ص: 2

قال تعالی :« من کل شیء خلقنا زوجین لعلکم تذکرون » ((1)) .

« والله خلقکم من تراب ثم من نطفة ثم جعلکم أزواجا .

. » ((2)) .

« . . إن یکونوا فقراء یغنهم الله من فضله ، والله واسع علیم » ((3)) .

« ومن آیاته إن خلق لکم من أنفسکم أزواجاً لتسکنوا إلیها وجعل بینکم مودة ورحمة » ((4)) .

وعن النبی صلی الله علیه و آله : « النکاح سنتی فمن رغب عن سنتی فلیس منی » ((5)) .

« من تزوج فقد أحرز نصف دینه فلیتق الله فی النصف الآخر » ((6)) .

وقد روی إسحاق بن عمار عن الإمام الصادق علیه السلام حدیثاً جاء فیه :

قلت لأبی عبد الله علیه السلام الحدیث الذی یرویه الناس حق ، ان رجلاً أتی النبی صلی الله علیه و آله فشکی إلیه الحاجة ، فأمره بالتزویج حتی أمره ثلاث مرات ؟ ثم قال علیه السلام : « الرزق مع النساء ، والعیال » ((7)) .

ص: 4

وقال الإمام الباقر علیه السلام عن النبی صلی الله علیه و آله :

« ما یمنع المؤمن أن یتخذ أهلاً لعل الله أن یرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله » ((1)) .

وعن النبی صلی الله علیه و آله : « . . اطلبوا الولد فإنی مکاثر بکم الأمم غدا » ((2)) .

وعن أبی عبد الله الصادق علیه السلام : « إن استطعت أن تکون لک ذریة تثقل الأرض بالتسبیح فافعل »((3)) .

{ وَلِتَبْلُغُوا أجَلا مُسَمّیً وَلَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ} 67 _سورة غافر .

ویقال للمدة المضروبة لحیاة الإنسان أجل فیقال دنا أجله وهو عبارة من دنو الموت . أی: ما قدر لکم من الحیاة .

وقال الحسن: هو النسل الذی یقوم علیه القیامة والأجل المسمی القیامة .

کما أنه جعل للشمس والقمر أجلا مسمی ، قال سبحانه: ( وسخر الشمس والقمر کل یجری لأجل مسمی )_الرعد 2 .

ص: 5

وقال تعالی: ( إذا جاء أجلهم لا یستأخرون ساعة ولا یستقدمون ) وأجل غیر مسمی یتقدم ویتأخر " ((1)) .

وقال ( علیه السلام ) أیضا فی تفسیر قوله سبحانه: ( ثم قضی أجلا وأجل مسمی عنده ) .

قال: " الأجل الذی غیر مسمی موقوف یقدم منه ما یشاء ویؤخر منه ما شاء ، وأما الأجل المسمی فهو الذی ینزل مما یرید أن یکون من لیلة القدر إلی مثلها من قابل ، فذلک قول الله: ( إذا جاء أجلهم لا یستأخرون ساعة ولا یستقدمون ) ((2)) .

وقال الرازی الوجه المروی عن حکماء الإسلام وقال :

" إن لکل إنسان أجلین أحدهما: الآجال الطبیعیة والثانی الآجال الاخترامیة أما الآجال الطبیعیة فهی التی لو بقی ذلک المزاج مصونا عن العوارض الخارجیة لانتهت مدة بقائه إلی الوقت الفلانی . وأما الآجال الاخترامیة فهی التی تحصل بالأسباب الخارجیة کالغرق والحرق وغیرهما من الأمور المنفصلة " ((3)) .

ص: 6

وقال العلامة الطباطبائی: " إن الأجل أجلان: الأجل علی إبهامه ، والأجل المسمی عند الله تعالی . وهذا هو الذی لا یقع فیه تغییر لمکان تقییده بقوله " عنده " ، وقد قال تعالی: ( وما عند الله باق ) .

وهو الأجل المحتوم الذی لا یتغیر ولا یتبدل ، قال تعالی:

( وإذا جاء أجلهم فلا یستأخرون ساعة ولا یستقدمون ) ((1)) .

وان فکرنا وتدبرنا فی الایات والاحادیث نفهم أن الأجل المسمی هو الذی وضع فی أم الکتاب ، وغیر المسمی من الأجل هو المکتوب فیما نسمیه ب " لوح المحو والإثبات " .

وبتعبیر آخر: إن أم الکتاب قابل الانطباق علی الحوادث من جهة استنادها إلی أسبابها التامة التی لا تتخلف عن تأثیرها ، ولوح المحو و الإثبات قابل الانطباق علی الحوادث من جهة استنادها إلی الأسباب الناقصة التی ربما نسمیها بالمقتضیات التی یمکن اقترانها بموانع تمنع من تأثیرها " ((2)) .

وقال تعالی: {وَلَنْ یُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} _ المنافقون .

وقال تعالی :{ هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ طِینٍ ثُمَّ قَضَی أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّی عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ }_ ( الأنعام: 2 ) .

وفی تفسیر العیاشی قال الإمام الصادق ( علیه السلام ) فی جواب عن الآیة: ( المسمی ما سمیَ لملک الموت فی تلک اللیلة ، وهو الذی قال الله: فَإِذَا جَاءَ

ص: 7

أَجَلُهُمْ لا یَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا یَسْتَقْدِمُونَ . وهو الذی سُمِّیَ لملک الموت فی لیلة القدر . والآخر له فیه المشیة ، إن شاء قدمه وإن شاء أخره )((1)) .

وفی روایة: ( الأجل الأول هو ما نبذه إلی الملائکة والرسل والأنبیاء ( علیهم السلام ) ، والأجل المسمی عنده هو الذی ستره الله عن الخلایق ) .

وجاء فی الکافی: ( عن الفضیل بن یسار قال: سمعت أبا جعفر ( علیه السلام ) یقول: العلم علمان: فعلم عند الله مخزون لم یُطْلِعْ علیه أحداً من خلقه وعلمٌ عَلَّمه ملائکته ورسله ، فما علمه ملائکته ورسله فإنه سیکون ، لا یکذب نفسه ولا ملائکته ولا رسله . وعلم عنده مخزون ، یقدم منه ما یشاء ، ویؤخر منه ما یشاء ، ویثبت ما یشاء ) ((2)) .

وفی روایة أخری: ( سئل العالم ( علیه السلام ) کیف عَلِمَ الله ؟

قال: علم وشاء وأراد وقدر وقضی وأمضی ، فأمضی ما قضی ، وقضی ما قدر ، وقدر ما أراد ، فبعلمه کانت المشیئة ، وبمشیئته کانت الإرادة ، وبإرادته کان التقدیر ، وبتقدیره کان القضاء ، وبقضائه کان الامضاء ،

ص: 8

والعلم متقدم علی المشیئة والمشیئة ثانیة ، والإرادة ثالثة ، والتقدیر واقع علی القضاء بالإمضاء ) ((1)) .

وقال الإمام الصادق ( علیه السلام ) : ( دخل رسول الله صلی الله علیه و آله علی رجل من أصحابه وهو یجود بنفسه ، فقال: یا ملک الموت إرفق بصاحبی فإنه مؤمن ، فقال: أبشر یا محمد فإنی بکل مؤمن رفیق ، واعلم یا محمد أنی أقبض روح ابن آدم فیجزع أهله ، فأقوم فی ناحیة من دارهم فأقول: ما هذا الجزع ؟ فوالله ما تعجلناه قبل أجله ، وما کان لنا فی قبضه من ذنب ! فإن تحتسبوا وتصبروا تؤجروا ، وإن تجزعوا تأثموا وتوزروا ) ((2)) .

ولعلکم تعقلون " : أی تدرکون الحق بالتعقل المغروز فیکم .

وقال نجاح الطائی: الایات والاحادیث النبویة بینت الاجال الحتمیة والاجال المتغیرة تبعا للاعمال والظروف المحیطة بالشخص مما یدعو الانسان لفعل الاعمال المتسببة فی اطالة العمر واجتناب الافعال المتسببة فی انقاص العمر

{ هُوَ الَّذِی یُحْیِی وَیُمِیتُ فَإذَا قَضَی أمْراً فَإنَّمَا یَقُولُ لَهُ کُنْ

فَیَکُونُ } 68 _سورة غافر .

ص: 9

هُوَ الَّذِی یُحْیِی وَیُمِیتُ: من کافة المخلوقات البریة والبحریة من الانس والجن والملائکة .

{فَإذَا قَضَی أمْراً فَإنَّمَا یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ } : فی خلق الاکوان والموجودات النباتیة والحیوانیة وغیرها مما خلق ومما لم یخلق بعد .

عمله تعالی بمنزلة ما یقال له کن فیکون ، لأنه سبحانه یخاطب المعدوم بالتکون .

یقول له کن فیکون انجاز الاعمال من غیر عدة وتجشم کلفه وبلا صوت .

و « الفاء » الأولی للدّلالة علی أنّ ذلک نتیجة ما سبق

.

{ ألَمْ تَرَ إلَی الَّذِینَ یُجَادِلُونَ فِی آیَاتِ اللّهِ أنَّی یُصْرَفُونَ } 69_سورة غافر .

أی: من أَیِّ جِهَة یُقْلَبونَ عن الحقِّ إلی الضَّلالِ .

وقال عز وجل « إِنَّ الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِ اللَّهِ بِغَیْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِی صُدُورِهِمْ إِلَّا کِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِیهِ ((1)) .

بغیر سلطان وحجّة أتاهم بل بمجرّد رأی أو تقلید أو شبهة باطلة بل عداوة للدین وحقدا علی الحق . مقتاً عند الله وعند الذین آمنوا بالله وبرسوله وکتابه والأئمة الطاهرین .

ذم الله تعالی المجادلین فی [ آیات الله ] لدفعها أو قدحها وإیقاع الشبهة فی حقها .

ص: 10

وتد ذکر الله تعالی عن خلیله إبراهیم علیه السلام أنه حاج کافرا فی الله تعالی فقال: ( ألم تر إلی الذی حاج إبراهیم فی ربه )((1)) الآیة .

وقال مخبرا عن حجاجه قومه: ( وتلک حجتنا آتیناها إبراهیم علی قومه نرفع درجات من نشاء ) ((2)) .

وقال سبحانه آمرا نبیه صلی الله علیه و آله بمحاجة مخالفیه: ( قل هل عندکم من علم فتخرجوه لنا ) ((3)) .

{ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِالکِتَابِ وَبِمَا أرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ } 70 _سورة غافر .

وصف الله تعالی المجادلین بالذین کذَّبوا بالقرآن والانبیاء فسوف یعلمون مصیرهم فی النار .

علی بن إبراهیم: وفی روایة أبی الجارود ، عن الامام أبی جعفر محمد الباقر ( علیه السلام ) ، فی قوله تعالی: ( الَّذِینَ کَذَّبُوا بِالْکِتابِ وبِما أَرْسَلْنا بِه رُسُلَنا )_ إلی قوله تعالی_ ( کَذلِکَ یُضِلُّ اللَّه الْکافِرِینَ ) فقد سماهم الله کافرین مشرکین بأن کذبوا بالکتاب ، وقد أرسل الله رسله بالکتاب ،

ص: 11

وبتأویل الکتاب ، فمن کذب بالکتاب ، أو کذب بما أرسل به رسله من تأویل الکتاب ، فهو مشرک ((1)) .

{ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِالکِتَابِ}: افتروا علی النبی والقرآن : وَقَالُوا أسَاطِیرُ الأوَّلِینَ اکْتَتَبَهَا فَهِیَ تُمْلَی عَلَیْهِ بُکْرَةً وَأصِیلا 5_الفرقان .

{ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِالکِتَابِ وَبِمَا أرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ }70 _سورة غافر : وهناک من کذَّب وصیة النبی محمد للامام علی علیه السلام واغتصب الخلافة ومنع النبی صلی الله علیه و آله من کتابة الوصیة فی یوم موته وقال : النبی یهجر :

أورد البخاری قول عمر للنبی صلی الله علیه و آله : حسبنا کتاب الله إنه یهجر فی ثلاثة مواضع من صحیحه ((2)) .

ص: 12

{ إذِ الأغْلالُ فِی أعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ یُسْحَبُونَ71 فِی الحَمِیمِ ثُمَّ فِی النَّارِ یُسْجَرُونَ } 72 _سورة غافر .

یسحبون الی الجحیم .

{ ثُمَّ فِی النَّارِ یُسْجَرُونَ: } فالسجر القاء الحطب فی معظم النار کالتنور الذی یسجر بالوقود ، فهؤلاء الکفار لجهنم کالسجار للتنور ((1)) .

یسجرون: وتعنی قذفهم فیها وفیها یسجرون بتحولهم الی حطب للنار .

وفی سورة یس: ( إِنَّا جَعَلْنا فِی أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِیَ إِلَی الأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ) .

ص: 13

قال الطَّبرسیّ: یعنی أیدیهم ، کنّی عنها وان لم یذکرها لأنّ الأعناق والأغلال تدلَّان علیها ، وذلک انّ الغلّ انما یجمع الید إلی الذقن والعنق ولا یجمع الغلّ العنق إلی الذقن .

وروی عن ابن عباس وابن مسعود انهما قرءا انّا جعلنا فی أیمانهم أغلالا ، وقرأ بعضهم فی أیدیهم ، والمعنی فی الجمیع واحد ، لأنّ الغلّ لا یکون فی العنق دون الید ولا فی الید دون العنق ، وقوله: فهم مقمحون ، أراد أنّ أیدیهم لما غلَّت إلی أعناقهم ورفعت الأغلال أذقانهم ورؤوسهم صعدا فهو مرفوع والرّأس برفع الأغلال ایّاها ((1)) .

وکان یزید قد وضع الاغلال فی عنق الامام السجاد علیه السلام وأخذه أسیرا من کربلاء الی دمشق وکان الملوک النواصب یضعون الاغلال فی أعناق الشیعة وائمتهم ویضعوهم فی السجون المظلمة وعلی رأس هؤلاء الامام موسی الکاظم علیه السلام .

وممن رثاه من مشاهیر شعراء الشیعة فی القرن السادس أبو الفتح محمد بن عبید الله المعروف بسبط ابن التعاویذی المتوفی سنة 553 فقال من قصیدة:

والسید السجاد یحمل ضارعا * ویقاد فی الأغلال وهو مصفد((2)) .

وورد عن أبی عمرو بن العلاء: أن عقیل بن أبی طالب لما قدم علی علی

( علیه السلام ) بالکوفة یسترفده عرض علیه عطاءه ، فقال: إنما أرید من بیت

ص: 14

المال . فقال علیه السلام : « تقیم إلی یوم الجمعة » فأقام فلما صلی أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) الجمعة قال لعقیل: « ما تقول فیمن خان هؤلاء أجمعین ؟ » .

قال: بئس الرجل ذاک . قال: « فأنت تأمرنی أن أخون هؤلاء وأعطیک » . فلما خرج من عنده أتی معاویة فأمر له یوم قدومه بمائة ألف درهم وقال له: یا أبا یزید أنا خیر لک أم علی ؟ قال عقیل: وجدت علیا أنظر لنفسه منه لی ووجدتک أنظر لی منک لنفسک ((1)) .

الاغلال وهی جمع غل ، وهو طرق یدخل فی العنق للألم والذل والغل ثقیل ومؤذ . وأصله الدخول من قولهم: انغل فی الشئ إذا دخل فیه .

والغلول الخیانة التی تصیر کالغل فی عنق صاحبها ، والأعناق جمع عنق وهو مرکب الرأس بین البدن وبینه .

وذکر الامام علی علیه السلام قصة أخیه عقیل الذی جاء طالبا مالا من بیت المال وقصة الاشعث الذی جاء برشوة الی الامام علیه السلام فرد مشروعهما وطلبهما :

قال أمیر المؤمنین ( علیه السلام ):

« والله لأن أبیت علی حسک السعدان مسهداً أو أجر فی الأغلال مصفداً أحب إلی من أن ألقی الله ورسوله یوم القیامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشیء من الحطام ، وکیف أظلم أحداً لنفس یسرع إلی البلی قفولها ویطول فی الثری حلولها ، والله لقد رأیت قیلا وقد أملق حتی استماحنی من برکم صاعاً ، ورأیت صبیانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم کأنما سودت

ص: 15

وجوههم بالعظلم وعاودنی مؤکداً وکرر علیّ القول مردداً ، فأصغیت إلیه سمعی فظن أنی أبیعه دینی وأتبع قیاده مفارقاً طریقتی فأحمیت له حدیدةً ثم أدنیتها من جسمه لیعتبر بها فضج ضجیج ذی دنف من ألمها وکاد أن یحترق من میسمها فقلت له: ثکلتک الثواکل یا عقیل أتین من حدیدة أحماها إنسانها للعبه وتجرنی إلی نار سجرها جبارها لغضبه ، أتئن من الأذی ولا أئنّ من لظی وأعجب من ذلک طارق طرقنا بملفوفة فی وعائها ومعجونة شنئتها کأنما عجنت بریق حیة أو قیئها فقلت: أصلة أم زکاة أم صدقة فذلک محرم علینا أهل البیت . فقال: لا ذا ولا ذاک ولکنها هدیة .

فقلت: هبلتک الهبول أعن دین الله أتیتنی لتخدعنی ، أمختبط أنت أم ذو جنة أم تهجر ، والله لو أعطیت الأقالیم السبعة بما تحت أفلاکها علی أن أعصی الله فی نملة أسلبها جلب شعیرة ما فعلته ، وإن دنیاکم عندی لأهون من ورقة فی فم جرادة تقضمها ما لعلی ولنعیم یفنی ولذة لا تبقی نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعین » ((1)) .

وقال نجاح الطائی:

لقد عذب الملوک المغتصبون للخلافة الاسلامیة المؤمنین أشد أنواع العذاب لارضاخهم واذلالهم وابعادهم عن أهل البیت .

وکانت الاغلال فی أعناق المسجونین عادة معروفة عندهم وقد ورثوها من الفراعنة والاکاسرة والهراقلة والنماردة المتفننین فی تعذیب الصالحین .

ص: 16

وقد سحبوا علیاً علیه السلام بالحبال لیجبروه علی البیعة لابی بکر فامتنع

وتحمل فی طریقه المذکور مصاعب شتی منها أخذهم له بالحبال إلی مقر أبی بکر لاجباره علی البیعة فامتنع ((1)) .

{ ثُمَّ قِیلَ لَهُمْ أیْنَ مَا کُنْتُمْ تُشْرِکُونَ } 73 _سورة غافر .

أی أین إمامکم الذی اتخذتموه دون الامام الذی جعله الله للناس إماما ، ثم قال الله لنبیه ( فاصبر ان وعد الله حق فاما نرینک بعض الذی نعدهم ) أی من العذاب ((2)) .

وفی الکافی عن الصادق ( علیه السلام ): أن مؤمنا کان فی مملکة جبار فولع به ، فهرب منه إلی دار الشرک ، فنزل برجل من أهل الشرک فأظله ، وأرفقه ، وأضافه ، فلما حضره الموت أوحی الله عز وجل إلیه: ( وعزتی وجلالی لو کان لک فی جنتی مسکن لأسکنتک فیها ولکنها محرمة علی من مات بی مشرکا ، ولکن: یا نار هیدیه ((3)) ولا تؤذیه ) ویؤتی برزقه طرفی النهار ، قلت: من الجنة ، قال:

ص: 17

من حیث یشاء الله عز وجل((1)) .

" قالوا: ضلوا عنا " أی ضاعوا وهلکوا فلا نراهم ولا نقدر علیهم ، ثم یستدرکون فیقولون: " بل لم نکن ندعو من قبل شیئا " أی شیئا یستحق العبادة ولا ما ننتفع بعبادته .

وقیل: لم نکن ندعو شیئا ینفع ویضر ویسمع ویبصر ، وهذا کما یقال لکل ما لا یغنی شیئا: هذا لیس بشئ ((2)) .

{ منْ دُونِ اللّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَکُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَیْئاً کَذَلِکَ یُضِلُّ اللّهُ الکَافِرِینَ }74 _سورة غافر .

قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا: ضاعوا . فشهدوا علی أنفسهم انهم کانوا کافرین .

اعترف المشرکون بعبادتهم للعتاة البغاة الطغاة من دون الله العزیز فضلوا ضلالا کثیرا .

{ ذَلِکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِی الأرْضِ بِغَیْرِ الحَقِّ وَبِمَا کُنْتُمْ تَمْرَحُونَ75 } _سورة غافر .

تَفْرَحُونَ :تبطرون وتسرفون .

وهو الشرک والطغیان ( وبِما کُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ) تطغون وتترفون فی الفرح طغیانا وبطَّرا وتکبّرا ، والعدول إلی الخطاب للمبالغة فی التوبیخ .

ص: 18

والاقبال علی الفرح المحرم ونسیان الاعمال الواجبة من صفات الکفار والمنافقین لکنک تری بعض المسلمین مشغولین بالافراح والحفلات الصاخبة المحرمة والایة نازلة فی الکفار .

هؤلاء یفرحون بالافراح الزائلة الوقتیة وینسون الافراح الدائمة الخالدة فی الجنة .

واتفقت کلمة العلماء علی ان الجاهل المقصر لا عذر له عند اللَّه . فیقال للمجرمین: {فَادْخُلُوا أبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَی المُتَکَبِّرِینَ } 29_النحل .

قال تعالی: { هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالأَخْسَرِینَ أَعْمالًا الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وهُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً }_ 104 الکهف .

« فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ » .

{ ادْخُلُوا أبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَبِئْسَ مَثْوَی المُتَکَبِّرِینَ } 76 _سورة غافر .

أمر الهی بدخول جهنم من ابوابها الواسعة بحیث انها کافیة لکل الکافرین والمنافقین .

قال تعالی: { وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أجْمَعِینَ43* لَهَا سَبْعَةُ أبْوَاب لِکُلِّ بَاب مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } 44_الحجر .

وقال نجاح الطائی: الامر السماوی تحقیر للمتکبرین فی الدنیا بحشرهم فی جهنم البائسة الوضیعة وسلبهم کل منازلهم الفاخرة فی الدنیا فیسمون

ص: 19

انفسهم بالبیوتات الکذائیة والکذائیة وهی بیوت العنکبوت القائمة علی أشلاء المساکین .

ویشکل البعض علی کبر جهنم بحیث تسع لملیارات البشر الکافرین والمنافقین:

الجواب : نجم بیت الجوزاء أکبر من شمسنا ب- 274 ملیون مرة، لذا فهو أکبر من أرضنا ب- 355 ترلیون مرة { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَکْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } غافر 57 .

وهو کاف للمجرمین فقط فکیف یشکلون ؟

ومن صفات العنکبوت النتنة أن الانثی تطرد زوجها من البیت بعد حصول التزاوج بینهما وتقوم بتربیة فراخها .

وبعدما یکبر الصغار یطردون أمهم من البیت فقال تعالی عن بیتهم القائم علی المکر والخدیعة:

{ مَثَلُ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أوْلِیَاءَ کَمَثَلِ العَنکَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَیْتاً وَإنَّ أوْهَنَ البُیُوتِ لَبَیْتُ العَنْکَبُوتِ لَوْ کَانُوا یَعْلَمُونَ } 41_العنکبوت .

وتری أفراد البیوتات العنکبوتیة من الملوک وعلماء البلاط سراقا وفساقا ومتکبرین . وقال تعالی عن جهنم :

:وَإذَا قِیلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المِهَادُ 206_البقرة

.

:قُلْ لِلَّذِینَ کَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلَی جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المِهَادُ 12_آل عمران

ص: 20

:أفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ کَمَنْ بَاءَ بِسَخَط مِنَ اللّهِ وَمَأوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِیرُ162_آل عمران

:وَمَنْ یُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الهُدَی وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ المُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّی وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیراً115_النساء .

:یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إذَا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ 15*وَمَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَال أوْ مُتَحَیِّزاً إلَی فِئَة فَقَدْ بَاءَ بِغَضَب مِنَ اللّهِ وَمَأوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِیرُ 16_الانفال .

:هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِی کُنتُمْ تُوعَدُونَ 63*اصْلَوْهَا

الیَوْمَ بِمَا کُنتُمْ تَکْفُرُونَ 64*الیَوْمَ نَخْتِمُ عَلَی أفْوَاهِهِمْ وَتُکَلِّمُنَا أیْدِیهِمْ وَتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ 65_سورة یس .

{ فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَإمَّا نُرِیَنَّکَ بَعْضَ الَّذِی نَعِدُهُمْ أوْ نَتَوَفَّیَنَّکَ فَإلَیْنَا یُرْجَعُونَ77 } _سورة غافر .

{ فَإمَّا نُرِیَنَّکَ بَعْضَ الَّذِی نَعِدُهُمْ }: بعض العذاب یصیبک فی الدنیا کالقتل فی معرکة بدر شهیدا .

{ أوْ نَتَوَفَّیَنَّکَ فَإلَیْنَا یُرْجَعُونَ }: نتوفینک قبلهم فالی الله تعالی یرجعون.

قال تعالی:

{ وَاسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإنَّهَا لَکَبِیرَةٌ إلا عَلَی الخَاشِعِینَ 45*الَّذِینَ یَظُنُّونَ أنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأنَّهُمْ إلَیْهِ رَاجِعُونَ } 46_البقرة .

ص: 21

{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِینَ 155*الَّذِینَ إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِیبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلّهِ وَإنَّا إلَیْهِ رَاجِعُونَ } 156_البقرة .

{ وَتَقَطَّعُوا أمْرَهُمْ بَیْنَهُمْ کُلٌّ إلَیْنَا رَاجِعُونَ } 93_الانبیاء .

قال علی بن إبراهیم فی قوله ( ذلکم بما کنتم تفرحون فی الأرض بغیر الحق وبما کنتم تمرحون ) یعنی من الفرح الظاهر ، قال: حدثنی أبی عن الحسن بن محبوب عن علی بن ریاب عن ضریس الکنانی عن الامام أبی جعفر محمد الباقر

علیه السلام قال قلت له جعلت فداک ما حال الموحدین المقرین بنبوة محمد صلی الله علیه و آله من المسلمین المذنبین الذین یموتون ولیس لهم إمام ولا یعرفون ولایتکم ؟

فقال علیه السلام : اما هؤلاء فإنهم فی حفرهم لا یخرجون منها فمن کان له عمل صالح ولم یظهر منه عداوة فإنه یخد له خدا إلی الجنة التی خلقها الله بالمغرب فیدخل علیه الروح فی حفرته إلی یوم القیامة حتی یلقی الله فیحاسبه بحسناته وسیئاته فاما إلی الجنة واما إلی النار فهؤلاء الموقوفون لامر الله قال: وکذلک نفعل بالمستضعفین والبله والأطفال وأولاد المسلمین الذین لم یبلغوا الحلم ، واما النصاب من أهل القبلة فإنهم یخد لهم خدا إلی النار التی خلقها الله فی المشرق فیدخل علیهم اللهب والشرر والدخان وفورة الحمیم إلی یوم القیامة ثم بعد ذلک مصیرهم إلی الجحیم

( فی النار یسجرون ثم قیل لهم أین ما کنتم تشرکون من دون الله ) أی أین إمامکم الذی اتخذتموه دون الامام الذی جعله الله للناس إماما ، ثم قال الله

ص: 22

لنبیه ( فاصبر ان وعد الله حق فاما نرینک بعض الذی نعدهم ) أی من العذاب ( أو نتوفینک فالینا یرجعون ) ((1)) .

{ وَلَقَدْ أرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِکَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَیْکَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَیْکَ وَمَا کَانَ لِرَسُول أنْ یَأتِیَ بِآیَة إلا بِإذْنِ اللّهِ فَإذَا جَاءَ أمْرُ اللّهِ قُضِیَ بِالحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِکَ المُبْطِلُونَ78 } _سورة غافر

{ وَلَقَدْ أرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِکَ } قالوا مائة وأربعة وعشرون ألف نبی .

{مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَیْکَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَیْکَ }: فی القرآن مثل قصة النبی الاسود الحبشی .

{ وَمَا کَانَ لِرَسُول أنْ یَأتِیَ بِآیَة إلا بِإذْنِ اللّهِ }: فهو یحیی الاموات باذن الله ویرد الشمس باذن الله تعالی .

{ فَإذَا جَاءَ أمْرُ اللّهِ قُضِیَ بِالحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِکَ المُبْطِلُونَ78 }

قال الصادق علیه السلام : إنا أهل بیت نجزع قبل المصیبة ، فإذا نزل أمر الله رضینا بقضائه وسلمنا لامره ، ولیس لنا أن نکره ما أحب الله لنا ((2)) .

{ وَخَسِرَ هُنَالِکَ المُبْطِلُونَ78 }: الذین قضوا عمرهم فی ظلم العباد .

قال الطبرسی: روی عن الامام علی علیه السلام أنه قال: بعث الله نبیا أسود لم

ص: 23

یقص علینا قصته ((1)) .

واختلفت الأخبار فی عدد الأنبیاء فروی فی بعضها أن عددهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا " ، وفی بعضها أن عددهم ثمانیة آلاف نبی: أربعة آلاف من بنی إسرائیل ، وأربعة آلاف من غیرهم " بآیة " أی بمعجزة ودلالة ((2)) .

" فإذا جاء أمر الله " قال البیضاوی: أی بالعذاب فی الدنیا والآخرة " قضی بالحق " بإنجاء المحق وتعذیب المبطل ((3)) .

{ اللّهُ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الأنْعَامَ لِتَرْکَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأکُلُونَ79} _سورة غافر .

مثل الابل ترکبوها وتأکلوها وهی نعمة عظیمة للانسان . وجعل تعالی قسما من الانعام للرکب فقط کالخیل والبغال والحمیر وجعل قسما منها للاکل فقط کالغنم والبقر .

وهذا الامر من النعم الالهیة الفاخرة التی سهلت الحیاة للانسان علی سطح هذا الکوکب الزاهر.

ص: 24

ولولا هذه النعم لصعبت الحیاة فوق الکرة الارضیة , لکن أکثر الناس لا یشکرون .

{ وَلَکُمْ فِیهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَیْهَا حَاجَةً فِی صُدُورِکُمْ وَعَلَیْهَا وَعَلَی الفُلْکِ تُحْمَلُونَ80 } _سورة غافر .

وَلَکُمْ فِیهَا مَنَافِعُ :

مثل نقل الناس وحلیب الانعام وصوفها وأوبارها وعملها فی الحقول ونقل الامتعة والماء .

( وَلَکُمْ فِیها مَنافِعُ ) کالألبان والجلود والأوبار والأصواف والأشعار ( ولِتَبْلُغُوا عَلَیْها حاجَةً فِی صُدُورِکُمْ ) بأن ترکبوها فی اسفارکم ورحلاتکم.

( وعَلَیْها ) فی البرّ ( وعَلَی الْفُلْکِ ) فی البحر ( تُحْمَلُونَ ) .

وإنّما قال: « وعَلَی الْفُلْکِ » ولم یقل: فی الفلک ، للمزاوجة . أو لأنّ معنی الإیعاء ومعنی الاستعلاء کلاهما مستقیم ، لأنّ الفلک وعاء لمن یکون فیها حمولة له یستعلیها .

فلمّا صحّ المعنیان صحّت العبارتان ، کما قال: ( قُلْنَا احْمِلْ فِیها مِنْ کُلٍّ زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ ) _ هود: 40 .

وقال تعالی: { وَعَلَی الأعْرَافِ رِجَالٌ یَعْرِفُونَ کُلا بِسِیمَاهُمْ }_الاعراف 46 . ولم یقل فی الاعراف لاستقرارهم علی الاعراف .

{ وَیُرِیکُمْ آیَاتِهِ فَأیَّ آیَاتِ اللّهِ تُنکِرُونَ } 81 _سورة غافر .

ص: 25

یعنی أمیر المؤمنین والأئمة فی الرجعة ((1)) .

الآیات: أمیر المؤمنین و الأئمة .

قال أمیر المؤمنین: ما لله آیة أکبر منِّی, فاذا رجعوا الی الدنیا یعرفهم اعداؤهم اذا رأوهم فی الدنیا ((2)) .

وقال الصادق علیه السلام : الآیات هم الأئمة والنذر هم الأنبیاء ((3)) .

وقال تعالی :(وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا) .

لم یؤمنوا بولایة أمیر المؤمنین و الأئمة ((4)) .

وقال تعالی: (وَکَذَلِکَ نَجْزِی مَنْ أسْرَفَ وَلَمْ یُؤْمِنْ بِآیَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أشَدُّ وَأبْقَی - سورة طه 20 / 127 .

وقال الإمام الصادق علیه السلام : من أشرک بولایة أمیر المؤمنین ولم یؤمن بآیات ربه وترک الأئمة معاندة فلم یتَّبع آثارهم ولم یتولهم ((5)) .

ص: 26

لقد تبین للقاصی والدانی معجزات أهل البیت علیهم السلام فی کل زمان ومکان, قبل الرجعة وبعدها کما ورد فی النصوص الصحیحة .

وکل شیء فی الوجود آیة من آیات الله تعالی وسید تلک الایات أهل البیت کما ورد فی النصوص الحدیثیة .

{ وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إلاَّ أنْ آمَنَّا بِآیَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أفْرِغْ عَلَیْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِینَ } 126_الاعراف .

{ قَدْ بَیَّنَّا الآیَاتِ لِقَوْم یُوقِنُونَ } 118_البقرة .

{ إنَّ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْکِ الَّتِی تَجْرِی فِی البَحْرِ بِمَا یَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أنزَلَ اللّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاء فَأحْیَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِیهَا مِنْ کُلِّ دَابَّة وَتَصْرِیفِ الرِّیَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَیْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآیَات لِقَوْم یَعْقِلُونَ } 164_البقرة .

{ إنَّ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ لآیَات لاُولِی الألْبَابِ } 190_آل عمران .

{ فَقُلْنَا اذْهَبَا إلَی القَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِیراً } 36 _الفرقان

آیات الله تعنی حجج الله وبراهینه ودلائله ونظمه لهدایة الناس الی الایمان وارشادهم الی الطریق المستقیم .

ص: 27

{ أفَلَمْ یَسِیرُوا فِی الأرْضِ فَیَنظُرُوا کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ کَانُوا أکْثَرَ مِنْهُمْ وَأشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِی الأرْضِ فَمَا أغْنَی عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَکْسِبُونَ } 82 _سورة غافر .

أفَلَمْ یَسِیرُوا فِی الأرْضِ: قال الامام الباقر علیه السلام : قال هل لک فی رجل یسیر بک من المطلع الی المغرب فی یوم واحد ؟

فقلت: بابن رسول الله صلی الله علیه و آله جعلنی الله فداک ومن لی بهذا ؟

قال: ذاک أمیر المؤمنین الم تسمع قول رسول الله صلی الله علیه و آله : لتبلغن بک الأسباب والله لترکبن السحاب والله لتؤتن عصا موسی والله لتعطن خاتم سلیمان ((1))

.

شأنهم شأن الفراعنة الذین لم یستفیدوا من أموالهم وقدراتهم وتحنیطهم شیئاً .

{ أفَلَمْ یَسِیرُوا فِی الأرْضِ فَیَنظُرُوا کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ }:

أفلم یتدبروا ألم یتعظوا من سفرهم فی الارض من حیاة الامم وموتها حیث کتب تعالی الموت والفناء علی جمیع البشر .

کَانُوا أکْثَرَ مِنْهُمْ وَأشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِی الأرْضِ فَمَا أغْنَی عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَکْسِبُونَ } : کانت جیوش تلک الامبراطوریات أکثر منهم عددا وأشد قوة وآثارا فی الارض .

ومن قوتهم نحت الجبال بآلات بسیطة وضعیفة مما یبین قوتهم البدنیة والعضلیة مما لا یستطیع فعله الرجال فی عصرنا هذا .

وقد ترکوا آثارا عجیبة فی بابل وسور الصین ومصر وبعلبک وغیرها .

ص: 28

{ فَمَا أغْنَی عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَکْسِبُونَ }: لکن لم ینفعهم عددهم الکثیر وقوتهم البدنیة اذ ألحدوهم فی ثری الارض مثل الامم الماضیة فاندرس اسمهم ومضی رسمهم فأصبحوا اسما بعد عین وقصصا للمعتبرین . ولم ینفعهم اعمارهم للارض وتسخیرهم لها وانتفاعهم بها .

{ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَیِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا کَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُون }83 _سورة غافر .

المفسر القمی: من العذاب فی الرجعة .

أقول: العذاب شامل الرجعة والاخرة .

عن الامام علی علیه السلام فی قوله تعالی :{ لئن اخرنا عنهم العذاب إلی أمة معدودة لیقولن ما یحبسه } قال: الأمة المعدودة أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر .

قال علی بن إبراهیم والأمة فی کتاب الله علی وجوه کثیرة فمنه المذهب وهو قوله :{ کان الناس أمة واحدة } ای علی مذهب واحد ، ومنه الجماعة من الناس وهو قوله :{ وجد علیه أمة من الناس یسقون } ای جماعة ، ومنه الواحد قد سماه الله أمة قوله ک{ ان إبراهیم کان أمة قانتا لله حنیفا } ومنه جمیع أجناس الحیوان وهو قوله :{ وان من أمة إلا خلا فیها نذیر } ومنه أمة محمد صلی الله علیه و آله وهو قوله :

{ وکذلک أرسلناک فی أمة قد خلت من قبلها أمم } وهی أمة محمد صلی الله علیه و آله ومنه الوقت وهو قوله :{ وقال الذی نجا منهما وادکر بعد أمة }.

ای بعد وقت وقوله: إلی أمة معدودة: یعنی به الوقت ومنه الخلق کله وهو قوله :{ وتری کل أمة جاثیة وکل أمة تدعی إلی کتابها } ، وقوله :{ یوم

ص: 29

نبعث من کل أمة شهیدا ثم لا یؤذن للذین کفروا ولا هم یستعتبون } ومثله کثیر ((1)) .

قال فی الکشاف فی تفسیر قوله تعالی: ( فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ ) _غافر 83 . یرید علم الفلاسفة والدهریین من بنی یونان ((2)) .

ثم قال تعالی " فلما جاءتهم رسلهم بالبینات " یعنی لما أتی هؤلاء الکفار رسلهم الذین دعوهم إلی توحیده وإخلاص العبادة له " فرحوا بما عندهم من العلم "

الطوسی: ( وفی الکلام حذف ، وتقدیره لما جاءتهم رسلهم بالبینات فجحدوها وأنکروا دلالتها وعد الله تعالی الرسل باهلاک أممهم ونجاة الرسل فرح الرسل بما عندهم من العلم بذلک .

وقیل: إن المعنی فرحوا بما عندهم من العلم یعنی الکفار بما اعتقدوا انه علم إذ قالوا: نحن اعلم منهم لن نعذب ولن نبعث ، فکان ذلک جهلا واعتقدوا انه علم ، فأطلق الاسم علیه بالعلم علی اعتقادهم ، کما قال " حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ _الشوری16 .

وقال " ذق انک أنت العزیز الکریم " ((3)) یعنی عند نفسک وعند قومک ، فالأول قال به الجبائی ، والثانی قول الحسن ومجاهد .

ص: 30

وقیل: المعنی إن الکفار فرحوا بما عند الرسل فرح استهزاء وسخریة لا فرح سرور وغبطة وقوله " وحاق بهم " أی حل بهم " ما کانوا به یستهزؤن " أی جزاء ما کانوا به یسخرون برسلهم من الهلاک والعذاب )((1)) .

وقال نجاح الطائی: إن الکفار فرحوا فرح استهزاء وهی عادتهم مع الرسل من شدة طغیانهم وعظم غرورهم وکبر استبدادهم .

فقال تعالی :{ وحاق بهم } أی حل بهم { ما کانوا به یستهزؤن} " أی جزاء ما کانوا به یسخرون برسلهم من الهلاک والعذاب .

{ فَلَمَّا رَأوْا بَأسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَکَفَرْنَا بِمَا کُنَّا بِهِ مُشْرِکِینَ } 84 _سورة غافر .

فَلَمَّا رَأوْا بَأسَنَا: عذابنا الواقع علیهم .

إبراهیم بن محمد الهمدانی قال: قلت لأبی الحسن علی بن موسی الرضا علیه السلام : لأی علة أغرق الله عز وجل فرعون وقد آمن به وأقر بتوحیده ؟

قال علیه السلام : لأنه آمن عند رؤیة البأس والایمان عند رؤیة البأس غیر مقبول وذلک حکم الله تعالی فی السلف والخلف قال الله عز وجل ( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وکفرنا بما کنا به مشرکین فلم یک ینفعهم إیمانهم لما رأوا بأسنا ) ((2)) .

ص: 31

وقال عز وجل ( یوم یأتی بعض آیات ربک لا ینفع نفسا إیمانها لم تکن آمنت من قبل أو کسبت إیمانها خیرا ) ((1)) .

وهکذا فرعون لما أدرکه الغرق ، قال ( آمنت إنه لا إله إلا الذی آمنت به بنو إسرائیل وأنا من المسلمین ) فقیل له: ( الآن وقد عصیت قبل وکنت من المفسدین فالیوم ننجیک ببدنک لتکون لمن خلفک آیة ) ((2)) .

وقد کان فرعون من قرنه إلی قدمه فی الحدید ولبسه علی بدنه فلما أغرق ألقاه الله علی نجوة من الأرض ببدنه لتکون لمن بعده علامة فیرونه مع تثقله بالحدید مرتفع من الأرض وسبیل الثقیل أن یرسب ولا یرتفع ، وکان ذلک آیة وعلامة ولعلة أخری أغرق الله عز وجل فرعون وهی أنه: استغاث بموسی لما أدرکه الغرق ولم یستغث بالله فأوحی الله عز وجل إلیه یا موسی لم تغث فرعون ، لأنک لم تخلقه ، ولو استغاث بی لأغثته ((3)) .

وقُدّم إلی المتوکل رجل نصرانی فجر بامرأة مسلمة ، فأراد أن یقیم علیه الحد ، فأسلم ، فقال یحیی بن أکثم: الإیمان یمحو ما قبله ، وقال بعضهم: یضرب ثلاثة حدود . فکتب المتوکل إلی الإمام الهادی ( علیه السلام ) یسأله ، فلمّا قرأ الکتاب ، کتب: « یضرب حتی یموت » . فأنکر الفقهاء ذلک ، فکتب إلیه یسأله عن العلّة ، فکتب:

ص: 32

بسم اللّه الرّحمنِ الرَّحیم: ( فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَه وَکَفَرْنا بِما کُنّا بِهِ مُشْرِکینَ * فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّت اللّهِ الّتِی قَدْ خَلَتْ فِی عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِکَ الْکافِرُونَ ) ((1)) .

فأمر به المتوکل ، فضرب حتی مات ((2)) .

وقال المفید:

فإن کان قد أسلم فیما بینه وبین الله عزَّ وجلَّ فسیعوّضه الله علی قتله بأکثر ممّا ناله من الألم به ویدخله الجنّة بإسلامه ، وإن کان إنّما أراد دفع الحدّ عنه بإظهار خلاف ما یبطن من الکفر لم ینفعه ذلک وأُقیم حدّ الله تعالی علیه وإن رغم أنفه وبطلت حیلته فی دفع العقاب عنه ((3)) .

{ فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إیمَانُهُمْ لَمَّا رَأوْا بَأسَنَا سُنَّةَ اللّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ فِی عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِکَ الکَافِرُونَ85 } _سورة غافر .

بعدما یحل العذاب الاخروی علی الکافرین یؤمنون بالله تعالی والمعاد وهذا

ص: 33

لا ینفعهم فهم خسروا الامتحان .

وعن حنان بن سدیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال :

سألته عن یهودی فجر بمسلمة قال : یقتل ((1)) .

ص: 34

وفی حدیث عن " سنن البیهقی " أن " خلیل بن مرة " کان یقول: إن النبی صلی الله علیه و آله لم ینم لیلة من اللیالی قبل أن یقرأ سورتی " تبارک " و " حم السجدة " ((1)) .

بسم الله الرحمن الرحیم

{حم 1 تَنزِیلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ2 کِتَابٌ فُصِّلَتْ آیَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِیّاً لِقَوْم یَعْلَمُونَ 3 بَشِیراً وَنَذِیراً فَأعْرَضَ أکْثَرُهُمْ فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ 4} _ سورة فصلت .

قال الامام الصادق علیه السلام لداود الرقی: یا داود قرأ أبی محمد بن علی علیه السلام حم السجدة حتی بلغ {تَنزِیلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ2 کِتَابٌ فُصِّلَتْ آیَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِیّاً لِقَوْم یَعْلَمُونَ3بَشِیراً وَنَذِیراً فَأعْرَضَ أکْثَرُهُمْ فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ4 } ثم قال: نزل جبرائیل علی رسول الله صلی الله علیه و آله بأنَّ بعده علی علیه السلام , ثم قرأ:

(تَنزِیلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ کِتَابٌ فُصِّلَتْ آیَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِیّاً لِقَوْم یَعْلَمُونَ) ثم قال: نزل جبرائیل علی رسول الله صلی الله علیه و آله بأنَّ بعده علی علیه السلام , ثم قرأ: (تَنزِیلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ کِتَابٌ فُصِّلَتْ آیَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِیّاً لِقَوْم یَعْلَمُونَ) .

وعن قوله تعالی فی حم السجدة: { فأعرض أکثرهم } ((2)) یعنی عن

ص: 36

ولایة علی وهم لا یسمعون, کما قاله مولانا الباقر ( علیه السلام ) ((1)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : بسم الله الرحمن الرحیم . حم . تنزیل من الرحمن الرحیم . کتاب فصلت آیاته قرانا عربیا لقوم یعلمون . فمضی رسول الله صلی الله علیه و آله فقرأها علیه ، فلما سمعها عتبة أنصت له وألقی بیده خلف ظهره معتمدا علیها یستمع منه حتی انتهی رسول الله صلی الله علیه و آله للسجدة فسجد فیها ثم قال: قد سمعت یا أبا الولید ما سمعت فأنت وذاک ! فقام عتبة إلی أصحابه فقال بعضهم لبعض:

حلف بالله لقد جاءکم أبو الولید بغیر الوجه الذی ذهب به ! فلما جلس إلیهم قالوا: ما وراءک یا أبا الولید ؟

فقال: ورائی أنی والله قد سمعت قولا ما سمعت بمثله قط ! والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الکهانة ! یا معشر قریش !

أطیعونی واجعلوها فی ، خلوا بین هذا الرجل وبین ما هو فیه واعتزلوا ، فوالله لیکونن لقوله الذی سمعت نبأ ! فان تصبه العرب فقد کفیتموه بغیرکم ، وإن یظهر علی العرب فملکه ملککم وعزه عزکم وکنتم أسعد الناس به ، قالوا: سحرک والله یا أبا الولید بلسانه فقال: هذا رأیی لکم فاصنعوا ما بدا لکم ((2)) .

ص: 37

لقد تأثر الکثیر من الکفار بالایات القرآنیة والمعجزات النبویة وأخلاق أهل البیت المثالیة وکراماتهم العلمیة لکنهم استمروا فی حزبیتهم المقیتة وسیرهم علی السلف البائد .

{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِی أکِنَّة مِمَّا تَدْعُونَا إلَیْهِ وَفِی آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَیْنِنَا وَبَیْنِکَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إنَّنَا عَامِلُونَ } _ سورة فصلت 5 .

حتی بلغ (فأعرض أکثرهم ) عن ولایة علی علیه السلام .

(فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِی أکِنَّة مِمَّا تَدْعُونَا إلَیْهِ وَفِی آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَیْنِنَا وَبَیْنِکَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إنَّنَا عَامِلُونَ) . ((1))

.

ابن عباس : کان جماعة إذا صح جسم أحدهم ونتجت فرسه وولدت امرأته غلاما و کثرت ما شیته رضی بالاسلام ، وإن أصابه وجع أو سوء قال : ما أصبت فی هذا الدین إلا سوءا ، فنزل : " ومن الناس من یعبد الله علی حرف((2)) .

قوله

تعالی : {وقالُوا قُلُوبُنا فِی أَکِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَیْه} [ 5 ] قال : أی فی أغطیة الإهمال فمالت إلی الشهوة والهوی ، فلا تعقل دعوة الحق ، وفِی آذانِنا [ فصلت 5 ] التی فی القلوب وَقْرٌ } أی ثقل من الصمم عن الخیر ،

ص: 38

فلا تسمع هواتف الحق ، ومِنْ بَیْنِنا وبَیْنِکَ حِجابٌ [فصلت 5 ] أی ستر من الهوی وجبلة الطبع ، لا نراک کما یراک غیرنا .

{ قُلْ إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحَی إلَیَّ أنَّمَا إلَهُکُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِیمُوا إلَیْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَیْلٌ لِلْمُشْرِکِینَ

6 الَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ کَافِرُونَ } 7 _ سورة فصلت .

قال الصادق علیه السلام : ویل للمشرکین الذین أشرکوا بالامام الأول (علی علیه السلام ), وهم بالأئمة الآخرین کافرون .

انما دعا الله تعالی العباد الی الایمان به فاذا آمنوا بالله ورسوله افترض علیهم الفرائض ((1))

.

الحسکانی الحنفی: قال حذیفة: کنت والله جالسا بین یدی رسول الله صلی الله علیه و آله وقد نزل غدیر خم, وقد قض المجلس بالمهاجرین والانصار فقام رسول الله صلی الله علیه و آله علی قدمیه فقال:

( یا ایها الناس ان الله امرنی بأمر فقال: یا ایها الرسول بلغ ما انزل إلیک من ربک ثم نادی علی بن ابی طالب, فأقامه عن یمینه ثم قال: یا أیها الناس الم تعلموا انی أولی منکم بأنفسکم ؟

فقالوا: اللهم بلی .

ص: 39

قال الإمام ( علیه السلام ): أنشد الله من بقی ممّن لقی رسول الله صلی الله علیه و آله وسمع مقاله فی یوم غدیر خمّ إلاّ قام فشهد بما سمع . فقام ستّة ممّن عن یمینه, من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله , وستّة ممّن علی شماله من الصحابة أیضاً, فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلی الله علیه و آله یقول ذلک الیوم, وهو رافع بیدی علی علیه السلام : « من کنت مولاه فهذا علی مولاه, اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه, وانصر من نصره واخذل من خذله, وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه » ((1)) .

ص: 40

ص: 41

فقال حذیفة: فوالله لقد رأیت معاویة قام وتمطی وخرج مغضبا واضعا یمینه علی عبد الله بن قیس الاشعری (أبی موسی الاشعری) ویساره علی المغیرة بن شعبة ثم قام یمشی متمطئا وهو یقول: »لا نصدق محمدا علی مقالته ولا نقر لعلی بولایته. فانزل الله تعالی: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّی 31وَلَکِنْ کَذَّبَ وَتَوَلَّی32 ثُمَّ ذَهَبَ إلَی أهْلِهِ یَتَمَطَّی } 33 سورة القیامة .

فهمَّ به رسول الله صلی الله علیه و آله ان یرده فیقتله فقال له جبرئیل: لا تحرک به لسانک لتعجل به . فسکت عنه ((1)) .

{ إنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أجْرٌ غَیْرُ مَمْنُون} 8_ سورة فصلت .

روی الحافظ الحسکانی الحنفی قال: حدثنی علی بن موسی بن إسحاق باسناده عن عکرمة عن ابن عباس قال:

ص: 42

ما فی القرآن آیة (الذین آمنوا وعملوا الصالحات) إلا وعلی أمیرها وشریفها, وما من أصحاب محمد رجل إلا وقد عاتبه الله, وما ذکر علیاً إلا

بخیر((1)) .

الباقر والصادق علیهما السلام فی قوله تعالی: إنما توعدون لصادق وان الدین لواقع قالا: الدین علی بن أبی طالب ((2)) .

الباقر علیه السلام ان الذین آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غیر ممنون علی بن أبی طالب قلت فما یکذبک بعد بالدین قال الدین أمیر المؤمنین .

وعنه علیه السلام فی قوله إن الله اصطفی لکم الدین فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون لولایة علی . روی أنه نزل فیه ذلک الدین القیم ، وقوله وذلک الدین القیم ((3)) .

تفسیر فرات بن إبراهیم: علی بن محمد الزهری معنعناً عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق ( علیه السلام ) فی قوله تعالی :

" إلا الذین آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غیر ممنون " قال: هم المؤمنون سلمان الفارسی ومقداد بن الأسود وعمار وأبو ذر رضی الله عنهم

ص: 43

، وأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) لهم أجر غیر ممنون ((1)) .

تفسیر فرات بن إبراهیم: عبید بن کثیر معنعنا عن أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) قال خلقت الأرض لسبعة ، بهم یرزقون: وبهم یمطرون ، وبهم ینصرون ، وهم عبد الله بن مسعود و أبو ذر وعمار وسلمان الفارسی ومقداد بن الأسود وحذیفة ، وأنا إمامهم السابع قال الله تعالی: " وأما بنعمة ربک فحدث " هؤلاء الذین صلوا علی فاطمة الزهراء ((2)) .

(إنّ الذین آمنوا وعملوا الصالحات أولئک هم خیر البریة) ((3)) .

وأخرج الطبری فی تفسیره عن النبی صلی الله علیه و آله قوله: أنت یا علی وشیعتک ((4)) .

وکان أصحاب النبی صلی الله علیه و آله إذا أقبل علی علیه السلام قالوا: قد جاء خیر البریة ((5))

(وَالَّذِینَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بإِیمَان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَیْء کُلُّ امرِیء بِمَا کَسَبَ رَهِینٌ )((6)) .

ص: 44

( إن الذین آمنوا وعملوا الصالحات _ إلی قوله _ وحسنت مُرتفقاً ) ((1)) :جاء: فی الکافی والعیاشی عن الباقر علیه السلام نزل جبرئیل بهذه الآیة هکذا: فأبی أکثر الناس بولایة علی علیه السلام إلا کفورا ((2)) .

وحدثنا عبد الله بن عامر عن أبی عبد الله البرقی عن الحسین بن عثمان عن محمد بن الفضیل عن أبی حمزة قال سئلت أبا جعفر علیه السلام عن قول الله تبارک وتعالی ومن یکفر بالایمان فقد حبط عمله وهو فی الآخرة من الخاسرین قال تفسیرها فی بطن القرآن یعنی من یکفر بولایة علی وعلی هو الایمان قال سئلت أبا جعفر علیه السلام عن قول الله تعالی وکان الکافر علی ربه ظهیرا .

قال تفسیرها علی بطن القرآن یعنی علی هو ربه فی الولایة والطاعة والرب هو الخالق الذی لا یوصف و قال أبو جعفر علیه السلام ان علیا آیة لمحمد وأن محمدا یدعو إلی ولایة علی اما بلغک قول رسول الله صلی الله علیه و آله من کنت مولاه فعلی مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فوالی الله من والاه وعاد الله من عاداه واما قوله انکم لفی قول مختلف فإنه علی یعنی انه لمختلف علیه وقد اختلفت هذه الأمة فی ولایته فمن استقام علی ولایة علی دخل الجنة ومن خالف ولایة علی دخل النار واما قوله یؤفک عنه من افک فإنه یعنی

ص: 45

علیا من افک من ولایته افک علی الجنة فذلک قوله یوفک عنه من افک واما قوله وانک لتهدی إلی صراط مستقیم انک لتأمر بولایة علی علیه السلام وتدعو إلیها وعلی هو الصراط المستقیم وأما قوله فاستمسک بالذی أوحی إلیک انک علی صراط مستقیم انک علی ولایة علی وعلی هو الصراط المستقیم واما قوله فلما نسوا ما ذکروا یعنی فلما ترکوا ولایة علی وقد أمروا بها فتحنا علیهم أبواب کل شئ یعنی مع دولتهم فی الدنیا وما بسط إلیهم فیها واما قوله حتی إذا فرحوا بما أوتوا اخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون یعنی قیام القائم ((1)) .

ولو سألنا عمر عن رأیة فی الموضوع لجاءنا :

ابن حجر والدارقطنی: قال ابن حجرالمکی: إنه قیل لعمر: إنک تصنع بعلی شیئا ما تفعله ببقیة الصحابة . فقال إنه مولای ((2)) .

ولو سأل شخص عمر: اذن لماذا أخذت الخلافة من علی علیه السلام ؟

ص: 46

قال عمر: الملک عقیم والحق لابن أبی طالب ((1)) .

{ قُلْ أإنَّکُمْ لَتَکْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الأرْضَ فِی یَوْمَیْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أندَاداً ذَلِکَ رَبُّ العَالَمِینَ 9 وَجَعَلَ فِیهَا رَوَاسِیَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَکَ فِیهَا وَقَدَّرَ فِیهَا أقْوَاتَهَا فِی أرْبَعَةِ أیَّام سَوَاءً لِلسَّائِلِینَ }10 _ سورة فصلت .

أی انکم تجحدون نعمة الله تعالی الذی خلق الارض الرائعة فی یومین .

{وَتَجْعَلُونَ لَهُ أندَاداً ذَلِکَ رَبُّ العَالَمِینَ } :أی تجعلون له أشباها وشرکاءً ومنافسین وأمثالا فی استحقاق العبادة .

ومعنی یومین أی وقتین ابتداء الخلق وانقضائه ( وجعل فیها رواسی من فوقها وبارک فیها وقدر فیها أقواتها ) أی لا یزول ویبقی { فی أربعة أیام سواء للسائلین } یعنی فی أربعة أوقات وهی التی یخرج الله فیها اقوات العالم من الناس والبهائم والطیر وحشرات الأرض وما فی البر والبحر من الخلق والثمار والنبات والشجر وما یکون فیه معاش الحیوان کله وهو الربیع والصیف والخریف والشتاء ، ففی الشتاء یرسل الله الریاح والأمطار والانداء ((2)) والطلول من السماء فیلقح الأرض والشجر وهو وقت بارد ثم یجئ من بعده الربیع وهو وقت معتدل حار وبارد فیخرج الشجر ثماره والأرض نباتها فیکون أخضر ضعیفا ثم یجئ من بعده وقت الصیف وهو حار فینضج الثمار

ص: 47

ویصلب الحبوب التی هی أقوات العالم وجمیع الحیوان ثم یجئ من بعده وقت الخریف فیطیبه ویبرده ولو کان الوقت کله شیئا واحدا لم یخرج النبات من الأرض لأنه لو کان الوقت کله ربیعا لم تنضج الثمار ولم تبلغ الحبوب ولو کان الوقت کله صیفا لاحترق کل شئ فی الأرض ولم یکن للحیوان معاش ولا قوت ، ولو کان الوقت کله خریفا ولم یتقدمه شئ من هذه الأوقات لم یکن شئ یتقوت به العالم ، فجعل الله هذه الأقوات فی هذه الأربعة الأوقات فی الشتاء والربیع والصیف والخریف وقام به العالم واستوی وبقی وسمی الله هذه الأوقات أیاما سواء للسائلین یعنی المحتاجین لان کل محتاج سائل وفی العالم من خلق الله من لا یسأل ولا یقدر علیه من الحیوان کثیر فهم سائلون وان لم یسألوا .

وقوله: ( ثم استوی إلی السماء ) أی دبر وخلق وقد سئل أبو الحسن الرضا علیه السلام عمن کلم الله لا من الجن ولا من الانس فقال السماوات والأرض فی قوله: ( إئتیا طوعا أو کرها قالتا أتینا طائعین فقضاهن ) أی فخلقهن ( سبع سماوات فی یومین ) یعنی فی وقتین ابتداءا وانقضاءا ( وأوحی فی کل سماء أمرها ) فهذا وحی تقدیر وتدبیر ((1)) .

{ وَجَعَلَ فِیهَا رَوَاسِیَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَکَ فِیهَا وَقَدَّرَ فِیهَا أقْوَاتَهَا فِی أرْبَعَةِ أیَّام سَوَاءً لِلسَّائِلِینَ }10 _ سورة فصلت .

وجعل فیها جبالا تحفظ توازنها وبارک فی رزقها وقدر رزق العباد .

ص: 48

وَبَارَکَ فِیهَا: أی لا تزول وتبقی ((1)) .

قال البیضاوی: أی وأکثر خیرها بأن خلق فیها أنواع النبات والحیوانات ((2))

{ وَلَوْ أنَّ أهْلَ القُرَی آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَیْهِمْ بَرَکَات مِنَ السَّمَاءِ

وَالأرْضِ } ((3)) .

{قِیلَ یَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلام مِنَّا وَبَرَکَات عَلَیْکَ وَعَلَی اُمَم مِمَّنْ مَعَکَ وَاُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ یَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ ألِیمٌ } 48 _هود .

بارک الله تعالی فی الارض وجعل نعمها لا تزول بل تستمر وتکثر قال سبحانه: { إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد } 54 _سورة ص .

وهناک الکثیر من الامور التی تزید فی البرکة والرزق منها الاکل علی وضوء واجتناب المحرمات والیقظة بین أذان الصبح وطلوع الشمس وذکر الصلاة علی محمد وآله و . . . . .

{ ثُمَّ اسْتَوَی إلَی السَّمَاءِ وَهِیَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ ائْتِیَا طَوْعاً أوْ کَرْهاً قَالَتَا أتَیْنَا طَائِعِینَ } 11 _ سورة فصلت .

قال الله تعالی :{ ثٌمَّ اسْتَوَی إِلَی السَّمَاْءِ وَهِیَ دُخَاْنٌ } فصلت: 11 .

ص: 49

أُلقِیَت هذه الآیة فی المؤتمر العلمی للإعجاز القرآنی الذی عقد فی القاهرة و لما سمع البروفیسور الیابانی ( یوشیدی کوزای) تلک الآیة نهض مندهشاً و قال لم یصل العلم و العلماء إلی هذه الحقیقة المذهلة إلا منذ عهد قریب بعد أن التَقَطِت کامیرات الأقمار الاصطناعیة القویة صوراً و أفلاماً حیة تظهر نجماً و هو یتکون من کتلة کبیرة من الدخان الکثیف القاتم ثم أردف قائلاً إن معلوماتنا السابقة قبل هذه الأفلام و الصور الحیة کانت مبنیة علی نظریات خاطئة مفادها أن السماء کانت ضباباً و قال بهذا نکون قد أضفنا إلی معجزات القرآن معجزة جدیدة مذهلة أکدت أن الذی أخبر عنها هو الله الذی خلق الکون قبل ملیارات السنین .

وکان أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) إذا أراد أن یزوج قال: الحمد لله أحمده وأستعینه وأومن به وأتوکل علیه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدی ودین الحق لیظهره علی الدین کله ولو کره المشرکون ، ( صلی الله علیه و آله ) والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته ، أوصیکم عباد الله بتقوی الله ولی النعمة والرحمة خالق الأنام ومدبر الأمور فیها بالقوة علیها و الاتقان لها ، فإن الله له الحمد علی غابر ما یکون وماضیه وله الحمد مفردا والثناء مخلصا بما منه کانت لنا نعمة مونقة وعلینا مجللة وإلینا متزینة خالق ما أعوز ومذل ما استصعب ومسهل ما استوعر ومحصل ما استیسر ، مبتدئ الخلق بدئا أولا یوم ابتدع السماء { وهی دخان ، فقال لها وللأرض ائتیا طوعا أو کرها قالتا أتینا طائعین} ،

ص: 50

فقضیهن سبع سماوات فی یومین , ولا یعوره شدید((1)) ، ولا یسبقه هارب ، ولا یفوته مزائل ((2)) .

لقد جاءت طاعتها اعترافا منها بالعبودیة لله تعالی .

ورغم هذا نجد أغلب الناس مخالفین لله العظیم عاصین له وتابعین لاحزابهم ومذاهبهم المنحرفة وأهوائهم الشیطانیة یقتلون وینهبون ویسحقون عباد الله دون رحمة .

{ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات فِی یَوْمَیْنِ وَأوْحَی فِی کُلِّ سَمَاء أمْرَهَا وَزَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِمَصَابِیحَ وَحِفْظاً ذَلِکَ تَقْدِیرُ العَزِیزِ العَلِیمِ } 12_ سورة فصلت

قضاء الشیء: اتمامه .

وقضینا إلی بنی إسرائیل " ((3))

: أی أعلمناهم وأخبرناهم .

وتأتی أیضا: أی خلقهنّ سبع سماوات .ومنه قوله تعالی : « ویقضی بالحقّ » أی یحکم . ومنه قوله عزّ وجلّ: « وقضی ربّک أن لا تعبدوا إلاّ إیّاه » أی أمَرَ عباده من مخلوقاته جمیعا .

ص: 51

وَأوْحَی فِی کُلِّ سَمَاء أمْرَهَا: فهذا وحی تقدیر وتدبیر .

وَزَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِمَصَابِیحَ: یقصد النجوم التی تسر الناظرین .

وحفظا: من سقوط الکواکب علی الارض واستراق الشیاطین السمع .

ووجد العلماء أنفسهم یصنفون طبقات الأرض إلی سبع طبقات، ولا یمکن أن تکون أکثر من ذلک، ووضعوا شکلا لها یوضح هذه الطبقات مع أبعادها حسب ما وجده العلماء حدیثاً، وهو من الحقائق الیقینیة التی یدرسونها لطلابهم فی الجامعات، والتی یشاهدونها من خلال مقاییس الزلازل ومن الدراسة النظریة للحقل المغنطیسی للأرض وغیر ذلک .

ولقد وجد العلماء أیضاً أن الذرة تتألف من سبع طبقات، وهذا یؤکد وحدة الخلق، فالنظام الذی یحکم الکون کله واحداً، فالأرض سبع طبقات، وکل ذرة من ذراتها سبع طبقات أیضاً .

إن طبقات الأرض السبعة تختلف اختلافاً جذریاً من حیث ترکیبها وکثافتها ودرجة حرارتها ونوع المادة فیها، ولذلک لا یمکن أبداً أن نعتبر أن الکرة الأرضیة طبقة واحدة کما کان الاعتقاد سائداً فی الماضی، وهنا نجد أن فکرة الطبقات الأرضیة هی فکرة حدیثة نسبیاً، ولم تکن مطروحة زمن نزول القرآن الکریم .

وقال تعالی: ﴿تَبَارَکَ الَّذِی بِیَدِهِ الْمُلْکُ وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ الَّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَیَاةَ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِیزُ الْغَفُورُ الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَی فِی خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ

ص: 52

تَرَی مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ کَرَّتَیْنِ یَنْقَلِبْ إِلَیْکَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِیرٌ ﴾ _سورة الملک الآیة: 1_ 4 .

وقال تعالی عن السماء: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آَیَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾_سورة

الأنبیاء الآیة: 32 .

إن عدد السموات سبع، کما جاء فی الکتاب المجید والعجیب أن ذکر السموات السبع تکرر فی القرآن بالضبط سبع مرات!! لاحظوا وتدبروا هذه الآیات:

1- (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ) [البقرة: 29] .

2- (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِیهِنَّ) [الإسراء: 44] .

3- (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ) [المؤمنون: 86] .

4- (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِی یَوْمَیْنِ) [فصلت: 12] .

5- (اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) [الطلاق: 12] .

6- (الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً) [الملک: 3] .

7- (أَلَمْ تَرَوْا کَیْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً) [نوح: 15] .

بعض الاعداد نراها مهما مثلا الخمسة من أهل البیت قال تعالی: یا ملائکتی ، ویا سُکّان سماواتی ! إنّی ما خلقت سماء مبنیّةً ولا أرضاً مدْحیّة ، ولا قمراً مُنیراً ، ولا شمساً مضیئة ولا فلکاً یدور ، ولا بحراً یجری ، ولا فلکاً یسری إلاّ فی محبّة هؤلاء الخمسة الذین هم تحت الکساء . فقال الأمین جبرائیل: یا ربّ ! ومن تحت الکساء ؟

ص: 53

فقال عزّوجلّ: هم أهل بیت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ((1)) .

وقد أید العلماء نزول آیة التطهیر فی بیت أم سلمة یوم جمع النبی أهل البیت محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین ، تحت الکساء :{ إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیرا } ( 1 ) .

وأهل البیت یتکون عددهم من أربعة عشر شخصا أی ضعف العدد سبعة.

وأسماؤهم سبعة: محمد وعلی وحسن وحسین وجعفر وموسی وفاطمة علیهم السلام

1_ اسم محمد: أربعة اسمهم محمد: النبی محمد صلی الله علیه و آله والامام محمد الباقر والامام محمد الجواد علیهم السلام والامام محمد المهدی علیهم السلام .

2_ اسم علی: وأربعة اسمهم علی: الامام علی بن أبی طالب والامام علی بن الحسین والامام علی الرضا والامام علی الهادی علیهم السلام .

3_ اسم الحسن :اثنان باسم الحسن: الامام الحسن بن علی والامام الحسن العسکری علیهم السلام

ص: 54

4_ اسم الحسین: والامام الحسین علیه السلام

5_ الامام جعفر الصادق . 6_ الامام موسی الکاظم .

7_ فاطمة بنت محمد سیدة نساء العالمین .

وعندما بدأ الله خلق هذا الکون اختار الرقم سبعة لیجعل عدد السماوات سبعة وعدد الأرضین سبعة . یقول عزَّ وجلَّ: (اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ یَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَیْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِکُلِّ شَیْءٍ عِلْماً) [الطلاق: 65/12 .

کل ذرة من ذرات هذا الکون تتألف من سبع طبقات الکترونیة بعضها فوق بعض، وهذا قانون ثابت فی الکون کله، یشهد علی وحدانیة الخالق تبارک وتعالی!

حتی الذرة التی تعد الوحدة الأساسیة للبناء الکونی تتألف من سبع طبقات إلکترونیة ولا یمکن أن تکون أکثر من ذلک . کما أن عدد أیام الأسبوع سبعة وعدد ألوان الطیف الضوئی المرئی هو سبعة .

وأعظم سورة فی کتاب الله هی سورة الفاتحة: السَّبْعُ المثانی مؤلفة من سبعة آیات .

وعن أبواب جهنم السبعة یقول سبحانه وتعالی: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّکُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) [الحجر: 15/44 .

فی عبادة الحج یطوف المؤمن حول بیت الله الحرام سبعة أشواط . ویسعی بین الصفا والمروة سبعة أشواط أیضاً . .

ص: 55

وفی السجود یخبرنا الرسول الکریم صلی الله علیه و آله عن الأمر الإلهی بالسجود علی سبعة أعضاء فیقول: (أُمرت أن أسْجُدَ علی سَبْعَةِ أَعْظُم) .

إذاً لا تصح الصلاة إلا إذا سجد المؤمن علی سبعة أعضاء وهی الیدین والقدمین والرکبتین وجبهة الوجه .

أما إذا ولغ الکلب فی الإناء فإن طهوره یتحدد بغسله سبع مرات إحداهن بالتراب .

وأهل الکهف سبعة .

ویتعجب الانسان من النظام الدقیق لطبقات الارض السبعة وطبقات الکون السبعة وطبقات الذرة السبعة وکیف ینتظم هذا عالم تحت امامة أهل البیت القائمة علی العلم فهم مدینة العلم ومدینة الحکمة .

مما یبین النظام الرائع للارض وللکون الذی رتبه ویدیره رب العالمین .

{ فَإنْ أعْرَضُوا فَقُلْ أنذَرْتُکُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَاد وَثَمُودَ13 إذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَیْنِ أیْدِیهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ألا تَعْبُدُوا إلا اللّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لاَنزَلَ مَلائِکَةً فَإنَّا بِمَا اُرْسِلْتُمْ بِهِ کَافِرُونَ14_ سورة فصلت

فان أعرضوا عن الطاعة لله تعالی فأنذرهم بصاعقة تحطمهم کالتی نزلت علی عاد وثمود .

وشأن اولئک انهم کفروا بالانبیاء لانهم من الانس و طلبوا ملائکة أنبیاء و!!! وحجج الکفار لعصیانهم الرسل کثیرة .

ص: 56

فَأمَّا عَادٌ فَاسْتَکْبَرُوا فِی الأرْضِ بِغَیْرِ الحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أوَ لَمْ یَرَوْا أنَّ اللّهَ الَّذِی خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَکَانُوا بِآیَاتِنَا یَجْحَدُونَ15 _ سورة فصلت .

وشرح الله تعالی حال عاد بانهم مستکبرون فی الارض والتکبر رداء الله تعالی وحده .

قال النبی صلی الله علیه و آله : « الکبریاء رداء اللَّه من نازع اللَّه فیه أکبه علی منخره فی النار » ((1)) .

والصفة الثانیة لعاد هی کفرهم بالایات الالهیة .

مفاتیح الحیاة فی القرآن

وعن مفتاح الحیاة فی القرآن الکریم لیهنأ بحیاة سعیدة و رغیدة و هانئة قَالَ أمیر المؤمنین علیه السلام : الزُّهْدُ کُلُّه بَیْنَ کَلِمَتَیْنِ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَه : { لِکَیْلا تَحْزَنُوا عَلَی مَا فَاتَکُمْ وَلا مَا أصَابَکُمْ}_

153 آل

عمران ((2)) .

:{ لِکَیْلا تَأسَوْا عَلَی مَا فَاتَکُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاکُمْ وَاللّهُ لا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتَال فَخُور } 23_الحدید .

ص: 57

بینما یعیش معظم الناس فی أحزان الماضی فیتأسفون علی ما فاتهم وما ارتکبوه من أخطاء جسیمة فی نواحی المال والزواج والدور والاصدقاء والوظائف وغیرها من شجون .

الامام علی علیه السلام یدفع الانسان لیرتفع فی الامور المستقبلیة فی اعتقاده وعمله وعبادته ودعائه وحسناته لترتفع درجته عند الله تعالی وترتقی منزلته عند المتقین الاخیار .

{ فَأرْسَلْنَا عَلَیْهِمْ رِیحاً صَرْصَراً فِی أیَّام نَحِسَات لِنُذِیقَهُمْ عَذَابَ الخِزْیِ فِی الحَیَاةِ الدُّنْیَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أخْزَی وَهُمْ لا یُنْصَرُونَ16 }_

سورة فصلت .

حکی فی سورة الحاقة فقال :{ واما عاد فأهلکوا بریح صرصر عاتیة سخرها علیهم سبع لیال وثمانیة أیام حسوما } .

ریحا صرصرا: أی باردة . فی أیام نحسات: أی مشؤومة .

{ هُوَ الَّذِی یُسَیِّرُکُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّی إِذَا کُنْتُمْ فِی الْفُلْکِ وَجَرَیْنَ بِهِمْ بِرِیحٍ طَیِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِیحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ کُلِّ مَکَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِیطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ لَئِنْ أَنْجَیْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ } _ یونس .

وفی العادة تکون الریاح العاصفة السریعة والقویة کالصاعقة وتصحبها الامطار والصواعق فتفنی المدن الواقعة فی طریقها .

ص: 58

" فی أیام نحسات " أی نکدات مشومات ، ) وقیل : ذوات غبار وتراب حتی لایکاد یبصر بعضهم بعضا " ، وقیل : باردات ، والعرب یسمی البرد نحسا ".((1)) .

تفسیر علی بن إبراهیم : " إذ أرسلنا علیهم الریح العقیم " وهی التی لا تلقح الشجر ولا تنبت النبات ((2)) .

تفسیر علی بن إبراهیم : " بریح صرصر " أی باردة " عاتیة " قال : خرجت أکثر مما أمرت به " حسوما " " قال : کان القمر منحوسا " بزحل سبع لیال وثمانیة أیام حتی هلکوا((3)) .

وفی روایة أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله " فأرسلنا علیهم ریحا صرصرا " والصرصر : الباردة ، فی أیام نحسات " أیام میاشبم((4)) .

{ وَأمَّا ثَمُودُ فَهَدَیْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمَی عَلَی الهُدَی فَأخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ العَذَابِ الهُونِ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ} 17 _ سورة فصلت .

هدی الله تعالی قوم ثمود بالانبیاء لکنهم اختاروا الضلال والکفر علی الهدی والدین فضربهم تعالی بصاعقته الشدیدة .

ص: 59

والهدایة تکون بواسطة الانبیاء والکتب الالهیة: فیکون إرسال الرسل وإنزال الکتب نعمة سماویة ، وإلیه أشار تعالی بقوله: ( وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) ((1)) .

وقوله تعالی: ( إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ )((2)) .

وقال تعالی: ( وهَدَیْناهُ النَّجْدَیْنِ ) ((3)) .

أی: ارشدناه الی طریق الحقّ والرشاد ، وطریق البغی والفساد .

وقال تعالی: ( ولَوْ شِئْنا لَآتَیْنا کُلَّ نَفْسٍ هُداها ) ((4)) .

وقال تعالی: ( فَأَلْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها ) ((5)) .

{ العَذَابِ الهُونِ }: الطبرسی: أی ذی الهون وهو الذی یهینهم ویخزیهم ،

وقد قیل: إن کل عذاب صاعقة لأن من یسمعها یصعق لها ((6)) .

ص: 60

" وفی ثمود " أی آیة " إذ قیل لهم تمتعوا " وذلک أنهم لما عقروا الناقة قال لهم صالح: تمتعوا ثلاثة أیام " فأخذتهم الصاعقة " وهی الموت أو العذاب ، والصاعقة کل عذاب مهلک ((1)) .

وقال نجاح الطائی: بین الهدی والعمی یختار الناس طریقهم فأما ثمود فقد انحرفوا عن جادة الحق وانحرفوا الی جادة الباطل والضلال .

وبدأوا فی ارتکاب الموبقات وفعل الاعمال المحرمة شرعیا من قتل وکذب وسرقة وافتراء وخیانة وغش ونهب وسلب وزنا وشذوذ فحق علیهم العذاب السماوی .

یهدی الله تعالی الانسانیة بواسطة الفطرة البشریة المصاحبة لکل شخص ویهدیهم أیضا بواسطة الرسل والکتب السماویة .

{ وَنَجَّیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا وَکَانُوا یَتَّقُونَ } 18 _ سورة فصلت .

أنقذ تعالی الصالحین من قوم ثمود وصعق الاخرین فأصبحوا عبرة للمعتبرین .

هؤلاء المتقون بشرهم الله تعالی بقوله:

{ لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَفِی الآخِرَةِ لا تَبْدِیلَ لِکَلِماتِ اللَّهِ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ } ((2)) .

ص: 61

: أتی رسول اللَّه صلی الله علیه و آله رجل من أهل البادیة له جسم وجمال فقال: یا رسول اللَّه أخبرنی عن قول اللَّه عز وجل « الَّذِینَ آمَنُوا وَکانُوا یَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَفِی الآخِرَةِ » .

فقال صلی الله علیه و آله :« أما قوله « لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا » فهی الرؤیا الحسنة یراها المؤمن فیبشر بها فی دنیاه ، وأما قوله عز وجل « وَفِی الآخِرَةِ » فإنها بشارة المؤمن عند الموت یبشر بها عند موته إن اللَّه قد غفر لک ولمن یحملک إلی قبرک » ((1)) .

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن ابن فضال ، عن علی بن عقبة ، عن أبیه قال: قال لی أبو عبد الله ( علیه السلام ) :( یا عقبة لا یقبل الله من العباد یوم القیامة إلا هذا الامر الذی أنتم علیه وما بین أحدکم وبین أن یری ما تقر به عینه إلا أن تبلغ نفسه إلی هذه ثم أهوی بیده إلی الورید ثم اتکأ وکان معی المعلی فغمزنی أن أسأله فقلت: یا ابن رسول الله فإذا بلغت نفسه هذه أی شئ یری ؟ فقلت له بضع عشرة مرة: أی شئ ؟

فقال فی کلها: یری ولا یزید علیها ، ثم جلس فی آخرها فقال: یا عقبة ! فقلت: لبیک وسعدیک ، فقال: أبیت إلا أن تعلم ؟ فقلت: نعم یا ابن رسول الله إنما دینی مع دینک فإذا ذهب دینی کان ذلک کیف لی بک یا ابن رسول الله کل ساعة و بکیت فرق لی ؟ فقال: یراهما والله ، فقلت: بأبی وأمی من هما ؟ قال: ذلک رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) وعلی ( علیه السلام ) ، یا عقبة لن تموت

ص: 62

نفس مؤمنة أبدا حتی تراهما ، قلت: فإذا نظر إلیهما المؤمن أیرجع إلی الدنیا ؟

فقال علیه السلام : لا ، یمضی أمامه إذا نظر إلیهما مضی أمامه فقلت له: یقولان شیئا ؟ قال: نعم یدخلان جمیعا علی المؤمن فیجلس رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) عند رأسه وعلی ( علیه السلام ) عند رجلیه فیکب علیه رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) فیقول: یا ولی الله أبشر أنا رسول الله إنی خیر لک مما ترکت من الدنیا ثم ینهض رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) فیقوم علی ( علیه السلام ) حتی یکب علیه ، فیقول: یا ولی الله أبشر أنا علی بن أبی طالب الذی کنت تحبه أما لأنفعنک

. ثم قال: إن هذا فی کتاب الله عز وجل ، قلت: أین جعلنی الله فداک هذا من کتاب الله ؟ قال: فی یونس قول الله عز وجل ههنا: "{ الذین آمنوا وکانوا یتقون لهم البشری فی الحیاة الدنیا وفی الآخرة لا تبدیل لکلمات الله ذلک هو الفوز العظیم } _64 یونس ((1)) .

هناک طائفة من الصالحین یؤمنون بالله ویتقون وهناک طائفة لا یتقون بل یفعلون المحارم فلا تشملهم الایة المبارکة .

فمن یؤمن ویتقی یبشره الله تعالی فی الدنیا والاخرة .

{ وَیَوْمَ یُحْشَرُ أعْدَاءُ اللّهِ إلَی النَّارِ فَهُمْ یُوزَعُونَ }19 _ سورة فصلت : فَهُمْ یُوزَعُونَ: یأتون من کل ناحیة .

ص: 63

روی الحافظ الحسکانی قال أخبرنا أبو یحیی الحیکانی عن جابر بن عبد الله الانصاری قال: خطبنا رسول الله صلی الله علیه و آله فسمعته یقول: «من أبغضنا أهل البیت حشره الله یوم القیامة یهودیاً » .

قال جابر((1)) فقال صلی الله علیه و آله : «نعم وإن صام وصلی وزعم أنه مسلم, إنما احتجز بذلک من سفک دمه, وأن یؤدی الجزیة عن ید وهو صاغر » ((2)) .

الخطیب البغدادی: وروی الخطیب البغدادی فی تاریخه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

«من أحبنی فلیحب علیاً, ومن أبغض علیاً فقد أبغضنی, ومن أبغضنی فقد أبغض الله عزوجل, ومن أبغض الله أدخله النار » ((3)) .

{ فَهُمْ یُوزَعُونَ }:أی یحبس أولهم علی آخرهم لیتلاحقوا الی النار ولا یتفرقوا وأفئدتهم تضطرب من الخفقان .

الوزع : خفقان أفئدتهم .

{ حَتَّی إذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَیْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ } 20 _ سورة فصلت .

ص: 64

لقد تعود المجرمون علی الفرار من العقاب بواسطة الاکاذیب والاعذار المزیفة التی یقدموها للمحاکم والاعلام وعموم المحتجین علیهم .

ویدعمون قولهم بالرشاوی والارهاب والتهدید فسیطروا علی عالمهم عبر تلک الوسائل الشیطانیة .

وقد أشکل البعض تکلم الید والرجل وشهادة { سَمْعُهُمْ وَأبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ } .

فلم یتحمل البعض هذا الکلام وأوله الی معانی أخری . لکن الملاحظ من الایات المبارکة انها تنطق :

{ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنَا قَالُوا أنطَقَنَا اللّهُ الَّذِی أنطَقَ کُلَّ شَیْء } .

وثانیا: فقد وقع تکلیم الحصی فی ید رسول الله صلی الله علیه و آله وتکلیم الذئب والضب والشجر اذ کان الشجر یسلم علی النبی منذ صباه .

و حیث أن الدار الآخرة دار حیوان ینطق فیها کل شیء .

{ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنَا قَالُوا أنطَقَنَا اللّهُ الَّذِی أنطَقَ کُلَّ شَیْء وَهُوَ خَلَقَکُمْ أوَّلَ مَرَّة وَإلَیْهِ تُرْجَعُونَ } 21 _ سورة فصلت .

خلقکم أول مرة: خلق الخلق الاول .

تفسیر علی بن إبراهیم: حتی إذا ما جاءوها شهد علیهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما کانوا یعملون " فإنها نزلت فی قوم یعرض علیهم أعمالهم فینکرونها فیقولون: ما عملنا منها شیئا ، فیشهد علیهم الملائکة الذین کتبوا علیهم أعمالهم .

ص: 65

فقال الصادق علیه السلام : فیقولون لله: یا رب هؤلاء ملائکتک یشهدون لک ، ثم یحلفون بالله ما فعلوا من ذلک شیئا ، وهو قول الله: " یوم یبعثهم الله جمیعا فیحلفون له کما یحلفون لکم " وهم الذین غصبوا أمیر المؤمنین ، فعند ذلک یختم الله علی ألسنتهم وینطق جوارحهم فیشهد السمع بما سمع مما حرم الله ، ویشهد البصر بما نظر به إلی ما حرم الله ، وتشهد الیدان بما أخذتا ، وتشهد الرجلان بما سعتا مما حرم الله ، وتشهد الفرج بما ارتکبت مما حرم الله ، ثم أنطق الله ألسنتهم فیقولون هم لجلودهم: " لم شهدتم علینا " فیقولون: " أنطقنا الله الذی أنطق کل شئ وهو خلقکم أول مرة وإلیه ترجعون و ما کنتم تستترون " أی من الله " أن یشهد علیکم سمعکم ولا أبصارکم ولا جلودکم " والجلود الفروج " ولکن ظننتم أن الله لا یعلم کثیرا مما تعملون " ((1)) .

{ وَمَا کُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ یَشْهَدَ عَلَیْکُمْ سَمْعُکُمْ وَلا أبْصَارُکُمْ وَلا جُلُودُکُمْ وَلَکِنْ ظَنَنْتُمْ أنَّ اللّهَ لا یَعْلَمُ کَثِیراً مِمَّا تَعْمَلُونَ } 22 _ سورة فصلت .

یرید الظالم أن یخفی جرائمه فی الاخرة کما أخفاها فی الدنیا خوفا من العقاب وهو أمر معیب . فالی متی تستمر الجرائم والستر علیها من قبل أصحاب الاموال والسلطات .

ص: 66

والاقبح من هذا عتابهم لجلودهم: { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنَا } .

وهذا یعنی یعنی اعتقاد الکفار بعدم معرفة الله تعالی بافعالهم !!!

وهم یریدون استمرار سجالاتهم ضد المستضعفین وادامة طمسهم لحقوق المحرومین .

{وَذَلِکُمْ ظَنُّکُمُ الَّذِی ظَنَنتُمْ بِرَبِّکُمْ أرْدَاکُمْ فَأصْبَحْتُمْ مِنَ الخَاسِرِینَ23 } _ سورة فصلت .

أهلکهم اللَّه عز وجل جزاءً بما ظنوه به من الظنون الباطلة ، ونسبوه إلیه من الأفعال القبیحة .

احسنوا الظن بالله یستجاب دعاؤکم

وفی ( عیون الأخبار ) عن جعفر بن نعیم بن شاذان ، عن محمد بن شاذان ، عن الفضل بن شاذان ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال: قال لی: أحسن الظن بالله فان الله عز وجل یقول: انا عند ظن عبدی بی فلا یظن بی إلا خیرا ((1)) .

أحمد بن أبی عبد الله البرقی فی ( المحاسن ) عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: یؤتی بعبد یوم القیامة ظالم لنفسه فیقول الله ألم آمرک بطاعتی ؟

ص: 67

ألم أنهک عن معصیتی ؟ فیقول: بلی یا رب ، ولکن غلبت علیَّ شهوتی فان تعذبنی فبذنبی لم تظلمنی فیأمر الله به إلی النار فیقول: ما کان هذا ظنی بک ، فیقول: ما کان ظنک بی ؟ قال: کان ظنی بک أحسن الظن فیأمر الله به إلی الجنة ، فیقول الله تبارک وتعالی: لقد نفعک حسن ظنک بی الساعة ((1)) .

وقال الصادق علیه السلام : ینبغی للمؤمن أن یخاف الله خوفا کأنه یشرف علی النار ویرجوه رجاءا کأنه من أهل الجنة ، إن الله تعالی یقول: " وذلکم ظنکم الذی ظننتم بربکم " الآیة: ثم قال: إن الله عند ظن عبده به ، إن خیرا فخیرا وإن شرا فشرا ((2)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا یموتن أحدکم إلا وهو یحسن الظن بالله فان حسن الظن بالله ثمن الجنة ((3)) .

وفی عدة الداعی عن النبی صلی الله علیه و آله ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة وفی الحدیث القدسی : أنا عند ظن عبدی بی ، فلا یظن بی إلا خیرا .

أقول : وذلک أن الدعاء مع الیأس أو التردد یکشف عن عدم السؤال فی الحقیقة . کما مر ، وقد ورد المنع عن الدعاء بما لا یکون .

ص: 68

وفی العدة أیضا عن النبی صلی الله علیه و آله : إفزعوا إلی الله فی حوائجکم ، والجأوا إلیه فی ملماتکم ، وتضرعوا إلیه وادعوه ، فإن الدعاء مخ العبادة ، وما من مؤمن یدعو الله الا استجاب فإما أن یعجله له فی الدنیا أو یؤجل له فی الآخرة ، واما أن یکفر له من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم یدع بمأثم .

وفی نهج البلاغة : فی وصیة له علیه السلام لابنه الحسین علیه السلام : ثم جعل فی یدیک مفاتیح خزائنه بما اذن لک فیه من مسألته فمتی شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمه واستمطرت شآبیب رحمته ، فلا یقنطنک إبطاء إجابته ، فإن العطیة علی قدر النیة ، وربما أخرت عنک الإجابة لیکون ذلک أعظم لاجر السائل ، واجزل لعطاء الامل ، وربما سألت الشئ فلا تؤتاه وأوتیت خیرا منه عاجلا أو آجلا أو صرف عنک لما هو خیر لک ، فلرب أمر قد طلبته فیه هلاک دینک لو أوتیته ، فلتکن مسألتک فیما یبقی لک جماله ، وینفی عنک وباله ، والمال لا یبقی لک ولا تبقی له .

وقد فطن الناس الی أن البعض یحصل علی ما یرید من دعائه بینما لا یحصل البعض الاخر علی ما یرید .

والسبب ان البعض الاول یحسن الظن بالله تعالی فینتظر الاجابة الالهیة فتکون عند حسن ظنه .

{ فَإنْ یَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْویً لَهُمْ وَإنْ یَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ المُعْتَبِینَ } 24 _ سورة فصلت .

{" فإن یصبروا فالنار مثوی لهم }"اذا صبر الکفار علی النار ولم یشکوا ولم یتوسلوا الی الله تعالی فالنار مسکن لهم " وإن یستعتبوا فما هم من المعتبین "

ص: 69

ولو طلبوا العتبی ورجوا الله أن یرضی عنهم فلیس لهم طریق إلی الأعتاب لانه تعالی لا یقبل عذرهم ولا یهتم بهم وتقدیر الآیة: إنهم إن صبروا وسکتوا وجزعوا فالنار مأواهم ، کما قال سبحانه :

{ اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء علیکم } والمعتب هو الذی یقبل عتابه ویجاب إلی ما سأل .

تفسیر علی بن إبراهیم: فی روایة أبی الجارود ، عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قوله: " وکل إنسان ألزمناه طائره فی عنقه " یقول: خیره وشره معه حیث کان لا یستطیع فراقه حتی یعطی کتابه یوم القیامة بما عمل ((1)) .

وقال: علی بن إبراهیم فی قوله: " وإذا الصحف نشرت " قال: صحف الاعمال " ((2)) .

لقد کفر الظالمون بالله تعالی وآذوا عباد الله فحق علیهم العذاب طبقا للعدل الالهی .

{ وَقَیَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَیَّنُوا لَهُمْ مَا بَیْنَ أیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَیْهِمُ القَوْلُ فِی اُمَم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الجِنِّ وَالإنسِ إنَّهُمْ کَانُوا خَاسِرِینَ } 25 _ سورة فصلت .

ص: 70

وقال تعالی: { وَمَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ الرَّحْمَنِ نُقَیِّضْ لَهُ شَیْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِینٌ } 36*_الزخرف .

هیأنا للضالین الطغاة من الجن والانس رفاق سوء یزینون لهم أعمالهم البائسة وهو مصداق لقوله تعالی: وَاللّهُ لا یَهْدِی القَوْمَ الظَّالِمِینَ 258 سورة البقرة

.

قیض الله أی سبب وقدر . وقیضنا لهم قرناء أی سببنا لهم من حیث لا یحتسبون .

وعن برید بن معاویة العجلی وإبراهیم الأحمری قالا: دخلنا علی الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام وعنده زیاد الأحلام فقال أبو جعفر علیه السلام :

یا زیاد مالی أری رجلیک متفلقین ؟ قال: جعلت لک الفداء جئت علی نضولی أعاتبه الطریق ((1)) وما حملنی علی ذلک إلا حب لکم وشوق إلیکم ، ثم أطرق زیاد ملیا ثم قال:

جعلت لک الفداء إنی ربما خلوت فأتانی الشیطان فیذکرنی ما قد سلف من الذنوب والمعاصی فکأنی آیس ثم أذکر حبی لکم وانقطاعی إلیکم ، قال علیه السلام : یا زیاد وهل الدین إلا الحب والبغض ؟ ثم تلا هذه الثلاث آیات کأنها فی کفه " ولکن الله حبب إلیکم الایمان ، وزینه فی قلوبکم وکره

ص: 71

إلیکم الکفر والفسوق والعصیان أولئک هم الراشدون , فضلا من الله ونعمة والله علیم حکیم ((1)) " .

وقال: " یحبون من هاجر إلیهم ((2)) " .

وقال: " إن کنتم تحبون الله فاتبعونی یحببکم الله ، ویغفر لکم ذنوبکم والله غفور رحیم ((3)) " .

یعنی الشیاطین من الجن والإنس الاردیاء ( فزینوا لهم ما بین أیدیهم ) ای ما کانوا یفعلون ( وما خلفهم ) أی ما یقال لهم أنه یکون خلفکم کله باطل وکذب ( وحق علیهم القول ) والعذاب وقوله ( وقال الذین کفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فیه لعلکم تغلبون ) أی تصیرونه سخریة ولغوا ((4)) .

وقال الرازی فی قوله تعالی " نحن أولیاؤکم_ الآیة_ " (هذا فی مقابلة ما ذکره فی وعید الکفار حیث قال {" وقیضنا لهم قرناء فزینوا لهم } ((5)) .

ومعنی کونهم أولیاء للمؤمنین أن للملائکة تأثیرات فی الأرواح البشریة بالالهامات و المکاشفات الیقینیة ، والمقامات الحقة کما أن للشیاطین

ص: 72

تأثیرات فی الأرواح بإلقاء الوساوس فیها ، وتخییل الأباطیل إلیها ، وبالجملة فکون الملائکة أولیاء للأرواح الطیبة الطاهرة حاصل من جهات کثیرة معلومة لأرباب المکاشفات والمشاهدات ، فهم یقولون کما أن تلک الولایة کانت حاصلة فی الدنیا فهی تکون باقیة فی الآخرة ، فإن تلک العلائق لازمة غیر قابلة للزوال ، بل کأنها تصیر بعد الموت أقوی وأبقی ، وذلک لأن جوهر النفس من جنس الملائکة ، وهی کالشعلة بالنسبة إلی الشمس ، والقطرة بالنسبة إلی البحر ، والتعلقات الجسدانیة هی تحول بینها وبین الملائکة کما قال صلی الله علیه و آله " لولا أن الشیاطین یحومون علی قلوب بنی آدم لنظروا إلی ملکوت السماوات " فإذا زالت العلائق الجسمانیة والتدبیرات البدنیة فقد زال الغطاء والوطاء ، فیتصل الأثر بالمؤثر ، والقطرة بالبحر والشعلة بالشمس ، فهذا هو المراد من قوله " نحن أولیاؤکم فی الحیاة الدنیا وفی الآخرة " ثم قال: والأقرب عندی أن قوله " ولکم فیها ما تشتهی أنفسکم " إشارة إلی الجنة الجسمانیة " ولکم فیها ما تدعون " إشارة إلی الجنة الروحانیة المذکورة فی قوله تعالی " دعواهم فیها سبحانک اللهم وتحیتهم فیها سلام وآخر دعواهم أن الحمد الله رب العالمین ) ((1)) .

وقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ): أوحش الوحشة قرین السوء ((2)) .

ص: 73

وقال الإمام علی ( علیه السلام ): احذر مجالسة قرین السوء ، فإنه یهلک مقارنه ، ویردی مصاحبه ((1)) .

وقال الامام علی ( علیه السلام ): کن بالوحدة آنس منک بقرناء السوء((2)) .

وقال الإمام الصادق ( علیه السلام ): من غضب علیک من إخوانک ثلاث مرات فلم یقل فیک شرا ، فاتخذه لنفسک صدیقا ((3)) .

وقال الإمام الصادق ( علیه السلام ): لا تعتد بمودة أحد حتی تغضبه ثلاث

مرات ((4)) .

وقال نجاح الطائی: من یتبع منهج الشیطان ویفعل الذنوب الکثیرة ویظلم المؤمنین ویناصر الاشرار یقیض له الرحمن قرین سوء ینصره فی مشروعه لانه غیر قابل للهدایة والرشاد .

{وَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرْآنِ وَالغَوْا فِیهِ لَعَلَّکُمْ تَغْلِبُونَ } 26 _ سورة فصلت .

یُقَالُ: لَغیَ یَلْغَی ، واللَّغْوُ: السَّاقِطُ من الکلامِ الذی لا طَائِلَ تَحْتَهُ ، ولا معنی له .

ص: 74

أی: نادوا عند قِراءتِهِ برَفْعِ الأَصواتِ بالصیاح والعویل وبالزَّجْرِ والهَذَیانِ حتَّی تُشَوِّشُوا علیهِ قِراءَتَهُ لِتَغْلِبُوهُ بذلک ، ولا یتَمکَّنَ أَصحابُهُ من الاستِمَاعِ الیه وفهم معانیه .

هذا الصیاح والتشویش فعله الکفار ضدَّ النبی محمد صلی الله علیه و آله أثناء تبلیغه الاسلام فی مکة وفعله المنافقون فی خطبة حجة الوداع عندما أوصی النبی بالخلفاء الأئمة الاثنی عشر من أهل بیته المعصومین علیهم السلام وذکر أسماءهم .

وقال أحمد بن حنبل زعیم المذهب الحنبلی وأبو داود أحد أصحاب السنن عن خطبة النبی صلی الله علیه و آله فی حجة الوداع: فکبرَّ الناس وضجوا ((1)) .

والذی عنده القدرة علی إثارة الضجة هو الحزب القرشی بقیادة ابی بکر وعمر .

وقال أحمد بن حنبل: ثم لغط القوم وتکلموا ((2)) .

وفی سنن أبی داود عن جابر بن سمرة قال:سمعت رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) یقول: «لا یزال هذا الدین عزیزاً إلی اثنی عشر خلیفة»، قال: فکبَّر الناس وضجوا، ثم قال کلمة خفیة، قلت لأبی یا أبة ما قال؟ قال: کلهم من قریش((3))

الملاحظ من هذه النصوص المذکورة فی مسند أحمد وسنن أبی داود أن قریشاً الطلقاء ومن لف لفهم من الأعراب والمنافقین قد أعلنوا العصیان

ص: 75

وضجوا ولغطوا وأخذوا یقومون ویقعدون احتجاجاً علی ولایة أهل البیت وخلافتهم!!

وهذا الاحتجاج یشکل ثانی معارضة لرسول الله ( صلی الله علیه و آله ) منذ إسلامهم القهری فی فتح مکة ویثبت استمرار کفرهم الباطنی وإسلامهم العلنی .

ومعارضتهم الأولی للاسلام کانت فی هزیمتهم المدبرة فی معرکة حنین! وهذا العصیان الکافر هو الذی دعاهم للتشویش علی ذکر أسماء خلفاء رسول الله من أهل البیت: وسعیهم لحذف عبارة کلهم من أهل بیتی ،وهو منحی قبائل قریش لاغتصاب السلطة وتناوبها بینهم .

وذکر الطبرانی والهیثمی ذلک العصیان الکافر للطلقاء والمنافقین فی حجة الوداع: لغط قوم قرب النبی ( صلی الله علیه و آله ) فقال أصحابه: یا رسول الله لو بعثت إلی هؤلاء بعض من ینهاهم عن هذا .

فقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ): لو بعثت إلیهم فنهیتهم أن یأتوا الحجون لأتاه بعضهم وإن لم یکن له به حاجة((1)) .

وفعلوا ذات الامر فی السقیفة بعد قتلهم لرسول الله صلی الله علیه و آله و عمل عمر ضجیجا کبیرا مدعیا عدم موت النبی صلی الله علیه و آله فی محاولة منه لارباک الوضع انتظارا لمجیء ابی بکر من السنح خارج المدینة . ونجح انقلابهم واغتصبوا الخلافة من الخلیفة علی علیه السلام .

ص: 76

{ فَلَنُذِیقَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا عَذَاباً شَدِیداً وَلَنَجْزِیَنَّهُمْ أسْوَأ الَّذِی کَانُوا یَعْمَلُونَ27 } _ سورة فصلت : بترکهم ولایة علی علیه السلام .

وعن الشعبی قال: قال لی علقمة: ( تدری ما مثل علی علیه السلام فی هذه

الامة ؟ قلت: وما مثله ؟ قال: مثل عیسی بن مریم علیه السلام أحبه قوم حتی هلکوا فی حبه وأبغضه قوم حتی هلکوا فی بغضه ) ((1)) .

{ ذَلِکَ جَزَاءُ أعْدَاءِ اللّهِ النَّارُ لَهُمْ فِیهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَاءً بِمَا کَانُوا بِآیَاتِنَا یَجْحَدُونَ } 28_ سورة فصلت .

بِآیَاتِنَا: الأئمة (یَجْحَدُونَ28 ) ((2))

.

ص: 77

: وقال أبوبکر وعمر لعلی علیه السلام فی یوم الغدیر: " أصبحت مولای ومولی کل مؤمن ومؤمنة " ((1)) .

وقال أحمد بن حنبل : من لم یثبت الولایة لعلی علیه السلام فهو أضل من حمار ((2)) .

ص: 78

وقال النبی صلی الله علیه و آله : من أحب أن یحیا حیاتی ویموت مماتی ویسکن جنة الخلد التی وعدنی ربی عز وجل غرس قضبانها بیده فلیتول علی بن ابی طالب فانه لن یخرجکم من هدی ولن یدخلکم فی ضلالة ((1)) .

وقال الإمام محمد الباقر ( علیه السلام ): آخر فریضة أنزلها الله تعالی الولایة ((2)) .

أبو بکر بن مردویه الشافعی: عن أبی هارون العبدی قال:

(کنت أری رأی الخوارج لا رأی لی غیره حتی جلست إلی أبی سعید الخدری رحمه الله فسمعته یقول: أُمر الناسُ بخمس, فعملوا بأربع وترکوا واحدة, فقال له رجل: یا أبا سعید ما هذه الأربع التی عملوا بها ؟

ص: 79

قال: الصلاة, والزکاة والحج, وصوم شهر رمضان .

قال: فما الواحدة التی ترکوها ؟

قال: ولایة علی بن ابی طالب ( علیه السلام ) .

قال الرجل: وإنها لمفترضة معهن ؟

قال أبو سعید: نعم ورب الکعبة .

قال الرجل: فقد کفر الناس إذن !

قال أبو سعید: فما ذنبی ؟ ) ((1)) .

وقال عمر لابن عباس یصف الإمام علیاً ( علیه السلام ) من خلال ما سمعه من النبی وما لمسه فیه: «إنَّ احراهم أن یحملهم علی کتاب ربِّهم, وسنَّة نبیهم لصاحبک, واللهِ لئن ولیهم لیحملنَّهم علی المحجة البیضاء والصراط المستقیم((2)) .

ص: 80

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لکل شیء جواز, وجواز الصراط حبّ علی بن أبی طالب((1)) .

وقال نجاح الطائی: فمن لا یؤمن بولایة علی علیه السلام مصیره النار لانه ترک أصلا من أصول الدین وأهمل فریضة واجبة وضیع جواز العبور الی الجنة

.

فمن ترک الولایة فهو مسلم لکنه غیر مؤمن والمؤمن بالولایة هو من یدخل الجنة . من ترک الولایة فهو مسلم الدنیا وکافر الاخرة .

ونقل ابو بکر: قال النبی صلی الله علیه و آله : لا یجوز أحد الصراط الا من کتب له علی ( علیه السلام ) الجواز ((2)) .

{ وَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا ربَّنَا أرِنَا الَّذَیْنِ أضَلانَا مِنَ الجِنِّ وَالإنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أقْدَامِنَا لِیَکُونَا مِنَ الأسْفَلِینَ29 }_ سورة فصلت .

ص: 81

قال الصادق علیه السلام : هما (أبو بکر وعمر ) . وکان فلان(الثانی) شیطاناً ((1))

.

وروی العلامة البحرانی عن عکرمة قال: عن ابن عباس قال: قال علی علیه السلام : أول من یدخل النار فی مظلمتی فلان وفلان (الاول والثانی) وقرأ علیَّ علیه السلام الآیة: (وقال الذین کفروا ربنا أرنا الذین أضلانا) . الآیة .

قال: انها لما نزلت دعاهما النبی صلی الله علیه و آله وقال: فیکما نزلت((2)) .

والمقصود ب- (الذین کفروا) لیس النصاری والیهود والمشرکین, وإنما المسلمون الذین کذبوا بأوامر الله تعالی فی علی بن أبی طالب علیه السلام , نظیر قوله تعالی: (من کفر) . فی آیة الحج, ونحوه .

والمراد ب- (من الجن والانس) الاثنین من مجموع الجن والانس الذین سببا ضلالة الصنفین ولا یشترط کون أحدهما من الانس والآخر من الجن, بل یصح مثل هذا التعبیر مع کونهما کلیهما من الانس کما لا یخفی . وفی بعض الأحادیث أن أحدهما من الجن وهو الشیطان لقوله تعالی: { إلا إبلیس کان من الجن ففسق عن أمر ربه } ((3))

.

ص: 82

وقوله تعالی { وقال الذین کفروا ربنا أرنا اللذین أضلانا من الجن

والإنس } قال العالم (موسی الکاظم ) علیه السلام :من الجن إبلیس الذی دبر علی قتل رسول الله صلی الله علیه و آله فی دار الندوة وأضل الناس بالمعاصی وجاء بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله إلی فلان فبایعه ومن الانس فلان: { نجعلهما تحت اقدامنا لیکونا من الأسفلین } ((1)) .

{ إنَّ الَّذِینَ قَالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمُ المَلائِکَةُ ألا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ }30 _ سورة فصلت .

{ إنَّ الَّذِینَ قَالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } علی ولایة أمیر المؤمنین والأئمة واحداً واحداً ((2)) .

وعن موسی الکاظم علیه السلام : ثم ذکر المؤمنین من شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام فقال { ان الذین قالوا ربنا الله ثم استقاموا } قال علی ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام .

ص: 83

قوله تعالی: { تتنزل علیهم الملائکة } قال عند الموت { ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التی کنتم توعدون نحن أولیائکم فی الحیاة الدنیا }

قال: کنا نحرسکم من الشیاطین ( وفی الاحی) أی عند الموت { ولکم

فیها ما تشتهی أنفسکم ولکم فیها ما تدعون } : یعنی فی الجنة ((1)) .

کنَّا نحرسکم من الشیاطین لذا لا تتمکن الشیاطین من ایذاء المؤمنین بقوله تعالی :{ إنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ إلا مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الغَاوِینَ } 42_سورة الحجر .

وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عز وجل: " الذین قالوا ربنا الله ثم استقاموا " فقال أبو عبد الله علیه السلام :

استقاموا علی الأئمة واحد بعد واحد " تتنزل علیهم الملائکة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التی کنتم توعدون ((2)) .

الایة الکریمة تقصد المؤمنین بالتوحید والذین استقاموا علی ولایة أهل البیت أی آمنوا بالنبوة والامامة :{ تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمُ المَلائِکَةُ ألا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ } .

ومن وصایا النبی صلی الله علیه و آله للامام علی علیه السلام :

ص: 84

یا علی کفر بالله العظیم من هذه الأمة عشرة: القتات، والساحر ، والدیوث ، وناکح المرأة حراما فی دبرها ، وناکح البهیمة ، ومن نکح ذات محرم ، والساعی فی الفتنة ، وبائع السلاح من أهل الحرب ، ومانع الزکاة ، ومن وجد سعة فمات ولم یحج ، یا علی لا ولیمة إلا فی خمس: فی عرس ، أو خرس ، أو عذار ، أو وکاز ، أو رکاز ، فالعرس التزویج ، والخرس النفاس بالولد ، والعذار الختان ، والوکاز فی بناء الدار [ وشرائها ] ، والرکاز الرجل یقدم من مکة ، یا علی لا ینبغی للرجل أن یکون ظاعنا إلا فی ثلاث: مرمة لمعاش ، أو تزود لمعاد ، أو لذة فی غیر محرم ، یا علی ثلاث من مکارم الأخلاق فی الدنیا والآخرة: أن تعفو عمن ظلمک ، وتصل من قطعک ، وتحلم عمن جهل علیک ، یا علی بادر بأربع قبل أربع شبابک قبل هرمک ، وصحتک قبل سقمک ، وغناک قبل فقرک ، وحیاتک قبل موتک .

یا

علی کره اللَّه لأمتی العبث فی الصلاة ، والمن فی الصدقة ، وإتیان المساجد جنبا ، والضحک بین القبور ، والتطلع فی الدور ، والنظر إلی فروج النساء لأنه یورث العمی ، وکره الکلام عند الجماع لأنه یورث الخرس ، وکره النوم بین العشاءین لأنه یحرم الرزق ، وکره الغسل تحت السماء إلا بمئزر ، وکره دخول الأنهار إلا بمئزر ، فإن فیها سکانا من الملائکة ، وکره دخول الحمام إلا بمئزر ، وکره الکلام بین الأذان والإقامة فی صلاة الغداة ، وکره رکوب البحر فی وقت هیجانه ، وکره النوم فوق سطح لیس بمحجر وقال: من نام فوق سطح لیس بمحجر فقد برئت الذمة منه ، وکره أن ینام الرجل فی بیت وحده ، وکره أن یغشی الرجل امرأته وهی حائض فإن فعل

ص: 85

وخرج الولد مجذوما أو أبرص فلا یلومن إلا نفسه ، وکره أن یکلم الرجل مجذوما إلا أن یکون بینه وبینه مقدار ذراع ((1)) .

{ نَحْنُ أوْلِیَاؤُکُمْ فِی الحَیَاةِ الدُّنْیَا وَفِی الآخِرَةِ وَلَکُمْ فِیهَا مَا تَشْتَهِی أنفُسُکُمْ وَلَکُمْ فِیهَا مَا تَدَّعُونَ31 } _ سورة فصلت .

وقال تعالی: بَلِ اللَّهُ مَوْلَاکُمْ وَهُوَ خَیْرُ النَّاصِرِینَ ( 150 )_آل عمران .

{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاکُمْ نِعْمَ الْمَوْلَی وَنِعْمَ النَّصِیرُ } 40 _الانفال .

بإسناده إلی زید بن أرقم لما نزل النبی صلی الله علیه و آله بغدیر خم فی حر شدید أمر بالدوحات فقممت ونادی: الصلاة جامعة فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ثم قال إن الله تعالی أنزل إلی:

( بلغ ما أنزل إلیک [ من ربک ] وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله یعصمک من الناس وقد أمرنی جبرائیل عن ربی أن أقوم فی هذا المشهد واعلم کل أبیض وأسود أن علی بن أبی طالب أخی ووصیی وخلیفتی والإمام بعدی .

فسألت جبرائیل أن یستعفینی من ربی لعلمی بقلة المتقین ، وکثرة المؤذین لی واللائمین ، لکثرة ملازمتی لعلی وشدة إقبالی علیه ، حتی سمونی أذنا فقال تعالی فیهم:

( الذین یؤذون النبی ویقولون هو أذن قل أذن خیر لکم ) ولو شئت أن أسمیهم وأدل علیهم لفعلت ، ولکنی بسترهم قد تکرمت ، فلم یرض الله إلا بتبلیغی فیه .

ص: 86

فاعلموا معاشر الناس ذلک فإن الله قد نصبه لکم إماما وفرض طاعته علی کل أحد ، ماض حکمه جائز قوله ، ملعون من خالفه مرحوم من صدقه ، اسمعوا وأطیعوا فإن الله مولاکم وعلی إمامکم ثم الإمامة فی ولدی من صلبه إلی یوم القیامة, لا حلال إلا ما حلله الله وهم ، ولا حرام إلا ما حرمه الله وهم ، فصلوه فما من علم إلا وقد أحصاه الله فیَّ ونقلته إلیه ((1)) .

ومن رواة حدیث الغدیر الشیخ أبو جعفر محمد بن جریر الطبری فقد أورده من نیف وسبعین طریقا وأفرد له کتابا سماه کتاب الولایة ((2)) .

(وَفِی الآخِرَةِ) . أی عند الموت, حیث یزور النبی وعلی والحسن والحسین علیهم السلام المیت الموالی لأهل البیت فیسرونه ویبشرونه (وَلَکُمْ فِیهَا مَا تَشْتَهِی أنفُسُکُمْ وَلَکُمْ فِیهَا مَا تَدَّعُونَ31 ) .

یعنی فی الجنة (نُزُلا مِنْ غَفُور رَحِیم32) ((3)) .

ابن المغازلی الشافعی: قال رجل: یا رسول الله أمرتنا عن الله تعالی بأن نشهد أن لا إله إلا الله وأنک محمد رسول الله فقبلنا, وأمرتنا بالحج فقبلنا, ثم لم

ص: 87

ترض حتی رفعت بضبع ابن عمک ففضلته علینا وقلت: من کنت مولاه فعلی مولاه ((1)) فهذا شئ منک أو من الله عز وجل ؟

ص: 88

فقال صلی الله علیه و آله : والذی لا إله غیره أنه أمر من الله تعالی .

فولی الحارث یرید راحلته وهو یقول: إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علینا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألیم, فلما رکب راحلته وخرج إلی ظاهر المدینة رماه الله بحجر من السماء فسقط علی هامته فخرج من دبره, فوقع یفحص الارض برجله . فقال النبی صلی الله علیه و آله لجماعة من الصحابة:

ص: 89

اخرجوا انظروا إلی الحارث ما صنع الله به . فخرجوا إلیه فوجدوه مطروحا یفحص الارض برجله, فقال واحد من الجماعة وقد رأی ضبا: والله لولایة هذا الضب علینا أجود من ولایة علی بن ابی طالب, ثم رجعوا إلی رسول الله صلی الله علیه و آله وأخبروه خبر الحارث . فقال لهم: إنه یأتی یوم القیامة قوم وإمامهم ضب ((1))

.

أهل البیت أولیاء الصالحین الاخیار فی الدنیا والاخرة فیزورون المیت ویطمئنونه علی آخرته ویبشروه بالجنة .

وفی الجنة یهب الله تعالی للمتقین ما تشتهی الانفس الانسانیة وما ترید من طعام وشراب .

{ وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إلَی اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إنَّنِی مِنَ المُسْلِمِینَ33 }_ سورة فصلت .

ابن عباس عن النبی ان علیا علیه السلام باب الهدی بعدی والداعی إلی ربی وهو صالح المؤمنین ومن أحسن قولا ممن دعا إلی الله وعمل صالحا_ الآیة ، وقال أمیر المؤمنین علی المنبر: انا أخو المصطفی خیر البشر من هاشم سنامه الأکبر ونبأ عظیم جری به القدر وصالح المؤمنین مضت به الآیات والسور

ص: 90

وإذا ثبت انه صالح المؤمنین فینبغی کونه أصلح من جمیعهم بدلالة العرف والاستعمال کقولهم فلان عالم قومه وشجاع قبیلته ((1)) .

وکانوا یسمون علیا علیه السلام : الصبی ((2))، لأنه کان اسمه فی کتاب الله الصبی، لقول الله: ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلی الله وعمل صالحا ) ((3)) وهو صبی ( وقال إننی من المسلمین ) ((4)) .

أی المسلم الذی أسلم منذ صباه فقد اسلم وسنه سبع سنین . کان هذا فی مکة حین أسلم الامام علی علیه السلام وسنه سبع سنین وهو یقضم آذان المعتدین علی النبی صلی الله علیه و آله من الصبیان :

قال الجزری : القضم : الاکل بأطراف الأسنان ، ومنه حدیث علی علیه السلام " کانت قریش إذا رأته قالت : احذروا الحطم احذروا القضم " أی الذی

ص: 91

یقضم الناس فیهلکهم (فی الحرب) ((1)) .

الثعلبی: { وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إلَی اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إنَّنِی مِنَ المُسْلِمِینَ33 } :

قال ابن سیرین والسدی وابن زید: هو رسول الله صلی الله علیه و آله وقال مقاتل: هو جمیع الأئمّة والدعاة إلی الله تعالی ((2)) .

وقال أبو جعفر " علیه السلام ": من أذن عشر سنین محتسبا یغفر الله له مد بصره ومد صوته فی السماء ویصدقه کل رطب ویابس سمعه وله بکل من یصلی معه فی مسجده سهم وله بکل من یصلی بصوته حسنة ((3)) .

وقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ): یحشر المؤذن مع النبیین والصدیقین والصالحین .

وقال الامام أبو عبد الله الصادق علیه السلام : من سمع المؤذن یقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقال مصدقا محتسبا: وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله أکفی بها عن کل من أبی وجحد ، وأغنی بها من أقر وشهد ، کان له من الاجر عدد من أنکر وجحد ، وعدد من أقر وشهد ((4)) .

ص: 92

وقال الصادق " علیه السلام ": من قال حین سمع أذان الصبح اللهم إنی أسألک باقبال نهارک وادبار لیلک وحضور صلاتک وأصوات دعائک ان تتوب علیَّ انک أنت التواب الرحیم وقال مثل ذلک إذا سمع أذان المغرب ، ثم مات من یومه أو من لیلته تلک کان تائبا ((1)) .

وقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ): من أذن محتسبا یرید بذلک وجه الله عز وجل أعطاه الله ثواب أربعین الف شهید وأربعین الف صدیق ، ویدخل فی شفاعته أربعین الف مسئ من أمتی إلی الجنة ألا وان المؤذن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله صلی علیه سبعون الف ملک واستغفروا له ، وکان یوم القیامة فی ظل العرش حتی یفرغ من حساب الخلائق ویکتب ثواب قوله: أشهد أن محمدا رسول الله أربعون الف ملک .

( وروی ) من أذن وأقام صلی خلفه صفان من الملائکة ، ومن أقام بغیر أذان صلی خلفه صف واحد من الملائکة ((2)) .

وقد أسلم الامام علی علیه السلام قبل الناس بسبع سنین ثم أسلم الصحابة وقد أسلم ابو بکر بعد اثنی عشر سنة من البعثة النبویة .

أکد العلماء اسلام أبی بکر بعد سنوات من البعثة النبویة((3)) أی بعد اسلام

ص: 93

أکثر من خمسین رجلاً((1)) .

أسلم بعد رحلة الإسراء والمعراج التی کانت قبل الهجرة بسنة ونصف بروایة الواقدی((2)) .

أی أسلم أبو بکر وسن علی علیه السلام واحد وعشرون سنة وکان ذلک قبل الهجرة بسنة ونصف((3)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : هذا علی علیه السلام أول من آمن بی وصدّقنی وصلّی

معی((4)) .

لکن الامویین حاولوا تزییف الامور فقالوا باسلام ابی بکر اول الناس افتراءا منهم علی سیرة الصحابة ومحاربة منهم للامام علی علیه السلام اول المسلمین .

{ وَلا تَسْتَوِی الحَسَنَةُ وَلا السَّیِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَبَیْنَهُ عَدَاوَةٌ کَأنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ } 34 _

سورة فصلت .

الحسنة أهل البیت والسیئة بنو أمیة .

ص: 94

قال الامام علی ( علیه السلام ): الحسنة حبنا أهل البیت, والسیئة بغضنا من جاء بها أکبه الله علی وجهه فی النار ((1))

.

وروی الحافظ سلیمان القندوزی الحنفی, عن الفقیه الشافعی أبی الحسن ابن المغازلی الشافعی فی (مناقبه) روی باسناده عن زاذان قال: رأیت علیاً علیه السلام یمسک الشسوع بیده ثم یمر فی الاسواق, فیناول الرجل الشسع ویرشد الضال, ویعین الحمَّال علی الحمولة, ویقرأ هذه الآیة:

{ تِلْکَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِینَ لا یُرِیدُونَ عُلُوّاً فِی الأرْضِ وَلا فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ } ((2)) .

ص: 95

ثم یقول: هذه الآیة نزلت فی الولاة وذوی القدرة ((1)) .

کیف تستوی الحسنة والسیئة فالحسنة علامة الابرار والسیئة هویة الاعراب الاشرار الطغاة .

والامر الالهی بدفع الامور نحو الاحسن أی نحو الصلح والعفو والرحمة والشیطان یدفع الاوضاع نحو الاسوأ أی نحو الفتنة والحرب والفساد .

{ ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَبَیْنَهُ عَدَاوَةٌ کَأنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ } 34 _ سورة فصلت .

ولقوله تعالی " ولمن صبر " علی الظلم والأذی " وغفر " ولم ینتصر وفوض أمره الله إلی الله " إن ذلک لمن عزم الأمور ", " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خیر للصابرین .

{ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُکَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ وَلَا تَکُ فِی ضَیْقٍ مِمَّا

یَمْکُرُونَ } ( 127 ) النحل .

{ إن الله مع الذین اتقوا والذین هم محسنون } ((2)) .

وقال نجاح الطائی :یکون الصبر مرة بترک الفاسدین: قال تعالی: ( قُلْ یَا أَیُّهَا الْکَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَکُمْ دِینُکُمْ وَلِیَ دِینِ ) ((3)) .

ص: 96

و یکون الصبر مرة بدعوتهم للدین قال تعالی: { ادْعُ إِلَی سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ } ((1)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله أمرت بالتقیة فسار بها عشراً حتی أمر أن یصدع بما أمر وأمر بها علی علیه السلام فسار بها حتی أمر أن یصدع بها, ثم أمر الأئمة بعضهم بعضاً فساروا بها فاذا قام قائمنا سقطت التقیة وجرد السیف ((2))

.

هذه آیة أخلاقیة ترشد الی الخیر والصلاح والفلاح وترک الاسالیب الرخیصة فی الصراع والمنافسة مع الاخرین وهی تسموا وتعلوا بالفرد المسلم فی عالم الحضارة والاخلاق .

لکن رجال السیاسة وحواشی علماء البلاط خالفوا هذا المنهج عملیا .

وقوله : ( ولا تقربوا مال الیتیم إلا بالتی هی أحسن ) یعنی بالمعروف .

وقیل : هو خطاب للنبی صلی الله علیه و آله والمراد به الأمة ، والمعنی إدفع الافعال السیئة بالافعال الحسنة التی ذکرها .

لکننا نری الخوارج الوهابیین یعاکسون هذه الایة

فیعملون علی منهج ادفع بالتی هی اقبح واسفک للدماء وأشوه للصورة الاسلامیة جاعلین من الاسلام صورة للقتل وهتک الاعراض ونهب الاموال وقطع الطرق واحراق المدن وخنق الاطفال .

ص: 97

{ وَمَا یُلَقَّاهَا إلا الَّذِینَ صَبَرُوا وَمَا یُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِیم } 35 _ سورة فصلت :

هذه آیة عظیمة تعلم الانسان کیف یحیی فی الارض براحة بال واطمئنان نفس وسکینة قلب بعیدا عن ارهاصات وتحریکات المهووسین من المنافقین والمجانین .

ومفتاح النصر فی الدنیا هو الصبر وقد اهتم القرآن والحدیث بالصبر فی ارشاد المؤمنین الیه وتعلیمهم علیه لانه یبعدهم عن المهالک ویحمیهم من المزالق .

عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیه وعَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسَانِیِّ جَمِیعاً عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِیِّ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِیِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِیَاثٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه علیه السلام : یَا حَفْصُ إِنَّ مَنْ صَبَرَ صَبَرَ قَلِیلاً وإِنَّ مَنْ جَزِعَ جَزِعَ قَلِیلاً ثُمَّ قَالَ عَلَیْکَ بِالصَّبْرِ فِی جَمِیعِ أُمُورِکَ فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّداً صلی الله علیه و آله فَأَمَرَه بِالصَّبْرِ والرِّفْقِ فَقَالَ { وَاصْبِرْ عَلَی مَا یَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِیلا10* وَذَرْنِی وَالمُکَذِّبِینَ اُولِی النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِیلا 11 } سورة المزمل.

وقال تعالی : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلین ((1)) .

ص: 98

وقَالَ تَبَارَکَ وتَعَالَی ( ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ )_ [ السَّیِّئَةَ ] ( فَإِذَا الَّذِی بَیْنَکَ وبَیْنَه عَداوَةٌ کَأَنَّه وَلِیٌّ حَمِیمٌ وما یُلَقَّاها إِلَّا الَّذِینَ صَبَرُوا وما یُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٌّ عَظِیمٍ ) ((1)) .

فَصَبَرَ رَسُولُ اللَّه صلی الله علیه و آله حَتَّی نَالُوه بِالْعَظَائِمِ ورَمَوْه بِهَا فَضَاقَ صَدْرُه فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ عَلَیْه: ( ولَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّکَ یَضِیقُ صَدْرُکَ بِما یَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وکُنْ مِنَ السَّاجِدِینَ ) ((2)) .

ثُمَّ کَذَّبُوه ورَمَوْه فَحَزِنَ لِذَلِکَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّه لَیَحْزُنُکَ الَّذِی یَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا یُکَذِّبُونَکَ ولکِنَّ الظَّالِمِینَ بِآیاتِ الله یَجْحَدُونَ ولَقَدْ کُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِکَ فَصَبَرُوا عَلی ما کُذِّبُوا وأُوذُوا حَتَّی أَتاهُمْ نَصْرُنا) ((3)) فَأَلْزَمَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله نَفْسَه الصَّبْرَ فَتَعَدَّوْا فَذَکَرَ اللَّه تَبَارَکَ وتَعَالَی وکَذَّبُوه فَقَالَ قَدْ صَبَرْتُ فِی نَفْسِی وأَهْلِی وعِرْضِی ولَا صَبْرَ لِی عَلَی ذِکْرِ إِلَهِی فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: ( ولَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ والأَرْضَ وما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ ) ((4)) .

ص: 99

فَصَبَرَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله فِی جَمِیعِ أَحْوَالِه ثُمَّ بُشِّرَ فِی عِتْرَتِه بِالأَئِمَّةِ ووُصِفُوا بِالصَّبْرِ فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُه { وجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وکانُوا بِآیاتِنا یُوقِنُونَ } ((1)) .

فَعِنْدَ ذَلِکَ قَالَ صلی الله علیه و آله : الصَّبْرُ مِنَ الإِیمَانِ کَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ فَشَکَرَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ ذَلِکَ لَه فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: { وتَمَّتْ کَلِمَتُ رَبِّکَ الْحُسْنی عَلی بَنِی إِسْرائِیلَ بِما صَبَرُوا ودَمَّرْنا ما کانَ یَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وقَوْمُه وما کانُوا یَعْرِشُونَ } ((2)) .

فَقَالَ صلی الله علیه و آله : إِنَّه بُشْرَی وانْتِقَامٌ فَأَبَاحَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ لَه قِتَالَ الْمُشْرِکِینَ فَأَنْزَلَ اللَّه { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وخُذُوهُمْ واحْصُرُوهُمْ واقْعُدُوا لَهُمْ کُلَّ مَرْصَدٍ } ( 1 ) .

وقال تعالی :{ واقْتُلُوهُمْ حَیْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } ( 2 ) فَقَتَلَهُمُ اللَّه عَلَی یَدَیْ رَسُولِ اللَّه صلی الله علیه و آله وأَحِبَّائِه وجَعَلَ لَه ثَوَابَ صَبْرِه مَعَ مَا ادَّخَرَ لَه فِی الآخِرَةِ فَمَنْ صَبَرَ واحْتَسَبَ لَمْ یَخْرُجْ مِنَ الدُّنْیَا حَتَّی یُقِرَّ اللَّه لَه عَیْنَه فِی أَعْدَائِه مَعَ مَا یَدَّخِرُ لَه فِی الآخِرَةِ ((3)) .

وقال تعالی آیات فی عالم الاخلاق کثیرة منها :

ص: 100

«یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ

تُفْلِحُونَ ((1)) » .

وقال سبحانه « الصَّابِرِینَ وَالصَّادِقِینَ وَالْقانِتِینَ وَالْمُنْفِقِینَ وَالْمُسْتَغْفِرِینَ بِالأَسْحارِ ((2)) » .

: الزخرف" 43 ": وقیله یا رب إن هؤلاء قوم لا یؤمنون فاصفح عنهم وقل سلام فسوف یعلمون 88 و 89 .

:واخفض جناحک لمن اتّبعک من المؤمنین ((3)) .

وقال تعالی « خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ وَإِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ ((4)) » .

وفی وصیة أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) إلی الحسن ( علیه السلام ): یا بنی العقل خلیل المرء ، والحلم وزیره ، والرفق والده ، والصبر من خیر جنوده ((5)) .

وکفی فی منزلة الحلم قوله تعالی: { ولا تستوی الحسنة ولا السیئة ادفع بالتی هی أحسن فإذا الذی بینک وبینه عداوة کأنه ولی حمیم * وما یلقاها

ص: 101

إلا الذین صبروا وما یلقاها إلا ذو حظ عظیم } ((1)) .

{ وما یلقاها إلا ذو حظ عظیم }" من الخیر وکمال النفس ، وقیل: الحظ العظیم: الجنة ((2)) .

ولا یحصل علی الجنة الا ذو حظ عظیم ممن سار فی طریق الصبر .

{ وَإمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ العَلِیمُ } 36 _ سورة فصلت .

التعوذ بالله العظیم یحمی الانسان من وساوس الشیطان ومهالکه المروعة والسجون المظلمة فمن لم یستعذ بالله یدفعه ابلیس نحو الفتنة والقتل والتمرد علی المجتمع , ومن یفعل هذا یکون نصیبه السکن فی مطامیر السجون والمقابر الموحشة والنفی عن أهله وولده فی الاقطار النائیة .

إن أحسست فی قلبک وسوسة من الشیطان تدفعک نحو القبائح والشعور بالضجر والیأس والکفر والشک فی الایمان { فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ العَلِیمُ } .

وقال تعالی أیضا : وَإِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ _200_الاعراف .

:إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّیْطَانِ تَذَکَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ

( 201 ) _الاعراف :

ص: 102

أی تَذَکَّرُوا الله تعالی .

:وَإنِّی سَمَّیْتُهَا مَرْیَمَ وَإنِّی اُعِیذُهَا بِکَ وَذُرِّیَّتَهَا مِنَ الشَّیْطَانِ الرَّجِیمِ 36 _آل عمران .

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : ما تکافئ عدوک بشئ أشد علیه من أن تطیع الله فیه وحسبک أن تری عدوک یعمل بمعاصی الله عز وجل((1)) .

المحاسن: أبی ، عن النوفلی ، عن السکونی ، عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام عن آبائه ( علیهم السلام ) قال: قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ): من لم یکن فیه ثلاث لم یقم له عمل: ورع یحجزه عن معاصی الله ، وخلق یداری به الناس ، وحلم یرد به جهل الجاهل ((2)) .

المحاسن: الوشاء، عن مثنی الحناط، عن الثمالی قال: قال أبو عبد الله

( علیه السلام ): مامن قطرة أحب إلی الله من جرعة غیظ یتجرعها عبد یرددها فی قلبه إما بصبر وإما بحلم ((3)) .

مصباح الشریعة: قال الصادق ( علیه السلام ): الحلم سراج الله یستضئ به صاحبه إلی جواره ، ولا یکون حلیما إلا المؤید بأنوار الله، وبأنوار المعرفة والتوحید ، و الحلم یدور علی خمسة أوجه: أن یکون عزیزا فیذل ، أو یکون صادقا فیتهم ، أو یدعو إلی الحق فیستخف به ، أو أن یوذی بلا جرم ، أو أن

ص: 103

یطالب بالحق و یخالفوه فیه ، فان آتیت کلا منها حقه فقد أصبت ، وقابل السفیه بالاعراض عنه وترک الجواب ، یکن الناس أنصارک ، لان من جاوب السفیه وکافأه قد وضع الحطب علی النار ((1)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : مثل المؤمن مثل الأرض ، منافعهم منها وأذاهم علیها ومن لا یصبر علی جفاء الخلق لا یصل إلی رضا الله تعالی ، لان رضی الله مشوب بجفاء الخلق ((2)) .

وحکی أن رجلا قال للأحنف بن قیس: إیاک أعنی . قال: وعنک أعرض ((3)) .

وقال نجاح الطائی: التعوذ بالله العظیم یحمی الانسان من وساوس الشیطان ومهالکه المروعة والسجون المظلمة فمن لم یستعذ بالله یقدم علی الفتنة والقتل والتمرد علی المجتمع ومن یفعل هذا یکون نصیبه السکن فی مطامیر السجون والمقابر الموحشة والنفی عن أهله وولده .

الغضب مفتاح الشیطان یدخل منه الی أی شخص متسببا فی الاستحواذ علیه وتسخیره لارتکاب الجرائم .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله الغضب یفسد الایمان کما یفسد الخل العسل ((4)) .

ص: 104

الخصال: قال الصادق ( علیه السلام ): الغضب مفتاح کل شر ((1)) .

وعن أبی حمزة الثمالی ، عن الامام أبی جعفر محمد الباقر ( علیه السلام ) قال: إن هذا الغضب جمرة من الشیطان توقد فی قلب ابن آدم ، وإن أحدکم إذا غضب احمرت عیناه ، وانتفخت أوداجه ، ودخل الشیطان فیه ، فإذا خاف أحدکم ذلک من نفسه فلیلزم الأرض ، فإن رجز الشیطان لیذهب عند ذلک وقال النبی صلی الله علیه و آله الغضب جمرة من الشیطان وقال إبلیس علیه اللعنة رهقی ومصیادی وبه أصد خیار الخلق عن الجنة وطریقها ((2)) .

{ وَمِنْ آیَاتِهِ اللَّیْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِی خَلَقَهُنَّ إنْ کُنْتُمْ إیَّاهُ تَعْبُدُونَ } 37 _ سورة فصلت : من آیات الله تعالی الشمس والقمر لکن بعض العباد اتخذوهما الهین وربَّین یعبدونهما من دون الله سبحانه .

آیاته تعنی براهینه وحججه العلمیة الدالة علی توحیده وصفاته ففی اللیل تذهب الشمس فتسکن الناس الی الراحة وتنام ثم یرحل اللیل بشروق الشمس فیذهب الناس الی العمل وهکذا یتغیر اللیل والنهار وهی معجزة عجیبة وباهرة لا یمکن لاحد أن یفعلها الا رب العالمین .

ص: 105

ولو حاولت الحکومات والامم جمیعا اطالة وقت اللیل أو النهار لما استطاعت هذا ولو حاولت الدول اطالة عمر الربیع أو الصیف لما تمکنت, وهذا یبین عظمة الله تعالی .

الخطاب للصابئة وکل من یعبد الکواکب ، اذ کان البعض وما یزال یعبد الشمس والقمر والاصنام .

وکیف یعبدونها وهی مخلوقات خلقها رب العالمین وهی تبین عظمة الواحد الاحد .

{ وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِی خَلَقَهُنَّ إنْ کُنْتُمْ إیَّاهُ تَعْبُدُونَ }:

ومن طریق الخاصّة: ما رواه الشّیخ فی الصّحیح ، عن مرازم ، عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام قال:

« سجدة الشّکر واجبة علی کلّ مسلم تتمّ بها صلاتک ، وترضی بها ربّک ، وتعجب الملائکة منک ، وإنّ العبد إذا صلَّی ثمَّ سجد سجدة الشّکر فتح الرّبّ تعالی الحجاب بین العبد وبین الملائکة فیقول: یا ملائکتی انظروا إلی عبدی أدّی فرضی وأتمّ عهدی ، ثمَّ سجد لی شکرا علی ما أنعمت به علیه ، ملائکتی ماذا له ؟

فتقول الملائکة: یا ربّنا رحمتک ، ثمَّ یقول الرّبّ تعالی: ثمَّ ماذا له ؟ فتقول الملائکة: یا ربّنا جنّتک ، فیقول الرّبّ تعالی: ثمَّ ماذا ؟ فتقول الملائکة: ربّنا کفایة مهمّة ، فیقول الربّ ثمَّ ماذا ؟ فلا یبقی شیء من الخیر إلَّا قالته الملائکة ، فیقول اللَّه تعالی: یا ملائکتی ثمَّ ماذا ؟ فتقول الملائکة: یا ربّنا لا علم لنا ، فیقول اللَّه تعالی: لأشکرنّه کما شکرنی واقبل إلیه بفضلی وأُریه رحمتی » ((1)) .

واحتجّوا بأنّ النّبیّ صلی الله علیه و آله کان فی أیّامه الفتوح ، واستسقی فسقی ولم یسجد شکرا ((2)) .

ص: 107

والجواب: المنع من ترک السّجود یظهر فی خبر أبی بکرة .

وما رواه عبد الرّحمن بن عوف قال: سجد رسول اللَّه صلی الله علیه و آله فأطال ، فسألناه قال: « أتانی جبرئیل علیه السلام فقال: من صلَّی علیک مرّة صلَّی اللَّه علیه عشرا فخررت شکرا للَّه » ((1)) .

وقد جاء: یستحبّ السّجدة عند الفراغ من الفرائض لروایة مرازم ؛ لأنّها مظنّة التّعبّد وموضع الخضوع والشّکر علی التّوفیق لأداء العبادة ، وعند تجدّد النّعم ودفع النقم ، لأنّ شکر المنعم واجب عقلا ، وأبلغ أنواعه السّجود علی ما روی أنّ منتهی العبادة من ابن آدم للَّه تعالی السّجود ((2)) .

وأنّ أقرب ما یکون العبد إلی اللَّه عزّ وجلّ إذا کان فی سجوده((3)) .

ومن آیات السجود: الأعراف: ویسبحونه وله یسجدون ((4)) .

الرعد: ولله یسجد من فی السماوات والأرض طوعا وکرها وظلالهم بالغدو والآصال ((5)) .

ص: 108

الحجر: فسبح بحمد ربک وکن من الساجدین ((1)) .

النحل: ولله یسجد ما فی السماوات وما فی الأرض من دابة والملائکة وهم لا یستکبرون ((2)) .

وفی روایة أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله " ولله یسجد من فی السماوات والأرض طوعا وکرها الآیة " اما من یسجد من أهل السماوات طوعا فالملائکة یسجدون لله طوعا ومن یسجد من أهل الأرض طوعا فمن ولد فی الاسلام فهو یسجد له طوعا واما من یسجد کرها فمن أجبر علی الاسلام واما من لم یسجد فظله یسجد له بالغداة والعشی وقوله ( قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفتخذتم من دونه أولیاء لا یملکون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هو یستوی الأعمی والبصیر ) یعنی المؤمن والکافر((3)) .

سجدة التلاوة (العزیمة)

والمواضع التی تطلب فیها سجدة التلاوة :تطلب فی أربعة عشر موضعا: وهی آخر آیة فی الأعراف ( إِنَّ الَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِه ، ویُسَبِّحُونَه ، ولَه یَسْجُدُونَ ) .

ص: 109

وآیة الرعد : ( ولِلَّه یَسْجُدُ مَنْ فِی السَّماواتِ والأَرْضِ طَوْعاً وکَرْهاً ، وظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ والآصالِ ) .

وآیة النحل : ( ولِلَّه یَسْجُدُ ما فِی السَّماواتِ وما فِی الأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ ، والْمَلائِکَةُ ، وهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ، یَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ویَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ ) .

وآیة الإسراء التی آخرها ( یَزِیدُهُمْ خُشُوعاً ) .

وآیة مریم التی آخرها ( خَرُّوا سُجَّداً وبُکِیًّا ) .

وآیتان فی سورة الحج: أولاهما ( یَفْعَلُ ما یَشاءُ ) فی آخر الربع الأول منها ، ثانیتهما آخر السورة ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ارْکَعُوا واسْجُدُوا ) إلی قوله تعالی : ( لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ ) ، عند الشافعیة ، والحنابلة ، وخالف ، المالکیة ، والحنفیة .

وآیة الفرقان وهی ( وإِذا قِیلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ ، قالُوا ومَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وزادَهُمْ نُفُوراً ) .

وآیة النمل وهی : ( أَلَّا یَسْجُدُوا لِلَّه الَّذِی یُخْرِجُ الْخَبْءَ فِی السَّماواتِ والأَرْضِ ، ویَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وما تُعْلِنُونَ ، الله لا إِله إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ) .

وآیة سورة السجدة وهی : ( إِنَّما یُؤْمِنُ بِآیاتِنَا الَّذِینَ إِذا ذُکِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً ) إلی قوله تعالی ( وهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ) .

ص: 110

وآیة سورة فصلت :وهی ( لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ ولا لِلْقَمَرِ ، واسْجُدُوا لِلَّه الَّذِی خَلَقَهُنَّ إِنْ کُنْتُمْ إِیَّاه تَعْبُدُونَ ) وآیة النجم وهی ( أَفَمِنْ هذَا الْحَدِیثِ تَعْجَبُونَ وتَضْحَکُونَ ولا تَبْکُونَ وأَنْتُمْ سامِدُونَ فَاسْجُدُوا لِلَّه واعْبُدُوا ) .

وآیة سورة الانشقاق : وهی قوله تعالی ( وإِذا قُرِئَ عَلَیْهِمُ الْقُرْآنُ لا یَسْجُدُونَ ) .

وآیة اقْرأ: وهی ( کَلَّا لا تُطِعْه ، واسْجُدْ واقْتَرِبْ ) باتفاق ثلاثة ، وخالف المالکیة .

وأما آیة « ص » وهی ( وظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاه فَاسْتَغْفَرَ رَبَّه وخَرَّ راکِعاً وأَنابَ ) ، فلیست من مواضع سجود التلاوة عند الشافعیة ، والحنابلة خلافا للمالکیة ، والحنفیة ، والسجود یکون عند آخر کل آیة من آیاتها المتقدمة باتفاق ، إلَّا عند الحنفیة .

والعزائم: هی السور التی فیها السجدات الواجبة وهی ألم تنزیل ( السجدة ) ، وحم السجدة ، والنجم ، وسورة أقرأ ( العلق ) :

ویجوز للجنب والحائض أن یقرءا القرآن . وفی أصحابنا من قید ذلک بسبع آیات من جمیع القرآن . إلا سور العزائم الأربع التی هی سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرء باسم ربک فإنه لا یقرأ منها شیئا .

وقال الشافعی: لا یجوز لهما ذلک قلیلا أو کثیرا ، وبه قال أحمد .

وقال أبو حنیفة: یقرءان دون الآیة .

وقال داود: یقرأ الجنب کیف شاء .

ص: 111

وقال مالک: یجوز للحائض أن تقرء القرآن علی الإطلاق ، والجنب یقرأ الآیة والآیتین علی سبیل التعوذ .

واختلف فی سجدة التلاوة ، هل هی واجبة : فعند أبی حنیفة واجبة ، وعند الشافعی سنة مؤکدة ، وإلیه ذهب أصحابنا ((1)) .

و لا خلاف فی وجوب سجدة التلاوة علی القاری و المستمع، و إنما الخلاف فی السامع بغیر إنصات، فقیل: یحب علیه أیضا. و به قطع ابن إدریس مدعیا علیه الإجماع، و قال الشیخ: لا یجب علیه السجود، و استدل علیه بالإجماع و الروایات و لا یخلو من قوة ((2)) .

ونیة سجدة العزیمة: أسجد سجدة التلاوة لوجوبها قربة اللی الله، ولا یجب فیها ذکر بل یستحب " لا اله الا الله حقا حقا، لا اله الا الله ایمانا وتصدیقا، لا اله الا الله عبودیة ورقا، سجدت لک یارب تعبدا ورقا " أو یقول: " رب آمنت بما کفروا، اعترفت) بما أنکروا وأجبت إلی مادعوا، لا اله الا الله ربنا رب آبائنا الاولین.

لو سمعت سجدة التلاوة، فالحق عندی أنها تسجد، لروایة علی بن رئاب الصحیحة عن أبی عبد الله ( علیه السلام )، وأبی عبیدة عن الباقر ( علیه السلام ) ولا فرق بین السماع والاستماع ((3)) .

ص: 112

سجدة التلاوة وهی فی خمسة عشر موضعا: فی الأعراف، والرعد، والنحل، وبنی إسرائیل، ومریم، والحج فی موضعین،والفرقان، والنمل، وآلم تنزیل وهی سجدة لقمان، وص، وحم السجدة، والنجم، والانشقاق، وإقرأ باسم ربک، ثلاث منها فی المفصل وهی النجم، والانشقاق، وإقرأ عند علمائنا، لأن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أقرأنی رسول الله صلی الله علیه و آله خمس عشرة سجدة ثلاث فی المفصل، وسجدتان فی الحج ((1)) .

وجاء: سجدة التلاوة وهی عندنا واجبة فی أربعة مواضع _ وهی سجدة [ 47 / أ ] لقمان، وحم السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربک _ وما عداها فمندوب للقاری والمستمع. وقال الشافعی: الکل مسنون، وقال أبو حنیفة: الکل واجب علی القارئ و المستمع ، وهی أربعة عشرة سجدة عندهما، وقال فی القدیم: إحدی عشرة. وعندنا خمسة عشر موضعا _ أربعة منها واجبة وقد ذکرت وهی فی آخر الاعراف، وفی الرعد، وفی النحل، وفی بنی إسرائیل، وفی مریم، وفی الحج سجدتان، وفی الفرقان، وفی النمل، و فی (ص)، وفی انشقت. وخالف الشافعی فی (ص) وقال: إنه سجود شکر لا یجوز فعله فی الصلاة وأبو حنیفة اسقط الثانیة وأثبت سجدة صاد ((2)).

وجاء : لقد اتفق العلماء علی الامر بسجود التلاوة ، واختلف هل هو أمر وجوب أو استحسان ، والاکثرون قرروا الاستحباب أو الاستحسان ،

ص: 113

وجوزوا فی الصلوة ، وأکثرهم علی أن السجدات أربع عشر ، والاکثرون أوجبوا الطهارة فی سجدة التلاوة وکذا استقبال القبلة ، وقد یجوز خلاف هذا .

الخلاصة : یجب السجود فی آیات التلاوة سجدة التلاوة وهی عندنا واجبة فی أربعة مواضع _ وهی سجدة [ 47 / أ ] لقمان، وحم السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربک _ وما عداها فمندوب للقاری والمستمع.

ولا یحتاج الی طهارة .

{ فَإنِ اسْتَکْبَرُوا فَالَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ یُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّیْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا یَسْأمُونَ } 38 _ سورة فصلت .

لا یفترون عن عبادته ولا یملونه .

( فَإِنِ اسْتَکْبَرُوا ) واذا استکبر عبدة الکواکب وأصروا علی الشرک فإن اللَّه غنی عنهم وعن عبادتهم ،ولا یحتاج الیهم وعنده عباد من المؤمنین والملائکة وغیرهم .

أی ان الله سبحانه لیس بحاجة لعبادة المستکبرین .

وجاء: ( یُسَبِّحُونَ لَه بِاللَّیْلِ والنَّهارِ وهُمْ لا یَسْأَمُونَ ) عن عبادته بل یواصلونها ویواضبون علیها :

{ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلا لِیَعْبُدُونِ56* مَا اُرِیدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْق وَمَا اُرِیدُ أنْ یُطْعِمُونِ 57*إنَّ اللّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِینُ58 } _الذاریات .

ص: 114

سئمت: بفتح السّین وکسر الهمزة من سأم یسأم نحو علم یعلم من السّامة وهی الملالة ممّا یکثر لبثه فعلا کان أو انفعالا قال اللَّه تعالی وهم لا یسأمون، ای لا یملَّون وقال أیضا ولا تسأمو ان تکتبوه صغیرا أو کبیرا ، ای لا تملَّو یقال: سأمت من الشّیء من باب تعب اسأم سأما وسأمة إذا مللته ورجل سئوم ای ملول والسّامة کالملالة لفظا ومعنی ((1)) .

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : افّ لکم لقد سئمت منّ عتابکم ، یدلّ علی کونه علیه السلام منزعجا ملولا من أصحابه لما فیهم من النّفاق والشّقاق ولعصیانهم له فی أوامره ونواهیه .

قال تعالی: وَإنْ مِنْ شَیْء إلا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ إنَّهُ کَانَ حَلِیماً غَفُوراً 44*_سورة الاسراء .

َلَمَّا نَزَلَتْ هَذِه الآیَةُ : ( إِنَّ الله اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) * قَامَ رَجُلٌ إِلَی النَّبِیِّ ص فَقَالَ یَا نَبِیَّ اللَّه أرَأَیْتَکَ الرَّجُلُ یَأْخُذُ سَیْفَه فَیُقَاتِلُ حَتَّی یُقْتَلَ إِلَّا أَنَّه یَقْتَرِفُ مِنْ هَذِه الْمَحَارِمِ أشَهِیدٌ هُوَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ عَلَی رَسُولِه : * ( التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاکِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْکَرِ والْحافِظُونَ لِحُدُودِ الله وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ ) فَفَسَّرَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله الْمُجَاهِدِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ هَذِه صِفَتُهُمْ وحِلْیَتُهُمْ بِالشَّهَادَةِ والْجَنَّةِ وقَالَ التَّائِبُونَ مِنَ الذُّنُوبِ الْعَابِدُونَ الَّذِینَ لَا یَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّه ولَا یُشْرِکُونَ بِه شَیْئاً الْحَامِدُونَ الَّذِینَ یَحْمَدُونَ اللَّه عَلَی کُلِّ حَالٍ فِی الشِّدَّةِ والرَّخَاءِ السَّائِحُونَ وهُمُ الصَّائِمُونَ الرَّاکِعُونَ السَّاجِدُونَ

ص: 115

الَّذِینَ یُوَاظِبُونَ عَلَی الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ والْحَافِظُونَ لَهَا والْمُحَافِظُونَ عَلَیْهَا بِرُکُوعِهَا وسُجُودِهَا وفِی الْخُشُوعِ فِیهَا وفِی أَوْقَاتِهَا الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بَعْدَ ذَلِکَ والْعَامِلُونَ بِه والنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْکَرِ والْمُنْتَهُونَ عَنْه قَالَ فَبَشِّرْ مَنْ قُتِلَ وهُوَ قَائِمٌ بِهَذِه الشُّرُوطِ بِالشَّهَادَةِ والْجَنَّةِ ثُمَّ أَخْبَرَ تَبَارَکَ وتَعَالَی أَنَّه لَمْ یَأْمُرْ بِالْقِتَالِ إِلَّا أَصْحَابَ هَذِه الشُّرُوطِ فَقَالَ عَزَّ وجَلَّ : ( أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وإِنَّ الله عَلی نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیارِهِمْ بِغَیْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ یَقُولُوا رَبُّنَا الله ) ((1)) .

{وَمِنْ آیَاتِهِ أنَّکَ تَرَی الأرْضَ خَاشِعَةً فَإذَا أنزَلْنَا عَلَیْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إنَّ الَّذِی أحْیَاهَا لَمُحْیِی المَوْتَی إنَّهُ عَلَی کُلِّ شَیْء

قَدِیرٌ } 39 _ سورة فصلت .

{وَمِنْ آیَاتِهِ}: الایات تعنی البراهین والادلة والحجج الالهیة المبینة لخلق الله تعالی من الکواکب والشمس والارض والقمر والبشر والحیوان والنبات والهواء وغیر ذلک .

{ أنَّکَ تَرَی الأرْضَ خَاشِعَةً }: ساکنة مطمئنة خاشعة لربها .

{ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ }: تحرکت ونمت: ربت فأصبحت رابیة

و ربَّت النباتات والاشجار علی ظهرها کما تربی الام ولدها فی رحمها وبلبنها بعد ولادته .

ص: 116

وقال سبحانه {وَتَرَی الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَیْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ کُلِّ زَوْجٍ بَهِیجٍ ( 5 ) ذَلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ یُحْیِی الْمَوْتَی وَأَنَّهُ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ ( 6 ) وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِیَةٌ لَا رَیْبَ فِیهَا وَأَنَّ اللَّهَ یَبْعَثُ مَنْ فِی الْقُبُورِ } ( 7 )_الحج .

وقال تعالی: { وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً 15*وَجَنَّات ألْفَافاً16 }_المرسلات .

عندما نتأمل هذه الأرض التی خلقنا الله علیها نری فی کل شیء فیها آیة تدل علی عظمة خالقها لقد أثبت العلم أن نسبة الماء علی سطح الأرض 71% ونسبة البر 29% تقریباً، والعجیب أن القرآن ذکر کلمة (البحر) 33 مرة، وذکر (البر) 13 مرة، (البرّ والیبَس).

13 _ 46 وهذا العدد یمثل البر والبحر، وتکون نسبة تکرار (البحر) بالنسبة لهذا المجموع هی: 33 الی 46 وهذا یساوی 71 % تقریباً وهی نسبة البحر، کذلک تکون نسبة تکرار البر هی 13 الی 46 وهذا یساوی 29 % تقریباً، وهی النسبة الحقیقیة للبر أو الیابسة.

وقال نجاح الطائی:

هناک تطورات فی صنوف مختلفة من النباتات والأشجار والأزهار والأثمار من حبّ وعنب وقضب وتفاح واترنج (برتقال) وزیتون وتمر ورمّان وفواکه کثیرة متنوعة الاصناف ومختلفة الأشکال والألوان والطعوم والرّوایح یختلف بعضها عن بعض فی الفوائد والفیتامینات والبروتینات

ص: 117

رغم أنّ جمیعها ینبت من أرض واحدة ویسقی من ماء واحد ، وتشرق علیه شمس واحدة .

ولو تدبرنا فی فوائد الاثمار والنباتات والعشب والازهار لتعجبنا فالثمار للغذاء والعشب للعلف الحیوانی والخشب الیابس (الحطب) للوقود والخشب فوائده لبناء الدور والمؤسسات وبناء السفن والجسور . واللّحاء والورق ونبات البَردی لصناعة الورق والأُصول والعروق والصموغ وغیرها لشتی المنافع .

{ إنَّ الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی آیَاتِنَا لا یَخْفَوْنَ عَلَیْنَا أفَمَنْ یُلْقَی فِی النَّارِ خَیْرٌ أمْ مَنْ یَأتِی آمِناً یَوْمَ القِیَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ } 40 _ سورة فصلت .

هذه الایة تهدید ووعید للملحدین المنکرین لآیات الباری سبحانه وان شرکهم وأعمالهم المحرمة لا تخفی علی الله تعالی .

{ إنَّ الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی آیَاتِنَا } :

یکذبون آیاتنا وعلی رأسها آیة عظماء الکون أهل البیت علیهم السلام هؤلاء یعرفهم الجبار الحکیم العزیز

.

قال الصادق علیه السلام : الآیات هم الأئمة والنذر هم الأنبیاء ((1)) .

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : ما لله آیة أکبر منِّی, فاذا رجعوا الی الدنیا یعرفهم

ص: 118

اعداؤهم اذا رأوهم فی الدنیا ((1)) .

وروی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی قال: أخبرنا عقیل بن الحسین عن ابن عباس فی قول الله عزوجل: (أفمن یلقی فی النار خیر) . یعنی: الولید بن المغیرة .

(أم من یأتی آمناً یوم القیامة): من عذاب الله, ومن غضب الله, وهو علی بن أبی طالب علیه السلام . (إعملوا ما شئتم) . وعید لهم((2))

.

وقال سبحانه ": إلیه یرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أکمامها وما تحمل من أنثی ولا تضع إلا بعلمه 47 .

سورة الزخرف " 43 " أم یحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجویهم بلی ورسلنا لدیهم یکتبون 80 .

سورة محمد " 47 " والله یعلم متقلبکم ومثواکم 19 " وقال ": والله یعلم إسرارهم 26 .

سورة الفتح " 48 " فعلم ما فی قلوبهم 18 " .

وقال تعالی ": وکان الله بما تعملون بصیرا 24 " .

ص: 119

وقال تعالی ": وکان الله بکل شئ علیما 26 " .

وقال تعالی ": وکفی بالله شهیدا 28 سورة الحجرات " 49 " والله علیم حکیم 8 " وقال تعالی ": إن الله علیم خبیر 13 " .

وقال ": قل أتعلمون الله بدینکم والله یعلم ما فی السماوات وما فی الأرض والله بکل شئ علیم 16 .

" وقال سبحانه ": إن الله یعلم غیب السماوات والأرض والله بصیر بما تعملون 18 .

سورة ق " 50 " ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إلیه من حبل الورید 16 " .

وقال تعالی ": نحن أعلم بما یقولون 45 .

سورة النجم " 53 " إن ربک هو أعلم بمن ضل عن سبیله وهو أعلم بمن اهتدی 30 " وقال تعالی ": هو أعلم بکم إذ أنشأکم من الأرض وإذ أنتم أجنة فی بطون أمهاتکم فلا تزکوا أنفسکم هو أعلم بمن اتقی 32 .

سورة المجادلة " 58 " والله یسمع تحاور کما إن الله سمیع بصیر 1 " وقال تعالی ": ألم تر أن الله یعلم ما فی السماوات وما فی الأرض ما یکون من نجوی ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنی من ذلک ولا أکثر إلا هو معهم أین ما کانوا ثم ینبئهم بما عملوا یوم القیمة إن الله بکل شئ علیم 7 .

ومن

وصایا النبی صلی الله علیه و آله لابی ذر فقد رواها بإسناده عن أبی الأسود الدؤلی قال: ( قدمت الربذة فدخلت علی أبی ذر جندب بن جنادة فحدثنی أبو ذر قال: دخلت ذات یوم فی صدر نهاره علی رسول اللَّه صلی الله علیه و آله فی مسجده فلم

ص: 120

أر فی المسجد أحدا من الناس إلا رسول اللَّه صلی الله علیه و آله وعلی علیه السلام علی جانبه جالس فاغتنمت خلوة المسجد ، فقلت: یا رسول اللَّه بأبی أنت وأمی أوصنی بوصیة ینفعنی اللَّه بها ، فقال: نعم وأکرم بک یا أبا ذر إنک منا أهل البیت وإنی موصیک بوصیة فاحفظها فإنها جامعة لطرق الخیر وسبله فإنک إن حفظتها کان لک بها کفیلا .

یا أبا ذر أعبد اللَّه کأنک تراه فإن کنت لا تراه فإنه یراک واعلم أن أول عبادة اللَّه المعرفة به أنه اللَّه الأول قبل کل شیء فلا شیء قبله والفرد فلا ثانی له والباقی لا إلی غایة فاطر السماوات والأرض وما فیهما وما بینهما من شیء وهو اللطیف الخبیر وهو علی کل شیء قدیر ثم الإیمان بی والإقرار بأن اللَّه تعالی أرسلنی إلی کافة الناس بشیرا ونذیرا « وَداعِیاً إِلَی اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِیراً » ثم حب أهل بیتی الذین أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا .

واعلم یا أبا ذر أن اللَّه عز وجل جعل أهل بیتی فی أمتی کسفینة نوح من رکبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، ومثل باب حطة فی بنی إسرائیل من دخلها کان آمنا ، یا أبا ذر احفظ ما أوصیک به تکن سعیدا فی الدنیا والآخرة ، یا أبا ذر نعمتان مغبون فیهما کثیر من الناس الصحة والفراغ ، یا أبا ذر اغتنم خمسا قبل خمس:

شبابک قبل هرمک ، وصحتک قبل سقمک ، وغناک قبل فقرک ، وفراغک قبل شغلک ، وحیاتک قبل موتک ، یا أبا ذر إیاک والتسویف بأملک فإنک بیومک ولست بما بعده ، فإن یکن غد لک فکن فی الغد کما کنت فی الیوم ، وإن لم تکن غدا لم تندم علی ما فرطت فی الیوم .

ص: 121

یا أبا ذر کم من مستقبل یوما لا یستکمله ومنتظر غدا لا یبلغه ، یا أبا ذر لو نظرت إلی الأجل ومسیره لأبغضت الأمل وغروره ، یا أبا ذر کن کأنک فی الدنیا غریب أو کعابر سبیل ، وعد نفسک من أصحاب القبور ، یا أبا ذر إذا أصبحت فلا تحدث نفسک بالمساء ، وإذا أمسیت فلا تحدث نفسک بالصباح ، وخذ من صحتک قبل سقمک ، ومن حیاتک قبل موتک ، فإنک لا تدری ما اسمک غدا ، یا أبا ذر إن تدرکک الصرعة قبل العثرة ، فلا تقال العثرة ، ولا تمکن من الرجعة ، ولا یحمدک من خلفت بما ترکت ، ولا یعذرک من تقدم علیه بما اشتغلت به .

یا أبا ذر کن علی عمرک أشح منک علی درهمک ودینارک ، یا أبا ذر هل ینتظر أحدکم إلا غنی مطغیا أو فقرا منسیا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا ، أو الدجال فإنه شر غائب ینتظر ، أو الساعة فالساعة أدهی وأمر ، إن شر الناس منزلة عند اللَّه یوم القیامة عالم لا ینتفع بعلمه ، ومن طلب علما لیضرب به وجوه الناس إلیه یوم لم یجد ریح الجنة ، یا أبا ذر من ابتغی العلم لیخدع به الناس لم یجد ریح الجنة ، یا أبا ذر إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل: لا أعلمه تنج من تبعته ، ولا تفت بما لا علم لک به ، تنج من عذاب اللَّه یوم القیامة ، یا أبا ذر یطلع قوم من أهل الجنة إلی قوم من أهل النار فیقولون: ما أدخلکم النار وقد دخلنا الجنة لفضل تأدیبکم وتعلیمکم ، فیقولون: إنا کنا نأمر بالخیر ولا نفعله .

یا

أبا ذر إن حقوق اللَّه جل ثناؤه أعظم من أن یقوم بها العباد وإن نعم اللَّه أکثر من أن یحصیها العباد ، ولکن أمسوا وأصبحوا تائبین ، یا أبا ذر أنک فی ممر اللیل والنهار فی آجال منقوصة وأعمال محفوظة والموت یأتی بغتة ،

ص: 122

ومن یزرع خیرا یوشک أن یحصد خیرا ، ومن یزرع شرا یوشک أن یحصد ندامة ، ولکل زارع مثل ما زرع ، لا یسبق بطیء لحظة ولا یدرک حریص ما لم یقدر له ومن أعطی خیرا فالله أعطاه ومن وقی شرا واللَّه وقاه ، یا أبا ذر المتقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم الزیادة ، إن المؤمن لیری ذنبه کأنه تحت صخرة یخاف أن تقع علیه ، وإن الکافر لیری ذنبه کأنه ذباب مر علی أنفه ، یا أبا ذر إن اللَّه تبارک وتعالی إذا أراد بعبد خیرا جعل الذنوب بین عینیه ممثلة ، الإثم علیه ثقیلا وبیلا ، وإذا أراد اللَّه بعبد شرا أنساه ذنوبه ، یا أبا ذر لا تنظر إلی صغر الخطیئة ولکن انظر إلی من عصیت أمره ، یا أبا ذر إن نفس المؤمن أشد ارتکاضا من الخطیئة من العصفور حین یقذف به فی شرکة .

یا أبا ذر من وافق قوله فعله فذاک الذی أصاب حظه ، ومن خالف قوله فعله فإنما یوبخ نفسه ، یا أبا ذر إن الرجل لیحرم رزقه بالذنب یصیبه ، یا

أبا ذر دع ما لست منه فی شیء ولا تنطق فیما لا یعنیک واحرس لسانک کما تحرس رزقک ، یا أبا ذر إن اللَّه جل ثناؤه لیدخل قوما الجنة فیعطیهم حتی یملئوا وفوقهم قوم فی الدرجات العلی ، فإذا نظروا إلیهم عرفوهم فیقولون:

ربنا إخواننا کنا معهم فی الدنیا فبم فضلتهم علینا فیقال: هیهات هیهات إنهم کانوا یجوعون حین تشبعون ویظمئون حین تروون ویقومون حین تنامون ویشخصون حین تخفضون ، یا أبا ذر جعل اللَّه جل ثناؤه قرة عینی فی الصلاة ، وحبب إلی الصلاة کما حبب إلی الجائع الطعام ، وإلی الظمآن

ص: 123

الماء ، وإن الجائع إذا أکل شبع ، وإن الظمآن إذا شرب روی ، وأنا لا أشبع من الصلاة .

یا أبا ذر أیما رجل تطوع فی یوم ولیلة اثنتی عشرة رکعة سوی المکتوبة کان له حقا واجبا بیت فی الجنة ، یا أبا ذر إنک ما دمت فی الصلاة فإنک تقرع باب الملک الجبار ، ومن یکثر قرع باب الملک یفتح له ، یا أبا ذر ما من مؤمن یقوم مصلیا إلا تناثر علیه البر ما بینه وبین العرش ووکل به ملک ینادی: یا ابن آدم لو تعلم ما لک فی الصلاة ومن تناجی ما انفتلت ، یا أبا ذر طوبی لأصحاب الألویة یوم القیامة یحملونها فیسبقون الناس إلی الجنة ، ألا هم السابقون إلی المساجد بالأسحار وغیر الأسحار ، یا أبا ذر الصلاة عمود الدین واللسان أکبر ، والصدقة تمحو الخطیئة ، واللسان أکبر ، والصوم جنة من النار ، واللسان أکبر ، والجهاد نباهة ، واللسان أکبر ، یا أبا ذر الدرجة فی الجنة فوق الدرجة کما بین السماء والأرض ، وإن العبد لیرفع بصره فیلمع له نور یکاد یخطف بصره فیفزع لذلک فیقول: ما هذا ؟

فیقول: هذا نور أخیک ، فیقول: أخی فلان کنا نعمل جمیعا فی الدنیا وقد فضل علی هکذا ، فیقال له: إنه کان أفضل منک عملا ، ثم یجعل فی قلبه الرضا حتی یرضی ، یا أبا ذر الدنیا سجن المؤمن وجنة الکافر ، وما أصبح فیها مؤمن إلا حزینا ، فکیف لا یحزن المؤمن وقد أوعده اللَّه تعالی أنه وارد جهنم ولم یعده أنه صادر عنها ولیلقین أمراضا ومصیبات وأمورا تغیظه ولیظلمن فلا ینتصر ، یبتغی ثوابا من اللَّه عز وجل فما یزال فیها حزینا حتی یفارقها ، فإذا فارقها أفضی إلی الراحة والکرامة ، یا أبا ذر ما عبد اللَّه عز وجل علی مثل طول الحزن .

ص: 124

یا أبا ذر من أوتی من العلم ما لم یبکه لحقیق أن یکون قد أوتی علم ما لا یعنیه ، إن اللَّه نعت العلماء فقال عز وجل :

{ إِنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا یُتْلی عَلَیْهِمْ یَخِرُّونَ لِلأَذْقانِ سُجَّداً .

وَیَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ کانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً .

وَیَخِرُّونَ لِلأَذْقانِ یَبْکُونَ وَیَزِیدُهُمْ خُشُوعاً } .

یا أبا ذر من استطاع أن یبکی فلیبک ، ومن لم یستطع فلیشعر قلبه الحزن ولیتباک ، إن القلب القاسی بعید من اللَّه تعالی ولکن لا یشعرون ، یا أبا ذر یقول اللَّه تبارک وتعالی: لا أجمع علی عبد خوفین ولا أجمع له أمنین ، فإذا أمننی فی الدنیا أخفته یوم القیامة ، وإذا خافنی فی الدنیا آمنته یوم القیامة ، یا أبا ذر لو أن رجلا کان له کعمل سبعین نبیا لأحتقره وخشی أن لا ینجو من شر یوم القیامة ، یا أبا ذر إن العبد لیعرض علیه ذنوبه یوم القیامة فیمن یرهب من ذنوبه فیقول: أما إنی کنت مشفقا فیغفر له ، یا أبا ذر إن الرجل لیعمل الحسنة فیتکل علیها ویعمل المحقرات حتی یأتی اللَّه وهو علیه غضبان [ وإن الرجل لیعمل السیئة فیفرق منها یأتی آمنا یوم القیامة ] ، یا أبا ذر إن العبد لیذنب الذنب فیدخل به الجنة ، فقلت: فکیف ذلک بأبی أنت وأمی یا رسول اللَّه ؟

قال: یکون ذلک الذنب نصب عینیه تائبا منه فارا إلی اللَّه تعالی حتی یدخله الجنة ، یا أبا ذر الکیس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من اتبع نفسه وهواها وتمنی علی اللَّه الأمانی .

یا

أبا ذر إن أول شیء یرفع من هذه الأمة الأمانة والخشوع حتی لا تکاد تری خاشعا ، یا أبا ذر والذی نفس محمد بیده لو أن الدنیا کانت تعدل عند

ص: 125

اللَّه جناح بعوضة أو ذباب ما سقی الکافر منها شربة من ماء ، یا أبا ذر إن الدنیا ملعونة ملعون ما فیها إلا من ابتغی به وجه اللَّه ، وما من شیء أبغض إلی اللَّه تعالی من الدنیا خلقها ثم عرضها فلم ینظر إلیها ولا ینظر إلیها حتی تقوم الساعة ، وما من شیء أحب إلی اللَّه تعالی من الإیمان به وترک ما أمر بترکه ، یا أبا ذر إن اللَّه تبارک وتعالی أوحی إلی أخی عیسی علیه السلام : یا عیسی لا تحب الدنیا فإنی لست أحبها وأحب الآخرة ، فإنما هی دار المعاد ، یا أبا ذر إن جبرئیل علیه السلام أتانی بخزائن الدنیا علی بغلة شهباء ، فقال لی: یا محمد هذه خزائن الدنیا ولا تنقصک من حظک عند ربک ، فقلت: حبیبی جبرئیل لا حاجة لی فیها ، إذا شبعت شکرت ربی وإذا جعت سألته ، یا أبا ذر إذا أراد اللَّه عز وجل بعبد خیرا فقهه فی الدین ، وزهده فی الدنیا ، وبصره بعیوب نفسه .

یا أبا ذر ما زهد عبد فی الدنیا إلا أنبت اللَّه الحکمة فی قلبه وأنطق بها لسانه ، وبصره عیوب الدنیا داءها ودواءها وأخرجه منها سالما إلی دار السلام ، یا أبا ذر إذا رأیت أخاک قد زهد فی الدنیا فاستمع منه فإنه یلقی الحکمة ، فقلت :

یا

رسول اللَّه من أزهد الناس فقال: من لم ینس المقابر والبلی وترک فضل زینة الدنیا وآثر ما یبقی علی ما یفنی ولم یعد غدا من أیامه وعد نفسه فی الموتی ، یا أبا ذر إن اللَّه تبارک وتعالی لم یوح إلی أن اجمع المال إلی المال ولکن أوحی إلی أن سبح بحمد ربک وکن من الساجدین وأعبد ربک حتی یأتیک الیقین ، یا أبا ذر إنی ألبس الغلیظ وأجلس علی الأرض وألعق

ص: 126

أصابعی وأرکب الحمار بغیر سرج وأردف خلفی ، فمن رغب عن سنتی فلیس منی .

یا أبا ذر حب المال والشرف أذهب لدین الرجل من ذئبین ضاریین فی زرب الغنم فأغارا فیها حتی أصبحا فما ذا أبقیا منها قال: قلت: یا رسول اللَّه الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاکرون اللَّه کثیرا ، هم یسبقون الناس إلی الجنة فقال: لا ، ولکن فقراء المسلمین ، فإنهم یتخطون رقاب الناس ، فیقول له خزنة الجنة کما أنتم حتی تحاسبون فیقولون: بم نحاسب فوالله ما ملکنا فنجور ونعدل ولا أفیض علینا فنقبض ونبسط ولکنا عبدنا ربنا حتی دعانا فأجبنا ، یا أبا ذر إن الدنیا مشغلة للقلوب والأبدان ، وإن اللَّه تبارک وتعالی سائلنا عما نعمنا فی حلاله فکیف بما نعمنا فی حرامه ، یا أبا ذر إنی قد دعوت اللَّه جل ثناؤه أن یجعل رزق من یحبنی الکفاف وأن یعطی من یبغضنی کثرة المال والولد .

یا أبا ذر طوبی للزاهدین فی الدنیا الراغبین فی الآخرة الذین اتخذوا أرض اللَّه بساطا وترابها فراشا وماءها طیبا واتخذوا کتاب اللَّه شعارا ودعاءه دثارا ، یقرضون الدنیا قرضا ، یا أبا ذر حرث الآخرة العمل الصالح ، وحرث الدنیا المال والبنون ، یا أبا ذر إن ربی أخبرنی فقال: وعزتی وجلالی ما أدرک العابدون درک البکاء وإنی لأبنی لهم فی الرفیق الأعلی قصرا لا یشرکهم فیه أحد ، قال: قلت :

یا

رسول اللَّه أی المؤمنین أکیس قال: أکثرهم للموت ذکرا وأحسنهم له استعدادا ، یا أبا ذر إذا دخل النور القلب انفسح القلب واستوسع ، قلت: فما علامة ذلک بأبی أنت وأمی یا رسول اللَّه قال: الإنابة إلی دار الخلود

ص: 127

والتجافی عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله ، یا أبا ذر اتق اللَّه ولا تری الناس أنک تخشی اللَّه فیکرموک وقلبک فاجر ، یا أبا ذر لتکن لک فی کل شیء نیة صالحة حتی فی النوم والأکل .

یا أبا ذر لیعظم جلال اللَّه فی صدرک ، فلا تذکره کما یذکره الجاهل عند الکلب: اللهم اخزه وعند الخنزیر: اللهم اخزه ، یا أبا ذر إن لله ملائکة قیاما من خیفته ما رفعوا رؤسهم حتی ینفخ فی الصور النفخة الآخرة ، فیقولون جمیعا :

سبحانک وبحمدک ما عبدناک کما ینبغی لک أن تعبد ، ولو کان لرجل عمل سبعین نبیا لاستقل عمله من شدة ما یری یومئذ ، ولو أن دلوا صب من غسلین فی مطلع الشمس لغلت منه جماجم [ من ] فی مغربها ، ولو زفرت جهنم زفرة لم یبق ملک مقرب ولا نبی مرسل إلا خر جاثیا لرکبته یقول: رب نفسی حتی ینسی إبراهیم إسحاق علیهما السلام ویقول: یا رب أنا خلیلک إبراهیم فلا تنسنی ، یا أبا ذر لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت من السماء الدنیا فی لیلة ظلماء لأضاءت لها الأرض أفضل مما یضیء القمر لیلة البدر ، ولوجد ریح نشرها جمیع أهل الأرض ، ولو أن ثوبا من ثیاب أهل الجنة نشر الیوم فی الدنیا لصعق من ینظر إلیه وما حملته أبصارهم ، یا أبا ذر اخفض صوتک عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن .

یا

أبا ذر إذا تبعت جنازة فلیکن عقلک فیها التفکر والخشوع واعلم أنک لاحق به ، یا أبا ذر اعلم أن کل شیء إذا فسد فالملح دواؤه فإذا فسد الملح فلیس له دواء ، واعلم أن فیکم خلقین: الضحک من غیر عجب ، والکسل من غیر سهر ، یا أبا ذر رکعتان مقتصدتان فی تفکر خیر من قیام لیلة

ص: 128

والقلب ساه ، یا أبا ذر الحق ثقیل مریء والباطل خفیف وبی ورب شهوة ساعة تورث حزنا طویلا ، یا أبا ذر لا یفقه الرجل کل الفقه حتی یری الناس فی جنب اللَّه أمثال الأباعر ثم یرجع إلی نفسه فیکون هو أحقر حافر لها ، یا أبا ذر لا تصیب حقیقة الإیمان حتی تری الناس کلهم حمقی فی دینهم وعقلاء فی دنیاهم ، یا أبا ذر حاسب نفسک قبل أن تحاسب فهو أهون لحسابک غدا ، وزن نفسک قبل أن توزن ، وتجهز للعرض الأکبر یوم تعرض لا تخفی [ منک ] علی اللَّه خافیة .

یا أبا ذر استح من اللَّه فإنی والذی نفسی بیده لأظل حین أذهب إلی الغائط متقنعا بثوبی أستحی من الملکین الذین معی ، یا أبا ذر: أتحب أن تدخل الجنة قلت: نعم ، فداک أبی ، قال: فأقصر من الأمل ، واجعل الموت نصب عینیک ، واستح من اللَّه حق الحیاء ، قال: قلت: یا رسول اللَّه ، کلنا نستحی من اللَّه ، قال :

لیس کذلک الحیاء ولکن الحیاء من اللَّه أن لا تنسی المقابر والبلی ، والجوف وما وعی ، والرأس وما حوی ، ومن أراد کرامة الآخرة فلیدع زینة الدنیا ، فإذا کنت کذلک أصبت ولایة اللَّه ، یا أبا ذر یکفی من الدعاء مع البر ما یکفی الطعام من الملح ، یا أبا ذر مثل الذی یدعو بغیر عمل کمثل الذی یرمی بغیر وتر .

یا أبا ذر إن اللَّه یصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ویحفظه فی دویرته والدور حوله ما دام فیهم ، یا أبا ذر إن ربک عز وجل یباهی الملائکة بثلاث نفر :

ص: 129

رجل فی الأرض القفر فیؤذن ثم یقیم ثم یصلی ، فیقول: ربک للملائکة انظروا إلی عبدی یصلی ولا یراه أحد غیری ، فینزل سبعون ألف ملک یصلون وراءه ویستغفرون له إلی الغد من ذلک الیوم ، ورجل قام من اللیل فصلی وحده فسجد ونام وهو ساجد ، فیقول تعالی: انظروا إلی عبدی روحه عندی وجسده ساجد ، ورجل فی زحف یفر أصحابه وثبت هو یقاتل حتی یقتل ، یا أبا ذر ما من رجل یجعل جبهته فی بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها یوم القیامة وما من منزل ینزله قوم إلا وأصبح ذلک المنزل یصلی علیهم أو یلعنهم ، یا أبا ذر ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض ینادی بعضها بعضا یا جارة هل مر بک ذاکر لله تعالی أو عبد وضع جبهته علیک ساجدا لله فمن قائلة: لا ، ومن قائلة: نعم ، فإذا قالت: نعم اهتزت وانشرحت وتری أن لها الفضل علی جارتها .

یا أبا ذر إن اللَّه عز وجل ثناؤه لما خلق الأرض وخلق ما فیها من الشجر لم یکن فی الأرض شجرة یأتیها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة فلم تزل الأرض والشجر کذلک حتی تکلم فجرة بنی آدم بالکلمة العظیمة ، قولهم اتخذ اللَّه ولدا فلما قالوها اقشعرت الأرض وذهبت منفعة الأشجار ، یا أبا ذر إن الأرض لتبکی علی المؤمن إذا مات أربعین صباحا ، یا أبا ذر إذا کان العبد فی أرض قی_ یعنی قفر_ فتوضأ أو تیمم ثم أذن وأقام وصلی ، أمر اللَّه عز وجل الملائکة فصفوا خلفه صفا لا یری طرفاه ، یرکعون برکوعه ، ویسجدون بسجوده ، ویؤمنون علی دعائه ، یا أبا ذر من أقام ولم یؤذن لم یصل معه إلا ملکاه اللذان معه ، یا أبا ذر ما من شاب یدع لله الدنیا ولهوها وأهرم شبابه فی طاعة اللَّه إلا أعطاه اللَّه أجر اثنین وسبعین صدیقا .

ص: 130

یا أبا ذر الذاکر فی الغافلین کالمقاتل فی الفارین ، یا أبا ذر الجلیس الصالح خیر من الوحدة ، والوحدة خیر من جلیس السوء وإملاء الخیر خیر من السکوت ، والسکوت خیر من إملاء الشر ، یا أبا ذر لا تصاحب إلا مؤمنا ولا یأکل طعامک إلا تقی ، ولا تأکل طعام الفاسقین ، یا أبا ذر أطعم طعامک من تحبه فی اللَّه وکل طعام من یحبک فی اللَّه عز وجل ، یا أبا ذر إن اللَّه عز وجل عند لسان کل قائل ، فلیتق اللَّه امرؤ ولیعلم ما یقول ، یا أبا ذر اترک فضول الکلام وحسبک من الکلام ما تبلغ به حاجتک ، یا أبا ذر کفی بالمرء کذبا أن یحدث بکل ما یسمع ، یا أبا ذر ما من شیء أحق بطول السجن من اللسان .

یا أبا ذر إن من إجلال اللَّه إکرام ذی الشیبة المسلم ، وإکرام حملة القرآن العاملین به وإکرام السلطان المقسط ، یا أبا ذر ما عمل من لم یحفظ لسانه ، یا أبا ذر ولا تکن عیابا ولا مداحا ولا طعانا ولا مماریا ، یا أبا ذر لا یزال العبد یزداد من اللَّه تعالی بعدا ما مشی خلفه ، یا أبا ذر الکلمة الطیبة صدقة ، وکل خطوة تخطوها إلی الصلاة صدقة ، یا أبا ذر من أجاب داعی اللَّه وأحسن عمارة مساجد اللَّه کان ثوابه من اللَّه الجنة ، فقلت: بأبی أنت وأمی یا رسول اللَّه کیف یعمر مساجد اللَّه قال: لا یرفع فیها الأصوات ولا یخاض فیها بالباطل ولا یشتری فیها ولا یباع ، واترک اللغو ما دمت فیها ، فإن لم تفعل فلا تلومن یوم القیامة إلا نفسک ، یا أبا ذر إن اللَّه تعالی یعطیک ما دمت جالسا فی المسجد بکل نفس تتنفس فیه درجة فی الجنة ، وتصلی علیک الملائکة ، ویکتب لک بکل نفس تنفست فیه عشر حسنات ویمحی عنک عشر سیئات .

ص: 131

یا أبا ذر أتعلم فی أی شیء أنزلت هذه الآیة « اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ » قلت: لا أدری فداک أبی وأمی ، قال: فی انتظار الصلاة خلف الصلاة ، یا أبا ذر إسباغ الوضوء فی المکاره من الکفارات ، وکثرة الاختلاف إلی المساجد فذلکم الرباط ، یا أبا ذر یقول اللَّه تعالی: إن أحب العباد إلی المتحابون بجلالی المتعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرون بالأسحار ، أولئک إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذکرتهم فصرفت العقوبة عنهم ، یا أبا ذر کل جلوس فی المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصل ، أو ذکر اللَّه ، أو سائل عن علم .

یا أبا ذر کن بالعمل بالتقوی أشد اهتماما منک بالعمل ، فإنه لا یقل عمل بالتقوی وکیف یقل عمل یتقبل ، یقول اللَّه « إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ » . یا أبا ذر

لا یکون الرجل من المتقین حتی یحاسب نفسه أشد من محاسبة الشریک شریکه فیعلم من أین مطعمه ومن أین مشربه ومن أین ملبسه ، أمن حل ذلک أم من حرام ، یا أبا ذر من لم یبال من أین اکتسب المال لم یبال اللَّه عز وجل من أین أدخله النار ، یا أبا ذر من سره أن یکون أکرم الناس فلیتق اللَّه عز وجل ، یا أبا ذر إن أحبکم إلی اللَّه عز وجل ثناؤه أکثرکم ذکرا له ، وأکرمکم عند اللَّه عز وجل أتقاکم له ، وأنجاکم من عذاب اللَّه أشدکم له خوفا .

یا

أبا ذر إن المتقین الذین یتقون اللَّه عز وجل من الشیء الذی لا یتقی منه ، خوفا من الدخول فی الشبهة ، یا أبا ذر من أطاع اللَّه عز وجل فقد ذکر اللَّه عز وجل وإن قلت صلاته وصیامه وتلاوته للقرآن ، یا أبا ذر أصل الدین

ص: 132

الورع ورأسه الطاعة ، یا أبا ذر کن ورعا تکن أعبد الناس ، وخیر دینکم الورع ، یا أبا ذر فضل العلم خیر من فضل العبادة ، واعلم أنکم لو صلیتم حتی تکونوا کالحنایا وصمتم حتی تکونوا کالأوتار ما ینفعکم ذلک إلا بورع ، یا أبا ذر إن أهل الورع والزهد فی الدنیا هم أولیاء اللَّه تعالی حقا ، یا أبا ذر من لم یأت یوم القیامة بثلاث فقد خسر ، قلت: وما الثلاث ، فداک أبی وأمی قال: ورع یحجزه عما حرم اللَّه عز وجل علیه ، وحلم یرد به جهل السفیه ، وخلق یداری به الناس ، یا أبا ذر إن سرک أن تکون أقوی الناس فتوکل علی اللَّه وإن سرک أن تکون أکرم الناس فاتق اللَّه ، وإن سرک أن تکون أغنی الناس فکن بما فی ید اللَّه عز وجل أوثق منک بما فی یدک ، یا أبا ذر لو أن الناس کلهم أخذوا بهذه الآیة لکفتهم { وَمَنْ یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لا یَحْتَسِبُ وَمَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ } .

یا

أبا ذر یقول اللَّه جل ثناؤه وعزتی وجلالی لا یؤثر عبدی هوای علی هواه إلا جعلت غناه فی نفسه وهمومه فی آخرته وضمنت السماوات والأرض رزقه وکففت علیه ضیقه وکنت له من وراء تجارة کل تاجر ، یا أبا ذر لو أن ابن آدم فر من رزقه کما یفر من الموت لأدرکه رزقه کما یدرکه الموت ، یا أبا ذر ألا أعلمک کلمات ینفعک اللَّه عز وجل بهن قلت: بلی یا رسول اللَّه ، قال: احفظ اللَّه یحفظک ، احفظ اللَّه تجده أمامک ، تعرف إلی اللَّه فی الرخاء یعرفک فی الشدة ، وإذا سألت فاسأل اللَّه ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، فقد جری القلم بما هو کائن إلی یوم القیامة ، فلو أن الخلق کلهم جهدوا أن ینفعوک بشیء لم یکتب لک ما قدروا علیه ، ولو جهدوا أن

ص: 133

یضروک بشیء لم یکتبه اللَّه علیک ما قدروا علیه ، فإن استطعت أن تعمل لله عز وجل بالرضا فی الیقین فافعل ، وإن لم تستطع فإن فی الصبر علی ما یکره خیرا کثیرا وإن النصر مع الصبر ، والفرج مع الکرب ، و « إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً » .

یا أبا ذر استغن بغنی اللَّه یغنیک اللَّه ، فقلت: وما هو یا رسول اللَّه قال: غذاء یوم وعشاء لیلة ، فمن قنع بما رزقه اللَّه فهو أغنی الناس ، یا أبا ذر إن اللَّه عز وجل یقول: إنی لست کلام الحکیم أتقبل ولکن همه وهواه ، فإن کان همه وهواه فیما أحب وأرضی جعلت صمته حمدا لی [ وذکرا ] ووقارا وإن لم یتکلم ، یا أبا ذر إن اللَّه تبارک وتعالی لا ینظر إلی صورکم ولا إلی أموالکم [ وأقوالکم ] ولکن ینظر إلی قلوبکم وأعمالکم ، یا أبا ذر التقوی هاهنا وأشار إلی صدره ، یا أبا ذر أربع لا یصیبهن إلا مؤمن: الصمت وهو أول العبادة ، والتواضع لله سبحانه ، وذکر اللَّه تعالی علی کل حال وقلة الشیء یعنی قلة المال ، یا أبا ذر هم بالحسنة وإن لم تعملها لکیلا تکتب من الغافلین ، یا أبا ذر من ملک ما بین فخذیه وما بین لحییه دخل الجنة ، قلت: یا رسول اللَّه وإنا لنؤاخذ بما تنطق به ألسنتنا قال: یا أبا ذر وهل یکب الناس علی مناخرهم فی النار إلا حصائد ألسنتهم ، إنک لا تزال سالما ما سکت فإذا تکلمت کتب اللَّه لک أو علیک ، یا أبا ذر وإن الرجل یتکلم بالکلمة فی المجلس لیضحکهم بها فیهوی فی جهنم ما بین السماء والأرض .

یا أبا ذر ویل للذی یحدث فیکذب لیضحک به القوم ویل له ویل له ویل له ، یا أبا ذر من صمت نجا فعلیک بالصدق ولا تخرجن من فیک کذبة أبدا ، قلت :

ص: 134

یا رسول اللَّه فما توبة الرجل الذی یکذب متعمدا قال: الاستغفار وصلاة الخمس تغسل ذلک ، یا أبا ذر إیاک والغیبة ، فإن الغیبة أشد من الزنا ، قلت :

یا رسول اللَّه ولم ذاک بأبی أنت وأمی قال: لأن الرجل یزنی فیتوب إلی اللَّه فیتوب اللَّه علیه والغیبة لا تغفر حتی یغفرها صاحبها ، یا أبا ذر سباب المسلم فسوق ، وقتاله کفر ، وأکل لحمه من معاصی اللَّه وحرمة ماله کحرمة دمه ، قلت :

یا رسول اللَّه وما الغیبة قال: ذکرک أخاک بما یکره ، قلت: یا رسول اللَّه فإن کان فیه ذاک الذی یذکر به قال: اعلم أنک إذا ذکرته بما هو فیه فقد اغتبته وإذا ذکرته بما لیس هو فیه بهته .

یا أبا ذر من ذب عن أخیه المسلم الغیبة کان حقا علی اللَّه أن یعتقه من النار ، یا أبا ذر من اغتیب عنده أخوه المسلم وهو یستطیع نصره فنصره نصره اللَّه عز وجل فی الدنیا والآخرة ، فإن خذله وهو یستطیع نصره خذله اللَّه فی الدنیا والآخرة ، یا أبا ذر لا یدخل الجنة قتات ، قلت: وما القتات قال: النمام ، یا أبا ذر صاحب النمیمة لا یستریح من عذاب اللَّه عز وجل فی الآخرة ، یا أبا ذر من کان ذا وجهین ولسانین فی الدنیا فهو ذو لسانین فی النار ، یا أبا ذر المجالس بالأمانة وإفشاء سر أخیک خیانة فاجتنب ذلک واجتنب مجلس العشرة ، یا أبا ذر تعرض أعمال أهل الدنیا علی اللَّه من الجمعة إلی الجمعة فی یومین الاثنین والخمیس فیغفر کل عبد مؤمن إلا عبدا کانت بینه وبین أخیه شحناء ، فیقال :

اترکوا

عمل هذین حتی یصطلحا ، یا أبا ذر إیاک وهجران أخیک ، فإن العمل لا یتقبل مع الهجران ، یا أبا ذر أنهاک عن الهجران ، وإن کنت لا بد

ص: 135

فاعلا فلا تهجره [ فوق ] ثلاثة أیام کملا ، فمن مات فیها مهاجرا لأخیه کانت النار أولی به .

یا أبا ذر من أحب أن یتمثل له الرجال قیاما فلیتبوأ مقعده من النار ، یا أبا ذر من مات وفی قلبه مثقال ذرة من کبر لم یجد رائحة الجنة إلا أن یتوب قبل ذلک ، فقال رجل: یا رسول اللَّه إنی لیعجبنی الجمال حتی وددت أن علاقة سوطی وقبال نعلی حسن فهل یرهب علی ذلک قال: کیف تجد قلبک قال: أجده عارفا للحق مطمئنا إلیه ، قال: لیس ذلک بالکبر ولکن الکبر أن تترک الحق وتتجاوزه إلی غیره ، وتنظر إلی الناس فلا تری إن أحدا عرضه کعرضک ولا دمه کدمک ، یا أبا ذر أکثر من یدخل النار المستکبرون ، فقال رجل: فهل ینجو من الکبر أحد یا رسول اللَّه قال: نعم ، من لبس الصوف ورکب الحمار وحلب العنز وجالس المساکین .

یا أبا ذر من حمل بضاعته فقد بریء من الکبر یعنی ما یشتری من السوق ، یا أبا ذر من جر ثوبه خیلاء لا ینظر اللَّه عز وجل إلیه یوم القیامة .

یا أبا ذر أزره المؤمن إلی أنصاف ساقیه ولا جناح علیه فیما بینه وبین کعبیه ، یا أبا ذر من رفع ذیله وخصف نعله وعفر وجهه فقد بریء من الکبر ، یا أبا ذر من کان له قمیصان فلیلبس أحدهما ولیکس فی الآخر أخاه ، یا أبا ذر سیکون ناس من أمتی یولدون فی النعیم ویغذون به ، همتهم ألوان الطعام والشراب ویمدحون بالقول أولئک شرار أمتی ، یا أبا ذر من ترک لبس الجمال وهو یقدر

علیه

تواضعا لله عز وجل فی غیر منقصة وأذل نفسه فی غیر مسکنة وأنفق مالا جمعه فی غیر معصیة ، ورحم أهل الذل والمسکنة وخالط أهل الفقه

ص: 136

والحکمة ، فأولئک خیار أمتی ، طوبی لمن صلحت سریرته وحسنت علانیته وعزل عن الناس شره ، طوبی لمن عمل بعلمه وأنفق الفضل من ماله وأمسک الفضل من قوله .

یا أبا ذر البس الخشن من اللباس والصفیق من الثیاب لئلا یجد الفخر فیک مسلکا ، یا أبا ذر یکون فی آخر الزمان قوم یلبسون الصوف فی صیفهم وشتائهم ، یرون أن لهم الفضل بذلک علی غیرهم أولئک تلعنهم ملائکة السماوات والأرض ، یا أبا ذر ألا أخبرک بأهل الجنة قلت: بلی یا رسول اللَّه ، قال: کل أشعث أغبر ذی طمرین لا یؤبه به لو أقسم علی اللَّه لأبره .

وقال أبو ذر رحمه اللَّه: ودخلت یوما علی رسول اللَّه صلی الله علیه و آله وهو فی المسجد جالس وحده فاغتنمت خلوته ، فقال: یا أبا ذر إن للمسجد تحیة ، قلت: وما تحیته یا رسول اللَّه قال: رکعتان ترکعهما ، ثم التفت إلیه فقلت :

یا رسول اللَّه أمرتنی بالصلاة ، فما الصلاة قال: خیر موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أکثر ، قلت: یا رسول اللَّه أی الأعمال أحب إلی اللَّه تعالی قال: الإیمان بالله ، ثم الجهاد فی سبیله ، قلت: یا رسول اللَّه أی المؤمنین أکمل إیمانا قال: أحسنهم خلقا ، قلت: وأی المؤمنین أفضل قال: من سلم المسلمون من لسانه ویده ، قلت: وأی الهجرة أفضل قال: من هجر السوء ، قلت: وأی اللیل أفضل قال: جوف اللیل الغابر ، قلت: وأی الصلاة أفضل قال: طول القنوت .

قلت: فأی الصدقة أفضل قال: جهد [ من ] مقل إلی فقر فی سر ، قلت: فما الصوم ؟ قال: فرض مجزی وعند اللَّه أضعاف ذلک ، قلت: وأی الزکاة أفضل ؟

ص: 137

قال: أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ، قلت: وأی الجهاد أفضل قال: من عقر جواده وأهریق دمه ، قلت: أی آیة أنزلها اللَّه علیک أعظم قال: آیة الکرسی ، قال: قلت: یا رسول اللَّه فما کانت صحف إبراهیم علیه السلام قال: کانت أمثالا ، کلها: أیها الملک المسلط المبتلی إنی لم أبعثک لتجمع الدنیا بعضها علی بعض ولکنی بعثتک لترد عنی دعوة المظلوم ، فإنی لا أردها وإن کانت من کافر أو فاجر فجوره علی نفسه ، وکان فیها أمثال: وعلی العاقل ما لم یکن مغلوبا علی عقله أن یکون له ثلاث ساعات: ساعة یناجی فیها ربه ، وساعة یفکر فیها فی صنع اللَّه ، وساعة یحاسب فیها نفسه فیما قدم وأخر ، وساعة یخلو فیها لحاجته من الحلال من المطعم والمشرب ، وعلی العاقل أن لا یکون ظاعنا ((1)) إلا فی ثلاث :

تزود لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة فی غیر محرم ، وعلی العاقل أن یکون بصیرا بزمانه ، مقبلا علی شأنه ، حافظا للسانه ، ومن حسب کلامه من عمله قل کلامه إلا فیما یعنیه .

قلت:

یا رسول اللَّه فما کانت صحف موسی علیه السلام قال: کانت عبرا کلها: عجب لمن أیقن بالنار ثم ضحک ، عجب لمن أیقن بالموت ثم یفرح ، عجب لمن أبصر الدنیا وتقلبها بأهلها حالا بعد حال ثم هو یطمئن إلیها ، عجب لمن أیقن بالحساب غدا ثم لم یعمل ، قلت: یا رسول اللَّه فهل فی الدنیا شیء مما کان فی صحف إبراهیم وموسی مما أنزل اللَّه علیک ، قال:

ص: 138

اقرأ یا أبا ذر « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَکَّی * وَذَکَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّی * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَیاةَ الدُّنْیا * وَالآخِرَةُ خَیْرٌ وَأَبْقی » .

یعنی ذکر هذه الآیات الأربع_ « لَفِی الصُّحُفِ الأُولی * صُحُفِ إِبْراهِیمَ وَمُوسی » ، قلت: یا رسول اللَّه أوصنی ، قال: أوصیک بتقوی اللَّه فإنه رأس أمرک کله ، فقلت: یا رسول اللَّه زدنی ، قال: علیک بتلاوة القرآن وذکر اللَّه عز وجل ، فإنه ذکر لک فی السماء ونور لک فی الأرض ، قلت: یا رسول اللَّه زدنی ، قال: علیک بالجهاد فإنه رهبانیة أمتی ، قلت: یا رسول اللَّه زدنی ، قال :

علیک بالصمت إلا من خیر ، فإنه مطردة للشیطان عنک وعون لک علی أمور دینک .

قلت:

یا رسول اللَّه زدنی ، قال: إیاک وکثرة الضحک ، فإنه یمیت القلب ویذهب بنور الوجه ، قلت: یا رسول اللَّه زدنی ، قال: انظر إلی من هو تحتک ولا تنظر إلی من هو فوقک ، فإنه أجدر ألا تزدری نعمة اللَّه علیک ، قلت: یا رسول اللَّه زدنی ، قال: صل قرابتک وإن قطعوک ، وأحب المساکین وأکثر مجالستهم ، قلت: یا رسول اللَّه زدنی ، قال: قل الحق وإن کان مرا ، قلت: یا رسول اللَّه زدنی ، قال: لا تخف فی اللَّه لومة لائم ، قلت: یا رسول اللَّه زدنی ، قال: یا أبا ذر لیردک عن الناس ما تعرف من نفسک ولا تجد علیهم فیما تأتی ، فکفی بالرجل عیبا أن یعرف من الناس ما یجهل من نفسه ویجد

ص: 139

علیهم فیما یأتی ، قال: ثم ضرب علی صدری وقال: یا أبا ذر لا عقل کالتدبیر ، ولا ورع کالکف عن المحارم ، ولا حسب کحسن الخلق ((1)) .

{ إنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِالذِّکْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإنَّهُ لَکِتَابٌ عَزِیزٌ41 لا یَأتِیهِ البَاطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِیلٌ مِنْ حَکِیم حَمِید42 } _ سورة فصلت .

وقال تعالی: ( إنا نحن نزلنا الذکر وإنا له لحافظون ) ((2)) .

وقال تعالی :( ألم * ذَلِکَ الْکِتَابُ لاَ رَیْبَ فِیهِ هُدیً لِلْمُتَّقِینَ )

وقال تعالی: ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنسُ وَالْجِنُّ عَلَی أَن یَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لاَ یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ کَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِیراً )_الاسراء

88 .

{ إنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِالذِّکْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ }:

والتقدیر: إن الذین کفروا بالذکر مبتدأ, الخبر ، معذبون . فحذف الخبر.

ویجوز أن یکون الخبر ( أولئک ینادون من مکان بعید ) .

کفروا بالذکر: کفروا بالقرآن العظیم الصحیح ولا کتاب صحیح سواه .

لکن البعض خالفوا القرآن بتسمیتهم کتاب سنن البخاری ومسلم وباقی کتب الستة بالکتب الصحیحة .

وهی ملیئة بالروایات المتناقضة المتعارضة لبعضها البعض وأکثر روایاتها من الفاسقین الکاذبین المحاربین لاهل البیت .

ص: 140

صرح ابن خلکان ان عکرمة کان یری رأی الخوارج وصاحب الملل الشهرستانی لما عدد الخوارج ابتدأ بعکرمة مولی عبد الله بن عباس((1)) ، وعمران بن حطان الشاعر((2)).

قال ابن حجر فی فتح الباری : (إنه یری رأی الخوارج ، وکان عمران داعیة إلی مذهبه ، وهو الذی رثی عبد الرحمن بن ملجم المرادی لعنه الله قاتل الامام علی علیه السلام بتلک الابیات ، وقد وثقه العجلی) ((3)) .

وقال السمعانی فی الانساب : (إنه کان مفتی الخوارج) . وقال عبد الحق الدهلوی فی رجال مشکاة المصابیح فی ترجمته :

کان من الخوارج ومدح ابن ملجم لعنه الله وروی عن عمرو ، وأبی موسی ، وأبی ذر رضی الله عنه . وروی عن البخاری وأبو داود ، والنسائی ، وهو القائل فی مدح ابن ملجم یا ضربة من تقی ما أراد بها إلا لیبلغ من ذی العرش رضوانا إنی لاذکره یوما وأحسبه أوفی البریة عند الله میزاناً .

ومنهم :

نجدة الحروری الذی ینقل عنه البخاری فی کتاب الجهاد . قال الجزری فی جامع الاصول : (حروراء قریة فی ظهر الکوفة کان أول اجتماع الخوارج فیها ، وکان رئیس الخوارج فیها نجدة الحروری) .

ص: 141

ومنهم : جریر بن عثمان الحمصی المعروف بالنصب ، والعداوة ، والسب لعلی أمیر المؤمنین علیه السلام ((1)) .

القائل لا أحب علیا ، قتل آبائی فی صفین ، وهو القائل : لنا إمامنا - یعنی معاویة لعنه الله - ولکم إمامکم - یعنی أمیر المؤمنین علیه السلام .

ومنهم سمرة بن جندب قال فی رجال المشکاة . (کان حروریا خارجیا) .

{ مَا یُقَالُ لَکَ إلا مَا قَدْ قِیلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِکَ إنَّ رَبَّکَ لَذُو مَغْفِرَة وَذُو عِقَاب ألِیم } 43 _ سورة فصلت .

فی تکذیبهم للنبی صلی الله علیه و آله وللانبیاء بشتی السبل وتزییف کتبهم السماویة .

ثم قال عز وجل: { سنَّة من قد أرسلنا قبلک من رسلنا }_الاسراء 77 .

من عادة الکافرین والمنافقین الاعتماد علی منهجیتهم فی أذی الانبیاء فیقولون عن النبی انه مجنون وکاهن وشاعر وانه أذن وانه ساحر وانه مسحور وانه یهجر وهذه عادتهم فی تشویه سمعتهم وطمس سیرتهم وتضعیف دینهم وافساد رسالتهم .

وان الله تعالی سوف یغفر للتائبین ویعاقب المجرمین العاصین .

{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِیّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آیَاتُهُ أأعْجَمِیٌّ وَعَرَبِیٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدیً وَشِفَاءٌ وَالَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ فِی آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَیْهِمْ عَمیً اُوْلَئِکَ یُنَادَوْنَ مِنْ مَکَان بَعِید44 _ سورة فصلت .

ص: 142

قال لو کان هذا القرآن أعجمیا لقالوا لولا انزل بالعربیة . قل یا محمد صلی الله علیه و آله هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدیً: من الضلال والفتن .

قوله: " لولا فصلت آیاته أعجمی وعربی " قال: لو کان هذا القرآن أعجمیا لقالوا: کیف نتعلمه ولساننا عربی وأتیتنا بقرآن أعجمی ؟ فأحب الله أن ینزل بلسانهم ((1)) .

وفی سورة الزخرف 43_ آیة 3 : انا جعلناه قرانا عربیا لعلکم تعقلون .

وشفاء: اذ جاء فی القرآن: قُلْ هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدیً وَشِفَاءٌ_فصلت 44 .

لذا یتشافی الکثیر من المؤمنین ویتعافوا بالقرآن .

قال تعالی: { یَا أیُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْکُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِی الصُّدُورِ وَهُدیً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ } 57_یونس

.

{ وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ وَلا یَزِیدُ الظَّالِمِینَ إلا خَسَاراً 82 } _الاسراء .

وجعل الله تعالی الشفاء فی سورة الفاتحة فیقرأها المؤمنون علی مرضاهم فیتشافوا بامر الله تعالی .

وقال الامام علی الرضا علیه السلام عوذة للامراض کلها: قل علی جمیع العلل:

یا منزل الشفاء ومذهب الداء انزل علی وجعی الشفاء فإنک تعافی بإذن الله عز وجل .

ص: 143

{ وَالَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ فِی آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَیْهِمْ عَمیً اُوْلَئِکَ یُنَادَوْنَ مِنْ مَکَان بَعِید }: فی آذانهم صمم وثقل عن القرآن المجید .

{وَهُوَ عَلَیْهِمْ عَمیً }: وتعامیهم عما یریهم من الآیات فلا یستفیدون من نوره وهدایته للعباد مثل من ینادی من مکان بعید فلا یسمع ولا یستفید من النداء .

{ اُوْلَئِکَ یُنَادَوْنَ مِنْ مَکَان بَعِید } 44: ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، فیمسک الجواب عنهم أحیانا ثم قیل لهم: اخسؤوا فیها ولا تکلمون ، ونادوا: یا مالک لیقض علینا ربک ، قال: إنکم ماکثون .

{ وَلَقَدْ آتَیْنَا مُوسَی الکِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِیهِ وَلَوْلا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ وَإنَّهُمْ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ مُرِیب} 45 _ سورة فصلت

المفسر القمی: ای کان ذلک فی علم الله السابق ان یختلفوا ویبعث فیهم الأنبیاء والأئمة من بعد الأنبیاء ولولا ذلک لهلکوا عند اختلافهم .

الطبرسی: لولا خبر الله السابق بأنه یؤخر الجزاء إلی یوم القیامة ، لما علم فی ذلک من المصلحة ( لقضی بینهم ) أی: لعجل الثواب والعقاب لأهله .

وقیل: معناه لفصل الأمر علی التمام بین المؤمنین والکافرین بنجاة هؤلاء ، وهلاک أولئک .

وقد اختلفت الامم بعد الانبیاء بسبب منع تدوین الکتب السماویة واحادیث الانبیاء وقد کان عمر یمنع نشر الحدیث النبوی وتفسیر القرآن :

عن قرظة بن کعب قال : خرجنا نرید العراق ، فمشی معنا عمر بن الخطاب إلی صرار ، فتوضَّأ ثمَّ قال: أتدرون لِمَ مشیت معکم ؟

ص: 144

قالوا: نعم نحن أصحاب رسول الله مشیت معنا .

قال: إنَّکم تأتون أهل قریة لهم دوی بالقرآن کدوی النحل ، فلا تصدّوهم بالأحادیث ، جرِّدوا القرآن وأقلُّوا الروایة عن رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) إمضوا وأنا شریککم .فلمَّا قدم قرظة قالوا: حدِّثنا ، قال: نهانا عمر بن الخطاب) ((1)) .

وهذا العمل هو الذی تسبب فی اختلاف التفسیر وضیاع الحدیث الشریف وانتشار الحدیث الکاذب بعد ذلک وصراع المسلمین وانقسامهم الی مذاهب وفرق متناحرة .

وقد تعهد تعالی بأن یؤخر الحساب الی الاخرة وهی کلمة سابقة له تعالی یسیر علیها رغم مرور هذه القرون الزمنیة الکثیرة , الا ما شاء الله .

{ وَإنَّهُمْ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ مُرِیب }: یشکک الکفار فی رسالة موسی علیه السلام أشد التشکیک وهو الریب .

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أسَاءَ فَعَلَیْهَا وَمَا رَبُّکَ بِظَلام لِلْعَبِیدِ } 46 _ سورة فصلت .

لان فاعل الحسنات یحصل علی الثواب وفاعل السیئات یحصل علی العقاب .

ص: 145

وقال تعالی: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَکَر أَوْ أُنثَی وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ یُرْزَقُونَ فِیهَا بغَیْرِ حِسَاب ) ((1)) .

:( یَوْمَئِذ یَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِیُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَیْراً یَرَهُ وَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً یَرَهُ ) زلزلة: 6_ 8 .

وقال تعالی: ( وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَیْر فَلأنفُسِکُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَیْر یُوَفَّ

إِلَیْکُمْ ) ((2)) .

: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعلیها ثم إلی ربکم ترجعون }_الجاثیة 15 .

والصدقة تنفع فی الدنیا والاخرة فالصدقة تدفع مصارع السوء وتنزل الرزق وتدفع الداء والدبیلة والحرق والغرق والهدمة والجنون إلی أن عدّ سبعین نوعاً من السوء .

عن ابن عباس فی قوله: ( من عمل صالحا فلنفسه ) یرید المؤمنین ( ومن أساء فعلیها ) یرید المنافقین والمشرکین ( ثم إلی ربکم ترجعون ) یرید إلیه تصیرون .

{ إلَیْهِ یُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَات مِنْ أکْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ اُنثَی وَلا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ وَیَوْمَ یُنَادِیهِمْ أیْنَ شُرَکَائِی قَالُوا آذَنَّاکَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِید } 47 _ سورة فصلت .

ص: 146

أی علم وقوع الساعة لا یعلمه الا هو .

الأکْمَامُ جَمْعُ کِم بکَسْرِ الکافِ وهو وعَاءُ الثَّمَرةِ .

وهو یعلم ما فی الارحام من ذکر او أنثی وزمان وضعها .

وعلم الساعة بید الله تعالی وکذلک علم خروج الثمر من الاشجار وخروج النبات من البذور وولادة الاولاد من الارحام لا یعلم هذا الا الله تعالی .

(وَمَا تَحْمِلُ مِنْ اُنْثَی وَلا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ } _فاطر 11 .

{ وَیَوْمَ یُنَادِیهِمْ أیْنَ شُرَکَائِی قَالُوا آذَنَّاکَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِید } 47 .

أی یقولون: أعلمناک ما منا شاهد بأن لک شریکا ، یتبرؤون من أقوالهم بأن یکون مع الله شریک " بعدما ظنوا " أی أیقنوا " مالهم من محیص " إی من مکان یهربون الیه .

آذَنَّاکَ: أعلمناک .

{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِیص } 48 _ سورة فصلت .

وقال علی بن إبراهیم فی قوله ( ویوم ینادیهم أین شرکائی ) یعنی ما کانوا یعبدون من دون الله ( قالوا آذناک ) ای أعلمناک ( ما منا من شهید وضل عنهم ما کانوا یدعون من قبل_ إلی قوله_ وظنوا ما لهم من محیص ) أی علموا انه لا محیص لهم ولا ملجأ ولا مفر ((1)) .

ص: 147

بعدما تبخرت آمالهم فی الاصنام وفشلت اطروحتهم فی ادعاء شرکاء لله تعالی وجدوا أن لا مفر لهم یفرون الیه .

{ لا یَسْأمُ الإنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الخَیْرِ وَإنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَیَؤُوسٌ قَنُوطٌ } 49 _ سورة فصلت .

{ لا یَسْأمُ الإنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الخَیْرِ}: أی لا یمل ولا یعیی من دعاء الخیر لنفسه بل یستمر علیه .

ویستحب للداعی عزیمة المسألة لقول النبی صلی الله علیه و آله لا یقل أحدکم اللهم اغفر لی إن شئت ، اللهم ارحمنی إن شئت ، ولیعزم المسألة فإنه لا یکره له ، وإذا استجاب الله دعاء الداعی فلیقل: الحمد لله الذی بعزته تتم الصالحات ، وإذا أبطأ علیه الإجابة فلیقل: الحمد لله علی کل حال ، ویکره للداعی استبطاء الإجابة ولیکن مواظبا علی الدعاء والمسألة ، لا یسأم الانسان منهما، لقول النبی صلی الله علیه و آله یستجاب للعبد ما لم یعجل ، یقول قد دعوت فلم یستجب لی ((1)) .

( وإن مسه الشر فیؤس قنوط ) أی یائس من روح الله وفرجه .

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : تقدموا بالدعاء قبل نزول البلاء((2)) .

أمالی الصدوق: أبی ، عن سعد ، عن الخشاب ، عن غیاث بن کلوب ، عن إسحاق عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق ، عن آبائه علیهم السلام أن

ص: 148

علیا علیه السلام کان یقول: مامن أحد ابتلی وإن عظمت بلواه بأحق بالدعاء من المعافی الذی لا یأمن البلاء ((1)) .

{ وَلَئِنْ أذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَیَقُولَنَّ هَذَا لِی وَمَا أظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إلَی رَبِّی إنَّ لِی عِنْدَهُ لَلْحُسْنَی فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِیقَنَّهُمْ مِنْ عَذَاب غَلِیظ } 50_ سورة فصلت .

{ َلَئِنْ أذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَیَقُولَنَّ هَذَا لِی } :

لایشکرون الله تعالی علی رحمته وعافیته .

ویعتقد الکافر الظالم ان ما حصل علیه فی الدنیا هو مما کان یستحقه ولا فضل لله تعالی علیه وهو یملک الحجج التی تدفع العقوبات عنه وهو یفجر ویکفر ویظلم .

ویعتقد بأن الله تعالی سوف لا یلتفت لما فعل فی الدنیا فهو غفور رحیم .

{ وَمَا أظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إلَی رَبِّی إنَّ لِی عِنْدَهُ لَلْحُسْنَی } .

یکفر هؤلاء الکفار بالاخرة ولا یعتقدون بها ویقولون بأنها لو وقعت فمنزلتهم فیها الجنة: { وَلَئِنْ رُجِعْتُ إلَی رَبِّی إنَّ لِی عِنْدَهُ لَلْحُسْنَی } .

فهم یریدون احسانا فی الدنیا والاخرة دون مقابل فعلوه نحو الله تعالی ونحو الناس فهم لم یؤمنوا بالله ولم یعبدوه ولم یحسنوا للبشر .

ص: 149

ثم هدد سبحانه من هذه صفته بأن قال: ( فلننبأن الذین کفروا بما عملوا ) أی: لنقفنهم یوم القیامة علی کفرهم ومساوئ أعمالهم ، عن ابن عباس

( ولنذیقنهم من عذاب غلیظ ) أی شدید متراکم .

ان موسی علیه السلام ناجاه الله تبارک وتعالی ، فقال فی مناجاته له یا موسی لا یطول فی الدنیا أملک فیقس لذلک قلبک ، وقاسی القلب منی بعید یا موسی کن کمسرتی فیک ، فان مسرتی أن أطاع فلا أعصی ، وأمت قلبک بالخشیة وکن خلق الثیاب جدید القلب تخفی علی أهل الأرض ، وتعرف فی أهل السماء حلس البیوت مصباح اللیل ، واقنت بین یدی قنوت الصابرین وصح إلی من کثرة الذنوب صیاح الهارب من عدوه ، واستعن بی علی ذلک فانی نعم العون ونعم المستعان .

یا موسی انی أنا الله فوق العباد والعباد دونی وکل لی داخرون ، فاتهم نفسک علی نفسک ، ولا تأتمن ولدک علی دینک إلا أن یکون ولدک مثلک یحب الصالحین .

یا موسی اغسل واغتسل واقترب من عبادی الصالحین .

یا موسی کن إمامهم فی صلاتهم وإمامهم فیما یتشاجرون ، واحکم بینهم بما أنزلت علیک ، فقد أنزلته حکما وبرهانا نیر ونورا ینطق بما فی الأولین وبما هو کائن فی الآخرین .

أوصیک یا موسی وصیة الشفیق المشفق بابن البتول عیسی بن مریم صاحب الأتان والبرنس والزیت والزیتون والمحراب ، ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطیب الطاهر المطهر فمثله فی کتابک أنه مهیمن علی الکتب کلها ، وأنه راکع ساجد راغب راهب ، إخوانه المساکین وأنصاره قوم آخرون ،

ص: 150

ویکون فی زمانه أزل وزلزال وقتل وقتال وقلة من المال ، أسمه أحمد محمد الأمین من الباقین من ثلة الأولین الماضین یؤمن بالکتب کلها ویصدق بجمیع المرسلین ویشهد بالاخلاص لجمیع النبیین ، أمته مرحومة مبارکة ما بقوا من الدین علی حقائقه ، لهم ساعات موقتات یؤدون فیها الصلوات أداء العبد إلی سیدة نافلته ، فبه فصدق ومنهاجه فاتبع فإنه

أخوک ((1)) .

{ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِیقَنَّهُمْ مِنْ عَذَاب

غَلِیظ } 50 _ سورة فصلت .

وجاءهم الجواب الالهی القاطع بانه سوف یخبر الکافرین بما عملوا فی الارض وسیعاقبهم عذابا غلیظاً .

انهم کانوا ینفقون أموالهم رئاء الناس ، وطلبا للافتخار والاستکبار ویظلمون المستضعفین ویحرمون الفقراء ویغشون الناس ویخونون البلاد ویسرفون فی الارض . واللام هذه والتی قبلها هی الموطئة للقسم .

{ وَإذَا أنْعَمْنَا عَلَی الإنْسَانِ أعْرَضَ وَنَأی بِجَانِبِهِ وَإذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِیض } 51 _ سورة فصلت .

: ( وإذا أنعمنا علی الانسان أعرض وناء بجانبه ) أی یتبختر ویتعظم ویستحقر من هو دونه ( وإذا مسه الشر ) أی الفقر والمرض والسجن والشدة ( فذو دعاء عریض ) أی یکثر الدعاء .

ص: 151

اذا نزلت النعمة علی الانسان نسی الله سبحانه وغاص فی ملذات الدنیا واذا أصابته مصیبة یشرع فی الدعاء .

الخصال: ابن الولید ، عن الصفار عن القاشانی عن الأصبهانی ، عن المنقری عن سفیان بن نجیح ، عن الامام الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام قال: قال سلیمان بن داود علیه السلام :

أوتینا ما أوتی الناس وما لم یؤتوا، وعلمنا ما علم الناس وما لم یعلموا ، فلم نجد شیئا أفضل من خشیة الله فی المغیب والمشهد ، والقصد فی الغنی والفقر ، وکلمة الحق فی الرضا والغضب ، والتضرع إلی الله عز وجل علی کل حال ((1)) .

قصص الأنبیاء: بالاسناد إلی الصدوق باسناده إلی ابن أورمة ، عن الحسن بن علی رفعه قال: أوحی الله تعالی إلی داود صلوات الله علیه: اذکرنی فی أیام سرائک حتی أستجیب لک فی أیام ضرائک ((2)) .

مکارم الأخلاق: هشام بن سالم قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : تعرفون طول البلاء من قصره ؟

قلت: لا قال: إذا الهم أحدکم الدعاء عند البلاء فاعلموا أن البلاء قصیر .

وقال علیه السلام : أوحی الله تبارک وتعالی إلی داود علیه السلام : اذکرنی فی سرائک أستجب لک فی ضرائک .

ص: 152

وقال علیه السلام : من تخوف بلاء یصیبه فتقدم فیه بالدعاء لم یره الله عز وجل ذلک البلاء أبدا ((1)) .

{ قُلْ أرَأیْتُمْ إنْ کَانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ثُمَّ کَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِی شِقَاق بَعِید }52 _ سورة فصلت .

( قل ) یا محمد صلی الله علیه و آله ( أرأیتم إن کان ) القرآن أو هذه النعم (من عند الله ) ( ثم کفرتم به ) وجحدتموه ( من أضل ممن هو فی شقاق بعید ) معاد ومنکر للقرآن المجید وجاحد للنعمة الالهیة .

علیه فلا أحد أضل منکم .

: (أی فی مشاقة الله بخلافه له بعید عن طاعته .

والشقاق المیل إلی شق العداوة لا لأجل الحق بل لاجل الباطل واحیاء أمره .

وقیل: الشقاق فراق الحق إلی العداوة وأهله .

{ سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الآفَاقِ وَفِی أنْفُسِهِمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الحَقُّ أوَ لَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ أنَّهُ عَلَی کُلِّ شَیْء شَهِیدٌ53} _ سورة فصلت .

سنریهم حججنا ودلائلنا علی التوحید فی کل شیء فی أهل البیت العظام علیهم السلام وفی الکواکب وفی الشمس والقمر والأشجار والنباتات والجبال والمحیطات وفی کل زوج خلقه تعالی .

ص: 153

رأس الحسین یقرأ القرآن :

ومن الایات النادرة نطق راس الامام الحسین علیه السلام وهو مرفوع علی الرمح وهو یدار فی ازقة الکوفه عندما اخذت الرؤوس الی عبید الله بن زیاد علیه اللعنة ،

الآیة 9 من سورة الکهف :{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْکَهْفِ وَالرَّقِیمِ کَانُوا مِنْ آیَاتِنَا عَجَبًا} .

وفی کتاب مناقب امیر المومنین ( علیه السلام )عن محمد بن سلیمان الکوفی عن ابو احمد قال: سمعت محمد بن مهدی یحدث ، عن عبد الله بن داهر الرازی ، عن ابیه عن الاعمش: عن المنهال بن عمرو قال: رأیت رأس الحسین بن علی علیه السلام علی الرمح وهو یتلو هذه الایة :{ ام حسبت ان اصحاب الکهف والرقیم کانوا من آیاتنا عجبا} الکهف9 . فقال رجل من عرض الناس :

إن رأسک اعجب یابن رسول الله ،انها معجزة عظیمة لم تحدث فی عالم البشریة الا مرتین: الاولی مع النبی یحیی بن زکریا عندما قطع راسه ووضع فی طست ونطق بحکم شرعی بعدم حلیة ملک عصره من الزواج من بنت زوجته ،والثانیة الامام مع الحسین علیه السلام بعد ان رفع علی القنا نطق بالایة الکریمة الانفة الذکر وستة مرات بعدها نطق .

ص: 154

وروی أبو مخنف ((1))عن الشعبی((2)) انه صلب رأس الحسین علیه السلام بالصیارف فی الکوفة فتنحنح الرأس وقرأ سورة الکهف إلی قوله:

{ انهم فتیة آمنوا بربهم وزدناهم هدی فلم یزدهم إلا ضلالا } .

وفی الاثر انهم لما صلبوا رأسه علیه السلام علی الشجرة سمع منه: { وسیعلم الذین ظلموا أی منقلب ینقلبون } . وسمع أیضا صوته بدمشق یقول: لا قوة إلا بالله . وسمع أیضا یقرأ :

{ ان أصحاب الکهف والرقیم کانوا من آیاتنا عجبا } ، فقال زید بن أرقم: أمرک أعجب یا ابن رسول الله ((3)) .

ص: 155

وجاء: عندما حمل الرأس الشریف الی دمشق ونصب فی موضع الصیارفه وهناک لغط الماره وضوضاء المتعاملین فأراد سید الشهداء توجیه النفوس نحوه لیسمعوا عظاته ، فتنحنح الرأس تنحنحا عالیا ، فاتجهت الیه الناس واعترتهم الدهشه حیث لم یسمعوا رأسا مقطوعا یتکلم قبل یوم الحسین( علیه السلام )، فعندها قرأ سورة الکهف الی قوله تعالی {انهم فتیة آمنوا بربهم وزدناهم هدی }_13 سورة کهف

. وصلب علی شجره فاجتمع الناس حولها ینظرون الی النور الساطع فأخذ یقرأ {وسیعلم الذین ظلموا ای منقلب ینقلبون} (227سورة الشعراء) .

وقال هلال بن معاویه: رأیت رجلا یحمل رأس الحسین ( علیه السلام )والرأس یخاطبه فرقت بین رأسی وبدنی فرفع السوط واخذ یضرب الرأس حتی سکت ویحدث ابن وکیده :انه سمع الرأس یقرأ سورة الکهف فشک فی انه صوته او غیره ، فترک ( علیه السلام ) القرائه والتفت الیه یخاطبه :یأبن وکیده اما علمت انا معشر الائمه أحیاء عند ربهم یرزقون فعزم علی ان یسرق الرأس ویدفنه ، واذا الخطاب من الرأس الشریف یابن وکیده :لیس الی ذلک سبیل ، ان سفکهم دمی أعظم عند الله من تسییری علی الرمح فذرهم فسوف یعلمون { إِذِ الْأَغْلَالُ فِی أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ یُسْحَبُونَ} ) سورة غافر/الآیة 71 .

وقال المنهال بن عمرو: رأیت راس الحسین بدمشق علی رمح وامامه رجل یقرأ سورة الکهف ، حتی اذا بلغ الی قوله تعالی(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْکَهْفِ وَالرَّقِیمِ کَانُوا مِنْ آیَاتِنَا عَجَباً )(سورة الکهف/لآیة_9 .

نطق الرأس بلسان فصیح :اعجب من اصحاب الکهف قتلی وحملی . ولما امر یزید بقتل رسول ملک الروم, حیث انکر علیه فعلته ، نطق الرأس

ص: 156

الشریف بصوت رفیع: ( لاحول ولاقوه الا بالله) . ان نطق الرأس انما کان لإقامة الحجه علی اهل الشام الذین کانوا یجهلون شأن الحسین وامامته وصدق قضیته ،وتکذیب ما کان مروج له من ان هؤلاء سبایا من الروم والدیلم .

( حتی یتبین لهم ) أی: یظهر لهم ( أنه الحق ) أی أن الله هو الحق .

وفی کتاب ابن بطة ، والترمذی وخصائص النطنزی ، واللفظ للأول ، عن عمارة بن عمیر انه لما جیئ برأس ابن زیاد ورؤوس أصحابه إلی المسجد انتهیت إلیهم والناس یقولون: قد جاءت قد جاءت ، قال: فجاءت حیة تتخلل الروس حتی دخلت فی منخره ثم خرجت من المنخر الآخر ، ثم قالوا: قد جاءت قد جاءت ، ففعلت ذلک مرتین أو ثلاثا .

وقال أبو مخنف فی روایة: لما دخل بالرأس (الحسین علیه السلام ) علی یزید کان للرأس طیب قد فاح علی کل طیب ، ولما نحر الجمل الذی حمل علیه رأس الحسین علیه السلام کان لحمه أمر من الصبر ، ولما قتل الحسین علیه السلام صار الورس دما وانکسفت الشمس إلی ثلاثة أسباب وما فی الأرض حجر إلا وتحته دم ، وناحت علیه الجن کل یوم فوق قبر النبی إلی سنة کاملة ((1)) .

ص: 157

دلائل النبوة عن أبی بکر البیهقی بالاسناد إلی أبی قبیل ، وأمالی أبی عبد الله النیسابوری أیضا انه لما قتل الحسین علیه السلام واجتز رأسه قعدوا فی أول مرحلة یشربون النبیذ ویتحیون بالرأس فخرج علیهم قلم من حدید من حایط فکتب سطرا بالدم .

أترجو أمة قتلت حسینا * شفاعة جده یوم الحساب

قال: فهربوا وترکوا الرأس ثم رجعوا ، وفی کتاب ابن بطة انهم وجدوا ذلک مکتوبا فی کنیسة . وقال أنس بن مالک: احتفر رجل من أهل نجران حفرة فوجد فیها لوح من ذهب فیه مکتوب هذا البیت وبعده:

فقد قدموا علیه بحکم جور * فخالف حکمهم حکم الکتاب

ستلقی یا یزید غدا عذابا * من الرحمن یا لک من عذاب

فسألناهم: منذ کم هذا فی کنیستکم ؟ فقالوا: قبل أن یبعث نبیکم بثلاثمائة عام .

وقال سعد بن أبی وقاص: ان قس بن ساعدة الأیادی قال قبل مبعث النبی علیه السلام :

تخلف المقدار منهم عصبة * ثاروا بصفین وفی یوم الجمل

والتزم الثار الحسین بعده * واحتشدوا علی ابنه حتی قتل ((1)) .

ص: 158

وعن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام قال: بینا رسول الله صلی الله علیه و آله فی بعض أسفاره إذ لقیه رکب فقالوا: السلام علیک یا رسول الله فقال: ما أنتم ؟ فقالوا: نحن مؤمنون یا رسول الله فقال: فما حقیقة إیمانکم ؟ قالوا :

الرضا بقضاء الله ، والتفویض إلی الله ، والتسلیم لأمر الله ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : علماء ، حکماء_ کادوا أن یکونوا من الحکمة أنبیاء فإن کنتم صادقین فلا تبنوا ما لا تسکنون ولا تجمعوا ما لا تأکلون واتقوا الله الذی إلیه ترجعون ((1)) .

وفی الصحیح کالمصنف عن جابر ، عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام وبأسانید مختلفة عن الأصبغ بن نباتة قال: خطبنا أمیر المؤمنین علیه السلام فی داره أو قال فی القصر ونحن مجتمعون ثمَّ أمر علیه السلام فکتب فی کتاب وقرئ علی الناس ( وروی غیره أن ابن الکواء سأل أمیر المؤمنین علیه السلام عن صفة الإسلام ، والإیمان ، والکفر ، والنفاق ؟

فقال علیه السلام : أما بعد فإن الله تبارک وتعالی شرع الإسلام وسهل شرائعه لمن ورده ، وأعز أرکانه لمن جارته ، وجعله عزا لمن تولاه ، وسلما لمن دخله ، وهدی لمن ائتم به ، وزینة لمن تحلله ، وعذرا لمن انتحله ، وعروة لمن اعتصم به ، وحبلا لمن استمسک به ، وبرهانا لمن تکلم به ، ونورا لمن استضاء به ، وشاهدا لمن خاصم به ، وفلجا لمن حاج به ، وعلما لمن وعاه ، وحدیثا لمن روی ، وحکما لمن قضی ، وحلما لمن جرب ، ولباسا لمن

ص: 159

تدبر ، وفهما لمن تفطن ، ویقینا لمن عقل ، وبصیرة لمن عزم ، وآیة لمن توسم ، وعبرة لمن اتعظ ، ونجاة لمن صدق ، وتؤدة لمن أصلح ، وزلفی لمن اقترب وثقة لمن توکل ورجاء لمن فوض ، وسبقة لمن أحسن، وخیرا لمن سارع ، وجنة لمن صبر ، ولباسا لمن اتقی ، وظهیرا لمن رشد ، وکهفا لمن آمن ، وآمنة لمن أسلم ، وروحا ( أو رجاء ) لمن صدق ، وغنی لمن قنع .

فذلک الحق سبیله الهدی ، ومأثرته المجد ، وصفة الحسنی ، فهو أبلج المنهاج ، مشرق المنار ، ذاکی الصباح ، رفیع الغایة یسیر المضمار ، جامع الحلبة ، سریع السبقة ، ألیم النقمة ، کامل العدة ، کریم الفرسان ، فالأیمان منهاجه ، والصالحات منارة ، والعفة مصابیحه ، والدنیا مضماره ، والموت غایته ، والقیمة حلبته ، والجنة سبقته ، والنار نقمته ، والتقوی عدته ، والمحسنون فرسانه ) ((1)) .

{ ألا إنَّهُمْ فِی مِرْیَة مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ ألا إنَّهُ بِکُلِّ شَیْء مُحِیطٌ} 54_ سورة فصلت .

وقال: مریة ، بکسر المیم ومریة بضمها واحد ، ومعناها: الامتراء .

الکفار فی شک من لقاء الباری سبحانه .

ص: 160

وقال تعالی :( قَدْ خَسِرَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما کانُوا مُهْتَدِینَ )((1)) .

وقوله تعالی ( بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ کافِرُونَ ) ((2)) .

وقوله تعالی: ( أُولئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِه ِ فَحَبِطَتْ

أَعْمالُهُمْ ) ((3)) .

وقوله تعالی: ( فَنَذَرُ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ ) ((4)) .

یسلط الله تعالی الحمق والضلالة علی الکافرین والمنافقین فتراهم فی ضلالهم یفسدون .

{ألا إنَّهُ بِکُلِّ شَیْء مُحِیطٌ}:

والله تعالی عالم بکل أمر فی السماوات والارض وکل الحوادث الارضیة توجد فی کتاب الهی :

وقال تعالی :{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِیبَةٍ فِی الْأَرْضِ وَلَا فِی أَنْفُسِکُمْ إِلَّا فِی کِتَابٍ

ص: 161

مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ } ((1)) .

{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَیْبِ لا یَعْلَمُهَا إلا هُوَ وَیَعْلَمُ مَا فِی البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة إلا یَعْلَمُهَا وَلا حَبَّة فِی ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْب وَلا یَابِس إلا فِی کِتَاب مُبِین } 59_الانعام .

وَمَا یَعْزُبُ عَنْ رَبِّکَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّة فِی الأرْضِ وَلا فِی السَّمَاءِ وَ لا أصْغَرَ مِنْ ذَلِکَ وَلا أکْبَرَ إلا فِی کِتَاب مُبِین61_یونس .

وَمَا مِنْ غَائِبَة فِی السَّمَاءِ وَالأرْضِ إلا فِی کِتَاب مُبِین75_النمل .

عَالِمِ الغَیْبِ لا یَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة فِی السَّمَاوَاتِ وَلا فِی الأرْضِ وَلا أصْغَرُ مِنْ ذَلِکَ وَلا أکْبَرُ إلا فِی کِتَاب مُبِین3_سبأ .

وَمَا تَحْمِلُ مِنْ اُنْثَی وَلا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ وَمَا یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّر وَلا یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلا فِی کِتَاب إنَّ ذَلِکَ عَلَی اللّهِ یَسِیرٌ11_فاطر .

مَا أصَابَ مِنْ مُصِیبَة فِی الأرْضِ وَلا فِی أنْفُسِکُمْ إلا فِی کِتَاب مِنْ قَبْلِ أنْ نَبْرَأهَا إنَّ ذَلِکَ عَلَی اللّهِ یَسِیرٌ 22_الحدید .

وکل شیء بید الله تعالی ابتداءا من الرزق وانتهاءا بالهدایة :

ص: 162

: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ یَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ کَانَ عَلِیمًا حَکِیمًا } ((1)) .

وقال: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ یَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ } ((2)) .

القضیة المرکزیة هی الحاد الکفار و تکذیبهم لیوم القیامة وهی الدافعة لهم لظلم العباد وفسقهم فی الارض .

ص: 163

ص: 164

عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام قال: سمعته یقول حم عسق اعداد سنی القائم علیه السلام ((1)) .

عن الامام أبی جعفر محمد الباقر ( علیه السلام ) ، قال: « ( حم ) حتم ، و ( عین ) عذاب ، و ( سین ) سنون کسنی یوسف ( علیه السلام ) ، و ( قاف ) قذف [ وخسف ] ومسخ یکون فی آخر الزمان بالسفیانی وأصحابه، وناس من کلب ثلاثون ألف یخرجون معه ، وذلک حین یخرج القائم ( علیه السلام ) بمکة ، وهو مهدی هذه الامة » ((2)) .

{کَذَلِکَ یُوحِی إلَیْکَ وَإلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ اللّهُ العَزِیزُ الحَکِیمُ3 }

عن ابن عبّاس قال: ما من نبیّ أنزل اللَّه علیه الکتاب ، إلَّا أنزل علیه معانی هذه السورة بلغاتهم .

وعن الکلبی ، عن أبی صالح ، عن ابن عباس ، قال: و ( حم ) اسم من أسماء الله عز وجل ، و ( عسق ) علم علی ( علیه السلام ) بفسق کل جماعة ونفاق کل فرقة ((3)) .

ص: 166

{ لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ وَهُوَ العَلِیُّ العَظِیمُ} 4 _سورة الشوری .

روی أبو مخنف عن جندب بن عبد الله الأزدی عن أبیه ، أن علیا علیه السلام کان یخطب یوم الفطر ، فیقول :

الحمد لله الذی خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذین کفروا بربهم یعدلون ، لا نشرک بالله شیئا ولا نتخذ من 618 دونه ولیا ، والحمد لله الذی له ما فی السماوات وما فی الأرض وله الحمد فی الآخرة وهو الحکیم الخبیر ، یعلم ما یلج فی الأرض وما یخرج منها وما ینزل من السماء وما یعرج فیها وهو الرحیم الغفور ، کذلک ربنا جل ثناؤه لا أمد ولا غایة ولا نهایة ، ولا إله إلا هو وإلیه المصیر ، والحمد لله الذی یمسک السماء أن تقع علی الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحیم ((1)) .

عن أبی حمزة الثمالی عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قول الله

تبارک وتعالی صراط الله الذی له ما فی السماوات وما فی الأرض یعنی علیا انه جعل علیا خازنه علی ما فی السماوات وما فی الأرض من شئ وائتمنه علیه الا إلی الله تصیر الأمور ((2)) .

عن

أبی بصیر قال: جاء رجلٌ إلی الامام أبی جعفر محمد الباقر ( علیه السلام ) فقال له: أخبرنی عن ربّک متی کان ؟ فقال: ویلک إنّما یقال لشیء لم یکن ; متی کان ، إنّ ربّی تبارک وتعالی کان ولم یزل حیّاً بلا کیف ولم یکن ، له

ص: 167

کان ولا کان لکونه کون کیف ولا کان له أین ، ولا کان فی شیء ولا کان علی شیء ولا ابتدع لمکانه مکاناً ولا قوی بعدما کوّن الأشیاء ولا کان ضعیفاً قبل أن یکوّن شیئاً ولا کان مستوحشاً قبل أن یبتدع شیئاً ولا یشبه شیئاً مذکوراً ولا کان خلواً من الملک قبل إنشائه ولا یکون منه خلواً بعد ذهابه ، لم یزل حیّاً بلا حیاة وملکاً قادراً قبل أن یُنشئ شیئاً وملکاً جبّاراً بعد إنشائه للکون ، فلیس لکونه کیف ولا له أین ولا له حدٌّ ولا یعرف بشیء یشبهه ولا یهرم لطول البقاء ولا یصعق لشیء بل لخوفه تصعق الأشیاء کلّها ، کان حیّاً بلا حیاة حادثة ولا کون موصوف ولا کیف محدود ولا أین موقوف علیه ولا مکان جاور شیئاً بل حیٌّ یعرف وملک لم یزل له القدرة والملک أنشأ ما شاء حین شاء بمشیئته ، ولا یُحدّ ولا یُبعّض ولا یفنی ، کان أوّلاً بلا کیف ویکون آخراً بلا أین وکلّ شیء هالک إلاّ وجهه ، له الخلق والأمر تبارک الله ربّ العالمین ، ویلک أیها السائل إنّ ربّی لا تغشاه الأوهام ولا تنزل به الشبهات ولا یحار [ من شیء ] ولا یجاوره شیء ولا تنزل به الأحداث ولا یسأل عن شیء ولا یندم علی شیء ولا تأخذه سنةٌ ولا نوم له ما فی السّماوات وما فی الأرض وما بینهما وما تحت الثّری ((1)) .

الله تعالی یملک السماوات والارض وهذا ما یثیر حفیظة الکافرین والمنافقین فتراهم یفترون علیه تعالی ویقتلون المؤمنین به ویعیثون الفساد فی أرضه .

ص: 168

{ تَکَادُ السَّمَاوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالمَلائِکَةُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَیَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِی الأرْضِ ألا إنَّ اللّهَ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِیمُ } 5_سورة الشوری .

{ تَکَادُ السَّمَاوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ}

علی بن إبراهیم ، فی قوله تعالی :( تَکادُ السَّماواتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ والْمَلائِکَةُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ویَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِی الأَرْضِ) ، قال: للمؤمنین من الشیعة التوابین خاصة ، ولفظ الآیة عام ومعناه خاص .

وفی روایة أبی الجارود ، عن الامام أبی جعفر محمد الباقر ( علیه السلام ) ، فی قوله تعالی: ( یَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ): « أی یتصدعن » .

قیل فی معناه قولان :

أحدهما_ قال ابن عباس وقتادة والضحاک: یتفطرن من فوقهن من عظمة الله وجلاله .

وکذلک قال تعالی: { لَوْ أنْزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَی جَبَل لَرَأیْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْیَةِ اللّهِ وَتِلْکَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ } 21*_الحشر

.

والثانی_

ان السماوات تکاد تتفطرن من فوقهن استعظاما للکفر بالله والعصیان له مع حقوقه الواجبة علی خلقه ، وذلک علی وجه التمثیل لیس لان السماوات تفعل شیئا أو تنکر شیئا ، وإنما المراد ان السماوات لو انشقت

ص: 169

لمعصیته استعظاما لها أو لشئ من الأشیاء لتفطرت استعظاما لکفر من کفر بالله وعبد معه غیره ((1)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : لقد صلَّت الملائکة علیَّ وعلی علی بن أبی طالب سبع سنین قبل الناس وذلک أنه کان یصلی ولا یصلی معنا غیرنا . وفی روایة: لم یصل فیها غیری وغیره . وفی روایة: لم یصل معی رجل غیره .

سنن ابن ماجة وتفسیر الثعلبی عن عبد الله بن أبی رافع عن أبیه ان علیا علیه السلام صلی مستخفیا مع النبی سبع سنین وأشهر .

تاریخ الطبری وابن ماجة قال عباد بن عبد الله: سمعت علیا علیه السلام قال: أنا عبد الله وأخو رسول الله وأنا الصدیق الأکبر لا یقولها بعدی إلا کاذب مفتر صلیت مع رسول الله سبع سنین ((2)) .

مسندی أحمد وأبی یعلی قال حبة العرنی: قال علی علیه السلام : صلیت قبل أن یصلی الناس سبعا ((3)) .

وقال نجاح الطائی: کل مخلوق یخشع لوجه الله تعالی العظیم ویبقی العصاة الکافرون أصناما للتمرد والطغیان فیکون مصیرهم جهنم وبئس المصیر .

ص: 170

{ وَالَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أولِیَاءَ اللّهُ حَفِیظٌ عَلَیْهِمْ وَمَا أنْتَ عَلَیْهِمْ بِوَکِیل } 6 _سورة الشوری .

أی حافظ علیهم أعمالهم لا ینسی منها شیئا ، وانه قد کتبها فی اللوح المحفوظ . وسوف تشهد علیهم أسماعهم وجلودهم .

وقوله ( وما أنت علیهم بوکیل ) معناه إنک لم توکل بحفظ اعمالهم ، بل أنت نذیر لهم تبین لهم الحق وترشدهم الی الجنة .

وقال نجاح الطائی: تعنی انک لم توکل علیهم فتمنعهم من الکفر بالله بل وظیفتک ارشادهم الی الهدایة والصلاح .

عن أبی عبد الله علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: لما بلغ أمیر المؤمنین علیه السلام امر معاویة وانه فی مائة الف قال من أی القوم ؟ قالوا من أهل الشام ، قال: علیه السلام لا تقولوا من أهل الشام ولکن قولوا من أهل الشؤم هم من أبناء مضر لعنوا علی لسان داود

فجعل الله منهم القردة والخنازیر ، ثم کتب علیه السلام إلی معاویة: لا تقتل الناس بینی وبینک وهلم إلی المبارزة فان أنا قتلتک فإلی النار أنت وتستریح الناس منک ومن ضلالتک وان قتلتنی فأنا إلی الجنة ویغمد عنک السیف الذی لا یسعنی غمده حتی أرد مکرک وبدعتک ، وأنا الذی ذکر الله اسمه فی التوراة والإنجیل بمؤازرة رسول الله صلی الله علیه و آله ، وأنا أول من بایع رسول الله صلی الله علیه و آله تحت الشجرة فی قوله: { لقد رضی الله عن المؤمنین إذ یبایعونک تحت الشجرة } .

ص: 171

فلما قرأ معاویة کتابه وعنده جلساؤه قالوا: والله قد أنصفک ، فقال معاویة: والله ما أنصفنی والله لأرمینه بمائة الف سیف من أهل الشام من قبل ان یصل إلی ، ووالله ما أنا من رجاله ، ولقد سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول :والله یا علی لو بارزک أهل الشرق والغرب لقتلتهم أجمعین ، فقال له رجل من القوم فما یحملک یا معاویة علی قتال من تعلم وتخبر فیه عن رسول الله صلی الله علیه و آله بما تخبر ؟

ما أنت ونحن فی قتاله إلا علی الضلالة !!! ((1)) .

{ وَکَذَلِکَ أوْحَیْنَا إلَیْکَ قُرْآناً عَرَبِیّاً لِتُنْذِرَ اُمَّ القُرَی وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ یَوْمَ الجَمْعِ لا رَیْبَ فِیهِ فَرِیقٌ فِی الجَنَّةِ وَفَرِیقٌ فِی السَّعِیرِ7 } _سورة

الشوری .

تنذر أهالی مکة ومن حولها من المدن والقری .

قال: أم القری مکة سمیت أم القری لأنها أول بقعة خلقها الله من

الأرض ((2)) .

وَتُنْذِرَ یَوْمَ الجَمْعِ: أی یوم القیامة . یجمع الله فیه الأولین والآخرین ، وأهل السماوات والأرضین . یوم الجمع مفعول ثان لتنذر .

و ( أم الکتاب ) أصل الکتاب یعنی اللوح المحفوظ ، وأم الکتاب: سورة الفاتحة وسمیت أما لأنها أوله وأصله .

ص: 172

لو شاء الله أن یجعلهم کلهم معصومین مثل الملائکة بلا طباع لقدر علیه

أسماء جهنم :

الجحیم :

السعیر: سعر سعیرا أی إیقادا .

ولظی: ونزاعة من نزع الشیء إذا اقتلعه من مکانه . وقال صاحب مجمع البیان: الشوی جمع شواة وهی جلدة الرأس .

وسقر : وقد سمیت النار سقر لشدة إیلامها . ( سَأُصْلِیه سَقَرَ وما أَدْراکَ ما سَقَرُ ) من أسماء جهنم ، وقد بلغت من القول حدا یفوق التصور ( لا تُبْقِی ولا تَذَرُ ) بل تأتی علی اللحم والعظم والأعضاء بالکامل .

الْحُطَمَةِ : وهو اسمٌ من أَسْماءِ جَهَنَّمَ ، وعن مُقَاتِل: تَحْطِمُ العِظَامَ وتَأْکُلُ اللُّحُومَ حتَّی تَهْجُمَ علی القُلُوبِ .

السموم: ( فمن الله علینا ووقانا عذاب السموم ) أی عذاب جهنم . والسموم من أسماء جهنم .

والهاویة من أسماء جهنم ، وهی المهواة التی لا یدرک قعرها .

الساهرة من أسماء جهنم .

{ لا یَسْتَوِی أَصْحابُ النَّارِ } الَّذین نسوا اللَّه واستحقّوا النار ، والنار مع اللام من أسماء جهنّم .

{ وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَجَعَلَهُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَلَکِنْ یُدْخِلُ مَنْ یَشَاءُ فِی رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیر }_سورة

الشوری 8 .

{ وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَجَعَلَهُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً } :

ص: 173

قال: ولو شاء ان یجعلهم کلهم معصومین مثل الملائکة بلا طباع لقدر علیه ( ولکن یدخل من یشاء فی رحمته . والظالمون ) آل محمد حقهم

( مالهم من ولی ولا نصیر ) ((1)) .

قال: ظاهرها الکفر وباطنها حرکات العبد وسکونه ولو شاء اللَّه لجعلها کلها فی طاعته ولکِنْ یُدْخِلُ مَنْ یَشاءُ فِی رَحْمَتِه [ 8 ] أی فی طاعته والظَّالِمُونَ [ 8 ] الذین یدعون الحول والقوة ما لَهُمْ مِنْ وَلِیٍّ ولا نَصِیرٍ ((2)) .

{وَلَکِنْ یُدْخِلُ مَنْ یَشَاءُ فِی رَحْمَتِهِ }: ولایة علی بن ابی طالب

(وَالظَّالِمُونَ ) لآل محمد حقَّهم { مَا لَهُمْ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیر} ((3)) .

فکیف یکون الکافر ولیا وهو لا یملک عناصر الایمان والفلاح والدین .

{ أمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِیَاءَ فَاللّهُ هُوَ الوَلِیُّ وَهُوَ یُحْیِی المَوْتَی وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ } 9 _سورة الشوری .

{ أمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِیَاءَ } :

ص: 174

قال تعالی: اللَّه وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ والَّذِینَ کَفَرُوا أَوْلِیاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَی الظُّلُماتِ أُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ ( 257 )_سورة البقرة .

{ ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ اللّهَ لَهُ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا لَکُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیر } 107_البقرة .

{ وَلَنْ تَرْضَی عَنْکَ الیَهُودُ وَلا النَّصَارَی حَتَّی تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إنَّ هُدَی اللّهِ هُوَ الهُدَی وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِی جَاءَکَ مِنْ العِلْمِ مَا لَکَ مِنْ اللّهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیر } 120_البقرة .

{ إنَّ أوْلَی النَّاسِ بِإبْرَاهِیمَ لَلَّذِینَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِیُّ وَالَّذِینَ آمَنُوا وَاللّهُ وَلِیُّ المُؤْمِنِینَ } 68_آل عمران .

وکان النبی عیسی علیه السلام یحیی الموتی باذن الله تعالی:

مکث عیسی علیه السلام حتی بلغ سبع سنین أو ثمان سنین فجعل یخبرهم بما یأکلون وما یدخرون فی بیوتهم ، فأقام بین أظهرهم یحیی الموتی ویبرئ الأکمه والأبرص ، ویعلمهم التوریة وأنزل الله علیه الإنجیل لما أراد الله علیهم حجة ((1)) .

عن محمد بن أبی عمیر عمن ذکره رفعه قال: ان أصحاب عیسی علیه السلام سألوه أن یحیی لهم میتا قال: فاتی بهم إلی قبر سام بن نوح فقال له: قم

ص: 175

بإذن الله یا سام بن نوح قال: فانشق القبر ثم أعاد الکلام ، فتحرک ثم أعاد الکلام فخرج سام بن نوح فقال له عیسی أیهما أحب إلیک تبقی أو تعود ؟

قال: فقال: یا روح الله بل أعود انی لأجد حرقة الموت أو قال لذعة الموت فی جوفی إلی یومی هذا ((1)) .

محمد بن یعقوب: عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن أبی زاهر_

أو غیره_ عن محمد بن حماد ، عن أخیه أحمد بن حماد ، عن إبراهیم ، عن أبیه ، عن أبی الحسن الأول ( علیه السلام ) ، قال: قلت له: جعلت فداک ، أخبرنی عن النبی ( صلی الله علیه و آله ) ، ورث النبیین کلهم ؟ قال: « نعم » .

قلت: من لدن آدم حتی انتهی إلی نفسه ؟ قال: « ما بعث الله نبیا إلا ومحمد ( صلی الله علیه و آله ) أعلم منه » .

قال: قلت: إن عیسی بن مریم کان یحیی الموتی بإذن الله ؟

قال: « صدقت ، وسلیمان بن داود کان یفهم منطق الطیر ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یقدر علی هذه المنازل » ((2)) .

وقال نجاح الطائی: نحا الظالمون منحی الکفر والفسق والترف وقتل الابریاء واتخذوا الاصنام المیتة أولیاءً لهم .

أما المؤمنون فالله مولاهم { وَهُوَ یُحْیِی المَوْتَی وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ } .

ص: 176

{ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِیهِ مِنْ شَیْء فَحُکْمُهُ إلَی اللّهِ ذَلِکُمُ اللّهُ رَبِّی عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَإلَیْهِ اُنِیبُ }10 _سورة الشوری .

{ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِیهِ مِنْ شَیْء فَحُکْمُهُ إلَی اللّهِ}:

شریعة الله سبحانه هی الحاکمة بین الناس علیه التوکل والیه الانابة .

( وما اختلفتم فیه من شئ فحکمه إلی الله ) معناه: إن الذی تختلفون فیه من أمور دینکم ودنیاکم ، وتتنازعون فیه ، فحکمه إلی الله ، فإنه الفاصل بین المحق والمبطل فیه ، فیحکم للمحق بالثواب والمدح ، وللمبطل بالعقاب والذم .

وقیل : معناه فبیان الصواب إلی الله بنصب الأدلة .

وقیل: فحکمه إلی الله یوم القیامة فیجازی کل أحد بما یستحقه .

( ذلکم الله ) الذی یحکم بین المختلفین ( ربی ) أی هو ربی ( علیه توکلت ) فی مهماتی ( وإلیه أنیب ) أی: إلیه أرجع فی جمیع أموری .

( وما اختلفتم فیه من شئ ) القمی: من المذاهب والأدیان ((1)) . ( فحکمه إلی الله ) یوم القیامة . وقیل: وما اختلفتم فیه من تأویل متشابه ، فارجعوا إلی المحکم من کتاب الله ((2)) .

( ذلکم الله ربی علیه توکلت وإلیه أنیب ) .

أی ارجعوا أمورکم الی حکم الله تعالی ولا تتحاکموا الی الطاغوت .

ص: 177

{ یُرِیدُونَ أنْ یَتَحَاکَمُوا إلَی الطَّاغُوتِ وَقَدْ اُمِرُوا أنْ یَکْفُرُوا بِهِ وَیُرِیدُ الشَّیْطَانُ أنْ یُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِیداً 60 } _النساء .

{ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أنفُسَهُمْ أنْ یَکْفُرُوا بِمَا أنزَلَ اللّهُ 90*وَإذَا قِیلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أنزَلَ اللّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا اُنزِلَ عَلَیْنَا وَیَکْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ

الحَقُّ } _91 _البقرة .

{ وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَاُوْلَئِکَ هُمُ الکَافِرُونَ } 44_المائدة .

{ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَإلَیْهِ اُنِیبُ } :

قوله " علیه توکلت " معناه علی الله توکلت واعتمدت وأرجعت أموری وفوضتها إلیه .

{ وَإلَیْهِ اُنِیبُ } نیتی خالصة لوجه الله تعالی وأرجع فی أموری کلها الیه.

{ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أنْفُسِکُمْ أزْوَاجاً وَمِنَ الأنْعَامِ أزْوَاجاً یَذْرَؤُکُمْ فِیهِ لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ وَهُوَ السَّمِیعُ البَصِیرُ } 11 _سورة الشوری .

خلق تعالی السماوات والارض وجعل البشریة أزواجا والانعام أزواجا . فیَذْرَؤُکُمْ فِیهِ: أی یکثرکم من التزویج .

فاطر السماوات والأرض ) ای مخترعها ((1)) .

ص: 178

" ومالی لا أعبد الذی فطرنی والیه ترجعون " ((1)) أی خلقنی . قال ابن عباس: ما کنت أدری ما معنی ( فاطر ) حتی اختصم إلی أعرابیان فی بئر ، فقال أحدهما :

أنا فطرتها أی ابتدأتها . وأصل الفطر الشق ، ومنه قوله تعالی: " إذا السماء انفطرت " ((2)) أی انشقت .

ومعنی " فطر السماوات والأرض " خلقهما خلقا قاطعا . والانفطار ، والفطور تقطع وتشقق وفی الآیة دلالة وحجة علی الکفار ، لان من خلق السماوات والأرض وأنشأ ما فیها ، وأحکم تدبیرهما ، واطعم من فیهما هو الذی لیس کمثله شئ وان الخلق فقراء إلیه وهو الغنی القادر القاهر ، فلا یجوز لمن عرف ذلک أو جعل له السبیل إلی معرفته ان یعبد غیره .

وقوله " وأمرت أن أکون أول من أسلم " معناه أن أکون أول من خضع ((3)) .

لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ: معناه لیس مثله شیء علی وجه من الوجوه وتکون الکاف زیادة تقدیره لیس مثل الله شیء من الموجودات والمعلومات ((4)) .

ص: 179

وقوله « لَمْ یَکُنْ لَه کُفُواً أَحَدٌ » .

وعنه ، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید ، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال: حدثنا العباس بن معروف قال: حدثنا ابن أبی نجران ، عن حماد بن عثمان ، عن عبد الرحیم القصیر ، قال: کتبت علی یدی عبد الملک بن أعین إلی أبی عبدالله ( علیه السلام ) بمسائل فیها: أخبرنی عن الله عز وجل هل یوصف بالصورة وبالتخطیط ، فإن رأیت_ جعلنی الله فداک_ أن تکتب إلی بالمذهب الصحیح من التوحید ؟

فکتب ( علیه السلام ) بیدی عبد الملک بن أعین: « سألت_ رحمک الله_ عن التوحید ، وما ذهب إلیه من قبلک ، فتعالی الله الذی لیس کمثله شیء ، وهو السمیع البصیر ، تعالی الله عما یصفه الواصفون المشبهون الله تبارک وتعالی بخلقه ، المفترون علی الله ، واعلم_ رحمک الله_ أن المذهب الصحیح فی التوحید ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل ، فانف عن الله البطلان والتشبیه ، فلا نفی ولا تشبیه ، هو الله الثابت الموجود ، تعالی الله عما یصفه الواصفون ، ولا تعد القرآن فتضل بعد البیان » ((1)) .

{ لَهُ مَقَالِیدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَقْدِرُ إنَّهُ بِکُلِّ شَیْء عَلِیمٌ } 12 _سورة الشوری .

ص: 180

السماوات والارض تسیر بأمر الله تعالی والرزق بیده یبسطه لبعض ویقدره لبعض .

{ لَهُ مَقَالِیدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ }: بیده مفاتیح الغیب ومفاتیح القلوب ، یوفق من یشاء لهدایته وطاعته والإخلاص له ، ویبعد من یشاء عن بابه .

وقال تعالی: { وما قَدَرُوا اللَّه حَقَّ قَدْرِه والأَرْضُ جَمِیعاً قَبْضَتُه یَوْمَ الْقِیامَةِ والسَّماواتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِه سُبْحانَه وتَعالی عَمَّا یُشْرِکُونَ} (

67 )_ سورة الزمر ( 39 ) .

{ شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ مَا وَصَّی بِهِ نُوحاً وَالَّذِی أوْحَیْنَا إلَیْکَ وَمَا وَصَّیْنَا بِهِ إبْرَاهِیمَ وَمُوسَی وَعِیسَی أنْ أقِیمُوا الدِّینَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ کَبُرَ عَلَی المُشْرِکِینَ مَا تَدْعُوهُمْ إلَیْهِ }: من ولایة علی ((1)) .

شریعة الله تعالی لکل أمم الانبیاء هی الایمان بنبوة محمد صلی الله علیه و آله وولایة علی علیه السلام لکن المشرکین عصوا ولایة الامام علی علیه السلام .

وقال تعالی: { اللّهُ خَالِقُ کُلِّ شَیْء وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیْء وَکِیلٌ62* لَهُ مَقَالِیدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ 63}_الزمر .

: ( له مقالید السماوات والأرض ) یعنی مفاتیح السماوات والأرض ثم خاطب الله نبیه فقال ( ولقد أوحی إلیک وإلی الذین من قبلک لئن أشرکت لیحبطن عملک ولتکونن من الخاسرین ) فهذه مخاطبة للنبی صلی الله علیه و آله والمعنی

ص: 181

لامته وهو ما قال الصادق علیه السلام : إن الله تعالی بعث نبیه بإیاک أعنی واسمعی یا جارة والدلیل علی ذلک قوله تعالی :

{ بَلِ اللّهَ فَاعْبُدْ وَکُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ} 66 الزمر _((1)) .

وهذه استعارة . والمقالید: المفاتیح . قال أبو عبیدة: واحدها مقلید ، وواحد الأقالید إقلید . وهما بمعنی واحد . وقال غیره: واحدها قلد علی غیر قیاس .

وقال أبو عمرو بن العلاء ((2)): وجهه فی العربیة أن یکون الواحد علی لفظ مقلد ثم تجمع مقالد . فمن شاء أن یشبع کسرة اللام قال مقالید . کما قالوا: درهم ودراهیم .

قال: وسمعت أبا المنذر یقول: واحد المفاتیح مفتاح .

وواحد المفاتح مفتح . والمعنیان جمیعا واحد .

والمراد بمقالید السماوات والأرض هاهنا_ واللَّه أعلم_ أی مفاتیح خیراتهما ، ومعادن برکاتهما ، من إدرار الأمطار ، وإیراق الأشجار ، وسائر وجوه المنافع ، وعوائد المصالح .

وقد وصف سبحانه السماء فی عدة مواضع بأنّ لها خزائن وأبوابا ، فحسن علی مقتضی الکلام أن توصف بأن لها مقالید وأغلاقا ((3)) .

ص: 182

قال سبحانه: ( لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ ) ((1)) .

وقال تعالی: ( فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ ) ((2)) .

وقال عزّ من قائل: ( ولِلَّه خَزائِنُ السَّماواتِ والأَرْضِ ) ((3)) .

{یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَقْدِرُ إنَّهُ بِکُلِّ شَیْء عَلِیمٌ }12 الشوری .

یوسع الرزق علی من یشاء من عباده ، وفق علمه بمصلحته ، ویضیقه علی آخرین إذا علم أن مصلحتهم فی التضییق, وقد ضیَّق تعالی رزقه علی الانبیاء والاوصیاء فلم یکونوا أغنیاءً .

( وفرحوا بالحیاة الدنیا ) أی: فرحوا بما أوتوا من حطام الدنیا فرح البطر مع سیرة ترف واسراف ، ونسوا فناءه وبقاء أمر الآخرة قال تعالی:

اُوْلَئِکَ الَّذِینَ اشْتَرَوْا الحَیَاةَ الدُّنْیَا بِالآخِرَةِ فَلا یُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذَابُ وَلا هُمْ یُنصَرُونَ86_البقرة .

فَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِی الدُّنْیَا وَمَا لَهُ فِی الآخِرَةِ مِنْ خَلاق 200_البقرة .

: زُیِّنَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا الحَیَاةُ الدُّنْیَا وَیَسْخَرُونَ مِنْ الَّذِینَ آمَنُوا وَالَّذِینَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ یَوْمَ القِیَامَةِ وَاللّهُ یَرْزُقُ مَنْ یَشَاءُ بِغَیْرِ حِسَاب212_البقرة

.

قُلْ مَتَاعُ الدُّنْیَا قَلِیلٌ وَالآخِرَةُ خَیْرٌ لِمَنِ اتَّقَی وَلا تُظْلَمُونَ فَتِیلا 77_النساء

.

ص: 183

وَمَا الحَیَاةُ الدُّنْیَا فِی الآخِرَةِ إلا مَتَاعٌ 26_الرعد .

وقد ذکر رجل عند الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام الأغنیاء ووقع فیهم ، فقال أبو عبد الله علیه السلام اسکت ! فان الغنی إذا کان وصولا لرحمه بارا باخوانه ضاعف الله له الاجر ضعفین لان الله یقول:

" وما أموالکم ولا أولادکم بالتی تقربکم عندنا زلفی إلا من آمن وعمل صالحا فأولئک لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم فی الغرفات آمنون " .

وقوله تعالی: { وَمَا أنفَقْتُمْ مِنْ شَیْء فَهُوَ یُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ }39 _سبأ .

قال فإنه حدثنی أبی عن حماد عن حریز عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام قال: إن الرب تبارک وتعالی ینزل أمره کل لیلة جمعة إلی السماء الدنیا من أول اللیل وفی کل لیلة فی الثلث الأخیر وأمامه ملک ینادی: هل من تائب یتاب علیه هل من مستغفر فیغفر له هل من سائل فیعطی سؤله اللهم اعط لکل منفق خلفا ولکل ممسک تلفا إلی أن یطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد أمر الرب إلی عرشه فیقسم الأرزاق بین العباد ، ثم قال لفضیل بن یسار یا فضیل نصیبک من ذلک وهو قول الله { وَمَا أنفَقْتُمْ مِنْ شَیْء فَهُوَ یُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ39 }وقوله تعالی:

{ ویوم یحشرهم جمیعا ثم یقول للملائکة أهؤلاء إیاکم کانوا یعبدون} فتقول الملائکة: { سُبْحَانَکَ أنْتَ وَلِیُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ کَانُوا یَعْبُدُونَ الجِنَّ أکْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } 41 سبأ ((1)) .

ص: 184

وقال نجاح الطائی: بید الله تعالی مفاتیح الارزاق والعافیة والعمر وکل شیء آخر ویبسط رزقه للعباد حسب المصلحة لمساعدة المؤمنین ومنع سقوطهم فی الهاویة . وهو بکل شیء علیم .

{ اللّهُ یَجْتَبِی إلَیْهِ مَنْ یَشَاءُ وَیَهْدِی إلَیْهِ مَنْ یُنِیبُ } 13_سورة

الشوری :

من یجیبک الی ولایة علی ((1)) .

محمد بن یعقوب: عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن عبد العزیز بن المهتدی ، عن عبد الله بن جندب ، أنه کتب إلیه الرضا ( علیه السلام ): « أما بعد ، فإن محمدا ( صلی الله علیه و آله ) کان أمین الله فی خلقه ، فلما قبض ( صلی الله علیه و آله ) کنا أهل البیت ورثته ، فنحن أمناء الله فی أرضه ، عندنا علم البلایا والمنایا ، وأنساب العرب ، ومولد الإسلام ، وإنا لنعرف الرجل إذا رأیناه بحقیقة الإیمان وحقیقة النفاق ، وإن شیعتنا لمکتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، أخذ الله علینا وعلیهم المیثاق ، یردون موردنا ، ویدخلون مدخلنا ، لیس علی ملة الإسلام غیرنا وغیرهم .

نحن

النجباء والنجاة ، ونحن أفراط الأنبیاء ، والأوصیاء ، ونحن المخصوصون فی کتاب الله عز وجل ، ونحن أولی الناس بکتاب الله ، ونحن أولی الناس برسول الله ( صلی الله علیه و آله ) ، ونحن الذین شرع لنا دینه ، فقال فی کتابه: ( شَرَعَ لَکُمْ ) یا آل محمد ( مِنَ الدِّینِ ما وَصَّی بِه نُوحاً ) قد وصانا بما وصی به نوحا ( والَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ ) یا محمد ( وما وَصَّیْنا بِه

ص: 185

إِبْراهِیمَ ومُوسی وعِیسی ) فقد علمنا وبلغنا علم ما علمنا واستودعنا علمهم ، نحن ورثة أولی العزم من الرسل ( أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ ) یا آل محمد . ( ولا تَتَفَرَّقُوا فِیه ) وکونوا علی جماعة ( کَبُرَ عَلَی الْمُشْرِکِینَ ) من أشرک بولایة علی ( ما تَدْعُوهُمْ إِلَیْه ) من ولایة علی ، إن الله یا محمد ( یَهْدِی إِلَیْه مَنْ یُنِیبُ ) من یجیبک إلی ولایة علی ( علیه السلام ) » ((1)) .

{ وَاسْألْ مَنْ أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنَا أجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً یُعْبَدُونَ }45 _سورة الزخرف .

قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : یاعبد الله أتانی ملک فقال یامحمد: سل من أرسلنا من قبلک من رسلنا علی ما بعثوا؟

قال: قلت علی ما بعثوا؟

قال: علی ولایتک وولایة علی بن أبی طالب علیه السلام ((2)) .

وأخرج أبو الحسن الفقیه بن شاذان فی مناقبه المائة من طرق العامة نحواً منه بسنده عن ابن عباس أیضاً ((3)) .

الحاکم والخوارزمی الحنفی: روی العلامة الحنفی موفق بن أحمد الخوارزمی الحنفی فی کتابه عن فضائل علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) ضمن

ص: 186

روایات المعراج عن شهردار اجازة بسنده عن عبد الله بن مسعودی فی تفسیره قوله تعالی: (واسأل من أرسلنا من قبلک من رسلنا) . قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : یاعبد الله أتانی ملک فقال یامحمد: سل من أرسلنا من قبلک من رسلنا علی ما بعثوا ؟ قال: قلت علی ما بعثوا؟ قالوا: علی ولایتک وولایة علی بن أبی طالب ((1)) .

ص: 187

قال الرضا علیه السلام : نحن أفراط الانبیاء ونحن أولاد الاوصیاء ونحن المخصوصون فی کتاب الله ونحن أولی الناس برسول الله صلی الله علیه و آله ونحن الذین شرع الله لنا دینه فقال فی کتابه (شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ مَا وَصَّی بِهِ نُوحاً وَالَّذِی أوْحَیْنَا إلَیْکَ) . یا محمد (وما وصینا بِهِ إبْرَاهِیمَ وَمُوسَی وَعِیسَی) . قد علمنا وبلغنا ما علمنا واستودعنا علمهم ونحن ورثة الانبیاء ونحن ورثة أولی العلم وأولی العزم من الرسل والأنبیاء (أن أقیموا الدین ) . کما قال الله تعالی (ولا تتفرقوا فیه کبر علی المشرکین ) . من المشرکین بولایة علی

(ما تدعوهم الیه ) . من ولایة علی إنَّ (الله ) یا محمد (یجتبی الیه من یشاء ویهدی الیه من ینیب )((1)) :من یجیبک الی ولایة علی علیه السلام ((2)) .

ص: 188

{ ویهدی إلیه من ینیب }: وهم الأئمة الذین اجتباهم الله واختارهم ((1)).

تفسیر علی بن إبراهیم: قوله تعالی :{ أن أقیموا الدین}_13"_الشوری

. أی تعلموا الدین یعنی التوحید وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة وصوم شهر رمضان وحج البیت والسنن والاحکام التی فی الکتب والاقرار بولایة أمیر المؤمنین علیه السلام " ولا تتفرقوا فیه " أی لا تختلفوا فیه " کبر علی المشرکین ما تدعوهم إلیه " من ذکر هذه الشرائع ، ثم قال: " الله یجتبی إلیه من یشاء " أی یختار " ویهدی إلیه من ینیب " وهم الأئمة الذین اجتباهم الله واختارهم

.

قال: " وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغیا بینهم " قال: لم یتفرقوا بجهل ولکنهم تفرقوا لما جاءهم العلم وعرفوه فحسد بعضهم بعضا وبغی بعضهم علی بعض لما رأوا من تفاضل أمیر المؤمنین بأمر الله ، فتفرقوا فی المذاهب وأخذوا بالآراء والأهواء ، ثم قال عز وجل: " ولولا کلمة سبقت من ربک إلی أجل مسمی لقضی بینهم " قال: لولا أن الله قد قدر ذلک أن یکون فی التقدیر الأول لقضی بینهم إذا اختلفوا ، وأهلکهم ولم ینظرهم ، ولکن أخرهم إلی أجل مسمی المقدور " وإن الذین أورثوا الکتاب من بعدهم لفی شک منه مریب " کنایة عن الذین نقضوا أمر رسول الله صلی الله علیه و آله ، ثم قال: " فلذلک فادع واستقم " یعنی لهذه الأمور والدین الذی تقدم ذکره وموالات أمیر المؤمنین علیه السلام {فادع واستقم کما أمرت }، ثم قال عز

ص: 189

وجل: { والذین یحاجون فی الله }" أی یحتجون علی الله بعدما شاء الله أن یبعث علیهم الرسل ، فبعث الله إلیهم الرسل والکتب فغیروا وبدلوا ، ثم یحتجون یوم القیامة " فحجتهم " علی الله " داحضة " أی باطلة " عند ربهم ".

: " قل " لهم یا محمد " لا أسألکم علیه أجرا " یعنی علی النبوة " إلا المودة فی القربی .

" قال: حدثنی أبی ، عن ابن أبی نجران ، عن عاصم بن حمید ، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول فی قول الله تعالی: " قل لا أسئلکم علیه أجرا إلا المودة فی القربی " یعنی فی أهل بیته .

قال: جاءت الأنصار إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقالوا: إنا قد آوینا ونصرنا فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها علی ما أنابک ، فأنزل الله تعالی: " قل لا أسئلکم علیه أجرا " یعنی علی النبوة " إلا المودة فی القربی " یعنی فی أهل بیته ، ثم قال: ألا تری أن الرجل یکون له صدیق وفی نفس ذلک الرجل شئ علی أهل بیته فلا یسلم صدره ؟

فأراد

الله أن لا یکون فی نفس رسول الله شئ علی أمته ، فعرض ( ففرض ) علیهم المودة فی القربی، فإن أخذوا أخذوا مفروضا ، وإن ترکوا ترکوا مفروضا ، قال: فانصرفوا من عنده وبعضهم یقول: عرضنا علیه أموالنا فقال: قاتلوا عن أهل بیتی من بعدی ، وقالت طائفة: ما قال هذا رسول الله صلی الله علیه و آله وجحدوه ، وقالوا کما حکی الله: " أم یقولون افتری علی الله کذبا " فقال الله تعالی: " فإن یشأ الله یختم علی قلبک " قال: لو افتریت " ویمح الله

ص: 190

الباطل " یعنی یبطله " ویحق الحق بکلماته " یعنی بالأئمة والقائم من آل محمد صلی الله علیه و آله ((1)) .

وجاءت الشریعة الاسلامیة للانبیاء واحدا بعد آخر باقامة الدین والثبات علیه والتزام الوحدة والاتحاد للمؤمنین .

وقد استعظم الکفار دینکم والله ینتخب الیه من یشاء من عباده ممن ینضم الی ولایة علی علیه السلام .

{ وَمَا تَفَرَّقُوا إلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ وَلَوْلا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ إلَی أجَل مُسَمّیً لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ وَإنَّ الَّذِینَ اُورِثُوا الکِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ مُرِیب }_سورة الشوری 14 .

{ وَمَا تَفَرَّقُوا إلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ } :

کنایة عن الذین نقضوا أمر رسول الله صلی الله علیه و آله ثم قال: ( فلذلک فادع ) یعنی لهذه الأمور والدین الذی تقدم ذکره وموالاة أمیر المؤمنین علیه السلام .

وجاء فی سورة الجاثیة ( 45 ): الآیات 17 الی 19 :

{ وآتَیْناهُمْ بَیِّناتٍ مِنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ إِنَّ رَبَّکَ یَقْضِی بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیه یَخْتَلِفُونَ ( 17 ) ثُمَّ جَعَلْناکَ عَلی شَرِیعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْها ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ ( 18 ) إِنَّهُمْ لَنْ

ص: 191

یُغْنُوا عَنْکَ مِنَ اللَّه شَیْئاً وإِنَّ الظَّالِمِینَ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ واللَّه وَلِیُّ الْمُتَّقِینَ ( 19 ) } سورة الجاثیة .

قال لم یتفرقوا بجهل ولکنهم تفرقوا لما جاءهم العلم وعرفوه فحسد بعضهم بعضا وبغی بعضهم علی بعض لما رأوا من تفاضل أمیر المؤمنین علیه السلام بأمر الله فتفرقوا فی المذاهب وأخذوا بالآراء والأهواء ((1)) .

{ وَلَوْلا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ إلَی أجَل مُسَمّیً لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ }: وقال تعالی :{ وَلَقَدْ سَبَقَتْ کَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِینَ 171 إنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ 172 وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ } 173_سورة الصافات .

وقال تعالی: وَلَقَدْ آتَیْنَا مُوسَی الکِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِیهِ وَلَوْلا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ وَإنَّهُمْ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ مُرِیب 45 _ سورة فصلت .

المفسر القمی: قال عز وجل: ( ولولا کلمة سبقت من ربک إلی أجل مسمی لقضی بینهم ) قال: لولا أن الله قد قدر ذلک أن یکون فی التقدیر الأول لقضی بینهم إذا اختلفوا وأهلکهم ولم ینظرهم ولکن أخرهم إلی أجل مسمی مقدر .

ای کان ذلک فی علم الله السابق ان یختلفوا ویبعث فیهم الأنبیاء والأئمة

من بعد الأنبیاء ولولا ذلک لهلکوا عند اختلافهم ((2)) .

ص: 192

الطوسی: معناه ولولا خبر الله السابق بأنه یؤخر الجزاء إلی یوم القیامة لما فی ذلک من المصلحة ، لجعل الثواب والعقاب لأهله .

( والکلمة ) واحدة الکلم ولذلک ، یقال للقصیدة: کلمة

. ثم أخبر عن حال کفار قوم النبی صلی الله علیه و آله أنهم لفی شک مما أخبرناک به مریب((1)) .

{وَإنَّ الَّذِینَ اُورِثُوا الکِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ مُرِیب} 14.

المفسر القمی المتوفی سنة 307 هج: کنایة عن الذین نقضوا أمر رسول الله صلی الله علیه و آله ثم قال: ( فلذلک فادع ) یعنی لهذه الأمور والدین الذی تقدم ذکره وموالاة أمیر المؤمنین علیه السلام ( واستقم کما أمرت )((2)) .

الطوسی المتوفی سنة 460 هج: ( قال السدی: یعنی الیهود والنصاری من بعد الذین أورثوا الکتاب الذی هو القرآن ( لفی شک منه مریب ) أی من الدین .

ص: 193

وقال غیره: الذین أورثوا الکتاب من بعد الیهود والنصاری فی شک من الدین مریب ، وهم الذین کفروا بالقرآن وشکوا فی صحته وانه من عند الله من سائر الکفار والمنافقین) ((1)) .

وعاصر المفسر القمی الأئمة علی الهادی والحسن العسکری والمهدی علیهم السلام فهو اقرب الی عصر المعصومین ولم یکن البعض کذلک .

وکان المفسر علی بن ابراهیم القمی ینقل روایات الأئمة فی تفسیره للقرآن الکریم .

{ فَلِذَلِکَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ کَمَا اُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ مِنْ کِتَاب وَاُمِرْتُ لاِعْدِلَ بَیْنَکُمْ اللّهُ رَبُّنَا وَرَبُّکُمْ لَنَا أعْمَالُنَا وَلَکُمْ أعْمَالُکُمْ لا حُجَّةَ بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمْ اللّهُ یَجْمَعُ بَیْنَنَا وَإلَیْهِ المَصِیرُ } 15 _سورة الشوری .

القمی: (واستقم کما أمرت ) یعنی إلی أمیر المؤمنین علیه السلام ( ولا تتبع أهواءهم ) فیه ((2)) .

وَلا تَتَّبِعْ أهْوَاءَهُمْ: أهواء رجال السقیفة المغتصبین خلافة الامام علی علیه السلام

ص: 194

القمی: علی بن إبراهیم: حدثنی أبی ، عن علی بن مهزیار ، عن بعض أصحابنا ، عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق ( علیه السلام ) ، فی قول الله تعالی: ( أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ ) ، قال: « الإمام ( ولا تَتَفَرَّقُوا فِیه ) کنایة عن أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) ، ثم قال: ( کَبُرَ عَلَی الْمُشْرِکِینَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَیْه ) من ولایة علی علیه السلام ( اللَّه یَجْتَبِی إِلَیْه مَنْ یَشاءُ ) کنایة عن علی ( علیه السلام )

( ویَهْدِی إِلَیْه مَنْ یُنِیبُ ) ، ثم قال: ( فَلِذلِکَ فَادْعُ ) یعنی إلی ولایة علی أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) ، ( ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) فیه ( وقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّه مِنْ کِتابٍ وأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَیْنَکُمُ اللَّه رَبُّنا ورَبُّکُمْ ) إلی قوله: ( وإِلَیْه الْمَصِیرُ ) ((1)) .

{ وَالَّذِینَ یُحَاجُّونَ فِی اللّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِیبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ } 16 _سورة الشوری .

القمی: أی: یحتجون علی الله بعدما شاء الله أن یبعث علیهم الرسل ، فبعث الله إلیهم الرسل والکتب ، فغیروا وبدلوا ، ثم یحتجون یوم القیامة ، فحجتهم علی الله داحضة ، أی: باطلة عند ربهم ((2)) .

العاصون لله تعالی لا حجة ولا منطق لهم وعلیهم غضب الرحمن .

یقول الله تعالی إن ( الذین یحاجون فی الله ) أی یجادلون فی الله بنصرة

مذهبهم ( من بعد ما استجیب له ) وقیل فی معناه قولان :

ص: 195

أحدهما_ من بعد ما استجاب له الناس لظهور حجته بالمعجزات التی أقامها الله_ عز وجل_ والآیات التی أظهرها الله فیه ، لأنهم بعد هذه الحال فی حکم المعاندین بالبغی والحسد .

قال مجاهد: کانت محاجتهم بأن قالوا: کتابنا قبل کتابکم ، ونبینا قبل نبیکم ، ونحن أولی بالحق منکم ، فلذلک قال الله تعالی " حجتهم داحضة " لان ما ذکروه لا یمنع من صحة نبوة نبینا بأن ینسخ الله کتابهم وما شرعه النبی الذی کان قبله ((1)) .

( وعلیهم غضب ولهم عذاب شدید ) بمعاندتهم .

وقال نجاح الطائی: استجاب الله تعالی للبشر فی ارساله الانبیاء الیهم وبلسانهم لکن الیهود والنصاری بدَّلوا وغیَّروا فی کتبهم وأحادیث انبیائهم مثلما فعل المخالفون فی الاسلام .

وهؤلاء سوف یحتجون علی الله تعالی یوم القیامة بتراثهم الدینی المزور فقال الباری عنهم:

{حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ } .

{اللّهُ الَّذِی أنْزَلَ الکِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِیزَانَ و َمَا یُدْرِیکَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِیبٌ } 17 _سورة الشوری .

ص: 196

المیزان: أمیر المؤمنین والدلیل علی ذلک فی قوله فی سورة الرحمن: (والسماء رفعها ووضع المیزان) . یعنی الإمام ((1))

.

لذا قال النبی صلی الله علیه و آله : أیها الناس أوصیکم فی عترتی وأهل بیتی خیراً فإنهم مع الحق والحق معهم وهم الأئمة الراشدون بعدی والامناء المعصومون عدد نقباء بنی اسرائیل وحواری عیسی تسعة من صلب الحسین ومنهم مهدی هذه الامة ((2)) .

ابو بکر ابن مردویه الشافعی: وروی أحمد بن موسی بن مردویه الشافعی من الجمهور, من عده طرق, عن عائشة: أن رسول الله قال: الحق مع علی وعلی مع الحق, لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض ((3)) .

ص: 197

وقال نجاح الطائی: من کان الحق معه وهو مع الحق فهو میزان الاسلام یوزن به الناس .

وکی یوضح النبی صلی الله علیه و آله أن الامام علیا علیه السلام هو المیزان الالهی لتقییم المسلمین فقد قال الحدیث الاتی: روی مسلم فی صحیحه :

قال النبی صلی الله علیه و آله : یا علی لا یحبک الا مؤمن تقی , ولا یبغضک الا منافق شقی ((1)) .

ص: 198

ص: 199

وذکر الترمذی والذهبی الکردی عن أبی سعید وجابر الانصاری حدیث النبی صلی الله علیه و آله : ما کنا نعرف منافقی هذه الأمة الا ببغضهم علیاً ((1)) .

{ یَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِینَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَیَعْلَمُونَ أنَّهَا الحَقُّ ألا إنَّ الَّذِینَ یُمَارُونَ فِی السَّاعَةِ لَفِی ضَلال بَعِید} 18 _سورة الشوری .

وقوله تعالی: ( یَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِها ) کنایة عن القیامة فإنهم کانوا یقولون لرسول الله ( صلی الله علیه و آله ): أقم لنا الساعة وائتنا بما تعدنا من العذاب إن کنت من الصادقین ، قال الله: ( أَلا إِنَّ الَّذِینَ یُمارُونَ فِی السَّاعَةِ ) أی یخاصمون ((2)) .

لا أحد یعلم موعد یوم القیامة والکفار یستعجلون بها من حمقهم وجهلهم والمؤمنون خائفون منها محترمون لها لعلمهم بوقوعها الحتمی .

ومن تحدی الکفار للقیامة قولهم للنبی صلی الله علیه و آله : {فَأتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إنْ کُنتَ مِنَ الصَّادِقِینَ70}_الاعراف .

ص: 200

وقال تعالی: {وَاشْدُدْ عَلَی قُلُوبِهِمْ فَلا یُؤْمِنُوا حَتَّی یَرَوُا العَذَابَ

الألِیمَ }88 _یونس .

و{قَالَ } فرعون عند غرقه: {آمَنْتُ أنَّهُ لا إلَهَ إلا الَّذِی آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِیلَ وَأنَا مِنَ المُسْلِمِینَ90 } .

وفی قضیة فرعون {أالآنَ } آمنت {وَقَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ وَکُنْتَ مِنَ المُفْسِدِینَ(91) } سورة یونس .

والعجلة: تقدیم الشئ قبل وقته ، وهو مذموم

. والسرعة: تقدیم الشئ فی أقرب أوقاته ، وهو محمود والاستعجال طلب الشئ قبل وقته الذی حقه أن یکون فیه دون غیره .

روی عن عطاء: أنّ النضر بن الحرث وأضرابه استعجلوا العذاب من الرسول صلی الله علیه و آله ، إنکارا واستهزاء ، ویقولون: متی هذا الوعد ؟ فأراد اللَّه سبحانه زجرهم ونهیهم عن الاستعجال ، فقدّم أوّلا ذمّ الإنسان علی إفراط العجلة ، وأنّ لزومها له علی وجه کأنّه مطبوع علیها ، فقال :

( خُلِقَ الإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ ) کأنّه قیل: لیس ببدع منکم أن تستعجلوا العذاب ، فإنّ إفراط العجلة من الإنسان ، وقلَّة تأنّیه فی الأمور ، علی وجه کأنّه خلق منه . وهذا کقولک :

خلق زید من الکرم ، فجعل ما لا ینفکّ عنه إلَّا نادرا بمنزلة المطبوع منه ، مبالغة فی لزومه .

ومن عجلته مبادرته إلی الکفر واستعجال الوعید .

ص: 201

{ لَوْ یَعْلَمُ الَّذِینَ کَفَرُوا حِینَ لا یَکُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ یُنْصَرُونَ 3 بلْ تَأتِیهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا یَسْتَطِیعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ یُنظَرُونَ } 40 _سورة الأنبیاء .

الکفار مستعجلون ولا ینظرون الی تدبیر الله تعالی فانظر کیف لا یستطیعون رد النار عن وجوههم وظهورهم ولا یساعدهم أحد .

بل تاتیهم النار بعجلة کما هم مستعجلون فتربکهم فلا یستطیعون ردها وابعادها .

وقوله: ( فلا یستطیعون ردها ولا هم ینظرون ) أی: یمهلون .

{ وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُل مِنْ قَبْلِکَ فَحَاقَ بِالَّذِینَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا کَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُونَ 41 }_سورة الأنبیاء .

وقال تعالی عن استعجال الکفار للعذاب الالهی:

{ قُلْ أرَأیْتُمْ إنْ أتَاکُمْ عَذَابُهُ بَیَاتاً أوْ نَهَاراً مَاذَا یَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المُجْرِمُونَ50* أثُمَّ إذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ أالآنَ وَقَدْ کُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ 51*ثُمَّ قِیلَ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلا بِمَا کُنْتُمْ تَکْسِبُونَ } 52_سورة یونس .

وقال النبی صالح علیه السلام : یا قوم لم تستعجلون بالسیئة قبل الحسنة و بالعذاب الالهی قبل الرحمة الالهیة وهذه هی نصیحة کل الأنبیاء لاممهم لکنهم لم یلتفتوا الی نصائحهم .

{ قَالُوا اطَّیَّرْنَا بِکَ وَبِمَنْ مَعَکَ قَالَ طَائِرُکُمْ عِنْدَ اللّهِ بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } 47 _سورة النمل .

ص: 202

{ وَیَقُولُونَ مَتَی هَذَا الوَعْدُ إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ 71 قُلْ عَسَی أنْ یَکُونَ رَدِفَ لَکُمْ بَعْضُ الَّذِی تَسْتَعْجِلُونَ } 72 _سورة النمل .

یستعجلون بالعذاب الاخروی لانهم لا یصدقون المعاد بسبب طغیانهم وغفلتهم واصرارهم علی محاربة الدین .

المراد بقوله سبحانه : ( رَدِفَ لَکُمْ )

هاهنا_ واللَّه أعلم_ أی عسی أن یکون العذاب الذی تتوقعونه قد قرب منکم . وهو فی آثارکم ، ولا حق بکم .

وقد قیل أیضا إن المراد بردف لکم . أی ردفکم . فصار العذاب فی الالتصاق بکم کالمرادف لکم . والمعنی واحد((1)) .

{ وَیَسْتَعْجِلُونَکَ بِالعَذَابِ وَلَوْلا أجَلٌ مُسَمّیً لَجَاءَهُمُ العَذَابُ وَلَیَأتِیَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا یَشْعُرُونَ 53 یَسْتَعْجِلُونَکَ بِالعَذَابِ وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالکَافِرِینَ 54 یَوْمَ یَغْشَاهُمُ العَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أرْجُلِهِمْ وَیَقُولُ ذُوقُوا مَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 55 _سورة العنکبوت .

طبیعة الکفار فی الامم الماضیة استعجالهم بالعذاب لکن الباری تعالی جعل لکل شیء أجلا وجعل لکل قوم امتحانا یتمثل فی فتن عدیدة ومع هذا فان العذاب سیأتیهم بَغْتَةً وَهُمْ لا یَشْعُرُونَ .

{ والذین یخاصمون فیها لفی ضلال بعبد } الشوری 18 .

وقد

أقبل النضر بن الحارث إلی بیته ، وشد علی راحلته ثم رکبها مغضبا وهو یقول: اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علینا حجارة من

ص: 203

السماء أو ائتنا بعذاب ألیم . فلما صار بظهر المدینة وإذا بطیر فی مخلبه جندلة فأرسلها علیه ، فوقعت علی هامته ، ثم دخلت فی دماغه ، وخرجت من جوفه ، ووقعت علی ظهر راحلته ، وخرجت من بطنها ، فاضطربت الراحلة وسقطت ، وسقط النضر بن الحارث من علیها میتین ، فأنزل الله تعالی :{ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْکافِرینَ لَیْسَ لَه دافِعٌ مِنَ اللَّه ذِی الْمَعارِجِ} ((1)) .

وقال نجاح الطائی: قال سید الانبیاء محمد صلی الله علیه و آله : الحمد لله الذی جعل اعداءنا من الحمقی .

لذا نری هؤلاء الکفار یتمنون الموت ویستعجلون یوم القیامة فی ردهم علی النبی محمد صلی الله علیه و آله .

وقد تحدی الکفارُ الانبیاءَ للمجیء بالمعاجز لیعلنوا اسلامهم, فجاءوا بها لکنهم نکثوا عهودهم بقبول الدین إن جاء بمعجزة وقالوا: سحر مستمر .

{ اللّهُ لَطِیفٌ بِعِبَادِهِ یَرْزُقُ مَنْ یَشَاءُ وَهُوَ القَوِیُّ العَزِیزُ } 19 _سورة

الشوری .

فی الکافی عن الصادق علیه السلام قیل له: الله لطیف بعباده یرزق من یشاء . قال : ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام قیل من کان یرید حرث الآخرة قال معرفة أمیر

ص: 204

المؤمنین والأئمة علیهم السلام قیل نزد له فی حرثه قال نزیده منها یستوفی نصیبه من دولتهم ومن کان یرید حرث الدنیا نؤته منها وما له فی الآخرة من نصیب قال لیس له فی دولة الحق مع الأمام نصیب ((1)) .

وجاءت آیات کثیرة عن الرزق فی القرآن منها:

{إنَّ اللّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِینُ } 58_الذاریات .

{ وَارْزُقْنَا وَأنْتَ خَیرُ الرَّازِقِینَ } 114_المائدة .

{ وَهُوَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ } 72_المؤمنون .

{ قُلْ إنَّ رَبِّی یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَیَقْدِرُ لَهُ } 39 _سورة سبأ .

البقرة " 2 " والله یرزق من یشاء بغیر حساب 212 .

آل عمران " " إن الله یرزق من یشاء بغیر حساب 37 .

هود " 11 " وما من دابة فی الأرض إلا علی الله رزقها 6 .

الرعد " 13 " الله یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر 26 .

الاسراء " 17 " إن ربک یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر إنه کان بعباده خبیرا بصیرا 30 .

الحج " 22 " لیرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خیر الرازقین 58 .

المؤمنون " 23 " وهو خیر الرازقین 72 .

النور " 24 " والله یرزق من یشاء بغیر حساب

38 .

ص: 205

{ مَنْ کَانَ یُرِیدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَه فِی حَرْثِه وَمَنْ کَانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِی الآخِرَةِ مِنْ نَصِیب20 } _سورة الشوری .

عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق ( علیه السلام ) ، قال: قلت: ( اللَّه لَطِیفٌ بِعِبادِه یَرْزُقُ مَنْ یَشاءُ ) ، قال: « ولایة أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) » .

قلت: ( مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الآخِرَةِ ) ، فقال: « معرفة أمیر المؤمنین والأئمة ( علیهم السلام ) » .

( نَزِدْ لَه فِی حَرْثِه ) قال: « نزیده منها » ، قال: « یستوفی نصیبه من دولتهم » ( ومَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا نُؤْتِه مِنْها وما لَه فِی الآخِرَةِ مِنْ نَصِیبٍ ) . قال: « لیس له فی دولة الحق مع القائم نصیب » ((1)) .

{أمْ لَهُمْ شُرَکَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّینِ مَا لَمْ یَأذَنْ بِهِ اللّهُ وَلَوْلا کَلِمَةُ الفَصْلِ لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ وَإنَّ الظَّالِمِینَ لَهُمْ عَذَابٌ ألِیمٌ }21_سورة الشوری .

{أمْ لَهُمْ شُرَکَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّینِ مَا لَمْ یَأذَنْ بِهِ اللّهُ } :

کالشرک وإنکار البعث والعمل للدنیا ((2)) .

ص: 206

والهمزة للتّقریر والتّقریع .

وقال تعالی: وَلَوْلا کَلِمَةُ الفَصْلِ لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ وَإنَّ الظَّالِمِینَ لَهُمْ عَذَابٌ ألِیمٌ 21*تَرَی الظَّالِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا کَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِی رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ لَهُمْ مَا یَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِکَ هُوَ الفَضْلُ الکَبِیرُ22*_الشوری.

{وَلَوْلا کَلِمَةُ الفَصْلِ لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ وَإنَّ الظَّالِمِینَ لَهُمْ عَذَابٌ ألِیمٌ }21 .

فی تفسیر علی بن إبراهیم وقوله عز وجل : ( ولولا کلمة الفصل لقضی بینهم ) قال : الکلمة الامام ، والدلیل علی ذلک قوله عز وجل : ( وجعلها کلمة باقیة فی عقبه لعلهم یرجعون ) یعنی الإمامة ثم قال عز وجل : ( وان الظالمین ) یعنی الذین ظلموا هذه الکلمة ( لهم عذاب الیم ) ثم قال عز وجل :

تری الظالمین یعنی الذین ظلموا آل محمد صلوات الله علیه وعلیهم حقهم مشفقین مما کسبوا أی خائفین مما ارتکبوا و عملوا وهو واقع بهم مما یخافونه ، ثم ذکر الله عز وجل الذین آمنوا بالکلمة واتبعوها فقال : والذین آمنوا وعملوا الصالحات فی روضات الجنات لهم ما یشاؤن عند ربهم ذلک هو الفضل الکبیر ذلک الذی یبشر الله عباده الذین آمنوا بهذه الکلمة_((1)) .

ص: 207

( ولولا کلمة الفصل لقضی بینهم ) . قال: ( لولا ما تقدم فیهم من الله عز ذکره ، ما أبقی القائم منهم أحدا ) ((1)) .

یعنی قائم کل عصر . ( وإن الظالمین لهم عذاب ألیم ) ((2)) .

الکلمة: الامام والدلیل قوله تعالی: (وجعلها کلمة باقیة فی عقبه لعلهم یرجعون ) ((3)) .

قال: لولا ما تقدم فیهم من الله عز ذکره بأن یؤخرهم الی یوم الحساب ما أبقی قائم کل عصر منهم أحدا .

{ وَإنَّ الظَّالِمِینَ }: الذین ظلموا هذه الکلمة { لَهُمْ عَذَابٌ ألِیمٌ21}.

«فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَات فَتَابَ علیه إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ ((4)) .

وفی روایة عن أهل البیت ان الکلمات التی توسل بها هی أسماء أهل البیت: روی الجمهور عن ابن عباس, قال: « سئل رسول الله عن الکلمات التی

ص: 208

تلقاها آدم من ربه, فتاب علیه, قال: سأله بحق محمد, وعلی, وفاطمة, والحسن, والحسین: إلا تبت علیَّ, فتاب علیه» ((1)) .

وقال النبی: « انتهت الدعوة إلی, وإلی علی, لم یسجد أحدنا قط لصنم, فاتخذنی نبیا واتخذ علیاً وصیا » ((2)) .

الدیلمی والسیوطی والبیهقی والحلبی: وأخرج نحواً منه علامة الشوافع السیوطی فی تفسیره: « أخرج ابن النجار عن ابن عباس قال: سألت رسول

ص: 209

الله صلی الله علیه و آله عن الکلمات التی تلقاها آدم من ربه فتاب علیه . قال: { سأل بحق محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین علیهم السلام إلا تبت علی, فتاب علیه }.

وروی خبرا طویلا أخرجه الدیلمی, وفیه أنه قال ( یعنی جبرئیل): فعلیک بهؤلاء الکلمات, فإن الله قابل توبتک وغافر ذنبک, قل: اللهم إنی أسألک بحق محمد وآل محمد, سبحانک لا إله إلا أنت, عملت سوءا وظلمت نفسی فاغفر لی انک أنت الغفور الرحیم, اللهم إنی أسالک بحق محمد وآل محمد سبحانک لا إله إلا أنت, عملت سوءاً وظلمت نفسی فتب علیَّ إنک أنت التواب الرحیم . فهذه الکلمات التی تلقاها آدم ((1)) .

ص: 210

{ تَرَی الظَّالِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا کَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِی رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ لَهُمْ مَا یَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِکَ هُوَ الفَضْلُ الکَبِیرُ } 22 _سورة الشوری .

{ تَرَی الظَّالِمِینَ }: لآل محمد حقهم {مُشْفِقِینَ مِمَّا کَسَبُوا } خائفین مما ارتکبوا وعملوا (وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ) . أی ما یخافونه ((1))

.

قال نجاح الطائی: لذا ندم ابو بکر علی اغتصابه الخلافة وقال معتذراً: إنَّ بیعتی کانت فلتة وقی الله شرّها وخشیت الفتنة وایم الله ما حرصت علیها یوماً قط ، ولقد قلدت امراً عظیماً مالی به طاقة ولا یدان ، ولوددت أن اقوی الناس علیه مکانی ، وقال تولیت علیکم ولست بافضلکم((2)) .

وفی ذلک اعتراف منه بافضلیة الامام علی ( علیه السلام ) علی الناس وهو أقوی الناس کافة وهو منهم . فهو مصداق العلم والحلم والشجاعة والفصاحة والعبادة والنسب والاسبقیة فی الاسلام والتربیة والصبر .

وقال ابو بکر: أما التی وددت أنی ترکتها ، فوددت أنِّی لم اکن کشفت بیت فاطمة علیها السلام وان کان اغلق علی حرب ، ووددت أنی یوم سقیفة بنی

ص: 211

ساعدة کنت قذفت الامر فی عنق احد الرجلین - عمر او ابی عبیدة - فکان امیراً وکنت وزیراً ((1)) .

ثم افصح ابو بکر عن ندمه فی تسلُّم سلطة مغصوبة واخذه فدکاً: بعد ان قالت له فاطمة الزهراء:

واللهِ لادعونَّ الله علیک فی کل صلاة أصلیها ، فخرج باکیاً فاجتمع إلیه الناس فقال لهم: یبیت کل رجل منکم معانقاً حلیلته مسروراً باهله ، وترکتمونی وما أنا فیه ، لا حاجة لی فی بیعتکم ، أقیلونی بیعتی ((2)) .

ومن علائم ندمه علی ما اوقع نفسه فیه أیضاً قوله: والله لوددت أنی کنت شجرة الی جانب الطریق مرَّ علیَّ جمل فاخذنی فادخلنی فاه فلاکنی ثم ازدردنی ، ثم اخرجنی بعراً ، ولم أکُ بشراً ((3)) .

وقال الله تعالی عن هذا الموضوع: {وَیَومَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَی یَدَیهِ یَقُولُ یَا لَیتَنی اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلا * یَاوَیلَتی لَیتَنی لَم أَتَّخِذ فُلاَناً خَلیلا * لَّقَد

ص: 212

أَضَلَّنی عَنِ الذِّکرِ بَعدَ إِذ جَآءَنِی وَکَانَ الشَّیطانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا } ((1)) .

والعیاشی عن الصادق ( علیه السلام ) فی ولایة علی ( علیه السلام ) وعنهما أمروا بطاعتنا ومعرفتنا کافة جمیعا ولا تتبعوا خطوت الشیطان بالتفرق والتفریق .

والعیاشی عن الصادق ( علیه السلام ) السلم ولایة علی والأئمة علیهم السلام والأوصیاء من بعده وخطوات الشیطان ولایة فلان وفلان, وفی روایة ولایة الثانی والأول ((2)) .

{ وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِی رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ لَهُمْ مَا یَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِکَ هُوَ الفَضْلُ الکَبِیرُ } 22 _سورة الشوری .

بینما تجد المتقین الصالحین فی جنان الله العالیة ینهلون ما وهبهم تعالی ویتنعمون بالنعیم الذی لا یحد فی حدود جزاءا لاعمالهم الصالحة وخدماتهم الحسنة للفقراء والمستضعفین .

{ ذَلِکَ الَّذِی یُبَشِّرُ اللّهُ عِبَادَهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أسْألُکُمْ عَلَیْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِی القُرْبَی وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیهَا حُسْناً إنَّ اللّهَ غَفُورٌ شَکُورٌ

} 23 _سورة الشوری .

{ ذَلِکَ الَّذِی یُبَشِّرُ اللّهُ عِبَادَهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} :

قال الامام الباقر علیه السلام : نزلت فی حق أهل البیت (علیهم السلام) ((3)) .

ص: 213

{ قُلْ لا أسْألُکُمْ عَلَیْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِی القُرْبَی }:

قال الرازی والعسقلانی والواحدی: قالوا یا رسول الله صلی الله علیه و آله : أی قرابتک الذی افترض الله تعالی علینا مودتهم ؟

قال رسول الله صلی الله علیه و آله : علی وفاطمة وولدهم یقولها ثلاث مرّات ((1))

.

ص: 214

وجاء: أن الانصار اجتمعوا إلی رسول الله صلی الله علیه و آله , فقالوا: یا رسول الله صلی الله علیه و آله إنک قد جئتنا بخیر الدنیا والآخرة وهذه أموالنا خذها إلیک جزاءاً لما جئتنا به, فأنزل الله عزوجل:

(قُل لاَّ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی) .

یعنی علی ما جئتکم به إلاّ المودة فی القربی .

وقال عبد الله بن عباس: لما نزل ذلک اجتمع الناس إلی رسول الله صلی الله علیه و آله , فقالوا: یا رسول الله صلی الله علیه و آله من قرابتک الذین فرض الله عزوجل علینا مودتهم ؟

فقال صلی الله علیه و آله : علی وفاطمة وولدهما . فنص النبی صلی الله علیه و آله علی بیان ذلک من قرابته المذکورة مودتهم والمأثور بها .

بینما حارب البعض أهل البیت وقتلوهم عصیانا للامر القرآنی والنبوی:

وفرحت عائشة بمقتل أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب( علیه السلام ) واعلنت السرور وقالت:

فألقت عصاها واستقرَّ بها النوی***کما قرَّ عیناً بالإیاب المسافر

وسجدت شکراً لله تعالی((1)) .

وقال أبو جعفر المنصور :کان أهل الشام کلما أصبحوا لعنوا علیا علیه السلام فی مساجدهم لأن کلهم خوارج وأصحاب معاویة ((2)) .

ص: 215

وقبل لرجل: فلان یغتابک: فقال: دعنی یسترفعنی الله بذلک فمن أکثرت فیه الوقیعة رفعه الله فان بنی أمیة لعنوا علیا علی المنابر فما زاده الا رفعه ((1)).

{وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیهَا حُسْناً } :

قال النبی صلی الله علیه و آله : اقتراف الحسنة مودّتنا اهل البیت .

و قال النبی صلی الله علیه و آله : « احفظونی فی قرابتی » ((2)) .

« الاقتراف: التسلیم لنا والصدق علینا وألا یکذب علینا روی إبراهیم بن معقل النسفی الحنفی المتوفی سنة 295 هج فی تفسیره عن سعید بن جبیر عن ابن عابس قال: لما نزل قول الله تعالی:

(قل لا أسألکم علیه أجراً إلا المودة فی القربی) .

ص: 216

قالوا یا رسول الله صلی الله علیه و آله أی قرابتک الذی افترض الله تعالی علینا مودتهم؟

قال رسول الله صلی الله علیه و آله : علی وفاطمة وولدهم یقولها ثلاث مرّات ((1))

.

: " قل " لهم یا محمد " لا أسألکم علیه أجرا " یعنی علی النبوة " إلا المودة فی القربی .

" قال: حدثنی أبی ، عن ابن أبی نجران ، عن عاصم بن حمید ، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول فی قول الله تعالی: " قل لا أسئلکم علیه أجرا إلا المودة فی القربی " یعنی فی أهل بیته .

قال:

جاءت الأنصار إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقالوا: إنا قد آوینا ونصرنا فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها علی ما أنابک ، فأنزل الله تعالی: " قل لا أسئلکم

ص: 217

علیه أجرا " یعنی علی النبوة " إلا المودة فی القربی " یعنی فی أهل بیته ، ثم قال: ألا تری أن الرجل یکون له صدیق وفی نفس ذلک الرجل شئ علی أهل بیته فلا یسلم صدره ؟ فأراد الله أن لا یکون فی نفس رسول الله شئ علی أمته ، فعرض ( ففرض ) علیهم المودة فی القربی ، فإن أخذوا أخذوا مفروضا ، وإن ترکوا ترکوا مفروضا ، قال: فانصرفوا من عنده وبعضهم یقول: عرضنا علیه أموالنا فقال: قاتلوا عن أهل بیتی من بعدی ، وقالت طائفة: ما قال هذا رسول الله صلی الله علیه و آله وجحدوه ، وقالوا کما حکی الله: " أم یقولون افتری علی الله کذبا " فقال الله تعالی: " فإن یشأ الله یختم علی قلبک " قال: لو افتریت " ویمح الله الباطل " یعنی یبطله " ویحق الحق بکلماته " یعنی بالأئمة والقائم من آل محمد صلی الله علیه و آله ((1)) .

الفقیه الشافعی: وروی ابن کثیر اسماعیل القرشی الدمشقی الفقیه الشافعی, فی تفسیره عن ابی إسحاق السبیعی قال: سألت عمرو بن شعیب عن قوله تعالی: (قل لا أسألکم علیه أجراً إلا المودة فی القربی) .

فقال: قربی النبی صلی الله علیه و آله

((2))

.

ونقل سید قطب فی تفسیره (فی ظلال القرآن) عند تفسیر هذه الآیة - إلی أن قال -: قال عبد الملک بن میسرة, سمعت طاووساً یحدث عن ابن عباس

ص: 218

أنه سئل عن قوله تعالی: (إلا المودة فی القربی) فقال سعید بن جبیر: قربی آل محمد((1)) .

تفسیر الجلالین: وقال فی تفسیر الجلالین عند تفسیر هذه الآیة:

«الاستثناء منقطع, أی: لکن أسألکم أن تودوا قرابتی((2)) .

ابن الصباغ: وذکر ذلک أیضاً عالم المالکیة ابن الصباغ((3)) و ابن إبراهیم الحموینی((4)) .

الخوارزمی الحنفی: وأخرج عالم الحنفیة موفق بن أحمد الخوارزمی الحنفی أخطب الخطباء فی کتابه (المناقب) ((5)) .

وفی کتاب (نبذة فی مناقب أمیر المومنین من کتب السنة) عن کتاب (فردوس الاخیار) لابن شیرویه أبی شجاع الدیلمی, عن جابر بن عبد الله الأنصاری, قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

ص: 219

«جاءنی جبرئیل بورقة من آس خضراء مکتوب فیها ببیاض إنی افترضت محبة علی بن أبی طالب علیه السلام علی خلقی فبلغهم ذلک عنی » ((1)) .

القندوزی الحنفی: وأخرج الحافظ القندوزی الحنفی باسناده عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قالوا له: من هؤلاء الذین وجبت علینا مودتهم؟

قال صلی الله علیه و آله : علی وفاطمة وولدهما((2)) .

وقال الإمام الحافظ أبو القاسم الکلبی القرناطی فی تفسیره عند هذه الآیة

والمعنی: إلا أن تودا أقاربی, وتحفظونی فیهم, والمقصد علی هذا وصیة بأهل البیت((3)) .

السیوطی والطبرانی: وفی کتاب النقول للسیوطی - بهامش تنویر المقیاس - أخرج عن الطبرانی عن ابن عباس قال: قالت الأنصار: لو جمعنا لرسول الله صلی الله علیه و آله , مالاً, فانزل الله:

(قل لا أسألکم علیه أجراً إلا المودة فی القربی) .

فقال بعضهم: انه قال هذا لیقاتل عن أهل بیته وینصرهم((4)) .

ومنهم مفسر الشوافع جلال الدین بن أبی بکر السیوطی فی تفسیره الکبیر((5))

ص: 220

{إنَّ اللّهَ غَفُورٌ شَکُورٌ23 }_سورة الشوری .

یغفر لمن یشاء من عباده المستحقین ما یشاء .

{ أمْ یَقُولُونَ افْتَرَی عَلَی اللّهِ کَذِباً فإنْ یَشَأ اللّهُ یَخْتِمْ عَلَی قَلْبِکَ وَیَمْحُ اللّهُ البَاطِلَ وَیُحِقُّ الحَقَّ بِکَلِمَاتِهِ إنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ24 وَهُوَ الَّذِی یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَیَعْفُو عَنِ السَّیِّئَاتِ وَیَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } 25 _سورة الشوری .

{ أمْ یَقُولُونَ افْتَرَی عَلَی اللّهِ کَذِباً } :

ذکر أبو حمزة الثمالی فی تفسیره: حدثنی عثمان بن عمیر

عن سعید بن جبیر عن عبد الله بن عباس ان رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) حین قدم المدینة واستحکم الإسلام قالت الأنصار فیما بینها: نأتی رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) فنقول له إن تعرک ((1)) أمور فهذه أموالنا تحکم فیها من غیر حرج ولا محظور علیک فأتوه فی ذلک .

فنزلت ( قل لا أسئلکم علیه أجرا إلا المودة فی القربی ) فقرأها علیهم وقال: تودون قرابتی من بعدی فخرجوا من عنده مسلمین لقوله ، فقال المنافقون: إن هذا لشئ افتراه فی مجلسه أراد بذلک أن یذللنا لقرابته من بعده فنزلت: ( أم یقولون افتری علی الله کذبا ) فأرسل إلیهم فتلاها علیهم فبکوا واشتد علیهم فأنزل الله ( وهو الذی یقبل التوبة عن عباده ) الآیة ، فأرسل فی

ص: 221

أثرهم فبشرهم وقال: ( ویستجیب الذین آمنوا ) وهم الذین سلموا لقوله ((1)) .

تفسیر القرطبی :قال ابن عباس: لما قدم النبی ( صلی الله علیه و آله ) المدینة کانت تنوبه نوائب وحقوق لا یسعها ما فی یدیه ، فقالت الأنصار: ان هذا الرجل هداکم الله به وهو ابن أخیکم ، وتنوبه نوائب وحقوق لا یسعها ما فی یدیه فنجمع له ففعلوا ، ثم أتوه به فنزلت ( قل لا أسئلکم ) الآیة .

وقال ابن عباس: لما نزل قوله تعالی: ( قل لا أسئلکم علیه أجرا إلا المودة فی القربی ) قال قوم فی نفوسهم: ما یرید إلا أن یحثنا علی أقاربه من بعده ، فأخبر جبرئیل النبی ( صلی الله علیه و آله ) ، وانهم قد اتهموه فأنزل ( أم یقولون افتری علی الله کذبا ) الآیة ، فقال القوم: یا رسول الله ، فإنا نشهد أنک صادق ونتوب . فنزلت:

( وهو الذی یقبل التوبة عن عباده ) ((2)) .

{ فَإنْ یَشَأ اللّهُ یَخْتِمْ عَلَی قَلْبِکَ وَیَمْحُ اللّهُ البَاطِلَ وَیُحِقُّ الحَقَّ بِکَلِمَاتِهِ}: یعنی بالنبی وبالأئمة والقائم من آل محمد صلی الله علیه و آله ((3))

.

{ إنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } 24 _سورة الشوری .

یعلم ما فی صدور الناس من خیر وشر .

ص: 222

عن ابن عباس أن هذه الآیات نزلت عندما أقدم بعض المسلمین_ بسبب ما کان بینهم وبین الیهود من الصداقة أو القرابة أو الجوار أو الحلف أو الرضاع – علی ذکر أسرار المسلمین عندهم ، وبهذا کان الیهود الذین یتظاهرون بالمودة للمسلمین_ وهم ألد أعداء الإسلام فی باطنهم_ یطلعون علی أسرار المسلمین ، فنزلت هذه الآیات تحذر أولئک الرجال من المسلمین من مغبة هذه الصداقات والعلاقات ، وتوصیهم بأن لا یتخذوا الیهود بطانة یسرون إلیهم بأسرارهم ، لأنهم لا یتورعون عن استخدام کل وسیلة ممکنة_ حتی هذه الأسرار_ لإلحاق الأذی والضرر بکم ، لأنهم یهمهم_ دائما_ أن تکونوا فی نصب وتعب ومحن ومشاکل ، وعناء وشقاء

قال تعالی فی هذا الشأن:

{یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِکُمْ لا یَألُونَکُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِی صُدُورُهُمْ أکْبَرُ قَدْ بَیَّنَّا لَکُمُ الآیَاتِ إنْ کُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } 118_آل عمران .

{ لِتَعْلَمُوا أنَّ اللّهَ یَعْلَمُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ وَأنَّ اللّهَ بِکُلِّ شَیْء عَلِیمٌ } 97*_المائدة .

{ مَا عَلَی الرَّسُولِ إلا البَلاغُ وَاللّهُ یَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَکْتُمُونَ }99

_المائدة .

وقال نجاح الطائی: اکثر الناس یعتقدون بأن الله تعالی لا یعلم بکل شیء فی الارض وفی السماء لذا اتهموا النبی صلی الله علیه و آله بتقوله علی الله وتنصیبه علیا علیه السلام اماما وخلیفة للمسلمین من عنده ولیس من الله تعالی .

ص: 223

وأکثر الناس یفعلون الزنا والشذوذ وقتل الابریاء والسرقة والخیانة اعتقادا منهم بأن الله لا یری أعمالهم !!!

علیه فقد جاءت آیات کثیرة تبین معرفة الباری تعالی بما فی السماوات والارض وبما فی صدور البشریة أجمعین .

{ َهُوَ الَّذِی یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَیَعْفُو عَنِ السَّیِّئَاتِ وَیَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } 25 _سورة الشوری .

الاستغفار طلب الغفران عن الماضی, والتوبة تدل علی الندم عما فعله من ذنوب وتأکید علی ترک الذنوب کافة .

{وَیَسْتَجِیبُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَیَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالکَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ } 26 _سورة الشوری .

{وَیَسْتَجِیبُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَیَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}وهم الذین سلموا لقوله ((1)) .

روی الحافظ الحسکانی قال حدثنی علی بن موسی بن إسحاق باسناده عن عکرمة, عن ابن عباس قال:

ما فی القرآن آیة: (الذین آمنوا وعملوا الصالحات ) .

إلا وعلی علیه السلام أمیرها وشریفها, وما من أصحاب محمد صلی الله علیه و آله رجل إلا وقد عاتبه الله, وما ذکر علیاً إلا بخیر((2)) .

ص: 224

{ وَالکَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ } 26 _سورة الشوری .

لاصرارهم علی فعل المعاصی وانکار الخالق ونفی المعاد .

وعن أخلاق الکافرین والمنافقین : روی أنه سئل النبی صلی الله علیه و آله عن العتل والزنیم فقال : هو الشدید الخلق الشحیح الأکول الشروب الواجد للطعام والشراب الظلوم للناس ، الرحیب الجوف ((1)) .

{ وَلَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِی الأرْضِ وَلَکِنْ یُنَزِّلُ بِقَدَر مَا یَشَاءُ إنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِیرٌ بَصِیرٌ } 27 _سورة الشوری .

لو کثر خیر العباد لبطروا وأسرفوا ونسوا رب العالمین وأصبحوا من الطغاة . فواحدة من صفات الطغاة الشرک بالله تعالی والاسراف فی الاموال والاستبداد وظلم العباد واراقة دماء الابریاء والفساد فی الارض .

قال الصادق علیه السلام : لو فعل لفعلوا ولکن جعلهم محتاجین بعضهم إلی بعض واستعبدهم بذلک ولو جعلهم أغنیاء لبغوا ( ولکن ینزل بقدر ما یشاء ) مما یعلم أنه یصلحهم فی دینهم ودنیاهم ( إنه بعباده خبیر بصیر ) .

{ وَلَکِنْ یُنَزِّلُ بِقَدَر مَا یَشَاءُ إنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِیرٌ بَصِیرٌ } 27 :

لذا قدر سبحانه الرزق علی البشریة وحددها کی یعبدوه ویدعوه

لارزاقهم .

مما یعلم أنه یصلحهم فی دینهم ودنیاهم { انه بعباده خبیر بصیر } .

ص: 225

{وَهُوَ الَّذِی یُنَزِّلُ الغَیْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَیَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِیُّ الحَمِیدُ } 28 _سورة الشوری .

روی العلامة البحرانی, عن إبراهیم بن محمد الحموینی الشافعی باسناده عن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیه السلام (علیهم

السلام) . قال فی حدیث :

«نحن أئمة المسلمین, وحجج الله علی العالمین, وسادة المؤمنین, وقادة الغر المحجلین, وموالی المؤمنین » . إلی أن قال علیه السلام : «وبنا ینزل الله الغیث, وینشر الرحمة, وتخرج برکات الأرض الخ » ((1)) .

وهذا المعنی موجود فی عشرات الاحادیث الشریفة ومنها حدیث الکساء الذی ورد بالطرق العدیدة والصحیحة عند الشیعة والسنة, ومن جملة عباراته: (قالت الملائکة یارب ومن تحت الکساء؟

قال الله عزوجل: هم فاطمة وابوها وبعلها وبنوها إلی أن یقول قال الله عزوجل: یاملائکتی وسکان سماواتی أنی ما خلقت سماءاً مبنیة, ولا أرضاً مدحیة, ولا قمراً منیراً ولا شمساً مضیئة, ولا فلکاً یدور, ولا بحراً یجری, ولا فلکاً تسری إلا لأجل الخمسة الذین هم تحت الکساء إلی آخره) ((2)) .

ص: 226

{ومِنْ آیَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثَّ فِیهِمَا مِنْ دَابَّة وَهُوَ عَلَی جَمْعِهِمْ إذَا یَشَاءُ قَدِیرٌ }29 _سورة الشوری .

ص: 227

وقال سبحانه: { َمِنْ آیاتِه ِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِکُمْ وَأَلْوانِکُمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لآیاتٍ لِلْعالِمِینَ وَمِنْ آیاتِه ِ مَنامُکُمْ بِاللَّیْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُکُمْ مِنْ فَضْلِه ِ إِنَّ فِی ذلِکَ لآیاتٍ لِقَوْمٍ یَسْمَعُونَ } [ سورة الرّوم: 22_ 23 ] .

وقوله: إِنَّ فِی السَّماواتِ وَالأَرْضِ لآیاتٍ لِلْمُؤْمِنِینَ وَفِی خَلْقِکُمْ وَما یَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آیاتٌ لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ [ سورة الجاثیة: 4 ] .

وقوله تعالی: وَاخْتِلافِ اللَّیْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّه ُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْیا بِه ِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِیفِ الرِّیاحِ آیاتٌ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ [ سورة الجاثیة: 5] .

وقوله: وَمِنْ آیاتِه ِ یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَیُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَیُحْیِی بِه ِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِی ذلِکَ لآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ [

سورة الرّوم: 24 ] .

وقوله: وَمِنْ آیاتِه ِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِه ِ ثُمَّ إِذا دَعاکُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ وَلَه ُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَالأَرْضِ کُلٌّ لَه ُ قانِتُونَ وَهُوَ الَّذِی یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُه ُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَیْه ِ وَلَه ُ الْمَثَلُ الأَعْلی فِی السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ [ سورة الرّوم: 25_ 27 ] .

وقال نجاح الطائی: من آیات الرحمن العظیمة خلق السماوات والارض بکل ما فیهما من أنظمة راقیة وکواکب زاهیة وهواء یحرک السفن والطائرات وغیرها ویستفاد منه فی أمور لا تحصی وما فی الارض من ماء یسیر الامور فی هذا الکوکب .

وجریان الهواء والماء فی الارض من عجائب رب العالمین ولکن أین الذین یتدبرون ویتفکرون .

ص: 228

ومن العجائب أن الماء یتکون من عنصرین من الهیدروجین وعنصر من الاوکسجین .

{وَمَا بَثَّ فِیهِمَا مِنْ دَابَّة وَهُوَ عَلَی جَمْعِهِمْ إذَا یَشَاءُ قَدِیرٌ } :أی من سائر أجناس الحیوان " وهو علی حشرهم إلی الموقف بعد إماتتهم قادر لا یتعذر علیه ذلک .

وتأنیث الدابّة جاء باعتبار النفس ، والنفس هنا تعنی کل ما یدبّ من ذی نفس حیّة متحرّکة فی الأرض والبحر أو فی السماء .

{ وَمَا أصَابَکُمْ مِنْ مُصِیبَة فَبِمَا کَسَبَتْ أیْدِیکُمْ وَیَعْفُو عَنْ کَثِیر }30 _سورة الشوری .

وقال تعالی فی هذا الموضوع : فَأهْلَکْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأنشَأنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِینَ6_الانعام .

یرتکب الانسان أحیانا مصائب مخالفة للشرع والعقل اذ یضع التقوی جانبا , فیتعرض الی فتن کثیرة وکبیرة .

عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) قال: سمعته یقول: إنی أحدثکم بحدیث ینبغی لکل مسلم أن یعیه ، ثم أقبل علینا فقال: ما عاقب الله عبدا مؤمنا فی هذه الدنیا إلا کان الله أحلم وأمجد وأجود من أن یعود فی عقابه یوم القیامة وما ستر الله علی عبد مؤمن فی هذه الدنیا وعفا عنه إلا کان الله أمجد وأجود وأکرم من أن یعود فی عقوبته یوم القیامة ، ثم قال

( علیه السلام ):

ص: 229

وقد یبتلی الله المؤمن بالبلیة فی بدنه أو ماله أو ولده أو أهله ثم تلا هذه الآیة ( وما أصابکم من مصیبة فبما کسبت أیدیکم ویعفوا عن کثیر ) وحثی بیده ثلاث مرات ((1)) .

وقال الرضا علیه السلام : اقرؤا ( وما أصابکم من مصیبة فبما کسبت أیدیکم ویعفوا عن کثیر ).

ما اقتدیت إلا بربی عز وجل فیکم ، وبرسول الله صلی الله علیه و آله وبأمیر المؤمنین علیه السلام ومن بعده من آبائی الطاهرین علیهم السلام عتبوا علیکم ، فاقتدیت بهم .

قالوا: لماذا یا بن رسول الله ؟

قال [ لهم ]: لدعواکم أنکم شیعة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام .

ویحکم إنما شیعته الحسن والحسین علیهما السلام وسلمان وأبی ذر والمقداد وعمار ومحمد بن أبی بکر ، الذین لم یخالفوا شیئا من أوامره ، ولم یرتکبوا شیئا من [ فنون ] زواجره .

فأما أنتم إذا قلتم أنکم شیعته ، وأنتم فی أکثر أعمالکم له مخالفون ، مقصرون فی کثیر من الفرائض [ و ] متهاونون بعظیم حقوق إخوانکم فی الله ، وتتقون حیث لا تجب التقیة ، وتترکون التقیة [ حیث لا بد من التقیة ] . لو قلتم أنکم موالوه ومحبوه ، والموالون لأولیائه ، والمعادون لأعدائه ، لم

أنکره من قولکم ، ولکن هذه مرتبة شریفة ادعیتموها ، إن لم تصدقوها قولکم بفعلکم هلکتم إلا أن تتدارککم رحمة [ من ] ربکم . قالوا: یا بن

ص: 230

رسول الله ، فانا نستغفر الله ونتوب إلیه من قولنا ، بل نقول_ کما علمنا مولانا_ نحن محبوکم ، ومحبو أولیائکم ، ومعادوا أعدائکم ((1)) .

وفسره أبو القسم البلخی فقال: ما أصاب المکلف من مصیبة

فهی کفارة ذنب صغیر ، أو عقوبة ذنب کبیر ، أو تأدیب وقع لأجل تفریط ، وقد قال النبی صلی الله علیه و آله : " ما من خدش بعود ، ولا اختلاج عرق ، ولا عثرة قدم ، إلا بذنب ، وما یعفو الله عنه أکثر " وقیل: ( فمن نفسک ) أی: من فعلک .

وقال علی بن عیسی: " وفی الآیة دلالة علی أن الله لا یفعل الألم إلا علی وجه اللطف ، أو العقاب ، دون مجرد العوض ، لان المصائب إذا کانت کلها من قبل ذنب العبد ، فهی إما أن تکون عقوبة ، وإما أن تکون من قبل تأدیب للمصلحة " .

وعن أبی إسحاق قال: قال علی ( علیه السلام ) :

لأحدثنکم بحدیث یحق علی کل مؤمن أن یعیه فحدثنا به غداة ونسیناه عشیة قال: فرجعنا إلیه فقلنا له:

الحدیث الذی حدثتنا به غداة نسیناه وقلت: هو حق علی کل مؤمن أن یعیه فأعده علینا ، فقال: انه ما من مسلم یذنب ذنبا فیعفو الله عنه فی الدنیا إلا کان أجل وأکرم من أن یعود علیه بعقوبة فی الآخرة وقد أجله فی الدنیا وتلا هذه الآیة: ( وما أصابکم من مصیبة فبما کسبت أیدیکم ویعفوا عن کثیر ) ((2)) .

ص: 231

وقال نجاح الطائی: ولا تعنی هذه الایة أن الفاسقین الظالمین مبتلون طیلة حیاتهم فی الدنیا بالامراض والمصائب والسجون وان المؤمنین مرفهون متنعمون فی الدنیا لیس عندهم مشکلة ومعضلة .

بل تجد کثیرا من المجرمین المشرکین مسرورین لم یضربهم تعالی بعقابه للکافرین والمنافقین بل یؤخرهم الی یوم القیامة :

{ وَلَوْ یُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَکَ عَلَیْهَا مِنْ دَابَّة وَلَکِنْ یُؤَخِّرُهُمْ إلَی أجَل مُسَمّیً فَإذَا جَاءَ أجَلُهُمْ لا یَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً وَلا یَسْتَقْدِمُونَ}

61_النحل .

{أوَ لَمْ یَهْدِ لِلَّذِینَ یَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِهَا أنْ لَوْ نَشَاءُ أصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ } 100_الاعراف .

وقد قال رسول الله: ان الله یمهل ولا یهمل .

وقال الامام علی علیه السلام : ان المرض یحط السیئات ویحتّها حتّ الاوراق .

وفی الخبر: ان المریض یخرج من مرضه نقیا .

أی ان المرض یصیب المتقین أیضا لیحط ذنوبهم ویطهرهم

.

{ وَمَا أنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ فِی الأرْضِ وَمَا لَکُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیر }31 _سورة الشوری .

مهما بلغ الانسان من ثراء مادی وعلو سیاسی وشهرة عالیة ومکانة راقیة فی الدنیا الفانیة فهو یحتاج الله تعالی ولا یمکنه الفرار من قبضته وهو فی حاجة الیه .

ولستم بفائتین عن الله فی الدنیا ، ولا فی الآخرة ، فاحذروا مخالفته .

ص: 232

روی: أنّ الملائکة تنزل فتحیط بجمیع الخلائق ، فإذا رآهم الجنّ والإنس هربوا ، فلا یأتون وجها إلَّا وجدوا الملائکة أحاطت به .

هذه الایة جاءت مثلما جاء فی قوله تعالی: ( یا معشر الجن والإنس ان استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا ) الرحمن: 33 .

{وَمَا لَکُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیر } :

یحمیکم من عقابه تعالی .

وکانت الناس تحتمی وتلتجأ الی القبائل والحکومات للفرار من عقاب الملاحقین لهم . ولکن من یحمی الفار من الله تعالی ؟

{ وَمِنْ آیَاتِهِ الجَوَارِی فِی البَحْرِ کَالأعْلامِ32 إنْ یَشَأ یُسْکِنِ الرِّیحَ فَیَظْلَلْنَ رَوَاکِدَ عَلَی ظَهْرِهِ إنَّ فِی ذَلِکَ لاَیَات لِکُلِّ صَبَّار شَکُور }33 _سورة الشوری .

ومن آیات الله تعالی السفن الجاریة فی البحار والمحیطات اعتمادا علی الماء والهواء سابقا والطاقة المکتشفة لاحقا مثل البترول والغاز والطاقة النوویة .

ومن طبیعة الریاح حرکتها المستمرة فی الارض فتنقل السحاب من البحار الی البلدان المختلفة وتحرک السفن لتجری فی الانهار و البحار والمحیطات .

{ أوْ یُوبِقْهُنَّ بِمَا کَسَبُوا وَیَعْفُ عَنْ کَثِیر } 34 _سورة الشوری .

یهلکهنّ ( بِمَا کَسَبُوا) أی بما کسب أصحابها ورکابها من جرائم وذنوب .

ص: 233

وضمیر التأنیث للجواری (السفن) التی تتحدث عنها الایة وضمیر التذکیر للناس لان العقوبات الالهیة تنزل علی المجرمین منهم .

{ وَیَعْلَمَ الَّذِینَ یُجَادِلُونَ فِی آیَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِیص }35 _سورة الشوری .

یعلم أی لیعلم علی حذف اللام ، والذین یجادلون فی آیات اللَّه هم الذین یقولون: لا شیء یدل علی ان اللَّه موجود ، أی ان الکافرین لا یؤمنون باللَّه ، ویکذبون حجج الله الواضحة .

وهو اخبار من الباری سبحانه عن الذین یجادلون فی إبطال آیات الله تعالی وطمرها سیعرفون سریعا انه لیس لهم محیص أی ملجأ یلجئون إلیه ولیس لهم مکان یفرون الیه .

وعن الایات الالهیة جاء:

قال تعالی :﴿ سَنُرِیهِمْ آَیَاتِنَا فِی الْآَفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ ﴾_ سورة فصلت الآیة: 53 : إذا ولدت المرأة الحامل ینزل مع الجنین قرص لحمی، هذا اسمه عند علماء الطب المشیمة، قرص لحمی یلقی فی المهملات بعد الولادة، لکن لو وقفنا وقفة متأنیة عند هذا القرص اللحمی الذی اسمه المشیمة، فی هذا القرص اللحمی تجتمع دورة دم الأم ودورة دم الجنین، الذی لا یصدق أن دم الأم ودم الجنین کل دم من زمرة، ومع ذلک دم الأم ودم الجنین فی هذا القرص لا یختلطان.

مثلاً: لو جاء مریض لمستشفی ولم نتأکد من زمرته الدمویة، سألناه فأجاب خطأ عن زمرته، أعطیناه دماً من زمرة أخری یموت فوراً بشیء

ص: 234

اسمه انحلال الدم، یموت فوراً، وهذا القرص المشیمة یسمی فی الشام الخلاص، هذا القرص تجتمع به دورة دم الأم ودورة دم الجنین ولا یختلطان، بین الدمین غشاء، هذا الغشاء سماه العلماء الغشاء العاقل، لأنه یقوم بأعمال یعجز عنها العقلاء، ماذا یفعل؟ أولاً: یأخذ الأوکسجین من دم الأم یضعه فی دم الجنین، فهذا الغشاء قام مقام جهاز التنفس والجنین فی بطن أمه، بطن الأم لا یوجد به هواء، معه رئتان ومعه أجهزة کاملة، لکن لا یوجد هواء، فالغشاء العاقل یقوم مقام جهاز التنفس، یأخذ الأوکسجین من دم الأم یضعه فی دم الجنین، الأوکسجین یقوم بدوره فی حرق المواد الروتینیة، ینشأ مادة اسمها حامض اللبن نتیجة الاستقلاب، الغشاء العاقل یأخذ حمض اللبن من دم الجنین یعطیه إلی دم الأم، فجزء من نفس الأم الحامل هو ثانی أکسید الکربون لجنینها، والله أقول لکم ولا أبالغ: لو جمعنا ألف طبیب من نخبة أطباء العالم بالأمراض النسائیة، لا یعرفون کم یحتاج الجنین من مواد، هذا الغشاء العاقل یأخذ من دم الأم المواد الغذائیة، بروتینات، شحوم، سکریات، یأخذ المواد الغذائیة إلی دم الجنین بنسب تتبدل کل ساعة، بحسب نمو الجنین، أی عقل هذا؟ غشاء یختار من دم الأم المواد المناسبة للجنین، وهذه النسب تزداد بحسب نمو الجنین کل ساعة، ولو جمعنا ألف طبیب نسائی، وسألنا هؤلاء الأطباء کم یحتاج الجنین الآن؟

لا أحد یعرف، لذلک سمی الغشاء بالغشاء العاقل، هذا الغذاء الذی نقله الغشاء العاقل من دم الأم وضعه فی دم الجنین یهضم، أی هناک حالة اسمها الاستقلاب، یتحول إلی طاقة، وهناک فضلات، الفضلات أیضاً یأخذها

ص: 235

الغشاء العاقل إلی دم الأم، لما أعطاه الأوکسجین أخذ غاز الفحم، لما أعطاه مواد غذائیة أخذ المواد الأخری، حمض البول، أرجعه إلی دم الجنین.

الآن الغشاء العاقل یأخذ عوامل مناعة الأم، الأم عمرها ثلاثون، أربعون سنة، أخذت لقاحات لأمراض کثیرة، صار عندها مناعة ضد کل هذه الأمراض، الغشاء العاقل یأخذ عوامل مناعة الأم من دم الأم یضعها فی دم الجنین فالجنین محصن من کل مادة تؤذی.

الآن الغشاء العاقل فضلاً عن ذلک یمنع دخول المواد السامة، وأی مادة تؤذیه یمتنع من نقلها، ما هذا الغشاء؟

وکلما تعلم الانسان أصبح أفضل وأفضل فی عالم الاعتقاد.

{ فَمَا اُوتِیتُمْ مِنْ شَیْء فَمَتَاعُ الحَیَاةِ الدُّنْیَا وَمَا عِنْدَ اللّهِ خَیْرٌ وَأبْقَی لِلَّذِینَ آمَنُوا وَعَلَی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ } 36 _سورة

الشوری .

{ فَمَا اُوتِیتُمْ مِنْ شَیْء فَمَتَاعُ الحَیَاةِ الدُّنْیَا } :

الفرق بین المتاع الدنیوی والمتاع الاخروی ان المتاع الدنیوی زائل والمتاع الاخروی باق مع الفائزین فی الجنة فعلی العقلاء التمییز بین المتاعین .

وعن ابن عبّاس: إنّ اللَّه تعالی خلق الدنیا وجعل أهلها ثلاثة أصناف: المؤمن ، والمنافق ، والکافر . فالمؤمن یتزوّد ، والمنافق یتزیّن ، والکافر یتمتّع .

المتاع الدنیوی وقته قلیل و مشوب بالآلام ، ومکدّر بالمتاعب وأفراحه قصیرة .

ص: 236

عن الریان بن الصلت ، قال: دخلت علی علی بن موسی الرضا ( علیه السلام ) فقلت له: یا بن رسول الله ، إن الناس یقولون: إنک قبلت ولایة العهد ، مع إظهارک الزهد فی الدنیا .

قال ( علیه السلام ): « قد علم الله تعالی کراهتی لذلک ، فلما خیرت بین قبول ذلک ، وبین القتل ، اخترت القبول علی القتل . ویحهم ، أما علموا أن یوسف

( علیه السلام ) کان نبیا ورسولا ، ولما دفعته الضرورة إلی تولی خزائن العزیز ، قال له: ( اجْعَلْنِی عَلی خَزائِنِ الأَرْضِ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ ) ودفعتنی الضرورة إلی قبول ذلک علی إکراه وإجبار ، وبعد الإشراف علی الهلاک ، علی أنی ما دخلت فی هذا الأمر إلا دخول خارج منه . فإلی الله المشتکی وهو المستعان » ((1)) .

عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق ( علیه السلام ) قال: سألته عن قول الله عز وجل: ( إِلَّا مَنْ أَتَی اللَّه بِقَلْبٍ سَلِیمٍ ) . قال: « السلیم الذی یلقی ربه ، ولیس فیه أحد سواه » . قال: وقال: « کل قلب فیه شرک ، أو شک ، فهو ساقط ، وإنما أرادوا الزهد فی الدنیا ، لتفرغ قلوبهم للآخرة » ((2)) .

و روی عن الصادق ( علیه السلام ) أنه قال: « هو القلب الذی سلم من حب الدنیا » .

ص: 237

ویؤیده قول النبی صلی الله علیه و آله : « حب الدنیا رأس کل خطیئة » ((1)) .

وعن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام قال: جعل الخیر کله فی بیت وجعل مفتاحه الزهد فی الدنیا . . . ((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : ان من أعون الأخلاق علی الدین الزهد فی الدنیا ((3)) .

ویقول " الفخر الرازی " نقلا عن أحد الفقهاء أنه قال: لو أوصی أحد بثلث ماله إلی أعقل الناس ، فإنی أفتی أن یعطی هذا المال لمن یطیع أمر الله، لإن أعقل الناس من یعطی المتاع القلیل ، ( الفانی ) لیأخذ الکثیر ( الباقی ) ولا یصدق هذا ، إلا فی من یطیع الله .

ثم یضیف الفخر الرازی . . قائلا: فکأنما استفاد هذا الحکم من الآیة محل البحث ((4)) .

{ وَالَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبَائِرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ وَإذَا مَا غَضِبُوا هُمْ یَغْفِرُونَ37 } _سورة الشوری .

{ وَالَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبَائِرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ } :

ص: 238

وقال تعالی: { الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبَائِرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ إلا اللَّمَمَ } 32

_النجم .

عن إسحاق بن عمار عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام فی قول الله عز وجل " والذین یجتنبون کبائر الإثم والفواحش الا اللمم . قال علیه السلام : الفواحش الزنا والسرقة واللمم الرجل یلم بالذنب فیستغفر الله منه .

قلت بین الضلال والکفر منزلة ؟ فقال ما أکثر عری الأیمان ((1)) .

علی بن إبراهیم عن محمد بن عیسی عن یونس عن ابن مسکان عن أبی بصیر عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام قال سمعته یقول " ومن یؤت الحکمة فقد أوتی خیرا کثیرا قال معرفة الامام واجتناب الکبائر التی أوجب الله علیها النار ((2)) .

{ وَإذَا مَا غَضِبُوا هُمْ یَغْفِرُونَ37 } : قال الامام أبو جعفر الباقر علیه السلام : من کظم غیظا وهو یقدر علی إمضائه حشا الله قلبه أمنا وإیمانا یوم القیامة ، قال: ومن ملک نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا غضب ، حرم الله جسده علی

النار ((3)) .

ص: 239

ومن وصایا لقمان لابنه: یا بنی أملک نفسک عند الغضب حتی لا تکون لجهنم حطبا " ((1))

و جاء فی ذکر جیش الغضب ، وهم أصحاب القائم ( علیه السلام ) ، وعدتهم وصفتهم ، وما یبتلون به ویقاتلون :

حدثنا محمد بن همام ، قال: حدثنا حمید بن زیاد الکوفی ، قال: حدثنا محمد ابن علی بن غالب ، عن یحیی بن علیم ، عن أبی جمیلة المفضل بن صالح ، عن جابر ، قال: حدثنی من رأی المسیب بن نجبة ، قال :

" وقد جاء رجل إلی أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) ومعه رجل یقال له ابن السوداء ، فقال له: یا أمیر المؤمنین ، إن هذا یکذب علی الله وعلی رسوله ویستشهدک .

فقال أمیر المؤمنین ( علیه السلام ): لقد أعرض وأطول یقول ماذا ؟

فقال: یذکر جیش الغضب .

فقال: خل سبیل الرجل ، أولئک قوم یأتون فی آخر الزمان قزع کقزع

الخریف ، والرجل والرجلان والثلاثة من کل قبیلة حتی یبلغ تسعة ، أما والله ، إنی لأعرف أمیرهم واسمه ومناخ رکابهم ، ثم نهض وهو یقول: باقرا باقرا باقرا ، ثم قال: ذلک رجل من ذریتی یبقر الحدیث بقرا " ((2)) .

وقال نجاح الطائی: من صفات المتقین اجتناب الذنوب الکبیرة والفواحش ویغفرون لانفسهم وللاخرین .

ص: 240

وهؤلاء المتقون قد وضعوا نصب أعینهم الغفران للمسیئین فتراهم یغفرون لمن أساء الیهم فلا یقتلونه ولا یعتدون علیه ولا یسیؤون الادب معه

هذه هی سجیة الصالحین الملازمین للاخلاق والمتعهدین لزراعة الخیر .

{ وَالَّذِینَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأقَامُوا الصَّلاةَ وَأمْرُهُمْ شُورَی بَیْنَهُمْ ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ } 38 _سورة الشوری .

{ وَالَّذِینَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ }: أی قبلوا الاوامر الالهیة الصادرة الی المتقین .

أی قبلوا ما أمروا به ، وفی تفسیر علی بن إبراهیم فی إقامة الامام ، ویدل علی أن الصلاة من عمدة المأمورات وأشرفها وعلی ما فی التفسیر یومی إلی اشتراط قبول الصلاة وسایر الاعمال بالولایة((1)) .

{ وَأمْرُهُمْ شُورَی بَیْنَهُمْ }:

قال القمی: یشاورون الإمام علیه السلام فیما یحتاجون إلیه من أمر دینهم کما قال الله ولو ردوه إلی الرسول وإلی أولی الأمر منهم وفی المجمع عن النبی صلی الله علیه و آله ما من رجل یشاور أحدا إلا هدی إلی الرشد ومما رزقناهم ینفقون فی سبیل الخیر ((2)) .

ص: 241

الطوسی: أی لا ینفردون بأمر حتی یشاوروا غیرهم ، لأنه قیل: ما تشاور قوم إلا وفقوا لأحسن ما یحضرهم ( ومما رزقناهم ینفقون ) فی طاعة الله وسبیل الخیر ((1)) .

وَقیلَ: إنَّ المَعْنیَّ بالآیةِ أنَّ الأَنْصارَ تَشَاوَروا فی أَمْرِ رسُولِ اللهِ ( صلی الله علیه و آله ) لمَّا وَردَ النُّقَباءُ علیهِم من عنْدِهِ ، فاجتَمعُوا فی دارِ أَبی أَیُّوب علی الإِیمانِ بهِ والنُّصْرةِ له .

والمنْتَصِرُونَ هُم المؤْمنُونَ الَّذین أُخْرِجُوا من مکّةَ وَبَغَی علیهِم الکُفَّارُ ، ثم مکَّنَهُم اللهُ فانتَصَروا منْهُم ((2)) .

یشاورون الامام علیه السلام فی أمورهم الدینیة ویشاورون المؤمنین العقلاء فی أمورهم الحیاتیة للاستفادة من آراء الاخرین وتجاربهم وعلومهم .

{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ } 38 _سورة الشوری .

" ومما رزقناهم ینفقون ((3)) " قال: الامام علی علیه السلام وسلمان .

وعن علی بن عبد العزیز قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : ألا أخبرک بأصل الاسلام وفرعه وذروته وسنامه ؟ قال: قلت: بلی جعلت فداک قال: أصله الصلاة ، وفرعه الزکاة ، وذروته وسنامه الجهاد فی سبیل الله ، ألا أخبرک بأبواب الخیر ؟

ص: 242

الصوم جنة ، والصدقة تحط الخطیئة ، وقیام الرجل فی جوف اللیل یناجی ربه ثم تلا " تتجافی جنوبهم عن المضاجع یدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ینفقون " ((1)) .

وقال الرازی فی تفسیر قوله تعالی: " ومما رزقناهم ینفقون " الرزق فی کلام العرب الحظ ، وقال بعضهم: کل شئ یؤکل أو یستعمل ، وقال آخرون الرزق هو ما یملک ، وأما فی عرف الشرع فقد اختلفوا فیه ، فقال أبو الحسن البصری الرزق هو تمکین الحیوان من الانتفاع بالشئ ، والحظر علی غیره أن یمنعه من الانتفاع به ، فإذا قلنا رزقنا الله الأموال فمعنی ذلک أنه مکننا من الانتفاع بها والمعتزلة لما فسروا الرزق بذلک لا جرم قالوا: الحرام لا یکون رزقا ، وقال أصحابنا: قد یکون رزقا .

حجة الأصحاب من وجهین الأول: أن الرزق فی أصل اللغة هو الحظ والنصیب علی ما بیناه ، فمن انتفع بالحرام فذلک الحرام صار حظا ونصیبا له فوجب أن یکون رزقا له ، الثانی أنه تعالی قال: " وما من دابة فی الأرض إلا علی الله رزقها " ((2)) وقد یعیش الرجل طول عمره لا یأکل إلا من السرقة ، فوجب أن یقال: إنه طول عمره لم یأکل من رزقه شیئا .

وأما المعتزلة فقد احتجوا بالکتاب والسنة والمعنی ، أما الکتاب فوجوه

أحدها قوله تعالی: " ومما رزقناهم ینفقون " مدحهم علی الانفاق مما رزقهم الله تعالی فلو کان الحرام رزقا لوجب أن یستحقوا المدح إذا أنفقوا من

ص: 243

الحرام ، وذلک باطل بالاتفاق ، وثانیها لو کان الحرام رزقا لجاز أن ینفق الغاصب منه لقوله تعالی: " وأنفقوا مما رزقناکم " ((1)) وأجمع المسلمون علی أنه لا یجوز للغاصب أن ینفق منه ، بل یجب علیه رده ، فدل علی أن الحرام لا یکون رزقا ، وثالثها قوله تعالی: " قل أرأیتم ما أنزل الله لکم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لکم " ((2)) فبین أن من حرم رزق الله فهو مفتر علی الله ، فثبت أن الحرام لا یکون رزقا ((3)) .

أی ینفقون فی سبل الخیر الکثیرة کزکاة وخمس وصدقات وغیرها .

ولو أنفق المسلمون من مالهم لانتهی الفقر فی بلاد المسلمین واضمحل السطو المسلح والسرقات .

ولو أنفق المسلمون بشکل منظم لانتظمت أمورهم الحیاتیة والاقتصادیة والدینیة ولقطعوا سیطرة الاستکبار علیهم وعبودیتهم لهم .

ولو أنفق المسلمون بشکل عادل وشرعی لانتظمت عبادة الناس لله تعالی وانتشر الدین فی مشارق الارض ومغاربها .

{ وَالَّذِینَ إذَا أصَابَهُمُ البَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ39 وَجَزَاءُ سَیِّئَة سَیِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأصْلَحَ فَأجْرُهُ عَلَی اللّهِ إنَّهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ }40 _سورة الشوری .

ص: 244

و قوله سبحانه " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " ((1)) .

فی المجمع أی ممن بغی علیهم من غیر أن یعتدوا ، وقیل جعل الله المؤمنین صنفین :

صنف یعفون فی قوله " وإذا ما غضبوا هم یغفرون " وصنف ینتصرون ، ثم ذکر تعالی حد الانتصار ، فقال " وجزاء سیئة سیئة مثلها " قیل: هو جواب القبیح إذا قال أخزاک الله تقول أخزاک الله من غیر أن تعتدی ، وقیل یعنی القصاص فی الجراحات والدماء وسمی الثانیة سیئة علی المشاکلة " فمن عفی وأصلح فأجره علی الله " أی فمن عفی عما له المؤاخذة به وأصلح أمره فیما بینه وبین ربه فثوابه علی الله " إنه لا یحب الظالمین * ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئک ما علیهم من سبیل " معناه من انتصر لنفسه وانتصف من ظالمه بعد ظلمه ، أضاف الظلم إلی المظلوم أی بعد أن ظلم وتعدی علیه فأخذ لنفسه بحقه فالمنتصرون ما علیهم من إثم وعقوبة وذم " إنما السبیل " أی الاثم والعقاب " علی الذین یظلمون الناس " ابتداءً " ((2)) .

یعنی إذا بغی علیهم ینتصرون وهی الرخصة التی صاحبها فیها بالخیار إن شاء فعل وإن شاء ترک ثم جزی ذلک فقال ( وجزاء سیئة سیئة مثلها ) أی لا تعتدی ولا تجازی بأکثر مما فعل بک ((3)) .

ص: 245

یمکن للمسلم أن ینتصر لنفسه عند ظلمهم له ولا یطغی فی العدوان علی الاخرین .

{ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَاُوْلَئِکَ مَا عَلَیْهِمْ مِنْ سَبِیل } 41 _سورة الشوری .

یجوز للمسلم شرعا الرد علی من ظلمه بقدر ظلمهم له .

قال المحقق الأردبیلی بعد ذکر بعض تلک الآیات الشریفة ما ملخصه: فیها دلالة علی جواز القصاص فی النفس والطرف والجروح ، بل جواز التعریض مطلقا حتی ضرب المضروب وشتم المشتوم بمثل فعلهما . وأیضا تدل علی جواز ذلک من غیر إذن الحاکم والاثبات عنده والشهود وغیرها .

وتدل علی عدم التجاوز عما فعل به وتحریم الظلم والتعدی ، وعلی حسن العفو وعدم الانتقام ، وأنه موجب للأجر العظیم ((1)) .

[ فی تفسیر علی بن إبراهیم ] [ قال: ] حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الکریم بن عبد الرحیم ، عن محمد بن علی ، عن محمد بن الفضیل ، عن أبی حمزة الثمالی ، عن الامام أبی جعفر محمد الباقر ( علیه السلام ) قال :

سمعته یقول:

( ولمن انتصر بعد ظلمه ) یعنی القائم ( علیه السلام ) وأصحابه ( فأولئک ما علیهم من سبیل )

والقائم إذا قام انتصر من بنی أمیة ومن المکذبین والنصاب هو

ص: 246

وأصحابه وهو قول الله: ( إنما السبیل علی الذین یظلمون الناس ویبغون فی الأرض بغیر الحق أولئک لهم عذاب ألیم ) ((1)) .

وکذلک أوحینا إلیک روحا من أمرنا ما کنت تدری ما الکتاب ولا الأیمن ولکن جعلنه نورا نهدی به من نشاء من عبادنا وإنک لتهدی إلی صراط مستقیم ((2)) .

{ إنَّمَا السَّبِیلُ عَلَی الَّذِینَ یَظْلِمُونَ النَّاسَ وَیَبْغُونَ فِی الأرْضِ بِغَیْرِ الحَقِّ اُوْلَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ ألِیمٌ } 42 _سورة الشوری .

وقال تعالی " وإذا تولی سعی فی الأرض لیفسد فیها ویهلک الحرث والنسل والله لا یحب الفساد " .

والحسد أمر مهم من أعظم أسباب الخراب فی الارض لذا قال تعالی: ومن شر حاسد اذا حسد وان الحاسد وان أتعب غیره فهو متعب لنفسه لما یخرج من جسمه من طاقة هائلة تصوب نحو المحسود لیصیبه . فیتأثر وضعه النفسی والبدنی بذلک الحسد الذی ارتکبه .

قال الامام أبو جعفر علیه السلام وأوحی الله عز وجل – إلی شعیب النبی صلی الله علیه و آله انی معذب من قومک مائة الف أربعین ألفا من شرارهم وستین ألفا من خیارهم فقال علیه السلام : یا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخیار فأوحی الله عز وجل الیه ( انهم ) داهنوا اهل المعاصی ولم یغضبوا لغضبی .

ص: 247

تحف العقول 237_ ومن کلامه ( یعنی الحسین ) علیه السلام فی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ویروی عن أمیر المؤمنین علیه السلام .

اعتبروا أیها الناس بما وعظ الله به أولیاءه من سوء ثنائه علی الأحبار إذ یقول: " لولا ینهاهم الربانیون والأحبار عن قولهم الاثم " وقال: " لعن الذین کفروا من بنی إسرائیل_ إلی قوله_ لبئس ما کانوا یفعلون " وانما عاب الله ذلک علیهم لأنهم کانوا یرون من الظلمة الذین بین أظهرهم المنکر والفساد فلا ینهونهم عن ذلک رغبة فیما کانوا ینالون منهم ورهبة مما یحذرون والله یقول: " فلا تخشوا الناس واخشونی " ((1)) .

وعن عیاض بن حمار قال ، قال رسول الله صلی الله علیه و آله : " إن الله تعالی أوحی إلی أن تواضعوا حتی لا یبغی أحد علی أحد ، ولا یفخر أحد علی أحد " رواه مسلم ((2)) .

أعلن الله تعالی غضبه وانتقامه من البغاة الظالمین الذین ینهبون مال الناس ویسلبونهم حقوقهم ویطمسون هویاتهم ویحرفون سیرتهم .

وقد نزلت الشرائع السماویة بالمساواة فی الارض ووجوب فرض العدل بین صفوف البشر وضرورة ازهاق أرواح الظالمین الطغاة المستحقین للقتل .

انما العقاب الالهی لمن یظلمون الناس بطرا وکفرا بالشریعة دون ذنب اقترفوه .

ص: 248

وان بغی الظالمین وفسقهم یتسبب فی خراب الأرض فیفسد الحرث والنسل والله لا یجب الفساد .

دعاء لازهاق ارواح الظالمین

وقال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه: ( من ظُلم وأقام ظالمه علی ظلمه لا یرجع عنه ، فلیفض الماء علی نفسه ، ویسبغ الوضوء ویصلی رکعتین ، ثم یقول :

(اللهم إن فلان بن فلان ظلمنی ، واعتدی علیَّ ، ونصب لی ، وأمضنی (أوجعنی) وارمضنی ((1)) ، وأذلنی وأخلقنی ((2)) ، اللهم فکله إلی نفسه ، وهدَّ رکنه ، وعجل جائحته ((3)) ، واسلبه نعمتک عنده ، واقطع رزقه ، وابتر (اقطع) عمره ، وامح أثره ، وسلط علیه عدوه ، وخذه من مأمنه کما ظلمنی واعتدی علیَّ ونصب لی ، وأمض وأرمض وأذل وأخلق . فإنه لا یمهل ) ((4)) .

ص: 249

{ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِکَ لَمِنْ عَزْمِ الاُمُور ِ43 } _سورة الشوری .

وفیه تعریض بالحثّ علی العفو والمغفرة . فإنّه_

تعالی_ مع کمال قدرته وتعالی شأنه ، لمّا کان یعفو ویغفر ، فغیره بذلک أولی .

وتنبیه علی أنّه_ تعالی_ قادر علی العقوبة ، إذ لا یوصف بالعفو إلَّا القادر علی ضدّه .

وفی مجمع البیان : « ومَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ » ( الآیة ) .

روی أنّ الآیة نزلت فی قوم من مشرکی مکّة لقوا قوما من المسلمین للیلتین بقیتا من المحرّم. فقالوا: إنّ أصحاب محمّد لا یقاتلون فی هذا الشّهر

. فحملوا علیهم . فناشدهم المسلمون ألَّا یقاتلوهم فی الشّهر الحرام فأبوا .

فأظفر اللَّه المسلمین بهم .

وفی تفسیر علیّ بن إبراهیم : وأمّا قوله_ عزّ وجلّ_ : « ذلِکَ ومَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِیَ عَلَیْهِ لَیَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ » فهو رسول اللَّه صلی الله علیه و آله لمّا أخرجته قریش من مکّة ، وهرب منهم إلی الغار . وطلبوه لیقتلوه ، فعاقبهم اللَّه تعالی یوم بدر ، وقتل عتبة وشیبة والولید وأبو جهل وحنظلة بن أبی سفیان وغیرهم ((1)) .

فلمّا قبض رسول اللَّه صلی الله علیه و آله طلب یزید بدمائهم . فقتل الحسین وآل محمّد صلوات اللَّه علیهم بغیا وعدوانا وظلما . وهو قول یزید حین تمثّل بهذا الشّعر :

لیت أشیاخی ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلَّوا واستهلَّوا فرحا * ثمّ قالوا یا یزید لا تشل

ص: 250

لست من خندف إن لم أنتقم * من بنی أحمد ما کان فعل

قد قتلنا القوم من ساداتهم * وعدلناه ببدر فاعتدل

وکذاک الشّیخ أوصانی به * فاتّبعت الشّیخ فیما قد سأل

وقال یزید لعنه اللَّه :

یقول والرّأس مطروح یقلَّبه * یا لیت أشیاخنا الماضین

بالحضر

حتّی یقیسوا قیاسا لو یقاس به * أیّام بدر لکان الوزن بالقدر

فقال اللَّه تبارک وتعالی : « ومَنْ عاقَبَ » یعنی رسول اللَّه صلی الله علیه و آله « بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ » یعنی حسینا علیه السلام أرادوا أن یقتلوه « ثُمَّ بُغِیَ عَلَیْهِ لَیَنْصُرَنَّهُ »

« اللَّهُ . یعنی بالقائم_ صلوات اللَّه علیه_ من ولده .

وفی شرح الآیات الباهرة ((1)) بالإسناد المتقدّم عن الإمام موسی بن جعفر عن أبیه علیهما السّلام قال: سمعت أبی محمّد بن علیّ صلوات اللَّه علیه کثیرا ما یردّد هذه الآیة: « ومَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِیَ عَلَیْهِ لَیَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ » فقلت: یا أبة ، جعلت فداک ، أحسب هذه الآیة نزلت فی أمیر المؤمنین خاصّة . [ قال: نعم ] .

وعن الصبر قال تعالی: ( استعینوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرین ) _ البقرة 153 .

وقال تعالی: ( ولنبلونکم حتی نعلم المجاهدین منکم والصابرین ) محمد 31

ص: 251

وقال أمیر المؤمنین ( علیه السلام ): المصائب بالسویّة ، مقسومة بین

البریّة ((1)) .

وقال الامام علی علیه السلام : من عظّم صغار المصائب ابتلاه الله بکبارها ((2)).

وعن أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) أنّه قال: ( ینزل ) الصبر علی قدر المصیبة ، ومن ضرب یده علی فخذه عند مصیبته حبط أجره ((3)) .

وقال الامام علی ( علیه السلام ) علی قبر رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) ساعة دفنه: إنّ الصبر لجمیل إلاّ عنک ، وإنّ الجزع لقبیح إلاّ علیک ، وإنّ المصاب بک

لجلیل ، وإنّه قبلک وبعدک لجلل ((4)) .

وفی خبر آخر ، أنّ علیاً ( علیه السلام ) قال للأشعث بن قیس معزّیاً: إن صبرت صبر الأکارم ، وإلاّ سلوت سلو البهائم ((5)) .

ص: 252

وعزّی الامام علی ( علیه السلام ) عبد الله بن عباس عن مولود صغیر مات له ، فقال ( علیه السلام ): لَمصیبةٌ فی غیرک لک أجرها أحبّ إلیّ من مصیبة فیک لغیرک ثوابها ، فکان لک الأجر لا بک ، وحسن لک العزاء لا عنک ، وعوّضک عنه مثل الذی عوّضه منک ((1)) .

وقال الامام علی ( علیه السلام ) : حرام علی کلّ نفس أن تخرج من الدنیا حتّی تعلم إلی أین مصیرها ((2)) .

وقال الامام علی ( علیه السلام ): إذا مات العبد الصالح بکی علیه مصلاّه من الأرض ومصعد عمله فی السماء ، ثمّ قرأ: { فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ } ((3)) .

( الجعفریات ) و قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ): ما أهدی إلی المیّت هدیة ولا أتحف تحفةً أفضل من الاستغفار .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : تخلَّقوا بأخلاق اللَّه .

وروی الحر العاملی فی الجواهر السنیّة عن کتاب مسکن الفؤاد ، عن زید بن أسلم ، قال :

وقیل أوحی اللَّه إلی داود علیه السلام : تخلَّق بأخلاقی وإن من أخلاقی الصبر .

ص: 253

وذکره أیضا الزمخشری فی ربیع الأبرار ((1)) .

وقال نجاح الطائی: شجع الله تعالی الناس علی الصبر علی الاذی وغفران الذنوب إن أمکن فهو من عزم الامور أی أفضلها وأعزها .

ودعا النبی صلی الله علیه و آله المسلمین الی التخلق بأخلاقه سبحانه ومنها الصبر والمغفرة .

{ وَمَنْ یُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِیٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَی الظَّالِمِینَ لَمَّا رَأوُا العَذَابَ یَقُولُونَ هَلْ إلَی مَرَدٍّ مِنْ سَبِیل } 44 _سورة الشوری .

اذا أضل تعالی عبدا فلا یتمکن أحد أن ینصره, وعندما یشاهد الظالمون الجحیم یندمون علی شرکهم وظلمهم للانسانیة ویطالبون بالعودة الی الدنیا لیفعلوا الخیر .

الشوهانی باسناده سأل عبد الله بن عطاء المکی الباقر علیه السلام عن قوله: ( ربما یود الذین کفروا لو کانوا مسلمین ) لولایة أمیر المؤمنین وقال علیه السلام : نزلت هذه الآیة علی النبی صلی الله علیه و آله هکذا ( وقال الظالمون ) آل محمد حقهم ( ما رأوا العذاب ) وعلی هو العذاب ( هل إلی مرد من سبیل ) فیقولون نرد فنتولی علیا قال الله ( وتراهم یعرضون علیها ) یعنی أرواحهم تعض علی النار ( خاشعین من الذین ینظرون ) إلی علی ( من طرف خفی فقال الذین آمنوا ) بآل محمد ( ان الخاسرین الذین خسروا أنفسهم وأهلیهم إلی یوم القیمة ) إلا أن الظالمین لآل محمد حقهم فی عذاب الیم .

ص: 254

الحسکانی فی شواهد التنزیل باسناده عن ابن المسیب عن ابن عباس انه لما نزلت ( واتقوا فتنة لا تصیبن الذین ظلموا منکم خاصة ) قال النبی: من ظلم علیا مقعدی هذا بعد وفاتی فکأنما جحد نبوتی ونبوة الأنبیاء قبلی . کتاب أبی عبد الله محمد بن السراج عن النبی صلی الله علیه و آله فی خبر: من ظلم علیا مجلسی هذا کمن جحد نبوتی ونبوة من کان قبلی .

عمران بن حصین فی خبر انه عاد النبی علیا ، فقال عمر: یا رسول الله ما علی إلا لما به، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا والذی نفسی بیده ، یا عمر لا یموت علی حتی یملا غیظا ، ویوسع غدرا ، ویوجد من بعدی صابرا ((1)) .

وفی تاریخ بغداد وکتاب الغارات لابراهیم الثقفی : روی عمرو بن الولید الکرابیسی بإسناده عن أبی إدریس عن علی علیه السلام قال : عهد إلی النبی صلی الله علیه و آله أن الأمة ستغدر بک ((2)).

{ وَتَرَاهُمْ یُعْرَضُونَ عَلَیْهَا خَاشِعِینَ مِنَ الذُّلِّ یَنْظُرُونَ مِنْ طَرْف خَفِیٍّ وَقَالَ الَّذِینَ آمَنُوا إنَّ الخَاسِرِینَ الَّذِینَ خَسِرُوا أنفُسَهُمْ وَأهْلِیهِمْ یَوْمَ القِیَامَةِ ألا إنَّ الظَّالِمِینَ فِی عَذَاب مُقِیم } 45 _سورة الشوری .

{وَتَرَاهُمْ یُعْرَضُونَ عَلَیْهَا خَاشِعِینَ مِنَ الذُّلِّ } لعلی علیه السلام ( ینظرون ) إلی علی ( من طرف خفی وقال الذین آمنوا ) یعنی آل محمد وشیعتهم

ص: 255

( ان الخاسرین الذین خسروا أنفسهم وأهلیهم یوم القیامة الا ان الظالمین ) آل محمد حقهم ( فی عذاب مقیم ) قال: والله یعنی النصاب الذین نصبوا العداوة لعلی وذریته علیهم السلام والمکذبین تری المجرمین عندما یعرضون علی جهنم خائفین مرعوبین وقال المتقون إن الخسارة للظالمین هی خسارة الانفس والاهل بوقوعهم فی جهنم .

قال: ( و ) الظالمین ( یعنی آل محمد حقهم . وعلی علیه السلام هو العذاب ، ینظرون إلیه من طرف خفی ) ((1)) .

{ وَمَا کَانَ لَهُمْ مِنْ أوْلِیَاءَ یَنصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ وَمَنْ یُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِیل} 46 _سورة الشوری .

ولیس للظالمین من أولیاء ینصرونهم بانقاذهم من الجحیم .

وَمَنْ یُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِیل: یضلل تعالی عن الجنة عقوبة الظالم الفاجر علی کفره وظلمه فلا هادی له .

وقال تعالی :( وما کان لهم من أولیاء ینصرونهم من دون الله ومن یضلل الله فما له من سبیل ) إلی الهدی والنجاة . ( هذه الآیات من قوله ) ولمن انتصر ( إلی آخرها نزلت فی القائم وأصحابه ، وانتصارهم من أعدائهم ) . کذا ورد .

وقال الامام محمد الباقر علیه السلام : « قوله تعالی: ( وتَرَی الظَّالِمِینَ ) لآل محمد حقهم ( لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ ) وعلی ( علیه السلام ) هو العذاب فی هذا الوجه ( یَقُولُونَ هَلْ إِلی مَرَدٍّ مِنْ سَبِیلٍ ) فنوالی علیا علیه السلام ( وتَراهُمْ یُعْرَضُونَ عَلَیْها

ص: 256

خاشِعِینَ مِنَ الذُّلِّ ) لعلی ( یَنْظُرُونَ ) إلی علی علیه السلام ( مِنْ طَرْفٍ خَفِیٍّ وقالَ الَّذِینَ آمَنُوا ) یعنی آل محمد وشیعتهم .

( إِنَّ الْخاسِرِینَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وأَهْلِیهِمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِینَ ) لآل محمد حقهم ( فِی عَذابٍ مُقِیمٍ ) ، قال: والله یعنی النصاب الذین نصبوا العداوة لأمیر المؤمنین وذریته ( علیهم السلام ) والمکذبین

( وما کانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِیاءَ یَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّه ومَنْ یُضْلِلِ اللَّه فَما لَه مِنْ سَبِیلٍ ) ((1)) .

{ اسْتَجِیبُوا لِرَبِّکُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ یَأتِیَ یَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللّهِ مَا لَکُمْ مِنْ مَلْجَإ یَوْمَئِذ وَمَا لَکُمْ مِنْ نَکِیر } 47 _سورة الشوری .

لا یرد الشخص ثانیة الی الدنیا . حتی لو قال: ردونی ردونی .

بعد الموت لا رجوع فیه لنادم الی الدنیا فهی دار فناء وامتحان للبشریة من فاز فاز ومن خسر

له عذاب النار .

وقیل: من نصیر منکر ما یحل بکم .

{وَمَا لَکُمْ مِنْ نَکِیر } أی: إنکار لذنوبکم واعترافاتکم الواضحة من قبل أعضائکم .

: فلا إنکار لما فعلتموه و اقترفتموه فی حیاتکم الدنیا ،و لا تقدروا أن تنکروا شیئا منه ، لماذا ؟

لأنّه مدوّن فی صحائف أعمالکم ، وتشهد علیه ألسنتکم وجوارحکم .

ص: 257

{ فَإنْ أعْرَضُوا فَمَا أرْسَلْنَاکَ عَلَیْهِمْ حَفِیظاً إنْ عَلَیْکَ إلا البَلاغُ وَإنَّا إذَا أذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أیْدِیهِمْ فَإنَّ الإنسَانَ کَفُورٌ } 48 _سورة الشوری .

إن لم یؤمنوا بک فقد أدیت الذی علیک من البلاغ ولم نرسلک حافظ لاعمالهم ومنعهم من المعاصی .

ثم قال لنبیه صلی الله علیه و آله ( فإن أعرضوا ) یعنی الکفار ، أی عدلوا عما دعوتهم إلیه ( فما أرسلناک علیهم حفیظا ) أی: مأمورا بحفظهم لئلا یخرجوا عما دعوتهم إلیه ، کما یحفظ الراعی غنمه لئلا یتفرقوا أی: فلا تحزن لإعراضهم ( إن علیک إلا البلاغ ) .

فالنبی علیه البلاغ الی الامة ولیس علیه ادخالهم فی الاسلام بکل السبل الممکنة وغیر الممکنة , و هذا هو المنهج الالهی السماوی .

أما منهج الفراعنة فیتمثل فی اجبار الناس علی دخول دینهم بالبطش والقتل والاحراق وتدمیر الدور واحراق الزرع وسجن عائلة المعارض وقتلهم .

وأخذ المخالفون لاهل البیت هذا المشروع فهجموا علی دار فاطمة الزهراء بالنار والحطب وقتلوا فاطمة وأسقطوا ابنها محسنا قتیلا . ثم قتلوا الحسن والحسین علیهما السلام .

وکان أصحاب هذا المنهج یقتلون کل معارض لهم وکل شخص لا ینخرط فی جیوشهم .

ص: 258

{ لِلّهِ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ یَخْلُقُ مَا یَشَاءُ یَهَبُ لِمَنْ یَشَاءُ إنَاثاً وَیَهَبُ لِمَنْ یَشَاءُ الذُّکُورَ 49 أوْ یُزَوِّجُهُمْ ذُکْرَاناً وَإنَاثاً وَیَجْعَلُ مَنْ یَشَاءُ عَقِیماً إنَّهُ عَلِیمٌ قَدِیرٌ } 50 _سورة الشوری .

کل شیء یفعله رب العالمین لحکمته لا یمکن لاحد الاعتراض علیه .

وقال علی بن إبراهیم فی قوله: " لله ملک السماوات والأرض یخلق ما یشاء " إلی قوله " ویجعل من یشاء عقیما " قال: فحدثنی أبی عن المحمودی ومحمد ابن عیسی بن عبید ، عن محمد بن إسماعیل الرازی ، عن محمد بن سعید أن یحیی بن أکثم سأل موسی بن محمد عن مسائل وفیها أخبرنا عن قول الله: " أو یزوجهم ذکرانا وإناثا " فهل یزوج الله عباده الذکران وقد عاقب قوما فعلوا ذلک فسأل موسی أخاه أبا الحسن العسکری وکان من جواب أبی الحسن أما قوله: " أو یزوجهم ذکرانا وإناثا ، فان الله تبارک وتعالی یزوج ذکران المطیعین إناثا من الحور العین ، وإناث المطیعات من الانس ذکران المطیعین ، ومعاذ الله أن یکون الجلیل عنی ما لبست علی نفسک تطلب الرخصة لارتکاب المأثم " فمن یفعل ذلک یلق أثاما یضاعف له العذاب یوم القیامة ویخلد فیه مهانا " إن لم یتب ((1)) .

وقال الامام علی الهادی علیه السلام : « أما قوله تعالی: ( أَوْ یُزَوِّجُهُمْ ذُکْراناً وإِناثاً ) ، فإن الله تبارک وتعالی یزوج ذکران المطیعین إناثا من الحور العین ، وإناث المطیعات من النساء من ذکران المطیعین ، ومعاذ الله أن یکون الجلیل عنی ما لبست علی نفسک تطلبا للرخصة لارتکاب المآثم ومَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ

ص: 259

أَثاماً یُضاعَفْ لَه الْعَذابُ یَوْمَ الْقِیامَةِ ویَخْلُدْ فِیه مُهاناً ) أی إن لم یتب » ((1)) .

{ وَمَا کَانَ لِبَشَر أنْ یُکَلِّمَهُ اللّهُ إلا وَحْیاً أوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَاب أوْ یُرْسِلَ رَسُولا فَیُوحِیَ بِإذْنِهِ مَا یَشَاءُ إنَّهُ عَلِیٌّ حَکِیمٌ51 }_سورة الشوری.

الشیخ المفید: جاء :خبرنی عن قول الله تعالی: ( وما کان لبشر أن یکلمه الله إلا وحیا أو من وراء حجاب ) . فالوحی قد عرفناه فما الحجاب ؟ وهل یقع الحجاب إلا علی محدود وکیف صورة الکلام ؟

والجواب: (أن الوحی الذی عناه الله تعالی فی هذه الآیة ما سمعه الرسول بغیر واسطة ، والمسموع من وراء الحجاب هو الکلام الذی تؤدیه الوسائط إلی الرسل والبشر من غیرهم ، ولیس الحجاب المعنی فی هذه الآیة هو الشئ الذی یستر المتکلم عمن کلمه ، ویحول بینه وبین مشاهدته کما ظنه السائل ، لکنه ما وصفناه من الرسل والوسائط بین الخلق وبین الله تعالی ، فشبههم بالحجاب الذی یکون بین الانسان وبین غیره عند الکلام ، فیسمعه من ورائه ولا یری المتکلم من أجله ، والعرب تستعیر للتشبیه والتمثیل ، ولا تضع ذلک موضع الحقائق ، إذ لو وضعته موضع الحقیقة لم تکن مستعیرة للأمثال . وقد قال الله عز ا سمه: ( وتلک الأمثال نضربها للناس وما یعقلها إلا العالمون ) .

ص: 260

وأما قوله: کیف صورة الکلام ؟ فالکلام أیضا مما لا صورة له لأنه عرض لا یحتمل التألیف ، والصورة هی ذات التألیف . غیر أنا نراه أراد بالصورة الحقیقة ، فحقیقة الکلام عندنا الأصوات المقطعة ضربا من التقطیع یفید المعانی التی یقصدها دون الأعراض ، وهو محتاج إلی محل یقوم به کحاجة غیره من الأعراض . ولیس یکون المحل هو المتکلم بل المتکلم هو فاعل الکلام ، کما أنه لیس یکون المتفضل محل التفضل ، بل المتفضل فاعل التفضل بلا ارتیاب )((1)) .

السید المرتضی: إن سأل سائل عن تأویل قوله تعالی ( ما کان لبشر أن یکلمه الله إلا وحیا أو من وراء حجاب ) الآیة . . فقال أولیس ظاهر هذا الکلام یقتضی جواز الحجاب علیه تعالی وأنتم تمنعون من ذلک . .

الجواب :( قلنا لیس فی الآیة أکثر من ذکر الحجاب ولیس فیها أنه حجاب له تعالی ولمحل کلامه أو لمن یکلمه وإذا لم یکن فی الظاهر شئ من ذلک جاز صرف الحجاب إلی غیره عز وجل مما یجوز أن یکون محجوبا فقد یجوز إن یرید تعالی بقوله أو من وراء حجاب أنه یفعل کلاما فی جسم محتجب عن المتکلم غیر معلوم له علی سبیل التفصیل فیسمع المخاطب الکلام ولا یعرف محله علی طریق التفصیل فیقال علی هذا هو متکلم من وراء حجاب . . وروی عن مجاهد فی قوله تعالی :( وما کان لبشر أن یکلمه الله إلا وحیا ) قال هو داود علیه السلام أوحی فی صدره فزبر الزبور أو من وراء حجاب وهو موسی علیه السلام أو ترسل رسولا وهو جبریل علیه السلام إلی

ص: 261

محمد صلی الله علیه و آله .

. فأما أبو علی الجبائی فإنه ذکر أن المراد بالآیة ( وما کان لبشر أن یکلمه الله ) إلا مثل ما یکلم به عباده من الامر بطاعته والنهی لهم عن معاصیه وتنبیهه إیاهم علی ذلک من جهة الخاطر أو المنام أو ما أشبه ذلک علی سبیل الوحی . . قال وإنما سمی الله ذلک وحیا لأنه خاطر وتنبیه ولیس هو کلاما لهم علی سبیل الافصاح کما یفصح الرجل منا لصاحبه إذا خاطبه والوحی فی اللغة إنما هو ما جری مجری الایماء والتنبیه علی شئ من غیر أن یفصح به فهذا هو معنی ما ذکره الله تعالی فی الآیة .

قال وعنی بقوله ( أو من وراء حجاب ) أی یحجب ذلک الکلام عن جمیع خلقه إلا من یرید أن یکلمه به نحو کلامه لموسی علیه السلام لأنه حجب ذلک عن جمیع الخلق إلا موسی وحده فی کلامه إیاه أولا فأما کلامه إیاه فی المرة الثانیة فإنه إنما أسمع ذلک موسی علیه السلام والسبعین الذین کانوا معه وحجبه عن جمیع الخلق سواهم فهذا هو معنی قوله عز وجل ( أو من وراء حجاب ) لان الکلام هو الذی کان محجوبا عن الناس . . وقد یقال أنه تعالی حجب عنهم موضع الکلام الذی أقام الکلام فیه فلم یکونوا یدرون من أین یسمعونه لان الکلام عرض لا یقوم إلا فی جسم ولا یجوز أن یکون أراد تعالی بقوله ( أو من وراء حجاب ) أن الله تعالی کان ( من وراء حجاب ) یکلم عباده لان الحجاب لا یجوز إلا علی الأجسام المحدودة

. . قال وعنی بقوله ( أو یرسل رسولا فیوحی بإذنه ما یشاء ) إرساله ملائکة بکتبه وکلامه إلی أنبیائه علیهم الصلاة والسلام لیبلغوا عنه ذلک عباده علی سبیل إنزاله القرآن علی محمد صلی الله علیه و آله وإنزاله سائر الکتب علی

ص: 262

أنبیائه علیه الصلاة والسلام فهذا ضرب من الکلام الذی یکلم الله تعالی عباده ویأمرهم فیه بطاعته وینهاهم عن معاصیه من غیر أن یکلمهم علی سبیل ما کلم به موسی علیه السلام وهذا الکلام هو خلاف الوحی الذی ذکره الله تعالی فی أول الآیة لأنه قد أفصح تعالی لهم فی هذا الکلام بما أمرهم به ونهاهم عنه والوحی الذی ذکره تعالی فی أول الآیة إنما هو تنبیه وخاطر ولیس إفصاح وهذا الذی ذکره أبو علی أیضا سدید والکلام محتمل لما ذکره .

. ویمکن فی الآیة وجه آخر وهو أن یکون المراد بالحجاب البعد والخفاء ونفی الظهور وقد تستعمل العرب لفظ الحجاب فیما ذکرناه یقول أحدهم لغیره إذا استبعد فهمه واستبطأ فطنته بینی وبینک حجاب وتقول للامر الذی تستبعده وتستصعب طریقه بینی وبین هذا الامر حجاب وموانع وسواتر وما جری مجری ذلک فیکون معنی الآیة

أنه تعالی لم یکلم البشر إلا وحیا بأن یخطر فی قلوبهم أو بأن ینصب لهم أدلة تدلهم علی ما یریده أو یکرهه منهم فیکون من حیث نصبه للدلالة علی ذلک والارشاد إلیه مخاطبا ومکلما للعباد بما یدل علیه وجعل تعالی هذا الخطاب من وراء حجاب من حیث لم یکن مسموعا کما یسمع الخاطر وقول الرسول ولا ظاهرا معلوما لکل من أدرکه کما أن أقوال الرسل المؤدین عنه تعالی من الملائکة بهذه الصفة فصار الحجاب هناک کنایة عن الخفاء وغیره مما یدل علیه الدلالة ولیس لاحد أن یقول إن الذی یدل علیه الأجسام هو من صفاته تعالی وأحواله ومراده ولا یقال أنه تعالی متکلم لذاته وذلک أن غیر ممتنع علی سبیل التجوز أن یقال إنه تعالی فیما یدل علیه الدلیل الذی نصبه الله تعالی لیدل علی مرارة ویرشد إلیه إنه مکلم لنا

ص: 263

ومخاطب ولهذا لا یمتنع المسلمون من أن یقولوا إنه تعالی خاطبنا بما دلت علیه الأدلة العقلیة وأمرنا بعبادته واجتناب ما کرهه منا وفعل ما أراده وهکذا یقولون فیمن فعل فعلا یدل علی أمر من الأمور قد خاطبنا فلان بما فعل من کذا بکذا وکذا وقال لنا وأمرنا وزجرنا وما أشبه ذلک من الألفاظ التی یجرونها علی الکلام الحقیقی وهذا الاستعمال أکثر وأظهر من أن نورد أمثاله ونظائره ) ((1)) .

وقال نجاح الطائی:

{ وَمَا کَانَ لِبَشَر أنْ یُکَلِّمَهُ اللّهُ إلا وَحْیاً }:یلقی الله تعالی وحیه المتمثل فی کتاب أو جملة فی صدره مثلما أوحی الی النبی محمد صلی الله علیه و آله .

{ أوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَاب} :مثلما کلم الله تعالی موسی علیه السلام .

{أوْ یُرْسِلَ رَسُولا فَیُوحِیَ بِإذْنِهِ مَا یَشَاءُ }: وقد قام جبرائیل بهذه الواسطة مع الانبیاء .

وقد استخدمها رب العالمین مع أغلب الانبیاء .

{إنَّهُ عَلِیٌّ حَکِیمٌ } 51 _الشوری .

الله تعالی هو رب الحکمة ورب العلم وقد أعطی الحکمة لنبیه فقال النبی محمد صلی الله علیه و آله :

ص: 264

: « أنا مدینة الحکمة وعلی بابها ولا تؤتی المدینة الا من الباب » ((1)) .

لکن الجهلة من المخالفین لاهل البیت ترکوا مدینة الحکمة وتمسکوا بالامیین الجاهلیین

وحکموا البلدان بالعصا والحدید .

{ وَکَذَلِکَ أوْحَیْنَا إلَیْکَ رُوحاً مِنْ أمْرِنَا مَا کُنْتَ تَدْرِی مَا الکِتَابُ وَلا الإیمَانُ وَلَکِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِی بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإنَّکَ لَتَهْدِی إلَی صِرَاط مُسْتَقِیم } 52_سورة الشوری .

الروح :«خلقٌ من خلق الله عزَّ وجل خلقاً أعظم من جبرئیل ومیکائیل کان مع رسول الله صلی الله علیه و آله یُخبرهُ ویسددهُ وهو مع الأئمة من بعدهِ ((2)) .

(قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبِّی) ((3)) .

ص: 265

{ مَا کُنْتَ تَدْرِی مَا الکِتَابُ وَلا الإیمَانُ وَلَکِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً} (علیاً ) . {نَهْدِی بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإنَّکَ لَتَهْدِی إلَی صِرَاط مُسْتَقِیم }52

قال المجلسی: نزلت فی ولایة علی علیه السلام ((1)) .

{ صرَاطِ اللّهِ الَّذِی لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ ألا إلَی اللّهِ تَصِیرُ الاُمُورُ }53 _سورة الشوری .

{صِرَاطِ اللّهِ } :حجته {الَّذِی لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ ألا إلَی اللّهِ تَصِیرُ الاُمُورُ53 }:

أبو ذر فی خبر عن النبی صلی الله علیه و آله : یا أبا ذر یؤتی بجاحد علی علیه السلام یوم القیامة أعمی أبکم یتکبکب فی ظلمات القیامة ینادی یا حسرتا علی ما فرطت فی جنب الله ، وفی عنقه طوق من النار .

الصادق والباقر والسجاد وزید بن علی علیه السلام فی هذه الآیة قالوا:

( جنب الله ) علی علیه السلام وهو حجة الله علی الخلق یوم القیامة .

الرضا علیه السلام

فی: ( جنب الله ) قال فی ولایة علی . وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : أنا صراط الله أنا جنب الله .

ص: 266

قال السوسی:

علی علی رغم العدی أکرم البشر وخیرهم من یأب ذاک فقد کفر ((1)) .

وعلی هو الصراط المستقیم ((2)) .

اذن فهمنا بأن دین الله تعالی هو نبوة النبی محمد صلی الله علیه و آله وکتابه المجید وولایة الامام علی علیه السلام وقد قال النبی صلی الله علیه و آله قبل شهادته:

إنی تارک فیکم الثقلین خلیفتین, کتاب الله وعترتی أهل بیتی, ما ان تمسکتم بهما لن تضلوا بعدی, واحدهما أکبر من الآخر, وانهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض یوم القیامة, وإنَّ اللطیف الخبیر انبأنی انهما لن

ص: 267

یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض, فلا تتقدموهما فتهلکوا, ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم ((1)) .

ص: 268

لکن مغتصبی الخلافة تقدموا علیهم ونقضوا النص الالهی والحدیث النبوی فی ولایة الائمة الاثنی عشر الذین أولهم الامام علی علیه السلام وآخرهم الامام المهدی علیه السلام .

ص: 269

ص: 270

فقال: یا رسول الله کتبت عنه ما فی التوراة من صفتک وأقبل یقرأ ذلک علی رسول الله وهو غضبان: , فقال له رجل من الانصار: ویلک أما تری غضب رسول الله علیک ؟فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله انی انما کتبت ذلک لما وجدت فیه من خبرک ؟

فقال له رسول الله: یا فلان لو أنَّ موسی بن عمران فیهم قائماً ثم أتیته رغبة عما جئت به لکنت کافراً بما جئت به وهو قوله تعالی:

(اتخذوا ایمانهم جنة )أی حجاباً بینهم وبین الکفار وایمانهم إقرار باللسان فرقاً من السیف ورفع الجزیة ((1)) .

وکان عمر ما زال معتمداً علی صحَّة الکتب (الصحف الیهودیة )قبل اسلامه وبعده , بالرغم ممَّا قاله الرسول صلی الله علیه و آله من کذب هذه الکتب وتزویرها بواسطة: أحبار الیهود . وقد قال النبی صلی الله علیه و آله لعمر:

یا ابن الخطاب امتهوکون: (أمتهودون): أنتم کما تهوکت الیهود والنصاری , وذلک ردّاً علی قول عمر لرسول الله صلی الله علیه و آله : إن أهل الکتاب یحدِّثونا بأحادیث قد أخذت بقلوبنا وقد هممنا ان نکتبها ((2)) .

وروی الشعبی وأحمد عن جابر بن عبد الله , أن عمر بن الخطاب أتی النبی صلی الله علیه و آله بکتاب أصابه من بعض أهل الکتاب , فقرأه علی النبی فغضب

ص: 272

صلی الله علیه و آله وقال : أمتهوکون: (أمتهودون) کما تهوکت: (تهودت) الیهود والنصاری: ؟ والذی نفسی بیده لو أن موسی حیّاً ما وسعه إلاّ أن

یتَّبعنی ((1)) .

و قال المفید عن الوصف الالهی للقرآن :( فوصف کتابه بالفصاحة ، وأخبر عن کلامه بالبیان ، وأنّه عربی فصیح ، لا یشوبه غیر العربیة من لسان )

((2)) .

الطوسی: ( وسماه: ( قرآنا ) لما تضمن مجموع خبر یوسف وغیر ذلک . و

( القرآن ) کلام فی أعلا طبقة البلاغة ، ووجه بلاغة القرآن کونه فی نهایة التلاؤم المنافی للتنافر فی تألیف اللفظ والمعنی : مع تشاکل المقاطع فی الفواصل بما یقتضیه المعنی ومع تصریف القول علی أحسن ما تصرف به المعنی .

والعقل مجموعة علوم یتمکن معها من الاستدلال بالشاهدین علی الغائب ،

ص: 273

ویفصل به بین الحسن والقبیح . ثم یجری علی کل ما یعقله الانسان فی نفسه من المعانی .

وفی الآیة دلیل علی أن کلام الله محدث ، لأنه وصفه بالانزال وبأنه عربی ، ولا یوصف بذلک القدیم .

وفیه دلالة علی أن القرآن غیر الله ، لأنه وصفه بأنه عربی ، ومن یزعم أن الله

عربی ، فقد کفر ، وما کان غیر الله فهو محدث ) ((1)) .

وقال نجاح الطائی :ولو نزل القرآن بلغة أخری لترکه معظم الناس وقالوا فیه الاراجیف , علیه فقد جعله تعالی قرآنا عربیا کی لا یزیغوا عن الطریق المستقیم .

وجعل تعالی النبی محمدا صلی الله علیه و آله من قریش ومن هاشم وهو أعلی نسب فی الحجاز والعالم کی یسلب من الکافرین

الحجج فی معارضته والاستعلاء علیه .

{وَإنَّهُ فِی اُمِّ الکِتَابِ لَدَیْنَا لَعَلِیٌّ حَکِیمٌ4* }_سورة الزخرف.

وقوله: ( وانه فی أم الکتاب لدینا لعلی حکیم ) یعنی أمیر المؤمنین علیه السلام وجاء فی سورة: الحمد فی قوله : اهدنا الصراط المستقیم قال أبو عبد الله

علیه السلام :هو أمیر المؤمنین علیه السلام .

قال الله تعالی : { وَإنَّهُ فِی اُمِّ الکِتَابِ لَدَیْنَا لَعَلِیٌّ حَکِیمٌ }

((2)) .

ص: 274

قال المفسر القمی والصدوق والطوسی عن الآیة :إنها نزلت فی الإمام

علی ((1)) .

أی فیها الاسم الصریح المبارک للامام علی علیه السلام 0

وعن الامام علی الرضا صلی الله علیه و آله وقد سألوه عن الآیة فقال :إنه علی بن ابی طالب

((2)) .

ص: 275

وقال ابو جعفر الهارونی : فی قوله تعالی: { وَإنَّهُ فِی اُمِّ الکِتَابِ لَدَیْنَا لَعَلِیٌّ

حَکِیمٌ }

((1)).

أم الکتاب الفاتحة فیها ذکره ((2)) .

وقال صعصعة بن صوحان مخاطبا الامام علیاً علیه السلام :

وانک فی کتاب الله لعلیٌ حکیم ٌ , وانک بالمؤمنین رؤوف رحیم ((3)) .

لقد عاش صعصعة بن صوحان مع الامام علی علیه السلام الذی علَّم الامة القراءة القرآنیة الصحیحة فتعلم منه قراءة القرآن الصحیحة وتفسیره ومنها هذه الآیة الکریمة فذکر ذلک للامة .

وبعد سماع الامام علی علیه السلام قراءة صعصعة للآیة القرآنیة المذکورة: سکت ولم یعترض علیه وأمضا کلامه: دلالة علی صحته ولو کان أمرا خطئاً لرفضه أمیر المؤمنین علی علیه السلام .

وهذا أعظم دلیل علی صحة القراءة السابقة بذکر القرآن الکریم للاسم المبارک للامام علی , وتعنی :

ص: 276

{ وَإنَّهُ فِی اُمِّ الکِتَابِ لَدَیْنَا لَعَلِیٌّ حَکِیمٌ }

((1)).

وعن تفسیر الایة : {وإنه فی أم الکتاب لدینا }: أن الامام علیا علیه السلام فی القرآن الکریم {لدینا } أی لدی الساحة الالهیة المقدسة {لعلی: حکیم} .القراءة القرآنیة { وَإنَّهُ فِی اُمِّ الکِتَابِ لَدَیْنَا لَعَلِیٌّ حَکِیمٌ } ((2)).

متفق علی صحتها وهی قراءة واحدة للآیة القرآنیة المذکورة .وقد قال الرسول الکریم فی حق الامام علی علیه السلام : (أنا مدینة الحکمة وعلی بابها } اذ جاء : روی جابر بن عبد الله :قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

« أنا مدینة الحکمة وعلی بابها ولا تؤتی المدینة الا من الباب »

((3)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : أنا دار الحکمة وعلی بابها ((4)) .

ص: 277

اذن کان الامام علی علیه السلام : باب دار الحکمة وباب مدینة الحکمة من لسان النبی الصادق وهو مصداق الایة القرآنیة المبارکة : { وَإنَّهُ فِی اُمِّ الکِتَابِ لَدَیْنَا لَعَلِیٌّ حَکِیمٌ } .

وقال النبی صلی الله علیه و آله لعلی :« أنا مدینة الجنّة وأنت بابها » ((1)) .

وقد استعظم النواصب والخوارج وجود اسم علی علیه السلام فی القرآن بینما ذکر فیه اسم زید ومریم علیها السلام ولقمان وهارون .

روی فیه عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت مولای أمیر المؤمنین عیه السلام یقول : " من ضحک فی وجه عدو لنا ، من النواصب والمعتزلة والخارجیة والقدریة ومخالف مذهب الإمامیة ومن سواهم ، لا یقبل الله منه طاعة أربعین سنة " (2) .

{ أفَنَضْرِبُ عَنکُمُ الذِّکْرَ صَفْحاً أنْ کُنتُمْ قَوْماً مُسْرِفِینَ } 5 _سورة

الزخرف .

ص: 278

القمی: وقوله: ( أفنضرب عنکم الذکر صفحا ) استفهام أی ندعکم مهملین لا نحتج علیکم برسول الله صلی الله علیه و آله أو بامام أو بحجج .

أی أنهملکم فنضرب عنکم الذکر ؟

وصفحا مصدر من غیر لفظه ، فإن تنحیة الذکر عنهم إعراض ، أو مفعول له، أو حال بمعنی صافحین " وأصله أن تولی الشئ صفحة عنقک ، وقیل : إنه بمعنی الجانب فیکون ظرفا " إن کنتم " أی لئن کنتم " فأهلکنا أشد منهم بطشا " أی من القوم المسرفین ، لأنه صرف الخطاب عنهم إلی الرسول صلی الله علیه و آله مخبرا عنهم " .

وعن الامام جعفر بن محمد علیه السلام : عن آبائه علیهم السلام أن النبی صلی الله علیه و آله قال : فی کل خلف من أمتی عدل من أهل بیتی ینفی عن هذا الدین تحریف الغالین ، وانتحال المبطلین ، وتأویل الجهال وإن أئمتکم وفدکم إلی الله فانظروا من توفدون فی دینکم وصلاتکم ((1)) .

وقال نجاح الطائی : لا یترک الله تعالی البشر بدون نبی یرشدهم الی الطریق المستقیم ولا یترک المسرفین الفاسقین بدون عقاب فی یوم الحساب قال سبحانه :

{ فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَیْراً یَرَه: 7*وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً یَرَه 8* } _سورة

الزلزلة.

ومن الاسراف قتل عبید الله بن عمر للهرمزان وزوجة أبی لؤلؤة وصبیته لان أبا لؤلؤة الایرانی قتل أباه :

ص: 279

وکان الهرمزان قائد الجیش الفارسی من اکراد لرستان الایرانیة وعاصمتها الحالیة شهر کرد , وهو ملک مدینة تستر: (شوشتر) الحالیة فأسره الجیش الاسلامی فی فتوحات ایران .

فأسلم وتشیع وبقی فی المدینة المنورة و اصبح شیعیا وهدی ابا لؤلؤة الی التشیع .

وبعدما قتل ابو لؤلؤة عمر بن الخطاب: اتهم عبید الله بن عمر الهرمزان بقیادته لمشروع الاغتیال فقتله .

فأصبح الموضوع کالاتی فی انظر عبید الله بن عمر : ان الهرمزان الکردی ملک تستر: (شوشتر) وأبو لؤلؤة الکردی المولود فی نهاوند ((1)) الحاضران فی المدینة قتلا: عمر بن الخطاب .

وزاد النفور منهما لانهما من شیعة الامام علی علیه السلام .

وانهما من الموالی وکان عمر حاقدا علی الشیعة وعلی الموالی .

فازداد حقد عمر وکعب الاحبار علی الاکراد ووضعا الاحادیث علی لسان النبی محمد صلی الله علیه و آله بانهم وأهالی خوزستان من الجن .

وهذه ثقافة جاهلیة ورثاها فی اتهام أعدائهم بهذا الوصف للانتقام منهم: والقضاء علیهم .

و حاول عمر بن الخطاب وکعب الاحبار الیهودی اتهام کل الامم عدا الاعراب والیهود بانهم من الجن .

ص: 280

ومن هنا بدأت القضیة الکاذبة : فقد روی عمر بعد جرحه روایة کاذبة بان الاکراد من الجن انتقاما من الهرمزان وأبی لؤلؤة .

و بعد مقتل عمر: سار اولاده وأعوانه وحکومته علی ثقافته فی اتهام الاکراد بأنهم من الجن :

و جاءت روایة علی لسان عمر : الاکراد جیل من الجن کشف عنهم الغطاء

((1)).

والهرمزان هو رئیس الجیش الایرانی وملک شوشتر الکردی الذی اسره الجیش الاسلامی قد: أسلم وتشیع واحبه المسلمون فی المدینة .

{: وَکَمْ أرْسَلْنَا مِنْ نَبِیٍّ فِی الأوَّلِینَ }: } 6 _سورة الزخرف.

وقوله: ( وکم أرسلنا من نبی فی الأولین وما یأتیهم من نبی _ إلی قوله _ أشد منهم ) یعنی من قریش: ( بطشا ومضی مثل الأولین ) .

( وکم ) موضوعة للتکثیر فی باب الخبر ، وهی ضد: ( رب ) لأنها للتقلیل .

وکانت الناس بمختلف فئاتها تنکر علی الانبیاء ارشاداتها ومواعظها وتستهزأ بها وتنفیها وتقتلها .

وقد فعل النواصب هذه الافعال مع الائمة الاثنی عشر: متفننین فی محاربتهم وطمس تراثهم وتحریف الوقائع فی زمنهم .

وقد أقی الله تعالی الحجة علی الامم فی بعثه للانبیاء الیهم فهم الذین یعلموهم الشریعة الالهیة والاخلاق الراقیة والافکار النقیة والاحکام التقیة .

ص: 281

ولولا الانبیاء والاوصیاء لاحتج الکفار والمنافقون یوم القیامة علی رب العالمین : کیف تدخلنا جهنم ولم تعلمنا الشریعة الحقة والطریق المستقیم .

{ َمَا یَأتِیهِمْ مِنْ نَبِیٍّ إلا کَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُون } _سورة الزخرف.

کان الکفار یستهزؤون بالانبیاء لامور عدة منها :

بیانهم الکاذب فی

کفرهم بالدین وتنکرهم له .

تکذیب موضوع ارسالهم من قبل رب العالمین .

طمس شخصیات الانبیاء: وجعلهم منبوذین فی المجتمع وبالمقابل یقومون بتعظیم رجالهم الطغاة الظالمین .

تعظیم منهجهم الجاهلی فی الاخلاق البعید عن الحضارة والعقل والفطرة .

{ فَأهْلَکْنَا أشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضَی مَثَلُ الأوَّلِینَ } 8 _سورة الزخرف.

قوله : " أشد منهم بطشا " یعنی من قریش ویقصد بهم عاد وثمود ونمرود: وفرعون .

وکانت قوة هؤلاء أضعاف أضعاف قوة قریش اذ کانوا یملکون دولا کبیرة مؤلفة من بلدان عدیدة ویملکون جیوشا کثیرة العدد وخزائن مالیة ضخمة بینما لم تملک قریش هذه القدرات والامکانات .

واذا کان فرعون وجیشه قد اغرقهم الله تعالی فی البحر فما هو حال أبی جهل وفلوله المتشرذمة الضعیفة: ؟

{ وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَیَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِیزُ العَلِیمُ9* }_سورة الزخرف.

عندما تسأل الکفار :{: مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ }: ؟

ص: 282

یقولون بفطرتهم التی جبلوا علیها : { خَلَقَهُنَّ العَزِیزُ العَلِیمُ9* } .

وهذا إخبار عن غایة حمقهم وجهلهم بما یفعلوه ویعتقدوه ویبذلوه , فمن جهة یعترفون بأن الله تعالی خالق الکون وما فیها من السماوات والارض ومن جهة أخری یعبدون الاصنام ، ویذبحون القرابین لها وینذرون لها ویتوسلون الیها .

وهذا تناقض واضح فی منهجهم وحیاتهم .

{ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الأرْضَ مَهْداً} 10_سورة الزخرف.

قرارا ومستقرا تستقرون علیه ففیها نومهم وعملهم وعبادتهم .

{ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الأرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَکُمْ فِیهَا سُبُلا لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ}.

{وَجَعَلَ لَکُمْ فِیهَا سُبُلا لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ} : بین الجبال والصحاری وعیر الأودیة وفی البراری تسلکونها من أرض إلی أرض لتبلغوا مقاصدکم .

وهذه آیات لاولی النهی . وجاء فی القرآن : إن فی ذلک لایات لأولی النهی: أی لذوی العقول الناهیة عن اتباع الباطل .

القمی عن الصادق علیه السلام أنه سئل عن هذه الآیة فقال نحن والله أولوا النهی .

وفی الکافی عن الباقر علیه السلام قال قال النبی صلی الله علیه و آله :إن خیارکم أولوا النهی قیل یا رسول الله ومن أولوا النهی قال هم أولوا الأخلاق الحسنة والأحلام الرزینة وصلة الأرحام والبررة بالأمهات والآباء والمتعاهدون للفقراء

ص: 283

والجیران والیتامی ویطعمون الطعام ویفشون السلام فی العالم ویصلون والناس نیام غافلون ((1)) .

{لَعَلَّکُمْ

تَهْتَدُونَ} : أی تهتدون الی التوحید والنبوة والامامة .

وعن عبدالله بن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله لعلی بن أبی طالب: «إنّ جبرئیل أخبرنی فیک بأمر قرّت به عینی وفرح به قلبی قال (جبرائیل) :

« یا محمد إنّ الله تعالی قال لی: اقرأ محمداً منّی السلام واعلمه أنّ علیاً إمام الهدی ومصباح الدجی , والحجّة علی أهل الدنیا»

((2)).

{ وَالَّذِی نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَر فَأنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً کَذَلِکَ تُخْرَجُونَ}11* _سورة الزخرف .

· وقال تعالی : وَهُوَ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیَاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ حَتَّی إذَا أقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَد مَیِّت فَأنزَلْنَا بِهِ المَاءَ فَأخْرَجْنَا بِهِ مِنْ کُلِّ الثَّمَرَاتِ کَذَلِکَ نُخْرِجُ المَوْتَی لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ 57*_الاعراف.

· وَأنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ_البقرة .

· وَمَا أنزَلَ اللّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاء فَأحْیَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا_البقرة

.

· وَیُنَزِّلُ عَلَیْکُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ وَیُذْهِبَ عَنکُمْ رِجْزَ الشَّیْطَانِ وَلِیَرْبِطَ عَلَی قُلُوبِکُمْ وَیُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ11_الانفال.

ص: 284

· وَأنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَی الطَّرِیقَةِ لأسْقَیْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً 16_الجن.

· وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ کُلَّ شَیْء حَیٍّ أفَلا یُؤْمِنُونَ 30_الانبیاء.

هذه الایات الکریمة تبین أن الماء هو أساس کل شیء حی وهو للشرب والطهور .

{ وَالَّذِی نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَر} _11* _سورة الزخرف .

وتم معالجة المرضی بشرب أربعة کؤوس قبل الفطور یومیاً .

أصدر العالم الیابانی ماسارو إیموتو” کتابا ً بعنوان: رسائل من الماء حیث اکتشف أیموتو أن جزیئات الماء تتفاعل مع أفکار البشر وکلماتهم ومشاعرهم و أحاسیسهم ، و قام إیموتو بقیاس ذبذبات الماء إذا نزل فیه شخص حزین مکتئب أو سعید مرح، أو غیرها من الانفعالات. فاکتشف أن القیاسات تختلف تماما تبعا لکل انفعال منها، وأنها ثابتة لکل انفعال، وکأن للماء رد فعل وانفعالات ردا علی ما یستشعره من انفعالات الغاطسین فی الماء. وقدحقق الدکتور “إیموتو” نجاحا باهرا ً من خلال استخدام آلة تصویر فائقة السرعة وذلک لتصویره لأشکال مختلفة لبلورات الماء المجمدة عندما تتجاوب مع مشاعر الإنسان. فعلی سبیل المثال یظهر الماء المجمد علی شکل بلورات ثلج ملونة بشکل جمیل جدا عندما نتکلم إلی الماء بکلمات إیجابیة مثل الحب والسلام والشکر بأی لغة عالمیة ، وإذا تکلمت بسلبیة فإن الماء یظهر فیه أشکالا غیر مکتملة ومشوهة تماما بألوان باهتة .. وقد اجری إیموتو ” البحث ایضا علی أسماء الله الحسنی فکانت النتائج باهرة .

وقال نجاح الطائی: لم یکن أهل الجاهلیة یعلمون خواص الماء وفوائده الجمة لکن القرآن المجید بین هذه الخواص والفوائد العظیمة لهم :

وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ کُلَّ شَیْء حَیٍّ أفَلا یُؤْمِنُونَ 30* _الانبیاء .

{وَالَّذِی خَلَقَ الأزْوَاجَ کُلَّهَا وَجَعَلَ لَکُمْ مِنَ الفُلْکِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْکَبُونَ

_12_سورة

الزخرف.

ص: 286

{وَالَّذِی خَلَقَ الأزْوَاجَ کُلَّهَا: }: وقال تعالی فی سورة یس :

{: سبحان الذی خلق الأزواج کلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا یعلمون: } _یس 36 .

{وَمِنْ کُلِّ شَیْء خَلَقْنَا زَوْجَیْنِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ }:

49_الذاریات .

{ وَأنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَیْنِ الذَّکَرَ وَالاُنْثَی } 45 النجم.

{ ثُمَّ کَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّی 38*فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَیْنِ الذَّکَرَ وَالاُنثَی} 39_القیامة .

یعنی أزواج الحیوان من ذکر وأنثی ، وقیل :

أی الاشکال ، وقیل : أی الأصناف ، وقیل : کل ممکن فهو زوج ترکیبی .

والواحد الحق والفرد والمطلق هو الله تعالی .

قانون الزوجیة یحکمها جمیع الاجناس من البشر والحیوانات والحشرات والاسماک والنباتات وغیرها: ، فلکل جنس ما یخالفه : السماء والأرض ، الشمس والقمر ، الجنة والنار واللیل والنهار ، النور والظلام ، المر والحلو ، الیابس والرطب ،: إلا ذات الله المقدسة فإنها أحدیة ، ولم تکن ولا تکون زوجیة: أبدا .

{ وَجَعَلَ لَکُمْ مِنَ الفُلْکِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْکَبُونَ } 12_الزخرف.

تفسیر العیاشی : الآیة فی سورة الزخرف 12 _ 14 هکذا " والذی خلق الأزواج کلها وجعل لکم من الفلک والانعام ما ترکبون * لتستووا علی ظهوره ثم تذکروا علیه نعمة ربکم إذا استویتم علیه وتقولوا : سبحان الذین سخر لنا هذا وما کنا له مقرنین * وانا إلی ربنا لمنقلبون " نعم یوجب قوله

ص: 287

تعالی " ثم تذکروا نعمة ربکم " أن نحمد الله تعالی علی نعمة الهدایة ثم نقول سبحان الذی سخر لنا هذا ، الخ کما ورد أن رجلا رکب دابة وقال حین رکبها : " سبحان الذی سخر لنا هذا وما کنا له مقرنین " فسمع أحد السبطین کلامه ، وقال :

لا بهذا أمرت ، إنما أمرت أن تذکر نعمة ربک إذا استویت علیه ، فقال : فکیف أقول ؟

قال علیه السلام قل : الحمد لله الذی هدانا للاسلام ، والحمد لله الذی منَّ علینا بمحمد وآله والحمد لله الذی جعلنا فی خیر أمة أخرجت للناس ، فإذا أنت قد ذکرت نعما عظیمة قلت بعدها : سبحان الذی سخر لنا هذا ، الخ ((1)) .

أن رسول الله صلی الله علیه و آله کان إذا استوی علی بعیره خارجا إلی سفر کبر ثلاثا ثم قال :

" سبحان الذی سخر لنا هذا وما کنا له مقرنین ، وإنا إلی ربنا لمنقلبون ، اللهم إنا نسألک فی سفرنا هذا البر والتقوی ومن العمل ما ترضی ، اللهم هون علینا سفرنا هذا واطو عنا بعده ، اللهم أنت الصاحب فی السفر ، والخلیفة فی الأهل ، اللهم إنی أعوذ بک من وعثاء السفر وکآبة المنظر

ص: 288

وسوء المنقلب فی المال والأهل والولد " وإذا رجع قالهن وزاد فیهن : " آیبون تائبون عابدون لربنا حامدون "_ رواه مسلم ((1)) .

وقال نجاح الطائی : لقد وفر الله تعالی للبشریة الفلک والانعام لیرکبوا علیها ولولاها لما تمکن الانسان من السفر فی البر والبحر وبقی ساکنا فی مکانه, ولتوقفت الحرکة بین المدن والدول , ولاستحال نقل الثمار والحبوب واللحوم والمواشی والمعادن ومواد البناء من مکان الی مکان آخر.

ولولا الخشب والمعادن والقیر المستخرج من النفط والاصماغ المستخرجة من الاشجار لما تمکن الناس من صناعة السفن والقوارب والسیارات والطائرات والمرکبات الارضیة والفضائیة .

فهذه النعمة الموجودة لخدمة الانسانیة نعمة الهیة نحتاج الی أن نشکرها لیلا ونهارا .

{ لِتَسْتَوُوا عَلَی ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْکُرُوا نِعْمَةَ رَبِّکُمْ إذَا اسْتَوَیْتُمْ عَلَیْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِی سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا کُنَّا لَهُ مُقْرِنِینَ 13 }_سورة الزخرف .

کان أبو عبد الله علیه السلام إذا وضع رجله فی الرکاب یقول " سبحان الذی سخر لنا هذا وما کنا له مقرنین " ویسبح الله سبعا ، ویحمد الله سبعا ، ویهلل الله سبعا ((2)) .

ص: 289

وعن أبی بصیر قال : قلت لأبی عبد الله الامام جعفر الصادق علیه السلام : هل للشکر حد إذا فعله العبد کان شاکرا ؟ قال : نعم قلت : ما هو ؟

قال : یحمد الله علی کل نعمة علیه فی أهل ومال ، وإن کان فیما أنعم علیه فی ماله حق أداه ومنه قوله عز وجل :

" سبحان الذی سخر لنا هذا وما کنا له مقرنین ((1)) " ومنه قوله تعالی : " رب أنزلنی منزلا مبارکا وأنت خیر المنزلین " وقوله : " رب أدخلنی مدخل صدق وأخرجنی مخرج صدق واجعل لی من لدنک سلطانا نصیرا ((2)) .

{ وَإنَّا إلَی رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ: }14* _سورة الزخرف.

وعن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : إذا خرجت من بیتک ترید الحج والعمرة إن شاء الله فادع دعاء الفرج وهو " لا إله إلا الله الحلیم الکریم لا إله إلا الله العلی العظیم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضین السبع ورب العرش العظیم والحمد لله رب العالمین " ثم قل :

" اللهم کن جارا من کل جبار عنید ومن کل شیطان مرید " ثم قل : " بسم الله دخلت وبسم الله خرجت وفی سبیل الله ، اللهم إنی أقدم بین یدی نسیانی وعجلتی بسم الله وما شاء الله فی سفری هذا ذکرته أو نسیته ، اللهم أنت المستعان علی الأمور کلها وأنت الصاحب فی السفر والخلیفة فی

ص: 290

الأهل ، اللهم هون لنا علینا سفرنا واطو لنا الأرض: وسیرنا فیها بطاعتک وطاعة رسولک ، اللهم أصلح لنا ظهرنا وبارک لنا فیما رزقتنا وقنا عذاب النار ، اللهم إنی أعوذ بک من وعثاء السفر وکآبة المنقلب وسوء المنظر فی الأهل والمال والولد ، اللهم أنت عضدی وناصری بک أحل وبک أسیر اللهم إنی أسألک فی سفری هذا السرور والعمل بما یرضیک عنی ، اللهم اقطع عنی بعده و مشقته وأصحبنی فیه واخلفنی فی أهلی بخیر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم إنی عبدک وهذا حملانک والوجه وجهک والسفر إلیک وقد اطلعت علی ما لم یطلع علیه أحد فاجعل سفری هذا کفارة لما قبله من ذنوبی وکن عونا لی علیه واکفنی وعثه ومشقته ولقنی من القول والعمل رضاک ، فإنما أنا عبدک وبک ولک " فإذا جعلت رجلک فی الرکاب فقل : " بسم الله الرحمن الرحیم ، بسم الله والله أکبر " فإذا استویت علی راحلتک واستوی بک محملک فقل : " الحمد لله الذی هدانا للاسلام وعلمنا القرآن و من علینا بمحمد صلی الله علیه و آله : ، سبحان الله سبحان الذی سخر لنا هذا وما کنا له مقرنین ((1)) .

وإنا إلی ربنا لمنقلبون والحمد لله رب العالمین ، اللهم أنت الحامل علی الظهر والمستعان علی الامر ، اللهم بلغنا بلاغا یبلغ إلی خیر ، بلاغا یبلغ إلی

ص: 291

مغفرتک ورضوانک اللهم لا طیر إلا طیرک ((1)): ولا خیر إلا خیرک ولا حافظ غیرک " ((2)) .

ولولا انقلاب الناس الی الله تعالی ومحاسبتهم من قبله سبحانه لطغی معظم الناس طغیانا کبیرا .

{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إنَّ الإنسَانَ لَکَفُورٌ مُبِینٌ15* }_سورة الزخرف.

قوله : " وجعلوا له من عباده جزء " قال : قالت قریش : إن الملائکة هم بنات الله . ولعله سماه جزء کما سمی بعضا لأنه بضعة من الوالد .

أم اتخذ مما یخلق بنات وأصفاکم بالبنین معنی الهمزة فی أم الانکار والتعجب من شأنهم حیث لم یقنعوا بان جعلوا له جزء حتی جعلوا له من مخلوقاته أجزاء أخص مما اختیر لهم وأبغض الأشیاء إلیهم بحیث إذا بشر بها أحدهم اشتد غمه به کما قال ((3)) .

من خبث الکفار انهم جعلوا الملائکة عبید الله بناتا له واختصوا لانفسهم بالذکور .

ص: 292

{ أمِ اتَّخَذَ مِمَّا یَخْلُقُ بَنَات وَأصْفَاکُمْ بِالبَنِینَ} 16_سورة الزخرف.

کان الکفار أشد الناس خبثا ولؤما والحادا فهم شوهوا سمعة الانبیاء ببث الشائعات علیهم , وقتلوهم بمختلف فنون ااضطهاد والتنکیل وازهاق الارواح .

ولم یسلم منهم رب العالمین فوصفوا الملائکة بانها بنات الله تعالی للنیل منها ومن خالقها العظیم .

وقال تعالی : {وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَکَاءَ الجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِینَ وَبَنَات بِغَیْرِ عِلْم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی عَمَّا یَصِفُونَ100 } سورة الانعام.

{وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَکَاءَ الجِنَّ: } بعض الناس عبدوا الجن {وَخَلَقَهُمْ: } الله تعالی فکیف یکونون شرکاءً: له {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِینَ وَبَنَات بِغَیْرِ عِلْم }.

اختلقوا له تعالی بنین وبنات , قالوا: عیسی ابن الله { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی عَمَّا یَصِفُونَ (100) } .

{بَدِیعُ

السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أنَّی یَکُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَکُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ کُلَّ شَیْء وَهُوَ بِکُلِّ شَیْء عَلِیمٌ 101 }_سورة الانعام.

لقد وصفوا الله تعالی أوصافاً سیئة للانتقام منه واعلاء شأنهم وشأن أصنامهم وقیاداتهم: !!!

{ وَإذَا بُشِّرَ أحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ کَظِیمٌ17* }_سورة الزخرف.

{ وَیَجْعَلُونَ لِلّهِ البَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا یَشْتَهُونَ: } 57 –سورة النحل.

ص: 293

: کانت العرب لا تحب البنات فجعلوا لأنفسهم الذکور وجعلوا البنات: (الملائکة) لله تعالی بعد وصمهم الملائکة اناثاً , کذبا علیهم . جاء فی آیة : (الکم الذکر: وله الأنثی تلک اذاً قسمة ضیزی) _ سورة النجم 22 .

وَإذَا بُشِّرَ أحَدُهُمْ بِالاُنثَی: بولادة زوجته لبنت { أنثی ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً}: مائلا الی السواد من الهم والکآبة { وَهُوَ کَظِیمٌ58 }: ممتلأ غیظاً ولکن یتجرعه ولا یظهره .

السؤال هو : کیف یقسم الکفار الاناث للرحمن: (وهو خالق الکون وما فیه من بشریة: وجن وملائکة ) ویقسمون الذکور لانفسهم ؟

ولم یستندوا علی حجة مقبولة بل اعتمدوا: علی خیالهم الشیطانی فی الطغیان وفی کرههم للبنات .

وقال تعالی { یَتَوَارَی مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أیُمْسِکُهُ عَلَی هُون أمْ یَدُسُّهُ فِی التُّرَابِ ألا سَاءَ مَا یَحْکُمُونَ 59*لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَللّهِ المَثَلُ الأعْلَی وَهُوَ العَزِیزُ الحَکِیمُ60* } سورة

النحل .

یَتَوَارَی: یختفی عن أنظارهم مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ: لأجل هذه الولادة السیئة فی نظره أیُمْسِکُهُ عَلَی هُون: هل یصبر علی هذه الذلة التی وقع فیها .والهون تعنی الهوان والذلة أمْ یَدُسُّهُ: المولود فِی التُّرَابِ: بدفنها وهی حیة تخلصاً منها .

لقد کان عمر شدیداً علی النساء فقد قالوا: إنَّه کان جالساً مع بعض الصحابة اذ ضحک قلیلا ثمَّ بکی . فسأله من حضر , فقال: کنَّا فی الجاهلیة , نصنع صنماً من العجوة فنعبده , ثمَّ نأکله , وهذا سبب ضحکی: أمَّا بکائی فلأنه

ص: 294

کانت لی إبنة , فأردت وأدها , فأخذتها معی , وحفرت لها حفرة , فصارت تنفض التراب عن لحیتی , فدفنتها حیَّة ((1)) .

ولم یکن رجال الجاهلیة کلّهم یقتلون بناتهم , بل کان الأمر مقتصراً علی بعض منهم . وکانت المرأة الجاهلیة تدفن بنتها بعد الولادة مباشرة , لکن عمر دفن ابنته ولها عدة سنوات بحیث کانت تنفض التراب عن

لحیته !!!

ألا سَاءَ مَا یَحْکُمُونَ 59 النحل: بئس ما یصنعون .

{: أوَ مَنْ یُنَشَّؤا فِی الحِلْیَةِ وَهُوَ فِی الخِصَامِ غَیْرُ مُبِین }18_سورة الزخرف.

قوله : " أو من ینشؤ فی الحلیة " أی فی الذهب والترف: والنعمة الکثیرة .

أو من ینشؤ فی الحلیة أو یجعلون له من یتربی فی الزینة یعنی البنات وهو فی الخصام فی المجادلة غیر مبین للحجة یقال قلما تتکلم امرأة بحجتها إلا

تکلمت بالحجة علیها وقرئ ینشؤ بالتشدید أی یربی .

قال ابن عباس : أو من ینشّؤ فی الحلیة المرأة ((2)) .

ص: 295

ثمّ وبّخهم الله تعالی بما افتروه ، فقال : ( أَومَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ ): أی : أو جعلوا له ، أو اتّخذ من یتربّی فی الزینة والترفّه ، یعنی : البنات ( وهُوَ فِی الْخِصامِ ):

فی المخاصمة ( غَیْرُ مُبِینٍ ): أی : لیس عندهنّ بیان ، ولا یأتین ببرهان یحججن به من یخاصمنه .

أی أنّهم ینسبون البنات إلی اللَّه والَّذی یربّی فی الحلیة والزینة وهو ناقص الذات لأنّه لولا نقص فی ذاتها لما احتاجت تزیّن نفسها بالحلیة .

ثمّ بیّن نقص حالها بطریق آخر وهو قوله:

( [ وَهُوَ فِی الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ ] ) یعنی إنّها إذا احتاجت المخاصمة والمنازعة عجزت وکانت غیر مبین وذلک لضعف لسانها .

قال المفسر القمی : أی ینشؤا فی الذهب: ( وهو فی الخصام غیر مبین) قال إن موسی علیه السلام أعطاه الله من القوة ان رأی فرعون صورته علی فرس من ذهب رطب علیه ثیاب من ذهب رطب ، فقال فرعون أو من ینشؤا فی الحلیة أی ینشؤا بالذهب وهو فی الخصام غیر مبین قال : لا یبین الکلام ولا یتبین من الناس ولو کان نبیا لکان بخلاف الناس ((1)) .

وقیل : معناه أو تعبدون من ینشأ فی الحلیة ، ولا یمکنه أن ینطق بحجته ، ویعجز عن الجواب ، وهم الأصنام ، فإنهم کانوا یحلونها بالحلی .

ص: 296

قال الرازیّ : والآیة تدلّ علی أنّ التحلَّی مباح للنساء وأنّه حرام للرجال لأنّه تعالی جعل ذلک من المعائب وموجبات النقصان وإقدام الرجل علیه یکون إلقاء لنفسه فی الذلّ وذلک حرام لقوله صلی الله علیه و آله : لیس للمؤمن أن یذلّ نفسه ، وإنّما زینة الرجل الصبر علی طاعة اللَّه والتزیّن بزینة التقوی وإنّما قال : « وَهُوَ فِی الْخِصامِ » ولم یقل : وهی ، لأنّه حمله علی لفظ « مَنْ » .

وقال المفسرون : ضمیر هو یعود إلی الأنثی فی هذه الجملة: بالنظر إلی أن لفظ « من » مذکر ، وعلیه أی: ان الأنثی ناقصة العقل تعجز عن إیراد الدلیل علی قولها عند المخاصمة والمحاججة: ، ومع ذلک یقول المشرکون : انها بنت اللَّه .

وقال نجاح الطائی: أربعة

آراء عند المفسرین:

1_ ان المقصود بالایة هو النبی موسی علیه السلام حیث: اتهمه فرعون بذلک کذبا .

رفض: فرعون: نبوة موسی بادعاء انه تربی فی ترف القصر الفرعونی: ولا یملک الحجج فی أبحاثه مع الاخرین .

ولو کان نبیا لتربی فی الزهد والخشونة ولکان صاحب حجج قویة وبراهین ساطعة فی الکلام ویقصد بذلک لسانه

.

قال موسی علیه السلام : وَأخِی هَارُونُ هُوَ أفْصَحُ مِنِّی لِسَاناً فَأرْسِلْهُ مَعِی رِدْءاً یُصَدِّقُنِی إنِّی أخَافُ أنْ یُکَذِّبُونِی 34_القصص .

2_المقصود بالایة هی الاصنام المزینة: بالذهب: والساکتة عن لفظ الحجج.

3_المقصود بالایة هی النساء حیث یعشن فی الذهب ورغبتهن فی الترف وعدم امتلاکهن الحجج فی کلامهن لنقص عقولهن .

ص: 297

4_ لقد وصفوا الملائکة بالاناث : وکیف یصفون الملائکة بالاناث المائلات الی الدنیا بحبهن للذهب والترف وافتقادهن للحجج فی الخصام .

بینما یصف الله تعالی الملائکة بصفات راقیة وعالیة :

{و َلَکِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالیَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِکَةِ وَالکِتَابِ وَالنَّبِیِّینَ } _البقرة 177 .

{ شَهِدَ اللّهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ وَالمَلائِکَةُ وَاُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالقِسْطِ_آل عمران 18.

{ إذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِینَ ألَنْ یَکْفِیَکُمْ أنْ یُمِدَّکُمْ رَبُّکُمْ بِثَلاثَةِ آلاف مِنَ المَلائِکَةِ مُنْزَلِینَ: } _آل

عمران 124.

القرآن یبین مکانة عالیة للملائکة مغایرة لما اتهمها به الکافرون من حیاتها مع الذهب والترف وضعف عقلها عن الاستدلال العلمی .

{ وَجَعَلُوا المَلائِکَةَ الَّذِینَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إنَاثاً أشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُکْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَیُسْألُونَ } 19 _سورة الزخرف.

{ وَجَعَلُوا المَلائِکَةَ الَّذِینَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إنَاثاً } : أی سموهم اناثا: وهذه أراجیف الکفار والمنافقین ولا تصلح دلیلا علمیا یعتد به وهی مثل أکاذیبهم ضد الانبیاء والصالحین .

{أشَهِدُوا

خَلْقَهُمْ سَتُکْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَیُسْألُونَ } :

وهم لم یشهدوا خلقهم لیروا انهم من الاناث أم من الذکور: فهذا یعنی افتراءهم علی الملائکة: وسوف یسألون عن هذا الافتراء یوم القیامة .

وقد بین الله تعالی منزلة عالیة للملائکة :قال: ( تعالی ):

لن یستنکف المسیح أن یکون عبدا لله ولا الملائکة المقربون _النساء

127 .

ص: 298

وقال تعالی : ولله یسجد من فی السماوات والأرض من دابة و الملائکة وهم لا یستکبرون_ 49 النحل .

وتری الملائکة حافین من حول العرش یسبحون بحمد ربهم _75 الزمر .

والملائکة یسبحون بحمد ربهم ویستغفرون لمن فی الأرض_ 5 الشوری. علیها ملائکة غلاظ شداد لا یعصون الله ما أمرهم و یفعلون ما یؤمرون_ 6 التحریم .

وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مکرمون لا یسبقونه بالقول وهم بأمره یعملون _ 27 الأنبیاء .

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصف الملائکة فی الخطبة رقم 90: ( . . . ولم تختلف فی مقام الطاعة مناکبهم ، ولم یثنوا إلی راحة التقصیر فی أمره رقابهم . . . ولا تنتضل فی هممهم خلائع الشهوات . . . ) .

وفی الصحیفة السجادیة دعاء خاص بالملائکة وفیها: ( . . . ولا یستحسرون عن عبادتک ولا یؤثرون التقصیر علی الجد فی أمرک . . . ) .

القمی: معطوف علی ما قالت قریش إن الملائکة بنات الله فی قوله : وجعلوا

له من عباده جزءا فرد الله علیهم فقال: ( اشهدوا خلقهم ستکتب شهادتهم

ویسألون ) .

النصوص الفاخرة السابقة تبین مکانة وهویة عظیمة للملائکة عند ربهم .

{ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِکَ مِنْ عِلْم إنْ هُمْ إلا یَخْرُصُونَ20*: } _سورة الزخرف.

الطوسی: ( قالوا " لو شاء الرحمن ما عبدناهم " کما قالت المجبرة بأن الله تعالی أراد کفرهم ، ولو لم یشأ ذلک لما کفروا ، فقال الله لهم علی وجه

ص: 299

التکذیب " مالهم بذلک من علم أن هم إلا یخرصون " أی لیس یعلمون صحة ما یقولونه ولیس هم إلا کاذبین . ففی ذلک إبطال مذهب المجبرة فی أن الله تعالی یرید القبیح من افعال العباد . لان الله تعالی قطع علیهم کذبهم فی أن الله تعالی یشأ عبادتهم للملائکة ، وذلک قبیح لا محالة وعند المجبرة الله تعالی شاءه . وقد نفاه تعالی عن نفسه وکذبهم فی قولهم فیه )((1)) .

الطبرسی: ( زعموا أن شرکهم وشرک آبائهم وتحریمهم ما حرموه بمشیئة الله تعالی وإرادته ، ولولا أنه شاء ذلک لم یکن شئ منه ، وهذا مذهب المجبرة بعینه ( کذلک ): جاء:

( الذین من قبلهم ): بالتکذیب المطلق ، لأن الله سبحانه رکب فی العقول ما دل علی علمه بالقبائح ، وبغناه عنها وبراءته عن مشیئة القبائح وإرادتها ، وأخبر أنبیاءه بذلک ، فمن علق وجود الکفر بمشیئته فقد کذب التکذیب کله وهو تکذیب الله وکتبه ورسله ، ونبذ أدلة العقل والسمع وراء ظهره

( کذلک ): أی :

مثل ذلک التکذیب الذی صدر من هؤلاء ( کذب الذین من قبلهم حتی ذاقوا بأسنا ) حتی أنزلنا علیهم العذاب بتکذیبهم: ( قل هل عندکم من علم ) من أمر معلوم یصح الاحتجاج به فیما قلتم: ( فتخرجوه لنا ) وهذا من التهکم والشهادة بأن مثل قولهم محال أن یکون له حجة: ( إن تتبعون ): أی

ص: 300

: ما تتبعون فی قولکم هذا ( إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ): تقدرون أن الأمر کما تزعمون ، أو تکذبون ) ((1)) .

قالت المجبرة بأن اللَّه تعالی أراد کفرهم ، ولو لم یشأ ذلک لما کفروا ، أی انهم قالوا بالجبر وان الله تعالی خلق بعض العباد وأجبرهم علی الکفر وفعل القبائح من الافعال لیرسلهم الی جهنم .

فقال اللَّه لهم علی وجه التکذیب : « ما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ » أی : کلامهم غیر صحیح ولیس هم الا کاذبین .

وهذا إبطال لمذهب المجبرة فی أن اللَّه تعالی یرید القبیح من أفعال العباد لان اللَّه تعالی قطع علی کذبهم ، وذلک قبیح لا محالة ، وقد نفاه تعالی عن نفسه وکذبهم فی قولهم فیه .

{ أمْ آتَیْنَاهُمْ کِتَاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِکُونَ21} _سورة الزخرف.

فإذا لم یمکنهم اثبات ان الله أنزل بذلک کتابا علم أنه من تخرصهم وان اختلاقهم الملائکة بنات الله محض کذب لهم .

الطبرسی : لما حکی الله سبحانه تخرص من أضاف عبادة الأصنام والملائکة إلی مشیئة الله ، قال: ( أم آتیناهم کتابا ) وهو استفهام بمعنی التقریر لهم علی خطئهم ، والتقدیر : أهذا الذی ذکروه شئ تخرصوه وافتعلوه ، أم آتیناهم کتابا . ( من قبله فهم به مستمسکون ) أی مستمسکون

ص: 301

بذلک . فإذا لم یمکنهم ادعاء أن الله تعالی أنزل بذلک کتابا ، علم أن ذلک من تخرصهم ، ودل أم علی حذف حرف الاستفهام ، لأنه المعادل له ((1)) .

{ بَلْ قَالُوا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَی اُمَّة وَإنَّا عَلَی آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ22}

( و التقلید ) جاء فیه : القلادة هی التی فی العنق وقلّدت المرأة فتقلّدت هی ، ووضع فی جیدها أی رقبتها .

ومنه التقلید فی الدّین وتقلید القضاة والولاة والوزراء الأعمال وتقلید الهَدْی وهو أن یعلّق فی عنقه شئ لیعلم أنّه هدیٌ بالغ الکعبة المشرفة .

وتقلید الآباء والاجداد السالفین فی الدین: فقبلوا ما قبلوه وردّوا ما ردوه من غیر أن یتمسّکوا فی ذلک بحجج سلیمة مثلما تراه فی معظم هذه الامة .

ولسان حالهم إنّا وجدنا آباءنا علی أمّة وإنّا علی آثارهم مهتدون أی اعتمدوا علی ما انتخبه الاباء فی أصول الدین وفروعه .

السؤال : هل التقلید صحیح وجائز ؟

لو کان التقلید جائزا لکان یلزم فی ذلک أن یکون الحق فی الشئ ونقیضه ، فکل طائفة تقلد أسلافها: , وکل طائفة تعتقد بأنها علی حق وغیرها علی باطل ، وهذا باطل لا شبهة فی بطلانه .

اذن یجب الرجوع إلی حجة عقلیة أو سمعیة کی نسیر علیها ونتبعها .

{وَکَذَلِکَ مَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ فِی قَرْیَة مِنْ نَذِیر إلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَی اُمَّة وَإنَّا عَلَی آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } 23 _سورة الزخرف.

ص: 302

عَلَی اُمَّة :أی علی ملة وطریقة ودین .

( وإنا علی آثارهم مهتدون ) نهتدی بهداهم ونتبع دینهم .

ثم قال سبحانه: وکذلک: أی ومثل ما قال هؤلاء فی الحوالة علی تقلید آبائهم فی الکفر: ( ما أرسلنا من قبلک ) یا محمد صلی الله علیه و آله : ( فی قریة ) ومجمع من الناس: ( من نذیر ) أی نذیرا ، لأن: ( من ) زائدة ( إلا قال مترفوها ) وهم الطغاة الظالمون ، یرید الرؤساء: ( إنا وجدنا آبائنا علی أمة وإنا علی أثارهم مقتدون ) نسیر علی نهجهم ومعتقدهم . فهم مقلدون للآباء فحسب ، بلا حجة ولا دلیل والتقلید قبیح فی العقول .

قال الله تعالی ذاکرا المقلدة من الکفار وذاما لهم علی تقلیدهم: ( إنا وجدنا آباءنا علی أمة وإنا علی آثارهم مقتدون * قال أولو جئتکم بأهدی مما وجدتم علیه آباءکم ) _الزخرف 24 .

وقال الصادق علیه السلام : ( من أخذ دینه من أفواه الرجال أزالته الرجال ، ومن أخذ دینه من الکتاب والسنة زالت الجبال ولم یزل ) ((1)) .

وقال علیه السلام : ( إیاکم والتقلید ، فإنه من قلد فی دینه هلک ) إن الله تعالی یقول: ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ): فلا: والله ما صلوا لهم ولا صاموا ، ولکنهم أحلوا لهم حراما ، وحرموا علیهم حلالا ، فقلدوهم فی ذلک ، فعبدوهم وهم لا یشعرون ) .

وقال علیه السلام : ( من أجاب ناطقا فقد عبده ، فإن کان الناطق عن الله تعالی فقد عبد الله ، وإن کان الناطق عن الشیطان فقد عبد الشیطان ) .

ص: 303

وقال الشیخ المفید: اللوح کتاب الله تعالی کتب فیه ما یکون إلی یوم القیامة ، وهو قوله تعالی یوضحه: ( ولقد کتبنا فی الزبور من بعد الذکر أن الأرض یرثها عبادی الصالحون ): فاللوح هو الذکر والقلم هو الشئ الذی أحدث الله به الکتابة: فی اللوح ، وجعل اللوح أصلا لیعرف الملائکة – علیهم السلام _ منه ما یکون [ من غیب أو وحی ] ، فإذا أراد الله تعالی أن یطلع الملائکة علی غیب له أو یرسلهم إلی الأنبیاء – علیهم السلام _ بذلک أمرهم بالاطلاع فی اللوح ، فحفظوا منه ما یؤدونه إلی من أرسلوا إلیه ((1)) .

قال الشیخ أبو جعفر : اعتقادنا فی العرش أنه حملة جمیع الخلق والعرش فی وجه آخر هو العلم . . . إلخ .

وقال الشیخ أبو عبد الله المفید : العرش فی اللغة هو الملک((2)) .

وقال نجاح الطائی: عرش الله تعالی هو ملکه ، واستواؤه علی العرش هو استیلاؤه علی الملک ، والعرب تصف الاستیلاء بالاستواء .

ومشکلة بعض الناس انهم یقلدون آباءهم ومشایخهم وأصدقاءهم دون تحقیق وتمحیص وتدبر .

ومن هنا ولدت السلفیة المقلدة للسلف من الخوارج والنواصب فی محاربتها لاهل البیت وشیعتهم واتباعهم لمعاویة ویزید والحجاج والمتوکل وباقی السفاحین القتلة .

ص: 304

{ قَالَ أوَ لَوْ جِئْتُکُمْ بِأهْدَی مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَیْهِ آبَاءَکُمْ قَالُوا إنَّا بِمَا اُرْسِلْتُمْ بِهِ کَافِرُونَ } 24 _سورة

الزخرف.

قال الصادق علیه السلام : من أخذ دینه من أفواه الرجال أزالته الرجال ، ومن أخذ دینه من الکتاب والسنة زالت الجبال ولم یزل ((1))

.

کلمهم النذیر بکلام جمیل اذ لم یتهم دینهم بالباطل بل قال لهم : أوَ لَوْ جِئْتُکُمْ بِأهْدَی مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَیْهِ آبَاءَکُمْ ؟

وهذه طریقة لطیفة فی التبلیغ الدینی یجب السیر علیها الا ان الکفار رفضوه واتهموه بالکفر بدینهم فهو کافر فی نظرهم .

ولو اطلع الکفار علی الاسلام لوجدوه أفضل من دینهم لکنهم امتنعوا عن الاطلاع لادراکهم بالفطرة أفضلیة الاسلام علی دینهم وعبادتهم للاصنام لا تجدی نفعا .

{ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ المُکَذِّبِینَ }25 _سورة الزخرف.

عندها حق علیهم العذاب الالیم .

عن أبی بصیر عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام فی قوله: ( وأقسموا بالله جهد ایمانهم لا یبعث الله من یموت ) قال : ما یقولون فیها ؟

قلت : یزعمون أن المشرکین کانوا یحلفون لرسول الله ان الله لا یبعث الموتی قال :

تبا لمن قال هذا ویلهم هل کان المشرکون یحلفون بالله أم باللات والعزی ؟ قلت : جعلت فداک فأوجدنیه أعرفه قال : لو قد قام قائمنا بعث الله إلیه

ص: 305

قوما من شیعتنا تبایع سیوفهم: علی عواتقهم فیبلغ ذلک قوما من شیعتنا لم یموتوا ، فیقولون : بعث فلان وفلان من قبورهم مع القائم فیبلغ ذلک قوما من أعدائنا فیقولون : یا معشر الشیعة ما أکذبکم ، هذه دولتکم وأنتم تکذبون فیها ، لا والله ما عاشوا ولا تعیشوا إلی یوم القیمة ، فحکی الله قولهم فقال: ( وأقسموا بالله جهد أیمانهم )((1)) .

{ وَإذْ قَالَ إبْرَاهِیمُ لاِبِیهِ وَقَوْمِهِ إنَّنِی بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ26 إلاَّ الَّذِی فَطَرَنِی فَإنَّهُ سَیَهْدِینِ } 27 _سورة الزخرف.

قال النبی ابراهیم علیه السلام لابیه أی عمه لوفاة أبیه إننی براء مما تعبدون من الاصنام والعبادة یجب أن تکون لله تعالی الذی فطره ویهدیه .

لقد تبرأ النبی ابراهیم من الاصنام وتبرأ الامام علی علیه السلام من معاویة فلم یجعله والیا علی الشام یوما واحدا .

وتبرأ الامام الحسین علیه السلام من یزید فلم یعترف به خلیفة یوما واحدا .

فقد اراد هؤلاء الائمة الصالحون تعلیم المسلمین علی طریق الحق وکیفیة التعامل مع الاصنام والطغاة .

الاعتقاد الراسخ للنبی ابراهیم هو الذی انجاه من شر نمرود وناره وجیوشه وهذا الایمان القوی یجب أن یتحلی به المؤمن کی یصل الی الحق والی أهدافه المرسومة .

ص: 306

{ وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِیَةً فِی عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ}28 _سورة الزخرف.

روی الحافظ سلیمان القندوزی الحنفی باسناده عن علی بن أبی طالب علیه السلام أنه قال: فینا نزل قول الله عزوجل:

(وجعلها کلمة باقیة فی عقبه لعلهم یرجعون) .

وقال تعالی : «فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَات فَتَابَ علیه إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ ((1)) .

فی روایة عن أهل البیت ان الکلمات التی توسل بها هی أسماء أهل البیت : روی الجمهور عن ابن عباس , قال: « سئل رسول الله عن الکلمات التی تلقاها آدم من ربه , فتاب علیه , قال : سأله بحق محمد , وعلی , وفاطمة , والحسن , والحسین : إلا تبت علیَّ , فتاب علیه» ((2)) .

ص: 307

أی: جعل تعالی الإمامة فی عقب الحسین علیه السلام إلی یوم القیامة ((1)) .

ولما أسری برسول الله صلی الله علیه و آله الی السماء شاهد اسماء الأئمة مکتوبة علی ساق العرش بالنور اثنی عشر اسماً : علی وسبطاه الحسن والحسین وعلی ومحمد وجعفر وموسی وعلی ومحمد وعلی والحسن والحجة القائم المهدی علیهم السلام ((2)) .

وقال البیضاوی : أی وجعل إبراهیم أو الله تعالی کلمة التوحید: ( کلمة باقیة فی عقبه ) أی فی ذریته فیکون فیهم أبدا من یوحد الله ویدعو إلی توحیده: ( لعلهم یرجعون ) أی یرجع من أشرک منهم بدعاء من وحده ونحوه ((3)) .

قال الطبرسی: وقیل : الکلمة الباقیة فی عقبة هی الإمامة إلی یوم القیامة عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام : واختلف فی عقبه من هم ، فقیل : ولده إلی یوم القیامة عن الحسن وقیل : هم آل محمد صلی الله علیه و آله عن السدی ((4)).

ص: 308

کنز جامع الفوائد وتأویل الآیات الظاهرة : روی الحسن بن أبی الحسن الدیلمی باسناده عن رجاله عن مالک بن عبد الله قال : قلت لمولای الرضا علیه السلام : قوله تعالی: { وَألْزَمَهُمْ کَلِمَةَ التَّقْوَی}_الفتح 26 . قال : هی ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام ((1)) .

(فی عقبه) : تبین ولادة کل امام من ظهر أبیه لا من ظهر عمه , ولا تتکرر الامامة فی أخوین فی ذریة الحسین کما حدث للحسن والحسین .

ولا یصح قول بعض العامة بولادة المهدی فی آخر الزمان لانها مخالفة لهذه الآیة القرآنیة لانه سوف لا یولد من أبیه مباشرة .

{ بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّی جَاءَهُمُ الحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِینٌ29 وَلَمَّا جَاءَهُمُ الحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإنَّا بِهِ کَافِرُونَ}30 _سورة الزخرف.

{ حَتَّی جَاءَهُمُ الحَقُّ }: أی القرآن ، عن السدی .

وقیل : الآیات الدالة علی الصدق .

أبقینا أعمارهم علی ماهی علیه دون انتقام منهم علی أفعالهم فلم تنفعهم النصائح الالهیة والنبویة اذ لما جاءهم الحق: قالوا : هذا سحر .

وقال کفار قریش للنبی : مر القمر فلینشق فیکون نصفه علی سطح مکة ویکون نصفه علی: ( جبل ) أبی قبیس وادع الشجرة فیأتیک نصفها ویبقی نصفها فی موضعه .

قال : فأرسل رسول الله صلی الله علیه و آله إلی أبی جهل ومن معه فلما حضروا أمر القمر فانشق نصفین فصار نصفه علی سطح مکة وصار نصفه علی أبی قبیس.

ص: 309

ودعا: ( أیضا ) الشجرة فأتی نصفها وبقی نصفها فی موضعه .

فلما نظر أبو جهل ومن معه إلی تلک ( المعجزة ) قالوا : هذا سحر مستمر من سحر محمد . فأنزل الله علی محمد صلی الله علیه و آله :

{ اقتربت الساعة وانشق القمر وان یروا آیة یعرضوا ویقولوا سحر مستمر }_ القمر 1 , 2 ((1)).

وقال تعالی : " وإذ قال عیسی بن مریم یا بنی إسرائیل إنی رسول الله إلیکم مصدقا لما بین یدی من التوراة ومبشرا برسول یأتی من بعدی اسمه أحمد فلما جاءهم بالبینات قالوا هذا سحر مبین _ الصف " 61.

{ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آیَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِین 13وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَیْقَنَتْهَا أنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِینَ }: 14النمل.

وقال نجاح الطائی : أراد الکفار افساد معجزات الانبیاء بای صورة کانت فوجدوا ان أفضل شیء لهذا هو وصم المعجزات بالسحر .

فعنده تقف عقول الکثیر من العوام عن تصدیق الانبیاء فیبقون حیاری فی أیدی طغاة وعتاة الکفر یلعبون بهم ما شاءوا .

واذا کانت هذه الاعمال الخارقة مثل انشقاق القمر سحراً , فلیأتوا بها بواسطة سحرتهم الکثیرین .

ص: 310

وهذا یبین انها لم تکن سحرا دنیویا بل معجزات الهیة لا یقوی علیها البشر .

لقد اعتمد الکفار علی أمرین للوقوف فی وجه الاسلام الاول وصم النبی محمد صلی الله علیه و آله بالسحر والثانی : وصمه بالجنون .

{ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَی رَجُل مِنَ القَرْیَتَیْنِ عَظِیم}31 _سورة الزخرف.

أراد الکفار رجلین للنبوة إما: الولید بن المغیرة فی مکة ، وإما عروة بن مسعود الثقفی فی الطائف . أی أخذوا یتدخلون فی انتخاب رسل الله تعالی بأن یکون الانتخاب بیدهم فیجمعون السلطة السیاسیة والدینیة کی یسلبوا سلطة رب العالمین فی الارض !!!

وکیف یلزمون اللهَ تعالی بنبوة الولید وهو رجل فاسق وعاهر ولقیط وطاغیة لا یلتزم بالاخلاق .

وهو من {الَّذِینَ یَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إلَهاً آخَرَ } فکیف یصبح رسولا لله

تعالی ؟

وعند ولادة النبی محمد صلی الله علیه و آله رمیت الشیاطین بالشهب : وَأنَّا کُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ یَسْتَمِعِ الآنَ یَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً 9 _الجن ، وحجبوا من السماء ، ورأت قریش الشهب تتحرک وتزول وتسیر فی السماء ففزعوا ، وقالوا: هذا قیام الساعة .

واجتمعوا إلی الولید بن المغیرة ، وکان شیخا کبیرا مجربا ، فسألوه عن ذلک ، فقال : انظروا إلی هذه النجوم التی تهتدون بها فی ظلمات البر والبحر ، فإن کانت قد زالت فهی الساعة ، وإن کانت ثابتة فهو لأمر قد حدث .

ص: 311

وقال تعالی : ( وقل إنی أنا النذیر المبین ): أی: أنذرکم عذابا مثل ما أنزلنا علی المقتسمین الذین اقتسموا مداخل مکة أیام الموسم ، وهم ستة عشر رجلا بعثهم الولید بن المغیرة فقعدوا فی کل مدخل ینفرون الناس عن الإیمان برسول الله صلی الله علیه و آله ، یقول بعضهم: لا تغتروا بالخارج منا والمدعی النبوة فإنه ساحر ((1)) ، ویقول الآخر: کذاب ، والآخر: شاعر ، فأهلکهم الله یوم بدر وقبله بآفات

((2)) .

ویذکر أنّ اجتماع یوم السبت لشیاطین قریش فی دار الندوة قد حدّد تهمتهم للنبی: ( صلی الله علیه و آله ) بأنه: الساحر أو المسحور والکاهن والمجنون .

فانتخب الولید بن المغیرة تهمة الساحر والمسحور وسارت جحافل قریش علی تلک الاوصاف للرسول: إذ قال عمر وصحبه لرسول الله فی یوم شهادته أنّه یهجر أی مجنون ((3)) .

ص: 312

{وَمَنْ یَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِیناً} 36_الاحزاب.

وسارت عائشة علی المنحیین بأُسلوب منهجی یتمثّل فی وضع أحادیث علی لسان النبی: ( صلی الله علیه و آله ) تثبت سحرهم له وظنّه فی أیّام الدعوة أنّه مجنون فأراد الانتحار من علی قمّة جبل ((1)) !!!

فهی تبین بأن النبی صلی الله علیه و آله یعتقد بانه مجنون وهذه قمة الافتراء علیه لاسقاطه فی أعین الناس وترکهم لاحادیثه وسیرته .

وکیف یکون النبی مجنونا وهو قدوة البشریة , واقواله وأفعاله حجة تسیر علیها الناس .

ونزل فی الولید وصحبه قوله تعالی :

ص: 313

{إنَّا کَفَیْنَاکَ المُسْتَهْزِئِینَ95* الَّذِینَ یَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ 96 }سورة

الحجر .

إنَّا کَفَیْنَاکَ المُسْتَهْزِئِینَ95: الطغاة الذین کانوا یستهزؤون بالرسول وعلی رأسهم الولید بن المغیرة المخزومی .

عن أبان بن عثمان الأحمر رفعه قال : کان المستهزؤون: خمسة من قریش ، الولید بن المغیرة المخزومی ، والعاص بن وائل السهمی ، والحارث بن حنظلة والأسود بن عبد یغوث بن وهب الزهری ، والأسود بن المطلب بن أسد ، فلما قال الله : ( انا کفیناک المستهزئین ) علم رسول الله انه قد أخزاهم فأماتهم الله بشر میتات ((1)) .

اما الولید فکان رسول الله صلی الله علیه و آله دعا علیه لما کان یبلغه من اذاه واستهزائه فقال : اللهم أعم بصره واثکله بولده فعمی بصره وقتل ولده ببدر: ( وکذلک دعا علی الأسود بن یغوث والحارث بن طلاطلة ) فمر الولید بن المغیرة برسول الله صلی الله علیه و آله ومعه جبرئیل علیه السلام فقال جبرئیل یا محمد هذا الولید بن المغیرة وهو من المستهزئین بک ؟

قال

صلی الله علیه و آله : نعم وقد کان مر برجل من خزاعة وهو یریش نبالا له فوطیء علی بعضها فأصاب عقبه قطعة من ذلک فدمیت فلما مر بجبرئیل أشار إلی ذلک الموضع فرجع الولید إلی منزله ونام علی سریره وکانت ابنته نائمة

ص: 314

أسفل منه فانفجر الموضع الذی أشار إلیه جبرئیل أسفل عقبه فسال منه الدم حتی صار إلی فراش ابنته فانتبهت فقالت الجاریة : انحل وکاء القربة ، قال ما هذا وکاء القربة ولکنه دم أبیک فاجمعی لی ولدی وولد أخی فانی میت ((1)) .

ولما لم یوافق الله تعالی علی انتخاب الولید المشرک الفاسق الدعی رسولا له تدخل الطلقاء والاعراب فی قضیة خلیفة الرسول صلی الله علیه و آله فمنعوا الوصیة الالهیة فی علی وأولاده الائمة علیهم السلام وعینوا من یسیر علی هواهم وشریعتهم وینسجم معهم .

فاغتصبوا خلافة النبی صلی الله علیه و آله ولیحکموا أمرهم فقد جعلوا الخلافة وراثیة فی بنی أمیة ثم فی بنی العباس کی لا تصل الی الخلفاء الائمة الاثنی عشر .

{ أهُمْ یَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّکَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَیْنَهُمْ مَعِیشَتَهُمْ فِی الحَیَاةِ الدُّنْیَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجَات لِیَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِیّاً وَرَحْمَةُ رَبِّکَ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ }32 _سورة الزخرف.

قال القمی: (قال تعالی: ( أهم یقسمون رحمة ربک ) یعنی النبوة والقرآن حین قالوا لمَ لم ینزل علی عروة بن مسعود ثم قال الله: ( نحن قسمنا بینهم معیشتهم فی الحیاة الدنیا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) یعنی فی المال والبنین: ( لیتخذ بعضهم بعضا سخریا ورحمة ربک خیر مما یجمعون ) فهذا من أعظم دلالة الله علی التوحید لأنه خالف بین هیأتهم وتشابههم

ص: 315

وإراداتهم وأهوائهم لیستعین بعضهم علی بعض لان أحدا لا یقوم بنفسه لنفسه والملوک والخلفاء لا یستغنون عن الناس وبهذا قامت الدنیا والخلق المأمورون المنهیون المکلفون ولو احتاج کل إنسان أن یکون بناءا لنفسه وخیاطا لنفسه وحجاما لنفسه وجمیع الصناعات التی یحتاج إلیها لما قام العالم طرفة عین لأنه لو طلب کل إنسان العلم ما قامت الدنیا ولکنه عز وجل خالف بینهم وبین هیأتهم وذلک من أعظم الدلالة علی التوحید ) ((1)) .

وذکر ابن جریر الطبری أن بنی کلاب ، قالوا للنبی : نبایعک علی أن یکون الأمر لنا بعدک فقال صلی الله علیه و آله الأمر لله إن شاء کان فیکم ، أو فی غیرکم . وروی الماوردی فی أعلام النبوة أن عامر بن الطفیل قال للنبی

صلی الله علیه و آله ما لی إن أسلمت ؟

فقال صلی الله علیه و آله : ما للمسلمین ، قال : ألا تجعلنی الوالی بعدک ؟ قال : لیس ذلک لک ولا لقومک ((2)) .

فدل هذان الحدیثان: وتانک الآیتان:

: ( وربک یخلق ما یشاء ویختار ما کان لهم الخیرة )_ القصص 68 .

( وما کان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضی الله ورسوله أمرا ، أن یکون لهم الخیرة )_الاحزاب: 36 .

ص: 316

بتفسیرهم علی المنع من الاختیار وقد قال سبحانه وتعالی :

تؤتی الملک من تشاء .

ویؤتی الحکمة من یشاء .

والله یزکی من یشاء .

أهم یقسمون رحمة ربک .

نرفع درجات من نشاء ((1)) .

وفی الاختیار تقدیم بین یدی الله ورسوله ، فهو دخول فی نهی کتابه .

إن قالوا : الاختیار من قضاء الله سبحانه لنفی أفعال العباد ، قلنا : نمنع ذلک و قد بیناه فی باب إبطال الاجبار ، علی أن نفی الاختیار فی الآیة مشروط بقضاء الله و رسوله ، ولو انتفی فعل العباد ، لزم العبث فی الاشتراط .إن قالوا : فی الآیة الجمع بین قضاء الله ورسوله : وعندنا أن الرسول لم یقض لأنه لم یوص ، فإلینا الاختیار ، لأنه لم یوجد مجموع الشرط . قلنا : لیس هنا قضاءان لأن قضاء الله هو قضاء رسوله لعموم: ( وما ینطق عن الهوی)_ النجم 5 .

إن قالوا : نمنع الاتحاد ، لأن الله قضی بأشیاء ولم یقض بها النبی والآیة دلت علی أن قضاء النبی قضاء الله دون العکس . قلنا : بل هما متحدان هنا لأن الإمامة إن قضی بها دون النبی لزمه أن یصل إلی الأمة لا علی ید النبی ،

ص: 317

وهو محال ولأن سلم کونه غیره ، جاز کون الواو فی الآیة بمعنی أو ، مثل: ( مثنی وثلاث و رباع ) _النساء 4 .

وکیف یتم لکم أن للرسول قضاء وقد نفیتم أفعال العباد وقد قال تعالی لنبیه: ( لیس لک من الأمر شئ ) فکیف یکون للرعیة الجاهلة من الأمر شئ: ( قل إن الأمر کله لله ) _آل عمران 154 .

والإمامة من أعظم الأمور وأهمها ((1)) .

قال البیضاوی : إنکار فیه تجهیل وتعجیب من تحکمهم ، والمراد بالرحمة النبوة " نحن قسمنا بینهم معیشتهم فی الحیاة الدنیا " وهم عاجزون عن تدبیرها ، وهی خویصة أمرهم فی دنیاهم ، فمن أین لهم أن یدبروا أمر النبوة التی هی أعلی المراتب الأنسیة ((2)) .

ووصل الطغیان والاستبداد بالکفار الی الطلب من الله تعالی لیکون انتخاب النبی بیدهم لیکون الدین فی متناول أیدیهم .

النظریة الالهیة : جعلنا حاجة هذا الی ذاک ،و أحوجنا : هذا إلی مال ذلک وأحوج ذاک إلی سلعة هذا ،وإلی خدمته ، فتری السلاطین والاغنیاء یحتاجون الی حرفة الفقراء وأعمال العبید والاطباء والمهندسین والعلماء بما وهبهم الله تعالی من مهارة وقوة وعلم وادارة وشجاعة ووغیر ذلک .

ص: 318

{ وَلَوْلا أنْ یَکُونَ النَّاسُ اُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ یَکْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُیُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّة وَمَعَارِجَ عَلَیْهَا یَظْهَرُونَ}33_سورة الزخرف.

أی لولا أنهم یصیرون کلهم کفارا: ( لجعلنا لمن یکفر بالرحمن لبیوتهم سقفا من فضة ومعارج علیها یظهرون ) استحقارا للدنیا وقلة مقدارها ولکن لا یفعل تعالی: ذلک ، لأنه یکون مفسدة . والله تعالی لا یفعل ما فیه مفسدة .

ولو فعل: تعالی ذلک بأمة محمد ( صلی الله علیه و آله ) لحزن المؤمنون وغمهم ذلک ، ولم یناکحوهم ولم یوارثوهم وکفر الناس جمیعا .

{ وَمَعَارِجَ عَلَیْهَا یَظْهَرُونَ }: أی وجعلنا سلالیم ودرجا من فضّة علیها یعلون ویصعدون .

تعنی ان الله تعالی لا یهمه الدنیا فیمکنه أن یجعل سقف بیوت الکفار من فضة لانها دنیا زائلة والمؤمنون لا تهمهم الدنیا الزائلة ولا تغویهم .

لکن مشکلة الناس ان المؤمنین فیهم قلیل فیتاثرون عندها بالکفار ویصبحون کفارا کی یصبح سقف بیوتهم من الفضة .

وهذا مصداق لقوله تعالی: وَإنَّ کَثِیراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَکَافِرُونَ8 _سورة الروم .

وعن إسحاق بن غالب قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : فی هذه الآیة ولولا أن یکون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن یکفر بالرحمن لبیوتهم سقفا

ص: 319

من فضة ومعارج علیها یظهرون ، قال : لو فعل لکفر الناس جمیعا ((1)) : جریا منهم خلف الدنیا .

: ( یحسبون . إنما نمدهم به من مال وبنین نسارع لهم فی الخیرات بل لا یشعرون ) ((2)) .

وقال تعالی: ( ولا یحسبن الذین کفروا إنما نملی لهم خیر لأنفسهم إنما نملی لهم لیزدادوا اثما ولهم عذاب مهین )((3)) .

و جاء فی الحدیث : لولا أن یحزن المؤمن لجعلت للکافر عصابة من حدید لا یصدع رأسه ابدا ((4)) .

وجاء فی الحدیث : ان الدنیا لا تساوی عند الله جناح بعوضة .

ولولا ذلک ما سقی کافرا منها شربة من ماء .

و جاء فی الحدیث : لو أن مؤمنا علی قلة جبل لبعث الله له کافرا أو منافقا یؤذیه ((5)).

ص: 320

و جاء فی الحدیث انه : إذا أحب الله قوما أو أحب عبدا صب علیه البلاء صبا ، فلا یخرج من غم الا وقع فی غم .

وجاء فی الحدیث : ما من جرعتین أحب إلی الله عز وجل ان یجرعهما عبده المؤمن فی الدنیا ، من جرعة غیظ کظم علیها ، وجرعة حزن عند مصیبة صبر علیها بحسن عزاء واحتساب ((1)).

{وَمَعَارِجَ عَلَیْهَا یَظْهَرُونَ }أی وجعلنا درجا وسلالیم من فضة لتلک السقف ، علیها یعلون ویصعدون .

{ وَلِبُیُوتِهِمْ أبْوَاباً وَسُرُراً عَلَیْهَا یَتَّکِؤُونَ 34 وَزُخْرُفاً وَإنْ کُلُّ ذَلِکَ لَمَّا مَتَاعُ الحَیَاةِ الدُّنْیَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّکَ لِلْمُتَّقِینَ } 35_سورة الزخرف.

وَلِبُیُوتِهِمْ أبْوَاباً وَسُرُراً: من فضة عَلَیْهَا یَتَّکِؤُونَ .

: " ولبیوتهم أبوابا وسررا علیها " أی علی تلک السرر " یتکئون وزخرفا " أی ذهبا ، أی وجعلنا لهم مع ذلک ذهبا .

وقیل : الزخرف : النقوش ، وقیل : هو الفرش ومتاع البیت .

وجاء: وَزُخْرُفاً : أی ومن زخرف وهو الذهب .

والمعنی لاعطی الکافر فی الدنیا غایة مالایتوخاه و یتمناه فیها حتی یشبع، لقلة وقتها وحقارتها عنده ، ولکنه سبحانه لم یفعل ذلک لما فیه من المفسدة

ص: 321

، " وإن کل ذلک لما متاع الحیاة الدنیا والآخرة عند ربک للمتقین " خاصة لهم: وکل هذا زائل لا قیمة له مع الدنیا الدائمة الباقیة .

وقال الامام علی علیه السلام : (حتی اذا نهضت بالامر نکثت طائفة وفسقت اخری ومرق آخرون , کأنهم لم یسمعوا الله تبارک وتعالی یقول :

( تِلکَ الدَّارُ الأَخِرَةُ نَجعَلُها لِلَّذِینَ لاَ یُرِیدُونَ عُلُوَّاً فی الأَرضِ وَلاَ فَسَاداً والعَاقِبةُ لِلمُتَّقِینَ ) ((1)) . بلی والله لقد سمعوها ووعوها لکن احلولت الدنیا فی اعینهم وراقهم زبرجها , والذی فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقیام الحجة بوجود الناصر , وما أخذ الله علی العلماء أن لا یقرُّوا علی کظة ظالم ولا سغب مظلوم , لألقیت حبلها علی غاربها , ولسقیت آخرها بکأس اولها ولألفیتم دنیاکم هذه عندی أزهد من عفطة عنز ((2)).

ص: 322

وقال نجاح الطائی : هذا الامر یبین احتقار الله تعالی للدنیا الفانیة وتوجیه البشریة نحو الاخرة الخالدة فترک الحکم فیها للکافرین والمنافقین یلعبون فیها کما یشاؤون ویهوون .

وجعل الصالحین معارضة مظلومین مستضعفین مساکین لقصر حیاة الدنیا وفنائها الحتمی .

{وَمَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ الرَّحْمَنِ نُقَیِّضْ لَهُ شَیْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِینٌ}36: _سورة الزخرف.

الذکر هو النبی صلی الله علیه و آله کما قال: ( ذِکْراً رَسُولًا یَتْلُوا عَلَیْکُمْ آیاتِ اللَّه )_ سورة الطلاق : 10 _ 11 .

أو الوصی ، وهو المراد بالسبیل أیضا ، والتردید باعتبار الجهات والحیثیات والمراتب وإلا فما أمرنا إلا واحد .

قال الصادق علیه السلام : لو فعل الله ذلک لما آمن أحد ولکنه جعل فی المؤمنین أغنیاء وفی الکافرین فقراء وجعل فی الکافرین أغنیاء وفی المؤمنین فقراء ثم امتحنهم بالأمر والنهی والصبر والرضی قوله: ( ومن یعش عن ذکر الرحمن ) : أی یعمی .

ص: 323

قال أبو بکر : إنَّ لی شیطاناً یعترینی ((1)).

وقال فی کنز العمال ج 3 ص 126: " جاء أعرابی إلی أبی بکر فقال أنت خلیفة رسول الله صلی الله علیه و آله ؟

قال: لا، قال: فما أنت؟ قال: أنا الخالفة بعده "، أی القاعدة بعده.

وقد روی ذلک ابن الأثیر فی نهایة اللغة ((2))، ولم یذکر من معانی الخالفة القاعدة، بل ذکر له معانی أخر أحدها: کثیر الخلاف.

ثانیها: من لا غناء عنده، ولا خیر فیه، وفی القاموس ((3))

.

ثالثها: غیر نجیب لا خیر فیه.

ورابعها: الأحمق. وهکذا فی أقرب الموارد ((4)) .

وقد أشار النبی: ( صلی الله علیه و آله ) إلی دار عائشة قائلا :

هاهنا الفتنة ثلاثاً من حیث یخرج قرن الشیطان ((5)).

ص: 324

وقد تسببت عائشة فی مقتل عشرات الالاف من المسلمین فی معرکة الجمل التی افتعلتها لمحاربة الخلیفة علی بن ابی طالب علیه السلام .

الیعقوبی : قتل فی ذلک الیوم نیف وثلاثون ألفا, وقال الیافعی : وبلغت القتلی: یومئذ ثلاثة وثلاثین ألفا ((1)) .

{ وَإنَّهُمْ لَیَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِیلِ وَیَحْسَبُونَ أنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } 37 _سورة الزخرف.

وکیف یعتبر مؤمنا من لم یؤمن بولایة علی علیه السلام ویصد عن سبیل اهل البیت علیهم السلام :

قال الله تعالی : ( وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ) ((2))

و قال عمر بن الخطاب: اعلموا أنه لا یتم شرف إلا بولایة علی ((3)).

ص: 325

و جاء الی عمر أعرابیان یختصمان فأذن لعلی علیه السلام فی القضاء بینهما , فقضی , فقال أحدهما: هذا یقضی بیننا ؟

فوثب إلیه عمر , وأخذ بلحیته , وقال: ویحک ما تدری من هذا , هذا مولاک

ومولی کل مؤمن , ومن لم یکن مولاه فلیس بمؤمن ((1)).

ص: 326

وعن الامام أبی جعفر الباقر ، قال: أمر: (طلب) عمر علیا علیه السلام ((1)) أن یقضی بین رجلین فقضی بینهما ((2)) .

فقال الذی قضی علیه: هذا الذی یقضی بیننا ؟ وکأنه ازدری علیا، فأخذ عمر بتلبیبه فقال: ویلک((3)) وما تدری من هذا ؟ هذا علی بن أبی طالب،

ص: 327

هذا مولای ومولی کل مؤمن فمن لم یکن مولاه فلیس بمؤمن ((1)) .

ص: 328

وعن ابی سعید الخدری عن النبی صلی الله علیه و آله فی قوله { وقفوهم انهم مسؤولون} عن ولایة علی فیسألون فی القنطرة الاولی عن ولایة علی ( علیه السلام ) ((1)).

ص: 329

الرواة: الإمام محمد الباقر وعبد الله بن عباس وابو سعید الخدری وجابر الجعفی وابو اسحاق السبیعی ومجاهد ومندل .

انهم فی الضمیر یعود إلی الشیاطین لأن المراد بالشیطان الجنس .

وروی الحافظ الحسکانی الحنفی , عن فرات , بإسناده المذکور , عن نجم , عن الامام أبی جعفر الباقر: , قال نجم : سألته عن قول الله تعالی: (قُلْ هَذِهِ سَبِیلِی) : طریقتی وسبیلی . قال علیه السلام : ذاک رسول الله وأمیر المؤمنین والأوصیاء من بعدهم :أدْعُو إلَی اللّهِ علی بَصِیرَة .

ص: 330

وقال أبو جعفر الباقر علیه السلام : (ومن اتبعنی) : علی بن أبی طالب ((1)) .

وقال تعالی: قُلْ هَذِهِ سَبِیلِی أدْعُو إلَی اللّهِ عَلَی بَصِیرَة أنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِی وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أنَا مِنَ المُشْرِکِینَ ((2)) آیة الاتباع .

: قوله تعالی: " أنا ومن اتبعنی " , هو علی علیه السلام ((3)) .

وأضاف القمی : (الَّذِینَ کَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللّهِ) «صدٌّوا عن أمیر

ص: 331

المؤمنین

((1)) .

{ حَتَّی إذَا جَاءَنَا قَالَ یَا لَیْتَ بَیْنِی وَبَیْنَکَ بُعْدَ المَشْرِقَیْنِ فَبِئْسَ القَرِینُ 38 وَلَنْ یَنفَعَکُمْ الیَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ أنَّکُمْ فِی العَذَابِ مُشْتَرِکُونَ} 39_سورة الزخرف:

(حَتَّی إذَا جَاءَنَا ) فلاناً وفلاناً (ابو بکر وعمر) یقول أحدهما لصاحبه: (قَالَ یَا لَیْتَ بَیْنِی وَبَیْنَکَ بُعْدَ المَشْرِقَیْنِ فَبِئْسَ القَرِینُ38وَلَنْ یَنفَعَکُمْ الیَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ: (آل محمد حقَّهم باغتصابکم خلافتهم ) .

{أنَّکُمْ فِی العَذَابِ مُشْتَرِکُونَ39 }:

عن الامام الباقر علیه السلام : قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی خطبة الوسیلة : ولئن تقمصها دونی الأشقیان , ونازعانی فیما لیس لهما بحق ورکباها ضلالة , واعتقداها جهلا , فلبئس ما علیه وردا , ولبئس ما لانفسهما مهَّدا , یتلاعنان فی دورهما , ویتبرأ کل منهما من صاحبه , یقول لقرینه: (یَا لَیْتَ بَیْنِی وَبَیْنَکَ بُعْدَ المَشْرِقَیْنِ) .

فیجیبه الأشقی علی رثوثة : (یا لیتنی لم أتخذ فلاناً خلیلا لقد اضلنی عن الذکر بعد اذ جاءنی وکان الشیطان للانسان خذولا) . فانا الذکر الذی عنه

ص: 332

ضل والسبیل الذی عنه مال , والایمان الذی به کفر , والقرآن الذی إیاه هجر , والدین الذی به کذَّب , والصراط الذی عنه نکب ((1)) .

وقال نجاح الطائی: فی العادة یفر الشخص یوم القیامة

من صاحبه الذی تسبب فی هلاکه وغوایته ودفعه الی الجحیم .

ویحب الانسان المؤمن الشخص الذی دفعه الی الهدی والصلاح والاحسان والایمان فیعانقه ویقبله ویشکره فی یوم الحساب الاکبر .

الایة نزلت فی مغتصبی خلافة مولی الموحدین الذین تآزروا علی العصیان والتمرد فی قضیة الخلافة الالهیة والنبویة وجعلوها تناوباً بینهم فی صفوف الحزب القرشی ثم صفت لبنی أمیة یتوارثونها بین الاباء والابناء , ثم ضرب ابو سفیان قبر حمزة برجله وبحضور عثمان و باقی الأمویین وقال : یا معشر بنی أمیّة إنّ الخلافة صارت فی تیم وعدی حتی طمعت فیها وقد صارت إلیکم فتلقّفوها بینکم تلقّف الکرّة فوالله ما من جنّة ولا نار((2)).

وقال ابو سفیان أیضاً: إنّما هو الملک وما أدری ما جنّة ولا نار ((3)) .

ص: 333

{ أفَأنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أوْ تَهْدِی العُمْیَ وَمَنْ کَانَ فِی ضَلال مُبِین} 40 _سورة الزخرف.

روی العلامة البحرانی عن أبی صالح عن ابن عباس - فی حدیث - قال صلی الله علیه و آله : «من ترک ولایة علی علیه السلام أعماه الله وأصمه عن الهدی » ((1)) .

فتارک ولایة علی أصم لا یسمع هدایة النبی صلی الله علیه و آله وتارک ولایة علی علیه السلام أعمی لا یبصر هدایة النبی صلی الله علیه و آله .

علل الشرائع ، الخصال : ابن الولید ، عن الحسن بن متیل عن سلمة بن الخطاب ، عن منیع بن الحجاج ، عن یونس ، عن الصباح المزنی ، عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : عرج بالنبی صلی الله علیه و آله إلی السماء مائة وعشرین مرة ما من مرة إلا وقد أوصی الله عز وجل فیها النبی صلی الله علیه و آله بالولایة لعلی والأئمة علیهم السلام أکثر مما أوصاه بالفرائض ((2)) .

{ فَإمَّا نَذْهَبَنَّ بِکَ فَإنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ }41 _سورة الزخرف.

أی منتقمون من أعداء الامام علی علیه السلام المنافسین له فی الخلافة الالهیة : , فینتقم الله تعالی من الناکثین والقاسطین والمارقین ((3)) .

ص: 334

قال السیوطی :عن النبی صلی الله علیه و آله : نزلت فی علی علیه السلام أنّه ینتقم من الناکثین

والقاسطین والمارقین بعدی ((1)) .

وقول الله عز وجل : { فإما نذهبن بک فإنا منهم منتقمون } وهی فی قراءة عبد الله بن مسعود : منهم بعلی علیه السلام منتقمون . وبذلک جاء التفسیر عن علماء التأویل ((2)) .

وعن محمد بن علی علیه السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاری ، قال : إنی لأدناهم من رسول الله صلی الله علیه و آله فی حجة الوداع بمنی ، فقال : لا أعرفنکم ترجعون بعدی کفارا یضرب بعضکم رقاب بعض ، وأیم الله لئن فعلتموها لتعرفنی فی الکتیبة التی تضاربکم ، ثم التفت إلی خلفه فقال : أو علی أو علی ، ثلاثا ، فرأینا أن جبرئیل علیه السلام غمزه وأنزل الله: ( عز وجل ): ( فإما نذهبن بک فإنا منهم منتقمون ): بعلی ((3)) .

وجاء:عن جابر الأنصاری وأبی سعید الخدری وابن عباس وغیرهم ، واللفظ لجابر قال : قام رسول الله صلی الله علیه و آله یوم الفتح خطیبا فقال : أیها الناس لا

ص: 335

أعرفنکم ترجعون بعدی کفارا ، یضرب بعضکم رقاب بعض ، ولئن فعلتم ذلک لتعرفننی فی کتیبة أضربکم بالسیف ، ثم التفت عن یمینه ، فقال الناس ، لقنه جبرئیل علیه السلام شیئا ، فقال النبی صلی الله علیه و آله : هذا جبرئیل علیه السلام یقول : أو علی ((1)) .

وقال نجاح الطائی : وحدث هذا الامر فی الجمل وصفین والنهروان بعد ذهاب النبی صلی الله علیه و آله عن هذا العالم الدنیوی: ورجوع معظم الناس الی الکفر فسلط الله تعالی الامام علیاً علیه السلام علی الخارجین عن الدین فقتلهم فی الجمل وصفین والنهروان .

و حدث الانتقام السماوی من الغاوین المنحرفین جلیا وعلنا أمام المسلمین . وهذا الانتقام الالهی هو مقدمة للانتقام النهائی منهم فی یوم الحساب

العسیر .

{ أوْ نُرِیَنَّکَ الَّذِی وَعَدْنَاهُمْ فَإنَّا عَلَیْهِمْ مُقْتَدِرُونَ }_سورة الزخرف 42 : عن الامام محمد بن علیالباقر علیه السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاری ، قال: إنی لأدناهم من رسول الله صلی الله علیه و آله فی حجة الوداع بمنی ، فقال : لأعرفنکم ترجعون بعدی کفارا یضرب بعضکم رقاب بعض ، وأیم الله لئن فعلتموها لتعرفنی فی الکتیبة التی تضاربکم ، ثم التفت إلی خلفه فقال : أو علی أو علی ، ثلاثا ، فرأینا أن جبرئیل علیه السلام غمزه وأنزل الله: ( عز وجل ):

ص: 336

( فإما نذهبن بک فإنا منهم منتقمون ): (الزخرف 41 ) بعلی: ( أو نرینک الذی وعدناهم فإنا علیهم مقتدرون: (الزخرف42).

ثم نزلت: ( قل رب إما ترینی ما یوعدون * رب فلا تجعلنی فی القوم الظالمین * وإنا علی أن نریک ما نعدهم لقادرون * ادفع بالتی هی أحسن ) ثم نزلت: ( فاستمسک بالذی أوحی إلیک ) من أمر علی بن أبی طالب

( إنک علی صراط مستقیم ): (الزخرف 43: ): وإن علیا لعلم للساعة و: ( لک ولقومک وسوف تسألون ): (الزخرف44 ) عن محبة علی بن أبی طالب ((1)) .

{ فَاسْتَمْسِک بِالَّذِی اُوحِیَ إلَیْکَ إنَّکَ عَلَیٌ صِرَاطٌ مُسْتَقِیمٌ } 43 _سورة الزخرف.

{ فَاسْتَمْسِک بِالَّذِی اُوحِیَ إلَیْکَ} : فی علی بن أبی طالب ((2)) .

« استمسک یا محمد أنت رئیس اهل البیت وأنک علی الصراط المستقیم بولایة علی ».

عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام

قال : عرج بالنبی صلی الله علیه و آله إلی السماء مائة وعشرین مرة ما من مرة إلا وقد أوصی الله عز وجل فیها النبی صلی الله علیه و آله بالولایة لعلی والأئمة علیهم السلام أکثر مما أوصاه بالفرائض ((3)) .

ص: 337

وقال تعالی : (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلا رَجُلَیْنِ أحَدُهُمَا أبْکَمُ لا یَقْدِرُ علی شَیْء وَهُوَ کَلٌّ علی مَوْلاهُ أیْنَمَا یُوَجِّهْهُ لا یَأتِ بِخَیْر هَلْ یَسْتَوِی هُوَ وَمَنْ یَأمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ علی صِرَاط مُسْتَقِیم).سورة النحل 16 / 76 .

ابن مردویه الشافعی :عن ابن عباس : إنه علی ( علیه السلام ) .

رواه ابن مردویه الشافعی فی المناقب ، کما فی کشف الغمة وقال الفضل : فی المقام:

« لا شک أن علیاً کان یأمر بالعدل ، وهو علی صراط مستقیم »((1)) .

الخوارزمی الحنفی : ومنها : ما رواه أهل السنة : منهم الخطیب الخوارزمی روی بإسناد ینتهی إلی جعفر بن محمد الإمام الصادق ( علیه السلام ) قال : « أوحی الله تعالی إلی نبیه ( صلی الله علیه و آله ) : (فاستمسک بالذی أوحی إلیک إنک علی صراط مستقیم ).فقال : إلهی ، ما الصراط المستقیم ؟ قال تعالی : ولایة علی بن أبی طالب ( علیه السلام )، فعلی هو الصراط المستقیم »((2)) .وفی الصراط صراط علی ( علیه السلام )والموقف موقف علی ( علیه السلام )رواه القوم :محمد صالح الترمذی :منهم العلامة المولی محمد صالح الترمذی فی المناقب المرتضویة قال :قال الإمام الصادق کرم الله وجهه : قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) :«یا علی الصراط صراطک والموقف موقفک» ((3)) .

ص: 338

وهذا الحدیث یفسر الآیة السابقة .

وقال عمر لابن عباس یصف علیاً ( علیه السلام ):« إنَّ أحراهم أن یحملهم علی کتاب ربِّهم ، وسنَّة نبیّهم لصاحبک ، واللهِ لئن ولیها ، لیحملنَّهم علی المحجّة البیضاء والصراط المستقیم ((1)) .

الحموینی الشافعی:وأخرج إبراهیم بن محمد الحموینی الشافعی فی کتابه فرائد السمطین، روی بإسناده عن خیثمة الجعفی، عن أبی جعفر یعنی محمد بن علی الباقر ( علیه السلام ) :«نحن خیرة الله، ونحن الطریق الواضح، والصراط المستقیم إلی الله» ((2)) .

{: وَإنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَلِقَوْمِکَ وَسَوْفَ تُسْألُونَ } 44_سورة الزخرف.

روی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی قال: أخبرنا عبد الرحمن بن علی بن محمد البزاز باسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاری قال: إنی لأدناهم من رسول الله صلی الله علیه و آله : فی حجة الوداع بمنی حین قال صلی الله علیه و آله :

«لا ألفینکم ترجعون بعدی کفاراً یضرب بعضکم رقاب بعض , وایم الله لئن فعلتموها لتعرفننی فی الکتیبة التی تضاربکم » .

ص: 339

ثم التفت صلی الله علیه و آله إلی خلفه فقال: «أو علی , أو علی » ثلاثاً.

فرأینا أن جبرئیل غمزه صلی الله علیه و آله , وأنزل الله علی أثر ذلک:

«فأما نذهبن بک فانا منهم أی من الظالمین منتقمون , بعلی بن أبی طالب علیه السلام . (فاستمسک بالذی أوحی إلیک) : من أمر علی علیه السلام .

(إنک علی صراط مستقیم) . وإن علیاً لعلم للساعة:

: (وإنه لذکر لک ولقومک وسوف تسألون) : یعنی عن محبة علی بن أبی طالب علیه السلام ((1)) .

قوله فرأینا أن جبرئیل غمزه یعنی: أننا فسرنا التفات رسول الله صلی الله علیه و آله : إلی خلفه , ثم تغییر اسلوب کلامه فوراً حتی قال أو علی , أو علی , أو علی إلی أن جبرئیل هو الذی غمز النبی. فالتفت النبی إلیه , وقال للنبی صلی الله علیه و آله أو علی , فقاله النبی لأصحابه أو علی .

سلیمان القندوزی: وأخرج عالم الحنفیة الحافظ سلیمان القندوزی عن جابر بن عبد الله الأنصاری قال: نزل قوله تعالی:

(فاما نذهبن بک فانا منهم منتقمون) بعلی بن أبی طالب علیه السلام , قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إنه ینتقم من الناکثین والقاسطین والمارقین بعدی ((2)) .

وأخرج نحواً من ذلک العدید من الحفاظ والاثبات:

منهم الحافظ الشافعی أبو الحسن بن المغازلی فی مناقبه ((3)) .

ص: 340

ومنهم المفسر الشافعی جلال الدین بن أبی بکر السیوطی فی تفسیره ((1)) .

ومنهم الحاکم النیشابوری قال فی مستدرکه:

«أنه صلی الله علیه و آله قال فی حجة الوداع فی خطبته: «لا قاتلن العمالقة فی کتیبة » .

فقال له جبرئیل: أو علی.

فقال صلی الله علیه و آله : «أو علی بن أبی طالب علیه السلام » ((2)) .

ولم ینقل ربط القضیة بالآیة الکریمة , لکن وحدة القضیة تعطی ذلک لروایة غیره کامل القصة.

وقال النبی صلی الله علیه و آله : أنا الذکر والأئمة أهل الذکر وهم المسؤولون عن قیادة الأمة ((3)) .

ویسأل الله تعالی الأمة عن ولایة علی علیه السلام ((4)) .

ص: 341

ثم نزلت: ( فاستمسک بالذی أوحی إلیک ) من أمر علی بن أبی طالب

( إنک علی صراط مستقیم ) ((1)) وإن علیا لعلم للساعة و: ( لک ولقومک وسوف تسألون ): عن محبة علی بن أبی طالب .

وعن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام قال : قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) : علی بن أبی طالب محنة للعالم ، به یمیز الله المنافقین من المؤمنین ((2)) .

{ وَاسْألْ مَنْ أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنَا أجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً یُعْبَدُونَ } 45 _سورة الزخرف.

روی العلامة الحنفی موفق بن أحمد الخوارزمی الحنفی فی کتابه عن فضائل علی بن أبی طالب علیه السلام ضمن روایات المعراج عن شهردار اجازة بسنده عن عبد الله بن مسعودی فی تفسیره قوله تعالی:

وَاسْألْ مَنْ أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنَا أجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً یُعْبَدُونَ 45* _سورة الزخرف .

قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : یاعبد الله أتانی ملک فقال یامحمد: سل من أرسلنا من قبلک من رسلنا علی ما بعثوا ؟

قال: قلت علی ما بعثوا ؟

ص: 342

قال: علی ولایتک وولایة علی بن أبی طالب علیه السلام ((1)) .

وأخرج أبو الحسن الفقیه بن شاذان فی مناقبه المائة من طرق العامة نحواً منه بسنده عن ابن عباس أیضاً ((2)) .

الحاکم والخوارزمی الحنفی : روی العلامة الحنفی موفق بن أحمد الخوارزمی الحنفیفی کتابه عن فضائل علی بن أبی طالب علیه السلام ضمن روایات المعراج عن شهردار اجازة بسنده عن عبد الله بن مسعودی فی تفسیره قوله تعالی: (واسأل من أرسلنا من قبلک من رسلنا) . قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : یاعبد الله أتانی ملک فقال یامحمد : سل من أرسلنا من قبلک من رسلنا علی ما بعثوا ؟ قال : قلت علی ما بعثوا ؟ قالوا : علی ولایتک وولایة علی بن أبی طالب ((3)) .

ص: 343

{أجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً یُعْبَدُونَ } :

المراد بالسؤال منهم السؤال من أممهم وعلماء دینهم .

ص: 344

وجاء أیضا: المراد السؤال من أهل الکتابین : التوراة والإنجیل فإنهم وإن کفروا لکن الحجة تقوم بتواتر خبرهم ، والخطاب للنبی صلی الله علیه و آله والتکلیف لامته.

وقیل : الآیة مما خوطب به النبی صلی الله علیه و آله لیلة المعراج أن یسأل أرواح الأنبیاء علیه السلام وقد اجتمع بهم أن یسألهم هل جاؤوا بدین وراء دین التوحید .

: سل یا محمد مؤمنی أهل الکتاب هل جاءهم رسول یدعوهم إلی غیر عبادة الله ؟

وقال نجاح الطائی : دعوة الانبیاء الی التوحید الالهی واتباع الانبیاء وتحطیم الاصنام: جاءت بعدما کانت الناس تعبد الاصنام فی کل الاصقاع .

فحطم الانبیاء وأتباعهم الاصنام بأوامرهم وبیدهم فجعلوها قاعا صفصفاً.

{ وَلَقَدْ أرْسَلْنَا مُوسَی بِآیَاتِنَا إلَی فِرْعَوْنَ وَمَلأهِ فَقَالَ إنِّی رَسُولُ رَبِّ العَالَمِینَ46 فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآیَاتِنَا إذَا هُمْ مِنْهَا یَضْحَکُونَ }47_سورة الزخرف.

قال نجاح الطائی: جاء عن آیات موسی التسع:

اختلفوا فی هذه التسع , فقال ابن عباس والضحاک : هی ید موسی علیه السلام , وعصاه , ولسانه , والبحر , والطوفان , والجراد , والقمل , والضفادع والدم.

اختلاف المفسرین فی تسع آیات موسی ، فقیل: هی ید موسی ، وعصاه ، ولسانه ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم .

ص: 345

وقیل : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والبحر ، والعصا ، والطمسة ، والحجر . وقیل غیر ذلک ((1)) .

وقد ضحک الکفار أمام الانبیاء السابقین احتیالا منهم لتکذیبها وانکارها.

الملاحظ فی سیرة الکفار والمنافقین تکذیبهم رسالة الانبیاء ومعاجزهم

والاستهزاء بها مما یبین معدنهم ومنهجهم الشیطانی .

فضحک المؤمنون علی الکافرین اثناء غرقهم بعدما کانوا یضحکون من المؤمنین ویستهزؤون بهم !!!

وکل من یتبع منهج أهل السیاسة وحواشی علماء البلاط فی عصرنا الحاضر فهو یتصف بصفاتهم .

{ وَمَا نُرِیهِمْ مِنْ آیَة إلا هِیَ أکْبَرُ مِنْ اُخْتِهَا وَأخَذْنَاهُمْ بِالعَذَابِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ }: 48 _سورة الزخرف.

لقد شاهد هؤلاء الکفار مع زعیمهم فرعون آیات کثیرة مثل عصا موسی علیه السلام ویده البیضاء والضفادع والقمل وکان آخرها توقف ماء البحر فعبر موسی وأتباعه ثم جری بسرعة فأغرق فرعون وجیشه .

[ سنریهم آیاتنا فی الآفاق وفی أنفسهم ]: فأی آیة فی الآفاق [ غیرنا أراها الله أهل الآفاق .

ص: 346

وقال : [ ما نریهم من آیة إلا هی أکبر من أختها ] ((1)): فأی آیة أکبر منا ؟ ((2)) .

وعن الامام ابی الحسن الثالث علیه السلام والله إن بنی هاشم وقریشا لتعرف ما أعطانا الله ولکن الحسد أهلکهم کما أهلک إبلیس ، وإنهم لیأتونا: إذا اضطروا وخافوا علی أنفسهم فیسألونا فنوضح لهم فیقولون : نشهد أنکم أهل العلم ثم یخرجون فیقولون : ما رأینا أضل ممن اتبع هؤلاء ویقبل مقالاتهم ((3)) .

ولم یسلم العباس عم النبی الا فی فتح مکة مع الطلقاء وقتل العباسیون من العلویین أضعاف ما قتله الامویون منهم . وسرق العباسیون فضائل العباس بن نضلة الانصاری الذی اسلم فی بیعة العقبة الثانیة لصالح العباس بن عبد المطلب لینافسوا أهل البیت .

باب أن أمیر المؤمنین علیه السلام النبأ العظیم والآیة الکبری ((4)) .

ص: 347

رجال الکشی : فی توقیع العسکری علیه السلام

فی ضمن قوله تعالی : ( أتتک آیاتنا فنسیتها ) _ الآیة قال : وأی آیة یا إسحاق أعظم من حجة الله عز وجل ؟ ((1)) .

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام فی خطبته المفصلة : أنا أسماء الله الحسنی

وأمثاله العلیا وآیاته الکبری ((2)) .

وفی الخطبة الغدیریة المفصلة النبویة قال صلی الله علیه و آله : ولا نزلت آیة مدح فی القرآن إلا فیه , یعنی أمیر المؤمنین علیه السلام ((3)) . والآیات الواردة فی فضل أمیر المؤمنین علیه السلام من کلام المناقب ((4)) أبواب الآیات النازلة فی شأن أمیر المؤمنین علیه السلام الدالة علی فضله وإمامته باب نزول آیة إنما ولیکم الله فی شأنه ((5)) .

وذلک حین تصدق بخاتمه وهو راکع ولا خلاف فیه بین العامة والخاصة.

وقال نجاح الطائی : أکبر آیة نزلت علی البشریة هی آیة أهل البیت وهی مسک الختام لهم .

ص: 348

{وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ ذُکِّرَ بِآیَاتِ رَبِّهِ فَأعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِیَ مَا قَدَّمَتْ یَدَاهُ إنَّا جَعَلْنَا عَلَی قُلُوبِهِمْ أکِنَّةً أنْ یَفْقَهُوهُ وَفِی آذَانِهِمْ وَقْراً وَإنْ تَدْعُهُمْ إلَی الهُدَی فَلَنْ یَهْتَدُوا إذاً أبَداً } 57 _سورة الکهف.

وقال تعالی :{ وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا }:لم یؤمنوا بولایة أمیر المؤمنین و الأئمة ((1)) .

الآیات : أمیر المؤمنین و الأئمة .قال أمیر المؤمنین : ما لله آیة أکبر منِّی , فاذا رجعوا الی الدنیا یعرفهم اعداؤهم اذا رأوهم فی الدنیا ((2)) .

بالرغم من الفرق الکبیر: بین أهل البیت وبین مخالفیهم الکفار والمنافقین فی کل شیء الا انهم بقوا مصرین علی عنادهم وعصیانهم .

{ وَقَالُوا یَا أیُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّکَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَکَ إنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } 49 _سورة الزخرف.

وَقَالُوا یَا أیُّهَا السَّاحِرُ : أی یا ایها العالم . لان السحر عندهم دقة نظر وفطنة فی الامور وسعة فی المعرفة .

ص: 349

الطوسی : وقال قوم : إنما قالوا له یا أیها الساحر لجهلهم بنبوته وصدقه واعتقادهم انه سحرهم بذلک . وقال قوم : کان الساحر عندهم هو العالم ولم یکن صفة ذم .

وقال الحسن البصری : إنما قالوا ذلک علی وجه الاستهزاء بموسی ، کما قال المشرکون: ( یا أیها الذی نزل علیه الذکر إنک لمجنون ): وقال الزجاج : وجه ذلک أنه جری ذلک علی ألسنتهم علی عادتهم فیه قبل ذلک .

وقال قوم : أرادوا یا أیها الفطن یا أیها العالم ، لان السحر عندهم دقة النظر والعلم بالشئ کالسحر الحلال ، یقال فلان : یسحر بکلامه . وقال قوم : وخاطبوه بما تقدم تشبیها له بالساحر ((1)) .

أولا :مخاطبتهم للنبی بانه ساحر یبین اعلانهم للکفر ثم تعهدوا: باسلامهم إن هو أزال عنهم العذاب المعلوم .

ولما کشف تعالی عنهم العذاب نکثوا عهدهم: واستمروا فی کفرهم .

وقد فعل الکفار هذا الامر مرارا وتکرارا مع الانبیاء الامر الذی بین غدرهم: واحتیالهم ومعدنهم الفاسد .

وقد قال النبی صلی الله علیه و آله : الناس معادن ((2)).

ص: 350

وقال الامام موسی الکاظم علیه السلام : الناس معادن أرأیت معدن الذهب والفضة

وقد راینا بأن معدن النواصب والخوارج والمخالفین الوهابیین معدن فاسد دیدنه الکذب والافتراء والزنا واراقة دماء الابریاء وخیانة الدین وغزو المسلمین والتبعیة للیهود وقوی الاستعمار والشر .

وقد دون التاریخ هذه الافعال العقیمة لهم المخزیة لصورهم: ومنهجهم .

{ فَلَمَّا کَشَفْنَا عَنْهُمُ العَذَابَ إذَا هُمْ یَنکُثُونَ } 50 _سورة الزخرف.

وفی الایة القرآنیة کلام محذوف ، و التقدیر : ان موسی علیه السلام طلب من الله جل جلاله أن یکشف عنهم ذلک العذاب اکراما لعهدهم باتباع الدین إن کشف عنهم البلاء ، فکشف الله عنهم ذلک .

( فلما کشفنا عنهم العذاب إذا هم ینکثون ) أی ینکثون وینقضون العهد وخلفهم للوعد : ووعدهم هو قولهم: ( إننا لمهتدون ) .

وفی هذا تسلیة للنبی صلی الله علیه و آله والمعنی : فاصبر یا محمد علی أذی قومک ، فإن حالک معهم کحال موسی علیه السلام مع قومه ، فیؤول أمرک إلی الإستعلاء علی قومک ، کما: آل أمره إلی ذلک .

لقد واعدوا النبی موسی علیه السلام بالایمان إن کشف الله تعالی عنهم العذاب فلما کشفه عنهم نکثوا وعدهم . وهذه تسلیة للنبی محمد علیها السلام لما یفعله قومه به وبأهل بیته الکرام .

ص: 351

{ َلَقَدْ أخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِینَ وَنَقْص مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ} 130_الاعراف.

فقد بایعوا الامام علیا علیه السلام فی الغدیر لکن الحزب القرشی

نقض البیعة وعین ابا بکر خلیفة للمسلمین وطالبوا الامام علیا علیه السلام بالبیعة له !!!

والحزب القرشی مکون من الطلقاء مثل ابی سفیان ومعاویة والاعراب مثل الاعور السلمی رئیس قبیلة اسلم والمنافقین من المهاجرین الذین حاولوا قتل النبی محمد صلی الله علیه و آله فی حملة تبوک ((1)) ومنافقی الانصار مثل معاذ بن جبل ومحمد بن مسلمة وبشیر بن سعد .