ص: 2

یسیل من دموعهم یسقونه مع الحمیم, وقیل: هو القیح الذی یسیل منهم, یجمع ویسقونه, وقیل :

هو عذاب لا یعلمه إلا الله " وآخر " أی وضروب اخر " من شکله " أی من جنس هذا العذاب " أزواج " أی ألوان وأنواع متشابهة فی الشدة لا نوع واحد " هذا فوج مقتحم معکم " أی یقال لهم: هذا فوج وهم قادة أهل الضلالة إذا دخلوا النار, ثم یدخل الاتباع, فتقول الخزنة للقادة: " هذا فوج " أی قطع من الناس وهم الاتباع " مقتحم معکم " فی النار دخلوها کما دخلتم, عن ابن عباس, وقیل: یعنی بالأول أولاد إبلیس وبالفوج الثانی بنی آدم, أی یقال لبنی إبلیس بأمر الله: هذا جمع من بنی آدم مقتحم معکم یدخلون النار وعذابها وأنتم معهم, عن الحسن " لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار " أی لا اتسعت لهم أماکنهم, لأنهم لازموا النار, فیکون المعنی علی القول الأول أن القادة والرؤساء یقولون للاتباع: لا مرحبا بهؤلاء, إنهم یدخلون النار مثلنا, فلا فرج لنا فی مشارکتهم إیانا, فتقول الاتباع لهم: " بل أنتم لا مرحبا بکم " أی لا نلتم رحبا وسعة " أنتم قدمتموه لنا " أی حملتمونا علی الکفر الذی أوجب لنا هذا العذاب ودعوتمونا إلیه, وأما علی القول الثانی فإن أولاد إبلیس یقولون :

لا مرحبا بهؤلاء قد ضاقت أماکنهم إذ کانت النار مملوءة منا فلیس لنا منهم إلا الضیق والشدة .

وجاء: قال الغساق: واد فی جهنم .

ص: 4

وقال نجاح الطائی: کان الکفار یکذبون بجهنم وطعامها فجاءهم الاحتجاج الالهی : { هَذَا فَلْیَذُوقُوهُ حَمِیمٌ وَغَسَّاقٌ }.

وکانوا یکذبون الانبیاء فی الدنیا لکنهم سیشاهدونهم فی أعلی علیین عند ملیک مقتدر .

{ وَآخَرُ مِنْ شَکْلِهِ أزْوَاجٌ 58 } _سورة ص.

أی أصناف متزاوجة ذکورة وأنوثة, أو متناقضة, کل شیء وضده .

قال أبو جعفر علیه السلام : نزلت هذه الآیة علی رسول الله صلی الله علیه و آله هکذا :

[ بئسما اشتروا به أنفسهم أن یکفروا بما أنزل الله ] فی علی علیه السلام [ بغیا] وقال الله تعالی فی علی علیه السلام : [ أن ینزل الله من فضله علی من یشاء من عباده ], یعنی علیا, قال الله: [ فباؤوا بغضب علی غضب ], یعنی بنی أمیة

[ وللکافرین ], یعنی بنی أمیة [ عذاب مهین ] .

وقال جابر: قال أبو جعفر علیه السلام : نزلت هذه الآیة علی محمد صلی الله علیه و آله هکذا والله: [ وإذا قیل لهم آمنوا بما أنزل الله من ربکم ] فی علی علیه السلام , یعنی بنی أمیة [ قالوا نؤمن بما أنزل علینا ], یعنی فی قلوبهم بما أنزل الله علیه

[ ویکفرون بما وراءه ] ( البقرة: 89 _ 91 ) . . . إلی آخره ((1)) .

ص: 5

{ هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَکُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ 59 قَالُوا بَلْ أنْتُمْ لا مَرْحَباً بِکُمْ أنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ القَرَارُ 60 } _سورة ص.

أی یقال لهم: هذا فوج وهم قادة أهل الضلالة إذا دخلوا النار, ثم یدخل الاتباع, فتقول الخزنة للقادة: " هذا فوج " أی قطع من الناس وهم الاتباع " مقتحم معکم " فی النار دخلوها کما دخلتم, عن ابن عباس, وقیل: یعنی بالأول أولاد إبلیس وبالفوج الثانی بنی آدم, أی یقال لبنی إبلیس بأمر الله: هذا جمع من بنی آدم مقتحم معکم یدخلون النار وعذابها وأنتم معهم, عن الحسن " لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار " أی لا اتسعت لهم أماکنهم, لأنهم لازموا النار, فیکون المعنی علی القول الأول أن القادة والرؤساء یقولون للاتباع: لا مرحبا بهؤلاء, إنهم یدخلون النار مثلنا, فلا فرج لنا فی مشارکتهم إیانا, فتقول الاتباع لهم: " بل أنتم لا مرحبا بکم " أی لا نلتم رحبا وسعة " أنتم قدمتموه لنا " أی حملتمونا علی الکفر الذی أوجب لنا هذا العذاب ودعوتمونا إلیه, وأما علی القول الثانی فإن أولاد إبلیس یقولون :

لا مرحبا بهؤلاء قد ضاقت أماکنهم إذ کانت النار مملوءة منا فلیس لنا منهم إلا الضیق والشدة, وهذا کما روی عن النبی صلی الله علیه و آله : أن النار تضیق علیهم کضیق الزج ((1)) بالرمح .

" قالوا بل أنتم لا مرحبا بکم " أی تقول بنو آدم: لا کرامة لکم أنتم شرعتموه لنا وزینتموه فی نفوسنا " فبئس القرار " الذی استقررنا علیه " قالوا

ص: 6

ربنا من قدم لنا هذا " أی یدعون علیهم بهذا إذا حصلوا فی نار جهنم, أی من سبب لنا هذا العذاب و دعانا إلی ما استوجبنا به ذلک " فزده عذابا ضعفا " أی مثلا مضاعفا إلی ما یستحقه من النار، أحد الضعفین لکفرهم بالله, والضعف الآخر لدعائهم إیانا إلی الکفر " وقالوا مالنا لا نری رجالا کنا نعدهم من الأشرار " أی یقولون ذلک حین ینظرون فی النار فلا یرون من کان یخالفهم فیها معهم وهم المؤمنون, عن الکلبی, وقیل :

نزلت فی أبی جهل والولید بن المغیرة وذویهما, یقولون: مالنا لا نری عمارا وخبابا و صهیبا((1)) وبلالا الذین کنا نعدهم فی الدنیا من جملة الذین یفعلون الشر والقبیح ولا یفعلون الخیر, عن مجاهد . وروی العیاشی بالاسناد عن جابر, عن الامام أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: أهل النار یقولون: مالنا لا نری رجالا کنا نعدهم من الأشرار, یعنونکم لا یرونکم فی النار, لا یرون والله أحدا منکم فی النار .

" اتخذناهم سخریا أم زاغت عنهم الابصار " معناه أنهم یقولون لما لم یروهم فی النار: اتخذناهم هزوا فی الدنیا فأخطأنا, أم عدلت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم معنا فی النار " إن ذلک لحق " أی ما ذکر قبل هذا لحق, أی

ص: 7

کائن لا محالة . ثم بین ما هو فقال: " تخاصم أهل النار " یعنی تخاصم الاتباع والقادة, أو مجادلة أهل النار بعضهم لبعض علی ما أخبر عنهم ((1)) .

تفسیر علی بن إبراهیم: [ وإن للطاغین لشر مآب ], هم الأولان وبنو أمیة, ثم ذکر من کان بعده ممن غصب آل محمد حقهم فقال: [ وآخر من شکله أزواج هذا فوج مقتحم معکم ], وهم بنو السباع فیقول بنو أمیة: [ لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار ] فیقول بنو فلان: [ بل أنتم لا مرحبا بکم أنتم قدمتموه لنا ] وبدأتم بظلم آل محمد [ فبئس القرار ], ثم یقول بنو أمیة :

[ ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا فی النار ], یعنون الأولین، ثم یقول أعداء آل محمد فی النار: [ ما لنا لا نری رجالا کنا نعدهم من الأشرار ] فی الدنیا وهم شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام [ اتخذناهم سخریا أم زاغت عنهم الابصار ], ثم قال: [ إن ذلک لحق تخاصم أهل النار ] ( سورة ص: 55 _

64 ) فیما بینهم, وذلک قول الصادق علیه السلام : والله إنکم لفی الجنة تحبرون, وفی النار تطلبون ((2)) .

وقال أمیر المؤمنین علی علیه السلام فی الخطبة الشقشقیة : «والله لقد تقمصها ابن ابی قحافة ((3)) وهو یعلم انی منها محل القطب من الرحی , ینحدر عنِّی السیل ولا یرقی الیَّ الطیر , فسدلت دونها ثوباً وطویت عنها کشحا وطفقت

ص: 8

أرتأی بین ان أصول بید جذّاء او اصبر علی طخیة عمیاء , یشیب فیها الصغیر ویهرم فیها الکبیر , ویکدح فیها مؤمن حتی یلقی ربه , فرأیت أنّ الصبر علی هاتا احجی , فصبرت وفی العین قذا وفی الحلق شجا أری تراثی نهبا , حتی اذا مضی الاول الی سبیله , (فادلی بها الی فلان بعده) عقدها لاخی عدی بعده , فیا عجباً بینا هو یستقیلها فی حیاته , إذ عقدها لآخر بعد وفاته , فصیَّرها والله فی حوزة خشناء , یخشن مسّها , ویغلظ کلمها , ویکثر العثار فیها ((1)).

ص: 9

وقال مولی الموحدین علی علیه السلام فی خطبة الوسیلة : ولئن تقمصها دونی الأشقیان((1)) ونازعانی فیما لیس لهما بحق ورکباها ضلالة واعتقداها جهاله فلبئس ما علیه وردا ولبئس ما لأنفسهما مهدا, یتلاعنان فی دورهما ویتبرأ کل واحد منهما من صاحبه یقول لقرینه إذا التقیا : یا لیت بینی وبینک بعد المشرقین فبئس القرین, فیجیبه الأشقی علی رثوثة ((2))(: یا لیتنی لم أتخذک خلیلا, لقد أضللتنی عن الذکر بعد إذ جاءنی وکان الشیطان للانسان خذولا ), فأنا الذکر الذی عنه ضل والسبیل الذی عنه مال والایمان الذی به کفر والقرآن الذی إیاه هجر والدین الذی به کذب والصراط الذی عنه نکب, ولئن رتعا فی الحطام المنصرم والغرور المنقطع وکانا منه علی شفا حفرة من النار لهما علی شر ورود, فی أخیب وفود وألعن مورود, یتصارخان باللعنة ویتناعقان بالحسرة , مالهما من راحة ولا عن عذابهما من مندوحة, إن القوم لم یزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان, یقیمون لها المناسک و ینصبون لها العتائر ویتخذون لها القربان ویجعلون لها البحیرة والوصیلة والسائبة والحام ویستقسمون بالأزلام عامهین عن الله عز ذکره حائرین عن الرشاد, مهطعین إلی البعاد, وقد استحوذ علیهم الشیطان, وغمرتهم سوداء الجاهلیة ورضعوها جهالة وانفطموها ضلالة فأخرجنا الله إلیهم رحمة وأطلعنا علیهم رأفة واسفر بنا عن الحجب نورا لمن اقتبسه وفضلا لمن اتبعه وتأییدا لمن

ص: 10

صدقه, فتبوؤوا العز بعد الذلة والکثرة بعد القلة وهابتهم القلوب والابصار وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها وصاروا أهل نعمة مذکورة وکرامة میسورة وأمن بعد خوف وجمع بعد کوف وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان وأولجناهم باب الهدی وأدخلناهم دار السلام وأشملناهم ثوب

الایمان ((1)) .

{قَالُوا ربَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِی النَّارِ}61 _سورة ص : یعنون الأولین((2)) .

قالت سیدة نساء العالمین لنساء الانصار: (فیا حسرة لکم ! وأنی بکم وقد عمیت علیکم ! { أنُلْزِمُکُمُوهَا وَأنْتُمْ لَهَا کَارِهُونَ } . قال سوید بن غفلة فأعادت النساء قولها علیها السلام علی رجالهن فجاء إلیها قوم من المهاجرین والأنصار متعذرین, وقالوا: یا سیدة النساء, لو کان أبو الحسن علیه السلام ذکر لنا هذا لأمر قبل أن یبرم العهد, ویحکم العقد, لما عدلنا عنه إلی غیره, فقالت علیها السلام : إلیکم عنی فلا عذر بعد تعذیرکم, ولا أمر بعد تقصیرکم ((3)) .

ص: 11

و جاء ابو بکر وعمر للاعتذار من فاطمة الزهراء سیدة نساء أهل الجنة عن هجومهما علی دارها المتسبب فی شهادتها , وقد سمع المسلمون قول النبی صلی الله علیه و آله فیها: فاطمة بضعة منی من آذاها فقد آذانی ((1)) .

لکن الزهراء لم تقبل اعتذارهما رافضة اقوالهما المردودة قائلة: إلیکم عنی , فلا عذر بعد تعذیرکم ((2)) .

ص: 12

(وَجَآءَ المُعَذِّرُون مِنَ الأَعرَابِ لِیُؤذَنَ لَهُم)((1)) .

مذکِّرة ایاهما بحدیث الرسول صلی الله علیه و آله : « رضا فاطمة من رضای وسخط فاطمة من سخطی فمن احب فاطمة ابنتی فقد احبنی , ومن ارضی فاطمة فقد ارضانی ومن اسخط فاطمة فقد اسخطنی » فبکی ابو بکر حتی کادت روحه ان تزهق , فقالت له فاطمة: واللهِ لادعون علیک فی کل صلاة اصلیها , ثم خرج باکیاً فاجتمع الناس الیه فقال لهم: یبیت کل رجل معانقاً حلیلته مسروراً باهله وترکتمونی وما أنا فیه لا حاجة لی فی بیعتکم , اقیلونی بیعتی((2)) .

ص: 13

لقد اغتصب ابو بکر خلافة أمیر المؤمنین علی علیه السلام , وأمر بقتل فاطمة علیها السلام بواسطة عمر وجیشه فأحرق عمر بابها وضربها وعصر الباب علیها , متسبباً فی کسر ضلعها , واسقط ولدها محسناً الذی کان فی رحمها , فبقیت فاطمة علیها السلام مریضة نحیفة علی أعتاب الموت فزارها أبو بکر وعمر لیفوزا برضاها قبل موتها علیها السلام .

فقالت لهما: أَرأَیتکما إن حدَّثتکما حدیثاً عن رسول الله صلی الله علیه و آله تعرفانه وتفعلان به ؟

فقالا: نعم .فقالت علیها السلام : نشدتکما الله: ألم تسمعا رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: رضا فاطمة من رضای , وسَخط فاطِمةَ مِن سَخَطِی , فمن أحبَّ فاطمة إبنتی فقد أحبَّنی , ومن أرضی فاطمة فقد أرضانی , ومن أسخط فاطمة فقد أسخطنی ؟ .

قالا: نعم , سمعناه من رسول الله صلی الله علیه و آله .

قالت علیها السلام : فإنِّی أُشِهدُ الله وملائکته أَنَّکما أسخطتمانی وما أرضیتمانی , ولئن لقیت النبیَّ صلی الله علیه و آله لأَشکونَّکما إلیه .

فقال أبو بکر: أَنا عائذ بالله تعالی من سخطه ومن سخطکِ یا فاطمة . ثمَّ انتحب أبو بکر یبکی , حتَّی کادت نفسه أَن تزهق , وهی ( فاطمة ) تقول: واللهِ لأَدعونَّ الله علیکما فی کلِّ صلاة أُصلِّیها .ثمّ خرج باکیاً , فإجتمع

ص: 14

الناس إلیه .فقال لهم: یبیت کلُّ رجل معانقاً حلیلته , مسروراً بأَهله , وترکتمونی وما أَنا فیه , لا حاجة لی فی بیعتکم , أقیلونی بیعتی ((1)) .

وجاء فی صحیحی البخاری ومسلم عن قضیة اغتصاب فدک من فاطمة علیها السلام : ( َأَبَی أَبُو بَکْرٍ أَنْ یَدْفَعَ إِلَی فَاطِمَةَ مِنْهَا شَیْئًا فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَی أَبِی بَکْرٍ فِی ذَلِکَ فَهَجَرَتْهُ , فَلَمْ تُکَلِّمْهُ حَتَّی تُوُفِّیَتْ , وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله سِتَّةَ أَشْهُرٍ , فَلَمَّا تُوُفِّیَتْ , دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِیٌّ علیه السلام لَیْلاً , وَلَمْ یُؤْذِنْ بِهَا

أَبَا بَکْرٍ , وَصَلَّی عَلَیْهَا ) ((2)) .

{ وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَی رِجَالا کُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ 62 أاتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِیّاً أمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ 63 إنَّ ذَلِکَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أهْلِ

النَّارِ } 64_سورة ص.

ص: 15

قال الصادق علیه السلام : إنَّ أهل النار یقولون: (مَا لَنَا لا نَرَی رِجَالا کُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ) . یعنوکم ویطلبونکم (الشیعة) فی النار والله لا یرون أحداً منکم فی النار ((1)) .

محمد بن یعقوب: عن علی بن محمد, عن أحمد بن أبی عبد الله, عن عثمان بن عیسی, عن میسر, قال: دخلت علی الامام أبی عبد الله علیه السلام , فقال: « کیف أصحابک ؟ ».

فقلت: جعلت فداک, نحن عندهم شر من الیهود والنصاری والمجوس والذین أشرکوا . قال ( وکان متکئا فاستوی جالسا ), ثم قال: ( کیف قلت ؟ » . قلت: والله لنحن عندهم شر من الیهود والنصاری والمجوس والذین أشرکوا .

فقال

علیه السلام : « أما والله, لا یدخل النار منکم اثنان, لا والله ولا واحد, والله إنکم الذین قال الله عز وجل: ( وقالُوا ما لَنا لا نَری رِجالًا کُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِیًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصارُ إِنَّ ذلِکَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ

ص: 16

أَهْلِ النَّارِ ) . ثم قال علیه السلام : طلبوکم والله فی النار, والله فما وجدوا منکم واحدا » ((1)).

النواصب الذین یسمون الشیعة رافضة یخلدون فی جهنم وهناک یبحثون عن الشیعة فلا یجدوهم .

{ قُلْ إنَّمَا أنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إلَه إلا اللّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ 65 رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا العَزِیزُ الغَفَّارُ } 66 _سورة ص.

النبی محمد صلی الله علیه و آله منذر ینذر المجرمین من فعل الجرائم وینذر الناس من الذهاب الی النار .

قال تعالی: (إنَّمَا أنْتَ مُنذِرٌ وَلِکُلِّ قَوْم هَاد) سورة الرعد 13 / 7 .

المنذر: رسول الله , والهادی: علی ولی الله , روی هذا الحدیث وأشباهه بطرق وأسانید کثیرة ومعتبرة , تنتهی إلی أمیر المؤمنین علی علیه السلام , وجماعة من الصحابة منهم: ابن عبّاس , أبو هریرة , أبو برزة الأسلمی , جابر بن عبدالله الأنصاری , أبو فروة السلمی , ویعلی بن مرّة ,و عبدالله بن مسعود , وسعد بن معاذ ((2)) .

ص: 17

«لمّا نزلت (إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِکُلِّ قَوْم هَاد) وضع رسول الله صلی الله علیه و آله یده علی صدره وقال: « أنا المنذر , ولکلّ قوم هاد وأومأ بیده إلی منکب علی علیه السلام , وقال: أنت الهادی یاعلی , بک یهتدی المهتدون من بعدی » .

وفی

بعض طرقه: عن ابن عبّاس قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « لیلة أُسری بی ما سألت ربّی شیئاً إلاّ

أعطانیه . وسمعت منادیاً من خلفی یقول: یامحمّد, إنّما

ص: 18

أنت منذر ولکل قوم هاد . قلت: أنا المنذر , فمن الهادی ؟ قال: علی الهادی المهتدی , القائد أُمّتک إلی جنّتی غرّ محجّلین برحمتی » . وقد احتجّت الزرقاء الکوفیة بهذا الحدیث عندما دخلت علی معاویة وسألها:

ما تقولین فی مولی المؤمنین علی ؟

فأنشأت تقول:

صلّی الإله علی قبر تضمّنه - نور فأصبح فیه العدل مدفونا

من حالف العدل والإیمان مقترناً- فصار بالعدل والإیمان مقرونا

فقال لها معاویة: کیف غررت فیه هذه الغریرة ؟

فقالت: سمعت الله یقول فی کتابه لنبیّه صلی الله علیه و آله : (إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِکُلِّ قَوْم هَاد) . المنذر: رسول الله , والهادی: علی ولی الله .

فسکت معاویة ولم یستطع أن یردّها» ((1)) .

ص: 19

ص: 20

وقال نجاح الطائی: لقد عرف الصالحون منزلة النبی محمد صلی الله علیه و آله والامام علی علیه السلام وأنکرها الفاسقون ظلما لانفسهم .

والتوحید الالهی یتجلی فی طاعة المنذر محمد وأهل بیته الائمة المنتجبین .

بینما رفض النواصبُ أهل البیت اعلانا منهم للعصیان العلنی لرب العالمین قائلین له: نحن ننصب وننتخب الخلفاء القادة مثلما نرید لا مثلما ترید .

{ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِیمٌ 67 أنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ68 }_سورة ص.

الحسکانی الحنفی: روی الحافظ الحسکانی الحنفی عن فرات بن إبراهیم الکوفی باسناده عن أبی حمزة الثمالی, عن أبی جعفر - فی حدیث - قال: کان علی بن أبی طالب علیه السلام یقول لأصحابه:

«أنا والله النبأ العظیم, والله ما لله نبأ أعظم منی, ولا لله آیة أعظم منی » ((1)) .

ص: 21

وجاء: نزلت الایة فی ولایة علی بن أبی طالب ومن أعرض عن ولایته فقد أعرض عن نبوة محمد صلی الله علیه و آله ((1))

.

وقال عمرو بن العاص فی قصیدته المعروفة (الجلجلیة) التی یمتدح بها علی بن أبی طالب علیه السلام , ویخاطب فیها معاویة.

وعند الاسحاقی فی ص 41 _ لطائف اخبار الدول فقد کتب معاویة رسالة الی عمرو بن العاص والیه علی مصر یطالبه بخراج مصر قائلا له:

بانی کتبت لک مرارا مطالبا بخراج مصر لکنک لم تجبنی وهذه آخر رسالة اکتبها الیک

فارسله بسرعة . فکتب عمرو بن العاص هذه القصیدة فی جوابه الیه .

وتعد رسالة معاویة الی ابن العاص مطالبا ایاه بخراج مصر خیانة للعقد الموقع بینهما اذ کان قد أعطاه مصر طعمة له مقابل مشارکته له فی محاربة الامام علی علیه السلام فی صفین وتسهیل وصول الخلافة الی معاویة .

جاء : وأعطی معاویة مصر (أی افریقیا) طعمة لابن العاص((2)) .

ص: 22

وبعدما کتب ابن العاص هذه القصیدة الرائعة المدویة منتصرا لامیر المؤمنین علی علیه السلام وطاعنا فی خلافة معاویة وممتنعا عن اعطاء الخراج له أمر معاویة بقتله فاغتاله فی مصر بالسم ((1))وسیطر علی مصر .

وهذه القصیدة الجلجلیة :

نصرناک من جهلنا یاابن هند***علی النبأ الأعظم الأفضل

فأین الحصی من نجوم السما***ء واین معاویة من علی((2)) .

هو النبأ العظیم وفلک نوح***وباب الله وانقطع الخطاب ((3)).

ولما عصیت امام الهدی _ وفی جیشه کل مستفحل

فبی حاربوا سید الاوصیاء _ بقولی دم طل من نعثل

وعلمتهم کشف سوآتهم __ لرد الغضنفر المقبل

خلعت الخلافة من حیدر _ کخلع النعال من الارجل

معاویه الفضل لاتنس لی_ و عن نهج الحق لا تعدل

نسیت احتیالی فی جلق _علی اهلها یوم لبس الحلی؟

ص: 23

و قد اقبلوا زمرا یهرعون _ و یاتون کالبقر المهل

و لولای کنت کمثل النساء_ تعاف الخروج من المنزل

نسیت محاوره الاشعری _و نحن علی دومه الجندل

و العقته عسلا باردا _ و امزجت ذلک بالحنظل

الین فیطمع فی جانبی _ و سهمی قد غاب فی المفصل

و البستها فیک لما عجزت _ کلبس الخواتیم فی الانمل

و لم تک و الله من اهلها _و رب المقام و لم تکمل

و سیرت ذکرک فی الخافقین_ کسیر الجنوب مع الشمال

و کنت و لم ترها فی المنام_ فزفت الیک و لا مهر لی

و حیث ترکنا اعالی النفوس_ نزلنا الی اسفل الارجل

و کم قد سمعنا من المصطفی_ وصایا مخصصه فی علی

و ان کان بینکما نسب _فاین الحسام من المنجل؟

وتوجد نسختان من القصیدة الجلجلیة فی مکتبة الخدیوی فی مصر فی ج 4 / 314

_الفهرس المطبوع وعند شرح النهج –ابن ابی الحدید المعتزلی ج 2 ص 522 _ به خط ابی زکریا، یحیی بن علی خطیب تبریزی المتوفی سنة 502 هج .

ونقل الشیخ محمد الازهری فی شرح کتاب " مغنی اللبیب " ج 1 ص 82 تمام الابیات المذکوره من تاریخ الاسحاقی :

ونقل القصیدة ابن شهر آشوب فی ثلاثة عشر بیتا فی ج 3 ص 106 " المناقب .

ص: 24

و دونها سید نعمت الله الجزائری فی ص 43 " الانوار النعمانیة فی عشریت بیتا .

وفعلا بقیت النواصب معرضة عن النبا العظیم کما قال تعالی ملتزمة بمغتصبی الخلافة .

ویسعون لیلا ونهارا لنهب تراثهم لصالح أعدائهم وفوق هذا وذاک یرجون الجنة !!!

وقال النبی صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام : « أنت النبأ العظیم والصراط المستقیم وأنت المثل الأعلی » ((1)).

ص: 25

وحدثنا أحمد بن محمد عن ابن أبی عمیر وغیره عن محمد بن الفضیل عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام قال قلت جعلت فداک ان الشیعة یسئلونک عن تفسیر هذه الآیة عم یتسائلون عن النباء العظیم قال فقال ذلک إلی ان شئت أخبرتهم وان شئت لم اخبرهم قال فقال لکنی أخبرک بتفسیرها قال فقلت :عم یتسائلون قال فقال هی فی أمیر المؤمنین علیه السلام قال کان أمیر المؤمنین یقول ما لله آیة أکبر منی ولا لله من نبأ عظیم أعظم منی ولقد عرضت ولایتی علی الأمم الماضیة فأبت ان تقبلها قال قلت له قل هو نبأ عظیم أنتم عنه معرضون قال هو والله أمیر المؤمنین علیه السلام .

و حدثنا یعقوب بن یزید عن ابن سنان عن عتیبة بیاع القصب عن أبی بصیر قال سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول إن ولایتنا عرضت علی السماوات والأرض والجبال و الأمصار ما قبلها قبول أهل الکوفة .

حدثنا عبد الله بن عامر عن الامام ابی عبد الله البرقی عن الحسین بن عثمان عن محمد بن الفضیل عن أبی حمزة قال سئلت أبا جعفر علیه السلام عن قول الله تبارک وتعالی ومن یکفر بالایمان فقد حبط عمله وهو فی الآخرة من الخاسرین قال: تفسیرها فی بطن القرآن یعنی من یکفر بولایة علی وعلی هو الایمان .

و قال أبو جعفر علیه السلام ان علیا آیة لمحمد وأن محمدا یدعو إلی ولایة علی اما بلغک قول رسول الله صلی الله علیه و آله من کنت مولاه فعلی مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فوالی الله من والاه وعاد الله من عاداه واما قوله انکم لفی قول مختلف فإنه علی یعنی انه لمختلف علیه وقد اختلفت هذه الأمة

ص: 26

فی ولایته فمن استقام علی ولایة علی دخل الجنة ومن خالف ولایة علی دخل النار واما قوله یؤفک عنه من افک فإنه یعنی علیا من افک من ولایته افک علی الجنة فذلک قوله یوفک عنه من افک واما قوله وانک لتهدی إلی صراط مستقیم انک لتأمر بولایة علی علیه السلام وتدعو إلیها وعلی هو الصراط المستقیم وأما قوله فاستمسک بالذی أوحی إلیک انک علی صراط مستقیم

انک علی ولایة علی وعلی هو الصراط المستقیم واما قوله فلما نسوا ما ذکروا یعنی لما ترکوا ولایة علی علیه السلام وقد أمروا بها فتحنا علیهم أبواب کل شئ یعنی مع دولتهم فی الدنیا وما بسط إلیهم فیها واما قوله حتی إذا فرحوا بما أوتوا اخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون یعنی قیام القائم ((1)) .

وقال نجاح الطائی : هذه الایة القرآنیة تبین منزلة أمیر المؤمنین العظیمة فی الدنیا والاخرة وان أغلبهم عنه معرضون .

وفعلا کان رجال السقیفة قد عادوه واغتصبوا خلافته وهم ابو بکر وعمر وعثمان وابن الجراح وابن ابی وقاص وابن عوف والمغیرة بن شعبة وعمرو بن العاصوأبو سفیان

وباقی الطلقاء والاعراب ومنافقی المدینة .وبقت هذه الجماعة معرضة عن الامام علی علیه السلام فأعطت الخلافة الی ابی بکر وعمر وعثمان ثم الی معاویة والامویین .

{ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِیمٌ 67 أنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ68 }: بایع الامام علیا علیه السلام فی الغدیر مائة وعشرون ألف صحابی لکنهم لم یدافعوا عن بیعتهم تلک حین

ص: 27

أغتصبها ابو بکر وعمر وعثمان بل تماهلوا وتراخوا عن الحق فکانوا من العاصین .

عن عمرو بن ثابت قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: إن النبی صلی الله علیه و آله لما قبض ارتدَّ الناس علی أعقابهم کفارا " إلا ثلاثا ": سلمان والمقداد, وأبو ذر الغفاری, إنه لما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله جاء أربعون رجلا " إلی علی بن أبی طالب علیه السلام فقالوا: لا والله لا نعطی أحدا " طاعة بعدک أبدا "، قال :

ولم ؟ قالوا: إنا سمعنا من رسول الله صلی الله علیه و آله فیک یوم غدیر [ خم ], قال: وتفعلون ؟ قالوا: نعم قال: فأتونی غدا محلقین, قال: فما أتاه إلا هؤلاء الثلاثة, قال: وجاءه عمار بن یاسر بعد الظهر فضرب یده علی صدره, ثم قال له: ما آن لک أن تستیقظ من نومة الغفلة ؟ ارجعوا فلا حاجة لی فیکم أنتم لم تطیعونی فی حلق الرأس فکیف تطیعونی فی قتال جبال الحدید, ارجعوا فلا حاجة لی فیکم ((1)) .

وکان مسطح یقول لعلیّ علیه السلام : یرحمک الله, ألا تقاتل فنقاتل معک ؟

فأعلمه علیّ علیه السلام : أنّه لو قاتل ما حفّ به أحد, وقد کان واعده أربعون رجلا یأتونه صباحاً, فما أتاه إلاّ ثلاثة, وقیل: أربعة, وهم: سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار ((2)) .

ص: 28

{ مَا کَانَ لِی مِنْ عِلْم بِالمَلاَ الأعْلَی إذْ یَخْتَصِمُونَ 69 إنْ یُوحَی إلَیَّ إلاَّ أنَّمَا أنَا نَذِیرٌ مُبِینٌ } 70 _سورة ص.

الملأ الأعلی جماعة الملائکة وباختصامهم جاء بقوله : { إذ قال ربک للملائکة إنی جاعل فی الأرض خلیفة } إلی آخر الآیات.

وکأن المعنی قول النبی صلی الله علیه و آله : إنی ما کنت أعلم اختصام الملأ الأعلی حتی أوحی الله إلی ذلک فی کتابه فإنما أنا منذر أتبع الوحی.

قد روی فی الحدیث: أنّ اللَّه تعالی أعلم نبیّه من بعد فیما اختصموا به, وهو أنّهم اختصموا فی الدرجات بالأعمال والتفاوت فیها . وکانت طائفة منهم تظنّ فی ذلک شیئا, وتخالفها الأخری فیه, فبیّن اللَّه لهم الحقّ فی ذلک ((1)) .

قال الطبرسی: یعنی ما ذکر من قوله: " إنی جاعل فی الأرض خلیفة إلی آخر القصة, أی فما علمت ما کانوا فیه إلا بوحی من الله تعالی .

وروی عن ابن عباس, عن النبی صلی الله علیه و آله قال: قال لی ربی: أتدری فیم یختصم الملا الاعلی ؟ فقلت: لا, قال: اختصموا فی الکفارات والدرجات, فأما الکفارات فإسباغ الوضوء فی السبرات ((2)), ونقل الاقدام إلی

ص: 29

الجماعات, وانتظار الصلاة بعد الصلاة وأما الدرجات فإفشاء السلام, وإطعام الطعام, والصلاة باللیل والناس نیام ((1)) .

وقوله: عقدها ثانیا تأکید للأول, أو مصدر فاعل لقوله: یفصح, والأصوب أنه تصحیف قوله: بما عقدها, وفاعل " عقد " الرسول صلی الله علیه و آله .

تفسیر علی بن إبراهیم: أبی, عن ابن أبی عمیر, عن جمیل, عن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لما أسری بی إلی السماء دخلت الجنة فرأیت فیها قیعان بیضاء ورأیت فیها ملائکة یبنون لبنة من ذهب, ولبنة من فضة, وربما أمسکوا, فقلت لهم: مالکم ربما بنیتم وربما أمسکتم ؟ فقالوا: حتی تجیئنا النفقة, فقلت لهم: وما نفقتکم ؟ فقالوا :

قول المؤمن فی الدنیا: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ", فإذا قال: بنینا, وإذا أمسک أمسکنا ((2)) .

{ إذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إنِّی خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِین 71 فَإذَا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِینَ }72 _سورة ص.

العدة عن ابن عیسی عن ابن أبی عمیر عن ابن أذینة عن مؤمن الطاق قال: سألت أبا عبد اللَّه علیه السلام عن الروح التی فی آدم علیه السلام قوله « فَإِذا سَوَّیْتُهُ

ص: 30

وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی » قال « هذه روح مخلوقة والروح التی فی عیسی مخلوقة » ((1)) .

العدة عن ابن عیسی عن الحجال عن ثعلبة عن حمران قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول اللَّه تعالی « وَرُوحٌ مِنْهُ » قال « هی روح اللَّه مخلوقة خلقها فی آدم وعیسی » ((2)).

محمد عن أحمد عن محمد بن خالد عن القاسم بن عروة عن عبد الحمید الطائی عن محمد قال: سألت أبا عبد اللَّه علیه السلام عن قول اللَّه تعالی: « وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی » کیف هذا النفخ فقال « إن الروح متحرک کالریح وإنما سمی روحا لأنه اشتق اسمه من الریح وإنما أخرجه علی لفظة الریح لأن الأرواح مجانس للریح وإنما أضافه إلی نفسه لأنه اصطفاه علی سائر الأرواح کما قال لبیت من البیوت بیتی ولرسول من الرسل خلیلی وأشباه ذلک وکل ذلک مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر » ((3)).

وقال تعالی { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا }_الاسراء 85 .

ص: 31

{فَسَجَدَ المَلائِکَةُ کُلُّهُمْ أجْمَعُونَ 73 إلا إبْلِیسَ اسْتَکْبَرَ وَکَانَ مِنَ الکَافِرِینَ 74 } _سورة ص.

التکبر هو التجبر وضده التواضع .

قال الله تعالی فی سورة سبحان: ( ولا تمش فی الأرض مرحا انک لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) .

وقال تعالی فی سورة القصص: ( تلک الدار الآخرة نجعلها للذین لا یریدون علوا فی الأرض ولا فسادا ) .

وقال تعالی فی سورة لقمان:{ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّکَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِی الأرْضِ مَرَحاً إنَّ اللّهَ لا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتَال فَخُور18 } لقمان .

وقال الصادق علیه السلام : ثلاثة من أصول الکفر الحرص والاستکبار والحسد, فأما الحرص فان آدم ( علیه السلام ) حین نهی عن الشجرة, حمله الحرص علی أن أکل منها وأما الاستکبار فإبلیس حیث أمر بالسجود لآدم فأبی, وأما الحسد فابنا آدم حیث قتل أحدهما صاحبه ((1)) .

وقال علیه السلام : قال إبلیس لعنه الله لجنوده: إذا استمکنتم من ابن آدم فی ثلاث لم أبال ما عمل فإنه غیر مقبول إذا استکثر عمله ونسی ذنبه ودخله العجب .

وقال أبو جعفر علیه السلام : ثلاث قاصمات الظهر: رجل استکثر عمله, ونسی ذنوبه واعجب برأیه .

ص: 32

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : أشقی الناس الملوک, وأمقت الناس وأذل الناس من أهان الناس ((1)) .

وسأل الحسن بن الجهم الرضا " علیه السلام ": فقال: ما حد التواضع ؟ قال إن تعطی الناس من نفسک ما تحب ان یعطوک مثله, قال: قلت جعلت فداک أشتهی ان أعلم کیف أنا عندک قال انظر کیف انا عندک .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : أوحی الله تعالی إلی داود " علیه السلام ": یا داود کما لا تضیق الشمس علی من جلس فیها کذلک لا تضیق رحمتی علی من دخل فیها, وکما لا تضر الطیرة من لا یتطیر منها کذلک لا ینجو من الفتنة المتطیرون وان أقرب الناس منی یوم القیامة المتواضعون کذلک وأبعد الناس منی یوم القیامة المتکبرون .

وقال أمیر المؤمنین " علیه السلام ": لا حسب کالتواضع, ولا وحدة أوحش من العجب وعجبت للمتکبر الذی کان بالأمس نطفة ویکون غدا جیفة .

وقال الصادق " علیه السلام ": ان المتکبرین یجعلون فی صورة الذر فیطأهم الناس حتی یفرغ من الحساب .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : ان فی السماء ملکین موکلین بالعباد فمن تجبر وضعاه ((2)) .

ص: 33

وقال الباقر " علیه السلام ": ان فی جهنم جبلا یقال له صعود, وان فی صعود لوادیا یقال له سعر وان فی قعر سعر لجبا یقال له هبهب کلما کشف غطاء ذلک الجب ضج أهل النار من حره وذلک منازل الجبارین .

وقال علیه السلام : أوصی النبی صلی الله علیه و آله إلی رجل من بنی تمیم فقال له: إیاک واسبال الإزار والقمیص فان ذلک من المخیلة والله لا یحب المخیلة .

وقال بشیر النبال: کنا مع أبی جعفر " علیه السلام ": فی المسجد إذ مر علینا اسود وهو ینزع فی مشیه فقال أبو جعفر علیه السلام : انه لجبار قلت: انه لسائل قال: إنه لجبار, قال أبو عبد الله " علیه السلام ": کان علی بن الحسین علیهما السلام یمشی مشیة لو کان علی رأسه الطیر لا یسبق یمینه شماله ((1)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لیس من عبد إلا وملک أخذ بحکمة رأسه ان هو تواضع لله رفعه الله وان هو تکبر وضعه الله .

وقال علیه السلام : لا یدخل الجنة من کان فی قلبه مثقال حبة من خردل من کبر, وقال: ان الذی یجر ثوبه من الخیال لا ینظر الله إلیه یوم القیامة .

وقال علیه السلام : رأس التواضع ان تبدأ بالسلام علی من لقیت وترد علی من سلم علیک وان ترضی بالدون من المجلس ولا تحب المدحة والتزکیة والبر ((2)) .

ص: 34

وقال نجاح الطائی: بعدما صدر الامر الالهی للملائکة کان الواجب علی ابلیس أن یسجد معهم لانه محسوب علیهم .

لکن تکبره منعه من ذلک وقرر الانعزال والعصیان وفعل المنکرات .

وسار علی منهجه کل متکبر ظالم جبار لا یحب عباد الله ولا یفعل الحسنات .

{ قَالَ یَا إبْلِیسُ مَا مَنَعَکَ أنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِیَدَیَّ أاسْتَکْبَرْتَ أمْ کُنتَ مِنَ العَالِینَ } 75_سورة ص.

العالون هم أهل البیت

سأل رجل رسول الله صلی الله علیه و آله عن قوله: (أاسْتَکْبَرْتَ أمْ کُنتَ مِنَ العَالِینَ) .

من هم یا رسول الله صلی الله علیه و آله الذین هم أعلی من الملائکة ؟

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : أنا وعلی وفاطمة والحسن والحسین کنا فی سرادق العرش نسبح الله فسبحت الملائکة بتسبیحنا قبل ان یخلق الله آدم بالفی عام فلما خلق الله آدم أمر الملائکة أن یسجدوا له ((1)) .

ولم یقل ابلیس: أنا من العالین بل قال:

{ قَالَ أنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نَار وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِین }_سورة ص 76 .

وقال الرسول صلی الله علیه و آله : نحن أهل البیت لا یقاس بنا أحد((2)) .

ص: 35

وقد أنزل الله سبحانه فی حق أهل البیت علیهم السلام :

(إنّ الذین آمنوا وعملوا الصالحات أولئک هم خیر البریة) ((1)) .

أخرج الطبری فی تفسیر الایة عن النبی صلی الله علیه و آله قوله: أنت یا علی وشیعتک ((2)) . وکان أصحاب النبی صلی الله علیه و آله إذا أقبل علی علیه السلام قالوا: قد جاء خیر البریة ((3)) .

(وَالَّذِینَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بإِیمَان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَیْء کُلُّ امرِیء بِمَا کَسَبَ رَهِینٌ )((4)) .

نزلت هذه الآیة فی حق أهل البیت فسمع عبد الله بن عمر تفسیرها من رسول الله فذاعه الی الناس أجمعین:

حدّثنا أحمد بن القاسم، عن عیسی بن مهران، عن داود بن المجبّر، عن الولید بن محمّد بن زید بن جدعان عن عمه علی بن زید قال: قال عبد الله بن عمر: (کنّا نتفاضل فنقول: أبو بکر وعمر وعثمان، ویقول قائلهم: فلان وفلان.فقال له رجل: یا أبا عبد الرحمن فعلیّ؟

ص: 36

قال: علی من أهل بیت لا یقاس بهم أحد من الناس، علی مع النبی فی درجته، إن الله عزّ وجلّ یقول:

{ وَالذَّینَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتهُم ذُرِیَّتُهُم بإیمَان أَلحَقنَا بِهِم ذُرِّیَّتَهُم }, ففاطمة ذریة النبی صلی الله علیه و آله وهی معه فی درجته، وعلی مع فاطمة صلّی الله علیهما ((1)).

وسمع احمد بن حنبل هذه الروایة فرواها و اخرج هذه القضیة الکثیر من علماء الحنفیة والشافعیة ((2))

.

ص: 37

قال عبد الله بن احمد بن حنبل لأبیه احمد بن حنبل أمام علماء بغداد: ما تقول فی التفضیل ؟ قال: فی الخلافة ابو بکر وعمر وعثمان .

قلت: فعلی علیه السلام ؟

قال (ابن حنبل ): علی من اهل بیت لا یقاس بهم احد ((1)) .

هذا النص المذکور من قبل عبد الله بن احمد بن حنبل یبین اعتقاد ابن حنبل بافضلیة الامام علی وأولاده الحجج علیهم السلام لانهم من طبقة الانبیاء.

لقد فصَّل ابن حنبل القضیة جیدا متعلما هذا من القرآن وسیرة الرسول الکریم .

وقد جعل القرآنُ أهلَ البیت من طبقة الانبیاء بقول الباری عز وجل:

{ فِی بُیُوت أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ } ((2)).

وآیة التطهیر: {انما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیراً } ((3)) .

ص: 38

و { قَالُوا أتَعْجَبِینَ مِنْ أمْرِ اللّهِ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَکَاتُهُ عَلَیْکُمْ أهْلَ البَیْتِ إنَّهُ حَمِید مَجِیدٌ } ((1)).

ابن مردویه الشافعی وبریدة: قرأ رسول الله صلی الله علیه و آله هذه الآیة:

(فِی بُیُوت أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ) . فقام إلیه رجل فقال: أیّ بیوت هذه یارسول الله ؟ قال صلی الله علیه و آله : بیوت الأنبیاء .

فقام إلیه أبو بکر فقال: یارسول الله هذا البیت (علی وفاطمة ) منها ؟

قال صلی الله علیه و آله : نعم من أفاضلها ((2)) .

اذن کان ابو بکر یعلم منزلة اهل البیت وانهم الخلفاء الالهیین المنصوص علیهم من الله تعالی لکنه جوَّز لنفسه أخذ الخلافة منهم ومنافستهم وعزلهم.

وتعلم ابن حنبل هذا الدرس القرآنی والنبوی فأجاب علماء بغداد جوابا قرآنیا ینقذه من الهلاک وینفعه فی هدایتهم الی الجنة والرضوان .

ولو أجابهم ابن حنبل جوابا سیاسیا لما نفعهم أولا ولالقی بنفسه فی الهلاک بید المتوکل

ثانیا .

ص: 39

بینما جلس أبو بکر وعمر وعثمان مکان الامام علی علیه السلام مفضلین أنفسهم علیه !!!

والنصوص القرآنیة والحدیثیة بیَّنت هذا الاصل العقائدی فی حق أهل البیت وامامتهم للامة الاسلامیة .

{ اُوْلَئِکَ الَّذِینَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ مِنْ ذُرِّیَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح وَمِنْ ذُرِّیَّةِ إبْرَاهِیمَ وَإسْرَائِیلَ وَمِمَّنْ هَدَیْنَا وَاجْتَبَیْنَا إذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ آیَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُکِیّاً } 58 _سورة مریم .

وکلهم لآدم , لیبین مراتبهم فی شرف النسب , فکان لإدریس شرف القرب من آدم , لأنه جد نوح . وکان إبراهیم من ذریة من حمل مع نوح , لأنه من ولد سام بن نوح . وکان إسماعیل وإسحاق ویعقوب من ذریة إبراهیم , لما تباعدوا من آدم حصل لهم شرف إبراهیم , وکان موسی وهارون وزکریا ویحیی وعیسی علیهم السلام من ذریة إسرائیل .

{ فَخَلف مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ یَلْقَوْنَ غَیّاً } 59_سورة مریم .

خلف من بعدهم خلف ردیء منافق ضیَّعوا الدین وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ . فَسَوْفَ یَلْقَوْنَ غَیّاً: أی شراً , مثل قابیل ابن آدم الذی وجب علیه السیر علی نهج أبیه آدم لکنه قتل أخاه هابیل , مثله مثل ابن نوح الذی انحرف وعصا أباه وهلک, وابو لهب الذی انحرف عن خطی ابراهیم واسماعیل علیهما السلام فنزلت فیه سورة المسد فی القرآن الکریم :

ص: 40

{تبت یَدَا أَبِی لَهَب وَتَبَّ 1* مَا أَغْنَی عَنْهُ مَالُهُ وَمَا کَسَبَ 2*سَیَصْلَی نَاراً ذَاتَ لَهَب 3*وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ4* فِی جِیدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَد5* } _المسد.

ومثل الکثیر من العلماء انحرفوا مع وأولادهم عن الصراط المستقیم وأصبحوا مطیة للکافرین:

مثلا من باع دینه للوهابیین السعودیین مقابل حفنة من المال وکان مولعا بالاهواء والشهوات .

وسار الوهابیون الخوارج النواصب علی منهج ابلیس فی رفضهم للدین ومعارضتهم لنظریة الأئمة الاثنی عشر وأعلنوا عصیانهم للنصوص السماویة فی أهل البیت مثلما عصی ابلیس السجود لادم .

{قَالَ أنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نَار وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِین}76_سورة ص.

القرآن کله ناطق بأن امتناع إبلیس من السجود إنما هو لاعتقاده بأفضلیته علی آدم .

ولو لم یکن الأمر علی هذا لوجب أن یرد الله تعالی علیه ویعلمه أنه ما أمره بالسجود علی جهة تعظیمه له [ علیه ] ولا تفضیله, بل علی الوجه الآخر الذی لاحظ للتفضیل [ والتعظیم ] فیه وما جاز إغفال ذلک, وهو سبب معصیة إبلیس وضلالته, فلما لم یقع ذلک دل علی أن الأمر بالسجود لم یکن إلا علی جهة التفضیل والتعظیم, وکیف [ یقع ] شک فی أن الأمر علی ما ذکرناه وکل من أراد تعظیم آدم علیه السلام ووصفه بما یقتضی الفخر

ص: 41

والشرف نعته بإسجاد الملائکة, وجعل ذلک من أعظم فضائله, وهذا مما لا شبهة فیه .

فأما اعتماد بعض أصحابنا فی تفضیل الأنبیاء علی الملائکة علی أن المشقة فی طاعات الأنبیاء علیهم السلام أکثر وأوفر, من حیث کانت لهم شهوات فی القبائح ونفار عن [ فعل ] الواجبات فلیس بمعتمد, لأنا نقطع علی أن مشاق الأنبیاء أعظم من مشاق الملائکة فی التکلیف, والشک فی مثل ذلک واجب ولیس کل شئ لم یظهر لنا ثبوته وجب القطع علی انتفائه ((1)) .

الکافی : علی عن أبیه عن أحمد بن عبد اللَّه العقیلی عن عیسی بن عبد اللَّه القرشی قال: دخل أبو حنیفة علی الامام أبی عبد الله علیه السلام فقال له یا أبا حنیفة بلغنی أنک تقیس قال: نعم .قال علیه السلام : « لا تقس فإن أول من قاس إبلیس حین قال « خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ » سورة ص 76 .

فقاس ما بین النار والطین ولو قاس نوریة آدم بنوریة النار عرف فضل ما بین النورین وصفاء أحدهما علی الآخر » ((2)).

وروی عن أبی حنیفة أنه قال: جئت إلی حجام لیحلق رأسی فقال لی ادن میامنک واستقبل القبلة وسم اللَّه فتعلمت منه ثلاث خصال لم تکن عندی فقلت له :مملوک أنت أم حر ؟ فقال :مملوک . قلت لمن ؟قال: لجعفر بن

ص: 42

محمد الصادق علیه السلام .قلت أشاهد أم غائب قال :شاهد .فصرت إلی بابه واستأذنت علیه فحجبنی وجاء قوم من أهل الکوفة فاستأذنوا فأذن لهم فدخلت معهم _ فلما صرت عنده قلت له: یا بن رسول اللَّه لو أرسلت إلی أهل الکوفة فنهیتهم أن یشتموا أصحاب محمد فإنی ترکت بها أکثر من عشرة آلاف یشتمونهم. فقال علیه السلام : لا یقبلون منی. فقلت : ومن لا یقبل منک وأنت ابن رسول اللَّه .فقال علیه السلام : أنت أول من لا یقبل منی دخلت داری بغیر إذنی وجلست بغیر أمری وتکلمت بغیر رأیی وقد بلغنی أنک تقول بالقیاس قلت نعم أقول , قال « ویحک یا نعمان أول من قاس اللَّه إبلیس حین أمر بالسجود لآدم علیه السلام فأبی وقال خلقتنی من نار وخلقته من طین أیما أکبر یا نعمان القتل أو الزنا ؟ »

قلت: القتل. قال علیه السلام : فلم جعل اللَّه فی القتل شاهدین وفی الزنا أربعة ؟ أینقاس لک هذا قلت لا .قال علیه السلام : فأیما أکبر البول أو المنی قلت البول قال فلم أمر اللَّه تعالی فی البول بالوضوء وفی المنی بالغسل أینقاس لک هذا؟ قلت: لا . قال علیه السلام : فأیما أکبر الصلاة أو الصیام قلت الصلاة؟ قال علیه السلام : فلم وجب علی الحائض أن تقضی الصوم ولا تقضی الصلاة أینقاس لک هذا ؟ قلت: لا .قال علیه السلام : فأیما أضعف المرأة أو الرجل قلت المرأة قال فلم جعل اللَّه تعالی فی المیراث للرجل سهمین وللمرأة سهم أینقاس لک؟ قلت : لا .قال علیه السلام : فبم حکم اللَّه فی من سرق عشر دراهم القطع وإذا قطع الرجل ید رجل فعلیه دیتها خمسة آلاف درهم أینقاس لک هذا؟

ص: 43

قلت: لا . قال علیه السلام : وقد بلغنی أنک تقرأ آیة من کتاب اللَّه تعالی وهی : { لَتُسْئَلُنَّ یَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِیمِ } ((1)) أنه الطعام الطیب والماء البارد فی الیوم الصائف قلت: نعم.

قال علیه السلام : لو دعاک رجل وأطعمک طعاما طیبا وسقاک ماءً باردا ثم امتن علیک به ما کنت تنسبه إلیه قلت: إلی البخل. قال علیه السلام : أفتبخل اللَّه تعالی ؟ قلت: فما هو: قال علیه السلام :

حبنا أهل البیت » ((2)) .

{ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإنَّکَ رَجِیمٌ77 وَإنَّ عَلَیْکَ لَعْنَتِی إلَی یَوْمِ الدِّینِ78 } _سورة

ص.

مطرود من الخیر والکرامة, أو شیطان یرجم بالشهب " وأن علیک اللعنة " هذا الطرد والإبعاد " إلی یوم الدین " فإنه منتهی أمد اللعن, لأنه یناسب أیام التکلیف, وقیل: إنما حد اللعن به لأنه أبعد غایة تضر بها الناس, أو لأنه یعذب فیه بما ینسی اللعن معه فیصیر کالزائل " إلی یوم الوقت المعلوم " المسمی فیه أجلک عند الله أو انقراض الناس کلهم وهو النفخة الأولی, أو یوم القیامة " .

وقال الامام جعفر الصادق علیه السلام : الإشهار بالعبادة ریبة, إن أبی حدثنی عن أبیه, عن جده, عن علی ( علیهم السلام ) : أن رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) قال : أعبد الناس من أقام الفرائض, وأسخی الناس من أدی زکاة ماله, وأزهد

ص: 44

الناس من اجتنب الحرام, وأتقی الناس من قال الحق فیما له وعلیه, وأعدل الناس من رضی للناس ما یرضی لنفسه, وکره لهم ما یکره لنفسه, وأکیس الناس من کان أشد ذکرا للموت, وأغبط الناس من کان تحت التراب قد أمن العقاب ویرجو الثواب, وأغفل الناس من لم یتعظ بتغیر الدنیا من حال إلی حال, وأعظم الناس فی الدنیا خطرا من لم یجعل للدنیا عنده خطرا, وأعلم الناس من جمع علم الناس إلی علمه, وأشجع الناس من غلب هواه, وأکثر الناس قیمة أکثرهم علما, وأقل الناس قیمة أقلهم علما, وأقل الناس لذة الحسود, وأقل الناس راحة البخیل, وأبخل الناس من بخل بما افترض الله عز وجل علیه, وأولی الناس بالحق أعلمهم به .

وأقل الناس حرمة الفاسق, وأقل الناس وفاء الملوک, وأقل الناس صدیقا الملک وأفقر الناس الطمع, وأغنی الناس من لم یکن للحرص أسیرا, وأفضل الناس إیمانا أحسنهم خلقا, وأکرم الناس أتقاهم, وأعظم الناس قدرا من ترک ما لا یعنیه, وأورع الناس من ترک المراء وإن کان محقا, وأقل الناس مروءة من کان کاذبا, وأشقی الناس الملوک, وأمقت الناس المتکبر, وأشد الناس اجتهادا من ترک الذنوب .

وأحلم الناس من فر من جهال الناس, وأسعد الناس من خالط کرام الناس, وأعقل الناس أشدهم مداراة للناس, وأولی الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة, وأعتی الناس من قتل غیر قاتله, أو ضرب غیر ضاربه, وأولی الناس بالعفو أقدرهم علی العقوبة, وأحق الناس بالذنب السفیه المغتاب, وأذل

ص: 45

الناس من أهان الناس, وأحزم الناس أکظمهم للغیظ, وأصلح الناس أصلحهم للناس, وخیر الناس من انتفع به الناس ((1)) .

{ قَالَ رَبِّ فَأنظِرْنِی إلَی یَوْمِ یُبْعَثُونَ 79 قَالَ فَإنَّکَ مِنَ المُنظَرِینَ80 إلَی یَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ 81 قَالَ فَبِعِزَّتِکَ لاَُغْوِیَنَّهُمْ أجْمَعِینَ } 82 _سورة ص.

" إلی یوم یبعثون " أراد ابلیس أن یجد فسحة فی الاغواء ونجاة عن الموت إذ لا موت بعد وقت البعث .

فأجابه الله تعالی إلی الأول دون الثانی, " قال فإنک من المنظرین إلی یوم الوقت المعلوم " المسمی فیه أجلک عند الله, أو انقراض الناس کلهم هو النفخة الأولی عند الجمهور .

رب بما أغویتنی " الباء للقسم, وما مصدریة, وجوابه " لأزینن لهم فی الأرض " والمعنی: اقسم بإغوائک إیای لأزینن لهم المعاصی فی الدنیا التی هی دار الغرور .

" قال إبلیس: یا رب فکیف وأنت العدل الذی لا تجور فثواب عملی بطل ؟ قال: لا ولکن سلنی من أمر الدنیا ما شئت ثوابا " لعملک أعطک, فأول ما سأل البقاء إلی یوم الدین, فقال الله :

قد أعطیتک, قال: سلطنی علی ولد آدم, قال: سلطتک, قال: أجرنی فیهم مجری الدم فی العروق, قال تعالی: قد أجریتک, قال: لا یولد لهم واحد إلا

ص: 46

ولد لی اثنان, و أراهم ولا یرونی, وأتصور لهم فی کل صورة شئت, فقال: قد أعطیتک, قال: یا رب زدنی قال: قد جعلت لک ولذریتک صدورهم أوطانا ", قال: رب حسبی, قال إبلیس عند ذلک: " فبعزتک لأغوینهم أجمعین إلا عبادک منهم المخلصین ثم لآتینهم من بین أیدیهم ومن خلفهم وعن أیمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أکثرهم شاکرین " .

تفسیر علی بن إبراهیم: أبی, عن ابن أبی عمیر, عن جمیل, عن زرارة, عن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال :

لما أعطی الله تبارک وتعالی إبلیس ما أعطاء من القوة قال آدم: یا رب سلطت إبلیس علی ولدی, أجریته فیهم مجری الدم فی العروق, وأعطیته ما أعطیته, فما لی ولولدی ؟

فقال: لک ولولدک السیئة بواحدة والحسنة بعشرة أمثالها, قال: یا رب زدنی, قال: التوبة مبسوطة إلی أن تبلغ النفس الحلقوم, قال: یا رب زدنی, قال: أغفر ولا أبالی, قال: حسبی .

قال: قلت: جعلت فداک بماذا استوجب إبلیس من الله أن أعطاه ما أعطاه ؟ فقال: بشئ کان منه شکره الله علیه, قلت: وما کان منه جعلت فداک ؟

قال: رکعتین رکعهما فی السماء فی أربعة آلاف سنة ((1)) .

ص: 47

" قال رب بما أغویتنی " الباء للقسم وما مصدریة وجوابه " لأزینن لهم فی الأرض " والمعنی اقسم باغوائک إیای لأزینن لهم المعاصی فی الدنیا التی هی دار الغرور لقوله : " أخلد إلی الأرض .

وقال الصادق علیه السلام علی باب الجنة مکتوب القرض بثمانیة عشر والصدقة بعشرة, وذلک أن القرض لا یکون إلا لمحتاج والصدقة ربما وضعت فی ید غیر محتاج .

وقال نجاح الطائی: الامتحان الالهی یتحقق للبشر من خلال الامتحان الذی اجری لهم فی هذه الدنیا . وهم أحرار للانتخاب بین شریعة الرحمن ومشروع الشیطان .

فان ساروا علی المنهج الاسلامی فهم الفائزون وان ساروا خلف أهوائهم فهم ضائعون وخاسرون .

{ إلاَّ عِبَادَکَ مِنْهُمُ المُخْلَصِینَ83 قَالَ فَالحَقُّ وَالحَقَّ أقُولُ84 لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَمِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أجْمَعِینَ } 85 _سورة ص.

" فالحق " مبتدء محذوف الخبر أو خبر محذوف المبتدأ, والفاء لترتیب ما بعده علی ما قبله, والمراد بالحق ما یقابل الباطل علی ما یؤیده إعادة الحق ثانیا باللام والمراد به ما یقابل الباطل قطعا .

قال النبی صلی الله علیه و آله : یا ابن مسعود اتخذ الشیطان عدوا فإن اللَّه تعالی یقول :« إِنَّ الشَّیْطانَ لَکُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا » ((1)) . ویقول عن إبلیس : « ثُمَّ لآتِیَنَّهُمْ

ص: 48

مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَیْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَکْثَرَهُمْ شاکِرِینَ » ((1)) ویقول قال « فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَمِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ » ((2)) [ یا ابن مسعود ] فانظر أن لا تأکل الحرام ولا تلبس الحرام ولا تأخذ من الحرام ولا تعص اللَّه لأن اللَّه تعالی یقول لإبلیس: « وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ وَأَجْلِبْ عَلَیْهِمْ بِخَیْلِکَ وَرَجِلِکَ وَشارِکْهُمْ فِی الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما یَعِدُهُمُ الشَّیْطانُ إِلَّا غُرُوراً » ((3)) وقالتعالی : « فَلا تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا وَلا یَغُرَّنَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ » ((4)), یا ابن مسعود لا تقربن الحرام من المال والنساء فإن اللَّه تعالی یقول « وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ » ولا تؤثرون الدنیا علی الآخرة باللذات والشهوات فإن اللَّه تعالی یقول فی کتابه « فَأَمَّا مَنْ طَغی * وَآثَرَ الْحَیاةَ الدُّنْیا . فَإِنَّ الْجَحِیمَ هِیَ الْمَأْوی » ((5)) یعنی الدنیا الملعونة والملعون ما فیها إلا ما کان لله .

ص: 49

یا ابن مسعود لا تخونن أحدا فی مال یضعه عندک أو أمانة ائتمنک علیها فإن اللَّه تعالی یقول « إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلی أَهْلِها » ((1)) .

یا ابن مسعود لا تتکلم إلا بالعلم بشیء سمعته ورأیته فإن اللَّه تعالی یقول « وَلا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً » ((2)) .

وقال: ستُکْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَیُسْئَلُونَ » ((3)) وقال تعالی: « إِذْ یَتَلَقَّی الْمُتَلَقِّیانِ عَنِ الْیَمِینِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِیدٌ . ما یَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَیْهِ رَقِیبٌ عَتِیدٌ » ((4)) وقال « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِیدِ » ((5)) .

یا ابن مسعود لا تهتمن للرزق فإن اللَّه تعالی یقول: « وَما مِنْ دَابَّةٍ فِی الأَرْضِ إِلَّا عَلَی اللَّهِ رِزْقُها » ((6)) .

وقال : « وَفِی السَّماءِ رِزْقُکُمْ وَما تُوعَدُونَ » ((7)) .

ص: 50

وقال « إِنْ یَمْسَسْکَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا کاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ یَمْسَسْکَ بِخَیْرٍ فَهُوَ عَلی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ » ((1)).

یا ابن مسعود والذی بعثنی بالحق إن من یدع الدنیا ویقبل علی تجارة الآخرة فإن اللَّه تعالی یتجر له من وراء تجارته ویربح اللَّه تجارته یقول اللَّه تعالی « رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِیتاءِ الزَّکاةِ یَخافُونَ یَوْماً تَتَقَلَّبُ فِیهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصارُ » ((2)) .

تفسیر علی بن إبراهیم: أحمد بن إدریس, عن أحمد بن محمد, عن محمد بن یونس, عن رجل, عن الامام أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله تبارک وتعالی: " إلی یوم الوقت المعلوم " قال: یوم الوقت المعلوم یوم یذبحه رسول الله صلی الله علیه و آله علی الصخرة التی فی بیت المقدس .

وقال علی بن إبراهیم: فقال الله: " الحق " أی إنک تفعل ذلک, والحق أقوله: " لأملأن جهنم منک وممن تبعک منهم أجمعین " .

و قال البیضاوی فی قوله تعالی: " فالحق والحق أقول ": أی فأحق الحق وأقوله, وقیل: إن الحق اسم الله, ونصبه بحذف حرف القسم وجوابه " لأملأن " وما بینهما اعتراض, وقرءا عاصم وحمزة برفع الأول علی الابتداء, أی الحق یمینی أو قسمی, أو الخبر أی أنا الحق ((3)) .

ص: 51

وقال نجاح الطائی : التقدیر: أقسم بالحق, ولا أقول إلا الحق لأملئن جهنم منک وممن تبعک منهم أجمعین .

فالحق أقسم به لأملأن جهنم منک وممن تبعک منهم, أو فقولی الحق " {لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ} یا ابلیس ومن تبعک من الانس والجن .

هذا جواب لمن لا یصدق بالاخرة ولا یؤمن بها ویشکک فی یوم القیامة .وهو قسم الهی عظیم بحصول الاخرة وانقسام الناس الی قسمین : قسم من أهل الجنة وقسم من أهل النار .

وقال تعالی:{ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِی کُنتُمْ تُوعَدُونَ } 63_یس .

:{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِی یُکَذِّبُ بِهَا المُجْرِمُونَ } 43_الرحمن .

وهذه النصوص القرآنیة کافیة للنهوض بوجه الظالمین المکذبین للاخرة.

{ قُلْ مَا أسْألُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أجْر وَمَا أنَا مِنَ المُتَکَلِّفِینَ86 } _سورة ص:

قال الباقر علیه السلام : قال أعداء الله من أولیاء الشیطان وأهل التکذیب والانکار: (قُلْ مَا أسْألُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أجْر وَمَا أنَا مِنَ المُتَکَلِّفِینَ) . یقول متکلفاً أن أسألکم ما لستم بأهله .

فقال المنافقون عند ذلک بعضهم لبعض: أما یکفی محمداً أن یکون قهرنا عشرین سنة حتی یرید ان یحمل أهل بیته علی رقابنا , فقالوا: ما أنزل الله هذا وما هو الا شیء تقوله یرید ان یرفع أهل بیته علی رقابنا , ولئن قُتل محمد أو مات لننزعنها من أهل بیته ثم لا نعیدها فیهم أبداً , وأراد الله ان

ص: 52

یعلم نبیه الذی أخفوا فی صدورهم وأسروا فی کتابه عز وجل: (أم یقولون افتری علی الله کذباً فان یشأ الله یختم علی قلبک ) ((1)) .

فی الکافی عن الباقر علیه السلام یقول: لو شئت حبست عنک الوحی فلم تتکلم بفضل أهل بیتک ولا مودتهم ((2)) .

وفعلا فعل المنافقون ما أرادوا فی طمس حق أهل البیت وسلبهم خلافتهم

ومحاولة احراقهم بالنار .

لقد بیّن تعالی أنّ مودّة ذوی القربی وولایتهم هی طریق الحق وهی السبیل إلیه والمسلک إلی رضوانه والهدایة الی الطریق المستقیم .

وقال الرسول الاکرم حدیث الثقلین المتواتر : إنّی تارک فیکم الثقلین, کتاب الله وعترتی أهل بیتی ((3)) . و حدیث السفینة : مثل أهل بیتی کسفینة

ص: 53

نوح من رکبها نجی ومن تخلّف عنها غرق((1)) .

ص: 54

و کذلک حدیث: إنّ الخلفاء اثنا عشر کلّهم من قریش من بنی هاشم .

وقال الباری تعالی فی آیة اخری: { قُلْ لا أسْألُکُمْ عَلَیْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِی القُرْبَی }_سورة الشوری 23 .

إنّ ذا القربی هم علی وفاطمة والحسن والحسین (علیهم السلام) ((1)) .

وروی الحاکم فی المستدرک قول علی بن الحسین زین العابدین علیه السلام : أنا من أهل البیت الذی افترض الله تعالی مودّتهم علی کل مسلم فقال الآیة.

ص: 55

: وأخرجه الحافظ القندوزی الحنفی فی ینابیعه أیضاً بعبارة أخری ونفس المعنی((1)) .

والأبیات الثلاثة التالیة منسوبة إلی العلاّمة الزمخشری صاحب تفسیر الکشّاف, وغیره وأستاذ فنّ البلاغة, العالم المعتزلی المعروف:

کثر الشکّ والخلاف فکلٍّ**یدَّعی الفوز بالصراط السوی

فاعتصامی بلا إله سواه ***** ثمّ حبِّی لأحمد وعلی

فاز کلب بحبّ أصحاب کهف*کیف أشقی بحبّ آل النبی((2))

: وفی الصواعق المحرقة قال الشافعی:

یا آل بیت رسول الله حبکم***فرض من الله فی القرآن أنزله

کفاکم من عظیم القدر أنکم*من لم یصلِّ علیکم لا صلاة له

وروی ابن حجر العسقلانی الشافعی فی شرحه علی صحیح البخاری بسنده عن أبی هریرة رفعه قال: من قال اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد کما صلیت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم , وبارک علی محمد وعلی آل محمد کما بارکت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم , وترحم علی محمد وعلی آل محمد کما ترحمت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم شهدت له یوم القیامة وشفعت له((3)) .

ص: 56

وأخرج الحاکم النیسابوری فی مستدرکه علی الصحیحین بسنده النبی صلی الله علیه و آله أنه قال «إذا تشهد أحدکم فی الصلاة فلیقل: اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد وبارک علی محمد وعلی آل محمد , وارحم محمداً وآل محمد , کما صلیت وبارکت , وترحمت علی إبراهیم وعلی آل أبراهیم إنک حمید مجید » ((1)) .

{ إنْ هُوَ إلا ذِکْرٌ لِلْعَالَمِینَ } 87 _سورة ص:

قال أین تذهبون فی علی علیه السلام یعنی ولایته أین تفرون منها إن هو إلا ذکر للعالمین لمن اخذ الله میثاقه علی ولایته قلت قوله ( لمن شاء منکم ان یستقیم ) قال: فی طاعة علی علیه السلام والأئمة علیهم السلام من بعده قلت قوله :

( وما تشاؤن إلا أن یشاء الله رب العالمین ) قال لان المشیة إلیه تبارک وتعالی لا إلی الناس, حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن أحمد عن أحمد بن محمد السیاری عن فلان عن أبی الحسن علیه السلام قال: إن الله جعل قلوب الأئمة موردا لإرادته فإذا شاء الله شیئا شاؤه وهو قوله : {وما تشاؤن إلا یشاء الله رب العالمین} ((2)) .

وقال تعالی: (فاسألوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ) ((3)) .

ص: 57

الطبری والثعلبی وابن کثیر: قال علی علیه السلام : «نحن اهل الذکر ».وهو الماثور عن سائر أئمة الهدی من أهل البیت (علیهم السلام) ((1)).

وعن أبی جعفر علیه السلام , فی قوله عز وجل: ( قُلْ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْه مِنْ أَجْرٍ وما أَنَا مِنَ الْمُتَکَلِّفِینَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِکْرٌ لِلْعالَمِینَ ) , قال علیه السلام : « [ هو ] أمیر المؤمنین علیه السلام , ( ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَه بَعْدَ حِینٍ ) , قال : عند خروج القائم علیه السلام قال الباقر علیه السلام : هو امیر المؤمنین ((2)) .

{ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ بَعْدَ حِین88 } _سورة ص:

ص: 58

عند خروج القائم ((1)) .

عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله عز وجل: { قل ما أسألکم علیه من أجر وما أنا من المتکلفین * إن هو إلا ذکر للعالمین } قال: هو أمیر المؤمنین علیه السلام " ولتعلمن نبأه بعد حین _ص 88 " قال: عند خروج القائم علیه السلام .

وفی قوله عز وجل: " ولقد آتینا موسی الکتاب فاختلف فیه " قال : اختلفوا کما اختلفت هذه الأمة فی الکتاب وسیختلفون فی الکتاب الذی مع القائم الذی یأتیهم به حتی ینکره ناس کثیر فیقدمهم فیضرب أعناقهم ((2)) .

وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد, قال: أخبرنی أبو القاسم جعفر ابن محمد, قال: حدثنی أبی, عن سعد بن عبد الله, عن أحمد بن محمد, عن العباس ابن معروف, عن محمد بن سنان, عن طلحة بن زید, عن جعفر بن محمد الصادق, عن أبیه, عن جده ( علیهم السلام ), قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : ما قبض الله نبیا حتی أمره أن یوصی إلی أفضل عشیرته من عصبته, وأمرنی أن أوصی . فقلت: إلی من یا رب ؟

فقال تعالی : أوص یا محمد إلی ابن عمک علی بن أبی طالب, فإنی قد أثبته فی الکتب السالفة, وکتبت فیها أنه وصیک, وعلی ذلک أخذت میثاق

ص: 59

الخلائق ومواثیق أنبیائی ورسلی, أخذت مواثیقهم لی بالربوبیة, ولک یا محمد بالنبوة, ولعلی بالولایة ((1)) .

وقال نجاح الطائی: أهل البیت هم أهل الذکر فی الکتاب المجید بقوله تعالی: { إنْ هُوَ إلا ذِکْرٌ لِلْعَالَمِینَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ بَعْدَ حِین } .

و الامام علی علیه السلام إمام المتقین وقائد الغر المحجلین هو أول أهل الذکر وآخرهم المهدی علیه السلام الذی سیعلمون نبأه بعد حین عند ظهوره للبشریة واعلانه لوجوده الرسمی .

وقد تشیع الالاف من علماء السنة سراً بعد اطلاعهم علی المکانة والمنزلة الراقیة للامام علی علیه السلام فی القرآن الکریم والحدیث الشریف((2)) .

ص: 60

ص: 61

وقال أبو عبد الله علیه السلام : لا والله ما فوض الله إلی أحد من خلقه إلا إلی رسول الله صلی الله علیه و آله وإلی الأئمة علیه السلام قال عز وجل: { إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْکُمَ بَیْنَ النَّاسِ بِما أَراکَ الله } وهی جاریة فی الأوصیاء علیهم السلام ((1)) .

ولا تشطط ولا تدعو من دونه أحداً .

وقال تعالی: ( إن الذین آمنوا وعملوا الصالحات سیجعل لهم الرحمن ودا ) ((2)) .

وقال تعالی: ( إلیه یصعد الکلم الطیب, والعمل الصالح یرفعه ) ((3)).

وقال تعالی: ( واعبد الله, ولا تشرک به شیئا ) ((4)) .

وقال أمیر المؤمنین وسیّد الموحّدین بقوله: ما عبدتک خوفا من نارک ولا طمعا فی جنّتک ولکن وجدتک أهلا للعبادة فعبدتک .

السّابع قوله ( وعمل صالحا ) والعمل ما صدر عن الحیوان بقصده قلبیّا أو قالبیّا فهو أخصّ من الفعل, والمراد بالعمل الصّالح إتیان المأمور به کما امر

ص: 63

به ویقابله العمل الفاسد قال تعالی : ( فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّه ِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّه ِ أَحَداً ) ((1)) .

وقال أمیر المؤمنین علی علیه السلام : إن قوما عبدوا الله رغبة فتلک عبادة التجار, وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلک عبادة العبید, وإن قوما عبدوا الله شکرا فتلک عبادة الأحرار ((2)) .

الإمام الصادق علیه السلام : [ إن ] العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلک عبادة العبید, وقوم عبدوا الله تبارک وتعالی طلب الثواب فتلک عبادة الأجراء, وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له فتلک عبادة الأحرار, وهی أفضل العبادة ((3)).

ص: 64

وقال الإمام زین العابدین علیه السلام : إنی أکره أن أعبد الله لا غرض لی إلا ثوابه, فأکون کالعبد الطمع المطیع, إن طمع عمل وإلا لم یعمل . وأکره أن أعبده [ لا غرض لی ] إلا لخوف عقابه, فأکون کالعبد السوء إن لم یخف لم یعمل, قیل له: فلم تعبده ؟

قال: لما هو أهله بأیادیه علیَّ وإنعامه ((1)) .

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : قال الله عز وجل: " لا یتکل العاملون لی علی أعمالهم التی یعملونها لثوابی, فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم فی عبادتی, کانوا مقصرین غیر بالغین فی عبادتهم کنه عبادتی فیما یطلبون عندی من کرامتی والنعیم فی جنانی ورفیع الدرجات العلی فی جواری, ولکن برحمتی فلیثقوا, وفضلی فلیرجوا, والی حسن الظن بی فلیطمئنوا ((2)) .

وعن علی بن سالم قال سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: قال الله تعالی: " أنا أغنی الأغنیاء عن الشریک فمن أشرک معی غیری فی عمل, لم أقبله إلا ما کان لی خالصا

" ((3)) .

ص: 65

وعن أبی الحسن الرضا علیه السلام : " أن أمیر المؤمنین علیه السلام کان یقول: طوبی

لمن أخلص لله العبادة والدعاء, ولم یشغل قلبه بما تری عیناه " ((1)) .

وقال نجاح الطائی: الواجب الالهی یحتم علینا أن نعبد الله تعالی عبادة المخلصین بعیدا عن الریاء والادعاء الخاوی وکسب رضا الناس بانه من العابدین .

وهؤلاء عبادتهم منتظمة فی الاماکن الجماعیة أمام أنظار الامة لکن معاملاتهم فاسدة یخونون الامانة ویغشون ویخونون ویزنون ویقتلون ویکذبون ویفعلون کل الافعال المریبة والمحرمة ومثلهم الوهابیون وأجدادهم الخوارج علی طول التاریخ .

فهؤلاء یصلون الصلوات الخمسة فی المساجد ویکفرون المسلمین ویغزوهم فیقتلون الرجال ویزنون بالنساء ویسبون الاطفال ویغنمون الاموال.

المسلمون منهم فی عناء ورهبة والیهود منهم فی راحة وأمان بل یتحالفون معهم وینفذون أوامرهم .

{ ألا لِلّهِ الدِّینُ الخَالِصُ وَالَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِیَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِیُقَرِّبُونَا إلَی اللّهِ زُلْفَی إنَّ اللّهَ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ فِی مَا هُمْ فِیهِ یَخْتَلِفُونَ إنَّ اللّهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ کَاذِبٌ کَفَّارٌ3 }_سورة الزمر.

الله تعالی المتفرد بالالوهیة لا رب سواه له الحکم وهو أرحم الراحمین .

ص: 66

قال الله تعالی: { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّینَ } ((1)) .

{ أَلَا لِلَّهِ الدِّینُ الْخَالِصُ } ((2)) .

وقال تعالی: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفَاءَ}((3)) .

قالت قریش: إنما نعبد الأصنام لیقربونا إلی الله زلفی فانا لا نقدر ان نعبد الله حق عبادته, فنجعل واسطة بیننا وبینه , فحکی الله قولهم علی لفظ الخبر ومعناه حکایة عنهم .

الشرک فی العبادة منها الریاء, فإنّه شرک فی العبادة أیضا للأخبار المصرّحة بذلک ((4)) .

کلمة لا یقبل الله تعالی عملا حتی یقولها وهی قول لا اله الا الله التوحید الخالص لرب العالمین .

ومنها: مطلق إطاعة الشیطان قال الصادق علیه السلام :

« المعاصی التی یرتکبون شرک طاعة أطاعوا فیها الشیطان فأشرکوا باللَّه

ص: 67

فی الطاعة لغیره » ((1)) .

ومنها: الشرک فی قدرته تعالی, فعن الصادق علیه السلام : « الرجل یقول لولا فلان لهلکت, ولولا فلان ما أصبت کذا وکذا, ولولا فلان لضاع عیالی, ألا تری أنّه قد جعل للَّه شریکا فی ملکه » ((2)) .

{لِیُقَرِّبُونا إِلَی الله زُلْفی } وروی ان النصاری قالوا نحن نعظم المسیح حبا لله فنزلت الآیة . وبالجملة کل واحد من فرق الغلاة یدعی انه یحب الله ویطلب رضاه وطاعته فقال رسول الله ( قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله ) .

تفسیر علی بن إبراهیم: قوله: " ما نعبدهم إلا لیقربونا إلی الله زلفی " وذلک أن قریشا قالت: إنما نعبد الأصنام لیقربونا إلی الله زلفی, فإنا لا نقدر أن نعبد الله حق عبادته فحکی الله قولهم علی لفظ الخبر ومعناه حکایة عنهم .

وفی روایة أبی الجارود, عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله تعالی:

" قل إن الخاسرین الذین خسروا أنفسهم " یعنی غبنوا أنفسهم وأهلیهم یوم القیامة ((3)) .

قُلْ إِنَّ صَلاتِی وَنُسُکِی وَمَحْیایَ وَمَماتِی لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِینَ [ الأنعام: 162 ]

ص: 68

( لو أراد الله أن یتخذ ولدا ) کما زعموا ونسبوا إلیه الملائکة والمسیح وعزیر ( لاصطفی ): لاختار ( مما یخلق ما یشاء ) قیل: یعنی ما کان اتخاذه الولد باختیارهم حتی یضیفوا إلیه من شاؤوا ( سبحانه هو الله الواحد

القهار ) قال: ( لیس له فی الأشیاء شبیه ) .

وقال نجاح الطائی: أول کلمة من أصول الدین هی التوحید الخالص للباری سبحانه وبها وبالنبوة یصبح الشخص مسلما ولو آمن بالامامة أصبح مؤمنا .

ولا یهدی تعالی المذنبین الکاذبین کی یدحرهم فی جهنم وبئس المصیر .

هؤلاء الکاذبون یعبدون الاصنام ثم یبررون عبادتهم لها بأنها تقربهم الی الله زلفی .

{ لَوْ أرَادَ اللّهُ أنْ یَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَی مِمَّا یَخْلُقُ مَا یَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ }4 _سورة الزمر .

الجواب الالهی لافترائهم اتخذ الرحمن ولدا: انه لماذا یتخذ واحدا مما خلق ولدا لو شاء لاصْطَفَی مِمَّا یَخْلُقُ مَا یَشَاءُ فیکون أولاده بالملایین .

وفی العادة تفضیل الکثیر من الاولاد علی الولد الواحد أفضل وأحسن .

ولو أراد الخالق أن ینجب اولادا له فلم لا ینتخب أبناءا ذکورا وأنتم تقولون الابناء خیر من البنات ؟

ولو أراد ابنا له للزم أن یکون له زوجة وأن یکون الولد شبیها بأبیه وهذا یلزم أن یکون الباری جسما وهذا محال , لانه الواحد القهار ولیس کمثله شیء .

ص: 69

الغرناطی: الولد یکون علی وجهین: أحدهما بالولادة الحقیقیة وهذا محال علی اللَّه تعالی لا یجوز فی العقل والثانی التبنی بمعنی الإختصاص والتقریب, کما یتخذ الإنسان ولد غیره ولدا لإفراط محبته له, وذلک ممتنع علی اللَّه بإخبار الشرع فإن قوله: { وما یَنْبَغِی لِلرَّحْمنِ أَنْ یَتَّخِذَ

وَلَداً } .

یعم نفی الوجهین, فمعنی الآیة علی ما أشار إلیه ابن عطیة: لو أراد اللَّه أن یتخذ ولدا علی وجه التبنی لاصطفی لذلک مما یخلق من موجوداته ومخلوقاته, ولکنه لم یرد ذلک ولا فعله, وقال الزمخشری: معناه لو أراد اللَّه اتخاذ الولد لامتنع ذلک, ولکنه یصطفی من عباده من یشاء علی وجه الإختصاص والتقریب, لا علی وجه اتخاذه ولدا, فاصطفی الملائکة وشرفهم بالتقریب, فحسب الکفار أنهم أولاده, ثم زادوا علی ذلک أن جعلوهم إناثا, فأفرطوا فی الکفر والکذب علی اللَّه وملائکته ((1)) .

وقال نجاح الطائی: الرد الالهی علی الکافرین قوله تعالی ( وما ینبغی للرحمن أن یتخذ ولدا ) [ مریم: 92 ] .

و {قل هو الله أحد الله الصمد لم یلد ولم یولد ولم یکن له کفؤا أحد}.

والنصاری منهم یقولون بالتثلیث ! والیهود منهم یقولون :

( عزیر ابن الله ) جل وعلا .

ص: 70

قال الله تعالی: " وقالت الیهود عزیر ابن الله وقالت النصاری المسیح ابن الله ... إلی قوله سبحانه وتعالی عما یشرکون " ((1)) فسماهم مشرکین .

{ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالحَقِّ یُکَوِّرُ اللَّیْلَ عَلَی النَّهَارِ وَیُکَوِّرُ النَّهَارَ عَلَی اللَّیْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی لأجَل مُسَمّیً ألا هُوَ العَزِیزُ الغَفَّارُ }5 _سورة الزمر.

وهذه استعارة . والمعنی: یعلی هذا علی هذا . وذلک مأخوذ من قولهم: کار العمامة علی رأسه یکورها . إذا أرادها علیه .

{ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالحَقِّ } أی لامر حق هو العبادة والمعرفة, أو علی مقدار وشکل وأوضاع وصفات مختلفة قدرها وخصصها بحکمته((2)) .

الذی خلق السماوات والأرض بالحق ) کأنه أشار بهذه الترجمة إلی ما ورد فی تفسیر هذه الآیة ان معنی قوله بالحق أی بکلمة الحق وهو قوله کن ووقع فی أول حدیث الباب قولک الحق فکأنه أشار إلی أن المراد بالقول الکلمة وهی کن والله أعلم ونقل ابن التین عن الداودی ان الباء هنا بمعنی اللام أی لأجل الحق وقال ابن بطال المراد بالحق هنا ضد الهزل والمراد بالحق فی الأسماء الحسنی الموجود الثابت الذی لا یزول ولا یتغیر وقال الراغب: الحق فی الأسماء الحسنی الموجد بحسب ما تقتضیه الحکمة قال ویقال لکل موجود من فعله بمقتضی الحکمة حق ویطلق علی الاعتقاد فی

ص: 71

الشئ المطابق لما دل ذلک الشئ علیه فی نفس الامر وعلی الفعل الواقع بحسب ما یجب قدرا وزمانا وکذا القول ویطلق علی الواجب واللازم والثابت والجائز ونقل البیهقی فی کتاب الأسماء والصفات عن الحلیمی قال: الحق ما لا یسیغ إنکاره ویلزم إثباته والاعتراف به ووجود الباری أولی ما یجب الاعتراف به ولا یسیغ جحوده إذ لا مثبت تظاهرت علیه البینة الباهرة ما تظاهرت علی وجوده سبحانه وتعالی ((1)) .

القرآن والعلم : العالم له نهایة

اللیل یغطی النهار والنهار یغطی اللیل .

وجملة کل یجری لأجل مسمی تشیر إلی أن هذا النظام الراقی والحضاری للکون لیس خالدا, بل إن له نهایة بانتهاء الدنیا, وقد ذکر هذا فی سورة التکویر: { إذا الشمس کورت وإذا النجوم انکدرت . . . .}

قال الرازی: فیه قولان: الأول قال ابن عباس: للشمس مائة وثمانون منزلا کل یوم لها منزل وذلک فی ستة أشهر, ثم إنها تعود مرة أخری إلی واحد واحد منها فی ستة أشهر مرة أخری وکذلک القمر له ثمانیة وعشرون منزلا, فالمراد بقوله ( کل یجری لأجل مسمی ) هذا, وتحقیقه أنه تعالی قدر لکل واحد من هذه الکواکب سیرا خاصا إلی جهة خاصة بمقدار خاص من السرعة والبطء, ومتی کان الامر کذلک لزم أن یکون لها بحسب کل لحظة ولمحة حال أخری ما کانت حاصلة قبل ذلک . والثانی المراد کونهما

ص: 72

متحرکین إلی یوم القیامة, وعند مجیئ ذلک الیوم تنقطع هذه الحرکات کقوله تعالی: ( إذا الشمس کورت, وإذا النجوم انکدرت, وإذا السماء انشقت وإذا السماء انفطرت, وجمع الشمس والقمر ) ((1)) .

خلق الله تعالی هذا الکون لاجل المعرفة والحکمة ولاجل الحق ولم یخلقه للهزل واللعب .

قال تعالی : { وما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلا لِیَعْبُدُونِ } 56 _الذاریات .

{ خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأنْزَلَ لَکُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِیَةَ أزْوَاج یَخْلُقُکُمْ فِی بُطُونِ اُمَّهَاتِکُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْق فِی ظُلُمَات ثَلاث ذَلِکُمُ اللّهُ رَبُّکُمْ لَهُ المُلْکُ لا إلَهَ إلا هُوَ فَأنَّی تُصْرَفُونَ } 6 _سورة الزمر.

{ خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا }: وهی نفس آدم ولم یقل خلقکم من نفسین آدم وحواء .

قال تعالی: { إنَّ مَثَلَ عِیسَی عِنْدَ اللّهِ کَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ } 59آل عمران .

ثم انتزع الله تعالی ضلعا من أضلاع آدم علیه السلام فخلق منه حواء ولا یعنی هذا صعوبة خلق حواء لیکونا نفسین بل لحکمته تعالی أراد ذلک .

{وَأنْزَلَ لَکُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِیَةَ أزْوَاج }:

قال تعالی :

ص: 73

{ ثَمَانِیَةَ أزْوَاج مِنَ الضَّأنِ اثْنَیْنِ وَمِنَ المَعْزِ اثْنَیْنِ قُلْ أالذَّکَرَیْنِ حَرَّمَ أمِ الاُنْثَیَیْنِ أمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَیْهِ أرْحَامُ الاُنثَیَیْنِ نَبِّئُونِی بِعِلْم إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ } 143 _آل عمران .

من الضأن اثنین ومن المعز اثنین ومن الإبل اثنین ومن البقر اثنین فکان زوجان من الضأن زوج یربیها الناس ویقومون بأمرها وزوج من الضأن التی تکون فی الجبال الوحشیة أحل لهم صیدها, ومن المعز اثنین یکون زوج یربیه الناس, وزوج من الظباء [ سمی الزوج الثانی ] ومن البقر اثنین زوج یربیه الناس, وزوج هو البقر الوحشی ومن الإبل زوجین وهی البخاتی والعراب ((1)) وکل طیر وحشی أو انسی ثم غرقت الأرض ((2)) .

لم یقل الله تعالی عن هذه الازواج خلقها بل قال أنزلها , والظاهر انه أنزلها من الجنة لینتفع بها الناس فی هذه الدنیا لحکمته تعالی .

{وقال الله: یَخْلُقُکُمْ فِیْ بُطُوْنِ أُمَّهَاْتِکُمْ خَلْقَاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِیْ ظُلُمَاْتٍ ثَلاْثٍ} _ الزمر: 6 .

ص: 74

لم یکن محمد صلی الله علیه و آله طبیباً, ولم یتسن له تشریح سیدة حامل, و لم یتلقی دروساً فی علم التشریح و الأجنة, بل ولم یکن هذا العلم معروفاً قبل القرن التاسع عشر, إن معنی الآیة واضح تماماً وقد أثبت العلم الحدیث أن هناک ثلاثة أغشیة تحیط بالجنین و هی: أولاً:

الأغشیة الملتصقة التی تحیط بالجنین و تتألف من الغشاء الذی تتکون منه بطانة الرحم و الغشاء المشیمی و الغشاء السلی و هذه الأغشیة الثلاث تشکل الظلمة الأولی لالتصاقها ببعضها.

ثانیاً: جدار الرحم و هو الظلمة الثانیة.

ثالثاً: جدار البطن و هو الظلمة الثالثة . فمن أین للنبی محمد صلی الله علیه و آله بهذه المعلومات الطبیة؟

وقال الله:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ یُزْجِیْ سَحَاْبَاً ثُمَّ یُؤَلِّفُ بَیْنَهُ ثُمَّ یَجْعَلُهُ رُکَاْمَاً فَتَرَی الْوَدْقَ یَخْرُجُ مِنْ خِلاْلِهِ وَ یُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاْءِ مِنْ جِبَاْلٍ فِیْهَاْ مِنْ بَرَدٍ فَیُصِیْبُ بِهِ مَنْ یَشَاْءُ وَ یَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ یَشَاْءُ یَکَاْدُ سَنَاْ بَرْقِهِ یَذْهَبُ بِالأَبْصَاْرِ }_ النور: 43

خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْق : جیل بعد آخر لتستمر الحیاة علی سطح الارض .

ظلمات ثلاث:

قال الإمام الحسین علیه السلام فی دعائه المعروف بدعاء عرفه , یبین نعم الباری تعالی: وابتدعت خلقی من منی یمنی, ثم أسکنتنی فی ظلمات ثلاث: بین

ص: 75

لحم وجلد ودم لم تشهدنی خلقی, ولم تجعل إلی من أمری ثم أخرجتنی إلی الدنیا تاما سویا ((1)) .

وهذه الظلمات هی: ظلمة بطن الأم وظلمة الرحم وظلمة المشیمة ( الکیس الخاص الذی یستقر فیه الجنین ) التی هی فی الحقیقة ثلاثة أغلفة سمیکة تغطی الجنین .

{ فَأنَّی تُصْرَفُونَ } : أی کیف تصرفون وتعدلون عن عبادة الواحد الاحد الی الاصنام والملوک والطغاة .

فی لسان العرب: ومن السحر الآخذة التی تأخذ العین حتی یظن أن الأمر کما یری ولیس الأصل علی ما یری, والسحر الآخذة وکل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر, قال الأزهری: وأصل السحر صرف الشئ عن حقیقته إلی غیرها, فکان الساحر لما أری الباطل فی صورة الحق خیل الشئ علی غیر حقیقته, فقد سحر الشئ عن وجهه أی صرفه, وقال الفراء فی قوله تعالی: فأنی تسحرون, معناه: فأنی تصرفون, وقال یونس: تقول العرب للرجل: ما سحرک عن وجه کذا وکذا, أی صرفک ( لسان العرب 4: 348 ) .

{ إنْ تَکْفُرُوا فَإنَّ اللّهَ غَنِیٌّ عَنْکُمْ وَلا یَرْضَی لِعِبَادِهِ الکُفْرَ وَإنْ تَشْکُرُوا یَرْضَهُ لَکُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَی ثُمَّ إلَی رَبِّکُمْ مَرْجِعُکُمْ فَیُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} 7_سورة الزمر.

ص: 76

الطبری: نقل العلامة القبیسی عن شیخ أهل السنة فی التفسیر والتاریخ محمد بن جریر الطبری أنه أورد فی کتاب له, خطبة النبی صلی الله علیه و آله یوم الغدیر, واورد فیه, انه صلی الله علیه و آله قال: معاشر الناس: قولوا ما قلت لک, وسلِّموا علی علی بإمرة المؤمنین, قولوا: ما یرضی الله عنکم ف.(ان تکفروا فان الله غنی عنکم) ((1)) .

فهو الله الواحد الاحد الله الصمد لم یلد ولم یولد . لا یحتاج الی عبادة أحد من عباده المخلوقین بیدیه .

وَلا یَرْضَی لِعِبَادِهِ الکُفْرَ وَإنْ تَشْکُرُوا یَرْضَهُ لَکُمْ :

قال البرقی عن بعض أصحابنا: الشکر: المعرفة , والکفر ها هنا الخلاف .والشکر: الولایة والمعرفة ((2)) .

{ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَی }: لا یتحمل أحد ذنوب آخر ولو کان أباه أو أخاه .

ولا یؤاخذ أحدا بذنب غیره, ولا یعذبه علی ما لیس من فعله, ولا یطالبه بغیر جنایته وکسبه, ولا یلومه علی ما خلقه فیه, ولا یستبطئه فیما لم یقدره علیه, ولا یعاقبه إلا باستحقاقه, ولا یعذبه إلا بما جناه علی نفسه, وأقام الحجة علیه فیه, المنزه عن القبائح, والمبرأ عن الفواحش, والمتعالی عن فعل الظلم والعدوان, وعن خلق الزور والبهتان الذی لا یحب .

ص: 77

ویکره الفساد, ولا یرید ظلما للعباد, ولا یأمر بالفحشاء, ولا یظلم مثقال ذرة وإن تک حسنة یضاعفها ویؤت من لدنه أجرا عظیما, وکل فعله حسن, وکل صنعه جید وکل تدبیره حکمة .

{ثُمَّ إلَی رَبِّکُمْ مَرْجِعُکُمْ فَیُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ7 }_الزمر.

قال تعالی: {الیَوْمَ نَخْتِمُ عَلَی أفْوَاهِهِمْ وَتُکَلِّمُنَا أیْدِیهِمْ وَتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ } _سورة یس 65 .

{إنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } : قال بالضمائر .

{ وَإذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِیباً إلَیْهِ ثمَّ إذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِیَ مَا کَانَ یَدْعُو إلَیْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلّهِ أنْدَاداً لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِکُفْرِکَ قَلِیلا إنَّکَ مِنْ أصْحَابِ النَّارِ8 } _سورة الزمر.

( نزلت فی أبی فصیل ((1))

إنه کان رسول الله صلی الله علیه و آله عنده ساحراً فکان اذا مسَّه الضر - یعنی السقم - (دَعَا رَبَّهُ مُنِیباً إلَیْهِ ) . یعنی تائباً الیه من قوله فی رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: ثُمَّ إذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ : یعنی العافیة نَسِیَ مَا کَانَ یَدْعُو إلَیْهِ مِنْ قَبْلُ: یعنی نسی التوبة الی الله عز وجل مما کان یقول فی رسول الله صلی الله علیه و آله إنه ساحر ولذلک قال الله: { وَجَعَلَ لِلّهِ أنْدَاداً لِیُضِلَّ عَنْ

ص: 78

سَبِیلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِکُفْرِکَ قَلِیلا إنَّکَ مِنْ أصْحَابِ النَّارِ } 8 , یعنی إمرتک علی الناس بغیر حق من الله تعالی ومن رسول الله صلی الله علیه و آله ) ((1)) .

ابن الولید, عن الصفار, عن عباد بن سلیمان, عن محمد بن سلیمان الدیلمی, عن أبیه, عن إسحاق بن عمار, عن موسی بن جعفر علیه السلام : یا إسحاق ! إن فی النار لوادیا . . إلی آخر الخبر .

الأعرابیان: الأول والثانی اللذان لم یؤمنا بالله طرفة عین ((2)) .

کتاب الاستدراک : بإسناده إلی الأعمش, عن جعفر بن محمد, عن آبائه علیهم السلام, قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لجهنم سبعة أبواب ( وهی الأرکان ) لسبعة فراعنة: نمرود بن کنعان فرعون الخلیل, ومصعب بن الولید فرعون موسی, وأبو جهل بن هشام, والأول, والثانی, ویزید قاتل ولدی, ورجل من ولد العباس یلقب بالدوانیقی اسمه المنصور ((3)).

{ أمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّیْلِ سَاجِداً وَقَائِماً یَحْذَرُ الآخِرَةَ وَیَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ إنَّمَا یَتَذَکَّرُ اُوْلُوا الألْبَابِ } 9 _سورة الزمر:

ص: 79

روی العلامة البحرانی عن ابن شهرآشوب , عن النیسابوری - فی روضة الواعضین

- أنه قال عروة بن الزبیر: سمع بعض التابعین أنس ابن مالک یقول: نزلت فی علی علیه السلام قوله تعالی: (أمَّن هو قانت آناء اللیل ساجداً وقائماً) . الآیة.

قال الرجل: فأتیت علیاً علیه السلام وقت المغرب, فوجدته یصلی, ویقرأ القرآن إلی أن طلع الفجر, ثم جدد وضوءه وخرج إلی المسجد وصلی بالناس صلاة الفجر ثم قعد فی التعقیب إلی أن طلعت الشمس, ثم قصده الناس فجعل یقضی بینهم إلی أن قام صلاة الظهر, فجدد الوضوء ثم صلی بأصحابه الظهر, ثم قعد فی التعقیب إلی أن صلی بهم العصر, ثم کان یحکم بین الناس ویفتیهم ((1)) .

قوله تعالی: (کِتَابٌ أنزَلْنَاهُ إلَیْکَ مُبَارَک لِیَدَّبَّرُوا آیَاتِهِ وَلِیَتَذَکَّرَ اُوْلُوا الألْبَابِ) _الزمر 9 .

: روی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی عن التفسیر العتیق ((2)) (قل هل یستوی الذی یعلمون)الآیة. قال: یعنی ب- (الذین یعلمون) علیاً, وأهل بیته من بنی هاشم.

ص: 80

(والذین لا یعلمون) بنی أمیة. (وأولوا الألباب)شیعتهم (یعنی: شیعة أهل البیت) ((1)) .

روی الکلینی نزولها فی أمیر المؤمنین علی علیه السلام ((2)) .

وروی الحافظ المحدّث أحمد بن حنبل فی الحدیث (97) من باب فضائل أمیر المؤمنین, من کتاب الفضائل حدّثنا شریک عن سعید بن مسروق, عن منذر, عن الربیع بن خیثم أنّهم ذکروا عنده علیاً علیه السلام فقال:

ما رأیت أحداً مبغضیه أشدّ له بغضاً, ولا محبّیه أشدّ له حبّاً من علی علیه السلام , ولم أره یجد علیهم فی حکمه, والله عزّ وجلّ یقول:

(ومن یؤت الحکمة فقد أوتی خیراً کثیراً) .

رواه الحاکم الحسکانی فی شواهد التنزیل ج1 ص105 - 108 ح148, 150, 151, 152, 154 بعدّة طرق .

فروی بإسناده إلی سفیان, قال: قال الربیع بن خیثم: ما رأیت رجلاً من یحبّه أشدّ حبّاً من علی بن أبی طالب علیه السلام , ولا من یبغضه أشدّ بغضاً من علی

ص: 81

علیه السلام . ثمّ التفت فقال: (ومن یؤت الحکمة فقد أوتی خیراً کثیراً) . یعنی علیاً علیه السلام ((1)) .

إیاکم والکفر بولایة علی: الطبری: نقل العلامة القبیسی عن محمد بن جریر الطبری أنه أورد فی کتاب له , خطبة النبی صلی الله علیه و آله یوم الغدیر , واورد فیه , انه صلی الله علیه و آله قال: معاشر الناس: قولوا ما قلت لک , وسلموا علی علی بإمرة المؤمنین , قولوا ما یرضی الله عنکم ف.(ان تکفروا فان الله غنی عنکم) ((2)) .

{ قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ إنَّمَا یَتَذَکَّرُ اُوْلُوا

الألْبَابِ } 9 , سورة الزمر.

وقال الامام ابو جعفر: إنما نحن الذین یعلمون وعدونا الذین لا یعلمون وشیعتنا أولوا الالباب ((3)) . » .

وقال الامام ابو جعفر علیه السلام : إنما نحن الذین یعلمون وعدونا: الذین لا یعلمون وشیعتنا أولوا الالباب ((4)) .

وقوله تعالی: { إنَّمَا یَخْشَی اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ } سورة فاطر 28 .

ص: 82

قال علیه السلام : یعنی علیاً, کان یخشی الله ویراقبه ((1)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : أنا مدینة العلم وعلی بابها فمن أراد المدینة فلیأت الباب "فمن أراد العلم فلیأت الباب ((2)) .

ص: 83

ص: 84

بینما قال الله تعالی للبشریة : "{ وَمَا أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا } سورة إسراء : 85 .

وقال الحاکم کما فی روایة انس بن مالک : ان النبی صلی الله علیه و آله قال لعلی علیه السلام : " أنت تبین لامتی ما اختلفوا فیه بعدی " _ قال الحاکم: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین: وفی روایة قال له:

" أنت تؤدی عنی وتسمعهم صوتی وتبین لهم ما اختلفوا فیه بعدی ((1)) .

ص: 85

وقال الإمام موسی الکاظم علیه السلام : عن قوله تعالی:

{شَهِدَ اللّهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ وَالمَلائِکَةُ وَاُوْلُوا العِلْمِ}. قال هو الإمام ((1)) .

ص: 86

العلم بید أهل البیت الائمة لکن معظم الناس ذهبوا الی الجهلة الذین لا علاقة لهم بالعلم .لذا قال عمر

: ( لولا علی لهلک عمر) ((1)).

وعظم هذه المدینة العلمیة الکبیرة مکّنت علیاً علیه السلام من القول :

« اسألونی قبل أن تفقدونی, فوالله إنّی أعلم طرق السماوات والأرض

»((2)).

فالکتاب أخذ علی عاتقه سبر أغوار العلوم التی وهبها الله تعالی لأمیر المؤمنین علیه السلام وحباها به فکان رأس العلم وأُسّه الأساس .

ص: 87

و قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « لو قسِّم العلم إلی عشرة أقسام لحصل علی بن أبی طالب علی تسعة أقسامه ولشارک الناس فی القسم العاشر »((1)).

وقال نجاح الطائی: فرَّق الله تعالی بین العلماء والجهلة العوام فجعل للعلماء منزلة نفیسة وراقیة فی المجتمع یعود الیهم الناس فی أسئلتهم واستفساراتهم

وقال النبی محمد صلی الله علیه و آله : « إذا مات العالم ثُلِم فی الإسلام ثلمة لا یسدّها شیء إلی یوم القیامة » ((2)) .

له تدبیر وهدایة إلی مصالح المسلمین, لأنه لا یتأهل لتحمل أعباء الأمة الا بذلک ومن شرطه أن یکون قرشیا ((1)) .

الشافعی الصغیر: ومن ثم اشترط فیه ما شرط فی القاضی وزیادة کما قال شرط الإمام کونه مسلما لیراعی مصلحة الإسلام وأهله مکلفا لأن غیره مولی علیه فلا یلی أمر غیره وروی أحمد خبر نعوذ بالله من إمارة الصبیان حرا لأن من فیه رق لا یهاب وخبر اسمعوا وأطیعوا وإن ولی علیکم عبد حبشی محمول علی غیر الإمامة العظمی أو للمبالغة خاصة ذکرا لضعف عقل الأنثی وعدم مخالطتها للرجال وصح خبر لن یفلح قوم ولوا أمرهم امرأة والخنثی ملحق بها احتیاطا فلا تصح ولایته وإن بان ذکرا کالقاضی بل أولی قرشیا لخبر الأئمة من قریش فإن فقد فکنانی ثم رجل من بنی إسماعیل ثم عجمی علی ما فی التهذیب أو جرهمی علی ما فی التتمة ثم رجل من بنی إسحاق مجتهدا کالقاضی وأولی بل حکی فیه الإجماع ولا ینافیه قول القاضی عدل جاهل أولی من فاسق عالم لأن الأول یمکنه التفویض للعلماء فیما یفتقر للاجتهاد لأن محله عند فقد المجتهدین وکون أکثر من ولی أمر الأمة بعد الخلفاء الراشدین غیر مجتهدین إنما هو لتغلبهم فلا یرد شجاعا لیغزو بنفسه ویعالج الجیوش ویقوی علی فتح البلاد ویحمی البیضة ویعتبر سلامته من نقص یمنع استیفاء الحرکة وسرعة النهوض کما دخل فی الشجاعة ذا رأی لیسوس به الرعیة ویدبر مصالحهم الدینیة

ص: 89

والدنیویة قال الهروی وأدناه أن یعرف أقدار الناس وسمع وإن ثقل وبصر وإن ضعف بحیث لم یمنع التمییز بین الأشخاص أو کان أعور أو أعشی ونطق یفهم وإن فقد الذوق والشم وذلک لیتأتی منه فصل الأمور وعدلا کالقاضی وأولی فلو اضطر لولایة فاسق جاز ولذا قال ابن عبد السلام لو تعذرت العدالة فی الأئمة قدمنا أقلهم فسقا قال الأذرعی وهو متعین إذ لا سبیل لجعل الناس فوضی وألحق بهم الشهود فإذا تعذرت العدالة فی أهل قطر قدم أقلهم فسقا ((1)) .

وقال نجاح الطائی: یدعو الله تعالی المؤمنین الی التذکر والتدبر لمعرفة الحق الالهی ومتابعة الاخلاق والایمان الخالص والعمل الحسن .

فمن تذکر وتدبر عرف الامام علیا علیه السلام سر الله فی أرضه ومولی الموحدین وخلیفة المسلمین ووالد الائمة المعصومین وزوج البتول وهو باب مدینة العلم وأمیر المؤمنین .

وقال أحمد عن محمد بن الحسین عن عبد اللَّه بن محمد عن الخشاب عن بعض أصحابنا عن خیثمة قال: قال لی أبو عبد اللَّه علیه السلام یا خیثمة نحن شجرة النبوة وبیت الرحمة ومفاتیح الحکمة ومعدن العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائکة وموضع سر اللَّه ونحن ودیعة اللَّه فی عباده ونحن حرم

ص: 90

اللَّه الأکبر ونحن ذمة اللَّه ونحن عهد اللَّه فمن وفی بعهدنا فقد وفی بعهد اللَّه ومن خفرها فقد خفر ذمة اللَّه وعهده » ((1)) .

{ قُلْ یَا عِبَادِ الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّکُمْ لِلَّذِینَ أحْسَنُوا فِی هَذِهِ الدُّنْیَا حَسَنَةٌ وَأرْضُ اللّهِ وَاسِعَةٌ إنَّمَا یُوَفَّی الصَّابِرُونَ أجْرَهُمْ بِغَیْرِ حِسَاب } 10_سورة الزمر.

الحسنة : روی مسندا عن ابن عباس:

(قُلْ لا أسْألُکُمْ عَلَیْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِی القُرْبَی وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیهَا حُسْناً إنَّ اللّهَ غَفُورٌ شَکُورٌ((2)) . قال الإمام ( علیه السلام ): « الحسنة المودة لآل محمد صلی الله علیه و آله " ((3)) .

البغوی: وقال البغوی فی کتابه معالم التنزیل: « هم علی وفاطمة وابناهما صلی الله علیهم , وفیهم نزل: (إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أهل البیت وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً)((4)).

ص: 91

مَثَلُ الَّذِینَ یُنفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللّهِ کَمَثَلِ حَبَّة أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِی کُلِّ سُنْبُلَة مِائَةُ حَبَّة »الحسنة بسبعمئة «وَاللّهُ یُضَاعِفُ » الحسنة«لِمَنْ یَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ علیم 265.

الخوارزمی: روی العلامة المکی موفق بن أحمد الخوارزمی الحنفی عن أنس قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إذا کان یوم القیامة ینادون علی بن أبی طالب علیه السلام بسبعة أسماء: یاصدیق , یادال , یاعابد , یاهادی , یامهدی , یافتی , یاعلی , مرّ أنت وشیعتک إلی الجنة بغیر حساب((1)) .

وجاء فی تفسیر الإمام العسکری علیه السلام :ولایة علی علیه السلام حسنة لا یضر معها سیئة , ثم قال رسول الله: إن ولایة علی حسنة لا یضر معها شئ ((2)).

الحاکم الحسکانی: روی الحافظ الکبیر عبید الله بن عبد الله بن أحمد الحاکم الحسکانی الحذاء الحنفی, قال : أخبرنا محمد بن علی بن محمد

ص: 92

بن الحسن الجرجانی عن ابن عباس , وسند آخر عن أبی ذر فی قوله تعالی: (ومن یقترف حسنة ). قال : المودة لأهل بیت النبی صلی الله علیه و آله ((1)).

وعن الصادق علیه السلام قال: من قال بعد صلاة الصبح قبل أن یتکلم " بسم الله الرحمن الرحیم, لا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم " یعیدها سبع مرات, دفع الله عنه سبعین نوعا من أنواع البلاء, ومن قالها إذا صلی المغرب قبل أن یتکلم دفع الله عنه سبعین نوعا من أنواع البلاء, أهونها الجذام والبرص ((2)) .

وفی کتاب أمیر المؤمنین علیه السلام إلی أهل مصر : من عمل لله أعطاه الله أجره فی الدنیا والآخرة وکفاه المهمّ فیها, وقد قال الله تعالی: { یَا عِبَادِ الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّکُمْ لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا فِی هذِهِ الدُّنْیَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا یُوَفَّی الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَیْرِ حِسَاب } _ الزمر: 10 . فما أعطاهم الله فی الدنیا لم یحاسبهم به فی الآخرة, قال الله تعالی:

{ لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَی وَزِیَادَةٌ }_یونس26

والحسنی هی الجنّة, والزیادة هی الدنیا ((3)) .

ص: 93

وعن أحمد بن الولید, عن أبیه, عن الصفّار, عن القاسانی, عن الاصفهانی, عن المنقری, عن ابن عیینة, عن حمید بن زیاد, عن عطاء بن یسار, عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : یوقف العبد بین یدی الله فیقول: قیسوا بین نعمی علیه وبین عمله, فتستغرق النعم العمل, فیقولون: قد استغرقت النعم العمل, فیقول: هبوا له نعمی وقیسوا بین الخیر والشرّ منه, فإن استوی العملان أذهب الله الشرّ بالخیر وأدخله الجنّة, وإن کان له فضل أعطاه الله بفضله, وإن کان علیه فضل وهو من أهل التقوی لم یشرک بالله تعالی واتّقی الشرک به فهو من أهل المغفرة, یغفر الله له برحمته إن شاء ویتفضّل علیه بعفوه ((1)) .

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام قال رسول الله صلی الله علیه و آله :الصبر ثلاثة صبر عند المصیبة وصبر علی الطاعة وصبر عن المعصیة فمن صبر علی المصیبة حتی یردها بحسن عزائها کتب الله له ثلاثمائة درجة ما بین الدرجة إلی الدرجة کما بین السماء إلی الأرض ومن صبر علی الطاعة کتب الله له ستمائة درجة ما بین الدرجة إلی الدرجة کما بین تخوم الأرض إلی العرش ومن صبر عن المعصیة کتب الله له تسعمائة درجة ما بین الدرجة إلی الدرجة کما بین تخوم الأرض إلی منتهی العرش وحقه أن یکون خالصا لله عز وجل کغیره من العبادات لا لحمیة وریاء ونحوهما ((2)) .

ص: 94

وقال نجاح الطائی: الامر الالهی بلزوم التقوی مع ترغیب المسلم لفعل الخیر کی یحصل علی الحسنات .

والحسنة یتمثل مصداقها الاکمل فی حب أهل البیت .

وقال تعالی :وان أرض الله واسعة فلا تقنطوا من رحمة الله ولا یسخرکم السلطان الظالم وان الله تعالی یعطی الصابرین اجرهم بغیر حساب .

قال تعالی: {إنَّ الَّذِینَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِکَةُ ظَالِمِی أنفُسِهِمْ قَالُوا فِیمَ کُنتُمْ قَالُوا کُنَّا مُسْتَضْعَفِینَ فِی الأرْضِ قَالُوا ألَمْ تَکُنْ أرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِیهَا فَاُوْلَئِکَ مَأوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِیراً }97 النساء.

قال أبو جعفر علیه السلام : « ما عبادة أفضل عند اللَّه من عفة بطن وفرج », وقال أبو عبد اللَّه علیه السلام : « إنما شیعة جعفر علیه السلام من عف بطنه وفرجه, واشتد جهاده, وعمل لخالقه, ورجا ثوابه, وخاف عقابه, فإذا رأیت أولئک فأولئک شیعة جعفر علیه السلام ((1)).

{ قُلْ إنِّی اُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّینَ 11}_سورة الزمر.

ُوقال تعالی : إنَّا أنزَلْنَا إلَیْکَ الکِتَابَ بِالحَقِّ فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّینَ } 2_سورة الزمر.

: قُلْ اللّهَ أعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِینِی14_الزمر

: وقال: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفَاءَ } ( 3) سورة البینة

ص: 95

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : فی الانسان مضغة إذا هی سلمت وصحت سلم بها سائر الجسد فإذا سقمت سقم لها سائر الجسد وفسد وهی القلب ((1)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : یا علی ثلاث یقسین القلب: استماع اللهو وطلب الصید واتیان باب السلطان .

وقال صلی الله علیه و آله : أربعة یفسدن القلب وینبتن النفاق فی القلب کما ینبت الماء الشجر استماع اللهو والبذاء واتیان باب السلطان وطلب الصید ((2)) .

وقال صلی الله علیه و آله : أربع یمتن القلب: الذنب علی الذنب وکثرة مشاورة النساء یعنی محادثتهن ومماراة الأحمق تقول ویقول ولا یرجع إلی خیر أبدا ومجالسة الموتی فقیل له یا رسول الله وما مجالسة الموتی ؟ قال: کل غنی مترف .

وقال علیه السلام : من علامات الشقاء جمود العین وقسوة القلب وشدة الحرص فی طلب الرزق والاصرار علی الذنب ((3)) .

یأمر الله تعالی المسلمین بالاخلاص فی العبادة وأن لا یشرک بها فیکون من المشرکین الهالکین .

وقال الإمام الصادق علیه السلام : من قال " لا إله إلا الله " مخلصا دخل الجنة, وإخلاصه أن یحجزه " لا إله إلا الله " عما حرَّم الله ((4)) .

ص: 96

:وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : أیها الناس إنه من لقی الله عز وجل یشهد أن لا إله إلا الله مخلصا لم یخلط معها غیرها دخل الجنة, فقام علی بن أبی طالب صلوات الله علیه فقال: یا رسول الله, بأبی أنت وأمی وکیف یقولها مخلصا لا یخلط معها غیرها فسر لنا هذا حتی نعرفه ؟

فقال صلی الله علیه و آله : نعم, حرصا علی الدنیا وجمعا لها من غیر حلها, ورضا بها, وأقوام یقولون أقاویل الأخیار ویعملون أعمال الجبابرة, فمن لقی الله عز وجل ولیس فیه شئ من هذه الخصال وهو یقول: " لا إله إلا الله " فله الجنة, فإن أخذ الدنیا وترک الآخرة فله النار ((1)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : تمام الإخلاص اجتناب المحارم ((2)) .

وقال الإمام علی علیه السلام : تمام الإخلاص تجنب المعاصی ((3)).

{ وأمِرْتُ لاِنْ أکُونَ أوَّلَ المُسْلِمِینَ } 12 _سورة الزمر.

أی المستسلمین لما أمر الله به ونهی عنه, وإنما أمر بأن یکون أول المسلمین وإن کان قبله مسلمون کثیرون لان المراد به أول المسلمین من هذه الأمة, ففی ذلک أنه دعاهم إلی ما رضیه الله له ورضیه لنفسه .

والبعض قال : اول المسلمین من بلدی أو من هذه الامة أو من قریش .

ص: 97

جاء: وفی الکلام أمر بالعبادة .

البیضاوی: اللام هنا یجوز أن تکون زائدة أو للتعلیل ویکون المفعول علی هذا محذوف, فإن قیل: کیف عطف أمرت علی أمرت والمعنی واحد ؟ فالجواب أن الأول أمر بالعبادة والإخلاص والثانی أمر بالسبق إلی الإسلام فهما معنیان اثنیان وکذلک قوله: قل اللَّه أعبد لیس تکرارا لقوله أمرت أن أعبد اللَّه, لأن الأول إخبار بأنه مأمور بالعبادة والثانی إخبار بأنه یفعل العبادة . وقدم اسم اللَّه تعالی للحصر واختصاص العبادة به وحده ((1)).

أی: سابقَهُم ومقَدَّمَهُم فی الدُّنیا والآخرةِ, والمعنی: أنَّ الإِخْلاصَ لَهُ السَّبقَةُ فی الدِّینِ, فَمَنْ أَخْلَصَ کانَ سَابِقاً .

:وأمرت لأعدل بینکم ((2)) .

:وأمرت أن أعبد الله مخلصا له الدین ((3)) .

حیث إنّ اللام فیه مقدّرة قبل ( أن ), فیکون مدخولها هو المفعول به للفعل السابق علیها, فتکون العبادة نفس المأمور به لا غایته .

علی أول المسلمین

وسار الامام علی علیه السلام علی هذه الایة الکریمة : { وأمِرْتُ لاِنْ أکُونَ أوَّلَ المُسْلِمِینَ } 12 _سورة الزمر , فکان أول المسلمین فی مکة وسنه عشر سنین

ص: 98

بینما أسلم ابو بکر وعمر وعثمان وابن عوف وابن ابی وقاص أخر المسلمین فی مکة .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : « یا علی بک یهتدی المهتدون ((1)).

{ ذَلِکَ هُدَی اللّهِ یَهْدِی بِهِ مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أشْرَکُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ 88 }_سورة الانعام.

نزلت فی الامام علی علیه السلام فهو أول مسلم فی الاسلام آمن بالنبی محمد صلی الله علیه و آله . وقال الحسن البصری للحجاج : ( کان علی علیه السلام أول من هداه الله مع النبی صلی الله علیه و آله . قال الحجّاج:

ترابی عراقی.

قال الحسن: هو ما أقول لک . فأمر بإخراجه.

وقال الحسن البصری : فلما سلمنی الله تعالی منه وخرجت ذکرت عفو الله عن العباد. قال ذلک الطریحی فی مجمع البحرین ) ((2)).

الحسکانی الحنفی : وقد نزلت سورة : والعصر فی الإمام علی علیه السلام أول مسلم بعد البعثة کما جاء فی شواهد التنزیل ((3)) .

ص: 99

وروی العلامة البحرانی فی غایة المرام عن الفقیه الشافعی إبراهیم بن محمد الحموینی باسناده إلی سلیم بن قیس الهلالی - فی حدیث المناشدة فی فضائله بمشهد جماعة من المهاجرین والأنصار - قال علی علیه السلام :

فأنشدکم الله أتعلمون أن الله عزوجل فضل فی کتابه السابق علی المسبوق فی غیر آیة, وانی لم یسبقنی إلی الله عزوجل وإلی رسوله صلی الله علیه و آله أحد من الأمة ؟ قالوا : اللهم نعم((1)) .

وروی ابن حجر الفقیه الشافعی فی الاصابة، باسناده عن عمرو بن مرة الجهنی, وعبد الله بن فضالة المزنی - وکانت لهما صحبة - عن جابر :

انهم کانوا یقولون : علی بن أبی طالب علیه السلام أول من أسلم ((2)) .

وروی ابن الاثیر الجزری الکردی فی (أسد الغابة) باسناده عن علی علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله لفاطمة علیها السلام : لقد أنکحتکِ أکثرهم علماً وأفضلهم حلماً, وأولهم سلماً ((3)) .

وروی المحب الطبری الشافعی فی (الریاض النضرة) باسناده عن أنس, أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال لفاطمة : زوجتُکِ أقدمهم سلماً، وأحسنهم خلقاً ((4)) .

ص: 100

وروی ابن عبد البر فی (الاستیعاب) باسناده عن قتادة, عن الحسن قال : أسلم علی وهو أول من أسلم ((1)) .

أبو بکر وعمر آخر من أسلم فی مکة

وقبل سنة ونصف من الهجرة الی المدینة أی فی السنة الحادیة عشرة للبعثة الشریفة أسلم أبو بکر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبیدة بن الجراح وسعد بن أبی وقاص وسعید بن زید .

وادعی علماء السنة اسلام أبی بکر بعد سنوات من البعثة النبویة((2)) أی بعد اسلام أکثر من خمسین رجلاً((3)) .

وبالضبط بعد رحلة الإسراء والمعراج التی کانت قبل الهجرة بسنة ونصف بروایة الواقدی((4)) .

أی أسلم أبو بکر وسن علی علیه السلام واحد وعشرون سنة وکان ذلک قبل الهجرة بسنة ونصف((5)) .

ص: 101

لکن ید السیاسة الامویة ادعت فی زمن الامویین کون ابی بکر ثانی من اسلم بواسطة بعض الرواة المعروفین بالکذب .

واعترفت بأن اول من أسلم هو الامام علی علیه السلام لکنها قالت انه صبی وابو بکر رجل فاسلام ابی بکر افضل من اسلام الصبی.

وهذا تخرص باطل لان اسلام النبی عیسی علیه السلام کان فی المهد واسلام النبی یحیی علیه السلام کان فی زمن الطفولة فکیف اعترف الله تعالی باسلامهما ولا یعترف باسلام علی علیه السلام ؟

وقد عینه النبی محمد صلی الله علیه و آله اماماً للمسلمین یوم الدار وعمره عشر سنین معترفا باسلامه وبایعه ابو طالب شیخ الحجاز وبعض بنی هاشم .

عن أمیر المؤمنین أنّ النبی ( صلی الله علیه و آله ) قال مخاطباً لعشیرته فی قصّة دعوته لهم : یا بنی عبد المطّلب, إنّی قد جئتکم بخیری الدنیا والاخرة, وقد أمرنی الله تعالی أنْ أدعوکم إلیه, فأیّکم یؤازرُنی علی أمری هذا ویکون أخی ووصیّی وخلیفتی فیکم ؟ فأحجم القوم عنها جمیعاً . فقلت وأنا أحدثهم سنّاً: یا نبیّ الله, أکون وزیرک علیه . قال علیه السلام : فأخذ برقبتی وقال صلی الله علیه و آله : إنّ هذا أخی ووصیّی وخلیفتی فیکم, فاسمعوا له وأطیعوا. فقام القوم یضحکون ویقولون لابی طالب: قد أمرک أنْ تسمع لعلی وتطیع ((1)) .

ص: 102

ص: 103

ولم یدع ابو بکر فی حیاته انه اول المسلمین لم یقلها فی السقیفة ولا فی ایام رئاسته بل افتری ذلک الامویون فی زمن معاویة للنیل من أمیر المؤمنین علی علیه السلام

{ قُلْ إنِّی أخَافُ إنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذَابَ یَوْم عَظِیم}13_سورة الزمر.

أمر الله تعالی نبیه صلی الله علیه و آله بهذه الآیة أن یقول لهؤلاء الکفار: إنه یخاف ( ان عصاه ) عذابه وعقوبته فی یوم عظیم وهو یوم القیامة . ومعنی العظیم (هاهنا ) أنه شدید علی العباد, وعظیم فی قلوبهم .

وفی الآیة دلالة علی أن من زعم أن من علم الله أنه لا یعصی فلا یجوز أن یتوعده بالعذاب .

ص: 104

وعلی من زعم أنه لا یجوز أن یقال فیما قد علم الله أنه لا یکون أنه لو کان لوجب فیه کیت وکیت, لأنه کان المعلوم لله تعالی أن النبی صلی الله علیه و آله لا یعصی معصیة یستحق بها العقاب یوم القیامة, ومع هذا فقد توعده به ((1)) . هذه الثقافة التی طرحها النبی کانت کافیة لکم أفواه الکافرین بأن رسول الله لا یعمل من نفسه بل هو رسول الله کی لا یتهموه فی أرحامه ومدینته وعشیرته .

وکان دیدن الکفار مطالبتهم الانبیاء بعصیان رب العالمین کی یسیر علی منهجهم التمردی لاسقاط الدین وتخریب المجتمع وابقاء التسلط المفروض من قبلهم .

{ قُلْ اللّهَ أعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِینِی14 }_سورة الزمر.

الاخلاص الکامل لله تعالی بالابتعاد عن المحرمات وهو التوحید الکامل.

والتوحید الکامل لا یعنی الایمان به وعبادته من جهة وعصیانه فی النبوة والامامة والمحرمات من جهة أخری مثلما یفعل الوهابیون.

{ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إنَّ الخَاسِرِینَ الَّذِینَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ وَأهْلِیهِمْ یَوْمَ القِیَامَةِ ألا ذَلِکَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِینُ }15 _سورة الزمر.

تهدید ووعید للکافرین .

ص: 105

أطباق قیل وهی ظلل الآخرین ذلک یخوف الله به عباده ذلک العذاب هو الذی یخوفهم به لیجتنبوا ما یوقعهم فیه یا عباد فاتقون ولا تتعرضوا لما یوجب سخطی ((1)) .

والذین اجتنبوا الطاغوت البالغ غایة الطغیان أن یعبدوها وأنابوا إلی الله وأقبلوا إلیه بشر اشرهم غما سواه لهم البشری بالثواب علی ألسنة الرسل وعلی ألسنة الملائکة عند حضور الموت ((2)) .

فی المجمع عن الصادق علیه السلام قال أنتم هم ومن أطاع جبارا فقد عبده فبشر عباد ((3)) .

{ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِکَ یُخَوِّفُ اللّهُ بِهِ عِبَادَهُ یَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ16 _سورة الزمر.

القمی: یعنی یظل علیهم النار من فوقهم ومن تحتهم ((4)) .

ص: 106

فالظلل التی فوقهم لهم, والظلل التی تحتهم لغیرهم, لأن الظلل إنما یکون من فوق .

وقوله تعالی " فِی ظِلالٍ عَلَی الأَرائِکِ " ((1)) .

هو جمع ظلة, ومن قرأ ظلال فهو جمع ظل . وقوله تعالی " غَشِیَهُمْ مَوْجٌ کَالظُّلَلِ " ((2)) أی: علاهم موج یتعالی کتعالی الظلة .

وقوله تعالی " ظِلًّا ظَلِیلًا " ((3)) أی: دائما طیبا, وقیل: أی یظل من الریح والحر, وعیش ظلیل أی: طیب . قال جریر :

ولقد ناعقنا الدیار وعیشنا * لو دام ذاک کما تحب ظلیلا

وقوله تعالی " لا ظَلِیلٍ وَلا یُغْنِی مِنَ اللَّهَبِ " ((4)) أی: لا یستطاب ولا یظل .

وقوله تعالی " وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصالِ " ((5)) أی: ویسجد ظلالهم .

قیل: وهو جمع الظل, وقیل شخوصهم . وظل الجنة سترها والکینونة فی ذراها, وأنا فی ظل فلان, أی: فی ناحیته وستره .

وکان عرب الجاهلیة عندما ینامون فی سفرهم فی وادی یلجأون الی سید الوادی من الجن لحمایتهم , ینادونه بصوت عال.

ص: 107

فکانت عادتهم تتمثل فی التوسل بشیاطین الجن لنجاتهم من المعضلات . بینما علَّم النبی محمد صلی الله علیه و آله أصحابه علی التوسل الی الله تعالی بأهل بیته الکرام مثلما توسل النبی آدم بهم الی الله .

ومن وسائل الاطمئنان والامن والعافیة والراحة حمل تربة الحسین علیه السلام وقراءة زیارة عاشوراء ووضع شیء من تراب الحسین علی جسم الانسان وخاصة الاطفال والمرضی .

ویقرأ: {وَأنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهُدَی آمَنَّا بِهِ فَمَنْ یُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا یَخَافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً } 13_الجن.

{ وَالَّذِینَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أنْ یَعْبُدُوهَا وَأنَابُوا إلَی اللّهِ لَهُمُ البُشْرَی فَبَشِّرْ عِبَادِ }17_سورة

الزمر.

قال الامام الباقر علیه السلام : وتلا هذه الآیة: (ولا یزالون مختلفین , الا من رحم ربک ولذلک خلقهم ) ((1)) .

هم شیعتنا ولرحمته خلقهم وهو قوله تعالی: (ولذلک خلقهم ) . یقول لطاعة الامام الرحمة التی یقول: (ورحمتی وسعت کل شیء) . یقول: علم الامام ووسع علمه الذی هو من علمه کل شئء , هم شیعتنا..

ثم نسبهم فقال: (الذین آمنوا به ) .

یعنی بالامام (وعزروه ونصروه واتَّبعوا النور الذی أنزل معه أولئک هم المفلحون ((2)) .

ص: 108

وعن ابن زید عن أبیه قال فی قوله تعالی: " والذین اجتنبوا الطاغوت أن یعبدوها ":

نزلت فی ثلاثة نفر کانوا فی الجاهلیة یوحدون الله عز وجل: زید بن عمرو بن نفیل, وأبو ذر, وسلمان, أولئک الذین هداهم الله بغیر کتاب ولا نبی . أخرجه الواحدی وأبو الفرج فی أسباب النزول ((1)) .

یعنی الذین اجتنبوا الجبت والطاغوت أن یعبدوها والجبت والطاغوت فلان وفلان (أبو بکر وعمر ) والعبادة طاعة الناس لهم ((2)) .

اعتراف أبی بکر بعدم بیعة الإمام له

لم یحضر الامام علی علیه السلام فی جمعة ولا جماعة مع أبی بکر , واستنصر الانصار وغیرهم علیه .

قال محمد بن اسحاق: لم یحضر علی علیه السلام فی جمعة ولا جماعة مع

أبی بکر ((3)) .

ص: 109

فقال أبوبکر بعد خطبة فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و آله : یستعینون بالضعفة ویستنصرون بالنساء کأم طحال أحب إلیها البغی إلاّ انی لو أشاء أن أقول لقلت ولو قلت لبحت , انی ساکت ما ترکت .

ثم التفت إلی الانصار فقال: قد بلغنی یا معشر الانصار مقالة سفهائکم وأحق من لزم عهد رسول الله صلی الله علیه و آله أنتم فقد جاءکم فآویتم ونصرتم إلاّ إنی لست باسطاً یداً ولا لساناً علی من لم یستحق ذلک منّا ((1)) .

وکانت خطبة فاطمة سیدة النساء فی فضح ظلم أبی بکر فی اغتصابه فدک والخلافة الالهیة کالاتی:

أنَّت أنَّةً اجهشت القوم بالبکاء, فارتج المجلس .ثم امهلت هنیئةً, حتی اذا سکن نشیج القوم, وهدأت فورتهم, افتتحت الکلام بحمد الله والثناء علیه والصلاة علی رسوله, فعاد القوم فی بکائهم, فلما أمسکوا عادت فی کلامها, فقالت علیها السلام : الحمد لله علی ما أنعم, وله الشکر علی ما الهم, والثناء بما قدَّم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها . . . .

الی ان قالت: فانقذکم الله سبحانه بمحمد صلی الله علیه و آله بعد اللتیا واللتی بعد أن مُنِی ببُهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الکتاب, کلما اوقدوا ناراً للحرب اطفأها الله او نجم قرن للشیطان او فغرت فاغرة من المشرکین قذف أخاه فی لهواتها فلا ینکفئ حتی یطأ صماخها باخمصه, ویخمد لهبها بسیفه .

ص: 110

مکدوداً فی ذات الله مجتهداً فی أمر الله, قریباً من رسول الله, سیداً من اولیاء الله مشمراً ناصحاً مجداً کادحاً .

وانتم فی رفاهیة من العیش وادعون فاکهون, آمنون, تتربصون بنا الدوائر وتتوکفون الاخبار, وتنکصون عند النزال وتفرون من القتال . فلما اختار الله لنبیه صلی الله علیه و آله دار انبیائه ومأوی اصفیائه, ظهرت فیکم حَسَکة النفاق . هذا والعهد قریب والکلم رحیب, والجرح لمَّا یندمل, والرسول لمَّا یقبر, ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ألا فی الفتنة سقطوا وإن جهنم محیطة بالکافرین, فهیهات منکم وکیف بکم ؟ وانی تؤفکون ؟ وکتاب الله بین اظهرکم أُموره ظاهرة واحکامه زاهرة, واعلامه باهرة, وزواجره لائحة, وأوامره واضحة, وقد خلَّفتموه وراء ظهورکم . أرغبة عنه تریدون ؟ ام بغیره تحکمون ؟ بئس للظالمین بدلا : ( وَمَن یَبتَغِ غَیر الإِسلام دِیناً فَلَن یُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِینَ )((1)) .

ثم لم تلبثوا إلاّ ریث ان تسکن نفرتها ویسلس قیادها, ثم اخذتم تورون وقدتها وتهیجون جمرتها, وتستجیبون لهتاف الشیطان الغوی, وإطفاء انوار الدین الجلی, وإخماد سنن الصفی, تسرُّون حسواً فی ارتغاء, وتمشون لاهله وولده فی الخیر والضراء ونصبرُ منکم علی مثل حز المدی, ووخز السنان فی الحشی .

ص: 111

وانتم الان تزعمون أن لا ارث لنا « أفحکم الجاهلیة تبغون ؟ » ومن احسن من الله حکما لقوم یوقنون ؟ افلا تعلمون ؟ بلی تجلّی لکم کالشمس الضاحیة أنِّی ابنته .

ایها المسلمون أأغلب علی إرثی ؟ یا بن ابی قحافة, أفی کتاب الله أن ترث أباک ولا أرث أبی, لقد جئت شیئاً فریّاً ((1)) .

أفعلی عمد ترکتم کتاب الله ونبذتموه وراء ظهورکم ؟ اذ یقول: ( وَوَرِثَ سُلَیمانُ دَاوُدَ )((2)) .

فتکون فاطمة الزهراء أول من اتهم ابا بکر بالافتراء ووضع الحدیث .

{ الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ اُوْلَئِکَ الَّذِینَ هَدَاهُمُ اللّهُ وَاُوْلَئِکَ هُمْ اُوْلُوا الألْبَابِ } 18 _سورة الزمر.

و قال الصادق علیه السلام : هم المُسَلِّمُونَ لآل محمد الذین اذا سمعوا الحدیث لم یزیدوا فیه ولم ینقصوا منه جاءوا به کما سمعوه ((3)) . هم الصادقون المؤمنون المتقون .

ص: 112

عن أبی بصیر قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام قول الله جل ثناؤه: الذین یستمعون القول فیتبعون أحسنه . قال علیه السلام : هو الرجل یسمع الحدیث فیحدث به کما سمعه لا یزید فیه ولا ینقص منه ((1)) .

وما رواه بإسناده عن عمرو بن أبی المقدام قال: قال لی أبو جعفر علیه السلام فی أول دخلة دخلت علیه تعلموا الصدق قبل الحدیث ((2)) .

وقال عز وجل: " وإذا مروا باللغو مروا کراما ((3)) .

وقال عز وجل: " وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ((4)) .

وقال عز وجل: وقولوا للناس حسنا _البقرة 83 .

ولو سار المسلمون علی الصدق ولم یدونوا الحدیث لکسب المال من الامویین والعباسیین لما حصل الاختلاف بین المسلمین .

النحاس: فی معنی هذا قولان :

القول الأول: قال الضحاک: ( یستمعون القول ) القرآن, و ( أحسنه ) ما أمر الله جل وعز به الأنبیاء, من طاعته فیتبعونه .

والقول الآخر: أنهم یستمعون القرآن وغیره, فیتبعون القرآن .

الثعلبی: أی أرشده وأهداه إلی الحق ((5)).

ص: 113

قال أبو جعفر الطبری : القول الأول حسن, والمعنی: أنهم إذا سمعوا بالعقوبة والعفو, عفوا, ورأوا أن العفو أفضل, وان کانت العقوبة لهم ((1)) .

وقال نجاح الطائی: الذین یستمعون الحدیث فیتبعون الحدیث الالهی النبوی ویترکون الحدیث الشیطانی الصادر من الکفار والمنافقین فی انکار اصول الدین والمبادیء الانسانیة العلویة الحسینیة الخیرة . هؤلاء الصادقون التابعون لاهل البیت التارکون للغو والاثم والعدوان .

{ أفَمَنْ حَقَّ عَلَیْهِ کَلِمَةُ العَذَابِ أفَأنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِی النَّارِ} 19_سورة الزمر.

من ارتکب الجرائم وأشرک بالله العظیم لا ینقذه بشر من النار والعار , فلا تنفع الشفاعة للکافرین الظالمین المعتدین .

وقال تعالی ": ولعذاب الآخرة أکبر لو کانوا یعلمون 26_الزمر.

" وقال تعالی ": ألیس فی جهنم مثوی للکافرین 32 " الزمر .

وقال تعالی ": من یأتیه عذاب یخزیه ویحل علیه عذاب مقیم 40 الزمر."

وقال تعالی ": ألیس فی جهنم مثوی للمتکبرین 60 المؤمن.

ولا تنفع السلاطین جیوشهم وأسلحتهم وحواشیهم الخائنة وأموالهم فی انقاذهم من الجحیم .

وبینما یسکن المجرمون فی جهنم جزاءا لاعمالهم یرغد المؤمنون فی الجنة

ص: 114

{لَکِنِ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِیَّةٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللّهِ لا یُخْلِفُ اللّهُ المِیعَادَ} 20_سورة الزمر.

أما الصالحون فلهم غرف فی الجنة فوقها غرف فوق الانهار والله تعالی لا یخلف ما وعد عباده .

قال علی علیه السلام : یا ر سول الله أخبرنا عن قول الله عز وجل: " غرف مبنیة من فوقها غرف "بماذا بنیت یا رسول الله ؟ فقال: یا علی تلک غرف بناها الله عز وجل لأولیائه بالدر والیاقوت والزبرجد, سقوفها الذهب محبوکة بالفضة لکل غرفة منها ألف باب من ذهب, علی کل باب منها ملک موکل به, فیها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحریر و الدیباج بألوان مختلفة وحشوها المسک والکافور والعنبر وذلک قول الله عز وجل:

" وفرش مرفوعة " إذا ادخل المؤمن إلی منازله فی الجنة ووضع علی رأسه تاج الملک والکرامة ألبس حلل الذهب والفضة والیاقوت والدر المنظوم فی الإکلیل تحت التاج, قال: وألبس سبعین حلة حریر بألوان مختلفة وضروب مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والیاقوت الأحمر فذلک قوله عز وجل: " یحلون فیها من أساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فیها حریر " فإذا جلس المؤمن علی سریره اهتز سریره فرحا فإذا استقر لولی الله عز وجل منازله فی الجنان استأذن علیه الملک الموکل بجنانه لیهنئه بکرامة الله عز وجل إیاه فیقول له خدام المؤمن من الوصفاء والوصائف : مکانک فإن ولی الله قد اتکأ علی أریکته وزوجته الحوراء تهیأ له فاصبر لولی الله, قال: فتخرج علیه زوجته الحوراء من خیمة لها تمشی مقبله وحولها وصائفها

ص: 115

وعلیها سبعون حلة منسوجة بالیاقوت واللؤلؤ والزبرجد وهی من مسک وعنبر وعلی رأسها تاج الکرامة وعلیها نعلان من ذهب مکللتان بالیاقوت واللؤلؤ, شراکها یاقوت أحمر, فإذا دنت من ولی الله فهم أن یقوم إلیها شوقا فتقول له: یا ولی الله لیس هذا یوم تعب ولا نصب فلا تقم أنا لک وأنت لی, قال: فیعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنیا لا یملها ولا تمله, قال, فإذا فتر بعض الفتور من غیر ملالة نظر إلی عنقها فإذا علیها قلائد من قصب من یاقوت أحمر وسطها لوح صفحته درة مکتوب فیها: أنت یا ولی الله حبیبی وأنا الحوراء حبیبتک, إلیک تناهت نفسی وإلی تناهت نفسک, ثم یبعث الله إلیه ألف ملک یهنئونه بالجنة ویزوجونه بالحوراء, قال: فینتهون إلی أول باب من جنانه فیقولون للملک الموکل بأبواب جنانه: استأذن لنا علی ولی الله فإن الله بعثنا إلیه نهنئه, فیقول لهم الملک: حتی أقول للحاجب فیعلمه بمکانکم قال: فیدخل الملک إلی الحاجب وبینه و بین الحاجب ثلاث جنان حتی ینتهی إلی أول باب فیقول للحاجب: إن علی باب العرصة ألف ملک أرسلهم رب العالمین تبارک وتعالی لیهنئوا ولی الله وقد سألونی أن آذن لهم علیه فیقول الحاجب: إنه لیعظم علیَّ أن أستأذن لاحد علی ولی الله وهو مع زوجته الحوراء, قال: وبین الحاجب وبین ولی الله جنتان, قال: فیدخل الحاجب إلی القیم فیقول له: إن علی باب العرصة ألف ملک أرسلهم رب العزة یهنئون ولی الله فاستأذن لهم فیتقدم القیم إلی الخدام فیقول لهم: إن رسل الجبار علی باب العرصة وهم ألف ملک أرسلهم الله یهنئون ولی الله فأعلموه مکانهم قال: فیعلمونه فیؤذن للملائکة

ص: 116

فیدخلون علی ولی الله وهو فی الغرفة ولها ألف باب وعلی کل باب من أبوابها ملک موکل به فإذا أذن للملائکة بالدخول علی ولی الله فتح کل ملک بابه الموکل به قال:

فیدخل القیم کل ملک من باب من أبواب الغرفة قال: فیبلغونه رسالة الجبار جل و عز وذلک قول الله تعالی :

" والملائکة یدخلون علیهم کل باب ( من أبواب الغرفة ) سلام علیکم

_ إلی آخر الآیة ((1)) .

{ ألَمْ تَرَ أنَّ اللّهَ أنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَکَهُ یَنَابِیعَ فِی الأرْضِ ثُمَّ یُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً ألْوَانُهُ ثُمَّ یَهِیجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ یَجْعَلُهُ حُطَاماً إنَّ فِی ذَلِکَ لَذِکْرَی لاُِوْلِی الألْبَابِ }21 _سورة الزمر.

تحول الزرع من حال الی حال یبین العظمة الالهیة ونظمها وترتیبها فتری الزرع أخضر اللون بدیع المنظر ثم یصفر ثم یجعله حطاما .فحینما کان أخضر اللون کان فی ریعان حیاته ینتج الثمر عبر عمل المادة الخضراء مع الماء و ضوء الشمس .

وفی الخریف یتوقف الانتاج فتتحول الاوراق الی اللون الاصفر تمهیدا لموتها فتتحول الی فتات کالرماد لتهیأة الارضیة لزراعة الربیع .

ص: 117

وعندها تتحول الی سماد طبیعی عالی الجودة للنباتات الجدیدة وهذا فضل من الله عظیم .

هذه الدورة الفیزیائیة تجری علی النباتات والاعشاب فی کل سنة مما یبین العظمة الالهیة فی الارض .

ثُمَّ یَهِیجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً: معناه یجف ویضطرب، فالهیجان شدة الاضطراب بالانقلاب عن حال الاستقامة والصلاح, هاج یهیج هیجا وهیاجا وهاج البعیر هیجا.

{ أفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَی نُور مِنْ رَبِّهِ فَوَیْلٌ لِلْقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِکْرِ اللّهِ اُوْلَئِکَ فِی ضَلال مُبِین }22 _سورة الزمر.

: نزلت فی علی علیها السلام وحمزة ((1)) .

الواحدی: روی الواحدی فی (أسباب النزول) فی قوله تعالی:

(أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو علی نور من ربه) الآیة.

قال: نزلت فی علی علیه السلام وحمزة.

أسنی المطالب : (فویل للقاسیة قلوبهم) . قال: نزلت فی أبی لهب

واولاده((2)) .

ص: 118

وأخرجه أیضاً إبراهیم الوصالی فی اسنی المطالب((1)) .

وقال الشاعر حسّان: وقلبک ممتحن ((2)) أمیر المؤمنین : « إنّه امتحن الله قلبه بالإیمان » ((3)) .

قوله : « ألست أخاه فی الهدی ووصیه » أوعز به إلی حدیثی الإخاء والوصیة وهما من الشهرة والتواتر بمکان عظیم یجدهما الباحث فی جلّ مسانید الحفّاظ والأعلام .

قوله : « وأعلم فهر بالکتاب وبالسنن » . أراد به ما ورد فی علم علی أمیر المؤمنین بالکتاب والسنّة .

وأخرج الحفّاظ عن النبی صلی الله علیه و آله فی حدیث فاطمة سلام الله علیها :

« زوّجتک خیر أهلی أعلمهم علماً , وأفضلهم حلماً , وأوّلهم إسلاماً » ((4)) .

ص: 119

وفی حدیث آخر : قال النبی صلی الله علیه و آله :« أعلم أُمتی من بعدی علی بن أبی طالب علیه السلام » ((1)) .

وفی ثالث : قال النبی صلی الله علیه و آله : « أعلم الناس بالله وبالناس »((2)) .

کنز العمال: 32980 قال النبی صلی الله علیه و آله : علی بن أبی طالب أعلم الناس بالله والناس حبا وتعظیما لأهل لا إله إلا الله . ( أبو نعیم _ عن علی ) ((3)) .

کنز العمال: 32981 قال النبی صلی الله علیه و آله : علی باب علمی ومبین لامتی ما أرسلت به من بعدی, حبه إیمان وبغضه نفاق والنظر إلیه رأفة . ( الدیلمی _ عن أبی ذر ) ((4)) .

کنز العمال: 32982 قال النبی صلی الله علیه و آله : قسمت الحکمة عشرة أجزاء فأعطی علی تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا, وعلی أعلم بالواحد منهم

_ عن أبی مسعود ) ((5)) .

کنز العمال: 32983 قال النبی صلی الله علیه و آله : یا علی ! أنت تبین لامتی ما اختلفوا

ص: 120

فیه من بعدی ((1)).

وفی حدیث قال النبی صلی الله علیه و آله : « یاعلی لک سبع خصال وعدّ منها:

وأعلمهم بالقضیة » ((2)) .

وقال نجاح الطائی:

هذه منزلة أمیر المؤمنین علی علیه السلام فی الکتاب والسنة لکن المنافقین ترکوه وولوا الجهلة الاعراب علی الامة والی یومنا هذا یسیرون علی هذه النظریة فی البلدان الاسلامیة .

وقال تعالی: {وَمَا یَعْلَمُ تَأوِیلَهُ إلا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِی العِلْمِ }((3))

ص: 121

وقال النبی محمد صلی الله علیه و آله عن اهل البیت: «أولوا العلم والراسخون فی العلم , ومدینة العلم والعلماء ((1)) .

وقال الصادق علیه السلام : نحن الراسخون فی العلم نعلم تأویله ((2)) .

وقال ابو بکر: لولا علی لهلک ابو بکر ((3)).

ص: 122

وقال عمر: کاد یهلک ابن الخطاب لولا علی بن أبی طالب . وقال عمر : لولا علی لهلک عمر ((1)) .

وقال عمر: عجزت النساء أن یلدن مثل علی بن أبی طالب ((2)) .

وقال عمر: اللهم لا تبقنی لمعضلة لیس لها ابن أبی طالب((3)) .

وقال عمر: لولا علی لضلَّ عمر((4)) .

وقال عثمان: لولا علی لهلک عثمان ((5)).

{ فَهُوَ عَلَی نُور مِنْ رَبِّهِ فَوَیْلٌ لِلْقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِکْرِ اللّهِ اُوْلَئِکَ فِی ضَلال مُبِین } 22 _سورة الزمر.

{ اللّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِیثِ کِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِیَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلَی ذِکْرِ اللّهِ ذَلِکَ هُدَی اللّهِ یَهْدِی بِهِ مَنْ یَشَاءُ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد } 23 _سورة الزمر.

ص: 123

الکلینی: عن الأئمة المعصومین: «نحن المثانی التی أعطاها الله نبیه ((1)) .

وقد یفسّر المثانی فی الروایات بسورة الحمد وبالأئمّة المعصومین وبالسور الطوال السبع: فانّها من مصادیق المثانی .

وقال تعالی: (وَلَقَدْ آتَیْنَاکَ سَبْعاً مِنَ المَثَانِیَ وَالقُرْآنَ العَظِیمَ) _ سورة الحجر / 87 .

وقیل المثانی: أی تکرّرت فیه الآیات والقصص والمواعظ .

والواضح أن هذا القرآن من الله عز وجل إذ لو کان من عند غیره لم یسلم من کثرة الاختلاف .

قیل: هی جمع مثنی کمعنی ومعانی, وقال الفراء: جمع مثناة, وهی أیضاً سبع سور: سورة یونس, وهود ویوسف والرعد وإبراهیم والحجر والنحل وإنما سمیت مثانی لأنها تثنت الطول, أی تلتها فکان الطول المبادی, والمثانی لها ثوانی, وقیل المثانی: سور القرآن طوالها وقصارها من قوله تعالی: ( کتاباً متشابها مثانی ) ووجه التسمیة أنها یثنی فیه الحدود والأمثال ((2)) . وقیل هی سورة الحمد, وهو المروی عن الأئمّة ( علیهم السلام ) سمیت بذلک لأنها تثنی فی کلّ صلاة وکلّ سورة تکون مائة آیة أو فویق

ص: 124

ذلک أو دوینه, وهی أیضاً سبع سور بنی إسرائیل والکهف ومریم وطه والأنبیاء والحج والمؤمنون . وقیل: المئون ما ولی السبع الطول والمثانی بعدها, وهی التی یقصر من المئین وتزید عن المفصل سمیت مثانی لأن المئین مبادئها وهی مثانیها, والمفصل ما بعد الحوامیم إلی آخر القرآن, وهو ثمان وستّون سورة طواله من سور محمّد صلی الله علیه و آله إلی النبأ, ومتوسطاته منه إلی الضحی, وقصاره منه إلی آخر القرآن وسمی مفصلاً لکثرة الفصول ببسم الله الرحمن الرحیم ((1)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : إن أحسن الحدیث کتاب الله, وخیر الهدی هدی محمد صلی الله علیه و آله , وشر الأمور محدثاتها ((2)) .

وقال الإمام علی علیه السلام : إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذکر کتاب الله جل وعز ((3)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : أصدق القول وأبلغ الموعظة وأحسن القصص کتاب الله ((4)) .

ص: 125

و أحسن الحدیث کتاب الله المجید الذی فیه هدی للناس ونقلهم من الظلمات الی النور .وقد ترک النبی الثقلین للانسانیة قائلا:

إنّی تارک فیکم الثقلین, کتاب الله وعترتی أهل بیتی ((1)) .

ص: 126

{ أفَمَنْ یَتَّقِی بِوَجْهِهِ سُوءَ العَذَابِ یَوْمَ القِیَامَةِ وَقِیلَ لِلظَّالِمِینَ ذُوقُوا مَا کُنْتُمْ تَکْسِبُونَ24 } _سورة الزمر:

معنی الکلام: أفمن یتقی بوجهه سوء العذاب یوم القیامة خیر, أم من ینعم فی الجنان ؟ تقدیره أفحال من یدفع عذاب الله بوجهه یوم القیامة, کحال من یأتی آمنا لا تمسه النار ؟

وإنما قال ( بوجهه ) لأن الوجه أعز أعضاء الانسان وقیل: معناه أمن یلقی فی النار منکوسا . فأول عضو منه مسته النار وجهه, عن عطاء .

: أنّ الإنسان إذا لقی مخوفا من المخاوف استقبله بیده, وطلب أن یقی بها وجهه, لأنّه أعزّ أعضائه علیه .

والَّذی یلقی فی النّار یلقی مغلولة یداه إلی عنقه, فلا یتهیّأ له أن یتّقی النار إلَّا بوجهه الَّذی کان یتّقی المخاوف بغیره, وقایة له ومحاماة علیه . وقیل: المراد بالوجه الجملة, تسمیة للشیء بأشرف أجزائه .

یلقی علی وجهه أو یجر علی وجهه, وقیل: الکافر مغلول الیدین فصار یتقی بوجهه ما کان یتقیه بیدیه سابقا, وقوله تعالی: ( وجهة هو مولیها ) ((1)) أی مستقبلها یولی إلیها وجهه .

جماعتان متعارضتان یوم القیامة جماعة تتصدی للنار بوجهها وأیادیها مقیدة لا تقوی علی صد العذاب الموجه الیها .

ص: 127

وجماعة تتلقی الجنان بوجهها البشر المسرور بیوم السعادة .

{ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأتَاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَیْثُ لا یَشْعُرُونَ25 فَأذَاقَهُمُ اللّهُ الخِزْیَ فِی الحَیَاةِ الدُّنْیَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أکْبَرُ لَوْ کَانُوا یَعْلَمُونَ } 26 _سورة الزمر.

العذاب الربانی یأتی من وجوه وطرق متنوعة ومختلفة وأسوأ العذاب ما یجتمع فی الدنیا والاخرة مثلما اجتمع فی فرعون وأبی لهب ویزید بن معاویة .

عن جابر الجعفی . قال جابر: لما أفضت الخلافة إلی بنی أمیة سفکوا فی أیامهم الدم الحرام ولعنوا أمیر المؤمنین علیه السلام علی منابرهم [ ألف شهر, واغتالوا شیعته فی البلدان وقتلوهم واستأصلوا شأفتهم, ومالاهم علی ذلک علماء السوء رغبة فی حطام الدنیا, وصارت محنتهم علی الشیعة لعن أمیر المؤمنین علیه السلام ] ومن لم یلعنه قتلوه .

فلما فشا ذلک فی الشیعة وکثر وطال اشتکت الشیعة إلی زین العابدین علیه السلام , وقالوا: یا بن رسول الله أجلونا عن البلدان, وأفتونا بالقتل الذریع, وقد أعلنوا لعن أمیر المؤمنین علیه السلام فی البلدان وفی مسجد الرسول علی منبره, ولا ینکر علیهم منکر, ولا یغیر علیهم مغیر, فان أنکر واحد منا علی لاعنه, قالوا: هذا ترابی ورفع ذلک إلی سلطانهم وکتب إلیه أن هذا ذکر أبا تراب بخیر, فیحبسونه ویضربونه ویقتلونه .

فلما سمع علیه السلام ذلک نظر إلی السماء, فقال: سبحانک ما أحلمک وأعظم شأنک ! إنک أمهلت عبادک حتی ظنوا أنک أهملتهم [ وهذا کله بعینک, إذ

ص: 128

لا یغلب قضاؤک, ولا یزد تدبیر محتوم أمرک, فهو کیف شئت, وأنی شئت لما أنت أعلم به منا ] ثم دعا ابنه أبا جعفر محمد علیه السلام فقال :

یا محمد, إذا کان غدا, فاغد إلی المسجد [ وخذ الخیط الذی نزل به جبرئیل علی رسول الله صلی الله علیه و آله ] فحرکه تحریکا لینا, ولا تحرکه شدیدا فیهلک [ الناس جمیعا ] .

قال جابر: فبقیت ( والله) متعجبا من قوله, لا أدری ما أقول ! وکنت فی کل یوم أغدو إلی أبی جعفر علیه السلام إلا ذلک الیوم, وقد طال علی لیلی حرصا لأنظر ما یکون من أمر الخیط وتحریکه .

فبینا أنا بالباب إذ خرج علیه السلام فسلمت [ علیه ] فرد السلام, وقال: ما غدا بک یا جابر فی هذا الوقت ؟

فقلت له: لقول الإمام علیه السلام لک بالأمس: خذ الخیط الذی أتی به جبرئیل علیه السلام وصر إلی مسجد جدک صلی الله علیه و آله وحرکه تحریکا لینا, ولا تحرکه تحریکا شدیدا فیهلک الناس جمیعا .

قال الباقر علیه السلام : والله لولا الوقت المعلوم, والأجل المحتوم, والقدر المقدور لخسفت بهذا الخلق المنکوس فی طرفة عین, بل فی لحظة . ولکنا عباد مکرمون " لا یسبقونه بالقول وهم یأمره یعملون " . قال جابر: قلت: سیدی ولم تفعل بهم هذا ؟

قال: أما حضرت بالأمس والشیعة تشکو إلی أبی ما یلقون من الملاعین, أمرنی أن أرعبهم لعلهم ینتهون .

فقلت: کیف ترعبهم وهم أکثر من أن یحصوا ؟

ص: 129

فقال الباقر علیه السلام : إمض بنا إلی مسجد جدی صلی الله علیه و آله لأریک قدرة من قدرة الله تعالی التی خصنا بها وما من به علینا من دون الناس . قال جابر: فمضیت معه إلی المسجد فصلی فیه رکعتین, ثم وضع خده علی التراب وتکلم بکلام, ثم رفع رأسه وأخرج من کمه خیطا دقیقا, فاحت منه رائحة المسک [ فکان فی المنظر أدق من سم الخیاط ] .

ثم قال لی: یا جابر خذ إلیک طرف الخیط وامض رویدا [ وإیاک أن تحرکه . قال فأخذت طرف الخیط ومشیت رویدا ] فقال علیه السلام : قف یا جابر . فوقفت . ثم حرک الخیط تحریکا خفیفا ما ظننت أنه حرکه [ من

لبنه ] . ثم قال علیه السلام : ناولنی طرف الخیط . فناولته . فقلت: ما فعلت یا سیدی ؟ فقال: ویحک, اخرج فانظر إلی حال الناس .

قال جابر: فخرجت من المسجد فإذا الناس فی صیاح من کل جانب, فإذا المدینة [ قد ] زلزلت زلزلة شدیدة, وأخذتهم الرجفة وقد خربت أکثر دور المدینة وهلک منها أکثر من ثلاثین ألفا رجالا ونساءا [ دون الولدان وإذا الناس فی صیاح وبکاء وعویل وهم یقولون: إنا لله وإنا إلیه راجعون, خربت دار فلان وخرب أهلها ] .

ورأیت الناس فزعین فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وهم یقولون: [ کانت هدمة عظیمة وبعضهم یقول: قد کانت زلزلة, وبعضهم یقول: ] کیف لا یخسف الله وقد ترکنا الامر بالمعروف والنهی عن المنکر, وظهر فینا الفسق والفجور وظلم آل الرسول والله لیتزلزل [ بنا ]

أشد من هذا وأعظم [ أو نصلح من أنفسنا ما أفسدنا ] .

ص: 130

قال جابر: فبقیت متحیرا أنظر إلی الناس حیاری وهم یبکون, فأبکانی بکاؤهم وهم لا یدرون من أین اتوا, فانصرفت إلی الباقر علیه السلام وقد حف به الناس فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وهم یقولون: یا ابن رسول الله أما تری ما نزل بنا فادع الله لنا .

فقال لهم: افزعوا إلی الصلاة والدعاء والصدقة .

ثم أخذ علیه السلام بیدی وسار بی, فقال: ما حال الناس ؟ فقلت: لا تسأل یا بن رسول الله, خربت الدور والمساکن وهلک الناس [ ورأیتهم بحال ] رحمتهم .

فقال: لا رحمهم الله, أما إنه قد بقیت علیک بقیة, فلولا ذلک لم نرحم أعداءنا وأعداء أولیائنا ثم قال: سحقا سحقا, بعدا بعدا للقوم الظالمین, والله لولا مخالفة والدی لزدت فی التحریک وأهلکتهم أجمعین, وجعلت أعلاها أسلفها حتی لا یبقی فیها دار ولا جدار, ولکنی أمرنی مولای أن أحرک تحریکا ساکنا .

ثم صعد علیه السلام المنارة وأنا أراه والناس لا یرونه, فمد یده وأدارها حول المنارة فتزلزلت المدینة زلزلة خفیفة وتهدمت الدور .

ثم تلا علیه السلام : " ذلک جزیناهم ببغیهم " " فلما جاء أمرنا جعلنا علیها سافلها " . وتلا: " فخر علیهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حیث لا یشعرون

قال جابر: فخرجت العواتق من خدورهن فی الزلزلة الثانیة یبکین ویتضرعن منکشفات, لا یلتفت إلیهن أحد, فلما نظر الباقر علیه السلام إلیهن, رق لهن

ص: 131

ووضع الخیط فی کمه, فسکنت الزلزلة . [ ثم نزل عن المنارة, والناس لا یرونه ] .

ثم أخذ بیدی [ و ] خرجنا من المسجد, فمررنا بحداد قد اجتمع الناس بباب حانوته یقولون: أما سمعتم الهمهمة فی الهدم ؟ ! وقال بعضهم: بل کانت همهمة کثیرة وقال قوم آخرون: بلی والله کلام کثیر إلا أنا لم نقف علی الکلام .

قال جابر: فنظر إلی الباقر علیه السلام وتبسم, وقال: یا جابر هذا [ لما] طغوا وبغوا .

فقلت: یا بن رسول الله صلی الله علیه و آله ما هذا الخیط [ الذی فیه العجب ] ؟ قال: " بقیة مما ترک آل موسی وآل هارون تحمله الملائکة " [ وینصبه جبرئیل علیه السلام ویحک یا جابر ] إنا من الله بمکان ومنزلة رفیعة ! فلولا نحن ما خلق الله تعالی سماءا ولا أرضا, ولا جنة ولا نارا, ولا شمسا ولا قمرا, ولا جنیا ولا إنسیا .

یا جابر, إنا أهل البیت لا یقاس بنا أحد, من قاس بنا أحدا من البشر فقد کفر . یا جابر, بنا الله أنقذکم, وبنا هداکم, ونحن والله دللناکم علی ربکم, فقفوا عند أمرنا ونهینا ولا تردوا علی ما أوردناه علیکم, فانا بنعم الله أجل وأعظم من أن یرد علینا, وجمیع ما یرد علیکم منا, فما فهتموه فاحمدوا الله تعالی [ علیه ] وما جهلتموه فأوکلوه إلینا, قولوا: أئمتنا أعلم بما قالوا .

یا جابر, ما ظنکم بقوم أماتوا سنتنا, ونقضوا عهدنا, ونکثوا بیعتنا, ووالوا أعداءنا, وعادوا أولیاءنا, وانتهکوا حرمنا, وظلمونا حقنا, وغصبوا إرثنا

ص: 132

وأعانوا الضالمین علینا, وأحیوا سنتهم, وساروا بسیرة الفاسقین والکافرین فی فساد الدین وإطفاء نور الله .

قال جابر: الحمد لله الذی منَّ علیَّ بمعرفتکم, وعرفنی فضلکم, وألهمنی طاعتکم, ووفقنی لموالاة أولیائکم ومعاداة أعدائکم .

ثم استقبله أمیر المدینة المقیم بها من قبل بنی أمیة و [ هو ] یقول: أحضروا ابن رسول الله علی بن الحسین علیه السلام وتقربوا به إلی الله عز وجل . فسارعوا نحوه.

وقالوا: یا بن رسول الله أما تری ما نزل بأمة جدک محمد صلی الله علیه و آله ؟ ! فقال علیه السلام : علیکم بالتوبة والإنابة ((1)) .

{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِی هَذَا القُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَل لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ } 27 _سورة الزمر :

من کل معنی کالمثل فی غرابته ووقوعه موقعا فی الأنفس فأبی أکثر الناس إلا کفورا إلا جحودا .

وقال تعالی :{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَیْنَهُمْ لِیَذَّکَّرُوا فَأبَی أکْثَرُ النَّاسِ إلا کُفُوراً 50_الفرقان}.

ص: 133

وعن أبی جعفر علیه السلام قال : نزل جبرئیل بهذه الآیة {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِی هَذَا القُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَل فَأبَی أکْثَرُ النَّاسِ إلا کُفُوراً 89_الاسراء }هکذا: " فأبی أکثر الناس ( بولایة علی ) إلا کفورا " .

قال: ونزل جبرئیل علیه السلام بهذه الآیة هکذا: {وَقُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ (فی ولایة علی) فَمَنْ شَاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْیَکْفُرْ_الکهف 29 }. إنا اعتدنا للظالمین ( آل محمد ) نارا ((1)) .

وقال علی بن إبراهیم قال أبو عبد الله علیه السلام : نزلت هذه الآیة هکذا ( قل الحق من ربکم ) یعنی ولایة علی علیه السلام ( فمن شاء فلیؤمن ومن شاء فلیکفر إنّا اعتدنا للظالمین( آل محمّد) صلی الله علیه و آله ( ناراً أحاط بهم سُرادقُها وإن یستغیثوا یُغاثوا بماء کالمهل ) قال :

المهل: الذی یبقی فی أصل الزیت المغلی ( یشوی الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً ) ثم ذکر ما أعد الله للمؤمنین فقال ( إن الذین آمنوا وعملوا الصالحات ...إلی قوله .. وحسنت مُرتفقاً ) ((2)) .

وجاء: فی الکافی والعیاشی عن الباقر علیه السلام نزل جبرئیل بهذه الآیة هکذا:

ص: 134

فأبی أکثر الناس بولایة علی علیه السلام إلا کفورا ((1)).

{ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ } : یتعظون به ویتدبرون .

وقال نجاح الطائی: لقد حضر بیعة الغدیر مائة وعشرون ألف صحابی مسلم لکنهم تغافلوا وانحرفوا عن بیعتهم للامام علی علیه السلام خلیفة للمسلمین , طمعا فی الدنیا الفانیة وخوفا من سوط الحکومة الغاصبة عاصین النصوص القرآنیة والحدیثیة .

قال تعالی: وَأکْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ کَارِهُونَ70_سورة المؤمنون .

مِنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأکْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ 110_آل عمران .

وَتَأبَی قُلُوبُهُمْ وَأکْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ8 _التوبة

یَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمَّ یُنکِرُونَهَا وَأکْثَرُهُمُ الکَافِرُونَ83_النحل .

{ قُرآناً عَرَبِیّاً غَیْرَ ذِی عِوَج لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ }28_سورة الزمر.

{ قُرآناً عَرَبِیّاً غَیْرَ ذِی عِوَج: «لا اختلال فیه بوجه ما { لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ } 28 _سورة الزمر.

وصف سبحانه القرآن بالعربیة والفصاحة والبیان, وقال: ( ولقد نعلم أنهم یقولون إنما یعلمه بشر لسان الذی یلحدون إلیه أعجمی وهذا لسان عربی مبین ) ((2)) .

ص: 135

وقال تعالی: ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه لیبین لهم ) ((1)). وقال تعالی : ( إنا جعلناه قرآنا عربیا لعلکم تعقلون ) ((2)) .

وصف الله تعالی القرآن المجید بالبیان و بالفصاحة, ، وأنه عربی فصیح .وقال تعالی : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنسُ وَالجِنُّ عَلَی أنْ یَأتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لا یَأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ کَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِیراً} 88*_الاسراء.

ونفی الله جل ثناؤه عن القرآن کل لسان غیر لسان العرب فی آیتین من کتابه فقال تبارک وتعالی: ( ولقد نعلم أنهم یقولون إنما یعلمه بشر لسان الذی یلحدون إلیه أعجمی وهذا لسان عربی مبین ((3)) .

وقال:{ ولو جعلناه أعجمیا لقالوا لولا فصلت آیاته أأعجمی وعربی } ((4)) .

و قال نجاح الطائی: جعل الله تعالی کتابه المجید کاملا فی کل شیء من الناحیة البلاغیة والعلمیة والاجتماعیة وقصص الماضین لعلهم یتَّقون .

وشاهد علماء القرن الواحد والعشرین أن القرآن یتوافق مع العلوم التی توصل الیها حدیثا , ولا یعقل أن یعرف النبی محمد صلی الله علیه و آله هذه العلوم الحدیثة لولا المساعدة الالهیة .

ص: 136

وجعل تعالی الثقل الثانی بعد القرآن أهل البیت وجعل فیهم کل عناصر الخیر والمحبة والحضارة والعلم والاخلاق .

{ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلا رَجُلا فِیهِ شُرَکَاءُ مُتَشَاکِسُونَ وَرَجُلا سَلَماً لِرَجُل هَلْ یَسْتَوِیَانِ مَثَلا الحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ} 29_سورة الزمر.

ضَرَبَ اللّهُ مَثَلا «للمشرک والموحد » رَجُلا فِیهِ شُرَکَاءُ مُتَشَاکِسُونَ «متنازعون مختلفون » وَرَجُلا سَلَماً لِرَجُل «خالصاً لواحد لیس لغیره علیه سبیل .

نزلت فی أبی بکر وأصحابه وأمیر المؤمنین وشیعته فانَّ أمیر المؤمنین کان سلماً لرسول الله صلی الله علیه و آله . وأبو بکر کان یجمع المتفرقون ولایته , وهم فی ذلک یلعن بعضهم بعضاً , ویبرأ بعضهم من بعض ((1)) .

عن أبی جعفر علیه السلام قال : (ضرب الله مثلا رجلا فیه شرکاء متشاکسون ورجلا سلما لرجل هل یستویان مثلا ) قال : أما الذی فیه شرکاء متشاکسون فلان الأول یجمع المتفرقون ولایته وهم فی ذلک یلعن بعضهم بعضا, و یبرأ بعضهم من بعض, فأما رجل سلم لرجل فإنه الأول حقا وشیعته ((2)) .

ص: 137

: الوجه فی ذلک: أنَّ شیعة أمیر المؤمنین کانوا أهل نص من الله ورسوله , ولا اختلاف فیه , ولذلک اعتقدوه مفترض الطاعة .

الفیض الکاشانی: وابو بکر لم یکن سلماً لله ورسوله لا فی أمر الامارة ولا فیما یبتنی علیه من الاحکام , وکان أصحابه أصحاب أراء , وهی مما یجری فیه الاختلاف ((1)) .

الایة نزلت فی علی وشیعته ((2)) المؤمنین وشرکائه الذین ظلموه وغصبوه حقَّه ((3)) .

وقال الباقر علیه السلام : نزلت فی الاول وشیعته إنَّ الیهود تفرقوا من بعد موسی علی إحدی وسبعین فرقة منها فرقة فی الجنة وسبعون فی النار , وتفرقت النصاری بعد عیسی علیه السلام علی اثنتین وسبعین فرقة , فرقة منها فی الجنة واحدی وسبعون فی النار , وتفرقت هذه الأمة بعد نبیها علی ثلاث وسبعین فرقة اثنتان وسبعون فرقة فی النار وفرقة فی الجنة , ومن الثلاث وسبعین

ص: 138

ثلاث عشرة تنتحل ولایتنا ومودتنا اثنتا عشرة فرقة منها فی النار , وفرقة فی الجنة , وستون فرقة من سائر الناس فی النار ((1)) .

وقال الباقر علیه السلام أیضاً: عن أمیر المؤمنین فی خطبة ذکر فیها أسماء له من القرآن: وأنا السلم لرسول الله صلی الله علیه و آله یقول الله عز وجل: (وَرَجُلا سَلَماً لِرَجُل) ((2)) هَلْ یَسْتَوِیَانِ مَثَلا «صفة وحالا » الحَمْدُ لِلّهِ «لا یشارکه فی الحمد سواه » بَلْ أکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ29 .

{ إنَّکَ مَیِّتٌ وَإنَّهُمْ مَیِّتُونَ 30 ثُمَّ إنَّکُمْ یَوْمَ القِیَامَةِ عِنْدَ رَبِّکُمْ تَخْتَصِمُونَ } 31 _سورة الزمر.

: روی الثعلبی فی تفسیره عند قوله تعالی:

(ثم إنکم یوم القیامة عند ربکم تختصمون) .

قال: روی خلف بن خلیفة عن أبی هاشم, عن أبی سعید الخدری قال:

کنا نقول ربنا واحد, ونبینا واحد, ودیننا واحد فما هذه الخصومة, فلما کان یوم صفین, وشد بعضنا علی بعض بالسیوف قلنا نعم هو هذا((3)) .

ص: 139

عن أبی المغرا قال حدثنی یعقوب الأحمر قال دخلنا علی الامام ابی عبد الله

نعزیه بإسماعیل فترحم علیه ثم قال إن الله عز وجل نعی إلی نبیه صلی الله علیه و آله نفسه فقال إنک میت وأنهم میتون وقال کل نفس ذائقة الموت ثم إن شاء یحدث فقال إنه یموت أهل الأرض حتی لا یبقی أحد ثم یموت أهل السماء حتی لا یبقی أحد إلا ملک الموت وحملة العرش وجبرئیل ومیکائیل قال فیجئ ملک الموت علیه السلام حتی یقوم بین یدی الله عز وجل فیقال له من بقی وهو أعلم فیقول یا رب لم یبق إلا ملک الموت وحملة العرش وجبرئیل ومیکائیل فیقال له قل لجبرئیل ومیکائیل فلیموتا فیقول الملائکة عند ذلک یا رب رسولیک وأمینیک فیقول إنی قضیت علی کل نفس فیها الروح الموت ثم یجئ ملک الموت حتی یقف بین یدی الله عز وجل فیقال له من بقی وهو أعلم فیقول لم یبق إلا ملک الموت وحملة العرش فیقول قل لحملة العرش فلیموتوا قال ثم یجئ کئیبا حزینا لا یرفع طرفه فیقال له من بقی فیقول یا رب لم یبق إلا ملک الموت فیقال له مت یا ملک الموت فیموت ثم یأخذ الأرض بیمینه والسماوات بیمینه ویقول أین الذین کانوا یدعون معی شریکا أین الذین کانوا یجعلون معی إلها آخر ((1)) .

ص: 140

وبالسند السابق عن الأهوازی عن علی بن الحکم عن أبی أیوب الخزاز عن الحذاء قال قلت لأبی جعفر علیه السلام حدثنی بما انتفع به فقال یا أبا عبیدة أکثر ذکر الموت فإنه لم یکثر إنسان ذکر الموت إلا زهد فی الدنیا ((1)) .

محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن معاویة بن وهب عن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال أیما مؤمن عاد مؤمنا حین یصبح شیعه سبعون ألف ملک فإذا قعد غمرته ملائکة الرحمة واستغفروا له حتی یمسی وإن عاده مساء کان له مثل ذلک حتی یصبح ((2)) .

وقال نجاح الطائی: لقد حصل الاختلاف فی أهل البیت فقد نصت النصوص الالهیة علی خلافة الائمة الاثنی عشر وعیَّن النبی صلی الله علیه و آله علیا علیه السلام خلیفة فی الغدیر وبایعه المسلمون الحاضرون جمیعا .

لکن جماعة خالفت التعیین الالهی للائمة الاثنی عشر وعینوا ابا بکر خلیفة ثم عمر ثم عثمان ثم معاویة ثم یزید ثم مروان بن الحکم ثم عبد الملک بن مروان ثم أولاده .

فخالف هؤلاء النص الالهی والنبوی وحصلت الخصومة فوقعت معرکة الجمل ثم صفین ثم النهروان .

ص: 141

واستمر هذا الاختلاف الی یومنا هذا وستکون المعرکة الفاصلة بین جیش الامام المهدی علیه السلام ومعه النبی عیسی علیه السلام وبین جیش السفیانی ومعه الیهود , وسیکون النصر حلیف المهدی علیه السلام .

{فمن أظْلَمُ مِمَّنْ کَذَبَ عَلَی اللّهِ وَکَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ ألَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْویً لِلْکَافِرِینَ } 32 _سورة الزمر.

{ فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ کَذَبَ عَلَی اللّهِ وَکَذَّبَ بِالصِّدْقِ : ولایة أهل البیت { إذْ جَاءَهُ ألَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْویً لِلْکَافِرِینَ } 32 _سورة الزمر.

قال المفسر القمی: یعنی أمیر المؤمنین ومن غصبه حقه ثم ذکر أیضاً أعداء آل محمد ومن کذب علی الله وعلی رسوله , وادعی ما لم یکن فقال: { فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ کَذَبَ عَلَی اللّهِ وَکَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ } ((1)) _سورة الزمر32. نزلت فی ذمّ ردّ ما قاله النبی صلی الله علیه و آله فی علی علیه السلام ((2)) .

وروی العلامة السید هاشم البحرانی فی کتاب صغیر له قال عنه (هذه نبذة فی مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام نقلتها من کتب أهل السنة) , قال: فی مناقب أحمد بن موسی بن مردویه, فی قوله تعالی:

(فمن أظلم ممن کذب علی الله, وکذب بالصدق إذ جاءه) عن أمیر المؤمنین, قال: الصدق ولایتنا أهل البیت.

ص: 142

ثم قال العلامة البحرانی: (أقول: قد فسر بعضهم (یعنی: بعض العامة) .

المکذب بالصدق بمن رد قول الرسول صلی الله علیه و آله فی شأن علی علیه السلام ((1)) .

{ وَالَّذِی جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ اُوْلَئِکَ هُمُ المُتَّقُونَ}33 _سورة الزمر.

َعلماء السنة: قال ابن المغازلی الشافعی والحبری وأبو نعیم فی المناقب فی قوله تعالی: (وَالَّذِی جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ) . قال جاء به محمد صلی الله علیه و آله وصدقه علی بن أبی طالب علیه السلام ((2)) .

الذی جاء بالصدق رسول الله صلی الله علیه و آله وصدَّق به علی علیه السلام ((3)) .

الإمام الصادق علیه السلام : الصادقون هم محمد وآل بیته کما جاء فی

ص: 143

الروایات الصحیحة ((1)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام : الولایة لنا والبراءة من أعدائنا ،وتکون مع الصادقین ((2)) .

وروی الجمهور أنها نزلت فی علی ((3)) .

الثعلبی: { وَکُونُوا مَعَ الصادقین } مع آل محمد((4)) .

ابن عساکر: وأخرج ابن عساکر الشافعی عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله

ص: 144

تعالی: { وکونوا مع الصادقین } . قال: مع علی بن ابی طالب((1)) .

ص: 145

أقول: کیف یترک العاقل الصادقین ویتابع الملوک المخالفین لهم اللاهثین خلف الدنیا .

السیوطی: روی جلال الدین السیوطی الفقیه الشافعی قال: أخرج ابن مردویه عن أبی هریرة فی قول الله تعالی: (والذی جاء بالصدق) قال أبو هریرة: هو رسول الله صلی الله علیه و آله . (وصدق به) قال: هو علی بن أبی طالب علیه السلام ((1)) .

الکنجی الشافعی: وأخرجه العدید من الحفاظ والأثبات منهم عالم الشافعیة الکنجی القرشی فی کفایة الطالب((2)) .

ابن المغازلی الشافعی: ومنهم الحافظ الشافعی أبو الحسن بن المغازلی فی مناقبه((3)) .

القرطبی: ومنهم المفسر محمد بن أحمد بن أبی بکر القرطبی فی تفسیره((4))

ص: 146

أبو حیان الاندلسی: ومنهم العلامة الاندلسی أبو حیان فی تفسیره البحر

المحیط((1)) .

ومنهم علامة الهند عبید الله بسمل الامرتسری الحنفی فی ارجح المطالب (باسانیده) عن أبی هریرة ومجاهد((2)) .

الفرق بین أهل البیت وبین المنافسین لهم فی السیاسة انهم صادقون بنصوص القرآن الکریم مثل الایات التی ذکرناها هنا:

:{ وَالَّذِی جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ اُوْلَئِکَ هُمُ المُتَّقُونَ}33 _سورة الزمر.

:الثعلبی: { وَکُونُوا مَعَ الصادقین } مع آل محمد((3)) .

:{وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْق عَلِیّاً }50 _سورة مریم .

قال عبدالله بن مسعود : نزل فی حقّ الامام علی علیه السلام قوله تعالی:

{ وجعلنا لهم لسان صدق علیاً } ((4)) .

ص: 147

وروی الحافظ الحسکانی الحنفی قال : أخبرنا عبد الرحمان ابن علی بن محمد بن موسی البزاز عن علی بن أبی طالب علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لیلة عرج بی إلی السماء حملنی جبرئیل علی جناحه الأیمن فقیل لی : من استخلفته علی أهل الأرض؟ فقلت خیر أهلها لها أهلاً علی بن أبی طالب علیه السلام أخی ووصیی وصهری یعنی ابن عمی. فقیل لی : یا محمد أتحبه ؟

فقلت : نعم یا رب العالمین , فقال لی : أحبه ومر أمتک بحبه فانی أنا العلی الأعلی اشتققت له من أسمائی أسماً فسمیته علیاً , فهبط جبرئیل فقال : إن الله یقرء علیک السلام ویقول لک أقرأ قلت : وما أقرأ ؟ قال : (ووهبنا لهم من رحمتنا , وجعلنا لهم لسان صدق علیاً) ((1)) .

وان المخالفین لهم کاذبون بقول فاطمة الزهراء سیدة نساء العالمین القائلة له : یا بن ابی قحافة, أفی کتاب الله أن ترث أباک ولا أرث أبی, لقد جئت شیئاً فریّاً ((2)) .أفعلی عمد ترکتم کتاب الله ونبذتموه وراء ظهورکم ؟ اذ یقول: ( وَوَرِثَ سُلَیمانُ دَاوُدَ )((3)) .

{لَهُمْ مَا یَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِکَ جَزَاءُ المُحْسِنِینَ }34_سورة الزمر.

ص: 148

: روی الفقیه الشافعی جلال الدین السیوطی فی تفسیره الدرّ المنثور, عند قوله تعالی: (وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَکُمْ خَطَایَاکُمْ وَسَنَزِیدُ المُحْسِنِینَ)((1)): أخرج ابن أبی شیبة عن علی( علیه السلام ) أنّه قال: «إنّما مثلنا فی هذه الأمّة کسفینة نوح, وکباب حطّة»((2)).

الطبری: ونقل قریباً من ذلک الطبری فی المسترشد ضمن خطبة للامام علی( علیه السلام )((3)).

ص: 149

ونقله النعمانی أیضاً عن الموافق والمخالف((1)).

وروی الحافظ نور الدین علی بن ابی بکر الهیتمی الشافعی_ المتوفی سنة 807 هج _ فی کتابه مجمع الزوائد, عن أبی سعید الخدری, قال: سمعت النبی صلی الله علیه و آله یقول: «إنّما مثل أهل بیتی فیکم مثل باب حطّة فی بنی إسرائیل من دخله غفر له»((2)).

وقال

أبو الحسن علیه السلام : حدثنی أبی عن جدی عن آبائه عن الحسین بن علیهم السلام قال: اجتمع المهاجرون والأنصار إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقالوا: إن لک یا رسول الله صلی الله علیه و آله مؤنه فی نفقتک وفیمن یأتیک من الوفود وهذه

ص: 150

أموالنا مع دمائنا فاحکم فیها بارا مأجورا اعط ما شئت وامسک ما شئت من غیر حرج قال: فأنزل الله عز وجل علیه الروح الأمین فقال: یا محمد: ( قل لا أسألکم علیه اجرا إلا المودة فی القربی ) یعنی ان تودوا قرابتی من بعدی فخرجوا فقال المنافقون: ما حمل رسول الله صلی الله علیه و آله علی ترک ما عرضنا علیه إلا لیحثنا علی قرابته من بعد ان هو إلا شئ افتراه فی مجلسه وکان ذلک من قولهم عظیما فأنزل الله عز وجل هذه الآیة:

{ أمْ یَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إنِ افْتَرَیْتُهُ فَلا تَمْلِکُونَ لِی مِنَ اللّهِ شَیْئاً هُوَ أعْلَمُ بِمَا تُفِیضُونَ فِیهِ کَفَی بِهِ شَهِیداً بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِیمُ }8 ((1)) .

وکان الکفار والمنافقون قد افتروا علی خیر البشر صلی الله علیه و آله متهمین ایاه بالکذب علی الله تعالی فی ادعائه النبوة .

:أمْ یَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأتُوا بِسُورَة مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ38*_یونس.

:أمْ یَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْلِهِ مُفْتَرَیَات وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ 13_هود.

:أمْ یَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إنِ افْتَرَیْتُهُ فَعَلَیَّ إجْرَامِی وَأنَا بَرِیءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ 35_هود.

:أمْ یَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الحَقُّ مِنْ رَبِّکَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أتَاهُمْ مِنْ نَذِیر مِنْ قَبْلِکَ لَعَلَّهُمْ یَهْتَدُونَ3_السجدة.

ص: 151

:أمْ یَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إنِ افْتَرَیْتُهُ فَلا تَمْلِکُونَ لِی مِنَ اللّهِ شَیْئاً هُوَ أعْلَمُ بِمَا تُفِیضُونَ فِیهِ کَفَی بِهِ شَهِیداً بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِیمُ8_الاحقاف.

فبعث علیهم النبی صلی الله علیه و آله فقال: هل من حدث ؟ فقالوا: أی والله یا رسول الله لقد قال بعضنا: کلاما غلیظا کرهناه فتلا علیهم رسول الله صلی الله علیه و آله الآیة فبکوا واشتد بکاؤهم فأنزل عز وجل: ( وهو الذی یقبل التوبة عن عباده ویعفو عن السیئات ویعلم ما تفعلون ) ((1)) .

عن

زر بن حبیش, قال : قرأت القرآن من أوله إلی آخره فی المسجد الجامع بالکوفة, علی أمیر المؤمنین علیه السلام : قال فلما بلغت الحوامیم قال لی أمیر المؤمنین علیه السلام : ( قد بلغت عرائس القرآن ) فلما بلغت رأس العشرین من حمعسق { والذین آمنوا وعملوا الصالحات فی روضات الجنات لهم ما یشاؤون عند ربهم ذلک هو الفضل الکبیر } بکی أمیر المؤمنین علیه السلام حتی علا نحیبه, ثم رفع رأسه إلی السماء وقال: ( یا زر امن علی دعائی, ثم قال: اللهم إنی أسألک اخبات المخبتین, واخلاص الموقنین, ومرافقة الأبرار, واستحقاق حقائق الایمان, والغنیمة من کل بر, والسلامة من کل اثم, ووجوب رحمتک, وعزائم مغفرتک, والفوز بالجنة, والنجاة من النار, ثم

ص: 152

قال: إذا ختمت فادع بهذه, فان حبیبی رسول الله صلی الله علیه و آله أمرنی ان ادعو بهن عند ختم القرآن ) ((1)) .

وقال نجاح الطائی: إن الله تعالی یعز المحسنین الصادقین العابدین المجاهدین وأهل البیت المصداق الاکمل لهذا الوصف القرآنی .

وقد نزلت الایة فی آل بیت محمد المحسنین .

{ لِیُکَفِّرَ اللّهُ عَنْهُمْ أسْوَأ الَّذِی عَمِلُوا وَیَجْزِیَهُمْ أجْرَهُمْ بِأحْسَنِ الَّذِی کَانُوا یَعْمَلُونَ } 35 _سورة الزمر.

وقال نجاح الطائی: الله تعالی یحسن الی المهتدین أفضل احسان لیساعدهم فی نیل الجنة . وهو فضل من رب العالمین کی ینالوا الجنة . فیغفر ذنوب التائبین المتوسلین به والراجین رحمته .

ویجزی المحسنین له خیر جزاء العاملین جزاءا بما أحسنوا الی العباد وانفقوا علیهم ودافعوا عنهم وساعدوا المظلومین منهم وأطعموا المساکین وزوجوا العزاب منهم وحرروا الابریاء من مطامیر السجون .

وقد تعهد الخالق بغفران ذنوب التائبین المستغفرین قائلا:

:وَإنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَی82_طه .

:رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا العَزِیزُ الغَفَّارُ66_سورة ص.

ص: 153

:وَللّهِ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ یَغْفِرُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیُعَذِّبُ مَنْ یَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ129_آل عمران.

{ ألَیْسَ اللّهُ بِکَاف عَبْدَهُ وَیُخَوِّفُونَکَ بِالَّذِینَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ یُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد } 36 _سورة الزمر.

استفهام یراد به التقریر, یعنی به محمدا صلی الله علیه و آله یکفیه عداوة من یعادیه ویناوئه .أنّه خطاب للنبیّ ( صلی الله علیه و آله ) والمراد به أمته, کما قال: ( یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ )((1)) .

:ألم نشرح لک صدرک ) .

:أَلَمْ یَجِدْکَ یَتِیماً فَآوَی6* وَوَجَدَکَ ضَالاًّ فَهَدَی7* وَوَجَدَکَ عَائِلا فَأَغْنَی 8_الاضحی.

وروی: أنّ قریشا قالوا لرسول اللَّه صلی الله علیه و آله : إنّا نخاف أن تخبّلک آلهتنا, لعیبک إیّاها . فنزلت: ( أَلَیْسَ اللَّه بِکافٍ عَبْدَه ) استفهام إنکار للنفی مبالغة فی الإثبات .

وجاء: الایة خطاب للنبی صلی الله علیه و آله بأن الکفار یخوفونه بالأوثان التی کانوا یعبدونها _ فی قول قتادة والسدی وابن زید _ لأنهم قالوا له: أما تخاف ان تهلکک آلهتنا .

وجاء: یعنی یقولون لک یا محمد اعفنا من علی علیه السلام ویخوفونک انهم

ص: 154

یلحقون بالکفار ((1)) .

وقد قال سبحانه: ( ومن یتوکل علی الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره, قد جعل الله لکل شئ قدرا ), وقال تعالی: ( ألیس الله بکاف عبده ), وروی عن أبی الحسن موسی علیه السلام :

( التوکل علی الله درجات, منها أن تتوکل علی الله فی أمورک کلها, فما فعل بک کنت عنه راضیا, تعلم أنه لا یألوک إلا خیرا وفضلا, وتعلم أن الحکم فی ذلک له, فتوکل علی الله بتفویض ذلک إلیه, وثق به فیها وفی غیرها ), وفی حدیث لأبی عبد الله علیه السلام : ( ومن أعطی التوکل أعطی الکفایة, ثم قال: أتلوت کتاب الله عز وجل:

ومن یتوکل علی الله فهو حسبه ), وعن أبی بصیر عنه علیه السلام قال: ( لیس شئ إلا وله حد, قلت: جعلت فداک فما حد التوکل ؟قال علیه السلام : الیقین, قلت: فما حد الیقین ؟

قال علیه السلام : ان لا تخاف مع الله شیئا .

وقال نجاح الطائی: ألیس الله تعالی بکاف عبده فی کل شیء وهو خطاب الهی للامة الاسلامیة فهو القائل:

{ وَمَا مِنْ دَابَّة فِی الأرْضِ إلا عَلَی اللّهِ رِزْقُهَا وَیَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا کُلٌّ فِی کِتَاب مُبِین 6 } _سورة هود .

ص: 155

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أقْرَبُ إلَیْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِیدِ } 16_سورة ق .

وهذا بیان الهی للانسان المسلم کی لا یذل نفسه فی الدنیا أمام الطغاة والحکومات الغاشمة المذلة وأحبار الدین ولا یفعل الحرام للوصول الی رزقه فان الله تعالی کاف له .

وهو تعالی ولی حمایته من الاعداء وانتصاره علیهم مضمون بشرط أن یکون مؤمنا محسنا کما قال سبحانه : الا الذین آمنوا وعملوا الصالحات _سورة والعصر .

لکن الکثیر من المسلمین یراعون الطغاة ویرهبون جانبهم وینفذون أوامرهم المخالفة لله تعالی والمحرمة من جانبه .

فقط کتب أهل الکوفة رسائل الی الامام الحسین علیه السلام بالبیعة له وتفسیقهم لیزید ثم انقلبوا علیه وحاربوه وقتلوه .

وحدث ذلک بسبب خوفهم من سیف والی الکوفة عبید الله بن زیاد الذی قتل وسجن کل من لا یحارب الحسین علیه السلام .

{وَمَنْ یَهْدِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ألَیْسَ اللّهُ بِعَزِیز ذِی انْتِقَام37}_سورة الزمر.

وقال نجاح الطائی : الهدایة بید الله تعالی وتحت ظله وفی حصنه الحصین فهو یحمی الصالحین المتقین من مؤامرات الکفار الرامیة لادخالهم فی الکفر .

ص: 156

وهو تعالی منتقم من الظالمین فی الدنیا والاخرة والشواهد علی انتقامه

منهم فی الدنیا لا تعد ولا تحصی مثل الامم المحطمة مع مدنها والفراعنة والنماردة والاکاسرة والهراقلة والامویین والعباسیین والعثمانیین الذین قهرهم وذلهم وقتلهم وجعلهم اضحوکة للضاحکین وعبرة للمعتبرین .

والهدایة بید الله تعالی لا یغیرها أحد قال سبحانه :

:فَلَمَّا زَاغُوا أزَاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللّهُ لا یَهْدِی القَوْمَ الفَاسِقِینَ 5_الصف .

:قُلْ لِلّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ إلَی صِرَاط مُسْتَقِیم 142_البقرة

وَاللّهُ لا یَهْدِی القَوْمَ الکَافِرِینَ 264_البقرة.

: قَدْ جَاءَکُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَکِتَابٌ مُبِینٌ 15*یَهْدِی بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَیُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَی النُّورِ بِإذْنِهِ وَیَهْدِیهِمْ إلَی صِرَاط مُسْتَقِیم 16_المائدة .

: وَأنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهُدَی آمَنَّا بِهِ فَمَنْ یُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا یَخَافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً13_سورة الجن .

لقد حاول الطغاة ارجاع المهتدین الی الکفر بصور مختلفة لکن الباری تعالی حرس الاخیار المحسنین من مؤامراتهم وانتقم من المجرمین :

: عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَیَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِیزٌ ذُو انتِقَام 95_المائدة.

: وَمَننْ أظْلَمُ مِمَّنْ ذُکِّرَ بِآیَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أعْرَضَ عَنْهَا إنَّا مِنَ المُجْرِمِینَ مُنتَقِمُونَ 22_السجدة .

: فَإمَّا نَذْهَبَنَّ بِکَ فَإنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ 41_الزخرف .

ص: 157

{وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَیَقُولُنَّ اللّهُ قُلْ أفَرَأیْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ إنْ أرَادَنِیَ اللّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ کَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أوْ أرَادَنِی بِرَحْمَة هَلْ هُنَّ مُمْسِکَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِیَ اللّهُ عَلَیْهِ یَتَوَکَّلُ المُتَوَکِّلُونَ } 38 _سورة الزمر.

اذا آمن العبد و فعل أفعالا حسنة هداه تعالی للایمان وان أشرک وأذنب ترکه فی ضلاله . والله قوی عظیم لا یقف فی وجه رحمته أحد .

{وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَیَقُولُنَّ اللّهُ }: الفطرة الالهیة تبین للانسان أن الله تعالی هو الخالق الوحید فی الکون ولا شریک له فتری الناس یعترفون بهذا بفطرتهم .

{ قُلْ أفَرَأیْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ إنْ أرَادَنِیَ اللّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ کَاشِفَاتُ ضُرِّهِ } :

والاصنام والاجرام السماویة والملوک وغیرهم مما یعبده البشر لا یمکنهم دفع الضر عن الناس فلا قدرة عندهم علی دفع الحوادث الطبیعیة الامراض وغیرها .

{ أوْ أرَادَنِی بِرَحْمَة هَلْ هُنَّ مُمْسِکَاتُ رَحْمَتِهِ } :

ولا یمکن لهؤلاء المعبودین أن یبعدوا رحمة الله النازلة للعباد فلا یمکنهم منع المطر وایقاف الریاح وخنق الارزاق وطمس العافیة وغیرها .

{ قُلْ حَسْبِیَ اللّهُ عَلَیْهِ یَتَوَکَّلُ المُتَوَکِّلُونَ }

وقال تعالی : { فَقُلْ حَسْبِی اللّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِیمِ } 129*_التوبة .

ص: 158

: و فی بعض الاخبار أوحی اللَّه إلی موسی علیه السلام : یا موسی سلنی کلما تحتاج الیه حتی علف شاتک وملح عجینک ((1)) .

أی اطلب حاجاتک الکبیرة والصغیرة من الله تعالی ولا تخجل فی الدعاء والطلب , لانه تعالی یحب الدعاء من العبد .

وعن الامام علی بن أبی طالب صلوات الله علیه قال: قلت: یا رسول الله علمنی شیئا ینفعنی [ الله به ] قال: قل: حسبی الله وما توفیقی إلا بالله [ قال: فقلتها ] فقال النبی صلی الله علیه و آله : لیهنک العلم أبا حسن لقد شربت العلم شربا وناقبته نقبا ((2)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام : لولا أن یقول فیک طوائف من هذه الأمة ما قالت النصاری فی عیسی لقلت فیک قولا لا تمر بملأ إلا أخذوا التراب من أثر قدمیک فی التماس البرکة ((3)) .

الطبری: یقول تعالی ذکره لنبیه محمد صلی الله علیه و آله : ولئن سألت یا محمد هؤلاء المشرکین العادلین بالله الأوثان والأصنام: من خلق السماوات والأرض ؟ لیقولن: الذی خلقهن الله فإذا قالوا ذلک, فقل: أفرأیتم أیها القوم هذا الذی

ص: 159

تعبدون من دون الله من الأصنام والآلهة إن أرادنی الله بضر یقول: بشدة فی معیشتی, هل هن کاشفات عنی ما یصیبنی به ربی من الضر ؟ أو أرادنی برحمة یقول: إن أرادنی ربی أن یصیبنی سعة فی معیشتی, وکثرة مالی, ورخاء وعافیة فی بدنی, هل هن ممسکات عنی ما أراد أن یصیبنی به من تلک الرحمة ؟

وترک الجواب لاستغناء السامع بمعرفة ذلک, ودلالة ما ظهر من الکلام علیه

والمعنی: فإنهم سیقولون لا, فقل: حسبی الله مما سواه من الأشیاء کلها, إیاه أعبد, وإلیه أفزع فی أموری دون کل شئ سواه, فإنه الکافی, وبیده الضر والنفع, لا إلی الأصنام والأوثان التی لا تضر ولا تنفع, علیه یتوکل المتوکلون یقول:

علی الله یتوکل من هو متوکل, وبه فلیثق لا بغیره . وبنحو الذی قلنا فی ذلک قال أهل التأویل ((1)).

{ قُلْ یَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَی مَکَانَتِکُمْ إنِّی عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ

39 }_سورة الزمر.

فی الاکمال, والمجمع: عن الرضا علیه السلام ما أحسن الصبر وانتظار الفرج أما سمعت قول الله عز وجل { وَارْتَقِبُوا إنِّی مَعَکُمْ رَقِیبٌ _هود93 } ((2)) .

ص: 160

والعیاشی: عنه علیه السلام إن انتظار الفرج من الفرج, ثم تلا هذه الآیة .

أی اعملوا علی قدر تمکّنکم ونهایة استطاعتکم وقدرتکم المحدودة , واثبتوا علی عنادکم وکفرکم وعداوتکم, والأمر للتهدید والوعید من قبیل الاستعارة للشرّ المهدّد علیه بالمأمور به .

بعد أن دعا النبی صلی الله علیه و آله عرب الجاهلیة إلی الإسلام, واستجاب له منهم من استجاب, وعاند من عاند أمره اللَّه جل وعز أن یقول للمعاندین: اعملوا علی شاکلتکم التی أنتم علیها, وأنا عامل بهدایة ربی, وبعد حین تعلمون لمن تکون العاقبة الحسنی, تماما کما تقول لمن یرفض النصیحة: ابق علی طریقتک, وستری عاقبة أمرک .« إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ » لأنفسهم بالکفر .

: تفسر معنی ولایة بعض الظالمین بعضا المجعولة من الله سبحانه کتولیة الشیاطین للکافرین, وأن ذلک لیس من الظلم فی شئ فإنهم سیعترفون یوم القیامة أنهم إنما أشرکوا واقترفوا المعاصی بسوء اختیارهم واغترارهم بالحیاة الدنیا بعد البیان الإلهی وإنذارهم بالیوم الاخر حتی تلبسوا بالظلم, والظالمون لا یفلحون .

وقال تعالی : { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَکُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إنَّهُ لا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } 135_الانعام . یعنی الجنة, أنحن أم أنتم, ثم قال للنبی صلی الله علیه و آله : ( إنه لا یفلح ) , یعنی لا یسعد .

: اثبتوا علی ما أنتم علیه من الکفر, وهذا تهدید ووعید بصیغة الأمر . وقیل: علی مکانتکم علی طریقتکم .

ص: 161

الطبری: { علی مکانتکم } قال: علی ناحیتکم إنی عامل کذلک علی تؤدة علی عمل من سلف من أنبیاء الله قبلی فسوف تعلمون إذا جاءکم بأس الله, من المحق منا من المبطل, والرشید من الغوی.

وقال نجاح الطائی: هددهم النبی محمد صلی الله علیه و آله بالخزی والعار یوم القیامة ذلک الیوم الذی لا مفر منه .

وبین لهم أن لا حاجة الیهم حیث قال لهم: { اعْمَلُوا عَلَی مَکَانَتِکُمْ } . وهو استخفاف بشأنهم وعملهم .

وبین لهم اصراره علی عمله فی طریق الحق وانه لا ینحرف عنه رغم أعمالهم وضغوطهم المستمرة .

{ مَنْ یَأتِیهِ عَذَابٌ یُخْزِیهِ وَیَحِلُّ عَلَیْهِ عَذَابٌ مُقِیمٌ }40 _سورة الزمر

عَذَابٌ مُقِیمٌ: أی عذاب دائم .

وجاء : فالعذاب الذی یخزیهم الغرق, والعذاب المقیم عذاب النار((1)) .

وقالت فاطمة سیدة نساء أهل الجنة علیها السلام لابی بکر : ثم أنتم الان تزعمون أن لا إرث لی {أفَحُکْمَ الجَاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُکْماً لِقَوْم یُوقِنُونَ 50_المائدة }.

إیها معاشر المسلمین, ابتز إرث أبی ! أبی الله أن ترث یا بن أبی قحافة أباک ولا أرث أبی, لقد جئت شیئا فریا ! فدونکها مخطومة مرحولة تلقاک یوم حشرک, فنعم الحکم الله, والزعیم محمد, والموعد القیامة, وعند الساعة

ص: 162

یخسر المبطلون, ولکل نبأ مستقر وسوف تعلمون من یأتیه عذاب یخزیه ویحل علیه عذاب مقیم((1)).

وقال نجاح الطائی: یکون الخزی للکافر والمنافق یوم القیامة بسحبه أمام الملأ العام من الامم الی جهنم لینال جزاءه المرسوم والمحتوم .

فیضحک علیه الصالحون ویستهزأ به المظلومون بما فعل فی حقهم من موبقات وظلامات .

{ إنَّا أنْزَلْنَا عَلَیْکَ الکِتَابَ لِلنَّاسِ بِالحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَی فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإنَّمَا یَضِلُّ عَلَیْهَا وَمَا أنْتَ عَلَیْهِمْ بِوَکِیل}41_سورة الزمر.

قال تعالی: ( فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَه ُ وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَه ُ ) _ الزّلزلة 7 .

وقال اللَّه تعالی: ( مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِه ِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَیْها ) الآیة _ فصّلت 46.

وقوله تعالی: ( إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ ا للهَ ) الآیة _ الفتح 10 .

وقوله تعالی: ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا عَلَیْکُمْ أَنْفُسَکُمْ ) الآیة _ المائدة 105 .

وقال علیه السلام : الا وانّکم فی ایّام مهل من ورائه اجل فمن عمل فی ایّام عمله ( امله ) قبل حضور اجله نفعه عمله ولم یضرّه اجله ومن قصّر فی ایّام عمله قبل حضور اجله فقد خسر عمله وضرّه اجله .

{ فَمَنِ اهْتَدَی فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإنَّمَا یَضِلُّ عَلَیْهَا}:

ص: 163

وقال تعالی : وَاللّهُ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ إلَی صِرَاط مُسْتَقِیم213_البقرة .

: لَیْسَ عَلَیْکَ هُدَاهُمْ وَلَکِنَّ اللّهَ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَیْر فَلأنفُسِکُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَیْر یُوَفَّ إلَیْکُمْ وَأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ 272_البقرة .

: إنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أحْبَبْتَ وَلَکِنَّ اللّهَ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ وَهُوَ أعْلَمُ بِالمُهْتَدِینَ 56_القصص .

{ وَمَا أنْتَ عَلَیْهِمْ بِوَکِیل}:

وقال تعالی : ( وما جَعَلْناکَ عَلَیْهِمْ حَفِیظاً وما أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِوَکِیلٍ ) _ 107 الأنعام .

: ( ما عَلَیْکَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَیْءٍ وما مِنْ حِسابِکَ عَلَیْهِمْ مِنْ شَیْءٍ) _ 52 الأنعام .

وقال سبحانه لنبیه الکریم: ( فَذَکِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَکِّرٌ لَسْتَ عَلَیْهِمْ بمسیطر ) _ 22 الغاشیة .

أی: بوکیل علی أعمالهم وأمورهم وما علیک إلا البلاغ والدعوة الی الخیر والصلاح .

ولا یسأل الله تعالی النبی عن أسباب الحاد الکافرین أی لا یؤاخذهم بکفرهم لان الارشاد من الانبیاء والهدایة من الله تعالی .

وقال نجاح الطائی : أنزل الله تعالی القرآن هدایة للعباد وعنه یسألون ولیس للعب واللهو فمن اهتدی فلنفسه اهتدی .

ص: 164

وَمَنْ ضَلَّ فَإنَّمَا یَضِلُّ عَلَیْهَا: لان اسلامه وکفره لا یؤثر علی الاخرین . والنبی لیس وکیلا علی هدایتهم وضلالتهم بل هو مسؤول عن ارشادهم وتبلیغ الشریعة لهم .

وفی الاخرة یحضر الانسان الخاسر الی النار و یهدی الرابح الی الجنة.

{ اللّهُ یَتَوَفَّی الأنْفُسَ حِینَ مَوْتِهَا وَالَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنَامِهَا فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضَی عَلَیْهَا المَوْتَ وَیُرْسِلُ الاُخْرَی إلَی أجَل مُسَمّیً إنَّ فِی ذَلِکَ لاَیَات لِقَوْم یَتَفَکَّرُونَ } 42 _سورة الزمر.

الله تعالی یتوفی الانفس فی الموت وترفع الیه النفس عند النوم فمن أرادها لم یعدها فیموت النائم ومن یحررها تبقی الی أجل مسمی .

{ اللّهُ یَتَوَفَّی الأنْفُسَ حِینَ مَوْتِهَا }:

وصیة المسلم قبل الموت

عن رسول الله صلی الله علیه و آله : ( من لم یحسن وصیته عند الموت کان نقصا فی مروته وعقله: قیل: یا رسول الله وکیف یوصی المیت ؟ قال: إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إلیه قال: اللهم فاطر السماوات والأرض, عالم الغیب والشهادة, الرحمن الرحیم, اللهم إنی أعهد إلیک فی دار الدنیا أنی أشهد أن لا إله إلا أنت وحدک لا شریک لک, وأن محمدا عبدک ورسولک وأن الجنة حق والنار حق, وأن البعث حق والحساب حق, والقدر حق والمیزان حق, وان الدین کما وصفت, وأن الإسلام کما شرعت, وأن القول کما حدثت, وأن القرآن کما أنزلت, وأنک أنت الله الحق المبین, جزی الله محمدا خیر الجزاء, وحیا الله محمدا وآل محمد بالسلام .

ص: 165

اللهم یا عدتی عند کربتی, ویا صاحبی عند شدتی, ویا ولی نعمتی . الهی واله آبائی لا تکلنی إلی نفسی طرفة عین, فإنک إن تکلنی إلی نفسی طرفة عین أقرب من الشر وأبعد من الخیر, وآنِس فی القبر وحشتی, واجعل لی عهدا یوم ألقاک منشورا . ثم یوصی بحاجته . والوصیة حق, علی کل مسلم ان یحفظ هذه الوصیة ویعلمها ) ((1)) .

ویقول عز وجل: " وهو الذی یتوفاکم باللیل ویعلم ما جرحتم بالنهار " ((2)) والنائم فاتر بمنزلة المیت, والذی لا ینام ولا تأخذه سنة ولا نوم ولا یدرکه فتور هو الله الذی لا إله إلا هو ((3)) .

قال عیاض: الرُّوح والنفس بمعنی واحد لقول صلی الله علیه و آله (إنَّ الله قبض أرواحنا ) وقوله تعالی ( الله یتوفّی الأنفس حین موتها ) ((4)) .

وقیل: الرُّوح جسم لطیف مودع فی البدن محلٌ للأخلاق الملعونة کما أنَّ الرِّوح محلُّ للأخلاق المحمودة والإنسان یطلق علی ذلک کلّه وقیل: الرُّوح هو النفس المتردَّد فی الجسد ((5)) .

ص: 166

وقال نجاح الطائی: یوجد فی الانسان جسم وروح ونفس , و النفس هو الذی یتحکم ویتصرف بالجسم وأعضائه, ولا عکس, فأنت بنفسک تتصرف مثلما ترید وترغب إن شئت نظرت وشممت وسمعت ولمست وفعلت, وإن لم تشأ لم یکن من ذلک شئ, فالحاکم النفس علی الأعضاء ولا سلطان للأعضاء علی النفس بحال فمن صلحت نفسه وطهرت صلحت أعماله

وطهرت مشاریعه ونوایاه .

ومن هنا کان النفس هو الفاعل الحقیقی, و الجسم آلة وأداة لا غیر لذا جاء العقاب والحساب فی حق الشخص الانسانی .

قال تعالی : { وَکَتَبْنَا عَلَیْهِمْ فِیهَا أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَیْنَ بِالعَیْنِ وَالأنفَ بِالأنفِ وَالاُذُنَ بِالاُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ کَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَاُوْلَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ45 } _سورة المائدة.

وقال علی بن إبراهیم, عن أبیه, عن ابن أبی عمیر, عن جمیل, عن زرارة, عن الامام ابی جعفر الباقر علیه السلام : إذا بلغت النفس هذه _ وأهوی بیده إلی حلقه _ لم یکن للعالم توبة وکانت للجاهل توبة ((1)).

لان العالم عصی الامر الالهی الذی یعلمه والجاهل لم یعص امرا یعلمه.

وقال تعالی:

ص: 167

{ وَمَا اُبَرِّئُ نَفْسِی إنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلا مَا رَحِمَ رَبِّی إنَّ رَبِّی غَفُورٌ رَحِیمٌ 53 } سورة یوسف.

وقال تعالی: ( واعلموا أن الله یعلم ما فی أنفسکم فاحذروه ) ((1)). وقال: ( تعلم ما فی نفسی ولا أعلم ما فی نفسک ) ((2)) .

وقال الله تعالی ( وأما من خاف مقام ربّه ونهی النفس عن الهوی فإنّ الجنّة هی المأوی ) فهی منزل من خاف المقام بین یدی الرب وصرف النفس عن هواها وزجرها عن مقتضاها ( سبحانک اللهم ) أی اللهم إنّا نسبحک تسبیحاً وننزهک تنزیهاً من کل ما لا یلیق بک ((3)) .

( یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِی إِلی رَبِّکِ راضِیَةً مَرْضِیَّةً ) ((4))

وقال المحققون ؛ إنّ الشیطان الأصلی هو النفس وهناک أهمیة فی توبیخها ومعاتبتها .

وذکر العلماء نموذجا علی محاسبة النفس من قبل صاحبها .

وقال تعالی: { خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة } _الزمر 6 .

أی من شخصیة واحدة وهی آدم ثم خلق حواء من هذه الشخصیة وهی ضلع من أضلاعه کما ورد فی الحدیث .

ص: 168

وقال الامام زین العابدین علیه السلام : ( وأما حق نفسک علیک, فأن تستوفیها فی طاعة الله فتؤدی إلی لسانک حقه, وإلی سمعک حقه وإلی بصرک حقه, وإلی یدک حقها، وإلی رجلک حقها وإلی بطنک حقه, وإلی فرجک حقه, وتستعین بالله علی ذلک ) ((1)) .

وهو جلَّ وعزَّ لا یشبه جسماً وکذا لا یشبه جسمانیّاً ولا روحاً

لتنزُّهه عن الجسمیّة ولواحقها وعن التشبّه بالخلق المحتاج ((2)) .

{ وَالَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنَامِهَا فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضَی عَلَیْهَا المَوْتَ وَیُرْسِلُ الاُخْرَی إلَی أجَل مُسَمّیً إنَّ فِی ذَلِکَ لاَیَات لِقَوْم یَتَفَکَّرُونَ}42 _سورة الزمر.

وقال الطبرسی فی قوله تعالی:

" قل یتوفاکم ملک الموت الذی وکل بکم: " أی وکل بقبض أرواحکم, عن ابن عباس قال: جعلت الدنیا بین یدی ملک الموت مثل جام یأخذ منها ما شاء إذا قضی علیه الموت من غیر عناء, وخطوته ما بین المشرق والمغرب . وقیل: إن له أعوانا کثیرة من ملائکة الرحمة وملائکة العذاب, فعلی هذا المراد بملک الموت الجنس ویدل علیه قوله: " توفته رسلنا " وقوله: " تتوفاهم الملائکة " وأما إضافة التوفی إلی نفسه فی قوله: " یتوفی الأنفس حین موتها " فلانه سبحانه خلق الموت ولا یقدر علیه أحد سواه .

ص: 169

الإحتجاج: فی خبر الذندیق المدعی للتناقض فی القرآن قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی قوله تعالی: " الله یتوفی الأنفس حین موتها " وقوله: " یتوفاکم ملک الموت, وتوفته رسلنا, وتتوفاهم الملائکة طیبین, والذین تتوفاهم الملائکة ظالمی أنفسهم ": فهو تبارک وتعالی أجل وأعظم من أن یتولی ذلک بنفسه, وفعل رسله وملائکته فعله, لأنهم بأمره یعملون, فاصطفی جل ذکره من الملائکة رسلا وسفرة بینه وبین خلقه وهم الذین قال الله فیهم: " الله یصطفی من الملائکة رسلا ومن الناس " فمن کان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائکة الرحمة, ومن کان من أهل المعصیة تولی قبض روحه ملائکة النقمة, ولملک الموت أعوان من ملائکة الرحمة والنقمة یصدرون عن أمره, وفعلهم فعله, وکل ما یأتونه منسوب إلیه, وإذا کان فعلهم فعل ملک الموت, وفعل ملک الموت فعل الله لأنه یتوفی الأنفس علی ید من یشاء, ویعطی ویمنع ویثیب ویعاقب علی ید من یشاء, وإن فعل امنائه فعله, کما قال: " وما تشاؤن إلا أن یشاء الله " .

تفسیر علی بن إبراهیم: أبی, عن ابن أبی عمیر, عن هشام, عن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال :

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لما أسری بی إلی السماء رأیت ملکا من الملائکة بیده لوح من نور لا یلتفت یمینا ولا شمالا مقبلا علیه, ثبه کهیئة الحزین, فقلت: من هذا یا جبرئیل ؟ !

فقال: هذا ملک الموت, مشغول فی قبض الأرواح, فقلت: ادننی منه یا جبرئیل لأکلمه, فأدنانی منه فقلت له: یا ملک الموت أکل من مات أو هو

ص: 170

میت فیما بعد أنت تقبض روحه ؟ قال: نعم, قلت: وتحضرهم بنفسک ؟ قال: نعم, ما الدنیا کلها عندی فیما سخرها الله لی ومکننی منها إلا کدرهم فی کف الرجل یقلبه کیف یشاء, وما من دار فی الدنیا إلا وأدخلها فی کل یوم خمس مرات, وأقول إذا بکی أهل البیت علی میتهم: لا تبکوا علیه فإن لی إلیکم عودة وعودة حتی لا یبقی منکم أحد, قال رسول الله: کفی بالموت طامة یا جبرئیل ! فقال جبرئیل: ما بعد الموت أطم وأعظم من الموت ((1)) .

وقال تعالی: {الذی خلق الموت والحیاة لیبلوکم أیکم أحسن عملا } _الملک 2 .

علل الشرائع, الخصال: فی حدیث الأربعمائة قال أمیر المؤمنین علیه السلام : لا ینام الرجل وهو جنب, ولا ینام إلا علی طهور . فإن لم یجد الماء فلیتیمم بالصعید, فإن روح المؤمن ترفع إلی الله تبارک وتعالی, فیقبلها ویبارک علیها, فإن کان أجلها قد حضر, جعلها فی کنوز رحمته, وإن لم یکن أجلها قد حضر, بعث بها مع أمنائه من ملائکته فیردونها فی جسدها ((2)) .

الدعاء المروی فی الکافی باب صلاة النوافل فی الصحیح عن الباقر علیه السلام حین یقوم من النوم: الحمد لله الذی رد علی روحی لأحمده _ الخ .

ص: 171

والکافی وغیره عن الصادق علیه السلام قال: والله ما من عبد من شیعتنا ینام إلا أصعد الله روحه إلی السماء فیبارک علیها _ الخ ((1)) .

مجالس الصدوق بسنده عن معاویة بن عمار, عن أبی جعفر علیه السلام قال: إن العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلی السماء فما رأت الروح فی السماء فهو الحق وما رأت فی الهواء فهو الأضغاث . ألا وإن الأرواح جنود مجندة, فما تعارف منها ائتلف, وما تناکر منها اختلف . فإذا کانت الروح فی السماء تعارفت وتباغضت فإذا تعارفت فی السماء, تعارفت فی الأرض وإذا تباغضت فی السماء, تباغضت فی الأرض ((2)) .

وقال نجاح الطائی: إن روح الانسان تصعد الی السماء عند النوم فیستحب له أن یکون علی وضوء أو تیمم .

وعندما تصعد روح العبد الصالح الی خالقها تحصل علی البرکة والرزق وغیر ذلک من نعم الهیة .

{ أمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أوَ لَوْ کَانُوا لا یَمْلِکُونَ شَیْئاً وَلا یَعْقِلُونَ } 43 _سورة الزمر.

أمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ شُفَعَاءَ: الاصنام .

ص: 172

قال المفسر القمی: یعنی الأصنام لیشفعوا لهم یوم القیامة وقالوا ان فلانا وفلانا یشفعون لنا عند الله یوم القیامة وقوله: ( قل لله الشفاعة جمیعا ) قال: لا یشفع أحد إلا بإذن الله تعالی((1)) .

والاصنام لا تملک الشفاعة ولا تملک الضر والنفع .

{ قُلْ لِلّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِیعاً لَهُ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ثُمَّ إلَیْهِ تُرْجَعُونَ } 44 _سورة الزمر.

الشفاعة لله تعالی یهبها لمن یرید من عباده . أی لا یشفع أحد إلا بإذنه " فهو تعالی صاحب الشفاعة .

أی لا یشفع أحد إلا بإذنه فیشفع أهل البیت والانبیاء فی حق المؤمنین .

{ وَإذَا ذُکِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأزَّتْ قُلُوبُ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإذَا ذُکِرَ الَّذِینَ مِنْ دُونِهِ إذَا هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ } 45 _سورة الزمر.

وإذا ذکر الله وحده اشمأزت : أی نفرت, وقیل : انقبضت((2)) .

ص: 173

قال المفسر القمی: إنها نزلت فی فلان وفلان وفلان ((1)): أی فی أبی بکر وعمر وعثمان .

القمی: قال : لا یشفع أحد إلا بإذن الله تعالی قوله ( وإذا ذکر الله وحده اشمأزت قلوب الذین لا یؤمنون بالآخرة _ إلی قوله _ إذا هم یستبشرون ) فإنها نزلت فی فلان وفلان فلان وقوله ( یا عبادی الذین أسرفوا علی أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله یغفر الذنوب جمیعا انه هو الغفور الرحیم ) قال : نزلت فی شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام خاصة((2)) .

وحدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا عبد الکریم عن محمد بن علی عن محمد ابن الفضیل عن أبی حمزة قال قال أبو جعفر علیه السلام : لا یعذر الله یوم القیامة أحدا یقول: یا رب لم اعلم أن ولد فاطمة علیها السلام هم الولاة علی الناس کافة, وفی شیعة ولد فاطمة انزل الله هذه الآیة خاصة " یا عبادی الذین أسرفوا علی أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " الآیة ((3)).

{ ُقلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ أنْتَ تَحْکُمُ بَیْنَ عِبَادِکَ فِی مَا کَانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ } 46 _سورة الزمر.

ص: 174

فأنت الحاکم العدل تعاقب وتعفو عمن تشاء .

عن فضیل بن یسار, قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مولود لیس له ما للرجال ولا له ما للنساء.

قال : یقرع الامام أو المقرع به یکتب علی سهم عبد الله وعلی سهم آخر أمة الله ثم یقول الامام أو المقرع : " اللهم أنت الله لا إله إلا أنت عالم الغیب والشهادة أنت تحکم بین عبادک فیما کانوا فیه یختلفون فبین لنا أمر هذا المولود کیف یورث ما فرضت له فی الکتاب " ثم یطرح السهمان فی سهام مبهمة ثم تجال السهام علی ما خرج ورث علیه ((1)).

وقال النبی محمد صلی الله علیه و آله : أنا مدینة العلم وعلی بابها ((2)) .

ص: 175

ص: 176

لذا کان الامام علی علیه السلام عالما للغیب الذی أعطاه الله تعالی لهما.

اخباره بمقتل عمرو بن الحمق

قال علی علیه السلام لعمرو بن الحمق الخزاعی: أین نزلت یاعمرو ؟

قال: فی قومی . قال علیه السلام : لا تنزلنّ فیهم .

ص: 177

قال: فأنزل فی بنی کنانة جیراننا ؟

قال علیه السلام : لا . قال: فأنزل فی ثقیف ؟

قال علیه السلام : فما تصنع بالمعرّة والمجرّة ؟ قال: وما هما ؟

قال: عُنقان من نار, یخرجان من ظهر الکوفة, یأتی أحدهما علی تمیم وبکر ابن وائل, فقلّما یفلت منه أحد, ویأتی العنق الآخر, فیأخذ علی الجانب الآخر من الکوفة, فقلّ من یصیب منهم, إنّما یدخل الدار فیحرق البیت والبیتین .قال: فأین أنزل ؟

قال علیه السلام : انزل فی بنی عمرو بن عامر, من الأزد .

قال: فقال قوم حضروا هذا الکلام: ما نراه إلاّ کاهناً یتحدّث بحدیث الکهنة.فقال: یاعمرو, إنّک المقتول بعدی, وإنّ رأسک لمنقول, وهو أوّل رأس ینقل فی الإسلام, والویل لقاتلک ! أما إنّک لا تنزل بقوم إلاّ أسلموک برمّتک, إلاّ هذا الحی من بنی عمرو بن عامر من الأزد, فإنّهم لن یسلموک ولن یخذلوک .

قال: فوالله ما مضت إلاّ أیّام حتّی تنقّل عمرو بن الحمق فی خلافة معاویة فی بعض أحیاء العرب, خائفاً مذعوراً, حتّی نزل فی قومه من بنی خزاعة, فأسلموه , فقتل وحمل رأسه من العراق إلی معاویة بالشام, وهو أوّل رأس حمل فی الإسلام من بلد إلی بلد ((1)) .

ص: 178

اخباره بمقتل جویریة :

کان جویریة بن مسهر العبدی صالحاً, وکان لعلی بن أبی طالب صدیقاً, وکان علی علیه السلام یحبّه, ونظر یوماً إلیه وهو یسیر, فناداه: یاجویریة , الحق بی, فإنّی إذا رأیتک هویتک . وساروا مع علی علیه السلام یوماً فالتفت فإذا جویریة خلفه بعیداً, فناداه: یاجویریة, الحق بی لا أباً لک ! ألا تعلم أنّی أهواک وأُحبّک ! قال: فرکض نحوه, فقال علیه السلام له: إنّی محدّثک بأُمور فاحفظها .

ثمّ اشترکا فی الحدیث سرّاً, فقال له جویریة: یاأمیر المؤمنین, إنّی رجل نسیّ . فقال له: إنّی أُعیدُ علیک الحدیث لتحفظه, ثمّ قال له فی آخر ما حدّثه إیّاه: یاجویریة, أحبب حبیبنا ما أحبّنا, فإذا أبغضنا فأبغضه, وأبغض بغیضنا ما أبغضنا, فإذا أحبّنا فأحبّه .

قال: فکان ناس ممّن یشکّ فی أمر علی علیه السلام یقولون: أتراه جعل جویریة وصیّه کما یدّعی هو من وصیّة رسول الله صلی الله علیه و آله ؟

قال: یقولون ذلک لشدّة اختصاصه له, حتّی دخل علی علی علیه السلام یوماً, وهو مضطجع, وعنده قوم من أصحابه, فناداه: جویریة, أیّها النائم استیقظ, فلتُضربنّ علی رأسک ضربة تخضب منها لحیتک, قال: فتبسّم أمیر المؤمنین علیه السلام , قال: وأُحدّثک یاجویریة بأمرک ; أما والذی نفسی بیده لتعتلنّ إلی العتلّ الزنیم, فلیقطعنّ یدک ورجلک ولیصلبنّک تحت جذع کافر

ص: 179

قال: فوالله ما مضت إلاّ أیّام علی ذلک حتّی أخذ زیاد جویریة, فقطع یده ورجله وصلبه إلی جانب جذع ابن مکعبر, وکان جذعاً طویلا, فصلبه علی جذع قصیر إلی جانبه .

اخباره بمقتل میثم التمّار وانتصار المختار

کان میثم التمّار مولی علی بن أبی طالب علیه السلام عبداً لامرأة من بنی أسد, فاشتراه علی علیه السلام منها وأعتقه, وقال له: ما اسمک ؟ فقال: سالم .

فقال: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله أخبرنی أنّ اسمک الذی سمّاک به أبوک فی العجم: میثم . فقال: صدق الله ورسوله, وصدقت یاأمیر المؤمنین, فهو والله اسمی . قال: فارجع إلی اسمک, ودع سالماً, فنحن نکنّیک به, فکنّاه أبا سالم .قال: وقد کان قد أطلعه علی علیه السلام علی علم کثیر, وأسرار خفیّة من أسرار الوصیّة, فکان میثم یحدّث ببعض ذلک, فیشکّ فیه قوم من أهل الکوفة, وینسبون علیاً علیه السلام فی ذلک إلی المخرقة والإیهام والتدلیس, حتّی قال له یوماً بمحضر من خَلْق کثیر من أصحابه, وفیهم الشاکّ والمخلص:

یامیثم, إنّک تؤخذ بعدی وتصلب, فإذا کان الیوم الثانی ابتدر منخراک وفمک دماً, حتّی تخضب لحیتک, فإذا کان الیوم الثالث طعنت بحربة یقضی علیک , فانتظر ذلک . والموضع الذی تصلب فیه علی باب دار عمرو بن حریث, إنّک لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة, وأقربهم من المطهّرة - یعنی الأرض - ولأرینّک النخلة التی تصلب علی جذعها .

ثمّ أراه إیّاها بعد ذلک بیومین, وکان میثم یأتیها, فیصلّی عندها, ویقول: بورکت من نخلک لک خُلقت, ولی نبتّ, فلم یزل یتعاهدها بعد قتل علی

ص: 180

علیه السلام , حتّی قطعت, فکان یرصد جذعها, ویتعاهده ویتردّد إلیه, ویبصره, وکان یلقی عمرو بن حریث, فیقول له:

إنّی مجاورک فأحسن جواری . فلا یعلم عمرو ما یرید, فیقول له: أترید أن تشتری دار ابن مسعود, أم دار ابن حکیم ؟!

قال: وحجّ فی السنة التی قتل فیها, فدخل علی أُمّ سلمة رضی الله عنها, فقالت له: من أنت ؟! قال: عراقی . فاستنسبته, فذکر لها أنّه مولی علی بن أبی طالب . فقالت: أنت هیثم . قال: بل أنا میثم .

فقالت: سبحان الله ! والله لربما سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یوصی بک علیاً فی جوف اللیل . فسألها عن الحسین بن علی علیه السلام , فقالت: هو فی حائط له, قال: أخبریه أنّی قد أحببت السلام علیه, ونحن ملتقون عند ربّ العالمین إن شاء الله , ولا أقدر الیوم علی لقائه, وأُرید الرجوع .

فدعت بطیب فطیّبت لحیته, فقال لها: أما إنّها ستخضب بدم .

فقالت: من أنبأک هذا ؟ قال: أنبأنی سیّدی .

فبکت أُمّ سلمة, وقالت له: إنّه لیس بسیّدک وحدک ; هو سیّدی وسیّد المسلمین , ثمّ ودّعته . فقدم الکوفة, فأُخذ وأُدخل علی عبیدالله بن زیاد . وقیل له: هذا کان من آثر الناس عند أبی تراب . قال: ویحکم ! هذا الأعجمی ؟! قالوا: نعم . فقال له عبیدالله: أین ربّک ؟ قال: بالمرصاد .

قال: قد بلغنی اختصاص أبی تراب لک . قال: قد کان بعض ذلک, فما ترید ؟ قال: وإنّه لیقال إنّه قد أخبرک بما سیلقاک . قال: نعم, إنّه أخبرنی .

ص: 181

قال: ما الذی أخبرک أنّی صانع بک ؟ قال: أخبرنی أنّک تصلُبنی عاشر عشرة وأنا أقصرهم خشبة, وأقربهم من المطهّرة . قال: لأُخالفنّه .

قال: ویحک ! کیف تخالفه ؟! إنّما أخبر عن رسول الله صلی الله علیه و آله , وأخبر رسول الله عن جبرائیل, وأخبر جبرائیل عن الله, فکیف تخالف هؤلاء ؟!

أما والله لقد عرفت الموضع الذی أُصلب فیه أین هو من الکوفة, وإنّی لأوّل خلق الله أُلجم فی الإسلام بلجام کما یلجم الخیل .

فحبسه وحبس معه المختار بن أبی عبیدة الثقفی, فقال میثم للمختار - وهما فی حبس ابن زیاد -: إنّک تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسین علیه السلام , فتقتل هذا الجبّار الذی نحن فی سجنه, وتطأ بقدمک هذه علی جبهته وخدّیه .

فلمّا دعا عبیدالله بن زیاد بالمختار لیقتله طلع البرید بکتاب یزید بن معاویة إلی عبیدالله بن زیاد, یأمره بتخلیة سبیله, وذاک أنّ أُخته کانت تحت عبدالله بن عمر بن الخطّاب, فسألت بعلها أن یشفع فیه إلی یزید فشفع, فأمضی شفاعته, وکتب بتخلیة سبیل المختار علی البرید, فوافی البرید, وقد أُخرج لیضرب عنقه, فأُطلق .

وأمّا میثم فأُخرج بعده لِیُصلب, وقال عبیدالله: لأمضین حکم أبی تراب فیه. فلقیه رجل, فقال له: ما کان أغناک عن هذا یامیثم ؟ فتبسّم, وقال:

لها خلقت, ولی غُذِیتْ . فلمّا رفع علی الخشبة اجتمع الناس حوله علی باب عمرو بن حریث, فقال عمرو: لقد کان یقول لی: إنّی مجاورک . فکان یأمر جاریته کلّ عشیة أن تکنس تحت خشبته وترشّه, وتجمّر بالمجمر تحته .

ص: 182

فجعل میثم یحدّث بفضائل بنی هاشم, ومخازی بنی أُمیّة, وهو مصلوب علی الخشبة, فقیل لابن زیاد: قد فضحکم هذا العبد .

فقال: ألجموه فأُلجم, فکان أوّل خلق الله أُلجم فی الإسلام . فلمّا کان فی الیوم الثانی فاضت منخراه وفمه دماً, فلمّا کان فی الیوم الثالث طُعِن بحربة فمات .وکان قتل میثم قبل قدوم الحسین علیه السلام العراق بعشرة أیّام ((1)) .

إخباره بمقتل رشید الهجری

قال زیاد بن النضر الحارثی, کنت عند زیاد, وقد أتی برشید الهجری - وکان من خواصّ أصحاب علی علیه السلام - فقال له زیاد: ما قال خلیلک لک إنّا فاعلون بک ؟ قال: تقطعون یدیّ ورجلیّ, وتصلبوننی .

فقال زیاد: أما والله لأُکذّبنّ حدیثه, خلّوا سبیله, فلمّا أراد أن یخرج قال: ردّوه, لا نجد شیئاً أصلح ممّا قال لک صاحبک, إنّک لا تزال تبغی لنا سوءاً إن بقیت, اقطعوا یدیه ورجلیه . فقطعوا یدیه ورجلیه, وهو یتکلّم .

فقال: اصلبوه خنقاً فی عنقه . فقال رشید: قد بقی لی عندکم شیء ما أراکم فعلتموه . فقال زیاد: اقطعوا لسانه .

فلمّا أخرجوا لسانه لیقطع قال: نفّسوا عنّی أتکلّم کلمة واحدة .

فنفّسوا عنه, فقال: هذا والله تصدیق خبر أمیر المؤمنین, أخبرنی بقطع

لسانی . فقطعوا لسانه وصلبوه((2)) .

ص: 183

وعن المهدی علیه السلام قال الإمام علیه السلام أنّه قال: لیقبلنّ جیش حتّی إذا کانوا بالبیداء خُسف بهم . قال أبو العالیة: فقلت له: إنّک لتحدّثنی بالغیب !

فقال: احفظ ما أقوله لک, فإنّما حدّثنی به الثقة علی بن أبی طالب .

وحدّثنی أیضاً شیئاً آخر: لیؤخذنّ رجل فلیقتلنّ ولیصلبنّ بین شُرفتین من شُرف المسجد . فقلت له: إنّک لتحدّثنی بالغیب ! فقال: احفظ ما أقول لک .

قال أبو العالیة: فوالله, ما أتت علینا جمعة حتّی أُخذ مزرع, فقتل وصلب بین شرفتین من شرف المسجد .

قلت: حدیث الخسف بالجیش قد خرّجه البخاری ومسلم فی الصحیحین, عن أُمّ سلمة رضی الله عنها, قالت: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: یعوذ قوم بالبیت حتّی إذا کانوا بالبیداء بیداء المدینة خسف بهم . فقلت: یارسول الله, لعلّ فیهم المکره أو الکاره, فقال: یخسف بهم, ولکن یحشرون - أو قال: یبعثون علی نیّاتهم یوم القیامة .

وکان مالک بن ضمرة الرؤاسی من أصحاب علی علیه السلام , وممّن استبطن من جهته علماً کثیراً, وکان أیضاً قد صحب أبا ذرّ, فأخذ من علمه, وکان یقول فی أیّام بنی أُمیّة: اللهمّ لا تجعلنی أشقی الثلاثة . فیقال له: وما الثلاثة ؟ فیقول: رجل یرمی من فوق طمار, ورجل تقطع یداه ورجلاه ولسانه ویصلب, ورجل یموت علی فراشه .

ص: 184

فکان من الناس (الأمویین) من یهزأ به, ویقول: هذا من أکاذیب أبی تراب .وکان الذی رمی به من طمار هانی بن عروة والذی قطع وصلب رشید الهجری ومات مالک علی فراشه((1)) .

{ وَلَوْ أنَّ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا مَا فِی الأرْضِ جَمِیعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ العَذَابِ یَوْمَ القِیَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللّهِ مَا لَمْ یَکُونُوا یَحْتَسِبُونَ47 } _سورة الزمر.

{ وَلَوْ أنَّ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا مَا فِی الأرْضِ جَمِیعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ العَذَابِ یَوْمَ القِیَامَةِ}:

الثعلبی: عن ابن عمران الحونی قال: سمعت أنس بن مالک یحدّث عن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: یقول الله تعالی لأهون أهل النار عذاباً لو أن لک ماعلی الأرض من شیء أکنت مفتدیاً به ؟ فیقول: نعم . فیقول: قد أردت منک أهون من هذا وأنت فی صلب آدم أن لا تشرک بی شیئاً فأبیت إلاّ أن تشرک بی ((2)) .

الفخر الرازی: اعلم أن هذا نوع آخر من الأعمال القبیحة للمشرکین, وهو أنک إذا ذکرت الله وحده تقول لا إله إلا الله وحده لا شریک له, ظهرت آثار النفرة من وجوههم وقلوبهم, وإذا ذکرت الأصنام والأوثان ظهرت

ص: 185

آثار الفرح والبشارة فی قلوبهم وصدورهم, وذلک یدل علی الجهل والحماقة, لأن ذکر الله رأس السعادات وعنوان الخیرات, وأما ذکر الأصنام التی هی الجمادات الخسیسة, فهو رأس الجهالات والحماقات, فنفرتهم عن ذکر الله وحده واستبشارهم بذکر هذه الأصنام من أقوی الدلائل علی الجهل الغلیظ والحمق الشدید, قال صاحب " الکشاف " وقد یقابل الاستبشار والاشمئزاز إذ کل واحد منهما غایة فی بابه لأن الاستبشار أن یمتلئ قلبه سروراً حتی یظهر أثر ذلک السرور فی بشرة وجهه ویتهلل, والاشمئزاز أن یعظم غمه وغیظه فینقبض الروح إلی داخل القلب فیبقی فی أدیم الوجه أثر الغبرة والظلمة الأرضیة ((1)) .

الفیض الکاشانی: وعید شدید, وإقناط کلی لهم من الخلاص ( وبدا لهم من الله ما لم یکونوا یحتسبون ) .

زیادة مبالغة فیه, وهو نظیر قوله: { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا اُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أعْیُن جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ _السجدة 17 } فی الوعد ((2)) .

وقال فی قوله عز وجل : " وبدا لهم من الله ما لم یکونوا یحتسبون " : أی ظهر لهم یوم القیامة من صنوف العذاب ما لم یکونوا ینتظرونه ولا یظنونه واصلا إلیهم ولم یکن فی حسبانهم, وقال السدی : ظنوا أعمالهم حسنات فبدت لهم سیئات " وبدا لهم سیئات ما کسبوا " أی جزاء أعمالهم " وحاق

ص: 186

بهم " أی نزل بهم " ما کانوا به یستهزؤن " هو کل ما ینذرهم النبی صلی الله علیه و آله مما کانوا ینکرونه ویکذبون به ((1)).

وقال نجاح الطائی: عندما یلمس الظالمون الزائغون عن الحق عذاب جهنم تراهم مستعدین لبذل کل ما عندهم من مال لدفعه عنهم ولو کان بقدر ما فی الارض !!!

بینما کانوا یبخلون فی الدنیا بکل شیء حرصا منهم علیها .

و ظهر لهم یوم القیامة من صنوف العذاب وألوان القهر والتنکیل ما لم یکونوا ینتظرونه ولم یکن فی خلدهم ولا فی حسابهم .

وظهر لهم ان الکثیر من اعماله احتسبت ریاءً فلا قیمة لها , وان کثیرا من افعاله التی دونها حسنات له کانت قد احتسبت مثالب له لخطئه فی الحسابات والغایات .

وقال النبی صلی الله علیه و آله فی صفة الثواب فی الجنّة: فیها ما لا عین رأت ولا اذن سمعت ولا خطر علی قلب بشر .

{ وَبَدَا لَهُمْ سَیِّئَاتُ مَا کَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا کَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُونَ

} 48 _سورة الزمر.

{ وَبَدا لَهُمْ } أی ظهر لهم أیضا { سَیِّئاتُ ما کَسَبُوا } أی جزاء سیّئات أعمالهم وآثارها { وَحاقَ } من کلّ الجوانب ونزل بهم { ما کانُوا بِه ِ یَسْتَهْزِؤُنَ } وهو کلّ ما ینذرهم النبیّ صلی الله علیه و آله ممّا کانوا ینکرونه ویکذّبون به .

ص: 187

تبین لهم کثرة ذنوبهم من قتل ونهب وغیبة وافتراء وکذب وربا وزنا وتکبر وغیرها .

والحیق: ما یشتمل علی الانسان من مکروه فعله, یقال حاق بهم، یحیق, حیقا, وحیوقا, وحیقانا, بفتح الیاء .

وقال نجاح الطائی: قال تعالی عن فضیحة الکافرین والمنافقین ما لم یدور فی خلدهم ولم یتصوروه أبدا :

{ الیَوْمَ نَخْتِمُ عَلَی أفْوَاهِهِمْ وَتُکَلِّمُنَا أیْدِیهِمْ وَتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ} 65_یس .

{ وَیَوْمَ یُحْشَرُ أعْدَاءُ اللّهِ إلَی النَّارِ فَهُمْ یُوزَعُونَ19* حَتَّی إذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَیْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ 20*وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنَا قَالُوا أنطَقَنَا اللّهُ الَّذِی أنطَقَ کُلَّ شَیْء وَهُوَ خَلَقَکُمْ أوَّلَ مَرَّة وَإلَیْهِ تُرْجَعُونَ} 21_فصلت .

وکان الکافرون ینتصرون علی المؤمنین فی الدنیا بقوتهم القاهرة ودفع الرشاوی للقضاة ورجال الشرطة والحکومة .

فتطمس الطغاة حجج المحقین وتؤید دعاوی الکاذبین فاعتاد الطغاة علی هذا المنهج الشیطانی والمشروع العدوانی .

أما فی الاخرة فلا یوجد النظام الغاشم الذی اعتادوا علیه فی الدنیا بل یشهد علیهم سَمْعُهُمْ وَأبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ .

{ فَإذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إنَّمَا اُوتِیتُهُ عَلَی عِلْم بَلْ هِیَ فِتْنَةٌ وَلَکِنَّ أکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ}49 _سورة الزمر.

ص: 188

قَالَ إنَّمَا اُوتِیتُهُ عَلَی عِلْم : قال قارون ذلک فی جواب قومه, فإنه قال لهم: أوتیت هذه الأموال علی علم بأنی مستحق لذلک, لعلمی بالتوراة .

وقال شخص : لأنی أعمل الکیمیاء .

وقال آخر لعلمی بوجوه المکاسب .

وقال قارون : لا یمکن لشخص أن یسلبنی مالی لقوتی وبطشی وحیلتی لکنهم نسوا أن من قبلهم کانوا أشد منهم قوة وسُلبوا مالهم وهلکوا وهم فقراء .

وقوله: ( وَإِذا مَسَّ الإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّه ُ مُنِیباً إِلَیْه ِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَه ُ )الآیة الزّمر _ 8 .

وقوله علیه السلام : الا وانّی لم ار کالجنّة نام طالبها ولا کالنّار نام هاربها.

الطبرسی: أی: أعطیناه نعمة من الصحة فی الجسم, والسعة فی الرزق, أو غیر ذلک من النعم ( قال إنما أوتیته علی علم ) قیل فیه وجوه أحدها: قال إنما أوتیته بعلمی وجلدی وحیلتی, عن الحسن والجبائی . فیکون هذا إشارة إلی جهلهم بمواضع المنافع والمضار .

وثانیها: علی علم علی خبر علمه الله عندی, عن قتادة ومقاتل . وثالثها: علی علم یرضاه عنی . فلذلک أتانی ما أتانی من النعم .

ثم قال: لیس الأمر علی ما یقولونه ( بل هی فتنة ) أی: بلیة واختبار یبتلیه الله بها, فیظهر کیف شکره أو صبره فی مقابلتها, فیجازیه بحسبها . وقیل: معناه

ص: 189

هذه النعمة فتنة أی: عذاب لهم إذا أضافوها إلی أنفسهم . وقیل: معناه هذه المقالة التی قالوها فتنة لهم، لأنهم یعاقبون علیها ((1)) .

وقال سید البشرمحمد صلی الله علیه و آله " لا یدخل أحد الجنة بعمله، قیل: ولا أنت یا رسول الله ؟ قال: ولا أنا إلا أن یتغمدنی برحمته " فما أحمق من منی نفسه ورکب رأسه وطمع أنه یستحق علی الله الجنة . قال: فإن قلت: لم عطفت هذه الآیة علی التی قبلها بالفاء والآیة التی قبلها فی أول السورة بالواو ؟ وأجاب بأن هذه الآیة مسببة عن قوله وإذا ذکر الله الخ قال أحمد: کلام جلیل فافهمه فضلا عن مشبه قلیل ((2)) .

وقال نجاح الطائی: إن اللَّه عز وجل یقول " إِنَّا عَرَضْنَا الأَمانَةَ عَلَی السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الإِنْسانُ إِنَّهُ کانَ ظَلُوماً جَهُولًا "_الاحزاب 72 .

الانسان یدعو الله تعالی عند الشدائد والمشاکل التی تسیطر علیه , واذا جاءته نعمة الله طغی فی الارض وتنکر للنعمة الالهیة :

{ کَلاَّ إِنَّ الاِْنسَانَ لَیَطْغَی6* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَی } 7 _العلق .

ولو انتبهوا الی الآیات القرآنیة والاحادیث النبویة لوجدوا النعمة فتنة یسألون عنها یوم القیامة .

ص: 190

{ قَدْ قَالَهَا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أغْنَی عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَکْسِبُونَ } 50_سورة

الزمر:

مثل قوم ابراهیم وصالح ولوط علیهم السلام .

{ فَمَا أغْنَی عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَکْسِبُونَ }: من أموال ضخمة , ومن عادة الملوک والرؤساء وأحبار الدین وحواشیهم ترکهم أموالا کبیرة جدا لاولادهم

تتبخر بسرعة فی موارد الفسق والسوء والترف .

المعنی: لما قدم سبحانه ذکر الأدلة, فلم ینظروا فیها, والمواعظ فلم یتعظوا بها, أمر نبیه صلی الله علیه و آله أن یحاکمهم إلیه لیفعل بهم ما یستحقونه فقال:

( قل ) یا محمد ادع بهذا الدعاء ( اللهم فاطر السماوات والأرض) أی: یا خالقهما ومنشئهما ( عالم الغیب والشهادة ) أی: یا عالم ما غاب علمه عن جمیع الخلق, وعالم ما شهدوه وعلموه ( أنت تحکم بین عبادک ) یوم القیامة ( فیما کانوا فیه یختلفون ) فی دار الدنیا من أمر دینهم ودنیاهم, وتفصل بینهم بالحق فی الحقوق والمظالم أی: فاحکم بینی وبین قومی بالحق . وفی هذا بشارة للمؤمنین بالظفر والنصر, لأنه سبحانه إنما أمره به للإجابة لا محالة ((1)) .

وقال نجاح الطائی : وقالها قارون وقومه, حیث قال: ( إِنَّما أُوتِیتُه عَلی عِلْمٍ عِنْدِی ) ورضی له قومه, فکأنّهم قالوها لانهم رضوا بها وأیدوها . وهناک

ص: 191

الکثیر من الامم الماضیة قالوا هذا طغیانا وکفرا: ( فَما أَغْنی عَنْهُمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ ) من متاع الدنیا ویجمعون منه .

{ فَأصَابَهُمْ سَیِّئَاتُ مَا کَسَبُوا وَالَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَیُصِیبُهُمْ سَیِّئَاتُ مَا کَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِینَ } 51 _سورة الزمر.

{ فَأصَابَهُمْ سَیِّئَاتُ مَا کَسَبُوا}: یعنی عقوبة ما کسبوا من الظلم والشرک .یقول الله تعالی مخبرا عن حال هؤلاء الکفار فی الآخرة وما یصیرون إلیه فقال " فأصابهم سیئات ما کسبوا " قیل فی معناه قولان : أحدهما _ فأصابهم عقاب سیئات ما کسبوا وحذف المضاف واقام المضاف إلیه مقامه لدلالة الکلام علیه .

الثانی _ انه أراد فأصابهم عقاب ما کسبوا من المعاصی وسماه سیئات لازدواج الکلام, کما قال " وجزاء سیئة سیئة مثلها " _ سورة 42 _ الشوری آیة 40 .

ثم قال " والذین ظلموا من هؤلاء " یعنی من کفار قوم النبی صلی الله علیه و آله " سیصیبهم " أیضا " سیئات ما کسبوا وما هم بمعجزین " أی لیس یفوتون الله, ثم قال علی وجه التنبیه لهم علی معرفته " أولم یعلموا ان الله یبسط الرزق لمن یشاء " أی یوسعه علی من یشاء من عباده بحسب ما یعلم من مصلحته " ویقدر " أی ویضیق علی من یشاء منهم بمثل ذلک " إن فی تلک لآیات " أی دلالات واضحات " لقوم یؤمنون " أی یصدقون بتوحید الله ویقرون بأنبیائه . وأضاف الآیات إلی المؤمنین لأنهم الذین انتفعوا بها, ثم قال " قل " لهم یا محمد " یا عبادی الذین أسرفوا علی أنفسهم " بارتکاب المعاصی " لا

ص: 192

تقنطوا من رحمة الله " أی لا تیأسوا من رحمة الله یقال: قنط یقنط قنوطا إذا یئس " ان الله یغفر الذنوب جمیعا انه هو الغفور الرحیم " وفی ذلک دلالة واضحة علی أنه یجوز ان یغفر الله بلا توبة تفضلا منه وبشفاعة النبی صلی الله علیه و آله لأنه لم یشرط التوبة بل أطلقها . وروی عن فاطمة علیها السلام أنها قالت: إن الله یغفر الذنوب جمیعا ولا یبالی . وروی عن علی علیه السلام وابن عباس: أنهما قالا: إن لارجی آیة فی کتاب الله قوله { وإن ربک لذو مغفرة للناس علی ظلمهم " } ((1)) .

فقال عبد الله بن عمرو بن العاص بل أرجی آیة فی کتاب الله قوله: {" قُلْ یَا عِبَادِ الَّذِینَ أسْرَفُوا عَلَی أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إنَّ اللّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِیمُ 53_الزمر }" وهو المروی عن الامام علی علیه السلام أیضا .

وقوله {" وأنیبوا إلی ربکم } " امر مستأنف من الله لخلقه بالرجوع إلی الله والتوبة من معاصیهم . والإنابة هی الرجوع " وأسلموا له " معناه آمنوا به وسلموا لاوأمره " من قبل أن یأتیکم العذاب ثم لا تنصرون " عند نزول العذاب بکم "{ واتبعوا أحسن ما أنزل إلیکم من ربکم "} إنما قال "

ص: 193

أحسن ما أنزل " لأنه أراد بذلک الواجبات والنفل التی هی الطاعات دون المباحات والمقبحات التی لا یأمر بها ((1)) .

وقال نجاح الطائی: سیصیب العقاب الالهی هؤلاء الظالمین العاصین فی الدنیا والاخرة ولا یمکنهم الفرار من الجزاء المفروض علی المجرمین .

فطالما فروا من العقاب المفروض من الناس والقضاء لکنهم لا یمکنهم الفرار من العقاب الالهی .

الظالمون من السابقین واللاحقین یصیبهم عقاب الجبار بما ارتکبوا من ذنوب فی الحیاة الدنیا .

{أوَ لَمْ یَعْلَمُوا أنَّ اللّهَ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَقْدِرُ إنَّ فِی ذَلِکَ لاَیَات لِقَوْم یُؤْمِنُونَ } 52 _سورة الزمر.

ای یوسع علی من یشاء ویضیق علی من یشاء.

بسط الرزق وقبضه من آیات الله تعالی ولولا الرزق الالهی وعنایته فی هذا المجال لماتت الامم من الجوع علیه السلام وهذا السحاب الناقل للمطر الی المسلمین والکفار فی النواحی القریبة والبعیدة أکبر دلیل علی رزقه .

وآیاته لا تعد ولا تحصی انه علی کل شیء قدیر .

ص: 194

من آیات الله تعالی انه یعطی المال الکثیر لمن یشاء ویحدده عند من یشاء لحکمة یریدها تعالی . فلا یمکن للفقیر أن یصبح غنیا الا باذن الله ولا یمکنک تحویل الموسر مسکینا الا باذنه سبحانه .

بعض الآیات الواردة فی الرزق:

قال تعالی: { إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد } 54*_سورة ص .

البقرة " 2 " والله یرزق من یشاء بغیر حساب 212 .

آل عمران " " إن الله یرزق من یشاء بغیر حساب 37 .

هود " 11 " وما من دابة فی الأرض إلا علی الله رزقها 6 .

الرعد " 13 " الله یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر 26 .

الاسری " 17 " إن ربک یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر إنه کان بعباده خبیرا بصیرا 30 .

الحج" 22 "لیرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خیر الرازقین 58 .

المؤمنین " 23 " وهو خیر الرازقین 72 .

النور " 24 " والله یرزق من یشاء بغیر حساب 38

العنکبوت " 2 " وکأین من دابة لا تحمل رزقها الله یرزقها وإیاکم وهو السمیع العلیم 6 " .

وقال تعالی ": الله یبسط الرزق لمن یشاء من عباده ویقدر له إن الله بکل شئ علیم 62 .

الروم " 30 " أولم یروا أن الله یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر إن فی ذلک لآیات لقوم یؤمنون 37 .

ص: 195

سبا " 34 " قل من یرزقکم من السماوات والأرض قل الله 34 " وقال تعالی ": قل إن ربی یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر ولکن أکثر الناس لا یعلمون 36 " وقال تعالی " : قل: إن ربی یبسط الرزق لمن یشاء من عباده ویقدر له وما أنفقتم من شئ فهو یخلفه وهو خیر الرازقین 39 .

الزمر " 39 " أو لم یعلموا أن الله یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر إن فی ذلک لآیات لقوم یؤمنون 52 .

حمعسق " 42 " له مقالید السماوات والأرض یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر إنه بکل شئ علیم 12 " وقال تعالی: " ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فی الأرض ولکن ینزل بقدر ما یشاء إنه بعباده خبیر بصیر 27 .

الزخرف " 43 " أهم یقسمون رحمة ربک نحن قسمنا بینهم معیشتهم فی الحیاة الدنیا 32 .

الذاریات " 51 " وفی السماء رزقکم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنکم تنطقون 22 _ 23 .

وقال البیضاوی فی قوله تعالی: " وفی السماء رزقکم ": أی أسباب رزقکم أو تقدیره .

وقیل: المراد بالسماء السحاب, وبالرزق المطر لأنه سبب الأقوات, " وما توعدون "من الثواب لان الجنة فوق السماء السابعة, أو لان الاعمال وثوابها مکتوبة مقدرة فی السماء وقیل: إنه مستأنف خبره: " فورب السماء والأرض إنه لحق " وعلی هذا فالضمیر " لما " وعلی الأول یحتمل أن یکون له ولما ذکر من أمر الآیات والرزق والوعید . " مثل ما أنکم تنطقون " أی مثل

ص: 196

نطقکم کما أنه لا شک لکم فی أنکم تنطقون ینبغی أن لا تشکوا فی تحقق ذلک ((1)) .

وروی جابر ان رسول الله صلی الله علیه و آله خطب الناس فقال " اتقوا الله فی النساء " فإنهن عوان عندکم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بکلمة الله ولهن علیکم رزقهن وکسوتهن بالمعروف " رواه مسلم وأبو داود . ورواه الترمذی باسناد عن عمرو بن الأحوص قال " ألا ان لکم علی نسائکم حقا ولنسائکم علیکم حقا, فأما حقکم علی نسائکم فلا یوطئن فرشکم من تکرهون ولا یأذن فی بیوتکم لمن تکرهون, الا وحقهن علیکم أن تحسنوا إلیهن فی کسوتهن وطعامهن " وقال هذا حدیث حسن صحیح .

{ قُلْ یَا عِبَادِ الَّذِینَ أسْرَفُوا عَلَی أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إنَّ اللّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِیمُ} 53 _سورة الزمر.

قال الامام الباقر علیه السلام : لا یعذر أحد یوم القیامة یقول: لم أعلم أنَّ ولد فاطمة هم الولاة علی الناس کافة وفی شیعة ولد فاطمة أنزل الله هذه الآیة خاصة: (یَا عِبَادِ الَّذِینَ أسْرَفُوا عَلَی أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ ) ((2)) .

علی بن إبراهیم, قال: نزلت فی شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام

خاصة .

ص: 197

قل یا عبادی الذین أسرفوا علی أنفسهم أفرطوا فی الجنایة علیها بالإسراف فی المعاصی لا تقنطوا من رحمة الله إن الله یغفر الذنوب جمیعا إنه هو الغفور الرحیم . والقمی قال:

نزلت فی شیعة علی بن أبی طالب علیه السلام خاصة ((1)) .

وفی الکافی عن الصادق علیه السلام لقد ذکرکم الله فی کتابه إذ یقول یا عبادی الآیة . قال والله ما أراد بهذا غیرکم. وفی المحاسن عن الصادق علیه السلام ما علی ملة إبراهیم غیرکم وما یقبل إلا منکم ولا یغفر الذنوب إلا لکم وعن أمیر المؤمنین علیه السلام إنه قال ما فی القرآن آیة أوسع من یا عبادی الذین أسرفوا الآیة . وفی المجمع عن النبی صلی الله علیه و آله إنه قال ما أحب أن لی الدنیا وما فیها بهذه الآیة ((2)) .

وعقاب

الکفار مقطوع علیه بالإجماع, وعقاب فساق أهل الصلاة غیر مقطوع علیه, لأن العقل یجیز العفو عنهم ولم یرد سمع قاطع بعقابهم, وما یدعی من آیات الوعید وعمومها مقدوح فیه بأن العموم لا ینفرد بصیغة خاصة فی اللغة, ولأن آیات الوعید مشروطة بالثابت

ومن زاد ثوابه عندهم,

ص: 198

وما أوجب هذین الشرطین یوجب اشتراط من تفضل اللَّه تعالی بالعفو عنه وهذه الآیات أیضا معارضة بعموم آیات أخری , مثل قوله تعالی :

{ إنَّ اللّهَ لا یَغْفِرُ أنْ یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَنْ یَشَاءُ وَمَنْ یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدْ افْتَرَی إثْماً عَظِیماً } 48 _النساء.

{ وَإنَّ رَبَّکَ لَذُو مَغْفِرَة لِلنَّاسِ عَلَی ظُلْمِهِمْ وَإنَّ رَبَّکَ لَشَدِیدُ العِقَابِ } 6_سورة الرعد ((1)) .

الطوسی: ( أن قوله " ویغفر ما دون ذلک " یقتضی عمومه أنه یغفر کل ما دون الشرک صغیرا کان أو کبیرا تاب منه أو لم یتب, لأن عموم ما یقتضی ذلک علی مدعاهم ولیس لهم أن یخصوا عموم هذه الآیة لتسلم عموم آیاتهم, لأنا نعکس ذلک فنخص عموم آیات الوعید بالکفار لتسلم آیات العفو .

والشبهة إنما دخلت فی الآیة فی أعیان المغفور لهم دون الغفران, وإنما کانت تکون فی الغفران لو قال یغفر ما دون ذلک إن شاء, والأمر بخلافه .ونحن لا نقطع علی أنه یغفر لکل أحد بل ذلک متعلق بمشیئته ) ((2)) .

: أتَدرونَ ما کانَ یَقولُ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام بَعدَ صَلاةِ الفَریضَةِ ؟ فَقُلنا : وما کانَ یَقولُ ؟ قالَ: کانَ یَقولُ :

ص: 199

" إلَیکَ رُفِعَتِ الأَصواتُ [ ودُعِیَتِ الدَّعَواتُ, ولَکَ ] عَنَتِ الوُجوهُ, ولَکَ وُضِعَتِ الرِّقابُ, وإلَیکَ التَّحاکُمُ فِی الأَعمالِ, یا خَیرَ مَن سُئِلَ, ویا خَیرَ مَن أعطی, یا صادِقُ یا بارِئُ, یا مَن لا یُخلِفُ المیعادَ, یا مَن أمَرَ بِالدُّعاءِ ووَعَدَ بِالإِجابَةِ, یا مَن قالَ: ( اُدعونی أستَجِب لَکُم ) , یا مَن قالَ: ( وإذا سَأَلَکَ عِبادی عَنّی فَإِنّی قَریبٌ أُجیبُ دَعوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ فَلیَستَجیبوا لی ولیُؤمِنوا بی لَعَلَّهُم یَرشُدونَ ) , ویا مَن قالَ:

( یا عِبادِیَ الَّذینَ أسرَفوا عَلی أنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ یَغفِرُ الذُّنوبَ جَمیعًا إنَّهُ هُوَ الغَفورُ الرَّحیمُ لَبَّیکَ وسَعدَیکَ, ها أنا ذا بَینَ یَدَیکَ المُسرِفُ, وأنتَ القائلُ:

( لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ یَغفِرُ الذُّنوبَ جَمیعًا ) " ((1)) .

وقال الامام السجاد فی دعائه: اللهم إنک خلقتنی سویا, وربیتنی صغیرا, ورزقتنی مکفیا . اللهم إنی وجدت فیما أنزلت من کتابک, وبشرت به عبادک أن قلت: " یا عبادی الذین أسرفوا علی أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله یغفر الذنوب جمیعا " وقد تقدم منی ما قد علمت, وما أنت أعلم به منی, فیا سوأتا مما أحصاه علی کتابک, فلولا المواقف التی أؤمل من عفوک الذی شمل کل شئ لألقیت بیدی

ولو أن أحدا استطاع الهرب من ربه, لکنت أنا أحق بالهرب منک, و أنت لا تخفی علیک خافیة فی الأرض ولا فی السماء إلا أتیت بها, وکفی بک جازیا, وکفی بک حسیبا .

ص: 200

اللهم إنک طالبی إن أنا هربت, ومدرکی إن أنا فررت, فها أنا ذا بین یدیک خاضع ذلیل راغم, إن تعذبنی فإنی لذلک أهل, وهو یا رب منک عدل, وإن تعف عنی فقدیما شملنی عفوک, وألبستنی عافیتک .

فأسألک اللهم بالمخزون من أسمائک وبما وارته الحجب من بهائک, إلا رحمت هذه النفس الجزوعة وهذه الرمة الهلوعة, التی لا تستطیع حر شمسک, فکیف تستطیع حر نارک ؟ ! والتی لا تستطیع صوت رعدک, فکیف تستطیع صوت غضبک ؟ !

فارحمنی اللهم فإنی امرؤ حقیر, وخطری یسیر, ولیس عذابی مما یزید ملکک مثقال ذرة, ولو أن عذابی مما یزید فی ملکک لسألتک الصبر علیه, وأحببت أن یکون ذلک لک, ولکن سلطانک اللهم أعظم, وملکک أدوم من أن تزید فیه طاعة المطیعین, أو تنقص منه معصیة المذنبین ((1)) .

وقال نجاح الطائی: قال تعالی : { قُلْ یَا عِبَادِ الَّذِینَ أسْرَفُوا عَلَی أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إنَّ اللّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِیمُ} 53 _سورة الزمر : نزلت فی شیعة علی بن أبی طالب علیه السلام خاصة ((2)) .

لان الشیعة یؤمنون بأصول الدین کلها ویشفع لهم أهل البیت علیهم السلام .

ص: 201

وقد ورد بأن المؤمنین الفقراء یدخلون الجنة قبل المؤمنین الاغنیاء بثمانین ألف سنة فمن الطبیعی ان یدخل المذنبون الجنة بفارق زمنی طویل عن الطاهرین منهم .

وظهر من هذه المقدّمات أنّ قوله: « یا عِبادِیَ » مختصّ بالمؤمنین ولا یشمل المخالفین ولو کان المراد ما یدلّ علیه ظاهر الآیة لکان ذلک دعوة من الله تعالی للناس بارتکاب الظلم والمعاصی وهذا لا یلیق بحکمة اللَّه تعالی .

اذن الایة تعنی التنبیه علی أنّه لا یجوز أن یظنّ العاصی أنّه لا مخلص له من العقاب الالهی ولا مفر منه .

فمن یعتقد هذا فهو قانط من رحمة اللَّه فکل من تاب تاب الله علیه: « إِنَّ اللَّه َ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً » أی بالتوبة والإنابة. کما هو واضح فی هذه الایة الکریمة :

{ وَأنِیبُوا إلَی رَبِّکُمْ وَأسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أنْ یَأتِیَکُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ } 54 _سورة الزمر.

{ وَأنِیبُوا إلَی رَبِّکُمْ (أی توبوا ) . وَأسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أنْ یَأتِیَکُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ } .

وقال

أبو مسلم بن بحر: تلخیص المعنی فی ذلک أنه سبحانه لا یغفر الشرک للمقیم علیه ولا یغفر معه شیئا من الذنوب صغیرا ولا کبیرا: فالصغائر المغفورة للمؤمنین غیر محطوطة عن المشرکین, وذلک من أجل شرکهم, ومعنی ( أن ) فی قوله تعالی: ( أن یشرک به ) معنی ( من أجل ), أی: من أجل الشرک لا یغفر لهم, فإذا فارقوه وکان منهم الذنب الذی هو دونه غفر

ص: 202

ذلک لهم بالتوبة, المعنیون بقوله تعالی: ( من یشاء ) التائبون, ویدل علی ذلک قوله تعالی ( إن رحمة الله قریب من المحسنین ) الاعراف 56 _ ((1)) .

علی بن إبراهیم: فی معنی الآیة, قال: ثم ذکر الله فضل النبی صلی الله علیه و آله وفضل من تبعه فقال :

( الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَه مَکْتُوباً عِنْدَهُمْ فِی التَّوْراةِ والإِنْجِیلِ یَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ویَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْکَرِ ویُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّباتِ ویُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبائِثَ ویَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والأَغْلالَ الَّتِی کانَتْ عَلَیْهِمْ ) یعنی الثقل الذی کان علی بنی إسرائیل, وهو أنه فرض الله علیهم الغسل والوضوء بالماء, ولم یحل لهم التیمم, ولم یحل لهم الصلاة إلا فی البیع والکنائس والمحاریب, وکان الرجل إذا أذنب جرح نفسه جرحا متینا, فیعلم أنه أذنب, وإذا أصاب شیئا من بدنهم البول قطعوه, ولم یحل لهم المغنم, فرفع ذلک رسول الله عن أمته .

ثم

قال: قال ( فَالَّذِینَ آمَنُوا بِه ) یعنی برسول الله صلی الله علیه و آله ( وعَزَّرُوه ونَصَرُوه واتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أُنْزِلَ مَعَه ) یعنی أمیر المؤمنین علیه السلام , ( أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) فأخذ الله میثاق رسول الله صلی الله علیه و آله علی الأنبیاء أن یخبروا أممهم

ص: 203

وینصروه, فقد نصروه بالقول, وأمروا أممهم بذلک, وسیرجع رسول الله صلی الله علیه و آله ویرجعون فینصرونه فی الدنیا ((1)) .

{ وَاتَّبِعُوا أحْسَنَ مَا اُنْزِلَ إلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ یَأتِیَکُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } 55 _سورة الزمر.

من القرآن وولایة أمیر المؤمنین والأئمة والدلیل علی ذلک قول الله عز وجل: (أنْ تَقُولَ نَفْسٌ یَا حَسْرَتَا عَلَی مَا فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللّهِ) . قال الصادق علیه السلام : نحن جنب الله ((2)) .

تفسیر علی بن إبراهیم: الآیة هکذا: ( من ربکم من قبل أن یأتیکم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس ) الآیة, فلما فسر الصادق علیه السلام جنب الله بالأئمة دل ذلک علی أن ما أمر الله بمتابعته فی الآیة السابقة شامل للولایة فتدبر ((3)) .

بصائر الدرجات: محمد بن الحسین عن أحمد بن بشر عن حسان الجمال عن هاشم بن أبی عمار قال: سمعت أمیر المؤمنین علیه السلام یقول: أنا عین الله, وأنا جنب الله, وأنا ید الله, وأنا باب الله ((4)) .

ص: 204

بصائر الدرجات: أحمد عن الحسین عن فضالة عن القاسم بن برید عن مالک الجهنی قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: إنا شجرة من جنب الله, فمن وصلنا وصله الله ثم تلا هذه الآیة: { أن تقول نفس یا حسرتا علی ما فرطت فی جنب الله وإن کنت لمن الساخرین } ((1)) .

وقال نجاح الطائی: الامر الالهی باتباع الحق المتمثل فی التوحید والنبوة وأمامة أهل البیت قبل أن یلفهم العذاب الربانی فیکونوا من الخاسرین .

وهذا یبین أن المجرمین غیر التائبین لا یدخلون الجنة بل مصیرهم الی النار

{

أنْ تَقُولَ نَفْسٌ یَا حَسْرَتَی عَلَی مَا فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللّهِ وان کنت لمن الساخرین }_ 56 _سورة الزمر.

: «قال الامام موسی الکاظم: جَنْبِ الله أمیر المؤمنین علی علیه السلام وکذلک ما کان بعده من الأوصیاء بالمکان الرفیع الی أن ینتهی الأمر الی آخرهم ((2)) .

وروی العلامة البحرانی عن صاحب المناقب الفاخرة فی العترة الطاهرة قال: روی عن أبی بکر قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله لعلی بن أبی طالب علیه السلام :

خُلقت أنا وأنت یاعلی من جنب الله تعالی.

فقال علیه السلام : یارسول الله صلی الله علیه و آله ما جنب الله تعالی؟

ص: 205

قال صلی الله علیه و آله : سر مکنون, وعلم مخزون, لم یخلق الله منه سوانا, فمن أحبنا وفی

بعهد الله, ومن أبغضنا فانه یقول فی آخر نفس: (یاحسرتی علی ما فرطت فی جنب الله)

((1)) .

وقال أمیر المؤمنین فی خطبته: أنا الهادی وأنا المهتدی , وأنا أبو الیتامی والمساکین وزوج الأرامل وأنا ملجأ کل ضعیف ومأمن کل خائف وأنا قائد المؤمنین الی الجنة , وأنا حبل الله المتین , وأنا عروة الله الوثقی , وکلمة التقوی , وأنا عین الله ولسان الصادق ویده وأنا جنبه الذی یقول: (یاحسرتی علی ما فرطت فی جنب الله) ((2)) .

وقال الامام علی علیه السلام : أنا علم الله , وأنا قلب الله الواعی , ولسانه الناطق وعین الله , وأنا جنب الله وأنا ید الله ((3)) .

و أخرج الحافظ سلیمان القندوزی الحنفی قال: فی المناب عن أبی بصیر عن جعفر الصادق ( علیها السلام ) قال: قال امیر المؤمنین علی علیه السلام فی خطبته :

ص: 206

وسرد بعض الخطبة إلی أن قال: قال علی: «وانا جنب الله الذی یقول الله تعالی فیه » : (أن تقول نفس یاحسرتی علی ما فرطت فی جنب الله) ((1)) .

وقال الرضا علیه السلام عن نزول الایة : نزلت فی ولایة علی ((2)) .

{ أوْ تَقُولَ لَوْ أنَّ اللّهَ هَدَانِی لَکُنْتُ مِنَ المُتَّقِینَ }57 _سورة الزمر.

قال الامام محمد الباقر علیه السلام فی قوله تعالی لو أن الله هدانی لکنت من المتقین قال لولایة علی فرد الله علیهم بلی قد جائتک آیاتی فکذبت بها واستکبرت وکنت من الکافرین وکان أمیر المؤمنین یقول: ما لله آیة أکبر منی .

وروی عن الامام الصادق علیه السلام : اکثر الناس فرحا بظهور الامام الحجة هم أهل العراق .قیل لماذا یابن رسول الله ؟

قال علیه السلام : لما یصیبهم فی ولایتنا وتکالب الامم علیهم .

قال الحمیری :

وانک آیة للناس بعدی * تخبر انهم لا یوقنون

وقال شاعر :

ص: 207

تولی الشباب وجاء المشیب * فأیقظنی فعرفت الطریقا ((1)).

وقال نجاح الطائی: هذا تهدید من الله تعالی أن لا یقول الشخص یوم القیامة :{ لَوْ أنَّ اللّهَ هَدَانِی لَکُنْتُ مِنَ المُتَّقِینَ } .

یضعون اللوم علی الباری سبحانه فی محاولتهم الهروب من المسؤولیة الملقاة علیهم .

{ أوْ تَقُولَ حِینَ تَرَی العَذَابَ لَوْ أنَّ لِی کَرَّةً فَأکُونَ مِنَ المُحْسِنِینَ } سورة الزمر 58 :

أی لو أنّ لی رجعة ثانیة إلی الدنیا فأکون من المحسنین الموحّدین المطیعین لولایة أمیر المؤمنین علیه السلام ..

ثمّ أنکر اللَّه قولهم فقال تعالی: { بَلی قَدْ جاءَتْکَ } أی لیس کما قلت قد جاءتک آیاتی أی براهینی وحججی وما خلقت بیدی { فَکَذَّبْتَ بِها} وأنفت من اتّباعها.

فردَّ الله تعالی علیهم :

{ بَلَی قَدْ جَاءَتْکَ آیَاتِی فَکَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَکْبَرْتَ وَکُنْتَ مِنَ الکَافِرِینَ } 59 _سورة الزمر.

ولا یمکنه انکار نزول آیات الله تعالی الیه فی التوحید والنبوة والامامة اذ یشهد بهذا سمعه ولسانه .

ص: 208

ولا یتمکن الکافر من الهروب فی الاخرة کما کان یهرب فی محاکم الدنیا بالاکاذیب ودفع الرشاوی وتهدید المظلوم بوجوب سحب شکایته وأن لا یذیع الی الناس مظلومیته .

{ وَیَوْمَ القِیَامَةِ تَرَی الَّذِینَ کَذَبُوا عَلَی اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ألَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْویً لِلْمُتَکَبِّرِینَ } 60 _سورة الزمر.

عن سورة بن کلیب , قال الامام الباقر علیه السلام : من قال إنی امام ولیس بإمام . قلت: وإن کان علویاً ؟ قال علیه السلام : وإن کان علویاً .

قلت: وإن کان من ولد علی بن أبی طالب ؟

قال علیه السلام : وإن کان ((1)) .

ضیاء العراقی: وجملة المعاصی التی وجد فیها الوعید بالنار فی الکتاب صریحا أربعة عشر :

الأول _ الکفر باللَّه العظیم . قال تعالی « وَالَّذِینَ کَفَرُوا أَوْلِیاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَی الظُّلُماتِ أُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ _ البقرة: 259 » .

ص: 209

الثانی _ الإضلال عن سبیل اللَّه . قال تعالی: « ثانِیَ عِطْفِه ِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللَّه لَهُ فِی الدُّنْیا خِزْیٌ وَنُذِیقُه ُ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَذابَ الْحَرِیقِ _ الحج: 9 » .

الثالث _ الکذب علی اللَّه . قال تعالی « وَیَوْمَ الْقِیامَةِ تَرَی الَّذِینَ کَذَبُوا عَلَی اللَّه ِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ . أَ لَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْویً لِلْمُتَکَبِّرِینَ _ الزمر: 61 .

الرابع _ قتل النفس المحترمة . قال تعالی « وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُه ُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها _ النساء: 95 » .

الخامس _ الظلم . قال تعالی: « إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِینَ ناراً _ الکهف: 28 » .

السادس _ الرکون إلی الظالم . قال تعالی: « وَلا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ _ هود: 115 » .

السابع _ الکبر . قال تعالی « فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِینَ فِیها فَلَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ _ النحل: 31 » .

الثامن _ ترک الصلاة . قال تعالی « ما سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ قالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ _ المدثر: 44 » .

التاسع _ منع الزکاة . قال تعالی « وَالَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللَّه ِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ یَوْمَ یُحْمی عَلَیْها فِی نارِ جَهَنَّمَ _ التوبة : 34 » .

العاشر_ التخلف عن الجهاد . قال تعالی « فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّه ِ _ إلی قوله _ : قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ کانُوا یَفْقَهُونَ _ التوبة: 82 » .

ص: 210

الحادی عشر _ الفرار من الزحف . قال تعالی: « وَمَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَه ُ _ إلی قوله _ : وَمَأْواه ُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ _ الأنفال: 16 » .

الثانی عشر _ أکل الربا . لقوله تعالی « الَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إِلَّا کَما یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُه ُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِّ _ إلی قوله _ : وَمَنْ عادَ فَأُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ _ البقرة: 276 » .

الثالث عشر _ أکل مال الیتیم . قال تعالی: « إِنَّ الَّذِینَ یَأْکُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی ظُلْماً إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً وَسَیَصْلَوْنَ سَعِیراً _ النساء: 11 » .

الرابع عشر _ الإسراف . لقوله تعالی: « أَنَّ الْمُسْرِفِینَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ _ المؤمن: 46 » .

قال: واما المعاصی التی وقع التصریح فیها بالعذاب دون النار فهی أیضا أربعة عشر :

الأول _ کتمان ما انزل الله _ قال تعالی: « إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ _ إلی قوله _ أولئک ما یأکلون فی بطونهم الا النار _ البقرة: 169 » .

الثانی _ الاعراض عن ذکر الله . قال تعالی: « مَنْ أَعْرَضَ عَنْه ُ فَإِنَّه ُ یَحْمِلُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وِزْراً _ طه: 99 » .

الثالث _ الإلحاد فی بیت الله . قال تعالی: وَمَنْ یُرِدْ فِیه ِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْه ُ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ _ الحج: 26 » .

الرابع _ المنع من مساجد الله . قال تعالی: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّه ِ _ إلی قوله _ : وَلَهُمْ فِی الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ _ البقرة: 108 » .

ص: 211

الخامس _ إیذاء الرسول . قال تعالی « إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللَّه َ وَرَسُولَه ُ لَعَنَهُمُ اللَّه ُ فِی الدُّنْیا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً _ الأحزاب: 57 » .

السادس _ الاستهزاء بالمؤمنین . قال تعالی: « الَّذِینَ یَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِینَ _ إلی قوله _ : وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ

_ التوبة: 80 » .

السابع والثامن _ نقض العهد والیمین . قال تعالی: « الَّذِینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه ِ وَأَیْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِیلًا أُولئِکَ لا خَلاقَ لَهُمْ .: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ _ آل عمران: 81 » .

التاسع _ قطعیة الرحم . قال تعالی: « وَیَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّه ُ بِه ِ أَنْ یُوصَلَ _ إلی قوله _ : وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ _ الرعد: 25 » .

العاشر _ المحاربة . قال تعالی: « إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللَّه َ _ إلی قوله _ : وَلَهُمْ فِی الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ _ المائدة: 37 » .

الحادی عشر _ الغناء . قال تعالی « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ _ إلی قوله _ : أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ _ لقمان: 5 » .

الثانی عشر _ الزنا . قال تعالی « وَلا یَزْنُونَ . وَمَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثاماً یُضاعَفْ لَه ُ الْعَذابُ یَوْمَ الْقِیامَةِ _ فرقان: 68 » .

الثالث عشر _ إشاعة الفحشاء . قال تعالی « إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ _ النور: 18 » .

الرابع عشر _ القذف . قال تعالی « الَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ _ إلی قوله _ : وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ _ النور: 23 » .

ص: 212

قال: واما المعاصی التی یستفاد من الکتاب العزیز وعید النار علیها ضمنا ولزوما فهی ستة :

الأول _ الحکم بغیر ما انزل الله . قال تعالی: « وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّه ُ فَأُولئِکَ هُمُ الْکافِرُونَ _ المائدة: 48 » .

الثانی _ الیأس من روح الله . قال تعالی: « وَلا تَیْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّه ِ إِنَّه ُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّه ِ إِلَّا الْقَوْمُ الْکافِرُونَ _ یوسف: 87 » .

الثالث _ ترک الحج . قال تعالی: « وَلِلَّه ِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْه ِ سَبِیلًا وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللَّه َ غَنِیٌّ عَنِ الْعالَمِینَ _ آل عمران: 91 » .

الرابع _ عقوق الوالدین _ قال تعالی: « وَبَرًّا بِوالِدَتِی وَلَمْ یَجْعَلْنِی جَبَّاراً شَقِیًّا _ مریم: 33 » .

مع قوله تعالی: « وَخابَ کُلُّ جَبَّارٍ عَنِیدٍ مِنْ وَرائِه ِ جَهَنَّمُ _ إبراهیم: 18 » . وقوله: « فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا فَفِی النَّارِ _ هود: 108 » .

الخامس _ الفتنة . قال تعالی: « وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ _ البقرة: 187 » .

السادس _ السحر . قال تعالی: « وَلکِنَّ الشَّیاطِینَ کَفَرُوا یُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ _ البقرة: 96 » ((1)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : ( مَن قال علیَّ ما لم أقله فلیتبوأْ مقعده من النار ) ((2)) .

ص: 213

وفی حدیث آخر بنفس المعنی عنه ( صلی الله علیه و آله ) أنه قال: ( مَن کذب علیَّ متعمداً فلیتبوأ مقعده من النار ) ((1)) .

ومن هذا الوضع فی الحدیث والکذب علی النبی : جاء عن عروة عن عائشة أنّ رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) کان یرید أن یلقی بنفسه من حالق جبل , قائلا ( صلی الله علیه و آله ): إنّ الأبعد یعنی نفسه لشاعر أو مجنون لا تحدِّث بها عنّی قریش أبداً ((2)) .

اتهموا سید البشریة صلی الله علیه و آله بالجنون لاخراجه من ساحة العقلاء لابطال أحادیثه وکتابه ودینه .

{ وَیُنَجِّی اللّهُ الَّذِینَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا یَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ }61 _سورة الزمر.

الذین اتقوا معاصیه ( بِمَفازَتِهِمْ ) بسبب فلاحهم وصلاحهم . مفعلة من الفوز . ومن الطبیعی یحصل المتقون علی مکانات راقیة فی الجنة .

ص: 214

ومن مواعظ الامام أبی عبد الله الحسین بن علی علیه السلام ما رواه فی الکتاب المذکور أیضا عنه علیه السلام قال « أوصیکم بتقوی اللَّه وأحذرکم أیامه وأرفع لکم أعلامه فکان المخوف قد أفد بمهول وروده ونکیر حلوله وبشع مذاقه فاعتلق مهجکم وحال بین العمل وبینکم, فبادروا بصحة الأجسام فی مدة الأعمار کأنکم ببغتات طوارقه فتنقلکم من ظهر الأرض إلی بطنها, ومن علوها إلی أسفلها, ومن أنسها إلی وحشتها, ومن روحها وضوءها إلی ظلمتها, ومن سعتها إلی ضیقها, حیث لا یزار حمیم ولا یعاد سقیم ولا یجاب صریخ, أعاننا اللَّه وإیاکم علی أهوال ذلک الیوم ونجانا وإیاکم من عقابه وأوجب لنا ولکم الجزیل من ثوابه .

عباد اللَّه فلو کان ذلک قصر مرماکم ومدی مظعنکم کان حسب العامل شغلا یستفرغ علیه أحزانه ویذهله عن دنیاه ویکثر نصبه لطلب الخلاص منه, فکیف وهو بعد ذلک مرتهن باکتسابه, مستوقف علی حسابه, لا وزیر له یمنعه, ولا ظهیر عنه یدفعه, ویومئذ « لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً, قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ » .

أوصیکم بتقوی اللَّه فإن اللَّه قد ضمن لمن اتقاه أن یحوله عما یکره إلی ما یحب ویرزقه من حیث لا یحتسب, فإیاک أن تکون ممن تخاف علی العباد من ذنوبهم, ویأمن العقوبة من ذنبه, فإن اللَّه تبارک وتعالی لا یخدع عن جنته ولا ینال ما عنده إلا بطاعته إن شاء اللَّه » ((1)).

دعاء لافناء الظالمین

ص: 215

قال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه: ( من ظُلم وأقام ظالمه علی ظلمه لا یرجع عنه, فلیفض الماء علی نفسه, ویسبغ الوضوء ویصلی رکعتین, ثم یقول : (اللهم إن فلان بن فلان ظلمنی, واعتدی علیَّ, ونصب لی, وأمضنی (أوجعنی) وارمضنی ((1)), وأذلنی وأخلقنی ((2)), اللهم فکله إلی نفسه, وهدَّ رکنه, وعجل جائحته ((3)), واسلبه نعمتک عنده, واقطع رزقه, وابتر (اقطع) عمره, وامح أثره, وسلط علیه عدوه, وخذه من مأمنه کما ظلمنی واعتدی علیَّ ونصب لی, وأمض وأرمض وأذل وأخلق . فإنه لا یمهل ) ((4)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : من أصلح أمر آخرته أصلح الله أمر دنیاه, ومن أصلح ما بینه وبین الله أصلح الله ما بینه وبین الناس ((5)).

ص: 216

وروی داود بن فرقد عن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال: ان العمل الصالح لیمهد لصاحبه فی الجنة کما یرسل الرجل غلامه بفراشه فیفرش له, ثم قرء ( ومن عمل صالحا فلا نفسهم یمهدون )_الروم 43 _ ((1)) .

إذ العمل الصالح یقول لصاحبه: أرکبنی عند أهوال یوم القیامة فلطالما رکبتک فی الدنیا فی الصلاة والصیام, فیرکبه فیتخطی به مواقف الهوان, حتی یحل به غرفات الجنان, فارتئی لنفسک قبل نزولک, ومهَّد المنزل قبل حلولک, ومن عمل صالحا فلا نفسهم یمهدون, وهم فیما اشتهت أنفسهم خالدون ) ((2)) .

هؤلاء المؤمنون یحصلون علی النعیم فی مقابل الظالمین الذین یحلون فی

الجحیم بما کسبت أیدیهم .

{ اللّهُ خَالِقُ کُلِّ شَیْء وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیْء وَکِیلٌ} 62_سورة الزمر.

العدة عن البرقی عن أبیه عن النضر عن یحیی الحلبی عن ابن مسکان عن زرارة قال سمعت أبا عبد اللَّه علیه السلام یقول: « إن اللَّه تعالی خلو من خلقه , وخلقه خلو منه , وکل ما وقع علیه اسم شیء ما خلا اللَّه فهو مخلوق , واللَّه خالق کل شیء تبارک الذی لیس کمثله شیء وهو السمیع البصیر » ((3)).

ص: 217

وعن الامام ابی عبد الله علیه السلام قال قال أمیر المؤمنین علیه السلام : « اعرفوا اللَّه بالله والرسول بالرسالة وأولی الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان »((1)).

وقال الکلینی : معنی قوله اعرفوا اللَّه بالله یعنی أن اللَّه خلق الأشخاص والأنوار والجواهر والأعیان فالأعیان الأبدان والجواهر الأرواح فهو جل وعز لا یشبه جسما ولا روحا ولیس لأحد فی خلق الروح الحساس الدراک أمر ولا سبب هو المنفرد بخلق الأرواح والأجسام فإذا نفی عنه الشبهین شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف اللَّه بالله وإذا شبه بالروح أو البدن أو النور فلم یعرف اللَّه بالله .

کذب نظریة التفویض

ونقل العلَّامة المجلسی فی مرآة العقول عن زرارة أنه قال: قلت للصادق علیه السلام : إن رجلًا من ولد عبد الله بن سنان یقول بالتفویض.

فقال: وما التفویض ؟

قلت: إن الله تبارک وتعالی خلق محمّداً صلی الله علیه و آله وعلیاً علیه السلام ففوض إلیهما, فخلقا ورزقا وأماتا وأحییا, فقال علیه السلام : کذّب عدو الله إذا انصرفت إلیه فاتل علیه هذه الآیة من سورة الرعد:

ص: 218

( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَکاءَ خَلَقُوا کَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَیْهِمْ قُلِ الله خالِقُ کُلِّ شَیْءٍ وهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) فانصرفت إلی الرجل فأخبرته فکأنی ألقمته حجراً, أو قال فکأنما خرس ((1)) .

لقد بین القرآن الکریم أن کل شیء فی الکون خلقه رب العالمین فلم یبق حجة یستفید منها الکافرون والمنافقون .

وکل أمر یدیره رب العالمین ولا تفویض الا من اعطاه تعالی لبیان المعجزات مثلما مکَّن تعالی عیسی علیه السلام فی احیاء بعض الموتی .

هذه آیات محکمات تنفی الجبر عن البشر وتکذب من اعتقد به لان الباری تعالی یقول :{ الیَوْمَ تُجْزَی کُلُّ نَفْس بِمَا کَسَبَتْ} .

دخل یزید بن معاویة الشامی علی الرضا علیه السلام بمرو وسأل عن قول الصادق علیه السلام لا جبر ولا تفویض بل أمر بین الأمرین فقال علیه السلام : من زعم أن الله فعل أفعالنا ثم یعذبنا علیها فقد قال بالجبر ومن زعم أن الله فوض أمر الخلق والرزق إلی حججه فقد قال بالتفویض والقائل بالجبر کافر والقائل بالتفویض مشرک .قال: فما أمر بین أمرین ؟ فقال علیه السلام وجود السبیل إلی إتیان ما نهوا عنه. قال: فهل لله إرادة ومشیة فی ذلک ؟فقالخ: أما الطاعات فإرادة الله ومشیته فیها الأمر بها والرضا بها والمعاونة علیها وإرادته ومشیته فی المعاصی النهی عنها والسخط لها والعقوبة علیها والخذلان بها قال فلله فیه القضاء قال نعم ما من فعل فعله العباد من خیر وشر إلا ولله فیه القضاء

ص: 219

قال: فما معنی هذا القضاء ؟قال علیه السلام : الحکم علیهم بما یستحقونه علی أفعالهم من الثواب والعقاب فی الدنیا والآخرة((1)) .

وحاول المجرمون والغافلون شرح قضیتی الجبر والتفویض مخالفة منهم للکتاب المجید والحدیث الشریف فبینها تعالی فی هذه الایة والایات الکثیرة الاخری .

{ لَهُ مَقَالِیدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِینَ کَفَرُوا بِآیَاتِ اللّهِ اُوْلَئِکَ هُمُ الخَاسِرُونَ } 63 _سورة الزمر.

وقال تعالی { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَیْرِ شَیْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } ((2)).

{ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } ((3)) .

ولاجل ذلک یوصف الله تعالی بأنه موجود ویقال هذا فی الکلام فیقال الله موجود, ولیس الوجود اسما, بل صفة .

یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر انه بکل شئ علیم وأعوذ بالذی خلق الأرض والسماوات العلی الرحمن علی العرش استوی له ما فی السماوات وما فی الأرض وما بینهما وما تحت الثری .

{ لَهُ مَقَالِیدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ }: فهو الذی یدیر الکون مثلما جاء:

ص: 220

{ إنَّ رَبَّکُمُ اللّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِی سِتَّةِ أیَّام ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی العَرْشِ } _سورة الاعراف 54 . { ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی العَرْشِ یُدَبِّرُ الأمْرَ مَا مِنْ شَفِیع إلا مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ} _سورة یونس 3 .

{ اللّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ الحَیُّ القَیُّومُ لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإذْنِهِ یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا یُحِیطُونَ بِشَیْء مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلا یَؤودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِیُّ العَظِیمُ } 255_سورة البقرة .

وقال نجاح الطائی: الانسان الفطری یحکم بعظمة رب العالمین وانه یدیر هذا العالم کله لکن الکافرین ورغم فطرتهم یکفرون به ویکذبون آیاته .

ومن ضعف اعتقاده فی التوحید ضعف اعتقاده فی النبوة والامامة وتحلل من فروع الدین . والدلیل علی هذا مغتصبی الخلافة والخوارج ضعف اعتقادهم بالله فعزلوا الامام علیا وأولاده الأئمة علیهم السلام عن الخلافة وحاربوا علیا علیه السلام فی النهروان کی یقتلوه وهم یعرفون انه امامهم .

والیوم تری الخوارج یقتلون الابریاء فی المساجد والمدارس والمستشفیات والدور والمزارع والمصانع محولین الارض الی جهنم تحت أقدام المسلمین الابریاء لکثرة ذنوبهم وموبقاتهم .

معجزة الابل:

أفلا یتفکرون فیها, وما یخرج الله من ضروعها من بین فرث ودم لبنا خالصا, سائغا للشاربین .والبعیر مع سطوته وعظمته وقوته ذلله تعالی للصبی

ص: 221

الصغیر, فینقاد له ویطیعه طاعة عجیبة, فیبرکه ,و یقوم له ویحمل علیه ویرکبه أیاما کثیرة فی وسط الصحراء . ولولا الاذلال الالهی لهاجت الابل مع جموع الحمار الوحشی فی البراری لا یقوی علی رکوبها أحد .

و المشهور أن الإبل نوعان : الأول ذوات السنام الواحد و هی الإبل العربیة التی تنتشر فی شبه الجزیرة العربیة و فی مناطق تمتد إلی الهند و غرباً إلی البلاد المتاخمة للصحراء الکبری فی إفریقیا . أما النوع الثانی فهو الإبل " الفوالج " أو العوامل ذات السنامین التی تستوطن أواسط آسیا .

و اول ما یلفت الأنظار فی الإبل خصائصها و الشکل الخارجی الذی لا یخلو تکوینه من لطائف تأخذ بالألباب . فالعینان محاطتان بطبقتین من الأهداب الطوال تقیانهما القذی و الرمال .

أما الأذنان فصغیرتان قلیلتا البروز ، فضلاً عن أن الشعر یکتنفها من کل جانب لیقیها الرمال التی تذروها الریاح ، و لهما القدرة عن الانثناء خلفاً و الالتصاق بالرأس إذا ما هبت العواصف الرملیة، کذلک المنخران یتخذات شکل شقین ضیقین محاطین بالشعر و حافتهما لحمیة فیستطیع الجمل أن یغلقهما دون ما قد تحمله الریاح إلی رئتیه من دقائق الرمال . . وذیل الجمل یحمل کذلک علی جانبیه شعراً یحمی الأجزاء الخلفیة من حبات الرمل التی تثیرها الریاح السافیات کأنها وابل من طبقات الرصاص . أما قوائم الجمل فیه طویلة لترفع جسمه عن کثیر مما یثور تحته من غبار ، کما أنها تساعده علی اتساع الخطو و خفة الحرکة ، و تتحصن أقدام الجمل بخف یغلفه جلد قوی غلیظ یضم وسادة عریضة لینة تتسع عندما یدوس

ص: 222

الجمل بها فوق الأرض ، و من ثم یستطیع السیر فوق أکثر الرمل نعومة ، وهو ما یصعب علی أیة دابة سواه و یجعله جدیراً بلقب سفینة الصحراء .

فما زالت الإبل فی کثیر من المناطق القاحلة الوسیلة المثلی لارتیاد الصحاری و قد تقطع قافلة الإبل بما علیها من زاد ومتاع نحوا من خمسین أو ستین کیلومترا فی الیوم الواحد ، ولم تستطع السیارات بعد منافسة الجمل فی ارتیاد المناطق الصحراویة الوعرة غیر المعبدة . و من الإبل أیضاً ما هو أصلح للرکوب و سرعة الانتقال ، مثل الرواحل المضمرة الأجسام التی تقطع فی الیوم الواحد مسیرة مائة و خمسین کیلومترا . و مما یناسب ارتفاع قوائم الجمل طول عنقه کی یتناول طعامه من نبات الأرض ، کما أنه یستطیع قضم أوراق الأشجار المرتفعة حین یصادفها ، هذا فضلاً عن أن هذا العنق الطویل یزید الرأس ارتفاعاً عن الأقذاء ویساعد الجمل علی النهوض بالأثقال .

و حین یبرک الجمل للراحة أو یناخ لیعد للرحیل یعتمد جسمه الثقیل علی وسائد من جلد قوی سمیک علی مفاصل أرجله ، و یرتکز بمعظم ثقله علی کلکله ، حتی أنه لو جثم به فوق حیوان أو إنسان طحنه طحناً . و هذه الوسائد إحدی معجزات الخالق التی أنعم بها علی هذا الحیوان العجیب ، حیث إنها تهیئه لأن یبرک فوق الرمال الخشنة الشدیدة الحرارة التی کثیراً ما لا یجد الجمل سواها مفترشاً له فلا یبالی بها و لا یصیبه منها أذی . و للناس فی الإبل منافع أخری غیر الانتقال و حمل الأثقال ، فهم

ص: 223

ینالون من ألبانها و لحومها و ینسجون الکساء من أوبارها ، و یبنی البدوی خباءه من جلودها .

و حسب الإبل فضلاً أن الله جعلها خیر ما یهدی إلی بیته المحرک و جعلها من شعائره:{وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَکُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ لَکُمْ فِیهَا خَیْرٌ فَاذْکُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَیْهَا صَوَافَّ فَإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَکُلُوا مِنْهَا وَأطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ کَذَلِکَ سَخَّرْنَاهَا لَکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ 36_سورة الحج.}هذه بعض أوجه الإعجاز فی خلق الإبل من ناحیة الشکل و البنیان الخارجی ، و هی خصائص یمکن إدراکها بالفطرة و المتأمل الذی یقنع البدوی منذ الوهلة الأولی بإعجاز الخلق الذی یدل علی قدرة الخالق .وتعرف الإبل بالصبر و العطش ، ففی بیئة الإبل التی یقل فیها الزرع و الماء لا یکتب العیش إلا لحیوان فطر الله جسمه علی حسن تدبیر أمور استخدام ما عنده من ماء و غذاء غایة الاقتصاد ، و له فی ذلک أسالیب معجزة تدعو للعجب و تسبیح الخالق (.. الذی أعطی کل شیءٍ خلقه ثم هدی _سورة طه . ومن هذه الأسالیب أن الجمل لا یتنفس من فمه و لا یلهث أبداً مهما اشتد الحر أو استبد به العطش ، وهو بذلک یتجنب تبخر الماء من هذا السبیل , کذلک یمتاز الجمل بأنه لا یفرز إلا مقدارا ضئیلاً من العرق عند الضرورة القصوی بفضل قدرة جسمه علی التکیف مع المعیشة فی ظروف الصحراء التی تتغیر فیها درجة الحارة بین اللیل و النهار . و یستطیع جهاز ضبط الحرارة فی جسم الجمل أن یجعل مدی تفاوت الحرارة نحو سبع درجات کاملة دون ضرر ، أی بین 34م و 41 م ، و لا یضطر الجمل إلی العرق إلا إذا

ص: 224

تجاوزت حرارة جسمه 41م و یکون هذا فی فترة قصیرة من النهار أما فی المساء فإن الجمل یتخلص من الحرارة التی اختزنها عن طریق الإشعاع إلی هواء اللیل البارد دون أن یفقد قطرة ماء . و هذه الآلیة وحدها توفر للجمل خمسة ألتار کاملة من الماء . و لا یفوتنا أن نقارن بین هذه الخاصیة التی یمتاز بها الجمل و بین نظیرتها عند جسم الإنسان الذی ثبتت درجة حرارة جسمه العادیة عند حوالی 37 م ، و إذا انخفضت أو ارتفعت یکون هذا نذیر مرض ینبغی أن یتدارک بالعلاج السریع .

و یضیف علماء الأحیاء ووظائف الأعضاء (الفسولوجیا) سببا جدیداً یفسر قدرة الإبل علی تحمل الجوع و العطش عن طریق إنتاج الماء الذی یحتاجه من الشحوم الموجودة فی سنامه بطریقة کیماویة یعجز الإنسان عن مضاهاتها. فمن المعروف أن الشحم و المواد الکربوهیدراتیة لا ینتج عن احتراقها فی الجسم سوی الماء و غاز ثانی أسید الکربون الذی یتخلص منه الجسم فی عملیة التنفس

بالإضافة إلی تولد کمیة کبیرة من الطاقة اللازمة لواصلة النشاط الحیوی . و الماء الناتج عن عملیة احتراق الشحوم من قبیل الماء الذی یتکون علی هیئة بخار حین تحترق شمعة علی سبیل المثال ، و یستطیع المرء أن یتأکد من وجوه إذا قرب لوحا زجاجیاً باردا فوق لهب الشمعة وحظ أن الماء الناتج من الاحتراق قد تکاثف علی اللوح . و هذا مصدره البخار الخارج مع هواء الزفیر . و معظم الدهن الذی یختزنه الجمل فی سنامه یلجأ إلیه الجمل حین یشح الغذاء أو ینعدم ، فیحرقه شیئاً فشیاً و یذوی معه السنام یوماً بعد یوم حتی یمیل علی جنبه ، ثم یصبح کیساً

ص: 225

متهدلاً خاویاً من الجلد إذا طال الجوع و العطش بالجمل المسافر المنهک . و من حکمة خلق الله فی الإبل أن جعل احتیاطی الدهون فی الإبل کبیراً للغایة یفوق أی حیوان آخر و یکفی دلیل علی ذلک أن نقارن بین الجمل و الخروف المشهور بإلیته الضخمة المملوءة بالشحم . فحین نجد الخروف یختزن زهاء 11کجم من الدهن فی إلیته ، یجد أن الجمل یختزن ما یفوق ذلک المقدار بأکثر من عشرة أضعاف (أی نحو 120 کجم) ، و هی کمیة کبیرة بلا شک یستفید منها الجمل بتمثیلها و تحویلها إلی ماء و طاقة و ثانی أکسید الکربون . و لهذا یستطیع الجمل أن یقضی حوالی شهر و نصف بدون ماء یشربه . و لکن آثار العطش الشدید تصیبه بالهزال و تفقده الکثیر من وزنه ، و بالرغم من هذا فإنه یمضی فی حیاته صلدا لا تخور قواه إلی أن یجد الماء العذب أو المالح فیعب (تعزی قدرة الجمل الخارقة علی تجرع محالیل الأملاح المرکزة إلی استعداد خاص فی کلیته لإخراج تلک الأملاح فی بول شدید الترکیز بعد أن تستعید معظم ما فیه من ماء لترده إلی الدم )فیعب منه عبا حتی یطفئ ظمأه . هذه معجزة الابل العظیمة .

{ قُلْ أفَغَیْرَ اللّهِ تَأمُرُوَنِی أعْبُدُ أیُّهَا الجَاهِلُونَ }_سورة الزمر 64

معناه أفغیر الله أعبد بأمرکم . وقال فی قوله تعالی « قل أغیر الله أبغی ربا » الهمزة للإنکار أی منکر أن أبغی ربا غیره .

هذه الآیة معناها متعلق بما قبلها لأنه تعالی أمرهم بعبادته والاعتراف بنعمته ثم عدد علیهم صنوف النعم التی لیست إلا من جهته لیستدلوا بذلک علی وجوب عبادته وإن العبادة إنما تجب لأجل النعم المخصوصة فقال جل من

ص: 226

قائل: ( یا أیها الناس اعبدو ربکم الذی خلقکم ) إلی آخر الآیة ونبه فی آخرها علی وجوب توحیده والاخلاص له وأن لا یشرک به شیئا ((1)) . الجواب: { بَلِ اللّهَ فَاعْبُدْ وَکُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ}_الزمر 66 .

وقیل: إن هذه السورة نزلت جوابا لقول جماعة من المشرکین دعوا النبی صلی الله علیه و آله إلی أن یعبد آلهتهم سنة ویعبدوا هم إلهه سنة . وفیهم نزل قوله ( أفغیر الله تأمرونی أعبد أیها الجاهلون ) هذا قول ابن عباس ((2)) .

وقال نجاح الطائی: لقد رفض المتقون املاءات الطغاة علیهم فرفضوا عبادة غیر الله تعالی .

أما الخانعون اللاهثون خلف الدنیا فقبلوا أوامر الاسیاد وعبدوهم وعبدوا ما یعبدون من الاصنام والسلاطین والاحزاب والقوی الکبری .

ونلاحظ علی مدی عصور التاریخ عبادة الملأ العام من البشر للاحزاب

والشخصیات طلبا لاهواء الدنیا وملذاتها فیحطمون شرائع الدین لاجل مذاهبهم

واحزابهم .

ص: 227

دعوة عمر لبیع الخوز

بعدما منع الاسلام من بیع المسلم الحر دعا عمر الی بیع المسلمین الخوز خارج هذا الحظر المفروض : قال عمر عنهم : إن عشت إلی قابل لأبیعنّ الخوز ولأجعلن أثمانهم فی بیت المال ((1)).

وفی خبر آخر قال عمر : من کان جاره خوزیا واحتاج إلی ثمنه, فلیبعه ((2))

اذن جوز عمر للناس بیع الخوز المسلمین متی احتاجوا الی ثمنهم وفی أی بلد کانوا وأی زمن عاشوا . وهو أمر مخالف للقرآن والحدیث النبوی

وتعلم عمر هذا الامر من کسری اذ جاء :

کتب کسری إلی بعض عماله: ان ابعث إلیّ بشر طعام مع شر الناس علی شر الدواب . فبعث إلیه برأس سمکة مالحة مع خوزی علی حمار ((3)) .

ص: 228

{ وَلَقَدْ اُوحِیَ إلَیْکَ وَإلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ وَلَتَکُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِینَ }65 _سورة الزمر.

علی عن أبیه عن الحکم بن بهلول عن رجل عن الامام أبی عبد الله علیه السلام : فی قوله تعالی « وَلَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَإِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ ».

قال علیه السلام : یعنی إن أشرکت فی الولایة غیره « بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَکُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ » یعنی بل اللَّه فأعبد بالطاعة وکن من الشاکرین أن عضدتک بأخیک وابن عمک » ((1)).

فهذه مخاطبة للنبی صلی الله علیه و آله والمعنی لامته وهو ما قاله الصادق علیه السلام : إن الله تعالی بعث نبیه بإیاک أعنی واسمعی یا جارة والدلیل علی ذلک قوله ( بل الله فاعبد وکن من الشاکرین ) وقد علم أن نبیه صلی الله علیه و آله یعبده ویشکره .

وکن من الشاکرین : الخطاب للنبی صلی الله علیه و آله والمقصود باقی الناس.

القمی: هذه مخاطبة للنبی والمعنی لأمته ((2)) .

وورد: ( یعنی: إن أشرک فی الولایة غیره, ( بل الله فاعبد ) یعنی بالطاعة, ( وکن من الشاکرین ( بأن عضدتک بأخیک وابن عمک ) ((3)) .

ص: 229

وقال نجاح الطائی: هذه الایة تبین وجوب الامامة و من لا یلتزم بها یکون من المهلکین المدحورین الخاسرین یوم القیامة .

لذا قال عمر بن الخطاب فی زمن خلافته لاحد الاعراب عن علی علیه السلام :

هذا مولاک ومولی کلِّ مؤمن , ومَنْ لم یکن مولاه , فلیس بمؤمن ((1)).

ص: 230

{ بَلِ اللّهَ فَاعْبُدْ وَکُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ }66_سورة الزمر.

: وورد : ( یعنی : إن أشرک فی الولایة غیره) ((1)) .

{ بَلِ اللّهَ فَاعْبُدْ }: یَعْنِی بَلِ اللَّه فَاعْبُدْ بِالطَّاعَةِ ((2)) .

«یعنی بل الله فاعبد بالطاعة وکن من الشاکرین أن عضدتک بأخیک وابن عمک((3)) .

ص: 231

الحسین بن محمد, عن معلی بن محمد, عن أحمد بن محمد, عن الحسن بن محمد الهاشمی قال: حدثنی أبی, عن أحمد بن عیسی قال: حدثنی جعفر بن محمد, عن أبیه, عن جده علیهم السلام فی قوله عز وجل: " یعرفون نعمة الله ثم ینکرونها ((1)) .

" قال: لما نزلت " إنما ولیکم الله ورسوله والذین آمنوا الذین یقیمون الصلاة ویؤتون الزکاة وهم راکعون ((2)) " اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله فی مسجد المدینة ((3))، فقال بعضهم لبعض ما تقولون فی هذه الآیة ؟ فقال بعضهم: إن کفرنا بهذه الآیة نکفر بسائرها وإن آمنا فإن هذا ذل حین یسلط علینا ابن أبی طالب, فقالوا: قد علمنا أن محمدا صادق فیما یقول ولکنا نتولاه ولا نطیع علیا فیما أمرنا, قال: فنزلت هذه الآیة {" یعرفون نعمة الله ثم ینکرونها }" یعرفون یعنی ولایة [ علی بن أبی طالب ] وأکثرهم الکافرون بالولایة ((4)) .

ص: 232

وعن جابر عن أبی جعفر علیه السلام فی قول الله عز وجل: " فأبی أکثر الناس إلا کفورا " قال: نزلت فی ولایة علی علیه السلام ((1)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن قول الله لنبیه " لئن أشرکت لیحبطن عملک ولتکونن من الخاسرین ".

قال: تفسیرها لئن أمرت بولایة أحد مع ولایة علی من بعدک لیحبطن عملک ولتکونن من الخاسرین ((2)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : یا علی مثلک مثل قل هو الله أحد من أحبک بقلبه فکأنما قرأ ثلث القرآن , ومن أحبک بقلبه وأعانک بلسانه فکأنما قرأ ثلثی القرآن , ومن أحبک بقلبه وأعانک بلسانه ونصرک بیده فکأنما قرأ القرآن کله ((3)) . { وَکُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ } : قال الامام المهدی علیه السلام لاحمد بن اسحاق: (وکن من الشاکرین تکن معنا غدا فی علیین ) ((4)) .

ص: 233

وقال نجاح الطائی: أمر تعالی بعبادة الله الواحد الاحد علی نعمة الولایة التی جاءت سندا للنبوة وتقویة للدین الحنیف .

والامر الالهی جاء بتطبیق الولایة التی تعتبر خلاصة التوحید وأمر بشکر الله تعالی . ومن کان من الشاکرین حشر مع محمد وآله الطیبین الطاهرین .

یعنی من المعترفین بنعمتی, والشکر هو الاعتراف بالنعمة مع القیام بحقها علی حسب مرتبتها .

( وکن من الشاکرین ) علی النعمة فی ذلک فهی من أجل النعم, وقیل : خر موسی صعقا یوم عرفة, وأعطی التوراة یوم النحر ( وکتبنا له فی الألواح ) یرید ألواح التوراة, واختلف فی عددها وفی جوهرها : فقیل : کانت سبعة ألواح, وقیل : عشرة .

وقیل : لوحین , وأنها کانت من زمرد ، وقیل : من زبرجدة خضراء أو یاقوتة حمراء, وقیل : کانت من خشب((1))

{ وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِیعاً قَبْضَتُهُ یَوْمَ القِیَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی عَمَّا یُشْرِکُونَ }67_ الزمر.

( وما قدروا الله حق قدره ): ما قدروا عظمته فی أنفسهم حق تعظیمه, حیث وصفوه بما لا یلیق به ((2)) .

وقال لم یبلغوا من عظمة الله ان یصفوه بصفاته : نزلت فی الخوارج .

ص: 234

فقه الرضا علیه السلام : إن أول ما افترض الله علی عباده وأوجب علی خلقه معرفة الوحدانیة قال الله تبارک وتعالی: وما قدروا الله حق قدره . یقول: ما عرفوا الله حق معرفته ((1)).

الیهود تصف الله تعالی بالبخل : {وَقَالَتِ الیَهُودُ یَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أیْدِیهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ یَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}المائدة64.

قال: قالوا: قد فرغ الله من الامر لا یحدث الله غیر ما قدره فی التقدیر الأول, فرد الله علیهم قائلا : {" بل یداه مبسوطتان ینفق کیف یشاء } " أی یقدم ویؤخر ویزید وینقص وله البداء والمشیئة ((2)) .

عن الفضیل بن یسار قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: إن الله عز وجل لا یوصف, قال: وقال زرارة: قال أبو جعفر علیه السلام : إن الله عز وجل لا یوصف بعجز وکیف یوصف وقد قال فی کتابه: " وما قدروا الله حق

قدره " ؟ فلا یوصف بقدرة إلا کان أعظم من ذلک .

ومن فتن المنافقین الجاهلین:

التوحید: العطار, عن سعد, عن ابن یزید, عن ابن أبی عمیر, عمن ذکره . عن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال: إن إبلیس قال لعیسی بن مریم: أیقدر ربک علی أن یدخل الأرض بیضة لا تصغر الأرض ولا تکبر البیضة ؟ فقال عیسی

ص: 235

علیه السلام : ویلک إن الله لا یوصف بعجز, ومن أقدر ممن یلطف الأرض ویعظم البیضة ((1)) .

التوحید: ماجیلویه, عن عمه, عن البرقی, عن علی بن أبی أیوب المدنی, عن ابن أبی عمیر, عن ابن أذینة, عن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال: قیل لأمیر المؤمنین علیه السلام : هل یقدر ربک أن یدخل الدنیا فی بیضة من غیر أن تصغر الدنیا أو تکبر البیضة ؟ قال علیه السلام : إن الله تبارک وتعالی لا ینسب إلی العجز, والذی سألتنی لا یکون ((2)) .

{ وَالأرْضُ جَمِیعاً قَبْضَتُهُ یَوْمَ القِیَامَةِ}_سورة الزمر. :

" القبضة فی اللغة: ما قبضت علیه بجمیع کفک, أخبر الله سبحانه عن کمال قدرته فذکر أن الأرض کلها مع عظمها فی مقدوره کالشئ الذی یقبض علیه القابض بکفه فیکون فی قبضته .

{ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ}: الیمین لغة ((3)): یطلق علی ثلاثة معان: الجارحة

والقوة والقدرة, ومنه: ( والسماوات مطویات بیمینه ) ((4)) . .

ص: 236

والحلف المطلق . وقوله تعالی: ( فراغ علیهم ضربا بالیمین ) ((1)) یحتمل الأوجه الثلاثة : والیمین: القوة . و الیمین الید, والید القدرة والقوة .

أی یطویها بقدرته کما یطوی أحد منا الشئ المقدور له طیه بیمینه, وذکر الیمین للمبالغة فی الاقتدار .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : یا علی أمان لأمتی من الغرق إذا رکبوا السفن فقرأوا:

( بِسْمِ اللهِ الْرَحْمنِ الْرَحیمْ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِیعًا قَبْضَتُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی عَمَّا

یُشْرِکُونَ )_الزمر67.

و{ وَقَالَ ارْکَبُوا فِیهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إنَّ رَبِّی لَغَفُورٌ رَحِیمٌ 41 }هود .

و( بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّی لَغَفُورٌ رَحِیمٌ )((2)).

{سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی عَمَّا یُشْرِکُونَ }_سورة الزمر 67 .

قال الله تعالی : {وَقَالَتِ الیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَی المَسِیحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِکَ قَوْلُهُمْ بِأفْوَاهِهِمْ یُضَاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أنَّی یُؤْفَکُونَ30* اتَّخَذُوا أحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَالمَسِیحَ ابْنَ مَرْیَمَ وَمَا اُمِرُوا إلا لِیَعْبُدُوا إلَهاً وَاحِداً لا إلَهَ إلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ} 31_التوبة.

ص: 237

سماهم مشرکین واما اللغة فلفظه الشرکة مشتقة من الاشتراک وقد جعلوا لله تعالی ولد فوجب ان یکونوا مشرکین .

: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسیح بن مریم وما أمروا إلا لیعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه وتعالی عما یشرکون .

فالظاهر من الآیة أن المراد بالشرک شرک العبادة والطاعة وقلما تنجو منه أمة من الأمم .

( الله الذی خلقکم ثم رزقکم ثم یمیتکم ثم یحییکم قل هل من شرکائکم یفعل من ذلکم من شئ سبحانه وتعالی عما یشرکون)_الروم 40 .

وقال نجاح الطائی: لم یعرف الناس عظمة الله تعالی وما عرفوه حق معرفته وهو الخالق العظیم والارض جمیعا قبضته یوم القیامة والسماوات مطویات بیمینه .

منهم من وصفه بالبخل ومنهم من وصف عیسی ابن الله وعزیر ابن الله ومنهم من وصفه بالتجسیم علنا .

ومقابل هذه الاوصاف المشینة والکاذبة قال تعالی: {سبحانه وتعالی عما یشرکون } .

{ وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِی الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ اُخْرَی فَإذَا هُمْ قِیَامٌ یَنْظُرُونَ }68_سورة الزمر.

ص: 238

ینفخ اسرافیل فی الصور فیموت من فی السماوات والارض ثم یمیت الله تعالی اسرافیل ثم تأتی النفخة الثانیة فیحیی الله تعالی الناس تمهیدا للحساب . والوقت بین النفخة الاولی والثانیة لا یعلمه الا الله عز وجل .

" وهو قرن ینفخ فیه إسرافیل, ووجه الحکمة فی ذلک أنها علامة جعلها الله لیعلم بها العقلاء آخر أمرهم فی دار التکلیف فشبه ذلک بما یتعارفونه من بوق الرحیل والنزول .

" فصعق من فی السماوات والأرض " أی یموت من شدة تلک الصیحة التی تخرج من الصور جمیع من فی السماوات والأرض, یقال: صعق فلان : إذا مات بحال هائلة شبیهة بالصیحة العظیمة " إلا من شاء الله " قیل: هم جبرئیل و میکائیل وإسرافیل وملک الموت وهو المروی, وقیل: هم الشهداء " ثم نفخ فیه أخری " یعنی نفخة البعث وهی النفخة الثانیة .

قال قتادة فی حدیث رفعه: إن ما بین النفختین أربعین سنة, وقیل: إن الله تعالی یفنی الأجسام کلها بعد الصعق وموت الخلق ثم یعیدها " فإذا هم قیام " إخبار عن سرعة إیجادهم لأنه سبحانه إذا نفخ الثانیة أعادهم عقیب ذلک, فیقومون من قبورهم أحیاءا " ینظرون " أی ینتظرون ما یفعل بهم وما یؤمرون به " وأشرقت الأرض بنور ربها " أی أضاءت الأرض بعدل ربها یوم القیامة لان نور الأرض بالعدل, وقیل: بنور یخلقه الله عز وجل یضئ به الأرض یوم القیامة من غیر شمس ولا قمر " ووضع الکتاب " أی کتب الاعمال التی کتبتها الملائکة علی بنی آدم توضع فی أیدیهم لیقرؤوا منها أعمالهم " وجیئ بالنبیین والشهداء " هم الذین یشهدون للأنبیاء علی الأمم

ص: 239

بأنهم قد بلغوا, وأن الامم قد کذبوا, وقیل: هم الذین استشهدوا فی سبیل الله, وقیل: هم عدول الآخرة یشهدون علی الأمم بما شاهدوا, وقیل: هم الحفظة من الملائکة, وقیل: هم جمیع الشهداء من الجوارح والمکان والزمان وهی قوله تعالی: " ذلک یوم الوعید " أی ذلک الیوم یوم وقوع الوعید الذی خوف الله به عباده .

" وجاءت کل نفس " أی تجئ کل نفس من المکلفین فی یوم الوعید " ومعها سائق " من الملائکة یسوقها أی یحثها علی السیر إلی الحساب " وشهید " من الملائکة یشهد علیها بما یعلم من حالها وشاهد بما کتبه لها وعلیها, فلا یجدوا إلی الهرب ولا إلی الجحود سبیلا .

{ إلا مَنْ شَاءَ اللّهُ }: قیل: إن الموت إنما یلحق الأجساد بانقطاع تعلق الأرواح بها وأما الأرواح فإنها لا تموت فالأرواح هم المستثنون استثناء متصلا, ویؤید هذا الوجه بعض الروایات المرویة عن أئمة أهل البیت علیهم السلام .

قیل: هم جبرئیل و میکائیل وإسرافیل وملک الموت وهو المروی, وقیل: هم الشهداء " .

{ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ اُخْرَی فَإذَا هُمْ قِیَامٌ یَنْظُرُونَ }_سورة الزمر. :

وقوله: " ونفخ فیه أخری فإذا هم قیام ینظرون " ضمیر " فیه " للصور, و " أخری " صفة محذوف موصوفها أی نفخة أخری, وقیام جمع قائم و " ینظرون " أی ینتظرون أو من النظر بمعناه المعروف .

ص: 240

عن أمیر المؤمنین علیه السلام فیما کتب إلی محمّد بن أبی بکر, حین ولاّه مصر وأمره أن یقرأه علی أهلها, وفی الحدیث :

( یا عباد الله إنّ بعد البعث ما هو أشدّ من القبر, یوم یشیب فیه الصغیر, ویسکر فیه الکبیر, ویسقط فیه الجنین, وتذهل کلّ مرضعة عمّا أرضعت, یوم عبوس قمطریرا, یوم کان شرّ مستطیرا, إنّ فزع ذلک الیوم لیرهب الملائکة الذین لا ذنب لهم, وترعد منه السبع الشداد, والجبال والأوتاد, والأرض المهاد, وتنشقّ السماء فهی یومئذ واهیة, وتتغیّر فکأنّها وردة کالدّهان, وتکون الجبال کثیباً مهیلا بعدما کانت صمّاً صلاباً, وینفخ فی الصور فیفزع من فی السماوات ومن فی الأرض إلاّ ما شاء الله, فکیف من عصی بالسمع والبصر واللسان والید والرجل والفرج والبطن, إن لم یغفر الله له ویرحمه من ذلک الیوم, لأنّه یقضی ویصیر إلی غیره, إلی نار قعرها بعید, وحرّها شدید, وشرابها صدید, وعذابها جدید, ومقامعها حدید, لا یفتر عذابها, ولا یموت ساکنها, دار لیس فیها رحمة, ولا تسمع لأهلها دعوة .

واعلموا یا عباد الله, إنّ مع هذا رحمة الله التی لا تعجز العباد, جنّة عرضها کعرض السماء والأرض أُعدّت للمتّقین, لا یکون معها شرّ أبداً, لذّاتها لا تمل, ومجتمعها لا یتفرّق, سکّانها قد جاوروا الرحمن, وقام بین أیدیهم الغلمان بصحاف من الذهب فیها الفاکهة والریحان ) ((1)) .

ص: 241

وجاء: قامت أشراف العراق الی مولانا أمیر المؤمنین وقالت نفدیک بالآباء والأمهات بین لنا کیف تقوم الساعة وأخبرنا بدلالاتها وعلاماتها, فقال علیه السلام : من علامات الساعة یظهر صائح فی السماء ونجم فی السماء له ذنب فی ناحیة المغرب ویظهر کوکبان فی السماء فی المشرق ثم یظهر خیط أبیض فی وسط السماء وینزل من السماء عمود من نور ثم ینخسف القمر ثم تطلع الشمس من المغرب فیحرق حرها شجر البراری والجبال ثم تظهر من السماء فتحرق أعداء آل محمد حتی تشوی وجوههم وأبدانهم ثم یظهر کف بلا زند وفیها قلم یکتب فی الهواء والناس یسمعون صریر القلم وهو یقول: اقترب الوعد الحق فإذا هی شاخصة أبصار الذین کفروا, فتخرج یومئذ الشمس والقمر وهما منکسفتا النور فتأخذ الناس الصیحة, التاجر فی بیعه والمسافر فی متاعه والثوب فی مسداته والمرأة فی غزلها

وإذا کان الرجل بیده طعام فلا یقدر أکله, ویطلع الشمس والقمر وهما أسودا اللون وقد وقعا فی زوال ((1)) خوفا من الله تعالی وهما یقولان: إلهنا وخالقنا وسیدنا لا تعذبنا بعذاب عبادک المشرکین وأنت تعلم طاعتنا والجهد فینا وسرعتنا لمضی أمرک وأنت علام الغیوب, فیقول الله تعالی: صدقتما ولکنی قضیت فی نفسی أنی أبدأ وأعید وأنی خلقتکما من نور عزتی فیرجعان إلیه فیبرق کل واحد منهما برقة تکاد تخطف الأبصار ویختلطان بنور العرش فینفخ فی

ص: 242

الصور فصعق من فی السماوات ومن فی الأرض إلا ما شاء الله تعالی, ثم ینفخ فیه أخری فإذا هم قیام ینظرون فإنا لله وإنا إلیه راجعون .

قال الراوی: فبکی علی علیه السلام بکاءا شدیدا حتی بل لحیته بالدموع ثم انحدر عن المنبر وقد أشرفت الناس علی الهلاک من هول ما سمعوه .

قال الراوی: فتفرقت إلی منازلهم وبلدانهم وأوطانهم وهم متعجبون من کثرة فهمه وغزارة علمه وقد اختلفوا فی معناه اختلافا عظیما . وهذا ما انتهی إلینا من خطبة البیان والحمد لله رب العالمین ((1)) .

وقال الامام موسی بن جعفر علیه السلام : لا یکون شیء إلَّا ما شاء الله واراد وقدّر وقضی, قلت: ما معنی شاء ؟ قال: ابتداء الفعل, قلت ما معنی اراد ؟ قال: الثبوت علیه, قلت: ما معنی قدّر ؟ قال تقدیر الشیء من طوله وعرضه, قلت ما معنی قضی ؟

قال: اذا قضی أمضاه, فذلک الَّذی لا مردّ له »((2)) .

وقال تعالی: ( قل لا أملک لنفسی نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ) سورة الأعراف: 188 .

: ( قل فمن یملک لکم من الله شیئا إن أراد بکم ضرا أو أراد بکم نفعا ) سورة الفتح: 11 .

ص: 243

وان قال الزوج لزوجته أنتِ علیَّ حرام والله لا أکلمک إن شاء الله عاد الاستثناء إلیهما فی أحد الوجهین لأن الاستثناء إذا تعقب جملا عاد إلی جمیعها فیؤثر علیها إلا أن ینوی الشخص الاستثناء فی بعضها فیعود إلیه وحده .

وان قال الزوج: أنت علیَّ حرام إذا شاء الله أو إلا ما شاء الله أو إلی أن یشاء الله أو ما شاء الله فکله استثناء یرفع حکم الظهار فلا یقع ولا یعتبر , و تبقی الزوجة فی عهدته .

{ وَأشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الکِتَابُ وَجِیءَ بِالنَّبِیِّینَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالحَقِّ وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ }69 . _سورة الزمر.

قال الامام الصادق علیه السلام : رب الارض یعنی امام الارض .

قلت: فاذا خرج ماذا ؟ قال: إذن یستغنی الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ویجتزون بنور الإمام ((1)) .

وجاء عن کلمة " جلی ": تفسیر قوله تعالی: ( فلما تجلی ربه للجبل ) وأنه تجلی نور محمد وعلی صلوات الله علیهما للجبل ((2)) .

ص: 244

مناقب ابن شهرآشوب: جاء فی تفسیر قوله تعالی: { عَالِیَهُمْ ثِیَابُ سُندُس خُضْرٌ وَإسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أسَاوِرَ مِنْ فِضَّة وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً21 }_الدهر . ( سقیهم ربهم ) یعنی سیدهم علی بن أبی طالب علیه السلام ((1)) .

{ وَأشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } :

أی أضاءت الأرض بعدل ربها یوم القیامة لان نور الأرض بالعدل, وقیل: بنور یخلقه الله عز وجل یضئ به الأرض یوم القیامة من غیر شمس ولا قمر .

الإمام الصادق علیه السلام "إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها, واستغنی العباد عن ضوء الشمس, وصار اللیل والنهار واحدا, وذهبت الظلمة, وعاش الرجل فی زمانه ألف سنة, یولد فی کل سنة غلام لا یولد له جاریة, یکسوه الثوب فیطول علیه کلما طال, ویتلون علیه أی لون شاء " ((2)) .

وقال الامام جعفر الصادق علیه السلام أن قائمنا علیه السلام إذا قام لبس لباس علی علیه السلام وسار بسیرته ((3)) .

وقال علی بن إبراهیم فی قوله: ( ووضع الکتاب وجئ بالنبیین والشهداء ) قال الشهداء الأئمة علیهم السلام والدلیل علی ذلک قوله فی سورة الحج "

ص: 245

لیکون الرسول شهیدا علیکم وتکونوا أنتم _ یا معشر الأئمة _ شهداء علی الناس " .

{ وَوُضِعَ الکِتَابُ وَجِیءَ بِالنَّبِیِّینَ وَالشُّهَدَاءِ } :

" ووضع الکتاب " أی کتب الاعمال التی کتبتها الملائکة علی بنی آدم توضع فی أیدیهم لیقرؤوا منها أعمالهم " وجیئ بالنبیین والشهداء " هم الذین یشهدون للأنبیاء علی الأمم بأنهم قد بلغوا, وأن الامم قد کذبوا .

وجاء: الشهداء هم الأئمة قال الامام علی بن الحسین علیه السلام :

اذا کان یوم القیامة بعث الله تبارک وتعالی الناس من حفرهم فینطلقون الی العقبة .وأحضر النبیون والشهداء وهم الأئمة یشهد کل امام علی أهل عالمه بأنه قد قام فیهم بأمر الله عز وجل ودعاهم الی سبیل الله ((1)) .

یحکم الله تعالی بین الناس بالحق یوم القیامة ولا حجة لهم بعدما أرسل الیهم الانبیاء وأهل البیت وختم هذا بخاتم الاوصیاء المهدی علیه السلام .

فلا عذر لهم حین یحکم تعالی علی المجرمین الاشرار الی النار .

{ وَقُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالحَقِّ وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ }69_سورة الزمر:

الله عادل لا یعامل أحدا بهوی ولا عصبیة ولا حزبیة بل یحکم بالعدل بین المؤمنین والفاجرین فلا یضیع حق أحد من مخلوقاته .

ص: 246

قال تعالی : { إنَّ اللّهَ یَأمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ } _النحل 90 .

{ وَقُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالحَقِّ }: وللقضاء أربعة أوجه فی کتاب الله تعالی الناطق علی لسان جعفر الصادق علیه السلام :

منها: قضاء الخلق, وهو قوله تعالی: ( فقضیهن سبع سماوات فی یومین ) ((1)) . والثانی: قضاء الحکم, وهو قوله تعالی: ( وقضی بینهم بالحق ) ((2)) معناه حکم .

والثالث: قضاء الأمر, وهو قوله تعالی: ( وقضی ربک ألا تعبدوا إلا إیاه ) ((3)) معناه أمر ربک .

الرابع: قضاء العلم, وهو قوله تعالی: ( وقضینا إلی بنی إسرائیل فی الکتاب لتفسدن فی الأرض مرتین ) ((4)) :

معناه علمنا من بنی إسرائیل . وقال جل اسمه عن نتیجة قضائه العادل : { فریق فی الجنة وفریق فی السعیر } ((5)) .

« البرزخ » هی الحالة التی تکون بین الموت والبعث وهی مدة الانفصال بین البدن والروح ویستمر هذا إلی وقت العود إلیه أعنی زمان القبر ویکون

ص: 247

الروح فی هذه المدة فی بدنها المثالی الذی یری الإنسان نفسه فیه فی النوم وفی الحدیث النبوی :

النوم شبیه الموت, وفی القرآن المجید « اللَّه یتوفی الأنفس حین موتها والتی لم تمت فی منامها فیمسک التی قضی علیها الموت ویرسل الأخری إلی أجل مسمی » ((1)) .

وروی الصدوق بإسناده عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال « یا بنی عبد المطلب إن الرائد لا یکذب أهله والذی بعثنی بالحق لتموتن کما تنامون ولتبعثن کما تستیقظون وما بعد الموت دار إلا جنة أو نار » .

ولاهمیة القضاء وحساسیته فقد کان الانبیاء والاوصیاء قضاة یحکمون بین الناس , وقال النبی صلی الله علیه و آله للمسلمین : أقضاکم علی ((2)) .

وکان علی علیه السلام القاضی باب مدینة العلم وباب مدینة الحکمة :

ص: 248

قال النبی صلی الله علیه و آله : انا دار الحکمة وعلی بابها ((1)) .

ونزل فی حق الامام علی علیه السلام : وعنده علم ُ الکِتَابِ((2)) .

بینما فرَّ الناس من عمر حینما عینه ابو بکر قاضیا :

قال المسعودی: لما أصبح عمر قاضی أبی بکر مکث سنة لا یختلف الیه أحد((3)).

ص: 249

لان الصحابة یعرفون جهل عمر فی القضاء فلا یتحاکمون الیه .

والامر الثانی یستندون الی القرآن فی عدم التحاکم الی السلطان الجائر: { یُرِیدُونَ أنْ یَتَحَاکَمُوا إلَی الطَّاغُوتِ وَقَدْ اُمِرُوا أنْ یَکْفُرُوا بِهِ } _النساء 60.

الامر الثالث: کان الناس یخافون سطوة عمر فبعد شهادة النبی صلی الله علیه و آله انحدر مع اربعة آلاف رجل من الطلقاء والاعراب ومنافقی المدینة یحملون النار والحطب علی دار فاطمة بنت محمد سیدة نساء أهل الجنة علیها السلام فأحرقه وضغط الباب علیها متسببا فی اسقاط ولدها محسنا وقتلها ((1)) .

وهو یطالبها بالبیعة لابی بکر ونسیان بیعة المسلمین للامام علی علیه السلام فی الغدیر .

{وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ }: لا یوجد فی القاموس الالهی ظلم للعباد بل قضاء عادل بین العباد کافة .

{وَوُفِّیَتْ کُلُّ نَفْس مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أعْلَمُ بِمَا یَفْعَلُونَ}70 _سورة الزمر.

الله یجزی المحسنین أحسن الجزاء بما کانوا یفعلون وهو مجازیهم علیه یوم القیامة, فمثیب المحسن بإحسانه, والمسئ بما أساء .

ص: 250

من مشاکل القضاة انهم لا یعلمون بما فعل المدعی علیه فی الحادثة بالضبط ولا یعلم صدق الشهود والمدعی أم کذبهم فیکون حکمه بین الحقیقة والخیال أما الله تعالی فیعلم بما فعلوا بالدقة فیکون حکمه مصیبا وعادلا .

{وَسِیقَ الَّذِینَ کَفَرُوا إلَی جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّی إذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ألَمْ یَأتِکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ یَتْلُونَ عَلَیْکُمْ آیَاتِ رَبِّکُمْ وَیُنْذِرُونَکُمْ لِقَاءَ یَوْمِکُمْ هَذَا قَالُوا بَلَی وَلَکِنْ حَقَّتْ کَلِمَةُ العَذَابِ عَلَی الکَافِرِینَ } 71 _سورة الزمر.

سمیت سورة الزمر لاجل هذه الایة .

زمراً : یُساقون فوجا بعد فوج, وزمرة بعد زمرة . وسألهم خزنتها من باب التهجین والاستخفاف . فیفتحون أبواب جهنم السبعة للواردین . فالسوق الحث علی السیر یقال :

ساقه یسوقه سوقا, فهو سائق وذاک مسوق, ومنه قولهم: الکلام یجری علی سیاقة واحدة, ومنه السوق لان المعاملة فیها تساق بالبیع والشراء, ومنه الساق لأنه ینساق به البدن, و ( الزمر ) جمع زمرة وهی الجماعة لها صوت المزمار, ومنه مزامیر داود علیه السلام یعنی أصوات له کانت مستحسنة ((1)) .

فی کتاب الخصال عن الامام ابی عبد الله عن أبیه عن جده علیهم السلام قال: إن للنار سبعة أبواب باب یدخل منه فرعون وهامان وقارون, وباب

ص: 251

یدخل منه المشرکون والکفار ممن لم یؤمن بالله طرفة عین, وباب یدخل منه بنو أمیة هو لهم خاصة وهو باب لظی, وهو باب سقر وهو باب الهاویة یهوی بهم سبعین خریفا فکلما هوی بهم سبعین خریفا فار بهم فورة قذف بهم فی أعلاها سبعین خریفا ثم هوی بهم هکذا سبعین خریفا فلا یزالون هکذا أبدا خالدین مخلدین, وباب یدخل منه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا وإنه لأعظم الأبواب وأشدها حرا .

قال محمد بن الفضل الرزقی: فقلت لأبی عبد الله علیه السلام : الباب الذی ذکرت عن أبیک عن جدک علیهما السلام أنه یدخل منه بنو أمیة یدخله من مات منهم علی الشرک أو ممن أدرک الاسلام منهم ؟

فقال: لا أم لک ألم تسمعه یقول: وباب یدخل منه المشرکون والکفار, فهذا باب یدخل منه کل مشرک وکل کافر لا یؤمن بیوم الحساب, وهذا الباب الآخر یدخل منه بنوا أمیة, لأنه هو لأبی سفیان ومعاویة وآل مروان خاصة یدخلون من ذلک الباب, فتحطمهم النار فیه حطما لا یسمع لهم واعیة لا یحیون فیها ولا یموتون((1)) .

وأتی رسول الله صلی الله علیه و آله شبابا من الأنصار, فقال: إنّی أرید أن أقرأ علیکم فمن بکی فله الجنّة فقرأ آخر الزّمر: « وسِیقَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِلی جَهَنَّمَ زُمَراً » .

ص: 252

إلی آخر السّورة فبکی القوم جمیعا إلَّا شابّا, فقال: یا رسول الله قد تباکیت فما قطرت عینی, فقال صلی الله علیه و آله : إنّی معید علیکم فمن تباکی فله الجنّة, فأعاد علیهم فبکی القوم وتباکی الفتی فدخلوا الجنّة جمیعا((1)) . أی: وجبت وثبتت .

وعرفه الراغب بأن أصل الحق المطابقة والموافقة, ویطلق علی أمور أربعة: أحدهما: مؤجد الشیء بحسب ما تقتضیه الحکمة, فیطلق علیه تعالی کما فی قوله جل وعلا: ثم ردوا إلی الله مولاهم الحق .

ثانیهما: الموجد_

بمعناه المفعولی _ بحسب ما تقتضیه الحکمة ففعله تعالی حق, کما فی قوله عزمن قائل: ما خلق الله ذلک إلا بالحق .

ثالثها: الإعتقاد بشیء ثابت فی نفسه کالثواب والعقاب وحوادث القیامة . رابعها: الفعل والقول الواقع بحسب ما یجب وبقدر ما یجب وفی الوقت الذی یجب, کقوله تعالی: ( حقت کلمة ربک, وحق القول منی ) .

وقال نجاح الطائی: یساق الکافرون الی جهنم علی شکل زمر متتابعة وتفتح لهم أبوابها لیحشروا فی جهنم وبئس المصیر .

وعندما یسألهم حرس جهنم: ألَمْ یَأتِکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ یَتْلُونَ عَلَیْکُمْ آیَاتِ رَبِّکُمْ وَیُنْذِرُونَکُمْ لِقَاءَ یَوْمِکُمْ هَذَا ؟ قَالُوا بَلَی وَلَکِنْ حَقَّتْ کَلِمَةُ العَذَابِ عَلَی الکَافِرِینَ .

ص: 253

فاعترفوا بعصیانهم رسل الله تعالی فوجبت علیهم جهنم .

عصیان بعض الصحابة للنبی

وعصی بعض الصحابة النبی وهو صلی الله علیه و آله یعلم بعصیانهم بعد موته .

ومن علوم الغیب الالهیة ما اخبره تعالی للنبی صلی الله علیه و آله فی منامه من عصیان واغتصاب البعض لخلافة الامام علی وأولاده الائمة علیهم السلام :

الحسین بن محمد, عن معلی بن محمد, عمن أخبره, عن علی بن جعفر قال سمعت أبا الحسن علیه السلام یقول : لما رأی رسول الله صلی الله علیه و آله تیما وعدیا وبنی أمیة یرکبون منبره أفظعه, فأنزل الله تبارک وتعالی قرآنا یتأسی به : { وإذ قلنا للملائکة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبلیس أبی} ثم أوحی إلیه یا محمد إنی أمرتُ فلم أطَع فلا تجزع أنت إذا أمرتَ فلم تطع فی

وصیک ((1)) .

{ قِیلَ ادْخُلُوا أبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَبِئْسَ مَثْوَی المُتَکَبِّرِینَ } 72 _سورة الزمر.

من صفات الظالمین العتاة التکبر وهی صفة ذمیمة وحقیرة من صفاتهم .

الإمام الصادق علیه السلام : إن فی جهنم لوادیا للمتکبرین یقال له: سقر, شکا إلی الله شدة حره, وسأله أن یأذن له أن یتنفس, فتنفس فأحرق جهنم ! ((2)) .

ص: 254

الإمام الباقر علیه السلام : إن فی جهنم لجبلا یقال له: الصعدی, وإن فی الصعدی لوادیا یقال له : سقر, وإن فی سقر لجب یقال له: هبهب, کلما کشف غطاء ذلک الجب ضج أهل النار من حره, وذلک منازل الجبارین((1))

وقال الإمام علی علیه السلام : إن فی جهنم رحی تطحن [ خمسا ] أفلا تسألون ما طحنها ؟ فقیل له: فما طحنها یا أمیر المؤمنین ؟ قال: العلماء الفجرة, والقراء الفسقة, والجبابرة الظلمة, والوزراء الخونة, والعرفاء الکذبة ((2)) .

ألا أنهم أصحاب الصحیفة ((3)) فلینظر أحدکم فی صحیفته قال: فذهب علی الناس إلا شرذمة منهم أمر الصحیفة .

ص: 255

معاشر الناس: إنی أدعها إمامة ووراثة وقد بلغت ما أمرت بتبلیغه حجة علی کل حاضر وغائب, وعلی من شهد ولم یشهد فلیبلغ حاضرکم غائبکم إلی یوم القیمة, وسیجعلون الإمامة بعدی ملکا واغتصابا, إلا لعن الله الغاصبین والمغتصبین عند ما یفرغ لکم أیها الثقلان من یفرغ فینزل علیکم ( شُواظٌ مِنْ نارٍ ونُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ ) .

ثواب الأعمال: أبی عن سعد عن ابن عیسی عن محمد بن خالد عن النضر عن یحیی الحلبی عن أبی المغرا عن أبی بصیر عن علی الصائغ قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : إن المؤمن لیشفع لحمیمه إلا أن یکون ناصبا, ولو أن ناصبا شفع له کل نبی مرسل وملک مقرب ما شفعوا ((1)) .

«وکتبوا الصحیفة بینهم فی حجة الوداع علی أخذ الخلافة من علی علیه السلام وتناوبها بینهم منهم أبو بکر وعمر ومعاذ وأبو عبیدة بن الجراح وسالم مولی

ص: 256

أبی حذیفة. ثم اتفق ذلک الجمع علی أن ینفروا ناقة رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) ویقتلوه فی عقبة الهرشی عند منصرفه من حجة الوداع وهم أربعة عشر

نفراً ((1)).

فلما دخلوا المدینة اجتمعوا جمیعاً فی دار أبی بکر وکتبوا صحیفة بینهم علی ذکر ما تعاهدوا علیه فی هذا الأمر.

وکان أول ما فی الصحیفة النکث لولایة علی بن أبی طالب علیه السلام وأن الأمر إلی أبی بکر وعمر وأبی عبیدة وسالم ومعاذ. وشهد بذلک أربعة وثلاثون رجلاً: هؤلاء أصحاب العقبة (الذین ارادوا قتل النبی صلی الله علیه و آله فی عقبة الشام) وعشرون رجلاً آخر منهم أبو سفیان, عکرمة بن أبی جهل, صفوان بن أمیَّة بن خلف, خالد بن الولید, عیاش بن أبی ربیعة, بشیر بن سعد, سهیل بن عمرو, حکیم بن حزام, صهیب بن سنان الرومی, أبو الأعور الأسلمی(زعیم قبیلة أسلم الاعرابیة), ومطیع بن الأسود المدری. وکاتب الصحیفة سعید بن العاص. ومع کل واحد من هؤلاء جمع من الناس وأمین الصحیفة أبو عبیدة بن الجراح فسموه الأمین ((2)) ».

ص: 257

وجاء: { ما سلککم فی سقر }"إلی قوله: " کنا نکذب بیوم الدین " _المدثر 42 . وإلی قوله بعد ذکر المکذبین بالنبی صلی الله علیه و آله وبالقرآن: " سأصلیه سقر, وما أدریک ما سقر لا تبقی ولا تذر لواحة للبشر " _ المدثر: 26 _ 28 .

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : ما من سلطان آتاه الله قوة ونعمة فاستعان بها علی ظلم عباده إلاّ کان حقاً علی الله أن ینزعها منه, ألم تر إلی قوله تعالی: { ِإنَّ اللهَ لاَ یُغَیِّرُ مَا بِقَوْم حَتّی یُغَیِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }الرعد11 ((1)) .

{ ذَلِکَ بِأنَّ اللّهَ لَمْ یَکُ مُغَیِّراً نِعْمَةً أنْعَمَهَا عَلَی قَوْم حَتَّی یُغَیِّرُوا مَا بِأنفُسِهِمْ وَأنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ 53 _الانفال }.

{وَسِیقَ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إلَی الجَنَّةِ زُمَراً حَتَّی إذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَیْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِینَ73 }_سورة الزمر.

یسوق الرحمن المتقین الی الجنة فوجا فوجا وزمرة زمرة فیسلم علیهم خدام الابواب من الملائکة فیرجون لهم طیب الاقامة فی الجنان ویخبروهم بأنهم خالدون فیها .

وللجنة ثمانیة أبواب, منها باب یسمی الریان, لا یدخله إلا الصائمون .

وباب یدخل منه النبیون والصدیقون, وباب یدخل منه الشهداء والصالحون, وخمسة أبواب تدخل منها شیعتنا ومحبونا, فلا أزال واقفا علی الصراط

ص: 258

أدعو وأقول: رب سلم شیعتی ومحبیی وأنصاری ومن تولانی فی دار الدنیا فإذا النداء من بطنان العرش قد أجبت دعوتک وشفعت فی شیعتک, ویشفع کل رجل من شیعتی ومن تولانی ونصرنی وحارب من حاربنی بفعل أو قول فی سبعین ألفا من جیرانه وأقربائه, وباب یدخل منه سایر المسلمین ممن یشهد أن لا إله إلا الله, ولم یکن فی قلبه مثقال ذرة من بغضنا أهل البیت ((1)).

تفسیر علی بن إبراهیم:

" وسیق الذین اتقوا ربهم إلی الجنة زمرا " أی جماعة " حتی إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام علیکم طبتم " أی طاب موالیدکم لأنه لا یدخل الجنة إلا طیب المولد " فادخلوها خالدین " قال أمیر المؤمنین علیه السلام :

إن فلانا وفلانا غصبونا حقنا, واشتروا به الإماء وتزوجوا به النساء ألا وإنا قد جعلنا شیعتنا من ذلک فی حل لتطیب موالیدهم ((2)).

علل الشرائع: ابن الولید, عن الصفار, عن ابن معروف, عن حماد, عن حریز, عن زرارة, عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال: إن أمیر المؤمنین علیه السلام حللهم من الخمس یعنی الشیعة لیطیب مولدهم ((3)) .

ص: 259

علل الشرائع: بهذا الاسناد, عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر, عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام :

هلک الناس فی بطونهم وفروجهم لأنهم لا یؤدون إلینا حقنا, ألا وإن شیعتنا من ذلک وأبناءهم فی حل ((1)) .

وقال نجاح الطائی: هناک فرق کبیر بین حشر الکافرین الی جهنم واستقبال المتقین فی الجنة .

الفئة الاولی تساق بالقوة والاکراه وتلقی فی لهیب النار وصراخهم یزعج الاخرین وواحدهم یلوذ بالاخرین والندم ظاهر علی وجنتیه والسواد یطغی علی وجهه .

أما الصالحون فمسرورون مبتسمون یشکرون ربهم علی ما أعطاهم وحباهم من نعمة الجنة الخالدة والنعیم الدائم .

{ وَقَالُوا الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَیْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أجْرُ العَامِلِینَ } 74 _سورة الزمر.

ثم عرج بی إلی السماء السابعة, فسمعت الملائکة یقولون لما أن رأونی: الحمد لله الذی صدقنا وعده, ثم تلقونی وسلموا علیَّ , وقالوا لی مثل مقالة أصحابهم, فقلت: یا ملائکة ربی سمعتکم تقولون: الحمد لله الذی صدقنا وعده, فما الذی صدقکم ؟

ص: 260

قالوا: یا نبی الله إن الله تبارک وتعالی لما أن خلقکم أشباح نور من سناء نوره ومن سناء عزه, وجعل لکم مقاعد فی ملکوت سلطانه عرض ولایتکم علینا, ورسخت فی قلوبنا, فشکونا محبتک إلی الله, فوعد ربنا أن یریناک فی السماء معنا, وقد صدقنا وعده ((1)) .

وقال نجاح الطائی: کان الکفار وما یزالون لا یصدقون الوعود الالهیة والنبویة فی الجنة والنار فکانوا یستهزؤون بها ویسخرون منها. فیشکر أهل الجنة رب العالمین ویحمدوه علی صدق الوعد ووراثة الارض یتبوأون من الجنة . وهذا هو دأبهم مع الانبیاء والاوصیاء لذا عندما دخل الصالحون الجنة ردوا علی افتراءات هؤلاء قائلین: { وَقَالُوا الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَیْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أجْرُ العَامِلِینَ } .

{وَتَرَی المَلائِکَةَ حَافِّینَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالحَقِّ وَقِیلَ الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِینَ } 75 _سورة الزمر.

هذه هی النهایة السعیدة لمن عفَّ بطنه وفرجه وآمن بالتوحید والنبوة والامامة وعمل الصالحات وهی نهایة مجیدة وخالدة ومرموقة له .

وکیف لا یسعد وهو فی أعلی علیین وفی جنان النعیم مع الاخیار الطیبین

محمد وآله المعصومین .

ص: 261

{غافر الذنب وقابل التوب }: وذلک خاصة لشیعة أمیر المؤمنین علیه السلام ( ذی الطول لا إله إلا هو إلیه المصیر ) ((1)) .

وقوله ( ما یجادل فی آیات الله ) وهم الأئمة علیه السلام ( إلا الذین کفروا فلا یغررک تقلبهم فی البلاد کذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ) _غافر

4_5. أصحاب الأنبیاء الذین تحزبوا .

{ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِیدِ العِقَابِ ذِی الطَّوْلِ لا إلَهَ إلا هُوَ إلَیْهِ المَصِیرُ3} _سورة غافر .

غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ : یغفر الذنوب من المذنبین ویقبل توبتهم .

ذِی الطَّوْلِ: ذی النعم علی عباده ، عن ابن عباس .

وقیل: ذی الغنی والسعة ، عن مجاهد . وقیل: ذی التفضل علی المؤمنین ، عن الحسن ، وقتادة .

وقیل: ذی القدرة والسعة.

{ مَا یُجَادِلُ فِی آیَاتِ اللّهِ إلا الَّذِینَ کَفَرُوا فَلا یَغْرُرْکَ تَقَلُّبُهُمْ فِی البِلادِ 4 } _ سورة غافر .

أی تصرفهم لقولهم: لفلان مال یتقلب فیه أی یتصرف فیه . والمعنی لا یغررک سلامتهم وإمهالهم

.

فلا یغررک تقلبهم بالاموال والتِّجاراتِ والمَکَاسِبِ ( فِی الْبِلاَدِ ) فإنَّ مَصیرَ ذلکَ إلی الهلاک والزَّوالِ والنَّفَادِ ، فکم من سلالات ملکیة حکمت قرونا متمادیة بالباطل ثم أصابها العقاب الالهی فذهبت الی الجحیم .

ص: 263

َ{کذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَالأحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ کُلُّ اُمَّة بِرَسُولِهِمْ لِیَأخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالبَاطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأخَذْتُهُمْ فَکَیْفَ کَانَ عِقَابِ }5 _سورة غافر .

کذَّبت الامم الماضیة لنوح والَّذین تحزّبوا علی الرسل وناصبوهم ، کعاد وثمود . وحاولت کل أمة برسولها فجادلوه بالباطل لیهدموا أرکان الحق ویقتلوا النبی وینفوه فعاقبهم الله تعالی فاهلکهم .

القمی: ( وهمت کل أمة برسولهم لیأخذوه ) یعنی یقتلوه ( وجادلوا

بالباطل ) أی خاصموا ( لیدحضوا به الحق ) أی یبطلوه ویدفعوه ( فأخذتهم فکیف کان عقاب ) .

وإمام یخشی غشمه وظلمه ، والنبطی إذا استعرب . وکان یقال من أحب أن یکثر عیاله ویقل خیر بنیه فلیتزوج نبطیة ((1)) .

وقال عمر بن الخطاب : قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

لا یدخل الجنة نبطی . وروی عن عکرمة فی قوله « قُتِلَ أَصْحابُ الأُخْدُودِ 85 : 4 » قال : کانوا نبطا ((2)).

المنهج القرآنی : المنهج القرآنی یعتمد علی الشریعة الالهیة لذا فهو یخالف منهج عمر .

القانون الاسلامی یقول :النبط الکفار یدخلون النار والنبط المسلمون یدخلون الجنة . وأراد عمر تغییر هذه المعادلات الشرعیة الی قواعد جاهلیة بادخال من یحبهم عمر الجنة وادخال من یکرههم عمر النار !!!

وسار أتباع عمر علی نهجه فی تکفیر من یکره :

ص: 265

قال عون بن عبد الله : لو کان إبلیس من الإنس لکان نبطیاً لأنهم أبذخ قوم إذا أمروا ، وأذل شیء إذا قهروا . یغترفون الهوان ویکفّون الإحسان ((1)) .

وحدثنا أبو عروبة ثنا ابن مصفی ثنا بقیة قال : قال شریک بن عبد الله عن کلیب بن وائل عن ابن عمر قال :

وقالوا : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : [ لا تساکنوا الانباط فی بلادهم فإذا نازعوکم الکلام واحتبوا فی الأفنیة فالهرب الهرب ولا تناکحوا الخون ( الخوز ) فان لهم أصولا تدعو إلی غیر الوفاء ] ((2)) . وهو حدیث مزیف بینما قال النبی صلی الله علیه و آله :

ص: 266

(علیکم بکتاب الله وسترجعون الی قوم یحبون الحدیث عنی فمن حفظ شیئاً فلیحدث به ومن قال علیَّ ما لم أقل فلیتبوأ مقعده من النار ) ((1)).

وقد اعتاد الکثیر من المسلمین وضع أحادیث نبویة لتکفیر وتحقیر من یبغضون من المسلمین .

{وَکَذَلِکَ حَقَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ عَلَی الَّذِینَ کَفَرُوا أنَّهُمْ أصْحَابُ

النَّارِ6 } _سورة غافر :

یعنی بنی أمیة ومن أمثالهم من العوائل والاحزاب المالکة المحاربة للانبیاء والاوصیاء .

{ الَّذِینَ یَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَیُؤْمِنُونَ بِهِ وَیَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا ربَّنَا وَسِعْتَ کُلَّ شَیْء رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِیلَکَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِیمِ7 }_ سورة غافر .

(الَّذِینَ یَحْمِلُونَ العَرْشَ ) رسول الله والأوصیاء علیهم السلام (وَمَنْ حَوْلَهُ ) . الملائکة (یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَیُؤْمِنُونَ بِهِ وَیَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا) .

وقوله: ( الذین یحملون العرش ومن حوله – إلی قوله_ وذلک هو الفوز العظیم ) قال: حدثنی أبی عن القاسم بن محمد عن سلیمان ابن داود المنقری عن حماد عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام انه سئل هل

ص: 267

الملائکة أکثر أم بنو آدم فقال: والذی نفسی بیده لعدد ملائکة الله فی السماوات أکثر من عدد التراب فی الأرض ، وما فی السماء موضع قدم إلا وفیها ملک یسبحه ویقدسه ولا فی الأرض شجرة ولا مدر إلا وفیها ملک موکل بها یأتی الله کل یوم بعملها والله أعلم بها ، وما منهم أحد إلا ویتقرب کل یوم إلی الله بولایتنا أهل البیت ویستغفر لمحبینا ویلعن أعداءنا ویسأل الله ان یرسل علیهم العذاب إرسالا .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : یا علی الذین یحملون العرش ومن حوله یسبحون بحمد ربهم ویستغفرون للذین آمنوا بولایتنا ((1)) .

{ربَّنَا وَسِعْتَ کُلَّ شَیْء رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تَابُوا } :

من ولایة فلان وفلان وبنی أمیة (وَاتَّبَعُوا سَبِیلَکَ) . أی ولایة علی ولی الله ((2)) .

وعن جابر عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قوله: ( وکذلک حقت کلمة ربک علی الذین کفروا انهم أصحاب النار ) یعنی بنی أمیة وقوله: ( الذین یحملون العرش ) یعنی رسول الله صلی الله علیه و آله والأوصیاء من بعده یحملون علم الله ( ومن حوله ) یعنی الملائکة ( یسبحون بحمد ربهم

ص: 268

ویؤمنون به ویستغفرون للذین آمنوا ) یعنی شیعة آل محمد ( ربنا وسعت کل شئ رحمة وعلما فاغفر للذین تابوا ) من ولایة فلان وفلان وبنی أمیة ( واتبعوا سبیلک ) ای ولایة علی ولی الله ( وقهم عذاب الجحیم ربنا وادخلهم جنات عدن التی وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذریاتهم انک أنت العزیز الحکیم ) یعنی من تولی علیا علیه السلام فذلک صلاحهم ( وقهم السیئات ومن تق السیئات یومئذ فقد رحمته ) یعنی یوم القیامة ( وذلک هو الفوز العظیم ) لمن نجاه الله من ولایة فلان وفلان ((1)) .

ثم قال ( وإن الذین کفروا ) یعنی بنی أمیة ( ینادون لمقت الله أکبر من مقتکم أنفسکم إذ تدعون إلی الایمان ) یعنی إلی ولایة علی علیه السلام ((2)) .

{ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِیمِ7 ربَّنَا وَأدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْن الَّتِی وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأزْوَاجِهِمْ وَذُرِّیَّاتِهِمْ إنَّکَ أنْتَ العَزِیزُ الحَکِیمُ } 8 _سورة غافر .

روی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی قال: أخبرنا محمد بن عبد الله ابن أحمد الصوفی عن أبی الأسود الدؤلی عن أبیه قال: قال علی علیه السلام :

لقد مکثت الملائکة سنین وأشهراً لا یستغفرون إلا لرسول الله صلی الله علیه و آله ولی, وفینا نزلت هاتان الآیتان:

ص: 269

(الذین یحملون العرش ومن حوله - إلی قوله - العزیز الحکیم) .

فقال قوم من المنافقین: من کان من آباء علی علیه السلام وذریته الذین أنزلت فیهم هذه الآیات ؟

فقال علی علیه السلام : سبحان الله! أما من آبائنا أبراهیم, واسماعیل, وإسحاق, ویعقوب, ألیس هؤلاء من آبائنا؟ ((1)) .

وقد نقل الشیخ المحمودی فی حاشیة الحدیث المذکور قائلا :

وهذا المعنی رواه جماعة کثیرة, رواه ابن عساکر فی الحدیث (113) . وتوالیه من ترجمة أمیر المؤمنین من تاریخ دمشق (ج 37 / 29) بطرق ثلاثة عن أبی أیوب الأنصاری, وانس بن مالک, عن رسول الله صلی الله علیه و آله .

{ وَقِهِمْ السَّیِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّیِّئَاتِ یَوْمَئِذ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِکَ هُوَ الفَوْزُ العَظِیمُ9 } _سورة غافر .

{ وَمَنْ تَقِ السَّیِّئَاتِ یَوْمَئِذ فَقَدْ رَحِمْتَهُ }: یوم القیامة (وَذَلِکَ هُوَ الفَوْزُ العَظِیمُ9 } .

ص: 270

ذَلِکَ هُوَ الفَوْزُ العَظِیم: لمن نجاه الله تعالی من ولایة فلان وفلان ((1)) .

{إنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللّهِ أکْبَرُ مِنْ مَقْتِکُمْ أنْفُسَکُمْ إذْ تُدْعَوْنَ إلَی الإیمَانِ فَتَکْفُرُونَ } 10 _سورة غافر .

{إنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا } بنی أمیة (یُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللّهِ أکْبَرُ مِنْ مَقْتِکُمْ أنْفُسَکُمْ إذْ تُدْعَوْنَ إلَی الإیمَانِ ) یعنی ولایة علی (فَتَکْفُرُونَ10 ) ((2)) .

والمقت أشد العداوة والبغض, مقت الله إیاهم جاءت بعد تکذیبهم رسله وقتلهم ونفیهم لهم .

حین دعاهم الله تعالی إلی الایمان علی لسان رسله فکفروا بهم فمقتهم الله عند ذلک .

{قَالُوا ربَّنَا أمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَأحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلَی خُرُوج مِنْ سَبِیل } 11 _سورة غافر .

هی کالتی فی ( البقرة ): {کَیْفَ تَکْفُرُونَ بِاللّهِ وَکُنتُمْ أمْوَاتاً فَأحْیَاکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ ثُمَّ إلَیْهِ تُرْجَعُونَ } _ سورة البقرة 28:

ص: 271

المفسر القمی: وقال علی بن إبراهیم القمی فی قوله: ( ربنا أمتنا اثنتین وأحییتنا اثنتین – إلی قوله_ من سبیل ) . قال الصادق علیه السلام ذلک فی الرجعة قوله ( ذلکم بأنه إذا دعی الله وحده کفرتم ) أی جحدتم ( وان یشرک به تؤمنوا ) فالکفر ههنا الجحود قال: إذا وحد الله کفرتم وان جعل لله شریکا تؤمنوا ((1)) .

وقال الإمام علیه السلام : قال رسول الله صلی الله علیه و آله لکفار قریش والیهود :

( کیف تکفرون بالله ) الذی دلکم علی طرق الهدی ، وجنبکم إن أطعتموه سبل الردی . ( وکنتم أمواتا ) فی أصلاب آبائکم وأرحام أمهاتکم .

( فأحیاکم ) أخرجکم أحیاءً ( ثم یمیتکم ) فی هذه الدنیا ویقبرکم . ( ثم یحییکم ) فی القبور ، وینعم فیها المؤمنین بنبوة محمد صلی الله علیه و آله وولایة علی علیه السلام ، ویعذب فیها الکافرین بهما . ( ثم إلیه ترجعون ) فی الآخرة بأن تموتوا فی القبور بعد ، ثم تحیوا للبعث یوم القیامة ، ترجعون إلی ما وعدکم من الثواب علی الطاعات إن کنتم فاعلیها ، ومن العقاب علی المعاصی إن کنتم مقارفیها .

فقیل له: یا ابن رسول الله ففی القبر نعیم ، وعذاب ؟

قال علیه السلام : إی ، والذی بعث محمدا علیه السلام بالحق نبیا ، وجعله زکیا هادیا ، مهدیا . وجعل أخاه علیا علیه السلام بالعهد وفیا ، وبالحق ملیا ولدی الله مرضیا ،

ص: 272

وإلی الجهاد سابقا ، ولله فی أحواله موافقا ، وللمکارم حائزا ، وبنصر الله علی أعدائه فائزا ، وللعلوم حاویا ، ولأولیاء الله موالیا ، ولأعدائه مناویا وبالخیرات ناهضا ، وللقبائح رافضا وللشیطان مخزیا ، وللفسقة المردة مقصیا ولمحمد صلی الله علیه و آله نفسا ، وبین یدیه لدی المکاره ترسا وجنة ((1)) .

وروی عن أبی صالح أنه قال: کنتم أمواتا فی القبور فأحیاکم فیها ، ثم یمیتکم ، ثم یحییکم یوم القیامة ((2)) .

وعن ابن عباس وابن مسعود أن معناه لم تکونوا شیئا فخلقکم ، ثم یمیتکم ، ثم یحییکم یوم القیامة وروی أبو الأحوص عن عبد الله فی قوله: { أمتنا اثنتین وأحییتنا اثنتین } قال: هی کالتی فی( البقرة ).

{کنتم أمواتا فأحیاکم ثم یمیتکم ثم یحییکم } وهو قول مجاهد وجماعة من المفسرین ((3)) .

وعن الثوری عن السدی عن أبی صالح: ( کیف تکفرون بالله ) إلی آخره . قال: یحیکم فی القبر ثم یمیتکم ((4)) .

ص: 273

وبسند عن زید بن أسلم ، قال: خلقهم فی ظهر آدم ثم أخذ علیهم المیثاق ، ثم أماتهم ثم أحیاهم یوم القیامة ((1)) .

وقال السدی الإماتة الأولی فی الدنیا والثانیة فی البرزخ إذا أحیی للمسألة قبل البعث یوم القیامة ، وهو اختیار الجبائی والبلخی .

وقال قتادة: الإماتة الأولی حال کونهم نطفا فأحیاهم الله ، ثم یمیتهم ، ثم یحیهم یوم القیامة . وفی الناس من استدل بهذه الآیة علی صحة الرجعة ، بأن قال: الإماتة الأولی فی دار الدنیا والاحیاء الأول حین إحیائهم للرجعة ، والإماتة الثانیة بعدها . والاحیاء الثانی یوم القیامة ، فکأنهم اعتمدوا قول السدی ، ان حال کونهم نطفا لا یقال له إماتة ، لان هذا القول یفید إماتة عن حیاة والاحیاء یفید عن إماتة منافیة للحیاة وإن سموا فی حال کونهم نطفا مواتا . وهذا لیس بقوی لأنه لو سلم ذلک لکان لابد من أربع احیاءات وثلاث إماتات أول إحیاء حین أحیاهم بعد کونهم نطفا ، لان ذلک یسمی احیاء بلا شک . ثم إماتة بعد ذلک فی حال الدنیا . ثم أحیاء فی القبر ثم إماتة بعده ثم إحیاء فی الرجعة ثم إماتة بعدها . ثم إحیاء یوم القیامة لکن یمکن أن یقال: إن إخبار الله عن الاحیاء مرتین والإماتة مرتین لا یمنع من احیاء آخر وإماتة أخری ، ولیس فی الآیة انه أحیاهم مرتین وأماتهم مرتین بلا زیادة ، فالآیة محتملة لما قالوه ومحتملة لما قاله السدی ، ولیس للقطع علی أحدهما سبیل .

ص: 274

وقال ابن عباس وعبد الله والضحاک: هو کقوله ( کیف تکفرون بالله وکنتم أمواتا فأحیاکم ثم یمیتکم ثم یحیکم ثم إلیه ترجعون ) ((1)) .

وقیل: ان الموتة الأولی التی کانت بعد إحیاء الله إیاهم فی الذر إذ سألهم ( ألست بربکم قالوا بلی ) ((2)) ثم أماتهم بعد ذلک ثم أحیاهم باخراجهم إلی الدنیا ثم أماتهم ثم یبعثهم الله إذا شاء فهذه موتتان وحیاتان ((3)) .

جواد مغنیة: الموتة الأولی قبل خروجهم من بطون أمهاتهم ، والثانیة الموت المعهود ، أما حیاتهم الأولی فهی حیاتهم فی الدنیا ، والثانیة البعث بعد الموت ، والمعنی ان أهل جهنم یتضرعون إلی اللَّه ، وهم فی قعرها معذبون ، یتضرعون إلیه تعالی ویقولون: إلهنا أنت القادر علی کل شیء((4))

الطباطیائی: وهذه من الآیات التی یستدل بها علی وجود البرزخ بین الدنیا والآخرة ، فإنها تشتمل علی إماتتین ، فلو کان إحدیهما الموت الناقل من الدنیا لم یکن بد فی تصویر الإماتة الثانیة من فرض حیاة بین الموتین وهو البرزخ ، وهو إستدلال تام اعتنی به فی بعض الروایات أیضا ، وربما ذکر

ص: 275

بعض المنکرین للبرزخ أن الآیتین أعنی قوله: کیف تکفرون الآیة ، وقوله: قالوا ربنا الآیة ، متحدتا السیاق ، وقد اشتملتا علی موتین وحیاتین ، فمدلولهما واحد ، والآیة الأولی ظاهرة فی أن الموت الأول هو حال الانسان قبل ولوج الروح فی الحیاة الدنیا ، فالموت والحیاة الأولیان هما الموت قبل الحیاة الدنیا والحیاة الدنیا والموت والحیاة الثانیتان هما الموت عن الدنیا والحیاة یوم البعث ، والمراد بالمراتب فی الآیة الثانیة هو ما فی الآیة الأولی ، فلا معنی لدلالتها علی البرزخ ، وهو خطأ فان الآیتین مختلفتان سیاقا إذ المأخوذ فی الآیة الأولی ، موت واحد وإماتة واحدة وإحیائان ، وفی الآیة الثانیة إماتتان وإحیائان ، ومن المعلوم أن الإماتة لا یتحقق لها مصداق من دون سابقة حیاة بخلاف الموت ، فالموت الأول فی الآیة الأولی غیر الإماتة الأولی فی الآیة الثانیة ، فلاحظ فی قوله تعالی . أمتنا اثنتین وأحییتنا اثنتین ، الإماتة الأولی هی التی بعد الدنیا والاحیاء الأول بعدها للبرزخ والإماتة والاحیاء الثانیتان للآخرة یوم البعث ، وفی قوله تعالی: وکنتم أمواتا فأحیاکم إنما یرید الموت قبل الحیاة وهو موت ولیس بإماتة والحیاة هی الحیاة الدنیا ، وفی قوله تعالی: ثم إلیه ترجعون حیث فصل بین الاحیاء والرجوع بلفظ ثم تأیید لما ذکرنا هذا ((1)) .

وقال نجاح الطائی :

ص: 276

عالم الذر: أحیی الله تعالی الروح فی عالم الذر وتبقی الروح حیة الی أن تعود الی ربها یوم القیامة .

عالم الدنیا: { وَإذْ أخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأشْهَدَهُمْ عَلَی أنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا أنْ تَقُولُوا یَوْمَ القِیَامَةِ إنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ } 172*_سورة الاعراف .

أخذ الباری تعالی من البشریة اقراراً بالتوحید لله تعالی .

الاحیاء الاول هو الولادة فی الدنیا للبدن .

والاحیاء الثانی: هو الاحیاء للبدن فی الرجعة .

قال الصادق علیه السلام : ذلک فی الرجعة((1)) .

والاماتة الاولی: هی الموت للبدن فی الدنیا .

والاماتة الثانیة : هی الموت للبدن بعد الرجعة .

فی القبر یتم محاسبة الروح وهی حیة أصلا وتبقی حیة .

ثم الیه ترجعون تعود الروح مع البدن یوم القیامة للحساب الاکبر للجنة أو للنار .

{ ذَلِکُمْ بِأنَّهُ إذَا دُعِیَ اللّهُ وَحْدَهُ کَفَرْتُمْ وَإنْ یُشْرَک بِهِ تُؤْمِنُوا فَالحُکْمُ لِلّهِ العَلِیِّ الکَبِیرِ12 } _سورة غافر .

ذَلِکُمْ بِأنَّهُ إذَا دُعِیَ اللّهُ: بولایة علی علیه السلام .

ص: 277

{وَحْدَهُ کَفَرْتُمْ وَإنْ یُشْرَک بِهِ } یعنی بعلی (تُؤْمِنُوا ) : أی اذا ذکر إمام

غیره تؤمنون به {فَالحُکْمُ لِلّهِ العَلِیِّ الکَبِیرِ12 } ((1)) .

عن حبیب الخثعمیّ: قال: ذکرت لأبی عبد الله: علیه سلام الله ما یقول أبو الخطَّاب: ، فقال: اذکر لی بعض ما یقول ، قلت: فی قول الله عزّ وجلّ ( وإِذا ذُکِرَ الله وَحْدَه اشْمَأَزَّتْ)((2)) الآیة ,یقول ( إِذا ذُکِرَ الله وَحْدَه ): أمیر المؤمنین ( وإِذا ذُکِرَ الَّذِینَ مِنْ دُونِه ): فلان وفلان ، فقال أبو عبد الله: علیه السلام « من قال هذا فهو مشرک ثلاثاً أنا إلی الله منه بریء ثلاثاً بل عنی الله بذلک نفسه، بل عنی الله بذلک نفسه », وأخبرته بالآیة التی فی حم( ذلِکُمْ بِأَنَّه إِذا دُعِیَ الله وَحْدَه کَفَرْتُمْ ) ((3)) قلت: یعنی بذلک أمیر المؤمنین علیه السلام : قال أبو عبد الله: علیه سلام الله_ « من قال هذا فهو مشرک ثلاثاً أنا إلی الله منه بریء ثلاثاً بل عنی بذلک نفسه ((4)) .

الطبری: إذا دعی الله وحده کفرتم ، فأنکرتم أن تکون الألوهیة له خالصة ، وقلتم أجعل الآلهة إلها واحدا .

ص: 278

وإن یشرک به تؤمنوا یقول: وإن یجعل لله شریک تصدقوا من جعل ذلک له فالحکم لله العلی الکبیر یقول: فالقضاء لله العلی علی کل شئ ، الکبیر الذی کل شئ دونه متصاغرا له الیوم ((1)) .

علی عن أحمد عن محمد بن خالد عن محمد بن سلیمان عن أبیه عن أبی بصیر عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام : فی قول اللَّه تعالی « سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْکافِرینَ » بولایة علی « لَیْسَ لَهُ دافِعٌ » ثم قال هکذا واللَّه نزل بها جبرئیل علی محمد صلی الله علیه و آله ((2)) .

محمد عن ابن عیسی عن الحسن بن سیف عن أخیه عن أبیه عن أبی حمزة عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام : فی قوله تعالی « إِنَّکُمْ لَفِی قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ » فی أمر الولایة « یُؤْفَکُ عَنْهُ مَنْ أُفِکَ » قال « من أفک عن الولایة أفک عنه [ عن ] الجنة » ((3)) .

وعن

الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام : فی قوله تعالی « هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ فَالَّذِینَ کَفَرُوا » بولایة علی علیه السلام :

« قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِیابٌ مِنْ نارٍ ((4)) .

ص: 279

وقال نجاح الطائی: التوحید الخالص لله تعالی یتمثل فی الاعتقاد بالنبوة والامامة فهی تجسد الاعتقاد بما أمر تعالی فی الایمان به وطاعته .

والحکم لله فی الخلافة لمن یشاء والنبوة لمن یرید والشریعة کیف یشاء.

{ هُوَ الَّذِی یُرِیکُمْ آیَاتِهِ وَیُنَزِّلُ لَکُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا یَتَذَکَّرُ إلا مَنْ یُنِیبُ } 13 _سورة غافر .

{ هُوَ الَّذِی یُرِیکُمْ آیَاتِهِ }: الأئمة الذین أخبر الله تعالی ورسوله بهم ((1)).

وکل شیء فی الوجود آیة من آیات الله تعالی فالانسان آیة والنبات آیة والحیوان آیة والحشرة آیة والماء آیة والهواء آیة . وأهل البیت سادة البشر فهم العالون فی کتاب الله المجید والامام علی آیة الله العظمی :

قال أمیر المؤمنین علیه السلام : ما لله آیة أکبر منِّی, فاذا رجعوا الی الدنیا یعرفهم اعداؤهم اذا رأوهم فی الدنیا((2)) .

ص: 280

بصائر الدرجات: قال أمیر المؤمنین علیه السلام : ما لله آیة أکبر منِّی, ولا لله من نبأ عظیم أعظم منی ولقد عرضت ولایتی علی الأمم الماضیة فأبت ان تقبلها قال: قلت له: قل هو نبأ عظیم أنتم عنه معرضون قال هو والله أمیر المؤمنین علیه السلام ((1)) .

ومن علامة بغض الناس له تفضیلهم من هو دونه علیه والذی بعثنی بالحق نبیاً ما بعث الله تعالی نبیاً أکرم علیه من وصیی ((2)) .

وقال الله تعالی :{ أَوَلَمْ یَرَ الَّذِیْنَ کَفَرُواْ أَنَّ السَّمَوَاْتِ وَ الأَرْضَ کَاْنَتَاْ رَتْقَاً فَفَتَقْنَاْهُمَاْ } الأنبیاء: 3 .

لقد بلغ ذهول العلماء فی مؤتمر الشباب الإسلامی سنة 1979م ذروته عندما سمعوا الآیة الکریمة و قالوا: حقاً لقد کان الکون فی بدایته عبارة عن سحابة سدیمیة دخانیة غازیة هائلة متلاصقة ثم تحولت بالتدریج إلی ملایین الملایین من النجوم التی تملأ السماء . عندها صرح البروفیسور الأمریکی (بالمر) قائلاً إن ما قیل لا یمکن بحال من الأحوال أن ینسب إلی شخص مات قبل 1400 سنة لأنه لم یکن لدیه تلیسکوبات و لا سفن فضائیة

ص: 281

تساعد علی اکتشاف هذه الحقائق فلا بد أن الذی أخبر محمداً هو الله و قد أعلن البروفیسور(بالمر) إسلامه فی نهایة المؤتمر .

{ وَیُنَزِّلُ لَکُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا یَتَذَکَّرُ إلا مَنْ یُنِیبُ } 13 سورة غافر : واذا نزل المطر من السماء فاضت الارض بالخیر من زراعة واعمار للارض وشرب وغسل وتربیة أسماک ودواجن وحیوانات وباقی الامور الحیاتیة والحضاریة .

ینیب: یطیع الله تعالی ویرجع الیه .

ولا یتذکر هذا الا من یطیع الله تعالی ویرجع الیه فی کل واقعة .

{ فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ وَلَوْ کَرِهَ الکَافِرُونَ} 14_سورة غافر :أخلصوا الایمان والعبادة لله تعالی رغم أنف الکافرین الحاکمین علیکم .

المراد بالاخلاص تحقق نیة التقرب فی العمل ومنع العموم فی کل عبادة لان الامر لا یدل علی التکرار وکذا قوله تعالی قل الله أعبد مخلصا له دینی.

وقد قال النبی صلی الله علیه و آله : إنما الأعمال بالنیات وإنما لکل امرئ ما نوی فمن کانت هجرته إلی دنیا یصیبها أو إلی امرأة ینکحها فهجرته إلی ما هاجر إلیه ((1)) . وعنه علیه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: ( إِلَّا مَنْ أَتَی الله بِقَلْبٍ سَلِیمٍ ) ((2)) . قال: القلب السلیم ، الذی یلقی ربه ولیس فیه أحد سواه قال:

ص: 282

وکل قلب فیه شرک أو شک فهو ساقط ، وإنما أرادوا الزهد فی الدنیا لتفرغ قلوبهم للآخرة ((1)) .

{ رَفِیعُ الدَّرَجَاتِ ذُو العَرْشِ یُلْقِی الرُّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلَی مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِیُنْذِرَ یَوْمَ التَّلاقِ } 15 _سورة غافر .

{ رَفِیعُ الدَّرَجَاتِ ذُو العَرْشِ }: یتصف الله بنعوت الجلال والجمال ، و الأوصاف الذاتیّة والفعلیّة الَّتی لا تحدّ .

{یُلْقِی الرُّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلَی مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }: قال روح القدس وهو ملک عظیم خاص لرسول الله صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام قوله: ( لینذر یوم التلاق ) قال یوم یلتقی أهل السماوات والأرض ,ویوم التناد یوم ینادی أهل النار أهل الجنة ان أفیضوا علینا من الماء أو مما رزقکم الله ، ویوم التغابن یوم یعیر أهل الجنة أهل النار ، ویوم الحسرة یوم یؤتی بالموت فیذبح .

ثم یقول الله عز وجل: لمن الملک الیوم ؟ فیرد علی نفسه الله القهار أین الجبارون ؟ وأین الذین ادعوا معی إلها آخر ؟ أین المتکبرون ؟

تفسیر علی بن إبراهیم: " رفیع الدرجات ذو العرش یلقی الروح من أمره علی من یشاء من عباده " قال: روح القدس ، وهو خاص لرسول الله صلی الله علیه و آله والأئمة صلوات الله علیهم ((2)) .

ص: 283

تفسیر علی بن إبراهیم: " وکذلک أوحینا إلیک روحا من أمرنا ما کنت تدری ما الکتاب ولا الایمان " قال: روح القدس هی التی قال الصادق علیه السلام فی قوله: " ویسألونک عن الروح قل الروح من أمر ربی قال: هو ملک أعظم من جبرئیل ومیکائیل ، کان مع رسول الله صلی الله علیه و آله وهو مع الأئمة ، ثم کنی عن أمیر المؤمنین علیه السلام فقال: " ولکن جعلنا نورا نهدی به من نشاء من عبادنا ((1)) " والدلیل علی أن النور أمیر المؤمنین علیه السلام قوله: " واتبعوا النور الذی انزل معه " الآیة ((2)) .

{لِیُنْذِرَ یَوْمَ التَّلاقِ }_15.

قرأ ابن کثیر وورش: لینذر یوم التلاقی ویوم التنادی ( 32 ) بإثبات الیاء فی الوصل وأثبتهما ابن کثیر فی الوقف أیضا .

وحذفهما الباقون وصلا ووقفا .

وعن

الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام قال: یوم التلاق یوم یلتقی أهل السماء وأهل الأرض ، ویوم التناد یوم ینادی أهل النار أهل الجنة " أن

ص: 284

أفیضوا علینا من الماء أو مما رزقکم الله " ویوم التغابن یوم یغبن أهل الجنة أهل النار ، و یوم الحسرة یوم یؤتی بالموت فیذبح ((1)) .

تفسیر علی بن إبراهیم ومعانی الأخبار: أبی ، عن أحمد بن إدریس ، عن الأشعری ، ومحمد بن علی بن محبوب ، عن الیقطینی، عن صفوان بن یحیی ، عن إسماعیل بن جابر ، عن رجاله ، عن

الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام فی قول الله عز وجل: " ذلک یوم مجموع له الناس وذلک یوم مشهود " قال: المشهود یوم عرفة ، والمجموع له الناس یوم القیامة ((2)) .

الشیخ المفید: لینذر یوم التلاق یوم هم بارزون لا یخفی علی الله منهم شئ " . ویوم التلاق هو یوم الحشر عند التقاء الأرواح والأجساد ، وتلاقی الخلق بالاجتماع فی الصعید الواحد ((3)) .

وقال نجاح الطائی: أی ادعو رب العالمین خالقکم ورازقکم وممیتکم ومحییکم صاحب الصفات العالیة الخاصة والفریدة .

وهو الذی یرسل الروح الی من یشاء من عباده المنتجبین لینذرهم ویخبرهم بیوم التلاق الذی یلتقی فیه أهل السماء والارض وأهل الدنیا مع بعضهم البعض من الاولین والاخرین فی یوم غیر مشهود ولا نظیر له .

ص: 285

{ یَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا یَخْفَی عَلَی اللّهِ مِنْهُمْ شَیْءٌ لِمَنِ المُلْکُ الیَوْمَ لِلّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ16 } _سورة غافر .

أی یظهرون من قبورهم ویهرولون إلی ارض المحشر وهو یوم التلاق ویوم الجمع ویوم الحشر .

وقوله: " یوم هم بارزون " ، یؤکد ذلک ، إذ کان البروز لا یکون إلا لموجود ، والمعدوم لا یوصف بظهور ولا بروز . فدل ذلک علی أن قوله تعالی: " لمن الملک الیوم " خطاب للموجود ، وتقریر لفاعل ثابت العین غیر معدوم . ثم لیس فی الآیة أن الله تعالی هو القائل ذلک ، بل فیها قول غیر مضاف إلی قائل بعینه ، فیحتمل أن یکون القائل ملکا أمر بالنداء ، فأجابه أهل الموقف .

ویحتمل أن یکون الله تعالی هو القائل مقررا غیر مستخبر ، والمجیبون هم البشر المبعوثون ، أو الملائکة الحاضرون ، أو الجمیع مع الجان وسائر المکلفین .غیر أنه لیس فی ظاهر الآیة ولا باطنها ما یدل علی أن الکلام لمعدوم ، علی ما ظنه السائل وأقدم علی القول به ، من غیر بصیرة ولا یقین ((1)) .

ویقول " الله فی ذلک الیوم: " لمن الملک الیوم " فیعترف المؤمنون والکافرون بأنه " لله الواحد القهار " . والمجیب هو سبحانه .

ص: 286

الطوسی: وإنما قال ( لمن الملک الیوم ) مع أنه یملک الأنبیاء والمؤمنین فی الآخرة الملک العظیم لاحد وجهین :

أحدهما_

لأنه علی تخصیص یوم القیامة قبل تملیک أهل الجنة ما یملکهم

والثانی_

لا یستحق إطلاق الصفة بالملک إلا الله تعالی ، لأنه یملک جمیع الأمور من غیر تملیک مملک ، فهو أحق باطلاق الصفة . وقوله :( الیوم تجزی کل نفس ما کسبت لا ظلم الیوم ) اخبار منه تعالی أن یوم القیامة تجزی کل نفس علی قدر عملها لا یؤاخذ أحد بجرم غیره ، لا یظلم ذلک الیوم أحد ولا یبخس حقه ( إن الله سریع الحساب ) لا یشغله محاسبة واحد عن محاسبة غیره ، فحساب جمیعهم علی حد واحد ((1)) .

وعن الامام ابی عبد الله الصادق علیه السلام انه قال: إذا أمات الله أهل الأرض لبث مثل ما کان الخلق ومثل ما أماتهم واضعاف ذلک ثم أمات أهل السماء الدنیا ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض والسماء الدنیا واضعاف ذلک ثم أمات أهل السماء الثانیة ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض والسماء الدنیا والسماء الثانیة واضعاف ذلک ثم أمات أهل السماء الثالثة ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض والسماء الدنیا والسماء الثانیة والسماء الثالثة واضعاف ذلک ثم أمات أهل السماء الرابعة ثم لبث مثل ما خلق ( الخلق ) ومثل ما أمات أهل الأرض

ص: 287

وأهل السماء الدنیا والسماء الثانیة والسماء الثالثة والسماء الرابعة واضعاف ذلک ثم أمات أهل السماء الخامسة ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل السماء الدنیا والسماء الثانیة والسماء الثالثة والرابعة والسماء الخامسة واضعاف ذلک ثم أمات أهل السماء السادسة ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل السماء الدنیا والثانیة والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة واضعاف ذلک ثم أمات أهل السماء السابعة ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل السماوات إلی السماء السابعة واضعاف ذلک ثم أمات میکائیل ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلک کله واضعاف ذلک کله ثم أمات جبرئیل ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلک کله واضعاف ذلک کله ثم أمات إسرافیل ثم لبث مثل ما خلق الخلق مثل ذلک کله واضعاف ذلک ثم أمات ملک الموت قال ثم یقول تبارک و تعالی لمن الملک الیوم فیرد علی نفسه لله الواحد القهار أین الجبارون أین الذین ادعوا معی الها أین المتکبرون ونحو هذا ثم یلبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلک کله واضعاف ذلک ثم یبعث الخلق وینفخ الصور قال عبید بن زرارة فقلت ان هذا الامر کأنی طولت ذلک فقال أرأیت ما کان قبل ان یخلق الخلق أطول أو ذا قال قلت ذا قال فهل علمت به قال قلت لا قال فکذلک هذا ((1)) .

ص: 288

وقال نجاح الطائی: فی یوم البعث للاخرة یهب الله تعالی الاجساد للارواح البشریة الخارجة من القبور فتبرز للعیان وتظهر للوجود .

{لا یَخْفَی عَلَی اللّهِ مِنْهُمْ شَیْءٌ}: عندها لا یخفی علی مخلوقات الله منهم شیء اذ یتحول البشر من أرواح غیر مرئیة الی أجساد ظاهرة ومشهودة

فیقول الباری تعالی: لمن الملک الیوم بعدما کان یدعیه الفراعنة والاکاسرة والهراقلة والصهاینة والخوارج فیجیب تعالی: { المُلْکُ الیَوْمَ لِلّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ } .

والمدة الزمنیة بین موت الانسان فی الدنیا جسدیاً وروحیاً حین الصیحة وبعثه للحساب فی الاخرة طویلة جدا ولا یعلمها الا رب العالمین .

{ الیَوْمَ تُجْزَی کُلُّ نَفْس بِمَا کَسَبَتْ لا ظُلْمَ الیَوْمَ إنَّ اللّهَ سَرِیعُ الحِسَابِ } 17 _سورة غافر .

یوم العدالة الذی عیَّنه الله تعالی ینصف المظلوم من الظالم اولا . وثانیا: سریع الحساب . بینما قضاء الدنیا غیر عادل اولا وبطیء ثانیا .

هذه آیات محکمات تنفی الجبر عن البشر وتکذب من اعتقد به لان الباری تعالی یقول :{ الیَوْمَ تُجْزَی کُلُّ نَفْس بِمَا کَسَبَتْ} .

دخل یزید بن معاویة الشامی علی الرضا علیه السلام بمرو وسأل عن قول الصادق علیه السلام لا جبر ولا تفویض بل أمر بین الأمرین فقال علیه السلام : من زعم أن الله

ص: 289

فعل أفعالنا ثم یعذبنا علیها فقد قال بالجبر ومن زعم أن الله فوض أمر الخلق والرزق إلی حججه فقد قال بالتفویض والقائل بالجبر کافر والقائل بالتفویض مشرک .قال: فما أمر بین أمرین ؟ فقال علیه السلام وجود السبیل إلی إتیان ما نهوا عنه. قال: فهل لله إرادة ومشیة فی ذلک ؟فقالخ: أما الطاعات فإرادة الله ومشیته فیها الأمر بها والرضا بها والمعاونة علیها وإرادته ومشیته فی المعاصی النهی عنها والسخط لها والعقوبة علیها والخذلان بها قال فلله فیه القضاء قال نعم ما من فعل فعله العباد من خیر وشر إلا ولله فیه القضاء قال: فما معنی هذا القضاء ؟قال علیه السلام : الحکم علیهم بما یستحقونه علی أفعالهم من الثواب والعقاب فی الدنیا والآخرة((1)) .

وحاول المجرمون والغافلون شرح قضیتی الجبر والتفویض مخالفة منهم للکتاب المجید والحدیث الشریف فبینها تعالی فی هذه الایة والایات الکثیرة الاخری .

{ وَأنذِرْهُمْ یَوْمَ الآزِفَةِ إذِ القُلُوبُ لَدَی الحَنَاجِرِ کَاظِمِینَ مَا لِلظَّالِمِینَ مِنْ حَمِیم وَلا شَفِیع یُطَاعُ } 18_سورة غافر .

یوم الازفة: یوم القیامة .

إذِ القُلُوبُ لَدَی الحَنَاجِرِ: محزونین مغمومین .

ص: 290

إذِ القُلُوبُ لَدَی الحَنَاجِرِ کَاظِمِینَ :من شدة الخوف من دخولهم جهنم تتحرک القلوب من أماکنها فی الصدور وتقف عند الحناجر اعتقادا منها بأن هذا أفضل للدفاع عن النفس المهددة بالضیاع فی قعر الجحیم .

وقال الامام السجاد علی بن الحسین علیه السلام : ذلک یوم لا تقال فیه عثرة ((1)) ولا یؤخذ من أحد فدیة ولا تقبل من أحد معذرة ولا لاحد فیه مستقبل توبة ، لیس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسیئات ، فمن کان من المؤمنین عمل فی هذه الدنیا مثقال ذرة من خیر وجده ومن کان من المؤمنین عمل فی هذه الدنیا مثقال ذرة من شر وجده .

فاحذروا أیها الناس من الذنوب والمعاصی ما قد نهاکم الله عنها وحذرکموها فی کتابه الصادق والبیان الناطق ولا تأمنوا مکر الله وتحذیره وتهدیده عندما یدعوکم الشیطان اللعین إلیه من عاجل الشهوات واللذات فی هذه الدنیا فإن الله عز وجل یقول: "{ إن الذین اتقوا إذا مسهم طائف من الشیطان تذکروا فإذا هم مبصرون } ((2)) .

یوم یفر المرء من أخیه وأمه وأبیه ، یوم مقداره خمسون الف سنة یوم یشیب فیه الولید ، وتذهل کل مرضعة عما أرضعت ، یوم تشخص فیه

ص: 291

الأبصار ، وتشغل کل نفس بما قدمت ، وتجادل کل نفس عن نفسها ، ویطلب کل ذی جرم الخلاص .

هذا انذار من الله تعالی للحذر من یوم القیامة باتباع أصول الدین وفروعه وعدم الحید عن هذا المشروع الالهی وان المنحرفین عنه من أهل النار .

{ مَا لِلظَّالِمِینَ مِنْ حَمِیم وَلا شَفِیع یُطَاعُ یَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْیُنِ وَمَا تُخْفِی الصُّدُورُ } 19 سورة غافر .

یجد الظالمون أنفسهم بلا صدیق حمیم یدافع عنهم ویواسیهم ویعدهم بالنصر والمؤازرة بل الناس مشغولون بکیفیة الفرار من الجحیم, ولا شافع لهم فی هذا الیوم العصیب لان الشفاعة لا تشمل المخالفین لاصول الدین الظالمین لانفسهم .

وکان الطغاة فی الدنیا یضعون المؤمنین فی سجون مظلمة لا نور فیها ولیس عندهم شفیع یشفع لهم فی تلک المحاکم الطاغیة والمطامیر

المظلمة .

یَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْیُنِ وَمَا تُخْفِی الصُّدُورُ 19 :

أی النظرة الخائنة الصادرة عن الأعین أو خائنة مصدر کالعافیة أی خیانة الأعین النظرة الأولی للشخص مباحة والثانیة محرمة .

فقوله { خائنة الأعین } فی النظرة الثانیة أو فی النظرة الأولی؟ ان کانت النظرة الأولی تعمدا فهی حرام وفیها الاثم وإن کانت سهوا ، فهی مغفورة .

والنظرة الثانیة حرام لانها لیست له بینما تری کثیرا من الرجال ینظرون الثانیة والثالثة تعمدا وبنظرة شیطانیة لا تجوز ولا تحل لهم .

ص: 292

{ وما تخفی الصدور } : من الخیر والشر : من نوایا ومؤامرات ومشاریع طالحة وصالحة .

{ وَاللّهُ یَقْضِی بِالحَقِّ وَالَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَقْضُونَ بِشَیْء إنَّ اللّهَ هُوَ السَّمِیعُ البَصِیرُ } 20 _سورة غافر .

{ والله یقضی بالحق } أی یفصل بین الخلائق بمر الحق فیوصل کل واحد إلی حقه { والذین یدعون من دونه } من طواغیت الانس والجن ینهجون منهج الباطل .

تهکّم بهم ، لأنّ الجماد لا یعقل فلا یقال فیه: إنّه یقضی ولا یقضی .

المراد بالذین یدعون کل ما عدا اللَّه مم اتخذوه الها تعبده الناس وتحترم طقوسه صنما کان أو سلطانا او مالا أو جاها أو غیر ذلک .

وروی عن النبی محمد صلی الله علیه و آله قوله: تخلقوا بأخلاق الله((1)) .

وهنا جاء: { وَاللّهُ یَقْضِی بِالحَقِّ} فهذا یعنی وجوب التخلق باخلاق الله تعالی ومن هذه الاخلاق العدالة فی الحکم بین الناس .

ومن لا یؤمن بالله العزیز تراه بعیدا عن العدل منحطا فی أحکامه القانونیة والقضائیة

.

ص: 293

{ أوَ لَمْ یَسِیرُوا فِی الأرْضِ فَیَنظُرُوا کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الَّذِینَ کَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ کَانُوا هُمْ أشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِی الأرْضِ فَأخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا کَانَ لَهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ وَاق}21 _سورة غافر .

تحذیر الی الفراعنة الحالیین من الحکام الظالمین لاخذ العبرة من الفراعنة السابقین الذی کانوا أشدَّ منهم قوة عسکریة وأعظم قلاعا وحصونا ومدنا لکن الله تعالی أخذهم أخذ عزیز مقتدر فجعلهم من أصحاب القبور .

ولم تفلح کل الجهود والاموال المبذولة للبقاء فی الحیاة الدنیا وابعاد الموت عنهم .

:( قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِی السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) ((1)) .

:( أَفَلاَ یَتَدَبَّرُونَ ) ((2)) .

:( إِنَّ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ لآیَاتٍ لِّأُوْلِی الألْبَابِ ) ((3)) .

:( أَفَلَمْ یَسِیرُوا فِی الأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کَانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ کانُوا أَکْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِی الأَرْضِ فَما أَغْنی عَنْهُمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ

ص: 294

فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ ) ((1)) .

وقول سید البشریة محمد صلی الله علیه و آله : « تفکر ساعة خیر من عبادة سبعین سنة تفکّروا فی خلق الله ولا تفکروا فی الله فإنّکم لن تقدروا قدره » ((2)) .

وجاء " فی قوله تعالی: { أو لم یسیروا فی الأرض فینظروا کیف کان عاقبة الذین من قبلهم کانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أکثر مما عمروها } سورة " الروم 9 .

وقال تعالی عن قوم عاد :{ أتبنون بکل ریع آیة تعبثون وتتخذون مصانع

لعلکم تخلدون } ((3)) .

لکنهم طغوا فی الارض وظلموا المساکین وقمعوا المستضعفین قال تعالی: { فأخذهم الله بذنوبهم وما کان لهم من الله من واق} .

وقال قارون: {إِنَّما أُوتِیتُهُ عَلی عِلْمٍ عِنْدِی } لمن قال له :

« وابْتَغِ فِیما آتاکَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ » والمعنی ان اللَّه أرسل فیما مضی رسله بالحجج القاطعة لأمم تملک أسباب الثراء والحضارة لکن ملوکهم طغوا فی

ص: 295

الارض بسبب قوتهم المفرطة وثراءهم الفاحش واستبدادهم واستکبارهم فی الارض .

وقال تعالی: { قَالَ إنَّمَا اُوتِیتُهُ عَلَی عِلْم عِندِی أوَ لَمْ یَعْلَمْ أنَّ اللّهَ قَدْ أهْلَکَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأکْثَرُ جَمْعاً وَلا یُسْألُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ المُجْرِمُونَ78 } سورة القصص .

وهو استفهام توبیخی وجواب عن قوله تعالی: { انما أوتیته علی علم عندی } .

{ ذَلِکَ بِأنَّهُمْ کَانَتْ تَأتِیهِمْ رُسُلُهُمْ بِالبَیِّنَاتِ فَکَفَرُوا فَأخَذَهُمُ اللّهُ إنَّهُ قَوِیٌّ شَدِیدُ العِقَابِ } 22_سورة غافر .

{ وَآتَیْنَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ البَیِّنَاتِ وَأیَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ} البقرة 87 .

{ وَلَقَدْ جَاءَکُمْ مُوسَی بِالبَیِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ العِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأنْتُمْ ظَالِمُونَ } 92_البقرة .

{ إنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ مَا أنزَلْنَا مِنْ البَیِّنَاتِ وَالهُدَی مِنْ بَعْدِ مَا بَیَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِی الکِتَابِ اُوْلَئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَیَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ } 159 _البقرة .

{ وَإنْ یُکَذِّبُوکَ فَقَدْ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَیِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالکِتَابِ المُنِیرِ } 25 _فاطر .

تفسیر علی بن إبراهیم: أحمد بن إدریس عن أحمد بن محمد عن الحسین بن سعید عن بعض أصحابه عن حمزة بن الربیع عن علی بن سوید قال:

ص: 296

سألت العبد الصالح علیه السلام عن قول الله عز وجل: {" ذلک بأنه کانت تأتیهم رسلهم بالبینات }" قال علیه السلام : البینات هم الأئمة علیهم السلام ((1)) .

وفی روایة کمیل عن أمیر المؤمنین ( علیه السلام ): نحن حجج الله وبیناته . وعن الصادق ( علیه السلام ): نحن الآیات ونحن البینات .

تفسیر علی بن إبراهیم: قوله تعالی فی سورة البینة ( حتی تأتیهم البینة ) فی روایة أبی الجارود عن الامام أبی جعفر محمد الباقر ( علیه السلام ) قال: البینة محمد ( صلی الله علیه و آله ) ((2)) .

کنز جامع الفوائد وتأویل الآیات الظاهرة معا: عن جابر ، عن الباقر ( علیه السلام ) فی هذه الآیات قال: قوله ( رسول من الله ) یعنی محمدا ( یتلو صحفا مطهرة ) یعنی یدل علی أولی الأمر من بعده وهم الأئمة وهم الصحف المطهرة ((3)) .

وروی بأسانید عن الصادق علیه السلام أنه ذکر کوفة وقال: ستخلو کوفه من المؤمنین ویأزر عنها العلم کما تأزر الحیة فی جحرها ، ثم یظهر العلم ببلدة یقال لها قم ، وتصیر معدنا للعلم والفضل حتّی لا یبقی فی الأرض مستضعف فی الدین حتّی المخدرات فی الحجال ، وذلک عند قرب ظهور قائمنا ، فیجعل اللَّه قم وأهلها قائمین مقام الحجّة ، ولولا ذلک لساخت الأرض بأهلها ولم یبق فی الأرض حجّة ، فیفیض العلم منه إلی سائر البلاد فی المشرق والمغرب ، فیتم حجّة اللَّه علی الخلق حتّی لا یبقی أحد علی الأرض لم یبلغ إلیه الدین والعلم ، ثم یظهر القائم علیه السلام ویصیر سببا لنقمة اللَّه وسخطه علی العباد ، لان اللَّه لا ینتقم من العباد إلا بعد إنکارهم حجّة((1)).

هؤلاء الکفرة رفضوا معاجز وخطب وأحادیث وکتب الانبیاء فاهلکهم الجبار بفنونه العالیة فجعلهم کتراب البادیة .

الشریف الرضی: وقوله سبحانه: { جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَیِّنَاتِ فَرَدُّوا أیْدِیَهُمْ فِی أفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إنَّا کَفَرْنَا بِمَا اُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإنَّا لَفِی شَکٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إلَیْهِ مُرِیب9 } . وهذه استعارة ، علی وجه واحد من وجوه التأویلات التی حملت علیها هذه الآیة . وذلک أن یکون المعنی ما ذهب إلیه بعضهم من أن الأیدی هاهنا عبارة عن حجج الرسل علیهم السلام ، والبینات التی جاؤوا بها قومهم ، وأکّدوا بها شرعهم . لأن بذلک یتم لهم السلطان علیهم

ص: 298

والتدبیر لهم ، وقد سمّوا السلطان یدا فی کثیر من المواضع ، فقالوا: ما لفلان علی فلان ید ، أی سلطان . ویقولون: قد زالت ید فلان الأمیر . إذا عزل عن ولایته ، بمعنی زال سلطانه عن رعیته . ویقولون: أخذت هذا الأمر بالید. أی بالسلطان . فالحجج التی جاء بها الأنبیاء أممهم قد تسمی أیدیا علی ما ذکرناه ، فلما وصف الکفار علی هذا التأویل بأنهم ردّوا أیدی الأنبیاء_ علیهم السلام_ فی أفواههم ، کان المراد بذلک ردّ حججهم من حیث جاءت، وطریق مجیئها أفواههم فکأنهم ردّوا علیهم أقوالهم ، وکذّبوا دعواهم ((1)) .

وقال نجاح الطائی: جاءت البینة بمعنی النبی وجاءت بمعنی الائمة وجاءت بمعنی الحجج والدلالات

.

الانبیاء والائمة هم الحجج الالهیة التی أرسلها رب العالمین لهدایة البشریة ونقلهم من الظلمات الی النور .

{ وَلَقَدْ أرْسَلْنَا مُوسَی بِآیَاتِنَا وَسُلْطَان مُبِین 23 إلَی فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ کَذَّابٌ } 24 _سورة غافر .

بعث الرحمنُ سبحانه موسی علیه السلام بآیات نادرة وقوة قاهرة تتمثل بالعصا الملازمة له لکنهم قالوا: ساحر کذاب .

و قال تعالی: " ثم أرسلنا موسی وأخاه هارون بآیاتنا وسلطان مبین . . ((2)) .

ص: 299

فی هذه الآیات جعل الله هارون ردء ا لموسی ووزیرا وشریکا فی النبوة استخلفه موسی فی قومه ، وقد نص خاتم الأنبیاء أن علیا علیه السلام منه بمنزلة هارون من موسی واستثنی النبوة أنه لا نبی بعده .

السلطان والآیات وإن کان معناهما الحجج ، فإنّما عطف إحداهما علی الأخری لاختلاف اللفظ .

واشتقاق السلطان من السلیط ، وهو ما یستضاء به ، ومن ذلک قیل للزیت: السلیط .

هامان وزیر فرعون ، وقارون أغنی رجل فی عصره ، واللَّه سبحانه أرسل موسی لأهل زمانه کافة ، وخص الثلاثة لأنهم منبع الفساد و الضلال والکفر ، ولو آمنوا لآمن الجمیع .

{فَقَالُوا سَاحِرٌ کَذَّابٌ }: لم یجد فرعون وهامان وقارون بدا من اتهام موسی بالسحر والکذب للنیل منه وابعاد الناس عنه .

وهکذا فعل الطغاة مع کل الانبیاء والاوصیاء لاسقاطهم فی نظر أفراد الامة . ومن یتهموه بانه ساحر أو مسحور تشکک بعض الناس فی مصداقیته وشریعته وأهدافه .

وعائشة اتهمت النبی صلی الله علیه و آله بانه مسحور وقالت:

ص: 300

سحر رسولَ الله صلی الله علیه و آله یهودیٌ من یهود بنی زریق یقال له لبید بن الأعصم حتی کان رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) یخیل إلیه أنّه کان یفعل الشی وما فعله ((1)) .

هذه محاولة لطمس نبوته وابطال أعماله باعتباره کان مسحورا فی وقتها .

البخاری عن عائشة: قالت: کان للنبی ( صلی الله علیه و آله ) غلام یهودی یخدمه هو لبید بن أعصم فلم تزل به الیهود حتّی سحر النبی ( صلی الله علیه و آله ) وکان النبی ( صلی الله علیه و آله ) یذوب ولا یدری ما وجعه :

بینما رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) ذات لیلة نائم, إذ أتاه ملکان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجلیه, فقال الذی عند رأسه للذی عند رجلیه: ما وجعه ؟

قال: مطبوب . قال: من طبّه ؟

قال: لبید بن أعصم قال: بم طبّه, قال: بمشط وشاطة, وحف طلعه ذکر بذی أروان وهی تحت راعوفة البئر . فلمّا أصبح رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) غدا ومعه أصحابه إلی البئر فنزل رجل فاستخرج حف طلعة من تحت الراعونة فإذا فیها مشط رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) ومن مشاط رأسه وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) وإذا فیها أُبر مغروزة وإذا وتر فیه إحدی عشرة عقدة, فأتاه جبریل بالمعوّذتین فقال: یامحمّد قل أعوذ بربّ الفلق - وحلّ عقدة - من شرّ ما خلق - وحلّ عقدة - حتّی فرغ منها وحلّ العقد کلّها, وجعل لا

ص: 301

ینزع ابرة إلاّ یجد لها ألماً ثمّ یجد بعد ذلک راحة فقیل یارسول الله لو قتلت الیهودی, فقال: قد عافانی الله وما وراءه من عذاب الله أشدّ ((1)) .

وقالت عائشة: سُحِر النبی ( صلی الله علیه و آله ) فیخیّل إلیه أنّه صنع شیئاً ولم یصنعه ((2)) .

الردّ علی حدیث :النبی مسحور

وقال نجاح الطائی: کان عند النبی صلی الله علیه و آله آیات قرآنیة والمعوذتان یمکنه بهما دفع أی سحر یعملوه له وکان عند النبی أحراز وأدعیة لابعاد وابطال کل سحر ضدَّه وضدَّ الاخرین وقد أبطل موسی سحر السحرة فلم یؤثر علیه وکذلک علَّم الانبیاءُ الناسَ کیفیة التخلص من السحر وابطاله .

ومن الایات المبطلة للسحر: {وقدمنا إلی ما عملوا من عمل فجعلنه هباء منثورا انظُرْ کَیْفَ ضَرَبُوا لَکَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا یَسْتَطِیعُونَ سَبِیلا }48_سورة الاسراء .

ص: 302

وهذا یعنی عدم تمکن الکفار من سحر النبی علیه السلام بکل صوره ولو سحروا النبی لتلاعبوا بدینه وکتابه وحدیثه واعماله فیبطل دینه ویسقط فی نظر الامة .

و المعوّذتان کانتا من أوائل المکّیات فجعلتهما عائشة من أواخر المدنیّات نزولا ((1)) . تلاعبا منها بوقت نزول السور والایات القرآنیة لتتمکن من تمریر مشاریعها السیاسیة والدینیة !! وقد اضطرّت عائشة إلی هذا الاختلاق لاحتیاج القصّة الیه .

ولو جاز سحرهم للنبی ( صلی الله علیه و آله ) لجاز الزیادة والنقیصة فی الدین فی زمن وقوع النبی ضحیة للسحر وهو باطل لأنّه إسقاط کامل للإسلام، وافناء کامل للقرآن والحدیث .

وأخذت عائشة تهمة النبی المسحور من قیادات مکّة قبل الإسلام فقد اتّهموه بالسحر لتحطیم معجزاته وکمالاته وتشاوروا فی ذلک مع فرعونهم الولید بن المغیرة المخزومی فشجّعهم علیه .

وقال الإمام الباقر: نزل جبرائیل علی رسول الله بهذه الآیة هکذا: { وَ قَالَ الظَّالِمُونَ } , لآل محمد حقهم:

ص: 303

{ إنْ تَتَّبِعُونَ إلا رَجُلا مَسْحُوراً اُنظُرْ کَیْفَ ضَرَبُوا لَکَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا یَسْتَطِیعُونَ سَبِیلا } . قال الی ولایة علی علیه السلام , وعلی هو السبیل ً47_ 48 الاسراء ((1)) .

لقد ارسل الله تعالی موسی بحجج ودلالات باهرة وواضحة للناس کافة . وکان یملک سلطانا قاهرا متمثلا بعصاه السحریة المخیفة والمرعبة .

وقد أرسل موسی الی ثلاثة طغاة الاول فرعون ملک البلاد والثانی هامان وزیر البلاد والثالث: قارون الثری من حاشیة فرعون وبطانته .

وهذا یبین أن هؤلاء الثلاثة یؤثرون فی الناس ویمکنهم دعوتهم الی الجحیم .

وکان نمرود وقیصر وکسری وباقی الملوک ووزراؤهم وحواشیهم یفعلون نفس الاعمال المنکرة فی اضلال البشریة ونشر الفسق والفساد والکفر فی أوساطهم .

{ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أبْنَاءَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْیُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا کَیْدُ الکَافِرِینَ إلا فِی ضَلال} 25 _سورة غافر .

بعدما بیَّن موسی علیه السلام آیاته الباهرة الحقة وجد الکافرین أنفسهم بین أمرین: الاول الایمان بما جاء به من دین الهی موافق للفطرة ومطابق للحق .

الثانی: قتل موسی وأتباعه وأنصاره واستعباد نساءهم .

ص: 304

فانتخبوا الطریق الثانی الهمجی فقتلوا ابناء أتباع موسی علیه السلام وزنوا بنسائهم واستخدموهم فی مجالات الخدمة لهم .

قال تعالی عن فعلهم: {وَمَا کَیْدُ الکَافِرِینَ إلا فِی ضَلال }: مکرهم بائس وضائع, لا نفع فیه. وما زالت حکومات الشیطان تقوم بهذه الاعمال المناهضة للمؤمنین فی بلدان کثیرة من العالم .

لقد أمر فرعون بقتل الاولاد الذکور قبل ولادة موسی علیه السلام وبعد ولادته توقف عن هذا العمل .

{ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ واسْتَحْیُوا نِساءَهُمْ } .

ثم أمر فرعون بقتل أبناء الرجال خوفا منهم ، وإبقاء الإناث للخدمة .

وهذا یبین منهجا وحشیا بربریا شیطانیا فی هذا المجال یتمثل فی القتل لوأد وطمس ودفن کل قیام شعبی واصلاح نبوی واعتراض فردی .

فاعتبر فرعون من ناشری الزنا فی الارض . وسار النواصب علی منهجه وقد جاء:

قال الامام جعفر الصادق علیه السلام : " لا یبالی الناصب صلی أم زنی " ((1)) .

وعن علی بن إبراهیم القمی عن ابن أبی عمیر عن عمرو بن أبی المقدام قال سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: قال أبی قال أمیر المؤمنین علیه السلام : کل

ص: 305

ناصب وان تعبد واجتهد منسوب إلی هذه الآیة: " {عاملة ناصبة, تصلی نارا حامیة } ((1))

.

وقد نظم ذلک جملة منهم الخلیفة الناصر العباسی :

قسما ببکة والحطیم وزمزم * والراقصات وسعیهن إلی منی

بغض الوصی علامة مکتوبة * کتبت علی جبهات أولاد الزنی((2))

.

وقال نجاح الطائی: صدق الامام جعفر الصادق علیه السلام فی قوله أعلاه فقد نشر یزید بن معاویة الزنا وأجاز ابن عبد الوهاب أسر المسلمة المحصنة ونکاحها فأختطف السعودیون فی غزواتهم ضدَّ المسلمین آلاف المسلمات المحصنات من مذاهب الشیعة والمالکیة والشافعیة والحنفیة والحنبلیة وزنوا بهن فولدن لهم الامراء السعودیین المتربعین علی السیاسة وشیوخ الدین الوهابیین المنصبین للافتاء .

ثم أفتی هؤلاء المشایخ بجهاد النکاح وأیدهم رجال السیاسة لنشر الزنا والسفاح فی الارض !!!

واستنسخوا نهج فرعون ضدَّ الیهود من أتباع موسی علیه السلام فی الزنا بنساء المؤمنین واستخدامهن فی الخدمة .

ص: 306

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِی أقْتُلْ مُوسَی وَلْیَدْعُ رَبَّهُ إنِّی أخَافُ أنْ یُبَدِّلَ دِینَکُمْ أوْ أنْ یُظْهِرَ فِی الأرْضِ الفَسَادَ } 26 _سورة غافر .

منهج الطغاة یعتمد دائما علی القتل والخیانة والفسق والفجور , والفراعنة لا تخاف من الله تعالی ولا تحترم الامم کی تتورع عن ازهاق أرواح الاخرین

وحجة فرعون الدفاع عن الدین القدیم المتمثل بعبادة الاصنام . والحجة الاخری الخوف من اظهاره الفساد .

لقد أراد فرعون قتل موسی علیه السلام لکن الله تعالی أعطی موسی سلطانا أکبر منه متمثلا فی عصاه التی تحولت الی ثعبان کبیر حاول أن یلتهم فرعون فتوسل بموسی راجیا منه ابعاده عنه فقبل موسی التماسه وابعد الثعبان عنه .

السؤال هو: لم یبق فرعون فسادا من قتل وفسق وفجور وخمر وکفر وخیانة للاعداء وسرقة لاموال الناس الا أظهره وأعلنه فمن أی فساد یخاف ؟

الحقیقة ان فرعون یخاف من الدین وتراثه من عفة وشرف وحجاب وأخلاق وعبادة الله وخوف من معاصیة والعدالة فی توزیع الاموال ومنع اراقة الدماء .

اذن کیف یتهم فرعون صاحب المفاسد العظمی النبی موسی علیه السلام باظهاره الفساد فی الارض ؟

لقد اعتاد المجرمون علی اتهام الصادقین بالکذب واتهام الشرفاء بالفسق واتهام الصالحین بالخیانة وهی محاولة لخلط الاوراق لابعاد تهم الاجرام والقتل والزنا والخیانة والترف والکذب والاحتیال عن أنفسهم .

ص: 307

ولو راجعتم خطابات معاویة بن أبی سفیان لوجدتم منهجیة قریبة من منهجیة فرعون فهو یرتکب کل صنوف الفساد والمحرمات والموبقات لکنه یصف نفسه بالتقوی والایمان ویصف المتقین بالکذب والفساد وخیانة الله ونقض شریعته .

وسار ملوک الارض علی نظریة فرعون ومعاویة فی اظهار أنفسهم بالصالحین ثم تشویه سمعة الصالحین الاخیار .

{ وَقَالَ مُوسَی إنِّی عُذْتُ بِرَبِّی وَرَبِّکُمْ مِنْ کُلِّ مُتَکَبِّر لا یُؤْمِنُ بِیَوْمِ الحِسَابِ } 27_سورة غافر.

أی: إنی تحصنت و اعتصمت بربی الذی خلقنی من کل شر یحیق بی بعدما سمع تهدید فرعون له بالقتل.

وکان النبی صلی الله علیه و آله یقول قبل القراءة أعوذ بالله من الشیطان الرجیم ((1)) .

وهو اتباع للمنهجیة الالهیة فی قوله تعالی:

" فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله " ((2)) .

وحاولت عائشة الاستفادة من النظریة ضد النبی محمد صلی الله علیه و آله فنصحت کل زوجة للرسول بالتعوذ بالله منه فی لیلة الزواج کی یطلقهن مستفیدة من ضعف اطلاعهن الدینی :

ص: 308

- غزیّة بنت دودان بن عوف بن جابر بن ضباب من بنی عامر بن لؤی، وهی اُمّ شریک التی وهبت نفسها للنبی ( صلی الله علیه و آله ). فاستعاذت من النبی( صلی الله علیه و آله ) بنصیحة عائشة وحفصة فطلّقها( صلی الله علیه و آله ) ((1)) .

2 - أسماء بنت النعمان الکندی، من بنی آکل المُرار، کانت من أجمل نسائه وأتمهنّ فقالت لها عائشة وحفصة: إن أردت أن تحظی عنده فتعوّذی بالله منه إذا دخلت علیه .

فلمّا دخل صلی الله علیه و آله وأرخی الستر، قالت: أعوذ بالله منک! فصرف وجهه عنها . ثمّ قال ( صلی الله علیه و آله ): أمنی عائذة بالله! إلحقی بأهلک فخرج النبی( صلی الله علیه و آله ) والغضب یُعرف فی وجهه((2)) .

3 - عمرة بنت یزید بن عبید بن رواس الکلابی، علّمتها عائشة نصیحتها الخطیرة! بالتعوّذ بالله من النبی صلی الله علیه و آله . فقالت لرسول الله( صلی الله علیه و آله )أعوذ بالله

منک فطلّقها((3)) .

ص: 309

4 - الجونیة امرأة من کندة وهی زینب بنت أبی الجون ولیست بأسماء، کان أبو أُسید الساعدی قدم بها علیه فی السنة التاسعة، فولیت عائشة وحفصة مشطها وإصلاح أمرها، فقالت إحداهما لها: إنّ رسول الله یعجبه من المرأة إذا دخل علیها ومدّ یده إلیها أن قالت: أعوذ بالله منک .

ففعلت ذلک فوضع ( صلی الله علیه و آله ) یده علی وجهه واستتر بها وقال( صلی الله علیه و آله ): عذت، فعاذت ثلاث مرّات .

ثمّ خرج وأمر أبا أُسید الساعدی أن یمتّعها برازقیّتین ویلحقها بأهلها; فسمّت نفسها الشقیة وماتت کمداً((1)) .

وهناک زوجات أخریات راجع موسوعة السیرة النبویة –نجاح الطائی المجلد الثالث والرابع .

وجاء فی الشریعة : إذا أراد المسلم الدخول إلی المکان الذی یتخلی فیه ، فلیدخل رجله الیسری قبل الیمنی ولیقل: « بسم الله وبالله ، أعوذ بالله من الرجس النجس الخبیث ((2)) .

ویستحب للمسلم أن یقول صباحا ومساءا: أعوذ بالله السمیع العلیم من همزات الشیاطین ، وأعوذ بالله أن یحضرون إن الله هو السمیع العلیم .

ص: 310

وسمع ابن الکواء أمیر المؤمنین علیه السلام یقول: أعوذ بالله من الذنوب التی تعجل الفناء. فقال ابن الکواء: یا أمیر المؤمنین أیکون ذنوب تعجل الفناء ؟

قال أمیر المؤمنین علیه السلام : نعم ، قطیعة الرحم ، إن أهل بیت یکونون أتقیاء فیقطع بعضهم بعضا فیحرمهم الله ، وإن أهل بیت یکونون فجرة فیتواسون فیرزقهم الله ((1)) .

وقال الامام محمد الباقر علیه السلام : « من قال حین یخرج من باب داره أعوذ بالله مما عاذت منه ملائکة اللَّه من شر هذا الیوم ومن شر الشیطان ومن شر من نصب لأولیاء اللَّه ومن شر الجن والإنس ومن شر السباع والهوام ومن شر رکوب المحارم کلها أجیر نفسی بالله من کل شیء غفر اللَّه له وتاب علیه وکفاه ((2)) .

وقال الامام جعفر الصادق علیه السلام : ( إذا دخلت الغائط فقل: أعوذ بالله من الرجس النجس الخبیث المخبث الشیطان الرجیم. وإذا فرغت فقل: الحمد لله الذی عافانی من البلاء وأماط عنی الأذی )((3)) .

و جاء فی خطبة الامام علی علیه السلام یوم الجمعة: « أعوذ باللَّه من الشیطان

ص: 311

الرجیم » ((1)) .

وقال نجاح الطائی: عاذ النبی موسی علیه السلام بربه ورب الناس وهو الله العظیم المتعال من کل متکبر متجبر لا یتقی الله تعالی .

فاستجاب الله تعالی له وانقذه من فرعون, ثم جعل تعالی فرعوناً یسترحمه ویستعطفه لانقاذه من خطر الثعبان .

من خلال الایات القرآنیة و الاحادیث النبویة فی التعوذ بالله تعالی نفهم بأن ثقافة التعوذ والتحصن بالباری تعالی هی المنهجیة الاسلامیة الواجبة الاتباع .ویجب علینا الاحتماء بالرحمن الرحیم فی أیامنا ولیالینا وفی فرحنا وعسرنا من دسائس ابلیس وأتباعه .

{ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَکْتُمُ إیمَانَهُ أتَقْتُلُونَ رَجُلا أنْ یَقُولَ رَبِّیَ اللّهُ وَقَدْ جَاءَکُمْ بِالبَیِّنَاتِ مِنْ رَبِّکُمْ وَإنْ یَکُ کَاذِباً فَعَلَیْهِ کَذِبُهُ وَإنْ یَکُ صَادِقاً یُصِبْکُمْ بَعْضُ الَّذِی یَعِدُکُمْ إنَّ اللّهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذَّابٌ } 28 _سورة غافر .

استمع فرعون لکلام المؤمن المتستر علی ایمانه صاحب القلب الطاهر ، وأصغی لمقاله .

عن

الامام أبی جعفر محمد الباقر ( علیه السلام ) قال: القلوب ثلاثة: قلب منکوس لا یعی شیئا من الخیر وهو قلب الکافر ، وقلب فیه نکتة سوداء

ص: 312

فالخیر والشر فیه یعتلجان فأیهما کانت منه غلب علیه ، وقلب مفتوح فیه مصابیح تزهر ، ولا یطفأ نوره إلی یوم القیامة وهو قلب المؤمن ((1)) .

و قال السدی کان القائل ابن عم فرعون ، فعلی هذا یکون قوله : { ادخلوا آل فرعون أشد العذاب } مخصصا ، وقال غیره کان المؤمن إسرائیلیا یکتم إیمانه .

وقال ابن عباس: لم یکن من آل فرعون مؤمن غیره ، وغیر امرأة فرعون ، وغیر المؤمن الذی أنذر موسی ، فقال: ( إن الملأ یأتمرون بک لیقتلوک ) .

قال السدی ومقاتل: کان ابن عم فرعون ، وکان آمن بموسی ، وهو الذی جاء من أقصی المدینة یسعی ((2)) .

التقیة:

قال الإمام الرضا ( علیه السلام ): إن أکرمکم عند الله أتقاکم وأعملکم بالتقیة ، فقیل له: یا بن رسول الله إلی متی ؟ قال: إلی یوم الوقت المعلوم ، وهو یوم خروج قائمنا ، فمن ترک التقیة قبل خروج قائمنا فلیس منا ((3)) .

ص: 313

ویلزمک التقیة التی قوام دینک بها ، والورع عما نهیت عنه ، والخصومة ، وکثرة الأیمان ، والجدال الذی فیه الأیمان ، فإذا فعلت ذلک تم حجک وعمرتک ((1)) .

الإمام الصادق ( علیه السلام ): إن التقیة ترس المؤمن ، ولا إیمان لمن لا تقیة له،_ قال الراوی_ : فقلت له: جعلت فداک أرأیت قول الله تبارک وتعالی:

( إلا من اکره وقلبه مطمئن بالإیمان ) قال: وهل التقیة إلا هذا ((2)) .

وقال الامام جعفر الصادق ( علیه السلام ) قوله تعالی: ( أجعل بینکم وبینهم

ردما ) . قال: التقیة :{ فَمَا اسْتَطَاعُوا أنْ یَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً } _سورة الکهف.

قال علیه السلام : هو التقیة ((3)) .

وقال نجاح الطائی:

لقد آمن رجل من آل فرعون برسالة موسی فلم یظهر ایمانه خوفا من فرعون وهذا الامر یعلَّم المؤمنین التقیة کی لا یقضی علیهم الکفارُ بسهولة ویفنوهم .

ص: 314

وایمانه یذکرنا بایمان فرعون زمن النبی یوسف علیه السلام وانقیاده لطاعة یوسف ودینه .

ولما أراد فرعون قتل موسی علیه السلام دافع عنه هذا المؤمن المتستر دفاعا علمیا ودینیا وردَّ ادعاءهم بصورة حضاریة قائلا :

{ إنَّ اللّهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذَّابٌ } وهو رد علی من قال عن النبی موسی: { سَاحِرٌ کَذَّابٌ } 24 _سورة غافر .

وهذا یعنی اعتراف من هذا المؤمن بأن النبی موسی مهتد الی الدین وصاحب هدایة ولیس مثلما تفترون علیه من انه کافر بالدین .

وأبطل ادعاءهم انه: { مُسْرِفٌ کَذَّابٌ } .

ویدخل دفاعه فی موضوع الامر بالمعروف والنهی عن المنکر :

وجاء عن النبی ( صلی الله علیه و آله ) أن أفضل الجهاد کلمة عدل عند إمام جائر ما معناه ؟

قال: هذا علی أن یأمره بعد معرفته وهو مع ذلک یقبل منه وإلا فلا ((1)) .

وقال الامام علیها السلام : إن الامر بالمعروف والنهی عن المنکر لا یقربان من أجل ولا ینقصان من رزق ، وأفضل من ذلک کلمة عدل عند إمام جائر((2))

ص: 315

وقال سید الانبیاء محمد صلی الله علیه و آله : ( من رأی منکم منکراً فلیغیره بیده فان لم یستطع فبلسانه فان لم یستطع فبقلبه وذلک أضعف الایمان ) ((1)) .

{ یَا قَوْمِ لَکُمُ المُلْکُ الیَوْمَ ظَاهِرِینَ فِی الأرْضِ فَمَنْ یَنصُرُنَا مِنْ بَأسِ اللّهِ إنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا اُرِیکُمْ إلا مَا أرَی وَمَا أهْدِیکُمْ إلا سَبِیلَ الرَّشَادِ 29 } _سورة غافر .

دعا مؤمن آل فرعون الملک وحاشیته للحفاظ علی ملکهم بالعدل والابتعاد عن اراقة الدماء وعموم الظلم الذی یهد أرکان الدول والحکومات فیجعلها فی مزابل التاریخ .

ونصحهم بأن ملکهم الموجود فی أیدیهم لا یجعلوه عرضة للغضب الالهی فینهار سریعا .

قال آیة الحق المبین وأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام فی عهده إلی الأشتر: " إیاک والدماء وسفکها بغیر حلها ، فإنه لیس شئ أدنی لنقمة ، ولا أعظم لتبعة ، ولا أحری بزوال نعمة ، وانقطاع مدة ، من سفک الدماء بغیر حقها ، والله سبحانه مبتدئ بالحکم بین العباد ، فیما تسافکوا من الدماء یوم القیامة ، فلا تقوین سلطانک بسفک دم حرام ، فإن ذلک مما یضعفه ویوهنه ، بل یزیله وینقله الخ " .

ص: 316

وعن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام قال: إن الله عز وجل أوحی إلی نبی من أنبیائه فی مملکة جبار من الجبارین أن ائت هذا الجبار فقل له إنی لم أستعملک علی سفک الدماء واتخاذ الأموال ، وإنما استعملتک لتکف عنی أصوات المظلومین فانی لن أدع ظلامتهم ، وإن کانوا کفارا ((1)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : " فانی لن أدع ظلامتهم " تهدید للجبار بزوال ملکه ، فان الملک یبقی مع الکفر ولا یبقی مع الظلم ((2)) .

و بدأ مؤمن آل فرعون ینصح قومه وفیهم فرعون بأنهم ظاهرین ورؤساء وأعزاء فی دولتهم المصریة فمن هو الناصر من بأس الله .

{ وَمَا أهْدِیکُمْ إلا سَبِیلَ الرَّشَادِ }: أی طریق الصواب .

وعن معاذ بن جبل أنه قرأ: ' إلا سبیل الرشاد' بتشدید الشین أی: سبیل الله ، والرشاد هو الله تعالی ((3)) .

ص: 317

وقال الملا من قوم فرعون: " أرجه وأخاه وابعث فی المدائن حاشرین یأتوک بکل سحار علیم " وکانت لفرعون مدائن فیها السحرة عدة للامر إذا (احتاج) حزبه .

وقال ابن عباس: قال فرعون لما رأی من سلطان الله فی الید والعصا: إنا لا نغالب موسی إلا بمن هو مثله ، فأخذ غلمانا من بنی إسرائیل فبعث بهم إلی قریة یقال لها الغرماء یعلمونهم السحر کما یعلم الصبیان ( الکتابة ) فی الکتاب ، فعلموهم سحرا کثیرا ، وواعد فرعون موسی موعدا فبعث فرعون إلی السحرة فجاء بهم ومعهم معلمهم ، فقالوا له: ماذا صنعت ؟ فقال: قد علمتهم سحرا لا یطیقه سحرة أهل الأرض إلا أن یکون أمر من السماء فإنه لا طاقة لهم به ، ثم بعث فرعون الشرطی فی مملکته فلم یترک فی سلطانه ساحرا إلا أتی به .

واختلفوا فی عدد السحرة الذین جمعهم فرعون ، فقال مقاتل: کانوا اثنین وسبعین ساحرا ، اثنان منهم من القبط وهما رأسا القوم ، وسبعون من بنی إسرائیل ، وقال الکلبی :

کانوا سبعین ساحرا غیر رئیسهم ، وکان الذی یعلمهم ذلک رجلین مجوسیین من أهل نینوی ، وقال کعب: کانوا اثنی عشر ألفا ، وقال السدی: کانوا بضعا وثلاثین ألفا ، وقال عکرمة: سبعین ألفا ، وقال محمد بن المنکدر: ثمانین ألفا فاختار منهم سبعة آلاف لیس منهم إلا ساحر ماهر ، ثم اختار منهم سبعمائة ، ثم اختار من أولئک السبعمائة سبعین من کبرائهم و علمائهم ، قال مقاتل: وکان رئیس السحرة أخوین بأقصی مدائن مصر ، فلما

ص: 318

جاءهما رسول فرعون قالا لأمهما: دلیلنا علی قبر أبینا . فدلتهما علیه ، فأتیاه فصاحا باسمه فأجابهما ، فقالا: إن الملک وجه إلینا أن نقدم علیه لأنه أتاه رجلان لیس معهما رجال ولا سلاح ولهما عز ومنعة وقد ضاق الملک ذرعا من عزهما ، ومعهما عصا إذا ألقیاها لا یقوم لهما شئ ، تبلع الحدید والخشب والحجر ، فأجابهما أبوهما: انظرا إذا هما ناما فإن قدرتما أن تسلا العصا فسلاها ، فإن الساحر لا یعمل سحره وهو نائم ، وإن عملت العصا وهما نائمان فذلک أمر رب العالمین ، ولا طاقة لکما بهما ولا للملک ولا لجمیع أهل الدنیا ، فأتیاهما فی خفیة وهما نائمان لیأخذا العصا فقصدتهما العصا .

قالوا: ثم واعدوه یوم الزینة وکان یوم سوق لهم ، عن سعید بن جبیر ، وقال ابن عباس: کان یوم عاشوراء ، ووافق ذلک یوم السبت فی أول یوم من السنة وهو یوم النیروز ، وکان یوم عید لهم یجتمع إلیه الناس من الآفاق ، قال عبد الرحمن بن زید بن أسلم: وکان اجتماعهم للمیقات بالإسکندریة ، ویقال: بلغ ذنب الحیة من وراء البحیرة یومئذ ، قالوا: ثم قال السحرة لفرعون: " أئن لنا لأجرا إن کنا نحن الغالبین " قال فرعون: وإنکم إذا لمن المقربین عندی فی المنزلة ، فلما اجتمع الناس جاء موسی وهو متکئ علی عصاه ومعه أخوه هارون حتی أتی الجمع وفرعون فی مجلسه مع أشراف قومه ، فقال موسی علیه السلام للسحرة حین جاءهم: " ویلکم لا تفتروا علی الله کذبا فیسحتکم بعذاب وقد خاب من افتری " فتناجی السحرة بینهم وقال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر ، فذلک قوله تعالی: " فتنازعوا أمرهم

ص: 319

بینهم وأسروا النجوی " فقالت السحرة: لنأتینک الیوم بسحر لم تر مثله ، وقالوا: بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ، وکانوا قد جاؤوا بالعصی والحبال تحملها ستون بعیرا ، فلما أبوا إلا الاصرار علی السحر قالوا لموسی: إما أن تلقی وإما أن نکون أول من ألقی ؟

قال علیه السلام : بل ألقوا أنتم ، فألقوا حبالهم وعصیهم فإذا هی حیات کأمثال الجبال قد ملأت الوادی یرکب بعضها بعضا تسعی ، فذلک قوله تعالی: " یخیل إلیه من سحرهم أنها تسعی فأوجس فی نفسه خیفة موسی " وقال: والله إن کانت لعصیا فی أیدیهم ولقد عادت حیات وما یعدون عصای هذه ، أو کما حدث نفسه فأوحی الله تعالی إلیه: " لا تخف إنک أنت الاعلی وألق ما فی یمینک تلقف ما صنعوا إنما صنعوا کید ساحر ولا یفلح الساحر حیث أتی " ففرج عن موسی و ألقی عصاه من یده فإذا هی ثعبان مبین ، کأعظم ما یکون أسود مدلهم علی أربع قوائم قصار غلاظ شداد ، وهو أعظم وأطول من البختی ، وله ذنب یقوم علیه فیشرف فوق حیطان المدینة رأسه وعنقه وکاهله ، لا یضرب ذنبه علی شئ إلا حطمه وقصمه ، و یکسر بقوائمه الصخور الصم الصلاب ، ویطحن کل شئ ، ویضرم حیطان البیوت بنفسه نارا ، وله عینان تلتهبان نارا ، ومنخران تنفخان سموما ، وعلی مفرقه شعر کأمثال الرماح ، وصارت الشعبتان له فما سعته اثنا عشر ذراعا ، وفیه أنیاب وأضراس ، وله فحیح وکشیش وصریر وصریف ، فاستعرضت ما ألقی السحرة من حبالهم وعصیهم وهی حیات فی عین فرعون وأعین الناس ، تسعی تلقفها وتبتلعها واحدا واحدا حتی ما یری بالوادی قلیل ولا

ص: 320

کثیر مما ألقوا ، وانهزم الناس فزعین هاربین منقلبین ، فتزاحموا وتضاغطوا ووطئ بعضهم بعضا حتی مات منهم یومئذ فی ذلک الزحام ومواطئ الاقدام خمسة وعشرون ألفا ، و انهزم فرعون فیمن انهزم منخوبا مرعوبا عازبا عقله ، وقد استطلق بطنه فی یومه ذلک عن أربعمائة جلسة ! ثم بعد ذلک إلی أربعین مرة فی الیوم واللیلة علی الدوام إلی أن هلک ! فلما انهزم الناس وعاین السحرة ما عاینوا وقالوا: لو کان سحرا لما غلبنا ، ولما خفی علینا أمره ولئن کان سحرا فأین حبالنا وعصینا ؟

فألقوا سجدا وقالوا: " آمنا برب العالمین رب موسی وهارون " وکان فیهم اثنان وسبعون شیخا قد انحنت ظهورهم من الکبر ، وکانوا علماء السحرة ، وکان رئیس جماعتهم أربعة نفر: سابور وعادور و حطحط ومصفا ، وهم الذین آمنوا حین رأوا ما رأوا من سلطان الله تعالی ، ثم آمنت السحرة کلهم ، فلما رأی فرعون ذلک أسف وقال لهم متجلدا: آمنتم له قبل أن آذن لکم إنه لکبیرکم الذی علمکم السحر فلأقطعن أیدیکم وأرجلکم من خلاف ولأصلبنکم فی جذوع النخل ولتعلمن أینا أشد عذابا وأبقی ، فقالوا: " لن نؤثرک علی ما جاءنا من البینات والذی فطرنا فاقض ما أنت قاض " إلی قوله تعالی: " والله خیر وأبقی " فقطع أیدیهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم علی جذوع النخل ، وهو أول من فعل ذلک ، فأصبحوا سحرة کفرة وأمسوا شهداء بررة ، ورجع فرعون مغلوبا ((1)) .

ص: 321

{وَمَا أهْدِیکُمْ إلا سَبِیلَ الرَّشَادِ }: وکل البغاة الطغاة یدعون هدایة أممهم وهم یذبحونهم و یَسُومُونهم سُوءَ الْعَذَابِ ویرینهم المکروه ویذیقوهم الالام المبرحة

ویسمی الطغاة هذا الظلم بالهدایة والرشاد !!!

قال تعالی عن سیرة فرعون: { وَأضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَی } 79_سورة طه

{ وَقَالَ الَّذِی آمَنَ یَا قَوْمِ إنِّی أخَافُ عَلَیْکُمْ مِثْلَ یَوْمِ الأحْزَابِ } 30 _سورة غافر .

مثل أیام الأمم الماضیة ، یعنی وقائعهم " مثل دأب قوم نوح " مثل جزاء ما کانوا علیه دائبین من الکفر وإیذاء الرسل .

وأراد بالأحزاب الجماعات التی تحزبت علی أنبیائها بالتکذیب ، وقد یطلق الیوم علی النعمة والمحنة ، فکأنه قال: یوم هلاکهم ((1)) .

وقد تحزبت الاحزاب علی النبی محمد صلی الله علیه و آله فی معرکة الخندق المسماة بالاحزاب وهم قریش والیهود والاعراب والمنافقون الموجودون فی الصف الاسلامی .

ثم تحزبت الاحزاب المذکورة علی اغتصاب الخلافة من الامام علی علیه السلام ونقض بیعة الغدیر الالهیة النبویة .

ص: 322

{ مثْلَ دَأبِ قَوْمِ نُوح وَعَاد وَثَمُودَ وَالَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللّهُ یُرِیدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ31 } _سورة غافر .

مثل منهج قوم نوح وعاد وثمود والذین من بعدهم فی محاربة الانبیاء .

قوم نوح: لقد عارض قوم النبی نوح نبیهم ولم ینفع معهم الوعظ والتبلیغ والارشاد رغم المدة الطویلة التی عاش فیها نوح فی وسطهم, وقد عاش النبی تسعمائة وخمسین سنة فی مدینتهم .

قوم عاد: وکان نصیبهم الریح العقیم فإنّها ریح عذاب لا تلقح شیئاً من الأرحام ولا شیئاً من النبات وهی ریح تخرج من تحت الأرضین السبع وما خرجت منها ریح قطُّ إلاّ علی قوم عاد حین غضب الله علیهم فأمر الخزّان یخرجوا منها علی مقدار سعة الخاتم .

وقوله تعالی : { کَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِینَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ } _سورة الشعراء 123 .

قوم ثمود: { وَلَقَدْ کَذَّبَ أصْحَابُ الحِجْرِ }: قوم ثمود ونبیهم صالح والحجر اسم بلادهم ,{ المُرْسَلِینَ80 وَآتَیْنَاهُمْ آیَاتِنَا}: الناقة . { فَکَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِینَ81 }: لا یهتمون بها .

{وَکَانُوا یَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُیُوتاً آمِنِینَ82 }: لا یخافون الجزاء الالهی فی الدنیا والآخرة .

المنهج الالهی فی الارض عبادة الله تعالی: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلا لِیَعْبُدُونِ56 } _ سورة الذاریات .

وأوجب تعالی الایمان والعمل الصالح .

ص: 323

{ وَالْعَصْرِ 1* إِنَّ الاِْنسَانَ لَفِی خُسْر 2* إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ3* } _سورة والعصر .

{ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَی لَهُمْ وَحُسْنُ مَآب} 29 _سورة الرعد .{فَأخَذَتْهُمُ الصَّیْحَةُ مُصْبِحِینَ83 }: جاءتهم الصیحة الالهیة المدمرة فی الصباح, فاهلکتهم أجمعین { فَمَا أغْنَی عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَکْسِبُونَ84 } :سورة الحجر .

هذا هو الدین القویم ، والصراط المستقیم ، الواجب اتباعه من قبل العباد المخلوقین ومن خالف فمصیره الجحیم .

{ وَیَا قَوْمِ إنِّی أخَافُ عَلَیْکُمْ یَوْمَ التَّنَادِ32 }_سورة غافر .

عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام یقول: ( یوم التناد ) یوم ینادی أهل النار أهل الجنة ان أفیضوا علینا من الماء ((1)) .

قوله تعالی: ( ویا قوم إنی أخاف علیکم یوم التناد ) یعنی: یوم التنادی . وفی معنی التنادی وجوه: أحدها:

أنه تنادی کل أمة بکتابها وإمامها ، قاله قتادة .

والثانی أن معناه: تنادی أهل الجنة أهل النار ، وأهل النار أهل الجنة ، وذلک مذکور فی سورة الأعراف ، وهو قوله تعالی: ( ونادی أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ) الآیة ، وقوله: ( ونادی أصحاب النار أصحاب الجنة . . . ) الآیة .

ص: 324

وقال نجاح الطائی: الخوف علی الانسان أن یفشل فی امتحانه فی الدنیا فیخسر یوم الحساب یوم ینادونه فلا یفلح ویوم یحاسبونه فلا ینجح وذلک هو الخسران المبین .

{ یَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِینَ مَا لَکُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عَاصِم وَمَنْ یُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد } 33 _سورة

غافر .

قال الحسن وقتادة: معناه منصرفین إلی النار وقال مجاهد: مارین غیر معوجین ولا معجزین .

وقیل: یولون مدبرین والمقامع تردهم إلی ما یکرهونه من العقاب .

{ وَمَنْ یُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد } :

واذا حکم الله تعالی علی عبد ظالم بانه من أهل الضلال فلا یهدیه أحد من بعده .

وقال تعالی: { وَاللّهُ لا یَهْدِی القَوْمَ الظَّالِمِینَ } 258_البقرة .

دعوة للاحتماء بالله تعالی فهو الحامی والمحامی والمدافع عن المؤمنین .

{ وَلَقَدْ جَاءَکُمْ یُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالبَیِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِی شَکٍّ مِمَّا جَاءَکُمْ بِهِ حَتَّی إذَا هَلَکَ قُلْتُمْ لَنْ یَبْعَثَ اللّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا کَذَلِکَ یُضِلُّ اللّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ }34 _سورة غافر .

هو یوسف بن یعقوب علیه السلام کان قبل موسی علیه السلام جاءهم ( بالبینات ) فکذبوا موسی علیه السلام الذی جاء من بعده بحجة: لَنْ یَبْعَثَ اللّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا .

ص: 325

وهی حجة کاذبة لا أساس لها فی الکتب السماویة وسار علیها الضالون من محاربی الانبیاء .

عن أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام قال: لما صار یوسف إلی ما صار إلیه تعرضت له امرأة العزیز ؟ قال لها :

من أنت ؟ فقالت: انا تیکم فقال لها: انصرفی فإنی سأغنیک ، قال: فبعث إلیها بمائة ألف درهم ((1)) .

وعن

الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام قال: دخل یوسف السجن ، وهو ابن اثنتی عشرة سنة ، ومکث فیها ثمانی عشرة سنة ، وبقی بعد خروجه ثمانین سنة ، فذلک مائة سنة ، وعشر سنین . قالوا : ولما جمع الله سبحانه لیوسف شمله ، وأقر له عینه ، وأتم له رؤیاه ، ووسع علیه فی ملک الدنیا ونعیمها ، علم أن ذلک لا یبقی له ، ولا یدوم ، فطلب من الله سبحانه نعیما لا یفنی ، وتاقت نفسه إلی الجنة ، فتمنی الموت ، ودعا ربه ، ولم یتمن ذلک نبی قبله ، ولا بعده تمنی أحد ((2)) .

{ فَمَا زِلْتُمْ فِی شَکٍّ مِمَّا جَاءَکُمْ بِهِ }: محمد صلی الله علیه و آله من شرائعه ومن نصبه أخاه سید الوصیین وصیا بعد أن أظهر لکم معجزاته التی منها أن

ص: 326

کلمته ذراع مسمومة (فی خیبر) ، وناطقة ذئب ، وحن إلیه العود وهو علی المنبر ، ودفع الله عنه السم الذی دسته الیهود فی طعامهم ، وقلب علیهم البلاء وأهلکهم به ، وکثر القلیل من الطعام " فأتوا بسورة من مثله " یعنی مثل القرآن من التوراة والإنجیل والزبور وصحف إبراهیم والکتب الأربعة عشر فإنکم لا تجدون فی سائر کتب الله سورة کسورة من هذا القرآن ، وکیف یکون کلام محمد صلی الله علیه و آله المتقول أفضل من سائر کلام الله وکتبه یا معشر الیهود والنصاری ؟

ثم قال لجماعتهم: " وادعوا شهداءکم من دون الله " ادعوا أصنامکم التی تعبدونها أیها المشرکون ، وادعوا شیاطینکم یا أیها النصاری والیهود ، وادعوا قرناءکم من الملحدین یا منافقی المسلمین من النصاب لآل محمد الطیبین علیهما السلام وسائر أعوانکم علی إراداتکم " إن کنتم صادقین " بأن محمدا تقوَّل هذا القرآن من تلقاء نفسه لم ینزله الله علیه ، وأن ما ذکره من فضل علی علیه السلام علی جمیع أمته وقلده سیاستهم لیس بأمر أحکم الحاکمین .

ثم قال عز وجل: " فإن لم تفعلوا " أی لم تأتوا یا أیها المقرعون بحجة رب العالمین " ولن تفعلوا " أی ولا یکون هذا منکم أبدا " فاتقوا النار التی وقودها الناس" أی حطبها " والحجارة " توقد تکون عذابا علی أهلها " أعدت للکافرین " ((1)) .

ص: 327

ابن بابویه ، قال: حدثنا الحسین بن أحمد بن إدریس ، قال: حدثنا أبی ، عن أبی سعید سهل بن زیاد الآدمی الرازی، عن محمد بن آدم النسائی ، عن أبیه آدم بن أبی إیاس ، عن المبارک بن فضالة ، عن سعید بن جبیر ، عن سید العابدین علی بن الحسین ، عن أبیه سید الشهداء الحسین بن علی ، عن أبیه سید الوصیین وأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ( صلوات الله علیهم ) ، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « لما حضرت یوسف ( علیه السلام ) الوفاة جمع شیعته وأهل بیته ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم أخبرهم بشدة تنالهم ، یقتل فیها الرجال ، وتشق بطون الحبالی ، وتذبح الأطفال ، حتی یظهر الله الحق فی القائم من ولد لاوی بن یعقوب ، وهو رجل أسمر طویل ، ووصفه لهم بنعته ، فتمسکوا بذلک ، ووقعت الغیبة والشدة علی بنی إسرائیل ، وهم ینتظرون قیام القائم أربع مائة سنة حتی إذا بشروا بولادته ، ورأوا علامات ظهوره ، اشتدت البلوی علیهم ، وحمل علیهم بالخشب والحجارة ، وطلبوا الفقیه الذی کانوا یستریحون إلی أحادیثه فاستتر ، وراسلهم ، وقالوا: کنا مع الشدة نستریح إلی حدیثک فخرج بهم إلی بعض الصحاری، وجلس یحدثهم حدیث القائم ونعته وقرب الأمر ، وکانت لیلة قمراء ، فبینا هم کذلک إذ طلع علیهم موسی ( علیه السلام ) ، وکان فی ذلک الوقت حدث السن ، وقد خرج من دار فرعون یظهر النزهة، فعدل عن موکبه ، وأقبل إلیهم وتحته بغلة وعلیه طیلسان خز ، فلما رآه الفقیه عرفه بالنعت ، فقام إلیه وانکب علی قدمیه فقبلهما . ثم قال: الحمد لله الذی لم یمتنی حتی رأیتک ، فلما رآه

ص: 328

الشیعة فعل ذلک علموا أنه صاحبهم ، فانکبوا علیه ، فلم یزدهم علی أن قال: أرجو أن یعجل الله فرجکم .

ثم غاب بعد ذلک ، وخرج إلی مدینة مدین ، فأقام عند شعیب علیه السلام ما أقام ، فکانت الغیبة الثانیة أشد علیهم من الأولی ، وکانت نیفا وخمسین سنة ، واشتدت البلوی علیهم ، واستتر الفقیه ، فبعثوا إلیه: أنه لا صبر لنا علی استتارک عنا ، فخرج إلی بعض الصحاری واستدعاهم ، وطیب نفوسهم ، وأعلمهم أن الله عز وجل أوحی إلیه أنه مفرج عنهم بعد أربعین سنة فقالوا بأجمعهم: الحمد لله فأوحی الله عز وجل إلیه: قل لهم: قد جعلتها ثلاثین سنة لقولهم: الحمد لله فقالوا: کل نعمة فمن الله فأوحی الله إلیه: قل لهم: قد جعلتها عشرین سنة فقالوا: لا یأتی بالخیر إلا الله ، فأوحی الله إلیه: قل لهم: قد جعلتها عشرا فقالوا: لا یصرف السوء إلا الله فأوحی الله إلیه: قل لهم: لا تبرحوا فقد أذنت فی فرجکم فبینا هم کذلک ، إذ طلع موسی ( علیه السلام ) راکبا حمارا ، فأراد الفقیه أن یعرف الشیعة ما یتبصرون به ، وجاء موسی

( علیه السلام ) حتی وقف علیهم ، فسلم علیهم ، فقال له الفقیه: ما اسمک ؟ فقال: موسی .

قال :

ابن من ؟ قال: ابن عمران . قال: ابن من ؟ قال: ابن فاهث بن لاوی بن یعقوب . قال: بماذا جئت ؟ قال: بالرسالة من عند الله عز وجل . فقام إلیه

ص: 329

فقبل یده ، ثم جلس بینهم ، فطیب نفوسهم ، وأمرهم أمره ، ثم فرقهم ، فکان بین ذلک الوقت وبین فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة » ((1)) .

{ حَتَّی إذَا هَلَکَ قُلْتُمْ لَنْ یَبْعَثَ اللّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا کَذَلِکَ یُضِلُّ اللّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ }34 _سورة غافر .

حاول الکفار والمنافقون القضاء علی رسل الله وطمس رسالاتهم بادعاء توقف مجیء الرسل من رب العالمین لطمس الامل عند العباد ودفعهم نحو الطغاة الکافرین.

ولا یستند قولهم الی دلیل ولا یعتمد علی حجة بل هو ادعاء باطل مثل باقی ادعاءات الکافرین .

{ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ }: أی مسرف فی الفسق والفجور والقتل واتلاف الاموال وطمس النعم الالهیة والظلم ونموذجه فرعون .

مرتاب: أی غیر معتقد بالدین ومخالف للتوحید ومشکک فی خالق السماوات والارض .

لقد مکر الکفار والمنافقون مکرا عجیبا وأبدوا فنونا خطیرة فی تفنید الادیان الماضیة لزمنهم واللاحقة لهم فمرة یقولون: النبی مجنون وساحر .

ومرة یقولون: { لَنْ یَبْعَثَ اللّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا} .

ص: 330

وقال رجال السقیفة وأتباعهم: بیعة النبی محمد صلی الله علیه و آله فی الغدیر لیست بیعة دینیة تدل علی الخلافة بل تدل علی المحبة لعلی علیه السلام !!!

قال رسول الله صلی الله علیه و آله فی الغدیر: « ایّها الناس, ترکت فیکم الثقلین خلیفتین, إنْ أخذتم بهما لن تضلّوا بعدی, أحدهما أکبر من الآخر, کتاب الله حبل ممدود ما بین السماء والأرض, وعترتی أهل بیتی, الاّ وإنّهما لن یفترقا حتیّ یردا علیَّ الحوض ((1)) .

ص: 331

ص: 332

الله أکبر علی اکمال الدین واتمام النعمة ورضی الرب برسالتی وبالولایة لعلی من بعدی وقال صلی الله علیه و آله :من کنت مولاه فعلی مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله((1)) .

فتحرک المخالفون للنبی وآله ضدَّ البیعة:

الحارث وجماعة کبیرة من الصحابة قرروا محاربة بیعة الغدیر مثل رجال السقیفة لکن مشروعهم مختلف اذ اتهموا النبی صلی الله علیه و آله بقول بیعة الغدیر منه ولیست من الله تعالی :

قال الحارث للنبی صلی الله علیه و آله : رفعت بضبع ابن عمّک ففضَّلته علینا وقلت: (من کنت مولاه فعلی مولاه) ((2)) فهذا شیء منک أم من الله ؟

ص: 333

ص: 334

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : والله الذی لا إله إلاّ هو إنّ هذا من الله . فولی جابر یرید راحلته وهو یقول: اللهمّ إن کان ما یقول محمد حقّاً فأمطر علینا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب ألیم . فما وصل إلیها حتی رماه الله بحجر فسقط علی هامته وسقط من دبره وقتله ((1)) .

وقرر ملوک الامویین محاربة بیعة الغدیر للائمة الاثنی عشر من أهل البیت عن طریق القتل فقتل معاویة الامام علیا علیه السلام بمساعدة الخوارج وقتل الامام الحسن علیه السلام وقتل یزید الامام الحسین علیه السلام .

وقتل ملوک الامویین الاخرون علی بن الحسین ومحمد الباقر علیهما السلام . وقتل ملوک العباسیین بقیة الائمة علیهم السلام ولم یسلم منهم الا الامام المهدی علیه السلام .

ص: 335

هؤلاء اعتقدوا بأن المحاججات لرد الآیات القرآنیة والاحادیث النبویة لا تنفع والامر الاسرع هو قتل الائمة الخلفاء والمجیء بالخلفاء المغتصبین عن طریق الانقلابات أو الوراثة .

ووفقا لهذه الایة الشریفة : { حَتَّی إذَا هَلَکَ قُلْتُمْ لَنْ یَبْعَثَ اللّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا کَذَلِکَ یُضِلُّ اللّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ }34 _سورة غافر _ أراد الکفار أن لا یلتفت الناس الی علامات النبی والوصی فلا یعرفوهم :

عنده صحیفة فیها أسماء شیعته إلی یوم القیامة ، وصحیفة فیها أسماء أعدائه إلی یوم القیامة ویکون عنده الجامعة ، وهی صحیفة فیها سبعون ذراعا ، فیها جمیع ما یحتاج إلیه ولد آدم ، ویکون عنده الجفر الأکبر والأصغر ، وهو إهاب کبش فیها جمیع العلوم حتی أرش الخدش ، حتی الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة ، ویکون عنده مصحف فاطمة علیها السلام ((1)) .

{الَّذِینَ یُجَادِلُونَ فِی آیَاتِ اللّهِ بِغَیْرِ سُلْطَان أتَاهُمْ کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَعِنْدَ الَّذِینَ آمَنُوا کَذَلِکَ یَطْبَعُ اللّهُ عَلَی کُلِّ قَلْبِ مُتَکَبِّر جَبَّار }35 _سورة غافر .

یجادلون بالکذب والباطل لدفع الایات الالهیة وهو کذب ممقوت عند الله تعالی والمؤمنین . ولاجل کذبهم یطبع الله تعالی علی قلوبهم .

: (وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا اُوْلَئِکَ أصْحَابُ الجَحِیمِ) - المائدة 5 /10 . وجاء أیضاً: «وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا «الدالات علی صدق محمد و علی ما أداه الی عباد الله من ذکر تفضیله لعلی وآله الطیبین ((2))

اُوْلَئِکَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ _ البقرة 2 / 39 .

ابن المغازلی: یعنی الولایة بحقّ علی وحقّ علی واجب علی العالمین ((3)).

ص: 337

:{ وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا }: لم یؤمنوا بولایة أمیر المؤمنین

و الأئمة ((1)) .

: وروی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی, بإسناده المذکور, عن أبی صالح, عن ابن عباس فی قوله تعالی: { وَالَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا صُمٌّ وَبُکْمٌ

فِی الظُّلُمَاتِ مَنْ یَشَأ اللّهُ یُضْلِلْهُ _الانعام 39 }: نزلت فی أعداء علی بن أبی طالب ((2)) .

وقال الإمام الصادق علیه السلام : لا تذنبوا فتبتعدوا عنَّا .

وقیل: { إِنَّ الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِ اللَّه } لطمسها ودفعها { بِغَیْرِ سُلْطانٍ} ) بغیر برهان ولا حجّة ( أَتاهُمْ ) عامّ فی کلّ مجادل مبطل ، وإن نزلت فی مشرکی مکّة والیهود حین قالوا :

سیخرج صاحبنا المسیح بن داود_ یریدون الدجّال_ ویبلغ سلطانه البرّ والبحر ، وتسیر معه الأنهار ، وهو آیة من آیات اللَّه ، فیرجع إلینا الملک . فسمّی اللَّه تمنّیهم ذلک کبرا ، ونفی أن یبلغوا متمنّاهم ، وقال: ( إِنْ فِی صُدُورِهِمْ إِلَّا کِبْرٌ ) إلَّا تکبّر عن الحقّ ، وتعظَّم عن التفکّر والتعلَّم . أو إرادة التقدّم والرئاسة .

ص: 338

( ما هُمْ بِبالِغِیه ) ببالغی موجب الکبر ومقتضیه . وهو الرئاسة أو النبوّة . أو ببالغی دفع الآیات .

المجادلة: تعنی المجادلة لتکذیب الدین وتحطیم أرکانه ، ومعنی السلطان هو الحجة .

وقوله: ( کبر مقتا ) أی: کبر جدالهم مقتا ، وفی التفسیر: أنه یمقتهم الله تعالی ، وتمقتهم الملائکة والأنبیاء ، ویمقتهم المؤمنون .

وعن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق علیه السلام قال: ان فی النار لنار یتعوذ منها أهل النار ما خلقت إلا لکل متکبر جبار عنید ولکل شیطان مرید ولکل متکبر لا یؤمن بیوم الحساب ولکل ناصب العداوة لآل محمد ، وقال ان أهون الناس عذابا یوم القیامة لرجل فی ضحضاح من نار علیه نعلان من نار وشرا کان من نار یغلی منها دماغه کما یغلی المرجل ، ما یری أن فی النار أحدا أشد عذابا منه وما فی النار أحد أهون عذابا منه وقوله: ( فوقاه الله سیئات ما مکروا ) یعنی مؤمن آل فرعون فقال أبو عبد الله علیه السلام والله لقد قطعوه إربا إربا ولکن وقاه الله ان یفتنوه فی دینه ((1)) .

ص: 339

{کَذَلِکَ یَطْبَعُ اللّهُ عَلَی کُلِّ قَلْبِ مُتَکَبِّر جَبَّار 35 }: « یقول الله عز وجلّ: الکبریاء ردائی والعظمة إزاری فمن نازعنی فی واحد منهما ألقیته فی جهنم » ((1)) .

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ یَا هَامَانُ ابْنِ لِی صَرْحاً لَعَلِّی أبْلُغُ الأسْبَابَ} 36 _سورة غافر .

الصرح البناء العالی . والأسباب جمع سبب وهو الذی یکون وسیلة إلی باقی الامور وکلّ ما یوصلک إلی شیء فهو سبب إلیه .

{ أسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأطَّلِعَ إلَی إلَهِ مُوسَی وَإنِّی لاَظُنُّهُ کَاذِباً وَکَذَلِکَ زُیِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِیلِ وَمَا کَیْدُ فِرْعَوْنَ إلا فِی تَبَاب } 37 _سورة غافر .

آمن الفرعون فی زمن النبی یوسف لکن فرعون النبی موسی کذب بالدین واستخدم الاکاذیب لابعاد الناس عن الله تعالی .

ولقد طغی فرعون فی الارض وأوغل فی القتل والکذب واستعباد الناس والفسق والفجور .

وأراد فرعون أن یمکر بالناس فیحرفهم عن الدین ویشککهم فی موسی علیه السلام فقال لوزیره هامان :

ص: 340

{ یَا هَامَانُ ابْنِ لِی صَرْحاً لَعَلِّی أبْلُغُ الأسْبَابَ 36 أسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأطَّلِعَ إلَی إلَهِ مُوسَی وَإنِّی لاَظُنُّهُ کَاذِباً }

اراد أن یقف علی هذا البناء العالی الجدید مع بعض الناس فیقولوا لم نشاهد الله تعالی .

بینما علَّم موسی علیه السلام فرعون بأن الله تعالی لا یری, وهنا کذب فرعون علی موسی علیه السلام بأن الله یُری .

وقد نشر موسی بین المصریین هذه الایة :

قال تعالی: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَی لِمِیقَاتِنَا وَکَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أرِنِی أنظُرْ إلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَلَکِنِ انْظُرْ إلَی الجَبَلِ فَإنْ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکّاً وَخَرَّ مُوسَی صَعِقاً فَلَمَّا أفَاقَ قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إلَیْکَ وَأنَا أوَّلُ المُؤْمِنِینَ } 143الاعراف .

ولکن یمکن رؤیة مخلوقاته وأنظمته الکثیرة الرائعة .

{َکَذَلِکَ زُیِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِیلِ}:

سر فرعون بمشروعه فی نشر الکفر فی المجتمع المصری وصد الناس عن شریعة الدین .

{وَمَا کَیْدُ فِرْعَوْنَ إلا فِی تَبَاب }: وتباب خسران وهلاک .

أی سیخسر فرعون مشروعه الشیطانی بالمکر الالهی المضاد وفعلا غرق فرعون وجیشه فی البحر وخسر خسرانا مبینا .

{ وَقَالَ الَّذِی آمَنَ یَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أهْدِکُمْ سَبِیلَ الرَّشَادِ

38 }_سورة غافر .

ص: 341

قال کان مؤمن آل فرعون : « یا قَوْمِ اتَّبِعُونیِ أَهْدِکُمْ سَبِیلَ الرَّشادِ» .

وفی تفسیر علی بن إبراهیم: أنه کان مجذوما مکتعا وهو الذی قد عقفت أصابعه وکان یشیر بیدیه المعقوفتین ویقول « یا قَوْمِ اتَّبِعُونیِ أَهْدِکُمْ سَبِیلَ الرَّشادِ » والعقف بالمهملة والقاف العطف .

علی عن أبیه عن ابن المغیرة عن محمد بن یحیی الخثعمی عن محمد بن بهلول العبدی قال سمعت أبا عبد اللَّه علیه السلام یقول :« لم یؤمّن اللَّه المؤمن من هزاهز الدنیا ولکنه امنه من العمی فیها والشقاء فی الآخرة » ((1)) .

{یَا قَوْمِ إنَّمَا هَذِهِ الحَیَاةُ الدُّنْیَا مَتَاعٌ وَإنَّ الآخِرَةَ هِیَ دَارُ القَرَارِ} 39 _سورة غافر .

قال تعالی: { وَیَوْمَ یَحْشُرُهُمْ کَأنْ لَمْ یَلْبَثُوا إلا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ یَتَعَارَفُونَ بَیْنَهُمْ } _ یونس .

: { وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یُقْسِمُ المُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَیْرَ سَاعَة}_الروم

.

:{ کَأنَّهُمْ یَوْمَ یَرَوْنَ مَا یُوعَدُونَ لَمْ یَلْبَثُوا إلا سَاعَةً مِنْ نَهَار} _الاحقاف.

:{ لَبِثْنَا یَوْماً أوْ بَعْضَ یَوْم } _الکهف 19 .

:{ قَالَ کَمْ لَبِثْتُمْ فِی الأرْضِ عَدَدَ سِنِینَ112* قَالُوا لَبِثْنَا یَوْماً أوْ بَعْضَ یَوْم فَاسْألِ العَادِّینَ 113 } _سورة المؤمنون 113 .

ص: 342

وجاء فی الحدیث: إنما الدنیا متاع ، وخیر متابع الدنیا الزوجة الصالحة " ((1)).

وقال الإمام علی صلوات الله علیه ": إنما الدنیا دار مجاز ، والآخرة دار

قرار ((2)) .

فلما لم یکن لنا هنا قرار فنحن علی سفر قریب ، ورحیل وشیک ، وهذه هی حال الضیف . . قال رسول الله " صلی الله علیه و آله ": أیها الناس إن من فی الدنیا ضیف ، وما فی أیدیکم عاریة ، وإن الضیف مرتحل ، والعاریة مردودة ((3))، وقد أمرنا " صلی الله علیه و آله " أن لا نغفل فنتخیل الإقامة ، فقال لنا صلی الله علیه و آله : کونوا فی الدنیا أضیافا ((4)) .

وفی جملة وصایاه إلی جابر بن یزید الجعفی قال الإمام أبو جعفر الباقر " سلام الله علیه ": یا جابر ! ما الدنیا ، وما عسی أن تکون الدنیا ، هل هی إلا طعام أکلته ، أو ثوب لبسته ، أو امرأة أصبتها ؟ ! یا جابر ! إن المؤمنین لم یطمئنوا إلی الدنیا ببقائهم فیها ، ولم یأمنوا قدومهم الآخرة . یا جابر ! الآخرة دار قرار ، والدنیا دار فناء وزوال ، ولکن أهل الدنیا أهل غفلة ، وکأن المؤمنین هم الفقهاء ، أهل فکرة وعبرة . . فأنزل الدنیا کمنزل

ص: 343

نزلته ثم ارتحلت عنه ، أو کمال وجدته فی منامک فاستیقظت ولیس معک منه شئ ((1)) .

وقال نجاح الطائی: الملاحظ لنصائح مؤمن آل فرعون انها تؤثر فی الاوساط لانها عالیة المضامین وراقیة الشفافیة وحضاریة الاخلاق . وان الامر بالمعروف والنهی عن المنکر أمران الهیان .

فلا یمکن ترک المواقف والحوادث والاجتماعات دون نصیحة ولا ارشاد . وکان أهل البیت لا یترکون مجلساً الا وقالوا فیه حدیثاً فی عالم الدین والاخلاق والمعرفة تستفید منه الامة .

{مَنْ عَمِلَ سَیِّئَةً فَلا یُجْزَی إلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَکَر أوْ اُنْثَی وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَاُوْلَئِکَ یَدْخُلُونَ الجَنَّةَ یُرْزَقُونَ فِیهَا بِغَیْرِ حِسَاب } 40 _سورة غافر .

قال تعالی: {مَنْ عَمِلَ سَیِّئَةً فَلا یُجْزَی إلا مِثْلَهَا } :

وقال تعالی: ولا المسیئ قلیلا ما تتذکرون_غافر 58 .

وقال تعالی: « وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ » _النحل 126 .

وقوله تعالی: « کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِصاصُ فِی الْقَتْلی »_البقرة

178 .

والقصاص عبارة عن المساواة والمماثلة وقوله: « وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ » .

قوله تعالی: [ سورة الشوری ( 42 ): الآیات 41 إلی 45 ] :

ص: 344

{ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِه ِ فَأُولئِکَ ما عَلَیْهِمْ مِنْ سَبِیلٍ ( 41 ) إِنَّمَا السَّبِیلُ عَلَی الَّذِینَ یَظْلِمُونَ النَّاسَ وَیَبْغُونَ فِی الأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ ( 42 ) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِکَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ( 43 ) .

: ( فمن اعتدی علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم ) ( البقرة: 194 ) .

وقال تعالی: ( فمن یعمل مثقال ذرة خیرا یره ومن یعمل مثقال ذرة شرا یره ) ((1)) .

وقال تعالی: ( یوم تجد کل نفس ما عملت من خیر محضرا وما عملت

من سوء تود لو أن بینها وبینه أمدا بعیدا ) ((2)) .

العفو والصلح: ثمّ قال سبحانه: ( [ فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُه ُ عَلَی اللَّه ِ إِنَّه ُ لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ ] ) فإذا عفا بشرط القربة للَّه فیقع أجره علی اللَّه وقد روی عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنّه قال: إذا کان یوم القیامة نادی مناد: من کان أجره علی اللَّه فلیدخل الجنّة فیقال: من ذا الَّذی أجره علی اللَّه ؟ فیقال: العافون عن الناس فیدخلون الجنّة بغیر حساب .

وقال نجاح الطائی: اشترط الله تعالی فی قبول الحسنات الایمان بالله تعالی , والایمان یستوجب الطاعة له تعالی فی نصرة الانبیاء وأهل البیت وبغض أعدائهم .

ص: 345

فلا یمکن الایمان بالله تعالی والمودة والطاعة لمغتصبی الخلافة الناهبین تراث أهل البیت والمریقین لدمائهم والظالمین لهم ولشیعتهم

{ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَکَر أوْ اُنْثَی وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَاُوْلَئِکَ یَدْخُلُونَ الجَنَّةَ یُرْزَقُونَ فِیهَا بِغَیْرِ حِسَاب } 40_سورة غافر .

قال نجاح الطائی : روی الفقیه الشافعی ابن المغازلی فی مناقبه عن أنس بن مالک قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله :

«یدخل من أمتی الجنة سبعون ألفاً لا حساب علیهم » . ثم التفت إلی علی علیه السلام فقال: «هم من شیعتک وأنت إمامهم » ((1)) .

وقد أوجب الله تعالی الایمان والعمل الصالح فی سورة والعصر لدخول الجنة :

{ وَالْعَصْرِ 1* إِنَّ الاِْنسَانَ لَفِی خُسْر 2* إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ3* } _سورة والعصر .

أقسم

تعالی بالعصر: عصر خروج القائم علیه السلام .

إِنَّ الاِْنسَانَ لَفِی خُسْر : یعنی أعداءنا .

{إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا }: بالتوحید والنبوة وولایة أمیر المؤمنین علی علیه السلام . { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ }: وصوا أهلهم بالولایة , { وَتَوَاصَوْا

ص: 346

بِالصَّبْرِ }: علی الولایة ((1)) .

وهذا یعنی ان الانسان فی الدنیا فی امتحان شامل وکامل :اما أن یذهب الی الجنة واما أن یحضر

الی النار .

وعلیه أن یتخطی هذا الامتحان الواجب وأن لا یقول کنت غافلا لانه تعهد فی عالم الذر علی الایمان والعمل الصالح والولایة لمولی الموحدین علی علیه السلام والتوحید یجری فی فطرته .

: { وَإذْ أخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأشْهَدَهُمْ عَلَی أنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا أنْ تَقُولُوا یَوْمَ القِیَامَةِ إنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ172* أوْ تَقُولُوا إنَّمَا أشْرَکَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَکُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أفَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ المُبْطِلُونَ } 173*_الاعراف .

{ وَیَا قَوْمِ مَا لِی أدْعُوکُمْ إلَی النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِی إلَی النَّارِ} 41_سورة غافر :

النجاة من الشرک والظلم والاستعباد والذنوب وانتم تدعونی الی هذه الاعمال کی أدخل النار . أی أدعوکم إلی النجاة ، بقوله: إلی الإیمان .

تعنی أنا أدعوکم إلی الإیمان الَّذی یوجب النجاة وَتَدْعُونَنِی إِلَی الکفر الَّذی یوجب النار .

ص: 347

{ تَدْعُونَنِی لاِکْفُرَ بِاللّهِ وَاُشْرِکَ بِهِ مَا لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَأنَا أدْعُوکُمْ إلَی العَزِیزِ الغَفَّارِ } 42 _سورة غافر .

وکیف أشرک بالله ولا أعلم ولا أعرف شریکه بینما أدعوکم الی العزیز الذی تعرفوه .

{ تَدْعُونَنِی لاِکْفُرَ بِاللّهِ وَاُشْرِکَ بِهِ مَا لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ }: وکیف أنکر نعم الله تعالی وهی تعیش معی وأشاهدها وألمسها فی کل لحظة .

وکیف اشرک بالله وأنا لا أشاهد هذا الشریک ولیس عندی دلیل علمی علی وجوده . والعقل یدلل علی عدم وجوده .

{ لا جَرَمَ أنَّمَا تَدْعُونَنِی إلَیْهِ لَیْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِی الدُّنْیَا وَلا فِی الآخِرَةِ وَأنَّ مَرَدَّنَا إلَی اللّهِ وَأنَّ المُسْرِفِینَ هُمْ أصْحَابُ النَّارِ}43 _سورة غافر

تدعوننی الی شریک (الشمس أو القمر أو الصنم ) ولیس عنده دعوة ولا سفیر فی الدنیا والاخرة ونحن وما تدعون نعود الی الله تعالی .

من تدعونی الیه لا لسان له ولا عقل ولاسلطان ولا أخلاق .

{ لا جَرَمَ } أی لا قطع ولا انقطاع لبطلان دعوة الأصنام .

{ فَسَتَذْکُرُونَ مَا أقُولُ لَکُمْ وَاُفَوِّضُ أمْرِی إلَی اللّهِ إنَّ اللّهَ بَصِیرٌ بِالعِبَادِ } 44 _سورة غافر .

التفویض فی اللغة جعل الشئ إلی غیره ، وأن یکله إلیه ، یقال فوضت أمری إلیه أی فوضته إلیه لیدبره .

فَسَتَذْکُرُونَ مَا أقُولُ لَکُمْ: فی الاخرة . بینما أفوض أمری الی الله سبحانه العارف بعباده فهو یحمینی منکم ویدافع عنی .

ص: 348

« ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ » فإنی سمعت اللَّه یقول بعقبها « إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْکَ مالًا وَوَلَداً فَعَسی رَبِّی أَنْ یُؤْتِیَنِ خَیْراً مِنْ جَنَّتِکَ وَیُرْسِلَ عَلَیْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ » _ الکهف / 39_ 40 .

وقد ذکرت هذه الایة فی صلاة المهمّات: وهی أربع رکعات ، تقرأ فی الأُولی بعد الحمد « حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَکِیلُ » ((1)) سبع مرّات ، وفی الثانیة بعد الحمد « ما شاءَ الله لا قُوَّةَ إِلَّا بِالله إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْکَ مالًا وَوَلَداً » ((2)) سبع مرّات ، وفی الثالثة بعد الحمد « لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الظَّالِمِینَ » ((3)) سبع مرّات ، وفی الرابعة بعد الحمد: « وَأُفَوِّضُ أَمْرِی إِلَی الله إِنَّ الله بَصِیرٌ بِالْعِبادِ » ((4)) سبع مرّات ، ثمّ یسأل حاجته .

وقال الامام علی الرضا علیه السلام : " الایمان أربعة أرکان :

التوکل علی الله عز وجل ، والرضا بقضائه ، والتسلیم لأمر الله ، والتفویض إلی الله .

قال عبد صالح: ( وأفوض أمری إلی الله . . فوقاه الله سیئات ما مکروا ((5)) .

ص: 349

{ فَوَقَاهُ اللّهُ سَیِّئَاتِ مَا مَکَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذَابِ } 45_سورة غافر .

فقال حزقیل: أیّها الملک ، هل جرّبت علیّ کذبا قطَّ ؟ قال: لا . قال: فاسألهم من ربّهم ؟ قالوا: فرعون .

قال: ومن خالقکم ؟ قالوا: فرعون . قال: ومن رازقکم الکافل لمعاشکم والدّافع عنکم مکارهکم ؟

قالوا: فرعون هذا .

قال حزقیل: أیّها الملک ، فأشهدک وکلّ من حضرک أنّ ربّهم هو ربّی ، وخالقهم هو خالقی ، ورازقهم هو رازقی ، ومصلح معایشهم [ هو مصلح معایشی ] ، لا ربّ لی ولا خالق [ ولا رازق ] غیر ربّهم وخالقهم ورازقهم . وأشهدک ومن حضرک ، أنّ کلّ ربّ وخالق [ ورازق ] سوی ربّهم وخالقهم ورازقهم فأنا بریء منه ومن ربوبیّته وکافر بالهیّته .

یقول حزقیل هذا وهو یعنی: أنّ ربّهم هو [ اللَّه ربّی ، ولم یقل: إنّ الَّذی قالوا هم أنّه ربّهم هو ] ربّی ، وخفی هذا المعنی علی فرعون ومن حضره ، وتوهّموا أنّه یقول: فرعون ربّی وخالقی ورزاقی .

فقال لهم فرعون: یا رجال السّوء ، ویا طلَّاب الفساد فی ملکی ، ومریدی الفتنة بینی وبین ابن عمّی وهو عضدی ، أنتم المستحقّون لعذابی لإرادتکم فساد أمری وإهلاک ابن عمّی والفتّ فی عضدی .

ثمّ أمر بالأوتاد ، فجعل فی ساق کلّ واحد منهم وتدا ، [ وفی عضده وتدا ] وفی صدره وتدا وأمر أصحاب أمشاط الحدید فشقّوا بها لحومهم من أبدانهم ، فذلک ما قال اللَّه تعالی: « فَوَقاهُ اللَّهُ سَیِّئاتِ ما مَکَرُوا » . لما وشوا به إلی فرعون لیهلکوه .

ص: 351

« وحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ » وهم الَّذین وشوا بحزقیل إلیه لمّا أوتد فیهم الأوتاد ، ومشّط عن أبدانهم لحومها بالأمشاط ((1)) .

وروی عن النبی صلی الله علیه و آله قوله: أن من قال أربعا أمن من أربع: من قال هذه أمن من العین ، ومن قال حسبنا الله ونعم الوکیل أمن من کید الشیطان ، ومن قال وأفوض أمری إلی الله أمن مکر الناس ، ومن قال لا إله إلا أنت سبحانک إنی کنت من الظالمین أمن من الغم ((2)) .

{وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذَابِ }: فقد نزل العذاب الالهی علیهم فغرق فرعون وجیشه فی البحر وأصبحوا أضحوکة للناس وعبرة للمعتبرین .

بعدما توسل موسی علیه السلام بالله تعالی لانقاذه من بطش وقهر فرعون جاءته العنایة الربانیة فأصبح من المتحصنین بحصن الله فخرج من هذه الحادثة الخطیرة سالما معافا بأمر الباری الجلیل .

وأصبح فرعون الطاغوت وجیشه الکبیر غرقی فی البحر تلتهمهم حیتانه .

{النَّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْهَا غُدُوّاً وَعَشِیّاً وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشَدَّ العَذَابِ }46 _سورة غافر .

الغدو والعشی إنما یکون فی الدنیا فی دار المشرکین واما فی القیامة فلا یکون غدوا ولا عشیا قوله { لهم رزقهم فیها بکرة وعشیا }یعنی فی جنان

ص: 352

الدنیا التی تنتقل إلیها أرواح المؤمنین فاما فی جنات الخلد فلا یکون غدوا ولا عشیا وقوله من ورائهم برزخ إلی یوم یبعثون .

قال الصادق علیه السلام البرزخ: القبر وفیه الثواب والعقاب بین الدنیا والآخرة وقال الصادق علیه السلام : والله ما أخاف علیکم إلا البرزخ ، فأما إذا صار الامر إلینا فنحن أولی بکم ((1)) .

وقال علی بن الحسین علیهما السلام : إن القبر روضة من ریاض الجنة ، أو حفرة من حفر النیران ((2)) .

وقوله عز وجل { ولا تحسبن الذین قتلوا فی سبیل الله أمواتا بل احیاء عند ربهم یرزقون فرحین بما آتاهم الله من فضله ویستبشرون بالذین لم یلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف علیهم ولا هم یحزنون} .

وقال الصادق علیه السلام یستبشرون والله فی الجنة بمن لم یلحقوا بهم من خلفهم من المؤمنین فی الدنیا ومثله کثیر مما هو رد علی من انکر عذاب القبر .

علی بن إبراهیم فی تفسیره ، قال: قال رجل لأبی عبد الله علیه السلام :

ما تقول فی قول الله عز وجل: ( النار یعرضون علیها غدوا وعشیا ) ؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام :

ما یقول الناس فیها ؟ فقال: یقولون: إنها فی نار الخلد وهم لا یعذبون فیما بین ذلک ، فقال علیه السلام : فهم من السعداء ، فقیل له: فکیف هذا ؟

ص: 353

فقال علیه السلام : إنما هذا فی الدنیا ، فأما نار الخلد فهو قوله: ( ویوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) ((1)) .

وقال نجاح الطائی: العرض علی النار یتم فی الدنیا وهو غیر الدخول فیها, وجاء عن الدخول فی جهنم والمکث فیه قوله تعالی: {النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِیمٌ 37 }_المائدة .

: فَاهْدُوهُمْ إلَی صِرَاطِ الجَحِیمِ 23_الصافات .

:فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِی سَوَاءِ الجَحِیمِ 55*ق_الصافات .

:وَسِیقَ الَّذِینَ کَفَرُوا إلَی جَهَنَّمَ زُمَراً _الزمر 71 .

:قِیلَ ادْخُلُوا أبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَبِئْسَ مَثْوَی المُتَکَبِّرِینَ72_الزمر 72

{ وَإذْ یَتَحَاجُّونَ فِی النَّارِ فَیَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إنَّا کُنَّا لَکُمْ تَبَعاً فَهَلْ أنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِیباً مِنَ النَّارِ } 47 _سورة غافر

قال أمیر المؤمنین علیه السلام :قال تعالی: { وإذ یتحاجون فی النار فیقول الضعفاء للذین استکبروا إنا کنا لکم تبعا فهل أنتم مغنون عنا } من عذاب الله من شئ ؟ قالوا: لو هدینا الله لهدیناکم . أفتدرون الاستکبار ما هو ؟ هو ترک الطاعة لمن أمروا بطاعته والترفع علی من ندبوا إلی متابعته ، والقرأن ینطق من هذا عن کثیر إن تدبره متدبر زجره ووعظه ، واعلموا أیها المؤمنون أن الله عز وجل قال: إن الله یحب الذین یقاتلون فی سبیله صفا کأنهم بنیان مرصوص أتدرون ما سبیل الله ومن سبیله ومن صراط الله ومن

ص: 354

طریقه ، أنا صراط الله الذی من لم یسلکه بطاعة الله فیه هوی به إلی النار وأنا سبیله الذی نصبنی للاتباع بعد نبیه صلی الله علیه و آله ، أنا قسیم الجنة والنار ، و أنا حجة الله علی الفجار ونور الأنوار فانتبهوا عن رقدة الغفلة وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل وسابقوا إلی مغفرة من ربکم قبل أن یضرب بالسور بباطن الرحمة وظاهر العذاب فتنادون فلا یسمع نداؤکم وتضجون فلا یحفل بضجیجکم وقبل أن تستغیثوا فلا تغاثوا سارعوا إلی الطاعات قبل فوت الأوقات، فکأن قد جاءکم هادم اللذات فلا مناص نجاء ولا محیص تخلیص ، عودوا رحمکم الله بعد انقضاء مجمعکم بالتوسعة علی عیالکم والبر بإخوانکم والشکر لله عز وجل علی ما منحکم واجمعوا یجمع الله شملکم وتباروا یصل الله ألفتکم وتهادوا نعم الله کما مناکم بالثواب فیه علی أضعاف الأعیاد قبله وبعده إلا فی مثله والبر فیه یثمر المال ویزید فی العمر ، والتعاطف فیه یقتضی رحمة الله وعطفه وهیؤا لأخوانکم وعیالکم عن فضله بالجهد من جودکم وبما تناله القدرة من استطاعتکم وأظهروا البشر فیما بینکم والسرور فی ملاقاتکم ، والحمد لله علی ما منحکم وعودوا بالمزید من الخیر علی أهل التأمیل لکم ، وساووا بکم ضعفاءکم فی مأکلکم وما تناله القدرة من استطاعتکم وعلی حسب إمکانکم فالدرهم فیه بمائة ألف درهم والمزید من الله عز وجل ((1)) .

ص: 355

وقال نجاح الطائی: جنود وخدم الظالمین یخدمون أسیادهم خدمة کبیرة مقابل شیء قلیل فی الدنیا لذا تراهم یتوقعون من الاسیاد المضلین لهم أن یأخذوا بدلا عنهم شیئا من العذاب الاخروی .

الاتباع یطلبون من أسیادهم أن یدفعوا عنهم قسطا من عذاب جهنم أی طائفة منها ، فیقول الطغاة الاسیاد الذین استکبروا ( إنا کل فیها ) أی نحن وأنتم فی النار ، فکیف ندفع عنکم

.

العجیب فی هؤلاء الاتباع استمرار توسلهم بالاسیاد وهم معهم فی جوف الجحیم یشاهدوهم یتضورون من النار والجوع .

وهذا یبین بأن بعض البشر جعل من نفسه عبدا للطاغوت ولاحبار الدین وقد خلقه الله حرا, لقد قیَّد نفسه بنفسه کی یصبح ملکا للاخرین .

{ قَالَ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إنَّا کُلٌّ فِیهَا إنَّ اللّهَ قَدْ حَکَمَ بَیْنَ العِبَادِ } 48 _سورة غافر .

أی نحن وأنتم فی وسط النار فکیف ناخذ نصیباً عنکم من

النار ؟ وهو حکم الهی لا رجوع فیه .

لقد جعل بعض الناس أنفسهم مستحمَرین ومستعمَرین یقودهم البغاة والاشرار أینما شاؤوا فی الحروب الباغیة وبث المؤامرات ونشر الاشاعات ضدَّ المؤمنین .

{ وَقَالَ الَّذِینَ فِی النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّکُمْ یُخَفِّفْ عَنَّا یَوْماً مِنَ العَذَابِ } 49 _سورة غافر .

ص: 356

یحاول سکنة جهنم التوسل بشتی الوسائل لتخفیف عذاب جهنم ومنها التوسل بخزنة جهنم للطلب من الله تعالی تخفیف یوما من العذاب , لکن دون فائدة .

لقد کان الملوک المستکبرون یسمعون آهات السجاء فی السجون وآهات الایتام والثکالی فیضحکون علیهم ویستأنسون بأنینهم وبکائهم .

وفی جهنم أصبحوا الباکین والمتوسلین والمخذولین والنادمین .

{ قَالُوا أوَ لَمْ تَکُ تَأتِیکُمْ رُسُلُکُمْ بِالبَیِّنَاتِ قَالُوا بَلَی قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الکَافِرِینَ إلا فِی ضَلال } 50 _سورة غافر .

ردَّ علیهم خزنة جهنم بالسؤال منهم: { أوَ لَمْ تَکُ تَأتِیکُمْ رُسُلُکُمْ بِالبَیِّنَاتِ} ؟

قالوا: بلی . فقال لهم خزنة جهنم: فادعوا . وکیف یستجیب لهم الله تعالی وهم لم یؤمنوا به ولم یعترفوا بوجوده ولم یعبدوه ولم یدعوه فی الدنیا ؟

{ إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِینَ آمَنُوا فِی الحَیَاةِ الدُّنْیَا وَیَوْمَ یَقُومُ الأشْهَادُ }51 _سورة غافر .

المفسر القمی: فی الرجعة اذا رجع رسول الله صلی الله علیه و آله والأئمة أنَّ أنبیاء الله کثیرة لم ینصروا فی الدنیا وقتلوا وأئمة من بعدهم قوتلوا ولم ینصروا وذلک فی الرجعة ((1)) .

ص: 357

الشیخ المفید: فی هذه الآیة تأکید ، فقد أوجب تعالی بأنّه ینصرهم فی الحالین جمیعا ، فی الدنیا والآخرة ((1)) .

الطبرسی: جمع شاهد مثل الأصحاب جمع صاحب ، هم الذین یشهدون بالحق للمؤمنین ، وعلی المبطلین والکافرین یوم القیامة . وفی ذلک سرور للمحق ، وفضیحة للمبطل فی ذلک الجمع العظیم .

وقیل: هم الملائکة والأنبیاء والمؤمنون ، عن قتادة .

وقیل: هم الحفظة من الملائکة ، عن مجاهد ، یشهدون للرسل بالتبلیغ ، وعلی الکفار بالتکذیب . وقیل: هم الأنبیاء وحدهم یشهدون للناس ، وعلیهم ((2)) .

وقال نجاح الطائی: قوله تعالی: { إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِینَ آمَنُوا فِی الحَیَاةِ الدُّنْیَا }: أی فی الرجعة .

{ وَیَوْمَ یَقُومُ الأشْهَادُ }: أهل البیت علیهم السلام یشهدون علی العباد فأهل البیت علیهم السلام هم الاشهاد .

وقال تعالی :(وَعلی الأعْرَافِ رِجَالٌ یَعْرِفُونَ کُلا بِسِیمَاهُمْ وَنَادَوْا أصْحَابَ الجَنَّةِ أنْ سَلامٌ علیکم لَمْ یَدْخُلُوهَا وَهُمْ یَطْمَعُونَ) _ سورة الأعراف 7 / 46 .

ص: 358

الثعلبی وابن الجوزی والهیثمی: أهل البیت یعرفون محبّیهم ببیاض الوجوه ومبغضیهم بسواد الوجوه ((1)) .

وقال الإمام علی( علیه السلام ): نحن أصحاب الأعراف من عرفناه بسیماه أدخلناه الجنة ((2)) .

ابن کثیر: قال علی( علیه السلام ): نحن أصحاب الأعراف یعرفون محبّیهم ببیاض

الوجوه ومبغضیهم بسواد الوجوه ((3)) .

ص: 359

{ یَوْمَ لا یَنفَعُ الظَّالِمِینَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ52 } _سورة غافر .

ومن آیات اللعن الکثیرة فی القرآن الشریف جاء:

{ َاسْمَعْ غَیْرَ مُسْمَع وَرَاعِنَا لَیّاً بِألْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِی الدِّینِ وَلَوْ أنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَکَانَ خَیْراً لَهُمْ وَأقْوَمَ وَلَکِنْ لَعَنَهُمُ اللّهُ بِکُفْرِهِمْ فَلا یُؤْمِنُونَ إلا قَلِیلا } 46_النساء .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ اُوتُوا الکِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَکُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَی أدْبَارِهَا أوْ نَلْعَنَهُمْ کَمَا لَعَنَّا أصْحَابَ السَّبْتِ وَکَانَ أمْرُ اللّهِ مَفْعُولا } 47_النساء .

: { إنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ مَا أنزَلْنَا مِنْ البَیِّنَاتِ وَالهُدَی مِنْ بَعْدِ مَا بَیَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِی الکِتَابِ اُوْلَئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَیَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ } 159_البقرة .

:{ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللّهُ بِکُفْرِهِمْ فَقَلِیلا مَا یُؤْمِنُونَ } 88_البقرة

: {مِنَ الَّذِینَ هَادُوا یُحَرِّفُونَ الکَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَیَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَیْنَا وَیَقُولُونَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا هَؤُلاءِ أهْدَی مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا سَبِیلا 51*اُوْلَئِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَنْ یَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِیراً 52*أمْ لَهُمْ نَصِیبٌ مِنَ المُلْکِ فَإذاً لا یُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِیراً } 53

: { إنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ وَأعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِیناً } 57_الاحزاب .

وقال نجاح الطائی:

لا تنفع المعذرة یوم القیامة, ولهم اللعنة والنار . ولقد لعن الله تعالی

ص: 360

الکافرین والمنافقین والنواصب المحاربین والظالمین للنبی صلی الله علیه و آله .

وقد حاول النواصب والمخالفون ابطال اللعن الالهی واضعافه وتهمیشه بطرق وسبل عدة . متناسین عشرات الآیات الموجودة فی القرآن الکریم وعملهم یبین مخالفتهم للمنهج الربانی والنبوی . وقال تعالی فی حق الظالمین:

:وَلا تَعْتَدُوا إنَّ اللّهَ لا یُحِبُّ المُعْتَدِینَ 190_البقرة.

:إنَّهُ لا یُحِبُّ المُعْتَدِینَ 55*وَلا تُفْسِدُوا فِی الأرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا_الاعراف 56.

:کَذَلِکَ نَطْبَعُ عَلَی قُلُوبِ المُعْتَدِینَ74_یونس .

{ وَلَقَدْ آتَیْنَا مُوسَی الهُدَی وَأوْرَثْنَا بَنِی إسْرَائِیلَ الکِتَابَ } 53_سورة غافر .

أعطیناه التوراة فیها أدلة واضحة علی معرفة الله ، وتوحیده. وقال الله تعالی عن التوراة:

(وَأَورَثْنَا بَنِی إِسرائیلَ الکِتابَ هُدیً وَذِکرَی لأُوْلِی الأَلباب) ((1)) . واسرائیل هو النبی یعقوب علیه السلام

.

وکلمة اسرا: تعنی عبد, وایل تعنی الله تعالی فاسرائیل تعنی عبد الله . ولکن الیهود الذین حرَّفوا کلام الله وشریعته قالوا عن معنی النبی إسرائیل علیه السلام انه یصارعُ اللهَ أو یجاهدُ اللهَ ((2)) .

ص: 361

محاولة منهم لتحریف القرآن وسیرة یعقوب علیه السلام ولتصغیر الشأن الالهی, وتجسیم رب العالمین فیصدق فی حقهم:

(مِنَ الَّذِینَ هادُوا یُحرِّفونَ الکَلِمَ عَن مواضِعِهِ) ((1)) .

وقال « وَذَکِّرْ فَإِنَّ الذِّکْری تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِینَ » ((2)) .

یا هشام إن اللَّه یقول فی کتابه « إِنَّ فِی ذلِکَ لَذِکْری لِمَنْ کانَ لَهُ قَلْبٌ » یعنی عقل .

وقال « وَلَقَدْ آتَیْنا لُقْمانَ الْحِکْمَةَ » ((3)): قال الفهم والعقل .

وقال الامام موسی الکاظم علیه السلام : یا هشام إن لقمان قال لابنه تواضع للحق تکن أعقل الناس وإن الکیس لدی الحق یسیر یا بنی إن الدنیا بحر عمیق قد غرق فیه عالم کثیر فلتکن سفینتک فیها تقوی اللَّه وحشوها الإیمان وشراعها التوکل وقیمها العقل ودلیلها العلم وسکانها الصبر .

یا هشام إن لکل شیء دلیلا ودلیل العقل التفکر ودلیل التفکر الصمت ولکل شیء مطیة ومطیة العقل التواضع وکفی بک جهلا أن ترکب ما نهیت عنه یا هشام ما بعث اللَّه أنبیاءه ورسله إلی عباده إلا لیعقلوا عن اللَّه فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة وأعلمهم بأمر اللَّه أحسنهم عقلا وأکملهم

ص: 362

عقلا أرفعهم درجة فی الدنیا والآخرة یا هشام إن لله علی الناس حجتین حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأنبیاء والأئمة وأما الباطنة فالعقول یا هشام إن العاقل الذی لا یشغل الحلال شکره ولا یغلب الحرام صبره یا هشام من سلط ثلاثا علی ثلاث فکأنما أعان علی هدم عقله من أظلم نور تفکره بطول أمله ومحا طرائف حکمته بفضول کلامه وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فکأنما أعان هواه علی هدم عقله ومن هدم عقله أفسد علیه دینه ودنیاه ((1)) .

{ هُدیً وَذِکْرَی لاُِولِی الألْبَابِ } 54 _سورة غافر .

أی البرهان والدلالة علی وما یهدی الیه من سیرة موسی ومعجزاته والصحف والشرایع .

{ فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِکَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ بِالعَشِیِّ وَالإبْکَارِ } 55 _سورة غافر .

فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ: فی نصر المؤمنین وخذلان المنافقین والکافرین فی الدنیا والاخرة .

واستغفر لذنبک: من جوَّز الصغائر علی الأنبیاء قال: معناه اطلب المغفرة من الله علی صغیرة وقعت منک ، ولعظیم نعمته علی الأنبیاء کلفهم التوبة من الصغائر .

ص: 363

ومن لا یجوز ذلک علیهم ، وهو الصحیح ، قال: هذا تعبد من الله سبحانه لنبیه صلی الله علیه و آله بالدعاء والاستغفار لکی یزید فی الدرجات ، ولیصیر سنة لمن بعده ((1)) .

وهی بمعنی ایاکِ أعنی واسمعی یا جارة , ,ظاهر هذا الخطاب للنبی علیه السلام ، لکنه للامة .

ومن کلام للامام علی علیه السلام : اللهم إنی أستعدیک علی قریش فإنهم قد قطعوا رحمی ، وأکفأوا إنائی ، وأجمعوا علی منازعتی حقا کنت أولی به من غیری ، وقالوا : ألا إن فی الحق أن تأخذه وفی الحق أن تمنعه ، فاصبر مغموما أو مت متأسفا ، فنظرت فإذا لیس لی رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بیتی ، فضننت بهم عن المنیة فأغضیت علی القذی ، وجرعت ریقی علی الشجی ، وصبرت من کظم الغیظ علی أمر من العلقم ، وآلم للقلب من حز الشفار ( وقد مضی هذا الکلام فی أثناء خطبة متقدمة إلا أنی کررته ههنا لاختلاف الروایتین )((2)) .

ص: 364

وقال مولی المؤمنین علیه السلام : المنیة ولا الدنیة . والتقلل ولا التوسل ((1)) . ومن لم یعط قاعدا لم یعط قائما ((2)). والدهر یومان یوم لک ویوم علیک ، فإذا کان لک فلا تبطر ، وإذا کان علیک فاصبر((3)) .

{ إنَّ الَّذِینَ یُجَادِلُونَ فِی آیَاتِ اللّهِ بِغَیْرِ سُلْطَان أتَاهُمْ إنْ فِی صُدُورِهِمْ إلا کِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِیهِ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ البَصِیرُ } 56_سورة غافر .

یُجَادِلُونَ فِی آیَاتِ اللّهِ بِغَیْرِ سُلْطَان: بغیر حجة الهیة بل بتقلید وسیر علی السلف الجاهل .

{ إنْ فِی صُدُورِهِمْ إلا کِبْرٌ }: تکبر علی الحق والشریعة .

{ آیَاتِ اللّهِ }: ومن آیات الله الشمس: قال الله {وَ الشَّمْسُ تَجْرِیْ لِمُسْتَقَرٍّ لَهَاْ ذَلِکَ تَقْدِیْرٌ الْعَزِیْزِ الْعَلِیْمِ } یس: 38 .

و قد أثبت العلم الحدیث أن الشمس تسیر بسرعة 43200 میل فی الساعة و بما أن المسافة بیننا و بین الشمس 92ملیون میل فإننا نراها ثابتة لا تتحرک و قد دهش بروفیسور أمریکی لدی سماعه تلک الآیة القرآنیة و قال إنی لأجد

ص: 365

صعوبة بالغة فی تصور ذلک العلم القرآنی الذی توصل إلی مثل هذه الحقائق العلمیة التی لم نتمکن منها إلا منذ عهد قریب .

{فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ البَصِیرُ } 56_سورة

غافر :

وقال علیه السلام لابنه محمد بن الحنفیة : یا بنی إنی أخاف علیک الفقر فاستعذ بالله منه فإن الفقر منقصة للدین ((1)) مدهشة للعقل ، داعیة للمقت((2)) .

وقال تعالی :

:وَإمَّا یَنزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ200_الاعراف .

:فَإذَا قَرَأتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّیْطَانِ الرَّجِیمِ98* إنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ :عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَعَلَی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ 99_النحل.

:وَإمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ العَلِیمُ 36_فصلت .

البعض یجادلون فی آیات الله تعالی بسبب التکبر الحاصل فی صدورهم حالهم حال الشیطان الذی یجادل الله تعالی فی عصیانه السجود لادم .

الباری تعالی أمره بالسجود لادم وهو یقول کیف أسجد وأنا من نار والنار خیر من الطین !!! فطرد من الرحمة الالهیة .

الامر الاول : من قال النار أفضل من الطین هذا کلام بدون دلیل . وعصیان أحبار الدین لله تعالی تجری فی هذا الامر ینهبون أموال المساکین باسم رفعة شأنهم وعظم أمرهم , ولا یذهبون الی الجهاد ولا یتحلون بأخلاق

ص: 366

الانبیاء وهم یستکبرون .

الامر الثانی : لا یمکن التمرد علی الاوامر الالهیة بنص الدین فکیف تمرد ابلیس فی هذا الشأن ؟

وجاء فی موضوع فرعون :

فَعَصَی فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأخَذْنَاهُ أخْذاً وَبِیلا 16_المزمل.

: فَکَذَّبَ وَعَصَی 21_النازعات. فأغرق فی البحر .

: وَعَصَی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَی121_طه. فأخرج من الجنة .

{ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أکْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ57 } _سورة غافر .

تبقی الشمس العظیمة المهیبة نجماً متواضعاً عند مقارنتها بالکون وخلق السماوات والارض أعظم من خلق البشر .

وقال تعالی : { أَفَلَمْ یَنْظُرُوا إِلَی السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ کَیْفَ بَنَیْنَاهَا وَزَیَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} سورة ق 6 .

فلما نظر الإنسان وجد أن نجم الشعری الیمانیة ألمع نجم فی السماء ویکبر شمسنا بنحو 8 مرات، وصدق الخالق المالک المدبر:

{ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَی } ولتسأل نفسک الآن ماهو حجم کوکب الأرض من الشعری الیمانیة؟

وکوکب الشعری أکبر من الأرض ب- 10 ملیون مرة حینها تدرک حجمک الحقیقی أمام عظمة خلق الله {أَوَلا یَذْکُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ یَکُ شَیْئاً } سورة مریم 67 .

ص: 367

{ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِی السَّمَاوَاتِ} _یونس 101 .

إذا أمعنا النظر أکثر فی السماء عبر البصر والبصیرة سنجد أن نجم الهنعة هو أکبر من شمسنا بنحو 512 مرة وأکبر من أرضنا ب- 663 ملیون مرة، فلا إله إلا الله والله أکبر وأعظم .

أما نجم السماک الرامح فأکبر من شمسنا ب- 30 ألف مرة، وأکبر من أرضنا ب- 40 بلیون مرة .