سرشناسه : طایی، نجاح
Tai, Najah
عنوان و نام پدیدآور : تفسیر اهل البیت علیهم السلام/ نجاح الطائی.
مشخصات نشر : قم : دارالهدی لاحیاء التراث، 1439 ق.= 2017 م.= 1396.
مشخصات ظاهری : ج25.
شابک : دوره 978-600-343-000-6 : ؛ ج.1 978-600-343-008-2 :
وضعیت فهرست نویسی : فاپا
یادداشت : عربی.
یادداشت : بالای عنوان: السورالقرآنیه.
یادداشت : کتابنامه.
عنوان دیگر : السورالقرآنیه.
موضوع : تفاسیر شیعه -- قرن 14
موضوع : Qur'an -- Shiite hermeneutics -- 20th century
موضوع : تفاسیر -- تاثیر حدیث
موضوع : Qur'an -- Commentaries -- Hadith influences
رده بندی کنگره : BP98/ط235ت73 1396
رده بندی دیویی : 297/179
شماره کتابشناسی ملی : 3651738
Najahtaee@yahoo.com
WWW.AL_TAEI.COM
ص: 1
تفسیر أهل البیت
المجلد _17
المفسر والمحقق آیة الله الدکتور
نجاح الطائی
مؤسسة دار الهدی
لاحیاء التراث الاسلامی العالمیة
ص: 2
الایة 44_ 83
بسم الله الرحمن الرحیم
{ إلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعاً إلَی حِین } 44 _
سورة یس .:
هذه الرحمة لجمیع البشر لغایة نهایة حیاتهم الامتحانیة المحدودة فی الدنیا .
{ وَإذَا قِیلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَیْنَ أیْدِیکُمْ وَمَا خَلْفَکُمْ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ } 45 _ سورة یس .
فی المجمع عن الصادق علیه السلام معناه اتقوا ما بین أیدیکم من الذنوب وما خلفکم من العقوبة ((1)) .
فاستغفروا ذنوبکم واتقوا یوم الحساب الذی أمامکم .
ص: 3
{ وَمَا تَأتِیهِمْ مِنْ آیَة مِنْ آیَاتِ رَبِّهِمْ إلا کَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِینَ } 46
هؤلاء الکفار والمنافقون یهملون آیات الله تعالی .
وعن الصَّادقِ ( علیه السلام ): معناهُ: اتَّقُوا ( مَا بَیْنَ أَیْدِیکُمْ ) من الذُّنُوبِ ( وَمَا خَلْفَکُمْ ) من العقُوبةِ " .
{ وَمَا تَأتِیهِمْ مِنْ آیَة}: کل حجة وبرهان یأتیهم من الله تعالی یکذبوه ویعرضون عنه .
من معاجز آیات الله تعالی فی الارض کثیرة ولا تحصی وعلی رأسها آیات أهل البیت وقلب تلک الایات مسیرة سبایا آل محمد صلی الله علیه و آله من کربلاء الی الشام وأمامهم رأس الامام الحسین علیه السلام ورؤوس اولاده واصحابه :
حکی سفیان بن عیینة: عن حربة: إن رجلا ( ممن ) انقلب ورسه ((1)) رمادا أخبر بانقلاب ورسه بالرماد ، وأخبر أنهم نحروا ناقة فی عسکرهم فکانوا یرون فی لحمها مثل الغیران ، فطبخوها فصارت مثل العلقم ((2)) .
ص: 4
وأخبر أن السماء احمرت ( لقتله ) وانکسفت الشمس حتی بدت الکواکب نصف النهار ، ( وظن الناس أن القیامة قد قامت ) ، ولم یرفع حجر ( فی الشام ) إلا رؤی تحته دم عبیط .
و أخرج عثمان بن أبی شیبة :
إن السماء بکت سبعة أیام فصارت حمراء ، وتری علی الحیطان کأنها معصفرة من شدة حمرة السماء ((1)) .
وروی ابن الجوزی: عن ابن سیرین: ان الدنیا اظلمت ثلاثة أیام و ظهرت الحمرة فی السماء ((2)) .
وقال أبو سعید الخدری: ما رفع حجر فی الدنیا إلا وجد تحته دم عبیط ، ولقد أمطرت السماء دما بقی أثره فی الثیاب حتی تقطعت ((3)).
ص: 5
و أخرج الثعلبی وأبو نعیم: أنه أمطرت السماء دما ((1)) .
ص: 6
زاد أبو نعیم: فأصبحت رحائنا وجرارنا مملوءة دما ((1)) .
وفی روایة: إن السماء أمطرت الدم علی البیوت والجدران بخراسان والشام والعراق ، و ( إنه ) لما جئ برأس الحسین علیه السلام إلی دار ابن زیاد صار لون حیطانها دما ((2)) .
و أخرج الثعلبی: إن السماء بکت وبکاؤها حمرتها ((3)) .
ص: 7
وجاء: أول وقت المغرب سقوط القرص ، وعلامة سقوطه أن یسود أفق المشرق ، وآخر وقتها غروب الشفق ، وهو أول وقت العتمة ، وسقوط الشفق ذهاب الحمرة ((1))
ابو الفرج بن الجوزی: قال السدی: لما قتل الحسین علیه السلام بکت السماء وبکاؤها حمرتها . قال الشیخ أبو الفرج ابن الجوزی: کان الغضبان یحمر وجهه عند الغضب فیستدل علی غضبه وهو إمارة الشخص ، الحق سبحانه وتعالی لیس بجسم فأظهر تأثیر عظمته علی من قتل الحسین علیه السلام بحمرة الأفق وذلک دلیل علی عظیم الجنایة ((2))
وقال غیره: احمرت آفاق السماء ستة أشهر_ بعد قتل الحسین علیه السلام ثم لا زالت الحمرة تری بعد ذلک ((3)) .
وإن ابن سرین قال: إن الحمرة التی مع الشفق لم تکن حتی قتل الحسین
علیه السلام ((4)) .
ص: 8
وذکر ابن سعد: إن ( هذه ) الحمرة لم تر فی السماء قبل قتله ((1)) .
وقال ابن الجوزی: وحکمته: إن غضبنا یؤثر حمرة الوجه ، والحق منزه عن الجسمیة ، فأظهر تأثیر غضبه علی قتلة الحسین علیه السلام بحمرة الأفق ، اظهارا
لعظم الجنایة ((2)) .
قال: وأنین عباس ببدر وهو أسیر منع النبی صلی الله علیه و آله عن النوم ، فکیف بأنین الحسین علیه السلام ((3)) .
ص: 9
ولما أسلم وحشی وهو قاتل حمزة قال له النبی صلی الله علیه و آله مغضبا: غیب وجهک عنی فانی لا أحب أن أری من قتل الأحبة . . . ، فکیف لا یغضب
علی من قتل الحسین علیه السلام وأمر بقتله وحمل أهله علی أقتاب الجمال((1)).
البیهقی: عن الزهری: إنه قدم الشام ( یرید الغزو ) فدخل علی عبد الملک فأخبره أن یوم قتل علی ( کرم الله وجهه ) لم یرفع حجر من بیت المقدس إلا وجد تحته دم . قال عبد الملک: لم یبق من یعرف هذا غیری وغیرک فلا تخبره أحدا . فأخبر بعد موته ((2)) .
ص: 10
وحکی عن الزهری أن غیر عبد الملک أخبره بذلک أیضا ((1)) .
وقال البیهقی: والذی صح عنه: أن ذلک حین قتل الحسین علیه السلام ، ولعله
وجد عند قتلهما جمیعا ((2)) .
وقال نجاح الطائی: لقد اهتدی الکثیر من الناس بآیة الامام الحسین علیه السلام ومن هؤلاء معاویة الثانی ابن یزید .
فقد شاهد تلاوة راس الحسین علیه السلام للقرآن وما سمعه من الناس أیضا وسمع بمعجزات الحسین علیه السلام فی طریق کربلاء _الشام .
وسمع بمطر السماء دما فی یوم ذبح الحسین علیه السلام فی العالم الاسلامی .وشاهد معجزات أهل البیت فی دمشق بأم عینیه فاستبصر وأعلن تشیعه وترکه دین أبیه وحکومة الامویین .
ص: 11
:لما تربع علی الخلافة بعد أبیه یزید اعلن معاویة الثانی دعوته لانتخاب علی بن الحسین زین العابدین خلیفة وأفصح عن نیته الاستقالة من الخلافة قائلا :« إنَّ جدّی معاویة قد نازع فی هذا الأمر من کان أولی منه ومن غیره لقرابته من رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) وعظم فضله وسابقته ، أعظم المهاجرین قدراً وأشجعهم قلباً وأکثرهم علماً وأولهم إیماناً وأشرفهم منزلة وأقدمهم صحبة، ابن عم رسول الله ( صلی الله علیه و آله )وصهره وأخوه ، وزوَّجه ( صلی الله علیه و آله ) ابنته فاطمة وجعله لها بعلا باختیاره لها وجعلها له زوجة باختیارها له ، أبو سبطیه سیدی شباب أهل الجنة ، وأفضل هذه الأمة ، تربیة الرسول وابنی فاطمة البتول من الشجرة الطیبة الطاهرة الزکیة ، فرکب جدی منه ما تعلمون ورکبتم معه ما لا تجهلون حتی انتظمت لجدی الاُمور » ((1)) .
وجاء فی کتاب حبیب السیر عن معاویة الثانی:
وهو الملقّب بالراجع إلی الله ، تخلَّف ثلاثة أشهر وقیل أربعین یوماً ، وفی کتاب حبیب السّیر أنّه تخلَّف أیّاماً قلائل ثمّ صعد المنبر وخلع نفسه ، وقال فی کلامه: أیّها الناس قد نظرت فی أمورکم وفی أمری فإذا أنا لا أُصلح
ص: 12
لکم والخلافة لا تصلح لی إذ کان غیری أحقّ بها منّی ویجب علیَّ أن أخبرکم به ، هذا علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) زین العابدین لیس یقدر طاعن أن یطعن فیه ، وإن أردتموه فأقیموه علی أنّی أعلم أنّه لا یقبلها ، انتهی .وفی کتاب مجالس المؤمنین: إنّه(معاویة الثانی) مصداق: ( یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ ) ((1)) .
{وَإذَا قِیلَ لَهُمْ أنفِقُوا مِمَّا رَزَقَکُمُ اللّهُ قَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا أنُطْعِمُ مَنْ لَوْ یَشَاءُ اللّهُ أطْعَمَهُ إنْ أنْتُمْ إلا فِی ضَلال مُبِین } 47 _ سورة یس
یقول الکفار للمؤمنین أنطعم الفقراء والمساکین هذا لیس شغلنا علیهم الذهاب الی الله فهو إن شاء أطعمهم . قال الباری عن هؤلاء الکفار: إنْ أنْتُمْ إلا فِی ضَلال مُبِین .
وفرض علی الیدین الانفاق فی سبیل الله تعالی فقال: ( انفقوا من طیبات ما کسبتم ومما أخرجنا لکم من الأرض ) ((2)) .
ص: 13
روی عن جعفر بن محمد ، أنه قال: کان علی بن الحسین علیه السلام
یعجبه العنب ، فدخل منه إلی المدینة شئ حسن ، فاشترت منه أم ولده شیئا ، وأتت به عند افطاره ، فأعجبه ، فمن قبل أن یمد یده إلیه وقف بالباب سائل ، فقال لها: احملیه إلیه ، فقالت: یا مولای بعضه یکفیه ، قال: لا . وأرسله إلیه کله . واشترت له من غد ، وأتت به إلیه فوقف السائل ، ففعل مثل ذلک [ فارسله إلیه ] . واشترت له فی اللیلة الثالثة ، ولم یأت السائل ، فأکل ، وقال: ما فاتنا عنه شئ والحمد الله ((1)).
واعلم أنّ الحسنة فی قوله سبحانه: « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » أعمّ من الإنفاق ، فلا مانع أن یکون العشر لازما ولو باعتبار الوعد فی جمیع الحسنات ، ویزید إلی سبعمائة فی الإنفاق فی سبیل اللَّه مطلقا ، وإلی أزید فی مواضع منه أو غیره ، روی عن ابن عمر أنّه قال: لما نزلت هذه الآیة قال رسول اللَّه صلی الله علیه و آله ربّ زد أمتی ، فنزل قوله: « مَنْ ذَا الَّذِی یُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَیُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً کَثِیرَةً » فقال ربّ زد أمتی فنزل: « إِنَّما یُوَفَّی الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَیْرِ حِسابٍ » .
قال تعالی: « الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ الله ثُمَّ لا یُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا ولا أَذیً » المنّ کأن یعتدّ بإحسانه علی من أحسن إلیه ، والأذی کأن یتطاول علیه ویترفّع بسبب ما أنعم به علیه ، کأن یعبس وجهه علیه ، ثمّ
ص: 14
إظهار التفاوت بین الإنفاق وترک المنّ والأذی ، وأن ترکهما خیر من نفس الإنفاق کما جعل الاستقامة علی الایمان خیرا من الدخول فیه ، بقوله :
« ثُمَّ اسْتَقامُوا »((1)) .
{وَأنفِقُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ وَلا تُلْقُوا بِأیْدِیکُمْ إلَی التَّهْلُکَةِ وَأحْسِنُوا إنَّ اللّهَ یُحِبُّ المُحْسِنِینَ195 } _البقرة.
جاء الامر الالهی بالانفاق لیعرف المؤمنین من العاصین المتمردین .
{وَمَاذَا عَلَیْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللّهِ وَالیَوْمِ الآخِرِ وَأنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَکَانَ اللّهُ بِهِمْ عَلِیماً 39 }_النساء .
أی جمعوا مع إیمانهم الإنفاق فی سبیل اللَّه حتّی ینفعهم الإنفاق ویخلصون له ولا یجعلونه ریاءً ( [ وَکانَ اللَّه ُ بِهِمْ عَلِیماً ] ) * یجازیهم بما یسرّون وما یعلنون .
: إِنَّ اللَّه َ لا یَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَکُ حَسَنَةً یُضاعِفْها وَیُؤْتِ مِنْ لَدُنْه ُ أَجْراً عَظِیماً _ سورة النساء: آیة 40 .
{وَیَقُولُونَ مَتَی هَذَا الوَعْدُ إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ 48 مَا یَنظُرُونَ إلا صَیْحَةً وَاحِدَةً تَأخُذُهُمْ وَهُمْ یَخِصِّمُونَ 49 فَلا یَسْتَطِیعُونَ تَوْصِیَةً وَلا إلَی أهْلِهِمْ یَرْجِعُونَ }50 _ سورة یس .
ص: 15
قال النبی صلی الله علیه و آله عن نهایة العالم وقیام القیامة انها تکون بعد سماع الصیحة حیث یموت سکان الدنیا ولا یستطیعون التوصیة لاهلهم لان الجمیع قد ماتوا .
الکفار یکذبون بالاخرة دائما لانهم یخافون منها .
ولانهم یریدون ابعاد العباد عن الدین بتکذیبهم القیامة ومن کذب بالاخرة انحرف نحو الفسق والفجور .
واذا جاءت الصیحة قامت القیامة وبدا الحساب ولا یمهلون ابدا.
{ وَأخَذَ الَّذِینَ ظَلَمُوا الصَّیْحَةُ فَأصْبَحُوا فِی دِیَارِهِمْ جَاثِمِینَ} 67*_هود .
{ فَأخَذَتْهُمُ الصَّیْحَةُ مُشْرِقِینَ } 73_الحجر.
{ فَأخَذَتْهُمُ الصَّیْحَةُ بِالحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ }
41_المؤمنون .
الکافی ، 8 / 310 / 483 محمد عن ابن عیسی عن علی بن الحکم عن الخراز عن عمر بن حنظلة قال سمعت أبا عبد اللَّه علیه السلام یقول: خمس علامات قبل قیام القائم علیه السلام الصیحة والسفیانی والخسف وقتل النفس الزکیة والیمانی فقلت جعلت فداک إن خرج أحد من أهل بیتک قبل هذه العلامات أنخرج معه قال لا .
ص: 16
فلما کان من الغد تلوت هذه الآیة « إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ آیَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ ((1)) » .
فقلت له أهی الصیحة ؟ فقال أما لو کانت خضعت أعناق أعداء اللَّه تعالی » .
وزاد فی بعض الأخبار قتل نفس زکیة أخری بظهر الکوفة فی سبعین من الصالحین وقد مضی أیضا فی روایة زرارة أنه لا بد من قتل غلام بالمدینة والیمانی رجل یخرج من یمن یدعو إلی المهدی علیه السلام أما لو کانت یعنی الآیة أو الصیحة أما لو کانت الآیة هی الصیحة .
وروی الصدوق بإسناده عن میمون البان عن أبی عبد اللَّه علیه السلام قال: خمس قبل قیام القائم الیمانی والسفیانی والمنادی ینادی من السماء وخسف بالبیداء وقتل النفس الزکیة » .
وبإسناده عن عمر بن حنظلة قال سمعت أبا عبد اللَّه علیه السلام یقول: خمس علامات محتومات الیمانی والسفیانی والصیحة وقتل النفس الزکیة والخسف بالبیداء » .
وبإسناده عن صالح مولی بنی العذراء قال سمعت أبا عبد اللَّه علیه السلام یقول: لیس بین قیام القائم وبین قتل النفس الزکیة إلا خمس عشرة لیلة » .
وعن المعلی بن خنیس عنه علیه السلام قال: إن أمر السفیانی من المحتوم
ص: 17
وخروجه فی رجب »((1)) .
عنه عن أحمد عن ابن فضال عن أبی جمیلة عن محمد بن علی الحلبی قال سمعت أبا عبد اللَّه علیه السلام یقول: اختلاف بنی العباس من المحتوم والنداء من المحتوم وخروج القائم من المحتوم قلت وکیف النداء قال ینادی « مناد من السماء أول النهار ألا إن علیا علیه السلام وشیعته هم الفائزون قال فینادی مناد آخر النهار ألا إن عثمان وشیعته هم الفائزون » ((2)).
{ وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَإذَا هُمْ مِنْ الأجْدَاثِ إلَی رَبِّهِمْ یَنسِلُونَ51 } _ سورة یس: مِنْ الأجْدَاثِ: من القبور والجدث: القبر .
ینسلون: یسرعون .هذا ما وعد الرحمن بقیام القیامة وأنذر المرسلون.
میثم التمار قال: کنت بین یدی مولای أمیر المؤمنین علیه السلام إذ دخل غلام وجلس فی وسط المسلمین فلما فرغ من الاحکام ، نهض إلیه الغلام ، وقال: یا أبا تراب ! أنا إلیک رسول ، جئتک برسالة تزعزع لها الجبال من رجل حفظ کتاب الله من أوله إلی آخره ، وعلم علم القضایا والاحکام ، وهو أبلغ منک فی الکلام ، وأحق منک بهذا المقام ، فاستعد للجواب ، ولا تزخرف المقال ! فلاح الغضب فی وجه أمیر المؤمنین علیه السلام وقال لعمار ارکب جملک وطف فی قبائل الکوفة وقل لهم: أجیبوا علیا لیعرفوا الحق
ص: 18
من الباطل والحلال والحرام ، والصحة والسقم . فرکب عمار فما کان إلا هنیئة حتی رأیت العرب کما قال الله تعالی ( إن کانت إلا صیحة واحدة فإذا هم من الأجداث إلی ربهم ینسلون .
فضاق جامع الکوفة وتکاثف الناس تکاثف الجراد علی الزرع الغض فی أوانه ، ونهض العالم الأروع ، والبطل الأنزع ، ورقی فی المنبر وراقی ثم تنحنح فسکت جمیع من فی الجامع ، فقال علیه السلام : رحم الله من سمع فوعی ، أیها الناس من یزعم أنه أمیر المؤمنین ؟ والله لا یکون الامام إماما حتی یحبی الموتی ، أو ینزل من السماء مطرا أو یأتی بما یشاکل ذلک مما یعجز عنه غیره وفیکم من یعلم أنی الآیة الباقیة ، والکلمة التامة ، والحجة البالغة ، ولقد أرسل إلی معاویة جاهلا من جاهلیة العرب عجرف فی مقاله ، وأنتم تعلمون لو شئت لطحنت عظامه طحنا ، ونسفت الأرض من تحته نسفا ، وخسفتها علیه خسفا ، إلا أن احتمال الجاهل صدقة ، ثم حمد الله وأثنی علیه وصلی علی النبی صلی الله علیه و آله وأشار بیده إلی الجو فدمدم ، و أقبلت غمامة وعلت سحابة ، وسمعنا منها نداءا یقول: السلام علیک یا أمیر المؤمنین ، ویا سید الوصیین ویا إمام المتقین ، ویا غیاث المستغیثین ، ویا کنز المساکین ، ومعدن الراغبین وأشار إلی السحابة فدنت !
قال میثم: فرأیت الناس کلهم قد أخذتهم السکرة ، فرفع رجله ورکب السحابة وقال لعمار: ارکب معی وقل ( بسم الله مجریها ومرسیها ) فرکب
ص: 19
عمار وغابا عن أعیننا ، فلما کان بعد ساعة أقبلت سحابة حتی أظلت جامع الکوفة ، فالتفت فإذا مولای جالس علی دکة القضاء ؟ وعمار بین یدیه: والناس حافون به ثم قام وصعد المنبر وأخذ بالخطبة المعروفة بالشقشقیة . فلما فرغ اضطرب الناس ! وقالوا فیه أقاویل مختلفة . فمنهم من زاده الله إیمانا ویقینا ! ومنهم من زاده کفرا وطغیانا .
قال عمار: قد طارت بنا السحابة فی الجو ، فما کان هنیئة حتی أشرفنا علی بلد کبیر حوالیها أشجار وأنهار ، فنزلت بنا السحابة وإذا نحن فی مدینة کبیرة ، و الناس یتکلمون بکلام غیر العربیة ، فاجتمعوا علیه ولاذوا به ، فوعظهم وأنذرهم بمثل کلامهم ، ثم قال: یا عمار ارکب ففعلت ما أمرنی ، فأدرکنا جامع الکوفة ثم قال لی: یا عمار تعرف البلدة التی کنت فیها . قلت الله أعلم ورسوله وولیه ، قال :
کنا فی الجزیرة السابعة من الصین أخطب کما رأیتنی ، إن الله تبارک وتعالی أرسل رسوله إلی کافة الناس ، وعلیه أن یدعوهم ویهدی المؤمنین منهم إلی الصراط المستقیم واشکر ما أولیتک من نعمة ، واکتم من غیر أهله ، فإن لله تعالی ألطافا خفیة فی خلقه ، لا یعلمها إلا هو ومن ارتضی من رسول ، ثم قالوا: أعطاک الله هذه القدرة الباهرة وأنت تستنهض الناس لقتال معاویة ؟
ص: 20
فقال علیه السلام : إن الله تعبدهم بمجاهدة الکفار والمنافقین ، والناکثین ، والقاسطین ، والمارقین ، و الله لو شئت لمددت یدی هذه القصیرة فی أرضکم هذه الطویلة ، وضربت بها صدر معاویة بالشام ، وأجذب بها من شاربه أو قال من لحیته فمد یده وردها وفیها شعرات کثیرة ، فتعجبوا من ذلک .
ثم وصل الخبر بعد مدة أن معاویة سقط من سریره فی الیوم الذی کان علیه السلام مد یده وغشی علیه ، ثم أفاق وافتقد من شاربه ولحیته شعرات((1)).
وقال نجاح الطائی: لم یعمل أمیر المؤمنین بولایته الکونیة المتفق علیها بین الشیعة بل عمل بالامور الطبیعیة التی عمل بها سید الانبیاء محمد صلی الله علیه و آله . ولو عمل الامام علی علیه السلام بها لقتل معاویة بطرق مختلفة , لکنه أراد أن یسیر الامتحان الالهی کما أراد رب العالمین کی یُعرف المؤمن من الفاسق ولو عمل الانبیاء والاوصیاء بولایتهم الکونیة تجاه الهراقلة والاکاسرة لنامت الامم والشعوب وتوقف الجهاد والغزو .
{ قَالُوا یَا وَیْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ 52 إنْ کَانَتْ إلا صَیْحَةً وَاحِدَةً فَإذَا هُمْ جَمِیعٌ لَدَیْنَا مُحْضَرُونَ } 53 _
سورة یس .
ص: 21
ویجمع الله تعالی أرواح البشریة فی لحظة واحدة فی مکان واحد تمهیدا لیوم الحق یوم القیامة .
نقل أبو الحسن الفقیه محمد بن علی بن شاذان فی المناقب المائة من طریق العامّة بحذف الإسناد , عن ابن عباس , قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: معاشر الناس اعلموا أنّ لله تعالی باباً من دخله أمن من الناس ومن الفزع الأکبر - إلی أن قال صلی الله علیه و آله :
معاشر الناس من سرّه لیقتدی بی فعلیه أن یتولی ولایة علی بن أبی طالب علیه السلام والأئمّة من ذریّتی فإنّهم خزّان علمی .
فقام جابر بن عبدالله الأنصاری , فقال: یا رسول الله صلی الله علیه و آله ما عدّة الأئمّة؟
قال صلی الله علیه و آله : یا جابر سألتنی - رحمک الله - عن الإسلام بأجمعه
, عدّتهم عدّة الشهور , وهو عند الله إثنی عشر شهر فی کتاب الله , یوم خلق السماوات والأرض.. الحدیث((1)) .
وقال تعالی: (إنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَی اُوْلَئِکَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) ((2)) .
تفسیر النسفی: قوله تعالی: " إن الذین سبقت لهم منا
الحسنی ": علی علیه السلام منهم ((3)) .
ص: 22
وقال نجاح الطائی: لما عاد رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) من تبوک إلی المدینة قدم إلیه عمرو بن معدی کرب ، فقال له النبی علیه السلام : أسلم یا عمرو یؤمنک الله من الفزع الأکبر ، قال: یا محمد ! وما الفزع الأکبر ؟ فإنی لا أفزع ! فقال صلی الله علیه و آله : یا عمرو إنه لیس کما تظن وتحسب ! إن الناس یصاح بهم صیحة واحدة فلا یبقی میت إلا نشر ، ولا حی إلا مات إلا ما شاء الله ، ثم یصاح بهم صیحة أخری فینشر من مات ویصفون جمیعا ، وتنشق السماء ، وتهد الأرض ، وتخر الجبال هدا . . . فأین أنت یا عمرو من هذا ؟ !
قال: ألا إنی أسمع أمرا عظیما ، فآمن بالله ورسوله ، وآمن معه من قومه
ناس ورجعوا إلی قومهم ((1)) .
ومن الوقائع النادرة انّ عمرو بن معدی کرب نظر إلی أُبیّ بن عثعث الخثعمی فأخذ برقبته ، ثم جاء به إلی النبی صلی الله علیه و آله قائلا: أعدنی ((2)) علی هذا الفاجر الذی قتل والدی .
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : « أهدر الإسلام ما کان فی الجاهلیة » .
ص: 23
فانصرف عمرو مرتدّاً فأغار علی قوم من بنی الحارث بن کعب ومضی إلی قومه ، فاستدعی رسول الله صلی الله علیه و آله الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام فأمره علی المهاجرین ، وأنفذه إلی بنی زبید ، وأرسل خالد بن الولید فی طائفة من الأعراب وأمره أن یقصد الجُعفی فإذا التقیا فأمیر الناس الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام . فسار أمیر المؤمنین واستعمل علی مقدّمته خالد بن سعید بن العاص واستعمل خالدٌ علی مقدّمته أبا موسی الأشعری .
فأمّا جُعفیّ فإنّها لمّا سمعت بالجیش افترقت فرقتین ; فذهبت فرقة إلی الیمن، وانضمّت الفرقة الأُخری إلی بنی زبید ، فبلغ ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام فکتب إلی خالد بن الولید: أنْ قف حیثُ أدرکک رسولی .
فلم یقف ، فکتب إلی خالد بن سعید: تعرّض له حتّی تحبسه فاعترض له خالد حتّی حبسه ، وأدرکه أمیر المؤمنین علیه السلام فعنّفه علی خلافه ، ثمّ سار حتّی لَقی بنی زبید بواد یقال له کُشر((1)).
فلمّا رآه بنو زبید قالوا لعمرو: کیف أنت - یاأبا ثور - إذا لقیک هذا الغلام القرشی فأخذ منک الأتاوة((2))؟
قال: سیعلم إنْ لقینی .
وخرج عمرو فقال: هل من مبارز ؟
ص: 24
فنهض إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام فقام خالد بن سعید فقال له: دَعْنی یاأبا الحسن بأبی أنت وأُمّی أُبارزه .
فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام : إن کنت تری أنّ لی علیک طاعةً فقِف مکانک فوقف ، ثمّ برز إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام فصاح به صیحةً فانهزم عمرو وقُتل أخوه وابنُ أخیه وأُخِذت امرأتهُ رُکانةُ بنت سَلامة ، وسُبیَ منهم نسوانٌ ، وانصرف أمیر المؤمنین علیه السلام وخلَّف علی بنی زُبید خالد بن سعید لیقبضَ صدقاتهم ، ویُؤمنَ من عاد إلیه من هُرّابهم مُسلماً((1)).
لما قال عمرو بن معدی کرب للنبی صلی الله علیه و آله إنی لا أخاف من الصیحة السماویة أخافه الامام علی علیه السلام بصیحة دنیویة علویة هدَّت أرکانه وجعلته یفر فرار العبید .
ثم عاد نادما وحسن اسلامه وبقی یذکر بطولة أمیر المؤمنین فی کل مکان .
{ فَالیَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إلا مَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ 54 إنَّ أصْحَابَ الجَنَّةِ الیَوْمَ فِی شُغُل فَاکِهُونَ } 55_ سورة یس .
فَاکِهُونَ: معجبون ومسرورون بالجنان الالهیة .
ص: 25
لا یظلم شخص فی یوم القیامة بل یأخذ حقه کاملا . وتری أصحاب الجنة الیوم یتفکهون بفاکهة الجنة الکثیرة الرائعة التی لا تفسد ولا تتعفن مثل فاکهة الارض .
روی المفضّل ابن عمر عن الصّادق علیه السلام عن أبیه عن جدّه علیه السلام قال قیل للحسن بن علی علیه السلام کیف أصبحت یا بن رسول اللَّه صلی الله علیه و آله ؟
قال علیه السلام أصحبت ولی ربّ فوقی ، والنّار امامی ، والموت یطلبنی ، والحساب محدق بی ، وانا مرتهن لا أجد ما احبّ ولا ادفع ما اکره والأمور بید غیری فان شاء عذّبنی وان شاء عفی عنّی فایّ فقیر افقر منّی .
المفسر القمی: قال فی افتضاض العذاری فاکهون ، قال یفاکهون النساء ویلاعبونهن ((1)) .
وقال ابن مسعود وابن عباس: الشغل کنایة عن افتضاض الأبکار . وقیل استماع الألحان ( فاکهون ) قال :ابن عباس: معناه فرحون . وقال مجاهد: عجبون ، وقیل: ذو فاکهة ، کما یقال لاحم شاحم أی ذو لحم وشحم ، وعاسل ذو عسل .
{ هُمْ وَأزْوَاجُهُمْ فِی ظِلال عَلَی الأرَائِکِ مُتَّکِؤُونَ }56 _ سورة یس .
ص: 26
ظلال من نور أنور من الشمس والأرائک: السرر علیها الحجال مسرورون بزوجاتهم من الانس والحور العین .
وجاء :{ مُتَّکِئِینَ فِیها عَلَی الأَرائِکِ } الأریکة السریر والفرش فی الحجال ، جاء الاتّکاء فی الذکر لأنّه یعنی راحة البال وهدوء النفس والاستقرار .
الحجال وقیل: هی الوسائد ( [ مُتَّکِؤُنَ ] ) علیها وجالسون جلوس الملوک إذ لیس علیهم من الأعمال شیء وکلَّما اتّکئ علیه فهو أریکة والجمع «
أرائک » .
وفی روایة أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله: ( فی ظلال علی الأرائک متکئون ) الأرائک السرر علیها الحجال ، وقال علی بن إبراهیم فی قوله :
( سلام قولا من رب رحیم ) قال السلام منه تعالی هو الأمان وقوله
( وامتازوا الیوم أیها المجرمون ) قال إذا جمع الله الخلق یوم القیامة بقوا قیاما علی أقدامهم حتی یلجمهم العرق فینادون: یا رب حاسبنا ولو إلی النار فیبعث الله ریاحا فتضرب بینهم وینادی مناد وامتازوا الیوم أیها المجرمون فیمیز بینهم فصار المجرمون إلی النار ومن کان فی قلبه إیمان صار إلی الجنة ((1)) .
ص: 27
{ لَهُمْ فِیهَا فَاکِهَةٌ وَلَهُمْ مَا یَدَّعُونَ } 57:
یدعون: ما یتمنون من کل شیء .
و « ما » موصولة أو موصوفة ویدعون یفتعلون من الدعاء عبّر بها عن مدعوّ عظیم الشأن أی کلّ ما یدعونه حاصل لهم قال أبو عبیدة: یقول العرب: ادّع علیّ ما شئت أی تمنّ علیّ .
{ سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِیم } 58 _
سورة یس .
السلام: الامان . وتعنی سلام قولا من رب رحمن ورحیم یسمعونه من الله تعالی ویبلغهم بدوام الامن والسلامة والنعمة علیهم.
وعن ابن عبّاس: الملائکة یدخلون علیهم بالتحیّة من ربّ العالمین ، فیقولون: سلام علیکم من ربّکم الرحیم .
یسلم اللَّه تعالی علیهم بواسطة الملائکة تعظیما لهم ، وذلک مطلوبهم ومتمنّاهم .
{ وَامْتَازُوا الیَوْمَ أیُّهَا المُجْرِمُونَ } 59 _ سورة یس .
الطغاة کانوا یفتخرون علی المؤمنین وخاصة الفقراء منهم بکثرة أموالهم وسلطاتهم وامتیازاتهم الدنیویة فیقول لهم الله تعالی:
الیوم یوم حضیضکم وانهزامکم وسقوطکم فامتازوا , ولکن بماذا یمتازون وهم خائروا القوی فاشلون مفلسون .
ص: 28
یمیز بینهم فصار المجرمون فی النار ومن کان فی قلبه الأیمان صار إلی الجنة .
عن أبی جعفر علیه السلام قال: من أصغی إلی ناطق فقد عبده فإن کان الناطق یؤدی عن الله عز وجل فقد عبد الله وإن کان الناطق یؤدی عن الشیطان فقد عبد الشیطان((1)) .
فی أصول الکافی علی بن إبراهیم عن أبیه عن بکر بن صالح عن القاسم ابن برید قال: حدثنا أبو عمرو الزبیری عن أبی عبد الله علیه السلام وذکر حدیثا طویلا یقول فیه علیه السلام بعد ان قال إن الله تبارک وتعالی فرض الایمان علی جوارح ابن آدم و قسمه علیها وفرقه فیها ، وقال فیها شهدت الأیدی والأرجل علی أنفسهما وعلی أربابهما من تضییعهما لما أمر الله عز وجل وفرضه علیهما الیوم نختم علی أفواههم وتکلمنا أیدیهم وتشهد أرجلهم بما کانوا یکسبون فهذا أیضا مما فرض الله علی الیدین وعلی الرجلین وهو عملهما وهو من الایمان ((2)).
{ ألَمْ أعْهَدْ إلَیْکُمْ یَا بَنِی آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّیْطَانَ إنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ }60 _سورة
یس
کما قال تعالی: « أفَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ »_الجاثیة 23 .
ص: 29
جعل الله تعالی عبادتهم للأوثان بأمر الشیطان عبادة له والیوم تری عبادة الملوک والرؤساء بأمر الشیطان عبادة للشیطان .
قوله تعالی: « إِنَّما یُرِیدُ الله لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْس _ الاحزاب 33 َ » .
وقوله تعالی: « أَطِیعُوا الله وأَطِیعُوا الرَّسُولَ وأُولِی الأَمْرِ مِنْکُم ((1)) » وقوله تعالی: « وکُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ ((2)) » .
وقوله تعالی: « إِنَّما وَلِیُّکُمُ الله ورَسُولُهُ ((3)) » .
وسورة هل أتی وغیرها من السور والآیات الدالة علی إمامتهم أو أفضلیتهم علی العالمین کآیة المباهلة بل کل القرآن فیهم ( إما ) صریحا ( وإما ) کنایة ( وإما ) فحوی .
وذلک لأن العبادة عبارة عن الطاعة والانقیاد وفی هذا الحدیث دلالة واضحة علی عدم جواز تقلید المجتهدین فی الأحکام بآرائهم کما هو الشائع الذائع إلی الیوم حتی بین أصحابنا فضلا عن العامة ولیت شعری کیف یجیبون عن ذلک إلا من أفتی بمحکمات القرآن والحدیث فإن اتباع
ص: 30
قوله حینئذ لیس بتقلید له بل تقلید لمن فرض اللَّه طاعته وحکم بحکم اللَّه عز وجل ((1)) .
النیسابوریان عن حماد بن عیسی عن ربعی عن أبی بصیر عن أبی عبد اللَّه علیه السلام : فی قول اللَّه تعالی:
{ اتَّخَذُوا أحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَالمَسِیحَ ابْنَ مَرْیَمَ وَمَا اُمِرُوا إلا لِیَعْبُدُوا إلَهاً وَاحِداً لا إلَهَ إلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ} 31_التوبة .
فقال واللَّه ما صاموا لهم ولا صلوا لهم ولکن أحلوا لهم حراما وحرموا علیهم حلالا فاتبعوهم » ((2)) .
{ وَأنِ اعْبُدُونِی هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِیمٌ 61 }_سورة یس
واعبدوا الله تعالی بصراط محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله .
وصف عبادته بأنه طریق مستقیم من حیث کان طریقا إلی الجنة . ثم ذکر سبحانه عداوة الشیطان لبنی آدم ، فقال: ( ولقد أضل منکم جبلا کثیرا ) أی: أضل الشیطان عن الدین خلقا کثیرا منکم ، بأن دعاهم إلی الضلال ، وحملهم علی الضلال ، وأغواهم . ( أفلم تکونوا تعقلون ) أنه یغویکم ، ویصدکم عن الحق فتنبهون عنه . صورته استفهام ، ومعناه الانکار علیهم ، والتبکیت لهم ، وفی هذا بطلان مذهب أهل الجبر فی أن الله أراد
ص: 31
إضلالهم ، ولو کان کما قالوه ، لکان ذلک أضر علیهم ، وأنکر من إرادة الشیطان ذلک ((1)).
ولایة علی( علیه السلام )مکتوبة فی جمیع صحف الأنبیاء((2)) .
القرطبی والسیوطی وابن حجر: لم یبعث الله رسولا الا بنبوة محمد ووصیه علی( علیه السلام )((3)) .
ص: 32
وفی أمالی الشیخ بالإسناد عن الصادق عن أبیه عن جدّه قال: قال رسول اللَّه صلی الله علیه و آله : ما قبض اللَّه نبیّا حتّی أمره اللَّه أن یوصی لأفضل عشیرته من عصبته وأمرنی أن أوصی فقلت إلی من یا ربّ فقال أوصی یا محمّد إلی
ص: 33
ابن عمّک علیّ بن أبی طالب فإنّی قد أثبتّه فی الکتب السالفة وکتبت فیها أنّه وصیّک وعلی ذلک .
ّ ففی البصائر عن أبی الحسن علیه السلام قال: ولایة علیّ مکتوبة فی جمیع صحف الأنبیاء ولن یبعث اللَّه نبیّا إلَّا بنبوّة محمّد وولایة وصیّه علیّ علیهما السّلام ((1))» .
وفی أمالی الشیخ بالإسناد عن الصادق عن أبیه عن جدّه قال: قال رسول اللَّه صلی الله علیه و آله : ما قبض اللَّه نبیّا حتّی أمره اللَّه أن یوصی لأفضل عشیرته من عصبته وأمرنی أن أوصی فقلت إلی من یا ربّ فقال أوصی یا محمّد إلی ابن عمّک علیّ بن أبی طالب فإنّی قد أثبتّه فی الکتب السالفة وکتبت فیها أنّه وصیّک وعلی ذلک أخذت میثاق الخلائق ومواثیق أنبیائی ورسلی أخذت مواثیقهم لی بالربوبیّة ولک یا محمّد بالنّبوة ولعلیّ بن أبی طالب بالولایة ((2)) .
ومن طریق العامّة عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلی الله علیه و آله : لما عرج بی إلی السّماء انتهی بی المسیر مع جبرائیل إلی السّماء الرابعة فرأیت بیتا من یاقوت أحمر ، فقال لی جبرائیل یا محمّد هذا البیت المعمور خلقه اللَّه تعالی قبل خلق السماوات والأرض بخمسین ألف عام قم یا محمّد فصلّ إلیه قال
ص: 34
النبی صلی الله علیه و آله وجمع اللَّه النبیین فصفهم جبرائیل ورائی صفا فصلَّیت بهم فلمّا سلمت أتانی آت من عند ربی فقال لی یا محمّد ربک یقرؤک السّلام ویقول لک سل الرّسل علی ماذا أرسلتم من قبلی فقلت معاشر الرسل علی ماذا بعثکم ربی قبلی؟
فقالت الرسل علی ولایتک وولایة علیّ بن أبی طالب علیه السلام ((1)).
و قال الحسکانی الحنفی قال النبی صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام : «أنت الطریق الواضح وأنت الصراط المستقیم وأنت یعسوب المؤمنین» ((2)).
{ وَیَهْدِی مَنْ یَشَاءُ إلَی صِرَاط مُسْتَقِیم } ((3)).
الحسکانی الحنفی: یعنی به: إلی ولایة علی بن أبی طالب ((4)) .
وجاء أیضاً قوله تعالی: {یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ إلَی صِرَاط مُسْتَقِیم } ((5)).
{ وَاللّهُ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ إلَی صِرَاط مُسْتَقِیم } ((6)).
ص: 35
روی الثعلبی فی تفسیره کشف البیان فی تفسیر القرآن , فی تفسیر قوله تعالی: (اهدنا الصراط المستقیم) قال مسلم بن حیّان: سمعت أبا بریدة یقول: « صراط محمد وآله , والتعوذ عن صراط من غضب الله علیه ((1)).
وأخرج وکیع بن الجراح , فی تفسیره بإسناده عن عبدالله بن عباس فی قوله: (اهدنا الصراط المستقیم) قال: قولوا معاشر العباد أرشدنا إلی حبّ محمد وأهل بیته((2)).
{ وَلَقَدْ أضَلَّ مِنْکُمْ جِبلا کَثِیراً أفَلَمْ تَکُونُوا تَعْقِلُونَ } 62 _سورة یس:
وَلَقَدْ أضَلَّ مِنْکُمْ جِبلا کَثِیراً: أضل ابلیس عددا هائلا من الناس ساقهم الی جهنم .
والجبلّ: الخلق والجماعة والجمع الَّذین جبلوا علی خلیقة وطبعوا علیها . وأصل الجبلّ: الطَّبع ومنه: الجبل لأنّه مطبوع علی الثّبات . وقیل: أصله الغلظة والشدّة .
وقرأ یعقوب بضمّتین . وابن کثیر وحمزة والکسائیّ بهما مع تخفیف اللَّام . وابن عامر وأبو عمرو بضمّة وسکون ، مع التّخفیف . والکلّ لغات .
ص: 36
وقرئ: « جبلا » جمع جبلة کخلقة وخلق . و « جیلا » واحد الأجیال .
وقال نجاح الطائی: قال تعالی: ( إن الشیطان ینزغ بینهم إن الشیطان کان للإنسان عدوا مبینا ) ((1)) .
وقال تعالی: ( وقال الشیطان لما قضی الأمر إن الله وعدکم وعد الحق ووعدتکم فأخلفتکم وما کان لی علیکم من سلطان إلا أن دعوتکم فاستجبتم لی فلا تلومونی ولوموا أنفسکم )((2)) .
الله تعالی یدعو الی الحق والعدل والخیر والشیطان یدعو الی الشر والفسق والظلم .
السؤال: کیف ینحرفون ومعهم عقولهم ودینهم ؟ التباع الدنیا وکثرة الذنوب تحرفهم عن الحق .
{ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِی کُنتُمْ تُوعَدُونَ 63 اصْلَوْهَا الیَوْمَ بِمَا کُنتُمْ تَکْفُرُونَ 64 _ سورة یس .وعد الله فی حصول یوم القیامة ورؤیتهم لجهنم تحقق فی انظار الکافرین المکذبین به .
قرب الإسناد : الیقطینی ، عن ابن عبد الحمید قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فأخرج إلی مصحفا قال : فتصفحته فوقع بصری علی موضع منه
ص: 37
فإذا فیه مکتوب " هذه جهنم التی کنتما بها تکذبان * فاصلیا فیها لا تموتان فیها ولا تحییان " یعنی الأولین (1) .
{ الیَوْمَ نَخْتِمُ عَلَی أفْوَاهِهِمْ وَتُکَلِّمُنَا أیْدِیهِمْ وَتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ } 65 _
سورة یس .
عن أبی معمر السعدی قال: أتی علیا علیه السلام رجل فقال :
( یا أمیر المؤمنین انی شککت فی کتاب الله المنزل ، فقال له علی علیه السلام : ثکلتک أمک وکیف شککت فی کتاب الله المنزل ؟ فقال له الرجل: لأنی وجدت الکتاب یکذب بعضه بعضا وینقض بعضه بعضا ، قال: فهات الذی شککت فیه ، فقال: لان الله یقول: " یوم یقوم الروح والملائکة صفا لا یتکلمون الا من أذن له الرحمن وقال صوابا " ویقول حیث استنطقوا .
قال الله " والله ربنا ما کنا مشرکین " ویقول: " یوم القیمة یکفر بعضکم ببعض ویلعن بعضکم بعضا " ویقول: " ان ذلک لحق تخاصم أهل النار " ویقول " لا تختصموا لدی " ویقول: " الیوم نختم علی أفواههم وتکلمنا أیدیهم وتشهد أرجلهم بما کانوا یکسبون " فمرة یتکلمون ، ومرة لا یتکلمون ، ومرة ینطق الجلود والأیدی والأرجل ، ومرة لا یتکلمون الا من أذن له الرحمن وقال صوابا فانی ذلک یا أمیر المؤمنین ؟
ص: 38
فقال له علیه السلام : ان ذلک لیس فی موطن واحد وهی فی مواطن فی ذلک الیوم الذی مقداره خمسون ألف سنة ، فجمع الله الخلائق فی ذلک الیوم فی موطن یتعارفون فیه ، فیکلم بعضهم بعضا ویستغفر بعضهم لبعض ، أولئک الذین بدت منهم الطاعة من الرسل والاتباع ، وتعاونوا علی البر والتقوی فی دار الدنیا ، ویلعن أهل المعاصی بعضهم بعضا من الذین بدت منهم المعاصی فی دار الدنیا ، وتعاونوا علی الظلم و العدوان فی دار الدنیا ، والمستکبرون منهم ، والمستضعفون یلعن بعضهم بعضا و یکفر بعضهم بعضا ، ثم یجمعون فی موطن یفر بعضهم من بعض ، وذلک قوله " یوم یفر المرء من أخیه وأمه وأبیه وصاحبته وبنیه " إذا تعاونوا علی الظلم والعدوان فی دار الدنیا " لکل امرئ یومئذ شأن یغنیه " ثم یجمعون فی موطن یبکون فیه فلو ان تلک الأصوات بدت لأهل الدنیا لأذهلت جمیع الخلایق عن معایشهم وصدعت الجبال الا ما شاء الله، فلا یزالون یبکون حتی یبکون الدم ثم یجتمعون فی موطن یستنطقون فیه ، فیقولون " والله ربنا ما کنا مشرکین " ولا یقرون بما عملوا ، فیختم الله علی أفواههم ویستنطق الأیدی والأرجل والجلود ، فتنطق فتشهد بکل معصیة بدت منهم ، ثم یرفع الخاتم عن ألسنتهم فیقولون لجلودهم وأیدیهم وأرجلهم لم شهدتم علینا ؟
فتقول أنطقنا الله الذی أنطق کل شئ ، ثم یجتمعون فی موطن یستنطق فیه جمیع الخلایق فلا یتکلم أحد الا من أذن له الرحمن وقال صوابا ،
ص: 39
ویجتمعون فی موطن یختصمون فیه ویدان لبعض الخلایق من بعض وهو القول ، وذلک کله قبل الحساب ، فإذا أخذ بالحساب شغل کل امرئ بما لدیه ، نسئل الله برکة ذلک الیوم ((1)) .
أی: نستنطق الأعضاء التی کانت لا تنطق فی الدنیا لتشهد علیهم ، ونختم علی أفواههم التی عهد منها النطق .
واختلف فی کیفیة شهادة الجوارح علی وجوه أحدها: إن الله تعالی یخلقها خلقة یمکنها أن تتکلم وتنطق وتعترف بذنوبها.
وثانیها . إن الله تعالی یجعل فیها کلاما ، وإنما نسب الکلام إلیها ، لأنه لا یظهر إلا من جهتها.
وثالثها: إن معنی شهادتها وکلامها أن الله تعالی یجعل فیها من الآیات ما یدل علی أن أصحابها عصوا الله بها ، فسمی ذلک شهادة منها ، کما یقال: عیناک تشهدان بسهرک . وقد ذکرنا أمثال ذلک فیما سلف .
وقال نجاح الطائی: قال تعالی: یَوْمَ تَشْهَدُ عَلَیْهِمْ ألْسِنَتُهُمْ وَأیْدِیهِمْ وَأرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ 24_النور.
ص: 40
عندما یحضر الاشخاص الی المحاکم یأخذ الظالمون بالکذب فی کل الاتجاهات والصور حتی لا یدری ما یقول وفی کل جلسة من جلسات المحکمة یکذب کذبا جدیدا لم یقله سابقا دفاعا عن نفسه .
لکن اذا ختم تعالی علی الافواه وتکلمت الایدی وتشهد الارجل یتغیر الحال ویطمس الکذب فلا شیء الا الحقیقة .
فی هذا الیوم یختم تعالی علی أفواههم کی لا یکذبوا ولا یبرروا الاراجیف وتشهد أرجلهم بما کانوا یعملون .
کلام الایدی وشهادة الارجل من المعاجز الکبیرة التی یندهش لها الانسان ویعجب .
فلا شاردة ولا واردة من أعماله الا ویجده فی سجله المفضوح والمطروح أمامه یوم القیامة .
{ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَی أعْیُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأنَّی یُبْصِرُونَ} 66 _ سورة یس .
ومعناه طلبوا النجاة . والسبق إلیها ولا بصر لهم ( فانی تبصرون ) وقیل: معناه فاستبقوا الطریق إلی منازلهم فلم یهتدوا إلیها . وقال ابن عباس: معناه طلبوا طریق الحق وقد عموا عنها .
ص: 41
والطمس علی العین إذهاب الشق الذی بین الجفنتین , کما تطمس الریح الأثر یقال أعمی مطموس , وطمس أی عمی ((1)) .
" فاستبقوا الصراط " یمکن أن تکون بمعنی التسابق فیما بینهم للعثور علی الطریق الذی یذهبون منه عادة ، أو بمعنی الانحراف عن الطریق وعدم العثور علیه ، علی ضوء ما قاله بعض أرباب اللغة من أن " فاستبقوا الصراط " بمعنی " جاوزوه وترکوه حتی ضلوا " ((2)) .
السید الرضی: وهذه استعارة . والمراد بالطمس هاهنا: إذهاب نور الأبصار حتی یبطل إدراکها ، تشبیها بطمس حروف الکتاب ، حتی تشکل قراءتها ((3)) .:تعنی لو شاء الله تعالی لاعمی من یرید فکیف یهتدون الی الطریق وهم یتسابقون علی الصراط .
{ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَی مَکَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِیّاً وَلا
یَرْجِعُونَ } 67 _ سورة یس .
وقال تعالی: * ( ولو نشاء لطمسنا علی أعینهم ) * .
وقال تعالی: * ( ولو نشاء لمسخناهم علی مکانتهم ) * .
ص: 42
وقال تعالی: * ( فلو شاء لهدیکم أجمعین ) * .
وقال تعالی: * ( ولو نشاء لأریناکهم ) * .
وقال تعالی: * ( ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله علی کل شئ قدیر ) * .
وقال تعالی: * ( ولو شاء الله لسلطهم علیکم فلقاتلوکم ) * .
وقال تعالی: * ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ) * .
وقال تعالی: * ( ولو شئنا لرفعناه بها ) * .
وقال تعالی: * ( ولو شاء ربنا لأنزل ملائکة ) * .
وقال تعالی: * ( ولو شاء ربک لآمن من فی الأرض کلهم جمیعا ).
والمسخ قلب الصورة إلی خلقة مشوهة کما مسخ قوما قردة وخنازیر , والمسخ نهایة التنکیل .
وقال الحسن البصری وقتادة: معناه لمسخناهم علی مقعدهم علی أرجلهم والمکانة والمکان واحد , ولو فعلنا بهم ذلک((1)) .
: قال تعالی لو شاء لعاقبهم سبحانه ومسخهم فی الدنیا عقوبة لهم .
ص: 43
الطبرسی: (أی: علی مکانهم الذی هم فیه قعود ، والمعنی: ولو نشاء لعذبناهم بنوع آخر من العذاب ، فأقعدناهم فی منازلهم ممسوخین قردة وخنازیر .
والمکانة والمکان واحد . وقیل: معناه ولو شئنا لمسخناهم حجارة فی منازلهم لیس فیهم أرواحهم .
( فما استطاعوا مضیا ولا یرجعون ) أی: فلم یقدروا علی ذهاب ولا مجئ ، لو فعلنا ذلک بهم . وقیل: معناه فما استطاعوا مضیا من العذاب ، ولا رجوعا إلی الخلقة الأولی بعد المسخ ، وهذا کله تهدید هددهم الله به .
وعنه ( صلی الله علیه و آله ) قال: من قرأ سورة الفیل ، عافاه الله أیام حیاته فی الدنیا ، من المسخ والقذف .((1)) .
وقال صلی الله علیه و آله : " لم یجر فی بنی إسرائیل شئ إلا ویکون فی أمتی مثله
حتی المسخ والخسف والقذف " ، وقال حذیفة: " والله ما أبعد أن یمسخ
الکثیرا من هذه الأمة قردة وخنازیر " ((2)).
عن الأصبغ بن نباتة قال: جاء نفر إلی أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) فقالوا أن المعتد یزعم أنک تقول إن هذا الجری مسخ فقال مکانکم حتی اخرج
ص: 44
إلیکم فتناول ثوبه ، ثم خرج إلیهم ومضی حتی انتهی إلی الفرات بالکوفة فصاح یا جری فأجابه لبیک لبیک ، قال علیه السلام : من أنا ؟ قال علیه السلام : أنت إمام المتقین وأمیر المؤمنین ( علیک السلام ) ، قال: من أنت ؟ قال علیه السلام : أنا ممن عرضت علیه ولایتک فجحدتها ، ولم أقبلها فمسخت جریا ، وبعض هؤلاء الذین کانوا معک یمسخون جریا .
فقال له أمیر المؤمنین ( علیه السلام ): بین ضیعتک وفیمن کنت ومن کان معک ، قال: نعم یا أمیر المؤمنین کنا أربعة وعشرین طائفة من بنی إسرائیل قد تمردنا وطغینا واستکبرنا وتجبرنا وسکنا المفاوز رغبة منا فی البعد من المیاه ، والأنهار فأتانا آت وأنت والله أعرف به منا یا أمیر المؤمنین
فجمعنا فی صحن الدار ، وصرخ بنا صرخة فجمعنا فی موضع واحد وکنا مبددین فی تلک المفاوز والقفار ، فقال لنا: ما لکم هربتم من المدن والمیاه والأنهار وسکنتم هذه المفاوز ؟ فأردنا نقول لأننا فوق العالم تکبرا وتعززا ، فقال لنا: قد علمت ما فی نفوسکم فعلی الله تتعززون ؟ فقلنا له: بلی فقال: ألیس قد أخذ علیکم العهد لتؤمنن بمحمد بن عبد الله الملکی ؟
قلنا: بلی ، قال: وأخذ علیکم العهد بولایة وصیه وخلیفته بعهده وبعده
أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) ، فسکتنا فلم نجب بألسنتنا وقلوبنا ، ونیاتنا لا تقبلها ، فقال: لا أو تقولون بألسنتکم ، فقلناها بأجمعنا بألسنتنا وقلوبنا ونیاتنا: لا نقبلها ، فصاح بنا صیحة ، وقال لنا: کونوا
ص: 45
بإذن الله مسوخا ، کل طائفة جنسا ، ویا أیتها القفار کونی بإذن الله انهارا
وتسکنک هذه المسوخ وتتصل بحار الدنیا وأنهارها حتی لا یکون ماء الا
کانوا فیه فمسخنا ونحن أربعة وعشرون جنسا فصاحت اثنا عشر طائفة: منا أیها المقتدر علینا ، بقدرة الله علیک الا ما أعفیتنا من الماء ، وجعلتنا علی ظهر الأرض ، قال: قد فعلت: فقال أمیر المؤمنین: هیه یا جری بین ما کان الأجناس الممسوخات البریة والبحریة ، فقال: أما البحریة فنحن :
الجری ، والسلاحف ، والمرماهی ، والزمار ، والسراطین ، والدلافین ، وکلاب الماء ، والضفادع ، وبنات نقرس ، والغرمان والکوسج ، والتمساح ، فقال أمیر المؤمنین ( علیه السلام ): هیه ، والبریة ؟ قال: نعم ، الوزغ ، والخفاش ، والکلب ، والدب ، والقرد والخنازیر ، والضب ، والحرباء ، والورل ، والخنافس ، والأرنب ، والضبع .
قال أمیر المؤمنین: فما فیکم من خلق الإنسانیة وطبائعها ؟ قال الجری: أقوامنا والبعض لکل صورة وخلقه ، وکلنا تحیض مثل الإناث .
قال أمیر المؤمنین صدقت أیها الجری ، وحفظت ما کان ، قال الجری: یا أمیر المؤمنین هل من توبة ؟ فقال ( علیه السلام ): للأجل المعلوم وهو یوم القیامة والله خیر حافظا وهو ارحم الراحمین .
ص: 46
قال الأصبغ بن نباتة: فسمعنا والله ما قال ذلک الجری ووعیناه وکتبناه وعرضناه علی أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) فصح والله لنا ومسخ من بعض القوم الذین حضروا جریا فکان هذا من دلائله ( علیه السلام ) ((1)) .
ورد عن الامام علیه السلام :« أن کل من مات من بنی أمیة مسخ وزغاً عند موته »((2)) .
عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام ، عن أبیه محمد بن علی عن جده علی بن الحسین_ صلوات الله علیهم_ أن رجلا من شیعته دخل علیه ، فقال: یا بن رسول الله بما فضلنا علی أعدائنا ونحن وهم سواء ، بل منهم من هو أجمل منا ، وأحسن ریا ، وأطیب رائحة ، فما لنا علیهم من الفضل ؟
قال - علیه السلام -: ترید أریک فضلک ( علیهم ) ؟ قال: نعم .
قال: ادن منی ، فدنا منه ، فأخذ یده ومسح عینیه ، وروح بکفه عن وجهه ، وقال: انظر ما تری ؟ فنظر إلی مسجد رسول الله_ صلی الله علیه و آله _ وما [ رأی ] فیها إلا قردا أو خنزیرا ، أو دبا وضبا .
فقال: جعلت فداک ردنی کما کنت ، فإن هذا منظر صعب .
قال: فسمح عینیه فرده کما کان ((3)) .
ص: 47
{ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَکِّسْهُ فِی الخَلْقِ أفَلا یَعْقِلُونَ } 68 _ سورة یس .
یعود الانسان فی آخر عمره الی الضعف والانتکاسة والخمول .
فیظهر النقصان فی جوارحه وحواسه وعقله . وروی عن علی علیه السلام
أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة . وروی مثل ذلک عن النبی صلی الله علیه و آله . وعن قتادة تسعون سنة . " لکیلا یعلم بعد علم شیئا " أی لیرجع إلی حال الطفولیة بنسیان ما کان علمه لأجل الکبر فکأنه لا یعلم شیئا مما کان علیه ، وقیل: لیقل علمه بخلاف ما کان علیه فی حال شبابه .
الخصال: ابن الولید ، عن الصفار ، عن ابن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن عبد الحمید ، عن الصباح مولی أبی عبد الله علیه السلام قال: کنت مع أبی عبد الله علیه السلام فلما مررنا بأحد قال: تری الثقب الذی فیه ؟ قلت: نعم ، قال: أما أنا فلست أراه ، وعلامة الکبر ثلاث: کلال البصر ، وانحناء الظهر ، ورقة
القدم ((1)).
معانی الأخبار: أبی ، عن سعد ، عن أحمد بن إدریس ، عن الأشعری ، عن ابن عبد الحمید ، عمن حدثه قال: مات رجل من آل أبی طالب لم یکن حضره أبو الحسن علیه السلام ، فجاءه قوم فلما جلس أمسک القوم کأن علی رؤوسهم الطیر ، فکانوا فی ذکر الفقراء والموت فلما جلس قال ابتداءا منه:
ص: 48
قال رسول الله صلی الله علیه وآله: ما بین الستین إلی السبعین معترک المنایا ، ثم قال علیه السلام : الفقراء محن الاسلام ((1)) .
تفسیر علی بن إبراهیم: محمد بن جعفر ، عن محمد بن أحمد ، عن العباس ، عن ابن أبی نجران محمد بن القاسم ، عن علی بن المغیرة ، عن أبی عبد الله ، عن أبیه علیهما السلام قال: إذا بلغ العبد مائة سنة فهی أرذل العمر .
الخصال: روی أنه إذا بلغ المائة فذلک أرذل العمر ((2)) .
وروی: أن أرذل العمر أن یکون عقله عقل ابن سبع سنین ((3)) .
تحف العقول: عن أبی الحسن الثالث علیه السلام أنه قال یوما: إن أکل البطیخ یورث الجذام ، فقیل له: ألیس قد أمن المؤمن إذا أتی علیه أربعین سنة من الجنون والجذام والبرص ؟ قال: نعم ، ولکن إذا خالف المؤمن ما امر به ممن آمنه لم یأمن أن تصیبه عقوبة ص 473 ((4)) .
تفسیر العیاشی: عن أبی بصیر قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : إذا بلغ العبد ثلاثا وثلاثین سنة فقد بلغ أشده ، وإذا بلغ أربعین سنة فقد انتهی منتهاه ، وإذا بلغ
ص: 49
إحدی وأربعین فهو فی النقصان ، وینبغی لصاحب الخمسین أن یکون کمن هو فی النزع .
دعوات الراوندی: قال النبی صلی الله علیه و آله إذا ضعف من الکبر یأمر الله الملک أن یکتب له فی حاله تلک ما کان یعمل وهو شاب نشیط مجتمع .
نهج البلاغة: قال أمیر المؤمنین علیه السلام : العمر الذی أعذر الله فیه إلی ابن آدم ستون سنة ((1)).
ثم قال سبحانه: ( ومن نعمره ننکسه فی الخلق ) أی: من نطول عمره نصیره بعد القوة إلی الضعف ، وبعد زیادة الجسم إلی النقصان ، وبعد الجدة والطراوة إلی البلی والخلوقة ، فکأنه نکس خلقه . وقیل: ننکسه ونرده إلی حال الهرم التی تشبه حال الصبی فی ضعف القوة ، وعزوب العلم ، عن قتادة . ( أفلا تعقلون ) أی: أفلا تتدبرون فی أن الله تعالی یقدر علی الإعادة ، کما قدر علی ذلک ، وإنما قال علی الخطاب لقوله ( ألم أعهد إلیکم ) ومن قرأ بالیاء ، فالمعنی أفلیس لهم عقل فیعتبروا ویعلموا ذلک) ((2)) .
ص: 50
تعنی ان الهدایة من الله تعالی الی الحق ولا یهتدی الا المخلصون الصالحون الذین آمنوا وعملوا الصالحات . وان المذنبین یمسخهم الله تعالی لافعالهم السیئة .
{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا یَنْبَغِی لَهُ إنْ هُوَ إلا ذِکْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِینٌ69 لِیُنْذِرَ مَنْ کَانَ حَیّاً وَیَحِقَّ القَوْلُ عَلَی الکَافِرِینَ }70 _ سورة یس .
لان الانذار للاحیاء من الناس أما الموتی من الناس وهم أحیاء فلا حیاة لهم اذ هم أحیاء ولکن أموات .
ما علمناه الشعر , لأنا لو علمناه لشکک الکفار فی کتابه السماوی.ومعنی الآیتین: أن الکفار لما اتهموا النبی صلی الله علیه و آله بأنه شاعر ، وقالوا: إن القرآن شعر وهذا جزء من مؤامرتهم ضد الاسلام .الجواب الالهی لهم: بأنه ما علَّم نبیه الشعر ولا أوحاه إلیه ، و لا ینبغی له أن یکون شاعرا لانه لا یلیق به ذلک .
فهو رسول الله و الصادق الأمین وقدوة الدین وإمام الهدی ، وناشر الاسلام فی ربوع الحجاز .
لکن الشعراء فی کل واد یهیمون ، وأتباعهم هم الغاوون إلا الذین آمنوا وعملوا الصالحات .
ولا یوجد تناسب وانسجام بین الانبیاء وبین الشعراء فی الحضارة والأخلاق والاهداف .
ص: 51
وهناک فرق کبیر بین آیات القرآن فی أسلوبه ونظمه و معناه وغایاته وعلومه وبین الشعر .
قال سبحانه: { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِکْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِینٌ } _ الحجر 1 .
{ إنَّ هَذَا القُرْآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أقْوَمُ وَیُبَشِّرُ المُؤْمِنِینَ} _الاسراء 9 .
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِی هَذَا القُرْآنِ لِیَذَّکَّرُوا وَمَا یَزِیدُهُمْ إلا نُفُوراً 41*قُلْ لَوْ کَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ کَمَا یَقُولُونَ إذاً لابْتَغَوْا إلَی ذِی العَرْشِ سَبِیلا} 42_الاسراء .
القرآن ذکر یهدی الناس الی الیقین والحق وعبادة الباری تعالی وترک عبادة الاوثان وذکر قصص الانبیاء والاحکام الدینیة والمواعظ الاخلاقیة .
والشعر یبین رحلات شخصیة ومدائح لاکتساب الاموال وذم البعض ومدح آخرین بدون اسس دینیة ولا رعایة للعدل والحق .
الشاعر یسعی لمدح أشخاص وقبائل أو ذمهم والشعر الدینی جاء من مؤمنین اعتقدوا بالقرآن فسعوا لنشر آیاته .
أما الشعر الفاسق فقد جاء من فاسقین نصبوا العداوة للقرآن والنبی صلی الله علیه و آله . والقرآن لیس من القسم الاول للشعر ولا من القسم الثانی .
وعلوم الغیب الموجودة فی القرآن لا یوازیها شعر البشر فی علومه عن الغیب والکون والمخلوقات .
وجمع الولید بن المغیرة المخزومی(دعی فی قریش) قریشا لیبطلوا معجزة آیة النبوة ومعجزة آیة القرآن: وکان من أشد الناس علی رسول
ص: 52
الله ( صلی الله علیه و آله )فجمع قریشاً وقال لهم: قد حضر الموسم، وان وفود العرب ستقدم علیکم، وقد سمعوا بأمر صاحبکم هذا، فاجمعوا فیه رأیاً واحداً، ولا تختلفوا فیکذب بعضکم بعضاً، ویرد قول بعضکم بعضاً.
فقالوا: نقول کاهن. فقال: ما هو بکاهن، لقد رأیت الکهان فما هو بزمزمة الکاهن وسجعه.
فقالوا: نقول مجنون ((1))، فقال: ما هو بمجنون، لقد رأینا الجنون وعرفناه، فما هو تخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته.
فقالوا: نقول شاعر، فقال: ما هو بشاعر قد عرفنا الشعر برجزه وقریضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر.
قالوا: فنقول ساحر، قال (الولید): ما هو بساحر، قد رأینا السحار وسحرهم ما هو بنفثه ولا عقده. قالوا: فما نقول یا أبا عبد شمس؟
قال: والله إنّ قوله لحلاوة وإنّ أصله لعذق، وإن فرعه لجناة، فما أنتم بقائلین من هذا شیئاً إلاّ عرف أنه باطل، وإن اقرب القول لأن تقولوا: ساحر یفرق بین المرء وبین أبیه وبین المرء وأخیه، وبین المرء وزوجته، وبین المرء وعشیرته، فتفرقوا عنه بذلک، فجعلوا یجلسون یسألون الناس حین قدموا
ص: 53
الموسم لا یمر بهم احد إلاّ حذروه وذکروا لهم أمره، فأنزل الله تعالی فی الولید بن المغیرة: (ذَرنی وَمَن خَلَقتُ وَحِیداً.. إلی قوله سَأُصلِیهِ سَقَرَ) ((1)) . ونزل فی حق الولید قوله تعالی: (إنّا کفیناک المستهزئین) ((2)) .
و نزل فی الولید بن المغیرة: { فَلا تُطِعِ المُکَذِّبِینَ 8*وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَیُدْهِنُونَ 9*وَلا تُطِعْ کُلَّ حَلاف مَهِین 10*هَمَّاز مَشَّاء بِنَمِیم 11*مَنَّاع لِلْخَیْرِ مُعْتَد أثِیم12* عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِکَ زَنِیم13 }سورة القلم ((3)).
لاحظ رأی طغاة قریش فی القرأن: أنه لیس بشعر: قالوا: نقول شاعر، فقال (الولید ): ما هو بشاعر قد عرفنا الشعر برجزه وقریضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر.
وقال نجاح الطائی: أراد الکفار اتهام النبی بکل التهم الکافرة الکاذبة لابعاد الناس عنه مثل مجنون وشاعر وکاهن لکنهم فشلوا فی ذلک .
ص: 54
والملاحظ انه صلی الله علیه و آله لم یرد علیهم بالاکاذیب والافتراءات بل رد علیهم بالایات الصادقة والاحادیث العلمیة والنصائح الاخلاقیة العالیة ,فثبت للناس صدقه وتبین کذبهم .
{ أوَ لَمْ یَرَوْا أنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أیْدِینَا أنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِکُونَ 71 _ سورة یس .
وهی الإبل والبقر والضان والمعز وکونها ثمانیة أزواج باعتبار انقسامها إلی الذکر والأنثی .
وقال تعالی :{أحلت لکم بهیمة الأنعام } والبهیمة: کل ذات أربع من دواب البر والبحر ، وإضافتها إلی ( الانعام ) للبیان ک " خاتم فضة " ، ومعناه: البهیمة من الأنعام .
کبش ابراهیم نزل من السماء أیضاً
وعنه ( علیه السلام ) قال: . أفضل الکباش ما کان أقرن عظیما سمینا فحلا یأکل فی سواد ، ویشرب فی سواد ، ویمشی فی سواد ، وینظر فی سواد ، ویبول فی سواد .
قال وکان رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) یضحی بما کانت هذه صفته ، وهی صفة الکبش الذی نزل علی إبراهیم ( علیه السلام ) ، قیل له ، من أین نزل علیه ؟ قال:
ص: 55
نزل من السماء علی الجبل الذی عن یمین مسجد منی ، قیل فمن لم یجد هذه الصفة ؟ قال: یضحی بما وجد ((1)).
ونزل کبش إبراهیم من السماء علی الجبل الأیمن من مسجد منی ، کما فی روایة الکافی عن مولانا الباقر ( علیه السلام ) ((2)) .
وروی عمر بن عبید عن الحسن أنه کان یقول: ما فدی إسماعیل إلاّ تیس من الأروی ، وأهبط علیه من ( السماء ) ، وهی روایة أبی صالح عن ابن عباس قال: وکان وعلاً ((3)) .
وقال ابن عباس: خرج علیه کبش من الجنة قد رعاها قبل ذلک أربعین خریفا ، وهو الکبش الَّذی قربه هابیل فنحره فی منی((4)) .
الایات القرآنیة: قال تعالی :{ وَالَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِمَا اُنْزِلَ إلَیْکَ وَمَا اُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ 4 }_البقرة .
{وَإذَا قِیلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أنزَلَ اللّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا اُنزِلَ عَلَیْنَا وَیَکْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أنْبِیَاءَ اللّهِ مِنْ قَبْلُ إنْ کُنتُمْ مُؤْمِنِینَ } 91_البقرة.
ص: 56
{ وَلَقَدْ أنزَلْنَا إلَیْکَ آیَات بَیِّنَات وَمَا یَکْفُرُ بِهَا إلا الفَاسِقُونَ } 99_البقرة .
{وَمَا أنزَلَ اللّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاء }_البقرة 164.
{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِی اُنزِلَ فِیهِ القُرْآنُ } _البقرة 185 .
{ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا اُنْزِلَ عَلَیْنَا وَمَا اُنْزِلَ عَلَی إبْرَاهِیمَ وَإسْمَاعِیلَ وَإسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا اُوتِیَ مُوسَی وَعِیسَی وَالنَّبِیُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ } _آل عمران 84 .
الانعام مخلوقة: البعض یفسرون النزول بالخلق الالهی:
المحقق الاردبیلی: یا بنی آدم قد أنزلنا علیکم لباسا ((1)) .
أی خلقناه لکم بتدبیرات سماویة وأسباب نازلة منه ، ونظیره قوله تعالی :
" وأنزل لکم من الأنعام " ((2)) .
وقوله تعالی " وأنزلنا الحدید ((3)) " .
فأشار إلی أن للأمور السماویة مثل المطر دخلا فی حصول اللباس ، وقد تکون إشارة إلی الرتبة فقط ، فإن حصول اللباس لما کان بأمر الله وحکمته ، وکان عالیا ، فصار نازلا من الأعلی إلی الأسفل ((4)).
ص: 57
فی الاحتجاج عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی هذه الآیة قال علیه السلام : إنزاله ذلک خلقه إیاه یخلقکم فی بطون أمهاتکم خلقا من بعد خلق حیوانا سویا من بعد عظام مکسوة لحما من بعد عظام عاریة من بعد مضغة من بعد علقة من بعد نطفة .
نهج البلاغة: أم هذا الذی أنشأه فی ظلمات الأرحام وشغف الأستار نطفة دهاقا وعلقة محاقا وجنینا وراضعا وولیدا ویافعا فی ظلمات ثلث ((1)) .
وقال نجاح الطائی: الظاهر بأن الله تعالی قد أنزل الحدید وکبش ابراهیم من السماء وخلق الانعام الثمانیة المذکورة من الارض استنادا الی النصوص القرآنیة والحدیثیة الواضحة والبینة فی هذا المجال کما ذکرناها .
{ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَکُوبُهُمْ وَمِنْهَا یَأکُلُونَ 72 وَلَهُمْ فِیهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أفَلا یَشْکُرُونَ } 73 _
سورة یس .
من نعم الله علی البشر الانعام التی أعطاها لهم وذللها لهم لیرکبوها ویأکلوا لحومها ولهم فیها منافع أخری: یشربون لبنها ویستفیدون من صوفها ووبرها وحرثها للارض . أی سخرناها لهم حتی صارت منقادة " فمنها رکوبهم ومنها یأکلون .
ص: 58
ولولا التسخیر الالهی لهاجت الانعام فلا یمکن رکوبها ولا یمکن تربیتها فی البیوت والمزارع ولا یمکن رعیها مثلما نرعی الغنم والبقر والجاموس والماعز والخیل .
والعجیب أن أغلب الناس لا یسألون أنفسهم عمن جاء بهذه الانعام المتنوعة والکثیرة .
ولا یسألون عمن ذللها للرکوب والرعی والتربیة والذبح والاکل .وکیف الامر لوعاش الانسان فی کوکب لیس فیه أنعام .
ألا یحتاج هذا الی أن نشکر الله تعالی علی هذه النعمة التی لا نعرف قدرها وحجمها وفوائدها المنظورة وغیر المنظورة .
{ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ یُنصَرُونَ } 74 _ سورة یس .
من غفلتهم عبدوا الاصنام لتنصرهم فی الحیاة .
قال أبی عبد اللَّه علیه السلام فی خبر صفوان: « لا تسخطوا اللَّه برضی أحد من خلقه ، ولا تتقرّبوا إلی الناس بتباعد من اللَّه » ((1)) .
وعنه علیه السلام فی تفسیر قوله عزّ وجلّ: ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله آلِهَةً لِیَکُونُوا لَهُمْ عِزًّا کَلَّا سَیَکْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَیَکُونُونَ عَلَیْهِمْ ضِدًّا ).
قال علیه السلام : لیس العبادة هی السجود والرکوع إنّما هی طاعة الرجال ، من
ص: 59
أطاع المخلوق فی معصیة الخالق فقد عبده » ((1)) .
وعن النبیّ صلی الله علیه و آله فی المستفیض عنه « لا طاعة لمخلوق فی معصیة الخالق » ((2)) .
وعن الباقر علیه السلام : « من طلب مرضاة الناس بما یسخط اللَّه عزّ وجلّ کان حامده من الناس ذاما ، ومن آثر طاعة اللَّه عزّ وجلّ بما یغضب الناس کفاه اللَّه عزّ وجلّ عداوة کل عدوّ وحسد کل حاسد ، وبغی کل باغ وکان اللَّه له ناصرا .
وعن أمیر الموحدین علی علیه السلام إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه و آله قال: « لا طاعة فی معصیة اللَّه إنّما الطَّاعة فی المعروف » ((3)) .
وقال نجاح الطائی: لقد تفنن الکفار فی انتخاب الالهة عسی أن تنصرهم فی نواحی الحیاة ومنها الحروب فمنهم من انتخب فرعون ونمرود الها ومنهم من اختار هبل واللات والعزی , ومنهم من اختار الشمس والقمر وغیرها .
لقد فضلوا المخلوقین علی الخالق العظیم من سوء منهجهم وانحدار عقلهم ومیلهم نحو الهوی وبسبب کثرة ذنوبهم .
ص: 60
لقد أصبحت الاحزاب والزعامات والمذاهب المنحرفة آلهة للبشر یعبدوها من دون الله ویضعون لها المناقب العالیة الکاذبة وجعل قادتهم أئمة فوق البشر .
ویقوم رجال هذه المؤسسات الدنیویة الفاسدة بقتل المخالفین الصالحین وغیرهم لهم وسجنهم وقطع أرزاقهم وتشویه سمعتهم الاجتماعیة ویضعون لهم المثالب النتنة السیئة .
{ لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُحْضَرُونَ }75 _ سورة یس
رغم أن الکفار کانوا جندا للالهة لکنها لا تستطیع نصرهم فی الدنیا والاخرة
عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) فی حدیث طویل ، قال ( علیه السلام ) فیه: « وفرض الله علی الرجلین أن لا یمشی بهما إلی شیء من معاصی الله ، وفرض علیهما المشی إلی ما یرضی الله عز وجل ، فقال :
{ولا تَمْشِ فِی الأَرْضِ مَرَحاً}_لقمان 18 و { إِنَّکَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ ولَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا } 37_الاسراء. وقال: {واقْصِدْ فِی مَشْیِکَ واغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ إِنَّ أَنْکَرَ الأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِیرِ } لقمان 19.
وقال فیما شهدت الأیدی والأرجل علی أنفسها ، وعلی أربابها ، من تضییعها لما أمر الله عز وجل به ، وفرضه علیها: ( الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلی أَفْواهِهِمْ وتُکَلِّمُنا أَیْدِیهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ ) ، فهذا أیضا مما فرض الله علی الیدین وعلی الرجلین ، وهو عملهما ، وهو من الإیمان » .
ص: 61
والحدیث بطوله تقدم فی قوله تعالی: وإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ) من سورة براءة
علی بن إبراهیم ، فی قوله تعالی: ( الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلی أَفْواهِهِمْ )_ إلی قوله تعالی ( بِما کانُوا یَکْسِبُونَ ) ، قال: إذا جمع الله الخلائق یوم القیامة دفع إلی کل إنسان کتابه ، فینظرون فیه ، فینکرون أنهم عملوا من ذلک شیئا ، فتشهد علیهم الملائکة ، فیقولون: یا رب ، ملائکتک یشهدون لک . ثم یحلفون أنهم لم یفعلوا من ذلک شیئا ، وهو قوله: { یَوْمَ یَبْعَثُهُمُ اللَّه جَمِیعاً فَیَحْلِفُونَ لَه کَما یَحْلِفُونَ لَکُمْ فإذا فعلوا ذلک ختم الله علی ألسنتهم ، وتنطق جوارحهم بما کانوا یکسبون } ((1)) .
لقد توسل الکفار والمنافقون بالمخلوقین فی تحقیق أحلامهم ونصر جیوشهم وزیادة رزقهم وانزال المطر علیهم وشفاء مرضاهم وابعاد الهموم عنهم . فلم تنفعهم تلک الالهة من البشر والحجر .
{ فَلا یَحْزُنْکَ قَوْلُهُمْ إنَّا نَعْلَمُ مَا یُسِرُّونَ وَمَا یُعْلِنُونَ } 76 _ سورة یس .
لا تهتم لقولهم فاننا نعلم ما یعلنون وما یخفون .
عن الامام أبی جعفر ( علیه السلام ) قال: أخبرنی جابر بن عبد الله أن المشرکین کانوا إذا مروا برسول الله ( صلی الله علیه و آله ) حول البیت طأطأ أحدهم ظهره ورأسه
ص: 62
هکذا وغطی رأسه بثوبه لا یراه رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) فأنزل الله عز وجل: " ألا إنهم یثنون صدورهم لیستخفوا منه ألا حین یستغشون ثیابهم یعلم ما یسرون وما یعلنون ((1)) .
وقد سئل الصادق ( علیه السلام ) عن قوله عز وجل ( وسع کرسیه السماوات والأرض ) قال: علمه . ( وإن تجهر بالقول فإنه یعلم السر وأخفی ) من السر وهو حدیث النفس ، وفی اقتباس هذه الآیة إشارة إلی أن المراد بالکرسی هو العلم المحیط بجمیع الأشیاء وأن العلم بجلیات الأمور وخفیاتها علی السواء وذلک قوله تعالی: { وسع کرسیه السماوات والأرض } یرید أن الکرسی فیه بمعنی العلم ودل علیه أیضاً الروایة المذکورة وما قبل هذه الآیة ولذلک ذهب إلیه بعض المفسرین ، وینبغی أن یعلم أن کثیراً ما یطلق الکرسی علی الجسم المحیط بالسماوات السبع وما بینهما ولعله الفلک المشهور بفلک البروج ، ویطلق العرش علی الجسم المحیط بالکرسی وما بینه ولعله الفلک الأعظم ، فالعرش بهذا المعنی أعظم من الکرسی کما دل علیه ما رواه الشیخ الطبرسی فی کتاب الاحتجاج قال: « مما سأل الزندیق أبا عبد الله ( علیه السلام ) أن قال: فالکرسی أکبر أم العرش قال علیه السلام : کل شیء خلقه
ص: 63
الله فی جوف الکرسی خلا عرشه فإنه أعظم من أن یحیط به الکرسی ((1)) .
{ أوَ لَمْ یَرَ الإنسَانُ أنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَة فَإذَا هُوَ خَصِیمٌ مُبِینٌ }77 _ سورة یس . القمی: أی: ناطق عالم بلیغ ((2)) .
: جعل تعالی هذه النطفة شخصا عاقلا عالما فکیف لا یستطیع الله تعالی اعادة هذه الخلقة الی الوجود .
والجمع: نطف ونطاف .
واصطلاحا: ماء الرجل ، وهو المنی .
عن ابن عباس قال: بینما رسول الله صلی الله علیه و آله قاعد إذ أتاه أعرابی من بنی سلیم فی کمه الأیمن ضب وفی کمه الأیسر عظام نخرة فأخرج من کمه عظما ففرکه ثم قال: یا محمد أتری ربک معیدا هذا العظم خلقا جدیدا بعد ما صار عظما رفاتا ! ؟
ص: 64
قال ( ابن عباس ): وکان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا سئل عن مثل هذا لم یعجل فی الجواب حتی یأتی جبرئیل قال: فإن أبطأ علیه ( جبرئیل ) أجاب من تلقاء نفسه فأتی جبریل فقال: قل یا محمد:
( أولم یری الانسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصیم مبین ) 77 یاسین إلی آخر السورة .
فقال الاعرابی: واللات والعزی ما اشتملت أصلاب الرجال علی ذی لهجة أکذب منک ولا أبغض إلی منک ولولا أن قومی یسمونی عجولا لقتلتک فسدت بقتلک الأسود والأبیض من بنی هاشم ؟
قال: فهم به عمر بن الخطاب فقال له النبی صلی الله علیه و آله : یا عمر کاد الحلیم أن یکون نبیا ثم أقبل النبی علیه السلام علی الاعرابی فقال: یا أخا بنی سلیم بئس ما قلت وبئس ما جئتنا به أتستقبلنی فی وجهی بمثل هذا فوالله إنی لأمین فی الأرض محمود فی السماء عند الملائکة .
قال الاعرابی: فتکلمنی ( أیضا ) فواللات والعزی لا أؤمن بک ولا أصدقک حتی یؤمن بک هذا الضب ثم أخرج الضب من کمه فوضعه بین یدی النبی صلی الله علیه و آله . فاقبل ( النبی ) صلی الله علیه و آله علی الضب وقال: یا ضب . فقال الضب: لبیک یا رسول الله یا زین من یوافی القیامة .
فقال ( له ) النبی صلی الله علیه و آله : من تعبد ! فقال أعبد الله الذی فی السماء عرشه وفی الأرض سلطانه وفی البر والبحر سبیله وفی الجنة ثوابه وفی النار عقابه .
ص: 65
فقال له النبی صلی الله علیه و آله : فمن أنا ! فقال: إنک محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم أکرمهم حسبا وأطولهم قصبا أنت رسول الله أفلح من صدق بک وخاب من کذب بک .
قال: فولی الاعرابی ضاحکا فقال النبی صلی الله علیه و آله : یا أخا بنی سلیم أبالله وآیاته تستهزئ ! یا أخا بنی سلیم أسلم تسلم . فقال الاعرابی: لیس المخبر کالمعاین أنا اشهد بلحمی ودمی وشعری وبشری أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأنک رسول الله . فقال ( له ) النبی صلی الله علیه و آله : بخ بخ ( لک ) یا أخا بنی سلیم أتیتنا کافرا وترجع مسلما یا أخا بنی سلیم هل لک من مال ! فقال: لا والذی بعثک بالحق ما فی بنی سلیم افقر منی ولا أقل شیئا منی . فنظر رسول الله صلی الله علیه و آله فی وجوه أصحابه فقال: هل ( من ) رجل یحمل هذا الاعرابی علی ناقة یتألف بها قلبه اضمن له بناقة من الجنة فی الجنة !
فقال عدی بن حاتم الطائی: عندی ( ناقة ) حمراء وبراء عشواء فوق العربی ودون البختی إذا أقبلت به دفت وإذا أدبرت به رفت أهداها لی الأشعث بن قیس غداة قدمت معک من غزوة تبوک .
قال ( النبی ) صلی الله علیه و آله : فعجلها . ففعل ,فقال رسول الله صلی الله علیه و آله قد قلت فأحسنت ووصلت فأجملت . ثم ذکر الحدیث بطوله ((1)) .
ص: 66
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِیَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ یُحْیِی العِظَامَ وَهِیَ رَمِیمٌ } 78 _ سورة یس .
قال: أخبرنی أبو محمد [ بن ] عبد الله بن أبی شیخ إجازة قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الحکیمی قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله أبو سعید البصری قال: حدثنا وهب بن جریر ، عن أبیه قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن یسار المدنی قال: حدثنا سعید بن مینا ، عن غیر واحد من أصحابه: أن نفرا من قریش اعترضوا لرسول الله صلی الله علیه و آله منهم عتبة بن ربیعة ، وأمیة بن خلف ، والولید بن المغیرة ، والعاص بن سعید فقالوا: یا محمد هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، ونشترک نحن وأنت فی الأمر ، فإن یکن الذی نحن علیه الحق فقد أخذت بحظک منه ، وإن یکن الذی أنت علیه الحق فقد أخذنا بحظنا منه ، فأنزل الله تبارک وتعالی: " قل یا أیها الکافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد " إلی آخر السورة ، ثم مشی إلیه أبی بن خلف بعظم رمیم ففته بیده ، ثم نفخه فقال: یا محمد أتزعم أن ربک یحیی هذا بعدما تری ؟
فأنزل الله تعالی: { وضرب لنا مثلا ونسی خلقه ، قال من یحیی العظام وهی رمیم قل یحییها الذی أنشأها أول مرة وهو بکل خلق علیم }
یس78 ((1)) .
ص: 67
وقال الصادق علیه السلام : فهو الجدال بالتی هی أحسن ، لأن فیها قطع عذر الکافرین وإزالة شبههم . وأما الجدال بغیر التی هی أحسن فإن تجحد حقا لا یمکنک أن تفرق بینه وبین باطل من تجادله ، وإنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق ، فهذا هو المحرم لأنک مثله جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر .
وقال أبو محمد الحسن العسکری علیه السلام : فقام إلیه رجل آخر وقال: یا بن رسول الله صلی الله علیه و آله أفجادل رسول الله ؟
فقال الصادق علیه السلام : مهما ظننت برسول الله من شئ فلا تظنن به مخالفة الله ، ألیس الله قد قال: " وجادلهم بالتی هی أحسن " و " قل یحییها الذی أنشأها أول مرة " لمن ضرب الله مثلا ، أفتظن أن رسول الله صلی الله علیه و آله خالف ما أمر الله به فلم یجادل بما أمره الله به ولم یخبر عن أمر الله بما أمره أن یخبر به ((1)) .
الامر المدهش فی الکفار تعجبهم من کیفیة خلق الله تعالی للانسان ثانیة یوم القیامة بعدما تفتتت عظامه .
ولم یسألوا أنفسهم کیف خلقهم الله تعالی أول مرة فسوف یخلقهم تعالی فی المرة الثانیة . لکن اصرارهم علی الکفر هو الذی یدفعهم الی هذا المنهج الجاهلی .
ص: 68
{قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أنشَأهَا أوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِکُلِّ خَلْق عَلِیمٌ 79 الَّذِی جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَاراً فَإذَا أنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ } 80 _ سورة یس
.الله تعالی هو المحیی وهو الممیت وهو عالم بکل شیء .
وقال الله فی الرد علیه: ( قل_ یا محمد_ یحییها الذی أنشأها أول مرة وهو بکل خلق علیم الذی جعل لکم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون .
وقال الامام الصادق علیه السلام : أی إذا أکمن النار الحارة فی الشجر الأخضر الرطب ثم یستخرجها فعرفکم أنه علی إعادة ما بلی أقدر ، ثم قال " أولیس الذی خلق السماوات والأرض بقادر علی أن یخلق مثلهم بلی وهو الخلاق العلیم " ((1)) .
تفسیر علی بن إبراهیم: أبی ، عن سعید بن أبی سعید ، عن إسحاق بن جریر قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : أی شئ یقول أصحابک فی قول إبلیس: " {خلقتنی من نار وخلقته من طین} " ؟
قلت: جعلت فداک قد قال ذلک وذکره الله فی کتابه ، قال: کذب یا إسحاق ما خلقه الله إلا من طین ، ثم قال: قال الله: " الذی جعل لکم من الشجر
ص: 69
الأخضر نارا " فإذا أنتم منه توقدون " خلقه الله من ذلک النار من تلک الشجرة ، والشجرة أصلها من طین ((1)) .
من الایات الالهیة خلق الله تعالی للشجر ومن المعجزات الالهیة تحول الشجر الی وقود وهذا یبین عظمة النظام السماوی القائم علی العلم .
وبهذا النظام الرائع تمکن الانسان من الاستفادة من ثمار الاشجار فی طعامه ومن جذوعها فی صناعة الدور والجسور والقوارب والمرکبات وفی وقوده فی دورة حیاتیة کاملة .
{أوَ لَیْسَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِر عَلَی أنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَی وَهُوَ الخَلاقُ العَلِیمُ 81 } _ سورة یس.
من الطبیعی لمن خلق السماوات والارض ان یخلق مثلهم والعقل البشری یقر بهذا .
وفی الحیاة الدنیا تقر الناس لمن خلق الاشیاء مثل العربات والجسور والسیوف والدروع والطرق بأن یصنعوا مثلها . فکیف لا یقرون للخلاق العلیم بخلقه للاشیاء من جدید ؟
{ إنَّمَا أمْرُهُ إذَا أرَادَ شَیْئاً أنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ } 82
بیان لامکان البعث والاحیاء فی عالم القدرة والخلقة .
ص: 70
وقال سبحانه: ( وما کان الله لیعجزه من شئ فی السماوات ولا فی الأرض ) ((1)) .
وقال تعالی: ( ولا یحسبن الذین کفروا سبقوا أنهم لا یعجزون ) ((2)) .
ورغم هذا تجد الکثیر من الناس یتوسلون بالملوک فی طلب حاجاتهم ویترکون الدعاء الی الله تعالی فی تلبیة حوائجهم .
قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ):
من سره أن یحیا حیاتی ویموت میتتی ، ویدخل جنة عدن منزلی ، ویمسک قضیبا غرسه ربی عز وجل ، ثم قال له: کن فیکون ، فلیتول علی بن أبی طالب ، ولیأتم بالأوصیاء من ولده ، فإنهم عترتی ، خلقوا من طینتی ، إلی الله أشکو أعداءهم من أمتی ، المنکرین لفضلهم ، القاطعین فیهم صلتی ، وأیم الله لیقتلن بعدی ابنی الحسین ، لا أنالهم الله شفاعتی ((3)).
قال سید الانبیاء صلی الله علیه و آله :( إن مثل عیسی عند الله کمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له کن فیکون )((4)) .
ص: 71
{ فَسُبْحَانَ الَّذِی بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَیْء وَإلَیْهِ تُرْجَعُونَ }83_ سورة یس .
من الطبیعی أن یخلق الله تعالی مثل هذه السماوات والارض التی خلقها ویخلقها بقولها للشیء کن فیکون . فنحمده الذی بیده ملکوت کل شیء والیه ترجعون .
وجاء: والملکوت باطن الملک وهو کله حیاة کما قال جل وعز: « وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِیَ الْحَیَوانُ ((1)) » .
لأن الدار الآخرة من جنس الملکوت فلکل ذرة لسان ملکوتی ناطق بالتسبیح والتحمید والتوحید والتمجید وبهذا اللسان نطق الحصی فی کف النبی صلی الله علیه و آله وبه تنطق الأرض یوم القیامة « یَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها » ((2)) .
وبه تنطق الجوارح :{ أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِی أَنْطَقَ کُلَّ شَیْءٍ } ((3)).
قال أحمد ویقرؤون عند المیت إذا حضر لیخفف عنه بالقراءة یقرأ ( یس ) وأمر بقراءة فاتحة الکتاب ، وروی سعید ثنا فرج بن فضالة عن أسد
ص: 72
بن وداعة لما حضر غضیف بن حارث الموت حضره إخوانه فقال هل فیکم من یقرأ سورة ( یس ) قال رجل من القوم نعم .
قال: اقرأ ورتل وانصتوا ، فقرأ ورتل واسمع القوم ، فلما بلغ
( فسبحان الذی بیده ملکوت کل شئ والیه ترجعون ) خرجت نفسه . قال أسد بن وداعة فمن حضره منکم الموت فشدد علیه الموت فلیقرأ عنده سورة ( یس ) فإنه یخفف عنه الموت ((1)) .
وقال نجاح الطائی: ملکوت کل شیء روحه وجوهره وهو بید الباری تعالی یقدر له ما یرید ویسلب منه ما یشاء انه علی کل شیء قدیر .
فمن کفر بالخالق خلعه تعالی من ملکوته ونقله الی ملکوت الشیطان یلعب به ما یشاء .
یخلق ما یشاء ویرزق ما یشاء بیده الخیر وهو علی کل شیء قدیر . وهذا یبین أن کل شیء خاضع له ومحتاج الیه وهو تعالی غنی عن کل شیء .
ص: 73
الصافات: عنه صلی الله علیه و آله من قرأها اعطی من الاجر عشر حسنات بعدد کل جنی وشیطان وتباعدت عنه مردة الشیاطین وبری من الشرک وشهد له حافظاه فی القیامة انه کان مؤمنا بالمرسلین .
وعن الصادق علیه السلام من قرأها فی کل یوم جمعة لم یزل محفوظا من کل آفة .
وعنه صلی الله علیه و آله :من قراها اعطی من الاجر بوزن کل جبل سخره الله تعالی لداود علیه السلام حسنات وعصمه ان یصر علی ذنب صغیر وکبیر.
وعن الباقر علیه السلام من قرأها فی لیلة الجمعة اعطی من خیر الدارین ما لم یعط احد من الناس الا نبی مرسل أو ملک مقرب وادخله الله الجنة وکل من احب من اهل بیته حتی خادمه .
ص: 74
بسم الله الرحمن الرحیم
{ وَالصَّافَّاتِ صَفّاً1 فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً 2 فَالتَّالِیَاتِ ذِکْراً }3
والصافات صفا القمی قال الملائکة والأنبیاء ومن صف لله وعبده .
هم الانبیاء والملائکة اصطفوا فی عبادة الله الواحد یزجرون الناس الی الحق والامتناع عن الباطل . وهم یرتلون القرآن الکریم .
اختلف فی معنی الصافات علی وجوه أحدها :
إنها الملائکة تصف أنفسها صفوفا فی السماء ، کصفوف المؤمنین فی الصلاة ، عن ابن عباس ، ومسروق ، والحسن ، وقتادة ، والسدی . وثانیها: إنها الملائکة تصف أجنحتها فی الهواء إذا أرادت النزول إلی الأرض ، واقفة تنتظر ما یأمرها الله تعالی ، عن الجبائی .
وثالثها: إنهم جماعة من المؤمنین یقومون مصطفین فی الصلاة ، وفی الجهاد ، عن أبی مسلم .
( فالزاجرات زجرا ) :قال الذین یزجرون الناس.
اختلف فیها أیضا علی وجوه أحدها: إنها الملائکة تزجر الخلق عن المعاصی زجرا ، عن السدی ، ومجاهد . وعلی هذا فإنه یوصل الله مفهومه إلی قلوب العباد ، کما یوصل مفهوم إغواء الشیطان إلی قلوبهم ، لیصح التکلیف .
ص: 75
وثانیها: إنها الملائکة الموکلة بالسحاب ، تزجرها وتسوقها ، عن الجبائی .وثالثها: إنها زواجر القرآن وآیاته الناهیة عن القبائح ، عن قتادة .
ورابعها: إنهم المؤمنون یرفعون أصواتهم عند قراءة القرآن ، لان الزجرة الصیحة ، عن أبی مسلم .
( فالتالیات ذکرا )
قال الذین یقرءون الکتاب من الناس قال فهو قسم وجوابه .
اختلف فیها أیضا علی أقوال أحدها . إنها الملائکة تقرأ کتب الله تعالی ، والذکر الذی ینزل علی الموحی إلیه ، عن مجاهد ، والسدی وثانیها :
إنها الملائکة تتلو کتاب الله الذی کتبه لملائکته ، وفیه ذکر الحوادث ، فتزداد یقینا بوجود المخبر علی وفق الخبر .
وثالثها: جماعة قراء القرآن من المؤمنین ، یتلونه فی الصلاة ، عن أبی مسلم . وإنما لم یقل فالتالیات تلوا ، کما قال: ( فالزاجرات زجرا ) ، لان التالی قد یکون بمعنی التابع ، ومنه قوله ( والقمر إذا تلاها ) . فلما کان اللفظ مشترکا ، بینه بما یزیل الإبهام ((1)) .
الکافی 3: 126 والتهذیب 1: 427 رقم 1358 :
ص: 76
محمد ، عن موسی بن الحسن ، عن الجعفری قال: رأیت أبا الحسن الأول علیه السلام یقول لابنه القاسم « قم یا بنی فاقرأ عند رأس أخیک والصافات صفا حتی تستتمها » فقرأ فلما بلغ أهم أشد خلقا أمن خلقنا قضی الفتی فلما سجی وخرجوا أقبل علیه یعقوب بن جعفر فقال له: کنا نعهد المیت إذا نزل به الموت تقرأ عنده یس والقرآن الحکیم فصرت تأمرنا بالصافات ، فقال « یا بنی لم تقرأ عند مکروب من موت قط إلا عجل اللَّه راحته » ((1)) .
لقد ارسل الله تعالی الانبیاء والاوصیاء والملائکة صفا لتبلیغ وهدایة البشریة الی الطریق المستقیم لکنهم بقوا فی نهجهم الجاهلی عاصین لرب العالمین .
{ إنَّ إلَهَکُمْ لَوَاحِدٌ 4 رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا وَرَبُّ المَشَارِقِ } 5_سورة
الصافات.
جواب لقسم بأن الله تعالی واحد أحد . ورب المشارق: مشارق الشمس .
مشارق الکواکب أو مشارق الشمس فإن لها کل یوم مشرقا وبحسبها المغارب ولذا اکتفی بذکرها مع أن الشروق أدل علی القدرة وأبلغ فی النعمة .
ص: 77
ألح الله تعالی علی قضیة التوحید فی کتابه الکریم کی لا یتیه الناس فی آلهة عدة ورغم هذا تری الناس تعبد الطغاة من الملوک وتذوب فی ترفها ودنیاها .
{ إنَّا زَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِزِینَة الکَوَاکِبِ } 6
وقرئ بتنوین زینة وجر الکواکب ونصبها .
وهُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِی ظُلُماتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ_ 97 الأنعام
هُوَ الَّذِی جَعَلَ الشَّمْسَ ضِیاءً والْقَمَرَ نُوراً وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ والْحِسابَ_ 5 یونس .
قال علی بن إبراهیم: حدثنی أبی ، ویعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) ، قال: « قال أمیر المؤمنین ( علیه السلام ): لهذه النجوم التی فی السماء مدائن مثل المدائن التی فی الأرض ، مربوطة کل مدینة إلی عمود من نور ، طول ذلک العمود فی السماء مسیرة مائتین وخمسین سنة ((1)).
زین تعالی سماء الدنیا بالکواکب الجمیلة الصغیرة والکبیرة .
وقد زین الله تعالی السماء الدنیا بالکواکب التی لا تحصی جاعلة من السماء لوحة رائعة فی الجمال والکمال مما یبین عظمة المنظومة الالهیة .
ص: 78
ینبهر الانسان عندما یری الطیور بأنواعها الکثیرة تزین السماء الدنیا نهارا والکواکب المضیئة تزین السماء لیلا .
کل هذه الایات والناس ضائعة فی عالم الجهل والغفلة والضیاع .
المرصد ل " بالومر " یصف عظمة الکون کالآتی :
" . . . قبل نصب مرصد بالومر ، کان العالم فی نظرنا لا یزید علی خمسمائة سنة ضوئیة . لکن هذا الناظور وسع عالمنا إلی ألف ملیون سنة ضوئیة . واکتشف علی أثر ذلک ملایین المجرات الجدیدة التی یبعد بعضها عنا ألف ملیون سنة ضوئیة . أما بعد هذه المسافة فیتراءی لنا فضاء عظیم مهیب مظلم لا نبصر فیه شیئا ، أی أن النور لا ینفذ إلیه کی یؤثر علی صفحة التصویر فی المرصد .
ومن دون شک أن هذا الفضاء المهیب المظلم یحتوی علی مئات الملایین من المجرات التی تحافظ بجاذبیتها علی هذا العالم المرئی.کل هذا العالم العظیم المرئی الحاوی علی مئات آلاف الملایین من المجرات لیس إلا جزءا صغیرا جدا من عالم أعظم . ولسنا واثقین من عدم وجود عالم آخر غیر هذا العالم الأعظم " ((1)) .
{ وَحِفْظاً مِنْ کُلِّ شَیْطَان مَارِد } 7
تحفظ الملائکةُ السماء برمی الشهب علی الشیاطین المردة .
ص: 79
قال القمی: المارد الخبیث .
وجاء فی عوذة یوم الخمیس: بسم الله الرحمن الرحیم ، أعیذ نفسی برب المشارق والمغارب من کل شیطان مارد وقائم وقاعد ، وعدو حاسد ومعاند ((1)) .
کما قال الصادق علیه السلام : هیهنا یخسف بالأخابث کما خسف بقارون وکنوزه وحیث ان الحج توحید صراح لا شرک فیه بل یطرد فیه کل ما کان أو یکون صنما أو وثنا یظهر سر استحباب دخول المسجد الحرام من باب بنی شیبة وهو انه لما علا علی علیه السلام ظهر رسول اللَّه ورمی ب ( هبل ) من ظهر الکعبة دفن عند باب بنی شبیه فصار الدخول الی المسجد من ذاک الباب سنة کما بینه مولا نا الصادق ((2)) .
قال المفسرون: الشیاطین یصعدون إلی قرب السماء فربما سمعوا کلام الملائکة وعرفوا به ما سیکون من الغیوب ، وکانوا یخبرون به ضعفاءهم ویوهمونهم أنهم یعلمون الغیب ، فمنعهم الله تعالی عن الصعود إلی قرب السماء بهذه الشهب ، فإنه تعالی یرمیهم بها فیحرقهم بها ((3)) .
ص: 80
{ لا یَسَّمَّعُونَ إلَی المَلأ الأعْلَی وَیُقْذَفُونَ مِنْ کُلِّ جَانِب } 8 _سورة
الصافات.
لا یسمعون إلی الملاء الاعلی الملائکة وقرئ بالتشدید من التسمع وهو تطلب السماع ویقذفون ویرمون .
القمی: یعنی الکواکب التی یرمون بها من کل جانب من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده .
وقال نجاح الطائی: هذه الایة تبین ان الله تعالی منع الشیاطین من الحصول علی علوم الغیب المتحصلة عن کلام الملائکة مع بعضها .ورغم هذا تری الکثیر من الانس یلهثون خلف الشیاطین طلبا لعلوم الغیب .
وعلوم الغیب موجودة عند أهل البیت الذین انتجبهم الله تعالی وقربهم منه .
{ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } 9 _سورة
الصافات.
دحورا للدحور وهو الطرد والهزیمة الساحقة لفلول الشیاطین الکفار . ولهم عذاب واصب :
القمی عن الباقر علیه السلام : أی دائم موجع قد وصل إلی قلوبهم.
یطرد الله تعالی الشیاطین من رحمته الی ساحة عذابه فی الجحیم الخالد لهم
ثم شرح حال الدنیا فقال: ( من ثبات ثابتها ) ، یعنی الکواکب التی فی کرة البروج ، و ( مسیر سائرها ) ، یعنی الخمسة والنیرین لأنها سائرة دائما .
ص: 81
ثم قال: ( وصعودها وهبوطها ) ، وذلک أن للکواکب السیارة صعودا فی الأوج ، وهبوطا فی الحضیض ، فالأول هو البعد الأبعد عن المرکز ، والثانی البعد الأقرب .
فإن قلت: ما باله علیه السلام قال: ( ونحوسها وسعودها ) ، وهو القائل لمن أشار علیه ألا یحارب فی یوم مخصوص:
( المنجم کالکاهن ، والکاهن کالساحر ، والساحر کالکافر ، والکافر فی النار ) ؟
قلت: إنه علیه السلام إنما أنکر فی ذلک القول علی من یزعم أن النجوم مؤثرة فی الأمور الجزئیة ، کالذین یحکمون لأرباب الموالید وعلیهم ، وکمن یحکم فی حرب أو سلم ، أو سفر أو مقام ، بأنه للسعد أو النحس ، وأنه لم ینکر علی من قال: إن النجوم تؤثر سعودا ونحوسا فی الأمور الکلیة ، نحو أن تقتضی حرا أو بردا ، أو تدل علی مرض عام أو قحط عام ، أو مطر دائم ، ونحو ذلک من الأمور التی لا تخص إنسانا بعینه ، وقد قدمنا فی ذلک الفصل ما یدل علی تصویب هذا الرأی ، وإفساد ما عداه ((1)) .
{ إلا مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ فَأتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }10 _سورة الصافات.
ص: 82
إلا من خطف الخطفة: اختلس کلام الملائکة مسارقة (فأتبعه ) فتبعه شهاب ثاقب مضئ کأنه یثقب الجو بضوئه .
والشهاب ما یری کأن کوکبا انقض.
القمی وهو ما یرمون به فیحرقون .
وعن الصادق علیه السلام فی حدیث المعراج قال صلی الله علیه و آله : فصعد جبرئیل فصعدت معه إلی السماء الدنیا وعلیها ملک یقال له إسماعیل وهو صاحب الخطفة التی قال الله إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب وتحته سبعون ألف ملک تحت کل ملک سبعون ألف ملک الحدیث .
انتشر لصوص الانس والجن فی کل مکان فی الارض والسماء للتجسس علی الاسلام والمسلمین والتآمر علیهم .
لکن الله تعالی سلط الشهب الحارقة علی هؤلاء الخاطفین مانعا ایاهم من الوصول الی أهدافهم .
{ فَاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أشَدُّ خَلْقاً أمْ مَنْ خَلَقْنَا إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِین لازِب 11 } _سورة الصافات.
ولا شکّ أنّ خلق السماوات والأرض المتمثلة بملیارات النجوم أکبر من خلق الإنسان .
ص: 83
سل الذین ینکرون البعث: أیهما أعظم ؟ إحیاؤهم بعد الموت أم إیجاد هذا الکون بعجائبه ؟ الجواب: خلق الکون اکبر و أعظم ، فکیف جحد الکفار البعث
والاخرة؟
عن سلیمان الجعفری قال رأیت أبا الحسن علیه السلام یقول لابنه القاسم: قم یا بنی فاقرأ عند رأس أخیک والصافات صفا حتی تستتمها فقرأ فلما بلغ ( أهم أشد خلقا أم من خلقنا ) قضی الفتی فلما سجی وخرجوا أقبل علیه یعقوب بن جعفر فقال له: کنا نعهد المیت إذا نزل به نقرأ عنده یس والقرآن الحکیم فصرت تأمرنا بالصافات فقال: یا بنی لا تقرأ عند مکروب قط إلا عجل الله راحته .
ولقد فرَّق الله تعالی بین قلوب المؤمنین وقلوب الکافرین وفرق بین طینة المؤمنین وطینة الکافرین وفرق بین نفوس المؤمنین ونفوس الکافرین .
لذا تری انحدار الفاسقین نحو الاعمال الردیئة والمحرمة والکفر بالله تعالی وتوجه الصالحین نحو الحق والعدل والایمان برب العالمین .
( فاستفتهم ): فاستخبرهم ( أهم أشد خلقا أم من خلقنا ) من الکواکب والملائکة والسماوات والأرض وما بینهما من هذه العجائب , ( إنا خلقناهم من طین لازب ): یلزق بالید .
اسأل یا محمد الذین أنکروا البعث: أخلق السماوات والأرض من لا شیء أصعب أم إعادة الإنسان بعد موته إلی الحیاة ؟
ص: 84
محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسن ، عن النضر بن شعیب ، عن عبد الغفار الجازی ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال: إن الله عز وجل خلق المؤمن من طینة الجنة وخلق الکافر من طینة النار ، وقال: إذا أراد الله عز وجل بعبد خیرا طیب روحه وجسده فلا یسمع شیئا من الخیر إلا عرفه ولا یسمع شیئا من المنکر إلا أنکره ، قال وسمعته یقول: الطینات ثلاث: طینة الأنبیاء والمؤمن من تلک الطینة إلا أن الأنبیاء هم من صفوتها ، هم الأصل ولهم فضلهم والمؤمنون الفرع من طین لازب ، کذلک لا یفرق الله عز وجل بینهم وبین شیعتهم ، وقال: طینة الناصب من حمأ مسنون وأما المستضعفون فمن تراب ، لا یتحول مؤمن عن إیمانه ولا ناصب عن نصبه ولله المشیئة فیهم ((1)).
بصائر الدرجات: ابن عیسی عن محمد البرقی عن أبی نهشل عن محمد بن إسماعیل عن الثمالی قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول: إن الله خلقنا من أعلی علیین وخلق قلوب شیعتنا مما خلقنا منه وخلق أبدانهم من دون ذلک ، فقلوبهم تهوی إلینا لأنها خلقت مما خلقنا منه ، ثم تلا هذه الآیة: " کلا إن کتاب الأبرار لفی علیین وما أدراک ما علیون کتاب مرقوم یشهده المقربون " وخلق عدونا من سجین ، وخلق قلوب شیعتهم مما خلقهم منه وأبدانهم
ص: 85
من دون ذلک ، فقلوبهم تهوی إلیهم ، لأنها خلقت مما خلقوا منه ، ثم تلا هذه الآیة: { کلا إن کتاب الفجار لفی سجین وما أدراک ما سجین کتاب مرقوم } ((1)) .
محمد بن یعقوب: عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسن ، عن النضر بن شعیب ، عن عبد الغفار الجازی ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال: « إن الله عز وجل خلق المؤمن من طینة الجنة ، وخلق الکافر من طینة النار » ((2)) .
{ بَلْ عَجِبْتَ وَیَسْخَرُونَ } 12 _سورة
الصافات.
( بل عجبت ) من قدرة الله وإنکارهم البعث ( ویسخرون ) من تعجبک , لان الکفرة یحاولون أن یضحکوا علی أنفسهم ویوهموها بان ما خُلق حولهم شیء بسیط !!!
فمن ضم التاء أراد أن النبی صلی الله علیه و آله أمره الله أن یخبر عن نفسه انه عجب من هذا القرآن حین أعطیه ، وسخر منه أهل الضلالة . قال المبرد: وتقدیره قل بل عجبت . ومن فتح التاء أراد ان الله تعالی خاطبه بذلک .
ص: 86
والعجب تغیر النفس بما خفی فیه السبب فی: ما لم تجر به العادة ، یقال: عجب یعجب عجبا وتعجب تعجبا . والمعنی فی الضم علی ما روی عن علی علیه السلام
وابن مسعود لیس علی أنه بعجیب کما یعجب ، لان الله تعالی عالم بالأشیاء علی حقائقها ، وإنما المعنی انه یجازی علی العجب کما قال ( فیسخرون منهم سخر الله منهم ) .
أنت تعجب من کفرهم بالبعث وهم یعجبون من إیمانک به ، بل ویسخرون منک ومنه .
تعجب یا محمد من عظمة القرآن ویسخرون منه .
عن عبد الله بن عباس (کان رجل علی عهد عمر بن الخطاب عنده إبل عاصیة علیه فجاء عمر فکتب له کتاباً فیه: من عمر أمیر المؤمنین الی مردة الجن والانس أن تذللوا هذه المواشی له .فعصت علیه أکثر وشجَّت رأسه فعاد الی عمر وأخبره خبرها أمام الصحابة .
ثم ذهب الی أمیر المؤمنین علی علیه السلام فکتب له کتاباً: اللهم إنی أتوجه الیک بنبیک نبی الرحمة , وأهل بیته الذین اخترتهم علی علم علی العالمین , اللهم فذلل لی صعوبتها وحزانتها , واکفنی شرها , فانک الکافی المعافی والغالب القاهر . فرضخت الابل لصاحبها وأطاعته)
((1)) .
ص: 87
وکان عرب الجاهلیة عندما ینامون فی سفرهم فی وادی یلجأون الی سید الوادی من الجن لحمایتهم , ینادونه بصوت عال.
فکانت عادتهم تتمثل فی التوسل بشیاطین الجن لنجاتهم من المعضلات . بینما علَّم النبی محمد صلی الله علیه و آله أصحابه علی التوسل الی الله تعالی بأهل بیته الکرام مثلما توسل النبی آدم بهم الی الله .
{ وَإذَا ذُکِّرُوا لا یَذْکُرُونَ } 13
أی: وإذا خوفوا بالله ، ووعظوا بالقرآن وأهل البیت ، لا ینتفعون بذلک ، ولا یتعظون به . ( وإذا رأوا آیة ) من آیات الله ، ومعجزة مثل انشقاق القمر ، وغیرها . ( یستسخرون ) أی: یستهزؤون .
وَإذَا رَأوْا آیَةً یَسْتَسْخِرُونَ } 14: سخر واستسخر بمعنی واحد .
کلما جاءهم النبی محمد صلی الله علیه و آله بآیة سماویة سخروا منها واستهزأوا بها لانکارها وطمسها واسقاطها فی نظر الناس .
وَقَالُوا إنْ هَذَا إلا سِحْرٌ مُبِینٌ } 15_سورة
الصافات. :
حاول الکفار بطرق ماکرة القضاء علی الاسلام منها اتهام الانبیاء بالسحر للقضاء علی المعجزات الالهیة والنبویة .
وقد وجد الطغاة أن أفضل الطرق للقضاء علی مشروع الانبیاء هو اتهامهم بالسحر کی یبتعد الناس عنهم ولا یتأثروا ببرامجهم القرآنیة والحدیثیة .
ص: 88
{ أإذَا مِتْنَا وَکُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أإنَّا لَمَبْعُوثُونَ16أوَ آبَاؤُنَا الأوَّلُونَ17قُلْ نَعَمْ وَأنْتُمْ دَاخِرُونَ } 18 _سورة
الصافات.
اذا ذکَّر الانبیاء والمؤمنون الکفارَ یَسْتَسْخِرُونَ ویستهزؤون ویقولون: هذا عمل السحر . ویطالب بعضهم بعضا إظهار السخریة بالنبی صلی الله علیه و آله والدین . رغبة منهم للحط من رسول الله ودفعه للتوقف عن تبلیغ الاسلام واظهار المعجزات , اذ کانت قریش ماکرة وفاجرة .
داخرون: أی مطروحون فی النار .
{فَإنَّمَا هِیَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإذَا هُمْ یَنظُرُونَ }19_سورة الصافات.
قال الحسن (البصری): یعنی النفخة الثانیة . والزجرة الصرفة عن الشئ بالمخافة , فکأنهم زجروا عن الحال التی هم علیها إلی المصیر إلی الموقف للجزاء والحساب . فإذا هم أحیاء ینتظرون ما ینزل بهم من عذاب الله وعقابه .
قال الطبرسی: إنما قصة البعث ( زجرة واحدة ) أی: صیحة واحدة من إسرافیل , یعنی: نفخة البعث . والزجرة: الصرفة عن الشئ بالمخافة , فکأنهم زجروا عن الحال التی هم فیها إلی الحشر ((1)) .
من زجر الراعی غنمه إذا صاح علیها فإذا هم ینظرون الی ما حل بهم وإذا هم قیام من مراقدهم أحیاء یبصرون و ینتظرون ما یفعل بهم .
ص: 89
أقول: هی نفختان نفخة للموت ونفخة للحیاة تمهیدا للحساب .
{ وَقَالُوا یَا وَیْلَنَا هَذَا یَوْمُ الدِّینِ20 هَذَا یَوْمُ الفَصْلِ الَّذِی کُنتُمْ بِهِ تُکَذِّبُونَ }21 .
کلما فرَّ الکفار من الاخرة وجدوا أنفسهم محاصرین به وواقعین فیه , ولما تقوم الساعة یقولون هذا یوم الدین الذی کذبناه .فلا ینفعهم الفرار منه ولا یجدیهم خیرا انکاره وتکذیبه .
{ احْشُرُوا الَّذِینَ ظَلَمُوا وَأزْوَاجَهُمْ وَمَا کَانُوا یَعْبُدُونَ
22مِنْ دُونِ اللّهِ فَاهْدُوهُمْ إلَی صِرَاطِ الجَحِیمِ } 23 _سورة الصافات.
یحشر الباری تعالی الکافرین وأزواجهم التابعین له والاصنام التی یعبدوها الی جهنم .
( وأزواجهم ) أی: وأشباههم ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، ومثله :
( وکنتم أزواجا ثلاثة ) أی: أشباها وأشکالا ثلاثة ، فیکون المعنی . إن صاحب الزنا یحشر مع أصحاب الزنا ، وصاحب الخمر مع أصحاب الخمر ، إلی غیرهم . وقیل :
وأشیاعهم من الکفار ، عن قتادة . وقیل: وأزواجهم المشرکات کأنه قال احشروا المشرکین والمشرکات ، عن الحسن . وقیل: وأتباعهم علی الکفر ، ونظراؤهم ، وضرباؤهم .
عندما ینهض الکفار الموتی یقولون: هذَا یَوْمُ الفَصْلِ الَّذِی کُنتُمْ بِهِ تُکَذِّبُونَ
ص: 90
ابن شاذان: روی أبو الحسن بن شاذان - عن طریق العامة - عن أبی سعید الخدری , قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول:
إذا کان یوم القیامة أمر الله ملکین یقعدان علی الصراط
, فلا یجوز أحد إلا ببراءة من أمیر المؤمنین , ومن لم یکن عنده براءة من أمیر المؤمنین , أکبّه الله علی منخره فی النار. ثم قال: قلت: فداک أبی وأمی یارسول الله , ما معنی براءة أمیر المؤمنین؟
قال صلی الله علیه و آله : مکتوب: لا إله إلا الله
, محمد رسول الله , وأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام وصی رسول الله ((1)) .
{ وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ } 24 _سورة
الصافات.
الناس مسؤولون عن ولایة أمیر المؤمنین قال الله تعالی: (وَقِفُوهُم إِنَّهُم مَّسئُولون)
. ویکون وقوفهم علی الصراط المستقیم وهی آخر عقبة فیه بعد السؤال عن التوحید والنبوة والصلاة والصیام والحج والزکاة .
قال عمر بن الخطاب: اعلموا أنه لا یتم شرف إلا بولایة علی ((2))
.
ص: 91
و جاء الی عمر أعرابیان یختصمان فأذن لعلی علیه السلام فی القضاء بینهما , فقضی , فقال أحدهما: هذا یقضی بیننا ؟ فوثب إلیه عمر , وأخذ بلحیته , وقال: ویحک ما تدری من هذا , هذا مولای و مولاک ومولی کل مؤمن , ومن لم یکن مولاه فلیس بمؤمن ((1)) .
ص: 92
الرواة: الإمام محمد الباقر علیه السلام وعبد الله بن عباس وابو سعید الخدری وابو بکر وجابر الجعفی وابو اسحاق السبیعی ومجاهد ومندل مما یعنی ان الحدیث متواتر قد جاءنا بأسانید مختلفة .
عن ابی سعید الخدری عن النبی صلی الله علیه و آله قوله وقفوهم انهم مسؤولون عن ولایة علی فیسألون فی القنطرة الاولی عن ولایة علی( علیه السلام ) ((1))
.
ص: 93
الالوسی: قال الآلوسی فی تفسیره فی آیة (وَقِفُوهُم إِنَّهُم مَّسؤُلُوُنَ) ((1))
.
وقد ذکر الآراء فیها قائلا: وأولی هذه الأقوال , أنَّ السؤال عن العقائد والأعمال ورأس ذلک لا إله إلاّ الله ومن أجلّه ولایة علی کرّم الله تعالی وجهه((2))
.
ص: 94
وروی عن الإمام علی ( علیه السلام ) أنَّه قال: جُعلت الموالاة أصلا من أُصول الدین , وقال: أُصول الإسلام ثلاثة لا ینفع واحد منها دون صاحبه: الصلاة والزکاة والموالاة .
عن ابن عباس: روی الحافظ الحسکانی الحنفی قال: حدثنی أبو الحسن الفارسی باسناده عن ابن عباس , قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله :
ص: 95
«إذا کان یوم القیامة , أقف أنا وعلی علیه السلام علی الصراط , فما یمر بنا أحد إلا سألناه عن ولایة علی , فمن کانت معه , وإلا ألقیناه فی النار , وذلک قوله تعالی: (وقفوهم إنهم مسؤولون) ((1)) .
عن أبی سعید الخدری: وأخرج العلامة الهند الحنفی الفقیر العینی فی مناقبه عن ابن مردویه الشافعی عن ابن عباس وعن الدیلمی عن أبی سعید الخدری: (وقفوهم إنهم مسؤولون) عن ولایة علی ( علیه السلام ) ((2))
.
الدیلمی: ورواه الدیلمی فی قافیة الواو عن الخدری . اخرج الدیلمی عن أبی سعید الخدری ان النبی ( علیه السلام ) قال: (وقفوهم انهم مسؤولون ) عن ولایة علی ( علیه السلام ) .
وقال ابن حجر فی صواعقه المحرقة: اخرج الدیلمی عن أبی سعید الخدری ان النبی صلی الله علیه و آله قال: ( وقفوهم انهم مسؤولون) عن ولایة علی ( علیه السلام ) , قال: وکان هذا هو مراد الواحدی(المفسر السنی) بقوله:
روی فی قوله تعالی ( وقفوهم انهم مسؤولون ) ای عن ولایة علی ( علیه السلام ) وأهل البیت عن النبی صلی الله علیه و آله , قال: إذا کان یوم القیامة ونصب الصراط علی جهنم لم یجز علیه إلا من معه جواز فیه ولایة علی بن ابی طالب , وذلک قوله ( تعالی ): { وقفوهم إنهم مسؤولون } .
ص: 96
الواحدی: وأخرج حدیث أبی سعید الخدری هذا الکثیر من الأعلام منهم المفسر أبو الحسن المفسر الواحدی فی (أسباب النزول) ((1))
.
الحموینی الشافعی: وأخرج العالم الشافعی إبراهیم بن محمود الحموینی باسناده عن أبی سعید الخدری , انه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله فی قوله تعالی: (وقفوهم إنهم مسؤولون) . یسألون عن الاقرار بولایة علی بن أبی طالب((2))
.
و أبو بکر بن شهاب الدین الحسینی الشافعی فی کتابه رشفة الصادی ((3))
ابن حجرالهیتمی: ومنهم الحافظ ابن حجر الهیتمی المکی الشافعی فی الصواعق المحرقة ((4))
.
ص: 98
وأخطب خطباء خوارزم الحنفی الموفق بن أحمد فی کتابه فی مناقب
علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) ((1)) .
وقال: (وقفوهم ) إنهم مسؤولون أی عن ولایة علی وأهل البیت , لان الله أمر نبیه أن یعرف الخلق أنه لا یسألهم علی تبلیغ الرسالة أجرا إلا المودة فی القربی , والمعنی أنهم یسألون هل والوهم حق الموالاة کما أوصاهم النبی أم أضاعوها وأهملوها فتکون علیهم المطالبة والتبعة .
وقال ابن إسحاق الشعبی , والاعمش , والاصفهانی , والنطنزی:
أن قوله تعالی: وقفوهم انهم مسؤولون عن ولایة علی بن ابی طالب ((2))
.
ص: 99
والظاهر مما رواه المحدثون أن الامة الاسلامیة سیسألون یوم القیامة عن ولایة علی ( علیه السلام ) , حیث ورد السؤال فی تفسیر قوله سبحانه: وقفوهم إنهم مسؤولون.
أبو نعیم الحافظ عن الشعبی: وروی أبو نعیم الحافظ عن الشعبی , عن ابن عباس فی قوله تعالی: وقفوهم إنهم مسؤولون . قال: عن ولایة علی بن ابی طالب ( علیه السلام ) وکذا رواه صاحب کتاب الفردوس ابن شیرویه عن
أبی سعید الخدری ((1)) .
روایة أبی بکر:
قال أبو بکر سمعت النبی صلی الله علیه و آله یقول جواز العبور علی الصراط حبّ علی علیه السلام ((2))
.
ص: 100
عن ابن عبّاس: قلت للنبی صلی الله علیه و آله : یارسول الله أللنار جواز ؟
وقال النبی صلی الله علیه و آله : نعم . قلت: وما هو ؟ قال: حبّ علی بن أبی طالب ((1))
وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لکل شیء جواز , وجواز الصراط حبّ علی بن أبی طالب ((2))
.
وقال صلی الله علیه و آله : إذا کان یوم القیامة یقعد علی بن أبی طالب علی الفردوس , وهو جبل قد علا علی الجنّة , وفوقه عرش ربّ العالمین , ومن سفحه تتفجّر أنهار الجنّة وتتفرّق فی الجنان , وهو جالس علی کرسیٍّ من نور یجری بین یدیه التسنیم ((3))
یشرف علی الجنّة , فیدخل محبّیه الجنّة ومبغضیه النار((4))
.
ص: 101
البیهقی: وذکر البیهقی عن الحافظ الحاکم النیسابوری , باسناده عن رسول الله صلی الله علیه و آله , إذا جمع اللهُ الأوّلین والآخرین یوم القیامة , ونصب الصراط علی جسر جهنّم , لم یجزها أحدٌ إلاَّ من کانت معه براءة بولایة علی بن أبی طالب ((1))
.
ص: 102
ورغم هذه الایة القرآنیة الموجبة لولایة الامام علی علیه السلام تری المخالفین یطیعون أعداء الامام ومغتصبی خلافته عصیانا منهم للشریعة وعنادا لهذه الایة الواضحة .
ولو نزلت الایة: وقفوهم انهم مسؤولون بعکس هذا المطلب أی: وقفوهم انهم مسؤولون عن ترک ولایة علی علیه السلام لرأیتهم انهم أطاعوها حرفیاً وطبقوها عملیاً .
{ مَا لَکُمْ لا تَنَاصَرُونَ } 25_سورة
الصافات.
عن أعمالهم وخطیئاتهم , عن أبی سعید الخدری وسعید بن جبیر: عن ولایة علی بن ابی طالب ( علیه السلام ) یقال: وقفت أنا , ووقف غیری .
( ما لکم لا تناصرون) .
وسئل الباقر ( علیه السلام ) عن هذه الآیة , قال: « یقفون فیسألون: ما لکم لا تناصرون فی الآخرة کما تعاونتم فی الدنیا علی علی علیه السلام ؟ قال: یقول الله: ( بَلْ هُمُ الْیَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ) یعنی العذاب , ثم حکی الله عنهم قولهم: ( وأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ یَتَساءَلُونَ ) _ إلی قوله_ ( بِالْمُجْرِمِینَ ) ((1))
.
ص: 103
هذا تهکم بهم وتوبیخ لهم بالعجز عن التناصر بعدما کانوا علی خلاف ذلک فی الدنیا متناصرین . ( بل هم الیوم مستسلمون ) قد أسلم بعضهم بعضا وخذله ((1))
.
آلاف الاحادیث قالها سید الکونین محمد صلی الله علیه و آله فی وجوب ولایة الامام علی علیه السلام لکنهم فی غالبیتهم خذلوه وتناسوه وتناسوا أحادیث النبی الاعظم فی الالتزام بولایته وامامته .
وذهبوا یبایعون عبیده(أبا بکر وعمر وعثمان) الذین بایعوه اماما لهم فی الغدیر .
هنا یعتب االله تعالی المعارضین: مَا لَکُمْ لا تَنَاصَرُونَ .
اذ قال النبی فی الغدیر: (من کنت مولاه فهذا علی مولاه , اللهم والی من والاه , وعاد من عاداه , وانصر من نصره , واخذل من خذله , إن تمسَّکتم به لن تضلُّوا بعده أبداً» ((2)) .
ص: 104
ص: 105
لکنک تری عامة المسلمین من المخالفین لا یهتمون بالعتاب الالهی ولا بالامر النبوی ولا ببیعتهم للامام علی علیه السلام اماماً لهم أمام جموع المسلمین .
{ بَلْ هُمُ الیَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ26 }
الیَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ: لعذاب جهنم , ولا یقوون علی محاربة الامام علی واولاده الأئمة علیهم السلام .
ص: 106
وکانوا یجمعون القبائل الاعرابیة والطلقاء والمنافقین لیجندوهم لمحاربة أهل البیت واغتصاب الخلافة منهم ویعدوهم بالرشاوی الکبیرة المتمثلة بالاموال ومناصب الولایات الاسلامیة وقطع الاراضی والبساتین .
{ وَأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْض یَتَسَاءَلُونَ27 قَالُوا إنَّکُمْ کُنتُمْ تَأتُونَنَا عَنِ الیَمِینِ 28 قَالُوا بَلْ لَمْ تَکُونُوا مُؤْمِنِینَ29_سورة الصافات.
( یسأل بعضهم بعضا بالتوبیخ ، ولذا فسر بیتخاصمون ، " قالوا إنکم کنتم تأتوننا عن الیمین " عن أقوی الوجوه وأیمنها ، أو عن الدین ، أو عن الخیر ، کأنکم تنفعوننا نفع السانح فتبعناکم وهلکنا ، مستعار من یمین الانسان الذی هو أقوی الجانبین وأشرفه وأنفعه ، ولذلک سمی یمینا ، ویتیمن بالسانح ، أو عن القوة والقهر فتقسروننا علی الضلال ، أو عن الحلف فإنهم کانوا یحلفون لهم أنهم علی الحق " قالوا بل لم تکونوا مؤمنین " الآیة ، أجابهم الرؤساء أولا بمنع إضلالهم بأنهم کانوا ضالین فی أنفسهم ، وثانیا بأنهم ما أجبروهم علی الکفر إذ لم یکن لهم علیهم تسلط وإنما جنحوا إلیه لأنهم کانوا قوما مختارین للطغیان ) ((1)).
ص: 107
فی تفسیر علی بن إبراهیم: قالوا: انکم کنتم تأتوننا عن الیمین یعنی فلانا وفلانا (ابا بکر وعمر) قالوا بل لم تکونوا مؤمنین ((1)) .
تفسیر البرهان: أتُونَنَا عَنِ الیَمِینِ: یعنی فلانا وفلانا (ابا بکر وعمر ) ((2)) .
کانت العرب تتفائل بمن یأتی من الیمین لکن هؤلاء جاءوا من الیمین وغشوا أتباعهم وحرَّفوهم عن الولایة وحشروهم فی الجحیم .
قال القادة للاتباع: قَالُوا بَلْ لَمْ تَکُونُوا مُؤْمِنِینَ . أی أنتم کافرون مثلنا وشأننا وشأنکم واحد .
وقال نجاح الطائی: یشعر الاتباع من الجنود والخدم والحواشی یوم القیامة أن القیادات غشته فی الدنیا ودعته الی الکفر بالله تعالی والعصیان لاوامره .
وانهم قالوا لهم ان طریقکم طریق الدین والاخلاص لذا کان رجال السقیفة یدعون انهم خلفاء النبی لصیانة السنة والقرآن .
ورفع الخوارج شعار: لا حکم الا لله .
وقال زعیم الخوارج للنبی أثناء تقسیمه الغنائم بین المسلمین فی معرکة حنین: اعدل اذ جاء :
ص: 108
وقف ذو الخویصرة فی الجعرانة وقال للرسول( صلی الله علیه و آله ): إعدل فإنّک لم تعدل((1)).
فقال الرسول( صلی الله علیه و آله ): ویحک إذا لم یکن العدل عندی فعند من یکون وقال( صلی الله علیه و آله ): سیخرج من ضئضیء هذا الرجل قوم یخرجون من الدین کما یخرج السهم من الرمیة لایجاوز إیمانهم تراقیهم فخرج منه حرقوص بن زهیر البجلی المعروف بذی الثدیة((2)).
ورفع قتلة الحسین علیه السلام شعارا رسمیا بحفظ خلافة أمیر المؤمنین یزید العامة ومحاربة الخارجین عن الدین .
بینما تسقط الخلافة عن الفاسقین واللقطاء والقتلة والخائنین للاسلام والمسلمین .
{وَمَا کَانَ لَنَا عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطَان بَلْ کُنتُمْ قَوْماً طَاغِینَ } 30_سورة الصافات: خارجین عن الدین والعرف والاخلاق .
أی: خارجین عن العدل و الحق ، باغین ، تجاوزتم الحد إلی أفحش أنواع القهر والظلم ، وأعظم واقبح المعاصی .
ص: 109
{ فَحَقَّ عَلَیْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إنَّا لَذَائِقُونَ31 فَأغْوَیْنَاکُمْ إنَّا کُنَّا غَاوِینَ }32 _سورة الصافات.
الغاوی هو المجرم الذی یسحب الاخرین الی الکفر والجریمة والرذیلة وهو الزاری علی الحق والعدل والحریة .
ویذوق المجرمون النار طبقا للایات القرآنیة .
{فَإنَّهُمْ یَوْمَئِذ فِی العَذَابِ مُشْتَرِکُونَ 33 إنَّا کَذَلِکَ نَفْعَلُ
بِالمُجْرِمِینَ } 34 _سورة الصافات.
القائد الامر والمنفذ للاعمال المحرمة فی جوف الجحیم .
وقال: حتی إذا جاءنا قال: یا لیت بینی وبینک بعد المشرقین فبئس القرین ، ولن ینفعکم الیوم إذ ظلمتم انکم فی العذاب مشترکون ، فیقول الظالم: أنت تحکم بین عبادک فیما کانوا فیه یختلفون ، أو الحکم لغیرک ، فیقال لهم: الا لعنة الله علی الظالمین الذین یصدون عن سبیل الله ویبغونها عوجا وهم بالآخرة کافرون .
وأول من یحکم فیهم محسن بن علی ( علیه السلام ) وفی قاتله ، ثم فی قنفذ ، فیؤتیان هو وصاحبه ، فیضربان بسیاط من نار ، لو وقع سوط منها علی البحار لغلت من مشرقها إلی مغربها ، ولو وضعت علی جبال الدنیا لذابت حتی تصیر رمادا ، فیضربان بها ثم یجثو أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) بین یدی الله للخصومة مع الرابع ، فیدخل الثلاثة فی جب فیطبق علیهم ، لا یراهم أحد
ص: 110
ولا یرون أحدا ، فیقول الذین کانوا فی ولایتهم: ربنا أرنا الذین أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت اقدامنا لیکونا من الأسفلین ، قال الله عز وجل: ولن ینفعکم الیوم إذ ظلمتم انکم فی العذاب مشترکون .
فعند ذلک ینادون بالویل والثبور ، ویأتیان الحوض فیسألان عن أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) ومعهم حفظة ، فیقولان: اعف عنا واسقنا وخلصنا ، فیقال لهم: { فَلَمَّا رَأوْهُ زُلْفَةً سِیئَتْ وُجُوهُ الَّذِینَ کَفَرُوا وَقِیلَ هَذَا الَّذِی کُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ27 }((1)) بإمرة المؤمنین ، ارجعوا ظماء مظمئین إلی النار ، فما شرابکم الا الحمیم والغسلین ، وما تنفعکم شفاعة الشافعین ((2)) .
کنز جامع الفوائد وتأویل الآیات الظاهرة: محمد بن العباس عن أحمد بن القاسم عن السیاری عن محمد بن خالد عن محمد بن علی الصیرفی عن محمد بن الفضیل عن أبی حمزة عن أبی جعفر علیه السلام أنه قرأ وتری ظالمی آل محمد حقهم ( لما رأوا العذاب ) وعلی هو العذاب یقولون هل إلی مرد من سبیل وبهذا الاسناد عنه قال :
( ولن ینفعکم الیوم إذ ظلمتم ) آل محمد حقهم ( أنکم فی العذاب مشترکون ((3)) .
ص: 111
{ إنَّهُمْ کَانُوا إذَا قِیلَ لَهُمْ لا إلَهَ إلا اللّهُ یَسْتَکْبِرُونَ35 وَیَقُولُونَ أإنَّا لَتَارِکُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِر مَجْنُون } 36 _سورة
الصافات.
یعنی رسول الله صلی الله علیه و آله فرد الله علیهم ( بل جاء بالحق وصدق المرسلین ) الذین کانوا قبله .
ثم حکی ما أعد الله للمؤمنین ( أولئک لهم رزق معلوم ) یعنی فی الجنة وقوله: ( لا فیها غول ) یعنی الفساد ( ولا هم عنها ینزفون ) أی لا یطردون منها وقوله ( وعندهم قاصرات الطرف عین ) یعنی الحور العین یقصر الطرف عن النظر إلیها من صفائها ( کأنهن بیض مکنون ) یعنی مخزون ((1)). من صفات الظالمین التکبر ومن أفعالهم قولهم: أانا نترک آلهتنا للنبی الشاعر المجنون .
مَنْ اختلقت قضیّة الجنون للنبی ؟: اتّهمت عائشة رسول الله صلی الله علیه و آله بالجنون بطرق کثیرة , إذ جاء عن عروة بن الزبیر عن خالته عائشة أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یرید أن یلقی بنفسه من حالق جبل , قائلا صلی الله علیه و آله :
إنّ الأبعد یعنی نفسه لشاعر أو مجنون لا تحدِّث بها عنّی قریش أبداً ((2)) .
ص: 112
أرادت عائشة اتهام النبی بالجنون وانه ضحیة الاعمال السحریة منذ بدایة البعثة النبویة الشریفة , راجیة وداعیة من الناس عدم الاهتمام بحدیثه وتوجهاته .
وفی یوم شهادة النبی صلی الله علیه و آله
قال عمر وصحبه وهم أبو بکر وعثمان وعائشة وحفصة لرسول الله صلی الله علیه و آله فی داره : یهجر ((1)) , أی مجنون .
ص: 113
وبعدما قال عمر وصحبه (ابو بکر وعثمان مابن الجراح وابن عوف وآخرون) للنبی: یهجر غضب النبی علیهم واخرجهم من داره قائلا لهم: قوموا
((1)) .
وقال النبی صلی الله علیه و آله : لعائشة وحفصة وسودة فی یوم الاثنین یوم شهادته: إنّکنّ لصواحب یوسف ((2)) . أی فعلتم بی ما فعلته زلیخا وصاحباتها بالنبی یوسف علیه السلام من افتراءات ومؤامرات شیطانیة .
ص: 114
اتهمت زلیخا النبی یوسف علیه السلام بمحاولته الزنا بها للاساءة لسمعته ,والضغط علی الحکومة لادخاله السجن فنجحت المؤامرة فی ادخاله السجن .
وأعداء أهل البیت علیهم السلام یفعلون کل الافعال المحرمة بلا استثناء ومن یشارک فی قتل رسول الله صلی الله علیه و آله لا یتورع عن باقی الاعمال , وقد بینت النصوص والمصادیق صحة هذا المنهج الذی نؤمن به .
والمکیدة علی النبی محمد صلی الله علیه و آله تمثلت فی اتهامه بالمجنون والمسحور وانتهت بقتلهم له بالسم فی قضیة لده بالدواء حیث قال لهم:
جاء فی روایتی البخاری ومسلم عن عائشة: «لددنا((1)) رسول الله ( صلی الله علیه و آله )فی مرضه، فجعل یشیر إلینا أنْ لا تلدونی. قلنا: کراهیة المریض الدواء. فقال ( صلی الله علیه و آله ): لا یبقی فی البیت أحد إلاّ لد، وأنا أنظر إلاّ عمی العباس فانه لم یشهدکم»((2)).
وجاء: «فلدوه وهو مغمور((3)) .
ص: 115
وقال النبی صلی الله علیه و آله فی صلاة الجمعة فی المسجد النبوی أمام جمیع الأنصار والمهاجرین ثلاثاً مشیراً إلی منزل عائشة: هاهنا الفتنة من حیث یخرج قرن الشیطان ((1)) .
ص: 116
وقال سیّد الأنبیاء ( صلی الله علیه و آله ) لعائشة عن جملها عسکر الذی سترکبه فی حرب الجمل إنّه شیطان ، ولمّا رأته عائشة عرفته ، فقالوا لها اسمه :عسکر فرفضته اولا ثم تعلقت به ((1))رغم معرفتها له بانه شیطان .
ووجد الأمویون فی حدیث اتهام النبی بالجنون أُمنیتهم الموعودة فنشروه فی کلّ مکان وزمان , لأنّه یشکّک فی نبوّة محمّد صلی الله علیه و آله ویفصح عن عدم معرفته صلی الله علیه و آله
برسالته , وعدم انتظاره لها .
بینما أوردنا فی هذا الکتاب الأدلّة الکاملة علی معرفة النبی صلی الله علیه و آله برسالته فی طفولته وصباه وشبابه بانه خاتم الانبیاء .وانهم کذبوا علیه بانه لا یعرف انه نبی مرسل ویرید الانتحار کلما تأخر علیه جبرائیل .
{ بَلْ جَاءَ بِالحَقِّ وَصَدَّقَ المُرْسَلِینَ } 37 _سورة الصافات.
: الله تعالی کذَّب قریشاً فی دعواها ضد النبی صلی الله علیه و آله ووصمهم له بالشاعر والمجنون فقال عن رسوله :{ بَلْ جَاءَ بِالحَقِّ وَصَدَّقَ المُرْسَلِینَ} السابقین .
ص: 117
{ إنَّکُمْ لَذَائِقُو العَذَابِ الألِیمِ38 وَمَا تُجْزَوْنَ إلا مَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ 39 } :الخطاب الالهی لمنتجی المؤامرات الذین یحیکوها لیلا ونهارا علی رسول الله صلی الله علیه و آله وباقی افراد أهل البیت والمؤمنین. بأن مصیرهم الی الجحیم خالدین فیها وبئس مقر الظالمین .
قال نصر: وفی حدیث غیر عمر بن سعد: فقال له معاویة : یا أبا عبد الله ، إنی أکره لک أن تتحدث العرب عنک أنک إنما دخلت فی هذا الامر لغرض الدنیا . قال عمرو: دعنی عنک ، فقال معاویة: إنی لو شئت أن أمنیک وأخدعک لفعلت .
قال عمرو: لا ، لعمر الله ما مثلی یخدع ، وأنا أکیس من ذلک ، قال معاویة: أدن منی أسارک ، فدنا منه عمرو لیساره ، فعض معاویة أذنه ، وقال: هذه خدعة ! هل تری فی البیت أحدا لیس غیری وغیرک !
قلت: قال شیخنا أبو القاسم البلخی رحمه الله تعالی: قول عمرو له: " دعنی عنک " کنایة عن الالحاد ، بل تصریح به ، أی دع هذا الکلام لا أصل له ، فإن اعتقاد الآخرة أنها لا تباع بعرض الدنیا من الخرافات .
وقال رحمه الله تعالی: وما زال عمرو بن العاص ملحدا ، ما تردد قط فی الالحاد والزندقة ، وکان معاویة مثله ، ویکفی من تلاعبهما بالاسلام حدیث السرار المروی ، وأن معاویة عض أذن عمرو ، أین هذا من سیرة عمرو ؟
ص: 118
وأین هذا من أخلاق علی علیه السلام ، وشدته فی ذات الله ، وهما مع ذلک یعیبانه بالدعابة ! قال نصر فأنشأ عمرو یقول :
معاوی لا أعطیک دینی ولم أنل * به منک دنیا فانظرن کیف تصنع
فإن تعطنی مصرا فأربح بصفقة * أخذت بها شیخا یضر وینفع
وما الدین والدنیا سواء وإننی * لآخذ ما تعطی ورأسی مقنع
ولکننی أغضی الجفون وإننی * لأخدع نفسی ، والمخادع یخدع
وأعطیک أمرا فیه للملک قوة * وألفی به إن زلت النعل أصرع
وتمنحنی مصرا ولیست برغبة * وإنی بذا الممنوع قدما لمولع .
قال شیخنا أبو عثمان الجاحظ: کانت مصر فی نفس عمرو بن العاص ، لأنه هو الذی فتحها فی سنة تسع عشرة من الهجرة فی خلافة عمر ، فکان لعظمها فی نفسه وجلالتها فی صدره ، وما قد عرفه من أموالها وسعة الدنیا ، لا یستعظم أن یجعلها ثمنا من دینه ، وهذا معنی قوله: وإنی بذا الممنوع قدما لمولع ((1)) .
ص: 119
وحدثنی عبد الله بن جعفر ، عن عبد الواحد بن أبی عون قالا: لما صار الامر فی ید معاویة ، استکثر مصر طعمة لعمرو ما عاش ، ورأی عمرو أن الامر کله قد صلح به وبتدبیره ، وظن أن معاویة سیزیده الشام ، فلم یفعل ، فتنکر له عمرو . فاختلفا وتغالظا ، فأصلح بینهما معاویة بن حدیج ، وکتب بینهما کتابا بأن: لعمرو ولایة مصر سبع سنین ، وأشهد علیهما شهودا ، وسار عمرو إلی مصر سنة تسع وثلاثین ، فمکث نحو ثلاث سنین ، ومات ((1)) .
المدائنی: عن جویریة بن أسماء ، (أن عمرو بن العاص قال لابن عباس: یا بنی هاشم ، لقد تقلدتم بقتل عثمان فرم الإماء العوارک ، أطعتم فساق العراق فی عیبه ، وأجزرتموه مراق أهل مصر ، وآویتم قتلته .
فقال ابن عباس: إنما تکلم لمعاویة ، إنما تکلم عن رأیک ، وإن أحق الناس أن لا یتکلم فی أمر عثمان لأنتما ، أما أنت یا معاویة ، فزینت له ما کان یصنع ، حتی إذا حصر طلب نصرک ، فأبطأت ( عنه ، وأحببت قتله ) ، وتربصت به ، وأما أنت یا عمرو ، فأضرمت علیه المدینة ، وهربت إلی فلسطین تسأل عن أنبائه ، فلما أتاک قتله ، أضافتک عداوة علی علیه السلام أن
ص: 120
لحقت بمعاویة ، فبعت دینک بمصر . فقال معاویة: حسبک ، عرَّضنی لک عمرو ، وعرَّض نفسه) ((1)) .
وقال محمد بن سلام الجمحی: (کان عمر إذا رأی من یتلجلج فی کلامه ، قال: هذا خالقه خالق عمرو بن العاص ) ((2)) .
{ إلا عِبَادَ اللّهِ المُخْلَصِینَ40 اُوْلَئِکَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ41 فَوَاکِهُ وَهُمْ مُکْرَمُونَ42 فِی جَنَّاتِ النَّعِیمِ43 عَلَی سُرُر مُتَقَابِلِینَ44_سورة الصافات. الظالمون الفاسقون یذوقون العذاب الالیم بسبب أعمالهم القبیحة , والمؤمنون المتقون لهم رزق کریم عند رب رحیم علی سرر متقابلین .
روی نصر: عن عمر بن سعد قال: قال: معاویة لعمرو: یا أبا عبد الله ، إنی أدعوک إلی جهاد هذا الرجل الذی عصی الله وشق عصا المسلمین ، وقتل الخلیفة وأظهر الفتنة ، وفرق الجماعة وقطع الرحم ، فقال عمرو: من هو ؟
ص: 121
قال: علی علیه السلام قال(عمرو ) : والله یا معاویة ما أنت وعلی بحملی بعیر ، لیس لک هجرته ولا سابقته ، ولا صحبته ولا جهاده ، ولا فقهه ولا علمه ((1)) .
ووالله إن له مع ذلک لحظا فی الحرب لیس لأحد غیره ، ولکنی قد تعودت من الله تعالی إحسانا وبلاء جمیلا ، فما تجعل لی إن شایعتک علی حربه ، وأنت تعلم ما فیه من الغرر والخطر ؟ قال: حکمک ، فقال: مصر طعمة . فتلکأ علیه معاویة .
{ متقابلین یُطَافُ عَلَیْهِمْ بِکَأس مِنْ مَعِین 45بَیْضَاءَ لَذَّة لِلشَّارِبِینَ} 46_سورة الصافات.
خمر الجنة حلال وخمر الدنیا حرام فیقال للزجاجة التی فیها الخمر کأس ، وتسمی الخمر نفسها کأسا فلفظة الکأس کافیة للدلالة علی الخمر . و وصفت ببیضاء لانها مؤنثة .
محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن محبوب ، عن سدیر الصیرفی قال: قال أبو عبد الله ( علیه السلام ) فی حدیث طویل: إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال یقدم ((2)) أمامه ، کلما رأی المؤمن هولا من أحوال یوم القیامة قال له المثال: لا تفزع ولا تحزن وأبشر بالسرور
ص: 122
والکرامة من الله عز وجل ، حتی یقف بین یدی الله عز وجل فیحاسبه حسابا یسیرا ویأمر به إلی الجنة والمثال أمامه فیقول له المؤمن: یرحمک الله نعم الخارج خرجت معی من قبری وما زلت تبشرنی بالسرور والکرامة من الله حتی رأیت ذلک .
فیقول من أنت ؟ فیقول: أنا السرور الذی کنت أدخلت علی أخیک المؤمن فی الدنیا خلقنی الله عز وجل منه لأبشرک ((1)) .
{ لا فِیهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا یُنزَفُونَ } 47 _سورة الصافات.
غَوْلٌ: یعنی الفساد ( ولا هم عنها ینزفون ) أی لا یطردون منها .
ینزفون: یسکرون . فهم لا یفسدون ولا یسکرون بذلک الخمر .
افراح الناس وقتها قلیل ویتخللها الفساد الذی یحولها الی أحزان احیانا بینما لا توجد اوضاع ماساویة فی الجنة ان لا یحصل کسور وجروح والام وامراض وموت .ولا یوجد فی الجنة جراثیم وفیروسات وحشرات مسببة للامراض والاوبئة , علیه لا تفسد الاطعمة بکل اصنافها من فاکهة وحبوب وخضروات وکل شیء طازج وفی متناول الید .
{ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِینٌ48 کَأنَّهُنَّ بَیْضٌ مَکْنُونٌ49 }
ص: 123
لا یمکن النظر الیهن من صفائهن .وقوله ( وعندهم قاصرات الطرف عین ) یعنی الحور العین یقصر الطرف عن النظر إلیها من صفائها ( کأنهن بیض مکنون ) یعنی مخزون .
وقوله { کأنهن بیض مکنون } شبههن ببیض النعام یکن بالریش من الریح والغبار_ فی قول الحسن وابن زید_ وقال سعید بن جبیر والسدی :شبههن ببطن البیض قبل ان یقشر وقبل أن تمسه الأیدی ، والمکنون المصون یقال: کننت الشئ إذا صنته _ راجع تفسیر الطوسی _تفسیر الایة .
أقول: تعنی عندهم قاصرات الطرف ان العین تتمتع بالنظر الیهن: کما یقال الماء والخضراء والوجه الحسن مفیدة لتقویة البصر .
{ فَأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْض یَتَسَاءَلُونَ50 قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إنِّی کَانَ لِی قَرِینٌ 51 یَقُولُ أإنَّکَ لَمِنَ المُصَدِّقِینَ52أإذَا مِتْنَا وَکُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أإنَّا لَمَدِینُونَ 53 قَالَ هَلْ أنْتُمْ مُطَّلِعُونَ 54 فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِی سَوَاءِ الجَحِیمِ } 55_سورة الصافات.
لما حکی الله تعالی أن أهل الجنة یقبل بعضهم علی بعض یتساءلون عن اخبارهم وأحوالهم ، ذکر أن قائلا منهم یقول :
{ إنی کان لی قرین } فی دار الدنیا أی صاحب یختص بی إما من الانس_ علی ما قال ابن عباس أو من الجن علی ما قال مجاهد_ یقول لی علی وجه الانکار علیَّ والتهجین لفعلی { أإنک لمن المصدقین } بیوم
ص: 124
الدین بان الله یبعث الخلق بعد أن یصیروا ترابا وعظاما وانهم یحشرون بعد ذلک ویحاسبون ویجازون إن هذا لبعید ، فألف الاستفهام دخلت_ ههنا_ علی وجه الانکار ، وإنما دخلت ألف الاستفهام للانکار من حیث أنه لا جواب لقائله إلا ما یفتضح به ، وهؤلاء الکفار غلطوا فی هذه الانکار وتوهموا أن من یقول فی جواب ذلک نعم یأتی بقبیح من القول .
روایة أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله ( فاطلع فرآه فی سواء الجحیم ) یقول فی وسط الجحیم .
قال علی بن إبراهیم ثم یقولون فی الجنة ( أفما نحن بمیتین إلا موتتنا الأولی وما نحن بمعذبین ان هذا لهو الفوز العظیم ) قال: فحدثنی أبی عن علی بن مهزیار والحسن بن محبوب عن النضر بن سوید عن درست عن أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جئ بالموت فیذبح کالکبش بین الجنة والنار ثم یقال خلود فلا موت أبدا فیقول أهل الجنة " أفما نحن بمیتین إلا موتتنا الأولی . . . " ثم قال عز وجل: ( أذلک خیر نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمین ) یعنی بالفتنة هاهنا العذاب وقوله ( ثم إن لهم علیها لشوبا من حمیم ) یعنی عذابا علی عذاب ( فهم علی آثارهم یهرعون ) أی یمرون ( ولقد أرسلنا فیهم منذرین ) یعنی الأنبیاء ( فانظر کیف کان عاقبة المنذرین ) یعنی الأمم الهالکة .
ص: 125
وقوله { أئنا لمدینون } معناه لمجزیون مشتق من قولهم: کما تدین تدان أی کما تجزی تجزی ، والدین الجزاء ، والدین الحساب ، ومنه الدین ، لان جزاءه القضاء ، وقال ابن عباس: القرین الذی کان له شریکا من الناس. وقال مجاهد: کان شیطانا . ثم حکی انه یقال لهذا القائل علی وجه العرض علیه { هل أنتم مطلعون } أی یؤمرون أن یروا مکان هذا القرین فی النار ، فیقول: نعم ، فیقال له: اطلع فی النار ، فیطلع فی الجحیم فیراه فی سوائه أی وسطه ((1)) .
أهل الجنة یمکنهم الاطلاع علی من یریدون هل هم من أصحاب الجنة أم من أصحاب الجحیم .وکان ذلک الکافر یکذب وجود یوم قیامة وجنة ونار فأراد صاحبه المؤمن أن یعرف حاله فطلب من الله تعالی أن یریه مکانه فی الاخرة .فمکنه
الباری تعالی من الاطلاع علی حاله فی النار جزاءا لتکذیبه بیوم الدین .
ویذکر بأن صاحب المنزلة الارفع والاولی فی الجنة یمکنه زیارة صاحب المنزلة الادنی (الثانیة والثالثة والرابعة) ولیس العکس .
اذ لیس من حق صاحب المنزلة الاخیرة فی الجنة زیارة أصحاب المنازل الاولی فلا یشتمون هواءها ولا یتنعمون بنعیمها ولو لساعات معدودة .
ص: 126
{ قَالَ تَاللّهِ إنْ کِدْتَ لَتُرْدِینِ } 56 _سورة
الصافات.
لتردینی: لتهلکنی بالإغواء والمکر . من الإرداء بمعنی الإهلاک , ومن طبیعة قرین السوء محاولته جر قرینه الی الهلاک وفعل السوء وارتکاب المنکر .
قال لقمان : من یحب المراء یشتم ومن یدخل مداخل السوء یتهم ومن یقارن قرین السوء لا یسلم ومن لا یملک لسانه یندم ((1)) .
یا بنی نقل الحجارة والحدید خیر من قرین السوء .
یا بنی إنی نقلت الحجارة والحدید فلم أجد شیئا " أثقل من قرین السوء((2)) .عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله الصادق جعفر بنمحمد ( علیه السلام ) ، قال : کان فیما وعظ الله تبارک وتعالی به عیسی بن مریم :
یا عیسی ، اعلم أن صاحب السوء یغوی ، وأن قرین السوء یردی ، فاعلم من تقارن واختر لنفسک إخوانا من المؤمنین((3)) .
- آفة الکلام الإطالة .- آفة الخیر قرین السوء .
- آفة العمل البطالة .- آفة الاقتدار البغی والعتو .
- آفة العلم ترک العمل به .- آفة العمل ترک الاخلاص فیه .
ص: 127
- آفة العلماء حب الریاسة .- آفة الزعماء ضعف السیاسة .
{ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّی لَکُنتُ مِنَ المُحْضَرِینَ57 }_سورة الصافات :
فی جهنم مع الغاوین .وقال أمیر المؤمنین والموحدین علی علیه السلام : إنکم إنما خلقتم للآخرة لا للدنیا و للبقاء لا للفناء .
- إنکم إنما خلقتم للفناء والتزود للآخرة لا للدنیا والبقاء .
- إنکم إن رضیتم بالقضاء طابت عیشتکم وفزتم بالغناء .
- إنکم إن صبرتم علی البلاء وشکرتم فی الرخاء ورضیتم بالقضاء کان لکم من الله الرضا .
- إنکم إن قنعتم حزتم الغناء وخفت علیکم مؤن الدنیا .
- إنکم إن رغبتم فی الدنیا أفنیتم أعمارکم فیما لا تبقون له ولا یبقی لکم .
- إنکم إن أطعتم أنفسکم نزعت بکم إلی شر غایة ((1)) .
ثواب الأعمال: أبی ، عن سعد ، عن أحمد بن الحسین ، عن عثمان بن عیسی ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: ما خلق الله خلقا إلا جعل له فی الجنة منزلا و فی النار منزلا ، فإذا سکن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادی مناد ، یا أهل الجنة أشرفوا ، فیشرفون علی النار وترفع لهم منازلهم فی النار ثم یقال لهم: هذه منازلکم التی لو عصیتم ربکم دخلتموها ، قال: فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة فی ذلک الیوم فرحا لما
ص: 128
صرف عنهم من العذاب ، ثم ینادون: یا معشر أهل النار ارفعوا رؤوسکم فانظروا إلی منازلکم فی الجنة فیرفعون رؤوسهم فینظرون إلی منازلهم فی الجنة وما فیها من النعیم ، فیقال لهم: هذه منازلکم التی لو أطعتم ربکم دخلتموها قال: فلو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار ذلک الیوم حزنا ، فیورث هؤلاء منازل هؤلاء ، وهؤلاء منازل هؤلاء ، وذلک قول الله عز وجل: " أولئک هم الوارثون الذین یرثون الفردوس هم فیها خالدون " . " ص 249_ 250 " ((1)) .
الذین یستحقون الهدایة بسبب ایمانهم الرصین وفعلهم الخیر وأهدافهم الطیبة .
معک فی النار ، ولا یستعمل أحضر مطلقا إلا فی الشر . ومن الصعوبة وصول المسلم الی الجنة بدون النعمة الالهیة .
{ أفَمَا نَحْنُ بِمَیِّتِینَ58 إلا مَوْتَتَنَا الاُولَی وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ59 }
الواصل الی الجنة من الصالحین یتعجب من وصوله الیها خاصة بعدما رأی النار بأم عینیه ویصل الی مرتبة عالیة من السرور والفرح لکنه ما زال یخاف من الموت الذی ذاقه فی الدنیا .
لذا یسأل الفائز بالجنة: ( أَفَما نَحْنُ بِمَیِّتِینَ ) عطفا علی محذوف أی: أنحن مخلَّدون فی الجنة فما نحن بمیّتین ؟ ثم یجیب قائلا:
ص: 129
{ إنَّ هَذَا لَهُوَ الفَوْزُ العَظِیمُ60لِمِثْلِ هَذَا فَلْیَعْمَلِ العَامِلُونَ61 أذَلِکَ خَیْرٌ نُزُلا أمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ62 } _سورة
الصافات.:
المعدة لمخالفی أخی ووصیی علی بن أبی طالب علیه السلام ((1)) .
ومن الطبیعی أن یشعر المتزوج بالفوز لعبوره مرحلة العزوبیة ویشعر الفائز فی الامتحان بالفوز لعبوره مرحلة الی مرحلة أعلی فی الدراسة لکن لا شیء أعظم من الفوز بالجنة لانه الفوز العظیم الی مرحلة لا تنتهی ولا تموت .ومن هو الافضل: الفوز بالجنة أم الحیاة مع شجرة الزقوم ؟
{ إنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِینَ } 63 _سورة الصافات
: فتنة: أی عذاب لمن أنکر ولایة الامام واغتصب خلافته الالهیة.
الحیاة مع الجحیم فتنة للظالمین الذین عصوا الله تعالی وأهل بیته وقتلوهم وقتلوا شیعتهم وأبطلوا الحق وفرضوا الباطل .
عن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال : حدثنی أبی ، عن جدی ، عن آبائه علیهم السلام أن أمیر المؤمنین علیه السلام علم أصحابه فی مجلس واحد أربع مائة باب مما یصلح للمسلم فی دینه ودنیاه .
ص: 130
قال علیه السلام : إن الحجامة تصحح البدن وتشد العقل ، والطیب فی الشارب من أخلاق النبی صلی الله علیه و آله وکرامة الکاتبین ، والسواک من مرضات الله عز وجل وسنة النبی صلی الله علیه و آله ، ومطیبة للفم ، والدهن یلین البشرة ، ویزید فی الدماغ ویسهل مجاری الماء ، ویذهب بالقشف ، ویسفر اللون ، وغسل الرأس یذهب بالدرن وینفی القذاء . والمضمضة والاستنشاق سنة وطهور للفم والأنف . والسعوط مصحة للرأس وتنقیة للبدن وسائر أوجاع الرأس . والنورة نشرة وطهور للجسد .
استجادة الحذاء وقایة للبدن وعون علی الطهور والصلاة . وتقلیم الأظفار یمنع الداء الأعظم ویدر الرزق ویورده ، ونتف الإبط ینفی الرائحة المنکرة وهو طهور وسنة مما أمر به الطیب علیه السلام ، غسل الیدین قبل الطعام وبعده زیادة فی الرزق وإماطة للغمر عن الثیاب ویجلو البصر . وقیام اللیل مصحة للبدن ، ومرضات للرب عز وجل ، وتعرض للرحمة ، وتمسک بأخلاق النبیین . أکل التفاح نضوح للمعدة و مضغ اللبان ((1)) یشد الأضراس ، وینفی البلغم ویذهب بریح الفم ، والجلوس فی المسجد بعد طلوع الفجر إلی
ص: 131
طلوع الشمس أسرع فی طلب الرزق من الضرب فی الأرض . وأکل السفرجل قوة للقلب الضعیف ، ویطیب المعدة ، ویزید فی قوة الفؤاد ، ویشجع الجبان ، ویحسن الولد .
أکل أحد وعشرون زبیبة حمراء فی کل یوم علی الریق یدفع جمیع الأمراض إلا مرض الموت .
یستحب للمسلم أن یأتی أهله أول لیلة من شهر رمضان لقول الله تبارک وتعالی " أحل لکم لیلة الصیام الرفث إلی نسائکم " والرفث المجامعة . لا تختموا بغیر الفضة فان رسول الله صلی الله علیه و آله قال : ما طهرت ید فیها خاتم حدید ، ومن نقش علی خاتمه اسم الله عز وجل فلیحوله عن الید التی یستنجی بها فی المتوضأ .
إذا نظر أحدکم فی المرآة فلیقل : " الحمد لله الذی خلقنی فأحسن خلقی وصورنی فأحسن صورتی ، وزان منی ما شان من غیری ، وأکرمنی بالاسلام . ولیتزین أحدکم لأخیه المسلم إذا أتاه کما یتزین للغریب الذی یحب أن یراه فی أحسن الهیئة .
صوم ثلاثة أیام من کل شهر أربعاء بین خمیسین ، وصوم شعبان یذهب بوسواس الصدر وبلابل القلب . والاستنجاء بالماء البارد یقطع البواسیر ، وغسل الثیاب یذهب الهم والحزن وهو طهور للصلاة . لا تنتفوا الشیب فإنه نور المسلم ، ومن شاب شیبة فی الاسلام کان له نورا یوم القیامة .
ص: 132
لا ینام المسلم وهو جنب ، ولا ینام إلا علی طهور ، فإن لم یجد الماء فلیتیمم بالصعید ، فإن روح المؤمن ترفع إلی الله تبارک ، وتعالی فیقبلها ویبارک علیها ، فإن کان أجلها قد حضر جعلها فی کنوز رحمته ، وإن لم یکن أجلها قد حضر بعث بها مع امنائه من ملائکته فیردونها فی جسدها .
لا یتفل المؤمن فی القبلة فإن فعل ذلک ناسیا فلتستغفر الله عز وجل منه ، ولا ینفخ الرجل فی موضع سجوده ، ولا ینفخ فی طعامه ، ولا فی شرابه ، ولا فی تعویذه .و لا ینام الرجل علی المحجة ولا یبولن من سطح فی الهواء ولا یبولن فی ماء حار فإن فعل ذلک فأصابه شئ فلا یلومن إلا نفسه ، فإن للماء أهلا وللهواء أهلا .و لا ینام الرجل علی وجهه ، ومن رأیتموه نائما علی وجهه فأنبهوه ولا تدعوه ، ولا یقومن أحدکم فی الصلاة متکاسلا ، ولا ناعسا ، ولا یفکرن فی نفسه فإنه بین یدی ربه عز وجل ، وإنما للعبد من صلاته ما أقبل علیه منها بقلبه . وکلوا ما یسقط من الاخوان فإنه شفاء من کل داء بإذن الله عز وجل لمن أراد أن یستشفی به . وإذا أکل أحدکم طعاما فمص أصابعه التی أکل بها قال الله عز وجل : بارک الله فیک . وألبسوا ثیاب القطن فإنها لباس رسول الله صلی الله علیه و آله وهو لباسنا ، ولم نکن نلبس الشعر والصوف إلا من علة ، وقال : إن الله عز وجل جمیل یحب الجمال ویحب أن یری أثر نعمته علی عبده .
ص: 133
وصلوا أرحامکم ولو بالسلام یقول الله تبارک وتعالی : " واتقوا الله الذی تساءلون به والأرحام إن الله کان علیکم رقیبا " ولا تقطعوا نهارکم بکذا وبکذا و فعلنا کذا وکذا فإن معکم حفظة یحفظون علینا وعلیکم . واذکروا الله فی کل مکان فإنه معکم . وصلوا علی محمد وآل محمد فإن الله عز وجل یقبل دعاءکم عند ذکر محمد و دعائکم له وحفظکم إیاه صلی الله علیه و آله .
وأقروا الحار حتی یبرد فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قرب إلیه طعام فقال : أقروه حتی یبرد ویمکن أکله ، ما کان الله عز وجل لیطعمنا النار ، والبرکة فی البارد . وإذا بال أحدکم فلا یطمحن ببوله فی الهواء ولا یستقبل الریح . علموا صبیانکم ما ینفعهم الله به ، لا تغلب علیهم المرجئة برأیها . وکفوا ألسنتکم وسلموا تسلیما تغنموا .
وأدوا الأمانة إلی من ائتمنکم ولو إلی قتلة أولاد الأنبیاء علیهم السلام . وأکثروا ذکر الله عز وجل إذا دخلتم الأسواق عند اشتغال الناس فإنه کفارة للذنوب وزیادة فی الحسنات ولا تکتبوا فی الغافلین .
ولیس للعبد أن یخرج فی سفر إذا حضر شهر رمضان لقول الله عز وجل : " فمن شهد منکم الشهر فلیصمه " لیس فی شرب المسکر والمسح علی الخفین تقیة .
وإیاکم والغلو فینا قولوا إنا عبید مربوبون وقولوا فی فضلنا ما شئتم . ومن أحبنا فلیعمل بعملنا ولیستعن بالورع ، فإنه أفضل ما یستعان به فی أمر الدنیا
ص: 134
والآخرة . ولا تجالسوا لنا عائبا ، ولا تمتدحوا بنا عند عدونا معلنین بإظهار حبنا فتذلوا أنفسکم عند سلطانکم . ألزموا الصدق فإنه منجاة . وارغبوا فیما عند الله عز وجل ، واطلبوا طاعته ، واصبروا علیها ، فما أقبح بالمؤمن أن یدخل الجنة وهو مهتوک الستر . لا تعنونا فی الطلب والشفاعة لکم یوم القیامة فیما قدمتم ، ولا تفضحوا أنفسکم عند عدوکم فی القیامة ، ولا تکذبوا أنفسکم عندهم فی منزلتکم عند الله بالحقیر من الدنیا ، تمسکوا بما أمرکم الله به فما بین أحدکم وبین أن یغتبط ویری ما یحب إلا أن یحضره رسول الله وما عند الله خیر وأبقی ، وتأتیه البشارة من الله عز وجل فتقر عینه ویحب لقاء الله .
ولا تحقروا ضعفاء إخوانکم فإنه من احتقر مؤمنا لم یجمع الله عز وجل بینهما فی الجنة إلا أن یتوب ، ولا یکلف المؤمن أخاه الطلب إلیه إذا علم حاجته . وتوازروا وتعاطفوا وتباذلوا ولا تکونوا بمنزلة المنافق الذی یصف مالا یفعل . وتزوجوا فان رسول الله صلی الله علیه و آله کثیرا ما کان یقول : " من کان یحب أن یتبع سنتی فلیتزوج فإن من سنتی التزویج " ، واطلبوا الولد فانی أکاثر بکم الأمم غدا . وتوقوا علی أولادکم لبن البغی من النساء والمجنونة فإن اللبن یعدی . وتنزهوا عن أکل الطیر الذی لیست له قانصة ولا صیصیة ولا حوصلة . واتقوا کل ذی ناب من السباع ومخلب من الطیر ولا تأکلوا
ص: 135
الطحال فإنه بیت الدم الفاسد .ولا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون .و اتقوا الغدد من اللحم فإنه یحرک عرق الجذام .
ولا تقیسوا الدین فان من الدین مالا ینقاس وسیأتی أقوام یقیسون وهم أعداء الدین ، وأول من قاس إبلیس . ولا تحتذوا الملس فإنه حذاء فرعون وهو أول من حذا الملس . وخالفوا أصحاب المسکر ، وکلوا التمر فان فیه شفاء من الأدواء ، واتبعوا قول رسول الله صلی الله علیه و آله فإنه قال : " من فتح علی نفسه باب مسألة فتح الله علیه باب فقر " .
وأکثروا الاستغفار تجلبوا الرزق ، وقدموا ما استطعتم من عمل الخیر تجدوه غدا إیاکم .واجتنبوا والجدال فإنه یورث الشک ، من کانت له إلی ربه عز وجل حاجة فلیطلبها فی ثلاث ساعات ساعة فی الجمعة وساعة تزول الشمس وحین تهب الریاح تفتح أبواب السماء ، وتنزل الرحمة ویصوت الطیر . وساعة فی آخر اللیل عند طلوع الفجر فإن ملکین ینادیان : هل من تائب یتاب علیه ؟ هل من سائل یعطی ؟ هل من مستغفر فیغفر له ، هل من طالب حاجة فتقضی له ، فأجیبوا داعی الله . واطلبوا الرزق فیما بین طلوع الفجر إلی طلوع الشمس فإنه أسرع فی طلب الرزق من الضرب فی الأرض ، وهی الساعة التی یقسم الله فیها الرزق بین عباده .
وانتظروا الفرج ، ولا تیأسوا من روح الله ، فان أحب الأعمال إلی الله عز وجل انتظار الفرج ما دام علیه العبد المؤمن ، وتوکلوا علی الله عز وجل عند
ص: 136
رکعتی الفجر إذا صلیتموها ففیها تعطوا الرغائب ، ولا تخرجوا بالسیوف إلی الحرم ، ولا یصلین أحدکم وبین یدیه سیف فان القبلة أمن . وأتموا برسول الله صلی الله علیه و آله حجکم إذا خرجتم إلی بیت الله فان ترکه جفاء وبذلک أمرتم [ وأتموا ] بالقبور التی ألزمکم الله عز وجل حقها وزیارتها ، واطلبوا الرزق عندها ، ولا تستصغروا قلیل الآثام فان الصغیر یحصی ویرجع إلی الکبیر ، وأطیلوا السجود فما من عمل أشد علی إبلیس من أن یری ابن آدم ساجدا لأنه أمر بالسجود فعصی وهذا أمر بالسجود فأطاع فنجا .
وأکثروا ذکر الموت ویوم خروجکم من القبور وقیامکم بین یدی الله عز وجل تهون علیکم المصائب ،وإذا اشتکی أحدکم عینیه فلیقرأ آیة الکرسی ولیضمر فی نفسه أنها تبرأ فإنه یعافی إن شاء الله . وتوقوا الذنوب فما من بلیة ولا نقص رزق إلا بذنب حتی الخدش والکبوة والمصیبة . و قال الله عز وجل : " وما أصابکم من مصیبة فبما کسبت أیدیکم ویعفو عن کثیر " أکثروا ذکر الله عز وجل علی الطعام ولا تطغوا فإنها نعمة من نعم الله ورزق من رزقه یجب علیکم فیه شکره وحمده ، أحسنوا صحبة النعم قبل فواتها فإنها تزول وتشهد علی صاحبها بما عمل فیها . من رضی عن الله عز وجل بالیسیر من الرزق رضی الله منه بالقلیل من العمل . إیاکم والتفریط فتقع الحسرة حین لا تنفع الحسرة إذ ألقیتم عدوکم فی الحرب
ص: 137
فأقلوا الکلام وأکثروا ذکر الله عز وجل ، ولا تولوهم الادبار فتسخطوا الله ربکم وتستوجبوا غضبه ((1)) .
{إنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِی أصْلِ الجَحِیمِ 64 طَلْعُهَا کَأنَّهُ رُؤُوسُ الشَّیَاطِینِ 65 فَإنَّهُمْ لاَکِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا البُطُونَ 66 ثُمَّ إنَّ لَهُمْ عَلَیْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِیم } 67 _سورة الصافات.
یعنی عذابا علی عذاب .فالشوب خلط الشئ بغیره أی الحمیم ، فیقال لهذا الطعام المخلوط :المشوب ، واذا اختلط الزقوم بالحمیم اتصف الطعام بنتن الرائحة والمرارة والخشونة ، وحرارة الطعام .
أما شجرة الزقوم فقد بینها سبحانه بقوله: { إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِی أَصْلِ الْجَحِیمِ طَلْعُها کَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّیاطِینِ فَإِنَّهُمْ لآکِلُونَ مِنْها فَمالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ } .
الزقوم من قول العرب: تزقم الطعام إذا تناوله علی کره . وفی تفسیر الطبری: ان أبا جهل لما نزلت هذه الآیة قال ساخرا: أنا آتیکم بالزقوم ، ثم أتی بزبد وتمر ، وقال: دونکم تزقموا ، هذا هو الزقوم الذی یخوفکم به محمد . لقد استهزأ الطاغیة ابو جهل بطعام الزقوم فجعله تمرا وزبدا بینما هو شدید المرورة وقبیح المنظر لا یتحمل الانسان مذاقه ورؤیته .
ص: 138
ورؤوس الشیاطین کنایة عن قبح الشجرة ومنظرها المخیف . . ومن قال: ان شجرة الزقوم ترمز إلی سوء العذاب فلا اعتراض لنا علیه .
وقال بعضهم عن الزقوم: هو اسم لنبت من الثمر خشن اللمس منتن الریح.
{ ثُمَّ إنَّ مَرْجِعَهُمْ لاَلَی الجَحِیمِ 68 إنَّهُمْ ألْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّینَ 69 فَهُمْ عَلَی آثَارِهِمْ یُهْرَعُونَ 70} _سورة الصافات.
مرجعهم الاصلی یکون الجحیم فهم عنه لا یحیدون وکانوا علی آثار آبائهم یهرعون أی یمرون .
وقوله تعالی: ( هُمْ أُولاءِ عَلی أَثَرِی ) [ سورة طه ، الآیة 84 ] ، وقوله تعالی: ( أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ) . [ سورة الأحقاف ، الآیة 4 ] ، وقرئ: أثره: ما یروی أو یکتب فیبقی له أثر . والمأثر: ما یروی من مکارم الإنسان .
والاستئثار: التفرد بالشیء من دون غیره .
قال الجرجانی: الأثر له ثلاثة معان :
الأول: بمعنی النتیجة ، وهو الحاصل من الشیء .
والثانی: بمعنی العلامة ، والثالث: بمعنی الجزء .
والأثر فی اصطلاح أهل الحدیث: قیل: مرادف للحدیث ، وهو ما نقل عن النّبیّ صلی الله علیه و آله ، من قول أو فعل أو تقریر أو صفة ، وقیل :
ص: 139
الحدیث ما ورد عن النّبیّ صلی الله علیه و آله ، والأثر ما ورد عن غیره ((1)) .
رجال الکشی: محمد بن سعد الکشی ، ومحمد بن أبی عوف البخاری ، عن محمد بن أحمد ابن حماد المروزی ، رفعه قال: قال الصادق علیه السلام : اعرفوا منازل شیعتنا بقدر ما یحسنون من روایاتهم عنا ، فإنا لا نعد الفقیه منهم فقیها حتی یکون محدثا ، فقیل له: أو یکون المؤمن محدثا ؟ قال: یکون مفهما ، والمفهم محدث .
رجال الکشی: حمدویه وإبراهیم ابنا نصیر ، عن محمد بن إسماعیل الرازی ، عن علی بن حبیب المدائنی ، عن علی بن سوید السائی قال: کتب إلیّض أبو الحسن الأول علیه السلام وهو فی السجن :
وأما ما ذکرت یا علی ممن تأخذ معالم دینک ؟ لا تأخذن معالم دینک عن غیر شیعتنا فإنک إن تعدیتهم أخذت دینک عن الخائنین الذین خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ، إنهم اؤتمنوا علی کتاب الله جل وعلا فحرفوه وبدلوه ، فعلیهم لعنة الله ولعنة رسوله وملائکته ولعنة آبائی الکرام البررة ولعنتی ولعنة شیعتی إلی یوم القیامة ((2)) .
{ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أکْثَرُ الأوَّلِینَ 71 وَلَقَدْ أرْسَلْنَا فِیهِمْ مُنذِرِینَ 72 فَانظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ المُنذَرِینَ73 } _سورة الصافات.
ص: 140
کان أکثر الاولین من الضالین و قتل الکفار الانبیاء رفضا منهم للدین وعصیانا منهم لرب العالمین .
والتقدیر فی الموضوع ان الأنبیاء المرسلین لما خوفوا قومهم وانذروهم عصوهم ولم یقبلوا منهم أهلکهم الله تعالی وأنزل علیهم العذاب الالهی ، فانظر کیف کان عاقبتهم .
{ إلا عِبَادَ اللّهِ المُخْلَصِینَ } 74:
ثم استثنی تعالی من المنذرین فی الاهلاک عباده المخلصین الصالحین الذین قبلوا رسالات الأنبیاء ، وأخلصوا عبادتهم لله تعالی وعملوا الصالحات ، فان الله تعالی انقذهم من العذاب الاخروی ووعدهم الجنة . وقد تعاون المخلصون مع الانبیاء ونصروهم .
{ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المُجِیبُونَ75 } _سورة الصافات.
ثم قال أبو عبد اللَّه علیه السلام « کان رسول اللَّه صلی الله علیه و آله یقول نعم لنعم المجیب أنت ونعم المدعو ونعم المسؤول أسألک بنور وجهک وأسألک بعزتک وقدرتک وجبروتک وأسألک بملکوتک ودرعک الحصینة وبجمعک وأرکانک کلها وبحق محمد وبحق الأوصیاء بعد محمد أن تصلی علی محمد وآله وأن تفعل بی کذا وکذا » ((1)) .
ص: 141
وان الله تعالی أعطی عشرة أشیاء لعشرة من النساء: التوبة لحوا زوجة آدم ، والجمال لسارة زوجة إبراهیم ، والحفاظ لرحیمة زوجة أیوب ، والحرمة لآسیة زوجة فرعون ، والحکمة لزلیخا زوجة یوسف ، والعقل لبلقیس زوجة سلیمان ، والصبر لبرحانة أم موسی ، والصفوة لمریم أم عیسی ، والرضی لخدیجة زوجة المصطفی ، والعلم لفاطمة زوجة المرتضی .
والإجابة لعشرة: ( ولقد نادانا نوح فلنعم المجیبون ) ، ( فاستجاب له ربه فصرف عنه کیدهن ) یوسف.
( قال قد أجیبت دعوتکما ) موسی وهارون .
( فاستجبنا له ) یونس ، ( فاستجبنا له وکشفنا ما به من ضر ) ، أیوب .
( فاستجبنا له ووهبنا له یحیی ) زکریا .
( ادعونی أستجب لکم ) للمخلصین ( أم من یجیب المضطر ) للمضطرین .
( وإذا سألک عبادی ) للداعین .
( فاستجاب لهم ربهم ) لفاطمة وزوجها .
وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یهتم لعشرة أشیاء ، فآمنه الله منها وبشره بها :
(لفراقه وطنه فأنزل الله: ( ان الذی فرض علیک القرآن لرادک إلی معاد ) . ولتبدیل القرآن بعده کما فعل بسائر الکتب فنزل: ( إنا نحن نزلنا الذکر وإنا له لحافظون ) .
ص: 142
ولامته من العذاب فنزل: ( وما کان الله لیعذبهم وأنت فیهم ) ، ولظهور الدین: ( لیظهره علی الدین کله ) .
وللمؤمنین بعده فنزل: ( یثبت الله الذین آمنوا بالقول الثابت فی الحیاة الدنیا وفی الآخرة ) .
ولخصمائهم فنزل: ( یوم لا یخزی الله النبی والذین آمنوا ) ، وللشفاعة فنزل: ( ولسوف یعطیک ربک فترضی ) .
وللفتنة بعده علی وصیه فنزل: ( فأما نذهبن بک فانا منهم منتقمون ) یعنی بعلی علیه السلام ، ولثبات الخلافة فی أولاده فنزل : ( لنستخلفنهم فی الأرض ) ، ولابنته حال الهجرة فنزل: ( الذین یذاکرون الله قیاما وقعودا ) الآیات ((1)) .
وقال نجاح الطائی: یستجیب الله تعالی دعاء المؤمنین المخلصین ولا یردهم وللدعاء شروط اولها: ایمان الشخص وعدم ارتکابه ظلما یحول بینه وبین استجابة الدعاء .
{ هُنَالِکَ دَعَا زَکَرِیَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةً إنَّکَ سَمِیعُ الدُّعَاءِ } 38*_آل عمران .
وَمَا دُعَاءُ الکَافِرِینَ إلا فِی ضَلال _الرعد 14 .
{ وَنَجَّیْنَاهُ وَأهْلَهُ مِنَ الکَرْبِ العَظِیمِ76 وَجَعَلْنَا ذُرِّیَّتَهُ هُمُ البَاقِینَ} 77 _سورة
الصافات.
ص: 143
دعاء نوح کان مستجابا فنجاه تعالی من الفیضان وأغرق الباقین . وفی قضیة دعاء نوح هناک طرفان :طرف مؤمن یستحق الاستجابة وهو نوح وأتباعه المخلصین وطرف کافر وظالم یستحق العقاب الالهی وهم قوم نوح الکفار المجرمون الفاسقون , فحل الفیضان وسارت السفینة بنوح وصحبه الصالحین .
عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : عاش نوح بعد النزول من السفینة خمسین سنة ثم أتاه جبرئیل علیه السلام فقال له : یا نوح قد انقضت نبوتک واستکملت أیامک فانظر الاسم الأکبر ومیراث العلم وآثار علم النبوة التی معک فادفعها إلی ابنک سام فانی لا أترک الأرض إلا وفیها عالم تعرف به طاعتی ویکون نجاة فیما بین قبض النبی ومبعث النبی الاخر ، ولم أکن أترک الناس بغیر حجة وداع إلی ، وهاد إلی سبیلی ، وعارف بأمری ، فانی قد قضیت أن أجعل لکل قوم هادیا أهدی به السعداء ویکون حجة علی الأشقیاء ، قال : فدفع نوح علیه السلام الاسم الأکبر ومیراث العلم وآثار علم النبوة إلی ابنه سام ، فأما حام ویافث فلم یکن عندهما علم ینتفعان به ، قال : وبشرهم نوح بهود وأمرهم باتباعه ، وأن یفتحوا الوصیة کل عام فینظروا فیها ویکون عیدا لهم کما أمرهم آدم علیه السلام قال : فظهرت الجبریة فی ولد حام ویافث فاستخفی ولد سام بما عندهم من العلم ، وجرت علی سام بعد نوح الدولة لحام ویافث وهو قول الله عز وجل : " وترکنا علیه فی الآخرین
ص: 144
" .یقول : ترکت علی نوح دولة الجبارین ویعز الله محمدا صلی الله علیه و آله بذلک ، قال : وولد لحام السند والهند والحبش ، وولد لسام العرب والعجم ، وجرت علیهم الدولة وکانوا یتوارثون الوصیة عالم بعد عالم حتی بعث الله عز وجل هودا علیه السلام ((1)) .
{ وَتَرَکْنَا عَلَیْهِ فِی الآخِرِینَ 78 سَلامٌ عَلَی نُوح فِی العَالَمِینَ }79 _سورة الصافات.
ثم ذکر عز وجل آل محمد علیهم السلام فقال : ( وترکنا علیه فی الآخرین سلام علی آل یس ) فقال : یس محمد وآل محمد الأئمة علیهم السلام ((2)) . وجرت علی سام بعد نوح الدولة لحام ویافث ((3)) .
( وترکنا علیه فی الآخرین ) یذکر بخیر .المتقون علی مر الاجیال یثنون علی نوح علیه السلام .
قال أبو الحسن الرضا علیه السلام فإن الله أعطی محمدا وآل محمد من ذلک فضلا لا یبلغ أحد کنه وصفه إلا من عقله ، وذلک أن الله لم یسلم علی أحد الأعلی الأنبیاء علیهم السلام .
ص: 145
فقال تبارک وتعالی: « سَلامٌ عَلی نُوحٍ فِی الْعالَمِینَ » ((1)) .
وقال: « سَلامٌ عَلی إِبْراهِیمَ » ((2)) وقال: « سَلامٌ عَلی مُوسی وهارُونَ » ((3)) .
ولم یقل سلام علی آل نوح ولم یقل سلام علی آل موسی ، ولا علی آل إبراهیم ، وقال: سلام علی آل یس ((4)) یعنی آل محمد صلی الله علیه و آله ، فقال المأمون: قد علمت إن فی معدن النبوة شرح هذا وبیانه ((5)) .
تفسیر علی بن إبراهیم: " سلام علی آل یس " قال: یس محمد ، وآل محمد الأئمة ((6)) .
وقال نجاح الطائی: قال ابن حجر فی الصواعق: قوله تعالی: سلام علی آل یس ((7)) , نقل جماعة المفسرین عن ابن عباس: أن المراد بذلک: سلام علی آل محمد وکذا قال الکلبی ((8)) .
ص: 146
قال الثعلبی: قرأ ابن محیص وشیبة آل یس موصولا , وقرأ ابن عامر ونافع ویعقوب آل یاس بالمد , وقرأ الباقون إلیاسین بالقطع والقصر» فمن قرأ آل یس بالمد , فإنه أراد آل محمد .
وقال فی أوائل سورة یس: قال السید الحمیری:
یا نفس لا تمحضی بالنصح مجتهدا علی المودة إلا آل یاسینا .
البغوی: قال البغوی فی تفسیره: قرأ نافع وابن عامر آل بفتح الهمزة مشبعة وکسر اللام مقطوعة , لانها فی المصحف مفصولة . ثم قال: فمن قرأ آل یس مقطوعا قیل: أراد آل محمد . وقال ابن عباس: المراد آل محمد . وقال الإمام علی علیه السلام : یاسین : محمد ونحن آل یاسین ((1)) .
معانی الأخبار: الطالقانی ، عن الجلودی ، عن محمد بن سهل ، عن الخضر بن أبی فاطمة ، عن وهب بن نافع ، عن کادح ، عن الصادق علیه السلام ، عن آبائه ، عن علی علیهم السلام فی قوله عز وجل: " سلام علی آل یس " قال:
ص: 147
" یس " محمد ، ونحن آل یس أراد الله تعالی بیان منزلة أهل البیت فی القرآن الکریم فی آیات کثیرة ومنها قوله: سلام علی آل ی س ((1)) .
وهناک رغبة من الله تعالی فی اکرام أهل البیت واظهار درجتهم فی العالم بانهم هم العالون الذین لا یعلوا أحد علیهم من الانبیاء والاوصیاء .وقد دون الباری تعالی اسمهم فی القرآن باسم العالین :
{ قَالَ یَا إبْلِیسُ مَا مَنَعَکَ أنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِیَدَیَّ أاسْتَکْبَرْتَ أمْ کُنتَ مِنَ العَالِینَ75 } _
سورة ص .
{ إنَّا کَذَلِکَ نَجْزِی المُحْسِنِینَ80 إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِینَ 81 ثُمَّ أغْرَقْنَا الآخَرِینَ. }82 سورة
الصافات.
جزی الله تعالی النبی نوحا خیر الجزاء اذ انقذه من الغرق ورست سفینته سالمة فی النجف الاشرف وأغرق تعالی الکافرین المعاندین .
وقال الإمام الصادق: قال ابراهیم علیه السلام : اجعلنی من شیعة أمیر المؤمنین فقال الله تعالی: {وَإنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لاَبْرَاهِیمَ } ((2)) .
ص: 148
واتفق البعض علی تشیع ابراهیم للنبی محمد وآله لکنهم اختلفوا فی عودة الهاء فی الآیة لمحمد أم لعلی , فقال السمرقندی عن الکلبی بعودة الهاء لمحمد صلی الله علیه و آله ((1)) .
ومن الطبیعی تشیع النبی ابراهیم وباقی الانبیاء علیهم السلام للامام علی علیه السلام لانه امام المتقین کما قال النبی محمد صلی الله علیه و آله : ذکر الحاکم فی المستدرک علی الصحیحین: قال النبی: علی سید المسلمین وامام المتقین وقائد الغر المحجلین , حدیث صحیح ولم یخرجاه ((2)) .
ص: 149
وقال الصحابی انس بن مالک: إنَّ النبی صلی الله علیه و آله توضأ وصلَّی رکعتین وقال له: اول من یدخل علیک من هذا الباب إمام المتقین وسید المسلمین ویعسوب الدین وخاتم الوصیین . . .فدخل الامام علی علیه السلام ((1)) .
یحسن الباری تعالی للذین أحسنوا لانفسهم وللناس والذین هم مؤمنون وأغرق سبحانه الاخرین .
{ وَإنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لاَبْرَاهِیمَ }83 _سورة
الصافات.
افتخار البشریة أن تکون من شیعة الامام علی علیه السلام وبدون هذا اللقب یذهب المسلم الی الجحیم .
قال سید الرسل محمد صلی الله علیه و آله : « تنقسم أمتی إلی ثلاث وسبعین فرقة
کلهم فی جهنم إلاّ علی ( علیه السلام )وشیعته((2)) ».
ص: 150
وقال سید الرسل محمد صلی الله علیه و آله : یا علی أنت وشیعتک الفائزون یوم القیامة ((1)).
ص: 151
وقال الإمام علی( علیه السلام ): « تفترق هذه الأمة إلی ثلاث وسبعین فرقة اثنتان وسبعون فی النار وواحدة فی الجنة وهم أنا وشیعتی((1)).
قال الطبری والسیوطی والآلوسی: قال النَّبیّ صلی الله علیه و آله : اولئک هم خیر البریَّة» أنت یا علی وشیعتک ((2)) » .
وقال ابن حجر فی الصواعق عن ابن عباس قال النبی: تأتی أنت وشیعتک یوم القیامة , راضین مرضیین , ویأتی عدوّک غضاباً مقمحین ((3)).
ص: 152
وروی الحافظ سلیمان القندوزی الحنفی , عن زاذان , عن علی( علیه السلام ) , قال: «تفترق هذه الأمّة علی ثلاث وسبعین فرقة , إثنتان وسبعون فی النار , وواحدة فی الجنّة , وهم الذین قال الله عزّ وجل فی حقّهم: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا اُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالحَقِّ). «أنا وشیعتی»((1)).
وقال الإمام الصادق علیه السلام : قال ابراهیم علیه السلام : اجعلنی من شیعة أمیر المؤمنین فقال الله تعالی: وَإنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لاَبْرَاهِیمَ ((2)) .
ابن المغازلی الشافعی: یعنی الولایة بحقّ علی وحقّ علی واجب علی العالمین((3)) .
ابو بکر بن مردویه الشافعی: وروی علامة الهند عبید الله بسمل الامرتسری الحنفی فی کتابه أرجح المطالب عن الحافظ أبی بکر بن مردویه الشافعی فی کتاب (المناقب): أنه روی عن الامام أبی عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر فی قوله تعالی: (واجعل لی لسان صدق فی الآخرین) . قال: هو
ص: 153
علی بن أبی طالب , عرضت ولایته علی إبراهیم ( علیه السلام ) . فقال: اللهم اجعله من ذریتی . ففعل الله ذلک ((1)) .
ابن مردویه الشافعی: و حدیث عرض ولایة علی علی إبراهیم علیه السلام رواه البدخشانی عن الحافظ ابن مردویه الشافعی حیث قال: أخرج ابن مردویه عن أبی عبد الله جعفر بن محمد الصادق فی قوله تعالی: (واجعل لی لسان صدق فی الاخرین _ قال: هو علی بن أبی طالب عرضت ولایته علی إبراهیم ( علیه السلام ) فقال: اللهم اجعله من ذریتی , ففعل الله ذلک ((2)) .
وقال الصالح الترمذی فی مناقبه وقال أبو بکر ابن مردویه الشافعی فی مناقبه وقال المیرزا محمد البدخشی فی مفتاح النجا: هو علی ( علیه السلام ) , عرضت ولایته علی إبراهیم ( علیه السلام ) , فقال: اللهم اجعله من ذریتی , ففعل الله ذلک ((3)) .
ص: 154
واتفق البعض علی تشیع ابراهیم لمحمد وآله لکنهم اختلفوا فی عودة الهاء فی الآیة لمحمد أم لعلی , فقال السمرقندی عن الکلبی بعودة الهاء لمحمد صلی الله علیه و آله ((1)) .
قال رجل لعلی بن الحسین علیه السلام : أنا من شیعتکم الخلص .
فقال الامام له: فاذن أنت کإبراهیم الخلیل الذی قال الله تعالی: (وَإنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لاَبْرَاهِیمَ إذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْب سَلِیم) .
فان کان قلبک کقلبه فأنت من شیعتنا , وان لم یکن قلبک کقلبه , وهو طاهر من الغش والغل فأنت من محبینا , والا فإنک إن عرفت أنک بقولک کاذب فیه إنَّک لمبتلی بفالج لا یفارقک الی الموت , أو جذام لیکون کفارة لکذبک هذا ((2)) .
وقال الصادق علیه السلام : إنَّ ابراهیم من شیعة النبی صلی الله علیه و آله فهو من شیعة علی علیه السلام وکل من کان من شیعة علی فهو من شیعة النبی ((3)) .
{إذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْب سَلِیم }84 _سورة
الصافات.
ص: 155
من أراد الله تعالی فلیطهر قلبه کی یحصل علی الدعم الالهی والدعاء النبوی .
ومهما عبد الشخص ربه وبقی قلبه عفنا لا یفید ولا ینفع وقد قال النبی صلی الله علیه و آله : إنما الأعمال بالنیات وإنما لکل امرئ ما نوی فمن کانت هجرته إلی دنیا یصیبها أو إلی امرأة ینکحها فهجرته إلی ما هاجر إلیه ((1)) .
وعنه علیه السلام قال: سألته . عن قول الله عز وجل: ( إِلَّا مَنْ أَتَی الله بِقَلْبٍ
سَلِیمٍ ) ((2)) .قال: القلب السلیم ، الذی یلقی ربه ولیس فیه أحد سواه قال: وکل قلب فیه شرک أو شک فهو ساقط ، وإنما أرادوا الزهد فی الدنیا لتفرغ قلوبهم للآخرة .
وعن السدی ، عن أبی جعفر علیه السلام قال: ما أخلص عبد الإیمان بالله أربعین یوما أو قال: ما أجمل عبد ذکر الله أربعین یوما إلا زهده الله فی الدنیا وبصره داءها ودواءها وأثبت الحکمة فی قلبه وأنطق بها لسانه ثمَّ تلا: ( إِنَّ الَّذِینَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَیَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وذِلَّةٌ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وکَذلِکَ نَجْزِی الْمُفْتَرِینَ ) ((3)) .
ص: 156
فلا تری صاحب بدعة ومفتریا علی الله عز وجل وعلی رسوله وأهل بیته إلا ذلیلا .
والظاهر أن الغرض من ذکر هذه الآیة أنه لا یحصل هذه الکمالات لغیر المؤمن فلا ینفع مجاهدة هؤلاء العامة وإن اجتهدوا غایة جهدهم وکل من وصل إلیها فبهدایة الأئمة المعصومین علیهم السلام وصل ، وهذا هو سر الصوفیة کما ذکره العطار فی کتابه مظهر العجائب إنی کنت فی الطفولة مع أبی ذاهبا إلی الشیخ نجم الدین الکبری فلقننی أولا أسامی الأئمة علیهم السلام ، ثمَّ الذکر ، وقال: هذا التلقین عن شیخی ، عن شیخی إلی أمیر المؤمنین علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، عن جبرئیل ، عن الله تبارک وتعالی فلا تظهر هذا السر إلا إلی من جربته من المریدین .
وفی القوی ، عن علی بن أسباط ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام أن أمیر المؤمنین علیه السلام کان یقول: طوبی لمن خالص لله العبادة والدعاء ولم یشغل قلبه بما تری عیناه ولم ینس ذکر الله بما تسمع أذناه ولم یحزن صدره بما أعطی غیره ((1)) .
ص: 157
وفی الصحیح ، عن أبی مسکان عن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله عز وجل: ( حَنِیفاً مُسْلِماً ) ؟ قال: خالصا مخلصا لیس فیه شیء من عبادة الأوثان . وروینا مشافهة بأقرب الطرق ، عن أمیر المؤمنین علیه السلام .
قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله لبعض أصحابه ذات یوم: یا عبد الله أحبب فی الله وأبغض فی الله ووال فی الله وعاد فی الله ، فإنه لا ینال ولایة الله إلا بذلک ولا یجد رجل طعم الإیمان وإن کثرت صلاته وصیامه حتی یکون کذلک وقد صارت مؤاخاة الناس یومکم هذا أکثرها فی الدنیا ، علیها یتوادون وعلیها یتباغضون وذلک لا یغنی عنهم من الله شیئا فقال له: وکیف لی أن أعلم أنی قد والیت وعادیت فی الله عز وجل فمن ولی الله حتی أو إلیه ؟ ومن عدوه حتی أعادیه ؟ فأشار له رسول الله علیه السلام إلی علی علیه السلام فقال: أتری هذا ؟
فقال: نعم فقال: ولی هذا ولی الله عز وجل فواله ، وعدو هذا عدو الله فعاده ، وال ولی هذا ولو أنه کان قاتل أبیک وولدک ، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوک أو ولدک ((1)) .
وفی هذا المنهج حذر سید الانبیاء من الفتنة الخارجة من دار عائشة وقال
ص: 158
فی صلاة الجمعة فی المسجد النبوی أمام جمیع الأنصار والمهاجرین ثلاثاً مشیراً إلی منزل عائشة: هاهنا الفتنة من حیث یخرج قرن الشیطان ((1)) .
ص: 159
{ إذْ قَالَ لاِبِیهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ 85 أإفْکاً آلِهَةً دُونَ اللّهِ تُرِیدُونَ 86 فَمَا ظَنُّکُمْ بِرَبِّ العَالَمِینَ 87 فَنَظَرَ نَظْرَةً فِی النُّجُومِ 88 فَقَالَ إنِّی سَقِیمٌ 89 _سورة الصافات.
قال النبی ابراهیم علیه السلام : أئنتخبتم ألهة مزیفة من دون الله العظیم ؟
وقد خالف الکفار فطرتهم وعقلهم وآمنوا بآلهة مزیفة لا تقوی علی شیء وهو أمر مشین لا عذر لهم فیه .
ومن أعذارهم الجاهلیة الباطلة انهم شاهدوا آباءهم ساروا علی هذا المنهج البالی العقیم فساروا علیه .
والکثیر من الناس یسیرون علی العادات السابقة دون نص الهی ولا دلیل عقلی .
ویجوز أنّ اللَّه أعلمه بالوحی أنّه سیسقمه فی وقت مستقبل ، وجعل العلامة علی ذلک طلوع نجم علی وجه مخصوص ، أو اتّصاله بآخر علی وجه مخصوص ، فلمّا رأی إبراهیم تلک الأمارة قال: « إنّی سقیم » تصدیقا بما أخبره اللَّه تعالی . أو أراد: أنّی سقیم القلب لکفرکم ، أو خارج المزاج عن المزاج المعتدل خروجا قلّ من یخلو منه ((1)) .
ص: 160
وقال الصادق علیه السلام : حسب النبی صلی الله علیه و آله فرأی ما یحل بالحسین علیه السلام فقال: إنِّی سقیم لما یحل بالحسین ((1)) .
واستمر الکفار والمنافقون فی اصرارهم علی الکفر وعصیان الخالق وقتل الانبیاء والتمرد علیهم الی یومنا هذا .
{ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِینَ 90 }: _سورة
الصافات.
ذهبوا الی عیدهم وترکوا ابراهیم علیه السلام مع آلهتهم , وهی فرصة نادرة فی خلوا صالات العبادة دون حراسة ولا زوار .
وعندها یتبین للناس قدرة الالهة عن الدفاع عن نفسها من عدمه خاصة وان الالهة مجموعة والمهاجم لهم کان شخصا واحدا .
أراد النبی ابراهیم علیه السلام أن یختبر عقولهم الخاویة التی أنکسوها وجهلوها الی درجة کبیرة .
{ فَرَاغَ إلَی آلِهَتِهِمْ فَقَالَ ألا تَأکُلُونَ 91 مَا لَکُمْ لا تَنطِقُونَ 92 فَرَاغَ عَلَیْهِمْ ضَرْباً بِالیَمِینِ }93 _سورة الصافات.
حاول النبی ابراهیم علیه السلام کل المحاولات مع الالهة لیبین انها صخور لا تنفع اذ قدم لها الطعام فلم تاکل وتکلم معها فلم تتکلم .
ص: 161
ثم حطمها بیمینه فأصبحت هباءا منثورا مسلوبة الهیبة والاحترام ومنکوسة علی رؤوسها وبادیة عوراتها تضحک الناظرین وتخجل التابعین لها .
{ فَأقْبَلُوا إلَیْهِ یَزِفُّونَ }94 _سورة
الصافات.
أی جاءوا لیروا ماذا حصل لابراهیم فرأوا آلهتهم محطمة ومنکوسة الرؤوس ومسلوبة القداسة ومشرذمة.
قال ابن زید : معناه یسرعون .
وقال السدی : یمشون . وقیل : یتسللون بحال بین المشی والعدو ، ومنه زفت النعامة ، وذلک أول عدوها ، وهو بین العدو والمشی ، وقال الفرزدق : وجاء فزیع الشول قبل أوانها * تزف وجاءت خلفه وهی زفف .
ومنه زففت العروس إلی زوجها ، ومعنی یزفون یمشون علی مهل .
{قَالَ أتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ 95 وَاللّهُ خَلَقَکُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }96 _سورة الصافات
کیف تعبدون أصناما انتم صنعتموها بأیدیکم وترکتم خالقکم فأصبحنم أنتم المخلوقین وانتم الخالقین .
عجیب أمر الانسان الجاهلی یعبد ما ینحت بیده ولا یعبد ما صنعه الخالق بیده .
{ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْیَاناً فَألْقُوهُ فِی الجَحِیمِ 97 فَأرَادُوا بِهِ کَیْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِینَ } 98 _سورة
الصافات.
ص: 162
اتفق عظماء الکافرین علی رمیه فی النار عبر المنجنیق لشدة حرها وعظیم نارها فکان کیدهم کبیرا وخطیرا لکن الله تعالی أفشل مؤامرتهم ونصر ابراهیم علیهم .
وعن ابن عبّاس: بنوا حائطا من حجارة طوله فی السماء ثلاثون ذراعا ، وعرضه عشرون ذراعا ، وملأوه نارا وطرحوه فیها ((1)) .
حاول الطغاة أن یفتکوا بابراهیم فتکا عظیما یستر عبادتهم الواهیة للاصنام وظلمهم للعباد فیبینوا سطوتهم الکبیرة ووهن المخالفین لهم .
ولم یردوا علی ابراهیم علیه السلام ردودا علمیة یصلون منها الی نتیجة ترضی الطرفین ولم یتدبروا ویجربوا فیما قاله ابراهیم علیه السلام فی آلهتهم: هل صحیح انها لا تأکل ؟ هل صحیح انها لا تنطق ؟
هل صحیح انها لا تدافع عن أنفسها ؟ ما هو العمل ؟
بل ذهبوا الی موضوع آخر یتمثل فی الانتقام من ابراهیم المخالف لها ولدینها .
والخوارج الوهابیون یسیرون علی نفس المنهج الیوم فهم لا یتحاورون مع أحد بل یقتلون المعارضین لهم و یفجرون دورهم ومؤسساتهم ومدارسهم ومستشفیاتهم ومساجدهم بادعاء کاذب : قاتلهم فی الجنة والبریء المقتول فی النار !!!
ص: 163
ویفتون بکفر الناس جمیعا وقتلهم ویبدأون بالمسلمین فیجعلون الدنیا مسرحا لذبحهم ونفیهم وتعذیبهم وتدمیرهم .
{ وَقَالَ إنِّی ذَاهِبٌ إلَی رَبِّی سَیَهْدِینِ 99 رَبِّ هَبْ لِی مِنَ الصَّالِحِینَ 100 فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلام حَلِیم 101 } _سورة
الصافات.
فترکهم ابراهیم علیه السلام وذهب فی أرض الله تعالی هربا من قومه الاوغاد ودعا الله تعالی أن یرزقه أولادا صالحین فرزقه اسماعیل علیه السلام .
بعدما ألقی ابراهیم الحجة علی الکافرین وجدهم لا ینفعون ولا یهتدون واکتفی بمن آمن منهم ثم ترک الکافرین وذهب فی أرض الله الواسعة یبلغ ویعمل .
فعمل فی الزراعة وبنی الحرم المکی الشریف وهدایة الناس .
وقال نجاح الطائی:
نظریة النبی ابراهیم علیه السلام تنفعنا جمیعا وتهدینا الی وجوب تبلیغ الاسلام للانسانیة والامر بالمعروف والنهی عن المنکر ولو کان الطرف الثانی هو نمرود الطاغیة السفاح .
وبعدما أنجی الخالق ابراهیم من النار آمن به جماعة من قومه وبقی معظم القوم علی الضلالة ترکهم ابراهیم وهاجر الی أرض الله الواسعة لیهدی الاخرین .
ص: 164
ولا یوجد أمل فی هدایة الباقین من قومه لانهم شاهدوا المعجزة العظیمة فی النار ولم یهتدوا فکیف ینتظرهم الی مدة أخری .
{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْیَ قَالَ یَا بُنَیَّ إنِّی أرَی فِی المَنَامِ أنِّی أذْبَحُکَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَی قَالَ یَا أبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِی إنْ شَاءَ اللّهُ مِنَ الصَّابِرِینَ } 102 _سورة الصافات.
قال الطبرسی: ( فلما بلغ معه السعی " أی شب حتی بلغ سعیه سعی إبراهیم علیه السلام ) .
وقال نجاح الطائی: یعنی الایة القرآنیة:
{ هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِی مَنَاکِبِهَا وَکُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإلَیْهِ النُّشُورُ 15 } _الملک .
والمعنی: بلغ إلی أن یتصرف ویمشی معه ویعینه علی أموره ، قالوا: وکان یومئذ ابن ثلاث عشرة سنة .
وقیل: یعنی بالسعی العمل لله والعبادة .
ومن عادة الشاب الیافع أن یذهب للعمل بعدما تستعد أعضاء بدنه للکد والاجتهاد .
وتمکن ابراهیم من العمل والمثابرة فی الحیاة وکان یومئذ ابن ثلاث عشرة سنة . ورأی ابراهیم منامه المذکور فاعتقد بانه وحی الهی یجب علیه تنفیذه لان المنام للنبی صلی الله علیه و آله أحد طرق الوحی السماوی .واعتقد النبی اسماعیل
ص: 165
علیه السلام أن منام أبیه واجب التنفیذ فوافق علی طلبه واستعد للبلاء المفروض علیه من الله تعالی .
{ فَلَمَّا أسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِینِ103}_سورة
الصافات.
وما کان الله تعالی لیأمر عباده بذبح أولادهم بل کان امتحانا لابی الانبیاء ابراهیم علیه السلام .
التَّسلیمُ لِقَضاءِ اللهِ :
الإمام الباقر ( علیه السلام ): أَحَقُّ خَلقِ اللهِ أَن یُسَلِّمَ لِما قَضَی اللهُ عزّ وجلّ مَن عَرَفَ اللهَ عزّ وجلّ ((1)) .
الإمام الصادق ( علیه السلام )_ لِسُفیانَ الثَّورِیِّ -: یا سُفیانُ ، ثِق بِاللهِ تَکُن عارِفاً ((2)) .
والرِّضا بِقَضاءِ اللهِ تعالی :
رسول الله ( صلی الله علیه و آله ): قالَ اللهُ عزّ وجلّ: عَلامَةُ مَعرِفَتی فی قُلوبِ عِبادی حُسنُ مَوقِعِ قَدری ألاّ أُشتَکی ولا أُستَبطی ولا أُستَخفی ((3)) .
ص: 166
الإمام زین العابدین ( علیه السلام )_ من دُعاء نُسِبَ إِلَیهِ -: کَیفَ أَحزَنُ وقَد عَرَفتُکَ ؟ ! ((1))
الإمام الصادق ( علیه السلام ): أَعلَمُ النَّاسِ بِاللهِ أَرضاهُم بِقَضاءِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ((2)) .
مصباح الشریعة_ فیما نسب إلی الإمام الصَّادِقُ ( علیه السلام ) -: صِفَةُ الرِّضا أَن یَرضَی المَحبوبَ والمَکروه ، وَالرِّضا شُعاعُ نورِ المَعرِفَةِ ((3)) .
موسی علیه السلام _ فی خِطابِهِ لِلباری جَلَّ وعَلاّ -: یا رَبِّ ، حَقٌّ لِمَن عَرَفَکَ أَن یَرضی بِما صَنَعتَ ((4)) .
وقال نجاح الطائی: الامتحان الالهی للنبی ابراهیم علیه السلام کان عسیرا متمثلا فی ذبح ابنه الاکبر اسماعیل علیه السلام .
وکان ناجحا فی هذا الامتحان اذ عرض ابنه لیذبحه فجاءه النداء الالهی بالکف عن ذبحه وفدائه بذبح عظیم .
ص: 167
الدرس الابراهیمی للبشریة أن یطیعوا الله تعالی فی کل أوامره الحلوة والمرة ویرضوا بقضاء رب العالمین لیثبتوا طاعتهم له وانقیادهم لمشروعه السماوی فی الارض .
{ وَنَادَیْنَاهُ أنْ یَا إبْرَاهِیمُ104 قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْیَا إنَّا کَذَلِکَ نَجْزِی المُحْسِنِینَ 105 إنَّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ المُبِینُ 106 وَفَدَیْنَاهُ بِذِبْح عَظِیم 107 _سورة الصافات.
ولما نام اسماعیل واستعد ابراهیم لتنفیذ الذبح الواجب علیه جاءه النداء الالهی بانک صدقت الرؤیا الالهیة وأطعت الله تعالی وعلیک أن تفدیه بذبح عظیم .
{إنَّا کَذَلِکَ نَجْزِی المُحْسِنِینَ }:ولا تفسدوا فی الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا ، إن رحمة الله قریب من المحسنین _الاعراف 53 – 56 .
وقال تعالی :{ ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ }_التوبة 91 .
أی لا ضرر علی المحسن ان أخطأ فی طریق الاحسان وخدمة الانسان .
سئل الصادق علیه السلام أین أراد إبراهیم أن یذبح ابنه فقال علیه السلام :علی الجمرة الوسطی ولما أراد إبراهیم أن یذبح ابنه قلب جبرئیل المدیة واجتر الکبش من قبل ثبیر واجتر الغلام من تحته ووضع الکبش مکان الغلام ونودی من میسرة مسجد الخیف « أَنْ یا إِبْراهِیمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْیا إِنَّا کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِینُ وَفَدَیْناهُ بِذِبْحٍ عَظِیمٍ » یعنی بکبش أملح
ص: 168
یمشی فی سواد ویأکل فی سواد ویبعر فی سواد ویبول فی سواد أقرن فحل وکان یرتع فی ریاض الجنة أربعین عاما » ((1)) .
علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن أحمد بن محمد ; والحسن بن محبوب ، عن العلاء بن زرین ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر ( علیه السلام ) أین أراد إبراهیم ( علیه السلام ) أن یذبح ابنه ؟ قال : علی الجمرة الوسطی ، وسألته عن کبش إبراهیم ( علیه السلام ) ما کان لونه وأین نزل ؟ فقال : أملح وکان أقرن ونزل من السماء علی الجبل الأیمن من مسجد منی وکان یمشی سواد ویأکل فی سواد وینظر ویبعر ویبول فی سواد((2)) .
علی عن أبیه والحسین بن محمد عن عبدویه بن عامر ومحمد عن أحمد جمیعا عن البزنطی عن أبان عن عقبة بن بشیر عن أحدهما علیه السلام قال « إن اللَّه عز وجل أمر إبراهیم ببناء الکعبة وأن یرفع قواعدها ویری الناس مناسکهم فبنی إبراهیم وإسماعیل البیت کل یوم سافا حتی انتهوا إلی موضع الحجر الأسود »((3)) .
ص: 169
قال أبو جعفر علیه السلام « فنادی أبو قبیس إبراهیم ؛ أن لک عندی ودیعة فأعطاه الحجر فوضعه موضعه ثم إن إبراهیم أذن فی الناس بالحج فقال أیها الناس إنی إبراهیم خلیل اللَّه وإن اللَّه یأمرکم أن تحجوا هذا البیت فحجوه فأجابه من یحج إلی یوم القیامة وکان أول من أجابه من أهل الیمن » قال وحج إبراهیم هو وأهله وولده فمن زعم أن الذبیح هو إسحاق فمن هاهنا کان ذبحه وذکر عن أبی بصیر أنه سمع أبا جعفر وأبا عبد اللَّه علیه السلام یزعمان أنه إسحاق وأما زرارة فزعم أنه إسماعیل .
وقال نجاح الطائی: لقد شاهد النبی ابراهیم الرؤیا ففسرها تفسیرا صحیحا فی وجوب ذبحه لابنه الاکبر وان منامات الانبیاء صادقة .
بینما تجد الکثیر من الناس یؤول الحقائق الی تفسیرات خیالیة ویشرح النصوص الدینیة شرحا بعیدا عن معناها کی لا یؤدی الحقوق المالیة و الواجبات الشرعیة الثابتة علیه .
وقد جعل الله تعالی فدیته ذبحا عظیما متمثلا فی کبشا ذکرا سالما سمینا وهو درس لنا فی ذبح الکبش الفاخر السالم فی ما وجب واستحب لنا فی قضایا الفدیة والاضحیة وباقی الامور الواجبة والمستحبة .
وأن لا نقدم المریضة والضعیفة والنطیحة وما أکل السبع منها .
{ وَتَرَکْنَا عَلَیْهِ فِی الآخِرِینَ } 108 _سورة
الصافات.
ص: 170
یعنی علی إبراهیم فی الآخرین یعنی أثبتنا علیه الثناء الحسن فی أمة محمد صلی الله علیه و آله لأنهم آخر الأمم بأن قلنا ( سلام علی إبراهیم ). ثم قال مثل ذلک نجزی کل محسن ، فاعل لما أمر الله به کما جازینا إبراهیم علیه السلام ((1)).
والذبح العظیم الذی فدی به إبراهیم سنة باقیة إلی الیوم وأنها الأضحیة ، وأن ذلک معنی قوله_ تعالی_ ( وترکنا علیه فی الآخرین ) فمن ذهب إلی هذا قال: الکباش أفضل ، ومن رأی أن ذلک لیست سنة باقیة لم یکن عنده دلیل علی أن الکباش أفضل .
وجرت علی سام بعد نوح الدولة لحام ویافث وهو قول الله عز وجل: " وترکنا علیه فی الآخرین " .
یقول: ترکت علی نوح دولة الجبارین ویعز الله محمدا صلی الله علیه و آله بذلک ((2)) .
تفسیر علی بن إبراهیم: قوله: " أتدعون بعلا " قال: کان لهم صنم یسمونه بعلا ، وسأل رجل أعرابیا عن ناقة واقفة فقال: لمن هذه الناقة ؟
فقال الاعرابی: أنا بعلها ، وسمی الرب بعلا . ثم ذکر عز وجل آل محمد علیهم السلام فقال: { وترکنا علیه فی الآخرین 129سلام علی آل سین
ص: 171
130}سورة الصافات" فقال: یاسین: محمد ، وآل محمد الأئمة صلوات الله وسلامه علیهم ((1)) .
{ سَلامٌ عَلَی إبْرَاهِیمَ } 109 : أمان علیه وبرکة ونعمة .
قال الله تبارک وتعالی : ( إن الله وملائکته یصلون علی النبی یا أیها الذین آمنوا صلوا علیه وسلموا تسلیما ) وقد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه الآیة قیل : یا رسول الله ، قد عرفنا التسلیم علیک ، فکیف الصلاة علیک ؟ فقال : تقولون اللهم صل علی محمد وآل محمد کما صلیت علی إبراهیم و آل إبراهیم إنک حمید مجید ، فهل بینکم_ معاشر الناس_ فی هذا خلاف ؟ قالوا لا . قال المأمون : هذا ما لا خلاف فیه أصلا ، وعلیه الاجماع ، فهل عندک فی الآل شئ أوضح من هذا فی القرآن ؟
قال أبو الحسن ( علیه السلام ) : نعم ، أخبرونی عن قول الله عز وجل : ( یس والقرآن الحکیم * إنک لمن المرسلین * علی صراط المستقیم ) ، فمن عنی بقوله : ( یس ) ؟ قالت العلماء : ( یس ) محمد ( صلی الله علیه و آله ) ، لم یشک فیه أحد . قال أبو الحسن ( علیه السلام
) : فإن الله أعطی محمدا ( صلی الله علیه و آله ) وآل محمد من ذلک فضلا لا یبلغ أحد کنه وصفه إلا من عقله ، وذلک أن
ص: 172
الله لم یسلم علی أحد إلا علی الأنبیاء ( صلوات الله علیهم ) ، فقال تبارک وتعالی : ( سلام علی نوح فی العلمین ) ، وقال : ( سلام علی إبراهیم ) وقال : ( سلام علی موسی وهارون ) ، ولم یقل : سلام علی آل نوح ، ولم یقل : سلام علی آل موسی ولا علی آل إبراهیم ، وقال علیه السلام : { سلام علی آل یاسین } ، یعنی آل محمد ( صلی الله علیه و آله )_ فقال المأمون : قد علمت أن فی معدن النبوة شرح هذا وبیانه_ فهذه السابعة ((1)).
وقال نجاح الطائی : { سلام علی آل یاسین }: تعنی سلام الله وبرکته وأمنه ونعمه علی محمد وآل محمد الائمة الهداة القادة .
وخاف الامویون من وجود آل یاسین فی القرآن الکریم فجعل بعضهم قراءتها إل یاسین مخالفین علماءهم وما ورد عن الامام علی علیه السلام ورؤوس الصحابة :
قال ابن حجر فی الصواعق: قوله تعالی: سلام علی آل یس ((2)) , نقل جماعة المفسرین عن ابن عباس: أن المراد بذلک: سلام علی آل محمد وکذا قال الکلبی ((3)) .
ص: 173
قال الثعلبی: قرأ ابن محیص وشیبة آل یس موصولا , وقرأ ابن عامر ونافع ویعقوب آل یاس بالمد , وقرأ الباقون إلیاسین بالقطع والقصر» فمن قرأ آل یس بالمد , فإنه أراد آل محمد .
وقال فی أوائل سورة یس: قال السید الحمیری:
یا نفس لا تمحضی بالنصح مجتهدا علی المودة إلا آل یاسینا ((1)).
وقال البغوی فی تفسیره: قرأ نافع وابن عامر آل بفتح الهمزة مشبعة وکسر اللام مقطوعة , لانها فی المصحف مفصولة . ثم قال: فمن قرأ آل یس مقطوعا قیل: أراد آل محمد . وقال ابن عباس: المراد آل محمد . وقال الإمام علی علیه السلام : یاسین : محمد ونحن آل یاسین ((2)) .
ص: 174
{ کَذَلِکَ نَجْزِی المُحْسِنِینَ110 إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِینَ111 وَبَشَّرْنَاهُ بِإسْحَاقَ نَبِیّاً مِنَ الصَّالِحِینَ }112_سورة
الصافات.
بعدما أعطاه تعالی اسماعیل واطاعه سبحانه فی قضیة ذبحه أکرمه تعالی بأن وهبه اسحاق نبیا أیضا ومن الصالحین .
هذا یبین أن اسحاق جاء بعد اسماعیل .
أی جعلنا لإبراهیم وإسحاق من الخیر والبرکة ویجوز أن یکون المراد کثرة ولدهما وبقائهم قرنا بعد قرن إلی أن تقوم الساعة .
( [ وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِما ] ) أی من أولاد إبراهیم وإسحاق محسن بالإیمان والطاعة وبعضهم ظالم لنفسه بالکفر والمعاصی بیّن الظلم وفی الآیة دلالة علی أن فضائل الآباء لا یستلزم فضیلة الأبناء ولا تصیر هذه الشبهة سببا لمفاخرة الیهود .
{ وَبَارَکْنَا عَلَیْهِ وَعَلَی إسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِینٌ } 113 _سورة
الصافات.
أنزل تعالی برکته علی ابراهیم وعلی اسحاق لکن بیَّن سبحانه أن اولاده غیر معصومین فشأنهم یختلف عن شأن أهل البیت المطهرین المعصومین .
اذ قال عنهم: { وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِینٌ } .
بینما قال تعالی عن أهل البیت:{ اتقوا الله وکونوا مع الصادقین } و { :انما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیرا } .
ص: 175
لکن الیهود یطبلون ویزمرون لافضلیتهم المزعومة علی الامم ویسحقون کل الامم بالمخدرات والقمار والخمور والحروب والمؤامرات لاضعافهم وافنائهم .
بینما یبین القرآن انهم مثل باقی الامم فیهم المؤمن وفیهم الکافر.
لقد اعتاد الکثیر من أحبار الیهود وقساوسة النصاری وعملاء البلاط المسلمین علی التصریح اعتمادا علی التحلیل والخیال بعیدا عن النصوص القرآنیة والحدیثیة الصحیحة .
ورغم ان الایة تحصر البرکة الالهیة فی النبیین اسماعیل واسحاق مثلما حصر البرکة فی أهل البیت الا انک تری الناس یجرون خلف أحبار الیهود ورجال السقیفة .
مما یبین العصیان الظاهر لهؤلاء فی مقابل النصوص الالهیة .
{ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَی مُوسَی وَهَارُونَ } 114
أی: أنعمنا علیهما نعما کثیرة لا تعد ولا تحصی ، منعنا عنهما کل شک وتردد فی رسالتهما 0
واحدة من النعم النبوة وما یرافقها من دعم الهی المتمثل فی اسناد الملائکة واعطائهما القوة الخارقة والبرکی التی لا تنضب والرزق الذی لا ینتهی:
قال تعالی: { إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد } 54 _ سورة ص .
وهو رزق جار لا ینفد ولا یقل مدعم بالعظمة الالهیة الخالدة .
ص: 176
ومنها سائر النعم الدینیة والدنیاویة .
وقال تعالی: { بل الله یمن علیکم } .
:أی ینعم علیکم من نعمه الکثیرة .
{ وَنَجَّیْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الکَرْبِ العَظِیمِ 115 وَنَصَرْنَاهُمْ فَکَانُوا هُمُ الغَالِبِینَ }116 _سورة الصافات.
أعطاهما سبحانه من المعجزات ما بهر الناس فی مصر وفی مجلس فرعون ونجاهم وقومهم الی الشام وأغرق فرعون وجیشه الملاحق لهما .
ولم یتخیل أحد فی مصر أن نصر الله علی موسی علیه السلام وقومه وخسارة فرعون وجنده ستکون بتلک الصورة العظیمة والسریعة .
{ وَآتَیْنَاهُمَا الکِتَابَ المُسْتَبِینَ } 117_سورة
الصافات.
: أعطاهم تعالی التوراة نورا من الله تعالی .
یقال: بان الشیء و ابان و استبان و تبیّن ، اذا ظهر .
وجاء عن التوراة :
نَزَّلَ عَلَیْکَ الکِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ وَأنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإنْجِیلَ3_آل عمران.
وعن النبی عیسی علیه السلام جاء: وَیُعَلِّمُهُ الکِتَابَ وَالحِکْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنجِیلَ 48_آل عمران.
وَکَیْفَ یُحَکِّمُونَکَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِیهَا حُکْمُ اللّهِ_المائدة43 .
ص: 177
( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِیها هُدیً ونُورٌ )_المائدة 44 .
قال ابن حجر العسقلانی: وقد غضب علیه السلام حین رأی مع عمر صحیفة فیها شئ من التوراة وقال لو کان موسی حیا ما وسعه الا اتباعی ولولا أنه معصیة ما غضب فیه فتح الباری ج 13 / .437 .
وجاء عمر الی رسول الله فقال له رسول الله: رأیتک تکتب عن الیهود وقد نهی الله عن ذلک ؟فقال: یا رسول الله کتبت عنه ما فی التوراة من صفتک وأقبل یقرأ ذلک علی رسول الله وهو غضبان , فقال له رجل من الانصار: ویلک أما تری غضب رسول الله علیک ؟فقال أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله انی انما کتبت ذلک لما وجدت فیه من خبرک ؟
فقال له رسول الله: یا فلان (عمر) لو أنَّ موسی بن عمران فیهم قائماً ثم أتیته رغبة عما جئت به لکنت کافراً بما جئت به وهو قوله تعالی: (اتخذوا ایمانهم جنة )أی حجاباً بینهم وبین الکفار وایمانهم إقرار باللسان فرقاً من السیف ورفع الجزیة ((1)).
ص: 178
کان عمر ما زال معتمداً علی صحَّة الکتب (الصحف الیهودیة )قبل اسلامه وبعده , بالرغم ممَّا قاله الرسول صلی الله علیه و آله من کذب هذه الکتب وتزویرها بواسطة الیهود فقال النبی صلی الله علیه و آله لعمر:
یا ابن الخطاب امتهوکون أنتم کما تهوکت الیهود والنصاری , وذلک ردّاً علی قول عمر لرسول الله صلی الله علیه و آله : إن أهل الکتاب یحدِّثونا بأحادیث قد أخذت بقلوبنا وقد هممنا ان نکتبها ((1)) .
وروی الشعبی وأحمد عن جابر بن عبد الله , أن عمر بن الخطاب أتی النبی صلی الله علیه و آله بکتاب أصابه من بعض أهل الکتاب , فقرأه علی النبی فغضب صلی الله علیه و آله وقال: أمتهوکون کما تهوکت الیهود والنصاری ؟ والذی نفسی بیده لو أن موسی حیّاً ما وسعه إلاّ أن یتَّبعنی((2)) .
ص: 179
وفی روایة: فغضب النبی وقال صلی الله علیه و آله : لقد جئتکم بها بیضاء نقیة لا تسألوا أهل الکتاب عن شی فیخبروکم بحق فتکِّذبوا به أو بباطل فتصدِّقوا به .
وفی کنز العمال عن عمر قال: سألت رسول الله صلی الله علیه و آله عن تعلّم التوراة ؟ قال صلی الله علیه و آله : لا تتعلمها وتعلَّموا ما أُنزل علیکم وآمنوا به ((1)) .
وأخرج البیهقی عن عمر بن الخطاب قائلا: سألت رسول الله صلی الله علیه و آله عن تعلّم التوراة فقال: لا تتعلّمها وآمن بها , وتعلَّموا ما أُنزل الیکم وآمِنوا به .
وأخرج ابن الضریس عن الحسن ان عمر بن الخطاب قال: یا رسول الله إن أهل الکتاب یحدِّثونا بأحادیث قد أخذت بقلوبنا , وقد هممنا أن نکتبها ( کذا ) فقال یا ابن الخطاب أمتهوکون أنتم کما تهوکت الیهود والنصاری ! أما والذی نفس محمد بیده لقد جئتکم بها بیضاء نقیة ولکنِّی أعطیت جوامع الکلم واختصر لی الحدیث .
وذکر السیوطی: أن عمر کان یأتی الیهود فیسمع منهم التوراة((2)) .
وعن أبی الدرداء قال: جاء عمر بجوامع من التوراة إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقال: یا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لی من بنی زریق , فتغیَّر وجه رسول الله صلی الله علیه و آله فقال عبد الله بن زید:
أمسخ اللهُ عقلک ألا تری الذی بوجه رسول الله صلی الله علیه و آله ؟ !
ص: 180
فقال عمر: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد نبیاً وبالقرآن إماماً . فسری عن رسول الله صلی الله علیه و آله .
ثم قال صلی الله علیه و آله : والذی نفس محمد بیده لو کان موسی بین أظهرکم ثم اتّبعتموه وترکتمونی لضللتم ضلالا بعیداً , أنتم حظِّی من الأمم , وأنا حظُّکم من النبیین((1)) .
وعن یهود بنی زریق: جاء عمر بجوامع من التوراة الی رسول الله صلی الله علیه و آله فقال: یا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لی من بنی زریق , فتغیَّر وجه رسول الله صلی الله علیه و آله , فقال عبد الله بن زید: أمسخ اللهُ عقلک ألا تری الذی بوجه رسول الله صلی الله علیه و آله .
فقال عمر: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد نبیَّاً , وبالقرآن اماماً((2))
الظاهر من هذه الروایات أن عمر کان یکرر تلاوة التوراة فی المسجد النبوی رغم الغضب النبوی علیه وتکراره الشهادات الاسلامیة .
ص: 181
{ وَهَدَیْنَاهُمَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِیمَ } 118 _سورة
الصافات.
وهو صراط محمد وآل محمد , قال النبی صلی الله علیه و آله لعلی ( علیه السلام ):
« أنت النبأ العظیم والصراط المستقیم وأنت المثل الأعلی » ((1)).
وقال عمر لابن عباس یصف الإمام علیاً ( علیه السلام ) من خلال ما سمعه من النبی وما لمسه فیه: «إنَّ احراهم أن یحملهم علی کتاب ربِّهم , وسنَّة نبیهم لصاحبک , واللهِ لئن ولیه لیحملنَّهم علی المحجة البیضاء والصراط المستقیم((2)) .
فأعظم هدایة هداها الله تعالی لموسی وهارون هدایتهما الی صراط محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله .
ص: 182
قال الامام الصادق علیه السلام : لم یبعث الله نبیاً ولا رسولا الا أخذ علیه المیثاق لمحمد بالنبوة ولعلی بالامامة((1)) .
وقال الإمام موسی الکاظم علیه السلام :ولایة علی( علیه السلام )مکتوبة فی جمیع صحف الأنبیاء((2)) .
وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : إن فی الفردوس لعینا أحلی من الشهد وألین من الزبد وأبرد من الثلج وأطیب من المسک فیها طینة خلقنا الله منها وخلق منها شیعتنا فمن لم یکن من تلک الطینة فلیس منا ولا من شیعتنا وهی المیثاق الذی أخذ الله عز وجل علیه ولایة علی بن ابی طالب((3)) .
ص: 183
القرطبی والسیوطی وابن حجر: لن یبعث الله رسولا الا بنبوة محمد ووصیه علی( علیه السلام )((1)) .
ص: 184
وقال تعالی: {صِبْغَةَ اللّهِ}: {صبغ المؤمنین بالولایة فی المیثاق((1)) .
وقال الإمام علی علیه السلام : {ما بعث الله نبیاً الا أخذ علیه العهد فی محمد وأنا وأمره أن یأخذ العهد علی قومه فیه بأن یؤمنوا به وینصروه اذا أدرکوا زمانه.
وعن فیض بن أبی شیبة ، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول ، وتلا هذه الآیة: ( وإِذْ أَخَذَ اللَّه مِیثاقَ النَّبِیِّینَ ) الآیة :
ص: 185
« لتؤمنن برسول الله صلی الله علیه و آله ، ولتنصرن علیا أمیر المؤمنین علیه السلام _ قال: نعم والله من لدن آدم وهلم جرا ، فلم یبعث الله نبیا ولا رسولا إلا رد جمیعهم إلی الدنیا حتی یقاتلوا بین یدی علی بن أبی طالب علیه السلام » ((1)).
{ وَتَرَکْنَا عَلَیْهِمَا فِی الآخِرِینَ119 }_سورة
الصافات.
وهم امّة محمّد صلی الله علیه و آله خلفنا لهما الثناء الحسن والذکر الجمیل أی أبقینا فیما بین الأمم الآخرین هذا الثناء وهو قولهم: سلام علی موسی وهارون ویذکرونهما بهذا الثناء الجمیل ویجوز أن یکون قوله: « سَلامٌ عَلی مُوسی وَهارُونَ » هو کلام اللَّه وثناؤه سبحانه علیهما بأن قلنا: « سَلامٌ عَلی مُوسی
وَهارُونَ » .
وأن الامم المتأخرة عن عصر الرسالة سوف لن تنسی عمل الانبیاء وتضحیاتهم الکثیرة فی هدایة الناس الی الایمان والعمل الصالح .
{ سَلامٌ عَلَی مُوسَی وَهَارُونَ } 120 _سورة
الصافات.
أی الثناء الجمیل والامان والنعم . بأن قلنا ( سلام علی موسی وهارون ) کما قلنا ( سلام علی نوح فی العالمین ) ولا یوجد ثناء أعظم من المدح الالهی لشخص .
ص: 186
ومن البین أن فی السلام علیهم منفردا فی أثناء السلام علی الأنبیاء والمرسلین دلالة صریحة علی کونهم فی درجة الأنبیاء والمرسلین ، ومن هو فی درجتهم لا یکون إلا إماما معصوما ، فیکون نصا فی الإمامة ، ولا أقل من کونه نصا فی الأفضلیة ، و یؤید ذلک ما نقله ابن حجر فی صواعقه عن فخر الدین الرازی أنه قال: إن أهل بیته یساوونه فی خمسة أشیاء: فی السلام قال: " السلام علیک أیها النبی " وقال: " سلام علی آل یس " وفی الصلاة علیه وعلیهم فی التشهد ، وقال ( 1 ): " طه " ((1)) أی یا طاهر ، وقال: " ویطهرکم تطهیرا ((2)) " وفی تحریم الصدقة ، وفی المحبة قال الله تعالی: " فاتبعونی یحببکم الله ((3)) وقال: " قل لا أسألکم علیه أجرا إلا المودة فی القربی ((4)) " انتهی کلامه رفع الله مقامه ((5)) .
وقال إمامهم الرازی فی تفسیره الکبیر فی تفسیر هذه الآیة الکریمة: قرأ نافع وابن عامر ویعقوب " آل یاسین " علی إضافة لفظ " آل " إلی لفظ " یاسین " والباقون بکسر الألف وجزم اللام موصولة بیاسین ، أما القراءة الأولی ففیها
ص: 187
وجوه: الأول وهو الأقرب أنا ذکرنا أنه إلیاس بن یاسین ، فکان ، الیاس آل یس ، والثانی أن آل یس آل محمد صلی الله علیه و آله ، والثالث إن یاسین اسم القرآن ((1)) .
وقال الشیخ الطبرسی: قرأ ابن عامر ونافع ورویس عن یعقوب " آل یس " وقال ابن عباس: " آل یس " آل محمد صلی الله علیه و آله ((2)) .
وقال البیضاوی: قرأ نافع وابن عامر ویعقوب علی إضافة " آل یس " لأنهما فی المصحف مفصولان فیکون یاسین أبا إلیاس ، وقیل: محمد صلی الله علیه و آله ، أو القرآن أو غیره من کتب الله ، والکل لا یناسب نظم سائر القصص ((3)) .
أقول: فظهر اتفاق الکل علی القراءة والروایة ، لکن بعضهم حملتهم العصبیة علی عد هذا الاحتمال مع مطابقته لروایاتهم مرجوحا ((4)) .
وقال نجاح الطائی: ان السلام علی محمد وأهل بیته: علی وفاطمة والحسن والحسین یبین مکانتهم العالیة عند الشیعة والسنة .
ص: 188
من صلی علیهم فی صلاته قُبلت ومن ترک الصلاة علیهم فی التشهد بطلت باتفاق علماء الشیعة والسنة والوهابیة ((1)) .
ن عبد الله بن سنان ،
عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : رد جواب الکتاب واجب کوجوب رد السلام ، والبادی بالسلام أولی بالله وبرسوله .
( 15638 ) 2_ وعنهم ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال ،
عن معاویة بن وهب عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : إن الله عز وجل قال : البخیل من بخل ( 1 ) بالسلام .
وعن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن النوفلی ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) : السلام تطوع ، والرد فریضة ((2))
وعن أبی جعفر ( علیه السلام ) قال : إن الله عز وجل یحب إفشاء السلام ((3)). وعن أبی جعفر ( علیه السلام قال : کان سلیمان ( علیه السلام ) یقول : افشوا سلام الله فإن سلام الله لا ینال الظالمین ((4)).
ص: 189
ومن أراد أن یعم الخیر علیه وعلی عائلته وارحامه وأصحابه وشیعته فلیعم فی صفوفهم السلام لینعموا بالخیر والامان والبرکة . ویحصل الطرفان علی ثواب جزیل یعمهم یوم القیامة .
{ إنَّا کَذَلِکَ نَجْزِی المُحْسِنِینَ 121 إنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِینَ } 122 _سورة الصافات.
جزی الله تعالی المحسنین بذکره لهما واکرامهما فی کتابه الکریم .
وسوف یعطیهما الجنة فی الاخرة بینما لا یحصل المحاربون للانبیاء والمنافسون لهم والحاسدون لهم الا علی الجحیم .
{ وَإنَّ إلْیَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِینَ } 123_سورة
الصافات.
اختلف فیه فقیل: هو إدریس ، عن ابن مسعود وقتادة . وقیل: هو من أنبیاء بنی إسرائیل من ولد هارون بن عمران ابن عم الیسع ، عن ابن عباس ، ومحمد بن إسحاق ، وغیرهما قالوا: إنه بعث بعد حزقیل لما عظمت الأحداث فی بنی إسرائیل ، وکان یوشع لما فتح الشام بوأها بنی إسرائیل ، وقسمها بینهم ، فأحل سبطا منهم ببعلبک ، وهم سبط إلیاس ، بعث فیهم نبیا إلیهم ، فأجابه الملک . ثم إن امرأته حملته علی أن ارتد ، وخالف إلیاس ، وطلبه لیقتله ، فهرب إلی الجبال والبراری .
وقیل: إنه استخلف الیسع علی بنی إسرائیل ، ورفعه الله تعالی من بین أظهرهم ، وقطع عنه لذة الطعام والشراب ، وکساه الریش ، فصار إنسیا
ص: 190
ملکیا أرضیا سماویا ، وسلط الله علی الملک وقومه عدوا لهم ، فقتل الملک وامرأته ، وبعث الله الیسع رسولا ، فآمنت به بنو إسرائیل ، وعظموه ، وانتهوا إلی أمره ، عن ابن عباس .
وقیل: إن إلیاس صاحب البراری ، والخضر صاحب الجزائر ، یجتمعان فی کل یوم عرفة بعرفات _تفسیر الطبرسی ,تفسیر الایة .
{ إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ألا تَتَّقُونَ 124 أتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الخَالِقِینَ } 125
:کان لهم صنم یسمونه بعلا وسأل رجل أعرابیا عن ناقة واقفة فقال: لمن هذه الناقة ؟
فقال الاعرابی: أنا بعلها وسمی الرب بعلا .
عن ابن عباس قال: إن یوشع بن نون بوأ بنی إسرائیل الشام بعد موسی علیه السلام وقسمها بینهم فسار منهم سبط ببعلبک بأرضها ، وهو السبط الذی منه إلیاس النبی ، فبعثه الله إلیهم وعلیهم یومئذ ملک فتنهم بعبادة صنم یقال له بعل ، وذلک قوله: " وإن إلیاس لمن المرسلین * إذ قال لقومه ألا تتقون * أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقین * الله ربکم ورب آبائکم الأولین * فکذبوه " وکان للملک زوجة فاجرة یستخلفها إذا غاب فتقضی بین الناس ، وکان لها کاتب حکیم قد خلص من یدها ثلاث مائة مؤمن کانت ترید قتلهم ، ولم یعلم علی وجه الأرض أنثی أزنی منها ، وقد تزوجت سبعة
ص: 191
ملوک من بنی إسرائیل حتی ولدت تسعین ولدا سوی ولد ولدها ، وکان لزوجها جار صالح من بنی إسرائیل ، وکان له بستان یعیش به إلی جانب قصر الملک ، وکان الملک یکرمه ، فسافر مرة فاغتنمت امرأته وقتلت العبد الصالح وأخذت بستانه غصبا من أهله وولده ، وکان ذلک سبب سخط الله علیهم ، فلما قدم زوجها أخبرته الخبر فقال لها: ما أصبت ، فبعث الله إلیاس النبی یدعوهم إلی عبادة الله فکذبوه وطردوه وأهانوه وأخافوه ، وصبر علیهم واحتمل أذاهم و دعاهم إلی الله تعالی فلم یزدهم إلا طغیانا ، فآلی الله علی نفسه أن یهلک الملک والزانیة إن لم یتوبا إلیه ، وأخبرهما بذلک ، فاشتد غضبهم علیه وهموا بتعذیبه وقتله ، فهرب ، منهم فلحق بأصعب جبل فبقی فیه وحده سبع سنین ، یأکل من نبات الأرض وثمار الشجر والله یخفی مکانه ، فأمرض الله ابنا للملک مرضا شدیدا حتی یئس منه ، وکان أعز ولده إلیه ، فاستشفعوا إلی عبدة الصنم لیستشفعوا له فلم ینفع ، فبعثوا الناس إلی حد الجبل الذی فیه إلیاس علیه السلام فکانوا یقولون: اهبط إلینا واشفع لنا ، فنزل إلیاس من الجبل و قال: إن الله أرسلنی إلیکم وإلی من ورائکم ، فاسمعوا رسالة ربکم ، یقول الله: ارجعوا إلی الملک فقولوا له: إنی أنا الله لا إله إلا أنا إله بنی إسرائیل الذی خلقهم ، وأنا الذی أرزقهم وأحییهم وأمیتهم وأضرهم وأنفعهم ، وتطلب الشفاء لابنک من غیری ؟ فلما صاروا إلی الملک وقصوا علیه القصة امتلأ غیظا فقال:
ص: 192
ما الذی منعکم أن تبطشوا به حین لقیتموه وتوثقوه وتأتونی به فإنه عدوی ، قالوا: لما صار معنا قذف فی قلوبنا الرعب عنه ، فندب خمسین من قومه من ذوی البطش و أوصاهم بالاحتیال له وإطماعه فی أنهم آمنوا به لیغتر بهم فیمکنهم من نفسه ، فانطلقوا حتی ارتقوا ذلک الجبل الذی فیه إلیاس علیه السلام ثم تفرقوا فیه وهم ینادونه بأعلی صوتهم ویقولون: یا نبی الله ابرز لنا فإنا آمنا بک ، فلما سمع إلیاس مقالتهم طمع فی إیمانهم فکان فی مغارة فقال: اللهم إن کانوا صادقین فیما یقولون فأذن لی فی النزول إلیهم ، وإن کانوا کاذبین فاکفنیهم وارمهم بنار تحرقهم ، فما استتم قوله حتی حصبوا بالنار من فوقهم فاحترقوا ، فبلغ الملک خبرهم فاشتد غیظه فانتدب کاتب امرأته المؤمن وبعث معه جماعة إلی الجبل وقال له: قد آن أن أتوب ، فانطلق بنا إلیه حتی یرجع إلینا یأمرنا وینهانا بما یرضی ربنا ، وأمر قومه فاعتزلوا الأصنام ، فانطلق کاتبه والفئة الذین أنفذهم معه حتی علا الجبل الذی فیه إلیاس ، ثم ناداه فعرف إلیاس صوته فأوحی الله تعالی إلیه: أن ابرز إلی أخیک الصالح وصافحه وحیه . فقال المؤمن: بعثنی إلیک هذا الطاغی وقومه ، وقص علیه ما قالوا ، ثم قال: وإنی لخائف إن رجعت إلیه ولست معی أن یقتلنی ، فأوحی الله تعالی عز وجل إلی إلیاس: ان کل شئ جاءک منهم خداع لیظفروا بک ، وإنی أشغله عن هذا المؤمن بأن أمیت ابنه ، فلما قدموا علیه شد الله الوجع علی ابنه وأخذ الموت بکظمه ورجع إلیاس سالما إلی
ص: 193
مکانه ، فلما ذهب الجزع عن الملک بعد مدة سأل الکاتب علی الذی جاء به ، فقال: لیس لی به علم ((1)) .
خاطب النبی الیاس الکافرین بالدلیل العلمی لکنهم جابهوه بالادعاءات الفارغة والارهاب والتخویف بالموت .
وهذا شان الکافرین أینما حلوا فی أرض الله تعالی یفتخرون بعبادة الاصنام ویحاربون عبادة الرحمن .
{ اللّهَ رَبَّکُمْ وَرَبَّ آبَائِکُمُ الأوَّلِینَ } 126 _سورة الصافات.
هو الوحید الذی یصدق علیه لفظ الرب والخالق والممیت والمحی .لکن الکافرین الفاسقین لا تنفع معهم هذه النصائح فیقفلون آذانهم وقلوبهم کی لا تصغی للانبیاء ولا تستمع الی الکتب السماویة .
{ فَکَذَّبُوهُ فَإنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ 127 }
تفسیر: قیل: البعل: اسم صنم کان لأهل بک من الشام ، وهو البلد الذی یقال له الآن بعلبک ، وقیل: البعل: الرب بلغة الیمن . والمعنی: أتدعون بعض البعول " فإنهم لمحضرون " أی فی العذاب" .
الاحضار یستخدم فی الامور السیئة مثل الاحضار الی المحکمة والاحضار عند السلطان والاحضار الی جهنم .
{ إلا عِبَادَ اللّهِ المُخْلَصِینَ128 } _سورة
الصافات.
ص: 194
فهؤلاء لا یحضرون الی جهنم بل یدعون الی الجنة جزاءا بما کانوا یفعلون من أعمال حسنة ومبارکة .
{ وَتَرَکْنَا عَلَیْهِ فِی الآخِرِینَ } 129 _سورة
الصافات.
أی ترکنا علیه ذکرا " جمیلا " وأثنینا علیه فی أمة محمد صلی الله علیه و آله .
{ سَلامٌ عَلَی إلِ یَاسِینَ } 130_سورة
الصافات.
:قراءتها الصحیحة :سلام علی آل یاسین .
ثم ذکر عز وجل آل محمد علیهم السلام فقال: ( وترکنا علیه فی الآخرین سلام علی آل یس ) فقال: یس محمد وآل محمد الأئمة علیهم السلام .
وقال الامام علیه السلام : یاسین محمد صلی الله علیه و آله ونحن آل یاسین((1)) .
وروی هو أیضاً قال: أخبرنا عقیل بن الحسین باسناده عن عبد الله بن عباس فی قوله تعالی: (سلام علی آل یاسین) .
قال: یعنی: علی آل محمد , ویاسین بالسریانیة: یا انسان یامحمد((2)) .
وممن روی ذلک أیضاً , الفقیه جلال الدین السیوطی الشافعی فی تفسیره((3)) .
ص: 195
: وأخرج الفقیه المالکی جار الله محمود بن عمر الزمخشری الخوارزمی الحنفی فی تفسیره بالاسناد , قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : «من مات علی حب آل محمد مات شهیداً , ألا ومن مات علی حب آل محمد مات مغفوراً له , ألا ومن مات علی حب آل محمد مات تائباً , ألا ومن مات علی حب آل محمد مات مؤمناً , ألا ومن مات علی حب آل محمد بشره ملک الموت بالجنة , ثم منکر ونکیر , ألا ومن مات علی حب آل محمد یزف إلی الجنة کما تزف العروس إلی بیت زوجها , ألا ومن مات علی حب آل محمد فتح له فی قبره بابان من الجنة , ألا ومن مات علی حب آل محمد مات علی السنة والجماعة.
ألا ومن مات علی بغض آل محمد , جاء یوم القیامة مکتوباً بین عینیه:
آیس من رحمة الله , ألا ومن مات علی بغض آل محمد مات کافراً , ألا ومن مات علی بغض آل محمد لم یشم رائحة الجنة((1)) .
والسلام الالهی علی آل یاسین یورث الرحمة والبرکة والنعمة للشیعة فتراهم یتنورون فی کل یوم رغم الضغط الناصبی علیهم .
ومن صحیح البخاری , باسناده عن کعب بن عجرة , قال: سألنا رسول الله صلی الله علیه و آله فقلنا: یارسول الله صلی الله علیه و آله کیف الصلاة علیکم أهل البیت فان الله علمنا کیف نسلم؟
ص: 196
قال صلی الله علیه و آله : قولوا «اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد کما صلیت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم إنک حمید مجید ((1)) .
ومن صحیح مسلم باسناده قال: قلنا یارسول الله صلی الله علیه و آله أما السلام علیک فقد عرفناه , فکیف الصلاة علیک؟
فقال: صلی الله علیه و آله : قولوا اللهم صل علی محمد وآل محمد کما صلیت علی إبراهیم وآل إبراهیم ((2)) .
ومن کتاب (الفردوس) بالاسناد عن أمیر المؤمنین: قال: ما من دعاء إلا بینه وبین السماء حجاب , حتی یصلی علی النبی وعلی آل محمد , فإذا فعل ذلک انخرق ذلک الحجاب , ودخل الدعاء , فإذا لم یفعل ذلک , رجع الدعاء((3)) .
السمعانی ومن کتاب (مناقب الصحابة) . للسمعانی بالاسناد عن علی , قال: کل دعاء عن السماء محجوب حتی یصلی علی محمد وآل محمد((4)) .
ص: 197
ابن حنبل: وعن مسند ابن حنبل , باسناده عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: قولوا «اللهم اجعل صلواتک ورحمتک وبرکاتک علی محمد وعلی آل محمد کما جعلتها علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم إنک حمید مجید » ((1)) .
النسائی: وفی صحیح النسائی مثله((2)) .
ابن ماجة: وعن صحیح ابن ماجه باسناده عن ابن مسعود أنه قال: قولوا «اللهم صلِّ علی محمد وعلی آل محمد , اللهم بارک علی محمد وعلی آل محمد الخ » ((3)) .
البیهقی: وعن سنن البیهقی: أن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یقول فی الصلاة «اللهم صل علی محمد وآل محمد » الخ((4)) .
الشافعی: وعن مسند الإمام الشافعی , عن أبی هریرة أنه قال: یارسول الله صلی الله علیه و آله کیف نصلی علیک - یعنی: فی الصلاة - فقال صلی الله علیه و آله : تقولون «اللهم
ص: 198
صلِّ علی محمد وآل محمد کما صلیت علی ابراهیم وبارک علی محمد وآل محمد کما بارکت علی آل إبراهیم » ((1)) .
: وفی تاریخ بغداد للخطیب البغدادی باسناده عن علی علیه السلام قال:
قال رسول الله صلی الله علیه و آله : قولوا «اللهم صل علی محمد وآل محمد کما صلیت علی إبراهیم وبارک علی محمد وآل محمد کما بارکت علی آل
إبراهیم » ((2)) .
: وفی (کنز العمال) . للمتقی الحنفی عن النبی صلی الله علیه و آله : أن جبرئیل قال: هکذ اأنزلته عند رب العزة «اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد » الخ((3))
وقال الإمام فخر الدین الرازی: جعل الله أهل بیت نبیه محمد صلی الله علیه و آله مساویاً له فی خمسة أشیاء:
فی المحبة قال الله تعالی: (فاتبعونی یحببکم الله) . وقال لأهل بیته (قل لا أسئلکم علیه أجراً إلا المودة فی القربی) .
ص: 199
والثانی فی تحریم الصدقة , قال صلی الله علیه و آله حرمت الصدقة علیَّ وعلی أهل بیتی.
والثالث فی الطهارة , قال الله تعالی: (طه , ما أنزلنا علیک القرآن لتشقی , إلا تذکرة) . وقال لأهل بیته (ویطهرکم تطهیراً) .
والرابع فی السلام , قال: السلام علیک أیها النبی , وقال فی أهل بیته سلام علی آل یاسین.
والخامس: فی الصلاة علی الرسول وعلی الآل کما فی آخر التشهد((1)) .
الدارقطنی: وعن سنن الدارقطنی لأبی علی بن عمر الحافظ باسناده عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: من صلی صلاة لم یصل فیها علیَّ ولا علی أهل بیتی لم تقبل منه((2)) .
ابن حجر: فی الصواعق المحرقة قال الشافعی:
یا آل بیت رسول الله حبکم***فرض من الله فی القرآن أنزله
کفاکم من عظیم القدر أنکم*من لم یصلِّ علیکم لا صلاة له
وروی ابن حجر العسقلانی الشافعی فی شرحه علی صحیح البخاری بسنده عن أبی هریرة رفعه قال: من قال اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد
ص: 200
کما صلیت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم , وبارک علی محمد وعلی آل محمد کما بارکت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم , وترحم علی محمد وعلی آل محمد کما ترحمت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم شهدت له یوم القیامة وشفعت له((1)) .
وأخرج الحاکم النیسابوری فی مستدرکه علی الصحیحین بسنده النبی صلی الله علیه و آله أنه قال «إذا تشهد أحدکم فی الصلاة فلیقل: اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد وبارک علی محمد وعلی آل محمد , وارحم محمداً وآل محمد , کما صلیت وبارکت , وترحمت علی إبراهیم وعلی آل أبراهیم إنک حمید مجید » ((2)) .
فرض الله تعالی الصلاة علی محمد وآل محمد فی تشهد الصلاة وأوجب الصلاة علیهم فی الصلاة وخارجها .
کل هذا لبیان فضلهم ومنزلتهم العالیة ودرجتهم الراقیة التی لا یصل الیها أحد من العباد .
{ إنَّا کَذَلِکَ نَجْزِی المُحْسِنِینَ 131 إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِینَ132 _سورة الصافات.
ص: 201
وفعلا أحسن الله تعالی لالیاس لایمانه وعمله المخلص فذکره باجلال فی کتابه الکریم ونصره فی مواقفه المختلفة علی أعدائه وأعد له الجنة مع الانبیاء المنتجبین .
وهذا جزاء من یتاجر مع رب العالمین من الصالحین وقد قال تعالی فی حق المؤمنین قوله:
{ فَمَنْ یُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا یَخَافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً } 13 _سورة الجن .
{ وَمَنْ یُؤْمِنْ بِاللّهِ یَهْدِ قَلْبَهُ وَاللّهُ بِکُلِّ شَیْء عَلِیمٌ }11_سورة التغابن .
{ وَمَنْ یَتَّقِ اللّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً2* وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لا یَحْتَسِبُ وَمَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللّهَ بَالِغُ أمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِکُلِّ شَیْء قَدْراً 3 } _سورة الطلاق.
{وَإنَّ لُوطاً لَمِنَ المُرْسَلِینَ 133 إذْ نَجَّیْنَاهُ وَأهْلَهُ أجْمَعِینَ134 }_سورة الصافات.
أنقذ الله تعالی النبی لوطا وأهله من العذاب النازل بقومه الکافرین مما یبین بأن العذاب الالهی لا یجمع الکافرین والمؤمنین .
وبعدما خرج النبی لوط وأهله من المدینة نزل علیهم العذاب الالیم .
{ إلا عَجُوزاً فِی الغَابِرِینَ135 }_سورة
الصافات.
وبقی من أهله زوجته الکافرة الداعمة للکفر والشذوذ والناشرة لثقافة الانحلال الاخلاقی والفساد الاجتماعی والالحاد الاعتقادی .
ص: 202
وقد وقفت الکثیر من أزواج الانبیاء معارضات للنبوة والتوحید والشریعة .والمنطق القرآنی السماوی یدعو الی فضح أزواج الانبیاء اللاتی حاربن الدین والانبیاء وفضحهن فی الامم الاسلامیة وغیرها کی تبتعد النساء عن هذا المنهج الابلیسی .
والمنهج القرآنی قائم علی فضح نساء الانبیاء العاصیات والخطاب فی سورة التحریم موجّه إلی اثنتین فقط إذ قال تعالی:
{ إِنْ تَتُوبَا إِلَی اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَیْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِیلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمَلاَئِکَةُ بَعْدَ ذَلِکَ ظَهِیرٌ عَسَی رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَکُنَّ أَنْ یُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَیْراً مِنْکُنَّ } ((1)).
وفی هذه العبارات تهدید وإنذار لاثنین من نساء النبی هما عائشة وحفصة .
قال البخاری عن ابن عباس :
مکثت سنة أُرید أن أسأل عمر بن الخطّاب عن آیة فما أستطیع أن أسأله هیبة له ، حتّی خرج حاجّاً فخرجت معه فلمّا رجعت وکنّا ببعض الطریق عدل إلی الأراک لحاجة له قال: فوقفت له حتّی فرغ ثمّ سرت معه فقلت له:
ص: 203
یاأمیر المؤمنین من اللتان تظاهرتا علی النبی ( صلی الله علیه و آله ) من أزواجه ؟ فقال: تلک حفصة وعائشة ((1)).
وذکر مسلم عن ابن عباس قال :
کنت أُرید أن أسأل عمر عن المرأتین اللتین تظاهرتا علی عهد رسول الله ( صلی الله علیه و آله )فلبثت سنة ما أجد له موضعاً حتّی صحبته إلی مکّة ، فلمّا کان بمرّ الظهران ((2)) ذهب یقضی حاجته . فقال: أدرکنی بأداوة ((3)) من ماء . فأتیته بها . فلمّا قضی حاجته ورجع ذهبت أصبُّ علیه . وذکرت فقلت له: یاأمیر المؤمنین ! من المرأتان ؟ فما قضیت کلامی حتّی قال: عائشة وحفصة((4)) .
ص: 204
وکان قد نزل فی حقها هذه الایة:
: { وَقَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِیَّةِ الاُْولَی} ((1)).
واخبر جبرائیل بخروج عائشة لمحاربة الامام علی علیه السلام فی البصرة فقال النبی لعائشة أمام باقی نسائه:
« کأنّی بک تنبحک کلاب الحوأب إیّاک أن تکونی أنت یاحمیرا ((2)) تقاتلین علیّاً وأنتِ له ظالمة »((3)).
ص: 205
لقد حذر النبی محمد صلی الله علیه و آله عائشة من التبرج والخروج لمحاربة الامام علی علیه السلام : فتنبحها کلاب الحوأب .
لکن عائشة خالفت الایة القرآنیة وعصت الانذار النبوی وخرجت لمحاربة الامام علی علیه السلام فی البصرة متسببة فی مقتل ثلاثة وثلاثین ألف شخص فی المعرکة ((1)) .
ولقد أصبحت زوجة لوط عجوزا وهی تحارب لوطا وتؤید شذوذ قومها وکانت عائشة عجوزا حینما قادت الامویین فی المدینة لمنع دفن الامام الحسن علیه السلام مع جده رسول الله .
{ ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِینَ136 } _سورة
الصافات.
ص: 206
دمر الله تعالی قوم بنی لوط الفاسقین دمارا کاملا غضبا منه علی أهل الشذوذ المارقین من الدین .
لقد اختلف أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله فی کیفیة حد اللواط بعد اتفاقهم علی إقامته ((1)) .
أبو بکر : قال: یقتلان بالسیف حدا . ثم یحرقان بالنار ، زجرا لهما ، وتحویفا لغیرهما .
قال الحافظ المنذری: حرَّق اللوطیة بالنار أبو بکر ، وعلی علیه السلام ، وعبد الله بن الزبیر ، وهشام بن عبد الملک ، وذلک بعد قتلهم بالسیف أو الرجم بالحجارة .
وأما حق مرتکب هذه الجریمة ، ومقارف هذه الرذیلة الذمیمة ، فیعاقب عقوبة یصیر بها عبرة للمعتبرین ، ویعذب تعذیبا یکسر شهوة الفسقة المتمردین ، فحقیق بمن أتی بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمین أن یصلی من العقوبة بما یکون فی الشدة ، والشناعة مشابها لعقوبتهم ، وقد خسف الله بهم القری وجعل عالیها سافلها ، وأمطر علیهم حجارة من سجیل
ص: 207
، واستأصل بذلک العذاب بکرهم ومحصنهم ، وصغیرهم ، وکبیرهم ، ونساءهم ورجالهم جزاء ارتکابهم هذه الفاحشة وسماهم القرآن ظلمة ، ظلموا أنفسهم وظلموا الإنسانیة کلها بهذا العمل الشنیع ، فقال تعالی فی کتابه العزیز ( فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِیَها سافِلَها ، وأَمْطَرْنا عَلَیْها حِجارَةً مِنْ سِجِّیلٍ مَنْضُودٍ ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّکَ وما هِیَ مِنَ الظَّالِمِینَ بِبَعِیدٍ ) ( هود ، 82_ 83 ) .
وروی عن ابن عباس أنه قال: ینکسان من مکان مرتفع مثل جبل شاهق ، أو بناء مرتفع ویهدم علیهما بالجدار ، ویتبعان بالأحجار حتی یموتا ، کما حصل لقوم لوط .
وروی عن عبد الله بن الزبیر أنه قال: یحبسان فی أنتن المواضع حتی یموتا نتنا .
ولکن الراجح من هذه الآراء أن حد الرجم مطلقا ، بکرا کان أو ثیبا . فإن الله تعالی شرع فیه الرجم علی الأمم السابقة فقال تعالی فی شأن قوم لوط ( لِنُرْسِلَ عَلَیْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِینٍ ) ولأن القرآن الکریم سماهم فسقة خارجین عن حدود الدین ، وتعالیم الشارع الحکیم فقال تعالی :( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) وقال تبارک وتعالی :( إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلی أَهْلِ هذِه الْقَرْیَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما کانُوا یَفْسُقُونَ ) (
العنکبوت ، 33 ) ولأن الرسول صلی الله علیه و آله لعن اللائط ، وأخبر عنه بأنه مطرود من رحمة الله تعالی فقد روی النسائی فی صحیحه أن
ص: 208
رسول الله صلی الله علیه و آله قال: « لعن الله من عمل عمل قوم لوط » واللعن هو الطرد من رحمته ، ولأن هذا المنکر من الفواحش التی تقوض دعائم الأمم ، وتهلک المجتمع ، وتفسد شبابه ونساءه ، ولهذا کان الحد فیه مشددا عن غیره فقال رسول الله صلی الله علیه و آله « ما نقض قوم العهد إلا کان القتل بینهم ، ولا ظهرت الفاحشة فی قوم إلا سلط الله علیهم الموت » وروی الترمذی بسند صحیح أن النبی صلی الله علیه و آله قال: « أخوف ما أخافه علی أمتی عمل قوم لوط » ورواه ابن ماجة والترمذی وقال حدیث حسن غریب ، وروی عن أنس أنه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « إذا استحلت أمتی خمسا ، فعلیهم الدمار: إذا ظهر التلاعن ، وشربوا الخمر ، ولبسوا الحریر ، واتخذوا القیان ، واکتفی الرجال بالرجال والنساء بالنساء » رواه البیهقی فی صحیحه.
وجاء عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: « الذی عمل عمل قوم لوط فارجموا الأعلی ، والأسفل ، وارجموهما جمیعا » .
ولأن الله تعالی بین فی قوم لوط أنهم خرجوا عن مقتضی الفطرة الإنسانیة ، وما اشتملت علیه من الغریزة الجنسیة من الحکمة التی یقصدها الإنسان العاقل ، والحیوان الأعجم ، فسجل علیهم أنهم یبتغون من عملهم هذا الشهوة ، ویقصدون اللذة وجها بل إنهم أخس درجة من العجماوات (الحیوانات)، وأضل سبیلا ، فإن ذکورها تطلب إناثها بدافع الشهوة لأجل
ص: 209
النسل الذی یحفظ به نوع کل منها ، فهو قصد شریف فاذا حملت الأنثی فلا یقربها ، ولا ینزو الذکر علی الذکر أبدا .
ولهذا وصفهم الله تعالی بأنهم مسرفون ، وأنهم مجرمون ، وأنهم ظالمون ، وأنهم مرنوا علی عمل السیئات ، قال تعالی ( أَتَأْتُونَ الذُّکْرانَ مِنَ الْعالَمِینَ ، وتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ أَزْواجِکُمْ ، بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ )
آیة 165 ، 166 من الشعراء .وقال تعالی ( قالَ رَبِّ انْصُرْنِی عَلَی الْقَوْمِ الْمُفْسِدِینَ ، ولَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِیمَ بِالْبُشْری قالُوا إِنَّا مُهْلِکُوا أَهْلِ هذِه الْقَرْیَةِ إِنَّ أَهْلَها کانُوا ظالِمِینَ ) آیة 30 و 31 من العنکبوت. وقال تعالی ( إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلی أَهْلِ هذِه الْقَرْیَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما کانُوا یَفْسُقُونَ ) آیة 34 من العنکبوت وقال تعالی :( ولُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِه أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَکُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِینَ ، إِنَّکُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ، وما کانَ جَوابَ قَوْمِه إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْیَتِکُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ یَتَطَهَّرُونَ ، فَأَنْجَیْناه وأَهْلَه إِلَّا امْرَأَتَه کانَتْ مِنَ الْغابِرِینَ ، وأَمْطَرْنا عَلَیْهِمْ مَطَراً ، فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِینَ ) آیات 80 ، 81 ، 82 ، 83 ، 84 ، من سورة الأعراف .
فان عاقبة المجرمین لا تکون الا وبالا علیهم ، ویستحقون أشد العذاب جزاء ما ارتکبوا هذه الفاحشة الشنیعة .
ص: 210
روی الطبرانی فی صحیحه عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: « إذا ظلم أهل الذمة ، کانت الدولة دولة العدو ، وإذا کثر الزنا ، کثر السباء ، وإذا کثر اللواط رفع الله یده عن الخلق فلا یبالی فی أی واد هلکوا » رواه جابر بن عبد الله الأنصاری .
فاللواط من الأسباب التی تؤدی بالأمم ، وتهلک الشعوب ، وتجعل أهلها محرومین من معونة الله وعنایته ، لأنه یدعهم إلی أنفسهم ویترکهم فی شهواتهم یعمهون ، ویرفع عنهم ولایته ومعونته ، وتأییده ونصره .
وروی الترمذی عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله علیه السلام « لا ینظر الله عز وجل الی رجل أتی رجلا ، أو امرأة فی دبرها » رواه النسائی .
وروی الطبرانی فی الأوسط عن أبی هریرة أنه قال: قال :
رسول الله صلی الله علیه و آله « ثلاثة لا تقبل له شهادة أن لا إله إلا الله: الراکب والمرکوب ، والراکبة والمرکوبة ، والامام الجائر ».
اللواط یستوجب لعنة الله
حقا أن اللواط یستوجب لعنة الله وغضبه ، ولعنة الملائکة ، والناس أجمعین ، لأنه فعل شاذ یتنافی مع العقل السلیم ، والذوق المستقیم ویدل علی أن صاحبه قد خلع جلباب الحیاء والمروءة ، وتخلی عن سائر صفات أهل الشهامة ، وتجرد حتی من عادات البهائم ، بل أقبح وأفظع من العجماوات ، فناهیک برذیلة تتعفف عنها الکلاب والحمیر والخنازیر ، فکیف یلیق فعلها
ص: 211
ممن هو فی صورة کبیرة ، أو غنی أو عظیم ، کلا ، بل هو أسفل من قدره ، وأشأم من خبره . وأنتن من الجیفة القذرة ، وأحق بالشرور ، وأولی بالفضیحة من غیره ، وأهل للخزی والعار ، فإن القاتل ، والسارق ، والزانی ، لا یکون فی نظر المجتمع مثل اللائط بل یکونون أحسن منه حالا ، وأشرف بالنسبة له . لأنه خائن لعهد الله تعالی وما له من الأمانة فبعدا وسحقا ، وهلاکا فی جهنم وبئس المصیر ، ولهذا شدد علماء الإسلام فی البعد عن هذه الجریمة ، من إطالة النظر إلی الغلام الأمرد ولا سیما إن کان صاحب صورة جمیلة . وبعضهم اشترط فی تحریمها أن تکون بشهوة لأنها ذریعة الفاحشة ، ومهیجة للشهوة الکامنة .
فعن الحسن بن ذکوان أنه قال: لا تجالسوا أولاد الأغنیاء ، فإن لهم صورا جمیلة کصورة النساء ، وهم أشد فتنة من النساء .
وعن النجیب بن السدی أنه قال: « کان یقال لا یبیت الرجل فی بیت مع المرد » ، وعن ابن سهل أنه قال: سیکون فی هذه الأمة قوم یقال لهم اللوطیون ، وهم علی ثلاثة أصناف: صنف ینظرون ، وصنف یصافحون ، وصنف یعملون ذلک العمل .
وعن مجاهد أنه قال: لو أن الذی یعمل ذلک العمل ( یعنی عمل قوم
لوط ) اغتسل بکل قطرة نزلت من السماء ، وکل قطرة فی باطن الأرض ، لم یزل نجسا حتی یتوب من ذنبه .
ص: 212
وجاء رجل إلی مجلس الإمام أحمد بن حنبل . ومعه صبی حسن الوجه ، جمیل الصورة . فقال له الإمام ، من هذا منک ؟ قال: ابن أختی ، قال له: لا تجیء به هنا مرة ثانیة ، ولا تمشی معه فی الطریق ، لئلا یظن بک ، من لا یعرفک ، ویعرفه .
ودخل سفیان الثوری ، الحمام العام ، فدخل علیه صبی حسن الوجه ، عاری الجسد ، فصرخ وأغمض عینیه وقال: أخرجوه عنی أخرجوه ، فإنی أری مع کل امرأة شیطانا وأری مع کل صبی وأمرد بضعة عشر شیطانا .
واوجب الشافعی عقوبة القتل علی الفاعل والمفعول فی اللواط ((1)).
وهو علی ضربین أحدهما: إیقاع الفعل فیما سوی الدبر من الفخذین ففیه
جلد مائة للفاعل والمفعول به إذا کانا عاقلین بالغین ، ولا یراعی فی جلدهما عدم الإحصان ولا وجوده_ کما یراعی ذلک فی الزنی_ بل حدهما الجلد علی هذا الفعل دون ما سواه .
والثانی الإیلاج فی الدبر ففیه القتل سواء کان المتفاعلان علی الإحصان أو علی غیر الإحصان .
ولا یجب حد اللواط إلا بإقرار ، أو شهادة أربعة رجال مسلمین عدول بالرؤیة للفعال .
ص: 213
فإن شهد الأربعة علی رؤیتهما فی إزار واحد مجردین من الثیاب ، ولم یشهدوا برؤیة الفعال ، کان علی الاثنین الجلد دون الحد_ تعزیرا ، وتأدیبا_ من عشرة أسواط إلی تسعة وتسعین سوطا بحسب ما یراه الحاکم من عقابهما فی الحال ، وبحسب التهمة لهما ، والظن بهما السیئات .
وإن شهدوا برؤیة الفعال دون الإیقاب کان علی کل واحد منها جلد مائة کما ذکرناه .
فإن شهدوا برؤیة الإیقاب ، وعاینوا الفعل ، کالمیل فی المکحلة، کان الحد هو القتل علی ما قدمناه .
والإمام مخیر فی القتل بین أن یستعمل فیه السیف فیضرب عنق المحدود ، وبین أن یلقی علیه جدارا یتلف نفسه تحته ، أو یلقیه من فوق جدار یکون هلاکه بذلک الإلقاء ، أو یرمیه بالأحجار حتی یموت ، بذلک ثبت الخبر عن أمیر المؤمنین علیه السلام ((1)) .
ومما انفردت به الإمامیة القول: بأن حد اللوطی إذا أوقع الفعل فیما دون الدبر بین الفخذین مائة جلدة للفاعل والمفعول به إذا کانا معا عاقلین بالغین لا یراعی فی جلدهما وجود الإحصان ، کما روعی فی الزنا ، فأما الإیلاج فی الدبر فیجب فیه القتل من غیر مراعاة أیضا للإحصان فیه ، والإمام مخیر فی القتل بین السیف وضرب عنقه به وبین أن یلقی علیه جدارا یتلف نفسه
ص: 214
بإلقائه أو بأن یلقیه من جدار أو جبل علی وجه تتلف معه نفسه بإلقائه أو یرمیه بالأحجار حتی یموت .
وقد انفردت الإمامیة انفرادا صحیحا ولا موافق لها فی هذا ، فإنه وإن روی عن مالک واللیث بن سعد فی المتلوطین أنهما یرجمان أحصنا أو لم یحصنا ((1)) .
فهذه لعمری موافقة للإمامیة من بعض الوجوه ولم یفصلا هذا التفصیل الذی شرحناه وما أظنهما یوجبان علی من لم یکن فعله فی نفس الدبر جلدا ولا غیره .
وقال أبو حنیفة فی اللوطی: إنه یعزر ولا یحد ((2)) .
وقال البتی وأبو یوسف ومحمد وابن حی والشافعی: إن اللواط بمنزلة الزنا ((3)) وراعوا فیه الإحصان الذی یراعونه فی الزنا ((4)) .
ص: 215
وأن عقوبة " اللواط " فی الإسلام هو القتل والإعدام ولیست الإیذاء والجلد ، ولیس ثمة أی دلیل علی انتساخ الحکم المذکور فی الآیة الحاضرة .
ثم إن الله سبحانه بعد ذکر هذا الحکم یشیر إلی مسألة التوبة والعفو عن مثل هؤلاء العصاة ، فیقول: فإن تابا ، وأصلحا ، فأعرضوا عنهما أن الله کان توابا رحیما .
{ وَإنَّکُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَیْهِمْ مُصْبِحِینَ 137 وَبِاللَّیْلِ أفَلا تَعْقِلُونَ} 138_سورة الصافات.
قوافل قریش کانت تمر علی مدینة لوط المنکوبة قرب مدینة الزرقاء فی الشام صباحا ومساءا فلا یعتبرون ولا یتعظون .
والکفار لا یتعظون بالبلاء النازل بالامم الفاسقة العاصیة لله تعالی .
{ وَإنَّ یُونُسَ لَمِنَ المُرْسَلِینَ 139 إذْ أبَقَ إلَی الفُلْکِ المَشْحُونِ } 140 _سورة الصافات.
أبق: أبق . وفتح الباء أفصح الإباق: الهرب .
قال الزهری: هو هرب العبد من سیده . وقال الخلیل: هرب العبد من سیده من غیر خوف ولا کد عمل وقال ابن حزم: لیس الإباق لفظا موقوفا علی الممالیک الذین لنا فقط . برهان ذلک قول الله تعالی ( وإن یونس لمن المرسلین إذ أبق إلی الفک المشحون ) فقد سمی الله تعالی فعل یونس
ص: 216
رسوله علیه السلام _ وهو حر بل لکل حر وعبد . وبالله تعالی التوفیق . الآبق: الهارب . ( ج ) أباق .
یونس ( علیه السلام ) ( إذ أبق إلی الفلک المشحون ) ((1)) أیضا باعتبار أن فراره من قومه کان بغیر إذن ربه ، فحسن اطلاق الإباق علیه ، فکأنه أبق من مولاه.
ولا یخفی أیضا أن مطلق الفرار من المولی_ ولو للفرار من ظلمه_ لیس إباقا ، فضلا عما إذا غاب عنه لمصلحة تعود إلی العبد ، بل الإباق هو الفرار بعنوان التمرد والخروج عن سلطان المولی ، ومقتضی تحقق النسبة ولو بفعله مرة واحدة تحقق الإباق بلا حاجة إلی التکرار ، إذ لیس المبدأ من المبادئ المتضمنة للملکة ونحوها حتی یتوقف صدق المشتق منه علی صیرورته عادة وخلقا له ، إلا أن الروایة الآتیة المتضمنة لکونه موجبا للرد أخذ فیها الإباق بالعنوان الوصفی ، حیث قال ( علیه السلام ): ( إلا أن یقیم البینة علی أنه کان آبقا عنده ) وصدق الوصف فی مثله عرفا یتوقف علی نحو ثبات واستقرار لا یتحققان بلا تکرار ، إلا أن الظاهر عرفا أن الفرار فی یوم أو یومین لا یعد أباقا ، بخلاف ما إذا فر من مولاه شهرا أو أکثر فإنه یصدق الإباق مع أنه مرة واحدة .
ص: 217
وأما کونه عیبا عرفا ففی الجواهر أنه بحکم التالف ، وأنه أبلغ من السرقة لغیره ، فإنه سرقة لنفسه ((1)) .
ومن یجوز الصغیرة علی الأنبیاء قال: قد وقع ذلک صغیرة مکفرة ((2)).
{ فَسَاهَمَ فَکَانَ مِنَ المُدْحَضِینَ } 141 _سورة
الصافات.
یستفاد من الآیة ان یونس لما هرب من قومه ورکب الفلک المشحون ، ای السفینة المملوئة من الناس والأثقال ، قارع فوقعت القرعة علیه ؛ وهذا المعنی علی إجماله المستفاد من الآیة یدل علی مشروعیة القرعة فی الأمم السالفة إجمالا ، ویمکن استفادة مشروعیتها فی شرعنا أیضا . باعتبار عدم ورود الخلاف فیه .
وتفصیل الحال فی مورد الآیة علی ما یستفاد من بعض الأخبار والتواریخ وکلمات المفسرین ان یونس علیه السلام لما غضب علی قومه دعا علیهم بالعذاب فاستجیب له ، فوعده اللَّه ان یعذبهم وعین له وقتا ففر یونس منهم مخافة ان یأخذه العذاب بغتة ، وظن أن اللَّه لا یقدر علیه_ ای لا یضیق علیه حاله_ ولکن اللَّه أراد التضییق علیه لترکه ما کان أولی فی حقه وهو عدم الدعاء علیهم ، والصبر أکثر مما صبر .
ص: 218
وفی بعض الروایات عن الصادق علیه السلام انه کان فی قومه رجلان: عالم وعابد فکان العابد یشیر علی یونس بالدعاء علیهم ، وکان العالم ینهاه ویقول لا تدع علیهم ، فان اللَّه یستجیب لک ولا یحب هلاک عباده فقبل قول العابد ولم یقبل من العالم » فلعل التضییق علیه کان من هذه الناحیة .
ثمَّ انه لما اتی ساحل البحر فإذا بسفینة شحمت ، وأرادوا أن یدفعوها ؛ فسألهم یونس ان یحملوه فحملوه ، فلما توسط البحر بعث اللَّه حوتا عظیما فحبس علیهم السفینة من قدامها ، وقیل إن السفینة احتبست بنفسها ، فقال الملاحون « ان هاهنا عبدا آبقا وان من عادة السفینة إذا کان فیها آبق لا تجری » وقیل إنهم أشرفوا علی الغرق فرأوا انهم ان طرحوا واحدا منهم فی البحر لم یغرق الباقون .
وعلی کل حال اقترعوا فوقعت القرعة علی یونس ثلاث مرات ، فعلموا انه المطلوب فألقوه فی البحر ، وفی روایة ان أهل السفینة لما رأوا الحوت قد فتح فاه قدام السفینة قالوا فینا عاص ، فتساهموا فخرج سهم یونس فألقوه فی البحر فالتقمه الحوت ثمَّ لا یخفی ان الفاعل فی قوله تعالی « فَساهَمَ » هو یونس فهو دلیل علی تسلیمه للقرعة واشتراکه فی فعلها وعدم الإنکار علیهم ، فلو لم یکن فی شرعه جائزا لما أقدم هو علیها .
وفی تفسیر العیاشی عن الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام ان یونس لما آذاه قومه دعا اللَّه علیهم_ إلی أن قال_ فساهمهم فوقعت السهام علیه فجرت السنة
ص: 219
بأن السهام إذا کانت ثلاث مرات انها لا تخطی الحدیث وهذا دلیل واضح علی إمضاء هذا الحکم فی شرعنا أیضا ولکن هنا أمران :
أحدهما_ أن القرعة فی هذه الواقعة لو کانت لاستکشاف آبق أو عاص أو مطلوب بین أهل السفینة ، کما فی غیر واحد من الروایات والتفاسیر الواردة من طرق أهل البیت علیه السلام ، فهو من الأمور المشکلة التی لها واقع ثابت مجهول ، اما لو کانت العلة فیها عدم وجود مرجح فی إلقاء بعضهم لتخفیف السفینة بعد ان ثقلت علیهم وأشرفوا علی الغرق ، فهو من الأمور المشکلة التی لا واقع لها مجهول ، ولکن الأظهر بحسب الروایات والتفاسیر هو الأول .
ثانیهما_ ان ظاهر الآیة جواز الاقدام علی هلاک أحد بالقرعة عند الضرورة أو شبهها ، فهل هذا أمر جائز یمکن الحکم بمقتضاه حتی فی هذه الشریعة ولو اجتمع فیه جمیع الشرائط التی اجتمعت فی أمر یونس علیه السلام أولا ؟ والمسئلة لا تخلو عن اشکال .
{ فَالتَقَمَهُ الحُوتُ وَهُوَ مُلِیمٌ } 142_سورة الصافات.
ص: 220
قال أمیر المؤمنین: إنَّ الله عرض ولایتی علی أهل السماوات وعلی أهل الارض أقرَّ بها من أقرَّ , وأنکرها من أنکر , أنکرها یونس فحبسه الله فی بطن الحوت حتی أقرَّ بها ((1)) .
وقال الطبرسی: داخلٌ فی الملامَةِ علی خروجِهِ من بین قَومِهِ من غَیْرِ أَمْرِ ربِّهِ .الطوسی: خاف یونس من وقوع العذاب علی قومه فخرج منهم ورکب السفینة مع جماعة فلم تتحرک وفی روایة لاحقهم حوت فخافوا فاقترعوا بینهم فی القاء واحد منهم الیها فکان من المدحوضین: اذ وقع السهم علی یونس فألقوه فی البحر فابتلعه الحوت .
وهو ملیم: معناه أتی بما یلام علیه ، وإن وقع مکفرا عند من قال بتجویز الصغائر علی الأنبیاء ، وعندنا قد یلام علی ترک الندب ((2)) .
واختلف فی مدة لبثه فی بطن الحوت فقیل: کان ثلاثة أیام ، عن مقاتل بن حیان ، وقیل: سبعة أیام ، عن عطاء ، وقیل: عشرین یوما ، عن الضحاک ، وقیل: أربعین یوما ، عن السدی ومقاتل بن سلیمان والکلبی " فلولا أنه کان من المسبحین " أی کان من المصلین فی حال الرخاء فنجاه الله عند البلاء ،
ص: 221
عن قتادة ، وقیل: کان تسبیحه أنه کان یقول: " لا إله إلا أنت سبحانک إنی کنت من الظالمین " عن سعید بن جبیر .
وقیل: " من المسبحین " أی من المنزهین الله عما لا یلیق به " للبث فی بطنه إلی یوم یبعثون " أی لصار بطن الحوت قبرا له إلی یوم القیامة " فنبذناه بالعراء " أی طرحناه بالمکان الخالی الذی لا نبت فیه ولا شجر ، وقیل: بالساحل ، ألهم الله الحوت حتی قذفه ورماه من جوفه علی وجه الأرض " وهو سقیم " أی مریض حین ألقاه الحوت " وأنبتنا علیه شجرة من یقطین " وهو القرع ، عن ابن مسعود ، وقیل: هو کل نبت یبسط علی وجه الأرض ولا ساق له ، عن ابن عباس والحسن .
وروی ابن مسعود قال: خرج یونس من بطن الحوت کهیئة فرخ لیس علیه ریش ، فاستظل بالشجرة من الشمس " وأرسلناه إلی مائة ألف أو یزیدون " قیل: إن الله سبحانه أرسله إلی أهل نینوی من أرض الموصل ، عن قتادة ، وکانت رسالته هذه بعدما نبذه الحوت ، عن ابن عباس ، فعلی هذا یجوز أن یکون أرسل علی قوم بعد قوم ، ویجوز أن یکون أرسل إلی الأولین بشریعة فآمنوا بها ((1)) .
وولایة علی علیه السلام واجبة علی الانبیاء وقد أصبح یونس نبیا بعدما آمن وبایع الامام علیا علیه السلام کما جاء فی النصوص:
ص: 222
وقال القرطبی والسیوطی وابن حجر: لن یبعث الله رسولا الا بنبوة محمد ووصیه علی( علیه السلام ) ((1)) .
ص: 223
اذن مشکلة یونس انه ترک الاولی فی خروجه من قومه قبل مجیء الامر السماوی بالخروج , لکنه خرج خوفا من وقوع العذاب علیهم بسبب کفرهم.
{ فَلَوْلا أنَّهُ کَانَ مِنَ المُسَبِّحِینَ 143 لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ إلَی یَوْمِ
یُبْعَثُونَ } 144 _سورة الصافات.
ص: 224
تسبیح یونس نفعه اذ أخرجه تعالی من بطن الحوت الی شاطیء البحر . قال المأمون للامام علی الرض علیه السلام : لله درک یا أبا الحسن فأخبرنی عن قول الله عز وجل: ( وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر علیه ) .فقال الرضا علیه السلام :
ذاک یونس بن متی علیه السلام ذهب مغاضبا لقومه فظن بمعنی استیقن ( ان لن نقدر علیه ) أی لن نضیق رزقه ومنه قوله عز وجل: ( وأما إذا ما ابتلاه فقدر علیه رزقه ) أو ضیق وقتر ( فنادی فی الظلمات ) أی ظلمة اللیل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ( ان لا اله إلا أنت سبحانک انی کنت من الظالمین ) بترکی مثل هذه العبادة التی قد فرغتنی لها فی بطن الحوت فاستجاب الله وله وقال عز وجل: ( فلولا انه کان من المسبحین للبث فی بطنه إلی یوم یبعثون ) .
فقال المأمون: لله درک أبا الحسن علیه السلام ((1)) .
سبحان الله بارئ النسم ، سبحان الله المصور ، سبحان الله خالق الأزواج کلها ، سبحان الله جاعل الظلمات والنور ، سبحان الله فالق الحب والنوی ، سبحان الله خالق کل شئ ، سبحان الله خالق ما یری وما لا یری ، سبحان الله مداد کلماته ، سبحان الله رب العالمین ، سبحان الله السمیع الذی لیس شئ أسمع منه ، یسمع من فوق عرشه ما تحت سبع أرضین ، یسمع ما فی
ص: 225
ظلمات البر والبحر ، ویسمع الأنین والشکوی ، ویسمع السر وأخفی ، ویسمع وساوس الصدور ، لا یصم سمعه صوت " ((1)) .
وعن النبی صلی الله علیه و آله : التسبیح نصف المیزان ، والحمد یملأه والتکبیر یملأ ما بین السماء والأرض ((2)) .
ویجب التسبیح فی الرکوع والسجود ، وأقل ما یجزی فی کل واحد منهما من ذلک ، تسبیحة واحدة ، ولفظه الأفضل: " سبحان ربی العظیم وبحمده " فی الرکوع ، وفی السجود: " سبحان ربی الأعلی وبحمده " ، ویجوز فیهما " سبحان الله " ویدل علی وجوبه فی الجملة الإجماع المشار إلیه وطریقة الاحتیاط ، وأیضا فکل آیة فی القرآن تقتضی بظاهرها الأمر بالتسبیح تدل علی ذلک ، لأن عموم الظاهر یقتضی دخول أحوال الرکوع والسجود فیه ، ومن أخرج ذلک منه احتاج إلی دلیل، ویدل علی استحباب اللفظ الذی ذکرناه ، الإجماع المشار إلیه ((3)) .
ص: 226
قال نجاح الطائی: لقد أوصی النبی محمد صلی الله علیه و آله ابنته فاطمة بقراءة ما سمی بتسبیحة فاطمة الزهراء: 34 الله أکبر و33 الحمد لله و 33 سبحان الله . أی التکبیر ، ثم التحمید ، ثم التسبیح .
فلم یوصها بجمع المال وکنز الذهب وادخار الفضة بل أوصاها بهذه التسبیحة التی تجمع الحسنات . بینما أصبحت أموال وعبید ودور عثمان وابن عوف وابن ابی وقاص ومعاویة وعائشة کثیرة جدا .
وقد انقسم العالم الی منهجین : منهج کنز الاموال للسیطرة علی السلطة واحتقار المحرومین والاتصاف بالبخل وهو منهج الطغاة من الفراعنة والاکاسرة والنماردة والساسة والسعودیین والوهابیین وأحبار الیهود والنصاری والمسلمین .
ومنهج الانبیاء والاوصیاء فی حیاة الکفاف والعفاف وانفاق الاموال للمستضعفین والمحتاجین وابناء السبیل والایتام والاسری ,لایجاد مجتمع متکافل فی المعیشة لا فقر فیه ولا أمراض ولا سرقات ولا محافل للقمار والخمر والمواد المخدرة والدعارة .
ومن نماذجه النبی محمد صلی الله علیه و آله والامام علی علیه السلام وتلامیذه سلمان الفارسی وحذیفة وابی ذر وعمار والمقداد وعبد الله بن مسعود وبلال الحبشی ومحمد بن ابی بکر ومعاویة الثانی بن یزید .
ص: 227
{ فَنَبَذْنَاهُ بِالعَرَاءِ وَهُوَ سَقِیمٌ 145 وَأنْبَتْنَا عَلَیْهِ شَجَرَةً مِنْ یَقْطِین} 146 _سورة الصافات.
وأنبت سبحانه نبتة یقطین بجانبه کبرت بسرعة فدفعت عنه حر الشمس أثناء ما کان غائبا عن الوعی .
قال: کهیئة الفرخ الممعوط الذی لیس له ریش .
فأنبت الله سبحانه علیه شجرة من یقطین یستظل بأوراقها ثم لما استقامت حاله أرسله إلی قومه فلبوا دعوته وآمنوا به فمتعهم الله إلی حین .
حدثنا محمد بن هارون عن أبی یحیی الواسطی عن هشام بن سالم ودرست بن أبی منصور الواسطی عنهما علیهما السلام قال الأنبیاء والمرسلون علی أربع طبقات فنبی منباء فی نفسه لا یعدو غیرها ونبی یری فی النوم ویسمع الصوت ولا یعاین فی الیقظة ولم یبعث إلی أحد وعلیه امام مثل ما کان إبراهیم علی لوط ونبی یری فی منامه ویسمع الصوت و یعاین الملک وقد ارسل إلی طائفة قلوا أو کثروا کما قال الله فأرسلناه إلی مائة الف أو یزیدون قال یزیدون ثلثین ألفا , ونبی یری فی نومه ویسمع الصوت ویعاین فی الیقظة و هو امام مثل أولی العزم وقد کان إبراهیم نبیا ولیس بامام حتی قال الله انی جاعلک للناس إماما ((1)) .
ص: 228
قال ومن ذریتی بأنه یکون فی ولده کلهم قال: لا ینال عهدی الظالمین ((1)) أی من عبد صنما أو وثنا ((2)) .
{ وَأنْبَتْنَا عَلَیْهِ شَجَرَةً مِنْ یَقْطِین }146 الصافات
ولماذا شجرة یقطین ولم تکن شجرة اخری ؟
لقد عرف العلم متأخرا بأن شجرة الیقطین لها فوائد کثیرة للمرضی وخاصة للجملة العصبیة والعضلات .
وکان یونس فی أشد الحاجة الی هذه الشجرة بعدما کان فی بطن الحوت وکانت فی حرکاتها مؤثرة تأثیرا کبیرا علی جهازه العضلی والعصبی .
قال الحسین للحسن علیهما السلام: سمعت جدی یقول :
إنما مثلکما مثل یونس إذ أخرجه الله من بطن الحوت ، وألقاه بظهر الأرض ، وأنبت علیه شجرة من یقطین ، وأخرج له عینا من تحتها ، فکان یأکل من الیقطین ، ویشرب من ماء العین ((3)) .
وروی ابن مسعود قال: خرج یونس من بطن الحوت کهیئة فرخ لیس علیه ریش ، فاستظل بالشجرة من الشمس " وأرسلناه إلی مائة ألف أو یزیدون "
ص: 229
قیل: إن الله سبحانه أرسله إلی أهل نینوی من أرض الموصل ، عن قتادة ، وکانت رسالته هذه بعد ما نبذه الحوت ، عن ابن عباس ، فعلی هذا یجوز أن یکون أرسل علی قوم بعد قوم ، ویجوز أن یکون أرسل إلی الأولین بشریعة فآمنوا بها ((1)) .
وقال نجاح الطائی: لقد أعاد الله تعالی الحیاة لیونس علیه السلام فانتعشت صحته اعتمادا علی الماء والیقطین وأصبح سالماً معافاً فارسله تعالی نبیا له الی الموصل .
وهناک قام بدوره الریادی والتبلیغی من جدید بعدما کان فی بطن الحوت نسیا منسیا . ولم یکن هذا الفتح الا بسبب اهتمام یونس بالتسبیح واستئناسه به.
وهذا الامر یشجع الانسان الضعیف المهمل والمغمور ان یکون قویا اعتمادا علی الله تعالی وأن یکون له صولات عظیمة فی الدنیا .
{وَأرْسَلْنَاهُ إلَی مِائَةِ ألْف أوْ یَزِیدُونَ 147 فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إلَی حِین } 148 _سورة الصافات.
ص: 230
قال الله تعالی لیونس: " وأرسلناه إلی مائة ألف أو یزیدون " قال: یزیدون: ثلاثین ألفا ((1)) .
ومنه کلّمته فی هذا ألف مرّة وهو من باب المبالغة المعروف لغة و عرفاً ولا یعد کذباً لکن یشترط فی إباحته أن یکون المکنّی عنه بذلک کثیراً ولا یجوز أن یقال ذلک فی القلیل .
{ َاسْتَفْتِهِمْ ألِرَبِّکَ البَنَاتُ وَلَهُمُ البَنُونَ 149 أمْ خَلَقْنَا المَلائِکَةَ إنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ 150_سورة
الصافات.
قال الکفار إن الملائکة بنات الله تعالی ولهم البنین فی الدنیا حقدا منهم علی الساحة الالهیة المقدسة .
لقد جعل الکفار البنات لله تعالی ولهم البنون فی محاولة منهم للتفضل علی خالقهم وهم عبیده !!!
وقد جسَّم هؤلاء العاصون الله تعالی ووصفوه بالفناء لانه شخص یلد ثم استمروا فی هجومهم علی الساحة الالهیة المقدسة فوصموا الملائکة جیش الله بالاناث وانهم الذکور !!!
قال الامام علی علیه السلام فی وصف الملائکة:
ص: 231
ثم خلق سبحانه لإسکان سماواته ، وعمارة الصفیح الأعلی من ملکوته ، خلقا بدیعا من ملائکته ، وملأ بهم فروج فجاجها ، وحشی بهم فتوق أجوائها ، وبین فجوات تلک الفروج زجل المسبحین منهم فی حظائر القدس ، وسترات الحجب ، وسرادقات المجد ، ووراء ذلک الرجیج الذی تستک منه الاسماع سبحات نور تردع الابصار عن بلوغها ، فتقف خاسئة علی حدودها .
وأنشأهم علی صور مختلفات ، وأقدار متفاوتات ، أولی أجنحة تسبح جلال عزته ، لا ینتحلون ما ظهر فی الخلق من صنعه ، ولا یدعون أنهم یخلقون شیئا معه مما انفرد به ، بل عباد مکرمون ، لا یسبقونه بالقول وهم بأمره یعملون . جعلهم الله فیما هنالک أهل الأمانة علی وحیه ، وحملهم إلی المرسلین ودائع أمره ونهیه ، وعصمهم من ریب الشبهات ، فما منهم زائغ عن سبیل مرضاته .
وأمدهم بفوائد المعونة ، وأشعر قلوبهم تواضع إخبات السکینة ، وفتح لهم أبوابا ذللا إلی تماجیده ، ونصب لهم منارا واضحة علی أعلام توحیده ، لم تثقلهم مؤصرات الآثام ، ولم ترتحلهم عقب اللیالی والأیام ، ولم ترم الشکوک بنوازعها عزیمة إیمانهم ، ولم تعترک الظنون علی معاقد یقینهم ، ولا قدحت قادحة الإحن فیما بینهم ، ولا سلبتهم الحیرة ما لاق من معرفته
ص: 232
بضمائرهم ، وما سکن من عظمته وهیبة جلاله فی أثناء صدورهم ، ولم تطمع فیهم الوساوس فتقترع برینها علی فکرهم .
ومنهم من هو فی خلق الغمام الدلح ، وفی عظم الجبال الشمخ ، وفی قترة الظلام الأیهم . ومنهم من قد خرقت أقدامهم تخوم الأرض السفلی ، فهی کرایات بیض ، قد نفذت فی مخارق الهواء ، وتحتها ریح هفافة تحبسها علی حیث انتهت من الحدود المتناهیة ، قد استفرغتهم أشغال عبادته ، ووصلت حقائق الایمان بینهم وبین معرفته ، وقطعهم الإیقان به إلی الوله إلیه ، ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلی ما عند غیره .
قد ذاقوا حلاوة معرفته ، وشربوا بالکأس الرویة من محبته ، وتمکنت من سویداوات قلوبهم وشیجة خیفته ، فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم ، ولم ینفد طول الرغبة إلیه مادة تضرعهم ، ولا أطلق عنهم عظیم الزلفة ربق خشوعهم ، ولم یتولهم الاعجاب فیستکثروا ما سلف منهم ، ولا ترکت لهم استکانة الاجلال نصیبا فی تعظیم حسناتهم ، ولم تجر الفترات فیهم علی طول دءوبهم ، ولم تغض رغباتهم فیخالفوا عن رجاء ربهم ، ولم تجف لطول المناجاة أسلات ألسنتهم ، ولا ملکتهم الاشغال فتنقطع بهمس الجؤار إلیه أصواتهم ، ولم تختلف فی مقاوم الطاعة مناکبهم ، ولم یثنوا إلی راحة التقصیر فی أمره رقابهم .
ص: 233
ولا تعدو علی عزیمة جدهم بلادة الغفلات ، ولا تنتضل فی هممهم خدائع الشهوات .
قد اتخذوا ذا العرش ذخیرة لیوم فاقتهم ، ویمموه عند انقطاع الخلق إلی المخلوقین برغبتهم ، لا یقطعون أمد غایة عبادته ، ولا یرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته ، إلا إلی مواد من قلوبهم غیر منقطعة من رجائه ومخافته ، لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فینوا فی جدهم ، ولم تأسرهم الأطماع فیؤثروا وشیک السعی علی اجتهادهم . لم یستعظموا ما مضی من أعمالهم ، ولو استعظموا ذلک لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم ، ولم یختلفوا فی ربهم باستحواذ الشیطان علیهم .
ولم یفرقهم سوء التقاطع ، ولا تولاهم غل التحاسد ، ولا تشعبتهم مصارف الریب ، ولا اقتسمتهم أخیاف الهمم ، فهم أسراء إیمان لم یفکهم من ربقته زیغ ولا عدول ، ولا ونی ولا فتور ، ولیس فی أطباق السماء موضع إهاب إلا وعلیه ملک ساجد ، أو ساع حافد ، یزدادون علی طول الطاعة بربهم علما ، وتزداد عزة ربهم فی قلوبهم عظمة .
قال ابن ابی الحدید المعتزلی فی تقییم النص:
هذا موضع المثل: ( إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ) ! إذا جاء هذا الکلام الربانی ، واللفظ القدسی ، بطلت فصاحة العرب ، وکانت نسبة الفصیح من کلامها إلیه ، نسبة التراب إلی النضار الخالص ، ولو فرضنا أن العرب تقدر
ص: 234
علی الألفاظ الفصیحة المناسبة، أو المقاربة لهذه الألفاظ ، من أین لهم المادة التی عبرت هذه الألفاظ عنها ، ومن أین تعرف الجاهلیة بل الصحابة المعاصرون لرسول الله صلی الله علیه و آله هذه المعانی الغامضة السمائیة ، لیتهیأ لها التعبیر عنها ! أما الجاهلیة فإنهم إنما کانت تظهر فصاحتهم فی صفة بعیر أو فرس أو حمار وحش ، أو ثور فلاة ، أو صفة جبال أو فلوات ، ونحو ذلک . وأما الصحابة فالمذکورون منهم بفصاحة إنما کان منتهی فصاحة أحدهم کلمات لا تتجاوز السطرین أو الثلاثة ، إما فی موعظة تتضمن ذکر الموت أو ذم الدنیا ، أو یتعلق بحرب وقتال ، من ترغیب أو ترهیب ، فأما الکلام فی الملائکة وصفاتها وصورها وعباداتها ، وتسبیحها ومعرفتها بخالقها وحبها له ، وولهها إلیه ، وما جری مجری ذلک مما تضمنه هذا الفصل علی طوله ، فإنه لم یکن معروفا عندهم علی هذا التفصیل ، نعم ربما علموه جملة غیر مقسمة هذا التقسیم ، ولا مرتبة هذا الترتیب ، بما سمعوه من ذکر الملائکة فی القرآن العظیم ، وأما من عنده علم من هذه المادة ، کعبد الله بن سلام وأمیة بن أبی الصلت وغیرهم ، فلم تکن لهم هذه العبارة ، ولا قدروا علی هذه الفصاحة ، فثبت أن هذه الأمور الدقیقة فی مثل هذه العبارة الفصیحة ، لم تحصل إلا لعلی علیه السلام وحده . وأقسم أن هذا الکلام إذا تأمله اللبیب اقشعر جلده ، ورجف قلبه ، واستشعر عظمة الله العظیم فی روعه
ص: 235
وخلده ، وهام نحوه وغلب الوجد علیه ، وکاد أن یخرج من مسکه شوقا ، وأن یفارق هیکله صبابة ووجدا ((1)) .
ولا یوجد فی الملائکة ذکورا واناثا انما هوافتراء رجال الجاهلیة فهم یتکلمون فیما لا یعرفون .
ومن یصف ما لا یعرف فهو جاهل ومعظم حرکات المنحرفین قائمة علی الجهل والتحلیل والخیال .
وقد استمر هؤلاء العصاة فی هجومهم علی الله تعالی وجنوده المجندة من أهل البیت فاغتصبوا خلافة الامام علی علیه السلام وعین رجال السقیفة أبا بکر خلیفة وهو نخاس (سمسار )فی مؤسسة عبد الله بن جدعان .
وعینوا عمر خلیفة وکان سمسار الحمیر :
لقد ذکر الحنبلی فی کتاب نهایة الطلب أن عمر کان قبل الاسلام نخَّاس الحمیر (سمسار) ((2)).
وجاء فی العقد الفرید: کان عمر فی الجاهلیة مبرطشاً أی سمساراً فی معاملات البیع والشراء بین البائع والمشتری((3)) .
ص: 236
{ ألا إنَّهُمْ مِنْ إفْکِهِمْ لَیَقُولُونَ 151 وَلَدَ اللّهُ وَإنَّهُمْ لَکَاذِبُونَ 152 أاصْطَفَی البَنَاتِ عَلَی البَنِینَ 153 مَا لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ 154 _سورة الصافات.
السؤال الالهی لهم: هل اصطفی تعالی البنات علی البنین لماذا تکذبون ؟
وقال نجاح الطائی: وصف الله تعالی الکافرین الفاسقین بالافتراء علیه فی وصفهم له بولادة البنات متهمین ایاه بامتلاکه زوجة خاصة به وانه اصطفی البنات علی البنین .
وهذا یعنی وصفهم له بالجسمیة وانه محتاج الی زوجة بینما قال الله تعالی فی سورة التوحید:
{ قل هو الله أحد الله الصمد لم یلد ولم یولد ولم یکن له کفوا أحد } .
اتهم الله تعالی الکافرین بالافک علیه وهی صفة ذمیمة لهم .
لکنک تری الکثیر من المسلمین یتصف بهذه الصفة الردیئة الخاصة بالکافرین , فقد اتهمت عائشة وحفصة وابو بکر وعمر ماریا القبطیة بالزنا دون دلیل :
فی مستدرک الحاکم وتلخیصه للذهبی والنصّ له: عن عائشة قالت: « أُهدیت ماریة ومعها ابن عمّ لها ، فقال أهل الإفک والزور: من حاجته إلی
ص: 237
الولد ادّعی ولد غیره . قالت: فدخل النبی ( صلی الله علیه و آله ) بإبراهیم علیّ فقال صلی الله علیه و آله : کیف ترین ؟
قلت: من غذّی بلبن الضأن یحسن لحمه . قال ( صلی الله علیه و آله ): ولا الشبه ؟ قالت: فحملتنی الغیرة: فقلت: ما أری شبهاً ((1)) ، قالت: وبلغ رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) ما یقول الناس ; فقال لعلی علیه السلام : خذ هذا السیف ، فانطلق فاضرب عنق ابن عمّ ماریة ; فانطلق فإذا هو فی حائط علی نخلة یخترف ; فلمّا نظر إلی علی علیه السلام ومعه السیف استقبلته رعدة ، فسقطت الخرقة ، فإذا هو ممسوح((2)).
واعترفت عائشة بافترائها علی ماریة وابنها ابراهیم أمام الرسول صلی الله علیه و آله !
وجاء: لمّا استبان حمل ماریة بإبراهیم جزعت عائشة ، فلمّا ولد إبراهیم جاء به رسول الله إلیّ ، فقال: انظری إلی شبهه بی . فقلت: ما أری شبهاً .فقال
ص: 238
رسول الله ( صلی الله علیه و آله ): ألا ترین إلی بیاضه ولحمه ؟! ... .فقلت: إنّ من قصر علیه اللقاح ابیضّ وسمن((1)).
اذن الافک حصل من فبل عائشة وجماعة فی حق ماریة القبطیة فی حین وقع البعض فی الخطأ فأیّد نزول الإفک فی عائشة ، مخالفاً النصوص الصحیحة الواردة فی قضیة الإفک فی ماریة((2)).
لقد حرفوا النصوص لصالح عائشة فی قصة مختلقة لتضییع الحق والحقیقة
. وقد قال سید البشر محمد صلی الله علیه و آله : لا یدخل الجنة مفتر ((3)) .
ص: 239
{ أفَلا تَذَکَّرُونَ 155 أمْ لَکُمْ سُلْطَانٌ مُبِینٌ 156 فَأتُوا بِکِتَابِکُمْ إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ 157 _سورة الصافات.
أفلا تذکرون ما جاء فی الکتب السماویة وفی أحادیث الانبیاء بأن الله أحد لم یلد ولم یولد .
أم عندکم حجة قویة تثبت أبوة الله تعالی للملائکة ؟ فأتوا بهذه الحجة من کتب السماء إن کنتم صادقین .
الامر الاول: انهم لا یملکون دلیلا علمیا علی ادعائهم المزعوم انما هی تخیلات منهم .
الامر الثانی ان السور القرآنیة تدحض حجتهم وعلی رأسها سورة التوحید .
والجدیر بالذکر ان کل من یتکلم بلا دلیل علمی فهو بلید أحمق قد ترک الحجة العلمیة واعتمد علی سفاسف الکلام .
قال تعالی: ولله الحجة البالغة
{ قُلْ هَلْ عِنْدَکُمْ مِنْ عِلْم فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إنْ تَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَإنْ أنْتُمْ إلا تَخْرُصُونَ148* قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاکُمْ أجْمَعِینَ } 149 _سورة الانعام .
ص: 240
وقال الامام الرضا علیه السلام : إن الله جل جلاله قال لمحمد صلی الله علیه و آله " فلله الحجة البالغة " وهی التی تبلغ الجاهل فیعلمها بجهله کما یعلمها العالم بعلمه ، والدنیا والآخرة قائمتان بالحجة ((1)) .
معنی فلله الحجة البالغة: فی أن النبی أنما یبعث فی حال اضمحلال الدین وخفاء الحجة .
« الحجّة » بالضمّ: الدّلیل والبرهان . والجمع حجج وحجاج . قال تعالی: ( قُلْ فَلِلَّه ِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) ( الأنعام_ 149 ) .
تقول: حاجّة فحجّه أی غلبه بالحجّة . واحتجّ علی خصمه أی ادّعی وأتی بالحجّة . واحتجّ بالشیء جعله حجّة وعذرا له .
وقال الراغب فی المفردات: الحجة الدلالة المبیّنة للحجّة أی المقصد المستقیم ، والَّذی یقتضی صحّة أحد النقیضین .
وقال نجاح الطائی: الاسلام دین الدلیل والحجة البالغة المبینة للبراهین العلمیة و العقلیة والمخالفون أصحاب الهوی والتعصب الجاهلی والتحلیل الخیالی .
{ وَجَعَلُوا بَیْنَهُ وَبَیْنَ الجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } 158 _سورة
الصافات.
وجاء: (وجعلوا بینه وبین الجنة نسبا).
ص: 241
تفسیر القمی: یعنی أنهم قالوا: الجن بنات الله وقیل: یعنی الملائکة سموا بها لاستتارهم وقیل: قالوا: إن الله صاهر الجن فخرجت الملائکة ((1)) .
(وجَعَلُوا بَیْنَه وبَیْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً ) .
جاء فی الأساطیر: أنه تعالی علوا کبیرا خطب إلی سادات الجن ، فزوجوه من أحسن بناتهم ، فولدن له الملائکة !!!
ویقول المعری : کذب الناس علی أنفسهم ، وعلی بعضهم ، وعلی الجن والملائکة ، وعلی الکون ومن فیه وما فیه ، ثم علی خالق الکون .
وقال ابن عباس: قالوا لحیّ من الملائکة یقال لهم الجنّ ومنهم إبلیس بنات الله .
وقال الکلبی: قالوا ( لعنهم الله ): بل تزوّج من الجن فخرج منها الملائکة ، تعالی الله عن ذلک علواً کبیرا ((2)) .
هذه الخرافات الجاهلیة استمرت فی صفوف بعض علماء المسلمین فراحوا یتفوهون بما لا یعلمون عن الجن بعیدا عن القرآن والسنة الشریفة .
ص: 242
جاء هذا عند البعض بسبب عدم معرفتهم بالملائکة والجن فراحوا یکتبون عنهم کتابات غیر علمیة لا تمت الی العلم بصلة .
فقال هذا البعض من العلماء احادیث فی انکشاف الجن وتحولهم الی انس وزواجهم مع الانس ووضعوا أحادیثا کاذبة باسم الباقر والصادق علیهما السلام فی تکفیر الامم البشریة المسلمة وکراهة الزواج والمعاشرة معها .
فقالوا بکفر أهل السند (مائة قومیة ) .
وقالوا بکفر أهالی قندهار (افغانستان) .
وقالوا بکفر أهل الری(ایران) .
وقالوا بکفر أهالی بحر الخزر (اثنا عشر قومیة ) .
وقالوا بکفر العراقیین .
وقالوا بکفر الخوز والاکراد .
وقالوا بکفر النبط (أهالی الشام ) .
وقالوا بکفر المصریین والاقباط .
وقالوا بکفر البربر والزنوج :
جاء فی الحدیث الکاذب المنسوب للامام علیه السلام :
ص: 243
( لا یدخل حلاوة الایمان قلب سندی ، ولا زنجی ، ولا خوزی ، ولا کردی ، ولا بربری ، ولا نبک الری ، ولا من حملته أمه من الزنا ) ((1)) .
أی انهم وصفوا أهل العالم القدیم من سکان القارات القدیمة (آسیا وأفریقیا ) بانهم کفار واقعا وحقیقة ومسلمون ظاهرا ویکره الزواج والمعاشرة معهم .
وکیف یرفضون ایمان علماء الشیعة من الهند وکشمیر وافغانستان وایران والخوز والاکراد والبربر والزنج .
وهذا خلاف الواقع الحقیقی لان المرجع الکشمیری والسید حامد النقوی من کبار علماء الهند , والکلینی والصدوق من الری .
والمرجع حسین البروجردی والشیخ مرتضی الانصاری والشیخ محمد تقی التستری صاحب قاموس الرجال وآل بحر العلوم من الاکراد اللر من لرستان الایرانیة وقد استقر الایمان فی قلوبهم .
وعلی بن مهزیار الدورقی الأهوازی الخوزی ، المتوفی سنة 229 هج ، من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادی ( علیهم السلام )ونعمة الله الجزائری من خوزستان من علماء الطائفة وقد استقر الایمان فی قلوبهم .
ص: 244
وکیف نرد ایمان الشیخ محمد عبدة المصری المستبصر والشهید حسن شحادة المستبصر وغیرهما من علماء البربر والزنج .
کیف نقول لهم :أنتم کفار ولو آمنتم ولا ینفعکم الایمان والعبادة والعمل الصالح والسعی للایمان والعمل الصالح !!!
والروایة الکاذبة المذکورة مخالفة للقرآن الکریم: لان تکفیر الامم والطوائف منهج جاهلی غیر اسلامی:
{ وَلا تَقُولُوا لِمَنْ ألْقَی إلَیْکُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَیَاةِ الدُّنْیَا } _سورة النساء 94.
مخالفة الروایة للعقل والمنطق: اذ تتکون افریقیا من عشرات البلدان وعشرات القومیات یشترکون فی لونهم الاسود الزنجی فهل هؤلاء کلهم کفار لا یستقر الایمان فی قلوبهم ؟
هذا التکفیر لامم افریقیا الزنجیة وأمم الهند وقندهار (افغانستان) وباقی الامم الانسانیة لا یصدر عن الامام الصادق علیه السلام بل یصدر عن المهووسین بالدنیا وحطامها الراغبین فی تحطیم الاسلام . أما النبی وآله الکرام فقد جاءوا رحمة للعالمین ولیسوا نقمة کما یصوره هؤلاء الاعراب .
هذه الروایة الباطلة وضعها عملاء الدولة العباسیة عبر جواسیسهم فی الکوفة للحط من الائمة المعصومین والنیل من شیعتهم المیامین والانتقام من الامم المعارضة للحکومة العباسیة .
ص: 245
والصاحب الاول لهذا المنهج الجاهلی بوضعهم تلک الاحادیث باسم النبی صلی الله علیه و آله هو عمر بن الخطاب وکعب الاحبار الیهودی وابو هریرة وعثمان بن عفان ((1)) .
هؤلاء فضلوا الاعراب والیهود علی باقی الامم العالمیة .
{ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ }: تحضر الجن یوم القیامة للحساب فکیف یقولون إن الجن بنات الله تعالی ؟ولو کانوا بنات الله تعالی لاعفاهم من الحساب ولادخلهم الجنة بدون کتاب .
الخلاصة: کان رجال الحکومات الغاصبة لخلافة الائمة المعصومین یضعون الاحادیث الکاذبة علی لسان النبی والائمة من بعده للوصول الی غایاتهم المخالفة للقرآن الکریم والانتقام من الاسلام وأهل البیت والامم الاسلامیة المعارضة للحکومة العباسیة .
{ سُبْحَانَ اللّهِ عَمَّا یَصِفُونَ 159 إلا عِبَادَ اللّهِ المُخْلَصِینَ } 160 _سورة الصافات.
{ سُبْحَانَ اللّهِ عَمَّا یَصِفُونَ 159}: من الولد والنسب " .
وقد ذهب الکفار بعیدا فی الصاق الاولاد والزوجة بالله تعالی ولم ینزهوه بما هو أهله فکانوا من الغاوین المدحورین فی الدنیا والاخرة .
ص: 246
قال المحقق النراقی: (فلیس کل غیر المخلصین غاویا من إغواء الشیطان ، فأراد: أنی أکون بصدد إغواء غیر المخلصین .
وعلی هذا ، فلا یفید ضم الآیة الثانیة مع الأولی لاثبات مطلوبه ، لأنا نقول: إن کلا ممن اتبع الشیطان وله علیه السلطان ومن المخلصین أقل أفراد العباد ، ولا ضیر ، إذ لیس کل من أراد إغواءه ممن اتبعه .
وثالثا: أنا لا نسلم وجود المقتضی ، إذ هو_ کما اعترف به – العلاقة المصححة ، وهی هنا غیر موجودة . قوله: وهی العموم والخصوص .
قلنا: نعم ، ولکن لا کل خصوص ، إذ لم تثبت لنا صلاحیة کل خصوصیة حتی الأکثر للعلاقة ، کیف ؟ ! وقد منعه أکثر المحققین ولم یدل علیه شاهد من الواضع ، والعلاقات أیضا أمور توقیفیة یجب ثبوتها من الواضع ، وهذا هو سبب القبح الذی یلاحظ فی العرف وادعاه المحققون ، وهو أمر مستمر لا ینفک أبدا ، ولیس القبح لأجل أمر خارجی یزول بزواله ویعد من الموانع ) ((1)) .
إلا عباد الله المخلصین " استثناء من المحضرین منقطع أو متصل إن فسر الضمیر بما یعمهم وما بینهما اعتراض ، أو من یصفون " فإنکم وما تعبدون "
ص: 247
عود إلی خطابهم ما أنتم علیه " أی علی الله " بفاتنین " مفسدین الناس بإغوائهم " إلا من هو صال الجحیم .
{ إلا عِبَادَ اللّهِ المُخْلَصِینَ }: لا یصفونه إلَّا بما وصف به نفسه ، ولذا قال بعد ذلک مثنیا علی المرسلین الَّذین یصفونه بما وصف به نفسه ، وسلام علی المرسلین والحمد للَّه ربّ العالمین .
هؤلاء المخلصون هم الانبیاء والاوصیاء ومن تبعهم من الشیعة المتقین .
{ فَإنَّکُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ 161 مَا أنْتُمْ عَلَیْهِ بِفَاتِنِینَ 162 إلا مَنْ هُوَ صَالِ الجَحِیمِ } 163_سورة الصافات.
ما نافیة ، وبفاتنین الباء زائدة ، والمراد بالفتنة هنا التضلیل والإفساد .
الضمیر فی « عَلَیْه ِ » فیه قولان أحدهما أنّه یعود إلی « ما تَعْبُدُونَ » والتقدیر أنّکم وما تعبدونه ما أنتم علی عبادته بفاتنین أحدا إلَّا من یصلی الجهیم ویحترق بها بسوء اختیاره وما أنتم بمضلَّین أحدا ولا تقدرون علی إضلال أحد إلَّا من سبق فی علم اللَّه أنّه بسوء اختیاره سیکفر ویصلی الجحیم والقول الآخر فی الضمیر من « عَلَیْه ِ » أنّه یعود إلی اللَّه والتقدیر ما أنتم علی اللَّه وعلی دینه بمضلَّین أحدا ( [ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِیمِ ] ) .
عن ابن عباس فی قوله: ( ما أَنْتُمْ عَلَیْه بِفاتِنِینَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِیمِ ) .
ص: 248
یقول: لا تضلون أنتم ولا أضل منکم إلا من قضیت علیه أنه صال الجحیم ((1)) .
رغم الهجمة الکافرة لطغاة الجاهلیة لکنهم لا یستطیعون اغواء الناس الی الکفر الا من عنده الاهلیة لهذا وسائر فی درب الجحیم .
روی من طریق عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده أن النبی صلی الله علیه و آله قال لأبی بکر: یا أبا بکر لو أراد الله أن لا یعصی ما خلق إبلیس انتهی ((2)) .
وقال رجل للحسن: یا أبا سعید أینام إبلیس: فقال: لو نام لوجدنا راحة ، ولا خلاص للمؤمن منه إلا بتقوی الله تعالی .
وقال فی الاحیاء: من غفل عن ذکر الله تعالی ولو لحظة لیس له قرین فی تلک اللحظة الا الشیطان ، قال تعالی: " ومن یعش عن ذکر الرحمن نقیض له شیطانا فهو له قرین ) " ((3)) .واختلفوا هل بعث الله إلیهم من الجن رسلا قبل بعثة نبینا محمد صلی الله علیه و آله ؟ فقال الضحاک :کان منهم رسل لظاهر قوله تعالی: {" یا معشر الجن والإنس ألم یأتکم رسل منکم
}_ الانعام: 130 . "
ظاهر الایة أن رسل الانس کانوا من الانس ورسل الجن کانوا من الجن.
ص: 249
وقال المشهور عن الجن: لم یرسل إلیهم منهم رسول ولم یکن ذلک فی الجن قط ، وإنما الرسل من الانس خاصة . أما الجن ففیهم النذر .
وأما الآیة فمعناها من أحد الفریقین کقوله تعالی: " یخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " وإنما یخرجان من المالح دون العذب . والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته.
{ وَمَا مِنَّا إلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ164 } _سورة
الصافات.
تفسیر علی بن إبراهیم : محمد بن جعفر عن عبد الله بن محمد بن خالد عن العباس بن عامر عن الربیع بن محمد عن یحیی بن مسلم عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سمعته یقول :
{ وَمَا مِنَّا إلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ 164 }قال علیه السلام : نزلت فی الأئمة والأوصیاء من آل محمد صلوات الله علیهم ((1)) .
وقال تعالی فی خصوص منزلة النبی صلی الله علیه و آله :{وَإنَّکَ لَعَلی خُلُق عَظِیم4* فَسَتُبْصِرُ وَیُبْصِرُونَ5* بِأیِّکُمُ المَفْتُونُ 6 } سورة القلم .
ص: 250
وقال الله تعالی فی خصوص من زلة الامام علی علیه السلام :{وَرَفَعْنَاهُ مَکَاناً عَلِیّاً }((1)) .
القراءة القرآنیة الصحیحة : {وَرَفَعْنَاهُ مَکَاناً عَلِیا} ((2)).
جاء فی هذه الایة المبارکة اسم الامام علی علیه السلام الذی رفعه اللهُ تعالی مکانة راقیة وعالیة لا یرقی الیها الناس.
السؤال المفروض : ما هی الادلة علی مکانة الامام علی علیه السلام العالیة: نحتاج الی دلیل قرآنی .
الجواب: قال الله تعالی آیة أخری تبین منزلة أهل البیت العالیة بقوله تعالی فی سورة النور 24 / 36 :
{فِی بُیُوت أذِنَ اللّهُ أنْ تُرْفَعَ وَیُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ یُسَبِّحُ لَهُ فِیهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ } ((3)) . رفع تعالی أهل البیت وجعلهم عالین .
وأخرج ابن مردویه الشافعی وبریدة, قرأ رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) هذه الآیة : (فِی بُیُوت أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ) . فقام إلیه رجل فقال : أیّ بیوت هذه یارسول الله ؟
ص: 251
قال ( صلی الله علیه و آله ): بیوت الأنبیاء. فقام إلیه أبو بکر فقال : یارسول الله هذا البیت منها علی وفاطمة ؟
قال صلی الله علیه و آله : نعم من أفاضلها ((1)).
بیت محمد وآل محمد هو بیت النور الذی اراد الله تعالی أن یعلوا شأنه وترتفع رایته فدعا النبی باسمهم فی حدیث الکساء ونزلت فی حقهم آیة التطهیر :روی مسلم بن الحجاج القشیری النیسابوری حدیث الکساء فی صحیحه عن عائشة : جمع الرسول صلی الله علیه و آله علیاً وفاطمة والحسن والحسین ثم قال: (إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیراً) ((2)) أهل البیت هم هؤلاء فحسب، وزوجاته غیر داخلات فی هذا العنوان.
ص: 252
وروی ذلک جمع غفیر من العلماء منهم :الترمذی , ومنهم أبو عیسی محمد بن عیسی بن سدرة الترمذی فی (صحیحه)((1)) .
ومنهم الحاکم النیسابوری فی المستدرک علی الصحیحین ((2)).
وعن الإمام علی علیه السلام فی قوله تعالی:{سلام علی آل یاسین}:قال علیه السلام : یاسین محمد صلی الله علیه و آله ونحن آل یاسین((3)) .
ونزول هذه الآیة المبارکة فی حقهم یبین علو شأن أهل هذا البیت لأعمالهم الباهرة المخلصة فی سبیل الله تعالی .
لکن الکافرین والمنافقین صمموا علی قتلهم وقتل شیعتهم لافناء الدین فی هذه الدنیا کما قال تعالی:(ویمکرون ویمکر الله والله خیر الماکرین ).
وعن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام فقلت : الملائکة أفضل أم بنو آدم ؟
فقال علیه السلام : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : إن الله عز وجل رکَّب فی الملائکة عقلا بلا شهوة ورکب فی البهائم شهوة بلا عقل, ورکب فی بنی آدم
ص: 253
کلتیهما, فمن غلب عقله شهوته فهو خیر من الملائکة, ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم ((1)) .
الحسن بن موسی الخشاب عن إسماعیل بن مهران عن عثمان بن جبلة عن کامل التمار قال کنت عند الامام ابی عبد الله علیه السلام ذات یوم فقال لی یا کامل اجعلوا لنا ربا نؤوب إلیه وقولوا فینا ما شئتم . قال فقلت نجعل لکم ربا تؤوبون إلیه ونقول فیکم ما شئنا ؟قال: فاستوی جالسا فقال علیه السلام : ما عسی ان تقولوا والله ما خرج إلیکم من علمنا الا الف غیر معطوفة((2)) .
وروی الکلینی فی الصحیح, عن الأحول عن سلام بن المستنیر قال : کنت عند أبی جعفر علیه السلام فدخل علیه حمران بن أعین وسأله عن أشیاء فلما هم حمران بالقیام قال لأبی جعفر علیه السلام : أخبرک أطال الله بقاک لنا وأمتعنا بک إنا نأتیک فما نخرج من عندک حتی ترق قلوبنا وتسلو أنفسنا عن الدنیا ویهون علینا ما فی أیدی الناس من هذه الأموال, ثمَّ نخرج من عندک فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنیا قال : فقال أبو جعفر علیه السلام إنما هی القلوب, مرة تصعب ومرة تسهل, ثمَّ قال أبو جعفر علیه السلام : أما إن أصحاب محمد صلی الله علیه و آله قالوا : یا رسول الله نخاف علینا النفاق قال : فقال صلی الله علیه و آله لهم : ولم تخافون
ص: 254
ذلک ؟ قالوا إذا کنا عندک فذکرتنا ورغبتنا وجلنا ونسینا الدنیا وزهدنا کانا نعاین الآخرة والجنة والنار ونحن عندک فإذا خرجنا من عندک ودخلنا هذه البیوت وشممنا الأولاد ورأینا العیال والأهل نکاد أن نحول عن الحالة التی کنا علیها عندک حتی کانا لم نکن علی شیء, أفتخاف علینا أن یکون نفاقا ؟ فقال لهم رسول الله صلی الله علیه و آله کلا, إن هذه خطوات الشیطان فیرغبکم فی الدنیا والله لو تدومون علی الحالة التی وصفتم أنفسکم بها لصافحتکم الملائکة ومشیتم علی الماء, ولولا أنکم تذنبون وتستغفرون الله لخلق الله خلقا حتی یذنبوا ثمَّ یستغفر الله فیغفر لهم, إن المؤمن مفتن تواب, أما سمعت قول الله عز وجل ( إِنَّ الله یُحِبُّ التَّوَّابِینَ ویُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ ) ؟ وقال: ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْه ) ((1)) .
وقال الله تعالی{" عَسی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً "} _سورة الاسراء 79 .
فردوس الدیلمی : جابر قال النبی صلی الله علیه و آله : ان الله تعالی یباهی بعلی بن أبی طالب کل یوم الملائکة المقربین حتی یقولوا : بخ بخ هنیئا لک یا علی, قال جبرئیل : أنا منکما یا محمد, والنبی صلی الله علیه و آله قال : ( أنفسنا وأنفسکم ) . وقال جبرئیل: وما منا إلا له مقام معلوم, ومقام علی أشرف وهو منکب النبی صلی الله علیه و آله . وجبرئیل جاوز بلحظة واحدة سبع سماوات وسبع حجب حتی وصل إلی النبی من عند العرش ما کان لم یقطع فی خمسین الف سنة,
ص: 255
وعلی رآه النبی صلی الله علیه و آله فی معراجه فی أعلی مکان, وعلی علیه السلام فی المکانة والأمانة عند النبی کجبرئیل ومیکائیل فی المکانة والأمانة عند الله تعالی((1)).
یحیی بن محمد الفارسی عن الصادق فی قوله تعالی : ( وما منا إلا له مقام معلوم ) قال أنزلت فی الأئمة الأوصیاء من آل محمد علیهم السلام .
عبد العظیم الحسنی باسناده إلی جعفر علیه السلام فی قوله تعالی : ( وأن لو استقاموا علی الطریقة لأسقیناهم ماء غدقا ) . یقول : لأشربنا قلوبهم الایمان والطریقة هی ولایة علی بن أبی طالب والأوصیاء .
محمد بن مسلم عن الامام ابی عبد الله علیه السلام فی قوله تعالی : ( إن الذین قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) . قال : استقاموا علی الأئمة واحدا بعد واحد ( تتنزل علیهم الملائکة ) ((2)) .
وفی زیارة الوارث لأبی عبد الله الحسین علیه السلام قال الصادق علیه السلام :
( أشهد أنّک کنت نوراً فی الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة لم تُنجّسک الجاهلیةُ بأنجاسها, ولم تُلبسک من مُدلهمّات ثیابها ...) ((3)) .
ص: 256
وقال ابن عباس (1): کنَّا عند رسول الله صلی الله علیه و آله فاقبل علی علیه السلام فلما رآه النبی تبسم فی وجهه وقال : مرحباً بمن خلقه الله قبل آدم باربعین الف عام .
فقلت : یا رسول الله صلی الله علیه و آله أکان الابن قبل الأب ؟
قال : نعم إنَّ الله تعالی خلقنی وخلق علیاً قبل أن یخلق آدم بهذه المدة .خلق نوراً فقسمه نصفین فخلقنی من نصفه وخلق علیاً من النصف الآخر
قبل الأشیاء کلها ثم خلق الأشیاء ((2)) .
وأخبرنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله أنا أبو بکر الخطیب أنا علی بن محمد بن عبد الله المعدل أنا أبو علی الحسین بن صفوا البردعی نا محمد بن سهل العطار حدثنی أبو ذکوان نا حرب بن بیان الضریر من أهل قیساریة حدثنی أحمد بن عمرو نا أحمد بن عبد الله عن عبید الله بن عمرو عن عبد الکریم الجزری عن عکرمة عن ابن عباس قال: قال النبی صلی الله علیه و آله : خلق الله قضیبا من نور قبل أن یخلق الله الدنیا بأربعین ألف عام فجعله أمام العرش حتی کان
ص: 257
أول مبعثی فشق منه نصفا فخلق منه نبیکم والنصف الاخر علی بن أبی طالب ((1)) .
أخیرنا أبو غالب بن البنا أنا أبو محمد الجوهری أنا أبو علی محمد بن أحمد بن یحیی العطشی نا أبو سعید العدوی الحسن بن علی أنا أحمد بن المقدام العجلی أبو الأشعث أنا الفضیل بن عیاض عن ثور بن یزید عن خالد بن معدان عن زاذان عن سلمان قال سمعت حبی رسول الله علیه السلام یقول:
کنت أنا وعلی نورا بین یدی الله مطیعا یسبح الله ذلک النور ویقدسه قبل أن یخلق ادم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله ادم رکز ذلک النور فی صلبه فلم نزل فی شئ واحد حتی افترقنا فی صلب عبد المطلب فجزء أنا وجزء علی ((2)) .
وقال نجاح الطائی: جعل الله تعالی مقاما معلوما لاهل البیت لانهم کانوا أنوارا حول عرشه قد أخلصوا النیة له تعالی .
ص: 258
وفعلا کانوا عند حسن الاعتقاد بهم قدوة للبشریة ومصباحا منیرا الی الحق هدوا الامم الی الطریق المستقیم .
{ وَإنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ165 }_سورة
الصافات:
فی أداء الطاعة ومنازل الخدمة " .
وقوله وصافّون یحتمل أن یکون إشارة إلی الملائکة الحافّین من حول العرش قیل :
إنّهم یقفون صفوفا لأداء العبادة کما أخبر تعالی عنهم « وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ » وتحقیق ذلک أنّ لکلّ واحد منهم مرتبة معیّنة ودرجة معیّنة من الکمال یخصّه وتلک الدرجات باقیة غیر متغیّرة وذلک یشبه الصفوف, وممّا یؤیّد القول بأنّهم الحافّون حول العرش ما جاء فی الخبر أنّ حول العرش سبعین ألف صفّ قیام قد وضعوا أیدیهم علی عواتقهم رافعین أصواتهم بالتهلیل والتکبیر ومن ورائهم مائة ألف صفّ قد وضعوا الأیمان علی الشمائل ما منهم أحد إلَّا وهو یسبّح . قوله ومسبّحون یحتمل أن یکون المراد بهم الصافّون وغیرهم من الملائکة, والواو العاطفة وإن اقتضت المغائرة إلَّا أن المغائرة حاصلة إذ هم من حیث هم صافّون غیرهم من حیث هم مسبّحون وتعدّد هذه الاعتبارات یسوّغ تعدید الأقسام بحسبها وعطف بعضها علی بعض, ویؤیّد ذلک الجمع بین کونهم صافّین وبین کونهم مسبّحین فی قوله
ص: 259
تعالی « وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ » ویحتمل أن یرید نوعا وأنواعا أخر من ملائکة السماوات ((1)) .
ومن فضائل الائمة الصافین: عن الحسین بن أبی العلاء ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : حنکوا أولادکم بتربة الحسین علیه السلام فإنها أمان ((2)) .
وبإسناده عن محمد بن أحمد بن داود ، عن الحسن بن محمد بن علان ، عن حمید بن زیاد ، عن عبد الله بن نهیک ، عن سعید بن صالح ، عن الحسن بن علی بن أبی المغیرة ، عن بعض أصحابنا ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی رجل کثیر العلل والأمراض ، وما ترکت دواء إلا تداویت به ؟ فقال : وأین أنت عن طین قبر الحسین علیه السلام ؟
فإن فیه الشفاء من کل داء ، والامن من کل خوف ، فقل إذا أخذته : " اللهم إنی أسألک بحق هذه الطینة وبحق الملک الذی أخذها ، وبحق النبی الذی قبضها ، وبحق الوصی الذی حل فیها ، صل علی محمد وأهل بیته ، واجعل فیها شفاء من کل داء وأمانا من کل خوف " .
ثم قال : أما الملک الذی أخذها فهو جبرئیل أراها النبی صلی الله علیه و آله فقال : هذه تربة ابنک تقتله أمتک من بعدک ، والنبی الذی قبضها محمد صلی الله علیه و آله ،
ص: 260
والوصی الذی حل فیها فهو الحسین بن علی علیه السلام سید الشهداء
قلت : قد عرفت الشفاء من کل داء ، فکیف الأمان من کل خوف ؟ فقال : إذا خفت سلطانا أو غیر ذلک فلا تخرج من منزلک إلا ومعک من طین قبر الحسین علیه السلام وقل إذا أخذته : " اللهم إن هذه طین قبر الحسین ولیک وابن ولیک أخذتها حرزا لما أخاف ولما لا أخاف ، فإنه قد یرد علیک ما لا تخاف .
قال الرجل : فأخذتها کما قال ، فأصح الله بدنی ، وکانت لی أمانا من کل خوف مما خفت وما لم أخف کما قال ، قال : فما رأیت بحمد الله بعدها مکروها ((1)) .
{ وَإنَّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُونَ } 166_سورة
الصافات.
کنز جامع الفوائد وتأویل الآیات الظاهرة : محمد بن العباس رفعه إلی محمد بن زیاد قال : سأل ابن مهران عبد الله ابن عباس عن تفسیر قوله تعالی : ( وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون ).
فقال
ابن عباس : إنا کنا عند رسول الله صلی الله علیه و آله , فأقبل علی بن أبی طالب علیه السلام فلما رآه النبی صلی الله علیه و آله تبسم فی وجهه وقال : مرحبا بمن خلقه الله قبل آدم بأربعین ألف عام, فقلت : یا رسول الله أکان الا بن قبل الأب, قال : نعم إن الله تعالی خلقنی وخلق علیا علیه السلام قبل أن یخلق آدم بهذه المدة, خلق نورا فقسمه نصفین, فخلقنی من نصفه, وخلق علیا علیه السلام من النصف الآخر قبل
ص: 261
الأشیاء کلها, ثم خلق الأشیاء فکانت مظلمة فنورها من نوری ونور علی علیه السلام , ثم جعلنا عن یمین العرش, ثم خلق الملائکة فسبحنا فسبحت الملائکة, وهللنا فهللت الملائکة, وکبرنا فکبرت الملائکة, فکان ذلک من تعلیمی وتعلیم علی علیه السلام , وکان ذلک فی علم الله السابق أن لا یدخل النار محب لی ولعلی علیه السلام , ولا یدخل الجنة مبغض لی ولعلی, ألا وإن الله عز وجل خلق ملائکة بأیدیهم أباریق اللجین مملوة من ماء الحیاة من الفردوس, فما أحد من شیعة علی علیه السلام إلا وهو طاهر الوالدین, تقی نقی مؤمن بالله, فإذا أراد أحدهم أن یواقع أهله جاء ملک من الملائکة الذین بأیدیهم أباریق ماء الجنة فیطرح من ذلک الماء فی الآنیة التی یشرب منها فیشربه فبذلک الماء ینبت الایمان فی قلبه, کما ینبت الزرع, فهم علی بینة من ربهم ومن نبیهم ومن وصیه علی علیه السلام , ومن ابنتی الزهراء, ثم الحسن, ثم الحسین, ثم الأئمة من ولد الحسین, فقلت : یا رسول الله ومن هم الأئمة ؟ قال أحد عشر منی, وأبوهم علی بن أبی طالب علیه السلام , ثم قال النبی صلی الله علیه و آله : الحمد لله الذی جعل محبة علی والایمان به سببین, یعنی سببا لدخول الجنة, وسببا للنجاة من النار ((1)) .
قال نجاح الطائی: المنزهون الله عما لا یلیق به " .
ص: 262
والمسبحون لهم منزلة عظیمة عند الله تعالی حیث یتکفل تعالی باستجابة حوائجهم وتلبیة دعائهم .
{ إنَّ الَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَیُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ
یَسْجُدُون } َ206* _سورة الاعراف .
{ یُسَبِّحُونَ اللَّیْلَ وَالنَّهَارَ لا یَفْتُرُونَ } 20*_سورة الانبیاء .
{ وَإنْ کَانُوا لَیَقُولُونَ 167لَوْ أنَّ عِنْدَنَا ذِکْراً مِنَ الأوَّلِینَ168 لَکُنَّا عِبَادَ اللّهِ المُخْلَصِینَ169فَکَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ 170 }_سورة الصافات.
وفی روایة أبی الجارود, عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله: " وإن کانوا لیقولون لو أن عندنا ذکرا من الأولین لکنا عباد الله المخلصین " فهم کفار قریش کانوا یقولون:
" لو أن عندنا ذکرا من الأولین " قاتل الله الیهود والنصاری کیف کذبوا أنبیاءهم ؟
أما والله لو کان عندنا ذکر من الأولین لکنا عباد الله المخلصین, یقول الله: " فکفروا به " حین جاءهم محمد صلی الله علیه و آله ((1)).
ویهود المدینة کانوا ینتظرون النبی صلی الله علیه و آله فلما جاءهم حاربوه .
ص: 263
وقال نجاح الطائی: هذا یعنی ان الکفار کانوا یعرفون الحق والدیانات السماویة ووجوب اتباعها لکنهم عصوا النبی صلی الله علیه و آله وخالفوا دینه مثلما فعل الیهود مع موسی وعیسی علیهما السلام .
فکیف آمنوا بموسی وعیسی وتنکروا للنبی محمد صلی الله علیه و آله ؟
وقد کان دینهم واحدا یدعوا الی الله الواحد وینبذ الاصنام .وکانت الرسالات الالهیة متفقة علی نشر الشرف والعفة والاخلاق وحرمة القتل والغیبة والکذب والافتراء والزنا والخیانة والغش والسرقة .
کان الکفار یعرفون الحق بفطرتهم الالهیة التی یملکونها ویصرحون بأفضلیة الدیانات السماویة علی المناهج الجاهلیة .
لکن الاهداف الدنیویة التی یؤمنون بها من حب التملک والسیطرة والاستبداد وتبعیة الاهواء والنزوع للشهوات الفاسدة دفعتهم لمحاربة الانبیاء والکتب السماویة .
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ کَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِینَ171إنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ172وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ173 }_سورة الصافات:
ص: 264
مناقب ابن شهرآشوب: یحیی بن عبد الله بن الحسن عن الصادق علیه السلام فی قوله تعالی : ( ولقد سبقت کلمتنا لعبادنا المرسلین * إنهم لهم المنصورون ) قال: نحن هم ((1)) .
: لعل المعنی أنا نحن الکلمة التی ذکرها الله للعباد المرسلین, أو ولایتنا بأن یکون قوله: ( إنهم لهم المنصورون ) استینافا, ویحتمل أن یکون المعنی إنا داخلون فی الوعد بالنصرة والغلبة, لان نصرهم نصر النبی صلی الله علیه و آله .
تفسیر علی بن إبراهیم: ثم ذکر الأئمة صلوات الله علیهم فقال: ( وجعلها کلمة باقیة فی عقبه لعلهم یرجعون ) یعنی فإنهم یرجعون، أی الأئمة إلی الدنیا ((2)) .
العمدة: بإسناده إلی ابن المغازلی من مناقبه عن أحمد بن محمد بن عبد الوهاب عن محمد بن عثمان عن محمد بن سلیمان عن محمد بن علی بن خلف عن حسین الأشقر عن عثمان بن أبی المقدام عن أبیه عن ابن جبیر عن ابن عباس قال: سئل النبی صلی الله علیه و آله عن الکلمات التی تلقاها آدم من ربه
ص: 265
فتاب علیه, قال: سأله بحق محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین الا ما تبت علیَّ, فتاب علیه ((1)) .
السدی فی قوله تعالی: ( وجعلها کلمة باقیة فی عقبه ) أی فی آل محمد أی نوالی بهم إلی یوم القیامة, ونتبرأ من أعدائهم إلیها ((2)).
وقال نجاح الطائی: انه عهد الهی قدیم فی انتصار الحق علی الظلم وفوز المفلحین الابرار علی المجرمین الاشرار .
قال الله تعالی :
:یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إنْ تَنصُرُوا اللّهَ یَنصُرْکُمْ وَیُثَبِّتْ أقْدَامَکُمْ 7_محمد.
: وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللّهِ العَزِیزِ الحَکِیمِ126_آل عمران .
: وَلَقَدْ نَصَرَکُمُ اللّهُ بِبَدْر وَأنْتُمْ أذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ 123_آل عمران .
أخبر تعالی المؤمنین من الامم الماضیة بأنهم منصورون وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ فی الدنیا والاخرة .
قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام : ما ظفر من ظفر الإثم به, والغالب بالشر
ص: 266
مغلوب ((1)) .
وهذا یستوجب أن یکون العباد مخلصین لله تعالی کی یحصلوا علی النصر السماوی ویکسبوا العون الربانی .
ونفهم من الایات القرآنیة أن أصحاب الذنوب والاثام مهزومون مدحورون مثل الحکومات الفاسدة المتسلطة علی رقاب الامم الاسلامیة .
{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّی حِین } 174_سورة
الصافات:
الخطاب للنبی صلی الله علیه و آله : > بأن یعرض عن الکافرین أی یصبر علیهم فان النصر الالهی قادم فیجعلهم مقتولین مهزومین .
{ وَأبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ یُبْصِرُونَ } 175 _سورة
الصافات.
انظرهم فسوف یبصرون العذاب یوم القیامة .
أی یوم بدر, وقیل: یوم الفتح " وأبصرهم " علی ما ینالهم حینئذ " فسوف یبصرون " ما قضینا لک من التأیید والنصرة والثواب فی الآخرة " أفبعذابنا یستعجلون " روی أنه لما نزل " فسوف یبصرون " قالوا: متی هذا ؟
فنزل " فإذا نزل بساحتهم " فإذا نزل العذاب بفنائهم " فساء صباح المنذرین " أی فبئس صباح المنذرین صباحهم .
ص: 267
وفی قوله: " فی عزة " أی استکبار عن الحق " وشقاق " خلاف لله ولرسوله " فنادوا " استغاثة أو توبة واستغفارا " ولات حین مناص " أی لیس الحین حین مناص و ( لا ) هی المشبهة بلیس زیدت علیها تاء التأنیث للتأکید, وقیل: هی النافیة للجنس أی ولا حین مناص لهم, وقیل: للفعل والنصب بإضماره أی ولا أری حین مناص .
وقال الطبرسی : قال المفسرون: إن أشراف قریش وهم خمسة و عشرون . منهم: الولید بن المغیرة وهو أکبرهم وأبو جهل وأبی وأمیة _ ابنا خلف _ وعتبة وشیبة _ ابنا ربیعة _ والنضر بن الحارث أتوا أبا طالب وقالوا: أنت شیخنا وکبیرنا وقد أتیناک تقضی بیننا وبین ابن أخیک, فإنه سفه أحلامنا, وشتم آلهتنا, فدعا أبو طالب رسول الله صلی الله علیه و آله وقال: یا بن أخی هؤلاء قومک یسألونک, فقال: ماذا یسألوننی ؟
قالوا: دعنا وآلهتنا ندعک وإلهک, فقال صلی الله علیه و آله : أتعطوننی کلمة واحدة تملکون بها العرب والعجم ؟ فقال له أبو جهل: لله أبوک نعطیک ذلک وعشر أمثالها, فقال: قولوا: لا إله إلا الله, فقاموا وقالوا: " أجعل الآلهة إلها واحدا " فنزلت هذه الآیات .
وروی أن النبی صلی الله علیه و آله استعبر ثم قال: یا عم والله لو وضعت الشمس فی یمینی والقمر فی شمالی ما ترکت هذا القول حتی أنفذه أو اقتل دونه, فقال له أبو طالب: امض لأمرک فوالله لا أخذلک أبدا .
ص: 268
وقال البیضاوی: " وانطلق الملا منهم " أی وانطلق أشراف قریش من مجلس أبی طالب بعدما بکتهم رسول الله صلی الله علیه و آله " أن امشوا واصبروا " واثبتوا " علی آلهتکم " علی عبادتها " إن هذا لشئ یراد " إن هذا الامر لشئ من ریب الزمان یراد بنا فلا مرد له, أو إن هذا الرأی الذی یدعیه من التوحید أو یقصده من الریاسة والترفع علی العرب والعجم لشئ یتمنی أو یریده کل أحد, أو إن دینکم یطلب لیؤخذ منکم " ما سمعنا بهذا " بالذی یقوله " فی الملة الآخرة " فی الملة التی أدرکنا علیه آباءنا, أو فی ملة عیسی التی هو آخر الملل, فإن النصاری یثلثون, ویجوز أن یکون حالا من هذا, أی ما سمعنا من أهل الکتاب ولا الکهان بالتوحید کائنا فی الملة المترقبة " إن هذا إلا اختلاق " کذب اختلقه " أم عندهم خزائن رحمة ربک " بل أعندهم خزائن رحمته وفی تصرفهم حتی یتخیروا للنبوة من شاؤوا " أم لهم ملک السماوات " أی لیس لهم مدخل فی أمر هذا العالم الجسمانی الذی هو جزء یسیر من خزائنه, فمن أین لهم أن یتصرفوا فیها ؟ " فلیرتقوا فی الأسباب " أی إن کان لهم ذلک فلیصعدوا فی المعارج التی یتوصل بها إلی العرش حتی یستووا علیه ویدبروا أمر العالم فینزلوا الوحی إلی من یستصوبونه, والسبب فی الأصل: هو الوصلة, وقیل: المراد بالأسباب السماوات لأنها أسباب الحوادث السفلیة " جند ما هنالک مهزوم من الأحزاب " أی هم جند
ص: 269
ما من الکفار المتحزبین علی الرسل, مهزوم مکسور عما قریب, فمن أین لهم التدابیر الإلهیة ؟ أو فلا تکترث بما یقولون .
{ أفَبِعَذَابِنَا یَسْتَعْجِلُونَ 176 فَإذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنذَرِینَ 177 }.
تری الکافرین من حماقتهم یستهجنون العذاب ویستعجلونه لکنه اذا نزل بهم مثلما نزل بأسلافهم فساء صباحهم وتوقفت قلوبهم .
« أَفَبِعَذابِنا یَسْتَعْجِلُونَ » . هذا جواب عن قول المشرکین: فأتنا بما تعدنا, ومعنی الجواب کیف تستعجلون عذاب اللَّه مع العلم انه إذا نزل بکم لا تستطیعون له صرفا .
{وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّی حِین 178 وَأبْصِرْ فَسَوْفَ یُبْصِرُونَ}179 _سورة الصافات.
انتظر وانظر ماذا سیحل بهم من نقمة الهیة .
قال تعالی: { وَلَوْ یُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِمَا کَسَبُوا مَا تَرَکَ عَلَی ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّة وَلَکِنْ یُؤَخِّرُهُمْ إلَی أجَل مُسَمّیً فَإذَا جَاءَ أجَلُهُمْ فَإنَّ اللّهَ کَانَ بِعِبَادِهِ
بَصِیراً } 45*_سورة فاطر.
وقال تعالی: فاعرض عنهم وتوکل علی الله_ ( 81 ) سورة النساء .
وقوله تعالی: قل الله ثم ذرهم فی خوضهم یلعبون _ 91 سورة الأنعام .
{ إِنَّهُمْ یَکِیدُونَ کَیْداً 15* وَأَکِیدُ کَیْداً16* فَمَهِّلْ الْکَافِرِینَ أَمْهِلْهُمْ رُوَیْداً17*
} _سورة البروج . وقال تعالی:
ص: 270
{ سُبْحَانَ رَبِّکَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ 180 وَسَلامٌ عَلَی المُرْسَلِینَ 181 وَالحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِینَ 182_سورة الصافات.
علی نعمه کلها ورحمته الواسعة المستمرة فی الدنیا والاخرة علی المؤمنین
وللعافیة : عن أمیر المؤمنین علی ( علیه السلام ) : من کتب هذه السبع آیات فی قصعة صینی ، أو فی جام صینی ، بمسک وزعفران وماء :
( سَلَامٌ عَلَی نُوح فِی الْعَالَمِینَ ) _ الصافّات : 37 / 79 .
( سَلَامٌ عَلَی إِبْرَاهِیمَ ) _ الصافّات : 37 / 109 .
( سَلَامٌ عَلَی مُوسَی و هَارُونَ ) _ الصافّات : 37 / 120 .
( سَلَامٌ عَلَی آِلْ یَاسِینَ ) _ الصافّات : 37 / 130 .
( سَلَامٌ عَلَیْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِینَ ) _ الزمر : 39 / 73 .
( سَلَامٌ هِی حَتَّی مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) _ القدر : 97 / 5 .
( سَلَامٌ قَوْلاً مِّن رَّبّ رَّحِیم ) _ یس : 36 / 58 .
( لم تصبه آفة فی دینه ودنیاه وبدنه ، ووقاه اللّه شرّ ما یأتی به فی تلک السنة .
الکافی, 2 / 496 / 3 / 1 حمید عن ابن سماعة عن وهیب بن حفص عن أبی بصیر قال قال أبو جعفر علیه السلام « من أراد أن یکتال بالمکیال الأوفی فلیقل إذا أراد أن یقوم من مجلسه « سُبْحانَ رَبِّکَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَی الْمُرْسَلِینَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ » .
ص: 271
من لا یحضره الفقیه, 1 / 325 / 954 قال أمیر المؤمنین علیه السلام « من أراد أن یکتال بالمکیال الأوفی فلیکن آخر قوله سبحان ربک الآیات الثلاث فإن له من کل مسلم حسنة » .
إنما کان له من کل مسلم حسنة لأنه بإسماعه إیاهم الآیات یذکرهم الثناء علی اللَّه فیثابون بالذکر بسببه فیکون شریکا لهم فی الأجر .
من لا یحضره الفقیه, 3 / 379 / 4335 قال الصادق علیه السلام : « کفارات المجالس أن تقول عند قیامک الآیات .
قال فی الفقه الرضوی : إذا فرغت من صلاتک فارفع یدیک وأنت جالس فکبر ثلاثا وقل: " لا إله إلا الله وحده لا شریک له أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وأعز جنده وحده فله الملک وله الحمد یحیی ویمیت بیده الخیر وهو علی کل شئ قدیر " وتسبح بتسبیح فاطمة الزهراء
( علیها السلام ) وهو أربع وثلاثون تکبیرة وثلاث وثلاثون تسبیحة وثلاث وثلاثون تحمیدة ثم قل: اللهم أنت السلام ومنک السلام ولک السلام وإلیک یعود السلام سبحان ربک رب العزة عما یصفون وسلام علی المرسلین والحمد لله رب العالمین . وتقول السلام علیک أیها النبی ورحمة الله وبرکاته السلام علی الأئمة الراشدین المهدیین من آل طه ویس . ثم تدعو بما بدا لک من الدعاء بعد المکتوبة ((1)) .
ص: 272
وقال نجاح الطائی : هذه الایات الثلاثة فیها تسبیح لله تعالی عن کل باطل قالته البشریة الکافرة والمؤمنة عمدا وغفلة .
المصیبة الکبری للکفار انهم متیقنون من صدق الانبیاء وانهم رسل الله تعالی وکتبهم من السماء لکنهم یعصون الاوامر الالهیة وینکرون الدین تبعا لشهواتهم وأهوائهم ویستعجلون العذاب لیکون معجزة الله فی أرضه .
قال النبی صلی الله علیه و آله : الحمد لله الذی جعل أعداءنا من الحمقی .هؤلاء لا یریدون دلیلا الهیا یستفیدون منه فی الارض مثلا انزال مائدة من السماء أو انزال المطر لیکون لهم خیرا بل یریدون نقمة الهیة تفنیهم فلا یعیشون بعدها فی الحیاة الدنیا !!!
ص: 273
ص: 274
بسم الله الرحمن الرحیم
{ ص وَالقُرْآنِ ذِی الذِّکْرِ1 } _سورة ص.
علی بن إبراهیم: ( ص والْقُرْآنِ ذِی الذِّکْرِ ) , قال: هو قسم, وجوابه:
( بَلِ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی عِزَّةٍ وشِقاقٍ ) یعنی فی کفر ((1)) .عنه بهذا الاسناد, قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن أصحاب الدهر یقولون :
کیف صارت الصلاة رکعة وسجدتین, ولم تکن رکعتین وسجدتین ؟ _ فقال: إذا سألت عن شئ ففرغ قلبک لفهمه, إن الناس یزعمون أن أول صلاة صلاها رسول الله صلی الله علیه و آله صلاها فی الأرض أتاه جبرئیل بها وکذبوا, إن أول
ص: 275
صلاة صلاها فی السماء بین یدی الله تبارک وتعالی مقابل عرشه جل جلاله, أوحی إلیه وأمره أن یدنو من صاد, فیتوضأ, و قال: أسبغ وضوءک، وطهر مساجدک وصل لربک, قلت له: وما الصاد ؟
قال: عین تحت رکن من أرکان العرش أعدت لمحمد صلی الله علیه و آله ثم قرأ أبو عبد الله علیه السلام " {ص والقرآن ذی الذکر }" فتوضأ منها وأسبغ وضوءه, ثم استقبل عرش الرحمن, فقام قائما فأوحی الله إلیه بافتتاح الصلاة ففعل, ثم أوحی الله إلیه بفاتحة الکتاب وأمره أن یقرأها, ثم أوحی إلیه أن اقرأ یا محمد نسب ربک فقرأ: " قل هو الله أحد, الله الصمد " ثم أمسک تبارک وتعالی عنه القول, فقرأ رسول الله صلی الله علیه و آله من تلقاء نفسه: " الله أحد, الله الصمد, الله الواحد الأحد الصمد ", ثم أوحی الله إلیه تبارک وتعالی: أن اقرأ: " لم یلد ولم یولد, ولم یکن له کفؤا أحد " فقرأ وأمسک الله عنه القول, فقرأ رسول الله صلی الله علیه و آله من تلقاء نفسه " کذلک الله ربنا " فلما قال ذلک أوحی الله إلیه أن استو قائما لربک یا محمد وانحر, فاستوی ونصب نفسه بین یدی الله, فأوحی الله إلیه أن اسجد لربک فخر ساجدا, فأوحی الله إلیه أن استو جالسا یا محمد, ففعل, فلما رفع رأسه من أول السجدة تجلی له ربه تبارک وتعالی
ص: 276
فخر ساجدا من تلقاء نفسه, لا لأمر ربه, فجری ذلک الفضل من الله وسنة من رسول الله صلی الله علیه و آله ((1)) .
عن جابر, عن أبی جعفر علیه السلام قال: أقبل أبو جهل بن هشام ومعه فوج من قریش فدخلوا علی أبی طالب علیه السلام فقالوا: إن ابن أخیک قد آذانا وآذی آلهتنا فادعه ومره فلیکف عن آلهتنا ونکف عن إلهه قال: فبعث
أبو طالب إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فدعاه فلما دخل النبی صلی الله علیه و آله لم یر فی البیت إلا مشرکا فقال: السلام علی من اتبع الهدی ثمَّ جلس فخبره
أبو طالب بما جاؤوا له فقال صلی الله علیه و آله أو هل لهم فی کلمة خیر لهم من هذا یسودون ( من السیادة ) بها العرب ویطأون أعناقهم ؟ فقال أبو جهل: نعم وما هذه الکلمة ؟ قال: تقولون: لا إله إلا الله, قال فوضعوا أصابعهم فی آذانهم وخرجوا هرابا وهم یقولون: ما سمعنا بهذا فی الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق فأنزل الله فی قولهم:{ ص والقرآن ذی الذکر.. إلی قوله إلا
ص: 277
اختلاق }سورة ص7. وفی الصحیح, عن محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام فی رجل صافح رجلا مجوسیا قال: یغسل یده ولا یتوضأ ((1)) .
قال: هو قسم وجوابه ( بل الذین کفروا فی عزة وشقاق ) یعنی فی کفر وصراع مع أنفسهم والاخرین لنیل الدنیا الفانیة .
{ بَلِ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی عِزَّة وَشِقَاق2} _سورة ص.
والعزة استکبار عن الحق, والشقاق المخالفة لله ولرسوله واهتضمه ظلمه وغصبه .
الکفار یتکبرون علی الحق ویعصون النبی صلی الله علیه و آله فینحرفون عن الدین .
وقال عمر: الملک عقیم والحق لابن أبی طالب ((2))
.
روی العلامة الشیخ جمال الدین محمد بن أحمد الحنفی الشهیر بابن حسنویه فی " در بحر المناقب " مخطوط ص 65 فقال: عن القاضی أبی عبد الله محمد بن علی بن محمد المغازلی بسنده إلی حارثة بن زید قال: شهدت
ص: 278
عمر بن الخطاب حجته فی خلافته فسمعته یقول: اللهم قد عرفت بحبی لنبیک وکنت مطلعا من سری, فلما رآنی أمسک وحفظت الکلام فلما انقضی الحج وانصرفت إلی المدینة تعمدت الخلوة به فرأیته یوما علی راحلته وحده فقلت له یا أمیر المؤمنین بالذی هو أقرب إلیک من حبل الورید الا أخبرتنی عما أرید أسألک عنه, قال سل عما شئت قال: سمعتک یوم کذا وکذا تقول کذا وکذا, قال: فکأنی ألقمته حجرا وقلت: لا تغضب فوالذی أنقذنی من الجاهلیة وأدخلنی فی الاسلام ما أردت بسؤالی الا وجه الله عز وجل قال: فعند ذلک ضحک وقال: یا حارثة دخلت علی رسول الله صلی الله علیه و آله و قد اشتد وجعه وأحببت الخلوة به وکان عنده علی بن أبی طالب والفضل بن العباس, فجلست حتی نهض ابن العباس وبقیت أنا وعلی, فتبین لرسول الله ما أردت فالتفت إلی وقال: جئت لتسألنی إلی من یصیر هذا الامر من بعدی ؟فقلت: صدقت یا رسول الله, فقال صلی الله علیه و آله : یا عمر هذا وصیی وخلیفتی من بعدی, فقلت: صدقت یا رسول الله, فقال: هذا خازن سری فمن أطاعه فقد أطاعنی ومن عصاه فقد عصانی ومن عصانی فقد عصی الله ومن تقدم علیه فقد کذب بنبوتی, ثم أدناه فقبل بین عینیه وقال: ولیک الله وناصرک والی الله من والاک, فأنت وصیی وخلیفتی من بعدی فی أمتی, وعلا بکاه وانهملت عیناه بالدموع حتی سالت علی خده و علی خد علی . فوالذی منَّ علیَّ بالاسلام لقد تمنیت من تلک الساعة أن أکون مکانه
ص: 279
علی الأرض .ثم التفت وقال صلی الله علیه و آله لی: إذا نکث الناکثون وقسط القاسطون ومرق المارقون فامر هذا مقامی حتی یفتح الله علیه وهو خیر الفاتحین .قال حارثة: فتعاظمنی ذلک فقلت: ویحک یا عمر, کیف تقدمتموه وقد سمعت ذلک من رسول الله صلی الله علیه و آله ؟ !
فقال عمر: یا حارثة بأمر کان, فقال: من الله أم من رسوله أم من علی ؟ فقال: لا, بل الملک عقیم, والحق لابن أبی طالب علیه السلام ((1)).
لقد استمر عصیان رجال السقیفة للنبی الی آخر ساعة من عمره فی الدنیا حین طلب ورقة ودواة لیکتب وصیته فرفض عمر وصحبه اعطاءه ذلک, والوصیة فی الاسلام واجبة :
قال النبی صلی الله علیه و آله : إئتونی بورقة ودواة لاکتب لکم کتاباً لن تضلو بعده أبداً , فقال عمر: إن الرجل لیهجر ((2)) .
ص: 280
قال تعالی:{وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ المُؤْمِنِینَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإثْماً مُبِیناً }58_الاحزاب .
{وَمَنْ یَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِیناً} 36_الاحزاب.
فهل یوجد عصیان للنبی أکثر من هذا الذی فعله رجال السقیفة الذین استولوا علی خلافة علی علیه السلام وقتلوا فاطمة الزهراء علیها السلام ؟
ص: 281
{ کَمْ أهْلَکْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْن فَنَادَوْا وَلاتَ حِینَ مَنَاص} 3_سورة ص: تفسیر علی بن إبراهیم: " ولات حین مناص " أی لیس هو وقت مفر ((1)). معناه لات حین فرار من العذاب . وقیل : المناص المنجاة یقال : ناص ینوص نوصا إذا تأخر وباص یبوص بوصا إذا تقدم.
: أی کم أهلک تعالی من سکان القرون الغابرة السالفة ولیس هو وقت مفر . لکن لا عبرة للکفار الاخرین من موتهم وسکونهم وترکهم الاموال والاولاد وترکهم نسائهم لغیرهم !!!
وقال الطبرسی: فیه قولان أحدهما : إن التاء متصلة بلا وإنهما بمنزلة لیس . وقال الزجاج : ویجوز ولات حین مناص فی اللغة . فأما النصب فعلی أن المعنی لیس الوقت حین مناص, والرفع علی أن یجعل ( حین ) اسم لیس, ویضمر الخبر . والمعنی : لیس حین ملجأ لنا . والوقف علیها لات بالتاء . والکسائی یقف بالهاء لاه . والأول أصح لأن هذه التاء نظیرة التاء فی الفعل نحو : ذهبت, وفی الحرف نحو : رأیت زیدا ثمت عمرا, فإنها دخلت فی الموضعین علی ما لا یعرف, ولا هو فی طریق الأسماء . وقال الأخفش : إن لات حین مثل . لا رجل فی الدار .
{وَعَجِبُوا أنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الکَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ کَذَّابٌ } _سورة ص 4.
ص: 282
الکفار یبحثون دائما عن حجة للابتعاد عن النبی ورسالته وتلک الحجة المعتادة هی انه منذر منهم وانهم یریدون ملک من الملائکة .
لقد جاء الانبیاء السابقون من نفس الامم التی جاءوا الیها ولم ینزلوا الیهم من الکواکب الاخری ولم یکونوا من الجن والملائکة .
فلماذا یعجبون من أمر الله تعالی الدارج بین الامم أم أن حسکة الکفر والنفاق هی التی تدفعهم لانکار الانبیاء ومحاربتهم .
وکان الکفار یتهمون الانبیاء بالسحر دائما لفشلهم فی تفسیر معجزاتهم الباهرة .
{ أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهاً وَاحِداً إنَّ هَذَا لَشَیْءٌ عُجَابٌ 5 وَانطَلَقَ المَلاَُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَی آلِهَتِکُمْ إنَّ هَذَا لَشَیْءٌ یُرَادُ 6 مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِی المِلَّةِ الآخِرَةِ إنْ هَذَا إلا اخْتِلاقٌ } 7 _سورة ص:
قال علیه السلام : إن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یمشی بمکة وأخوه علی علیه السلام یمشی معه وعمه أبو لهب خلفه _ یرمی عقبه بالأحجار وقد أدماه _ ینادی معاشر قریش: هذا ساحر کذاب فافقدوه (فاقتلوه) واهجروه واجتنبوه . وحرش علیه أوباش قریش, فتبعوهما
ویرمونهما بالأحجار فما منها حجر أصابه إلا وأصاب علیا علیه السلام ((1)) .
ص: 283
نزلت الایات بمکة لما أظهر رسول الله صلی الله علیه و آله الدعوة فیها اجتمعت قریش إلی أبی طالب فقالوا: یا أبا طالب ان ابن أخیک قد سفه أحلامنا وسب آلهتنا وأفسد شبابنا وفرق جماعتنا فإن کان الذی یحمله علی ذلک العدم جمعنا له مالا حتی یکون أغنی رجل فی قریش ونملکه علینا, فأخبر أبو طالب رسول الله صلی الله علیه و آله بذلک, فقال صلی الله علیه و آله : لو وضعوا الشمس فی یمینی والقمر فی یساری ما أردته, ولکن یعطونی کلمة یملکون بها العرب وتدین لهم بها العجم ویکونون ملوکا فی الجنة, فقال لهم أبو طالب ذلک فقالوا: نعم وعشر کلمات, فقال لهم رسول الله صلی الله علیه و آله تشهدون أن لا إله إلا الله وانی رسول الله, فقالوا: ندع ثلاثمائة وستین إلها ونعبد إلها واحدا فأنزل الله تعالی: { وعجبوا ان جاءهم منذر منهم وقال الکافرون هذا ساحر کذاب } .
کان أهل الجاهلیة یعینون قائدا واحدا لحروبهم وقائدا لقوافلهم التجاریة وربانا واحدا لسفنهم وزعیما واحدا لدولهم ومدنهم وقبائلهم .
لکنهم ینادون بثلاثمائة وستین الها لادارة الکون ألیس هذا مخالف لمنطقهم وسیرتهم العرفیة .
{ أاُنزِلَ عَلَیْهِ الذِّکْرُ مِنْ بَیْنِنَا بَلْ هُمْ فِی شَکٍّ مِنْ ذِکْرِی بَلْ لَمَّا یَذُوقُوا عَذَابِ } 8 _سورة ص.
ص: 284
: کان الکفار یوجدون أعذارا واهیة للفرار من الدین مثل: کیف أنزل علیه الذکر من بیننا ؟
وهذا یعنی رفضهم لکل شخص صالح تنزل علیه الرسالة
ورغبتهم فی الفاسدین الظالمین .
لکن الحقیقة انهم یریدون شخصا منهم أی من حزبهم الداعی لعبادة الاصنام واحتکار الاموال وسرقة الثروات وظلم الاخرین وانتهاک الاعراض.
هم یریدون أن یکون النبی من رؤوسهم مثل الولید بن المغیرة (دعی قریش) وابی جهل وابی لهب وابی سفیان .
{بَلْ هُمْ فِی شَکٍّ مِنْ ذِکْرِی }: معناه لیس یحملهم علی هذا القول إلا الشک فی الذکر الذی أنزلت علی رسولی .
{ بل لما یذوقوا عذاب } : یعنی الذین تحزبوا علیه یوم الخندق ((1)) .
{ أمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّکَ العَزِیزِ الوَهَّابِ9 أمْ لَهُمْ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا فَلْیَرْتَقُوا فِی الأسْبَابِ }10_سورة
ص.
" أم عندهم خزائن رحمة ربک " ؟
والخزائن: هی البیوت التی تعد فیها الأشیاء النفیسة .
ص: 285
الفخر الرازی: وهی قولهم (الکفار) إن محمداً لما کان مساویاً لغیره فی الذات والصفات والخلقة الظاهرة والأخلاق الباطنة فکیف یعقل أن یختص هو بهذه الدرجة العالیة والمنزلة الشریفة ؟ وهو المراد من قولهم: ( أأنزل علیه الذکر من بیننا ) فإنه استفهام علی سبیل الإنکار, وحکی الله تعالی عن قوم صالح أنهم قالوا مثل هذا القول فقالوا: ( أألقی الذکر علیه من بیننا بل هو کذاب أشر ) ( القمر: 25 ) وحکی الله تعالی عن قوم محمد صلی الله علیه و آله أیضاً أنهم قالوا: ( لولا نزل هذا القرآن علی رجل من القریتین عظیم ) ( الزخرف: 31 ) وتمام الکلام فی تقریر هذه الشبهة: أنهم قالوا: النبوة أشرف المراتب, فوجب أن لا تحصل إلا لأشرف الناس ومحمد لیس أشرف الناس, فوجب أن لا تحصل له النبوة, والمقدمتان الأولیان حقیتان لکن الثالثة کاذبة وسبب رواج هذا التغلیط علیهم أنهم قالوا النبوة أشرف المراتب, فوجب أن لا تحصل إلا لأشرف الناس ومحمد لیس أشرف الناس, فوجب أن لا تحصل له النبوة, والمقدمتان الأولیان حقیتان لکن الثالثة کاذبة وسبب رواج هذا التغلیظ علیهم أنهم ظنوا أن الشرف لا یحصل إلا بالمال والأعوان وذلک باطل, فإن مراتب السعادة ثلاثة أعلاها هی النفسانیة وأوسطها هی البدنیة وأدونها هی الخارجیة وهی المال والجاه, فالقوم عکسوا القضیة وظنوا بأخس المراتب أشرفها فلما وجدوا المال
ص: 286
والجاه عند غیره أکثر ظنوا أن غیره أشرف منه, فحینئذ انعقد هذا القیاس الفاسد فی أفکارهم ((1)) .
قال الفراء: الاستفهام إذا توسط الکلام ابتدئ بألف وب ( أم ), وإذا لم یسبق کلام لم یکن إلا بألف أو ب ( هل ) .
ووجه اتصال هذا القول بما تقدم هو اتصال الانکار لما قالوا فیه, أی ذلک لیس إلیهم, وإنما هو إلی من یملک هذه الأمور . و ( خزائن رحمة ربک ) معناه مقدوراته التی یقدر بها علی أن ینعم بها علیهم . وقوله " العزیز " یعنی القادر الذی لا یغالب ولا یقهر " الوهاب " لضروب النعم " أم لهم ملک السماوات والأرض وما بینهما " فإن کان لهم ذلک " فلیرتقوا فی الأسباب " وهی جمع سبب وکل ما یتوصل به إلی المطلوب _ من حبل أو سلم أو وسیلة أو رحم أو قرابة أو طریق أو جهة _ فهو سبب, ومنه قیل: تسببت بکذا إلی کذا أی توصلت به إلیه .
والمعنی کأنه قال: أعندهم خزائن رحمة ربک فقد أمنوا أن تجئ الأمور علی خلاف ما یحبون .
وتعنی: أنه لیس عندهم خزائن الرحمة والنبوة, فیعطونه النبوة من شاءوا, ویمنعونها من شاءوا .
والارتقاء: الصعود من سفل إلی علو درجة درجة :
ص: 287
قال سعید بن جبیر: أی: فی أبواب السماء ((1)) .
وجاء : لو لم یجد سلما ما کان مرتقیا, والمرتقی والذی رقاه سیان الأسباب: جمع سبب . والسبب: ما یوصل به إلی المطلوب . وأسباب السماوات
أبوابها, قال زهیر :
ومن هاب أسباب المنایا ینلنه, ولو زام أسباب السماء بسلم والفرق بین السبب والعلة فی عرف المتکلمین: أن السبب ما یوجب ذاتا, والعلة ما یوجب صفة .
یعنی نعمة ربک, وهی النبوة, نظیرها فی الزخرف :
( أهم یقسمون رحمة ربک ) [ الزخرف: 32 ], یعنی النبوة یقول: بأیدیهم مفاتیح النبوة والرسالة, فیضعونها حیث شاءوا, فإنها لیست بأیدیهم ولکنها بید ( العزیز ) فی ملکه ( الوهاب ) [ آیة: 9 ] الرسالة والنبوة
لمحمد صلی الله علیه و آله .
ثم قال ( أم لهم ملک السماوات والأرض وما بینهما ) یعنی کفار قریش یقول: ألهم ملکهما وأمرهما, بل الله یوحی الرسالة إلی من یشاء, ثم قال: ( فلیرتقوا فی الأسباب ) [ آیة: 10 ] یعنی الأبواب إن کانوا صادقین بأن محمداً صلی الله علیه و آله تخلقه من تلقاء نفسه, یقول الولید: ( إن هذا إلا اختلاق )
ص: 288
الأسباب, یعنی الأبواب التی فی السماء, فلیستمعوا إلی الوحی حین یوحی الله عز وجل إلی النبی صلی الله علیه و آله ((1)) .
{ أم هم المسیطرون } علی الناس فلیس علیهم مسیطر ولا لهم ملزم ومقوم, فالمسیطر الملزم غیره امرا من الأمور قهرا, وهو مأخوذ من السطر یقال: سیطر یسیطر سیطرة, وهو ( فیعل ) من السیطرة, ونظیره بیطر بیطرة .
وقیل: المسیطر الملک القاهر . وقیل: هو الجبار المتسلط, ومنه قوله { لست علیهم بمسیطر } یقولون: سیطر علیَّ أی اتخذنی خولا ((2)) .
: أی انهم لا یملکون الامور مثل رحمة ربک ولا یملکون من یختارون للنبوة ولا یملکون خزائن ملک السماوات والارض .
وقال نجاح الطائی: أراد الکفار أن یملوا علی الله تعالی من یرسل نبیا للعالمین من حزبهم الجاهلی فیکون رسولا وفق معاییرهم المنحطة والزائفة من دهاء وفسق وغدر وخیانة فی الحیاة .
ص: 289
ویرغب الکفار بثقافة قائمة علی الکذب والاحتیال والاستکبار والفجور کالموجودة عند کبیرهم الولید بن المغیرة (دعی قریش) .
واستمرت هذه الثقافة عند الطلقاء والاعراب وعموم المنافقین فتمکنوا بها القبض علی خلافة النبی فی السقیفة واقصاء خلیفته الامام علی علیه السلام .
هؤلاء وجدوا أن التمنی لا ینفع بل یجب الاتجاه الی الانقلاب ومنافسة الاهداف الالهیة علی أرض الواقع .
قال عمر لابن عباس : إنَّ قومکم کرهوا أن تجتمع لکم النبوة والخلافة ((1)) .
و اعترف عمر بالنص الالهی علی الامام علی علیه السلام فی الخلافة قائلا : لقد أرادک الحق ((2)) .
وشخَّص عمر هویة زعیم المنافسین لعلی علیه السلام قائلا: أحسد قریش ابو بکر ((3)) .
ص: 290
ولما کثر الحدیث فی هذا الموضوع قال معاویة لابن عباس بعدم اجتماع النبوة والخلافة لاحد .
فقال ابن عباس: قال الله تعالی لقد آتینا آل ابراهیم الکتاب والحکمة وآتیناهم ملکاً عظیماً فالکتاب النبوة والحکمة السنة والملک الخلافة نحن آل ابراهیم أمر الله تعالی فینا وفیهم واحد ((1)).
الحکمة: الفهم والعقل .
{ جُندٌ مَا هُنَالِکَ مَهْزُومٌ مِنْ الأحْزَابِ } 11 _سورة ص.
و « ما » زائدة مؤکّدة للتحقیر مثل أکلت شیئا مّا .
أی کاسرة کفاقرة . وهزم الرعد تکسّر صوته .
قال قتادة: أخبر الله سبحانه وهو بمکة أنه سیهزم جند المشرکین, فجاء تأویلها یوم بدر . وهنالک: إشارة إلی بدر ومصارعهم بها أی: هؤلاء الذین یقولون هذا القول, جند مهزومون مغلوبون من جملة الکفار الذین تحزبوا علی الأنبیاء, وأنت منصور علیهم, مظفر غالب . وقیل . هم أحزاب الذین حاربوا نبینا صلی الله علیه و آله یوم الخندق .
ص: 291
ووجه اتصاله بما قبله أن المعنی: کیف یرتقون إلی السماء وهم فرق من قبائل شتی مهزومون ( کذبت قبلهم ) أی: قبل هؤلاء الکفار .
: إخبار الهی عن هزیمة أحزاب قریش فی معرکة بدر وانتشار أشلائهم فی العراء وهزیمتهم فی الصحراء وتفرقهم فی الاودیة والقفار .
{ کَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتَادِ } 12 _سورة
ص.
قوله: ( [ کَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ] ) أی کذّبت قبل هؤلاء الکفّار ( [ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتادِ ] ) أی لقد کذبت أقوام الأنبیاء قبلک أنبیاءهم أیضا فنزل العذاب بهم وجاء بستّة أصناف منهم:
أوّلهم قوم نوح فأهلکهم اللَّه بالغرق والطوفان . والثانی عاد قوم هود لمّا کذّبوه أهلکهم اللَّه بالریح العقیم . والثالث فرعون لمّا کذّب موسی أهلکه اللَّه مع قومه بالغرق . والرابع ثمود قوم صالح لمّا کذّبوه فاهلکوا بالصیحة . والخامس قوم لوط کذّبوه فاهلکوا بالخسف . والسادس أصحاب الأیکة وهم قوم شعیب لمّا کذّبوه فاهلکوا بعذاب یوم الظلَّة .
وإنّما وصف اللَّهُ فرعون بکونه ذو الأوتاد لوجوه :
الأول: أنّ أصل هذه الکلمة من أصل ثبات البیت المطنّب بأوتاده ثمّ استعیر لإثبات العزّ والملک قال الشاعر :
ولقد غنوا فیها بأنعم عیشة _ فی ظلّ ملک ثابت الأوتاد
وهذا المعنی أحسن الوجوه .
ص: 292
والثانی أنّه کان ینصب الخشب فی الهواء وکان یمدّ یدی المعذّب ورجلیه إلی تلک الخشب الأربع ویضرب علی کلّ واحد من هذه الأعضاء وتدا ویترکه معلَّقا فی الهواء إلی أن یموت .
قال السدی والربیع بن أنس: انه کانت له أوتاد یعذب الناس بها.
والثالث أنّه یمدّ المعذّب بین أربعة أوتاد فی الأرض ویرسل علیه العقارب والحیّات .
والرابع قال قتادة: کانت عنده أوتادا وأرسانا وملاعب یلعب بها عنده .
والخامس أنّ عساکره کانوا کثیرین وکانوا کثیری الأهبة عظیمی النعم وکانوا یکثرون من الأوتاد لأجل الخیام فعرّف بها .
{ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوط وَأصْحَابُ الأیْکَةِ اُوْلَئِکَ الأحْزَابُ }13 _سورة
ص. : وَأصْحَابُ الأیْکَةِ: أصحاب الغیضة: مجتمع الشجر فی مغیض الماء .
کل هذه الاقوام کذَّبت الانبیاء وهی الاحزاب المعارضة لله تعالی والمحاربة له ولرسله .
قوله تعالی: ( أُولئِکَ الأَحْزابُ ) مبالغة لوصفهم بالقوّة والکثرة والمعنی أنّ حال أولئک الأحزاب مع کمال قوّتهم لمّا کان عاقبة أمرهم الهلاک والبوار فکیف هؤلاء الضعفاء ؟
وبعدما کشف صفة المکذّبین بیّن أن مشرکی قریش حزب من هؤلاء الأحزاب المعادین للنبی صلی الله علیه و آله وتعنی أحزاب الشیطان .
ص: 293
وقد وجد المعارضون أنهم لا یمکنهم منافسة النبی المدعوم من السماء فرادی بل یمکنهم ذلک جماعات واحزابا لذا تراهم اتفقوا بشکل قبائل وجماعات وأفراد مثلما حصل فی حرب الخندق وحرب حنین (هوازن ) وفی قضیة السقیفة .
وفی معرکة الاحزاب اتفقت قریش والیهود والاعراب والمنافقون.
وفی حنین اتفقت هوازن وثقیف والطلقاء والمنافقون فی الصف الاسلامیلمحاربة النبی والمسلمین . .
وفی السقیفة اتفق بعض رجال المهاجرین والانصار والطلقاء والاعراب علی نقض بیعة الغدیر وعزل الخلیفة علی علیه السلام وتعیین أبی بکر مکانه .
{ إنْ کُلٌّ إلا کَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ14 }
: هؤلاء الکافرون کذَّبوا رسل الله تعالی فاستحقوا العقاب الالهی وکانوا یستعجلون العذاب الالهی من شدة طغیانهم شأنهم شأن الحارث الفهری :
و نزلت سورة المعارج فی الحارث بن النعمان الفهری, اذ أنزل الله تعالی علیه صاعقة من السماء فأودته قتیلا .
أی کل هذه الطوائف لما کذبوا أنبیاءهم فی الترغیب والترهیب هلکوا .
قال الشاعر:
صاح الزمان بآل برمک صیحة _ خروا لشدتها علی الأذقان .
{ وَمَا یَنظُرُ هَؤُلاءِ إلا صَیْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاق}15_سورة ص
ص: 294
أی لا یفیقون من العذاب وقوله ( وقالوا ربنا : عجل لنا قطنا قبل یوم الحساب ) أی نصیبنا وصکنا من العذاب .
قرأ حمزة والکسائی " فواق " بضم الفاء . الباقون بفتحها . فالفواق بفتح الفاء معناه مالها من راحة, وإذا ضممت الفاء, فالمعنی مالها من فواق ناقة وهو قدر ما بین الحبلتین . وقیل: هو ما بین الرضعتین . وقیل: هما لغتان مثل قصاص الشعر وقصاصه, وحمام الماء وحمامه، وهو الآفة, وهو الإبانة بعد الفترة .
ثم خاطب الله عز وجل نبیه :
{ وَقَالُوا ربَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ یَوْمِ الحِسَابِ }16 _سورة
ص.
أی عجَّل سهمنا ونصیبنا من العذاب .
ابن بابویه, عن أبیه, قال: حدّثنا سعد بن عبد الله, عن سلمة بن الخطاب, عن إبراهیم بن محمّد الثقفی, عن إبراهیم بن میمون, عن مصعب, عن سعد, عن الأصبغ, عن علی علیه السلام فی قول الله عزّ وجلّ: { وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ یَوْمِ الْحِسَابِ } قال: نصیبهم من العذاب ((1)) .
: القط: الجزاء . قال: وهل تعرف العرب ذلک ؟
قال: نعم, أما سمعت قول الأعشی :
ص: 295
ولا الملک النعمان یوم لقیته * بنعمته یعطی القطوط ویطلق .
قالوه علی وجه الاستهزاء بخبر الله, عز وجل, عن ابن عباس, ومجاهد, وقتادة . وقیل . معناه أرنا حظنا من النعیم فی الجنة حتی نؤمن, عن السدی, وسعید بن جبیر . وقیل: لما نزل ( وأما من أوتی کتابه بیمینه . . . وأما من أوتی کتابه بشماله ) قالت قریش: زعمت یا محمد أنا نؤتی کتابنا بشمالنا, فعجل لنا کتبنا التی نقرؤها فی الآخرة, استهزاء منهم بهذا الوعید, وتکذیبا به, عن أبی العالیة, والکلبی, ومقاتل .
قال البیضاوی: أی قسطنا من العذاب الذی توعدنا به, أو الجنة التی تعد المؤمنین, وهو من قطه: إذا قطعه, ویقال للصحیفة الجائزة قط لأنها قطعة من القرطاس, وقد فسر بها, أی عجل لنا صحیفة أعمالنا ننظر فیها ((1)) .
قصص الأنبیاء: بالاسناد إلی الصدوق, عن ابن المتوکل, عن السعد آبادی, عن البرقی عن ابن محبوب, عن هشام, عن سعد الإسکاف, عن علی بن الحسین علیه السلام قال: إن أول من عمل المکیال والمیزان شعیب النبی علیه السلام : عمله بیده, فکانوا یکیلون ویوفون, ثم إنهم بعد طففوا فی المکیال وبخسوا
ص: 296
فی المیزان فأخذتهم الرجفة فعذبوا بها فأصبحوا فی دارهم
جاثمین ((1)) .
وقال نجاح الطائی: استهزاء الکفار بعلوم الغیب وعلی رأسها الاخرة أمر معروف فی سیرتهم الفاسدة المستکبرة , فهم فی معرض التحدی لرسول الله تکذیبا منهم للرسالة الالهیة .
{ اصْبِرْ عَلَی مَا یَقُولُونَ وَاذْکُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأیْدِ إنَّهُ أوَّابٌ } 17 _سورة ص :
{ اصْبِرْ عَلَی مَا یَقُولُونَ}: من تکذیبک وسبک وظلمهم لک , فإنّ وبال ذلک یعود علیهم.
{وَاصْبِرْ عَلَی مَا أصَابَکَ إنَّ ذَلِکَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ }17_لقمان . ((2)).
{ قد نعلم أنه لیحزنک الذی یقولون فإنهم لا یکذبونک ولکن الظالمین بآیات الله یجحدون ولقد کذبت رسل من قبلک فصبروا علی ما کذبوا وأوذوا حتی أتاهم نصرنا} فألزم النبی صلی الله علیه و آله نفسه الصبر ((3)) .
ص: 297
{ فَاصْبِرْ عَلَی مَا یَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ39* وَمِنَ اللَّیْلِ فَسَبِّحْهُ وَأدْبَارَ السُّجُودِ 40 } سورة ق.
{ فَاصْبِرْ عَلَی مَا یَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّیْلِ فَسَبِّحْ وَأطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّکَ تَرْضَی130}سورة طه.
وجاء أیضاً : {واصبر علی ما یقولون واهجرهم هجرا جمیلا } ((1)) .
وقال تعالی : { ادفع بالتی هی أحسن السیئة فإذا الذی بینک وبینه عداوة کأنه ولی حمیم } ((2)) .
فصبر رسول الله صلی الله علیه و آله حتی قابلوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره , فأنزل الله : { ولقد نعلم أنک یضیق صدرک بما یقولون } ((3)) .
ثم کذبوه ورموه فحزن لذلک فأنزل الله تعالی ( قد نعلم أنه لیحزنک الذی یقولون فإنهم لا یکذبونک ولکن الظالمین بآیات الله یجحدون .
ص: 298
{ولقد کذبت رسل من قبلک فصبروا علی ما کذبوا وأوذوا حتی أتاهم نصرنا } .
فألزم نفسه الصبر صلی الله علیه و آله فقعدوا وذکروا الله تبارک وتعالی بالسوء وکذبوه , فقال رسول الله صلی الله علیه و آله قد صبرت فی نفسی وأهلی وعرضی ولا صبر لی علی ذکرهم إلهی .فأنزل الله : { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بینهما فی ستة أیام وما مسنا من لغوب فاصبر علی ما یقولون } ((1)) .
عُرف الانبیاء والاوصیاء بالصبر علی أفعال المشاغبین من الکفار والمنافقین وفرج الله تعالی بانزال نصره علیهم فولوا مدبرین ومقتولین.
{ وَاذْکُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأیْدِ إنَّهُ أوَّابٌ } : أوَّابٌ: رجّاع عن کلّ ما یکره اللَّه إلی ما یحبّ . من: آب یؤوب إذا رجع.
الطوسی: معناه تواب وبه قال مجاهد, وهو من آب یؤوب أی رجع إلی الله فلذلک مدحه ((2)) .
أواب: تعنی منقاد لله تعالی مطواع له شکور له سبحانه
.
ص: 299
قال الله سبحانه لنبیه صلی الله علیه و آله : ( اصبر ) یا محمد أی: إحبس نفسک ( علی ما یقولون ) من تکذیبک, فإن وبال ذلک یعود علیهم ( واذکر عبدنا داود ذا الأید ) أی : ذا القوة علی العبادة .
قال : ( الید فی کلام العرب القوة والنعمة, ثم تلا هذه الآیة ) . ( إنه أواب ) قیل : أی : رجاع إلی مرضاة الله, لقوته فی الدین .
والقمی : أی : دعاء . قیل : إنه یصوم یوما ویفطر یوما, ویقوم نصف اللیل .عن أبی جعفر ( علیه السلام ), قال : قال الله : ( واذْکُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الأَیْدِ ) .
فقال : « الید فی کلام العرب : القوة والنعمة » . وتلا الآیة((1)) .
{ إنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ یُسَبِّحْنَ بِالعَشِیِّ وَالإشْرَاقِ } 18_سورة
ص.
کانت الجبال تتحرک معه فی أی اتجاه یریده ویوده .
قال: الطبرسی ما هذا لفظه الأید القوة علی العبادة المضطلع بأعباء النبوة وقیل ذو القوة علی الأعداء لأنه رمی بحجرة من مقلاعه صدر الرجل فأنفذه من ظهره فأصاب اخر فقتله یقال فلان أید وذو أید وذو آد وایاد کل شئ ما یتقوی به انه أواب رجاع عن کل ما یکره الله إلی ما یحب وقیل سبح مطیع یسبحن حل واختیر علی مسبحات وإن کان فی معناه لیدل علی حدوث التسبیح من الجبال حالا بعد حال وکان داود إذا سبح جاوبه الجبال والطیر
ص: 300
بالتسبیح واجتمعت الطیر مسبحة بذلک حشرها کل واحد من الجبال والطیر له لأجل داود ای لأجل تسبیحه تسبح لأنها کانت تسبح بتسبیحه((1)).
تفسیر علی بن إبراهیم: " إنا سخرنا الجبال معه یسبحن بالعشی والاشراق " یعنی إذا طلعت الشمس .
هذا مشروع الهی داع العباد الی التسبیح الی رب العالمین والتسلیم له کی ینزل الباری تعالی نعمه علی العباد ویکتبهم من أهل الصلاح والفلاح والنجاح .
{ وَالطَّیْرَ مَحْشُورَةً کُلٌّ لَهُ أوَّابٌ } 19_سورة ص:
تعنی أیضاً ان الطیر مطواعة للنبی داود علیه السلام مثلما هو مطواع لله سبحانه .
قال النبی: ( صلی الله علیه و آله ): انظروا بأعینکم واسمعوا بآذانکم ماذا تجیب الجبال ثم صاح رسول الله صلی الله علیه و آله : یا جبال مکة ومن حولها والریح والتلاع أجیبینی بإذن الله ویا أیها الطیر آوی إلی بإذن الله .
قال فصاحت جبال مکة وما حولها والریح والتلاع, وکل شعب بمکة لبیک لبیک یا رسول الله إجابة لدعوتک وطاعة لأمرک, وأقبلت الطیور من کل جانب صغارا وکبارا, بری وبحری وجبلی وسهلی, حتی انفرشت بمکة وسطوحاتها وطرقاتها وحجبت الطیرُ السماءَ بأجنحتها عنهم .
ص: 301
فقال المنافقون: فقد زعمت أن الله أعطی لعیسی احیاء المیت وابراء الأکمه والأبرص وأن یخلق من الطین کهیئة الطیر فینفخ فیه فیکون طیرا بإذن الله, ونبا بنی إسرائیل بما یأکلون وما یدخرون فی بیوتهم ونحن نسألک أن تحیی لنا میتا, فدعا رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) علیا بن أبی طالب علیه السلام وقال له: ائتنی ببردتی السحاب وقضیبی الممشوق ثم کلمه بکلام خفی لا یفهم, ثم قال: انطلق یا علی معهم إلی بلاطة من بلاطهم فأحی لهم من أرادوا من الموتی فلما انتهوا إلی البلاطة بظهر شعب بنی سعد قالوا: یا علی هذا قبر سید من ساداتنا من أکابر قریش, وقد مات قریبا وقد دفناه بالأمس, وهو قریب العهد بالحیاة, أحیه لنا حتی نسأله, فدنا أمیر المؤمنین من القبر, وتکلم بکلام خفی ثم رکل القبر برجله فارتجت الأرض وزلزلت حتی خافوا علی أنفسهم, فقالوا یا علی أقلنا أقالک الله فقال علی لیس الامر لی, بل الامر إلی رسول الله ( صلی الله علیه و آله ) وهذا میتکم فکلموه, فإذا هم بالقبر قد انشق, وخرج الرجل من أکفانه بعینه واسمه ونسبه.
فقال: یا ویلکم یا منافقی قریش, ما أجرأکم علی ما أنا فیه من العذاب, أولم أؤمن بمحمد حتی شهرتمونی فی الدنیا فولوا هاربین إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقالوا: یا رسول الله اقلنا أقالک الله, فقال رسول الله انکم لا تتمردون
ص: 302
علیَّ وإنما تمردکم علی الله, اللهم لا تقلهم فانی لا أقیلهم فارسل النبی إلی أمیر المؤمنین علیه السلام بعد أن رد المیت فی قبره, فکان هذا من دلائله علیه السلام ((1)) .
( وَالطَّیْرَ مَحْشُورَةً ) معطوفة علی الجبال, والتقدیر وسخّرنا الطیر محشورة قال ابن عبّاس :
کان داود إذا سبّح جاوبته الجبال واجتمعت إلیه الطیر فسبّحت معه, واجتماعها إلیه هو حشرها فیکون حاشرها هو اللَّه سبحانه .
وجاءت روایات تسبیح الحصی فی کف رسول الله من طرق السنة والشیعة.
{ وَشَدَدْنَا مُلْکَهُ وَآتَیْنَاهُ الحِکْمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ20 }_سورة ص:
الحکمة: الفهم والعقل .
ساعده تعالی فی وحدة حکمه وابعاد العدو الداخلی والخارجی عنه . وجاء: من أوتی الحکمة فقد أوتی خیرا کثیرا .
وَفَصْلَ الخِطَابِ : یعنی القضاء بین الناس, وأن البینة علی المدعی, والیمین علی من أنکر, ومراعاة الشهود والإیمان لان خطاب الخصوم لا ینفصل, ولا ینقطع إلا بهذا, وهو قول الأکثرین .
وقیل: فصل الخطاب هو العلم بالقضاء والفهم, عن ابن مسعود والحسن ومقاتل وقتادة .
ص: 303
ابن بابویه, قال: حدثنا أحمد بن زیاد بن جعفر الهمدانی , قال: حدثنا علی بن إبراهیم ابن هاشم, عن أبی الصلت الهروی.
قال: کان الرضا علیه السلام یکلم الناس بلغاتهم, وکان والله أفصح الناس وأعلمهم بکل لسان ولغة, فقلت له یوما: یا ابن رسول الله, إنی لأعجب من معرفتک بهذه اللغات علی اختلافها ! فقال: « یا أبا الصلت, أنا حجة الله علی خلقه, وما کان الله لیتخذ حجة علی قوم وهو لا یعرف لغاتهم, أما بلغک ما قال أمیر المؤمنین علیه السلام : وأوتینا فصل الخطاب ؟ فهل فصل الخطاب إلا معرفة اللغات ؟ »((1)).
ابن زمنین: { وآتیناه الحکمة } یعنی النبوة ( وفصل الخطاب ) قال الحسن: یعنی: العدل فی القضاء ((2)) .
تفسیر الثعلبی: {وآتیناه الحکمة } یعنی النبوة والإصابة فی الأمور . وقال أبو العالیة: العلم الذی لاتردّه العقول .
( وفصل الخطاب ) قال ابن عبّاس: بیان الکلام .
ص: 304
وقال الحسن البصری والکلبی وابن مسعود ومقاتل وأبو عبد الرحمن السلمی: یعنی علم الحکم والبصر بالقضاء, کأن لا یتتعتع فی القضاء بین الناس, وهی إحدی الروایات عن ابن عبّاس .
وقال علی بن أبی طالب علیه السلام : هو البیّنة علی المدّعی والیمین علی من أنکر ((1)) .
أول من خطب علی المنبر إبراهیم علیه السلام حین أسر لوط واستأسرته الروم
، فغزا إبراهیم علیه السلام حتی استنقذه من الروم ((2)) .
جابر: کان [ النبی صلی الله علیه و آله ] إذا خطب احمرت عیناه, وعلا صوته, واشتد غضبه, کأنه منذر جیش یقول: صبحکم مساکم ((3)) .
أبو امامة: کان [ النبی صلی الله علیه و آله ] إذا بعث أمیرا قال: أقصر الخطبة, وأقل الکلام ((4)) .
عمار بن یاسر: أمرنا رسول الله صلی الله علیه و آله بإقصار الخطب ((5)) .
ص: 305
جابر بن سمرة السوائی: کان رسول الله صلی الله علیه و آله لا یطیل الموعظة یوم الجمعة, إنما هن کلمات یسیرات ((1)) .
وقال الراغب: الشد العقد القوی یقال: شددت الشئ قویت عقده . فشد الملک من الاستعارة بالکنایة والمراد به تقویة الملک وتحکیم أساسه بالهیبة والجنود والخزائن وحسن التدبیر وسائر ما یتقوی به الملک .
والحکمة فی الأصل بناء نوع من الحکم والمراد بها المعارف الحقة المتقنة التی تنفع الانسان وتکمله, وقیل: المراد النبوة, وقیل الزبور وعلم الشرائع, وقیل غیر ذلک وهی وجوه ردیة .
{وفصل الخطاب}: تفکیک الکلام الحاصل من مخاطبة واحد لغیره وتمییز حقه من باطله وینطبق علی القضاء بین المتخاصمین فی خصامهم .
ابن العربی: ( وشددنا ملکه ) قد بینا فی کتاب الأمد وغیره أنّ الشد عبارة عن کثرة القدر وفی تعیین ذلک قولان أحدهما الهیبة والثانی بکثرة الجنود
وعندی أنّ معناه شددناه بالعون والنُّصرة ولا ینفع الجیش الکثیر التفافُه علی غیر منصور وغیر مُعان .المسألة الثانیة قوله (ملکه ) .
قد بینا فی کتاب الأمد وغیره الملک والمعنی فیه وفی تفسیر قوله تعالی ( قل اللهم مالک الملک تؤتی الملک من تشاء وتنزع الملک ممن تشاء ) _ آل عمران 26 .
ص: 306
وحقیقة الملک کثرة الملک فقد یکون الرجل ملکا ولکن لا یکون ملکا ذا مُلک حتی یکثر ذلک فلو ملک الرجل داراً وقوتاً لم یکن ملکاً حتی یکون له خادم یکفیه مؤونة التصرف فی المنافع التی یفتقر إلیها لضرورة الآدمیة حسبما ورد فی الحدیث .
فی هذا دلیل علی أن حال النبی یجوز أن یسمّی ملکاً وقد رُوی أنّ النبیَّ أمر العباس أن یحبس أبا سفیان عند خطم الجبل حتی یمرَّ به المسلمون فحبسه العباس فجعلت القبائل تمرُّ مع النبی کتیبةً کتیبة علی أبی سفیان فمرّت کتیبةٌ فقال یا عباس من هذه قال له غفار . قال: ما لی ولغفار ثم مرت جهینة فقال مثل ذلک ثم مرت سعد بن هذیم فقال مثل ذلک ثم مرت سلیم فقال مثل ذلک حتی أقبلت کتیبة لم یر مثلها فقال من هذه قال هؤلاء الأنصار علیهم سعد ابن عُبادة وذکر الحدیث فقال أبو سفیان للعباس: لقد أصبح ملک ابن أخیک الیوم عظیماً فقال إنه لیس بملک ولکنها النبوة.
ولم یرد العباس نفی الملک وإنما أراد أن یردّ علی أبی سفیان فی نسبة حال النبی إلی مجرّد الملک وترک الأصل الأکبر وهو النبوة التی تترکب علی الملک والعبودیة علی أنه رُوی فی الحدیث أن جبریل نزل علی النبی فقال له إنّ الله خیَّرک بین أن تکون نبیا ملکا أو نبیا عبدا فنظر إلی جبریل کالمستشیر له فأشار إلیه جبریل أن تواضع فقال بل نبیا عبدا أجوع یوما وأشبع یوما.
ص: 307
المسألة الرابعة قوله تعالی ( وآتیناه الحکمة ) .قد بیناها فی غیر موضع المسألة الخامسة قوله تعالی ( وفصل الخطاب ): قیل هو علم القضاء ((1)) .
وقال نجاح الطائی: قال تعالی: { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِیهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ یَتْلُو عَلَیْهِمْ آیَاتِکَ وَیُعَلِّمُهُمُ الکِتَابَ وَالحِکْمَةَ وَیُزَکِّیهِمْ إنَّکَ أنْتَ العَزِیزُ الحَکِیمُ } 129*_البقرة .
{ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ المُلْکَ وَالحِکْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا یَشَاءُ } _البقرة 251 .
{ یُؤْتِی الحِکْمَةَ مَنْ یَشَاءُ وَمَنْ یُؤْتَ الحِکْمَةَ فَقَدْ اُوتِیَ خَیْراً کَثِیراً وَمَا یَذَّکَّرُ إلا اُوْلُوا الألْبَابِ } 269 _البقرة .
ومن الأحادیث المشهورة المتواترة عند السنة والشیعة ما رووه بالأسانید الصحیحة المتّصلة إلی رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال:
« أنا مدینة الحکمة وعلی بابها ولا تؤتی المدینة الا من الباب » ((2)).
ص: 308
لقد دعم الله تعالی ملک النبی داود علیه السلام وآتاه الحکمة والقضاء بین الناس .
{ وَهَلْ أتَاکَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ21 إذْ دَخَلُوا عَلَی دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَی بَعْضُنَا عَلَی بَعْض فَاحْکُمْ بَیْنَنَا بِالحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إلَی سَوَاءِ الصِّرَاطِ22 إنَّ هَذَا أخِی لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِیَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أکْفِلْنِیهَا وَعَزَّنِی فِی الخِطَابِ23 قَالَ لَقَدْ ظَلَمَکَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِکَ إلَی نِعَاجِهِ وَإنَّ کَثِیراً مِنَ الخُلَطَاءِ لَیَبْغِی بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْض إلا الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِیلٌ مَا هُمْ وَ ظَنَّ دَاوُودُ أنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاکِعاً وَأنَابَ } 24 _سورة ص.
روی الحافظ الحسکانی الحنفی قال: حدثنی علی بن موسی بن إسحاق باسناده عن ابن عباس قال: ما فی القرآن آیة:
(الا الذین آمنوا وعملوا الصالحات) . الا وعلی أمیرها وشریفها, وما من أصحاب محمد رجل إلاّ وقد عاتبه الله وما ذکر علیاً إلاّ بخیر((1)) .
ص: 309
وَ ظَنَّ دَاوُودُ أنَّمَا فَتَنَّاهُ: ابتلیناه بترک الأولی .
أی تصعدوا سور الغرفة, تفعل من السور " ففزع منهم " لأنهم نزلوا علیه من فوق فی یوم الاحتجاب والحرس علی الباب " ولا تشطط " أی ولا تجر علینا فی حکمک " إلی سواء الصراط " أی وسطه وهو العدل " والنعجة " الأنثی من الضأن ((1)) أکفلنیها " أی ملکنیها, وحقیقته: اجعلنی أکفلها کما أکفل ما تحت یدی, وقیل: اجعلها کفلی أی نصیبی " وعزنی فی الخطاب " أی غلبنی فی مخاطبته إیای محاجة بأن جاء بحجاج ولم أقدر رده, أو فی مغالبته إیای فی الخطبة " وقلیل ما هم " أی وهم قلیل, وما مزیدة للابهام والتعجب من قلتهم " أنما فتناه " أی امتحناه " وخر راکعا " قال الأکثر: أی ساجدا, وقیل: خر للسجود راکعا, أی مصلیا .
تفسیر علی بن إبراهیم: أبی, عن ابن أبی عمیر, عن هشام, عن الصادق علیه السلام قال: إن داود علیه السلام لما جعله الله عز وجل خلیفة فی الأرض, وأنزل علیه
ص: 310
الزبور أوحی الله عز و جل إلی الجبال والطیر أن یسبحن معه, وکان سببه أنه إذا صلی یقوم وزیره بعدما یفرغ من الصلاة فیحمد الله ویسبحه ویکبره ویهلله, ثم یمدح الأنبیاء علیهم السلام نبیا نبیا, ویذکر من فضلهم وأفعالهم وشکرهم وعبادتهم لله سبحانه, والصبر علی بلائه, ولا یذکر داود علیه السلام , فنادی داود ربه .
فقال: یا رب قد أثنیت علی الأنبیاء بما قد أثنیت علیهم ولم تثن علیَّ, فأوحی الله عز وجل إلیه: هؤلاء عباد ابتلیتهم فصبروا, وأنا أثنی علیهم بذلک, فقال: یا رب فابتلنی حتی أصبر, فقال: یا داود تختار البلاء علی العافیة ؟ إنی أبلیت هؤلاء ولم أعلمهم, وأنا أبلیک وأعلمک أنه یأتیک بلائی فی سنة کذا و شهر کذا فی یوم کذا, وکان داود یفرغ نفسه لعبادته یوما, ویقعد فی محرابه, ویوم یقعد لبنی إسرائیل فیحکم بینهم, فلما کان فی الیوم الذی وعده الله عز وجل اشتدت عبادته وخلا فی محرابه وحجب الناس عن نفسه وهو فی محرابه یصلی, فإذا بطائر قد وقع بین یدیه, جناحاه من زبرجد أخضر, ورجلاه من یاقوت أحمر, ورأسه ومنقاره من اللؤلؤ و الزبرجد, فأعجبه جدا ونسی ما کان فیه, فقام لیأخذه, فطار الطائر فوقع علی حائط بین داود وبین أوریا بن حنان, وکان داود قد بعث أوریا فی بعث, فصعد داود الحائط لیأخذ الطیر, وإذا امرأة أوریا جالسة تغتسل, فلما رأت ظل داود نشرت شعرها, وغطت به بدنها, فنظر إلیها داود وافتتن بها ورجع
ص: 311
إلی محرابه ونسی ما کان فیه, وکتب إلی صاحبه فی ذلک البعث أن یسیروا إلی موضع کیت وکیت, ویوضع التابوت بینهم وبین عدوهم, وکان التابوت فی بنی إسرائیل کما قال الله عز وجل: " فیه سکینة من ربکم وبقیة مما ترک آل موسی وآل هارون تحمله الملائکة " وقد کان رفع بعد موسی علیه السلام إلی السماء لما عملت بنو إسرائیل بالمعاصی, فلما غلبهم جالوت وسألوا النبی أن یبعث إلیهم ملکا یقاتل فی سبیل الله _ تقدس وجهه _
بعث إلیهم طالوت وأنزل علیهم التابوت وکان التابوت إذا وضع بین بنی إسرائیل وبین أعدائهم ورجع عن التابوت إنسان کفر وقتل, ولا یرجع أحد عنه إلا ویقتل, فکتب داود إلی صاحبه الذی بعثه أن ضع التابوت بینک وبین عدوک, و قدم أوریا بن حنان بین یدی التابوت, فقدمه وقتل, فلما قتل أوریا دخل علیه الملکان ولم یکن تزوج امرأة أوریا وکانت فی عدتها وداود فی محرابه یوم عبادته, فدخل علیه الملکان من سقف البیت وقعدا بین یدیه, ففزع داود منهما فقالا: " لا تخف خصمان بغی بعضنا علی بعض فاحکم بیننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلی سواء الصراط " ولداود حینئذ تسع وتسعون امرأة ما بین مهیرة إلی جاریة, فقال أحدهما لداود: " إن هذا أخی له تسع وتسعون نعجة ولی نعجة واحدة فقال :أکفلنیها وعزنی فی الخطاب " أی ظلمنی وقهرنی, فقال داود کما حکی الله عز وجل: " لقد ظلمک بسؤال نعجتک إلی نعاجه " إلی قوله: " وخر راکعا وأناب " قال: فضحک المستعدی
ص: 312
علیه من الملائکة وقال: حکم الرجل علی نفسه, فقال داود: أتضحک وقد عصیت لقد هممت أن أهشم فاک, قال: فعرجا, وقال الملک المستعدی علیه: لو علم داود أنه أحق بهشم فیه منی, ففهم داود الامر وذکر القضیة فبقی أربعین یوما ساجدا یبکی لیله ونهاره, ولا یقوم إلا وقت الصلاة حتی انخرق جبینه وسال الدم من عینیه .
فلما کان بعد أربعین یوما نودی: یا داود مالک ؟ أجائع أنت فنشبعک, أم ظمآن فنسقیک, أم عریان فنکسوک, أم خائف فنؤمنک ؟ فقال: أی رب وکیف لا أخاف وقد عملت ما علمت وأنت الحکم العدل الذی لا یجوزک ظلم ظالم ؟ فأوحی الله عز وجل إلیه :
تب یا داود, فقال: أی رب وأنی لی بالتوبة ؟ قال صر إلی قبر أوریا حتی أبعثه إلیک واسأله أن یغفر لک فإن غفر لک غفرت لک, قال: یا رب فإن لم یفعل ؟ قال: أستوهبک منه, فخرج داود علیه السلام یمشی علی قدمیه ویقرأ الزبور وکان إذا قرأ الزبور لا یبقی حجر ولا شجر ولا جبل ولا طائر ولا سبع إلا یجاوبه حتی انتهی إلی جبل وعلیه نبی عابد یقال له حزقیل فلما سمع دوی الجبال وصوت السباع علم أنه داود, فقال: هذا النبی الخاطئ, فقال داود: یا حزقیل أتأذن لی أن أصعد إلیک ؟ قال: لا, فإنک مذنب, فبکی داود علیه السلام فأوحی الله عز وجل إلی حزقیل: یا حزقیل لا تعیر داود بخطیئته, وسلنی العافیة, فنزل حزقیل وأخذ بید داود وأصعده إلیه, فقال له داود: یا حزقیل
ص: 313
هل هممت بخطیئة قط ؟ قال: لا, قال: فهل دخلک العجب مما أنت فیه من عبادة الله عز وجل ؟ قال: لا, قال: فهل رکنت إلی الدنیا فأحببت أن تأخذ من شهواتها ولذاتها ؟ قال: بلی ربما عرص ذلک بقلبی, قال فما تصنع ؟ قال: أدخل هذا الشعب فأعتبر بما فیه, قال: فدخل داود علیه السلام الشعب فإذا بسریر من حدید علیه جمجمة بالیة, وعظام نخرة, وإذا لوح من حدید وفیه مکتوب, فقرأه داود فإذا فیه: أنا أروی بن سلم, ملکت ألف سنة, وبنیت ألف مدینة وافتضضت ألف جاریة, وکان آخر أمری أن صار التراب فراشی, والحجارة وسادی, والحیات والدیدان جیرانی, فمن یرانی فلا یغتر بالدنیا, ومضی داود حتی أتی قبر أوریا فناداه فلم یجبه, ثم ناداه ثانیة فلم یجبه, ثم ناداه ثالثة فقال أوریا: مالک یا نبی الله لقد شغلتنی عن سروری وقرة عینی ؟ قال یا أوریا اغفر لی وهب لی خطیئتی, فأوحی الله عز وجل: یا داود بین له ما کان منک, فناداه داود فأجابه فی الثالثة فقال: یا أوریا فعلت کذا وکذا, وکیت وکیت, فقال أوریا أیفعل الأنبیاء مثل هذا ؟ ! فناداه فلم یجبه, فوقع داود علیه السلام علی الأرض باکیا, فأوحی الله عز وجل إلی صاحب الفردوس لیکشف عنه, فکشف عنه, فقال أوریا: لمن هذا ؟ فقال لمن غفر لداود خطیئته, فقال: یا رب قد وهبت له خطیئته, فرجع داود علیه السلام إلی بنی إسرائیل وکان إذا صلی قام وزیره یحمد الله ویثنی علیه, ویثنی علی الأنبیاء علیهم السلام ثم یقول: کان من فضل نبی الله داود قبل الخطیئة کیت
ص: 314
وکیت, فاغتم داود علیه السلام فأوحی الله عز وجل إلیه: یا داود قد وهبت لک خطیئتک وألزمت عار ذنبک بنی إسرائیل .
قال: یا رب کیف وأنت الحکم العدل الذی لا تجور ؟
قال: لأنه لم یعاجلوک النکیر, وتزوج داود علیه السلام بامرأة أوریا بعد ذلک, فولد له منها سلیمان علیه السلام , ثم قال عز وجل: " فغفرنا له ذلک وإن له عندنا لزلفی وحسن مآب " .
وفی روایة أبی الجارود, عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله: " وظن داود " أی علم " و أناب " أی تاب, وذکر أن داود کتب إلی صاحبه أن لا تقدم أوریا بین یدی التابوت و رده, فقدم أوریا إلی أهله ومکث ثمانیة أیام ثم مات .
بیان: اعلم أن هذا الخبر محمول علی التقیة لموافقته لما روته العامة فی ذلک ((1)) .
الخبر هذ یعارض روایة أبی الجارود وأبی الصلت وغیرهما.
الخبر الصحیح : عیون أخبار الرضا علیه السلام : الهمدانی والمکتب والوراق جمیعا, عن علی بن إبراهیم, عن القاسم بن محمد البرمکی, عن أبی الصلت الهروی قال: سأل الرضا علیه السلام علی بن محمد بن الجهم فقال: ما یقول من قبلکم فی داود علیه السلام ؟
ص: 315
فقال: یقولون: إن داود علیه السلام کان فی محرابه یصلی إذ تصور له إبلیس علی صورة طیر أحسن ما یکون من الطیور, فقطع داود صلاته و قام لیأخذ الطیر, فخرج الطیر إلی الدار, فخرج فی أثره, فطار الطیر إلی السطح فصعد فی طلبه فسقط الطیر فی دار أوریا بن حنان, فاطلع داود علیه السلام فی أثر الطیر فإذا بامرأة أوریا تغتسل, فلما نظر إلیها هواها, وکان قد أخرج أوریا فی بعض غزواته, فکتب إلی صاحبه أن قدم أوریا أمام الحرب, فقدم فظفر أوریا بالمشرکین, فصعب ذلک علی داود, فکتب إلیه ثانیة أن قدمه أمام التابوت فقدم فقتل أوریا رحمه الله وتزوج داود بامرأته قال: فضرب علیه السلام بیده علی جبهته وقال: إنا لله وإنا إلیه راجعون, لقد نسبتم نبیا من أنبیاء الله علیهم السلام إلی التهاون بصلاته حین خرج فی أثر الطیر, ثم بالفاحشة, ثم بالقتل, فقال: یا ابن رسول الله: فما کانت خطیئته ؟ فقال علیه السلام : ویحک إن داود علیه السلام إنما ظن أن ما خلق الله عز وجل خلقا هو أعلم منه, فبعث الله عز وجل إلیه الملکین فتسورا المحراب فقالا :
" خصمان بغی بعضنا علی بعض فاحکم بیننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلی سواء الصراط إن هذا أخی له تسع وتسعون نعجة ولی نعجة واحدة فقال أکفلنیها وعزنی فی الخطاب " فعجل داود علیه السلام علی المدعی علیه فقال: " لقد ظلمک بسؤال نعجتک إلی نعاجه " ولم یسأل المدعی البینة علی ذلک, ولم یقبل علی المدعی علیه فیقول له: ما تقول ؟ فکان هذا خطیئة حکم لا
ص: 316
ما ذهبتم إلیه, ألا تسمع الله عز وجل یقول: { یا داود إنا جعلناک خلیفة فی الأرض فاحکم بین الناس بالحق } إلی آخر الآیة ؟
فقال: یا ابن رسول الله فما قصته مع أوریا ؟ قال الرضا علیه السلام : إن المرأة فی أیام داود کانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا, وأول من أباح الله عز وجل أن یتزوج بامرأة قتل بعلها داود علیه السلام فتزوج بامرأة أوریا لما قتل وانقضت عدتها منه, فذلک الذی شق علی أوریا ((1)) .
قصص الأنبیاء: بالاسناد إلی الصدوق, عن علی بن أحمد, عن محمد بن أبی عبد الله الکوفی, عن موسی النخعی, عن الحسین بن أبی سعید, عن أبی بصیر قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام ما تقول فیما یقول الناس فی داود امرأة أوریا ؟ فقال: ذلک شئ تقوله العامة ((2)) .
قصص الأنبیاء: بالاسناد إلی الصدوق, عن أبیه, عن سعد, عن ابن یزید, عن حماد ابن عیسی, عن الحسین بن المختار, عن الشحام, عن الامام ابی عبد الله علیه السلام قال: لو أخذت أحدا یزعم أن داود علیه السلام وضع یده علیها لحددته حدین: حدا للنبوة, وحدا لما رماه به ((3)) .
ص: 317
أقول: روت العامة مثله عن أمیر المؤمنین علیه السلام .
تفسیر العیاشی: عن هشام بن سالم, عن الامام ابی عبد الله علیه السلام قال: ما بکی أحد بکاء ثلاثة :
آدم, ویوسف, وداود, فقلت: ما بلغ من بکائهم ؟
فقال: أما آدم علیه السلام فبکی حین أخرج من الجنة, وکان رأسه فی باب من أبواب السماء فبکی حتی تأذی به أهل السماء فشکوا ذلک إلی الله فحط من قامته, فأما داود فإنه بکی حتی هاج العشب من دموعه, وإن کان لیزفر الزفرة فیحرق ما نبت من دموعه، وأما یوسف علیه السلام فإنه کان یبکی علی أبیه یعقوب وهو فی السجن فتأذی به أهل السجن, فصالحهم علی أن یبکی یوما ویسکت یوما ((1)) .
وقال نجاح الطائی: لقد اعتاد الیهود وعلماء العامة فی الاعتداء علی الانبیاء والحط من منزلتهم وهناک المئات من الشواهد علی ذلک :
الافتراء فی قضیة تعری النبی موسی ورؤیة الناس عورته .
الافتراء فی قضیة سقوط رداء النبی محمد صلی الله علیه و آله ورؤیة الناس عورته .
ص: 318
الافتراء فی الصاقهم آیة {عبس وتولی أَنْ جَاءَهُ الأَعْمی وَما یُدْرِیْکَ لَعَلَّهُ یَزّکی }((1)) بالنبی صلی الله علیه و آله رغم نزولها فی عثمان
قال الامام الصادق علیه السلام عن سورة عبس : إنّها نزلت فی رجل من بنی أمیّة (عثمان) ((2)) .
تفسیر العیاشی: عن جابر قال:
سألت أبا جعفر علیه السلام عن هذه الآیة من قول الله : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا کَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَی الکَافِرِینَ89 } البقرة .
قال: تفسیرها فی الباطن: لما جاءهم ما عرفوا فی علی علیه السلام کفروا به، فقال الله فیهم: [ فلعنة الله علی الکافرین ], یعنی بنی أمیة هم الکافرون فی باطن القرآن ((3)) .
اتهام النبی یوسف بمحاولته الزنا مع زوجة الوزیر بینما حاول قتلها حینما همّت به وحاولت اجباره علی الزنا .
ص: 319
الافتراء باتهام النبی محمد صلی الله علیه و آله وباقی الانبیاء بالجنون و اتهام النبی بانه مسحور: (وَ قَالَ الظَّالِمُونَ ) لآل محمد حقهم:
{ إنْ تَتَّبِعُونَ إلا رَجُلا مَسْحُوراً اُنظُرْ کَیْفَ ضَرَبُوا لَکَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا یَسْتَطِیعُونَ سَبِیلا } ((1)) .
وقال البخاری ومسلم (تعدیاً علی منزلة النبوة): إنَّ رسول الله ( صلی الله علیه و آله )کان ینقل الحجارة للکعبة وعلیه إزاره، فقال له العباس عمه: یابن أخی لو حللت إزارک فجعلته علی منکبیک دون الحجارة. وفی روایة مزیّفة أخری انّ أبا طالب قال له ذلک. فحلَّه صلی الله علیه و آله فجعله علی منکبیه، فسقط مغشیاً علیه، فما رؤی بعد ذلک عریاناً»((2)).
فقال صلی الله علیه و آله ما أصابنی ما أصابنی الاّ فی تعدّی((3)) أی ان ذلک جاء من ظلم رسول الله صلی الله علیه و آله للآخرین ویقصدون ظلمه للحزب القرشی واللات والعزی وهُبل!
ص: 320
واستمر هذا المنحی ضد الأنبیاء فرووا أیضاً کشف رسول الله ( صلی الله علیه و آله )فخذه فی المدینة أمام أبی بکر وعمر، وعمره یناهز علی الستین سنة! بعد أن رووا سقوطه عریاناً فی الکعبة وعمره خمس وثلاثون سنة!((1)).
وسوف تجد أخیراً بان رجال الحزب القرشی قد حرَّفوا الروایات تماماً إذ قال الیعقوبی عن بناء الکعبة: فوضعوا أُزرهم یعملون عراة الاّ رسول الله فإنه أبی ان ینزع ثوبه فسمع صائحاً یصیح: لا تنزع ثوبک»((2))
وحتی بعد موته ( صلی الله علیه و آله ) لم یشاهد احد عورته فی الغسل إذ ورد: ولو رآها أحد لطمست عیناه((3)).
وبلغ الحد فی النهی عن رؤیة العورة أنَّ أمیر المؤمنین علیاً علیه السلام لم یقتل أعداءه الذین کشفوا عوراتهم حیاءاً من النظر إلی عوارتهم((4)).
وجاء فی کتاب البخاری: «أن بنی إسرائیل اتهموا موسی علیه السلام بأنه آدر (أی مصاب بانتفاخ فی خصیته بسبب الفتق) فنزع ثوبه ووضعه علی
ص: 321
حجر واغتسل، فلما أراد أنْ یأخذ ثوبه عدا الحجر بثوبه، فأخذ موسی علیه السلام عصاه وطلب الحجر، فجعل یقول: ثوبی حجر، ثوبی حجر، حتی نظرت بنو إسرائیل إلی موسی علیه السلام . فقالوا: والله ما بموسی من بأس، وأخذ ثوبه، فطفق بالحجر ضرباً. قال أبو هریرة: فوالله أنَّ بالحجر لندباً ثلاثاً أو اربعاً أو خمساً، فذلک قوله تعالی: (لا تکونوا کالذین آذوا موسی، فبرأه الله مما قالوا، وکان عند الله وجیهاً)((1))
.
والصحیح نزلت الآیة الشریفة فی قضیة اتهام بنی إسرائیل لموسی علیه السلام بقتل أخیه هارون، إذ ذهب معه فی زیارة فمات، فدفنه موسی علیه السلام فبرأه الله تعالی بأن أخبرهم جسد هارون بأنه مات ولم یُقْتَل((2)).
{ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاکِعاً وَأنَابَ 24 }
وعن ابن مجاهد: مکث (داود) ساجدا أربعین یوما ولیلة, لا یرفع رأسه إلَّا لصلاة مکتوبة, أو لحاجة لا بدّ منها . ولا یرقأ دمعه حتّی نبت العشب من دمعه . ولم یشرب ماء إلَّا وثلثاه دمع . وجهد نفسه راغبا إلی اللَّه فی العفو عنه, حتّی کاد یهلک .
ص: 322
واشتغل بذلک عن الملک, حتّی وثب ابن له یقال له: إیشا علی ملکه, ودعا إلی نفسه, واجتمع إلیه أهل الزیغ من بنی إسرائیل .
فتناه: امتحناه بتلک القضیة ( فاستغفر ربه وخر راکعا ): ساجدا ( وأناب ) قال: ( أی: تاب ) .
{ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِکَ وَإنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَی وَحُسْنَ مَآب } 25 _سورة
ص.
وَإنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَی: لقربة . وَحُسْنَ مَآب : ومرجع فی الجنة .
( إذ دخلوا علی داوود ففزع منهم ) لأنهم نزلوا علیه من فوق فی یوم خلوته واستراحته لا یُسمح لاحد بالدخول علیه والحرس علی الباب ( قالوا لا تخف خصمان بغی بعضنا علی بعض فاحکم بیننا بالحق ولا تشطط ): ولا تخالف الحق ( واهدنا إلی سواء الصراط ): إلی وسطه, وهو العدل .
( فغفرنا له ذلک ): ما استغفر عنه ( وإن له عندنا لزلفی ): لمنزلة قریبة بعد المغفرة ( وحسن مآب ): مرجع فی الجنة .
الشیخ المفید: سئل الشیخ عن معصیة داود علیه السلام وما کانت ؟ فقال فیها جوابان :
أحدهما: أنّ اللَّه سبحانه لمّا جعله خلیفة فی الأرض بقوله: ( یا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناکَ خَلِیفَةً فِی الأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) . أراد سبحانه وتعالی أن یهذّبه ویؤدّبه لأمر علمه منه, فجعل ذلک بملائکته دون البشر, وأهبط علیه الملکین فی صورة بشرین, فقالا له: ( خَصْمانِ بَغی بَعْضُنا عَلی بَعْضٍ
ص: 323
فَاحْکُمْ بَیْنَنا بِالْحَقِّ ولا تُشْطِطْ واهْدِنا إِلی سَواءِ الصِّراطِ إِنَّ هذا أَخِی لَه تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِیَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَکْفِلْنِیها وعَزَّنِی فِی الْخِطابِ ) .
فقال داود علیه السلام للمدّعی حاکما علی المدّعی علیه من غیر أن یسأل المدّعی علیه عن صحّة دعوی المدّعی: ( لَقَدْ ظَلَمَکَ بِسُؤالِ نَعْجَتِکَ إِلی نِعاجِه ) .
وقد کان الحکم یوجب أن لا یعجّل بذلک حتی یسأل المدّعی علیه فیقول له: ما تقول فی هذه الدعوی ؟ فلمّا عجّل بالحکم قبل الاستثبات, کان ذلک منه صغیرة ووجب علیه التوبة منها, ومیّز ذلک فی الحال, ففعل ما وجب علیه ممّا وصفناه, قال اللَّه عزّ وجلّ: ( وظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاه فَاسْتَغْفَرَ رَبَّه وخَرَّ راکِعاً وأَنابَ فَغَفَرْنا لَه ذلِکَ وإِنَّ لَه عِنْدَنا لَزُلْفی وحُسْنَ مَآبٍ ) .
والجواب الآخر: حکاه الناصر فأخبر أنّ داود علیه السلام ذکرت له امرأة أوریا بن حنّان, فسأله أن ینزل له عنها لیتزوّج بها بعد انقضاء عدّتها, وکان ذلک مباحا فی شرعه, فامتنع علیه أوریا ورغب بامرأته علی جزع لحقه من الامتناع علیه, ورهبة حصلت له منه .
وکانت الخطیئة من داود علیه السلام أن طلب ذلک من أوریا بن حنّان وهو نبیّ وملک مطاع وأوریا رعیة وتابع, ولو سأل أوریا ذلک مثله من الرعیة, لما کان بسؤاله مخطئا, لأنّه لم یکن یحدث له عند الامتناع من الجزع والخوف والهلع ما حدث له عند الامتناع من نبیه وملکه ورئیسه داود علیه السلام , وهذا الجواب غیر بعید , واللَّه نسأل التوفیق .
ص: 324
قال الشیخ المفید: فإن قال قائل: ألیس قد نطق القرآن بوقوع المعصیة من نبیّ من أنبیاء اللَّه سبحانه فی حال نبوّته, وهذا خلاف مذهبک فی ارتفاع المعاصی عن الأنبیاء کلَّهم والأئمة علیهم السّلام, لأنّهم علی أصلک معصومون من الذنوب والخطأ فی الدین .
فالجواب: أنّ الذی أذهب إلیه فی هذا الباب, أنّه لا یقع من أنبیاء علیهم السّلام ذنب بترک واجب مفترض, ولا یجوز علیهم خطأ فی ذلک, ولا سهو یوقعهم فیه, وإن جاز منهم ترک نفل ومندوب إلیه علی غیر القصد والتعمد, ومتی وقع ذلک منهم عوجلوا بالتنبیه علیه, فینزلون عنه فی أسرع مدّة وأقرب زمان .
فأمّا نبیّنا صلی الله علیه و آله خاصّة, والأئمّة من ذرّیّته علیهم السّلام, فلم یقع منهم صغیرة بعد النبوّة والإمامة من ترک واجب ولا مندوب إلیه, لفضلهم علی من تقدّمهم من الحجج علیهم السّلام, وقد نطق القرآن بذلک, وقامت الدلائل منه ومن غیره علی ذلک للأئمّة من ذرّیّته علیهم السّلام . قال اللَّه تعالی وقد ذکر معصیة آدم علیه السلام : وعَصی آدَمُ رَبَّه فَغَوی , فسمّی المعصیة غوایة وذلک حکم کلّ معصیة, إذ کان فاعلها یخیب بفعلها من ثواب ترکها, وکانت الغوایة هی الخیبة فی وجه من الوجوه ((1)) .
وعزنی بالخطاب: غلبنی بالحجة .
ص: 325
ومن جوّز علی الأنبیاء الصغائر قال: إنّ استغفاره کان لذنب صغیر وقع منه . وهو أنّ أوریا بن حیّان خطب امرأة, وکان أهلها أرادوا أن یزوّجوها منه, فبلغ داود جمالها, فخطبها أیضا فزوّجوها منه, وقدّموه علی أوریا . فعوتب داود علی حرصه علی الدنیا, وعلی أن خطب علی خطبة أخیه المؤمن مع کثرة نسائه .
وقیل: إنّه خرج أوریا إلی بعض ثغوره فقتل, فلم یجزع علیه جزعه علی أمثاله من جنده, إذ مالت نفسه إلی نکاح امرأته, فعوتب علی ذلک بنزول الملکین .
وقیل: إنّه کان فی شریعته أنّ الرجل إذا مات وخلَّف امرأة فأولیاؤه أحقّ بها, إلَّا أن یرغبوا عن التزوّج بها, فحینئذ یجوز لغیرهم أن یتزوّج بها . فلمّا قتل أوریا خطب داود امرأته, ومنعت هیبة داود وجلالته أولیاءه أن یخطبوها, فعوتب علی ذلک .
وقیل: إنّ داود کان متشاغلا بالعبادة, فأتاه رجل وامرأة متحاکمین إلیه, فنظر إلی المرأة لیعرفها بعینها, وذلک نظر مباح, فمالت نفسه إلیها میل الطباع, فعاد إلی عبادة ربّه, فشغله الفکر فی أمرها عن بعض نوافله,فعوتب .
وقال نجاح الطائی :
ص: 326
لم یصدر من النبی داود علیه السلام انحراف فی الدین ولا کبیرة ولا صغیرة مثلما یدَّعی الیهود والنواصب علیه, وقد سعی هؤلاء لتشویه سمعة الانبیاء وتحسین سمعة الاحبار الکفرة الفجرة .
انما هو ترک أمر مستحب من غیر عمد .
فعلی من جوَّز الصغائر علی الانبیاء فهی صغیرة وعلی من لا یجوز الصغیرة علیهم علی مذهبنا فهو ترک الاولی .
{ یَا دَاوُودُ إنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِیفَةً فِی الأرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الهَوَی فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ إنَّ الَّذِینَ یَضِلُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ بِمَا نَسُوا یَوْمَ الحِسَابِ } 26 _سورة ص.
إن الهوی والشهوة یغلبان العقل والعلم فعلی المؤمن وضع الهوی والشهوة جانباً .
لقد أحب الباری تعالی أن یؤدب رسوله داود بواسطة ملکین عبر مسألة شرعیة لترکه الاولی .
وروی أن النبی صلی الله علیه و آله قال لعلی: سو بین الخصمین فی لحظک ولفظک .
وورد فی الآثار أن صبیین ارتفعا إلی الحسن بن علی علیه السلام فی خط کتباه وحکماه فی ذلک, لیحکم أی الخطین أجود, فبصر به علی علیه السلام ، فقال: یا بنی أنظر کیف تحکم, فإن هذا حکم والله سائلک عنه یوم القیامة .
ص: 327
: هذا الخطاب الالهی هدایة وتأدیب من الله تعالی لکل رئیس وقاض کی یسیر علی العدل والانصاف والتقوی والاعتدال .
تفسیر أبی عبیدة: روی العلامة البحرانی عن تفسیر أبی عبیدة وعلی بن حرب الطائی قالا: قال عبد الله بن مسعود: الخلفاء أربعة:
1 - آدم لقوله تعالی: (إنی جاعل فی الأرض خلیفة) ((1)).
2 - وداود لقوله تعالی: (یاداود انا جعلناک خلیفة فی الأرض)((2))بیت المقدس((3)).
3 - وهارون لقوله تعالی نقلاً عن موسی لأخیه هارون:
(وقال موسی لأخیه هارون اخلفنی فی قومی)((4)).
4 - وعلی علیه السلام لقوله تعالی: (وعد الله الذین آمنوا منکم وعملوا الصالحات)یعنی: علی بن أبی طالب (لیستخلفهم فی الأرض کما استخلف
ص: 328
الذین من قبلهم) ((1)) یعنی: آدم, وداود, وهارون.(ولیمکنن لهم دینهم الذی ارتضی لهم). یعنی: الإسلام. (یعبدوننی لا یشرکون بی شیئاً, ومن کفر بعد ذلک) بولایة علی علیه السلام بن أبی طالب (فاولئک هم الفاسقون). یعنی: العاصین لله ولرسوله ((2)).
وقال أمیر المؤمنین علیه السلام لشریح : " قد جلست مجلسا لا یجلسه إلا نبی أو وصی أو شقی " وقال الصادق علیه السلام :
" اتقوا الحکومة, إنما هی للإمام العالم بالقضاء العادل بین المسلمین کنبی أو وصی " .
وبالجملة هی من مناصب محمد صلی الله علیه و آله وأهل بیته ( علیهم السلام ) الذین هم ولاة الأمر والمستنبطون, وبه یشعر قوله علیه السلام : " فإنی قد جعلته قاضیا وحاکما " وقاضی التحکیم لیس من المناصب العامة .
الامام : وهذا المنصب یعلو شرفاً ورفعة ویتألق علی منصب النبوّة والرسالة بمراتب, لانه یؤدی الی تسلط علی المجتمع لا یقتضیها ذاک .
وقد جاء فی هذا الموضوع: نعم یمکن أن یجتمع المنصبان لشخص واحد بجعله تعالی, وقد جعل اللّه تعالی عدّة من أنبیائه أئمة للناس, کما صرح
ص: 329
ببعضهم فی القرآن, وقال فی سورة الأحزاب, الآیة 6 فی حق نبینا ( صلی الله علیه و آله ): ( النبی أولی بالمؤمنین من أنفسهم ) فجعل له منصب الولایة والحکومة علی الناس, وهذا منصب غیر منصب النبوة .
وبالجملة الوجدان لا یلزم أحداً علی إطاعة غیره إلاّ إذا کان الغیر مالکاً له بالمالکیة الحقیقیة أو منصوباً من قبل المالک من جهة أنّ إطاعة المنصوب أیضاً من شؤون إطاعته .
وبما ذکرنا یظهر أنّ سائس المسلمین وزعیمهم یجب أن یتعین من قبل اللّه تعالی بتعیین رسوله ( صلی الله علیه و آله ) وتصریح منه, کما قال ( صلی الله علیه و آله ) فی حدیث الغدیر _ بعد ما أخذ بید علی علیه السلام _ :
" أیها الناس من أولی الناس بالمؤمنین من أنفسهم ؟ " قالوا: اللّه ورسوله أعلم . قال: " إنّ اللّه مولای وأنا مولی المؤمنین وأنا أولی بهم من أنفسهم, فمن کنت مولاه فعلی مولاه _ بیعة الغدیر .
وأمّا الانتخاب العمومی فلا یغنی عن الحق شیئاً ولا یلزم الوجدان أحداً علی إطاعة منتخب الأکثریة, إذ المنتخب بمنزلة الوکیل, والموکّل لیس ملزماً علی إطاعة وکلیة بل له أن یعزله مهما شاء .
هذا بالنسبة إلی الأکثریة, وأمّا بالنسبة إلی الأقلیة فالأمر أوضح, إذ لا یجب علی أحد بحسب الوجدان أن یطیع وکیل غیره . وعلی هذا فیختل النظام, فلابدّ لتنظیم الاجتماع من وجود سائس یجب بحسب الوجدان إطاعته
ص: 330
وینفذ حکمه ولو کان بضرر المحکوم علیه, لیس ذلک إلاّ من کانت حکومته وولایته بتعیین اللّه تعالی ومن شؤون سلطنته المطلقة ولو بوسائط کالفقیه العادل المنصوب من قبل الأئمة ( علیهم السلام ) المتعینین بتعیین رسول اللّه ( صلی الله علیه و آله ) الذی جعله اللّه أولی بالمؤمنین من أنفسهم . وبما ذکرنا انهدم أساس خلافة الثلاثة (ابو بکر وعمر وعثمان ) وأرکان الحکومات المتداولة غیر المنتهیة إلی جعل اللّه تعالی, فافهم واغتنم ((1)) .
وقال نجاح الطائی:
قال ابو بکر فی أول خطبة له فی المسلمین: تولیت علیکم ولست بخیِّرکم وعلی علیه السلام فیکم .
کتاب الاحتجاج : قال ابو بکر : ولیتکم ولست بخیرکم وعلی فیکم((2)) .
شاذان القمی: قال أبو بکر : أقیلونی ثلاثاً فلست بخیرکم((3)) .
وقال ابو بکر وعمر بعد بیعة الغدیر لعلی علیه السلام : ( بخ بخ لک یا ابن أبی طالب , أصبحت مولای , ومولی کلِّ مسلم ومسلمة ) ((4)) .
ص: 331
وقال عمر لاحد الاعراب عن علی علیه السلام : « هذا مولاک ومولی کلِّ مؤمن , ومَنْ لم یکن مولاه , فلیس بمؤمن ((1)) .
ص: 332
ففی نظر عمر لا یؤمن بالله العظیم من لم یتول علیاً علیه السلام ای أنَّ ولایة علی علیه السلام اصل من أصول الدین یکفر من خالفها من المسلمین .
لذا یؤذن المسلمون یومیاً فی أذانهم أشهد أنَّ علیاً ولی الله وقد أصبح مستحباً مؤکداً بعد بیعة الغدیر . وفی رأی أصبح واجباً .
وقد قال الرسول صلی الله علیه و آله : « ما تریدون من علی ؟ ما تریدون من علی ؟
إنَّ علیاً منِّی وانا منه , وهو ولی کلِّ مؤمن من بعدی ((1)) .
ثمَّ إعترف عمر بأنَّ النبی صلی الله علیه و آله أراد فی یوم الخمیس أن یوصی إلی علی علیه السلام فمنعه من ذلک((2)) .
ص: 333
قال الله تعالی: (وَیَومَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَی یَدَیهِ یَقُولُ یَا لَیتَنی اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلا * یَاوَیلَتی لَیتَنی لَم أَتَّخِذ فُلاَناً خَلیلا * لَّقَد أَضَلَّنی عَنِ الذِّکرِ بَعدَ إِذ جَآءَنِی وَکَانَ الشَّیطانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا)((1)) .
ندم ابو بکر وقال معتذراً: إنَّ بیعتی کانت فلتة وقی الله شرّها وخشیت الفتنة وایم الله ما حرصت علیها یوماً قط, ولقد قلدت امراً عظیماً مالی به طاقة ولا یدان, ولوددت أن اقوی الناس علیه مکانی, وقال تولیت علیکم ولست بافضلکم((2)) .
وفی ذلک اعتراف منه بافضلیة الامام علی علیه السلام علی الناس کافة وهو منهم . فهو مصداق العلم والحلم والشجاعة والفصاحة والعبادة والنسب والاسبقیة والتربیة والصبر .
وقال ابو بکر: أما التی وددت أنی ترکتها, فوددت أنِّی لم اکن کشفت بیت فاطمة علیها السلام وان کان اغلق علی الحرب, ووددت أنی یوم سقیفة بنی ساعدة کنت قذفت الامر فی عنق احد الرجلین - عمر او ابی عبیدة - فکان امیراً وکنت وزیراً ثم افصح ابو بکر عن ندمه فی تسلُّم سلطة مغصوبة واخذه
ص: 334
فدکاً: بعد ان قالت له فاطمة الزهراء: واللهِ لادعونَّ الله علیک فی کل صلاة أصلیها, فخرج باکیاً فاجتمع إلیه الناس فقال لهم: یبیت کل رجل منکم معانقاً حلیلته مسروراً باهله, وترکتمونی وما أنا فیه, لا حاجة لی فی بیعتکم, أقیلونی بیعتی ((1)).
وقال ابو بکر: والله لو وضعت قدماً فی الجنة وقدماً خارجها ما أمنت مکر الله((2)).
لقد ندم أبو بکر علی اغتصابه السلطة من علی بن أبی طالب علیه السلام وهجومه علی بیت فاطمة ( علیها السلام ) وإزهاقه روحها الشریفة قائلا:
: ولیتنی لم أُفتّش بیت فاطمة بنت محمّد رسول الله وأدخله الرجال ولو کان أغلق علی حرب((3)).
ومن علائم ندمه علی ما اوقع نفسه فیه أیضاً قوله: والله لوددت أنی کنت شجرة الی جانب الطریق مرَّ علیَّ جمل فاخذنی فادخلنی فاه فلاکنی ثم ازدردنی, ثم اخرجنی بعراً, ولم أکُ بشراً((4)) .
ص: 335
وندم علی الروایات والأحادیث المختَلَقَة التی صنعها النظام, ومنعه تدوین القرآن والحدیث فقال: یا لیتنی کنت ورقة .
وقال: لیتنی کنت بعرة ((1)) .
فقد وضع أبو بکر علی لسان رسول الله صلی الله علیه و آله حدیثا کاذبا مخالفا للقرآن قوله: نحن معاشر الأنبیاء لا نورّث ((2)) .
لیسلب فدک من فاطمة ( علیها السلام ) مخالفاً کتاب الله الکریم فی قوله تعالی: (وَوَرِثَ سُلَیَْمانُ دَاوُودَ) ((3)).
{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِکَ ظَنُّ الَّذِینَ کَفَرُوا فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ کَفَرُوا مِنَ النَّارِ27 }_سورة ص.
دخل رجل من أهل العراق علی أمیر المؤمنین علیه السلام فقال : أخبرنا عن خروجنا إلی أهل الشام أبقضاء من الله وقدر ؟ فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام :
ص: 336
أجل یا شیخ, فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر فقال الشیخ : عند الله أحتسب عنائی یا أمیر المؤمنین, فقال : مهلا یا شیخ, لعلک تظن قضاء حتما وقدرا لازما لو کان کذلک لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهی والزجر, ولسقط معنی الوعید والوعد, ولم یکن علی مسیئ لائمة ولا لمحسن محمدة, ولکان المحسن أولی باللائمة من المذنب والمذنب أولی بالاحسان من المحسن
تلک مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وقدریة هذه الأمة ومجوسها یا شیخ إن الله عز وجل کلف تخییرا, ونهی تحذیرا, وأعطی علی القلیل کثیرا, ولم یعص مغلوبا, ولم یطع مکرها, ولم یخلق السماوات والأرض وما بینهما باطلا ذلک ظن الذین کفروا فویل للذین کفروا من النار((1)) .
وروی الحسن بن أبی الحسن البصری قال : جاء رجل إلی أمیر المؤمنین علیه السلام بعد انصرافه من حرب صفین فقال له : یا أمیر المؤمنین, خبرنا عما کان بیننا وبین هؤلاء القوم من الحرب, أکان ذلک بقضاء من الله تعالی وقدر ؟ فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام : ( ما علوتم تلعة ولا هبطتم وادیا, إلا ولله فیه قضاء وقدر ) فقال الرجل :
فعند الله أحتسب عنائی یا أمیر المؤمنین, فقال له : ( ولم ؟ ) قال : إذا کان القضاء والقدر ساقانا إلی العمل, فما وجه الثواب لنا علی الطاعة ؟ وما وجه
ص: 337
العقاب لنا علی المعصیة ؟ فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام : ( أو ظننت یا رجل أنه قضاء حتم, وقدر لازم, لا تظن ذلک فإن القول به مقال عبدة الأوثان, وحزب الشیطان, وخصماء الرحمن, وقدریة هذه الأمة ومجوسها, إن الله جل جلاله أمر تخییرا, ونهی تحذیرا, وکلف یسیرا, ولم یطع مکرها, ولم یعص مغلوبا, ولم یخلق السماء والأرض وما بینهما باطلا ( ذلک ظن الذین کفروا فویل للذین کفروا من النار ) ) فقال له الرجل : فما القضاء والقدر الذی ذکرته یا أمیر المؤمنین ؟ قال : ( الأمر بالطاعة, والنهی عن المعصیة, والتمکین من فعل الحسنة وترک السیئة, والمعونة لی القربة إلیه, والخذلان لمن عصاه, والوعد والوعید والترغیب والترهیب, کل ذلک مضاء الله فی أفعالنا وقدره لأعمالنا, فأما غیر ذلک فلا تظنه, فإن الظن له محبط للأعمال ) فقال الرجل : فرجت عنی یا أمیر المؤمنین فرج الله عنک((1)) .وعن موضوع التخییر فإنَّ الله کلّف تخییراً ( ولم یخلق السماوات والأرض وما بینهما باطلاً ) وقد قال سبحانه فی هذه القضیة : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بینهما لاعبین * وما خلقناهما إلاّ بالحقِّ ولکنّ أکثرهم لا یعلمون ) ومن مفاسد الجبر تجویز کون خلق السماوات والأرض وما بینهما باطلاً لغواً لأَنَّ اللّغو وإن کان قبیحاً لکن الجبر یوجب صدور جمیع القبائح منه .
ص: 338
واذا صدرت القبائح منه تعالی تفقد عدالته قال سبحانه :{ ولم یبعث النبیّین مبشّرین ومنذرین عبثاً }ولو کان الجبر حاصلا لکان إرسال الرُّسل وتبشیرهم عبثاً لأنَّ الغرض من ذلک هو الإخبار بالأحکام وتبلیغ الحلال والحرام والتقریب بالطاعة والتبعید عن المعصیة ومع الجبر الالهی لا فائدة فی الإخبار والإظهار والإنذار, وکل شیء فائدة فیه فهو غیر مجد وهو لغو وعبث .
وقال تعالی فی هذا الشأن :
{وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلا لیَعْبُدُونِ56_الذاریات.
الإمام علی والمنجّمون
عندما أراد الإمام علیه السلام السفر . قال له منجّم: إن سرت فی هذا الوقت خشیت أن لا تظفر بمرادک من طریق علم النجوم . فأنکر علیه الإمام علیه السلام ذلک وقال له:
« أتزعم أنّک تهدی إلی الساعة التی من سار فیها صرف عنه السوء وتخوّف من الساعة التی من سار فیها حاق به الضرّ, فمن صدّق بهذا فقد کذّب القرآن, واستغنی عن الإعانة بالله فی نیل المحبوب, ودفع المکروه .
ص: 339
وأضاف أمیر المؤمنین قائلا: « أیّها الناس, إیّاکم وتعلّم النجوم إلاّ ما یهتدی به فی برّ أو بحر, فإنّها تدعو إلی الکهانة, والمنجّم کالکاهن, والکاهن کالساحر, والساحر کالکافر, والکافر فی النار, سیروا علی اسم الله »((1)) .
ودعا الإمام علیه السلام إلی الاستعانة بالله تعالی فی قضاء الحوائج وترک آراء المنجّمین وارهاصاتهم .
وفی لقاء آخر مع أحد المنجّمین أیضاً قال له الإمام علیه السلام :
« أتدری ما فی بطن هذه الدابة أذکر أم أُنثی ؟ » .
فقال المنجّم: إن حسبت علمت ..
فرمقه الإمام علیه السلام بطرفه, وقال له: « من صدّقک علی هذا القول, فقد کذّب القرآن, قال الله: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَیُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَیَعْلَمُ مَا فِی الاَْرْحَامِ وَمَا تَدْرِی نَفْسٌ مَاذَا تَکْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِی نَفْسٌ بِأَیِّ أَرْض تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ) ((2)) .
ما کان محمّد صلی الله علیه و آله یدّعی ما ادّعیت, أتزعم أنّک تهدی إلی الساعة التی من سار فیها صرف عنه السوء, والساعة التی من سار فیها حاق به الضرّ ؟
ص: 340
من صدّقک بهذا استغنی بقولک عن الاستعانة بالله, وأُحوج إلی الرغبة إلیک فی دفع المکروه عنه »((1)) .
فکشف أمیر المؤمنین علی علیه السلام عن کذب المنجّمین وافتقارهم إلی العلوم الغیبیة التی لا یهبها الباری عزّوجلّ إلاّ إلی المخلصین من عباده .
مفصحاً عن افتراق درب المخلصین مع درب المنجّمین فی خطّین مستقیمین لا یلتقیان أبداً .
ومن هذا المنحی أبعد الإمام علیه السلام المنجّمین عن فئة المتّقین الفائزین بعلوم غیب الله تعالی .
{أمْ نَجْعَلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ کَالمُفْسِدِینَ فِی الأرْضِ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقِینَ کَالفُجَّار } ِ28 _سورة ص.
قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام : حبتر وزریق وأصحابهما .
{ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقِینَ }: أمیر المؤمنین وأصحابه {کَالفُجَّار }: حبتر ودلام واصحابهما ((2)) .
ص: 341
وکان الشیعة یستعملون التقیة فی وصف أعدائهم خوفا من بطشهم وتنکیلهم .
وأخرج العلامة الشافعی محمد بن طلحة القرشی - المتوفی سنة 652 هجریة - فی کتاب مطالب السؤول فی مناقب الرسول بسنده عن أنس بن مالک, قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله لأبی برزة وأنا أسمع :
( یاأبا برزة : إن الله عهد إلیَّ فی علی بن أبی طالب إنه رایة الهدی وهو الکلمة التی ألزمتها المتقین ) ((1))
.
وروی الحافظ الحسکانی الحنفی قال: حدثنا أبو علی الحسن بن محمد بن عثمان النسوی باسناده عن عبد الله بن عباس فی قول الله تعالی:
(أم نجعل الذین آمنوا وعملوا الصالحات کالمفسدین فی الأرض, أم نجعل المتقین کالفجار) .
قال: نزلت هذه الآیة فی ثلاثة من المسلمین وهم (المتقون) علی علیه السلام , وحمزة, وعبیدة بن الحرث بن عبد المطلب, وفی ثلاثة من المشرکین,
ص: 342
وهم: (المفسدون الفجار) عتبة, وشیبة, والولید بن عتبة, وهم الذین بارزوا یوم بدر, فقتل علیّ علیه السلام الولید, وقتل حمزةٌ عتبة, وقتل عبیدة شیبة ((1)) .
وخلق الله سبحانه السماوات والارض طبقا لحکمته کما قال:
وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلا لِیَعْبُدُونِ _ سورة الذاریات .
ولا یمکن تسمیة الائمة المنصوص علیهم من السماء ومغتصبی خلافتهم بالخلفاء , هذا مخالف لهذه الایة القرآنیة المبارکة .
ویعتبر أحبار الدین والسیاسة من المفسدین فی الارض والساعین فی الارض الفساد .
{کِتَابٌ أنزَلْنَاهُ إلَیْکَ مُبَارَک لِیَدَّبَّرُوا آیَاتِهِ وَلِیَتَذَکَّرَ اُوْلُوا الألْبَابِ29) _سورة ص.
{ کِتَابٌ أنزَلْنَاهُ إلَیْکَ مُبَارَک لِیَدَّبَّرُوا آیَاتِهِ } : أمیر المؤمنین والأئمة (وَلِیَتَذَکَّرَ اُوْلُوا الألْبَابِ29) .
فهم أهل الألباب الثاقبة .
وکان أمیر المؤمنین یفتح بها ویقول: ما أعطی أحد قبلی ولا بعدی ما أعطیت ((2)) .
ص: 343
ابن مردویه الشافعی من مشاهیر علماء العامة: أخرج المیر محمد صالح الترمذی الحنفی فی مناقبه, عن ابن مردویه الشافعی (کَمَنْ هُوَ أعْمَی ): من یؤمن بمحمد وآله هو البصیر والمعرض عنه هو الاعمی» ((1)) .
وعن أبی جعفر(محمد بن علی) علیه السلام : (أفَمَنْ یَعْلَمُ أنَّمَا اُنزِلَ إلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ الحَقُّ )قال: علی بن ابی طالب ((2)) . إنَّمَا یَتَذَکَّرُ اُوْلُوا الألْبَابِ19 أصحاب العقول . والذین یتبعون شهواتهم لا عقل لهم .
: قوله تعالی: { أفمن یعلم أن ما أنزل إلیک من ربک الحق }((3)): هو علی علیه السلام ((4)) . وجاء: الحق هو الإمام علی علیه السلام :
{ وقل الحق من ربکم فمن شاء فلیؤمن ومن شاء فلیکفر } فی ولایة علی علیه السلام . إنا اعتدنا للظالمین لآل محمد نارا . ثم ذکر علی أثر هذا خبرهم وما
ص: 344
تعاهدوا علیه فی الکعبة ان لا یردوا الامر فی أهل بیت رسول الله فقال جل ذکره : {أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون إلی قوله تعالی: لدیهم یکتبون } ((1)) .
وقال تعالی: « وَلَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْهُدی وَأَوْرَثْنا بَنِی إِسْرائِیلَ الْکِتابَ هُدیً وَذِکْری لأُولِی الأَلْبابِ » _غافر
53 _ 54 .
وقال تعالی عن النبی عیسی علیه السلام : { قَالَ إنِّی عَبْدُ اللّهِ آتَانِیَ الکِتَابَ وَجَعَلَنِی نَبِیّاً } ((2)) .
وقال جلت عظمته ( أَفَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ولَوْ کانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ الله لَوَجَدُوا فِیه اخْتِلافاً کَثِیراً ) _النساء 82 . وغیرها من الآیات .
وعن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام , ألا أخبرکم بالفقیه حقا : من لم یقنط الناس من رحمة الله ولم یؤمنهم من عذاب الله ولم یؤیسهم من روح الله . ولم یرخص فی معاصی الله ولم یترک القرآن رغبة عنه إلی غیره . ألا لا خیر فی علم لیس فیه تفهم . ألا لا خیر فی قراءة لیس فیها تدبر . ألا لا خیر فی عبادة لیس فیها تفقّه ((3)).
ص: 345
وعن طلحة بن زید عن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال: إن هذا القرآن فیه منار الهدی ومصابیح الدجی, فلیجل جال بصره ویفتح للضیاء نظره . فإن التفکَّر حیاة قلب البصیر, کما یمشی المستنیر فی الظلمات بالنور ((1)).
وعن سماعة , قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : ینبغی لمن قرأ القرآن إذا مرّ بآیة من القرآن فیها مسألة أو تخویف أن یسأل عند ذلک خیر ما یرجو ویسأله العافیة من النار ومن العذاب ((2)) .
وقال الإمام موسی الکاظم علیه السلام لهشام بن الحکم: یا هشام إن لله علی الناس حجتین, حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأنبیاء
والأئمة وأما الباطنة فهی العقول ((3)) .
وقال نجاح الطائی: العقول التی وهبها سبحانه للبشر عظیمة لکن أغلبهم لا یستعملوها بامعان ولا یخلصون لها فهی تهدیهم الی الحق لکن معظم الناس یستحمرها ویخالفها .
ص: 346
الانسان بین عقله وهواه والعقلاء یتبعون الهدی والدنیویون یتبعون الاهواء . ومن یتبع عقله یکون مهووسا مجنونا لا خیر فیه .
وقد دعا الله الجلیل الی التدبر :
{أفَلَمْ یَدَّبَّرُوا القَوْلَ أمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ یَأتِ آبَاءَهُمُ الأوَّلِینَ }68_المؤمنون .
{أفَلا یَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أمْ عَلَی قُلُوب أقْفَالُهَا }24_محمد.
{أفَلا یَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ کَانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلافاً کَثِیراً} 82_النساء.
وقال تعالی : " أمن هو قانت آناء اللیل ساجدا وقائما یحذر الآخرة ویرجو رحمة ربه قل هل یستوی الذین یعلمون والذین لا یعلمون إنما یتذکر أولو الألباب ((1)) " .
وقال: " ولقد آتینا موسی الهدی وأورثنا بنی إسرائیل الکتاب هدی وذکری لأولی الألباب ((2)) " .
وقال: " وذکر فإن الذکری تنفع المؤمنین ((3)) " .
ص: 347
یا هشام إن الله تعالی یقول فی کتابه: " إن فی ذلک لذکری لمن کان له قلب ((1)) " .
یعنی: عقل: " وقال " ولقد آتینا لقمان الحکمة ((2)) " , قال: الفهم والعقل .
یا هشام إن لقمان قال لابنه: تواضع للحق تکن أعقل الناس, وإن الکیس لدی الحق یسیر, یا بنی إن الدنیا بحر عمیق, قد غرق فیها عالم کثیر فلتکن سفینتک فیها تقوی الله, وحشوها الإیمان وشراعها التوکل, وقیمها العقل ودلیلها العلم, وسکانها الصبر .
{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَیْمَانَ نِعْمَ العَبْدُ إنَّهُ أوَّابٌ } 30 _سورة ص.
أواب: تعنی منقاد لله تعالی مطواع له شکور له سبحانه
.
وقال تعالی: { لِلّهِ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ یَخْلُقُ مَا یَشَاءُ یَهَبُ لِمَنْ یَشَاءُ إنَاثاً وَیَهَبُ لِمَنْ یَشَاءُ الذُّکُور }َ 49_الشوری .
قال سبحانه عن عیسی علیه السلام : ( قالَ إِنِّی عَبْدُ الله, آتانِیَ الْکِتابَ وجَعَلَنِی
نَبِیًّا ) .
وقال تعالی عن سلیمان علیه السلام : ( وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَیْمانَ, نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّه أَوَّابٌ ).
ص: 348
وقال تعالی عن نوح علیه السلام : ( ذُرِّیَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ, إِنَّه کانَ عَبْداً
شَکُوراً ) .
وقال تعالی عن الخضر علیه السلام : ( فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا, آتَیْناه رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وعَلَّمْناه مِنْ لَدُنَّا عِلْماً )
:وَوَهَبْنَا لَهُ إسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ کُلا هَدَیْنَا وَنُوحاً هَدَیْنَا مِنْ قَبْلُ_الانعام 84 .
:الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی وَهَبَ لِی عَلَی الکِبَرِ إسْمَاعِیلَ وَإسْحَاقَ إنَّ رَبِّی لَسَمِیعُ الدُّعَاءِ39_ابراهیم .
:وَزَکَرِیَّا إذْ نَادَی رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِی فَرْداً وَأنْتَ خَیْرُ الوَارِثِینَ 89*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ یَحْیَی وَأصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ_الانبیاء
90.
فمن ینتفع بتلک الایات الباهرات علیه أن یدعو رب العالمین لطلب النعمة والخیر وأن یهب له رحمة :
:رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَیْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً إنَّکَ أنْتَ الوَهَّابُ8_آل عمران .
{ إذْ عُرِضَ عَلَیْهِ بِالعَشِیِّ الصَّافِنَاتُ الجِیَادُ31 } _سورة ص.
الخیل القائمة علی ثلاث قوائم الواضعة طرف السنبک الرابع علی الأرض, والجیاد: السریعة المشی الواسعة الخطو .
ص: 349
وقال لسلیمان: ( إذ عرضت علیه بالعشی الصافنات الجیاد ) وکانت من غنیمة دمشق الف فرس, فلما رأی الله تعالی صلابته رد الشمس علیه فصلی أداءً, وقد ردت الشمس لعلی غیر مرة ((1)) .
الطبرسی, قال: قال ابن عباس: سألت علیا علیه السلام عن هذه الآیة, فقال: « ما بلغک فیها, یا بن عباس ؟ » . قلت: سمعت کعبا یقول: اشتغل سلیمان بعرض الأفراس حتی فاتته الصلاة, فقال: ردوها علیَّ (یعنی الأفراس, وکانت أربعة عشر فرسا ) فضرب سوقها وأعناقها بالسیف, فقتلها, فسلبه الله ملکه أربعة عشر یوما, لأنه ظلم الخیل بقتلها .
فقال علی علیه السلام : « کذب کعب, لکن اشتغل سلیمان بعرض الأفراس ذات یوم, لأنه أراد جهاد العدو, حتی توارت الشمس بالحجاب, فقال, بأمر الله تعالی للملائکة الموکلین بالشمس: ردوها علیَّ . فردت, فصلی العصر فی وقتها . وإن أنبیاء الله لا یظلمون, ولا یأمرون بالظلم, لأنهم معصومون, مطهرون »((2)) .
ص: 350
الطبرسی: وقیل: معناه أنه سأل الله تعالی أن یرد الشمس علیه, فردها علیه حتی صلی العصر, فالهاء فی ( رُدُّوها ) کنایة عن الشمس . عن علی بن أبی طالب علیه السلام .
قوله تعالی: ( ولَقَدْ فَتَنَّا سُلَیْمانَ وأَلْقَیْنا عَلی کُرْسِیِّه جَسَداً ثُمَّ
أَنابَ ) .... إلی قوله تعالی : ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِکْ بِغَیْرِ حِسابٍ ) [ 34 _ 39 ]
الطبرسی: روی أن الجن والشیاطین لما ولد لسلیمان ابن, قال بعضهم لبعض: إن عاش له ولد لنلقین منه ما لقینا من أبیه من البلاء . فأشفق علیه السلام منهم علیه فاسترضعه المزن ( وهو السحاب) فلم یشعر إلا وقد وضع علی کرسیه میتا, تنبیها علی أن الحذر لا ینفع من القدر, وإنما عوقب علیه السلام علی خوفه من الشیاطین . قال: وهو المروی عن الامام أبی عبد الله علیه السلام .
بن بابویه, قال: حدثنا أحمد بن یحیی المکتب, قال: حدثنا أبو الطیب أحمد بن محمد الوراق, قال: حدثنا علی بن هارون الحمیری, قال: حدثنا علی بن محمد بن سلیمان النوفلی, قال: حدثنا أبی, عن علی بن یقطین, قال: قلت لأبی الحسن موسی بن جعفر علیه السلام : أیجوز أن یکون نبی الله عز وجل بخیلا ؟ فقال: « لا » .
فقلت له: فقول سلیمان علیه السلام : ( رَبِّ اغْفِرْ لِی وهَبْ لِی مُلْکاً لا یَنْبَغِی لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِی ) ما وجهه وما معناه ؟
ص: 351
فقال: « الملک ملکان: ملک مأخوذ بالغلبة, والجور, واختیار الناس, وملک مأخوذ من قبل الله تبارک وتعالی, کملک إبراهیم, وملک طالوت, وملک ذی القرنین . فقال سلیمان علیه السلام : هب لی ملکا لا ینبغی لأحد من بعدی, أن یقول: إنه مأخوذ بالغلبة, والجور, واختیار الناس, فسخر الله تبارک وتعالی له الریح تجری بأمره رخاء حیث أصاب, وجعل غدوها شهرا, ورواحها شهرا, وسخر له الشیاطین کل بناء وغواص, وعلم منطق الطیر, ومکن فی الأرض, فعلم الناس فی وقته وبعده أن ملکه لا یشبه ملک الملوک المختارین من قبل الناس, والمالکین بالغلبة والجور »
قال: فقلت له: فقول رسول الله صلی الله علیه و آله : « رحم الله أخی سلیمان, ما کان أبخله ! » فقال علیه السلام : « لقوله وجهان: أحدهما: ما کان أبخله بعرضه, وسوء القول فیه ! والوجه الآخر: یقول:
ما کان أبخله إن کان أراد ما یذهب إلیه الجهال ! » .
ثم قال علیه السلام : « قد (والله) أوتینا ما اوتی سلیمان, وما لم یؤت سلیمان, وما لم یؤت أحد من العالمین, قال الله عز وجل فی قصة سلیمان: ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِکْ بِغَیْرِ حِسابٍ ) , وقال عز وجل فی قصة محمد صلی الله علیه و آله : ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه وما نَهاکُمْ عَنْه فَانْتَهُوا ) » .
علی بن إبراهیم: (إن سلیمان لما تزوج بالیمانیة ولد منها ابن, وکان یحبه, فنزل ملک الموت علی سلیمان, وکان کثیرا ما ینزل علیه, فنظر إلی ابنه نظرا
ص: 352
حدیدا ففزع سلیمان من ذلک, فقال لامه: « إن ملک الموت نظر إلی ابنی نظرة أظنه قد امر بقبض روحه . فقال للجن والشیاطین: « هل لکم حیلة فی أن تفروه من الموت ؟ فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت عین الشمس فی المشرق . فقال سلیمان: إن ملک الموت یخرج ما بین المشرق والمغرب فقال واحد منهم: أنا أضعه فی الأرض السابعة . فقال: إن ملک الموت یبلغ ذلک. فقال آخر: أنا أضعه فی السحاب والهواء . فرفعه, ووضعه فی السحاب, فجاء ملک الموت, فقبض روحه فی السحاب, فوقع جسده میتا علی کرسی سلیمان, فعلم أنه قد أخطأ . فحکی الله ذلک فی قوله: ( وأَلْقَیْنا عَلی کُرْسِیِّه جَسَداً ثُمَّ أَنابَ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی وهَبْ لِی مُلْکاً لا یَنْبَغِی لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِی إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنا لَه الرِّیحَ تَجْرِی بِأَمْرِه رُخاءً حَیْثُ أَصابَ ), والرخاء: اللینة ( والشَّیاطِینَ کُلَّ بَنَّاءٍ وغَوَّاصٍ ) أی فی البحر ( وآخَرِینَ مُقَرَّنِینَ فِی الأَصْفادِ ) یعنی مقیدین, قد شد بعضهم إلی بعض, وهم الذین عصوا سلیمان علیه السلام حین سلبه الله عز وجل ملکه.
علی بن إبراهیم: وقال الصادق علیه السلام : جعل الله عز وجل ملک سلیمان فی خاتمه, فکان إذا لبسه حضرته الجن والإنس والشیاطین, وجمیع الطیر, والوحوش وأطاعوه, فیقعد علی کرسیه, ویبعث الله ریحا تحمل الکرسی بجمیع ما علیه من الشیاطین, والطیر, والإنس, والدواب, والخیل, فتمر بها فی الهواء إلی موضع یریده سلیمان علیه السلام , وکان یصلی الغداة بالشام,
ص: 353
ویصلی الظهر بفارس, وکان یأمر الشیاطین أن تحمل الحجارة من فارس یبیعونها بالشام, فلما مسح أعناق الخیل وسوقها بالسیف سلبه الله ملکه, وکان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلی بعض من یخدمه, فجاء شیطان فخدع خادمه, وأخذ منه الخاتم ولبسه, فخرت علیه الشیاطین, والإنس, والجن, والطیور, والوحوش, وخرج سلیمان فی طلب الخاتم فلم یجده, فهرب, ومر علی ساحل البحر, وأنکرت بنو إسرائیل الشیطان الذی تصور فی صورة سلیمان, وصاروا إلی امه, فقالوا لها, أتنکرین من سلیمان شیئا ؟ فقالت: کان أبر الناس بی, وهو الیوم یبغضنی ! وصاروا إلی جواریه ونسائه, فقالوا: أتنکرن من سلیمان شیئا ؟ قلن: کان لم یکن یأتینا فی الحیض, وهو الآن یأتینا فی الحیض ! فلما خاف الشیطان أن یفطنوا به ألقی الخاتم فی البحر, فبعث الله سمکة فالتقمته, وهرب الشیطان, فبقی بنو إسرائیل یطلبون سلیمان أربعین یوما, وکان سلیمان یمر علی ساحل البحر, یبکی, ویستغفر الله, تائبا إلی الله مما کان منه, فلما کان بعد أربعین یوما مر بصیاد یصید السمک, فقال له: أعینک علی أن تعطینی من السمک شیئا ؟
قال: نعم . فأعانه سلیمان, فلما اصطاد دفع إلی سلیمان سمکة, فأخذها, فشق بطنها, وذهب یغسلها, فوجد الخاتم فی بطنها, فلبسه, فخرت علیه الشیاطین, والجن, والإنس, والطیر, والوحش، ورجع إلی ما کان, وطلب ذلک الشیطان وجنوده الذین کانوا معه, فقیدهم, وحبس بعضهم فی جوف الماء,
ص: 354
وبعضهم فی جوف الصخر بأسماء الله, فهم محبوسون معذبون إلی یوم القیامة .
قال: ولما رجع سلیمان إلی ملکه قال لآصف بن برخیا, وکان آصف کاتب سلیمان, وهو الذی کان عنده علم من الکتاب: قد عذرت الناس بجهالتهم, فکیف أعذرک ؟ قال: لا تعذرنی, فقد عرفت الشیطان الذی أخذ خاتمک, وأباه, وأمه, وعمه, وخاله, ولقد قال لی: اکتب لی . فقلت له: إن قلمی لا یجری بالجور . فقال: اجلس, ولا تکتب . فکنت أجلس ولا أکتب شیئا, ولکن أخبرنی عنک یا سلیمان, صرت تحب الهدهد وهو أخس الطیر منبتا, وأنتنهن ریحا . قال: إنه یبصر الماء من وراء الصفا الأصم . قال: وکیف یبصر الماء من وراء الصفا, وإنما یواری عنه الفخ بکف من تراب حتی یؤخذ بعنقه ؟ فقال سلیمان: قف یا وقاف, إنه إذا جاء القدر حال دون البصر) ((1)) .
وقال نجاح الطائی: بعض الروایات عن سیرة الانبیاء فیها خیال خصب للراوی ومخالفة للعقل والشریعة .
ص: 355
وهذه الروایة قد أنکرها الائمة فی قتل النبی سلیمان لخیله ونقمة الباری علیه ومجامعة الشیطان لنسائه وتلبسه بصورته واستیلائه علی الخاتم الالهی الذی یدیر به الانس والجن .
فقد بین الائمة بطلان قتل سلیمان لخیله . ولا سلطة للشیطان علی نساء النبی سلیمان فلا یتمکن أن یجامع نساءه وبصورة حیة وبهیئته النبویة !!!
ولا یسمح الله تعالی لشیطان أن یتلبس بصورته ویحل محله ویقبض علی خاتم النبوة ویدیر به العالم . هذا مخالف للقول الالهی :
:وَقَالَ الشَّیْطَانُ لَمَّا قُضِیَ الأمْرُ إنَّ اللّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدْتُکُمْ فَأخْلَفْتُکُمْ وَمَا کَانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطَان إلا أنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی_ابراهیم22 .
:إنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ إلا مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الغَاوِینَ 42_الحجر.
:فَإذَا قَرَأتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّیْطَانِ الرَّجِیمِ98* إنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَعَلَی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ 99*إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَی الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ100_النحل.
:َمَا یَعِدُهُمُ الشَّیْطَانُ إلا غُرُوراً 64*إنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ وَکَفَی بِرَبِّکَ وَکِیلا 65_الاسراء.
{ فَقَالَ إنِّی أحْبَبْتُ حُبَّ الخَیْرِ عَنْ ذِکْرِ رَبِّی حَتَّی تَوَارَتْ بِالحِجَابِ } 32 _سورة ص.
ص: 356
َتوَارَتْ بِالحِجَابِ : توارت الشمس فی الحجاب .
وقد ورد فی قصة الجیاد وسلیمان أنه قال ابن عباس: سألت علیا علیه السلام عن هذه الآیة فقال: ما بلغک فیها یا بن عباس ؟ قلت سمعت کعبا یقول اشتغل سلیمان بعرض الأفراس حتی فاتته الصلاة فقال ردوها علی یعنی الأفراس فامر بضرب سوقها وأعناقها بالسیف فسلبه الله ملکه أربعة عشر یوما لأنه ظلم الخیل بقتلها, فقال علی علیه السلام : کذب کعب (الاحبار) لکن اشتغل سلیمان بعرض الأفراس ذات یوم لأنه أراد جهاد العدو حتی توارت الشمس بالحجاب فقال بأمر الله تعالی للملائکة الموکلین بالشمس ردوها علی فردت فصلی العصر فی وقتها وان الأنبیاء لا یظلمون ولا یأمرون بالظلم لأنهم معصومون مطهرون . ( مجمع البیان ) .
" مسألة _ فإن قیل: فما معنی قوله تعالی: ولقد فتنا سلیمان وألقینا علی کرسیه جسدا " ثم أناب أولیس قد روی فی تفسیر هذه الآیة أن جنیا " کان اسمه صخرا " تمثل علی صورته وجلس علی سریره, وأنه أخذ خاتمه الذی فیه النبوة فألقاه فی البحر فذهبت نبوته وأنکره قومه حتی عاد إلیه من بطن السمکة ؟ ! الجواب قلنا: فأما ما رواه القصاص الجهال فی هذا الباب فلیس مما یذهب علی عاقل بطلانه وأن مثله لا یجوز علی الأنبیاء _ علیهم السلام وأن النبوة لا تکون فی خاتم ولا یسلبها النبی ولا تنزع عنه, وأن الله تعالی لا یمکن الجنی من التمثل بصورة النبی ولا غیر ذلک مما افتروا به
ص: 357
علی النبی, وإنما الکلام علی ما یقتضیه ظاهر القرآن ( فخاض فی توجیهه بما لا یخالف مقام النبی وعصمته فمن أراده فلیراجع هناک ) " .
قال الشیخ الطبرسی فی مجمع البیان فی تفسیر قوله تعالی: ولقد فتنا سلیمان, الآیة, ضمن ما قال ما نصه: " وأما ما ذکر عن ابن عباس أنه ألقی شیطان اسمه صخر علی کرسیه وکان ماردا عظیما لا یقوی علیه جمیع الشیاطین وکان نبی الله سلیمان لا یدخل الکنیف بخاتمه فجاء صخر فی صورة سلیمان حتی أخذ الخاتم من امرأة من نسائه وأقام أربعین یوما فی ملکه وسلیمان هارب وعن مجاهد أن شیطانا " اسمه آصف قال له سلیمان: کیف تفتنون الناس ؟ _ قال: أرنی خاتمک أخبرک بذلک فلما أعطاه إیاه نبذه فی البحر فذهب ملکه وقعد الشیطان علی کرسیه ومنعه الله تعالی نساء سلیمان فلم یقربهن, وکان سلیمان یستطعم فلا یطعم حتی أعطته امرأة یوما " حوتا " فشق بطنه فوجد خاتمه فیه فرد الله علیه ملکه . وعن السدی أن اسم ذلک الشیطان حیقیق وما ذکر أن السبب فی ذلک أن الله سبحانه أمر أن لا یتزوج من غیر بنی إسرائیل فتزوج من غیرهم وقیل: بل السبب فیه أنه وطئ امرأة فسال منه الدم فوضع خاتمه ودخل الحمام فجاء إبلیس الشیطان فأخذه وقیل: تزوج امرأة مشرکة ولم یستطع أن یکرهها علی الإسلام فعبدت الصنم فی داره أربعین یوما فابتلاه الله بحدیث الشیطان والخاتم أربعین یوما, وقیل: احتجب ثلاثة أیام ولم ینظر فی أمر الناس فابتلی بذلک
ص: 358
فإن جمیع ذلک مما لا یعول علیه لأن النبوة لا تکون فی خاتم, ولا یجوز أن یسلبها الله النبی, ولا أن یمکن الشیطان من التمثل بصورة النبی والقعود علی سریره والحکم بین عباده وبالله التوفیق " .
أقول: لا یسع المقام أکثر من ذلک فمن أراد أن یلاحظ مثل ما ذکره السید المرتضی والشیخ الطبرسی فلیراجع فی تفسیر روض الجنان لأبی الفتوح الرازی تفسیر هذه الآیة :
ولقد فتنا سلیمان وألقینا علی کرسیه جسدا " ثم أناب, وکذا تفسیر جلاء الأذهان وجلاء الأحزان لأبی المحاسن الجرجانی, وتفسیر منهج الصادقین للمولی فتح الله الکاشانی, وتفاسیر غیرهم من مفسری الشیعة وصرح بمثل ذلک أیضا السید مرتضی الرازی فی الباب الثامن عشر من تبصرة العوام وهو الباب الذی عقده لذکر ما قال به أهل _ السنة فی حق الأنبیاء وتصدی لمثل ما نقل من ذکر عقائد أصحاب الحدیث من أهل السنة وتزییفها أیضا العلامة المجلسی فی المجلد الخامس من البحار وکذا فی کتاب حیاة _ القلوب إلی غیر ذلک من مظان البحث فمن أراده فلیطلبه.
{ رُدُّوهَا عَلَیَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ33 } _سورة ص.
قیل فیه وجوه أحدها: إن المسح ههنا القطع, والمعنی: إنه أقبل
یضرب سوقها وأعناقها, لأنها کانت سبب فوت صلاته, عن الحسن, ومقاتل . وقال أبو عبیدة: تقول العرب مسح علاوته أی: ضرب عنقه . وقیل:
ص: 359
إنه إنما فعل ذلک لأنها کانت أعز ماله, فتقرب إلی الله تعالی بأن ذبحها, لیتصدق بلحومها . ویشهد بصحته قوله: ( لن تنالوا البر حتی تنفقوا مما تحبون ) ((1)) .
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَیْمَانَ وَألْقَیْنَا عَلَی کُرْسِیِّهِ جَسَداً ثُمَّ أنَابَ } 34_سورة
ص:
ولقد فتنا سلیمان وألقینا علی کرسیه جسدا ثم أناب إلی قوله .... انک أنت الوهاب ) وهو ان سلیمان لما تزوج بالیمانیة ولد منها ابن وکان یحبه فنزل ملک الموت علی سلیمان وکان کثیرا ما ینزل علیه
فنظر إلی ابنه نظرا حدیدا, ففزع سلیمان من ذلک فقال لامه: إن ملک الموت نظر إلی ابنی نظرة أظنه قد أمر بقبض روحه, فقال الجن والشیاطین هل لکم حیلة فی أن تفروه من الموت, فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت عین الشمس فی المشرق, فقال سلیمان ان ملک الموت یخرج ما بین المشرق والمغرب, فقال واحد منهم أنا أضعه فی الأرض السابعة, فقال إن ملک الموت یبلغ ذلک, فقال آخر: أنا أضعه فی السحاب والهواء فرفعه ووضعه فی السحاب, فجاء ملک الموت فقبض روحه فی السحاب فوقع جسده میتا علی کرسی سلیمان فعلم أنه قد أخطأ فحکی الله ذلک فی قوله
ص: 360
( وألقینا علی کرسیه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لی وهب لی ملکا لا ینبغی لاحد من بعدی انک أنت الوهاب فسخرنا له الریح تجری بأمره رخاءا حیث أصاب ) والرخاء اللینة ( والشیاطین کل بناء وغواص ) ای فی البحر ( وآخرین مقرنین فی الأصفاد ) یعنی مقیدین قد شد بعضهم إلی بعض وهم الذین عصوا سلیمان علیه السلام حین سلبه الله عز وجل ملکه _تفسیر القمی _تفسیر الایة .
هذه الروایة غیر معقوله لمخالفتها سیرة الانبیاء فی الاعتقاد بعزرائیل وانه ینفذ الاوامر الالهیة فی قبض الارواح فکیف یعارض الاوامر الربانیة .
فی شرحها أقوال: منها _ إن سلیمان قال یوما فی مجلسه وفیه جمع کثیر لأطوفن اللیلة علی مئة امرأة تلد کل امرأة منهن غلاما یضرب بالسیف فی سبیل الله, وکان له فی ما یروی عدد کثیر من السراری, فاخرج الکلام علی سبیل المحبة لهذا الحال, فنزهه الله عما ظاهره الحرص علی الدنیا, لئلا یقتدی به فی ذلک, فلم یحمل من نسائه إلا امرأة واحدة ولدا میتا, فحمل حتی وضع علی کرسیه جسدا بلا روح, تنبیها له علی أنه ما کان یجب ان یظهر منه ما ظهر، فاستغفر الله وفزع إلی الصلاة والدعاء علی وجه الانقطاع, لا علی أن ذلک کان صغیرة, ومن قال من حیث إنه لم یستثن مشیئة الله فی ذلک, فقوله فاسد, لأنه وإن لم یذکر مشیئة الله لفظا فلابد من تقدیرها فی
ص: 361
المعنی وإلا لم یأمن أن یکون خبره کذبا, وذلک لا یجوز علی الأنبیاء عند من جوز الصغائر علیهم . قال الحسن وغیره لا یجوز علی الأنبیاء .
ومنها _ انه روی أن الجن لما ولد لسلیمان ولد قالوا: لنلقین منه ما لقینا من سلیمان, فلما ولد له ولد أشفق منهم, فاسترضعه فی المزن, فلم یشعر إلا وقد وضع علی کرسیه میتا تنبیها علی أن الحذر لا ینفع مع القدر .
ومنها _ انه ذکر انه ولد لسلیمان ولد ابتلاه بصبره فی إماتة ولده علی کرسیه . وقیل: انه أماته فی حجره, وهو علی کرسیه, فوضعه من حجره .
ومنها _ ما ذکره أبو مسلم فإنه قال: یجوز أن یکون الجسد جسد سلیمان وأن یکون ذلک لمرض امتحنه الله به, وتقدیره وألقینا منه علی کرسیه جسدا لشدة المرض, کما یقولون: فلان لحم علی وضم إذا کان ضعیفا, وجسد بلا روح تغلیظا للعلة, وقوة الضعف _تفسیر الطوسی _تفسیر الایة .
الانبیاء ممکن یترکون الاولی أو یترکون أشیاءا لا توجب علیهم ارتکاب الذنوب الکبیرة والصغیرة .
علی بن إبراهیم, قال: حدثنی أبی, عن ابن أبی نصر, عن أبان، عن أبی حمزة, عن أصبغ بن نباتة, عن أمیر المؤمنین علیه السلام , قال: « خرج سلیمان بن داود علیه السلام من بیت المقدس, ومعه ثلاث مائة ألف کرسی عن یمینه علیها الإنس, وثلاث مائة ألف کرسی عن یساره علیها الجن, وأمر الطیر فأظلتهم, وأمر الریح فحملتهم حتی وردوا إیوان کسری فی المدائن, ثم
ص: 362
رجع وبات بإصطخر , ثم غدا فانتهی إلی مدینة برکاوان , ثم أمر الریح فحملتهم حتی کادت أقدامهم یصیبها الماء, وسلیمان علی عمود منها, فقال بعضهم لبعض: هل رأیتم ملکا قط أعظم من هذا, وسمعتم به ؟
فقالوا: ما رأینا, ولا سمعنا بمثله . فنادی ملک من السماء: ثواب تسبیحة واحدة فی الله أعظم مما رأیتم » ((1)).
عن الامام أبی عبد الله علیه السلام , قال: « إن سلیمان علیه السلام لما سلب ملکه خرج علی وجهه, فضاف رجلا عظیما, فأضافه, وأحسن إلیه . قال: ونزل سلیمان منه منزلا عظیما لما رأی من صلاته وفضله . قال: فزوجه بنته . قال: فقالت له بنت الرجل حین رأت منه ما رأت: بأبی أنت وأمی, ما أطیب ریحک ،
وأکمل خصالک ! لا أعلم فیک خصلة أکرهها إلا أنک فی مؤنة أبی . قال: فخرج, حتی أتی الساحل, فأعان صیادا علی ساحل البحر, فأعطاه السمکة التی وجد فی بطنها خاتمه » ((2)) .
وروی أن سلیمان علیه السلام کان یجلس علی بساطه ویسیر فی الهواء, فمر ذات یوم وهو سائر فی أرض کربلاء فأدارت الریح بساطه ثلاث دورات, حتی
ص: 363
خافوا السقوط, فسکنت الریح, ونزل البساط فی أرض کربلاء, فقال سلیمان للریح: « لم سکنت ؟ » فقالت: إن هنا یقتل الحسین علیه السلام . فقال: « ومن یکون الحسین ؟ » فقالت: هو سبط محمد المختار, وابن علی الکرار . فقال: « ومن قاتله ؟ » . فقالت: یقتله لعین أهل السماوات والأرض یزید ( لعنه الله ) . فرفع سلیمان یدیه ولعنه, ودعا علیه, وأمن علی دعائه الإنس والجن, فهبت الریح, وسار البساط .
وروی عن سلمان الفارسی , قال: کنا جلوسا مع أمیر المؤمنین علیه السلام بمنزله لما بویع عمر بن الخطاب, قال: کنت أنا, والحسن, والحسین ( علیهما السلام ), ومحمد بن الحنفیة, ومحمد بن أبی بکر, وعمار بن یاسر, والمقداد بن الأسود الکندی ( رضی الله عنهم ): قال له ابنه الحسن علیه السلام : « یا أمیر المؤمنین, إن سلیمان سأل ربه ملکا لا ینبغی لأحد من بعده, فأعطاه ذلک, فهل ملکت مما ملک سلیمان بن داود علیه السلام ؟ »
فقال علیه السلام : « والذی فلق الحبة وبرأ النسمة, إن سلیمان بن داود سأل الله عز وجل الملک وأعطاه, وأن أباک ملک ما لم یملکه بعد جدک رسول الله صلی الله علیه و آله أحد قبله, ولا یملکه أحد بعده » .
فقال له الحسن علیه السلام : « نرید أن ترینا مما فضلک الله تعالی به من الکرامة . فقال علیه السلام : أفعل إن شاء الله » .
ص: 364
وساق الحدیث بما فضله الله تعالی به, وفی الحدیث: فقال الحسن علیه السلام : « یا أمیر المؤمنین, إن سلیمان ابن داود علیه السلام کان مطاعا بخاتمه, وأمیر المؤمنین بماذا یطاع ؟ » فقال علیه السلام : « أنا عین الله فی أرضه, أنا لسان الله الناطق فی خلقه, أنا نور الله الذی لا یطفأ، أنا باب الله الذی یؤتی منه, وحجته علی عباده » .
ثم قال: « أتحبون أن أریکم خاتم سلیمان بن داود علیه السلام ؟ » . قال: « نعم » . فأدخل یده إلی جیبه, فأخرج خاتما من ذهب, فصه من یاقوتة حمراء, علیه مکتوب: محمد وعلی, فقال علیه السلام : « تریدون أن أریکم سلیمان ابن داود علیه السلام ؟ » فقلنا: نعم . فقام, ونحن معه, فدخل بنا بستانا ما رأینا أحسن منه, وفیه من جمیع الفواکه والأعناب, وأنهاره تجری, والأطیار یتجاوبن علی الأشجار, فحین رأته الأطیار جاءته ترفرف حوله حتی توسطنا البستان, فإذا سریر علیه شاب ملقی علی ظهره, واضع یده علی صدره, فأخرج أمیر المؤمنین علیه السلام الخاتم من جیبه, وجعله فی إصبع سلیمان علیه السلام ، فنهض قائما, وقال: « السلام علیک یا أمیر المؤمنین, ووصی رسول رب العالمین, أنت والله الصدیق الأکبر, والفاروق الأعظم, قد أفلح من تمسک بک, وقد خاب وخسر من تخلف عنک, وإنی سألت الله تعالی بکم أهل البیت فأعطیت ذلک الملک » .
ص: 365
قال سلمان: فلما سمعت کلام سلیمان بن داود علیه السلام لم أتمالک نفسی, حتی وقعت علی أقدام أمیر المؤمنین علیه السلام أقبلها, وحمدت الله تعالی علی جزیل عطائه بهدایته لنا إلی ولایة أهل البیت ( علیهم السلام ) الذین أذهب الله عنهم الرجس أهل البیت وطهرهم تطهیرا، وفعل أصحابی کما فعلت .
والحدیث طویل, تقدم بتمامه فی باب ( یأجوج ومأجوج ) من آخر سورة الکهف , وتقدمت الروایات أن خاتم سلیمان بن داود علیه السلام , وعصا موسی علیه السلام عند الأئمة, فی قوله تعالی:
وما تِلْکَ بِیَمِینِکَ یا مُوسی من سورة طه ((1)) .
{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی وَهَبْ لِی مُلْکاً لا یَنْبَغِی لاِحَد مِنْ بَعْدِی إنَّکَ أنْتَ الوَهَّابُ } 35 _سورة
ص.
قال سلیمان بن داود علیه السلام ذات یوم لأصحابه إن الله تعالی وهب لی ملکا لا ینبغی لأحد من بعدی سخر لی الریح والجن والانس والطیر والوحوش وعلمنی منطق الطیر وآتانی من کل شئ ومع جمیع ما أوتیت من الملک ما تم لی سرور یوم إلی اللیل وقد أحببت أن أدخل قصری فی غد فأصعد أعلاه وأنظر إلی ممالکی ولا تأذنوا لأحد علیَّ لئلا یرد علیَّ ما ینغص علیَّ یومی .قالوا: نعم فلما کان من الغد أخذ عصاه بیده وصعد إلی أعلی موضع
ص: 366
من قصره ووقف متکئا علی عصاه ینظر إلی ممالکه مسرورا بما أوتی فرحا بما أعطی إذ نظر إلی شاب حسن الوجه واللباس قد خرج علیه من بعض زوایا قصره فلما بصر به سلیمان علیه السلام قال له : من أدخلک إلی هذا القصر وقد أردت أن أخلو فیه الیوم فبإذن من دخلت ؟قال الشاب: أدخلنی هذا القصر ربه وبإذنه دخلت .
فقال سلیمان: ربه أحق به منی فمن أنت ؟ قال: أنا ملک الموت قال: وفیما جئت ؟ قال: جئت لأقبض روحک .قال: امض لما أمرت به فهذا یوم سروری وأبی الله عز وجل أن یکون لی سرور دون لقائه فقبض ملک الموت روحه وهو متکئ علی عصاه فبقی سلیمان متکئا علی عصاه وهو میت ما شاء الله والناس ینظرون إلیه وهم یقدرون انه حی فافتتنوا فیه واختلفوا فمنهم من قال قد بقی سلیمان علیه السلام متکئا علی عصاه هذه الأیام الکثیرة ولم یتعب ولم ینم ولم یأکل ولم یشرب إنه لربنا الذی یجب علینا أن نعبده وقال قوم إن سلیمان ساحر وأنه یرینا أنه واقف متکئ علی عصاه یسحر أعیننا ولیس کذلک .فقال المؤمنون: إن سلیمان هو عبد الله ونبیه یدبر الله أمره بما یشاء فلما اختلفوا بعث الله عز وجل الأرضة فدبت فی عصاه فلما أکلت جوفه انکسرت العصا وخر سلیمان من قصره علی وجهه فشکرت الجن للأرضة صنیعها فلأجل ذلک لا توجد الأرضة فی مکان إلا وعندها ماء وطین وذلک قول الله عز وجل فلما قضینا علیه الموت ما دلهم
ص: 367
علی موته إلا دابة الأرض تأکل منسأته یعنی عصاه فلما خر تبینت الجن أن لو کانوا الآیة ((1)) .
یمکن للمسلم أن یدعو الله تعالی بای دعاء حی والاجابة منوطة برضا رب العالمین قد یوافق علی طلبه وقد یرفض لمصلحة وحکمة الهیة .
والمسلمون مجمعون علی أن محمدا صلی الله علیه و آله سید المرسلین وخاتم النبیین اعطی من الفضل العظیم والمکان الجسیم, ما لم یعط أحد من الأنبیاء فی الأزمان ولا سلیمان .
ومن البیان علی تفصیل منطق اللسان والبیان ان المهدی علیه السلام یأتی فی أواخر الزمان وقد تهدمت أرکان أدیان الأنبیاء ودرست معالم مراسم الأوصیاء وطمست آثار أنوار الأولیاء, فیملأ الأرض قسطا وعدلا وحکما کما ملئت جورا وجهلا وظلما .
حدثنا أحمد بن محمد الصائغ العدل, قال : حدثنا عیسی بن محمد العلوی, قال : حدثنا أحمد بن سلام الکوفی, قال : حدثنا الحسین بن عبد الواحد, قال : حدثنا حرب بن الحسن, قال : حدثنا أحمد بن إسماعیل بن صدقة, عن أبی الجارود, عن أبی جعفر محمد بن علی الباقر علیه السلام , قال : لما نزلت هذه الآیة علی رسول الله صلی الله علیه و آله ( وکل شئ أحصیناه فی إمام مبین ) قام
ص: 368
رجلان من مجلسهما, فقالا : یا رسول الله, هو التوراة ؟ قال : لا . قالا : فهو الإنجیل ؟ قال : لا . قالا فهو القرآن ؟ قال : لا . قال : فأقبل أمیر المؤمنین علی, فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : هو هذا, إنه الامام الذی أحصی الله تبارک وتعالی فیه علم کل شئ ((1)) .
قال مصنف هذا الکتاب (الصدوق) : سألت أبا بشر اللغوی بمدینة السلام عن معنی الامام فقال : الامام فی لغة العرب هو المتقدم بالناس, والامام هو المطمر وهو التر الذی یبنی علیه البناء, والامام هو الذهب الذی یجعل فی دار الضرب لیؤخذ علیه العیار, والامام هو الخیط الذی یجمع حبات العقد, والامام هو الدلیل فی السفر فی ظلمة اللیل, والامام هو السهم الذی یجعل مثالا یعمل علیه السهام ((2)).
فبعث الله جل جلاله رسوله محمدا صلی الله علیه و آله لیجدد سائر مراسم الأنبیاء والمرسلین ویحیی به معالم الصادقین من الأولین والآخرین ولم یبلغ أحدا منهم صلوات الله علیهم وعلیه إلی أنه قام أحد منهم بجمیع أمرهم بعدد رؤوسه ویبلغ به ما یبلغ هو علیه السلام إلیه .
ص: 369
وروی جابر لعلی علیه السلام أنه قال للطیر ((1)): أحسنت أیها الطیر, وقال لسلیمان: " إذ عرض علیه بالعشی الصافنات الجیاد " وکانت من غنیمة دمشق ألف فرس, فلما رآه الله تعالی فاتت صلاته رد الشمس علیه فصلی إذا, وقد ردت الشمس لعلی علیه السلام غیر مرة, وقال لسلیمان: " فسخرنا له الریح " ((2)) .
وعلی قلب الریاح فی بئر ذات العلم وأطاعته وقت خروجه إلی أصحاب الکهف, وقال فی سلیمان: " وحشر لسلیمان جنوده من الجن والإنس والطیر ((3)) " وسخر علی علیه السلام الجن والإنس بسیفه وقال له رسول الجن: " لو أن الانس أحبوک کحبنا " , وقال فی سلیمان: " علمنا منطق الطیر ((4)) , وقال فی علی علیه السلام : " وکل شئ أحصیناه فی إمام مبین ((5)) " وأضاف الناس سلیمان وعجز عن ضیافتهم وعلی علیه السلام قد وقعت ضیافته موقع القبول " ویطعمون الطعام علی حبه ((6)) " وتزوج سلیمان علیه السلام من بلقیس بالعنف
ص: 370
وزوج الله تعالی علیا من فاطمة باللطف, وقال فی سلیمان: " ومن یزغ منهم عن أمرنا ((1)) الآیة, وقال فی علی علیه السلام : " ومن یکفر بالایمان فقد حبط عمله ((2)) " الآیة, وقال فی سلیمان علیه السلام : " ففهمناها سلیمان ((3)) " فکان یحکم بالغرائب وفی علی علیه السلام " فاسألوا أهل الذکر ((4)) .
{ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّیحَ تَجْرِی بِأمْرِهِ رُخَاءً حَیْثُ أصَابَ36 } _سورة ص.
قال الطبرسی : وقیل: کانت الریح تجری به فی الغداة مسیرة شهر, وفی الرواح کذلک, وکان یسکن بعلبک, ویبنی له بیت المقدس, ویحتاج إلی الخروج إلیها وإلی غیرها, قال وهب: وکان سلیمان یخرج إلی مجلسه فتعکف علیه الطیر ویقوم له الإنس والجن حتی یجلس علی سریره ویجتمع معه جنوده, ثم تحمله الریح إلی حیث أراد ((5)) .
القصص: بسنده عن أبی بصیر, عن أبی جعفر علیه السلام قال: کان سلیمان علیه السلام یأمر الشیاطین فتحمل له الحجارة من موضع إلی موضع فقال لهم إبلیس:
ص: 371
کیف أنتم ؟ قالوا: ما لنا طاقة بما نحن فیه, فقال إبلیس: ألیس تذهبون بالحجارة وترجعون فراغا ؟
قالوا: نعم قال: فأنتم فی راحة, فأبلغت الریح سلیمان ما قال إبلیس للشیاطین, فأمرهم یحملون الحجارة ذاهبین ویحملون الطین راجعین إلی موضعها, فتراءی لهم إبلیس فقال: کیف أنتم ؟ فشکوا إلیه فقال: ألستم تنامون باللیل ؟ قالوا: بلی, قال: فأنتم فی راحة, فأبلغت الریح ما قالت الشیاطین وإبلیس, فأمرهم أن یعملوا باللیل والنهار فما لبثوا إلا یسیرا حتی مات سلیمان صلوات الله علیه ((1)) .
وجاء عن الشیاطین :
قال تعالی: ( وحِفْظاً مِنْ کُلِّ شَیْطانٍ مارِدٍ ) ((2)) .
( وما یَعِدُهُمُ الشَّیْطانُ إِلَّا غُرُوراً ) ((3)) .
( إِنَّ کَیْدَ الشَّیْطانِ کانَ ضَعِیفاً ) ((4)) .
ص: 372
( إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّیاطِینَ أَوْلِیاءَ ) ((1)) .
( ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّیْطانِ ) ((2)) .
تحمل الریح السحاب المحمل بالمطر الی أی بلد تصیبه فتنشأ المزارع والبساتین الغناء والمدن الحضاریة , فتکون جالبة للرخاء .
یقول العلماء: یبدأ تکون السحب الرکامیة بعدة خلایا قلیلة کنتف القطن تدفعها الریاح لتدمج بعضها فی بعض مشکلة سحابة عملاقة کالجبل یصل ارتفاعها إلی 45 ألف قدم و تکون قمة السحابة شدیدة البرودة بالنسبة إلی قاعدتها, و بسبب هذا الاختلاف فی درجات الحرارة تنشأ دوامات تؤدی إلی تشکل حبات البرد فی ذروة السحابة الجبلیة الشکل کم تؤدی إلی حدوث تفریغات کهربائیة تطلق شرارات باهرة الضوء تصیب الطیارین فی صفحة السماء بما یسمی (بالعمی المؤقت) , و هذا ما وصفته الآیة تماماً. فهل للنبی محمد صلی الله علیه و آله أن یأتی بهذه المعلومات الدقیقة من عنده؟ أم جاءته من رب العالمین ؟
تحمل الریاح الغیوم الی بلدان قریبة وبعیدة وأینما نزل المطر جاء الرخاء من زراعة وصناعة وتجارة وحیاة حضاریة .
ص: 373
وأینما قلَّ المطر تحولت الارض الی صحراء تنعدم فیها الحیاة الانسانیة والحیوانیة والنباتیة .
ولا یمکن أن تکون الدولة عظیمة ومیاهها قلیلة فمن شروط التطور کثرة الامطار والانهار
لانها منبع الخیر والبرکة .
لذا کانت امبراطوریة النبی سلیمان تمتاز بوفرة المیاه وکثرة الایدی العاملة الفنیة ووفرة المعادن المستخرجة من البر والبحر . وسرعة المواصلات وسهولتها عبر الریاح .
{ وَالشَّیَاطِینَ کُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاص37 } _سورة ص.
کان الشیاطین یبنون لسلیمان علیه السلام ما یرید من السدود والابنیة والقصور والقلاع والابار .
أی: یعملون له الأعمال الغریبة والأفعال البدیعة والنادرة, ولیس یعنی استنباط الدّرّ من الماء فقط .
وتعد بعض الابنیة والاثار القدیمة موضع عجب عند البشریة فی کیفیة بنائها وزخرفتها وعظم الحجارة المرفوعة فی سقوفها .
{ وَآخَرِینَ مُقَرَّنِینَ فِی الأصْفَادِ38 } _سورة
ص.
بعض الشاطین أطاعوا سلیمان فعملوا له ما أراد وبعض عصوه فقرنهم بالاصفاد .
الأصفاد :واحدها صفد, وهو الغل وجمعه اغلال .
ص: 374
قال السدی: السلاسل تجمع الیدین إلی العنق والصفد الغل . والصفد العطاء.
ومن أمِن العقوبة أساء الأدب .
وقال تعالی عن طغاة یوم القیامة : {وَتَرَی المُجْرِمِینَ یَوْمَئِذ مُقَرَّنِینَ فِی الأصْفَادِ} 49 _سورة ابراهیم .
عن الصادق جعفر بن محمد علیهما السلام أنه قال « الاشتهار بالعبادة ریبة, إن أبی حدثنی عن أبیه, عن جده علیهم السلام أن رسول اللَّه صلی الله علیه و آله قال: أعبد الناس من أقام الفرائض, وأسخی الناس من أدی زکاة ماله, وأزهد الناس من اجتنب الحرام, وأتقی الناس من قال الحق فیما له وعلیه, وأعدل الناس من رضی للناس ما یرضی لنفسه وکره لهم ما یکره لنفسه, وأکیس الناس من کان أشد ذکرا للموت, وأغبط الناس من کان تحت التراب قد أمن العقاب ویرجو الثواب, وأغفل الناس من لم یتعظ بتغیر الدنیا من حال إلی حال, وأعظم الناس فی الدنیا خطرا من لم یجعل للدنیا عنده خطرا, وأعلم الناس من جمع علم الناس إلی علمه, وأشجع الناس من غلب هواه, وأکثر الناس قیمة أکثرهم علما, وأقل الناس قیمة أقلهم علما, وأقل الناس لذة الحسود .
وأقل الناس راحة البخیل, وأبخل الناس من بخل بما افترض اللَّه علیه, وأولی الناس بالحق أعلمهم به, وأقل الناس حرمة الفاسق وأقل الناس وفاء الملوک , وأقل الناس صدیقا الملک, وأفقر الناس الطامع, وأغنی الناس من
ص: 375
لم یکن للحرص أسیرا, وأفضل الناس إیمانا أحسنهم خلقا, وأکرم الناس أتقاهم, وأعظم الناس قدرا من ترک ما لا یعنیه, وأورع الناس من ترک المراء وإن کان محقا, وأقل الناس مروءة من کان کاذبا, وأشقی الناس الملوک, وأمقت الناس المتکبر وأشد الناس اجتهادا من ترک الذنوب وأحکم الناس من فر من جهال الناس, وأسعد الناس من خالط کرام الناس, وأعقل الناس أشدهم مداراة للناس, وأولی الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة وأعتی الناس من قتل غیر قاتله, أو ضرب غیر ضاربه, وأولی الناس بالعفو أقدرهم علی العقوبة, وأحق الناس بالذنب السفیه المغتاب, وأذل الناس من أهان الناس, وأحزم الناس أکظمهم للغیظ, وأصلح الناس أصلحهم للناس, وخیر الناس من انتفع به الناس » ((1)) .
لقد استفاد البعض من رحمة الامام علی علیه السلام فامتنعوا من الالتحاق بجیشه لمحاربة معاویة ففی الصیف یقولون فی الشتاء وفی الشتاء یقولون فی الصیف .
وکان النبی محمد صلی الله علیه و آله والامام علی علیه السلام یطلبون المتطوعین الی حروبهم بالختیار ولا یریدون المکرهین علی الجهاد .
ص: 376
بینما کان معاویة یجبرهم علی السوق للحرب بحرق دور العاصین وقتلهم وسجنهم . واجبار الناس علی الجهاد سار علیها ابو بکر وعمر وعثمان والامویین والعباسیین والعثمانیین .
{ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أوْ أمْسِک بِغَیْرِ حِسَاب } 39 _سورة ص.
معناه هذا الملک الذی أعطیناک, فاعط ما شئت منه وامنع ما شئت .
وقال قتادة والضحاک: معناه لا تحاسب علی ما تعطی وتمنع منه یوم القیامة لیکون اهنأ لک ومعناه لیس علیک تبعة .
وقیل: معناه بغیر مقدار یجب علیک إخراجه من یدک, ویکون بغیر حساب, فامنن أو أمسک وقال الزجاج: المعنی سخرنا لک الشیاطین عطاء لک منا فأطلق منهم من شئت واحبس من شئت فلا حساب علیک منه .
ومن الطبیعی کان عطاؤه ومنعه وفقا للشریعة الاسلامیة لانه أحد رسل الله .
عن زید الشحام قال سألت أبا عبد الله علیه السلام فی قوله تعالی: ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِکْ بِغَیْرِ حِسابٍ ) ؟
قال علیه السلام : أعطی سلیمان ملکا عظیما ثمَّ جرت هذه الآیة فی رسول الله صلی الله علیه و آله فکان له أن یعطی من شاء ما شاء ویمنع من شاء وأعطاه أفضل مما أعطی سلیمان لقوله ما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا ((1)) .
ص: 377
وفی القوی کالصحیح, عن عبد الله بن سلیمان, عن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال: سألته عن الإمام فوض الله إلیه کما فوض إلی سلیمان بن داود ؟ فقال: نعم وذلک أن رجلا سأله عن مسألة فأجابه فیها وسأله آخر عن تلک المسألة فأجابه بغیر جواب الأول, ثمَّ سأله آخر فأجابه بغیر جواب الأولین, ثمَّ قال: هذا عطاؤنا فامنن أو أعط بغیر حساب, وهکذا هی فی قراءة علی علیه السلام , قال: قلت أصلحک الله فحین أجابهم بهذا الجواب یعرفهم الإمام ؟ قال: سبحان الله أما تسمع الله یقول: إن فی ذلک لآیات للمتوسمین وهم الأئمة علیهم السلام, وإنها لبسبیل مقیم لا یخرج منها أبدا ((1)) .
وفی حدیث آخر ((2)) " فما فوض الله إلی رسوله صلی الله علیه و آله فقد فوضه إلینا " .
وفی ثالث ((3)) " أن الله فوض إلی سلیمان بن داود فقال: هذا عطاؤنا فامنن أو امسک بغیر حساب ((4)) .
وفوض إلی نبیه صلی الله علیه و آله فقال: وما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه
ص: 378
فانتهوا ((1)) .
فما فوض إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقد فوضه إلینا " إلی غیر ذلک من الأخبار .
ویؤید هذه الأخبار أیضا ما فی روایة أبی خالد الکابلی عنه علیه السلام ((2)) قال : " إن رأیت صاحب هذا الأمر یعطی کل ما فی بیت المال رجلا واحدا فلا یدخلن فی قلبک شئ فإنه إنما یعمل بأمر الله " .
وعن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول اللَّه صلی الله علیه و آله « الولیمة فی أربع العرس والخرس وهو المولود یعق عنه ویطعم والإعذار وهو ختان الغلام والإیاب وهو الرجل یدعو إخوانه إذا عاد من غیبته » ((3)).
وفی روایة أخری « أو توکیر وهو بناء الدار وغیره »((4)) .
وقال نجاح الطائی: بین الله تعالی نشره للخیر فی دولة سلیمان عبر الریح الناقلة للغیوم فحیث سقط المطر کثر الخیر ونمت الحضارة :
{ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّیحَ تَجْرِی بِأمْرِهِ رُخَاءً حَیْثُ أصَابَ36 } _سورة
ص.
ثم قال تعالی: { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أوْ أمْسِک بِغَیْرِ حِسَاب } 39 _سورة ص.
ص: 379
وقال تعالی: { إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد } 54*_سورة ص .
ووهب تعالی هذا الخیر للنبی سلیمان علیه السلام وجعله قیَّما وناظرا علی تقسیمه بین العباد فهو العادل المؤثر لغیره علی نفسه والزاهد فی الدنیا .
ولو کان سلیمان مثل باقی الملوک المسرفین المترفین الظالمین لما وهب تعالی له هذا الخیر ولما جعله مسؤولا عن تصریفه بین العباد .
وجاءنا عن ایمان وزهد سلیمان علیه السلام :
روی أن سلیمان بن داود علیه السلام مر فی موکبه والطیر تظله والجن والانس عن یمینه وعن شماله بعابد من عباد بنی إسرائیل, فقال: والله یا ابن داود لقد آتاک الله ملکا عظیما, فسمعه سلیمان فقال علیه السلام : لتسبیحة فی صحیفة مؤمن خیر مما أعطی ابن داود, إن ما أعطی ابن داود یذهب وإن التسبیحة تبقی ((1)) .
فمن سار من العلماء علی سیرة سلیمان علیه السلام فهو منه ومن سار علی منهج الملوک فی الجری خلف الاغنیاء واحتقار الفقراء فهو منهم .
{ وَإنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَی وَحُسْنَ مَآب } 40 _سورة ص.
للنبی سلیمان حسن مرجع فی الآخرة . وهذا من أعظم النعم
فهی النعمة الباقیة الخالدة .
ص: 380
وهذا یعود لترکه الاهواء وتوجهه للاخرة لیصبح من الخالدین المنعمین .هذا من تمام النعمة الالهیة علی سلیمان علیه السلام ختم نعمته علیه فی الدنیا بالقرب عنده فی الآخرة وحسن المآب .
وکان سلیمان علیه السلام إذا أصبح تصفح وجوه الأغنیاء والاشراف حتی یجئ إلی المساکین ویقعد معهم ویقول: مسکین مع المساکین ((1)) .
: کان سلیمان علیه السلام مع ما هو فیه من الملک یلبس الشعر, و إذا جنه اللیل شد یدیه إلی عنقه, فلا یزال قائما حتی یصبح باکیا, وکان قوته من سفائف الخوص یعملها بیده, وإنما سأل الملک لیقهر ملوک الکفر ((2)) .
علی عن أبیه عن السراد عن مالک بن عطیة عن الثمالی عن علی بن الحسین صلی الله علیه و آله قال « لا عمل إلا بنیة » ((3)) .
یعنی لا عمل یعد من عبادة اللَّه تعالی ویکتب من صنوف طاعته بحیث یصح أن یترتب علیه الأجر فی الآخرة إلا ما یراد به التقرب إلی اللَّه تعالی
ص: 381
والدار الآخرة أعنی یقصد به وجه اللَّه سبحانه أو التوصل إلی ثوابه أو الخلاص من عقابه .
قال أمیر المؤمنین وسید الموحدین صلی الله علیه و آله « ما عبدتک خوفا من نارک ولا طمعا فی جنتک لکن وجدتک أهلا للعبادة ((1)) .
ومن حصل علی الرضا الالهی نجح فی الدنیا والاخرة .
والمخالف لهذا حاصل علی خسران الصفقتین, خسر الدنیا والآخرة وذلک هو الخسران المبین ((2)) .
ومن کان من الفقراء الصالحین المظلومین فی الدنیا والمقتولین بید الکافرین فقد حصل علی النعمة الباقیة فهو فی عیشة راضیة فی جنة
عالیة ((3)) .
ومن حصل علی الدنیا وهو من الفاسقین فقد اشتمل علی النعمة الفانیة فقط فأمه هاویة ((4)), الذی جمع مالا وعدده
یحسب أن ماله أخلده * کلا لینبذن فی الحطمة ((5)) .
ص: 382
{ وَاذْکُرْ عَبْدَنَا أیُّوبَ إذْ نَادَی رَبَّهُ أنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطَانُ بِنُصْب وَعَذَاب 41 ارْکُضْ بِرِجْلِکَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ 42 وَوَهَبْنَا لَهُ أهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِکْرَی لاُِوْلِی الألْبَابِ 43 وَخُذْ بِیَدِکَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ العَبْدُ إنَّهُ أوَّابٌ 44 _سورة
ص.
عن أبی بصیر عن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال سألته عن بلیة أیوب علیه السلام التی ابتلی بها فی الدنیا لأی علة کانت ؟
قال علیه السلام : لنعمة أنعم الله علیه بها فی الدنیا وأدی شکرها وکان فی ذلک الزمان لا یحجب إبلیس من دون العرش فلما صعد ورأی شکر نعمة أیوب حسده إبلیس وقال: یا رب ان أیوب لم یؤد إلیک شکر هذه النعمة إلا بما أعطیته من الدنیا ولو حرمته دنیاه ما أدی إلیک شکر نعمة ابدا فسلطنی علی دنیاه حتی تعلم أنه لا یؤدی إلیک شکر نعمة ابدا, فقیل له قد سلطتک علی ماله وولده .قال فانحدر إبلیس فلم یبق له مالا وولدا إلا أعطبه فازداد أیوب شکرا لله وحمدا قال: فسلطنی علی زرعه, قال تعالی قد فعلت فجاء مع شیاطینه فنفخ فیه فاحترق فازداد أیوب لله شکرا وحمدا فقال یا رب ! سلطنی علی غنمه, فسلطه علی غنمه فأهلکها فازداد أیوب لله شکرا وحمدا
ص: 383
وقال یا رب سلطنی علی بدنه فسلطه علی بدنه ما خلا عقله وعینه فنفخ فیه إبلیس فصار قرحة واحدة من قرنه إلی قدمه فبقی فی ذلک دهرا طویلا یحمد الله ویشکره حتی وقع فی بدنه الدود وکانت تخرج من بدنه فیردها ویقول لها ارجعی إلی موضعک الذی خلقک الله منه ونتن حتی أخرجه أهل القریة من القریة وألقوه فی المزبلة خارج القریة وکانت امرأته رحیمة بنت یوسف بن یعقوب بن إسحاق بن إبراهیم صلوات الله علیهم أجمعین وعلیها تتصدق من الناس وتأتیه بما تجده, قال فلما طال علیه البلاء ورأی إبلیس صبره اتی أصحابا له کانوا رهبانا فی الجبال وقال لهم: مروا بنا إلی هذا العبد المبتلی ونسأله عن بلیته فرکبوا بغالا شهبا وجاؤا فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ریحه فقرنوا بعضا إلی بعض ثم مشوا إلیه وکان فیهم شاب حدث السن فقعدوا إلیه, فقالوا: یا أیوب لو أخبرتنا بذنبک لعل الله کان یهلکنا إذا سألناه وما نری ابتلاءک بهذا البلاء الذی لم یبتل به أحد إلا من أمر کنت تستره ؟
فقال أیوب: وعزة ربی انه لیعلم انی ما اکلت طعاما إلا ویتیم أو ضیف یأکل معی وما عرض لی أمران کلاهما طاعة لله إلا أخذت بأشدهما علی بدنی, فقال الشاب سوأة لکم عمدتم إلی نبی الله فعیرتموه حتی أظهر من عبادة ربه ما کان یسترها, فقال أیوب: یا رب لو جلست مجلس الحکم منک لأدلیت بحجتی فبعث الله إلیه غمامة فقال: أیوب أدلنی بحجتک فقد
ص: 384
أقعدتک مقعد الحکم وها أنا ذا قریب ولم أزل . فقال: یا رب انک لتعلم انه لم یعرض لی أمران قط کلاهما لک طاعة إلا أخذت بأشدهما علی نفسی ألم أحمدک ألم أشکرک ألم أسبحک ؟ قال: فنودی من الغمامة بعشرة الف لسان یا أیوب من صیرک تعبد الله والناس عنه غافلون وتحمده وتسبحه وتکبره والناس عنه غافلون أتمن علی الله بما لله فیه المنة علیک ؟ قال: فاخذ أیوب التراب فوضعه فی فیه ثم قال لک العتبی یا رب أنت فعلت ذلک بی, فأنزل الله علیه ملکا فرکض برجله فخرج الماء فغسله بذلک الماء فعاد أحسن ما کان وأطرأ وأنبت الله علیه روضة خضراء ورد علیه أهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملک یحدثه ویؤنسه . فأقبلت امرأته معها الکسر, فلما انتهت إلی الموضع إذ الموضع متغیر وإذا رجلان جالسان فبکت وصاحت وقالت یا أیوب ما دهاک فناداها أیوب, فأقبلت فلما رأته وقد رد الله علیه بدنه ونعمته سجدت لله شکرا فرأی ذؤابتها ((1))مقطوعة وذلک انها سألت قوما ان یعطوها ما تحمله إلی أیوب من الطعام وکانت حسنة الذوایب فقالوا لها تبیعینا ذوائبک هذه حتی نعطیک فقطعتها ودفعتها إلیهم واخذت منهم طعاما لأیوب, فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف علیها ان یضربها مائة سوط فأخبرته انه کان سببه کیت وکیت فاغتم أیوب من
ص: 385
ذلک فأوحی الله إلیه ( فخذ بیدک ضغثا فاضرب به ولا تحنث ) فاخذ مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من یمینه ((1)) .
ثم قال : " ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذکری لأولی الألباب "قال : فرد الله علیه أهله الذین ماتوا قبل البلیة, ورد علیه أهله الذین ماتوا بعد ما أصابهم البلاء کلهم أحیاهم الله تعالی له فعاشوا معه . وسئل أیوب بعدما عافاه الله : أی شئ کان أشد علیک مما مر علیک ؟ قال : شماتة الأعداء.
وقال نجاح الطائی: کان النبی سلیمان علیه السلام مثالا للنعمة الالهیة الوافرة والکثیرة وشکرها وعدم الانجرار نحو الدنیا والاستمرار فی مصاحبة الفقراء والمساکین .
وکان أیوب مثالا للصبر علی الشدائد بشتی صنوفها من الفقر والمرض ونبذ الناس له واحتقارهم له والحیاة خارج المدینة وحیدا فریدا مطرودا .
ولان زوجته قد لفظت کلمة تبین نفاد صبرها للحظة وعتابها لله تعالی علی ما حلَّ بساحتها فقد أقسم أن یضربها مائة سوط لمعاقبتها .
لقد کان الانبیاء قدوات للبشریة تعلمهم کیفیة الحیاة فی الدنیا والرضا بنصیبهم فیها والاصرار علی الایمان والعمل الصالح .
ص: 386
رحیمة بنت النبی یوسف وزوجة النبی أیوب کانت قدوة دینیة مغمورة ومنسیة فی التاریخ ولم تسلط الاضواء علیها وعلی کفاحها وجهادها ونضالها فی سبیل المبادیء النبیلة والشریفة لاحیاء الوفاء والاخلاص للزوجیة والالتزام بالدین والرضا بما حلَّ بها وأهلها من بلاء .
وقد باعت شعرها وهو علامة أنوثتها وجمالها لاطعام زوجها وحفظ النبوة وقهر الاعداء المحدقین بها والناصبین لها ولزوجها ودینها الحقد والکراهیة .
وکانت زوجة ایوب قدوة لامتها فی الشرف والصبر علی الشدائد والوفاء لزوجها وتحمل الاعباء والمسؤولیة اذ کانت تخدم عند الناس لاعالة نفسها وزوجها . وبقیت مصرة علی ابقاء علاقتها الزوجیة مع زوجها المریض والمفلس والمنفی من المدینة والکریه المنظر .
فکانت مثالا للزوجة الطاهرة التقیة العاملة المصرة علی الحق والمدافعة عن الدین والزاهدة فی الحیاة والمنتظرة للاخرة والمعتقدة بالرحمة الالهیة .
{ وَاذْکُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِیمَ وَإسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ اُوْلِی الأیْدِی وَالأبْصَارِ } 45 _سورة ص.
یعنی اولی القوة فی العبادة والبصائر فی الطاعة .
ص: 387
اللغة: الید: تذکر فی اللغة علی خمسة أوجه: الجارحة, والنعمة, والقوة, والملک, وتحقیق إضافة الفعل . فالنعمة فی قولهم لفلان عندی ید أشکرها أی: نعمة, قال عدی بن زید :
ولن أذکر النعمان إلا بصالح فإن له عندی یدیا وأنعما جمع یدا علی یدی: کالکلیب والعبید, وحسن التکرار لاختلاف اللفظین.
والید: للقوة فی نحو قوله تعالی: ( أولی الأیدی والابصار ) أی ذوی القوی والعقول ((1)) .
وقال الأعشی :
یداک یدا مجد فکف مفیدة * وکف إذا ما ضن بالزاد تنفق .
وقوله تعالی " ینفق کیف یشاء " معناه یعطی من شاء من عباده ویمنع من شاء منهم, لأنه متفضل بذلک ویفعل حسب ما تقتضیه المصلحة ((2)) .
القمی عن الباقر علیه السلام قال أولوا القوة فی العبادة والبصر فیها ((3)) .
ص: 388
تفسیر علی بن إبراهیم: " واذکر عبادنا إبراهیم وإسحاق ویعقوب أولی الأیدی, والابصار " یعنی اولی القوة " إنا أخلصناهم بخالصة ذکری الدار وإنهم عندنا لمن المصطفین الأخیار واذکر إسماعیل " الآیة ((1)) .
وفی روایة أبی الجارود, عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله: " اولی الأیدی والابصار " یعنی اولی القوة فی العبادة والبصر فیها ((2)) .
تفسیر علی بن إبراهیم: الحسین بن عبد الله السکینی, عن أبی سعید البجلی, عن عبد الملک ابن هارون, عن الامام أبی عبد الله , عن آبائه علیهم السلام قال: عرض ملک الروم علی الحسن بن علی صور الأنبیاء فأخرج صنما, فقال علیه السلام : هذه صفة إبراهیم علیه السلام عریض الصدر طویل الجبهة ((3)) .
علل الشرائع: أبی, عن سعد, عن أیوب بن نوح, عن ابن أبی عمیر, عن حفص بن البختری, عن الامام أبی عبد الله علیه السلام قال: کان الناس لا یشیبون
ص: 389
فأبصر إبراهیم علیه السلام شیبا فی لحیته, فقال: یا رب ما هذا ؟ فقال: هذا وقار, فقال: رب زدنی وقارا ((1)) .
علل الشرائع: ابن الولید عن الصفار, عن ابن معروف, عن ابن مهزیار, عن الحسین ابن عمار, عن نعیم, عن أبی جعفر علیه السلام قال: أصبح إبراهیم علیه السلام فرأی فی لحیته شیبا شعرة بیضاء, فقال: الحمد لله رب العالمین الذی بلغنی هذا المبلغ ولم أعص الله طرفة عین ((2)) .
علل الشرائع: علی بن حاتم, عن جعفر بن محمد, عن یزید بن هارون, عن عثمان الزنجانی, عن جعفر بن الزمان, عن الحسن بن الحسین, عن خالد بن إسماعیل بن أیوب المخزومی, عن جعفر بن محمد علیه السلام أنه سمع أبا الطفیل یحدث: إن علیا علیه السلام یقول :
کان الرجل یموت وقد بلغ الهرم ولم یشب, فکان الرجل یأتی النادی فیه الرجل وبنوه فلا یعرف الأب من الابن, فیقول أبوکم ؟ فلما کان زمان إبراهیم قال: اللهم اجعل لی شیبا اعرف به, قال: فشاب وابیض رأسه
ولحیته ((3)) .
ص: 390
ولا یجوز أن یکون المراد بالأبصار هاهنا الجوارح والحواس, لأن سائر الناس یشارکون الأنبیاء علیهم السلام فی خلق ذلک لهم . ولا یحسن مدح الإنسان بأن له یدا وقدما وعینا وفما . وإنما یحسن أن یمدح بأن له نفسا شریفة, وهمة منیفة, وأفعالا جمیلة, وخلالا محمودة ((1)) .
قال نجاح الطائی: ذکر الله تعالی العباد المخلصین وهم الانبیاء وذکر امتیازاتهم فی الحیاة الدنیا وهی القوة فی العبادة والبصیرة فی معرفة الله وطاعته فهم ذوی الکرم و الاخلاق والعقول .
وبدون الجود والقوة والعقل لا یمکن قیادة العالم وهی صفة الانبیاء .
رسول الله صلی الله علیه و آله : إن من خیر رجالکم التقی النقی السمح الکفین, النقی الطرفین, البر بوالدیه, ولا یلجئ عیاله إلی غیره ((2)) .
قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام لما سئل عن خیار الناس عند الله عز وجل : أخوفهم لله, وأعملهم بالتقوی, وأزهدهم فی الدنیا ((3)) .
وقال الإمام الصادق علیه السلام : خیارکم سمحاؤکم, وشرارکم بخلاؤکم((4)).
ص: 391
وقال رسول الله صلی الله علیه و آله لما قیل له: أحب أن أکون خیر الناس : خیر الناس من نفع الناس, فکن نافعا لهم ((1)) .
{ إنَّا أخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَة ذِکْرَی الدَّارِ46 } _سورة ص.
معناه إنا أخلصنا إبراهیم وإسحاق ویعقوب بخلة خلصت لهم . ثم قال:
( ذکری الدار ) بدلا من ( خالصة ) ای یذکرون بدار الآخرة ویزهدون فی الدنیا .
القمی:یقول إن الله اصطفاهم بذکر الآخرة واختصهم بها ((2)).
ابن عباس فی قوله: ( إنا أخلصناهم بخالصة ذکری الدار ) الآیات نزلت فی أهل البیت علیهم السلام ((3)) .
وفی روایة أبی الجارود, عن أبی جعفر ( علیه السلام ), فی قوله :
( أُولِی الأَیْدِی والأَبْصارِ ) :« یعنی أولی القوة فی العبادة, والبصر فیها, وقوله : ( إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِکْرَی الدَّارِ ) یقول : إن الله اصطفاهم بذکر الآخرة, واختصهم بها » ((4)) .
ص: 392
{ وَإنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ المُصْطَفَیْنَ الأخْیَارِ } 47 _سورة ص.
: اصطفاهم وانتجبهم الله تعالی .
هذه الایة من الایات السماویة المبینة لترجمة الانبیاء ومکانتهم العالیة عند الله تعالی .
فقد بین سبحانه نعمه علی داود وسلیمان وکشف عن صبر ایوب ونزول النعمة الالهیة علیه .
وذکر تعالی ابراهیم واسحاق ویعقوب فی عبادتهم وبصیرتهم وکرمهم وبین منزلتهم عند رب العالمین قائلا:
{ وَإنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ المُصْطَفَیْنَ الأخْیَارِ } 47.
بینما سعی أحبار الیهود وعلماء النواصب للنیل من الانبیاء بشتی مشاریع التحریف والکذب .
{ وَاذْکُرْ إسْمَاعِیلَ وَالیَسَعَ وَذَا الکِفْلِ وَکُلٌّ مِنَ الأخْیَارِ} 48_سورة ص : الذین آمنوا وعملوا الصالحات .
أی: اذکر لامتک هؤلاء أیضا, لیقتدوا بهم, ویسلکوا طریقتهم, وقد تقدم ذکرهم ( وکل من الأخیار ) قد اختارهم الله للنبوة ( هذا ذکر ) أی: شرف لهم, وذکر جمیل, وثناء حسن, یذکرون به فی الدنیا أبدا ( وإن للمتقین
ص: 393
لحسن مآب ) أی: حسن مرجع ومنقلب, یرجعون فی الآخرة إلی ثواب الله ومرضاته .
قیل: هو ابن اخطوب, استخلفه إلیاس علی بنی إسرائیل, ثم استنبأ . ( وذا الکفل ) هو یوشع بن نون, کما مر فی سورة الأنبیاء . ( وکل من الأخیار ) .
{ أولئک الذین أنعم الله علیهم من النبیین من ذریة آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذریة إبراهیم وإسرائیل وممن هدینا واجتبینا إذا تتلی علیهم آیات الرحمن خروا سجدا وبکیا} مریم 19: 58 " .
ویستفاد من الآیتین الکریمتین: أنّ الیسع النبیّ کان فی ردیف إسماعیل ویونس ولوط وذی الکفل من الأنبیاء الأخیار والَّذین فضّلوا علی قومهم وأهل زمانهم أجمعین .
وأمّا ذو الکفل فهو من بنی إسرائیل, بعث إلی ملک کان فیهم یقال له: کنعان, فدعاه إلی الایمان وتکفّل له بالجنّة, وکتب له کتاب ذکر حقّ علی اللَّه عزّ وجلّ, فآمن ذلک الملک, وسمّی ذا الکفل .
البیضاوی _ آیة 21 / 85 _ وذا الکفل: یعنی إلیاس, وقیل یوشع، وقیل زکریّا, سمّی به: لأنّه ذا حظَّ من اللَّه, أو تکفّل منه, أو له ضعف عمل أنبیاء زمانه وثوابهم .
ص: 394
وقال فی آیة 38 / 48 _ وذا الکفل: قیل عمّ یسع, أو بشر بن أیّوب, واختلف فی نبوّته ولقبه .
{ هَذَا ذِکْرٌ وَإنَّ لِلْمُتَّقِینَ لَحُسْنَ مَآب 49 جَنَّاتِ عَدْن مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ50 مُتَّکِئِینَ فِیهَا یَدْعُونَ فِیهَا بِفَاکِهَة کَثِیرَة وَشَرَاب 51 } _سورة ص
فسر حسن المآب بقوله: ( جنات عدن ) فهی فی موضع جر علی البدل أی: جنات إقامة وخلود ( مفتحة لهم الأبواب ) أی: یجدون أبوابها مفتوحة حین یردونها, ولا یحتاجون إلی الوقوف عند أبوابها حتی تفتح .
وقیل: معناه لا یحتاجون إلی مفاتیح, بل تفتح بغیر مفتاح, وتغلق بغیر
مغلاق ((1)) .
ومآب المتقین الی الجنة فی جنات عدن مبذولة لهم فاکهة وشراب .
{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أتْرَابٌ }52 _سورة
ص:
الحور العین . یقصر الطرف عنها والبصر من صفائها مع ما حکی الله من قول أهل الجنة .
یعنی قصرن علی أزواجهن فمالهن فی غیرهم بغیة, فالقاصر نقیض الماد, یقال هو قاصر طرفه عن فلان وماد عینه إلی فلان قال امرؤ القیس :
ص: 395
من القاصرات الطرف لودب محول * من الذر فوق الاتب منها لاثرا .
والأتراب الاقران علی سن واحد لیس فیهن هرمة ولا عجوز . قال الفراء: لا یقال الأتراب إلا فی الإناث, ولا یقال فی الذکران .قال ابن أبی ربیعة :
ابرزوها مثل المهاة تهادی * بین عشر کواعب اتراب
والترب اللذة وهو مأخوذ من اللعب بالتراب . وقیل: اتراب علی مقدار سن الأزواج من غیر زیادة ولا نقصان ((1)) .
{ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِیَوْمِ الحِسَابِ 53 إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد } 54 _سورة ص :
لأجل هذا الیوم, فإنّ الحساب علَّة الوصول إلی الجزاء .
یوم القیامة , وهذا الرزق خالد للفائزین بالاخرة .
{إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد } سورة ص 54 : ای لا ینفذ ولا یفنی بل هو باق للصالحین الفائزین بالجنة .
بل هو نظام قائم إلی الأبد, وحیاة فی الجنة خالدة, ونعمة دائمة لا تزول .
{ هَذَا وَإنَّ لِلطَّاغِینَ لَشَرَّ مَآب 55 جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المِهَادُ } 56 _سورة ص.
ص: 396
وهم زریق وحبتر وبنو أمیة ثم ذکر من کان من بعدهم ممن غصب آل محمد حقهم فقال : ( وآخر من شکله أزواج 58 هذا فوج مقتحم معکم ) وهم بنو السباع , ویقولون بنو أمیة ( لا مرحبا بهم انهم صالوا النار59 ) فیقولون بنو فلان ( بل أنتم لا مرحبا بکم أنتم قدمتموه لنا ) وبدأتم بظلم آل محمد ( فبئس القرار60 ) ثم یقول بنو أمیة ( قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا فی النار 61) یعنون الأولین ثم یقول أعداء آل محمد فی النار ( ما لنا لا نری رجالا کنا نعدهم من الأشرار 62) فی الدنیا وهم شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام ( اتخذناهم سخریا أم زاغت عنهم الابصار 63 ) ثم قال :
( إن ذلک لحق تخاصم أهل النار 64 سورة ص) فیما بینهم وذلک قول الصادق علیه السلام : والله انکم لفی الجنة تحبرون وفی النار تطلبون ((1)) .
أما الطغاة فرجوعهم الی جهنم حیث تحرقهم النار .قال الغساق واد فی جهنم .
شَبَّهَ ما تَحْتَهُم من النَّارِ بالمِهَادِ الذی یَفْتَرشُهُ النَّائمُ .
ص: 397
وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : إن أسرع الخیر ثوابا البر, وإن أسرع الشر عقابا
البغی ((1)) .
وإنما وصف جهنم بأنها مهاد لما کانت عوضا لهم عن المهاد .
أی: فبئس المسکن, وبئس المهد .
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته.
العبد الفقیر الی رحمة الله الواسعة
نجاح عطا عبد محمد الطائی
النجف الاشرف
ص: 398
المجلد _17. 1
المفسر والمحقق آیة الله الدکتور 1
نجاح الطائی. 1
مؤسسة دار الهدی. 1
لاحیاء التراث الاسلامی العالمیة. 1
سورة یس _ 36. 3
آیات رأس الامام الحسین الشهید. 4
المسخ والممسوخات.. 43
سورة الصافات_ 37. 74
تحریف التوراة بید الاحبار 178
دمر الله تعالی قوم بنی لوط الفاسقین دمارا کاملا غضبا منه علی أهل الشذوذ المارقین من الدین . 207
ص: 399
رأی الصحابة فی عقوبة اللواط. 207
المجتمعان الاسلامی والفرعونی. 227
سورة ص _ 38. 275
ندم ابی بکر علی اغتصابه الخلافة. 334
وفاء وطهارة واخلاص رحیمة زوجة أیوب.. 387
فهرس محتویات تفسیر أهل البیت المجلد _ 17. 399
ص: 400