ص: 2

ثم عاد تعالی إلی ذکر الخبر عن أحوال بنی النضیر, فقال ( لا یقاتلونکم ) معاشر المؤمنین ( إلا فی قری محصنة ) یعنی ممتنعة جعل علیها حصون

( أو من وراء جدر ) أی من وراء الحیطان, فالجدار الحائط . فمن قرأ علی التوحید فلانه اسم جنس یقع علی القلیل والکثیر, ومن قرأ علی الجمع, فلاختلاف الجدران ((1)) .

بسبب الخوف الالهی الذی ألقاه الله تعالی فی روعهم تجدهم یخافون خوفا شدیدا فهم یحاربون فی قری محصنة ومن وراء جدر: یثقبون الجدار ومنه یرمون بالسهام والرماح وقد استفاد الخوارج الوهابیون من قادتهم الیهود فکانوا یحاربون فی سوریا والعراق والیمن من ثقوب الحیطان فی العمارات !!! وقلوب الیهود والمنافقین والخوارج متفرقة مشتتة فینتصر علیهم الاخیار فی أی حرب إن توکلوا علی الله تعالی وتماسکوا فی القتال .

{کَمَثَلِ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِیباً ذَاقُوا وَبَالَ أمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِیمٌ }15 :وهم مثل الکفار والمنافقین السابقین فی الامم الماضیة .

وقد أنزل الجبار غضبه علی الامم السالف المستکبرة فذاقوا ما یستحقون من العذاب الالیم , وتلک مدنهم ودورهم تشهد علیهم مثل أقوام لوط وهود وصالح .

ص: 4

{ کَمَثَلِ الشَّیْطَانِ إذْ قَالَ لِلإنسَانِ اکْفُرْ فَلَمَّا کَفَرَ قَالَ إنِّی بَرِیءٌ مِنْکَ إنِّی أخَافُ اللّهَ رَبَّ العَالَمِینَ16 فَکَانَ عَاقِبَتَهُمَا أنَّهُمَا فِی النَّارِ خَالِدَیْنِ فِیهَا وَذَلِکَ جَزَاءُ الظَّالِمِینَ } 17 _سورة الحشر .

وجاء: قوله تعالی: (کَمَثَلِ الشَّیْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اکْفُرْ) _الحشر 16 .

قال المجلسی: نزلت فی أبی بکر وعمر((1)).

وقال نجاح الطائی: شبه الله تعالی الاعراب وکفار مکة والیهود فی وعودهم لیهود بنی قریظة بالشیطان الذی واعد الانسان بالکفر فلما کفر هرب منه وترکه وحیدا فریدا .

وقد شجع رئیس المنافقین ابن أبی یهود بنی قینقاع علی محاربة النبی صلی الله علیه و آله والمسلمین وانه سیدخل معهم فی حصنهم بقبیلته الخزرج .

ولما دخلوا الحرب وانهزموا لم ینصرهم ابن أبی بل خذلهم وفرَّ من سیف النبی صلی الله علیه و آله والمسلمین وهو یعلم ان قبیلته الخزرج لا ینصروه بل ینصرون سید الانبیاء محمدا صلی الله علیه و آله .

لقد غدر جیش عبد الله بن الزبیر بجیش العراق القادم للدفاع عن المدینة من الامویین اذ قدم لهم ماء وطعاما ثم هجم علیهم وقتلهم.

ثم رفع عباس بن سهل قائد جیش ابن الزبیر رایة أمان لأصحاب ابن ورس فأتوها إلا نحوا من ثلثمائة رجل انصرفوا مع سلمان بن حمیر الهمدانی

وعیاش بن جعدة الجدلی فلما وقعوا فی ید عباس بن سهل أمر بهم فقتلوا إلا نحوا من مائتی رجل کره ناس من الناس ممن دفعوا إلیهم قتلهم فخلوا سبیلهم فرجعوا فمات أکثرهم فی الطریق ((1)) .

وکان عبد الله بن الزبیر معروفا بالغدر والختل والکذب بحیث یضرب به المثل وباخیه مصعب وبخالته .

تردّدت عائشة فی رغبتها لمحاربة الإمام ( علیه السلام ) حینما نبحتها کلاب الحوأب ((2)) متذکّرة حدیث النبی ( صلی الله علیه و آله ) فی نباحها تلک الکلاب فجاء

ص: 6

عبدالله بن الزبیر وطلحة بأربعین رجلا شهدوا کذباً بأنّها لیست قریة الحوأب وهی أوّل شهادة زور فی الإسلام ((1)) .

ولقد تعهد وتعاقد مصعب بن الزبیر مع سبعة آلاف شیعی من أنصار المختار الثقفی علی نزولهم علی طاعة مصعب وخذلانهم للمختار وأن یحفظ ارواحهم .

ص: 7

وبعدما أسرهم وسلبهم سلاحهم قتلهم جمیعا مثلما فعلت عائشة مع حراس بیت المال السبعین فی البصرة حین ذبحتهم کلهم .

بینما کانت وعود وعهود أهل البیت الصادقین ثابتة دائما وأبدا بل لم یکونوا یقتلون أسراهم فی الحروب فقد أسر الامام علی علیه السلام عائشة ومروان

وعبد الله بن الزبیر ومصعب بن الزبیر واولاد طلحة وآلاف غیرهم فحررهم جمیعا دون مال ولا شروط ممکنا ایاهم من أن یصبحوا شرفاءً أتقیاءً .

لکن معظمهم ساروا علی منهج الشیطان مثل مروان وعبد الله ومصعب ابنا الزبیر فقتلوا الکثیر من المسلمین الاسری وغیرهم دون جنایات اقترفوها.

والیوم تری أغلب المسلمین یحیدون وینحرفون عن نظریة أهل البیت ویتبعون الناکثین والقاسطین والمارقین .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد وَاتَّقُوا اللّهَ إنَّ اللّهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } 18 _سورة الحشر .

أخرج مفتی العراقین, عالم الشافعیة محمد بن یوسف بن محمد القرشی الکنجی فی کفایته, بسنده عن حذیفة بن الیمان, قال:

ما ذکر الله فی القرآن: (یاأیها الذین آمنوا) . إلا کان علی علیه السلام لبها ولبابها. الایة تدعو المؤمنین لفعل الخیر لاجل الاخرة وتقوی الله تعالی .

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام :قولوا ما قیل لکم وسلموا لما روی لکم ولا تکلفوا ما لم تکلفوا فإنما تبعته علیکم فما کسبت أیدیکم ولفظت ألسنتکم أو سبقت إلیه غایتکم واحذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة واقصدوا السهولة واعملوا فیما بینکم بالمعروف من القول والفعل واستعملوا الخضوع

ص: 8

واستشعروا الخوف والاستکانة لله . واعملوا فیما بینکم بالتواضع والتناصف والتباذل وکظم الغیط, فإنها وصیة الله . وإیاکم والتحاسد والاحقاد, فإنهما من فعل الجاهلیة " ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبیر بما تعملون " . أیها الناس اعلموا علما یقینا أن الله لم یجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حیلته وکثرت نکایته أکثر مما قدر له فی الذکر الحکیم ولم یحل بین المرء علی ضعفه وقلة حیلته وبین ما کتب له فی الذکر الحکیم . أیها الناس إنه لن یزداد امرؤ نقیرا بحذقه ولن ینتقص نقیرا بحمقه, فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة فی منفعة .

والتارک له أکثر الناس شغلا فی مضرة . رب منعم علیه فی نفسه مستدرج بالاحسان إلیه . ورب مبتلی عند الناس مصنوع له . فأفق أیها المستمتع من سکرک وانتبه من غفلتک وقصر من عجلتک وتفکر فیما جاء عن الله تبارک وتعالی فیما لا خلف فیه ولا محیص عنه ولابد منه, ثم ضع فخرک ودع کبرک واحضر ذهنک واذکر قبرک ومنزلک, فإن علیه ممرک وإلیه مصیرک . وکما تدین تدان .

وکما تزرع تحصد . وکما تصنع یصنع بک . وما قدمت إلیه تقدم علیه غدا لا محالة . فلینفعک النظر فیما وعظت به . وع ما سمعت ووعدت, فقد

ص: 9

اکتنفک بذلک خصلتان ولابد أن تقوم بأحدهما: إما طاعة الله تقوم لها بما سمعت وإما حجة الله تقوم لها بما علمت

((1)) .

وقال نجاح الطائی: اهتم القرآن وأهل البیت بحث المؤمنین علی التقوی وفعل الخیر وکنز الحسنات وترک الکذب والفسق والخیانة استعدادا للاخرة وأعطی الله تعالی نماذج رائدة وقائدة للشیعة متمثلة فی أهل البیت فأصبحت شمائلهم وصفاتهم الکرم والعفو والرحمة والرأفة والحلم والخوف من اراقة دماء المسلمین ونبذ الزنا ونبذ الغش والخیانة .

أما المخالفون فأصبحت القدوات عندهم معاویة وعمرو بن العاص والمغیرة وخالد بن الولید ومروان بن الحکم وهارون العباسی والمتوکل, والزبیر وأولاده الاشقیاء فأضحی الاحتیال والغدر وقتل المسلمین وغزوهم والزنا بنسائهم وغنیمة أموالهم من سماتهم .

وأصبحت حکومات المسلمین الراعیة لامانات خزائن بیوت الاموال ناهبة وسارقة لها بینما حثَّ الاسلام علی حفظ الامانات العامة والخاصة وسار النبی محمد صلی الله علیه و آله والامام علی علیه السلام علی هذا المشروع الالهی.

{ وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ نَسُوا اللّهَ فَأنْسَاهُمْ أنْفُسَهُمْ اُوْلَئِکَ هُمُ الفَاسِقُونَ 19 لا یَسْتَوِی أصْحَابُ النَّارِ وَأصْحَابُ الجَنَّةِ أصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ الفَائِزُونَ }20 _سورة الحشر :

ص: 10

الذین ینسون الله تعالی ینسیهم هویتهم وحاضرهم ومستقبلهم وهو الضیاع الکبیر الذی نلمسه فی الکفار والمنافقین من الساسة وأحبار الدین عند الیهود والنصاری والمسلمین .

قال النبی صلی الله علیه و آله : عن هذه الآیة: أصحاب الجنة من أطاعنی وسلم لعلی بن أبی طالب بعدی وأقرَّ بولایته وأصحاب النار من سخط الولایة ونقض العهد وقاتله بعدی ((1)) .

الموفق الحنفی: روی العالم الحنفی موفق بن أحمد من أعیان العلماء عن سید الحفاظ شهردار بن شیرویه بن شهردار الدیلمی باسناده عن أبی الزبیر عن جابر قال:

کنا عند النبی صلی الله علیه و آله فاقبل علی بن أبی طالب علیه السلام فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : قد أتاکم أخی ثم التفت إلی الکعبة فقبض منها بیده ثم قال:

(والذی نفسی بیده أن هذا وشیعته هم الفائزون یوم القیامة ) ((2)) .

وقال تعالی: فی سورة الذاریات: قتل الخراصون * الذین هم فی غمرة

ساهون ((3)) . الواقعة: إنهم کانوا قبل ذلک مترفین ((4)) .

ص: 11

الحدید: لکیلا تأسوا علی ما فاتکم ولا تفرحوا بما آتاکم ((1)) .

المجادلة: استحوذ علیهم الشیطان فأنساهم ذکر الله أولئک حزب الشیطان

الا إن حزب الشیطان هم الخاسرون ((2)) .

الحشر: ولا تکونوا کالذین نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئک هم الفاسقون ((3)) .

المنافقون: یا أیها الذین آمنوا لا تلهکم أموالکم ولا أولادکم عن ذکر الله . ومن یفعل ذلک فأولئک هم الخاسرون ((4)) .

المزمل: وذرنی والمکذبین أولی النعمة ومهلهم قلیلا ((5)) .

وحکی عن الحسن أنه قال: إذا مات ابن آدم قالت بنو آدم: ما ترک, وقالت الملائکة: ما قدم ؟ .

قوله: ولا تَکُونُوا کَالَّذِینَ نَسُوا اللَّه [ 19 ] عند الذنوب فَأَنْساهُمْ [ 19 ] اللَّه الاعتذار وطلب التوبة .

ص: 12

قال: ما من عبد أذنب ذنبا ولم یتب إلا جره ذلک الذنب إلی ذنب آخر وأنساه الذنب الأول, وما من عبد عمل حسنة إلا جرته تلک الحسنة إلی حسنة أخری, وبصره عقله تقصیره فی الحسنة الأولی, لکی یتوب من تقصیره فی حسناته الماضیة, وإن کانت خالیة صحیحة .

عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام , قال: « قوله: ( نَسُوا اللَّه فَنَسِیَهُمْ ) إنما یعنی أنهم نسوا الله فی دار الدنیا فلم یعملوا بطاعته فنسیهم فی الآخرة, أی لم یجعل لهم فی ثوابه شیئا فصاروا منسیین من الجنة ((1)) .اللهم ابعد عنا آفة النسیان والغفلة واجعلنا من الصالحین .

{لَوْ أنْزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَی جَبَل لَرَأیْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْیَةِ اللّهِ وَتِلْکَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ }21_سورة الحشر

هذا لبیان عظم منزلة القرآن بأن الجبال تخشع وتتصدع من سماعها للکتاب المجید لکن الناس لا یشاهدون خشوعها و تصدعها . والجبال تسبح لله تعالی مثلما قال تعالی: { وَإنْ مِنْ شَیْء إلا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ إنَّهُ کَانَ حَلِیماً غَفُوراً } 44_سورة الاسراء .

من الناحیة اللغویة: التصدع: التفرق بعد التلاؤم, ومثله التفطر . یقال: صدعه یصدعه صدعا, ومنه الصداع فی الرأس . والقدوس: المعظم بتطهیر صفاته من أن تدخلها صفة نقص .

ص: 13

قال ابن جنی: ذکر سیبویه فی الصفة السبوح والقدوس, بالضم والفتح . وإنما باب الفعول الاسم کشبوط, وسمور, وتنور, وسفود . والمهیمن: أصله مئیمن علی مفیعل من الأمانة, فقلبت الهمزة هاء, فخم اللفظ بها, لتفخیم المعنی .

المعنی: ثم عظم سبحانه حال القرآن فقال: ( لو أنزلنا هذا القرآن علی جبل لرأیته خاشعا متصدعا من خشیة الله ) تقدیره لو کان الجبل مما ینزل علیه القرآن, ویشعر به مع غلظه وجفاء طبعه, وکبر جسمه, لخشع لمنزله, وتصدع من خشیة الله, تعظیما لشأنه, فالإنسان أحق بهذا لو عقل الأحکام التی فیه . وقیل: معناه لو کان الکلام ببلاغته, یصدع الجبل لکان هذا القرآن یصدعه . وقیل: إن المراد به ما یقتضیه الظاهر .

{ هُوَ اللّهُ الَّذِی لا إلَهَ إلا هُوَ عَالِمُ الغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِیمُ }22 _سورة الحشر .

عَالِمُ الغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ: أی عالم ما یشاهده الخلق وما لا یشاهدوه .

عن أبی عبد الله الامام جعفر الصادق علیه السلام قال: إن لله عز وجل ثلاث ساعات فی اللیل وثلاث ساعات فی النهار یمجد فیهن نفسه, فأول ساعات النهار حین تکون الشمس هذا الجانب یعنی من المشرق مقدارها من العصر یعنی من المغرب إلی الصلاة الأولی وأول ساعات اللیل فی الثلث الباقی من اللیل إلی أن ینفجر الصبح یقول: إنی أنا الله رب العالمین, إنی أنا الله العلی العظیم, إنی أنا الله العزیز الحکیم, إنی أنا الله الغفور الرحیم, إنی أنا الله الرحمن الرحیم, إنی أنا الله مالک یوم الدین, إنی أنا الله لم أزل ولا أزال

ص: 14

إنی أنا الله خالق الخیر والشر, إنی أنا الله خالق الجنة والنار, إنی أنا الله بدئ کل شئ وإلی یعود, إنی أنا الله الواحد الصمد, إنی أنا الله عالم الغیب والشهادة إنی أنا الله الملک القدوس السلام المؤمن المهیمن العزیز الجبار المتکبر, إنی أنا الله الخالق البارئ المصور, لی الأسماء الحسنی, إنی أنا الله الکبیر المتعال . قال: ثم قال أبو عبد الله علیه السلام من عنده, والکبریاء رداءه فمن نازعه شیئا من ذلک أکبه الله فی النار, ثم قال: ما من عبد مؤمن یدعو بهن مقبلا قلبه إلی الله عز وجل إلا قضی حاجته, ولو کان شقیا رجوت أن یحول سعیدا ((1)).

وعن علی صلوات الله علیه أنه کان یقول: کان رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: ما من أحد من أمتی قضی الصلاة ثم مسح وجهه بیده الیمنی ثم قال: اللهم لک الحمد, لا إله إلا أنت, عالم الغیب والشهادة, اللهم أذهب عنی الحزن والهم والفتن ما ظهر منها وما بطن, وقال: ما من أحد من أمتی فعل ذلک إلا أعطاه الله ما سأل ((2)).وجاء: قال تعالی: عالِمُ الْغَیْبِ والشَّهادَةِ : عالم بالدنیا والآخرة .ای عالم بما غاب عن الحواس, وبما حضرها .

: إنه عالم بما کان, وبما سیکون, وبما لم یکن أن لو کان کیف یکون . ومن کان بهذه الصفة, لا یکون له شریک, لأنه الأعلی من کل شئ فی

ص: 15

صفته . وقیل: عالم الغیب معناه: عالم بما لا یقع علیه الحس, من المعدوم والموجود الذی لا یدرک مما هو غائب عن الحواس, کأفعال القلوب وغیرها, والشهادة أی: عالم بما یصح علیه الإدراک بالحواس .

وقیل: معناه عالم السر والعلانیة, وفی هذا وصفه سبحانه بأنه عالم بجمیع المعلومات, لأنها لا تعدو هذین القسمین . وعن الامام محمد الباقر علیه السلام قال: الغیب ما لم یکن, والشهادة ما کان . ( هو الرحمن ) أی المنعم علی جمیع خلقه ( الرحیم ) بالمؤمنین . رحمن الدنیا ورحیم الاخرة .

{ هُوَ اللّهُ الَّذِی لا إلَهَ إلا هُوَ المَلِکُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَیْمِنُ العَزِیزُ الجَبَّارُ المُتَکَبِّرُ سُبْحَانَ اللّهِ عَمَّا یُشْرِکُونَ23 هُوَ اللّهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَی یُسَبِّحُ لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ العَزِیزُ الحَکِیمُ } 24 _سورة الحشر .

قال: القدوس والقدس واحد .

القدوس: هو البرئ من شوائب الآفات الموجبات للجهل قوله: ( السلام المؤمن ) قال: یؤمن أولیاءه من العذاب. قوله ( المهیمن ) أی الشاهد قوله:

( هو الله الخالق البارئ هو الذی یخلق الشئ لا من شئ ( له الأسماء الحسنی یسبح له ما فی السماوات والأرض وهو العزیز الحکیم ).

عن موسی بن جعفر علیه السلام قال: إن الله تبارک وتعالی انزل علی عبده محمد صلی الله علیه و آله انه لا إله إلا هو الحی القیوم وسمی بهذه الأسماء الرحمن الرحیم العزیز الجبار العلی العظیم, فتاهت هنالک عقولهم واستخف حلومهم فضربوا له الأمثال وجعلوا له أندادا وشبهوه بالأمثال ومثلوه أشباها وجعلوه

ص: 16

یزول ویحول فتاهوا فی بحر عمیق لا یدرون ما غوره ولا یدرکون کنه بعده ((1)) .

ومعناه المطهر فتطهر صفاته عن أن یدخل فیها صفة نقص ( السلام ) وهو الذی یسلم عباده من ظلمه ( المؤمن ) الذی أمن العباد من ظلمه لهم إذ قال ( لا یظلم مثقال ذرة ) .

( المهیمن ) قال ابن عباس معناه الأمین . وقال قوم: معناه المؤمن إلا أنه أشد مبالغة فی الصفة, لأنه جاء علی الأصل فی المؤمن, فقلبت الهمزة هاء, وفخم اللفظ به لتفخیم المعنی .

وقال قتادة: معناه الشهید کأنه شهید علی إیمان من آمن به أو الشهید علی الامن فی شهادته ( العزیز ) یعنی القادر الذی لا یصح علیه القهر ( الجبار ) العظیم الشأن فی الملک والسلطان, ولا یستحق ان یوصف به علی هذا الاطلاق إلا الله تعالی, فان وصف بها العبد, فإنما هو علی وضع لفظة فی غیر موضعها, فهو ذم علی هذا المعنی ( المتکبر ) یعنی فی کل شئ . وقیل: معناه المستحق لصفات التعظیم ((2)) .

وقال نجاح الطائی: القدوس: أی المقدس من کل عیب .

ص: 17

المهیمن: أی المسیطر علی ادارة الکون .

السلام: یسلم العباد من ظلمه فهو أهل السلام .

المؤمن: الذی أمَّن عباده . الباریء: أی الخالق یقال: أبرأ اللَّه الخلق أی خلقهم ولکن البارئ والفاطر یراد بهما الذی برأ الخلق واخترعه .

الْمُصَوِّرُ: أی خالق الصور . العزیز: عزیز لا یحتاج الی أحد .

الجبار: الذی یقهر أعداءه وهو علی کل شیء قدیر .

المتکبر: هی الصفة التی لا یشارکه فیها أحد من خلقه .

ویوجد قرابة 140 صفة لله تعالی فی القرآن الکریم, وجاءت بعض تلک الصفات: ( هو الله الذی لا إله إلا هو الملک القدوس السلام المؤمن المهیمن العزیز الجبار المتکبر سبحان الله عما یشرکون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنی یسبح له ما فی السماوات والأرض وهو العزیز الحکیم ). الله تعالی هو المتکبر ولا یسمح لاحد بالتکبر :

وقال الإمام الصادق علیه السلام : ما من رجل تکبر أو تجبر إلا لذلة وجدها فی نفسه ((1)) .

وقال الإمام الصادق علیه السلام : ما من أحد یتیه ((2)) إلا من ذلة یجدها فی نفسه((3)).

ص: 18

وقال الإمام الصادق علیه السلام : کل متکبر حقیر ((1)) .

وقال الإمام الصادق علیه السلام : ما تکبر إلا وضیع ((2)) .

لذا حاول المتقون الصالحون ترک التکبر وهی صفة الکافرین بکل الصور الممکنة ومتابعة سیرة الانبیاء والاوصیاء قدر المستطاع .

ص: 19

روی السیوطی الفقیه الشافعی فی تفسیره (الدر المنثور) . قال: أخرج ابن مردویه عن ابن عباس . فی قوله تعالی:

(یاأیها الذین آمنوا لا تتخذوا عدوی وعدوکم) ( الآیة ) قال: نزلت فی رجل کان مع النبی صلی الله علیه و آله بالمدینة من قریش کتب إلی أهله وعشیرته بمکة یخبرهم وینذرهم أن رسول الله صلی الله علیه و آله سائر إلیهم, فأخبر جبرئیل رسول الله صلی الله علیه و آله بصحیفته, فبعث علی بن أبی طالب علیه السلام فأتاه بها ((1)) .

قدمت سارة مولاة بنی هاشم إلی المدینة فأتت رسول الله صلی الله علیه و آله ومن معه من بنی عبد المطلب فقالت: إنی مولاتکم وقد أصابنی جهد وقد أتیتکم أتعرض لمعروفکم . فکسیت وحملت وجهزت وعمدها حاطب بن أبی بلتعة أخو بنی أسد بن عبد العزی فکتب معها کتابا إلی أهل مکة بأن رسول الله صلی الله علیه و آله قد أمر الناس أن تجهزوا وعرف حاطب أن رسول الله صلی الله علیه و آله یرید أهل مکة فکتب إلیهم یحذرهم, وجعل لسارة جعلا علی أن تکتم علیه و تبلغ رسالته ففعلت, فنزل جبرئیل علیه السلام علی نبی الله فأخبره فبعث رسول الله صلی الله علیه و آله رجلین من أصحابه فی أثرها: علی بن أبی طالب علیه السلام والزبیر بن العوام وأخبرهما خبر الصحیفة فقال: إن أعطتکما الصحیفة فخلوا سبیلها وإلا فاضربوا عنقها, فلحقا سارة فقالا: أین الصحیفة التی کتبت معک یا عدوة الله ؟ فحلفت بالله ما معها کتاب, ففتشاها فلم یجدا معها شئ فهما بترکها ثم قال أحدهما (علی علیه السلام ): والله ما کذبنا ولا

ص: 21

کذبنا, فسل سیفه وقال: أحلف بالله لا أغمده حتی تخرجی الکتاب أو یقع فی رأسک ., فزعموا أنه علی بن أبی طالب علیه السلام - قالت: فلله علیکما المیثاق إن أعطیتکما الکتاب لا تقتلانی ولا تصلبانی ولا تردانی إلی المدینة . قالا: نعم . فأخرجته من شعرها فخلیا سبیلها ثم رجعا إلی النبی صلی الله علیه و آله فأعطیاه الصحیفة فإذا فیها من حاطب بن أبی بلتعة إلی أهل مکة ان محمدا قد نفر فانی علیه السلام لا أدری إیاکم أرید أو غیرکم فعلیکم بالحذر, فأرسل رسول الله صلی الله علیه و آله إلیه فأتاه فقال: تعرف هذا الکتاب یا حاطب ؟

قال: نعم . قال: فما حملک علیه ؟ فقال: أما والذی أنزل علیک الکتاب ما کفرت منذ آمنت ولا أجبتهم منذ فارقتهم, ولکن لم یکن أحد من أصحابک إلا وله بمکة الذی یمنع عشیرته فأحببت أن أتخذ عندهم یدا, وقد علمت أن الله ینزل بهم بأسه ونقمته وأن کتابی لا یغنی عنهم شیئا . فصدقه رسول الله صلی الله علیه و آله وعذره فأنزل الله [ تعالی ]: { یا أیها الذین آمنوا لا تتخذوا عدوی وعدوکم أولیاء تلقون إلیهم بالمودة } ((1)) .

وهذه علامة من علامات النبوة الکثیرة . والقضیة بینت أن الصحابة الذین کانوا مع النبی صلی الله علیه و آله عملوا الکثیر من المعاصی والخیانات الکبیرة والصغیرة لارضاء الکفار بینما جعلهم علماء العامة معصومین لا یخطأون وافتروا علی النبی صلی الله علیه و آله انه یخطأ کثیرا وینسی ویُسحر !!!

ص: 22

وکثیرا ما نری تعاون المسلمین مع النصاری والیهود وانضوائهم تحت رایتهم وعملهم بأوامرهم مما یعنی انسلاخهم من الاسلام وعصیانهم للرحمن .

{ إنْ یَثْقَفُوکُمْ یَکُونُوا لَکُمْ أعْدَاءً وَیَبْسُطُوا إلَیْکُمْ أیْدِیَهُمْ وَألْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَکْفُرُونَ } 2 _سورة الممتحنة .

إن یظهروا علیکم وأنتم علی دینکم الإسلام مفارقین لهم ( ویبسطوا إلیکم أیدیهم ) بالقتل ( وألسنتهم بالسوء ) یعنی الشتم ( وودوا لو تکفرون ) _2, إن ظهروا علیکم یعنی إن ترجعوا إلی دینهم فإن فعلتم ذلک ( لن تنفعکم ) یعنی لا تغنی عنکم .

{ لَنْ تَنفَعَکُمْ أرْحَامُکُمْ وَلا أوْلادُکُمْ یَوْمَ القِیَامَةِ یَفْصِلُ بَیْنَکُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ } 3 _سورة الممتحنة .

الارحام لا تنفع یوم القیامة بل الاعمال الحسنة تنفع وتفید فهی تنام مع الانسان فی قبره وتنجیه من الشدائد والمحن .

وکثیرا ما یسرق الملوک والساسة والعلماء الاحبار أموال الامة لیهبوها الی أولادهم وأصهارهم ونسائهم وباقی أرحامهم ویترکون الناس فقراء مساکین شحاذین متسولین .

وهم یعمدون الی هذا لیرتفعوا علی المسلمین بأن شأنهم عالیا وشأن الشعب سافلا لانهم من العبید فلا یرتقی الیهم . وهی نظریة فرعون تعلموها منه .

والخطاب للمؤمنین حیث جاء فی الایة الاولی:

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَعَدُوَّکُمْ أوْلِیَاءَ} الممتحنة1.

ص: 23

الارحام والانساب تنقطع یوم القیامة ولا ینفع الا الاعمال الصالحة التی فعلها الانسان فی عالم الدنیا .أما الکفار فلا تنفعهم أعمالهم شیئا لعدم ایمانهم بالله تعالی . وقد جاء فی الکتاب المجید: { فَإذَا نُفِخَ فِی الصُّورِ فَلا أنسَابَ بَیْنَهُمْ یَوْمَئِذ وَلا یَتَسَاءَلُونَ} 101_المؤمنون .

بینما یفتخر البعض بأنسابهم فی الدنیا ویحتقرون القبائل والامم الاخری بحجج واهیة . فی سورة الدخان: ( یوم لا یغنی مولی عن مولی شیئا, ولا هم ینصرون إلا من رحم الله ) .

وقال فی سورة " ق ": ( ونفخ فی الصور ذلک یوم الوعید, وجائت کل نفس معها سائق وشهید لقد کنت فی غفلة من هذا فکشفنا عنک غطاءک فبصرک الیوم حدید ) .

وفی سورة التغابن: ( یوم یجمعکم لیوم الجمع ذلک یوم التغابن ) .

وقال تعالی فی سورة سأل سائل: ( ولا یسئل حمیم حمیما یبصرونهم یود المجرم لو یفتدی من عذاب یومئذ ببنیه وصاحبته وأخیه وفصیلته التی تؤویه ومن فی الأرض جمیعا ثم ینجیه ) .

وفی سورة عم: ( ان یوم الفصل کان میقاتا یوم ینفخ فی الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فکانت أبوابا وسیرت الجبال فکانت سرابا ان جهنم کانت مرصادا للطاغین مآبا ) .

وقال تعالی فی سورة والنازعات: ( فإذا جاءت الطامة الکبری یوم یتذکر الانسان وما سعی وبرزت الجحیم لمن یری فأما من طغی وآثر الحیاة الدنیا

ص: 24

فان الجحیم هی المأوی واما من خاف مقام ربه ونهی النفس عن الهوی فان الجنة هی المأوی ) .

وفی سورة عبس: ( فإذا جاءت الصاخة یوم یفر المرئ من أخیه وامه وأبیه وصاحبته وبنیه لکل امرئ منهم یومئذ شأن یغنیه ) .

وقال الصادق علیه السلام : القیامة عرس المتقین ((1)) .

وقال الرضا علیه السلام : ان أوحش ما یکون هذا الخلق فی ثلاثة مواطن: یوم یولد یوم یخرج من بطن أمه فیری الدنیا ویوم یموت فیعاین الآخرة وأهلها ویوم یبعث فیری احکاما لم یرها فی دار الدنیا, وقد سلم الله تعالی علی یحیی فی هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته, فقال: والسلام علیه یوم ولد ویوم یموت ویوم یبعث حیا .وقد سلم عیسی بن مریم علی نفسه فی هذه الثلاثة مواطن, فقال علیه السلام : والسلام علیَّ یوم ولدت ویوم أموت ویوم ابعث حیا ((2)).

وعندما تسقط الانساب تسقط الهیبة الاستکباریة عند الظالمین المتسترین خلف البیوتات والعوائل السلطانیة والثریة والعناوین الطاغیة للجمیع ومنها بنی أمیة وبنی العباس وبنی عثمان وآل سعود وآل فلان .

{ قَدْ کَانَتْ لَکُمْ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِی إبْرَاهِیمَ وَالَّذِینَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنْکُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ کَفَرْنَا بِکُمْ وَبَدَا بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ أبَداً حَتَّی تُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَحْدَهُ إلا قَوْلَ إبْرَاهِیمَ لأبِیهِ

ص: 25

لأسْتَغْفِرَنَّ لَکَ وَمَا أمْلِکُ لَکَ مِنَ اللّهِ مِنْ شَیْء ربَّنَا عَلَیْکَ تَوَکَّلْنَا وَإلَیْکَ أنَبْنَا وَإلَیْکَ المَصِیرُ }4 _سورة الممتحنة.

کان النبی ابراهیم علیه السلام وجماعته المؤمنة بالله تعالی أسوة حسنة للناس جمیعا اذ قالوا لقومهم: { إنَّا بُرَآءُ مِنْکُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ } .

کفرنا بعبادتکم للاصنام وحلت بیننا وبینکم العداوة حتی تؤمنوا بالله وتعبدوه . وجاء: ( سَلامٌ عَلَیْکَ سَأَسْتَغْفِرُ لَکَ رَبِّی ), مریم / 47 .

وظاهر آیة الاستغفار ( وَاغْفِرْ لأَبِی )أی عمه انّه قد تحقّق بعد موته, بقرینة جملة, ( إِنَّه ُ کانَ مِنَ الضَّالِّینَ ) .

فلا تنافی هذه الآیة الکریمة آیة, ( فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَه ُ أَنَّه ُ عَدُوٌّ لِلَّه ِ تَبَرَّأَ مِنْه ُ ): فانّ ظاهر هذه الآیة هو التبرّی فی حیاته .

ثمّ إنّ هذه الآیات الکریمة لا تخالف ما قد ورد من الروایات فی أنّ آباء النّبی صلی الله علیه و آله کلَّهم طاهرون طیّبون .

عن مجاهد إلا قول إبراهیم لأبیه قال: نهوا أن یتأسوا باستغفار إبراهیم لأبیه, فیستغفروا للمشرکین .

وقال نجاح الطائی: قد کانت لکم أسوة حسنة فی النبی صلی الله علیه و آله إبراهیم والذین معه فی نصوص القرآن من معاداة الکفار, وترکهم إلا فی قول إبراهیم لأبیه (عمه): لأستغفرن لک فإنه لا أسوة لکم فیه فی ذلک, اذ المفروض علیه معاداته . کان من إبراهیم لأبیه عن موعدة وعدها إیاه لان ذلک قبل أن یتبین له أنه عدو الله فلما تبین له أنه عدو لله تبرأ منه .

ص: 26

وهکذا أنتم أیها المؤمنون بالله, علیکم التبرؤ من أعداء الله الکافرین الی أن یؤمنوا بالله العظیم .

وکان النبی ابراهیم علیه السلام أسوة وقدوة للناس وسار علی نهجه الصالحون المتشرعون

فی العالم وهکذا أرسل الله تعالی مائة وأربعة وعشرین ألف نبی وأهل البیت لیکونوا أسوات للانسانیة .

وقد حاولت القوی الیهودیة والامویة الناصبیة تشویه سمعة الانبیاء والاوصیاء فجعلت منهم مخطئین ضالین مقصرین کذابین فاسقین لابعادهم عن أن یکونوا أسوات وقدوات مرغوبة . وحاولوا جعل الفاسقین من الصحابة قدوات للبشریة مثل أبی سفیان ومعاویة وعمرو بن العاص وخالد بن الولید ومروان بن الحکم والمتوکل العباسی .

وبسبب کثرة الرواة المنّدسین والکاذبین قال الحافظ الدارقطنی: إنَّ الحدیث الصحیح فی الحدیث الکذب کالشعرة البیضاء فی جلد الثور الأسود((1)) . ثمَّ تطوَّر القصص فی زمن الأمویین وزاد فیه الکذب والافتراء علی اللهِ ورسوله: قال الترمذی: حدَّث عبد الله بن بریدة قال: حدَّثنی أبی بریدة قال: أصبح رسول الله ( صلی الله علیه و آله )فدعا بلالا فقال: « یا بلالُ بم سبقتنی الی الجنة ؟ ما دخلتُ الجنَّة قط إلاّ سمعت خشخشتک أمامی . دخلتُ البارِحة الجنَّة, فسمعت خشخشتک أمامی, فأتیتُ علی قصر مُرَبَّع مشرف من ذهب فقلتُ: لِمَنْ هذا القصر ؟ قالوا: لرجل من العرب . فقلتُ: أنا عربیٌ !

ص: 27

لمن هذا القصر ؟ قالوا: لرجل من قریش, فقلت: أنا قرشیٌ ! لمن هذا القصر ؟ قالوا: لرجل من أُمة محمد ( صلی الله علیه و آله ) فقلت: أنا محمد ! لمن هذا القصر ؟ قالوا: لعمر بن الخطاب » . فقال بلال: یا رسول الله ما أذَّنت قط إلاّ صلّیت رکعتین, وما أصابنی حدث قط إلاّ توضأت عندها, ورأیت أنّ لله علیَّ رکعتین, فقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ): بهما ((1)) .

قال مطرف: اصبح رسول الله صلی الله علیه و آله یوما فدعا بلالا فقال یا بلال بم سبقتنی إلی الجنة إنی دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتک أمامی فقال بلال:

یا رسول الله ما أذنبت قط إلا صلیت رکعتین وما أصابنی حدث قط إلا توضأت عندها . فقال رسول الله صلی الله علیه و آله " بهذا " ((2)) .

فصوَّر الراوی الفاسق بلالا وعمر أفضل من رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) !

وإنتشرت الأحادیث والقصص فی تفضیل الصحابة علی النبی ( صلی الله علیه و آله ), فقد وضع تمیم وکعب أساساً للقص المعارض لله والنبی ( صلی الله علیه و آله ) والإسلام .

ومما وضعته عائشة فی هذا المجال: نظر النبی صلی الله علیه و آله الی رقص الحبشیات قالت: کان رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) جالساً فسمعنا لغطاً وصوت صبیان . فقام رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) فإذا حبشة تُزْفِنُ ( ترقص ) والصبیان حولها فقال :

ص: 28

« یا عائشة تعالی فَانظُری, فجئتُ فوضعت لحیی علی منکب رسول الله ( صلی الله علیه و آله ), فجعلت أنظر إلیها ما بین المنکب إلی رأسه فقال لی: أما شَبِعتِ, أما شَبِعتِ ؟ قالت: فجعلت أقول: لا . لأنظر منزلتی عنده .

إذ طلع عمر, قالت: فارفضَّ الناس عنها, قالت: فقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ): إنِّی لأنظر الی شیاطین الجنِّ والإِنس قد فرُّوا من عمر . قالت: فرجعت((1)) .

لقد اختلقوا آلاف الاحادیث النبویة لتشویه سمعة رسول الله واعلاء رایة الصحابة وهذا الحدیث فیه توهین للرسول وتقدیس لعمر .

وکان بلال الحبشی قد عارض خلافة ابی بکر وعمر المغتصبة فنفیاه الی الشام وقتلوه هناک فی زمن عمر .

والمعروف عن بلال ذکره لمثالب الشیخین ابی بکر وعمر کما جاء فی الروایات ((2)), لذا نفته الدولة الی الشام ،مثلما نفت ابن عبادة الی هناک .

{ ربَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِینَ کَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا ربَّنَا إنَّکَ أنْتَ العَزِیزُ الحَکِیمُ } 5 _سورة الممتحنة :

لا تسلطهم علینا فیفتنونا . واغفر لنا ذنوبنا إنک أنت العزیز الذی لا یحتاج لاحد ولا یؤثر علیک أحد .وأنت الحکیم الذی لیس فی حکمک خروج

ص: 29

علی الحکمة . وللفتنة مؤامرات کثیرة منها الاغتیالات المتوجهة لرؤوس الصحابة من قبل حکومات رجال السقیفة:

وکان بلال من المعارضین , وکان معروفاً بذکره مثالب الشیخین ابی بکر وعمر کما جاء فی الروایات ((1)) . یذکر اغتصابهما للخلافة وانحرافهما عن الشریعة وتعیینهما للفاسقین فی المناصب الحکومیة وابعادهما للصالحین السابقین وعموم الانصار.

وبعد عودة عمر من زیارة الشام دعا علی بلال وأصحابه ومنهم

شرحبیل ((2)).

فمات بلال وأصحابه رحمهم الله تعالی بید معاویة وعمرو بن العاص المتخصصین فی عملیات الاغتیال .

بعدما تقتل شرطة عمر المعارضین خفیة تصور للناس أن السماء تستجیب لدعاء عمر سریعا فی أمنیته بموت المعارضین!!!!.

وکان بلال مخالفاً لعمر ویأوی معارضیه. والنتیجة : قتل عمر بن الخطاب بلالا لمعارضته الدولة اذ عُرف بالنیل من أبی بکر وعمر وفضح أعمالهم المشینة فی حق أهل بیت النبوة .

وکان الصحابی الجلیل بلال الحبشی مؤذن النبی معارضاً لاغتصاب الخلافة من قبل أبی بکر وعمر وطاعناً لهما ((1)) وهارباً عن سطوتهما راضیاً بنفیه الی الشام .

وجاء :کان بلال مخالفاً لعمر ویؤوی معارضیه . وهذا أمر خطیر ینذر بسقوط الحکومة او الاضرار بها من قبل بلال واللاجئین الیه .

تحریف قضیة اغتیال بلال وأصحابه: مقتل بلال الحبشی وأصحابه سنة 18 هج : لقد قتلته الدولة مع أعوانه فی الشام لمعارضته حکم عمر بن الخطّاب وتمّ الأمر بمساعدة معاویة ((2)).

وقال الواقدی وعمرو بن علی والبرقی ومحمّد بن إسحاق :توفّی بلال سنة 20 هجریة ((3)) .

ص: 32

و جاء فی الروایة :(أصاب الناس فتحاً بالشام فیهم بلال, واظنه ذکر معاذ بن جبل, فکتبوا إلی عمر بن الخطاب , إن هذا الفیء الذی أصبنا لک خمسه, ولنا ما بقی لیس لأحد منه شی, کما صنع النبی بخیبر, فکتب عمر :أنه لیس علی ما قلتم, ولکنّی اقفها للمسلمین, فراجعوه الکتاب, وراجعهم, یأبون ویأبی, فلمّا أبوا قام عمر فدعا علیهم, فقال: اللهم أکفنی بلالا وأصحاب بلال . قال: فما حال الحول علیهم حتی ماتوا جمیعاً) ((1)).

وفی کتاب الروض الأنف ): " ولما سار عمر إلی الشام وکان بالجابیة شاور فیما افتتح من الشام أیقسمها ؟ فقال له معاذ: إن قسمتها لم یکن لمن یأتی بعد من المسلمین شئ . أو نحو هذا . فأخذ بقول معاذ . فالح علیه بلال فی جماعة من أصحابه وطلبوا القسم, فلما أکثروا قال: اللهم اکفنی بلالا وذویه فلم یأت الحول ومنهم علی الأرض عین تطرف "((2)) .

وفعلا قتلت الحکومة بلالا وأصحابه بصور مختلفة مثلما تفعل أغلب حکومات الدنیا الفانیة مع معارضیها .

فصنف الباری تعالی الحکومة مع الظالمین القتلة وقتل بلال وأصحابه ولم یقتص القضاء من القاتلین واعتقد البعض أن الحاکم مقدس مستجاب الدعوة , وصدق فی حقه :

ص: 33

{وَقَدْ مَکَرُوا مَکْرَهُمْ وَعِنْدَ اللّهِ مَکْرُهُمْ وَإنْ کَانَ مَکْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَال}ُ 46_سورة ابراهیم.

{وَیَمْکُرُونَ وَیَمْکُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَیْرُ المَاکِرِینَ} 30_الانفال .

وکان ابو بکر وعمر من دهاة قریش وهو منهج سار علیه ابو سفیان ومعاویة وعمرو بن العاص والمغیرة بن شعبة وعثمان بن عفان فاستولوا علی الخلافة بمساعدة الاعراب والطلقاء والمنافقین والیهود وهو تحالف رباعی ومنسجم , وما زال یحکم البلدان الاسلامیة !!!

وکان ابو بکر وعمر یأخذان أموال المعارضین لهما مثلما أخذوا فدک من فاطمة سیدة النساء علیها السلام ,ویحرمونهم من العطاء والمناصب الحکومیة .

وقد أبعدوا بنی هاشم والانصار المحاربین مع الرسول فی المعارک من الحکومة , وقرَّبوا الاعراب والطلقاء الشدیدی العداء للنبی صلی الله علیه و آله وممن حاربوه فی معارک کثیرة !!! مثل خالد بن الولید ومعاویة وعتبة (ابنا ابی سفیان ) وعمرو بن العاص وعکرمة بن ابی جهل .

وکان الجهاز التنفیذی الاغتیالی سریعا جدا ینفذ کل دعاء لعمر , وکان السذج من ناس ذلک الزمان یعتقدون باستجابة السماء السریعة لدعاء عمر فی موت الصحابة !!!

أما رؤوس الصحابة من الشیعة والسیاسیین فقد عرفوا اغتیالات الدولة للمعارضین لها فی زمن ابی بکر منهم: فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و آله وسعد بن عبادة زعیم الانصار والحباب بن المنذر وسعید بن العاص .

ص: 34

ثم اغتال عمر ابا بکر وطبیبه الخاص الحارث بن کلدة بالسم لیصل الی السلطة واغتال خالد بن الولید وبلال الحبشی واصحابه وابا عبیدة بن الجراح والمثنی بن حارثة الشیبانی وعشرات آخرین ((1)).

ولم یکن بلال عبدا لابی بکر ولم یحرره بل هذا من افتراءات الامویین لتعظیم الحاکم وتحقیر المحکوم المعارض له . وکان ابو بکر فقیرا معدما لا یملک عبیدا وهو وابوه من عبید فی مؤسسة ابن جدعان السیئة الصیت التی یعمل فیها صهاک أم عمر والصعبة أم طلحة والنابغة أم عمرو بن العاص فحرمها الاسلام واغلقها النبی صلی الله علیه و آله (2)

.

{ لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِیهِمْ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کَانَ یَرْجُوا اللّهَ وَالیَوْمَ الآخِرَ وَمَنْ یَتَوَلَّ فَإنَّ اللّهَ هُوَ الغَنِیُّ الحَمِیدُ } 6 _سورة الممتحنة .

کرّر التأسی للمبالغة, ولمزید الحثّ علی التأسّی بإبراهیم وأتباعه . وکان أهل البیت أسوات للناس وأولهم الامام علی وآخرهم المهدی علیهم السلام .

وقد ترکوا تراثا کبیرا فی الاخلاق لیس فیه اغتیال ولا مکر ولا مؤامرات ولا تبعیة للیهود ولا خیانات یهدی الانسانیة الی الایمان والتقوی والعمل الصالح والشجاعة والزهد والحلم والعفة والقناعة .

ص: 35

{ عَسَی اللّهُ أنْ یَجْعَلَ بَیْنَکُمْ وَبَیْنَ الَّذِینَ عَادَیْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللّهُ قَدِیرٌ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ } 7 _سورة الممتحنة.

کانت العداوة بینکم وبین الکافرین شدیدة وعسی أن تتحول الی مودة بعد اسلامهم والله قدیر علی کل شیء والله غفور رحیم عن المذنبین .

وفی روایة أبی الجارود عن الامام محمد الباقر علیه السلام فی قوله: ( عسی الله ان یجعل بینکم وبین الذین عادیتم منهم مودة والله قدیر والله غفور رحیم ) فان الله أمر نبیه صلی الله علیه و آله والمؤمنین بالبراءة من قومهم ما داموا کفارا فقال: ( قد کانت لکم أسوة حسنة فی إبراهیم والذین معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منکم ومما تعبدون من دون الله, إلی قوله, والله قدیر والله غفور رحیم ) الآیة, قطع الله عز وجل ولایة المؤمنین منهم وأظهروا لهم العداوة فقال

( عسی الله ان یجعل بینکم وبین الذین عادیتم منهم مودة ) فلما أسلم أهل مکة خالطهم أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وناکحوهم وتزوج رسول الله صلی الله علیه و آله أم حبیبة بنت أبی سفیان بن حرب ثم قال " لا ینهاکم الله " إلی آخر الآیتین وقال علی بن إبراهیم فی قوله ( یا أیها الذین آمنوا إذا جاءکم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله اعلم بایمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلی الکفار ) قال: إذا لحقت المرأة من المشرکین بالمسلمین تمتحن بان تحلف بالله انه لم یحملها علی اللحوق بالمسلمین بغضها لزوجها

ص: 36

الکافر ولا حبها لاحد من المسلمین وإنما حملها علی ذلک الاسلام, وإذا حلفت علی ذلک قبل إسلامها ((1)).

وقال نجاح الطائی: وهذا یبین اهتمام الاسلام بالجوهر والمتمثل فی الدین وترکه سفاسف الامور والاهواء الدنیویة .

وان الدین لا یرید زیادة عدد المسلمین بکل الصور الممکنة بل یرید عدة خاصة طاهرة جبلت علی الحق واعتنقت الایمان الالهی. أی ان الله تعالی یرید الکیفیة الایمانیة للمسلمین مثل أصحاب الحسین علیه السلام فی کربلاء , وجماعة الامام المهدی علیه السلام ولا یرید الکمیة الکبیرة بفساقها وظلمتها .

{ لا یَنْهَاکُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِیَارِکُمْ أنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَیْهِمْ إنَّ اللّهَ یُحِبُّ

المُقْسِطِینَ }8 _سورة الممتحنة.

قال الحسن البصری: إن المسلمین استأذنوا النبی صلی الله علیه و آله فی أن یبروا أقربائهم من المشرکین, وکان ذلک قبل أن یؤمروا بالقتال لجمیع المشرکین, فنزلت هذه الآیة .

وقال قتادة: هی منسوخة بقوله: (فَاقْتُلُوا المُشْرِکِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ((2))

, وبه قال ابن عباس: یقول الله تعالی مخاطبا للمؤمنین ( لا ینهاکم الله ) عن

ص: 37

{ مخالطة } الذین لم یقاتلوکم فی الدین { من الکفار } ولم یخرجوکم من دیارکم أن تبروهم { وتحسنوا إلیهم } وتقسطوا إلیهم

معناه تعدلوا إلیهم { إن الله یحب المقسطین } یعنی الذین یعدلون فی الخلق .

وقیل معناه إن الله یحب الذین یقسطون قسطا من أموالهم علی وجه البر . وقوله { إن تبروهم } فی موضع خفض, وتقدیره: لا ینهاکم الله عن أن تبروهم .

والقسط: الحصة تقول أخذ فلان قسطه أی حصته . وقد تقسطوا الشئ بینهم أی اقتسموه علی القسط أی علی العدل . وکل مقدار قسط لأنه عدل غیره بالمساواة له . والقسوط: الجور لأنه عدول عن الحق قسط یقسط قسطا, فهو قاسط إذا جاز عن الحق . وقوله تعالی: { وأما القاسطون فکانوا لجهنم حطبا } ((1)) .

{ إنَّمَا یَنْهَاکُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِینَ قَاتَلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَأخْرَجُوکُمْ مِنْ دِیَارِکُمْ وَظَاهَرُوا عَلَی إخْرَاجِکُمْ أنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ یَتَوَلَّهُمْ فَاُوْلَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ } 9 _سورة الممتحنة.

ص: 38

ینهی الله تعالی عن اقامة جسور العلاقة والمودة مع أهالی مکة الذین أخرجوکم منها وظاهروا علی اخراجکم وحاربوکم فمن یتولهم منکم فأولئک هم الظالمون .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إذَا جَاءَکُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَات فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّهُ أعْلَمُ بِإیمَانِهِنَّ فَإنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَات فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلَی الکُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ یَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَیْکُمْ أنْ تَنکِحُوهُنَّ إذَا آتَیْتُمُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِکُوا بِعِصَمِ الکَوَافِرِ وَاسْألُوا مَا أنفَقْتُمْ وَلْیَسْألُوا مَا أنفَقُوا ذَلِکُمْ حُکْمُ اللّهِ یَحْکُمُ بَیْنَکُمْ وَاللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ } 10 _سورة الممتحنة .

یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا: أخرج العلامة البحرانی, فی کتاب صغیر له أسماه (نبذة من مناقب أمیر المؤمنین) , أخرج جمیعها من کتب العامة قال فیه:

وفی مناقب ابن مردویه, عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : ما فی القرآن فیها: (یاأیها الذین آمنوا) . إلا علی رأسها وقائدها ((1))

.

إذا لحقت المرأة من المشرکین بالمسلمین واعلنت رغبتها فی الاسلام تمتحن من قبل المؤمنین , بان تحلف بالله انه لم یحملها علی اللحوق بالمسلمین بغضها لزوجها الکافر ولذلک فرَّت منه ولا حبها لاحد من المسلمین فیکون اسلامها صوریا لا جدیا .

ص: 39

وإنما حملها علی الهجرة الاسلام, وإذا حلفت علی ما طرحوه علیها قبل إسلامها .

وَلا تُمْسِکُوا بِعِصَمِ الکَوَافِرِ: وفی روایة أبی الجارود عن الامام محمد الباقر علیه السلام فی قوله ( ولا تمسکوا بعصم الکوافر ) لا یجیز الاسلام زواج المسلم من الکافرة: یقول: من کانت عنده امرأة کافرة یعنی علی غیر ملة الاسلام وهو علی ملة الاسلام فلیعرض علیها الاسلام فان قبلت فهی امرأته, وإلا فهی بریئة منه فنهی الله ان یمسک بعصمتها .

( واسألوا ما أنفقتم وَلْیَسْألُوا مَا أنفَقُوا ذَلِکُمْ حُکْمُ اللّهِ یَحْکُمُ بَیْنَکُمْ وَاللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ ) یعنی إذا لحقت امرأة من المسلمین بالکفار فعلی الکافر أن یرد علی المسلم صداقها, فإن لم یفعل الکافر وغنم المسلمون غنیمة اخذ منها قبل القسمة صداق المرأة اللاحقة بالکفار .

واذا هاجرت امرأة من زوجها الکافر الی المسلمین فمن حقهم السؤال عن صداقها بأن یعطی زوجها المسلم صداقها الی زوجها الکافر الذی فرَّت منه.

وهذا الامر یبین للمسلمین والکفار ان الاسلام جاء للهدایة ولیس لجمع الاموال مثلما یفعل الملوک وأحبار الدین حیث ینهبون الخمس والزکاة والصدقات لاولادهم وأصهارهم .

وقضیة اعطاء مهر الزوج الکافر الذی اعطاه لزوجته المسلمة التی فرَّت منه یبین عظمة الاسلام وانه دین حضاری لا یهتم بالاموال بل یهتم بهدایة القلوب الی الحق والاخلاق وعبادة الله فی الارض .

ص: 40

بینما شوه الوهابیون الخوارج الاسلام بقتلهم النساء والاطفال والرجال فی المساجد واحراقهم المستشفیات والمدارس والجامعات والمزارع والجسور والمصانع .

ویدعم الغربیون والیهود الوهابیین السلفیین الارهابیین لتحطیم الصورة الاسلامیة الناصعة والمدنیة للدین ودفع الناس نحو العلمانیة .

{ وَإنْ فَاتَکُمْ شَیْءٌ مِنْ أزْوَاجِکُمْ إلَی الکُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِینَ ذَهَبَتْ أزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أنفَقُوا وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِی أنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } سورة الممتحنة 11

فی روایة أبی الجارود عن الامام محمد الباقر علیه السلام قال فی قوله: ( وان فاتکم شئ من أزواجکم إلی الکفار فعاقبتم ) یعنی من یلحقن بالکفار من أهل عهدکم فسألوهم صداقها وان لحقن بکم من نسائهم شئ فاعطوهم صداقها واما قوله: ( وان فاتکم شئ من أزواجکم ) یقول وان لحقن بالکفار الذین لا عهد بینکم وبینهم فأصبتم غنیمة ( فآتوا الذین ذهبت أزواجهم مثل ما انفقوا واتقوا الله الذی أنتم به مؤمنون ) .

وقال نجاح الطائی: أی اذا لحقت المرأة المسلمة من زوجها المسلم بالکفار فسألوهم صداقها وإن لم یعطوه فیعطی من الغنائم الجدیدة .

لاحظ حفظ الاسلام لحقوق الناس من المسلمین والکفار فحتی الکافر یُعطی صداق زوجته التی فرَّت منه ولو کان أبو سفیان أو أبو جهل !!!

وهکذا هو الاسلام فی باقی المواضیع لا یهمه جمع الاموال وکنزها ولا یرید احتقار الناس وسلبهم حقوقهم المالیة ولو کانوا کفارا .

ص: 41

ان اعطاء النبی مهر المرأة المسلمة لزوجها الکافر هو دعوة مفتوحة للاسلام

وان حقوقه فی الدین محفوظة ولو کان کافرا وان المال مال الله تعالی محفوظ للمسلم والکافر .

علیه تقدم الکفار نحو الدین وأسلموا بعدما انکسر حاجز الحقد عندهم.

{ یَا أیُّهَا النَّبِیُّ إذَا جَاءَکَ المُؤْمِنَاتُ یُبَایِعْنَکَ عَلَی أنْ لا یُشْرِکْنَ بِاللّهِ شَیْئاً وَلا یَسْرِقْنَ وَلا یَزْنِینَ وَلا یَقْتُلْنَ أوْلادَهُنَّ وَلا یَأتِینَ بِبُهْتَان یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أیْدِیهِنَّ وَأرْجُلِهِنَّ وَلا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوف فَبَایِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّهَ إنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ }2 _سورة الممتحنة .

قال الامام أبو عبد الله الصادق علیه السلام عن قول الله ولا یعصینک فی معروف, قال: هو ما فرض الله علیهن من الصلاة والزکاة وما أمرهن به من خیر .

لاحظ ملحمة الاسلام الرائعة فی بناء الانسان والمجتمع: اولا یوحد الله تعالی ولا یعبدن الاصنام ولا یسرقن بل یعملن فی سبیل المعیشة . { وَلا یَزْنِینَ } بل یتعففن ویحافظن علی شرفهن للمحافظة علی النسل الطاهر .

وقال نجاح الطائی: { وَلا یَقْتُلْنَ أوْلادَهُنَّ }: اذ کانت النساء تقتل البنت یدفنها فی التراب خوفا من الفقر, بل الله تعالی هو الغنی الرزاق .

{وَلا یَأتِینَ بِبُهْتَان یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أیْدِیهِنَّ وَأرْجُلِهِنَّ } بل یتعودن علی الصدق فهو سبیل النجاة وطریق المحافظة علی الاخلاق .

مشروع الله تعالی ودینه ورسالته السماویة تنهج منهج العفة والصدق والامانة والوفاء بالوعد والعهد وحفظ أرواح اولادهن .

ص: 42

وسار المتقون علی هذا المنهج الحکیم الاسلامی الحضاری فی الارض واراد الیهود والنواصب تخریب هذا المشروع الانسانی الدینی بایجاد منهج الفسق والفجور والکذب وخیانة الامانة والغدر والخیانة واراقة الدماء وازهاق الارواح .

ونلاحظ الیوم مشروع الخوارج الوهابیین السعودیین ینهج هذا النهج فی العالم بتحالفه مع الاستکبار العالمی والصهیونیة . فاختلقوا جهاد النکاح مجوزین فیه زنا المحصنات والباکرات مع الاجانب فاسخین عقود الزواج ومشجعین علی الزنا واختلاط المیاه وولادة اللقطاء .

وهی محاولة للقضاء علی المجتمع الاسری العفیف والشریف وابداله بمؤسسات الزنا والفجور فی مکة والمدینة مثل مؤسسة عبد الله بن جدعان التیمی فی مکة ومؤسسة رئیس المنافقین عبد الله بن ابی فی المدینة .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَیْهِمْ قَدْ یَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ کَمَا یَئِسَ الکُفَّارُ مِنْ أصْحَابِ القُبُورِ }13 _سورة الممتحنة

قال علی بن إبراهیم فی قوله { یا أیها الذین آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله علیهم } معطوف علی قوله { یا أیها الذین آمنوا لا تتخذوا عدوی وعدوکم أولیاء } .

بینما عصی الکثیر من المسلمین هذه الایة فاتخذوا معاویة بن ابی سفیان وعمرو بن العاص ومروان بن الحکم وأولاده الملوک أولیاءً واتخذوا ملوک العباسیین والعثمانیین الطغاة أولیاءً .

ص: 43

ان توسل المسلم بالطغاة هو الذی یؤدی الی الکفر والاجرام والرذیلة فلو تنحی عنهم المسلم وشق طریقه فی المجتمع بالتوکل علی الله تعالی لوصل الی الحق و الاکتفاء الذاتی .

قال أمیر المؤمنین علیه السلام : یا عجبا کل العجب بین جمادی ورجب فقال رجل من شرطة الخمیس ما هذا العجب یا أمیر المؤمنین ؟ قال علیه السلام : ومالی لا أعجب وقد سبق القضاء فیکم وما تفقهون الحدیث الا صوتات بینهن موتات حصد نبات ونشر أموات یا عجبا کل العجب بین جمادی ورجب قال أیضا رجل یا أمیر المؤمنین ما هذا العجب الذی لا تزال تعجب منه قال ثکلت الآخرة أمة وأی عجب یکون أعجب من أموات ((1))یضربون هامات الاحیاء .قال أنی یکون ذلک یا أمیر المؤمنین ؟

قال علیه السلام : والذی فلق الحبة وبرأ النسمة کأنی انظر إلیهم قد تخللوا سکک الکوفة وقد شهروا سیوفهم علی مناکبهم یضربون کل عدو لله ولرسوله صلی الله علیه و آله وللمؤمنین وذلک قول الله عز وجل ( یا أیها الذین آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله علیهم قد یئسوا من الآخرة کما یئس الکفار من أصحاب القبور ) ((2)) .

ص: 44

وعن حبیب بن محمد بن یونس بن شاذان الصنعانی قال: دخلت إلی علی بن إبراهیم بن مهزیار الأهوازی فسألته عن آل أبی محمد علیه السلام فقال: یا أخی لقد سألت عن أمر عظیم, حججت عشرین حجة کلا أطلب به عیان الامام فلم أجد إلی ذلک سبیلا, فبینا أنا لیلة نائم فی مرقدی إذ رأیت قائلا یقول: یا علی بن إبراهیم ! قد أذن الله لی فی الحج, فلم أعقل لیلتی حتی أصبحت, فأنا مفکر فی أمری أرقب الموسم لیلی ونهاری . فلما کان وقت الموسم أصلحت أمری, وخرجت متوجها نحو المدینة, فما زلت کذلک حتی دخلت یثرب فسألت عن آل أبی محمد علیه السلام , فلم أجد له أثرا ولا سمعت له خبرا, فأقمت مفکرا فی أمری حتی خرجت من المدینة أرید مکة, فدخلت الجحفة وأقمت بها یوما وخرجت منها متوجها نحو الغدیر, وهو علی أربعة أمیال من الجحفة, فلما أن دخلت المسجد صلیت وعفرت واجتهدت فی الدعاء وابتهلت إلی الله لهم, وخرجت أرید عسفان, فما زلت کذلک حتی دخلت مکة فأقمت بها أیاما أطوف البیت واعتکفت .

فبینا أنا لیلة فی الطواف, إذا أنا بفتی حسن الوجه, طیب الرائحة, یتبختر فی مشیته طائف حول البیت, فحس قلبی به, فقمت نحوه فحککته, فقال لی من أین الرجل ؟ فقلت: من أهل [ العراق فقال: من أی ] العراق ؟ قلت: من الأهواز .

فقال لی: تعرف بها الخصیب ؟ فقلت: رحمه الله, دعی فأجاب, فقال: رحمه الله, فما کان أطول لیلته وأکثر تبتله وأغزر دمعته, أفتعرف علی بن إبراهیم بن المازیار ؟ فقلت: أنا علی بن إبراهیم .

ص: 45

فقال: حیاک الله أبا الحسن ما فعلت بالعلامة التی بینک وبین أبی محمد الحسن بن علی علیهما السلام ؟ فقلت: معی قال: أخرجها, فأدخلت یدی فی جیبی فاستخرجتها, فلما أن رآها لم یتمالک أن تغرغرت عیناه

( بالدموع ) وبکی منتحبا حتی بل أطماره, ثم قال: أذن لک الآن یا بن مازیار, صر إلی رحلک وکن علی أهبة من أمرک, حتی إذا لبس اللیل جلبابه, وغمر الناس ظلامه, سر

إلی شعب بنی عامر ! فإنک ستلقانی هناک فسرت إلی منزلی . فلما أن أحسست بالوقت أصلحت رحلی وقدمت راحلتی وعکمته شدیدا, وحملت وصرت فی متنه وأقبلت مجدا فی السیر حتی وردت الشعب, فإذا أنا بالفتی قائم ینادی یا أبا الحسن إلی, فما زلت نحوه, فلما قربت بدأنی بالسلام وقال لی: سر بنا یا أخ فما زال یحدثنی وأحدثه حتی تخرقنا جبال عرفات, وسرنا إلی جبال منی, وانفجر الفجر الأول ونحن قد توسطنا جبال الطائف فلما أن کان هناک أمرنی بالنزول ,وقال لی: إنزل فصل صلاة اللیل, فصلیت, وأمرنی بالوتر فأوترت, وکانت فائدة منه, ثم أمرنی بالسجود والتعقیب, ثم فرغ من صلاته ورکب, وأمرنی بالرکوب وسار وسرت معه حتی علا ذروة الطائف, فقال: هل تری شیئا ؟ قلت: نعم أری کثیب رمل علیه بیت شعر یتوقد البیت نورا .

فلما أن رأیته طابت نفسی, فقال لی: هناک الامل والرجاء, ثم قال: سر بنا یا أخ فسار وسرت بمسیره إلی أن انحدر من الذروة وسار فی أسفله, فقال: إنزل فها هنا یذل کل صعب, ویخضع کل جبار, ثم قال: خل عن زمام الناقة, قلت فعلی من أخلفها ؟ فقال: حرم القائم علیه السلام , لا یدخله إلا مؤمن

ص: 46

ولا یخرج منه إلا مؤمن, فخلیت من زمام راحلتی, وسار وسرت معه إلی أن دنا من باب الخباء, فسبقنی بالدخول وأمرنی أن أقف حتی یخرج إلیَّ .

ثم قال لی: أدخل هنأک السلامة, فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتشح ببردة واتزر بأخری, وقد کسر بردته علی عاتقه, وهو کأقحوانة أرجوان قد تکاثف علیها الندی, وأصابها ألم الهوی, وإذا هو کغصن بان أو قضیب ریحان, سمح سخی تقی نقی, لیس بالطویل الشامخ, ولا بالقصیر اللازق, بل مربوع القامة, مدور الهامة, صلت الجبین, أزج الحاجبین, أقنی الانف, سهل الخدین, علی خده الأیمن خال کأنه فتات مسک علی رضراضة عنبر .فلما أن رأیته بدرته بالسلام, فرد علیَّ أحسن ما سلمت علیه, وشافهنی وسألنی عن أهل العراق, فقلت سیدی قد ألبسوا جلباب الذلة, وهم بین القوم أذلاء فقال لی: یا بن المازیار لتملکونهم کما ملکوکم, وهم یومئذ أذلاء, فقلت, سیدی لقد بعد الوطن وطال المطلب.

فقال علیه السلام : یا بن المازیار ( أبی ) أبو محمد عهد إلی أن لا أجاور قوما غضب الله علیهم ( ولعنهم ) ولهم الخزی فی الدنیا والآخرة ولهم عذاب ألیم, وأمرنی أن لا أسکن من الجبال إلا وعرها, ومن البلاد إلا عفرها , والله مولاکم أظهر التقیة فوکلها بی فأنا فی التقیة إلی یوم یؤذن لی فأخرج, فقلت: یا سیدی متی یکون هذا الامر ؟ فقال علیه السلام : إذا حیل بینکم وبین

ص: 47

سبیل الکعبة, واجتمع الشمس والقمر واستدار بهما الکواکب والنجوم, فقلت متی یا بن رسول الله ؟ فقال لی: فی سنة کذا وکذا تخرج دابة الأرض ( من ) بین الصفا والمروة, ومعه عصا موسی وخاتم سلیمان, یسوق الناس إلی المحشر .قال, فأقمت عنده أیاما وأذن لی بالخروج بعد أن استقصیت لنفسی وخرجت نحو منزلی, والله لقد سرت من مکة إلی الکوفة ومعی غلام یخدمنی فلم أر إلا خیرا و صلی الله علیه و آله تسلیما ((1)) .

ص: 48

عبّر بها تغلیبا للأکثر والجماد میّت فی نظر المحجوب حتّی فی نفس الأمر لا میّت لأنّ الجماد مدبّر حیّ والمدبّر حیّ ولیس من شرط الحیّ أن یحسّ لأنّ الإحساس والحواسّ أمر معقول زائد علی الحیاة .

وقوله تعالی: ( أنطقنا الله الذی أنطق کل شئ )_فصلت 21 .

فلکل شئ نطق وسبح لله تعالی . ووردت روایة فی نطق الأشجار والجبال .

والروایات الکثیرة فی أن النبی وآله المعصومین ( علیهم السلام ) سبحوا الله تعالی قبل المخلوقات, فهم أول المسبحین ومنهم تعلمت الملائکة وغیرهم التسبیح والتقدیس والتمجید والتهلیل والعبادة .

وقوله تعالی: { سَبِّحْ اسْمَ رَبِّکَ الاَْعْلَی 1 } سورة الاعلی .

وقوله تعالی: ( والسابحات سبحا ) النازعات3 .

و قال القمی فی تفسیره: هم المؤمنون الذین یسبحون الله . وقیل: هم الملائکة الذین یقبضون أرواح المؤمنین یسلونها سلا رفیقا, ثم یدعونها حتی تستریح کالسابح بالماء .

ومن سبح الله تلطف به تعالی واصبح مع المسبحین .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ2 کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ3 } _سورة الصف: مقتا: أشد البغض .

ص: 50

قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلیف إذا وعد((1)) .علیُّ بن إبراهیم, عن أبیه, عن ابن أبی عمیر, عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله الامام جعفر الصادق علیه السلام یقول: « عدة المؤمن أخاه نذرٌ لا کفّارة له, فمن أخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرَّض وذلک قوله: ( یا أیّها الّذین آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون کبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) » . وقوله: ( عدة المؤمن أخاه نذر لا کفارة له ) أی کالنذر فی جعله علی نفسه أو فی لزوم الوفاء به إلاّ أنّه لا کفارة له .

بینما تجد الکثیر من المؤمنین یخلفون وعودهم ولا یحترمونها .وقوله: ( فمن اخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرض ) یعنی أن مخلف الوعد مخالف لأمر الله أو لا ومتعرض لمقته وغضبه واستشهاده بالآیة .

وجاء: « من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلیفِ إذا وعد » وهذا یبین أن خلف الوعد حرام وعیب عرفی, والوفاء به واجب فینبغی للمؤمن أن لا یعد وإذا وعد فعلیه أن یفی به .

والقرآن أوجب الالتزام بالوعد بقوله تعالی: { واذکر فی الکتاب إسماعیل إنه کان صادق الوعد وکان رسولا نبیاً } فالصادق یجب أن یکون صادقا

ص: 51

فی کل شیء . وقال ابو عبد الله الصادق علیه السلام : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلیف إذا وعد » ((1)).

مخاطبة لأصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه و آله الَّذین وعدوه أن ینصروه, ولا یخالفوا أمره, ولا ینقضوا عهده فی أمیر المؤمنین علیه السلام فعلم اللَّه أنّهم لا یفون بما یقولون فقال: { لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ} ( الآیة ) وقد سمّاهم اللَّه المؤمنین بإقرارهم, وإن لم یصدّقوا ((2)) .

وعن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال: أتدری لم سمی إسماعیل صادق الوعد, قلت: لا أدری, قال: وعد رجلا فجلس حولا ینتظره ((3)) .

وعن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله الامام جعفر الصادق علیه السلام علیه السلام یقول: ان رسول الله صلی الله علیه و آله وعد رجلا إلی صخرة فقال: انا لک هاهنا حتی تأتی, قال: فاشتدت الشمس علیه فقال له أصحابه: یا رسول الله

لو أنک تحولت إلی الظل, قال: قد وعدته إلی هاهنا ((4)) .

ص: 52

لقد خان معظم الصحابة النبی صلی الله علیه و آله فی معارک أحد والخندق. وفی خیبر فرَّ ابو بکر وعمر ففرح الیهود بانتصارهم فی اللقاء وثبات جیشهم, ثم انتصر المسلمون فی الیوم الثالث بقیادة الامام علی علیه السلام وفتحوا خیبر .

وفرَّ معظم المسلمین فی معرکة حنین وترکوا النبی صلی الله علیه و آله فی وسط الکفار مع خمسة أشخاص لکن الامام علی علیه السلام غیَّر المعادلة بقتله رئیس الکفار ففر جیشه وانتصر المسلمون .

{ إنَّ اللّهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفّاً کَأنَّهُمْ بُنیَانٌ مَرْصُوصٌ } 4_سورة الصف.

: روی الحافظ الحسکانی الحنفی قال: أخبرنا الشریف أبو عثمان سعید بن العباس القرشی باسناده عن ابن عباس فی قوله تعالی: (إنّ الله یحبّ الذین یقاتلون فی سبیله صفّاً کأنّهم بنیان مرصوص) . أنه قیل له من هؤلاء؟

قال: حمزة أسد الله وأسد رسوله, وعلی بن أبی طالب علیه السلام , وعبیدة بن الحرث, والمقداد بن الأسود((1)) .

ص: 53

وروی هو أیضاً قال: أخبرنا محمد بن عبد الله باسناده عن ابن عباس قال: کان علی علیه السلام ذا صف فی القتال کأنه بنیان مرصوص, فأنزل الله تعالی هذه الآیة((1)) .

وکان أمیر المؤمنین علی علیه السلام یحارب کأنه بنیان مرصوص أی کان صامدا لا یتراجع ابدا رغم شدة الهجمات فی المعارک وقلة المسلمین وفرارهم فی الحروب .

وقد اعترف أبو بکر بفراره فی أحد قائلا: کنت أول من فاء (فرَّ)یوم أحد, فرأیت رجلا یقاتل مع رسول الله صلی الله علیه و آله فقلت: کن طلحة حیث فاتنی ما فاتنی یکون رجلا من قومی((2)) .

وذکر الفخر الرازی أسماء المنهزمین وعلی رأسهم عمر وعثمان ((3))

ص: 54

وذکر البخاری والسدی والحسن وقتادة فی آیة: (اذ تصعدون ولا تلوون) فرار عمر فی أحد ((1)) .

وفرَّ ابو بکر وعمر فی خیبر أیضا: عندما أرسل النبی الشیخین قائدین لجیش المسلمین فی حرب خیبر فرَّا: فقد أخرج علی بن أبی بکر الهیتمی عن ابن عباس أنَّه قال: بعث رسول الله الی خیبر أحسبه قال: أبا بکر فرجع منهزماً ومن معه . فلمَّا کان الغد بعث عمر فرجع منهزماً یجبِّن أصحابه ویجبِّنه أصحابه ((2)) .ومفهوم الایة الکریمة أن الله تعالی لا یحب الفارین فی الحروب والمتصفین بصفة الفرّار فی المعارک .

{ وَإذْ قَالَ مُوسَی لِقَوْمِهِ یَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِی وَقَدْ تَعْلَمُونَ أنِّی رسول الله إلَیْکُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أزَاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللّهُ لا یَهْدِی القَوْمَ الفَاسِقِینَ } 5 _سورة الصف.

{ وَإذْ قَالَ مُوسَی لِقَوْمِهِ یَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِی وَقَدْ تَعْلَمُونَ أنِّی رسول الله إلَیْکُمْ }: لقد اعتاد الیهود والنواصب علی أذی الانبیاء والتهکم بهم والسخریة منهم للحط منهم فی المجتمعات واعلاء منازل الاحبار المنحرفین عن الصراط .

ص: 55

والهدف وضع الاحبار مثل کعب الاحبار وعبد الله بن سلام والاشرار مثل ابن تیمیة وابن عبد الوهاب محل الانبیاء والاوصیاء لهم القداسة والمرجعیة ولهم الفتوی .

ومن سار علی هذا المنحی الیهودی الناصبی فهو منهم ومنسجما مع دیدنهم ومتکالباً علی أئمة الهدی المرسلین .

وقال تعالی:{ إنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ وَأعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِیناً 57*وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ المُؤْمِنِینَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإثْماً مُبِیناً } 58_الاحزاب .

{ إنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ وَأعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِیناً } 57 _سورة الاحزاب.

أخبرت حفصةُ عائشةَ بسرّ رسول الله صلی الله علیه و آله لها لتؤذیه, بینما قال الله تعالی: وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ ألِیمٌ 61_التوبة .

(إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیَا وَالاْخِرَةِ) .

وقالت عائشة: التحریم نزل فی قصّة العسل ((1)) .

وقال تعالی :{ إنْ تَتُوبَا إلَی اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُمَا وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَیْهِ فَإنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِیلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِینَ وَالمَلائِکَةُ بَعْدَ ذَلِکَ ظَهِیرٌ4* عَسَی رَبُّهُ إنْ طَلَّقَکُنَّ أنْ یُبْدِلَهُ أزْوَاجاً خَیْراً مِنْکُنَّ مُسْلِمَات مُؤْمِنَات قَانِتَات تَائِبَات عَابِدَات سَائِحَات ثَیِّبَات وَأبْکَاراً } 5 التحریم .

ص: 56

وقال البخاری عن ابن عباس ( مکثت سنة أُرید أن أسأل عمر بن الخطّاب عن آیة فما أستطیع أن أسأله هیبة له, حتّی خرج حاجّاً فخرجت معه فلمّا رجعت وکنّا ببعض الطریق عدل إلی الأراک لحاجة له قال: فوقفت له حتّی فرغ ثمّ سرت معه فقلت له: یاأمیر المؤمنین من اللتان تظاهرتا علی النبی ( صلی الله علیه و آله ) من أزواجه ؟ فقال عمر: تلک حفصة وعائشة ) ((1)).

وقال عمر فی صلح الحدیبیة ( ما شککت إلا یومئذ ) ((2)) .

وقال عمر فی زمن حکمه لابن عباس عن صلح الحدیبیة:

(ارتبت ارتیابا لم أرتبه منذ أسلمت إلا یومئذ, ولو وجدت ذلک الیوم شیعة تخرج عنهم رغبة عن القضیة لخرجت )((3)) .

ص: 57

أی أن عمر لو وجد أنصارا لثار بهم وقتل المسلمین , لأنه ارتاب فی ذلک الیوم وشکک فی صحة رسالة النبی صلی الله علیه و آله !!!

وقال عمر: ( وخشیت أن ینزل فیّ قرآن ) ((1)).

وکان منهج عمر فی الحیاة أن یبین ما فعله ضدَّ النبی وما فعلته عائشة وحفصة ضده صلی الله علیه و آله دون طمس ولا اخفاء .

لکن منهج النواصب والخوارج تمثل فی والتابعین لهم تمثل فی حذف وتحریف ما فعله رجال ونساء السقیفة ضدَّ النبی صلی الله علیه و آله فی الکتب الاسلامیة.

{ فَلَمَّا زَاغُوا أزَاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللّهُ لا یَهْدِی القَوْمَ الفَاسِقِینَ } 5 _سورة الصف.لما زاغوا عن الحق أزاغ اللهُ قلوبهم وهاهم الیهود والنواصب تراهم قد زاغ الحق عن قلوبهم فلا یهتدون أبدا .

{ َإذْ قَالَ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ یَا بَنِی إسْرَائِیلَ إنِّی رسول الله إلَیْکُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَیْنَ یَدَیَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُول یَأتِی مِنْ بَعْدِی اسْمُهُ أحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالبَیِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِینٌ }6 _سورة الصف.

ص: 58

بین النبی عیسی للیهود انه رسول الله الیهم لکن الیهود لم یکتفوا بتکذیب النبی موسی علیه السلام بل کذبوا وعصوا النبی عیسی علیه السلام ووصفوا معجزاته وکراماته بالسحر کی یبعدوا الناس عنه ویسهلوا أمر قتله . ویرتبوا الامر لتکذیب النبی محمد علیه السلام الذی بشر به عیسی .

لقد وثق النبی عیسی علیه السلام ما بین یدیه من التوراة ولم یوثق ما فی أیدیهم من التوراة المزورة وهذا امر مهم فی اختلاف الجانبین وبیان انحراف الیهود عن الدین . وأفصح عیسی عن صحة رسالتی موسی علیه السلام والنبی محمد صلی الله علیه و آله قال ابن عباس: کانت الیهود ( یستفتحون ) أی یستنصرون علی الأوس والخزرج برسول الله صلی الله علیه و آله قبل مبعثه, فلما بعثه الله من العرب ولم یکن من بنی إسرائیل کفروا به وجحدوا ما کانوا یقولونه فیه, فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور: یا معشر الیهود اتقوا الله وأسلموا, فقد کنتم تستفتحون علینا بمحمد ونحن أهل الشرک وتصفونه وتذکرون أنه مبعوث, فقال سلام بن مشکم أخو بنی النضیر: ما جاءنا بشئ نعرفه, وما هو بالذی کنا نذکر لکم, فأنزل الله تعالی هذه الآیة .

وفی قوله: ( مصدق لما معهم ): مصدق لکتبهم من التوراة والإنجیل, لأنه جاء علی الصفة التی تقدم بها البشارة .

وفی قوله: ( وإذ أخذ الله میثاق النبیین ): روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام وابن عباس وقتادة أن الله تعالی أخذ المیثاق علی الأنبیاء قبل نبینا أن یخبروا أممهم بمبعثه ونعته, ویبشروهم به, ویأمروهم بتصدیقه, وقال طاؤوس:

ص: 59

أخذ الله المیثاق علی الأنبیاء علی الأول والاخر, فأخذ میثاق الأول بما جاء به الاخر ((1)).

وقال نجاح الطائی: وفی قوله: ( مصدق لما معهم ): تعنی البشارة بمجیء النبی عیسی ثم النبی محمد صلی الله علیه و آله لانهم حرفوا التوراة وبقیت البشارة بالنبی محمد صلی الله علیه و آله فیه, لکنهم اعتقدوا انه من بنی اسرائیل, ولما جاء من العرب کذبوه وانکروه وحذفوا اسمه من التوراة !!!

{ ومَنْ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللّهِ الکَذِبَ وَهُوَ یُدْعَی إلَی الإسْلامِ وَاللّهُ لا یَهْدِی القَوْمَ الظَّالِمِینَ } 7 _سورة الصف : افتراء البعض علی الله تعالی ووصفهم معجزات النبی بالسحر وان النبی ساحر .

قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لعن المجادلون فی دین الله علی لسان سبعین نبیا, ومن جادل فی آیات الله فقد کفر, قال الله عز وجل: " ما یجادل فی آیات الله إلا الذین کفروا فلا یغررک تقلبهم فی البلاد . ومن فسر القرآن برأیه فقد افتری علی الله الکذب, ومن أفتی الناس بغیر علم لعنته ملائکة السماوات والأرض, وکل بدعة ضلالة, وکل ضلالة سبیلها إلی النار ((2)).

اللغة: الافتراء: اقتراف الکذب, وأصله قطع ما قدر من الأدیم یفریه فریا: إذا قطعه . وعلی: للاستعلاء ومعناه هنا: إضافة الکذب إلی النبی " صلی الله علیه و آله " من جهة أنه أمر بما لم یأمر به الله, وأوجب ما لم یوجبه الله . وفرق بین من

ص: 60

کذب علیه, وکذب له, لأن من کذب علیه یفید أنه ککذب فیما یکرهه, وکذب له یجوز أن یکون فیما یریده .

النزول: أنکر الیهود تحلیل النبی لحوم الإبل, فقال: کل ذلک کان حلا لإبراهیم . فقالت الیهود: کل شئ تحرمه (الیهود) فإنه محرم علی نوح وإبراهیم وهلم جرا, حتی انتهی إلینا . فنزلت الآیة .

قال تعالی: ( کُلُّ الطَّعامِ کانَ حِلًّا لِبَنِی إِسْرائِیلَ ) وهو یعقوب بن إسحاق, ولهذه الآیة قصة مفادها أن الیهود کانوا یعتقدون جهلا بأن لحوم الإبل وألبانها محرمة فی دین إبراهیم ومن جاء بعده من أنبیاء بنی إسرائیل, ولما رأوا محمدا صلی الله علیه و آله یحللها اعتنرضوا وتمردوا وقالوا :إن محمدا یحلل ما حرمته الأنبیاء, فرد اللَّه علیهم بقوله: « کُلُّ الطَّعامِ » ومنه لحوم الإبل وألبانها کان حلا لبنی إسرائیل ( إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِیلُ عَلی نَفْسِه مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ ) کان یعقوب قد امتنع عن بعض الأطعمة من تلقاء نفسه لا بتحریم من اللَّه, بل لسبب یعود إلیه خاصة حیث لا زبور ولا توراة فی عهده .( قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ ) آل عمران 93 .

هذا تحدّ صارخ للیهود الذین زعموا أن لحم الإبل محرم بنص التوراة, فبهت الیهود وتواروا خاسئین .

من قال بنقص القرآن من الصحابة:

وأخرج البخاری وغیره عن عمر بن الخطاب أنَّه قال وهو علی المنبر: إنَّ الله بعث محمّداً بالحق نبیّاً، وأنزل علیه الکتاب فکان ممَّا أنزل آیة الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعیناها. رجم رسول الله ( صلی الله علیه و آله )ورجمنا بعده فأخشی إن طال بالناس زمان أن یقول قائل: ما نجد آیة الرجم فی کتاب الله، فیضلَّ

ص: 61

بترک فریضة أنزلها الله والرجم فی کتاب الله حق علی من زنی إذا اُحصن من الرجال والنساء.

ثمَّ إنَّا کنا نقرأ فیما یقرأ فی کتاب الله، ألاَّ ترغبوا عن آبائکم فإنَّه کفر بکم أن ترغبوا عن آبائکم»((1)).

وقال عمر: کنَّا نقرأ: ألاَّ ترغبوا عن آبائکم فإنه کفر بکم. ثمَّ قال لزید بن

ثابت (الیهودی السابق): أکذلک؟ قال: نعم((2)).

وهکذا اثبت صحیح البخاری بأنَّ عمر وزید بن ثابت کانا یقولان بنقص القرآن الکریم، وادعوا آیات قرآنیة غیر موجودة فی القرآن الحالی .

وهو من اسباب عدم رغبتهما بنسخ القرآن الکریم. وفعلا لم ینسخ القرآن فی زمن أبی بکر وعمر والقسم الاول من سلطة عثمان .

والادلة علی اعتقاد عمر بن الخطاب بتحریف القرآن قوله لعمیر: أولیس کنَّا نقرأ من کتاب الله ؟ أن انتفاءکم من آبائکم کفر بکم.

فقال: بلی. ثمَّ قال عمر: أولیس کنَّا نقرأ الولد للفراش وللعاهر الحجر، فیما فقدنا من کتاب الله. فقال أُبی: بلی ((3)).

ص: 62

«وأخرج مسلم عن أبی الأسود عن أبیه أنَّه قال: بعث أبو موسی الاشعری إلی قرَّاءِ أهل البصرة فدخل علیه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن فقال:

أنتم خیار أهل البصرة، وقرّاؤهم، ولا یطولنّ علیکم الأمد فتقسوا قلوبکم، کما قست قلوب من کان من قبلکم وإنَّا کنا نقرأ سورة کنا نشبِّهها فی الطول والشدة ببراءة فنسیتها غیر أنِّی قد حفظت منها: (لو کان لابن آدم وادیان من مال لابتغی وادیاً ثالثاً، ولا یملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب) ((1)).

وجاء فی تفسیر الدر المنثور للسیوطی عن حذیفة أنَّه قال: قال لی عمر بن الخطاب: کم تعدُّون سورة الاحزاب. قلت: ثنتین أو ثلاث وسبعین.

وقال عمر: إن کانت لتقارب سورة البقرة ((2)) وکان فیها الرجم ((3)).

وقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ألم نجد فیما أنزل علینا: « أن جاهدوا کما جاهدتم أول مرَّة »؟ فإنَّا لم نجدها.

قال: اُسقط فیما اسقط من القرآن ((4)). إذاً ابن عوف یؤمن ایضاً بنقص القرآن ! وهی صفة من صفات رجال السقیفة فجعله عمر ولیاً للعهد بعد

ص: 63

عثمان لکن عثمان والأمویین قتلوه لصالح معاویة ابن أبی سفیان المؤمن بنقص القرآن والمعتقد بضرورة حذف أهل البیت عقائدیاً وسیاسیاً ایضا .

وأخرج الشیخ عبد الرحمن السیوطی عن ابن عمر أنَّه قال: لیقولن أحدکم قد أخذت القرآن کله، وما یدریک ما کلُّه؟ قد ذهب منه قرآن کثیر، ولکن لیقل: قد أخذت منه ما ظهر((1)). فالتحق عبد الله بن عمر برکب القائلین بنقص القرآن ! ولایمانه بذلک فقد رشحه أبو موسی الاشعری للخلافة فی قضیة التحکیم المعروفة.

إذن اعتقد عمر بأنَّ القرآن تنقصه ما یلی: آیة الرجم.

آیة: أن لا ترغبوا عن آبائکم فإنَّه کفر بکم.

آیة: أن جاهدوا کما جاهدتم أول مرَّة.

آیة: إنّ انتفاؤکم من آبائکم کفر بکم.

آیة: الولد للفراش وللعاهر الحجر. و آیة الشیخ والشیخة.

وفی سورة الأحزاب توجد ثلاث وسبعون آیة.

بینما اعتقد عمر بأنَّها فی حجم سورة البقرة أی مائتان وست وثمانون آیة، ای ان عمر یؤمن بنقص سورة الأحزاب لمائتین وثلاث عشرة آیة!! وبذلک یظهر لنا أنَّ عمر من المعتقدین بنقص القرآن الکریم،وهدفه یتمثل فی عدم تدوینه ومنع تفسیره وبیان نقصه .

ص: 64

وقالت عائشة نصوصاً بأن النبی ینسی وانه کتم بعض الایات القرآنیة وان سخلة أکلت بعض القرآن فی دارها: وأقوالها تفضی الی ما قاله رجال السقیفة: قالت

عائشة: نسی النبی ( صلی الله علیه و آله ) آیات من القرآن((1)).

وقالت عائشة بوجود آیة قرآنیة أکلتها داجن فلم تکتب فی القرآن ((2)).

وقالت عائشة لأم المؤمنین زینب بنت جحش ابنة عمة النبی بعدشهادة النبی ( صلی الله علیه و آله ): یقال إنّ عندکم شیئاً من کتاب الله عز وجل لم تظهروه؟

فقالت زینب: لو کتم محمد( صلی الله علیه و آله ) ممَّا أنزل الله عزّ وجل علیه لکتم هذه الآیة: (وإذ تقول للذی أنعم الله علیه)((3)).

وقال ابن جریر حدثنی إسحاق بن شاهین حدثنی خالد عن داود عن عامر عن عائشة أنها قالت: لو کتم محمد صلی الله علیه و آله شیئا مما أوحی إلیه من کتاب الله تعالی لکتم ( وتخفی فی نفسک ما الله مبدیه وتخشی الناس والله أحق أن تخشاه ) وقوله تعالی ( فلما قضی زید منها وطرا زوجناکها ) الوطر هو الحاجة والأرب أی لما فرغ منها وفارقها زوجناکها وکان الذی ولی تزویجها منه هو الله عز وجل بمعنی أنه أوحی إلیه أن یدخل علیها بلا ولی ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر .

ص: 65

وقالت عائشة: کان النبی ( صلی الله علیه و آله ) یستمع قراءة رجل فی المسجد فقال (رحمه الله): لقد أذکرنی کذا وکذا آیة کنت قد أسقطتها من سورة کذا وکذا((1)).

النتیجة: مجموعة أعضاء السقیفة والمؤیدین لهم یؤمنون بنقص القرآن الکریم

وهو عکس الایة القرآنیة: { إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } 9_الحجر.

وهو خلاف اعتقاد أهل البیت فی تمام القرآن وکماله ونفی النقص عنه .

{ یُرِیدُونَ لِیُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأفْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ کَرِهَ الکَافِرُونَ } 8 _سورة الصف : قال الامام أبو الحسن علیه السلام : یریدون لیطفئوا ولایة أمیر المؤمنین بأفواههم {وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ } والله متِمٌّ الإمامة ِ, والامامةُ هی النور وذلک قوله عزَّ وجل: {فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِی أنزَلْنَا } وقد قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام أنا قسیم الله بین الجنة والنار وانا الفاروق الاکبر, وانا صاحب العَصَا والمِیسَم, ولقد اقرت لی جمیع الملائکة والروح والرسُلُ بمثل ما أقرٌّوا بهِ لمحمد ((2)) .

ص: 66

القندوزی الحنفی: روی الحافظ القندوزی سلیمان الحنفی باسناده عن علی بن الحسین فی تفسیره قوله تعالی: (یریدون لیطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره) . إنه قال: إن الله متم الإمامة وهی النور.

وذلک قوله تعالی: (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذی أنزلنا) . الآیة.

ثم قال: النور هو الإمام((1)) .

وَلَوْ کَرِهَ الکَافِرُونَ 8: ولایة علی ((2)) .

لقد حاول الکفار والمنافقون فی الصف الاسلامی اطفاء النور الاسلامی مرات لا تعد ولا تحصی . اذ قتلوا النبی وأهل بیته الائمة علیهم السلام وفرَّ منهم الامام المهدی علیه السلام فهم الی الیوم یطلبوه ویبحثون عنه .

وأحرق ابو بکر وعمر وعثمان ومعاویة التراث الاسلامی ومنعوا الحدیث النبوی ووضعوا تراثهم المنافس لتراث لأهل بیته الخلفاء ثم وضع معاویة فضائل للخلفاء الملوک باسم النبی صلی الله علیه و آله کذبا منه علی الدین .

وفی طریق الضلال وبعد مرور أربعة عشر قرنا علی البعثة النبویة نری النواصب الخوارج یتحالفون مع الصهاینة الیهود ومع الصلیبیین لمحاربة ولایة علی علیه السلام وشیعته فی العالم .

وقد علم أهل الأخبار کافة أن معاویة لم یقتل حجرا وأصحابه الأبدال إلا

ص: 67

لامتناعهم عن لعن أمیر المؤمنین, ولو أجابوه لحقنت دماؤهم فراجع مقتل حجر من أوائل الجزء 16 من کتاب الأغانی لأبی الفرج الأصفهانی, وأحداث سنة 51 من تاریخی ابن جریر وابن الأثیر ( 767 ) وغیرهما لتعلم الحقیقة وتعرف أن عبد الرحمن بن حسان العنزی لما أبی أن یلعن علیا علیه السلام فی مجلس معاویة أرسله إلی زیاد وأمره أن یقتله قتلة ما قتلها أحد فی الإسلام, فدفنه زیاد حیا ( 768 ), وما زال معاویة یحمل الناس علی لعن أمیر المؤمنین بکل طریق ( 769 ), وقد قال له قوم من بنی أمیة, کما فی أواخر ص 463 من المجلد الأول من شرح النهج الحمیدی طبع بیروت -: یا أمیر المؤمنین إنک قد بلغت ما أملت فلو کففت عن لعن هذا الرجل . فقال: لا والله حتی یربو علیها الصغیر, ویهرم علیها الکبیر ولا یذکر له ذاکر فضلا .

هذا مع ما صح من نص رسول الله صلی الله علیه و آله إذ قال: " من سب علیا فقد سبنی " ( 770 ) أخرجه الحاکم وصححه .

وأخرج الإمام أحمد ( فی ص 323 من الجزء 6 من مسنده ) من حدیث أم سلمة عن عبد الله أو أبی عبد الله ( 771 ) قال: " دخلت علی أم سلمة فقالت لی: أیسب رسول الله فیکم ؟ ! . قال قلت: معاذ الله, أو سبحان الله, أو کلمة نحوها قالت: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: " من سب علیا فقد سبنی " ( 772 ) .

وقال ابن عبد البر فی ترجمة علی علیه السلام من استیعابه ما هذا لفظه: قال صلی الله علیه و آله : " من أحب علیا فقد أحبنی, ومن أبغض علیا فقد أبغضنی, ومن آذی علیا

ص: 68

فقد آذانی ومن آذانی فقد آذی الله " ( 773 ) والصحاح فی ذلک متواترة ولا سیما من طرقنا عن العترة الطاهرة ( 774 ) .

علی أن من البدیهیات أن " سباب المسلم فسق " ( 775 ) بإجماع أهل

القبلة وفی صحیح مسلم: " سباب المسلم فسق وقتاله کفر " ( 776 ) .

{ هُوَ الَّذِی أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَی وَدِینِ الحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ المُشْرِکُونَ } 9 _سورة الصف.

الهدی تعنی الولایة للامام علی علیه السلام .

قال رسول الله صلی الله علیه و آله لعلی بن أبی طالب علیه السلام : (إنّ جبرئیل أخبرنی فیک بأمر قرّت به عینی وفرح به قلبی قال: یا محمد إنّ الله تعالی قال لی: اقرأ محمداً منّی السلام واعلمه أنّ علیاً إمام الهدی ومصباح الدجی, والحجّة علی أهل الدنیا ) ((1)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام : (أنت فاروق الأُمّة, ومنار الهدی, وإمام الأولیاء ) ((2))

وأمر الله تعالی محمداً بفرض الولایة لوصیه والولایة هی دین الحق,

ص: 69

ویظهره الله تعالی علی جمیع الأدیان عند قیام القائم علیه السلام .

وقال الامام الصادق علیه السلام (إذا خرج القائم لم یبق مشرک بالله العظیم ولا کافر الا کره خروجه ) ((1)) .

وأئمة الهدی أولهم الامام علی علیه السلام وآخرهم الامام المهدی علیه السلام بهم یعرف المؤمنون من الفاسقین .

وقال نجاح الطائی: نحن الیوم نری المخالفین قد ترکوا الولایة القرآنیة النبویة المتمثلة بولایة علی واولاده الائمة وتولوا ولایة رجال السقیفة وملوک الامویین والعباسیین وابن تیمیة وابن عبد الوهاب وغیرهم .

قال أحد مشایخ الوهابیین الخوارج أمام قبر الرسول المصطفی صلی الله علیه و آله : لو خرج الینا النبی صلی الله علیه و آله وأمرنا باتباع الامام علی علیه السلام وأمرنا باتباعه وکرر ما قاله سابقا للصحابة لخالفناه .

{یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا هَلْ أدُلُّکُمْ عَلَی تِجَارَة تُنجِیکُمْ مِنْ عَذَاب ألِیم10 تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ بِأمْوَالِکُمْ وَأنفُسِکُمْ ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إنْ کُنتُمْ تَعْلَمُونَ } 11 _سورة الصف.

ص: 70

أخرج عالم الشوافع السید الشبلنجی فی نور الأبصار, عن ابن عباس قال: لیس آیة من کتاب الله تعالی فیها: (یاأیها الذین آمنوا) . إلا وعلی أولها, وأمیرها وشریفها ((1)) .

وقال تعالی: مَثَلُ الَّذِینَ یُنفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللّهِ کَمَثَلِ حَبَّة أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِی کُلِّ سُنْبُلَة مِائَةُ حَبَّة »الحسنة بسبعمئة {وَاللّهُ یُضَاعِفُ } الحسنة{لِمَنْ یَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ علیم } _سورة البقرة 265.

الحسکانی الحنفی: روی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی عن أبی نضر العیاشی, بالإسناد المذکور, عن سلام بن المستنیر, عن الإمام محمد الباقر علیه السلام قال: قوله تعالی: (مَثَلُ الَّذِینَ یُنفِقُونَ أمْوَالَهُمْ ) نزلت فی علی((2)).

فی تفسیر علی بن إبراهیم وفی روایة أبی الجارود عن الامام ابی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قوله: یا أیها الذین آمنوا هل أدلکم علی تجارة تنجیکم من عذاب الیم فقالوا: لو نعلم ما هی لنبذلن فیها الأموال والأنفس والأولاد, فقال (قول) الله: تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون فی سبیل الله

ص: 71

بأموالکم.. إلی قوله ذلک الفوز العظیم ((1)).

وصلحاءکم فإنهن ضعاف القوی والأنفس والعقول ((1)) .

فاذا آمنتم وجاهدتم وأنفقتم تکون النتیجة:

{ یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَیُدْخِلْکُمْ جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاکِنَ طَیِّبَةً فِی جَنَّاتِ عَدْن ذَلِکَ الفَوْزُ العَظِیمُ }12 _سورة الصف.

أحمد بن حنبل: روی العلامة البحرانی عن مسند أحمد بن حنبل قال: روی عبد الله ابن أحمد بن حنبل باسناده عن الفضل بن زید بن أرقم قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من أحب أن یستمسک بالقضیب الأحمر الذی غرسه الله عزوجل فی جنة عدن بیمینه فلیتمسک بحب علی بن أبی طالب علیه السلام ((2)) .

وقوله صلی الله علیه و آله : یستمسک بالقضیب الأحمر کنایة عن دخول جنة عدن, حتی یتمکن من الاستمساک بذاک القضیب, لأنه فی جنة عدن.

{وَاُخْرَی تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَفَتْحٌ قَرِیبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِینَ13} یعنی فی الدنیا بفتح القائم علیه السلام .

تفسیر علی بن إبراهیم: " إنهم یکیدون کیدا وأکید کیدا فمهل الکافرین قال الامام علیه السلام : یا محمد " أمهلهم رویدا " لو بعث القائم علیه السلام فینتقم لی من

ص: 73

الجبارین والطواغیت من قریش و بنی أمیة وسائر الناس ((1)).

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا أنصَارَ اللّهِ کَمَا قَالَ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ لِلْحَوَارِیِّینَ مَنْ أنصَارِی إلَی اللّهِ قَالَ الحَوَارِیُّونَ نَحْنُ أنصَارُ اللّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِی إسْرَائِیلَ وَکَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأیَّدْنَا الَّذِینَ آمَنُوا عَلَی عَدُوِّهِمْ فَأصْبَحُوا ظَاهِرِینَ } 14 _سورة الصف.

علی بن إبراهیم: قوله تعالی: ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا أَنْصارَ اللَّه کَما قالَ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ لِلْحَوارِیِّینَ مَنْ أَنْصارِی إِلَی اللَّه قالَ الْحَوارِیُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّه فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِی إِسْرائِیلَ وکَفَرَتْ طائِفَةٌ ), قال: التی کفرت هی التی قتلت شبیه عیسی علیه السلام وصلبته, والتی آمنت هی التی قبلت شبیه عیسی علیه السلام حتی لا یقتل . فقتلت الطائفة التی قتلته وصلبته, وهو قوله تعالی: ( فَأَیَّدْنَا الَّذِینَ آمَنُوا عَلی عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِینَ ) ((2)).

بدأ الله تعالی هذه السورة بالامام علی علیه السلام فهو النموذج للبنیان المرصوص المدافع عن الاسلام وان الله سبحانه یحب هؤلاء الابطال .

ص: 74

وان الله عز وجل یزیغ قلوب المنحرفین عن رسله مثل موسی وعیسی والنبی محمد صلی الله علیه و آله .

هؤلاء یریدون اطفاء النور الالهی المتمثل فی الاسلام ومحاربة أهل البیت وسلبهم خلافتهم وتراثهم . والافضل للمسلمین أن یؤمنوا بالواحد الاحد ویحاربون فی سبیله وینفقون لمرضاته .

ویسعی الصالحون فی الارض لیکونوا أنصار الله فی کل مکان وزمان فتراهم یبذلون الغالی والرخیص فی هذا الطریق فهم حقا حزب الله .

ص: 75

وفی الکافی عن الباقر علیه السلام إن الله جمع فیها خلقه لولایة محمد صلی الله علیه و آله ووصیه فی المیثاق فسماه یوم الجمعة لجمعه فیه خلقه فاسعوا إلی ذکر الله یعنی إلی الصلاة کما یستفاد مما قبله ومما بعده قیل أی فامضوا إلیها مسرعین قصدا فإن السعی دون العدو وفی المجمع قرأ عبد الله بن مسعود فامضوا إلی ذکر الله .

قال وروی ذلک عن أمیر المؤمنین والباقر والصادق ( علیهم السلام ) والقمی قال الاسراع فی المشی . وعن الباقر علیه السلام اسعوا أی امضوا .

وفی العلل عن الصادق علیه السلام معنی فاسعوا هو الانکفاء .

وفی الکافی عن الباقر علیه السلام فاسعوا إلی ذکر الله قال اعملوا وعجلوا فإنه یوم مضیق علی المسلمین فیه وثواب أعمال المسلمین علی قدر ما ضیق علیهم والحسنة والسیئة تضاعف فیه قال والله لقد بلغنی أن أصحاب النبی صلی الله علیه و آله کانوا یتجهزون للجمعة یوم الخمیس لأنه یوم مضیق علی المسلمین وذروا البیع واترکوا المعاملة فی الفقیه روی أنه کان بالمدینة إذا أذن المؤذن یوم الجمعة نادی مناد حرم البیع ذلکم خیر لکم أی السعی إلی ذکر الله خیر لکم من المعاملة فإن نفع الآخرة خیر وأبقی إن کنتم تعلمون الخیر والشر .

وفی الکافی عن الباقر علیه السلام قال فرض الله علی الناس من الجمعة إلی الجمعة خمسا وثلاثین صلاة منها صلاة واحدة فرضها الله فی جماعة وهی الجمعة ووضعها عن تسعة عن الصغیر والکبیر والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمریض والأعمی ومن کان علی رأس فرسخین .

ص: 77

وفی التهذیب والفقیه عن الصادق علیه السلام إنه سئل علی من تجب الجمعة قال تجب علی سبعة نفر من المسلمین ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمین أحدهم الامام فإذا اجتمع فإذا سبعة ولم یخافوا أمهم بعضهم وخطبهم .

أقول: لعل المراد أنها تجب علی سبعة حتما وعزیمة من دون رخصة فی

ترکها وتجب لخمسة تخییرا وعلی الأفضل مع الرخصة فی ترکها وبهذا تتوافق الاخبار المختلفة فی الخمسة والسبعة ویؤیده تعدیة الوجوب باللام فی الخمسة وبعلی فی السبعة وأما إذا کانوا أقل من خمسة فلیس علیهم ولا لهم جمعة بل علیهم حتما أن یصلوا أربعا والاخبار فی وجوب الجمعة أکثر من أن تحصی . فإذا قضیت الصلاة أدیت وفرغ منها فانتشروا فی الأرض وابتغوا من فضل الله ((1)).

{ یُسَبِّحُ لِلّهِ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ المَلِکِ القُدُّوسِ العَزِیزِ

الحَکِیمِ } 1: قال العظیم فی محکم کتابه الشریف: { وَإنْ مِنْ شَیْء إلا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ إنَّهُ کَانَ حَلِیماً غَفُوراً } 44_سورة الاسراء : کل شیء یسبح لمالک الکون المقدس صاحب العزة والمقدرة الحکیم فی أفعاله .

{ هُوَ الَّذِی بَعَثَ فِی الاُمِّیِّینَ رَسُولا مِنْهُمْ یَتْلُو عَلَیْهِمْ آیَاتِهِ وَیُزَکِّیهِمْ وَیُعَلِّمُهُمُ الکِتَابَ وَالحِکْمَةَ وَإنْ کَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِی ضَلال

ص: 78

مُبِین }2 _ سورة الجمعة : الحسکانی الحنفی: روی الحافظ الحسکانی الحنفی عن فرات بن إبراهیم الکوفی باسناده عن ابن عباس فی قوله تعالی:

(هو الذی بعث فی الأمیین رسولاً منهم یتلوا علیهم آیاته ویزکّیهم ویعلّمهم الکتاب والحکمة) . الآیة.

قال: الکتاب: القرآن, والحکمة ولایة علی بن أبی طالب علیه السلام ((1))

.

{ هُوَ الَّذِی بَعَثَ فِی الاُمِّیِّینَ }: هم أهل أم القری مکة فیسمون بالامیین .وقال البعض لانهم لا یقرأون ولا یکتبون اذ کان فی الحجاز قبل الاسلام سبعة عشر رجلا یقرأون ویکتبون فقط ((2)) .

رَسُولا: (النبی محمد صلی الله علیه و آله ) . مِنْهُمْ: من مکة . یَتْلُو عَلَیْهِمْ آیَاتِهِ: آیات القرآن الکریم . وَیُزَکِّیهِمْ: بأخذ الخمس والزکاة منهم . وَیُعَلِّمُهُمُ الکِتَابَ وَالحِکْمَةَ وَإنْ کَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِی ضَلال مُبِین2 . وکانوا قبل التوحید والنبوة والولایة فی ضلال مبین .

وقال الامام الصادق علیه السلام : قال رسول الله صلی الله علیه وآله : ما هلک مال فی بحر إلا بمنع الزکاة ، حصنوا أموالکم بالزکاة ، وداووا مرضاکم بالصدقة ، وردوا أبواب البلاء بالدعاء ((3)) .

ص: 79

{ وَآخَرِینَ مِنْهُمْ لَمَّا یَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ العَزِیزُ الحَکِیمُ }3_سورة الجمعة : جاء فی الروایة عن أهل البیت هم کل من جاء بعد عصر سید الانبیاء محمد صلی الله علیه و آله الی یوم الدین, وهم من أسلم بعدهم .

وهم التابعون الذین تبعوا عصر الصحابة .

{ ذَلِکَ فَضْلُ اللّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِیمِ }4_ سورة الجمعة . الایمان بالله فضل من الله یؤتیه للناس السائرین علی الفطرة الالهیة لا یذنبون ولا یعیثون فی الارض الفساد .

{مَثَلُ الَّذِینَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ یَحْمِلُوهَا کَمَثَلِ الحِمَارِ یَحْمِلُ أسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِ اللّهِ وَاللّهُ لا یَهْدِی القَوْمَ الظَّالِمِینَ }5_سورة الجمعة .

لقد ارسل الله سبحانه التوراة لهدایة الیهود فهی فضل من الباری تعالی لکن معظم الیهود اهملوها ولم ینتفعوا بها مثلما لا ینتفع الحمار بما یحمل .

قال ابن عباس: الاسفار الکتب واحدها سفر, لأنها تکشف عن المعنی باظهار حاله, یقال: سفر الرجل عن عمامته إذا کشف, وسفرت المرأة عن وجهها وهی سافرة, وإنما مثلهم بالحمار لان الحمار الذی یحمل کتب الحکمة علی ظهره لا یدری بما فیها . فیتحمل عناء حملها ونقلها ولا ینتفع منها وهذا أمر معیب لمن حاله هکذا من البشر . { بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِ اللّهِ }: بئس هؤلاء القوم المکذبین بالکتاب السماوی .

والله تعالی یهدی الطیبین من الناس ولا یهدی الظالمین الاشرار .

ص: 80

والکثیر من الناس یملکون کتبا وعلوما دینیة لکن لا ینتفعون بها لانهم یحتالون علیها فی سبیل سرقة أموال الامة واعلاء شأنهم والترفع علی الاخرین .والکثیر من طلاب المدارس الدینیة ورواد الاندیة الثقافیة واحبار الدین وأولادهم وأصهارهم یحملون أسفاراً لا یطبقون الشریعة ولا یهدون أنفسهم الی الحق والعدل , بل یرکبون سفن الشیطان ویخالفون الرحمن ویعیثون فی الارض الفساد .

والافسد منهم شیوخ الدین الوهابیین الخوارج لا یستفیدون من الاسفار الا الزنا بالمحصنات والابکار من المسلمات , والشذوذ مع الاولاد , وسرقة المال العام والخاص للمسلمین , وغزو الموحدین وقتلهم .

{ قُلْ یَا أیُّهَا الَّذِینَ هَادُوا إنْ زَعَمْتُمْ أنَّکُمْ أوْلِیَاءُ للّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوِا المَوْتَ إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ 6 وَلا یَتَمَنَّوْنَهُ أبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أیْدِیهِمْ وَاللّهُ عَلِیمٌ بِالظَّالِمِینَ }7 _سورة الجمعة .

هذا تحد الهی للیهود المتجلببین بجلباب القداسة المزیف وعلی رأسهم الاحبار ذووا اللحی الطویلة والملابس السوداء المحتشمة والعمائم السوداء المنسقة .

التحدی بتمنی الموت أخطر امتحان الهی لهم, وعندها ینکشف المحتالون ویفضح الماکرون لذا لا یتمنون الموت أبداً بما ارتکبوا من الجرائم والقبائح .

{الوَصِیَّةُ لِلْوَالِدَیْنِ وَالأقْرَبِینَ بِالمَعْرُوفِ } فیه انصاف {حَقّاً عَلَی المُتَّقِینَ180_}سورة البقرة .

وقال تعالی :وَوَصَّی بِهَا إبْرَاهِیمُ بَنِیهِ وَیَعْقُوبُ یَا بَنِیَّ إنَّ اللّهَ اصْطَفَی لَکُمُ الدِّینَ فَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأنْتُمْ مُسْلِمُونَ 132_البقرة.

وکتبت فاطمة الزهراء سیدة نساء العالمین علیها السلام فی وصیتها شهادة ایمانها بأصول الدین :التوحید والعدل والنبوة والامامة والمعاد((1)) .

وقال الامام الصادق علیه السلام :الوصیة حق علی کل مسلم ((2)) .

وأوصت فاطمة سیدة نساء أهل الجنة علیها السلام فی وصیتها لزوجها أمیر المؤمنین علی علیه السلام : أن لا یحضر جنازتها ابو بکر وعمر ((3)) .

وعن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال: قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ): من لم یحسن وصیته عند الموت کان نقصا فی مروءته وعقله, قیل: یا رسول الله وکیف یوصی المیت, قال: إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إلیه قال: اللهم فاطر السماوات و الأرض, عالم الغیب والشهادة الرحمن الرحیم اللهم إنی أعهد إلیک فی دار الدینا أنی أشهد أن لا إله إلا أنت وحدک لا شریک لک وأن محمدا عبدک ورسولک, وأن الجنة حق, وأن النار حق, وان البعث حق, وأن الحساب حق, والقدر والمیزان حق, وأن الدین کما وصفت, وأن الاسلام

ص: 82

کما شرعت وأن القول کما حدثت, وأن القرآن کما أنزلت, وأنک أنت الله الحق المبین, جزی الله محمدا ( صلی الله صلی الله علیه و آله ) خیر الجزاء, وحیا الله محمدا وآل محمد بالسلام, اللهم یا عدتی عند کربتی ویا صاحبی عند شدتی, ویا ولی نعمتی, إلهی وإله آبائی لا تکلنی إلی نفسی طرفة عین أبدا فإنک ان تکلنی إلی نفسی طرفة عین أقرب من الشر وأبعد من الخیر, فآنس فی القبر وحشتی و اجعل لی عهدا یوم ألقاک منشورا . ثم یوصی بحاجته وتصدیق هذه الوصیة فی القرآن فی السورة التی یذکر فیها مریم فی قوله عز وجل: " لا یملکون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " فهذا عهد المیت والوصیة حق علی کل مسلم أن یحفظ هذه الوصیة ویعلمها, وقال أمیر المؤمنین ( علیه السلام ): علمنیها رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) وقال رسول الله علمنیها جبرئیل ( علیه السلام ) ((1)).

ویوصی الشخص قبل موته بالبرائة من أعداء أهل البیت الاول والثانی والثالث والرابع یزید ومن حارب الائمة وشارک فی قتلهم وظلمهم .

ویبین المؤمن اعتقاده بأئمة الهدی الخلفاء الراشدین العظام المعصومین العروة الوثقی والطریق المستقیم والثقل الثانی بعد القرآن .

وانعم علماء الارض وهم العالون فی القرآن الکریم وانهم یشفعون للمسلمین , وانهم یلتقون بالمیت بعد الموت :وقال الامام علی علیه السلام :

ص: 83

یا جار همدان من یمت یرنی _من مؤمن أو منافق قبلا

یعرفنی طرفه وأعرفه_ بعینه واسمه وما عملا

وأنت عند الصراط تعرفنی _فلا تخف عترة ولا زللا

أسقیک من بارد علی ظمأ_ تخاله فی الحلاوة عسلا

أقول للنار حین توقف للعرض_دعیه لا تقربی الرجلا

دعیه لا تقربیه ان له _حبلا بحبل الوصی متصلا ((1)).

وعن ابن أبی یعفور کان خطّاب الجهنی خلیطاً لنا, وکان شدید النصب لآل محمّد (علیهم السلام), وکان یصحب نجدة الحروری قال: فدخلت علیه أعوده للخلطة والتقیّة فإذا هو مغمی علیه فی حدّ الموت, فسمعته یقول: ما لی ولک یاعلی. فأخبرت بذلک أبا عبدالله علیه السلام , فقال أبو عبدالله علیه السلام : رآه وربّ الکعبة, رآه وربّ الکعبة ((2)).

وعن ابی سعید الخدری عن النبی( صلی الله علیه و آله ) قوله وقفوهم انهم سؤولون عن ولایة علی فیسألون فی القنطرة الاولی عن ولایة علی( علیه السلام )((3)).

ص: 84

ونقل ابو بکر قائلا: قال النبی صلی الله علیه و آله :

لا یجوز أحد الصراط الا من کتب له علی ( علیه السلام )الجواز ((1)) .

وعن ابن عبّاس: قلت للنبی ( صلی الله علیه و آله ): یارسول الله أللنار جواز ؟ قال صلی الله علیه و آله : نعم, قلت: وما هو ؟ قال صلی الله علیه و آله : حبّ علی بن أبی طالب ((2)).

قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ): لکل شیء جواز, وجواز الصراط حبّ علی بن أبی طالب((3)).ویستحب دفن شیء من شعارات الامام الحسین علیه السلام کالتربة الحسینیة وما یؤید خدمته للحسین علیه السلام . وقال الشّاعر :

ص: 85

لی خمسة اطفی بها حرّ الجحیم الحاطمة_ المصطفی والمرتضی وابناهما والفاطمة

وقال آخر .

علی اللَّه فی کلّ الأمور توکَّلی_وبالخمس أصحاب الکساء توسّلی

محمّد المبعوث وابنیه بعده_وفاطمة الزّهراء والمرتضی

{ قُلْ إنَّ المَوْتَ الَّذِی تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإنَّهُ مُلاقِیکُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلَی عَالِمِ الغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ}8_سورة الجمعة.

این تفرون والموت ملاقیکم ثم تردون الی عالم الامور السریة والعلنیة فیخبرکم بما فعلتم فی الدنیا . معناه سترجعون إلی الله الذی یعلم السر والعلانیة " فینبئکم " ای یخبرکم " بما کنتم تعملون ".

ورأیت حافتیه علیهما شجر فیهن حور معلقات برؤوسهن شعر ما رأیت شیئا أحسن منهن وبأیدیهن آنیة ما رأیت آنیة أحسن منها لیس من آنیة الدنیا فدنا من إحداهن فأومی بیده تسقیه فنظرت إلیها وقد مالت لتغرف من النهر فمال الشجر معها فاغترفت فمالت الشجرة معها ثم ناولته فشرب ثم ناولها وأومی إلیها فمالت لتغرف فمالت الشجرة معها ثم ناولته فناولنی فشربت فما رأیت شرابا کان الین منه ولا ألذ منه وکان رائحته رائحة المسک فنظرت فی الکاس فإذا فیه ثلاثة ألوان من الشراب فقلت له جعلت فداک ما رأیت کالیوم قط ولا کنت أری ان الامر هکذا فقال لی هذا أقل ما أعده الله لشیعتنا ان المؤمن إذا توفی صارت روحه إلی هذا النهر ورغب فی ریاضه وشربت من شرابه وان عدونا إذا توفی صارت روحه إلی وادی برهوت فاخلدت فی عذابه وأطعمت من زقومه وأسقیت من حمیمه فاستعیذوا بالله من ذلک الوادی ((1)) .

عدة من أصحابنا, عن سهل بن زیاد, عن الحسن بن علی, عن أحمد بن عمر رفعه, عن أبی عبد الله الامام جعفر الصادق علیه السلام قال: قلت له: إن أخی ببغداد وأخاف أن یموت بها فقال علیه السلام : ما تبالی حیثما مات أما إنه لا یبقی مؤمن شرق الأرض وغربها إلا حشر الله روحه إلی وادی السلام قلت له: وأین وادی السلام ؟ قال: ظهر الکوفة, أما إنی کأنی بهم حلق حلق قعود

ص: 87

یتحدثون ((1)). وعن علی بن محمد, عن علی بن الحسن, عن الحسین بن راشد, عن المرتجل بن معمر, عن ذریح المحاربی, عن عبادة الأسدی, عن حبة العرنی ((2)) قال: خرجت مع أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الظهر (ظهر الکوفة) فوقف بوادی السلام کأنه مخاطب لأقوام فقمت بقیامه حتی أعییت ثم جلست حتی مللت ثم قمت حتی نالنی مثل ما نالنی أولا ثم جلست حتی مللت, ثم قمت وجمعت ردائی فقلت: یا أمیر المؤمنین إنی قد أشفقت علیک من طول القیام فراحة ساعة ((3)) ثم طرحت الرداء لیجلس علیه فقال لی: یا حبة إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته, قال: قلت: یا أمیر المؤمنین وإنهم لکذلک, قال: نعم ولو کشف لک لرأیتهم حلقا حلقا محتبین((4)) یتحادثون فقلت: أجسام أم أرواح فقال علیه السلام : أرواح , وما من مؤمن یموت

ص: 88

فی بقعة من بقاع الأرض ألا قیل لروحه: الحقی بوادی السلام وإنها لبقعة من جنة عدن ((1)).

الکافی: عن الصادق, عن آبائه علیهم السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام : شر ماء علی وجه الأرض ماء برهوت, وهو ا لذی بحضرموت یرده هام الکفار . ونحوه غیره ((2)) .

الهام: أرواح الکفار ((3)) .

الإختصاص, بصائر الدرجات: عن الباقر علیه السلام فی حدیث قال: ذاک

برهوت فیه نسمة کل کافر ((4)) .

وفی خبر سؤالات الشامی عن أمیر المؤمنین علیه السلام : سأل عن شر واد علی وجه الأرض, فقال: واد بالیمن یقال له: برهوت, وهو من أودیة جهنم ((5)) . وبمعنی ما تقدم روایات فی البحار ((6)) .

ص: 89

وعن الصادق علیه السلام : إن عدونا إذا توفی صارت روحه إلی وادی برهوت فأخلدت فی عذابه وأطعمت من زقومه, وأسقیت من حمیمه, فاستعیذوا

بالله من ذلک الوادی ((1)) .

وفی طول مسیرة البشریة تری المتقین یسیرون الی الحق بالایمان بالله ورسوله والخلفاء الراشدین الاثنی عشر وهم علی وأولاده الائمة علیهم السلام .

وتری الاشرار من الکفار والیهود والنصاری والنواصب یسیرون فی الدنیا فی طریق الموبقات والقبائح والفضائح فیسفکون دماء الابریاء ویدنسون الفروج بالحرام ویاکلون الاطعمة المحرمة والمغصوبة ویرکبون الخیانات .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إذَا نُودِیَ لِلصَّلاةِ مِنْ یَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَی ذِکْرِ اللّهِ وَذَرُوا البَیْعَ ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إنْ کُنتُمْ تَعْلَمُونَ }9_سورة الجمعة .

قال الامام الباقر علیه السلام : سمیت الجمعة لانَّ الله تعالی جمع فیها خلقه لولایة محمد صلی الله علیه و آله ووصیه فی المیثاق فسماه یوم الجمعة ((2)) .

ص: 90

الخوارزمی الحنفی: أخرج موفق بن أحمد المناقب الموفق بن احمد المکی الخوارزمی الحنفی ، المتوفَّی سنة 568 هجریةفی مناقبه عن ابن عباس قال: کل ذکر فی القرآن (یاأیها الذین آمنوا) . إلا وعلی شریفها وأمیرها((1)) .

اسعوا الی الصلاة والعبادة واترکوا البیع والشراء وهذا خیر لکم إن کنتم تعلمون بالاجر الالهی الذی کُتب لکم .

{ فَإذَا قُضِیَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِی الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ وَاذْکُرُوا اللّهَ کَثِیراً لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ10 }_سورة الجمعة .

دعا الاسلام الی اقامة الصلاة اولا بالتزود من المعنویات الالهیة النوریة ثم التحرک الی طلب الرزق .

ودعا الله تعالی الی السعی فی سبیل الرزق وطلبه أینما کان فی البر والبحر من طریق الحلال وأرشدهم الی ذکر الله لعلهم یفلحون .

وقد نظم الله تعالی أمور المسلمین فی عبادة وعمل وکل موضوع فی وقته فاذا قضیت صلاة الجمعة فاسعوا الی أرزاقکم .

ص: 91

وَاذْکُرُوا اللّهَ کَثِیراً لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ: کبروه وهللوه وسبحوه واشکروه. وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : إذا أعسر أحدکم فلیخرج من بیته ولیضرب فی الأرض یبتغی من فضل الله ولا یغم نفسه وأهله .

وعن الامام علی علیه السلام أنه کان یقول: إنی لأبغض الرجل یکون کسلان من أمر دنیاه لأنه إذا کان کسلان من أمر دنیاه فهو عن أمر آخرته أکسل .

وعن جعفر بن محمد صلی الله علیه و آله أن رجلا سأله أن یدعو الله له أن یرزقه فی دعة, فقال لا أدعو لک, اطلب کما أمرت وقال: ینبغی للمسلم ان یلتمس الرزق حتی یصیبه حر الشمس .

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال فی حجة الوداع: إنی والله لا أعلم عملا یقربکم من الجنة إلا وقد أعلمتکم به ولا أعلم عملا یقربکم من النار إلا وقد حذرتکم عنه, وإن الروح الأمین قد نفث فی روعی أن نفسا لا تموت حتی تستکمل رزقها, فاتقوا الله وأجملوا فی الطلب, إنه لیس عبد من عباد الله إلا وله رزق بینه وبینه حجاب, فإن صبر أتاه الله به حلالا, وإن لم یصبر هتک الحجاب, فأکله حراما, فلا یحملن أحدکم استبطاء شئ من الرزق أن یطلبه من غیر حله فإنه لا ینال ما عند الله إلا بطاعته ((1)).

و قال النبیالمصطفی صلی الله علیه و آله : سید الأیام یوم الجمعة, وهی شاهد ومشهود یوم عرفة ((2)).

ص: 92

وقال الصادق " علیه السلام ": من مات ما بین زوال الشمس یوم الخمیس إلی زوال الشمس من یوم الجمعة من المؤمنین أعاذه الله من ضغطة القبر .

وقال علیه السلام : ما من قدم سعت إلی الجمعة إلا حرم الله جسده علی النار ومن صلی معهم فی الصف الأول فکأنما صلی مع رسول الله ((1)).

وقال الباقر " علیه السلام ": ان الله لینادی فی کل لیلة جمعة من أول اللیل إلی آخره: ألا عبد مؤمن یدعونی لآخرته ودنیاه قبل طلوع الفجر فأجیبه ألا عبد مؤمن یتوب إلی من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب علیه ألا عبد مؤمن قد قتر علیه رزقه یسألنی الزیادة قبل طلوع الفجر فأزیده وأوسع علیه ألا عبد مؤمن سقیم یسألنی ان أشفیه قبل طلوع الفجر فأعافیه ألا عبد مؤمن محبوس مغموم یسألنی ان أطلقه من حبسه وأفرج عنه قبل طلوع الفجر فأطلقه من حبسه وأخلی سربه ألا عبد مؤمن مظلوم یسألنی ان آخذ بظلامته قبل طلوع

الفجر فانتصر له وآخذ بظلامته, قال: فما یزال ینادی بها حتی یطلع الفجر .قال الصادق " علیه السلام ": ان العبد المؤمن لیسأل الله الحاجة فیؤخر قضاءها إلی یوم الجمعة لیخصه بفضل یوم الجمعة ((2)) .

ص: 93

لقد جعل الباری تعالی یوم الجمعة یوم سرور وفرحة للصالحین وعبادة لرب العالمین واجتماع حاشد لصلاة الجمعة علی ولایة أمیر المؤمنین وهو یوم استجابة الدعاء وطلب الاستغفار .

{ وَإذَا رَأوْا تِجَارَةً أوْ لَهْواً انفَضُّوا إلَیْهَا وَتَرَکُوکَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللّهِ خَیْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللّهُ خَیْرُ الرَّازِقِینَ }11 _سورة الجمعة.

روی العلامة البحرانی عن تفسیر مجاهد وأبی یوسف یعقوب بن سفیان قال ابن عباس فی قوله تعالی: (وإذا رأوا تجارة أو لهواً إنفضوا إلیها وترکوک قائماً) . إن دحیة الکلبی جاء یوم الجمعة من الشام بالمیرة فنزل عند أحجار الزیت ثم ضرب بالطبول لیؤذن الناس بقدومه فنفر الناس إلیه إلا علی والحسن والحسین وفاطمة علیهم السلام وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهیب, وترکوا النبی صلی الله علیه و آله قائماً یخطب علی المنبر فقال النبی صلی الله علیه و آله :

لقد نظر الله إلی مسجدی یوم الجمعة فلولا الثمانیة الذین جلسوا فی مسجدی لأضرمت المدینة علی أهلها ناراً, وحصبوا بالحجارة کقوم لوط, ونزل فیهم: { رِجَالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللّهِ وَإقَامِ الصَّلاةِ وَإیتَاءِ الزَّکَاةِ یَخَافُونَ یَوْماً تَتَقَلَّبُ فِیهِ القُلُوبُ وَالأبْصَار }

_سورة النور 37 ((1)) .

فکان ابو بکر وعمر وعثمان وسعد بن ابی وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبیدة بن الجراح وأبو هریرة وأنس بن مالک من الذین ذهبوا الی

ص: 94

القافلة التجاریة . لقد أرسل الله تعالی النبی محمدا صلی الله علیه و آله الی البشریة لیعلمهم الکتاب والتزکیة وولایة علی علیه السلام وقد کانوا فی جهل وکفر .وفضل الایمان یبعثه تعالی لمن یشاء من العباد .

والیهود الذین لم یستفیدوا من التوراة هم کالحمار الذی یحمل الکتب النافعة ولم یستفد منها . وأفضل أمر یُفتضح فیه عصاة الیهود هو فرارهم من الموت وهو امتحان لکل العاصین فی العالم .

والسورة دعوة للالتزام بصلاة الجمعة کصلاة عبادیة جامعة وترک البیع والشراء فی اثنائها . ویمکنک الذهاب الی عملیات البیع والشراء بعد انقضاء الصلاة . واذکروا الله کثیرا فی یومکم الذی تعیشوه .

وقال الامام علی علیه السلام لابنه الحسن علیهما السلام :واعلم یا بنیّ ! أنّ الرّزق رزقان: رزق تطلبه, ورزق یطلبک, فإن أنت لم تأته أتاک . ما أقبح الخضوع عند الحاجة, والجفاء عند الغنی ! إنّما لک من دنیاک, ما أصلحت به مثواک, وإن کنت جازعاً علی ما تفلّت من یدیک, فاجزع علی کلّ ما لم یصل

إلیک ((1)) .

{اللّهُ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالحَیَاةِ الدُّنْیَا وَمَا الحَیَاةُ الدُّنْیَا فِی الآخِرَةِ إلا مَتَاعٌ 26 } سورة الرعد .

اللّهُ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَقْدِرُ: یعطی بعض الناس کثیرا ویعطی بعض الناس قلیلا لیمتحنهم فی الدنیا ولا علاقة لایمانهم بالامر

ص: 95

.وقال الامام علی علیه السلام : الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق یطلبک فان لم تأته أتاک .

وهو تفسیر لهذه الآیة والآیة الاخری: {هو الذی جعل لکم الارض ذلولا فامشوا فی مناکبها وکلوا من رزقه} - سورة الملک 15 .

والاسلام مدرسة علمت الانسان کل شیء لیکون حضاریا راقیا بعیدا عن ضروب الوحشیة من سرقة وسطو واغتصاب الاموال وقطع الطرق البریة والبحریة وسرقة الاموال وأکل السحت والربا .

وقال تعالی :{ إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد }54* _ سورة ص .

فلا یخاف الناس علی رزقهم فلا هو ینفذ ولا هو ینقص انه تعالی الرزاق الجواد الکریم

ص: 96

جبل وصهیب الرومی وزید بن ثابت وعبد الله بن سلام ومحمد بن مسلمة وابو هریرة .

ولاجل خلط الاوراق ومحو الحقیقة کذب الامویون بأن عمر عارض صلاة النبی صلی الله علیه و آله علی جثمان ابن أبی !!!

بینما کان رجال السقیفة والاعراب والطلقاء والمنافقون حزبا واحدا منسجما فی اهدافه لابعاد أهل البیت عن الساحة السیاسیة والثقافیة والدینیة والاجتماعیة والاقتصادیة .

واستمر هذا الانسجام بینهم وبین أولادهم وذراریهم فی زمن الدول الامویة والعباسیة والعثمانیة . وکان هذا الحزب وما زال قویاً وغنیاً وواسع العلاقات ومتشعب الاطراف والاذرع فی عصرنا الحاضر بعد نمو وظهور القوی الغربیة والماسونیة والصهیونیة والوهابیة وسعی الجمیع للقضاء علی منقذ البشریة المهدی علیه السلام .

وکانت السریة والاعتقاد بالاجتهاد فی مقابل النصوص الالهیة والنبویة والایمان بأن الغایة تبرر الوسیلة من سمات وصفات هذه الاطراف المتحدة فی هذا الحزب المخالف لحزب الله الالهی .

{ إذَا جَاءَکَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّکَ لَرسول الله وَاللّهُ یَعْلَمُ إنَّکَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ یَشْهَدُ إنَّ المُنَافِقِینَ لَکَاذِبُونَ } 1 _سورة المنافقون.

( المنافقون ) هم الذین یظهرون الإیمان, ویبطنون الکفر, واشتقاقه من النفق والنافقاء .

ص: 98

{ یَشْهَدُ إنَّ المُنَافِقِینَ } بولایة علی علیه السلام { لَکَاذِبُونَ1 } سمَّی الله تبارک وتعالی من لم یتَّبع رسوله فی ولایة علی علیه السلام منافقین لانهم ترکوا الوصیة الالهیة فی الامام علی علیه السلام وخالفوها . وجعل من أنکر وصیة الامامة کمن أنکر محمداً وأنزل بذلک الایة فقال: یا محمد إذَا جَاءَکَ المُنَافِقُونَ...الآیة ».

قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام : ( إن من عزائم الله فی الذکر الحکیم التی علیها یثیب ویعاقب ولها یرضی ویسخط, أنه لا ینفع عبدا - وإن أجهد نفسه وأخلص فعله - أن یخرج من الدنیا لاقیا ربه بخصلة من هذه الخصال لم یتب منها : أن یشرک بالله فیما افترض علیه من عبادته, أو یشفی غیظه بهلاک نفس, أو یقر بأمر فعله غیره, أو یستنجح حاجة إلی الناس بإظهار بدعة فی دینه, أو یلقی الناس بوجهین, أو یمشی فیهم بلسانین . اعقل ذلک فإن المثل دلیل علی شبهه إن البهائم همها بطونها . وإن السباع همها العدوان علی غیرها .

وإن النساء همهن زینة الحیاة الدنیا والفساد فیها . إن المؤمنین مستکینون

. إن المؤمنین مشفقون . إن المؤمنین خائفون) ((1)) .

وعن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : من لقی المسلمین بوجهین ولسانین جاء یوم القیامة وله لسانان من نار ((2)) .

ص: 99

عدة من أصحابنا, عن أحمد بن محمد بن خالد, عن عثمان بن عیسی, عن أبی شیبة, عن الزهری, عن أبی جعفر ( علیه السلام ) قال : بئس العبد عبد یکون ذا وجهین وذا لسانین, یطری أخاه شاهدا ویأکله غائبا, إن أعطی حسده وإن ابتلی خذله((1)) .

{ اتَّخَذُوا أیْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللّهِ إنَّهُمْ سَاءَ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ } 2 _سورة المنافقون.

الاعراب: ( ساء ما کانوا یعملون ): تقدیره ساء العمل عملهم . فقوله: ما کانوا یعملون " موصول وصلة فی موضع رفع بأنه مبتدأ, أو خبر مبتدأ محذوف هو المخصوص بالذم .

{فَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللّهِ }_2 :السبیل هو الوصی علیه السلام .

اتَّخَذُوا أیْمَانَهُمْ جُنَّةً: أی حجابا بینهم وبین الکفار وایمانهم إقرار باللسان وخوفا من السیف ورفع الجزیة .

أی ستر و سترة یتسترون بها من الکفر لئلا یقتلوا ولا یسبوا ولا تؤخذ أموالهم من قبل المسلمین .وقد وجدنا ملوکا وأحزابا وحکومات عریقة تمارس النفاق فی عملها فهی تحرف الاسلام والقرآن وتحارب أهل البیت .مثل الحکومات الامویة والعباسیة والعثمانیة وغیرها, وقد فهمنا ذلک من

ص: 100

مسیرتها وما فعلته من قتل الائمة الهداة المعصومین والعلماء الصالحین ,واستخدامها السیئین الفاسقین الظالمین .

{ ذَلِکَ بِأنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَفْقَهُونَ } 3 _سورة المنافقون.

ذَلِکَ بِأنَّهُمْ آمَنُوا: برسالتک » ثُمَّ کَفَرُوا ولایة علی علیه السلام » .

فَطُبِعَ عَلَی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَفْقَهُونَ3 لا یفهمون شیئاً .

وعن جابر قال: قلت لمحمد بن علی علیه السلام قول الله فی کتابه الذین آمنوا ثم کفروا

قال: هما الاو والثانی والثالث والرابع وعبد الرحمن وطلحة وکانوا سبعة عشر رجلا ((1)) قال: لما وجه النبی صلی الله علیه و آله علی بن أبی طالب علیه السلام وعمار بن یاسر رحمه الله إلی أهل مکة قالوا بعث هذا الصبی ((2)) , ولو بعث غیره یا حذیفة إلی أهل مکة وفی مکة صنادیدها وکانوا یسمون علیا الصبی لأنه کان اسمه فی کتاب الله الصبی لقول الله: {وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إلَی اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً (وهو صبی ) وَقَالَ إنَّنِی مِنَ المُسْلِمِینَ 33*_فصلت ((3)) .

فقالوا: والله الکفر بنا أولی مما نحن فیه, فساروا فقالوا لهما وخوفوهما بأهل مکة فعرضوا لهما وغلظوا علیهما الامر, فقال علی صلوات الله علیه: حسبنا الله ونعم الوکیل ومضی, فلما دخلا مکة أخبر الله نبیه بقولهم لعلی وبقول

ص: 101

علی لهم, فأنزل الله بأسمائهم فی کتابه, وذلک قول الله :{ ألم تر إلی الذین قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لکم فاخشوهم فزادهم ایمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوکیل } إلی قوله: { وَاللّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِیمِ } 21 _الحدید, وإنما نزلت ألم تر إلی فلان وفلان لقوا علیا وعمارا فقالا: ان

أبا سفیان و عبد الله بن عامر وأهل مکة قد جمعوا لکم فاخشوهم فقالوا حسبنا الله و نعم الوکیل, وهما اللذان قال الله: { ان الذین آمنوا ثم کفروا } إلی آخر الآیة فهذا أول کفرهم والکفر الثانی قول النبی علیه وآله والسلام: یطلع علیکم من هذا الشعب رجل فیطلع علیکم بوجهه, فمثله عند الله کمثل عیسی لم یبق منهم أحد الا تمنی أن یکون بعض أهله, فإذا بعلی علیه السلام قد خرج وطلع بوجهه وقال: هو هذا فخرجوا غضابا و قالوا: ما بقی الا ان یجعله نبیا والله الرجوع إلی آلهتنا خیر مما نسمع منه فی ابن عمه ولیصدنا علی أن دام هذا, فأنزل الله :{ ولما ضرب بن مریم مثلا إذا قومک منه یصدون } إلی آخر الآیة فهذا الکفر الثانی وزاد الکفر بالکفر حین قال الله :{ ان الذین آمنوا وعملوا الصالحات أولئک هم خیر البریة } فقال النبی صلی الله علیه و آله : یا علی أصبحت وأمسیت خیر البریة فقال له الناس: هو خیر من آدم ونوح ومن إبراهیم ومن الأنبیاء, فأنزل الله :{ ان الله اصطفی آدم ونوحا وآل إبراهیم } إلی { سمیع علیم } قالوا: فهو خیر منک یا محمد ؟

قال صلی الله علیه و آله :قال الله: { قل انی رسول الله إلیکم جمیعا } ولکنه خیر منکم وذریته خیر من ذریتکم ومن اتبعه خیر ممن اتبعکم, فقاموا غضابا وقالوا

ص: 102

زیادة: الرجوع إلی الکفر أهون علینا مما یقول فی ابن عمه, وذلک قول الله { ثم ازدادوا کفرا } ((1)) .

وعن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیه السلام فی قول الله: { ان الذین آمنوا ثم کفروا ثم آمنوا ثم کفروا ثم ازدادوا کفرا } قال علیه السلام : نزلت فی عبد الله بن أبی سرح الذی بعثه عثمان إلی مصر, قال: { وازدادوا کفرا } حین لم یبق فیه من الایمان شئ ((2)) .

وعن أبی بصیر قال: سمعته یقول: { ان الذین آمنوا ثم کفروا ثم ازدادوا کفرا } من زعم أن الخمر حرام ثم شربها, ومن زعم أن الزنا حرام ثم زنی, ومن زعم أن الزکاة حق ولم یؤدها ((3)) .

وعن عبد الرحمن بن کثیر الهاشمی عن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله: { ان الذین آمنوا ثم کفروا ثم آمنوا ثم کفروا ثم ازدادوا کفرا } قال علیه السلام

ص: 103

: نزلت فی فلان وفلان ((1))آمنوا برسول الله صلی الله علیه و آله فی أول الأمر ثم کفروا حین عرضت علیهم الولایة حیث قال: من کنت مولاه فعلی مولاه ((2)) ثم

ص: 104

ص: 105

آمنوا بالبیعة لأمیر المؤمنین علیه السلام حیث قالوا له بأمر الله وأمر رسوله, فبایعوه ثم کفروا حین مضی رسول الله صلی الله علیه و آله فلم یقروا بالبیعة, ثم ازدادوا کفرا بأخذهم من بایعوه بالبیعة لهم, فهؤلاء لم یبق فیهم من الایمان شئ ((1)) .

{ وَإذَا رَأیْتَهُمْ تُعْجِبُکَ أجْسَامُهُمْ وَإنْ یَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ کَأنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ یَحْسَبُونَ کُلَّ صَیْحَة عَلَیْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أنَّی یُؤْفَکُونَ } 4 _سورة المنافقون.

( أنی یؤفکون ): أنی فی موضع نصب علی الحال, بمعنی کیف . والتقدیر: أجاحدین یؤفکون . ویجوز أن یکون فی محل النصب علی المصدر, والتقدیر: أی إفک یؤفکون .

وقیل: معناه من أین یؤفکون أی: یصرفون عن الحق بالباطل, عن الزجاج . فعلی هذا یکون منصوبا علی الظرف .

المنافقون : أقوالهم جمیلة وأجسامهم لا تبین نفاقهم .

کَأنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ: لا روح فیها ولا عقل یفهم ولا قلب ینبض فهی جماد لا تثمر ولا تنمی . فی الباطن کالکلب أو کالحمار کما قال عز وجل ( فمثله کمثل الکلب ) وقال ( مثلهم کمثل الحمار ) .

ص: 106

وقال تعالی: " کَأنَّهُمْ أعْجَازُ نَخْل خَاوِیَة 7_الحاقة .

وفی روایة أبی الجارود, عن الامام ابی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قوله: " کأنهم خشب مسندة " یقول: " لا یسمعون ولا یعقلون .

{یَحْسَبُونَ کُلَّ صَیْحَة عَلَیْهِمْ }: یظنون کل کلام ونداء من الناس ضدهم . {هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ }: لا تطمأن لهم ولا تعطیهم أسرارک .

{ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أنَّی یُؤْفَکُونَ }: حاربهم الله تعالی أنَّی یتحولون عن الحق.

وقال جل جلاله: ( ولا یأتون الصلاة إلا وهم کسالی ولا ینفقون إلا وهم کارهون ) _ التوبة: 54 . وقال تبارک وتعالی: ( وإذا قاموا إلی الصلاة قاموا کسالی یراءون الناس ولا یذکرون الله إلا قلیلا ) ((1)) .

وقال سبحانه بعد أن نبأه عنهم فی الجملة: ( لو نشاء لأریناکهم فلعرفتهم

بسیماهم ولتعرفنهم فی لحن القول ) ((2)) .

وقال نجاح الطائی: لقد بین الله تعالی صفات المنافقین لنبتعد عنهم ونحذرهم

أینما حلوا ورحلوا .

هؤلاء یحسبون کل صیحة علیهم, ویصلُّون وهم کسالی, وینفقون وهم کارهون, ویقولون ما لا یفعلون, ویدعون الدین ویبطنون الکفر .

{ وَإذَا قِیلَ لَهُمْ تَعَالَوْا یَسْتَغْفِرْ لَکُمْ رسول الله لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأیْتَهُمْ یَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَکْبِرُونَ } 5 : ( یصدون ): فی موضع نصب علی الحال .

ص: 107

المعنی : اذا قیل لهم ارجعوا الی ولایة علی علیه السلام یستغفر لکم النبی صلی الله علیه و آله من ذنوبکم { لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأیْتَهُمْ یَصُدُّونَ } عن ولایة علی ((1)) وَهُمْ مُسْتَکْبِرُونَ

عن الحق .

{ سَوَاءٌ عَلَیْهِمْ أاسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ یَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ إنَّ اللّهَ لا یَهْدِی القَوْمَ الفَاسِقِینَ } 6 _سورة المنافقون.

عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال: ان الله تعالی قال لمحمد صلی الله علیه و آله : ( ان تستغفر لهم سبعین مرة فلن یغفر الله لهم ) فاستغفرَ لهم مائة مرة لیغفر لهم فأنزل الله: ( سواء علیهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن یغفر الله لهم ) وقال: { وَلا تُصَلِّ عَلَی أحَد مِنْهُمْ مَاتَ أبَداً وَلا تَقُمْ عَلَی قَبْرِهِ إنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ84 }_التوبة, فلم یستغفر لهم بعد ذلک ولم یقم علی قبر أحد منهم ((2)) .

اذن أمر القرآن بعدم جواز الصلاة علی المنافق .

وقال الشیخ محمد عبده بعد أن ساق أقوال العلماء والحفاظ فی مسألة الصلاة علی جنازة ابن ابی سلول: الحق ان هذا الحدیث معارض للآیة:

ص: 108

(وَلا تُصَلِّ عَلَی أحَد مِنْهُمْ مَاتَ أبَداً وَلا تَقُمْ عَلَی قَبْرِهِ إنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)((1)). فالذین یعنون باصول الدین ودلائله القطعیة أکثر من الروایات والدلائل الظنیة لم یجدوا ما یجیبون به عن هذا التعارض إلا الحکم بعدم صحة الحدیث((2)).

أمر القرآن بالامتناع عن الصلاة علی المنافقین ولم یصل علیهم النبی صلی الله علیه و آله والروایة فی صلاته صلی الله علیه و آله علی ابن ابی سلول کاذبة یراد بها طمس حقیقة العلاقة الحمیمة بین ابی بکر وعمر وعثمان مع رئیس المنافقین وهذه المجموعة أرادت قتل النبی صلی الله علیه و آله فی العقبة بالقائه من عقبة تبوک وهو فی غزوة الشام .

وکل حدیث مخالف للقرآن فهو باطل.

والذین حاولوا قتل النبی صلی الله علیه و آله فی العقبة نزلت فی حقهم سورة المنافقون فسماهم الرسول الله صلی الله علیه و آله بالمنافقین ولم یصل علیهم بعد وفاتهم .

وقد قال النبی صلی الله علیه و آله :«من قال علیَّ ما لم أقل فلیتبوأ مقعده من جهنم »((1)). لقد قال حذیفة بن الیمان العارف بأسماء المنافقین لاحقاً:«عندی أسرار لو قلتها لقتلونی قبل أن أضع یدی فی فمی»((2)).

ویذکر بأنَّ الذی مات فی زمن عمر وحذیفة هو أبو بکر . وقال العلماء بعدم صلاة حذیفة علیه اذ جاء: وقطع ابن حزم الأندلسی بعدم صلاة حذیفة علی أبی بکر وعمر وعثمان إذ قال: «ولم یقطع حذیفة ولا غیره علی باطن أمرهم فتورَّع عن الصلاة علیهم»((3)).

ثمَّ ذکر ابن عساکر صاحب تاریخ دمشق, أنَّ حذیفة لم یصلِّ علی أبی بکر , لکنه وضع لفظة فلان بدل اسم أبی بکر, وهذه عادة معروفة مع الشیخین أبی بکر وعمر . فقد تقدم عمر نفسه الی حذیفة بطلب الصلاة علیه . فلمَّا رأی عدم صلاة حذیفة علیه إندهش وتقدمت عیناه, ثم سأل حذیفة: أمن القوم أنا ؟ (یعنی المنافقین ).

ص: 110

قال: قلت: اللهم لا ولن أبرئ أحداً بعدک (قال ذلک تقیة من عمر والا

قتله ). قال: فرأیت عینی عمر جاءتا((1)) .

لقد عرف عمر بعدم رغبة حذیفة بالصلاة علی أبی بکر لانه من متآمری العقبة الذین منع النبی صلی الله علیه و آله من الصلاة علیهم بعد موتهم .

واندهش من معرفة حذیفة باسماء الاشخاص الذین حاولوا قتل النبی فی عقبة الشام سنة تسعة هجریة ،والذین واصلوا سعیهم المذکور فقتلوه سنة أحدی عشر هجریة واغتصبوا الخلافة .

وروی إبن عساکر: « دخل عبد الرحمن علی أمِّ سلمة رضی الله عنها, فقالت: سمعت النبی صلی الله علیه و آله یقول: إنَّ من أصحابی لمن لا یرانی بعد أن أموت أبداً, فخرج عبد الرحمن من عندها مذعوراً, حتی دخل علی عمر, فقال له: إسمع ما تقول أمُّک, فقام عمر حتی دخل علیها, فسألها, ثمَّ قال أنشدِک الله أمنهم أنا ؟ قالت: لا ولن أُبرئ بعدک أحداً»((2)) .

ص: 111

کان عمر کان خائفاً جداً من هذا الموضوع بحیث سأل عنه حذیفة وأمَّ سلمة ! ولقد وقع حذیفة وأمُّ سلمة فی حرج شدید من سؤال عمر الخطیر, لهما وبان هذا الحرج من قولهما: لن أبرئ بعدک أحداً .

لقد تخوف عمر من نشر حذیفة وأم سلمة أسماء منافقی العقبة بین المسلمین فیتسبب الامر فی حصول ثورة شعبیة ضد قتلة للنبی صلی الله علیه و آله و قتله بید المؤمنین .

وقال نافع بن جبیر بن مطعم: « لم یخبر رسولُ الله صلی الله علیه و آله بأسماء المنافقین, الذین بخسوا به لیلة العقبة بتبوک غیر حذیفة, وهم إثنا عشر رجلا ((1)) .

ولقد أضافوا الی حدیث ابن عساکر شیئاً لم یکن موجوداً فی أصله, لتحریف الروایة , وهو لیس فیهم قرشی، وکلهم من الأنصار او من حلفائهم؟! ((2)).

لیبعدوا الشبهة عن المتآمرین الحقیقیین المغتصبین لخلافة الرسول صلی الله علیه و آله , ویضعوها علی عاتق الأنصار الابریاء, کما فعلوا ذلک فی مرَّات عدیدة! ومنها تحریفهم لاحداث السقیفة!

وقال حذیفة: لو کنت علی شاطئ نهر, وقد مددت یدی لأغرف, فحدَّثتکم

ص: 112

بکل ما أعلم, ما وصلت یدی الی فمی, حتَّی أُقتل((1)) .

أی لو أخبر حذیفة بأسماء المنافقین الأحیاء منهم والأموات, لقتله المتآمرون بسرعة, لذلک لم یخبر بأسمائهم ولکنه کان لا یصلِّی علیهم وهذه إشارة کافیة لفضحهم .

وقال حذیفة: لقد حدَّثنی رسول ُالله صلی الله علیه و آله بما یکون حتی تقومَ الساعة, غیر أنِّی لم أسأله ما یخرج أهلَ المدینة منها ((2)) .

وعن حذیفة أنّه قال: ما بینکم وبین أن یرسل علیکم الشر فراسخ, إلاّ أن یطلع علیکم راکب من ها هنا فینعی لکم عمر((3)) .

وعن النزال بن سبرة الهلالی: «وافقنا من علی بن أبی طالب ذات یوم طیب نفس ومراح . فقلنا یا أمیر المؤمنین حدِّثنا عن أصحابک وذکر الحدیث

ص: 113

وفیه قلنا: فحدّثنا عن حذیفة . قال: ذاک امرؤ علم المعضلات والمفصَّلات وعلم أسماء المنافقین إن تسألوه عنها تجدوه بها عالماً» ((1)) .

{ هُمُ الَّذِینَ یَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَی مَنْ عِنْدَ رسول الله حَتَّی یَنْفَضُّوا وَللّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَکِنَّ المُنَافِقِینَ لا یَفْقَهُونَ } 7 _سورة المنافقون.

قال المنافقون: لا تنفقوا علی أتباع محمد صلی الله علیه و آله المحتاجین للمال والطعام کی یترکوه .

وکان المهاجرون الی المدینة لا یملکون أرضا لزراعتها لذا فهم یعیشون علی الزاة والخمس والصدقات المقدمة من الانصار .

{وَللّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَکِنَّ المُنَافِقِینَ لا یَفْقَهُونَ}وکل شیء فی الکون لله تعالی , فهو مالک الکنوز وصاحب الغیث والمنعم علی البشر .

فکیف یرید الکفار والمنافقون محاربة الاسلام بوسیلة الطعام التی وهبها تعالی لهم . هذا الامر یبین جهلهم وحماقتهم وتنکرهم للمعروف الالهی الحاصل فی حقهم .

ص: 114

{ یَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَی المَدِینَةِ لَیُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ وَللّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِینَ وَلَکِنَّ المُنَافِقِینَ لا یَعْلَمُونَ8}_سورة المنافقون.

حاول النواصب تحریف آیات هذه السورة لطمس معالمها وانکار حقیقة نزولها فی منافقی العقبة المتآمرین لقتل النبی صلی الله علیه و آله ومن المحرفین ابو حیان الاندلسی .

تفسیر محرف: قال ابو حیان الاندلسی: هذه السورة مدنیة, نزلت فی غزوة بنی المصطلق, کانت من عبد الله بن أبیّ بن سلول وأتباعه فیها أقوال, فنزلت . وسبب نزولها مذکور فی قصة طویلة, من مضمونها: أن اثنین من الصحابة ازدحما علی ماء, وذلک فی غزوة بنی المصطلق, فشج أحدهما الآخر, فدعا المشجوج: یا للأنصار, والشاج: یا للمهاجرین, فقال عبد الله بن أبیّ بن سلول: ما حکی الله تعالی عنه من قوله: ( لاَ تُنفِقُواْ عَلَی مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّی یَنفَضُّواْ ) , وقوله: ( لَیُخْرِجَنَّ الاْعَزُّ مِنْهَا الاْذَلَّ ) , وعنی الأعز نفسه, وکلاماً قبیحاً . فسمعه زید بن أرقم, ونقل ذلک إلی رسول الله صلی الله علیه و آله ) .

ص: 115

فلام رسول الله صلی الله علیه و آله ) عبد الله, فحلف ما قال شیئاً من ذلک, فاتهم زید, فأنزل الله تعالی ( إِذَا جَاءکَ الْمُنَافِقُونَ ) إلی قوله: ( لاَّ یَعْلَمُونَ ) , تصدیقاً لزید وتکذیباً لعبد الله بن أبیّ ((1)).

ومناسبة هذه السورة لما قبلها: أنه لما کان سبب الانفضاض عن سماع الخطبة ربما کان حاصلاً عن المنافقین, واتبعهم ناس کثیر من المؤمنین فی ذلک, وذلک لسرورهم بالعیر التی قدمت بالمیرة, إذ کان وقت مجاعة, جاء ذکر المنافقین وما هم علیه من کراهة أهل الإیمان, وأتبعه بقبائح أفعالهم وقولهم:

( لاَ تُنفِقُواْ عَلَی مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّی یَنفَضُّواْ ), إذ کانوا هم أصحاب أموال, والمهاجرون فقراء قد ترکوا أموالهم ومتاجرهم وهاجروا لله تعالی .

( قَالُواْ نَشْهَدُ ): یجری مجری الیمین, ولذلک تلقی بما یتلقی به القسم, وکذا فعل الیقین. والعلم یجری مجری القسم بقوله:

( إِنَّکَ لَرَسُولُ اللَّهِ ), وأصل الشهادة أن یواطئ اللسان القلب هذا بالنطق, وذلک بالاعتقاد ؛ فأکذبهم الله وفضحهم بقوله: ( وَاللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِینَ لَکَاذِبُونَ ): أی لم تواطیء قلوبهم ألسنتهم علی تصدیقک, واعتقادهم أنک

ص: 116

غیر رسول, فهم کاذبون عند الله وعند من خبر حالهم, أو کاذبون عند أنفسهم, إذ کانوا یعتقدون أن قولهم: ( إِنَّکَ لَرَسُولُ اللَّهِ ) کذب .

وجاء بین شهادتهم وتکذیبهم قوله تعالی: ( وَاللَّهُ یَعْلَمُ إِنَّکَ لَرَسُولُهُ ) ((1)).

وجاء أیضا فی روایة موضوعة لصالح رجال السقیفة لتحریف نزول سورة المنافقون من غزوة تبوک فی السنة التاسعة الی غزوة بنی المصطلق فی السنة الخامسة: نزلت (المنافقون) فی غزوة المریسع وهی غزوة بنی المصطلق فی سنة خمس من لهجرة, وکان رسول الله صلی الله علیه و آله خرج إلیها فلما رجع منها نزل علی بئر, وکان الماء قلیلا فیها وکان أنس بن سیار حلیف الأنصار, وکان جهجاه بن سعید الغفاری أجیرا لعمر بن الخطاب فاجتمعوا علی البئر فتعلق دلو ابن سیار بدلو جهجاه, فقال سیار دلوی وقال جهجاه دلوی, فضرب جهجاه یده علی وجه ابن سیار فسال منه الدم, فنادی سیار بالخزرج ونادی جهجاه بقریش وأخذ الناس السلاح وکاد ان تقع الفتنة, فسمع عبد الله بن أبی النداء فقال: ما هذا ؟

السیوطی:

وأخرج سعید بن منصور والبخاری ومسلم والترمذی وابن المنذر وابن مردویه والبیهقی فی الدلائل عن جابر بن عبد الله قال کنا مع النبی صلی الله علیه و آله فی غزاة قال سفیان یرون انها غزوة بنی المصطلق فکسع رجل من المنافقین رجلا من الأنصار فسمع ذلک النبی صلی الله علیه و آله فقال ما بال دعوی الجاهلیة قالوا رجل من المهاجرین کسع رجلا من الأنصار فقال النبی صلی الله علیه و آله دعوها فإنها منتنة فسمع ذلک عبد الله بن أبی فقال أوقد فعلوها والله

ص: 117

لئن رجعنا إلی المدینة لیخرجن الأعز منها الأذل ((1)) .

وأخرج ابن أبی شیبة عن عروة بن الزبیر ان أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله فی غزوة بنی المصطلق لما أتوا المنزل کان بین غلمان من المهاجرین وغلمان من الأنصار فقال غلمان من المهاجرین یا للمهاجرین وقال غلمان من الأنصار یا للأنصار فبلغ ذلک عبد الله بن أبی ابن سلول فقال أما والله لو أنهم لم ینفقوا علیهم انفضوا من حوله أما والله لئن رجعنا إلی المدینة لیخرجن الأعز منها الأذل ((2)) .

الصحیح :نزول سورة المنافقون فی رجال السقیفة

السیوطی والشوکانی : فی روایة جابر بن عبد الله الانصاری ذکر نزول السورة فی غزوة تبوک لکن سفیان الکذاب حرفها الی غزوة بنی المصطلق ((3)) , وساعده فی التحریف بعض علماء النواصب .

البرهان :نزلت سورة المنافقون فی غزوة تبوک :

وقال الصادق علیه السلام : ( عن النضر بن الحارث: فأقبل إلی بیته, وشد علی راحلته ثم رکبها مغضبا وهو یقول: اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علینا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألیم . فلما صار بظهر المدینة وإذا بطیر فی مخلبه جندلة فأرسلها علیه, فوقعت علی هامته, ثم دخلت فی دماغه, وخرجت من جوفه , ووقعت علی ظهر راحلته, وخرجت من بطنها, فاضطربت الراحلة وسقطت, وسقط النضر بن الحارث من علیها میتین,

ص: 118

فأنزل الله تعالی: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْکافِرینَ لَیْسَ لَه دافِعٌ مِنَ اللَّه ذِی الْمَعارِجِ ) ((1)) .

فبعث رسول الله صلی الله علیه و آله بعد ذلک إلی المنافقین الذین اجتمعوا لیلا مع النضر بن الحارث فتلا علیهم الآیة, وقال: اخرجوا إلی صاحبکم الفهری حتی تنظروا إلیه . فلما رأوه انتحبوا وبکوا, وقالوا: من أبغض علیا وأظهر بغضه قتله علی بسیفه, ومن خرج من المدینة بغضا لعلی أنزل الله علیه ما نری, {لئن رجعنا إلی المدینة لیخرجن الأعز منها الأذل} من شیعة علی, مثل سلمان وأبی ذر والمقداد وعمار وأشباههم من ضعفاء الشیعة .فأوحی الله إلی نبیه صلی الله علیه و آله ما قالوا, فلما انصرفوا إلی المدینة أعلمهم رسول الله صلی الله علیه و آله , فحلفوا بالله کاذبین أنهم لم یقولوا, فأنزل الله فیهم: { یَحْلِفُونَ بِاللَّه ما قالُوا ولَقَدْ قالُوا کَلِمَةَ الْکُفْرِ وکَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} بظاهر القول لرسول صلی الله علیه و آله : إنا قد آمنا وأسلمنا لله وللرسول فیما أمرنا به من طاعة علی علیه السلام .

{وهَمُّوا بِما لَمْ یَنالُوا} من قتل محمد صلی الله علیه و آله لیلة العقبة, وإخراج ضعفاء الشیعة من المدینة بغضا لعلی, وتغیضا علیه {وما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّه ورَسُولُه مِنْ فَضْلِه} بسیف علی فی حروب رسول الله صلی الله علیه و آله وفتوحه : { فَإِنْ یَتُوبُوا یَکُ خَیْراً لَهُمْ وإِنْ یَتَوَلَّوْا یُعَذِّبْهُمُ اللَّه عَذاباً أَلِیماً فِی الدُّنْیا والآخِرَةِ وما لَهُمْ فِی الأَرْضِ مِنْ وَلِیٍّ ولا نَصِیرٍ } فلما تلاها رسول الله صلی الله علیه و آله قالوا: تبنا یا رسول الله, بألسنتهم دون قلوبهم . فلما اجتمعوا أیضا

ص: 119

قالوا: إنا لا نسر فی أمر علی وأهل بیته وأتباعه شیئا إلا أظهره الله علی محمد, فتلاه علینا, فقد خطبنا محمد, فقال فی کلمته: أیها الناس, لم تکن نبوة الأنبیاء إلا نسخت بعد نبیها ملکا وجبروتا .

فلیت لنا فی هذا الملک نصیبا , إذا لم یکن لنا فی الآخرة ملک, ولا نحن من شیعة علی, وإنما نظر موالاته والإیمان به لیکون لنا فی الأرض ولیا ونصیرا, وأما فی السماء فلا حاجة لنا به, لا إلی علی ولا إلی غیر علی, وإن محمدا یخبرنا أن الملک من بعده لا یستتم [ لأحد ] من أمته حتی یوالی علیا وینصره ویعینه, فأنزل الله علی نبیه صلی الله علیه و آله : {أَمْ لَهُمْ نَصِیبٌ مِنَ الْمُلْکِ فَإِذاً لا یُؤْتُونَ النَّاسَ } أی علی وشیعته نَقِیراً , { أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللَّه مِنْ فَضْلِه فَقَدْ آتَیْنا آلَ إِبْراهِیمَ الْکِتابَ والْحِکْمَةَ وآتَیْناهُمْ مُلْکاً عَظِیماً} کما آتینا محمدا وآل محمد فی الدنیا والآخرة {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِه ومِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْه وکَفی بِجَهَنَّمَ سَعِیراً } .

فخطب رسول الله صلی الله علیه و آله عند ذلک أصحابه فقال لهم: معاشر المهاجرین والأنصار, ما بال أصحابی إذا ذکر لهم إبراهیم [ وآل إبراهیم ] تهللت وجوههم واستبشرت قلوبهم, وإذا ذکر محمد وآل محمد تغیرت وجوههم وضاقت صدورهم ؟ إن الله تعالی لم یعط إبراهیم وآل إبراهیم شیئا إلا أعطی محمدا وآل محمد مثله, ونحن فی الحقیقة آل إبراهیم . إن الله ما اصطفی نبیا إلا اصطفی آل [ ذلک ] النبی, فجعل منهم الصدیقین والشهداء والصالحین . هذا جبرئیل علیه السلام یتلو علیَّ من ربی ما توهمتم وطویتم وأسررتم وأعلنتم فیما بینکم من أمر آل محمد, ثم تلا علیهم أَمْ لَهُمْ نَصِیبٌ مِنَ الْمُلْکِ فَإِذاً لا یُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِیراً ) فحلفوا بالله کاذبین أنهم لم یسروا ولم یعلنوا فیما بینهم . فأنزل الله: {قالُوا نَشْهَدُ إِنَّکَ لَرَسُولُ اللَّه واللَّه یَعْلَمُ إِنَّکَ لَرَسُولُه واللَّه یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِینَ لَکاذِبُونَ }

أی لو کنت عندهم یا رسول الله ما حلفوا بالله کاذبین {اتَّخَذُوا أَیْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّه إِنَّهُمْ ساءَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا فَطُبِعَ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ

ص: 120

لا یَفْقَهُونَ } ((1)) .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُلْهِکُمْ أمْوَالُکُمْ وَلا أوْلادُکُمْ عَنْ ذِکْرِ اللّهِ وَمَنْ یَفْعَلْ ذَلِکَ فَاُوْلَئِکَ هُمُ الخَاسِرُونَ } 9 _سورة

المنافقون.

اهتم البعض بالاموال والاولاد اهتماما منهم بالدنیا الفانیة وتکالبوا علی أهوائها وملذاتها وترکوا الدین .

الخصال, عیون أخبار الرضا ( علیه السلام ) : عن ابن بزیع, قال : سمعت الرضا ( علیه السلام ) یقول : لا یجتمع المال إلا بخصال خمس : ببخل شدید, وأمل طویل, وحرص غالب, وقطیعة الرحم, وإیثار الدنیا علی الآخرة ((2)) .

أمالی الطوسی : عن المجاشعی, عن مولانا الصادق, عن آبائه ( علیهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) : أیکم مال وارثه أحب إلیه من ماله ؟ قالوا : ما فینا أحد یحب ذلک یا نبی الله .

قال صلی الله علیه و آله : بل کلکم یحب ذلک ثم قال : یقول ابن آدم : مالی مالی, وهل لک من مالک إلا ما أکلت فأفنیت, أو لبست فأبلیت, أو تصدقت فأمضیت, وما عدا ذلک فهو مال الوارث ((3)) .

أمالی الطوسی : بإسناده عن الباقر ( علیه السلام ) قال : لما نزلت ( والذین یکنزون الذهب والفضة )- الآیة, قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) : کل مال یؤدی زکاته

ص: 121

فلیس بکنز, وإن کان تحت سبع أرضین, وکل مال لا تؤدی زکاته فهو کنز, وإن کان فوق الأرض((1)) .

ومن طبیعة الاموال الکثیرة انشغال أصحابها بها ونسیانهم الله تعالی , واستکبارهم علی الناس, وتطاولهم علی الشریعة المقدسة , وفعلهم للمنکرات

.

{وَأنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاکُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ یَأتِیَ أحَدَکُمُ المَوْتُ فَیَقُولَ رَبِّ لَوْلا أخَّرْتَنِی إلَی أجَل قَرِیب فَأصَّدَّقَ وَأکُنْ مِنَ الصَّالِحِینَ10وَلَنْ یُؤَخِّرَ اللّهُ نَفْساً إذَا جَاءَ أجَلُهَا وَاللّهُ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } 11 _سورة المنافقون.

" سئل الصادق علیه السلام عن قول الله عز وجل : ( فأصدق و أکن من الصالحین ) ؟ قال : أصدق من الصدقة وأکن من الصالحین أی أحج "(2).

تفسیر علی بن إبراهیم : فیقول " رب لولا أخرتنی إلی أجل قریب فأصدق "یعنی أحج (3) .

والأمر بالإنفاق هنا یشمل کافة أنواع وضروب الإنفاق الواجبة والمستحبة ، وقال البعض بأنها تعنی التعجیل فی دفع الزکاة .

مقاتل: یعنی فأزکی مالی (4) .

الطبری: فأزکی مالی وأکن من الصالحین یقول : وأعمل بطاعتک ، وأؤدی فرائضک (5)

.

ص: 122

فمن الصدق أو من الصدقة . وصداق المرأة وصداقها وصدقتها ما تعطی من مهرها (1)

.

وقال نجاح الطائی : فأصدق تعنی أصدق بولایة امیر المؤمنین علی علیه السلام , وأؤمن بولایة الصادقین الائمة :

یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَکُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ 119_التوبة .

واکن من الصالحین المؤمنین باصول الدین وفروعه .

وجاءت الایة فی سورة المنافقون وقد قال النبی صلی الله علیه و آله :

لم یحبک یا علی من أصحابی الا مؤمن تقی, ولا یبغضک الا منافق شقی((2)) .

ص: 123

8 . هذا قول عبد الله بن أبیَ بن سلول ؛ وذلک أنه قال لأصحابه وهم فی غزوة تبوک: عمدنا إلی رجل من قریش فجعلناه علی رقابنا, أخرجوه فألحقوه بقومه ولیکن علینا رجل من أنفسنا . قال الله: ( ولله العزة ولرسوله ) الآیة یخبر تبارک وتعالی أنه معز رسوله ومن معه من المؤمنین ((1)) .

( یا أیها الذین آمنوا ) یعنی: أقروا باللسان نزلت فی المنافقین ( لا تلهکم أموالکم ولا أولادکم عن ذکر الله ) عن الإیمان بالله: ( وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاکُم)

یعنی: الزکاة المفروضة ( من قبل أن یأتی أحدکم الموت فیقول رب لولا ) هلا ( أخرتنی إلی أجل قریب فأصدق ) أی: فأزکی ( وأکن من الصالحین ) سورة المنافقون 9_ 10 . فأحج, ومثلها فی سورة المؤمنین ( حتی إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ) أی: إلی الدنیا ( لعلی أعمل صالحا فیما ترکت ) . قال محمد صلی الله علیه و آله : ( فأصدق ) جواب ' لولا ' فمن قرأ ( وأکن ) بالجزم فهو علی موضع ( فأصدق ) ؛ لأن المعنی : إن أخرتنی أصدق وأکن من الصالحین, ومن قرأها ( وأکون ) فهو علی لفظ

( فأصدق ) وأکون . ( ولن یؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبیر بما

ص: 125

تعملون ) سورة المنافقون 11 _ ((1))

.

نزلت الایة فی ولایة علی علیه السلام فهی طلب المنافقین فی الاخرة بأن یؤخرهم فی الدنیا کی یؤمنوا بولایة أمیر المؤمنین علی علیه السلام .

قرأ أبو عمرو وحده ( وأکون ) بالواو, الباقون ( واکن ) وفی المصاحف بلا واو((2)) .

سفیان بن عیینة محرَّف الروایة

سفیان بن عیینة بن میمون الهلالی الکوفی المکی, کان أعور العین, وأموی الهوی .

أحادیثه الموضوعة: جاء: حدثنا سفیان بن عیینة عن عبد الملک بن عمیر عن ربعی بن خراش عن حذیفة بن الیمان قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : اقتدوا باللذین من بعدی أبی بکر وعمر ((3)) .

وکیف یقتدی المسلمون بشخصین خالفا بیعة الغدیر واغتصبا خلافة أمیر المؤمنین علی علیه السلام , وأمر وساهم فی قتل فاطمة علیها السلام بینما قال النبی

ص: 126

صلی الله علیه و آله : فاطمة سیدة نساء العالمین ((1)) .

وجاء: حدثنا سفیان بن عینة ثنا محمد بن المنکدر قال سمعت جابر بن عبد الله یقول قال رسول الله صلی الله علیه و آله دخلت الجنة فرأیت فیها قصرا أو دارا فسمعت فیها ضوضاء فقلت لمن هذا فقیل لرجل من قریش فرجوت أن أکون أنا هو فقیل لعمر بن الخطاب فلولا غیرتک یا أبا حفص لدخلته فبکی عمر وقال أیغار علیک یا رسول الله, صحیح متفق علیه ((2)).

اختلق

سفیان بن عیینة هذا الحدیث مفضلا عمر علی سید الانبیاء محمد

ص: 127

صلی الله علیه و آله !!! ولا یروی هذا الحدیث المزیف الا زندیق لا ایمان له .

اذن کان سفیان بن عیینة من جواسیس الدولة العباسیة متنعما بعطائها مسرورا بمنهجه الأموی فی وضعه الحدیث لرفع منازل رجال السقیفة وطمس تراث محمد وآله المعصومین .

وکان العصر العباسی مرتعاً ممتازا لمختلقی الاحادیث ضد النبی محمد وآله صلی الله علیه و آله وواضعی الروایات فی فضل الشیخین ولا یختلف عن العصر الاموی بل کان أوسع منه وأنضج ومؤامرة النواصب أعظم .

تکذیب العلماء لسفیان بن عیینة:

هو کذاب ومدلس شهیر الی درجة أن ابن کثیر الأموی الذی کان من طلاب ابن تیمیة ضعفه .

آراء

العلماء فیه: قال ابن کثیر: سفیان بن عیینة: ضعیف ((1)) .

الذهبی والبخاری وابو زرعة وابن ابی حاتم اتهموه بالکذب:

الکاشف:

ضعیف ((2)) .

قال یحیی بن سعید القطان: أشهد أن سفیان بن عیینة اختلط سنة سبع وتسعین ومائة, فمن سمع منه فیها فسماعه لا شئ, مات سنة 198 هج ودفن

ص: 128

فی مکة ((1)) .

وجاء: روی أنها نزلت فی غزوة تبوک قال الطبری بینما النبی فی غزوة تبوک ورکب من المنافقین یسیرون بین یدیه فقالوا یظن هذا أنه یفتح قصور الشام وحصونها فأطلعه الله علی ما فی قلوبهم وقولهم فدعاهم فقال قلتم کذا وکذا فحلفوا ما کنا إلا نخوض ونلعب فکان ممن إن شاء الله عفا عنه یقول أسمع آیة تقشعر منها الجلود وتجث القلوب اللهم اجعل وفاتی قتلا فی سبیلک لا یقل أحد أنا غسلت أنا کفنت أنا دفنت قال فأصیب یوم الیمامة فما أحد من المسلمین إلا وقد وجد غیره وروی الدارقطنی عن مالک عن نافع عن ابن عمر قال رأیت عبد الله بن أبی یشتد قدام النبی والحجارة تنکبه وهو یقول یا محمد إنما کنا نخوض ونلعب والنبی یقول أبالله وآیاته ورسوله کنتم تستهزئون لا تعتذروا وروی أن ذلک کله نزل فیما کان من المنافقین فی هذه الغزوة ((2)) .

رجل من المهاجرین رجلا من الأنصار فقال الأنصاری یا للأنصار وقال المهاجری یا للمهاجرین فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : ما بال دعوی الجاهلیة؟ دعوها فإنها منتنة وقال عبدالله بن أبی بن سلول وقد فعلوها: والله لئن رجعنا إلی المدینة لیخرجن الأعز منها الأذل ....

ورواه الإمام أحمد عن حسن بن محمد المروزی عن سفیان بن عیینة ورواه البخاری عن الحمیدی ومسلم عن أبی بکر بن أبی شیبة وغیره عن سفیان به نحوه ((1))

.

زید بن أرقم فی مسند أحمد: سورة المنافقون فی تبوک

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحکم عن محمد بن کعب القرظی عن زید بن أرقم قال کنت مع رسول الله صلی الله علیه و آله فی غزوة تبوک فقال عبدالله بن أبی لئن رجعنا إلی المدینة لیخرجن الأعز منها الأذل قال فأتیت النبی صلی الله علیه و آله فأخبرته قال فحلف عبدالله بن أبی أنه لم یکن شیء من ذلک قال فلامنی قومی وقالوا ما أردت إلی هذا؟

قال فانطلقت فنمت کئیبا حزینا قال فأرسل إلی نبی الله صلی الله علیه و آله فقال :إن الله قد أنزل عذرک وصدقک ((2))

.

زید بن أرقم بروایة البغوی سورة المنافقون فی تبوک

تفسیر البغوی: (وَلَقَدْ قَالُوا کَلِمَةَ الکُفْرِ وَکَفَرُوا بَعْدَ إسْلامِهِمْ ) _سورة

ص: 130

التوبة 74. أی أظهروا الکفر بعد إظهار الإیمان والإسلام وقیل هی سب النبی صلی الله علیه و آله وقیل کلمة الکفر قول الجلاس لئن کان محمد صادقا لنحن شر من الحمیر وقیل کلمة الکفر قولهم ( لئن رجعنا إلی المدینة لیخرجن الأعز منها الأذل ) _ 8 . وستأتی القصة فی موضعها فی سورة المنافقین وَهَمُّوا بِمَا لَمْ یَنَالُوا _سورة التوبة 74. قال مجاهد همَّ المنافقون بقتل المسلم الذی سمع قولهم (زید بن ارقم ) لنحن شر من الحمیر لکی لا یفشیه وقیل هم اثنا عشر رجلا من المنافقین وقفوا علی العقبة فی طریق تبوک لیفتکوا برسول الله صلی الله علیه و آله فجاء جبریل علیه السلام وأمره أن یرسل إلیهم من یضرب وجوه رواحلهم فأرسل حذیفة لذلک ((1)) .

السدی بَّین تحالفا بین رجال السقیفة مع رئیس المنافقین لتنصیبه ملکاً :قال السدی: قالوا إذا قدمنا المدینة عقدنا علی رأس عبد الله بن أبی تاجا فلم یصلوا إلیه ((2)) .

ص: 131

السیوطی: قوله تعالی {فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ }((1)) الآیة: أخرج ابن أبی حاتم وأبو الشیخ عن قتادة فی قوله بمقعدهم خلاف رسول الله قال عن غزوة تبوک((2)) .

عرفنا الرکاب . قال: ( هؤلاء المنافقون إلی یوم القیامة, وهل تدرون ما أرادوا ؟ قلنا: لا، قال: أرادوا أن یزحموا رسول الله فی العقبة فیلقوه منها. قلنا: یا رسول الله أولا تبعث إلی عشائرهم حتی یبعث إلیک کل قوم برأس صاحبهم ؟

قال: ( لا, أکره أن تتحدث العرب بینها أن محمداً قاتل بقومه، حتی إذا أظهره الله بهم أقبل علیهم یقتلهم ) . ثم قال: ( اللهم ارمهم بالدبیلة ) قلنا: یا رسول الله و ما الدبیلة ؟ قال: ( هی شهاب من نار تقع علی نیاط قلب أحدهم فیهلک ) ((1)) .

قال حذیفة: إن المنافقین الیوم, شرّ منهم علی عهد النبی صلی الله علیه و آله ، کانوا یومئذ یسرون, والیوم یجهرون ((1)) .

وهناک روایة ثانیة فی هذا الشأن عن البخاری عن النبی صلی الله علیه و آله قال: إنما کان النفاق علی عهد النبی صلی الله علیه و آله ، فأما الیوم فإنما هو الکفر بعد الإیمان

( وفی روایة ): فإنما هو الکفر والإیمان .

واخرج البزار عن أبی وائل, قلت لحذیفة: النّفاق الیوم شر أم علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ؟

قال: فضرب به علی جبهته وقال: أوه: هو الیوم ظاهر, إنما کانوا یستخفون علی عهد رسول الله ((2)).

وقد ذکر إبن حَزْمِ الأندُلسی المتوفی سنة 456 ه- هذه الحادثة فی کتابه المحلَّی قائلا: ( وأمَّا حدیث حذیفة فساقط, لأنَّه من طریق الولید بن جمیع, وهو هالک, ولا نراه یعلم من وضع الحدیث, فإنَّه قد روی أخباراً فیها أنَّ

ابا بکر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبی وقاص أرادوا قتل النبی ( صلی الله علیه و آله ), وإلقائه من العقبة فی تبوک, ولو صحَّت لکانت بلا شک علی ما بیَّنا من أَنَّهم صَحَّ نفاقهم, وعاذوا بالتوبة, ولم یقطع حذیفة ولا غیره علی باطن أمرهم, فتورَّع عن الصلاة علیهم

) ((1)) .

والولید بن جمیع هو الولید بن عبد الله بن جُمیع .

جاء فی کتاب میزان الاعتدال للذهبی: ( الولید بن جُمیع وثَّقه إبنُ معین, والعجلی, وقال احمد, وأبو زرعة لیس به بأس, وقال أبو حاتم: صالح الحدیث ) ((2)).

وجاء فی کتاب الجرح والتعدیل للرازی: عن إسحاق بن منصور, عن یحیی بن معین, أنَّه قال: (الولید بن جمیع ثقة ) ((3)).

وذکره ابن حجر العسقلانی فی الاصابة فی جملة رواته((4)) .

ص: 136

وذکره ابن کثیر فی جملة رواته الثقاة ((1)) .

وذکره مسلم فی صحیحه فی جملة رواته .

ولمَّا کان الحاکم قد أطَّلع علی حدیث حذیفة المذکور بواسطة الولید بن عبد الله بن جُمیع, فقد قال: لو لم یذکره مسلم فی صحیحه لکان أولی ((2)) .

النتیجة:

نزلت سورة المنافقون فی غزوة تبوک فی الجماعة التی حاولت قتل رسول الله فی العقبة حیث قال النبی صلی الله علیه و آله : ( هؤلاء المنافقون إلی یوم القیامة, وهل تدرون ما أرادوا ؟ قلنا: لا، قال: أرادوا أن یزحموا رسول الله فی العقبة فیلقوه منها. قلنا: یا رسول الله أولا تبعث إلی عشائرهم حتی یبعث إلیک کل قوم برأس صاحبهم ؟ قال صلی الله علیه و آله : ( لا, أکره أن تتحدث العرب بینها أن محمداً قاتل بقومه، حتی إذا أظهره الله بهم أقبل علیهم یقتلهم ) . ثم قال صلی الله علیه و آله : ( اللهم ارمهم بالدبیلة ) قلنا: یا رسول الله و ما الدبیلة ؟ قال صلی الله علیه و آله : ( هی شهاب من نار تقع علی نیاط قلب أحدهم فیهلک ) ((3)) .

لکن النواصب حاولوا تحریف نزول سورة المنافقون من تبوک سنة تسع للهجرة الی حملة بنی المصطلق فی السنة السادسة للهجرة لانقاذ الخلفاء

ص: 137

المتآمرین الرامین الی قتل النبی فی عقبة تبوک .

وکان المتصدی لهذا التحریف سفیان بن عیینة فی الزمن العباسی الذی روی نزول سورة المنافقون فی بنی المصطلق وفی عبد الله بن أبی بن سلول.

لکن ابن حزم الاندلسی عالم أهل العامة بین أسماء المنافقین الذین نزلت فی حقهم سورة المنافقون اعتمادا علی الروایات الصحیحة .

ص: 138

الغداة فقال قبل أن ینفض رکبتیه عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شریک له, له الملک وله الحمد, یحیی ویمیت ویمیت ویحیی [ وهو حی لا یموت ] بیده الخیر وهو علی کل شئ قدیر .

وفی المغرب مثلها, لم یلق الله عز وجل عبد بعمل أفضل من عمله إلا من جاء بمثل عمله ((1)).

تسبح المخلوقات الالهیة فی الکون لله تعالی فی کل صباح ومساء قال تعالی ::وَ اذْکُرْ رَبَّکَ کَثِیراً وَسَبِّحْ بِالعَشِیِّ وَالإبْکَارِ 41_آل عمران .

وَیُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلائِکَةُ مِنْ خِیفَتِهِ_الرعد

13 .

:فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَکُنْ مِنَ السَّاجِدِینَ 98_الحجر.

:ألَمْ تَرَ أنَّ اللّهَ یُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالطَّیْرُ صَافَّات کُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِیحَهُ وَاللّهُ عَلِیمٌ بِمَا یَفْعَلُونَ41 _النور.

: فَلَوْلا أنَّهُ کَانَ مِنَ المُسَبِّحِینَ143* لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ إلَی یَوْمِ یُبْعَثُونَ 144_الصافات.

وعکس مسیرة التسبیح تسیر الفئات الضالة من البشر من الیهود والنصاری والخوارج الوهابیین فهم یعیثون فی الارض الفساد بقتلهم الابریاء وتخریبهم للمدن وافنائهم للمحاصیل الزراعیة والاقتصادیة .

{ هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ فَمِنْکُمْ کَافِرٌ وَمِنْکُمْ مُؤْمِنٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ

ص: 140

بَصِیرٌ } 2 _ سورة التغابن.

عن الحسین بن نعیم الصحاف, قال: سألت أبا عبد الله الامام جعفر الصادق علیه السلام عن قوله عز وجل: ( فَمِنْکُمْ کافِرٌ ومِنْکُمْ مُؤْمِنٌ )سورة التغابن 2, فقال: { عرف الله عز وجل إیمانهم بموالاتنا وکفرهم بها یوم أخذ علیهم المیثاق, وهم ذر فی صلب آدم علیه السلام » .

العالمین :

یا ممتحنة امتحنک الله الذی خلقک قبل أن یخلقک فوجدک لما امتحنک صابرة ((1)) .

وقال تعالی: وکنتم ازواجا ثلاثة . أی فی عالم الذر کنتم مؤمنین وکافرین . وقال تعالی: ( أَوْفُوا بِعَهْدِی أُوفِ بِعَهْدِکُمْ ) _سورة البقرة 40 . و( الَّذِینَ یَنْقُضُونَ عَهْدَ ا للهِ مِنْ بَعْدِ مِیثاقِه ِ ) _ سورة البقرة 27 .

وفی الدنیا یمتحن الانسان ایضا: قال الله تعالی:

{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَی اللَّهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَی عَالِمِ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }_سورة

التوبة 105 .

أی هناک امتحانان واحد فی عالم الذر وواحد فی عالم الدنیا .

وقال علی بن إبراهیم ثم حکی الله سبحانه قول الدهریة فقال: ( زعم الذین کفروا ان لن یبعثوا قل بلی وربی لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلک علی الله یسیر فآمنوا بالله ورسوله والنور الذی أنزلنا ) والنور أمیر المؤمنین علیه السلام ((2)) .

وقال نجاح الطائی: کان البعض فاسقین فی بدایة حیاتهم فی الدنیا اذ ولدوا فی عوائل وهابیة خارجیة لکنهم اصبحوا مؤمنین فی عالم الدنیا فآمنوا

ص: 142

بالثقلین : القرآن وأهل البیت وتحسنوا وارتقوا تدریجیا فی عالم الخیر وکثرت أعمالهم الطیبة فی الدنیا وأصبحوا من أصحاب الطری المستقیم . الظاهر ان هؤلاء کانوا شیعة فی عالم الذر وتمکنوا من نفض التراب عنهم فی الارض وعادوا الی نهجهم الحضاری الاول .

وکانت البشریة قد عاشت عشرة الاف سنة فی عالم الذر فی امتحان کبیر بین الحق والباطل .

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالحَقِّ وَصَوَّرَکُمْ فَأحْسَنَ صُوَرَکُمْ وَإلَیْهِ المَصِیرُ } 3 _ سورة التغابن.

فیه معنیان: أحدهما, قال الحسن والبلخی والجبائی والزجاج والطبری: ان معناه خلقهما للحق لا للباطل . ومعناه خلقهما حقا وصوابا لا باطلا وخطأ, کما قال تعالی: { وما خلقنا السماء والأرض وما بینهما باطلا } وأدخلت الباء والألف واللام کما أدخلت فی نظائرها یقولون: فلان یقول بالحق, بمعنی أنه یقول الحق, لا أن الحق معنی غیر القول بل التقدیر ان خلق الله السماوات والأرض حکمة وصواب من حکم الله, وهو موصوف بالحکمة فی خلقهما وخلق ما سواهما من جمیع خلقه الا أن هناک حقا سوی خلقهما خلقهما به, وذلک یدل علی بطلان ما یقوله المجبرة: ان هذا کله باطل وسفه, وما یخالف الحکمة هو من فعل الله, تعالی الله عن ذلک .

والثانی, قال قوم: معنی ذلک أنه خلق السماوات والأرض بکلامه, وهو قوله { ائتیا طوعا أو کرها } _ سورة 6 الانعام آیة 73.

قالوا: فالحق هو کلامه واستشهدوا علی ذلک بقوله { ویوم یقول کن

ص: 143

فیکون قوله الحق }_ سورة 2 البقرة آیة 48 .تفسیر الطوسی -تفسیر الایة 0

فَأحْسَنَ صُوَرَکُمْ وَإلَیْهِ المَصِیرُ: حسن تعالی صور البشریة والیه تعود یوم القیامة فیحاسبها علی اعمالها 0

{ یَعْلَمُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَیَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } 4 _ سورة التغابن.

یعلم الباری تعالی کل شیء فی الکون ویعلم ما یعلنه الناس وما یضمرونه فی صدورهم 0

وقال تعالی : * ( وَا للهُ یَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ ) * - 16 / 19 .

* ( إِنَّا نَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ وَما یُعْلِنُونَ ) * - 36 / 76 .

* ( یَعْلَمُ سِرَّکُمْ وَجَهْرَکُمْ ) * - 6 / 3 .

* ( أَنَّ ا للهَ یَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ) * - 9 / 78 .

* ( أَمْ یَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ) * - 43 / 80 .

{ ألَمْ یَأتِکُمْ نَبَأُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِیمٌ } 5 _ سورة التغابن.

یقول تعالی ذکره لمشرکی قریش: ألم یأتکم أیها الناس خبر الذین کفروا من قبلکم, مثل قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهیم وقوم لوط الذین ذاقوا جزاء ما فعلوا فمسهم عذاب الله علی کفرهم ولهم عذاب ألیم فی الاخرة بما ارتکبوا من جنایات .

{ذَلِکَ بِأنَّهُ کَانَتْ تَأتِیهِمْ رُسُلُهُمْ بِالبَیِّنَاتِ فَقَالُوا أبَشَرٌ یَهْدُونَنَا فَکَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَی اللّهُ وَاللّهُ غَنِیٌّ حَمِیدٌ } 6 _ سورة التغابن.

ص: 144

کان الکفار یتفنون فی الهروب من عبادة الرحمن مرة بالقول: إنه انسان مثلنا ونحن نرید نبیا من الملائکة وحجج اخری لا معنی لها 0

تَأتِیهِمْ رُسُلُهُمْ بِالبَیِّنَاتِ: قال العبد الصالح الامام موسی الکاظم علیه السلام : البینات: الأئمة ((1)) .

وکان الامام علی علیه السلام المصداق الکامل للامام :

القندوزی الحنفی: فی أیام خلافة الإمام علی علیه السلام سأله سائل فقال الامام علیه السلام فی خطبة منها: ( أنا سر الاسرار أنا شجرة الانوار أنا دلیل السماوات, أنا أنیس المسبحات, أنا خلیل جبرائیل, أنا صفی میکائیل, أنا قائد الاملاک, أنا سمندل الافلاک, أنا سریر الصراح, أنا حفیظ الالواح, أنا قطب الدیجور, أنا البیت المعمور, أنا مزن السحائب, أنا نور الغیاهب, أنا فلک الحجج, أنا مسدد الخلائق, أنا محقق الحقائق, أنا مأول التأویل, أنا مفسر الانجیل, أنا خامس الکساء, أنا تبیان النساء, أنا ألفة الایلاف,

أنا رجل الاعراف, أنا سر ابراهیم, أنا ثعبان الکلیم, أنا ولی الاولیاء,

أنا ورثة الانبیاء, أنا أوریا الزبور, أنا حجاب الغفور, أنا صفوة الجلیل,

أنا ایلیا الانجیل, أنا شدید القوی, أنا حامل اللواء, أنا إمام المحشر, أنا ساقی الکوثر, أنا قسیم الجنان, أنا مشاطر النیران, أنا یعسوب الدین, أنا امام المتقین, أنا وارث المختار, أنا ظهیر الاظهار, أنا مبید الکفرة,

ص: 145

أنا أبو الأئمة البررة, أنا قالع الباب, أنا مفرِّق الاحزاب, أنا الجوهرة الثمینة, أنا باب المدینة, أنا مفسر البینات, أنا مبین المشکلات, أنا النون والقلم, أنا مصباح الظلم, أنا سؤال متی, أنا ممدوح هل أتی, أنا النبأ العظیم,

أنا الصراط المستقیم, أنا لؤلؤ الاصداف, أنا جبل قاف, أنا سر الحروف, أنا نور الظروف, أنا الجبل الراسخ, أنا العلم الشامخ, أنا مفتاح الغیوب,

أنا مصباح القلوب, أنا نور الارواح, أنا روح الاشباح, أنا الفارس الکرار, أنا نصرة الانصار, أنا السیف المسلول, أناالشهید المقتول, أنا جامع القرآن, أنا بنیان البیان, أنا شقیق الرسول, أنا بعل البتول, أنا عمود الاسلام,

أنا مکسر الاصنام, أنا صاحب الاذن, أنا قاتل الجن, أنا صالح المؤمنین,

أنا إمام المفلحین, أنا إمام أرباب الفتوة, أنا کنز أسرار النبوة, أنا المطلع علی أخبار الاولین, أنا المخبر عن وقائع الآخرین, أنا قطب الاقطاب,

أنا حبیب الاحباب, أنا مهدی الآوان, أنا عیسی الزمان, أنا والله وجه الله, أنا والله أسد الله, أنا سید العرب, أنا کاشف الکرب, أنا الذی قیل فی حقه: لا فتی الا علی أنا الذی قال فی شأنه: أنت منَّی بمنزلة هارون من موسی, فصاح السائل صیحة عظیمة وخرَّ میتاً ) ((1))

.

ص: 146

حرف ( ش ) إشارة إلی الشقاوة .

وحرف ( ظ ) إشارة إلی الظلمة .

وحرف ( ف ) إشارة إلی الآف .

فأرسل الخلیفة هذا الجواب لقیصر الروم, وشعر القیصر بالفرح بعد حصوله علی الجواب واعتنق الإسلام وخرج من الدنیا مسلما ((1)).

لقد

بیَّن النبی صلی الله علیه و آله منزلة الائمة فی الدین بانهم أصل من أصول الدین .

{ زَعَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أنْ لَنْ یُبْعَثُوا قُلْ بَلَی وَرَبِّی لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِکَ عَلَی اللّهِ یَسِیرٌ} 7 _ سورة التغابن.

یتبجح الکفار بانهم لن یبعثوا بعد موتهم لاغفال أنفسهم واغفال الناس

وتشجیع أنصارهم علی الاستمرار فی منهج الکفر 0

وکان الرد الالهی علیهم حازما بقوله تعالی: قُلْ بَلَی وَرَبِّی لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِکَ عَلَی اللّهِ یَسِیرٌ 0

والدلیل علی یسره خلق الله تعالی للمخلوقات والبشر فی کل لحظة وکل ساعة

فی توالی الایام واللیالی .

{ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِکَ عَلَی اللّهِ یَسِیرٌ}: کیف ینبؤون بما عملوا ؟ قال تعالی: { الیَوْمَ نَخْتِمُ عَلَی أفْوَاهِهِمْ وَتُکَلِّمُنَا أیْدِیهِمْ وَتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ } 65یس .

ص: 148

{ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِی أنزَلْنَا وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ } 8 _ سورة التغابن.

قال الامام أبو جعفر علیه السلام : النور, والله الأئمة من آل محمد الی یوم القیامة ((1))

.

وروی العلامة البحرانی قال: أسند أبو جعفر الطبری إلی ابن عباس:

إن النور فی الآیة ولایة علی بن أبی طالب علیه السلام ((2)) .

الطبری: ونقل العلامة القبیسی, عن الحافظ ابن جریر الطبری - أیضا - عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال فی خطبة الغدیر - فیما قال:

معاشر الناس: آمنوا بالله ورسوله والنور الذی أنزلنا .ثم قال صلی الله علیه و آله :

النور من الله فیَّ, ثم فی علی علیه السلام , ثم فی النسل منه إلی القائم المهدی علیهم السلام ((3))

.

والعقیدة الاسلامیة تتمثل فی الایمان والشهادة بالله تعالی والنبی محمد والائمة الخلفاء الاثنی عشر 0

ص: 149

{ یَوْمَ یَجْمَعُکُمْ لِیَوْمِ الجَمْعِ ذَلِکَ یَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ یُؤْمِنْ بِاللّهِ وَیَعْمَلْ صَالِحاً یُکَفِّرْ عَنْهُ سَیِّئَاتِهِ وَیُدْخِلْهُ جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا أبَداً ذَلِکَ الفَوْزُ العَظِیمُ } 9 _ سورة التغابن.

ذلک یوم التغابن: ذلک یوم الحسرة, ذلک یوم الأزفة وإنی لمقر غیر منکر, وتائب إلیک مما اقترفت, وعائذ إلیک فی هذا المقام مما قدمت من الاعمال التی تقدمت إلی فیها, ونهیتنی عنها, وأوعدت علیها العقاب, وأعوذ بکرم وجهک أن تقیمنی مقام الخزی والذل یوم تهتک فیه الاستار, وتبدو فیه الاسرار والفضائح, وترعد فیه الفرائض, یوم الحسرة والندامة, یوم الآفکة, یوم الآزفة, یوم التغابن, یوم الفصل, یوم الجزاء, یوما کان مقداره خمسین ألف سنة, یوم النفخة, یوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة, یوم النشر, یوم العرض, یوم یقوم الناس لرب العالمین, یوم یفر المرء من أخیه وأمه وأبیه وصاحبته وبنیه, یوم تشقق الارض وأکناف السماء, یوم تأتی کل نفس تجادل عن نفسها, یوم یردون إلی الله فینبئهم بما عملوا.

قال تعالی: (وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )الایمان والعمل الصالح هما رکنا الاسلام (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأجْرٌ عَظِیمٌ) المائدة 5 / 9 .

الخوارزمی الحنفی: روی علاّمة الحنفیة أخطب الخطباء موفّق بن أحمد فی کتابه المناقب, بإسناده المذکور, عن یزید بن شراحیل الأنصاری کاتب علی علیه السلام , قال: سمعت علیاً کرّم الله وجهه, یقول:

حدّثنی رسول الله صلی الله علیه و آله وأنا مسنده إلی صدری فقال صلی الله علیه و آله : أی علی ألم تسمع قول الله تعالی: (الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) هم أنت وشیعتک,

ص: 150

وموعدی وموعدکم الحوض, إذا جثت الأمم للحساب تدعون غرّاء محجّلین»((1)) .

ص: 151

الثعلبی والهیتمی والطبرانی: فی تفسیر الثعلبی بسنده عن البراء بن عازب: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : یا علی قل: اللهم اجعل لی عندک عهدا, واجعل لی فی صدور المؤمنین مودة, فأنزل الله عز وجل آیة المودة :

{ ان الذین آمنوا وعملوا الصالحات سیجعل لهم الرحمن ودا } ((1)) .

وقال نجاح الطائی: العمل الصالح هو السیر فی طریق النبی محمد وآل محمد وخدمة البشریة وخاصة المؤمنین 0

وکانت وظیفة الانبیاء تربیة الناس لیکونوا من الصالحین الاخیار وابعادهم عن تأثیرات

الاشرار فمن کان منا یسعی لهذا المنهج فهو علی طریق الانبیاء والاوصیاء ومن کان یکنز الاموال ویسعی لاعلاء جاهه وجاه أهل بیته وحزبه وقومه ویحارب المتقین فهو من الغافلین الفاسقین .

{ وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا اُوْلَئِکَ أصْحَابُ النَّارِ خَالِدِینَ فِیهَا وَبِئْسَ المَصِیرُ }10 _ سورة التغابن.

الذین کفروا بالاسلام وکذبوا الائمة اُوْلَئِکَ أصْحَابُ النَّارِ خَالِدِینَ فِیهَا وَبِئْسَ المَصِیرُ 0

ص: 152

وقال الصادق علیه السلام : الآیات هم الأئمة والنذر هم الأنبیاء ((1)) .(وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا) .لم یؤمنوا بولایة أمیر المؤمنین و الأئمة ((2)) .

فمن اراد الدین علیه الالتزام بولایة الامام علی علیه السلام 0

وأنّ معاویة أمر بلعن أمیر المؤمنین علی علیه السلام علی المنابر, فتکلّم فیه ابن عبّاس, فقال (معاویة) : هیهات, هذا أمر دین, لیس إلی ترکه سبیل, ألیس الغاشّ لرسول الله, الشتّام لأبی بکر, المعیّر عمر , الخاذل عثمان !

قال ابن عباس: أتسبّه علی المنابر, وهو بناها بسیفه !

قال معاویة: لا أدع ذلک حتّی یموت فیه الکبیر, ویشبّ علیه الصغیر((3)).

واستعمل معاویة المغیرة بن شعبة علی الکوفة سنة إحدی وأربعین, فلمّا أمّره علیها دعاه وقال له: أمّا بعد, فإنّ لذی الحلم قبل الیوم ما تُقرع العصا((4))، وقد یجزی عنک الحکیم بغیر التعلیم . وقد أردت إیصاءک بأشیاء کثیرة, أنا تارکها اعتماداً علی بصرک, ولست تارکاً إیصاءک بخصلة:

ص: 153

لا تترک شتم علی وذمّه, والترحّم علی عثمان والاستغفار له, والعیب لأصحاب علی والإقصاء لهم, والإطراء بشیعة عثمان والإدناء لهم ((1)).

فنال المغیرة فی خطبته من علی, وأقام خطباء ینالون منه((2)).

قال هشیم بن بشیر الواسطی: أدرکت خطباء أهل الشام بواسط فی زمن بنی أُمیّة, کان إذا مات لهم میّت قام خطیبهم فحمد الله وأثنی علیه, ثمّ ذکر علی بن أبی طالب فسبّه . فحضرتهم یوماً وقد مات لهم میّت, فقام خطیبهم, فحمد الله وأثنی علیه, وذکر علیاً علیه السلام فسبّه, فجاء ثور فوضع قرنیه فی ثدییه وألزقه بالحائط, فعصره حتّی قتله, ثمّ رجع یشقّ الناس یمیناً وشمالا لا یهیج أحداً ولا یؤذیه((3)).

وکان عمر بن ثابت یرکب ویدور فی القری بالشام فإذا دخل قریة جمع أهلها, ثمّ یقول: أیّها الناس ! إنّ علی بن أبی طالب کان رجلا منافقاً, أراد

ص: 154

أن ینخس برسول الله صلی الله علیه و آله لیلة العقبة ((1)), فالعنوه .

قال: فیلعنه أهل تلک القریة, ثمّ یسیر إلی القریة الأُخری, فیأمرهم بمثل ذلک((2)).

وقال العلاّمة الأمینی: لم یزل معاویة وعمّاله دائبین علی ذلک ] لعن الإمام علیه السلام [حتّی تمرّن علیه الصغیر, وهرم الشیخ الکبیر, ولعلّ فی أوّلیات الأمر کان یوجد هناک من یمتنع عن القیام بتلک السبّة المخزیة, وکان یسع لبعض النفوس الشریفة أن یتخلّف عنها, غیر أنّ شدّة معاویة - الحلیم فی إجراء أُحدوثته - وسطوة عمّاله - الخصماء الألدّاء علی أهل بیت الوحی, وتهالکهم دون تدعیم تلک الإمرة الغاشمة, وتنفیذ تلک البدعة الملعونة - حکمت فی البلاء, حتّی عمّت البلوی, وخضعت إلیها الرقاب, وغلّلتها أیدی الجور تحت نِیر الذلّ والهوان .

فکانت العادة مستمرّة منذ شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام إلی نهی عمر بن عبدالعزیز, طیلة أربعین سنة((3))، علی صهوات المنابر, وفی الحواضر

ص: 155

الإسلامیة کلّها ; من الشام إلی الری إلی الکوفة إلی البصرة إلی عاصمة الإسلام المدینة المشرّفة إلی حرم أمن الله مکّة المعظّمة إلی شرق العالم الإسلامی وغربه, وعند مجتمعات المسلمین جمعاء ... .

واتّخذوا ذلک کعقیدة راسخة, أو فریضة ثابتة, أو سنّة متّبعة, یرغب فیها بکلّ شوق وتوق((1))حتّی أنّ عمر بن عبدالعزیز لمّا منع عنها - لحکمة عملیّة - أو لسیاسة وقتیّة - حسبوه کأنّه جاء بطامّة کبری, أو اقترف إثماً عظیماً((2)).

قال محمد بن سیرین: خطب زیاد یوما فی الجمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة فقال له حجر بن عدی: الصلاة .

فمضی فی خطبته ثم قال: الصلاة فمضی فی خطبته, فلما خشی حجر فوت الصلاة ضرب بیده إلی کف من الحصا وثار إلی الصلاة وثار الناس معه, فلما رأی ذلک زیاد نزل فصلی بالناس, فلما فرغ من صلاته کتب إلی معاویة فی أمره وکثر علیه فکتب إلیه معاویة: أن شده فی الحدید ثم احمله إلی . فلما أن جاء کتاب معاویة أراد قوم حجر أن یمنعوه فقال: لا, ولکن سمع وطاعة, فشد فی الحدید ثم حمل إلی معاویة . ساروا به وبأصحابه وهم :

1_ الأرقم بن عبد الله الکندی من بنی الأرقم . 2_ شریک بن شداد الحضرمی . 3_ صیفی بن فسیل الشیبانی . 4_ قبیصة بن ضبیعة بن حرملة

ص: 156

العبسی . 5_ کریم بن عفیف الخثعمی من بنی عامر ثم من قحافة .

6_ عاصم بن عوف البجلی . 7_ ورقاء بن سمی البجلی .

8_ کدام بن حیان العنزی . 9_ عبد الرحمن بن حسان العنزی .

10_ محرز بن شهاب التمیمی من بنی منقر .

11_ عبد الله بن حویة السعدی من بنی تمیم .

وأتبعهم زیاد برجلین وهما: 12_ عتبة بن الأخنس السعدی, 13_ وسعید بن نمران الهمدانی, فمضوا بهم حتی انتهوا إلی مرج عذراء ( بینها وبین دمشق اثنا عشر میلا ) فحبسوا بها فجاء رسول معاویة إلیهم بتخلیة ستة وبقتل ثمانیة, فقال لهم رسول معاویة: إنا قد أمرنا أن نعرض علیکم البراءة من علی واللعن له فإن فعلتم ترکناکم, وإن أبیتم قتلناکم, وإن أمیر المؤمنین یزعم أن دماءکم قد حلت بشهادة أهل مصرکم علیکم غیر أنه قد عفی عن ذلک, فابرؤا من هذا الرجل نخل سبیلکم .

قالوا: اللهم إنا لسنا فاعلی ذلک . فأمر بقبورهم فحفرت وأدنیت أکفانهم, وقاموا اللیل کله یصلون فلما أصبحوا قال أصحاب معاویة: یا هؤلاء ! لقد رأیناکم البارحة قد أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولکم فی عثمان ؟ قالوا: هو أول من جار فی الحکم وعمل بغیر الحق .

فقال أصحاب معاویة: أمیر المؤمنین کان أعلم بکم . ثم قاموا إلیهم فقالوا: تبرؤن من هذا الرجل ؟

قالوا: بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه . فأخذ کل رجل منهم رجلا لیقتله وأقبلوا یقتلونهم واحدا واحدا حتی قتلوا ستة وهم : 1_حجر 2_ شریک

ص: 157

3_ صیفی 4_ قبیصة 5_ محرز 6_ کدام ((1)) .

وقال معاویة لعبد الرحمن بن حسان من أصحاب حجر بن عدی: ما تقول فی علی ؟ قال: أشهد أنه کان من الذاکرین الله کثیرا, ومن الآمرین بالحق والقائمین بالقسط, والعافین عن الناس . قال: فما قولک فی عثمان ؟

قال: هو أول من فتح أبواب الظلم وأغلق أبواب الحق . فرده معاویة إلی زیاد, فدفنه زیاد حیا ((2)) .

{ مَا أصَابَ مِنْ مُصِیبَة إلا بِإذْنِ اللّهِ وَمَنْ یُؤْمِنْ بِاللّهِ یَهْدِ قَلْبَهُ وَاللّهُ بِکُلِّ شَیْء عَلِیمٌ } 11 _ سورة التغابن.

قال تعالی: { ما أصاب من مصیبة فی الأرض ولا فی أنفسکم إلا فی کتاب من قبل أن نبرأها, الآیة } فأفاد أن للانسان غایة ونهایة من السعادة والشقاء, وهو متوجه إلیها, سائر نحوها . وقال تعالی: { کما بدأکم تعودون فریقا هدی وفریقا حق علیهم الضلالة, الآیة } فأفاد أن ما ینتهی إلیه أمر الانسان من السعادة والشقاء هو ما کان علیه فی بدء خلقه وقد کان فی بدء خلقه طینا, فهذه الطینة طینة سعادة وطینة شقاء, وآخَّر السعید إلی الجنة وآخر الشقی إلی النار: فهما أولهما لکون الاخر هو الأول وحینئذ صح ان السعداء

ص: 158

خلقوا من طینة الجنة والأشقیاء خلقوا من طینة النار . وقال تعالی: {کلا ان کتاب الأبرار لفی علیین وما أدراک ما علیون کتاب مرقوم یشهده المقربون, کلا إن کتاب الفجار لفی سجین وما أدراک ما سجین کتاب مرقوم ویل یومئذ للمکذبین} ((1)) .

وتفسیرها علی ما فی الحدیث أنّ ما [ أصاب ] من مصیبة فی الأرض نحو الحدب وآفات الزروع والثمار, ولا فی أنفسکم کالمرض والموت, إلاّ فی کتاب, أی اللوح, من قبل أن نبرأها, أی المصائب أو الأنفس, إنّ ذلک, [ أی ] إنّ تقدیر ذلک وإثباته فی اللوح, علی الله یسیر, ثم علّل ذلک وبیّن الحکمة فیه فقال: لکیلا تأسوا, یعنی أبا بکر وأصحابه, علی ما فاتکم ممّا خصّ به علیّ بن أبی طالب من الوصایة إلیه بالخلافة, ولا تفرحوا بما آتاکم من الفتنة, فإنّ ذلک لم یکن لکرامة بکم علی الله, بل هو استدراج وابتلاء .فإذا علمتم ذلک فاللائق بکم الحزن هنا والفرح هناک((2)).

وقال الامام علی علیه السلام للاصبغ بن نباتة: وکتب إلی عبد الله بن العباس أما بعد فاطلب ما یعنیک واترک ما لا یعنیک فإن فی ترک ما لا یعنیک درک ما یعنیک وإنما تقدم علی ما أسلفت لا علی ما خلفت . وابن ما تلقاه غدا علی ما تلقاه والسلام . وقال علیه السلام إن أحسن ما یألف به الناس قلوب أودائهم ونفوا به

ص: 159

الضغن عن قلوب أعدائهم حسن البشر عند لقائهم والتفقد فی غیبتهم والبشاشة بهم عند حضورهم .

وقال علیه السلام : لا یجد عبد طعم الایمان حتی یعلم أن ما أصابه لم یکن لیخطئه وما أخطأه لم یکن لیصیبه .

وقال علیه السلام : یا رب ما أشقی جد من لم یعظم فی عینه وقلبه ما رأی من ملکک و سلطانک فی جنب ما لم تر عینه وقلبه من ملکک وسلطانک . وأشقی منه من لم یصغر فی عینه وقلبه ما رأی وما لم یر من ملکک وسلطانک فی جنب عظمتک وجد لک, لا إله إلا أنت سبحان إنی کنت من الظالمین .

وقال علیه السلام : إنما الدنیا فناء وعناء وغیر وعبر . فمن فنائها أنک تری الدهر موترا قوسه مفوقا نبله لا تخطئ سهامه ولا تشفی جراحه, یرمی الصحیح بالسقم والحی بالموت . ومن عنائها أن المرء یجمع مالا یأکل ویبنی ما لا یسکن, ثم یخرج إلی الله لا مالا حمل ولا بناءا نقل . ومن غیرها أنک تری المغبوط مرحوما والمرحوم مغبوطا لیس بینهم إلا نعیم زال وبؤس نزل ومن عبرها أن المرء یشرف علی أمله فیتخطفه أجله فلا أمل مدروک ولا مؤمل متروک . فسبحان [ الله ] ما أعز سرورها وأظمأ ریها وأضحی فیئها فکأن ما کان من الدنیا لم یکن, وکأن ما هو کائن قد کان . [ و ] أن الدار الآخرة هی دار المقام ودار القرار وجنة ونار . صار أولیاء الله إلی الاجر بالصبر وإلی الامل بالعمل .

ص: 160

وقال علیه السلام : من أحب السبل إلی الله جرعتان: جرعة غیظ تردها بحلم وجرعة حزن تردها بصبر . ومن أحب السبل إلی الله قطرتان: قطرة دموع فی جوف اللیل و قطرة دم فی سبیل الله . ومن أحب السبل إلی الله خطوتان: خطوة امرء مسلم یشد بها صفا فی سبیل الله وخطوة فی صلة الرحم [ وهی ] أفضل من خطوة یشد بها صفا فی سبیل الله .

وقال علیه السلام : لا یکون الصدیق لأخیه صدیقا حتی یحفظه فی نکبته وغیبته و بعد وفاته .

وقال علیه السلام : إن قلوب الجهال تستفزها الأطماع وترهنها المنی وتستعلقها الخدائع .

وقال علیه السلام : من استحکمت فیه خصلة من خصال الخیر اغتفرت ما سواها ولا أغتفر فقد عقل ولا دین, لان مفارقة الدین مفارقة الامن ولا حیاة مع مخافة . وفقد العقل فقد الحیاة ولا یقاس [ إلا ] بالأموات .

وقال علیه السلام : من عرض نفسه للتهمة فلا یلومن من أساء به الظن ومن کتم سره کانت الخیرة فی یده .وقال علیه السلام : إن الله یعذب ستة بستة: العرب بالعصبیة والدهاقین بالکبر والامراء بالجور والفقهاء بالحسد والتجار بالخیانة وأهل الرستاق بالجهل .

وقال علیه السلام : أیها الناس اتقوا الله, فإن الصبر علی التقوی أهون من الصبر علی عذاب الله . وقال علیه السلام : الزهد فی الدنیا قصر الامل, وشکر کل نعمة, والورع عن کل ما حرم الله . وقال علیه السلام : إن الأشیاء لما ازدوجت ازدوج الکسل والعجز فنتج منهما الفقر .

ص: 161

وقال علیه السلام : ألا إن الأیام ثلاثة: یوم مضی لا ترجوه ویوم بقی لابد منه . ویوم یأتی لا تأمنه فالأمس موعظة والیوم غنیمة, وغد لا تدری من أهله, أمس شاهد مقبول و . الیوم أمین مؤد . وغد یعجل بنفسک سریع الظعن , طویل الغیبة, أتاک ولم تأته .

أیها الناس إن البقاء بعد الفناء ولم تکن إلا وقد ورثنا من کان قبلنا ولنا وارثون بعدنا فاستصلحوا ما تقدمون علیه بما تظعنون عنه . واسلکوا سبل الخیر, ولا تستوحشوا فیها لقلة أهلها واذکروا حسن صحبة الله لکم فیها . ألا وإن العواری الیوم والهبات غدا . وإنما نحن فروع لأصول قد مضت, فما بقاء الفروع بعد أصولها . أیها الناس إنکم إن آثرتم الدنیا علی الآخرة أسرعتم إجابتها إلی العرض الأدنی ورحلت مطایا آمالکم إلی الغایة القصوی, تورد مناهل عاقبتها الندم وتذیقکم ما فعلت بالأمم الخالیة والقرون الماضیة من تغیر الحالات وتکون المثلات .

وقال علیه السلام : الصلاة قربان کل تقی, والحج جهاد کل ضعیف, ولکل شئ زکاة وزکاة البدن الصیام, وأفضل عمل المرء انتظاره فرج الله, والداعی بلا عمل کالرامی بلا وتر, ومن أیقن بالخلف جاد بالعطیة, استنزلوا الرزق بالصدقة, وحصنوا أموالکم بالزکاة, وما عال امرء اقتصد . والتقدیر نصف العیش, والتودد نصف العقل . والهم نصف الهرم, وقلة العیال أحد الیسارین, ومن أحزن والدیه عقهما, ومن ضرب بیده علی فخذه عند المصیبة حبط أجره, والصنیعة لا تکون صنیعة إلا عند ذی حسب أو دین, والله ینزل الصبر علی قدر المصیبة, فمن قدر رزقه الله ومن بذر حرمه الله,

ص: 162

والأمانة تجر الرزق, والخیانة تجر الفقر, ولو أراد الله بالنملة صلاحا ما أنبت [ لها ] جناحا .

وقال علیه السلام : متاع الدنیا حطام وتراثها کباب, بلغتها أفضل من أثرتها . وقلعتها أرکن من طمأنینتها, حکم بالفاقة علی مکثرها . واعین بالراحة من رغب عنها, من راقه رواؤها أعقبت ناظریه کمها . ومن استشعر شغفها ملأت قلبه أشجانا, لهن رقص علی سویداء قلبه کرقیص الزبدة علی أعراض المدرجة هم یحزنه وهم یشغله کذلک حتی یؤخذ بکظمه ویقطع أبهراه ویلقی هاما للقضاء, طریحا هینا علی الله مداه وعلی الأبرار ملقاه وإنما ینظر المؤمن إلی الدنیا بعین الاعتبار ویقتات منها ببطن الاضطرار ویسمع فیها النفث((1)) .

وقال نجاح الطائی: المصیبة التی لا یأذن بها الله تعالی لا تتحقق ابدا فادعوه تعالی للهرب من المصائب والکوارث المکتوبة, وابعدوها بالصدقة وحصنوا مالکم بالزکاة .

ومن أدلة أمیة الناس تولیتهم الجهلة الامیة البعیدین عن العلم وترکهم امام العلم والبلاغة علیاً علیه السلام .

{ وَأطِیعُوا اللّهَ وَأطِیعُوا الرَّسُولَ فَإنْ تَوَلَّیْتُمْ فَإنَّمَا عَلَی رَسُولِنَا البَلاغُ المُبِینُ }12 _ سورة التغابن.

ص: 163

قال الامام الصادق علیه السلام : أما والله ما هلک من کان قبلکم وما هلک من هلک حتی یقوم قائمنا الا فی ترک ولایتنا وجحود حقنا, وما خرج رسول الله صلی الله علیه و آله من الدنیا حتی ألزم رقاب هذه الأمة حقنا والله یهدی من یشاء الی صراط مستقیم ((1))

.

لقد بلَّغ النبی صلی الله علیه و آله اصول الدین وفروعه واخذ البیعة من المسلمین للامام علی علیه السلام فمن التزم ببیعته فهو من الفائزین .

فإن تولیتم عن الطاعة ونکثتم البیعة مثل رجال السقیفة واتباعهم فهو من المندحرین .

{ اللّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ وَعَلَی اللّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ المُؤْمِنُونَ }13_سورة التغابن.

المعتمدون علی الله تعالی فی انجاز اعمالهم وتسییر امورهم منتصرون فهو المعین والناصر والمنقذ من الهلاک والضلال .

وقال تعالی: إنِ الحُکْمُ إلا لِلّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَعَلَیْهِ فَلْیَتَوَکَّلِ المُتَوَکِّلُونَ 67_یوسف .

: فَأعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ وَکَفَی بِاللّهِ وَکِیلا 81_النساء.

: وَإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ العَلِیمُ 61_الانفال.

:قُلْ حَسْبِیَ اللّهُ عَلَیْهِ یَتَوَکَّلُ المُتَوَکِّلُونَ38_الزمر.

ص: 164

:وَمَنْ یَتَّقِ اللّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً2* وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لا یَحْتَسِبُ وَمَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللّهَ بَالِغُ أمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِکُلِّ شَیْء قَدْراً 3_الطلاق.

: اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إنَّهُ کَانَ غَفَّاراً 10*یُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَیْکُمْ مِدْرَاراً 11*وَیُمْدِدْکُمْ بِأمْوَال وَبَنِینَ وَیَجْعَلْ لَکُمْ جَنَّات وَیَجْعَلْ لَکُمْ أنْهَاراً 12_نوح .

وقال نحاح الطائی: جاء الامر الالهی بالتوکل علی الله تعالی لامور عدیدة منها ایجاد السکینة القلبیة للانسان وابعاد الاضطراب والهوس الشیطانی .

ودفع الانسان نحو المشروع الالهی القائم علی التوکل علی الله ونبذ التوکل علی الظالمین وتنفیذ أوامرهم المحرمة.

ومن توکل علی ربه ابتعد عن الحرام وتحرک نحو الحلال وصفت نفسه وسکنت .

والتوکل علی الله یبنی انسانا کاملا صفاته الخیر والانسانیة ومن توکل علی الشیطان وحسد الناس وشارک فی اضطهادهم وتعذیبهم وقتلهم أصبح جندیا عنده ینفذ مآربه الابلیسیة .

:{یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إنَّ مِنْ أزْوَاجِکُمْ وَأوْلادِکُمْ عَدُوّاً لَکُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ}_سورة التغابن 14 .

ص: 165

أخرج الفقیر العینی فی مناقبه بعدة أسانید قال: قال ابن عباس: ما أنزل الله: (یاأیها الذین آمنوا) إلا وعلی أمیرها وأشرفها ((1))

.

وذلک أن الرجل کان إذا أراد الهجرة إلی رسول الله صلی الله علیه و آله تعلق به ابنه وامرأته وقالوا ننشدک الله ان تذهب عنا وتدعنا فنضیع بعدک فمنهم من یطیع أهله فیقیم فحذرهم الله أبناءهم ونساءهم ونهاهم عن طاعتهم ومنهم من یمضی ویذرهم ویقول: أما والله لئن لم تهاجروا معی ثم یجمع الله بینی وبینکم فی دار الهجرة لا أنفعکم بشئ ابدا, فلما جمع الله بینه وبینهم أمره الله ان یوفی ویحسن ویصلهم .

{ إنَّ مِنْ أزْوَاجِکُمْ وَأوْلادِکُمْ عَدُوّاً } : ولقد حذر النبی محمد صلی الله علیه و آله زوجته عائشة من مخالفة الامام علی علیه السلام ومحاربته فتنبحها کلاب الحواب فلم تطع الرسول وحاربت الخلیفة علیاً علیه السلام فی معرکة الجمل متسببة فی مقتل عشرات الالاف منهم:

خلیفة: کان قتلی معرکة الجمل التی تسببت فی قتلهم عشرین ألف مسلم علی رأی خلیفة ((2)).

ص: 166

قال الیعقوبی: قتل فی ذلک الیوم نیف وثلاثون ألفا وقال الیافعی:

وبلغت القتلی یومئذ ثلاثة وثلاثین ألفا ((1)) .

ووضعت عائشة أحادیث فی نسیان النبی للقرآن وأخذه لها لرقص العبید: قالت عائشة: نسی النبی ( صلی الله علیه و آله ) آیات من القرآن ((2)).

وقالت عائشة: کان النبی ( صلی الله علیه و آله ) یستمع قراءة رجل فی المسجد فقال (رحمه الله): لقد أذکرنی کذا وکذا آیة کنت قد أسقطتها من سورة کذا وکذا ((3)).

ص: 167

وهذا مخالف للنصوص القرآنیة :قال الله تعالی فی هذا الشأن لرسوله: (سَنُقْرِئُکَ فَلاَ تَنسَی) ((1)).

وقال تعالی: (وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یُقْضَی إِلَیْکَ وَحْیُهُ) ((2)).

وقال سبحانه: (لاَ تُحَرِّکْ بِهِ لِسَانَکَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَیْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا

قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَیْنَا بَیَانَهُ) ((3)).

ولم یتصف النبی محمد صلی الله علیه و آله بالنسیان أبدا .و بعدما نزلت هذه الایات ما نسی النبی محمّد صلی الله علیه و آله القرآن أبداً ((4)).

فیکون واضحاً قرآنیاً حفظ النبی محمّد ( صلی الله علیه و آله ) للقرآن وعدم سهوه ونسیانه .وکانت أقوال عائشة تخرصات للنیل من رسول الله والکتاب المجید ومن اعتمد علی کلامها شکک فی القرآن المجید .

وذکر الباری تعالی هذا العصیان فی کتابه المجید: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِیُّ إِلَی بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِیثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَیْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَکَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِیَ الْعَلِیمُ الْخَبِیرُ إِنْ تَتُوبَا إِلَی اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَیْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِیلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمَلَائِکَةُ بَعْدَ ذَلِکَ ظَهِیرٌ _ سورة التحریم 3-4.

ص: 168

وکانت زوجة نوح عدوة له أیضاً . وکانت زوجة النبی صالح علیه السلام عدوة له أیضاً

{ إنَّ مِنْ أزْوَاجِکُمْ وَأوْلادِکُمْ عَدُوّاً } :وکان ابن النبی نوح علیه السلام عاصیا له فلم یرکب فی سفینة ابیه وذهب الی الجبل فغرق هناک .

{إنَّمَا أمْوَالُکُمْ وَأوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ وَاللّهُ عِنْدَهُ أجْرٌ عَظِیمٌ }15_ سورة التغابن.

: أی محنة وبلاء .

قال أمیر المؤمنین علیه السلام لا یقولن أحدکم اللهم إنی أعوذ بک من الفتنة لأنه لیس أحد إلا وهو مشتمل علی الفتنة ولکن من استعاذ فلیستعذ من مضلات الفتن فإن الله تعالی یقول ( إِنَّما أَمْوالُکُمْ وَأَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ ) ومعنی الآیة أن الله تعالی یختبرهم بالأموال والأولاد لیتبین الساخط لرزقه والراضی بقسمة وإن کان تعالی أعلم بهم ولکن لیظهر الأفعال التی یستحق بها الثواب والعقاب لأن بعضهم یحب الذکور ویکره الإناث وبعضهم یحب تثمیر المال ویکره انثلام الحال ((1)) .

ولقد تسببت اموال عثمان التی اخذها من بیت المال فی قتله فقد توجه لنهب الاموال نهبا لا نظیر له مما تسبب فی ثورة شعبیة علیه أدت الی قتله.

ص: 169

وبقیت جثّته علی المزبلة ثلاثة أیّام حتّی أکلت الکلاب رجلیه ((1)) , وأکلت الکلاب عبدیه صبیح ونجیح ((2)) .

وقال مالک: قُتل عثمان فأقام مطروحاً علی کُناسة (مزبلة) بنی فلان ثلاثاً((3)).

ومنع الثوار لاهله من دفنه فبقی علی الزبالة ثلاثة أیام ثم دفنوه فی مقبرة

الیهود ((4)) .

ص: 170

{ فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأطِیعُوا وَأنفِقُوا خَیْراً لأنْفُسِکُمْ وَمَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَاُوْلَئِکَ هُمُ المُفْلِحُونَ } 16 _ سورة التغابن.

وقال الامام علی علیه السلام عن قوله تعالی: (اتقوا الله حق تقاته ) ((1))

. ما عمل بها غیر أهل البیت نحن ذکرناه فلا ننساه ونحن شکرناه فلن نکفره ونحن اطعناه فلم نعصه فلما نزلت هذه الآیة قالت الصحابة: لا نطیق ذلک فأنزل الله تعالی: (فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ((2)) .

وهذا یبین سبب نزول حدیث النبی صلی الله علیه و آله : علی مع الحق فی شأن أمیر المؤمنین: روی أحمد بن موسی بن مردویه الشافعی, من عده طرق, عن ابو بکر ابن مردویه الشافعی: روی أحمد بن موسی بن مردویه الشافعی, من

ص: 171

الجمهور, من عده طرق, عن عائشة: أن رسول الله قال: الحق مع علی وعلی مع الحق, لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض ((1)) .

وکان أهل البیت مثالا للطاعة لله تعالی وللرسول والانفاق فی سبیل الله

سبحانه فمن تبعهم نجا ومن خالفهم هلک .

ص: 172

قوله تعالی: ( فَاتَّقُوا اللَّه مَا اسْتَطَعْتُمْ ), إلی قوله تعالی, ( فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) قال علی بن إبراهیم, فی قوله تعالی: ( فَاتَّقُوا اللَّه مَا اسْتَطَعْتُمْ ): ناسخة لقوله تعالی: اتَّقُوا اللَّه حَقَّ تُقاتِه ((1)).

الطبرسی: روی ذلک عن أبی جعفر وأبی عبد الله الامام جعفر الصادق

( علیهما السلام ), من أنها ناسخة لقوله تعالی: اتَّقُوا اللَّه حَقَّ تُقاتِه )

.

ابن شهر آشوب: عن تفسیر وکیع, حدثنا سفیان بن مرة الهمدانی, عن عبد خیر, قال: سألت علی بن أبی طالب علیه السلام عن قوله تعالی: اتَّقُوا اللَّه حَقَّ تُقاتِه ), قال: « والله ما عمل بها غیر أهل بیت رسول الله ( صلی الله علیه و آله ), نحن ذکرنا الله فلا ننساه, ونحن شکرناه فلن نکفره, ونحن أطعناه فلم نعصه, فلما نزلت هذه قالت الصحابة: لا نطیق ذلک, فأنزل الله تعالی:( فَاتَّقُوا اللَّه مَا اسْتَطَعْتُمْ )»

وقال وکیع: یعنی ما أطقتم, ثم قال: ( واسْمَعُوا ) ما تؤمرون به ( وأَطِیعُوا ) یعنی أطیعوا الله ورسوله وأهل بیته فیما یأمرونکم به ((2)).

وَمَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ: یبعد عن نفسه الشح والبخل .

{ إنْ تُقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً یُضَاعِفْهُ لَکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللّهُ شَکُورٌ حَلِیمٌ } 17 _ سورة التغابن.

ص: 173

دعا الله تعالی المسلمین لاقراض المحتاجین منهم لمساعدتهم فی تدبیر حیاتهم المعیشیة علی أن یضاعفه الله تعالی لهم وهو تشجیع لهم فی هذا المضمار .

وقال الصادق علیه السلام : " مکتوب علی باب الجنة الصدقة بعشرة, والقرض بثمانیة عشر "((1)) .

وقال الصادق علیه السلام : " فی قول الله عز وجل " لا خیر فی کثیر من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بین الناس " قال: المعروف: القرض " ((2)) .

أمالی الصدوق: فی خبر المناهی قال النبی صلی الله علیه و آله : من احتاج إلیه أخوه

المسلم فی قرض وهو یقدر علیه فلم یفعل حرم الله علیه ریح الجنة ((3)) .

وقال لصادق علیه السلام : " ما من مؤمن أقرض مؤمنا یلتمس به وجه الله عز وجل

إلا حسب له أجرها بحساب الصدقة حتی یرجع ماله إلیه "((4)) .

وقال الصادق علیه السلام : " قرض المؤمن غنیمة وتعجیل خیر, إن أیسر أداه وإن مات احتسب من زکاته " ((5)) .

ص: 174

وعن أبی عبد الله الامام جعفر الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من أقرض مؤمنا قرضا ینتظر به میسورة کان ماله فی زکاة وکان هو فی صلاة من الملائکة حتی یؤدیه إلیه ((1)) .

وأمر الله تعالی المسلمین بخدمة بعضهم للبعض الاخر بالمال والاخلاق والنصیحة والهدایة لاصلاح دنیاهم .

ویغفر لهم ذنوبهم مزیدا فی التشجیع والله تعالی شکور حلیم .

{ عَالِمُ الغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ العَزِیزُ الحَکِیمُ } 18 _ سورة التغابن.

یعلم غیب السماوات والارض فهو عالم الغیب والشهادة فینبأکم بما کنتم تعملون .

ص: 175

کنایات الطلاق, سواء أراد بها الطلاق, أو لم یرد بها . وقد یحصل الفراق بغیر الطلاق کالارتداد, واللعان کالخلع عند کثیر من أصحابنا, وإن لم یسم ذلک طلاقا . ویحصل أیضا بالفسخ للنکاح بأشیاء مخصوصة, وبالرد بالعیب, وإن لم یکن ذلک طلاقا .

الطلاق: أَن یُطَلَّقْنَ فی طُهْر لَم یُجَامَعْنَ فیهِ, وهو الطَّلاَقُ للعِدَّةِ, لأنَّها تَعْتَدُّ بذلکَ الطُّهْرِ منْ عِدَّتِها, والمعنی: لِطُهْرِهِنَّ الذی یُحْصِینَهُ من عِدَّتِهِنَّ, وَهُو مَذْهَبُ أَهْلِ البیتِ علیهم السلام .

( وَأحْصُواْ الْعِدَّةَ ) اضبطُوها بالعَدَدِ وَعُدُّوها ثَلاثَةَ أَقْراء, وأَمَرَ بإحْصَاءِ العِدَّةِ لأنَّ للمرأة والزوج حقوق: للمرأَةِ فیها حقَّاً, وهو النَّفَقَةُ والسُّکْنی, وللزَّوجِ فیها حقَّاً وهو المُراجَعَةُ ومَنْعُها من الأَزْواجِ .

( وَلاَ تُخْرِجُوهُنَّ ) حتَّی تَنقَضِیَ عُدَّتُهُنَّ ( مِنْ بُیُوتِهِنَّ ) من مَسَاکِنِهِنَّ التی یَسْکُنَّها قَبْلَ العِدَّةِ, وهی بُیُوتُ أزواجهن .

( وَلا یَخْرُجْنَ ) بأَنْفُسِهِنَّ إنْ أَرَدْنَ ذلک واذا أردن الخروج فیمکنهن ذلک ( إلاَّ أنْ یَأْتِینَ بِفَاحِشَة مُبَیِّنَة ).

والفاحشة عند الامام الصادق علیه السلام وعلماء السنة تعنی الزنا عندها تخرج من دارها لاقامة الحد علیها :

ص: 177

َعَنِ الحَسَنِ ومُجَاهِد: الفَاحشةُ: الزِّنا, وسئل الصادق علیه السلام " عن قول الله عز وجل: " واتقوا الله ربکم لا تخرجوهن من بیوتهن ولا یخرجن إلا أن یأتین بفاحشة مبینة " قال علیه السلام : إلا أن تزنی فتخرج ویقام علیها الحد " ((1)) .

وکتب محمد بن الحسن الصفار إلی أبی محمد الحسن بن علی علیهما السلام " فی امرأة طلقها زوجها ولم یجز علیها النفقة للعدة وهی محتاجة هل یجوز لها أن تخرج وتبیت عن منزلها للعمل والحاجة ؟ فوقع علیه السلام : لا بأس بذلک إذا علم الله الصحة منها " ((2)) .

وقال: یعنی بالفاحشة المبینة أن تؤذی أهل زوجها, فإذا فعلت فإن شاء أن یخرجها من قبل أن تنقضی عدتها فعل ((3)).

( لَعَلَّ اللهَ یُحْدِثُ بَعْدَ ذلِکَ أمْراً ) وهو أَن یُغَیِّرَ الله تعالی دوافع الزوج ویدفعه الی اعادتها الی الزوجیة . والمعنی: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ لعلَّکُم تَرغَبُونَ فیهِنَّ بَعْدَ الرَّغْبةِ عنْهنَّ فَتُراجِعُونَ .

وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ: یخالف الاوامر الالهیة فیطلقها فی طهر قد جامعها فیه .

وقال نجاح الطائی: لا یجوز اطلاقا اخراج المطلقة لعدتها من بیتها الا اذا

ص: 178

أتت بالفاحشة, والفاحشة تعنی الزنا .

والذی فسر الفاحشة بأذاها لاهل زوجها ذهب بعیدا عن المعنی اللغوی لکلمة الفاحشة وکلمة الاذی .

وتسهیل أمر اخراج الزوجة من بیتها محذور فیه مخاطر کبیرة علی حیاة العوائل مما یساعد علی تفتیت المجتمعات وافراغ الایة الکریمة من حقها لان الایة منعت اخراج الزوجة من دارها الا عند الفاحشة (الزنا) وهی محاولة لارجاع العائلة الی شأنها الاول فی الوئام والصلح, وحفظ حقوق الزوجة المطلقة کی لا تتسیب وتصبح بلا مسکن ولا مأوی بصورة مفاجئة بعد طلاقها .

وقد فصَّل القرآن بین الکلمتین فی آیاته:

{ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَیْرٌ مِنْ صَدَقَة یَتْبَعُهَا أذیً وَاللّهُ غَنِیٌّ حَلِیمٌ } 263_البقرة.

والاذی غیر الزنا وهو معنی لغوی معروف .

{ وَاللاتِی یَأتِینَ الفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِکُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَیْهِنَّ أرْبَعَةً مِنْکُمْ فَإنْ شَهِدُوا فَأمْسِکُوهُنَّ فِی البُیُوتِ حَتَّی یَتَوَفَّاهُنَّ المَوْتُ أوْ یَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِیلا } 15_النساء. الفاحشة هنا تعنی الزنا . فکیف خلطنا بین الکلمتین وافرغناهما من محتواهما القرآنی و اللغوی.

وقد جاء الامر الالهی بوجوب اسکانهن :{أسْکِنُوهُنَّ مِنْ حَیْثُ سَکَنتُمْ مِنْ وُجْدِکُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا عَلَیْهِنَّ وَإنْ کُنَّ اُولاتِ حَمْل فَأنْفِقُوا عَلَیْهِنَّ حَتَّی یَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } _الطلاق 6.

و لا نغفل عن هذه النصوص القرآنیة الواجبة ونسهل أمر اخراج المطلقات

ص: 179

الرجعیات من بیوتهن .

{ فَإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوف أوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوف وَأشْهِدُوا ذَوَی عَدْل مِنْکُمْ وَأقِیمُوا الشَّهَادَةَ لِلّهِ ذَلِکُمْ یُوعَظُ بِهِ مَنْ کَانَ یُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالیَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ یَتَّقِ اللّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً 2 وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لا یَحْتَسِبُ وَمَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللّهَ بَالِغُ أمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِکُلِّ شَیْء قَدْراً 3 } _سورة الطلاق .

( فَإذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) وهو آخِرُ العِدَّةِ وشَارَفْنَهُ فَأَنْتُم بالخَیَارِ: فَرَاجِعُوهُنَّ إنْ أردتم أوأَمْسِکُوهُنَّ باحسان ( أَوْ فَارِقُوهُنَّ ) إِنْ شِئْتُم الاصرار علی الطلاق ( بِمَعْرُوف ) بأَنْ تَتْرکُوهُنَّ حتَّی ینهین زمن العِدَّةِ ( وَأَشْهِدُواْ ذَوَیْ عَدْل مِنْکُمْ ) والظَّاهِرُ یحتاج الی وجُوبَ الإِشْهَادِ علی الطلاق علی ما ذَهَبَ إلیهِ علماؤنا .

( وَأَقِیمُوا الْشَّهَدَةَ للهِِ ) أی: لِوَجْهِ اللهِ لا لِغَرَض من الأَغْراضِ الاخری والشهادة فی الطلاق تحفظ حقوق الازواج والزوجات وأولادهم .

( ذلِکُمْ ) الحَثُّ علی إِقامةِ الشَّهَادةِ, ( یُوعَظُ بِهِ ) المتقون .

( وَمَنْ یَتَّقِ اللهَ ) فَطَلَّقَ للسُّنَّةِ, وطبق الواجبات المفروضة, وأَشْهَدَ علیهِ ( یَجْعَلِ اللهُ لَهُ مَخْرَجاً ) من کُلِّ هَمٍّ وَضِیق ( وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لاَ یَحْتَسِبْ ) ینزل الله تعالی علیه الخیر والبرکة .

( ذلِکُم یُوعَظُ بِهِ ) ویکُون المعنی: وَمَنْ یتَّقِ اللهَ یَجْعَلْ لَهُ مخرجاً من أزماته ومشکلاته .

ص: 180

وعنِ النَّبیِّ صلی الله علیه و آله : إنِّی لأَعْلَمُ آیةً لَوْ أَخَذَ النَّاسُ بِهَا لَکَفَتْهُم: ( وَمَنْ یَتَّقِ اللهَ ) فَمَا زَالَ یَقرأها ویُعِیدُها .

وقُرِئ: ( بَلِغُ أَمْرِهِ ) بالإِضَافَةِ, و { بَالِغٌ أَمْرَهُ } بالنَّصْبِ, أی: یبلغ ما یریده, لا یفوته مراد ولا یعجزه مطلوب ( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِکُلِّ شَیْء قَدْرًا ) أی:

تَقْدیراً وَتَوقیتاً, وفیهِ بیانٌ لوجُوبِ التَوکُّلِ علی اللهِ, لأنَّهُ إذا عَلِمَ أنَّ کُلَّ شیء بتَقْدیرِهِ وتَوقیتِهِ لَمْ یَبْقَ إلاَّ التَّسلیمُ لذلکَ والتَّفْویضُ إلیهِ .

وقال الامام علیه السلام : هؤلاء قوم من شیعتنا ضعفاء لیس عندهم ما یتحملون به الینا فیسمعون حدیثنا ویقتبسون من علمنا فیرحل قوم فوقهم وینفقون أموالهم ویتعبون أبدانهم حتی یتعلموا علمنا فیسمعوا حدیثنا فینقلوه الیهم فیعیه هؤلاء ویضیعه هؤلاء, فاولئک الذین یجعل الله عز وجل لهم مخرجاً ویرزقهم من حیث لا یحتسبون ((1))

.

وعَنْ أَبَانٍ عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ ذُکِرَتْ عِنْدَ أبی عبد الله الامام جعفر الصادق علیه السلام الْوَحْشَةُ فَقَالَ ألَا أُخْبِرُکُمْ بِشَیْءٍ إِذَا قُلْتُمُوه لَمْ تَسْتَوْحِشُوا بِلَیْلٍ ولَا نَهَارٍ, بِسْمِ اللَّه وبِاللَّه وتَوَکَّلْتُ عَلَی اللَّه وأَنَّه مَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللَّه فَهُوَ حَسْبُه إِنَّ اللَّه بَالِغُ أَمْرِه قَدْ جَعَلَ اللَّه لِکُلِّ شَیْءٍ قَدْراً اللَّهُمَّ اجْعَلْنِی فِی کَنَفِکَ و فِی

ص: 181

جِوَارِکَ واجْعَلْنِی فِی أَمَانِکَ وفِی مَنْعِکَ فَقَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلاً قَالَهَا ثَلَاثِینَ سَنَةً وتَرَکَهَا لَیْلَةً فَلَسَعَتْه عَقْرَبٌ ((1)) .

( قد جعل الله لکلّ شیء قدراً ) مقدرا من الذات والصفات والزمان والبقاء وکلّ ذلک کان مقدّراً فی علمه الأزلی .

أی مقدارا من الکیفیّة والکمیّة ینتهی إلیه وحدّا یقف عنده, ولکلّ قدر أجلا: أی ولکلّ مقدار وقت یکون, انقضاؤه فیه وفناؤه ولکلّ أجل کتابا وأراد بالکتاب العلم الإلهی المعبّر عنه بالکتاب المبین واللوح المحفوظ المحیط بکلّ شیء وفیه رقم کلّ شیء ((2)).

أی: تَقْدیراً وَتَوقیتاً, وفیهِ بیانٌ لوجُوبِ التَوکُّلِ علی اللهِ, لأنَّهُ إذا عَلِمَ أنَّ کُلَّ شیء بتَقْدیرِهِ وتَوقیتِهِ لَمْ یَبْقَ إلاَّ التَّسلیمُ لذلکَ والتَّفْویضُ إلیهِ ((3)) .

{وَاللائِی یَئِسْنَ مِنَ المَحِیضِ مِنْ نِسَائِکُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُر وَاللائِی لَمْ یَحِضْنَ وَاُوْلاتُ الأحْمَالِ أجَلُهُنَّ أنْ یَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ یَتَّقِ اللّهَ یَجْعَلْ لَهُ مِنْ أمْرِهِ یُسْراً } 4 _سورة الطلاق .

قال قتادة: اللائی یئسن الکبار, واللائی لم یحضن الصغار .

ص: 182

کل امرأة لا تحیض وهی دون الخمسین سنةأو فوقه فعدتهن ثلاثة أشهر والحامل عدتها أن تضع حملها . وکل من یتق الله تعالی ییسر له أموره .

قال لقمان الحکیم: یا بنی النساء أربع: ثنتان صالحتان, وثنتان ملعونتان, فأما إحدی الصالحتین: فهی الشریفة فی قومها, الذلیلة فی نفسها, التی إن أعطیت شکرت, وإن ابتلیت صبرت, القلیل فی یدیها کثیر . والثانی: الولود الودود, تعود بخیر علی زوجها, هی کالأم الرحیم, تعطف علی کبیرهم, وترحم صغیرهم, وتحب ولد زوجها و إن کانوا من غیرها, جامعة الشمل, مرضیة البعل, مصلحة فی النفس والأهل والمال و الولد, فهی کالذهب الأحمر, طوبی لمن رزقها, إن شهد زوجها أعانته, وإن غاب عنها حفظته . وأما إحدی الملعونتین فهی العظیمة فی نفسها, الذلیلة فی قومها, التی إن أعطیت سخطت, وإن منعت عتبت

وغضبت, فزوجها منها فی بلاء, وجیرانها منها فی عناء, فهی کالأسد إن جاورته أکلک, وإن هربت منه قتلک, والملعونة الثانیة فهی قلی عن زوجها وملها جیرانها, إنما هی سریعة السخطة, سریعة الدمعة, إن شهد زوجها لم تنفعه, وإن غاب عنها فضحته, فهی بمنزلة الأرض النشاشة إن أسقیت أفاضت الماء وغرقت, وإن ترکتها عطشت, وإن رزقت منها ولدا لم تنتفع به, یا بنی لا تتزوج بأمة فیباع ولدک بین یدیک وهو فعلک بنفسک .

ص: 183

یا بنی لو کانت النساء تذاق کما تذاق الخمر ما تزوج رجل امرأة سوء أبدا, یا بنی أحسن إلی من أساء إلیک, ولا تکثر من الدنیا فإنک علی غفلة منها, وانظر إلی ما تصیر منها ((1)) .

وقال ابن عباس . هی فی المطلقات خاصة, وهو المروی عن أئمتنا علیهم السلام . فاما المتوفی عنها زوجها إذا کانت حاملا, فعدتها أبعد الأجلین, فإذا مضت بها أربعة أشهر وعشر, ولم تضع انتظرت وضع الحمل . وقال ابن مسعود, وأبی بن کعب, وقتادة, وأکثر الفقهاء . إنه عام فی المطلقات والمتوفی عنها زوجها, فعدتهن وضع الحمل . فإن کانت المرأة حاملا باثنین, ووضعت واحدا لم تحل للأزواج حتی تضع جمیع الحمل, لقوله: ( أن یضعن حملهن ) . وروی أصحابنا أنها إذا وضعت واحدا انقطعت عصمتها من الزوج, ولا یجوز لها أن تعقد علی نفسها لغیره, حتی تضع الأخر, فأما إذا کانت قد توفی عنها زوجها, فوضعت قبل الأشهر الأربعة والعشر, وجب علیها أن تستوفی أربعة أشهر وعشرا ((2)) .

{ ذَلِکَ أمْرُ اللّهِ أنزَلَهُ إلَیْکُمْ وَمَنْ یَتَّقِ اللّهَ یُکَفِّرْ عَنْهُ سَیِّئَاتِهِ وَیُعْظِمْ لَهُ أجْراً } 5 _سورة الطلاق .

هذه هی الاوامر الالهیة فاطیعوها وطبقوها من یتقی الله تعالی فیها یُکَفِّرْ عَنْهُ سَیِّئَاتِهِ وَیُعْظِمْ لَهُ أجْراً .

ص: 184

وکان الصالحون من الصحابة المطیعین للنبی واهله یتقون الله تعالی ومن هؤلاء سلمان الفارسی وعمار , والعاصون من الصحابة کانوا یلهثون خلف الدنیا الفانیة فیسرقون مال الله ومال عباده ومن هؤلاء المغیرة بن شعبة وعمرو بن العاص .

وکان القسم الثانی مثل ساسة العالم یقتلون الابریاء ویکذبون ویزنون ویخونون البلاد والعباد .

{أسْکِنُوهُنَّ مِنْ حَیْثُ سَکَنتُمْ مِنْ وُجْدِکُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا عَلَیْهِنَّ وَإنْ کُنَّ اُولاتِ حَمْل فَأنْفِقُوا عَلَیْهِنَّ حَتَّی یَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإنْ أرْضَعْنَ لَکُمْ فَآتُوهُنَّ اجُورَهُنَّ وَأتَمِرُوا بَیْنَکُمْ بِمَعْرُوف وَإنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ اُخْرَی } 6 _سورة الطلاق .

ان السکنی والنفقة یجبان للرجعیة بلا خلاف, أما البینونة فلا سکنی لها ولا نفقة عندنا الا إذا کانت حبلی . وهو مذهب الحسن .

النفقة والسکنی والکسوة وحسن العشرة واجبة علی الزوج لزوجته الرجعیة .

ویستمر الانفاق علی الحامل حتی تضع حملها وبعدما تضع حملها وترضع ولده فَآتُوهُنَّ اجُورَهُنَّ .

{وَأتَمِرُوا بَیْنَکُمْ بِمَعْرُوف وَإنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ اُخْرَی }: علی الاب والام التوصل الی أجر الرضاعة بالمسامحة والکرم لما فیه خیر الولد ولا یبخل الاب ولا تغالی الام فی الاجر .وان لم یتفقا علی مبلغ فسترضع له اخری .

ص: 185

{ لِیُنفِقْ ذُو سَعَة مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللّهُ لا یُکَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إلا مَا آتَاهَا سَیَجْعَلُ اللّهُ بَعْدَ عُسْر یُسْراً }7 _سورة الطلاق .

اذا کان الاب موسرا فعلیه الکرم والجود فی البذل لابنه وأمه , ومن قدر علیه رزقه فلینفق علی قدر رزقه ولا تکلیف علیه أکثر من قدرته, وسوف ییسر الله سبحانه علیه الامور انه علی کل شیء قدیر .

{ وَکَأیِّنْ مِنْ قَرْیَة عَتَتْ عَنْ أمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِیداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُکْراً8 } _سورة الطلاق .

بأن طغت علی البشر وعصت الاوامر الالهیة وأوامر الرسل فینزل علیها تعالی العذاب الالهی .

وقال تعالی: ( و تلک القری أهلکناهم ) ((1)) .

وقال: ( واسئل القریة التی کنا فیها والعیر التی أقبلنا فیها) ((2)) .

فلیسأل القریة ((3)) .

عن أبی حمزة الثمالی, قال: دخل قاض من قضاة أهل الکوفة علی علی بن الحسین ( علیهما السلام ), فقال له: جعلنی الله فداک, أخبرنی عن قول الله عز وجل: { وجَعَلْنا بَیْنَهُمْ وبَیْنَ الْقُرَی الَّتِی بارَکْنا فِیها قُریً ظاهِرَةً وقَدَّرْنا

ص: 186

فِیهَا السَّیْرَ سِیرُوا فِیها لَیالِیَ وأَیَّاماً آمِنِینَ } . قال علیه السلام له: « ما تقول الناس فیها قبلکم بالعراق ؟ » . فقال: یقولون إنها مکة . فقال: « وهل رأیت السرق فی موضع أکثر منه بمکة ؟ » .

قال: فما هو ؟ قال علیه السلام : « إنما عنی الرجال » . قال: وأین ذلک فی کتاب الله ؟ فقال: « أوما تسمع إلی قوله عز وجل :

{وکَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها ورُسُلِه } , وقال:{ وتِلْکَ الْقُری أَهْلَکْناهُمْ } , وقال: {وسْئَلِ الْقَرْیَةَ الَّتِی کُنَّا فِیها والْعِیرَ الَّتِی أَقْبَلْنا فِیها} , أفیسأل القریة, والعیر, أو الرجال ؟ » . قال: وتلا علیه آیات فی هذا المعنی .

قال: جعلنا فداک, فمن هم ؟ قال علیه السلام : « نحن هم » . وقوله: { سِیرُوا فِیها لَیالِیَ وأَیَّاماً آمِنِینَ } , قال: « آمنین من الزیغ » ((1)) .

تعنیف الباقر للحسن البصری

وعنه, فی ( الاحتجاج ): عن أبی حمزة الثمالی, قال: أتی الحسن البصری أبا جعفر الباقر علیه السلام ، قال: یا أبا جعفر, ألا أسألک عن أشیاء من کتاب الله ؟ فقال له أبو جعفر علیه السلام : « ألست فقیه أهل البصرة ؟ ».

قال: قد یقال ذلک . فقال له (الامام) أبو جعفر علیه السلام : « هل بالبصرة أحد تأخذ عنه ؟ » قال: لا . قال: « فجمیع أهل البصرة یأخذون عنک ؟ » قال: نعم

فقال أبو جعفر علیه السلام : « سبحان الله ! لقد تقلدت عظیما من الأمر, بلغنی عنک أمر فما أدری أکذلک أنت, أم یکذب علیک ؟ » .

ص: 187

قال: ما هو ؟ قال علیه السلام : « زعموا أنک تقول: إن الله خلق العباد وفوض إلیهم أمورهم » . قال: فسکت الحسن, فقال: « أرأیت من قال الله له فی کتابه: إنک آمن, هل علیه خوف بعد هذا القول ؟ » فقال الحسن: لا .

فقال أبو جعفر علیه السلام : « إنی أعرض علیک آیة, وأنهی إلیک خطابا, ولا أحسبک إلا وقد فسرته علی غیر وجهه, فإن کنت فعلت ذلک فقد هلکت وأهلکت » فقال له: ما هو ؟ فقال علیه السلام : « أرأیت الله حیث یقول: ( وجَعَلْنا بَیْنَهُمْ وبَیْنَ الْقُرَی الَّتِی بارَکْنا فِیها قُریً ظاهِرَةً وقَدَّرْنا فِیهَا السَّیْرَ سِیرُوا فِیها لَیالِیَ وأَیَّاماً آمِنِینَ ) یا حسن, بلغنی أنک أفتیت الناس, فقلت: هی مکة ؟ »

.وقال أبو جعفر علیه السلام : « فهل یقطع علی من حج مکة, وهل یخاف أهل مکة, وهل تذهب أموالهم ؟ » .

قال: بلی . قال: « فمتی یکونون آمنین ؟ بل فینا ضرب الله الأمثال فی القرآن, فنحن القری التی بارک الله فیها, وذلک قول الله عز وجل . فمن أقر بفضلنا حیث أمرهم الله أن یأتونا, فقال: ( وجَعَلْنا بَیْنَهُمْ وبَیْنَ الْقُرَی الَّتِی بارَکْنا فِیها ) أی جعلنا بینهم وبین شیعتهم القری التی بارکنا فیها ( قُریً ظاهِرَةً ), والقری الظاهرة: الرسل, والنقلة عنا إلی شیعتنا, وفقهاء شیعتنا إلی شیعتنا .

وقوله تعالی: ( وقَدَّرْنا فِیهَا السَّیْرَ ), فالسیر مثل للعلم ( سِیرُوا فِیها لَیالِیَ وأَیَّاماً ), مثل لما یسیر من العلم فی اللیالی والأیام عنا إلیهم فی الحلال, والحرام, والفرائض, والأحکام ( آمِنِینَ ) فیها إذا أخذوا من معدنها الذی أمروا أن یأخذوا منه, آمنین من الشک والضلال, والنقلة من الحرام إلی

ص: 188

الحلال لأنهم أخذوا العلم ممن وجب لهم أخذهم إیاه عنهم بالمعرفة, لأنهم أهل میراث العلم من آدم إلی حیث انتهوا, ذریة مصطفاة بعضها من بعض, فلم ینته الأمر إلیکم, بل إلینا انتهی, ونحن تلک الذریة المصطفاة, لا أنت, ولا أشباهک, یا حسن . فلو قلت لک حین ادعیت ما لیس لک, ولیس إلیک: یا جاهل أهل البصرة, لم أقل فیک إلا ما علمته منک, وظهر لی عنک, وإیاک أن تقول بالتفویض, فإن الله عز وجل لم یفوض الأمر إلی خلقه وهنا منه وضعفا, ولا أجبرهم علی معاصیه ظلما » ((1)) .

لقد بین الامام ابو جعفر الباقر علیه السلام للحسن البصری ومن اتبع نهجه ومجده أن البصری لا یفهم شیئا ویخالف القرآن الکریم لکن بعض المفسرین استمروا بالاخذ منه .

{ فَذَاقَتْ وَبَالَ أمْرِهَا وَکَانَ عَاقِبَةُ أمْرِهَا خُسْراً }9 _سورة الطلاق .

وفسر الوبال بالجزاء .

أی خسرانا فی الدنیا والآخرة و لا ربح فیه أصلا .

مثلما نزل العذاب السماوی علی قوم لوط وصالح وباقی الانبیاء علیهم السلام .أی خسر الدنیا والاخرة .

{ أعَدَّ اللّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِیداً فَاتَّقُوا اللّهَ یَا اُوْلِی الألْبَابِ الَّذِینَ آمَنُوا قَدْ أنزَلَ اللّهُ إلَیْکُمْ ذِکْراً10 } _سورة الطلاق

أعَدَّ اللّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِیداً: للعاصین الاوامر الربانیة .

ص: 189

فَاتَّقُوا اللّهَ یَا اُوْلِی الألْبَابِ: یا أصحاب العقول .

قال أبو جعفر الطوسی: سمی الله رسوله ذکرا فی قوله: ( قد أنزل الله إلیکم ذکرا رسولا ) فالذکر رسول الله صلی الله علیه و آله , والأئمة أهله . وهو المروی عن الباقر والصادق والرضا ( علیهم السلام ) . وروایاته فی البحار ((1)) .

وقال تعالی: ( فاسئلوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون ) أهل الذکر الأئمة ( علیهم السلام ) بذلک نطقت الروایات المتواترة المذکورة فی باب أنهم الذکر وأهل الذکر وأنهم المسؤولون ((2)) .

وقال تعالی: (فَسَْألُواْ أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ) ((3)).

الطبری والثعلبی وابن کثیر: قال علی ( علیه السلام ): «نحن اهل الذکر ».وهو

الماثور عن سائر أئمة الهدی من أهل البیت (علیهم السلام) ((4)).

ص: 190

روایات العامة فی هذه الآیة: أن أهل الذکر محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین ( علیهم السلام ) ((1)) .

وقال تعالی: ( وإنه لذکر لک ولقومک وسوف تسئلون ) الروایات فی أن المراد بالقوم فی هذه الآیة الأئمة ( علیهم السلام ) وسوف یسأل الناس عن ولایتهم, أو أن الخطاب فی قوله: ( وسوف تسئلون ) متوجه إلی قومه یعنی الأئمة وهم المسؤولون ،کما تقدم . وهذه الروایات فی البحار ((2)) .

ص: 191

وقال تعالی: ( ألا بذکر الله تطمئن القلوب ) یعنی بمحمد صلی الله علیه و آله تطمئن القلوب, وهو ذکر الله وحجابه. وهذا هو المروی عن مولانا الصادق

علیه السلام ( 2 ) .

روی فی المستدرک باسناده عن الحافظ أبی نعیم باسناده عن أنس قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : " الذین آمنوا وتطمئن قلوبهم بذکر الله ألا بذکر الله تطمئن القلوب " أتدری من هم یا بن أم سلیم ؟ قلت : من هم یا رسول

الله ؟

قال : نحن أهل البیت وشیعتنا ((1)) .

تفسیر العیاشی : عن خالد بن نجیح عن جعفر بن محمد علیه السلام فی قوله تعالی : " ألا بذکر الله تطمئن القلوب " قال : بمحمد صلی الله علیه و آله تطمئن القلوب, وهو ذکر الله و حجابه ((2)) .

تفسیر فرات بن إبراهیم : محمد بن القاسم بن عبید رفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام فی قوله تعالی : " الذین آمنوا وتطمئن قلوبهم بذکر الله ألا بذکر الله تطمئن القلوب " قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله لعلی بن أبی طالب علیه السلام : تدری فیمن نزلت ؟

قال : الله ورسوله أعلم, قال : فیمن صدق بی, وآمن بی, وأحبک وعترتک من بعدک, وسلم لک الامر والأئمة من بعدک((3)) .

ص: 192

{ رَسُولا یَتْلُو عَلَیْکُمْ آیَاتِ اللّهِ مُبَیِّنَات لِیُخْرِجَ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَی النُّورِ وَمَنْ یُؤْمِنْ بِاللّهِ وَیَعْمَلْ صَالِحاً یُدْخِلْهُ جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا أبَداً قَدْ أحْسَنَ اللّهُ لَهُ رِزْقاً } 11 _سورة الطلاق .

{ رَسُولا یَتْلُو عَلَیْکُمْ آیَاتِ اللّهِ مُبَیِّنَات} رسول من الله تعالی یتلوا آیات القرآن الکریم .

و أخرج الحاکم الحسکانی الحنفی قال: حدثنی علی بن موسی بن ساحاق بسنده عن عکرمة عن ابن عباس قال: ما فی القرآن آیة - (الذین آمنوا وعملوا الصالحات) . - إلا وعلی أمیرها وشریفها..الخ » ((1)) .

{الَّذِینَ آمَنُوا قَدْ أنزَلَ اللّهُ إلَیْکُمْ ذِکْراً10 رَسُولا یَتْلُو عَلَیْکُمْ آیَاتِ اللّهِ مُبَیِّنَات لِیُخْرِجَ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَی النُّورِ }:

یخرجهم من الظلمات الی النور المتمثل فی ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام .

أهل البیت هم النور: نقل العلامة القبیسی, عن الحافظ ابن جریر الطبری عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال فی خطبة الغدیر فیما قال: معاشر الناس: آمنوا بالله ورسوله والنور الذی أنزلنا». ثم قال صلی الله علیه و آله : النور من الله فیَّ, ثم فی علی, ثم

ص: 193

فی النسل منه إلی القائم المهدی((1)).

لقد فسر النور فی عدد من الایات القرآنیة بأهل البیت کقوله تعالی:

(فآمنوا بالله ورسوله والنور الذی أنزلنا )((2)).

{اللّهُ الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ یَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَیْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أنَّ اللّهَ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ وَأنَّ اللّهَ قَدْ أحَاطَ بِکُلِّ شَیْء عِلْماً } 12 _سورة الطلاق .

حجم قشرة الأرض 2 بلیون میل3، وتبلغ مساحة سطح الکرة الأرضیة 198 ملیون میل2 .

وتتکون الأرض بعد أن هیأها الله للحیاة من سبع طبقات:

أ - قشرة الأرض: التی یطلق علیها النطاق الصخری وتتکون من طبقتین هما

1 - طبقة السیال الخارجیة: وتتألف منها صخور القارات وهی قلیلة الکثافة، وتترکب من معادن خفیفة الوزن وکثافتها نحو 2,8 وسمکها نحو عشرة أمیال، وترق أسفل البحار والمحیطات حتی تکون معدومة فی قاع المحیط الهادئ .

2 - طبقة السیما السفلیة: وتتألف منها صخور أرضیة المحیطات، وهی تقع أسفل طبقة السیال، وتصل کثافتها إلی 3,4 وتترکب من معادن ثقیلة الوزن، ویصل سمکها إلی نحو 40 میلا، وتنفصل طبقة السیما عن طبقة السیال بفاصل یعرف باسم حد الأندسیت

.

ب -- طبقة الغطاء الداخلی للأرض المانتیل وهذه تترکب هی الأخری من طبقتین هما من أعلی إلی أسفل ما یلی:

1 - طبقة الأثنوسفیر: وهی الطبقة العلیا من المانتل التی تقع أسفل قشرة الأرض مباشرة وتصل کثافة موادها إلی 4 ولا یزید سمکها علی 275 میلا

2 - طبقة المیزوسفیر وهی الطبقة السفلی من المانتل وتصل کثافة موادها إلی 5,5 وسمکها نحو 1575 میلاً وتنفصل طبقة الغطاء الداخلی للأرض الأثنوسفیر والمیزوسفیر معا) عن قشرة الأرض بفاصل جیوفیزیقی یعرف باسم الحد الموهورفیشی وهو الحد الذی تبلغ فیه سرعة الموجات الزلزالیة 8,1کم/ثانیة . وتزداد سرعة هذه الموجات علی ذلک کلما اتجهنا داخل باطن الأرض .

ص: 195

ج- -- الطبقة الداخلیة المرکزیة للأرض وهذه یصل سمکها نحو 2100 میل وتقع اسفل طبقة الغطاء الداخلی للارض (المانتل) وتتألف بدورها من طبقتین:

1 - الطبقة العلیا المرکزیة: وتصل کثافتها إلی 7,5 وتنکسر فیها الموجات الزلزالیة، وموادها فی حالة لدنة تبعاً للضغط الشدید الواقع علیها ویصل سمکها إلی نحو 1000 میل .

2 - الطبقة السفلی المرکزیة: وتصل کثافتها إلی 9 وتتألف اساساً من مواد معدنیة ثقیلة جدا، وتتجمع معها المواد المشعة، وتمثل الفرن الناری لجوف الأرض ویقدر سمکها بنحو 700

میل .

د -- قلب الأرض: ویمثل النواة المرکزیة للأرض وثقلها الشدید الذی جعله الله فیها لیحفظ للأرض وزنها وتوازنها وموقعها فی الکون، وتصل کثافتها إلی 11، ویترکب من الحدید والنیکل وهو بؤرة نشوء التیارات الحراریة الصاعدة الناجمة عن فعل المواد المشعة فی قلب الأرض التی بدورها تؤثر فی تشکیل مظهر سطح الأرض وظواهره الکبری وتکوین أغلفته المختلفة، ویقدر سمک قلب الأرض بنحو 400

میل .

وهذه من المعاجز الالهیة اذ کیف عرف النبی المصطفی صلی الله علیه و آله تکون الارض من سبع طبقات .

وجاء ذکر طبقات الارض السبعة فی القرآن الکریم وفی الحدیث الشریف

ویؤید العلم الحدیث یوما بعد آخر صحة ما جاء فی القرآن والحدیث الصحیح , وتسبب هذا الامر فی اسلام الکثیر من العلماء الغربیین والیابانیین وغیرهم .

ص: 196

لأرضینّک, إنّی مسرٌّ إلیک سرّاً فأخفیه لی, فقالت: ما هو ؟ قال: أشهدک أنّ سرّیتی علیّ حرام یرید بذلک رضا حفصة ...((1)) .

وقال: اطّلعت حفصة علی النبی صلی الله علیه و آله مع أُمّ إبراهیم فقال: لا تخبری عائشة » وقال لها: إنّ أباک وأباها سیملکان أو سیلیان بعدی فلا تخبری عائشة » .

قال: فانطلقت حفصة فأخبرت عائشة, فأظهره الله علیه فعرّف بعضه وأعرض عن بعض ... (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) . أی أخبرت به عائشة لمصافاة کانت بینهما, وکانتا متظاهرتین علی نساء النبی صلی الله علیه و آله (وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَیْهِ) . أی أطلعه الله علیه ومعنی (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْض) . عرّف حفصة بعض ما أُوحی إلیه وأعرض عن بعض تکرّماً ((2)) .

وعن ابن عباس قال: قلت لعمر بن الخطّاب من المرأتان اللتان تظاهرتا ؟

قال: عائشة وحفصة ; وکان بدء الحدیث فی شأن ماریة أُمّ إبراهیم القبطیة, أصابها النبی صلی الله علیه و آله فی بیت حفصة فی یومها فوجدت حفصة فقالت: یانبی الله لقد جئت إلیّ شیئاً ما جئته إلی أحد من أزواجک فی یومی وفی دوری وعلی فراشی قال: ألا ترضین أن أُحرّمها فلا أقربها ؟ قالت: بلی, فحرّمها

ص: 198

وقال: لا تذکری ذلک لأحد, فذکرته لعائشة فأظهره الله عزّوجلّ علیه فأنزل الله:

(یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَکَ تَبْتَغِی مَرْضَاةَ أَزْوَاجِکَ) . الآیات کلّها, فبلغنا أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کفّر عن یمینه وأصاب جاریته((1)) .

وجاء: انّ النبی صلی الله علیه و آله کان یشرب العسل عند زینب بنت جحش فکانت عائشة وحفصة تأخذهما الغیرة فاتّفقتا علی مؤامرة غیر شرعیة تتمثّل فی الکذب علیه إن دخل علیهما لکره النبی صلی الله علیه و آله الرائحة الکریهة .

عن عائشة لمّا جاء إلیها صلی الله علیه و آله قالت له: أأکلت مغافیر ((2)) فی فمک رائحة کریهة .قال صلی الله علیه و آله : لا بل شربت عسلا عند زینب . وقالت له حفصة نفس القول السابق .

فقال النبی صلی الله علیه و آله : حرّمت علیَّ ذلک العسل ولا تخبری عائشة بهذا . فأخبرت عائشة حفصة بهذا الأمر فنزل قرآن بهذا:

(یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لاَِزْوَاجِکَ إِنْ کُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا وَزِینَتَهَا فَتَعَالَیْنَ أُمَتِّعْکُنَّ وَأُسَرِّحْکُنَّ سَرَاحاً جَمِیلا * وَإِنْ کُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الاْخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْکُنَّ أَجْراً عَظِیماً * یَا نِسَاءَ النَّبِیِّ مَنْ یَأْتِ مِنْکُنَّ بِفَاحِشَة مُبَیِّنَة - یعنی الزنی - یُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَیْنِ - یعنی فی

ص: 199

الآخرة - وَکَانَ ذَلِکَ عَلَی اللهِ یَسِیراً* وَمَنْ یَقْنُتْ مِنْکُنَّ للهِِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَیْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً کَرِیماً * یَا نِسَاءَ النَّبِیِّ لَسْتُنَّ کَأَحَد مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَیْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِیَّةِ الاُْولَی) ((1)). وخالفت عائشة القرآن وخرجت الی البصرة تقود جیشا جاهلیا ناکثا للبیعة محاربا للخلیفة الشرعی علی علیه السلام .

والملاحظ لهذه الآیات یجد أنّها نزلت فی عائشة وحفصة وأکّدتها عائشة فی رحلتها إلی البصرة وخروجها علی النصّ الإلهی وتبرّجها تبرّج الجاهلیة الأُولی . وهی من المعاجز القرآنیة الواقعة أمام أنظار ومسمع المسلمین وتبین صحة علوم الغیب للنبی محمد صلی الله علیه و آله , فطلّقهنّ النبی صلی الله علیه و آله ((2)) .

وأیّدت عائشة روایة تحریمه العسل((3)) .

وأنا أُؤیّد قضیة تحریم العسل وأستبعد قضیّة تحریم جاریته ماریة . لأنّ ماریة عندها بیت خاصّ بها یسمّی بمشربة أُمّ إبراهیم, فکان سیّد الرسل

ص: 200

صلی الله علیه و آله یزورها فیه, وقد وضعها صلی الله علیه و آله فیه فی ساعة وصولها إلی المدینة من مصر .

ولا یعقل أن تکون ماریة بلا غرفة تسکن فیها وخاصّة بها فیضطرّ لأخذها إلی غرفة حفصة وإلی هنا وهناک !!

وغفل البعض عن ذلک, وقد ذکر العلماء مشربة أُمّ إبراهیم فی العالیة فی کتبهم بنصوص صحیحة((1)) . وهی المکان الذی تسکن فیه ماریة .

ولا یعقل أن یحرّم المصطفی صلی الله علیه و آله علی نفسه نکاح ماریة فهذا تحریم علیها من نکاح شخص آخر بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وهی لم ترتکب ذنبا قط. فهل یعقل أن یظلم النبی صلی الله علیه و آله ماریة بهذه الصورة المجحفة .

فالصحیح أنّه صلی الله علیه و آله حرّم علی نفسه شرب العسل المذکور لما کذبت علیه حفصة وعائشة برائحته الکریهة .

{ قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَکُمْ تَحِلَّةَ أیْمَانِکُمْ وَاللّهُ مَوْلاکُمْ وَهُوَ العَلِیمُ الحَکِیمُ 2 وَإذْ أسَرَّ النَّبِیُّ إلَی بَعْضِ أزْوَاجِهِ حَدِیثاً فَلَمَّا نَبَّأتْ بِهِ وَأظْهَرَهُ اللّهُ عَلَیْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأعْرَضَ عَنْ بَعْض فَلَمَّا نَبَّأهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أنْبَأکَ هَذَا قَالَ نَبَّأنِیَ العَلِیمُ الخَبِیرُ 3 إنْ تَتُوبَا إلَی اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُمَا

ص: 201

وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَیْهِ فَإنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِیلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِینَ وَالمَلائِکَةُ بَعْدَ ذَلِکَ ظَهِیرٌ } 4 _سورة التحریم .

وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَیْهِ: التظاهر علیه تعنی اعلان العداء والکره والعصیان والعناد للنبی صلی الله علیه و آله . وتخرج المظاهرات فی مدن العالم تأییدا لرئیس مثلا أو معارضة علیه مستنکرة لمشروعه ومنهجه .

صحیح البخاری: قال ابن عباس لعمر:

یا أمیر المؤمنین من المرأتان اللتان تظاهرتا علی رسول الله صلی الله علیه و آله فما أتممت کلامی حتی قال عائشة وحفصة ((1)) .

صحیح مسلم :وروی مسلم عن ابن عباس قال: کنت أرید أن أسأل عمر عن المرأتین اللتین تظاهرتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله فلبثت سنة ما أجد له موضعا حتی صحبته إلی مکة, فلما کان بمر الظهران ذهب یقضی حاجته . فقال: أدرکنی بأداوة من ماء . فأتیته بها . فلما قضی حاجته ورجع ذهبت أصب علیه . وذکرت فقلت له: یا أمیر المؤمنین ! من المرأتان ؟ فما قضیت کلامی حتی قال: عائشة وحفصة ((2)) .

ص: 202

قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَکُمْ تَحِلَّةَ أیْمَانِکُمْ: یعنی قد أباح الله لک ان تکفر عن یمینک.

وقال سبحانه فی سورة التحریم: (ضرب اللهُ مثلاً للذین کفروا امرأة نوح وامرأة لوط کانتا تحت عبدین من عبادنا صالحین فخانتاهما فلم یغنیا عنهما من الله شیئاً وقیل ادخلا النارَ مع الداخلین) ((1)) .

{ فَإنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِیلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِینَ وَالمَلائِکَةُ بَعْدَ ذَلِکَ ظَهِیرٌ } 4:

وصالح المؤمنین هو علی بن أبی طالب علیه السلام , کما جاء فی تفاسیر العلماء((2)) .

ص: 203

وقال النبی صلی الله علیه و آله : صالح المؤمنین وأشار بیده الی علی بن ابی طالب وقال صلی الله علیه و آله :

هذا ولیکم من بعدی . والثانیة یوم غدیر خم ((1)).

وقال الامام علی علیه السلام : أنا صالح المؤمنین, فصاح السائل صیحة عظیمة وخرَّ میتاً ((2)) .

لقد بین القرآن الکریم عصیان عائشة وحفصة للنبی الاکرم صلی الله علیه و آله وأید ذلک عمر, فمال للبعض من الابتعاد عن هذه النصوص الخطیرة والتوکل علی المذهبیة البغیضة وعدم التبعیة للقرآن .

{ عَسَی رَبُّهُ إنْ طَلَّقَکُنَّ أنْ یُبْدِلَهُ أزْوَاجاً خَیْراً مِنْکُنَّ مُسْلِمَات مُؤْمِنَات قَانِتَات تَائِبَات عَابِدَات سَائِحَات ثَیِّبَات وَأبْکَارا}5 _سورة التحریم .

افتعلت عائشة وحفصة المؤامرات علی رسول الله صلی الله علیه و آله مثلما فعلت إمرأة لوط وصالح, فنزلت فیهن آیات قرآنیة بینة .

ص: 204

آیات الإفک: (إِنَّ الَّذِینَ جَاءُوا بِالاِْفْکِ عُصْبَةٌ مِنْکُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَکُمْ بَلْ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ ...) ((1)) : نزلت فی عائشة وحفصة لافترائهما علی أمِّ المؤمنین ماریة وابنها إبراهیم, لتبرئة ساحة ماریة القبطیة ((2)) .

و قوله تعالی: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ یَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْم عَسَی أَنْ یَکُونُوا خَیْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاء عَسَی أَنْ یَکُنَّ خَیْراً مِنْهُنَّ) ((3)) .

قال المفسّرون: نزلت فی عائشة وحفصة اللتین سخرتا من أُمّ سلمة((4))

.

وقوله تعالی: (إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهَالَة) ((5))

.

قال المفسّر علی بن إبراهیم القمّی نزلت فی عائشة بقولها للنبی صلی الله علیه و آله :

(إنّ إبراهیم لیس منک إنّما هو من جریج القبطی فغضب رسول الله صلی الله علیه و آله فبان کذبها ) ((6)) .

ص: 205

فکانت عائشة أول شخص اتهم زوجة من زوجات النبی بالزنا بدون دلیل بحسدها لها لحملها وولادتها ابراهیم , فبرأها الله تعالی .

التدبّر فی الآیات الأربعة الآنفة الذکر یبیّن علاقة عائشة وحفصة السیئة جداً مع النبی صلی الله علیه و آله وماریة القبطیة وابنها ابراهیم وأُمّ سلمة .

وقال تعالی: (وَقَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِیَّةِ الاُْولَی) ((1)) .

لقد منع الله تعالی النساء من التبرّج ومنهنّ عائشة .ولقد أرسل الله تعالی نساءً داهیات إلی رسله حسب منزلتهم فکانت عائشة الأمکر مُرْسَلَة لخاتم الأنبیاء صلی الله علیه و آله .

صحیح مسلم: قالت عائشة: قال النبی صلی الله علیه و آله لی:

یا عائشة لا تکونی فاحشة ((2)).

وقد طلب النبی صلی الله علیه و آله من عائشة عدم الخروج الی حرب الجمل لمحاربة علی علیه السلام من بعده فعصت وخرجت . وطلب منها محبة أهل بیته فبغضتهم وأعلنت الکراهیة لهم . فکانت تفعل عکس ما یطلب منها رسول الله صلی الله علیه و آله .

وطلب منها الاحسان الی باقی زوجاته فاساءت الیهن .

ص: 206

وقال النبی صلی الله علیه و آله : الولد للفراش وللعاهر الحجر ((1)) , فعاکسته بقولها الولد للعاهر وللفراش الحجر. حیث کتبت بأن زیاد بن ابی سفیان ((2)) ولیس لابیه عبید .

وهی الشخص الوحید التی عارضت حکم الله والنبی فی ابن الزنا .

وقبل موت سید الانبیاء صلی الله علیه و آله أوصاها قائلا : یا عائشة لا تکونی فاحشة ((3)).

وأنذرها من فتنتها أمام باقی نسائه من خروجها من بیتها ونباح کلاب الحوأب لها قائلا : « إیّاک أن تکونی أنتِ یاحمیرا »((4)).

ص: 207

وقالت أمّ سلمة لها :قال لکِ رسولُ الله صلی الله علیه و آله وضرب علی ظهرکِ: أترین یا حمیرا إنّ لأمّتی منک یوماً مُرّاً. وستنبحک کلابُ الحوأب، وتکونین ناکبة عن الصراط (المستقیم یوم القیامة ) ((1)).

هل طلق الامامُ علیٌ عائشةَ وحفصةَ ؟

قال أحمد بن القیم الکوفی فی کتاب الفتوح عن رسول الله أنه قال: یا علی انی قد جعلت طلاقهن إلیک فمن طلقتها منهن فهی بائنة ((2)) .

ورود فی شرح الأخبار/ للقاضی النعمانی: عن عائشة أنها قالت: إن الرسول صلی الله علیه و آله قد جعل طلاق نسائه إلیه (أی إلی علی ( علیه السلام ) وقطع عصمتهن منه

ص: 208

حیاً ومیتاً وانی أخاف أن یفعل ذلک إن خالفته ) ((1)) .

وروی فی الاحتجاج للطبرسی عن الباقر ( علیه السلام ) أنه قال: لما کان یوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل قال أمیر المؤمنین علیه السلام : والله ما أرانی إلا مطلقها فأنشد الله رجلاً سمع من رسول الله صلی الله علیه و آله یقول یا علی أمر نسائی بیدک من بعدی لما قام فشهد. فقال: فقام ثلاثة عشر رجلاً فیهم بدریان فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلی الله علیه و آله یقول ذلک الحدیث . ورأیت فی بعض الأخبار التی لا تحضرنی الآن ما هو صریح فی وقوع الطلاق ((2)).

کل هذه النصوص تفید بأن الامام علی علیه السلام قد طلق عائشة وحفصة بعد شهادة النبی صلی الله علیه و آله فسلبهن لقب أم المؤمنین .

ولقد ذکر البخاری اعتزال رسول الله لنسائه, ای طلاق النبی صلی الله علیه و آله لعائشة وحفصة ((3)) .

وأید مسلم نزول هذه الایة فی تلک الحادثة{ عسی ربه ان طلقکن ان یبدله ازواجا خیرا منکن, مسلمات مؤمنات} ((4)) .

ص: 209

الکل اتفقوا علی طلاقهن من السنة والشیعة لکنهم اختلفوا فی زمان الطلاق وهذا مؤشر قوی ومتواتر علی طلاقهن .

بینما کانت علاقة النبی محمد صلی الله علیه و آله مع زوجاته :خدیجة وأم سلمة وزینب بنت جحش ومیمونة, وجویریة, وصفیة, وماریة القبطیة, أم ولده ابراهیم متینة وقویة وهادئة .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أنفُسَکُمْ وَأهْلِیکُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَیْهَا مَلائِکَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا یَعْصُونَ اللّهَ مَا أمَرَهُمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ } 6 _سورة التحریم .

السیوطی: أخرج المفسر الشافعی جلال الدین بن أبی بکر السیوطی فی تفسیره باسناده عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : ما أنزل الله آیة فیها (یاأیها الذین آمنوا) . إلا وعلی رأسها وأمیرها ((1)) .

هذه الایة انذار الهی للبشریة المؤمنة بالحذر من نار جهنم وتوقیها بکافة السبل . ولبیان شدة العذاب فی الجحیم تبین الایة بتحول الناس المجرمون والحجارة الی وقود لها

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ کَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الیَوْمَ إنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ } 7 سورة التحریم.

القیامة لیست محلا للاعتذار بل محلا للحساب .

ص: 210

نصح النبی محمد صلی الله علیه و آله نساءه بالامتناع عن محاربة الامام علی علیه السلام وخص عائشة بالامر لکنها عصت الامر الالهی والقرآنی وحاربته فی معرکة الجمل وقبل الحرب کتبت عائشة إلی حفصة: نزل علی علیه السلام بذی قار, ان تقدم نحر, وان تأخر عقر, فجمعت حفصة النساء وضربن المزامیر وقلن: ما الخبر ما الخبر, علی فی سفر, ان تقدم نحر, وان تأخر عقر, فدخلت أم سلمة وقالت: { وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَیْهِ }((1)) فقد تظاهرتما علی أخیه من قبل ((2)). أی أعلنتما العداء والعصیان له .

وهو تأکید من أم سلمة فی نزول الایة فی عائشة وحفصة بعدما بین عمر فی نزول الایة فیهما .

لقد حکم ابو بکر وعمر خلافة لیست من حقهما ولما جاء الامام علی علیه السلام لیحکم حاربته وعارضته عائشة وحفصة لتصبح عائشة خلیفة للمسلمین !!! بینما روت عائشة عن النبی قوله:

« علی إمام المتّقین وقائد الغرّ المحجّلین یوم القیامة یقعده الله تعالی علی الصراط فیدخل أولیاءه الجنّة وأعداءه النار »((3)).

:و قالت عائشة قال سیّد المرسلین محمد ( صلی الله علیه و آله ): « علی سیّد العرب » ((4)).

ص: 211

علیه فالاعتذار لا ینفع یوم القیامة والتوبة یجب أن تتم فی الدنیا .و التوبة فی الواقع هی الندم علی الذنب, وشرطها التصمیم علی ترک الذنب فی المستقبل لذا یقول المؤمن فی صلاة اللیل استغفر الله سبعین مرة ثم یقول ثلاثمائة مرة العفو .

وهدفه محو الذنب اولا ثم التصمیم علی عدم العودة الیه مرة أخری .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا تُوبُوا إلَی اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَی رَبُّکُمْ أنْ یُکَفِّرَ عَنْکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ وَیُدْخِلَکُمْ جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ یَوْمَ لا یُخْزِی اللّهُ النَّبِیَّ وَالَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ یَسْعَی بَیْنَ أیْدِیهِمْ وَبِأیْمَانِهِمْ یَقُولُونَ ربَّنَا أتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إنَّکَ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ } 8 _سورة التحریم .

لقد دخل رؤوس کفار قریش من الطلقاء فی الاسلام باسم التوبة من الکفر لکنهم اتفقوا مع رؤوس کفار هوازن ورؤوس المنافقین فی الصف

ص: 212

الاسلامی

علی قتل النبی صلی الله علیه و آله فی معرکة حنین ((1)) .

بینمادخل عدی بن حاتم الطائی فی الاسلام وتاب توبة نصوحة وجاهد فی حروب المسلمین واعطی اولاده الثلاثة شهداء فی معرکة صفین :وأصبح عدی من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله ومن أتباع الإمام علی علیه السلام وقد أراد معاویة أیّام ملکه النیل من الإمام علی علیه السلام فقال لعدی أین الطرفات ؟ یعنی بنیه طریفاً وطارفاً وطرفة . قال عدی قُتلوا یوم صفّین بین یدی الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام . فقال معاویة: ما أنصفک ابن أبی طالب إذ قدَّم بنیک وأخَّر بنیه . قال عدی: بل ما أنصفت أنا علیاً اذ قُتل وبقیت((2)) .

جاء فی الروایة أنها نزلت فی أهل البیت(علیهم السلام) ((3)) .

وذکر ذلک من طرائق العامة((4)) .

وروی العلامة البحرانی عن ابن شهرآشوب, عن تفسیر مقاتل, أنه روی عن عطا عن ابن عباس أنه قال: (یوم لا یخزی الله النبی) . لا یعذب الله تعالی محمداً صلی الله علیه و آله . (والذین آمنوا معه): لا یعذب علی بن أبی طالب علیه السلام , وفاطمة, والحسن والحسین, وحمزة وجعفراً.

ص: 213

(نورهم یسعی) . یضیء علی الصراط بعلی وفاطمة مثل الدنیا سبعین مرة, فیسعی نورهم (بین أیدیهم) .

(وبأیمانهم ) . وهم یتبعونه, فیمضی أهل بیت محمد أول الزمرة علی الصراط مثل البرق الخاطف, ثم یمضی قوم مثل عدو الفرس, ثم قوم مثل شد الرجل, ثم قوم مثل الحبو, ثم قوم مثل الزحف, ویجعله الله علی المؤمنین عریضاً, وعلی المذنبین دقیقاً, قال الله تعالی:

(یقولون ربنا أتمم لنا نورنا) حتی نجتاز به علی الصراط .

قال: فیجوز أمیر المؤمنین علیه السلام فی هودج من الزمرد الأخضر, ومعه فاطمة علی نجیب من الیاقوت الأحمر حولها سبعون ألف حوراء کالبرق اللامع((1))

الترمذی الحنفی: وأخرج علامة الحنفیة المیر محمد صالح الکشفی الترمذی فی مناقبه عن المحدث الحنبلی وابن عباس نزول هذه الآیة فی علی وشیعته((2)) .

{یَا أیُّهَا النَّبِیُّ جَاهِدِ الکُفَّارَ وَالمُنَافِقِینَ وَاغْلُظْ عَلَیْهِمْ وَمَأوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِیرُ } 9 _سورة التحریم .

هذا أمر الهی للنبی بمحاربة الکفار والمنافقین وعاملهم بغظة وشدة .

فجاهد الکفار فی حیاته . وأمر علیا علیه السلام أن یجاهد المنافقین بعد وفاته .

عن الامام أبی جعفر علیه السلام قال: جاهد الکفار والمنافقین بالزام الفرائض((3)).

ص: 214

ابن عباس, قال: لما نزلت ( یا أیها النبی جاهد الکفار والمنافقین ) قال النبی ( صلی الله علیه و آله ): لأجاهدن العمالقة, یعنی الکفار والمنافقین_فأتاه جبرئیل علیه السلام وقال: أنت أو علی ((1)) .

قال ابن عباس: جهاد الکفار بالسیف وجهاد المنافقین باللسان والوعظ والتخویف ((2)) .

ومال غیر واحد من أئمتنا وغیرهم إلی أنه إنما یجوز العفو عنهم ما لم یظهروا نفاقهم فإن أظهروه قتلوا, واحتج بقوله تعالی ( لئن لم ینته المنافقون, الآیة ) وهو یدل علی أن المنافقین فی زمنه صلی الله علیه و آله کانوا یستحقون القتل .

ومن أمثلة حروب النبی للکفار وجهاده لهم :

معرکة بدر ضد کفار مکة ومعرکة أحد ومعرکة الخندق ومعرکة خیبر ضد الیهود وفتح مکة ومعرکة حنین وحصار الطائف وحملة تبوک ضد الروم لفتح امبراطوریتهم ورسالته الی کسری الفرس لیسلم .

ص: 215

بینما أصبح الوهابیون الخوارج جنودا عند الکفار والیهود ینفذون مشاریعهم فهم مثل جیوش الناکثین فی الجمل والقاسطین فی صفین والمارقین فی النهروان .

{ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلا لِلَّذِینَ کَفَرُوا امْرَأةَ نُوح وَامْرَأةَ لُوط کَانَتَا تَحْتَ عَبْدَیْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَیْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ یُغْنِیَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَیْئاً وَقِیلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِینَ } 10 _سورة التحریم .

کان فی نساء الأنبیاء الصالحات والطالحات, ومن الطالحات المنحرفات زوجتا نوح ولوط وقال تعالی عن ابن نوح: (إنه عمل غیر صالح) ((1)) .

وجاء عن ابن نوح:{ قَالَ یَا نُوحُ إنَّهُ لَیْسَ مِنْ أهْلِکَ إنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صَالِح فَلا تَسْألْنِی مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إنِّی أعِظُکَ أنْ تَکُونَ مِنَ الجَاهِلِینَ 46 } _سورة هود .

وقال نجاح الطائی: لقد فسر البعض الایة بخیانة زوجتی نوح ولوط بالزنا وقال البعض بالانحراف عن منهج النبی ودینه وأخلاقه .

وعن تفسیر هذه الایة 10 فی سورة التحریم قال عثمان: نزلت فی عائشة وحفصة قائلا: إنّ هذه الزعراء ((2)) عدوّة الله ضرب الله مثلها ومثل صاحبتها

ص: 216

حفصة فی الکتاب امرأة نوح وامراة لوط کانتا تحت عبدین صالحین فخانتاهما.. إلی قوله وقیل: ادخلا مع الداخلین((1)).

ودافعت زوجة لوط عن قومها وأفعالهم المخزیة اذ کانت تشجع مشاریعهم فی اللواط ونشره وتمکنهم من تفتیت العوائل وفسخ عقود الزواج لیحل محلها تجمعات الشذوذ . وکانت معهم فی محافلهم الفاسقة تفعل ما یفعلون من شذوذ .

وکانت تخبر قومها بکل جماعة من الضیوف یأتون لزیارة النبی لوط علیه السلام بایقاد النار فی اللیل ونشر الدخان فی النهار علی سطح دارها فیأتی الشاذون ویأخذون الضیوف بالقوة والاکراه ویفعلون بهم المنکر , وفی المرة الاخیرة جاء الشاذون لاخذ ضیوف النبی لوط علیه السلام لیفعلوا بهم ما اعتادوا علیه, لکن الضیوف کانوا ملائکة الله وفیهم جبرائیل فطمس عیونهم وقتلهم شرَّ قتلة .

وکانت زوجة لوط تحارب منهج النبی لوط فی نشر العفة والشرف والتقوی وبناء المجتمع القائم علی العوائل وتآلفها وتراحمها وتعاونها وتدینها .

وجاء: (وبقیت مصرة علی الدفاع عن مشروع قومها فی محاربة الله والدین

ص: 217

والمجتمع

ولما نزل البلاء علی قومها المقدسین فی نظرها نادت: واقوماه فأدرکها حجر فقتلها ) ((1)) .

ولم تناد : والوطاه وانبیاه واسیداه مثلما کانت تنادی المؤمنات العفیفات الطیبات . ومعظم آباء ازواج الرسول من الکافرین والمنافقین والیهود, فسودة أبوها من الکافرین, وام حبیبة أبوها أبو سفیان المنافق, وصفیة وریحانة کان أبوهما یهودیین .

وقال الصادق علیه السلام : إنّ النبی صلی الله علیه و آله تزوّج خمس عشرة امرأة, ودخل بثلاث عشرة, وجمع بین إحدی عشرة, ومات صلی الله علیه و آله عن تسع((2)) .

وکان الانبیاء مثالا للشرف والعفة والاخلاص . وقال عالم الانساب الشهیر هشام بن محمد الکلبی: کتبت للنبی ( صلی الله علیه و آله ) خمسمائة أم فما وجدت فیهنَّ سفاحاً، ولا شیئاً مما کان من أمر الجاهلیة ((3)).

واوجب الأمر أن یکون الأنبیاء والأوصیاء جمیعاً أفضل الناس نسباً وشرفاً و لأجل ذلک ساد الناس محمدٌ ( صلی الله علیه و آله ) ثم علی علیه السلام ثم أبناء علی من أهل البیت (علیهم السلام). وآخرهم المهدی ( علیه السلام الذی سیملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

ص: 218

وقال رسول ( صلی الله علیه و آله ): ما افترق الناس فرقتین إلاّ جعلنی اللهُ فی خیرهما فأخرجت من بین أبوی فلم یصبنی شیء من عهر الجاهلیة وخرجت من نکاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتی انتهیت إلی أبی وأمی، فأنا خیرکم نسباً وخیرکم أبا ((1)).

والدلیل القرآنی علی طهارة نسب النبی ( صلی الله علیه و آله ) قوله تعالی:

(الذی یَرَاک حِینَ تَقُومُ وتَقَلُّبَکَ فی السَّاجِدِینَ) ((2)) فهی تدل باتفاق المفسرین علی کون آبائه من الساجدین الطاهرین المطهرین.

{ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلا لِلَّذِینَ آمَنُوا امْرَأةَ فِرْعَوْنَ إذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِی عِنْدَکَ بَیْتاً فِی الجَنَّةِ وَنَجِّنِی مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِی مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِینَ } 11_سورة التحریم .

وقال نجاح الطائی: کانت امرأة فرعون مثالا للاخلاق الحسنة والنماذج الایمانیة والشرف والعفة التی دعت الله تعالی أن یبنی لها بیتا فی الجنة فهی تصبو الجنة والاخرة مرادها وأن ینقذها من فرعون وعمله السیء ومن قومه الظالمین .

ولم تتأثر بالترف والرخاء الفرعونی المتوفر فی قصور فرعون بل انحازت الی الزهد فی الدنیا الفانیة والعزوف عن ملذاتها وفسقها وفجورها وحفلات الصخب والطرب فیها .

ص: 219

وبینما کانت آسیا زوجة فرعون الملک الکافر طاهرة زکیة عابدة وصالحة کانت بعض زوجات الانبیاء کافرات منافقات مشارکات فی قتل الانبیاء ومحاربات للاوصیاء .

{ وَمَرْیَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِی أحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِیهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِکَلِمَاتِ رَبِّهَا وَکُتُبِهِ وَکَانَتْ مِنَ القَانِتِینَ}12_سورة التحریم

. والمرأة الثانیة مریم کانت مثالا للمرأة المؤمنة الشریفة المحسنة العابدة الطاهرة .

{فَنَفَخْنَا فِیهِ مِنْ رُوحِنَا }: أی روح مخلوقة متمثلة فی النبی عیسی علیه السلام .

{وَصَدَّقَتْ بِکَلِمَاتِ رَبِّهَا } : المعنی: آمنت بأهل البیت وکتب الله والانبیاء وکانت من الداعین الی الشریعة والتقوی .

و هی الکلمات التی تلقّاها آدم من ربّه فتاب علیه, وهو أنّه قال یا رب أسألک بحقّ محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین إلاّ تبت علیَّ . فتاب علیه إنّه هو التواب الرحیم.فقلت له (الامام علیه السلام ): یا ابن رسول الله فما یعنی بقوله (الآیة) ؟ قال: یعنی أتمهنّ إلی القائم المهدی اثنا عشر إماماً تسعة من ولد الحسین((1)).

وقال تعالی: {فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَات فَتَابَ علیه إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ

ص: 220

الرَّحِیمُ} ((1)) .

وأخرج السیوطی فی تفسیره: أخرج ابن النجار عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلی الله علیه و آله عن الکلمات التی تلقاها آدم من ربه فتاب علیه .قال صلی الله علیه و آله : سأل بحق محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین علیهم السلام إلا تبت علیَّ, فتاب علیه »((2)) .

لقد بیَّن الله تعالی صفتین لمریم علیها السلام : الاولی :حفظها لشرفها .

ص: 221

والثانیة : کانت من العابدین القانتین وهما صفتان رفیعتان تستحقان معهما العنایة الالهیة والرفق السماوی بها . وهذا یوجب أن تکون المرأة المسلمة تتصف بهاتین الصفتین لتکون من الصالحات العابدات .

وجعل الله تعالی الشرف فی الإسلام للتقوی لا للأحساب والأنساب مثلما شاع الان . فمع الاسف نری تسمیة ابناء الملوک وعلماء الاحبار والاغنیاء والوزراء بالاشراف والشرفاء بینما تجدهم أبعد ما یکونوا عن جوهر هذا المعنی . وتری بطونهم قد ملأت من الحرام قد غمرتهم الذنوب واکتسحتهم الاثام .

وتری الفقراء أقرب الناس الی الورع والتقوی والشرف فهم الشرفاء وهم الاشراف , وهم أصحاب البیوتات .

ومن الناحیة القرآنیة والعرفیة یکون صاحب الشرف والدین هو الاشرف ومع أمثاله یشکلون طبقة الاشراف .

ص: 222

( تبارک الذی بیده الملک ) فسمع صائحا یقول : هی المنجیة فذکر ذلک لرسول الله صلی الله علیه وآله فقال : هی المنجیة من عذاب القبر (1) .

وعن ثوبان قال : کنا مع النبی صلی الله علیه وآله فی مقبرة فوقف ، ثم مر ، ثم وقف ثم مر ، فقلت : وما وقوفک ؟ فبکی ، ثم قال : هؤلاء یعذبون فی قبورهم فدعوت الله أن یخفف عنهم ففعل ، فلو صاموا من رجب وقاموا لیله ما عذبوا فی قبورهم (2)

وقال صلی الله علیه و آله : " سورة تبارک هی المنجیة ( المانعة ) من عذاب القبر " ((3)) .

قال رسول الله صلی الله علیه و آله لعلی ( علیه السلام ) : ألا أعلمک دعاء یوم عرفة وهو دعاء من کان قبلی من الأنبیاء ( علیهم السلام ) ؟ قال : تقول : لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، له الملک وله الحمد ، یحیی ویمیت وهو حی لا یموت ، بیده الخیر ، وهو علی کل شئ قدیر ، اللهم لک الحمد کالذی تقول وخیرا من ما نقول وفوق ما یقول القائلون ، اللهم لک صلاتی ونسکی ، ومحیای ومماتی ، ولک براءتی وبک حولی ومنک قوتی ، اللهم إنی أعوذ

ص: 224

بک من الفقر ومن وساوس الصدور ومن شتات الأمر ومن عذاب القبر ، اللهم إنی أسألک خیر الریاح وأعوذ بک من شر ما تجئ به الریاح وأسألک خیر اللیل وخیر النهار ، اللهم اجعل فی قلبی نورا وفی سمعی وبصری نورا ، وفی لحمی ودمی وعظامی وعروقی ومقعدی ومقامی ومدخلی ومخرجی نورا وأعظم لی نورا یا رب یوم ألقاک إنک علی کل شئ قدیر ) (1)

.

بسم الله الرحمن الرحیم

{ تَبَارَکَ الَّذِی بِیَدِهِ المُلْکُ وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ1 الَّذِی خَلَقَ المَوْتَ وَالحَیَاةَ لِیَبْلُوَکُمْ أیُّکُمْ أحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ العَزِیزُ الغَفُورُ} 2_سورة الملک .

تَبَارَکَ الَّذِی بِیَدِهِ المُلْکُ: أی جلَّ وعلی وتقدس وتعاظم وهو علی کل شیء قدیر .الَّذِی خَلَقَ المَوْتَ وَالحَیَاةَ: قدر الموت والحیاة .

لِیَبْلُوَکُمْ أیُّکُمْ أحْسَنُ عَمَلا: أی یختبرکم ویمتحنکم فی الاوامر والنواهی.

وَهُوَ العَزِیزُ الغَفُورُ: عزیز الجانب لا یحتاج الی أحد وغفور لعباده إن إستغفروا وطلبوا العفو منه .

{ الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات طِبَاقاً مَا تَرَی فِی خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُت فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَی مِنْ فُطُور} 3 _سورة الملک .

خلق الله تعالی سبع سماوات طباقا أی متطابقة بعضها فوق بعض .

وقال تعالی: الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات طِبَاقاً مَا تَرَی فِی خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ

ص: 225

تَفَاوُت فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَی مِنْ فُطُور 3_الملک.

:اللّهُ الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ_الطلاق 12 .

بینت أیة الملک أن السماوات سبع طبقات والایة الثانیة بینت أن الأرض طبقات سبع فهی تشبه السماوات فعبَّر عن ذلک بقوله: (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ). فکما أن السماوات هی طبقات، وکما أن عدد طبقات السماوات سبعة، کان عدد طبقات الأرض

سبعة أیضاً.

:ثُمَّ اسْتَوَی إلَی السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات وَهُوَ بِکُلِّ شَیْء عَلِیمٌ29_البقرة.

: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات فِی یَوْمَیْنِ وَأوْحَی فِی کُلِّ سَمَاء أمْرَهَا وَزَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِمَصَابِیحَ وَحِفْظاً ذَلِکَ تَقْدِیرُ العَزِیزِ العَلِیمِ 12_فصلت .

وقال نوح لقومه: ﴿أَلَمْ تَرَوْا کَیْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً﴾نوح: 15. وقال تعالی: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِیهِنَّ﴾_الإسراء: 44 .

{مَا تَرَی فِی خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُت} : لا یوجد فیها فساد مثلما یوجد فی المنشآت الارضیة التی یخلقها البشر یفسدون فیها فتلعن الشعوب رؤساءها

وحکوماتها .

{ فارجع البصر هل تری من فطور }: لا یوجد فیها عیب .

وسال أحد الاشخاص علیاً علیه السلام فقال له علی علیه السلام :

ص: 226

إن الله فرد یحب الوتر, وفرد اصطفی الوتر, فأجری کثیرا من الأشیاء علی سبعة, فقال عز وجل: { خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} ((1)) . وقال: {خلق سبع سماوات طباقا} _الملک 3.

وقال:{ جهنم لها سبعة أبواب} ((2)) .

وقال: {سبع سنبلات خضر وأخر یابسات }((3)) .

وقال: سبع بقرات سمان یأکلهن سبع عجاف ((4)) وقال: حبة أنبتت سبع سنابل ((5)), وقال: سبعا من المثانی والقرآن العظیم ((6)) فأبلغ حدیثی أصحابک لعل الله یکون قد جعل فیهم نجیبا إذا هو سمع حدیثنا نفر قلبه إلی مودتنا, ویعلم فضل علمنا, وما نضرب من الأمثال التی لا یعلمها إلا العالمون بفضلنا ((7)) .

وعن ابن عباس أن أخوین یهودیین سألا أمیر المؤمنین علیه السلام عن واحد لا ثانی له وعن ثان لا ثالث له إلی مائة متصلة نجدها فی التوراة والا نجیل

ص: 227

وهی فی القرآن تتلونه فتبسم أمیر المؤمنین علیه السلام وقال: أما الواحد: فالله ربنا الواحد القهار لا شریک له وأما الاثنان: فآدم وحواء لا نهما أول اثنین . وأما الثلاثة: فجبرئیل و میکائیل وإسرافیل, لأنهم رأس الملائکة علی الوحی وأما الأربعة: فالتوراة والإنجیل والزبور والفرقان .

وأما الخمسة: فالصلاة أنزلها الله علی نبینا وعلی أمته, ولم ینزلها علی نبی کان قبله ولا علی أمة کانت قبلنا وأنتم تجدونه فی التوراة وأما الستة: فخلق الله السماوات والأرض فی ستة أیام .

وأما السبعة فسبع سماوات طباقا . وأما الثمانیة: ویحمل عرش ربک فوقهم یومئذ ثمانیة وأما التسعة: فآیات موسی التسع . وأما العشرة: فتلک عشرة کاملة .

وأما الأحد عشر: فقول یوسف علیه السلام لأبیه: إنی رأیت أحد عشر کوکبا و أما الاثنا عشر فالسنة اثنا عشر شهرا وأما الثلاثة عشر: قول یوسف علیه السلام لأبیه: والشمس والقمر رأیتهم لی ساجدین, فالأحد عشر إخوته, والشمس أبوه, والقمر أمه .

وأما الأربعة عشر: فأربعة عشر قندیلا من النور معلقة بین السماء السابعة, ولحجب تسرج بنور الله إلی یوم القیامة . وأما الخمسة عشر: فأنزلت الکتب جملة منسوخة من اللوح المحفوظ إلی سماء الدنیا بخمسة عشر لیلة مضت من شهر رمضان .

وأما الستة عشر: فستة عشر صفا من الملائکة حافین من حول العرش . وأما السبعة عشر: فسبعة عشر اسما من أسماء الله مکتوبة بین الجنة والنار, لولا

ص: 228

ذلک لزفرت زفرة أحرقت من فی السماوات والأرض وأما الثمانیة عشر: فثمانیة عشر حجابا من نور معلقة بین العرش والکرسی, لولا ذلک لذابت الصم الشوامخ, واحترقت السماوات والأرض وما بینهما من نور العرش ((1))

هذا علم أهل بیت النبوة حیث قال النبی محمد صلی الله علیه و آله : أنا مدینة العلم وعلی بابها ((2)) .

ص: 229

ص: 230

فکیف یتقدم ابو بکر وعمر وعثمان علی الامام علی علیه السلام فی الخلافة وقد قال أبو بکر: لولا علی لهلک ابو بکر ((1)).

ص: 231

وقال عمر: لولا علی لهلک عمر((1)).

وقال عثمان: لولا علی لهلک عثمان ((2)).

{ ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ کَرَّتَیْنِ یَنقَلِبْ إلَیْکَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِیرٌ } 4 _سورة الملک .

{ ثم ارجع البصر }: قال انظر فی ملکوت السماوات والأرض { ینقلب إلیک البصر خاسئا وهو حسیر }: أی یقصر وهو حسیر أی منقطع.

کلما نظرت فی السماء وکنهها وعجائبها یرجع الیک بصرک ذلیلا من عظمة ما خلقه الله تعالی . وذکر فی سورة عم یتسائلون:

ص: 232

( ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناکم أزواجا وجعلنا نومکم سباتا, إلی قوله: وجنات ألفافا ) .

جامع الأخبار: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إن العین لتدخل الرجل القبر, وتدخل الجمل القدر, وجاء فی الخبر أن أسماء بنت عمیس قالت: یا رسول الله صلی الله علیه و آله إن بنی جعفر یصیبهم العین, أفأسترقی لهم ؟ قال: نعم, فلو کان شئ یسبق القدر لسبقت العین .

وقیل [ إن ] الرجل منهم کان إذا أراد أن یصیب صاحبه بالعین تجوع ثلاثة أیام ثم کان یصفه, فیصرعه بذلک, وذلک بأن یقول للذی یرید أن یصیبه بالعین لا أری کالیوم إبلا أو شاء ((1)) .

جنة الأمان للکفعمی: قال: ذکر عبد الکریم بن محمد بن المظفر السمعانی فی کتابه أن جبرئیل نزل علی النبی صلی الله علیه و آله فرآه مغتما فسأله عن غمه فقال له: إن الحسنین أصابتهما عین, فقال له: یا محمد العین حق فعوذهما بهذه العوذة " اللهم یا ذا السلطان العظیم, والمن القدیم, والوجه الکریم, ذا الکلمات التامات والدعوات المستجابات, عاف الحسن والحسین من أنفس الجن وأعین الانس " ومنه قال: فی خط الوزیر مؤید الدین ابن العلقمی رقیة المعیون " بسم الله العظیم الشأن, القوی السلطان, الشدید الأرکان, حبس حابس, وحجر یابس, و شهاب قابس, ولیل دامس, وماء قارس فی عین العائن, وفی أحب خلق الله إلیه, و فی کبده وکلیتیه, فارجع البصر هل

ص: 233

تری من فطور ثم ارجع البصر کرتین ینقلب إلیک البصر خاسئا وهو حسیر " ((1)) .

وفی زبدة البیان: أن جبرئیل علیه السلام رقی النبی صلی الله علیه و آله وعلمه هذه الرقیة للعین: " بسم الله أرقیک, من کل عین حاسد, الله یشفیک " .

وعن الصادق علیه السلام : إذا تهیأ أحدکم بهیئة تعجبه فلیقرأ حین یخرج من بیته المعوذتین, فإنه لا یضره شئ بإذن الله تعالی ((2)) .

وعن أبی عبد الله الامام جعفر الصادق علیه السلام قال: النعیم فی الدنیا الامن وصحة الجسم, وتمام النعمة فی الآخرة دخول الجنة, وما تمت النعمة علی عبد قط لم یدخل الجنة ((3)) .

{ وَلَقَدْ زَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِمَصَابِیحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّیَاطِینِ وَأعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِیرِ } 5 _سورة الملک .

المصابیح جمع مصباح وهو السراج ولقد سمیت الکواکب مصابیح لانارتها وإضاءتها الارض . وجاء قوله تعالی:

{ وجعلناها رجوما للشیاطین } أی وجعلنا الکواکب التی زینا بها السماء رجوما یرجم بها من استرق السمع من الشیاطین کما قال تعالی: { إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبین } .

ص: 234

سورة الصافات 6: إِنَّا زَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِزِینَةٍ الْکَوَاکِبِ، وَحِفْظًا مِّن کُلِّ شَیْطَانٍ مَّارِدٍ .

سورة فصلت 12: وَزَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِمَصَابِیحَ وَحِفْظًا .

سورة الملک 5: وَلَقَدْ زَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِمَصَابِیحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّیَاطِینِ.

وقد نقل بعض قدامی المفسرین عن العلماء أن القرآن الکریم یحوی سبعة وسبعین ألفًا ومائتی علم، إذ کل کلمة علم، ثم یتضاعف ذلک أربعة أضعاف . وقد روی عن ابن مسعود قوله: (من أراد علم الأولین والآخرین فلیتدبر القرآن) .

وکلما تطور العلم والصناعات العلمیة استطاع الانسان مشاهدة الکثیر من الکواکب التی لم یشاهدها سابقا .

{ وَلِلَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المَصِیرُ }6_سورة الملک

الذین کفروا بنعمة الله تعالی لهم عذاب جهنم وبئس المصیر فی قعر الجحیم .

{ إذَا اُلْقُوا فِیهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِیقاً وَهِیَ تَفُورُ } 7 _سورة الملک .

قال السید الرضی: وفی هذا الکلام استعارتان . إحداهما قوله تعالی:

( سَمِعُوا لَها شَهِیقاً وهِیَ تَفُورُ ) والشهیق: الصوت الخارج من الخوف عند تضایق القلب من الحزن الشدید, والکمد الطویل . وهو صوت مکروه السماع . فکأنه سبحانه وصف النار بأنّ لها أصواتا مقطعة تهول من سمعها, ویصعق من قرب منها .

ص: 235

والاستعارة الأخری قوله سبحانه: ( تَکادُ تَمَیَّزُ مِنَ الْغَیْظِ ) من قولهم: تغیظت القدر . إذا اشتد غلیانها, ثم صارت الصفة به مخصوصة بالإنسان المغضب . فکأنه سبحانه وصف النار, نعوذ باللَّه منها, بصفة المغیظ الغضبان, الذی من شأنه إذا بلغ ذلک الحد أن یبالغ فی الانتقام, ویتجاوز الغایات فی الإیقاع والإیلام .

وقد جرت عادتهم فی صفة الإنسان الشدید الغیظ بأن یقولوا: یکاد فلان یتمیز غیظا ((1)) .

{ تَکَادُ تَمَیَّزُ مِنَ الغَیْظِ کُلَّمَا اُلْقِیَ فِیهَا فَوْجٌ سَألَهُمْ خَزَنَتُهَا ألَمْ یَأتِکُمْ نَذِیرٌ8 قَالُوا بَلَی قَدْ جَاءَنَا نَذِیرٌ فَکَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللّهُ مِنْ شَیْء إنْ أنْتُمْ إلا فِی ضَلال کَبِیر } 9 _سورة الملک .

الغیظ ظاهر علی جهنم کلما ألقی فیها فوج من الکفار والمنافقین سألتهم الملائکة: ألَمْ یَأتِکُمْ نَذِیرٌ قَالُوا بَلَی قَدْ جَاءَنَا نَذِیرٌ فَکَذَّبْنَا .

وهو اعتراف منهم باستحقاقهم لنار جهنم .

{ وَقَالُوا لَوْ کُنَّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ مَا کُنَّا فِی أصْحَابِ السَّعِیرِ 10 فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأصْحَابِ السَّعِیرِ }11_سورة الملک .

متهمین أنفسهم بالجهل والحمق .

وجاء: ( إِلی عَذابِ السَّعِیرِ ), ( وَفَرِیقٌ فِی السَّعِیرِ ) ( مِنْ أَصْحابِ السَّعِیرِ ),, ( وَسَیَصْلَوْنَ سَعِیراً ) , ( لِمَنْ کَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِیراً ) .

ص: 236

والسعیر اسم من أسماء جهنم حیث تسعر النار وتحرق المجرمین .

( إِنَّ الْمُجْرِمِینَ فِی ضَلالٍ وَسُعُرٍ ) , 54 / 47 .

( مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ کُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِیراً ), 17 / 97 .

( وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْه ُ وَکَفی بِجَهَنَّمَ سَعِیراً ) , 4 / 55 .

{إنَّ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَیْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأجْرٌ کَبِیرٌ }12 _سورة الملک:

الذین یتَّقون الله تعالی فلا یرتکبون الحرام { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأجْرٌ کَبِیرٌ }. یخافون الله بالغیب لانهم لا یرونه ولا یرون الملائکة فی دورهم وبساتینهم .

{ وَأسِرُّوا قَوْلَکُمْ أوِ اجْهَرُوا بِهِ إنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }13

هدد الله تعالی الاشرار العصاة: إن شئتم أظهروا قولکم وإن شئتم ابطنوه فالله تعالی عالم بما فی الصدور .

لقد اعتاد الظالمون الطغاة علی الکذب علی الناس واخفاء جرائمهم فیکون القاضی جاهلا بما فعلوه ولا یمکنه الحکم علیهم .

لکن الله تعالی یعلم ما أسروه وما أخفوه من مذابح وفضائح ونکبات ومخازی فی حق الابریاء والمساکین .

{ ألا یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الخَبِیرُ } 14 _سورة الملک .

وقال تعالی: ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) ((1)) .

ص: 237

وقال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام : " علم ما یمضی وما مضی, مبتدع الخلائق بعلمه ومنشؤها بحکمته " ((1)) .

معناه من خلق الصدور یعلم ما فیها وهو أمر طبیعی ومنطقی .

{ هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِی مَنَاکِبِهَا وَکُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإلَیْهِ النُّشُورُ } 15 _سورة الملک .

وقال نجاح الطائی: هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الأرْضَ ذَلُولا: ذلل سبحانه الارض لکم فامشوا فی طرقها واستحصلوا خیراتها, وکلوا من رزق الله تعالی والیه ترجعون فیحاسبکم عما کنتم تفعلون .

ولو لم یذلل الله تعالی الارض لم یتمکن الانسان من السیر فیها والاستفادة من دوابها وبحارها وانهارها وهوائها وأرضها .

ولولا الامر الالهی للنبات بأن ینبت فی الارض لما تمکن الانسان من زراعة أی نبات علی وجه الارض .

وهذا النبات یحتاج الی شمس وهواء وتراب وسماد کی ینبت ویعطی الثمر فمن هیأ هذه الامور جمیعا ؟

وصناعة السفن والاستفادة منها یحتاج الی خشب ومسامیر أو حدید وقیر ووقود للحرکة أو الی أشرعة من جلود الحیوانات وغیرها وهذه الاشرعة تحتاج الی هواء وریاح کی تحرکها .

من أوجد هذه الامور جمیعا ؟ ألیس هو الله تعالی ؟

ص: 238

{ أأمِنتُمْ مَنْ فِی السَّمَاءِ أنْ یَخْسِفَ بِکُمُ الأرْضَ فَإذَا هِیَ تَمُورُ }16 _سورة الملک .

أی یشق الله تعالی الأرض فیغیبکم فیها إذا عصیتموه ( فإذا هی تمور ) أی تتردد ذهابا ومجیئا فتضطرب وتتحرک وتغیبون فی قعرها .

یدفنکم ویغیبکم فیها إذا کفرتم وعصیتموه, کما فعل بقارون . ( فَإِذا هِیَ تَمُورُ ) : تضطرب . والمور التردّد فی المجیء والذهاب . وذلک بأن یحرّک الأرض عند الخسف بهم .

وعند حجوث الزلازل تتحرک الارض وتنشق فیدخل فی جوفها الناس و الحیوانات

والدور والمزارع .

{ أمْ أمِنتُمْ مَنْ فِی السَّمَاءِ أنْ یُرْسِلَ عَلَیْکُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ کَیْفَ نَذِیرِ17 وَلَقَدْ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَکَیْفَ کَانَ نَکِیرِ } 18_سورة الملک .

الحاصب الحجارة التی یرمی بها من السماء مثلما رمی الله تعالی الاقوام الکافرة الهالکة, حصبه بالحصباء یحصبه حصبا إذا رماه بها .

: تقدیره آمنوا یا أیها الناس قبل ان یرسل علیکم الله تعالی حاصبا, کما أرسل علی قوم لوط حجارة من السماء .

وقوله: ( فستعلمون کیف نذیر ) فیه تهدید للعصاة أی ستعرفون کیف عذابی وترهیبی إن خالفتمونی بحشرکم الی النار .

وقد قذف طائر حجارة من السماء علی الحارث المنافق فقتلته وقتلت حصانه معه :

ص: 239

لقد استشاط المنافقون غضباً من تنصیب علی علیه السلام خلیفة وسأل الحارث من الرسول قائلا: هذا منک أم من الله ؟

فقال الرسول صلی الله علیه و آله : من الله تعالی . فقال الحارث: اللهم ان کان هذا هو الحق من عندک فامطر علینا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب ألیم فأصابته حجارة من السماء فسقطت فی رأسه وخرجت من دبره وسقط میتا . ونزل قوله تعالی : {سأَلَ سَائِلٌ بعذاب واقع } ((1)).

ص: 240

وقال تعالی : قَالُوا إنَّا اُرْسِلْنَا إلَی قَوْم مُجْرِمِینَ 32*لِنُرْسِلَ عَلَیْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِین33*_الذاریات.

: وَأَرْسَلَ عَلَیْهِمْ طَیْراً أَبَابِیلَ3* تَرْمِیهِمْ بِحِجَارَة مِنْ سِجِّیل 4*فَجَعَلَهُمْ کَعَصْف مَأْکُول 5* _الفیل.

: فَلَمَّا جَاءَ أمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِیَهَا سَافِلَهَا وَأمْطَرْنَا عَلَیْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّیل مَنْضُود82* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّکَ وَمَا هِیَ مِنَ الظَّالِمِینَ بِبَعِید 83_هود

لقد اعتادت الامم الظالمة الفاجرة ارسال الحجر علیها من السماء لیؤدبهم ویمحو ذکرهم ویخرب مدنهم .

ورغم هذا تری جرأتهم عارمة وطغیانهم دائما وعتوهم عنیدا وفسقهم ظاهرا .

{ أوَ لَمْ یَرَوْا إلَی الطَّیْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّات وَیَقْبِضْنَ مَا یُمْسِکُهُنَّ إلا الرَّحْمَنُ إنَّهُ بِکُلِّ شَیْء بَصِیرٌ } 19 _سورة الملک .

{ أوَ لَمْ یَرَوْا إلَی الطَّیْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّات }: أی مصطفاة فوق رؤوسهم فی الجو باسطات أجنحتها .

{مَا یُمْسِکُهُنَّ إلا الرَّحْمَنُ إنَّهُ بِکُلِّ شَیْء بَصِیرٌ }: لا یمکن لاحد السیطرة علیهن الا الرحمن القادر علی کل شیء, وهو بکل أمر وشیء بصیر وعارف .الطیر من آیات الله تعالی فی الارض فی طیرانه وهجرته وقصصه النادرة وأعشاشه الخفیة والظاهرة وحرکة بعضه فی عالم الرسائل والاخبار بواسطة الطیر الزاجل .

الطیار یستخدم إشارات, وإحداثیات, وخرائط, وبث مستمر یحدد له فی أی موقع هو علی سطح الأرض, إنها رحلة طویلة من غرب أوربا إلی جنوب شرق آسیا, فکیف - کما تساءلتم جزاکم الله خیراً - یوصل طائر صغیر رسالة إلی أبعد مکان ؟ وکیف تعمل الحاسة التی توجه الطائر نحو طریقه ؟ قال العلماء: إن شیئاً ما یوجه هذه الطیور إلی أهدافها لا نعرفه, وحتی الآن لیس هناک تفسیر علمی واضح لحرکة الطیور, لیس هناک جواب ،لکن الله سبحانه وتعالی یوجه هذا الطیر توجیهاً مباشراً لیکون آیة علی عظمة الله عز وجل . قد توقع بعض علماء الأرض أن معالم الأرض تنطبع فی ذاکرة هذا الطیر, فهو یعرفها, ویهتدی بها, وهذه فریضة, فجاء عالم آخر ونقض هذه الفرضیة بأن جاء بحمام زاجل، وعصب عینیه, وأطلقه فانطلق إلی هدفه, هذه النظریة أصبحت باطلة وغیر مقبولة, فأین تلک المعالم ؟ وأین الذاکرة علی الرغم من أنه قد عصبت عیناه انطلق إلی هدفه ؟

فرضیة ثانیة: أنه یشکل مع الشمس زاویة یهتدی بها إلی وطنه, فلما قیل: یطیر فی اللیل فکیف یهتدی إلی هدفه وهو یطیر لیلاً ؟ نقضت هذه النظریة

ص: 242

نظریة ثالثة: إنهم توقعوا وجود جهاز رادار فی دماغه یهدیه إلی الهدف, فوضعوا علی رأسه جهازاً صغیراً کهربائیاً یصدر إشارات کهربائیة من أجل أن تشوش علیه, ومع ذلک وصل إلی هدفه.

ثم توقعوا أنه یهتدی إلی أهدافه عن طریق الساحة المغناطیسیة فی الأرض, فوضعوا فی أرجله حلقات حدیدیة ممغنطة من أجل تشویش هذه الساحة فاهتدی إلی هدفه.

لم تبق عندهم من نظریة إلا ونقضت, فکیف یقطع الطائر عشرات الآلاف من الأمیال فوق البحر وفوق الجبال وفی الصحراء وفی الودیان ؟ وکیف یأخذ زاویة باتجاه الهدف ؟ هذا سر لا یزال یحیر عقول العلماء, وقد قال أحد العلماء: إن شیئاً ما یوجه الطیور إلی موطنها, قال تعالی:

{ فَمَنْ رَبُّکُمَا یَا مُوسَی * قَالَ رَبُّنَا الَّذِی أَعْطَی کُلَّ شَیْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَی }

_سورة طه: 49-50. وقالوا:افضل تفسیر لهذا الموضوع أن الأمر یتعلق بهدایة الله سبحانه وتعالی, قال تعالی: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّکَ الْأَعْلَی * الَّذِی خَلَقَ فَسَوَّی * وَالَّذِی قَدَّرَ فَهَدَی ﴾ سورة الأعلی: 1-3 .

الغریزة عمل ذکی و مبرمج یفعله الحیوان بلا تعلم :

وإن هذا الطیر, الحمام الزاجل أو حمام الرسائل کما یسمی یقطع مسافة ألف کیلو متر دون توقف, فی طیران مستمر, یقطعها بسرعة کیلو متر واحد فی الدقیقة, أی یقطع فی الساعة ستین کیلو مترًا, ویعطی الحمام الزاجل هذا سنویاً تسعة أزواج من الزغالیل کل عام, ما سمعنا أن طائرة دفعنا ثمنها مئات الملایین من الدولارات أنتجت لنا طائرة صغیرة فی آخر العام,

ص: 243

فالحمام الزاجل یعطی سنویاً تسعة أزواج من الزغالیل کل عام, ویعین علی نقل الرسائل عبر الآفاق, ویهتدی إلی إیصالها بسرعة فائقة بالقیاس إلی ذلک الزمن. وهذا من معاجز رب العالمین فی خلقه .

{ أمَّنْ هَذَا الَّذِی هُوَ جُندٌ لَکُمْ یَنصُرُکُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إنِ الکَافِرُونَ إلا فِی غُرُور } 20 _سورة الملک .

هذا استفهام إنکاری من الجبار القدیر: لا جند لکم ینصرکم من الباری تعالی, ویمنعکم من عذابه وسطوته .

هل تنصر الجیوش الجرارة ملکها الطاغیة وتحمیه من العقاب الالهی ؟

تدریجیا یستفحل الطغیان والاستکبار عند الاباطرة والهراقلة بسبب الحواشی والوزراء والعساکر العظیمة فهل یمکنها صد العذاب الدنیوی أو الاخروی عنه ؟

الرئیس الصینی عنده ملیار جندی لکنهم لا یستطیعون انقاذه من الموت , ولا یمکنهم ابعاد المرض عنه , ولا یمکنهم التفکیر فی ابعاد عزرائیل ملک الموت عنه .

وکذلک کان نمرود وفرعون وهرقل وکسری أسری أذلاء بید عزرائیل , وقالت ابنة ستالین رئیس الاتحاد السوفیتی إن أباها أشار الی شخص عند موته یراه ولا نراه فی سقف غرفته أن انقذونی منه .

{ أمَّنْ هَذَا الَّذِی یَرْزُقُکُمْ إنْ أمْسَکَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِی عُتُوٍّ وَنُفُور } 21 _سورة الملک .

ص: 244

ومن هو الذی یرزقکم لو منع الله تعالی عنکم المطر لکنهم لجوا فی طغیانهم وکفرهم .

أم من یشار إلیه ویقال: « هذَا الَّذِی یَرْزُقُکُمْ » ( إِنْ أَمْسَکَ رِزْقَه ) من الهواء اللطیف وحرکة الریاح والمطر المعتدل والتربة الخصبة ونور الشمس وطاقتها وسائر الأسباب المحصّلة للرزق ( بَلْ لَجُّوا ) تمادوا ( فِی عُتُوٍّ )

طغیان وعناد ( ونُفُورٍ ) عصیان وانحراف عن الحقّ .من الذی یرزق الأنام إذا منع الغمام ؟

وقال تعالی: ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتین )الذاریات: 58 .

وقال تعالی: ( وفی السماء رزقکم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنکم تنطقون ) الذاریات: 23 .

وقال الإمام الصادق علیه السلام : ما أقبح بالرجل یأتی علیه سبعون سنة أو ثمانون سنة یعیش فی ملک الله ویأکل من نعمه ثم لا یعرف الله حق معرفته ((1)) .

ومعرفة الله تعالی تعنی الایمان به وعبادته والاحسان الی عباده والتقوی فی الامور والعمل الصالح فی کافة المجالات .

الارزاق بید الرحمن تعالی ولیست تابعة للحیلة والغش والتآمر لذا نری جلَّ الاغنیاء من السذج والاغبیاء والعاملین عندهم من الاذکیاء .

الایة ترشد الانسان للعودة الی الله تعالی واتباع الحق .

ص: 245

{ أفَمَنْ یَمْشِی مُکِبّاً عَلَی وَجْهِهِ أهْدَی أمَّنْ یَمْشِی سَوِیّاً عَلَی صِرَاط مُسْتَقِیم } 22 _سورة الملک .

قال النبی صلی الله علیه و آله لعلی ( علیه السلام ): « أنت النبأ العظیم والصراط المستقیم وأنت المثل الأعلی » ((1)). من حاد عن ولایة علی علیه السلام کمن یمشی علی وجهه لا یهتدی لامره وجعل من تبعه سویاً علی صراط مستثقیم والصراط المستقیم أمیر المؤمنین والأوصیاء ((2)) .

وقال أحمد بن حنبل: من لم یثبت الولایة لعلی علیه السلام فهو أضل من حمار ((3)).

ص: 246

وقال النبی صلی الله علیه و آله : من أحب أن یحیا حیاتی ویموت مماتی ویسکن جنة الخلد التی وعدنی ربی عز وجل غرس قضبانها بیده فلیتول علی بن ابی طالب فانه لن یخرجکم من هدی ولن یدخلکم فی ضلالة ((1))

.

وقال الإمام محمد الباقر ( علیه السلام ): آخر فریضة أنزلها الله تعالی الولایة ((2)) .وقال عمر لابن عباس یصف الإمام علیاً ( علیه السلام ) من خلال ما سمعه من النبی صلی الله علیه و آله وما لمسه فیه: «إنَّ احراهم أن یحملهم علی کتاب ربِّهم , وسنَّة نبیهم لصاحبک , واللهِ لئن ولیهم لیحملنَّهم علی المحجة البیضاء والصراط المستقیم((3)) .

ص: 247

الثعلبی: روی الثعلبی فی تفسیره کشف البیان فی تفسیر القرآن , فی تفسیر قوله تعالی: (اهدنا الصراط المستقیم) .قال مسلم بن حیّان: سمعت أبا بریدة یقول: صراط محمد وآله , والتعوذ عن صراط من غضب الله علیه ((1)).

وأخرج وکیع بن الجراح , فی تفسیره بإسناده عن عبدالله بن عباس فی قوله: (اهدنا الصراط المستقیم) قال: قولوا معاشر العباد أرشدنا إلی حبّ محمد وأهل بیته((2)) .

وجاء فی الحدیث: الصراط اثنان: الاول للدنیا وهو ولایة أهل البیت , والثانی صراط الآخرة.أی اهدنا الطریق الحق للاعتقاد , والصراط المستقیم هو الإمام علی بن أبی طالب ( علیه السلام )بالدلیل القرآنی:

«وإنه فی أم الکتاب لدینا لعلی حکیم »((3)) .

وروی االعلامة البحرانی مرسلاً عن عبد الله بن عمر أنه قال:

إنی أتبع علی بن أبی طالب علیه السلام فانه أول الناس إسلاماً والحق معه, فإنی سمعت النبی صلی الله علیه و آله یقول - فی قوله تعالی: (أفمن یمشی مکباً علی وجهه

ص: 248

أهدی أمن یمشی سویاً علی صراط المستقیم): فالناس مکبون علی الوجه غیره ((1))

.

{ هُوَ الَّذِی أنشَأکُمْ وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِیلا مَ ا تَشْکُرُونَ } 23 _سورة الملک .

وبواسطة السمع والابصار والافئدة تدیرون أعمالکم وشؤونکم وأرزاقکم .ولو شکر الانسانُ الله تعالی فی کل عمره لم یتمکن من تلبیة شکر نظره الذی وهبه تعالی له .

وبعدما تطور علم الطب والتشریح احتار العلماء فی دقة ونظام وانسجام الاجهزة السمعیة والبصریة والقلبیة لذا قسموا التخصصات الدراسیة فیها الی أنواع کثیرة فعندما یذهب المریض الی مستشفی العیون یتعجب من تخصصات عدیدة فی طب العیون وکذلک القلب .

وقال الاطباء المتخصصون : لا یمکن أن تُخلق هذه الاعضاء العجیبة الخلقة لوحدها من دون خالق عظیم .

{ قُلْ هُوَ الَّذِی ذَرَأکُمْ فِی الأرْضِ وَإلَیْهِ تُحْشَرُونَ }24_سورة الملک .

ذَرَأکُمْ فِی الأرْضِ: خلقکم فیها والی الله تعالی تحشرون یوم القیامة لاجل الحساب .وأعطاکم الله تعالی الحریة فی العمل والکسب الحر والتفکر فی مخلوقات الله ومنظوماته العجیبة وما خلقه فی السماوات والارض.

ص: 249

{ وَیَقُولُونَ مَتَی هَذَا الوَعْدُ إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ 25 قُلْ إنَّمَا العِلْمُ عِنْدَ اللّهِ وَإنَّمَا أنَا نَذِیرٌ مُبِینٌ } 26 _سورة الملک .

ویسألون متی هذا الوعد المتمثل فی یوم القیامة ؟ قل علمه عند الباری سبحانه انما أنا رسول منه عز وجل نذیر مبین .

لان الله تعالی لم یعط علم الساعة وشروع یوم القیامة لاحد من خلقه و احتفظ به لنفسه .

{ فَلَمَّا رَأوْهُ زُلْفَةً سِیئَتْ وُجُوهُ الَّذِینَ کَفَرُوا وَقِیلَ هَذَا الَّذِی کُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ } 27 _سورة الملک

.زلفة " أی ذا زلفة وقرب .

قال إذا کان یوم القیامة ونظر أعداء أمیر المؤمنین ما أعطاه الله من المنزلة الشریفة العظیمة وبیده لواء الحمد وهو علی الحوض یسقی ویمنع تسود وجوه أعدائه فیقال لهم: ( هذا الذی کنتم به تدعون ) أی هذا الذی کنتم به تدعون منزلته وموضعه واسمه .

وقال الامام الصادق علیه السلام : عن حال أبی بکر وعمر یوم القیامة: یریان علیاً علیه السلام فیقال لهما: (فَلَمَّا رَأوْهُ زُلْفَةً سِیئَتْ وُجُوهُ الَّذِینَ کَفَرُوا وَقِیلَ هَذَا الَّذِی کُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) . یعنی بإمرة المؤمنین ((1)) .

ص: 250

نزلت فی علی علیه السلام .عندما یری الکافرون مکانة علی علیه السلام یوم القیامة تسوَّد وجوههم ((1)) .

وروی الحافظ الحسکانی الحنفی قال: أخبرنا ابن فنجویه باسناده عن الأعمش فی قوله تعالی: (فلما رأوه زلفة سیئت وجوه الذین کفروا) .

قال: لما رأوا ما لعلی بن أبی طالب علیه السلام عند الله من الزلفی سیئت وجوه الذین کفرو ا((2)) .

وروی الحسکانی الحنفی أیضاً باسناده عن سهل بن عامر, عن الأعمش أنه قال هذه الآیة: نزلت فی علی بن أبی طالب علیه السلام ((3)) .

ص: 251

وروی الحسکانی الحنفی أیضاً عن التفسیر العتیق باسناده عن عمرو بن أبی بکار التمیمی عن أبی جعفر محمد بن علی فی قوله تعالی: (فلما رأوه زلفة) , قال: فلما رأوا مکان علی علیه السلام من النبی صلی الله علیه و آله , (سیئت وجوه الذین کفروا) . یعنی: الذین کذبوا بفضله((1)) .

وقال الامام الباقر علیه السلام : لم یسم بأمیر المؤمنین الا مفتر کذاب الی یوم القیامة ((2)) .

{ قُلْ أرَأیْتُمْ إنْ أهْلَکَنِی اللّهُ وَمَنْ مَعِیَ أوْ رَحِمَنَا فَمَنْ یُجِیرُ الکَافِرِینَ مِنْ عَذَاب ألِیم 28 قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَیْهِ تَوَکَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِی ضَلال مُبِین } 29 _سورة الملک .

وقال الصادق علیه السلام : عن قوله تعالی فی الآیة: یا معشر الکذابین حیث أنبأتکم رسالة ربی فی ولایة علی والأئمة من بعده فستعلمون من هو فی ضلال مبین ((3)) .

سوف یری الکافرون أن لا ملجأ لهم یلجأون الیه یوم القیامة ولا یجیرهم أحد من الله العظیم , وسیعلمون فی جهنم من هو فی ضلال مبین هم أم

ص: 252

المسلمون المؤمنون ؟

{ قُلْ أرَأیْتُمْ إنْ أصْبَحَ مَاؤُکُمْ غَوْراً فَمَنْ یَأتِیکُمْ بِمَاء مَعِین }30 _سورة الملک .

قال النبی صلی الله علیه و آله : علی منی وانا منه وإنه وارث علمی وقاضی دینی ومنجز وعدی والخلیفة من بعدی, ولولاه لم یعرف المؤمن المحض بعدی, حربه حربی, وحربی حرب الله وسلمه سلمی وسلمی سلم الله, وهو

أبو سبطی والأئمة من صلبه ومنهم مهدی هذه الأمة . یخرج من صلب الحسین أئمة تسعة والتاسع من ولده یغیب عنهم وذلک قوله تعالی: (قُلْ أرَأیْتُمْ إنْ أصْبَحَ مَاؤُکُمْ غَوْراً فَمَنْ یَأتِیکُمْ بِمَاء مَعِین) .

فتکون له (المهدی علیه السلام ) غیبة طویلة یرجع عنها قوم ویثبت علیها آخرون فاذا کان فی آخر الزمان یخرج فیملأ الدنیا قسطاً وعدلا کما ملئت جوراً وظلماً ویقاتل علی التأویل کما قاتلت علی التنزیل, وهو سمیی وأشبه الناس بی ((1)) .

( أرأیتم ان أصبح ماؤکم غورا فمن یأتیکم بماء معین ) قال أرأیتم ان أصبح إمامکم غائبا فمن یأتیکم بامام مثله .حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن أحمد عن القاسم بن محمد قال حدثنا إسماعیل بن علی الفزاری عن محمد بن جمهور عن فضالة بن أیوب قال: سئل الرضا علیه السلام

ص: 253

عن قول الله عز وجل: قل أرأیتم ان أصبح ماؤکم غورا فمن یأتیکم بماء معین, فقال علیه السلام : ماؤکم أبوابکم أی الأئمة علیهم السلام والأئمة أبواب الله بینه وبین خلقه فمن یأتیکم بماء معین یعنی بعلم الامام ((1)).

تفسیر علی بن إبراهیم: " {هو الذی أرسل رسوله بالهدی ودین الحق لیظهره علی الدین کله ولو کره المشرکون "} إنها نزلت فی القائم من آل محمد علیهم السلام وهو الامام الذی یظهره الله علی الدین کله فیملأ الأرض قسطا وعدلا کما ملئت جورا وظلما وهذا مما ذکرنا أن تأویله بعد تنزیله .

الخصال: العطار, عن سعد, عن ابن یزید, عن محمد بن الحسن المیثمی عن مثنی الحناط, قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول: " أیام الله " ثلاثة یوم یوم القائم ویوم الکرة ((2)) ویوم القیامة ((3)) .

وقال تعالی: ( وأن لو استقاموا علی الطریقة لأسقیناهم ماءا غدقا ) ((4)) .

ص: 254

وقال الإمام محمد الباقر علیه السلام : لو استقاموا علی ولایة أمیر المؤمنین علی والأوصیاء من ولده علیهم السلام وقبلوا طاعتهم فی أمرهم ونهیهم لأسقیناهم ماءاً غدقاً ((1)) .

وقال عبد العظیم الحسنی باسناده إلی جعفر علیه السلام فی قوله تعالی: ( وأن لو استقاموا علی الطریقة لأسقیناهم ماء غدقا ) . یقول: لأشربنا قلوبهم

الایمان والطریقة هی ولایة علی بن أبی طالب والأوصیاء ((2)) .

وذکر تعالی الماء فی ثلاثة آیات: وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ کُلَّ شَیْء حَیٍّ_الانبیاء 30. ثم تحدث تعالی عن الماء باسم الایمان والولایة فی الایتین

: ( وأن لو استقاموا علی الطریقة لأسقیناهم ماء غدقا ) ((3)) .

{ قُلْ أرَأیْتُمْ إنْ أصْبَحَ مَاؤُکُمْ غَوْراً فَمَنْ یَأتِیکُمْ بِمَاء مَعِین }30 _سورة الملک .

ویوضح المجلسی عقیدة الرجعة بقوله : ویرجع للدنیا یوم ظهور حضرة القائم علیه السلام من محض الإیمان محضا أو محض الکفر محضا فیرجع أعداؤه لینتقم منهم فی هذا العالم, ویشاهدون من ظهور کلمة الحق وعلو کلمة أهل البیت ما أنکروه علیهم, فتکون رجعة الکفار لینالهم عقاب شدید, أما فی الناس فیبقون فی قبورهم إلی یوم القیامة . وقد وردت أحادیث کثیرة

ص: 255

تؤید رجعة من محض الإیمان محضا أو محض الکفر محضا ویبقی غیرهم علی حالهم .

فالرجعة عبارة عن حساب تمهیدی یثاب فیها الإمام الغائب وشیعته وینال أعداءهم الذین أنکروا حقهم فی الخلافة عقاب شدید, فیرجع مثلا بین الأولین الحسین بن علی علیه السلام ومن استشهد معه ویرجع معه یزید اللعین بن معاویة وأنصاره فینتقم منهم الحسین وجیشه انتقاما سریعا .

ومنهم الفاضل الشیخ رحمة الله بن خلیل الرحمن الهندی فی " إظهار الحق " ( ج 2 ص 153 ط دار الجیل, بیروت ) قال : وإن المهدی علیه السلام یظهر وإن عیسی علیه السلام ینزل وإن الدجال یخرج, وهذه الأمور الثلاثة ستظهر إن شاء الله تعالی, والله أعلم((1)) .

لکن معظم الناس ترکوا الولایة الحقة للامام علی وأولاده الائمة علیهم السلام وعشقوا ولایة الملوک الظالمین حباً منهم للدنیا الفانیة ولهوها وفسقها .

ص: 256

{ والقَلَمِ وَمَا یَسْطُرُونَ1 مَا أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّکَ بِمَجْنُون} 2_سورة القلم:

روی العلامة البحرانی, عن الطبرسی, باسناده عن بعض علماء الحنفیة عن الضحاک بن مزاحم قال: لما رأت قریش تقدیم النبی صلی الله علیه و آله علیاً وإعظامه له نالوا من علی علیه السلام وقالوا قد افتتن به محمد صلی الله علیه و آله , فأنزل الله تعالی: (ن, والقلم وما یسطرون) . قسم أقسم الله به (ما أنت بنعمة ربک بمجنون) ((1)) .

و روی السیوطی الشافعی فی تفسیره الدر المنثور عند تفسیر قوله تعالی:

(ألَمْ تَرَ إلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ کُفْراً ) , الآیات روی بإسناده , عن

أبی الطفیل:أن ابن الکوّا سأل علیاً علیه السلام من (الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ کُفْراً ) ؟ قال علیه السلام : هم الفجّار من قریش کفیتهم یوم بدر((2)) .

الطبری وابن کثیر: قال الطبری وابن کثیر: قال عمر: الذین بدلوا نعمة الله کفراً وأحلوا قومهم دار البوار هما الأفجران بنو أمیة وبنو المغیرة فأما بنو المغیرة فکفیتموهم یوم بدر , وأما بنو أمیة فمتعوا الی حین .

ص: 258

وقال الصادق علیه السلام عن الآیة: (ألَمْ تَرَ إلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ کُفْراً ) . قال عنی بها قریشاً الذین عادوا رسول الله صلی الله علیه و آله ونصبوا له الحرب وجحدوا وصیة وصیه ((1)) .

وقال تعالی: (ألَمْ تَرَوْا أنَّ اللّهَ سَخَّرَ لَکُمْ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ وَأسْبَغَ عَلَیْکُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ).

وقال الباقر علیه السلام : النعمة الظاهرة: النبی صلی الله علیه و آله وما جاء من معرفة الله عز وجل وتوحیده , واما النعمة الباطنة فولایتنا أهل البیت , وعقد مودتنا فاعتقد والله قوم هذه النعمة الظاهرة والباطنة واعتقدها قوم ظاهرة ولم یعتقدوها باطنة فانزل الله: (یا أیها الرسول لا یحزنک الذین یسارعون فی الکفر من الذین قالوا آمنا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم ) ((2)).

{ مَا أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّکَ بِمَجْنُون}: اتهمت قریش النبی صلی الله علیه و آله انه مجنون بولایة علی علیه السلام فهو عاشق مجنون للنیل من شخصیته وتنفیر الناس عنه وتزییف قدرات ومواهب الامام علی علیه السلام العظیمة .

وقال نجاح الطائی: کل ما أرسله الله تعالی للبشر هو نعمة ورأس هذه النعم اهل البیت الذین أرسلهم الخالق لهدایة الناس الی الطریق المستقیم وقد قال

ص: 259

الله تعالی: یا آدم, لولا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنیة, ولا أرضا مدحیة, ولا ملکا مقربا, ولا نبیا مرسلا, ولا خلقتک یا آدم ((1)) .

وجاء الأمین جبرائیل الی النبی وهو تحت الکساء وقال: السلام علیک یا رسول الله العلیّ الأعلی یقرئک السّلام ویخصّک بالتحِیّة والإکرام ویقول لک: وعزّتی جلالی إنّی ما خلقت سماءً مبنیّة, ولا أرضاً مدحیّة, ولا قمراً منیراً, ولا شمساً مضیئةً, ولا فلکاً یدور, ولا بحراً یجری ولا فلکاً یسری إلاّ لأجلکم ومحبّتکم, وقد أذن لی أن أدخل معکم, فهل تأذن لی یا رسول

الله ((2)) .

وطریقة قریش فی التعامل مع النبی وأهل البیت تتمثل فی تهدیم شخصیاتهم وطمس منزلتهم العظیمة باتهامهم بالجنون وانهم مسحورون ویفعلون السحر وتکذیب ارتباطهم بالسماء .

أی کانت حربهم علیهم عارمة هدفها افنائهم وازالتهم من ساحة السیاسة والدین والمجتمع والثقافة والفکر .

{ وَإنَّ لَکَ لأجْراً غَیْرَ مَمْنُون } 3 _سورة القلم .

أی لا یمن علیک فیما یعطیک من عظیم الثواب ((3)) .

ص: 260

وروی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی قال: أخبرنا أبو النصر فی تفسیره باسناده عن جعفر بن محمد الخزاعی عن أبیه, قال: سمعت أبا عبد الله الامام جعفر الصادق علیه السلام یقول: نزل: (وإن لک لأجراً غیر ممنون) . فی تبلیغک فی علی علیه السلام ما بلغت((1)) .

{ وَإنَّکَ لَعَلی خُلُق عَظِیم } 4 _سورة القلم .

عن ابی سعید الخدری قال: کان رسول الله صلی الله علیه و آله أشد حیاءً من العذراء فی خدرها وکان إذا کره شیئا عرف فی وجهه ((2)) .

وحدثنا علی بن حجر . أخبرنا علی بن مسهر, عن مسلم الاعور, عن أنس بن مالک قال: کان رسول الله صلی الله علیه و آله یعود المریض, ویشهد الجنازة, ویرکب الحمار, ویجیب دعوة العبد, وکان یوم بنی قریظة علی حمار مخطوم بحبل من لیف, علیه إکاف لیف ((3)) .

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال إن الله أدب نبیه علی أدبه فلما انتهی به إلی ما أراد قال له انک لعلی خلق عظیم ففوض إلیه دینه فقال ما اتیکم الرسول فخذوه وما نهیکم عنه فانتهوا وان الله فرض فی القرآن ولم یقسم للجد شیئا وان رسول الله صلی الله علیه و آله أطعمه السدس فأجاز الله له وان الله حرم الخمر بعینها

ص: 261

وحرم رسول الله صلی الله علیه و آله کل مسکر فأجاز الله له ذلک وذلک قول الله : هذا عطاؤنا فامنن أو أمسک بغیر حساب((1)) .

و حدثنا محمد بن عیسی عن أبی عبد الله المؤمن عن إسحاق بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام قال إن الله أدب نبیه حتی إذا اقامه علی ما أراد قال له وأمر بالمعروف و اعرض عن الجاهلین فلما فعل ذلک له رسول الله صلی الله علیه و آله زکاه الله فقال إنک لعلی خلق عظیم فلما زکاه فوض إلیه دینه فقال ما اتیکم الرسول فخذوه وما نهیکم عنه فانتهوا فحرم الله الخمر وحرم رسول الله صلی الله علیه و آله کل مسکر فأجاز الله ذلک کله وان الله انزل الصلاة وان رسول الله صلی الله علیه و آله وقت أوقاتها فأجاز الله ذلک له ((2)) .

وعن أبی إسحاق النحوی قال: دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فسمعته یقول: إن الله عز وجل أدب نبیه علی محبته فقال: " وإنک لعلی خلق عظیم " ثم فوض إلیه فقال عز وجل: " وما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا ((3)) " وقال عز وجل: " من یطع الرسول فقد أطاع الله ((4)) ".

ص: 262

قال: ثم قال وإن نبی الله فوض إلی علی علیه السلام وائتمنه فسلمتم وجحد الناس فوالله لنحبکم أن تقولوا إذا قلنا وأن تصمتوا إذا صمتنا ونحن فیما بینکم وبین الله عز وجل, ما جعل الله لاحد خیرا فی خلاف أمرنا ((1)) .

وقال الله تعالی فی سورة آل عمران: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو کنت فظا غلیظ القلب لانفضوا من حولک ) الآیة .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : حسن الخلق نصف الدین, وقیل له صلی الله علیه و آله ما أفضل ما أعطی المرئ المسلم ؟ قال صلی الله علیه و آله : الخلق الحسن .

وقال أمیر المؤمنین " علیه السلام ": ان أحسن الحسن , الخلق الحسن .

وقالت أم سلمة لرسول الله: بأبی أنت وأمی المرأة یکون لها زوجان فیموتان فیدخلان الجنة لأیهما تکون ؟ قال صلی الله علیه و آله : یا أم سلمة تخیر أحسنهما خلقا وخیرهما لأهله یا أم سلمة ان حسن الخلق ذهب بخیر الدنیا والآخرة .

وقال أمیر المؤمنین " علیه السلام " لبنیه: إیاکم ومعاداة الرجال فإنهم لا یخلون من ضربین من عاقل یمکر بکم أو جاهل یعجل بکم ((2)) .

وقال نجاح الطائی: لم یکن لرسول الله صلی الله علیه و آله اسم فی مکة غیر الصدوق الأمین((3)) .

ص: 263

وکانت أخلاقه مشهودة فی افعاله اذ لم یکن یقتل الفار والجریح والمرأة فی الحرب ویثبت فی الحرب وصفته الشجاعة ولا یقتل الاسیر ولا ینظر الی العورة ویطعم المسکین والفقیر والیتیم والاسیر ویکرم الجار والغریب ویبدأ بالسلام ویطعم الطعام ویصلی اللیل والناس نیام وهی نفس اخلاق أمیر المؤمنین علی علیه السلام .

بینما کانت أخلاق عمر یغلب علیها الشدة والغلظة فهو یضرب النساء ویفر فی الحروب ودفن ابنته وهی طفلة :

لقد کان عمر شدیداً علی النساء فقد قالوا: إنَّه کان جالساً مع بعض الصحابة اذ ضحک قلیلا ثمَّ بکی . فسأله من حضر , فقال: کنَّا فی الجاهلیة , نصنع صنماً من العجوة فنعبده , ثمَّ نأکله , وهذا سبب ضحکی: أمَّا بکائی فلأنه کانت لی إبنة , فأردت وأدها , فأخذتها معی , وحفرت لها حفرة , فصارت تنفض التراب عن لحیتی , فدفنتها حیَّة ((1)) .

{ فَسَتُبْصِرُ وَیُبْصِرُونَ 5 بِأیِّکُمُ المَفْتُونُ6 } _سورة القلم .

نزلت یوم الولایة حین نصبه النبی صلی الله علیه و آله للخلافة, فقالوا: فتن رسول الله صلی الله علیه و آله بعلی .وکان أمیر المؤمنین یعرض به علی الثلاثة وبنی أمیة واتباعهم ((2)) .

ص: 264

عنه, عن أبیه, عمن حدثه, عن جابر قال: قال أبو جعفر علیه السلام : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : ما من مؤمن الا وقد خلص ودی إلی قلبه, وما خلص ودی إلی قلب أحد الا وقد خلص ود علی إلی قلبه, کذب یا علی من زعم أنه یحبنی, ویبغضک قال: فقال رجلان من المنافقین: لقد فتن رسول الله صلی الله علیه و آله بهذا الغلام, فأنزل الله تبارک و تعالی " فستبصر ویبصرون, بأیکم المفتون, ودوا لو تدهن ویدهنون, ولا تطع کل حلاف مهین قال: نزلت فیهما إلی آخر الآیة ((1)) .

وقال الامام الباقر علیه السلام : إنَّ عمر لقی علیاً علیه السلام فقال: أنت الذی تقرأ بهذه الآیة: (بأیکم المفتون ) تعرض بی وبصاحبی؟ قال الامام علیه السلام : أفلا أخبرک بآیة نزلت فی بنی أمیة (فهل عسیتم) . الی قوله: (وتقطعوا أرحامکم) .

فقال عمر: کذبت , بنو أمیة أوصل للرحم منک ولکنک أثبتَّ العداوة لبنی أمیة وبنی عدی وبنی تیم ((2))

.

و روی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی قال: قرأت فی التفسیر العتیق بالاسناد عن کعب بن عجرة وعبد الله بن مسعود قالا: قال النبی صلی الله علیه و آله : - وسئل عن علی - قال: علی أقدمکم إسلاماً, وأوفرکم إیماناً, وأکثرکم علماً, وأرجحکم حلماً وأشدکم فی الله غضباً, علمته علمی, واستودعته

ص: 265

سری, ووکلته بشأنی, فهو خلیفتی فی أهلی, وأمینی فی أمتی » . فقال بعض قریش: لقد فتن علیٌ علیه السلام رسول الله صلی الله علیه و آله حتی ما یری به شیئاً فأنزل الله تعالی: (فستبصر ویبصرون بأیکم المفتون) ((1))

.

{إنَّ رَبَّکَ هُوَ أعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَهُوَ أعْلَمُ بِالمُهْتَدِینَ} 7 _سورة القلم .

بالمهتدین: علی بن أبی طالب ((2)) .

وروی الحاکم الحسکانی الحنفی قال: أخبرنا أبو عبد الله الشیرازی باسناده عن الضحاک بن مزاحم قال: لما رأت قریش تقدیم النبی صلی الله علیه و آله علیاً وإعظامه له نالوا من علی علیه السلام , فأنزل الله تعالی: (إن ربک هو أعلم بمن ضل عن سبیله) . وهم النفر الذین قالوا ما قالوا: (وهو أعلم بالمهتدین) . علی بن أبی طالب علیه السلام ((3)) .

ص: 266

{ فَلا تُطِعِ المُکَذِّبِینَ 8 وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَیُدْهِنُونَ 9 وَلا تُطِعْ کُلَّ حَلاف مَهِین10 هَمَّاز مَشَّاء بِنَمِیم 11مَنَّاع لِلْخَیْرِ مُعْتَد أثِیم 12عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِکَ زَنِیم}13 _سورة القلم .

( ولا تطع کل حلاف ): کثیر الحلف بالباطل. ( مهین ): حقیر .( هماز ): عیاب أی مغتاب .

( مشاء بنمیم ): ساع بالکلام بین الناس علی وجه الافساد بینهم. ( مناع للخیر ): بخیل بالمال عن الحقوق . ( معتد ): ظالم . ( أثیم ): آثم .

( عتل ): غلیظ جاف ( بعد ذلک زنیم ) دعی فی قریش ((1)), وهو الولید بن المغیرة ادعاه أبوه بعد ثمانی عشرة سنة, قال ابن عباس: لا نعلم أن الله وصف أحدا بما وصفه به من العیوب فألحق به عارا لا یفارقه أبدا, وتعلق بزنیم الظرف قبله . ( أن کان ذا مال وبنین ) أی لان وهو متعلق بما دل علیه. ( إذا تتلی علیه آیاتنا ): القرآن ( قال ): هی ( أساطیر الأولین ) أی کذب بها لإنعامنا علیه بما ذکر وفی قراءة أأن بهمزتین مفتوحتین . ( سنسمه علی الخرطوم ): سنجعل علی أنفه علامة یعیر بها ما عاش فخطم أنفه بالسیف یوم بدر ((2)) .

ص: 267

فافتخار عبد الرحمن بجده الطاغیة الزنیم بقوله: ( وخالد یزینه الولید ) یدل علی أن قبیلته أهم عنده من الإسلام قاله ابن عباس وأنشد علی ذلک قول الشاعر:زنیم تداعاه الرجال زیادة * کما زید فی عرض الأدیم أکارعه

رواه عبد بن حمید وابن عساکر وبه قال عکرمة وأنشد قول الشاعر:

زنیم لیس یعرف من أبوه * بغی الأم ذو حسب لئیم

وقیل إنه کان له زنمتان حقیقة .

وروی البخاری والنسائی وابن أبی حاتم عن ابن عباس قال: هو رجل من قریش نعت فلم یعرف حتی قیل زنیم وکان له زنمة زائدة فی عنقه یعرف بها ((1)) . قال ابو طالب:

ولید أبوه کان عبدا لجدنا_الی علجة زرقاء جاش بها البحر ((2))

عن سعید بن جبیر عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قول الله عز وجل

( انا کفیناک المستهزئین ) قال المستهزئون الولید بن المغیرة والأسود بن عبد یغوث الزهری والأسود بن المطلب وأبو زمعة من بنی أسد بن عبد العزی والحارث بن عیطل السهمی والعاص بن وائل فأتاه جبریل علیه السلام شکاهم إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فأراه الولید أبا عمرو بن المغیرة فأومأ جبریل إلی أبجله فقال ما صنعت قال کفیته ثم أراه الأسود بن المطلب فأومی جبریل إلی عینیه فقال ما صنعت قال کفیته ثم أراه الأسود بن عبد یغوث

ص: 268

الزهری فأومأ لی رأسه فقال ما صنعت قال کفیته ومر به العاص بن وائل فأومأ إلی أخمصه.

فقال ما صنعت قال کفیته فاما الولید بن المغیرة فمر برجل من خزاعة وهو یریش نبلا له فأصاب أبجله فقطعها واما الأسود بن المطلب فعمی فمنهم من یقول عمی هکذا ومنهم من یقول نزل تحت سمرة فجعل یقول یا بنی ألا تدفعون عنی قد قتلت فجعلوا یقولون ما نری شیئا فلم یزل کذلک حتی عمیت عیناه واما الأسود بن عبد یغوث الزهری فخرج فی رأسه قروح فمات منها واما الحارث بن عیطل فأخذه الماء الأصفر فی بطنه حتی خرج خرؤه من فیه فمات منها واما العاص بن وائل فبینما هو کذلک یوما إذ دخل فی رأسه شبرقة حتی امتلأت منها فمات منها وقال غیره فرکب إلی الطائف علی حمار فربض به علی شبرقة فدخلت فی أخمص قدمه شوکة فقتلته ((1)) . وقال الولید: قتلنی رب محمد صلی الله علیه و آله ((2)) .

وسار خالد علی منهج أبیه الولید فحارب اهل البیت وقتل المسلمین من قبیلة مالک بن نویرة وزنا بنسائهم المسلمات المحصنات . وکان من حزب ابی بکر فارسل الیه عمر شخصا اغتاله فی الشام , أیام اغتیال عمر لابی بکر واصحابه , وکان عمر یدعو علی أعدائه فیقتلهم رجاله خلال شهر ومن

ص: 269

الذین دعا علیهم عمر بالموت کان خالد بن الولید فتحرک جنود عمر وقتلوه فی الشام ((1)) .

( فلا تطع المکذبین ) المرتابین فی اسرار أمیر المؤمنین علی علیه السلام . ( ودوا لو تدهن فیدهنون ) أی أحبوا ان تغش فی علی علیه السلام فیغشون معک ( ولا تطع کل حلاف مهین ) قال الحلاف فلان حلف لرسول الله صلی الله علیه و آله انه لا ینکث عهدا ( هماز مشاء بنمیم ) قال کان ینم علی رسول الله صلی الله علیه و آله وینم بین أصحابه .

العتل عظیم الکفر والزنیم الدعی وقال الشاعر:

زنیم تداعاه الرجال تداعیا * کما زید فی عرض الأدیم الأکارع

زنیم لیس یعرف من أبوه * بغی الام ذو حسب لئیم ((2))

: نزلت فی حق الثانی .

وقال الامام الصادق علیه السلام : عن الاول والثانی: لم یؤمنا بالله طرفة عین أبدا ((3)) .وعندما حدثت المشادَّة بین عمر وعمرو بن العاص(والیه علی مصر ) ذکر ابن العاص نسب عمر بن الخطاب, وفضح عمر نسب عمرو بن العاص الی الزنا , فقد قال ابو عبید القاسم بن سلام:

ص: 270

قال عمر: کم سرت ؟ فقال عمرو: عشرین .فقال عمر: لقد سرت سیر عاشق ؟ ! فقال عمرو: إنِّی واللهِ ما تأبطتنی الإِماء, ولا حملتنی البغایا فی غُبَّرات المآلی . فقال عمر: واللهِ ما هذا بجواب الکلام الذی سألتک عنه, وأنَّ الدجاجة لتفحص فی الرماد, فتضع لغیر الفحل, وإنَّما تنسب البیضة الی طرقها ( فقام عمرو مرَّبد الوجه )((1)) .

وقال عمرو بن العاص واصفاً عمر أمام مسلمی المدینة فی خلافة عثمان: ثمّ ولی الأعسر الأحول ابن حنتمة((2)) . وکانت حنتمة معروفة فی مکة . و نشر بعض علماء السنة ومن هؤلاء السیوطی أسماء الصحابة الشاذین السائرین علی منهج قوم بنی لوط وتسنموا مناصب رفیعة فی الدولة الاسلامیة.

الا أن معظم علماء الشیعة امتنعوا عن الخوض فی أسماء رموز القوم واقتصروا علی ذکر کونهم اولاد زنا وانهم ظالمون لاهل البیت والمسلمین والشریعة .

فی الأنوار النّعمانیة للمحدّث الجزایری عن جلال الدّین السیوطی فی حواشی القاموس عند تصحیح لغة الابنة قال: و کانت فی جماعة فی الجاهلیة أحدهم فلان ((3)) .

وما قاله ابن الاثیر الجزری الکردی و هو من أجلاّء علماء العامة ((4)) .

ص: 271

وما نقله صاحب الاستیعاب...ومنها: ما قاله المحقّق جلال الدین السیوطی فی حواشی القاموس عند تصحیح لغة (الأبْنَة), وقال هناک: وکانت فی جماعة فی الجاهلیة, أحدهم فلان ومثله ما قاله الفاضل وابن الأثیر, وهما من أجلاّء علماء العامة ((1)) .

قال عتبة فی معرکة بدر: ( یا معشر قریش اطیعونی الیوم واعصونی الدهر إنَّ محمداً له آل وذمة وهو ابن عمکم فخلوه والعرب، فان یکن صادقاً فانتم أعلی عیناً به، وان یکن کاذباً کفتکم ذؤبان العرب أمره .

فغاظ ابا جهل قوله وقال له: جبنت وانتفخ سحرک.

فقال عتبة: یا مصفر أسته ((2)) مثلی یجبن) .

تفسیر العیاشی: قال الامام جعفر الصادق علیه السلام فی أن المولود إذا ولد ولم یکن من الشیعة, أثبت الشیطان إصبعه فی دبره فکان مأبونا, وإن کان امرأة أثبت فی فرجها فکانت فاجرة, والله بعد ذلک یمحو ما یشاء ویثبت((3))

ص: 272

. لذا نشاهد انتشار الشذوذ والفجور بین الوهابیین الخوارج باسم جهاد النکاح , فیعتدی کل مائة من عهرتهم علی امرأة مسلمة اسیرة مسبیة بصورة بربریة لا تمارسها القردة والخنازیر .

{ أنْ کَانَ ذَا مَال وَبَنِینَ }14 _سورة القلم:

لا تطعه لاجل ماله وبنینه

وفی روایة أبی الجارود عن الامام ابی جعفر محمد الباقر علیه السلام قال

« السجّین الأرض السابعة » حدثنا أبو القاسم الحسنی قال حدّثنا فرات بن إبراهیم [ عن محمد إبراهیم عن محمد بن الحسین بن إبراهیم ] عن علوان بن محمد قال حدّثنا محمد بن معروف عن السدی عن الکلبی عن جعفر بن محمد صلوات الله علیه فی قوله تعالی ( ان کتاب الفُجّار لفی سجّین ) قال: فلان وفلان وما أدریک ما سجین إلی قوله تبارک وتعالی -: ( الذین یکذّبون بیوم الدین ) الأول والثانی ( وما یُکذّب بها إلاّ کل معتد أثیم إذا تتلی علیه آیاتنا قال أساطیر الأولین ) وهو الأول والثانی کانوا یکذّبون رسول الله صلی الله علیه و آله , إلی قوله تعالی: ( إنهم لصالوا الجحیم ) ثم یقال: ( هذا الذی کنتم به تُکذّبون ) ((1)) .

{ إذَا تُتْلَی عَلَیْهِ آیَاتُنَا قَالَ أسَاطِیرُ الأوَّلِینَ 15سَنَسِمُهُ عَلَی الخُرْطُومِ } 16 _سورة القلم .

ص: 273

قوله: ( وإذا تتلی علیه آیاتنا ) قال: کنی عن فلان ( قال أساطیر الأولین ) أی أکاذیب الأولین ( سنسمه علی الخرطوم ).

قال فی الرجعة إذا رجع أمیر المؤمنین علیه السلام ورجع أعداؤه فیسمهم بمیسم معه کما توسم البهائم علی الخرطوم والانف والشفتین ((1)) .

وکان رجال السقیفة وزعماء قریش یصفون الایات والقصص القرآنیة بأنها أساطیر الاولین اکتتبها لیقنعوا أنفسهم والناس بکذبهم المفضوح .

{ إنَّا بَلَوْنَاهُمْ کَمَا بَلَوْنَا أصْحَابَ الجَنَّةِ إذْ أقْسَمُوا لَیَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِینَ 17 وَلا یَسْتَثْنُونَ } 18 _سورة القلم .

الصرم: القطع .

إنا بلوناهم: أی بلونا مشرکی قریش, یقول: امتحناهم فاختبرناهم, کما بلونا أصحاب الجنة یقول: کما امتحنا أصحاب البستان إذ أقسموا لیصرمنها مصبحین یقول: إذ حلفوا لیصرمن ثمرها إذا أصبحوا . ولا یستثنون: ولا یقولون إن شاء الله . ولا یستثنون: ولا یطعمون مسکینا .

کان أحد المؤمنین یطعم الفقراء من بستانه فاستمرت هذه النعمة الالهیة عنده , وبعدما مات , وجاء وقت الربیع انبهر اولاده من زیادة الثمر فی بستانهم , فقرر اولاده المجیء الی حائطهم صباحا لجنی الثمر علی أن یغلقوا الابواب ویمنعوا الفقراء من دخوله والحصول علی سهمهم مثل

ص: 274

الاعوام السابقة . ولقد انتقم الله تعالی منهم وأطفأ نورهم وأحرق ثمرهم المضیء.

{ فَطَافَ عَلَیْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّکَ وَهُمْ نَائِمُونَ 19 فَأصْبَحَتْ کَالصَّرِیمِ} 20_سورة القلم.

عنی به اللیل الأسود, وقال بعضهم: معنی ذلک: فأصبحت جنتهم محترقة سوداء کسواد اللیل المظلم البهیم .

{ فَتَنَادَوا مُصْبِحِینَ 21 أنِ اغْدُوا عَلَی حَرْثِکُمْ إنْ کُنتُمْ صَارِمِینَ 22 فَانطَلَقُوا وَهُمْ یَتَخَافَتُونَ23 أنْ لا یَدْخُلَنَّهَا الیَوْمَ عَلَیْکُمْ

مِسْکِینٌ } 24 _سورة القلم .

فتنادی هؤلاء القوم وهم أصحاب الجنة . یقول: نادی بعضهم بعضا مصبحین یقول: بعد أن أصبحوا أن اغدوا علی حرثکم وذلک الزرع إن کنتم صارمین یقول: إن کنتم حاصدی زرعکم فانطلقوا وهم یتخافتون یقول: فمضوا إلی حرثهم وهم یتسارون بینهم أن لا یدخلنها الیوم علیکم مسکین .

{ وَغَدَوْا عَلَی حَرْد قَادِرِینَ } 25: _سورة القلم .

فقالوا: لا نطعم مسکینا منه حتی نعلم ما یخرج منه وغدوا علی حرد قادرین علی أمر قد أسسوه بینهم .

قال الشیخ فی التبیان: " وغدوا علی حرد " فالحرد: القصد, قال الحسن: معناه علی جهة من الفاقة . وقال مجاهد: معناه علی جد من أمرهم . وقال سفیان: معناه علی حنق . وقیل معناه علی منع, من قولهم: حاردت السنة: إذا منعت

ص: 275

قطرها, والأصل القصد, وقوله: " قادرین " معناه: مقدرین أنهم یصرمون ثمارها, ویجوز أن یکون المراد: وغدوا علی حرد قادرین عند أنفسهم علی صرام جنتهم .

{ فَلَمَّا رَأوْهَا قَالُوا إنَّا لَضَالُّونَ } 26 _سورة القلم .

لما شاهدوا تحول بستانهم الی هشیم اسود لاموا أنفسهم وقالوا: إنا لضالون .

فحرمهم الله ذلک الرزق بذنب کان منهم ولم یظلمهم شیئا ((1)) .

{ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ 27 قَالَ أوْسَطُهُمْ ألَمْ أقُلْ لَکُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ 28 قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إنَّا کُنَّا ظَالِمِینَ 29فَأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْض یَتَلاوَمُونَ 30 قَالُوا یَا وَیْلَنَا إنَّا کُنَّا طَاغِینَ 31عَسَی رَبُّنَا أنْ یُبْدِلَنَا خَیْراً مِنْهَا إنَّا إلَی رَبِّنَا رَاغِبُونَ 32 کَذَلِکَ العَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أکْبَرُ لَوْ کَانُوا یَعْلَمُونَ 33 _سورة القلم .

عن ابن عباس انه قیل له ان قوما من هذه الأمة یزعمون أن العبد قد یذنب فیحرم به الرزق, فقال ابن عباس: فوالذی لا إله غیره لهذا أنور فی کتاب الله من الشمس الضاحیة ذکره الله فی سورة ن والقلم, انه کان شیخ کانت له جنة وکان لا یدخل بیته ثمرة منها ولا إلی منزله حتی یعطی کل ذی حق حقه, فلما قبض الشیخ وورثه بنوه وکان له خمسة من البنین فحملت جنتهم فی تلک السنة التی هلک فیها أبوهم حملا لم یکن حملته قبل ذلک فراح الفتیة إلی جنتهم بعد صلاة العصر, فأشرفوا علی ثمرة ورزق فاضل لم

ص: 276

یعاینوا مثله فی حیاة أبیهم فلما نظروا إلی الفضل طغوا وبغوا وقال بعضهم لبعض ان ابانا کان شیخا کبیرا قد ذهب عقله وخرف فهلموا نتعاهد ونتعاقد فیما بیننا ان لا نعطی أحدا من فقراء المسلمین فی عامنا هذا شیئا حتی نستغنی وتکثر أموالنا ثم نستأنف الصنعة فیما یستقبل من السنین المقبلة, فرضی بذلک منهم أربعة وسخط الخامس وهو الذی قال الله تعالی: {قال أوسطهم ألم أقل لکم لولا تسبحون } .

فقال الرجل: یا بن عباس کان أوسطهم فی السن ؟ فقال: لا بل کان أصغر القوم سنا وکان أکبرهم عقلا وأوسط القوم خیر القوم, والدلیل علیه فی القرآن انکم یا أمة محمد أصغر الأمم وخیر الأمم قال الله: { وکذلک جعلناکم أمة وسطا } فقال لهم أوسطهم اتقوا الله وکونوا علی منهاج أبیکم تسلموا وتغنموا, فبطشوا به فضربوه ضربا مبرحا فلما أیقن الأخ انهم یریدون قتله دخل معهم فی مشورتهم کارها لأمرهم غیر طائع فراحوا إلی منازلهم ثم حلفوا بالله ان یصرموه إذا أصبحوا ولم یقولوا: إن شاء الله, فابتلاهم الله بذلک الذنب وحال بینهم وبین ذلک الرزق الذی کانوا أشرفوا علیه فأخبر عنهم فی الکتاب فقال: ( إنا بلوناهم, إلی قوله, فأصبحت کالصریم ) قال کالمحترق, فقال الرجل: یا بن عباس ما الصریم ؟ قال: اللیل المظلم ثم قال: لا ضوء له ولا نور فلما أصبح القوم ( تنادوا مصبحین ان اغدوا علی حرثکم ان کنتم صارمین ) قال: ( فانطلقوا وهم یتخافتون ) قال الرجل وما التخافت یا بن عباس ؟ قال: یتسارون بعضهم بعضا لکی لا یسمع أحد غیرهم فقالوا ( لا یدخلنها الیوم علیکم مسکین وغدوا علی حرد قادرین ) وفی أنفسهم ان

ص: 277

یصرموها ولا یعلمون ما قد حل بهم من سطوات الله ونقمته ( فلما رأوها ) وعاینوا ما قد حل بهم ( قالوا أإنا لضالون بل نحن محرومون ) فحرمهم الله ذلک الرزق بذنب کان منهم ولم یظلمهم شیئا فقال أوسطهم: ( ألم أقل لکم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا إنا کنا ظالمین فأقبل بعضهم علی بعض یتلاومون ) قال: یلومون أنفسهم فیما عزموا علیه ( قالوا یا ویلنا إنا کنا طاغین عسی ربنا ان یبدلنا خیرا منها إنا إلی ربنا راغبون ) فقال الله: ( کذلک العذاب ولعذاب الآخرة أکبر لو کانوا یعلمون ) .

{ إنَّ لِلْمُتَّقِینَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِیمِ } 34 _سورة القلم .

بما کانوا یتَّقون فی الدنیا , ویتورعون عن الاثام ویحترزون عن المعاصی .

{ أفَنَجْعَلُ المُسْلِمِینَ کَالمُجْرِمِینَ35 مَا لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ }36

العدالة توجب أن لا نجعل المسلمین کالمجرمین فی الجزاء والثواب .

{ أمْ لَکُمْ کِتَابٌ فِیهِ تَدْرُسُونَ }37 _سورة القلم .

کتاب خاص بکم یعلمکم هذا العلم الخطأ, وتترکون القرآن الکریم .

{ إنَّ لَکُمْ فِیهِ لَمَا َتَخَیَّرُونَ } 38

أم لکم کتاب فیه تدرسون, بأن لکم فیه ما تریدون وتخیرون .

{ أمْ لَکُمْ أیْمَانٌ عَلَیْنَا بَالِغَةٌ إلَی یَوْمِ القِیَامَةِ إنَّ لَکُمْ لَمَا تَحْکُمُونَ} 39:

هل حلف الرحمن لکم بالأیمان المغلظة أن یدخلکم الجنة, وأعطاکم الوعود والعهود فی ذلک . هل لکم عهود ومواثیق علینا, تواثقنا علیها وعاهدناکم بها إلی یوم القیامة .

{سَلْهُم أیُّهُمْ بِذَلِکَ زَعِیمٌ } 40 _سورة القلم .

ص: 278

أیهم کفیل و ضامن بأن لهم فی الآخرة ما للمسلمین من الحقوق .

أی سل الحاکمین بمجرّد رأیهم واختیارهم أیّهم زعیم بذلک

الحکم قائم به یدّعیه ویصحّحه بحیث لا یتوجّه إلیه اللّوم والعقوبة به((1)) .

{ أمْ لَهُمْ شُرَکَاءُ فَلْیَأتُوا بِشُرَکَائِهِمْ إنْ کَانُوا صَادِقِینَ }41

أم لهم أصنام شرکاء فی العبادة مع الله, فلیأتوا بهؤلاء الشرکاء إن کانوا جادین فی أنها شرکاء الله . بینما قال تعالی: { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ 1* اللّهُ الصَّمَدُ 2* لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ 3* وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَدٌ4* }_سورة الاخلاص.

{ یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاق }_سورة القلم :

والساق: وجه الأمر وشدته .

عن أبی الحسن علیه السلام فی قوله عز وجل: ( یوم یکشف عن ساق ) قال: حجاب من نور یکشف, فیقع المؤمنون سجدا, وتدمج أصلاب المنافقین فلا یستطیعون السجود ((2)) .

ومعنی قوله: یکشف عن ساق أی عن شدة, فهذا هو الوجه لیس ما تأولوه . یکشف عن الامور التی خفیت وما غصبوا آل محمد حقهم .

وقال الشیخ المفید: معنی قوله تعالی: ( یوم یکشف عن ساق ) یرید به یوم القیامة [ یکشف فیه ] عن أمر شدید صعب عظیم, وهو الحساب والمداقة

ص: 279

علی الأعمال, والجزاء علی الأفعال, وظهور السرائر وانکشاف البواطن, والمداقة علی الحسنات والسیئات, فعبر بالساق عن الشدة, ولذلک قالت العرب فیما عبرت به عن شدة الحرب وصعوبتها: ( قامت الحرب علی ساق ) و ( قامت الحرب بنا علی ساق ) وقال شاعرهم أیضا وهو سعد بن خالد: کشفت لهم عن ساقها * وبدا من الشر الصراح((1)).

{ وَیُدْعَوْنَ إلَی السُّجُودِ فَلا یَسْتَطِیعُونَ } 42 _سورة القلم .

السجود عقوبة لهم لعدم طاعتهم فی الدنیا ((2)) .

و قد تطابقت ألسنة الأنبیاء والرسل علیهم السّلام علی القول بالمعاد الجسمانیّ, ونطق به الکتاب العزیز کقوله تعالی « یَوْمَ یَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْداثِ سِراعاً کَأَنَّهُمْ إِلی نُصُبٍ یُوفِضُونَ خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ »

الآیة ونحوه, واتّفق المسلمون علی القول به, وأمّا الحکماء فالمشهور من مذهبهم منع المعاد الجسمانیّ بناء علی أنّ المعدوم لا یعاد بعینه لامتناع عود أسبابه بأعیانها من الوقت والدورة الفلکیّة المعینّة وغیرهما . وربّما قال بعض حکماء الإسلام بجواز عود المثل وربّما قلَّد بعضهم ظاهر الشریعة فی أمر المعاد الجسمانیّ وإثبات السعادة والشقاوة البدنیّة مع الروحانیّة, وقال

ص: 280

الرئیس أبو علیّ بن سینا فی کتاب الشفاء ما هذه حکایة ألفاظه: « یجب أن یعلم أنّ المعاد منه ما هو المقبول من الشرع ولا سبیل إلی إثباته إلَّا من طریق الشریعة وتصدیق خبر النبوّة وهو الَّذی للبدن عند البعث وخیرات البدن وشروره معلومة لا تحتاج أن تعلم . وقد بسطت الشریعة الحقة الَّتی أتانا بها سیّدنا ومولانا محمّد صلی الله علیه و آله حال السعادة والشقاوة اللتین بحسب البدن, ومنه ما هو مدرک بالعقل والقیاس البرهانیّ, وقد صدّقه النبوّة وهو السعادة والشقاوة البالغتان الثابتتان بالمقاییس اللتان للأنفس وإن کانت الأوهام منّا یقصر عن تصوّرها الآن لما توضح من العلل, والحکماء الالهیّون رغبتهم فی إصابة هذه السعادة أعظم من رغبتهم فی إصابة السعادة البدنیّة بل کأنّهم لا یلتفتون إلی تلک وإن أعطوها ولا یستعظمونها فی جنبة هذه السعادة الَّتی هی مقاربة الحقّ الأوّل » واعلم أنّ الَّذی ذکره علیه السلام هنا صریح فی إثبات المعاد الجسمانیّ ولواحقه .

فقوله: أخرجهم من ضرایح القبور وأوکار الطیور وأوجرة السباع ومطارح المهالک . إشارة إلی جمعه لأجزاء أبدان الناس بعد تشذّ بها وتفرّقها فیخرج من کان قبر من ضریح قبره ومن کان أکیل طیر أو سبع أو مقتولا فی مطرح الهلاک من معرکة الحرب أو غیرها أخرجه من ذلک المکان وجمع أجزاءه وألَّف بینها .

فإن قلت: إذا أکل إنسان إنسانا واغتذی به فصارت أجزاء بدنه أجزاء بدن آکله فکیف یمکن إعادتهما لأنّ تلک الأجزاء فی أیّ بدن منهما أعیدت لزم نقصان الآخر وبطلانه .

ص: 281

قلت: مذهب محقّقی المتکلَّمین أنّ فی کلّ بدن واحد أجزاء أصلیّة باقیة من أوّل العمر إلی آخره لا تتغیّر ولا تتبدّل, وأجزاء فضیلة فإذا أعیدا یوم القیامة فما کان أصلیّا من الأجزاء لبدن المأکول فهو فضلیّ لبدن الآکل فیردّ إلیه من غیر أن ینقص من الأجزاء الأصلیّة للآکل شیء ولا عبرة بالفاضلة . وباقی الفصل غنیّ عن البیان, وقال بعض الفضلاء: إنّه ربّما احتملت هذه الألفاظ أن یسلَّط علیها من التأویل ما یناسب مذهب القائلین بالمعاد الروحانیّ

((1)) .

{ خَاشِعَةً أبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ کَانُوا یُدْعَوْنَ إلَی السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }43 _سورة القلم:

یصیبهم الذل وکانوا أصحاء فلا یسجدون ولا یصلون لیفضحهم الله تعالی .

تفسیر علی بن إبراهیم: " یوم یکشف عن ساق ویدعون إلی السجود " قال: یکشف عن الأمور التی خفیت وما غصبوا آل محمد حقهم " ویدعون إلی السجود " قال: یکشف لأمیر المؤمنین علیه السلام فتصیر أعناقهم مثل صیاصی البقر, یعنی قرونها, فلا یستطیعون أن یسجدوا وهو عقوبة لهم لأنهم لم یطیعوا الله فی الدنیا فی أمره, وهو قوله تعالی: " وقد کانوا یدعون إلی السجود وهم سالمون " قال: إلی ولایته فی الدنیا وهم یستطیعون ((2)) .

ص: 282

{ فَذَرْنِی وَمَنْ یُکَذِّبُ بِهَذَا الحَدِیثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ } 44_سورة القلم:

فذرنی والمکذبین أی: أوکل أمرهم إلی, کما یقولون . دعنی وإیاه, یقول . خل بینی وبین من یکذب بهذا القرآن والرسول, ولا تشغل قلبک به, فإنی أکفیک أمره ( سنستدرجهم من حیث لا یعلمون ) أی سنأخذهم إلی العقاب مکرا منا بهم کما کانوا یمکرون .

قال أبو عبد الله علیه السلام : إن الله إذا أراد بعبد خیرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمة ویذکره الاستغفار, وإذا أراد بعبد شرا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمه لینسیه الاستغفار, ویتمادی بها, وهو قول الله عز وجل: " سنستدرجهم من حیث لا یعلمون " بالنعم عند المعاصی ((1)) .

لذا نری المجرمین یسارعون فی کثرة المعاصی والاثام والموبقات فی صحائفهم ویستهوون السرقة والخیانة والقتل والزنا والشذوذ .

{وَاُمْلِی لَهُمْ إنَّ کَیْدِی مَتِینٌ } 45 _سورة القلم .

المکر والکید الالهی للعاصین متین فلا یستطیعون الهرب من قبضته.

قال تجدید النعم عند المعاصی وقوله ( وأملی لهم ) ای اصبر لهم ( ان کیدی متین ) ای عذابی شدید ثم قال ( أو لم یتفکروا ) یعنی قریش ( ما بصاحبهم من جنة ) یعنی رسول الله صلی الله علیه و آله ای ما هو مجنون کما یزعمون .

ص: 283

تفسیر: الإملاء: الإمهال ( وأملی لهم ) أی أمهلهم ولا أعاجلهم بالعقوبة, فإنهم لا یفوتونی .

وعن الحسین بن الحسن, قال: قلت لأبی الحسن الرضا علیه السلام :

إنی ترکت ابن قیاما ((1)) من أعدی خلق الله لک . قال: ذلک شر له . قلت: ما أعجب ما أسمع منک جعلت فداک ! قال: أعجب من ذلک إبلیس, کان فی جوار الله عز وجل فی القرب منه, فأمره فأبی وتعزز وکان من الکافرین, فأملی الله له . والله ما عذب الله بشئ أشد من الإملاء . والله یا حسین, ما عذبهم الله بشئ أشد من الإملاء ((2)) .

وفی الحدیث أنّ الله یمهل ولا یهمل ((3)) .

یحیی بن عبید الله, باسناده عن أبی شیرین, أنه تلا قول الله عز وجل :

سنستدرجهم من حیث لا یعلمون . وأملی لهم إن کیدی متین " .

فقال: ان لم یکن هؤلاء معاویة وأصحابه فلسنا ندری من هم ؟ ((4)) .

ص: 284

وقد أملی الله تعالی لامور لاعداء أهل البیت فتربعوا علی الخلافة وساسوا البلاد بعنجهیة ونهبوا الاموال وخالفوا الشریعة وقربوا المنافقین وابعدوا الصالحین السابقین الی الاسلام وقتلوا المؤمنین والمؤمنات المخالفین لهم مثل فاطمة سیدة نساء العالمین علیها السلام وسعد بن عبادة والحباب بن المنذر وبلال الحبشی وابا ذر وعبد الله بن مسعود .

{ أمْ تَسْألُهُمْ أجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَم مُثْقَلُونَ } 46 _سورة القلم .

ثم خاطب الله تعالی النبی ( صلی الله علیه و آله ) فقال علی وجه التوبیخ للکفار . ( أم تسألهم أجرا ) هذا عطف علی قوله: ( أم لکم کتاب فیه تدرسون ) .

اذن لماذا هم مثقلون والرسالة الاسلامیة ترفعهم من الظلمات الی النور وأنت لا ترید منهم أجرا مادیا ؟

فلأجل ذلک من الغرامة المالیّة مکلَّفون حملا ثقیلا فیعرضون عنک ویبغضوک لاجل الغرامة المالیة التی وضعتها علیهم بینما لم یطلب منهم النبی مالا فلماذا هذا الفرار من الاسلام ؟

أی یقع علیهم الغرم الثقیل وقوله ( وان للذین ظلموا, آل محمد حقهم_ عذابا دون ذلک ) قال عذاب الرجعة بالسیف .

أثقلهم ذلک الغرم الذی تسألهم, فمنعهم ذلک عن الإیمان بک .

وأصل المغرم لزوم الامر, ومنه قوله " إن عذابها کان غراما " أی لازما, وحب غرام أی لازم, والغریم کل واحد من المتداینین, وغرمته کذا ألزمته إیاه فی ماله .

ص: 285

عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام ، قال: قال ( والَّذِینَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَیْءٍ ), قال: « الذین آمنوا النبی صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علیه السلام ، وذریته الأئمة والأوصیاء ( علیهم السلام ), ألحقنا بهم ولم تنقص ذریتهم الحجة التی جاء بها محمد صلی الله علیه و آله فی علی علیه السلام ، وحجتهم واحدة, وطاعتهم واحدة » .

{ أمْ عِنْدَهُمُ الغَیْبُ فَهُمْ یَکْتُبُونَ } 47 _سورة القلم .

أم عندهم غیب المستقبل فیکتبونه من شخص لاخر .

( أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَیْبُ ) والمغیبات ( فَهُمْ یَکْتُبُونَ ) منه ما یحکمون به من أباطیلهم . وکانت قریش أمیین فکیف جعلهم یکتبون . الجواب: أن معنی الکتابة هنا الحکم یرید أعندهم علم الغیب فهم یحکمون فیقولون سنقهرک ونطردک, وتکون العاقبة لنا لا لک ((1)) .

قال قوم: إن قوله " أم عندهم الغیب فهم یکتبون " جواب لقولهم إن کان امر الآخرة علی ما تدعون حقا فلنا الجنة کقولهم " ولئن رجعت إلی ربی إن لی عنده للحسنی " ((2)) .

أی: أعندهم الغیب حتی علموا ان محمدا صلی الله علیه و آله یموت قبلهم ؟ وهذا جواب لقولهم: ( نتربص به ریب المنون ).

ص: 286

وقال نجاح الطائی: أم عندهم اللوح المحفوظ فی المغیبات فهم به یحکمون ویدیرون أعمالهم وأمورهم .

وکان الجهل مستشریا فی الحجاز قبل الاسلام فلم یعرف القراءة والکتابة عندهم الا سبعة عشر شخصا.

{فَاصْبِرْ لِحُکْمِ رَبِّکَ وَلا تَکُنْ کَصَاحِبِ الحُوتِ إذْ نَادَی وَهُوَ مَکْظُومٌ 48لَوْلا أنْ تَدَارَکَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} 49_سورة القلم:

یعنی یونس علیه السلام أی لا تکن مثله فی استعجال عقاب قومه, وإهلاکهم, ولا تخرج من بین قومک من قبل أن یأذن لک الله کما خرج هو ( إذ نادی وهو مکظوم ) أی دعا ربه فی جوف الحوت, وهو محبوس عن التصرف فی الأمور والذی نادی به قوله: ( لا إله إلا أنت سبحانک إنی کنت من الظالمین ) وقیل: مکظوم أی مختنق بالغم إذ لم یجد لغیظه شفاء .

( لولا أن تدارکه نعمة من ربه ) أی أدرکته رحمة الهیة خلصته بطن الحوت, ( لنبذ ) أی طرح ( بالعراء ) أی الفضاء ( وهو مذموم ) ملوم ملیم قد أتی بما یلام علیه, ولکن الله تعالی أدرکه بنعمة منه, فطرح بالعراء, وهو غیر مذموم .

{ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِینَ } 50 _سورة القلم .

حیث بعثه نبیا من الصالحین .

{وَإِنْ یَکَادُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَیُزْلِقُونَکَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّکْرَ وَیَقُولُونَ إِنَّهُ لََمجْنُونٌ }_51 سورة القلم .

ص: 287

وَإنْ یَکَادُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَیُزْلِقُونَکَ بِأبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّکْرَ ): فضل علی علیه السلام (وَیَقُولُونَ) عن النبی محمد صلی الله علیه و آله (إنَّهُ لَمَجْنُونٌ51) .

:(وَإِنْ یَکَادُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَیُزْلِقُونَکَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّکْرَ وَیَقُولُونَ إِنَّهُ لََمجْنُونٌ) ((1)). جاء بأنّها نزلت فی أبی بکر وعمر((2)).

وواصلت عائشة ذکر قصص مختلقة تبین رسول الله صلی الله علیه و آله بالمجنون:

إذ جاء عن عروة عن عائشة أنّ رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) کان یرید أن یلقی بنفسه من حالق جبل , قائلا ( صلی الله علیه و آله ): إنّ الأبعد یعنی نفسه لشاعر أو مجنون لا تحدِّث بها عنّی قریش أبداً ((3)) .

وقال تعالی عن هؤلاء:{وَیَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِکُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِر مَجْنُون}((4)).

مرَّ الإمام الصادق علی ماء الغدیر فقال: هنا موضع قدم رسول الله حیث قال: من کنت مولاه فهذا علی مولاه , اللهم وال من والاه وعاد من عاداه

ص: 288

((1)) . ثم نظر الی الجانب الآخر فقال: ذاک موضع فسطاط أبی فلان وفلان ((2)) وسالم مولی أبی حذیفة وابی عبیدة بن الجراح , فلما راوه صلی الله علیه و آله رافعاً

ص: 289

یده قال بعضهم: انظروا الی عینیه تدوران کأنهما عینا مجنون , فنزل جبرائیل بهذه الآیة: (وَإنْ یَکَادُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَیُزْلِقُونَکَ بِأبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّکْرَ وَیَقُولُونَ إنَّهُ لَمَجْنُونٌ , وَمَا هُوَ إلا ذِکْرٌ لِلْعَالَمِینَ)((1)) .

{وَمَا هُوَ إلا ذِکْرٌ لِلْعَالَمِینَ }52 _سورة القلم .

عن الامام ابی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قوله عز وجل:

" قل ما أسألکم علیه من أجر وما أنا من المتکلفین إن هو إلا ذکر للعالمین " قال: هو أمیر المؤمنین علیه السلام " ولتعلمن نبأه بعد حین ((2)) ".

قال: عند خروج القائم علیه السلام . وفی قوله عز وجل: " ولقد آتینا موسی الکتاب فاختلف فیه ((3)) ".

قال: اختلفوا کما اختلفت هذه الأمة فی الکتاب وسیختلفون فی الکتاب الذی مع القائم الذی یأتیهم به حتی ینکره ناس کثیر فیقدمهم فیضرب أعناقهم ((4)) .

ص: 290

قال الله تعالی: (وَمَا هُوَ): عن علی (إلا ذِکْرٌ لِلْعَالَمِینَ } ومن کانت هذه صفاته فی القرآن وعند أعدائه وأنصاره فهو الولی الأعظم للمسلمین, مثلما قال النبی صلی الله علیه و آله :

من کنت مولاه فهذا علی مولاه, اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه, وانصر من نصره واخذل من خذله, وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه((1))

.

ص: 291

ص: 292

وذکر الذهبی الکردی بیعة عمر وأصحابه للامام علی علیه السلام فی الغدیر ثم غلبة الهوی وحب الریاسة علیهم بعد شهادة النبی صلی الله علیه و آله :

ذکر ابو حامد الغزالی فی کتابه سر العالمین وکشف ما فی الدارین فقال: فی حدیث من کنت مولاه فهذا علی مولاه : انَّ عمر قال لعلی: بخ بخ أصبحت مولی کل مؤمن . وقال ابو حامد:

هذا تسلیم ورضی ثم بعد هذا غلب الهوی حباً للریاسة, وعقد البنود وأمر الخلافة ونهیها, فحملهم علی الخلاف فنبذوه وراء ظهورهم, واشتروا به ثمناً قلیلا فبئس ما یشترون ((1)) .

ص: 293

{ وَمَا أدْرَاکَ مَا الحَاقَّةُ } 3: زیادة فی التهویل, أی: إنک لا تعلم عظمتها وکنهها, فإنها أعظم من أن یبلغها احاطة ودرایة .

قال الحاقة الحذر لنزول العذاب والدلیل علی ذلک قوله: وحاق بآل فرعون سوء العذاب ((1)) . یقال للمعلوم ما أدراک, ولما لیس بمعلوم: وما یدریک فی جمیع القرآن .

{ کَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالقَارِعَةِ 4 فَأمَّا ثَمُودُ فَاُهْلِکُوا بِالطَّاغِیَةِ} 5 _سورة الحاقة. قال ابن عباس: القارعة اسم من أسماء القیامة, وسمیت القارعة, لأنها تقرع قلوب العباد بالمخافة إلی أن یصیر المؤمنون إلی الامن.

( فأما ثمود ) وهم قوم النبی صالح علیه السلام ( فأهلکوا بالطاغیة ) أی أهلکوا بکفرهم وطغیانهم .

{ وَأمَّا عَادٌ فَاُهْلِکُوا بِرِیح صَرْصَر عَاتِیَة6 سَخَّرَهَا عَلَیْهِمْ سَبْعَ لَیَال وَثَمَانِیَةَ أیَّام حُسُوماً فَتَرَی القَوْمَ فِیهَا صَرْعَی کَأنَّهُمْ أعْجَازُ نَخْل خَاوِیَة } 7 _سورة الحاقة.

بِرِیح صَرْصَر عَاتِیَة: ریح باردة وقویة .

{سَبْعَ لَیَال وَثَمَانِیَةَ أیَّام حُسُوماً } : متتابعة لا فتور فیها .

{کَأنَّهُمْ أعْجَازُ نَخْل خَاوِیَة }: تحولوا الی ما یشبه أصول النخل البالیة النخرة لا قوة فیها ولا فائدة جزاءً لکفرهم وظلمهم العباد .

{ فَهَلْ تَرَی لَهُمْ مِنْ بَاقِیَة } _سورة الحاقة. 8:

ص: 295

أین هم الان ؟ لا اثر لهم فی الحیاة بعدما اصابهم العقاب الالهی .

لقد تحولوا الی موتی صامتین مقهورین تحوم حولهم الدود والحیات .

{ وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِکَاتُ بِالخَاطِئَةِ }9 _سورة الحاقة.

المؤتفکات: البصرة, والخاطئة: فلانة (عائشة) فی بحار الانوار و تفسیر القمی ((1)) .

جاء فی بیان المجلسی: وأما تأویل الذی ذکره علی بن إبراهیم فقد رواه مؤلف تأویل الآیات الباهرة, بإسناده, عن حمران, قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقرأ: وجاء فرعون, یعنی الثالث, ( ومن قبله ), یعنی الاولین, والمؤتفکات, أهل البصرة, فالمراد بمجئ الاولین والثالث بعائشة أنهم أسسوا لها بما فعلوا من الجور علی أهل البیت علیهم السلام أساسا به تیسر لها الاعتداء علی أمیر المؤمنین علیه السلام , ولولا ما فعلوا لم تکن تجترئ علی ما فعلت ((2)) .

وقد وصف رسول الله صلی الله علیه و آله عثمان بأنّه فرعون هذه الأمّة قائلا:

ص: 296

لکلّ أمّة فرعون وعثمان فرعون هذه الأمّة ((1)) .

وقد وصف عمرُ عثمان قائلا: إنه فرعون هذه الأمّة ((2)).

الطوسی: ( وجاءَ فِرْعَوْنُ ) وقومه العاصون لموسی علیه السلام ( ومَنْ قَبْلَه ) من قوم نوح علیه السلام ونحوهم ( والْمُؤْتَفِکاتُ ) أی قری لوط التی قلبت, من « ائتفک » أی انقلب, والمراد أهل تلک القری ( بِالْخاطِئَةِ ) أی بالخطإ, فإنها مصدر « خطأ » أو المراد بالخصلة الخاطئة نسبت الخطأ إلیها مجازا بعدما کان منسوبا إلی القوم ((3)) .

وقال نجاح الطائی: أنا أمیل الی الرأی الاول الذی ذکره العلماء عن عثمان وعن مؤتفکات البصرة .

للمؤیدات الکثیرة فی هذا الموضوع .

{ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِیَةً }10_سورة الحاقة.

أخذة رابیة أی قویة وشدیدة مثلما زادت قبائحهم فی القبح .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : إن الله تعالی یمهل الظالم حتی یقول أهملنی, ثم إذا أخذه أخذة رابیة, وقال صلی الله علیه و آله إن الله تعالی حمد نفسه عند هلاک الظالمین

ص: 297

فقال: " فقطع دابر القوم الذین ظلموا والحمد لله رب العالمین " وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : لا یکبرن علیک ظلم من ظلمک, فإنما یسعی فی مضرته ونفعک, ولیس جزاء من سرک أن تسوءه, و من سل سیف البغی قتل به, ومن حفر بئرا لأخیه وقع فیها, ومن هتک حجاب أخیه انتهکت عورات بیته بئس الزاد إلی المعاد العدوان علی العباد, وقال علیه السلام : أذکر عند الظلم عدل الله فیک, وعند القدرة قدرة الله علیک .

إعلام الدین: قال النبی صلی الله علیه و آله : إن الله یمهل الظالم حتی یقول قد أهملنی, ثم یأخذه أخذة رابیة إن الله حمد نفسه عند هلاک الظالمین, فقال: " فقطع دابر القوم الذین ظلموا والحمد لله رب العالمین((1)) .

لقد انتقم الجبار الجلیل من کل قوم عصوا رسولهم المبعوث الیهم من السماء لکن الاجیال اللاحقة لهم لم تعتبر ولم تتعظ من النقم والعقوبات الالهیة .

{ إنَّا لَمَّا طَغَی المَاءُ حَمَلْنَاکُمْ فِی الجَارِیَةِ } 11 _سورة الحاقة.

حملناکم فی سفینة نوح وانجیناکم من الغرق .

علی بن إبراهیم: فی روایة أبی الجارود, عن الامام ابی جعفر محمد الباقر علیه السلام ، فی قوله تعالی: ( فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِیَةً ) :« [ والرابیة ] التی أربت علی ما صنعوا » .قوله تعالی: ( إِنَّا لَمَّا طَغَی الْماءُ حَمَلْناکُمْ فِی الْجارِیَةِ ).

ص: 298

علی بن إبراهیم: قوله تعالی: ( إِنَّا لَمَّا طَغَی الْماءُ حَمَلْناکُمْ فِی الْجارِیَةِ ) یعنی أمیر المؤمنین علیه السلام وأصحابه ((1)) .

لِنَجْعَلَهَا لَکُمْ تَذْکِرَةً وَتَعِیَهَا اُذُنٌ وَاعِیَةٌ12 {_سورة الحاقة.

قال النبی صلی الله علیه و آله للامام علی علیه السلام : { سألت الله تعالی أن یجعل أُذنک واعیة فجعلها » ((2))

.

ص: 299

وفی معرکة أحد قال جبرئیل ( علیه السلام ) : یا رسول الله إن هذه للمواساة , فقال رسول الله (عن علی علیه السلام ) : " إنه منی وأنا منه ((1)) : قال جبرائیل : وأنا منکما , قال : فسمعوا صوتا :

لا سیف إلا ذو الفقار _ ولا فتی إلا علی " ((2))

ص: 300

ص: 301

وقال عمر بن الخطّاب: « لولا سیفه (علی) لما قام عمود الإسلام ((1)) .

وعندما حاول بعض الناس الشکوی من علی علیه السلام بغیة التشویش علی مقامه هذا ومنزلته, قال رسول الله صلی الله علیه و آله : ما تریدون من علی ... ؟ » ردّدها, ثم قال: إنّ علیاً منّی وأنا منه » ((2)) .

ص: 302

قوله تعالی: {وتَعِیَها أُذُنٌ واعِیَةٌ }[ 12 ] _الحاقة .

سعد بن عبد الله: عن الحسن بن موسی الخشاب, عن علی بن حسان, عن عبد الرحمن بن کثیر, عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام ، فی قول الله عز وجل: وتَعِیَها أُذُنٌ واعِیَةٌ ), قال: « وعتها أذن أمیر المؤمنین علیه السلام من الله و ما کان وما یکون » ((1)) .

وعن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام ، قال: « لما نزلت وتَعِیَها أُذُنٌ واعِیَةٌ ) قال رسول الله صلی الله علیه و آله : أذنک یا علی » ((2)) .

وعن علی علیه السلام ، قال: « أنا الأذن الواعیة, یقول الله عز وجل: {وتَعِیَها أُذُنٌ

واعِیَةٌ } ((3)) .

ومن أجل قطع الطریق أمام المشکّکین بهذه المنزلة الرفیعة التی أنزل الله تعالی فیها علیاً علیه السلام , ولترسیخ وتأکید ولایته وخلافته بعد النبی, فی کل ما

ص: 303

یهمّ المسلمین من أجل ذلک جاء قوله تعالی: (إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ ءَامَنُواْ الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلَوةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَوةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ ) ((1))

.

والولایة أصل الدین وسائر الشرائع فروع وتوابع لها وعدم تبلیغ الأصل موجب لعدم تبلیغ الفرع .

{ فَإذَا نُفِخَ فِی الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } 13 _سورة الحاقة.

فهی النفخة الأولی التی تاذن ببدایة یوم القیامة ویصعق لها من فی السماوات ومن فی الأرض .

وعن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام قال: یوم الوقت المعلوم یوم ینفخ فی الصور نفخة واحدة فیموت إبلیس ما بین النفخة الأولی والثانیة ((2)).

تفسیر العیاشی: عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن قوله تعالی: " وإن من قریة إلا نحن مهلکوها قبل یوم القیمة أو معذبوها عذابا شدیدا " قال: إنما أمة محمد من الأمم, فمن مات فقد هلک ((3)).

{ وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالجِبَالُ فَدُکَّتَا دَکَّةً وَاحِدَةً 14 فَیَوْمَئِذ وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ } 15 _سورة الحاقة.

ص: 304

یضرب الله تعالی بعضها ببعض فتصبح غبارا وعندها تبدأ القیامة . ضرب بعضها ببعض حتی تفتتت الجبال, وسفتها الریاح, وبقیت الأرض شیئا واحدا, لا جبل فیها, ولا رابیة, بل تکون قطعة مستویة .

{ وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِیَ یَوْمَئِذ وَاهِیَةٌ } 16 _سورة

الحاقة.

انفتحت السماء فتصبح ضعیفة واهیة .

قال الرازی: لنزول الملائکة ( فهی یومئذ واهیة ) أی مسترخیة ساقطة القوة کالعهن المنفوش بعدما کانت محکمة شدیدة ((1)) .

{وَالمَلَکُ عَلَی أرْجَائِهَا وَیَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّکَ فَوْقَهُمْ یَوْمَئِذ ثَمَانِیَةٌ } 17 _سورة الحاقة:

والملائکة فی ارجاء (جوانب ) السماء تنتظر الاوامر الالهیة فی سوق المتقین الی الجنة وسوق الکفار الی النار .

أی علی أطرافها ونواحیها, والملک اسم یقع علی الواحد والجمع, والسماء مکان الملائکة فإذا وهت صارت فی نواحیها, وقیل: إن الملائکة یومئذ علی جوانب السماء تنتظر ما یؤمر به فی أهل النار وأهل الجنة .

وعن أبی عبد الله الامام جعفر الصادق علیه السلام قال: حملة العرش ( والعرش: العلم ) ثمانیة: أربعة منا وأربعة ممن شاء الله ((2)) .

ص: 305

قال: حملة العرش ثمانیة أربعة من الأولین وأربعة من الآخرین فاما الأربعة من الأولین نوح وإبراهیم وموسی وعیسی, والأربعة من الآخرین محمد وعلی والحسن والحسین علیهم السلام, ومعنی یحملون العرش یعنی العلم

وقال ابن عباس ( یحمل عرش ربک فوقهم یومئذ ثمانیة ) صفوف من الملائکة لا یعلم عددهم إلا الله . وروی فی خبر مرفوع عن النبی صلی الله علیه و آله أنه یحمل العرش ثمانیة أملاک ((1)) .

کتاب الخصال فی سؤال بعض الیهود علیا علیه السلام عن الواحد إلی المأة قال له الیهودی: فربک یحمل أو یحمل ؟ قال: إن ربی یحمل کل شئ بقدرته, ولا یحمله شئ, قال: فکیف قوله عز وجل: ویحمل عرش ربک فوقهم یومئذ ثمانیة قال: یا یهودی ألم تعلم أن لله ما فی السماوات وما فی الأرض وما بینهما وما تحت الثری, فکل شئ علی الثری, والثری علی القدرة, والقدرة تحمل کل شئ ((2)).

وعن سلمان الفارسی أنه قال: سأل بعض النصاری أمیر المؤمنین علیه السلام عن مسائل فأجابه عنها, فکان فیما سأله أن قال له: أخبرنی عن ربک أیحمل أو یحمل ؟ فقال علیه السلام : ربنا جل جلاله یحمل ولا یحمل, قال النصرانی: وکیف

ص: 306

ذلک ونحن نجد فی الإنجیل: " ویحمل عرش ربک فوقهم یومئذ ثمانیة " ؟ فقال علی علیه السلام : ان الملائکة تحمل العرش ولیس العرش کما تظن کهیئة السریر ولکنه شئ محدود مخلوق مدبر, وربک عز وجل مالکه, لا انه علیه ککون الشئ علی الشئ, وامر الملائکة بحمله یحملون العرش بما أقدرهم علیه, قال النصرانی: صدقت رحمک الله ((1)).

وعن حملة العرش من أهل البیت قال النبی محمد صلی الله علیه و آله : أنا مدینة العلم وعلی بابها ((2)). بینما تصور النواصب أن العرش سریر یجلس علیه رب

ص: 307

العالمین .علیه قال رسول الله صلی الله علیه و آله : قال الله جل جلاله: ما آمن بی من فسر برأیه کلامی ((1)) .

{ یَوْمَئِذ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَی مِنْکُمْ خَافِیَةٌ } 18 _سورة الحاقة.

أی لا یخفی علیه شیء والتقدیر لا یخفی علیه شئ منکم نفس خافیة وروی فی الخبر عن ابن مسعود وقتادة أن الخلق یعرضون ثلاث عرضات : ثنتان فیهما معاذیر وجدال, والثالثة تطیر الصحف من الأیدی, فآخذ بیمینه وآخذ بشماله, ولیس یعرض الله الخلق لیعلم من حالهم ما لم یعلمه, ولکن لیظهر ذلک لخلقه " فأما من أوتی کتابه بیمینه فیقول " لأهل القیامة : " هاؤم " أی تعالوا " اقرؤا کتابیه " إنما یقوله سرورا بهم لعلمه بأنه لیس فیه إلا الطاعات فلا یستحیی أن ینظر فیه غیره " إنی ظننت " أی علمت وأیقنت فی الدنیا " أنی ملاق حسابیه " .

.{ فَأمَّا مَنْ اُوتِیَ کِتَابَهُ بِیَمِینِهِ فَیَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَأُوا کِتَابِیَ19 } _سورة

الحاقة.

( فاما من أوتی کتابه بیمینه ) فإنه قال الصادق علیه السلام : کل أمة یحاسبها إمام زمانها ویعرف الأئمة أولیاءهم وأعداءهم بسیماهم وهو قوله تعالی :

" وعلی الأعراف رجال " وهم الأئمة " یعرفون کلا بسیماهم " فیعطون أولیاءهم کتابهم بیمینهم فیمرون إلی الجنة بلا حساب, ویعطون أعداءهم کتابهم بشمالهم فیمرون إلی النار بلا حساب فإذا نظر أولیاؤهم فی کتابهم

ص: 308

یقولون لإخوانهم . والیمین اثبات الامامة لأنه کتاب یقرئه ان الله یقول: ( فمن اوتی کتابه بیمینه فیقول هاؤم اقرأوا کتابیه انی ظننت انی ملاق حسابیه ) إلی آخر الآیة, والکتاب الامام, فمن نبذه وراء ظهره کان کما قال ( فنبذوه وراء ظهورهم ) ومن أنکره کان من أصحاب الشمال الذین قال الله: ( ما أصحاب الشمال فی سموم وحمیم وظل من یحموم ) إلی آخر الآیة ((1)) .

{ إنِّی ظَنَنتُ أنِّی مُلاق حِسَابِیَ } 20 _سورة

الحاقة.

( إنی ظننت أنی ملاق حسابیه ) یقول إنی أیقنت أنی أبعث فأحاسب, وکذلک قوله: ( یومئذ یوفیهم الله دینهم الحق ویعلمون أن الله هو الحق المبین ) وأما قوله للمنافقین: ( وتظنون بالله الظنونا ) فهذا الظن ظن شک ولیس ظن یقین, والظن ظنان: ظن شک وظن یقین, فما کان من أمر معاد من الظن فهو ظن یقین, وما کان من أمر الدنیا فهو ظن شک .

{ فَهُوَ فِی عِیشَة رَاضِیَة21 فِی جَنَّة عَالِیَة22 قُطُوفُهَا دَانِیَةٌ23 کُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِیئاً بِمَا أسْلَفْتُمْ فِی الأیَّامِ الخَالِیَةِ24 } _سورة

الحاقة.

عیشة راضیة فی ملکوت الله تعالی فی جنة عالیة تجری من تحتها الانهار وثمارها یسیرة المنال, کلوا واشربوا هنیئا بما قدمتم فی الایام الماضیة فی

ص: 309

الدنیا من اعتقادکم بولایة الامام علی علیه السلام الالهیة وعملکم الصالح فی سبیل الله , وامتناعکم عن الحرام .

{ وَأمَّا مَنْ اُوتِیَ کِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَیَقُولُ یَا لَیْتَنِی لَمْ اُوتَ کِتَابِیَ25 وَلَمْ أدْرِ مَا حِسَابِیَ }26 _سورة الحاقة.

وهم الکفار والمنافقون فیتمنی هروبه من یوم الحساب وعدم اطلاعه علی ما فی الکتاب المسلم الیه .

ومن ظلم الطغاة للمؤمنین : لقد خنق هارون العباسی یحیی بن عبد الله بن الحسن ((1)) . لمعارضته له .

وعنه: عن القاسم بن محمد, عن علی, قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: « إن الله تبارک وتعالی إذا أراد أن یحاسب المؤمن أعطاه کتابه بیمینه, وحاسبه فیما بینه وبینه, فیقول: عبدی , فعلت کذا وکذا , وعملت کذا وکذا ؟ فیقول: نعم, یا رب, قد فعلت ذلک . فیقول: قد غفرتها لک, وأبدلتها حسنات . فیقول الناس: سبحان الله ! أما کان لهذا العبد ولا سیئة واحدة ! وهو قول الله عز وجل: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِیَ کِتابَه بِیَمِینِه فَسَوْفَ یُحاسَبُ حِساباً یَسِیراً ویَنْقَلِبُ إِلی أَهْلِه مَسْرُوراً } .

قلت: أی أهل ؟ قال: « أهله فی الدنیا هم أهله فی الجنة, إذا کانوا مؤمنین, وإذا أراد بعبد شرا, حاسبه علی رؤوس الناس, وبکته, وأعطاه کتابه بشماله, وهو قول الله عز وجل: {وأَمَّا مَنْ أُوتِیَ کِتابَه وَراءَ ظَهْرِه فَسَوْفَ یَدْعُوا ثُبُوراً

ص: 310

ویَصْلی سَعِیراً إِنَّه کانَ فِی أَهْلِه مَسْرُوراً } » . قلت: أی أهل ؟ قال: « أهله فی الدنیا » .قلت: قوله:{ إِنَّه ظَنَّ أَنْ لَنْ یَحُورَ } ؟ قال: « ظن أنه لن

یرجع » ((1)).

إنه کان فی أهله مسرورا إنه ظن أن لن یحور بلی " فهذا مشرک وأنزل فی [ سورة ] تبارک " کلما القی فیها فوج سألهم خزنتها ألم یأتکم نذیر قالوا بلی قد جاءنا نذیر فکذبنا ((2)) .

وعن طاووس أنه قال: رأیته, أی علی بن الحسین علیهما السلام یطوف من العشاء إلی السحر ویتعبد, فلما لم یر أحدا رمق السماء بطرفه, وقال: إلهی غارت نجوم سماواتک, وهجعت عیون أنامک, وأبوابک مفتحات للسائلین, جئتک لتغفر لی وترحمنی, وترینی وجه جدی محمد صلی الله علیه و آله فی عرصات القیامة . ثم بکی وقال: وعزتک وجلالک ما أردت بمعصیتی مخالفتک, وما عصیتک إذ عصیتک وأنا بک شاک, ولا بنکالک جاهل, ولا لعقوبتک متعرض, ولکن سولت لی نفسی, وأعاننی علی ذلک سترک المرخی به علیَّ . فأنا الآن من عذابک من یستنقذنی ؟ وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلک عنی ؟ فواسوأتاه غدا من الوقوف بین یدیک إذا قیل للمخفین جوزوا وللمثقلین حطوا أمع المخفین أجوز, أم مع المثقلین أحط ؟ ویلی کلما طال

ص: 311

عمری کثرت خطایای ولم أتب, أما آن لی أن أستحیی من ربی . ثم بکی, وأنشأ یقول: أتحرقنی بالنار یا غایة المنی فأین رجائی ثم أین محبتی أتیت بأعمال قباح ردیة وما فی الوری خلق جنی کجنایتی ثم بکی, وقال: سبحانک تعصی کأنک لا تری, وتحلم کأنک لم تعص, تتودد إلی خلقک بحسن الصنیع کأن بک الحاجة إلیهم وأنت یا سیدی الغنی عنهم .

ثم خر إلی الأرض ساجدا, فدنوت منه, وشلت رأسه, ووضعته علی رکبتی, وبکیت حتی جرت دموعی علی خده, فاستوی جالسا وقال: من ذا الذی أشغلنی عن ذکر ربی ؟ ! فقلت: أنا طاووس یا ابن رسول الله, ما هذا الجزع والفزع ؟ ونحن یلزمنا أن نفعل مثل هذا ونحن عاصون جافون ! أبوک الحسین بن علی, وأمک فاطمة الزهراء, وجدک رسول الله صلی الله علیه و آله !

قال: فالتفت إلی وقال: هیهات هیهات طاووس, دع عنی حدیث

أبی وأمی وجدی, خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن ولو کان عبدا حبشیا, وخلق النار لمن عصاه ولو کان ولدا قرشیا . أما سمعت قوله تعالی: " فإذا نفخ فی الصور فلا أنساب بینهم یومئذ ولا یتساءلون " ((1)) .

{ یَا لَیْتَهَا کَانَتِ القَاضِیَةَ } 27 _سورة الحاقة.

فیقول: یا لَیْتَها کانَتِ الْقاضِیَةَ [ 27 ] یتمنی الموت: یا لیت الموتة الأولی کانت علیّ فلم أبعث . ما أَغْنی عَنِّی مالِیَه [ 28 ] کثرة مالی, حیث لم أؤد منه حق اللَّه, ولم أصل به القرابة .

ص: 312

وعن ابن عائشة قال: خطب الولید بن عبد الملک بن مروان یوما ", وعمر بن عبد العزیز

تحت المنبر, فقال الولید: ( یا لیتها کانت القاضیة ), فقال عمر: یا لیتها کانت علیک, وأراحتنا منک ((1)).

{ مَا أغْنَی عَنِّی مَالِیَ 28 هَلَکَ عَنِّی سُلْطَانِیَ } 29 _سورة الحاقة.

لم ینفعنی مالی فی ابعاد جهنم عنی وذهب عنی سلطانی الذی کنت أملکه وهو الخسران المبین .

{هَلَکَ عَنِّی سُلْطانِیَه} [ 29 ] یعنی حجتی وعذری, فیقول اللَّه تعالی: خُذُوه فَغُلُّوه .

{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ 30 ثُمَّ الجَحِیمَ صَلُّوهُ31 ثُمَّ فِی سِلْسِلَة ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُکُوهُ } 32 _سورة الحاقة.

فتوضع الاغلال فی یدیه ورجلیه ویقذف فی الجحیم ثم یقید فی سلسلة ذرعها سبعون ذراعا . فتذکر هذه الاغلال السلاطین بما کانوا یفعلوه بسجنائهم فی المطامیر وتعذیبهم بالنار .

فإذا قال ذلک ابتدره مائة ألف ملک, لو أن ملکا منهم أخذ الدنیا بما فیها من جبالها وبحارها بقبضته لقوی علیه فتغل یداه إلی عنقه ثم یدخل فی الجحیم .لقد قتل یزید الاموی الامام الحسین علیه السلام وسبی بنات النبی من کربلاء الی الشام وقیَّد الامام علی بن الحسین (زین العابدین) علیه السلام بالسلاسل

ص: 313

رغم مرضه الشدید , وربط الامام علی بن الحسین زین العابدین بحبل مع زینب وباقی النساء !!!

وقید هارون العباسی الامام موسی الکاظم علیه السلام بالسلاسل فی طوامیر مظلمة ستة عشر سنة لا لذنب اقترفه ولا لجریمة فعلها بل هی محاولة لطمس امامته ودفن تراثه وتغییب شخصیته .

{ إنَّهُ کَانَ لا یُؤْمِنُ بِاللّهِ العَظِیمِ33 وَلا یَحُضُّ عَلَی طَعَامِ المِسْکِینِ} 34 _سورة الحاقة.

لا یؤمن بمن خلقه ولا یساعد المسکین فی طعامه وهو علی ذلک قادر ولا یؤمن بربه ولا یعمل الصالحات , وطمس حقوق آل محمد وشیعتهم .

{ فَلَیْسَ لَهُ الیَوْمَ هَا هُنَا حَمِیمٌ 35 وَلا طَعَامٌ إلا مِنْ غِسْلِین 36 لا یَأکُلُهُ إلا الخَاطِئُونَ } 37 _سورة الحاقة.

{ فَلَیْسَ لَهُ الیَوْمَ هَا هُنَا حَمِیمٌ35 } :لیس عنده قرابة ولا صداقة تحن علیه وتساعده . وکان الطغاة قد سجنوا المؤمنین ونفوهم فی الصحاری مثلما نفی عثمان ابا ذر الی جنوب لبنان والی صحراء الربذة .

وَلا طَعَامٌ إلا مِنْ غِسْلِین36: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لو أن دلوا صب من غسلین فی مطلع الشمس لغلت منه جماجم من فی مغربها ((1)) .

وقال

الإمام الصادق علیه السلام : لو أن قطرة من الضریع قطرت فی شراب أهل الدنیا لمات أهلها من نتنها ((2)) .

ص: 314

{ لا یَأکُلُهُ إلا الخَاطِئُونَ } 37: المذنبون المجرمون .

{ فَلا اُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ 38 وَمَا لا تُبْصِرُونَ 39 إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُول کَرِیم }40 _سورة الحاقة.

لقد أقسم الباری تعالی بکل ما یُری وما لا یُری أن النبی محمدا صلی الله علیه و آله رسولا کریما حقاً من رب العالمین ولا یتقول القرآن من نفسه .

وما قاله فی خصوص ولایة علی علیه السلام حق لا شک فیه . وکان المخالفون لاهل البیت قد اتهموا النبی صلی الله علیه و آله وادعوا تقول النبی محمد صلی الله علیه و آله لولایة علی فی الغدیر, وانها لیست الهیة وکان رسول الله قد قال: (من کنت مولاه فهذا علی مولاه ) ((1)) .

وقد أقسم الله جل جلاله مرة بالبصر الذی یبصرون به قائلا:

:

فَلا اُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ 38*وَمَا لا تُبْصِرُونَ_ الحاقة 69 / 39.

:

یوْمَ یُدَعُّونَ إلَی نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً13* هَذِهِ النَّارُ الَّتِی کُنتُمْ بِهَا تُکَذِّبُونَ 14*أفَسِحْرٌ هَذَا أمْ أنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ _الطور 52 / 15 .

وأقسم الله جل جلاله مرة أخری بالبصیرة وتعنی التدبر والتفکیر وتعقل وتفهم الامور : قُلْ أرَأیْتُمْ إنْ جَعَلَ اللّهُ عَلَیْکُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إلَی یَوْمِ القِیَامَةِ

ص: 315

مَنْ إلَهٌ غَیْرُ اللّهِ یَأتِیکُمْ بِلَیْل تَسْکُنُونَ فِیهِ أفَلا تُبْصِرُونَ _72_القصص .

:

وَنَادَی فِرْعَوْنُ فِی قَوْمِهِ قَالَ یَا قَوْمِ ألَیْسَ لِی مُلْکُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِی مِنْ تَحْتِی أفَلا تُبْصِرُونَ _ 51 _الزخرف .

وقال تعالی: { وَفِی أمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ 19*وَفِی الأرْضِ آیَاتٌ لِلْمُوقِنِینَ20* وَفِی أنفُسِکُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ }21_الذاریات .

وغیر ذلک کثیر مما أقسم به الله تعالی فی کتابة الکریم ولأن الله سبحانه وتعالی عظیم فهو لا یقسم إلا بشئ عظیم مما یدعو المسلم إلی التفکر والتدبر وإمعان النظر فیما أقسم به الله ومحاولة استجلائها وبیانها للناس .

البصر فی اللغة العربیة: ورد فی معجم لسان العرب، قال ابن الأَثیر، فی أَسماء الله تعالی البَصِیر، هو الذی یشاهد الأَشیاء کلها ظاهرها وخافیها بغیر جارحة، وقیل: البَصَر حاسة الرؤْیة. وقال ابن سیده: البَصَر حِسُّ العَیّنٌ والجمع أَبْصار .

وقال سیبویه: بَصُر صار مُبْصِرا، وأَبصره إِذا أَخبر بالذی وقعت عینه علیه، وأَبْصَرْت الشیءَ: رأَیته. وباصَرَه: نظر معه إِلی شیء أَیُهما یُبْصِرُه قبل صاحبه. وباصَرَه أَیضاً: أَبْصَرَه.

البصر من الناحیة العلمیة: أقسم الله سبحانه فی الآیة المجیدة بجمیع مخلوقاته سواء کانت مرئیة بالعین المجردة أو بواسطة المجهر والمرصد، أو غیر مرئیة مثل الروح والملائکة والجان والجنة والنار وکل الغیبیات . ربما کان ذلک, والله أعلم, لکی یتدبر الشخص العاقل طویلا ً أمام بدیع

ص: 316

الصنعة والإعجاز الکامن فی کل خلق من مخلوقات الله بدءاً من أصغر جسیم فی الذرة وهو "الکوارک وانتهاءً بأکبر المجرات وأبعدها .

و لو لم یکن الأمر کذلک لهلکت. کما تتأثر بطریقة شدیدة لو تعرضت لظلام أو إضاءة لفترة طویلة، فإذا اشتد الظلام وطال أصیبت العین بغشاوة وعمیت لتوقف دورة فیتامین (أ) و الریتینول عن تکوین الرودبسین اللازم للرؤیة فی غیاب الضوء.

ومثال علی ذلک ما حدث لجاجارین ورواد الفضاء الأولین عندما خرجوا من الأرض فلم یروا السماء إلا ظلاماً دامساً، مغطاة بالسدیم المعتم, والنجوم تتلألأ وراءه وصدق الله تعالی إذ یقول فی محکم آیاته:

{ لَوْ فَتَحْنَا عَلَیْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِیهِ یَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إنَّمَا سُکِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ }_الحجر 15.

التقنیات الحدیثة وتوسیع دائرة الإبصار: وقد ساهمت الاکتشافات والتقنیات الحدیثة المعتمدة علی الموجات الکهرومغناطیسیة فی توسیع دائرة الإبصار فأبصرنا ما لم نکن نبصره، فکم من الکائنات الدقیقة کانت مغیبة عنا حتی وقت قریب حینما تم اکتشاف المجهر الضوئی فی القرن السابع عشر من المیلاد وأبصر الإنسان ما لم یکن یبصره من عجائب خلق الله من خلایا البکتریا والطحالب والفطریات وأصبح یری کیف تتغذی وتتکاثر وکیف تغزو المیکروبات أجسامنا وکیف تتصدی لها کریات الدم البیضاء والتی تمثل عنصرا رئیسیا فی جهاز المناعة وأثبت الإنسان بالمیکروسکوب أن النطفة والبویضة ضروریان کلاهما للحمل وهذا بعد قرون عدیدة مما ذکر فی القرآن الکریم ورأی الإنسان فی جسده کیف تتکون الأعضاء من أنسجة وکیف تتکون الأنسجة من خلایا وجاء المجهر الإلکترونی فإذا به یأخذ البصر إلی آفاق جدیدة تماماً ویری العلماء مکونات الخلیة

ص: 318

والحمض النووی DNA والجینات الوراثیة والذی أعطی عمقاً فی فهم علم الوراثة وتطبیقاته فی علم الهندسة الوراثیة .

وقد بین الله تعالی فی آیات کثیرة أن النبی محمدا صلی الله علیه و آله رسول من قبل رب العالمین ولا ینطق عن الهوی .

{ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِر قَلِیلا مَا تُؤْمِنُونَ41 وَلا بِقَوْلِ کَاهِن قَلِیلا مَا تَذَکَّرُونَ } 42_سورة الحاقة.

{ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِر قَلِیلا مَا تُؤْمِنُونَ41 }: لقد أراد الکفار تصویر النبی بالشاعر لطمس هویته النبویة السماویة وابعاد الناس عنه لانهم لا یقدسون الشاعر ولا یجعلونه قائدا لهم واضافوا الیه لقب الجنون للنیل منه .

: بَلْ قَالُوا أضْغَاثُ أحْلام بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْیَأتِنَا بِآیَة کَمَا اُرْسِلَ الأوَّلُونَ5_الانبیاء .

: وَیَقُولُونَ أإنَّا لَتَارِکُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِر مَجْنُون 36_الصافات.

: أمْ یَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَیْبَ المَنُونِ 30_الطور.

علی بن محمد, عن بعض أصحابنا, عن ابن محبوب, عن محمد بن الفضیل, عن أبی الحسن الماضی, علیه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: " یریدون لیطفئوا نور الله بأفواههم ((1))" قال: یریدون لیطفئوا ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام بأفواههم, قلت: " والله متم نوره " قال: والله متم الإمامة, لقوله عز وجل: " الذین آمنوا بالله ورسوله و النور الذی أنزلنا " فالنور هو الامام .

ص: 319

قلت: " هو الذی أرسل رسوله بالهدی ودین الحق ((1)) " قال: هو الذی أمر رسوله بالولایة لوصیه والولایة هی دین الحق, قلت: " لیظهره علی الدین کله " قال: یظهره علی جمیع الأدیان عند قیام القائم, قال: یقول الله: والله متم نوره " ولایة القائم " ولو کره الکافرون " بولایة علی, قلت: هذا تنزیل ؟ قال: نعم أما هذا الحرف فتنزیل وأما غیره فتأویل.

قلت: " ذلک بأنهم آمنوا ثم کفروا ((2)) " قال: إن الله تبارک وتعالی سمی من لم یتبع رسوله فی ولایة وصیه منافقین وجعل من جحد وصیة إمامته کمن جحد محمدا وأنزل بذلک قرآنا فقال یا محمد إذا جاءک المنافقون ( بولایة وصیک ) قالوا: نشهد إنک لرسول الله والله یعلم إنک لرسوله والله یشهد إن المنافقین ( بولایة علی ) لکاذبون اتخذوا أیمانهم جنة فصدوا عن سبیل الله ( والسبیل هو الوصی ) إنهم ساء ما کانوا یعملون * ذلک بأنهم آمنوا ( برسالتک ) وکفروا ( بولایة وصیک ) فطبع ( الله ) علی قلوبهم فهم لا یفقهون ((3)) " قلت: ما معنی لا یفقهون ؟ قال: یقول: لا یعقلون بنبوتک قلت: " وإذا قیل لهم تعالوا یستغفر لکم رسول الله " ؟ قال: إذا قیل لهم ارجعوا إلی ولایة علی یستغفر لکم النبی من ذنوبکم " لووا رؤوسهم " قال الله: "

ص: 320

ورأیتهم یصدون ( عن ولایة علی ) وهم مستکبرون ((1)) " علیه ثم عطف القول من الله بمعرفته بهم, فقال :

" سواء علیهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن یغفر الله لهم إن الله لا یهدی القوم الفاسقین ((2)) " : الظالمین لوصیک .

قلت: " أفمن یمشی مکبا علی وجهه أهدی أمن یمشی سویا علی صراط

مستقیم ((3)) " قال: إن الله ضرب مثل من حاد عن ولایة علی کمن یمشی علی وجهه لا یهتدی لامره وجعل من تبعه سویا علی صراط مستقیم, والصراط المستقیم أمیر المؤمنین علیه السلام .

قال: قلت: قوله: " إنه لقول رسول کریم ((4)) " ؟ قال: یعنی جبرئیل عن الله فی ولایة علی علیه السلام , قال: قلت: " وما هو بقول شاعر قلیلا ما تؤمنون " ؟ قال: قالوا: إن محمدا کذاب علی ربه وما أمره الله بهذا فی علی, فأنزل الله بذلک قرآنا فقال: " ( إن ولایة علی ) تنزیل من رب العالمین * ولو تقول علینا

( محمد ) بعض الأقاویل * لاخذنا منه بالیمین * ثم لقطعنا منه الوتین " ثم عطف القول فقال: " إن ( ولایة علی علیه السلام ) لتذکرة للمتقین ( للعالمین ) وإنا لنعلم أن منکم مکذبین وإن ( علیا ) لحسرة علی الکافرین و إن ( ولایته )

ص: 321

لحق الیقین فسبح ( یا محمد ) باسم ربک العظیم " یقول اشکر ربک العظیم الذی أعطاک هذا الفضل ((1)) .

کان طغاة الجاهلیة یقولون عن النبی صلی الله علیه و آله انه شاعر وکاهن فکذب الله تعالی أقوالهم وقال عن القرآن انه تنزیل الهی ((2))

:

{ تَنزِیلٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِینَ43 وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الأقَاوِیلِ44 لأخَذْنَا مِنْهُ بِالیَمِینِ45 ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِینَ } 46 _سورة الحاقة.

قال الله تعالی: لو تقول علینا الرسول أمرا لم نقله ولا نریده لضربناه بالیمین أی بقوة . کنایة عن شدّة الضرب لان الضرب والاخذ بالیمین أقوی وأشد من الضرب بالیسار .

{ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِینَ }: عرق فی الظهر یکون منه الولد .

الوتین: عرق فی القلب متّصل بالعنق إذا قطع مات صاحبه وهذا کنایة عن ازهاق روحه وموته .

وهذه الایة القرآنیة المبارکة تبین أن الله تعالی یقصم ظهر الکاذبین علیه والمدعین للنبوة والرسالة .

ص: 322

مثلما أنزل الموت علی مسیلمة الکذاب النجدی وسجاح التمیمیة النجدیة وطلیحة الاسدی النجدی

وهذا الامر الالهی بقتل المتنبئین المزیفین یطمئن القلب ویسکن الفؤاد ویریح الضمیر الی القبول برسالة الصادق الامین محمد صلی الله علیه و آله .

{ فَمَا مِنْکُمْ مِنْ أحَد عَنْهُ حَاجِزِینَ } 47 _سورة

الحاقة.

ولا یمکنکم أن تحجزوا النبی صلی الله علیه و آله وتحموه من الله تعالی اذا خالف الرسالة ونطق بما یخالفه رب العالمین .

وکانت قبائل العرب تحمی بعض الاشخاص من القبائل الاخری المطالبة به لکن لا یمکن للقبائل والدول أن تحمی أحدا من رب العالمین .

{ وَإنَّهُ لَتَذْکِرَةٌ لِلْمُتَّقِینَ } 48 _سورة

الحاقة.

قال الکفار: إن محمدا صلی الله علیه و آله کذاب علی ربه وما أمره الله بهذا فی علی علیه السلام ، فأنزل الله بذلک قرآنا فقال: " ( إن ولایة علی ) تنزیل من رب العالمین ولو تقول علینا ( محمد ) بعض الأقاویل * لاخذنا منه بالیمین * ثم لقطعنا منه الوتین " ثم عطف القول فقال: " إن ( ولایة علی ) لتذکرة للمتقین ( للعالمین ) وإنا لنعلم أن منکم مکذبین وإن ( علیا ) لحسرة علی الکافرین و إن ( ولایته ) لحق الیقین فسبح ( یا محمد ) باسم ربک العظیم " یقول اشکر ربک العظیم الذی أعطاک هذا الفضل ((1)) .

ص: 323

وإنه لتذکرة للمتقین: یعنی به علیاً علیه السلام وإنا لنعلم أن منکم مکذبین یعنی به الرجلین ((1)) اللذین قالا: وَإنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَی الکَافِرِینَ ((2)): یعنی فلانا وفلانا (الاول والثانی ) ((3)) .

وقال تعالی: (إنَّ هَذِهِ تَذْکِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلَی رَبِّهِ سَبِیلا )((4)).

وقال: التذکرة: الولایة ((5)).

کذلک قوله تعالی: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْکِرَةِ مُعْرِضِینَ ((6)) .

یعنی عن الولایة معرضین ((7)) . وعن أبی الحسن الماضی موسی الکاظم

ص: 324

علیه السلام أن ولایة علی لتذکرة للمتقین للعالمین ((1)).

وکذا قوله تعالی: کَلا إنَّهَا تَذْکِرَةٌ ((2)): قال علیه السلام : الولایة ((3)) .

وقال نجاح الطائی: ولایة علی علیه السلام تذکرة للمتقین الصالحین لکن الکافرین والمنافقین کانوا معرضین عنها ومبغضین لها .

الجوینی الشافعی والخوارزمی الحنفی: قال أخطب خوارزم أیضا, قال رسول الله: إن الله جعل لاخی علی علیه السلام فضائل لا تحصی کثرة, فمن ذکر فضیلة من فضائله مقرا بها, غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر . ومن کتب فضیلة من فضائله, لم تزل الملائکة تستغفر له ما بقی لتلک الکتاب رسم, ومن استمع إلی فضیلة من فضائله, غفر الله الذنوب التی اکتسبها بالاستماع, ومن نظر إلی کتاب من فضائله غفر الله الذنوب التی اکتسبها بالنظر , والنظر الی علی عبادة ((4)) ولا یقبل الله تعالی ایمان عبد الا بولائه والبرائة

ص: 325

من أعدائه ((1)) .

ص: 326

{ وَإنَّا لَنَعْلَمُ أنَّ مِنْکُمْ مُکَذِّبِینَ } 49: بولایة علی علیه السلام .

وکان المسلمون یعرفون المنافق ببغضه علیا علیه السلام وهذا من المعجزات الالهیة :قال النبی صلی الله علیه و آله : یا علی لا یحبک الا مؤمن تقی , ولا یبغضک الا منافق شقی , واخرج مسلم و الترمذی عن ابی سعید الخدری قال : کنا نعرف المنافقین ببغضهم علیاً ((1)).

ص: 327

{ وَإنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَی الکَافِرِینَ } 50 _سورة الحاقة.

یعنی به علیاً علیه السلام ((1)) .

وقال الامام موسی الکاظم علیه السلام : إن ( ولایة علی علیه السلام ) لتذکرة للمتقین ( للعالمین ) وإنا لنعلم أن منکم مکذبین وإن ( علیا ) لحسرة علی الکافرین

و إن ( ولایته ) لحق الیقین((2)) .

بولایته حین رأوا ثواب المؤمنین بها ومنازلهم فی الجنة وکریم مقاماتهم فی الاخرة ,بینما کان شغل الکافرین والمنافقین فی الدنیا محاربة علی علیه السلام وشیعته وولایته .

ص: 328

{ وَإنَّهُ لَحَقُّ الیَقِینِ } 51: ولایة علی علیه السلام ((1)) .

{ فَسَبِّحْ بِسْمِ رَبِّکَ العَظِیمِ } 52 _سورة الحاقة.

هو أمر بتسبیح الله رب العالمین مثلما أمر تعالی جمیع مخلوقاته بالتسبیح : وَسَبِّحْ بِالعَشِیِّ وَالإبْکَارِ 41_آل عمران.

وقال تعالی : فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَکُنْ مِنَ السَّاجِدِینَ 98_الحجر.

: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّیْلِ فَسَبِّحْ وَأطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّکَ تَرْضَی 130_طه.

: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ بِالعَشِیِّ وَالإبْکَارِ55 _المؤمن .

ص: 329

تمام لیله إلی أن یصبح بإذن الله تعالی » .

بسم الله الرحمن الرحیم

{ سَألَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع 1 لِلْکَافِرینَ لَیْسَ لَهُ دَافِعٌ 2 مِنَ اللّهِ ذِی المَعَارِجِ } 3 _سورة المعارج .

لقد نزلت العقوبة الإلهیة علی عدَّة رجال مخالفین لولایة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام کالتی نزلت علی جیش إبرهة الحبشی الذی جاء لهدم الکعبة, اذ غضب الحارث الفهری من تنصیب الرسول صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام فی منصب الولایة العظمی فی بیعة الغدیر فی السنة العاشرة للهجرة : حیث قال النبی صلی الله علیه و آله : من کنت مولاه فهذا علی مولاه , اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ((1))

.

ص: 331

ص: 332

وقال النبی صلی الله علیه و آله فی بیعة الرضوان فی السنة السادسة للهجرة : علی إمام البررة وقاتل الفجرة , منصور من نصره ومخذول من خذله ((1)) .

وقبل ذهاب النبی صلی الله علیه و آله الی حملة تبوک خلف علیاً علیه السلام والیاً علی المدینة

ص: 333

وقال صلی الله علیه و آله أمام جمهور المسلمین فی علی علیه السلام : انت وصیی فی أهلی وخلیفتی فی أمتی ((1)) .

وجاء فی کتاب البخاری: قال النبی صلی الله علیه و آله لعلی قبل حرکته الی غزوة تبوک فی الشام: « أنت منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنّه لا نبی

بعدی »((2)) .

ص: 334

ص: 335

فاستشاط المنافقون غضباً وسأل الحارث من الرسول قائلا: (هذا منک أم من الله ؟ فقال الرسول صلی الله علیه و آله : من الله تعالی . فقال الحارث: اللهم ان کان هذا هو الحق من عندک فامطر علینا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب ألیم فأصابته حجارة من السماء فسقطت فی رأسه وخرجت من دبره وسقط میتا . ونزل قوله تعالی {سأَلَ سَائِلٌ بعذاب واقع } ) ((1)).

ص: 336

لقد نزلت آیة {سأل سائل بعذاب واقع } فی حملة تبوک.

وقال الصادق علیه السلام : أقبل النضر بن الحارث إلی بیته, وشد علی راحلته ثم رکبها مغضبا وهو یقول: اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علینا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألیم . فلما صار بظهر المدینة وإذا بطیر فی مخلبه جندلة فأرسلها علیه, فوقعت علی هامته, ثم دخلت فی دماغه, وخرجت من جوفه , ووقعت علی ظهر راحلته, وخرجت من بطنها, فاضطربت الراحلة وسقطت, وسقط النضر بن الحارث من علیها میتین, فأنزل الله تعالی: {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْکافِرینَ لَیْسَ لَه دافِعٌ مِنَ اللَّه

ص: 337

ذِی الْمَعارِجِ } . فبعث رسول الله صلی الله علیه و آله بعد ذلک إلی المنافقین الذین اجتمعوا لیلا مع النضر بن الحارث فتلا علیهم الآیة, وقال: اخرجوا إلی صاحبکم الفهری حتی تنظروا إلیه . فلما رأوه انتحبوا وبکوا, وقالوا: من أبغض علیا وأظهر بغضه قتله علی بسیفه, ومن خرج من المدینة بغضا لعلی أنزل الله علیه ما نری, لئن رجعنا إلی المدینة لیخرجن الأعز منها الأذل من شیعة علی, مثل سلمان وأبی ذر والمقداد وعمار وأشباههم من ضعفاء الشیعة . فأوحی الله إلی نبیه صلی الله علیه و آله ما قالوا, فلما انصرفوا إلی المدینة أعلمهم رسول الله صلی الله علیه و آله , فحلفوا بالله کاذبین أنهم لم یقولوا, فأنزل الله فیهم:{یَحْلِفُونَ بِاللَّه ما قالُوا ولَقَدْ قالُوا کَلِمَةَ الْکُفْرِ وکَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ } بظاهر القول لرسول صلی الله علیه و آله : إنا قد آمنا وأسلمنا لله وللرسول فیما أمرنا به من طاعة علی وهَمُّوا بِما لَمْ یَنالُوا من قتل محمد صلی الله علیه و آله لیلة العقبة, وإخراج ضعفاء الشیعة من المدینة بغضا لعلی, وتغیضا علیه وما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّه ورَسُولُه مِنْ فَضْلِه بسیف علی فی حروب رسول الله صلی الله علیه و آله وفتوحه فَإِنْ یَتُوبُوا یَکُ خَیْراً لَهُمْ وإِنْ یَتَوَلَّوْا یُعَذِّبْهُمُ اللَّه عَذاباً أَلِیماً فِی الدُّنْیا والآخِرَةِ وما لَهُمْ فِی الأَرْضِ مِنْ وَلِیٍّ ولا نَصِیرٍ , فلما تلاها رسول الله صلی الله علیه و آله قالوا: تبنا یا رسول الله, بألسنتهم دون قلوبهم . فلما اجتمعوا أیضا قالوا: إنا لا نسر فی أمر علی وأهل بیته وأتباعه شیئا إلا أظهره الله علی محمد, فتلاه علینا, فقد خطبنا محمد, فقال فی کلمته: أیها الناس, لم تکن نبوة الأنبیاء إلا نسخت بعد نبیها ملکا وجبروتا . فلیت لنا فی هذا الملک نصیبا , إذا لم یکن لنا فی الآخرة ملک, ولا نحن من شیعة علی, وإنما نظر موالاته والإیمان به لیکون لنا فی الأرض ولیا ونصیرا, وأما فی السماء فلا حاجة لنا به, لا إلی علی ولا

ص: 338

إلی غیر علی, وإن محمدا یخبرنا أن الملک من بعده لا یستتم [ لأحد ] من أمته حتی یوالی علیا وینصره ویعینه, فأنزل الله علی نبیه صلی الله علیه و آله : أَمْ لَهُمْ نَصِیبٌ مِنَ الْمُلْکِ فَإِذاً لا یُؤْتُونَ النَّاسَ ) أی علی وشیعته { نَقِیراً أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللَّه مِنْ فَضْلِه فَقَدْ آتَیْنا آلَ إِبْراهِیمَ الْکِتابَ والْحِکْمَةَ وآتَیْناهُمْ مُلْکاً عَظِیماً}النساء54. کما آتینا محمدا وآل محمد فی الدنیا والآخرة فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِه ومِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْه وکَفی بِجَهَنَّمَ سَعِیراً . فخطب رسول الله صلی الله علیه و آله عند ذلک أصحابه فقال لهم: معاشر المهاجرین والأنصار, ما بال أصحابی إذا ذکر لهم إبراهیم [ وآل إبراهیم ] تهللت وجوههم واستبشرت قلوبهم, وإذا ذکر محمد وآل محمد تغیرت وجوههم وضاقت صدورهم ؟ إن الله تعالی لم یعط إبراهیم وآل إبراهیم شیئا إلا أعطی محمدا وآل محمد مثله, ونحن فی الحقیقة آل إبراهیم . إن الله ما اصطفی نبیا إلا اصطفی آل [ ذلک ] النبی, فجعل منهم الصدیقین والشهداء والصالحین . هذا جبرئیل علیه السلام یتلو علیَّ من ربی ما توهمتم وطویتم وأسررتم وأعلنتم فیما بینکم من أمر آل محمد, ثم تلا علیهم أَمْ لَهُمْ نَصِیبٌ مِنَ الْمُلْکِ فَإِذاً لا یُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِیراً ) فحلفوا بالله کاذبین أنهم لم یسروا ولم یعلنوا فیما بینهم . فأنزل الله: { قالُوا نَشْهَدُ إِنَّکَ لَرَسُولُ اللَّه واللَّه یَعْلَمُ إِنَّکَ لَرَسُولُه واللَّه یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِینَ لَکاذِبُونَ } أی لو کنت عندهم یا رسول الله ما حلفوا بالله کاذبین { اتَّخَذُوا أَیْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّه إِنَّهُمْ ساءَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا فَطُبِعَ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ

ص: 339

لا یَفْقَهُونَ } ((1)) .

الثعلبی والقرطبی: ونزل ایضا قوله تعالی (أفبعذابنا یستعجلون)((2)) .

وقال سعد أفندی فی حاشیة له علی تفسیر البیضاوی مخطوطة فی تفسیر سورة المعارج: والسائل نفر بن الحارث علی قول الجمهور فإنّه قال:

(إن کان هذا هو الحقّ) الآیة, ف- (واقع) بمعنی سیقع لا محالة, عبر بما یدلّ علی الدالّ لتحقّقه إمّا فی الدنیا أو فی الآخرة((3)) .

الحموینی الشافعی: ورواه من أعلام المذاهب السنّیة: شیخ الإسلام الحموینی

ص: 340

الشافعی فی کتابه فرائد السمطین فی الباب الثالث عشر .

ابن الصباغ المالکی: ورواه ابن الصباغ المالکی فی کتاب الفصول المهمّة ص 36 . و الشبلنجی الشافعی فی کتابه نور الأبصار ((1)) .

وذکرت النصوص الشیعیة اعتراض الحارث علی النبی صلی الله علیه و آله فی بیعته للامام علی علیه السلام مولا للمسلمین ((2)) .

سلیم بن قیس: لما أمر رسول الله صلی الله علیه و آله الناس بالتسلیم علی الإمام علی علیه السلام بإمرة المؤمنین قال أبو بکر وعمر للنبی صلی الله علیه و آله : أعن أمر الله وأمر رسوله ؟ قال النبی صلی الله علیه و آله : نعم((3)) .

کیف یسألان النبی وهما مشککان فیه وقد قال الله تعالی فی کتابه الکریم:

ص: 341

{إنْ هُوَ إلا وَحْیٌ یُوحَی عَلَّمَهُ شَدِیدُ القُوَی } ((1)) .

ابن مردویه والثعلبی والقرطبی: سأل الحارث بن النعمان الفهری رسول الله صلی الله علیه و آله : یا محمّد . . . . قلت: مَن کنت مولاه فعلی مولاه, فهذا شیء منک أم من الله ؟ فقال رسول الله: والذی لا إله إلاّ هو انَّ هذا من الله, فولّی جابر یرید راحلته وهو یقول: اللهم إن کان ما یقول محمّد حقاً فأمطر علینا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألیم, فما وصل إلیها حتی رماه الله بحجر فسقط علی هامته, وخرج من دبره وقتله وأنزل الله تعالی: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب واقع . . . ) . وأیّد نزولها(الایة) فی نص الغدیر العلماء منهم ((2)).

ص: 342

وقال النبی للمنافقین اذهبوا الی صاحبکم فقد نزل به ما استفتح به: (واستفتحوا وخاب کل جبار عنید) ((1)) .

عن سفیان بن عیینة: حاول سفیان تحریف سورة المنافقین من حملة تبوک الی غزوة بنی المصطلق أولا وحاول ابعاد نزول هذه الایة فی حق الحارث المنافق عن حملة تبوک لابعاد الشبهة عن رجال السقیفة , واخفاء العلاقة بین رئیس المنافقین ابن أبی بن سلول والحارث الفهری ورجال السقیفة .

ص: 343

لقد کانت مأموریة سفیان بن عیینة تتمثل اعلاء منزلة رجال السقیفة وجعلهم مقدسین وخلفاء النبی وابعاد مثلبة النفاق المتواترة والمشهورة عنهم فی حملة تبوک .

وکان

الحارث بن النعمان الفهری فی حملة تبوک مع جماعة المنافقین وسمع قول النبی صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام :أنت منی مثل هارون من موسی الا انه لا نبی بعدی وقول النبی المتکرر لعلی علیه السلام انه الخلیفة وانه الوصی وانه ولی المسلمین من بعده وکان المنافقون قد اعترضوا علی تنصیب النبی علیا خلیفة علی المدینة فی حملة تبوک .

ولان قضیة تبوک تفضح المنافقین من رموز الصحابة فقد حاول سفیان بن عیینة ابعاد الانظار عنها وتحویلها الی واقعة الغدیر لان قضیة تبوک أخطر فهی تشمل ولایة علی علیه السلام والبراءة من أعدائه والثانیة تشمل واقعة الغدیر فقط :

قال

ابو بکر بن مردویه الشافعی عن سفیان بن عیینة روای الحدیث الذی دار بین الحارث وبین رسول الله صلی الله علیه و آله : فسأله عن قول (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب واقع . . . ) فیمن نزلت ؟فقال للسائل: سألتنی عن مسألة ما سألنی عنها أحد قبلک, حدثنی جعفر بن محمد عن آبائه: أن رسول الله لما کان بغدیر خم نادی الناس فاجتمعوا فأخذ بید علی وقال: من کنت مولاه فعلی مولاه فشاع ذلک وطار فی البلاد فبلغ ذلک الحارث بن النعمان الفهری فأتی رسول الله علی ناقة له فنزل بالابطح عن ناقته وأناخها, فقال: یا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا اله الا الله وأنک رسول الله فقبلنا منک, وأمرتنا أن نصلی خمساً فقبلنا منک, وأمرتنا بالزکاة فقبلنا, وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا,

ص: 344

وأمرتنا بالحج فقبلنا ثم لم ترض بهذا حتی رفعت بضبعی ابن عمک تفضله علینا, وقلت من کنت مولاه فهذا علی مولاه فهذا شیء منک أم من الله عز وجل؟ فقال له النبی: والذی لا اله الا هو إنَّ هذا من الله عز وجل, فولی الحارث بن النعمان وهو یرید راحلته وهو یقول: اللهم إن کان ما یقوله محمد حقاً فأمطر علینا حجارة من السماء أو اوتنا بعذاب ألیم فما وصل الی راحلته حتی رماه الله عز وجل بحجر فسقط علی هامته وخرج من دبره فقتله وأنزل الله عز وجل: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع * لِّلْکَافِرینَ (بولایة علی) لَیْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ ذِی الْمَعَارِجِ)((1)) .

ص: 345

لقد نزلت آیة :{ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع} وسورة المنافقون فی حملة تبوک وکان الحارث الفهری من المنافقین فأهلکه الله تعالی وأنذر الباری تعالی رجال السقیفة بالتوقف عن مشروعهم لاغتصاب الخلافة لکن المنافقین استمروا فی مشروعهم واغتصبوا خلافة الامام علی علیه السلام وجعلوها بینهم بالتناوب.

{ تَعْرُجُ المَلائِکَةُ وَالرُّوحُ إلَیْهِ فِی یَوْم کَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِینَ ألْفَ سَنَة}4 _سورة

المعارج .

فی یوم القیامة خمسون موقفا کل موقف الف سنة .یجمع الله عز وجل الخلائق یومئذ فی مواطن فیکلم بعضهم بعضا فی أمور الدنیا ویستغفر بعضهم لبعض أولئک المسلمون الذین کان منهم الطاعة فی دار الدنیا للرؤساء والاتباع ویلعن أهل المعاصی من الکفار والمنافقین ممن تعاونوا علی الظلم والعدوان فی دار الدنیا, المستکبرون والمستضعفون یکفر بعضهم ببعض ویلعن بعضهم بعضا .

ص: 346

المراد: یکفر أهل المعاصی بعضهم ببعض, ویلعن بعضهم بعضا, والکفر فی هذه الآیة: " البراءة " یقول:

فیبرأ بعضهم من بعض, ونظیرها فی سورة إبراهیم قول الشیطان: " إنی کفرت بما أشرکتمون من قبل " وقول إبراهیم خلیل الرحمن: " کفرنا بکم " یعنی تبرأنا منکم .

قال الامام أبو عبد الله جعفر بن محمد علیهما السلام: إذا أراد أحدکم ألا یسأل الله شیئا إلا أعطاء فلییأس من الناس کلهم, ولا یکون له رجاء إلا من عند الله عز وجل , فإذا علم الله ذلک من قلبه لم یسأل شیئا إلا أعطاه, فحاسبوا أنفسکم قبل أن تحاسبوا, فإن فی القیامة خمسین موقفا کل موقف مثل ألف سنة مما تعدون, ثم تلا هذه الآیة: " فی یوم کان مقداره خمسین ألف سنة ((1)) .

قال علی علیه السلام وأما قوله عز وجل: " یوم یقوم الروح والملائکة صفا لا یتکلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا " وقوله: " والله ربنا ما کنا مشرکین " وقوله عز وجل " یوم القیامة یکفر بعضکم ببعض ویلعن بعضکم بعضا " وقوله عز وجل یوم القیامة " إن ذلک لحق تخاصم أهل النار " وقوله: " لا تختصموا لدی وقد قدمت إلیکم بالوعید " وقوله: " الیوم نختم علی أفواههم وتکلمنا أیدیهم وتشهد أرجلهم بما کانوا یکسبون " فإن ذلک فی مواطن غیر واحد من مواطن ذلک الیوم الذی کان مقداره خمسین ألف

ص: 347

سنة, المراد: یکفر أهل المعاصی بعضهم ببعض, ویلعن بعضهم بعضا, والکفر فی هذه الآیة: " البراءة " یقول: فیبرأ بعضهم من بعض، ونظیرها فی سورة إبراهیم قول الشیطان:

" إنی کفرت بما أشرکتمون من قبل " وقول إبراهیم خلیل الرحمن: " کفرنا بکم " یعنی تبرأنا منکم .

ثم یجتمعون فی مواطن أخر یبکون فیها, فلو أن تلک الأصوات فیها بدت لأهل الدنیا لا زالت جمیع الخلق عن معایشهم, وانصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ولا یزالون یبکون حتی یستنفدوا الدموع, ویفضوا إلی الدماء .

ثم یجتمعون فی موطن آخر فیستنطقون فیه, فیقولون: " والله ربنا ما کنا مشرکین " وهؤلاء خاصة هم: المقرون فی دار الدنیا بالتوحید, فلا ینفعهم إیمانهم بالله لمخالفتهم رسله, وشکهم فیما أتوا به عن ربهم, ونقضهم عهودهم فی أوصیائهم واستبدا لهم الذی هو أدنی بالذی هو خیر, فکذبهم الله فیما انتحلوه من الإیمان بقوله: " انظر کیف کذبوا علی أنفسهم " فیختم الله علی أفواههم, ویستنطق الأیدی والأرجل والجلود, فتشهد بکل معصیة کانت منهم, ثم یرفع عن ألسنتهم الختم فیقولون لجلودهم: لم شهدتم علینا ؟ قالوا: أنطقنا الله الذی أنطق کل شئ .

ثم یجتمعون فی موطن آخر فیفر بعضهم من بعض لهول ما یشاهدونه من صعوبة الأمر, وعظم البلاء فذلک قوله عز وجل: " یوم یفر المرء من أخیه وأمه وأبیه وصاحبته وبنیه الآیة " . ثم یجتمعون فی موطن آخر یستنطق فیه أولیاء الله وأصفیاؤه, فلا یتکلم أحد إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا, فیقام الرسل فیسألون عن تأدیة الرسالة التی حملوها إلی أممهم, وتسأل

ص: 348

الأمم فتجحد کما قال الله تعالی: " فلنسألن الذین أرسل إلیهم ولنسألن المرسلین " فیقولون: " ما جائنا من بشیر ولا نذیر " فتشهد الرسل رسول الله صلی الله علیه و آله فیشهد بصدق الرسل, وتکذیب من جحدها من الأمم, فیقول, لکل أمة منهم -: " بلی قد جائکم بشیر ونذیر والله علی کل شئ قدیر " أی: مقتدر علی شهادة جوارحکم علیکم بتبلیغ الرسل إلیکم رسالاتهم, کذلک قال الله, لنبیه -: " فکیف إذا جئنا من کل أمة بشهید وجئنا بک علی هؤلاء شهیدا فلا یستطیعون رد شهادته, خوفا من أن یختم الله علی أفواههم, وأن تشهد علیهم جوارحهم بما کانوا یعملون, ویشهد علی منافقی قومه, وأمته, وکفارهم بإلحادهم, وعنادهم, ونقضهم عهده, وتغییرهم سنته, واعتدائهم علی أهل بیته, وانقلابهم علی أعقابهم, وارتدادهم علی أدبارهم, واحتذائهم فی ذلک سنة من تقدمهم من الأمم الظالمة, الخائنة لأنبیائها, فیقولون بأجمعهم: " ربنا غلبت علینا شقوتنا وکنا قوما ظالمین " .

ثم یجتمعون فی موطن آخر یکون فیه مقام محمد صلی الله علیه و آله وهو: " المقام المحمود " فیثنی علی الله بما لم یثن علیه أحد قبله, ثم یثنی علی الملائکة کلهم, فلا یبقی ملک إلا أثنی علیه محمد, ثم یثنی علی الأنبیاء بما لم یثن علیه أحد قبله, ثم یثنی علی کل مؤمن ومؤمنة, یبدأ بالصدیقین والشهداء, ثم الصالحین, فیحمده أهل السماوات وأهل الأرضین, فذلک قوله تعالی: " عسی أن یبعثک ربک مقاما محمودا " فطوبی لمن کان له فی ذلک المکان حظ ونصیب, وویل لمن لم یکن له فی ذلک المقام حظ ولا نصیب .

ص: 349

ثم یجتمعون فی موطن آخر ویزال بعضهم عن بعض, وهذا کله قبل الحساب فإذا أخذ فی الحساب شغل کل إنسان بما لدیه, نسأل الله برکة ذلک الیوم .

قال علی علیه السلام وأما قوله: " وجوه یومئذ ناضرة إلی ربها ناظرة " ذلک فی موضع ینتهی فیه أولیاء الله عز وجل, بعدما یفرغ من الحساب, إلی نهر یسمی: " نهر الحیوان " فیغتسلون منه, ویشربون من آخر فتبیض وجوههم, فیذهب عنهم کل أذی وقذی ووعث, ثم یؤمرون بدخول الجنة, فمن هذا المقام ینظرون إلی ربهم کیف یثیبهم, ومنهم یدخلون الجنة فذلک قول الله عز وجل, فی تسلیم الملائکة علیهم -: " سلام علیکم طبتم فادخلوها خالدین " فعند ذلک قوله تعالی: أثیبوا بدخول الجنة والنظر إلی ما وعدهم الله عز وجل, فلذلک قوله تعالی: " إلی ربها ناظرة " والناظرة فی بعض اللغة هی: المنتظرة ألم تسمع إلی قوله تعالی: " فناظرة بم یرجع المرسلون " أی: منتظرة بم یرجع المرسلون ؟

وأما قوله: " ولقد رآه نزلة أخری عند سدرة المنتهی " یعنی: محمدا کان عند سدرة المنتهی حیث لا یجاوزها خلق من خلق الله عز وجل, وقوله, فی آخر الآیة -: " ما زاغ البصر وما طغی لقد رأی من آیات ربه الکبری " وأی جبرئیل فی صورته مرتین: هذه مرة, ومرة أخری, وذلک إن خلق جبرئیل خلق عظیم, فهو من الروحانیین الذین لا یدرک خلقهم, ولا صفتهم إلا الله رب العالمین قال علی علیه السلام وأما قوله: " ما کان لبشر أن یکلمه الله إلا وحیا أو من وراء حجاب أو یرسل رسولا فیوحی بإذنه ما یشاء " کذلک قال الله

ص: 350

تعالی قد کان الرسول یوحی إلیه رسل من السماء فتبلغ رسل السماء إلی الأرض وقد کان الکلام بین رسل أهل الأرض وبینه من غیر أن یرسل بالکلام مع رسل أهل السماء وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله : " یا جبرئیل هل رأیت ربک ؟ " فقال جبرئیل: " إن ربی لا یری " .

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : " من أین تأخذ الوحی ؟ " قال: " آخذه من إسرافیل " قال: " ومن أین یأخذه إسرافیل ؟ " قال: " یأخذه من ملک فوقه من الروحانیین " قال: " ومن أین یأخذه ذلک الملک ؟ " قال: " یقذف فی قلبه قذفا " . فهذا وحی, وهو کلام الله عز وجل, وکلام لیس بنحو واحد, منه: ما کلم الله به الرسل, ومنه ما قذف فی قلوبهم, ومنه رؤیا یراها الرسل, ومنه وحی وتنزیل یتلی ویقرأ فهو کلام الله عز وجل((1)) .

ولا یدخل الجنة الا من یعتبر ویتدبر فی الحیاة الدنیا ویترک الحزبیة والقبلیة والقومیة والاهواء الدنیویة .

{ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِیلا 5 إنَّهُمْ یَرَوْنَهُ بَعِیداً 6 وَنَرَاهُ قَرِیباً 7 } _سورة المعارج .

عدة من أصحابنا, عن سهل بن زیاد, عن محمد بن سلیمان, عن أبیه, عن أبی بصیر قال: بینما رسول الله صلی الله علیه و آله ذات یوم جالسا إذ أقبل أمیر المؤمنین علیه السلام فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله : إن فیک شبها من عیسی بن مریم

ص: 351

ولولا أن تقول فیک طوائف من أمتی ما قالت النصاری فی عیسی بن مریم لقلت فیک قولا لا تمر بملا من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدمیک یلتمسون بذلک البرکة قال: فغضب الأعرابیان (ابو بکر وعمر) و المغیرة بن شعبة وعدة من قریش معهم, فقالوا: ما رضی أن یضرب لابن عمه مثلا إلا عیسی ابن مریم فأنزل الله علی نبیه صلی الله علیه و آله فقال: " {ولما ضرب ابن مریم مثلا إذا قومک منه یصدون * وقالوا أآلهتنا خیر أم هو ما ضربوه لک إلا جدلا بل هم قوم خصمون إن هو إلا عبد أنعمنا علیه وجعلناه مثلا لبنی إسرائیل ولو نشاء لجعلنا منکم ( یعنی من بنی هاشم ) ملائکة فی الأرض یخلفون "} قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهری فقال: اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک إن بنی هاشم یتوارثون هرقلا بعد هرقل فأمطر علینا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألیم فأنزل الله علیه مقالة الحارث ونزلت هذه الآیة " وما کان الله لیعذبهم وأنت فیهم وما کان الله معذبهم وهم یستغفرون " ثم قال له: یا بن عمرو إما تبت وإما رحلت ؟ فقال: یا محمد بل تجعل لسائر قریش شیئا مما فی یدیک فقد ذهبت بنو هاشم بمکرمة العرب والعجم, فقال له النبی صلی الله علیه و آله : لیس ذلک إلی ذلک إلی الله تبارک وتعالی, فقال: یا محمد قلبی ما یتابعنی علی التوبة ولکن ارحل عنک فدعا براحلته فرکبها فلما صار بظهر المدینة أتته جندلة فرضخت هامته ثم أتی الوحی إلی النبی صلی الله علیه و آله فقال: " سأل سائل بعذاب واقع * للکافرین ( بولایة علی ) لیس له دافع * من الله ذی المعارج _سورة المعارج1_3. ".

ص: 352

قال: قلت: جعلت فداک إنا لا نقرؤها هکذا, فقال: هکذا والله نزل بها جبرئیل علی محمد صلی الله علیه و آله وهکذا هو والله مثبت فی مصحف فاطمة ( علیها السلام ) فقال رسول الله صلی الله علیه و آله لمن حوله من المنافقین: انطلقوا إلی صاحبکم فقد أتاه ما استفتح به قال الله عز و جل: " واستفتحوا وخاب کل جبار عنید ((1)) .

( بِسْمِ اللَّه الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْکافِرینَ لَیْسَ لَه دافِعٌ ) , إلی قوله تعالی, ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِیلًا ) [ 1, 5 ] المعارج. عن علی بن إبراهیم, قال: سئل أبو جعفر علیه السلام عن معنی هذا ؟ فقال: « نار تخرج من المغرب وملک یسوقها من خلفها حتی تأتی دار [ بنی ] سعد بن همام عند مسجدهم, فلا تدع دارا لبنی امیة إلا أحرقتها وأهلها, ولا تدع دارا فیها وتر لآل محمد إلا أحرقتها, وذلک المهدی علیه السلام » ((2)) .

علی بن إبراهیم, فی قوله تعالی: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِیلًا ) أی لتکذیب من کذب إن ذلک لا یکون ((3)) .

ص: 353

محمد بن یعقوب: عن علی بن إبراهیم, عن أحمد بن محمد, عن محمد بن خالد, عن محمد ابن سلیمان, عن أبیه, عن أبی بصیر, عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام ، فی قوله تعالی: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْکافِرینَ ) بولایة علی علیه السلام ( لَیْسَ لَه دافِعٌ ) ثم قال: « هکذا والله نزل بها جبرئیل علیه السلام علی محمد صلی الله علیه و آله » ((1)) .

علی بن إبراهیم: وأخبرنا أحمد بن إدریس, عن محمد بن عبد الله, عن محمد بن علی, عن علی بن حسان, عن عبد الرحمن بن کثیر, عن أبی الحسن علیه السلام ، فی قوله تعالی: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) , قال: « سأل رجل عن الأوصیاء, وعن شأن لیلة القدر وما یلهمون فیها ؟ فقال: النبی صلی الله علیه و آله : سألت عن عذاب واقع ثم کفرت بأن ذلک لا یکون, فإذا وقع ف ( لَیْسَ لَه دافِعٌ مِنَ اللَّه ذِی الْمَعارِجِ ) قال :( تَعْرُجُ الْمَلائِکَةُ والرُّوحُ ) فی صبح لیلة القدر ( إِلَیْه ) من عند النبی صلی الله علیه و آله والوصی علیه السلام »((2)) .

{ یَوْمَ تَکُونُ السَّمَاءُ کَالمُهْلِ } 8 _سورة المعارج:

تذوب الاجرام السماویة کلها فتکون مثل الرصاص الذائب والنحاس, وقد حذر النبیُ صلی الله علیه و آله المشرکین من یوم العذاب, فتعجلوه مستهزئین ساخرین .

ص: 354

. فقال سبحانه لنبیه الکریم: إذا استخفوا بیوم العذاب وسخروا منه فاصبر أنت یا محمد علی مؤامرتهم .

وَتَکُونُ الجِبَالُ کَالعِهْنِ9 _سورة المعارج:

الصوف المنفوش مما یعنی نهایة عهد الجبال وطمسها من الوجود .

وَلا یَسْألُ حَمِیمٌ حَمِیماً10 _سورة المعارج .

من شدة الخوف والهلع لا یسال أحدٌ أحداً عن حاله ووضعه ولو کان صدیقه الحمیم کلٌ مشغول بحاله وما یؤول الیه الی الجنة والنار .

{ یُبَصَّرُونَهُمْ یَوَدُّ المُجْرِمُ لَوْ یَفْتَدِی مِنْ عَذَابِ یَوْمِئِذ بِبَنِیهِ11 وَصَاحِبَتِهِ وَأخِیهِ12 وَفَصِیلَتِهِ الَّتِی تُؤْویهِ 13 وَمَنْ فِی الأرْضِ جَمِیعاً ثُمَّ یُنجِیهِ } 14 _سورة المعارج .

المجرم یغدر بأقرب المقربین الیه فی الدنیا والاخرة , وفی الاخرة یفتدی ببنیه الذین أنجبهم وزوجته المصاحبة له فی الحیاة وأخیه ویود لو یفتدی بعشیرته التی کانت تحمیه فی الملمات والحوادث .

ویود المجرد لو یُعطی الناس جمیعا فداءا له لینقذ نفسه من جهنم . وذلک عندما یبصِّر اللهُ تعالی المذنبین الظالمین بجزائهم فی جهنم یودون لو یفتدون منها ببنیهم وزوجاتهم واخوانهم وفصیلتهم .

ومن هنا جاء ما ورد عن النبی صلی الله علیه و آله , أنه قال لعثمان بن مظعون رضی الله عنه, وقد مات ولده, فاشتد حزنه علیه: ( یا ابن مظعون, إن للجنة ثمانیة أبواب, وللنار سبعة أبواب, أفما یسرک أن لا تأتی بابا منها إلا وجدت ابنک إلی جنبه , آخذا بحجزتک یستشفع لک إلی ربک, حتی یشفعه الله

ص: 355

تعالی ؟ ) ((1)).

{ کَلا إنَّهَا لَظَی15 نَزَّاعَةً لِلشَّوَی }16_سورة المعارج .

قال: تلتهب علیهم النار قوله: ( نزاعة للشوی ) قال تنزع عینیه وتسود وجهه

وقال نجاح الطائی: تنزع عینیه اللتین کان یری بهما أجساد النساء بالحرام خلافا لشریعة الله تعالی ویری کل منکر فیؤیده أو یسکت علیه بینما أمره تعالی بالامر بالمعروف والنهی عن المنکر .

ویحسد بعینیه الناس فیوردهم المهالک والمقابر حقدا وکراهیة للاخرین. وهکذا یفعل المجرم المعاصی بباقی أعضائه التی أعطاها له رب العالمین .

{ تَدْعُوا مَنْ أدْبَرَ وَتَوَلَّی } 17 _سورة المعارج . قال: تجره إلیها .

وقال نجاح الطائی: أدبر عن الانبیاء والاوصیاء وترک شرائعهم والدفاع عنهم وتولی عن عهودهم المفروضة ووصایاهم الواجبة .

مثل الجماعة الذین خانوا بیعة الغدیر واغتصبوا الخلافة الالهیة وقتلوا فاطمة علیها السلام بنت محمد سیدة نساء العالمین . وفرُّوا عن النبی صلی الله علیه و آله فی الحروب وتآمروا لقتله .

وأسسوا مذاهبا معادیة لمذهب النبی وآله وتآلفوا مع الیهود والنصاری وحاربوا المؤمنین الصالحین وقتلوهم وهجروهم ونفوهم .

{ وَجَمَعَ فَأوْعَی } 18: جمع المال مالئاً للاوعیة ولم یخرج حق الله منه . أی جمع مالا وخزنه لنفسه ووعاه ولم ینفقه فی سبیل الله.

ص: 356

{ إنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } 19 _سورة المعارج: حریصا .

الشدید الجزع من الضجر - فی قول ابن عباس وعکرمة - وقیل : معناه خلق ضعیفا عن الصبر علی الجزع والهلع, لأنه لم یکن فی ابتداء خلقه یهلع ولا یجزع ولا یشعر بذلک حال الطفولیة, وإنما جاز ان یخلق الانسان علی هذه الصفة المذمومة, لأنها تجری مجری خلق سهوه القبیح لیجتنب المشتهی .

{ إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً20 وَإذَا مَسَّهُ الخَیْرُ مَنُوعاً21} _سورة المعارج: ( إذا مسه الشر جزوعا ) قال: الشر هو الفقر والفاقة وعموم المآسی من أمراض ومصائب وآفات یظهر الجزع علیه ( وإذا مسه الخیر منوعا ) قال الغناء والسعة .

إذاحصل الانسان علی الخیر والسعة فی الدنیا منع حقوق الله تعالی فیه من الزکاة وغیرها واستکبر فی الارض واظهر الطغیان بقدر الملک والاموال

{إلا المُصَلِّینَ22 الَّذِینَ هُمْ عَلَی صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ23 }_سورة المعارج: وفی روایة أبی الجارود عن الامام ابی جعفر محمد الباقر علیه السلام قال ثم استثنی فقال: ( إلا المصلین ) فوصفهم بأحسن اعمالهم .

المؤدون للصلاة بتمامها وواجباتها ویعطون حقوق الباری تعالی .

( الذین هم علی صلاتهم دائمون ) یقول إذا فرض علی نفسه شیئا من النوافل دام علیه , واستمر علی أدائه .

{وَالَّذِینَ فِی أمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ24 لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ }25 _سورة المعارج: السائل: الذی یسأل ویصل الی هدفه والمحروم الذی لا یسأل حیاءً وتعففاً .

ص: 357

سئل الصادق ( علیه السلام ) عن قول الله عز وجل : ( فی أموالهم حق معلوم *للسائل والمحروم ) ؟ قال : هذا شئ سوی الزکاة ، وهو شئ یجب أن یفرضه علی نفسه کل یوم ، أو کل جمعة ، أو کل شهر أو کل سنة (1)

.

عن أبی عبد الله علیه السلام قال : إن الله عز وجل فرض للفقراء فی أموال الأغنیاء فریضة لا یحمدون إلا بأدائها وهی الزکاة ، بها حقنوا دماءهم وبها سموا مسلمین ، ولکن الله عز وجل فرض فی أموال الأغنیاء حقوقا غیر الزکاة ، قال عز وجل : « فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ » فالحق المعلوم غیر الزکاة وهو شیء یفرضه الرجل علی نفسه فی ماله یجب علیه أن یفرضه علی قدر طاقته وسعة ماله فیؤدی الذی فرض علی نفسه إن شاء فی کل یوم ، وإن شاء فی کل جمعة ، وإن شاء فی کل شهر وقد قال الله عز وجل أیضا « أَقْرَضُوا الله قَرْضاً حَسَناً » فهذا غیر الزکاة وقد قال الله عز وجل أیضا « یُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِیَةً » والماعون أیضا وهو القرض یقرضه والمتاع یعیره ، والمعروف یصنعه ، ومما فرض الله عز وجل أیضا فی المال من غیر الزکاة قوله عز وجل : « الَّذِینَ یَصِلُونَ ما أَمَرَ الله بِهِ أَنْ یُوصَلَ » ، ومن أدی ما فرض الله علیه فقد قضی ما علیه وأدی شکر ما أنعم الله علیه فی ماله إذا هو حمده علی ما أنعم الله علیه فیه مما فضله به من السعة علی غیره ولما وفقه لأداء ما فرض الله عز وجل علیه وأعانه علیه(2)

.

ص: 358

{ وَالَّذِینَ یُصَدِّقُونَ بِیَوْمِ الدِّینِ }26_سورة المعارج: قال الامام الباقر علیه السلام : قوله عز وجل: " والذین یصدقون بیوم الدین " قال: بخروج القائم علیه السلام ((1)) .

وقوله عز وجل: " والله ربنا ما کنا مشرکین ((2)) " ؟ قال: یعنون بولایة علی علیه السلام ((3)) .

وفی قوله عز وجل:" {وقل جاء الحق وزهق الباطل} ((4)) , قال: إذا قام القائم علیه السلام ذهبت دولة الباطل ((5)) .

{وَالَّذِینَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ27 إنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَیْرُ مَأمُون }28 _سورة المعارج :مشفقون: أی خائفون ( إن عذاب ربهم غیر مأمون ) أی لا یؤمن حلوله بمستحقیه وهم العصاة المستکبرون .

فمن سار علی الطریق المستقیم آمنا بالله تعالی وفاعلا للحسنات وتارکا

ص: 359

للمحرمات دخل الجنة .

{ وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ29 إلا عَلَی أزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَکَتْ أیْمَانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ } 30 _سورة المعارج .

الفروج حلال فی النکاح وملک الیمین فهم غیر ملومین علی ترک حفظ الفروج عنهم فی هاتین الحالتین .

قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لذکر الله عز وجل بالغدو والآصال خیر من حطم السیوف فی سبیل الله عز وجل . یعنی فمن ذکر الله عز وجل بالغدو ویذکر ما کان منه فی لیلة من سوء عمله واستغفر الله وتاب إلیه فإذا انتشر فی ابتغاء ما قسم الله له انتشر وقد حطت عنه سیئاته وغفرت له ذنوبه, وإذا ذکر الله عز وجل بالآصال وهی العشیات راجع نفسه فیما کان منه فی یومه ذلک من سرف علی نفسه وإضاعة لأمر ربه فإذا ذکر الله عز وجل واستغفر الله تعالی وأناب راح إلی أهله وقد غفرت له ذنوبه یومه . وإنما تحمد الشهادة أیضا إذا کانت من تائب إلی الله استغفر من معصیة الله عز وجل ((1)).

ثم إن الملک یکون بأشیاء مختلفة منها الشراء ومنها الهبة ومنها المیراث علی حسب اختلاف وجوه التملیکات .

{ فَمَنِ ابْتَغَی وَرَاءَ ذَلِکَ فَاُوْلَئِکَ هُمُ العَادُونَ }31 _سورة المعارج .

ص: 360

فمن طلب النکاح وراء ما أباحه الله له من الفروج طلبا للذة والشهوة, فأولئک هم العاصون المعتدون الذین تعدوا حدود الله, وخرجوا عما أباحه لهم فی الفروج .

وقد اختلق النواصب الخوارج نکاح الجهاد للولوغ فی عالم الرذیلة والفسق والفجور عصیانا منهم لعقود الزواج الدائم والمنقطع .

ونکاح الجهاد هذا یسمح فیه للزوجة بالزنا مع رجال آخرین مع بقاء العلاقة الزوجیة مع زوجها بصورة مطلقة .وقال آخرون من علماء الوهابیة الخوارج بحلیته وأفتوا بجواز نکاح المتزوجة مع رجال آخرین أن أحست بعدم اشباع زوجها لها .

وهذا خروج من الدین وترویج للزنا والسفاح وتکثیر ولد الزنا ومحاربة لله تعالی وعصیانا لشریعته الغراء .

وکان کفار الجاهلیة یطردون الفاحشات من مدنهم الی ضواحی المدن تنفرا من عملهن الدنیء , بینما قربهن الخوارج الوهابیون السعودیون وافتخروا بهن .

{ وَالَّذِینَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ32 } _سورة المعارج .

والأمانة: ما یؤتمن الانسان علیه مثل الودائع و الوصایا والحکومات ونحوها . وقیل: الأمانة الإیمان وما أخذ الله سبحانه علی المؤمنین من المواثیق فی عالم الذر وعالم الدنیا: فی الاعتقاد بالتوحید والنبوة والامامة وما بایعوا النبی علیه فی أیام الدار والرضوان و الغدیر .

ص: 361

وقال تعالی ( إنَّ الله یأمرکم أن تؤدّوا الأمانات إلی أهلها ) والمراد بالآیة الإمام علیه السلام وأنّ الله تعالی أمر الإمام الأوّل أن یحول إلی الإمام الّذی بعده کلّ شئ من ورث الإمامة .

وقال تعالی ( إنّا عرضنا الأمانة علی السماوات والأرض والجبال فأبین أن یحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان, انّه کان ظلوماً جهولا ) .

وقال الصادق علیه السلام « أنَّ المراد بالأمانة ولایة أمیر المؤمنین .

ویجب علی المسلم حفظ الامانة للاخرین فهی من علامات المؤمنین .

وقال الإمام ابو جعفر صلی الله علیه و آله : إیانا عنی أن یؤدی الاول الی الإمام الذی بعده الکتب والعلم والسلاح .

و قال النبی محمد صلی الله علیه و آله : «أدِّ الامانة الی من ائتمنک ولا تخن من خانک ((1)). والعالم العادل لا یمکنه کتمان ألأمانات العائدة الی الناس والتی یجب ایصالها الیهم کی یحکموا علی الاحداث بحق وانصاف , ویعرفوا تراجم الناس بصدق وشفافیة .

{ وَالَّذِینَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ } 33 _سورة المعارج .

أی یقیمون الشهادات التی تلزمهم إقامتها . والشهادة: الإخبار بالشئ کما شاهدوه وسمعوه من الزواج والطلاق وحالات القتل والزنا وغیرها من الوقائع التی تحفظ حقوق الناس .

{وَالَّذِینَ هُمْ عَلَی صَلاتِهِمْ یُحَافِظُونَ } 34 _سورة المعارج .

ص: 362

فی الفرائض والواجبات أی یحفظون أوقاتها وأرکانها وکل ما یتعلق بها. وقیل سمیت مکة أم القری لأنها أول موضع سکن فی الأرض, وقیل إن الأرض کلها دحیت من تحتها فکانت اما لها .

{ اُوْلَئِکَ فِی جَنَّات مُکْرَمُونَ35 }:

محترمون موقرون فی بساتین غنَّاء أعدها لهم الله تعالی لامتناعهم عن المحرمات وفعلهم للحلال وایمانهم بالله ورسوله والائمة المعصومین الراشدین الاثنی عشر , وعملوا الصالحات .

{ فَمَالِ الَّذِینَ کَفَرُوا قِبَلَکَ مُهْطِعِینَ36 عَنِ الیَمِینِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِینَ37 } _سورة المعارج :

( مهطعین ) أی أذلاء . عن الیمین وعن الشمال عزین قال: أذلاء متفرقین, یأخذون یمینا وشمالا, یقولون: ما قال هذا الرجل ؟ مستهزئین برسول الله وهم الذین خالفوا وصایاه وعادوا أهل بیته وأصحابه المخلصین وجاءوا بأصحابه العاصین .

{ أیَطْمَعُ کُلُّ امْرِئ مِنْهُمْ أنْ یُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِیم }38 _سورة المعارج .

کیف یطمع الظالمون الخائنون بجنة النعیم التی خلقها الرحمن للمطیعین الورعین .

{ کَلا إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا یَعْلَمُونَ } 39 _سورة المعارج .

قال من نطفة ثم من علقة وقد خلقهم الباری تعالی للعبادة: من أجل ما یعلمون من الثواب والعقاب والتکلیف للطاعات فکیف یریدون الجنة بلا عمل ؟

ص: 363

{ فَلا اُقْسِمُ بِرَبِّ المَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ إنَّا لَقَادِرُونَ40 }_سورة المعارج: لا اُقْسِمُ بِرَبِّ المَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ: فی کل یوم تتبدل مشارق الارض ومغاربها بسبب دوران الارض حول نفسها وحول الشمس وحرکة المجرة الکونیة التی نحن فیها فی الفضاء . فتصبح مشارق ومغارب مختلفة والأرض تشرق علی القمر ثم تغرب، کذلک إذا خرجنا خارج المجموعة الشمسیة نری أیضاً لکل کوکب مشرق ومغرب، وهنا ندرک أنه توجد مشارق ومغارب متعددة، وهذا ما حدثنا عنه القرآن: { فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَی أَنْ نُبَدِّلَ خَیْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِینَ }_ المعارج: 70 / 40-41 .

ولو رجعنا إلی حیاة النبی الأعظم نجد أنه کان یخرج لیلاً لیتفکَّر فی خلق هذه النجوم ویقول {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَکَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} آل عمران: 191].

ونلاحظ أن النبی علیه الصلاة والسلام ربط بین التفکر فی هذه المخلوقات وبین عذاب النار، فهل أطلع الله نبیَّه علی سر من أسرار خلقه؟

قال رسول الله صلی الله علیه و آله : تفکر ساعة خیر من قیام لیلة, قلت: کیف یتفکر ؟, قال یمر بالدار الخربة, فیقول: أین بانوک ؟ أین ساکنوک ؟ ما لک لا تتکلمین ((1)) .

ولذلک ینبغی علینا أن نستجیب لنداء الحق عندما یقول:

ص: 364

{إِنَّ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ لَآَیَاتٍ لِأُولِی الْأَلْبَابِ * الَّذِینَ یَذْکُرُونَ اللَّهَ قِیَامًا وَقُعُودًا وَعَلَی جُنُوبِهِمْ وَیَتَفَکَّرُونَ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَکَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } _ آل عمران: 190-191.

{ عَلَی أنْ نُبَدِّلَ خَیْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِینَ }41 _سورة المعارج.

إنَّا لَقَادِرُونَ عَلَی أنْ نُبَدِّلَ خَیْراً مِنْهُمْ, إنا نقدر علی أن نهلکهم, ونأتی بدلهم بقوم آخرین خیرا منهم .

( وما نحن بمسبوقین ) هذا عطف علی جواب القسم أی: وإن هؤلاء الکفار لا یفرون منا بحیث لا یمکن الامساک بهم . وقیل: معناه وما نحن بمغلوبین .

{ فَذَرْهُمْ یَخُوضُوا وَیَلْعَبُوا حَتَّی یُلاقُوا یَوْمَهُمُ الَّذِی یُوعَدُونَ} 42 : یخوضون ویلعبون عامدون وغافلون عن جرائمهم الی أن یُحاسبوا فی یوم القیامة فیجازون بجهنم وبئس المصیر .

( فَذَرْهُمْ یَخُوضُوا ) فی باطلهم ( ویَلْعَبُوا ) فی دنیاهم .

{ یَوْمَ یَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعاً کَأنَّهُمْ إلَی نُصُب یُوفِضُونَ} 43 _سورة المعارج :یوم یخرجون من الأجداث ): من القبور ( سراعا ): مسرعین ( کأنهم إلی نصب یوفضون ): إلی منصوبات للعبادة أو أعلام یسرعون .

ص: 365

القمی: إلی الداعی یبادرون((1)) .

أی من القبور ( سراعا ) مسرعین مذبذبین لشدة السوق ( کأنهم إلی نصب یوفضون ) أی کأنهم یسرعون ویجرون إلی علم نصب لهم, عن الجبائی, وأبی مسلم . وقیل: کأنهم إلی أوثانهم یسعون للتقرب إلیها .

{خَاشِعَةً أبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِکَ الیَوْمُ الَّذِی کَانُوا یُوعَدُونَ}44 _سورة المعارج .

أی ذلیلة خائفة لا یستطیعون النظر من هول وفزع ذلک الیوم ( ترهقهم ذلة ) أی تغشاهم مذلة مما فعلوه وأنکروه فی الدنیا ( ذلک الیوم الذی کانوا یوعدون ) وهو یوم الحساب والجزاء .

وقال نجاح الطائی: یخرج الکفار والمنافقون من القبور وعلیهم آثار الذل والاهانة خوفا من الجحیم ونارها وطعامها فیتذکرون ما فعلوه بالمؤمنین فی عالم الدنیا من تحقیر لهم واهانتهم ومنع العطاء المالی عنهم وملاحقتهم أمنیا أینما حلوا وسکنوا ورحلوا .

ص: 366

وبالذوات المقدّسة محمّد إیلیا شبّر شبیر فاطمة خذ بیدی, فإنّ هؤلاء الخمسة عظماء یجب احترامهم, ومن أجلهم خلق اللَّه تعالی هذه الدنیا, إلهی فأمدّنی ببرکة أسمائهم وأنت قادر علی هدایتنا جمیعا ».

بسم الله الرحمن الرحیم

{ إنَّا أرْسَلْنَا نُوحاً إلَی قَوْمِهِ أنْ أنذِرْ قَوْمَکَ مِنْ قَبْلِ أنْ یَأتِیَهُمْ عَذَابٌ ألِیمٌ 1 قَالَ یَا قَوْمِ إنِّی لَکُمْ نَذِیرٌ مُبِینٌ 2 أنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاتَّقُوهُ وَأطِیعُونِ } 3 _سورة نوح.

لقد أرسل الله تعالی نوحا الی قومه بانذارهم قبل أن یأتیهم عذاب ألیم فبلغهم وأنذرهم ودعاهم لعبادة الله الواحد الاحد .

وکان النبی محمد صلی الله علیه و آله لا یهاجم قوما لیلا الا من بعد الصبر الی الصباح فیشاهد انهم یصلون صلاة الصبح أم لا .

وفی الحرب کان یدعوهم الی الاسلام و ینذرهم عذاب الاخرة فان لم یستجیبوا حاربهم . وقد فعل رسول الله هذا فی معرکة بدر ولما رفضوا الدخول فی الاسلام حاربهم . وقد فعل الامام علی علیه السلام ذلک فی الحروب التی قادها فی غزوة ذات السلاسل وغزوة الیمن .

{ أنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاتَّقُوهُ وَأطِیعُونِ }: المطلب الالهی للانبیاء ومنهم النبی نوح علیه السلام عبادة الله تعالی والتی تعنی الاعتقاد به والایمان بأنبیائه وأوصیائه

ص: 368

الائمة ثم تقوی الله تعالی فی الابتعاد عن المحرمات وتأدیة الواجبات کالصلاة والصوم والحج والجهاد والزکاة والخمس وغیرها .

ومنها طاعة النبی نوح علیه السلام المرسل من الله تعالی وعدم التشکیک فی رسالته وعدم الاستهزاء به وأن لا یکون مثل عمر وجماعته الذین قالوا للنبی محمد صلی الله علیه و آله فی یوم شهادته: انه یهجر: أورد البخاری قول عمر للنبی:

إنه یهجر حسبنا کتاب الله فی ثلاثة مواضع من صحیحه((1)) .

ص: 369

{یَغْفِرْ لَکُمْ مِنْ ذُنُوبِکُمْ وَیُؤَخِّرْکُمْ إلَی أجَل مُسَمّیً إنَّ أجَلَ اللّهِ إذَا جَاءَ لا یُؤَخَّرُ لَوْ کُنتُمْ تَعْلَمُونَ4}_سورة نوح.

بلغهم نوح بأن الله تعالی سیغفر لهم ذنوبهم ویؤخرهم الی یوم القیامة .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : شیئان یکرهما ابن آدم: یکره الموت فالموت راحة للمؤمن من الفتنة, ویکره قلة المال وقلة المال أقل للحساب .

وقال أبو عبد الله " علیه السلام ": ان الله عز وجل یقول انی تطولت علی عبادی بثلاث ألقیت علیهم الریح بعد الروح لولا ذلک ما دفن حمیم حمیما, وألقیت علیهم السلوة بعد المصیبة لولا ذلک لم یتهنأ أحد معیشته, وخلق هذه الدابة وسلطها علی الحنطة والشعیر لولا ذلک لکنزها ملوکهم کما یکنزون الذهب والفضة .

وقال سلمان رضی الله عنه: عجبت لست: ثلاث أضحکتنی وثلاث أبکتنی فأما الذی أبکتنی ففراق الأحبة محمد وحزبه وهو المطلع والوقوف بین یدی الله عز وجل وأما التی أضحکتنی فطالب الدنیا والموت یطلبه, وغافل ولیس بمغفول عنه وضاحک ملا فیه لا یدری أرضی الله أم سخط .

قال الصادق " علیه السلام ": إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنین فقالوا: اللهم إنا لا نعلم منه إلا خیرا وأنت اعلم به منا, قال الله

ص: 370

تبارک وتعالی انی قد اخذت شهادتکم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون ((1)).

{وَیُؤَخِّرْکُمْ إلَی أجَل مُسَمّیً }: تعنی الایة :إنکم إن أطعتم الله ورسوله غفر لکم ذنوبکم وأخر موتکم إلی الأجل المسمی عنده .وفی الآیة دلیل علی الأجلین فی الموت ،فوعده تعالی بالأجل المسمی للوفاة مشروط بالعبادة والتقوی وطاعة النبی, واذا لم یراع شروط الله سبحانه جاءه الاجل الاقرب قبل الأجل الأقصی .

اذن الأجل الأقصی للموت لهم ان آمنوا وعملوا الصالحات, ولیس لهم إن لم یؤمنوا, کما أن الجنة لهم إن آمنوا ولیست لهم إن لم یؤمنوا .

فیهِ دَلاَلةٌ علی ثُبُوتِ أَجَلَیْنِ, مِثْلُ أَن یکُونَ قَد قَضَی اللهُ سبحانَهُ أَن یُعَمِّرَ قَوْمَ نُوح إنْ آمنوا ألفَ سَنَة, وإِنْ بَقَوْا علی کُفْرِهم أَهْلَکَهُم علی رأْسِ تِسْعِمائةِ سَنَة .

{ قَال رَبِّ إنِّی دَعَوْتُ قَوْمِی لَیْلا وَنَهَاراً 5 فَلَمْ یَزِدْهُمْ دُعَائِی إلا فِرَاراً } 6 _سورة نوح: دعا نوح ربه لیلا ونهارا لم یفتر عن تبلیغه وانذاره لکنهم فروا منه .

مثل قوله تعالی: ( فزادهم الله مرضا ): إن معناه ازدادوا شکا عندما زاد الله من البیان بالآیات والحجج, لاصرارهم علی الکفر واستمرار فعلهم للمعاصی , کقوله تعالی قصة نوح علیه السلام هنا: ( لم یزدهم دعائی إلا فرارا )

ص: 371

لما ازدادوا فرارا عند دعاء نوح علیه السلام نسب إلیه, وکذلک قوله ( وأما الذین فی قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلی رجسهم ) الآیات لم تزدهم رجسا , وإنما ازدادوا رجسا عندها .

وکذلک کان المؤمنون الصالحون یزدادون نورا یوما بعد یوم لثباتهم علی الایمان بالله ورسوله والخلفاء الراشدین من أهل البیت علیهم السلام واندفاعهم فی فعل الخیرات .

{ وَإنِّی کُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أصَابِعَهُمْ فِی آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِیَابَهُمْ وَأصَرُّوا وَاسْتَکْبَرُوا اسْتِکْبَاراً } 7 _سورة نوح.

من شدة عصیان قوم نوح وضعهم أصابعهم فی آذانهم ووضعهم ثیابهم علی وجوههم وأصروا علی کفرهم واستکبروا استکبارا .

قال الله تعالی: الَّذِی اسْتَهْوَتْهُ الشَّیَاطِینُ فِی الأرْضِ حَیْرَانَ_الانعام 72 .

إنَّا جَعَلْنَا الشَّیَاطِینَ أوْلِیَاءَ لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ 27_الاعراف .

ألَمْ تَرَ أنَّا أرْسَلْنَا الشَّیَاطِینَ عَلَی الکَافِرِینَ تَؤُزُّهُمْ أزّاً83_مریم .

وَمَنْ یَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِیناً36*الاحزاب.

وقال الإمام الصادق علیه السلام : لا تذنبوا فتبتعدوا عنَّا .

لقد اصبح هؤلاء من الظالمین وأضحوا جنودا لابلیس لا یطیقون سمع کلمات الله وحدیث النبی .

ص: 372

القمی: عزموا علی أن لا یسمعوا شیئا ((1)) . مثلما نصح علماء النواصب الی العوام أن لا یسمعوا کلام الشیعة أبدا خوفا من انجرارهم الی الحق وترکهم مذهبهم القائم علی الکذب والتحریف .

{ ثُمَّ إنِّی دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً 8 ثُمَّ إنِّی أعْلَنتُ لَهُمْ وَأسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَاراً 9 فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إنَّهُ کَانَ غَفَّاراً 10 یُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَیْکُمْ مِدْرَاراً } 11 _سورة نوح.

دعاهم نوح علیه السلام الی الخالق العظیم جماعات وفرادی بأن یستغفروا ربهم لیرسل علیهم مطره . وقد دعاهم لیلا ونهارا سرا وعلانیة لیستغفروا الباری تعالی ویغیروا منهجهم الباطل نحو منهج الاسلام .

{ یُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَیْکُمْ مِدْرَاراً } 11 _سورة نوح. الخیر کله یأتی من السماء والشر کله یأتی من الشیطان .

دعاء للولد وللرزق: عن زرارة, عن الامام ابی جعفر محمد الباقر علیه السلام أنه وفد إلی هشام بن عبد الملک فأبطأ علیه الاذن حتی اغتم وکان له حاجب کثیر الدنیا ولا یولد له فدنا منه أبو جعفر علیه السلام فقال له: هل لک أن توصلنی إلی هشام وأعلمک دعاءً یولد لک ؟

ص: 373

قال: نعم فأوصله إلی هشام وقضی له جمیع حوائجه((1)) قال: فلما فرغ قال له الحاجب: جعلت فداک الدعاء الذی قلت لی ؟ قال علیه السلام له: نعم قل فی کل یوم إذا أصبحت وأمسیت: " سبحان الله سبعین مرة, وتستغفر عشر مرات, وتسبح تسع مرات وتختم العاشرة بالاستغفار ( ثم ) تقول قول الله عز وجل: {" استغفروا ربکم إنه کان غفارا * یرسل السماء علیکم مدرارا * ویمددکم بأموال وبنین ویجعل لکم جنات ویجعل لکم أنهارا } _سورة نوح10_12. ".

فقالها الحاجب فرزق ذریة کثیرة وکان بعد ذلک یصل أبا جعفر وأبا عبد الله علیه السلام فقال سلیمان: فقلتها وقد تزوجت ابنة عم لی فأبطأ علیَّ الولد منها وعلمتها أهلی ؟ فرزقت ولدا وزعمت المرأة أنها متی تشاء أن تحمل حملت إذا قالتها وعلمتها غیر واحد من الهاشمیین ممن لم یکن یولد لهم, فولد لهم ولد کثیر والحمد لله ((2)) .

وعن أبی بکر الحضرمی قال: لما حمل أبو جعفر علیه السلام إلی الشام إلی هشام بن عبد الملک وصار ببابه قال لأصحابه ومن کان بحضرته من بنی أمیة: إذا رأیتمونی قد وبخت محمد بن علی ثم رأیتمونی قد سکت فلیقبل علیه کل

ص: 374

رجل منکم فلیوبخه ثم أمر أن یؤذن له, فلما دخل علیه

أبو جعفر علیه السلام قال بیده: السلام علیکم فعمهم جمیعا بالسلام ثم جلس فازداد هشام علیه حنقا بترکه السلام علیه بالخلافة وجلوسه بغیر إذن, فأقبل یوبخه ویقول فیما یقول له: یا محمد بن علی لا یزال الرجل منکم قد شق عصا المسلمین ودعا إلی نفسه وزعم أنه الامام سفها وقلة علم, ووبخه بما أراد أن یوبخه فلما سکت أقبل علیه القوم رجل بعد رجل یوبخه حتی انقضی آخرهم.

فلما سکت القوم نهض علیه السلام قائما ثم قال: أیها الناس أین تذهبون وأین یراد بکم, بنا هدی اللهُ أولکم وبنا یختم آخرَکم, فإن یکن لکم ملک معجل فإن لنا ملکا مؤجلا ولیس بعد ملکنا ملک لأنا أهل العاقبة یقول الله عز وجل: {"وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ } 128_الاعراف. " فأمر به إلی الحبس فلما صار إلی الحبس تکلم فلم یبق فی الحبس رجل الا ترشفه ((1)) وحن إلیه, فجاء صاحب الحبس إلی هشام فقال: یا أمیر المؤمنین إنی خائف علیک من أهل الشام أن یحولوا بینک وبین مجلسک هذا, ثم أخبره بخبره, فأمر به فحمل علی البرید هو وأصحابه لیردوا إلی المدینة وأمر أن لا یخرج لهم الأسواق وحال بینهم وبین الطعام والشراب فساروا ثلاثا لا یجدون طعاما ولا شرابا حتی انتهوا إلی مدین, فاغلق باب المدینة دونهم فشکا أصحابه الجوع والعطش قال: فصعد جبلا لیشرف علیهم فقال بأعلی صوته: یا أهل المدینة

ص: 375

الظالم أهلها أنا بقیة الله, یقول الله تعالی: {" بقیة الله خیر لکم إن کنتم مؤمنین وما أنا علیکم بحفیظ} ((1)) " .

قال: وکان فیهم شیخ کبیر فأتاهم فقال لهم: یا قوم هذه والله دعوة شعیب النبی والله لئن لم تخرجوا إلی هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقکم ومن تحت أرجلکم فصدقونی فی هذه المرة وأطیعونی وکذبونی فیما تستأنفون فإنی لکم ناصح, قال: فبادروا فأخرجوا إلی محمد بن علی وأصحابه بالأسواق, فبلغ هشام بن عبد الملک خبر الشیخ فبعث إلیه فحمله فلم یدر ما صنع به ((2)).

وعن سلیمان ابن جعفر الجعفری عن أبی جعفر الأول محمد الباقر بن علی بن الحسین بن علی علیهم السلام ان رجلا شکی إلیه قلة الولد وانه یطلب الولد من الإماء والحرایر فلا یرزق له وهو ابن ستین سنة فقال علیه السلام قل ثلاثة أیام فی دبر صلاتک المکتوبة صلاة العشاء الآخرة وفی دبر صلاة الفجر سبحان الله سبعین مرة واستغفر الله سبعین مرة وتختمه بقول الله عز وجل ( استغفروا ربکم انه کان غفارا یرسل السماء علیکم مدرارا ویمددکم بأموال وبنین ویجعل لکم جنات ویجعل لکم أنهارا _سورة نوح10_12. ) ثم واقع

ص: 376

امرأتک اللیلة الثالثة فإنک ترزق بإذن الله ذکرا سویا, قال: ففعلت ذلک ولم یحول الحول حتی رزقت قره عین ((1)).

{ وَیُمْدِدْکُمْ بِأمْوَال وَبَنِینَ وَیَجْعَلْ لَکُمْ جَنَّاتٍ وَیَجْعَلْ لَکُمْ

أنْهَاراً } 12 _سورة نوح

:ویرزقهم أموالا وبنین وینشیء لهم جنات .

أی بساتین فی الدّنیا ویجعل لکم أنهارا تسقون بها جنّاتکم : علم نبیّ الله نوح علیه السلام أنّهم کانوا أهل حرص علی الدّنیا فقال: هلمّوا إلی طاعة الله فانّ فیها درک الدّنیا والآخرة .

وقال تعالی فی بعض من عصاه: ( ومن أعرض عن ذکری فإن له معیشة ضنکا ونحشره یوم القیمة أعمی ) .

وقال فی آخرین منهم: { لنذیقهم عذاب الخزی فی الحیاة الدنیا ولعذاب الآخرة أخزی}, { لَهُمْ عَذَابٌ فِی الحَیَاةِ الدُّنْیَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ وَاق } 34 _الرعد.

. وجاء الخبر مستفیضا عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: ( حمی یوم کفارة ذنوب سنة ) ((2)).

ص: 377

وقال نجاح الطائی: الطلب الالهی من الناس أن یستغفروا الله ویعودوا الی طاعته لیرسل لهم السحاب الممطرة ویمدهم بأموال وبنین ویجعل لهم بساتین وانهارا . لکن أکثر الناس لا یفقهون .

{ مَا لَکُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقَاراً } 13_سورة نوح.

ویجعل له عظمة, فی قول ابن عباس, والمراد, ههنا_ سعة قدراته تعالی من الحکم والعلم . وجاء: لا تخافون لله عظمة . قال أمیر المؤمنین علیه السلام : إِتّخذوا الشّیطان لأمرهم ملاکا, واتّخذهم له أشراکا .

{ وَقَدْ خَلَقَکُمْ أطْوَاراً } 14 _سورة نوح.

أصنافا واشکالا متنوعة یختلف کل انسان عن الانسان الاخر فی بصمات یدیه وفی بصمات عینیه وفی طوله وشکل جسمه وصورة وجهه وصوته ورائحته وخطه وحامضه النووی یدل علیه وهذا من المعجزات الالهیة .

وقال علی بن إبراهیم فی قوله " وقد خلقکم أطوارا " قال: علی اختلاف الأهواء و الإرادات والمشیئات .

وقال العلماء: صورنا قطعات الوفر النازلة من السماء فوجدناها تختلف عن بعضها البعض فهی أطواراً .

یتم هذا الاختبار عبر إحضار عینة من أی من المصادر أو المواد البیولوجیة التی یمکن الحصول علیها مما یلی, علی سبیل المثال: بقع الدم الجافة و بقع الملابس الداخلیة مجففة و بقع المنی مجففة و بقع اللعاب المجفف و الشعر مع بصیلاته و بقایا شعر الحلاقة من علی أمواس ماکینة الحلاقة.

قال الله تعالی:{ وَمَا أُوتِیتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِیلاً }_سورة الاسراء 85 .

وإن تحلیل DNA هو تحلیل للمادة الوراثیة, وهذا یبین العلم الالهی العظیم فی مقابل العلم البسیط عند البشر .

ومن المعاجز الالهیة قال النبی محمد صلی الله علیه و آله : یا علی لا یحبک إلاّ مؤمن طاهر المولد ولا یبغضک إلاّ ابن زنا ((1)) .

ص: 379

وقال عبادة بن الصامت : کنا نبور ((1)) أولادنا بحب علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) فإذا رأینا أحدا لا یحب علی بن أبی طالب علمنا أنه لیس منا وأنه لغیر رشدة ((2)) .

ص: 380

ابن عساکر : قال ونا حصین عن زید بن عطاء بن السائب عن أبیه عن الولید بن عبادة بن الصامت عن أبیه قال : کنا نبور أولادنا بحب علی بن أبی طالب فإذا رأینا أحدا لا یحب علی بن أبی طالب علمنا أنه لیس منا وأنه لغیر رشده ((1)) . لیس منا أی ابن زنا .

وروی الصفوری الشافعی : أن النبی « صلی الله علیه و آله

» أمر أصحابه یوم خیبر بأن یمتحنوا أولادهم بحب علی بن أبی طالب, فإنه لا یدعو إلی ضلالة ولا یبعد عن هدی, فمن أحبه فهو منکم, ومن أبغضه فلیس منکم ((2)).

قال أنس : فکان الرجل بعد ذلک یقف بولده علی طریق علی علیه السلام , فیقول : یا بنی أتحب هذا ؟ ! فإن قال : نعم, قبله وإن قال : لا, طلق أمه وترکه

معها ((3)).

وبعد اکتشاف الحامض النووی وبدأت عملیات تفجیر الارهابیین فی انفسهم ضد مساجد ومدارس الشیعة اکتشف الاطباء ان هؤلاء الارهابیین

ص: 381

الوهابیین اولاد زنا , وخافت النساء النجدیات الزوانی من افتضاح أمرها عبر الحامض النووی بعد مقتل اولادها الارهابیین .

وهذا من کرامات أمیر المؤمنین علی علیه السلام من افتضاح أمر أعدائه , وبدأ علماء النواصب الارهابیین یفکرون فی کیفیة اخفاء کونهم لقطاء .

{ ألَمْ تَرَوْا کَیْفَ خَلَقَ اللّهُ سَبْعَ سَمَاوَات طِبَاقاً }15 _سورة نوح.

ونصب ( طباقا ) علی أحد وجهین: أحدهما, علی الفعل وتقدیره وجعلهن طباقا . والاخر, جعله نعتا ل ( سبع ) سماء فوق أخری فهی طبقات .

فقال عز وجل: خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ((1)) .

وقال: خلق سبع سماوات طباقا ((2)) .

وقال: جهنم لها سبعة أبواب ((3)) .

وقال: سبع سنبلات خضر وأخر یابسات ((4)) .

وقال: سبع بقرات سمان یأکلهن سبع عجاف ((5)) .

وقال: حبة أنبتت سبع سنابل((6)) .

ص: 382

وقال: سبعا من المثانی والقرآن العظیم ((1)) .