهور : الدلالةُ علی الارتفاع (1) ، وإلی جماعة - منهم : السیّد (2) والشیخ (3) - : عدم الدلالة علیه .
والتحقیق: أنّه إذا کانت الغایة بحسب القواعد العربیّة قیداً للحکم ، - کما فی قوله علیه السلام : «کلُّ شیءٍ حلالٌ حتّی تعرف أنّه حرامٌ» (4) ، و : «کلُّ شیءٍ طاهرٌ حتّی تعلم أنّه قَذِر» (5) - کانت دالّةً علی ارتفاعه عند حصولها (6)؛ لانسباق ذلک منها ، کما لا یخفی ، وکونِهِ قضیّة تقییده بها ، وإلّا لما کان (7) ما جُعل غایةً له بغایةٍ ، وهو واضح إلی النهایة .
وأمّا إذا کانت بحسبها قیداً للموضوع - مثل : سِر من البصرة إلی الکوفة -
[شماره صفحه واقعی : 286]
ص: 82
فحالها حال الوصف فی عدم الدلالة ، وإن کان تحدیده بها بملاحظة حکمه ، وتعلُّق الطلب به ، وقضیّته لیس إلّاعدم الحکم فیها إلّابالمغیّا ، من دون دلالة لها أصلاً علی انتفاء سنخه عن غیره؛ لعدم ثبوت وضع لذلک ، وعدمِ قرینة ملازمة لها - ولو غالباً - دلّت علی اختصاص الحکم به . وفائدةُ التحدید بها - کسائر أنحاء التقیید - غیر منحصرة بإفادته ، کما مرّ فی الوصف (1) .
صوت
[*حیدری فسایی]
ثمّ إنّه فی الغایة خلاف آخر - کما أشرنا إلیه - ، وهو أنّها هل هی داخلة فی المغیّا بحسب الحکم ، أو خارجة عنه ؟
والأظهر: خروجها؛ لکونها من حدوده، فلا تکون محکومة بحکمه. ودخوله (2) فیه فی بعض الموارد إنّما یکون بالقرینة . وعلیه تکون کما بعدها بالنسبة إلی الخلاف الأوّل ، کما أنّه علی القول الآخر تکون محکومةً بالحکم منطوقاً .
ثمّ لا یخفی : أنّ هذا الخلاف لا یکاد یعقل جریانه فی ما إذا کانت (3) قیداً للحکم ، فلا تغفل (4) .
[شماره صفحه واقعی : 287]
ص: 83
لا شبهة فی دلالة الاستثناء علی اختصاص الحکم - سلباً أو إیجاباً - بالمستثنی منه ، ولا یعمّ المستثنی . ولذلک یکون الاستثناء من النفی إثباتاً ، ومن الإثبات نفیاً ؛ وذلک للانسباق عند الإطلاق قطعاً .
فلا یُعبأ بما عن أبی حنیفة من عدم الإفادة (1) ، محتجّاً بمثل: «لا صلاة إلّا بطهور» (2) .
ضرورة ضعف احتجاجه:
أوّلاً : بکون المراد من مثله (3)* : أنّه لا تکون الصلاة الّتی کانت واجدةَ لأجزائها وشرائطها المعتبرة فیها صلاةً إلّاإذا کانت واجدةً للطهارة ، وبدونها لا تکون صلاةً علی وجهٍ ، وصلاةً تامّةً مأموراً بها علی آخر .
وثانیاً : بأنّ الاستعمال مع القرینة - کما فی مثل الترکیب ، ممّا عُلم فیه الحال - لا دلالة له علی مدّعاه أصلاً ، کما لا یخفی .
ومنه قد انقدح: أنّه لا موقع للاستدلال علی المدّعی بقبول رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله إسلامَ من قال کلمة التوحید (4)؛ لإمکان دعوی أنّ دلالتها علی التوحید
[شماره صفحه واقعی : 288]
ص: 84
کان بقرینة الحال أو المقال (1) .
[*حیدری فسایی]
والإشکال (2) فی دلالتها علیه : بأنّ خبر «لا» : إمّا یقدّر : «ممکن» ، أو : «موجود» ، وعلی کلّ تقدیر لا دلالة لها علیه :
أمّا علی الأوّل: فلأنّه (3) حینئذٍ لا دلالة لها إلّاعلی إثبات إمکان وجوده - تبارک وتعالی - ، لا وجوده .
وأمّا علی الثانی: فلأنّها وإن دلّت علی وجوده - تعالی - ، إلّاأنّه لا دلالة لها علی عدم إمکان إلٰهٍ آخر .
مندفعٌ : بأنّ المراد من الإله هو واجب الوجود ، ونفیُ ثبوته ووجوده فی الخارج ، وإثباتُ فردٍ منه فیه - وهو اللّٰه - یدلّ بالملازمة البیّنة علی امتناع تحقّقه فی ضمن غیره - تبارک وتعالی - ؛ ضرورة أنّه لو لم یکن ممتنعاً لوُجد؛ لکونه من أفراد الواجب .
ثمّ إنّ الظاهر : أنّ دلالة الاستثناء علی الحکم فی طرف المستثنی بالمفهوم ، وأنّه لازمُ خصوصیّة الحکم فی جانب المستثنی منه الّتی دلّت علیها الجملة الاستثنائیّة .
نعم ، لو کانت الدلالة فی طرفه بنفس الاستثناء ، - لابتلک الجملة - ، کانت بالمنطوق ، کما هو لیس ببعید ، وإن کان تعیین ذلک لا یکاد یفید .
[شماره صفحه واقعی : 289]
ص: 85
وممّا یدلّ علی الحصر والاختصاص : «إنّما» ؛ وذلک لتصریح أهل اللغة بذلک (1) ، وتبادرِه منها قطعاً عند أهل العرف والمحاورة .
ودعوی : «أنّ الإنصاف أنّه لا سبیل لنا إلی ذلک؛ فإنّ موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة ، ولا یعلم بما هو مرادف لها فی عرفنا ، حتّی یستکشف منها ما هو المتبادر منها» (2) .
غیر مسموعة؛ فإنّ السبیل إلی التبادر لا ینحصر بالانسباق إلی أذهاننا؛ فإنّ الانسباق إلی أذهان أهل العرف أیضاً سبیلٌ .
صوت
[*حیدری فسایی]
وربما یُعدّ ممّا دلّ علی الحصر کلمة : «بل» الإضرابیّة .
والتحقیق: أنّ الإضراب علی أنحاء:
منها: ما کان لأجل أنّ المُضرَب عنه إنّما أتی به غفلةً ، أو سَبقَه به لسانُه ، فیضرب بها عنه إلی ماقصد بیانه ، فلا دلالة له علی الحصر أصلاً ، فکأنّه أتی بالمُضرَب إلیه ابتداءً ، کما لا یخفی .
ومنها: ما کان لأجل التأکید ، فیکون ذکر المُضرَب عنه کالتوطئة والتمهید لذکر المُضرَب إلیه ، فلا دلالة له علیه أیضاً .
ومنها: ما کان فی مقام الردع وإبطال ما أثبت أوّلاً ، فیدلّ علیه* ، وهو واضح (3) .
[شماره صفحه واقعی : 290]
ص: 86
وممّا یفید الحصر - علی ما قیل (1) - تعریف المسند إلیه باللام .
والتحقیق: أنّه لا یفیده إلّافی ما اقتضاه المقام؛ لأنّ الأصل فی اللام أن تکون لتعریف الجنس ، کما أنّ الأصل فی الحمل - فی القضایا المتعارفة - هو الحمل المتعارف ، الّذی ملاکه مجرّد الاتّحاد فی الوجود ، فإنّه الشائع فیها ، لا الحمل الذاتیّ ، الّذی ملاکه الاتّحاد بحسب المفهوم ، کما لا یخفی . وحمل شیءٍ علی جنسٍ وماهیّةٍ کذلک، لا یقتضی اختصاص تلک الماهیّة به وحصرها علیه .
[*حیدری فسایی]
نعم ، لو قامت قرینة علی أنّ اللام للاستغراق ، أو أنّ مدخوله أُخذ بنحو الإرسال والإطلاق ، أو علی أنّ الحمل علیه کان ذاتیّاً ، لاُفید حَصْرُ مدخوله علی محموله واختصاصُه به .
وقد انقدح بذلک : الخلل فی کثیرٍ من کلمات الأعلام فی المقام ، وما وقع منهم من النقض والإبرام . ولانطیل بذکرها ، فإنّه بلاطائل ، کما یظهر للمتأمّل ، فتأمّل جیّداً .
فصل مفهوم اللقب والعدد
لا دلالة للّقب ولا للعدد علی المفهوم ، وانتفاءِ سنخ الحکم عن غیر موردهما أصلاً . وقد عرفت (2) : أنّ انتفاء شخصه لیس بمفهوم .
[شماره صفحه واقعی : 291]
ص: 87
کما أنّ قضیّة التقیید بالعدد منطوقاً عدمُ جواز الاقتصار علی ما دونه؛ لأنّه لیس بذاک الخاصّ والمقیّد .
وأمّا الزیادة فکالنقیصة ، إذا کان التقیید به للتحدید بالإضافة إلی کلا طرفیه .
نعم ، لو کان لمجرّد التحدید بالنظر إلی طرفه الأقلّ ، لما کان فی الزیادة ضیرٌ أصلاً ، بل ربما کان فیها فضیلة وزیادة ، کما لا یخفی .
وکیف کان ، فلیس عدم الاجتزاء (1) بغیره من جهة دلالته علی المفهوم ، بل إنّما یکون لأجل عدم الموافقة مع ما أُخذ فی المنطوق ، کما هو معلوم .
[شماره صفحه واقعی : 292]
ص: 88
[شماره صفحه واقعی : 293]
ص: 89
[شماره صفحه واقعی : 294]
ص: 90
صوت
[*حیدری فسایی]
قد عُرِّف العامّ بتعاریف ، وقد وقع من الأعلام فیها النقض - بعدم الاطّراد تارةً ، والانعکاسِ أُخری - بما لا یلیقُ بالمقام؛ فإنّها تعاریف لفظیّة تقع فی جواب السؤال عنه ب «ما » الشارحة ، لا واقعة (1) فی جواب السؤال عنه ب «ما » الحقیقیّة . کیف ؟ وکان المعنی المرکوز منه فی الأذهان أوضح ممّا عُرِّف به مفهوماً ومصداقاً ، ولذا یجعل صدقُ ذاک المعنی علی فردٍ وعدمُ صدقه ، المقیاسَ فی الإشکال علیها بعدم الاطّراد أو الانعکاس ، بلا ریب فیه ، ولا شبهة تعتریه من أحد ، والتعریفُ لابدّ أن یکون بالأجلی ، کما هو أوضح من أن یخفی .
فالظاهر : أنّ الغرض من تعریفه إنّما هو بیان ما یکون بمفهومه جامعاً بین ما لا شبهة فی أنّها أفراد العامّ ، لیشار به إلیه فی مقام إثبات ما له من الأحکام ، لا بیانُ ما هو حقیقته وماهیّته؛ لعدم تعلُّق غرضٍ به - بعدَ وضوح ما هو محلّ الکلام بحسب الأحکام من أفراده ومصادیقه - ؛ حیث لا یکون
[شماره صفحه واقعی : 295]
ص: 91
بمفهومه العامّ (1) محلّاً لحکم من الأحکام .
صوت
[*حیدری فسایی]
ثمّ الظاهر : أنّ ما ذُکِر له من الأقسام - من الاستغراقیّ والمجموعیّ والبدلیّ - إنّما هو باختلاف کیفیّة تعلّق الأحکام به (2)* ، وإلّا فالعموم فی الجمیع بمعنی واحد ، وهو: شمول المفهوم لجمیع ما یصلح أن ینطبق (3) علیه . غایة الأمر أنّ تعلُّقَ الحکم به :
تارةً بنحوٍ یکون کلُّ فردٍ موضوعاً علی حدة للحکم .
وأُخری بنحوٍ یکون الجمیع موضوعاً واحداً ، بحیث لو أخلّ بإکرام واحدٍ فی : « أکرم کلّ فقیه » - مثلاً - لَما امتثل أصلاً ، بخلاف الصورة الأُولی ، فإنّه أطاع وعصی .
وثالثةً بنحوٍ یکون کلّ واحدٍ موضوعاً علی البدل ، بحیث لو أکرم واحداً منهم لقد (4) أطاع وامتثل ، کما یظهر لمن أمعن النظر وتأمّل .
[شماره صفحه واقعی : 296]
ص: 92
وقد انقدح: أنّ مثل شمول «عشرة» وغیرها (1) لآحادها المندرجة تحتها لیس من العموم؛ لعدم صلاحیّتها بمفهومها للانطباق علی کلّ واحدٍ منها ، فافهم .
لا شبهة فی أنّ للعموم صیغةٌ تخصّه - لغةً وشرعاً (2) - ، کالخصوص ، کما یکون ما یشترک بینهما ویعمّهما (3)؛ ضرورة أنّ مثل لفظ «کلّ» وما یرادفه - فی أیّ لغةٍ کان - یخصّه ، ولا یخصّ الخصوص ولا یعمّه .
ولا ینافی اختصاصه به استعمالُه فی الخصوص عنایةً ، بادّعاء أنّه العموم ، أو بعلاقة العموم والخصوص .
ومعه لا یُصغی إلی أنّ إرادة الخصوص متیقّنة ولو فی ضمنه ، بخلافه ، وجعْلُ اللفظ حقیقةً فی المتیقّن أولی .
ولا إلی أنّ التخصیص قد اشتهر وشاع حتّی قیل: ما من عامّ إلّاوقد خصّ ، والظاهر یقتضی کونه حقیقةً لما هو الغالب ، تقلیلاً للمجاز (4) .
[شماره صفحه واقعی : 297]
ص: 93
صوت
[*حیدری فسایی]
مع أنّ تیقّن إرادته لایوجب اختصاص الوضع به (1) ، مع کون العموم کثیراً مّا یراد .
واشتهارَ التخصیص لا یوجب کثرة المجاز؛ لعدم الملازمة بین التخصیص والمجازیّة ، کما یأتی توضیحه (2) ، ولو سلّم فلا محذور فیه أصلاً إذا کان بالقرینة ، کما لا یخفی .
ربما عُدّ من الألفاظ الدالّة علی العموم : النکرةُ فی سیاق النفی أو النهی .
ودلالتها علیه لا ینبغی أن تنکر عقلاً؛ لضرورة أنّه لا یکاد یکون (3) طبیعةٌ معدومةً إلّاإذا لم یکن فردٌ منها بموجود ، وإلّا کانت موجودة .
لکن لا یخفی: أنّها تفیده إذا أُخذت مرسلةً (4)* - لا مبهمة - قابلةً للتقیید ، وإلّا فسلبها لا یقتضی إلّااستیعابَ السلب لما أُرید منها یقیناً ، لا استیعابَ ما یصلح انطباقها علیه (5) من أفرادها .
[شماره صفحه واقعی : 298]
ص: 94
وهذا لا ینافی کونَ دلالتها علیه عقلیّةً ، فإنّها بالإضافة إلی أفراد ما یراد منها ، لا الأفرادِ الّتی یصلح (1) لانطباقها علیها .
[*حیدری فسایی]
کما لا ینافی دلالةَ مثل لفظ «کلّ» علی العموم وضعاً ، کونُ عمومه بحسب ما یراد من مدخوله ، ولذا لا ینافیه تقیید المدخول بقیود کثیرة . نعم ، لا یبعد أن یکون ظاهراً - عند إطلاقها - فی استیعاب جمیع أفرادها .
وهذا هو الحال فی المحلّی باللام ، جمعاً کان أو مفرداً ، - بناءً علی إفادته للعموم - . ولذا لا ینافیه تقیید المدخول بالوصف وغیره .
وإطلاق التخصیص علی تقییده لیس إلّامن قبیل : ضَیِّقْ فم الرَکیّة .
لکن دلالته علی العموم وضعاً محلّ منْعٍ ، بل إنّما یفیده فی ما إذا اقتضته الحکمة أو قرینةٌ أُخری ؛ وذلک لعدم اقتضائه وضعُ «اللام» ولا مدخولِه ، ولا وضعٌ (2) آخر للمرکّب منهما (3) ، کما لا یخفی . وربما یأتی فی المطلق والمقیّد بعض الکلام ممّا یناسب المقام (4) .
[شماره صفحه واقعی : 299]
ص: 95
صوت
[*حیدری فسایی]
لا شبهة فی أنّ العام المخصَّص - بالمتّصل أو المنفصل - حجّةٌ فی ما بقی ، ممّا (1) عُلم عدم دخوله فی المخصِّص مطلقاً ولو کان متّصلاً ، وما احتمل دخوله فیه أیضاً إذا کان منفصلاً ، کما هو المشهور بین الأصحاب ، بل لا ینسب الخلاف إلّاإلی بعض أهل الخلاف (2) .
وربما فصّل بین المخصّص المتّصل ، فقیل بحجّیّته فیه ، وبین المنفصل ، فقیل بعدم حجّیّته فیه (3)(4) .
واحتجّ النافی بالإجمال؛ لتعدُّدِ المجازات حَسَبَ تعدّد (5) مراتب الخصوصیّات ، وتعیینُ (6) الباقی من بینها بلا معیِّن ، ترجیحٌ بلا مرجّح (7) .
والتحقیق فی الجواب أن یقال: إنّه لا یلزم من التخصیص کون العامّ مجازاً:
أمّا فی التخصیص بالمتّصل : فلما عرفت من أنّه لا تخصیص أصلاً ، وأنّ
[شماره صفحه واقعی : 300]
ص: 96
أدوات العموم قد استعملت فیه ، وإن کان دائرته - سعةً وضیقاً - یختلف (1) باختلاف ذوی الأدوات ، فلفظة «کلّ» فی مثل «کلّ رجل» و «کلّ رجل عالم» قد استعملت فی العموم ، وإن کان أفراد أحدهما بالإضافة إلی الآخر ، - بل فی نفسها - فی غایة القلّة .
وأمّا فی المنفصل : فلأنّ إرادة الخصوص واقعاً لا تستلزم استعمالَه فیه ، وکَوْنَ الخاصّ قرینةً علیه ،
[*حیدری فسایی]
بل من الممکن - قطعاً - استعمالُه معه فی العموم قاعدةً ، وکوْنُ الخاصّ مانعاً عن حجیّة ظهوره ، تحکیماً للنصّ - أو الأظهر - علی الظاهر ، لا مصادماً لأصل ظهوره ، ومعه لامجال للمصیر إلی أنّه قد استعمل فیه مجازاً ، کی یلزم الإجمال .
لا یقال: هذا مجرّد احتمالٍ ولا یرتفع به الإجمال؛ لاحتمال الاستعمال فی خصوص مرتبةٍ من مراتبه .
فإنّه یقال: مجرّد احتمال استعماله فیه لایوجب إجماله بعد استقرار ظهوره فی العموم ، والثابتُ من مزاحمته بالخاصّ إنّما هو بحسب الحجّیّة ، تحکیماً لما هو الأقوی ، کما أشرنا إلیه آنفاً (2) .
وبالجملة: الفرق بین المتّصل والمنفصل وإن کان بعدم انعقاد الظهور فی الأوّل إلّافی الخصوص ، وفی الثانی إلّافی العموم ، إلّاأنّه لا وجه لتوهّم استعماله مجازاً فی واحدٍ منهما أصلاً ، وإنّما اللازم الالتزام بحجّیّة الظهور فی الخصوص فی الأوّل ، وعدمِ حجّیّة ظهوره فی خصوص ما کان الخاصّ حجّةً فیه فی الثانی ، فتفطّن .
[شماره صفحه واقعی : 301]
ص: 97
وقد أُجیب (1) عن الاحتجاج : بأنّ الباقی أقرب المجازات .
وفیه: أنّه (2) لا اعتبار فی الأقربیّة بحسب المقدار ، وإنّما المدار علی الأقربیّة بحسب زیادة الاُنس الناشئة من کثرة الاستعمال (3) .
صوت
[*حیدری فسایی]
وفی تقریرات بحث شیخنا الأُستاذ قدس سره - فی مقام الجواب عن الاحتجاج - ما هذا لفظه: «والأولیٰ أن یجاب - بعد تسلیم مجازیّة الباقی - بأنّ دلالة العامّ علی کلّ فردٍ من أفراده غیرُ منوطة بدلالته علی فردٍ آخر من أفراده ، ولو کانت دلالةً مجازیّة؛ إذ هی إنّما بواسطة عدم شموله للأفراد المخصوصة ، لا بواسطة دخول غیرها فی مدلوله ، فالمقتضی للحمل علی الباقی موجود والمانع مفقود؛ لأنّ المانع فی مثل المقام إنّما هو ما یوجب صرفَ اللفظ عن مدلوله ، والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلی الباقی؛ لاختصاص المخصّص بغیره ، فلو شکّ فالأصل عدمه» (4) . انتهٰ موضع الحاجة .
قلت: لا یخفی أنّ دلالته علی کلّ فردٍ إنّما کانت لأجل دلالته علی العموم والشمول ، فإذا لم یستعمل فیه واستعمل فی الخصوص - کما هو المفروض - مجازاً ، وکان إرادة کلّ واحدة (5) من مراتب الخصوصیّات - ممّا جاز انتهاءُ التخصیص إلیه ، واستعمالُ العامّ فیه مجازاً - ممکناً ، کان تعیین (6) بعضها بلا معیِّن
[شماره صفحه واقعی : 302]
ص: 98
ترجیحاً بلا مرجّح ، ولا مقتضی لظهوره فیه؛ ضرورةَ أنّ الظهور إمّا بالوضع ، وإمّا بالقرینة ، والمفروض أنّه لیس بموضوعٍ له ، ولم یکن هناک قرینة ، ولیس له موجبٌ آخر .
ودلالته علی کلِّ فردٍ علی حدة - حیث کانت فی ضمن دلالته علی العموم - لا توجب ظهوره فی تمام الباقی بعد عدم استعماله فی العموم ، إذا لم تکن هناک قرینة علی تعیینه (1) . فالمانع عنه وإن کان مدفوعاً بالأصل ، إلّاأنّه لامقتضی له بعد رفع الید عن الوضع . نعم ، إنّما یُجدی إذا لم یکن مستعملاً إلّا فی العموم ، کما حقّقناه (2) فی الجواب ، فتأمّل جیّداً .
صوت
[*حیدری فسایی]
عدم سرایة الإجمال من الخاص المنفصل المردّد بین الأقلّ والأکثر إذا کان الخاصّ بحسب المفهوم مجملاً ، بأن کان دائراً بین الأقلّ والأکثر ،
[شماره صفحه واقعی : 303]
ص: 99
وکان منفصلاً ، فلا یسری إجماله إلی العامّ ، لا حقیقةً ، ولا حکماً ، بل کان العامّ متَّبَعاً فی ما لا یتّبع فیه الخاصّ؛ لوضوح أنّه حجّة فیه بلا مزاحمٍ أصلاً؛ ضرورةَ أنّ الخاصّ إنّما یزاحمه فی ما هو حجّة علی خلافه ، تحکیماً للنصّ أو الأظهر علی الظاهر ، لا فی ما لا یکون کذلک ، کما لا یخفی .
سرایة الاجمال فی غیره وإن لم یکن کذلک ، بأن کان دائراً بین المتباینین مطلقاً ، أو بین الأقلّ والأکثر فی ما کان متّصلاً ، فیسری إجماله إلیه حکماً فی المنفصل المردّد بین المتباینین ، وحقیقةً فی غیره :
أمّا الأوّل: فلأنّ العامّ - علی ما حقّقناه (1) - کان (2) ظاهراً فی عمومه ، إلّاأنّه لا یتّبع ظهورُه فی واحدٍ من المتباینین اللّذین علم تخصیصه بأحدهما .
وأمّا الثانی: فلعدم انعقاد ظهور من رأس للعامّ؛ لاحتفاف الکلام بما یوجب احتماله لکلّ واحدٍ من الأقلّ والأکثر ، أو لکلّ واحدٍ من المتباینین ، لکنّه حجّة فی الأقلّ؛ لأنّه المتیقّن فی البین .
فانقدح بذلک : الفرق بین المتّصل والمنفصل . وکذا فی المجمل بین المتباینین ، والأکثر والأقلّ ، فلا تغفل .
عدم جواز التمسّک بالعام سواءً کان المخصّص متصلاً أو منفصلاً
[*حیدری فسایی]
وأمّا إذا کان مجملاً بحسب المصداق - بأن اشتبه فردٌ ، وتردّد بین أن یکون فرداً له أو باقیاً تحت العامّ - فلا کلام فی عدم جواز التمسّک بالعامّ لو کان متّصلاً به (3)؛ ضرورةَ عدم انعقاد ظهورٍ للکلام إلّافی الخصوص ، کما عرفت (4) .
وأمّا إذا کان منفصلاً عنه ، ففی جواز التمسّک به خلافٌ .
[شماره صفحه واقعی : 304]
ص: 100
والتحقیق : عدم جوازه؛ إذ غایة ما یمکن أن یقال فی وجه جوازه: أنّ الخاصّ إنّما یزاحم العامّ فی ما کان فعلاً حجّةً فیه (1) ، ولا یکون حجّةً فی ما اشتبه أنّه من أفراده ، فخطاب «لا تکرم فسّاق العلماء» لا یکون دلیلاً علی حرمة إکرام مَن شُکّ فی فسقه من العلماء ، فلا یزاحم مثلَ «أکرم العلماء» ولا یعارضه؛ فإنّه یکون من قبیل مزاحمة الحجّة بغیر الحجّة .
وهو فی غایة الفساد؛ فإنّ الخاصّ وإن لم یکن دلیلاً فی الفرد المشتبه فعلاً ، إلّاأنّه یوجب اختصاصَ حجّیّة العامّ بغیر (2) عنوانه من الأفراد ، فیکون «أکرم العلماء» دلیلاً وحجّةً فی العالِم غیرِ الفاسق . فالمصداق المشتبة وإن کان مصداقاً للعامّ بلا کلام ، إلّاأنّه لم یعلم أنّه من مصادیقه بما هو حجّة؛ لاختصاص حجّیّته بغیر الفاسق .
وبالجملة: العامّ المخصَّص بالمنفصل وإن کان ظهوره فی العموم کما إذا لم یکن مخصَّصاً - بخلاف المخصَّص بالمتّصل ، کما عرفت - إلّاأنّه فی عدم الحجّیّة - إلّافی غیر عنوان الخاصّ - مثلُهُ . فحینئذٍ یکون الفرد المشتبه غیرَ معلوم الاندراج تحت إحدی الحجّتین ، فلابدّ من الرجوع إلی ما هو الأصل فی البین .
هذا إذا کان المخصّص لفظیّاً .
التفصیل بین ما إذا کان ممّا یصحّ ان یتّکل علیه وما لم یکن کذلک
[*حیدری فسایی]
وأمّا إذا کان لبّیّاً : فإن کان ممّا یصحّ أن یتّکل علیه المتکلّم إذا کان بصدد البیان فی مقام التخاطب ، فهو کالمتّصل ، حیث لا یکاد ینعقد معه ظهور للعامّ إلّافی الخصوص .
[شماره صفحه واقعی : 305]
ص: 101
وإن لم یکن کذلک ، فالظاهر بقاء العامّ فی المصداق المشتبة علی حجّیّته کظهوره (1) فیه .
والسرّ فی ذلک: أنّ الکلام الملقیٰ من السیّد حجّةً، لیس إلّاما اشتمل علی العامّ الکاشف (2) بظهوره عن إرادته للعموم ، فلابدّ من اتّباعه ما لم یقطع بخلافه . مثلاً ، إذا قال المولی: «أکرم جِیرانی» ، وقَطَعَ بأنّه لا یرید إکرامَ من کان عدوّاً له منهم ، کان أصالة العموم باقیةً علی الحجّیّة بالنسبة إلی من لم یعلم بخروجه عن عموم الکلام ، للعلم بعداوته؛ لعدم حجّة أُخری بدون ذلک علی خلافه .
بخلاف ما إذا کان المخصِّص لفظیّاً؛ فإنّ قضیّة تقدیمه علیه هو کون الملقیٰ إلیه کأنّه کان من رأس لا یعمّ الخاصّ ، کما کان کذلک حقیقةً فی ما کان الخاصّ متّصلاً .
والقطعُ بعدم إرادة العدوّ لا یوجب انقطاع حجیّته إلّافی ما قطع أنّه عدوُّهُ، لا فی ما شکّ فیه ، کما یظهر صدق هذا من صحّة مؤاخذة المولی لو لم یکرم واحداً من جیرانه؛ لاحتمال عداوته له، وحُسْنِ عقوبته علی مخالفته، وعدَمِ صحّة الاعتذار عنه بمجرّد احتمال العداوة، کما لا یخفی علی من راجع الطریقة المعروفة ، والسیرةَ المستمرّة المألوفة بین العقلاء الّتی هی ملاک حجّیّة أصالة الظهور .
[*حیدری فسایی]
وبالجملة: کان بناء العقلاء علی حجّیّتها بالنسبة إلی المشتبه هاهنا ، بخلافه (3) هناک ؛ ولعلّه لما أشرنا إلیه ، من التفاوت بینهما بإلقاء حجّتین هناک ،
[شماره صفحه واقعی : 306]
ص: 102
تکون قضیّتهما - بعد تحکیم الخاصّ وتقدیمه علی العامّ - کأنّه لم یعمّه حکماً من رأس ، وکأنّه لم یکن بعامّ .
بخلافه (1) هاهنا؛ فإنّ الحجّة الملقاة لیست إلّاواحدةً . والقطعُ بعدم إرادة إکرام العدوّ فی «أکرم جیرانی» - مثلاً - لا یوجب رفعَ الید عن عمومه إلّافی ما قُطع بخروجه من تحته ، فإنّه علی الحکیم إلقاء کلامه علی وفق غرضه ومرامه ، فلابدّ من اتّباعه ما لم تقم حجّة أقویٰ علی خلافه .
بل یمکن أن یقال: إنّ قضیّة عمومه للمشکوک أنّه لیس فرداً لما عُلم بخروجه من حکمه بمفهومه ، فیقال فی مثل «لعن اللّٰه بنی امیّة قاطبة» (2): إنّ فلاناً وإن شُکّ فی إیمانه یجوز لعنه؛ لمکان العموم ، وکلُّ من جاز لعنه لا یکون مؤمناً ، فیُنتج : أنّه لیس بمؤمن ، فتأمّل جیّداً .
إیقاظ (3):
لا یخفی: أنّ الباقی تحت العامّ بعد تخصیصه بالمنفصل ، أو کالاستثناء من المتّصل ، لمّا کان غیرَ معنونٍ بعنوان خاصّ ، بل بکلّ عنوانٍ لم یکن ذاک بعنوان الخاصّ ، کان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعیّ فی غالب الموارد - إلّاماشذّ - ممکناً ، فبذلک یحکم علیه بحکم العامّ ، وإن لم یجز التمسّک به بلا کلام؛
[*حیدری فسایی]
ضرورة أنّه قلَّما لا یوجد عنوان یجری فیه أصل یُنقّح به أنّه ممّا بقی تحته .
[شماره صفحه واقعی : 307]
ص: 103
مثلاً: إذا شُکّ أنّ امرأة تکون قرشیّة ، - فهی وإن کانت وُجدت (1) إمّا قرشیّةً أو غیرها - فلا أصل (2) یُحرز به (3) أنّها قرشیّة أو غیرها ، إلّاأنّ أصالة عدم تحقّق الانتساب بینها وبین قریش ، تُجدی فی تنقیح أنّها ممّن لا تحیض إلّا إلی خمسین؛ لأنّ المرأة الّتی لا یکون بینها وبین قریش انتسابٌ أیضاً ، باقیةٌ تحت ما دلّ علی : أنّ المرأة إنّما تری الحمرة إلی خمسین (4) ، والخارج عن تحته هی القرشیّة ، فتأمّل تعرف .
وهمٌ وإزاحةٌ (5) :
ربما یظهر من بعضهم (6) : التمسّک بالعمومات فی ما إذا شکّ فی فردٍ لا من جهة احتمال التخصیص ، بل من جهةٍ أُخری ، کما إذا شکّ فی صحّة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف، فیستکشف صحّته بعموم مثل: «أوفوا بالنذور» فی ما إذا وقع متعلّقاً للنذر، بأن یقال: وجب الإتیان بهذا الوضوء وفاءً للنذر؛ للعموم، وکلُّ ما یجب الوفاء به لا محالة یکون صحیحاً؛ للقطع بأنّه لولا صحّته لما وجب الوفاء به.
وربما یؤیَّد ذلک بما ورد من صحّة الإحرام والصیام قبل المیقات وفی السفر ، إذا تعلّق بهما النذر کذلک (7) .
[شماره صفحه واقعی : 308]
ص: 104
صوت
[*حیدری فسایی]
والتحقیق أن یقال: إنّه لا مجال لتوهّم الاستدلال بالعمومات المتکفّلة لأحکام (1) العناوین الثانویّة فی ما شکّ من غیر جهة تخصیصها ، إذا أُخذ فی موضوعاتها أحد الأحکام المتعلّقة بالأفعال بعناوینها الأوّلیّة ، کما هو الحال فی وجوب إطاعة الوالد ، والوفاء بالنذر وشبهه فی الاُمور المباحة أو الراجحة ؛ ضرورة أنّه - معه - لا یکاد یتوهّم عاقلٌ أنّه (2) إذا شَکّ فی رجحان شیءٍ أو حلّیّته، جوازَ التمسّک بعموم دلیل وجوب الإطاعة أو الوفاء فی رجحانه أو حلّیّته .
نعم ، لا بأس بالتمسّک به فی جوازه - بعد إحراز التمکّن منه والقدرة علیه - فی ما لم یؤخذ فی موضوعاتها حکم أصلاً ، فإذا شکّ (3) فی جوازه صحّ التمسّک بعموم دلیلها فی الحکم بجوازها (4) . وإذا کانت محکومةً بعناوینها الأوّلیّة بغیر حکمها بعناوینها الثانویّة ، وقع (5) المزاحمة بین المقتضیین ، ویؤثّر الأقوی منهما لو کان فی البین ، وإلّا لم یؤثّر أحدهما ، وإلّا لزم الترجیح بلا مرجّح ، فلیحکم علیه حینئذٍ بحکم آخر - کالإباحة - ، إذا کان أحدُهما مقتضیاً للوجوب ، والآخر للحرمة مثلاً .
وأمّا صحّة الصوم فی السفر بنذره فیه - بناءً علی عدم صحّته فیه بدونه -
[شماره صفحه واقعی : 309]
ص: 105
وکذا الإحرام قبل المیقات ، فإنّما هو (1) لدلیل خاصّ کاشفٍ عن رجحانهما ذاتاً فی السفر وقبل المیقات ، وإنّما لم یؤمر بهما - استحباباً أو وجوباً - لمانعٍ یرتفع مع النذر (2) .
[*حیدری فسایی]
وإمّا لصیرورتهما راجحین بتعلّق (3) النذر (4) بهما بعد ما لم یکونا کذلک ، کما ربما یدلّ علیه ما فی الخبر : من کون الإحرام قبل المیقات کالصلاة قبل الوقت (5) .
لا یقال: لا یُجدی صیرورتهما راجحین بذلک (6) فی عبادیّتهما؛ ضرورة کون وجوب الوفاء توصّلیّاً لا یعتبر فی سقوطه إلّاالإتیان بالمنذور بأیّ داعٍ کان .
فإنّه یقال: عبادیّتهما إنّما تکون لأجل کشف دلیل صحّتهما عن عروضِ عنوانٍ راجحٍ علیهما ، ملازمٍ لتعلّق النذر بهما .
[شماره صفحه واقعی : 310]
ص: 106
هذا لو لم نقل بتخصیص عموم دلیل اعتبار الرجحان فی متعلّق النذر بهذا الدلیل ، وإلّا أمکن أن یقال بکفایة الرجحان الطارئ علیهما من قِبَل النذر فی عبادیّتهما ، بعد تعلّق النذر بإتیانهما عبادیّاً ومتقرّباً بهما منه - تعالی - ،
[*حیدری فسایی]
فإنّه وإن لم یتمکّن من إتیانهما کذلک قبله ، إلّاأنّه یتمکّن منه بعده ، ولا یعتبر فی صحّة النذر إلّاالتمکّن من الوفاء ولو بسببه ، فتأمّل جیّداً .
بقی شیء ، وهو: أنّه هل یجوز التمسّک بأصالة عدم التخصیص فی إحراز عدم کون ما شُکّ فی أنّه من مصادیق العامّ - مع العلم بعدم کونه محکوماً بحکمه - مصداقاً له ، مثل ما إذا عُلم أنّ زیداً یحرم إکرامه ، وشکّ فی أنّه عالم (1) ، فیحکم علیه - بأصالة عدم تخصیص «أکرم العلماء» - أنّه لیس بعالم ، بحیث یحکم علیه بسائر ما لغیر العالم من الأحکام (2) ؟
فیه إشکال؛ لاحتمال اختصاص حجّیّتها بما إذا شکّ فی کون فرد العامّ (3) محکوماً بحکمه ، کما هو قضیّة عمومه . والمثبِت من الأُصول اللفظیّة وإن کان حجّة ، إلّاأنّه لابدّ من الاقتصار علی ما یساعد علیه الدلیل ، ولا دلیل هاهنا إلّا السیرة وبناء العقلاء ، ولم یعلم استقرار بنائهم علی ذلک ، فلا تغفل .
[شماره صفحه واقعی : 311]
ص: 107
هل یجوز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص ؟
فیه خلاف، وربما نُفی الخلاف عن عدم جوازه (1)، بل ادّعی الإجماع علیه (2) .
والّذی ینبغی أن یکون محلّ الکلام فی المقام ، أنّه هل یکون أصالة العموم متّبَعةً مطلقاً ، أو بعد الفحص عن المخصّص والیأس عن الظفر به ؟ بعد الفراغ عن اعتبارها بالخصوص فی الجملة ، من باب الظنّ النوعیّ للمشافه وغیره ما لم یعلم بتخصیصه تفصیلاً ، ولم یکن من أطراف ما عُلم تخصیصه إجمالاً .
وعلیه فلا مجال لغیر واحدٍ ممّا استدلّ به علی عدم جواز العمل به قبل الفحص والیأس (3) .
صوت
[*حیدری فسایی]
فالتحقیق : عدم جواز التمسّک به قبل الفحص ، فی ما إذا کان فی معرض التخصیص ، کما هو الحال فی عمومات الکتاب والسنّة ؛ وذلک لأجل أنّه لولا القطع باستقرار سیرة العقلاء علی عدم العمل به قبله ، فلا أقلّ من الشکّ ، کیف ؟ وقد ادّعی الإجماع علی عدم جوازه فضلاً عن نفی الخلاف عنه ، وهو کافٍ فی عدم الجواز ، کما لا یخفی .
وأمّا إذا لم یکن العامّ کذلک - کما هو الحال فی غالب العمومات الواقعة فی
[شماره صفحه واقعی : 312]
ص: 108
ألسنة أهل المحاورات - فلا شبهة فی أنّ السیرة علی العمل به بلا فحص عن مخصّص.
وقد ظهر لک بذلک : أنّ مقدار الفحص اللازم ، ما به یخرج عن المعرضیّة له . کما أنّ مقداره اللازم منه (1) - بحسب سائر الوجوه الّتی استدلّ بها ، من العلم الإجمالیّ به (2) ، أو حصولِ الظنّ بما هو التکلیف (3) ، أو غیرِ ذلک - رعایتُها ، فیختلف مقداره بحسبها ، کما لا یخفی .
ضرورة أنّ العقل بدونه یستقلّ باستحقاق المؤاخذة علی المخالفة ، فلا یکون العقاب بدونه بلا بیان ، والمؤاخذةُ علیها من غیر برهانٍ .
والنقل وإن دلّ علی البراءة أو الاستصحاب فی موردهما مطلقاً ، إلّاأنّ الإجماع بقسمیه علی تقییده به (1) ، فافهم .
صوت
[*حیدری فسایی]
هل الخطابات الشفاهیّة (2) - مثل «یا أیّها المؤمنون» - تختصّ بالحاضر مجلسَ التخاطب ، أو تعمّ (3) غَیره من الغائبین ، بل المعدومین ؟ فیه خلاف .
ولابدّ - قبل الخوض فی تحقیق المقام - من بیان ما یمکن أن یکون محلّاً للنقض والإبرام بین الأعلام :
فاعلم : أنّه یمکن أن یکون النزاع فی أنّ التکلیف المتکفّل له (4) الخطاب ، هل یصحّ تعلّقه بالمعدومین ، کما صحّ تعلّقه بالموجودین ، أم لا ؟
أو فی صحّة المخاطبة معهم - بل مع الغائبین عن مجلس الخطاب - بالألفاظ الموضوعة للخطاب ، أو بنفس توجیه الکلام إلیهم ، وعدمِ صحّتها (5) .
[شماره صفحه واقعی : 314]
ص: 110
أو فی عموم الألفاظ الواقعة عقیبَ أداة الخطاب للغائبین ، بل المعدومین ، وعدمِ عمومها لهما بقرینة تلک الأداة (1) .
ولا یخفی: أنّ النزاع علی الوجهین الأوّلین یکون عقلیّاً ، وعلی الوجه الأخیر لغویّاً (2) .
إذا عرفت هذا ، فلا ریب فی عدم صحّة تکلیف المعدوم عقلاً ، بمعنی بعثه أو زجره فعلاً؛ ضرورة أنّه بهذا المعنی یستلزم الطلب منه حقیقةً ، ولا یکاد یکون الطلب کذلک إلّامن الموجود ضرورةً .
نعم ، هو بمعنی مجرّد إنشاء الطلب - بلا بعثٍ ولا زجرٍ - لا استحالة فیه أصلاً؛ فإنّ الإنشاء خفیف المؤونة ، فالحکیم - تبارک وتعالی - یُنشئ علی وفق الحکمة والمصلحة طلَبَ شیءٍ - قانوناً - من الموجود والمعدوم حین الخطاب ، لیصیر فعلیّاً بعد ما وُجد الشرائط وفُقد الموانع، بلا حاجة إلی إنشاء آخر، فتدبّر .
[*حیدری فسایی]
ونظیره من غیر الطلب إنشاءُ التملیک فی الوقف علی البطون ، فإنّ المعدوم منهم یصیر مالکاً للعین الموقوفة بعد وجوده بإنشائه ، ویتلقّیٰ لها من الواقف بعقده ، فیؤثّر فی حقّ الموجود منهم الملکیّةَ الفعلیّة ، ولا یؤثّر فی حقّ المعدوم فعلاً إلّااستعدادَها لأن تصیر ملکاً له بعد وجوده .
هذا إذا أُنشئ الطلب مطلقاً .
وأمّا إذا أُنشئ مقیّداً بوجود المکلّف ووجدانه الشرائط ، فإمکانه بمکانٍ من الإمکان .
[شماره صفحه واقعی : 315]
ص: 111
وکذلک لا ریب فی عدم صحّة خطاب المعدوم - بل الغائب - حقیقةً ، وعدم إمکانه؛ ضرورةَ عدم تحقّق توجیه الکلام نحو الغیر حقیقةً إلّاإذا کان موجوداً ، وکان بحیث یتوجّه إلی الکلام ویلتفت إلیه .
ومنه قد انقدح: أنّ ما وضع للخطاب - مثل أدوات النداء - لو کان موضوعاً للخطاب الحقیقیّ ، لأوجب استعمالُه فیه تخصیصَ ما یقع فی تلوه بالحاضرین . کما أنّ قضیّة إرادة العموم منه لغیرهم استعماله فی غیره .
لکنّ الظاهر : أنّ مثل أدوات النداء لم یکن موضوعاً لذلک ، بل للخطاب الإیقاعیّ الإنشائیّ . فالمتکلّم ربما یُوقع الخطاب بها تحسّراً وتأسّفاً وحزناً، مثل «یا کوکباً ما کان أقصر عمره» (1)، أو شوقاً ونحو ذلک، کما یوقعه مخاطِباً لمن ینادیه حقیقةً، فلا یوجب استعماله فی معناه الحقیقیّ حینئذٍ التخصیصَ بمن یصحّ مخاطبته .
[*حیدری فسایی]
نعم ، لا یبعد دعوی الظهور - انصرافاً - فی الخطاب الحقیقیّ ، کما هو الحال فی حروف الاستفهام والترجّی والتمنّی وغیرها ، علی ما حقّقناه فی بعض المباحث السابقة (2) من کونها موضوعةً للإیقاعیّ منها بدواعٍ مختلفة ، مع ظهورها فی الواقعیّ منها انصرافاً ، إذا لم یکن هناک ما یمنع عنه ، کما یمکن دعویٰ وجوده غالباً فی کلام الشارع؛ ضرورة وضوح عدم اختصاص الحکم فی مثل: «یا أیّها الناس اتّقوا» و «یا أیّها المؤمنون» بمن حضر مجلسَ الخطاب ، بلا شبهة ولا ارتیاب .
[شماره صفحه واقعی : 316]
ص: 112
ویشهد لما ذکرنا : صحّةُ النداء بالأدوات ، مع إرادة العموم من العامّ الواقع تِلْوَها بلا عنایة ، ولا للتنزیل والعلاقة رعایة .
وتوهّم کونِه ارتکازیّاً ، یدفعه عدمُ العلم به مع الالتفات إلیه والتفتیش عن حاله ، مع حصوله بذلک لو کان مرتکزاً (1) ، وإلّا فمن أین یعلم ثبوته (2) کذلک ؟ کما هو واضح .
وإن أبیت إلّاعن وضع الأدوات للخطاب الحقیقیّ ، فلا مناصَ عن التزام اختصاص الخطابات الإلٰهیّة - بأدوات الخطاب ، أو بنفس توجیه الکلام بدون الأداة - ، کغیرها ، بالمشافهین ، فی ما لم یکن هناک قرینة علی التعمیم .
[*حیدری فسایی]
وتوهّم (3) : صحّة التزام التعمیم فی خطاباته - تعالی - لغیر الموجودین - فضلاً عن الغائبین - ؛ لإحاطته بالموجود فی الحال والموجود فی الاستقبال .
فاسدٌ : ضرورة أنّ إحاطته - تعالی - لا توجب صلاحیّة المعدوم - بل الغائب - للخطاب . وعدم صحّة المخاطبة معهما لقصورهما لا یوجب نقصاً فی ناحیته - تعالی - ، کما لا یخفی .
کما أنّ خطابه اللفظیّ - لکونه تدریجیّاً ومتصرّمَ الوجود - کان قاصراً عن أن یکون موجّهاً نحوَ غیر مَن کان بمسمع منه ضرورةً (4) .
[شماره صفحه واقعی : 317]
ص: 113
هذا لو قلنا بأن الخطاب بمثل «یَا أیّها النَّاس اتَّقوا » (1)فی الکتاب حقیقةً إلی غیر النبیّ صلی الله علیه و آله بلسانه .
وأمّا إذا قیل بأنّه المخاطَب والموجّه إلیه الکلام حقیقةً ، - وحیاً أو إلهاماً - ، فلا محیص إلّا (2)عن کون الأداة فی مثله للخطاب الإیقاعیّ ولو مجازاً .
وعلیه لا مجال لتوهّم اختصاص الحکم - المتکفّل له (3) الخطاب - بالحاضرین ، بل یعمّ المعدومین فضلاً عن الغائبین .
فصل (4) ثمرة عموم الخطابات الشفاهیّة
ربما قیل: إنّه یظهر لعموم الخطابات الشفاهیّة للمعدومین ثمرتان (5):
الأُولی: حجّیّة ظهور خطابات الکتاب لهم کالمشافهین .
وفیه: أنّه مبنیٌّ علی اختصاص حجّیّة الظواهر بالمقصودین بالإفهام ، وقد حُقّق عدم الاختصاص بهم .
[شماره صفحه واقعی : 318]
ص: 114
ولوسلّم فاختصاص المشافهین بکونهم مقصودین بذلک ممنوعٌ ، بل الظاهر : أنّ الناس کلَّهُم إلی یوم القیامة یکونون کذلک ، وإن لم یعمّهم الخطاب ، کما یومئ إلیه غیر واحدٍ من الأخبار (1) .
صوت
[*حیدری فسایی]
الثانیة (2): صحّة التمسّک بإطلاقات الخطابات القرآنیّة - بناءً علی التعمیم - لثبوت الأحکام لمن وُجد وبلغ من المعدومین ، وإن لم یکن متّحداً مع المشافهین فی الصنف ، وعدمُ صحّته علی عدمه؛ لعدم کونها حینئذٍ متکفّلةً لأحکام (3) غیر المشافهین ، فلابدّ من إثبات اتّحاده معهم فی الصنف ، حتّی یُحکم بالاشتراک مع المشافهین فی الأحکام؛ حیث (4) لا دلیل علیه حینئذٍ إلّاالإجماع ، ولا إجماع علیه إلّافی ما اتّحد الصنف ، کما لا یخفی .
ولا یذهب علیک: أنّه یمکنُ إثبات الاتّحاد ، وعدمِ دخْلِ ما کان البالغ الآن فاقداً له ممّا کان المشافهون واجدین له ، بإطلاق الخطاب إلیهم من دون التقیید به . وکونُهم کذلک لا یوجب صحّةَ الإطلاق مع إرادة المقیّد منه (5) فی ما یمکن أن یتطرّق إلیه (6) الفقدان ، وإن صحّ فی ما لا یتطرّق إلیه ذلک .
[شماره صفحه واقعی : 319]
ص: 115
ولیس المراد بالاتّحاد فی الصنف إلّاالاتّحاد فی ما اعتبر قیداً فی الأحکام ، لا الاتّحاد فی ما کثُر الاختلاف بحسبه ، والتفاوتُ بسببه بین الأنام ، بل فی شخصٍ واحدٍ بمرور الدهور والأیّام ، وإلّا لما ثبت بقاعدة الاشتراک للغائبین - فضلاً عن المعدومین - حکمٌ من الأحکام .
[*حیدری فسایی]
ودلیل الاشتراک إنّما یُجدی فی عدم اختصاص التکالیف بأشخاص المشافهین ، فی ما لم یکونوا مختصّین بخصوص عنوانٍ ، لو لم (1) یکونوا معنونین به (2) لَشُکّ (3) فی شمولها لهم أیضاً . فلولا الإطلاق وإثبات عدم دخل ذاک العنوان فی الحکم لما أفاد دلیل الاشتراک . ومعه کان الحکم یعمّ غیرَ المشافهین ولو قیل باختصاص الخطابات بهم ، فتأمّل جیّداً .
فتلخّص: أنّه لا یکاد تظهر الثمرة إلّاعلی القول باختصاص حجّیّة الظواهر لمن قُصد إفهامه ، مع کون غیر المشافهین غیرَ مقصودین بالإفهام ، وقد حُقّق عدم الاختصاص به فی غیر المقام (4) ، وأُشیر إلی منع کونهم غیر مقصودین به فی خطاباته - تبارک وتعالی - فی المقام (5) .
[شماره صفحه واقعی : 320]
ص: 116
هل تعقُّبُ العامّ بضمیرٍ یرجع إلی بعض أفراده یوجب تخصیصَه به أو لا ؟
فیه خلافٌ بین الأعلام . ولیکن محلّ الخلاف ما إذا وقعا فی کلامین أو فی کلام واحد ، مع استقلال العامّ بما حُکم علیه فی الکلام ، کما فی قوله تبارک وتعالی: «وَ الْمُطَلَّقٰاتُ یَتَرَبَّصْنَ » إلی قوله «وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ » (1). وأمّا ما إذا کان مثل «و المطلقات أزواجهن أحق بردهن » فلا شبهة فی تخصیصه به (2) .
والتحقیق أن یقال: إنّه حیث دار الأمرُ بین التصرّف فی العامّ - بإرادة خصوص ما أُرید من الضمیر الراجع إلیه - ، والتصرّف (3) فی ناحیة الضمیر - إمّا بإرجاعه إلی بعض ما هو المراد من مرجعه ، أو إلی تمامه مع التوسّع فی الإسناد ، بإسناد الحکم المسند إلی البعض حقیقةً ، إلی الکلّ توسّعاً وتجوّزاً -
[*حیدری فسایی]
کانت أصالة الظهور فی طرف العامّ سالمةً عنها فی جانب الضمیر ؛ وذلک لأنّ المتیقّن من بناء العقلاء هو اتّباع الظهور فی تعیین المراد ، لا فی تعیین کیفیّة الاستعمال ، وأنّه علی نحو الحقیقة أو المجاز فی الکلمة أو الإسناد ، مع القطع بما یراد ، کما هو الحال فی ناحیة الضمیر .
وبالجملة: أصالة الظهور إنّما تکون حجّة فی ما إذا شکّ فی ما أُرید ، لا فی ما إذا شکّ فی أنّه کیف أُرید ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 321]
ص: 117
لکنّه (1) إذا انعقد للکلام ظهور فی العموم ، بأن لا یُعدّ ما اشتمل علی الضمیر ممّا یکتنف به (2) عرفاً ، وإلّا فیحکم علیه بالإجمال ، ویرجع إلی ما یقتضیه الأُصول.
إلّاأن یقال باعتبار أصالة الحقیقة تعبّداً ، حتّی فی ما إذا احتفّ بالکلام ما لا یکون ظاهراً معه فی معناه الحقیقیّ ، کما عن بعض الفحول (3) .
قد اختلفوا فی جواز التخصیص بالمفهوم المخالف - مع الاتّفاق علی الجواز بالمفهوم الموافق - علی قولین (4) . وقد استُدِلّ لکلٍّ منهما بما لا یخلو عن قصور .
الآخر ، ودار الأمر بین تخصیص العموم أو (1) إلغاء المفهوم ، فالدلالة علی کلٍّ منهما إن کانت بالإطلاق - بمعونة مقدّمات الحکمة ، أو بالوضع - فلا یکون هناک عموم ولا مفهوم؛ لعدم تمامیّة مقدّمات الحکمة فی واحدٍ منهما ، لأجل المزاحمة ، کما فی مزاحمة ظهور أحدهما وضعاً لظهور الآخر کذلک ، فلابدّ من العمل بالاُصول العملیّة فی ما دار الأمر (2) بین العموم والمفهوم إذا لم یکن - مع ذلک - أحدهما أظهر (3) ، وإلّا کان مانعاً عن انعقاد الظهور أو استقراره فی الآخر (4) .
ومنه قد انقدح الحال فی ما إذا لم یکن بین ما دلّ علی العموم ، وما لَه المفهوم ذاک الارتباط والاتّصال ، وأنّه لابدّ أن یعامل مع کلٍّ منهما معاملة المجمل ، لو لم یکن فی البین أظهرُ ،
[*حیدری فسایی]
وإلّا فهو المعوّل والقرینةُ علی التصرّف فی الآخر بما لا یخالفه بحسب العمل .
[شماره صفحه واقعی : 323]
ص: 119
الاستثناء (1) المتعقّب لجُملٍ متعدّدة (2) :
هل الظاهر هو رجوعه إلی الکلّ (3)، أو خصوص الأخیرة (4)، أو لا ظهور له فی واحدٍ منهما ، بل لابدّ فی التعیین من قرینة (5) ؟ أقوال .
والظاهر : أنّه لا خلاف ولا إشکال فی رجوعه إلی الأخیرة علی أیّ حالٍ؛ ضرورةَ أنّ رجوعه إلی غیرها بلا قرینةٍ خارجٌ عن طریقة أهل المحاورة .
وذلک ضرورةَ أنّ تعدّد المستثنی منه - کتعدّد المستثنیٰ - لا یوجب تفاوتاً أصلاً فی ناحیة الأداة بحسب المعنی - کان الموضوع له فی الحروف عامّاً أو خاصّاً - ، وکان المستعمل فیه الأداة فی ما کان المستثنی منه متعدّداً ، هو المستعمل فیه فی ما کان واحداً ، کما هو الحال فی المستثنیٰ بلا ریب ولا إشکال. وتعدُّدُ المُخرَج أو المُخرَج عنه خارجاً، لا یوجب تعدّدَ ما استعمل فیه أداة الإخراج مفهوماً .
وبذلک یظهر: أنّه لا ظهور لها فی الرجوع إلی الجمیع ، أو خصوص الأخیرة ، وإن کان الرجوع إلیها متیقّناً علی کلّ تقدیر .
نعم ، غیر الأخیرة أیضاً من الجمل لا یکون ظاهراً فی العموم؛ لاکتنافه بما لا یکون معه ظاهراً فیه، فلابدّ فی مورد الاستثناء فیه من الرجوع إلی الأُصول.
اللهمّ إلّاأن یقال بحجّیّة أصالة الحقیقة تعبّداً ، لا من باب الظهور ، فیکون المرجع - علیه - أصالةَ العموم إذا کان وضعیّاً ، لا ما إذا کان بالإطلاق ومقدّمات الحکمة؛ فإنّه لا یکاد تتمّ تلک المقدّمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلی الجمیع ، فتأمّل (1) .
[شماره صفحه واقعی : 325]
ص: 121
صوت
[*حیدری فسایی]
ألحقّ : جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص ، کما جاز بالکتاب ، أو بالخبر المتواتر ، أو المحفوف بالقرینة القطعیّة من خبر الواحد
بلا ارتیاب؛ لما هو الواضح من سیرة الأصحاب علی العمل بأخبار الآحاد فی قبال عمومات الکتاب إلی زمن الأئمّة علیهم السلام .
واحتمال أن یکون ذلک بواسطة القرینة واضح البطلان (1) .
مع أنّه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرّة أو ما بحکمه؛ ضرورةَ ندرة خبرٍ لم یکن علی خلافه عمومُ الکتاب ، لو سلّم وجود ما لم یکن کذلک (2) .
- وکونُ العامّ الکتابیّ قطعیّاً صدوراً ، وخبر الواحد ظنّیّاً سنداً ، لا یمنع عن التصرّف فی دلالته غیرِ القطعیّة قطعاً ، وإلّا لما جاز تخصیص المتواتر به أیضاً ، مع أنّه جائز جزماً .
والسرُّ: أنّ الدوران فی الحقیقة بین أصالة العموم ودلیل سند الخبر ، مع أنّ الخبر - بدلالته وسنده - صالحٌ للقرینیّة علی التصرّف فیها ، بخلافها ، فإنّها غیر صالحة لرفع الید عن دلیل اعتباره .
[*حیدری فسایی]
- ولا ینحصر الدلیل علی الخبر بالإجماع ، کی یقال ب «أنّه فی ما لا یوجد
[شماره صفحه واقعی : 326]
ص: 122
علی خلافه دلالة، ومع وجود الدلالة القرآنیّة یسقط وجوب العمل به» (1). کیف ؟ وقد عرفت : أنّ سیرتهم مستمرّة علی العمل به فی قبال العمومات الکتابیّة .
- والأخبارُ (2) الدالّة علی أنّ الأخبار المخالفة للقرآن یجب طرحها ، أو ضربها علی الجدار (3) ، أو أنّها زخرف ، أو أنّها ممّا لم یقل بها الإمام علیه السلام ، وإن کانت کثیرةً جدّاً ، وصریحةَ الدلالة علی طرح المخالف (4) ، إلّاأنّه لا محیص عن أن یکون المراد من المخالفة فی هذه الأخبار غیرَ مخالفة العموم ، إن لم نقل بأنّها لیست من المخالفة عرفاً ، کیف ؟ وصدور الأخبار المخالفة للکتاب - بهذه المخالفة - منهم علیهم السلام کثیرةٌ جدّاً .
مع قوّة احتمال أن یکون المراد : أنّهم لا یقولون بغیر ما هو قول اللّٰه - تبارک وتعالی - واقعاً ، وإن کان هو علی خلافه ظاهراً ، شرحاً لمرامه - تعالی - ، وبیاناً لمراده من کلامه ، فافهم .
- والملازمة بین جواز التخصیص وجواز النسخ به ممنوعةٌ، وإن کان مقتضی القاعدة جوازَهما؛ لاختصاص النسخ بالإجماع علی المنع. مع وضوح الفرق بتوافر الدواعی إلی ضبطه ، ولذا قلّ الخلاف فی تعیین موارده ، بخلاف التخصیص (5).
[شماره صفحه واقعی : 327]
ص: 123
لا یخفی: أنّ الخاصّ والعامّ المتخالفین یختلف حالهما ناسخاً ومخصِّصاً (1) ومنسوخاً ، فیکون الخاصُّ : مخصِّصاً تارةً ، وناسخاً مرّةً ، ومنسوخاً أُخری :
وذلک لأنّ الخاصّ إن کان مقارناً مع العامّ ، أو وارداً بعده قبلَ حضور وقت العمل به ، فلا محیص عن کونه مخصِّصاً وبیاناً له .
وإن کان بعد حضوره کان ناسخاً لا مخصِّصاً ؛
وإن کان العامّ وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاصّ ، فکما یحتمل أن یکون الخاصّ مخصّصاً للعامّ ، یحتمل أن یکون العامّ ناسخاً له ، وإن کان الأظهر أن یکون الخاصّ مخصّصاً؛ لکثرة التخصیص حتّی اشتهر: ما من عامّ إلّاوقد خُصّ ، مع قلّة النسخ فی الأحکام جدّاً . وبذلک یصیر ظهور الخاصّ فی الدوام - ولو کان بالإطلاق - أقوی من ظهور العامّ - ولو کان بالوضع - ، کما لا یخفی .
هذا فی ما عُلم تأریخُهما .
وأمّا لو جُهل وتردّد بین أن یکون الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ ، وقبل حضوره ، فالوجه هو الرجوع إلی الأُصول العملیّة .
وکثرة التخصیص وندرة النسخ هاهنا، وإن کانا یوجبان الظنّ بالتخصیص أیضاً ، وأنّه واجدٌ لشرطه ، إلحاقاً له بالغالب ، إلّا أنّه لا دلیل علی اعتباره ، وإنّما یوجبان الحملَ علیه فی ما إذا ورد العامّ بعد حضور وقت العمل بالخاصّ؛ لصیرورة الخاصّ بذلک فی الدوام أظهر من العامّ ، کما أُشیر إلیه (1)، فتدبّر جیّداً.
ثمّ إنّ تعیُّن الخاصّ للتخصیص ، إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعامّ ، أو ورد العامّ قبل حضور وقت العمل به ، إنّما یکون مبنیّاً علی عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل ،
[*حیدری فسایی]
وإلّا فلا یتعیّن له ، بل یدور بین کونه مخصِّصاً وناسخاً (2)* فی الأوّل ، ومخصَّصاً ومنسوخاً فی الثانی ، إلّاأنّ الأظهر کونه
[شماره صفحه واقعی : 329]
ص: 125
مخصِّصاً ، ولو فی ما کان ظهور العامّ فی عموم الأفراد أقوی من ظهور الخاصّ فی الخصوص (1)؛ لما أُشیر إلیه من تعارف التخصیص وشیوعه ، وندرة النسخ جدّاً فی الأحکام .
ولا بأس بصرف الکلام إلی ما هو نخبة القول فی النسخ .
فاعلم: أنّ النسخ وإن کان رفعَ الحکم الثابت إثباتاً ، إلّاأنّه فی الحقیقة دفع الحکم ثبوتاً ، وإنّما اقتضت الحکمة إظهارَ دوام الحکم واستمراره ، أو أصلَ إنشائه وإقراره ، مع أنّه بحسب الواقع لیس له قرار ، أو لیس له دوام واستمرار؛ وذلک لأنّ النبیّ الصادع للشرع (2) ربما یُلهَم أو یوحیٰ إلیه أن یُظهر الحکم أو استمراره ، مع اطّلاعه علی حقیقة الحال ، وأنّه یُنسِخ فی الاستقبال ، أو مع عدم اطّلاعه علی ذلک؛ لعدم إحاطته بتمام ما جریٰ فی علمه - تبارک وتعالی - . ومن هذا القبیل لعلّه یکون أمرُ إبراهیم علیه السلام بذبح إسماعیل علیه السلام .
وحیث عرفت: أنّ النسخ بحسب الحقیقة یکون دفعاً ، وإن کان بحسب الظاهر رفعاً ، فلا بأس به مطلقاً ، ولو کان قبل حضور وقت العمل؛ لعدم لزوم البداء المحال فی حقّه - تبارک وتعالی - ، بالمعنی المستلزم لتغیّر إرادته - تعالی - مع اتّحاد الفعل ذاتاً وجهةً ، ولا لزومِ (3) امتناع النسخ أو الحکم المنسوخ؛ فإنّ
[شماره صفحه واقعی : 330]
ص: 126
الفعل إن کان مشتملاً علی مصلحة موجبة للأمر به امتنع النهی عنه ، وإلّا امتنع الأمر به ؛
[*حیدری فسایی]
وذلک لأنّ الفعل أو دوامه لم یکن متعلّقاً لإرادته ، فلا یستلزم نسخُ أمره بالنهی تغییرَ إرادته ، ولم یکن الأمر بالفعل من جهة کونه مشتملاً علی مصلحة ، وإنّما کان إنشاء الأمر به أو إظهار دوامه عن حکمة ومصلحة .
وأمّا البداء فی التکوینیّات بغیر ذاک المعنی ، فهو ممّا تدلّ (1) علیه الروایات المتواترات (2) ، کما لا یخفی .
ومجمله: أنّ اللّٰه - تبارک وتعالی - إذا تعلّقت مشیئته (3) بإظهار ثبوت ما یمحوه - لحکمةٍ داعیةٍ إلی إظهاره - ألهَم أو أوحیٰ إلی نبیّه أو ولیّه أن یُخبر به ، مع علمه بأنّه یمحوه ، أو مع عدم علمه به؛ لما أُشیر إلیه (4) من عدم الإحاطة بتمام ما جری فی علمه . وإنّما یخبر به ؛ لأنّه حال الوحی أو الإلهام - لارتقاء نفسه الزکیّة ، واتّصاله بعالم لوح المحو والإثبات - اطّلع علی ثبوته ، ولم یطّلع علی کونه معلَّقاً علی أمرٍ (5) غیرِ واقع ، أو عدم الموانع ، قال اللّٰه - تبارک وتعالی - : «یَمْحُوا اللّٰهُ مٰا یَشٰاءُ وَ یُثْبِتُ » (6)الآیة .
[شماره صفحه واقعی : 331]
ص: 127
نعم ، مَن شملته العنایة الإلهیّة ، واتّصلت نفسه الزکیّة بعالم اللوح المحفوظ - الّذی هو من أعظم العوالم الربوبیّة ، وهو امّ الکتاب - ینکشف (1) عنده الواقعیّات علی ما هی علیها ، کما ربما یتّفق لخاتم الأنبیاء ولبعض الأوصیاء ، و (2)کان عارفاً بالکائنات کما کانت وتکون .
نعم ، مع ذلک ، ربما یوحیٰ إلیه حکمٌ من الأحکام : تارةً بما یکون ظاهراً فی الاستمرار والدوام ، مع أنّه فی الواقع له غایة وأمدٌ یعیّنها بخطاب آخر ، وأُخری بما یکون ظاهراً فی الجدّ ، مع أنّه لا یکون واقعاً بجدٍّ ، بل لمجرّد الابتلاء والاختبار ، کما أنّه یؤمر وحیاً أو إلهاماً بالإخبار بوقوع عذابٍ أو غیره ممّا لا یقع ؛ لأجل حکمةٍ فی هذا الإخبار أو ذاک الإظهار .
[*حیدری فسایی]
فبداؤه (3) تعالی بمعنی: أنّه یُظهِر ما أمَرَ نبیَّه أو ولیَّه بعدم إظهاره أوّلاً ، ویُبدی ما خفی ثانیاً .
وإنّما نسب إلیه - تعالی - البداء مع أنّه فی الحقیقة الإبداء؛ لکمال شباهة إبدائه - تعالی - کذلک بالبداء فی غیره .
وفی ما ذکرنا کفایة فی ما هو المهمّ فی باب النسخ ، ولا داعی بذکر تمام ما ذکروه فی ذاک الباب ، کما لا یخفی علی اولی الألباب .
[شماره صفحه واقعی : 332]
ص: 128
ثمّ لا یخفی ثبوت الثمرة بین التخصیص والنسخ؛ ضرورةَ أنّه علی التخصیص یُبنیٰ علی خروج الخاصّ عن حکم العامّ رأساً ، وعلی النسخ علی ارتفاع حکمه عنه من حینه ، فی ما دار الأمر بینهما فی المخصّص .
وأمّا إذا دار بینهما فی الخاصّ والعامّ ، فالخاصُّ علی التخصیص غیر محکوم بحکم العامّ أصلاً ، وعلی النسخ کان محکوماً به من حین صدور دلیله ، کما لا یخفی .
[شماره صفحه واقعی : 333]
ص: 129
[شماره صفحه واقعی : 334]
ص: 130
[شماره صفحه واقعی : 335]
ص: 131
[شماره صفحه واقعی : 336]
ص: 132
عُرّف المطلق بأنّه : ما دلّ علی شائع فی جنسه (1) .
وقد أشکل علیه بعضُ الأعلام (2) بعدم الاطّراد والانعکاس (3) ، وأطال الکلام فی النقض والإبرام .
وقد نبّهنا فی غیر مقامٍ علی أنّ مثله شرح الاسم ، وهو ممّا یجوز أن لا یکون بمطّرد ولا بمنعکس .
فالأولی : الإعراض عن ذلک ، ببیان ما وضع له بعض الألفاظ الّتی یطلق علیها المطلق ، أو غیرها (4) ممّا یناسب المقام :
صوت
[*حیدری فسایی]
فمنها: اسم الجنس ، کإنسان ورجل وفرس وحیوان وسواد وبیاض ...
إلی غیر ذلک من أسماء الکلّیّات من الجواهر والأعراض بل العرضیّات (5) .
[شماره صفحه واقعی : 337]
ص: 133
ولا ریب أنّها موضوعة لمفاهیمها بما هی هی مبهمة مهملة ، بلا شرطٍ أصلاً ملحوظٍ (1) معها ، حتّی لحاظ أنّها کذلک .
التحقیق فی ما وضع له اسم الجنس
وبالجملة: الموضوع له اسم الجنس هو : نفس المعنی ، وصِرف المفهوم غیرِ الملحوظ معه شیءٌ أصلاً - الّذی هو المعنی بشرط شیء - ، ولو کان ذاک الشیء هو الإرسال والعموم البدلیّ ،
[*حیدری فسایی]
ولا الملحوظ معه عدمُ لحاظ شیءٍ معه - الّذی هو الماهیّة اللابشرط القسمیّ - ؛ وذلک لوضوح صدقها - بما لها من المعنی - بلا عنایة التجرید عمّا هو قضیّة الاشتراط والتقیید فیها ، کما لا یخفی .
مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم علی فردٍ من الأفراد ، وإن کان یعمّ کلّ واحد منها بدلاً أو استیعاباً . وکذا المفهوم اللّابشرط القسمیّ ، فإنّه کلّیّ عقلیّ (2) لا موطن له إلّاالذهن ، لا یکاد یمکن صدقه وانطباقه علیها؛ بداهة أنّ مناطه الإتّحاد بحسب الوجود خارجاً ، فکیف یمکن أن یتّحد معها ما لا وجود له إلّاذهناً ؟
ومنها: علم الجنس ، ک «أُسامة» . والمشهور بین أهل العربیّة: أنّه موضوع للطبیعة لا بما هی هی ، بل بما هی متعیّنة بالتعیّن الذهنیّ ، ولذا یعامَل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعریف .
[شماره صفحه واقعی : 338]
ص: 134
التحقیق فی ما وضع له علم الجنس
لکنّ التحقیق: أنّه موضوع لصِرف المعنی بلا لحاظ شیءٍ معه أصلاً - کاسم الجنس - ، والتعریف فیه (1) لفظیٌّ - کما هو الحال فی التأنیث اللفظیّ - ، وإلّا لما صحّ حمله علی الأفراد بلا تصرّف وتأویل؛ لأنّه علی المشهور کلّیّ عقلیّ (2) ، وقد عرفت : أنّه لا یکاد یصحّ صدقه (3) علیها (4) ، مع صحّة حمله علیها بدون ذلک کما لا یخفی؛ ضرورة أنّ التصرّف فی المحمول ، بإرادة نفس المعنی بدون قیده تعسّفٌ ، لا یکاد یکون بناء القضایا المتعارفة علیه .
مع أنّ وضعَهُ لخصوص معنی یحتاج إلی تجریده عن خصوصیّته عند الاستعمال ، لا یکاد یصدر عن جاهل ، فضلاً عن الواضع الحکیم .
صوت
[*حیدری فسایی]
ومنها: المفرد المعرّف باللام . والمشهور أنّه علی أقسام:
المعرّف بلام الجنس ، أو الاستغراق ، أو العهد بأقسامه ، علی نحو الاشتراک بینها لفظاً أو معنیً .
التحقیق فی مفاد
المعرّف باللام
والظاهر : أنّ الخصوصیّة فی کلّ واحد من الأقسام من قِبل خصوص «اللام» ، أو من قِبل قرائن المقام ، من باب تعدّد الدالّ والمدلول ، لا باستعمال المدخول ، لیلزم فیه المجاز أو الاشتراک ، فکان المدخول علی کلّ حال مستعملاً فی ما یستعمل فیه غیر المدخول .
والمعروف : أنّ «اللام» تکون موضوعةً للتعریف ، ومفیدةً للتعیین فی غیر العهد الذهنیّ .
[شماره صفحه واقعی : 339]
ص: 135
وأنت خبیرٌ بأنّه لا تعیّن (1) فی تعریف الجنس ، إلّاالإشارة إلی المعنی المتمیّز بنفسه من بین المعانی ذهناً . ولازمه أن لا یصحّ حمل المعرّف باللام - بما هو معرَّفٌ - علی الأفراد؛ لما عرفت من امتناع الاتّحاد مع ما لا موطن له إلّا الذهن ، إلّابالتجرید . ومعه لا فائدة فی التقیید .
مع أنّ التأویل والتصرّف فی القضایا المتداولة فی العرف غیرُ خالٍ عن التعسّف . هذا .
مضافاً (2) إلی أنّ الوضع لِما لا حاجة إلیه - بل لابدّ من التجرید عنه وإلغائه فی الاستعمالات المتعارفة المشتملة علی حمل المعرّف باللام أو الحمل علیه - کان لغواً ، کما أشرنا إلیه (3) .
فالظاهر : أنّ «اللام» مطلقاً تکون للتزیین ، کما فی « الحسن » و « الحسین » . واستفادة الخصوصیّات إنّما تکون بالقرائن الّتی لابدّ منها لتعیینها (4) علی کلّ حال ،
[*حیدری فسایی]
ولو قیل بإفادة « اللام » للإشارة إلی المعنی . ومع الدلالة علیه بتلک الخصوصیّات لا حاجة إلی تلک الإشارة ، لو لم تکن مخلّة ، وقد عرفت إخلالها ، فتأمّل جیّداً .
وأمّا دلالة الجمع المعرّف باللام علی العموم - مع عدم دلالة المدخول علیه - : فلا دلالة فیها علی أنّها تکون لأجل دلالة اللام علی التعیین (5)
[شماره صفحه واقعی : 340]
ص: 136
- حیث أنّه (1) لا تعیّن إلّاللمرتبة المستغرقة لجمیع الأفراد (2) - ؛ وذلک لتعیّن المرتبة الاُخریٰ ، وهی أقلّ مراتب الجمع ، کما لا یخفی .
فلابدّ أن تکون دلالته علیه مستندةً إلی وضعه کذلک لذلک (3) ، لا إلی دلالة اللام علی الإشارة إلی المعیّن ، لیکون به التعریف .
وإن أبیت إلّاعن استناد الدلالة علیه إلیه ، فلا محیص عن دلالته علی الاستغراق بلا توسیط الدلالة علی التعیین ، فلا یکون بسببه تعریفٌ إلّالفظاً ، فتأمّل جیّداً .
صوت
[*حیدری فسایی]
ومنها: النکرة ، مثل «رجل» فی «وَ جٰاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَی الْمَدِینَةِ » (4)، أو فی «جئنی برجل» .
التحقیق فی مفاد النکرة ولا إشکال أنّ المفهوم منها فی الأوّل - ولو بنحو تعدّد الدالّ والمدلول - هو : الفرد المعیّن فی الواقع ، المجهولُ عند المخاطب ، المحتملُ الانطباق علی غیر واحد من أفراد الرجل .
کما أنّه فی الثانی هی : الطبیعة المأخوذة مع قید الوحدة ، فیکون حصّةً من الرجل ، ویکون کلّیّاً ینطبق علی کثیرین ، لا فرداً مردّداً بین الأفراد .
وبالجملة: النکرة - أی ما بالحمل الشائع یکون نکرةً عندهم - إمّا هو فردٌ معیّنٌ فی الواقع غیرُ معیَّنٍ للمخاطب ، أو حصّةٌ کلّیّة ، لا الفرد المردّد بین
[شماره صفحه واقعی : 341]
ص: 137
الأفراد (1)؛ وذلک لبداهة کون لفظ «رجل» فی «جئنی برجل» نکرةً ، مع أنّه یصدق علی کلّ مَن جیء به من الأفراد ، ولا یکاد یکون واحد منها هذا أو غیره ، کما هو قضیّة الفرد المردّد ، لو کان هو المراد منها؛ ضرورة أنّ کلّ واحدٍ هو هو ، لا هو أو غیره .
فلابدّ أن تکون النکرة الواقعة فی متعلّق الأمر ، هو الطبیعیّ المقیّد بمثل مفهوم الوحدة ، فیکون کلّیّاً قابلاً للانطباق ، فتأمّل جیّداً .
إذا عرفت ذلک ، فالظاهر : صحّة إطلاق « المطلق » عندهم - حقیقةً - علی اسم الجنس والنکرة بالمعنی الثانی ، کما یصحّ لغةً . وغیرُ بعید أن یکون جریهم فی هذا الإطلاق علی وِفْق اللغة ، من دون أن یکون لهم فیه اصطلاح علی خلافها ، کما لا یخفی .
نعم ، لو صحّ ما نُسِب إلی المشهور (2) ، من کون المطلق عندهم موضوعاً لما قُیّد بالإرسال والشمول البدلیّ ، لَما کان ما أُرید منه الجنس أو الحصّة عندهم بمطلق ، إلّاأنّ الکلام فی صدق النسبة .
[*حیدری فسایی]
ولا یخفی: أنّ المطلق بهذا المعنی لطروء القید (3) غیرُ قابل؛ فإنّ ما له من الخصوصیّة ینافیه ویعانده . وهذا (4) بخلافه بالمعنیین ، فإنّ کلّاً منهما له قابل؛ لعدم انثلامهما بسببه أصلاً ، کما لا یخفی .
[شماره صفحه واقعی : 342]
ص: 138
وعلیه لا یستلزم التقییدُ تجوّزاً فی المطلق؛ لإمکان إرادة معناه من لفظه (1) وإرادةِ قیده من قرینة حال أو مقال ، وإنّما استلزمه لو کان (2) بذاک المعنی .
نعم ، لو أُرید من لفظه : المعنی المقیّد ، کان مجازاً مطلقاً ، کان التقیید بمتّصل أو منفصل .
قد ظهر لک: أنّه لا دلالة لمثل «رجل» إلّاعلی الماهیّة المبهمة وضعاً ، وأنّ الشیاع والسریان - کسائر الطوارئ - یکون خارجاً عمّا وضع له .
فلابدّ فی الدلالة علیه من قرینة حالٍ ، أو مقالٍ ، أو حکمةٍ .
وهی تتوقّف علی مقدّمات:
إحداها: کون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد ، لا الإهمال أو الإجمال .
ثانیتها: انتفاء ما یوجب التعیین .
ثالثتها: انتفاء القدر المتیقّن فی مقام التخاطب ، ولو کان المتیقّن بملاحظة الخارج عن ذاک المقام فی البین ،
[*حیدری فسایی]
فإنّه غیر مؤثّر فی رفع الإخلال بالغرض ، لو کان بصدد البیان ، کما هو الفرض .
فإنّه - فی ما تحقّقت - لو لم یرد الشیاعَ لأخلّ بغرضه؛ حیث إنّه
[شماره صفحه واقعی : 343]
ص: 139
لم یبیّنه (1) مع أنّه بصدده. وبدونها لا یکاد یکون هناک إخلال به؛ حیث لم یکن مع انتفاء الأُولی إلّافی مقام الإهمال أو الإجمال ، ومع انتفاء الثانیة کان البیان بالقرینة (2)؛ ومع انتفاء الثالثة لا إخلال بالغرض لو کان المتیقّن تمام مراده؛ فإنّ الفرض أنّه بصدد بیان تمامه وقد بیّنه ، لا بصدد بیان أنّه تمامه ، کی أخلّ ببیانه (3) ، فافهم (4) .
ثمّ لا یخفی علیک (5): أنّ المراد بکونه فی مقام بیان تمام مراده : مجرّدُ بیان ذلک وإظهاره وإفهامه ، ولو لم یکن عن جدٍّ ، بل قاعدةً وقانوناً؛ لیکون حجّة فی ما لم تقم (6) حجّةٌ أقویٰ علی خلافه ، لا البیان فی قاعدة قبح تأخیر البیان
[شماره صفحه واقعی : 344]
ص: 140
عن وقت الحاجة ، فلا یکون الظفر بالمقیِّد - ولو کان مخالفاً - کاشفاً (1) عن عدم کون المتکلّم فی مقام البیان . ولذا لا ینثلم به إطلاقُه وصحّةُ التمسّک به أصلاً ، فتأمّل جیّداً .
[*حیدری فسایی]
وقد انقدح بما ذکرنا : أنّ النکرة فی دلالتها علی الشیاع والسریان أیضاً تحتاج - فی ما لا یکون هناک دلالةُ حالٍ أو مقالٍ - إلی مقدّمات (2) الحکمة ، فلا تغفل .
بقی شیء:
وهو أنّه لا یبعد أن یکون الأصل فی ما إذا شکّ فی کون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد هو : کونه بصدد بیانه ؛ وذلک لما جرت علیه سیرة أهل المحاورات من التمسّک بالإطلاقات ، فی ما إذا لم یکن هناک ما یوجب صرْفَ وجهها إلی جهة خاصّة .
ولذا تری أنّ المشهور لا یزالون یتمسّکون بها مع عدم إحراز کون مطلِقها بصدد البیان ، وبُعدِ کونه لأجل ذهابهم إلی أنّها موضوعة للشیاع والسریان ، وإن کان ربما نسب ذلک إلیهم (3) . ولعلّ وجهَ النسبة ملاحظةُ أنّه لا وجه للتمسّک بها بدون الإحراز ، والغفلةُ عن وجهه ، فتأمّل جیّداً .
ثمّ إنّه قد انقدح بما عرفت - من توقّف حمل المطلق علی الإطلاق فی ما
[شماره صفحه واقعی : 345]
ص: 141
لم یکن هناک قرینة حالیّة أو مقالیّة علی قرینة الحکمة ، المتوقّفة علی المقدّمات المذکورة - : أنّه لا إطلاق له فی ما کان له الانصراف إلی خصوص بعض الأفراد أو الأصناف؛ لظهوره فیه ، أو کونِه متیقّناً منه ، ولو لم یکن ظاهراً فیه بخصوصه ، حَسَب اختلاف مراتب الانصراف .
کما أنّ (1) منها ما لا یوجب ذا ولا ذاک ، بل یکون بدویّاً زائلاً بالتأمّل .
کما أنّ (2) منها ما یوجب الاشتراک ، أو النقل .
[*حیدری فسایی]
لا یقال (3): کیف یکون ذلک ؟ وقد تقدّم أنّ التقیید لا یوجب التجوّز فی المطلق أصلاً .
فإنّه یقال: - مضافاً إلی أنّه إنّما قیل (4) لعدم استلزامه له ، لا عدمِ إمکانه؛ فإنّ استعمال المطلق فی المقیّد بمکانٍ من الإمکان - إنّ کثرة إرادة المقیّد لدیٰ إطلاق المطلق ولو بدالٍّ آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزیّةَ أُنسٍ (5) - کما فی المجاز المشهور - أو تعیّناً واختصاصاً به - کما فی المنقول بالغلبة - ، فافهم .
تنبیه (6):
وهو أنّه یمکن أن یکون للمطلق جهات عدیدة ، کان وارداً فی مقام البیان من جهةٍ منها ، وفی مقام الإهمال أو الإجمال من أُخری ، فلابدّ فی حمله
[شماره صفحه واقعی : 346]
ص: 142
علی الإطلاق بالنسبة إلی جهةٍ ، من کونه بصدد البیان من تلک الجهة ، ولا یکفی کونه بصدده من جهة أُخری ، إلّاإذا کان بینهما ملازمة عقلاً أو شرعاً أو عادةً ، کما لا یخفی .
إذا ورد مطلق و مقیّد متنافیین : فإمّا یکونان مختلفین فی الإثبات والنفی ، وإمّا یکونان متوافقین .
فإن کانا مختلفین ، مثل: «أعتق رقبة» و «لا تعتق رقبة کافرة» ، فلا إشکال فی التقیید .
وإن کانا متوافقین ، فالمشهور فیهما الحمل والتقیید .
وقد استدلّ (1) بأنّه جمع بین الدلیلین ، وهو أولی .
وقد أُورد علیه (2) بإمکان الجمع علی وجهٍ آخر ، مثل حمل الأمر فی المقیّد علی الاستحباب .
[*حیدری فسایی]
وأُورد علیه (3): بأنّ التقیید لیس تصرّفاً فی معنی اللفظ ، وإنّما هو تصرّف
[شماره صفحه واقعی : 347]
ص: 143
فی وجهٍ من وجوه المعنیٰ ، اقتضاه تجرّدُه عن القید ، مع تخیُّل وروده فی مقام بیان تمام المراد ، وبعد الاطّلاع علی ما یصلح للتقیید نعلم وجوده علی وجه الإجمال ، فلا إطلاق فیه حتّی یستلزم تصرّفاً ، فلا یعارض ذلک بالتصرّف فی المقیّد ، بحمل أمره علی الاستحباب .
وأنت خبیر بأنّ التقیید أیضاً یکون تصرّفاً فی المطلق؛ لما عرفت (1) من أنّ الظفر بالمقیّد لا یکون کاشفاً عن عدم ورود المطلق فی مقام البیان ، بل عن عدم کون الإطلاق - الّذی هو ظاهره بمعونة الحکمة - بمراد جدّیّ ، غایة الأمر أنّ التصرّف فیه بذلک لا یوجب التجوّز فیه .
مع أنّ حمل الأمر فی المقیّد علی الاستحباب لا یوجب تجوّزاً فیه؛ فإنّه فی الحقیقة مستعملٌ فی الإیجاب ، فإنّ المقیّد إذا کان فیه ملاک الاستحباب ، کان من أفضل أفراد الواجب ، لا مستحبّاً فعلاً؛ ضرورة أنّ ملاکه لا یقتضی استحبابه إذا اجتمع مع ما یقتضی وجوبه .
[*حیدری فسایی]
نعم ، فی ما إذا کان إحرازُ کون المطلقِ فی مقام البیان بالأصل ، کان من التوفیق بینهما حملُه علی أنّه سیق فی مقام الإهمال ، علی خلاف مقتضی الأصل ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 348]
ص: 144
ولعلّ وجه التقیید : کون ظهور إطلاق الصیغة فی الإیجاب التعیینیّ أقویٰ من ظهور المطلق فی الإطلاق .
وربما یُشکل (1) بأنّه یقتضی التقیید فی باب المستحبّات ، مع أنّ بناء المشهور علی حمل الأمر بالمقیّد فیها علی تأکّد الاستحباب . اللهمّ إلّا أن یکون الغالب فی هذا الباب هو تفاوت الأفراد بحسب مراتب المحبوبیّة ، فتأمّل .
أو أنّه کان بملاحظة التسامح فی أدلّة المستحبّات ، وکان عدمُ رفع الید عن (2) دلیل استحباب المطلق - بعد مجیء دلیل المقیّد - وحمله علی تأکّد استحبابه ، من التسامح فیها (3)* .
ثمّ إنّ الظاهر : أنّه لا یتفاوت فی ما ذکرنا بین المثبتَیْن والمنفیَّیْن (4) بعد فرض کونهما متنافیین .
[شماره صفحه واقعی : 349]
ص: 145
کما لا یتفاوتان فی استظهار التنافی بینهما من استظهار اتّحاد التکلیف من وحدة السبب (1) وغیره (2) ، من قرینة حالٍ أو مقالٍ حَسَبما یقتضیه النظر ، فلیتدبّر .
صوت
[*حیدری فسایی]
تنبیهٌ:
لا فرق فی ما ذُکر من الحمل فی المتنافیین بین کونهما فی بیان الحکم التکلیفیّ ، وفی بیان الحکم الوضعیّ . فإذا ورد - مثلاً - : أنّ البیع سبب ، وأنّ البیع الکذائیّ سبب ، وعُلم أنّ مراده : إمّا البیع علی إطلاقه ، أو البیع الخاصّ ، فلابدّ من التقیید لو کان ظهور دلیله فی دخل القید أقوی من ظهور دلیل الإطلاق فیه ، کما هو لیس ببعید؛ ضرورة تعارف ذکر المطلق وإرادة المقیّد - بخلاف العکس - بإلغاء القید وحملِه علی أنّه غالبیّ ، أو علی وجهٍ آخر ، فإنّه علی خلاف المتعارف .
تبصرةٌ لا تخلو من تذکرة:
وهی: أنّ قضیّة مقدّمات الحکمة فی المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات :
[شماره صفحه واقعی : 350]
ص: 146
فإنّها تارةً : یکون حملها علی العموم البدلیّ ، وأُخری : علی العموم الاستیعابیّ ، وثالثةً : علی نوعٍ خاصّ ممّا ینطبق علیه ، حسب اقتضاء خصوص المقام ، واختلافِ الآثار والأحکام ، کما هو الحال فی سائر القرائن بلا کلام .
فالحکمة فی إطلاق صیغة الأمر تقتضی أن یکون المراد : خصوص الوجوب التعیینیّ العینیّ النفسیّ ؛ فإنّ إرادة غیره تحتاج إلی مزید بیان ، ولا معنی لإرادة الشیاع فیه ، فلا محیص عن الحمل علیه فی ما إذا کان بصدد البیان .
کما أنّها قد تقتضی العموم الاستیعابیّ ، کما فی «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَیْعَ » (1)؛ إذ إرادة البیع مهملاً أو مجملاً تنافی ما هو المفروض من کونه بصدد البیان ، وإرادةُ العموم البدلیّ لا تناسب المقام .
ولا مجال لاحتمال إرادة بیعٍ اختاره المکلّف - أیَّ بیعٍ کان - ، مع أنّها تحتاج إلی نصب دلالة علیها ، لا یکاد یفهم بدونها من الإطلاق .
ولا یصحّ قیاسه علی ما إذا أُخذ فی متعلّق الأمر؛ فإنّ العموم الاستیعابیّ (2) لا یکاد یمکن إرادته ، وإرادةُ غیر العموم البدلیّ وإن کانت ممکنة ، إلّا أنّها منافیة للحکمة وکونِ المطلِق بصدد البیان (3) .
[شماره صفحه واقعی : 351]
ص: 147
صوت
[*حیدری فسایی]
والظاهر : أنّ المراد من المبیَّن - فی موارد إطلاقه - : الکلامُ الّذی له ظاهر ، ویکون بحسب متفاهم العرف قالباً لخصوص معنی؛ والمجمل بخلافه .
فما لیس له ظهورٌ : مجملٌ ، وإن عُلم بقرینةٍ خارجیّة ما أُرید منه ، کما أنّ ما له الظهور : مبیّنٌ ، وإن عُلم بالقرینة الخارجیّة أنّه ما أُرید ظهوره وأنّه مؤوّل (1) .
ولکلٍّ منهما - فی الآیات والروایات - وإن کان أفرادٌ کثیرة لا تکاد تخفیٰ ، إلّا أنّ لهما أفراداً مشتبهةً ، وقعت محلَّ البحث والکلام للأعلام فی أنّها من أفراد أیّهما ؟ کآیة السرقة (2) ، ومثل: «حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهٰاتُکُمْ » (3)و «أُحِلَّتْ لَکُمْ بَهِیمَةُ الْأَنْعٰامِ » (4)ممّا اضیف التحریم والتحلیل إلی الأعیان (5) ، ومثل «لا صَلاةَ إلّا بطَهور» (6) .
ولا یذهب علیک: أنّ إثبات الإجمال أو البیان لا یکاد یکون بالبرهان (7)؛ لما عرفت من أنّ ملاکهما أن یکون للکلام ظهور ، ویکون قالباً
[شماره صفحه واقعی : 352]
ص: 148
لمعنیً ، وهو ممّا یظهر بمراجعة الوجدان ، فتأمّل .
الإجمال والبیان
وصفان إضافیّان
ثمّ لا یخفیٰ: أنّهما وصفان إضافیّان ، ربما یکون مجملاً عند واحدٍ - لعدم معرفته بالوضع ، أو لتصادم ظهوره بما حفّ به لدیه - ، ومبیَّناً لدی الآخر - لمعرفته وعدم التصادم بنظره - ، فلا یهمّنا التعرّض لموارد الخلاف ، والکلام والنقض والإبرام فی المقام ، وعلی اللّٰه التوکّل وبه الاعتصام .
[شماره صفحه واقعی : 353]
ص: 149
سرشناسه : آخوند خراسانی،محمدکاظم بن حسین، 1255 - 1329ق.
عنوان و نام پدیدآور : کفایه الاصول/ تالیف محمدکاظم الخراسانی؛ المحقق مجتبی المحمودی.
مشخصات نشر : قم : مجمع الفکر الاسلامی، 1431ق.= 1389.
مشخصات ظاهری : 2 ج.
موضوع : اصول فقه شیعه -- قرن 14ق.
رده بندی کنگره : BP159/8/آ3ک7 1389الف
رده بندی دیویی : 297/312
شماره کتابشناسی ملی : 2105366
توضیح : کفایه الاصول آخرین متن درسی علم اصول در دوره سطح حوزه های تشیع است که در آن آخرین یافته های آخوند خراسانی در علم اصول به سبک کلاسیک و نو مطرح شده است. این کتاب حاصل مغز متفکری است که هم به معقول و هم به منقول نظر داشته است. موضوعات این کتاب به یک مقدمه و دو قسمت عمده تقسیم شده است:
1. مباحث الفاظ.
2. مباحث ادله عقلی.
مقصد ششم، شامل مباحث ادله عقلی، احکام قطع، حجّیت آن، ظن و انواع آن است.
ص: 1
[شماره صفحه واقعی : 1]
ص: 150
[شماره صفحه واقعی : 2]
ص: 151
[شماره صفحه واقعی : 3]
ص: 152
[شماره صفحه واقعی : 4]
ص: 153
[شماره صفحه واقعی : 5]
ص: 154
[شماره صفحه واقعی : 6]
ص: 155
[شماره صفحه واقعی : 7]
ص: 156
صوت
[*حیدری فسایی]
بسم اللّٰه الرحمن الرحیم
وقبل الخوض فی ذلک ، لا بأس بصرف الکلام إلی بیان بعض ما للقطع من الأحکام - وإن کان خارجاً من مسائل الفنّ ، وکان أشبه (1) بمسائل الکلام - ؛ لشدّة مناسبته مع المقام .
فاعلم: أنّ البالغ (2) الّذی وضع علیه القلم ، إذا التفت إلی حکم فعلیٍّ واقعیّ ، أو ظاهریّ ، متعلّقٍ به أو بمقلّدیه :
فإمّا أن یحصل له القطع به ، أو لا . وعلی الثانی لابدّ من انتهائه إلی ما استقلّ به العقل ، من اتّباع الظنّ لو حصل له ، وقد تمّت مقدّمات الانسداد علی تقدیر (3) الحکومة ، وإلّا فالرجوع إلی الأُصول العقلیّة : من البراءة والاشتغال والتخییر ، علی تفصیل یأتی فی محلّه إن شاء اللّٰه تعالی .
[*حیدری فسایی]
وإنّما عمّمنا متعلّق القطع؛ لعدم اختصاص أحکامه بما إذا کان متعلّقاً
[شماره صفحه واقعی : 8]
ص: 157
[شماره صفحه واقعی : 9]
ص: 158
بالأحکام الواقعیّة ، وخصّصنا بالفعلیّ؛ لاختصاصها بما إذا کان متعلّقاً به - علی ما ستطّلع علیه - . ولذلک عَدَلْنا عمّا فی رسالة شیخنا العلّامة - أعلی اللّٰه مقامه - من تثلیث الأقسام (1) .
وإن أبیت إلّاعن ذلک ، فالأولی أن یقال: «إنّ المکلّف : إمّا أن یحصل له القطع ، أولا . وعلی الثانی : إمّا أن یقوم عنده طریق معتبر ، أولا» ؛ لئلّا تتداخل الأقسام فی ما یذکر لها من الأحکام . ومرجعه - علی الأخیر - إلی القواعد المقرّرة - عقلاً أو نقلاً - لغیر القاطع ومن یقوم عنده الطریق ، علی تفصیلٍ یأتی فی محلّه - إن شاء اللّٰه تعالی - حَسَبما یقتضی دلیلها .
[شماره صفحه واقعی : 10]
ص: 159
وکیف کان ، فبیان أحکام القطع وأقسامه یستدعی رسم أُمور:
لا شبهة فی وجوب العمل علی وفق القطع عقلاً ، ولزومِ الحرکة علی طبقه جزماً ، وکونِه موجباً لتنجّز التکلیف الفعلیّ فی ما أصاب ، باستحقاق (1) الذمّ والعقاب علی مخالفته ، وعذراً فی ما أخطأ قصوراً . وتأثیره فی ذلک لازمٌ ، وصریحُ الوجدان به شاهدٌ وحاکمٌ ، فلا حاجة إلی مزید بیانٍ وإقامة برهان .
صوت
[*حیدری فسایی]
ولا یخفی: أنّ ذلک لا یکون بجعل جاعلٍ؛ لعدم جعلٍ تألیفیّ حقیقةً بین الشیء ولوازمه ، بل عَرَضاً بتبع جعله بسیطاً .
وبذلک انقدح امتناع المنع عن تأثیره أیضاً ، مع أنّه یلزم منه اجتماع الضدّین اعتقاداً مطلقاً ، وحقیقةً فی صورة الإصابة ، کما لا یخفی .
ثمّ لا یذهب علیک: أنّ التکلیف ما لم یبلغ مرتبة البعث والزجر لم یصِر فعلیّاً ، وما لم یصِر فعلیّاً لم یکد یبلغ مرتبة التنجّز واستحقاقِ العقوبة علی المخالفة ، وإن کان ربما یوجب موافقتُهُ استحقاقَ المثوبة؛ وذلک لأنّ الحکم ما لم یبلغ تلک المرتبة لم یکن حقیقةً بأمر ولا نهی ، ولا مخالفتهُ عن عمدٍ بعصیان ،بل کان ممّا سکت اللّٰه عنه ، کما فی الخبر (2) ، فلاحظ وتدبّر .
[شماره صفحه واقعی : 11]
ص: 160
نعم، فی کونه بهذه المرتبة مورداً للوظائف المقرّرة شرعاً للجاهل ، إشکالُ لزوم اجتماع الضدّین أو المثلین ، علی ما یأتی تفصیله (1) - إن شاء اللّٰه تعالی - ، مع ما هو التحقیق فی دفعه ، فی التوفیق بین الحکم الواقعیّ والظاهریّ ، فانتظر .
صوت
[*حیدری فسایی]
قد عرفت : أنّه لا شبهة فی أنّ القطع یوجب استحقاقَ العقوبة علی المخالفة ، والمثوبةِ علی الموافقة فی صورة الإصابة .
فهل یوجب استحقاقها - فی صورة عدم الإصابة - علی التجرّی بمخالفته ، واستحقاقَ المثوبة علی الانقیاد بموافقته ، أو لا یوجب شیئاً ؟
ألحقّ : أنّه یوجبه؛ لشهادة الوجدان بصحّة مؤاخذته ، وذمّه علی تجرّیه وهتک حرمته لمولاه (2) ، وخروجه عن رسوم عبودیّته ، وکونه بصدد الطغیان ، وعزمه علی العصیان ، وصحّةِ مثوبته ، ومدحه علی إقامته (3) بما هو قضیّة عبودیّته ، من العزم علی موافقته ، والبناء علی إطاعته ، وإن قلنا بأنّه لا یستحقّ مؤاخذة أو مثوبة - ما لم یعزم علی المخالفة أو الموافقة - بمجرّد سوء سریرته أو حُسنها (4) ، وإن کان مستحقّاً للّوم (5) أو المدح بما یستتبعانه ، کسائر الصفات والأخلاق الذمیمة أو الحسنة .
[شماره صفحه واقعی : 12]
ص: 161
وبالجملة: ما دامت فیه صفة کامنة لا یستحقّ بها إلّامدحاً أو لوماً (1) ، وإنّما یستحقّ الجزاء بالمثوبة أو العقوبة - مضافاً إلی أحدهما - إذا صار بصدد الجری علی طبقها ، والعمل علی وفقها ، وجَزَمَ وعَزَمَ؛ وذلک لعدم صحّة مؤاخذته بمجرّد سوء سریرته من دون ذلک ، وحسنها معه ، کما یشهد به مراجعة الوجدان ، الحاکم بالاستقلال فی مثل باب الإطاعة والعصیان ، وما یستتبعان من استحقاق النیران أو الجنان .
ولکن ذلک مع بقاء الفعل المتجرّیٰ به ، أو المنقاد به علی ما هو علیه من الحسن أو القبح ، والوجوب أو الحرمة واقعاً ، بلا حدوث تفاوتٍ فیه بسبب تعلُّقِ القطع بغیر ما هو علیه من الحکم والصفة ، ولا یغیَّر جهة حُسنِه أو قبحِه بجهته أصلاً (2)؛
[*حیدری فسایی]
ضرورة أنّ القطع بالحسن أو القبح ، لا یکون من الوجوه والاعتبارات التّی بها یکون الحسنُ والقبحُ عقلاً ، ولا ملاکاً للمحبوبیّة والمبغوضیّة شرعاً؛ ضرورة عدم تغیّر الفعل عمّا هو علیه - من المبغوضیّة والمحبوبیّة للمولی - بسبب قطع العبد بکونه محبوباً أو مبغوضاً له ، فقَتْلُ ابن المولی لا یکاد یخرج عن کونه مبغوضاً له ، ولو اعتقد العبد بأنّه عدُوُّه ، وکذا قَتْلُ عدوِّه - مع القطع بأنّه ابنه - لا یخرج عن کونه محبوباً أبداً . هذا .
مع أنّ الفعل المتجرّیٰ به أو المنقاد به - بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب - لا یکون اختیاریّاً؛ فإنّ القاطع لا یقصده إلّابما قطع أنّه علیه من
[شماره صفحه واقعی : 13]
ص: 162
عنوانه الواقعیّ الاستقلالیّ ، لا بعنوانه الطارئ الآلیّ ، بل لا یکون غالباً بهذا العنوان ممّا یلتفت إلیه ، فکیف یکون من جهات الحسن أو القبح عقلاً ، ومن مناطات الوجوب أو الحرمة شرعاً ؟ ولا یکاد یکون صفةٌ موجبةٌ لذلک إلّاإذا کانت اختیاریّة .
إن قلت: إذا لم یکن الفعل کذلک ، فلا وجه لاستحقاق العقوبة علی مخالفة القطع ، وهل کان العقاب علیها إلّاعقاباً علی ما لیس بالاختیار ؟
قلت: العقاب إنّما یکون علی قصد العصیان والعزم علی الطغیان ، لا علی الفعل الصادر بهذا العنوان بلا اختیار .
إن قلت: إنّ القصد والعزم إنّما یکون من مبادئ الاختیار ، وهی لیست باختیاریّة ، وإلّا لتسلسل .
[*حیدری فسایی]
قلت: - مضافاً إلی أنّ الاختیار وإن لم یکن بالاختیار ، إلّاأنّ بعض مبادیه غالباً یکون وجوده بالاختیار؛ للتمکّن من عدمه ، بالتأمّل فی ما یترتّب علی ما عزم علیه من تبعة العقوبة واللوم والمذمّة - یمکن أن یقال:
إنّ حسن المؤاخذة والعقوبة إنّما یکون من تبعة بُعده عن سیّده ، بتجرّیه علیه ، کما کان من تبعته بالعصیان فی صورة المصادفة ، فکما أنّه یوجب البُعد عنه ، کذلک لا غروَ فی أن یوجب حسن العقوبة؛ فإنّه وإن لم یکن باختیاره (1)* ، إلّاأنّه بسوء سریرته وخبث باطنه ، بحسب نقصانه ، واقتضاء
[شماره صفحه واقعی : 14]
ص: 163
استعداده ذاتاً وإمکانه (1) .
وإذا انته الأمرُ إلیه یرتفع الإشکال وینقطع السؤال ب « لِمَ » ؛ فإنّ الذاتیّات ضروریّ الثبوت (2) للذات .
وبذلک أیضاً ینقطع السؤال عن أنّه لِمَ اختار الکافر والعاصی ، الکفرَ والعصیان ، والمطیعُ والمؤمن ، الإطاعةَ والإیمان ؟ فإنّه یساوق السؤال عن أنّ الحمار لِمَ یکون ناهقاً ؟ والإنسان لِمَ یکون ناطقاً ؟
وبالجملة : تفاوت أفراد الإنسان فی القرب منه - جلّ شأنه وعظمت کبریاؤه (3) - والبعدِ عنه ، سببٌ لاختلافها فی استحقاق الجنّة ودرجاتها ، والنار ودرکاتها ، وموجبٌ لتفاوتها فی نیل الشفاعة وعدمه (4)(5) ، وتفاوتُها فی ذلک بالآخرة یکون ذاتیّاً ، والذاتیّ لا یعلَّل .
إن قلت : علی هذا فلا فائدة فی بَعْثِ الرُسل وإنزال الکتب ، والوعظ والإنذار .
قلت : ذلک لینتفع به من حسُنت سریرته وطابت طینته ، لتکمل به نفسه ، ویخلص مع ربّه انسه ، «مٰا کُنّٰا لِنَهْتَدِیَ لَوْ لاٰ أَنْ هَدٰانَا اللّٰهُ » (6) ، قال اللّٰه تبارک
[شماره صفحه واقعی : 15]
ص: 164
وتعالی: «وَ ذَکِّرْ فَإِنَّ الذِّکْریٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِینَ » (1) ، ولیکون حجّةً علی من ساءت سریرته وخبثت طینته ، «لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَ یَحْییٰ مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ » (2) ، کیلا یکون للناس علی اللّٰه حجّة ، بل کان له حجّةٌ بالغة .
صوت
[*حیدری فسایی]
ولا یخفی: أنّ فی الآیات (3) والروایات (4) شهادةً علی صحّة ما حکم به الوجدان ، الحاکم علی الإطلاق فی باب الاستحقاق للعقوبة والمثوبة .
ومعه لا حاجة إلی ما استُدلّ علی استحقاق المتجرّی للعقاب بما حاصله:
أنّه لولاه - مع استحقاق العاصی له - یلزم إناطةُ استحقاق العقوبة بما هو خارجٌ عن الاختیار ، من مصادفة قطعه ، الخارجة عن تحت قدرته واختیاره (5) .
مع بطلانه وفساده؛ إذ للخصم أن یقول: بأنّ استحقاق العاصی دونه ، إنّما
[شماره صفحه واقعی : 16]
ص: 165
هو لتحقّقِ سبب الاستحقاق فیه - وهو مخالفته عن عمدٍ واختیار - وعدمِ تحقّقه فیه؛ لعدم مخالفته أصلاً - ولو بلا اختیار - ، بل عدمِ صدور فعلٍ منه فی بعض أفراده بالاختیار ، کما فی التجرّی بارتکاب ما قطع أنّه من مصادیق الحرام ، کما إذا قطع - مثلاً - بأنّ مائعاً خمرٌ ، مع أنّه لم یکن بالخمر ، فیحتاج إلی إثبات أنّ المخالفة الاعتقادیّة سببٌ کالواقعیّة الاختیاریّة ، کما عرفت بما لا مزید علیه .
ثمّ لا یذهب علیک: أنّه لیس فی المعصیة الحقیقیّة إلّامَنْشَأٌ واحد لاستحقاق العقوبة - وهو هتک واحدٌ - ، فلا وجه لاستحقاق عقابین متداخلین - کما توهّم (1) - . مع ضرورة أنّ المعصیة الواحدة لاتوجب إلّاعقوبةً واحدةً ، کما لا وجه لتداخلهما علی تقدیر استحقاقهما کما لا یخفی .
ولا منشأ لتوهّمه إلّابداهة أنّه لیس فی معصیة واحدة إلّاعقوبة واحدة ، مع الغفلة عن أنّ وحدة المسبّب تکشف - بنحو « الإنّ » - عن وحدة السبب .
تارةً : بنحوٍ یکون تمامَ الموضوع ، بأن یکون القطع بالوجوب مطلقاً - ولو أخطأ - موجباً لذلک .
وأُخری : بنحوٍ یکون جزأه وقیدَه ، بأن یکون القطع به فی خصوص ما أصاب موجباً له .
وفی کلّ منهما یؤخذ : طوراً بما هو کاشفٌ وحاکٍ عن متعلّقه؛ وآخرَ بما هو صفة خاصّة للقاطع ، أو المقطوع به (1) .
وذلک لأنّ القطع لمّا کان من الصفات الحقیقیّة ذاتِ الإضافة - ولذا کان العلم نوراً لنفسه ونوراً لغیره - صحّ أن یؤخذ فیه بما هو صفة خاصّة وحالة مخصوصة ، بإلغاء جهةِ کشفه (2) ، أو اعتبارِ (3) خصوصیّةٍ أُخری فیه معها؛ کما صحّ أن یؤخذ بما هو کاشف عن متعلّقه وحاکٍ عنه . فتکون أقسامه أربعة ، مضافاً (4) إلی ما هو طریقٌ محضٌ عقلاً ، غیرُ مأخوذ فی الموضوع شرعاً .
ثمّ لا ریب فی قیام الطرق والأمارات المعتبرة - بدلیل حجیّتها واعتبارها - مقام هذا القسم .
کما لا ریب فی عدم قیامها - بمجرّد ذلک الدلیل - مقام ما أُخذ فی
[شماره صفحه واقعی : 18]
ص: 167
الموضوع علی نحو الصفتیّة من تلک الأقسام ، بل لابدّ من دلیلٍ آخر علی التنزیل؛
[*حیدری فسایی]
فإنّ قضیّة الحجّیّة والاعتبار ترتیبُ ما للقطع - بما هو حجّة - من الآثار ، لا ما لَه (1) بما هو صفة وموضوع؛ ضرورة أنّه کذلک یکون کسائر الموضوعات والصفات .
ومنه قد انقدح : عدم قیامها - بذاک الدلیل - مقامَ ما أُخذ فی الموضوع علی نحو الکشف؛ فإنّ القطع المأخوذ بهذا النحو فی الموضوع شرعاً ، کسائر ما لها (2) دخلٌ فی الموضوعات أیضاً ، فلا یقوم مقامه شیءٌ بمجرّد حجّیّته وقیام (3) دلیل علی اعتباره ، ما لم یقم دلیل علی تنزیله ودخله فی الموضوع کدخله .
وتوهُّمُ (4) : کفایة دلیل الاعتبار ، الدالّ علی إلغاء احتمال خلافه ، وجعله بمنزلة القطع من جهة کونه موضوعاً ، ومن جهة کونه طریقاً ، فیقوم مقامه :
طریقاً کان أو موضوعاً .
فاسدٌ جدّاً؛ فإنّ الدلیل الدالّ علی إلغاء الاحتمال ، لا یکاد یفی (5) إلّابأحد التنزیلین؛ حیث لابدّ فی کلّ تنزیلٍ منهما من لحاظ المنزَّل والمنزَّل علیه ، ولحاظهما فی أحدهما آلیٌّ ، وفی الآخر استقلالیٌّ؛ بداهة أنّ النظر فی حجّیّته
[شماره صفحه واقعی : 19]
ص: 168
وتنزیله منزلةَ القطع فی طریقیّته - فی الحقیقة - ، إلی الواقع ومؤدّی الطریق، وفی کونه بمنزلته ، فی دخله فی الموضوع إلی أنفسهما ، ولا یکاد یمکن الجمع بینهما .
نعم ، لو کان فی البین ما بمفهومه جامعٌ بینهما ، یمکن (1) أن یکون دلیلاً علی التنزیلین ، والمفروض أنّه لیس . فلا یکون دلیلاً علی التنزیل إلّابذاک اللحاظ الآلیّ ، فیکون حجّةً موجبةً لتنجّز متعلّقه ، وصحّةِ العقوبة علی مخالفته ، فی صورتَی إصابته وخطئه ، بناءً علی استحقاق المتجرّی ، أو بذلک اللحاظ الآخر الاستقلالیّ ، فیکون مثله فی دخله فی الموضوع ، وترتیبٍ ما لَه علیه من الحکم الشرعیّ .
لا یقال: علی هذا لا یکون دلیلاً علی أحد التنزیلین ، ما لم یکن هناک قرینةٌ فی البین .
فإنّه یقال: لا إشکال فی کونه دلیلاً علی حجّیّته؛ فإنّ ظهوره فی أنّه بحسب اللحاظ الآلیّ ، ممّا لا ریب فیه ولا شبهة تعتریه ، وإنّما یحتاج تنزیله - بحسب اللحاظ الآخر الاستقلالیّ - من نصْبِ (2) دلالةٍ علیه . فتأمّل فی المقام ، فإنّه دقیقٌ ، ومزالُّ الأقدام للأعلام .
[*حیدری فسایی]
ولا یخفی: أنّه لولا ذلک ، لأمکن أن یقوم الطریقُ بدلیل واحد - دالّ علی إلغاء احتمال خلافه - مقامَ القطع بتمام أقسامه ، ولو فی ما أُخذ فی الموضوع علی نحو الصفتیّة ، کان تمامه ، أو قیده وبه قوامه (3) .
[شماره صفحه واقعی : 20]
ص: 169
فتلخّص ممّا ذکرنا: أنّ الأمارة لا تقوم بدلیل اعتبارها (1) ، إلّامقام ما لیس بمأخوذ فی الموضوع أصلاً .
وأمّا الأُصول: فلا معنی لقیامها مقامه بأدلّتها أیضاً ، غیر الاستصحاب (2) ؛ لوضوح أنّ المراد من قیام المُقام : ترتیب ما لَه من الآثار والأحکام ، من تنجّز التکلیف وغیره - کما مرّت إلیه الإشارة - ، وهی لیست إلّاوظائف مقرّرة للجاهل فی مقام العمل ، شرعاً أو عقلاً .
لا یقال: إنّ الاحتیاط لا بأس بالقول بقیامه مقامه فی تنجّز التکلیف - لو کان - .
فإنّه یقال: أمّا الاحتیاط العقلیّ: فلیس إلّانفسَ (3) حکم العقل بتنجّز التکلیف ، وصحّةِ العقوبة علی مخالفته ، لا شیءٌ یقوم (4) مقامه فی هذا الحکم .
وأمّا النقلیّ: فإلزام الشارع به وإن کان ممّا یوجب التنجّز ، وصحّةَ العقوبة علی المخالفة - کالقطع - ، إلّاأنّه لا نقول به (5) فی الشبهة البدویّة ، ولا یکون بنقلیّ فی المقرونة بالعلم الإجمالیّ ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 21]
ص: 170
صوت
[*حیدری فسایی]
[*حیدری فسایی]
ثمّ لا یخفی: أنّ دلیل الاستصحاب أیضاً لا یفی بقیامه مقام القطع المأخوذ فی الموضوع مطلقاً ، وأنّ مثل «لا تنقض الیقین» لابدّ من أن یکون مسوقاً : إمّا بلحاظ المتیقّن ، أو بلحاظ نفس الیقین .
وما ذکرنا فی الحاشیة (1) - فی وجه تصحیح لحاظٍ واحدٍ (2) فی التنزیل منزلة الواقع والقطع ، وأنّ دلیل الاعتبار إنّما یوجب تنزیل المستصحب والمؤدّی منزلة الواقع ، وإنّما کان تنزیل القطع فی ما له دخلٌ فی الموضوع ، بالملازمة بین تنزیلهما وتنزیل القطع بالواقع تنزیلاً وتعبّداً (3) منزلةَ القطع بالواقع حقیقةً - ، لا یخلو من تکلّفٍ ، بل تعسّفٍ؛ فإنّه لا یکاد یصحّ تنزیل جزء الموضوع أو قیده - بما هو کذلک ، بلحاظ أثره - إلّافی ما کان جزؤه الآخر أو ذاتُه محرزاً بالوجدان ، أو تنزیله (4) فی عرضه .
فلا یکاد (5) یکون دلیل الأمارة أو الاستصحاب دلیلاً علی تنزیل جزء الموضوع ما لم یکن هناک دلیلٌ علی تنزیل جزئه الآخر ، فی ما لم یکن (6)
[شماره صفحه واقعی : 22]
ص: 171
محرزاً (1) حقیقةً؛ وفی ما لم یکن دلیلٌ علی تنزیلهما بالمطابقة - کما فی ما نحن فیه ، علی ما عرفت (2) - لم یکن دلیل الأمارة دلیلاً علیه أصلاً (3)؛ فإنّ دلالته علی تنزیل المؤدّیٰ تتوقّف علی دلالته علی تنزیل القطع بالملازمة .
ولا دلالة له کذلک ، إلّابعد دلالته علی تنزیل المؤدّیٰ؛ فإنّ الملازمة إنّما تکون بین تنزیل القطع به منزلةَ القطع بالموضوع الحقیقیّ ، وتنزیلِ المؤدّیٰ منزلة الواقع (4) ، کما لا یخفی ، فتأمّل جیّداً ، فإنّه لا یخلو عن دقّة .
ثمّ لا یذهب علیک: أ نّ (5) هذا لو تمّ لعمّ ، ولا اختصاص له بما إذا کان القطع مأخوذاً علی نحو الکشف .
[شماره صفحه واقعی : 23]
ص: 172
صوت
[*حیدری فسایی]
لا یکاد یمکن أن یؤخذ القطع بحکمٍ فی موضوع نفس هذا الحکم؛ للزوم الدور ، ولا مِثلِه؛ للزوم اجتماع المثلین ، ولا ضدِّه؛ للزوم اجتماع الضدّین .
نعم ، یصحّ أخذ القطع بمرتبةٍ من الحکم فی مرتبةٍ أُخری منه ، أو من مثله ، أو من ضدّه (1) .
وأمّا الظنّ بالحکم: فهو وإن کان کالقطع ، فی عدم جواز أخذه فی موضوع نفس ذاک الحکم المظنون ، إلّاأنّه لمّا کان معه مرتبةُ الحکم الظاهریّ محفوظةً ، کان جعل حکمٍ آخر فی مورده - مثل الحکم المظنون أو ضدّه - بمکانٍ من الإمکان .
إن قلت: إن کان الحکم المتعلّق به الظنّ فعلیّاً أیضاً - بأن یکون الظنّ متعلّقاً بالحکم الفعلیّ - ، لا یمکن أخذُه فی موضوع حکم فعلیّ آخر ، مثله أو ضدّه؛ لاستلزامه الظنّ باجتماع الضدّین أو المثلین ، وإنّما یصحّ أخذه فی موضوع حکم آخر ، کما فی القطع ، طابق النعل بالنعل .
قلت: یمکن أن یکون الحکم فعلیّاً ، بمعنی أنّه لو تعلّق به القطع - علی ما هو علیه من الحال - لتنجَّزَ ، واستحقّ علی مخالفته العقوبة (2) . ومع ذلک
[شماره صفحه واقعی : 24]
ص: 173
لا یجبُ علی الحاکم رفع (1) عذر المکلّف - برفع جهله لو أمکن ، أو بجعل لزوم الاحتیاط علیه فی ما أمکن - ، بل یجوز جعلُ أصلٍ أو أمارةٍ مؤدّیةٍ إلیه تارةً ، وإلی ضدّه أُخری ، ولایکاد یمکنُ مع القطع به ، جعلُ حکمٍ آخر مثله أو ضدّه ، کما لا یخفی (2) .
إن قلت: کیف یمکن ذلک ؟ وهل هو إلّاأنّه یکون مستلزماً لاجتماع المثلین أو الضدّین ؟
قلت: لا بأس باجتماع الحکم الواقعیّ الفعلیّ بذاک المعنیٰ - أی لو قطع به من باب الاتّفاق لتنجَّزَ - مع حکمٍ آخر فعلیّ فی مورده ، بمقتضی الأصل أو الأمارة ، أو دلیلٍ (3) أُخذ فی موضوعه الظنّ بالحکم بالخصوص (4) ، علی ما سیأتی (5) من التحقیق فی التوفیق بین الحکم الظاهریّ والواقعیّ .
[شماره صفحه واقعی : 25]
ص: 174
صوت
[*حیدری فسایی]
هل تنجُّزُ التکلیف بالقطع - کما یقتضی موافقته عملاً - ، یقتضی موافقته التزاماً ، والتسلیمَ له اعتقاداً وانقیاداً ، کما هو اللازم فی الأُصول الدینیّة والاُمور الاعتقادیّة ، بحیث کان له امتثالان وطاعتان: إحداهما بحسب القلب والجنان ، والاُخریٰ بحسب العمل بالأرکان ، فیستحقّ العقوبة علی عدم الموافقة التزاماً ، ولو مع الموافقة عملاً ، أو لا یقتضی (1) ، فلا یستحقّ العقوبة علیه ، بل إنّما یستحقّها علی المخالفة العملیّة ؟
ألحقّ : هو الثانی؛ لشهادة (2) الوجدان - الحاکم فی باب الإطاعة والعصیان - بذلک ، واستقلالِ العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لأمر سیّده ، إلّاالمثوبة دون العقوبة ، ولو لم یکن مسلّماً (3) وملتزماً به ومعتقداً ومنقاداً له ، وإن کان ذلک یوجب (4) تنقیصه وانحطاطَ درجته لدی سیّده؛ لعدم اتّصافه بما یلیق أن یتّصف العبد به من الاعتقاد بأحکام مولاه والانقیاد لها ، وهذا غیر استحقاق العقوبة علی مخالفته لأمره أو نهیه التزاماً مع موافقته عملاً ، کما لا یخفی .
ولا یحرم المخالفة القطعیّة علیه کذلک أیضاً؛ لامتناعهما ، - کما إذا علم إجمالاً بوجوب شیءٍ أو حرمته - ؛ للتمکّن من الالتزام بما هو الثابت واقعاً ، والانقیادِ له والاعتقادِ به بما هو الواقع والثابت ، وإن لم یعلم أنّه الوجوب أو الحرمة .
وإن أبیت إلّاعن لزوم الالتزام به بخصوص عنوانه؛ لَما کانت موافقته القطعیّة الالتزامیّة حینئذٍ ممکنةً ، ولما وجب علیه الالتزام بواحدٍ قطعاً؛ فإنّ محذور الالتزام بضدّ التکلیف عقلاً ، لیس بأقلّ من محذور عدم الالتزام به بداهةً ، مع ضرورة أنّ التکلیف - لو قیل باقتضائه للالتزام - لم یکد یقتضی إلّا الالتزام بنفسه عیناً ، لا الالتزام به أو بضدّه تخییراً .
ومن هنا قد انقدح: أنّه لایکون من قِبَل لزوم الالتزام مانعٌ عن إجراء الأُصول - الحکمیّة أو الموضوعیّة - فی أطراف العلم ، لو کانت جاریةً مع قطع النظر عنه .
اللهمّ إلّاأن یقال: إنّ استقلال العقل بالمحذور فیه إنّما یکون فی ما إذا لم یکن هناک ترخیص فی الإقدام والاقتحام فی الأطراف ، ومعه لا محذور فیه ، بل ولا فی الالتزام بحکم آخر .
إلّاأنّ الشأن حینئذٍ فی جواز جریان الأُصول فی أطراف العلم الإجمالیّ (1)* مع عدم ترتّب أثرٍ عملیّ علیها (2) ، مع أنّها أحکام عملیّة کسائر الأحکام الفرعیّة .
مضافاً إلی عدم شمول أدلّتها لأطرافه؛ للزوم التناقض فی مدلولها علی تقدیر شمولها ، کما ادّعاه (3) شیخنا العلّامة (4) - أعلی اللّٰه مقامه - ، وإن کان محلّ تأمّل ونظر ، فتدّبر جیّداً .
لاتفاوت فی نظر العقل أصلاً - فی ما یترتّب علی القطع من الآثار عقلاً - بین أن یکون حاصلاً بنحوٍ متعارف ، ومن سببٍ ینبغی حصوله منه ، أو غیرِ
[شماره صفحه واقعی : 28]
ص: 177
متعارف لا ینبغی حصوله منه - کما هو الحال غالباً فی القطّاع - ؛ ضرورة أنّ العقل یریٰ تنجّزَ التکلیف بالقطع الحاصل ممّا لاینبغی حصوله ، وصحّةَ مؤاخذة قاطعه علی مخالفته ، وعدمَ صحّة الاعتذار عنها بأنّه حصل کذلک ، وعدمَ صحّة المؤاخذة مع القطع بخلافه ، وعدمَ حُسن الاحتجاج علیه بذلک ولو مع التفاته إلی کیفیّة حصوله .
نعم (1) ، ربما یتفاوت الحال فی القطع المأخوذ فی الموضوع شرعاً ، والمتَّبع - فی عمومه وخصوصه - دلالةُ دلیله فی کلّ مورد ، فربما یدلّ علی اختصاصه بقسمٍ فی مورد ، وعدمِ اختصاصه به فی آخر ، علی اختلاف الأدلّة واختلاف المقامات ، بحسب مناسبات الأحکام والموضوعات وغیرها من الأمارات .
وبالجملة: القطعُ فی ما کان موضوعاً عقلاً لا یکادُ یتفاوتُ من حیث القاطع (2) ، ولا من حیث المورد ، ولا من حیث السبب ، لا عقلاً ، وهو واضح ،
ولا شرعاً؛ لما عرفت (3)(4) من أنّه لا تناله یدُ الجعل نفیاً ولا إثباتاً ، وإن نُسب إلی بعض الأخباریّین: أنّه لا اعتبار بما إذا کان بمقدّمات عقلیّة . إلّا أنّ مراجعة کلماتهم لا تساعد علی هذه النسبة ، بل تشهد بکذبها ، وأنّها إنّما تکونُ :
[شماره صفحه واقعی : 29]
ص: 178
إمّا (1) فی مقام منع الملازمة بین حکم العقل بوجوب شیء وحکم الشرع بوجوبه ، کما ینادی به بأعلی صوته ما حکی (2) عن السیّد الصدر (3) فی باب الملازمة ، فراجع .
[*حیدری فسایی]
وإمّا فی مقام عدم جواز الاعتماد علی المقدّمات العقلیّة؛ لأنّها لا تفید إلّا الظنّ ، کما هو صریح الشیخ المحدّث الأمین الأسترآبادیّ (4) حیث قال - فی جملة ما استدلّ به فی فوائده علی انحصار مدرک ما لیس من ضروریّات الدین فی السماع عن الصادقین علیهم السلام - : «الرابع: أنّ کلّ مسلک غیر ذلک المسلک - یعنی التمسّک بکلامهم علیهم السلام - إنّما یعتبر من حیث إفادته الظنّ بحکم اللّٰه - تعالی - ، وقد أثبتنا سابقاً أنّه لا اعتماد علی الظنّ المتعلّق بنفس أحکامه - تعالی - أو بنفیها» (5) .
وقال فی جملتها أیضاً - بعد ذکر ما تفطّن بزعمه من الدقیقة - ما هذا لفظه: « وإذا عرفت ما مهّدناه من الدقیقة الشریفة فنقول: إن تمسّکنا بکلامهم علیهم السلام فقد عُصمنا من الخطأ ، وإن تمسّکنا بغیره لم نعصم منه ، ومن المعلوم أنّ العصمة من الخطأ أمرٌ مطلوبٌ مرغوبٌ فیه شرعاً وعقلاً ، ألا تریٰ أنّ الإمامیّة استدلّوا علی وجوب عصمة الإمام (6) : بأنّه لولا العصمة للزم أمرُه
[شماره صفحه واقعی : 30]
ص: 179
- تعالی - عبادَهُ باتّباع الخطأ ، وذلک الأمر محال؛ لأنّه قبیح ؟ وأنت إذا تأمّلت فی هذا الدلیل علمت أنّ مقتضاه أنّه لا یجوز الاعتماد علی الدلیل الظنّیّ فی أحکامه - تعالی - » (1) . انته موضع الحاجة من کلامه .
وما مهّده من الدقیقة هو الّذی نقله شیخنا العلّامة - أعلی اللّٰه مقامه - فی الرسالة (2) .
وقال فی فهرست فصولها أیضاً: «الأوّل : فی إبطال جواز التمسّک بالاستنباطات الظنّیّة فی نفس أحکامه - تعالی - ، ووجوب التوقّف عند فقد القطع بحکم اللّٰه ، أو بحکمٍ ورد عنهم علیهم السلام » (3) ، انته .
وأنت تریٰ أنّ محلّ کلامه ومورد نقضه وإبرامه هو العقلیّ غیرُ المفید للقطع ، وإنّما همُّه إثبات عدم جواز اتّباع غیر النقل فی ما لا قطع .
وکیف کان ، فلزوم اتّباع القطع مطلقاً ، وصحّةُ المؤاخذة علی مخالفته عند إصابته ، وکذا ترتّب (4) سائر آثاره علیه عقلاً ، ممّا لا یکاد یخفی علی عاقلٍ ، فضلاً عن فاضل .
فلابدّ فی ما یوهم خلافَ ذلک فی الشریعة ، من المنع عن حصول العلم التفصیلیّ بالحکم الفعلیّ (5) لأجل منع بعض مقدّماته الموجبة له ، ولو إجمالاً ،
[شماره صفحه واقعی : 31]
ص: 180
فتدبّر جیّداً .
صوت
[*حیدری فسایی]
إنّه قد عرفت (1) : کونَ القطع التفصیلیّ بالتکلیف الفعلیّ علّةً تامّةً لتنجُّزه ، لا یکاد تناله یدُ الجعل إثباتاً أو نفیاً ، فهل القطع الإجمالیّ کذلک ؟
فیه إشکال .
ربما یقال (2): إنّ التکلیف حیث لم ینکشف به تمام الانکشاف ، وکانت مرتبة الحکم الظاهریّ معه محفوظةً ، جاز الإذنُ من الشارع بمخالفته احتمالاً ، بل قطعاً .
ولیس محذور مناقضته مع المقطوع إجمالاً ، إلّامحذورَ (3) مناقضة الحکم الظاهریّ مع الواقعیّ فی الشبهة غیر المحصورة ، بل الشبهة البدویّة (4)؛ ضرورة عدم تفاوتٍ فی المناقضة بین التکلیف الواقعیّ والإذنِ بالاقتحام فی مخالفته بین الشبهات أصلاً (5) ، فما به التفصّی عن المحذور فیهما ، کان به التفصّی عنه فی القطع به فی الأطراف المحصورة أیضاً ، کما لا یخفی . وقد أشرنا إلیه سابقاً (6)
[شماره صفحه واقعی : 32]
ص: 181
ویأتی إن شاء اللّٰه مفصّلاً (1)(2) .
نعم ، کان العلم الإجمالیّ کالتفصیلیّ فی مجرّد الاقتضاء ، لا فی العلّیّة التامّة (3)* ، فیوجب تنجّز التکلیف أیضاً لو لم یمنع عنه مانع عقلاً ، کما کان فی أطراف کثیرة غیر محصورة ، أو شرعاً ، کما فی ما أذن الشارع فی الاقتحام فیها ، کما هو ظاهر: «کلُّ شیءٍ فیه حلالٌ وحرامٌ فهو لک حلالٌ حتّی تعرف الحرام منه بعینه» (4) .
وبالجملة: قضیّة صحّة المؤاخذة علی مخالفته ، مع القطع به بین
[شماره صفحه واقعی : 33]
ص: 182
أطراف (1) محصورة ، وعدمِ صحّتها مع عدم حصرها ، أو مع الإذن فی الاقتحام فیها هو : کونُ القطع الإجمالیّ مقتضیاً للتنجّز ، لا علّةً تامّة .
وأمّا احتمال أنّه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلی لزوم الموافقة القطعیّة ، وبنحو العلّیّة بالنسبة إلی الموافقة الاحتمالیّة وترک المخالفة القطعیّة (2) ، فضعیفٌ جدّاً؛ ضرورة أنّ احتمال ثبوت المتناقضین (3) کالقطع بثبوتهما (4) فی الاستحالة ، فلا یکون عدم (5) القطع بذلک معها (6) موجباً لجواز الإذن فی الاقتحام ، بل لو صحّ (7) الإذن فی المخالفة الاحتمالیّة ، صحّ فی القطعیّة أیضاً ، فافهم .
ولا یخفی: أنّ المناسب للمقام هو البحث عن ذلک (8) ، کما أنّ المناسب فی
[شماره صفحه واقعی : 34]
ص: 183
باب البراءة والاشتغال - بعد الفراغ هاهنا عن أنّ تأثیره فی التنجّز بنحو الاقتضاء لا العلّیة - هو البحث عن ثبوت المانع شرعاً أو عقلاً ، وعدمِ ثبوته (1) ، کما لا مجال - بعد البناء علی أنّه بنحو العلّیّة - للبحث عنه هناک أصلاً ، کما لا یخفی .
هذا بالنسبة إلی إثبات التکلیف وتنجّزه به .
صوت
[*حیدری فسایی]
وأمّا سقوطه به بأن یوافقه إجمالاً: فلا إشکال فیه فی التوصّلیّات .
وأمّا فی العبادات (2): فکذلک فی ما لا یحتاج إلی التکرار ، کما إذا تردّد أمرُ عبادةٍ بین الأقلّ والأکثر؛ لعدم الإخلال بشیءٍ ممّا یعتبر أو یحتمل اعتباره فی حصول الغرض منها - ممّا لا یمکن أن یؤخذ فیها؛ فإنّه (3) نشأ من قِبَل الأمر بها ، کقصد الإطاعة والوجه والتمییز - فی ما إذا أتی بالأکثر ، ولا یکون إخلالٌ حینئذٍ إلّابعدم إتیان ما احتمل جزئیّته علی تقدیرها بقصدها ، واحتمالُ دخل قصدها فی حصول الغرض ضعیفٌ فی الغایة ، وسخیفٌ إلی النهایة .
[شماره صفحه واقعی : 35]
ص: 184
وأمّا فی ما احتاج إلی التکرار: فربما یشکل من جهة الإخلال بالوجه تارةً ، وبالتمییز (1) أُخری ، وکونِه لعباً وعبثاً ثالثةً .
وأنت خبیرٌ بعدم الإخلال بالوجه بوجهٍ فی الإتیان مثلاً بالصلاتین المشتملتین علی الواجب لوجوبه ، غایة الأمر أنّه لا تعیین له ولا تمیّز (2) ، فالإخلال إنّما یکون به .
واحتمال اعتباره أیضاً فی غایة الضعف؛ لعدم عینٍ منه ولا أثرٍ فی الأخبار ، مع أنّه ممّا یُغفل عنه غالباً ، وفی مثله لابدّ من التنبیه علی اعتباره ودخله فی الغرض ، وإلّا لأخلّ بالغرض ، کما نبّهنا علیه سابقاً (3) .
وأمّا کون التکرار لعباً وعبثاً: - فمع أنّه ربّما یکون لداعٍ عقلائیّ (4) - ، إنّما یضرّ إذا کان لعباً بأمرِ المولی ، لا فی کیفیّة إطاعته بعد حصول الداعی إلیها ، کما لا یخفی .
هذا کلّه فی قبال ما إذا تمکّن من القطع تفصیلاً بالامتثال .
وأمّا إذا لم یتمکّن إلّامن الظنّ به کذلک: فلا إشکال فی تقدیمه علی الامتثال الظنّیّ ، لو لم یقم دلیل علی أعتباره إلّافی ما إذا لم یتمکّن منه .
[شماره صفحه واقعی : 36]
ص: 185
وأمّا لو قام علی اعتباره مطلقاً ، فلا إشکال فی الاجتزاء بالظنّیّ .
کما لا إشکال فی الإجتزاء بالامتثال الإجمالیّ فی قبال الظنّیّ ، بالظنّ المطلق المعتبر بدلیل الانسداد ، بناءً علی أن یکون من مقدّماته عدم وجوب الاحتیاط .
وأمّا لوکان من مقدّماته بطلانه - لاستلزامه العسر المخلّ بالنظام ، أو لأنّه لیس من وجوه الطاعة والعبادة ، بل هو نحو لعبٍ وعبثٍ بأمر المولی فی ما إذا کان بالتکرار ، کما توهّم (1) - فالمتعیّن هو التنزّل عن القطع تفصیلاً إلی الظنّ کذلک ، وعلیه فلا مناص عن الذهاب إلی بطلان عبادة تارک طریقی التقلید والاجتهاد وإن احتاط فیها ، کما لا یخفی .
هذا بعض الکلام فی القطع ممّا یناسب المقام ، ویأتی بعضه الآخر فی مبحث البراءة والاشتغال .
[شماره صفحه واقعی : 37]
ص: 186
فیقع المقال فی ما هو المهمّ من عقد هذا المقصد ، وهو بیان ما قیل باعتباره من الأمارات ، أو صحّ أن یقال .
وقبل الخوض فی ذلک ینبغی تقدیم أُمور:
صوت
[*حیدری فسایی]
أحدها: أنّه لا ریب فی أنّ الأمارة غیر العلمیّة لیست کالقطع ، فی کون الحجّیّة من لوازمها ومقتضیاتها بنحو العلّیّة ، بل مطلقاً ، وأنّ ثبوتها لها محتاجٌ إلی جعلٍ ، أو ثبوتِ مقدّمات وطروء حالاتٍ موجبة لاقتضائها (1) الحجّیّةَ عقلاً - بناءً علی تقریر مقدّمات الانسداد بنحو الحکومة - ؛ وذلک لوضوح عدم اقتضاء غیر القطع للحجّیّة بدون ذلک ثبوتاً - بلاخلاف - ولا سقوطاً ، وإن کان ربما یظهر فیه من بعض المحقّقین (2) الخلافُ ، والاکتفاءُ بالظنّ بالفراغ ، ولعلّه لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل ، فتأمّل .
[شماره صفحه واقعی : 38]
ص: 187
ثانیها: فی بیان إمکان التعبّد بالأمارة غیرِ العلمیّة شرعاً ، وعدمِ لزوم محالٍ منه عقلاً ، فی قبال دعوی استحالته للزومه .
ولیس الإمکان - بهذا المعنی ، بل مطلقاً - أصلاً متّبعاً (1) عند العقلاء فی مقام احتمال ما یقابله من الامتناع (2)؛ لمنع کونه سیرتهم علی ترتیب آثار الإمکان عند الشکّ فیه ، ومنعِ حجّیّتها - لو سلّم ثبوتها - ؛ لعدم قیام دلیلٍ قطعیّ علی اعتبارها ، والظنّ به - لو کان - فالکلام الآن فی إمکان التعبّد بها (3) وامتناعه ، فما ظنّک به ؟
لکن دلیلَ وقوع التعبّد بها من طرق إثبات إمکانه؛ حیث یستکشف به عدم ترتّب محالٍ - من تالٍ باطل ، فیمتنع (4) مطلقاً ، أو علی الحکیم تعالی - ، فلا حاجة معه - فی دعوی الوقوع - إلی إثبات (5) الإمکان ، وبدونه لا فائدة فی إثباته ، کما هو واضح .
وقد انقدح بذلک : ما فی دعوی شیخنا العلّامة - أعلی اللّٰه مقامه - من کون الإمکان عند العقلاء - مع احتمال الامتناع - أصلاً .
والإمکانُ فی کلام الشیخ الرئیس: «کلُّ ما قرع سمعک من الغرائب فَذَره
[شماره صفحه واقعی : 39]
ص: 188
فی بقعة الإمکان ما لم یذُدک عنه واضح البرهان» (1) ، بمعنی الاحتمال المقابل للقطع والإیقان ، ومن الواضح أن لا موطن له إلّاالوجدان ، فهو المرجع فیه بلا بیّنة وبرهان .
صوت
[*حیدری فسایی]
وکیف کان ، فما قیل أو یمکن أن یقال فی بیان ما یلزم التعبّد بغیر العلم - من المحال ، أو الباطل ولو لم یکن بمحال - أُمور:
أحدها: اجتماع المثلین - من إیجابین ، أو تحریمین مثلاً - فی ما أصاب ، أو ضدّین - من إیجاب وتحریم ، ومن إرادة وکراهة ، ومصلحة ومفسدة ملزمتین ، بلا کسر وانکسار فی البین - فی ما أخطأ ، أو التصویب وأن لا یکون هناک غیر مؤدّیات الأمارات (2) أحکامٌ .
ثانیها: طلب الضدّین فی ما إذا أخطأ ، وأدّی إلی وجوب ضدّ الواجب .
ثالثها: تفویت المصلحة ، أو الإلقاءُ فی المفسدة ، فی ما أدّی إلی عدم وجوب ما هو واجب ، أو عدمِ حرمة ما هو حرام ، وکونِه محکوماً بسائر الأحکام .
والجواب: أنّ ما ادّعی لزومُه إمّا غیرُ لازم ، أو غیر باطل :
الوجه الأول وذلک لأنّ التعبّد بطریقٍ غیر علمیّ إنّما هو بجعل حجّیّته ، والحجّیّةُ المجعولة غیر مستتبعة لإنشاء أحکام تکلیفیّة بحسب ما أدّی إلیه الطریق ، بل إنّما تکون موجبةً لتنجُّزِ التکلیف به إذا أصاب ، وصحّةِ الاعتذار به إذا أخطأ ، ولکون مخالفته وموافقته تجرّیاً وانقیاداً مع عدم إصابته ، کما هو شأن
[شماره صفحه واقعی : 40]
ص: 189
الحجّة غیرِ المجعولة ، فلا یلزم اجتماع حکمین - مثلین أو ضدّین - ، ولا طلب الضدّین ، ولا اجتماع المفسدة والمصلحة ، ولا الکراهة والإرادة ، کما لا یخفی .
وأمّا تفویت مصلحة الواقع ، أو الإلقاء فی مفسدته ، فلا محذور فیه أصلاً إذا کانت فی التعبّد به مصلحة غالبةٌ علی مفسدة التفویت أو الإلقاء .
[*حیدری فسایی]
الوجه الثانی نعم ، لو قیل باستتباع جعل الحجّیّة للأحکام التکلیفیّة (1) ، أو بأنّه لا معنی لجعلها إلّاجعل تلک الأحکام (2) ، فاجتماع حکمین وإن کان یلزم ، إلّاأنّهما لیسا بمثلین أو ضدّین :
لأنّ أحدهما طریقیٌّ عن مصلحةٍ فی نفسه ، موجبةٍ لإنشائه الموجبِ للتنجّز ، أو لصحّة الاعتذار بمجرّده (3) من دون إرادة نفسانیّة أو کراهة کذلک ، متعلّقةٍ بمتعلّقه فی ما یمکن هناک انقداحهما ؛ حیث إنّه مع المصلحة أو المفسدة الملزمتین فی فعلٍ ، وإن لم یحدث بسببها إرادة أو کراهة فی المبدأ الأعلی ، إلّا أنّه إذا أوحی بالحکم - الناشئ (4) من قِبَل تلک المصلحة أو المفسدة - إلی النبیّ ، أو أُلهم به الولیّ ، فلا محالة ینقدح فی نفسه الشریفة - بسببهما (5) -
[شماره صفحه واقعی : 41]
ص: 190
الإرادةُ أو الکراهة ، الموجبةُ للإنشاء بعثاً أو زجراً ، بخلاف ما لیس هناک مصلحةٌ أو مفسدة فی المتعلّق ، بل إنّما کانت فی نفس إنشاء الأمر به (1) طریقیّاً .
والآخر واقعیٌّ حقیقیٌّ عن مصلحة أو مفسدة فی متعلّقه ، موجبةٍ لإرادته أو کراهته ، الموجبة لإنشائه بعثاً أو زجراً فی بعض المبادئ العالیة ، وإن لم یکن فی المبدأ الأعلی إلّاالعلم بالمصلحة أو المفسدة - کما أشرنا - . فلا یلزم أیضاً اجتماع إرادة وکراهة ، وإنّما لزم إنشاء حکم واقعیّ حقیقیّ - بعثاً أو زجراً - وإنشاء حکم آخر طریقیّ ، ولا مضادّة بین الإنشائین فی ما إذا اختلفا، ولا یکون من اجتماع المثلین (2) فی ما اتّفقا ، ولا إرادة ولا کراهة أصلاً إلّابالنسبة إلی متعلّق الحکم الواقعیّ ، فافهم .
صوت
[*حیدری فسایی]
نعم ، یشکل الأمر فی بعض الأُصول العملیّة ، کأصالة الإباحة الشرعیّة؛ فإنّ الإذن فی الإقدام والاقتحام ینافی المنعَ فعلاً ، کما فی ما صادف الحرام ، وإن کان الإذنُ فیه لأجل عدم مصلحة فیه ، لا لأجل عدم مصلحة أو مفسدة (3) ملزمة فی المأذون فیه .
الوجه الثالث فلا محیص فی مثله إلّاعن (4) الالتزام بعدم انقداح الإرادة أو الکراهة فی
[شماره صفحه واقعی : 42]
ص: 191
بعض المبادئ العالیة أیضاً ، کما فی المبدأ الأعلی .
لکنّه لا یوجب الالتزام بعدم کون التکلیف الواقعیّ بفعلیّ ، بمعنیٰ کونه علی صفةٍ ونحوٍ لو عَلم به المکلّف لتنجَّزَ علیه ، کسائر التکالیف الفعلیّة الّتی تتنجّز بسبب القطع بها . وکونُه فعلیّاً إنّما یوجب البعث أو الزجر فی النفس النبویّة أو الولویّة ، فی ما إذا لم ینقدح فیها الإذن لأجل مصلحة فیه .
فانقدح بما ذکرنا: أنّه لا یلزم الالتزام بعدم کون الحکم الواقعیّ فی مورد الأُصول والأمارات فعلیّاً (1)، کی یشکل:
تارةً : بعدم لزوم الإتیان حینئذٍ بماقامت الأمارة علی وجوبه؛ ضرورة عدم لزوم امتثال الأحکام الإنشائیّة ، ما لم تَصِر فعلیّةً ولم تبلغ مرتبة البعث والزجر ، ولزوم الإتیان به ممّا لا یحتاج إلی مزید بیان أو إقامة برهان .
لا یقال: لا مجال لهذا الإشکال ، لوقیل بأنّها کانت قبل أداء الأمارة إلیها إنشائیّةً؛ لأنّها بذلک تصیر فعلیّةً تبلغ تلک المرتبة .
فإنّه یقال: لا یکاد یُحرز بسبب قیام الأمارة المعتبرة علی حکم إنشائیّ - لا حقیقةً ولا تعبّداً - إلّاحکمٌ إنشائیّ تعبّداً، لا حکمٌ إنشائیّ أدّت إلیه الأمارة :
أمّا حقیقةً ، فواضح .
[*حیدری فسایی]
وأمّا تعبّداً ، فلأنّ قصاری ما هو قضیّة حجیّة الأمارة :
کون مؤدّاها (2) هو الواقع تعبّداً ، لا الواقع الّذی أدّت إلیه الأمارة ، فافهم .
اللهمّ إلّاأن یقال: إنّ الدلیل علی تنزیل المؤدّیٰ منزلة الواقع - الّذی صار مؤدّیً لها - ، هو دلیل الحجّیّة بدلالة الاقتضاء ، لکنّه لا یکاد یتمّ إلّاإذا لم یکن للأحکام بمرتبتها الإنشائیّة أثرٌ أصلاً، وإلّا لم یکن لتلک الدلالة مجالٌ ، کما لا یخفی .
[شماره صفحه واقعی : 43]
ص: 192
وأُخری : بأنّه کیف یکون التوفیق بذلک ؟ مع احتمال أحکامٍ فعلیّة - بعثیّة أو زجریّة - فی موارد الطرق والأُصول العملیّة المتکفّلة لأحکام فعلیّة؛ ضرورة أنّه کما لا یمکن القطع بثبوت المتنافیین ، کذلک لا یمکن احتماله .
فلا یصحّ التوفیق بین الحکمین بالتزام کون الحکم الواقعیّ - الّذی یکون فی مورد الطرق والأُصول العملیّة - إنشائیّاً (1) غیرَ فعلیّ .
کما لا یصحّ بأنّ الحکمین لیسا فی مرتبة واحدة ، بل فی مرتبتین؛ ضرورة تأخّر الحکم الظاهریّ عن الواقعیّ بمرتبتین (2) ، وذلک لا یکاد یُجدی؛ فإنّ الظاهریّ وإن لم یکن فی تمام مراتب الواقعیّ ، إلّاأنّه یکون فی مرتبته أیضاً ، وعلی تقدیر المنافاة لزم اجتماع المتنافیین فی هذه المرتبة .
فتأمّل فی ما ذکرنا من التحقیق فی التوفیق ، فإنّه دقیق وبالتأمّل حقیق .
ثالثها: أنّ الأصل فی ما لا یُعلم اعتباره بالخصوص شرعاً ، ولا یُحرز التعبّد به واقعاً ، عدَمُ حجّیّته جزماً ، بمعنی عدم ترتّب الآثار المرغوبة من الحجّة علیه قطعاً؛ فإنّها لا تکاد تترتّب إلّاعلی ما اتّصف بالحجّیّة فعلاً ، ولا یکاد یکون الاتّصاف بها إلّاإذا أُحرز التعبّدُ به وجعلُه طریقاً متّبعاً؛ ضرورة أنّه بدونه لا یصحّ المؤاخذة علی مخالفة التکلیف بمجرّد إصابته ، ولا یکون عذراً لدی مخالفته مع عدمها ، ولا یکون مخالفته تجرّیاً ، ولا یکون
[شماره صفحه واقعی : 44]
ص: 193
موافقته - بما هی موافقة (1) - انقیاداً ، وإن کانت بما هی محتملةٌ لموافقة الواقع کذلک ، إذا وقعت برجاء إصابته . فمع الشکّ فی التعبّد به یُقطع بعدم حجّیّته ، وعدم ترتیب شیءٍ من الآثار علیه؛ للقطع بانتفاء الموضوع معه . ولعمری هذا واضحٌ لا یحتاج (2) إلی مزید بیان أو إقامة برهان .
وأمّا صحّة الالتزام (3) بما أدّی إلیه من الأحکام ، وصحّةُ نسبته إلیه - تعالی - فلیستا (4) من آثارها؛ ضرورة أنّ حجّیّة الظنّ عقلاً (5) - علی تقریر الحکومة فی حال الانسداد - لا توجب صحّتهما ، فلو فرض صحّتهما شرعاً - مع الشکّ فی التعبّد به - لما کان یُجدی فی الحجّیّة شیئاً ، ما لم یترتّب علیه ما ذکر من آثارها ، ومعه لما کان یضرّ عدم صحّتهما أصلاً ، کما أشرنا إلیه آنفاً .
فبیان عدم صحّة الالتزام مع الشکّ فی التعبّد ، وعدم جواز إسناده إلیه - تعالی - غیر مرتبط بالمقام ، فلا یکون الاستدلال علیه بمهمّ ، کما أتعب به شیخنا العلّامة - أعلی اللّٰه مقامه - نفسه الزکیّة بما أطنب من النقض والإبرام ، فراجعه (6) بما علّقناه علیه (7) ، وتأمّل .
[شماره صفحه واقعی : 45]
ص: 194
وقد انقدح بما ذکرنا: أنّ الصواب - فی ما هو المهمّ فی الباب - : ما ذکرنا فی تقریر الأصل ، فتدّبر جیّداً .
إذا عرفت ذلک ، فما خرج موضوعاً عن تحت هذا الأصل أو قیل بخروجه ، یذکر فی ذیل فصول:
[شماره صفحه واقعی : 46]
ص: 195
لا شبهة فی لزوم اتّباع ظاهر کلام الشارع فی تعیین مراده فی الجملة؛ لاستقرار طریقة العقلاء علی اتّباع الظهورات فی تعیین المرادات ، مع القطع بعدم الردع عنها؛ لوضوح عدم اختراع طریقة أُخری فی مقام الإفادة لمرامه من کلامه ، کما هو واضح .
والظاهر : أنّ سیرتهم علی اتّباعها من غیر تقیید بإفادتها للظنّ فعلاً ، ولا بعدم الظنّ کذلک علی خلافها قطعاً (1)؛ ضرورة أنّه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها : بعدم إفادتها للظنّ بالوفاق ، ولا بوجود الظنّ بالخلاف .
کما أنّ الظاهر : عدم اختصاص ذلک بمن قُصد إفهامه (2) ، ولذا لا یسمع اعتذار من لا یقصد إفهامه ، إذا خالف ما تضمّنه ظاهر کلام المولی ، من تکلیفٍ یعمّه أو یخصّه ، ویصحّ به الاحتجاج لدی المخاصمة واللجاج ، کما تشهد به صحّة الشهادة بالإقرار من کلّ مَن سمعه ، ولو قصد عدم إفهامه ، فضلاً عمّا إذا لم یکن بصدد إفهامه .
[شماره صفحه واقعی : 47]
ص: 196
ولا فرق فی ذلک بین الکتاب المبین ، وأحادیث سیّد المرسلین ، والأئمّة الطاهرین علیهم السلام . وإن ذهب بعض الأصحاب (1) إلی عدم حجّیّة ظاهر الکتاب :
إمّا بدعوی : اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله ومن خوطب به ، کما یشهد به ما ورد فی ردع أبی حنیفة (2) وقتادة (3) عن الفتویٰ به .
أو بدعوی : أنّه لأجل إحتوائه علی مضامین شامخة ، ومطالب غامضة عالیة ، لا یکاد تصل إلیها أیدی أفکار اولی الأنظار غیر الراسخین العالمین بتأویله ، کیف ؟ ولا یکاد یصل إلی فهم کلمات الأوائل إلّاالأوحدیُّ من الأفاضل ، فما ظنّک بکلامه - تعالی - مع اشتماله علی علم ما کان وما یکون ، وحکم کلّ شیء ؟
أو بدعوی : شمول المتشابه - الممنوع عن اتّباعه - للظاهر ، لا أقلّ من احتمال شموله له؛ لتشابه المتشابه وإجماله .
أو بدعوی : أنّه وإن لم یکن منه ذاتاً ، إلّاأنّه صار منه عرضاً؛ للعلم الإجمالیّ بطروّ التخصیص والتقیید والتجوّز فی غیر واحد من ظواهره ، کما هو الظاهر (4) .
[شماره صفحه واقعی : 48]
ص: 197
أو بدعوی : شمول الأخبار الناهیة عن تفسیر القرآن بالرأی (1) لحمل الکلام الظاهر فی معنی ، علی إرادة هذا المعنیٰ .
ولا یخفی: أنّ النزاع یختلف صغرویّاً وکبرویّاً بحسب الوجوه ، فبحسب غیر الوجه الأخیر والثالث یکون صغرویّاً . وأمّا بحسبهما فالظاهر أنّه کبرویّ ، ویکون المنع عن الظاهر : إمّا لأنّه من المتشابه - قطعاً أو احتمالاً - ، أو لکون حمل الظاهر علی ظاهره من التفسیر بالرأی .
وکلّ هذه الدعاوی فاسدة:
أمّا الأُولی: فبأنّ (2) المراد ممّا دلّ علی اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله : اختصاصُ فَهْمِه بتمامه - بمتشابهاته ومحکماته - ؛ بداهة أنّ فیه ما لا یختصّ به ، کما لا یخفی .
ورَدْعُ أبی حنیفة وقتادة عن الفتویٰ به ، إنّما هو لأجل الاستقلال فی الفتوی ، بالرجوع إلیه من دون مراجعة أهله ، لا عن الاستدلال (3) بظاهره مطلقاً ، ولو مع الرجوع (4) إلی روایاتهم ، والفحصِ عمّا ینافیه ، والفتوی به مع الیأس عن الظفر به ، کیف (5) ؟ وقد وقع فی غیر واحد من الروایات الإرجاعُ
[شماره صفحه واقعی : 49]
ص: 198
إلی الکتاب ، والاستدلالُ بغیر واحد من الآیات (1) .
وأمّا الثانیة: فلأنّ احتواءه علی المضامین العالیة الغامضة ، لا یمنع عن فهم ظواهره - المتضمّنة للأحکام - وحجّیّتها ، کما هو محلّ الکلام .
وأمّا الثالثة: فللمنع عن کون الظاهر من المتشابه؛ فإنّ الظاهر أنّ (2) المتشابه هو خصوص المجمل ، ولیس بمتشابهٍ ومجمل .
وأمّا الرابعة: فلأنّ العلم إجمالاً بطروء إرادة خلاف الظاهر ، إنّما یوجب الإجمال فی ما إذا لم ینحلّ بالظفر - فی الروایات - بموارد إرادة خلاف الظاهر ، بمقدار المعلوم بالإجمال .
مع (3) أنّ دعوی اختصاص أطرافه بما إذا تفحّص عمّا یخالفه لظفر به ، غیر بعیدة ، فتأمّل جیّداً .
وأمّا الخامسة: فبمنع (4) کون حمل الظاهر علی ظاهره من التفسیر؛ فإنّه کشف القناع ، ولا قناعَ للظاهر .
ولو سلّم ، فلیس من التفسیر بالرأی؛ إذ الظاهر أنّ المراد بالرأی هو :
الاعتبار الظنّیّ الّذی لا اعتبار به ، وإنّما کان منه حملُ اللفظ علی خلاف ظاهره ، لرجحانه بنظره ، أو حملِ المجمل علی محتمله ، بمجرّد مساعدة ذاک الاعتبار علیه ، من دون (5) السؤال عن الأوصیاء . وفی بعض الأخبار: «إنّما
[شماره صفحه واقعی : 50]
ص: 199
هلک الناس فی المتشابه؛ لأنّهم لم یقفوا علی معناه ، ولم یعرفوا حقیقته ، فوضعوا له تأویلاً من عند أنفسهم بآرائهم ، واستغنوا بذلک عن مسألة الأوصیاء فیعرّفونهم» (1) ، هذا .
مع أنّه لا محیص عن حمل هذه الروایات الناهیة عن التفسیر به علی ذلک ، ولو سلّم شمولها لحمل اللفظ علی ظاهره؛ ضرورة أنّه قضیّة التوفیق بینها وبین ما دلّ علی جواز التمسّک بالقرآن ، - مثل خبر الثقلین (2) - ، وما دلّ علی التمسّک به والعمل بما فیه (3) ، وعرضِ الأخبار المتعارضة علیه (4) ، وردِّ الشروط المخالفة له (5) ، وغیر ذلک (6)(7) ممّا لا محیصَ عن إرادة الإرجاع إلی ظواهره ، لا خصوص نصوصه؛ ضرورة أنّ الآیات الّتی یمکن أن تکون
[شماره صفحه واقعی : 51]
ص: 200
مرجعاً فی باب تعارض الروایات أو الشروط ، أو یمکن أن یتمسّک بها ویعمل بما فیها ، لیست إلّاظاهرةً فی معانیها ، و (1)لیس فیها ما کان نصّاً ، کما لا یخفی .
ودعوی العلم الإجمالیّ بوقوع التحریف فیه بنحوٍ : إمّا بإسقاط ، أو تصحیف وإن کانت غیرَ بعیدة ، - کما یشهد به بعض الأخبار (2) ، ویساعده الاعتبار (3) - ، إلّاأنّه لایمنع عن حجّیّة ظواهره ؛ لعدم العلم بوقوع خلل فیها بذلک أصلاً .
ولو سلّم فلا علمَ بوقوعه فی آیات الأحکام (4) .
[شماره صفحه واقعی : 52]
ص: 201
والعلم بوقوعه فیها أو فی غیرها من الآیات ، غیر ضائر بحجّیّة آیاتها؛ لعدم حجّیّة ظاهر سائر الآیات . والعلم الإجمالیّ بوقوع الخلل فی الظواهر إنّما یمنع عن حجّیّتها إذا کانت کلُّها حجّةً ، وإلّا لا یکاد ینفکّ ظاهرٌ عن ذلک ، کما لا یخفی ، فافهم .
نعم لو کان الخلل المحتمل فیه ، أو فی غیره بما اتّصل به ، لأخلّ بحجّیّته؛ لعدم انعقاد ظهور له حینئذٍ ، وإن انعقد له الظهور لولا اتّصاله .
ثمّ إنّ التحقیق : أنّ الاختلاف فی القراءة بما یوجب الاختلاف فی الظهور - مثل «یطهرن» (1) بالتشدید والتخفیف - یوجب الإخلال بجواز التمسّک والاستدلال؛ لعدم إحراز ما هو القرآن .
ولم یثبت تواترُ القراءات ، ولا جوازُ الاستدلال بها ، وإن نُسب إلی المشهور تواترها (2) ، لکنّه ممّا لا أصل له ، وإنّما الثابت جواز القراءة بها ، ولا ملازمة بینهما ، کما لا یخفی .
ولو فرض جواز الاستدلال بها ، فلا وجه (3) لملاحظة الترجیح بینها ، بعد
[شماره صفحه واقعی : 53]
ص: 202
کون الأصل فی تعارض الأمارات ، هو سقوطها عن الحجّیّة فی خصوص المؤدّیٰ ، بناءً علی اعتبارها من باب الطریقیّة ، والتخییرُ بینها بناءً علی السببیّة ، مع عدم دلیلٍ علی الترجیح فی غیر الروایات من سائر الأمارات ، فلابدّ من الرجوع حینئذٍ إلی الأصل أو العموم ، حَسَب اختلاف المقامات .
قد عرفت حجّیّة ظهور الکلام فی تعیین المرام : فإن أُحرز بالقطع ، وأنّ المفهوم منه جزماً - بحسب متفاهم أهل العرف - هو ذا ، فلا کلام .
وإن کان لأجل الشکّ فی ما هو الموضوع له لغةً ، أو المفهوم منه عرفاً ، فالأصلُ یقتضی عدم حجّیّة الظنّ فیه؛ فإنّه ظنٌّ فی أنّه ظاهر ، ولا دلیل إلّا علی حجّیّة الظواهر (1) .
نعم ، نسب إلی المشهور (2) حجّیّة قول اللغویّ - بالخصوص - فی تعیین الأوضاع .
الدلیل الأول :الاتفاق والإجماع واستدلّ لهم (3) باتّفاق العلماء - بل العقلاء - علی ذلک ، حیث لا یزالون یستشهدون بقوله فی مقام الاحتجاج ، بلا إنکارٍ من أحد ، ولو مع المخاصمة واللجاج .
وعن بعضٍ (4) دعوی الإجماع علی ذلک .
وفیه: أنّ الاتّفاق - لو (5) سلّم اتّفاقه - فغیر مفید .
[شماره صفحه واقعی : 55]
ص: 204
مع أنّ المتیقّن منه هو الرجوع إلیه مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة (1) .
والإجماع المحصَّل غیر حاصل ، والمنقول منه غیر مقبول ، خصوصاً فی مثل المسألة ، ممّا احتمل قریباً (2) أن یکون وجه ذهاب الجلّ - لولا الکلّ - هو اعتقاد أنّه ممّا اتّفق علیه العقلاء ، من الرجوع إلی أهل الخبرة من کلّ صنعة فی ما اختصّ بها .
والمتیقّن من ذلک إنّما هو فی ما إذا کان الرجوع یوجب الوثوق والاطمئنان ، ولا یکاد یحصل من قول اللغویّ وثوقٌ بالأوضاع ، بل لا یکون اللغویّ من أهل خبرة ذلک (3)(4) ، بل إنّما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال؛ بداهة أنّ همّه : ضبط موارده ، لا تعیین أنّ أیّاً منها کان اللفظ فیه حقیقةً أو مجازاً ، وإلّا لوضعوا لذلک علامةً . ولیس ذکره أوّلاً علامةَ کونِ اللفظ حقیقةً فیه؛ للانتقاض بالمشترک .
الدلیل الثانی :انسداد باب العلم بتفاصیل المعانی موجب لحجّیة قول اللغوی وکونُ موارد الحاجة إلی قول اللغویّ أکثر من أن یحصیٰ - لانسداد باب العلم بتفاصیل المعانی غالباً (5) ، بحیث یُعلم بدخول الفرد المشکوک أو خروجه ، وإن کان المعنیٰ معلوماً فی الجملة - لا یوجبُ اعتبار قوله مادام انفتاح باب العلم بالأحکام ، کما لا یخفی .
ومع الانسداد کان قوله معتبراً - إذا أفاد الظنّ - من باب حجّیّة مطلق الظنّ ، وإن فُرض انفتاح باب العلم باللّغات بتفاصیلها فی ما عدا المورد .
نعم ، لو کان هناک دلیل علی اعتباره ، لا یبعد أن یکون انسداد باب العلم بتفاصیل اللّغات موجباً له علی نحو الحکمة ، لا العلّة .
[شماره صفحه واقعی : 56]
ص: 205
لا یقال: علی هذا لا فائدة فی الرجوع إلی اللغة .
فإنّه یقال: مع هذا لا یکاد تخفی الفائدة فی المراجعة إلیها؛ فإنّه ربما یوجب القطع بالمعنیٰ ، وربما یوجب القطع بأنّ اللفظ فی المورد ظاهرٌ فی معنیً - بعد الظفر به وبغیره فی اللغة - وإن لم یقطع (1) بأنّه حقیقة فیه أو مجاز ، کما اتّفق کثیراً ، وهو یکفی فی الفتویٰ .
[شماره صفحه واقعی : 57]
ص: 206
الإجماع المنقول بخبر الواحد (1) حجّةٌ عند کثیر ممّن قال باعتبار الخبر بالخصوص ، من جهة أنّه من أفراده ، من دون أن یکون علیه دلیلٌ بالخصوص ، فلابدّ فی اعتباره من شمول أدلّة اعتباره له ، بعمومها أو إطلاقها .
وتحقیق القول فیه یستدعی رسم أُمور:
الأوّل: أنّ وجه اعتبار الإجماع هو : القطع برأی الإمام علیه السلام .
ومستند القطع به لحاکیه - علی مایظهر من کلماتهم - هو :
علمُه بدخوله علیه السلام فی المجمعین شخصاً ، ولم یُعرف عیناً .
أو قطعُه باستلزام ما یحکیه لرأیه علیه السلام عقلاً من باب اللطف (2) ، أو عادةً ، أو اتّفاقاً من جهة حدس رأیه علیه السلام (3)، وإن لم تکن ملازمة بینهما (4) عقلاً
[شماره صفحه واقعی : 58]
ص: 207
ولا عادةً ، کما هو طریقة المتأخّرین فی دعوی الإجماع ، حیث إنّهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلیّة ، ولا الملازمة العادیّة غالباً ، وعدمِ العلم بدخول جنابه علیه السلام فی المجمعین عادةً ، یحکون الإجماع کثیراً .
کما أنّه یظهر ممّن اعتذر عن وجود المخالف بأنّه معلوم النسب ، أنّه استند فی دعوی الإجماع إلی العلم بدخوله علیه السلام ، وممّن اعتذر عنه بانقراض عصره ، أنّه استند إلی قاعدة اللطف ، هذا . مضافاً إلی تصریحاتهم بذلک ، علی ما یشهد به مراجعة کلماتهم .
وربما یتّفق لبعض الأوحدیّ (1) وجه آخر ، من تشرُّفِهِ برؤیته علیه السلام وأخذه الفتویٰ من جنابه علیه السلام ، وإنّما لم ینقل عنه بل یحکی الإجماع لبعض دواعی الإخفاء .
الأمر الثانی: أنّه لا یخفی اختلاف نقل الإجماع :
فتارةً : ینقل رأیه علیه السلام فی ضمن نقله حدساً - کما هو الغالب - أو حسّاً - وهو نادر جدّاً - .
وأُخری : لا ینقل إلّاما هو السبب عند ناقله ، عقلاً أو عادةً أو اتّفاقاً .
واختلاف ألفاظ النقل أیضاً ، صراحةً وظهوراً وإجمالاً فی ذلک ، أی: فی أنّه نقل السبب ، أو نقل السبب والمسبّب .
1 - أن یکون النقل متضمّناً لنقل السبب والمسبّب عن حسّ الأمر الثالث: أنّه لا إشکال فی حجّیّة الإجماع المنقول بأدلّة حجّیّة الخبر ، إذا کان نقله متضمّناً لنقل السبب والمسبّب عن حسٍّ ، لو لم نقل بأنّ نقله کذلک فی زمان الغیبة موهون جدّاً .
[شماره صفحه واقعی : 59]
ص: 208
2 - أن یکون نقل الإجماع سبباً حسّیاً فی نظر الناقل والمنقول إلیه وکذا إذا لم یکن متضمّناً له ، بل کان ممحّضاً لنقل السبب عن حسّ ، إلّا أنّه کان سبباً بنظر المنقول إلیه أیضاً - عقلاً أو عادةً أو اتّفاقاً - ، فیعامل حینئذٍ مع المنقول معاملة المحصَّل ، فی الالتزام بمسبَّبه ، بأحکامه وآثاره .
3 - أن یکون نقل الإجماع سبباً حسّیاً بنظر الناقل فقط وأمّا إذا کان نقله للمسبَّب لا عن حسّ (1) ، بل بملازمةٍ ثابتة عند الناقل بوجهٍ ، دون المنقول إلیه ، ففیه إشکالٌ ، أظهرُه عدم نهوض تلک الأدلّة علی حجّیّته؛ إذ المتیقّن من بناء العقلاء غیر ذلک ، کما أنّ المنصرف من الآیات والروایات - علی تقدیر دلالتهما - ذلک (2) ، خصوصاً فی ما إذا رأی المنقول إلیه خطأَ الناقل فی اعتقاد الملازمة . هذا فی ما انکشف الحال .
4 - إذا اشتبه أنّ نقل المسبّب عن حسّ أو حدس وأمّا فی ما اشتبه ، فلا یبعد أن یقال بالاعتبار؛ فإنّ عمدة أدلّة حجّیّة الأخبار هو بناء العقلاء ، وهم کما یعملون بخبر الثقة إذا عُلم أنّه عن حسّ ، یعملون به فی ما یحتمل کونه عن حدس؛ حیث إنّه لیس بناؤهم - إذا أُخبروا بشیءٍ - علی التوقّف والتفتیش عن أنّه عن حدس أو حسّ ، بل علی العمل علی طبقه (3) ، والجری علیٰ وفقه بدون ذلک .
نعم ، لا یبعد أن یکون بناؤهم علی ذلک ، فی ما لا یکون هناک أمارة علی الحدس ، أو اعتقاد الملازمة فی ما لا یرون هناک ملازمةً ، هذا .
[شماره صفحه واقعی : 60]
ص: 209
لکنّ الإجماعات المنقولة فی ألسنة الأصحاب - غالباً - مبنیّةٌ علی حدس الناقل ، أو اعتقادِ الملازمة عقلاً ، فلا اعتبار لها ما لم ینکشف أنّ نقل السبب (1) کان مستنداً إلی الحسّ .
فلابدّ فی الإجماعات المنقولة - بألفاظها المختلفة - من استظهار مقدار دلالة ألفاظها ، ولو بملاحظة حال الناقل ، وخصوصِ موضع النقل ، فیؤخذ بذاک المقدار ویعامل معه کأنّه المحصَّل ، فإن کان بمقدار تمام السبب ، وإلّا فلا یُجدی ما لم یضمّ إلیه - ممّا حصّله ، أو نُقِل له من سائر الأقوال ، أو سائر الأمارات - ما به تمّ ، فافهم .
فتلخّص بما ذکرنا: أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد ، من جهة حکایته رأیَ الإمام علیه السلام - بالتضمّن أو الالتزام - کخبر الواحد فی الاعتبار - إذا کان مَن نُقل إلیه ممّن یری الملازمة بین رأیه علیه السلام وما نقله (2) من الأقوال ، بنحو الجملة والإجمال - وتعمّه (3) أدلّة اعتباره ، وینقسم بأقسامه ، ویشارکه فی أحکامه ، وإلّا لم یکن مثله فی الاعتبار من جهة الحکایة .
وأمّا (4) من جهة نقل السبب: فهو - فی الاعتبار - بالنسبة إلی مقدارٍ من الأقوال الّتی نقلت إلیه علی الإجمال بألفاظ نقلِ الإجماع ، مثل ما إذا نقلت علی التفصیل ، فلو ضُمّ إلیه - ممّا حصّله ، أو نُقِل له من أقوال السائرین ،
[شماره صفحه واقعی : 61]
ص: 210
أو سائر الأمارات - مقدارٌ کان المجموع منه وما نُقل - بلفظ الإجماع - بمقدار السبب التامّ ، کان المجموع کالمحصّل ، ویکون حاله کما إذا کان کلّه منقولاً .
ولا تفاوت فی اعتبار الخبر بین ما إذا کان المخبَر به تمامَه ، أو ما له دخل فیه ، وبه قوامه ، کما یشهد به حجّیّته بلا ریب فی تعیین حال السائل ، وخصوصیّةِ القضیّة الواقعة المسؤول عنها ، وغیر ذلک ممّا له دخل فی تعیین مرامه علیه السلام من کلامه .
وینبغی التنبیه علی أُمور:
الأوّل: أنّه قد مرّ (1) : أنّ مبنیٰ دعوی الإجماع - غالباً - هو : اعتقاد الملازمة عقلاً ؛ - لقاعدة اللطف - ، وهی باطلة ، أو اتّفاقاً ؛ - بحدس رأیه علیه السلام من فتوی جماعة - ، وهی غالباً غیر مسلّمة .
وأمّا کون المبنی : العلمَ بدخول الإمام علیه السلام بشخصه فی الجماعة ، أو العلمَ برأیه ؛ - للاطّلاع بما یلازمه عادةً من الفتاوی - ، فقلیلٌ جدّاً فی الإجماعات المتداولة فی ألسنة الأصحاب ، کما لا یخفی .
بل لا یکاد یتّفق العلم بدخوله علیه السلام علی نحو الإجمال فی الجماعة فی زمان الغیبة ، وإن احتمل تشرُّفُ الأوحدیّ (2) بخدمته ومعرفته علیه السلام أحیاناً .
[شماره صفحه واقعی : 62]
ص: 211
فلا یکاد یُجدی نقل الإجماع إلّامن باب نقل السبب ، بالمقدار الّذی أُحرز من لفظه ، بما اکتنف به من حالٍ أو مقالٍ ، ویعامل معه معاملة المحصَّل .
الثانی: انّه لا یخفی : أنّ الإجماعات المنقولة إذا تعارض إثنان منهما أو أکثر ، فلا یکون التعارض إلّابحسب المسبّب (1) ، وأمّا بحسب السبب فلا تعارضَ فی البین؛ لاحتمال صدق الکلّ .
لکنّ نقل الفتاویٰ - علی الإجمال - بلفظ الإجماع حینئذٍ لا یصلحُ لأن یکون سبباً ، ولا جزءَ سببٍ؛ لثبوت الخلاف فیها ، إلّاإذا کان فی أحد المتعارضین خصوصیّةٌ موجبةٌ لقَطْعِ المنقول إلیه برأیه علیه السلام لو اطّلع علیها ، ولو مع اطّلاعه علی الخلاف . وهو وإن لم یکن - مع الاطّلاع علی الفتاویٰ علی اختلافها مفصّلاً - ببعید ، إلّاأنّه مع عدم الاطّلاع علیها کذلک (2) بعیدٌ ، فافهم .
الثالث: انّه ینقدح ممّا ذکرنا فی نقل الإجماع حالُ نقلِ التواتر ، وأنّه - من حیث المسبّب - لابدّ فی اعتباره من کون الإخبار به إخباراً علی الإجمال ،
[شماره صفحه واقعی : 63]
ص: 212
بمقدار یوجب قطعَ المنقول إلیه بما اخبر به لو علم به (1) ، ومن حیث السبب یثبت به کلّ مقدار کان إخباره بالتواتر دالّاً علیه ، کما إذا اخبر به علی التفصیل . فربما لا یکون إلّادون حدّ التواتر ، فلابدّ فی معاملته معه معاملَتَه ، من لحوق مقدارٍ آخر من الأخبار یبلغ المجموع ذاک الحدّ .
نعم ، لو کان هناک أثر للخبر المتواتر فی الجملة - ولو عند المخبِر - لوجب ترتیبه علیه ، ولو لم یدلّ علی ما بحدّ التواتر من المقدار .
ممّا قیل باعتباره بالخصوص : الشهرةُ فی الفتوی ، ولا یساعده دلیل (2) .
وتوهّمُ (3) : دلالة أدلّة حجّیّة خبر الواحد علیه بالفحوی؛ لکون الظنّ الّذی تفیده أقویٰ ممّا یفیده الخبر .
فیه ما لا یخفی ؛ ضرورة عدم دلالتها علی کون مناط اعتباره إفادتَه الظنّ ، غایتُه تنقیح ذلک بالظنّ ، وهو لا یوجب إلّاالظنّ بأنّها أولیٰ بالاعتبار ، ولا اعتبار به .
مع أنّ دعوی القطع بأنّه لیس بمناطٍ غیرُ مجازفة (4) .
[شماره صفحه واقعی : 64]
ص: 213
وأضعفُ منه توهُّمُ دلالةِ المشهورة (1)(2) والمقبولة (3) علیه؛ لوضوح أنّ المراد بالموصول فی قوله علیه السلام فی الأُولی: «خُذ بِما اشتَهَرَ بَین أصحابِک » ، وفی الثانیة: «یُنظرُ إلیٰ ما کان من روایتهما عنّا فی ذلک الّذی حکما به ، الُمجمع علیه عند أصحابِک ، فَیؤخَذُ بِه» هو الروایة ، لا مایعمّ الفتویٰ (4) ، کما هو أوضحُ من أن یخفی .
نعم ، بناءً علی حجّیّة الخبر ببناء العقلاء ، لا یبعد دعویٰ عدمِ اختصاص بنائهم علی حجّیّته (5) ، بل علی حجّیّة کلّ أمارة مفیدة للظنّ أو الاطمئنان ، لکن دون إثبات ذلک خرطُ القتاد .
[شماره صفحه واقعی : 65]
ص: 214
المشهور بین الأصحاب : حجّیّة خبر الواحد فی الجملة بالخصوص .
ولا یخفی: أنّ هذه المسألة من أهمّ المسائل الاُصولیّة . وقد عرفت فی أوّل الکتاب : أنّ الملاک فی الاُصولیّة صحّة وقوع نتیجة المسألة فی طریق الاستنباط ، ولو لم یکن البحث فیها عن الأدلّة الأربعة ، وإن اشتهر فی ألسنة الفحول : کونُ الموضوع فی علم الأُصول هی الأدلّة .
وعلیه لا یکاد یفید فی ذلک - أی کون هذه المسألة اصولیّة - تجشُّمُ دعوی : أنّ البحث عن دلیلیّة الدلیل بحثٌ عن أحوال الدلیل (1)؛ ضرورة أنّ البحث فی المسألة لیس عن دلیلیّة الأدلّة ، بل عن حجّیّة الخبر الحاکی عنها .
کما لا یکاد یفید علیه تجشُّمُ دعوی : أنّ مرجعَ هذه المسألة إلی أنّ السنّة - وهی قول الحجّة أو فعله أو تقریره - هل تثبت بخبر الواحد ، أو لا تثبت إلّا بما یفید القطع ، من التواتر أو القرینة ؟ (2)؛ فإنّ التعبّد بثبوتها مع الشکّ فیها - لدی الإخبار بها - لیس من عوارضها ، بل من عوارض مشکوکها ، کما لا یخفی .
[شماره صفحه واقعی : 66]
ص: 215
مع أنّه لازمٌ لما یبحث عنه فی المسألة من حجّیّة الخبر ، والمبحوث عنه فی المسائل إنّما هو الملاک فی أنّها من المباحث أو من غیرها (1) ، لا ما هو لازمه (2) ، کما هو واضح .
وکیف کان ، فالمحکیّ عن السیّد (3) والقاضی (4) وابن زهرة (5) والطبرسیّ (6) وابن إدریس (7) عدم حجّیّة الخبر .
واستدلّ لهم:
بالآیات الناهیة عن اتّباع غیر العلم (8) .
والروایاتِ الدالّة علی ردّ ما لم یعلم أنّه قولهم علیهما السلام (9)، - أو لم یکن علیه شاهدٌ من کتاب اللّٰه أو شاهدان ، أو لم یکن موافقاً للقرآن ، إلیهم (10)؛ أو علی
[شماره صفحه واقعی : 67]
ص: 216
بطلان ما لا یصدّقه کتابُ اللّٰه (1)؛ أو علی أنّ ما لا یوافق کتاب اللّٰه زخرفٌ (2)؛ أو علی النهی عن قبول حدیث إلّاماوافق الکتاب أو السنّة (3) ... إلی غیر (4) ذلک (5) .
والإجماعِ المحکیّ عن السیّد فی مواضعَ من کلامه ، بل حکی عنه أنّه جَعلَه بمنزلة القیاس ، فی کون ترکه معروفاً من مذهب الشیعة (6) .
والجواب:
أمّا عن الآیات: فبأنّ الظاهر منها - أو المتیقّن من إطلاقاتها - هو : اتّباع غیر العلم فی الأُصول الاعتقادیّة ، لا ما یعمّ الفروعَ الشرعیّة ، ولو سلّم عمومُها لها فهی مخصَّصة بالأدلّة الآتیة الدالّة (7) علی اعتبار الأخبار (8) .
وأمّا عن الروایات: فبأنّ الاستدلال بها خالٍ عن السداد؛ فإنّها أخبار آحاد (9) .
[شماره صفحه واقعی : 68]
ص: 217
لا یقال: إنّها وإن لم تکن متواترة لفظاً ولامعنیً ، إلّاأنّها متواترة إجمالاً؛ للعلم الإجمالیّ بصدور بعضها لا محالة .
فإنّه یقال: إنّها وإن کانت کذلک ، إلّاأنّها لاتفید إلّافی ما توافقت علیه ، وهو غیر مفید فی إثبات السلب کلّیّاً ، - کما هو محلّ الکلام ، ومورد النقض والإبرام - ، وإنّما تفید عدمَ حجّیّة الخبر المخالف للکتاب والسنّة ، والالتزامُ به لیس بضائر ، بل لا محیصَ عنه فی مقام المعارضة .
وأمّا عن الإجماع: فبأنّ المحصّل منه غیر حاصل ، والمنقول منه للاستدلال به غیر قابل ، خصوصاً فی المسألة ، کما یظهر وجهه للمتأمّل ، مع أنّه معارَضٌ بمثله ، وموهونٌ بذهاب المشهور إلی خلافه (1) .
وقد استدلّ للمشهور بالأدلّة الأربعة :
فمنها: آیة النبأ ، قال اللّٰه - تبارک وتعالی - : «إِنْ جٰاءَکُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا ... » (2).
ویمکن تقریب الاستدلال بها من وجوه ، أظهرها: أنّه من جهة مفهوم الشرط ، وأنّ تعلیق الحکم - بإیجاب التبیّن عن النبأ الّذی جیء به - علی کون الجائی به الفاسق (3) ، یقتضی انتفاءه عند انتفائه .
[شماره صفحه واقعی : 69]
ص: 218
الإشکال الأوّل علی الاستدلال بالآیة الجواب عنه ولا یخفی: أنّه علی هذا التقریر لا یرد : أنّ الشرط فی القضیّة لبیان تحقّق الموضوع ، فلا مفهوم له ، أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع (1) ، فافهم .
نعم ، لو کان الشرط هو نفس تحقّق النبأ ومجیء الفاسق به ، کانت القضیّة الشرطیّة مسوقةً لبیان تحقّق الموضوع .
مع أنّه یمکن أن یقال: إنّ القضیّة ولو کانت مسوقة لذلک ، إلّاأنّها ظاهرة فی انحصار موضوع وجوب التبیّن فی النبأ الّذی جاء به الفاسق ، فیقتضی انتفاءَ وجوب التبیّن عند انتفائه ووجودِ موضوعٍ آخر ، فتدبّر .
الإشکال الثانی
ولکنّه یشکل: بأنّه لیس لها هاهنا مفهوم ، ولو سلّم أنّ أمثالها ظاهرة فی المفهوم؛ لأنّ التعلیل بإصابة القوم بالجهالة - المشترکَ بین المفهوم والمنطوق - یکون قرینةً علی أنّه لیس لها مفهوم (2) .
الجواب عن الإشکال ولا یخفی: أنّ الإشکال إنّما یبتنی علی کون الجهالة بمعنی عدم العلم ، مع أنّ دعوی أنّها بمعنی السفاهة ، وفعلِ ما لا ینبغی صدوره عن (3) العاقل غیرُ بعیدة (4) .
الإشکال الثالث ثمّ إنّه لوسلّم تمامیّةَ دلالةِ الآیة علی حجّیّة خبر العدل ، ربما اشکل (5) شمولُ مثلها للروایات الحاکیة لقول الإمام علیه السلام بواسطة أو وسائط (6)؛ فإنّه کیف
[شماره صفحه واقعی : 70]
ص: 219
یمکن الحکم بوجوب التصدیق - الّذی لیس إلّابمعنی وجوب ترتیب ما للمخبَر به من الأثر الشرعیّ - بلحاظ نفس هذا الوجوب ، فی ما کان المخبَر به خبرَ العدل أو عدالةَ المخبر ؟ لأنّه وإن کان أثراً شرعیّاً لهما ، إلّاأنّه بنفس الحکم - فی مثل الآیة - بوجوب تصدیق خبر العدل حسب الفرض .
نعم ، لو انشئ هذا الحکم ثانیاً ، فلا بأس فی أن یکون بلحاظه أیضاً؛ حیث إنّه صار أثراً بجعلٍ آخر ، فلا یلزم اتّحاد الحکم والموضوع ، بخلاف ما إذا لم یکن هناک إلّاجعلٌ واحد ، فتدبّر .
الجواب الأوّل عن الإشکال الثالث ویمکن الذبّ عن الإشکال (1): بأنّه إنّما یلزم إذا لم تکن (2) القضیّة طبیعیّةً ، والحکمُ فیها بلحاظ طبیعة الأثر ، بل بلحاظ أفراده ، وإلّا فالحکم بوجوب التصدیق یسری إلیه ، سرایةَ حکم الطبیعة إلی أفراده (3) ، بلا محذورِ لزوم اتّحاد الحکم والموضوع ، هذا .
الجواب الثانی عن الإشکال مضافاً (4) إلی القطع بتحقّق ما هو المناط فی سائر الآثار فی هذا الأثر ، - أی: وجوب التصدیق - بعد تحقّقه بهذا الخطاب ، وإن کان لا یمکن أن یکون ملحوظاً (5) لأجل المحذور .
[شماره صفحه واقعی : 71]
ص: 220
الجواب الثالث عن الإشکال وإلی عدم القول بالفصل بینه وبین سائر الآثار ، فی وجوب الترتیب لدی الإخبار بموضوعٍ صار أثرُه الشرعیّ وجوبَ التصدیق ، وهو خبر العدل ، ولو بنفس الحکم فی الآیة (1) ، فافهم .
الإشکال الرابع ولا یخفی: أنّه لامجال - بعد اندفاع الإشکال بذلک - للإشکال فی خصوص الوسائط من الأخبار - کخبر الصفّار المحکیّ بخبر المفید مثلاً - بأنّه لا یکاد یکون خبراً تعبّداً إلّابنفس الحکم بوجوب تصدیق العادل الشامل للمفید ، فکیف یکون هذا الحکم - المحقِّق لخبر الصفّار تعبّداً مثلاً - حکماً له أیضاً (2)(3)؟
الجواب عنه وذلک لأنّه إذا کان خبر العدل ذا أثر شرعیّ حقیقةً - بحکم الآیة - وجب ترتیب أثره علیه ، عند إخبار العدل به ، کسائر ذوات الآثار من الموضوعات؛ لما عرفت من شمول مثل الآیة للخبر الحاکی للخبر بنحو القضیّة الطبیعیّة ، أو لشمول الحکم فیها له مناطاً ، وإن لم یشمله لفظاً ، أو لعدم القول بالفصل ، فتأمّل جیّداً .
ومنها: آیة النفر ، قال اللّٰه - تعالی - : «فَلَوْ لاٰ نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ ... » الآیة (4) .
[شماره صفحه واقعی : 72]
ص: 221
وجوه الاستدلال بالآیة وربما یستدلّ بها من وجوه:
أحدُها: أنّ کلمة «لعلّ» وإن کانت مستعملةً - علی التحقیق - فی معناها (1) الحقیقیّ - وهو الترجّی الإیقاعیّ الإنشائیّ - ، إلّاأنّ الداعی إلیه - حیث یستحیل فی حقّه تعالی أن یکون هو الترجّی الحقیقیّ - کان هو محبوبیّة التحذّر عند الإنذار ، وإذا ثبت محبوبیّته ثبت وجوبه شرعاً؛ لعدم الفصل (2) ، وعقلاً؛ لوجوبه مع وجود ما یقتضیه ، وعدم حسنه - بل عدم إمکانه - بدونه (3) .
ثانیها: أنّه لمّا وجب الإنذار ؛ - لکونه غایةً للنفر الواجب ، کما هو قضیّة کلمة « لولا » التحضیضیّة - وجب التحذّر ، وإلّا لغا وجوبه .
ثالثها: أنّه جعل غایةً للإنذار الواجب ، وغایةُ الواجب واجب (4) .
الإشکال فی وجوه الاستدلال ویشکل الوجه الأوّل : بأنّ التحذّر لرجاء إدراک الواقع ، وعدمِ الوقوع فی محذور مخالفته - من فوت المصلحة ، أو الوقوع فی المفسدة - ، حسنٌ ، ولیس بواجبٍ فی ما لم یکن هناک حجّة علی التکلیف . ولم یثبت هاهنا عدم الفصل ، غایتُه عدم القول بالفصل .
والوجه الثانی والثالث : بعدم انحصار فائدة الإنذار بإیجاب التحذّر (5) تعبّداً؛ لعدم إطلاقٍ (6) یقتضی وجوبَه علی الإطلاق؛ ضرورة أنّ الآیة مسوقة
[شماره صفحه واقعی : 73]
ص: 222
لبیان وجوب النفر ، لا لبیان غایتیّة التحذّر ، ولعلّ وجوبَه کان مشروطاً بما إذا أفاد العلم ، و (1)لو لم نقل بکونه مشروطاً به؛ فإنّ النفر إنّما یکون لأجل التفقّه وتعلّمِ معالم الدین ، ومعرفةِ ما جاء به سیّدُ المرسلین ، کی ینذروا بها المتخلّفین أو النافرین - علی الوجهین فی تفسیر الآیة - ، لکی یحذروا إذا انذروا بها ، وقضیّتُه إنّما هو وجوب الحذر عند إحراز أنّ الإنذار بها ، کما لا یخفی .
إشکالٌ آخر علی الاستدلال بالآیة ثمّ إنّه أُشکل أیضاً : بأنّ الآیة لو سلّم دلالتها علی وجوب الحذر مطلقاً ، فلا دلالة لها علی حجّیّة الخبر بما هو خبر؛ حیث إنّه لیس شأن الراوی إلّا الإخبارَ بما تحمَّله ، لا التخویفَ والإنذار ، وإنّما هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلی المسترشد أو المقلِّد (2) .
الجواب عن الإشکال
قلت: لا یذهب علیک أنّه لیس حال الرواة فی الصدر الأوّل - فی نقل ما تحمّلوا من النبیّ صلّی اللّٰه علیه وعلی أهل بیته الکرام أو (3) الإمام علیه السلام من الأحکام إلی الأنام - إلّاکحال نقَلَة الفتاوی إلی العوامّ ، ولاشبهة فی أنّه یصحّ منهم التخویفُ فی مقام الإبلاغ والإنذار ، والتحذیرِ بالبلاغ ، فکذا من الرواة ، فالآیة لو فُرض دلالتها علی حجّیّة نقل الراوی إذا کان مع التخویف ، کان نقله حجةً
[شماره صفحه واقعی : 74]
ص: 223
بدونه أیضاً؛ لعدم الفصل بینهما جزماً ، فافهم .
ومنها: آیة الکتمان: «إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ مٰا أَنْزَلْنٰا ... » (1)الآیة .
وتقریب الاستدلال بها : أنّ حرمة الکتمان تستلزم وجوب القبول (2) عقلاً؛ للزوم لغویّته (3) بدونه .
ولا یخفی: أنّه لو سُلّمت هذه الملازمة لا مجالَ (4) للإیراد علی هذه الآیة بما أُورد علی آیة النَفر (5) من دعوی الإهمال ، أو استظهار الاختصاص بما إذا أفاد العلم؛ فإنّها تنافیهما ، کما لا یخفی .
الإشکال علی لاستدلال بالآیة لکنّها ممنوعة؛ فإنّ اللغویّة غیر لازمة؛ لعدم انحصار الفائدة بالقبول تعبّداً ، وإمکانِ أن تکون حرمة الکتمان لأجل وضوح الحقّ (6) بسبب کثرةَ من أفشاه وبیّنه ، لئلّا یکون للناس علی اللّٰه حجّة ، بل کان له علیهم الحجّة البالغة .
ومنها: آیة السؤال عن أهل الذکر : «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ » (7).
وتقریب الاستدلال بها ما فی آیة الکتمان .
الإشکال فی
[شماره صفحه واقعی : 75]
ص: 224
الاستدلال بالآیة
وفیه: أنّ الظاهر منها إیجاب السؤال لتحصیل العلم ، لا للتعبّد بالجواب .
إیرادٌ آخر علی الاستدلال بالآیةوالجواب عنه
وقد أُورد علیها (1): بأنّه لو سلّم دلالتها علی التعبّد بما أجاب أهل الذکر ، فلا دلالة لها علی التعبّد بما یروی الراوی؛ فإنّه بما هو راوٍ لا یکون من أهل الذکر والعلم ، فالمناسب : إنّما هو الاستدلال بها علی حجّیّة الفتوی ، لا الروایة (2) .
وفیه: أنّ کثیراً من الرواة یصدق علیهم أنّهم أهل الذکر والاطّلاع علی رأی الإمام علیه السلام ، کزرارة ومحمّد بن مسلم ومثلهما (3) ، ویصدق علی السؤال عنهم ، أنّه السؤال عن أهل الذکر والعلم ، ولو کان السائل من أضرابهم .
فإذا وجب قبول روایتهم فی مقام الجواب - بمقتضی هذه الآیة - ، وجب قبول روایتهم وروایة غیرهم من العدول مطلقاً؛ لعدم الفصل جزماً فی وجوب القبول بین المبتدِئ والمسبوق بالسؤال ، ولا بین أضراب زرارة وغیرهم ، ممّن لا یکون من أهل الذکر ، وإنّما یروی ما سمعه أو رآه ، فافهم .
ومنها: آیة الأُذن : «وَ مِنْهُمُ الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَّ وَ یَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَیْرٍ لَکُمْ یُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ یُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِینَ » (4). فإنّه - تبارک وتعالی - مَدَحَ نبیَّه بأنّه یصدِّق المؤمنین ، وقَرنَه بتصدیقه - تعالی - .
الإشکال فی الاستدلال بالآیة
وفیه أوّلاً: أنّه إنّما مدحَه بأنّه أُذُن ، وهو سریع القطع ، لا الآخذُ بقول الغیر تعبّداً .
[شماره صفحه واقعی : 76]
ص: 225
وثانیاً: أنّه إنّما المراد (1) بتصدیقه المؤمنین (2) هو ترتیب خصوص الآثار الّتی تنفعهم ولا تضرّ غیرَهم ، لا التصدیق بترتیب جمیع الآثار ، کما هو المطلوب فی باب حجّیّة الخبر (3) .
ویظهر ذلک من تصدیقه صلی الله علیه و آله للنّمام بأنّه ما نمّه ، وتصدیقه للّٰه- تعالی - بأنّه نمّه (4) ، کما هو المراد من التصدیق فی قوله علیه السلام : «فصدِّقه وکذِّبهم» حیث قال - علی ما فی الخبر - : «یا محمَّد (5) ، کذِّب سمعَک وبصرَک عن أخیک ، فإن شهدَ عِندک خمسون قسامة أنّه قال قولاً ، وقال: لم أقله ، فصدّقه وکذّبهم» (6) ، فیکون مراده تصدیقَه بما ینفعه ولا یضرّهم ، وتکذیبَهم فی ما یضرّه ولا ینفعهم ، وإلّا فکیف یحکم بتصدیق الواحد وتکذیب خمسین ؟
[شماره صفحه واقعی : 77]
ص: 226
وهکذا المراد بتصدیق المؤمنین فی قصّة إسماعیل (1) ، فتأمّل جیّداً .
وهی وإن کانت طوائف کثیرة (1) - کما یظهر من مراجعة الوسائل
وغیرها - إلّاأنّه یشکل الاستدلالُ بها علی حجّیّة أخبار الآحاد : بأنّها أخبار آحاد؛ فإنّها غیر متّفقةٍ علی لفظٍ ولا علی معنی ، فتکونَ متواترةً لفظاً أو معنیً (2) .
[شماره صفحه واقعی : 78]
ص: 227
ولکنّه مندفع: بأنّها وإن کانت کذلک ، إلّاأنّها متواترةٌ إجمالاً؛ ضرورة أنّه یعلم إجمالاً بصدور بعضها منهم علیهم السلام ، وقضیّتُه وإن کان حجّیّةَ خبرٍ دلّ علی حجّیةِ (1) أخصِّها مضموناً ، إلّاأنّه یتعدّیٰ عنه فی ما إذا کان بینها ما کان بهذه الخصوصیّة ، وقد دلّ علی حجّیّة ماکان أعمّ ، فافهم .
وتقریره من وجوه :
أحدها (2): دعوی الإجماع من تتبُّع فتاوی الأصحاب علی الحجّیّة ، من زماننا إلی زمان الشیخ ، فیُکشف رضاه علیه السلام بذلک ، ویُقطع به ، أو من تتبُّع الإجماعات المنقولة علی الحجّیّة .
[شماره صفحه واقعی : 79]
ص: 228
ولا یخفی مجازفة هذه الدعوی؛ لاختلاف الفتاوی فی ما أُخذ فی اعتباره من الخصوصیّات ، ومعه لا مجال لتحصیل القطع برضاه علیه السلام من تتبّعها؛ وهکذا حال تتبُّع الإجماعات المنقولة .
اللهمّ إلّاأن یُدّعی تواطؤها علی الحجّیّة فی الجملة ، وإنّما الاختلاف فی الخصوصیّات المعتبرة فیها ، ولکن دون إثباته خرط القتاد .
ثانیها (1): دعوی اتّفاق العلماء عملاً - بل کافّةِ المسلمین - علی العمل بخبر الواحد فی أُمورهم الشرعیّة ، کما یظهر من أخذ فتاوی المجتهدین من الناقلین لها .
وفیه: - مضافاً إلی ما عرفت ممّا یرد علی الوجه الأوّل - أنّه لو سُلّم اتّفاقهم علی ذلک ، لم یُحرز أنّهم اتّفقوا بما هم مسلمون ومتدیّنون بهذا الدین ، أو بما هم عقلاء ولو لم یلتزموا (2) بدینٍ ، کما هم لایزالون یعملون بها فی غیر الاُمور الدینیّة من الاُمور العادیّة .
فیرجع إلی ثالث الوجوه .
وهو دعویٰ استقرار سیرة العقلاء من ذوی الأدیان وغیرِهم علی العمل بخبر الثقة ، واستمرّت إلی زماننا ، ولم یردع عنه نبیّ ولا وصیّ نبیّ؛ ضرورة أنّه لو کان لاشتهر وبان ، ومن الواضح أنّه یکشف عن رضاء الشارع به فی الشرعیّات أیضاً .
الإشکال علی التمسّک بسیرة العقلاء والجواب عنه
إن قلت (3): یکفی فی الردع : الآیاتُ الناهیة والروایاتُ المانعة عن اتّباع
[شماره صفحه واقعی : 80]
ص: 229
غیر العلم (1) ، وناهیک قولُه تعالیٰ: «وَ لاٰ تَقْفُ مٰا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ » (2)، وقولُه تعالیٰ: «إِنَّ الظَّنَّ لاٰ یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً » (3).
قلت: لا یکاد یکفی تلک الآیات فی ذلک؛ فإنّه - مضافاً إلی أنّها إنّما وردت إرشاداً إلی عدم کفایة الظنّ فی اصول الدین ، ولو سلّم فإنّما المتیقّن ، لولا أنّه المنصرف إلیه إطلاقُها ، هو خصوص الظنّ (4) الّذی لم یقم علی اعتباره حجّة - لا یکاد یکون الردع بها إلّاعلی وجه دائر؛ وذلک لأنّ الردع بها یتوقّف علی عدم تخصیص عمومها ، أو تقیید إطلاقها بالسیرة علی اعتبار خبر الثقة ، وهو یتوقّف علی الردع عنها بها ، وإلّا لکانت مخصِّصة أو مقیّدة لها (5) ، کما لا یخفی .
لا یقال: علی هذا لا یکون اعتبار خبر الثقة بالسیرة أیضاً إلّاعلی وجهٍ دائر؛ فإنّ اعتباره بها فعلاً یتوقّف علی عدم الردع بها عنها ، وهو یتوقّف علی تخصیصها بها ، وهو یتوقّف علی عدم الردع بها عنها .
فإنّه یقال: إنّما یکفی فی حجّیّته بها عدمُ ثبوت الردع عنها ؛ لعدم نهوض ما یصلح لردعها ، کما یکفی فی تخصیصها لها ذلک ، کما لا یخفی؛ ضرورة أنّ ما
[شماره صفحه واقعی : 81]
ص: 230
جرت علیه السیرة المستمرّة فی مقام الإطاعة والمعصیة ، - وفی استحقاق العقوبة بالمخالفة ، وعدم استحقاقها مع الموافقة ، ولو فی صورة المخالفة عن الواقع (1) - ، یکون عقلاً فی الشرع متّبعاً ، ما لم ینهض دلیل علی المنع عن اتّباعه فی الشرعیّات ، فافهم وتأمّل (2)* .
[شماره صفحه واقعی : 82]
ص: 231
فصلٌ فی الوجوه العقلیّة التی أُقیمت علی حجّیّة (1) الواحد
أحدها: أنّه یُعلم إجمالاً بصدور کثیرٍ ممّا بأیدینا من الأخبار ، من الأئمّة الأطهار علیهم السلام بمقدار وافٍ بمعظم الفقه ، بحیث لو علم تفصیلاً ذاک المقدار لانحلَّ علْمُنا الإجمالیّ - بثبوت التکالیف بین الروایات وسائر الأمارات - إلی العلم التفصیلیّ بالتکالیف ، فی مضامین الأخبار الصادرة المعلومة تفصیلاً (2) ، والشکِّ البدویّ فی ثبوت التکلیف فی مورد سائر الأمارات غیرِ المعتبرة .
ولازم ذلک (3) : لزوم العمل علی وفق جمیع الأخبار المثبتة ، وجوازُ
[شماره صفحه واقعی : 83]
ص: 232
العمل علی طبق النافی منها ، فی ما إذا لم یکن فی المسألة أصلٌ مثبِت له ، من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب ، بناءً علی جریانه فی أطراف ما عُلم إجمالاً بانتقاض الحالة السابقة فی بعضها ، أو قیامِ (1) أمارةٍ معتبرة علی انتقاضها فیه ، وإلّا لاختصّ عدمُ جواز العمل علی وفق النافی بما إذا کان علی خلاف قاعدة الاشتغال .
وفیه (2): أنّه لا یکاد ینهض علی حجّیّة الخبر ، بحیث یُقدّم تخصیصاً أو تقییداً أو ترجیحاً علی غیره ، من عمومٍ أو إطلاق أو مثلِ مفهومٍ ، وإن کان یسلم عمّا أُورد علیه (3) : من أنّ لازمه الاحتیاط فی سائر الأمارات ، لا فی خصوص الروایات؛ لما عرفت من انحلال العلم الإجمالیّ بینهما (4) بما علم بین الأخبار بالخصوص ولو بالإجمال ، فتأمّل جیّداً .
کالصلاة والزکاة والصوم والحجّ والمتاجر والأنکحة ونحوها ، مع أنّ جلّ أجزائها وشرائطها وموانعها ، إنّما یثبت بالخبر غیرِ القطعیّ ، بحیث نقطع بخروج حقائق هذه الاُمور عن کونها هذه الاُمور ، عند ترک العمل بخبر الواحد ، ومن أنکر ذلک فإنّما یُنکره باللسان ، «وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمٰانِ » » (1)(2) ، انته .
وأُورد علیه (3):
أوّلاً: بأنّ العلم الإجمالیّ حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بین جمیع الأخبار ، لا خصوص الأخبار المشروطة بما ذکره ، فاللازم حینئذٍ : إمّا الاحتیاط ، والعمل بکل خبرٍ دلّ علی جزئیة شیء أو شرطیّته ، وإمّا العمل بکل خبرٍ ظُنّ صدوره ، ممّا دلّ علی (4) الجزئیة أو الشرطیة (5) .
قلت: یمکن أن یقال: إنّ العلم الإجمالیّ وإن کان حاصلاً بین جمیع
[شماره صفحه واقعی : 85]
ص: 234
الأخبار ، إلّاأنّ العلم بوجود الأخبار الصادرة عنهم علیهم السلام بقدر الکفایة بین تلک الطائفة ، أو العلم باعتبار طائفة (1) کذلک بینها ، یوجب انحلالَ ذاک العلم الإجمالیّ ، وصیرورةَ غیرها خارجةً (2) عن طرف العلم ، کما مرّت إلیه الإشارة فی تقریب الوجه الأوّل .
اللهمّ إلّاأن یُمنع عن ذلک ، وادُّعی عدم الکفایة فی ما علم بصدوره أو اعتباره ، أو ادّعی العلم بصدور أخبارٍ اخر بین غیرها ، فتأمّل .
وثانیاً: بأنّ قضیّته إنّما هو العمل بالأخبار المثبِتة للجزئیّة أو الشرطیّة ، دون الأخبار النافیة لهما .
والأولی أن یورد علیه: بأنّ قضیّته إنّما هو الاحتیاط بالأخبار المثبِتة ، فی ما لم تقم حجّة معتبرة علی نفیهما ، من عموم دلیلٍ أو إطلاقه ، لا الحجّیّةُ بحیث یخصَّص أو یقیَّد بالمثبِت منها ، أو یُعمل بالنافی فی قبال حجّةٍ علی الثبوت و (3)لو کان أصلاً ، کما لا یخفی .
ثالثها: ما أفاده بعض المحقّقین (4) بما ملخّصه: أ نّا نعلم بکوننا مکلّفین بالرجوع إلی الکتاب والسنّة إلی یوم القیامة، فإن تمکّنّا من الرجوعُ إلیهما علی نحوٍ یحصل العلم بالحکم أو ما بحکمه ، فلابدّ من الرجوع إلیهما کذلک ، وإلّا
[شماره صفحه واقعی : 86]
ص: 235
فلا محیصَ عن الرجوع علی نحوٍ یحصل الظنّ به فی الخروج عن عهدة هذا التکلیف ، فلو لم یتمکّن من القطع بالصدور أو الاعتبار ، فلابدّ من التنزّل إلی الظنّ بأحدهما .
وفیه: أنّ قضیّة بقاء التکلیف فعلاً بالرجوع إلی الأخبار الحاکیة للسنّة - کما صرّح بأنّها المراد منها فی ذیل کلامه (1)زید فی علوّ مقامه - إنّما هو (2) الاقتصار فی الرجوع (3) إلی الأخبار المتیقّن الاعتبار ، فإن وفی ، وإلّا اضیف إلیه الرجوعُ إلی ما هو المتیقّن اعتباره بالإضافة ، لو کان ، وإلّا فالاحتیاط بنحوٍ عرفت (4) ، لا الرجوعُ إلی ما ظُنّ اعتباره؛ وذلک للتمکّن من الرجوع علماً - تفصیلاً أو إجمالاً (5) - ، فلا وجه معه من الاکتفاء بالرجوع إلی ما ظنّ اعتباره ، هذا .
مع أنّ مجال المنع عن ثبوت التکلیف بالرجوع إلی السنّة بذاک المعنی - فی ما لم یعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص - واسعٌ .
وأمّا الإیراد علیه (6): برجوعه : إمّا إلی دلیل الانسداد ، لو کان ملاکه دعوی العلم الإجمالیّ بتکالیف واقعیّة ، وإمّا إلی الدلیل الأوّل ، لو کان ملاکه دعوی العلم بصدور أخبارٍ کثیرة بین ما بأیدینا من الأخبار .
ففیه: أنّ ملاکه إنّما هو دعوی العلم بالتکلیف بالرجوع إلی الروایات - فی الجملة - إلی یوم القیامة ، فراجع تمام کلامه ، تعرف حقیقةَ مرامه .
[شماره صفحه واقعی : 87]
ص: 236
وهی أربعة:
الأوّل: أنّ فی مخالفة (1) المجتهد لما ظنَّه من الحکم الوجوبیّ أو التحریمیّ مظَنّةً للضرر ، ودفعُ الضرر المظنون لازمٌ .
أمّا الصغری: فلأنّ الظنّ بوجوب شیءٍ أو حرمته ، یلازم الظنّ بالعقوبة علی مخالفته ، أو الظنَّ بالمفسدة فیها ، بناءً علی تبعیّة الأحکام للمصالح والمفاسد .
وأمّا الکبریٰ: فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ، ولو لم نقل بالتحسین والتقبیح (2)؛ لوضوح عدم انحصار ملاک حکمه بهما ، بل یکون (3) التزامه بدفع الضرر المظنون ، - بل المحتمل - بما هو کذلک ، ولو لم یستقلّ بالتحسین والتقبیح ،
[شماره صفحه واقعی : 88]
ص: 237
مثل الالتزام بفعل ما استقلّ بحسنه - إذا قیل باستقلاله - ، ولذا أطبق العقلاء علیه ، مع خلافهم فی اسقلاله بالتحسین والتقبیح ، فتدبّر جیّداً .
والصواب فی الجواب هو : منع الصغری:
أمّا العقوبة: فلضرورة عدم الملازمة بین الظنّ بالتکلیف والظنّ بالعقوبة علی مخالفته؛ لعدم الملازمة بینه والعقوبة (1) علی مخالفته ، وإنّما الملازمة بین خصوص معصیته واستحقاق العقوبة علیها ، لا بین مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها (2) . ومجرّد (3) الظنّ به - بدون دلیل علی اعتباره - لایتنجّز به ، کی یکون مخالفته عصیانَه .
إلّاأن یقال: إنّ العقل وإن لم یستقلّ بتنجّزه بمجرّده ، بحیث یحکم باستحقاق العقوبة علی مخالفته ، إلّاأنّه لا یستقلّ أیضاً بعدم استحقاقها معه ، فیحتمل العقوبة حینئذٍ علی المخالفة . ودعوی استقلاله بدفع الضرر المشکوک - کالمظنون - قریبةٌ جدّاً ، لا سیّما إذا کان هو العقوبة الاُخرویّة (4) ، کما لا یخفی .
وأمّا المفسدة: فلأنّها وإن کان الظنّ بالتکلیف یوجب الظنّ بالوقوع فیها
[شماره صفحه واقعی : 89]
ص: 238
لو خالفه ، إلّاأنّها لیست بضرر علی کلّ حال؛ ضرورة أنّ کلّ ما یوجب قبحَ الفعل من المفاسد ، لا یلزم أن یکون من الضرر علی فاعله ، بل ربما یوجب حزازةً ومنقصةً فی الفعل ، بحیث یُذمّ علیه فاعلُه بلا ضررٍ علیه أصلاً ، کما لا یخفی .
وأمّا تفویت المصلحة: فلا شبهة فی أنّه لیس فیه مضرّةٌ ، بل ربما یکون فی استیفائها المضرّة ، کما فی الإحسان بالمال ، هذا .
مع منع کون الأحکام تابعةً للمصالح والمفاسد فی المأمور بها والمنهیّ عنها (1) ، بل إنّما هی تابعة لمصالحَ فیها (2) ، کما حقّقناه فی بعض فوائدنا (3) .
وبالجملة (4): لیست المفسدة ولاالمنفعة الفائتة - اللّتان فی الأفعال ، واُنیط بهما الأحکام - بمضرّة . ولیس مناط حکم العقل بقبح ما فیه المفسدة ، أو حُسْن ما فیه المصلحة من الأفعال - علی القول باستقلاله بذلک - هو کونه ذا ضررٍ واردٍ علی فاعله ، أو نفعٍ عائدٍ إلیه .
[شماره صفحه واقعی : 90]
ص: 239
ولعمری هذا أوضح من أن یخفی ، فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون هاهنا أصلاً .
ولا استقلال للعقل بقبح فعْلِ ما فیه احتمال المفسدة ، أو ترک ما فیه احتمال المصلحة ، فافهم .
الثانی: أنّه لو لم یؤخذ بالظنّ لزم ترجیح المرجوح علی الراجح ، وهو قبیح .
وفیه (1): أنّه لا یکاد یلزم منه ذلک ، إلّافی ما إذا کان الأخذ بالظنّ أو بطرفه لازماً ، مع عدم إمکان الجمع بینهما عقلاً ، أو عدم وجوبه شرعاً ، لیدور الأمر بین ترجیحه وترجیح طرفه . ولا یکاد یدور الأمر بینهما إلّابمقدّمات دلیل الانسداد ، وإلّا کان اللازم هو الرجوع إلی العلم ، أو العلمیّ ، أو الاحتیاط ، أو البراءة ، أو غیرها (2) ، علی حسب اختلاف الأشخاص أو الأحوال فی اختلال (3) المقدّمات ، علی ما ستطّلع علی حقیقة الحال .
الثالث: ما عن السیّد الطباطبائیّ قدس سره (4)من : أنّه لا ریب فی وجود واجبات ومحرّمات کثیرة بین المشتبهات ، ومقتضیٰ ذلک وجوب الاحتیاط بالإتیان بکلّ ما یحتمل الوجوب ولو موهوماً ، وترکِ ما یحتمل الحرمة کذلک ، ولکن مقتضیٰ قاعدة نفی الحرج ، عدم وجوب ذلک کلّه؛ لأنّه عُسْرٌ أکید
[شماره صفحه واقعی : 91]
ص: 240
وحَرَجٌ شدید ، فمقتضی الجمع بین قاعدتی الاحتیاط وانتفاء الحرج : العمل بالاحتیاط فی المظنونات ، دون المشکوکات والموهومات؛ لأنّ الجمع علی غیر هذا الوجه - بإخراج بعض المظنونات ، وإدخال بعض المشکوکات والموهومات - باطل إجماعاً .
ولا یخفی ما فیه من القدح والفساد؛ فإنّه (1) بعضُ مقدّمات دلیل الانسداد ، ولا یکاد ینتج بدون سائر مقدّماته ، ومعه لا یکون دلیلاً (2) آخر بل ذاک الدلیل .
الرابع: دلیل الانسداد ، وهو مؤلّف من مقدّمات ، یستقلّ العقل مع تحقّقها بکفایة الإطاعة الظنیّة - حکومةً أو کشفاً ، علی ماتعرف - ، ولا یکاد یستقلّ بها بدونها .
وهی خمس:
أُولاها (3): أنّه یعلم إجمالاً بثبوت تکالیف کثیرة فعلیّة فی الشریعة .
ثانیتها: أنّه قد انسدّ علینا باب العلم والعلمیّ إلی کثیر منها .
ثالثتها: أنّه لا یجوز لنا إهمالها ، وعدم التعرّض لامتثالها أصلاً .
رابعتها: أنّه لا یجب علینا الاحتیاط فی أطراف علمنا ، بل لا یجوز فی الجملة ، کما لا یجوز الرجوع إلی الأصل فی المسألة ، من استصحابٍ وتخییر وبراءة واحتیاط ، ولا إلی فتوی العالم بحکمها .
[شماره صفحه واقعی : 92]
ص: 241
خامستها: أنّه کان ترجیح المرجوح علی الراجح قبیحاً (1)(2) .
فیستقلّ العقل حینئذٍ بلزوم الإطاعة الظنّیّة لتلک التکالیف المعلومة ، وإلّا لزم - بعد انسداد باب العلم والعلمیّ بها - : إمّا إهمالها ، وإمّا لزوم الاحتیاط فی أطرافها ، وإمّا الرجوع إلی الأصل الجاری فی کلّ مسألة ، - مع قطع النظر عن العلم بها - أو التقلید فیها ، أو الاکتفاء بالإطاعة الشکّیّة أو الوهمیّة مع التمکّن من الظنّیّة .
والفرض بطلان کلّ واحد منها :
أمّا المقدّمة الأُولی: فهی وإن کانت بدیهیّةً ، إلّاأنّه قد عرفت (3) انحلالَ العلم الإجمالیّ بما فی الأخبار الصادرة عن الأئمّة الطاهرین علیهم السلام ، الّتی تکون فی ما بأیدینا ، من الروایات فی الکتب المعتبرة ، ومعه لا موجب للاحتیاط إلّافی خصوص ما فی الروایات ، وهو غیر مستلزم للعسر ، فضلاً عمّا یوجب الاختلال ، ولا إجماع علی عدم وجوبه ، ولو سُلّم الإجماع علی عدم وجوبه لو لم یکن هناک انحلال .
وأمّا المقدّمة الثانیة: فأمّا بالنسبة إلی العلم: فهی بالنسبة إلی أمثال زماننا بیّنة وجدانیّة ، یَعرف الانسدادَ کلُّ من تعرّض للاستنباط والاجتهاد .
[شماره صفحه واقعی : 93]
ص: 242
وأمّا بالنسبة إلی العلمیّ: فالظاهر أنّها غیر ثابتة؛ لما عرفت من نهوض الأدلّة علی حجّیّة خبرٍ یوثق بصدقه ، وهو - بحمد اللّٰه - وافٍ بمعظم الفقه ، لا سیّما بضمیمة ما عُلم تفصیلاً منها ، کما لا یخفی .
وأمّا الثالثة: فهی قطعیّة ، ولو لم نقل بکون العلم الإجمالیّ منجِّزاً مطلقاً ، أو فی ما جاز أو وجب الاقتحام فی بعض أطرافه ، کما فی المقام ، حسب ما یأتی (1)؛ وذلک لأنّ إهمال معظم الأحکام ، وعدمَ الاجتناب کثیراً عن الحرام ، ممّا یقطع بأنّه مرغوب عنه شرعاً ، وممّا یلزم ترکه إجماعاً .
إن قلت: إذا لم یکن العلمُ بها منجِّزاً لها؛ - للزوم الاقتحام فی بعض الأطراف، کما أُشیر إلیه - فهل کان العقاب علی المخالفة فی سائر الأطراف حینئذٍ - علی تقدیر المصادفة - إلّاعقاباً بلا بیان ، والمؤاخذةُ علیها إلّامؤاخذةً بلا برهان ؟
قلت: هذا إنّما یلزم لو لم یُعلم بإیجاب الاحتیاط ، وقد عُلم به بنحو اللمّ؛ حیث عُلم اهتمام الشارع بمراعاة تکالیفه ، بحیث ینافیه عدمُ إیجابه الاحتیاطَ الموجَب للزوم المراعاة ، ولوکان بالالتزام ببعض المحتملات .
مع صحّة دعوی الإجماع علی عدم جواز الإهمال فی هذا الحال ، وأنّه مرغوب عنه شرعاً قطعاً (2) ، فلا تکون المؤاخذة والعقاب حینئذٍ بلا بیان وبلا برهان ، کما حقّقناه فی البحث وغیره .
[شماره صفحه واقعی : 94]
ص: 243
وأمّا المقدّمة الرابعة: فهی بالنسبة إلی عدم وجوب الاحتیاط التامّ بلا کلام ، فی ما یوجب عُسْرُه اختلالَ النظام .
وأمّا فی ما لا یوجب فمحلُّ نظرٍ ، بل مَنْعٍ؛ لعدم حکومة قاعدة نفی العسر والحرج علی قاعدة الاحتیاط؛ وذلک لما حقّقناه فی معنی ما دلّ علی نفی الضرر والعُسْر (1) ، من أنّ التوفیق بین دلیلهما ودلیلِ التکلیف ، أو الوضع - المتعلّقین بما یعمّهما - ، هو : نفیهما عنهما بلسان نفیهما ، فلا یکون له حکومة علی الاحتیاط العَسِر إذا کان بحکم العقل؛ لعدم العُسْر فی متعلّق التکلیف ، وإنّما هو فی الجمع بین محتملاته احتیاطاً .
نعم ، لو کان معناه نفیَ الحکم الناشی من قِبَله العسر - کما قیل (2) - لکانت قاعدة نفیه محکّمةً علی قاعدة الاحتیاط؛ لأنّ العسر حینئذٍ یکون من قِبَل التکالیف المجهولة ، فتکون منفیّة بنفیه .
ولا یخفی: أنّه علی هذا لا وجه لدعوی استقلال العقل بوجوب الاحتیاط فی بعض الأطراف ، بعد رفع الید عن الاحتیاط فی تمامها (3) ، بل لابدّ من دعوی وجوبه شرعاً، کما أشرنا إلیه فی بیان المقدّمة الثالثة ، فافهم وتأمّل جیّداً .
وأمّا الرجوع إلی الأُصول: فبالنسبة إلی الأُصول المثبتة - من احتیاطٍ أو استصحابٍ مثبِتٍ للتکلیف - فلا مانع عن إجرائها عقلاً مع حکم العقل وعموم النقل .
[شماره صفحه واقعی : 95]
ص: 244
هذا ، ولو قیل بعدم جریان الاستصحاب فی أطراف العلم الإجمالیّ؛ لاستلزام شمول دلیله لها التناقُضَ فی مدلوله؛ بداهةَ تناقض حرمة النقض فی کلٍّ منها - بمقتضیٰ : «لا تنقض» - لوجوبه فی البعض ، کما هو قضیّة : «ولکن تنقضه بیقین آخر» .
وذلک لأنّه إنّما یلزم فی ما إذا کان الشکّ فی أطرافه فعلیّاً ، وأمّا إذا لم یکن کذلک ، بل لم یکن الشکّ فعلاً إلّافی بعض أطرافه ، وکان بعض أطرافه الآخرُ غیرَ ملتفتٍ إلیه فعلاً أصلاً - کما هو حال المجتهد فی مقام استنباط الأحکام ، کما لا یخفی - فلا یکاد یلزم ذلک؛ فإنّ قضیّة :
«لا تنقض» لیس حینئذٍ إلّاحرمة النقض فی خصوص الطرف المشکوک ، ولیس فیه علم بالانتقاض ، کی یلزم التناقض فی مدلول دلیله من شموله له ، فافهم .
ومنه قد انقدح : ثبوت حکم العقل وعموم النقل بالنسبة إلی الأُصول النافیة أیضاً ، وأنّه لا یلزم محذورُ لزوم التناقض من شمول الدلیل لها ، لو لم یکن هناک مانع - عقلاً أو شرعاً - من إجرائها ، ولا مانع کذلک لو کانت موارد الأُصول المثبتة - بضمیمة ما علم تفصیلاً ، أو نهض علیه علمیّ - بمقدار المعلوم إجمالاً ، بل بمقدارٍ لم یکن معه مجال لاستکشاف إیجاب الاحتیاط ، وإن لم یکن بذاک المقدار ، ومن الواضح أنّه یختلف باختلاف الأشخاص والأحوال .
وقد ظهر بذلک: أنّ العلم الإجمالیّ بالتکالیف ربما ینحلّ ببرکة جریان الأُصول المثبتة وتلک الضمیمة ، فلا موجب حینئذٍ للاحتیاط عقلاً ولا شرعاً أصلاً ، کما لا یخفی .
[شماره صفحه واقعی : 96]
ص: 245
کما ظهر: أنّه لولم ینحلّ بذلک ، کان خصوص موارد الأُصول النافیة ، مطلقاً - ولو من مظنونات عدم التکلیف (1) - محلّاً للاحتیاط فعلاً - ویرفع الید عنه فیها کلاًّ أو بعضاً ، بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر علی ما عرفت - ، لا محتملات التکلیف مطلقاً (2) .
وأمّا الرجوع إلی فتوی العالم: فلا یکاد یجوز؛ ضرورةَ أنّه لا یجوز إلّا للجاهل ، لا للفاضل الّذی یریٰ خطأ من یدّعی انفتاح باب العلم أو العلمیّ ، فهل یکون رجوعه إلیه بنظره إلّامن قبیل رجوع الفاضل إلی الجاهل ؟
وأمّا المقدّمة الخامسة: فلاستقلال العقل بها ، وأنّه لایجوز التنزّل - بعد عدم التمکّن من الإطاعة العلمیّة ، أو عدم وجوبها - إلّاإلی الإطاعة الظنّیّة ، دون الشکّیّة أو الوهمیّة؛ لبداهة مرجوحیّتهما بالإضافة إلیها ، وقبحِ ترجیح المرجوح علی الراجح .
لکنّک عرفت عدم وصول النوبة إلی الإطاعة الاحتمالیّة ، مع دوران الأمر (3) بین الظنّیّة والشکّیّة أو الوهمیّة (4) ، من جهة ما أوردناه علی المقدّمة الأُولی من : انحلال العلم الإجمالیّ بما فی أخبار الکتب المعتبرة ، وقضیّتُه (5)
[شماره صفحه واقعی : 97]
ص: 246
الاحتیاط بالالتزام (1) عملاً بما فیها من التکالیف ، ولا بأس به؛ حیث لا یلزم منه عسرٌ ، فضلاً عمّا یوجب اختلال النظام .
وما أوردناه علی المقدّمة الرابعة من جواز الرجوع إلی الأُصول مطلقاً ، ولو کانت نافیةً؛ لوجود المقتضی وفقد المانع عنه ، لو کان التکلیف - فی موارد الأُصول المثبتة ، وما علم منه تفصیلاً ، أو نهض علیه دلیلٌ معتبرٌ - بمقدار المعلوم بالإجمال ، وإلّا فإلی الأُصول المثتبة وحدها .
وحینئذٍ کان خصوص موارد الأُصول النافیة محلّاً لحکومة العقل ، وترجیحِ مظنونات التکلیف منها (2) علی غیرها ، ولو بعد استکشاف وجوب الاحتیاط فی الجملة شرعاً ، بعد عدم وجوب الاحتیاط التامّ شرعاً أو عقلاً ، علی ما عرفت تفصیله .
هذا هو التحقیق علی ما یساعد علیه النظر الدقیق ، فافهم وتدبّر جیّداً .
هل قضیّة المقدّمات - علی تقدیر سلامتها - هی حجّیّة الظنّ بالواقع ، أو بالطریق ، أو بهما ؟
أقوال :
[شماره صفحه واقعی : 98]
ص: 247
والتحقیق أن یقال: إنّه لا شبهة فی أنّ هَمّ العقل فی کلّ حال ، إنّما هو تحصیل الأمن من تبعة التکالیف المعلومة ، من العقوبة علی مخالفتها .
کما لا شبهة فی استقلاله فی تعیین ما هو المؤمِّن منها ، وفی أنّ کلّ ما کان القطع به مؤمِّناً فی حال الانفتاح ، کان الظنّ به مؤمّناً حالَ الانسداد جزماً ، وأنّ المؤمِّن فی حال الانفتاح هو القطع بإتیان المکلّف به الواقعیّ بما هو کذلک - لا بما هو معلوم ، ومؤدّی الطریق ، ومتعلَّقُ العلم ، وهو طریقٌ (1) شرعاً وعقلاً - أو بإتیانه الجعلیّ؛ وذلک لأنّ العقل قد استقلّ بأنّ الإتیان بالمکلّف به الحقیقیّ بما هو هو - لا بما هو مؤدّی الطریق - مبرئٌ للذمّة قطعاً .
کیف ؟ وقد عرفت : أنّ القطع بنفسه طریقٌ لایکاد تناله یدُ الجعل إحداثاً وإمضاءً ، إثباتاً ونفیاً . ولا یخفی : أنّ قضیّة ذلک هو التنزّل إلی الظنّ بکلّ واحد من الواقع والطریق .
ولا منشأ لتوهّم الاختصاص بالظنّ بالواقع ، إلّاتوهّمُ أنّه قضیّةُ اختصاص المقدّمات بالفروع ؛ - لعدم انسداد باب العلم فی الأُصول ، وعدمِ إلجاءٍ فی التنزّل إلی الظنّ فیها - . والغفلة عن أنّ جریانها فی الفروع ، موجبٌ لکفایة الظنّ بالطریق فی مقام تحصیل (2) الأمن من عقوبة التکالیف (3) ، وإن کان باب العلم فی غالب الأُصول مفتوحاً ؛ وذلک لعدم التفاوت فی نظر العقل - فی ذلک - بین الظنّین .
کما أنّ منشأ توهّم الاختصاص بالظنّ بالطریق وجهان:
أحدهما: ما أفاده بعضُ الفحول (4) . وتبعه فی الفصول ، قال فیها: «إنّا کما
[شماره صفحه واقعی : 99]
ص: 248
نقطع بأ نّا مکلّفون - فی زماننا هذا - تکلیفاً فعلیّاً بأحکامٍ فرعیّة کثیرة ، لا سبیل لنا - بحکم العیان وشهادة الوجدان - إلی تحصیل کثیر منها بالقطع ، ولا بطریقٍ معیّنٍ یقطع من السمع - بحکم الشارع - بقیامه ، أو قیام طریقه مقام القطع ولو عند تعذّره ، کذلک نقطع بأنّ الشارع قد جعل لنا إلی تلک الأحکام طریقاً مخصوصاً ، وکلَّفنا تکلیفاً فعلیّاً بالعمل بمؤدّیٰ طرقٍ مخصوصة ، وحیث إنّه لا سبیل غالباً إلی تعیینها بالقطع ، ولا بطریقٍ یقطع من السمع بقیامه بالخصوص ، أو قیامِ طریقه کذلک مقام القطع ولو بعد تعذّره ، فلا ریب أنّ الوظیفة - فی مثل ذلک - بحکم العقل ، إنّما هو الرجوع - فی تعیین ذلک الطریق - إلی الظنّ الفعلیّ الّذی لادلیل علی عدم حجّیّته (1)؛ لأنّه أقرب إلی العلم وإلی إصابة الواقع ممّا عداه» (2) .
وفیه أوّلاً (3) : - بعد تسلیم العلم بنصب طُرُقٍ خاصّة ، باقیةٍ فی ما بأیدینا من الطرق غیرِ العلمیّة ، وعدمِ وجود المتیقّن بینها أصلاً - أنّ قضیّة ذلک هو الاحتیاط فی أطراف هذه الطرق المعلومة بالإجمال ، لا تعیینها بالظنّ .
لا یقال (4): الفرض هو عدم وجوب الاحتیاط ، بل عدم جوازه .
[شماره صفحه واقعی : 100]
ص: 249
لأنّ الفرض إنّما هو عدم وجوب الاحتیاط التامّ فی أطراف الأحکام ، ممّا یوجب العسر المخلَّ بالنظام (1) ، لا الاحتیاط فی خصوص ما بأیدینا من الطرق؛ فإنّ قضیّة هذا الاحتیاط هو جواز رفع الید عنه فی غیر مواردها (2) ، والرجوعُ إلی الأصل فیها ولو کان نافیاً للتکلیف .
وکذا فی ما إذا نهض (3) الکلّ علی نفیه .
وکذا فی ما إذا تعارض فردان من بعض الأطراف فیه - نفیاً وإثباتاً - ، مع ثبوت المرجِّح للنافی، بل مع عدم رجحان المثبِت فی خصوص الخبر منها، ومطلقاً فی غیره، بناءً علی عدم ثبوت الترجیح - علیٰ تقدیر الاعتبار - فی غیر الأخبار .
وکذا لو تعارض إثنان منها فی الوجوب والتحریم ، فإنّ المرجع - فی جمیع ما ذکر من موارد التعارض هو الأصل الجاری فیها ولو کان نافیاً؛ لعدم نهوض طریق معتبر ، ولا ما هو من أطراف العلم به ، علی خلافه ، فافهم .
وکذا کلُّ موردٍ لم یجرِ فیه الأصل المثبِت؛ للعلم بانتقاض الحالة السابقة فیه إجمالاً ، بسبب العلم به (4) أو بقیام أمارة معتبرة علیه فی بعض أطرافه ، بناءً علی عدم جریانه بذلک (4) .
[شماره صفحه واقعی : 101]
ص: 250
وثانیاً: لو سلّم أنّ قضیَّته لزوم التنزّل إلی الظنّ ، فتوهُّم : أنّ الوظیفة حینئذٍ هو خصوص الظنّ بالطریق ، فاسدٌ قطعاً؛ وذلک لعدم کونه أقرب إلی العلم وإصابةِ الواقع ، من الظنّ بکونه مؤدّی طریقٍ معتبرٍ - من دون الظنّ بحجّیّة طریق أصلاً - ، ومن الظنّ بالواقع ، کما لا یخفی .
لا یقال: إنّما لا یکون أقرب من الظنّ بالواقع ، إذا لم یصرف التکلیف الفعلیّ عنه إلی مؤدّیات الطرق ولو بنحو التقیید (1) .
فإنّ الالتزام به بعیدٌ؛ إذ الصرف لو لم یکن تصویباً محالاً ، فلا أقلّ من کونه مجمعاً علی بطلانه؛ ضرورة (2) أنّ القطع بالواقع یُجدی فی الإجزاء بما هو واقع ، لا بما هو مؤدّیٰ طریق القطع (3) ، کما عرفت (4) .
ومن هنا انقدح: أنّ التقیید أیضاً غیر سدید ، مع أنّ الالتزام بذلک غیر مفید؛ فإنّ الظنّ بالواقع فی ما ابتلی به من التکالیف ، لا یکاد ینفکّ عن الظنّ بأنّه مؤدّی طریق معتبر .
[شماره صفحه واقعی : 102]
ص: 251
والظنّ بالطریق ما لم یظنّ بإصابة (1) الواقع - غیر مجدٍ بناءً علی التقیید؛ لعدم استلزامه الظنَّ بالواقع المقیَّد به بدونه ، هذا .
مع عدم مساعدة نصب الطریق علی الصرف ، ولاعلی التقیید . غایته أنّ العلم الإجمالیّ بنصب طرقٍ وافیةٍ ، یوجب انحلالَ العلم بالتکالیف الواقعیّة إلی العلم بما هو مضامین الطرق المنصوبة من التکالیف الفعلیّة . والانحلال وإن کان یوجب عدم تنجّز مالم یؤدّ إلیه الطریق من التکالیف الواقعیّة ، إلّاأنّه إذا کان رعایةُ العلم بالنصب لازماً ، والفرضُ عدمُ اللزوم بل عدم الجواز .
وعلیه تکون التکالیف الواقعیة کما إذا لم یکن هناک علْمٌ بالنصب ، فی کفایة الظنّ بها حال انسداد باب العلم ، کما لا یخفی .
ولابدّ حینئذٍ من عنایة أُخری (2)* فی لزوم رعایة الواقعیّات بنحوٍ من
[شماره صفحه واقعی : 103]
ص: 252
الإطاعة ، وعدمِ إهمالها رأساً ، کما أشرنا إلیها (1) .
ولا شبهة فی أنّ الظنّ بالواقع لو لم یکن أولیٰ حینئذٍ - لکونه أقرب فی التوسّل به إلی ما به الاهتمام ، من فعل الواجب و (2)ترک الحرام - من الظنّ بالطریق ، فلا أقلّ من کونه مساویاً فی ما یهمّ العقل ، من تحصیل الأمن من العقوبة فی کلّ حال ، هذا .
مع ما عرفت (3) من أنّه عادةً یلازم الظنّ بأنّه مؤدّیٰ طریق ، وهو - بلا شبهة - یکفی ولو لم یکن هناک ظنّ بالطریق ، فافهم فإنّه دقیق .
ثانیهما: ما اختصّ به بعض المحقّقین ، قال: «لا ریب فی کوننا مکلّفین بالأحکام الشرعیّة ، ولم یسقط عنّا التکلیف بالأحکام الشرعیّة ، وأنّ الواجب علینا أوّلاً هو : تحصیل العلم بتفریغ الذمّة فی حکم المکلِّف ، بأن یقطع معه بحکمه بتفریغ ذمّتنا عمّا کُلّفنا به ، وسقوطِ تکلیفنا عنّا ، سواءً حصل العلم معه بأداء الواقع أو لا ، حسبما مرّ تفصیل القول فیه . فحینئذٍ نقول: إن صحّ لنا تحصیل العلم بتفریغ ذمّتنا فی حکم الشارع ، فلا إشکال فی وجوبه وحصول البراءة به ، وإن انسدّ علینا سبیل العلم ، کان الواجب علینا تحصیل الظنّ بالبراءة فی حکمه؛ إذ هو الأقرب إلی العلم به ، فیتعیّن الأخذ به عند التنزّل من العلم فی حکم العقل - بعد انسداد سبیل العلم والقطعِ ببقاء التکلیف - دون ما یحصل معه الظنّ بأداء الواقع ، کما یدّعیه القائل بأصالة حجّیّة
[شماره صفحه واقعی : 104]
ص: 253
الظنّ» (1) . انتهٰ موضع الحاجة من کلامه - زید فی علوّ مقامه
وفیه أوّلاً: أنّ الحاکم - علی الاستقلال - فی باب تفریغ الذمّة - بالإطاعة والامتثال - إنّما هو العقل ، ولیس للشارع فی هذا الباب حکمٌ مولویّ یتبعه حکم العقل ، ولو حکَم فی هذا الباب کان بتبع حکمه إرشاداً إلیه ، وقد عرفت (2) استقلاله بکون الواقع - بما هو هو - مفرّغاً (3) ، وأنّ القطع به حقیقةً أو تعبّداً مؤمِّن جزماً ، وأنّ المؤمِّن فی حال الانسداد هو الظنّ بما کان القطع به مؤمِّناً حال الانفتاح ، فیکون الظنّ بالواقع أیضاً مؤمِّناً حال الانسداد .
وثانیاً (4): سلّمنا ذلک ، لکن حکمه بتفریغ الذمّة - فی ما إذا أتی المکلّف بمؤدّی الطریق المنصوب - لیس إلّابدعویٰ أنّ النصب یستلزمه، مع أنّ دعوی:
أنّ التکلیف بالواقع یستلزم حکمَه بالتفریغ فی ما إذا أتی به أولی ، کما لا یخفی ، فیکون الظنّ به ظنّاً بالحکم بالتفریغ أیضاً .
إن قلت: کیف یستلزمه الظنُّ (5) بالواقع ؟ مع أنّه ربما یقطع بعدم حکمه
[شماره صفحه واقعی : 105]
ص: 254
به معه ، کما إذا کان (1) من القیاس ، وهذا بخلاف الظنّ بالطریق ، فإنّه یستلزمه ولو کان من القیاس .
قلت: الظنّ بالواقع أیضاً یستلزم الظنّ بحکمه بالتفریغ (2)* (3) ، ولا ینافی القطعَ بعدم حجّیّته لدی الشارع ، وعدَمَ کون المکلّف معذوراً - إذا عمل به فیهما - فی ما أخطأ ، بل کان مستحقّاً للعقاب - ولو فی ما أصاب - لو بنی علی حجّیّته والاقتصار علیه؛ لتجرّیه (4) ، فافهم .
وثالثاً: سلّمنا أنّ الظنّ بالواقع لایستلزم الظنّ به ، لکن قضیّته لیس إلّا التنزّلَ إلی الظنّ بأنّه مؤدّیٰ طریق معتبر ، لا خصوصَ الظنّ بالطریق ، وقد عرفت : أنّ الظنّ بالواقع لا یکاد ینفکّ عن الظنّ بأنّه مؤدّی الطریق غالباً .
[شماره صفحه واقعی : 106]
ص: 255
لا یخفی : عدم مساعدة مقدّمات الانسداد علی الدلالة علی کون الظنّ طریقاً منصوباً شرعاً؛ ضرورة أنّه معها لا یجب عقلاً علی الشارع أن ینصب طریقاً؛ لجواز اجتزائه بما استقلّ به العقل فی هذا الحال .
ولا مجال لاستکشاف نصب الشارع من حکم العقل ، لقاعدة الملازمة؛ ضرورة أنّها إنّما تکون فی موردٍ قابلٍ للحکم الشرعیّ ، والموردُ هاهنا غیر قابل له؛ فإنّ الإطاعة الظنّیّة - الّتی یستقلّ العقل بکفایتها فی حال الانسداد - إنّما هی بمعنی عدم جواز مؤاخذة الشارع بأزید منها ، وعدمِ جواز اقتصار المکلّف بدونها . ومؤاخذة الشارع غیر قابلة لحکمه ، وهو واضح (1) .
واقتصار المکلّف بما دونها ، لمّا کان بنفسه موجباً للعقاب مطلقاً ، أو فی ما أصاب (2) الظنّ - کما أنّها بنفسها موجبةٌ للثواب ، أخطأ أو أصاب ، من دون حاجة إلی أمرٍ بها أو نهی عن مخالفتها - کان حکم الشارع فیه مولویّاً بلاملاک یوجبه ، کما لا یخفی ، ولا بأس به إرشادیّاً ، کما هو شأنه فی حکمه بوجوب الإطاعة وحرمة المعصیة .
[شماره صفحه واقعی : 107]
ص: 256
وصحّة نصبه (1) الطریقَ وجعلِهِ - فی کلّ حال - بملاکٍ یوجب نصبَه ، وحکمةٍ داعیة إلیه ، لا تنافی استقلال العقل بلزوم الإطاعة بنحوٍ حالَ الانسداد ، کما یحکم بلزومها بنحوٍ آخر حال الانفتاح ، من دون استکشاف حکم الشارع بلزومها مولویّاً؛ لما عرفت .
فانقدح بذلک : عدم صحّة تقریر المقدّمات إلّاعلی نحو الحکومة ، دون الکشف .
وعلیها (2) فلا إهمالَ فی النتیجة أصلاً ، سبباً ومورداً ومرتبةً؛ لعدم تطرّق الإهمال و (3)الإجمال فی حکم العقل ، کما لا یخفی :
أمّا بحسب الأسباب: فلا تفاوت بنظره فیها .
وأمّا بحسب الموارد: فیمکن أن یقال بعدم استقلاله بکفایة الإطاعة الظنّیّة ، إلّافی ما لیس للشارع مزید اهتمامٍ فیه بفعل الواجب وترک الحرام ، واستقلالِه بوجوب الاحتیاط فی ما فیه مزید الاهتمام ، کما فی الفروج والدماء ، بل وسائر حقوق الناس ، ممّا لا یلزم من الاحتیاط فیها العسر .
وأمّا بحسب المرتبة: فکذلک لا یستقلّ إلّابلزوم التنزّل إلی مرتبة الاطمئنان من الظنّ بعدم التکلیف ، إلّا (4)علی تقدیر عدم کفایتها فی دفع محذور العسر .
[شماره صفحه واقعی : 108]
ص: 257
وأمّا علی تقریر الکشف: فلو قیل بکون النتیجة هو نصب الطریق الواصل بنفسه ، فلا إهمال فیها أیضاً بحسب الأسباب ، بل یستکشف حینئذٍ أنّ الکلّ حجّة لو لم یکن بینها ما هو المتیقّن ، وإلّا فلا مجال لاستکشاف حجّیّة (1) غیره .
ولا بحسب الموارد ، بل یحکم بحجّیّته فی جمیعها ، وإلّا لزم عدم وصول الحجّة ، ولو لأجل التردّد فی مواردها ، کما لا یخفی .
ودعوی الإجماع (2) علی التعمیم بحسبها فی مثل هذه المسألة المستحدثة ، مجازفةٌ جدّاً .
وأمّا بحسب المرتبة: ففیها إهمال؛ لأجل احتمال حجّیّة خصوص الاطمئنانیّ منه إذا کان وافیاً ، فلابدّ من الاقتصار علیه .
ولو قیل : بأنّ النتیجة هو نصب الطریق الواصل ، ولو بطریقه ، فلا إهمال فیها بحسب الأسباب ، لو لم یکن بینها (3) تفاوت أصلاً ، أو لم یکن بینها إلّاواحد ، وإلّا فلابدّ من الاقتصار علی متیقّن الاعتبار منها أو مظنونِه ، بإجراء مقدّمات دلیل الانسداد حینئذٍ مرّةً أو مرّات فی تعیین الطریق المنصوب ، حتّی ینتهی إلی ظنٍّ واحد ، أو إلی ظنون متعدّدةٍ لا تفاوت بینها ، فیحکم بحجّیّة کلّها ، أو متفاوتةٍ یکون بعضها الوافی متیقّنَ الاعتبار ، فیقتصر علیه .
وأمّا بحسب الموارد والمرتبة ، فکما إذا کانت النتیجة هی الطریق الواصل بنفسه ، فتدبّر جیّداً .
[شماره صفحه واقعی : 109]
ص: 258
ولو قیل : بأنّ النتیجة هو الطریق ولو لم یصل أصلاً ، فالإهمالُ فیها یکون من الجهات . ولامحیص حینئذٍ إلّامن (1) الاحتیاط فی الطریق بمراعاة أطراف الاحتمال ، لو لم یکن بینها متیقّنُ الاعتبار ، لو لم یلزم منه محذور ، وإلّا لزم التنزّل إلی حکومة العقل بالاستقلال ، فتأمّل ، فإنّ المقام من مزالّ الأقدام .
وهمٌ و دفعٌ (2):
لعلّک تقول: إنّ القدر المتیقّن الوافی لو کان فی البین ، لما کان مجالٌ لدلیل الانسداد؛ ضرورة أنّه من مقدّماته : انسداد باب العلمیّ أیضاً .
لکنّک غفلت عن أنّ المراد : ما إذا کان الیقین بالاعتبار من قِبَله ، لأجل الیقین بأنّه لو کان شیءٌ حجّةً شرعاً ، کان هذا الشیء حجّةً قطعاً؛ بداهة أنّ الدلیل علی أحد المتلازمین إنّما هو الدلیل علی الآخر ، لا الدلیلُ علی الملازمة .
ثمّ لا یخفی (3): أنّ الظنّ باعتبار ظنٍّ بالخصوص ، یوجب الیقین باعتباره من باب دلیل الانسداد علی تقریر الکشف ، بناءً علی کون النتیجة هو الطریق الواصل بنفسه ، فإنّه حینئذٍ یقطع بکونه حجّةً ، کان غیره حجّةً أو لا .
[شماره صفحه واقعی : 110]
ص: 259
واحتمال عدم حجّیّته بالخصوص (1) ، لا ینافی القطعَ بحجّیّته بملاحظة الانسداد؛ ضرورة أنّه علی الفرض لا یحتمل أن یکون غیره حجّةً بلا نصب قرینة ، ولکنّه من المحتمل أن یکون هو الحجّة دون غیره؛ لما فیه من خصوصیّة الظنّ بالاعتبار .
وبالجملة: الأمر یدور بین حجّیّة الکلّ وحجّیّته ، فیکون مقطوعَ الاعتبار.
ومن هنا ظهر حال القوّة .
ولعلّ نظر من رجّح بهما (2) إلی هذا الفرض (3) ، وکان منع شیخنا العلّامة - أعلی اللّٰه مقامه - عن الترجیح بهما (4) بناءً علی کون النتیجة هو الطریق الواصل ولو بطریقه ، أو الطریق ولولم یصل أصلاً . وبذلک ربما یوفّق بین کلمات الأعلام فی المقام ، وعلیک بالتأمّل التامّ .
ثمّ لا یذهب علیک: أنّ الترجیح بهما إنّما هو علی تقدیر کفایة الراجح (5) ، وإلّا فلابدّ من التعدّی إلی غیره بمقدار الکفایة ، فیختلف الحال باختلاف الأنظار ، بل الأحوال .
[شماره صفحه واقعی : 111]
ص: 260
وأمّا تعمیم النتیجة - بأنّ قضیّة العلم الإجمالیّ بالطریق هو الاحتیاط فی أطرافه (1) - : فهو لا یکاد یتمّ إلّاعلی تقدیر کون النتیجة هو نصب الطریق ، ولو لم یصل أصلاً .
مع أنّ التعمیم بذلک لا یوجب العمل إلّاعلی وفق المثبتات من الأطراف ، دون النافیات ، إلّافی ما إذا کان هناک نافٍ من جمیع الأصناف؛ ضرورة أنّ الاحتیاط فیها لا یقتضی رفع الید عن الاحتیاط فی المسألة الفرعیّة إذا لزم؛ حیث لا ینافیه؛ کیف ؟ ویجوز الاحتیاط فیها مع قیام الحجّة النافیة ، کما لا یخفی ، فما ظنّک بما لا یجب الأخذ بموجَبه إلّامن باب الاحتیاط ؟ فافهم .
قد اشتهر الإشکال (2) بالقطع بخروج القیاس عن عموم نتیجة دلیل الانسداد بتقریر الحکومة .
وتقریره - علی ما فی الرسائل - : «أنّه کیف یجامع حکم العقل بکون الظنّ کالعلم مناطاً للإطاعة والمعصیة ، ویقبح علی الآمر والمأمور التعدّی عنه ، ومع ذلک یحصل الظنّ أو خصوص الاطمئنان من القیاس ، ولا یجوّز الشارع
[شماره صفحه واقعی : 112]
ص: 261
العمل به ؟ فإنّ المنع عن العمل بما یقتضیه العقل - من الظنّ أو خصوص الاطمئنان - لو فرض ممکناً ، جریٰ فی غیر القیاس ، فلا یکون العقل مستقلّاً؛ إذ لعلّه نهی عن أمارة ، مثل ما نهی عن القیاس (1) ، واختفی علینا . ولا دافع لهذا الاحتمال إلّاقبح ذلک علی الشارع؛ إذ احتمال صدور الممکن بالذات عن الحکیم لا یرتفع إلّابقبحه ، وهذا من أفراد ما اشتهر من : أنّ الدلیل العقلیّ لا یقبل التخصیص» (2) . انته موضع الحاجة من کلامه - زید فی علوّ مقامه - .
وأنت خبیرٌ بأنّه لا وقع لهذا الإشکال ، بعد وضوح کون حکم العقل بذلک معلّقاً علی عدم نصب الشارع طریقاً واصلاً ، وعدمِ حکمِهِ به فی ما کان هناک منصوب ولو کان أصلاً (3)؛ بداهة أنّ من مقدّمات حکمه : عدمَ وجود علمٍ ولا علمیّ ، فلا موضوع لحکمه مع أحدهما .
والنهی عن ظنٍّ حاصل من سبب ، لیس إلّاکنصب شیء ، بل هو یستلزمه فی ما کان فی مورده أصل شرعیّ ، فلا یکون نهیه عنه رفعاً لحکمه عن موضوعه ، بل به یرتفع موضوعه ، ولیس حال النهی عن سبب مفیدٍ للظنّ إلّاکالأمر بما لا یفیده . وکما لا حکومة معه للعقل ، لا حکومة (4) له معه ، وکما لا یصحّ بلحاظ حکمه الإشکالُ فیه ، لا یصحّ الإشکال فیه (5) بلحاظه .
[شماره صفحه واقعی : 113]
ص: 262
نعم ، لا بأس بالإشکال فیه فی نفسه ، کما اشکل فیه برأسه ، بملاحظة توهّم استلزام النصب لمحاذیر ، تقدَّمَ الکلام فی تقریرها - وما هو التحقیق فی جوابها - فی جعل الطرق (1) . غایة الأمر ، تلک المحاذیر - الّتی تکون فی ما إذا أخطأ الطریق المنصوب - کانت فی الطریق المنهیّ عنه فی مورد الإصابة .
ولکن من الواضح أنّه لا دخل لذلک فی الإشکال علی دلیل الانسداد بخروج القیاس؛ ضرورة أنّه بعد الفراغ عن صحّة النهی عنه فی الجملة ، قد اشکل فی عموم النهی لحال الانسداد بملاحظة حکم العقل . وقد عرفت أنّه بمکان من الفساد .
واستلزام إمکان المنع عنه - لاحتمال المنع عن أمارة أُخری ، وقد اختفی علینا - وإن کان موجباً لعدم استقلال العقل ، إلّاأنّه إنّما یکون بالإضافة إلی تلک الأمارة ، لو کان غیرُها ممّا لا یحتمل فیه المنع بمقدار الکفایة ، وإلّا فلا مجال لاحتمال المنع فیها مع فرض استقلال العقل؛ ضرورة عدم استقلاله بحکمٍ مع احتمال وجود مانعه ، علی ما یأتی تحقیقه فی الظنّ المانع والممنوع (2) .
وقیاس (3) حکم العقل - بکون الظنّ مناطاً للإطاعة فی هذا الحال - علی حکمه بکون العلم مناطاً لها فی حال الانفتاح ، لا یکاد یخفیٰ علی أحدٍ فسادُه؛ لوضوح أنّه مع الفارق؛ ضرورة أنّ حکمه فی العلم علی نحو التنجّز ، وفیه علی نحو التعلیق .
[شماره صفحه واقعی : 114]
ص: 263
ثمّ لا یکاد ینقضی تعجّبی : لِمَ خصّصوا الإشکال بالنهی عن القیاس ؟ مع جریانه فی الأمر بطریق غیرِ مفید للظنّ ، بداهة انتفاء حکمه فی مورد الطریق قطعاً ، مع أنّه لا یُظنّ بأحد أن یستشکل بذلک ، ولیس إلّالأجل أنّ حکمه به معلّق علی عدم النصب ، ومعه لا حکم له ، کما هو کذلک مع النهی عن بعض أفراد الظنّ ، فتدبّر جیّداً .
وقد انقدح بذلک: أنّه لا وقْع للجواب عن الإشکال :
تارةً : بأنّ المنع عن القیاس لأجل کونه غالبَ المخالفة (1) .
وأُخری : بأنّ العمل به یکون ذا مفسدة غالبة علی مصلحة الواقع الثابتةِ عند الإصابة (2) .
وذلک لبداهة أنّه إنّما یُشکل بخروجه - بعد الفراغ عن صحّة المنع عنه فی نفسه - بملاحظة حکم العقل بحجّیّة الظنّ ، ولا یکاد یجدی صحّتُه کذلک - فی التفصّی (3) عن الإشکال - فی صحّته بهذا اللحاظ ، فافهم ، فإنّه لا یخلو عن دقّة .
وأمّا ما قیل فی جوابه - من منع عموم المنع عنه بحال الانسداد ، أو منعِ حصول الظنّ منه بعد انکشاف حاله (4) ، وأنّ ما یفسده أکثرُ ممّا
[شماره صفحه واقعی : 115]
ص: 264
یصلحه (1) - ، ففی غایة الفساد؛ فإنّه - مضافاً إلی کون کلّ واحدٍ من المنعین غیرَ سدید؛ لدعوی الإجماع علی عموم المنع ، مع إطلاق أدلّته ، وعمومِ علّته ، وشهادةِ الوجدان (2) بحصول الظنّ منه فی بعض الأحیان - لا یکاد یکون فی دفع الإشکال - بالقطع بخروج الظنّ الناشئ منه - بمفید ، غایة الأمر أنّه لا إشکال (3) مع فرض أحد المنعین ، لکنّه غیر فرض الإشکال ، فتدبّر جیّداً .
فصل الظنّ المانع والممنوع
]
إذا قام ظنٌّ علی عدم حجّیّة ظنٍّ بالخصوص ، فالتحقیق أن یقال - بعد تصوّر المنع عن بعض الظنون فی حال الانسداد - : إنّه لا استقلال للعقل بحجّیّة ظنٍّ احتمل المنع عنه ، فضلاً عمّا إذا ظُنّ - کما أشرنا إلیه فی الفصل السابق (4) - ؛ فلابدّ من الاقتصار علی ظنٍّ قطع بعدم المنع عنه بالخصوص ، فإن کفیٰ ، وإلّا فبضمیمة ما لم یظنّ المنع عنه وإن احتمل ، مع قطع النظر عن مقدّمات الانسداد ، وإن انسدّ باب هذا الاحتمال معها ، کما لا یخفی؛ وذلک ضرورة أنّه لا احتمال مع الاستقلال حسب الفرض .
[شماره صفحه واقعی : 116]
ص: 265
ومنه انقدح (1): أنّه لا تتفاوت الحال لوقیل بکون النتیجة هی حجّیّة الظنّ فی الأُصول ، أو فی الفروع ، أو فیهما ، فافهم .
لا فرق - فی نتیجة دلیل الانسداد - بین الظنّ بالحکم من أمارةٍ علیه ، وبین الظنّ به من أمارةٍ متعلّقة بألفاظ الآیة أو الروایة ، کقول اللغویّ فی ما یورث الظنّ بمراد الشارع من لفظه ، وهو واضح .
ولا یخفی: أنّ اعتبار ما یورثه لا محیص عنه فی ما (2) إذا کان ممّا ینسدّ فیه باب العلم ، فقول أهل اللغة حجّة فی ما یورث الظنّ بالحکم مع الانسداد ، ولو انفتح باب العلم باللغة فی غیر المورد .
نعم ، لا یکاد یترتّب علیه أثر آخر ، من تعیین المراد فی وصیّة أو إقرار أو غیرهما من الموضوعات الخارجیّة ، إلّافی ما یثبت فیه حجّیّةُ مطلق الظنّ بالخصوص ، أو ذاک المخصوص (3) .
[شماره صفحه واقعی : 117]
ص: 266
ومثله : الظنّ الحاصل بحکم شرعیّ کلّی من الظنّ بموضوع خارجیّ ، کالظنّ بأنّ راوی الخبر هو : زرارة بن أعین - مثلاً - لا آخر .
فانقدح: أنّ الظنون الرجالیّة مجدیة فی حال الانسداد ، ولو لم یقم دلیل علی اعتبار قول الرجالیّ ، لا من باب الشهادة ، ولا من باب الروایة (1) .
تنبیه:
لا یبعد استقلال العقل بلزوم تقلیل الاحتمالات - المتطرّقة إلی مثل السند أو الدلالة أو جهة الصدور - مهما أمکن فی الروایة ، وعدم الاقتصار علی الظنّ (2) الحاصل منها ، بلا سدِّ بابه (3) فیه (4) بالحجّة ، من علمٍ أو علمیّ؛ وذلک لعدم جواز التنزّل فی صورة الانسداد إلی الضعیف ، مع التمکّن من القویّ ، أو ما بحکمه عقلاً ، فتأمّل جیّداً .
فصل عدم اعتبار الظنّ الانسدادی فی مقام الامتثال
]
إنّما الثابت بمقدّمات دلیل الانسداد فی الأحکام ، هو : حجّیّة الظنّ فیها ، لا حجّیّته فی تطبیق المأتیّ به فی الخارج معها (5) ، فیتّبع - مثلاً - فی
[شماره صفحه واقعی : 118]
ص: 267
وجوب صلاة الجمعة یومها ، لا فی إتیانها ، بل لابدّ من علم أو علمیّ بإتیانها ، کما لا یخفی .
نعم ، ربما یجری نظیر مقدّمات الانسداد فی الأحکام ، فی بعض الموضوعات الخارجیّة ، من : انسداد باب العلم به غالباً ، واهتمامِ الشارع به ، بحیث عُلم بعدم الرضا بمخالفة (1) الواقع ، بإجراء الأُصول فیه مهما (2) أمکن ، وعدمِ وجوب الاحتیاط (3) شرعاً ، أو عدمِ إمکانه عقلاً ، کما فی موارد الضرر المردّد أمره بین الوجوب والحرمة مثلاً ، فلا محیص عن اتّباع الظنّ حینئذٍ أیضاً (4) ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 119]
ص: 268
هل الظنّ کما یتّبع - عند الانسداد عقلاً - فی الفروع العملیّة - المطلوب فیها أوّلاً العملُ بالجوارح - یتّبع فی الأُصول الاعتقادیّة - المطلوبُ فیها عملُ الجوانح ، من : الاعتقاد به ، وعقد القلب علیه ، وتحمّله ، والانقیادِ له (1) - أو لا ؟
الظاهر : لا؛ فإنّ الأمر الاعتقادیّ وإن انسدّ باب القطع به ، إلّاأنّ باب الاعتقاد إجمالاً - بما هو واقعه - والانقیادِ له وتحمّلِه غیرُ منسدٍّ . بخلاف العمل بالجوارح ، فإنّه لایکاد یعلم مطابقته مع ما هو واقعه إلّابالاحتیاط ، والمفروض عدم وجوبه شرعاً ، أو عدم جوازه عقلاً ، ولا أقرب من العمل علی وفق الظنّ .
وبالجملة: لا موجب - مع انسداد باب العلم فی الاعتقادیّات - لترتیب الأعمال الجوانحیّة علی الظنّ فیها ، مع إمکان ترتیبها علی ما هو الواقع
[شماره صفحه واقعی : 120]
ص: 269
فیها ، فلا یتحمّل إلّالما هو الواقع ، ولا ینقاد إلّاله ، لا لما هو مظنونه .
وهذا بخلاف العملیّات ، فإنّه لا محیص عن العمل بالظنّ فیها مع مقدّمات الانسداد .
نعم ، یجب تحصیل العلم فی بعض الاعتقادات - لو أمکن - ، من باب وجوب المعرفة لنفسها ، کمعرفة الواجب - تعالیٰ - وصفاته ، أداءً لشکر بعض نعمائه ، ومعرفةِ أنبیائه؛ فإنّهم وسائط نعمه وآلائه ، بل وکذا معرفة الإمام علیه السلام علی وجه صحیح (1)*؛ فالعقل یستقلّ بوجوب معرفة النبیّ ووصیّه ؛ لذلک ، ولاحتمال الضرر فی ترکه (2) .
ولا یجب عقلاً معرفة غیر ما ذکر إلّاما وجب شرعاً معرفته ، کمعرفة الإمام علیه السلام علی وجهٍ آخر غیر صحیح ، أو أمرٍ آخر ممّا دلّ الشرع علی وجوب معرفته .
وما لا دلالة علی وجوب معرفته بالخصوص - لا من العقل ولا من النقل - کان أصالة البراءة من وجوب معرفته محکّمة .
ولا دلالة لمثل قوله تعالی: «وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ » (3)الآیة ، ولا لقوله صلی الله علیه و آله : «وما أعلم شیئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس» (4)، ولا لما دلّ علی وجوب التفقّه وطلب العلم - من الآیات والروایات - علی
[شماره صفحه واقعی : 121]
ص: 270
وجوب معرفته بالعموم (1) .
ضرورة أنّ المراد من «لیعبدون» هو خصوص عبادة اللّٰه ومعرفته .
والنبویّ إنّما هو بصدد بیان فضیلة الصلوات ، لا بیان حکم المعرفة ، فلا إطلاق فیه أصلاً . ومثل آیة النفر إنّما هو بصدد بیان الطریق المتوسّل به إلی التفقّه الواجب ، لا بیان ما یجب فقهه ومعرفته ، کما لا یخفی . وکذا ما دلّ علی وجوب طلب العلم ، إنّما هو بصدد الحثّ علی طلبه ، لا بصدد بیان ما یجب العلم به .
ثمّ إنّه لا یجوز الاکتفاء بالظنّ فی ما یجب معرفته عقلاً أو شرعاً؛ حیث إنّه لیس بمعرفة قطعاً ، فلابدّ من تحصیل العلم لو أمکن . ومع العجز عنه کان معذوراً إن کان عن قصور ؛ لغفلةٍ ، أو لغموض (2) المطلب مع قلّة الاستعداد ، کما هو المشاهَد فی کثیر من النساء بل الرجال . بخلاف ما إذا کان عن تقصیر فی الاجتهاد ، ولو لأجل حبّ طریقة الآباء والأجداد ، واتّباع سیرة السلف ، فإنّه کالجبلّیّ للخلف ، وقلّما عنه تخلّف .
والمراد من المجاهدة - فی قوله تعالی: «وَ الَّذِینَ جٰاهَدُوا فِینٰا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنٰا » (3)- هو : المجاهدة مع النفس ، بتخلیتها عن الرذائل ، وتحلیتها بالفضائل - وهی الّتی کانت أکبر من الجهاد - ، لا النظر والاجتهاد ، وإلّا لأدّیٰ إلی الهدایة ، مع أنّه یؤدّی إلی الجهالة والضلالة ، إلّاإذا کانت هناک منه - تعالی -
[شماره صفحه واقعی : 122]
ص: 271
عنایة ؛ فإنّه غالباً بصدد إثبات أنّ ما وجد آباءَه علیه هو الحقّ ، لا بصدد الحقّ ، فیکون مقصِّراً مع اجتهاده ، ومؤاخَذاً إذا أخطأ علی قطعه واعتقاده .
ثمّ لا استقلال للعقل (1) بوجوب تحصیل الظنّ مع الیأس عن تحصیل العلم ، فی ما یجب تحصیله عقلاً لو أمکن ، لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه ، بل بعدم جوازه؛ لما أشرنا إلیه (2) : من أنّ الاُمور الاعتقادیّة - مع عدم القطع بها - أمکن الاعتقاد بما هو واقعها والانقیاد لها (3) ، فلا إلجاء فیها أصلاً إلی التنزّل إلی الظنّ فی ما انسدّ فیه باب العلم ، بخلاف الفروع العملیّة ، کما لا یخفی .
وکذلک لا دلالة من النقل علی وجوبه فی ما یجب معرفته مع الإمکان شرعاً ، بل الأدلّة الدالّة علی النهی عن اتّباع الظنّ دلیلٌ علی عدم جوازه أیضاً .
وقد انقدح من مطاوی ما ذکرنا : أنّ القاصر یکون - فی الاعتقادیّات - للغفلة ، أو عدمِ الاستعداد للاجتهاد فیها؛ لعدم وضوح الأمر فیها ، بمثابةٍ لا یکون الجهلُ بها إلّاعن تقصیر ، کما لا یخفی ، فیکون معذوراً عقلاً (4)* .
[شماره صفحه واقعی : 123]
ص: 272
ولا یصغیٰ إلی ما ربما قیل : بعدم وجود القاصر فیها (1) ، لکنّه إنّما یکون معذوراً - غیرَ معاقَب علی عدم معرفة الحقّ - إذا لم یکن یعانده ، بل کان ینقاد له علی إجماله لو احتمله .
هذا بعض الکلام ممّا یناسب المقام ، وأمّا بیان حکم الجاهل من حیث الکفر والإسلام ، فهو - مع عدم مناسبته - خارجٌ عن وضع الرسالة .
الظنّ الذی لم یقم علی حجّیّته دلیلٌ : هل یجبر به ضعف السند أو الدلالة ، بحیث صار حجّة ما لولاه لما کان بحجّة ؟ أو یوهن به ما لولاه علی خلافه لکان حجّة ؟ أو یرجّح به أحدُ المتعارضین ، بحیث لولاه علی وفقه لما کان ترجیحٌ لأحدهما ، أو کان للآخر منهما ، أم لا ؟
[شماره صفحه واقعی : 124]
ص: 273
ومجمل القول فی ذلک : أنّ العبرة فی حصول الجبران أو الرجحان - بموافقته - هو الدخول بذلک تحت دلیل الحجّیّة ، أو المرجّحیّة الراجعة إلی دلیل الحجّیّة . کما أنّ العبرة فی الوهن إنّما هو الخروج - بالمخالفة - عن تحت دلیل الحجّیّة .
فلا یبعد جبرُ ضعف السند فی الخبر بالظنّ بصدوره ، أو بصحّة مضمونه ، ودخوله بذلک تحت ما دلّ علی حجّیّة ما یوثق به ، فراجع أدلّة أعتبارها .
وعدمُ جبر ضعف الدلالة بالظنّ بالمراد؛ لاختصاص دلیل الحجّیّة بحجّیّة الظهور فی تعیین المراد . والظنّ - من أمارة خارجیّة - به لا یوجب ظهورَ اللفظ ، کما هو ظاهر ، إلّافی ما أوجب القطع - ولو إجمالاً - باحتفافه بما کان موجباً لظهوره فیه ، لولا عروض انتفائه .
وعدمُ وهن السند بالظنّ بعدم صدوره ، وکذا عدم وهن دلالته مع ظهوره ، إلّافی ما کشف - بنحوٍ معتبر - عن ثبوت خلل فی سنده ، أو وجود قرینةٍ مانعة عن انعقاد ظهوره فی ما فیه ظاهرٌ (1) ، لولا تلک القرینة؛ لعدم اختصاص دلیل اعتبار خبر الثقة ، ولا دلیل اعتبار الظهور بما إذا لم یکن ظنٌّ بعدم صدوره ، أو ظنٌّ بعدم إرادة ظهوره .
وأمّا الترجیح بالظنّ: فهو فرع دلیل علی الترجیح به ، بعد سقوط الأمارتین بالتعارض من البین ، وعدمِ حجّیّة واحد منهما بخصوصه وعنوانه ، وإن بقی أحدهما - بلا عنوان - علی حجّیّته (2) ، ولم یقم دلیل بالخصوص علی
[شماره صفحه واقعی : 125]
ص: 274
الترجیح به ، وإن ادّعیٰ شیخنا العلّامة (1) - أعلی اللّٰه مقامه - استفادتَه من الأخبار الدالّة علی الترجیح بالمرجّحات الخاصّة ، علی ما یأتی تفصیله (2) فی التعادل والتراجیح (3) .
ومقدّمات الانسداد فی الأحکام إنّما توجب حجّیّة الظنّ بالحکم أو بالحجّة ، لا الترجیح به ما لم یوجب (4) الظنّ بأحدهما .
ومقدّماته فی خصوص الترجیح - لو جرت - إنّما توجب حجیّة الظنّ فی تعیین المرجّح ، لا أنّه مرجّح ، إلّاإذا ظنّ أنّه أیضاً مرجّح (5) ، فتأمّل جیّداً .
هذا فی ما لم یقم علی المنع عن العمل به بخصوصه دلیلٌ .
وأمّا ما قام الدلیل علی المنع عنه کذلک - کالقیاس - فلا یکاد یکون به جبرٌ أو وهنٌ أو ترجیحٌ ، فی ما لا یکون لغیره أیضاً . وکذا فی ما یکون به أحدها (6)؛ لوضوح أنّ الظنّ القیاسیّ إذا کان علی خلاف ما لولاه لکان حجّةً - بعد المنع عنه - ، لا یوجب خروجه عن تحت دلیل الحجّیة (7) ، وإذا کان علی وفق ما لولاه لما کان حجّةً ، لا یوجب دخوله تحت دلیل الحجّیّة . وهکذا
[شماره صفحه واقعی : 126]
ص: 275
لا یوجب ترجیح أحد المتعارضین ؛ وذلک لدلالة دلیل المنع علی إلغائه الشارع (1) رأساً ، وعدمِ جواز استعماله فی الشرعیّات قطعاً ، ودخلُه فی واحد منها نحوُ استعمال له فیها ، کما لا یخفی ، فتأمّل جیّداً .
[شماره صفحه واقعی : 127]
ص: 276
[شماره صفحه واقعی : 128]
ص: 277
[شماره صفحه واقعی : 129]
ص: 278
[شماره صفحه واقعی : 130]
ص: 279
صوت
[*حیدری فسایی]
وهی الّتی ینتهی إلیها المجتهد بعد الفحص والیأس عن الظفر بدلیل ، ممّا (1) دلّ علیه حکم العقل أو عموم النقل .
والمهمّ منها أربعة؛ فإنّ مثل قاعدة الطهارة فی ما اشتبه طهارته بالشبهة الحکمیّة (2)* وإن کان ممّا ینتهی إلیها فی ما لا حجّة علی طهارته ولا علی نجاسته ، إلّاأنّ البحث عنها لیس بمهمّ ، حیث إنّها ثابتة بلا کلام ، من دون حاجة إلی نقض وإبرام . بخلاف الأربعة - وهی : البراءة والاحتیاط والتخییر والاستصحاب - ، فإنّها محلّ الخلاف بین الأصحاب، ویحتاج - تنقیح مجاریها،
[شماره صفحه واقعی : 131]
ص: 280
وتوضیح ما هو حکم العقل ، أو مقتضی عموم النقل فیها - إلی مزید بحثٍ وبیانٍ ، ومؤونةِ حجّةٍ وبرهان ، هذا .
مع جریانها فی کلّ الأبواب ، واختصاص تلک القاعدة ببعضها ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 132]
ص: 281
عدم نهوض الحجّة لأجل فقدان النصّ ، أو إجماله واحتماله الکراهة أو الاستحباب ، أو تعارضه فی ما لم یثبت بینهما ترجیح ، بناءً علی التوقّف فی مسألة تعارض النصّین ، فی ما لم یکن ترجیح فی البین .
وأمّا بناءً علی التخییر - کما هو المشهور - فلا مجال لأصالة البراءة وغیرها؛ لمکان وجود الحجّة المعتبرة ، وهو أحد النصّین فیها ، کما لا یخفی .
صوت
[*حیدری فسایی]
وقد استدلّ علی ذلک بالأدلّة الأربعة:
أمّا «الکتاب»: فبآیاتٍ ، أظهرها: قوله تعالی: «وَ مٰا کُنّٰا مُعَذِّبِینَ حَتّٰی نَبْعَثَ رَسُولاً » (1).
وفیه (2): أنّ نفی التعذیب - قبل إتمام الحجّة ببعث الرسل - لعلّه کان منّةً منه - تعالی - علی عباده ، مع استحقاقهم لذلک .
ولو سُلّم (3) اعتراف الخصم بالملازمة بین الاستحقاق والفعلیّة ، لما صحّ الاستدلال بها إلّاجدلاً ، مع وضوح منعه؛ ضرورة أنّ ماشکّ فی وجوبه أو حرمته لیس عنده بأعظم ممّا علم بحکمه ، ولیس حال الوعید بالعذاب فیه إلّا کالوعید به فیه ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 134]
ص: 283
وأمّا «السنّة»: فبروایات:
منها: حدیث الرفع (1) ، حیث عُدَّ «ما لا یعلمون» من التسعة المرفوعة فیه ، فالإلزام المجهول من «ما لایعلمون» ، فهو مرفوع فعلاً وإن کان ثابتاً واقعاً ، فلا مؤاخذة علیه قطعاً .
لا یقال (2): لیست المؤاخذة من الآثار الشرعیّة ، کی ترتفع بارتفاع التکلیف المجهول ظاهراً ، فلا دلالة له علی ارتفاعها (3)* .
[*حیدری فسایی]
فإنّه یقال: إنّها وإن لم تکن بنفسها أثراً شرعیّاً ، إلّاأ نّها ممّا یترتّب علیه بتوسیط ما هو أثره وباقتضائه ، من إیجاب الاحتیاط شرعاً ، فالدلیل علی رفعه دلیلٌ علی عدم إیجابه ، المستتبعِ لعدم استحقاق العقوبة علی مخالفته .
لا یقال: لا یکاد یکون إیجابه مستتبعاً لاستحقاقها علی مخالفة التکلیف المجهول ، بل علی مخالفة (4) نفسه ، کما هو قضیّة إیجاب غیره .
فإنّه یقال: هذا إذا لم یکن إیجابه طریقیّاً ، وإلّا فهو موجب لاستحقاق العقوبة علی المجهول ، کما هو الحال فی غیره من الإیجاب والتحریم الطریقیّین؛ ضرورة أ نّه کما یصحّ أن یحتجّ بهما ، صحّ أن یحتجّ به ، ویقال:
[شماره صفحه واقعی : 135]
ص: 284
لِمَ أقدمتَ مع إیجابه ؟ ویخرج به عن العقاب بلا بیان والمؤاخذة بلا برهان ، کما یخرج بهما .
[*حیدری فسایی]
وقد انقدح بذلک: أنّ رفع التکلیف المجهول کان منّةً علی الأُمّة؛ حیث کان له - تعالی - وضعُهُ بما هو قضیّته من إیجاب الاحتیاط ، فرفَعَه ، فافهم .
ثمّ لا یخفی عدم الحاجة إلی تقدیر المؤاخذة - ولا غیرِها من الآثار الشرعیّة - فی «ما لا یعلمون» (1) ؛ فإنّ ما لا یعلم من التکلیف مطلقاً - کان فی الشبهة الحکمیّة أو الموضوعیّة - بنفسه قابلٌ للرفع والوضع شرعاً ، وإن کان فی غیره لابدّ من تقدیر الآثار ، أو المجاز فی إسناد الرفع إلیه؛ فإنّه لیس «ما اضطرّوا وما استکرهوا ...» - إلی آخر التسعة - بمرفوع حقیقةً .
نعم ، لو کان المرادُ من الموصول فی «ما لا یعلمون» ما اشتبه حاله ولم یعلم عنوانه (2) ، لکان أحد الأمرین ممّا لابدّ منه أیضاً .
ثمّ لا وجه لتقدیر خصوص المؤاخذة (3) ، بعد وضوح أنّ المقدّر فی غیر واحدٍ غیرها ، فلا محیص عن أن یکون المقدّر هو الأثر الظاهر فی کلّ منها ، أو تمام آثارها الّتی تقتضی المنّة رفعَها . کما أنّ ما یکون بلحاظه الإسناد إلیها مجازاً هو هذا ، کما لا یخفی .
فالخبر دلّ علی رفع کلِّ أثر تکلیفیّ أو وضعیّ کان فی رفعه منّة علی
[شماره صفحه واقعی : 136]
ص: 285
الأُمّة ،
[*حیدری فسایی]
کما استشهد الإمام علیه السلام بمثل هذا الخبر فی رفع ما استکره علیه من الطلاق والصدقة والعتاق (1) .
ثمّ لا یذهب علیک: أنّ المرفوع فی «ما اضطرّوا إلیه» وغیره - ممّا أُخذ بعنوانه الثانویّ - إنّما هو الآثار المترتّبة علیه بعنوانه الأوّلیّ؛ ضرورة أنّ الظاهر أنّ هذه العناوین صارت موجبةً للرفع ، والموضوعُ للأثر مستدعٍ لوضعه ، فکیف یکون موجباً لرفعه ؟
لا یقال: کیف ؟ وإیجاب الاحتیاط فی ما لا یعلم ، وإیجاب التحفّظ فی الخطأ والنسیان ، یکون أثراً لهذه العناوین بعینها وباقتضاء نفسها .
فإنّه یقال: بل إنّما یکون باقتضاء الواقع فی موردها؛ ضرورة أنّ الاهتمام به یوجب إیجابهما (2) ، لئلّا یفوت علی المکلّف ، کما لا یخفی .
ومنها: حدیث الحَجْب (3) ،
[*حیدری فسایی]
وقد انقدح تقریب الاستدلال به ممّا ذکرنا فی حدیث الرفع .
إلّاأ نّه ربما یشکل (4) بمنع ظهوره فی وضع ما لا یعلم من التکلیف ، بدعوی ظهوره فی خصوص ما تعلّقت عنایته - تعالی - بمنع اطّلاع العباد علیه ؛ لعدم أمر رسُله بتبلیغه ، حیث إنّه بدونه لما صحّ (5) إسناد الحجب إلیه - تعالی - .
[شماره صفحه واقعی : 137]
ص: 286
ومنها: قوله علیه السلام : «کلُّ شیءٍ لَکَ حلالٌ حتّی تعرف أ نّه حرامٌ بعینه ... » (1) الحدیث . حیث دلّ علی حلّیّة ما لم یعلم حرمته مطلقاً ، ولو کان من جهة عدم الدلیل علی حرمته .
وبعدم الفصل قطعاً بین إباحته وعدم وجوب الاحتیاط فیه ، وبین عدم وجوب الاحتیاط فی الشبهة الوجوبیّة ، یتمّ المطلوب .
مع إمکان أن یقال: ترک ما احتمل وجوبه ممّا لم یعرف حرمته ، فهو حلال ، تأمّل .
ومنها: قوله صلی الله علیه و آله : «الناسُ فی سعة ما لا یعلمون» (2) .
[*حیدری فسایی]
فهم فی سعةِ ما لم یُعلم ، أو ما دام لم یعلم وجوبه أو حرمته ، ومن الواضح أ نّه لو کان الاحتیاط واجباً لما کانوا فی سعةٍ أصلاً ، فیعارض به ما دلّ علی وجوبه ، کما لا یخفی (3) .
إشکال الشیخ الأعظم علی الاستدلال بالروایة والجواب عنه
لا یقال: قد عُلم به وجوب الاحتیاط (4)فإنّه یقال: لم یعلم الوجوب أو الحرمة بعدُ ، فکیف یقع فی ضیق الاحتیاط من أجله ؟
[شماره صفحه واقعی : 138]
ص: 287
نعم ، لو کان الاحتیاط واجباً نفسیّاً کان وقوعهم فی ضیقه بعد العلم بوجوبه ، لکنّه عرفت أنّ وجوبه کان طریقیّاً ، لأجل أن لا یقعوا فی مخالفة الواجب أو الحرام أحیاناً ، فافهم .
صوت
[*حیدری فسایی]
ومنها: قوله علیه السلام : «کلُّ شیءٍ مطلقٌ حتّی یرِدَ فیه نهی» (1) . ودلالته تتوقّف علی عدم صدق الورود إلّابعد العلم أو ما بحکمه ، بالنهی عنه ، وإن صدر عن
الشارع ووصل إلی غیر واحد (2)(3)، مع أ نّه ممنوع؛ لوضوح صدقه علی صدوره عنه ، سیّما بعد بلوغه إلی غیر واحد ، وقد خفی علی من لم یعلم بصدوره .
لا یقال: نعم ، ولکن بضمیمة أصالة العدم صحّ الاستدلال به وتمّ .
فإنّه یقال: وإن تمّ الاستدلال به بضمیمتها ، ویُحکم بإباحة مجهول الحرمة وإطلاقه ، إلّاأ نّه لا بعنوان أ نّه مجهول الحرمة شرعاً ، بل بعنوان أ نّه ممّا لم یرد عنه النهی واقعاً .
لا یقال: نعم ، ولکنّه لا یتفاوت فی ما هو المهمّ من الحکم بالإباحة فی مجهول الحرمة ، کان بهذا العنوان أو بذاک العنوان .
فإنّه یقال: حیث أ نّه بذاک العنوان لاختصّ (4) بما لم یعلم ورود النهی عنه أصلاً ، ولا یکاد یعمّ ما إذا ورد النهی عنه فی زمان ، وإباحتُه (5)
[شماره صفحه واقعی : 139]
ص: 288
فی آخر ، واشتبها من حیث التقدّم والتأخّر .
لا یقال: هذا لولا عدم الفصل بین أفراد ما اشتبهت حرمته .
فإنّه یقال: وإن لم یکن بینها الفصل ، إلّاأ نّه إنّما یُجدی فی ما کان المُثبِت للحکم بالإباحة فی بعضها الدلیل ، لا الأصل ، فافهم .
وأمّا «الإجماع»: فقد نقل علی البراءة (1) ، إلّاأ نّه موهونٌ ، ولو قیل باعتبار الإجماع المنقول فی الجملة؛ فإنّ تحصیله فی مثل هذه المسألة - ممّا للعقل إلیه سبیل ، ومن واضح النقل علیه دلیل - بعیدٌ جدّاً .
صوت
[*حیدری فسایی]
وأمّا «العقل»: فإنّه قد استقلّ بقبح العقوبة والمؤاخذة علی مخالفة التکلیف المجهول ، بعد الفحص والیأس عن الظفر بما کان حجّةً علیه ، فإنّهما بدونها عقابٌ بلا بیان ، ومؤاخذةٌ بلابرهان ، وهما قبیحان بشهادة الوجدان .
ولا یخفی: أ نّه مع استقلاله بذلک لا احتمال لضرر العقوبة فی مخالفته ، فلا یکون مجال هاهنا لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، کی یتوهّم أ نّها تکون بیاناً (2) . کما أ نّه مع احتماله لا حاجة إلی القاعدة ، بل فی صورة المصادفة استحقّ (3) العقوبة علی المخالفة ، ولو قیل بعدم وجوب دفع الضرر
[شماره صفحه واقعی : 140]
ص: 289
المحتمل .
وأمّا ضرر غیر العقوبة ، فهو وإن کان محتملاً ، إلّاأنّ المتیقّن منه - فضلاً عن محتمله - لیس بواجب الدفع شرعاً ولا عقلاً؛ ضرورةَ عدمِ القبح فی تحمّل بعض المضارّ ببعض الدواعی عقلاً ، وجوازِه شرعاً .
مع أنّ احتمال الحرمة أو الوجوب لا یلازم احتمالَ المضرّة (1) ، وإن کان ملازماً لاحتمال المفسدة أو ترک المصلحة؛ لوضوح أنّ المصالح والمفاسد الّتی تکون مناطات الأحکام - وقد استقلّ العقل بحسن الأفعال الّتی تکون ذات المصالح ، وقبحِ ما کان ذات المفاسد - لیست براجعةٍ إلی المنافع والمضارّ ،
[*حیدری فسایی]
وکثیراً مّا یکون محتمل التکلیف مأمونَ الضرر . نعم ، ربما تکون المنفعة أو المضرّة مناطاً للحکم شرعاً وعقلاً .
إن قلت: نعم ، ولکنّ العقل یستقلّ بقبح الإقدام علی ما لا تؤمن مفسدته ، وأ نّه کالإقدام علی ما علم مفسدته ، کما استدلّ به شیخ الطائفة قدس سره علی أنّ الأشیاء علی الحظر أو الوقف (2) .
قلت: استقلاله بذلک ممنوع ، والسند : شهادة الوجدان ، ومراجعة دیدن العقلاء من أهل الملل والأدیان ، حیث إنّهم لا یحترزون ممّا لا تؤمن مفسدته ، ولا یعامِلون معه معاملةَ ما علم مفسدته ، کیف ؟ وقد أذِن الشارع بالإقدام علیه ، ولا یکاد یأذن بارتکاب القبیح ، فتأمّل .
[شماره صفحه واقعی : 141]
ص: 290
واحتُجّ للقول بوجوب الاحتیاط - فی ما لم تقم فیه حجّةٌ - بالأدلّة الثلاثة:
أمّا «الکتاب»: فبالآیات الناهیة عن القول بغیر العلم (1) ، وعن الإلقاء فی التهلکة (2) ، والآمرة بالتقوی (3) .
والجواب: أنّ القول بالإباحة شرعاً ، وبالأمن من العقوبة عقلاً ، لیس قولاً بغیر علم؛ لما دلّ علی الإباحة من النقل ، وعلی البراءة من حکم العقل ، ومعهما لا مهلکة فی اقتحام الشبهة أصلاً ، ولا فیه مخالفة التقوی ، کما لا یخفی .
صوت
[*حیدری فسایی]
وبما دلّ علی وجوب الاحتیاط من الأخبار الواردة بألسنة مختلفة (1) .
والجواب: أ نّه لا تهلکة (2) فی الشبهة البدویّة ، مع دلالة النقل علی الإباحة (3) ، وحکمِ العقل بالبراءة ، کما عرفت .
وما دلّ علی وجوب الاحتیاط - لو سلّم - وإن کان وارداً علی حکم العقل؛ فإنّه کفیٰ بیاناً علی العقوبة علی مخالفة التکلیف المجهول - ولا یُصغی إلی ما قیل (4) من: أنّ إیجاب الاحتیاط إن کان مقدّمةً للتحرّز عن عقاب الواقع المجهول ، فهو قبیح ، وإن کان نفسیّاً فالعقاب علی مخالفته ، لا علی مخالفة الواقع ؛ وذلک لما عرفت من أنّ إیجابه یکون طریقیّاً ، وهو عقلاً ممّا یصحّ أن یحتجّ به علی المؤاخذة فی مخالفة الشبهة ، کما هو الحال فی أوامر الطرق والأمارات والأُصول العملیّة (5) - ، إلّاأ نّها تُعارَض بما هو أخصّ و (6)أظهر ؛ ضرورة أنّ ما دلّ علی حلّیّة المشتبه أخصّ ، بل هو
[شماره صفحه واقعی : 143]
ص: 292
فی الدلالة علی الحلّیّة نصّ ، وما دلّ علی الاحتیاط غایته أ نّه ظاهر فی وجوب الاحتیاط .
مع أنّ هناک قرائن دالّة علی أ نّه للإرشاد ، فیختلف إیجاباً واستحباباً حَسَب اختلاف ما یرشد إلیه .
ویؤیّده : أ نّه لو لم یکن للإرشاد لوجب (1) تخصیصه - لا محالة - ببعض الشبهات إجماعاً ، مع أ نّه آبٍ عن التخصیص قطعاً (2) .
[*حیدری فسایی]
کیف لا یکون (3) قوله: «قف عند الشبهة؛ فإنّ الوقوف عند الشبهة خیرٌ من الاقتحام فی المهلکة» للإرشاد ؟ مع أنّ المهلکة ظاهرةٌ فی العقوبة ، ولا عقوبة فی الشبهة البدویّة قبل إیجاب الوقوف والاحتیاط ، فکیف یعلّل إیجابه بأ نّه خیرٌ من الاقتحام فی المهلکة ؟
لا یقال (4): نعم ، ولکنّه یستکشف منه - علی نحو « الإنّ » - إیجابُ الاحتیاط من قبلُ ، لیصحّ به العقوبة علی المخالفة .
فإنّه یقال: إنّ مجرّد إیجابه واقعاً ما لم یعلم لا یصححّ العقوبة ، ولا یخرجها عن أ نّها بلا بیان ولا برهان ، فلا محیص عن اختصاص مثله
[شماره صفحه واقعی : 144]
ص: 293
بما یتنجّز فیه المشتبه - لو کان - ، کالشبهة قبل الفحص (1) مطلقاً ، أو الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالیّ ، فتأمّل جیّداً .
وأمّا العقل: فلاستقلاله بلزوم فعْلِ ما احتمل وجوبُه ، وترکِ ما احتمل حرمتُه - حیث علم إجمالاً بوجود واجباتٍ ومحرّمات کثیرة فی ما اشتبه وجوبه أو حرمته ، ممّا لم یکن هناک حجّة علی حکمه - ؛ تفریغاً للذمّة بعد اشتغالها ، ولا خلاف فی لزوم الاحتیاط فی أطراف العلم الإجمالیّ إلّامن بعض الأصحاب (2) .
صوت
[*حیدری فسایی]
والجواب: أنّ العقل وإن استقلّ بذلک ، إلّاأ نّه إذا لم ینحلّ العلم الإجمالیّ إلی علم تفصیلیّ وشکّ بدویّ ، وقد انحلّ هاهنا ، فإنّه کما عُلِم بوجود تکالیف إجمالاً ، کذلک عُلِم إجمالاً (3) بثبوت طُرقٍ واُصولٍ معتبرة مثبتة لتکالیف ، بمقدار تلک التکالیف المعلومة أو أزید ، وحینئذٍ لا علم بتکالیف اخر غیر التکالیف الفعلیّة فی الموارد (4) المثبتة من الطرق والأُصول العملیّة (5) .
[شماره صفحه واقعی : 145]
ص: 294
إن قلت: نعم ، لکنّه إذا لم یکن العلم بها مسبوقاً بالعلم بالتکالیف (1) .
قلت: إنّما یضرّ السبق إذا کان المعلوم اللاحق حادثاً آخر (2) ، وأمّا إذا لم یکن کذلک ، بل ممّا ینطبق علیه ما علم أوّلاً ، فلا محالة قد انحلّ العلم الإجمالیّ إلی التفصیلیّ والشکّ البدویّ .
إن قلت: إنّما یوجب العلمُ بقیام الطرق - المثبِته له بمقدار المعلوم بالإجمال - ذلک ، إذا کان قضیّة قیام الطریق علی تکلیفٍ موجباً لثبوته (3) فعلاً . وأمّا بناءً علی أنّ قضیّة حجّیّته واعتباره شرعاً لیس إلّاترتیبَ ما للطریق المعتبر عقلاً - وهو تنجُّز ما أصابه والعذر عمّا أخطأ عنه - ، فلا انحلال لما علم بالإجمال أوّلاً ، کما لا یخفی .
المعلوم بالإجمال فی بعض الأطراف ، یکونُ عقلاً بحکم الانحلال ، وصَرْف تنجّزه إلی ما إذا کان فی ذاک الطرف ، والعذر عمّا إذا کان فی سائر الأطراف ، مثلاً: إذا علم إجمالاً بحرمة إناء زید بین الإناءین ، وقامت البیّنة علی أنّ هذا إناؤه ، فلا ینبغی الشکّ فی أ نّه کما إذا علم أ نّه إناؤه ، فی عدم لزوم الاجتناب إلّاعن خصوصه دون الآخر .
ولو لا ذلک لما کان یُجدی القول بأنّ قضیّة اعتبار الأمارات هی کون المؤدّیات أحکاماً شرعیّة فعلیّة؛ ضرورة أ نّها تکون کذلک بسبب حادث ، وهو کونها مؤدّیات الأمارات الشرعیّة .
هذا إذا لم یعلم بثبوت (1) التکالیف الواقعیّة - فی موارد الطرق المثبتة - بمقدار المعلوم بالإجمال ، وإلّا فالانحلال إلی العلم بما فی الموارد ، وانحصارُ أطرافه بموارد تلک الطرق بلا إشکال ، کما لا یخفی .
صوت
[*حیدری فسایی]
وربما استدلّ (2) بما قیل من : استقلال العقل بالحظر فی الأفعال غیر الضروریّة قبل الشرع ، ولا أقلّ من الوقف (3) وعدمِ استقلاله ، لا به ولا بالإباحة ، ولم یثبت شرعاً إباحة ما اشتبه حرمته؛ فإنّ ما دلّ علی الإباحة معارض بما دلّ علی وجوب التوقّف أو الاحتیاط .
وفیه أوّلاً: أ نّه لا وجه للاستدلال بما هو محلّ الخلاف والإشکال ، وإلّا لصحّ الاستدلال علی البراءة بما قیل من : کون تلک الأفعال علی الإباحة .
وثانیاً: أ نّه ثبتت الإباحة شرعاً؛ لما عرفت من عدم صلاحیّة ما دلّ علی التوقّف أو الاحتیاط للمعارضة لما دلّ علیها .
[شماره صفحه واقعی : 147]
ص: 296
وثالثاً: أ نّه لا یستلزم القولُ بالوقف - فی تلک المسألة - للقول (1) بالاحتیاط فی هذه المسألة؛ لاحتمال أن یقال معه بالبراءة ، لقاعدة قبح العقاب بلا بیان .
وما قیل (2) من : أنّ الإقدام علی ما لا تؤمن المفسدة فیه ، کالإقدام علی ما تعلم فیه المفسدة .
ممنوعٌ ، ولو قیل بوجوب دفع الضرر المحتمل؛ فإنّ المفسدة المحتملة فی المشتبه لیس بضرر غالباً؛ ضرورة أنّ المصالح والمفاسد - الّتی هی مناطات الأحکام - لیست براجعة إلی المنافع والمضارّ ، بل ربّما تکون (3) المصلحة فی ما فیه الضرر ، والمفسدة فی ما فیه المنفعة . واحتمال أن یکون فی المشتبه ضررٌ ، ضعیفٌ غالباً ، لا یعتنیٰ به قطعاً .
[*حیدری فسایی]
مع أنّ الضرر لیس دائماً ممّا یجب التحرّز عنه عقلاً ، بل یجب ارتکابه أحیاناً ، فی ما کان المترتّب علیه أهمّ فی نظره ممّا فی الاحتراز عن ضرره ، مع القطع به ، فضلاً عن احتماله (4)
[شماره صفحه واقعی : 148]
ص: 297
بقی أُمور مهمّة لا بأس بالإشارة إلیها:
الأوّل : أ نّه إنّما تجری أصالة البراءة - شرعاً وعقلاً - فی ما لم یکن هناک أصل موضوعیّ مطلقاً ، ولو کان موافقاً لها؛ فإنّه معه لا مجال لها أصلاً؛ لوروده علیها (1) ، کما یأتی تحقیقه (2) .
الصورة الأُولی فلا تجری مثلاً : أصالة الإباحة فی حیوان شُکّ فی حلّیّته مع الشکّ فی قبوله التذکیة؛ فإنّه إذا ذُبح مع سائر الشرائط المعتبرة فی التذکیة، فأصالة عدم التذکیة تدرجه (3) فی ما لم یُذکّ ، وهو حرام إجماعاً ، کما إذا مات حتفَ أنفه .
فلا حاجة إلی إثبات أنّ المیتة تعمّ غیرَ المذکّیٰ شرعاً (4)؛ ضرورة کفایة کونه مثله حکماً ؛ وذلک لأنّ (5) التذکیة إنّما هی عبارة عن فری الأوداج الأربعة (6) مع سائر شرائطها ، عن خصوصیّةٍ فی الحیوان الّتی (7) بها
[شماره صفحه واقعی : 149]
ص: 298
تؤثّر (1) فیه الطهارةَ وحدها أو مع الحلّیة ، ومع الشکّ فی تلک الخصوصیّة ، فالأصل عدم تحقّق التذکیة بمجرّد الفری بسائر شرائطها ، کما لا یخفی .
الصورة الثانیة نعم ، لو عُلم بقبوله التذکیة وشُکّ فی الحلّیّة ، فأصالة الإباحة فیه محکّمة؛ فإنّه حینئذٍ إنّما یشکّ فی أنّ هذا الحیوان المذکّیٰ حلال أو حرام ، ولا أصل فیه إلّاأصالة الإباحة ، کسائر ما شکّ فی أ نّه من الحلال أو الحرام .
[*حیدری فسایی]
الصورة الثالثة هذا إذا لم یکن هناک أصل موضوعیّ آخرُ مثبتٌ لقبوله التذکیة ، کما إذا شکّ - مثلاً - فی أنّ الجلل فی الحیوان هل یوجب ارتفاع قابلیّته لها ، أم لا ؟ فأصالة قبوله لها معه محکّمة ، ومعها لا مجال لأصالة عدم تحقّقها ، فهو قبل الجلل کان یطهر ویحلّ بالفری بسائر شرائطها ، فالأصل أ نّه کذلک بعده .
الصورة الرابعة وممّا ذکرنا ظهر الحال فی ما اشتبهت حلّیّته وحرمته بالشبهة الموضوعیّة من الحیوان ، وأنّ أصالة عدم التذکیة محکّمة فی ما شکّ فیها لأجل الشکّ فی تحقّق ما اعتبر فی التذکیة شرعاً .
الصورة الخامسة کما أنّ أصالة قبول التذکیة محکّمة إذا شکّ فی طروء ما یمنع عنه ، فیحکم بها فی ما أُحرز الفری بسائر شرائطها عداه ، کما لا یخفی ، فتأمّل جیّداً .
الثانی : أ نّه لا شبهة فی حسن الاحتیاط شرعاً وعقلاً فی الشبهة الوجوبیّة و (2)التحریمیّة ، فی العبادات وغیرها .
[شماره صفحه واقعی : 150]
ص: 299
کما لا ینبغی الارتیاب فی استحقاق الثواب فی ما إذا احتاط وأتی أو ترک بداعی احتمال الأمر أو النهی .
وربما یشکل (1) فی جریان الاحتیاط فی العبادات عند دوران الأمر بین الوجوب وغیر الاستحباب ، من جهة أنّ العبادة لابدّ فیها من نیّة القربة المتوقّفة علی العلم بأمر الشارع تفصیلاً أو إجمالاً .
وحُسْن الاحتیاط عقلاً (2) لا یکاد یُجدی فی رفع الإشکال ، ولو قیل بکونه موجباً لتعلّق الأمر به شرعاً؛ بداهةَ توقّفه علی ثبوته توقُّفَ العارض علی معروضه ، فکیف یعقل أن یکون من مبادئ ثبوته (3) ؟
صوت
[*حیدری فسایی]
وانقدح بذلک : أ نّه لا یکاد یُجدی فی رفعه أیضاً القولُ بتعلّق الأمر به من جهة ترتُّب الثواب علیه؛ ضرورة أ نّه فرع إمکانه ، فکیف یکون من مبادئ جریانه ؟ هذا .
مع أنّ حسن الاحتیاط لا یکون بکاشف عن تعلّق الأمر به بنحو
[شماره صفحه واقعی : 151]
ص: 300
« اللّمّ » ، ولا ترتّبِ الثواب علیه بکاشف عنه بنحو « الإنّ » ، بل یکون حاله فی ذلک حال الإطاعة؛ فإنّه نحوٌ من الانقیاد والطاعة (1) .
وما قیل (2) فی دفعه: من کون المراد بالاحتیاط فی العبادات ، هو مجرّد الفعل المطابق للعبادة من جمیع الجهات ، عدا نیّة القربة .
ففیه (3): - مضافاً إلی عدم مساعدة دلیل حینئذٍ علی حسنه بهذا المعنی فیها؛ بداهة أ نّه لیس باحتیاط حقیقةً ،
[*حیدری فسایی]
بل هو أمرٌ لو دلّ علیه دلیلٌ کان مطلوباً مولویّاً نفسیّاً عبادیّاً ، والعقلُ لا یستقلّ إلّابحسن الاحتیاط ، والنقل لا یکاد یرشد إلّاإلیه . نعم ، لو کان هناک دلیلٌ علی الترغیب فی الاحتیاط فی خصوص العبادة ، لَما کان محیصٌ عن دلالته اقتضاءً علی أنّ المراد به ذاک المعنی ، بناءً علی عدم إمکانه فیها بمعناه حقیقةً ، کما لا یخفی - أ نّه التزامٌ بالإشکال وعدمِ جریانه فیها ، وهو کما تریٰ .
قلت: لا یخفی أنّ منشأ الإشکال هو تخیّل کون القربة المعتبرة فی العبادة مثلَ سائر الشروط المعتبرة فیها ، ممّا یتعلّق بها الأمر المتعلّق بها ،فیشکل جریانه حینئذٍ؛ لعدم التمکّن من قصد القربة المعتبر فیها (4) ، وقد عرفت (5) أ نّه فاسد* ، وإنّما اعتبر قصد القربة فیها عقلاً ، لأجل أنّ الغرض منها لا یکاد یحصل بدونه (6) .
[شماره صفحه واقعی : 152]
ص: 301
وعلیه کان جریان الاحتیاط فیه (1) بمکانٍ من الإمکان؛ ضرورة التمکّن من الإتیان بما احتمل وجوبه بتمامه وکماله ، غایة الأمر أ نّه لابدّ أن یؤتیٰ به علی نحوٍ لو کان مأموراً به لکان مقرِّباً ، بأن یؤتیٰ به بداعی احتمال الأمر ، أو احتمال کونه محبوباً له - تعالی - ، فیقع حینئذٍ علی تقدیر الأمر به امتثالاً لأمره - تعالی - ، وعلی تقدیر عدمه انقیاداً لجنابه - تبارک وتعالی - ، ویستحقّ الثواب علی کلّ حال : إمّا علی الطاعة أو الانقیاد .
وقد انقدح بذلک : أ نّه لا حاجة فی جریانه فی العبادات إلی تعلّق أمر بها ،
[*حیدری فسایی]
بل لو فُرض تعلّقه بها لما کان من الاحتیاط بشیء ، بل کسائر ما علم وجوبه أو استحبابه منها ، کما لا یخفی .
[شماره صفحه واقعی : 153]
ص: 302
فظهر أ نّه لو قیل (1) بدلالة أخبار « من بلغه ثوابٌ » (2) علی استحباب العمل الّذی بلغ علیه الثواب ولو بخبر ضعیف ، لَما کان یُجدی فی جریانه فی خصوص ما دلّ علی وجوبه أو استحبابه خبرٌ ضعیف ، بل کان - علیه - مستحبّاً ، کسائر ما دلّ الدلیل علی استحبابه .
لا یقال: هذا لو قیل بدلالتها علی استحباب نفس العمل الّذی بلغ علیه الثواب بعنوانه ، وأمّا لو دلّ (3) علی استحبابه لا بهذا العنوان ، بل بعنوان أ نّه محتمل الثواب ، لکانت دالّةً علی استحباب الإتیان به بعنوان الاحتیاط ، کأوامر الاحتیاط لو قیل بأ نّها للطلب المولویّ ، لا الإرشادیّ .
فإنّه یقال: إنّ الأمر بعنوان الاحتیاط ولو کان مولویّاً لکان توصّلیّاً .
مع أ نّه لو کان عبادیّاً لما کان مصحِّحاً للاحتیاط ، ومُجدیاً فی جریانه فی العبادات ، کما أشرنا إلیه آنفاً (4) .
صوت
[*حیدری فسایی]
ثمّ إنّه لا یبعد دلالة بعض تلک الأخبار علی استحباب ما بلغ علیه الثواب؛ فإنّ صحیحة هشام بن سالم المحکیّة عن المحاسن عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام قال: «مَن بلَغَه عن النبیّ صلی الله علیه و آله (5)شیءٌ مِنَ الثواب فعَمِلَهُ کانَ أجرُ ذلک لَه ، وإن کان رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله لم یَقُله» (5) ظاهرةٌ فی أنّ الأجر کان مترتّباً
[شماره صفحه واقعی : 154]
ص: 303
علی نفس العمل الّذی بلغه عنه صلی الله علیه و آله أ نّه ذو ثواب .
وکون العمل متفرّعاً علی البلوغ ، وکونه الداعی إلی العمل (1) ، غیرُ موجبٍ لأن یکون الثواب إنّما یکون مترتّباً علیه فی ما إذا أتیٰ (2) برجاء أ نّه مأمور به وبعنوان الاحتیاط؛ بداهة أنّ الداعی إلی العمل لا یوجب له وجهاً وعنواناً یؤتی به بذاک الوجه والعنوان .
وإتیان العمل بداعی « طلب قول النبیّ صلی الله علیه و آله » (3) - کما قُیِّد به فی بعض الأخبار (4) - وإن کان انقیاداً ، إلّاأنّ الثواب فی الصحیحة إنّما رُتّب علی نفس العمل ، ولا موجب لتقییدها به؛ لعدم المنافاة بینهما ، بل لو أتیٰ به کذلک ، أو التماساً للثواب الموعود - کما قُیِّد به فی بعضها الآخر (5) - لاُوتی الأجر والثواب علی نفس العمل ، لا بما هو احتیاط وانقیاد ،
[*حیدری فسایی]
فیکشف عن کونه بنفسه
[شماره صفحه واقعی : 155]
ص: 304
مطلوباً وإطاعة ، فیکون وزانه وزان : « من سرّح لحیته » (1) ، أو : من صلّی أو صام فله کذا (2) . ولعلّه لذلک أفتی المشهور بالاستحباب ، فافهم وتأمّل .
الثالث : أ نّه لا یخفی أنّ النهی عن شیءٍ إذا کان بمعنی طلب ترکه فی زمانٍ أو مکانٍ ، - بحیث لو وُجد فی ذاک الزمان أو المکان ولو دفعةً لما امتثل أصلاً - ، کان اللازم علی المکلّف إحراز أ نّه تَرَکَه بالمرّة ولو بالأصل ، فلا یجوز الإتیان بشیءٍ یشکّ معه فی ترکه ،
[*حیدری فسایی]
إلّاإذا کان مسبوقاً به لیستصحب مع الإتیان به .
نعم ، لو کان بمعنی طلب ترک کلِّ فردٍ منه علی حدة ، لَما وجب إلّا ترک ما علم أ نّه فردٌ ، وحیث لم یعلم تعلّق النهی إلّابما علم أ نّه مصداقه ، فأصالة البراءة فی المصادیق المشتبهة محکَّمة .
فانقدح بذلک : أنّ مجرّد العلم بتحریم شیءٍ لا یوجب لزوم الاجتناب عن الأفراد (3) المشتبهة ، فی ما کان المطلوب بالنهی طلب ترک کلّ فرد علی حدة ، أو کان الشیء مسبوقاً بالترک ، وإلّا لوجب الاجتناب عنها عقلاً لتحصیل الفراغ قطعاً (4) .
فکما یجب فی ما علم وجوب شیءٍ إحرازُ إتیانه ، إطاعةً لأمره ،
[شماره صفحه واقعی : 156]
ص: 305
فکذلک یجب فی ما علم حرمته إحرازُ ترکه وعدمِ إتیانه ، امتثالاً لنهیه . غایة الأمر کما یحرز وجود الواجب بالأصل ، کذلک یحرز ترک الحرام به .
والفرد المشتبه وإن کان مقتضیٰ أصالة البراءة جواز الاقتحام فیه ، إلّا أنّ قضیّةَ لزوم إحراز الترک اللازم : وجوبُ التحرّز عنه ، ولا یکاد یحرز إلّا بترک المشتبه أیضاً (1) ، فتفطّن .
الرابع (2) : أ نّه قد عرفت (3) حُسْن الاحتیاط عقلاً ونقلاً . ولا یخفی أ نّه مطلقاً کذلک ، حتّی فی ما کان هناک حجّةٌ علی عدم الوجوب أو الحرمة ، أو أمارةٌ معتبرةٌ علی أ نّه لیس فرداً للواجب أو الحرام ، ما لم یخلّ بالنظام فعلاً ، فالاحتیاط قبل ذلک مطلقاً یقع حسناً ، کان فی الأُمور المهمّة ، کالدماء والفروج ، أو غیرها ، وکان احتمال التکلیف قویّاً أو ضعیفاً ، کانت الحجّة علی خلافه أو لا (4) . کما أنّ الاحتیاط الموجب لذلک لا یکون حَسناً کذلک ، وإن کان الراجح لمن التفت إلی ذلک من أوّل الأمر ترجیح بعض الاحتیاطات احتمالاً أو محتملاً (5) ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 157]
ص: 306
[شماره صفحه واقعی : 158]
ص: 307
صوت
[*حیدری فسایی]
إذا دار الأمر بین وجوب شیءٍ وحرمته ؛ لعدم نهوض حجّة علی أحدهما تفصیلاً ، بعد نهوضها علیه إجمالاً ، ففیه وجوه:
الحکم بالبراءة عقلاً ونقلاً؛ لعموم النقل ، وحکمِ العقل بقبح المؤاخذة علی خصوص الوجوب أو الحرمة؛ للجهل به .
ووجوبِ الأخذ بأحدهما تعییناً أو تخییراً .
والتخییرِ بین الترک والفعل عقلاً ، مع التوقّف عن الحکم به رأساً ، أو مع الحکم علیه بالإباحة شرعاً .
أوْجَهُها : الأخیر؛ لعدم الترجیح بین الفعل والترک ، وشمولِ مثل «کلُّ شیءٍ لک حلالٌ حتّی تعرف أ نّه حرامٌ» (1) له ، ولا مانع عنه عقلاً ولا نقلاً .
وقد عرفت (2) أ نّه لا یجب موافقة الأحکام التزاماً ، ولو وجب لکان
[شماره صفحه واقعی : 159]
ص: 308
الالتزام إجمالاً بما هو الواقع معه ممکناً (1) .
والالتزام التفصیلیّ بأحدهما لو لم یکن تشریعاً محرّماً لَما نَهَضَ علی وجوبه دلیلٌ قطعاً (2) .
صوت
[*حیدری فسایی]
وقیاسه بتعارض الخبرین - الدالّ أحدهما علی الحرمة والآخر علی الوجوب - باطلٌ (3)؛ فإنّ التخییر بینهما علی تقدیر کون الأخبار حجّةً من باب السببیّة یکونُ علی القاعدة ، ومن جهة التخییر بین الواجبین المتزاحمین (4) .
وعلی تقدیر أ نّها من باب الطریقیّة ، فإنّه وإن کان علی خلاف القاعدة ، إلّا أنّ أحدهما - تعییناً أو تخییراً - حیث کان واجداً لِما هو المناط للطریقیّة - من احتمال الإصابة مع اجتماع سائر الشرائط - جُعِلَ (5) حجّةً فی هذه الصورة بأدلّة الترجیح تعییناً ، أو التخییر تخییراً ، وأین ذلک ممّا إذا لم یکن المطلوب إلّاالأخذ بخصوص ما صدر واقعاً ؟ وهو حاصلٌ ، والأخذ بخصوص أحدهما ربما لا یکون إلیه بموصِل .
نعم ، لو کان التخییر بین الخبرین لأجل إبدائهما احتمالَ الوجوب
[شماره صفحه واقعی : 160]
ص: 309
والحرمة ، وإحداثِهما التردیدَ بینهما ، لکان القیاس فی محلّه؛ لدلالة الدلیل علی التخییر بینهما علی التخییر هاهنا ، فتأمّل جیّداً .
ولا مجال هاهنا لقاعدة قبح العقاب بلا بیان؛ فإنّه لا قصور فیه هاهنا ، وإنّما یکون عدم تنجّز التکلیف لعدم التمکّن من الموافقة القطعیّة کمخالفتها (1) ، والموافقةُ الاحتمالیّة حاصلة لا محالة ، کما لا یخفی .
صوت
[*حیدری فسایی]
ثمّ إنّ مورد هذه الوجوه وإن کان ما إذا لم یکن واحدٌ من الوجوب والحرمة علی التعیین تعبّدیّاً؛ إذ لو کانا تعبّدیّین ، أو کان أحدهما المعیّن کذلک ، لم یکن إشکالٌ فی عدم جواز طرحهما والرجوعِ إلی الاباحة؛ لأنّها مخالفة عملیّة قطعیّة - علی ما أفاد (2) شیخنا الأستاذ قدس سره (3)- ، إلّاأنّ الحکم أیضاً فیهما إذا کانا کذلک هو التخییر عقلاً بین إتیانه علی وجه قربیّ - بأن یؤتیٰ به بداعی احتمال طلبه - وترکِه کذلک؛ لعدم الترجیح ، وقبحه بلا مرجّح .
فانقدح : أ نّه لا وجه لتخصیص المورد بالتوصّلیّین بالنسبة إلی ما هو المهمُّ فی المقام (4) ، وإن اختصّ بعض الوجوه بهما ، کما لا یخفی .
ولا یذهب علیک : أنّ استقلال العقل بالتخییر إنّما هو فی ما لا یحتمل الترجیح فی أحدهما علی التعیین . ومع احتماله لا یبعد دعوی استقلاله بتعیّنه (5)،
[شماره صفحه واقعی : 161]
ص: 310
کما هو الحال فی دوران الأمر بین التخییر والتعیین فی غیر المقام . ولکنّ الترجیح إنّما یکون لشدّة الطلب فی أحدهما ، وزیادتهِ علی الطلب فی الآخر بما لا یجوز الإخلال بها فی صورة المزاحمة ، ووجب الترجیح بها . وکذا وجب ترجیح احتمال ذی المزیّة فی صورة الدوران .
صوت
[*حیدری فسایی]
ولا وجه لترجیح احتمال الحرمة مطلقاً ، لأجل أنّ دفع المفسدة أولیٰ من ترک المصلحة؛ ضرورةَ أ نّه رُبّ واجبٍ یکون مقدّماً علی الحرام فی صورة المزاحمة بلا کلام ، فکیف یقدّم علی احتمالِه احتمالُه فی صورة الدوران بین مثلیهما ؟ فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 162]
ص: 311
لو شکّ فی المکلّف به مع العلم بالتکلیف من الإیجاب أو التحریم :
فتارةً لتردّده بین المتباینین ، وأُخری بین الأقلّ والأکثر الارتباطیّین ، فیقع الکلام فی مقامین:
التامّة للبعث أو الزجر الفعلیّ ، مع ما هو علیه (1) من الإجمال والتردّد والاحتمال - فلا محیصَ عن تنجّزه وصحّة العقوبة علی مخالفته ، وحینئذٍ لا محالة یکون مادلّ بعمومه علی الرفع أو الوضع أو السعة أو الإباحة ممّا یعمّ أطراف العلم مخصَّصاً عقلاً؛ لأجل مناقضتها معه .
صوت
[*حیدری فسایی]
وإن لم یکن فعلیّاً کذلک - ولو کان بحیث لو علم تفصیلاً لَوَجَب امتثاله وصحّ العقاب علی مخالفته - لم یکن هناک مانعٌ عقلاً ولا شرعاً عن شمول أدلّة البراءة الشرعیّة للأطراف .
ومن هنا انقدح: أ نّه لا فرق بین العلم التفصیلیّ والإجمالیّ ، إلّاأ نّه لا مجال للحکم الظاهریّ مع التفصیلیّ ، فإذا کان الحکم الواقعیّ فعلیّاً من سائر الجهات لا محالة (2) یصیر فعلیّاً معه من جمیع الجهات ، وله مجالٌ مع الإجمالیّ ، فیمکن أن لا یصیر فعلیّاً معه؛ لإمکان جعل الظاهریّ فی أطرافه ، وإن کان فعلیّاً من غیر هذه الجهة ، فافهم .
صوت
[*حیدری فسایی]
ثمّ إنّ الظاهر : أ نّه لو فُرض أنّ المعلوم بالإجمال کان فعلیّاً من جمیع الجهات ، لَوَجَب عقلاً موافقته مطلقاً ، ولو کانت أطرافه غیرَ محصورة (3) .
[شماره صفحه واقعی : 164]
ص: 313
وإنّما التفاوت بین المحصورة وغیرها هو : أنّ عدم الحصر ربما یلازم ما یمنع عن فعلیّة المعلوم مع کونه فعلیّاً - لولاه - من سائر الجهات .
وبالجملة: لا یکاد یری العقل تفاوتاً بین المحصورة وغیرها فی التنجّز وعدمِه ، فی ما کان المعلوم إجمالاً فعلیّاً ، یبعثُ المولیٰ نحوَه فعلاً أو یزجر عنه کذلک ، مع ما هو علیه من کثرة أطرافه .
والحاصل: أنّ اختلاف الأطراف فی الحصر وعدمه لا یوجب تفاوتاً فی ناحیة العلم . ولو أوجب تفاوتاً فإنّما هو فی ناحیة المعلوم ، فی فعلیّة البعث أو الزجر مع الحصر ، وعدمِها (1) مع عدمه ، فلا یکاد یختلف العلم الإجمالیّ باختلاف الأطراف - قلّةً وکثرةً - فی التنجیز (2) وعدمه ، ما لم یختلف المعلوم فی الفعلیّة وعدمها بذلک ، وقد عرفت آنفاً : أ نّه لا تفاوت بین التفصیلیّ والإجمالیّ فی ذلک ، ما لم یکن تفاوتٌ فی طرف المعلوم أیضاً (3) ، فتأمّل تعرف .
صوت
[*حیدری فسایی]
ومنه ظهر: أ نّه لو لم یعلم فعلیّة التکلیف مع العلم به إجمالاً - إمّا من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه ، أو من جهة الاضطرار إلی بعضها معیّناً أو مردّداً ، أو من جهة تعلّقه بموضوع یقطع بتحقّقه إجمالاً فی هذا الشهر ، کأ یّام حیض المستحاضة مثلاً - لما وجبت موافقته ، بل جازت مخالفته .
وأ نّه لو علم فعلیّته - ولو کان بین أطراف تدریجیّة - لکان منجَّزاً ووجب موافقته؛ فإنّ التدرّج لا یمنع عن الفعلیّة؛ ضرورة أ نّه کما یصحّ التکلیف بأمرٍ حالیّ ، کذلک یصحُّ بأمر استقبالیّ ، کالحجّ فی الموسم للمستطیع ، فافهم .
الأوّل: إنّ الاضطرار کما یکون مانعاً عن العلم بفعلیّة التکلیف لو کان إلی واحدٍ معیّن ، کذلک یکون مانعاً لو کان إلی غیر معیّن (1)؛ ضرورةَ أ نّه مطلقاً موجبٌ لجواز ارتکاب أحد الأطراف أو ترکه ، تعییناً أو تخییراً ، وهو ینافی العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بینها فعلاً .
لا فرق بین الاضطرار السابق علی حدوث العلم واللاحق له وکذلک لا فرق (2) بین أن یکون الاضطرار کذلک سابقاً علی حدوث العلم أو لاحقاً ؛
[*حیدری فسایی]
وذلک لأنّ التکلیف (3)* المعلوم بینها من أوّل الأمر کان محدوداً
[شماره صفحه واقعی : 166]
ص: 315
بعدم عروض الاضطرار إلی متعلّقة ، فلو عرض علی بعض أطرافه لَما کان التکلیف به معلوماً ؛ لاحتمال أن یکون هو المضطرّ إلیه فی ما کان الاضطرار إلی المعیّن ، أو یکون هو المختار فی ما کان إلی بعض الأطراف بلا تعیین .
قیاس الاضطرار إلی بعض الأطراف بفقد بعضها
لا یقال: الاضطرار إلی بعض الأطراف لیس إلّاکفقد بعضها ، فکما لا إشکال فی لزوم رعایة الاحتیاط فی الباقی مع الفقدان ، کذلک لا ینبغی الإشکال فی لزوم رعایته مع الاضطرار ، فیجب الاجتناب عن الباقی أو ارتکابه ؛ خروجاً عن عهدة ما تنجّز علیه قبل عروضه .
الجواب عن القیاس
فإنّه یقال: حیث إنّ فقد المکلّف به لیس من حدود التکلیف به وقیوده ، کان التکلیفُ المتعلّق به مطلقاً ، فإذا اشتغلت الذمّة به کان قضیّة الاشتغال به یقیناً الفراغَ عنه کذلک . وهذا بخلاف الاضطرار إلی ترکه (1)؛ فإنّه من حدود التکلیف به وقیوده ، ولا یکون الاشتغال به من الأوّل إلّامقیّداً بعدم عروضه ، فلا یقین باشتغال الذمّة بالتکلیف به إلّاإلی هذا الحدّ ، فلا یجب رعایته فی ما بعده ، ولا یکون إلّامن باب الاحتیاط فی الشبهة البدویّة ، فافهم وتأمّل ، فإنّه دقیق جدّاً .
الثانی: أ نّه لمّا کان النهی عن الشیء (2)* إنّما هو لأجل أن یصیر داعیاً
[شماره صفحه واقعی : 167]
ص: 316
للمکلّف نحوَ ترکه ، لو لم یکن له داعٍ آخر - ولا یکاد یکون ذلک إلّافی ما یمکن عادةً ابتلاؤه به ، وأمّا ما لا ابتلاء به بحسبها ، فلیس للنهی عنه موقعٌ أصلاً (1)؛ ضرورةَ أ نّه بلا فائدة ولا طائل ، بل یکون من قبیل طلب الحاصل - کان الابتلاء بجمیع الأطراف ممّا لابدّ منه فی تأثیر العلم ، فإنّه بدونه لا علم بتکلیف فعلیٍّ؛ لاحتمال تعلّق الخطاب بما لا ابتلاء به .
صوت
[*حیدری فسایی]
ومنه قد انقدح: أنّ الملاک فی الابتلاء المصحِّح لفعلیّة الزجر ، وانقداحِ طلب ترکه فی نفس المولیٰ فعلاً ، هو ما إذا صحّ انقداح الداعی إلی فعله فی نفس العبد ، مع اطّلاعه علی ما هو علیه من الحال .
ولو شکّ فی ذلک کان المرجع هو البراءة؛ لعدم القطع بالاشتغال ، لا إطلاقُ الخطاب (2)؛ ضرورةَ أ نّه لا مجال للتشبّث به إلّافی ما إذا شکّ فی التقیید بشیء (3) بعد الفراغ عن صحّة الإطلاق بدونه ، لا فی ما شکّ فی اعتباره فی صحّته (4)(5)* ، تأمّل لعلّک تعرف إن شاء اللّٰه - تعالی - .
[شماره صفحه واقعی : 168]
ص: 317
الثالث: أ نّه قد عرفت (1) : أ نّه مع فعلیّة التکلیف المعلوم لا تفاوت بین أن تکون أطرافه محصورةً وأن تکون غیر محصورة .
نعم ، ربما تکون کثرة الأطراف فی مورد موجبةً لعُسْر موافقته القطعیّة باجتناب کلّها ، أو ارتکابه ، أو ضررٍ فیها ، أو غیرِهما ممّا لا یکون معه التکلیف فعلیّاً ، بعثاً أو زجراً فعلاً (2) ، ولیست (3) بموجبة لذلک فی غیره . کما أنّ نفسها ربما تکون موجبة لذلک ، ولو کانت قلیلةً فی مورد آخر .
فلابدّ من ملاحظة ذاک الموجب لرفع فعلیّة التکلیف المعلوم بالإجمال أ نّه یکون ، أو لا یکون فی هذا المورد ، أو یکون مع کثرة أطرافه ، وملاحظة أ نّه مع أیّة مرتبة من کثرتها ، کما لا یخفی .
الرابع: أ نّه إنّما یجب عقلاً رعایة الاحتیاط فی خصوص الأطراف ، ممّا یتوقّف علی اجتنابه أو ارتکابه حصولُ العلم بإتیان الواجب أو ترک الحرام المعلومین (1) فی البین دون غیرها ، وإن کان حاله حال بعضها فی کونه محکوماً بحکمه (2) واقعاً .
ومنه ینقدح الحال فی مسألة ملاقاة شیءٍ مع أحد (3) أطراف النجس المعلوم بالإجمال ، وأ نّه :
تارةً : یجبُ الاجتنابُ عن الملاقیٰ دون ملاقیه ، فی ما کانت الملاقاة بعد العلم إجمالاً بالنجس بینها؛ فإنّه إذا اجتنبَ عنه وطرفِه اجتنبَ عن النجس فی البین قطعاً ولو لم یجتنب عمّا یلاقیه؛ فإنّه علی تقدیر نجاسته لنجاسته کان فرداً آخر من النجس ، قد شُکّ فی وجوده ، کشیءٍ آخر شُکّ فی نجاسته بسبب آخر .
ومنه ظهر: أ نّه لا مجال لتوهّم أنّ قضیّة تنجّز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه أیضاً (4)؛ ضرورةَ أنّ العلم به إنّما یوجبُ تنجّزَ الاجتناب عنه ، لا تنجّز الاجتناب عن فردٍ آخر لم یُعلم حدوثه ، وإن احتُمل .
[شماره صفحه واقعی : 170]
ص: 319
صوت
[*حیدری فسایی]
وأُخریٰ : یجب الاجتناب عمّا لاقاه دونه ، فی ما لو علم إجمالاً نجاسته أو نجاسةُ شیءٍ آخر ، ثمّ حدَثَ العلم بالملاقاة والعلمُ بنجاسة الملاقیٰ (1) أو ذاک الشیء أیضاً؛ فإنّ حال الملاقیٰ (2)* فی هذه الصورة بعینها حالُ ما لاقاه فی الصورة السابقة ، فی عدم کونه طرفاً للعلم الإجمالیّ ، وأ نّه فردٌ آخر علی تقدیر نجاسته واقعاً غیر معلوم النجاسة أصلاً ، لا إجمالاً ولا تفصیلاً .
وکذا لو علم بالملاقاة ثمّ حدث العلم الإجمالیّ ، ولکن کان الملاقیٰ خارجاً عن محلّ الابتلاء فی حال حدوثه ، وصار مبتلی به بعده .
وثالثةً : یجبُ الاجتناب عنهما فی ما لو حصل العلم الإجمالیّ بعد العلم بالملاقاة؛ ضرورة أ نّه حینئذٍ نعلم إجمالاً : إمّا بنجاسة الملاقی والملاقیٰ ، أو بنجاسة الآخر (3) ، کما لا یخفی ، فیتنجّز التکلیف بالاجتناب عن النجس فی البین ، وهو الواحد أو الإثنان (4) .
صوت
[*حیدری فسایی]
والحقّ : أنّ العلم الإجمالیّ بثبوت التکلیف بینهما أیضاً یوجبُ الاحتیاط عقلاً بإتیان الأکثر؛ لتنجُّزِه به ، حیث تعلَّقَ بثبوته فعلاً .
[شماره صفحه واقعی : 171]
ص: 320
وتوهّم (1) : انحلاله إلی العلم بوجوب الأقلّ تفصیلاً ، والشکّ فی وجوب الأکثر بدواً ؛ ضرورةَ لزوم الإتیان بالأقلّ لنفسه شرعاً ، أو لغیره کذلک ، أو عقلاً ، ومعه لا یوجب تنجّزه لو کان متعلّقاً بالأکثر .
فاسدٌ قطعاً ؛ لاستلزام الانحلالِ المحالَ ، بداهةَ توقُّفِ لزوم الأقلّ فعلاً - إمّا لنفسه أو لغیره - علی تنجُّز التکلیف مطلقاً ، ولو کان متعلّقاً بالأکثر ، فلو کان لزومه کذلک مستلزماً لعدم تنجّزه إلّاإذا کان متعلّقاً بالأقلّ ، کان خلفاً .
[*حیدری فسایی]
مع أ نّه یلزم من وجوده عدمُهُ ؛ لاستلزامه عدمَ تنجّز التکلیف علی کلّ حالٍ ، المستلزم لعدم لزوم الأقلّ مطلقاً ، المستلزم لعدم الانحلال ، وما یلزم من وجوده عدمُه محالٌ .
نعم ، إنّما ینحلّ إذا کان الأقلّ ذا مصلحة ملزمة ؛ فإنّ وجوبه حینئذٍ یکون معلوماً له ، وإنّما کان التردید لاحتمال أن یکون الأکثر ذا مصلحتین ، أو مصلحة أقویٰ من مصلحة الأقلّ ، فالعقل فی مثله وإن استقلّ بالبراءة بلا کلام ، إلّاأ نّه خارجٌ عمّا هو محلّ النقض والإبرام فی المقام ، هذا .
صوت
[*حیدری فسایی]
مع أنّ الغرض الداعی إلی الأمر لا یکاد یحرز إلّابالأکثر ، بناءً علی ما ذهب إلیه المشهورُ من العدلیّة ، من تبعیّة الأوامر والنواهی للمصالح والمفاسد فی المأمور بها والمنهیّ عنها ، وکونِ الواجبات الشرعیّة ألطافاً فی الواجبات العقلیّة ، وقد مرّ (2) اعتبار موافقة الغرض وحصولِه عقلاً فی إطاعة الأمر وسقوطه ، فلابدّ من إحرازه فی إحرازها ، کما لا یخفی .
[شماره صفحه واقعی : 172]
ص: 321
ولا وجه للتفصّی عنه (1) :
تارةً : بعدم ابتناء مسألة البراءة والاحتیاط علی ما ذهب إلیه مشهور العدلیّة ، وجریانِها علی ما ذهب إلیه الأشاعرة المنکرین (2) لذلک ، أو بعض العدلیّة المکتفین (3) بکون المصلحة فی نفس الأمر دون المأمور به (4) .
وأُخری : بأنّ حصول المصلحة واللطف فی العبادات لا یکاد یکون إلّا بإتیانها علی وجه الامتثال ، وحینئذٍ کان لاحتمال اعتبار معرفة أجزائها تفصیلاً - لیؤتی بها مع قصد الوجه - مجالٌ ، ومعه لا یکاد یقطع بحصول اللطف والمصلحة الداعیة إلی الأمر ، فلم یبقَ إلّاالتخلّص عن تبعة مخالفته ، بإتیان ما علم تعلّقه به ، فإنّه واجب عقلاً وإن لم یکن فی المأمور به مصلحةٌ ولطف رأساً ؛ لتنجّزه بالعلم به إجمالاً . وأمّا الزائد علیه - لو کان - فلا تبعة علی مخالفته من جهته ؛ فإنّ العقوبة علیه بلا بیان .
الجواب عن الاعتراض الأول وذلک ضرورةَ أنّ حکم العقل بالبراءة - علی مذهب الأشعریّ - لا یُجدی من ذهب إلی ما علیه المشهور من العدلیّة ،
[*حیدری فسایی]
بل مَن ذهب إلی ما علیه غیر المشهور ؛ لاحتمال أن یکون الداعی إلی الأمر ومصلحتهُ - علی هذا المذهب أیضاً - هو ما فی الواجبات من المصلحة وکونِها ألطافاً ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 173]
ص: 322
الجواب الأول عن الاعتراض الثانی وحصول اللطف والمصلحة فی العبادة وإن کان یتوقّف علی الإتیان بها علی وجه الامتثال ، إلّاأ نّه لا مجال لاحتمال اعتبار معرفة الأجزاء وإتیانِها علی وجهها ، کیف ؟ ولا إشکال فی إمکان الاحتیاط هاهنا ، کما فی المتباینین ، ولا یکاد یمکن مع اعتباره . هذا .
الجواب الثانی عن الاعتراض مع وضوح بطلان احتمال اعتبار قصد الوجه کذلک . والمرادُ (1) ب «الوجه» - فی کلام من صرّح بوجوب إیقاع الواجب علی وجهه ووجوب اقترانه به - هو وجه نفسه من وجوبه النفسیّ ، لا وجهُ أجزائه من وجوبها الغیریّ ، أو وجوبها العرَضیّ . وإتیانُ الواجب مقترناً بوجهه - غایةً ووصفاً - بإتیان الأکثر بمکانٍ من الامکان ؛ لانطباق الواجب علیه ولو کان هو الأقلّ ، فیتأتّیٰ من المکلّف معه قصدُ الوجه .
[*حیدری فسایی]
واحتمال اشتماله علی ما لیس من أجزائه لیس بضائر ، إذا قصد وجوبَ المأتیّ علی إجماله ، بلا تمییز ما له دخلٌ فی الواجب من أجزائه ، لا سیّما إذا دار الزائد بین کونه جزءاً لماهیّته وجزءاً لفرده ؛ حیث ینطبق الواجب علی المأتیّ حینئذٍ بتمامه وکماله ؛ لأنّ الطبیعیّ یصدق علی الفرد بمشخِّصاته (2) .
نعم ، لو دار بین کونه جزءاً أو مقارناً ، لَما کان منطبقاً علیه بتمامه لو لم یکن جزءاً . لکنّه غیر ضائر ؛ لانطباقه علیه أیضاً فی ما لم یکن ذاک الزائد جزءاً ، غایته لا بتمامه بل بسائر أجزائه . هذا .
الجواب الثالث مضافاً إلی أنّ اعتبار قصد الوجه من رأس ممّا یقطع بخلافه .
[شماره صفحه واقعی : 174]
ص: 323
الجواب الرابع مع أنّ الکلام فی هذه المسألة لا یختصّ بما لابدّ أن یؤتیٰ به علی وجه الامتثال من العبادات .
[*حیدری فسایی]
الجواب الخامس مع أ نّه لو قیل باعتبار قصد الوجه فی الامتثال فیها علی وجهٍ ینافیه التردّد والاحتمال ، فلا وجه معه للزوم مراعاة الأمر المعلوم أصلاً ، ولو بإتیان الأقلّ لو لم یحصل الغرض ، وللزم الاحتیاط بإتیان الأکثر مع حصوله ، لیحصل القطع بالفراغ بعد القطع بالاشتغال ؛ لاحتمال بقائه مع الأقلّ بسبب بقاء غرضه ، فافهم .
هذا بحسب حکم العقل .
وأمّا النقل (1)*: فالظاهر أنّ عموم مثل حدیث الرفع قاضٍ برفع جزئیّة ما شکّ فی جزئیّته ، فبمثله یرتفع الإجمال والتردّد عمّا تردّد أمره بین الأقلّ والأکثر ، ویعیّنه (2) فی الأوّل .
الإشکال علی جریان البراءة والجواب عنه
لا یقال: إنّ جزئیّة السورة المجهولة (3) - مثلاً - لیست بمجعولة ، ولیس
[شماره صفحه واقعی : 175]
ص: 324
لها أثر مجعول ، والمرفوع بحدیث الرفع إنّما هو المجعول بنفسه أو أثرِه .
ووجوب الإعادة إنّما هو أثر بقاء الأمر الأوّل (1) بعد العلم (2) ، مع أ نّه عقلیّ ، ولیس إلّامن باب وجوب الإطاعة عقلاً .
لأنّه یقال: إنّ الجزئیّة وإن کانت غیرَ مجعولة بنفسها ، إلّا أنّها مجعولة بمنشأ انتزاعها ، وهذا کافٍ فی صحّة رفعها .
لا یقال: إنّما یکون ارتفاع الأمر الانتزاعیّ برفع منشأ انتزاعه ، وهو الأمر الأوّل ، ولا دلیل آخر علی أمرٍ آخر بالخالی عنه .
لأنّه یقال: نعم ، وإن کان ارتفاعه بارتفاع منشأ انتزاعه ،
[*حیدری فسایی]
إلّاأنّ نسبة حدیث الرفع - الناظرِ إلی الأدلّة الدالّة علی بیان الأجزاء - إلیها نسبةُ الاستثناء (3) ، وهو معها یکون دالاًّ (4) علی جزئیّتها إلّامع الجهل بها (5) ، کما لا یخفی ، فتدبّر جیّداً .
[شماره صفحه واقعی : 176]
ص: 325
وینبغی التنبیه علی أُمور:
الأوّل: أ نّه ظهر - ممّا مرّ (1) - : حالُ دوران الأمر بین المشروط بشیءٍ ومطلقهِ ، وبین الخاصّ - کالإنسان - وعامِّه - کالحیوان - ، وأ نّه لا مجال هاهنا للبراءة عقلاً (2) ، بل کان الأمر فیهما أظهر ؛ فإنّ الانحلال المتوهّم فی الأقلّ والأکثر لا یکاد یتوهّم هاهنا ؛ بداهةَ أنّ الأجزاء التحلیلیّة لا تکاد تتّصف (3) باللزوم من باب المقدّمة عقلاً ،
[*حیدری فسایی]
فالصلاة - مثلاً - فی ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصّة موجودةٌ بعین وجودها ، وفی ضمن صلاة أُخری فاقدةٍ لشرطها أو خصوصیّتها تکون مباینةً (4) للمأمور بها ، کما لا یخفی .
نعم ، لا بأس بجریان البراءة النقلیّة فی خصوص دوران الأمر بین المشروط وغیره ، دون الدوران (5) بین الخاصّ وغیره (6) ؛ لدلالة مثل حدیث الرفع علی عدم شرطیّة ما شکّ فی شرطیّته ، ولیس کذلک خصوصیّة الخاصّ ؛ وإنّها إنّما تکون منتزعةَ عن نفس الخاصّ ، فیکون الدورانُ بینه وبین (7)
[شماره صفحه واقعی : 177]
ص: 326
غیره من قبیل الدوران بین المتباینین (1) ، فتأمّل جیّداً .
الثانی: أ نّه لا یخفی : أنّ الأصل فی ما إذا شکّ فی جزئیّة شیءٍ أو شرطیّته فی حال نسیانه عقلاً ونقلاً ، ما ذکر فی الشکّ فی أصل الجزئیّة أو الشرطیّة ، فلو لا مثل حدیث الرفع مطلقاً ، و «لا تعاد» فی الصلاة ، لَحُکم عقلاً بلزوم إعادة ما اخلّ بجزئه أو شرطه نسیاناً (2) ، کما هو الحالُ فی ما ثبت شرعاً جزئیّتهُ أو شرطیّته مطلقاً ، نصّاً أو إجماعاً .
صوت
[*حیدری فسایی]
ثمّ لا یذهب علیک: أ نّه کما یمکن رفع الجزئیّة أو الشرطیّة فی هذا الحال بمثل حدیث الرفع ، کذلک یمکن تخصیصهما (3)(4) بهذا الحال بحسب الأدلّة الاجتهادیّة ، کما إذا وُجِّه الخطاب - علی نحوٍ یعمّ الذاکرَ والناسی - بالخالی عمّا شکّ فی دخله مطلقاً ، وقد دلّ دلیل آخر علی دخله فی حقّ الذاکر ، أو وُجّه إلی الناسی خطابٌ یخصّه بوجوب الخالی بعنوان آخر - عامٍّ أو خاصّ - ، لا بعنوان الناسی ، کی یلزم استحالة إیجاب ذلک علیه بهذا العنوان ؛ لخروجه عنه بتوجیه الخطاب إلیه لا محالة ، کما توهّم (5) لذلک
[شماره صفحه واقعی : 178]
ص: 327
استحالة تخصیص الجزئیّة أو الشرطیّة بحال الذکر ، وإیجابِ العمل الخالی عن المنسیّ علی الناسی ، فلا تغفل .
الثالث: انّه ظهر - ممّا مرّ (1) - : حالُ زیادة الجزء إذا شکّ فی اعتبار عدمها شرطاً أو شطراً فی الواجب - مع عدم اعتباره فی جزئیّته ، وإلّا لم یکن من زیادته ، بل من نقصانه (2) - ؛ وذلک لاندراجه فی الشکّ فی دخل شیءٍ فیه جزءاً أو شرطاً ، فیصحّ لو أتی به مع الزیادة عمداً تشریعاً ، أو جهلاً - قصوراً أو تقصیراً - أو سهواً (3) ، وإن استقلّ العقل - لولا النقل (4) - بلزوم الاحتیاط ؛ لقاعدة الاشتغال .
نعم ، لو کان عبادةً ، وأتی به کذلک - علی نحوٍ لو لم یکن للزائد دخلٌ فیه لَما یدعو إلیه وجوبُه - ، لکان باطلاً مطلقاً ، أو فی صورة عدم دخله فیه ؛ لعدم قصد الامتثال فی هذه الصورة ، مع استقلال العقل بلزوم الإعادة مع اشتباه الحال ؛ لقاعدة الاشتغال (5) .
[شماره صفحه واقعی : 179]
ص: 328
وأمّا لو أتی به علی نحوٍ یدعوه إلیه علی أیّ حال ، کان صحیحاً ، ولو کان مشرِّعاً فی دخله الزائد فیه بنحوٍ ، مع عدم علمه بدخله ؛ فإنّ تشریعه فی تطبیق المأتیّ مع المأمور به ، وهو لا ینافی قصدَه الامتثالَ والتقرّبَ به علی کلّ حالٍ .
ثمّ إنّه ربّما تمسّک - لصحّة ما أتی به مع الزیادة - باستصحاب الصحّة (1) . وهو لا یخلو من کلامٍ ونقض وإبرام (2) خارجٍ عمّا هو المهمّ فی المقام ، ویأتی تحقیقه فی مبحث الاستصحاب إن شاء اللّٰه - تعالی - (3) .
صوت
[*حیدری فسایی]
الرابع: أ نّه لو علم بجزئیّة شیءٍ أو شرطیّته فی الجملة ، ودار الأمر بین أن یکون جزءاً أو شرطاً مطلقاً ولو فی حال العجز عنه ، وبین أن یکون جزءاً أو شرطاً فی خصوص حال التمَکّن منه - فیسقط الأمرُ بالعجز عنه علی الأوّل ؛ لعدم القدرة حینئذٍ علی المأمور به ، لا علی الثانی فیبقیٰ متعلّقاً (4) بالباقی - ، ولم یکن هناک ما یُعیِّن أحدَ الأمرین ، - من إطلاق دلیل اعتباره
جزءاً أو شرطاً ، أو إطلاق دلیل المأمور به ، مع إجمال دلیل اعتباره أو إهماله (5) - ، لا ستقلّ العقل بالبراءة عن الباقی ؛ فإنّ العقاب علی ترکه بلا بیان ،
[شماره صفحه واقعی : 180]
ص: 329
والمؤاخذةَ علیه بلا برهان .
لا یقال: نعم ، ولکنّ قضیّة مثل حدیث الرفع عدمُ الجزئیّة أو الشرطیّة إلّا فی حال التمکّن منه .
فإنّه یقال: إنّه لا مجال هاهنا لمثله ؛ بداهة أ نّه ورد فی مقام الامتنان ، فیختصّ بما یوجبُ نفیَ التکلیف ، لا إثباتَه .
صوت
[*حیدری فسایی]
نعم ، ربما یقال: إنّ قضیّة الاستصحاب فی بعض الصور وجوبُ الباقی فی حال التعذّر أیضاً .
ولکنّه لا یکاد یصحّ إلّابناءً علی صحّة القسم الثالث من استصحاب الکلّی ، أو علی المسامحة فی تعیین الموضوع فی الاستصحاب ، وکان ما تعذّر ممّا یُسامَح به عرفاً ، بحیث یصدق مع تعذّره بقاءُ الوجوب لو قیل بوجوب الباقی ، وارتفاعُه لو قیل بعدم وجوبه . ویأتی تحقیق الکلام فیه فی غیر المقام (1) .
کما أنّ وجوب الباقی فی الجملة ، ربّما قیل (2) بکونه مقتضیٰ ما یستفاد من قوله صلی الله علیه و آله : «إذا أمرتُکم بشیءٍ فأتُوا منهُ ما استطعتُم» (3) ، وقوله صلی الله علیه و آله : «المیسُور لا یسقُط بالمعْسُور» (4) ، وقوله صلی الله علیه و آله : «ما لا یُدرَکُ کُلّه لا یُترکُ کلّه» (5) .
ودلالة الأوّل مبنیّة علی کون کلمة «مِن» تبعیضیّة ، لا بیانیّة ، ولا بمعنی الباء .
[شماره صفحه واقعی : 181]
ص: 330
وظهورُها فی التبعیض وإن کان ممّا لا یکاد یخفی ، إلّاأنّ کونه بحسب الأجزاء غیرُ واضح ؛ لاحتمال أن یکون بلحاظ الأفراد .
ولو سلّم ، فلا محیص عن أ نّه هاهنا بهذا اللحاظ یرادُ ؛ حیث ورد جواباً عن السؤال عن تکرار الحجّ بعد أمره به . فقد روی أ نّه خطبَ رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله ، فقال: «إنّ اللّٰه کتبَ علیکم الحجَّ» ، فقام عکاشه - ویُرویٰ سُراقة بن مالک - فقال: أفی (1) کلّ عام یا رسول اللّٰه ؟ فأعرض عنه ، حتّی أعادَ مرّتین أو ثلاثاً ، فقال صلی الله علیه و آله : «ویحَکَ ! وما یؤمنُک أن أقول: نعم ؟ وَاللّٰه لو قلتُ: نعم ، لوَجَبَ ، ولو وجَب ما استطعتم ، ولو ترکتُم لکفَرتُم ، فاترُکونی ما تُرکتم (2) ، وإنّما هلک من کان قبلَکم بِکَثرة سؤالهم واختلافِهم إلی أنبیائهم ، فإذا أمرتُکم بشیءٍ فأتُوا منه ما استطعتُم ، وإذا نهیتکم عن شیءٍ فاجتَنِبوه» (3) .
صوت
[*حیدری فسایی]
ومن ذلک ظهر الإشکال فی دلالة الثانی أیضاً ، حیث لم یظهر فی عدم سقوط المیسور من الأجزاء بمعسورها ؛ لاحتمال إرادة عدم سقوط المیسور من أفراد العامّ بالمعسور منها ، هذا .
مضافاً إلی عدم دلالته علی عدم السقوط لزوماً ؛ لعدم اختصاصه بالواجب . ولا مجال معه لتوهّم دلالته علی أ نّه بنحو اللزوم ، إلّاأن یکون المرادُ عدمَ سقوطه بما له من الحکم - وجوباً کان أو ندباً - بسبب سقوطه عن المعسور ، بأن یکون قضیّة المیسور کنایةً عن عدم سقوطه بحکمه ؛ حیث إنّ الظاهر من مثله هو ذلک - کما أنّ الظاهر من مثل «لا ضَرَرَ ولا ضِرار» هو نفی ما لَه من تکلیف أو وضع - ، لا أ نّها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه ، وبقائه
[شماره صفحه واقعی : 182]
ص: 331
علی عهدة المکلّف ، کی لا یکون له دلالة علی جریان القاعدة فی المستحبّات علی وجهٍ ، أو لا یکون له دلالة علی وجوب المیسور فی الواجبات علی آخر ، فافهم .
وأمّا الثالث: فبعد تسلیم ظهور الکلّ (1) فی المجموعیّ لا الأفرادیّ ، لا دلالة له إلّاعلی رجحان الإتیان بباقی الفعل المأمور به - واجباً کان أو مستحبّاً - عند تعذّر بعض أجزائه ؛ لظهور الموصول فی ما یعمّهما .
[*حیدری فسایی]
ولیس ظهور «لا یترک» فی الوجوب - لو سلّم - موجباً لتخصیصه بالواجب ، لو لم یکن ظهوره فی الأعمّ قرینةً علی إرادة خصوص الکراهة ، أو مطلق المرجوحیّة من النفی . وکیف کان ، فلیس ظاهراً فی اللزوم هاهنا ، ولو قیل بظهوره فیه فی غیر المقام (2) .
ثمّ إنّه حیث کان الملاک فی قاعدة المیسور هو صدق المیسور علی الباقی عرفاً ، کانت القاعدة جاریةً مع تعذّر الشرط أیضاً ؛ لصدقه حقیقةً علیه مع تعذّره عرفاً ، کصدقه علیه کذلک مع تعذّر الجزء فی الجملة ، وإن کان فاقد الشرط مبایناً للواجد عقلاً ، ولأجل ذلک ربّما لا یکون الباقی - الفاقد لمعظم الأجزاء أو لرکنها - مورداً لها ، فی ما إذا لم یصدق علیه المیسور عرفاً ، وإن کان غیر مباین للواجد عقلاً .
نعم ، ربّما یلحق به شرعاً ما لایعدّ بمیسور عرفاً تخطئةً (3) للعرف ، وأنّ عدم العدّ کان لعدم الاطّلاع علی ما هو علیه الفاقد ، من قیامه فی هذا الحال
[شماره صفحه واقعی : 183]
ص: 332
بتمام ما قام علیه الواجد ، أو بمعظمه فی غیر الحال ، وإلّا عدّ أ نّه میسوره .
کما ربّما یقوم الدلیل علی سقوط میسور عرفیّ لذلک - أی : للتخطئة - وأ نّه لا یقوم بشیءٍ من ذلک .
وبالجملة: ما لم یکن دلیل علی الإخراج أو الإلحاق کان المرجع هو الإطلاق ، ویستکشف منه أنّ الباقی قائم بما یکون المأمور به قائماً بتمامه ، أو بمقدارٍ یوجب (1) إیجابه فی الواجب ، واستحبابه فی المستحبّ .
وإذا قام دلیل علی أحدهما فیخرج أو یدرج ، تخطئةً أو تخصیصاً فی الأوّل ، وتشریکاً (2) فی الحکم - من دون الاندراج فی الموضوع - فی الثانی ، فافهم .
صوت
[*حیدری فسایی]
لا یخفی: أ نّه إذا دار الأمر بین جزئیّة شیءٍ أو شرطیّته ، وبین مانعیّته أو قاطعیّته ، لکان من قبیل المتباینین ، ولا یکاد یکونُ من الدوران بین المحذورین (3) ، لإمکان الاحتیاط بإتیان العمل مرّتین ، مع ذاک الشیء مرّةً ، وبدونه أُخری ، کما هو أوضح من أن یخفی .
[شماره صفحه واقعی : 184]
ص: 333
أمّا الاحتیاط: فلا یعتبر فی حسنه شیءٌ أصلاً ، بل یحسن علی کلّ حال ، إلّا إذا کان موجباً لاختلال النظام .
ولا تفاوت فیه بین المعاملات والعبادات مطلقاً ، ولو کان موجباً للتکرار فیها.
وتوهّم : کون التکرار عبثاً ولعباً بأمر المولیٰ ، وهو ینافی قصد الامتثال المعتبر فی العبادة .
فاسدٌ ؛ لوضوح أنّ التکرار ربّما یکون بداعٍ صحیح عقلائیّ ، مع أ نّه لو لم یکن بهذا الداعی ، وکان أصل إتیانه بداعی أمر مولاه بلاداعٍ له سواه ، لَما ینافی قصد الامتثال ، وإن کان لاغیاً (1) فی کیفیّة امتثاله ، فافهم .
بل یحسن أیضاً فی ما قامت الحجّة علی البراءة عن التکلیف ؛ لئلّا یقع فی ما کان فی مخالفته علی تقدیر ثبوته ، من المفسدة وفوتِ المصلحة .
وأمّا البراءة العقلیّة: فلا یجوز إجراؤها إلّابعد الفحص والیأس عن الظفر بالحجّة علی التکلیف ؛ لما مرّت الإشارة (2) إلیه من عدم استقلال العقل بها إلّابعدهما .
[شماره صفحه واقعی : 185]
ص: 334
وأمّا البراءة النقلیّة: فقضیّة إطلاق أدلّتها ، وإن کان هو عدم اعتبار الفحص فی جریانها ، کما هو حالها فی الشبهات الموضوعیّة ،
[*حیدری فسایی]
إلّا أ نّه استُدِلّ علی اعتباره بالإجماع ، وبالعقل (1) ، فإنّه لا مجالَ لها بدونه ؛ حیث یعلم إجمالاً بثبوت التکلیف بین موارد الشبهات ، بحیث لو تفحّص عنه لظَفَرَ به .
ولا یخفی: أنّ الإجماع هاهنا غیر حاصل ، ونَقْلُه - لوَهْنه - بلا طائل ؛ فإنّ (2) تحصیله فی مثل هذه المسألة - ممّا للعقل إلیه سبیلٌ - صعبٌ ، لو لم یکن عادةً بمستحیل ؛ لقوّة احتمال أن یکون المستند للجلّ - لولا الکلّ - هو ما ذکر من حکم العقل .
وأنّ الکلام فی البراءة فی ما لم یکن هناک علم موجب للتنجّز ، إمّا لانحلال العلم الإجمالیّ بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال ، أو لعدم الابتلاء إلّا بما لا یکون بینها علم بالتکلیف من موارد الشبهات ، ولو لعدم الالتفات إلیها .
فالأولی : الاستدلال للوجوب بما دلّ من الآیات والأخبار علی وجوب التفقّه والتعلّم ، والمؤاخذةِ علی ترک التعلّم - فی مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم - بقوله تعالی ، - کما فی الخبر - : «هلّا تعلّمت» (3) . فیُقیّد بها أخبارُ
[شماره صفحه واقعی : 186]
ص: 335
البراءة ؛ لقوّة ظهورها فی أنّ المؤاخذة والاحتجاج بترک التعلّم فی ما لم یعلم ، لا بترک العمل فی ما علم وجوبه ولو إجمالاً ، فلا مجال للتوفیق بحمل هذه الأخبار علی ما إذا علم إجمالاً ، فافهم .
صوت
[*حیدری فسایی]
ولا یخفی اعتبار الفحص فی التخییر العقلیّ أیضاً بعین ما ذکر فی البراءة ، فلا تغفل .
ولا بأس بصرف الکلام فی بیان بعض ماللعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والأحکام :
أمّا التبعة: فلا شبهة فی استحقاق العقوبة علی المخالفة ، فی ما إذا کان ترک التعلّم والفحص مؤدّیاً إلیها ؛ فإنّها وإن کانت مغفولة حینها وبلا اختیار ، إلّا أ نّها منتهیة إلی الاختیار ، وهو کافٍ فی صحّة العقوبة ، بل مجرّد ترکهما کافٍ فی صحّتها ، وإن لم یکن مؤدّیاً إلی المخالفة مع احتماله (1) ؛ لأجل التجرّی وعدم المبالاة بها .
نعم ، یشکل (2) فی الواجب المشروط والموقّت ، ولو أدّیٰ (3) ترکهما قبل الشرط والوقت إلی المخالفة بعدهما ، فضلاً عمّا إذا لم یؤدّ إلیها ؛ حیث لا یکون حینئذٍ تکلیف فعلیّ أصلاً ، لا قبلهما - وهو واضح - ولا بعدهما - وهو کذلک - ؛
[شماره صفحه واقعی : 187]
ص: 336
لعدم التمکّن منه بسبب الغفلة (1)* ، ولذا التجأ المحقّق الأردبیلیّ (2) وصاحب المدارک0 (3) إلی الالتزام بوجوب التفقّه والتعلّم نفسیّاً تهیّئیّاً ، فتکون العقوبة علی ترک التعلّم نفسِهِ ، لا علی ما أدّیٰ إلیه من المخالفة .
فلا إشکال حینئذٍ فی المشروط والموقّت . ویسهل بذلک الأمرُ فی غیرهما لو صعب علی أحدٍ ، ولم تصدّق (4) کفایة الانتهاء إلی الاختیار فی استحقاق العقوبة علی ما کان فعلاً مغفولاً عنه ، ولیس بالاختیار .
[*حیدری فسایی]
ولا یخفی: أ نّه لا یکاد ینحلّ هذا الإشکالُ إلّابذلک ، أو الالتزامِ بکون المشروط أو الموقّت مطلقاً معلّقاً ، لکنّه قد اعتبر علی نحوٍ لا تتّصف مقدّماته الوجودیّة عقلاً بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غیر التعلّم ، فیکون الإیجاب حالیّاً ، وإن کان الواجب استقبالیّاً قد أُخذ علی نحوٍ لا یکاد یتّصف بالوجوب شرطه ، ولا غیر التعلّم من مقدّماته قبل شرطه أو وقته .
وأمّا لو قیل بعدم الإیجاب إلّابعد الشرط والوقت - کما هو ظاهر الأدلّة وفتاوی المشهور - ، فلا محیصَ عن الالتزام بکون وجوب التعلّم نفسیّاً ،
[شماره صفحه واقعی : 188]
ص: 337
لتکون العقوبة (1) - لو قیل بها - علی ترکه ، لا علی ما أدّیٰ إلیه من المخالفة ، ولا بأس به ، کما لا یخفی .
ولا ینافیه ما یظهر من الأخبار من کون وجوب التعلّم إنّما هو لغیره ، لا لنفسه ؛ حیث إنّ وجوبه لغیره لا یوجب کونَه واجباً غیریّاً یترشّح وجوبه من وجوب غیره ، فیکونَ مقدّمیّاً ، بل للتهیّؤ لإیجابه (2) ، فافهم .
وأمّا الأحکام: فلا إشکال فی وجوب الإعادة فی صورة المخالفة ، بل فی صورة الموافقة أیضاً فی العبادة ، فی ما لا یتأتّی منه قصد القربة ؛ وذلک لعدم الإتیان بالمأمور به (3) ،
[*حیدری فسایی]
مع عدم دلیل علی الصحّة والإجزاء إلّافی الإتمام فی موضع القصر ، أو الإجهار أو الإخفات فی موضع الآخر ، فورد فی الصحیح (4) - وقد أفتی به المشهور - صحّةُ الصلاة وتمامیّتها فی الموضعین مع الجهل مطلقاً ، ولو کان عن تقصیرٍ موجبٍ لاستحقاق العقوبة علی ترک الصّلاة المأمور بها ؛ لأنّ ما أُتی بها وإن صحّت وتمّت ، إلّاأ نّها لیست بمأمورٍ بها .
[شماره صفحه واقعی : 189]
ص: 338
إن قلت: کیف یحکم بصحّتها مع عدم الأمر بها (1) ؟ وکیف یصحّ الحکم باستحقاق العقوبة علی ترک الصّلاة الّتی أُمر بها ، حتّی فی ما إذا تمکّن ممّا أُمر بها ، - کما هو ظاهر إطلاقاتهم - بأن علم بوجوب القصر أو الجهر بعد الإتمام والإخفات ، وقد بقی من الوقت مقدارُ إعادتها قصراً أو جهراً ؟ ؛ ضرورة أ نّه لا تقصیر هاهنا یوجب استحقاقَ العقوبة .
وبالجملة: کیف یحکم بالصحّة بدون الأمر ؟ وکیف یحکم باستحقاق العقوبة مع التمکّن من الإعادة ؟ لولا الحکم شرعاً بسقوطها وصحّة ما أُتی بها .
قلت: إنّما حکم بالصحّة لأجل اشتمالها علی مصلحة تامّة ، لازمةِ الاستیفاء فی نفسها ، مهمّةٍ فی حدّ ذاتها ، وإن کانت دون مصلحة الجهر والقصر ، وإنّما لم یؤمر بها لأجل أ نّه أُمر بما کانت واجدةً لتلک المصلحة علی النحو الأکمل والأتمّ .
وأمّا الحکم باستحقاق العقوبة مع التمکّن من الإعادة ، فإنّها بلا فائدة (2) ؛ إذ مع استیفاء تلک المصلحة لا یبقیٰ مجال لاستیفاء المصلحة الّتی کانت فی المأمور بها ، ولذا لو أتیٰ بها فی موضع الآخر جهلاً - مع تمکّنه من التعلّم - فقد قصّر ، ولو علم بعده (3) وقد وسع الوقت .
[شماره صفحه واقعی : 190]
ص: 339
فانقدح : أ نّه لا یتمکّن من صلاة القصر صحیحةً بعد فعل صلاة الإتمام ، ولا من الجهر کذلک بعد فعل صلاة الإخفات ، وإن کان الوقت باقیاً .
إن قلت: علی هذا یکون کلّ منهما فی موضع الآخر سبباً لتفویت الواجب فعلاً ، وما هو السبب لتفویت الواجب کذلک حرام ، وحرمةُ العبادة موجبة لفسادها بلا کلام .
[*حیدری فسایی]
قلت: لیس سبباً لذلک ، غایته أ نّه یکون مضادّاً له ، وقد حقّقنا فی محلّه (1) : أنّ الضدّ وعدم ضدّه متلازمان لیس بینهما توقّف أصلاً .
لا یقال: علی هذا فلو صلّی تماماً أو صلّی إخفاتاً فی موضع القصر والجهر - مع العلم بوجوبهما فی موضعهما - لکانت صلاته صحیحة ، وإن عوقب علی مخالفة الأمر بالقصر أو الجهر .
فإنّه یقال: لا بأس بالقول به لو دلّ دلیل علی أ نّها تکون مشتملةً علی المصلحة ولو مع العلم ؛ لاحتمال اختصاص أن یکون کذلک فی صورة الجهل ، ولا بُعد أصلاً فی اختلاف الحال فیها باختلاف حالتی العلم بوجوب شیءٍ والجهل به ، کما لا یخفی .
وقد صار بعض الفحول (2) بصدد بیان إمکان کون المأتیّ فی غیر موضعه مأموراً به بنحو الترتّب .
[شماره صفحه واقعی : 191]
ص: 340
وقد حقّقنا فی مبحث الضدّ امتناعَ الأمر بالضدّین مطلقاً - ولو بنحو الترتّب - بما لا مزید علیه ، فلا نعید .
ثمّ إنّه ذُکِر (1) لأصل البراءة شرطان آخران:
أحدهما: أن لا یکون موجباً لثبوت حکم شرعیّ من جهةٍ أُخری .
ثانیهما: أن لا یکون موجباً للضرر علی آخر .
ولا یخفی: أنّ أصالة البراءة عقلاً ونقلاً فی الشبهة البدویّة بعد الفحص لا محالة تکون جاریةً . وعدمُ استحقاق العقوبة - الثابت بالبراءة العقلیّة - والإباحةُ أو (2) رفعُ التکلیف - الثابتُ بالبراءة النقلیّة - لو کان موضوعاً لحکم شرعیّ أو ملازماً له ، فلا محیص عن ترتّبه علیه بعد إحرازه .
[*حیدری فسایی]
فإن لم یکن مترتّباً علیه ، بل علی نفی التکلیف واقعاً ، فهی وإن کانت جاریة ، إلّاأنّ ذاک الحکم لا یترتّب ؛ لعدم ثبوت ما یترتّب علیه بها ، وهذا لیس بالاشتراط .
وأمّا اعتبار أن لا یکون موجباً للضرر: فکلّ مقام تعمّه قاعدةُ نفی الضرر ، وإن لم یکن مجال فیه لأصالة البراءة - کما هو حالها مع سائر القواعد الثابتة بالأدلّة الاجتهادیّة - ، إلّاأ نّه حقیقةً لا یبقیٰ لها موردٌ ؛ بداهةَ أنّ الدلیل الاجتهادیّ یکون بیاناً وموجباً للعلم بالتکلیف ولو ظاهراً ، فإن کان المراد من الاشتراط ذلک ، فلابدّ من اشتراط أن لا یکون علی خلافها دلیل اجتهادیّ ، لا خصوص قاعدة الضرر ، فتدبّر ، والحمد للّٰه علی کلّ حال .
[شماره صفحه واقعی : 192]
ص: 341
ثمّ إنّه لا بأس بصرف الکلام إلی بیان قاعدة الضرر والضرار علی نحو الاقتصار ، وتوضیحِ مدرکها ، وشرح مفادها ، وإیضاح نسبتها مع الأدلّة المثبتة للأحکام الثابتة للموضوعات بعناوینها الأوّلیّة أو الثانویّة ، وإن کانت أجنبیّة عن مقاصد الرسالة ، إجابةً لا لتماس بعض الأحبّة ، فأقول وبه أستعین:
إنّه قد استدلّ علیها بأخبارٍ کثیرة:
منها: موثّقة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام : «إنّ سَمُرة بن جُنْدَب کان له عَذْقٌ فی حائطٍ لرَجُلٍ مِنَ الأنصار ، وکان منزل الأنصاریّ بباب البستانِ ، وکان سَمُرة یَمُرّ إلی نخلتِهِ ولا یستَأذِنُ ، فکَلّمَهُ الأنصاریّ أن یستأذنَ إذا جاء ، فأبیٰ سَمُرة ، فجاء الأنصاریّ إلی النبیّ صلی الله علیه و آله ، فَشَکیٰ إلیه ، فأخبره بالخَبر ، فأرسل رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله ، وأخبرَه بقول الأنصاریّ وما شکاه ، فقال: إذا أردتَ الدخُول فاستأذِن ، فأبیٰ ، فلمّا أبیٰ فساومه حتّی بلغَ مِنَ الَثمن ما شاء اللّٰه ، فأبیٰ أن یبیعه ، فقال: لَکَ بِها عذْقٌ فی الجنّة ، فأبیٰ أن یقبل ، فقال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله للأنصاریّ: اذهَب فاقلَعْها وارْمِ بها إلیه ، فإنّه لا ضرر ولا ضِرار» (1) .
وفی روایة الحذّاء عن أبی جعفر علیه السلام مثل ذلک ، إلّاأ نّه فیها بعد الإباء:
«ما أراک یا سمرة إلّامضارّاً ؛ اذهَبْ یا فلان ، فاقلَعْها وارْمِ بها وجْهَه» (2) .
[شماره صفحه واقعی : 193]
ص: 342
إلی غیر ذلک من الروایات الواردة فی قصّة سمرة وغیرها (1) . وهی کثیرة ،
[*حیدری فسایی]
وقد ادُّعی (2) تواترها مع اختلافها لفظاً ومورداً ، فلیکن المراد به تواترها إجمالاً ، بمعنی القطع بصدور بعضها .
والإنصاف: أ نّه لیس فی دعوی التواتر کذلک جزافٌ . وهذا مع استناد المشهور إلیها موجبٌ لکمال الوثوق بها وانجبارِ ضعفها ؛ مع أنّ بعضها موثّقة (3) ، فلا مجال للإشکال فیها من جهة سندها ، کما لا یخفی .
وأمّا دلالتها: فالظاهر أنّ « الضرر » هو ما یقابل النفع - من النقص فی النفس أو الطرف أو العِرْض أو المال - تقابلَ العدم والملکة .
معنی «الضرار» کما أنّ الأظهر : أن یکون « الضرار » بمعنی الضرر ، جیء به تأکیداً - کما یشهد به إطلاق « المضارّ » علی سَمُرة ، وحکی عن النهایة (4) - ، لا فعل الاثنین ، وإن کان هو الأصل فی باب المفاعلة ، ولا الجزاء علی الضرر ؛ لعدم تعاهده من باب المفاعلة .
وبالجملة: لم یثبت له معنیً آخَرُ غیر الضرر .
[شماره صفحه واقعی : 194]
ص: 343
کما أنّ الظاهر : أن یکون «لا» لنفی الحقیقة - کما هو الأصل فی هذا الترکیب (1) - حقیقةً أو ادّعاءً ، کنایةً عن نفی الآثار ، کما هو الظاهر من مثل : «لا صلاة لجار المسجد إلّافی المسجد» (2) ، و«یا أشباه الرجالِ ولا رجال» (3) ؛ فإنّ قضیّة البلاغة فی الکلام هو إرادة نفی الحقیقة ادّعاءً ،
[*حیدری فسایی]
لا نفی الحکم أو الصفة ، کما لا یخفی .
ونفیُ الحقیقة ادّعاءً بلحاظ الحکم أو الصفة ، غیرُ نفی أحدهما ابتداءً مجازاً فی التقدیر أو فی الکلمة ، ممّا (4) لا یخفی علی من له معرفة بالبلاغة .
وقد انقدح بذلک : بُعْدُ إرادةِ نفی الحکم الضرریّ (5) ، أو الضرر غیر المتدارک (6) ، أو إرادةِ النهی من النفی جدّاً (7) ؛ ضرورة بشاعة استعمال الضرر وإرادة خصوص سبب من أسبابه ، أو خصوصِ غیر المتدارک منه .
ومثله لو أُرید ذاک بنحو التقیید ، فإنّه وإن لم یکن ببعید ، إلّاأ نّه بلا دلالةٍ علیه غیر سدید .
وإرادة النهی من النفی وإن کان لیس بعزیز ، إلّاأ نّه لم یُعهد من مثل هذا الترکیب .
وعدم إمکان إرادة نفی الحقیقة حقیقةً لا یکاد یکونُ قرینةً علی إرادة
[شماره صفحه واقعی : 195]
ص: 344
واحدٍ منها (1) ، بَعْدَ إمکان حمله علی نفیها ادّعاءً ، بل کان هو الغالب فی موارد استعماله .
ثمّ الحکم الّذی أُرید نفیه بنفی الضرر هو الحکم الثابتُ للأفعال بعناوینها ، أو المتوهّمُ ثبوتُه لها کذلک فی حال الضرر ، لا الثابتُ له بعنوانه ؛ لوضوح أ نّه العلّة للنفی ، ولا یکاد یکون الموضوع یمنع عن حکمه وینفیه ، بل یُثبته ویقتضیه .
صوت
[*حیدری فسایی]
ومن هنا لا یلاحظ النسبة بین أدلّة نفیه وأدلّة الأحکام ، وتُقدّم أدلّته علی أدلّتها ، - مع أ نّها عمومٌ من وجه - ؛ حیث إنّه یوفّق بینهما عرفاً بأنّ الثابت للعناوین الأوّلیّة اقتضائیّ ، یمنع عنه فعلاً ما عرض علیها من عنوان الضرر بأدلّته ، کما هو الحال فی التوفیق بین سائر الأدلّة المثبتة أو النافیة لحکم الأفعال بعناوینها الثانویّة ، والأدلّةِ المتکفّلة لحکمها بعناوینها الأوّلیّة .
نعم ، ربّما یعکس الأمر فی ما أُحرز - بوجهٍ معتبرٍ - أنّ الحکم فی المورد لیس بنحو الاقتضاء ، بل بنحو العلّیّة التامّة .
وبالجملة: الحکم الثابت بعنوان أوّلیّ :
تارةً : یکون بنحو الفعلیّة مطلقاً ، أو بالإضافة إلی عارض دون عارضٍ ، بدلالة لایجوز الإغماض عنها بسبب دلیل حکم العارض المخالف له ، فیقدّم دلیل ذاک العنوان علی دلیله .
[*حیدری فسایی]
[*حیدری فسایی]
وأُخری : یکون علی نحوٍ لو کانت هناک دلالة للزم الإغماض عنها
[شماره صفحه واقعی : 196]
ص: 345
بسببه عرفاً ، حیث کان اجتماعهما قرینةً علی أ نّه بمجرّد المقتضی ، وأنّ العارض مانع فعلیّ . هذا ولو لم نقل بحکومة دلیله علی دلیله ؛ لعدم ثبوت نظره إلی مدلوله ، کما قیل (1) .
ثمّ انقدح بذلک : حال توارد دلیلی العارضین ، کدلیل نفی العسر ودلیل نفی الضرر مثلاً ، فیعامل معهما معاملة المتعارضین لو لم یکن من باب تزاحم المقتضیین ، وإلّا فیقدّم ما کان مقتضیه أقوی ، وإن کان دلیل الآخر أرجح وأولی .
ولا یبعد : أنّ الغالب فی توارد العارضین أن یکون من ذاک الباب ، بثبوت (2) المقتضی فیهما مع تواردهما ، لا من باب التعارض ؛ لعدم ثبوته إلّافی أحدهما ، کما لا یخفی .
هذا حال تعارض الضرر مع عنوان أوّلیّ أو ثانویّ آخر .
وأمّا لو تعارض مع ضرر آخر ، فمجمل القول فیه:
أنّ الدوران ، إن کان بین ضررَیْ شخصٍ واحد أو اثنین ، فلا مسرح إلّا لاختیار أقلّهما لو کان ، وإلّا فهو مختار .
وأمّا لو کان بین ضرر نفسه وضرر غیره ، فالأظهر عدم لزوم تحمّله الضررَ ، ولو کان ضرر الآخر أکثر ؛ فإنّ نفیه یکون للمنّة علی الأُمّة ، ولا مِنّة علی تحمّل الضرر لدفعه عن الآخر ، وإن کان أکثر .
نعم ، لو کان الضرر متوجّهاً إلیه ، لیس (3) له دفعه عن نفسه بإیراده علی الآخر .
[شماره صفحه واقعی : 197]
ص: 346
اللهم إلّاأن یقال (1): إن نفی الضرر وإن کان للمنّة ، إلّاأ نّه بلحاظ نوع الأُمّة ، واختیار الأقلّ بلحاظ النوع منّة ، فتأمّل .
[شماره صفحه واقعی : 198]
ص: 347
صوت
[*حیدری فسایی]
وفی حجّیّته - إثباتاً ونفیاً - أقوال للأصحاب (1) .
ولا یخفی: أنّ عباراتهم فی تعریفه وإن کانت شتّیٰ ، إلّاأ نها تشیر إلی مفهومٍ واحد ومعنیً فارد ، وهو : «الحکم ببقاء حکم أو موضوع ذی حکم شُکّ فی بقائه» :
إمّا من جهة بناء العقلاء علی ذلک فی أحکامهم العرفیّة مطلقاً ، أو فی الجملة تعبّداً ، أو للظنّ به الناشئ من ملاحظة ثبوته سابقاً .
وإمّا من جهة دلالة النصّ ، أو دعوی الإجماع علیه کذلک ، حَسَبما تأتی الإشارة (2) إلی ذلک مفصّلاً .
ولا یخفی: أنّ هذا المعنیٰ هو القابل لأن یقع فیه النزاع والخلاف فی نفیه وإثباته - مطلقاً أو فی الجملة - وفی وجه ثبوته علی أقوال (3) .
[شماره صفحه واقعی : 199]
ص: 348
ضرورةَ أ نّه لو کان الاستصحاب هو نفس بناء العقلاء علی البقاء ، أو الظنّ به الناشئ من العلم بثبوته ، لَما تقابل فیه الأقوال ، ولَما کان النفی والإثبات واردین علی موردٍ واحد ، بل موردین (1) .
وتعریفه بما ینطبق علی بعضها (2) ، وإن کان ربما یوهم أن لا یکون هو الحکم بالبقاء ، بل ذاک الوجه ، إلّاأ نّه حیث لم یکن بحدٍّ ولا رسم ، بل من قبیل شرح الاسم - کما هو الحال فی التعریفات غالباً - لم یکن له دلالةٌ علی أ نّه نفس الوجه ، بل للإشارة إلیه من هذا الوجه . ولذا لا وقْع للإشکال علی ما ذکر فی تعریفه بعدم الطرد أو العکس ، فإنّه لم یکن به - إذا لم یکن بالحدّ أو الرسم - بأس .
فانقدح : أنّ ذکْرَ تعریفات القوم له - وما ذُکر فیها من الإشکال - بلا حاصل ، وطولٌ (3) بلا طائل .
صوت
[*حیدری فسایی]
ثمّ لا یخفی: أنّ البحث فی حجّیّته مسألة اصولیّة ؛ حیث یبحث فیها لتمهید قاعدةٍ تقع فی طریق استنباط الأحکام الفرعیّة . ولیس مفادها حکمَ العمل بلا واسطة ، وإن کان ینتهی إلیه ، کیف ؟ وربما لا یکون مجری الاستصحاب إلّا حکماً اصولیّاً ، کالحجّیّة مثلاً .
هذا لو کان الاستصحاب عبارةً عمّا ذکرنا .
[شماره صفحه واقعی : 200]
ص: 349
وأمّا لو کان عبارةً عن بناء العقلاء علی بقاء ما علم ثبوته ، أو الظنِ ّ به الناشئ من ملاحظة ثبوته ، فلا إشکالَ فی کونه مسألة اصولیّة .
وکیف کان ، فقد ظهر ممّا ذکرنا فی تعریفه اعتبار أمرین فی مورده: القطعِ بثبوت شیءٍ ، والشکِ ّ فی بقائه .
ولا یکاد یکون الشکّ فی البقاء إلّامع اتّحاد القضیّة المشکوکة والمتیقّنة ، بحسب الموضوع والمحمول . وهذا ممّا لا غبار علیه فی الموضوعات الخارجیّة فی الجملة .
وأمّا الأحکامُ الشرعیّة ، - سواء کان مدرکها العقل أم النقل - ، فیُشکلُ حصوله فیها ؛ لأنّه لا یکاد یشکّ فی بقاء الحکم إلّامن جهة الشکّ فی بقاء موضوعه ، بسبب تغیُّرِ بعض ما هو علیه ، ممّا احتمل دخله فیه حدوثاً أو بقاءً ، وإلّا لَما تخلّف (1) الحکمُ عن موضوعه إلّابنحو البداء بالمعنی المستحیل فی حقّه - تعالی - ، ولذا کان النسخُ بحسب الحقیقة دفعاً ، لا رفعاً .
صوت
[*حیدری فسایی]
ویندفعُ هذا الإشکال بأنّ الاتّحاد فی القضیّتین بحسبهما ، وإن کان ممّا لا محیص عنه فی جریانه ، إلّاأ نّه لمّا کان الاتّحاد بحسب نظر العرف کافیاً فی تحقّقه ، وفی صدق الحکم ببقاء ما شکّ فی بقائه ، وکان بعض ما علیه الموضوع من الخصوصیّات الّتی یقطع معها بثبوت الحکم له ، ممّا یعدّ بالنظر العرفیّ من حالاته - وإن کان واقعاً من قیوده ومقوّماته - کان جریان الاستصحاب فی الأحکام الشرعیّة الثابتة لموضوعاتها عند الشکّ فیها - لأجل طروء انتفاء بعض ما احتمل دخله فیها ، ممّا عُدَّ من حالاتها ، لا من مقوِّماتها - بمکانٍ من الإمکان ؛ ضرورةَ صحّة إمکان دعویٰ بناء العقلاء علی البقاء تعبّداً ، أو لکونه
[شماره صفحه واقعی : 201]
ص: 350
مظنوناً ولو نوعاً ، أو دعویٰ دلالة النصّ ، أو قیامِ الإجماع علیه قطعاً ، بلا تفاوتٍ فی ذلک بین کون دلیل الحکم نقلاً أو عقلاً (1) .
أمّا الأوّل: فواضحٌ .
وأمّا الثانی: فلأنّ الحکمَ الشرعیّ المستکشف به عند طروء انتفاء ما احتمل دخله فی موضوعه - ممّا لا یریٰ مقوِّماً له - کان مشکوکَ البقاء عرفاً ؛
[*حیدری فسایی]
لاحتمال عدم دخله فیه واقعاً ، وإن کان لا حکم للعقل بدونه قطعاً .
إن قلت: کیف هذا ؟ مع الملازمة بین الحکمین .
قلت: ذلک لأنّ الملازمة إنّما تکون فی مقام الإثبات والاستکشاف ، لا فی مقام الثبوت ، فعدمُ استقلال العقل إلّافی حالٍ غیرُ مُلازمٍ لعدم حکم الشرع فی غیر تلک الحال (2) ؛ وذلک لاحتمال أن یکون ما هو ملاک حکم الشرع - من المصلحة أو المفسدة الّتی هی ملاک حکم العقل - کان علی حاله فی کلتا الحالتین ، وإن لم یدرکه إلّافی إحداهما ؛ لاحتمال عدم دخل تلک الحالة فیه ، أو احتمالِ أن یکون معه ملاک آخر بلا دخلٍ لها فیه أصلاً ، وإن کان لها دخلٌ فی ما اطّلع علیه من الملاک .
[شماره صفحه واقعی : 202]
ص: 351
وبالجملة: حکم الشرع إنّما یتبع ما هو ملاک حکم العقل واقعاً ، لا ما هو مناط حکمه فعلاً . وموضوعُ حکمه کذلک ممّا لا یکاد یتطرّق إلیه الإهمال والإجمال ، مع تطرّقه إلی ما هو موضوع حکمه شأناً ، وهو ما قام به ملاک حکمه واقعاً ، فربّ خصوصیّة لها دخلٌ فی استقلاله مع احتمال عدم دخله ، فبدونها لا استقلال له بشیءٍ قطعاً ، مع احتمال بقاء ملاکه واقعاً ، ومعه یحتمل بقاء حکم الشرع جدّاً ؛ لدورانه معه وجوداً وعدماً ، فافهم وتأمّل جیّداً .
ثمّ إنّه لا یخفی اختلاف آراء الأصحاب فی حجّیّة الاستصحاب مطلقاً ، وعدمِ حجّیّته کذلک ، والتفصیل بین الموضوعات والأحکام ، أو بین ما کان الشکّ فی الرافع وما کان فی المقتضی ، إلی غیر ذلک من التفاصیل الکثیرة ، علی أقوال شتّیٰ لا یهمُّنا نقلها ونقل ما ذکر من الاستدلال علیها .
صوت
[*حیدری فسایی]
وإنّما المهمّ الاستدلال علی ما هو المختار منها - وهو الحجّیّة مطلقاً - علی نحوٍ یظهر بطلانُ سائرها .
فقد استدلّ علیه (1) بوجوه:
الوجه الأوّل: استقرار بناء العقلاء من الإنسان - بل ذوی الشعور من کافّة أنواع الحیوان - علی العمل علی طبق الحالة السابقة ، وحیث لم یردع عنه الشارع کان ماضیاً .
وفیه أوّلاً: منعُ استقرار بنائهم علی ذلک تعبّداً ، بل إمّا رجاءً واحتیاطاً ، أو اطمئناناً بالبقاء ، أو ظنّاً (2) - ولو نوعاً - ، أو غفلةً ، کما هو الحال فی سائر
[شماره صفحه واقعی : 203]
ص: 352
الحیوانات دائماً ، وفی الإنسان أحیاناً .
وثانیاً: سلّمنا ذلک ، لکنّه لم یعلم أنّ الشارع به راضٍ ، وهو عنده ماضٍ ، ویکفی فی الردع عن مثله : ما دلّ من الکتاب والسنّة علی النهی عن اتّباع غیر العلم ، وما دلّ علی البراءة أو الاحتیاط فی الشبهات ، فلا وجه لاتّباع هذا البناء فی ما لابدّ فی اتّباعه من الدلالة علی إمضائه ، فتأمّل جیّداً .
الوجه الثانی: أنّ الثبوت فی السابق موجبٌ للظنّ به فی اللاحق (1) .
وفیه: منع اقتضاء مجرّد الثبوت للظنّ بالبقاء فعلاً ولا نوعاً ، فإنّه لا وجه له أصلاً ، إلّاکون الغالب فی ما ثبت أن یدومَ ، مع إمکان أن لا یدوم ، وهو غیر معلوم .
ولو سلّم ، فلا دلیلَ علی اعتباره بالخصوص ، مع نهوض الحجّة علی عدم اعتباره بالعموم .
الوجه الثالث: دعوی الإجماع علیه ، کما عن المبادئ ، حیث قال:
«الاستصحاب حجّة ؛ لإجماع الفقهاء علی أ نّه متیٰ حصل حکمٌ ، ثمّ وقع الشکُّ فی أ نّه طرأ ما یزیله أم لا ، وجب الحکم ببقائه علی ما کان أوّلاً ، ولولا القول بأنّ الاستصحاب حجّة (2) ، لکان ترجیحاً لأحد طرفی الممکن من غیر مرجّح» (3) ، انته . وقد نُقل عن غیره (4) أیضاً .
[شماره صفحه واقعی : 204]
ص: 353
وفیه: أنّ تحصیل الإجماع فی مثل هذه المسألة - ممّا له مبانٍ مختلفة - فی غایة الإشکال ، ولو مع الاتّفاق ، فضلاً عمّا إذا لم یکن ، وکان مع الخلاف من المعظم (1) ؛ حیث ذهبوا إلی عدم حجّیّته مطلقاً ، أو فی الجملة ، ونقْلُه موهون جدّاً لذلک ، ولو قیل بحجّیّته لو لا ذلک .
الوجه الرابع: - وهو العمدة فی الباب - الأخبار المستفیضة :
منها: صحیحة زرارة . قال: قلت له: الرجلُ ینام وهو علی وضوء ، أتوجب الخفقة والخفقتان علیه الوضوءَ ؟
قال: «یا زرارة ! قد تنام العین ولا ینام القلب والأُذُن ، فإذا نامت العین والأُذن والقلب فقد وجب الوضوء» .
قلت: فإن حُرِّک فی جنبه شیءٌ وهو لا یعلم ؟
قال: «لا ، حتّی یستیقن أ نّه قد نام ، حتّی یجیء من ذلک أمرٌ بیّن ، وإلّا فإنّه علی یقین من وضوئه ، ولا ینقض الیقین أبداً بالشکّ ، ولکنّه ینقضه بیقین آخر» (2) .
[*حیدری فسایی]
وهذه الروایة وإن کانت مضمَرة ، إلّاأنّ إضمارها لا یضرُّ باعتبارها ، حیث کان مُضمِرها مثلَ زرارة ، وهو ممّن لا یکاد یستفتی من غیر
[شماره صفحه واقعی : 205]
ص: 354
الإمام علیه السلام ، لا سیّما مع هذا الاهتمام .
وتقریب الاستدلال بها أ نّه لا ریب فی ظهور قوله علیه السلام : «وإلّا فإنّه علی یقین ...» عرفاً فی النهی عن نقض الیقین بشیءٍ بالشکّ فیه ، وأ نّه علیه السلام بصدد بیان ما هو علّة الجزاء المستفاد من قوله علیه السلام : «لا» فی جواب: «فإن حُرّک فی جنبه ...» ، وهو اندراج الیقین والشکّ فی مورد السؤال ، فی القضیّة الکلّیّة الارتکازیّة غیر المختصّة بباب دون باب .
واحتمال : أن یکون الجزاء هو قوله: «فإنّه علی یقین ...» غیرُ سدید ؛ فإنّه لا یصحّ إلّابإرادة لزوم العمل علی طبق یقینه ، وهو إلی الغایة بعیدٌ .
وأبعد منه کونُ الجزاء قوله: «لا ینقض ...» ، وقد ذکر: «فإنّه علی یقین» للتمهید .
وقد انقدح بما ذکرنا : ضعف احتمال اختصاص قضیّة «لا تنقض ...» بالیقین والشکّ فی باب الوضوء (1) جدّاً ؛ فإنّه ینافیه ظهورُ التعلیل فی أ نّه بأمر ارتکازیّ لا تعبّدیّ قطعاً .
ویؤیّده : تعلیل الحکم بالمضیّ مع الشکّ فی غیر الوضوء ، - فی غیر هذه الروایة - بهذه القضیّة ، أو ما یرادفها ، فتأمّل جیّداً ، هذا .
مع أ نّه لا موجب لاحتماله إلّااحتمال کون اللام فی « الیقین » للعهد ، إشارةً إلی الیقین فی «فإنّه علی یقین من وضوئه» ، مع أنّ الظاهر أ نّه للجنس ،
[شماره صفحه واقعی : 206]
ص: 355
کما هو الأصل فیه ، وسَبْقُ «فإنّه علی یقین ...» لا یکون قرینةً علیه ، مع کمال الملائمة مع الجنس أیضاً ، فافهم .
[*حیدری فسایی]
مع أ نّه غیر ظاهر فی الیقین بالوضوء ؛ لقوّة احتمال أن یکون «من وضوئه» متعلّقاً بالظرف ، لا ب «یقین» ، وکان المعنی: فإنّه کان من طرف وضوئه علی یقین ، وعلیه لا یکون الأوسط (1) إلّاالیقین ، لا الیقین بالوضوء ، کما لا یخفی علی المتأمّل .
وبالجملة: لا یکاد یشکّ فی ظهور القضیّة فی عموم الیقین والشکّ ، خصوصاً بعد ملاحظة تطبیقها فی الأخبار علی غیر الوضوء أیضاً .
ثمّ لا یخفی حُسْن إسناد النقض - وهو ضدّ الإبرام - إلی الیقین (2) ، ولو کان متعلّقاً بما لیس فیه اقتضاء البقاء والاستمرار ، لِما یتخیّل فیه من الاستحکام ، بخلاف الظنّ ، فإنّه یظنُّ أ نّه لیس فیه إبرام واستحکام ، وإن کان متعلّقاً بما فیه اقتضاء ذلک ،
[*حیدری فسایی]
وإلّا لصحّ أن یُسنَد إلی نفس ما فیه المقتضی له ، مع رکاکة مثل : نقضتُ الحجر من مکانه ، ولما صحّ أن یقال: انتقض الیقین باشتعال السراج ، فی ما إذا شکّ فی بقائه للشکّ فی استعداده ، مع بداهة صحّته وحسنه .
وبالجملة: لا یکاد یشکّ فی أنّ الیقین - کالبیعة والعهد - إنّما یکون حُسْن إسناد النقض إلیه بملاحظته ، لا بملاحظة متعلّقه ، فلا موجب لإرادة ما هو
[شماره صفحه واقعی : 207]
ص: 356
أقرب إلی الأمر المبرم ، أو أشبه بالمتین المستحکم ممّا فیه اقتضاء البقاء ؛ لقاعدة: « إذا تعذّرت الحقیقة فأقرب المجازات » (1) ، بعدَ تعذُّر إرادة مثل ذاک الأمر ، ممّا یصحّ إسناد النقض إلیه حقیقةً .
فإن قلت (2): نعم ، ولکنّه حیث لا انتقاض للیقین فی باب الاستصحاب حقیقةً ، فلو لم یکن هناک اقتضاء البقاء فی المتیقّن ، لما صحّ إسناد الانتقاض إلیه بوجهٍ ولو مجازاً ، بخلاف ما إذا کان هناک ، فإنّه وإن لم یکن معه أیضاً انتقاضٌ حقیقةً ، إلّاأ نّه صحّ إسناده إلیه مجازاً ، فإنّ الیقین معه کأ نّه تعلّق بأمرٍ مستمرّ مستحکم ، قد انحلّ وانفصم بسبب الشکّ فیه ، من جهة الشکّ فی رافعه .
قلت: الظاهر : أنّ وجه الإسناد هو لحاظ اتّحاد متعلّقی الیقین والشکّ ذاتاً ، وعدمُ ملاحظة تعدّدهما زماناً ، وهو کافٍ عرفاً فی صحّة إسناد النقض إلیه واستعارته له ، بلا تفاوتٍ فی ذلک أصلاً - فی نظر أهل العرف - بین ما کان هناک اقتضاء البقاء وما لم یکن .
وکونه مع المقتضی أقرب بالانتقاض وأشبه ، لا یقتضی تعیینه (3) لأجل قاعدة : « إذا تعذّرت الحقیقة » ؛ فإنّ الاعتبار فی الأقربیّة إنّما هو بنظر العرف لا الاعتبار ، وقد عرفت عدم التفاوت بحسب نظر أهله .
هذا کلّه فی المادّة .
[*حیدری فسایی]
وأمّا الهیئة ، فلا محالة یکون المراد منها : النهی عن الانتقاض بحسب
[شماره صفحه واقعی : 208]
ص: 357
البناء والعمل ، لا الحقیقة ؛ لعدم کون الانتقاض بحسبها تحت الاختیار ، سواء کان متعلّقاً بالیقین - کما هو ظاهر القضیّة - أو بالمتیقّن ، أو بآثار الیقین ، بناءً علی التصرّف فیها بالتجوّز ، أو الإضمار ؛ بداهةَ أ نّه کما لا یتعلّق النقضُ الاختیاریّ - القابل لورود النهی علیه - بنفس الیقین ، کذلک لا یتعلّق بما کان علی یقینٍ منه ، أو أحکامِ الیقین ، فلا یکاد یجدی التصرّفُ بذلک فی بقاء الصیغة علی حقیقتها ، فلا مجوِّز له ، فضلاً عن الملزم ، کما تُوهّم (1) .
لا یقال: لا محیصَ عنه (2) ؛ فإنّ النهی عن النقض بحسب العمل ، لا یکاد یراد بالنسبة إلی الیقین وآثاره ؛ لمنافاته مع المورد .
فإنّه یقال: إنّما یلزم لو کان الیقین ملحوظاً بنفسه وبالنظر الاستقلالیّ ، لا ما إذا کان ملحوظاً بنحو المرآتیّة وبالنظر الآلیّ ،
[*حیدری فسایی]
کما هو الظاهر فی مثل قضیّة «لا تنقض الیقین» ؛ حیث تکون ظاهرة عرفاً فی أ نّها کنایةٌ عن لزوم البناء والعمل ، بالتزام (3) حکم مماثل للمتیقّن تعبّداً إذا کان حکماً ، ولحکمه إذا کان موضوعاً ، لا عبارةً عن لزوم العمل بآثار نفس الیقین ، بالالتزام بحکمٍ
[شماره صفحه واقعی : 209]
ص: 358
مماثل لحکمه شرعاً ؛ وذلک لسرایة الآلیّة والمرآتیّة من الیقین الخارجیّ إلی مفهومه الکلّیّ ، فیؤخذ فی موضوع الحکم فی مقام بیان حکمه ، مع عدم دخله فیه أصلاً ، کما ربما یؤخذ فی ما له دخلٌ فیه ، أو تمام الدخل ، فافهم .
ثمّ إنّه حیث کان کلٌّ من الحکم الشرعیّ وموضوعه مع الشکّ ، قابلاً للتنزیل بلا تصرّفٍ وتأویل ، غایة الأمر تنزیلُ الموضوع بجعل مماثلِ حکمه ، وتنزیلُ الحکم بجعل مثله - کما اشیر الیه آنفاً (1) - ، کان قضیّةُ «لا تنقض» ظاهرةً فی اعتبار الاستصحاب فی الشبهات الحکمیّة والموضوعیّة . واختصاص المورد بالأخیرة لا یوجب تخصیصها بها ، خصوصاً بعد ملاحظة أ نّها قضیّةٌ کلّیّة ارتکازیّة ، قد أُتی بها فی غیر موردٍ لأجل الاستدلال بها علی حکم المورد ، فتأمّل .
صوت
[*حیدری فسایی]
ومنها: صحیحة أُخری لزرارة . قال: قلتُ له: أصابَ ثوبی دمُ رُعافٍ أو غیرهِ أو شیءٌ مِن المَنیّ ، فَعَلَّمْتُ أثرَه إلی أن اصیبَ له الماء ، فحضرتُ (2) الصلاة ، ونسیت أنّ بثوبی شیئاً ، وصلّیتُ ، ثمّ إنّی ذکرتُ بعد ذلک ؟
قال: «تعیدُ الصلاة ، وتغسلهُ» .
قلتُ: فإن لم أکن رأیتُ موضِعه ، وعَلِمتُ أ نّه قد أصابه ، فطلبته ولم أقدر علیه ، فلمّا صلّیتُ وجدتُه ؟
قال: «تغسله ، وتعید» .
قلت: فإن ظننت أ نّه قد أصابه ولم أتیقّن ذلک ، فنظرتُ فلَم أرَ شَیئاً ، فصلّیت ، فرأیت فیه ؟
[شماره صفحه واقعی : 210]
ص: 359
قال: «تغسله ، ولا تعید الصلاة» .
قلتُ: لِمَ ذلک ؟
قال: «لأ نّک کنتَ علی یقین من طهارتک فشککت ، فلیس ینبغی لَکَ أن تنقض الیقین بالشکّ أبداً» .
قلت: فإنّی قد عَلِمت أ نّه قد أصابه ولم أدرِ أینَ هو ، فأغسِله ؟
قال: «تغسِل من ثوبک الناحیةَ الّتی تریٰ أ نّه قد أصابها ، حتّی تکون علی یقینٍ من طهارتک» .
قلت: فهل علیَّ إن شککتُ فی أ نّه أصابه شیءٌ أن أنظر فیه ؟
قال: «لا ، ولکنّک إنّما ترید أن تُذهب الشکّ الّذی وقَع فی نفسِک» .
قلت: إن رأیتُه فی ثوبی وأنا فی الصلاة ؟
قال: «تنقض الصلاة وتعید ، إذا شککت فی موضِع منه ثمَّ رأیته ، وإن لم تشُکّ ثمّ رأیته رَطباً قطعتَ الصلاة ، وغسلتَه ، ثمّ بنیتَ علی الصلاة ؛ لأنّک لا تدری لعلّه شیءٌ اوقعَ علیک ، فلیس ینبغی أن تنقُضَ الیقین بالشکّ» (1) .
وقد ظهر ممّا ذکرنا فی الصحیحة الاُولی تقریبُ الاستدلال بقوله:
«فلیس ینبغی أن تنقض الیقین بالشکّ» فی کلا الموردین ، ولا نعید .
نعم ، دلالته فی المورد الأوّل علی الاستصحاب مبنیٌّ علی أن یکون المراد من « الیقین » فی قوله علیه السلام : «لأ نّک کنت علی یقین من طهارتک» :
الیقینَ بالطهارة قبلَ ظنِّ الإصابة ، کما هو الظاهر ؛ فإنّه لو کان المراد منه الیقینَ الحاصل بالنظر والفحص بعده - الزائل بالرؤیة بعد الصلاة - کان مفاده قاعدةَ الیقین ، کما لا یخفی .
[شماره صفحه واقعی : 211]
ص: 360
صوت
[*حیدری فسایی]
ثمّ إنّه أُشکل علی الروایة (1) بأنّ الإعادة بعد انکشاف وقوع الصلاة فی النجاسة لیست نقضاً للیقین بالطهارة بالشکّ فیها ، بل بالیقین بارتفاعها ، فکیف یصحّ أن یُعلّل عدمُ الإعادة بأ نّها نقض الیقین بالشکّ ؟ نعم ، إنّما یصحّ أن یُعلّل به جواز الدخول فی الصلاة ، کما لا یخفی (2) .
ولا یکاد یمکن التفصّی عن هذا الإشکال إلّابأن یقال: إنّ الشرط فی الصلاة فعلاً حین الالتفات إلی الطهارة هو إحرازها ، ولو بأصلٍ أو قاعدة ، لاُنفسها ، فیکون قضیّة استصحاب الطهارة حالَ الصلاة : عدمَ إعادتها ، ولو انکشف وقوعُها فی النجاسة بعدها (3) . کما أنّ إعادتها بعد الکشف ، تکشف عن جواز النقض وعدمِ حجّیّة الاستصحاب حالَها ، کما لا یخفی ، فتأمّل جیّداً .
لا یقال: لا مجال حینئذٍ لاستصحاب الطهارة ؛ فإنّها إذا لم تکن شرطاً لم تکن موضوعاً لحکم ، مع أ نّها لیست (4) بحکم ، ولا محیصَ فی الاستصحاب عن کون المستصحب حکماً أو موضوعاً لحکم .
[شماره صفحه واقعی : 212]
ص: 361
فإنّه یقال: إنّ الطهارة وإن لم تکن شرطاً فعلاً ، إلّاأ نّها غیر منعزلة عن الشرطیّة رأساً ، بل هی (1) شرط واقعیّ اقتضائیّ - کما هو قضیّة التوفیق بین بعض الإطلاقات ومثل هذا الخطاب - ، هذا .
مع کفایة کونها من قیود الشرط ؛ حیث إنّه کان إحرازُها بخصوصها - لا غیرها - شرطاً .
لا یقال: سلّمنا ذلک ، لکنّ قضیّته أن یکون علّةُ عدم الإعادة حینئذٍ - بعد انکشاف وقوع الصلاة فی النجاسة - هو إحرازَ الطهارة حالها باستصحابها ، لا الطهارة المحرَزة بالاستصحاب .
مع أنّ قضیّة التعلیل أن تکون العلّة له هی نفسها لا إحرازَها ؛
[*حیدری فسایی]
ضرورة أنّ نتیجة قوله: «لأ نّک کنت علی یقین ...» أ نّه علی الطهارة ، لا أ نّه مستصحِبها ، کما لا یخفی .
فإنّه یقال: نعم ، ولکنّ التعلیل إنّما هو بلحاظ حال قبل انکشاف الحال ، لنکتة التنبیه علی حجّیّة الاستصحاب ، وأ نّه کان هناک استصحابٌ ، مع وضوح استلزام ذلک لأن یکون المجدی بعد الانکشاف هو ذاک الاستصحاب ، لا الطهارة ، وإلّا لما کانت الإعادة نقضاً ، کما عرفت فی الإشکال .
ثمّ إنّه لا یکاد یصحّ التعلیل لو قیل باقتضاء الأمر الظاهریّ للإجزاء ، - کما قیل (2) - ؛ ضرورةَ أنّ العلّة علیه إنّما هو اقتضاء ذلک الخطاب الظاهریّ
[شماره صفحه واقعی : 213]
ص: 362
حالَ الصلاة للإجزاء وعدمِ إعادتها ، لا لزومُ النقض من الإعادة ، کما لا یخفی .
اللهمّ إلّاأن یقال: إنّ التعلیل به إنّما هو بملاحظة ضمیمة اقتضاء الأمر الظاهریّ للإجزاء ، بتقریب : أنّ الإعادة - لو قیل بوجوبها - کانت موجبةً لنقض الیقین بالشکّ فی الطهارة قبل الانکشاف ، وعدمِ حرمته شرعاً ، وإلّا للزم عدمُ اقتضاء ذاک الأمر له ، کما لا یخفی ، مع اقتضائه شرعاً أو عقلاً ، فتأمّل (1)* .
ولعلّ ذلک مراد من قال بدلالة الروایة علی إجزاء الأمر الظاهریّ .
هذا غایة ما یمکن أن یقال فی توجیه التعلیل .
مع أ نّه لا یکاد یوجب الإشکالُ فیه ، والعجز عن التفصّی عنه إشکالاً فی دلالة الروایة علی الاستصحاب ؛ فإنّه لازمٌ علی کلّ حال ، کان مفاده قاعدتَه ، أو قاعدةَ الیقین ، مع بداهة عدم خروجه منهما ، فتأمّل جیّداً .
صوت
[*حیدری فسایی]
ومنها: صحیحة ثالثة لزرارة: «وإذا لم یدْرِ فی ثلاثٍ هو أو فی أربع ، وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إلیها أُخری ، ولا شیء علیه ، ولا ینقضُ الیقین بالشکّ ، ولا یدخل الشکّ فی الیقین ، ولا یخلطُ أحدهما بالآخر ، ولکنّه
[شماره صفحه واقعی : 214]
ص: 363
ینقضُ الشکّ بالیقین ، ویتمّ علی الیقین ، فیبنی علیه ، ولا یعتدُّ بالشکّ فی حال من الحالات» (1) .
والاستدلال بها علی الاستصحاب مبنیٌّ علی إرادة الیقین بعدم الإتیان بالرکعة الرابعة سابقاً ، والشکّ فی إتیانها .
وقد أُشکل (2) بعدم إمکان إرادة ذلک علی مذهب الخاصّة ؛ ضرورة أنّ قضیّتَه إضافةُ رکعة أُخری موصولةً ، والمذهبُ قد استقرّ علی إضافة رکعة بعد التسلیم مفصولةً . وعلی هذا یکون المراد بالیقین : الیقین بالفراغ ، بما علّمه الإمام علیه السلام من الاحتیاط بالبناء علی الأکثر ، والإتیانِ بالمشکوک بعد التسلیم مفصولةً .
الرابعة وغیره ، وأنّ المشکوکة لابدّ أن یؤتیٰ بها مفصولةً ، فافهم .
وربما أُشکل (1) أیضاً بأ نّه لو سلّم دلالتها علی الاستصحاب کانت من الأخبار الخاصّة الدالّة علیه فی خصوص المورد ، لا العامةِ لغیر مورد ؛ ضرورة ظهور الفقرات فی کونها مبنیّةً للفاعل ، ومرجع الضمیر فیها هو المصلّی الشاکّ .
وإلغاء خصوصیّة المورد لیس بذاک الوضوح ، وإن کان یؤیّده تطبیق قضیّة «لا تنقض الیقین» - وما یقاربها - علی غیر مورد .
بل دعویٰ : أنّ الظاهر من نفس القضیّة هو أنّ مناط حرمة النقض إنّما یکون لأجل ما فی الیقین والشکّ ، لا لما فی المورد من الخصوصیّة ، وأنّ مثل الیقین لا ینقض بمثل الشکّ ، غیر بعیدة .
صوت
[*حیدری فسایی]
ومنها: قوله علیه السلام : «من کان علی یقین فأصابه شکٌّ فلیمض علی یقینه ؛ فإنّ الشکّ لا ینقض الیقین» أو : «فإنّ الیقین لا یدفع بالشکّ» (2) .
وهو وإن کان یحتمل قاعدة الیقین (3) ؛ - لظهوره فی اختلاف زمان الوصفین ، وإنّما یکون ذلک فی القاعدة دون الاستصحاب ؛ ضرورة إمکان اتّحاد
[شماره صفحه واقعی : 216]
ص: 365
زمانهما - ، إلّاأنّ المتداول فی التعبیر عن مورده هو مثل هذه العبارة ، ولعلّه بملاحظة اختلاف زمان الموصوفین ، وسرایته إلی الوصفین ، لما بین الیقین والمتیقّن من نحوٍ من الاتّحاد ، فافهم ، هذا .
مع وضوح أنّ قوله: «فإنّ الشکّ لا ینقض ...» هی القضیّة المرتکزة الواردة مورد الاستصحاب فی غیر واحدٍ من أخبار الباب .
ومنها: خبر الصفّار عن علیّ بن محمّد القاسانیّ . قال: کتبتُ إلیه - وأنا بالمدینة - عن الیوم الّذی یُشکّ فیه من رمضان ، هَل یُصامُ أم لا ؟ فکتب:
«الیقینُ لا یدخلُ فیه الشکّ ، صُم للرؤیة وأفطر للرؤیة» (1) .
حیث دلّ علی أنّ الیقین بشعبان (2)(3) لا یکونُ مدخولاً بالشکّ فی بقائه وزوالِهِ بدخول شهر رمضان ، ویتفرّع علیه (4) عدم وجوب الصوم إلّابدخول شهر رمضان .
وربّما یقال: إنّ مراجعة الأخبار الواردة فی یوم الشکّ یُشْرف علی (5) القطع بأنّ المراد بالیقین هو الیقین بدخول شهر رمضان ، وأ نّه لابدّ فی وجوب
[شماره صفحه واقعی : 217]
ص: 366
الصوم ووجوب الإفطار من الیقین بدخول شهر رمضان وخروجه (1) ، وأین هذا من الاستصحاب ؟ فراجع ما عُقِد فی الوسائل (2) لذلک من الباب تجده شاهداً علیه .
صوت
[*حیدری فسایی]
ومنها : قوله علیه السلام : «کلُّ شیءٍ طاهرٌ حتّی تعلم أ نّه قذرٌ» (3) ، وقوله علیه السلام : «الماء کلُّه طاهر حتّی تعلم أ نّه نجس» (4) ، وقوله علیه السلام : «کلُّ شیءٍ لک (5) حلالٌ حتّی تعرف أ نّه حرام» (6) .
وتقریب دلالة مثل هذه الأخبار علی الاستصحاب أن یقال: إنّ الغایة فیها إنّما هی لبیان استمرار ما حُکمَ علی الموضوع واقعاً - من الطهارة والحلّیّة - ظاهراً ، ما لم یعلم بطروء ضدّه أو نقیضه ، لا لتحدید الموضوع ، کی یکون
[شماره صفحه واقعی : 218]
ص: 367
الحکم بهما قاعدةً مضروبةً لما شکّ فی طهارته أو حلّیّته ؛ وذلک لظهور المغیّا فیها فی بیان الحکم للأشیاء بعناوینها ، لا بما هی مشکوکة الحکم ، کما لا یخفی .
فهو (1) وإن لم یکن له بنفسه مساسٌ بذیل القاعدة ولا الاستصحاب ، إلّاأ نّه بغایته دلّ علی الاستصحاب ؛ حیث إنّها ظاهرة فی استمرار ذلک الحکم الواقعیّ ظاهراً ما لم یعلم بطروء ضدّه (2) أو نقیضه .
کما أ نّه لو صار مغیّا لغایةٍ - مثل الملاقاة بالنجاسة أو ما یوجب الحرمة - لدلّ علی استمرار ذاک الحکم واقعاً ، ولم یکن له حینئذٍ - بنفسه ولا بغایته - دلالةٌ علی الاستصحاب .
ولا یخفی: أ نّه لا یلزم علی ذلک استعمالُ اللفظ فی معنیین أصلاً (3) ، وإنّما یلزم لو جُعِلَت الغایة - مع کونها من حدود الموضوع وقیوده - غایةً لاستمرار حکمه ، لیدلّ علی القاعدة والاستصحاب ، من غیر تعرّضٍ لبیان الحکم الواقعیّ للأشیاء أصلاً ، مع وضوح ظهور مثل : « کلُّ شیءٍ حلالٌ » أو « طاهرٌ » ، فی أ نّه لبیان حکم الأشیاء بعناوینها الأوّلیّة ، وهکذا: «الماءُ کلّه طاهرٌ» ، وظهورِ الغایة فی کونها حدّاً للحکم لا لموضوعه ، کما لا یخفی ، فتأمّل جیّداً .
[شماره صفحه واقعی : 219]
ص: 368
ولا یذهب علیک : أ نّه بضمیمة عدم القول بالفصل قطعاً بین الحلّیّة والطهارة وبین سائر الأحکام ، لعمّ (1) الدلیل وتمّ .
ثمّ لا یخفی: أنّ ذیل موثّقة عمّار: «فإذا علمتَ فقد قذر ، وما لم تعلم فلیس علیک» (2) یؤیّد ما استظهرنا منها ، من کون الحکم المغیّا واقعیّاً ثابتاً للشیء بعنوانه ، لا ظاهریّاً ثابتاً له بما هو مشتبه ؛
[*حیدری فسایی]
لظهوره فی أ نّه متفرّع علی الغایة وحدها ، وأ نّه بیان لها وحدها - منطوقها ومفهومها - ، لا لها مع المغیّا ، کما لا یخفیٰ علی المتأمّل .
ثمّ إنّک إذا حقّقت ما تلونا علیک ممّا هو مفاد الأخبار ، فلا حاجة فی إطالة الکلام فی بیان سائر الأقوال ، والنقض والإبرام فی ما ذکر لها من الاستدلال .
ولا بأس بصرفه إلی تحقیق حال الوضع : وأ نّه حکم مستقلّ بالجعل - کالتکلیف - ، أو منتزع عنه وتابعٌ له فی الجعل ، أو فیه تفصیل ؟ حتّیٰ یظهر حال ما ذکر هاهنا بین التکلیف والوضع من التفصیل .
فنقول - وباللّٰه الاستعانة - :
لا خلاف - کما لا إشکال - فی اختلاف التکلیف والوضع مفهوماً ، واختلافهما فی الجملة مورداً ؛ لبداهة ما بین مفهوم السببیّة أو الشرطیّة ، ومفهوم مثل الإیجاب أو الاستحباب من المخالفة والمباینة .
کما لا ینبغی النزاع فی صحّة تقسیم الحکم الشرعیّ إلی التکلیفیّ والوضعیّ ؛ بداهة أنّ الحکم وإن لم یصحّ تقسیمه إلیهما ببعض معانیه ، ولم یکَدْ
[شماره صفحه واقعی : 220]
ص: 369
یصحّ إطلاقه علی الوضع ، إلّاأنّ صحّة تقسیمه بالبعض الآخر إلیهما ، وصحّةَ إطلاقه علیه بهذا المعنی ، ممّا لا یکاد یُنکر ، کما لا یخفی . ویشهد به کثرة إطلاق الحکم علیه فی کلماتهم . والالتزام بالتجوّز فیه کما تریٰ .
صوت
[*حیدری فسایی]
وکذا لا وقْع للنزاع فی أ نّه محصورٌ فی أُمور مخصوصة - کالشرطیّة والسببیّة والمانعیّة ، کما هو المحکیّ عن العلّامة (1) ، أو مع زیادة العلّیّة والعلامیّة ، أو مع زیادة الصحّة والبطلان ، والعزیمة والرخصة (2) ، أو زیادة غیر ذلک ، کما هو المحکیّ عن غیره (3) - أو لیس بمحصور ، بل کلّ ما لیس بتکلیف ممّا له دخلٌ فیه ، أو فی متعلّقه وموضوعه ، أو لم یکن له دخلٌ ممّا اطلق علیه الحکم فی کلماتهم ؛ ضرورة أ نّه لا وجه للتخصیص بها بعدَ کثرة إطلاق الحکم فی الکلمات علی غیرها ، مع أ نّه لا تکاد تظهر ثمرة مهمّة علمیّة أو عملیّة للنزاع فی ذلک .
[شماره صفحه واقعی : 221]
ص: 370
وإنّما المهمُّ فی النزاع هو : أنّ الوضع کالتکلیف فی أ نّه مجعولٌ تشریعاً ، بحیث یصحّ انتزاعه بمجرّد إنشائه ، أو غیرُ مجعول کذلک ، بل إنّما هو منتزع عن التکلیف ، ومجعول بتبعه وبجعله (1)(2)؟
والتحقیق : أنّ ما عُدّ من الوضع علی أنحاء:
منها: ما لا یکاد یتطرّق إلیه الجعل تشریعاً أصلاً ، لا استقلالاً ولا تبعاً ، وإن کان مجعولاً تکویناً عرَضاً بعین جعل موضوعه کذلک .
ومنها: ما لا یکاد یتطرّق إلیه الجعل التشریعیّ إلّاتبعاً للتکلیف .
ومنها: ما یمکن فیه الجعل استقلالاً - بإنشائه - وتبعاً للتکلیف - بکونه منشأً لانتزاعه - ، وإن کان الصحیح انتزاعه من إنشائه وجعله ، وکونُ التکلیف من آثاره وأحکامه ، علی ما یأتی الإشارة إلیه .
صوت
[*حیدری فسایی]
أمّا النحو الأوّل: فهو کالسببیّة والشرطیّة والمانعیّة والرافعیّة لِما هو سبب التکلیف وشرطه ومانعه ورافعه ؛ حیث أ نّه لا یکاد یعقل انتزاع هذه العناوین لها من التکلیف المتأخّر عنها ذاتاً ، - حدوثاً أو (3) ارتفاعاً - ، کما أنّ اتّصافها بها لیس إلّالأجل ما علیها (4) من الخصوصیّة المستدعیة لذلک تکویناً ؛ للزوم
[شماره صفحه واقعی : 222]
ص: 371
أن یکون فی العلّة بأجزائها (1) ربط خاصّ ، به کانت مؤثرة (2) فی معلولها ، لا فی غیره ، ولا غیرها فیه ، وإلّا لزم أن یکون کلُّ شیءٍ مؤثّراً فی کلِّ شیءٍ .
وتلک الخصوصیّة (3) لا تکاد توجد (4) فیها بمجرّد إنشاء مفاهیم العناوین ، ومثلِ (5) قول : دلوک الشمس سبب لوجوب الصلاة ، إنشاءً لا إخباراً ؛ ضرورة بقاء الدلوک علی ما هو علیه قبل إنشاء السببیّة له ، من کونه واجداً لخصوصیّةٍ مقتضیةٍ لوجوبها ، أو فاقداً لها ،
[*حیدری فسایی]
وأنّ الصلاة لا تکاد تکون واجبة عند الدلوک ما لم یکن هناک ما یدعو إلی وجوبها ، ومعه تکون واجبة لا محالة ، وإن لم یُنشأ السببیّة للدلوک أصلاً .
ومنه انقدح أیضاً : عدم صحّة انتزاع السببیّة له حقیقةً من إیجاب الصلاة عنده ؛ لعدم اتّصافه بها بذلک ضرورةً .
[شماره صفحه واقعی : 223]
ص: 372
نعم ، لا بأس باتّصافه بها عنایةً ، وإطلاقِ السبب علیه مجازاً . کما لا بأس بأن یعبّر عن إنشاء وجوب الصلاة عند الدلوک - مثلاً - بأ نّه سببٌ لوجوبها ، فیکنّیٰ (1) به عن الوجوب عنده .
فظهر بذلک: أ نّه لا منشأ لانتزاع السببیّة - وسائر ما لأجزاء العلّة للتکلیف - إلّاما هی علیها (2) من الخصوصیّة الموجبة لدخل کلٍّ فیه علی نحوٍ غیرِ دخل الآخر ، فتدبّر جیّداً .
وأمّا النحو الثانی: فهو کالجزئیّة والشرطیّة والمانعیّة والقاطعیّة لِما هو جزء المکلّف به وشرطُه ومانِعُه وقاطِعُه ؛ حیث إنّ اتّصافَ شیءٍ بجزئیّة المأمور به أو شرطیّته أو غیرهما ، لا یکاد یکون إلّابالأمر بجملة أُمور مقیّدة بأمرٍ وجودیّ أو عدمیّ ، ولا یکاد یتّصف شیءٌ بذلک - أی کونه جزءاً أو شرطاً للمأمور به - إلّابتبع ملاحظة الأمر بما یشتمل علیه مقیّداً بأمرٍ آخر ، وما لم یتعلّق بها الأمر کذلک لما کاد اتّصف (3) بالجزئیّة أو الشرطیّة ، وإن أنشأ الشارعُ له الجزئیّةَ أو الشرطیّة .
وجعلُ الماهیّة وأجزائها (4) لیس إلّاتصوّر (5) ما فیه المصلحة المهمّة
[شماره صفحه واقعی : 224]
ص: 373
الموجبة للأمر بها ، فتصوّرها (1) بأجزائها وقیودها لا یوجب اتّصاف شیءٍ منها بجزئیّة المأمور به أو شرطیّته قبل الأمر بها .
فالجزئیّة للمأمور به أو الشرطیّة له إنّما تنتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الأمر به ، بلا حاجةٍ إلی جعلها له ، وبدون الأمر به لا اتّصاف بها أصلاً ، وإن اتّصف بالجزئیّة أو الشرطیّة للمتصوّر أو لذی المصلحة ، کما لا یخفی .
صوت
[*حیدری فسایی]
وأمّا النحو الثالث: فهو کالحجّیّة والقضاء (2) والولایة والنیابة والحرّیّة والرقّیّة والزوجیّة والملکیّة ... إلی غیر ذلک ؛ حیث إنّها وإن کان من الممکن انتزاعُها من الأحکام التکلیفیّة الّتی تکون فی مواردها - کما قیل (3) - ومِن جَعْلها بإنشاء أنفسها ، إلّاأ نّه لا یکاد یشکّ فی صحّة انتزاعها من مجرّد جعله - تعالی - ، أو مَنْ بیده الأمر من قِبَله - جلَّ وعلا - لها بإنشائها ، بحیث یترتّب علیها آثارها ، کما تشهد به ضرورةُ صحّة انتزاع الملکیّة والزوجیّة والطلاق والعتاق ، بمجرّد العقد أو الإیقاع ممّن بیده الاختیار ، بلا ملاحظة التکالیف والآثار . ولو کانت منتزعةً عنها لما کاد یصحُّ اعتبارها إلّابملاحظتها ، وللَزم أن لا یقع ما قُصد ، ووَقَع ما لم یُقصد .
کما لا ینبغی أن یشکّ فی عدم صحّة انتزاعها عن مجرّد التکلیف فی موردها (4) ، فلا ینتزع الملکیّة عن إباحة التصرّفات ، ولا الزوجیّة من
[شماره صفحه واقعی : 225]
ص: 374
جواز الوطء ، وهکذا سائر الاعتبارات فی أبواب العقود والإیقاعات .
فانقدح بذلک : أنّ مثل هذه الاعتبارات إنّما تکون مجعولةً بنفسها ، یصحّ انتزاعها بمجرّد إنشائها کالتکلیف ، لا مجعولةً بتبعه ومنتزعةً عنه .
إشکال : الملکیّة من المقولات المتأصّلة فکیف تکون من الوضعیّات ؟
صوت
[*حیدری فسایی]
أمّا الوهم فهو: أنّ الملکیّة کیف جُعلت من الاعتبارات الحاصلة بمجرّد الجعل والإنشاء الّتی تکون من خارج المحمول (1) ، حیث لیس بحذائها فی الخارج شیءٌ ، وهی إحدی المقولات المحمولات بالضمیمة الّتی لا تکاد تکون بهذا السبب ، بل بأسباب اخر کالتعمّم والتقمّص والتنعّل ، فالحالة الحاصلة منها للإنسان هو الملک ، وأین هذه من الاعتبار الحاصل بمجرّد إنشائه ؟
الجواب : الملکیّة مشترک لفظی وأمّا الدفع فهو: أنّ الملک یقال بالاشتراک علی ذلک - ویسمّیٰ بالجدة أیضاً - وعلی (2) اختصاصِ شیءٍ بشیءٍ (3) خاصٍّ ، وهو ناشیءٌ :
إمّا من جهة إسناد وجوده إلیه ، ککون العالَم ملکاً للباریء - جلَّ ذکره - .
أو من جهة الاستعمال والتصرّف فیه ، ککون الفَرَس لزید برکوبه له (4) وسائر تصرّفاته فیه .
أو من جهة إنشائه والعقد مع مَن اختیارُه بیده ، کملک الأراضی والعِقار
[شماره صفحه واقعی : 226]
ص: 375
البعیدة للمشتری بمجرّد عقد البیع شرعاً وعرفاً .
فالمِلکُ الذی یسمّی بالجدة أیضاً غیرُ الملک الّذی هو اختصاص خاصّ ناشیء من سبب اختیاریّ کالعقد ، أو غیر اختیاریّ کالإرث ، ونحوهما من الأسباب الاختیاریّة وغیرها .
فالتوهّم إنّما نشأ من إطلاق المِلک علی مقولة الجدة أیضاً ، والغفلةِ عن أ نّه بالاشتراک بینه (1) وبین الاختصاص الخاصّ والإضافة (2) الخاصّة الإشراقیّة ، کملکه - تعالی - للعالَم ، أو المقولیّةِ (3) ، کملک غیره لشیءٍ بسببٍ ، من تصرّفٍ واستعمالٍ أو إرث أو عقد أو غیرها (4) من الأعمال ، فیکون شیءٌ ملکاً لأحدٍ بمعنی ، ولآخر بالمعنی الآخر ، فتدبّر .
صوت
[*حیدری فسایی]
إذا عرفت اختلاف الوضع فی الجعل ، فقد عرفت أ نّه لا مجال لاستصحاب دَخْلِ ما لَه الدخلُ فی التکلیف ، إذا شکّ فی بقائه علی ما کان علیه من الدخل ؛ لعدم کونه حکماً شرعیّاً ، ولا یترتّب علیه أثر شرعیّ ، والتکلیفُ وإن کان مترتّباً علیه (5) ، إلّاأ نّه لیس بترتّب شرعیّ ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 227]
ص: 376
وأ نّه لا إشکال فی جریان الاستصحاب فی الوضع المستقلّ بالجعل ؛ حیث إنّه کالتکلیف .
وکذا ما کان مجعولاً بالتبع ؛ فإنّ أمر وضعه ورفعه بید الشارع ولو بتبع منشأ انتزاعه . وعدم تسمیته حکماً شرعیّاً - لو سُلّم - غیرُ ضائر ، بعدَ کونه ممّا تناله ید التصرّف شرعاً .
نعم ، لا مجال لاستصحابه ؛ لاستصحاب سببه ومنشأ انتزاعه ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 228]
ص: 377
ثمّ إنّ هاهنا تنبیهات
الأوّل : انّه یعتبر فی الاستصحاب فعلیّة الشکّ والیقین ، فلا استصحاب مع الغفلة ؛ لعدم الشکّ فعلاً ، ولو فرض أ نّه یشکّ لو التفت ؛ ضرورة أنّ الاستصحاب وظیفة الشاکّ ، ولا شکّ مع الغفلة أصلاً .
فیحکم بصحّة صلاة من أحدث ، ثمّ غفل وصلّیٰ ، ثمّ شکّ فی أ نّه تطهّر قبل الصلاة ؛ لقاعدة الفراغ . بخلاف من التفت قبلها وشکّ ، ثمّ غفل وصلّی ، فیحکم بفساد صلاته فی ما إذا قطع بعدم تطهیره بعد الشکّ ؛ لکونه محدثاً قبلها بحکم الاستصحاب ، مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابیّ (1) .
لا یقال: نعم ، ولکنّ استصحاب الحدث فی حال الصلاة بعد ما التفت بعدها یقتضی أیضاً فسادها .
فإنّه یقال: نعم ، لولا قاعدة الفراغ المقتضیةُ لصحّتها ، المقدّمةُ علی أصالة فسادها (2) .
صوت
[*حیدری فسایی]
الثانی: انّه هل یکفی فی صحّة الاستصحاب الشکُّ فی بقاء شیءٍ علی
[شماره صفحه واقعی : 229]
ص: 378
تقدیر ثبوته ، وإن لم یُحرز ثبوتُه ، فی ما رتّب علیه أثر شرعاً أو عقلاً ؟ إشکالٌ:
من عدم إحراز الثبوت ، فلا یقین ، ولابدّ منه ، بل ولا شکّ ، فإنّه علی تقدیرٍ لم یثبت .
ومن أنّ اعتبار الیقین إنّما هو لأجل أنّ التعبّد والتنزیل شرعاً انّما هو فی البقاء ، لا فی الحدوث ، فیکفی الشکّ فیه علی تقدیر الثبوت ، فیتعبّد به علی هذا التقدیر ، فیترتّب علیه الأثر فعلاً فی ما کان هناک أثر ، وهذا هو الأظهر .
[*حیدری فسایی]
وبه یمکن أن یُذبَّ عمّا فی (1) استصحاب الأحکام الّتی قامت الأمارات المعتبرة علی مجرّد ثبوتها ، وقد شُکّ فی بقائها علی تقدیر ثبوتها ، من الإشکال بأ نّه لا یقینَ بالحکم الواقعیّ ، ولا یکون هناک حکم آخر فعلیٌّ ، بناءً علی ما هو التحقیق (2)* من : أنّ قضیّة حجّیّة الأمارة لیست إلّاتنجّز التکالیف مع الإصابة ، والعذر مع المخالفة - کما هو قضیّة الحجّة المعتبرة عقلاً ، کالقطع والظنّ فی حال الانسداد علی الحکومة - ، لا إنشاء أحکام فعلیّة شرعیّة ظاهریّة ، کما هو ظاهر الأصحاب .
[شماره صفحه واقعی : 230]
ص: 379
ووجه الذبّ بذلک: أنّ الحکم الواقعیّ الّذی هو مؤدّی الطریق حینئذٍ محکومٌ بالبقاء ، فتکون الحجّة علی ثبوته حجّةً علی بقائه تعبّداً ؛ للملازمة بینه وبین ثبوته واقعاً .
إن قلت: کیف ؟ وقد اخِذَ الیقینُ بالشیء فی التعبّد ببقائه فی الأخبار ، ولایقینَ فی فرض تقدیر الثبوت .
قلتُ: نعم ، ولکنّ الظاهر أ نّه اخِذَ کشفاً عنه ومرآةً لثبوته ، لیکون التعبّدُ فی بقائه ، والتعبّد مع فرض ثبوته إنّما یکون فی بقائه ، فافهم .
الثالث:
انّه لا فرق فی المتیقّن السابق بین أن یکون خصوص أحد الأحکام ، أو ما یشترک بین الاثنین منها ، أو الأزیدِ من أمر عامّ .
القسم الأول و جریان الاستصحاب فیه فإن کان الشکُّ فی بقاء ذاک العامّ من جهة الشکّ فی بقاء الخاصّ - الّذی کان فی ضمنه - وارتفاعِه ، کان استصحابه کاستصحابه بلا کلام .
القسم الثانی و جریان الاستصحاب فیه وإن کان الشکُّ فیه من جهة تردّد الخاصّ - الّذی فی ضمنه - بین ما هو باقٍ أو مرتفعٌ قطعاً ، فکذا لا إشکالَ فی استصحابه ، فیترتّب علیه کافّةُ ما یترتّب علیه عقلاً أو شرعاً من أحکامه ولوازمه .
الإشکال علی جریان الاستصحاب فی القسم الثانی والجواب عنه وتردُّدُ ذاک الخاصّ - الّذی یکون الکلّیّ موجوداً فی ضمنه ، ویکون وجوده بعین وجوده - بین متیقّن الارتفاع ومشکوکِ الحدوث المحکومِ بعدم حدوثه (1) ، غیرُ ضائر باستصحاب الکلّیّ المتحقّق فی ضمنه ، مع عدم إخلاله بالیقین والشکّ فی حدوثه وبقائه . وإنّما کان التردّد بین الفردین ضائراً
[شماره صفحه واقعی : 231]
ص: 380
باستصحاب أحد الخاصّین - الّلذین کان أمره مردّداً بینهما - ؛ لإخلاله بالیقین الّذی هو أحد رکنی الاستصحاب ، کما لا یخفی .
نعم ، یجب رعایة التکالیف المعلومة إجمالاً المترتّبة علی الخاصّین ، فی ما علم تکلیف فی البین .
صوت
[*حیدری فسایی]
وتوهّم : کون الشکّ فی بقاء الکلّیّ - الّذی فی ضمن ذاک المردّد - مسبّباً عن الشکّ فی حدوث الخاصّ المشکوک حدوثُه ، المحکومِ بعدم الحدوث بأصالة عدمه (1) .
فاسدٌ قطعاً ؛ لعدم کون بقائه وارتفاعه من لوازم حدوثه وعدم حدوثه ، بل من لوازم کون الحادث المتیقّن ذاک المتیقّن الارتفاع أو البقاء .
مع أنّ بقاء القدر المشترک إنّما هو بعین بقاء الخاصّ الّذی فی ضمنه ، لا أ نّه من لوازمه .
علی أ نّه لو سلّم أ نّه من لوازم حدوث المشکوک ، فلا شبهة فی کون اللزوم عقلیّاً ، ولا یکاد (2) یترتّب بأصالة عدم الحدوث إلّاما هو من لوازمه وأحکامه شرعاً .
القسم الثالث وعدم جریان الاستصحاب فیه وأمّا إذا کان الشکُّ فی بقائه من جهة الشکّ فی قیامِ خاصٍّ آخر فی مقام ذاک الخاصّ - الّذی کان فی ضمنه - بعد القطع بارتفاعه ، ففی استصحابه إشکالٌ ، أظهرُه عدم جریانه (3) ؛ فإنّ وجود الطبیعیّ وإن کان بوجود فرده ، إلّا
[شماره صفحه واقعی : 232]
ص: 381
أنّ وجودَه فی ضمن المتعدّد من أفراده لیس من نحو وجودٍ واحد له ، بل متعدّدٍ حسَبَ تعدُّدِها ، فلو قَطع بارتفاع ما عُلم وجوده منها لقَطَع بارتفاع وجوده (1) ، وإن شکّ فی وجود فردٍ آخر مقارنٍ لوجود ذاک الفرد ، أو لارتفاعه بنفسه أو بملاکه ، کما إذا شکّ فی الاستحباب بعد القطع بارتفاع الإیجاب بملاکٍ مقارن أو حادث .
شبهة جریان الاستصحاب فی بعض موارد القسم الثالث
لا یقال: الأمر وإن کان کما ذُکر ، إلّاأ نّه حیث کان التفاوت بین الإیجاب والاستحباب - وهکذا بین الکراهة والحرمة - لیس إلّابشدّة الطلب بینهما وضعفه ، کان تبدّلُ أحدهما بالآخر - مع عدم تخلّل العدم - غیرَ موجبٍ لتعدّد وجود الطبیعیّ بینهما ؛ لمساوقة الاتّصال مع الوحدة ، فالشکّ فی التبدّل حقیقةً شکٌّ فی بقاء الطلب وارتفاعه ، لا فی حدوث وجودٍ آخر .
الجواب عن الشبهة
فإنّه یقال: الأمر وإن کان کذلک ، إلّاأنّ العرف حیث یری الإیجابَ والاستحباب المتبادلین فردَیْن متباینَیْن ، لا واحداً (2) مختلفَ الوصف فی زمانین ، لم یکن مجالٌ للاستصحاب ؛ لما مرّت الإشارة إلیه ویأتی (3) من أنّ قضیّة إطلاق
[شماره صفحه واقعی : 233]
ص: 382
أخبار الباب : أنّ العبرة فیه بما یکون رفع الید عنه مع الشکّ بنظر العرف نقضاً ، وإن لم یکن بنقضٍ بحسب الدقّة ، ولذا لو انعکس الأمر ولم یکن نقضٌ عرفاً ، لم یکن الاستصحاب جاریاً وإن کان هناک نقضٌ عقلاً .
وممّا ذکرنا فی المقام یظهر أیضاً حال الاستصحاب فی متعلّقات الأحکام فی الشبهات الحکمیّة والموضوعیّة ، فلا تغفل .
صوت
[*حیدری فسایی]
الرابع: انّه لا فرق فی المتیقّن بین أن یکون من الأُمور القارّة أو التدریجیّة غیر القارّة ؛ فإنّ الأُمور غیرَ القارّة وإن کان وجودها ینصرم ، ولا یتحقّق منه جزءٌ إلّا بعدَ ما انصرم منه جزءٌ وانعدم ، إلّاأ نّه ما لم یتخلّل فی البین العدم - بل وإن تخلّل بما لا یخلّ بالاتّصال عرفاً ، وإن انفصل حقیقةً - کانت باقیة مطلقاً أو عرفاً ، ویکون رفعُ الید عنها مع الشکّ فی استمرارها وانقطاعها نقضاً ، ولا یعتبر فی الاستصحاب - بحسب تعریفه وأخبار الباب وغیرها من أدلّته - غیرُ صدْقِ النقض والبقاء کذلک قطعاً ، هذا .
مع أنّ الانصرامَ والتدرّج فی الوجود فی الحرکة - فی الأین وغیره - إنّما هو فی الحرکة القطعیّة ، وهی: «کون الشیء فی کلّ آنٍ فی حدٍّ أو مکان» (1) ، لا التوسّطیّة ، وهی: «کونه بین المبدأ والمنتهٰ» ؛ فإنّه بهذا المعنیٰ یکون قارّاً مستمرّاً (1) .
[شماره صفحه واقعی : 234]
ص: 383
1 - الزمان فانقدح بذلک أ نّه : لا مجال للإشکال فی استصحاب مثل اللیل أو النهار وترتیب ما لهما من الآثار .
2 - الزمانیّات وکذا کلّما إذا (1) کان الشکّ فی الأمر التدریجیّ من جهة الشکّ فی انتهاء حرکته ووصوله إلی المنته ، أو أ نّه بعْدُ فی البین .
وأمّا إذا کان من جهة الشکّ فی کمیّته ومقداره - کما فی نبْع الماء وجریانه ، وخروجِ الدم وسیلانه ، فی ما کان سبب الشکّ فی الجریان والسیلان ، الشکَّ فی أ نّه بقی فی المنبع والرحم فعلاً شیءٌ من الماء والدم غیر ما سال وجری منهما - .
فربما یشکل فی استصحابهما حینئذٍ ؛
[*حیدری فسایی]
فإنّ الشکّ لیس فی بقاء جریان شخص ما کان جاریاً ، بل فی حدوث جریان جزءٍ آخر شُکَّ فی جریانه من جهة الشکّ فی حدوثه .
ولکنّه ینحلّ (2) بأ نّه لا یختلّ به ما هو الملاک فی الاستصحاب ، بحسب
[شماره صفحه واقعی : 235]
ص: 384
تعریفه ودلیله حَسَبما عرفت (1) .
ثمّ إنّه لا یخفیٰ : أنّ استصحاب بقاء الأمر التدریجیّ إمّا یکون من قبیل استصحاب الشخص ، أو من قبیل استصحاب الکلّیّ بأقسامه (2) :
فإذا شکّ فی أنّ السورة المعلومة الّتی شرع فیها تمّت ، أو بقی شیءٌ منها ، صحّ فیه استصحابُ الشخص والکلّیّ .
وإذا شکّ فیه من جهة تردُّدها بین القصیرة والطویلة کان من القسم الثانی .
وإذا شکّ فی أ نّه شرع فی اخریٰ مع القطع بأ نّه قد تمّت الاُولی ، کان من القسم الثالث ، کما لا یخفی .
هذا فی الزمان ونحوه من سائر التدریجیّات .
3 - الفعل المقیّد بالزمان وحکم أقسام الشک فیه :
وأمّا الفعل المقیّد بالزمان:
فتارةً : یکون الشکّ فی حکمه من جهة الشکّ فی بقاء قیده .
وطوراً : مع القطع بانقطاعه وانتفائه من جهةٍ أُخری ، کما إذا احتمل أن یکون التقیید (3) به إنّما هو بلحاظ تمام المطلوب ، لا أصله .
[شماره صفحه واقعی : 236]
ص: 385
أ - جریان الاستصحاب فی صورة الشک فی الحکم من جهة
الشک فی بقاء قیده فإن کان من جهة الشکّ فی بقاء القید ، فلابأس باستصحاب قیده من الزمان (1) ، کالنهار الّذی قُیِّد به الصومُ - مثلاً - ، فیترتّب علیه وجوبُ الإمساک وعدمُ جواز الإفطار ما لم یقطع بزواله .
کما لا بأس باستصحاب نفس المقیّد (2) ، فیقال: إنّ الإمساک کان قبل هذا الآن فی النهار ، والآنَ کما کان ، فیجب ، فتأمّل .
ب - عدم جریان الاستصحاب فی صورة الشک فی الحکم من جهة احتمال کون الزمان قیداً له علی نحو وحدة المطلوب وإن کان من الجهة الاُخریٰ ، فلا مجال إلّالاستصحاب الحکم فی خصوص ما لم یؤخذ الزمان فیه إلّاظرفاً لثبوته (3) ، لا قیداً مقوّماً لموضوعه ، وإلّا فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه فی ما بعد ذاک الزمان ؛ فإنّه غیرُ ما علم ثبوته له ، فیکون الشکُّ فی ثبوته له أیضاً شکّاً فی أصل ثبوته بعد القطع بعدمه ، لا فی بقائه .
الاشکال علی التفصیل والجواب عنه
صوت
[*حیدری فسایی]
لا یقال: إنّ الزمان لا محالة یکون من قیود الموضوع ، وإن اخِذَ ظرفاً لثبوت الحکم فی دلیله ؛ ضرورة دخل مثل الزمان فی ما هو المناط لثبوته ، فلا مجال إلّالاستصحاب عدمه .
فإنّه یقال: نعم ، لوکانت العبرة فی تعیین الموضوع بالدقّة ونظر العقل ، وأمّا إذا کانت العبرة بنظر العرف ، فلا شبهة فی أنّ الفعل - بهذا النظر - موضوع واحد فی الزمانین ، قُطِع بثبوت الحکم له فی الزمان الأوّل ، وشُکَّ فی بقاء هذا الحکم له وارتفاعه فی الزمان الثانی ، فلا یکون مجال إلّالاستصحاب ثبوته .
[شماره صفحه واقعی : 237]
ص: 386
شبهة تعارض الاستصحابین فی الصورة الأُولی والجواب عنها لا یقال: فاستصحاب کلّ واحد من الثبوت والعدم یجری ؛ لثبوت کلا النظرین ، ویقع التعارض بین الاستصحابین ، کما قیل (1) .
فإنّه یقال: إنّما یکون ذلک لو کان فی الدلیل ما بمفهومه یعمّ النظرین ، وإلّا فلا یکاد یصحّ إلّاإذا سیق بأحدهما ؛ لعدم إمکان الجمع بینهما ؛ لکمال المنافاة بینهما ، ولا یکون فی أخبار الباب ما بمفهومه یعمّهما ، فلا یکون هناک إلّا استصحاب واحد ، وهو استصحاب الثبوت فی ما إذا اخِذَ الزمانُ ظرفاً ، واستصحابُ العدم فی ما إذا اخِذَ قیداً ؛ لما عرفت من أنّ العبرة فی هذا الباب بالنظر العرفیّ .
ولا شبهة فی أنّ الفعل - فی ما بعد ذاک الوقت مع قبله (2) - متّحدٌ فی الأوّل ، ومتعدّدٌ فی الثانی بحسبه ؛ ضرورةَ أنّ الفعل المقیّد بزمان خاصّ غیرُ الفعل فی زمان آخر ، ولو بالنظر المسامحیّ العرفیّ .
- جریان لاستصحاب فی ما إذا کان الزمان قیداً للحکم بنحو تعدّد المطلوب
[*حیدری فسایی]
نعم ، لا یبعد أن یکون بحسبه أیضاً متّحداً فی ما إذا کان الشکّ فی بقاء حکمه ، من جهة الشکّ فی أ نّه بنحو التعدّد المطلوبیّ ، وأنّ حکمه - بتلک المرتبة الّتی کان (3) مع ذاک الوقت - وإن لم یکن باقیاً بعده قطعاً ، إلّاأ نّه یحتمل بقاؤه بما دون تلک المرتبة من مراتبه ، فیستصحب ، فتأمّل جیّداً .
[شماره صفحه واقعی : 238]
ص: 387
إزاحة وَهْمٍ
شبهة تعمیم التعارض لأمثال المقام والجواب عنها
لا یخفیٰ : أنّ الطهارة الحدثیّة والخبثیّة وما یقابلها تکون (1) ممّا إذا وجدت بأسبابها ، لا یکاد یشکّ فی بقائها إلّامن قِبَل الشکّ فی الرافع لها ، لا من قِبَل الشکّ فی مقدار تأثیر أسبابها ؛ ضرورةَ أ نّها إذا وجدت بها کانت تبقیٰ ما لم یحدث رافعٌ لها ، - کانت من الأُمور الخارجیّة ، أو الأُمور الاعتباریّة الّتی کانت لها آثار شرعیّة - ، فلا أصل لأصالة عدم جعل الوضوء سبباً للطهارة بعد المذی ، أو (2) أصالة عدم جعل الملاقاة سبباً للنجاسة بعد الغسل مرّةً - کما حکی عن بعض الأفاضل (3) - ، ولا یکون هاهنا أصل إلّاأصالة الطهارة أو النجاسة .
الخامس:
أ نّه کما لا إشکال فی ما إذا کان المتیقّن حکماً فعلیّاً مطلقاً ، لا ینبغی الإشکال فی ما إذا کان مشروطاً معلّقاً . فلو شُکّ فی موردٍ - لأجل طروء بعض الحالات علیه - فی بقاء أحکامه ، فکما (4) صحّ استصحابُ أحکامه المطلقة ، صحّ استصحابُ أحکامه المعلّقة ؛ لعدم الاختلال بذلک فی ما اعتبر فی قوام الاستصحاب ، من الیقین ثبوتاً والشکّ بقاءً .
الإشکال فی جریان الاستصحاب التعلیقی بعدم المقتضی والجواب عنه
صوت
[*حیدری فسایی]
وتوهّم (5) : أ نّه لا وجود للمعلّق قبلَ وجود ما عُلِّق علیه ، فاختلّ أحد رکنیه .
[شماره صفحه واقعی : 239]
ص: 388
فاسدٌ جدّاً (1) ؛ فإنّ المعلَّق قبْلَه إنّما لا یکون موجوداً فعلاً ، لا أ نّه لا یکون موجوداً أصلاً ولو بنحو التعلیق ، کیف ؟ والمفروض أ نّه موردٌ فعلاً للخطاب بالتحریم - مثلاً - أو الإیجاب ، فکان علی یقینٍ منه قبل طروء الحالة ،فیشکّ فیه بعده . ولا یعتبر فی الاستصحاب إلّاالشکّ فی بقاء شیء کان علی یقین من ثبوته . واختلافُ نحو ثبوته لا یکاد یوجب تفاوتاً فی ذلک .
وبالجملة (2): یکون الاستصحابُ متمّماً لدلالة الدلیل علی الحکم فی ما أُهمل أو أُجمل ، - کان الحکم مطلقاً أو معلّقاً - ، فببرکته یعمّ الحکم للحالة الطارئة اللاحقة کالحالة السابقة ، فیحکم مثلاً بأنّ العصیر الزبیبیّ یکونُ علی ماکان علیه سابقاً فی حال عنبیّته ، من أحکامه المطلقة والمعلّقة لو شکّ فیها ،فکما یحکم ببقاء ملکیّته ، یحکم بحرمته علی تقدیر غلیانه .
الإشکال علی الاستصحاب التعلیقی بوجود المانع والجواب عنه
إن قلت: نعم ، ولکنّه لا مجال لاستصحاب المعلّق ؛ لمعارضته باستصحاب ضدّه المطلق ، فیعارَض استصحاب الحرمة المعلّقة للعصیر باستصحاب حلّیّته المطلقة .
قلت: لا یکاد یضرّ استصحابه علی نحوٍ کان قبل عروض الحالة الّتی شکّ فی بقاء الحکم (3) المعلّق بعده ؛ ضرورة أ نّه کان مغیّا بعدم ما عُلّق علیه المعلّق ، وما کان کذلک لا یکاد یضرّ ثبوته بعدَه بالقطع ، فضلاً عن الاستصحاب ؛
[شماره صفحه واقعی : 240]
ص: 389
لعدم المضادّة بینهما ، فیکونان بعد عروضها بالاستصحاب ، کما کانا معاً بالقطع قبلُ ، بلا منافاة أصلاً ،
[*حیدری فسایی]
وقضیّة ذلک انتفاء الحکم (1) المطلق بمجرّد ثبوت ما علّق علیه المعلّق .
فالغلیانُ فی المثال کما کان شرطاً للحرمة کان غایةً للحلّیّة ، فإذا شُکّ فی حرمته المعلّقة بعد عروض حالة علیه ، شُکَّ فی حلّیّته المغیّاة لا محالة أیضاً ، فیکون الشکّ فی حلّیّته أو حرمته فعلاً بعد عروضها ، متّحداً خارجاً مع الشکّ فی بقائه علی ما کان علیه من الحلّیّة والحرمة بنحوٍ کانتا علیه ، فقضیّةُ استصحاب حرمته المعلّقة بعد عروضها - الملازِم لاستصحاب حلّیّته المغیّاة - حرمتُه فعلاً بعد غلیانه وانتفاءُ حلّیّته ؛ فإنّه قضیّة نحو ثبوتهما ، کان بدلیلهما أو بدلیل الاستصحاب ، کما لا یخفیٰ بأدنی التفات علی ذوی الألباب ، فالتفت ولا تغفل (2)* .
[شماره صفحه واقعی : 241]
ص: 390
السادس: لا فرق أیضاً بین أن یکون المتیقّن من أحکام هذه الشریعة أو الشریعة السابقة ، إذا شکّ فی بقائه وارتفاعه بنسخه فی هذه الشریعة ؛ لعموم أدلّة الاستصحاب ، وفسادِ توهّم (1) اختلال أرکانه فی ما کان المتیقّن من أحکام الشریعة السابقة لا محالة :
الإشکال علی استصحاب الشریعة السابقة إمّا لعدم الیقین بثبوتها فی حقّهم (2) ، وإن علم بثبوتها سابقاً فی حقّ آخرین ، فلا شکّ فی بقائها أیضاً ، بل فی ثبوت مثلها ، کما لا یخفی .
وإمّا للیقین بارتفاعها بنسخ الشریعة السابقة بهذه الشریعة ، فلا شکّ فی بقائها حینئذٍ ، ولو سلّم الیقین بثبوتها فی حقّهم (3) .
الجواب عن الإشکال وذلک لأنّ الحکمَ الثابتَ فی الشریعة السابقة حیث کان ثابتاً لأفراد المکلّف ، کانت محقّقةً وجوداً أو مقدّرةً - کما هو قضیّة القضایا المتعارفة المتداولة ، وهی قضایا حقیقیّة - ، لا خصوص الأفراد الخارجیّة - کما هو قضیّة القضایا الخارجیّة - ، وإلّا لما صحّ الاستصحاب فی الأحکام الثابتة فی هذه الشریعة ، ولا النسخُ بالنسبة إلی غیر الموجود فی زمان ثبوتها ، کان الحکم فی الشریعة السابقة ثابتاً لعامّة أفراد المکلّف ، ممّن وُجد أو یوجد ، وکان الشکّ فیه کالشکّ فی بقاء الحکم الثابت فی هذه الشریعة (4)* لغیر من وجد فی زمان ثبوته .
[شماره صفحه واقعی : 242]
ص: 391
صوت
[*حیدری فسایی]
والشریعة السابقة وإن کانت منسوخةً بهذه الشریعة یقیناً ، إلّاأ نّه لا یوجب الیقین بارتفاع أحکامها بتمامها ؛ ضرورةَ أنّ قضیّة نسخ الشریعة لیس ارتفاعَها کذلک ، بل عدَمُ بقائها بتمامها (1) .
إشکالٌ آخر علی استصحاب الشریعة السابقة والجواب عنه
والعلمُ إجمالاً بارتفاع بعضها إنّما یمنعُ عن استصحاب ما شکّ فی بقائه منها ، فی ما إذا کان من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالاً ، لا فی ما إذا لم یکن من أطرافه (2) ، کما إذا علم بمقداره تفصیلاً ، أو فی موارد لیس المشکوک منها ، وقد علم بارتفاع ما فی موارد الأحکام الثابتة فی هذه الشریعة .
توجیه الجواب الثانی للشیخ الأعظم عن إشکال تغایر الموضوع
ثمّ لا یخفیٰ : أ نّه یمکنُ إرجاع ما أفاده شیخنا العلّامة - أعلی اللّٰه فی الجنان مقامه - فی الذبّ عن إشکال (3) تغایُرِ الموضوع فی هذا الاستصحاب - من الوجه الثانی - إلی ما ذکرنا ، لا ما یوهمه ظاهر کلامه (4) من : أنّ الحکم ثابتٌ للکلّیّ ، کما أنّ الملکیّة له فی مثل باب الزکاة والوقف العامّ ، حیث لا مدخل للأشخاص فیها ؛ ضرورة أنّ التکلیف والبعث أو الزجر لا یکاد یتعلّقُ به کذلک ، بل لابدّ من تعلّقه بالأشخاص ، وکذلک الثواب أو العقاب
[شماره صفحه واقعی : 243]
ص: 392
المترتّب علی الطاعة أو المعصیة ، وکأنّ غرضه من عدم دخل الأشخاص :
عدم دخل (1) أشخاص خاصّة . فافهم .
المناقشة فی الجواب الأول للشیخ وأمّا ما أفاده من الوجه الأوّل (2) ، فهو وإن کان وجیهاً بالنسبة إلی جریان الاستصحاب فی حقّ خصوص المدرک للشریعتین ، إلّاأ نّه غیر مجدٍ فی حقّ غیره من المعدومین . ولایکاد یتمّ الحکم فیهم بضرورة اشتراک أهل الشریعة الواحدة أیضاً ؛
[*حیدری فسایی]
ضرورة أنّ قضیّة الاشتراک لیس إلّاأنّ الاستصحاب حکْمُ کلِّ مَنْ کان علی یقین فشکّ ، لا أ نّه حکْمُ الکلّ ولو مَنْ لم یکن کذلک بلا شکّ ، وهذا واضح .
السابع:
مقتضی أخبار الاستصحاب لا شبهة فی أنّ قضیّة أخبار الباب هو إنشاء حکم مماثل للمستصحب فی استصحاب الأحکام ، ولأحکامه فی استصحاب الموضوعات .
کما لا شبهة فی ترتیب ما للحکم المنشأ بالاستصحاب من الآثار الشرعیّة والعقلیّة .
الإشکال فی ترتیب الآثار الشرعیّة الملازمة للمستصحب وإنّما الإشکالُ فی ترتیب الآثار الشرعیّة المترتّبة علی المستصحب بواسطةٍ غیرِ شرعیّة ، - عادیّةً کانت أو عقلیّةً - . ومنشؤه أنّ مفادَ الأخبار :
هل هو تنزیلُ المستصحب والتعبّد به وحْدَه ، بلحاظ خصوص ما له من الأثر بلا واسطة ؟
[شماره صفحه واقعی : 244]
ص: 393
أو تنزیلهُ بلوازمه العقلیّة أو العادیّة ، کما هو الحال فی تنزیل مؤدّیات الطرق والأمارات ؟
أو بلحاظ مطلق ما له من الأثر ولو بالواسطة ، بناءً علی صحّة التنزیل بلحاظ أثر الواسطة أیضاً (1)* ؛ لأجل أنّ أثر الأثر أثر ؟
وذلک لأنّ مفادها لو کان هو تنزیل الشیء وحده بلحاظ أثر نفسه لم یترتّب علیه ما کان مترتّباً علیها ؛ لعدم إحرازها حقیقةً ولا تعبّداً ، ولا یکون تنزیله بلحاظه (2) ، بخلاف ما لو کان تنزیله بلوازمه ، أو بلحاظ ما یعمّ آثارَها ، فإنّه یترتّب باستصحابه ما کان بوساطتها .
التحقیق فی المسألة : عدم حجّیة الأصل المثبت
صوت
[*حیدری فسایی]
والتحقیق: أنّ الأخبار إنّما تدلُّ علی التعبّد بما کان علی یقینٍ منه فشکّ ، بلحاظ ما لنفسه من آثاره وأحکامه ، ولا دلالة لها بوجهٍ علی تنزیله بلوازمه الّتی لا تکون کذلک - کما هی محلّ ثمرة الخلاف - ، ولا علی تنزیله بلحاظ ما له مطلقاً ولو بالواسطة ؛ فإنّ المتیقّن إنّما هو لحاظ آثار نفسه ، وأمّا آثار لوازمه فلا دلالة هناک علی لحاظها أصلاً ، وما لم یثبت لحاظها بوجهٍ أیضاً لما کان وجهٌ لترتیبها علیه باستصحابه ، کما لا یخفی .
[شماره صفحه واقعی : 245]
ص: 394
نعم ، لا یبعد ترتیب خصوص ما کان منها محسوباً بنظر العرف من آثار نفسه ، لخفاء ما بوساطته ، بدعویٰ : أنّ مفاد الأخبار عرفاً مایعمّه أیضاً حقیقةً (1) ، فافهم .
کما لا یبعد ترتیب ماکان بوساطة ما لا یمکن التفکیک عرفاً بینه وبین المستصحب تنزیلاً ، کما لا تفکیک بینهما واقعاً ، أو بوساطة ما لأجل وضوح لزومه له (2) ، أو ملازمته معه بمثابةٍ عُدّ أثره أثراً لهما (3) ؛ فإنّ عدمَ ترتیب مثل هذا الأثر علیه یکونُ نقضاً لیقینه بالشکّ أیضاً بحسب ما یفهم من النهی عن نقضه عرفاً ، فافهم .
ثمّ لا یخفیٰ وضوح الفرق بین الاستصحاب وسائر الأُصول التعبّدیّة وبین الطرق والأمارات ؛ فإنّ الطریق أو (4) الأمارة حیث إنّه کما یحکی عن المؤدّیٰ ویشیر إلیه ، کذا یحکی عن أطرافه - من ملزومه و لوازمه وملازماته - ویشیر
[شماره صفحه واقعی : 246]
ص: 395
إلیها ، کان مقتضیٰ إطلاق دلیل اعتبارها لزومَ تصدیقها فی حکایتها ،
[*حیدری فسایی]
وقضیّته حجّیّة المثبت منها ، کما لا یخفیٰ .
بخلاف مثل دلیل الاستصحاب ، فإنّه لابدّ من الاقتصار بما فیه من الدلالة علی التعبّد بثبوته (1) ، ولا دلالة له إلّاعلی التعبّد بثبوت المشکوک بلحاظ أثره حسبما عرفت (2) ، فلا دلالة له علی اعتبار المثبت منه کسائر الأُصول التعبّدیّة ، إلّافی ما عدّ أثر الواسطة أثراً له ، لخفائها ، أو لشدّة وضوحها وجلائها ، حسبما حقّقناه .
الثامن (3):
انّه لا تفاوت فی الأثر المترتّب علی المستصحب بین أن یکون مترتّباً علیه بلا وساطة شیءٍ ، أو بوساطة عنوانٍ کلّیٍّ ینطبق ویحمل علیه بالحمل الشائع ، ویتّحد معه وجوداً (4) ، کان منتزعاً عن مرتبة ذاته ، أو بملاحظة بعض
[شماره صفحه واقعی : 247]
ص: 396
عوارضه ممّا هو خارج المحمول (1) لا بالضمیمة ؛ فإنّ الأثر فی الصورتین إنّما یکون له حقیقةً ، حیث لا یکون بحذاء ذاک الکلّیّ فی الخارج سواه ، لا لغیره ممّا کان مبایناً معه ، أو من أعراضه ممّا کان محمولاً علیه بالضمیمة کسواده مثلاً أو بیاضه ؛ وذلک لأنّ الطبیعیّ إنّما یوجد بعین وجود فرده ، کما أنّ العرضیّ - کالملکیّة والغصبیّة ونحوهما - لا وجودَ له إلّابمعنیٰ وجود منشأ انتزاعه ، فالفرد أو منشأ الانتزاع فی الخارج هو عین ما رتّب علیه الأثر ، لا شیءٌ آخر ، فاستصحابه لترتیبه لا یکون بمثبِت ، کما توهّم (2) .
صوت
[*حیدری فسایی]
وکذا لا تفاوت فی الأثر المستصحب أو المترتّب علیه ، بین أن یکون مجعولاً شرعاً بنفسه ، - کالتکلیف وبعض أنحاء الوضع - ، أو بمنشأ انتزاعه ، - کبعض أنحائه ، کالجزئیّة والشرطیّة والمانعیّة - ؛ فإنّه أیضاً ممّا تناله ید الجعل شرعاً ، ویکون أمرُه بیده الشارع وضعاً ورفعاً ، ولو (3) بوضع منشأ انتزاعه ورفعه . ولا وجه لاعتبار أن یکون المترتّب أو المستصحب مجعولاً مستقلاًّ ، کما لا یخفی .
فلیس استصحاب الشرط أو المانع لترتیب الشرطیّة أو المانعیّة بمثبت ، کما ربما توهّم ، بتخیّل أنّ الشرطیّة أو المانعیّة لیست من الآثار الشرعیّة ، بل من الأُمور الانتزاعیّة (4) ، فافهم .
[شماره صفحه واقعی : 248]
ص: 397
وکذا لا تفاوتَ فی المستصحب أو المترتّب بین أن یکون ثبوتَ الأثر ووجودَه ، أو نفیَه وعدَمَه ؛ ضرورةَ أنّ أمْرَ نفیه بید الشارع کثبوته .
وعدم إطلاق الحکم علی عدمه غیر ضائر ؛ إذ لیس هناک ما دلّ علی اعتباره بعدَ صِدْق نقض الیقین بالشکّ برفع الید عنه ، کصدقه برفعها من طرف ثبوته ، کما هو واضح .
فلا وجه للإشکال فی الاستدلال علی البراءة باستصحاب البراءة من التکلیف ، وعدمِ المنع عن الفعل بما فی الرسالة من: «أنّ عدمَ استحقاق العقاب فی الآخرة لیس من اللوازم المجعولة الشرعیّة» (1) ؛ فإنّ عدم استحقاق العقوبة وإن کان غیرَ مجعول ، إلّاأ نّه لا حاجة إلی ترتیب أثر مجعول فی استصحاب عدم المنع .
وترتّب عدم الاستحقاق - مع کونه عقلیّاً - علی استصحابه ، إنّما هو لکونه لازم مطلق عدم المنع ولو فی الظاهر ، فتأمّل .
صوت
[*حیدری فسایی]
التاسع: أ نّه لا یذهب علیک : أنّ عدم ترتّب الأثر غیر الشرعیّ ولا الشرعیّ ، بوساطة غیره من العادیّ أو العقلیّ بالاستصحاب ، إنّما هو بالنسبة إلی ما للمستصحب واقعاً ، فلا یکاد یثبت به من آثاره إلّاأثره الشرعیّ الّذی کان له بلا واسطة ، أو بوساطة أثر شرعیّ آخر - حَسَبما عرفت فی ما مرّ (2) - ، لا بالنسبة إلی ما کان للأثر الشرعیّ مطلقاً (3) ، کان بخطاب الاستصحاب ، أو
[شماره صفحه واقعی : 249]
ص: 398
بغیره من أنحاء الخطاب ؛ فإنّ آثاره - شرعیّة کانت أو غیرها - تترتّب علیه إذا ثبت ، ولو بأن یستصحب ، أو کان من آثار المستصحب ؛ وذلک لتحقّق موضوعها حینئذٍ حقیقةً .
فما للوجوب عقلاً یترتّب علی الوجوب الثابت شرعاً باستصحابه أو استصحاب موضوعه ، من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة ...
إلی غیر ذلک ، کما یترتّب علی الثابت بغیر الاستصحاب ، بلا شبهة ولا ارتیاب ، فلا تغفل .
العاشر:
انّه قد ظهر ممّا مرّ (1) : لزومُ أن یکون المستصحب حکماً شرعیّاً ، أو ذا حکم کذلک . لکنّه لا یخفیٰ : أ نّه لابدّ أن یکون کذلک بقاءً ، ولو لم یکن کذلک ثبوتاً . فلو لم یکن المستصحب فی زمان ثبوته حکماً ، ولا له أثر شرعاً ، وکان فی زمان استصحابه کذلک - أی : حکماً أو ذا حکم - یصحُّ استصحابه ، کما فی استصحاب عدم التکلیف ؛ فإنّه وإن لم یکن بحکم مجعول فی الأزل ولا ذاحکم ، إلّا أ نّه حکم مجعول فی ما لا یزال ؛ لما عرفت (2) من أنّ نفیه - کثبوته فی الحال - مجعول شرعاً .
[*حیدری فسایی]
وکذا استصحاب موضوعٍ لم یکن له حکم ثبوتاً ، أو کان ولم یکن حکمه (3) فعلیّاً ، وله حکم کذلک بقاءً ، وذلک لصدق نقض الیقین بالشکّ علی
[شماره صفحه واقعی : 250]
ص: 399
رفع الید عنه ، والعملِ کما إذا قطع بارتفاعه یقیناً ، ووضوحِ عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتاً (1) فیه و (2)فی تنزیلها بقاءً .
فتوهّم اعتبار الأثر سابقاً - کما ربما یتوهّمه الغافل من اعتبار کون المستصحب حکماً أو ذا حکم - ، فاسدٌ قطعاً ، فتدبّر جیّداً .
الحادی عشر:
لا إشکال فی الاستصحاب فی ما کان الشکّ فی أصل تحقّق حکم أو موضوع .
وأمّا إذا کان الشکّ فی تقدّمه وتأخّره ، بعد القطع بتحقّقه وحدوثه فی زمانٍ:
فإن لوحظ بالإضافة إلی أجزاء الزمان ، فکذا لا إشکال فی استصحاب عدم تحقّقه فی الزمان الأوّل وترتیب آثاره ، لا آثارِ تأخّره عنه ؛ - لکونه بالنسبة إلیها مثبتاً ، إلّابدعویٰ خفاء الواسطة ، أو عدمِ التفکیک فی التنزیل بین عدم تحقّقه إلی زمانٍ ، وتأخّره عنه عرفاً ، کما لا تفکیک بینهما واقعاً - ، ولا آثارِ حدوثه فی الزمان الثانی ؛ فإنّه نحوُ وجودٍ خاصّ .
نعم ، لا بأس بترتیبها بذاک الاستصحاب ، بناءً علی أ نّه عبارة عن أمرٍ مرکّب من الوجود فی الزمان اللاحق ، وعدمِ الوجود فی السابق (3) .
[شماره صفحه واقعی : 251]
ص: 400
صوت
[*حیدری فسایی]
وإن لوحظ بالإضافة إلی حادثٍ آخر عُلم بحدوثه أیضاً ، وشُکّ فی تقدّم ذاک علیه وتأخّره عنه ، کما إذا علم بعروض حکمین ، أو موت متوارثین ، وشکّ فی المتقدّم والمتأخّر منهما:
فإن کانا مجهولی التاریخ :
فتارةً : کان الأثر الشرعیّ لوجود أحدهما بنحوٍ خاصّ ، من التقدّم أو التأخّر أو التقارن ، لا للآخر ، ولا له بنحوٍ آخر ، فاستصحابُ عدمه جارٍ (1) بلا معارض ، بخلاف ما إذا کان الأثرُ لوجود کلٍّ منهما کذلک ، أو لکلٍّ من أنحاء وجوده ، فإنّه حینئذٍ یعارَض ، فلا مجال لاستصحاب العدم فی واحد ؛ للمعارضة باستصحاب العدم فی آخر ؛ لتحقّق أرکانه فی کلّ منهما .
هذا إذا کان الأثر المهمّ مترتّباً علی وجوده الخاصّ الّذی کان مفاد « کان » التامّة .
[*حیدری فسایی]
وأمّا إن کان مترتّباً علی ما إذا کان متّصفاً بالتقدّم ، أو بأحد ضدَّیْه الّذی کان مفاد « کان » الناقصة ، فلا مورد هاهنا للاستصحاب ؛ لعدم الیقین السابق فیه بلا ارتیاب .
وأُخری : کان الأثرُ لعدم أحدهما فی زمان الآخر ، فالتحقیق أ نّه أیضاً لیس بموردٍ للاستصحاب ، فی ما کان الأثر المهمّ مترتّباً علی ثبوته المتّصفِ (2) بالعدم فی زمان حدوث الآخر ؛ لعدم الیقین بحدوثه کذلک فی زمان ،
[شماره صفحه واقعی : 252]
ص: 401
بل قضیّة الاستصحاب عدم حدوثه کذلک ، کما لا یخفی (1) .
[*حیدری فسایی]
وکذا فی ما کان مترتّباً علی نفس عدمه فی زمان الآخر واقعاً ، وإن کان علی یقینٍ منه فی آنٍ قبلَ زمان الیقین بحدوث أحدهما ؛ لعدم إحراز اتّصال زمان شکّه - وهو زمان حدوث الآخر - بزمان یقینه ؛ لاحتمال انفصاله عنه باتّصال حدوثه به .
وبالجملة (2)*: کان بعد ذاک الآن - الّذی قبل زمان الیقین بحدوث أحدهما - زمانان : أحدهما : زمان حدوثه ، والآخر : زمان حدوث الآخر وثبوته ، الّذی یکون ظرفاً للشکّ فی أ نّه فیه أو قبله ، وحیث شکّ فی أنّ أیّهما مقدّم وأیّهما مؤخّر ، لم یحرز اتّصال زمان الشکّ بزمان الیقین ، ومعه لا مجال للاستصحاب ؛ حیث لم یحرز معه کون رفع الید عن الیقین بعدم حدوثه بهذا الشکّ ، من نقض الیقین بالشکّ .
[*حیدری فسایی]
لا یقال: لا شبهة فی اتّصال مجموع الزمانین بذاک الآن ، وهو بتمامه زمان الشکّ فی حدوثه ؛ لاحتمال تأخّره عن الآخر . مثلاً: إذا کان علی یقینٍ من عدم
[شماره صفحه واقعی : 253]
ص: 402
حدوث واحد منهما فی ساعةٍ ، وصار علی یقینٍ من حدوث أحدهما بلا تعیین فی ساعةٍ أُخری بعدها ، وحدوثِ الآخر فی ساعة ثالثة ، کان زمان الشکّ فی حدوث کلّ منهما تمامَ الساعتین ، لا خصوص إحداهما ، کما لا یخفی .
فإنّه یقال: نعم ، ولکنّه إذا کان بلحاظ إضافته إلی أجزاء الزمان ، والمفروض أ نّه بلحاظ إضافته إلی الآخر ، وأ نّه حدَثَ فی زمان حدوثه وثبوته أو قبله ، ولا شبهة أنّ زمان شکّه بهذا اللحاظ إنّما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر وحدوثه ، لا الساعتین .
فانقدح : أ نّه لا مورد هاهنا للاستصحاب ؛ لاختلال أرکانه (1) ، لا أ نّه مورُده ، وعدمَ جریانه إنّما هو بالمعارضة (2) ، کی یختصّ بما کان الأثر لعدم کلٍّ فی زمان الآخر ، وإلّا کان الاستصحاب فی ما له الأثر جاریاً .
وأمّا لو عُلِمَ بتاریخ أحدهما ، فلا یخلو أیضاً:
إمّا أن یکون الأثر المهمُّ مترتّباً علی الوجود الخاصّ ، من المقدّم أو المؤخّر أو المقارن ، فلا إشکال فی استصحاب عدمه ، لولا المعارضة باستصحاب العدم فی طرف الآخر أو طرفه ، کما تقدّم (3) .