ص: 2

ثم یرسل الله إلیها ملکا فیقول : یا فاطمة سلی حاجتک . فتقول : یا رب حاجتی أن تغفر لی ولمن نصر ولدی ) ((1)) .

{ ادْخُلُوا الجَنَّةَ أنْتُمْ وَأزْوَاجُکُمْ تُحْبَرُونَ }70 :

تکرمون غایة الاکرام .

ودرجات الجنة

بقول الامام المعصوم علیه السلام عدد آیات القرآن المجید ستة آلاف درجة .

تفسیر فرات بن إبراهیم : الحسین بن سعید ، عن محمد بن مروان ، عن عبید بن الفضل الثوری ،: عن جعفر ، عن أبیه قال : ینادی مناد یوم القیامة : أین المحبون لعلی ؟ فیقومون من کل فج عمیق ، فیقال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نحن المحبون لعلی علیه السلام الخالصون له حبا ، فیقال : فتشرکون فی حبه أحدا من الناس ؟ فیقولون : لا ، فیقال لهم : ادخلوا الجنة أنتم وأزواجکم تحبرون " ((2)) .

الکافی : علی ، عن أبیه ، عن النوفلی ، عن السکونی ، عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : یجئ کل غادر یوم القیامة بإمام مائل شدقه حتی یدخل النار ، ویجئ کل ناکث ببیعة إمام أجذم حتی یدخل النار " ((3)) .

ص: 4

الکافی : محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن منذر بن یزید ، عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : إذا کان یوم القیامة نادی مناد : أین الصدود لأولیائی ؟ فیقوم قوم لیس علی وجوههم لحم ، فیقال : هؤلاء الذین آذوا المؤمنین ونصبوا لهم وعاندوهم وعنفوهم فی دینهم ، ثم یؤمر بهم إلی جهنم ((1)) .

وقال نجاح الطائی : وهذا هو الوعد الالهی للمؤمنین والوفاء لما عاهد به جل جلاله المتقین بقوله :

{ قُلْ أذَلِکَ خَیْرٌ أمْ جَنَّةُ الخُلْدِ الَّتِی وُعِدَ المُتَّقُونَ کَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً

وَمَصِیراً } 15_الفرقان .

{ وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اُوْلَئِکَ أصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ: } 82 _البقرة.

{ وَمَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَکَر أوْ اُنثَی وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَاُوْلَئِکَ یَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا یُظْلَمُونَ نَقِیراً: } 124_النساء.

{ ُیطَافُ عَلَیْهِمْ بِصِحَاف مِنْ ذَهَب وَأکْوَاب وَفِیهَا مَا تَشْتَهِیهِ الأنفُسُ وَتَلَذُّ الأعْیُنُ وَأنْتُمْ فِیهَا خَالِدُونَ } 71 _سورة الزخرف.

کل ما تشتهیه الانفس وتلذ الاعین موجود لاهل الجنة وهم فیها خالدون.

ص: 5

تفسیر علی بن إبراهیم : " ادخلوا الجنة أنتم وأزواجکم تحبرون " أی تکرمون " یطاف علیهم بصحاف من ذهب وأکواب " أی قصاع وأوانی " وفیها ما تشتهیه الأنفس " إلی قوله :

" منها تأکلون " فإنه محکم . وأخبرنی أبی ، عن الحسن بن محبوب ، عن ابن سنان ، عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : إن الرجل فی الجنة یبقی علی مائدته أیام الدنیا ، و یأکل فی أکلة واحدة بمقدار أکله: فی الدنیا " ((1)) .

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصف الجنّة : واعلموا عباد الله أنّ مع هذا رحمة الله التی وسعت کلّ شیء ، لا یعجز عن العباد جنّة عرضها السماوات والأرض ، خیر لا یکون بعده شرٌ أبداً ، وشهوة لا تنفد أبداً ، ولذة لا تفنی أبداً ، ومجمع لا یتفرق أبداً ، وقوم قد جاوروا الرحمن وقام بین أیدیهم الغلمان ، بصحاف من ذهب فیها الفاکهة والریحان((2)) .

وعن تفسیر قوله : { یَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِینَ إِلَی الرَّحْمنِ وَفْداً } قال : یا علی إنّ الوفد لا یکون إلاّ رکباناً ، أُولئک رجال اتّقوا الله فأحبّهم الله واختصّهم ورضی أعمالهم فسمّاهم المتّقین ، ثمّ قال : یا علی أما والذی فلق الحبّة

ص: 6

وبرأ النسمة ، إنّهم لیخرجون من قبورهم وبیاض وجوههم کبیاض الثلج ، علیهم ثیاب بیاضها کبیاض اللبن ، علیهم نعال الذهب ، شراکها من لؤلؤ یتلألأ .

وفی حدیث آخر ، قال : إنّ الملائکة لتستقبلهم بنوق من نوق الجنّة علیها رحائل الذهب ، مکلّلة بالدر والیاقوت وجلالها الإستبرق والسندس ، وخطامها جدل الأُرجوان ، وأزمّتها من زبرجد ، فتطیر بهم إلی المحشر ، مع کلّ رجل منهم ألف ملک من قدامه وعن یمینه وعن شماله یزفّونهم زفّاً ، حتّی ینتهوا بهم إلی باب الجنّة الأعظم ، وعلی باب الجنّة شجرة ، الورقة منها یستظلّ تحتها مائة ألف من الناس ، وعن یمین الشجرة عین مُطهّرة مزکیة ، فیسقون منها شربة فیطهّر الله قلوبهم من الحسد ویسقط عن أبشارهم الشعر ((1)) ذلک قوله : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } ((2)) من تلک العین المطهّرة ، ثمّ یرجعون إلی عین أُخری عن یسار الشجرة فیغتسلون منها وهی عین الحیاة فلا یموتون أبداً ثمّ یوقف بهم قدّام العرش وقد سلموا من الآفات والأسقام والحرّ والبرد أبداً ، قال : فیقول الجبّار للملائکة الذین معهم : احشروا أولیائی إلی الجنّة ولا تقفوهم مع الخلائق ، فقد سبق رضائی عنهم ووجبت رحمتی لهم فکیف أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسیّئات ، فتسوقهم الملائکة إلی الجنّة ، فإذا انتهوا إلی باب الجنّة ضربت

ص: 7

الملائکة حلقة الباب فیبلغ صریرها کلّ حوراء خلقها الله وأعدّها لأولیائه ، فیتباشرن إذا سمعن صریر الحلقة ویقلن : جاءنا أولیاء الله ، فیفتح لهم الباب فیدخلون الجنّة فیشرف علیهم أزواجهم من الحور العین والآدمیین فیقلن : مرحباً بکم فما کان أشدّ شوقنا إلیکم ، ویقول لهنّ أولیاء الله مثل ذلک .

فقال علی علیه السلام : من هؤلاء یا رسول الله ؟

فقال صلی الله علیه و آله : یا علی هؤلاء شیعتک وشیعتنا المخلصون لولایتک وأنت إمامهم ، وهو قول الله :

{ یَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِینَ إِلَی الرَّحْمنِ وَفْداً } ((1)).

قل الاجماع علی تحریم أوانی الذهب والفضة ولا سیما فی الأکل والشرب وإنما الخلاف فی الاتخاذ بدون الاستعمال وظاهر هذا الخبر الکراهة ویمکن حمله علی الحرمة لما نقل من الاجماع لکن وردت اخبار کثیرة بلفظ الکراهة .

عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : لا تأکل فی آنیة الذهب والفضة ((2)) .

ص: 8

وعن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام أنه نهی عن آنیة الذهب والفضة ((1)) .

وعن أبی الحسن موسی علیه السلام قال : آنیة الذهب والفضة متاع الذین لا یوقنون ((2)) .

وجاء فی صحیح مسلم : کتاب اللباس والزینة: باب تحریم استعمال أوانی الذهب والفضة فی الشرب وغیره علی الرجال والنساء ، حدیث 2 .

وقد عارض معاویة الحدیث النبوی : حدیث أبی الدرداء حیث روی نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عن بیع أوانی الذهب والفضة بأکثر من وزنها . فقال معاویة : لا أری بذلک بأسا .

فقال أبو الدرداء : من یعذرنی من معاویة ! أخبره عن رسول الله صلی الله علیه و آله ویخبرنی عن رأیه ؟ لا أساکنک بأرض أبدا . دل کلام

[ أبی الدرداء هذا ] علی أن مقابلة النص بالرأی غیر مشروع ((3)) .

وقد خالف ملوک بنی أمیة وملوک العباسیین والعثمانیین النصوص النبویة واکلوا وشربوا بصحف وملاعق وأوانی الذهب والفضة .

ص: 9

وذکر النبی صلی الله علیه و آله مخالفة البعض للنص الالهی ولبسهم للذهب مستقبلا قائلا وعندها تحلی ذکور أمتی بالذهب ویلبسون الحریر والدیباج ویتخذون جلود النمور صفافا ((1)) .

{ وَتِلْکَ الجَنَّةُ الَّتِی اُورِثْتُمُوهَا بِمَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ }72_سورة الزخرف.

وقال تعالی: ( ثم أورثنا الکتاب ) یعنی القرآن أورثناه من اصطفیناه من عبادنا . ومعنی الإرث انتهاء الحکم إلیه ومصیره لهم ، کما قال تعالی

( وتلک الجنة التی أورثتموها بما کنتم تعملون ) .

وقیل المراد أورثناهم الایمان بالکتب السالفة وکان المیراث انتقال الشئ من قوم إلی قوم .

والأول أصح ((2)) .

أی حصلتم علیها بأعمالکم .

قال ابن عباس : الکافر یرث نار المؤمن ، والمؤمن یرث جنة الکافر .

وقرئ : « ورثتموها » . شبّه جزاء العمل بالمیراث ، لأنّه یخلفه علیه العامل .

و « تلک » إشارة إلی الجنّة المذکورة وقعت مبتدأ ، و « الجنّة » خبرها ، و « الَّتی أورثتموها » صفتها . أو « الجنّة » صفة: « تلک » ، و « الَّتی » خبرها ، أو

ص: 10

صفة « الجنّة » والخبر « بما کنتم تعملون » وعلیه یتعلَّق الباء بمحذوف لا « بأورثتموها » ((1)) .

الراغب فی المفردات إذ قال : الوراثة والارث انتقال قنیة إلیک عن غیرک من غیر عقد ولا ما یجری مجری العقد ، وسمی بذلک المنتقل عن المیت فیقال للقنیة الموروثة میراث وإرث وتراث فقلبت الواو ألفا وتاء قال : وتأکلون التراث ، وقال علیه السلام : أثبتوا علی مشاعرکم فإنکم علی إرث أبیکم أی أصله وبقیته . قال الشاعر :

: ویقال لکل من حصل له شئ من غیر تعب : قد ورث کذا ویقال لکل من خول شیئا مهنئا : أورث .

وقال نجاح الطائی : قال تعالی : وتلک الجنة التی أورثتموها _ الزخرف 72.

:وَالَّذِینَ هُمْ عَلَی صَلَوَاتِهِمْ یُحَافِظُونَ9* اُوْلَئِکَ هُمُ الوَارِثُونَ 10*الَّذِینَ یَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ 11_المؤمنون .

: تِلْکَ الجَنَّةُ الَّتِی نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ کَانَ تَقِیّاً 63_مریم.

: قَالَ مُوسَی لِقَوْمِهِ اسْتَعِینُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُوا إنَّ الأرْضَ لِلّهِ یُورِثُهَا مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ 128_الاعراف.

تعهد تعالی علی اعطاء الجنة وراثة لمن یعمل صالحا فی الارض: وهو أمر حسن اذ فیه خیر البشریة وحضارتها ورقیها .

ص: 11

وأعداء هذا المشروع المدنی هم الظالمون المعتدون الفاسقون فی الارض .

{ لَکُمْ فِیهَا فَاکِهَةٌ کَثِیرَةٌ مِنْهَا تَأکُلُونَ 73 }

و: ( من ) فی: ( منها تأکلون ) للتبعیض وهی تبین انها لا تنفد .

وقد قال تعالی : { إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد } 54 _سورة ص.

:أنَّ اللّهَ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشَاءُ_الزمر52 .

وتوفیر الشراب والطعام الفاکهة وغیرها للفائزین فی الاخرة اکرام من الله الکریم الجواد الرزاق لهم .

{: إنَّ المُجْرِمِینَ فِی عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ: 74: لا یُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ: 75 _سورة الزخرف.

وفی قوله تعالی : " لا یفتر عنهم العذاب " أی لا یخفف عنهم " وهم فیه مبلسون ": آئسون من کل خیر " .

وهم ملعونون ناکسوا رؤوسهم قد عاینوا الندامة والخزی الطویل .

وروی ابن عباس : عذاب القبر ثلاثة أثلاث : ثلث للغیبة ، وثلث للنمیمة ، وثلث للبول (النجاسة) ((1)) .

{ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ: وَلَکِنْ کَانُوا هُمُ الظَّالِمِینَ76 } _سورة الزخرف.

{ و مَا ظَلَمْنَاهُمْ }: بترکهم ولایة أهل بیتک .

{ وَلَکِنْ کَانُوا هُمُ الظَّالِمِینَ } 76 ((2)) .

ص: 12

{ وَنَادَوْا یَا مَالِکُ لِیَقْضِ عَلَیْنَا رَبُّکَ قَالَ إنَّکُمْ مَاکِثُونَ } 77:

ونادوا یا مالک " أی یدعون خازن جهنم فیقولون : " یا مالک لیقض علینا ربک " أی لیمتنا ربک حتی نتخلص ونستریح من هذا العذاب " قال " أی فیقول مالک مجیبا لهم : " إنکم ماکثون " أی لابثون دائمون فی العذاب قال ابن عباس والسدی : إنما یجیبهم مالک بذلک بعد ألف سنة ((1)) .

یرید المجرمون أن یفروا من العذاب الالهی لکنهم فی جهنم ماکثون وکانوا لا یستجیبون لتوسل المؤمنین فی الارض فیضعوهم فی قعر السجون ومطامیرها مکبلین فی السلاسل یحلمون بالماء والطعام ورؤیة الشمس والسماء والارحام والنوم علی الارض .

وقد تفنن الطغاة فی محاربة الصالحین منها الحروب الظالمة علیهم وقطع ارزاقهم وتشویه سمعتهم ونفیهم فی الارض وغیر ذلک .

ویذکر أن الاشرار قد تفننوا فی تعذیب الابرار فی الدنیا فجعلوا نهارهم لیلا دامسا ومنعوهم من خیرات الارض الکثیرة .

وقد شیدوا سجونا مخیفة ولا تحصی لارهاب الصالحین وسلبهم نعمة الحیاة الدنیا .

ص: 13

{ لَقَدْ جِئْنَاکُمْ بِالحَقِّ وَلَکِنَّ أکْثَرَکُمْ لِلْحَقِّ کَارِهُونَ } 78 _سورة الزخرف.

قال الامام علی علیه السلام : یا کمیل نحن والله الحق الذی قال الله عز وجل ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السماوات والأرض ومن فیهن یا کمیل ثم ینادون الله تقدست أسمائه بعد ان یمکثوا أحقابا اجعلنا علی الرجا فیجیبهم اخسئوا ولا تکلمون ((1)) .

تفسیر علی بن إبراهیم : " لقد جئناکم بالحق ((2)) " یعنی بولایة أمیر المؤمنین علیه السلام " ولکن أکثرکم للحق کارهون ". والدلیل علی أن الحق ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام قوله تعالی : " وقل الحق من ربکم ((3)) " یعنی ولایة علی علیه السلام " فمن شاء فلیؤمن ومن شاء فلیکفر إنا اعتدنا للظالمین " آل محمد حقهم " نارا " ثم ذکر علی أثر هذا خبرهم ، وما تعاهدوا علیه فی الکعبة أن لا یردوا الامر فی أهل بیت رسول الله صلی الله علیه و آله ، فقال : " أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون ((4))" إلی قوله :

ص: 14

" لدیهم یکتبون: " ((1)) .

أمالی الصدوق معانی الأخبار :

سئل أمیر المؤمنین علیه السلام : أی الناس أکیس ؟

قال : من أبصر رشده من غیه ، فمال إلی رشده ((2)) .

الخصال : ابن المتوکل ، عن محمد العطار ، عن الأشعری ، عن علی بن حسان رفعه إلی زرارة ، عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : إن من حقیقة الایمان أن تؤثر الحق وإن ضرک ، علی الباطل وإن نفعک ، وأن لا یجوز . منطقک علمک ((3)) .

الخصال : الحسن بن علی [ بن محمد ] العطار ، عن محمد بن محمود ، عن محمد ابن منصور وإسماعیل المکی وحمدان جمیعا ، عن المکی بن إبراهیم ، عن هشام بن حسان والحسن بن دینار ، عن محمد بن واسع ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبی ذر رحمه الله قال : أوصانی رسول الله صلی الله علیه و آله بأن أقول الحق وإن کان مرا ((4)) .

ص: 15

وقال النبی صلی الله علیه و آله : علی مع الحق والحق مع علی یدور معه حیثما

دار ((1)).

{ وَلَکِنَّ أکْثَرَکُمْ لِلْحَقِّ کَارِهُونَ } قال الامام علی علیه السلام : والله إن بقیت وسلمت لهم لأقیمنهم علی المحجة البیضاء والطریق الواضح ((2)) .

وقال نجاح الطائی: لم یسمحوا لامیر المؤمنین علی علیه السلام بفرض منهج الحق فقتلوه وحاولوا محو تراثه وولده الائمة المیامین الخلفاء .

ص: 16

فقد اجتمع الخوارج والامویون رغم تنافرهم ومعاداتهم لبعضهم البعض علی قتله والتحق بهذا الرکب کل ظالم منافق مصر علی افناء الدین .

{ أمْ أبْرَمُوا أمْراً فَإنَّا مُبْرِمُونَ 79 أمْ یَحْسَبُونَ أنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَی وَرُسُلُنَا لَدَیْهِمْ یَکْتُبُونَ }80 _سورة الزخرف.

عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام فی قول الله تعالی : " إن الذین ارتدوا علی أدبارهم من بعد ما تبین لهم الهدی: " فلان وفلان وفلان ، ارتدوا عن الایمان فی ترک ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام قلت : قوله تعالی : " ذلک بأنهم قالوا للذین کرهوا ما نزل الله سنطیعکم فی بعض الامر قال : نزلت والله فیهما وفی أتباعهما وهو قول الله عز وجل الذی نزل به جبرئیل علیه السلام علی محمد صلی الله علیه و آله " ذلک بأنهم قالوا للذین کرهوا ما نزل الله: ( فی علی علیه السلام ) سنطیعکم فی بعض الامر " قال : دعوا بنی أمیة إلی میثاقهم ألا یصیروا الامر فینا بعد النبی صلی الله علیه و آله ولا یعطونا من الخمس شیئا وقالوا إن أعطیناهم إیاه لم یحتاجوا إلی شئ ، ولم یبالوا أن یکون الامر فیهم ، فقالوا : سنطیعکم فی بعض الامر الذی دعوتمونا إلیه وهو الخمس ألا نعطیهم منه شیئا وقوله " کرهوا ما نزل الله " والذی نزل الله ما افترض علی خلقه من ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام وکان معهم أبو عبیدة وکان کاتبهم ، فأنزل الله " أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون * أم یحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم _ الآیة _ ((1)) .

ص: 17

{ أمْ یَحْسَبُونَ أنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ } «اتفاق رجال السقیفة بعد حجة الوداع علی اغتصاب الخلافة من الامام علی علیه السلام { بَلَی وَرُسُلُنَا لَدَیْهِمْ یَکْتُبُونَ80 }

و قال الصادق علیه السلام : قوله تعالی: ( کرهوا ما أنزل الله ) ((1)) .

وکان معهم أبو عبیدة بن الجراح وهو کاتبهم , وقال الثانی : لا تجتمع النبوة والامامة فی اهل البیت أبداً , فأنزل الله تعالی:

{ أمْ أبْرَمُوا أمْراً فَإنَّا مُبْرِمُونَ , أمْ یَحْسَبُونَ أنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ

وَنَجْوَاهُمْ }: ((2)) .

وکان النبی قد أخذ علیهم المیثاق مرتین لأمیر المؤمنین , الأولی : حین قال : أتدرون من ولیکم من بعدی؟

قالوا : الله ورسوله اعلم .

قال النبی صلی الله علیه و آله : صالح المؤمنین وأشار بیده الی علی بن ابی طالب وقال :

ص: 18

هذا ولیکم من بعدی . والثانیة یوم غدیر خم ((1)) .

ولقد وبخهم النبی صلی الله علیه و آله لما نزلت فأنکروا فنزلت: ( یحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا کلمة الکفر ) الآیة ((2)) وقد سلف فی باب إنزال الآیات ، وسلف فی الباب الثانی عشر مثل ذلک الدعوات .

ورووا أن عمر أودعها أبا عبیدة فقال له النبی صلی الله علیه و آله : أصبحت أمین هذه الأمة ، وروته العامة أیضا وقال عمر عند موته : لیتنی خرجت من الدنیا کفافا: لا علیَّ: ولا لی ، فقال ابنه: (عبد الله) : تقول هذا ؟

فقال : دعنی نحن أعلم بما صنعنا : أنا و صاحبی وأبو عبیدة ومعاذ ((3)) .

ندم ابی بکر علی اغتصابه الخلافة:

قال الله تعالی : (وَیَومَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَی یَدَیهِ یَقُولُ یَا لَیتَنی اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلا * یَاوَیلَتی لَیتَنی لَم أَتَّخِذ فُلاَناً خَلیلا * لَّقَد أَضَلَّنی عَنِ الذِّکرِ

بَعدَ إِذ جَآءَنِی وَکَانَ الشَّیطانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا) ((4)) .

ص: 19

ندم ابو بکر وقال معتذراً: إنَّ بیعتی کانت فلتة وقی الله شرّها وخشیت الفتنة وایم الله ما حرصت علیها یوماً قط ، ولقد قلدت امراً عظیماً مالی به طاقة ولا یدان ، ولوددت أن اقوی الناس (علی علیه السلام ) علیه مکانی ، وقال تولیت علیکم ولست بافضلکم ((1)) .

وفی ذلک اعتراف منه بافضلیة الامام علی ( علیه السلام ) علی الناس کافة وهو منهم . وعلی علیه السلام مصداق العلم والحلم والشجاعة والفصاحة والعبادة والنسب والاسبقیة والتربیة والصبر .

وقال ابو بکر: أما التی وددت أنی ترکتها ، فوددت أنِّی لم اکن کشفت بیت فاطمة علیها السلام وان کان اغلق علی الحرب ، ووددت أنی یوم سقیفة بنی ساعدة کنت قذفت الامر فی عنق احد الرجلین : عمر او ابی عبیدة فکان امیراً وکنت وزیراً ثم افصح ابو بکر عن ندمه فی تسلُّم سلطة مغصوبة واخذه فدکاً: بعد ان قالت له فاطمة الزهراء: واللهِ لادعونَّ الله علیک فی کل صلاة أصلیها ، فخرج باکیاً فاجتمع إلیه الناس فقال لهم: یبیت کل رجل منکم معانقاً حلیلته مسروراً باهله ، وترکتمونی وما أنا فیه ، لا حاجة لی فی بیعتکم ، أقیلونی بیعتی ((2)) .

ص: 20

واعترف عمر بمعارضته للرسول فی یوم الخمیس , قائلا: « إنَّ رسول الله

صلی الله علیه و آله أراد أن یذکره للأمر فی مرضه , فصددته عنه الخ ((1)).

عمر : والله لو أن لی طلاع الارض ذهباً لافتدیت به من عذاب الله عزوجل قبل أن أراه ((2)) .

وقال عمر بن الخطاب: ( عند موته ) لابنه عبد الله : ضع خدی بالارض فابی عبد الله فقال له : ضع خدی بالارض لا أُمَّ لک, فوضع خده علی الارض فجعل یقول : ویل امی ویل امی ! إن لم تغفر لی . . . فلم یزل یقولها حتی خرجت روحه ((3)) .

وظهر ندم عمر أیضاً: فی قوله : یالیتنی کنت کبش أهلی سمَّنونی ما بدا لهم حتی اذا کنت کأسمن ما یکون زارهم من یحبون ، فذبحونی لهم فجعلوا

ص: 21

بعضی شواءً وبعضی قدیداً ((1)) ثم أکلونی واخرجونی عذرة ، ولم اکن بشراً ((2)) .

وقال عمر : لیتنی کنت هذه التبنة ، یالیتنی لم أکُ شیئاً ، لیت أمِّی لم تلدنی ((3)) .

وقال العلاّمة الشیخ محمود أبو ریّه رئیس کلیة أصول الدین فی الازهر : عبد الله بن حبیب [ قال ] إنه عبد الله بن عمر قال : حین حضرته الوفاة : ما أجد فی نفسی من الدنیا إلاّ أنّی لم أُقاتل الفئة البغیة مع علیّ علیه السلام .

وقال نجاح الطائی: أبرم جل جلاله عقدا بابقاء الخلافة کما هی للبشریة وختمها بالمهدی علیه السلام وتدوین أسماء العاصین فی أهل الهاویة .

وبقی الناس محتفظین بنصوص النبی فی بیعة یوم الدار وبیعة الرضوان (الشجرة) وبیعة الغدیر .

لکنهم ابرموا عقدا بینهم علی اغتصاب الخلافة الالهیة النبویة ومحاربة الله تعالی فی ارضه , وهی تبین اطلاعه تعالی علی أسرار الناس وخفایاهم المکتومة: فبینها فی کتابه المجید .

ص: 22

{ قُلْ إنْ کَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأنَا أوَّلُ العَابِدِینَ }81 _سورة الزخرف.

قال أبو عبد الله علیه السلام أول العابدین أول المطیعین ((1)).

قوله: ( إن کان للرحمن ولد فأنا أول العابدین ) لکونه أول من امتثل بأمره بالدخول فی النار وبالإقرار بالربوبیة وبکل حق وصدق فوجب أن یکون أول من یعتقد له ولداً لو کان له ولد فلما لم یعتقده بل نفاه علم أنه لیس ولد ، ویفهم منه أن جزاء الشرط محذوف وأن المذکور تعلیل له قائم

مقامه ، أی لو کان للرحمن ولد فأنا أول من یقر به لأنی أول العابدین ((2)) .

وقال المفسر القمی : انه قد ظهر من الأدلة الباهرة والاخبار المتظافرة من الفریقین ان ذوات محمد وآله الطاهرین صلوات الله علیهم أجمعین هی علة ایجاد هذا الکون کما یظهر من الحدیث المعروف: ( لولاک لما خلقت الأفلاک ) المشهور بین الفریقین .

وحدیث: (أول ما خلق الله نوری ) المؤید بقوله تعالی :

{ قل إن کان للرحمن ولد فانا أول العابدین } فهذه الآیة تدل علی أن محمدا صلی الله علیه و آله أول الکل وجودا وإن کان خاتم الرسل زمانا وعلی بن أبی طالب اما نفسه کما تدل علی آیة المباهلة أو قسیم نوره کما یدل علیه قوله

ص: 23

صلی الله علیه و آله : ( انا وعلی من نور واحد ) وأولاده المعصومون کلهم مظاهر جماله وکماله صلی الله علیه و آله کما قال صلی الله علیه و آله فیهم: ( أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد وکلنا محمد ) وتدل علی هذا المقصد روایات کثیرة من السنة من شاء فلیراجع معارج النبوة ومدارج النبوة وینابیع المودة ونحو ذلک .وکذا وردت روایات کثیرة معتبرة أیضا کحدیث الکساء المتسالم علیه بین العلماء الأعلام والمعمول به بین الخواص والعوام وفیه: ( وعزتی وجلالی انی ما خلقت سماءا مبنیة ولا أرضا مدحیة ولا قمرا منیرا ولا شمسا مضیئا . . إلا فی محبة هؤلاء الخمسة الذین هم تحت الکساء ) .

وفی اکمال الدین والعیون والعلل عن الرضا عن آبائه عن علی علیهم السلام أنه قال رسول الله صلی الله علیه و آله ما خلق الله خلقا أفضل منی ولا أکرم علیه منی ، فقلت یا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئیل ؟

فقال یا علی ان الله فضل أنبیائه المرسلین علی ملائکته المقربین وفضلنی علی جمیع النبیین والمرسلین والفضل من بعدی لک یا علی وللأئمة من بعدک وان الملائکة لخدامنا وخدام محبینا ، یا علی ! الذین یحملون العرش ومن حوله یسبحون بحمد ربهم ویستغفرون للذین آمنوا بولایتنا یا علی ! لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض فکیف لا نکون أفضل من الملائکة وقد سبقناهم إلی معرفة ربنا وتسبیحه وتقدیسه لان أول ما خلق الله خلق أرواحنا فانطقنا بتوحیده

ص: 24

وبتمجیده ثم خلق الملائکة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائکة ، فسبحت الملائکة بتسبیحنا ((1)) .

قیل فی معنی قوله: ( قل إن کان للرحمن ولد فأنا أول العابدین ) أقوال : أحدها _ فانا أول الآنفین من عبادته ، لان من کان له ولد لا یکون إلا جسما محدثا ومن کان کذلک لا یستحق العبادة ، لأنه لا یقدر علی النعم التی یستحق بها العبادة ((2)) .

وجاء: تَّقدیرُ الامر : وهو الذی فی السَّماءِ إلهٌ وفی الأَرضِ إلهٌ .

{سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ }82 _سورة الزخرف. من جعلهم له ولد ووصفه بالجسم .

یقول : رب المثل الأعلی عما به مثلوه ، ولله المثل الأعلی الذی لا یشبهه شئ ولا یوصف ولا یتوهم ، فذلک المثل الأعلی . ووصف الذین لم یؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنی الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فیما جعلوا به ، فلذلک قال:

( وما أوتیتم من العلم إلا قلیلا ) فلیس له شبه ولا مثل ولا عدل ، وله الأسماء الحسنی التی لا یسمی بها غیره ، وهی التی وصفها فی الکتاب فقال: ( فادعوه بها وذروا الذین یلحدون فی أسمائه ) جهلا بغیر علم ،

ص: 25

فالذی یلحد فی أسمائه [ جهلا ] بغیر علم یشرک وهو لا یعلم ، ویکفر به وهو یظن أنه یحسن ، فلذلک قال: ( وما یؤمن أکثرهم بالله إلا وهم مشرکون ) فهم الذین یلحدون فی أسمائه بغیر علم ، فیضعونها غیر مواضعها ((1)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام : لما سئل عن الدلیل علی أن الله واحد ؟ : اتصال التدبیر ، وتمام الصنع ، کما قال الله عز وجل: ( لو کان فیهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ((2)) .

عنه علیه السلام : فی رسالة الإهلیلجة :

فعرف القلب بعقله أنه لو کان معه شریک کان ضعیفا ناقصا ، ولو کان ناقصا ما خلق الإنسان ، ولا اختلفت التدابیر ، وانتقصت الأمور مع التقصیر

الذی به یوصف الأرباب المتفردون والشرکاء المتعاینون ((3)) .

عن حنان بن سدیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن العرش والکرسی _ وذکر الحدیث إلی أن قال علیه السلام _ : « فمن اختلاف صفات العرش أنه قال تبارک وتعالی : ( رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ ): ، وهو وصف عرش الوحدانیة ، لأن قوما أشرکوا کما قلت لک ، قال تبارک وتعالی : ( رَبِّ الْعَرْشِ ): ، رب الوحدانیة ( عَمَّا یَصِفُونَ ): وقوما وصفوه بیدین ، فقالوا : ید الله مغلولة

ص: 26

. وقوما وصفوه بالرجلین ، فقالوا : وضع رجله علی صخرة بیت المقدس ، فمنها ارتقی إلی السماء . وقوما وصفوه بالأنامل ، فقالوا : إن محمدا صلی الله علیه و آله قال : إنی وجدت برد أنامله علی قلبی .

فلمثل هذه الصفات قال: ( رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ ): یقول : رب المثل الأعلی عما به مثلوه ، ولله المثل الأعلی الذی لا یشبهه شیء ، ولا یوصف ولا یتوهم ، فذلک المثل الأعلی . ووصف الذین لم یؤتوا من الله فوائد العلم ، فوصفوا ربهم بأدنی الأمثال ، وشبهوه بالمتشابه منهم فیما جهلوا: به ، فلذلک قال : وما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا ) ((1)) .

أن النزاع بین الوثنیین والموحدین لیس فی وحدة الاله وکثرته بمعنی الواجب الوجود الموجود لذاته الموجد لغیره فهذا مما لا نزاع فی أنه واحد لا شریک له ، وإنما النزاع فی الاله بمعنی الرب المعبود والوثنیون علی أن تدبیر العالم علی طبقات أجزائه مفوضة إلی موجودات شریفة مقربین عند الله ینبغی أن یعبدوا حتی یشفعوا لعبادهم عند الله ویقربوهم إلیه زلفی کرب السماء ورب الأرض ورب الانسان وهکذا وهم آلهة من دونهم والله سبحانه إله الالهة وخالق الکل کما یحکیه عنهم قوله : " ولئن سألتهم من خلقهم لیقولن الله " الزخرف : 87: وقوله : " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض لیقولن خلقهن العزیز العلیم " الزخرف : 9 .

ص: 27

والآیة الکریمة إنما تنفی الالهة من دون الله فی السماء والأرض بهذا المعنی لا بمعنی الصانع الموجد الذی لا قائل بتعدده ، والمراد بکون الاله فی السماء والأرض تعلق ألوهیته بالسماء والأرض لأسکناه فیهما فهو کقوله تعالی : " هو الذی فی السماء إله وفی الأرض إله " الزخرف : 84 _ ((1)) .

{فَذَرْهُمْ یَخُوضُوا وَیَلْعَبُوا حَتَّی یُلاقُوا یَوْمَهُمُ الَّذِی یُوعَدُونَ}83_سورة الزخرف .

قال أبو جعفر علیه السلام وأیم الله لا یجامع أحد فی هذه الأوقات التی کره رسول الله صلی الله علیه و آله الجماع فیها ثم رزق فیه ولد فیری فی ولده ما یحب بعد أن یکون علم ما نهی عنه رسول الله صلی الله علیه و آله من الأوقات التی کره فیها الجماع واللهو واللذة واعلم یا ابن سالم ، أن من لا یجتنب اللهو واللذة عند ظهور الآیات کان ممن یتخذ آیات الله هزوا ((2)) .

( یوم یخرجون من الأجداث ) : من القبور: ( سراعا ) : مسرعین: ( کأنهم إلی نصب یوفضون ) : إلی منصوبات للعبادة أو أعلام یسرعون _ القمی : إلی الداعی یبادرون ((3)) .

ص: 28

وقال نجاح الطائی : اترکهم فی کفرهم وطغیانهم وعنجهیتهم حتی یلاقوا یوم الحساب عندها یندمون علی کفرهم وقتلهم للابریاء وهضمهم لحقوق المساکین واحتقارهم للفقراء .

{ وَهُوَ الَّذِی فِی السَّمَاءِ إلَهٌ وَفِی الأرْضِ إلَهٌ وَهُوَ الحَکِیمُ العَلِیمُ } 84 _سورة الزخرف.

له ملک السماوات والارض وهو الحکیم العلیم .

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن الحکم قال : قال أبو شاکر الدیصانی : إن فی القرآن آیة هی قولنا ، قلت : ما هی ؟ فقال : " وهو الذی فی السماء إله وفی الأرض إله " فلم أدر بما أجبه ، فحججت فخبرت أبا عبد الله علیه السلام فقال : هذا کلام زندیق خبیث ، إذا رجعت إلیه فقل له : ما اسمک بالکوفة ؟ فإنه یقول فلان فقل له : ما اسمک بالبصرة ؟ فإنه یقول : فلان ، فقل ، کذلک الله ربنا ، فی السماء إله ، وفی الأرض إله ، وفی البحار إله ، وفی القفار إله ، وفی کل مکان إله . قال : فقدمت فأتیت أبا شاکر فأخبرته ، فقال : هذه نقلت من الحجاز .

کنا عند رسول الله صلی الله علیه و آله ذات یوم ، أتاه ملک فسلم فقال له

رسول الله صلی الله علیه و آله : من أین أرسلت ؟ قال : من سبع سماوات من عند ربی ، ثم أتاه ملک آخر فسلم فقال له رسول الله : من أین أرسلت ؟ فقال : من سبع أرضین من عند ربی ، ثم أتاه ملک آخر فسلم فقال له رسول الله : من أین أرسلت ؟ قال : من مشرق الشمس من عند ربی ، ثم أتاه ملک آخر فقال له رسول الله : من أین أرسلت ؟ فقال : من مغرب الشمس من عند ربی ، فالله

ص: 29

هاهنا ، و هاهنا ، وهاهنا ، فی السماء إله ، وفی الأرض إله ، وهو الحکیم العلیم .

قال أبو جعفر علیه السلام : معناه من ملکوت ربی فی کل مکان ، ولا یعزب عن علمه شئ تبارک وتعالی((1)) .

الایة تعنی ادارة الله تعالی لکل الاکوان فهو الاله الواحد الاحد لا ینازعه فی حکمه احد ولا یشارکه شریک .

{ وَتَبَارَکَ الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإلَیْهِ تُرْجَعُونَ }85 _سورة الزخرف.

أی دامت برکاته وعزته ،فمنه العزة والبرکات: ، وإیصال السعادات .

الدخان " 44 " رب السماوات والأرض وما بینهما إن کنتم موقنین * لا إله إلا هو یحیی ویمیت ربکم ورب آبائکم الأولین 7 _ 8

الجاثیة " 45 " فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمین * وله الکبریاء فی السماوات والأرض وهو العزیز الحکیم 36 _ 37

الأحقاف " 46 " حم * تنزیل الکتاب من الله العزیز الحکیم * ما خلقنا السماوات والأرض وما بینهما إلا بالحق وأجل مسمی 1 _ 3 ".

وقال سبحانه " : قل إن افتریته فلا تملکون لی من الله شیئا هو أعلم بما تفیضون فیه کفی به شهیدا بینی وبینکم وهو الغفور الرحیم 8

ص: 30

الفتح " 48 " ولله جنود السماوات والأرض وکان الله علیما حکیما 4 " وقال تعالی " : ولله جنود السماوات والأرض وکان الله عزیزا حکیما 7 " وقال سبحانه " : ولله ملک السماوات والأرض یغفر لمن یشاء ویعذب من یشاء وکان الله غفورا رحیما 14

النجم " 53 " وأن إلی ربک المنتهی * وأنه هو أضحک وأبکی * وأنه هو أمات وأحیاء * وأنه خلق الزوجین الذکر والأنثی * من نطفة إذا تمنی * وأن علیه النشأة الأخری * وأنه هو أغنی وأقنی * وأنه هو رب الشعری 42 _ 49

الرحمن " 55 " یسئله من فی السماوات والأرض کل یوم هو فی شأن 29 " وقال " : تبارک اسم ربک ذی الجلال والاکرام 78

الحدید " 57 " سبح لله ما فی السماوات والأرض وهو العزیز الحکیم * له ملک السماوات والأرض یحیی ویمیت وهو علی کل شئ قدیر * هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بکل شئ علیم * هو الذی خلق السماوات والأرض فی ستة أیام ثم استوی علی العرش یعلم ما یلج فی الأرض وما یخرج منها وما ینزل من السماء وما یعرج فیها وهو معکم أینما کنتم والله بما تعملون بصیر * له ملک السماوات والأرض وإلی الله ترجع الأمور یولج اللیل فی النهار ویولج النهار فی اللیل وهو علیم بذات الصدور 2 _ 7 . ولا یملک علم یوم الساعة الا الله تعالی .

{ وَلا یَمْلِکُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إلا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ یَعْلَمُونَ } 86 _سورة الزخرف.

ص: 31

الإمام الصادق علیه السلام _ فی قوله تعالی :

( لا یملکون الشفاعة . . . ) : إلا من أذن له بولایة أمیر المؤمنین والأئمة من بعده فهو العهد عند الله ((1)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : شفاعتی لامتی من أحب أهل بیتی ((2)) .

القمی قال: هم الذین عبدوا فی الدنیا لا یملکون الشفاعة لمن عبدهم إلا من شهد بالحق وهم یعلمون بالتوحید ((3)) .

فمن شهد شهادة الحقّ لا یعقد علیه قلبه ولا یبصر ما یتکلَّم به لا یثاب علیه مثل ثواب من عقد قلبه وثبت علی بصیرة لأنّ النضر بن الحرث ونفرا من قریش قالوا : إن کان ما یقوله محمّد صلی الله علیه و آله حقّا فنحن نتولَّی الملائکة وهم أحقّ بالشفاعة لنا منه فنزلت الآیة فالمعنی أنّهم یشفعون للمؤمنین بإذن اللَّه: ( [ وَهُمْ یَعْلَمُونَ ] ) بقلوبهم ما شهدوا بألسنتهم .

وفی الآیة دلالة علی أنّ حقیقة الإیمان هو الاعتقاد بالقلب لأنّ اللَّه شرط مع الشهادة العلم.

وقال تعالی: ( وکم من ملک فی السماوات لا تغنی شفاعتهم شیئا الا من بعد أن یأذن الله لمن یشاء ویرضی ) النجم _ 26 .

ص: 32

{وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللّهُ فَأنَّی یُؤْفَکُونَ }87 _سورة الزخرف.

لو سأل شخص الکفار : من خلقهم ؟ لقالوا الله .

قل : فلماذا تعبدون غیره وتنذرون له وتذبحون القرابین له وتترکون خالقکم العظیم .

ومن مغالطاتهم ما قاله ابو سفیان : یا معشر بنی أمیّة إنّ الخلافة صارت فی تیم وعدی حتی طمعت فیها وقد صارت إلیکم فتلقّفوها بینکم تلقّف الکرّة فوالله ما من جنّة ولا نار((1)).

فهو یقسم بالله ویؤمن بالاصنام ویضحی لها القرابین ویحارب دفاعا عنها ومحاربة لله ورسوله والمؤمنین .

{ وَقِیلِهِ یَا رَبِّ إنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا یُؤْمِنُونَ 88 فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ }89 _سورة الزخرف.

طلب الله تعالی من نبیه اعلان فضل وصیه فقال محمد صلی الله علیه و آله : إنَّ العرب قوم جفاة لم یکن فیهم کتاب ولم یبعث الیهم نبی ولا یعرفون نبوة الانبیاء ولا شرفهم ولا یؤمنون بی إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بیتی فقال : الله جل ذکره: (ولا تحزن علیهم) ((2)) .

(وقل سلام فسوف یعلمون ) .

ص: 33

فذکر من فضل وصیه ذکراً فوقع النفاق فی قلوبهم فعلم رسول الله صلی الله علیه و آله ذلک فقال جل ذکره: (ولقد نعلم أنَّک یضیق صدرک بما یقولون ) ((1)) . قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

رب إن هؤلاء قوم لا یؤمنون ، قال : فقال الله : " فاصفح عنهم وقل سلام فسوف یعلمون " _ الزخرف : 89 .

قال : فلما فرغ من مناجاة ربه رد إلی البیت المعمور ، ثم قص قصة البیت والصلاة فیه ، ثم نزل ومعه الصحیفتان فدفعهما إلی علی بن أبی طالب علیه السلام ((2)) .

ومر

النبی صلی الله علیه و آله حتی انتهی إلی السماء السابعة _ قال _ وانتهی إلی سدرة المنتهی _ قال _ فقالت السدرة : ما جاوزنی مخلوق قبلک ثم مضی فتدانی فتدلی فکان قاب قوسین أو أدنی ، فأوحی الله إلی عبده ما أوحی ((3)) _ قال _ فدفع إلیه کتابین : کتاب أصحاب الیمین بیمینه ، و [ کتاب ] أصحاب الشمال بشماله ، فأخذ کتاب أصحاب الیمین بیمینه ، وفتحه ونظر فیه ، فإذا فیه أسماء أهل الجنة ، وأسماء آبائهم وقبائلهم _ قال _ فقال الله : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَیْه مِنْ رَبِّه ): ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : ( والْمُؤْمِنُونَ کُلٌّ آمَنَ بِاللَّه ومَلائِکَتِه وکُتُبِه ورُسُلِه لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِه ) ، فقال الله : (

ص: 34

وقالُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا ): ، فقال النبی ( صلی الله علیه و آله ): ( غُفْرانَکَ رَبَّنا وإِلَیْکَ الْمَصِیرُ ) ، قال الله: ( لا یُکَلِّفُ اللَّه نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما کَسَبَتْ وعَلَیْها مَا اکْتَسَبَتْ ) .

قال النبی صلی الله علیه و آله : ( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِینا أَوْ أَخْطَأْنا ) ، قال: فقال الله : قد فعلت .

فقال النبی صلی الله علیه و آله : ( رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَیْنا إِصْراً کَما حَمَلْتَه عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِنا ): ، قال تعالی : قد فعلت .

فقال النبی صلی الله علیه و آله : ( رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِه واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَی الْقَوْمِ الْکافِرِینَ ) ، کل ذلک یقول الله : قد فعلت .

ثم طوی الصحیفة فأمسکها بیمینه ، وفتح الاخری ، صحیفة أصحاب الشمال ، فإذا فیها أسماء أهل النار ، وأسماء آبائهم وقبائلهم ، قال: فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : إن هؤلاء قوم لا یؤمنون . فقال الله : یا محمد ، فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ ) » .

قال : « فلما فرغ من مناجاة ربه ، رد إلی البیت المعمور ، وهو فی السماء السابعة بحذاء الکعبة _ قال _ فجمع له النبیین والمرسلین والملائکة ، ثم أمر جبرئیل فأتم الأذان ، وأقام الصلاة ، وتقدم رسول الله صلی الله علیه و آله ، فصلی بهم ، فلما فرغ التفت إلیهم ، فقال الله له : فَسْئَلِ الَّذِینَ یَقْرَؤُنَ الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکَ لَقَدْ جاءَکَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَلا تَکُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِینَ ) فسألهم یومئذ النبی صلی الله علیه و آله ، ثم نزل ومعه صحیفتان ، فدفعهما إلی أمیر المؤمنین علیه السلام » .

ص: 35

فقال أبو عبد الله علیه السلام : « فهذا کان بدء الأذان » ((1)) .

وفیما یخص الکفار ومعاداتهم لوصی النبی صلی الله علیه و آله علی علیه السلام جاء : لکنهم یجحدون بغیر حجة لهم ((2)) .

وقال نجاح الطائی: یعلم الله تعالی أسماء أهل الیمین الذین سوف یدخلون الجنة وأسماء اهل الشمال الذین سوف یدخلون السعیر , فهو العالم بما کان وبما یکون .

ولا ینفع الظالمون استکبارهم وأموالهم وتحالفاتهم العالمیة الکبیرة ومکرهم فی انقاذهم من النار .

ص: 36

مائة مرة ، فإذا أتت لیلة ثلاث وعشرین فإنک ناظر إلی تصدیق الذی سألت عنه ((1)) .

بسم الله الرحمن الرحیم

حم1 :

من حروف أوائل السور التی فیها اسم الله الاعظم والتی یدعوا بها أهلُ البیت الباری تعالی فیستجیب لهم .

{ وَالکِتَابِ المُبِینِ }2 : _سورة الدخان.

المراد بالکتاب أمیر المؤمنین علی علیه السلام , وجره بالکسرة بأنه قسم .

حم والکتاب المبین : حم حرف من الاسم الأعظم والکتاب المبین یعنی القرآن الواضح وقوله: ( وانه فی أم الکتاب لدینا لعلی حکیم ) یعنی أمیر المؤمنین علیه السلام مکتوب فی الحمد فی قوله : اهدنا الصراط المستقیم قال

أبو عبد الله علیه السلام هو أمیر المؤمنین علیه السلام ((2)) .

ص: 38

قال أمیر المؤمنین علیه السلام لنصرانی: سل ، قال : أخبرنی عن کتاب الله تعالی الذی انزل علی محمد ونطق به ، ثم وصفه بما وصفه به ، فقال : " حم * والکتاب المبین * إنا أنزلناه فی لیلة مبارکة إنا کنا منذرین * فیها یفرق کل أمر حکیم _الدخان4 " ما تفسیرها فی الباطن ؟

فقال علیه السلام : أما حم فهو محمد صلی الله علیه و آله وهو فی کتاب هود الذی انزل علیه وهو منقوص الحروف وأما " الکتاب المبین " فهو أمیر المؤمنین علی علیه السلام وأما اللیلة ففاطمة وأما قوله : " فیها یفرق کل أمر حکیم " یقول : یخرج منها خیر کثیر فرجل حکیم ورجل حکیم فقال الرجل : صف لی الأول والآخر من هؤلاء الرجال .

فقال : إن الصفات تشتبه ولکن الثالث من القوم أصف لک ما یخرج من نسله وإنه عندکم لفی الکتب التی نزلت علیکم ، إن لم تغیروا وتحرفوا وتکفروا وقدیما ما فعلتم ((1)) .

باسناده عن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام قال : یا معشر الشیعة خاصموا بسورة : ( انا أنزلناه ) تفلحوا ، فوالله انها لحجة الله تبارک وتعالی علی الخلق بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وانها لسیدة دینکم وانها لغایة علمنا ، یا معشر الشیعة

ص: 39

خاصموا ب: ( حم والکتاب المبین انا أنزلناه فی لیلة مبارکة انا کنا منذرین ) ، فإنها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ((1)) .

{ إنَّا أنزَلْنَاهُ فِی لَیْلَة مُبَارَکَة إنَّا کُنَّا مُنْذِرِینَ3 } 4 _سورة الدخان قال الامام موسی الکاظم علیه السلام : أما حم فهو محمد صلی الله علیه و آله وهو فی کتاب هود علیه السلام الذی أنزل علیه وهو منقوص الحروف , وأما الکتاب المبین فهو أمیر المؤمنین علی علیه السلام وأما اللیلة ففاطمة صلوات الله علیها وأما قوله تعالی:

(فِیهَا یُفْرَقُ کُلُّ أمْر حَکِیم) : یخرج منها خیر کثیر فرجل حکیم ورجل حکیم ورجل حکیم ((2)) : وهم الخلفاء الراشدون الاثنی عشر .

عن حمران أنه سأل أبا جعفر علیه السلام عن قول الله عز وجل : " إنا أنزلناه فی لیلة مبارکة: " .

قال : نعم لیلة القدر وهی فی کل سنة فی شهر رمضان فی العشر الاواخر فلم ینزل القرآن إلا فی لیلة القدر قال الله عز وجل : " فیها یفرق کل أمر حکیم: "

قال : یقدر فی لیلة القدر کل شئ یکون فی تلک السنة إلی مثلها من قابل خیر وشر وطاعة ومعصیة ومولود وأجل أو رزق فما قدر فی تلک السنة

ص: 40

وقضی فهو المحتوم ولله عز وجل فیه المشیئة ، قال : قلت : " لیلة القدر خیر من ألف شهر ": أی شئ عنی بذلک ؟ فقال : العمل الصالح فیها من الصلاة والزکاة وأنواع الخیر خیر من العمل فی ألف شهر لیس فیها لیلة القدر ; ولولا ما یضاعف الله تبارک وتعالی للمؤمنین ما بلغوا: و لکن الله یضاعف لهم الحسنات [ بحبنا ] ((1)) .

وعن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : رأی رسول الله صلی الله علیه و آله فی منامه بنی أمیة یصعدون علی منبره من بعده ویضلون الناس عن الصراط القهقری فأصبح کئیبا حزینا قال : فهبط علیه جبرئیل علیه السلام فقال : یا رسول الله مالی أراک کئیبا حزینا قال : یا جبرئیل إنی رأیت بنی أمیة فی لیلتی هذه یصعدون منبری من بعدی ویضلون الناس عن الصراط القهقری فقال : والذی بعثک بالحق نبیا إن هذا شئ ما اطلعت علیه فعرج إلی السماء فلم یلبث أن نزل علیه بآی من القرآن یؤنسه بها.

قال : " أفرأیت إن متعناهم سنین ثم جاءهم ما کانوا یوعدون * ما أغنی عنهم ما کانوا یمتعون " ((2)).

ص: 41

وأنزل علیه " إنا أنزلناه فی لیلة القدر * وما أدریک ما لیلة القدر * لیلة القدر خیر من ألف شهر " جعل الله عز وجل لیلة القدر لنبیه صلی الله علیه و آله خیرا من ألف شهر ملک بنی أمیة ((1)) .

وقال نجاح الطائی : لیلة القدر بارک جل جلالة فیها بنزول القرآن الکریم لیکون نعمة للمسلمین وتکون اللیلة مبارکة بصلابة التصاق العبد بربه بالاعمال الطیبة وکثرة الحسنات واستغفار الذنوب .

{ فِیهَا یُفْرَقُ کُلُّ أمْر حَکِیم } 4 _سورة الدخان :

عن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام قال : قال الله عز وجل فی لیلة القدر " فیها یفرق کل أمر حکیم " یقول : ینزل فیها کل أمر حکیم ، والمحکم لیس بشیئین ، إنما هو شئ واحد ، فمن حکم بما لیس فیه اختلاف ، فحکمه من حکم الله عز وجل ، ومن حکم بأمر فیه اختلاف فرأی أنه مصیب فقد حکم بحکم الطاغوت إنه لینزل فی لیلة القدر إلی ولی الأمر تفسیر الأمور سنة سنة ، یؤمر فیها فی أمر نفسه بکذا وکذا ، وفی أمر الناس بکذا وکذا ، وإنه لیحدث لولی الأمر سوی ذلک کل یوم علم الله عز وجل الخاص والمکنون العجیب المخزون ، مثل ما ینزل فی تلک اللیلة من الامر ، ثم قرأ : " ولو أن ما فی الأرض من شجرة أقلام والبحر یمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت کلمات الله إن الله عزیز حکیم((2)) .

ص: 42

{ أمْراً مِنْ عِنْدِنَا إنَّا کُنَّا مُرْسِلِینَ } 5 _سورة الدخان.

نَصْبُ علی الاختصاصِ : أی أمر الهی علی وفق الحکمة والتدبیر والعنایة الالهیة .

{ رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ إنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ العَلِیمُ: }6

أهل البیت علیهم السلام أنزلهم الرحمن رحمة للعالمین یساعدون الناس فی دخول الجنة .

فهم الذین أرشدوا الناس الی الاسلام وعلموهم الشریعة والاخلاق والاعمال الحسنة والامر بالمعروف والنهی عن المنکر .

{ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا إنْ کُنْتُمْ مُوقِنِینَ 7 لا إلَهَ إلا هُوَ یُحْیِی وَیُمِیتُ رَبُّکُمْ وَرَبُّ آبَائِکُمُ الأوَّلِینَ: } 8 _سورة الدخان.

أهل البیت والقرآن رحمة من الباری تعالی وهو رب السماوات والارض وما فیهما وبینهما ولا اله الا رب العالمین وهو یحیی ویمیت وهو رب الانسانیة جمیعا .

{ بَلْ هُمْ فِی شَکٍّ یَلْعَبُونَ } 9

: الکفار والمنافقون یشککون فی القرآن وأهل البیت ویلعبون فی هذه الدنیا ویبعدون الامم عن الدین الالهی والفطرة الانسانیة .

ص: 43

یعنی فی شک مما ذکرناه مما یکون فی لیلة القدر وقوله: ( فارتقب ) أی اصبر: ( یوم تأتی السماء بدخان مبین ) قال : ذلک إذا خرجوا فی الرجعة من

القبر: ( یغشی الناس کلهم ) الظلمة فیقولون: ( هذا عذاب الیم ربنا اکشف عنا العذاب إنا مؤمنون ) فقال الله ردا علیهم: ( أنی لهم الذکری ) فی ذلک الیوم: ( وقد جاءهم رسول مبین ) أی رسول قد تبین لهم: ( ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون ) قال قالوا ذلک لما نزل الوحی علی رسول الله صلی الله علیه و آله وأخذه الغشی فقالوا هو مجنون ((1)) .

روی فی حدیث أشراط الساعة: ( أول الآیات : الدخان ، ونزول عیسی ، ونار تخرج من قعر عدن أبین ، تسوق الناس إلی المحشر .

قیل : فما الدخان ؟ فتلا رسول الله صلی الله علیه و آله هذه الآیة ، وقال : یملأ ما بین المشرق والمغرب ، یمکث أربعین یوما ولیلة ، أما المؤمن فیصیبه کهیئة الزکام ، وأما الکافر فهو کالسکران ، یخرج من منخریه وأذنیه ودبره ) ((2)) .

أقول : أبین بالموحدة ثم المثناة من تحت : اسم رجل نسب إلیه عدن .

وفی روایة: ( دخان یأتی من السماء قبل قیام الساعة ، یدخل فی أسماع الکفرة ، حتی یکون رأس الواحد کرأس الحنیذ ((3)) ، ویعتری المؤمن منه

ص: 44

کهیئة الزکام ، ویکون الأرض کلها کبیت أوقد فیه ، لیس فیه خصاص ((1)) ، یمتد ذلک أربعین یوما ) ((2)).

المفسر علی القمی : ذلک إذا خرجوا فی الرجعة من القبر ، یغشی الناس کلهم الظلمة ، فیقولوا : ) هذا عذاب ألیم ((3)) .

ثم قال :

{ فَارْتَقِبْ یَوْمَ تَأتِی السَّمَاءُ بِدُخَان مُبِین 10 یَغْشَی النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ ألِیمٌ 11 }: _سورة الدخان :

قیل : ذلک أن رسول صلی الله علیه و آله دعا علی قومه لما کذبوه فقال :

( اللهم سنینا کسنی یوسف ) فأجدبت الأرض , فأصابت قریشا المجاعة , وکان الرجل لما به من الجوع یری بینه وبین السماء کالدخان , وأکلوا المیتة والعظام , ثم جاؤوا إلی النبی صلی الله علیه و آله وقالوا : یا محمد ! جئت تأمر بصلة الرحم , وقومک قد هلکوا . فسأل الله تعالی لهم بالخصب والسعة , فکشف عنهم . ثم عادوا إلی الکفر , عن ابن مسعود والضحاک ((4)).

وقال المفسر القمی : ذلک إذا خرجوا فی الرجعة من القبر((5)) .

ص: 45

وقال تعالی : ذَرْهُمْ فِی خَوْضِهِمْ یَلْعَبُونَ 91_المائدة.

: مَا یَأتِیهِمْ مِنْ ذِکْر مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَث إلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ یَلْعَبُونَ2_الانبیاء.

: أوَ أمِنَ أهْلُ القُرَی أنْ یَأتِیَهُمْ بَأسُنَا ضُحیً وَهُمْ یَلْعَبُونَ 98_الاعراف.

: بَلْ هُمْ فِی شَکٍّ یَلْعَبُونَ 9_الدخان.

: فَوَیْلٌ یَوْمَئِذ لِلْمُکَذِّبِینَ 11*الَّذِینَ هُمْ فِی خَوْض یَلْعَبُونَ 12_الطور.

: وَمَا الحَیَاةُ الدُّنْیَا إلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَیْرٌ لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ32_الانعام .

وروی ان النبی صلی الله علیه و آله قال : اللهم العن رعلا وذکوان اللهم اشدد وطأتک علی مضر اللهم اجعل سنیهم کسنی یوسف ، ففی الخبر ان الرجل کان منهم یلحق صاحبه فلا یمکنه الدنو فإذا دنی منه لا یبصره من شدة دخان الجوع وکان یجلب إلیهم من کل ناحیة فإذا اشتروه وقبضوه لم یصلوا به إلی بیوتهم حتی یتسوس وینتن فأکلوا الکلاب المیتة والجیف والجلود ونبشوا القبور وأحرقوا عظام الموتی فأکلوها وأکلت المرأة طفلها وکان الدخان متراکما بین السماء والأرض وذلک قوله: ( فارتقب یوم تأتی السماء بدخان مبین یغشی الناس هذا عذاب ألیم ) ، فقال أبو سفیان ورؤساء قریش : یا محمد أتأمرنا بصلة الرحم ؟

فأدرک قومک فقد هلکوا ، فدعا لهم ، وذلک قوله: ( ربنا اکشف عنا العذاب انا مؤمنون ) فقال الله تعالی: ( انا کاشفوا العذاب قلیلا انکم

ص: 46

عائدون ) فعاد إلیهم الخصب والدعة وهو قوله: ( فلیعبدوا رب هذا البیت ) ((1)) .

وکان معظم الصحابة علی هذا المنهج غیر موقنین بالاخرة

.وکانت صفات الکفار تتمثل فی الحقد علی المتقین ونقض العهد واهمال الوعد والغدر والقتل والکذب والافتراء والخیانة والزنا والشذوذ والغش .

وهی صفات نراها الیوم فی الوهابیین الخوارج فی مشارق الارض ومغاربها وکانت موجودة قدیما فی النواصب والکفار والمنافقین .

وعن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : عدة المؤمن أخاه نذر لا کفارة له ، فمن أخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرض وذلک قوله : " یا أیها الذین آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * کبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ((2)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلیف إذا وعد ((3)) .

ص: 47

وعَنْ الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قَالَ: إِنَّمَا سُمِّیَ إِسْمَاعِیلُ صَادِقَ الْوَعْدِ لأَنَّه وَعَدَ رَجُلاً فِی مَکَانٍ فَانْتَظَرَه فِی ذَلِکَ الْمَکَانِ سَنَةً: فَسَمَّاه اللَّه عَزَّ وجَلَّ صَادِقَ الْوَعْدِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ أَتَاه بَعْدَ ذَلِکَ فَقَالَ لَه إِسْمَاعِیلُ مَا زِلْتُ مُنْتَظِراً لَکَ ((1)) .

وجاء فی القرآن : { متی هذا الوعد إن کنتم صادقین }" ((2)) .

فمن أخلف الوعد کان من الکاذبین .

وروی فی حدیث أشراط الساعة: ( أول الآیات : الدخان , ونزول عیسی, ونار تخرج من قعر عدن أبین , تسوق الناس إلی المحشر . قیل : فما

الدخان ؟ فتلا رسول الله صلی الله علیه و آله هذه الآیة , وقال : یملأ ما بین المشرق والمغرب , یمکث أربعین یوما ولیلة , أما المؤمن فیصیبه کهیئة الزکام , وأما الکافر فهو کالسکران , یخرج من منخریه وأذنیه ودبره ) ((3)) .

وقال نجاح الطائی : الدخان من أشراط الساعة کما جاء فی النصوص الحدیثیة عن أهل البیت علیهم السلام .

جاء فی النص : فَارْتَقِبْ .

ص: 48

والارتقاب والانتظار وتعجیل فرج الامام المهدی علیه السلام جاءت عن ظهور الامام علیه السلام .

{ ربَّنَا اکْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إنَّا مُؤْمِنُونَ } 12 _سورة الدخان.

وعد من الکفار بالإیمان ، إن کشف تعالی عنهم العذاب لکن هل وفوا بوعدهم ؟

ینادی الکافرون والمنافقون راجین کشف العذاب بازالة

الدخان عنهم .

وقال الله تعالی: ( انا کاشفوا العذاب قلیلا انکم عائدون ) فعاد إلیهم الخصب والخیر والامان و الدعة وهو قوله: ( فلیعبدوا رب هذا البیت ) .

لکنهم عادوا الی فسقهم وفجورهم وعتوهم وکفرهم .

انتقم الله لموسی من فرعون ، وانتقم للنبی محمد من الکفار: ( سیهزم الجمع ویولون الدبر ) ، وکان لموسی عصا وللنبی محمد صلی الله علیه و آله علی علیه السلام صاحب ذی الفقار .

وخلف موسی هارون فی قومه وخلف محمد صلی الله علیه و آله علیا علیه السلام فی قومه : أنت منی بمنزلة هارون من موسی .

{ربَّنَا اکْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إنَّا مُؤْمِنُونَ } بمحمد صلی الله علیه و آله والقرآن . قال سبحانه: ( أنی لهم الذکری ) أی من أین لهم التذکر والتعقل والتدبر ؟ وکیف یتعظون: ( وقد جاءهم رسول مبین ) مرسل من السماء ومعه کتاب مجید: ( ثم تولوا عنه ) کذبوه وأعرضوا عنه ، وأرادوا قتله: ( وقالوا معلم مجنون ) أی هو معلم یعلمه البعض ولم یکن نبیا .

ص: 49

{ أنَّی لَهُمُ الذِّکْرَی وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِینٌ 13 ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ } 14 _سورة الدخان.

کیف یتوبون ویتّعظون ولم یهتموا بمعاجز النبی محمد صلی الله علیه و آله وکتابه وأهل بیته وأحادیثه , بل اتهموه بانه معلم مجنون .

وتراهم یفضلون قیاداتهم علی النبی صلی الله علیه و آله فیغفرون لهم کل أخطائهم وجرائمهم ویفترون علی النبی فی مواضع کثیرة .

معجزات النبی صلی الله علیه و آله :

وروی انهم کانوا علی تبوک فقال صلی الله علیه و آله لأصحابه اللیلة تهب ریح عظیمة شدیدة فلا یقومن أحدکم اللیلة ، فهاجت الریح فقام رجل من القوم فحملته الریح فألقته بجبل طی .

وأخبر وهو بتبوک بموت رجل بالمدینة عظیم النفاق ، فلما قدموا المدینة وجدوه وقد مات فی ذلک الیوم ((1)) .

وأخبر بمقتل الأسود العنسی الکذاب لیلة قتله وهو بصنعا وأخبر بمن قتله .وقال یوما لأصحابه : الیوم تنصر العرب علی العجم ، فجاء الخبر بوقعة ذی قار بنصر العرب علی العجم ((2)) .

ص: 50

وقال علیه السلام : " لما قتل جعفر بن أبی طالب علیه السلام أمر رسول الله صلی الله علیه و آله فاطمة علیها السلام أن تأتی أسماء بنت عمیس ونساءها وأن تصنع لهم طعاما ثلاثة أیام ، فجرت بذلک السنة " ((1)).

قال الیعقوبی: ووجّه جعفر بن أبی طالب أی أمیراً وزید بن حارثة وعبدالله بن رواحة فی جیش إلی الشام لقتال الروم سنة 8 هجریة ((2)) وأخذ الرایة زید بن حارثة فقتل ومضی شهیدا ثم أخذ الرایة عبد الله ابن رواحة وتقدم فقتل ومات شهیدا ، ثم قال : أخذ الرایة خالد بن الولید فانسحب خالد بالجیش ولم یحارب وهو معروف بالهزائم ، ثم قام من وقته ودخل إلی بیت جعفر ونعاه إلی أهله واستخرج ولده .

ونظر صلی الله علیه و آله إلی ذراعی سراقة بن مالک دقیقین أشعرین فقال صلی الله علیه و آله : کیف بک یا سراقة إذا البست بعدی سواری کسری . فلما فتحت فارس دعاه عمر وألبسه سواری کسری (لقد لبسهما بعد النصر فی المدائن ) .

وقوله صلی الله علیه و آله لسلمان : أن سیوضع علی رأسک تاج کسری ، فوضع التاج علی رأسه عند الفتح .

وقوله صلی الله علیه و آله لأبی ذر : کیف تصنع إذا أخرجت منها ، الخبر . وذکر

صلی الله علیه و آله یوما زید بن صوحان فقال : زید وما زید یسبقه عضو منه إلی الجنة فقطعت یده فی یوم نهاوند فی سبیل الله .

ص: 51

وقال النبی صلی الله علیه و آله : انکم ستفتحون مصر فإذا فتحتموها فاستوصوا بالقبط خیرا فان لهم رحما وذمة ، یعنی ان أم إبراهیم منهم .

وقوله صلی الله علیه و آله : انکم تفتحون رومیة (استانبول) فإذا فتحتم کنیستها الشرقیة فاجعلوها مسجدا وعدو ا سبع بلاطات ثم ارفعوا البلاطة الثامنة فإنکم تجدون تحتها عصی موسی وکسوة إیلیا ((1)) .

وأخبر صلی الله علیه و آله بأن طوائف من أمته یغزون فی البحر ، وکان کذلک .

وفی شرف المصطفی عن الخرکوشی أنه صلی الله علیه و آله قال لطلحة : انک ستقاتل علیا علیه السلام وأنت ظالم وقوله المشهور للزبیر : انک تقاتل علیا وأنت ظالم . وقوله لعائشة : ستنبح علیک ِ کلاب الحوأب .

وقوله لفاطمة علیه السلام بأنها أول أهله لحاقا به فکان کذلک . وقوله لعلی علیه السلام : لأعطین الرایة غدا رجلا ، فکان کما قال . وقوله صلی الله علیه و آله له : انک ستقاتل الناکثین والقاسطین والمارقین .

وقوله فی یوم أحد وقد أفاق من غشیته : انهم لن ینالوا منا مثلها أبدا . وإخباره یقتل علی والحسنین علیهم السلام .

وقال سلیمان بن صرد قال النبی صلی الله علیه و آله حین أجلی عنه الأحزاب : أن لا نغزوهم ولا یغزوننا .

ص: 52

وقال صلی الله علیه و آله لرجل من أصحابه مجتمعین : أحدکم ضرسه فی النار مثل أحد ، فماتوا کلهم علی استقامة وارتد منهم واحد فقتل مرتدا .

وقال لآخرین : آخرکم موتا فی النار ، یعنی أبا محذورة وأبا هریرة وسمرة فمات أبو هریرة ثم أبو محذورة ووقع سمرة فی نار فاحترق فیها . وأخبر بقتل أبی بن خلف الجمحی فخدش یوم أحد خدشا لطیفا فکانت منیته ((1)) .

الخرکوشی فی شرف النبی أنه صلی الله علیه و آله قال للأنصار : انکم سترون بعدی اثرة ، فلما تولی معاویة علیهم منع عطایاهم فقدم علیهم فلم یتلقوه فقال لهم : ما الذی منعکم أن تلقونی ؟

قالوا : لم یکن لنا ظهور نرکبها ، فقال لهم : أین کانت نواضحکم ؟ فقال أبو قتادة :

عقرناها یوم بدر فی طلب أبیک ، ثم رووا له الحدیث فقال لهم : ما قال لکم رسول الله ؟

قالوا : قال لنا اصبروا حتی تلقونی ، قال : فاصبروا إذا ، فقال فی ذلک عبد الرحمن ابن حسان :

ألا أبلغ معاویة بن صخر * أمیر المؤمنین بنا کلامی

فانا صابرون ومنظروکم * إلی یوم التغابن والخصام

ص: 53

السدی ، قال النبی صلی الله علیه و آله لأصحابه : یدخل علیکم الآن رجل من ربیعة یتکلم بکلام الشیطان ، فدخل الحطیم بن هند وحده فقال : إلی ما تدعو یا محمد ؟ فأخبره . فقال :انظرنی فلی من أشاوره ، ثم خرج فقال النبی صلی الله علیه و آله : دخل بوجه کافر وخرج بعقب غادر فذهب وأخذ سرح المدینة .

أبو هریرة قال صلی الله علیه و آله : لیرعفن: جبار من جبابرة بنی أمیة علی منبری هذا ، فرأی عمرو بن سعید بن العاص سال رعافه ((1)) .

وروی عنه صلی الله علیه و آله الأئمة من قریش فلم یوجد إمام ضلال أو حق إلا منهم.

أنس ، أنه قال : لا تسألونی عن شئ إلا بینته فقام رجل من بنی سهم یقال له عبد الله بن حذاقة وکان یطعن فی نسبه فقال : یا نبی الله من أبی ؟

قال : أبوک حذاقة ابن قیس فنزلت:

( یا أیها الذین آمنوا لا تسئلوا عن أشیاء ) قوله: ( سبحان الذی أسری بعبده لیلا ) .

ووصفه بیت المقدس وتعدیده أبوابه وأساطینه . وحدیث العیر التی مر بها والجمل الأحمر الذی یقدمها والغرارتین علیه واستأسر بنو الحیان حبیب بن عدی الأنصاری وباعوه من أهل مکة فأنشد حبیب :" مناقب ج 1 ، م 12 " .لقد جمع الأحزاب حولی وألبوا * قبائلهم واستجمعوا کل مجمع

وقد حشدوا أولادهم ونساءهم * وقربت من جذع طویل ممنع

ص: 54

فذا العرش صبرنی علی ما یراد بی * فقد یأس منهم بعد یومی ومطمعی وتالله ما أخشی إذا کنت ذا تقی * علی أی جمع کان لله مصرعی

فلما صلب قال : السلام علیک یا رسول الله ، وکان النبی

صلی الله علیه و آله فی ذلک الوقت بین أصحابه بالمدینة فقال صلی الله علیه و آله : وعلیک السلام ، ثم بکی وقال : هذا حبیب یسلم علیَّ حین قتلته قریش ((1)) .

وکتب

صلی الله علیه و آله عهدا لحی سلمان(الفارسی) بکازرون : هذا کتاب من محمد بن عبد الله رسول الله سأله الفارسی سلمان وصیة بأخیه مهاد بن فروخ بن مهیار وأقاربه وأهل بیته وعقبه من بعده ما تناسلوا من أسلم منهم وأقام علی دینه سلام الله ، أحمد الله إلیکم ان الله تعالی أمرنی أو أقول لا إله إلا الله وحده لا شریک له أقولها وآمر الناس بها والامر کله لله خلقهم وأماتهم وهو ینشرهم والیه المصیر ، ثم ذکر فیه من احترام سلمان إلی أن قال : وقد رفعت عنهم جز الناصیة والجزیة والخمس والعشر وسائر المؤن والکلف فان سألوکم فاعطوهم وان استغاثوا بکم فأغیثوهم وان استجاروا بکم فأجیروهم وان أساؤا فاغفروا لهم وان أسئ إلیهم فامنعوا عنهم ولیعطوا من بیت مال المسلمین فی کل سنة مائتی حلة ومن الا واقی مائة فقد استحق سلمان ذلک من رسول الله ، ثم دعا لمن عمل به ودعا علی من آذاهم ، وکتب علی بن

ص: 55

أبی طالب ، والکتاب إلی الیوم فی أیدیهم ویعمل القوم برسم النبی صلی الله علیه و آله ، فلولا ثقته بأن دینه یطبق الأرض لکان کتبة هذا السجل مستحیلا ((1)) .

{ إنَّا کَاشِفُوا العَذَابِ قَلِیلا إنَّکُمْ عَائِدُونَ 15 یَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الکُبْرَی إنَّا مُنتَقِمُونَ: } 16 _سورة الدخان.

معادن الکفار تعودت علی الظلم والحقد والاختلاس والخیانة واراقة دماء المحرومین وقتل الصالحین وهؤلاء الاوغاد مصیرهم الی السعیر: مثلما قال تعالی :{ وَاللّهُ لا یَهْدِی القَوْمَ الظَّالِمِینَ: }: 258 _البقرة.

جاء : یرید یوم القیامة کقوله : فَإذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الکُبْرَی34 _النازعات .

وروی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : بادروا بالاعمال ستا : طلوع الشمس من مغربها ، والدابة ، والدجال ، والدخان ، وخریصة أحدکم _ أی موته _ وأمر العامة یعنی القیامة ((2)) .

تفسیر القمی : قال: ( یوم نبطش البطشة الکبری ) یعنی فی القیامة .

وقال نجاح الطائی : کلما فعل الانبیاء والصالحون مع الظالمین لم ینفع لهدایتهم :

لقد هدی النبی محمد صلی الله علیه و آله برسالته الاسلامیة الناس فی الحجاز لکن البعض منهم تکالبوا علیهم فقتلوا النبی محمدا صلی الله علیه و آله بالسم وقتلوا فاطمة

ص: 56

علیها السلام سیدة النساء بعصرها بین الباب والحائط وجلبوا النار والحطب علی دارها واغتالوا أمیر المؤمنین وسموا الحسن وذبحوا الحسین ورفعوا رأسه علی رمح من کربلاء الی الشام .

وحرر الامام علی علیه السلام اسری معرکة الجمل وهم عائشة وعبد الله بن الزبیر ومروان بن الحکم لکنهم استمروا فی بغضه ومحاربته :

ففرحت عائشة بمقتل أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) واعلنت السرور وقالت:

فألقت: عصاها واستقرَّ بها النوی***کما قرَّ عیناً بالإیاب المسافر

وسجدت شکراً لله تعالی ((1)).

وسمَّت خادمها باسم عبد الرحمن; حباً وکرامة لعبد الرحمن بن ملجم الخارجی، الذی قتل الإمام علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) ((2)). بینما أوصی النبی صلی الله علیه و آله بقتل الخوارج !!!

وحارب عبد الله بن الزبیر أهل البیت فی الحجاز وجمعهم لیحرقهم بالنار مثلما فعل عمر مع دار فاطمة علیها السلام .

واصدر أمره الی أخیه مصعب بقتل سبعة آلاف شیعی أسیر فی الکوفة .

وطالب مروان بقتل الحسین علیه السلام لرفضه بیعة یزید فی المدینة وکان یحرض علی لعن أمیر المؤمنین علیه السلام .

ص: 57

ثم قام أولاده بقتل الائمة من ولد الحسین علیهم السلام .

وامتنع مسلم بن عقیل من قتل عبید الله بن زیاد عندما جاء ضیفا لعیادة أحد رؤوس الشیعة فی الیمن هانی بن عروة المرادی المذحجی قائلا : الایمان قید الفتک . وعرف ابن زیاد بهذا لکنه غدر بمسلم وقتله شرَّ قتلة .

هذه اخلاق المخالفین النواصب: فی حق من أحسن الیهم وانقذ حیاتهم وارشدهم الی الدین .

وسوف یعذب الله تعالی الکافرین والفاسقین فی قبورهم المظلمة المخیفة وسوف یبطش بهم عبر سفیره المهدی علیه السلام .

قال تعالی :سوف نکشف العذاب قلیلا لکنکم عائدون الی کفرکم وظلمکم للابریاء الامنین وسوف تأتیکم البطشة الکبری بواسطة الامام المهدی علیه السلام الذی یقتلکم ویحطم دولکم وعروشکم .

وفی الموضوع عدة أمور :

أولها الإخبار بموضوع القحط القادم علیهم والذی سوف یذلهم ویحقرهم فی العالم وأمام أنفسهم . فیری الشخص منهم بینه وبین السماء: کهیئة الدخان .

ثانیها الإخبار الغیبی لهم بانهم سوف یضطرون للدعاء الی الله تعالی حین تحل بهم هذه المصیبة: ( هذا عذاب ألیم ربنا اکشف عنا العذاب إنا مؤمنون ) .

ثالثها : الإخبار بأن الله تعالی سوف یقبل دعاءهم ویکشف عنهم ذلک العذاب قلیلا .

ص: 58

رابعها : الإخبار الغیبی لهم: بأنهم سیعودون مرة أخری إلی کفرهم وعتوهم .

خامسها : الإخبار بأن الله سینتقم منهم یوم البطشة الکبری وقد اختلفوا فیه: یوم بدر .

یوم قیام المهدی علیه السلام .

ویوم القیامة .

وأنا أعتقد بانه یوم المهدی علیه السلام لانه تعالی یتحدث عن الدنیا وعن شیء جدید غیر مالوف فی ذهنهم وهو بطش الامام المهدی علیه السلام وهو أعظم من بطش بدر فی سعته وعدد القتلی فیه من الکفار والمنافقین .

قال تعالی عن الاخرة : { وَیَوْمَ القِیَامَةِ یُرَدُّونَ إلَی أشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِل عَمَّا تَعْمَلُونَ} 85 _آل عمران .

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ کَرِیمٌ }: 17_سورة الدخان.

وقوله: ( ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ) أی اختبرناهم .

لقد امتحنا قبلکم قوم فرعون بارسال النبی موسی علیه السلام الیهم فرفضوه وحاربوه .

لقد امتحن جل جلالة قوم فرعون امتحانات کثیرة فشلوا فیها وبانت معادنهم الفاسدة المؤیدة لفرعون والمعارضة لموسی علیه السلام فخسروا خسرانا مبینا .

{ أنْ أدُّوا إلَیَّ عِبَادَ اللّهِ إنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أمِینٌ 18 }_سورة الدخان.

( وجاءهم رسول کریم ان أدوا إلی عباد الله ) أی ما فرض الله من الطاعة لله والرسول والامام و الصلاة والزکاة والصوم والحج والسنن والاحکام .

ص: 59

مطالبة النبی موسی علیه السلام ببنی اسرائیل . هی کقوله تعالی: ( أَرْسِلْ مَعَنا بَنِی إِسْرائِیلَ )_سورة الشعراء 17.

بأن أدّوهم إلیّ , وأرسلوهم معی . یعنی بنی إسرائیل .

وقالوا : مفعُولٌ بِهِ وهم بنُو إسرائیلَ , أی : أدُّوهُم إلیَّ وأَرْسِلُوهُم مَعی , أو : أدُّوا إلیَّ یا عِبَادَ اللهِ ما یَجبُ علیکُم من الإِیمانِ بی وَقَبُولِ دَعْوتی , وعَلَّلَ ذلک بأَنَّه: ( رَسُولٌ أَمِینٌ ) قد ائتَمَنَهُ الله علی وَحْیِهِ ورسالتِهِ ((1)) .

وقال نجاح الطائی : أدوا الیَّ : تعنی أطیعوا الله تعالی فی ما فرض من أصول الدین وفروعه : الاعتقاد بالتوحید والنبوة والامامة والمعاد وفروع الدین : الصلاة والزکاة والصوم والحج والسنن والاحکام وغیرها .

والمشکلة فی العباد مخالفتهم للانبیاء وعصیانهم لاوامرهم واهدافهم فقد أوصی النبی محمد صلی الله علیه و آله المسلمین بالقرآن وأهل البیت لکنهم نصبوا فلانا وفلانا وفلانا والامویین والعباسیین خلفاءً علی الامة عصیانا منهم للشریعة وجریاً خلف الدنیا الفانیة .

وقد أطاعوا یزید الفاسق المجاهر بشرب الخمر والفسق والفجور وذبحوا الحسین سبط النبی صلی الله علیه و آله وسحقوه بالخیل فلعبوا بجثمانه الشریف وقطعوا رأسه واستعرضوه به فی مدن العراق والشام .

بینما قال رسول الله صلی الله علیه و آله : " إیاکم والمثلة ولو بالکلب العقور " ((2)) .

ص: 60

وهم: سمعوا من الصحابة والتابعین قول النبی صلی الله علیه و آله :الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة ((1)) .

ص: 61

{ وَأنْ لا تَعْلُوا عَلَی اللّهِ إنِّی آتِیکُمْ بِسُلْطَان مُبِین } 19 _سورة الدخان.

لا تستکبروا علی الله تعالی بعدم الاعتقاد به وترک العبادة والطاعة له , مثل قوله تعالی: ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِی الأَرْضِ ) _سورة القصص رقم 4.

وقال: ( ألیس فی جهنم مثوی للمتکبرین ) الزمر : الآیة 60 ) .

وانی آتیکم بحجة قویة علی دینی تتمثل فی التوراة والمعجزات النبویة الکثیرة .

وقال ابن عباس : معناه أن لا تطغوا علیه بافتراء الکذب علیه .

وقال قتادة : معناه ان لا تبغوا علیه بکفر نعمه ، وقیل معناه أن لا تتکبروا علی الله بترک طاعته واتباع أمره . وقیل : معناه أن لا تبغوا علی أولیاء الله بالبغی علیهم .

{إنِّی آتِیکُمْ بِسُلْطَان مُبِین } :أی بحجة واضحة تهدیکم الی الحق .

{ وَإنِّی عُذْتُ بِرَبِّی وَرَبِّکُمْ أنْ تَرْجُمُونِ } 20

قال ابن عباس وأبو صالح : الرجم الذی استعاذ منه موسی هو الشتم , کقولهم : هو ساحر کذاب ونحوه , وقال قتادة : هو الرجم بالحجارة . ثم قال لهم: ( وان لم تؤمنوا لی فاعتزلون ) أی لم تؤمنوا بی .

قال الفراء : الرجم ههنا : القتل .

ص: 62

وروی إسماعیل بن أبی خالد , عن أبی صالح فی: ( وإنی عذت بربی وربکم أن ترجمون ) قال : ان یقولوا : ساحر , أو کاهن , أو شاعر ((1)).

وقال نجاح الطائی : الایة تعنی ان موسی علیه السلام عائذ بالله تعالی أن یقتلوه رجما بالحجارة ولما لم یقبلوا طلبه فی سلامة روحه دعا الباری تعالی أن ینجده وینقذه منهم .

وقد سعی الکفار لقتل جمیع الانبیاء وافنائهم ولم یترکوهم وعملهم فی هدایة الناس ووعظهم الی الدین .

{ وَإنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِی فَاعْتَزِلُونِ } 21 _سورة الدخان.

إن لم تعتقدوا بدینی السماوی اترکونی بسلام أبلغ دینی بین الناس فمن آمن فلنفسه . لکنهم لم یقبلوا اقتراحه مثلما لم یقبل کفار مکة اقتراح النبی محمد صلی الله علیه و آله .

{ فَدَعَا رَبَّهُ أنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ } 22

هؤلاء لم یترکوه بل ارادوا قتله رجما فدعا ربه لانقاذه منهم فهم یقتلون العباد لابسط الاشیاء .

یئس موسی من فرعون وقومه فدعا علیهم ، وقال : اللهم عجّل لهم الهلاک فی الدنیا بسبب کفرهم واجرامهم ، فاستجاب اللَّه دعاءه وقال له .

ص: 63

أمر سبحانه أن یخرج هو وبنو إسرائیل لیلا من مصر ، وأعلمه ان فرعون وقومه سیتبعونهم: ( واتْرُکِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ) .

اسلک الطریق فی البحر ، فإذا قطعته إلی الجانب الآخر ، فدعه کما هو ، لأن جیش العدو سیدخله ویغرق بکامله .

« وقد تغلب علی مصر الآشوریون والبابلیون حینا ، والحبش حینا آخر ، ثم الفرس مدة والیونان أخری ، ثم الرومان من بعدهم ، ثم العرب ثم الطولونیون والأخشیدیون والفاطمیون والأیوبیون والممالیک والترک والفرنسیون والانکلیز والان یدیرها الامریکان والصهاینة والوهابیون .

{ فَأسْرِ بِعِبَادِی لَیْلا إنَّکُمْ مُتَّبَعُونَ 23 وَاتْرُکِ البَحْرَ رَهْواً إنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ } 24 _سورة الدخان.

فأوحی الله إلیه: ( فاسر بعبادی لیلا انکم متبعون ) أی یتبعکم فرعون وجنوده عندها قبل الله تعالی دعاء النبی موسی علیه السلام فقال له :

فَأسْرِ بِعِبَادِی لَیْلا إنَّکُمْ مُتَّبَعُونَ : سر بأتباعک لیلا انکم متَّبعون واعبر البحر . وبعدما تعبره مع انصارک اضرب بعصاک البحر لیعود الی حالته الاولی فیُغرِق الماءُ جیشَ فرعون .

{ کَمْ تَرَکُوا مِنْ جَنَّات وَعُیُون 25 وَزُرُوع وَمَقَام کَرِیم26 وَنَعْمَة کَانُوا فِیهَا فَاکِهِینَ27 َکذَلِکَ وَأوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِینَ } 28 _سورة الدخان.

قتل الله فرعون وجیشه غرقا فی البحر وأورث ماله لقوم آخرین لانهم ترکوا قول موسی علیه السلام ::

ص: 64

{ وَإنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِی فَاعْتَزِلُونِ } 21 .

روی أبو الحسن الفقیه ابن شاذان - فی المناقب المائة من طریق العامة بحذف الاسناد - عن قنبر مولی أمیر المؤمنین علیه السلام قال :

لما کان أمیر المؤمنین علیه السلام علی شاطیء الفرات نزع قمیصه ودخل الماء فجاءت موجة فأخذت القمیص , فخرج أمیر المؤمنین فلم یجد القمیص , فاغتم لذلک غماً شدیداً , فإذا بهاتف یهتف : یاأبا الحسن أنظر عن یمینک وخذ ما تری.

فاذا بمندیل عن یمینه وفیه قمیص مطوی , فأخذه یلبسه فسقطت من جیبه رقعة فیها مکتوب :

{بسم الله الرحمن الرحیم هدیة من الله العزیز الحکیم إلی علی بن أبی طالب علیه السلام , هذا قمیص هارون بن عمران کذلک وأورثناها قوماً آخرین » ((1)) .

قوله: (کذلک وأروثناها قوماً آخرین) . وإن کانت نازلة فی وراثة بنی إسرائیل لأموال القبطیین , لکن یظهر من هذا الحدیث کون تأویل الآیة فی أمیر المؤمنین علیه السلام أو منطبقة علیه.

فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا کَانُوا مُنظَرِینَ29_سورة الدخان.

عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : مر علیه رجل عدو لله ولرسوله , فقال : { وما بکت علیهم السماء والأرض وما کانوا منظرین } ثم مر علیه الحسین

ص: 65

بن علی علیهما السلام فقال : لکن هذا لیبکین علیه السماء والأرض , وقال : وما بکت السماء والأرض إلا علی یحیی بن زکریا والحسین بن علی علیهما السلام , قال : حدثنی أبی عن الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم عن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام قال : کان علی بن الحسین علیه السلام یقول : أیما مؤمن دمعت عیناه لقتل الحسین بن علی علیهما السلام دمعة حتی تسیل علی خده بوأه الله بها فی الجنة غرفا یسکنها أحقابا وأیما مؤمن دمعت عیناه دمعا حتی تسیل علی خده لأذی مسنا من عدونا فی الدنیا بواه الله مبوء صدق فی الجنة , وأیما مؤمن مسه أذی فینا فدمعت عیناه حتی تسیل دمعه علی خدیه من مضاضة ما أوذی فینا صرف الله عن وجهه الأذی وآمنه یوم القیامة من سخطه والنار ((1)) .

وروی السیوطی فی الدر المنثور فی ذیل تفسیر قوله تعالی : " فما بکت علیهم السماء والأرض " الدخان : 29 ، قال : وأخرج ابن أبی الدنیا : إلا علی اثنین ( إلی أن قال ) وتدری ما بکاء السماء ؟ قال : تحمر وتصیر وردة کالدهان, إن یحیی بن زکریا لما قتل احمرت السماء وقطرت دما وإن حسین بن علی علیه السلام یوم قتل احمرت السماء ((2)).

ص: 66

ومن الطبیعی أن لا تبکی الانس والجن والملائکة والحیوانات والطیور علی قوم یعبدون فرعونهم ویقتلون الانبیاء ویسحقون المحرومین وینهبون اموال المستضعفین ویعیثون فی الارض الفساد ویهلکون الحرث والنسل .

{ وَلَقَدْ نَجَّیْنَا بَنِی إسْرَائِیلَ مِنَ العَذَابِ المُهِینِ 30 مِنْ فِرْعَوْنَ إنَّهُ کَانَ عَالِیاً مِنَ المُسْرِفِینَ } 31 _سورة الدخان.

نجینا بنی اسرائیل من عذاب فرعون اذ عبروا البحر الاحمر الی الشام ففروا من عذابه وهو المتکبر المسرف وبدأوا حیاة جدیدة .

روی الصّدوق فی کتاب کمال الدّین واتمام النعمة عن سعید بن جبیر عن سیّد العابدین علیّ بن الحسین عن أبیه سیّد الشهداء الحسین بن علیّ عن أبیه سید الوصیّین أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیهم السّلام قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه و آله :

لما حضرت یوسف الوفاة جمع شیعته وأهل بیته فحمد اللَّه وأثنا علیه ثمّ حدّثهم بشدّة تنالهم تقتل فیها الرجال وتشقّ بطون الحبالی وتذبح الأطفال حتّی یظهر اللَّه فی القائم من ولد لاوی بن یعقوب وهو رجل أسمر طوال ونعته لهم بنعته فتمسّکوا بذلک ، ووقعت الغیبة والشدّة علی بنی إسرائیل وهم ینتظرون قیام القائم أربعمائة سنة حتّی إذا بشّروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدّت البلوی وحمل علیهم بالحجارة » .

وطلب

الفقیه الذی کانوا یستریحون إلی أحادیثه فاستتر ، وراسلهم

« وطلبوا » فقالوا کنا مع الشدّة نستریح إلی حدیثک ، فخرج بهم إلی

ص: 67

الصحاری وجلس یحدّثهم حدیث القائم ونعته وقرب الأمر ، وکانت لیلة قمراء .

فبینا هم کذلک حتّی طلع علیهم موسی علیه السلام وکان فی ذلک الوقت حدث السّن قد خرج من دار فرعون یظهر النزهة ، فعدل عن موکبه وأقبل إلیهم وتحته بغلة وعلیه طیلسان خزّ .

فلمّا رآه الفقیه عرفه بالنعت فقام الیه وانکبّ علی قدمه فقبّلها ثمّ قال : الحمد للَّه الذی لم یمتنی حتّی أرانیک ، فلما رأی الشیعة ذلک علموا أنّه صاحبهم فأکبّوا علی الأرض شکرا للَّه عزّ وجلّ فلم یزدهم علی أن قال : أرجو أن یعجّل اللَّه فرجکم .

ثمّ غاب بعد ذلک وخرج إلی مدینة مدین فأقام عند شعیب علیه السلام ما أقام فکانت الغیبة الثانیة أشدّ علیهم من الأولی ، وکانت نیفا وخمسین سنة ، واشتدّت البلوی علیهم .

واستتر الفقیه فبعثوا إلیه أنه لا صبر لنا علی استتارک عنّا ، فخرج إلی بعض الصحاری واستدعاهم وطیّب نفوسهم وأعلمهم أنّ اللَّه عز وجلّ أوحی إلیه أنّه مفرّج عنهم بعد أربعین سنة ، فقالوا بأجمعهم : الحمد للَّه ، فأوحی اللَّه عزّ وجلّ إلیه قل لهم قد جعلتها ثلاثین سنة لقولهم الحمد للَّه ، فقالوا : کلّ نعمة من اللَّه ، فأوحی اللَّه إلیه قل لهم : قد جعلتها عشرین سنة ، فقالوا : لا یأتی بالخیر إلَّا اللَّه ، فأوحی اللَّه تعالی إلیه قل لهم : قد جعلتها عشرا ، فقالوا : لا یصرف السوء إلَّا اللَّه ، فأوحی اللَّه إلیه قل لهم : لا تبرحوا فقد أذنت لکم فی فرجکم .

ص: 68

فبیناهم کذلک إذ طلع موسی علیه السلام راکبا حمارا فأراد الفقیه أن یعرف الشیعة ما یستبصرون به فیه ، وجاء موسی علیه السلام حتّی وقف علیهم فسلَّم علیهم فقال له الفقیه : ما اسمک قال : موسی ، قال : ابن من قال : ابن عمران ، قال : ابن من قال : ابن فاهت بن لاوی بن یعقوب .

قال : بماذا جئت قال : جئت بالرّسالة من عند اللَّه عزّ وجلّ ، فقام إلیه فقبّل یده ثمّ جلس بینهم فطیّب نفوسهم وأمرهم أمره ثمّ فرّقهم ، فکان بین ذلک الوقت وبین فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة .

( فصاروا ) صار المؤمنون بعد غرق فرعون وجنوده: ( ملوکا حکاما وأئمة أعلاما ) کما یدلّ علیه قوله سبحانه فی سورة القصص: ( وَنُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ ) .

کان فرعون یقوم بقتل الابناء واستعباد النساء ونهب الاموال والمحاصیل واحتقار الناس .

أنّ الإسراف حرام ومکروه فالأوّل مثل إتلاف مال ونحوه فیما هو فوق المتعارف . فی مصرفه المحدود والمعروف . ومنه الاسراف فی القتل والنهب وقطع الارزاق .

والثانی إتلاف شیء ذی نفع: دون نیة لاتلاف الماء والمحاصیل وغیرها.

النتیجة: الإسراف هو تجاوز الحدّ فی کلّ الاعمال الحیاتیة والاقتصادیة وغیرها .

ص: 69

{مِنْ فِرْعَوْنَ إنَّهُ کَانَ عَالِیاً مِنَ المُسْرِفِینَ } 31 :لیس بمدح لفرعون لأنه قیده بأنه عال من المسرفین وهی نعت ذم وتحقیر بانه متکبر والعالی فی عمل الخیر ممدوح وفی الإساءة مذموم.

{ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَی عِلْم عَلَی العَالَمِینَ32: } _سورة الدخان.

أن الله تعالی اختار نبیه وأهل بیته علی العالمین وجعلهم أوصیاءه وخلفاءه فلیس للناس الخیرة ((1)) .

وقال الله تعالی عن الائمة: "{ إن الذین سبقت لهم منا الحسنی } ((2)) .

وقال تعالی عنهم: {" ولقد اخترناهم علی علم علی العالمین } ((3)) .

وقال تعالی: عنهم : " { وإنهم عندنا لمن المصطفین الأخیار } ((4)) .

الدلیل العقلی الذی انتخبه الامام المهدی علیه السلام فی أنه لا یجوز للناس اختیار الإمام لأنه من الممکن وقوع اختیارهم علی المفسد واقعا أو یصیر بعد: مفسدا ، حیث إنهم لا یعلمون ما فی الضمائر ولا عواقب الأمور _ الخ ((5)) .

بیان ما اختاره الله تعالی من الأشیاء أربعا من الملائکة والأنبیاء والبیوت

والبلدان وغیرها .

وقال نجاح الطائی: العالون هم أهل البیت علیهم السلام وهم الذین انتخبهم الله تعالی

ص: 71

سأل رجل رسول الله عن قوله : (أاسْتَکْبَرْتَ أمْ کُنتَ مِنَ العَالِینَ). من هم یا رسول الله الذین هم أعلی من الملائکة ؟ فقال رسول الله : أنا وعلی وفاطمة والحسن والحسین کنا فی سرادق العرش نسبح الله فسبحت الملائکة بتسبیحنا قبل ان یخلق الله آدم بالفی عام فلما خلق الله آدم أمر الملائکة أن یسجدوا له ((1)) .

لکن البعض لم یروق لهم هذا فاغتصبوا حق أهل البیت

وطمسوا تراثهم واحرقوه ومنعوا نشره .

ومن أعمال النبی صلی الله علیه و آله النبیلة: جاء فی تفسیر علی بن إبراهیم ، ومعانی الأخبار : عن النبی صلی الله علیه و آله : حیاتی خیر لکم ، وموتی خیر لکم . أما حیاتی فتحدثونی وأحدثکم . وأما موتی فتعرض علیَّ أعمالکم عشیة الاثنین والخمیس فما کان من عمل صالح حمدت الله علیه ، وما کان من عمل سیئ استغفرت الله لکم ((2)) .

{ وَآتَیْنَاهُمْ مِنَ الآیَاتِ مَا فِیهِ بَلاءٌ مُبِینٌ33 } _سورة الدخان.

آیات الهیة بید الانبیاء والاوصیاء باذنه تعالی معجزة للبشریة لا یستطیع غیرهم المجیء بها .

ص: 72

الطبرسی: ( { وآتیناهم } أی وأعطیناهم: ( من الآیات ) یعنی الدلالات والمعجزات مثل فلق البحر ، وتظلیل الغمام ، وإنزال المن والسلوی . ( ما فیه بلاء مبین ) أی ما فیه النعمة الظاهرة ، عن الحسن .

وقیل : ما فیه شدة وامتحان مثل العصا ، والید البیضاء . فالبلاء یکون بالشدة والرخاء ، عن ابن زید . فیکون فی الآیات نعمة علی الأنبیاء وقومهم ، وشدة علی الکفار المکذبین بهم) .

قال تعالی :

إنَّمَا أمْوَالُکُمْ وَأوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ وَاللّهُ عِنْدَهُ أجْرٌ عَظِیمٌ 15_التغابن.

وَاعْلَمُوا أنَّمَا أمْوَالُکُمْ وَأوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ وَأنَّ اللّهَ عِنْدَهُ أجْرٌ عَظِیمٌ 28_الانفال.

وَنَبْلُوکُمْ بِالشَّرِّ وَالخَیْرِ فِتْنَةً وَإلَیْنَا تُرْجَعُونَ 35_الانبیاء .

وقال نجاح الطائی : کانت آیة الثعبان عظیمة للکفار لکنها مهلکة لهم .

وکانت آیة انفلاق البحر کبیرة لفرعون وجیشه لکنها أغرقتهم وقتلتهم ,

لذا قال تعالی : { وَآتَیْنَاهُمْ مِنَ الآیَاتِ مَا فِیهِ بَلاءٌ مُبِینٌ33 }.

{ إنَّ هَؤُلاءِ لَیَقُولُونَ 34 إنْ هِیَ إلا مَوْتَتُنَا الاُولَی وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِینَ 35 فَأتُوا بِآبَائِنَا إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ } 36 _سورة

الدخان.

استمر الکفار فی التشکیک بالدیانات السماویة ورسل الله سبحانه وتعالی وأکبر تشکیک عندهم موضوع الحیاة بعد الموت فقالوا : وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِینَ.

ثم قالوا : فَأتُوا بِآبَائِنَا إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ ؟

ص: 73

ولو أحیاهم موسی علیه السلام مثلما أحیا عیسی علیه السلام بعض الموتی لقال الیهود : انه سحر وقد قالوا نفس القول لعیسی علیه السلام .

وقیل : إنّ المقترح بهذا القول کان أبو جهل ولمّا کانت المصلحة غیر مقتضیة لقبول اقتراحهم عدل سبحانه عن إجابتهم إلی الوعظ والوعید فقال :

{ أَهُمْ خَیْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } الحمیریّ ، أی أمشرکو قریش أکثر أموالا وأعزّ فی القوّة والقدرة أم قوم تبّع الَّذی حیّر الحیرة وسیّر بالجیوش من الیمن إلی سمرقند فهدمها ثمّ حفر خندقها وبناها قیل : اسمه شمر بن أفریقش وسمرقند معرب شمرکند وقیل : اسمه أسعد أبو کرب وسمّی تبّعا لکثرة أتباعه .

وقد ذکر المفسّرون المشهورون الکثیر من هذه المعاجز، ونقلوا قصصاً حول إحیاء الموتی علی ید عیسی علیه السلام ..

کتب السیوطی فی تفسیره الجلالَین قائلاً: لقد أحیا عیسی علیه السلام صدیقه عازر، وأعاد الحیاة إلی ابن امرأة عجوز، وأحیا فَتاةً، حیث بقی هؤلاء الثلاثة علی قید الحیاة بعد إحیائهم، وخلّفوا أولاداً، وقد أحیا أیضاً سام بن نوح الذی مات بعد ذلک فوراً ((1)) .

ونقل أیضاً فی تفسیره الآخر (الدُرالمنثور) أحداثاً أخری من هذا القبیل وقال إنّ (ابن أبی الدنیا) قد ألّف کتابا حول عدد من الذین عادوا إلی الدنیا بعد موتهم ((2)) .

وبعد أن روی ابن جریر الطبری القصص المتعلقة بإحیاء الأموات قال بشأن کیفیة وقوع هذه المعجزة:

کان إحیاء الموتی علی ید عیسی بأن یدعو الله أن یفعل ذلک فیستجیب

وقد تحدّث المؤرخ الشهیر ابن الأثیر فی کتابه الموسوم: (الکامل) عن إحیاء عازر بعد مرور ثلاثة أیام علی موته، وإحیاء سام بن نوح، وإحیاء

ص: 75

امرأة شابة رزقت أولاداً بعد إحیائها، وإحیاء النبی عُزیر، والنبیّ یحیی بن زکریا, علی ید عیسی علیه السلام ((1)) .

وعلیه فإنّ جمهور المفسّرین متفقون علی أنّ المسیح ابن مریم کان قادراً علی إحیاء الموتی، علی إنّنا لا یمکننا أن نفهم من ظاهر الآیة سوی أنّ عیسی ( علیه السلام ) کان فقط یعد بإحیاء الموتی، ولکنّنا نفهم بوضوح من آیة أخری أنّ هذه المعجزة قد تحققت علی یدیه علیه السلام حیث قال تعالی:

{ إِذْ قَالَ اللّهُ یَاعِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ اذْکُرْ نِعْمَتِی عَلَیْکَ وَعَلَی وَالِدَتِکَ إِذْ أَیّدتّکَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُکَلّمُ النّاسَ فِی الْمَهْدِ وَکَهْلاً... وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَی بِإِذْنِی وَإِذْ کَفَفْتُ بَنِی إِسْرَائِیلَ عَنکَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَیّنَاتِ }_المائدة: 110.

والقرآن قد صرّح بوقوع الرّجعة - أی:عودة الأموات إلی الدنیا قبل یوم القیامة - وضرب بعض الأمثلة کنماذج لهذا الأمر ((2)) .

وقَبِل به جمهور المفسّرین أیضاً، وعرفنا کذلک أنّ بعض الذین أُحیوا قد لبثوا فی هذه الدنیا بعد إحیائهم مدة قصیرة , ولکنّ البعض الآخر بقی علی قید الحیاة وعاش فی هذه الدنیا سنین طویلة .

احیاء الموتی للنبی صلی الله علیه و آله : قال الحلبی : أحیا الله تعالی أبویه فآمنا به ((3)).

ص: 76

احیاء الموتی للامام علی علیه السلام :

جاء فی کتاب احیاء الموتی للامام علی علیه السلام _ العاملی النباطی :

دوَّن العاملی النباطی فی کتابه: "فی مساواة أمیر المؤمنین لجماعة من النبیین":

"موسی أحیی الله بدعائه قوما فی قوله تعالی:

{ثم بعثناکم من بعد موتکم } ((1)) .

وأحیی لعلی علیه السلام أهل الکهف وروی أنه أحیی سام بن نوح وأحیی له جمجمة الجلندی ملک الحبشة ((2)) .

اذن أحیی الله تعالی الموتی للامام علی علیه السلام عدَّة مرّات أکثر مما أحیاه لعیسی علیه السلام .

{ أهُمْ خَیْرٌ أمْ قَوْمُ تُبَّع وَالَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ أهْلَکْنَاهُمْ إنَّهُمْ کَانُوا

مُجْرِمِینَ } 37 _سورة الدخان.

{ أهم خیر أم قوم تبع } الحمیری: الذی سار بالجیوش وحیر الحیرة ، کان مؤمنا وقومه کافرین ، ولذلک ذمهم دونه . ورد: ( لا تسبوا تبعا ، فإنه کان قد أسلم ) . ( والذین من قبلهم ) کعاد وثمود . ( أهلکناهم إنهم کانوا مجرمین ) و هؤلاء مجرمون و ظالمون أیضاً .

ص: 77

الملفت للنظر أن تبَّع ملک الیمن أسکن الأوس والخزرج مدینة یثرب لینصروا محمداً صلی الله علیه و آله الذی سوف یخرج فی مکة , ویهاجر الی یثرب: (المدینة) . قائلاً : أمّا أنا فلو أدرکته لخدمته , وخرجت معه ((1)) .

(أهم خیر أم قوم تبَّع) ((2)) .

فکان تبع المؤمن قد آمن بالنبی محمد صلی الله علیه و آله قبل ولادته بزمن طویل ((3)) . وأخذ سیف بن ذی یزن (ملک الیمن) ذلک الاعتقاد من أجداده فبشَّر عبد المطلب بظهوره. فأکد له عبدالمطلب ولادة رسول الله صلی الله علیه و آله ((4)) .

أی : أَهُمْ أکثرُ عَدَداً وعُدَّةً ونعمةً وقوةً ؟ ! کقَولِهِ: ( أَکُفَّارُکُمْ خَیْرٌ مِنْ أُولئِکُمْ ) بَعدَ ذِکْرِ آلِ فِرْعَوْنَ , وهو تُبَّعُ الحِمْیَریُّ , کانَ مؤْمِناً وقَومُهُ کافِرینَ , وهو الذی سارَ بالجیُوشِ حتَّی حیَّرَ الحیرةَ , ثمَّ أتی سَمَرْقَنْدَ فَهَدَمَها ثمَّ بَنَاها , وکانَ إذا کَتَبَ کَتَبَ: بسمِ الله الَّذی مَلَکَ بَرّاً وبَحْراً وضحاً وریحاً و ذَمَّ اللهُ قَوْمَهُ ولَمْ یذمَّهُ .

ص: 78

{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا لاعِبِینَ38 مَا خَلَقْنَاهُمَا إلا بِالحَقِّ وَلَکِنَّ أکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ } 39 _سورة الدخان.

خلق الله تعالی السماوات والارض لاجل أهل البیت محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله وجعلها امتحانا للبشریة التی خلقها لکن أکثر الانسانیة ساروا صوب اللعب واللهو .

جعل الله تعالی الایمان والعمل الصالح امتحانا للانسانیة کی یدخلهم الجنة فقال سبحانه :

{ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلا لِیَعْبُدُونِ } 56 _سورة الذاریات .

ولم یخلقهم للعب وظلم الانسانیة وادعاء الربوبیة ومحاربة رب العالمین ورسله والصالحین من عباده وکتبه السماویة.

وأنذر تعالی الفاسدین الفاسقین قائلا:

الَّذِینَ یَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِیثَاقِهِ وَیَقْطَعُونَ مَا أمَرَ اللّهُ بِهِ أنْ یُوصَلَ وَیُفْسِدُونَ فِی الأرْضِ اُوْلَئِکَ هُمْ الخَاسِرُونَ 27_البقرة.

أفَحَسِبْتُمْ أنَّمَا خَلَقْنَاکُمْ عَبَثاً وَأنَّکُمْ إلَیْنَا لا تُرْجَعُونَ 115_المؤمنون .

الَّذِینَ کَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العَذَابِ بِمَا کَانُوا یُفْسِدُونَ 88_النحل.

وَلا تُطِیعُوا أمْرَ المُسْرِفِینَ 151*الَّذِینَ یُفْسِدُونَ فِی الأرْضِ وَلا یُصْلِحُونَ152_الشعراء.

القصص : قال ربَّ بما أنعمت علیَّ فلن أکون ظهیرا للمجرمین _ القصص : 17 .

ص: 79

الصافات : احشروا الذین ظلموا وأزواجهم وما کانوا یعبدون من دون الله

فاهدوهم إلی صراط الجحیم _ الصافات : 22 و 23 .

ووی عن أم سلمة: فی مسند أحمد، تفسیر الطبری، وصحیح سنن الترمذی:

لما نزلت هذه الآیة : " إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا " دعا رسول الله صلی الله علیه و آله علیا وفاطمة الزهراء وحسنا وحسینا علیهم السلام: فجلل علیهم کساءً خیبریا فقال : اللهم هؤلاء أهل بیتی اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا " قالت أم سلمة : ألست منهم ؟ قال : أنت إلی خیر ، حدیث صحیح ((1)) .

و روی عن سعد بن أبی وقاص فیصحیح سنن النسائی:

لما نزلت " إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا: دعا رسول الله علیا وفاطمة وحسنا وحسینا وقال اللهم هؤلاء أهل بیتی ، حدیث صحیح ((2)) .

ص: 81

وروی عن أنس بن مالک: فی مسند أحمد، سنن الترمذی، البخاری:

أن النبی کان یمر ببیت فاطمة الزهراء ستة أشهر إذا خرج إلی الفجر فیقول : " الصلاة یا أهل البیت: " إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا ، حدیث صحیح ((1)) .

ص: 82

وعَنْ جَابر بن عَبْدِ اللهِ الأنْصَاری عَنْ فَاطِمَةَ الزَّهراءِ عَلَیهَا السَّلامُ (1) بِنتِ رَسُول اللهِ ( صلی الله علیه و آله ) قَالَ سَمِعْتُ فاطِمَةَ أَنِّها قالَت: (2) دَخَلَ عَلَیَّ أبی رَسُولُ اللهِ ( صلی الله علیه و آله ) (3) فِی بَعضِ الأیَّامِ (4) فَقَالَ: السَّلامُ عَلَیکِ یا فاطِمَةُ، (5) فَقُلتُ عَلَیکَ السَّلامُ، قالَ: إنّی أَجِدُ فی بَدَنی ضُعفاً، (6) فَقُلتُ لَهُ: أُعِیذُکَ باللهِ یا أَبَتاهُ مِنَ الضُّعفِ (7) فَقَالَ: یا فاطِمَةُ إِیتینی بِالکِساءِ الیَمانِیِّ فَغَطّینِی بهِ. (8) فَأَتَیتُهُ بِالکِساءِ الیَمانِیِّ فَغَطّیتُهُ بِهِ (9) وَصِرتُ أَنظُرُ إِلَیهِ (10) وَإِذا وَجهُهُ یَتَلألأ کَأَنَّهُ البَدرُ (11) فِی لَیلَةِ تمامِهِ وَکَمالِهِ، (12) فَما کَانَت إِلاّ ساعَةً (13) وإذا بوَلَدِیَ الحَسَنِ قَد أَقبَلَ وَقالَ: السَّلامُ عَلَیکِ (14) یا أُمّاهُ، (15) فَقُلتُ: وَعَلَیکَ السَّلامُ (16) یا قُرَّةَ عَیِنی وَثَمَرَةَ فُؤادِی، (17) فَقالَ: یا أُمّاهُ إِنّی أَشَمُّ عِندَکِ رائِحَةً طَیِّبَةً (18) کَأَنَّها رائِحَةُ جَدِی رَسُولِ اللهِ ( صلی الله علیه و آله ) (19) فَقُلتُ: نَعَم إِنَّ جَدَّکَ تَحتَ الکِساء، (20) فَأَقبَلَ الحَسَنُ نَحوَ الکِساء (21) وَقالَ: السَّلامُ عَلَیکَ یا جَدَّاهُ یا رَسُولَ اللهِ (22) أَتَأذَنُ لی أَن أَدخُلَ مَعَکَ (23) تَحتَ الکِساءِ؟ (24) فَقالَ: وَعَلَیکَ السَّلامُ یا وَلَدِی (25) وَیا صاحِبَ حَوضِی (26) قَد أَذِنتُ لَکَ، (27) فَدَخَلَ مَعَهُ تَحتَ الکِساءِ. (28) فَما کانَت إِلاّ سَاعَةً وَإِذا بِوَلَدِیَ الحُسَینِ علیه السلام قَدْ أَقبَلَ (29) وَقال: السَّلامُ عَلَیکِ یا أُمّاهُ، فَقُلتُ: وَعَلَیکَ السَّلامُ یا قُرَّةَ عَیِنی وَثَمَرَةَ فُؤادِی، (30) فَقالَ لِی: یا أُمّاهُ إِنّی أَشَمُّ عِندَکِ رائِحَةً طَیِّبَةً کَأَنَّها رائِحَةُ جَدِی رَسُولِ اللهِ ( صلی الله علیه و آله ) فَقُلتُ: نَعَم إِنَّ جَدَّکَ وَأَخاکَ تَحتَ الکِساءِ، (31) فَدَنَا الحُسَینُ علیه السلام نحوَ الکِساءِ وَقالَ: السَّلامُ عَلَیکَ یا جَدَّاهُ السَّلامُ

ص: 83

عَلَیکَ یا مَنِ اختارَهُ اللهُ (32) أَتَأذَنُ لی أَن أَکونَ مَعَکُما تَحتَ الکِساءِ؟ (33) فَقالَ: وَعَلَیکَ السَّلامُ (34) یا وَلَدِی وَیا شافِع أُمَّتِی (35) قَد أَذِنتُ لَکَ، فَدَخَلَ مَعَهُما تَحتَ الکِساء، فَأَقبَلَ عِندَ ذلِکَ أَبو الحَسَنِ عَلِیُّ بنُ أَبی طالِبٍ (36) وَقال: السَّلامُ عَلَیکِ یا بِنتَ رَسُولِ اللهِ، (37) فَقُلتُ: وَعَلَیکَ السَّلامُ یا أَبَا الحَسَن وَیا أَمِیرَ المُؤمِنینَ. (38) فَقالَ: یا فاطِمَةُ إِنّی أَشَمُّ عِندَکِ رائِحَةً طَیِّبَةً کَأَنَّها رائِحَةُ أَخی (39) وَابِنِ عَمّی رَسُولِ اللهِ، فَقُلتُ: نَعَم ها هُوَ مَعَ وَلَدَیکَ تَحتَ الکِساءِ، فَأقبَلَ عَلِیٌّ نَحوَ الکِساءِ وَقالَ: السَّلامُ عَلَیکَ یا رَسُولَ اللهِ أَتَأذَنُ لی أَن أَکُونَ مَعَکُم تَحتَ الکِساءِ؟ (40) قالَ لَهُ وَعَلَیکَ السَّلامُ یا أَخِی وَیا وَصِیّیِ وَخَلِیفَتِی وَصاحِبَ لِوائِی (41) قَد أَذِنتُ لَکَ، فَدَخَلَ عَلِیٌّ تَحتَ الکِساءِ.ثُمَّ أَتَیتُ نَحوَ الکِساءِ وَقُلتُ: السَّلامُ عَلَیکَ یا أبَتاهُ یا رَسُولَ الله (42) أَتأذَنُ لی أَن أَکونَ مَعَکُم تَحتَ الکِساءِ؟ (43) قالَ: وَعَلیکِ السَّلامُ یا بِنتِی وَیا بَضعَتِی قَد أَذِنتُ لَکِ، فَدَخَلتُ تَحتَ الکِساءِ، (44) فَلَمَّا اکتَمَلنا جَمِیعاً تَحتَ الکِساءِ أَخَذَ أَبی رَسُولُ اللهِ

( صلی الله علیه و آله ) بِطَرَفَیِ الکِساءِ (45) وَأَومَأَ بِیَدِهِ الیُمنی إِلیَ السَّماءِ (46) وقالَ: اللّهُمَّ (47) إِنَّ هؤُلاءِ (48) أَهلُ بَیتِی (49) وخَاصَّتِی وَحَامَّت، (50) لَحمُهُم لَحمِی وَدَمُهُم دَمِی، (51) یُؤلِمُنی ما یُؤلِمُهُم ویَحزُنُنی ما یُحزِنُهُم، (52) أَنَا حَربٌ لِمَن حارَبَهُم (53) وَسِلمٌ لِمَن سالَمَهُم (54) وَعَدوٌّ لِمَن عاداهُم (55) وَمُحِبٌّ لِمَن أَحَبَّهُم، (56) إنًّهُم مِنّی وَأَنا مِنهُم (57) فَاجعَل (58) صَلَواتِکَ (59) وَبَرَکاتِکَ وَرَحمَتکَ وغُفرانَکَ وَرِضوانَکَ (60)

ص: 84

(60) عَلَیَّ وَعَلَیهِم (61) وَأَذهِب عَنهُمْ (62) الرِّجسَ (63) وَطَهِّرهُم تَطهِیراً. (64) فَقالَ اللهُ (65) عَزَّ وَجَلَّ: (66) یا مَلائِکَتی وَیا سُکَّانَ سَماواتی (67) إِنّی ما خَلَقتُ سَماءً مَبنَّیةً (68) وَلا أرضاً مَدحیَّةً (69) وَلا قَمَراً مُنیراًوَلا شَمساً مُضیِئةً (70) وَلا فَلَکاً یَدُورُ (71) وَلا بَحراً یَجری (72) وَلا فُلکاً یَسری (73) إِلاّ فی مَحَبَّةِ هؤُلاءِ (74) الخَمسَةِ (75) الَّذینَ هُم تَحتَ الکِساءِ، فَقالَ الأَمِینُ جِبرائِیلُ: (76) یا رَبِّ وَمَنْ تَحتَ الکِساءِ؟ (77) فَقالَ عَزَّ وَجَلَّ: هُم (78) أَهلُ بَیتِ النُّبُوَّةِ (79) وَمَعدِنُ الرِّسالَةِ (80) هُم فاطِمَةُ وَأَبُوها، وَبَعلُها (81) وَبَنوها، (82) فَقالَ جِبرائِیلُ: یا رَبِّ أَتَأذَنُ لی (83) أَن أَهبِطَ إلیَ الأَرضِ (84) لأِکُونَ مَعَهُم سادِساً؟ (85) فَقالَ اللهُ: نَعَم قَد أَذِنتُ لَکَ. (86) فَهَبَطَ الأَمِینُ جِبرائِیلُ وَقالَ: السَّلامُ عَلَیکَ یا رَسُولَ اللهِ، العَلِیُّ الأَعلَی (87) یُقرِئُکَ السَّلام، (88) وَیَخُصُّکَ بِالتًّحِیَّةِ وَالإِکرَامِ (89) وَیَقُولُ لَکَ: وَعِزَّتی وَجَلالی (90) إِنّی ما خَلَقتُ سَماءً مَبنیَّةً ولا أَرضاً مَدحِیَّةً وَلا قَمَراً مُنِیراً وَلا شَمساً مُضِیئَةً ولا فَلَکاً یَدُورُ ولا بَحراً یَجری وَلا فُلکاً یَسری (91) إِلاّ لأجلِکُم وَمَحَبَّتِکُم، (92) و َقَد أَذِنَ لی أَن أَدخُلَ مَعَکُم، فَهَل تَأذَنُ لی یا رَسُول اللهِ؟ (93) فَقالَ رَسُولُ الله ( صلی الله علیه و آله ): وَعَلَیکَ السَّلامُ یا أَمِینَ وَحیِ اللهِ، إِنَّهُ نَعَم (94) قَد أَذِنتُ لَکَ، فَدَخَلَ جِبرائِیلُ مَعَنا تَحتَ الکِساءِ، (95) فَقالَ لأِبی: إِنَّ اللهَ قَد أَوحی إِلَیکُم یَقولُ (96) إنَّما یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطهِّرَکُمْ تَطهِیرا. (97) فَقالَ: عَلِیٌّ علیه السلام لأَبِی: یا رَسُولَ اللهِ أَخبِرنِی (98) ما لِجُلُوسِنا

ص: 85

هَذا تَحتَ الکِساءِ مِنَ الفَضلِ عِندَ اللهِ؟ (99) فَقالَ النَّبیُّ ( صلی الله علیه و آله ): وَالَّذی بَعَثَنِی بِالحَقِّ نَبِیّاً وَاصطَفانِی بِالرِّسالَةِ نَجِیّاً، (100) ما ذُکِرَ خَبَرُنا هذا (101) فِی مَحفِلٍ مِن مَحافِل أَهلِ الأَرَضِ (102) وَفِیهِ جَمعٌ مِن شِیعَتِنا وَمُحِبِیِّنا (103) إِلاّ وَنَزَلَت عَلَیهِمُ الرَّحمَةُ، (104) وَحَفَّت بِهِمُ المَلائِکَةُ (105) وَاستَغفَرَت لَهُم (106) إِلی أَن یَتَفَرَّقُوا. (107) فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام : إذَاً وَاللهِ (108) فُزنا (109) وَفازَ شِیعَتنُا (110) وَرَبِّ الکَعبَةِ. (111) فَقالَ أَبی رَسُولُ اللهِ ( صلی الله علیه و آله ): یا عَلِیُّ (112) وَالَّذی بَعَثَنی بِالحَقِّ نَبِیّاً وَاصطَفانی بِالرِّسالَةِ نَجِیّاً ما ذُکِرَ خَبَرُنا هذا فی مَحفِلٍ مِن مَحافِلِ أَهلِ الأَرضِ وَفِیهِ جَمعٌ مِن شِیعَتِنا وَمُحِبّیِنا (113) وَفِیهِم مَهمُومٌ إِلا ّوَفَرَّجَ اللهُ هَمَّهُ (114) وَلا مَغمُومٌ إِلاّ وَکَشَفَ اللهُ غَمَّهُ (115) وَلا طالِبُ حاجَةٍ إِلاّ وَقَضی اللهُ حاجَتَهُ، (116) فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام : إذَاً وَاللهِ فُزنا وَسُعِدنا، وَکَذلِکَ شِیعَتُنا (117) فَازوا وَسُعِدوا فی الدُّنیا وَالآخِرَةِ (118) وَرَبِّ الکَعبَةِ. (119) .

: وإلیک نص حدیث الکساء سنداً علی ما فی عوالم العلوم والمعارف والأحوال، تحقیق وطبع مؤسسة الإمام المهدی (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، قم: رأیت بخط الشیخ الجلیل السید هاشم، عن شیخه السید ماجد البحرانی، عن الحسن بن زین الدین الشهید الثانی، عن شیخه المقدس الأردبیلی، عن شیخه علی بن عبد العالی الکرکی، عن الشیخ علی بن هلال الجزائری، عن الشیخ أحمد بن فهد الحلی، عن الشیخ علی بن الخازن الحائری، عن الشیخ ضیاء الدین علی بن الشهید الأول، عن أبیه، عن فخر

ص: 86

المحققین، عن شیخه العلامة الحلی، عن شیخه المحقق، عن شیخه ابن نما الحلی، عن شیخه محمد بن إدریس الحلی، عن ابن حمزة الطوسی صاحب ثاقب المناقب، عن شیخه الجلیل الحسن بن محمد بن الحسن الطوسی، عن الشیخ الجلیل محمد بن شهر اشوب، عن الطبرسی - صاحب الإحتجاج - ، عن أبیه شیخ الطائفة، عن شیخه المفید، عن شیخه ابن قولویه القمی، عن شیخه الکلینی، عن علی ابن إبراهیم، [عن أبیه إبراهیم] بن هاشم، عن احمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی، عن قاسم ابن یحیی الجلاء الکوفی، عن أبی بصیر، عن أبان بن تغلب البکری، عن جابر بن یزید الجعفی، عن جابر بن عبد الله الأنصاری، عن فاطمة الزهراء (علیها السلام)بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم... وهذا السند فی منتهی الجلالة ورجاله من کبار ومشاهیر العلماء، أما القاسم بن یحیی فالصحیح عندنا تبعاً لجمع منهم صاحب الجواهر والعدید وغیره، اعتباره إذ هو من شیوخ البزنطی، والبزنطی صح انه لا یروی إلا عن ثقة، وأما جابر ففیه قولان، وقد اعتبره جمع وهو الأصح، وقد نقل متن حدیث الکساء أیضا العلامة الثقة فخر الدین الطریحی الأسدی صاحب: (مجمع البحرین) فی کتاب: (المنتخب الکبیر)، وکذلک نقل ما یقرب من نصفه الدیلمی صاحب (الإرشاد) فی (الغرر والدرر) وکذلک نقله کله الحسین العلوی الدمشقی الحنفی وکذلک آخرون، وهو من الإشتهار بحیث یغنی عن تتبع السند، وقد سبق فی المقدمة وسیأتی فی البحث عن سند خطبتها (علیها السلام)فی المسجد ما ینفع فی المقام جداً، فلیراجع.

ص: 87

{ إنَّ یَوْمَ الفَصْلِ مِیقَاتُهُمْ أجْمَعِینَ40 یَوْمَ لا یُغْنِی مَوْلیً عَنْ مَوْلیً شَیْئاً وَلا هُمْ یُنصَرُونَ: } 41 _سورة الدخان.

یعنی الیوم الذی یفصل فیه الله جل جلاله بین أهل الحق وأهل الباطل ، وهو یوم القیامة .

فی یوم القیامة یجتمعون للحساب العادل , ولا ینفع شخص شخصا ولا ینصرهم أحد بل ینصرهم عملهم واعتقادهم .

الطبرسی: فالمولی : الصاحب الذی من شأنه أن یتولی معونة صاحبه علی أموره ، فیدخل فی ذلک ابن العم والناصر والحلیف ، وغیرهم ممن هذه صفته . والمعنی : إن ذلک الیوم ، یوم لا یغنی فیه ولی عن ولی شیئا ، ولا یدفع عنه عذاب الله تعالی . ( ولا هم ینصرون ) وهذا لا ینافی ما یذهب إلیه أکثر الأمة من إثبات الشفاعة للنبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیه السلام والمؤمنین لأن الشفاعة لا تحصل إلا بأمر الله تعالی وإذنه . والمراد بالآیة أنه لیس لهم من یدفع عنهم عذاب الله وینصرهم ، من غیر أن یأذن الله له فیه ((1)).

وقال نجاح الطائی: سوف یجمع الله جل جلاله الناس من جمیع الامم فی یوم القیامة لاجل الحساب .

وفی هذا الیوم لا ینفع أحداٌ أحداً ولا ینصرهم ناصر لا من الامم ولا من الحکومات ولا من الطغاة ولا من کل الانس والجن .

ص: 88

ثم بین الله تعالی أن أن الانبیاء والاوصیاء عندهم الشفاعة باذن الله سبحانه : {اللّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ الحَیُّ القَیُّومُ لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإذْنِهِ یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا یُحِیطُونَ بِشَیْء مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلا یَؤودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِیُّ العَظِیمُ 255*}_سورة البقرة.

وقال صلی الله علیه و آله : (ما بال أقوام یزعمون أنّ رحمی لا تنفع, بل تنفع حتی تبلغ: (حکم) و (حاء) ((1)): إنّی لأشفع فأُشفع, حتی أنّ من أشفع له لیشفع فیُشفع, حتی أنّ إبلیس لیتطاول طمعاً فی الشفاعة ) ((2)) .

{ إلا مَنْ رَحِمَ اللّهُ إنَّهُ هُوَ العَزِیزُ الرَّحِیمُ } 42 _سورة الدخان.

یعنی علیاً وشیعته ((3)) .

وعن زید الشحام قال : قال أبو عبد الله علیه السلام فی قوله تعالی: ( إن یوم الفصل میقاتهم أجمعین * یوم لا یغنی مولی عن مولی شیئا ولاهم ینصرون * إلا

ص: 89

من رحم الله ) قال : شیعتنا الذین یرحم الله ونحن والله الذین استثنی الله ولکنا نغنی عنهم ((1)) .

کنز جامع الفوائد وتأویل الآیات الظاهرة : محمد بن العباس عن محمد بن همام عن محمد بن إسماعیل العلوی عن عیسی بن داود عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال :

سمعت أبی علیه السلام یقول ورجل یسأله عن قول الله عز وجل: ( یومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضی له قولا ) .

قال علیه السلام : لا ینال شفاعة محمد یوم القیامة إلا من أذن له بطاعة آل محمد ورضی له قولا وعملا فیهم فحیی علی مودتهم ومات علیها فرضی الله قوله وعمله فیهم ، ثم قال: ( وعنت الوجوه للحی القیوم وقد خاب من حمل ظلما لآل محمد ) کذا نزلت ((2)) .

ثم قال تعالی: ( ومن یعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا یخاف ظلما ولا هضما ) قال : مؤمن بمحبة آل محمد مبغض لعدوهم: استثنی الله , ولکنا نغنی عنهم وتغنی ولایتنا ((3)) .

ص: 90

{ إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ43 طَعَامُ الأثِیمِ44 کَالمُهْلِ یَغْلِی فِی البُطُونِ 45 کَغَلْیِ الحَمِیمِ } 46 _سورة الدخان.

( طَعامُ الأَثِیمِ ) : الفاجر الکثیر الآثام .

نزلت فی أبی جهل وقوله: ( کالمهل ). قال : المهل الصفر المذاب

( یغلی فی البطون کغلی الحمیم ) وهو الذی قد حمی وبلغ المنتهی ثم قال: ( خذوه فاعتلوه ) أی اضغطوه من کل جانب ثم أنزلوا به: ( إلی سواء الجحیم ) ثم یصب علیه ذلک الحمیم ثم یقال له: ( ذق انک أنت العزیز الکریم ) فلفظه خبر ومعناه حکایة عمن یقول له ذلک وذلک أن أبا جهل کان یقول : أنا العزیز الکریم ((1)) .

{ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إلَی سَوَاءِ الجَحِیمِ } 47 _سورة الدخان.

أی اضغطوه من کل جانب ثم أنزلوا: به سَوَاءِ الجَحِیمِ : فی وسط الجحیم.

أی اذهبوا به بعنف وغلظة یقال : عتله یعتله ویعتله عتلا إذا زعزعه بغلظة وجفاء .

وهی تعنی احتقروه وذلوه وادفعوا به دفعا: لا احترام فیه .

{ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأسِهِ مِنْ عَذَابِ الحَمِیمِ } 48 : _سورة الدخان.

الماء الحار جدا جدا .

{ ذُقْ إنَّکَ أنْتَ العَزِیزُ الکَرِیمُ } 49 _سورة الدخان.

ص: 91

لان ابا جهل یسمی نفسه العزیز الکریم .

{ إنَّ هَذَا مَا کُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ }50 _سورة الدخان.

کنتم بالقیامة والحساب تکذبون وتبثون الشکوک فی القیامة فی کل الارجاء لدفع الناس عن الدین .

{ إنَّ المُتَّقِینَ فِی مَقَام أمِین } 51 _سورة الدخان.

فی جنان الخلد: بعیدا عن جهنم .

المفسر القمی : ثم وصف الامام علیه السلام ما أعده الله للمتقین من شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام فقال: ( إن المتقین فی مقام امین _ إلی قوله _ إلا الموتة الأولی ) یعنی فی الجنة غیر الموتة التی فی الدنیا: ( ووقاهم عذاب الجحیم _ إلی قوله _ فارتقب انهم مرتقبون ) أی انتظر انهم منتظرون ((1)) .

وکیف لا یکون المتقون فی مکان أمین وقد أعطاهم الله تعالی هذه المنزلة وأکرمهم بجنانه وهدأ روعهم وأمنهم من الخوف وبشرهم بالنعیم .

{ فِی جَنَّات وَعُیُون 52 یَلْبَسُونَ مِنْ سُندُس وَإسْتَبْرَق مُتَقَابِلِینَ} 53 _سورة

الدخان.

السندس : الحریر والإستبرق الدیباج یجلسون متقابلین .

وقال الله فی سورة الحجرات: ( ان المتقین فی جنات وعیون ادخلوها بسلام آمنین ونزعنا ما فی صدورهم من غل إخوانا علی سرر متقابلین لا یمسهم فیها نصب وما هم منها بمخرجین ) .

ص: 92

وقال تعالی فی سورة الدخان: ( ان المتقین فی مقام آمنین فی جنات وعیون یلبسون من سندس وإستبرق متقابلین کذلک وزوجناهم بحور عین یدعون فیها بکل فاکهة آمنین ) .

وقال تعالی فی سورة والذاریات: ( ان المتقین فی جنات وعیون آخذین ما أتاهم ربهم انهم کانوا قبل ذلک محسنین کانوا قلیلا من اللیل ما یهجعون ، وبالأسحار هم یستغفرون وفی أموالهم حق للسائل والمحروم ) .

وقال تعالی فی سورة والطور: ( ان المتقین فی جنات ونعیم فاکهین بما أتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحیم ) .

وقال تعالی فی سورة القمر: ( ان المتقین فی جنات ونهر فی مقعد صدق عند ملیک مقتدر ) .

وقال تعالی فی سورة والمرسلات: ( ان المتقین فی ظلال وعیون وفواکه مما یشتهون کلوا واشربوا هنیئا بما کنتم تعملون إنا کذلک نجزی المحسنین ) .

وقال أبو جعفر " علیه السلام " : ان الله عز وجل یقول : بجلالی وجمالی وبهائی وعلائی وارتفاعی لا یؤثر عبد هوای علی هواه إلا جعلت غناه فی نفسه وهمه فی اخوته وکففت عنه ضیعته وضمنت السماوات والأرض رزقه وکنت له من وراء تجارة کل تاجر .

بعدما ینزع الله تعالی الغل من صدور المؤمنین: یحل الصفاء فی جلساتهم ویرحل التنافس والحسد لبعضهم البعض .

ص: 93

( وروی ) أنه قال رجل للنبی صلی الله علیه و آله : یا رسول الله علمنی شیئا إذا انا فعلته أحبنی الله من السماء وأحبنی الناس من الأرض ، فقال له : ارغب فیما عند الله عز وجل یحبک الله وازهد فیما عند الناس یحبک الناس((1)).

{ کَذَلِکَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُور عِین 54 یَدْعُونَ فِیهَا بِکُلِّ فَاکِهَة آمِنِینَ 55 لا یَذُوقُونَ فِیهَا المَوْتَ إلا المَوْتَةَ الاُولَی وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجَحِیمِ 56: فَضْلا مِنْ رَبِّکَ ذَلِکَ هُوَ الفَوْزُ العَظِیمُ57 _سورة الدخان.

الحوراء : البیضاء ، والعیناء : عظیم العینین .

وقال سبحانه أیضا: ( وعندهم قاصرات الطرف أتراب ) ((2)) .

وقال سبحانه: ( إن أصحاب الجنة الیوم فی شغل فاکهون هم

وأزواجهم ) ((3)) .

وقال سبحانه: ( وأتوا به متشابها ولهم فیها أزواج مطهرة ) ((4)).

فالحور البیض النقیات البیاض فی حسن وکمال ، والعین : الواسعات الأعین فی صفاء وبهاء ومعناه : قرنا هؤلاء المتقین بحور عین علی وجه التمتیع لهم و التنعیم ، وعن زید بن أرقم قال : جاء رجل من أهل الکتاب إلی رسول الله صلی الله علیه و آله .

ص: 94

فقال : یا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة یأکلون ویشربون ؟

فقال : والذی نفسی بیده إن الرجل منهم لیؤتی قوة مائة رجل علی الأکل والشرب والجماع ، قال : فإن الذی یأکل ویشرب یکون له الحاجة ! .

فقال : عرق یفیض مثل ریح المسک فإذا کان ذلک ضمر له بطنه " ((1)) .

وروی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی قال : أخبرنا عقیل عن ابن عباس قال فی آیة اخری فی وصف المتقین :

هو علی بن أبی طالب علیه السلام , هو والله سید من اتقی الله وخافه , اتقاه عن ارتکاب الفواحش , وخافه عن اقتراف الکبائر ((2)) .

وروی هو أیضاً , قال : أخبرنا منصور بن الحسین المذکور عن أبی هارون , عن انس بن مالک عن النبی صلی الله علیه و آله قال: (آل کل تقی ) ((3)) .

{ فَإنَّمَا یَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِکَ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ }: 58 _سورة الدخان.

بأن أنزلناه بلغتک لیسهل الحدیث مع الناس .

عن أبی بصیر ، عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام فی قول الله عز وجل : " وإذا تتلی علیهم آیاتنا بینات قال الذین کفروا للذین آمنوا ای الفریقین خیر

ص: 95

مقاما وأحسن ندیا " قال : کان رسول الله صلی الله علیه و آله دعا قریشا إلی ولایتنا فنفروا وأنکروا ، فقال الذین کفروا من قریش للذین آمنوا : الذین أقروا لأمیر المؤمنین ولنا أهل البیت : أی الفریقین خیر مقاما وأحسن ندیا ، تعییرا منهم ، فقال الله ردا علیهم : " وکم أهلکنا قبلهم من قرن _ من الأمم السالفة _ هم أحسن أثاثا ورئیا ".

قلت : قوله : " من کان فی الضلالة فلیمدد له الرحمن مدا " قال : کلهم کانوا فی الضلالة لا یؤمنون بولایة أمیر المؤمنین علیه السلام ولا بولایتنا فکانوا ضالین مضلین ، فیمد لهم فی ضلالتهم وطغیانهم حتی یموتوا فیصیرهم الله شرا مکانا وأضعف جندا ، قلت : قوله : " حتی إذا رأوا ما یوعدون إما العذاب وإما الساعة فسیعلمون من هو شر مکانا وأضعف جندا " ؟ قال : أما قوله : " حتی إذا رأوا ما یوعدون " فهو خروج القائم وهو الساعة ، فسیعلمون ذلک الیوم وما نزل بهم من الله علی یدی قائمه ، فذلک قوله : " من هو شر مکانا: ( یعنی عند القائم ) وأضعف جندا " .

قلت : قوله : " ویزید الله الذین اهتدوا هدی " ؟

قال : یزیدهم ذلک الیوم هدی علی هدی باتباعهم القائم حیث لا یجحدونه ولا ینکرونه ، قلت : قوله : " لا یملکون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " ؟

قال : إلا من دان الله بولایة أمیر المؤمنین والأئمة من بعده فهو العهد عند الله قلت : قوله : " إن الذین آمنوا وعملوا الصالحات سیجعل لهم الرحمن ودا " ؟

ص: 96

قال : ولایة أمیر المؤمنین هی الود الذی قال الله تعالی ، قلت : " فإنما یسرناه بلسانک لتبشر به المتقین وتنذر به قوما لدا ((1)) " ؟

قال : إنما یسره الله علی لسانه حین أقام أمیر المؤمنین علیه السلام علما ، فبشر به المؤمنین وأنذر به الکافرین وهم الذین ذکرهم الله فی کتابه لدا أی کفارا ((2)) .

{ فَارْتَقِبْ إنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ } 59 : _سورة الدخان.

تهدید من الله تعالی : { انْتَظِرْ إنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ30 } _السجدة .

تفسیر العیاشی : عن عمار بن سوید قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول فی هذه الآیة :

" فلعلک تارک بعض ما یوحی إلیک وضائق به صدرک ((3)): " إلی قوله : " أو جاء معه ملک " قال : إن رسول الله صلی الله علیه و آله لما قال لعلی علیه السلام : إنی سألت ربی أن یوالی بینی وبینک ففعل : وسألت ربی أن یؤاخی بینی وبینک ففعل ، وسألت ربی أن یجعلک وصیی ففعل فقال رجلان من قریش (ابو بکر وعمر): والله لصاع من تمر فی شن بال أحب إلینا مما سأل محمد ربه ، فهلا

سأله ملکا یعضده علی عدوه ؟

ص: 97

أو کنزا یستعین به علی فاقته ؟ والله ما دعاه إلی باطل إلا أجابه له ! فأنزل الله علیه : " فلعلک تارک بعض ما یوحی إلیک وضائق به صدرک " قال :

ودعا رسول الله صلی الله علیه و آله لأمیر المؤمنین علیه السلام فی آخر صلاته رافعا بها صوته یسمع الناس یقول : اللهم هب لعلی المودة فی صدور المؤمنین ، والهیبة والعظمة فی صدور المنافقین ، فأنزل الله " إن الذین آمنوا وعملوا الصالحات سیجعل لهم الرحمان ودا * فإنما یسرناه بلسانک لنبشر به المتقین وتنذر به قوما لدا ((1)) " بنی أمیة .

فقال عمر : والله لصاع من تمر فی شن بال أحب إلی مما سأل محمد ربه ، أفلا سأله ملکا یعضده ؟ أو کنزا یستظهر به علی فاقته ؟

فأنزل الله فیه عشر آیات من هود أولها " فلعلک تارک بعض ما یوحی إلیک " إلی " أم یقولون افتراه " ولایة علی " قل فأتوا بعشرة سور مثله مفتریات " إلی " فإن لم یستجیبوا لکم " فی ولایة علی " فاعلموا أنما انزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون " لعلی علیه السلام ولایته " من کان یرید الحیاة الدنیا وزینتها " یعنی فلانا وفلانا "(ابا بکر وعمر) نوف إلیهم أعمالهم فیها أفمن کان علی بینه من ربه " رسول الله صلی الله علیه و آله " ویتلوه شاهد منه " أمیر المؤمنین علیه السلام " ومن قبله کتاب موسی إماما ورحمة " .

قال

: کان ولایة علی علیه السلام فی کتاب موسی " أولئک یؤمنون به ومن یکفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تک فی مربة منه " فی ولایة علی " إنه الحق

ص: 98

من ربک " إلی قوله : " ویقول الاشهاد " هم الأئمة علیهم السلام " هؤلاء الذین کذبوا علی ربهم " إلی قوله : " هل یستویان مثلا أفلا تذکرون " ((1)) .

قوله: ( فَإِنَّما یَسَّرْناه بِلِسانِکَ لِتُبَشِّرَ بِه الْمُتَّقِینَ وتُنْذِرَ بِه قَوْماً لُدًّا ) ؟ قال : « إنما یسره الله علی لسانه حین أقام أمیر المؤمنین علیه السلام علما ، فبشر به المؤمنین ، وأنذر به الکافرین ، وهم الذین ذکرهم الله فی کتابه لدا ، أی کفارا » ((2)).

وقد نزل القرآن فی شهر رمضان : إِنَّا أَنْزَلْناه فی لیلة القدر .

و التیسیر فی قوله : فَإِنَّما یَسَّرْناه بِلِسانِکَ _الدخان 58 .

و التعلیم فی قوله : الرَّحْمنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ 2 .

و التثبیت : کَذلِکَ لِنُثَبِّتَ بِه فُؤادَکَ _الفرقان 32 .

والحفظ فی قوله : { إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ 9} _ الحجر.

ص: 99

والهدایة : { فَاسْتَقِمْ کَمَا اُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَکَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ112 } _ هود .

ص: 100

{ حم1 }: حروف أول السورالقرآنیة المبارکة .

{ تَنزِیلُ الکِتَابِ مِنَ اللّهِ العَزِیزِ الحَکِیمِ }2 _سورة الجاثیة.

العزیز الذی لا یمکن لاحد أن یذله ولا یمکن لجهة أن تنتصر علیه .

والحکیم الذی لا یفعل الامور الا وفق حکمته العادلة .

ویروی أن النبی صلی الله علیه و آله لما انزل علیه " حم تنزیل الکتاب: " قام إلی المسجد والولید بن المغیرة قریب منه یسمع قراءته فلما فطن النبی صلی الله علیه و آله لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآیة ، فانطلق الولید حتی أتی مجلس قومه بنی مخزوم فقال : والله لقد سمعت من محمد آنفا کلاما ما هو من کلام الانس ولا من کلام الجن ، وإنه له لحلاوة ، وإن علیه لطلاوة ((1)) ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمعذق ، وإنه لیعلو وما یعلی ، ثم انصرف إلی منزله فقالت قریش : صبأ ((2)) والله الولید ، والله لیصبأن قریش کلهم ، وکان یقال للولید : ریحانة قریش ، فقال لهم أبو جهل :

أنا أکفیکموه ، فانطلق فقعد إلی جنب الولید حزینا ، فقال له : مالی أراک حزینا یا ابن أخی ؟ قال : هذه قریش یعیبونک علی کبر سنک ویزعمون أنک زینت کلام محمد ، فقام مع أبی جهل حتی أتی مجلس قومه فقال : تزعمون أن محمدا مجنون ؟ فهل رأیتموه یخنق قط ؟

ص: 102

قالوا : اللهم لا ، قال : تزعمون أنه کاهن ؟ فهل رأیتم علیه شیئا من

ذلک ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : تزعمون أنه شاعر ؟ فهل رأیتموه أنه ینطق بشعر قط ؟

قالوا : اللهم لا ، قال : تزعمون أنه کذاب ؟ فهل جربتم علیه شیئا من الکذب ؟ قالوا : اللهم لا ، وکان یسمی الصادق الأمین قبل النبوة من صدقه ، قالت قریش للولید : فما هو ؟ فتفکر فی نفسه ثم نظر وعبس فقال : ما هو إلا ساحر ، أما رأیتموه یفرق بین الرجل وأهله وولده وموالیه ، فهو ساحر ، وما یقوله سحر یؤثر ((1)) .

وکان الولید بن المغیرة ابن زنا بنص القرآن الکریم ویسمی دعی قریش ونزلت فی حقه قوله تعالی :

{ وَلا تُطِعْ کُلَّ حَلاف مَهِین 10*هَمَّاز مَشَّاء بِنَمِیم 11*مَنَّاع لِلْخَیْرِ مُعْتَد أثِیم12* عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِکَ زَنِیم13 } _سورة القلم .

( حم تنزیل الکتاب ): عن ابن عباس قال : کان أمیر المؤمنین علیه السلام یعرف بها الفتن ، قال : وأراه زاد فی الحدیث :

وکل جماعة کانت فی الأرض أو تکون فی الأرض ومن کل قریة کانت أو تکون فی الأرض .

قال النبی صلی الله علیه و آله : أربع إذا کن فیک فلا علیک ما فاتک من الدنیا :

ص: 103

صدق الحدیث ، وحفظ الأمانة ، وحسن الخلق ، وعفة مطعم ((1)) .

وروی أن علیا علیه السلام قال علی المنبر : سلونی قبل أن تفقدونی . . . وسلونی عن الفتن فما من فتنة إلا وقد علمت کونها ومن یقتل فیها . قال : وقد روی عنه نحو هذا کثیر .

ورواه مسلم فی صحیحه فی الجزء الخامس منه .

وروی أحمد بن حنبل فی مسنده عن سعید قال : لم یکن أحد من أصحاب النبی صلی الله علیه و آله یقول : " سلونی " إلا علی بن أبی طالب علیه السلام .

وروی ابن المغازلی بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : أتانی جبرئیل بدرنوک من الجنة فجلست علیه ، فلما صرت بین یدی ربی کلمنی وناجانی ، فما علمنی شیئا إلا وعلمت علیا فهو باب علم مدینتی _ الخبر ((2)) .

نهج البلاغة : قال الامام علی علیه السلام : والله لو شئت أن أخبر کل رجل منکم بمخرجه ومولجه وجمیع شأنه لفعلت ، ولکن أخاف أن تکفروا فی برسول الله صلی الله علیه و آله ، ألا وإنی مفضیة إلی الخاصة ممن یؤمن ذلک منه ، والذی بعثه بالحق ، واصطفاه علی الخلق ، ما أنطق إلا صادقا ، ولقد عهد إلی بذلک کله

ص: 104

، وبمهلک من یهلک ومنجا من ینجو ، ومآل هذا الأمر ، وما أبقی شیئا یمر علی رأسی إلا أفرغه فی أذنی وأفضی به إلی _ الخ ((1)) .

وقال ابن أبی الحدید فی قوله : " إنی أخاف أن تکفروا فی برسول الله

( صلی الله علیه و آله ) " أی أخاف علیکم الغلو فی أمری وأن تفضلونی علی رسول الله صلی الله علیه و آله ثم قال : وقد ذکرنا فیما تقدم من إخباره عن الغیوب طرفا صالحا . ومن عجیب ما وقفت علیه من ذلک قوله فی الخطبة التی یذکر فیها الملاحم وهو یشیر إلی القرامطة _ الخ . ثم ذکر أخباره الراجعة إلی القرامطة ، وقضایا الحجر الأسود وانتقاله إلی الکوفة وقضایا البحرین ((2)) .

{ إنَّ فِی السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَیَات لِلْمُؤْمِنِینَ } 3 _سورة الجاثیة .

من عنده عقل وحکمة یمکنه أن یری الایات العظیمة فی السماوات والارض تکفیه للایمان بالله تعالی فلا یحتاج الی معجزات الهیة ونبویة اضافیة مثلما یطلب الکفار من الانبیاء .

قال الله{ ثٌمَّ اسْتَوَی إِلَی السَّمَاْءِ وَهِیَ دُخَاْنٌ: } فصلت : 11 .

أُلقِیَت هذه الآیات فی المؤتمر العلمی للإعجاز القرآنی الذی عقد فی القاهرة و لما سمع البروفیسور الیابانی: ( یوشیدی کوزای) تلک الآیة نهض مندهشاً و قال لم یصل العلم و العلماء إلی هذه الحقیقة المذهلة إلا منذ عهد

ص: 105

قریب بعد أن التَقَطِت کامیرات الأقمار الاصطناعیة القویة صوراً و أفلاماً حیة تظهر نجماً و هو یتکون من کتلة کبیرة من الدخان الکثیف القاتم ) ثم أردف قائلاً إن معلوماتنا السابقة قبل هذه الأفلام و الصور الحیة کانت مبنیة علی نظریات خاطئة مفادها أن السماء کانت ضباباً و قال بهذا نکون قد أضفنا إلی معجزات القرآن معجزة جدیدة مذهلة أکدت أن الذی أخبر عنها هو الله الذی خلق الکون قبل ملیارات السنین .

وقال الله : { أَوَلَمْ یَرَ الَّذِیْنَ کَفَرُواْ أَنَّ السَّمَوَاْتِ وَ الأَرْضَ کَاْنَتَاْ رَتْقَاً فَفَتَقْنَاْهُمَاْ}: _الأنبیاء : 3 .

لقد بلغ ذهول العلماء فی مؤتمر الشباب الإسلامی الذی عقد فی الریاض 1979م ذروته عندما سمعوا الآیة الکریمة و قالوا: حقاً لقد کان الکون فی بدایته عبارة عن سحابة سدیمیة دخانیة غازیة هائلة متلاصقة ثم تحولت بالتدریج إلی ملایین الملایین من النجوم التی تملأ السماء . عندها صرح البروفیسور الأمریکی: (بالمر) قائلاً إن ما قیل لا یمکن بحال من الأحوال أن ینسب إلی شخص مات قبل 1400 سنة لأنه لم یکن لدیه تلیسکوبات و لا سفن فضائیة تساعد علی اکتشاف هذه الحقائق فلا بد أن الذی أخبر محمداً هو الله: و قد أعلن البروفیسور (بالمر) إسلامه فی نهایة المؤتمر.

وقال الله تعالی { وَ جَعَلْنَاْ مِنَ المَاْءِ کُلَّ شَیْءٍ حَیٍّ أَفَلاْ یُؤْمِنُوْنَ }_ الأنبیاء :30

و قد أثبت العلم الحدیث أن أی کائن حی یتکون من نسبة عالیة من الماء و إذا فقد 25 بالمائة من مائه فإنه سیقضی نحبه لا محالة لأن جمیع

ص: 106

التفاعلات الکیماویة داخل خلایا أی کائن حی لا تتم إلا فی وسط مائی. فمن أین لمحمد صلی الله علیه و آله بهذه المعلومات الطبیة ؟

و قال الله: {: وَ السَّمَاْءَ بَنَیْنَاْهَاْ بِأَیْدٍ وَ إِنَّا لَمُوْسِعُوْنَ: } _ الذاریات: 47 .

و قد أثبت العلم الحدیث أن السماء تزداد سعة باستمرار فمن أخبر محمداً صلی الله علیه و آله بهذه الحقیقة فی تلک العصور المتخلفة؟

هل کان یملک تلیسکوبات و أقماراً اصطناعیة؟!! أم أنه وحی من عند الله خالق هذا الکون العظیم ؟ ألیس هذا دلیلاً قاطعاً علی أن هذا القرآن حق من: الله ؟

وقال الله: { وَ الشَّمْسُ تَجْرِیْ لِمُسْتَقَرٍّ لَهَاْ ذَلِکَ تَقْدِیْرٌ الْعَزِیْزِ الْعَلِیْمِ } یس : 38

و قد أثبت العلم الحدیث أن الشمس تسیر بسرعة 43200 میل فی الساعة و بما أن المسافة بیننا و بین الشمس 92ملیون میل فإننا نراها ثابتة لا تتحرک و قد دهش بروفیسور أمریکی لدی سماعه تلک الآیة القرآنیة و قال إنی لأجد صعوبة بالغة فی تصور ذلک العلم القرآنی الذی توصل إلی مثل هذه الحقائق العلمیة التی لم نتمکن منها إلا منذ عهد قریب .

وقال الله : { وَ مَنْ یُرِدْ أَنْ یُضِلَّهُ یَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَیِّقَاً حَرَجَاً کَأَنَّمَاْ یَصَّعَّدُ فِیْ السَّمَاْءِ } _: الأنعام : 125 .

و الآن عندما ترکب طائرة و تطیر بک و تصعد فی السماء بماذا تشعر؟ ألا تشعر بضیق فی الصدر؟ فبرأیک من الذی أخبر محمداً صلی الله علیه و آله بذلک قبل 1400 سنة؟

ص: 107

هل کان یملک مرکبة فضائیة خاصة به استطاع من خلالها أن یعرف هذه الظاهرة الفیزیائیة؟ أم أنه وحی من الله تعالی؟

{وَفِی خَلْقِکُمْ وَمَا یَبُثُّ مِنْ دَابَّة آیَاتٌ لِقَوْم یُوقِنُونَ }: 4 _سورة الجاثیة.

وفی خلقکم الدقیق والمنظم آیات الهیة أخری تبهر العقول وتحیر الاذهان فکل قسم من البدن البشری آیة الهیة رائعة وأفضلها العقل البشری .

وَمَا یَبُثُّ مِنْ دَابَّة : وفی خلقه تعالی للدواب وبثها فی الارض آیات عجیبة للمؤمنین الذین ینظرون الی ما خلق سبحانه فی الارض والی نظامه السماوی البدیع .

ویعتبر الدماغ من أعقد أعضاء جسم الإنسان حیث به یفکر ویترجم الأفعال الصادرة عن جسمه وهناک اختلاف بین العقل والدماغ حیث أن الدماغ یوجد فی معظم الکائنات الحیة بینما العقل یختص به الإنسان ولا أحد غیره یتمیز به والدماغ هو المسؤل عن حرکة الإنسان المادیة وتشمل السیطرة الکاملة علی اعضاء الجسم الخارجیة والداخلیة بینما العقل هو المسؤل عن حرکات الإنسان الاخری کالایمان والعواطف والمشاعر والوجدان .

العواطف الإنسانیة تتحکم بها عدد من الخلایا والغدد الهرمونیة ضمن العملیة التی تسبب الضحک و البکاء والحب والکره وتسمی : العواطف الإنسانیة. وتعتبر العاطفة من ممیزات السلوک البشری سواء بالاتجاه الإیجابی أو السلبی .

ص: 108

{ وَاخْتِلافِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْق فَأحْیَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِیفِ الرِّیَاحِ آیَاتٌ لِقَوْم یَعْقِلُونَ } 5_سورة الجاثیة.

ومن آیاته الکبری تناوب اللیل والنهار بفعل حرکة الارض حول نفسها فرغم حجمها الهائل تتحرک الارض حول نفسها یومیا وتدور حول الشمس سنویاً , وهذا من عجائب الدنیا .

وقال الله تعالی : {وَ آیَةٌ لَهُمُ اللَّیْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَاْرَ فَإِذَاْ هُمْ مُظْلِمُوْنَ }: یس : 37 .

و قال الله:{: وَ لَقَدْ زَیَّنَّاْ السَّمَاْءَ الدُّنْیَاْ بِمَصَاْبِیْحَ: }: الملک : 5

حسبما تشیر إلیه الآیتان الکریمتان فإن الکون غارق فی الظلام الداکن و إن کنا فی وضح النهار علی سطح الأرض ، و لقد شاهد العلماء الأرض و باقی الکواکب التابعة للمجموعة الشمسیة مضاءة فی وضح النهار بینما السموات من حولها غارقة فی الظلام فمن کان یدری أیام محمد صلی الله علیه و آله أن الظلام هو الحالة المهیمنة علی الکون ؟ و أن هذه المجرات و النجوم لیست إلا مصابیح صغیرة واهنة لا تکاد تبدد ظلام الکون الدامس المحیط بها فبدت کالزینة و المصابیح لا أکثر؟

و عندما قُرِأَت هذه الآیات علی مسمع احد العلماء الامریکیین بهت و ازداد إعجابه إعجاباً و دهشته دهشة بجلال و عظمة هذا القرآن و قال فیه لا یمکن أن یکون هذا القرآن إلا کلام مصمم هذا الکون ، العلیم بأسراره .

ص: 109

{ تِلْکَ آیَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَیْکَ بِالحَقِّ فَبِأیِّ حَدِیث بَعْدَ اللّهِ وَآیَاتِهِ یُؤْمِنُونَ } 6 _سورة الجاثیة.

واذا لا یؤمنون بالله الواحد الاحد العجیبة مخلوقاته فکیف یؤمنون بأصنام لا تنطق ولا تفهم شیئاً .

قال الله:{: وَ جَعَلْنَاْ السَّمَاْءَ سَقْفَاً مَحْفُوْظَا ً: } _ الأنبیاء : 32 .

و قد أثبت العلم الحدیث وجود الغلاف الجوی المحیط بالأرض و الذی یحمیها من الأشعة الشمسیة الضارة و النیازک المدمرة فعندما تلامس هذه النیازک الغلاف الجوی للأرض فإنها تستعر بفعل احتکاکها به فتبدو لنا لیلاً علی شکل کتل صغیرة مضیئة تهبط من السماء بسرعة کبیرة قدرت بحوالی 150 میل فی الثانیة ثم تنطفئ بسرعة و تختفی و هذا ما نسمیه بالشهب، فمن أخبر محمداً صلی الله علیه و آله بأن السماء کالسقف تحفظ الأرض من النیازک و الأشعة الشمسیة الضارة ؟

ألیس هذا من الأدلة القطعیة علی أن هذا القرآن من عند خالق هذا الکون العظیم؟

{ وَیْلٌ لِکُلِّ أفَّاک أثِیم } 7 : _سورة الجاثیة.

الویل قیل : إنه واد سائل من جهنم صدید أهلها . وقیل : إن الویل کلمة یتلقی بها الکفار والفساق تتضمن استحقاقهم العقاب .

والأثیم ذو الاثم ، وهو صاحب المعصیة التی یستحق بها العقاب .

ص: 110

: الکثیر الکذب وکذاب شدید الاثم " یلقون السمع وأکثرهم کاذبون " أی الأفاکون یلقون السمع إلی الشیاطین فیتلقون منهم ظنونا وأمارات لنقصان علمهم فیضمون إلیها علی حسب تخیلاتهم أشیاء لا یطابق((1)) .

ومن رؤوس الکذابین :الولید بن المغیرة ومعاویة بن ابی سفیان وابو هریرة ومسیلمة الکذاب الذی ادعی النبوة .

وکان الولید بن المغیرة یسمی دعی قریش ونزلت فی حقه قوله تعالی :

{ وَلا تُطِعْ کُلَّ حَلاف مَهِین 10*هَمَّاز مَشَّاء بِنَمِیم 11*مَنَّاع لِلْخَیْرِ مُعْتَد أثِیم12* عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِکَ زَنِیم13: } _سورة القلم .

عتل غلیظ جاف بعد ذلک زنیم دعیٍّ فی قریش .

زنیم أی دعی لصیق لیس له نسب صحیح وهذه أشد معایبه .

تفسیر الجلالین : عتل غلیظ جاف بعد ذلک زنیم دعی فی قریش .

زَنِیمٍ ﴿١٣ القلم﴾ دعی ولیس من القوم أو المشهور باللؤم والشر زنیم ﴿١٣ القلم﴾ .

الزنیم: الدعیُّ الملصق بالقوم و لیس منهم. أو هو ولد الزنا. أو الشریر .

زنم الزنیم والمزنم: الزائد فی القوم ولیس منهم، تشبیها بالزنمتین من الشاة، وهما المتدلیتان من أذنها، ومن الحلق .

وهو العبد زلمة وزنمة، أی: المنتسب إلی قوم معلق بهم لا منهم، ﴿عتل﴾ غلیظ جاف ﴿بعد ذلک زنیم﴾ دعیٍّ فی قریش.

ص: 111

وقد ادَّعاه أبوه بعد ثمانی عشرة سنة، قال ابن عباس: لا نعلم أن الله وصف أحدا بما وصفه به من العیوب فألحق به عارا لا یفارقه أبدا، وتعلق بزنیم الظرف قبله.

ولا تطع: (الخطاب للمسلم) کلَّ إنسانٍ کثیر الحلف کذاب حقیر، مغتاب للناس، ینقل حدیث بعضهم إلی بعض لافساد علاقاتهم بعضهم ببعض علی وجه الإفساد بینهم، یمشی بینهم بالنمیمة، بخیل بالمال شحیح به وضنین به عن الحق، شدید المنع للخیر، متجاوز حدَّه فی العدوان علی الناس وتناول المحرمات، کثیر الآثام، فاحش لئیم، منسوب لغیر أبیه. ومن أجل أنه کان صاحب مال وبنین طغی وتکبر عن الحق، متعصب: فی کفره، فإذا قرأ علیه أحد آیات القرآن کذَّب بها، وقال: هذا أباطیل الأولین وخرافاتهم.

الکافی : عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن علی بن الحکم عن إسحاق بن عمار ، عن أبی النعمان قال : قال أبو جعفر علیه السلام : یا أبا النعمان لا تکذب علینا کذبة فتسلب الحنیفیة ، ولا تطلبن أن تکون رأسا فتکون ذنبا ، ولا تستأکل الناس بنا فتفتقر ، فإنک موقوف لا محالة ومسؤول ، فان صدقت صدقناک وإن کذبت کذبناک((1)) .

{ یَسْمَعُ آیَاتِ اللّهِ تُتْلَی عَلَیْهِ ثُمَّ یُصِرُّ مُسْتَکْبِراً کَأنْ لَمْ یَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَاب ألِیم }: 8 _سورة الجاثیة.

ص: 112

: یسمع آیات الله القرآنیة تتلی علیه وفیها حجج عظیمة ثم یصر علی استکباره کأن لم یسمعها فی حیاته .

هذا منهج الطاغیة الاصم عن سماع الحق وهو عکس منهج البصیر وقال الإمام علی علیه السلام : البصیر من سمع فتفکر ، ونظر فأبصر ، وانتفع بالعبر .

{ وَإذَا عَلِمَ مِنْ آیَاتِنَا شَیْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً اُوْلَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِینٌ } 9 _سورة الجاثیة.

واذا تیقن من صحة بعض الایات عندها یتخذها هزوا ولعباً کی لا یرتب علی ذلک أثرا یذکر فله عذاب ألیم , لانه یعرف الحقیقة ثم یحرف الامر .

یسعی الطغاة لابطال النتائج الصحیحة التی یصل الیها مع أتباعه بالفرار من الایات الی الاستهزاء لیحولوا الجد الی هزل وضحک وأهواء عصبیة .

{ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا یُغْنِی عَنْهُمْ مَا کَسَبُوا شَیْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أوْلِیَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ } 10 _سورة الجاثیة.

ولا ینفع هؤلاء الکفار أعمالهم الحسنة التی فعلوها , ولا ینفعهم أربابهم من الفراعنة والطواغیت .

" لا یدفع ما کسبوا من الأموال والأولاد شیئا من عذاب الله ، وفی قوله سبحانه : "{ وما أغنی عنکم من الله من شئ } ((1)) " .

أی مما قضی علیکم وفی قوله تعالی " فهل أنتم مغنون عنا " أی دافعون عنا " من عذاب الله: من شئ " ((2)) .

ص: 113

{: هَذَا هُدیً وَالَّذِینَ کَفَرُوا بِآیَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْز ألِیمٌ } 11 _سورة الجاثیة.

الایات القرآنیة هدی والذین کفروا بآیات الله لهم عذاب: ألیم .

{ رجز ألیم: } : الرجز: یعنی الاضطراب والاهتزاز وعدم الانتظار , کما یقول الراغب فی مفرداته , وتقول العرب : رجز البعیر إذا تقاربت خطواته واضطرب لضعف فیه .

العذاب الذی ینزل علیهم کالزلزلة مثل قوله تعالی :

( إِنَّا _ مُنْزِلُونَ عَلی أَهْلِ هذِه ِ الْقَرْیَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ ) _سورة الاعراف .

: { فَأنزَلْنَا عَلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا کَانُوا یَفْسُقُونَ} 59*_سورة البقرة .

{ اللّهُ الَّذِی سَخَّرَ لَکُمُ البَحْرَ لِتَجْرِیَ الفُلْکُ فِیهِ بِأمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ } 12 _سورة الجاثیة.

سخر الله تعالی البحر لتجری فیه السفن لنقل الرکاب والبضائع وسخره لصید الاسماک وتحویل الماء المالح الی ماء عذب صالح للشرب.

{ وَسَخَّرَ لَکُمْ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ جَمِیعاً مِنْهُ إنَّ فِی ذَلِکَ لاَیَات لِقَوْم یَتَفَکَّرُونَ } 13 _سورة الجاثیة.

ص: 114

وسخر الله تعالی الحیوانات البریة لغرض الرکب والاکل والحمل وسخر لکم النباتات والغابات والطیور والهواء والماء والفضاء والشمس والقمر وباقی الکواکب .

{ قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ أیَّامَ اللّهِ لِیَجْزِیَ قَوْماً بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ14: }_سورة الجاثیة.

أی لا یخافون عذاب الله ولا یؤمنون بیوم الحساب .

یقول لأئمة الحق : لا تدعوا علی أئمة الجور حتی یکون الله الذی یعاقبهم فی قوله تعالی : لِیَجْزِیَ قَوْماً بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ14 ((1)) .

علی بن إبراهیم : قوله تعالی: ( قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ أَیَّامَ اللَّه ) * ، قال : یقول لأئمة الحق : لا تدعوا علی أئمة الجور حتی یکون الله الذی یعاقبهم ، فی قوله تعالی : ( لِیَجْزِیَ قَوْماً بِما کانُوا یَکْسِبُونَ ) .

ثم قال علی بن إبراهیم : حدثنا أبو القاسم ، قال : حدثنا محمد بن عباس ، قال : حدثنا عبد الله بن موسی ، قال : حدثنا عبد العظیم بن عبد الله الحسنی ، قال : حدثنا عمر بن رشید ، عن داود بن کثیر ، عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام ، فی قول الله عز وجل: ( قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ أَیَّامَ اللَّه ) .

ص: 115

قال : قل للذین مننا علیهم بمعرفتنا أن یعرفوا الذین لا یعلمون ، فإذا عرفوهم فقد غفروا لهم »((1)) .

قال : روی عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام ، أنه قال : « أیام الله المرجوة ثلاثة : یوم قیام القائم علیه السلام ، ویوم الکرة ، ویوم القیامة » ((2)) .

قال ابن عبّاس : المراد من قوله : « لا یَرْجُونَ أَیَّامَ » أی أیّام ثواب اللَّه ولا یخافون عقابه ولا یخشون مثل عقاب الأمم الماضیة .

وقال أکثر المفسّرین : إنّ الآیة منسوخة بآیة السیف .

أحمد بن محمد السیاری فی کتاب القراءات : روی أن علی بن الحسین ( علیهما السلام ) ، أراد ضرب غلام له ثم قال : " قل للذین آمنوا یغفروا للذین لا یرجون أیام الله ): " ووضع السوط من یده ، فبکی الغلام ، فقال له : " لم تبکی ؟ "

فقال : لأنی عبدک ممن أرجو أیام الله ، فقال علیه السلام : " و أنت ترجو أیام الله ، ولا أحب أن أملک من یرجو أیام الله ، فائت قبر رسول الله صلی الله علیه و آله ، وقل : اللهم اغفر لعلی خطیئته ، وأنت حر لوجه الله " ((3)) .

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أسَاءَ فَعَلَیْهَا ثُمَّ إلَی رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ: } 15 _سورة الجاثیة.

ص: 116

من جاهد فی الحروب دفاعا عن الاسلام وردع الکفار واستشهد واستفاد المسلمون من ردعه للغزاة وحفظه للامن فلنفسه .

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ } عبر ما حصل علیه من ثواب جزیل یوصله للجنة وکذلک من فعل أی فعل فی الزراعة والصناعة وکتابة الکتب الاسلامیة ونشر الدین وبناء المساجد والمؤسسات الثقافیة ..

صحیح ان المسلمین یأکلون من مزرعته ویستفیدون من أجهزته لکنه حصل علی الحسنات الکثیرة .

وعکس هذا من خان المسلمین فی کل جانب وتسبب فی موتهم وضیاعهم وضعفهم ومرضهم وفقرهم , فهذا یذنب ذنوب کثیرة تمحوا حسناته وتدخله جهنم وبئس المصیر .

عن جابر بن عبد الله الأنصاری قال: ( کنت ذات یوم عند النبی صلی الله علیه و آله إذ أقبل بوجهه علی علی بن أبی طالب علیه السلام فقال : ألا أبشرک یا أبا الحسن ؟

قال : بلی یا رسول الله ، قال : هذا جبرئیل یخبرنی عن الله جل جلاله أنه قد أعطی شیعتک ومحبیک سبع خصال : الرفق عند الموت ، والانس عند الوحشة ، والنور عند الظلمة والامن عند الفزع ، والقسط عند المیزان ، والجواز علی الصراط ، ودخول الجنة قبل الناس ، نورهم یسعی بین أیدیهم وبأیمانهم ) ((1)) .

ص: 117

عن عبد الله بن أبی أوفی ، قال : آخی رسول الله صلی الله علیه و آله بین أصحابه وترک علیا علیه السلام ، فقال له : آخیت بین أصحابک وترکتنی ؟ فقال صلی الله علیه و آله : والذی نفسی بیده ، ما أخرتک إلا لنفسی ، أنت أخی ووصیی ووارثی . قال علیه السلام : ما أرث منک ، یا رسول الله ؟ قال صلی الله علیه و آله : ما أورث النبیون قبلی ، أورثوا کتاب ربهم وسنة نبیهم ، وأنت وابناک معی فی قصری فی الجنة ((1)) .

عن أبی الجارود عن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام قال : قال النبی

صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام انی أحب لک ما أحب لنفسی واکره لک ما أکره لنفسی فلا تتختم خاتم ذهب فإنه زینتنا فی الآخرة ، ولا تلبسوا القرمز (الاحمر) فإنه من أردیة إبلیس ، ولا ترکبوا مثیرة حمراء فإنها من مراکب إبلیس ، ولا تلبس الحریر فیحرق الله عز وجل جلدک یوم القیامة ((2)) .

وقال نجاح الطائی : کل الافعال التی یفعلها العبد من خیر هی لنفسه فمن بنا بنایة للفقراء فهی له فی الاخرة سوف یحصل علی أفضل منها .

ومن أعان مسکینا وأنفق علی فقیر فسوف یحصل أضعاف هذا فی الجنة

ومن أنفق الاموال للمحرومین فقد أنفقها لنفسه لانها مکتوبه باسمه فی سجل یوم القیامة .

ومن أنفق الاموال لاکله وشربه وخدماته الخاصة فقد ذهبت سدی لا نفع آخروی لها .

ص: 118

{ وَلَقَدْ آتَیْنَا بَنِی إسْرَائِیلَ الکِتَابَ وَالحُکْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَی العَالَمِینَ } 16 _سورة الجاثیة.

أعطی تعالی لبنی اسرائیل التوراة وهی الکتاب والحکم أی الشریعة التی ذکرها موسی علیه السلام لهم بواسطة أحادیث مثلما فعل النبی محمد صلی الله علیه و آله .

وأعطاهم نبوة موسی علیه السلام بما فیها من معجزات ورزقهم من الخیرات التی تنزل علیهم من السماء .

{ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ} :أنزل الله تعالی علیهم المن والسلوی أضافة الی الخیرات الدنیویة الاخری .

وکانوا یأکلون المن والسلوی امتیازا الهیا علی قوم فرعون والاقوام الاخری

{ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَی العَالَمِینَ }: بکثرة أنبیائهم وأوصیائهم فلم تحصل أمة علی ما حصلوا علیه فی هذا المجال .

وقال نجاح الطائی :

وقد یتوهم الیهود و بعض المسلمین انه تعالی فضلهم علی الامم والشعوب الاخری :

الجواب : نفی القرآن الکریم أفضلیة الیهود ببیانه لفسادهم وکفرهم وأفضلیة الاسلام علی الیهودیة اذ قال سبحانه فی کفرهم:

:{ وَقَضَیْنَا إلَی بَنِی إسْرائِیلَ فِی الکِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِی الأرْضِ مَرَّتَیْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً کَبِیراً }: 4 _ سورة الاسراء .

ص: 119

:{ وَلَنْ تَرْضَی عَنْکَ الیَهُودُ وَلا النَّصَارَی حَتَّی تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إنَّ هُدَی اللّهِ هُوَ الهُدَی وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِی جَاءَکَ مِنْ العِلْمِ مَا لَکَ مِنْ اللّهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیر }: 120_سورة البقرة .

: وَذَکِّرْهُمْ بِأیَّامِ اللّهِ إنَّ فِی ذَلِکَ لاَیَات لِکُلِّ صَبَّار شَکُور 5_سورة ابراهیم.

: یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الیَهُودَ وَالنَّصَارَی أوْلِیَاءَ بَعْضُهُمْ أوْلِیَاءُ بَعْض وَمَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللّهَ لا یَهْدِی القَوْمَ الظَّالِمِینَ51_المائدة.

:وَقَالَتِ الیَهُودُ یَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أیْدِیهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ یَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ یُنفِقُ کَیْفَ یَشَاءُ وَلَیَزِیدَنَّ کَثِیراً مِنْهُمْ مَا اُنزِلَ إلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ طُغْیَاناً وَکُفْراً وَألْقَیْنَا بَیْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلَی یَوْمِ القِیَامَةِ کُلَّمَا أوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أطْفَأهَا اللّهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لا یُحِبُّ المُفْسِدِینَ 64_المائدة.

یحرفون الدین لاجل الدنیا ویلهثون ویجرون خلف أهوائهم :

{ مِنَ الَّذِینَ هادُوا یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ویَقُولُونَ سَمِعْنا وعَصَیْنا }_ 46 النساء .

وتوثقت البشریة فی تاریخها الطویل أن الیهود وراء کل فساد فی الارض وکل حرب وکل خیانة .

{ وَآتَیْنَاهُمْ بَیِّنَات مِنَ الأمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إلا مِنْ بَعْدِمَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ إنَّ رَبَّکَ یَقْضِی بَیْنَهُمْ یَوْمَ القِیَامَةِ فِیمَا کَانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ } 17 _سورة الجاثیة.

لقد جاءهم العلم الالهی النبوی بتنصیب الامام علی علیه السلام خلیفة للمسلمین فی بیعة الغدیر فعصوا ورفضوا هذا العلم !!!

ص: 120

وقال الامام علی علیه السلام : أدعوک یا معاویة إلی الله ورسوله وکتابه وولی أمره الحکیم من آل إبراهیم والی الذی أقررت به إلی الله والوفاء بعهده ومیثاقه الذی واثقکم به إذ قلتم : سمعنا وأطعنا ولا تکونوا کالذین تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغیا بینهم ولا تکونوا کالتی نقضت غزلها من بعد قوة أنکاثا ((1)) .

تفسیر علی بن إبراهیم : قوله تعالی : " أن أقیموا الدین " أی تعلموا الدین یعنی التوحید وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة وصوم شهر رمضان وحج البیت والسنن والاحکام التی فی الکتب والاقرار بولایة أمیر المؤمنین علیه السلام " ولا تتفرقوا فیه " أی لا تختلفوا فیه " کبر علی المشرکین ما تدعوهم إلیه " من ذکر هذه الشرائع ، ثم قال : " الله یجتبی إلیه من یشاء " أی یختار " ویهدی إلیه من ینیب " وهم الأئمة الذین اجتباهم الله واختارهم .

قال : " وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغیا بینهم " قال : لم یتفرقوا بجهل ولکنهم تفرقوا لما جاءهم العلم وعرفوه فحسد بعضهم بعضا وبغی بعضهم علی بعض لما رأوا من تفاضل أمیر المؤمنین بأمر الله ، فتفرقوا فی المذاهب وأخذوا بالآراء والأهواء .

ثم قال عز وجل : " ولولا کلمة سبقت من ربک إلی أجل مسمی لقضی بینهم " قال : لولا أن الله قد قدر ذلک أن یکون فی التقدیر الأول لقضی بینهم إذا اختلفوا ، وأهلکهم ولم ینظرهم ، ولکن أخرهم إلی أجل مسمی

ص: 121

المقدور " وإن الذین أورثوا الکتاب من بعدهم لفی شک منه مریب " کنایة عن الذین نقضوا أمر رسول الله صلی الله علیه و آله ، ثم قال : " فلذلک فادع واستقم " یعنی لهذه الأمور والدین الذی تقدم ذکره وموالات أمیر المؤمنین علیه السلام فادع واستقم کما أمرت ، ثم قال عز وجل : " والذین یحاجون فی الله " أی یحتجون علی الله بعد ما شاء الله أن یبعث علیهم الرسل ، فبعث الله إلیهم الرسل والکتب فغیروا وبدلوا ، ثم یحتجون یوم القیامة " فحجتهم " علی الله " داحضة " أی باطلة " عند ربهم " ثم قال : " قل " لهم یا محمد " لا أسألکم علیه أجرا " یعنی علی النبوة " إلا المودة فی القربی " ((1)) .

وقال نجاح الطائی : أعطی الله جل جلاله الحجج العقائدیة

للبشریة :

{ وَآتَیْنَاهُمْ بَیِّنَات مِنَ الأمْرِ } : أی دلالات وحجج بینة فی التوحید والنبوة والامامة والمعاد تکشف لک الطریق .

وعقد النبی صلی الله علیه و آله لهم بیعة الغدیر لتثبیت التوحید والنبوة والامامة والمعاد لکنهم نقضوا ما تعاهدوا علیه واغتصبوا الخلافة وترکوا الثقلین ومنعوا تدوین الحدیث النبوی والنطق به ((2)) .

ص: 122

{ ثُمَّ جَعَلْنَاکَ عَلَی شَرِیعَة مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أهْوَاءَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ: } 18 _سورة الجاثیة.

جاء فی الاهواء : قوله تعالی :{ أرَأیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ }_الفرقان.

قال : نزلت فی قریش کلما هووا شیئا عبدوه ( وأضله الله علی علم ) أی عذبه علی علم منه فیما ارتکبوا مع أمیر المؤمنین علیه السلام وجری ذلک بعد رسول الله صلی الله علیه و آله لما فعلوه بأهوائهم وآرائهم وأزالوهم وامالوا الخلافة والإمامة عن أمیر المؤمنین بعد اخذ المیثاق علیهم مرتین لأمیر المؤمنین .

وقوله { اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ }: نزلت فی قریش وجرت بعد رسول الله

صلی الله علیه و آله فی الذین غصبوا حق أمیر المؤمنین علیه السلام واتخذوا إماما بأهوائهم والدلیل علی ذلک قوله : { وَمَنْ یَقُلْ مِنْهُمْ: إنِّی إلَهٌ مِنْ دُونِهِ } _الانبیاء .

قال من زعم أنه إمام ولیس بامام فمن اتخذ إماما ففضله علی علی علیه السلام ((1)).

قال ابن عباس : الشرعة ما ورد به القرآن ، والمنهاج ما ورد به السنة وقوله "{ شرع لکم من الدین ما وصی به نوحا }" الآیة فإشارة إلی الأصول التی تتساوی فیها الملل ولا یصح علیها النسخ کمعرفة الله ونحو ذلک من نحو ما

ص: 123

دل علیه قوله " ومن یکفر بالله وملائکته وکتبه ورسله والیوم

الآخر " ((1)) .

و قال بعضهم : سمیت الشریعة شریعة تشبیها بشریعة الماء ، من حیث أن من شرع فیها علی الحقیقة [ المصدوقة ] روی وتطهر قال : وأعنی بالری ما قال بعض الحکماء : کنت أشرب فلا أروی ، فلما عرفت الله رویت بلا شرب ، وبالتطهر ما قال تعالی : " إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیرا " ((2)) .

الشریف الرضی: ( قوله تعالی : ( ثُمَّ جَعَلْناکَ عَلی شَرِیعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْها) [ 18 ] وهذه استعارة .

لأن الشریعة فی أصل اللغة اسم للطریق المفضیة إلی الماء المورود . وإنما سمّیت الأدیان شرائع لأنها الطرق الموصّلة إلی موارد الثواب ، ومنافع العباد ، تشبیها بشرائع المناهل التی هی مدرجة إلی الماء ، ووصلة إلی

الرّواء ) ((3)) .

ص: 124

وقال نجاح الطائی :أنزلنا الیک القرآن شریعة کاملة ومنهجیة نبویة فاتبعها فهی واجبة علیکم ولا ترکنوا الی أهواءکم ومیولکم الشیطانیة وسوف تسألون عنها وتحاسبون علیها .

بینما تجد الکثیر من المسلمین یشرکون بصور مختلفة ولا یطیعون النبی صلی الله علیه و آله ولا یعتقدون بالامامة العلویة ولا یصلون ولا یصومون ولا یجاهدون .

{ إنَّهُمْ لَنْ یُغْنُوا عَنکَ مِنَ اللّهِ شَیْئاً وَإنَّ الظَّالِمِینَ بَعْضُهُمْ أوْلِیَاءُ بَعْض وَاللّهُ وَلِیُّ المُتَّقِینَ } 19 _سورة الجاثیة.

قوله تعالی : إِنَّهُمْ لَنْ یُغْنُوا عَنْکَ مِنَ اللَّه شَیْئاً [ 19 ] من استغنی بغیر اللَّه فبغناه افتقر ومن اعتز بغیره فبعزه ذل ، ألا تری أن اللَّه یقول : إِنَّهُمْ لَنْ یُغْنُوا عَنْکَ مِنَ اللَّه شَیْئاً [ 19 ] _الجاثیة.

وجاء: أن زید بن علی بن الحسین _ علیهما السلام _ دخل علی أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام ومعه کتب من أهل الکوفة یدعونه فیها إلی أنفسهم ویخبرونه باجتماعهم ، ویأمرونه

بالخروج ، فقال له أبو جعفر علیه السلام : هذه الکتب ابتداء منهم أو جواب ما کتبت به إلیهم ودعوتهم إلیه ؟

فقال : بل ابتداء من القوم ، لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول الله _ صلی الله علیه و آله _ ولما یجدون فی کتاب الله عز وجل من وجوب مودتنا وفرض طاعتنا ، ولما نحن فیه من الضیق والضنک والبلاء ، فقال له أبو جعفر علیه السلام : إن الطاعة مفروضة من الله عز وجل وسنة أمضاها فی الأولین ، وکذلک یحل بها فی الآخرین ، والطاعة لواحد منا والمودة للجمیع ، وأمر الله یجری

ص: 125

لأولیائه بحکم موصول ، وقضاء مفصول ، وحتم مقضی ، وقدر مقدور وأجل مسمی لوقت معلوم ، ( ولا یستخفنک الذین لا یوقنون ) ( إنهم لن یغنوا عنک من الله شیئا ) فلا تعجل فان الله لا یعجل لعجلة العباد ، ولا تسبقن ( الله ): فتعجلک البلیة فتصرعک .

قال : فغضب زید عن ذلک ، ثم قال : لیس الامام منا من جلس فی بیته وأرخی ستره وثبط عن الجهاد ، ولکن الامام منا من منع حوزته ، وجاهد فی سبیل الله حق جهاده ، ودفع عن رعیته ، وذب عن حریمه .

قال أبو جعفر علیه السلام : هل تعرف یا أخی من نفسک شیئا مما نسبتها إلیه ، فتجئ علیه بشاهد من کتاب الله أو حجة من رسول الله صلی الله علیه و آله أو تضرب به مثلا فان الله عز وجل أحل حلالا وحرم حراما وفرض فرائض وضرب أمثالا وسن سننا ، ولم یجعل الإمام القائم بأمره ( فی ): شبهة فیما فرض له من الطاعة أن یسبقه بأمر قبل محله ، أو یجاهد فیه قبل حلوله .

وقد قال الله عز وجل فی الصید: ( لا تقتلوا الصید وأنتم حرم ) أفقتل الصید أعظم أم قتل النفس التی حرم الله ؟ وجعل لکل شئ محلا ، وقال

( الله ) عز وجل: ( وإذا حللتم فاصطادوا ) . وقال عز وجل: ( لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ): فجعل الشهور عدة معلومة فجعل منها أربعة حرما وقال: ( فسیحوا فی الأرض أربعة أشهر واعلموا أنکم غیر معجزی

الله ) .

ص: 126

ثم قال ( الله ) تبارک وتعالی: ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشرکین حیث وجدتموهم ) فجعل لذلک محلا وقال: ( ولا تعزموا عقدة النکاح حتی یبلغ الکتاب أجله ): فجعل لکل ( شئ ) أجلا ولکل أجل کتابا .

فان کنت علی بینة من ربک ، ویقین من امرک ، وتبیان من شأنک فشأنک ، وإلا فلا ترومن أمرا أنت منه فی شک وشبهة ، ولا تتعاط زوال ملک لم ینقص اکله ولم ینقطع مداه ، ولم یبلغ الکتاب أجله ، فلو قد بلغ مداه وانقطع أکله ، وبلغ الکتاب أجله لانقطع الفصل وتتابع النظام ، ولا عقب الله فی التابع والمتبوع الذل والصغار ، أعوذ بالله من إمام ضل عن وقته ، فکان التابع فیه أعلم من المتبوع .

أترید یا أخی أن تحیی ملة قوم کفروا بآیات الله وعصوا رسوله واتبعوا أهوائهم بغیر هدی من الله ، وادعوا الخلافة بلا برهان من الله ، ولا عهد من رسوله ؟ ! أعیذک بالله یا أخی أن تکون غدا المصلوب بالکناسة ، ثم أرفضت عیناه وسالت دموعه .

ثم قال : بیننا وبین من هتک سترنا وجحد حقنا وأفشی سرنا ونسبنا إلی غیر جدنا وقال فینا ما لم نقله فی أنفسنا ((1)) .

ص: 127

{ وَإنَّ الظَّالِمِینَ بَعْضُهُمْ أوْلِیَاءُ بَعْض وَاللّهُ وَلِیُّ المُتَّقِینَ } 19_سورة الجاثیة.

بینما لاحظنا تبعیة وانضواء الکثیر من الامراء المسلمین فی الاندلس تحت لواء النصاری لیحاربوا المسلمین وانضواء ملوک السعودیة والخلیج تحت لواء الغربیین والیهود لیحاربوا المؤمنین .

وتعتبر أعمالهم معاندة وعصیانا للایة القرآنیة :

{ أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الیَهُودَ وَالنَّصَارَی أوْلِیَاءَ بَعْضُهُمْ أوْلِیَاءُ بَعْض وَمَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللّهَ لا یَهْدِی القَوْمَ الظَّالِمِینَ: }51_المائدة.

وقال تعالی فی حق المتقین:

{ إنَّ المُتَّقِینَ فِی جَنَّات وَعُیُون } 45_الحجر.

إنَّ المُتَّقِینَ فِی مَقَام أمِین: 51_الدخان.

وقال نجاح الطائی: یعنی أنهم لن یکفوا ولن یصرفوا عنک من الله شیئاً أراد بک والطغاة لا ینفعوک إن اتبعت أهواءهم .

فاتبع شریعتک الغراء واکتفی بها واترک مخالفی النبی والعاصین لامیر المؤمنین والتابعین للیهود والنصاری .

والظالمون الفاسقون بعضهم أولیاء لبعض والله تعالی ولی الصالحین .

{ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدیً وَرَحْمَةٌ لِقَوْم یُوقِنُونَ } 20 _سورة الجاثیة.

الایات القرآنیة والاحادیث النبویة بصائر تهدی الامة ورحمة للصالحین المؤمنین .

ص: 128

والبصائر جمع بصیرة وهی المعرفة المصیبة للواقع ، وتعنی بها ما یبصر به الامور والقضایا المتنوعة.

ومن یراجع توراة الیهود الحالیة فإنها تقول لبنی إسرائیل : اقتلوا الرجال والأطفال والنساء إلا الأبکار منهن ، أبقوهن للذاتکم وشهواتکم . . وانهبوا البهائم والمواشی والأملاک . . وأحرقوا المدن والمساکن والحصون کما فی الإصحاح 32 ((1)).

لذا یحرق الیهود المحرومین فی العالم ویامرون الحکومات الخلیجیة بقتل الشیعة فی الیمن فنفذ هؤلاء أوامرهم .

ان عقیدة الیهود عقیدة شریرة تعادی جمیع الأدیان والشرائع والقیم

الإنسانیة .

{ أمْ حَسِبَ الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئَاتِ أنْ نَجْعَلَهُمْ کَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْیَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا یَحْکُمُونَ }21 _سورة الجاثیة.

الاجتراح : الاکتساب أی فعل الشیء اختیارا .

قال سبط بن الجوزی الحنفی : نزلت فی علی علیه السلام ((2)) .

وأخرج الفخر الرازی فی تفسیره عند ذکر هذه الآیة الکریمة قال : قال الکلبی : {نزلت هذه الآیة فی علی وحمزة وعبیدة , وفی ثلاثة من

ص: 129

المشرکین عتبة وشیبة والولید بن عتبة , قالوا للمؤمنین : والله ما انتم علی شیء ولو کان ما تقولون حقاً لکان حالنا أفضل من حالکم فی الآخرة کما أنا أفضل حالاً فی الدنیا :

فانکر الله علیهم هذا الکلام وبین أنه لا یمکن أن یکون حال المؤمن المطیع مساویاً لحال الکافر العاصی فی درجات الثواب ومنازل

السعادات ((1)).

وأخرجه قریباً من هذا المضمون کل من الخطیب أبو بکر أحمد بن علی البغدادی فی المناقب وعالم الشافعیة مفتی العراقین محمد بن یوسف بن محمد القرشی الکنجی فی الکفایة: وفی کتاب مناقب علی بن أبی طالب علیه السلام و أرجح المطالب ((2)) وغیرهم أیضاً.

وکان المنافقون الذین حاولوا قتل النبی فی العقبة ثم سموا الرسول واغتصبوا خلافته وقتلوا أهل البیت واحدا بعد الاخر یملکون هذا المنطق فهم یریدون الدنیا والاخرة .

ص: 130

عن مجاهد فی قوله تعالی ( سواء محیاهم ومماتهم ) قال : المؤمن یموت علی إیمانه ویبعث علیه . والکافر یموت علی کفره ویبعث علیه ((1)).

قوله تعالی : أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئاتِ [ 21 ] الآیة ، قال :

لیس من أقعد علی بساط الموافقة کمن أقیم فی مقام المخالفة ، فإن بساط الموافقة یجر بصاحبه إلی مقاعد الصدق ، ومقام المخالفة یهوی بصاحبه فی لظی ((2)).

قوله تعالی: ( سواء محیاهم ومماتهم ) یقرأ سواء بالرفع ، فمحیاهم مبتدأ ، ومماتهم معطوف علیه ، وسواء خبر مقدم ، ویقرأ سواء بالنصب وفیه وجهان : أحدهما هو حال من الضمیر فی الکاف : أی نجعلهم مثل المؤمنین فی هذه الحال .

والثانی أن یکون مفعولا ثانیا لحسب ، والکاف حال ، وقد دخل سواء محیاهم ومماتهم علی هذا الوجه فی الحسبان ، ومحیاهم ومماتهم مرفوعان بسواء لأنه بمعنی مستو وقد قرئ باعتماده ، ویقرأ مماتهم بالنصب : أی فی محیاهم ومماتهم ، والعامل فیه نجعل أو سواء ، وقیل هما ظرفان ، فأما الضمیر المضاف إلیه فیرجع إلی القبیلین ، ویجوز أن یرجع إلی الکفار لأن محیاهم کمماتهم ، ولهذا سمی الکافر میتا ((3)) .

ص: 131

الملاحظ فی سیرة واقوال المنافقین المحتملین لوجود الاخرة بنسبة ما تخیلهم لدخولهم الجنة ورضا الباری عنهم باستغفاره لهم وقد جاءت هذه الایة للرد علیهم .

{ وَخَلَقَ اللّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالحَقِّ وَلِتُجْزَی کُلُّ نَفْس بِمَا کَسَبَتْ وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ } 22 _سورة الجاثیة.

وقال نجاح الطائی : أی أن الله تعالی خلق السماوات والارض للجد ولیس للعب واللهو , فوضع البشریة فی امتحان کبیر یسألهم عن أعمالهم فی الدنیا وما فعلوا فیها من أعمال حسنة وسیئة .

خلق الله تعالی الدنیا امتحانا للبشریة فمن آمن وعمل صالحا مصیره الجنة ومن اصبح من الکافرین والمنافقین مصیره النار ولا قیمة لتخیلات هؤلاء فی بلوغ الجنة .

لاجل الحق المتمثل بالاعتقاد الحسن بالتوحید والنبوة والامامة والمعاد وعبادة الخالق وعمل الافعال الصالحة .

وقال تعالی: ( خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَکُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَکُمْ) _التغابن 3 .

{ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالحَقِّ یُکَوِّرُ اللَّیْلَ عَلَی النَّهَارِ وَیُکَوِّرُ النَّهَارَ عَلَی اللَّیْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی لأجَل مُسَمّیً ألا هُوَ العَزِیزُ الغَفَّارُ: } 5_الزمر .

ص: 132

{الَّذِینَ یَذْکُرُونَ اللّهَ قِیَاماً وَقُعُوداً وَعَلَی جُنُوبِهِمْ وَیَتَفَکَّرُونَ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَکَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 191_آل عمران.

{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِکَ ظَنُّ الَّذِینَ کَفَرُوا فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ کَفَرُوا مِنَ النَّارِ } 27_سورة ص .

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا لاعِبِینَ 16_الانبیاء.

قَالُوا أجِئْتَنَا بِالحَقِّ أمْ أنْتَ مِنَ اللاَّعِبِینَ 55*قَالَ بَل رَبُّکُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الَّذِی فَطَرَهُنَّ وَأنَا عَلَی ذَلِکُمْ مِنَ الشَّاهِدِینَ 56_الانبیاء.

وقال تعالی:{ وَلِتُجْزَی کُلُّ نَفْس بِمَا کَسَبَتْ وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ }:

یحکم الله تعالی بین العباد بعدله فیجزی الکافرین والمنافقین النار ویجزی المتقین الجنة وفقا لاعتقاداتهم واقوالهم واعمالهم .

وهب الباری تعالی الحیاة للبشریة لیمتحنهم فیها فالفائزون الی الجنة والراسبون الی النار.

{ أفَرَأیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأضَلَّهُ اللّهُ عَلَی عِلْم وَخَتَمَ عَلَی سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَی بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ یَهْدِیهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ أفَلا

تَذَکَّرُونَ } 23 _سورة الجاثیة.

{ أفَرَأیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ }:

وقال تعالی عن اللاهثین خلف أهوائهم :

ص: 133

: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَکِنَّهُ أخْلَدَ إلَی الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ الکَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ یَلْهَثْ أوْ تَتْرُکْهُ یَلْهَثْ ذَلِکَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ 176_الاعراف.

:وَلا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَکَانَ أمْرُهُ فُرُطاً 28_الکهف.

:فَلا یَصُدَّنَّکَ عَنْهَا مَنْ لا یُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَی 16_طه .

: فَإنْ لَمْ یَسْتَجِیبُوا لَکَ فَاعْلَمْ أنَّمَا یَتَّبِعُونَ أهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَیْرِ هُدیً مِنَ اللّهِ إنَّ اللّهَ لا یَهْدِی القَوْمَ الظَّالِمِینَ 50_القصص .

من یطیع هواه: ویتحزب له: ویدافع عنه ویبنی علیه دینه ، ولا یسمع دلیلا وبرهانا وحجة ضده .

القمی : نزلت فی قریش ، کلما هووا شیئا عبدوه ، وجرت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله فی أصحابه الذین غصبوا (حق) أمیر المؤمنین علیه السلام ، واتخذوا إماما بأهوائهم ((1)) .

قال جل جلاله : { وَمَا الحَیَاةُ الدُّنْیَا إلا مَتَاعُ الغُرُورِ } 20 _الحدید.

یرید عز وجل علی علم لعناده للحق ، واسترخائه إیاه ، ورده له ، واستمرائه الباطل ، وحلوله فی قلبه وقبوله له ، والله لا یظلم الناس شیئا ولکن الناس أنفسهم یظلمون ((2)) .

ص: 134

هم المعاندون لشیعة الحق ومحبی أهل الصدق ، والمنکرون لما رواه الثقات من المؤمنین عن أهل بیت رسول الله صلی الله علیه وعلیهم ، الرادون العایبون لهم بجهلهم وشقوتهم ، القائلون بما رواه أعداؤهم ، العاملون به ، الجاعلون أئمتهم أهوائهم وعقولهم وآرائهم دون من اختاره الله بعلمه ((1)) .

عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام فی قول الله عز وجل : " قل للذین آمنوا یغفروا للذین لا یرجون أیام الله " قال : قل للذین مننا علیهم بمعرفتنا أن یعلموا الذین لا یعلمون ، فإذا عرفوهم فقد غفروا لهم .

قوله : " أفرأیت من اتخذ إلهه هواه " قال : نزلت فی قریش کلما هووا شیئا عبدوه " وأضله الله علی علم " أی عذبه علی علم منه فیما ارتکبوا من أمر أمیر المؤمنین علیه السلام ، وجری ذلک بعد رسول الله صلی الله علیه و آله فیما فعلوه بعده بأهوائهم وآرائهم ، و أزالوا الخلافة والإمامة عن أمیر المؤمنین علیه السلام بعد أخذه المیثاق علیهم مرتین لأمیر المؤمنین ((2)) .

عن الإمام علی علیه السلام : حفظ العقل بمخالفة الهوی والعزوف عن الدنیا((3)).

الإمام علی علیه السلام : آفة العقل الهوی ((4)) .

و عنه علیه السلام : الهوی آفة الألباب ((5)) .

ص: 135

و عنه علیه السلام : یسیر الهوی یفسد العقل ((1)) .

و عنه علیه السلام : طاعة الهوی تفسد العقل ((2)) .

و عنه علیه السلام : غلبة الهوی تفسد الدین والعقل ((3)) .

و عنه علیه السلام : الهوی عدو العقل ((4)) .

وکان عمر قد ندم علی توجهه للدنیا و اغتصابه الخلافة من الامام علی علیه السلام : فقال: « أصبت فی الاسلام هفوة ما أصبت مثلها قط » ((5)).

وقد اعترف عمر باغتصابهم الخلافة قائلا: لا بل الملک عقیم والحق لابن أبی طالب ((6)).

وظهر ندم عمر فی قوله : یالیتنی کنت کبش أهلی سمَّنونی ما بدا لهم حتی اذا کنت کأسمن ما یکون زارهم من یحبون ، فذبحونی لهم فجعلوا بعضی

ص: 136

شواءً وبعضی قدیداً ثم أکلونی واخرجونی عذرة ، ولم اکن بشراً ((1)) . ولولا الهوی لم یغتصبوا خلافة علی علیه السلام الالهیة النبویة التی أقیمت رسمیا فی الغدیر . وفعلا اعترفوا بذلک .

وتمنی عمرو بن العاص ان یکون ماله العظیم بعراً هرباً من الحساب ((2)) .

وجاء فی القرآن حول الندم قوله تعالی :

(یَوْمَ یَنظُرُ المَرْءُ مَا قَدَّمَتْ یَدَاهُ وَیَقُولُ الکَافِرُ یَا لَیْتَنِی کُنتُ

تُرَاباً ) ((3)) .

وقال نجاح الطائی : هذه الایات والاحادیث والحکم تدفع الانسان للسیر علی الطریق المستقیم فی التوحید والنبوة والامامة .

کل شخص باع الاخرة ولهث خلف الدنیا الفانیة تراه یعبد حزبه لیصل الی أهدافه الدنیویة ویبغض الاخرین فیصبح یزیدیاً مبغضا لاهل البیت ومحبا لاعدائهم .

عندها یختم الله تعالی علی حواسه مثلما ختم علی قلوب السلفیین الوهابیین .

ص: 137

وانک تری رجال السیاسة و أحبار الدین وحواشیهم الدنیوین یلهثون خلف أهوائهم فلا یفهمون من الدین شیئاً .

{ َوقَالُوا مَا هِیَ إلا حَیَاتُنَا الدُّنْیَا نَمُوتُ وَنَحْیَا وَمَا یُهْلِکُنَا إلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِکَ مِنْ عِلْم إنْ هُمْ إلا یَظُنُّونَ } :_سورة الجاثیة. 24

وقوله تعالی : " اتخذ إلهه هواه " نزلت فی قریش وجرت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله فی أصحابه الذین غصبوا أمیر المؤمنین علیه السلام ، واتخذوا إماما بأهوائهم، ثم عطف علی الدهریة الذین قالوا : لا نحیا بعد الموت فقال : " وقالوا ما هی إلا حیوتنا الدنیا نموت ونحیا " وهذا مقدم ومؤخر ، لان الدهریة لم یقروا بالبعث والنشور بعد الموت ، وإنما قالوا : " نحیا ونموت وما یهلکنا إلا الدهر " إلی قوله : " یظنون " فهذا ظن شک ((1)) .

لقد انتخب الکفار شرائع شتی للوصول الی غایاتهم الدنیویة والهروب من الطاعة الالهیة .

عرب الجاهلیة قسمان : صنف أنکروا الخالق والبعث وقالوا بالطبع المحیی والدهر المفنی , قال تعالی عنهم :

(وَقَالُوا ما هی إلاّ حَیاتُنا الدُّنیا نَمُوتُ وَنَحیا وَمَا یُهلِکُنآ إلاّ الدَّهرُ) ((2)).

وصنف اعترفوا بالخالق وأنکروا البعث , وعَبدوا الأصنام کل صنم لقبیلة کی تقربهم الی الله تعالی .

ص: 138

: (أَفَعَیِینا بالَخلقِ الأَوَّلِ بَل هُم فِی لَبس من خَلق جَدید) ((1)) .

وکان عمرو بن لحی أول من جاء بعبادة الأصنام من الشام , إذ جلب هبل معه ووضعه عند الکعبة , ثم وضعوا إساف ونائلة علی الصفا والمروة ((2)) .

ومنهم من تنصر ومنهم من تهود , وعبدة ملائکة وجن و صابئة ((3)) .

{ وَمَا لَهُمْ بِذَلِکَ مِنْ عِلْم إنْ هُمْ إلا یَظُنُّونَ } 24 _سورة الجاثیة.

الکفر یعتمد علی الظن , والاسلام یعتمد علی الیقین لذا تری الجاهلیین لا علم لهم ولا دین وآل البیت عندهم العلم والدین :

قال النبی صلی الله علیه و آله أنا مدینة العلم وعلی بابها ((4)) .

ص: 139

ص: 140

ص: 141

وقوله تعالی : {وَمَنْ یَکْفُرْ بِالإیمَانِ } ((1)) :

قال الإمام محمد الجواد علیه السلام : یکفر بولایة علی , وعلی هو الایمان((2)) .

{ وَإذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ آیَاتُنَا بَیِّنَات مَا کَانَ حُجَّتَهُمْ إلا أنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ } 25 _سورة الجاثیة.

الایات : الحجج والبراهین والادلة علی التوحید والنبوة والاملمة والمعاد.

یحاول الکفار المجیء بحجج شتی لفرارهم من الدین منها طلبهم احیاء آبائهم , ولو أحیاهم لقالوا : ساحر . مثلما قالوا هذا للانبیاء الماضین .

وقد طلب المشرکون من رسول الله: ( صلی الله علیه و آله )فی السنة الثامنة للهجرة عندما کان فی شعب أبی طالب أن یریهم آیة. فدعا الله سبحانه وتعالی: فانشق القمر نصفین حتی نظروا إلیه ثم التأم.

لکن قریشاً استمرت فی کفرها فقالوا: هذا سحر مستمر.

فأنزل تعالی: (اقتربت الساعة وانشق القمر، وإن یروا آیةً یعرضوا ویقولوا سحر مستمر) ((3)).

ص: 142

وقد وصف السید المرتضی ذلک الحدیث بالمتواتر ((1)).

واجمع المسلمون علی وقوع ذلک فی زمنه، حتی رأی أهالی مکة حراء بینهما، إذ أصبح القمر فرقتین فرقة علی هذا الجبل وفرقة علی جبل آخر وقالوا: انشق القمر مرّتین ((2)).

{ قُلْ اللّهُ یُحْیِیکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یَجْمَعُکُمْ إلَی یَوْمِ القِیَامَةِ لا رَیْبَ فِیهِ وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ } 26 _سورة الجاثیة.

وجاءهم الجواب العلمی بأن الله تعالی هو الذی یحیی ویمیت ثم یجمعکم لیوم الحساب .

والاحیاء فی الدنیا یبین قدرته تعالی علی الاحیاء الاخروی اذ لا فرق بین الاثنین مثل المصنع الذی صنع عربة من حدید فهو عنده القدرة علی صناعة عربة ثانیة وثالثة بنفس مواصفات الاولی .

ص: 143

واذا اراد أن یصهر حدید العربة الاولی ثم یصنعها من جدید فما أسهله علیه

والانسان الملحد لا یشکک فی قدرة المصنع المذکورة لکنه نفسه یشکل علی الله تعالی قدرته علی اعادة خلق الانسان فی الاخرة !!!

وهذا راجع الی الاهواء الشیطانیة الدنیویة اللاعبة به والمؤثرة علیه .

{ وَللّهِ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یَوْمَئِذ یَخْسَرُ المُبْطِلُونَ: }27 _سورة الجاثیة.

الله تعالی هو المالک الوحید للسماوات والارض وفی یوم الحساب یخسر الکاذبون .وعندما تتعرف علی الکون تفهم النظم الالهیة الکثیرة والمعقدة له : لقد اکتشف العلماء حدیثا وجود نجوم أسموها الثقوب السوداء وتتمیز بثلاثة خصائص: 1_ لا تری 2_ تجری بسرعات کبیرة .

3_ تجذب کل شیء إلیها وکأنها تکنس صفحة السماء حتی إن العلماء وجدوا أنها تعمل کمکنسة کونیة عملاقة هذه الصفات الثلاثة هی التی حدثنا عنها القرآن بثلاث کلمات فی قوله تعالی:

(فلا أقسم بالخنّس * الجوار الکنّس) [التکویر: 15_16].

فالخنّس أی التی لا تری والجوار أی التی تجری والکنّس أی التی تکنس وتجذب إلیها کل شیء بفعل الجاذبیة الهائلة لها .هذه الآیة تمثل سبقا للقرآن فی الحدیث عن الثقوب السوداء قبل أن یکتشفها .

ویتعجب العالم من صورة الشفق القطبی الذی یظهر فی منطقة القطب الشمالی عادة إن هذه الظاهرة من أعجب الظواهر الطبیعیة فقد استغرقت من العلماء سنوات طویلة لمعرفة أسرارها وأخیرا تبین أنها تتشکل بسبب

ص: 144

المجال المغنطیسی للأرض وهذا الشفق یمثل آلیة الدفاع عن الأرض ضد الریاح الشمسیة القاتلة التی یبددها المجال المغنطیسی و"یحرقها" ویبعد خطرها عنا وبدلا من أن تحرقنا نری منظرا جمیلا لها وتستحق هذه الظاهرة العظیمة أن یقسم الله بها؟

یقول تعالی: (فلا أقسم بالشّفق * واللّیل وما وسق * والقمر إذا اتّسق * لترکبنّ طبقا عن طبق * فما لهم لا یؤمنون * وإذا قرئ علیهم القرآن لا یسجدون): _ الانشقاق: 16 .

الله تعالی الذی خلق الشمس وصفها وصفا دقیقا بقوله تعالی: (وجعلنا سراجا وهّاجا) [النبأ: 13] .

وهذه الآیة تؤکد أن الشمس عبارة عن سراج والسراج هو آلة لحرق الوقود وتولید الضوء والحرارة وهذا ما تقوم به الشمس فهی تحرق الوقود النووی وتولد الحرارة والضوء ولذلک فإن تسمیة الشمس بالسراج هی تسمیة دقیقة جدا من الناحیة العلمیة.

{وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یَوْمَئِذ یَخْسَرُ المُبْطِلُونَ }27_سورة الجاثیة. :

یخسر الکاذبون المشککون بالدین والتارکون للتوحید الالهی , اولئک هم الظالمون للمستضعفین والمنکلون بالمحرومین والمریقون لدماء الصالحین .

{ وَتَرَی کُلَّ اُمَّة جَاثِیَةً کُلُّ اُمَّة تُدْعَی إلَی کِتَابِهَا الیَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ } 28 _سورة الجاثیة .

کل أمة جاثیة علی رکبها تنتظر الحساب العادل من رب العالمین لذا سمیت هذه السورة بسورة الجاثیة .

ص: 145

القمی : أی علی رکبها : یعنی مستوفزین((1)) .

وقیل : أی : مجتمعة ، من الجثوة وهی الجماعة .

( کل أمة تدعی إلی کتابها ) : صحیفة أعمالها .

( کل أمة تدعی إلی کتابها ) أی کتاب أعمالها الذی کان یستنسخ لها . وقیل : إلی کتابها المنزل علی رسولها ، لیسألوا عما عملوا به .

( الیوم تجزون ما کنتم تعملون ) أی یقال لهم ذلک: ( هذا کتابنا ) یعنی دیوان الحفظة .

صحائف أعمالها . فاکتفی باسم الجنس ، کقوله: ( ووُضِعَ الْکِتابُ فَتَرَی الْمُجْرِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا فِیه ) .

وقرأ یعقوب : کلّ ، علی أنّه بدل الأولی .

و « تدعی » صفة ، أو مفعول ثان . ( الْیَوْمَ تُجْزَوْنَ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) محمول علی القول ، تقدیره : یقال لهم هذا القول . وإضافة الکتاب إلیهم للملابسة ، فإنّ أعمالهم مثبتة فیه .

وقیل : المراد کتابها المنزل علی رسولها لیسألوا عمّا عملوا به((2)) .

{ هَذَا کِتَابُنَا یَنطِقُ عَلَیْکُمْ بِالحَقِّ إنَّا کُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ} 29_سورة الجاثیة.

ص: 146

( ینطق علیکم بالحق ) أی یشهد علیکم بالحق ، والمعنی : یبینه بیانا شافیا حتی کأنه ناطق .

قال الصادق علیه السلام : قوله تعالی: (هَذَا کِتَابُنَا یَنطِقُ عَلَیْکُمْ بِالحَقِّ) .

یعنی أنَّ الکتاب لا ینطق , ولکن محمدا وأهل بیته صلی الله علیه و آله هم الناطقون بالکتاب ((1)) .

عن أبی بصیر ، قال : قلت للامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام

: قوله تعالی : ( هذا کِتابُنا یَنْطِقُ عَلَیْکُمْ بِالْحَقِّ ) ؟

قال : « إن الکتاب لا ینطق ، ولکن محمدا وأهل بیته ( علیهم السلام ) ، هم

الناطقون بالکتاب » ((2)) .

الکتاب هم أهل البیت کما جاء فی آیات کثیرة :

وقوله تعالی: (کِتَابٌ أنزَلْنَاهُ إلَیْکَ مُبَارَک لِیَدَّبَّرُوا آیَاتِهِ وَلِیَتَذَکَّرَ اُوْلُوا الألْبَابِ) .

الحسکانی الحنفی : أمیر المؤمنین والأئمة ((3)) .

ص: 147

وکان أمیر المؤمنین یفتح بها ویقول : ما أعطی أحد قبلی ولا بعدی ما أعطیت

((1)) .

وقال تعالی: (وما یعزب عن ربک من مثقال ذرة فی الارض ولا فی السماء ولا أصغر من ذلک الا فی کتاب مبین ) ((2)) .

(وَلا حَبَّة فِی ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْب وَلا یَابِس إلا فِی کِتَاب

مُبِین59 ) ((3)) .

وقال ابو حیان والآلوسی والکلینی : هم محمد وأهل بیته

((4))» .

فهؤلاء ورثة الکتاب المبین .

إنَّا کُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ : أی نستکتب الحفظة ما کنتم تعملون فی دار الدنیا .

ص: 148

والاستنساخ : الأمر بالنسخ , مثل الاستکتاب : الأمر بالکتابة .

ابن مردویه الشافعی : قال الإمام علی علیه السلام : (ثم أورثنا الکتاب الذی اصطفینا من عبادنا : نحن اولئک ((1)) .

فأین یفر الخوارج الوهابیون السلفیون وأیادیهم تقطر من دماء الابریاء من: شیعة الکتاب المبین: ؟

{ فَأمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَیُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِی رَحْمَتِهِ ذَلِکَ هُوَ الفَوْزُ المُبِینُ } 30 _سورة الجاثیة.

روی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی قال : حدثنی علی بن موسی ابن إسحاق باسناده عن عکرمة عن ابن عباس قال :

ما فی القرآن آیة: (الذین آمنوا وعملوا الصالحات) إلا وعلی علیه السلام أمیرها وشریفها , وما من أصحاب محمد صلی الله علیه و آله رجل إلا وقد عاتبه الله , وما ذکر علیاً إلا بخیر ((2)) .

{ فَیُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِی رَحْمَتِهِ ذَلِکَ هُوَ الفَوْزُ المُبِینُ } 30 فی جنان الله الجمیلة والواسعة هم فیها خالدون .

ص: 149

{ وَأمَّا الَّذِینَ کَفَرُوا أفَلَمْ تَکُنْ آیَاتِی تُتْلَی عَلَیْکُمْ فَاسْتَکْبَرْتُمْ وَکُنتُمْ قَوْماً مُجْرِمِینَ } 31 _سورة الجاثیة .

أما الحدیث الاخر فهو للکافرین :

{ أفَلَمْ تَکُنْ آیَاتِی تُتْلَی عَلَیْکُمْ: } بواسطة الانبیاء والاوصیاء .

{ فَاسْتَکْبَرْتُمْ وَکُنتُمْ قَوْماً مُجْرِمِینَ } : تعیثون فی الارض الفساد .

{ وَإذَا قِیلَ إنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَیْبَ فِیهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِی مَا السَّاعَةُ إنْ نَظُنُّ إلا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَیْقِنِینَ } 32 _سورة الجاثیة.

کلما نصح الرسل عباد الله بان الساعة حق لا ریب فیها أنکرتموها وتناسیتموها .

{ وَبَدَا لَهُمْ سَیِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا کَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُون } 33 _سورة الجاثیة.

( وحاقَ ) : نزل وأحاق .

یوم القیامة یوم الیقین للجمیع تظهر سیئات الکافرین وتحوط بهم النار من کل مکان .

« ما » موصولة ، أی : جزاء سیّئات أعمالهم . أو مصدریّة ، أی : سیّئات کسبهم حین تعرض صحائفهم ، وکانت خافیة علیهم ، کقوله :

: ( أَحْصاه اللَّه ونَسُوه ) ((1)) .

ص: 150

{ وَقِیلَ الیَوْمَ نَنسَاکُمْ کَمَا نَسِیتُمْ لِقَاءَ یَوْمِکُمْ هَذَا وَمَأوَاکُمُ النَّارُ وَمَا لَکُمْ مِنْ نَاصِرِینَ } 34 _سورة الجاثیة.

قال الجبار لهم : الیوم ننساکم کما نسیتم یوم الحساب ومقرکم جهنم ولا تملکون ناصرا ینجیکم .

الکافر والمنافق الذی ینسی یوم القیامة تراه هائما مع الوحوش ینفذ کل شهواته بکل السبل والطرق الممکنة ولا یراعی أصول الدین وفروعه ولا یهتم باخلاق الاسلام ولا صفاته التراثیة ولا نعوته المذهبیة .

فتراه حاقدا علی المتقین ومحبا للطغاة والظالمین وکارها للحق ولیس من أهله ومحبا للفسق والفجور .

ومعاویة ویزید والمتوکل وصدام وملوک السعودیة نماذج لهذا المحفل من المذنبین .

وقد اظهر الولید بن یزید الأموی علناً معارضته للقرآن الکریم ((1)) عندما استفتح بالقرآن فخرجت آیة: (واستَفَتحُوا وَخَابَ کُلُّ جَبَّار عنید من وَرَآئهِ جَهَنَّمُ ویُسقَی مِن مَّآء صدِید) ((2)) .

فدعا بالمصحف فنصبه غرضاً للنشاب , وأقبل یرمیه وهو یقول:

أتوعد کل جبار عنید - فها أنذا جبار عنید

إذا ما جئت ربک یوم حشر - فقل یارب خرقنی الولید ((3)) .

ص: 151

واعلن یزید عن کفره قائلاً:

تلعَّب بالخلافة هاشمی***بلا وحی أتاه ولا کتاب ((1)) .

{: ذَلِکُمْ بِأنَّکُمُ اتَّخَذْتُمْ آیَاتِ اللّهِ هُزُواً وَغَرَّتْکُمُ الحَیَاةُ الدُّنْیَا فَالیَوْمَ لا یُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ } 35 _سورة الجاثیة.

{: ذَلِکُمْ بِأنَّکُمُ اتَّخَذْتُمْ آیَاتِ اللّهِ هُزُواً } :

قال الامام علی علیه السلام للاصبغ بن نباتة: مکتوب فی التوراة فی صحیفتین ، إحدیهما : من أصبح علی الدنیا حزینا فقد أصبح لقضاء الله ساخطا . ومن أصبح من المؤمنین یشکو مصیبة نزلت به إلی من یخالفه علی دینه فإنما یشکو ربه إلی عدوه . ومن تواضع لغنی طلبا لما عنده ذهب ثلثا دینه . ومن لم یقرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن یتخذ آیات الله هزوا .

وقال علیه السلام : فی الصحیفة الأخری : من لم یستشر یندم ومن یستأثر من الأموال یهلک .

والفقر الموت الأکبر .

وقال علیه السلام : الانسان لبه لسانه . وعقله دینه . ومروته حیث یجعل نفسه . و الرزق مقسوم والأیام دول . والناس إلی آدم شرع سواء ((2)) .

ص: 152

والنار مثوی النواصب والکفار والمنافقین لاستهزائهم بأهل البیت علیهم السلام وباقی الایات الالهیة ووقوعهم فریسة للاهواء الدنیویة , فلا یخرجون من جهنم ولا یشفع لهم أحد .

{ وَغَرَّتْکُمُ الحَیَاةُ الدُّنْیَا } .

وکل مشاکل المنحرفین الزائغین عن الحق تنبع من جریهم خلف ملک الحیاة الدنیا وترکهم للاخرة .

وقد جاءت صراحة جیدة من بعض الرؤساء والملوک فی فضح الدنیا الزائلة :

قال: عمر : الملک عقیم والحق لابن أبی طالب ((1)) .

وقال ابو جعفر المنصور لسلیمان الاعمش یا سلیمان الملک عقیم , حدث فی فضائل علیّ علیه السلام ما شئت ((2)) .

وقال هارون الرشید لابنه المأمون :إن الحق والخلافة للامام موسی الکاظم

علیه السلام لکن الملک عقیم ((3)).

وهذا یبین استکبار هارون العباسی فی الارض واغتصابه خلافة العلویین ثم قتل الامام موسی الکاظم علیه السلام مما یبین ولوغه فی دماء الابریاء .

وقال هارون الرشید لابنه المأمون: انا امام الجماعة بالغلبة والقهر وموسی بن جعفر علیه السلام إمام الحق ،والله یا بنی انه لأحق بمقام رسول الله منی ومن الخلق

ص: 154

جمیعاً ووالله لو نازعتنی فی هذا الامر لاخذت الذی فیه عینیک لان الملک عقیم ((1)) .

قال هارون الرشید ذلک فی تعریض باغتصاب ابی بکر وعمر وعثمان خلافة الامام علی علیه السلام .

وقد تمکن بعض الملوک من الهروب من جهة الدنیا نحو صوب الاخرة قبل تمکن الاهواء الدنیویة منهم مثل معاویة الثانی بن یزید بن معاویة صاحب امبراطوریة تمتد من الصین الی المحیط الاطلسی .

قال معاویة الثانی : أیها الناس إنی نظرت فیما صار إلی من أمرکم ، وقلدته من إمارتکم ، فوجدت ذلک لا یسعنی فیما بینی وبین ربی أن أتقدم علی

قوم وفیهم من هو خیر منی ، وأحقهم بذلک وأقوی علی ما قلدته((2)) .

وقال : إنا بلینا بکم وبلیتم بنا ، إلا أن جدی معاویة ، قد نازع فی هذا الأمر من کان أولی به منه ، ومن غیره لقرابته من رسول الله ، وعظم فضله وسابقته ، أعظم المهاجرین قدرا ، وأشجعهم قلبا ، وأکثرهم علما وأولهم

ص: 155

إیمانا ، وأشرفهم منزلة ، وأقدمهم صحبة ، ابن عم رسول الله صلی الله علیه و آله ، وصهره وأخوه . زوجه ابنته فاطمة ، وجعله لها بعلا باختیاره لها ، وجعلها له زوجة باختیارها له ، أبو سبطیه سیدا شباب أهل الجنة ,وأفضل هذه الأمة , تربیة الرسول , وابنی فاطمة البتول ، من الشجرة الطیبة الطاهرة الزکیة ((1)) .

ثم إن بنی أمیة قالوا لمؤدبه عمر المقصوص : أنت علمته هذا ولقنته إیاه ؟ وصددته عن الخلافة ، وزینت له حب علی وأولاده ، وحملته علی ما وسمنا به من الظلم ، وحسنت له البدع ، حتی نطق بما نطق ، وقال ما قال . فقال: (عمر المقصوص) : والله ما فعلته ، ولکنه مجبول ومطبوع علی حب علی علیه السلام . فلم یقبلوا منه ذلک ، وأخذوه ودفنوه حیا حتی مات.

وتوفی معاویة بن یزید رحمه الله بعد خلعه نفسه ، بأربعین لیلة وقیل بسبعین لیلة ، وکان عمره ثلاثا وعشرین سنة ((2)) .

ومعاویة الثانی أول سلطان أموی مسلم طالب بإرجاع الخلافة إلی أهل البیت علیه السلام للنص علیهم واستقال من منصبه، ممّا دفع الأمویین إلی قتله بالسم ((3)).

ص: 156

لقد أحب معاویة الثانی بن یزید بن معاویة مشروع محمد بن ابی بکر فتشیع علیه وأحب هذا المنهج المنتصر بن المتوکل فدخل فیه .

لقد سب المتوکل العباسی فاطمة الزهراء علیها السلام وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله لفاطمة فی مرضه الذی توفی فیه :

(أما ترضین أن تکونی سیدة نساء العالمین وسیدة نساء هذه الأمة وسیدة

نساء المؤمنین ) ، قال الحاکم: هذا اسناد صحیح ولم یخرجاه ((1)) .

أمالی الطوسی: روی أنّ المنتصر بن المتوکّل سمع أباه یشتم فاطمة علیها السلام فسأل رجلاً من الناس:

(الامام الحسن العسکری علیه السلام )عن ذلک، فقال علیه السلام له:

قد وجب علیه القتل إلاّ أنّه من قتل أباه لم یطل له عمر قال: ما اُبالی إذا أطعت الله بقتله أن لایطول لی عمر، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر

((2)) .

ص: 157

{ فَلِلَّهِ الحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأرْضِ رَبِّ العَالَمِینَ36 } _سورة الجاثیة.

الحمد للواحد الاحد والحمد لرب السماوات والارض .

معنی رب العالمین : جاء رجل إلی الرضا علیه السلام فقال : یا بن رسول الله أخبرنی عن قوله عز وجل { الحمد لله رب العالمین } ما تفسیره ؟

قال علیه السلام : لقد حدثنی أبی , عن جدی عن الباقر , عن زین العابدین علیهم السلام أن رجلا جاء إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فقال : أخبرنی عن قوله عز وجل { الحمد لله رب العالمین } ما تفسیره ؟

فقال : { الحمد لله } هو أن عرف الله عباده بعض نعمه علیهم جملا , إذ لا یقدرون علی معرفة جمیعها بالتفصیل , لأنها أکثر من أن تحصی أو تعرف فقال لهم : قولوا : { الحمد لله } علی ما أنعم به علینا .

( رب العالمین ) وهم الجماعات من کل مخلوق , من الجمادات , والحیوانات فأما الحیوانات , فهو یقلبها فی قدرته , ویغذوها من رزقه , ویحوطها بکنفه ویدبر کلا منها بمصلحته .

وأما الجمادات فهو یمسکها بقدرته , یمسک ما اتصل منها أن یتهافت , ویمسک المتهافت منها أن یتلاصق ویمسک السماء أن تقع علی الأرض إلا باذنه , ویمسک الأرض أن تنخسف إلا بأمره , إنه بعباده رؤوف رحیم .

قال علیه السلام : و ( رب العالمین ) مالکهم وخالقهم وسائق أرزاقهم , إلیهم , من حیث یعلمون , ومن حیث لا یعلمون .

فالرزق مقسوم , وهو یأتی ابن آدم علی أی سیرة سارها من الدنیا , لیس لتقوی متق بزائده , ولا لفجور فاجر بناقصه , وبینه وبینه ستر وهو طالبه .

ص: 158

ولو أن أحدکم یفر من رزقه لطلبه رزقه کما یطلبه الموت ((1)).

{وَلَهُ الکِبْرِیَاءُ فِی السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ العَزِیزُ الحَکِیمُ } 37_سورة

الجاثیة.

له الکبریاء وحده فی السماوات والارض لا یمکن لاحد التکبر فی الارض غیره .وهو العزیز الحکیم .

قال تعالی: الکبریاء ردائی والعظمة ازاری والخلق عبیدی وامائی . فمن نازعنی فی شیء من هذا ، القیته فی النار .

رسول الله صلی الله علیه و آله : یقول الله جل وعلا : الکبریاء ردائی والعظمة إزاری ، فمن نازعنی واحدا منهما ألقیته فی النار ((2)) .

وقال الإمام علی علیه السلام : الحمد لله الذی لبس العز والکبریاء ، واختارهما لنفسه دون خلقه ، وجعلهما حمی وحرما علی غیره واصطفاهما لجلاله ((3)) .

وقال الإمام الحسن علیه السلام _ لما قیل له إن فیک کبرا _ کلا ، الکبر لله وحده ، ولکن فیَّ عزة ، قال الله تعالی: ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنین ) ((4)) .

وقال الإمام الباقر علیه السلام

: الکبر رداء الله ، والمتکبر ینازع الله رداءه

((5)) .

ص: 159

وقال الإمام الصادق علیه السلام : الکبر رداء الله ، فمن نازع الله شیئا من ذلک أکبه الله فی النار ((1)) .

وقال الإمام الصادق علیه السلام _ لما سئل عن أدنی الإلحاد_ فقال : إن الکبر أدناه ((2)) .

الإمام الصادق علیه السلام قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إن أعظم الکبر غمص الخلق وسفه الحق .

قال _ عبد الأعلی بن أعین _ قلت : وما غمص الخلق وسفه الحق ؟

قال صلی الله علیه و آله : یجهل الحق ویطعن علی أهله ، فمن فعل ذلک فقد نازع الله عز وجل رداءه ((3)) .

وکانت سیرة الانبیاء والاوصیاء سیرة الزهاد فی الدنیا والاعزاء فی الارض .

ص: 160

{ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا إلا بِالحَقِّ وَأجَل مُسَمّیً وَالَّذِینَ کَفَرُوا عَمَّا اُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ } 3 _سورة الاحقاف.

لم یخلق الله تعالی السماوات والارض للعب واللهو اذ قال سبحانه :

{وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلا لِیَعْبُدُونِ } 56 _سورة الذاریات .

وأجل مسمی : یوم معروف عند الله تعالی لیوم القیامة لا یعرفه الا هو .

خلق الله تعالی الکون بالحق فهو جل جلاله خلق الجن والانس للعبادة ولیس للعب والهزل .

{ وَالَّذِینَ کَفَرُوا عَمَّا اُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ

} والکفار غافلون عن یوم القیامة لا یعیرونه أهمیة .

لاهون فی أهواء الدنیا وشهواتها وفسقها وفجورها.

{ قُلْ أرَأیْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أرُونِی مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أمْ لَهُمْ شِرْکٌ فِی السَّمَاوَاتِ ائْتُونِی بِکِتَاب مِنْ قَبْلِ هَذَا أوْ أثَارَة مِنْ عِلْم إنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ } 4 _سورة الاحقاف.

ُقلْ أرَأیْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أرُونِی مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ : هل فکرتم فیما تدعون من الاصنام أخبرونی ماذا خلقوا من الارض ؟

أمْ لَهُمْ شِرْکٌ فِی السَّمَاوَاتِ : هل لهم شرکة فی خلق السماوات ؟ أی عاونوا الله تعالی فی خلق السماوات .

یعنی قریشا عما دعاهم إلیه رسول الله صلی الله علیه و آله وهو معطوف علی قوله " فان أعرضوا فقل أنذرتکم _ إلی قوله _ عاد وثمود " ثم احتج الله علیهم فقال :

ص: 162

قل لهم _ یا محمد _: ( أرأیتم ما تدعون من دون الله ) یعنی الأصنام التی کانوا یعبدونها ((1)) .

{ ائْتُونِی بِکِتَاب مِنْ قَبْلِ هَذَا أوْ أثَارَة مِنْ عِلْم إنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ} _سورة الاحقاف .

عنی بالکتاب التوراة والانجیل وأثارة من علم أوصیاء الأنبیاء ((2)) .

إئتونی بکتاب سماوی یبین صحة مذهبکم فی عبادة الاوثان وانکار القیامة .أو إئتونی بدلیل علمی یبین صحة ما تقولونه إنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ .

عن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله لأمیر المؤمنین علیه السلام اکتب ما املی علیک قال علی علیه السلام : یا نبی الله أوتخاف النسیان ؟

قال صلی الله علیه و آله : لست أخاف علیک النسیان وقد دعوت الله لک ان یحفظک فلا ینساک لکن اکتب لشرکائک .

قال علیه السلام : قلت ومن شرکائی یا نبی الله ؟

قال صلی الله علیه و آله : الأئمة من ولدک بهم یسقی أمتی الغیث وبهم یستجاب دعاؤهم وبهم یصرف البلاء عنهم وبهم تنزل الرحمة من السماء و هذا أولهم أومأ

ص: 163

بیده إلی الحسن ثم أومأ بیده إلی الحسین ثم قال الأئمة من ولدک ((1)) .

علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عمن ذکره ، عن سلیمان بن خالد قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : إن فی الجفر الذی یذکرونه ((2)) لما یسوؤهم ، لأنهم لا یقولون الحق ((3)) والحق فیه ، فلیخرجوا قضایا علی وفرائضه إن کانوا صادقین ، وسلوهم عن الخالات والعمات ((4)) ، ولیخرجوا مصحف فاطمة علیها السلام ، فإن فیه وصیة فاطمة علیها السلام ، ومعه ((5)) سلاح رسول الله صلی الله علیه و آله : إن الله عز وجل یقول : " فأتوا بکتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن کنتم صادقین ((6)) .

ص: 164

الحسین بن محمد ، عن معلی بن محمد ، عمن أخبره ، عن علی بن جعفر قال سمعت أبا الحسن علیه السلام یقول : لما رأی رسول الله صلی الله علیه و آله تیما وعدیا وبنی أمیة یرکبون منبره أفظعه ، فأنزل الله تبارک وتعالی قرآنا یتأسی به : "{ وإذ قلنا للملائکة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبلیس أبی }" .

ثم أوحی إلیه یا محمد: إنی أمرت فلم اطع فلا تجزع أنت إذا أمرت فلم تطع فی وصیک ((1)) .

وقال نجاح الطائی :لقد تحداهم النبی صلی الله علیه و آله أن یأتوا بالتوراة أو الانجیل أو دلیل قوی من بقایا الانبیاء .

وهذا السؤال یأتی لکل من یدعی المعجزات أو یدعی انه المهدی علیه السلام وهم جمع کثیر من طلاب السلطة والمال ابتلی بهم المسلمون علی طول التاریخ .

قال الامام علی علیه السلام فی دعاء الصباح عن التوحید الالهی : یا من دلَّ علی ذاته بمخلوقاته .

وکل مزیف یدعی انه المهدی تراه لا یملک علما ولا دلیلا ملموسا لکنه یکسب بعض السذج من العوام یملی علیهم سفاسفه ویمرر ملذاته ویحقق أهدافه الدنیویة .

وکان النبی عیسی علیه السلام یخبر الناس بما یدخرون فی بیوتهم .

وإنَّ مولانا أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام قال :

سلونی عمّا فوق العرش ، سلونی عمّا تحت العرش ((2)) ،

ص: 165

سلونی قبل أن تفقدونی ((1)) .

: وهو العالم الوحید فی الدنیا الذی قال ذلک والشخص الوحید الذی قال عنه سید الرسل صلی الله علیه و آله : «أنا مدینة العلم وعلی بابها» ((2)) .

ص: 166

ص: 167

ص: 168

والامام المهدی القادم علیه السلام سیکون باب مدینة العلم یجیب عن کل سؤال وتتجسد فیه هذه الایة القرآنیة المبارکة

{ ائْتُونِی بِکِتَاب مِنْ قَبْلِ هَذَا أوْ أثَارَة مِنْ عِلْم إنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ} _سورة الاحقاف.

{ وَمَنْ أضَلُّ مِمَّنْ یَدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لا یَسْتَجِیبُ لَهُ إلَی یَوْمِ القِیَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ } 5 _سورة الاحقاف.

هل یوجد أضل من شخص یدعو صنما لا یجیبه الی یوم القیامة وهو فی دعائه غافل .

قال : من عبد الشمس والقمر والکواکب و البهائم والشجر والحجر {إذا حشر الناس} کانت هذه الأشیاء لهم أعداء { وکانوا بعبادتهم کافرین} ثم قال : {" أم یقولون }" یا محمد "{ افتراه }" یعنی القرآن أی وضعه من عنده ، فقل لهم : {" إن افتریته فلا تملکون لی من الله شیئا }" إن

ص: 169

أثابنی أو عاقبنی علی ذلک {" هو أعلم بما تفیضون فیه }" أی تکذبون ، ثم قال : " قل " لهم " {ما کنت بدعا من الرسل }"_الاحقاف5_ 9 .

أی لم أکن واحدا من الرسل فقد کان قبلی أنبیاء ((1)) .

{ وَإذَا حُشِرَ النَّاسُ کَانُوا لَهُمْ أعْدَاءً وَکَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ کَافِرِینَ } 6

اذا حشر الناس یوم القیامة کانت الاصنام عدوة للکافرین اذ ینطقها الله تعالی فیکفرون بعبادة الکفار لهم ویجحدون ذلک .

تقول : نحن لم ندعو أحدا لعبادتنا فلماذا یعبدوننا ویجللونا ؟

{ وَإذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ آیَاتُنَا بَیِّنَات قَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِینٌ } 7 _سورة الاحقاف.

اذ تتلی الایات القرآنیة علی الکافرین للحق قالوا هذا سحر مبین للفرار من اعتقادهم بالرحمن ولرفض شریعته .

الایات القرآنیة حجج وبراهین وشریعة کاملة للبشریة ووصفها بالسحر من الامور المستهجنة والعقیمة .

لان السحر لیس شریعة ولا أحکام ولا حجج فی التوحید والنبوة والامامة والمعاد .

والسحر لیس قصصا للانبیاء وأقوامهم ودولهم بل هو أعمال محدودة فی الامور الضیقة ولا یمکن بالسحر من اسقاط دول وحکومات وجیوش ومشاریع فی کل محافل البلدان .

ص: 170

{ أمْ یَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إنِ افْتَرَیْتُهُ فَلا تَمْلِکُونَ لِی مِنَ اللّهِ شَیْئاً هُوَ أعْلَمُ بِمَا تُفِیضُونَ فِیهِ کَفَی بِهِ شَهِیداً بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِیمُ } 8 _سورة الاحقاف.

یتهمون النبی بافتراء القرآن المجید بانه تعلمه من الکهنة .

{ قُلْ إنِ افْتَرَیْتُهُ فَلا تَمْلِکُونَ لِی مِنَ اللّهِ شَیْئاً } : ان أثابنی أو عاقبنی علی ذلک هو ( أعلم بما تفیضون فیه ) أی تکذبون .

{ کفَی بِهِ شَهِیداً بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِیمُ } شاهدا علی أفعالی وأفعالکم وما تتهمونی فی الکتاب المجید .

من معجزات القرآن الکریم ما جاء فیه من مواضیع متنوعة منها تکون الانسان فی رحم أمه ومراحل نموه

یحدث الإخصاب فی الثلث الخارجی لقناة الرحم فتتکون البویضة المخصبة وهی أول خلیة فی حیاة الإنسان, وحینئذ یکون الجنین أشبه ما یکون بقطیرة ماء أی نطفة, وتتوالی انقسامات الخلایا والجنین فی طریقه إلی تجویف الرحم بنفس هیئة النطفة, وبتضاعف عدد الخلایا تتکون کتلة تشبه التوتة فسمیت بالجسم التوتی, وکل خلیة شاملة القدرة علی التخصص بحیث یمکنها أن تعطی جنینا کاملا.

؛ وتلک آلیة الأجنة المتماثلة, ویتزاید الانقسام حتی یصل العدد إلی حوالی 50 _100 خلیة, ویظهر بها فی حدود الیوم الرابع والخامس تجویف فتسمی الکیسة الجذعیة أو الأرومیة, ویظهر بداخل الکیسة الجذعیة کتلة داخلیة مکونة من حوالی 30 خلیة تسمی بکتلة الخلایا الداخلیة, وهی لا تعطی

ص: 171

جنینا کاملا لکنها متعددة القدرات علی التخصص لأعضاء بحیث یمکنها التمیز لخلیة أی عضو؛ بینما تتکون المشیمة والأغشیة الجنینیة من الخلایا الخارجیة للکیسة الجذعیة .

وفی نهایة الأسبوع الأول من الإخصاب یحدث الانغراس ویتعلق الجنین بالبطانة الداخلیة للرحم, ویتغذی علی دم الأم ویستطیل فیصبح کعلقة البرک وتتحول الکتلة الداخلیة إلی ثلاث طبقات یتکون منها لاحقا أکثر من 200 نوع من الخلایا المتخصصة لأعضاء الجنین, ومع ابتداء ضربات قلب الجنین فی بدایة الأسبوع الرابع من الإخصاب تنمو الجهة الظهریة بمعدل أکبر فینحنی للأمام وتبدأ أولیات الأعضاء فی التشکل کبراعم فتظهر علی جسمه انبعاجات وتجاعید وأخادید وتبدأ الکتل الظهریة فی التشکل؛ فیکون حینئذ أشبه من حیث الشکل بمضغة طعام لاکتها الأسنان, وهی المرحلة التی تتطابق مع وصف الشکل فی القرآن الکریم بالجنین الشبیه بمضغة؛ خلال بیان مراحل تکوین الجنین فی عبارات وصفیة تکشف خلق الجنین الإنسانی فی أطوار بخلاف ما ظل حکرا للتخمینات؛ حتی قیل فی بدایة عصر المجهر بخلق الإنسان کاملا بهیئة قزم داخل رأس الحوین المنوی بلا أطوار ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِینٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِی قَرَارٍ مَکِینٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَکَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِینَ﴾ 23 المؤمنون: 12 .

ص: 172

وبعد ستة أسابیع من عمر الجنین یبدأ فی التحول من هیئة المضغة وتظهر ملامح الهیئة الإنسانیة فی الظهور شیئا فشیئا, إلی أن تکتمل مع تکون الهیکل بتکون أولیات العظام فی الأسبوع السابع وکسوتها بالعضلات فی الاسبوع الثامن .

وخلال مرحلة تکون الأعضاء التی تنتهی بعد ثمانیة أسابیع من الإخصاب تکتمل کل الأعضاء بهیئة أولیات ؛ بتخلق الخلایا غیر المتمیزة إلی خلایا متمیزة لأعضاء, وتبقی لآخر عمر الإنسان خلایا غیر مُخَلَّقَة قادرة علی التمیز؛ مهمتها تعویض خلایا الأعضاء المتضررة یومیا, وکما أن جذع الشجرة یتفرع إلی أغصان متعددة, تتفرع الخلایا غیر المتمیزة کذلک إلی أعضاء متعددة لجسم الجنین؛ فسمیت باسم الخلایا الجذعیة, والمثال تجدد خلایا الدم بتحول الخلایا الجذعیة فی نخاع العظام إلی خلایا الدم. والخلاصة أن طور الجنین الشبیه بمضغة تتحول فیه أکثر الخلایا إلی خلایا مُخَلَّقَة أعضاء وتبقی نسبة غیر مُخَلَّقَة تنتشر فی الأعضاء رصیدًا مُدَّخَرًا طول العمر لترمیم وتعویض ما یتلف من خلایا الأعضاء, ویتطابق وصف الجنین الشبیه بمضغة بکون بنیته مُخَلَّقَة وغیر مُخَلَّقَة فی ذات الوقت علی المستوی الخلوی مع وصف القرآن الکریم للجنین الشبیه بمضغة بکون بنیته مُخَلَّقَة وغیر مُخَلَّقَة فی ذات الوقت؛ بیانًا لعلم الله تعالی وتذکیرًا بعنایته بالإنسان وسبق التقدیر بتأهیلات تحفظ علیه حیاته

﴿یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنْ کُنْتُمْ فِی رَیْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَیْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَیِّنَ لَکُمْ وَنُقِرُّ فِی

ص: 173

الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَی أَجَلٍ مُسَمًّی ثُمَّ نُخْرِجُکُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ وَمِنْکُمْ مَنْ یُتَوَفَّی وَمِنْکُمْ مَنْ یُرَدُّ إِلَی أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِکَیْلَا یَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَیْئًا﴾ 22 الحج 5.

والآیة الکریمة صریحة فی خصوص طور الجنین الشبیه بالمضغة بالوصفین {مُخَلَّقَةٍ وَغَیْرِ مُخَلَّقَةٍ} دون غیره من الأطوار؛ وهو الطور المتمیز بثورة تکوین الأعضاء, وهی صریحة فی وصف نفس المضغة بالوصفین معا؛ فلا یمکن التفریق بینهما, فهما وصفان للإنسان المقبل, ومطلعها خطاب للناس یذکرهم بما کانوا علیه وهم أجنة .

{ یَا أَیُّهَا النَّاسُ فَإِنَّا خَلَقْنَاکُمْ } فلا یُمکن حمل (غَیْرِ مُخَلَّقَةٍ) علی السقط وقد ولدوا وصاروا أهلاً للخطاب .

وأعلن مرکز بحوث جامعة تکساس فی 6 ینایر 2012 أن زراعة خلایا جذعیة مأخوذة من نخاع عظام 10 أطفال مصابین بالمخ نتیجة الحوادث آمنة ومشجعة, وفی 7 ینایر 2012 اکتشف باحثون فی نیویورک خلایا جذعیة مخبوءة داخل الطبقة الصبغیة للشبکیة فی العین؛ قد تستخدم لترمیمها وعلاج العمی بکل أشکاله .

فی ثنایا کلمتین إذن فی القرآن الکریم: (مُخَلَّقَةٍ وَغَیْرِ مُخَلَّقَةٍ)؛ کنز کبیر من المعرفة یکشف العنایة بالإنسان قبل مولده, ویدخر إیماءة لثورة مستقبلیة قد تلغی طرق العلاج المعتادة الیوم بتقنیة؛ لم تکن فی حسبان أحد حتی ستینیات القرن الماضی, ولم یکن بوسع بشر یوم نزل القرآن الکریم فی

ص: 174

القرن السابع المیلادی أن یصف تکوینات مجهریة؛ آیة علی علمه تعالی وعنایته.

{ قُلْ مَا کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أدْرِی مَا یُفْعَلُ بِی وَلا بِکُمْ إنْ أتَّبِعُ إلا مَا یُوحَی إلَیَّ وَمَا أنَا إلا نَذِیرٌ مُبِینٌ } 9 _سورة الاحقاف.

قُلْ مَا کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ: البدعة : ما ابتدع من الدین , وغیره , وجمعها بدع . وفی الحدیث : کل بدعة ضلالة . وتقول جئت بأمر بدیع .

لانی لست النبی الوحید بل أنا مثل باقی الانبیاء أدعو الی الله تعالی والی مکارم الاخلاق وشریعة الرحمن .

وَمَا أدْرِی مَا یُفْعَلُ بِی وَلا بِکُمْ: قال الحسن البصری : معناه لا أدری ما یأمرنی الله تعالی فیکم من حرب أو سلم أو تعجیل عقابکم أو تأخیره .

الطبرسی : أی لا أدری أأموت أم أقتل , ولا أدری أیها المکذبون أترمون بالحجارة من السماء , أم یخسف بکم , أم لیس یفعل بکم ما فعل بالأمم المکذبة _ مجمع البیان _تفسیر الایة .

وعن ابن عبّاس معناه : لا أعلم ما یفعل بی ولا بکم فی الآخرة . ثمّ قال : هی منسوخة بقوله: ( لِیَغْفِرَ لَکَ اللَّه ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وما تَأَخَّرَ )

_سورة الفتح 2.

أحمد بن محمد بن خالد البرقی : عن أبیه محمد بن خالد البرقی ، عن خلف بن حماد ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام _ فی حدیث _ قال : « قد کان الشیء ینزل علی رسول الله صلی الله علیه و آله فیعمل به زمانا ، ثم یؤمر بغیره فیأمر به أصحابه وأمته ، قال أناس : یا رسول

ص: 175

الله ، إنک تأمرنا بالشیء حتی إذا اعتدناه وجرینا علیه ، أمرتنا بغیره ؟ فسکت النبی صلی الله علیه و آله عنهم ، فأنزل الله علیه: ( قُلْ ما کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وما أَدْرِی ما یُفْعَلُ بِی ولا بِکُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما یُوحی إِلَیَّ وما أَنَا إِلَّا نَذِیرٌ مُبِینٌ ) ((1)) » .

وهو لا یدری ما یفعل به ولا بنا ؟ فأنزل الله تعالی :

{إِنَّا فَتَحْنا لَکَ فَتْحاً مُبِیناً } » . وقالا: قوله تعالی :

{ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما یُوحی إِلَیَّ }: فی علی علیه السلام , هکذا نزلت » ((2)) .

{وَمَا أنَا إلا نَذِیرٌ مُبِینٌ } 9 _سورة الاحقاف.

وَمَا أنَا إلا نَذِیرٌ مُبِینٌ : هذا دور النبی صلی الله علیه و آله فی الحیاة .

قال الامام علی ( علیه السلام ) : أوِّه علی إخوانی الذین تلوا القرآن فأحکموه ، وتدبّروا الفرض فأقاموه ، أحیوا السنَّة وأماتوا البدعة . دُعوا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتّبعوه .

ثمّ نادی بأعلی صوته : الجهاد الجهاد عباد الله ! ألا وإنّی معسکر فی یومی هذا ; فمن أراد الرواح إلی الله فلیخرج ! » .

قال : وعقد للحسین علیه السلام فی عشرة آلاف ، ولقیس بن سعد فی عشرة آلاف ، ولأبی أیّوب الأنصاری فی عشرة آلاف ، ولغیرهم علی أعداد أُخر وهو یرید الرجعة إلی صفّین ، فما دارت الجمعة حتّی ضربه الملعون ابن ملجم

ص: 176

لعنه الله ، فتراجعت العساکر ، فکنّا کأغنام فقدت راعیها تختطفها الذئاب من کلّ مکان ((1)).

أخرج البخاری فی کتابه عن عروة بن الزبیر ، عن عبد الله بن عبد القاری أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب, ، لیلة فی رمضان الی المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرِّقون ، یصلِّی الرجل لنفسه ، ویصلِّی الرجل فیصلِّی بصلاته الرهط ، فقال عمر : إنِّی أری لو جمعت هؤلاء علی قاریء واحد لکان أمثل ، ثمَّ عزم فجمعهم علی أبیّ بن کعب .

ثمَّ خرجت معه لیلة اخری والناس یصلُّون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نعم البدعة هذه ، والَّتی ینامون عنها أفضل من التی یقومون ((2)) .

وقد سأل أهل الکوفة من أمیر المؤمنین علی علیه السلام ، أن ینصب لهم إماماً ، یصلِّی بهم نافلة شهر رمضان ، فزجرهم وعرَّفهم أنَّ ذلک خلاف السنَّة ، فترکوه وإجتمعوا لإنفسهم وقدَّموا بعضهم ، فبعث إلیهم ابنه الحسن علیه السلام ، فدخل المسجد ومعه الدرَّة فلمَّا رأوه تبادروا الابواب وصاحوا

وا عمراه ((3)) .

و کان الانبیاء یمیتون البدعة ویحیون السنة .

ص: 177

{ قُلْ أرَأیْتُمْ إنْ کَانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَکَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِی إسْرَائِیلَ عَلَی مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَکْبَرْتُمْ إنَّ اللّهَ لا یَهْدِی القَوْمَ الظَّالِمِینَ10 } _سورة الاحقاف.

لوکان من الله تعالی وکفرتم به وآمن شاهد من بنی اسرائیل واستکبرتم ان الله لا یهدی القوم الظالمین .

الکلبی ، قال کعب بن الأشرف ومالک بن الضیف ووهب بن یهودا وفنحاص ابن عازورا : یا محمد ان الله عهد الینا فی التوراة ان لا نؤمن لرسول حتی یأتینا بقربان تأکله النار فان زعمت أن الله بعثک الینا فجئنا به نصدقک ، فنزلت:

( ولما جائهم کتاب من عند الله ) الآیة ، وقوله: ( قل جائکم ) أراد زکریا ویحیی وجمیع من قتلهم الیهود.

الکلبی ، کان النضر بن الحرث یتجر فیخرج إلی فارس فیشری اخبار الأعاجم ویحدث بها قریشا ویقول لهم : ان محمدا یحدثکم بحدیث عاد وثمود وأنا أحدثکم بحدیث اسفندیار ورستم فیستملحون حدیثه ویترکون استماع القرآن ، فنزل: ( ومن الناس من یشتری لهو الحدیث ) ((1)) .

ص: 178

تفسیر علی بن إبراهیم : " وإن من أهل الکتب لمن یؤمن بالله وما انزل إلیکم " الآیة فهم قوم من الیهود والنصاری دخلوا فی الاسلام منهم النجاشی وأصحابه ((1)) .

تفسیر علی بن إبراهیم : " ألم تر إلی الذین أوتوا نصیبا من الکتاب یؤمنون بالجبت و الطاغوت ((2)) " الآیة ، قال : نزلت فی الیهود حین سألهم مشرکو العرب فقالوا :

أدیننا أفضل أم دین محمد ؟ قالوا : بل دینکم أفضل ((3)) .

تفسیر علی بن إبراهیم : " ستجدون آخرین یریدون أن یأمنوکم ((4)) " الآیة نزلت فی عیینة بن حصن الفزاری أجدبت بلادهم ، فجاء إلی رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) ووادعه علی أن یقیم بطن نخل ولا یتعرض له ، وکان منافقا ملعونا ، وهو الذی سماه رسول الله صلی الله علیه و آله الأحمق المطاع فی قومه ((5)) .

وقال نجاح الطائی : جاء القرآن الکریم بحجج وأدلة شفافة ومتینة علی التوحید والنبوة والامامة والمعاد وشهد علماء بنی اسرائیل بصحة نبوة

ص: 179

الرسول محمد صلی الله علیه و آله وانهم ینتظرونه من زمن بعید لکن الکفار رفضوا قول الیهود والنصاری والنبی فی صحة رسالة الاسلام .

{ وَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا لَوْ کَانَ خَیْراً مَا سَبَقُونَا إلَیْهِ وَإذْ لَمْ یَهْتَدُوا بِهِ فَسَیَقُولُونَ هَذَا إفْکٌ قَدِیمٌ } 11 _سورة الاحقاف.

أی لو کان هذا الذی یدعونا إلیه محمد صلی الله علیه و آله خیرا أی نفعا عاجلا , أو آجلا , ما سبقنا هؤلاء الذین آمنوا به إلی ذلک , لأنا کنا بذلک أولی . واختلف فیمن قال ذلک .

فقیل : هم الیهود قالوا : لو کان دین محمد صلی الله علیه و آله خیرا , ما سبقونا إلیه.

وقیل : إن أسلم وجهینة ومزینة وغفارا , لما أسلموا , قال بنو عامر بن صعصعة وغطفان وأسد وأشجع , هذا القول , عن الکلبی . ونظم الکلام یوجب أن یکون :

ما سبقتمونا إلیه , ولکنه علی ترک المخاطبة ((1)) .

وقال نجاح الطائی : کان کفار الجاهلیة یعتقدون بصحة رأیهم وعظم شأنهم ورجحان عقلهم وکثرة أموالهم وعلو شأنهم وأهلیتهم لمعرفة الحق , وانهم لا یخطأون .

وکانوا ینظرون الی الولید بن المغیرة (دعی قریش) وابی جهل وابی سفیان وصفوان بن أمیة وعتبة بن ربیعة وشیبة بن ربیعة والعاص بن وائل السهمی وابی لهب باجلال واحترام , وانهم معصومون .

ص: 180

فما دام قادة قریش مخالفین لدین محمد صلی الله علیه و آله فهم علی صح والنبی صلی الله علیه و آله وأتباعه علی خطأ .

هذه النظریة نقلوها الی التراث الاسلامی بعد اسلامهم باسم عصمة

الصحابة .

اعتقد الکفار ان الذین انضموا الی الاسلام هم الفقراء المستضعفون الذین لا یعرفون سقم الاشیاء من صحتها وهم فی جاهلیة کاملة عن الامور وهذا یعنی بطلان الدیانة التی انتخبوها لانهم لا ینتخبون الا العقیم والسقیم والفاشل !!!

واستمروا یفضلون شریعتهم القاضیة بوأد البنات ونکاح نساء الاباء واباحة الزنا وغزو عوائل الارحام وقراهم وسرقة الحجیج وعبادة الصخور والطواف عرایا وأسر رجال القوافل وقطع الطرق وسرقة بضاعتها ومحاربة العلم ونشر الجهل !!!

وَمِنْ قَبْلِهِ کِتَابُ مُوسَی إمَاماً وَرَحْمَةً وَ هَذَا کِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِیّاً لِیُنْذِرَ الَّذِینَ ظَلَمُوا وَبُشْرَی لِلْمُحْسِنِینَ12 _سورة الاحقاف.

وَمِنْ قَبْلِهِ : قبل القرآن .

والکتاب المبین هو أمیر المؤمنین علی علیه السلام .

ص: 181

ابو حیان والآلوسی : قال ابو حیان والآلوسی عن ورثة الکتاب المبین : هم محمد وأهل بیته

((1))» , فهؤلاء ورثة الکتاب المبین .

روی العلامة البحرانی قال : اسند ابن مردویه - وهو من ثقات العامة - إلی أبان بن تغلب عن مسلم قال سمعت أبا ذر ومقداد وسلمان یقولون :

کنا قعوداً عند النبی صلی الله علیه و آله إذ أقبل ثلاثة من المهاجرین فقال صلی الله علیه و آله تفترق أمتی بعدی ثلاث فرق :

أهل حق لا یشوبونه بباطل , مثلهم کالذهب کلما فتنته النار زاد جودة وإمامهم هذا - وأشار صلی الله علیه و آله إلی أحد الثلاثة - وهو الذی أمر الله فی کتابه: (اتباعه حیث قال) : إماماً ورحمة » .

وفرقة أهل باطل لا یشوبونه بحق مثلهم کمثل الحدید کلما فتنته النار زاد خبثاً وإمامهم هذا.

وفرقة أهل باطل وحق خلطوا عملاً صالحاً وآخر سیئاً , وإمامهم هذا) ((2)) . قال مسلم : فسألتهم یعنی أبا ذر والمقداد وسلمان عن أهل الحق وإمامهم فقالوا علی بن أبی طالب علیه السلام , وأمسکوا عن الآخرین , فجهدت فی الآخرین أن یسموها فلم یفعلوا.

ص: 182

ثم قال والظاهر أن القائل ابن مردویه هذه روایة المذهب ((1)) .

ولا یخفی علی ذوی البصائر , خصوصاً أهل التحقیق فی السیر والأخبار اسم الشخصین الآخرین , ولا أقل من تعینهما فی جماعة محصورة.

کما أن هذا من التأویل , إذ ظاهر الآیة کونه فی القرآن وحیث أن علیاً علیه السلام هو القرآن الناطق , ولولاه لم یعد القرآن مطبقاً ومفسراً ومعلوماً - کما فی عدید الروایات - قال عنه النبی صلی الله علیه و آله : وهو الذی أمر الله فی کتابه: (إماماً ورحمة) .

وکانت ولایة علی فی کتاب موسی ((2)) .

وَ هَذَا کِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِیّاً لِیُنْذِرَ الَّذِینَ ظَلَمُوا وَبُشْرَی لِلْمُحْسِنِینَ :

لقد أکد القرآن فی آیاته کثیرا علی أنه مصدق للتوراة والإنجیل , فهو یتفق مع الصفات و العلامات التی وردت فی هذین الکتابین السماویین حول الرسول صلی الله علیه و آله وقد کانت هذه العلامات واضحة جدا حیث قال القرآن الکریم : الذین آتیناهم الکتاب یعرفونه کما یعرفون أبناءهم ((3)).

ص: 183

اذن القرآن مصدق للکتب السماویة السابقة وجاء باللغة العربیة لینذر المشرکین الذین ظلموا أنفسهم بالشرک بالله تعالی . وهو بشری للمتقین: بالجنة .

{ إنَّ الَّذِینَ قَالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ } 13 _سورة الاحقاف.

علی ولایة أمیر المؤمنین والأئمة واحداً واحداً ((1)).

الایمان والعمل الصالح رکنان مهمان فی مسیرة الانسان: التقی فلا یمکن المجیء برکن وترک الاخر .

قال تعالی : الا الذین آمنوا وعملوا الصالحات _سورة العصر.

وجاء : روی الثعلبی فی تفسیره کشف البیان فی تفسیر القرآن , فی تفسیر قوله تعالی : (اهدنا الصراط المستقیم) .

قال مسلم بن حیّان: سمعت أبا بریدة یقول: « صراط محمد وآله , والتعوذ عن صراط من غضب الله علیه ((2)) .

وأخرج وکیع بن الجراح , فی تفسیره بإسناده عن عبدالله بن عباس فی قوله : (اهدنا الصراط المستقیم) قال: «قولوا معاشر العباد أرشدنا إلی حبّ محمد

ص: 184

وأهل بیته ((1)) .

القندوزی الحنفی: روی الحافظ القندوزی الحنفی قال: ومن المناقب :

فی تفسیر قوله تعالی: (وانک لتدعوهم إلی صراط المستقیم) . قال الإمام جعفر الصادق ( علیه السلام ): الصراط المستقیم ولایة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ((2)) .

والعمل الصالح له مشاریع کثیرة لا تعد ولا تحصی :

قال الامام علی علیه السلام : ( تعلموا الحلم فإن الحلم خلیل المؤمن ووزیره والعلم دلیله والرفق أخوه والعقل رفیقه والصبر أمیر جنوده ) .

وقال علیه السلام لرجل تجاوز الحد فی التقشف: یا هذا أما سمعت قول الله : " وأما بنعمة ربک فحدث: " فوالله لابتذالک نعم الله بالفعال أحب إلیه من ابتذالکها بالمقال .

وقال لابنه الحسن علیهما السلام : أوصیک بتقوی الله وإقام الصلاة لوقتها وإیتاء الزکاة عند محلها . وأوصیک بمغفرة الذنب وکظم الغیظ وصلة الرحم والحلم عند الجاهل والتفقه فی الدین والتثبت فی الامر والتعهد للقرآن وحسن الجوار والامر بالمعروف والنهی عن المنکر واجتناب الفواحش کلها فی کل ما عصی الله فیه .

وقال علیه السلام : قوام الدنیا بأربعة : بعالم مستعمل لعلمه . وبغنی باذل لمعروفه

ص: 185

وبجاهل لا یتکبر أن یتعلم . وبفقیر لا یبیع آخرته بدنیا غیره . وإذا عطل العالم علمه وأمسک الغنی معروفه وتکبر الجاهل أن یتعلم وباع الفقیر آخرته بدنیا غیره فعلیهم الثبور .

وقال علیه السلام : من استطاع أن یمنع نفسه من أربعة أشیاء فهو خلیق بأن لا ینزل به مکروه أبدا ، قیل : وما هن یا أمیر المؤمنین ؟

قال : العجلة واللجاجة والعجب والتوانی .

وقال علیه السلام : اعلموا عباد الله أن التقوی حصن حصین والفجور حصن ذلیل . لا یمنع أهله ولا یحرز من لجأ إلیه ، ألا وبالتقوی تقطع حمة الخطایا وبالصبر علی طاعة الله ینال ثواب الله . وبالیقین تدرک الغایة القصوی . عباد الله إن الله لم یحظر علی أولیائه ما فیه نجاتهم إذ دلهم علیه ولم یقنطهم من رحمته لعصیانهم إیاه إن تابوا إلیه .

وقال الصمت حکمة ، والسکوت سلامة ، والکتمان طرف من السعادة .

وقال علیه السلام : تذل الأمور للمقدور حتی تصیر الآفة فی التدبیر .

وقال الامام علی علیه السلام : لا تتم مروة الرجل حتی یتفقه [ فی دینه ] ویقتصد فی معیشته ویصبر علی النائبة إذا نزلت به ویستعذب مرارة إخوانه .

وسئل علیه السلام ما المروة ؟

فقال : لا تفعل شیئا فی السر تستحیی منه فی العلانیة .

وقال علیه السلام : الاستغفار مع الاصرار ذنوب مجددة .

وقال علیه السلام : سکنوا فی أنفسکم معرفة ما تعبدون حتی ینفعکم ما تحرکون من الجوارح بعبادة من تعرفون .

ص: 186

وقال علیه السلام : المستأکل بدینه حظه من دینه ما یأکله .

وقال علیه السلام : الایمان قول مقبول: وعمل معمول وعرفان بالعقول .

وقال علیه السلام : الایمان علی أربعة أرکان التوکل علی الله والتفویض إلی الله والتسلیم لأمر الله والرضی بقضاء الله وأرکان الکفر أربعة : الرغبة والرهبة والغضب والشهوة .

وقال علیه السلام : من زهد فی الدنیا ولم یجزع من ذلها ولم ینافس فی عزها هداه الله بغیر هدایة من مخلوق وعلمه بغیر تعلیم وأثبت الحکمة فی صدره وأجراها علی لسانه .

وقال علیه السلام : إن لله عبادا عاملوه بخالص من سره ، فشکر لهم بخالص من شکره ، فأولئک تمر صحفهم یوم القیامة فرغا ، فإذا وقفوا بین یدیه ملاها لهم من سر ما أسروا إلیه .

وقال علیه السلام : ذللوا أخلاقکم بالمحاسن . وقودوها إلی المکارم . وعودوا أنفسکم الحلم واصبروا علی الایثار علی أنفسکم فیما تجمدون عنه ولا تداقوا الناس وزنا بوزن .

وعظموا أقدارکم بالتغافل عن الدنی من الأمور .

وأمسکوا رمق الضعیف بجاهکم وبالمعونة له إن عجزتم عما رجاه

عندکم .

ولا تکونوا باحثین عما غاب عنکم فیکثر غائبکم .

وتحفظوا من الکذب ، فإنه من أدنی الأخلاق قدرا وهو نوع عن الفحش وضرب من الدناءة .

ص: 187

وتکرموا بالتعامی عن الاستقصاء _ وروی بالتعامس من الاستقصاء .

وقال الامام علی علیه السلام : کفی بالأجل حرزا . إنه لیس أحد من الناس إلا ومعه حفظة من الله یحفظونه أن لا یتردی فی بئر ولا یقع علیه حائط ولا یصیبه سبع ، فإذا جاء أجله خلوا بینه وبین أجله ((1)) .

اُوْلَئِکَ أصْحَابُ الجَنَّةِ خَالِدِینَ فِیهَا جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ 14_سورة الاحقاف.

الایمان بأصول الدین والعمل بفروعه توصل الی جنان الله الراقیة .

ومن تمسک بالثقلین له الجنة :

قال سید الانبیاء محمد صلی الله علیه و آله : « إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی , ما ان تمسکتم: بهما لن تضلوا بعدی , واحدهما أکبر من الآخر , وانهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض یوم القیامة , وإنَّ اللطیف الخبیر انبأنی انهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض , فلا تتقدموهما فتهلکوا , ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم ثم قال صلی الله علیه و آله : إن الله مولای , وأنا مولی المؤمنین , ثم أخذ بید علی علیه السلام .

وقال : من کنت مولاه فعلی مولاه , اللهم وال من والاه وعاد من عاداه , واخذل من خذله وانصر من نصره , وأدر الحق معه حیث کان " ((2)) .

ص: 188

ص: 189

لان الثقلین یهدیان الی الحق المبین .

{ وَوَصَّیْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَیْهِ إحْسَاناً حَمَلَتْهُ اُمُّهُ کُرْهاً وَوَضَعَتْهُ کُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّی إذَا بَلَغَ أشُدَّهُ وَبَلَغَ أرْبَعِینَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أوْزِعْنِی أنْ أشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أنْعَمْتَ عَلَیَّ وَعَلَی وَالِدَیَّ وَأنْ أعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأصْلِحْ لِی فِی ذُرِّیَّتِی إنِّی تُبْتُ إلَیْکَ وَإنِّی مِنَ المُسْلِمِینَ 15 } _سورة الاحقاف.

: ( اتصف الحمل فی رحم الام بالثقل والصعوبة والمدة الطویلة المعروفة بتسعة أشهر , وعُرفت الولادة بالخطورة والآلام المبرحة التی قد تؤدی أحیاناً بالمرأة الحامل الی الموت .

لقد أخبر الله تعالی رسوله بولادة ولد له من فاطمة وهو الحسین علیه السلام جاعلا فی ذریته الإمامة والولایة والوصیة , یولد لستة أشهر وهو الوحید بهذه الصفة مع عیسی ولدا لستة أشهر ((1)) .

ص: 190

وقوله: ( ووصینا الانسان بوالدیه إحسانا ) قال : الاحسان رسول الله صلی الله علیه و آله وقوله: ( بوالدیه ) إنما عنی الحسن والحسین علیهما السلام ثم عطف علی الحسین علیه السلام .

فقال: ( حملته أمه کرها ووضعته کرها ) وذلک أن الله اخبر رسول الله صلی الله علیه و آله وبشره بالحسین علیه السلام قبل حمله وان الإمامة تکون فی ولده إلی یوم القیامة ثم اخبره بما یصیبه من القتل والمصیبة فی نفسه وولده ثم عوضه بان جعل الإمامة فی عقبه وأعلمه انه یقتل ثم یرده إلی الدنیا وینصره حتی یقتل أعداءه ویملکه الأرض وهو قوله :

{ ونرید ان نمن علی الذین استضعفوا فی الأرض } الآیة , وقوله :

{ ولقد کتبنا فی الزبور من بعد الذکر ان الأرض یرثها عبادی الصالحون} فبشر اللهُ نبیه صلی الله علیه و آله ان أهل بیتک یملکون الأرض ویرجعون إلی الدنیا ویقتلون أعداءهم وأخبر رسول الله صلی الله علیه و آله فاطمة علیها السلام بخبر الحسین علیه السلام وقتله فحملته کرها , ثم قال أبو عبد الله علیه السلام : فهل رأیتم أحدا یبشر بولد ذکر فتحمله کرها أی انها اغتمت وکرهت لما أخبرها بقتله , ووضعته کرها لما علمت من ذلک وکان بین الحسن والحسین علیهما السلام طهر واحد وکان الحسین علیه السلام فی بطن أمه ستة اشهر وفصاله أربعة وعشرون شهرا وهو قول الله : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ((1)) .

ص: 191

وقال بعض الرواة غفلة منهم أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله ردَّ الخبر الالهی النازل الیه بواسطة جبرائیل ثلاث مرات المتمثل بولادة ولد له من فاطمة تقتله أمته قائلا : لا حاجة لی فیه!!!

وفی المرة الرابعة رضی به بعد اخبار جبرائیل له بأنَّ الله جعل الوصیة فی عقبه ((1)) .

بینما ذکر الکلینی وباقی الکتب المعتبرة فی کتبهم ((2)) سیرة النبی الأکرم متمثلة فی الطاعة الکاملة لله تعالی .

ولماذا یرد النبی صلی الله علیه و آله هدیة الله تعالی المتمثلة بالحسین علیه السلام وهل یقدم عاقل مؤمن علی هذا الفعل الشنیع ؟

ومتی خالف النبیُ الموت شهیداً بید الطغاة وقد قضی عمره مع علی علیه السلام فی سوح الجهاد طلباً للشهادة ؟

ومتی کانت الشهادة عیباً ونقصاً فی سیرة النبی والوصی وباقی المؤمنین : ألم یقل النبی : ما منَّا الا مسموم أو مقتول ؟ ((3)) .

ص: 192

کیف ترید سیدة نساء أهل الجنة فاطمة علیها السلام ولداً کالحسین علیه السلام یموت علی فراشه بسلامة ولا تریده أن یکون مجاهدا شهیدا مع علمها بمقتل الأنبیاء والأوصیاء بید العتاة المستبدین .

ألا تحب فاطمة أن یکون الحسین سیدا للشهداء یقود الامة الی مبادیء الحق والحریة والعدالة .

ألا تحب فاطمة أن یکون الحسین قائدا للثوار ورائدا للاحرار ورمزا للزهاد فی الدنیا؟

لقد مات النبی محمد صلی الله علیه و آله والامام علی والحسن وفاطمة شهداء مقتولین بید المنافقین فأی فرق بین شهادتهم وبین شهادة الحسین علیه السلام ؟

لقد کان موت الحسین علیه السلام شهادة عظمی له فدخل التاریخ من أوسع ابوابه , وهو وسام یفتخر به النبی صلی الله علیه و آله وفاطمة , فکیف یرفضان الحسین لشهادته العظمی ؟

عاش الحسین سبعة وخمسین سنة مع الایمان والعبادة والعمل الصالح ثم استشهد فعاش أکثر مما عاشه الامام الحسن علیه السلام بعشر سنین وعاشت فاطمة علیها السلام فی الدنیا ثمانیة عشر سنة .

ص: 193

والنبی صلی الله علیه و آله کان عارفا بعمرها القصیر فی الارض فلماذا لم یعترض علی هذا ؟

لقد وصف الله تعالی رسوله بأسمی وصف لطاعته له قائلا :

(وإنَّکَ لَعلَی خُلُق عَظِیم) ((1)) .

(ولو کنت فظاً غلیظ القلب لانفضوا من حولک) ((2)) .

بینما وصفت النصوص السابقة النبی بأغلظ وصف , فی رفضه هدیة الباری عز وجل المتمثلة بالحسین علیه السلام .ویجب علی النبی أن یشکر الله تعالی علی بشارته بالحسین علیه السلام . والشکر لله تعالی علی نعمه الجزیلة والتی لا تحصی .

وتلک روایات ضعیفة لا مجال لها فی القاموس الرسالی والجهادی لأهل بیت النبوة .

لقد اضاف بعض الرواة الکثیر من المقاطع والنصوص الی روایاتهم الصحیحة تبین نظراتهم الخاصة للأحداث والشخصیات لم تصدر عن النبی والأئمة المعصومین . وهی مخالفة للقرآن الکریم وسیرة المعصومین .

والمسألة الأخری قول البعض أنَّ الحسین علیه السلام لم یرضع من إمرأة قط بل کان النبی یضع لسانه فی فیه فینبت لحمه ((3)) .

ص: 194

لماذا یریدون ابعاده عن لبن فاطمة ؟

أقول لقد قال النبی صلی الله علیه و آله : إنّما فاطمة بضعة منّی یؤذینی ما آذاها ویغضبنی ما أغضبها » ((1)) .

ص: 195

والحسین شرب من حلیب فاطمة علیها السلام بضعة النبی صلی الله علیه و آله فکان بضعة للمصطفی , وکان النبی یضع لسانه فی فم الحسین حباً منه الیه واستئناساً به وهم شجرة واحدة .

وقد رضع الامام الحسن علیه السلام من أمه فاطمة علیها السلام وهو والحسین سیدا شباب أهل الجنة والاثنان رضعا من فاطمة بضعة النبی الاکرم .

ویمکن للنبی صلی الله علیه و آله بولایته التکوینیة أن یفعل کل شیء بیده ولسانه وقوله .

{ حَتَّی إذَا بَلَغَ أشُدَّهُ وَبَلَغَ أرْبَعِینَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أوْزِعْنِی أنْ أشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أنْعَمْتَ عَلَیَّ وَعَلَی وَالِدَیَّ وَأنْ أعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأصْلِحْ لِی فِی ذُرِّیَّتِی إنِّی تُبْتُ إلَیْکَ وَإنِّی مِنَ المُسْلِمِینَ} 15 _سورة الاحقاف.

سن البلوغ عند الانسان هی سن الرشد التی یتأهل بها لادارة نفسه والعمل وتکوین الاسرة والدفاع عن النفس ضد المکونات الخارجیة .

وفی سن الاربعین تتکامل تجارب الانسان وتنضج معلوماته وتکتمل علومه الحیاتیة . وقد نزل القرآن علی سید البشریة محمد صلی الله علیه و آله فی سن الاربعین :

نقل عن ابن عباس : من أتی علیه الأربعون سنة فلم یغلب خیره شره , فلیتجهز إلی النار . وأکثر الانبیاء بعثوا فی سن الاربعین .

و إن الإنسان العاقل المؤمن إذا بلغ سن الأربعین طلب من ربه ثلاث طلبات , فیقول أولا: رب أوزعنی أن أشکر نعمتک التی أنعمت علیَّ: وعلی والدی .

ص: 196

وقد ورد فی حدیث : إن الشیطان یمر یده علی وجه من زاد علی الأربعین ولم یتب , ویقول : بأبی وجه: لا یفلح ((1)) .

{ اُوْلَئِکَ الَّذِینَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَیِّئَاتِهِمْ فِی أصْحَابِ الجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِی کَانُوا یُوعَدُونَ} 16_سورة الاحقاف.

المؤمنون بالله والفاعلون الخیر یتقبل تعالی منهم ویدخلهم الجنة .

قال جمع من المفسرین : إن المراد من أحسن الأعمال : الواجبات والمستحبات التی تکون فی مقابل المباحات التی هی أعمال حسنة لکنها لا تقع موقع القبول ، ولا یتعلق بها أجر وثواب .

وقالوا: إن الباری جل وعلی جعل أفضل الاعمال میزانا للقبول باحسانه علیهم .

والنعمة الاخری هی تطهیرهم ، فتقول : ونتجاوز عن سیئاتهم .

{ وَالَّذِی قَالَ لِوَالِدَیْهِ اُفٍّ لَکُمَا أتَعِدَانَنِی أنْ اُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ القُرُونُ مِنْ قَبْلِی وَهُمَا یَسْتَغِیثَانِ اللّهَ وَیْلَکَ آمِنْ إنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَیَقُولُ مَا هَذَا إلا أسَاطِیرُ الأوَّلِینَ } 17 _سورة الاحقاف.

و عبد الرحمن بن أبی بکر أمه أم رومان بنت الحارث بن الحویرث من بنی فراس بن غنم بن کنانة بن خزیمة ویقال أمه بنت عامر بن عویمر بن عبد شمس مات سنة ثلاث وخمسین .

ص: 197

طبقات ابن خیاط : شهد عبد الرحمن بن ابی بکر الجمل مع عائشة ((1)) .

وقال أبو الیقظان شهد عبد الرحمن الجمل مع عائشة ((2)) .

قالوا : إنّ الآیة نزلت فی عبد الرحمن بن أبی بکر , قال له أبواه : أسلم , وألحّا علیه . فقال : أحیوا لی عبد اللَّه بن جدعان ومشایخ قریش حتّی أسألهم عمّا تقولون .

القمی : نزلت فی عبد الرحمن بن أبی بکر ((3)) .

وروی : أنّ معاویة حین کتب إلی مروان بأن یبایع الناس لیزید , قال عبد الرحمن : لقد جئتم بها هرقلیّة , أتبایعون لأبنائکم ؟

فقال مروان : یا أیّها الناس هو الَّذی قال اللَّه فیه : { والَّذِی قالَ لِوالِدَیْه أُفٍّ لَکُما } .

فسمعت عائشة فغضبت وقالت : واللَّه ما هو به , ولو شئت أن أسمّیه لسمّیته , ولکنّ اللَّه لعن أباک وأنت فی صلبه , فأنت فضض ((4)): من لعنة اللَّه.

قال عبد الله بن الزبیر وهو علی المنبر :

وربّ هذا البیت الحرام والبلد الحرام أنّ الحکم بن أبی العاص وولده

ص: 198

ملعونون علی لسان محمّد ( صلی الله علیه و آله ) ((1)).

وما قاله الحسن علیه السلام لمروان حین قال مروان للحسن والحسین : أهل بیت ملعونون ، فغضب الحسن علیه السلام وقال : أقلت أهل بیت ملعونون ؟ فوالله لقد لعنک الله علی لسان نبیّه ( صلی الله علیه و آله ) وأنت فی صلب أبیک ((2)).

وکان ابو بکر یرید من عبد الرحمن أن ینتقل من عالم الکفر الی عالم رجال السقیفة الذین سیستولون علی خلافة الامام علی علیه السلام ویمنعون النص الالهی من التطبیق عملیا .

فنزلت الایة : { الَّذِینَ کَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللّهِ أضَلَّ أعْمَالَهُمْ 1 .الَّذِینَ کَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللّهِ } :

ولایة آمیر المؤمنین علی بن ابی طالب ((3)) .

{ أضَلَّ أعْمَالَهُمْ } .نزلت فی مغتصبی خلافة الامام علی علیه السلام .

وقال الإمام الصادق علیه السلام : نحن المتوسمون والسبیل فینا مقیم

((4))» .

ص: 199

وفعلا حصل هذا اذ أسلم عبد الرحمن بن ابی بکر وکان من رجال السقیفة الذین ساعدوا فی اغتصاب الخلافة من الامام علی علیه السلام ثم حملوا النار والحطب علی دار سیدة النساء فاطمة علیها السلام لاحراقه متسببین فی قتلها واسقاط حملها: (محسن) .

واستمر یجری خلف الرئاسة منافسا لمعاویة فدفنه معاویة بین المدینة ومکة .

جاء : قُتِل عبد الرحمن بالسم ودفنه معاویة حیّاً ((1)).

ابن عساکر : عبدالرحمن بن أبی بکر : اغتاله معاویة بین المدینة ومکّة إذ أمر بدفنه حیّاً فمات هناک ((2)).

المنتظم : لقد قُتِل عبد الرحمن بین مکّة والمدینة , مثلما قُتِل طالب بن طالب بین مکّة والمدینة سنة 58 ه- ((3)).

وقال نجاح الطائی : الایة لم تنزل فی والدی عبد الرحمن بن ابی بکر , لان والدیه لم یکونا من المؤمنین الذین وصفتهم الایة الکریمة .

قال الامام الصادق علیه السلام : الأعرابیان : الأول والثانی اللذان لم یؤمنا بالله طرفة

ص: 200

عین ((1)) .

وقال ابن جریج ، عن مجاهد: نزلت فی عبد الله بن أبی بکر . وهذا لا یکون أیضا: لان أمه نملة کانت کافرة .

وقال مروان بنزول الایة فی عبد الرحمن بن ابی بکر بسبب صراع عبد الرحمن بن ابی بکر علی السلطة ورغبته یفیها بدل یزید .

وثانیا : ان الروایة لم تأت الا من قبل مروان بن الحکم وهو فاسق بنص الامام علی علیه السلام :

جاء ابن عباس یطلب الأمان لمروان بن الحکم بعد انتهاء معرکة الجمل ، فأمره الإمام علیه السلام بإحضاره ، فلمّا حضر قال له الإمام : أتبایع ؟

فقال : نعم وفی النفس ما فیها .

فقال الإمام علیه السلام : الله أعلم بما فی القلوب . فلمّا بسط یده لیبایعه أخذ کفّه من کفّ مروان وجذبها ، وقال :

لا حاجة لی فیها ، إنّها کفّ یهودیة غادرة لو بایعنی بیده عشرین مرّة لنکث بإسته ((2)) .

ص: 201

ثمّ قال علیه السلام : هیه یابن الحکم ، خفت علی رأسک أن تقع فی هذه المعمعة ؟! کلاّ والله ، حتّی یخرج من صلبک فلان وفلان یسومون هذه الأُمّة خسفاً ویسقونهم کأساً مصبّرة ((1)).

وهو أبو الأکبش الأربعة ، وستلقی الأمة منه ومن ولده یوما أحمرا " وصدره رواه فی مادة " أمر " من کتاب النهایة ، وفی مادة : " مرء " من مجمع البحرین ((2)).

الاکبش الاربعة هم بنو عبد الملک بن مروان وهم الولید وسلیمان ویزید وهشام .

هؤلاء الاربعة تولوا الملک بعد عبد الملک بن مروان وکانت مدة ملک مروان قصیرة مثلما قال الامام علی علیه السلام ستة أشهر فقط .

وهذا من علوم غیب أمیر المؤمنین علیه السلام المستوحاة من مدینة العلم النبویة الالهیة , لکن المنافقین ترکوه وولوا أسیادهم الخلافة رغم جهلهم وعتوهم وطغیانهم .

ص: 202

{ اُوْلَئِکَ الَّذِینَ حَقَّ عَلَیْهِمُ القَوْلُ فِی اُمَم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الجِنِّ وَالإنسِ إنَّهُمْ کَانُوا خَاسِرِینَ } 18 _سورة الاحقاف.

الظالمون الفاسقون من الجن والانس یدخلهم الله عز وجل فی الجحیم فهم خاسرون , وحق القول فی هؤلاء انهم خاسرون .

وقال تعالی :

وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَیْهِمْ أخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أنَّ النَّاسَ کَانُوا بِآیَاتِنَا لا یُوقِنُونَ 82_النمل.

وَوَقَعَ القَوْلُ عَلَیْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا یَنطِقُونَ85_النمل.

أی : وجب العذاب علیهم ، وحلّ بهم العذاب الموعود ، وهو کبّهم فی الجحیم .

الایة السابقة تتحدث عن استحقاق الکفار للعذاب ونزوله علیهم ، و تحقق العذاب فیهم :

فَحَقَّ عَلَیْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِیراً16_الاسراء.

: فَإذَا جَاءَ أمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُکْ فِیهَا مِنْ کُلٍّ زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ وَأهْلَکَ إلا مَنْ سَبَقَ عَلَیْهِ القَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِی فِی الَّذِینَ ظَلَمُوا إنَّهُمْ مُغْرَقُونَ27_المؤمنون.

: قَالَ الَّذِینَ حَقَّ عَلَیْهِمُ القَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِینَ أغْوَیْنَا أغْوَیْنَاهُمْ کَمَا غَوَیْنَا تَبَرَّأنَا إلَیْکَ مَا کَانُوا إیَّانَا یَعْبُدُونَ 63_القصص.

{ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الجِنِّ وَالإنسِ } 18 _سورة الاحقاف.

ص: 203

وهذه الایة تبین ان الجن یموتون مثل الانس فتخلف کل أمة منها الامة السالفة لها . بینما اعتقد معظم العلماء ان الجن لا یموت ((1)) .

وقال قتادة : قال الحسن البصری : الجن لا یموتون ، فقلت : " أولئک الذین حق علیهم القول فی أمم " الآیة تدل علی خلافه((2)) .

وقال ابن مسعود : إن الذین لقوا النبی صلی الله علیه و آله من الجن کانوا رسلا إلی قومهم .

وقال مجاهد : النذر من الجن والرسل من الانس ، ولا شک أن الجن مکلفون فی الأمم الماضیة کما هم مکلفون فی هذه الأمة لقوله تعالی :

{ أولئک الذین حق علیهم القول فی أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس انهم کانوا خاسرین }_ الأحقاف : 18 .

وقوله تعالی : {" وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون} _الذاریات 56.

{ وَلِکُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِیُوَفِّیَهُمْ أعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ}19_سورة الاحقاف.

لقد اختلف الصحابة فی درجاتهم بسبب أعمالهم فی حیاتهم مثلا کان أبو ذر قد أسلم رابع شخص فی الاسلام: وکان یجاهر باسلامه فتعرض الی عذاب عظیم فی الکعبة وکانت قبیلته غفار قرب المدینة فلا أحد یدافع عنه

ص: 204

واستمر مجاهدا مشارکا فی کل الحروب ومناصرا لاهل البیت ومدافعا عن المعروف ناهیا عن المنکر .

وکان یوعظ عثمان فی مجلسه العام وینهاه عن سرقة أموال المسلمین لصالح بنی أمیة فنفاه عثمان الی صحراء الربذة لیموت عطشا وجوعا فوق رمال الصحراء الحارقة , فمات غریبا مظلوما .

وجاء أبو ذر علی بعیره: (الی غزوة تبوک) فلما أبطأ علیه أخذ متاعه فحمله علی ظهره ثم خرج یتبع أثر رسول الله ماشیاً ونزل رسول الله فی بعض منازله فنظر ناظر من المسلمین فقال یا رسول الله إنّ هذا الرجل یمشی علی الطریق وحده فقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله )کن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا: یا رسول الله هو أبو ذر، فقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) : یرحم الله أبا ذر یمشی وحده ویموت وحده ویُبعث وحده ((1)).

ولما نفی عثمان أبا ذر الی الربذة أصابه بها قدره ولم یکن معه أحد إلاّ امرأته وغلامه فأوصاهما أن غسلانی وکفنانی ثم ضعانی علی قارعة الطریق فأول رکب یمر بکم قولوا: هذا أبو ذرّ صاحب رسول الله فأعینونا علی دفنه فلمّا مات فعلا ذلک به ثم وضعاه علی قارعة الطریق, فأقبل عبد الله بن مسعود ورهط من أهل العراق عُمّاراً فلم یرعهم إلاّ بجنازة علی الطریق قد

ص: 205

کادت الإبل تطأها، وقام إلیهم الغلام فقال هذا أبو ذر صاحب رسول الله فأعینونا علی دفنه:

فاستهلّ عبد الله بن مسعود یبکی ویقول: صدق رسول الله تمشی وحدک وتموت وحدک وتبعث وحدک ثم نزل هو وأصحابه فواروه ((1)).

بینما کان عبد الرحمن بن عوف ممن یراسلون کفار قریش سراً قبل معرکة بدر وشارک فی الهجوم علی دار فاطمة علیها السلام بالنار والحطب لیحرقه علی الامام علی وفاطمة والحسن والحسین علیهم السلام .

ثم شارک فی مؤامرة السقیفة لینصبوا ابا بکر خلیفة .

ثم شارک فی مؤامرة شوری الستة بعد مقتل عمر وتآمر مع عثمان علی أن یستخدم تخویل عمر له لیعین عثمان خلیفة بشرط أن یعیدها الیه قبل موته .

وبعدما نصب عثمان خلیفة خان اتفاقه مع ابن عوف فطالب این عوف بقتل عثمان . فغضب عثمان علیه وقتله بالسم .

ولمّا سقی عثمانُ السمّ لابن عوف مثلما سقی أبا بکر سابقاً أوصی ابن عوف إلی الزبیر بن العوام عدوّ عثمان ((2)) بالصلاة علیه وصلی علیه الزبیر بن العوام ((3)) .

ص: 206

ووصیّة ابن عوف للزبیر وصلاة الزبیر علیه أقوی إهانة وجّهت لعثمان من الناحیة السیاسیة والدینیة فهی بمثابة عدم اعتراف منهما بشرعیّة خلافة عثمان والتشکیک فی عدالته، ورفض سلطته وفضحه بانه القاتل لصاحبه ابن عوف .

وقد حصل ابن عوف علی أموال طائلة من تلک الحکومات الغاصبة للخلافة فکان من أغنیاء الصحابة المعدودین :

قال ابن سعد: ترک عبدالرحمن ألف بعیر، وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس ترعی بالبقیع. وکان یزرع بالجرف علی عشرین ناضحاً.

وکان فیما خلّفه ذهب قُطّع بالفؤوس حتی مجلت ((1)) أیدی الرجال منه، وترک أربع نسوة فأصاب کلّ امرأة ثمانون ألفاً.

وعن صالح بن إبراهیم بن عبدالرحمن قال: صالحنا امرأة عبدالرحمن التی طلّقها فی مرضه من ربع الثمن بثلاثة وثمانین ألفاً.

وقال الیعقوبی: ورّثها عثمان فصولحت عن ربع الثمن علی مائة ألف دینار.

وقال المسعودی: ابتنی داره ووسّعها وکان علی مربطه مائة فرس، وله ألف بعیر، وعشرة آلاف من الغنم، وبلغ بعد وفاته ثمن ماله أربعة وثمانین

ص: 207

ألفاً ((1)).

ومثله کان باقی رجال السقیفة أثریاءً یتنافسون فی نهب أموال المال العام ,ولاجل السیاسة: قتلوا النبی صلی الله علیه و آله وفاطمة علیها السلام واغتصبوا الخلافة وخالفوا الشریعة الاسلامیة باسم الاجتهاد فی الدین .

والفاعلون للخیر یکسبون حسناتهم ولا یظلمون أبدا .

وقال تعالی : یوسف : نرفع درجات من نشاء وفوق کل ذی علم علیم _ یوسف : 76 .

أسری : انظر کیف فضلنا بعضهم علی بعض وللآخرة أکبر درجات وأکبر تفضیلا _ أسری : 21 .

الأحقاف : ولکل درجات مما عملوا ولیوفیهم أعمالهم وهم لا یظلمون

الأحقاف : 19 .

الواقعة : وکنتم أزواجا ثلاثة * فأصحاب المیمنة * ما أصحاب المیمنة * و أصحاب المشئمة * ما أصحاب المشئمة * والسابقون السابقون * أولئک المقربون * فی جنات النعیم * ثلة من الأولین * وقلیل من الآخرین _ إلی قوله لأصحاب الیمین ثلة من الأولین * وثلة من الآخرین_ الواقعة : 7 _ 39 .

ص: 208

وقال تعالی " فأما إن کان من المقربین * فروح وریحان وجنة نعیم *وأما إن کان من أصحاب الیمین * فسلام لک من أصحاب الیمین * وأما إن کان من المکذبین الضالین * فنزل من حمیم * وتصلیة جحیم " _ الواقعة : 88 _ 94 .

الحدید : لا یستوی منکم من أنفق من قبل الفتح وقاتل: _ الحدید : 10 .

المجادلة : یرفع الله الذین آمنوا منکم والذین أوتوا العلم درجات _ المجادلة : 11 .

الحشر : للفقراء المهاجرین _ إلی قوله _ إنک رؤوف رحیم _

الحشر : 8 _ 10 .

{ وَیَوْمَ یُعْرَضُ الَّذِینَ کَفَرُوا عَلَی النَّارِ أذْهَبْتُمْ طَیِّبَاتِکُمْ فِی حَیَاتِکُمُ الدُّنْیَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالیَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُونِ بِمَا کُنْتُمْ تَسْتَکْبِرُونَ فِی الأرْضِ بِغَیْرِ الحَقِّ وَبِمَا کُنْتُمْ تَفْسُقُونَ20 _سورة الاحقاف.

( فالیوم تجزون عذاب الهون ) قال : العطش .

یقال للظالمین فی الاخرة : آثرتم لذّاتکم فی الدنیا علی طیّبات الجنان الراقیة .

عن عبد الله بن شریک العامری أن حبة العرنی ، قال : أتی أمیر المؤمنین

علیه السلام بخوان فالوذج ، فوضع بین یدیه فنظر إلی صفائه وحسنه ، فوجأ بإصبعه فیه حتی بلغ بأسفله ، ثم سلها ولم یأخذ منه شیئا وتلمظ إصبعه ،

ص: 209

وقال : إن الحلال طیب وما هو بحرام ولکنی أکره أن أعود نفسی ما لم أعودها ، ارفعوه عنی فرفعوه ((1)) .

وعن جعفر بن محمد عن ابن القداح عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام عن آبائه قال : دخل النبی صلی الله علیه و آله مسجد قبا ، فاتی باناء فیه لبن حلیب مخیض بعسل فشرب منه حسوة أو حسوتین ثم وضعه فقیل : یا رسول الله أتدعه محرما ؟ فقال : اللهم إنی اترکه تواضعا لله .

وبهذا الاسناد قال : اتی بخبیص فأبی ان یأکل فقیل :

أتحرمه ؟

فقال : لا ولکنی اکره ان تتوق نفسی إلیه ثم تلا الآیة: ( أذهبتم طیباتکم فی حیاتکم الدنیا )((2)) .

وعن أبی جعفر الباقر علیه السلام أنه قال :

: والله إن کان علی علیه السلام لیأکل: اکل العبد ، ویجلس جلسة العبد ، وإن کان لیشتری القمیصین السنبلانیین ، فیخیر غلامه خیرهما ، ثم یلبس الآخر فإذا جاز أصابعه قطعه ، وإذا جاز کعبه حذفه ، ولقد ولی خمس سنین ما وضع

ص: 210

آجرة علی آجرة ولا لبنة علی لبنة ، ولا اقطع قطیعة ، ولا أورث بیضاء ولا حمراء .

وانه کان لیطعم الناس: من خبز البر واللحم ، وینصرف إلی منزله ، ویأکل خبز الشعیر والزیت والخل ، وما ورد الله علیه أمران کلاهما لله رضا الا اخذ بأشدهما علی بدنه ، ولقد أعتق الف مملوک من کد یده ، وتربت فیه یداه ، وعرق فیه وجهه ، وما أطاق عمله أحد من الناس ، وان: کان لیصلی فی الیوم واللیلة الف رکعة ، وإن کان أقرب الناس شبعا به علی بن الحسین علیهما السلام ، وما أطاق عمله أحد من الناس بعده ((1)) .

کانت سیرة الصحابة المغتصبین للخلافة شبیهة بسیرة الملوک الغابرین من الروم والاکاسرة والهراقلة فی سرقة خزینة المسلمین وتوزیع الاموال علی أفراد حزبهم وارحامهم وقطع الاموال عن المخالفین لهم والمناصرین لاهل البیت علیهم السلام .

ص: 211

{ وَاذْکُرْ أخَا عَاد إذْ أنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ألا تَعْبُدُوا إلا اللّهَ إنِّی أخَافُ عَلَیْکُمْ عَذَابَ یَوْم عَظِیم: } 21_سورة الاحقاف.

( واذکر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) والأحقاف بلاد عاد من الشقوق إلی الاجفر وهی أربعة منازل .

قال : حدثنی أبی قال أمر المعتصم ان یحفر بالبطائیة: ( البطانیة الناشر : ) بئر فحفروا ثلاثمائة قامة فلم یظهر الماء فترکه ولم یحفره فلما ولی المتوکل أمر أن یحفر ذلک البئر أبدا حتی یبلغ الماء , فحفروا حتی وضعوا فی کل مائة قامة بکرة حتی انتهوا إلی صخرة فضربوها بالمعول فانکسرت فخرج منها ریح باردة فمات من کان بقربها .

فأخبروا المتوکل بذلک فلم یعلم بذلک ما ذاک , فقالوا : سل ابن الرضا عن ذلک وهو أبو الحسن علی بن محمد علیهما السلام فکتب إلیه یسأل عن ذلک ؟

: فقال أبو الحسن علیه السلام تلک بلاد الأحقاف وهم قوم عاد الذین أهلکهم الله بالریح الصرصر ((1)).

ص: 212

{ قَالُوا أجِئْتَنَا لِتَأفِکَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ 22 قَالَ إنَّمَا العِلْمُ عِنْدَ اللّهِ وَاُبَلِّغُکُمْ مَا اُرْسِلْتُ بِهِ وَلَکِنِّی أرَاکُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ }23 _سورة الاحقاف.

ثم حکی الله قوم عاد: ( قالوا أجئتنا لتأفکنا ) أی تزیلنا بکذبک عما کان یعبد آباؤنا: ( فاتنا بما تعدنا ) من العذاب: ( إن کنت من الصادقین ) .

{ فَلَمَّا رَأوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أوْدِیَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِیحٌ فِیهَا عَذَابٌ ألِیمٌ24 تُدَمِّرُ کُلَّ شَیْء بِأمْرِ رَبِّهَا فَأصْبَحُوا لا یُرَی إلا مَسَاکِنُهُمْ کَذَلِکَ نَجْزِی القَوْمَ المُجْرِمِینَ25}_سورة الاحقاف.

وکان نبیهم هود وکانت بلادهم کثیرة الخیر خصبة . فحبس الله عنهم المطر سبع سنین حتی اجدبوا وذهب خیرهم من بلادهم , وکان هود یقول لهم ما حکی الله فی سورة هود: ( استغفروا ربکم ثم توبوا إلیه _ إلی قوله _ ولا تتولوا مجرمین ) فلم یؤمنوا وعتوا فأوحی الله إلی هود انه یأتیهم العذاب فی وقت کذا وکذا وریح فیها عذاب الیم , فلما کان ذلک الوقت نظروا إلی سحاب قد أقبلت ففرحوا فقالوا: ( هذا عارض ممطرنا ) الساعة یمطر فقال لهم هود: ( بل هو ما استعجلتم به ) فی قوله :

{إئتنا بما تعدنا ان کنت من الصادقین ریح فیها عذاب الیم تدمر کل شئ بأمر ربها }: فلفظه عام ومعناه خاص لأنها ترکت أشیاءً کثیرة لم تدمرها وإنما دمرت مالهم کله فکان کما قال الله: ( فأصبحوا لا یری إلا مساکنهم ) وکل هذه الأخبار من هلاک الأمم تخویف وتحذیر لامة محمد صلی الله علیه و آله .

ص: 213

{ َلَقَدْ مَکَّنَّاهُمْ فِیمَا إنْ مَکَّنَّاکُمْ فِیهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأبْصَاراً وَأفْئِدَةً فَمَا أغْنَی عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أبْصَارُهُمْ وَلا أفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَیْء إذْ کَانُوا یَجْحَدُونَ بِآیَاتِ اللّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا کَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُون 26_سورة الاحقاف.

قال ابن عباس وقتادة : معناه فی ما لم نمکنکم فیه . وقال المبرد : ( ما ) الأولی بمعنی ( الذی ) و ( إن ) بمعنی ( ما ) وتقدیره فی الذی ما مکناکم ، والمراد بالآیة وعید کفار قریش وتهدیدهم وأن الله قد مکن قوم عاد بما لم یمکن هؤلاء منه ، من عظیم القوة وشدة البطش والقدرة علی جمیع ما یطلبونه ، وأنهم مع تمکینهم لم ینفعهم ذلک لما نزل بهم عذاب الله حین کفروا به وجحدوا ربوبیته ولم یغنهم جمیع ذلک ((1)) .

{وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأبْصَاراً وَأفْئِدَةً }:

ذکر الله تعالی أولئک الذین أعطاهم تعالی الحواس السالمة لیعرفوا الحجج الموصلة لهم الی التوحید .

لکنهم لم یستخدموا حواسهم المذکورة فی الطریق الصحیح بل سخروها للطریق الشیطانی المتمثل فی محاربة الانبیاء واتباعهم المؤمنین .

( فما أغنی عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ ) أی لم تنفعهم تلک الحواس ولم یستعملوا أبصارهم وأفئدتهم فی النظر والتدبر .

ص: 214

وقوله: ( ولقد مکناهم فیما ان مکناکم فیه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ) :

أی قد أعطیناهم فکفروا فنزل بهم العذاب فاحذروا ان ینزل بکم ما نزل

بهم ((1)).

ویذکر أن عدد المکفوفین فی نهایة القرن العشرین المیلادی: فی العالم هو بین 35_40 ملیون شخص؟

الایات السابقة تبین استمرار الکفار فی نهجهم العدائی للتوحید والنبوة والامامة وغفلتهم عن الانتقام الالهی المحیط بهم .

فحل بهم العذاب الربانی المتمثل فی ریح صرصر عاتیة دمرتهم مع دورهم وممتلکاتهم وماشیتهم .

وبقیت أرضهم التی کفروا فیها بالله تعالی ملعونة غیر قابلة للسکن لنقمة الباری علیها بعدم وفرة الماء فیها .

قال ابن عرفة: حاق به الأمر إذا لزمه ، قال الأزهری : الحیق ما یشتمل علیه من مکروه فعله ، قال تعالی « وَلَا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ » ((2)): أی لا ترجع عاقبة مکروههم: إلا علیهم .

ص: 215

{ وَحَاقَ بِهِمْ مَا کَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُون: } 26: أی : ونزل بهم الذی کانوا یسخرون به من نزول العذاب . ویکذبون الانبیاء فی انذارهم الناس من المعاد .

{ وَلَقَدْ أهْلَکْنَا مَا حَوْلَکُمْ مِنَ القُرَی وَصَرَّفْنَا الآیَاتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ } 27 _سورة الاحقاف.

خاطب الله قریشا فقال: ( ولقد أهلکنا ما حولکم من القری وصرفنا الآیات ) أی بینا وهی بلاد عاد وقوم صالح وقوم لوط ثم قال احتجاجا علیهم ( فلولا نصرهم الذین اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم ) أی بطلوا ( وذلک إفکهم ) أی کذبهم ( وما کانوا یفترون ) .

{ فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِکَ إفْکُهُمْ وَمَا کَانُوا یَفْتَرُونَ: }28_سورة الاحقاف.

الالهة لا تستطیع نصرة عبیدها التی تعبدها: وتقرب لها القرابین فکیف تصح عبادتها والتضرع الیها.

{ وَإذْ صَرَفْنَا إلَیْکَ نَفَراً مِنَ الجِنِّ یَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِیَ وَلَّوْا إلَی قَوْمِهِمْ مُنْذِرِینَ29 قَالُوا یَا قَوْمَنَا إنَّا سَمِعْنَا کِتَاباً اُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَی مُصَدِّقاً لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ یَهْدِی إلَی الحَقِّ وَإلَی طَرِیق مُسْتَقِیم30 یَا قَوْمَنَا أجِیبُوا دَاعِی اللّهِ وَآمِنُوا بِهِ یَغْفِرْ لَکُمْ مِنْ ذُنُوبِکُمْ وَیُجِرْکُمْ مِنْ عَذَاب ألِیم31 وَمَنْ لا یُجِبْ دَاعِیَ اللّهِ

ص: 216

فَلَیْسَ بِمُعْجِز فِی الأرْضِ وَلَیْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أولِیَاءُ اُوْلَئِکَ فِی ضَلال مُبِین } 32 _سورة الاحقاف.

وکان سبب نزول هذه الآیة ان رسول الله صلی الله علیه و آله خرج من مکة إلی سوق عکاظ ومعه یزید بن حارثة یدعو الناس إلی الاسلام فلم یجبه أحد ولم یجد من یقبله , ثم رجع إلی مکة فلما بلغ موضعا یقال له وادی مجنة تهجد بالقرآن فی جوف اللیل فمر به نفر من الجن فلما سمعوا قراءة رسول الله صلی الله علیه و آله استمعوا له فلما سمعوا قراءته قال بعضهم لبعض: ( انصتوا ) یعنی اسکتوا: ( فلما قضی ) أی فرغ رسول الله

صلی الله علیه و آله من القراءة: ( ولوا إلی قومهم منذرین قالوا یا قومنا إنا سمعنا کتابا انزل من بعد موسی مصدقا لما بین یدیه یهدی إلی الحق وإلی طریق مستقیم یا قومنا أجیبوا داعی الله وآمنوا به _ إلی قوله _ أولئک فی ضلال مبین ) فجاؤوا إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فاسلموا وآمنوا وعلمهم رسول الله صلی الله علیه و آله شرائع الاسلام , فأنزل الله علی نبیه :{ قل أوحی إلی انه استمع نفر من الجن } السورة کلها فحکی الله قولهم وولی علیهم رسول الله صلی الله علیه و آله منهم کانوا یعودون إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فی کل وقت فامر رسول الله صلی الله علیه و آله أمیر المؤمنین علیه السلام ان یعلمهم ویفقههم فمنهم مؤمنون ومنهم کافرون وناصبون ویهود ونصاری ومجوس وهم ولد الجان , وسئل العالم: (موسی الکاظم علیه السلام ) عن مؤمنی الجن أیدخلون الجنة ؟

ص: 217

فقال : لا ولکن لله حظائر بین الجنة والنار یکون فیها مؤمنو الجن وفساق الشیعة ((1)) .

فی أن الجن والشیاطین مکلفون ، وأن مؤمنی الجن وفساق الشیعة کانوا فی القیامة فی حظائر بین الجنة والنار ، وأن نبینا صلی الله علیه و آله مبعوث علیهم ، وأن الجن علی ثلاثة أصناف ((2)) .

وجاء : ( وإذ صرفنا إلیک نفرا من الجن ) والنفر دون العشرة .

ورد: ( إنهم کانوا تسعة ، واحد من جن نصیبین والثمان من بنی عمرو بن عامر وذکر أسماءهم ) .

: ( یستمعون القران فلما حضروه قالوا أنصتوا ) : قال بعضهم لبعض : اسکتوا لنسمعه . ( فلما قضی ) : فرغ من قراءته: ( ولوا إلی قومهم منذرین ) إیاهم . ( قالوا یا قومنا إنا سمعنا کتابا أنزل من بعد موسی مصدقا لما بین یدیه یهدی إلی الحق وإلی طریق مستقیم ) .

یعنی اسکتوا ( فلما قضی ) أی فرغ رسول الله صلی الله علیه و آله من القراءة ( ولوا إلی قومهم منذرین قالوا یا قومنا إنا سمعنا کتابا انزل من بعد موسی مصدقا لما بین یدیه یهدی إلی الحق وإلی طریق مستقیم یا قومنا أجیبوا داعی الله

ص: 218

وآمنوا به _ إلی قوله _ أولئک فی ضلال مبین ) فجاؤوا إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فاسلموا وآمنوا وعلمهم رسول الله صلی الله علیه و آله شرائع الاسلام ، فأنزل الله علی نبیه " قل أوحی إلی انه استمع نفر من الجن " السورة کلها فحکی الله قولهم وولی علیهم رسول الله صلی الله علیه و آله منهم .

وکانوا یعودون إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فی کل وقت فامر رسول الله صلی الله علیه و آله أمیر المؤمنین علیه السلام ان یعلمهم ویفقههم فمنهم مؤمنون ومنهم کافرون وناصبون ویهود ونصاری ومجوس وهم ولد الجان ، وسئل العالم علیه السلام عن مؤمنی الجن أیدخلون الجنة ؟ فقال لا ولکن لله حظائر بین الجنة والنار یکون فیها مؤمنو الجن وفساق الشیعة ((1)) .

وجاء فی سورة الجن : {وَأمَّا القَاسِطُونَ فَکَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً 15*وَأنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَی الطَّرِیقَةِ لأسْقَیْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً: } 16_سورة الجن .

وقال نجاح الطائی : وقد تلاعب البعض فی قضیة الجن للنیل من المخالفین لهم امتدادا: للمنهج الجاهلی فی تحطیم المعارضین باتهامهم انهم من الجن :

فقد حاول کعب الاحبار الیهودی وعمر ومن سار علی نهجهم فی وصف العراقیین بأنهم من أولاد الجن فی روایات کثیرة: ذکرناها فی الایات المتحدثة عن الجن .

ص: 219

{ أوَ لَمْ یَرَوْا أنَّ اللّهَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ یَعْیَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِر عَلَی أنْ یُحْیِیَ المَوْتَی بَلَی إنَّهُ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ } 33 _سورة الاحقاف.

{ وَلَمْ یَعْیَ بِخَلْقِهِنَّ } : لم یصبه تعب ولا اعیاء .

ومن المنطقی یکون الله تعالی الذی خلق السماوات والارض بقادر علی احیاء الموتی , لان السماوات والارض لأعظم من خلق الانسان.

قال سبحانه : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أکْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ } 57_المؤمن.

ومن ینظر ویتدبر فی المخلوقات البریة والبحریة یفهم العظمة السماویة وقدرتها علی خلق وفعل کل شیء.

{ وَیَوْمَ یُعْرَضُ الَّذِینَ کَفَرُوا عَلَی النَّارِ ألَیْسَ هَذَا بِالحَقِّ قَالُوا بَلَی وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ } 34 _سورة الاحقاف.

یعترف الکفار بذنبهم فی استحقاقهم النار وانه حق الهی علیهم بعد الانذارات الالهیة المتکررة لهم .

{ فَاصْبِرْ کَمَا صَبَرَ اُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ کَأنَّهُمْ یَوْمَ یَرَوْنَ مَا یُوعَدُونَ لَمْ یَلْبَثُوا إلا سَاعَةً مِنْ نَهَار بَلاغٌ فَهَلْ یُهْلَکُ إلا القَوْمُ الفَاسِقُونَ } 35 _سورة الاحقاف.

{ فَاصْبِرْ کَمَا صَبَرَ اُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } : قال البعض :

أولو العزم من الرسل إبراهیم صلوات اللَّه علیه , ابتلی بالنار وذبح الولد فرضی وسلم , وأیوب علیه السلام بالبلاء وإسماعیل بالذبح فرضی ونوح

ص: 220

بالتکذیب فصبر ویونس ببطن الحوت فدعا والتجأ ویوسف صلوات اللَّه علیه بالسجن والجب فلم یتغیر ویعقوب بذهاب البصر وفقدان الولد , فشکا بثه إلی اللَّه , ولم یشک إلی غیره , وهم اثنا عشر نبیا صلوات اللَّه علیهم , صبروا علی ما أصابهم , فهم أولو العزم من الرسل , واللَّه سبحانه وتعالی أعلم .

وقال قوم : أولوا العزم هم الذین یثبتون علی عقد القیام بالواجب واجتناب المحارم , فعلی هذا الأنبیاء کلهم أولوا العزم , ومن قال ذلک جعل: ( من ) ههنا: للتبیین لا للتبعیض .

ومن قال : إن أولی العزم طائفة من الرسل وهم قوم مخصوصون قال :

( من ) ههنا للتبعیض وهو الظاهر فی روایات أصحابنا , وأقوال المفسرین , ویریدون بأولی العزم من أتی بشریعة مستأنفة نسخت شریعة من تقدم من الأنبیاء , قالوا وهم خمسة أولهم: نوح ثم إبراهیم ثم موسی ثم عیسی ثم محمد صلی الله علیه و آله .

وقال نجاح الطائی : أولو العزم هم الخمسة الذین کانت شرائعهم مستأنفة تنسخ الشرائع السابقة وهم نوح ثم إبراهیم ثم موسی ثم عیسی ثم محمد

صلی الله علیه و آله .

{ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ کَأنَّهُمْ یَوْمَ یَرَوْنَ مَا یُوعَدُونَ لَمْ یَلْبَثُوا إلا

سَاعَةً } :

أن الله تعالی أخذ میثاق الأنبیاء علی الاقرار بالمهدی علیه السلام .

ص: 221

( الإمام الباقر علیه السلام ) " عهد إلیه فی محمد والأئمة من بعده فترک ، ولم یکن له عزم فیهم أنهم هکذا ، وإنما سمی أولوا العزم أولی العزم لأنه عهد إلیهم فی محمد والأوصیاء من بعده ، والمهدی وسیرته فأجمع عزمهم أن ذلک کذلک والاقرار به " ] وقد تقدم مع مصادره فی طه _ 115 .

: حدثنی أبو جعفر أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، عن مفضل بن صالح ، عن جابر ، عن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام فی قول الله عز وجل: ( ولقد عهدنا إلی آدم من قبل فنسی ولم نجد له عزما ) ، قال : _سورة محمد صلی الله علیه و آله [ ( فإذا لقیتم الذین کفروا فضرب الرقاب حتی إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتی تضع الحرب أوزارها ذلک ولو یشاء الله لانتصر منهم ولکن لیبلوا بعضکم ببعض والذین قتلوا فی سبیل الله فلن یضل أعمالهم ) ] ( سورة محمد _ 4 ) ((1)) .

تفسیر علی بن إبراهیم : " ولا تستعجل لهم " یعنی العذاب " کأنهم یوم یرون ما یوعدن لم یلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ " قال : یرون یوم القیامة أنهم لم یلبثوا فی الدنیا إلا ساعة من نهار " بلاغ " أی أبلغهم ذلک " فهل یهلک إلا القوم الفاسقون " ((2)) .

کان أبو جعفر علیه السلام شدید الأدمة ، ولقد قال فیه الشاکون المرتابون _ وسنه خمس وعشرون شهرا _ : إنه لیس [ هو ]: من ولد الرضا علیه السلام ،

ص: 222

وقالوا _ لعنهم الله _ : إنه من شنیف: الأسود مولاه ، وقالوا : من لولو ، وإنهم أخذوه والرضا علیه السلام عند المأمون ، فحملوه إلی القافة ، وهو طفل بمکة فی مجمع [ من ] الناس بالمسجد الحرام ، فعرضوه علیهم ، فلما نظروا وزرقوه: بأعینهم خروا لوجوههم سجدا ثم قاموا .

فقالوا لهم : یا ویحکم ! مثل هذا الکوکب الدری والنور المنیر یعرض علی أمثالنا ، وهذا والله الحسب الزکی والنسب المهذب الطاهر ، والله ما تردد إلا فی أصلاب زاکیة وأرحام طاهرة ، ووالله ما هو إلا من ذریة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام ورسول الله صلی الله علیه و آله ، فارجعوا واستقبلوا الله واستغفروه ولا تشکوا فی مثله .

وکان فی ذلک [ الوقت ]: سنه خمس وعشرین شهرا ، فنطق بلسان أذهب من السیف وأفصح من الفصاحة [ یقول ]: ( الحمد لله الذی خلقنا من نوره بیده واصطفانا من بریته ، وجعلنا امناءه علی خلقه ووحیه .

معاشر الناس أنا محمد بن علی الرضا بن موسی الکاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علی سید العابدین بن الحسین الشهید بن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام ، وابن فاطمة الزهراء علیها السلام , وابن محمد المصطفی صلی الله علیه و آله ، ففی مثلی یشک وعلیَّ وعلی أبوی یفتری اعرض علی القافة ! ؟ ) وقال :

( والله إننی لاعلم [ بأنسابهم من آبائهم ، إنی والله لا علم بواطنهم وظواهرهم ، وإنی لا علم ] بهم أجمعین ، وما هم إلیه صائرون ، أقوله حقا واظهره صدقا [ وعدلا ] علما ، ورثناه الله قبل الخلق أجمعین وبعد بناء

ص: 223

السماوات والأرضین ، وأیم الله لولا تظاهر الباطل علینا [ وغلبة دولة الکفر وتوثب أهل الشکوک والشرک والشقاق علینا ] لقلت قولا یتعجب منه الأولون والآخرون ) .

ثم وضع [ یده ] علی فیه ثم قال : یا محمد اصمت کما صمت آباؤک ، فاصبر کما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم [ إلی آخر ] الآیة((1)).

سوف یطل الامام المهدی علیه السلام علی المسلمین وسیلتحق به أنصاره من کل مکان وتکون الدائرة علی الکافرین وأتباعهم من خونة المسلمین الذین باعوا أنفسهم للشیطان .

ص: 224

وقال النبی: هو وصیّی والسبیل إلیَّ من بعدی((1)) .

(ألَمْ تَرَ إلَی الَّذِینَ اُوتُوا نَصِیباً مِنَ الکِتَابِ یَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَیُرِیدُونَ أنْ تَضِلُّوا السَّبِیلَ): النساء 4 / 44 .

البحرانی: قال البحرانی: السبیل هو علی بن أبی طالب ((2)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : وصیی السبیل إلیَّ من بعدی علی بن أبی طالب ((3)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : علی هو السبیل ((4)) .

وقال الإمام الصادق: نحن المتوسمون والسبیل فینا مقیم ((5)) .

«یُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَلا یَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِم» .

من المنافقین والکافرین . نزلت فی الإمام علی ( علیه السلام ) ((6)) .

وقال المفسر القمی: السبیل هو الصحیح المتمثل بالاسلام , ولقد أخرجوا

الناس من ولایة أمیر المؤمنین وهو الصراط المستقیم ((7)) .

ص: 226

{ وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَی مُحَمَّد وَهُوَ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ کَفَّرَ عَنْهُمْ سَیِّئَاتِهِمْ وَأصْلَحَ بَالَهُمْ } 2_سورة محمد.

وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَی مُحَمَّد:

(فی علی علیه السلام ) ((1)) .

روی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی : حدثونا عن أبی عباس بن عقدة باسناده عن عبد الله بن حزن قال :

سمعت الحسین بن علی علیه السلام بمکة ذکر قول الله تعالی :

(الذین کفروا وصدّوا عن سبیل الله أضلّ أعمالهم , والذین آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزّل علی محمد وهو الحقّ من ربّهم کفّر عنهم سیئاتهم وأصلح بالهم) .

ثم قال : نزلت فینا وفی بنی أمیة ((2)) .

والسورة بکاملها هی النازلة فی بنی أمیة وأهل البیت , کما هو واضح من آیاتها وسیاقها .

ص: 227

{ ذَلِکَ بِأنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا اتَّبَعُوا البَاطِلَ وَأنَّ الَّذِینَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ کَذَلِکَ یَضْرِبُ اللّهُ لِلنَّاسِ أمْثَالَهُمْ } 3 _سورة محمد.

هؤلاء الذین حکم الشرع بهلاکهم وکفرهم بمنزلة من دعاه الظلم الیه فاتبعه , والمؤمن بمنزلة من دعاه الله فاتبعه .

التقدیر ضرب الله للناس أمثالا لهم عن أعمالهم بأن بینها وبین ما یستحق علیها من ثواب وعقاب فی الاخرة .

فی تفسیر علی بن إبراهیم حدثنی أبی عن بعض أصحابنا عن الامام

أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : فی سورة محمد صلی الله علیه و آله آیة فینا وآیة فی أعدائنا ذلک بان الذین کفروا اتبعوا الباطل وهم الذین اتبعوا أعداء رسول الله صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین صلوات الله علیهما وان الذین اتبعوا الحق من ربهم کذلک یضرب الله للناس أمثالهم فإذا لقیتم الذین کفروا فضرب الرقاب إلی قوله تعالی لانتصر منهم فهذا السیف الذی [ هو علی علیه السلام ] علی مشرکی العجم من الزنادقة ومن لیس معه کتاب من عبدة النیران والکواکب وقوله عز وجل : " فإذا لقیتم الذین کفروا فضرب الرقاب " فالمخاطبة للجماعة والمعنی لرسول الله صلی الله علیه و آله " وللامام من بعده صلوات الله علیه .

فی کتاب الخصال عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : سأل رجل أبی علیه السلام عن حروب أمیر المؤمنین علیه السلام ، وکان السائل من محبینا ، فقال له أبی : ان الله تعالی بعث محمدا صلی الله علیه و آله بخمسة أسیاف ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلی أن تضع الحرب أوزارها حتی تطلع الشمس من مغربها ، إلی قوله : وسیف علی مشرکی العجم یعنی الترک و الخزر قال الله تعالی فی سورة

ص: 228

الذین کفروا : " فإذا لقیتم الذین کفروا فضرب الرقاب حتی إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منَّا بعد واما فداءا حتی تضع الحرب أوزارها " یعنی المفاداة بینهم وبین أهل الاسلام ، فهؤلاء لا یقبل منهم الا القتل أو الدخول فی الاسلام ، ولا یحل لنا نکاحهم ما داموا فی دار الحرب ((1)) .

{ فَإذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّی إذَا أثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإمَّا فِدَاءً حَتَّی تَضَعَ الحَرْبُ أوْزَارَهَا ذَلِکَ وَلَوْ یَشَاءُ اللّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَکِنْ لِیَبْلُوَ بَعْضَکُمْ بِبَعْض وَالَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ فَلَنْ یُضِلَّ أعْمَالَهُمْ: } 4 _سورة محمد.

فَإذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّی إذَا أثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإمَّا فِدَاءً : _ یعنی بعد السبی منهم _ واما فداء } یعنی المفاداة بینهم وبین أهل الاسلام فهؤلاء لا یقبل منهم إلا القتل أو الدخول فی الاسلام ولا یحل لنا نکاحهم ما داموا فی الحرب .

{ وَلَکِنْ لِیَبْلُوَ بَعْضَکُمْ بِبَعْض} : فتنکشف غایات المسلمین وغایات الکفار فی دار الحرب الضاریة .

{وَالَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ فَلَنْ یُضِلَّ أعْمَالَهُمْ} : بل یثمن جهودهم ویقبل شهادتهم .

ص: 229

وقال نجاح الطائی : لقد طلب النبی صلی الله علیه و آله من أسری الکفار فی بدر أن یفدوا أنفسهم بالمال فحصل ذلک وطلب ممن یعرف القراءة والکتابة أن یعلم عشرة من صبیان المسلمین القراءة والکتابة لیطلق سراحه فنشر النبی القراءة والکتابة فی المدینة ثم اطلق سراح اولئک الاسری .

وبقی بعض الکفار الاسری لیس عنده مال لیفتدی نفسه ولا یعرف القراءة والکتابة فأطلق سراحهم أیضاً .

ولم یقتل النبی محمد صلی الله علیه و آله أسیرا قط من الکفار والیهود والنصاری راجع کتابی لیال یهودیة: والسیرة النبویة مجلد 25 فی هذا الشأن .

لکن الیهود والنواصب المخالفین افتروا علیه واتهموه بقتل أسری بنی قریظة وآخرین .

{ سَیَهْدِیهِمْ وَیُصْلِحُ بَالَهُمْ 5 } _سورة محمد: یصلح شأنهم وحالهم ویرضیهم .

البال: الشأن .

{ وَیُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } 6: _سورة محمد.

روی الحافظ الفقیه الشافعی جلال الدین السیوطی قال :

ص: 230

أخرج ابن مردویه عن علی علیه السلام قال : سورة محمد آیة فینا وآیة فی بنی أمیة » ((1)) .

والعرف : الریح الطیبة قال الله عز وجل : " ویدخلهم الجنة عرفها لهم " أی طیبها لهم ، وقد قیل إن العرف العود الطیب الریح ((2)) .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إنْ تَنصُرُوا اللّهَ یَنصُرْکُمْ وَیُثَبِّتْ أقْدَامَکُمْ }7 _سورة محمد.

أخرج العالم إبراهیم بن محمد الحموینی الجوینی الشافعی فی حلیته عن محمد بن عمر بن غالب بسنده عن ابن عباس :

قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : ما أنزل الله آیة فیها: (یاأیها الذین آمنوا) . إلا وعلی رأسها وأمیرها ((3)) .

وینصرکم تعنی النصر فی الدنیا والاخرة .

{ وَالَّذِینَ کَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأضَلَّ أعْمَالَهُمْ } 8 _سورة محمد.

الکفار لا حظ لهم ولا حسنات لاعمالهم الطیبة لانهم کفروا بخالقهم ونبیهم وامامهم .

ص: 231

فتنمحی من ترجمتهم أعمالهم الحسنة لانهم لا یؤمنون باصول الدین .

{ ذَلِکَ بِأنَّهُمْ کَرِهُوا مَا أنزَلَ اللّهُ فَأحْبَطَ أعْمَالَهُمْ } 9_سورة محمد

ذَلِکَ بِأنَّهُمْ کَرِهُوا مَا أنزَلَ اللّهُ: (فی علی ) .

فَأحْبَطَ (الله تعالی ) ((1)) أعْمَالَهُمْ .

{ أفَلَمْ یَسِیرُوا فِی الأرْضِ فَیَنظُرُوا کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللّهُ عَلَیْهِمْ وَلِلْکَافِرِینَ أمْثَالُهَا10 ذَلِکَ بِأنَّ اللّهَ مَوْلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَأنَّ الکَافِرِینَ لا مَوْلَی لَهُمْ } 11 _سورة محمد.

دَمَّرَ اللّهُ عَلَیْهِمْ : قتلهم و أهلکهم .

وَلِلْکَافِرِینَ : الذین کفروا وکرهوا ما أنزل الله تعالی فی علی علیه السلام . أمْثَالُهَا10 :لهم مثل ما للأمم السالفة الهالکة من العذاب والخزی .

{ ذَلِکَ بِأنَّ اللّهَ مَوْلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَأنَّ الکَافِرِینَ لا مَوْلَی لَهُمْ } .

روی الحافظ الحسکانی الحنفی قال حدثنا عقیل بن الحسین باسناده عن سعید بن جبیر عن ابن عباس فی قول الله تعالی :

(ذلک بأن الله مولی الذین آمنوا) . یعنی : ولی علی علیه السلام , وحمزة , وجعفر , وفاطمة , والحسن , والحسین , وولی محمد صلی الله علیه و آله ینصرهم بالغلبة علی عدوهم.

(وأن الکافرین) . یعنی : الکافرین والمنافقین .

ص: 232

: (لا مولی لهم) . یقول : لا ولی لهم یمنعهم من العذاب ((1)) .

ثم ذکر تعالی المؤمنین :

{ إنَّ اللّهَ یُدْخِلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَالَّذِینَ کَفَرُوا یَتَمَتَّعُونَ وَیَأکُلُونَ کَمَا تَأکُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْویً لَهُمْ: }_ سورة محمد12.

{ إنَّ اللّهَ یُدْخِلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }: بولایة علی علیه السلام . { جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَالَّذِینَ کَفَرُوا } . أعداؤه: {یَتَمَتَّعُونَ } . بدنیاهم: {وَیَأکُلُونَ کَمَا تَأکُلُ الأنْعَامُ} أکلا کثیراً .

{وَالنَّارُ مَثْویً لَهُمْ }12 _ ((2)) .

روی الحافظ الحسکانی الحنفی عن السبیعی قال :

وورد عن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام فی هذه السورة - سورة محمد صلی الله علیه و آله : أنه قال : آیة فینا وآیة فی بنی أمیة ((3)) .

ونقل العلامة السید هاشم البحرانی فی کتاب صغیر له قال فی أوله: (هذه نبذة من مناقب أمیر المؤمنین نقلتها من کتب أهل السنة) . قال فیه :

ص: 233

وروی ابن مردویه عن مجاهد أنه قال : نزل فی علی وحمزة وعبیدة بن الحارث بن عبد المطلب حین بارزوا عتبة وشیبة والولید قوله تعالی :

(إن الله یدخل الذین آمنوا وعملوا الصالحات جنات) . الآیة ((1)) .

{ وَکَأیِّنْ مِنْ قَرْیَة هِیَ أشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْیَتِکَ الَّتِی أخْرَجَتْکَ أهْلَکْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ } 13 _سورة محمد.

وکأین : وکم .

قریتک : مکة . تعنی : وکم من قریة أقوی من قریتک أهلکناهم فلم ینصرهم أحد فمن ینصر قریتک منا إذا أردنا أن نبطش بها .

{ أفَمَنْ کَانَ عَلَی بَیِّنَة مِنْ رَبِّهِ کَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أهْوَاءَهُمْ } 14 _سورة محمد.

روی الحاکم الحسکانی الحنفی قال : حدثنا أبو عمرو بن السماک باسناده عن عبد الله بن عباس فی قوله تعالی: (أفمن کان علی بینة من ربه) . یقول : علی دین من ربه , نزلت فی رسول الله صلی الله علیه و آله وعلی علیه السلام , کانا علی شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له.

(کمن زین له سوء عمله) : أبو جهل بن هشام , وأبو سفیان بن حرب إذا هویا شیئاً عبداه. فذلک قوله تعالی: (واتبعوا أهواءهم) ((2)) .

ص: 234

قال المفسر القمی : نزلت الآیات 1 - 14 فی أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله الذین ارتدوا بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وغصبوا أهل البیت حقهم , وصدوا عن أمیر المؤمنین وعن ولایته: (أضل أعمالهم) . أی أبطل ما کان تقدم منهم مع رسول الله صلی الله علیه و آله من الجهاد والنصرة ((1)) .

قال أمیر المؤمنین بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله فی المسجد والناس مجتمعون بصوت عال : (الَّذِینَ کَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللّهِ أضَلَّ أعْمَالَهُمْ).

فقال له ابن عباس : یا أبا الحسن لم قلت ما قلت ؟

قال علیه السلام : قرأت شیئاً من القرآن .

قال : لقد قلته لأمر .

قال علیه السلام : نعم إنَّ الله تعالی یقول فی کتابه: (ما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا ) ((2)) .

قال : ما سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله أوصی الا الیک .

قال علیه السلام : فهلا بایعتنی ؟

قال : اجتمع الناس علی أبی بکر فکنت منهم .

ص: 235

فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : کما اجتمع أهل العجل علی العجل هاهنا فتنتم ومثلکم : (مَثَلُهُمْ کَمَثَلِ الَّذِی اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَکَهُمْ فِی ظُلُمَات لا یُبْصِرُونَ) ((1)) .

فی الشعب ولد عبد الله بن عباس ((2)) .أی کان سنه عند شهادة النبی صلی الله علیه و آله ستة عشر سنة .

قال الامام موسی الکاظم علیه السلام : من أراد أن یعلم فضلنا علی عدونا فلیقرأ هذه السورة التی یذکر فیها: (الذین کفروا وصدوا عن سبیل الله ) . فینا آیة

وفیهم آیة الی آخرها ((3)) .

وقال الامام علی علیه السلام : سورة محمد آیة فینا وآیة فی بنی آمیة ((4)) .

{ مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِی وُعِدَ المُتَّقُونَ فِیهَا أنْهَارٌ مِنْ مَاء غَیْرِ آسِن وَأنْهَارٌ مِنْ لَبَن لَمْ یَتَغَیَّرْ طَعْمُهُ وَأنْهَارٌ مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِینَ وَأنْهَارٌ مِنْ عَسَل مُصَفّیً وَلَهُمْ فِیهَا مِنْ کُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ کَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِی النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِیماً فَقَطَّعَ أمْعَاءَهُمْ } 15 _سورة محمد.

ص: 236

{ مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِی وُعِدَ المُتَّقُونَ } . وهم آل محمد علیه السلام وأشیاعهم .

روی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی قال : أخبرنا أبو سعد المعادی باسناده عن جعفر بن الحسین الهاشمی قال - فی هذه السورة - یعنی سورة

محمد صلی الله علیه و آله : (آیة فینا وآیة فی بنی أمیة) ((1)) .

{ کَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِی النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِیماً فَقَطَّعَ أمْعَاءَهُمْ } : وهم بنو أمیة یخلدون فی النار .

{ وَمِنْهُمْ مَنْ یَسْتَمِعُ إلَیْکَ حَتَّی إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِکَ قَالُوا لِلَّذِینَ اُوتُوا العِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً اُوْلَئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللّهُ عَلَی قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أهْوَاءَهُمْ 16 } _ سورة محمد

روی الآلوسی فی تفسیره قال : أخرج ابن مردویه عن علی کرم الله وجهه أنه قال: نزلت سورة محمد صلی الله علیه و آله آیة فینا وآیة فی بنی أمیة ((2)) .

ف: (الذین اهتدوا) . هم علی وباقی أهل البیت علیهم السلام .

و: (الذین طبع الله علی قلوبهم) . هم بنو أمیة وأتباعهم .

قال علی بن الحسین علیهما السلام وهو واقف بعرفات للزهری :

کم تقدر ههنا من الناس ؟ .

ص: 237

قال : أقدر أربعة آلاف ألف وخمسمائة ألف کلهم حجاج قصدوا الله بآمالهم ویدعونه بضجیج أصواتهم .

[ فقال له علیه السلام : یا زهری ما أکثر الضجیج وأقل الحجیج !

فقال الزهری : کلهم حجاج , أفهم قلیل ؟ ] .

فقال له علیه السلام : یا زهری أدن لی وجهک . فأدناه إلیه , فمسح بیده وجهه , ثم قال علیه السلام : انظر . [ فنظر ] إلی الناس , قال الزهری : فرأیت أولئک الخلق کلهم قردة , لا أری فیهم إنسانا إلا فی کل عشرة آلاف واحدا من الناس .

ثم قال لی علیه السلام : ادن منی یا زهری .

فدنوت منه , فمسح بیده وجهی ثم قال علیه السلام : أنظر . فنظرت إلی الناس , قال الزهری : فرأیت أولئک الخلق کلهم [ خنازیر , ثم قال لی : ادن لی وجهک . فأدنیت منه , فمسح بیده وجهی , فإذا هم کلهم ] ذئبة إلا تلک الخصائص من الناس نفرا یسیرا .

فقلت : بأبی وأمی یا بن رسول الله قد أدهشتنی آیاتک , وحیرتنی عجائبک !

قال علیه السلام : یا زهری ما الحجیج من هؤلاء إلا النفر الیسیر الذین رأیتهم بین هذا الخلق الجم الغفیر .ثم قال لی علیه السلام : امسح یدک علی وجهک .

ففعلت , فعاد أولئک الخلق فی عینی ناسا کما کانوا أولا .

ثم قال لی علیه السلام : من حج ووالی موالینا , وهجر معادینا , ووطن نفسه علی طاعتنا , ثم حضر هذا الموقف مسلما إلی الحجر الأسود ما قلده الله من أماناتنا , ووفیا بما ألزمه من عهودنا , فذلک هو الحاج , والباقون هم من قد رأیتهم . یا زهری حدثنی أبی عن جدی رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال :

ص: 238

لیس الحاج المنافقین المعادین لمحمد وعلی ومحبیهما الموالین لشانئهما .وإنما الحاج المؤمنون المخلصون الموالون لمحمد وعلی ومحبیهما , المعادون لشانئهما , إن هؤلاء المؤمنین الموالین لنا , المعادین لأعدائنا لتسطع أنوارهم فی عرصات القیامة علی قدر موالاتهم لنا . فمنهم من یسطع نوره مسیرة ألف سنة .

ومنهم من یسطع نوره مسیرة ثلاثمائة ألف سنة مسافة تلک العرصات .

ومنهم من یسطع نوره إلی مسافات بین ذلک یزید بعضها علی بعض علی قدر مراتبهم فی موالاتنا ومعاداة أعدائنا , یعرفهم أهل العرصات من المسلمین والکافرین بأنهم الموالون المتولون والمتبرؤون .

یقال لکل واحد منهم : یا ولی الله انظر فی هذه العرصات إلی کل من أسدی إلیک فی الدنیا معروفا , أو نفَّس عنک کربا , أو أغاثک إذ کنت ملهوفا , أو کف عنک عدوا , أو أحسن إلیک فی معاملته , فأنت شفیعه .

فإن کان من المؤمنین المحقین زید بشفاعته فی نعم الله علیه , وإن کان من المقصرین کفی تقصیره بشفاعته , وإن کان من الکافرین خفف من عذابه بقدر إحسانه إلیه .

وکأنی بشیعتنا هؤلاء یطیرون فی تلک العرصات کالبزاة والصقور , فینقضون علی من أحسن فی الدنیا إلیهم انقضاض البزاة والصقور علی اللحوم تتلقفها

ص: 239

وتحفظها .فکذلک یلتقطون من شدائد العرصات من کان أحسن إلیهم فی الدنیا فیرفعونهم إلی جنات النعیم ((1)) .

وبتعبیر الآیة 5 من سورة الصف : « فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ » .

وقال تعالی : " وطبع علی قلوبهم فهم لا یفقهون " التوبة : 87 .

وقال : " ونطبع علی قلوبهم فهم لا یسمعون " الأعراف : 100 .

وقال : " وطبع الله علی قلوبهم فهم لا یعلمون " التوبة : 93 .

والطبع علی القلوب یکون عقوبة الهیة للمجرمین الظالمین للعباد ولا یکون ابتداءا للناس ولو طبع الله تعالی علی قلوب الناس الابریاء ابتداءا یکون ظلما والله تعالی لا یفعل الظلم .

{ وَالَّذِینَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدیً وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ } 17_ سورة محمد.

وقال : " هو الذی أنزل السکینة فی قلوب المؤمنین لیزدادوا إیمانا

مع إیمانهم "((2)) .

( والذین اهتدوا زادهم هدی وآتاهم تقواهم ) وهو رد علی من زعم أن الایمان لا یزید ولا ینقص ((3)) .

عن المفضل بن عمر قال : سئل سیدی جعفر بن محمد علیهما السلام عن قول الله [ تعالی فی محکم کتابه ] : ( مثل الجنة التی وعد المتقون ) قال :

ص: 240

هی فی علی وأولاده وشیعتهم هم المتقون وهم أهل الجنة والمغفرة . والذین اهتدوا زادهم هدی وآتاهم تقواهم 17 _ ((1)) .

{ فَهَلْ یَنْظُرُونَ إلا السَّاعَةَ أنْ تَأتِیَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أشْرَاطُهَا فَأنَّی لَهُمْ إذَا جَاءَتْهُمْ ذِکْرَاهُمْ } 18 _سورة محمد.

عن عبد الله بن عباس قال حججنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الکعبة ثم أقبل علینا بوجهه فقال : ألا أخبرکم بأشراط الساعة ؟ وکان أدنی الناس منه یومئذ سلمان رحمة الله علیه , فقال بلی یا رسول الله ! فقال صلی الله علیه و آله : إن من اشراط القیامة إضاعة الصلوات واتباع الشهوات , والمیل إلی الأهواء وتعظیم أصحاب المال , وبیع الدین بالدنیا , فعندها یذوب قلب المؤمن فی جوفه کما یذاب الملح فی الماء مما یری من المنکر فلا یستطیع ان یغیره .

قال سلمان وان هذا لکائن یا رسول الله ؟

قال صلی الله علیه و آله إی والذی نفسی بیده یا سلمان ! عندها یلیهم أمراء جورة ووزراء فسقة , وعرفاء ظلمة , وأمناء خونة , فقال سلمان وان هذا لکائن یا رسول الله ! قال صلی الله علیه و آله إی والذی نفسی بیده یا سلمان ان عندها یکون المنکر معروفا والمعروف منکرا ویؤتمن الخائن ویخون الأمین ویصدق الکاذب ویکذب الصادق , قال سلمان وان هذا لکائن یا رسول الله ؟

ص: 241

قال صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده . یا سلمان ! فعندها تکون امارة النساء ومشاورة الإماء وقعود الصبیان علی المنابر ویکون الکذب طرفا والزکاة مغرما والفئ مغنما ویجفو الرجل والدیه ویبر صدیقه , ویطلع الکوکب المذنب .

قال سلمان : وان هذا لکائن یا رسول الله ؟

قال صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده یا سلمان وعندها تشارک المرأة زوجها فی التجارة ویکون المطر قیظا ویغیظ الکرام غیظا ویحتقر الرجل المعسر فعندها تقارب الأسواق إذ فان هذا لم أبع شیئا وقال هذا لم أربح شیئا فلا تری إلا ذاماً لله .

قال سلمان : وان هذا لکائن یا رسول الله ؟

قال صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده . یا سلمان ! فعندها یلیهم أقوام ان تکلموا قتلوهم وان سکتوا استباحوا حقهم لیستأثرون أنفسهم بفیئهم ولیطؤن حرمتهم ولیسفکن دماءهم ولیملأن قلوبهم دغلا ورعبا , فلا تراهم إلا وجلین خائفین مرعوبین مرهوبین .

قال سلمان : وان هذا لکائن یا رسول الله ؟

قال صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده , یا سلمان ! ان عندها یؤتی بشئ من المشرق وشئ من المغرب یلون أمتی , فالویل لضعفاء أمتی منهم والویل لهم من الله , لا یرحمون صغیرا ولا یوقرون کبیرا ولا یتجاوزون من مسئ جثتهم جثة الآدمیین وقلوبهم قلوب الشیاطین .

قال سلمان وان هذا لکائن یا رسول الله ؟

ص: 242

قال صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده , یا سلمان ! وعندها یکتفی الرجال بالرجال والنساء بالنساء ویغار علی الغلمان کما یغار علی الجاریة فی بیت أهلها وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ولترکبن ذوات الفروج: (النساء) السروج: (الخیول) فعلیهن من أمتی لعنة الله .

قال سلمان : وان هذا لکائن یا رسول الله ؟ فقال صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده یا سلمان ! ان عندها تزخرف المساجد کما تزخرف البیع والکنائس وتحلی المصاحف , وتطول المنارات وتکثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة . قال سلمان : وان هذا لکائن یا رسول الله ؟

قال صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده وعندها تحلی ذکور أمتی بالذهب ویلبسون الحریر والدیباج ویتخذون جلود النمور صفافا .

قال سلمان : وان هذا لکائن یا رسول الله ! قال صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده یا سلمان ! وعندها یظهر الربا ویتعاملون بالعینة والرشی ویوضع الدین وترفع الدنیا , قال سلمان : وان هذا لکائن یا رسول الله ؟

قال صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده یا سلمان ! وعندها یکثر الطلاق , فلا یقام لله حد ولن یضروا الله شیئا . قال سلمان : وان هذا لکائن یا رسول الله ؟ قال صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده یا سلمان ! وعندها تظهر القینات والمعازف ویلیهم أشرار أمتی .

قال سلمان وان هذا لکائن یا رسول الله ؟ قال صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده یا سلمان ! وعندها تحج أغنیاء أمتی للنزهة وتحج أوساطها للتجارة وتحج فقراؤهم للریاء والسمعة فعندها یکون أقوام یتعلمون القرآن لغیر الله

ص: 243

ویتخذونه مزامیر , ویکون أقوام یتفقهون لغیر الله وتکثر أولاد الزنا , ویتغنون بالقرآن , ویتهافتون بالدنیا .قال سلمان : وان هذا لکائن یا رسول الله ؟

قال صلی الله علیه و آله : یا سلمان ذاک إذا انتهکت المحارم , واکتسبت المآثم , وتسلط الأشرار علی الأخیار , ویفشو الکذب وتظهر اللجاجة , وتغشو الفاقة ویتباهون فی اللباس ویمطرون فی غیر أوان المطر , ویستحسنون الکوبة والمعازف وینکرون الامر بالمعروف والنهی عن المنکر حتی یکون المؤمن فی ذلک الزمان أذل من الأمة ویظهر قراؤهم وعبادهم فیما بینهم التلاوم , فأولئک یدعون فی ملکوت السماوات والأرجاس والأنجاس , قال سلمان : وان هذا لکائن یا رسول الله ؟

فقال صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده , یا سلمان ! فعندها لا یحض الغنی علی الفقیر حتی أن السائل یسأل فیما بین الجمعتین لا یصیب أحدا یضع فی کفه شیئا .قال سلمان : وان هذا لکائن یا رسول الله ؟

قال

صلی الله علیه و آله : إی والذی نفسی بیده یا سلمان ! عندها یتکلم الروبیضة , فقال : وما الروبیضة یا رسول الله ؟ فداک أبی وأمی ؟ قال صلی الله علیه و آله : یتکلم فی أمر العامة من لم یکن یتکلم فلم یلبثوا إلا قلیلا حتی تخور الأرض خورة فلا یظن کل قوم إلا انها خارت فی ناحیتهم فیمکثون ما شاء الله ثم یمکثون فی مکثهم فتلقی لهم الأرض أفلاذ کبدها ذهبا وفضة ثم أومأ بیده إلی

ص: 244

الأساطین فقال مثل هذا فیومئذ لا ینفع ذهب ولا فضة , فهذا معنی قوله فقد جاء اشراطها ((1)) .

فإذا جاء أشراطها وهو قیام القائم علیه السلام فتحه الله عز وجل لهم ، وذلک قوله عز وجل " حتی إذا فتحت یأجوج ومأجوج وهم من کل حدب

ینسلون " ((2)) .

{ فَأنَّی لَهُمْ إذَا جَاءَتْهُمْ ذِکْرَاهُمْ }: کیف تنفعهم التوبة والذکری اذا جاءتهم الاخرة ؟ ولا سبیل للرجوع وفعل الخیر .

الایة تحذیر لاستدراک الامر والاسراع للایمان وفعل الخیر فی الدنیا .

{ فَاعْلَمْ أنَّهُ لا إلَهَ إلا اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِکَ وَلِلْمُؤْمِنِینَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ یَعْلَمُ مُتَقَلَّبَکُمْ وَمَثْوَاکُمْ }: 19 _سورة

محمد.

قال الطوسی : أی الموضع الذی تتقلبون فیه وکیف تتقلبون وموضع استقرارکم , لا یخفی علیه شئ من أعمالکم طاعة کانت أو معصیة .

وقیل : یعلم متقلبکم فی أسفارکم ومثواکم فی أوطانکم , وقیل : متقلبکم فی أعمالکم ومثواکم فی نومکم ((3)) .

ص: 245

أی متصرفکم فی أعمالکم فی الدنیا , ومصیرکم فی الآخرة إلی الجنة , أو إلی النار , عن ابن عباس . وقیل : یعلم متقلبکم فی أصلاب الآباء إلی أرحام الأمهات , ومثواکم أی مقامکم فی الأرض , عن عکرمة . وقیل : متقلبکم من ظهر إلی بطن , ومثواکم فی القبور , عن ابن کیسان . وقیل : یعلم متقلبکم متصرفکم فی النهار , ومثواکم مضجعکم باللیل ((1)).

وقال نجاح الطائی : الله تعالی عالم بکل سکناتکم وحرکاتکم فی عالم الذر وعالم الدنیا وفی القبر وفی الاخرة ویعلم مصیرکم الی الجنة أم الی النار أی هو سبحانه عالم بکل شیء .

{ وَیَقُولُ الَّذِینَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإذَا اُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْکَمَةٌ وَذُکِرَ فِیهَا القِتَالُ رَأیْتَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ یَنظُرُونَ إلَیْکَ نَظَرَ المَغْشِیِّ عَلَیْهِ مِنَ المَوْتِ فَأوْلَی لَهُمْ } 20 _سورة محمد.

ینتظر المتَّقون نزول الایات القرآنیة لیعرفوا دینهم ویستأنسوا بها فاذا نزلت سورة محکمة لا یمکن للمنافقین تأویلها لصالحهم حزنوا ویأسوا .

فَأوْلَی لَهُمْ : هذا تهدید الهی لهم : أی الاولی لهم أن یغیروا منهجهم ویعودوا الی رشدهم ویستقیموا فی دینهم وعملهم .

{ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإذَا عَزَمَ الأمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللّهَ لَکَانَ خَیْراً

لَهُمْ } 21 . _سورة محمد.

ص: 246

هذا استئنافُ کلام ، أی : ( طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوْفٌ ) خَیْرُ لَهُم ، وقیلَ : هی حکایةُ قَولِهِم : یعنی : قَالُوا : طاعةٌ وقَولٌ معروفٌ ، أی : أَمْرُنَا طاعةٌ وقَولٌ معروفٌ ، أی : حُسْنٌ لا تُنْکِرُهُ العُقُول ( فَإذَا عَزَمَ الأَمْرُ ) أی : جَدَّ ، وإنَّما العَزْمُ والجدُّ لأَصْحابِ الأَمْرِ ، وأُسْنِدَ إلی الأَمْرِ مَجَازاً ( فَلَوْ صَدَقُواْ ) فیما زَعَمُوا من الحِرْصِ علی الجهادِ ، أو : فی إیمانِهِم بأَن یُواطئَ فیهِ قُلُوبُهُم ألسنَتَهُم ( لَکَانَ خَیْراً لَّهُمْ ) من نفاقِهِم ((1)) .

الاولی لهم طاعة لنبیهم فی کل أمر وعلی راسها الانخراط فی جیشه وفی حملاته الجهادیة .

وفی الکافی والقمی عنه علیه السلام أنها نزلت فی بنی أمیة .

أولئک الذین لعنهم الله فأصمهم عن استماع الحق وأعمی أبصرهم فلا یهتدون سبیله ((2)) . وقول معروف : أی حسن یبین الطاعة لرسول الله والاخلاق الاسلامیة السامیة . وجاء فی القرآن حول عصیان الرسول وطاعته : { قُلْ أطِیعُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ فَإنْ تَوَلَّوْا فَإنَّ اللّهَ لا یُحِبُّ الکَافِرِینَ }: 32_آل عمران .

{ إذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَی أحَد وَالرَّسُولُ یَدْعُوکُمْ فِی اُخْرَاکُمْ فَأثَابَکُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِکَیْلا تَحْزَنُوا عَلَی مَا فَاتَکُمْ وَلا مَا أصَابَکُمْ وَاللّهُ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } 153_آل عمران.

ص: 247

{ یَوْمَئِذ یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّی بِهِمُ الأرْضُ وَلا یَکْتُمُونَ اللّهَ حَدِیثاً: } 42_النساء.

وکان رجال السقیفة ومن تابعهم من الاعراب والمنافقین والطلقاء قد ألحوا علی عصیان النبی صلی الله علیه و آله فی کل أوامره وحروبه وقضایاه.

{ فَهَلْ عَسَیْتُمْ إنْ تَوَلَّیْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا فِی الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أرْحَامَکُمْ } 22 _سورة محمد.

قرأ الامام الصادق علیه السلام : { فَهَلْ عَسَیْتُمْ إنْ تَوَلَّیْتُمْ } وسلطتم وملکتم: { أنْ تُفْسِدُوا فِی الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أرْحَامَکُمْ } 22 .

وروی الثعلبی فی تفسیره عند قوله تعالی : (فهل عسیتم إن تولیتم أن تفسدوا فی الأرض) : إن الآیة نزلت فی بنی أمیة.

(أولئک الذین لعنهم الله فأصمهم وأعمی أبصارهم) ((1)) .

ابن حنبل : وفی کشف الأستار عن صالح بن أحمد بن حنبل قال : قلت لأبی : إن قوما ینسبوننی إلی تولی یزید .

فقال (احمد بن حنبل ) : یا بنی هل یتولی یزید أحد یؤمن بالله ؟

فقلت : فلم لا تلعنه ؟

فقال (ابن حنبل ) : ومتی رأیتنی ألعن شیئا ؟ ولم لا تلعن من لعنه الله فی کتابه ؟

فقلت : وأین لعن الله یزید فی کتابه ؟

ص: 248

فقرأ (ابن حنبل ) : { فَهَلْ عَسَیْتُمْ إنْ تَوَلَّیْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا فِی الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أرْحَامَکُمْ 22 أولئک الذین لعنهم الله فأصمهم وأعمی أبصارهم } سورة محمد 23 _ (1) فهل یکون فساد أعظم من القتل ؟ (2) .

وروی السیوطی الشافعی فی تفسیره قال : وأخرج عبد بن حمید عن بکر بن عبد الله المزنی فی قوله: (فهل عسیتم إن تولیتم) . الآیة قال : ما اراها نزلت إلا فی الحروریة ((3)) .

وقال نجاح الطائی : الایة عامة فی الحکام الغاصبین: فهی نزلت فی بنی أمیة و بنی العباس وکل الغاصبین لخلافة الأئمة المعصومین .أی انها نزلت فی رجال السیاسة والسقیفة والملک الذین استفادوا من المناصب لاجل نهب الثروات والاستکبار فی الارض وعزل الثقلین .

هناک منهجان فی الحکم : المنهج العلوی الذی یمثل منهج أهل البیت علیهم السلام .

والمنهج العثمانی الذی یمثل خلاصة منهج الحزب القرشی والاموی .

المنهج الاول یدعو الی الزهد فی الحیاة وترک الاهواء والفسق والفجور والخیانة وحفظ أموال الخزینة العامة التی هی أمانة فی أیدی الحکام

ص: 249

والعلماء . وسار الصحابة والعلماء علی هذا المشروع الالهی وماتوا فقراء مثل ابی ذر وعمار ومرتضی الانصاری وجمال الدین الافغانی .

وسار عبد الرحمن بن عوف ومعاویة وآل سعود وکل الخونة من الحکام وأحبار العلماء وحواشیهم علی المنهج العثمانی فاعتبروا أموال الخزینة حواسم وغنائم فنهبوها وترکوا الامة فقراء مساکین .

{ اُوْلَئِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأصَمَّهُمْ وَأعْمَی أبْصَارَهُمْ } 23 _سورة

محمد. وجبت اللعنة علیهم بسبب أعمالهم وسرقاتهم فلا یعرفون الحق کالاصم والاعمی .

روی الحافظ الحسکانی الحنفی قال : حدثنا المنتصر بن نصر بن تمیم الواسطی باسناده عن ابن عباس فی قوله تعالی :

(فإذا عزم الأمر) . یقول : جد الأمر وأمروا بالقتال.

(فلو صدقوا الله) . نزلت فی بنی أمیة لیصدقوا الله فی إیمانهم وجهادهم وسمحوا بالطاعة والاجابة لکان خیراً لهم من المعصیة والکراهیة.

(فهل عسیتم إن تولیتم) . فلعلکم إن ولیتم أمر هذه الأمة أن تعصوا الله.

ص: 250

(وتقطعوا أرحامکم) . قال ابن عباس : فولاهم الله (یعنی مکنهم الله للاختبار والامتحان لهم وللناس) . أمر هذه الأمة فعملوا بالتجبر والمعاصی , وتقطعوا أرحام نبیهم محمد وأهل بیته

((1)) .

وجاء فی القرآن عن: لعن الظالمین السارقین الفاجرین :

· :إنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ وَأعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِیناً 57 _الاحزاب .

· : اُوْلَئِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَنْ یَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِیراً 52_النساء.

· فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَکَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَکُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَکُمْ وَأنْفُسَنَا وَأنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَی الکَاذِبِینَ61_آل عمران .

· : وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللّهِ کَذِباً اُوْلَئِکَ یُعْرَضُونَ عَلَی رَبِّهِمْ وَیَقُولُ الأشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِینَ کَذَبُوا عَلَی رَبِّهِمْ ألا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَی الظَّالِمِینَ 18_هود .

· : وَمِنْهُمُ الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَّ وَیَقُولُونَ هُوَ اُذُنٌ قُلْ اُذُنُ_التوبة 61.

ص: 251

و قال عمر فی صلح الحدیبیة : ما شککت إلا یومئذ ((1)) .

_ وقال عمر فی زمن حکمه: لابن عباس عن صلح الحدیبیة:

ارتبت ارتیابا لم أرتبه منذ أسلمت إلا یومئذ ، ولو وجدت ذلک الیوم شیعة تخرج عنهم رغبة عن القضیة لخرجت ((2)) . ثائرا علی النبی والمسلمین لیقتلهم !!! أی أن عمر لو وجد أنصارا لثار بهم وقتل النبی محمداً صلی الله علیه و آله و المسلمین وأعاد الحکم الجاهلی , لأنه ارتاب فی ذلک الیوم وشکک فی صحة رسالة النبی صلی الله علیه و آله !!!

_ وقال عمر: وخشیت أن ینزل فیّ قرآن ((3)).

ص: 252

بسبب الافعال الکثیرة المعادیة للنبی والمخالفة لبیعة علی علیه السلام خلیفة واماماً التی ارتکبها فی الحدیبیة ایام بیعة الرضوان .

: ولمَّا جعل عمر یردُّ علی رسول الله صلی الله علیه و آله الکلام قال له أبو عبیدة بن الجراح ألا تسمع یا ابن الخطاب رسول الله صلی الله علیه و آله ما یقول، نعوذ بالله من الشیطان الرجیم. وقال الرسول صلی الله علیه و آله یومئذ عن بنود صلح الحدیبیة: یا عمر إنِّی رضیت وتأبی ((1)) ؟

حتی ابن الجراح المحسوب علی رجال السقیفة لم یتحمل اعمال عمر المضادة للنبی صلی الله علیه و آله فانتفض معارضا له فی الحدیبیة .

وروی أنه عندما لم یقم أحد من الناس للمبادرة بامتثال أمر النبی صلی الله علیه و آله لما قال لهم : قوموا فانحروا وحلقوا " دخل علیه وآله السلام علی أم سلمة ( التی کانت معه یومئذ ) وهو شدید الغضب فاضطجع، فقالت: ما لک یا رسول الله, مرارا، وهو صلی الله علیه و آله لا یجیبها، وذکر لها ما لقی من الناس، وقال لها: هلک المسلمون، أمرتهم أن ینحروا ویحلقوا، فلم یفعلوا .

فعمر لم یکن مستثنی من الناس فی أمر النبی صلی الله علیه و آله بالنحر والحلق، ولم یقم عمر، وعصی مع معظم الصحابة امتثال أمر النبی صلی الله علیه و آله .

ص: 253

وقد روی البخاری ((1)) أن النبی

صلی الله علیه و آله نادی عمر وقال له: " لقد أنزلت علیَّ سورة هی أحب إلی مما طلعت علیه الشمس ". ثم قرأ:

{إنا فتحنا لک فتحا مبینا } ((2)) .

فقال رجل من أصحابه(عمر) : ما هذا بفتح، لقد صددنا عن البیت، وصد هدینا، ورد رجلان من المؤمنین کانا خرجا إلینا ! !

فقال النبی صلی الله علیه و آله " بئس الکلام هذا، بل هو أعظم فتح، قد رضی المشرکون أن یدفع وکم بالبراح عن بلادهم، ویسألوکم القضیة، ویرغبوا إلیکم فی الأمان، وقد رأوا منکم ما کرهوا، وأظفرکم الله علیهم، وردکم سالمین مأجورین، فهو أعظم الفتوح. أنسیتم یوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون علی أحد وأنا أدعوکم فی أخراکم؟! أنسیتم یوم الأحزاب (إذ جاؤوکم من فوقکم ومن أسفل منکم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا .

فقال المسلمون: " صدق الله ورسوله، والله یا نبی الله ما فکرنا فیما فکرت فیه، ولأنت أعلم بالله وبأمره منا ((3)) .

ص: 254

وقال نجاح الطائی : کان هذا هو حال معظم الصحابة فی عصیانهم الاوامر النبویة .

لکن معظم علماء المخالفین ینادون بعصمة الصحابة

واستحقاقهم الجنة مخالفة منهم للقرآن وأحادیث النبی صلی الله علیه و آله .

{ أفَلا یَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أمْ عَلَی قُلُوب أقْفَالُهَا } 24 _سورة محمد.

سهل التستری : إن اللَّه تعالی خلق القلوب وأقفل علیها بأقفال , وجعل مفاتیحها حقائق الإیمان , فلم یفتح بتلک المفاتیح علی التحقیق إلا قلوب أولیائه والمرسلین صلوات اللَّه علیهم أجمعین والصدیقین وسائر الناس یخرجون من الدنیا ((1)) .

الشریف الرضی : وهذه استعارة . والمراد : أم قلوبهم کالأبواب المقفلة , لا تنفتح لوعظ واعظ , ولا یلج فیها عذل عاذل ((2)) .

ص: 255

قال أبو عبد الله علیه السلام : یا سلیمان إن لک قلبا ومسامع ، وإن الله إذا أراد أن یهدی عبدا فتح مسامع قلبه ، وإذا أراد به غیر ذلک ختم مسامع قلبه فلا یصلح أبدا ، وهو قول الله عز وجل " أم علی قلوب أقفالها " ((1)) .

عنه ، عن فضالة بن أیوب ، عن القاسم بن یزید ، عن سلیمان بن خالد قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : إذا أراد الله بعبد خیرا نکت فی قلبه نکتة بیضاء ، فجال القلب یطلب الحق ، ثم هو إلی أمرکم أسرع من الطیر إلی وکره ((2)) .

و عنه ، عن ابن فضال ، عن علی بن عقبة ، عن أبیه قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : اجعلوا أمرکم لله ولا تجعلوه للناس ، فإنه ما کان لله فهو لله ، وما کان للناس فلا یصعد إلی الله ، فلا تخاصموا الناس لدینکم فإن المخاصمة ممرضة للقلب ، إن الله قال لنبیه صلی الله علیه و آله : " إنک لا تهدی من أحببت ولکن الله یهدی من یشاء " وقال : " أفأنت تکره الناس حتی یکونوا مؤمنین " ذر الناس فإن الناس أخذوا عن الناس وإنکم أخذتم عن رسول الله

ص: 256

صلی الله علیه و آله وعلی علیه السلام ولا سواء ، إنی سمعت أبی یقول : إن الله إذا کتب علی عبد أن یدخل فی هذا الامر کان أسرع إلیه من الطیر إلی وکره ((1)) .

عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : لا تخاصموا الناس فإن الناس لو استطاعوا أن یحبونا لأحبونا ، إن الله أخذ میثاق شیعتنا یوم أخذ میثاق النبیین ، فلا یزید فیهم أحدا أبدا ولا ینقص منهم أحدا أبدا ((2)) .

وعن محمد بن القاسم الهاشمی قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : قال رسول الله صلی الله علیه و آله من أصبح من أمتی وهمه غیر الله فلیس من الله ((3)) .

و عنه ، عن أبیه رفعه قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : من أراد أن یعلم ماله عند الله فلینظر ما لله عنده ((4)) .

وقال نجاح الطائی : تعنی لماذا لا یتدبرون القرآن ویستفیدون منه أم ان قلوبهم مقفلة من کثرة الذنوب .مما یعنی وجوب الاستغفار وفعل الخیر للوصول الی رضا الباری تعالی ورضا الناس .

ص: 257

{ إنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلَی أدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمْ الهُدَی الشیطان سَوَّلَ لَهُمْ وَأمْلَی لَهُمْ } 25 _سورة محمد.

{ إنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلَی أدْبَارِهِمْ } : فلان وفلان وفلان ((1))ارتدوا عن الایمان فی ترک ولایة أمیر المؤمنین { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمْ الهُدَی } .

ولایة علی: (وسبیل علی علیه السلام ) ((2)) . الشَّیْطَانُ . سَوَّلَ لَهُمْ وَأمْلَی لَهُمْ: 25

وفی نفس الموضوع قال تعالی : {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ علی أعْقَابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ علی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللّهَ شَیْئاً وَسَیَجْزِی اللّهُ الشَّاکِرِینَ: } ((3)) .

هؤلاء عرفوا علیا علیه السلام هو الهدی لکنهم اغتصبوا خلافته بأمر الشیطان.

وقال عمر عن معرکة أحد :إنها أحدیة، ثم قال: فتفرقنا عن رسول الله فصعدت الجبل((4)).

ص: 258

وقد علم رسول الله صلی الله علیه و آله بارتداد أکثر الصحابة من بعده وانغماسهم فی الدنیا قائلاً : {لا ترجعوا بعدی کفاراً یضرب بعضکم رقاب بعض} ((1)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : {أقبلت الفتن کقطع اللیل المظلم} ((2)) .

ولا ینجو من هؤلاء الصحابة إلاّ القلیل, إذ قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

{فلم یفلت منهم إلاّ کمثل همل النعم} ((3)) .

ص: 259

وقال الجوهری : والهمل, الإبل التی ترعی بلا راع مثل النفش إلاّ أنّ النفش لا یکون إلاّ لیلاً والهمل یکون لیلاً ونهاراً ((1)) .

وقد طرح الرسول صلی الله علیه و آله قضیة ارتداد الصحابة من بعده فی حجة الوداع مترابطة مع طرحه ضرورة التمسک بالثقلین .

وعن التسمیة بمحمد قال الإمام العینی : کان عمر کتب الی أهل الکوفة : لا تسموا أحداً باسم نبی وأمر جماعة بالمدینة بتغییر أسماء أبنائهم المسمین بمحمد حتی ذکر له جماعة من الصحابة أنه (النبی) أذن لهم فی ذلک فترکهم((2)) .

وسار الأمویون علی هذا المنهج فقتلوا کل من تسمی بعلی ((3)) .

ص: 260

{ ذَلِکَ بِأنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِینَ کَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّهُ سَنُطِیعُکُمْ فِی بَعْضِ الأمْرِ وَاللّهُ یَعْلَمُ إسْرَارَهُمْ }: 26 _سورة محمد.

{ ذَلِکَ بِأنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِینَ کَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّهُ } : فی علی علیه السلام { سَنُطِیعُکُمْ فِی بَعْضِ الأمْرِ } . فحصل الاتفاق علی اغتصاب الخلافة من الامام علی علیه السلام وجعلها فی قبائل قریش بالتناوب .

وقال الصادق علیه السلام : نزلت والله فیهما (الاول والثانی) وفی أتباعهما .

{ وَاللّهُ یَعْلَمُ إسْرَارَهُمْ } ((1)) . والسر بغض علی علیه السلام , فماج الناس فی ذلک القول من رسول الله( صلی الله علیه و آله )فی علی علیه السلام , وقالوا فأکثروا القول .

فلما انصرف رسول الله( صلی الله علیه و آله )إلی المدینة خطب أصحابه , وقال : إن الله تعالی اختص علیا بثلاث خصال لم یُعطها أحدٌ من الأولین والآخرین , فاعرفوها , فإنه الصدیق الأکبر , والفاروق الأعظم , أید الله به الدین وأعز به الإسلام ونصر به نبیکم .

فقام إلیه عمر بن الخطاب , وقال : ما هذه الخصال الثلاث التی أعطاها الله علیا , ولم یعطها أحدا من الأولین والآخرین ؟ فقال رسول الله: صلی الله علیه و آله : اختص علیا بأخ مثل نبیکم محمد خاتم النبیین لیس لأحد أخ مثلی , واختصه بزوجة مثل فاطمة ولم یختص أحدا بزوجة مثلها , واختصه بابنین

ص: 261

مثل الحسن والحسین سیدی شباب أهل الجنة ولیس لأحد ابنان مثلهما , فهل تعلمون له نظیرا , أو تعرفون له شبیها ؟

إن جبرئیل نزل علیَّ یوم احد فقال : یا محمد , اسمع : لا سیف إلا ذو الفقار , ولا فتی إلا علی یعلمنی أنه لا سیف کسیف علی , ولا فتی هو کعلی , وقد نادی قبل ذلک یوم بدر ملک یقال له رضوان , من السماء الدنیا , لا سیف إلا ذو الفقار , ولا فتی إلا علی: إن علیا سید المتقین ، وأمیر المؤمنین ، وقائد الغر المحجلین ، لا یبغضه من قریش إلا دعی ، ولا من العرب إلا شقی ، ولا من سائر الناس إلا بغی((1)) .

وفی الکافی عن الصادق علیه السلام فی هذه الآیة : ( قال فلان وفلان ارتدا عن الایمان فی ترک ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام . قال نزلت والله فیهما وفی أتباعهما وهو قول الله عز وجل الذی نزل به جبرئیل علیه السلام علی رسول الله صلی الله علیه و آله ذلک بأنهم قالوا للذین کرهوا ما نزل الله فی علی سنطیعکم فی بعض الامر قال دعوا بنی أمیة إلی میثاقهم الا یصیروا الامر فینا بعد النبی ( صلی الله علیه و آله ) ولا یعطونا من الخمس شیئا وقالوا إن أعطیناهم إیاه لم یحتاجوا إلی شئ ولم یبالوا أن لا یکون الامر فیهم فقالوا سنطیعکم فی بعض الامر الذی دعوتمونا إلیه وهو الخمس أن لا نعطیهم منه شیئا والذی نزل الله ما افترض علی خلقه من ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام وکان معهم أبو عبیدة وکان کاتبهم

ص: 262

فأنزل الله :{ أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون أم یحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجویهم } الآیة .

وقال المفسر القمی ما فی معناه : الشیطان سول لهم یعنی الثانی ((1)) .

وفی المجمع عنهما ( علیهما السلام ) انهم بنو أمیة کرهوا ما نزل الله فی ولایة علی علیه السلام ) ((2)) .

{ فَکَیْفَ إذَا تَوَفَّتْهُمُ المَلائِکَةُ یَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأدْبَارَهُمْ27 ذَلِکَ بِأنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أسْخَطَ اللّهَ وَکَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأحْبَطَ أعْمَالَهُمْ . } _ سورة محمد 28 .قال : وأخرج ابن المنذر عن مجاهد فی قوله :

(یضربون وجوههم وأدبارهم) : قال : یضربون وجوههم وأستاهم ولکن الله کریم یکنی. ثم أکد السیوطی علی أن المقصود بهذه الآیات من المنافقین هم مبغضو علی بن أبی طالب علیه السلام : (علیهما السلام) .

فقال - بعد هاتین الروایتین - :

أخرج ابن مردویه عن ابن مسعود قال : (ما کنا نعرف المنافقین علی عهد

ص: 263

رسول الله صلی الله علیه و آله : إلا ببغضهم علی بن أبی طالب علیه السلام ) ((1)) .

{ ذَلِکَ بِأنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أسْخَطَ اللّهَ }: یعنی موالاة فلان وفلان ظالمی أمیر المؤمنین: { وَکَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأحْبَطَ أعْمَالَهُمْ28 } ((2)) .

هؤلاء هم مبغضو علی علیه السلام الذین کرهوا ولایته وخلافته .

وتسوق الملائکةُ الکافرین وتضربهم من الامام فی الوجوه ومن الخلف علی الادبار . و قال الامام الباقر علیه السلام : أمر الله تعالی بولایة علی علیه السلام یوم بدر ویوم حنین وببطن نخلة ویوم الترویة , نزلت فیه اثنتان وعشرون آیة فی الحجة التی صُدَّ فیها رسول الله صلی الله علیه و آله عن المسجد الحرام بالجحفة وبخم ((3)) . وروی الفقیه الشافعی السیوطی فی تفسیره قال : وأخرج ابن جریر عن ابن عباس: { إنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلَی أدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمْ الهُدَی الشَّیْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأمْلَی لَهُمْ: } 25 _سورة محمد .

ص: 264

إلی: (إسرارهم) :هم أهل النفاق , ارتدوا بعد اعلان ولایة علی علیه السلام ((1)) .

النتیجة : هذه الآیات المقصود بها - أو أهم مصداق لها - هم مبغضو علی بن أبی طالب علیه السلام . ویکون المقصود بکلمات الهدی و للذین کرهوا رضوانه هو علی بن أبی طالب علیه السلام .

قال : وأخرج ابن المنذر عن مجاهد فی قوله: (یضربون وجوههم وأدبارهم) قال : یضربون وجوههم وأستاهم ولکن الله کریم یکنی .

ثم أکد السیوطی علی أن المقصود بهذه الآیات من المنافقین هم مبغضو علی بن أبی طالب: (علیهما السلام) فقال - بعد هاتین الروایتین - :

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله یوم الحدیبیة وهو آخذ بید علی علیه السلام : هذا أمیر البررة وقاتل الفجرة , منصور من نصره , مخذول من خذله

((2)) .

ص: 265

واخرج مسلم و الترمذی عن ابی سعید الخدری قال :

( کنا نعرف المنافقین ببغضهم علیاً) ((1)).

ص: 266

وقال نجاح الطائی : لقد حاولت الحکومات الامویة والعباسیة اعطاء الصحابة عصمة لا یحدها حد بغضا منهم لاهل البیت المعصومین , لکن القرآن الکریم بین منزلة الصحابة الحقیقیة فی مخالفة معظمهم لله ولرسوله.

وهذه الایة من الایات الکریمة التی فضحتهم وکشفت امرهم للعالم کی لا یقول المسلم فی الاخرة لم اعرف الحقیقة .

{ أمْ حَسِبَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أنْ لَنْ یُخْرِجَ اللّهُ أضْغَانَهُمْ29

وَلَوْ نَشَاءُ لاَرَیْنَاکَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِیمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ القَوْلِ وَاللّهُ یَعْلَمُ أعْمَالَکُمْ } 30 _سورة محمد.

ص: 267

بغضهم لعلی علیه السلام فکل من یکره علیا علیه السلام وینطق بذلک فهو من المنافقین ((1)) . بینهم الله تعالی للعلن وفضحهم علی رؤوس الاشهاد .

قال جابر بن عبد الله : لما نصَّب رسول الله صلی الله علیه و آله علیاً یوم غدیر خم قال قوم : ما باله یرفع بضبع ابن عمه

((2)) جعله مثلا لعیسی بن مریم _الآیة . لَنْ یُخْرِجَ اللّهُ أضْغَانَهُمْ) ((3)) .

وقال الشوکانی وابو نعیم الاصبهانی وابن عساکر : قال ابو سعید الخدری کنّا نعرف المنافقین ببغض علی بن أبی طالب علیه السلام ((4)) .

ص: 268

وروی الفقیه الشافعی السیوطی فی تفسیره قال : أخرج ابن مردویه وابن عساکر عن أبی سعید الخدری فی قوله: (ولتعرفنهم فی لحن القول) .

قال : ببغضهم علی بن أبی طالب علیه السلام ((1)) .

وممن أخرج ذلک أیضاً فقیه العراقین , مفتی الشافعیة , محمد بن یوسف ابن محمد القرشی الکنجی فی کفایته , ونقله عن تاریخ ابن عساکر أیضاً ((2)). معاجز الباری کثیرة منها : العلامة الالهیة العجیبة والنادرة تتمثل فی معرفة المنافقین فی بغضهم للامام علی علیه السلام .وسوف تبقی العلامة الی یوم القیامة فهی من معاجز الله تعالی فی الارض .

ص: 269

وقال أمیر المؤمنین (مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَیْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِی فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ) .

{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ} أی: لا بد أن یظهر ما فی قلوبهم، ویتبین بفلتات ...

محمد بن علی أو غیره ، رفعه قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أکان حذیفة بن الیمانی یعرف المنافعین ؟ - فقال : أجل کان یعرف إثنی عشر رجلا وأنت تعرف إثنی عشر ألف رجل ، إن الله تبارک وتعالی یقول : " ولتعرفنهم بسیماهم ، ولتعرفنهم فی لحن القول " فهل تدری ما لحن

القول ؟ - قلت : لا والله ، قال : بغض علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) ورب الکعبة (1) .

وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ} : کی یستقر ظنک أو وهمک من غیر ظن ولا یقین .

وقال العزیزی : فحوی القول ، وقال الهروی : فی نحوه وقصده وأنشدوا للقتال الکلابی : ولقد لحنت لکم لکیما تفهموا ولحنت لحنا لیس بالمرتاب

وفی روایة : « ووحیت وحیا لیس بالمرتاب » (2).

ص: 270

و فیه : « اقرؤوا القرآن بلحون العرب و أصواتها ، و إیّاکم و لحون أهل العشق و لحون أهل الکتابین » .

أی أن الله لو شاء لجعل نبیَّه یری کذب هؤلاء من خلال تقاسیم وجههم: (سیماهم) أی السمات والملامح التی ترتسم علی الوجه، وهذه إشارة واضحة إلی طریقة کشف الکذب من خلال الوجه.

أی أن هذه الآیة تؤکد أنه یمکن کشف الکذب من خلال تقاسیم الوجه، وهو ما یستخدمه العلماء الیوم من خلال أجهزتهم .

قام باحثون بتسجیل صوتی لإنسان وهو یتحدث بصدق، وفی اللحظة التی یکذب فیها کانت الترددات الصوتیة الصادرة عنه تتغیر، أی أن الموجات الصوتیة التی یسجلها الجهاز لها شکلان:

الشکل الأول هو حالة الصدق، والشکل الثانی هو حالة الکذب. وقد کان واضحاً الفرق بینهما.

والمذهل أن القرآن أشار إلی هذه الحقیقة العلمیة فی قوله تعالی: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد: 30]. ففی هذه الکلمات إشارة واضحة إلی معرفة أو کشف الکذب من خلال الصوت: (لَحْنِ الْقَوْلِ)، واللحن هو التغیر الطفیف فی الصوت أثناء الکلام. ولذلک فإن الآیة أشارت إلی طریقة کشف الکذب من خلال الصوت قبل أن یکتشفها العلماء بأربعة عشر قرناً .

{ وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتَّی نَعْلَمَ المُجَاهِدِینَ مِنْکُمْ وَالصَّابِرِینَ وَنَبْلُوَ أخْبَارَکُمْ } 31 _سورة محمد.

ص: 272

عن النزّال بن سبرة ، قال : قیل لعلیّ [ علیه السلام

] : یا أمیر المؤمنین إنّ هاهنا قوماً یقولون : إنّ الله تعالی لا یعلم ما یکون حتّی یکون ، فقال علیه السلام : ثکلتهم أُمّهاتهم من أین قالوا هذا ؟

قیل: یتأوّلون القرآن فی قوله : { وَلِنَبْلُوَنَّکُمْ حَتّی نَعْلَمَ الُمجاهدین مِنْکُمْ وَالصَّابِرِینَ وَنَبْلُوَا أَخْبَارَکُمْ } . فقال علی علیه السلام : من لم یعلم هلک ، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنی علیه ، وقال : یا أیّها الناس تعلّموا العلم واعملوا به وعلّموه ، ومن أُشکل علیه شیء من کتاب الله فلیسألنی ، بلغنی أنّ قوماً یقولون : إنّ الله لا یعلم ما یکون حتّی یکون لقوله { وَلِنَبْلُوَنَّکُمْ حَتّی نَعْلَمَ المجَاهِدِینَ } وإنّما قوله تعالی : { حَتّی نَعْلَمَ } یقول : حتّی نری من کتب علیه الجهاد والصبر ، إن جاهد وصبر علی ما نابه وأتاه مما قضیت علیه ((1)) .

وقال الراوندی : قوله علیه السلام : ( ولا أظن الله یعرفه ) ، مثل قوله تعالی : ( ولنبلونکم حتی نعلم المجاهدین منکم والصابرین ) .

ص: 273

والله یعلم کل شئ قبل وجوده ، وإنما معناه حتی نعلم جهادهم موجودا ، ولیست هذه الکلمة من الآیة بسبیل لتجعل مثالا لها ، ولکن الراوندی یتکلم بکل ما یخطر له من غیر أن یمیز ما یقول ((1)).

وقال تعالی :

Ø أوَلا یَعْلَمُونَ أنَّ اللّهَ یَعْلَمُ مَا یُسِرُّونَ وَمَا یُعْلِنُونَ77_البقرة.

Ø وَعَسی أنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَهُوَ خَیْرٌ لَکُمْ وَعَسَی أنْ تُحِبُّوا شَیْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَکُمْ وَاللّهُ یَعْلَمُ وَأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 216_البقرة.

Ø یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا یُحِیطُونَ بِشَیْء مِنْ عِلْمِهِ_البقرة 255 .

Ø لِتَعْلَمُوا أنَّ اللّهَ یَعْلَمُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ وَأنَّ اللّهَ بِکُلِّ شَیْء عَلِیمٌ 97_المائدة.

Ø وَهُوَ اللّهُ فِی السَّمَاوَاتِ وَفِی الأرْضِ یَعْلَمُ سِرَّکُمْ وَجَهْرَکُمْ وَیَعْلَمُ مَا تَکْسِبُونَ3*_الانعام.

Ø اللّهُ یَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ کُلُّ اُنثَی وَمَا تَغِیضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَکُلُّ شَیْء عِنْدَهُ بِمِقْدَار 8_الرعد.

ص: 274

Ø بینما خالف العصاة والنواصب هذه المعرفة الالهیة بافعالهم وما یخفون فتراهم یعملون ما تخجل البشریة من ذکره .

وروی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی : حدثنا الحاکم أبو عبد الله الحافظ عن الحرث بن حصیرة , عن أبی صادق , عن ربیعة بن ناجز , عن علی علیه السلام قال : (سورة محمد آیة فینا وآیة فی بنی أمیة )

((1)) .

{ إنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ الهُدَی لَنْ یَضُرُّوا اللّهَ شَیْئاً وَسَیُحْبِطُ أعْمَالَهُم }32 _سورة محمد. أبو شبرمة ، قال : ( دخلت أنا وأبو حنیفة علی أبی عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام . فسأله رجل عن قول الله تعالی: { یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِی السِّلْمِ کَافَّةً } 208_البقرة. .

فقال : السلم والله ولایة علی بن أبی طالب من دخل فیها سلم .

قال وقوله تعالی : ( ولا تتبعوا خطوات الشیطان ) یعنی من فارق علیا علیه السلام . قال : وکل شیطان ذکر فی کتابه فهو رجل بعینه معروف سماه شیطانا . وانه قال علیه السلام فی قول الله تعالی : ( الذین کفروا وصدوا عن سبیل الله أضل اعمالهم ) . قال : یعنی صدوا عن ولایة علی علیه السلام ، وعلی علیه السلام هو السبیل .

ص: 275

وقال فی قول الله تعالی : ( الذین کفروا وظلموا لم یکن الله لیغفر لهم ولا لیهدیهم طریقا ، إلا طریق جهنم ) .

قال : الذین کفروا بولایة علی علیه السلام وظلموا آل محمد ، ولا یهدیهم الله

إلی ولایتهم ولا ( یتولون ) إلا أعداءهم الذین هم الطریق إلی جهنم ) ((1)). تفسیر علی بن إبراهیم : ( الذین کفروا وصدوا عن سبیل الله أضل أعمالهم ) نزلت فی أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله الذین ارتدوا بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وغصبوا أهل بیته حقهم وصدوا عن أمیر المؤمنین علیه السلام ولایة الأئمة:

( أضل أعمالهم ) . . أی أبطل ما کان تقدم منهم مع رسول الله صلی الله علیه و آله من الجهاد والنصرة ((2)) .

{ وشاقوا الرسول } : أی قطعوه فی أهل بیته بعد أخذ المیثاق علیهم له ((3)) . { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ الهُدَی }: أمر علی بن أبی طالب

((4)) .

ص: 276

روی الحافظ سلیمان القندوزی الحنفی عن الحافظ أبی بکر بن مردویه فی کتاب: (المناقب) . فی قوله تعالی: (وشاقوا الرسول من بعد ما تبین لهم الهدی) . یهلکهم الله تعالی فی الدنیا والاخرة .

وروی عن رسول الله صلی الله علیه و آله انه قال : تبین لهم الهدی فی أمر علی علیه السلام ((1)) . وأخرج نحواً منه علامة الأحناف الکشفی الترمذی فی مناقبه عن علی علیه السلام ((2)) .

وقال نجاح الطائی: المرتدون العصاة لله ورسوله والائمة تفننوا فی محاربة الدین الالهی والتعالیم الاسلامیة موجدین شریعة خاصة بهم یعینون من یریدون خلیفة ویهلکون من أراده الله تعالی .

ویغیرون شریعة الله باسم الاجتهاد فی الدین ویحرفون ویقتلون ویحرقون الدور ویخربون الزروع . هؤلاء المتمردون علی کتاب الله ورسوله فضحهم الباری فی کتابه الکریم .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أطِیعُوا اللّهَ وَأطِیعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أعْمَالَکُمْ } 33 _سورة محمد : أخرج العالم الحنفی محمد الصبان المصری فی اسعاف الراغبین بسنده عن ابن عباس , قال : ما أنزل الله: (یاأیها الذین

ص: 277

آمنوا) . إلا وعلی أمیرها وشریفها , ولقد عاتب الله أصحاب محمد صلی الله علیه و آله فی غیر مکان وما ذکر علیاً إلا بخیر

((1)) .

وقال جعفر بن محمد علیهما السلام فی قوله تعالی : ( یا أیها الذین آمنوا أطیعوا الله وأطیعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالکم ) یعنی إذا أطاعوا الله وأطاعوا الرسول ما یبطل أعمالکم ، وقال :عداوتنا تبطل أعمالهم ((2)) .

وقال نجاح الطائی : الکثیر من الناس یصلون ویصومون لکنهم: یبطلون أعمالهم ببغض أهل بیت النبوة وتفضیل الصحابة علیهم .

{ إنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ کُفَّارٌ فَلَنْ یَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } 34 _سورة محمد.قال الحسن بن الحسن علیهما السلام : إذا أردت أن تعرفنا وبنی أمیة فاقرأ سورة: (الذین کفروا) . آیة فینا وآیة فیهم إلی آخر السورة ((3)) .

ص: 278

قال : یعنی صدوا عن ولایة علی علیه السلام ، وعلی علیه السلام هو السبیل . وقال فی قول الله تعالی : ( الذین کفروا وظلموا لم یکن الله لیغفر لهم ولا لیهدیهم طریقا ، إلا طریق جهنم ) ((1)) .

قال : الذین کفروا بولایة علی علیه السلام وظلموا آل محمد ، ولا یهدیهم الله إلی ولایتهم ولا ( یتولون ) إلا أعداءهم الذین هم الطریق إلی جهنم((2)) .

تفسیر علی بن إبراهیم : ( الذین کفروا وصدوا عن سبیل الله أضل أعمالهم ) ((3)) .

نزلت فی أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله الذین ارتدوا بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وغصبوا أهل بیته حقهم وصدوا عن أمیر المؤمنین علیه السلام ولایة الأئمة ( أضل أعمالهم ) . . أی أبطل ما کان تقدم منهم مع رسول الله صلی الله علیه و آله من الجهاد والنصرة ((4)) .

وقال نجاح الطائی : أصول الایمان عند المسلم هی التوحید والنبوة والامامة والمعاد فمن آمن بها فهو مؤمن ومن کفر بواحدة منها فهو کافر فی الاخرة ویحشر مع الکافرین .

ص: 279

لکن من یؤمن بالتوحید والنبوة یسمی فی الدنیا مسلم .

{ فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَی السَّلْمِ وَأنْتُمُ الأعْلَوْنَ وَاللّهُ مَعَکُمْ وَلَنْ یَتِرَکُمْ أعْمَالَکُمْ } 35 _سورة محمد.

قوله: ( وان جنحوا للسلم فاجنح لها ) قال هی منسوخة بقوله : { فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَی السَّلْمِ وَأنْتُمُ الأعْلَوْنَ وَاللّهُ مَعَکُمْ وَلَنْ یَتِرَکُمْ أعْمَالَکُمْ }: ولن ینقصکم أعمالکم .

سمی رب العالمین أهل البیت الاعلون . وفی نص آخر یوبخ تعالی الشیطان علی عدم سجوده لادم قائلا :

: (قَالَ یَا إبْلِیسُ مَا مَنَعَکَ أنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِیَدَیَّ أاسْتَکْبَرْتَ أمْ کُنتَ مِنَ العَالِینَ)

((1))

: العالون هم أهل البیت .

سأل رجل رسول الله عن قوله: (أاسْتَکْبَرْتَ أمْ کُنتَ مِنَ العَالِینَ) من هم یا رسول الله الذین هم أعلی من الملائکة ؟

فقال رسول الله : أنا وعلی وفاطمة والحسن والحسین کنا فی سرادق العرش نسبح الله فسبحت الملائکة بتسبیحنا قبل ان یخلق الله آدم بالفی عام فلما خلق الله آدم أمر الملائکة أن یسجدوا له

((2)) .

ص: 280

ابن مردویه الشافعی وبریدة : ( قرأ رسول الله صلی الله علیه و آله هذه الآیة :

(فِی بُیُوت أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ) . فقام إلیه رجل فقال : أیّ بیوت هذه یارسول الله ؟ قال صلی الله علیه و آله : بیوت الأنبیاء . فقام إلیه أبو بکر فقال : یارسول الله هذا البیت: (علی وفاطمة ) منها ؟ قال صلی الله علیه و آله : نعم من أفاضلها ) ((1)) .

وحدّثنا أحمد بن القاسم , عن عیسی بن مهران , عن داود بن المجبّر , عن الولید بن محمّد بن زید بن جدعان عن عمه علی بن زید قال : قال عبد الله بن عمر: (کنّا نتفاضل فنقول : أبو بکر وعمر وعثمان , ویقول قائلهم : فلان وفلان. فقال له رجل : یا أبا عبد الرحمن فعلیّ ؟

قال : علی من أهل بیت لا یقاس بهم أحد من الناس , علی مع النبی فی درجته , إن الله عزّ وجلّ یقول : (وَالذَّینَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتهُم ذُرِیَّتُهُم بإیمَان

ص: 281

أَلحَقنَا بِهِم ذُرِّیَّتَهُم)_سورة الطور 21 . ففاطمة ذریة النبی صلی الله علیه و آله وهی معه فی درجته , وعلی مع فاطمة صلّی الله علیهما ((1)).

وسمع احمد بن حنبل هذه الروایة فرواها و اخرج هذه القضیة الکثیر من

علماء الحنفیة والشافعیة

((2)) .

ص: 282

وقال نجاح الطائی : طلب الله تعالی من أهل البیت العالین وهو خطاب للمؤمنین أن یعدوا العدة للحرب والدفاع ولا یتنازلوا للاعداء أبدا ولا یذلوا أنفسهم .

فلا یتنازلوا للیهود باصنافهم الثلاثة : یهود قوم موسی علیه السلام ویهود قوم عیسی علیه السلام ویهود أمتی .

{ إنَّمَا الحَیَاةُ الدُّنْیَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا یُؤْتِکُمْ اُجُورَکُمْ وَلا یَسْألْکُمْ أمْوَالَکُمْ } 36 _سورة محمد.

وقال تعالی: { وَمَا الحَیَاةُ الدُّنْیَا إلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَیْرٌ لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ32 } سورة الانعام .

{وَمَا الحَیَاةُ الدُّنْیَا إلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } لا ینفع شیئاً .

وقال تعالی: { اعْلَمُوا أنَّمَا الحَیَاةُ الدُّنْیَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِینَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَیْنَکُمْ وَتَکَاثُرٌ فِی الأمْوَالِ وَالأوْلادِ کَمَثَلِ غَیْث أعْجَبَ الکُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ یَهِیجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ یَکُونُ حُطَاماً وَفِی الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِیدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الحَیَاةُ الدُّنْیَا إلا مَتَاعُ الغُرُورِ } 20 _ سورة الحدید .

ص: 283

فالتقدیر علی هذا إنما الحیاة الدنیا کاللعب واللهو فی سرعة الانقضاء ، والآخرة کالحقیقة فی اللزوم والامتداد ، فإحداهما کالحقیقة ، والأخری کالمخرقة واحدة یحبها تعالی وواحدة یبغضها تعالی .

وقال نجاح الطائی: ما عدا أعمال المتقین فهو لعب ولهو .

والحیاة الدنیا فی مجملها لعب ولهو فتری اللعب غالبا علیها فی برها وبحرها وسمائها الا عمل المتقین .

فهؤلاء خرجوا من اللعب واللهو الی العمل الصالح الطیب لینطبق علیهم النص القرآنی: { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلا لِیَعْبُدُونِ 56 } سورة الذاریات .

خلق الله سبحانه وتعالی البشریة للعبادة فی مختلف صورها ووجوهها من تسبیح وصلاة ودعاء وعمل صالح لکن الکفار حشروا أنفسهم فی حیاة اللعب واللهو مع النساء والأولاد والخمر والقمار , ولیال قاصفة وسهرات حمراء ,وموائد مسرفة , ورحلات صید مترفة ورقص وغناء ومجون وخلاعة.

ومن مظاهر اللهب واللهو ما اظهره عثمان ومعاویة ویزید والحجاج وأعلن الولید بن یزید الأموی معارضته العلنیة للقرآن الکریم ((1)) عندما تفاءل بالقرآن فخرجت له آیة :

ص: 284

{واستَفَتحُوا وَخَابَ کُلُّ جَبَّار عنید من وَرَآئهِ جَهَنَّمُ ویُسقَی مِن مَّآء

صدِید } ((1)) .

فدعا الولید بالمصحف فنصبه غرضاً للنشاب , وأقبل یرمیه وهو یقول:

أتوعد کل جبار عنید - فها أنذا جبار عنید

إذا ما جئت ربک یوم حشر - فقل یارب خرقنی الولید ((2)) .

واعلن یزید کفره قائلاً:

تلعَّب بالخلافة هاشمی***بلا وحی أتاه ولا کتاب ((3)) .

وقد قال الإمام علی علیه السلام فی بنی أمیة: والله لا یزالون حتی لا یدعوا لله حراماً إلاّ استحلوه ولا عقداً إلاّ حلوه وحتی لا یبقی بین مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم ((4)) .

وعن أبی سعید عن النبی صلی الله علیه و آله فی هذه الآیة قال: یری أهل النار

ص: 285

منازلهم من الجنة ، فیقولون: یا حسرتنا ((1)) .

{ وَلا یَسْألْکُمْ أمْوَالَکُمْ }:

السمعانی: فیه أقوال: أحدها: ولا یسألکم جمیع أموالکم , إنما یسألکم قدر الزکاة , وهو المعروف .

والقول الثانی: لا یسألکم أموالکم لنفسه , إنما یسألکم لکم :الفقراء والمحتاجین .

والقول الثالث: ولا یسألکم أموالکم ؛ لأنها لیست لکم فی الحقیقة , إنما هی له ((2)) .

وقال نجاح الطائی: شبه الله تعالی الدنیا باللعب واللهو لوجود اللعب واللهو فیها واهتمام معظم الناس بلهوها ولعبها . فقد فضلوا الامر الفانی علی الامر الباقی المتمثل فی الحیاة الاخرة وهی الجنة .

و لا یسألکم الله تعالی الا الحقوق الشرعیة الخمس والزکاة وهی تعود لکم: لفقرائکم ولا تذهب الی الله تعالی .

ص: 286

{ إنْ یَسْألْکُمُوهَا فَیُحْفِکُمْ تَبْخَلُوا وَیُخْرِجْ أضْغَانَکُمْ } 37 _سورة محمد: أی حین تبخلون بأموالکم وتبدون عداوتکم لاهل البیت .

· الحدید: {الذین یبخلون ویأمرون الناس بالبخل ومن یتول فان الله هو الغنی الحمید _ الحدید: 24 .

· القلم : { مناع للخیر معتد أثیم } ((1)) .

· أمالی الصدوق: عن ابن المتوکل ، عن السعد آبادی ، عن البرقی ، عن أبیه ، عن الأزدی ، عن مالک بن أنس قال: قال الصادق علیه السلام : عجبت لمن یبخل بالدنیا وهی مقبلة علیه . أو یبخل بها وهی مدبرة عنه ، فلا الانفاق مع الاقبال یضره ، ولا الامساک مع الادبار ینفعه ((2)) .

· أمالی الصدوق: عن الصادق علیه السلام : قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : أقل الناس راحة البخیل ، وأبخل الناس من بخل بما افترض الله علیه ((3)) .

· أمالی الصدوق: عن الصادق علیه السلام قال: إن کان الخلف من الله عز وجل حقا فالبخل لماذا ((4)) .

ص: 287

الخصال ((1)) أمالی الصدوق: عن محمد بن أحمد الأسدی ، عن أحمد بن محمد العامری عن إبراهیم بن عیسی السدوسی ، عن سلیمان بن عمرو ، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسین ، عن أبیها قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إن صلاح أول هذه الأمة بالزهد والیقین ، وهلاک آخرها بالشح والأمل ((2)) .

وقال تعالی: (یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إذَا نَاجَیْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْوَاکُمْ صَدَقَةً ((3)) .

وقال الإمام علی علیه السلام : إنَّ فی کتاب الله لآیة ما عمل بها أحد قبلی ولا یعمل بها أحد بعدی , کان معه دینار فباعه بعشرة دراهم واعطاه المساکین وسأل منه (النبی) عشرة مسائل ((4)) .

ص: 288

وقوله تعالی: أأشْفَقْتُمْ أنْ تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْوَاکُمْ صَدَقَات فَإذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللّهُ عَلَیْکُمْ فَأقِیمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّکَاةَ وَأطِیعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاللّهُ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 13 ((1)) .

الحسکانی الحنفی: روی الحافظ الحسکانی الحنفی قال: الحبری اسناده عن مجاهد , قال: قال علی ( علیه السلام ): آیة فی القرآن لم یعمل بها أحد قبلی , ولم یعمل بها أحد بعدی , أنزلت آیة النجوی , فکان عندی دینار فبعته بعشرة دراهم , فکنت إذا أردت أن أناجی النبی صلی الله علیه و آله تصدقت بدرهم , حتی فنیت , ثم نسخته الآیة التی بعدها ((2)) .

ص: 289

وروی أبو جعفر محمد بن جریر الطبری , فی تفسیره روایات عدیدة فی ذلک , ومنها عن مجاهد فی قوله تعالی: (فقدموا بین یدی نجواکم صدقة) .

قال: نهوا عن مناجاة النبی صلی الله علیه و آله حتی یتصدقوا , فلم یناجه إلا علی بن أبی طالب , قدم دیناراً فتصدق به((1)) .

الاحفاء الاجهاد وتحمیل المشقة ، والمراد بالبخل_ کما قیل_ الکف عن الاعطاء ، والأضغان الأحقاد .

والمعنی: إن یسألکم جمیع أموالکم فیجهدکم بطلب کلها کففتم عن الاعطاء لحبکم لها ویخرج أحقاد قلوبکم فضللتم .

الامتحان الالهی یکون فی المال ثم فی النساء ثم فی السلطة لکن معظم الصحابة فشلوا فی الامتحان الاول حین لم یعطوا مالا لنجوی النبی صلی الله علیه و آله .

وفی النساء فشلوا اذ تمنی طلحة موت النبی صلی الله علیه و آله لیتزوج عائشة کما قال. وکان طلحة بن عبیدالله قد أعلن رغبته فی موت رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) سریعاً

ص: 290

لیتزوّج عائشة قائلا: إن قبض النبی ( صلی الله علیه و آله )لننکحنّ أزواجه من بعده ، فما جعل الله محمّداً أحقّ ببنات عمّنا منّا .

وجاء: قالوا غضب طلحة وقال: یحرِّم محمّد علینا نساءه ویتزوّج هو نساءنا ، لئن أمات الله محمّداً لنرکضن بین خلاخیل نسائه کما رکض بین خلاخیل نسائنا ، وقال : لأتزوّج عائشة ((1)).

فأنزل الله تعالی قوله الشریف: (وَمَا کَانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْکِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِکُمْ کَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِیماً) ((2)).

وکان المفروض بعائشة هجاء طلحة والابتعاد عنه لأقواله الشیطانیة ورغبته العلنیة فیها فی عهد النبی صلی الله علیه و آله وأمام الصحابة . وکان لا یستحی منهم ولا یخاف من الله تعالی مما یبین تحلله من الشریعة .

لکنّها امتنعت من رده بعنف لتأدیبه ثم مدحته أمام الملأ العام , وفضلته علی الصحابة لنیل منصب الخلافة بعد وعزل الخلیفة علی علیه السلام !! وسارت مع طلحة فی طریق طویل لمدة شهر بلیالیه ونهاره ولم تکن زوجته معه , وهو

ص: 291

لا یعتقد بحرمة نساء النبی !! وکثرت الاشاعات الصادرة من قبل المنافقین فی جیشها حول سفرهما الطویل ومیله الیها .

وقد شارک طلحة فی معرکة الجمل لقتل الامام علی علیه السلام بینما فرَّ فی کل معارک النبی صلی الله علیه و آله مع الکفار والیهود !!! (1) .

وقد انتقم تعالی منه سریعاً بازهاق روحه فی معرکة الجمل فی البصرة علی ید حلیفه الخائن مروان بن الحکم . ولما حَّرر الامام علی علیه السلام عائشة من الاسر عادت الی المدینة بدون طلحة وبدون الزبیر زوج أختها أسماء .

فهدأت لها الاوضاع السیاسیة , لکنها عادت فقادت جیشا من منافقی المدینة لمنع دفن الامام الحسن علیه السلام مع جده المصطفی علیه السلام فی غرفته الخاصة به , بینما دفنت أباها وعمر فی تلک الغرفة من دون اذن من فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و آله . ومنعت من دفن الحسن علیه السلام فی غرفة أمه فاطمة علیها السلام (2) وهی ملک له وللحسین علیهما السلام وزینب .

{ هَا أنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ فَمِنْکُمْ مَنْ یَبْخَلُ وَمَنْ یَبْخَلْ فَإنَّمَا یَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللّهُ الغَنِیُّ وَأنْتُمُ الفُقَرَاءُ وَإنْ تَتَوَلَّوْا یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَکُمْ ثُمَّ لا یَکُونُوا أمْثَالَکُمْ } 38 _سورة محمد

ص: 292

: کان بعض الصحابة مشهورا بالبخل مثل عثمان بن عفان فقد أعطی بیت المال الخاص بالمسلمین لبنی أمیة وحجره لکبیرهم وصغیرهم وکلهم معروف بالفسق والفجور متسببا فی ثورة شعبیة ضده , وقطع مرتبات عبد الله بن مسعود وحذیفة وعمار بن یاسر ومنع المسلمین من قوتهم (1) .

وَإنْ تَتَوَلَّوْا: عن ولایة أمیر المؤمنین علی علیه السلام (یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَکُمْ ) . یدخلهم فی هذا الأمر {ثُمَّ لا یَکُونُوا أمْثَالَکُمْ }38 فی معاداتهم وخلافهم وظلمهم لآل رسول الله صلی الله علیه و آله ((2)) .

وقال علی بن إبراهیم: ( ویخرج اضغانکم ) قال: العداوة التی فی صدورکم ثم قال ( ها أنتم هؤلاء ) معناه أنتم یا هؤلاء ( تدعون لتنفقوا فی سبیل الله_ إلی قوله_ وان تتولوا ) عن ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام .

( یستبدل قوما غیرکم ) قال: یدخلهم فی هذا الامر ( ثم لا یکونوا

أمثالکم ) فی معاداتکم وخلافکم وظلمکم لآل محمد صلی الله علیه و آله .

حدثنی محمد بن عبد الله عن أبیه عبد الله بن جعفر عن السندی بن محمد عن یونس بن یعقوب عن یعقوب بن قیس قال قال أبو عبد الله علیه السلام : یا بن

ص: 293

قیس: { وَإنْ تَتَوَلَّوْا یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَکُمْ ثُمَّ لا یَکُونُوا أمْثَالَکُمْ }((1)) عنی أبناء الموالی المعتقین ((2)) .

وقال الامام الصادق علیه السلام : لا یخرج من شیعتنا أحد الا ابدلنا الله به من هو خیر منه , وذلک لأنَّ الله یقول : { وَإنْ تَتَوَلَّوْا یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَکُمْ ثُمَّ لا یَکُونُوا أمْثَالَکُمْ} ((3)) .

الزیعلی: ح 423 : روی أن رسول الله صلی الله علیه و آله سئل عنهم یعنی قوله تعالی { فسوف یأتی الله بقوم یحبهم ویحبونه } فضرب علی عاتق سلمان وقال : هذا وذووه ثم قال: لو کان الإیمان معلقا بالثریا لناله رجال من أبناء فارس .

قلت غریب وهذا فی غیر هذه الآیة فروی البخاری ومسلم من حدیث أبی الغیث سالم عن أبی هریرة قال:

کنا جلوسا عند النبی صلی الله علیه و آله فأنزلت علیه سورة الجمعة إلی قوله { وآخرین منهم لما یلحقوا بهم } .

ص: 294

فقیل من هم یا رسول الله فلم یراجعه حتی سأل مرتین أو ثلاث وفینا سلمان الفارسی فوضع رسول الله صلی الله علیه و آله یده علی سلمان ثم قال :

لو کان الإیمان منوطا بالثریا لناله رجال من هؤلاء((1)) .

وروی الترمذی أیضا من حدیث العلاء بن عبد الرحمن عن أبیه عن أبی هریرة أن رسول الله صلی الله علیه و آله تلا قوله تعالی فی آخر سورة القتال { وإن تتولوا یستبدل قوما غیرکم }.

وکان سلمان إلی جنبه قال فضرب علی فخذ سلمان وقال هذا وقومه والذی نفسی بیده لو کان الإیمان منوطا بالثریا لتناوله رجال من أبناء فارس ((2)) .

الطبرسی: وروی أبو بصیر ، عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام ، قال: « ( إِنْ تَتَوَلَّوْا ) ، یا معشر العرب ( یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَکُمْ ) یعنی الموالی »

وعن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام ، قال: « قد والله أبدل [ بهم ] خیرا

ص: 295

منهم ، الموالی » ((1)) .

وقال تعالی :

{یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَأتِی اللّهُ بِقَوْم یُحِبُّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ أذِلَّة عَلَی المُؤْمِنِینَ أعِزَّة عَلَی الکَافِرِینَ یُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَلا یَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِم ذَلِکَ فَضْلُ اللّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِیمٌ} 54_المائدة .

وقال القرطبی: أخبر بما یکون بعده بین العرب ، وقد وجد ذلک بما استؤثر علیهم من الملک والدولة وصار ذلک فی غیرهم من الترک والعجم وتشتتوا فی البوادی بعد أن کان العز والملک والدنیا لهم ببرکته علیه الصلاة والسلام وما جاءهم به من الإسلام فلما کفروا النعمة قتل بعضهم بعضا وسلب بعضهم أموال بعض سلبها الله منهم ونقلها لغیرهم ( وإن تتولوا یستبدل قوما غیرکم ) [

محمد: 38 ] .

فی الفتن ( عن أبی هریرة ) قال: خرج النبی صلی الله علیه و آله یوما فزعا محمرا وجهه یقول لا إله إلا الله ویل للعرب إلخ .

قال الحاکم: صحیح وتعقبه الذهبی بأن فیه انقطاعا ثم إن هذا الحدیث قد رواه الشیخان فی صحیحیهما بزیادة ونقص ولفظه ویل للعرب من شر قد

ص: 296

اقترب فتح الیوم من ردم یأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعیه الإبهام والتی تلیها ، قیل یا رسول الله أنهلک وفینا الصالحون؟

قال صلی الله علیه و آله : نعم إذا کثر الخبث ((1)) .

وعن تفسیر العیاشی عن رجل عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: سألته عن هذه الآیة:

{فسوف یأتی الله بقوم یحبهم ویحبونه أذلة علی المؤمنین أعزة علی الکافرین} ؟

قال علیه السلام : الموالی ، وقال المجلسی : الموالی العجم ففی کتاب الغارات عن عباد بن عبد الله الأسدی نقل الحدیث مع بیان المجلسی((2)) .

الثعلبی : نزلت فی الامام علی وشیعته: ذکر الثعلبی فی تفسیر قوله تعالی: { فسوف یأتی الله بقوم یحبهم ویحبونه } 54_المائدة . قال: هو علی بن

ص: 297

أبی طالب علیه السلام ((1)) .

نزلت فی أنصار المهدی :

عن سلیمان بن هارون البجلی ، قال: قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام : یقول: إن صاحب هذا الأمر محفوظة له أصحابه لو ذهب الناس جمیعا أتی الله له بأصحابه ، وهم الذین قال الله عز وجل:

{ اُوْلَئِکَ الَّذِینَ آتَیْنَاهُمُ الکِتَابَ وَالحُکْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإنْ یَکْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَکَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَیْسُوا بِهَا بِکَافِرِینَ89 } سورة الانعام .

وهم الذین قال الله فیهم: ( فسوف یأتی الله بقوم یحبهم ویحبونه أذلة علی المؤمنین أعزة علی الکافرین )((2)) .

تفسیر علی بن إبراهیم :

[ یا أیها الذین آمنوا من یرتد منکم عن دینه فسوف یأتی الله بقوم یحبهم ویحبونه أذلة علی المؤمنین أعزة علی الکافرین یجاهدون فی سبیل الله ]

ص: 298

قال: هو مخاطبة لأصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله الذین غصبوا آل محمد حقهم وارتدوا عن دین الله فسوف یأتی الله بقوم یحبهم ویحبونه نزل فی القائم علیه السلام وأصحابه الذین یجاهدون فی سبیل الله [ ولا یخافون لومة لائم ] ((1)) .

وقال نجاح الطائی: من یبرز العداوة لاهل البیت ولا یطیعهم ویبخل فی انفاق المال فی طریق الله تعالی وینحرف عن الشریعة یستبدل الله تعالی به الطیبین من آل محمد وشیعتهم وأغلب هؤلاء من العجم کما جاء فی الحدیث الشریف .

لقد تولی الغاصبون للخلافة بعد النبی صلی الله علیه و آله وطمسوا حقوق أهل البیت ومنعوا تدوین الحدیث النبوی وخالفوا الشریعة باسم الاجتهاد فی الدین .

فمکَّن الله تعالی الامام علیا علیه السلام من الوصول الی الخلافة ومعه رجال من خیرة الشیعة منهم عمار بن یاسر وجاریة بن قدامة ومالک الاشتر وعدی بن حاتم الطائی وعمرو بن الحمق الخزاعی وهاشم المرقال ومحمد بن ابی بکر وعبد الله بن عباس ومیثم التمار .

وقد انتصر علی الناکثین والقاسطین والخوارج المحاربین له , لکن معاویة

ص: 299

تآمر علیه مع الخوارج واتفقوا علی قتله فی صلاة الصبح فی مسجد الکوفة ونجحوا فی ذلک ((1)) .

وعاد المسلمون الی بحر الدنیا متناسین الاخرة ومنحرفین عن ولایة الائمة المعصومین وقد وعد الله تعالی المؤمنین بظهور المهدی بالصبر انتظارا لمجیء منقذ الدین الذی سوف یملأ الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا ((2)).

ولقد خرج بعض الفساق المحسوبین علی الشیعة من المذهب وأصبحوا نواصباً طلباً للمال الدنیوی والمکاسب الزائلة وبسبب کثرة ذنوبهم . هؤلاء تولوا عن ولایة أمیر المؤمنین الی ولایة معاویة ویزید والمتوکل وأتباعهم .

ص: 300

ودخل فی التشیع علماء ورجال یذکرهم التاریخ باجلال مثل محمد بن أبی بکر ومعاویة الثانی بن یزید بن معاویة والمفسر العیاشی والشیخ محمد عبدة

رئیس الازهر ومحمود ابو ریة رئیس کلیة أصول الدین فی الازهر والدکتور محمد التیجانی التونسی والشیخ حسن شحاتة المصری وغیرهم الکثیر .

ص: 301

ولم یستطع اثنان وعشرون رجلا من المسلمین حمله .

وفی السورة آیتان ببشارة الفتح هما:

{ إنَّا فَتَحْنَا لَکَ فَتْحاً مُبِیناً } _سورة الفتح 1 .

والثانیة: وَأثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً _سورة الفتح 18 .

{ إنَّا فَتَحْنَا لَکَ فَتْحاً مُبِیناً } 1:

أخرج العلامة الطبرسی فی (مجمع البیان) عن مجاهد والعوفی أنهما قالا: إنَّ المراد بالفتح هنا فتح خیبر ((1)) .

وروی سید قطب فی تفسیره (فی ظلال القرآن) قائلا: روی الإمام أحمد باسناده عن مجمع بن حارثة الانصاری وکان أحد القراء الذین قرأوا القرآن قال: شهدنا الحدیبیة فلما انصرفنا عنها إذا الناس ینفرون الاباعر , فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟

قالوا: اُوحی إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فخرجنا مع الناس نوجف فاذا رسول الله صلی الله علیه و آله علی راحلته عند کراع الغمیم فاجتمع الناس علیه , فقرأ علیهم: (إنا فتحنا لک فتحاً مبیناً) .

قال: فقال رجل من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله أی رسول الله صلی الله علیه و آله أو

فتح هو ؟ قال صلی الله علیه و آله : {أی والذی نفس محمد بیده انه لفتح } ((2)) .

ص: 303

وکان فتح خیبر لأهل الحدیبیة لم یدخل فیه أحد إلا من شهدها » ((1)) .

بعدما سمع المسلمون بفتح النبی القریب لخیبر أرادوا المجیء جمیعا لاجل الغنائم فقال النبی صلی الله علیه و آله غنائم خیبر مخصوصة لمن شارک فی الحدیبیة .

أخرج علی بن أبی بکر الهیتمی عن ابن عباس أنَّه قال: بعث رسول الله الی خیبر أحسبه قال: أبا بکر فرجع منهزماً ومن معه . فلمَّا کان الغد بعث عمر فرجع منهزماً یجبِّن أصحابه ویجبِّنه أصحابه ((2)) .

وأخرج أحمد بن عبد الله أبو نعیم الاصبهانی فی موسوعته الکبیرة (حلیة الأولیاء) قال: حدثنا أبو بکر ابن خلاد بسنده عن سلمة بن الأکوع قال: بعث رسول الله صلی الله علیه و آله أبا بکر برایته إلی حصون خیبر یقاتل , فرجع ولم یکن فتح وقد جهد » .

ص: 304

ثم بعث عمر الغد فقاتل فرجع ولم یکن فتح وقد جهد.

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لأعطین الرایة غداً رجلاً یحب الله ورسوله یفتح الله علی یدیه لیس بفرار .قال سلمة: فدعا علیاً علیه السلام وهو أرمد فتفل فی عینه فقال صلی الله علیه و آله : هذه الرایة امضی بها حتی یفتح الله علی یدیک .

قال سلمة: فخرج بها - والله - یهرول هرولة وأنا خلفه نتبع أثره... فما رجع حتی فتح الله علی یدیه ((1)) .

وعن أنس وقتادة , وجماعة من المفسرین . قال قتادة: نزلت هذه الآیة عند مرجع النبی صلی الله علیه و آله من الحدیبیة , بشر فی ذلک الوقت بفتح مکة , وتقدیره: إنا فتحنا لک مکة أی قضینا لک بالنصر علی أهلها . وعن جابر قال: ما کنا نعلم فتح مکة إلا یوم الحدیبیة .

وثانیها . إن المراد بالفتح هنا صلح الحدیبیة , وکان فتحا بغیر قتال .

قال الفراء: الفتح قد یکون صلحا . ومعنی الفتح فی اللغة: فتح المنغلق . والصلح الذی حصل مع المشرکین بالحدیبیة کان مسدودا متعذرا , حتی فتحه الله .

وقال الزهری: لم یکن فتح أعظم من صلح الحدیبیة , وذلک أن المشرکین اختلطوا بالمسلمین , فسمعوا کلامهم , فتمکن الاسلام فی قلوبهم , وأسلم فی ثلاث سنین خلق کثیر , فکثر بهم سواد الاسلام .

ص: 305

وقال نجاح الطائی: الفتح المقصود هو فتح خیبر بأموالها الشهیرة واراضیها الخصبة وحصونها المنیعة وأسلحتها الکثیرة .

وهذا الفتح سهل دخول الناس فی الاسلام وهیأ أهالی مکة لقبول الاسلام والرضوخ للامر الواقع . ومن یومها خافت القبائل العربیة من محاربة الاسلام وانتکست رایاتها وخنع کبریاؤها وذلت أنوفها وتمرغت فی التراب .

وفی هذه المعرکة الکبیرة فرَّ أبو بکر وعمر من الحرب فی الیومین الاول والثانی أثناء قیادتهما للجیش فقال النبی صلی الله علیه و آله : لأعطین الرایة غداً رجلاً یحب الله ورسوله یفتح الله علی یدیه لیس بفرار» ((1)) .

یعرض النبی صلی الله علیه و آله بالفارین أبی بکر وعمر من ساحة الحرب أمام الیهود. وذکر المؤرخون عبارة: یجبنهم ویجبنونه ((2)) عن فرار عمر فی خیبر فی الیوم الثانی بعد فرار أبی بکر فی الیوم الاول .

وأخرج أحمد بن عبد الله , أبو نعیم الاصبهانی وهو من کبار علماء السنة فی موسوعته الکبیرة (حلیة الأولیاء) قال: حدثنا أبو بکر ابن خلاد بسنده عن

ص: 306

سلمة بن الأکوع قال: بعث رسول الله صلی الله علیه و آله أبا بکر برایته إلی حصون خیبر یقاتل , فرجع ولم یکن فتح وقد جهد .

ثم بعث عمر فی الغد فقاتل فرجع ولم یکن فتح وقد جهد. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لأعطین الرایة غداً رجلاً یحب الله ورسوله یفتح الله علی یدیه لیس بفرار». قال سلمة: فدعا علیاً علیه السلام وهو أرمد فتفل فی عینه فقال صلی الله علیه و آله : هذه الرایة امضی بها حتی یفتح الله علی یدیک». قال سلمة: فخرج بها - والله - یهرول هرولة وأنا خلفه نتبع أثره. . . فما رجع حتی فتح الله علی یدیه ((1)) .

وکان سن الامام علی علیه السلام فی معرکة خیبر ثلاثون سنة, وسنه فی محاربته للخوارج فی النهروان ثلاثة وستون سنة .

وهؤلاء الذین فروا من الجهاد وترکوا النبی صلی الله علیه و آله وعلیا علیه السلام یحاربون الیهود اغتصبوا الخلافة

بانهم أکبر منه سنا وکان سن أمیر المؤمنین أربعة وثلاثون سنة .

{ لِیَغْفِرَ لَکَ اللّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَمَا تَأخَّرَ وَیُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ وَیَهْدِیَکَ صِرَاطاً مُسْتَقِیماً } 2 _سورة الفتح. :

ص: 307

قال النبی صلی الله علیه و آله : لعلی علیه السلام : إنَّ الله تبارک وتعالی حمَّلنی ذنوب شیعتک ثم غفرها لی , وذلک قوله عز وجل: (لِیَغْفِرَ لَکَ اللّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَمَا تَأخَّرَ ) ((1)) .

وقال الامام الصادق علیه السلام : النبی محمد صلی الله علیه و آله ما کان له ذنب ولا همَّ بذنب , ولکن الله حمَّله ذنوب شیعته ثم غفرها له ((2)) .

{ وَیُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ }: بولایة علی علیه السلام .{وَیَهْدِیَکَ صِرَاطاً مُسْتَقِیماً }: صراط محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله .

{وَیَنْصُرَکَ اللّهُ نَصْراً عَزِیزاً } 3: _سورة الفتح.

فی خیبر تنتصر فیه علی الیهود وتفتح حصونهم وتغنم أموالهم .

ص: 308

{ هُوَ الَّذِی أنْزَلَ السَّکِینَةَ فِی قُلُوبِ المُؤْمِنِینَ لِیَزْدَادُوا إیمَاناً مَعَ إیمَانِهِمْ وَللّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَکَانَ اللّهُ عَلِیماً حَکِیماً}_سورة الفتح 4 :

عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: ( أنزل السکینة فی قلوب المؤمنین ) قال: هو الإیمان ((1)) .

علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی بن عبید ، عن یونس ، عن جمیل

قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قوله عز وجل: " هو الذی أنزل السکینة فی قلوب المؤمنین " قال: هو الایمان . قال: " وأیدهم بروح منه ((2)) " .

قال: هو الایمان وعن قوله: " وألزمهم کلمة التقوی ((3)) " ؟

قال: هو الایمان .

یقال عن الإیمان السکینة والروح لأن الإیمان یوجب هدوء وسکون القلب ووقاره واطمئنانه : قال تعالی: ألا بذکر الله تطمئن القلوب .

جاء فی الروایة: « أن القلب لیرجج ( أی یهتز ) ویتحرک فیما بین الصدر والحنجرة حتی یعقد علی الإیمان فإذا عقد علی الإیمان قر » .

ص: 309

َ: إذْ قَالَ إبْرَاهِیمُ رَبِّ أرِنِی کَیْفَ تُحْیِی المَوْتَی قَالَ أوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَی وَلَکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی_ المائدة 295.

وفی روایة أخری « اطمأن وقر » ولابدّ من بیان معنی الإیمان لأن فیه فوائد کثیرة فنقول الإیمان فی اللغة التصدیق ، وفی الشرع قیل هو کلمات الشهادة الثلاثة: التوحید والنبوة والامامة .

وقالوا: التصدیق بالجنان والاقرار باللسان والعمل بالأرکان .

وقال نجاح الطائی: لقد اختص تعالی المؤمنین بسکینته ومنع الکافرین والمنافقین منها لانها حیاة القلوب وقد نزلت السکینة فی الغار علی النبی وأیده بجنود لم تروها .

: لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ المُؤْمِنِینَ إذْ یُبَایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمْ فَأنْزَلَ السَّکِینَةَ عَلَیْهِمْ وَأثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِیبا 18_الفتح.

: إذْ جَعَلَ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمُ الحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الجَاهِلِیَّةِ فَأنْزَلَ اللّهُ سَکِینَتَهُ عَلَی رَسُولِهِ وَعَلَی المُؤْمِنِینَ_الفتح26.

وجعل الاطمئنان قضیة مهمة جدا للانسان: قال تعالی: الَّذِینَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللّهِ ألا بِذِکْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ 28_الرعد.

:وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُکُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللّهِ العَزِیزِ الحَکِیمِ126_آل عمران.

ص: 310

: قَالُوا نُرِیدُ أنْ نَأکُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَکُونَ عَلَیْهَا مِنَ الشَّاهِدِینَ113_المائدة.

وقالوا: التصدیق بالله وبرسوله وبالائمة وجمیع ما جاء به لدلالة الآیات والروایات علیه ، أما الآیات فمنها:

( وقلبه مطمئن بالإیمان ) ومنها ( أولئک کتب فی قلوبهم الإیمان ) ومنها:

( ولما یدخل الإیمان فی قلوبکم ) .

وآیات السکینة مهمة جدا لتسکین أمراض الناس وتفنید أوهامهم وابعاد هواجسهم .

{ لِیُدْخِلَ المُؤْمِنِینَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَیُکَفِّرَ عَنْهُمْ سَیِّئَاتِهِمْ وَکَانَ ذَلِکَ عِنْدَ اللّهِ فَوْزاً عَظِیماً 5} _سورة

الفتح.

لیساعد الرحمن عباده المؤمنین فی بلوغ الجنة والفوز فیها خالدین فیها .

وان اطمئنان القلوب وانزال السکینة علیهم أمر ضروری لایصال الانسان الی مرضاة الله والجنة .

{وَیُعَذِّبَ المُنَافِقِینَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشْرِکِینَ وَالمُشْرِکَاتِ الظَّانِّینَ بِاللّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَیْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللّهُ عَلَیْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیراً }6_سورة الفتح.

ص: 311

وفی نفس الوقت یعذب الله تعالی المُنَافِقِینَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشْرِکِینَ وَالمُشْرِکَاتِ المستمرین فی محاربة التوحید فی الارض.

الظَّانِّینَ بِاللّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَیْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللّهُ عَلَیْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیراً :

وهم الذین أنکروا الصلح واتهموا رسول الله ((1)) .

وقال الامام موسی الکاظم علیه السلام : والله ما أعطی مؤمن قط خیر الدنیا والآخرة ، إلا بحسن ظنه بالله عز وجل ، ورجائه منه ، وحسن خلقه والکف عن اغتیاب المؤمنین ، وأیم الله لا یعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار ، إلا أن یسئ الظن بالله ، وتقصیره من رجائه ، وسوء خلقه ، واغتیاب المؤمنین ، والله لا یحسن عبد مؤمن ظنا بالله الا کان الله عند ظنه به ، لان الله عز وجل کریم یستحیی أن یخلف ظن عبده ورجاءه ، فأحسنوا الظن بالله وارغبوا إلیه ، وقد قال الله عز وجل:

( الظانین بالله ظن السوء علیهم دائرة السوء ) ((2)) .

ص: 312

( وروی أن داود علیه السلام قال: یا رب ما آمن بک من عرفک ولم یحسن الظن بک ) . ورواه الطبرسی فی مشکاة الأنوار: عن المحاسن ، عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام ، مثله ((1)) .

وروی أن آخر عبد یؤمر به إلی النار ، فیلتفت فیقول: یا رب ، لم یکن هذا ظنی بک ، فیقول: ما کان ظنک بی ؟ قال: کان ظنی بک أن تغفر لی خطیئتی ، وتسکننی جنتک ، فیقول الله عز وجل:

یا ملائکتی وعزتی وجلالی وجودی وکرمی وارتفاعی فی علوی ، ما ظن بی عبدی خیرا ساعة قط ، ولو ظن بی ساعة خیرا ما روعته بالنار ، أجیزوا له کذبه وأدخلوه الجنة ، ثم قال العالم علیه السلام : قال الله عز وجل: ألا لا یتکل العاملون علی أعمالهم التی یعملونها لثوابی ، فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم فی عبادتی کانوا مقصرین ، غیر بالغین فی عباداتهم کنه عبادتی ، فیما یظنونه عندی من کرامتی ، ولکن برحمتی فلیثقوا ، ومن فضلی فلیرجوا ، وإلی حسن الظن فلیطمئنوا ، فإن رحمتی عند ذلک تدرکهم ، ومنتی تبلغهم ، ورضوانی ومغفرتی تلبسهم ، فإنی أنا الله الرحمن الرحیم ، وبذلک سمیت ((2)) .

وتمثلت أعمال عمر العاصیة للنبی محمد صلی الله علیه و آله فی:

ص: 313

قال عمر فی الحدیبیة: ما شککت إلا یومئذ ((1)) . أی شکک فی الاسلام . وقال عمر فی زمن سلطته لابن عباس عن صلح الحدیبیة:

ارتبت ارتیابا لم أرتبه منذ أسلمت إلا یومئذ , ولو وجدت ذلک الیوم شیعة تخرج عنهم رغبة عن القضیة لخرجت ((2)) .

أی أن عمر لو وجد أنصارا لثار بهم علی الاسلام وقتل النبی محمدا صلی الله علیه و آله و المسلمین وأعاد الحکم جاهلیاً , لأنه ارتاب فی ذلک الیوم وشکک فی صحة رسالة النبی صلی الله علیه و آله !!! وبین علماء السنة هذه النصوص الموثقة عن أعمال عمر ودونوها فی کتبهم .

وقال عمر: وخشیت أن ینزل فیَّ قرآن ((3)).

ص: 314

بسبب الافعال الکثیرة المعادیة للنبی والمخالفة لبیعة علی علیه السلام خلیفة واماماً التی ارتکبها فی الحدیبیة ایام بیعة الرضوان .

ولمَّا جعل عمر یردُّ علی رسول الله صلی الله علیه و آله الکلام قال له أبو عبیدة بن الجراح: ألا تسمع یا ابن الخطاب رسول الله صلی الله علیه و آله ما یقول , نعوذ بالله من الشیطان الرجیم ((1)) .

حتی ابن الجراح المحسوب علی رجال السقیفة لم یتحمل اعمال عمر المضادة للنبی صلی الله علیه و آله فانتفض معارضا لعمر اذ کان ابن الجراح وابو بکر وابن عوف یخططون لاغتصاب الخلافة سراً ویخافون افتضاح أمرهم وثورة المسلمین علیهم .

وقال الرسول صلی الله علیه و آله یومئذ عن بنود صلح الحدیبیة: یا عمر إنِّی رضیت وتأبی ؟ ((2)) .

ص: 315

وهذا یبین معارضة عمر لصلح الحدیبیة علنا وعصیانه لرسول الله صلی الله علیه و آله وکان معارضا علنیا لصلح الحدیبیة وبیعة الرضوان لا یهتم بتعالیمها ویؤلب المسلمین علیها بحجج شتی .

{وَللّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَکَانَ اللّهُ عَزِیزاً حَکِیماً }7_سورة الفتح : جنود الله تعالی فی السماء هی الملائکة وجنوده تعالی فی الارض هم المؤمنون وکل دابة وطیر وشجر وجبل وریح وبحر ومطر وغیرها .

وقال تعالی :

{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجِبَالَ یُسَبِّحْنَ وَالطَّیْرَ وَکُنَّا فَاعِلِینَ }79_سورة الانبیاء.

{وَلِسُلَیْمَانَ الرِّیحَ عَاصِفَةً تَجْرِی بِأمْرِهِ إلَی الأرْضِ الَّتِی بَارَکْنَا فِیهَا وَکُنَّا بِکُلِّ شَیْء عَالِمِینَ }81_سورة الانبیاء .

{ قَالَ سَآوِی إلَی جَبَل یَعْصِمُنِی مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الیَوْمَ مِنْ أمْرِ اللّهِ إلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَیْنَهُمَا المَوْجُ فَکَانَ مِنَ المُغْرَقِینَ }43_سورة هود .

فأغرق الماءُ الکافرین ولم یبق منهم أحدا .

وبهؤلاء الجنود قتل الله سبحانه الکافرین والمنافقین وأجلاهم من الارض.

وقال الامام علی علیه السلام :

مثل الدنیا کمثل الحیة لین مسها والسم الناقع فی جوفها . یهوی إلیها الغر الجاهل ویحذرها ذو اللب العاقل(1) .

ص: 316

وجاء فی القرآن بأن هدهد النبی سلیمان علیه السلام قد تسبب فی اسلام أمة .

{وتفقد الطیر فقال مالی لا أری الهدهد أم کان من الغائبین}

وان غراب هابیل قد علم قابیل کیف یواری جسد هابیل علیه السلام .

وان نملة غیَّرت مسار جیش

النمل 27 : حتی إذا أتوا علی واد النمل قالت نملة یا أیها النمل ادخلوا مساکنکم لا یحطمنکم سلیمان وجنوده وهم لا یشعرون فتبسم ضاحکا من قولها _ (18 _21 ) . وان فیل ابرهة امتنع من هدم الکعبة (1) .

{ إنَّا أرْسَلْنَاکَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِیراً } 8 _سورة الفتح.

أی شاهدا علی أمتک فی ما فعلوه بحقه ومع المسلمین والکافرین . لتشهد لهم یوم القیامة أو علیهم , فیذهبون الی الجنة أو الی النار .

ومبشرا: تبشرهم بالذهاب الی الجنة إن فعلوا الخیر .

( ونذیرا ) أی مخوفا من جهنم إن عصوا الشریعة وخالفوا النبی صلی الله علیه و آله .

{لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُکْرَةً وَأصِیلا} 9 _سورة

الفتح.

وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ : تنصروه .

وَتُسَبِّحُوهُ بُکْرَةً وَأصِیلا: دلالة علی توحیدکم لله تعالی وطاعتکم له واعتقادکم بعدالته .

ص: 317

وقال نجاح الطائی: الهدف من رسالة النبی صلی الله علیه و آله هدایة الانسانیة الی الایمان بالله ورسوله وتنصروا الباری عبر طاعته وتسبحوه بکرة وأصیلا .

والابتعاد عن عصیان رسول الله مثلما عصی بعض الصحابة النبی صلی الله علیه و آله فی یوم شهادته وفی داره وأمام زوجاته وابنته فاطمة قائلین له : انه یهجر ((1)) .

ص: 318

{ إنَّ الَّذِینَ یُبَایِعُونَکَ إنَّمَا یُبَایِعُونَ اللّهَ یَدُ اللّهِ فَوْقَ أیْدِیهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإنَّمَا یَنْکُثُ عَلَی نَفْسِهِ وَمَنْ أوْفَی بِمَا عَاهَدَ عَلَیْهُ اللّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أجْراً عَظِیماً } 10 _سورة الفتح.

( إن الذین یبایعونک إنما یبایعون الله ید الله فوق أیدیهم فمن نکث فإنما ینکث علی نفسه ومن أوفی بما عاهد . . . ) إلی آخر الا یة ((1)).

( لقد رضی الله عن المؤمنین إذ یبایعونک تحت الشجرة ) ((2)) وفی الایة شرط مفروض یحقق الرضا الالهی الا وهو عدم النکث للشرط الذی ذکره النبی فی بیعة الشجرة.

قال المفسرون مثل الزمخشری وابن کثیر وغیرهما: إن رضوان الله وسکینته مشروطة بالوفاء بالعهد وعدم نکث العهد ((3)) .

والشروط: عدم الفرار من ساحات القتال .

ص: 319

وان لا ننازع الامر أهله: أی عدم منافسة أهل الیت وهم النبی محمد والائمة الاثنا عشر فی الخلافة .

روی البخاری ومسلم فی صحیحیهما , والنسائی وابن ماجة فی سننهما ومالک فی الموطأ واحمد فی المسند , وغیرهم فی غیرها , واللفظ للبخاری: قال: قال عبادة بن الصامت: بایعنا رسول الله صلی الله علیه و آله علی السمع والطاعة والعسر والیسر والمنشط والمکره . وان لا ننازع الامر أهله . . . ((1)) .

لقد خص الله تعالی الثناء بالمؤمنین بمن بایع تحت الشجرة , ووفی بشروطها .ولم تشمل المنافقین الذین حضروها مثل عبد الله بن أبی وأوس بن خولی والعاصین الاخرین لبیعة الامام علی علیه السلام .

فهناک من کان فی الحدیبیة ولم یحضر بیعة الرضوان منهم عمر وعثمان ((2)) .

ص: 320

وقال تعالی : ( إن الذین یبایعونک إنما یبایعون الله ید الله فوق أیدیهم فمن نکث فإنما ینکث علی نفسه ومن أوفی بما عاهد علیه الله فسیؤتیه أجرا عظیما ) ((1)) .

وبعدما نزل النص الالهی من الله سبحانه ببیعة الامام علی علیه السلام وبایعه المسلمون تکون البیعة فی رقبة جمیع المسلمین : من بایع منهم ومن عصی .

والعاصون : عمر وعثمان وابو بکر .

وهناک من ساهم فی لد رسول الله صلی الله علیه و آله الدواء فی یوم الاحد متسببا فی موته یوم الاثنین فی غرفة عائشة وهم الاربعة ((2)) .

(هذا أمیر البررة قاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله ثم مدَّ بها صوته ) ((1)) .

ص: 322

اقول: صحح الحدیث الحاکم النیسابوری وابو بکر بن مردویه والخطیب البغدادی والخوارزمی وابن المغازلی وابن عساکر (تاریخ دمشق ج44 / 268_ تحقیق علی شیری ) والامرتسری والکنجی الشافعی وتوفیق ابو علم , واحمد المغربی .

ولم یتهم ابن عدی الراوی ابن یزید الحرانی لانه من أهل السنة لکنه ضعفه دون دلیل لانه روی هذا الحدیث الصحیح والمهم فی حق ولایة الامام علی علیه السلام .

وعلی هذا المنهج الابلیسی ضعفوا کل سنی وشیعی روی حدیثا فی فضائل محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله المطهرین الصادقین فی القرآن الکریم .

بینما الحدیث منسجم مع الاحادیث النبویة فی حق خلافة وولایة الامام علی: مثل حدیث یوم الدار : وهو تبلیغ عشیرته الاقربین (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ

ص: 323

الْأَقْرَبِینَ) ((1)), حیث قال النبی صلی الله علیه و آله : علی خلیفتی ووارثی ووصیی ووزیری وولیی من بعدی ((2)) .

وهذا الحدیث منسجم مع حدیث الغدیر یوم قال النبی صلی الله علیه و آله : من کنت مولاه فهذا علی مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ((3)) .

ص: 324

ص: 325

وقال النبی صلی الله علیه و آله : علی منی مثل هارون من موسی, أی أنزله صلی الله علیه و آله من نفسه بمنزلة هارون من موسی ولم یستثن له مما اختصه الله به إلا النبوة ((1)) .

ص: 326

ص: 327

: وفی أول اجتماع لتبلیغ الاسلام کان فی یوم الدار فی مکة , حیث جمع النبی أفراد قبیلته لیبلغ لهم الدین قال النبی صلی الله علیه و آله : علی خلیفتی ووصیی ووارثی ((1)) .

ص: 328

وقد سأل سلمانُ النبیَ صلی الله علیه و آله عن وصیه ؟قال النبیُ لسلمان صلی الله علیه و آله : یا سلمان , من کان وصی أخی موسی ؟ قال: یوشع بن نون . قال: فإن وصیی , ووارثی , یقضی دینی , وینجز موعدی علی بن ابی طالب ((1)) .

وورد فی النصوص الصحیحة (دون اضافة من النواصب) قول النبی صلی الله علیه و آله : علی خلیفتی من بعدی ((2)) .

ص: 329

وقد قال النبی صلی الله علیه و آله لکل نبی وصی ووارث , وإن وصیی ووارثی علی بن ابی طالب وقد قرنه الرسول صلی الله علیه و آله بالوارث لانه وارث العلم والمنزلة

((1)). والمنزلة الدینیة هی امامة المسلمین .

وعن رسول الله, أنه قال: لکل نبی وصی , و وارث , وإنَّ وصیی ووارثی

علی بن ابی طالب ((2)).

ص: 330

و الدلیل الثانی علی فرار عثمان من بیعة الرضوان : قال رجل لعبد الله بن عمر: انشدک بحرمة هذا البیت أتعلم أنّ عثمان تخلف عن بیعة الرضوان؟ ((1)).

وجاء فی تفسیر القرطبی: هذا المعنی صحیح أیضا عن ابن عمر , کما فی صحیح البخاری قال: حدثنا عبدان أخبرنا أبو حمزة عن عثمان بن موهب قال: جاء رجل حج البیت فرأی قوما جلوسا فقال: من هؤلاء القعود ؟ قالوا: هؤلاء قریش . قال: من الشیخ ؟ قالوا: ابن عمر , فأتاه فقال: إنی سائلک عن شئ أتحدثنی ؟ قال: أنشدک بحرمة هذا البیت , أتعلم أن عثمان بن عفان فرَّ یوم أحد ؟ قال: نعم . قال: فتعلمه تغیب عن بدر فلم یشهدها ؟ قال: نعم . قال: فتعلم أنه تخلف عن بیعة الرضوان فلم یشهدها ؟ قال نعم . قال: فکبر ((2)) .

ص: 332

تخلف عمر عن بیعة الرضوان :

ابتعد عمر عن مکان البیعة غاضباً علی بیعة الرضوان التی بایع النبی صلی الله علیه و آله فیها علیا علیه السلام أمیراً للمؤمنین واماماً للبررة وقاتلا للفجرة والادلة علی تخلفه عن بیعة الشجرة:

لقد اعتزل عمر عن النبی والمسلمین زمن بیعة الرضوان فلم یحضر البیعة الشهیرة أی فرَّ منها غاضباً علیها:

قال البخاری: ( عن نافع قال إن الناس یتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر , ولیس کذلک ولکن عمر یوم الحدیبیة أرسل عبد الله إلی فرس له عند رجل من الأنصار یأتی به لیقاتل علیه, ورسول الله صلی الله علیه و آله یبایع عند الشجرة وعمر لا یدری بذلک!!! فبایعه عبد الله ثم ذهب إلی الفرس فجاء به إلی عمر , یستلئم للقتال , فأخبره أن رسول الله صلی الله علیه و آله یبایع تحت الشجرة , قال فانطلق فذهب معه حتی بایع رسول الله صلی الله علیه و آله فهی التی یتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر ) ((1)) .

قال ابن کثیر فی سیرته النبویة ((2)) :

ص: 333

( تفرَّد به البخاری من هذین الوجهین ) ((1))

.

الصحیح ان عمر کان فی مکان وقد ابتعد کی لا یبایع علیا علیه السلام أمیرا للمؤمنین . وهو بعید عن مکان البیعة ,وابنه عبد الله قد أخبره بانهم بایعوا النبی تحت الشجرة . ثم اضافوا الی الحدیث : قال فانطلق فذهب معه حتی بایع رسول الله صلی الله علیه و آله .

ص: 334

واستمر عمر مخالفا لبیعة الشجرة فی کل حیاته :

فقد قطع شجرة البیعة التی تمت البیعة فی ظلها .

وشارک وهیأ لاغتصاب خلافة علی علیه السلام فعینوا ابا بکر خلیفة من قبلهم .

الحدیث عن ابتعاد ابی بکر عن بیعة الرضوان:

: لا یوجد أی دلیل علی حضور أبی بکر فی بیعة الرضوان .

: الادلة تبین فرار عمر وعثمان من بیعة الرضوان وهذا یعنی ابتعاد

أبی بکر أیضا عنها لانه کان معهم من حزب واحد قراراتهم واحدة .

: خرج علینا رسول الله صلی الله علیه و آله یوم عرفة , فقال: أیّها الناس , إنّ الله عزّوجلّ باهی بکم فی هذا الیوم , فغفر لکم عامّة , ولعلیّ خاصّة , فأمّا العامّة منکم فمن لم یُحدث بعدی حدثاً , وهو قول الله عزّوجلّ:

(فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّمَا یَنْکُثُ عَلَی نَفْسِهِ) ((1)) .

ثمّ قال: قم یاعلی . فقام , فوضع رسول الله صلی الله علیه و آله کفّه فی کفّه , ثمّ قال:

( أیّها الناس , إنّی رسول الله صلی الله علیه و آله إلیکم جمیعاً ; فطاعتی مفروضة , وإنّی غیر خائف لقومی , ولا محاب لقرابتی منهم , وإنّما أنا رسول الله صلی الله علیه و آله , (وَمَا عَلَی الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ) ((2)) ألا إنّ هذا جبرائیل یُخبرنی عن ربّی

ص: 335

عزّوجلّ أنّ السعید حقّ السعید من أحبّ علیاً فی حیاته و بعد وفاته , وأنّ الشقیّ حقّ الشقیّ من أبغض علیاً فی حیاته و بعد وفاته ) ((1)) .

{وَمَنْ أوْفَی بِمَا عَاهَدَ عَلَیْهُ اللّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أجْراً عَظِیماً}10 _سورة الفتح:

نقل القبیسی عن محمد بن جریر الطبری فی خطبة النبی صلی الله علیه و آله یوم الغدیر, وأنه قال فیما قال صلی الله علیه و آله :

{معاشر الناس: سلموا علی علی بإمرة المؤمنین » ثم تلا قوله تعالی:

(فمن نکث فانما ینکث علی نفسه ومن أوفی بما عاهد علیه الله فسیؤتیه أجراً عظیماً) ((2)) .

{ سَیَقُولُ لَکَ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ شَغَلَتْنَا أمْوَالُنَا وَأهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا یَقُولُونَ بِألْسِنَتِهِمْ مَا لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ یَمْلِکُ لَکُمْ مِنَ اللّهِ شَیْئاً إنْ أرَادَ بِکُمْ ضَرّاً أوْ أرَادَ بِکُمْ نَفْعاً بَلْ کَانَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیراً } 11 _سورة الفتح.

أراد النبی صلی الله علیه و آله العمرة فی ذی القعدة فاستنفر الاعراب الذین حول المدینة واخذ معه الهدی دلالة علی رغبته فی العمرة لا الحرب .

ص: 336

لکن الاعراب خافوا من بطش قریش أن یصاحبوا النبی صلی الله علیه و آله , وقریش معروفه بغدرها واراقتها للدماء واصرارها علی قتل النبی صلی الله علیه و آله والمسلمین .

والاعراب أیضا قوم سوء وغدر وأهواء یرغبون فی قتل النبی والمسلمین وقد فضحهم القرآن قائلا: { الأعْرَابُ أشَدُّ کُفْراً وَنِفَاقاً وَأجْدَرُ ألا یَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أنزَلَ اللّهُ عَلَی رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ } 97 _التوبة .

وعن صراع الاعراب مع الموالی والمسمی بالصراع القومی نذکر:

کان الهرمزان قائد الجیش الفارسی من الاکراد فی لرستان الایرانیة وعاصمتها الحالیة شهر کرد . وهو ملک مدینة تستر (شوشتر) الحالیة فأسره الجیش الاسلامی فی فتوحات ایران .

فأسلم وتشیع وبقی فی المدینة المنورة و اصبح مؤمناً صالحاً وهدی

ابا لؤلؤة الی التشیع .

وبعدما قتل ابو لؤلؤة عمر بن الخطاب اتهم عبید الله بن عمر الهرمزان بقیادته لمشروع الاغتیال فقتله .

وأسرف عبید الله فی القتل اذ قتل زوجة أبی لؤلؤة وصبیته !!!

لذا حاول عمر بن الخطاب وکعب الاحبار الیهودی الانتقام من الاکراد وأصبح عمر وولده وحزبه أعداءاً للاکراد .

فسعی عمر وکعب الاحبار الیهودی لاتهام کل الامم عدا الاعراب والیهود بانهم من الجن انتقاما منهم .

ومن هنا بدأت مصائب الاکراد فقد روی عمر بعد جرحه حدیثاً کاذباً بأن الاکراد من الجن انتقاما من أبی لؤلؤة والهرمزان الکردیین .

وسار أتباع عمر علی هذا المشروع الثقافی العنصری ضد الاکراد :

ص: 338

و بعد مقتل عمر نشر أعوانه حدیث عمر الکاذب الموضوع علی لسان النبی صلی الله علیه و آله : الاکراد جیل من الجن کشف عنهم الغطاء ((1)) .

وبعدما حاول ابو مسلم الخراسانی الکردی الشیعی قتل الملک ابی جعفر المنصور وثار أکراد کردستان علیه وحاربوه مدة زمنیة طویلة تذکر المنصور قتل أبی لؤلؤة والهرمزان الکردیین لعمر ومنهجیة عمر فی محاربة الاکراد . فنشر حدیث عمر المزیف: الاکراد من الجن .

أی استفاد ابو جعفر المنصور من منهج عمر فی ضرب الاکراد , والسیاسة تحتاج الی هذا الکذب کی یستمر السلاطین فی حکمهم . فالملوک یتهمون الابریاء ویحررون المجرمین لاغراضهم واهدافهم الکثیرة .وکانت العرب تتهم کل معاد لها انه من الجن .

ونشر کعب الاحبار أن العراقیین من الجن وأولاد الجن لانه سمع حدیث النبی بأن العراق سیکون قاعدة الشیعة فی المستقبل , فوضعوا أحادیثا کاذبة بأن العراقیین من الجن :

1_ عن ابن عمر أن النبی صلی الله علیه و آله قال : دخل إبلیس العراق فقضی حاجته ثم دخل الشام فطردوه ثم دخل مصر فباض فیها وفرخ وبسط عبقریة ((2))

ص: 339

رواه الطبرانی فی الکبیر والأوسط وقال فیه فطردوه حتی بلغ سباق من روایة یعقوب بن عبد الله بن عتبة بن الأخنس عن ابن عمر ولم یسمع منه , ورجاله ثقات ((1)) .

أی : دخل إبلیس العراق فقضی حاجته: أی زنا بنساء العراق فولدن أولادا من الجن , فأصبح العراقیون من الجن .

ثم دخل الشام فطردوه: لان الشام کانت تابعة لمعاویة الاموی فقد ذکروا هذا النص فی طردهم لابلیس وبقیت الشام غیر جنیة وأهلها لیسوا من الجن.

وثقافة عبد الله بن عمر ورثها من أبیه وکعب الاحبار الحاقدین علی العراقیین .

ولان الشعب المصری اشترک فی قتل عثمان الاموی فقالوا :

ثم دخل (ابلیس ) مصر فباض فیها وفرخ وبسط عبقریة .

2_ابن سعد فی الطبقات: وقد أظهر کعب شدَّة کرهه للعراقیین بقوله :

فی العراق عصاة الجن ، وبها باض إبلیس ، وفرَّخ ، وقد أثَّر کعب علی عمر فی کرهه للعراقیین . وذکر ابن سعد فی طبقاته ذلک ((2)) .

ص: 340

والتفت ابن عساکر أیضاً إلی کره کعب للعراق ((1)) قائلا: والمحفوظ عن کعب سوء القول فی العراق .

ورواه مالک فی « الموطأ » ( 604_ روایة یحیی ، و 2 / 154 رقم 2055_ روایة أبی مصعب الزهری ) بلاغا ، قال: بلغه أن عمر بن الخطاب أراد الخروج إلی العراق ، فقال له کعب الأحبار: لا تخرج إلیها یا أمیر المؤمنین ، فإن بها تسعة أعشار السحر ، وبها فسقة الجن ، وبها الداء العضال .زاد أبو مصعب: « والعضال ؛ یعنی: الأهواء » .

وقال ابن عبد البر: « سئل مالک عن الداء العضال ، فقال: الهلاک فی الدین((2)) .

الخلاصة : ذکر ابن سعد فی طبقاته الکبری وابن عساکر ومالک بن أنس أن العراقیین من عصاة وفسقة الجن ولم یذهب عمر الی العراق لهذا السبب المعلن من قبله ومن قبل کعب .

ص: 341

{ بَلْ ظَنَنْتُمْ أنْ لَنْ یَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالمُؤْمِنُونَ إلَی أهْلِیهِمْ أبَداً وَزُیِّنَ ذَلِکَ فِی قُلُوبِکُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَکُنْتُمْ قَوْماً بُوراً } 12_سورة الفتح.

ظن الاعراب أن النبی والمؤمنین لن یعودوا الی أهلهم من حملة الحدیبیة أبدا وهم مسرورون لهذا الامر وکانوا کافرین .

وقبائل الأعراب القریبة من المدینة: أسلم وتمیم وغطفان وأسد جهنیة ، وأشجع ، وغفار . إنما أراد به الذین تخلفوا عن الحدیبیة بشهادة أهل النقل والمفسرین ، وقد ادعی السید المرتضی فی الشافی اجماع أهل النقل واطباق المفسرین علیه ((1)) .

أی ظننتم انهم لا یرجعون بعد قضیة الحدیبیة وانهم یقتلون ویصطلمون . وهو قول قتادة " وزین ذلک فی قلوبکم " زینه الشیطان ذلک وسوله لکم " { وظننتم ظن السوء }: أی انهم یرغبون ویتمنون هلاک النبی والمؤمنین ، وأن لا یعودوا الی المدینة أبدا فیستولون علی دورهم وأموالهم ونسائهم .

وهذا یبین کفر الاعراب وحربهم الشعواء علی الاسلام وهم الذین اتفقوا مع رجال السقیفة علی اسقاط نظریة خلافة أهل البیت للنبی ونجحوا فی تنصیب ابی بکر خلیفة للمسلمین .

ص: 342

وقد اعترف عمر بتحالفهم مع الاعراب لنیل الخلافة قائلا: لمّا دخلت قبیلة أسلم الأعرابیة المدینة قال (عمر) : ما إن رأیت أسلم حتی تیقّنت بالنصر((1)).

{وَکُنْتُمْ قَوْماً بُوراً }: البور الفاسد .

وهذا یعنی أن القرآن وصف الاعراب بالفاسدین وقال:

{ الأعْرَابُ أشَدُّ کُفْراً وَنِفَاقاً وَأجْدَرُ ألا یَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أنزَلَ اللّهُ عَلَی رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ } 97 _التوبة .

و الاعراب سکان البادیة لا واحد له ویجمع علی " أعاریب " . ومعناه أن سکان البوادی إذا کانوا کفارا أو منافقین فهم أشد کفرا من أهل الحضر لبعدهم عن مواضع العلم .

علل الشرائع: علی بن أحمد بن محمد ، عن الأسدی ، عن النخعی ، عن النوفلی عن ابن البطائنی ، عن أبیه قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام لأی علة دفنت فاطمة ( علیها السلام ) باللیل ولم تدفن بالنهار ؟ قال: لأنها أوصت أن لا یصلی علیها الرجلان الأعرابیان ((2)) .

وأجدر بالاعراب أن لا یعرفوا الحلال والحرام والفرائض والسنن .

ص: 343

وحکومات النواصب التی سیطرت علی الخلافة بعد شهادة النبی صلی الله علیه و آله الی الیوم هی قبائل وأحزاب وعوائل وقیادات ومحافل اعرابیة . مثل رجال السقیفة و بنی أمیة وبنی العباس والعثمانیین والوهابیین .

ومن خلال نص الامام الصادق علیه السلام فی وصفه مغتصبی الخلافة بالاعراب نفهم أن الاعراب من یفعل الحرام ویرتکب الموبقات ویهلک الحرث والنسل ویحرَّف الشریعة .

وفی الحدیث انّ النبیّ صلی الله علیه و آله قام فی الصّلاة فقال أعرابی وهو فی الصلاة: اللهمّ ارحمنی ومحمّدا ولا ترحم معنا أحدا ، فلما سلم رسول اللَّه صلی الله علیه و آله قال للأعرابی: لقد تحجّرت واسعا یرید رحمه اللَّه عزّ وجلّ أورده البخاری فی الصحیح .

بینما قال تعالی: {وَرَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ }_ سورة الأعراف الآیة 157 .

ومن ثقافات الاعراب: کلّ أعرابی یأخذ سلاحه ویدور فی طلب الصّید ولا یبالی أن یصید حیوانا یستمتع بلحمه وجلده ، أو إنسانا یستمتع بلباسه وما معه من سلاح وعتاد ومتاع . وجاء : صراع العلماء اعرابی .

لانه ینبع من تنافسهم علی الدنیا الفانیة الزائلة .

وقد وجد المسلمون أن حکومات بنی أمیة والوهابیین قمة المحافل الاعرابیة فهی لا تحفل بالشریعة وتقتل علی الظن والحدس وتفتک بالابریاء وتجری حمامات الدم .

ص: 344

وتفعل کل أنواع الحرام ولا تخاف الله تعالی أبدا .

{ وَمَنْ لَمْ یُؤْمِنْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ فَإنَّا أعْتَدْنَا لِلْکَافِرِینَ سَعِیراً 13 وَللّهِ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ یَغْفِرُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیُعَذِّبُ مَنْ یَشَاءُ وَکَانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِیماً } 14 _سورة الفتح.

الله تعالی یخاطب هؤلاء الکافرین من الاعراب بأن لهم سعیرا:

قال الامام علی بن الحسین علیه السلام : ان فی جهنم لوادیا یقال له سعیر إذا خبت جهنم فتح بسعیرها وهو قول الله: ( کلما خبت زدناهم سعیرا ) ((1)) .

واستمر الاعراب فی غیهم وابتعادهم عن الدین فخرج من صلبهم الوهابیون والسعودیون الخوارج فأعاثوا فی الارض الفسق والفجور وازهاق الارواح وتخریب المدن .

وعرض الله تعالی المغفرة لکل من سار علی النهج السلیم .

{سَیَقُولُ المُخَلَّفُونَ إذَا انطَلَقْتُمْ إلَی مَغَانِمَ لِتَأخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْکُمْ یُرِیدُونَ أنْ یُبَدِّلُوا کَلامَ اللّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا کَذَلِکُمْ قَالَ اللّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَیَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ کَانُوا لا یَفْقَهُونَ إلا قَلِیلا}15_سورة الفتح.

ص: 345

بعدما عاد المسلمون من الحدیبیة سالمین ثم توجهوا الی خیبر سمع الاعراب بشارة النبی بالنصر القادم والغنائم الکثیرة فی خیبر .

عندها رغبوا فی التوجه معهم لاجل الغنائم ولیس لاجل الدین والجهاد .

فجاءهم القول الالهی: { قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا کَذَلِکُمْ قَالَ اللّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَیَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ کَانُوا لا یَفْقَهُونَ إلا قَلِیلا }_15: أَن نُصیبَ معکُم من الغَنَائمِ ونُشَارِکُکُم فیها .

وکان الاعراب لا یفقهون الدین لذا تحالفوا مع الکفار فی معرکة الاحزاب (الخندق) ثم أسلموا وفی السقیفة تحالفوا مع رجال السقیفة لابطال بیعة الغدیر للامام علی علیه السلام وایصال منافسه للخلافة , فخسروا الدنیا والاخرة .

{ قُلْ لِلْمُخَلَّفِینَ مِنَ الأعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إلَی قَوْم اُوْلِی بَأس شَدِید تُقَاتِلُونَهُمْ أوْ یُسْلِمُونَ فَإنْ تُطِیعُوا یُؤْتِکُمُ اللّهُ أجْراً حَسَناً وَإنْ تَتَوَلَّوْا کَمَا تَوَلَّیْتُمْ مِنْ قَبْلُ یُعَذِّبْکُمْ عَذَاباً ألِیماً } 16_سورة

الفتح.

ستدعون الی معرکة حنین وتبوک و بنی حنیفة , أو قوم مسیلمة تدعوهم للاسلام فان تحاربوا یؤتکم الاجر الحسن وان تتولوا کالسابق یعذبکم عذابا حسنا .

ص: 346

فزارة عیینة بن حصن، وقوم آخرون فأعطاهم النبی( صلی الله علیه و آله ) إبلاً عوضاً عن السبایا ((1)) .

والیوم تجد علماء ورؤساء وملوک نواصب من أعراب نجد منهجهم أعرابی یخونون البلاد وینهبون الثروات ویتولون الیهود والنصاری ویذبحون المسلمین ویفتون بقتل الموحدین وینشرون الاکاذیب .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : (سیظهر من نجد شیطان تتزلزل جزیرة العرب من فتنته) ((2)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله : «اللهم بارک لنا فی شامنا وفی یمننا .قالوا: وفی نجدنا .قال النبی: هناک الزلازل والفتن وبها یطلع قرن الشیطان » ((3)) .

ص: 348

وفعلا خرج منها قتلة البشریة ومحرِّفی السیر والتراث وعملاء الحرکة الصلیبیة والصهیونیة والوهابیة .فتعجب العلماء الیوم کیف شخَّص النبی نجداً وما یخرج منها من طغاة وقالوا: ما هذا الا من علم الغیب الالهی .

وقد حاول المنحرفون تغییر الحدیث النبوی فغیَّروا نجدنا الی عراقنا کذباً منهم علی الله ورسوله ،راجع سلسلة الالبانی !!! ((1)).

أهوی النبی بیده (أی مدها جهة العراق)قال النبی صلی الله علیه و آله :

یخرج منه قوم هؤلاء القوم خرجوا من نجد موضع التمیمیین ((2)) .

{ لَیْسَ عَلَی الأعْمَی حَرَجٌ وَلا عَلَی الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَی المَرِیضِ حَرَجٌ وَ مَنْ یُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ یُدْخِلْهُ جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَنْ یَتَوَلَّ یُعَذِّبْهُ عَذَاباً ألِیماً } 17 _سورة الفتح.

ص: 349

لا یوجب القتال علی الاعمی والاعرج والمریض ومن یطع الله ورسوله له الجنة ومن یعص الله ورسوله یدخله جهنم وساءت مصیرا .لکن الکثیر من المسلمین عصوا الله والرسول .

فقد رفع عن کل من کان بهذه الصفة الجهاد والغزو وجمیع الأعمال التی لا یتمکن منها ، وأوجب علی المتمکنین مالیا الحج والزکاة لما ملکه من استطاعة .

تفسیر علی بن إبراهیم: فی روایة أبی الجارود((1)) ، عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قوله: " لیس علی الأعمی حرج ولا علی الأعرج حرج ولا علی المریض حرج " وذلک أن أهل المدینة قبل أن یسلموا کانوا

ص: 350

یعتزلون الأعمی والأعرج والمریض ، کانوا لا یأکلون معهم ، وکانت الأنصار فیهم تیه وتکرم ، فقالوا: إن الأعمی لا یبصر الطعام والأعرج لا یستطیع الزحام علی الطعام ، والمریض لا یأکل کما یأکل الصحیح فعزلوا لهم طعامهم علی ناحیة ، وکانوا یرون أن علیهم فی مواکلتهم جناحا ، وکان الأعمی والمریض یقولون لعلنا نؤذیهم فی مؤاکلتهم ، فلما قدم النبی صلی الله علیه و آله سألوه عن ذلک ، فأنزل الله " لیس علیکم جناح أن تأکلوا جمیعا أو أشتاتا ((1)) .الخصال: ماجیلویه ، عن محمد العطار ، عن الأشعری ، عن سهل ، عن محمد بن سنان ، عن الدهقان ، عن درست ، عن أبی إبراهیم قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : خمسة یُجتَنَبُون علی کل حال: المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا والأعرابی ((2))

.

وحول الاعفاء عن صلاة الجمعة جاء :

ویمکن أن یستدل لهم بعموم قوله تعالی ( لیس علی الأعمی حرج ولا علی الأعرج حرج ولا علی المریض حرج ) _الفتح 17 کما استدل الشهید فی الأعمی بذلک ، لکن یرد علیه أن هذا نزل فی موضعین من القرآن أحدهما

ص: 351

فی سورة النور ، والمشهور کما هو ظاهر ما بعده ، بل ما قبله أنها نزلت فی المؤاکلة ، والاخر فی سورة الفتح وظاهره النزول فی الجهاد ، فشموله لما نحن فیه بعید ، فالظاهر وجوب حضوره (فی صلاة الجمعة) کما هو المصرح فی التذکرة والذکری لعموم أدلة الوجوب ، وعدم ما یصلح للتخصیص ((1)) .

وجاءت هذه الایة المبارکة لاعفاء المرضی والمکفوفین وأصحاب العاهات المؤثرة کالعرج المانع من الحرکة السریعة والقویة والمفیدة فی الحرب .

{ وَ مَنْ یُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ یُدْخِلْهُ جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَنْ یَتَوَلَّ یُعَذِّبْهُ عَذَاباً ألِیماً } 17 _سورة الفتح.

عن أبی بصیر ، عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام فی قول الله عز وجل: " ومن یطع الله ورسوله ( فی ولایة علی وولایة الأئمة من بعده ) فقد فاز فوزا عظیما ((2)) " هکذا نزلت .

الحسین بن محمد ، عن معلی بن محمد ، عن أحمد بن النضر ، عن محمد بن مروان رفعه إلیهم فی قول الله عز وجل: " وما کان لکم أن تؤذوا رسول

ص: 352

الله ((1)) " فی علی و " الأئمة " کالذین آذوا موسی فبرأه الله مما

قالوا ((2)) " .

الحسین بن محمد ، عن معلی بن محمد ، عن السیاری ، عن علی بن عبد الله قال: سأله رجل عن قوله تعالی: " فمن اتبع هدای فلا یضل ولا یشقی ((3)) " .

قال: من قال بالأئمة واتبع أمرهم ولم یجز طاعتهم ((4)) .

{ َمَنْ یَتَوَلَّ یُعَذِّبْهُ عَذَاباً ألِیماً }: عصی بعض الصحابة النبی صلی الله علیه و آله عصیانا مشهودا ومشهورا وقالوا: هو أذن وقالوا له فی یوم شهادته:

إنه صلی الله علیه و آله یهجر ((5)) .

ص: 353

{ لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ المُؤْمِنِینَ إذْ یُبَایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمْ فَأنْزَلَ السَّکِینَةَ عَلَیْهِمْ وَأثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً 18 }_سورة

الفتح.

ولم یحضر البیعة عمر وعثمان ولا یوجد دلیل علی حضور ابی بکر فیها .وجاء فی الایة 10 _سورة الفتح: { فمن نکث فانما ینکث علی نفسه ومن أوفی بما عاهد علیه الله فسیؤتیه أجراً عظیماً } .

ورجال السقیفة اغتصبوا الخلافة من الامام علی علیه السلام صاحب بیعة الرضوان (الشجرة) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله یوم الحدیبیة وهو آخذ بید علی ( علیه السلام ): هذا أمیر البررة وقاتل الفجرة , منصور من نصره , مخذول من خذله ((1)).

{فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمْ فَأنْزَلَ السَّکِینَةَ عَلَیْهِمْ وَأثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً } : سورة الفتح 18 .

أنزل تعالی الطمأنینة علیهم ووعدهم الانتصار فی خیبر .

ص: 355

جاء: کان الله تعالی قد وعد النبی صلی الله علیه و آله

إیاها وهو فی الحدیبیة , فی قوله تعالی: (وأثابهم فتحاً قریباً) ((1)) . (واخری لم تقدروا علیها) ((2)) .

وروی الفقیه الشافعی السیوطی فی تفسیره قال: وأخرج عبد بن حمید وابن المنذر عن عکرمة فی قوله تعالی: (وأثابهم فتحاً قریباً) .

قال: خیبر حیث رجعوا من صلح الحدیبیة

((3)) .

وروی موفق بن أحمد الخوارزمی الحنفی قال: قال (جابر بن عبد الله الأنصاری): کنا یوم الحدیبیة ألفاً وأربعمائة , فقال النبی صلی الله علیه و آله :

(أنتم الیوم خیار أهل الأرض ) .

فبایعنا تحت الشجرة علی الموت , فما نکث أصلاً أحد إلا ابن قیس - وکان منافقاً - .

وأولی الناس بهذه الآیة علی بن أبی طالب علیه السلام لأنه تعالی قال:

(وأثابهم فتحاً قریباً) .

یعنی: خیبر , وکان ذلک علی ید علی بن أبی طالب علیه السلام ((4)) .

ص: 356

وذکر حدیث جابر هذا جمع من أعلام المذاهب :

منهم الخطیب أبو بکر أحمد بن علی البغدادی فی کتاب المناقب ((1)) .

ومنهم عالم الشافعیة محمد بن یوسف بن محمد الکنجی فی الکفایة ((2)) . وقال سید قطب فی تفسیره فی ظلال القرآن عن هذه الآیة الکریمة ضمن حدیث: وهو - أی فتح خیبر - الفتح الذی یذکره أغلب المفسرین علی أنه هو هذا الفتح القریب الذی جعله الله للمسلمین ((3)) .

وذکر أبو محمد عبد الملک هشام الحمیری البصری صاحب السیرة النبویة فی سیرته عن جابر فی قوله تعالی: (وأثابهم فتحاً قریباً): انه فتح خیبر , وکان ذلک علی ید علی بن أبی طالب علیه السلام ((4)) .

{ وَمَغَانِمَ کَثِیرَةً یَأخُذُونَهَا وَکَانَ اللّهُ عَزِیزاً حَکِیماً }19 _سورة الفتح.

مغانم خیبر الکثیرة التی کانت عند الیهود وبها کانوا یهددون المسلمین اقتصادیا وباسلحتهم وجیشهم یهددون المسلمین عسکریا .

ص: 357

یعنی غنائم خیبر ، وقیل: غنائم هوازن " وعدکم الله مغانم کثیرة " مع النبی صلی الله علیه و آله ومن بعده إلی یوم القیامة " فعجل لکم هذه " یعنی غنیمة

خیبر ((1)) .

وقال نجاح الطائی: بعدما بایع المسلمون الامام علیا علیه السلام إماماً لهم بقلوب بیضاء أنزل تعالی السکینة علیهم وفتح علیهم حصون خیبر بما فیها من مغانم کثیرة .

وکانت هذه الایة فی فتح خیبر لان الغنائم حصلت فی أیدی المسلمین أما فی حنین فقد أرجع النبی صلی الله علیه و آله بعض الغنائم الی أهلها بعدما أسلموا والتمسوا من الرسول ارجاع أموالهم الیهم .

والسکینة أمر مهم لقلب الانسان ونفسه وروحه وبدنه وهی تقضی علی الامراض النفسیة والبدنیة لذا الله تعالی :

فَأنْزَلَ اللّهُ سَکِینَتَهُ عَلَی رَسُولِهِ وَعَلَی المُؤْمِنِینَ وَألْزَمَهُمْ کَلِمَةَ التَّقْوَی وَکَانُوا أحَقَّ بِهَا وَأهْلَهَا وَکَانَ اللّهُ بِکُلِّ شَیْء عَلِیماً26 _الفتح .

فَأنزَلَ اللّهُ سَکِینَتَهُ عَلَیْهِ وَأیَّدَهُ بِجُنُود لَمْ تَرَوْهَا_التوبة 40 .

هُوَ الَّذِی أنْزَلَ السَّکِینَةَ فِی قُلُوبِ المُؤْمِنِینَ لِیَزْدَادُوا إیمَاناً مَعَ إیمَانِهِمْ_الفتح

5

: لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ المُؤْمِنِینَ إذْ یُبَایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمْ فَأنْزَلَ السَّکِینَةَ عَلَیْهِمْ وَأثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً 18_الفتح .

ص: 358

{ وَعَدَکُمُ اللّهُ مَغَانِمَ کَثِیرَةً تَأخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَکُمْ هَذِهِ وَکَفَّ أیْدِیَ النَّاسِ عَنْکُمْ وَلِتَکُونَ آیَةً لِلْمُؤْمِنِینَ وَیَهْدِیَکُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِیماً } 20_سورة الفتح.

وَعَدَکُمُ اللّهُ مَغَانِمَ کَثِیرَةً تَأخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَکُمْ هَذِهِ: مغانم خیبر المعجلة .{وَکَفَّ أیْدِیَ النَّاسِ عَنْکُمْ }:

" وکف أیدی الناس عنکم " وذلک أن النبی صلی الله علیه و آله لما قصد خیبر وحاصر أهلها همت قبائل من أسد وغطفان أن یغیروا علی أموال المسلمین وعیالهم بالمدینة ، فکف الله أیدیهم عنهم بالقاء الرعب فی قلوبهم ، وقیل: إن مالک بن عوف وعیینة بن حصین مع بنی أسد وغطفان جاؤوا لنصرة الیهود من خیبر فقذف الله الرعب فی قلوبهم وانصرفوا " ولتکون " الغنیمة التی عجلها لهم " آیة للمؤمنین " ((1)) .

و لقد قضی تعالی علی الخطر المحدق بکم والمهدد لکم دائما المتمثل فی خیبر وقبیلة غطفان وقبیلة بنی أسد .

اذ ضعفت قبائل الاعراب بعد انکسار خیبر وجنحت للصلح مع النبی محمد صلی الله علیه و آله وهذا أمر مهم لدولة النبی فی المدینة التی کانت مهددة دائما من الجیران القریبین لهم .

ص: 359

وعندها تفرغ النبی صلی الله علیه و آله لفتح مکة وأصبحت قیادة الکفار فی مکة ضعیفة بعد توسع الدولة الاسلامیة فلا أحد یتحالف معها وأصبحت تستجدی الصلح مع المسلمین بعدما کانت ترفضه دائما .

{ وَیَهْدِیَکُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِیماً }:

أی ویزیدکم هدی بالتصدیق بمحمد صلی الله علیه و آله وآله الاکرمین ویرشدکم الی صراط أهل البیت .

{ وَاُخْرَی لَمْ تَقْدِرُوا عَلَیْهَا قَدْ أحَاطَ اللّهُ بِهَا وَکَانَ اللّهُ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیراً } 21 _سورة الفتح.

{وَاُخْرَی لَمْ تَقْدِرُوا عَلَیْهَا }: الی یومکم هذا .

وقد قضی الله بها أنها لکم .

{ قَدْ أحَاطَ اللّهُ بِهَا وَکَانَ اللّهُ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیراً }: هیأها الله تعالی لکم وسهل فتحها بأیدیکم وهی مکة وهوازن والطائف وفارس والروم . وفعلا فتحها المسلمون والله قادر علی ما یشاء .

{ وَلَوْ قَاتَلَکُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبَارَ ثُمَّ لا یَجِدُونَ وَلِیّاً وَلا

نَصِیراً } 22

سوف یفر الکافرون منکم بسبب النصر الالهی الحلیف لکم ولا یجدون ولیا یحمیهم ولا من ینصرهم .

ص: 360

الله تعالی هو الذی یهب النصر لمن یشاء فلا یمکن للکفار الانتصار فی یواقعة الا من بعد الاذن الالهی .