بسم الله الرحمن الرحیم

الکتاب : تفسیر أهل البیت _ المجلد 9

: المفسر والمحقق آیة الله الدکتور نجاح عطا عبد محمد الطائی

الطبعة الاولی 2017 م _ 1438 هج ق _1396 هج ش

دار الهدی لاحیاء التراث الاسلامی العالمیة

_ بیروت_ حارة حریک

ISBN: 9_009 _ 343 _ 600 _ 978

ISBN : 2_008 _ 343 _ 600 _ 978 موسوعة تفسیر أهل البیت علیهم السلام

مجلد 1_25

Fipa

: 3651738

عدد المطبوع : 1000 نسخة

Najahtaee@yahoo.com

WWW.AL_TAEI.COM

ص: 2

یخرجون من قبورهم , یقولون: سبحانک وبحمدک , ولا ینفعهم فی ذلک الیوم , لأنهم حمدوا حین لا ینفعهم الحمد((1)) .

ویعتقد الکفار الموتی انهم لبثوا قلیلا من الوقت بینما نام بعضهم آلاف السنوات ونام آخرون عشرات الالاف من السنوات .

ولا أحد فی الدنیا یعلم المدة الزمنیة التی سیرقد فیها الموتی فی القبور قبل یوم القیامة هل هی عشرات أم مئات الالاف أم ملایین السنین ؟

یأتی الامر الربانی بحیاة الانسان من جدید فیلبی کل شیء أمره سبحانه وتبدأ القیامة .

{وَقُلْ لِعِبَادِی یَقُولُوا الَّتِی هِیَ أحْسَنُ إنَّ الشَّیْطَانَ یَنزَغُ بَیْنَهُمْ إنَّ الشَّیْطَانَ کَانَ لِلإنسَانِ عَدُوّاً مُبِیناً53 }_سورة الاسراء .

وَقُلْ لِعِبَادِی:" قال الإمام ( علیه السلام ): قولوا للناس کلهم حسنا مؤمنهم ومخالفهم أما المؤمنون فیبسط لهم وجهه وبشره , وأما المخالفون فیکلمهم بالمداراة لاجتذابهم , فان ییأس من ذلک یکف شرورهم عن نفسه وإخوانه المؤمنین إلی آخر ما سیأتی فی باب التقیة ((2)) .

ص: 4

وفی الکافی والعیاشی , عن الباقر ( علیه السلام ): فی هذه الآیة قال: قولوا للناس أحسن ما تحبون أن یقال لکم .

وفی الکافی , عن الامام جعفر الصادق ( علیه السلام ): لا تقولوا إلا

خیرا حتی تعلموا ما هو ؟ ((1)) .

وعن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: المسلم من سلم الناس من یده ولسانه والمؤمن من ائتمنه الناس علی أموالهم وأنفسهم ((2)) .

أمالی الصدوق: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : أعقل الناس أشدهم مداراة للناس , وأذل الناس من أهان الناس ((3)) .

أمالی الصدوق: علی بن أحمد , عن الأسدی , عن سهل , عن عبد العظیم الحسنی عن أبی الحسن الثالث علیه السلام قال: کان فیما ناجی الله موسی بن عمران أن قال: إلهی ما جزاء من کف أذاه عن الناس , وبذل معروفه لهم ؟ قال: یا موسی تنادیه النار یوم القیامة: لا سبیل لی علیک ((4)) .

ص: 5

أمالی الصدوق: ابن موسی , عن محمد بن هارون , عن الرویانی , عن عبد العظیم الحسنی عن الامام أبی جعفر الثانی , عن آبائه قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام : من رضی بالعافیة ممن دونه رزق السلام ة ممن فوقه ((1)) .

القسم الاول من الایة دعا الی حسن الاخلاق والقسم الثانی حذر من مؤامرات ابلیس علی الانسان دفعته للقتل والزنا والکذب والکفر وسوء الخلق والبخل والنمیمة والحسد والغیبة .

الحذر من الشیطان: یتلاحم بعض الناس مع الشیاطین فیسمعون وسواسهم رغم معرفتهم بعداوة الشیطان للانسان .

قال الإمام علی ( علیه السلام ): ثم أسکن سبحانه آدم دارا أرغد فیها عیشه , وآمن فیها محلته , وحذره إبلیس وعداوته , فاغتره عدوه نفاسة علیه بدار المقام , ومرافقة الأبرار , فباع الیقین بشکه .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لابن مسعود وهو یعظه : یا بن مسعود ! اتخذ الشیطان عدوا , فإن الله تعالی یقول: (إن الشیطان لکم عدو فاتخذوه عدوا ) ((2)) .

وقال الإمام الکاظم ( علیه السلام ) _ لما سئل عن أوجب الأعداء مجاهدة _: أقربهم إلیک وأعداهم لک . .ومن یحرض أعداءک علیک , وهو إبلیس ((3))

ص: 6

الإمام علی ( علیه السلام ): احذروا عدوا نفذ فی الصدور خفیا، ونفث فی الآذان نجیا ((1)) .

وقال الإمام زین العابدین ( علیه السلام ) _ فی مناجاته _:

إلهی أشکو إلیک عدوا یضلنی , وشیطانا یغوینی , قد ملأ بالوسواس صدری , وأحاطت هواجسه بقلبی , یعاضد لی الهوی , ویزین لی حب الدنیا , ویحول بینی وبین الطاعة والزلفی ((2)).

وقال الامام جعفر الصادق ( علیه السلام ): إن الشیاطین أکثر علی المؤمنین من الزنابیر علی اللحم ((3)) .

وقال الإمام الباقر ( علیه السلام ): إذا مات المؤمن خلی علی جیرانه من الشیاطین عدد ربیعة ومضر , کانوا مشتغلین به ((4)) .

وقال نجاح الطائی: الواجب علی المسلمین الحذر من الشیاطین مؤامراتهم اولا والاستعداد العقائدی والنفسی لرد نفثاتهم ونزغاتهم .

ص: 7

فعلی المؤمن رد النزغة الشیطانیة قبل تحکمها فی العقل والاستقرار هناک فتصبح رکیزة ثابتة .

مثلا یعتقد المؤمن بأن الافتراء علی المسلم حرام لکن نزغة الشیطان تدفعه لحسد البعض والافتراء علیهم وقطع أرزاقهم .

ومعظم الناس لا یأبهون لخطر الشیطان وعندما تأتیه وساوسه یعتقد بانها اعتقادات داخلیة تنبع من صلبه فیأخذ بها ویعمل بها .

و انک تری الکثیر من العلماء والمثقفین یستنکف الاعتراف بأثر الشیطان علیه لدوافع شتی وهذا یبین عدم استعداده للدفاع عن نفسه فی وجه الشیطان .

وهذا یعنی ان الشیطان فی حالة هجوم کاسح بکل أنواع السلاح والعدة والانسان فی أضعف الظروف بلا خطوط دفاعیة .

ولا یوجد عنده مرکز قیادة للمجابهة والتهیئة النفسیة والایمانیة والروحیة .

وفی ظل هذه المجابهة والصراع غیر المتکافیء من الطبیعی انتصار الشیطان وخسارة الانسان .

بینما تمکن المخلصون الصالحون العابدون من المجابهة الیومیة للشیطان وکسر جبهته وتوجیه الضربات الشرسة والمتوالیة له وتحطیم جنوده وتخریب مشاریعه .

ص: 8

{رَبُّکُمْ أعْلَمُ بِکُمْ إنْ یَشَأ یَرْحَمْکُمْ أوْ إنْ یَشَأ یُعَذِّبْکُمْ وَمَا أرْسَلْنَاکَ عَلَیْهِمْ وَکِیلا54 } _سورة الاسراء .

معناه: إنه أعلم بأحوالکم , فیدبر أمورکم علی ما یعلمه من المصلحة لکم:

(إن یشأ یرحمکم أو إن یشأ یعذبکم ) قیل: أراد أنه سبحانه مالک للرحمة والعذاب , فیکون الرجاء إلیه , والخوف منه , عن الجبائی . وقیل:

معناه إن یشأ یرحمکم بالتوبة , أو إن یشأ یعذبکم بالإصرار علی المعصیة , عن الحسن: وقیل: معناه إن یشأ یرحمکم بإخراجکم من مکة , وتخلیصکم من إیذاء المشرکین , أو إن یشأ یعذبکم بتسلیطهم علیکم ((1)).

وقال نجاح الطائی: الله تعالی یعلم أسرار البشر واعلانهم فیتعامل معهم وفق مصلحتهم وحسناتهم فاذا انحرفوا وظلموا فان الله لا یهدی القوم الظالمین

وبفعل العلم الالهی یمکنه سبحانه أن ینفع الانسان علی أفضل صورة مرجوة منه .

{وَرَبُّکَ أعْلَمُ بِمَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِیِّینَ عَلَی بَعْض وَآتَیْنَا دَاوُودَ زَبُوراً55 } _سورة الاسراء .

قال تعالی : " ولقد فضلنا بعض النبیین علی بعض " وقال: " انظر کیف فضلنا بعضهم علی بعض وللآخرة أکبر درجات وأکبر تفضیلا " .

ص: 9

وقال: " هم درجات عند الله " وقال: " ویؤت کل ذی فضل فضله " .

وقال: " الذین آمنوا وهاجروا وجاهدوا فی سبیل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ((1)) .

" وقال: " فضل الله المجاهدین علی القاعدین أجرا عظیما * درجات منه ومغفرة ورحمة "

وقال: " لا یستوی منکم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئک أعظم درجة من الذین أنفقوا من بعد وقاتلوا " ((2)) .

وقال: " یرفع الله الذین آمنوا منکم والذین

أوتوا العلم درجات " وقال: " ذلک بأنهم لا یصیبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة فی سبیل الله ولا یطؤون موطئا یغیظ الکفار ولا ینالون من عدو نیلا إلا کتب لهم به عمل صالح ((3)) .

" وقال: " وما تقدموا لأنفسکم من خیر تجدوه عند الله " .

ص: 10

وقال: " فمن یعمل مثقال ذرة خیرا یره ومن یعمل مثقال ذرة شرا یره " فهذا ذکر درجات الایمان ومنازله عند الله عز وجل ((1)) .

وقال نجاح الطائی: فضل الله تعالی الانبیاء بعضهم علی بعض بایمانهم وعملهم فتراه سبحانه قد فضل أهل البیت علی باقی الانبیاء والاوصیاء لما فعلوه فی عالم الذر وعالم الدنیا .

وقال أمیر المؤمنین علی علیه السلام : نحن أهل البیت لا نقاس بالناس. فقام رجل فأتی ابن عباس فأخبره بذلک فقال: صدق علی، النبی صلی الله علیه و آله و سلم لا یقاس بالناس وقد نزل فی علی علیه السلام : (إن الذین آمنوا وعملوا الصالحات لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِیمِ)((2)).

وقال عبد الله بن عمر عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم : عن أبی النصر محمد بن مسعود بن محمد العیاشی باسناده عن ابن عمر انه قال: إنا إذا عددنا قلنا أبو بکر، وعمر، وعثمان. فقال له رجل: یاأبا عبد الرحمن فعلی؟

قال ابن عمر: ویحک علی من أهل البیت لا یقاس بهم، علی مع رسول الله فی درجته , إن الله یقول:

ص: 11

(والذین آمنوا واتبعتهم ذریتهم).ففاطمة مع رسول الله فی درجته، وعلی معهما ((1)) .

امام السنة ابن حنبل: عن منزلة أهل البیت :عن عبد الله بن احمد بن حنبل قال النبی: نحن أهل البیت لا یقاس بنا أحد ((2)) .

ص: 12

ورواه الترمذی فی الجامع , وابن ماجة فی السنن , وابن بطة فی الابانة والخطیب فی التاریخ والموصلی فی المسند , والواعظ فی شرف المصطفی , والسمعانی فی الفضائل , وابو نعیم الحنفی فی الحلیة , من ثلاثة طرق , وابن حشیش التمیمی عن الاعمش ((1)) .

ص: 13

{ قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا یَمْلِکُونَ کَشْفَ الضُّرِّ عَنکُمْ وَلا تَحْوِیلا } 56 _سورة الاسراء .

الزعم: یقال عن الظن فی شیء زعما تضعیفا له وتشکیکا فیه بانه بلا سند ولا دلیل .

عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال: کان یقول عند العلّة: « اللهمّ إنّک عیّرت أقواماً فقلت: (قل ادعوا الذین زعمتم من دونه فلا یملکون کشف الضرّ عنکم ولا تحویلا ) فیا من لا یملک کشف ضرّی ولا تحویله عنّی أحد غیره صلّ علی محمّد وآل محمّد واکشف ضرّی وحوّله إلی من یدعو معک إلهاً آخر لا إله غیرک » ((1)) .

فی کل مرض یبتلی به الکفار لا ینقذهم أربابهم من الموت ولا من المرض ومع ذلک لا یؤمنون بالله تعالی .

ومثله قوله تعالی:

ص: 14

إنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أمْثَالُکُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْیَسْتَجِیبُوا لَکُمْ إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ194* ألَهُمْ أرْجُلٌ یَمْشُونَ بِهَا أمْ لَهُمْ أیْد یَبْطِشُونَ بِهَا أمْ لَهُمْ أعْیُنٌ یُبْصِرُونَ بِهَا أمْ لَهُمْ آذَانٌ یَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَکَاءَکُمْ ثُمَّ کِیدُونِ فَلا تُنظِرُونِ195 _ سورة الاعراف .

وقال تعالی: قَالَ إنِّی اُشْهِدُ اللّهَ وَاشْهَدُوا أنِّی بَرِیءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ54* مِنْ دُونِهِ فَکِیدُونِی جَمِیعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ 55 _ سورة هود .

الذین یدعونهم لا یملکون کشف القحط والمرض والزلازل والحوادث الاخری عنهم .

ولا تحویلا: لا یمکن لهذه الالهة المزیفة من تحویل هذه الابتلاءات الی أشخاص ومناطق اخری .

ورغم ذلک تری الکثیر من البشریة یتبعون کل زعم کاذب وکل الهة من البشر والجماد والکواکب لا قوة عندها ولا سلطان ویدعون انهم اصحاب عقول .

{اُوْلَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إلَی رَبِّهِمُ الوَسِیلَةَ أیُّهُمْ أقْرَبُ وَیَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَیَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّکَ کَانَ مَحْذُوراً57} _سورة الاسراء .

ص: 15

الحسکانی الحنفی: قال عکرمة فی قوله تعالی: هم النبی محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین ((1)) .

و روی الحافظ الحنفی سلیمان القندوزی , عن کتاب مودّة القربی للسید علی الهمدانی الشافعی , قال: وعن علی کرّم الله وجهه, قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم :

الأئمة من ولدی فمن أطاعهم فقد أطاع الله ومن عصاهم فقد عصی الله وهم العروة الوثقی , والوسیلة إلی الله جلّ وعلا ((2)) .

وقال تعالی: یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إلَیْهِ الوَسِیلَةَ وَجَاهِدُوا فِی سَبِیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ - 35_ سورة المائدة .

ص: 16

وأخرج علامة الهند علاّمة الهند عبیدالله بن بسمل أمر تسری الحنفی , فی کتابه فی مناقب أمیر المؤمنین ( علیه السلام )بسنده عن عائشة قالت فی حدیث: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم یقول عن الخوارج:

هم شرّ الخلق والخلیقة , یقتلهم خیر الخلق والخلیقة , وأقربهم عند الله وسیلة یوم القیامة ((1)) .

وأخرج ابن شاذان فی المناقب المائة من طرق العامّة بسنده , عن حذیفة بن الیمان , عن النبی

أنه قال لعلی: فی حدیث -: إنّ لک فی الجنّة درجة الوسیلة فطوبی لک ولشیعتک من بعدک ((2)) .

ابن المغازلی الشافعی: وأخرج علاّمة الشافعیة الحافظ الواسطی أبو الحسن بن المغازلی فی مناقبه , عن أحمد بن محمد بن عبدالوهّاب بن طاوان , بسنده المذکور , عن عائشة - فی حدیث - قالت قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فی علی علیه السلام : خیر الخلق والخلیقة , وأقربهم عند الله وسیلة ((3)) .

ورواه عن الطبرانی الحافظ الشافعی الهیثمی فی مجمع الزوائد ((4)) .

ص: 17

و قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) لعلی ( علیه السلام ) : « یاعلی أُوتیت ثلاثاً لم یؤتهن أحد ولا أنا ، أُوتیت صهراً مثلی ولم أُوت أنا مثلی .

وأُوتیت صدِّیقة مثل ابنتی ، ولم أُوت مثلها (زوجة) .

وأُوتیت الحسن والحسین من صلبک ولم أُوت من صلبی مثلهما ولکنّکم منّی ، وأنا منکم » ((1)) .

هذا یبین انه الصهر الوحید للنبی ولا صهر سواه .

والا فلا یمکن لرسول الله أن یقول : أُوتیت صهراً مثلی ولم أُوت أنا مثلی .

ولقال: اوتیتم انت وعثمان وابو العاص بن الربیع صهرا ولم أوت أنا مثلی .

قال عمر : لقد أُوتی ابن أبی طالب ثلاث خصال لاَن تکون لی واحدة منهنّ أحبّ إلیَّ من حمر النعم : زوّجهُ رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) ابنته وولدت له و...((2)).

ص: 18

وقال نجاح الطائی: أهل البیت وسیلة المؤمنین للحصول علی الشفاعة یوم القیامة فمن اراد النجاة من النار توسل بهم ومن الطبیعی أن لا یشفعون لاعدائهم ومخالفیهم فتکون شفاعتهم للشیعة السائرین علی نهج الثقلین: القرآن وأهل البیت .

فیتبین ان الجلیل العظیم یطلب من عبیده ان یبتغوا الوسیلة الیه لذا توسل الصالحون بأهل البیت والتفوا حولهم ونصروهم وساعدوهم بکل شیء واستشهدوا بین ایدیهم .

وترک الخوارج والنواصب الوسیلة الالهیة وادعوا التوحید الخاوی بعیدا عن الطاعة للجبار وقتلوا اهل البیت مثلما قتل قوم صالح علیه السلام الناقة طغیانا وکفرا.

{ وَإنْ مِنْ قَرْیَة إلا نَحْنُ مُهْلِکُوهَا قَبْلَ یَوْمِ القِیَامَةِ أوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِیداً کَانَ ذَلِکَ فِی الکِتَابِ مَسْطُوراً58 }_سورة الاسراء :

حیث ینزل العذاب علی کثیر من المدن فی الدنیا وهو مکتوب فی اللوح المحفوظ .

یقول العلامة الحلی فی کتابه « کشف الیقین فی فضائل أمیر المؤمنین »:

لما وصل السلطان هولاکو إلی بغداد قبل أن یفتحها هرب أکثر الحلة إلی البطائح إلا القلیل , فکان من جملة القلیل والدی والسید مجد الدین بن طاوس والفقیه ابن أبی العرفاء , اجتمع رأیهم علی مکاتبة السلطان بأنهم

ص: 19

مطیعون داخلون تحت الإیلیة , وأنفذوا به شخصا أعجمیا , فأنفذ السلطان إلیهم فرمانا مع شخصین أحدهما یقال له: نکلة , والآخر یقال له: علاء الدین .

وقال لهما: قولا لهم: إن کانت قلوبکما کما وردت به کتبکم تحضرون إلینا , فجاء الأمیران فخافا لعدم معرفتهما بما ینتهی الحال إلیه . فقال والدی: إن جئت وحدی کفی ؟

فقالا: نعم , فاصعد معهما .

فلما حضر بین یدیه وکان ذلک قبل فتح بغداد وقبل قتل الخلیفة قال له: کیف قدمتم علی مکاتبتی والحضور عندی قبل أن تعلموا بما ینتهی إلیه أمری وأمر صاحبکم ؟ وکیف تأمنون أن یصالحنی ورحلت عنه ؟ فقال والدی: إنما أقدمنا علی ذلک لأنا روینا عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام أنه قال فی خطبته:

الزوراء , وما أدراک ما الزوراء , أرض ذات أثل یشید فیها البنیان , وتکثر فیها السکان , ویکون فیها مهادم وخزان , یتخذها ولد العباس موطنا , ولزخرفهم مسکنا , تکون لهم دار لهو ولعب , یکون بها الجور والجائر والخوف المخیف والأئمة الفجرة والأمراء الفسقة والوزراء الخونة , تخدمهم أبناء فارس والروم , لا یأمرون بمعروف إذا عرفوه , ولا یتناهون عن منکر إذ أنکروه , تکتفی الرجال منهم بالرجال والنساء بالنساء , فعند ذلک الغم العمیم والبکاء الطویل والویل والعویل لأهل الزوراء من سطوات

ص: 20

الترک , وهم قوم صغار الحدق , وجوههم کالمجال المطوقة , لباسهم الحدید , جرد مرد , یقدمهم ملک یأتی من حیث بدا ملکهم , جهوری الصوت , قوی الصولة , عالی الهمة , لا یمر بمدینة إلا فتحها , ولا ترفع علیه رأیه إلا یکشفها , الویل الویل لمن ناواه , فلا یزال کذلک حتی یظفر .

فلما وصف لنا ذلک ووجدنا الصفات فیکم رجوناک فقصدناک , فطیب قلوبهم , وکتب لهم فرمانا لهم باسم والدی _ رحمه الله _ یطیب فیه قلوب أهل الحلة وأعمالها ((1)) .

وروی الشیخ الصدوق هذا الخبر هکذا قال: آیتان بین یدی هذا الأمر خسوف القمر لخمس والشمس لخمسة عشر ولم یکن ذلک منذ هبط آدم علیه السلام إلی الأرض وعند ذلک یسقط حساب المنجمین . قال الشیخ المتقدم محمد بن محمد بن النعمان الملقب بمفید طاب ثراه فی کتاب الإرشاد قد جاءت الآثار بذکر علامات لزمان القائم المهدی علیه السلام وحوادث تکون أمام قیامه وآیات ودلالات فمنها خروج السفیانی وقتل الحسنی واختلاف بنی العباس فی الملک وکسوف الشمس فی النصف من رمضان وخسوف القمر فی آخر الشهر علی خلاف العادات وخسف بالبیداء وخسف بالمغرب وخسف بالمشرق ورکود الشمس من عند الزوال إلی وسط أوقات العصر وطلوعها من المغرب وقتل نفس زکیة بظهر الکوفة فی سبعین من

ص: 21

الصالحین وذبح رجل هاشمی بین الرکن والمقام وهدم حائط مسجد الکوفة وإقبال رایات سود من قبل خراسان وخروج الیمانی وظهور المغربی بمصر وتملکه الشامات ونزول الترک الجزیرة ونزول الروم الرملة وطلوع نجم بالمشرق یضیء کما یضیء القمر ثم ینعطف حتی یکاد یلتقی طرفاه وحمرة تظهر فی السماء وتلتبس فی آفاقها ونار تظهر بالمشرق طولا وتبقی فی الجو ثلاثة أیام أو سبعة أیام وخلع العرب أعنتها وتملکها البلاد وخروجها علی سلطان العجم وقتل أهل مصر أمیرهم وخراب الشام واختلاف ثلاث رایات فیه ودخول رایات قیس والعرب إلی مصر ورایات کندة إلی خراسان وورود خیل من قبل المغرب حتی تربط بفناء الحیرة وإقبال رایات سود من قبل المشرق نحوها وبثق (فیضان) فی الفرات حتی یدخل الماء أزقة الکوفة وخروج ستین کذابا کلهم یدعی النبوة وخروج اثنی عشر من آل أبی طالب کلهم یدعی الإمامة لنفسه وإحراق رجل عظیم القدر من شیعة بنی العباس بین جلولاء وخانقین وعقد الجسر مما یلی الکرخ بمدینة بغداد وارتفاع ریح سوداء بها فی أول النهار وزلزلة حتی ینخسف کثیر منها وخوف یشمل أهل العراق وموت ذریع فیه ونقص من الأنفس والأموال والثمرات وجراد یظهر فی أوانه وفی غیر أوانه حتی یظهر علی الزروع والغلات وقلة ریع مما یزرعه الناس واختلاف صنفین من العجم وسفک دماء کثیرة فیما بینهم وخروج العبید عن طاعة ساداتهم وقتلهم موالیهم ومسخ لقوم من أهل البدع حتی یصیروا قردة وخنازیر

ص: 22

وغلبة العبید علی بلاد السادات ونداء من السماء یسمعه أهل الأرض کل أهل لغة بلغتهم ووجه وصدر یظهران للناس فی عین الشمس وأموات ینشرون من القبور حتی یرجعوا إلی الدنیا فیتعارفون فیها ویتزاوجون ثم یختم ذلک بأربع وعشرین مطرة تتصل فتحیی بها الأرض بعد موتها وتعرف برکاتها ویزول بعد ذلک کل عاهة عن معتقدی الحق من شیعة المهدی علیه السلام فیعرفون عند ذلک ظهوره بمکة فیتوجهون نحوه لنصرته کما جاءت بذلک الأخبار ومن جملة هذه الأحداث محتومة وفیها مشترطة واللَّه أعلم بما یکون وإنما ذکرناها علی حسب ما ثبت فی الأصول وتضمنها الأثر المنقول قال صاحب کشف الغمة رحمه اللَّه لا ریب أن هذه الحوادث فیها ما یحیله العقل وفیها ما یحیله المنجمون ولهذا اعتذر الشیخ المفید رحمه اللَّه فی آخر إیراده لها والذی أراه أنه إذا صحت طرقات نقلها وکانت منقولة عن النبی والإمام علیه السلام فحقها أن یتلقی بالقبول لأنها معجزات والمعجزات خوارق للعادات کانشقاق القمر وانقلاب العصا ((1)) .

{وَإنْ مِنْ قَرْیَة إلا نَحْنُ مُهْلِکُوهَا قَبْلَ یَوْمِ القِیَامَةِ } 58_سورة الاسراء .

بالموت فالکل یموت ولا یبقی الا وجهه .

ص: 23

وسئل علیه السلام " عن قول الله عز وجل: " وإن من قریة إلا نحن مهلکوها قبل یوم القیامة أو معذبوها " قال: هو الفناء بالموت " ((1)) .

والموت أعظم مؤدب للانسان جاء فی روایة: ولو شاهد الناس کیف یأخذ عزرائیل روح الانسان لانخلعت أفئدتهم .

فلیتعظ المسلم ویتأدب بالشریعة الاسلامیة ولا یرتکب المحرمات والحماقات .

{وَمَا مَنَعَنَا أنْ نُرْسِلَ بِالآیَاتِ إلا أنْ کَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَیْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآیَاتِ إلا تَخْوِیفاً 59 }_سورة الاسراء .

وجاء فی قوله تعالی: { وأقسموا بالله جهد أیمانهم لئن جاءتهم آیة لیؤمنن بها قل إنما الایات عند الله وما یشعرکم أنها إذا جاءت لا یؤمنون } الانعام: 109 } .

مشکلة الکفار والمنافقین تتمثل فی تکذیبهم الایات القرآنیة والسماویة فهم ینکرون الایات العظیمة مثل الایة الکبری لله تعالی والمتمثلة فی الامام علی علیه السلام والائمة العظام من أهل بیته . وفی روایة أبی الجارود ، عن أبی جعفر ( علیه السلام ) فی قوله : (وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالآیاتِ ) .

ص: 24

قال : « وذلک أن محمدا ( صلی الله علیه و آله و سلم ) سأله قومه أن یأتیهم بآیة ، فنزل جبرئیل ( علیه السلام ) ، فقال : إن الله عز وجل یقول : (وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالآیاتِ ) إلی قومک (إِلَّا أَنْ کَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ ) وکنا إذا أرسلنا إلی قریة آیة فلم یؤمنوا بها أهلکناهم ، فلذلک أخرنا عن قومک الآیات » ((1)).

بینما استعجلت الامم الماضیة فی طلب الایات السماویة ولما نزلت کذبوا بها فأهلکهم الله تعالی . ومن الایات و المعجزات السماویة اعتناق سیدة نساء أهل الجنة فاطمة علیها السلام لولدیها الحسن والحسین علیهما السلام بعد موتها :

سؤال : روایة احتضنت فاطمة علیها السلام ولدیها الحسن والحسین علیهما السلام بعد موتها هل هی صحیحة ؟

قال نجاح الطائی :

1_ الروایة موافقة للقرآن الکریم : القرآن تحدث عن معجزات للانبیاء والاوصیاء وعموم الصالحین بعد الموت .

مما یبین احتمال وقوع مثل هذه الحوادث لعباد الله الاخیار , فقد احیا النبی عیسی علیه السلام الموتی حیث عاشوا من جدید .

ص: 25

2_والروایة موافقة للحدیث الصحیح المتفق علیه بین العلماء والمسلمات الدینیة حیث قال الجلیل العظیم : عبدی أطعنی تکن عبدا ربانیا یقول للشیء : کن ، فیکون " ((1)) .

وثانیهما الحدیث النبوی : ان للَّه عبادا إذا أرادوا أراد .

3_ الروایة موافقة للعقل .

عقول المؤمنین الابرار من اصحاب الانوار الالهیة یؤیدون هذا الحدیث المبین لکرامة من کرامات العالین قادة العالم محمد وآله المنتجبین .

وفاطمة سیدة نساء البشر واحدة من العالین المخلوقین قبل الخلق أجمعین .

{وَإذْ قُلْنَا لَکَ إنَّ رَبَّکَ أحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أرَیْنَاکَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِی القُرْآنِ 60

} _سورة الاسراء .

فغضبت من مقالته وأخذنی ما لم أملک معه نفسی ، فقلت : والله إنک لقلیل المعرفة بهما وبأبیهما وبأمهما . بل والله لهما خیر منی ولأبوهما خیر من أبی ولأمهما خیر من أمی . یا معاویة ، إنک لغافل عما سمعته أنا من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم یقول فیهما وفی أبیهما وفی أمهما ، قد حفظته ووعیته ورویته . قال معاویة : هات ما سمعت - وفی مجلسه الحسن والحسین وعبد الله بن عباس والفضل بن عباس وابن أبی لهب - فوالله ما أنت بکذاب ولا متهم . فقلت : إنه أعظم مما فی نفسک . قال : وإن کان أعظم من أحد وحراء جمیعا ، فلست أبالی إذا لم یکن فی المجلس أحد من أهل الشام وإذ قتل الله صاحبک وفرق جمعکم وصار الأمر فی أهله ومعدنه فحدثنا فإنا لا نبالی ما قلتم ولا ما ادعیتم . بنو أمیة الشجرة الملعونة فی القرآن قلت : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم - وقد سئل عن هذه الآیة : ( وما جعلنا الرؤیا التی أریناک إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة فی القرآن ) (1) - فقال : ( إنی رأیت اثنی عشر رجلا من أئمة الضلالة یصعدون منبری وینزلون ، یردون أمتی علی أدبارهم القهقری . فیهم رجلان من حیین من قریش مختلفین تیم وعدی ، وثلاثة من بنی أمیة ، وسبعة من ولد الحکم بن أبی العاص ) . وسمعته یقول

ص: 27

: ( إن بنی أبی العاص إذا بلغوا ثلاثین رجلا جعلوا کتاب الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا ) (1) .

وقد روی ابن الجوزی فی زاد المسیر أن عثمان من الشجرة الملعونة فی القرآن (2) .

أخرج ابن أبی حاتم عن یعلی بن مُرّة: قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : رأیت بنی أُمیّة علی منابر الأرض وسیملکونکم فتجدونهم أرباب سوء , واهتمّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لذلک , فأنزل الله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا یَزِیدُهُمْ إِلاَّ طُغْیَانًا کَبِیرًا } ((3)) .

وأول ملوک بنی أمیة عثمان بن عفان ثم معاویة ثم یزید ومروان و...

وأخرج ابو بکر بن مردویه عن الحسین بن علی علیه السلام : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أصبح وهو مهموم فقیل: مالَک یا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؟

قال صلی الله علیه و آله و سلم : إنی أُریت فی المنام کأنّ بنی أُمیّة یحوّرون منبری هذا , فقیل: یا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لا تهتم فإنّها دنیا تنالهم , فأنزل الله (وَمَا جَعَلنَا الرُؤیَا الّتِی) .

ص: 28

الآیة.وأخرج ابن أبی حاتم , وابن مردویه , والبیهقی((1)) .: رأی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بنی أُمیّة علی المنابر فساءه ذلک , فأوحی الله تعالی إلیه: إنّما هی دنیا أُعطوها. فقرّت عینه وذلک قوله تعالی: (وَمَا جَعَلنَا الرُؤیَا الّتِی أرَینَاکَ) . الآیة.

وأخرج الطبری والقرطبی وغیرهما من طریق سهل بن سعد قال: رأی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بنی أُمیة ینزون علی منبره نزو القردة فساءه ذلک , فما استجمع ضاحکاً حتی مات , وأنزل الله تعالی (وَمَا جَعَلنَا الرُؤیَا الّتِی أرَینَاک) . الآیة.

وروی القرطبی والنیسابوری عن ابن عباس: أنّ الشجرة الملعونة بنو أُمیّة.

وأخرج ابن أبی حاتم عن ابن عمرو((2)): رأیت ولد الحکم بن أبی العاص علی المنابر کأنّهم القردة فأنزل الله: (وَمَا جَعَلنَا الرُؤیَا الّتِی أرَیْنَاک إلاّ فِتنَةٌ لِلنّاسِ وَالشَّجَرَةَ الملْعُونَةَ) . یعنی الحکم وولده.

وفی لفظ: إنّ النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم رأی فی المنام أنّ ولد الحکم بن أُمیّة یتداولون منبره کما یتداول الصبیان الکرة فساءه ذلک ((3)) .

ص: 29

وفی لفظ للحاکم والبیهقی فی الدلائل ((1)) .

و عن أبی هریرة قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : إنّی أریت فی منامی کأنّ بنی الحکم بن العاص ینزون علی منبری کما تنزو القردة , فما رؤی النبیّ مستجمعاً ضاحکاً حتی توفّی .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : إذا رأیتم معاویة علی منبری هذا فاقتلوه((2)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : معاویة فی تابوت من نار فی أسفل درک منها((3)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : یطلع من هذا الفجّ رجل من أُمّتی یُحشر علی غیر ملّتی

فطلع معاویة((4)) .

وعندما قاد أباه أبا سفیان لعن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : القائد والمقود وقال:

ویل لأُمّتی من معاویة ذی الأستاه((5)) .

ص: 30

ولعن النبی صلی الله علیه و آله و سلم معاویة وعتبة وأبا سفیان((1)) .

ولعن النبی صلی الله علیه و آله و سلم بنی أمیَّة((2)) .

وکان عثمان طاغیة یفعل القبیح حتی مع المتزوجات: لقد طلب النبی من المسلمین أن یردوا غنائم هوازن الیهم , وردّ عثمان بن عفان زینب بنت حیان التی أصابها من السبی وفی زمن حکمه جاءته مع زوجها فقال لها عثمان: ویحکِ هذا کان أحب الیک منّی؟ قالت: نعم زوجی وابن عمی ((3)) .

لقد بقیت هذه المرأة عند عثمان مدة زمنیة قصیرة لم تسعد بها , لخشونته وشدته وابتعاده عن الدین ففضلت زوجها القبیح الصورة علیه .

وکان حذیفة یقول: ما فی عثمان بحمد الله أشک , لکنی أشک فی قاتله , لا أدری , أکان قَتَله کافراً ؟ أو مؤمن خلص إلیه النیة , حتی قتله أفضل المؤمنین إیماناً ((4)) .

أی یعتقد حذیفة بکفر عثمان بن عفان ونفاقه کأحد رجال العقبة الساعین لقتل سید الانبیاء , ولا یشک فی ذلک , لکنه لا یعرف نیّة قاتل عثمان .ومنع

ص: 31

رجال السقیفة تدوین القرآن الی أن أجبر حذیفة بن الیمان عثمان بن عفان علی نسخه ((1)) .

وقال سید الرسل صلی الله علیه و آله و سلم : تنقسم أمتی إلی ثلاث وسبعین فرقة کلهم فی

جهنم إلاّ علی علیه السلام وشیعته((2)) .

وقال سید الرسل علیه السلام : یا علی أنت وشیعتک الفائزون یوم القیامة ((3)) .

قال العلامة المجلسی قوله " أولهم خضراء " : لما شبهوا فی القرآن الکریم بالشجرة الملعونة شبههم أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) فی بدو أمرهم لقوة ملکهم وطراوة عیشهم بالشجرة الخضراء ، وفی أواخر دولتهم لکونهم بعکس ذلک

ص: 32

بالشجرة الهزماء من قولهم : " تهزمت العصا " أی تشققت . والقربة : یبست وتکسرت ، أو من الهزیمة ((1)) .

{وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا یَزِیدُهُمْ إلا طُغْیَاناً کَبِیراً60 } _سورة الاسراء .

یعنی بنی أمیة قال صلی الله علیه و آله و سلم : یا جبرئیل أعلی عهدی یکونون وفی زمنی ؟

قال: لا ولکن تدور رحی الاسلام من مهاجرک فتلبث بذلک عشرا , ثم تدور رحی الاسلام علی رأس خمس وثلاثین من مهاجرک فتلبث بذلک خمسا , ثم لابد من رحی ضلالة هی قائمة علی قطبها ثم ملک الفراعنة , قال: وأنزل الله تعالی فی ذلک { انا أنزلناه فی لیلة القدر * لیلة القدر خیر من ألف شهر }:

یملکها بنو أمیة لیس فیها لیلة القدر , قال: فاطلع الله عز وجل نبیه صلی الله علیه و آله و سلم ان بنی أمیة تملک سلطان هذه الأمة , وملکها طول هذه المدة , فلو طاولتهم الجبال لطالوا علیها حتی یأذن الله تعالی بزوال ملکهم , وهم فی ذلک یستشعرون عداوتنا أهل البیت وبغضنا أخبر الله نبیه بما یلقی أهل بیت محمد وأهل مودتهم وشیعتهم منهم فی أیامهم وملکهم ((2)).

ص: 33

{وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبْلِیسَ قَالَ أأسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِیناً 61 قَالَ أرَأیْتَکَ هَذَا الَّذِی کَرَّمْتَ عَلَیَّ لَئِنْ أخَّرْتَنِی إلَی یَوْمِ القِیَامَةِ لاََحْتَنِکَنَّ ذُرِّیَّتَهُ إلاَّ قَلِیلا 62 } _سورة الاسراء .

لقد أنذر النبی بنی أمیة من العذاب الاخروی فلم ینفع معهم .

وقوله: (أنا خیر منه خلقتنی من نار وخلقته من طین ) .

السید المرتضی: والقرآن کله ناطق بأن امتناع إبلیس من السجود إنما هو لاعتقاده التفضیل به والتکرمة , ولو لم یکن الأمر علی هذا لوجب أن یرد الله تعالی علیه ویعلمه أنه ما أمره بالسجود علی جهة تعظیمه له [ علیه ] ولا تفضیله , بل علی الوجه الآخر الذی لاحظ للتفضیل [ والتعظیم ] فیه وما جاز إغفال ذلک , وهو سبب معصیة إبلیس وضلالته , فلما لم یقع ذلک دل علی أن الأمر بالسجود لم یکن إلا علی جهة التفضیل والتعظیم ((1)) .

قال ابلیس: أی لأستأصلنهم بالاغواء إلا قلیلا لا أقدر أن أقاوم شکیمتهم , من احتنک الجراد الأرض: إذا جرد ما علیها أکلا , مأخوذ من الحنک((2)) .

ص: 34

فضل الله تعالی آدم علی الملائکة والجن وامرهم بالسجود له لکن ابلیس عصی أمر ربه رافضا هذا التفضیل اولا وراغبا فی اغواء ذریة آدم ثانیا . مما یعنی دخوله فی حرب مع رب العالمین .

{ قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ فَإنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُکُمْ جَزَاءًا

مَوْفُورا{ً63_سورة الاسراء

وحینما تحدی ابلیس رب العالمین وسعی لتوسیع دائرة العصیان لتشمل ذریة آدم فسح له الخالق ذلک فی اغواء المنحرفین الضالین .وکل من تبع الشیطان مصیره جهنم وبئس المصیر . ومن حینها بدأ الصراع بین المنهج الرحمانی والمنهج الشیطانی .

{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ وَأجْلِبْ عَلَیْهِمْ بِخَیْلِکَ وَرَجِلِکَ وَشَارِکْهُمْ فِی الأمْوَالِ وَالأولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا یَعِدُهُمُ الشَّیْطَانُ إلا غُرُوراً

64 } من تستفزه بصوتک وتجلبه بخیلک ورجلک ومن تشارکه فی الاموال والاولاد لا یؤثر شیئا وما مواعیدک الا دخان .

قال ابن عباس ومجاهد: المراد من صوت الشیطان هو الغناء وآلاته .

وعن ابن عباس فی قوله تعالی:

" واستفزز من استطعت منهم بصوتک " قال صاح إبلیس یوم أحد فی عسکر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إن محمدا قد قتل واجلب علیهم بخیلک ورجلک

ص: 35

قال والله لقد أجلب إبلیس علی أمیر المؤمنین کل خیل کانت فی غیر طاعة الله . والله ان کل راجل قاتل أمیر المؤمنین کان من رجالة إبلیس .

تأریخ الطبری وأغانی الأصفهانی انه: فی معرکة احد کان صاحب لواء قریش کبش الکتیبة طلحة بن أبی طلحة العبدری نادی: معاشر أصحاب محمد انکم تزعمون أن الله یعجلنا بسیوفکم إلی النار ویعجلکم بسیوفنا إلی الجنة فهل منکم من أحد یبارزنی ؟ قال قتادة: فخرج إلیه علی علیه السلام وهو یقول: أنا ابن ذی الحوضین عبد المطلب * وهاشم المطعم فی العام السغب

أفی بمیعادی وأحمی عن حسب قال: فضربه علی علیه السلام فقطع رجله فبدت سوأته وهو قول ابن عباس والکلبی .

وفی روایات کثیرة انه ضربه فی مقدم رأسه فبدت عیناه قال أنشدک الله والرحم یا ابن عم فانصرف عنه ومات فی الحال , ثم بارزهم حتی قتل منهم ثمانیة ثم اخذ اللواء صواب عبد حبشی لهم فضرب علی علیه السلام یده فأخذه بالیسری فضرب علیها فأخذ اللواء وجمع المقطوعتین علی صدره فضرب علی أم رأسه فسقط اللواء . قال حسان بن ثابت:

فخرتم باللواء وشر فخر * لواء حین رد إلی صواب

فسقط اللواء فأخذته عمرة بنت الحارث بن علقمة بن عبد الدار فصرعت وانهزموا وقال حسان بن ثابت: ولولا لواء الحارثیة أصبحوا یباعون فی الأسواق بالثمن الوکس فانکب المسلمون علی الغنائم ورجع المشرکون فهزموهم .

ص: 36

زید بن وهب: قلت لابن مسعود انهزم الناس إلا علی علیه السلام وأبو دجانة وسهل بن حنیف . قال: انهزموا إلا علی علیه السلام وحده وثاب إلیهم أربعة عشر عاصم بن ثابت وأبو دجانة ومصعب بن عمیر و عبد الله بن جحش وشماس بن عثمان بن شرید والمقداد وطلحة وسعد والباقون من الأنصار ((1)) .

الخطیب والحسکانی الحنفی: قال جابر الانصاری: کنا نبور أولادنا فی وقعة الحرة بحب علی ( علیه السلام )فمن أحبه علمنا أنه من أولادنا ومن أبغضه أشفینا منه ((2))ولادته غیر طاهرة .

الخوارزمی الحنفی: أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمان بن عبد الله بن الحسن بن أبی الحدید وأبو الحسن علی بن عساکر بن سرور الخشاب , قالا: أنبأنا أبو عبد الله بن أبی الحدید , أنبأنا المسدد بن علی , أنبأنا أبو القاسم إسماعیل بن القاسم الحلبی , أنبأنا أبو أحمد العباس بن الفضل بن جعفر المکی , أنبأنا إسحاق بن إبراهیم بن عباد الدبری بصنعاء سنة إحدی

ص: 37

وسبعین ومئتین , أنبأنا عبد الرزاق , عن حماد بن سلمة , عن ثابت , عن أنس _ فی حدیث _ قال:

وکان الرجل من بعد یوم خیبر یحمل ولده علی عاتقه , ثم یقف علی طریق علی علیه السلام , وإذا نظر إلیه یوجهه بوجهه تلقاءه وأومأ بإصبعه: أی بنی , أتحب هذا الرجل المقبل ؟

فإن قال الغلام: نعم , قبَّله , وإن قال: لا , حرف به الأرض وقال له: إلحق بأمک , ولا تلحق أبیک بأهلها کذا , فلا حاجة لی فیمن لا یحب علی بن ابی طالب ((1)) .

قال المفسر القمی: ما کان من مال حرام فهو شرک الشیطان , فإذا اشتری به الإماء ونکحهن وولد له , فهو شرک الشیطان , کما تلد منه , ویکون مع الرجل إذا جامع , فیکون الولد من نطفته ونطفة الرجل إذا کان حراما .

وفی حدیث آخر: إذا جامع الرجل أهله ولم یسم , شارکه الشیطان ((2)).

{إنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ وَکَفَی بِرَبِّکَ وَکِیلا65} _سورة الاسراء . : وهم الأئمة (علیهم السلام ) وشیعتهم .

ص: 38

تفسیر العیاشی: عن أبی بصیر قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ): لما أسری بی إلی السماء حملنی جبرئیل علی کتفه الأیمن , فنظرت إلی بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لونا من الزعفران وأطیب ریحا من المسک .

فإذا فیها شیخ علی رأسه برنس , فقلت لجبرئیل: ما هذه البقعة الحمراء التی هی أحسن لونا من الزعفران وأطیب ریحا من المسک ؟

قال: بقعة شیعتک وشیعة وصیک علی علیه السلام . فقلت: من الشیخ صاحب البرنس ؟ قال: إبلیس .

قلت: فما یرید منهم ؟ قال: یرید أن یصدهم عن ولایة أمیر المؤمنین صلوات الله علیه ویدعوهم إلی الفسق والفجور .

فقلت: یا جبرئیل أهو بنا إلیهم . فأهوی بنا إلیهم أسرع من البرق الخاطف والبصر اللامح . فقلت: قم یا ملعون , فشارک أعداءهم فی أموالهم وأولادهم ونسائهم , فإن شیعتی وشیعة علی لیس لک علیهم سلطان . فسمیت " قم " ((1)) .

وقال الإمام علی ( علیه السلام ): أکثر الدعاء تسلم من سورة الشیطان((2)) .

ص: 39

وقال الامام جعفر الصادق ( علیه السلام ): قال إبلیس: خمسة [ أشیاء ] لیس لی فیهن حیلة وسائر الناس فی قبضتی: من اعتصم بالله عن نیة صادقة واتکل علیه فی جمیع أموره , ومن کثر تسبیحه فی لیله ونهاره , ومن رضی لأخیه المؤمن بما یرضاه لنفسه , ومن لم یجزع علی المصیبة حین تصیبه , ومن رضی بما قسم الله له ولم یهتم لرزقه ((1)) .

الإمام الباقر ( علیه السلام ): تحرز من إبلیس بالخوف ((2)) .

وکفی بربک وکیلا_65: الله تعالی هو الکافی لعباده فلا حاجة للاستعانة بالشیطان واتباعه .ولا حاجة للتوسل بالکذب والسرقة والاحتیال والخیانة فهی من اعمال الشیطان .قال الباری تعالی: { ألیس الله بکاف عبده }.

وفی سورة الحجر جاء: {قَالَ رَبِّ فَأنْظِرْنِی إلَی یَوْمِ یُبْعَثُونَ36* قَالَ فَإنَّکَ مِنَ المُنْظَرِینَ37* إلَی یَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ 38*قَالَ رَبِّ بِمَا أغْوَیْتَنِی لاَُزَیِّنَنَّ لَهُمْ فِی الأرْضِ وَلاَُغْوِیَنَّهُمْ أجْمَعِینَ39* إلاَّ عِبَادَکَ مِنْهُمُ المُخْلَصِینَ 40 } _ سورة الحجر .وکلما آمن الانسان کلما ابتعد عنه ابلیس .

{رَبُّکُمُ الَّذِی یُزْجِی لَکُمُ الفُلْکَ فِی البَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إنَّهُ کَانَ بِکُمْ رَحِیماً66 } _سورة الاسراء .

ص: 40

هیأ الله تعالی الامکانات لصناعة السفن من الخشب والحدید والقیر والمسامیر والریاح لصید الاسماک والسفر الی البلدان الاخری .ان ابن عباس سأله سائل عن هذه الآیة فقال له أتل ما قبلها فنبهه علی التأویل .

والجواب الثانی من کان فی هذه یعنی الدنیا أعمی عن الایمان بالله والمعرفة بما أوجب الله علیه المعرفة به فهو فی الآخرة أعمی عن الجنة والثواب بمعنی أنه لا یهتدی إلی طریقهما ولا یوصل إلیهما أو عن الحجة إذا سئل وأوقف ومعلوم ان من ضل عن معرفة الله تعالی والایمان به یکون یوم القیامة منقطع الحجة مفقود المعاذیر . . والجواب الثالث أن یکون العمی الأول عن المعرفة والایمان والثانی بمعنی المبالغة فی الاخبار عن عظم ما یناله هؤلاء الکفار الجهال بالله من الخوف والغم والحزن الذی أزاله الله عن المؤمنین العارفین .

{وَإذَا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فِی البَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلا إیَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاکُمْ إلَی البَرِّ أعْرَضْتُمْ وَکَانَ الإنْسَانُ کَفُوراً67 } _سورة الاسراء .

اذا هبَّت العواصف فی البحر واحدق الخطر بأهل سفینة لا ینفع الدعاء لغیر الله تعالی . ومن یستجیب سبحانه لندائه تراه یغفل عن الدعاء والصلاة بعد وصوله سالما الی بیته .ومن هنا قال صلی الله علیه و آله و سلم : اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا

ص: 41

وکفافا .أی لا یفضل عنهم من غدائهم ولا عشائهم شئ , وذلک لیصیروا متوجهین إلی الله تعالی کل حین لا ینسونه ((1)) .

الحاکم النیسابوری: قال یعقوب علیه السلام : أی رب أما ترحم الشیخ الکبیر أذهبت بصری وقوست ظهری فاردد علی ریحانتی أشمه قبل الموت ثم اصنع بی ما أردت فأتاه جبریل فقال: إن الله یقرئک السلام ویقول لک: أبشر ولیفرح قلبک فوعزتی وجلالی لو کانا میتین لنشرتهما لک فاصنع طعاما للمساکین فان أحب عبادی إلی الأنبیاء والمساکین وتدری لم أذهبت بصرک وقوست ظهرک وصنع إخوة یوسف به ما صنعوا ؟

إنکم ذبحتم شاة وأتاکم مسکین یتیم وهو صائم فلم تطعموه منها شیئا فکان یعقوب بعد إذا أراد الغداء أمر منادیا فنادی ألا من أراد الغداء من المساکین فلیتغد مع یعقوب , وإن کان صائما أمر منادیا فنادی ألا من کان صائما من المساکین فلیفطر مع یعقوب ,ابن راهویه فی تفسیره مرسلا ((2)) .

{أفَأمِنتُمْ أنْ یَخْسِفَ بِکُمْ جَانِبَ البَرِّ أوْ یُرْسِلَ عَلَیْکُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَکُمْ وَکِیلا }68 _سورة الاسراء .

ص: 42

أفَأمِنتُمْ أنْ یَخْسِفَ بِکُمْ جَانِبَ البَرِّ: الهزات الارضیة تخسف بسکانها فتبتلعهم الارض .

أوْ یُرْسِلَ عَلَیْکُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَکُمْ وَکِیلا68 .

الحصب: صغار الحجارة .واحدتها حصبة .

: الحطب: کل ما یلقی فی النار من وقود , وفی القرآن الکریم:

(إنکم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) (الأنبیاء: 98 ) .

یحصبهم بالحجر أو یرمون بالصخر فلا یجدون مدافعا عنهم .

{أمْ أمِنتُمْ أنْ یُعِیدَکُمْ فِیهِ تَارَةً اُخْرَی فَیُرْسِلَ عَلَیْکُمْ قَاصِفاً مِنَ الرِّیحِ فَیُغْرِقَکُمْ بِمَا کَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَکُمْ عَلَیْنَا بِهِ تَبِیعاً69 } سورة الاسراء

أی ثائرا وهو اسم فاعل من الثأر یقال لکل طالب بثأر وغیره تبیع وتابع ومن طریق سعید عن قتادة أی لا تخاف أن تتبع بشئ من ذلک وأما قول ابن عباس فوصله ابن أبی حاتم من طریق علی بن أبی طلحة عنه فی قوله تبیعا قال نصیرا ((1)) .

اذا لم ینفع معکم الانذار السابق فی القصف بالریح فلا تأمنوا أن یعیده الله تعالی علیکم فیهلککم فلا تجدوا کفیلا ووکیلا وناصرا یطالب بحقوقکم .

وهذا ما حصل لطلحة بن عبد الله حین قتله مروان بن الحکم من الخلف فلم یعرف طلحة القاتل لیقتص منه أو یطالبه بالدیة .

ص: 43

وهو انتقام الهی من تکذیبه للنبی صلی الله علیه و آله و سلم ورغبته فی موته السریع:

قال طلحة: لان عشت بعد محمد صلی الله علیه و آله و سلم لانکحن عائشة ((1)) .

وفی روایة أنّ طلحة قال: لئن أمات الله محمّداً صلی الله علیه و آله و سلم لنرکضنّ بین خلاخیل نسائه کما رکض بین خلاخیل نسائنا((2)).

وسبب نزولها أنّه لمّا أنزل الله تعالی: (النَّبِیُّ أَوْلَی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) وحرّم بها نساء النبی علی المسلمین غضب طلحة وقال: یحرِّم محمّد علینا نساءه ویتزوّج هو نساءنا , لئن أمات الله محمّداً لنرکضن بین خلاخیل نسائه کما رکض بین خلاخیل نسائنا , وقال : لأتزوّج عائشة ((3)) . فأنزل تعالی قوله: (وَمَا کَانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْکِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِکُمْ کَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِیماً) ((4)) .

ص: 44

من الواضح مخالفة طلحة للقرآن العظیم وتشکیکه فیه بقوله یحرّم محمّد صلی الله علیه و آله و سلم علینا نساءه , ولم یقل یحرم الله تعالی .

وهو منهج وممشی عائشة القائلة للنبی ( صلی الله علیه و آله و سلم ) : ما أری ربّک إلاّ یسارع فی هواک ((1)) . فالاثنان عقیدتهما واحدة فی نظرتهما للقرآن وللنبی صلی الله علیه و آله و سلم !!!

ص: 45

وفی رحلة جیش الجمل من المدینة الی البصرة اجتمع طلحة مع عائشة فی سفر واحد ولمدة عشرین یوما فاثار المنافقون فی الجیش الشائعات عنهما .

ونشرت عائشة روایات رضاعة الکبیر فأخذ بها بعض المسلمین النواصب فانتشر الفساد بینهم:

شرح صحیح مسلم: وکانت عائشة تری ان ارضاع الکبیر یحرمه وأرضعت غلاما فعلا وکان یدخل علیها , وأنکر بقیة أمهات المؤمنین ذلک ((1)) .

واعترضت أم المؤمنین أم سلمة علی أفعال وأعمال عائشة فی رضاعة الرجال المخالفة لکل الادیان السماویةﹰ :

قالت أم سلمة لعائشة: إنه یدخل علیک الغلام الأیفع الذی ما أحب أن یدخل علیّﹽ , فقالت عائشة: أما لک فی رسول الله أسوة , أن امرأة أبی حذیفة . . . فقال رسول الله: ارضعیه حتی یدخل علیک . . .((2)) .

ولم یکن عند عائشة لبن کی ترضع الکبیر فلم تکن قد أنجبت , ولم یکن عندها زوج بعد شهادة النبی صلی الله علیه و آله و سلم . فالحدیث حتی لو فرضنا صحته لا یشملها . وبعد تسبب عائشة فی مقتل ثلاثة وثلاثین ألف مسلم فی معرکة

ص: 46

الجمل ((1)) طلقها الامام علی علیه السلام من النبی صلی الله علیه و آله و سلم فسلب منها لقب أم المؤمنین مثلما أوصاه النبی صلی الله علیه و آله و سلم بطلاق المخالفات للخلیفة و الشریعة .

وجاء فی البحار عن طلاق أمیر المؤمنین عائشة : طلق عائشة یوم البصرة

((2)) .

{وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَی کَثِیر مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلا }70 سورة

الاسراء .

کرَّم الله تعالی البشریة بأهل البیت علیهم السلام والرزق الحسن والشریعة السمحاء والعقل الکامل لکن الطغاة حقّروهم وأذلوهم وقتلوهم بعدما اغتصبوا الخلافة من الائمة الراشدین المهدیین .

ص: 47

وهاهم النواصب یختطفون الشیعیات فیعتدون علیهن ویقتلوهن ویقتلون کل شیعی فی العراق وسوریا وباکستان وافغانستان .

وان سألتهم لماذا قالوا: إن علماء الخوارج والنواصب کفَّروا الروافض وکفروا السنة المعتدلین المتعاونین مع الشیعة ونحن نتبعهم !!!

{ یَوْمَ نَدْعُو کُلَّ اُنَاس بِإمَامِهِمْ فَمَنْ اُوتِیَ کِتَابَهُ بِیَمِینِهِ فَاُوْلَئِکَ یَقْرَأُونَ کِتَابَهُمْ وَلا یُظْلَمُونَ فَتِیلا 71 } _سورة الاسراء .

یوْمَ نَدْعُو کُلَّ اُنَاس بِإمَامِهِمْ _الاسراء75.

قال المسلمون: یا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ألست إمام الناس کلِّهِمْ أجمعین ؟

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : أنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الی الناس أجمعین , ولکن سیکون من بعدی أئمة علی الناس من الله من أهل بیتی یقومون فی الناس فیُکَذَّﹶبُون ویظلمهم أئمة الکفر والضلال وأشیاعهم , فمن والاهم واتبعهم وصدقهم فهو منِّی ومعی وسیلقانی , ألا ومن ظلمهم وکذَّبهم فلیس منِّی ولا معی , وانا منه بریء((1)) .

ص: 48

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : یدعی کل قوم بامام زمانهم وکتاب ربهم وسنة نبیهم ((1)) . بینما انحرف الخوارج عن الاسلام فاوجدوا جهاد النکاح

یمکن فیه للمرأة المتزوجة وغیرها من نکاح عشرات الرجال فی ساعة واحدة مخالفة منهم للادیان السماویة ولنظام العائلة السلیمة ونقضا للعقود الشرعیة .

لتختلط فیها میاه الرجال وتنجب المذکورات اللقطاء ویعم الفساد فی أرجاء المجتمع وتسقط الادیان والحکومات ویعم الهرج والمرج فی الارض وینتشر الکفر فی کل الارجاء .

هدف الخوارج الوهابیین تحویل المسلمین الطیبین الی اولاد زنا کافرین لا یتبعون القرآن والسنة , ویتبعون الصهیونیة والاستکبار العالمی .

وقال النبی المختار صلی الله علیه و آله و سلم : « " بدأ الإسلام غریبا , ثم یعود غریبا کما بدأ , فطوبی للغرباء " قیل: یا رسول الله , من الغرباء ؟ قال: " الذین یصلحون إذا فسد الناس . . .((2)) .

ص: 49

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : من مات بغیر امام مات میتة جاهلیة ((1)) .

وعن سلیمان بن جعفر الجعفری قال: سألت الرضا علیه السلام فقلت: أتخلو الأرض من حجة ؟ فقال علیه السلام : لو خلت الأرض طرفة عین من حجة لساخت بأهلها ((2)) . وقال رسول الله( صلی الله علیه و آله و سلم .): « الأئمة من قریش من هاشم ((3)) .

وهم أهل الذکر ،قال علی علیه السلام : «نحن اهل الذکر»،وهو المأثور عن سائر أئمة الهدی من أهل البیت (علیهم السلام ) ((4)) .

ص: 50

وهم الهداة وهم الأئمة وهم خیر البریة وحبل الله والعروة الوثقی والصراط المستقیم أسماؤهم نور ((1)) .

و قال الإمام الحسن بن علی علیه السلام : « أنا من أهل البیت الذی افترض الله تعالی مودّتهم علی کل مسلم » فقال الآیة:

اولئک الَّذِینَ هَدَی اللّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ ((2)).

أبو نعیم: وجاء فی روایة أبی نعیم قول رسول الله( صلی الله علیه و آله و سلم ): « من سرّه أن یحیی حیاتی ویموت مماتی ویسکن جنة عدن فلیوال علیاً علیه السلام بعدی ویقتدِ بالأئمة من بعدی فإنّهم عترتی خلقوا من طینتی ورزقوا فهماً وعلماً

ص: 51

وویل للمکذبین بفضلهم من أمتی القاطعین فیهم صلتی لا أنالهم الله شفاعتی ((1)) .

وعن عبدالله بن مسعود قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ): « الخلفاء بعدی اثنا عشر کعدد نقباء بنی إسرائیل ((2)) .

وقال النبی: من کنت مولاه فعلی مولاه , اللهم وال من والاه , وعاد من عاداه " . _ فقام سلمان فقال: " یا رسول الله والاه کماذا ؟ " فقال: " والاه کولائی , فمن کنت أولی به من نفسه فعلی أولی به من نفسه " ((3))

ص: 52

الیوم أکملت لکم دینکم , وأتممت علیکم نعمتی , ورضیت لکم الاسلام دینا. فکبر رسول الله فقال: " الله أکبر علی تمام نبوتی , وتمام دین الله , ولایة علی بعدی " . فقام أبو بکر وعمر فقالا: " یا رسول الله هذه الآیات خاصة فی علی ؟ " قال علیه السلام : " بلی فیه , وفی أوصیائی إلی یوم القیامة " . قالا: " یا رسول الله بینهم لنا " .

قال:

أخی , ووزیری , ووارثی , ووصیی , وخلیفتی , فی أمتی , وولی کل مؤمن بعدی , ثم ابنی الحسن والحسین , ثم تسعة من ولد الحسین واحد بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن , لا یفارقونه ولا یفارقهم , حتی یردوا علی الحوض فقالوا کلهم: " اللهم نعم , قد سمعنا ذلک وشهدنا کما قلت سواء " وقال بعضهم: " قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظ کله وهؤلاء

ص: 53

الذین حفظوا أخیارنا وأفاضلنا " . فقال علی علیه السلام : " صدقتم لیس کل الناس یستوی فی الحفظ " . أنشدکم بالله من حفظ ذلک من رسول الله لما قام وأخبر به . فقام زید بن أرقم , والبراء بن عازب , وأبو ذر , والمقداد , وعمار , فقالوا " نشهد لقد حفظنا قول رسول الله وهو قائم علی المنبر وأنت إلی جنبه وهو یقول: أیها الناس أمرنی الله أن انصب لکم إمامکم والقائم فیکم بعدی ووصیی وخلیفتی , والذی فرض علی المؤمنین فی کتابه طاعته , وقرنه بطاعته وطاعتی , وأمرکم بولایته , وأنی راجعت ربی خشیة طعن أهل النفاق وتکذیبهم , فأوعدنی لابلغنها أو لیعذبنی , أیها الناس إن الله أمرکم فی کتابه بالصلاة . فقد بینتها لکم والزکاة , والصوم , والحج . فقد بینتها لکم وفسرتها , وأمرکم بالولایة وإنی أشهدکم أنها لهذا خاصة , ووضع یده علی ید علی بن ابی طالب , ثم لابنیه من بعده , ثم للاوصیاء من بعدهم , ومن ولدهم علیه السلام ، لا یفارقون القرآن , ولا یفارقهم القرآن , حتی یردوا علیَّ الحوض , أیها الناس قد بینت لکم مفزعکم ((1))وهادیکم , وهو: أخی علی بن ابی طالب , وهو فیکم بمنزلتی فیکم , فقلدوه دینکم , وأطیعوه فی جمیع أمورکم , فإن عنده جمیع ما علمنی الله عز وجل من

ص: 54

علمه وحکمته , فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصیائه بعده , ولا تعلموهم , ولا تتقدموهم , ولا تخلفوا عنهم , فإنهم مع الحق والحق معهم لا یزایلهم ((1)) .

الطبرانی وابن حجر: عاتب الله أصحاب محمد فی القرآن , وما ذکر علیاً إلا بخیر ((2)).

ص: 55

ومن یستلم کتابه بیمینه فهو فائز بالجنة وهم أصحاب الیمین .

أخرج العلامة الکنجی الشافعی فی کفایته قال: أخبرنا یوسف بسنده عن عبایة بن الربعی عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم :

قسم الله الخلق قسمین فجعلنی فی خیرهما قسماً فذلک قوله تعالی: (أصحاب الیمین وأصحاب الشمال) فأنا من أصحاب الیمین ومن خیر أصحاب الیمین , ثم جعل القسمین بیوتاً فجعلنی فی خیرهما بیتاً , فذلک قوله سبحانه: (فأصحاب المیمنة ما أصحاب المیمنة, وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة ) إلی أن قال صلی الله علیه و آله و سلم : فأنا وأهل بیتی مطهرون من

الذنوب ((1)) .

الثعلبی: ورواه المفسر الکبیر أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهیم المعروف ب- (الثعلبی) فی تفسیره (الکشف والبیان) روی ذلک عن ابن عباس((2)) .

السیوطی الشافعی: ورواه المفسر الشافعی عبد الرحمن بن أبی بکر

السیوطی فی تفسیره أیضاً((3)) .

وأهل البیت هم أصحاب الیمین ومخالفوهم هم اصحاب الشمال .

ص: 56

{وَمَنْ کَانَ فِی هَذِهِ أعْمَی فَهُوَ فِی الآخِرَةِ أعْمَی وَأضَلُّ سَبِیلا72} _سورة الاسراء .

نزلت فی البصیرة فالنواصب لیس عندهم بصیرة فتراهم یرتکبون الشذوذ الجنسی والزنا ویحرفون الحدیث النبوی ویکذبون ویفترون ویخونون الدین والوطن لصالح الیهود والنصاری ویفعلون کل ما حرم الله ویرفعون رایة التوحید ریاءا کما کان یفعل أسلافهم الخوارج .

ومما جاء عن البصیرة عن عائشة: أن أزواج النبی قلن یا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أینا أسرع بک لحوقاً ؟ قال صلی الله علیه و آله و سلم : أطولکن یداً .

فأخذن قصبة یذرعنها فکانت سودة أطولهن یداً , فعلمنا بعد أنما کان طول یدها بالصدقة ((1)) .

ففهمت النساء أنَّ طول الید تعنی الکرم والجود ولم یکن من صفات سودة بل من صفات أم سلمة .

العمی هو الضلال فی الدین مثل زیغ الخوارج عن الدین وقتلهم المسلمین واحترامهم المشرکین فهم یصلون ویصومون ویریقون دماء المسلمین ویعتدون علی شرفهم ویغتصبون اموالهم المنقولة وغیر المنقولة ویشردوهم فی البلدان .وهذا عمل الشیطان ومسرحه الذی وعد فیه بالفتک بالمخلوقین:

ص: 57

{قَالَ رَبِّ فَأنْظِرْنِی إلَی یَوْمِ یُبْعَثُونَ36* قَالَ فَإنَّکَ مِنَ المُنْظَرِینَ37* إلَی یَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ 38*قَالَ رَبِّ بِمَا أغْوَیْتَنِی لاَُزَیِّنَنَّ لَهُمْ فِی الأرْضِ وَلاَُغْوِیَنَّهُمْ أجْمَعِینَ39* إلاَّ عِبَادَکَ مِنْهُمُ المُخْلَصِینَ 40 } _ سورة الحجر.

فمن کان فریسة لابلیس فی هذه الدنیا أعمی عن الحق والحقیقة کان فی الاخرة أعمی ومن أهل الجحیم .

وعن ابن عباس: ثم قال (ومن کان فی هذه أعمی ) یقول من کان فی الدنیا اعمی (عما ) یری من قدرتی من خلق السماء والارض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه ذلک فهو عما وصفت له فی الآخرة ولم یر أعمی وأضل سبیلا یقول وأبعد حجة .

عن قتادة: (قل هل یستوی الأعمی والبصیر أفلا تتفکرون ) والأعمی الکافر الذی عمی عن حق الله عز وجل وأمره ونعمه علیه والبصیر العبد المؤمن الذی أبصر بصرا نافعا ووحده و عمل بطاعة ربه عز وجل وانتفع بما اتاه من الله عز وجل ((1)).

{وَإنْ کَادُوا

لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِی أوْحَیْنَا إلَیْکَ لِتَفْتَرِیَ عَلَیْنَا غَیْرَهُ وَإذاً لاتَّخَذُوکَ خَلِیلا } 73_سورة الاسراء .

: یصدونک عن أمیر المؤمنین (علی) علیه السلام ((2)) .

ص: 58

: أوْحَیْنَا إلَیْکَ: فی علی بن ابی طالب ((1)) .

وقال تعالی: { شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ مَا وَصَّی بِهِ نُوحاً وَالَّذِی أوْحَیْنَا إلَیْکَ وَمَا وَصَّیْنَا بِهِ إبْرَاهِیمَ وَمُوسَی وَعِیسَی أنْ أقِیمُوا الدِّینَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ کَبُرَ عَلَی المُشْرِکِینَ مَا تَدْعُوهُمْ إلَیْهِ اللّهُ یَجْتَبِی إلَیْهِ مَنْ یَشَاءُ وَیَهْدِی إلَیْهِ مَنْ یُنِیبُ 13}الشوری.

وقال تعالی: (نحن نقص علیک احسن القصص بما اوحینا الیک هذا

القرآن و ان کنت من قبله لمن الغافلین ) (یوسف , 3 ) .

وقال تعالی: { کذلک ارسلناک فی امة قد خلت من قبلها امم لتتلوا علیهم الذی اوحینا الیک و هم یکفرون بالرحمن قل هو ربی لا اله الَّا هو علیه توکلت و الیه متاب} _سورة الرعد , 30 .

{ لِتَفْتَرِیَ عَلَیْنَا غَیْرَهُ وَإذاً لاتَّخَذُوکَ خَلِیلا } 73_سورة الاسراء .

وروایة عن الرضا علیه السلام : هذا مما نزل إیاک اعنی واسمعی یا جارة , خاطب الله نبیه وأراد به أمته ((2)) .

و رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم معصوم لا یرتکب الخطأ وهذا تخویف لامته لئلا یرکن أحد من المؤمنین الی أحد من المشرکین ((3)) .

ص: 59

{وَلَوْلا أنْ ثَبَّتْنَاکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلا}74 _سورة الاسراء .

عن أبی عبد الله علیه السلام قال: سألته عن قول الله (ولولا أن ثبتناک لقد کدت ترکن إلیهم شیئا قلیلا ) قال: لما کان یوم الفتح اخرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أصناما من المسجد وکان منها صنم علی المروة وطلبت إلیه قریش ان یترکه وکان مستحیاً فهم بترکه ثم أمر بکسره , فنزلت هذه الآیة ((1)) .

قال: تفسیرها قال قومه تعال حتی نعبد إلهک سنة وتعبد إلهنا سنة . قال: فأنزل الله علیه: (قل یا أیها الکافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ) إلی آخر السورة ((2)) .

ص: 60

وقال الحسن (البصری): معناه قارب بأن هم من غیر عزم . وروی عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم (ان الله وضع عن أمتی ما حدثت به نفسها إلا من عمل شیئا أو تکلم به ) .وقیل إنهم قالوا: لا ندعک تستلم الحجر حتی تلم(تدعو) بآلهتنا .

وقال مجاهد , وقتادة: الفتنة التی کاد المشرکون ان یفتنوا النبی صلی الله علیه و آله و سلم بها الاهتمام بآلهتهم بان یمسها فی طوافه , لما سألوه فی ذلک , ولاطفوه .

وقال ابن عباس: هم بإنظار ثقیف بالاسلام حتی یقبضوا ما یهدی لآلهتهم ثم یسلموا فیها ((1)) .

وعن ابن عباس: أن رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) معصوم , وإنما هو تخویف لئلا یرکن مؤمن إلی مشرک فی شئ من أحکام الله تعالی ((2)) .

ص: 61

الحویزی: عن أبی عبد الله علیه السلام : قال معناه ما عتب الله عز وجل به علی نبیه فهو یعنی به ما قد قضی فی القرآن مثل قوله: { ولولا أن ثبتناک لقد کدت ترکن إلیهم شیئا قلیلا } عنی بذلک غیره ((1)) .

وعن جعفر بن محمد علیهما السلام قال: لما نزلت علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم : (ولولا أن ثبتناک لقد کدت ترکن إلیهم شیئا قلیلا إذا لأذقناک ضعف الحیاة وضعف الممات ) [ 74 / اسراء ] قال: تفسیرها: قال قومه: تعال حتی نعبد إلهک سنة وتعبد إلهنا سنة . قال: فأنزل الله علیه: (قل یا أیها الکافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ) إلی آخر السورة ((2)) .

وقال نجاح الطائی: لا یمکن أن یکون النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم هو المقصود بهذه الایة لانها لو کانت عن النبی لخالفتها الایات القرآنیة الکثیرة فی عدم مصالحة النبی مع الکفار فی آیة الغرانیق وغیرها .

کیف یقولون: همَّ النبی بکسر الاصنام سنة الفتح ویبقی واحدة یعبدوها لارضائهم . أو انه صلی الله علیه و آله و سلم هم بان یوافق علی عبادة أصنامهم سنة ویعبدون

ص: 62

الهه سنة !!!

ثانیاً: تخالفها سیرة الانبیاء الماضین علیهم السلام الذین لم یهموا بتلک الاعمال الطالحة . ثالثا: المخالفة للعصمة النبویة التی اتفق الشیعة علی وجودها فی التبلیغ .لما ألقی علی علیه السلام هبل من علی ظهر الکعبة نزل قوله تعالی: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ) .

یعنی قول لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم (وَزَهَقَ الْبَاطِلُ) . یعنی ذهاب عبادة الاصنام .(إِنَّ الْبَاطِلَ کَانَ زَهُوقاً) . یعنی ذاهباً ((1)) .

فکیف یهم النبی صلی الله علیه و آله و سلم بالتنازل للکافرین بعد هذا ؟

ان النبی صلی الله علیه و آله و سلم لم یهم بالتنازل للکفار یوم کان فی مکة قبل الهجرة فی مجموعة قلیلة من المسلمین لم تبلغ المائة وفی فتح مکة جاء فی عشرة آلاف مقاتل ولیس فی مکة الا عشر هذا العدد من الرجال فکیف یتنازل القوی المؤمن للضعیف الکافر ؟ ویخالف رب العالمین.

وفعلا کسر أصنامهم وأبطل منهجهم فی الکعبة وخارجها وفرض الشعائر الاسلامیة المجیدة .

{إذاً لاَذَقْنَاکَ ضِعْفَ الحَیَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ عَلَیْنَا نَصِیراً 75 } _سورة الاسراء .

من یوم الموت إلی أن تقوم الساعة .

ص: 63

(إذا لأذقناک ضعف ) عذاب (الحیاة وضعف )

عذاب (الممات ) یعنی: عذاب الدنیا والآخرة مضاعفین .

أی: لضاعفنا لک العذاب المعجل للعصاة فی الحیاة الدنیا وما نؤخره لما بعد الموت , وفی هذا دلیل علی أن القبیح یکون عظم قبحه علی مقدار عظم شأن فاعله ((1)) .

ضعف الحیاة یصیب به الله تعالی بعض الطغاة مثل یزید حیث قصم عمره والوزغ مروان بن الحکم الذی لم یحکم أکثر من ستة اشهر وقصم ظهر فرعون ونمرود .بینما طال عمر الکثیر من طغاة الامویین والعباسین والعثمانیین ولم یهتدوا الی الایمان .

{وَإنْ کَادُوا لَیَسْتَفِزُّونَکَ مِنَ الأرْضِ لِیُخْرِجُوکَ مِنْهَا وَإذاً لا یَلْبَثُونَ خِلافَکَ إلا قَلِیلا76 } _سورة الاسراء .:

قال: (وان کادوا لیستفزونک من الأرض ) یعنی أهل مکة (لا یلبثون خلافک إلا قلیلا ) حتی قتلوا ببدر ((2)).

ص: 64

وإن کادوا لیستفزونک لیزعجونک بمعاداتهم من الأرض .

القمی: یعنی أهل مکة لیخرجوک منها وإذا لا یلبثون خلافک إلا قلیلا یعنی لو خرجت لا یبقون بعد خروجک إلا زمانا قلیلا . حتی قتلوا ببدر, قیل وکان ذلک بعد الهجرة بسنة وقرئ خلفک .

{سُنَّةَ مَنْ قَدْ أرْسَلْنَا قَبْلَکَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِیلا77 } .

القمی: سنة من قد أرسلنا قبلک من رسلنا أی سن الله ذلک سنة وهو أن یهلک کل أمة أخرجوا رسولهم من بین أظهرهم ولا تجد لسنتنا تحویلا تغییرا .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : " یکون فی هذه الأمة کل ما کان فی بنی إسرائیل حذو النعل بالنعل و [ حذو ] القذة بالقذة "((1)) .

محمد عن أحمد عن معمر بن خلاد قال : سمعت الرضا علیه السلام وذکر شیئا فقال ما حاجتکم إلی ذلک هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسی وصیرته مکانی وقال إنا أهل بیت یتوارث أصاغرنا عن أکابرنا القذة بالقذة » .

القذة بالضم والتشدید ریش السهم یعنی أشباه وأمثال کما یشبه ریاش السهم بعضها ببعض وتقدیر الکلام ونتشابه تشابه القذة بالقذة أو القذة مفعول یتوارث بحذف المضاف وإقامتها مقامه .

ص: 65

أیها الناس إن هذه أرض ملعونة قد عذبت فی الدهر ثلاث مرات وفی خبر آخر مرتین وهی تتوقع الثالثة وهی إحدی المؤتفکات , وهی أول أرض عبد فیها وثن , وإنه لا یحل لنبی ولا لوصی نبی أن یصلی فیها , فمن أراد منکم أن یصلی فلیصل , فمال الناس عن جنبی الطریق یصلون ورکب هو علیه السلام بغلة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ومضی , قال جویریة فقلت: والله لأتبعن أمیر المؤمنین علیه السلام ولأقلدنه صلاتی الیوم , فمضیت خلفه فوالله ما جزنا جسر سوراء حتی غابت الشمس فشککت , فالتفت إلی وقال: یا جویریة أشککت ؟فقلت: نعم یا أمیر المؤمنین , فنزل علیه السلام [ عن ] ناحیة فتوضأ ثم قام فنطق بکلام لا أحسنه إلا کأنه بالعبرانی , ثم نادی الصلاة فنظرت و الله إلی الشمس قد خرجت من بین جبلین لها صریر فصلی العصر وصلیت معه , فلما فرغنا من صلاتنا عاد اللیل کما کان فالتفت إلی وقال: یا جویریة بن مسهر الله عز وجل یقول: " فسبح باسم ربک العظیم " وإنی سألت الله عز وجل باسمه العظیم فرد علیَّ الشمس . وروی أن جویریة لما رأی ذلک قال: [ أنت ] وصی نبی ورب الکعبة " ((1)) .

قوله تعالی سنة من قد أرسلنا قبلک من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحویلا , ومن سنتهم إقامة الوصی ((2)) .

ص: 67

القرطبی: أی لا خلف فی وعدها ((1)) .

البیضاوی: أی لا تجد تغییرا ((2)) .

وقال نجاح الطائی: لا یوجد تغییر فی السنن الالهیة الحاکمة للکون فی ارسال الانبیاء والاوصیاء وامتحان البشر فی الدنیا ونجاح المتقین وهلاک الکافرین والمنافقین .

{ أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إلَی غَسَقِ اللَّیْلِ وَقُرْآنَ الفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ کَانَ مَشْهُوداً } 78_سورة الاسراء .

عن سعید بن المسیب

قال: سألت علی بن الحسین ( علیه السلام ) فقلت له: متی فرضت الصلاة علی المسلمین علی ما هم الیوم علیه ؟

قال: فقال علیه السلام : بالمدینة حین ظهرت الدعوة وقوی الإسلام وکتب الله عز وجل علی المسلمین الجهاد زاد رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) فی الصلاة سبع رکعات: فی الظهر رکعتین وفی العصر رکعتین وفی المغرب رکعة وفی العشاء الآخرة رکعتین , وأقر الفجر علی ما فرضت بمکة لتعجیل عروج ملائکة اللیل إلی السماء ولتعجیل نزول ملائکة النهار إلی الأرض , فکان ملائکة النهار وملائکة اللیل یشهدون مع رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) صلاة الفجر ,

ص: 68

فلذلک قال الله تعالی: (وقرآن الفجر إن قرءان الفجر کان مشهودا ) لیشهده المسلمون ولیشهده ملائکة النهار وملائکة اللیل((1)) .

وعن زرارة قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن هذه الآیة (أقم الصلاة لدلوک الشمس إلی غسق اللیل ) قال: دلوک الشمس زوالها عند کبد السماء (إلی غسق اللیل ) إلی انتصاف اللیل فرض الله فیما بینهما اربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء (وقرآن الفجر ) یعنی القراءة (ان قرآن الفجر کان مشهودا ) قال: یجتمع فی صلاة الغداة جزء من اللیل والنهار من الملائکة , قال: وإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتین لیس یعمل الا السبحة التی جرت بها السنة امامها , (وقرآن الفجر ) قال: رکعتا الفجر , وضعهن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ووقتهن للناس .

و عن زرارة عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قول الله: (أقم الصلاة لدلوک الشمس إلی غسق اللیل ) قال: زوالها غسق اللیل إلی نصف اللیل , ذلک أربع صلوات وضعهن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ووقتهن للناس , (وقرآن الفجر ) صلاة الغداة .

ص: 69

و عن محمد الحلبی عن أحدهما (وغسق اللیل ) نصفها بل زوالها , وقال: افرد الغداة وقال: (وقرآن الفجر ان قرآن الفجر کان مشهودا ) فرکعتا الفجر تحضرهما الملائکة ملائکة اللیل وملائکة النهار .

الایة القرآنیة تنظم وترتب أوقات الصلاة للمسلمین وترشدهم الیها وتبین وجوبها علی الموحدین أجمعین .

{وَمِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَکَ عَسَی أنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَاماً مَحْمُوداً } _سورة الاسراء .79

وانتقل الرحمن الی الصلاة النافلة المستحبة المتمثلة فی صلاة اللیل . دعا الباری الیها رغم عدم وجوبها لیرقا المسلم درجة أخری فی منازل الجنة , فمن صلاها تکون مرتبته اعلی من المتوقف علی الصلوات الواجبة .قال: صلاة اللیل وقال: سبب النور فی القیامة الصلاة فی جوف اللیل((1)) .هذا خطاب للنبی صلی الله علیه و آله و سلم یقول الله تعالی له: " ومن اللیل فتهجد والتهجد التیقظ بما ینفی النوم , والهجود النوم , وهو الأصل , هجد یهجد هجودا , فهو هاجد إذا نام ((2)) .

ص: 70

خطاب للنبی: أی: فصل بالقرآن , عن ابن عباس , ولا یکون التهجد إلا بعد النوم , عن مجاهد , والأسود وعلقمة , وأکثر المفسرین . وقال بعضهم: ما تنفلت به فی کل اللیل یسمی تهجدا , والمتهجد الذی یلقی الهجود عن نفسه , کما یقال المتحرج والمتأثم (نافلة لک ) أی:

زیادة لک علی الفرائض , وذلک أن صلاة اللیل کانت فریضة علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم , مکتوبة علیه , ولم تکتب علی غیره , وکانت فضیلة لغیره , عن ابن عباس . وقیل: کانت واجبة علیه , فنسخ وجوبها بهذه الآیة . وقیل: إن معناه فضیلة لک , وکفارة لغیرک , فإن کل انسان یخاف أن لا یقبل فرضه , فیکون نفله کفارة , والنبی لا یحتاج إلی کفارة , عن مجاهد . وقیل: معناه نافلة لک ولغیرک , وإنما اختصه بالخطاب لما فی ذلک من دعاء الغیر إلی الاقتداء به , والحث علی الاستنان بسنته((1)) .

وقال نجاح الطائی: صلاة اللیل نعمة أنزلها الله تعالی لعباده المخلصین لفتح آفاق المستقبل وحل المشاکل اذ قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم إن أردتم الدنیا علیکم بصلاة اللیل وان أردتم الاخرة علیکم بصلاة اللیل .

{وَقُلْ رَبِّ أدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْق وَأخْرِجْنِی مُخْرَجَ صِدْق وَاجْعَلْ لِی مِنْ لَدُنْکَ سُلْطَاناً نَصِیراً80 }_سورة الاسراء .

ص: 71

عن زید بن علی ( علیه السلام ) , فی قول الله: (واجْعَلْ لِی مِنْ لَدُنْکَ سُلْطاناً نَصِیراً ) قال: السیف .

ابن شهر آشوب: من کتاب أبی بکر الشیرازی , قال ابن عباس:

(وقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ وأَخْرِجْنِی مُخْرَجَ صِدْقٍ ) یعنی مکة (واجْعَلْ لِی مِنْ لَدُنْکَ سُلْطاناً نَصِیراً ) قال: لقد استجاب الله لنبیه ( صلی الله علیه و آله و سلم ) دعاءه , فأعطاه علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) سلطانا ینصره علی

أعدائه ((1)) .

الشکر اظهار النعمة اعتقادا وقولا وفعلا ویؤیده اطلاق قوله تعالی: " وأما بنعمة ربک فحدث " الضحی: 11 .

وفی تفسیر القمی قال حدثنی أبی رفعه عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم قال: من آذی جاره طمعا فی مسکنه ورثه الله داره وهو قوله وقال الذین کفروا لرسلهم إلی قوله فأوحی إلیهم ربهم لنهلکن الظالمین ولنسکننکم الأرض من بعدهم وفی التفسیرین المجمع وروح المعانی عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم :

من آذی جاره اورثه الله داره وفی الدر المنثور اخرج ابن الضریس عن أبی مجلز قال: قال رجل لعلی بن أبی طالب أنا انسب الناس .قال علیه السلام إنک لا تنسب الناس. قال بلی .فقال له علی : أرأیت قوله تعالی: " وعادا وثمود وقرونا بین ذلک کثیرا " ؟

ص: 72

قال انا انسب ذلک الکثیر قال أرأیت قوله ألم یأتکم نبأ الذین من قبلکم قوم نوح وعاد وثمود والذین من بعدهم لا یعلمهم الا الله " فسکت .

{وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إنَّ البَاطِلَ کَانَ زَهُوقاً }81_سورة الاسراء : لما ألقی الامام علی علیه السلام هبل من علی ظهر الکعبة نزل قوله تعالی: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ) . یعنی قول لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم (وَزَهَقَ الْبَاطِلُ) . یعنی ذهاب عبادة الاصنام .(إِنَّ الْبَاطِلَ کَانَ زَهُوقاً)

یعنی ذاهباً ((1)) .

وقال الامام الباقر علیه السلام :فی قوله عز وجل: " وقل جاء الحق وزهق الباطل ((2)) , قال: إذا قام القائم علیه السلام ذهبت دولة الباطل ((3)) .

المعجزة النبویة بتحطم الاصنام فی فتح مکة

عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه کان فی المسجد الحرام ثلاثمائة وستون صنما , وإن بعضها فیما یزعمون مشدود ببعضها بالرصاص . فأخذ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم کفا من حصی , فرماها فی عام الفتح , ثم قال: " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل کان زهوقا " .

ص: 73

فما بقی منها صنم إلا خر لوجهه , فأمر بها صلی الله علیه و آله و سلم فأخرجت من المسجد , فطرحت وکسرت ((1)) .

المعجزة النبویة الثانیة:

فلما دخل وقت صلاة الظهر أمر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بلالا , فصعد علی الکعبة فقال عکرمة بن ابی جهل: أکره أن أسمع صوت ابن رباح ینهق علی الکعبة .

وحمد [ الله ] خالد بن أسید أن أباه [ أبا عتاب ] توفی ولم یر ذلک .

وقال أبو سفیان: لا أقول شیئا , لو نطقت لظننت أن هذه الجدر ستخبر به محمدا . فبعث إلیهم النبی صلی الله علیه و آله و سلم فأتی بهم , فقال عتاب: نستغفر الله ونتوب إلیه , قد والله یا رسول الله قلنا . فأسلم وحسن إسلامه , فولاه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مکة ((2)) .

قال ابو سفیان بأن الحیطان ستخبر النبی محمدا صلی الله علیه و آله و سلم بما تقولون وفعلا أخبره الله تعالی فأرسل النبی الی عکرمة وعتاب معاتبا ایاهما علی ما قالا فتعجبا !!!

ص: 74

المعجزة الثالثة الکبری: ستکون فی ظهور الامام المهدی علیه السلام وتحطیمه للحکومات الفاسدة المستکبرة ونشره رایة الحق .

فی قوله عز وجل: " وقل جاء الحق وزهق الباطل

" قال الامام علیه السلام : إذا قام القائم ( علیه السلام ) ذهبت دولة الباطل ((1)) .

عن الامام محمد الباقر علیه السلام : اذا قام القائم أذهب دولة الباطل ((2)) .

{وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ وَلا یَزِیدُ الظَّالِمِینَ إلا خَسَاراً } 82 _سورة الاسراء .

عن أبی الحسن موسی , عن أبیه (علیهما السلام ) , قال: نزلت هذه الآیة (ونُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ ولا یَزِیدُ الظَّالِمِینَ ) لآل محمد (إِلَّا خَساراً ) ((3)) .

ص: 75

عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال: إنما الشفاء فی علم القرآن , لقوله: (ما هُوَ شِفاءٌ ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ ) لأهله , لا شک فیه ولا مریة , فأهله أئمة الهدی الذین قال الله ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا ((1)) .

کان النبی صلی الله علیه و آله و سلم یقرأ القرآن علی المریض فیشفی .

ذکر شیخ الطائفة الطوسی , وأمین الإسلام الطبرسی فی تفسیریهما وجوها لکون القرآن شفاء للمؤمنین یجمعها: أن للإنسان بعدین: بعد جسمی وبعد روحی , ولکل منهما صحة وسقم , والقرآن کما هو سبب لصحة الروح , لما فیه من البیان الذی یزیل الجهل والشک , فهو یمکن أن یکون سببا لصحة الجسم إذا استشفی به . فقد وردت نصوص متظافرة فی الاستشفاء بالقرآن ((2)) , من جملتها ما رواه الطبرسی ((3)) عن أبی عبد الله علیه السلام انه قال:

تضع یدک علی موضع الوجع وتقول: " اللهم إنی أسألک بحق القرآن العظیم الذی نزل به الروح الأمین , وهو عندک فی أم الکتاب لدینا لعلی حکیم , أن تشفینی بشفائک , وتداوینی بدوائک وتعافینی من بلائک " ثلاث مرات , وتصلی علی محمد وأهل بیته " ((4)) .

ص: 76

وقال تعالی : { قُلْ هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدیً وَشِفَاءٌ } _سورة فصلت 44 .

وقد ورد فی دعاء کمیل الذی علمه إیّاه أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) « یا من اسمه دواء وذکره شفاء » .

وقال أبو عبد الله ( علیه السلام ): ما اشتکی أحد من المؤمنین شکایة قط فقال بإخلاص نیة ومسح موضع العلة ویقول (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنین ولا یزید الظالمین إلا خسارا ) إلا عوفی من تلک العلة أیة علة کانت , ومصداق ذلک فی الآیة حیث یقول شفاء ورحمة

للمؤمنین ((1)) .

وعن جابر بن عبد الله الأنصاری، أن یهودیة أهْدَت إلی رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) إِمَّا شاةً مسمومةً، وإِمَّا بَرَقاً مسموطاً مَسْمُومَاً، فلما قرَّبته إلیه وبسط القوم أیدیهم، قال النبی( صلی الله علیه و آله و سلم ): أمسکوا، فإِنَّ عُضْواً من أعضائها یخبرنی أ نّها مسمومة فدعا صاحبتها ((2)). فقال النبی( صلی الله علیه و آله و سلم ): أسممت هذا ؟

ص: 77

قالت: نعم. قال النبی( صلی الله علیه و آله و سلم ): ما حملک علیه ؟ قالت: أحببت إنْ کنت کاذباً أن أریح الناس منک، وإن کنت رسولا أنک سَتُطْلَعُ علیه، فلم

یعاقبها ((1)).

وجاء : " أن الیهود جعلوا لامرأة یهودیة جعلا علی أن تجعل سما فی شاة ، وتدعو النبی ( صلی الله علیه و آله و سلم ) وأصحابه , ففعلت ودعت فأتوا , فلما وضعت الشاة بین یدیه تکلم کتفها فقالت: مه یا محمد لا تأکلنی فإنی مسمومة _ إلی أن قال _ فهبط جبرئیل فقال:

السلام یقرأک السلام ویقول: قل: بسم الله الذی یسمیه به کل مؤمن , وبه عز کل مؤمن , وبنوره الذی أضاءت به السماوات والأرض , وبقدرته التی خضع لها کل جبار عنید ، وانتکس کل شیطان مرید , من شر السم والسحر واللمم , بسم العلی الملک الفرد الذی لا إله إلا هو (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنین ولا یزید الظالمین إلا خسارا ) ((2)) .

ص: 78

فقال النبی ( صلی الله علیه و آله و سلم ) ذلک , وأمر أصحابه فتکلموا به , ثم قال: کلوا ثم أمرهم أن یحتجموا " ((1)) .

وقام بعض النواصب بوضع اضافة الی الحدیث بان النبی أکل الشاة المسمومة بعد المعجزة الالهیة , وهو من أکاذیبهم المعروفة فی الاضافة الی الحدیث الصحیح ما یغیر مساره وهذه الاضافة دخلت الی کتب المسلمین.

{ وَلا یَزِیدُ الظَّالِمِینَ إلا خَسَاراً }: الظالمین لال محمد .

أقول: وروی الطوسی فی (أمالیه ) أیضا حکایات عجیبة تتضمن براهین واضحة فی الاستشفاء بتربة الحسین علیه السلام

.

محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن محمد بن عیسی الیقطینی قال: بعث إلی أبو الحسن الرضا علیه السلام رزم ثیاب وغلمانا _ إلی أن قال: _ فلما أردت أن أعبی الثیاب رأیت فی أضعاف الثیاب طینا ، فقلت للرسول: ما هذا ؟ فقال: لیس یوجه بمتاع إلا جعل فیه طینا من قبر الحسین علیه السلام .

ثم قال الرسول: قال أبو الحسن ( علیه السلام ): هو أمان بإذن الله ((1)) .

وقال نجاح الطائی:

أوصی سید البشر محمد صلی الله علیه و آله و سلم بالثقلین کتاب الله والقرآن قائلا:

« إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی , ما ان تمسکتم بهما لن تضلوا بعدی , واحدهما أکبر من الآخر , وانهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض یوم القیامة , وإنَّ اللطیف الخبیر انبأنی انهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض، فلا تتقدموهما فتهلکوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم ،ثم قال ( صلی الله علیه و آله و سلم ) :

ص: 80

إن الله مولای، وأنا مولی المؤمنین , ثم أخذ بید علی وقال: من کنت مولاه فعلی مولاه , اللهم وال من والاه وعاد من عاداه , واخذل من خذله وانصر من نصره , وأدر الحق معه حیث کان ((1))».

ص: 81

واحتراما للقرآن فقد جعل الله تعالی فیه الشفاء خصوصا اذا جمعه مع الصلوات علی محمد وآله الکرام .

وذلک من المعاجز الالهیة لابراز کرامة الثقلین عنده .

وکان النبی وآله یشافون المسلمین بالقرآن والدعاء ومسح المرضی بأیادیهم الشریفة .

وکلما کان الشخص مؤمنا صالحا کلما أثر أکثر فی عالم الشفاء لمنزلته العالیة عند ربه الکریم .

وجعل الله تعالی القرآن رحمة للعالمین یستفیدون منه فی کل مجال فهو شریعتهم ومنهاج اخلاقهم ودلیلهم .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : اتقوا فراسة المؤمن فانه ینظر بنور الله ((1)) .

ص: 82

{وَإذَا أنْعَمْنَا عَلَی الإنسَانِ أعْرَضَ وَنَأی بِجَانِبِهِ وَإذَا مَسَّهُ الشَّرُّ کَانَ یَئُوساً } 83 _سورة الاسراء .

سورة الأحقاف (46 ) قال رب أوزعنی ان اشکر نعمتک التی أنعمت علی وعلی والدی (15 ).

سورة رعد (13 ) ان الله لا یغیر ما بقوم حتی یغیروا ما بأنفسهم (10 ) .

سورة الضحی (93 ) واما بنعمة ربک فحدث (11 ).

وما تدل علی ذلک من الآیات کثیرة .

وقال أمیر المؤمنین علی علیه السلام : قال سبحانه : (« وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَی الإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأی بِجانِبِه ِ وَإِذا مَسَّه ُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِیضٍ » ) (ألا وانّی لم أر ) نعمة (کالجنّة نام طالبها ولا ) نقمة (کالنّار نام هاربها ) وفیه تنبیه للموقنین بالجنّة والنّار علی کونهم نائمین فی مراقد الطبیعة لیتنبهوا منها ویستعدّوا بالعمل لما ورائهم من النّعم والنّقم .

و الانسان ینسی الفضائل الالهیة التی وهبها له الله تعالی ولا یصبر علی المصیبة التی تصیبه .

الأربعمائة قال أمیر المؤمنین علیه السلام : تقدموا بالدعاء قبل نزول البلاء ((1)) . أمالی الصدوق: أبی , عن سعد , عن الخشاب , عن غیاث بن کلوب , عن إسحاق عن أبی عبد الله , عن آبائه علیهم السلام أن علیا علیه السلام کان یقول:

ص: 83

مامن أحد ابتلی وإن عظمت بلواه بأحق بالدعاء من المعافی الذی لا یأمن البلاء ((1)) .

أمالی الصدوق: ماجیلویه , عن عمه , عن البرقی عن أبیه , عن عباد بن یعقوب عن الحسین بن زید , عن الامام جعفر الصادق , عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم :

ما من صباح إلا وملکان ینادیان یقولان: یا باغی الخیر هلم ویا باغی الشر انته , هل من داع فیستجاب له ؟

هل من مستغفر فیغفر له ؟ هل من تائب فیتاب علیه ؟ هل من مغموم فینفس عنه غمه ؟ اللهم عجل للمنفق ماله خلفا , وللممسک تلفا , فهذا دعاؤهما حتی تغرب الشمس ((2)) .

وعن محمد بن مسلم , عن أبی عبد الله علیه السلام قال: کان جدی علیه السلام یقول: تقدموا فی الدعاء فان العبد إذا کان دعاء قیل صوت معروف وإذا لم یکن دعاء فنزل به البلاء , قیل أین کنت قبل الیوم ((3)) .

ص: 84

{ قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلَی شَاکِلَتِهِ فَرَبُّکُمْ أعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهْدَی سَبِیلا84 } _سورة الاسراء .

سمعت أبا عبد الله الامام جعفر الصادق علیه السلام یقول: وقد سئل عن الصلاة فی البیع والکنائس ؟

فقال: صل فیها فقد رأیتها وما أنظفها قال: فقلت: اصلی فیها وان کانوا یصلون فیها ؟

فقال: صل فیها وان کانوا یصلون فیها اما تقرأ القرآن (قل کل یعمل علی شاکلته فربکم اعلم بمن هو اهدی سبیلا ) .

علی شاکلته یعنی علی نیته .

وفی العلل عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام أنه کان یقول نیة المؤمن أفضل من عمله وذلک لأنه لینوی من الخیر ما لا یدرکه ونیة الکافر شر من عمله وذلک لأنه لینوی من الشر ما لا یدرکه . وعن الامام جعفر الصادق علیه السلام قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم نیة المؤمن أبلغ من عمله وکذلک الفاجر وعن النبی صلی الله علیه و آله و سلم : إذا التقی المسلمان بسیفیهما فالقاتل والمقتول فی النار قیل یا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه أراد قتل صاحبه . وعن الکافی عن ابن بزیع عن الامام جعفر الصادق علیه السلام أنه قال ملعون من ترأس ملعون من همّ بها ملعون من حدث بها نفسه ((1)) .

ص: 85

وعن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله عز وجل : « لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا » قال : لیس بمعنی أکثرکم عملا ولکن أصوبکم عملا ، وإنما الإصابة خشیة الله والنیة الصادقة والخشیة أو الحسنة ، ثمَّ قال : الإبقاء علی العمل حتی یخلص أشد من العمل ، والعمل الخالص الذی لا ترید أن یحمدک علیه أحد إلا الله عز وجل ، والنیة أفضل من العمل ، ألا وإن النیة هی العمل ، ثمَّ تلا قوله عز وجل : (کُلٌّ یَعْمَلُ عَلی شاکِلَتِهِ ) یعنی علی

نیته ((1)) .

وعنه علیه السلام قال : سألته . عن قول الله عز وجل : (إِلَّا مَنْ أَتَی الله بِقَلْبٍ سَلِیمٍ ) ((2)) قال : القلب السلیم ، الذی یلقی ربه ولیس فیه أحد سواه قال : وکل قلب فیه شرک أو شک فهو ساقط ، وإنما أرادوا الزهد فی الدنیا لتفرغ قلوبهم للآخرة .

{وَیَسْألُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبِّی وَمَا اُوتِیتُمْ مِنَ العِلْمِ إلا قَلِیلا } 85_سورة الاسراء .

ص: 86

عن أبی بصیر , قال: سألت أبا عبد الله ( علیه السلام ) عن قول الله عز وجل: (ویَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی ) , قال: « خلق أعظم من جبرئیل ( علیه السلام ) ومیکائیل , کان مع رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) , وهو مع الأئمة , وهو من الملکوت » .

وعنه: عن علی بن إبراهیم , عن أبیه , عن ابن أبی عمیر , عن أبی أیوب الخزاز , عن أبی بصیر , قال:

سمعت أبا عبد الله ( علیه السلام ) یقول: (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی ) , قال: « خلق أعظم من جبرئیل ومیکائیل , لم یکن مع أحد ممن مضی غیر محمد صلی الله علیه و آله و سلم وهو مع الأئمة (علیهم السلام ) یسددهم , ولیس کلما طلب وجد » ((1)) .

ومن (بصائر الدرجات ) بسند آخر مثله .

وعنه: عن محمد بن یحیی , عن محمد بن الحسین , عن علی بن أسباط، عن الحسین بن أبی العلاء , عن سعد الإسکاف , قال: أتی رجل أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) یسأله عن الروح , ألیس هو جبرئیل ؟

ص: 88

فقال له أمیر المؤمنین ( علیه السلام ): « جبرئیل ( علیه السلام ) من الملائکة , والروح غیر جبرئیل » . فکرر ذلک علی الرجل , فقال له: لقد قلت عظیما من القول , ما أحد یزعم أن الروح غیر جبرئیل . فقال له أمیر المؤمنین ( علیه السلام ):

« إنک ضال تروی عن أهل الضلال , یقول الله عز وجل لنبیه ( صلی الله علیه و آله و سلم ): أَتی أَمْرُ اللَّه فَلا تَسْتَعْجِلُوه سُبْحانَه وتَعالی عَمَّا یُشْرِکُونَ یُنَزِّلُ الْمَلائِکَةَ بِالرُّوحِ ) والروح غیر الملائکة » ((1)) .

ومن (بصائر الدرجات ) بسنده عن الخزّاز: قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام : یقول

(یَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ ) الآیة قال « ملک أعظم من جبرئیل: ومیکائیل: لم یکن مع أحد ممّن مضی غیر محمَّد صلی الله علیه و آله و سلم : , وهو مع الأئمّة ولیس کلَّما طلب وجد » . ومنه بسندٍ آخر مثله .

ومن (بصائر الدرجات ) بسنده عن أبی عبد الله علیه سلام الله : فی الآیة قال « إنّ الله تبارک وتعالی أحد صمد . والصمد: الشیء الذی لیس له جوف , وإنّما الروح خلق من خلقه , له بصر وقوّة وتأیید , یجعله الله فی قلوب الرسل والمؤمنین .

بصائر الدرجات: أحمد بن محمد عن علی بن الحکم عن سیف بن عمیرة عن أبی بصیر قال:

ص: 89

سألت أبا عبد الله علیه السلام " عن الروح قل الروح من أمر ربی " فقال أبو عبد الله علیه السلام : خلق أعظم من جبرئیل ومیکائیل وهو مع الأئمة یفقههم , قلت: " ونفخ فیه من روحه " قال: من قدرته ((1)) .

فقال عزّوجلّ: هم أهل بیت النبوّة , ومعدن الرسالة , هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها .

فقال جبرائیل: یا ربّ أتأذن لی أن أهبط إلی الأرض لأکون معهم سادساً ؟ فقال الله: نعم قد أذنت لک .

فهبط الأمین جبرائیل وقال: السلام علیک یا رسول الله ! العلیّ الأعلی یقرئک السّلام ویخصّک بالتحِیّة والإکرام ویقول لک: وعزّتی جلالی إنّی ما خلقت سماءً مبنیّة , ولا أرضاً مدحیّة , ولا قمراً منیراً , ولا شمساً مضیئةً , ولا فلکاً یدور , ولا بحراً یجری ولا فلکاً یسری إلاّ لأجلکم ومحبّتکم , وقد أذن لی أن أدخل معکم , فهل تأذن لی یا رسول الله ؟ !

فقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ): وعلیک السلام یا أمین وحی الله ! إنّه نعم قد أذنت لک . فدخل جبرائیل معنا تحت الکساء ((1)) .

وعن علی علیه السلام عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم قال: نزل جبرائیل علیه السلام فقال:

یا محمد إن الله یقرئک [ یقرأ علیک ] السلام ویقول: اشتققت للمؤمن اسما من أسمائی سمیته مؤمنا , فالمؤمن منی وأنا منه من استهان بمؤمن

[ مؤمنا ] فقد استقبلنی بالمحاربة . یا عبد الله وحدثنی أبی عن آبائه عن علی علیه السلام عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم أنه قال یوما:

ص: 91

یا علی لا تناظر رجلا حتی تنظر فی سریرته , فإن کانت سریرته حسنة فإن الله عز وجل لم یکن لیخذل ولیه وإن کانت سریرته ردیة فقد یکفیه مساوئه فلو جهدت أن تعمل به أکثر ما عمل به من معاصی الله عز وجل الله تعالی ما قدرت علیه ((1)) .

وعن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام (إنه ) قال: نزل جبرائیل علیه السلام علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم بهذه الآیة: (فأبی أکثر الناس إلا کفورا ) ((2)) .

قال بولایة علی علیه السلام ((3)) .

ونزل جبرائیل فی ثلاثین ألفا من الملائکة لیلة القدر بولایة علی وولایة الأوصیاء من ولده صلوات الله علیهم أجمعین ((4)) .

ونزل جبرائیل علیه السلام علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم , فقال:

یا محمد زوج علیا " فاطمة صلوات الله علیها , فزوجه إیاها بوحی الله عز وجل ((5)) .

ص: 92

ونزل جبرائیل علیه السلام ب { إنما ولیکم الله ورسوله والذین آمنوا الذین یقیمون الصلاة ویؤتون الزکاة وهم راکعون } ((1)) .

وقد نزل جبرائیل لیلة مات أبو طالب فقال: یا محمد اخرج من مکة فمالک بها ناصر بعد أبی طالب ((2)) .

وعن أبی مسعود الأنصاری ان النبی صلی الله علیه و آله و سلم قال نزل جبرائیل فأخبرنی بوقت الصلاة فصلیت معه ثم صلیت معه ثم صلیت معه ثم صلیت معه ((3)) .

ونزل جبرائیل علی رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) فأخبره بنفیر المشرکین من مکة فاستشار أصحابه فی طلب العیر وحرب النفیر ((4)) .

ص: 93

وجاء: دعا رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) علیا ( علیه السلام ) , وقال له: یا علی إن الروح هبط علیﹼ بهذه الآیة آنفا , یخبرنی أن قریشا اجتمعوا علی المکر بی وقتلی , وأنه أوحی إلی ربی (عز وجل ) أن أهجر دار قومی , وأن انطلق إلی غار ثور تحت لیلتی , وأنه أمرنی أن آمرک بالمبیت علی مضجعی ((1)) .

ص: 95

وقال تعالی: { إنَّا أوْحَیْنَا إلَیْکَ کَمَا أوْحَیْنَا إلَی نُوح وَالنَّبِیِّینَ مِنْ بَعْدِهِ وَأوْحَیْنَا إلَی إبْرَاهِیمَ وَإسْمَاعِیلَ وَإسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِیسَی وَأیُّوبَ وَیُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَیْمَانَ وَآتَیْنَا دَاوُودَ زَبُوراً 163} _سورة النساء.

و قال تعالی: (وَجَعَلْنَاهُمْ أئِمَّةً یَهْدُونَ بِأمْرِنَا )_سورة

الانبیاء 73 .

لا بأمر الناس (وَأوْحَیْنَا إلَیْهِمْ فِعْلَ الخَیْرَاتِ وَإقَامَ الصَّلاةِ وَإیتَاءَ الزَّکَاةِ وَکَانُوا لَنَا عَابِدِینَ) .سورة الأنبیاء 21 / 73 .

وقال الإمام الباقر

علیه السلام : یعنی الأئمة من ولد فاطمة علیهم السلام یوحی الیهم بالروح فی صدورهم ثم ذکر ما أکرمهم الله به فقال: (فِعْلَ الخَیْرَاتِ)((1)) .

وقال نجاح الطائی: جبرائیل فهو الذی کان مع النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم فی طفولته وصباه وهو الذی نزل بالقرآن علی النبی فی غار حراء ونزل بباقی السور القرآنیة فی مکة والمدینة .وهو الذی أخبر النبی بالاوامر والنصائح الالهیة .

وهو الذی نزل فی الحروب الی جانب النبی .

وفی قضیة حدیث الکساء کان جبرائیل سادسا لهم .

وجبرائیل هو الذی نادی فی السماء:

لا فتی إلاَّ علی - لا سیف إلاّ ذو الفقار ((2)) .

ص: 96

ص: 97

وجبرائیل هو الذی کان مع النبی صلی الله علیه و آله و سلم عند الموت الی جانب عزرائیل .وقال البعض ان جبرائیل هو الروح الذی ورد ذکره فی القرآن والحدیث وهو أعظم الملائکة ولو کان هناک ملک آخر لکان هو المبلغ للقرآن المجید وهو الناصر للنبی فی الحروب وهو الحاضر معه عند الموت .

وقد مجدت الادیان السماویة جبرائیل وقال النصاری عقیدتنا: الله والابن وروح القدس . وقال معظم المفسرین الروح هو جبرائیل .

النتیجة النهائیة: قال الامام علی علیه السلام إن الروح خلق لیس من الملائکة ولیس کلما طلب وجد .

الروح غیر جبرائیل وهو أعظم من الملائکة ولیس منهم وهو الذی یرافق أهل البیت .

ومنه بسنده عن جابر: قال: سألت أبا جعفر علیه السلام : عن علم العالم ، فقال « یا جابر: ، إنّ فی الأنبیاء والأوصیاء خمسة أرواح: روح القدس ، وروح الإیمان ، وروح الحیاة ، وروح القوّة ، وروح الشهوة . فبروح القدس عرفوا ما تحت العرش إلی ما تحت الثری . یا جابر: ، إنّ هذه الأرواح یصیبها الحدثان إلَّا روح القدس ، فإنّها لا تلهو ولا تلعب ((1)) » .

ص: 98

وقال الامام الصادق علیه السلام : انتقل روح القدس فصار فی الإمام علیه السلام ، وروح القدس لا ینام ولا یغفل ولا یلهو ولا یسهو ، والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو ، وروح القدس ثابت یَری به ما فی شرق الأرض وغربها وبرّها وبحرها . قلت جعلت فداک یتناول الامام ما ببغداد بیده قال نعم و ما دون العرش ((1)).

{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِی أوْحَیْنَا إلَیْکَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ بِهِ عَلَیْنَا وَکِیلا86 } _سورة الاسراء .

ومعناه انی أقدر ان آخذ ما أعطیک , کما منعته من غیرک , لکنی دبرتک بالرحمة لک , فأعطیتک ما تحتاج إلیه ومنعتک ما لا تحتاج إلیه والی النص علیه . وان توهم قوم أنه مما یحتاج إلیه , فتدبر أنت بتدبیر ربک وارض بما اختاره لک , ولو فعلنا ذلک لم تجد لک علینا وکیلا یستوفی ذلک منا . وقال قوم: معنی { وان شئنا لنذهبن } أی لنمحون _ هنا _ القرآن من صدرک وصدر أمتک . وقوله: الا رحمة من ربک ((2)) .

ص: 99

أعطاک ما أعطاک من العلوم ومنعک ما منعک منها إن فضل الله کان فیما مضی وفیما یستقبل علیک کبیرا

عظیما , فقابله بالشکر .

السیوطی فی (الدر المنثور ) یرفعه إلی ابن عباس , أنه قال: قدم وفد الیمن علی رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) فقالوا: أبیت اللعن . فقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ): « سبحان الله ! إنما یقال هذا للملک ولست ملکا , أنا محمد بن عبد الله » . فقالوا: إنا لا ندعوک باسمک . قال ( صلی الله علیه و آله و سلم ): « فأنا أبو القاسم » .

فقالوا: یا أبا القاسم , إنا قد خبأنا لک خبیئا . فقال: « سبحان الله ! إنما یفعل هذا بالکاهن , والکاهن والمتکهن والکهانة فی النار » .

فقال له أحدهم: فمن یشهد لک أنک رسول الله ؟ فضرب بیده إلی حفنة حصا فأخذها فقال: « هذا یشهد أنی رسول الله » فسبحن فی یده فقلن: نشهد أنک رسول الله . فقالوا له: أسمعنا بعض ما انزل علیک . فقرأ: {والصَّافَّاتِ صَفًّا } حتی انتهی إلی قوله فَأَتْبَعَه شِهابٌ ثاقِبٌ فإنه لساکن ما ینبض منه عرق وإن دموعه لتسبقه إلی لحیته , فقالوا له: إنا نراک تبکی ! أمن خوف الذی بعثک تبکی ؟ ! قال: « بل من خوف الذی بعثنی أبکی , إنه بعثنی علی طریق مثل حد السیف , إن زغت عنه هلکت » . ثم قرأ (ولَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ بِه عَلَیْنا وَکِیلًا )((1)) .

{إلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ إنَّ فَضْلَهُ کَانَ عَلَیْکَ کَبِیراً 87 }سورة الاسراء .

ص: 100

ولکن برحمة الله یبقی کل شیء حیث یغض النظر عن الکثیر من أفعال العباد .

والقمی قال : المخاطبة للنبی صلی الله علیه و آله و سلم والمعنی للناس .

ولولا الرحمة الالهیة لصعب علی الناس اکمال حیاتهم فی الارض والدخول فی جنة الله تعالی .

الله تعالی رحمن الدنیا یعطی للکافر والمسلم رحیم الاخرة فالکل یستفید منه فی الدنیا لذا قال سبحانه:

{إلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ إنَّ فَضْلَهُ کَانَ عَلَیْکَ کَبِیراً 87 }_سورة الاسراء .

هذه الرحمة الالهیة تسمح للکفار والمنافقین لادامة الحیاة فی الارض ثم الحساب فی الاخرة .

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنسُ وَالجِنُّ عَلَی أنْ یَأتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لا یَأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ کَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِیراً } 88 _سورة الاسراء .

وفعلا حاول الکثیر من الانس المجیء بقرآن مثله ففشلوا .

قال الله تبارک وتعالی: (إن علینا جمعه وقرآنه ) .

وفعلا جمعه الامام علی علیه السلام وبقی کاملا فی یدیه حتی أجبر عثمان علی نسخه ونشره فی البلدان .

علی خلاف منهج ابی بکر وعمر المخالفین لنسخ القرآن ونشره .

ص: 101

و وعد الله تعالی فی قوله فی سورة الحجر بحفظ القرآن من کل المؤامرات والمشاریع العدوانیة حیث قال:

(إنا نحن نزلنا الذکر وإنا له لحافظون ) .

وقد حاول مسیلمة الکذاب وجناح التمیمیة وباقی المتنبئین الکذابین بالمجیء بنصوص شبیهة بالقرآن ففشلوا وانهزموا هزیمة منکرة .

و من خصال أهل نجد التزویر والتحریف فقد قال مسیلمة قرآنا مزیفا :

انا أعطیناک التفاح فصلی لربک وارتاح ان شانئک هو التمساح .

وقال فی معارضة سورة الکوثر:

" إنا أعطیناک الجواهر فصل لربک وجاهر , ولا تعتمد قول ساحر

"((1)) : لاحظ کیف یقلد مسیلمة القرآن فی نظمه وترکیبه ویغیر بعض ألفاظه , ویوهم الناس أنه یعارض القرآن .

واستمر مسیلمة فی کذبه قائلا:

" إنا أعطیناک الجواهر , فصل لربک وجاهر , وإن مبغضک رجل کافر .هذه الاقوال المسیلمیة النجدیة تبین روح الوضع والاختلاق عند النجدیین الوهابیین للوصول الی مآربهم .

ومن آیات مسیلمة الکذاب قوله: ما قاله معارضاً سورة «الذاریات»:

ص: 102

«والمبذرات بذراً. والحاصدات حصداً. والذاریات قمحاً. والطاحنات طحناً. والعاجنات عجناً. والخابزات خبزاً. والثاردات ثرداً. واللاقمات لقماً. اهالة وسمناً » ((1)) .

ومن آیاته الکاذبة: «یا ضفدع نقّی فإنّک نعم ما تنقین، لا وارداً تنفرین، ولا ماء تکدرین ((2)) ».

ومن جملة قرآنه المزور:

«والمنذرات زرعاً , والحاصدات حصداً , والذاریات قمحاً , والطاحنات طحناً , والخابزات خبزاً , والثاردات ثرداً , واللاقمات لقماً , اهالة وسمناً , لقد فضلتم علی أهل الوبر , وما سبقکم أهل المدر , ریفکم فامنعوه والمعتر فاووه , والباغی فناووه»((3)) .

وکان یقول: اضفدع ابنة ضفدع , نقی ما تنقین , أعلاک فی الماء ,

وأسفلک فی الطین , لا الشارب تمنعین , ولا الماء تکدرین((4)) .

ص: 103

وحکی عن کتاب «الحیوان» للجاحظ انّه قال: ما أدری ما الذی دعا مسیلمة إلی أن یذکر اسم الضفدع , ویجعله من جملة قرآنه الذی یزعم انّه قد أوحی به.وکان یقول: «والشاء وألوانها , وأعجبها السود وألبانها , الشاة السوداء , واللبن الأبیض , انّه لعجب محض , وقد حرم المذق فما لکم لا تمجعون».

وکان یقول: «الفیل وما الفیل , وما أدریک ما الفیل , له ذنب وثیل , وخرطومٌ طویل».

وادعی طلیحة الأسدی آیات سخیفة أیضا جاء فیها:

ما یفعل الله بتعفیر خدودکم , وفتح أدیارکم , اذکروا الله أعفة قیاما ((1)) .

واستمر مسیلمة النجدی فی اکاذیبه فنزل فیه قوله تعالی:

{ومن أظلم ممن افتری علی الله کذبا أو قال أوحی إلی ولم یوح إلیه شئ ومن قال سانزل مثل ما أنزل الله ولو تری إذ الظالمون فی غمرات الموت والملئکة باسطوا أیدیهم أخرجوا أنفسکم الیوم تجزون عذاب الهون بما کنتم تقولون علی الله غیر الحق وکنتم عن آیاته تستکبرون } .

ص: 104

وقال اکثر المفسرین ان قوله " ومن اظلم ممن افتری علی الله کذبا " نزلت فی مسیلمة الکذاب حیث ادعی النبوة ((1)) .

وقال البلخی

قوله تعالی: { وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللّهِ کَذِباً أوْ قَالَ اُوحِیَ إلَیَّ وَلَمْ یُوحَ إلَیْهِ شَیْء } _ سورة الانعام .

هؤلاء هم الذین ادعوا النبوة بغیر برهان وکذبوا علی الله " ومن قال سأنزل مثل ماانزل الله " هم الذین قالوا " لونشاء لقلنا مثل هذا ان هذا الا أساطیر الاولین " ((2)) .

قال إنی أصم _ قالها ثلاثا کل ذلک تقیة _ فتقول ذلک فضرب عنقه فبلغ ذلک

النبی فقال أما هذا المقتول فمضی علی صدقه وتقیته وأخذ بفضله فهنیئا له.

وأما الاخر فقبل رخصة الله، فلا تبعة علیه فعلی هذا التقیة رخصة والافصاح بالحق فضیلة.

ونقرأ فی تاریخ (حبیب بن زید) أنّه لما أسره مسیلمة الکذاب فقد سأله: هل تشهد أنّ محمّداً رسول اللّه؟

قال: نعم.

ثمّ سأله: أتشهد أنّی رسول اللّه؟

فأجابه ساخراً: إِنّی لا أسمع ما تقول! فقطعوه إِرباً إِرباً .

وکان اتباع مسیلمة الکذاب مسلمین ثم خرجوا من الدین فاصبحوا من الخوارج ونشأ اولادهم الخوارج الوهابیون علی منهجهم عبیدا للیهود والصلیبیین وقتلة للمسلمین .

فتراهم یقطعون المسلمین قطعة قطعة ویتمرغون علی أقدام المستکبرین الکفار .

هؤلاء الوهابیون الخوارج یقتلون السنة والشیعة ویسعون لان تکون المناطق السنیة عشا وسکنا لهم لیضیعوا فی مدنهم وقراهم وأغلبهم لا یصلون ویدعون انهم وصلوا درجة الیقین .

ص: 106

وادعی الوهابیون الخوارج اذا قتل الواحد منهم عشرة من الشیعة فلا صلاة علیه ویسمی الامیر .

ولا یهتمون بالعفة والشرف والعقود الاسلامیة ویخترعون جهاد النکاح الذی لم یسمع به النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم وعلماء المسلمین السابقین رغبة منهم فی افناء الدین وافساد عفة المسلمین .

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِی هَذَا القُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَل فَأبَی أکْثَرُ النَّاسِ إلا کُفُوراً } 89_سورة الاسراء .

من کل وجه من العبر والأحکام والوعد والوعید وغیرها .

أی وجهنا وبینا .

أی وبینا من الأمثال وغیرها مما یوجب الاعتبار به .

الطبری: یقول عزَّ ذکره: ولقد بینا للناس فی هذا القرآن من کل مثل , احتجاجا بذلک کله علیهم , وتذکیرا لهم , وتنبیها علی الحق لیتبعوه ویعملوا به فأبی أکثر الناس إلا کفورا یقول: فأبی أکثر الناس إلا جحودا للحق , وإنکارا لحجج الله وأدلته ((1)) .

وقال الحاکم الحسکانی الحنفی: قرأت فی التفسیر العتیق , قال: حدثنا العباس بن الفضل , عن محمد بن فضیل , عن أبی حمزة الثمالی , عن الامام أبی جعفر الباقر محمد بن علی بن الحسین فی قوله تعالی: (فأبی

ص: 107

أکثر الناس إلا کفورا ) قال [ فی تأویله: یعنی ] بولایة علی یوم أقامه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم نزلت فی ولایة علی بن أبی طالب ((1)) .

أمر الله تعالی الناس بولایة علی علیه السلام بکل الطرق الممکنة لکن أغلبهم حادوا عنها وتمسکوا بولایة الجبت والطاغوت .

وقال النبی علیه السلام « ایّها الناس , ترکت فیکم الثقلین خلیفتین , إنْ أخذتم بهما لن تضلّوا بعدی , أحدهما أکبر من الآخر , کتاب الله حبل ممدود ما بین السماء والأرض ,

وعترتی أهل بیتی , الاّ وإنّهما لن یفترقا حتیّ یردا علیَّ الحوض , ثم قال ( صلی الله علیه و آله و سلم ): ألست أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا: بلی, قال: إن الله مولای , وأنا مولی

المؤمنین , وعلی مولی من کنت مولاه, ثم أخذ بید علی وقال: من کنت مولاه فعلی مولاه , اللهم وال من والاه وعاد من عاداه , واخذل من خذله وانصر من نصره , وأدر الحق معه حیث کان ((2)) .

ص: 108

ص: 109

قال الالبانی: حدیث من کنت ولیه , فهذا ولیه , اللهم وال من والاه , وعاد من عاداه صحیح ((1)) .

فتری المؤمنین یتمسکون بولایة علی واولاده الائمة وتری الخوارج الوهابیین ینسلخون من الولایة والدین وینشغلون بفروجهم وأهوائهم , وهمهم الاکبر اراقة دماء المسلمین والتسلط علیهم بالنار والحدید.

{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّی تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ یَنْبُوعاً90 } سورة الاسراء .

ابتدأ عبد الله بن أبی أمیة المخزومی فقال: یا محمد , لقد أدعیت دعوی عظیمة , وقلت مقالا هائلا , زعمت أنک رسول الله رب العالمین , وما ینبغی لرب العالمین وخالق الخلق أجمعین أن یکون مثلک رسولا له ! بشر مثلنا ,

ص: 110

تأکل کما نأکل , وتمشی فی الأسواق کما نمشی , فهذا ملک الروم , وهذا ملک الفرس لا یبعثان رسولا إلا کثیر المال , عظیم الحال , له قصور ودور

[ وبساتین ] وفساطیط وخیام وعبید وخدام , ورب العالمین فوق هؤلاء کلهم أجمعین , فهم عبیده , ولو کنت نبیا لکان معک ملک یصدقک ونشاهده , بل لو أراد الله أن یبعث إلینا نبیا لکان إنما یبعث إلینا ملکا , لا بشرا مثلنا , ما أنت یا محمد إلا مسحورا , ولست بنبی .

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : هل بقی من کلامک شئ ؟ قال: بلی , لو أراد الله أن یبعث رسولا لبعث أجل من فیما بیننا مالا , وأحسنه حالا , فهلا نزل هذا القرآن _ الذی تزعم أن الله أنزله علیک , وابتعثک به رسولا _ علی رجل من القریتین عظیم: إما الولید بن المغیرة بمکة , وإما عروة بن مسعود الثقفی بالطائف .

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : هل بقی من کلامک شئ یا عبد الله ؟

قال: بلی , لن نؤمن لک حتی تفجر لنا من الأرض ینبوعا بمکة هذه , فإنها ذات حجارة وعرة وجبال , تکسح أرضها وتحفرها , وتجری فیها العیون , فإننا إلی ذلک محتاجون , أو تکون لک جنة من نخیل وعنب , فتأکل منها وتطعمنا , فتفجر الأنهار خلالها _ خلال تلک النخیل والأعناب _ تفجیرا , أو تسقط السماء کما زعمت علینا کسفا , فإنک قلت لنا: (وإن یروا کسفا من السماء ساقطا یقولوا سحاب مرکوم ولعلنا نقول ذلک .ثم قال: ولن نؤمن لک أو تأتی بالله والملائکة قبیلا , تأتی به وبهم وهم لنا مقابلون أو یکون

ص: 111

لک بیت من زخرف تعطینا منه , وتغنینا به فلعلنا نطغی , فإنک قلت لنا: (کلا إن الانسان لیطغی أن رآه استغنی ) ((1)) .

هؤلاء الکفار اشترطوا المعجزات لابطال الاسلام ولیس طلبا للایمان بالدین فلو جاءهم بالمعجزة لقالوا: سحرا مثلما قالوا هذا عندما فلق لهم القمر نصفین .

ولو امتنع عن ایجاد المعجزة قالوا تبین ضعف الدین وانه غیر سماوی فهم یتفنون فی ابطال الرسالة الالهیة .

مثل کفار الدیانات السابقة لم یریدوا المعجزات لاتباع الدین فتراهم قد قتلوا الناقو وقتلوا الانبیاء واوصیائهم واصحابهم .

{أوْ تَکُونَ لَکَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِیل وَعِنَب فَتُفَجِّرَ الأنهَارَ خِلالَهَا

تَفْجِیرا }91 سورة الاسراء .

جنة راقیة فیها فاکهة متنوعة یأکلون منها .

قال ابن هشام: الینبوع: ما نبع من الماء من الأرض وغیرها , وجمعه:

ینابیع , قال ابن هرمة , واسمه إبراهیم بن عبد الله الفهری:

وإذا هرقت بکل دار عبرة * نزف الشؤون ودمعک الینبوع وهذا البیت فی قصیدة له .

ص: 112

{أوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ کَمَا زَعَمْتَ عَلَیْنَا کِسَفاً أوْ تَأتِیَ بِاللّهِ وَالمَلائِکَةِ قَبِیلا } 92: تسقط السماء قطعا قطعا .

والکسف: القطع من العذاب , وواحدته کسفة مثل سدرة وسدر . وهی أیضا: واحدة الکسف , والقبیل: یکون مقابلة ومعاینة , وهو کقوله تعالی: { أو یأتیهم العذاب قبلا _ 55 من سورة الکهف }: أی عیانا .

لا یؤمنون ابدا .

فقال الله تعالی: یا محمد " هل ینظرون " أی هل ینظر هؤلاء المکذبون بعد إیضاحنا لهم الآیات وقطعنا معاذیرهم بالمعجزات " إلا أن یأتیهم الله فی ظلل من الغمام والملائکة " ویأتیهم الملائکة کما کانوا اقترحوا علیک اقتراحهم المحال فی الدنیا فی إتیان الله الذی لا یجوز علیه , وإتیان الملائکة .

فی تفسیر علی بن إبراهیم قوله: " وقالوا لن نؤمن لک حتی تفجر لنا من الأرض ینبوعا " فانها نزلت فی عبد الله ابن أبی أمیة أخی أم سلمة رحمة الله علیها , وذلک أنه قال هذا لرسول الله بمکة قبل الهجرة , فلما خرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلی فتح مکة استقبله عبد الله بن أبی أمیة فسلم علی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فلم یرد علیه السلام اعرض عنه ولم یجبه بشئ وکانت أخته أم سلمة مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فدخل إلیها فقال: یا أختی ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قد قبل إسلام الناس کلهم ورد علیَّ إسلامی , فلیس یقبلنی کما قبل غیره ؟

ص: 113

فلما دخل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قالت: بأبی أنت وأمی یا رسول الله سعد بک جمیع الناس إلا أخی من بین قریش والعرب , رددت إسلامه وقبلت إسلام الناس کلهم إلا أخی ؟

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : یا أم سلمة ان أخاک کذبنی تکذیبا لم یکذبنی أحد من الناس , هو الذی قال: " لن نؤمن لک حتی تفجر لنا من الأرض ینبوعا أو یکون لک جنة من نخیل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجیرا أو تسقط السماء کما زعمت علینا کسفا أو تأتی بالله والملائکة قبیلا أو یکون لک بیت من زخرف أو ترقی فی السماء ولن نؤمن لرقیک حتی تنزل علینا کتابا نقرؤه " قالت أم سلمة: بأبی أنت وأمی یا رسول الله ألم تقل ان الإسلام یجب ما قلبه ؟ قال: نعم , فقبل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إسلامه ((1)) .

{أوْ یَکُونَ لَکَ بَیْتٌ مِنْ زُخْرُف أوْ تَرْقَی فِی السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِیِّکَ حَتَّی تُنَزِّلَ عَلَیْنَا کِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّی هَلْ کُنتُ إلا بَشَراً رَسُولا } 93 _سورة الاسراء .

ثم لا أدری _ یا محمد _ إذا فعلت هذا کله أؤمن بک أولا أؤمن بک , بل لو رفعتنا إلی السماء وفتحت أبوابها ودخلناها لقلنا: إنما سکرت أبصارنا ,

ص: 114

وسحرتنا . وکذلک یحاجج النواصب الیوم لا لکی یعرفوا الحقائق بل لیبطلوا مذهب أهل البیت علیهم السلام .

جاء من التفسیر من ذهب _ أو فسر بمطلق التزیین کما فی الغریبین وعن الجمهرة وتهذیب اللغة والمحیط وعن الأزهری أنه حکاه عن أبی عبیدة وإن قال ویقال الزخرف الذهب , کما أن الهروی بعد أن ذکر أنه کمال حسن الشئ , قال:

ویقال للذهب زخرف , ونحوه ما عن الراغب من أن الزخرف الزینة المروقیة , ومنه قیل للذهب زخرف , لعدم الدلیل علی کل منهما , خصوصا الثانی , إذ قضیته حرمة مطلق التزیین بالذهب وغیره کما هو خیرة المعتبر وعن غیره , بل لعله خیرة القواعد وغیرها أیضا مما عطف فیها النقش بالذهب علی الزخرف فی الحرمة , وإن کان هو علی هذا التقدیر من عطف الخاص علی العام , ولذا قیل: إن المراد بالزخرف التذهیب بلا نقش کی یصح عطف النقش به حینئذ علیه , لکن فیه أن النقش استخراج الشئ واستیعابه حتی لا یترک منه شئ کما عن ابن فارس , قال: ومنه نقش الشعر بالمنقاش , ومنه المناقشة والاستقصاء بالحساب إلی أن قال: ومن الباب نقش الشئ تحسینه , فإنه ینقشه أی ینفی عنه معایبه وفی کشف اللثام عن الأزهری عن المنذر عن أبی الهیثم أنه الأثر , فیکون معناه المصدری

ص: 115

التأثیر , وفی المجمع وعن القاموس أنه تلوین الشئ بلونین أو ألوان , وعلی کل حال فهو راجع إلی الزخرف ((1)) .

الخرائج: روی عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) أنه قال: قال عبد الله بن أمیة لرسول الله:

إنا لن نؤمن لک حتی تأتینا بالله والملائکة قبیلا , أو یکون لک بیت من زخرف أو ترقی فی السماء , ولن نؤمن لرقیک , والله لو فعلت ذلک ما کنت أدری أصدقت أم لا , فانصرف النبی ( صلی الله علیه و آله و سلم ) ثم نظروا فی أمورهم فقال أبو جهل: لئن أصبحت وهو قد دخل المسجد لأطرحن علی رأسه أعظم حجر أقدر علیه , فدخل رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) المسجد فصلی , فأخذ أبو جهل الحجر وقریش تنظر , فلما دنا لیرمی بالحجر من یده أخذته الرعدة , فقالوا: مالک ؟

قال: رأیت أمثال الجبال متقنعین فی الحدید لو تحرکت أخذونی ((2)) .

وقال نجاح الطائی:

أخذ الکفار یتفننون فی المطالبة بالامور التعجیزیة لابطال الدین فی نظر القاصرین , یطلبون بیتا من ذهب وصعودا الی السماء ومجیء الله والملائکة

ص: 116

صفا وأن تنبع عین ماء لهم وان یکون للنبی جنائن معلقة من بساتین وریاض.

ولیس لطلباتهم سقف معلوم بل هی الی ما لا نهایة له رجاء منع الناس عن الاسلام . وکلما شاهدوا وسمعوا معجزة قالوا: انها سحر !!!

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أنْ یُؤْمِنُوا إذْ جَاءَهُمُ الهُدَی إلا أنْ قَالُوا أبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَسُولا } 94 _سورة الاسراء .

الحسد یصیب الکفار فی بعثة النبی الاکرم فهم یحسدون شخصا اصبح رسولا لرب العالمین فیریدون ملکا من غیر جنسهم الانسانی .ولو نزل علیهم ملک من الملائکة لاخترعوا حججا أخری لاستمرار کفرهم وغیهم .

حسدهم لا یسمح لهم ان یتقبلوا بشرا رسولا وفعلا قال عمر: قریش أحسد الناس .

وقال عمر لابن عباس: إنَّ المانع من بیعة الناس لعلی هو حسد قریش لإجتماع النبوة والخلافة فی بنی هاشم .

ومن صراحته السیاسیة قال عمر فی أبی بکر: إنَّه أحسد قریش((1)) .

وبین

معاویة لابن عباس حسده للنبوة والامامة حین قال بعدم اجتماع النبوة والخلافة لاحد قال ابن عباس: قال الله تعالی لقد آتینا آل ابراهیم الکتاب

ص: 117

والحکمة وآتیناهم ملکاً عظیماً فالکتاب النبوة والحکمة السنة والملک الخلافة نحن آل ابراهیم أمر الله تعالی فینا وفیهم واحد ((1)) .

وقال الامام علیه السلام : أم یحسدون الناس علی ما آتیهم الله من فضله " فنحن المحسودون علی ما أتانا الله من الإمامة دون خلق الله جمیعا " فقد آتینا آل إبراهیم الکتاب والحکمة وآتیناهم ملکا عظیما "((2)) .

والهدی تعنی ولایة الامام علی فهی تشمل التوحید والنبوة والامامة .

{قُلْ لَوْ کَانَ فِی الأرْضِ مَلائِکَةٌ یَمْشُونَ مُطْمَئِنِّینَ لَنَزَّلْنَا عَلَیْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَکاً رَسُولا 95 } _سورة الاسراء .

یرسل الله تعالی رسولا من جنس المرسل الیهم فلو کانوا بشرا یرسل الیهم بشرا ولو کانوا ملائکة یرسل الیهم ملکا .

أی ساکنین قاطنین " لنزلنا علیهم من السماء ملکا رسولا " منهم , وقیل: معناه: مطمئنین إلی الدنیا ولذاتها غیر خائفین ولا متعبدین بشرع , وقیل: معناه: لو کان أهل الأرض ملائکة لبعثنا إلیهم ملکا لیکونوا إلی الفهم إلیه أسرع , وقیل: إن العرب قالوا:

ص: 118

کنا ساکنین مطمئنین فجاء محمد فأزعجنا وشوش علینا أمرنا , فبین الله سبحانه أنهم لو کانوا ملائکة مطمئنین لأوجبت الحکمة إرسال الرسل إلیهم , فکذلک کون الناس مطمئنین لا یمنع من إرسال الرسل إلیهم إذ هم إلیه أحوج من الملائکة ((1)) .

وعن جابر عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام قال: بینا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم جالس وعنده جبرئیل إذ حانت من جبرئیل علیه السلام نظرة قبل السماء فامتقع لونه حتی صار کأنه کرکمة ثم لاذ برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم , فنظر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلی حیث نظر جبرئیل فإذا شئ قد ملا ما بین الخافقین مقبلا حتی کان کقاب من الأرض ثم قال: یا محمد إنی رسول الله إلیک أخبرک أن تکون ملکا رسولا أحب إلیک أو تکون عبدا رسولا فالتفت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلی جبرئیل وقد رجع إلیه لونه , فقال جبرئیل: بل کن عبدا رسولا , فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم :

بل أکون عبدا رسولا فرفع الملک رجله الیمنی فوضعها فی کبد السماء الدنیا ثم رفع الأخری فوضعها فی الثانیة ثم رفع الیمنی فوضعها فی الثالثة ثم هکذا حتی انتهی إلی السماء السابعة کل سماء خطوة وکلما ارتفع صغر حتی صار آخر ذلک مثل الذر _ الصر فالتفت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلی جبرئیل

ص: 119

فقال: لقد رأیتک ذعرا وما رأیت شیئا کان أذعر لی من تغیر لونک , فقال: یا نبی الله لا تلمنی أتدری من هذا ؟

قال: لا , قال: هذا إسرافیل حاجب الرب ولم ینزل من مکانه منذ خلق الله السماوات والأرض , فلما رأیته منحطا ظننت انه جاء بقیام الساعة , فکان الذی رأیت من تغیر لونی لذلک , فلما رأیت ما اصطفاک الله به رجع إلی لونی ونفسی أما رأیته کلما ارتفع صغر, انه لیس شئ یدنو من الرب إلا صغر لعظمته ان هذا حاجب الرب وأقرب خلق الله منه واللوح بین عینیه من یاقوتة حمراء فإذا تکلم الرب تبارک وتعالی بالوحی ضرب اللوح جبینه فنظر فیه ثم یلقیه الینا فنسعی به فی السماوات والأرض انه لأدنی خلق الرحمن منه وبینه وبینه سبعون حجابا من نور تقطع دونها الابصار ما لا یعد ولا یوصف وانی لأقرب الخلق منه وبینی وبینه مسیرة الف عام وقوله: (وما منع الناس ان یؤمنوا إذ جاءهم الهدی إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ) قال: قال الکفار: لم لم یبعث الله الینا الملائکة ؟ فقال الله عز وجل:

(ولو بعثنا إلیهم ملکا لما آمنوا ولهلکوا ولو کانت الملائکة فی الأرض یمشون مطمئنین لنزلنا علیهم من السماء ملکا رسولا ) ((1)) .

وقال نجاح الطائی:

ص: 120

هذه الایة تبین أهمیة التبلیغ فی الاسلام ووجوبه لهدایة الناس الی الجنان وابعادهم عن الجحیم . بینما یعتقد البعض ان التبلیغ لا نحتاج الیه وان الانسان مسیر والتبلیغ لافائدة فیه .

هذه الایة تبین أن التبلیغ أمر قرآنی یحتاج الیه الناس فی الارض بکل طوائفهم وقومیاتهم .

{قُلْ کَفَی بِاللّهِ شَهِیداً بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ إنَّهُ کَانَ بِعِبَادِهِ خَبِیراً بَصِیراً } 96 _سورة الاسراء .

وجاء: { قُلْ کَفَی بِاللّهِ شَهِیداً بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الکِتَابِ } 43 _ سورة الرعد .

و عن عبد الله بن عطاء قال: قلت للامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام : هذا ابن عبد الله بن سلام [ بن عمران ] یزعم أن أباه الذی یقول الله: (قل کفی بالله شهیدا بینی وبینکم ومن عنده علم الکتاب ) قال: کذب , هو علی بن أبی طالب علیه السلام _ عن عبد الله بن عجلان عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام قال: سألته عن قوله (قل کفی بالله شهیدا بینی وبینکم ومن عنده علم الکتاب ) فقال: نزلت فی علی بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وفی الأئمة بعده وعلی عنده علم الکتاب ((1)) .

ص: 121

{وَمَنْ یَهْدِ اللّهُ فَهُوَ المُهْتَدِی وَمَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أوْلِیَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ یَوْمَ القِیَامَةِ عَلَی وُجُوهِهِمْ عُمْیاً وَبُکْماً وَصُمّاً مَأوَاهُمْ جَهَنَّمُ کُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِیراً } 97 _سورة الاسراء .

قال الطوسی: صریح الآیة یدل علی بطلان قول من قال لا یهدی إلی الحق الا الله تعالی , لان الله تعالی بین ان فیمن خلقه أمة یهدون بالحق وبه یعدلون , وظاهر ذلک الحقیقة وصریح الآیة بخلاف ما یقوله المخالف , ولا ینافی ذلک قوله تعالی:

{ من یهد الله فهو المهتدی } لأنه یصح اجتماعه مع ذلک , والمعنی من یهده الله إلی الجنة فهو المهتدی إلیها علی أن قوله تعالی { من یهد الله فهو المهتدی }, لا یمنع من أن یهدیه أیضا غیر الله ویهتدی , لان المتعلق بذلک تعلق بدلیل الخطاب .

وهو لیس بصحیح عند أکثر العلماء , علی أن من هدی غیره إلی الحق فإنما یهدیه بأن ینبهه علی الحجج التی نصبها الله علی الحق فجاز ان یضاف ذلک إلی أنه بهدایة الله .

ومن حمل قوله تعالی { یهدون } علی أن المعنی یهتدون فقد غلط , لان ذلک لا یعرف فی اللغة ((1)) .

ص: 122

من یعمل خیرا یهده الله تعالی الی الایمان فهو یستحق الجنة .

{ذَلِکَ جَزَاؤُهُمْ بِأنَّهُمْ کَفَرُوا بِآیَاتِنَا وَقَالُوا أإذَا کُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أإنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِیداً } 98 _سورة الاسراء .

کفروا بآیات الله سبحانه الکثیرة منها أهل البیت فهم آیاته تعالی ومنها ما خلق فی السماوات والارض من أنظمة ومخلوقات کثیرة ومتنوعة فهی دالة علی عظمته .

ثم أوجد الکفار شبهة لتکفیر الناس باستحالة خلق الناس من جدید بعد ان اصبحوا عظاما ورفاتا ؟

قال تعالی: (وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا اُوْلَئِکَ أصْحَابُ الجَحِیمِ) - المائدة 5 /10 .

وجاء أیضاً: (وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا «الدالات علی صدق محمد و علی ما أداه الی عباد الله من ذکر تفضیله لعلی وآله الطیبین((1)) , (اُوْلَئِکَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ_ البقرة 2 / 39 .

ابن المغازلی: یعنی الی ولایة علی بحقّ علی وحقّ علی واجب علی

العالمین ((2)) .

ص: 123

کفروا بایاتنا: آیات الله تعالی کثیرة جدا وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : ما لله تعالی آیة هی أکبر منی , ولا لله نبأ أعظم منی , ولقد فرضت ولایتی علی الأمم الماضیة , فابت أن تقبلها ((1)).

وقد مات الکثیر من الصحابة علی بغض علی علیه السلام ومعاداة خلافة علی علیه السلام ومحاربة علی علیه السلام ولم یتحمل الصحابة الوقوف فی صف لمحاربة أمیر المؤمنین علی علیه السلام الا ان عائشة شجعتهم علی هذا العصیان لله ورسوله وولیه .

ففی معرکة الجمل شجعت عائشة المنافقین علی الوقوف فی حرب لمحاربة علی علیه السلام مثلما وقف الکفار لمحاربته فی بدر واحد والخندق وخیبر وحنین وقد کانت خلافته الهیة بنص القرآن ونبویة بنص الغدیر وشعبیة بانتخاب الناس له بعد مقتل عثمان .

وبعد معرکتها فی الجمل تمکن معاویة من محاربته فی صفین وتمکن الخوارج من محاربته فی النهروان . فلولا عائشة لم یقو هؤلاء علی محاربته

ص: 124

وقد قال النبی علیه السلام : یا علی لا یحبک الا مؤمن طاهر المولد ولا یبغضک إلاّ ابن زنا ((1)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : یا علی أنت حجة الله وأنت باب الله , وأنت الطریق الی الله , وأنت النبا العظیم وأنت الصراط المستقیم , وأنت المثل الأعلی . یا علی أنت إمام المسلمین وأمیر المؤمنین وخیر الوصیین , وسید الصدیقین , یا علی أنت الفاروق الأعظم وأنت الصدیق الأکبر ((2)) .

ص: 125

یا علی أنت خلیفتی وأنت قاضی عنی دینی , وانت منجز عداتی , وأنت المظلوم بعدی ((1)).

{ أوَ لَمْ یَرَوْا أنَّ اللّهَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ عَلَی أنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أجَلا لا رَیْبَ فِیهِ فَأبَی الظَّالِمُونَ إلا کُفُوراً 99 } _سورة الاسراء .

ص: 126

لکن کیف یتعجبون ویقولون باستحالة ذلک بینما یمکن لله تعالی أن یخلق مثل السماوات والارض .

من أبسط الامور عند الله تعالی خلق الانسان فکیف یصعب علیه اعادة خلقه من جدید .

الانسان القدیم کان یصنع الاشیاء من الطین منها الصنم والبیت والتنور ثم یخربه ویعید بناءه بدون مصاعب فکیف یستصعبون ذلک لخالق الکون ورب العالمین ؟

{ قُلْ لَوْ أنتُمْ تَمْلِکُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّی إذاً لاَمْسَکْتُمْ خَشْیَةَ الإنفَاقِ وَکَانَ الإنْسَانُ قَتُوراً }100 _سورة الاسراء .

أنتم بخلاء فی سیرتکم حیث تمسکون الاموال ولا تعطوها الفقراء والمساکین والایتام بینما یعطی تعالی رزقه للکفار والمسلمین .

قال ابن عباس وقتادة: أی الفقر أی خشیة أن تذهبوها مع أنها لا تفرغ ولا تنفد أبدا لان هذا من طباعکم وسجایاکم ولهذا قال " وکان الانسان قتورا " .قال ابن عباس وقتادة أی بخیلا منوعا وقال الله تعالی " أم لهم نصیب من الملک فإذا لا یؤتون الناس نقیرا " أی لو أن لهم نصیبا فی ملک الله لما أعطوا أحدا شیئا ولا مقدار نقیر والله تعالی یصف الانسان من حیث هو إلا من وفقه الله وهداه فإن البخل والجزع والهلع صفة له کما قال تعالی " إن الانسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخیر منوعا إلا المصلین

ص: 127

" ولهذا نظائر کثیرة فی القرآن العزیز ویدل هذا علی کرمه وجوده وإحسانه وقد جاء فی الصحیحین " ید الله ملأی لا یغیضها نفقة سحاء اللیل والنهار أرأیتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم یغض ما فی یمینه "((1)) .

وذلک بعد الحکایة عن الکفار أنهم أنکروا بعثة الرسول البشری صلی الله علیه و آله و سلم وکما أخبر عز وجل عن قوم صالح علیه السلام حین قالوا " أألقی الذکر علیه من بیننا بل هو کذاب أشر .

سیعلمون غدا من الکذاب الأشر " وقوله تعالی " أم لهم ملک السماوات والأرض وما بینهما فلیرتقوا فی الأسباب " أی إن کان لهم ذلک فلیصعدوا فی الأسباب .

قال ابن عباس ومجاهد وسعید بن جبیر وقتادة وغیرهم یعنی طرق السماء وقال الضحاک رحمه الله تعالی فلیصعدوا إلی السماء السابعة قال عز وجل " جند ما هنالک مهزوم من الأحزاب " أی هؤلاء الجند المکذبون الذین هم فی عزة وشقاق سیهزمون ویغلبون ومکبتون کما کبت الذین من قبلهم من الأحزاب المکذبین وهذه الآیة کقوله جلت عظمته " أم یقولون نحن جمیع منتصر سیهزم الجمع ویولون الدبر " وکان ذلک یوم بدر " بل الساعة موعدهم والساعة أدهی وأمر " .

ص: 128

قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : یکره معاشرة البخیل .

وقال تعالی: {إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد 54 } _سورة ص .

وروی: الشاب السخی المقترف للذنوب , أحب إلی الله من الشیخ العابد البخیل ((1)) .

وروی: ما شئ یتقرب به إلی الله عز وجل أحب إلیه من إطعام الطعام , وإراقة الدماء وروی: أطیلوا الجلوس عند الموائد , فإنها أوقات لا تحسب من أعمارکم .

وروی: لو عملت طعاما بمائة ألف درهم , وأکل منه مؤمن واحد , لم یعد سرفا .

وروی عن العالم علیه السلام أنه قال: أطعموا الطعام , وأفشوا السلام , وصلوا والناس نیام , تدخلوا الجنة بسلام ((2)) .

و روی: إیاک والسخی , فإن الله عز وجل یأخذ بیده .

وروی: أن الله تبارک وتعالی یأخذ بناصیة السخی إذا اعتر .

(وبالله التوفیق , وعلیه التکلان , والله أعلم بالصواب , وأستعین الله فی

ص: 129

کل الأمور , وصلی الله علی محمد وآله الطیبین الطاهرین ) ((1)) .

قال تعالی: }َو یُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَی حُبِّهِ مِسْکِیناً وَیَتِیماً وَأسِیراً إنَّمَا نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِیدُ مِنْکُمْ جَزَاءًا وَلا شُکُوراً }: نزلت فی حق الامام علی علیه السلام ((2)) .

وهذا قمة الکرم والوفاء للدین والاخلاص للشریعة والفداء بالنفس والمال .

{وَلَقَدْ آتَیْنَا مُوسَی تِسْعَ آیَات بَیِّنَات فَاسْألْ بَنِی إسْرَائِیلَ إذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إنِّی لاَظُنُّکَ یَا مُوسَی مَسْحُوراً }101_سورة الاسراء .

وعن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قوله: (ولقد آتینا موسی تسع آیات بینات ) قال: الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر و العصا ویده .

اختلفوا فی هذه التسع , فقال ابن عباس والضحاک: هی ید موسی , وعصاه , ولسانه , والبحر , والطوفان , والجراد , والقمل , والضفادع والدم.

ص: 130

وشقّ البحر والحجر وإظلال الجبل وإنزال المنّ والسلوی علیه وعلی قومه , وأخذهم بالسنین ونقص من الثمرات , والطمس علی أموالهم من الأطعمة والدقیق والدراهم والدنانیر .

ذکر سبحانه خمسا منها فی الآیة 132 من سورة الأعراف:

{فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمُ الطُّوفانَ والْجَرادَ والْقُمَّلَ والضَّفادِعَ والدَّمَ آیاتٍ مُفَصَّلاتٍ } والأربع الباقیة أشار إلیها سبحانه فی آیات متفرقة وهی الید والعصا وحل العقدة من لسان موسی وانفلاق البحر (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِیزٍ مُقْتَدِرٍ ) .

أغرق سبحانه فرعون وملأه فی الیم , وکان من قبل یقول لقومه:

أَنَا رَبُّکُمُ الأَعْلی . . فأذاقه اللَّه عذاب الخزی فی الدنیا ولعذاب الآخرة أکبر.

وقال نجاح الطائی:

أعطی الله تعالی هذه الایات الکثیرة لموسی علیه السلام فأهلک بها فرعون وأذله وقتل جیشه ورغم ذلک لم یطع الیهودُ موسی وبقوا عاصین مخالفین .

فکیف اذا خرج الامام المهدی علیه السلام وهو یملک أضعاف ما یملکه موسی من القوة ؟ هل یتمکن الظالمون من الوقوف فی وجهه .

{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أنزَلَ هَؤُلاء إلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ بَصَائِرَ وَإنِّی لاَظُنُّکَ یَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً } 102 _سورة الاسراء .

ص: 131

قال موسی علیه السلام لفرعون لقد علمت انزاله تعالی لهذه الایات لهدایة الناس لکنک طغیت وانکرتها افتراءا منک علی الدین .

وانی لاظنک هالکا لا محالة بعد تلک الایات البینة وموقفک السلبی منها .

وفی روایة أبی الجارود , عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قوله: " فأراد أن یستفزهم من الأرض " أراد أن یخرجهم من الأرض وقد علم فرعون وقومه أنه ما أنزل تلک الآیات إلا الله وقوله: " فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بکم لفیفا " یعنی جمیعا .

وفی روایة علی بن إبراهیم: " فأراد " یعنی فرعون " أن یستفزهم من الأرض " أی یخرجهم من مصر " جئنا بکم لفیفا " أی من کل ناحیة .

تفسیر علی بن إبراهیم: " وهل أتاک حدیث موسی " یعنی قد أتاک . قوله: " فاخلع نعلیک " قال:

کانتا من جلد حمار میت " وأقم الصلاة لذکری " قال: إذا نسیتها ثم ذکرتها فصلها .

وفی روایة أبی الجارود , عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قوله: " آتیکم منها بقبس " یقول: آتیکم بقبس من النار " تصطلون " من البرد , وقوله: " أو أجد علی النار هدی " کان قد أخطأ الطریق یقول: أو أجد عند النار طریقا .

وقوله: " وأهش بها علی غنمی " یقول: أخبط بها الشجر لغنمی " ولی فیها مآرب أخری " فمن الفرق لم یستطع الکلام فجمع کلامه فقال:

ص: 132

" ولی فیها مآرب أخری " یقول: حوائج أخری ((1)) .

{فَأرَادَ أنْ یَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأرْضِ فَأغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِیعاً} 103_سورة الاسراء .

واستمر استکبار فرعون حینما أراد اخراج قوم موسی من مصر وهی أرضهم , فأغرقه الباری تعالی مع جیشه .

وقال نجاح الطائی: اراد فرعون أن یستخف موسی وقومه , وینفیهم من الأرض بالاستیصال . وهذا مشروع الطغاة مثلما یرید الخوارج الوهابیون استئصال الشیعة من الارض کی تخلوا لهم باعتبارهم یهود الامة الاسلامیة .

وعندما وصل فرعون الی هذا الامر أنزل الله تعالی نقمته علیه وأغرقه مع جیشه فاستأصلهم من الارض .

لقد عاملهم الله عز وجل اولا برحمته ولما دخلوا فی منهجهم الاستئصالی عاملهم بالاستئصال وقتلهم وهی المنهجیة القرآنیة:

{ویمکرون ویمکر الله والله خیر الماکرین }.

{وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِی إسْرَائِیلَ اسْکُنُوا الأرْضَ فَإذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِکُمْ لَفِیفاً } 104 _سورة الاسراء .

وبعدما أغرق تعالی فرعون وجیشه مکَّن بنی اسرائیل من أن یسکنوا الشام الی یوم القیامة مع القومیات والمذاهب الاخری , حیث یأتون لفیفاً

ص: 133

مختلطین مع باقی الامم والشعوب تمهیدا لمحاکمة یوم القیامة . والله تعالی صادق لا یخلف وعده .

أی من فی القبور إلی الموقف للحساب والجزاء مختلطین , التف بعضکم ببعض لا تتعارفون , ولا ینحاز أحد منکم إلی قبیلته , وقیل: " لفیفا " أی جمیعا ((1)) .

جئنا بکم لفیفا " أی حشرناکم إلی أرض القیامة , مختلطین من کل قوم ومن کل قبیلة , قد التف بعضکم علی بعض لا تتعارفون , ولا ینحاز منکم أحد إلی قبیلة , ومن ذلک قولهم: لففت الجیوش إذا ضربت بعضها ببعض فاختلط الجمیع , وکل شئ اختلط بشئ فقد لف به , وقال مجاهد: معناه جئنا بکم من کل قوم . وقال قتادة:

جئنا بکم أجمع أولکم وآخرکم , وهو قول ابن عباس ومجاهد _ فی روایة _ والضحاک . و (لفیف ) مصدر تقول لففته لفا ولفیفا , فلذلک أخبر به عن الجمیع ولفیفا نصب علی الحال ((2)) .

أی جئنا بکم من کل جهة کنتم فیها للحساب لا یصعب علی الله تعالی ذلک فالمخلصون الصالحون الی الجنة والطالحون الی الجحیم .

ص: 134

{ وَبِالحَقِّ أنزَلْنَاهُ وَبِالحَقِّ نَزَلَ وَمَا أرْسَلْنَاکَ إلا مُبَشِّراً وَنَذِیراً } 105_سورة الاسراء .

نزل القرآن بالشرائع الحقة الفاضلة والنوامیس الخیرة والمشاریع الطیبة , وهو أید کل النظریات الحسنة الموجودة فی الارض . والنبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم مبشر بالجنة ومنذر بجهنم .

نزل القرآن بالحق فی کل شیء فهو شریعة هدایة للصراط المستقیم وتعالیم صحیحة یفوز بها المسلم الی الجنة اعتمادا علی أنبیاء صالحین . وکل شیء فیه صحیح فهو بعید عن شرک الشیطان .

وَبِالحَقِّ نَزَلَ : أی بالقرآن نزل جبریل ویقال أنزلناه بالحق والحکمة والحجة ((1)) .

وبمحمد نزل القرآن أی علیه نزل کما تقول نزلت بزید ((2)) .

وما أنزلنا: القرآن الا بالحکمة وما نزل الا ملتبسا بالحق والحکمة لاشتماله علی الهدایة إلی کل خیر أو ما أنزلناه من السماء إلا بالحق محفوظا بالرصد من الملائکة وما نزل علی الرسول إلا محفوظا بهم من تخلیط الشیاطین((3)).

ص: 135

{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأهُ عَلَی النَّاسِ عَلَی مُکْث وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِیلا} 106_سورة الاسراء :

معناه لتقرأه علیهم مفرقا شیئا بعد شئ : (ونزلناه تنزیلا ) علی حسب الحاجة , ووقوع الحوادث . نشرناه بین الناس لینتفعوا به وقال البعض جعلناه آیات وسور لینتظم أمره.

الطوسی: قوله " ونزلناه تنزیلا " یدل علی أن القرآن محدث , لان القدیم لا یجوز وصفه بالمنزل والتنزیل , لان ذلک من صفات المحدثین .

وقیل فی معنی " علی مکث " أنه کان ینزل منه شئ ثم یمکثون ما شاء الله

وینزل شئ آخر ((1)) .

وقال الشیخ الطوسی: قال تعالی " فبأی حدیث بعده یؤمنون " معناه بأی حدیث بعد القرآن یؤمنون مع وضوح دلالته علی أنه کلام الله إذ کان معجزا لایقدر أحد من البشر ان یأتی بمثله، وسماه حدیثا لانه محدث غیر قدیم لان إثباته حدیثا ینافی کونه قدیما. وفی الایة دلالة علی وجوب النظر وفساد التقلید((2)) .

والقرآن یقرأ فی کل عصر وزمان ، کما هو عصرنا الحاضر، فإِنّه یبدو کأنَّهُ نزل لیومنا هذا، ولا یوجد فیه أی أثر یدل علی أنَّهُ قدیم.

ناصر مکارم شیرازی:

ص: 137

(والیوم اتّضح لنا تماماً أنّ المراد من کلام الله محتواه ومضمونه، وهو قدیم قطعاً، أی إنّه کان دائماً فی علم الله، وإنّ علم الله الواسع کان محیطاً بالقرآن علی الدوام. وإذا کان المراد منه هذه الألفاظ والکلمات، وهذا الوحی الذی نزل علی النّبی صلی الله علیه و آله و سلم فلا شکّ فی أنّه حادث.

أی عاقل یقول: إنّ ألفاظ القرآن وکلماته أزلیّة؟ أو أنّ نزول الوحی علی النّبی صلی الله علیه و آله و سلم لم یکن من بدایة أمر الرسالة؟ وبناءً علی هذا تلاحظون ان القرآن یحتوی علی ألفاظ ومعان، فألفاظه حادثة قطعاً، ومعانیه قدیمة قطعاً، وعلی هذا فلا مجال للبحث والمناقشة.

{ قُلْ آمِنُوا بِهِ أوْ لا تُؤْمِنُوا إنَّ الَّذِینَ اُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا یُتْلَی عَلَیْهِمْ یَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّداً } 107 _سورة الاسراء .

یخرون للأذقان سجدا الأذقان جمع ذقن وهو مجمع اللحیین من الوجه , والخرور للأذقان السقوط علی الأرض علی أذقانهم للسجدة کما یبینه قوله: { سجدا } .

وانما اعتبرت الأذقان لان الذقن أقرب أجزاء الوجه من الأرض عند الخرور علیها للسجدة , وربما قیل: المراد بالأذقان الوجوه اطلاقا للجزء علی الکل مجازا . وقوله: { ویقولون سبحان ربنا ان کان وعد ربنا لمفعولا}:

ای ینزهونه تعالی عن کل نقص وعن خلف الوعد خاصة ((1)) .

ص: 138

ولا یهم الله تعالی ایمان الکافرین وکفرهم ان الذین اوتوا العلم اذا ذکر القرآن یسجدون له احتراما منهم لله تعالی .

{وَیَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إنْ کَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا 108 } .

ینزهون الله تعالی عن کل باطل وظلم .

ولن یخلف الله وعده وهو العزیز الحکیم .

{وَیَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ یَبْکُونَ وَیَزِیدُهُمْ خُشُوعاً } 109_سورة الاسراء .

یسجدون لله تعالی باکین من شدة خشوعهم وورعهم .

یا أبا ذر: من استطاع أن یبکی فلیبک . ومن لم یستطع فلیشعر قلبه الحزن ولیتباک , إن القلب القاسی بعید من الله تعالی ولکن لا یشعرون .

یا أبا ذر: یقول الله تعالی: لا أجمع علی عبد خوفین ولا أجمع له أمنین , فإذا أمننی فی الدنیا أخفته یوم القیامة وإذا خافنی فی الدنیا آمنته یوم القیامة .

یا أبا ذر: لو أن رجلا کان له کعمل سبعین نبیا لاحتقره وخشی أن لا ینجو من شر یوم القیامة .

یا أبا ذر: إن العبد لیعرض علیه ذنوبه یوم القیامة فیمن ذنب ذنوبه فیقول: أما إنی کنت خائفا مشفقا فیغفر له .

یا أبا ذر: إن الرجل لیعمل الحسنة فیتکل علیها ویعمل المحقرات حتی یأتی الله وهو علیه غضبان . وإن الرجل لیعمل السیئة فیفرق منها یأتی آمنا یوم القیامة .

ص: 139

یا أبا ذر: إن العبد لیذنب الذنب فیدخل به الجنة , فقلت: وکیف ذلک بأبی أنت وأمی یا رسول الله ؟ قال: یکون ذلک الذنب نصب عینیه تائبا منه قارا إلی الله عز وجل حتی یدخل الجنة .

یا أبا ذر: الکیس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت . والعاجز من أتبع نفسه وهواها وتمنی علی الله عز وجل الأمانی ((1)) .

وقال تعالی: (و اذا سمعوا ما انزل الی الرسول تری اعینهم تفیض من الدمع مما عرفوا من الحق یقولون ربنا امنا فاکتبنا مع الشاهدین )

(مائده , 83 ) .

(افمن شرح الله صدره للاسلام فهو علی نور من ربه فویل للقاسیة قلوبهم من ذکر الله اولئک فی ضلال مبین .

{ الله نزل احسن الحدیث کتاباً متشابهاً مثانی تقشعر منه جلود الذین یخشون ربهم ثم تلین جلودهم و قلوبهم الی ذکر الله ذلک هدی الله یهدی به من یشاء و من یضلل الله فما له من هاد } (زمر , 22 _ 23 ) .

فتری المتقین ینهضون لیلا یبکون من خشیة الله تعالی وتری بعض المسلمین یسهرون مع اللیالی الحمراء فی اللهو والخمر والفسق والفجور .

وبینما یرتل المؤمن أجزاءا من القرآن تری الفاسق قد اغتاب وبهت الکثیر من الصالحین وافتری علیهم .

ص: 140

وبینما یصفی الصالح نفسه لارضاء ربه تری الطالح قد غرق فی بحر الحسد والنمیمة والکذب .

وبینما تری المخلص قد کدس الحسنات فوق بعضها تری الطاغیة الکافر والمنافق قد جمع أموال الحرام وکدسها بجانب أکداس الذنوب حصیلة أعماله الدنیویة .

{قُلِ ادْعُوا اللّهَ أوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَِ أیّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَی وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَیْنَ ذَلِکَ سَبِیلا } 110_سورة الاسراء .

بصوت وسط . الجهر بها رفع الصوت , والمخافة ما لم تسمع أذناک , وما بین ذلک قدر ما یسمع اذنیک.

عن أبی حمزة الثمالی عن الامام أبی جعفر محمد الباقر

علیه السلام قال: سألته عن قول الله: (ولا تجهر بصلاتک ولا تخافت بها وابتغ بین ذلک سبیلا ) قال: تفسیرها ولا تجهر بولایة علی ولا بما أکرمته به , حتی آمرک بذلک .

(ولا تخافت بها ) یعنی ولا تکتمها علیا وأعلمه ما أکرمته به ((1)) .

عن المعصومین: لا تجهر بولایة علی ولا بما أکرمته به حتی آمرک بذلک (ولا تخافت بصلاتک ) .

ص: 141

یعنی لا تکتمها علیاً بما أکرمته به (وَابْتَغِ بَیْنَ ذَلِکَ سَبِیلا) . فاذن الله تعالی له باظهار ذلک یوم الغدیر فهو قوله: اللهم من کنت مولاه فعلی مولاه اللهم

وال من والاه وعاد من عاداه ((1)) .

ص: 142

عن أبی عبد الله علیه السلام قال: (سألته عن قوله تعالی ولا تجهر بصلاتک ولا تخافت بها قال: المخافة دون سمعک , والجهر أن ترفع صوتک شدیدا " ) .

ص: 143

والجهر والإخفات من أحکام القراءة , وما عداها من أرکان الصلاة فأنت فیه بالخیار , روی ذلک علی بن جعفر , عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال: (سألته عن التشهد والقول فی الرکوع والسجود والقنوت للرجل أن یجهر به ؟ قال: إن شاء جهر , وإن شاء لم یجهر ) .

ولیس علی المرأة جهر وهو إجماع العلماء , لکن لا تقتصر فی الإخفات عن إسماع نفسها حد الإسماع لو کانت تسمع , وروی فمن أخل بالقراءة فی الأولتین ناسیا " (قرأ فی الأخیرتین وجوبا " ) والوجه بقاؤها علی التخییر لفوات محل القراءة المتعینة ((1)) .

وعن أبی عبد الله علیه السلام فی قوله تعالی: ولا تجهر بصلاتک ولا تخافت بها ؟ قال المخافتة ما دون سمعک والجهر أن ترفع صوتک شدیدا((2)) .

ثم اعلم أن المشهور بین الأصحاب وجوب الجهر والاخفات فی مواضعهما فی الفرائض وأنه تبطل الصلاة بترکهما عالما عامدا ، ونقل علیه الشیخ فی الخلاف الاجماع والمنقول عن السید المرتضی رضی الله عنه أنهما من وکید السنن ، وعن ابن الجنید أیضا القول باستحبابهما ، ولا یخلو من قوة

ص: 144

کما ستعرف ، ولا یخفی أن الآیة علی الوجه الخامس الذی هو أظهر الوجوه ، یؤید الاستحباب إذ التوسط الذی یظهر منها شامل لحدی الجهر والاخفات وتخصیص بعضها ببعض خلاف الظاهر .

وأما حدهما فقال فی التذکرة أقل الجهر أن یسمع غیره القریب تحقیقا أو تقدیرا ، وحد الاخفات أن یسمع نفسه أو بحیث یسمع لو کان سمیعا باجماع العلماء وقریب منه کلام المنتهی والمحقق فی المعتبر ، وجماعة من الأصحاب ، ویرد علیه أن مع إسماع نفسه یسمع القریب أیضا غالبا ، وضبط هذا الحد بینهما فی غایة الاشکال إن أمکن ذلک ، ولذا قال بعض المتأخرین : الجهر هو ظهور جوهر الصوت والاخفات هو إخفاء الصوت وهمسه ، وإن سمع القریب ، ومنهم من أحالهما علی العرف ولعله أظهر .

{وَقُلِ الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی لَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ یَکُنْ لَهُ شَرِیکٌ فِی المُلْکِ وَلَمْ یَکُنْ لَهُ وَلِیٌّ مِنْ الذُّلِّ وَکَبِّرْهُ تَکْبِیراً }111_سورة الاسراء .

احمد الله تعالی علی تنزیه نفسه عن الولد والشریک انه علی کبیر .

أن یقول الله أکبر الله أکبر الله أکبر قلت فإن لم یقل الرجل شیئا من هذا إذا قرأ ؟ قال: لیس علیه شئ ((1)) .

وعن أبی عبد الله , عن آبائه علیهم السلام , قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : من ظهرت علیه النعمة فلیکثر ذکر " الحمد لله " , ومن کثرت همومه فعلیه

ص: 145

بالاستغفار , ومن ألح علیه الفقر فلیکثر من قول " لا حول ولا قوة إلا بالله " ینفی الله عنه الفقر . وقال: فقد النبی صلی الله علیه و آله و سلم رجلا من الأنصار , فقال له: ما غیبک عنا ؟

فقال: الفقر , یا رسول الله وطول السقم , فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : ألا أعلمک کلاما إذا قلته ذهب عنک الفقر والسقم ؟

قال: بلی , قال: إذا أصبحت وأمسیت فقل: " لا حول ولا قوة إلا بالله , توکلت علی الحی الذی لا یموت , والحمد لله الذی لم یتخذ ولدا ولم یکن له شریک فی الملک , ولم یکن له ولی من الذل , وکبره تکبیرا . " قال الرجل: فوالله ما قلته الا ثلاثة أیام حثی ذهب عنی الفقر والسقم ((1)) .

ومن أحب الادعیة الی الله تعالی تلک التی فیها توحیده ونفی الشرک وانه أحد لم یلد ولم یولد ثم التوسل بمحمد وآل محمد صلی الله علیه و آله و سلم .

ص: 146

وابن بابویه , قال: حدثنی أحمد بن محمد قال: حدثنی أبی , عن محمد بن هلال , عن أبیه , عن جده , عن أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) یقول: « ما من عبد یقرأ: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحی إِلَیَّ أَنَّما ) » إلی آخر السورة إلا کان له نورا من مضجعه إلی بیت الله الحرام , فإن من کان له نور فی بیت الله الحرام کان له نور إلی بیت المقدس » .

وعنه , فی (الفقیه ): قال النبی ( صلی الله علیه و آله و سلم ): « من قرأ هذه الآیة عند منامه: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحی إِلَیَّ أَنَّما إِلهُکُمْ إِله واحِدٌ ) إلی آخرها , سطع له نور إلی المسجد الحرام , حشو ذلک النور ملائکة یستغفرون له حتی یصبح ((1)) .

وروی عن النبی ( صلی الله علیه و آله و سلم ) أنه قال: « من قرأ هذه السورة یوم الجمعة , غفر الله له من الجمعة إلی الجمعة , وزیادة ثلاثة أیام , واعطی نورا یبلغ إلی السماء .

وعن الامام جعفر الصادق ( علیه السلام ) قال: من کتبها وجعلها فی إناء زجاج ضیق الرأس وجعله فی منزله , أمن من الفقر والدین هو وأهله , وأمن من أذی الناس , ولا یحتاج إلی أحد أبدا , وإن کتبت وجعلت فی مخازن

ص: 148

الحبوب من القمح والشعیر والأرز والحمص وغیر ذلک , دفع الله عنه بإذن الله تعالی کل مؤذ مما یطرق الحبوب » ((1)) .

لتصونها عن البلی مثل التلطیخ بالصبر وغیره ، ثم قال القفال : والذی عندنا لا یعرف أن ذلک الموضع هو موضع أصحاب الکهف أو موضع آخر ((1)) .

وقیل : إن أصحاب الکهف دخلوا الکهف قبل المسیح ، فأخبر الله تعالی المسیح بخبرهم ثم بعثوا فی الفترة بین عیسی ومحمد صلی الله علیه و آله و سلم . وقیل : کانوا قبل موسی علیه السلام وأن موسی ذکرهم فی التوراة ، ولهذا سألت الیهود رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم . وقیل : دخلوا الکهف بعد المسیح ، فالله اعلم أی ذلک کان ((2))

الطبری: حدثنا عمرو یعنی ابن قیس الملائی فی قوله إن أصحاب الکهف والرقیم کانت الفتیة علی دین عیسی ابن مریم صلی الله علیه و آله و سلم علی الاسلام وکان ملکهم کافرا وکان بعضهم یزعم أن أمرهم ومصیرهم إلی الکهف کان قبل المسیح وأن المسیح أخبر قومه خبرهم فان الله عز وجل ابتعثهم من رقدتهم بعد ما رفع المسیح فی الفترة بینه وبین محمد صلی الله علیه و آله و سلم والله أعلم أی ذلک کن فما الذی علیه علماء أهل الاسلام فعلی أن أمرهم کان بعد المسیح ((3)) .

وقال نجاح الطائی : کانت قضیة أصحاب الکهف بعد ولادة المسیح حیث کان الحکومة الرومانیة تلاحق أتباع عیسی وتقتلهم وتسجنهم وبعدما بعثوا

ص: 150

کان الدین المسیحی قد انتشر فی فی الارض ومنها بلاد اصحاب الکهف فتعجبوا من انتشار النصرانیة فی البلاد .

ولو کان اصحاب الکهف قبل موسی وعیسی لذکرهم موسی فی قصصه للیهود ولم یفعل ذلک .

ولم یذکرهم عیسی ولزار کهفهم فی الشام وبین دینهم وقصتهم ولم یفعل هذا .

ص: 151

بسم الله الرحمن الرحیم

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ

{ الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی أنزَلَ عَلَی عَبْدِهِ الکِتَابَ وَلَمْ یَجْعَلْ لَهُ عِوَجَاً } 1_سورة

الکهف.

{ ولم یجعل له عوجا } الضمیر للکتاب والجملة حال عن الکتاب وقوله: { قیما } حال بعد حال علی ما یفیده السیاق فإنه تعالی فی مقام حمد نفسه من جهة تنزیله کتابا موصوفا بأنه لا عوج له وأنه قیم علی مصالح المجتمع البشری فالعنایة متعلقة بالوصفین موزعة بینهما علی السواء وهو مفاد کونهما حالین من الکتاب .

وقیل إن جملة { ولم یجعل له عوجا } معطوفة علی الصلة و { قیما } حال من ضمیر { له } والمعنی والذی لم یجعل للکتاب حال کونه قیما عوجا أو أن { قیما } منصوب بمقدر , والمعنی: والذی لم یجعل له عوجا وجعله قیما ((1)) .

أی لم یجعل القرآن

ملتبسا ولیس فیه اختلاف .

ص: 152

وقال ابن عباس: معنی قوله " ولم یجعل له عوجا " أی لم یجعله ملتبسا . ولا خلاف بین أهل العربیة ان قوله (قیما ) وإن کان مؤخرا فتقدیره إلی جنب الکتاب .

{ قَیِّماً لِیُنذِرَ بَأساً شَدِیداً مِنْ لَدُنْهُ وَیُبَشِّرَ المُؤْمِنِینَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أنَّ لَهُمْ أجْراً حَسَناً } 2 _سورة

الکهف.

اشترط علی المؤمنین العمل الصالح لدخولهم الجنة بینما تری الکثیر من المؤمنین یفرون من الاعمال الصالحة .

ومعناه لینذرکم بأسا والتقدیر لینذرکم ببأس شدید , فلما حذف الجار نصبه . وقیل: إن (یخوف ) یتعدی إلی مفعولین , لأنک تقول: خفت زیدا وخوفت زیدا عمرا .

ویکون فی الآیة حذف أحد المفعولین , کما فی قولهم: فلان یعطی الدراهم ویکسو الثیاب . وقال بعضهم: هذا لا یشبه الآیة , لأنه إنما أجازوا حذف المفعول الثانی فی أعطی الدراهم , لأنه لا یشتبه أن الدراهم هی التی أعطیت . وفی الآیة تشتبه الحال فی من المخوف ومن المخوف وقال قوم: (یخوف أولیاءه ) أی إنما خاف المنافقون ومن لا حقیقة لایمانه . وقال الحسن البصری , والسدی:

یخوف أولیاءه المنافقین , لیقعدوا عن قتال المشرکین ویخوف یتعدی إلی مفعولین کما یتعدی , یعطی لان أصله خاف زید القتال وخوفته القتال .

ص: 153

کما تقول عرف زید أخاک وعرفته أخاک . فان قیل: کیف یکون الأولیاء علی المفعول الثانی وإنما التخویف من الأولیاء لغیرهم ؟ قیل: لیس التقدیر هکذا .

وإنما هو علی (خاف المؤمنون أولیاء الشیطان ) وهو خوفهم أولیاءه . قال الرمانی: وغلط من قدر التقدیر الأول . وقوله: (فلا تخافوهم ) یعنی لا تخافوا المشرکین . وإنما قال:

(ذلک ) وهی إنما یشاربها إلی ما هو بعید لأنه أراد ذلک القول تقدم من المخوف لهم من قوله: (إن الناس قد جمعوا لکم فاخشوهم ) ((1)) .

{ مَاکِثِینَ فِیهِ أبَداً3 } _سورة الکهف.

فی الجنة خالدین أبدا.

قص أبو عبد الله علیه السلام قصص أهل المیثاق من أهل الجنة وأهل النار , فقال فی صفات أهل الجنة: فمنهم من لقی الله شهیدا لرسله ثم من

فی صفتهم حتی بلغ من قوله ثم جاء الاستثناء من الله فی الفریقین جمیعا , فقال الجاهل بعلم التفسیر: ان هذا الاستثناء من الله إنما هو لمن دخل الجنة

والنار , وذلک أن الفریقین جمیعا یخرجان منهما فیبقیان فلیس فیهما أحد وکذبوا لکن عنی بالاستثناء ان ولد آدم کلهم وولد الجان معهم علی

ص: 154

الأرض والسماوات تظلهم , فهو ینقل المؤمنین حتی یخرجهم إلی ولایة الشیاطین وهی النار , فذلک الذی عنی الله فی أهل الجنة وأهل النار ما دامت السماوات والأرض یقول فی الدنیا والله تبارک وتعالی لیس بمخرج أهل الجنة منها ابدا ولا کل أهل النار منها ابدا , وکیف یکون ذلک وقد قال الله فی کتابه (ماکثین فیه ابدا ) لیس فیهما استثناء , وکذلک قال(الامام)

أبو جعفر: من دخل فی ولایة آل محمد دخل الجنة , ومن دخل فی ولایة عدوهم دخل النار , وهذا الذی عنی الله من الاستثناء فی الخروج من الجنة والنار والدخول ((1)) .

{ وَیُنذِرَ الَّذِینَ قَالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً 4 مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم وَلا لآبَائِهِمْ کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ إنْ یَقُولُونَ إلا کَذِباً } 5_سورة الکهف.

من الیهود الذین قالوا: عزیر ابن الله والنصاری الذین قالوا: المسیح ابن الله .

وقوله " کبرت کلمة تخرج من أفواههم " نصب (کلمة ) عل التمییز , وتقدیره کبرت کلمتهم التی قالوها کلمة , کما تقول: نعم رجلا عمرو , ونعم الرجل رجلا قام . وقال بعضهم: نصب (کلمة ) لأنها فی معنی: أکبر بها کلمة .

ص: 155

فی تفسیر علی بن إبراهیم وینذر الذین قالوا اتخذ الله ولدا مالهم به من علم قال : قالت قریش حین زعموا ان الملائکة بنات الله عز وجل وما قالت الیهود والنصاری فی قولهم عزیز ابن الله والمسیح ابن الله ، فرد الله عز وجل علیهم فقال : مالهم به من علم ولا لآبائهم کبرت کلمة تخرج من أفواههم ان یقولون الا کذبا .

{فَلَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَفْسَکَ عَلَی آثَارِهِمْ إنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِیثِ أسَفاً}

6 _سورة

الکهف.

عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قوله :{ فلعلک باخع نفسک } یقول قاتل نفسک علی آثارهم : حزنا . حزن النبی صلی الله علیه و آله و سلم علی ابتعادهم عن الدین وفرارهم من التوحید .

وفی روایة أبی الجارود , عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قوله: " فلعلک باخع نفسک " .

یقول: قاتل نفسک " علی آثارهم " . قوله: " أسفا " أی حزنا ((1)) .

أی مهلک وقاتل نفسک علی آثار قومک الذین قالوا: لن نؤمن لک حتی تفجر لنا من الأرض ینبوعا , تمردا منهم علی ربهم " إن لم یؤمنوا بهذا الحدیث " أی القرآن " أسفا " أی حزنا وتلهفا ((2)) .

ص: 156

وقال نجاح الطائی: کان النبی صلی الله علیه و آله و سلم حریص علی هدایة قومه الی الدین بکل الطرق الممکنة وهو دیدن الانبیاء لکنهم بقوا علی کفرهم وطغیانهم .

وقال تعالی: { وَاللّهُ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ إلَی صِرَاط مُسْتَقِیم } 213 _ سورة البقرة .

والهدایة من الله تعالی واذا لم یفتح قلب الانسان الی الدین یبقی کافرا ملحدا . ولا یستحق کل انسان الهدایة لانها تعنی دخوله الجنة وتنعمه بنعمها الکثیرة .

قال الخالق الجلیل: لَیْسَ عَلَیْکَ هُدَاهُمْ وَلَکِنَّ اللّهَ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ_البقرة.

:وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَجَعَلَکُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَلَکِنْ یُضِلُّ مَنْ یَشَاءُ وَیَهْدِی مَنْ یَشَاءُ

: وَلَتُسْألُنَّ عَمَّا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ93_النحل.

: إنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أحْبَبْتَ وَلَکِنَّ اللّهَ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ وَهُوَ أعْلَمُ بِالمُهْتَدِینَ 56_القصص.

وکان النبی نوح علیه السلام یود لو یهتدی ابنه الی الدین ویصعد معه فی السفینة لکن الله تعالی رد طلبه قائلا:

: وَنَادَی نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إنَّ ابْنِی مِنْ أهْلِی وَإنَّ وَعْدَکَ الحَقُّ وَأنْتَ أحْکَمُ الحَاکِمِینَ45* قَالَ یَا نُوحُ إنَّهُ لَیْسَ مِنْ أهْلِکَ إنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صَالِح فَلا تَسْألْنِی

ص: 157

مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إنِّی أعِظُکَ أنْ تَکُونَ مِنَ الجَاهِلِینَ 46_سورة هود.

{إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَی الأرْضِ زِینَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أیُّهُمْ أحْسَنُ عَمَلا 7} _سورة الکهف.

الحسکانی الحنفی: عن [ عبد الله ] بن مسعود فی قوله تعالی: (إنا جعلنا ما علی الأرض زینة لها ) قال: زینة الأرض الرجال وزینة الرجال علی بن أبی طالب ((1)) .

عن عمار بن یاسر قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم . یقول لعلی علیه السلام : یا علی إن الله زینک بزینة لم یزین العباد بأحسن منها , بغض إلیک الدنیا , وزهدک فیها , وحبب إلیک الفقراء فرضیت بهم أتباعا ورضوا بک إماما . الحدیث

ص: 158

وفیها [ نزل أیضا ] قوله جل اسمه: ( هنالک الولایة لله الحق ) [ هو خیر ثوابا وخیر عقبا ] _ 44 / الکهف: 18 ((1)) .

وکان الاِمام علی جمیلا مثل النبی یوسف ((2)).

وقال النبی الأکرم صلی الله علیه و آله و سلم فی حق علی علیه السلام : من أراد أن ینظر الی یوسف فی جماله والی إبراهیم فی سخائه والی سلیمان فی بهجته والی داود فی قوّته فلینظر الی هذا ((3)).

ص: 159

وکان الاِمام علی علیه السلام جمیلا کعبد مناف لکن رجال الحزبین القرشی والاموی حاولوا تحریف جماله ووصفه بالقبیح کذباً وافتراءاً .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : من أراد أن ینظر الی نوح فی فهمه والی ابراهیم فی حلمه والی یحیی فی زهده والی موسی فی بطشه فلینظر الی علی((1)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : من أراد أن ینظر الی ابراهیم فی حلمه والی نوح فی حکمه والی یوسف فی جماله فلینظر الی علی((2)).

ص: 160

وزینة الرجال علی ( علیه السلام ) کان یصرع الابطال فی ساحات الجهاد وتفر منه الفرسان وتکشف عوراتها وتتوسل به أن لا یصرعها : فی معرکة بدر قتل نصف قتلی الکافرین وفی معرکة احد کان طلحة بن عثمان صاحب لواء المشرکین وفارسهم الأوّل قد قال:

یامعشر أصحاب محمّد إنّکم تزعمون أنّ الله یعجلنا بسیوفکم إلی النار ویعجلکم بسیوفنا إلی الجنّة , فهل منکم مَنْ أعجله بسیفی إلی الجنّة أو یعجّلنی بسیفه إلی النار؟ فقام إلیه الإمام علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) . فقال طلحة: لقد علمتُ یاقضیم أنّه لا یجسر علیﹼ أحد غیرک , فصرعه الإمام علی ( علیه السلام )فوقع کالثور یخور فی دمه فکشف طلحة عورته وحلَّفه بالرحم ألاّ یقتله فترکه الإمام ( علیه السلام )((1)) .

فتقدّم عثمان بن أبی طلحة وأخذ الرایة فقتله الإمام علی ( علیه السلام ) . ثم أخذ الرایة أبو غدیر بن عثمان بن أبی طلحة فقتله الإمام علی ( علیه السلام ) , ثم أخذ الرایة عبدالله بن أبی جمیلة بن زهیر فقتله الإمام علی ( علیه السلام ) , ثم أخذ الرایة أبو سعد بن أبی طلحة , قائلا: أنا قاصم من یبارز برازاً , فلم یخرج إلیه أحد , فقال: یاأصحاب محمّد زعمتم أنّ قتلاکم فی الجنّة وأنّ قتلانا

ص: 161

فی النار کذبتم واللات , لو تعلمون ذلک حقّاً لخرج إلیَّ بعضکم , فخرج إلیه الإمام علی بن أبی طالب ( علیه السلام )فاختلفا ضربتین , فضربه الإمام علی فقتله((1)) .

ثم أخذها مولاهم صواب فضربه أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) علی رأسه فقتله , ثم أخذ رایة الکفّار شریح بن قانط فقتله الإمام علی ( علیه السلام ) , وسقطت الرایة إلی الأرض فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثیة فقبضتها , وبلغ عدد أصحاب اللواء المقتولین أحد عشر رجلاً .

قال الطبری: کان الذی قتل حاملی اللواء الإمام علی ( علیه السلام )ولولا لواء الحارثیة أصبحوا یباعون فی الأسواق بالثمن البخس((2))

.

وقتل الإمام علی ( علیه السلام ) فی معرکة أُحد أیضاً العاص بن سعید الاموی والحکم بن الأخنس , وأُمیّة بن أبی حذیفة ((3)) .

وقتل بطل الکفار عمرو بن عبد ود العامری فی الخندق , وقتل بطل الیهود مرحب الخیبری فی خیبر .

ص: 162

أمّا دور الإمام علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) فی معرکة حنین فکان فی ثباته مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حین فرَّ عنه المسلمون وإقدامه علی قتل حامل لواء المشرکین وبطلهم فی حنین أبی جرول .

وکان أبو جرول بطل هوازن علی جمل أحمر بیده رایة سوداء فی رأس رمح طویل أمام القوم , إذا أدرک ظفراً من المسلمین أکبَّ علیهم , وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشرکین فاتّبعوه وهو یرتجز ویقول:

أنا أبو جَرول لا بَراح***حتّی نُبیح القومَ أو نُباحَ

فصمد له أمیر المؤمنین علی ( علیه السلام ) فضرب عجز بعیره فصرعه ثم ضربه فقطّره ثم قال:

قد علم القومُ لدی الصباح***أنّی فی الهیجاء ذو نِصاح

وقتل الإمام علی ( علیه السلام )أربعین رجلاً من القوم فکانت هزیمة المشرکین بقتل أبی جرول بطل الکافرین((1)) .

وقتل بطل الشام فی معرکة صفین حریث ((2))

وقتل عبیدالله بن عمر بن الخطاب فی معرکة صفین وقتل بسر بن أرطأة فی معرکة صفین ((3)) .

ص: 163

وکان اللواء فی الحروب بید علی بن أبی طالب فهو حامل اللواء ((1)) . وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : یا علی لو قاتلک أهل الشرق والغرب لقتلتهم أجمعین ((2)).

لذا قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : قام الاسلام بسیف علی ((3)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : ولقد نصرکم الله ببدر بعلی وأنتم أذلة ((4)) .

وخلق الله تعالی مخلوقاته بأبهی صورة مثل النساء والاولاد والاشجار والاوراد والبساتین والبحار والانهار والجبال والدور والذهب والفضة والخیل وغیر ذلک مما لا یعد ولا یحصی .

ص: 164

وتری الاغنیاء یستکبرون علی الفقراء وتری الحکام یستبدون بالامر ویقتلون ویسجنون وینفون الاخرین طغیانا فی الارض , مبینین فشلهم فی هذا الامتحان الالهی .

{ وَإنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَیْهَا صَعِیداً جُرُزاً } 8 _سورة الکهف.

یعنی خرابا وفی روایة أبی الجارود فی قوله تعالی صعیدا جرزا ای لا نبات فیها .

قال ابن عباس: معناه نهلک کل شئ علیها زینة فتکون خرابا: مثلما یفعل الخوارج السلفیون الیوم من خراب العالم بتحالفهم مع الصهاینة والصلیبیین.

معناه: وإنا مخربون الأرض بعد عمارتها , وجاعلون ما علیها مستویا من الأرض یابسا لا نبات علیه .

ویکون له أهل من بعدک , ولیس لک من الدنیا إلا عشاء لیلة , وغداء یوم , فلا تهلک نفسک فی أکلة , وصم عن الدنیا وأفطر علی الآخرة , فإن رأس مال الدنیا الهوی , وربحها النار .

وقیل لبعض الرهبان: کیف تری الدهر ؟ قال: یخلق الأبدان , ویجدد الآمال , ویقرب المنیة , ویباعد الأمنیة . قیل: فما حال أهله ؟ قال: من ظفر به تعب , ومن فاته اکتأب .

ص: 165

قوله تعالی " وإنما لجاعلون ما علیها صعیدا جرزا " فیه اخبار من الله تعالی انا مخربوها بعد عمارتنا إیاها بما جعلنا علیها من الزینة فنصیرها صعیدا جرزا , والصعید ظهر الأرض , والجرز الذی لا نبات علیه ولا زرع ولا غرس . وقیل إنه أراد بالصعید _ ههنا _ المستوی من وجه الأرض .

سوف یفنیها الله تعالی یوم القیامة فتنعدم أسباب الحیاة علی سطح الارض .

{ أمْ حَسِبْتَ أنَّ أصْحَابَ الکَهْفِ وَالرَّقِیمِ کَانُوا مِنْ آیَاتِنَا عَجَباً9 }_سورة الکهف

قضیّة أصحاب الکهف (من الآیة 9 إلی الآیة 26 تقریباً ):

أصحاب الغار الواسع فی الجبل , واختلف فی الرقیم: فقیل: هو لوح من رصاص رقمت فیه أسماؤهم جعل علی باب الکهف , وقیل: هو اسم القریة التی کان فیها الکهف .

جاء: [ حدثنا ] أبو أحمد قال: سمعت محمد بن مهدی یحدث عن عبد الله بن داهر الرازی عن أبیه عن الأعمش عن المنهال بن عمرو قال: رأیت رأس الحسین بن علی علیه السلام علی الرمح وهو یتلو هذه الآیة: (أم حسبت أن أصحاب الکهف والرقیم کانوا من آیاتنا عجبا ) [ 9 / الکهف: 18 ] فقال رجل من عرض الناس: رأسک یا ابن رسول الله أعجب ((1)) .

ص: 166

و[ حدثنا ] أبو أحمد قال: أخبرنا علی بن عبد الله السمسار عن علی بن خشرم قال: أخبرنا سفیان بن عیینة قال: حدثتنی جدتی أم أبی قالت: کنت جویریة یوم قتل الحسین بن علی فرأیت الورس تحول رمادا ((1)) .

[ حدثنا ] أبو أحمد قال: حدثنا إبراهیم بن عبد الله بن مسلم قال: حدثنا أبو عاصم النبیل قال: حدثنا ابن جریج:

عن ابن شهاب قال: لما قتل الحسین بن علی علیه السلام لم یرفع فی الشام حجر إلا وتحته دم عبیط ((2)) .

[ حدثنا ] أبو أحمد قال: حدثنا إبراهیم بن الحسین قال: حدثنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن زید عن أبی عون:

عن محمد بن سیرین قال: ما ظهرت الحمرة فی السماء إلا حین قُتل الحسین بن علی علیه السلام ((3)) .

ص: 167

وقال ابن عساکر: قصة قتله علیه السلام تمزق الأکباد وتذیب الأجساد فلعنة الله علی من قتله أو رضی أو أمر وبعدا له کما بعدت عاد ((1)) .

فقال أمیر المؤمنین علی علیه السلام : " أنتم عند أصحاب الکهف والرقیم , الذین (کانوا من آیاتنا عجبا )

فمن أحب أن یسلم علی القوم فلیقم " . فأول من قام أبو بکر , فسلم علی القوم , فلم یردوا علیه جوابا , ثم قام عمر ,علیهم , فلم یردوا علیه جوابا , فلم یزالوا یقومون واحدا " بعد واحد , ویسلمون ولم یردوا علیهم جوابا , إلی أن قام أمیر المؤمنین علیه السلام ، فنادی: السلام علیکم أیتها الفتیة , فتیة أصحاب الکهف والرقیم , الذین (کانوا من آیاتنا عجبا ).

فقالوا: وعلیک السلام ورحمة الله وبرکاته , أیها الامام وابن عم سید الأنام محمد صلی الله علیه و آله و سلم .

فلما سمع القوم کلامهم لأمیر أمیر المؤمنین علیه السلام ، قالوا: یا أبا الحسن , بحق ابن عمک محمد صلی الله علیه و آله و سلم سل القوم ما بالهم سلمنا علیهم فلم یردوا علینا الجواب .

فقال علیه السلام : " أیتها الفتیة , ما بالکم لم تردوا السلام علی أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؟

" فقالوا: یا أبا الحسن , قد أمرنا أن لا نسلم إلا علی نبی أو وصی نبی , وأنت خیر الوصیین , وابن عم خیر النبیین , وأنت أبو الأئمة المهدیین , وزوج فاطمة سیدة نساء العالمین من الأولین والآخرین , وقائد الغر المحجلین إلی جنات النعیم .

فلما استتم القوم کلامهم أمرنا بالجلوس علی البساط , ثم نادی:

ص: 169

" یا ریح الصبا , احملینی " فإذا نحن فی الهواء . ثم نادی: " یا ریح الصبا , ضعینی " فإذا نحن فی الأرض .

قال: فوکز الأرض برجله , فإذا نحن بعین ماء , فقال: " یا معاشر الناس , توضئوا للصلاة , فإنکم تدرکون صلاة الفجر , مع النبی " صلی الله علیه و آله و سلم .

قال فتوضأنا ثم أمرنا بالجلوس علی البساط فجلسنا ثم قال :

" یا ریح الصبا , احملینی , " فإذا نحن فی الهواء , ثم نادی: " یا ریح الصبا , ضعینی " فإذا نحن فی الأرض فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم , وقد صلی رکعة واحدة , فصلینا معه ما بقی من الصلاة , وما فات بعده , وسلمنا علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم , فأقبل بوجهه الکریم علینا , وقال: " یا أنس , أتحدثنی أم أحدثک ؟ " .

فقلت: الحدیث منک أحسن . فحدثنی , حتی کأنه کان معنا ((1)).

قال ابن عباس والله لو أن الشمس تطلع علیهم لأحرقتهم ولولا أنهم یقلبون لأکلتهم الأرض فذلک قول الله تبارک وتعالی .

وقال نجاح الطائی: کانت قصة أهل الکهف مروعة للکثیر من الامم والشعوب اذ کانوا معجزة من معاجز الله عز وجل .

ص: 170

کیف آمنوا بالله ذلک الایمان الفطری ووقفوا أمام النظام الامبراطوری لارضاء الرب وبیان الدین .

لقد ترکوا الوزارات والمناصب الرفیعة وترف الدنیا وتوجهو للاخرة , باعوا الدنیا واشتروا الاخرة فکانوا قدوة للزاهدین الصالحین .

وکان رأس الامام الحسین علیه السلام معجزة سماویة أکبر من معجزة أهل الکهف حیث تکلم بالقرآن فی طریق أسره بواسطة جیش یزید وفی دمشق.

لقد تبرع الحسین وولده وأصحابه وأهله بکل شیء فی سبیل دینهم وربهم بعدما فرضت الشریعة علیهم الثورة والقتال .

ملحمة الحسین علیه السلام فی التنازل عن کل شیء دنیوی فی سبیل الاسلام وفضح الحاکین الطغاة مدرسة الهیة .

{ إذْ أوَی الفِتْیَةُ إلَی الکَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً وَهَیِّئ لَنَا مِنْ أمْرِنَا رَشَداً } 10 _سورة الکهف.

رحمة من خزائن رحمتک , وهی المغفرة والرزق والأمن من الأعداء .

یقول قد آتیناک من الآیات ما هو أعجب منه , وهم فتیة کانوا فی الفترة بین عیسی بن مریم والنبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم , واما الرقیم فهما لوحان من نحاس مرقوم ای مکتوب فیهما أمر الفتیة وأمر إسلامهم وما أراد منهم دقیانوس الملک وکیف کان أمرهم وحالهم .

ص: 171

قال علی بن إبراهیم حدثنی أبی عن ابن عمیر عن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: کان سبب نزولها یعنی سورة الکهف ان قریشا بعثوا ثلاثة نفر إلی نجران , النضر بن الحارث بن کلدة وعقبة بن أبی معیط والعاص بن وائل السهمی لیتعلموا من الیهود والنصاری مسائل یسألونها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم , فخرجوا إلی نجران إلی علماء الیهود فسألوهم فقالوا:

سلوه عن ثلاث مسائل فان أجابکم فیها علی ما عندنا فهو صادق ثم سلوه عن مسألة واحدة فان ادعی علمها فهو کاذب قالوا: وما هذه

المسائل ؟

قالوا: سلوه عن فتیة کانوا فی الزمن الأول فخرجوا وغابوا وناموا وکم بقوا فی نومهم حتی انتبهوا ؟

وکم کان عددهم ؟ وای شئ کان معهم من غیرهم وما کان قصتهم ؟

واسألوه عن موسی حین امره الله ان یتبع العالم ویتعلم منه من هو وکیف تبعه وما کان قصته معه ؟

واسألوه عن طایف طاف من مغرب الشمس ومطلعها حتی بلغ سد یأجوج ومأجوج من هو وکیف کان قصته ؟ ثم أملوا علیهم أخبار هذه الثلاث مسائل وقالوا لهم ان أجابکم بما قد أملینا علیکم فهو صادق وان أخبرکم بخلاف ذلک فلا تصدقوه , قالوا: فما المسألة الرابعة ؟

قال: سلوه متی تقوم الساعة ؟ فان ادعی علمها فهو کاذب فان قیام الساعة لا یعلمها إلا الله تبارک وتعالی .

ص: 172

فرجعوا إلی مکة واجتمعوا إلی أبی طالب علیه السلام فقالوا: یا أبا طالب إن ابن أخیک یزعم أن خبر السماء یأتیه ونحن نسأله عن مسائل فان أجابنا عنها علمنا أنه صادق وإن لم یجبنا علمنا أنه کاذب , فقال أبو طالب: سلوه عما بدا لکم فسألوه عن الثلاث مسائل .

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : غدا أخبرکم ولم یستثن فاحتبس الوحی علیه أربعین یوما حتی اغتم النبی صلی الله علیه و آله و سلم وشک أصحابه الذین کانوا آمنوا به وفرحت قریش واستهزؤا وآذوه وحزن أبو طالب , فلما کان بعد أربعین یوما نزل علیه بسورة الکهف.

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : یا جبرئیل لقد أبطأت ؟ فقال: إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله فأنزل (أم حسبت ) یا محمد (ان أصحاب الکهف والرقیم کانوا من آیاتنا عجبا ) ثم قص قصتهم فقال:

(إذ آوی الفتیة إلی الکهف فقالوا ربنا آتنا من لدنک رحمة وهیئ لنا من أمرنا رشدا ) .

فقال الامام جعفر الصادق علیه السلام : إن أصحاب الکهف والرقیم کانوا فی زمن ملک جبار عات وکان یدعو أهل مملکته إلی عبادة الأصنام فمن لم یجبه قتله وکان هؤلاء قوما مؤمنین یعبدون الله عز وجل ووکل الملک بباب المدینة وکلاء ولم یدع أحدا یخرج حتی یسجد للأصنام فخرج هؤلاء

ص: 173

بحیلة الصید وذلک انهم مروا براع فی طریقهم فدعوه إلی أمرهم فلم یجبهم وکان مع الراعی کلب فأجابهم الکلب وخرج معهم ((1)) .

وقد ستر الله تعالی علی أهل الکهف وحفظهم من أذی الحکومة المستبدة فی حینها .

علی بن عروة الأهوازی قال حدثنا الدیلمی عن داود الرقی عن موسی بن جعفر علیه السلام قال:

من کان فی سفر فخاف اللصوص والسبع فلیکتب علی عرف دابته: { لا تخاف درکا ولا تخشی} فإنه یأمن بإذن الله عز وجل .

قال داود الرقی فحججت فلما کنا بالبادیة جاء قوم من الاعراب فقطعوا علیَّ القافلة وانا فیهم فکتبت علی عرف جملی:

{ لا تخاف درکا ولا تخشی } .

فوالذی بعث محمدا صلی الله علیه و آله و سلم بالنبوة وخصه بالرسالة وشرف أمیر المؤمنین بالإمامة ما نازعنی أحد منهم أعماهم الله عنی .

{ فَضَرَبْنَا عَلَی آذَانِهِمْ فِی الکَهْفِ سِنِینَ عَدَداً } 11 _سورة الکهف.

أی ضربنا علیها حجابا یمنع السماع , أی أنمناهم إنامة لا ینبههم فیها الأصوات , فحذف المفعول " ثم بعثناهم " أیقظناهم " لنعلم " لیتعلق علمنا

ص: 174

تعلقا حالیا مطابقا لتعلقه أولا تعلقا استقبالیا " أی الحزبین " من المؤمنین و الکافرین من قوم أصحاب الکهف حین وقع بینهم التنازع فی مدة لبثهم , وقیل: یعنی بالحزبین أصحاب الکهف لما استیقظوا , اختلفوا فی مقدار لبثهم " إنهم فتیة " قالوا أی شبان , وسیأتی فی الخبر تفسیره " وربطنا علی قلوبهم "_الکهف 14 أی قویناها وشددنا علیها بالألطاف والخواطر المقویة للایمان حتی وطنوا أنفسهم علی إظهار الحق , والثبات علی الدین , والصبر علی المشاق ((1)) .

قال الراغب: الضرب إیقاع شئ علی شئ , ولتصور اختلاف الضرب خولف بین تفاسیرها کضرب الشئ بالید والعصا وضرب الأرض بالمطر وضرب الدراهم اعتبارا بضربه بالمطرقة , والضرب فی الأرض الذهاب فیه لضربها بالأرجل , وضرب الخیمة لضرب أوتادها وقال " ضربت علیهم الذلة "

أی التحفتهم الذلة التحاف الخیمة لو ضربت علیه ومنه استعیر " فضربنا علی آذانهم " وضرب اللبن بعضه ببعض بالخلط ((2)) .

فَضَرَبْنَا عَلَی آذَانِهِمْ: النوم. یعنی جل ثناؤه بقوله: فضربنا علی آذانهم فی الکهف: فضربنا علی آذانهم بالنوم فی الکهف: أی ألقینا علیهم النوم , کما یقول القائل لآخر: ضربک الله بالفالج , بمعنی ابتلاه الله به , وأرسله علیه .

ص: 175

وقوله: سنین عددا یعنی سنین معدودة , ونصب العدد بقوله فضربنا . وقوله: ثم بعثناهم لنعلم أی الحزبین أحصی یقول: ثم بعثنا هؤلاء الفتیة الذین أووا إلی الکهف بعدما ضربنا علی آذانهم فیه سنین عددا من رقدتهم , لینظر عبادی فیعلموا بالبحث , أی الطائفتین اللتین اختلفتا فی قدر مبلغ مکث الفتیة فی کهفهم رقودا أحصی لما لبثوا أمدا ((1)) .

النحاس: أی منعناهم من أن یسمعوا , والمعنی: أنمناهم , لأنهم إذا سمعوا انتبهوا ((2)) .

أنامهم الباری تعالی والنوم بیده اذ ترتفع نفس النائم عن الجسد فینام .

ووضع تعالی حجابا علی سمعهم کی لا یسمعوا فینتبهوا .

وهذه من المعاجز الالهیة الفذة فی القاء النوم علی جماعة مئات السنین ویستفید المؤمنون من هذه الایة فی القضاء علی الارق .

{ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أیُّ الحِزْبَیْنِ أحْصَی لِمَا لَبِثُوا أمَداً } 12 _سورة

الکهف. .

ص: 176

ص: 178

(کان سالم مولی أبی حذیفة یؤم المهاجرین الاولین وأصحاب النبی فی مسجد قُباء، فیهم أبو بکر وعمر وأبو سلمة وزید وعامر بن ربیعة) ((1)) .

قال ابن وهب قال ابن جریج: ان نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره قال: کان سالم مولی أبی حذیفة یؤم المهاجرین الاولین وأصحاب النبی

ص: 179

( صلی الله علیه و آله و سلم )من الانصار فی مسجد قُباء فیهم أبو بکر وعمر وأبو سلمة وزید وعامر بن ربیعة ((1)).

(لما قدم المهاجرون الاولون العُصْبة موضع بقُباء قبل مقدم رسول الله کان یؤمهم سالم مولی أبی حذیفة وکان أکثرهم قرآناً) ((2)).

وفی قضیة أهل الکهف کان هناک حزبان : حزب الفتیة المؤمنین وحزب الملاحقین لهم الکافرین الذین أسلم معظمهم بعد المعجزة , فقال کل حزب بما عدوه من السنین وما ظنه أهل الغار .

ولقد اختلف أصحاب الکهف فی مدة بقائهم فی الغار ولم یصلوا الی نتیجة وبقوا متحیرین .

قال تعالی : ایّ الحزبین احصی غایة للبثهم فی الکهف و الامد , الغایة , قال النّابغة:

اّلا لمثلک او من انت سابقه _ سبق الجواد اذا استولی علی الامد

ومعنی الآیة ظاهر وقد دل فیها علی کونهم نائمین فی الکهف طول المدة لا میتین .قوله تعالی: "{ ثم بعثناهم لنعلم أی الحزبین احصی لما لبثوا

ص: 180

أمدا} المراد بالبعث هو الایقاظ دون الاحیاء بقرینة الآیة السابقة , وقال الراغب: الحزب جماعة فیها غلظ ((1)) .

وقال: الأمد والابد یتقاربان لکن الأبد عبارة عن مدة الزمان التی لیس لها حد محدود ولا یتقید لا یقال: أبد کذا , والأمد مدة لها حد مجهول إذا اطلق , وقد ینحصر نحو أن یقال: أمد کذا کما یقال: زمان کذا . والفرق بین الأمد والزمان أن الأمد یقال باعتبار الغایة والزمان عام فی المبدء والغایة ولذلک قال بعضهم: المدی والأمد یتقاربان .

{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ نَبَأهُمْ بِالحَقِّ إنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدیً} 13 _سورة الکهف.

وکانوا من خواص دقیانوس فقذف الله فی قلوبهم الإیمان وثبتنا قلوبهم وزدناهم ایمانا برهان علی برهان ونور علی نور .

قال الفضیل: الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان ((2)).

بصیرة فی أمر دینهم ((3)) .

ص: 181

وخاف بعضهم بعضا وقالوا لیخل اثنان اثنان منا فیظهر کلاهما ما یضمر لصاحبه ففعلوا فحصل اتفاقهم علی الایمان وکانوا فی قمة عالم التقیة .

یسرناهم للعمل الصالح , من الانقطاع إلی الله تعالی , ومباعدة الناس , والزهد فی الدنیا . وهذه زیادة علی الایمان .

وقال السدی: زادهم هدی بکلب الراعی حین طردوه ورجموه مخافة أن ینبح علیهم وینبه بهم , فرفع الکلب یدیه إلی السماء کالداعی فأنطقه الله , فقال: یا قوم ! لم تطردوننی , لم ترجموننی ! لم تضربوننی !

فوالله لقد عرفت الله قبل أن تعرفوه بأربعین سنة , فزادهم الله بذلک هدی.

{ وَرَبَطْنَا عَلَی قُلُوبِهِمْ إذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إذاً شَطَطاً} 14_سورة

الکهف.

عن الامام أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام فی قوله (لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ) یعنی جورا علی الله ان قلنا إن له شریکا .

ألهمناهم الصبر والایمان والحکمة .

وبعد سلامة دلالة قول أصحاب الکهف المتقدم علی عدم التقیة , فیکون موقفهم منها کموقف مؤمن آل فرعون , حین شافه فرعون بالحق وترک التقیة بعد أن کان علیها .

فأعلن أصحاب الکهف نبذ التقیة وترکها واعلانهم التوحید الالهی .

طغیان الحکومة الکافرة زمن أهل الکهف:

ص: 182

ویدل علیه ما ذکر أبو السعود العمادی الترکی المفسر (ت / 982 ه ) قال: ونبأهم _ حسبما ذکره محمد بن إسحاق بن یسار _ أنه قد مرج أهل الإنجیل , وعظمت فیهم الخطایا , وطغت ملوکهم . فعبدوا الأصنام , وذبحوا للطواغیت . وکان ممن بالغ فی ذلک , وعتا عتوا کبیرا دقیانوس , فإنه غلا فیه غلوا شدیدا , فجاس خلال الدیار والبلاد بالعبث والفساد , وقتل من خالفه من المتمسکین بدین المسیح علیه السلام ، وکان یتبع الناس فیخیرهم بین القتل وعبادة الأوثان ((1)) .

فکان أهل الکهف یستخدمون التقیة استخداما شدیدا خوف السلطان .

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام (ت / 148 ه ) _ من طرق الشیعة الإمامیة _ أنه قال: ما بلغت تقیة أحد تقیة أصحاب الکهف , إن کانوا لیشهدون الأعیاد , ویشدون الزنانیر , فأعطاهم الله أجرهم مرتین((2)) .

وکیف لا یشدون الزنار علی وسطهم , وهم فی أوساطهم ؟ وکیف لا یشهدون أعیادهم , وهم من أعیانهم ؟

لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إذاً شَطَطاً:

قالوا: هذه الایة تبین أن أهل الکهف قد قرروا بعد نهوضهم من نومهم فی الکهف ترک التقیة والجهر بدینهم .

ص: 183

قیل: علی أن القرآن الکریم قد أشار إلی تقیتهم بعد بعثهم من رقدتهم التی جعلها الله تعالی آیة للعالمین . . . حیث قال قائل منهم: (فابعثوا أحدکم بورقکم هذه إلی المدینة فلینظر أیها أزکی طعاما فلیأتکم برزق منه ولیتلطف ولا یشعرن بکم أحدا ) .

قال الرازی الشافعی (ت / 606 ه ): وقوله: (ولیتلطف ): أی: یکون ذلک فی سر وکتمان , یعنی: دخول المدینة وشراء الطعام (ولا یشعرن بکم

أحدا ) أی: لا یخبرن بمکانکم أحدا من أهل المدینة ((1)) .

وقال القرطبی المالکی (ت / 671 ه ): (ولیتلطف ): أی فی دخول المدینة وشراء الطعام (ولا یشعرن بکم أحدا ) أی: لا یخبرن , وقیل: إن ظهر علیه فلا یوقعن إخوانه فیما وقع فیه , (إنهم إن یظهروا علیکم یرجموکم ) . قال الزجاج:

معناه: بالحجارة , وهو أخبث القتل , وقیل: یرموکم بالسب والشتم , والأول أصح , لأنه کان عازما علی قتلهم کما تقدم فی قصصهم .

ثم بین فی المسألة السادسة من مسائل هذه الآیة حکم الوکالة إذا اقترنت بالتقیة کما فی توکیل أهل الکهف صاحبهم بشراء الطعام مع إیصائه بأن یتقی قومه بإخفاء سره ما استطاع فقال ما نصه: فی هذه الآیة نکتة بدیعة ,

ص: 184

وهی أن الوکالة إنما کانت مع التقیة خوف أن یشعر بهم أحد لما کانوا علیه من خوف علی أنفسهم , وجواز توکیل ذوی العذر متفق علیه ((1)).

قوله: (ولیتلطف ) :

اتفق جمیع المفسرین علی القول بأن المراد من ذلک هو إیصائه بأن یخفی أمره عن قومه , لأنهم إذا اطلعوا علی واقع الحال , عرفوا المکان , وإذا عرفوه فهم إما سیقتلون من فیه أو یجبرونهم علی عبادة الأوثان ((2)) .

نعم ذکر بعضهم وجها آخر للتلطف , خلاصته أن یکون علی حذر من أهل المدینة بحیث لا یغبن فی شراء الطعام , وهذا الوجه بعید عن أجواء الآیة الکریمة کل البعد , خصوصا مع قوله: (ولا یشعرن بکم أحدا ) کما نبه علیه الشوکانی (ت / 1250 ه ) ((3)) .

التقیة

ص: 185

قال الامام جعفر الصادق علیه السلام : إنّ أصحاب الکهف أسرّوا الإیمان وأظهروا الکفر , وکانوا علی إجهار الکفر أعظم أجرا منهم علی إسرار الإیمان .

و تجب التقیّة فی الفتوی مع الخوف لما مرّ .

وقال رجل للصادق علیه السلام : إنّی أقعد فی المسجد فیجیء الناس فیسألونی فإن لم أجبهم لم یقبلوا منّی , وأکره أن أجیبهم بقولکم ((1)) .

وما جاء عنکم , فقال لی: انظر ما علمت أنّه قولهم فأخبرهم بذلک . هذا عند خوف القتل والسجن .

لوا یجوز التقیّة فی الدم .

قال الامام الباقر علیه السلام : إنّما جعلت التقیّة لیحقن بها الدم , فإذا بلغ الدم , فلیس تقیّة ((2)) .

ویجب کتم الدین عن غیر أهله مع التقیّة لما مرّ ((3)) .

فخار بن معد الموسوی فی کتاب (الحجة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب ) بإسناده إلی ابن بابویه , عن أبیه , عن الحسین بن أحمد المالکی , عن أحمد بن هلال , عن علی بن حسان , عن عمه عبد الرحمن بن کثیر ,

ص: 186

عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) _ فی حدیث _ ان جبرئیل ( علیه السلام ) نزل علی رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) فقال: یا محمد إن ربک یقرؤک السلام , ویقول لک: ان أصحاب الکهف أسروا الایمان وأظهروا الشرک , فآتاهم الله أجرهم مرتین , وإن أبا طالب أسر الایمان وأظهر الشرک فآتاه الله أجره مرتین وما خرج من الدنیا حتی أتته البشارة من الله بالجنة .

وعن عبد الحمید بن التقی الحسینی , عن الشریف أبی علی الموضح عن محمد بن الحسن العلوی , عن عبد العزیز بن یحیی الجلودی , عن عبد الله بن أبی الصقر عن الشعبی یرفعه عن أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) قال: کان والله

أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب مؤمنا مسلما یکتم إیمانه مخافة علی بنی هاشم أن تنابذها قریش , ثم ذکر لعلی ( علیه السلام ) أبیاتا فی رثاء أبیه والدعاء له ((1)) .

وقال نجاح الطائی:

الایة القرآنیة: { وَرَبَطْنَا عَلَی قُلُوبِهِمْ إذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إذاً شَطَطاً}.

ص: 187

تبین انحرافا منهم من عالم التقیة الی عالم الجهر والعلنیة وقد أعلنوا هذا المنهج هذا قبل نومهم الطویل فی حضور الامبراطور دقیانوس .

قالوا: بانهم انتخبوا طریق التوحید والاخلاص لله تعالی بعیدا عن الاصنام المیتة التی لا روح فیها فسمع بدینهم القریب والبعید وانتشر اسمهم فی المدینة .

أصحاب الکهف اعتنقوا المسیحیة فی القرن الرابع المیلادی فی عهد الامبراطور الرومانی دقیانوس .

واوصوا صاحبهم الذی أرسلوه الی المدینة أن یتنکر کی لا یعرفه رجال الحکومة فیسجنوه ویقتلوه ولا یعنی هذ انهم عادوا الی تقیتهم .

وکانوا قد أعلنوا ایمانهم بالله العظیم وکفرهم بالاصنام البالیة فی مجلس ملک الروم أمام جمیع القیادات الدینیة والسیاسیة والعسکریة .

{هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا یَأتُونَ عَلَیْهِمْ بِسُلْطَان بَیِّن فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللّهِ کَذِباً }15_سورة

الکهف.

بسلطان بَیِّن: علیهم المجیء بدلیل قوی یعرف الشریک لله تعالی من هو وما جنسه من الجن أم من الملائکة أم من الانس ؟

فان لم یأتوا بحجة فهم ظالمون مفترون .

ص: 188

وقال ابن عباس: هذا قول تملیخا " من أمرکم مرفقا " أی ما ترفقون وتنتفعون به " تزاور عن کهفهم " تمیل عنه ولا یقع شعاعها علیهم فیؤذیهم , لان الکهف کان جنوبیا ؟

أو لان الله زورها عنهم , والزور: المیل " ذات الیمین " أی جهة الیمین " تقرضهم " أی تعدل عنهم وتترکهم " وهم فی فجوة منه " أی فی متسع من الکهف یعنی فی وسطه بحیث ینالهم روح الهواء ولا یؤذیهم کرب الغار ولا حر الشمس , وذلک أن باب الکهف کان فی مقابلة بنات نعش , وأقرب المشارق والمغارب إلی محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه , وأن الشمس إذا کان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأیمن , وهو الذی یلی المغرب , و تغرب محاذیة لجانبه الأیسر , فیقع شعاعها علی جنبیه , ویحلل عفونته , ویعدل هواه , ولا یقع علیهم فیؤذی أجسادهم ویبلی ثیابهم , وقیل : بل الله صرف عنهم الشمس بقدرته " ولیا مرشدا " ((1)) .

معناه هلا یأتون علی عبادتهم إیاهم بحجة واضحة ودلالة بینة . وحذف لدلالة الکلام علیه ثم قالوا: فمن أظلم لنفسه ممن یتخرص علی الله کذبا , ویضیف إلیه ما لا أصل له .

ص: 189

وفی ذلک دلالة علی أن التقلید فی الدین لا یجوز وانه لا یجوز أن یقبل دین إلا بحجة واضحة . وفی قصة أصحاب الکهف دلالة علی أنه لا یجوز المقام فی دار الکفر إذا کان لا یمکن المقام فیه إلا باظهار کلمة الکفر وانه یجب الهجرة إلی دار الاسلام أو بحیث لا یحتاجون إلی التلفظ بکلمة الکفر ((1)) .

الإتیان بالحجة علی صحة عبادتهم الاحجار محال وکذلک تصحیح عبادتهم علی منهج السلف فهو باطل , وفیه دلالة علی فساد التقلید لانه لا عقل فیه .

{وَإذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا یَعْبُدُونَ إلا اللّهَ فَأوُوا إلَی الکَهْفِ یَنشُرْ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَیُهَیِّئ لَکُمْ مِنْ أمْرِکُمْ مِرفَقاً } 16 _سورة

الکهف.

لاعتزالکم ایاهم اذهبوا الی الکهف حیث تنزل علیکم رحمة الله فی الحیاة والامن والعافیة مدة مدیدة أکثر من ثلاثمائة سنة .

مِنْ أمْرِکُمْ مِرفَقاً : الرفق هو الیسر واللطف والامن والراحة .

ما ترتفقون به , أی: تنتفعون .

وفضلهم بهذا لیقینهم بالله العظیم واعتقادهم بدینه .

ص: 190

الرحمة الالهیة فی الدنیا شملت أصحاب الکهف اذ أصبح الکهف خیر دار مقام لهم فیه الامن والراحة والسکن, سکنوا فیه ثلاثمائة سنة بلا حاجة الی طعام وشراب انما یطعم جسدهم الباری بقدرته العظیمة .

وهیأ تعالی الکهف بمکانه الجغرافی والشمس والهواء فی خدمتهم لیعیشوا کل هذه المدة بلا حاجة الی من یخدمهم ویساعدهم بینما یسکن الناس فی الفنادق والمستشفیات وهم بحاجة الی خدمة مئات الاشخاص لیلا ونهارا .

{ وَتَرَی الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ تَتَزَاوَرُ عَنْ کَهْفِهِمْ ذَاتَ الیَمِینِ وَإذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِی فَجْوَة مِنْهُ ذَلِکَ مِنْ آیَاتِ اللّهِ مَنْ یَهْدِ اللّهُ فَهُوَ المُهْتَدِی وَمَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِیّاً مُرْشِداً } 17_سورة الکهف.

(تَقْرِضُهُمْ )

قولان: أحدهما: تقطعهم فی ذات الشمال , أی أنّها تجوزهم منحرفة عنهم من قولک قرضته بالمقراض أی قطعته .

قال أبو عبید: کذلک هو فی کلامهم , یقال: قرضت الموضع إذا قطعته وجاوزته , وقال الکسائی والفراء: هو المحاذاة .

وفی هذه الآیة استعارتان: أولاهما قوله تعالی فی ذکر الشمس: (تَتَزاوَرُ عَنْ کَهْفِهِمْ ذاتَ الْیَمِینِ ) لأن التزاور أصله المیل , وهو مأخوذ من الزّور , وهو الصدر . فکأنه سبحانه قال: إن الشمس تمیل عن هذا الموضع , کما یمیل

ص: 191

المتزاور عن الشیء بصدره ووجهه . ویبین بذلک عن موضع الکهف المشار إلیه من جهات المشرق والمغرب أن الشمس لا یلحقه ثوبها عند الشروق , ولا ینفض علیه . . . آخر الغروب .

والاستعارة الأخری قوله تعالی: (وإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ ) . وفی ذلک قولان: أحدهما أن یکون المراد أنها تقرضهم فی ذات الشمال , أی أنها تجوزهم عادلة بمطرح شعاعها عنهم . من قولهم: قرضت الشیء بالمقراض . إذا قطعته به . والمقراض متجاوز لأجزائه أولا حتی ینتهی إلی آخره . والقول الثانی: أن یکون المراد أنها تعطیهم القلیل من شعاعها عند مرها بهم , ثم تسترجعه عند انصرافها عنهم . تشبیها بقرض المال الذی یعطیه المعطی لیستردّه , ویقدمه لیرتجعه .

ومعنی قرض المال أیضا مأخوذ من القطع , لأن المقرض یعطی للمقترض شقة من ماله , وقطعة من حاله((1)): نور الشمس یمر علیهم أی یقطعهم .

والقرض یستعمل فی أشیاء غیر هذا , منه القطع للثوب وغیره , ومنه سمّی المقراض , ومنه قرض الفأر , والقَرض من تقارض الناس بینهم الأموال , وقد یکون ذلک فی الثناء تثنی علیه کما یثنی علیک ((2)) .

ص: 192

ویساعد فی زیادة امتصاص الکالسیوم ویقوی الجهاز المناعی و العصبی والعضلی وإن عدم التعرض لأشعة الشمس یؤدی إلی نقص فیتامین (د) .

2-

اشعة الشمس تخفض مستویات الکورتیزول :

ومن المعروف أن هرمون الإجهاد الذی یدعی الکورتیزول یتسبب فی فتح الشهیة إذ تشیر الدراسات إلی أن مستویات هرمون الکورتیزول العالیة تؤدی إلی زیادة الوزن فی دراسة أخری أجریت من قبل مرکز العلوم العصبیة فی جامعة کولورادو ، فقد وجد أنه من خلال التعرض للضوء الساطع لأشعة الشمس فإن مستویات الکورتیزول تنخفض مما یؤدی إلی عدم زیادة الوزن.

3-

اشعة الشمس یمکن أن تساعد فی التخلص من الاکتئاب:

إن اشعة الشمس یمکن أن یساعد الذین یعانون من الاکتئاب بسبب عدم التعرض لأشعة الشمس.

إذ یحصل

شکل معین من أشکال الاکتئاب وهو الاضطرابات العاطفیة الموسمیة (الحزن ) التی یحدث فی فصل الشتاء أو أثناء الخریف.

وفی دراسة أجرتها جامعة میلانو فی إیطالیا تبین أن التعرض لأشعة الشمس فی الصباح الباکر یمکن أن تزید من شفاء المرضی الذین یعانون من الاکتئاب.

کما أن

غرف المستشفی التی یدخل لها ضوء الشمس یتم فیها شفاء المرضی بسرعة بالمقارنة مع الغرف التی لا یدخل ضوء الشمس لها.

ص: 194

کما أن

اشعة الشمس تساعد علی التخلص من حالات التوتر وکذلک یساعد علی الحفاظ علی ضغط الدم وزیادة إفراز الأنسولین ویساعد علی تحویل الدهون والکربوهیدرات إلی طاقة فی الجسم.

4- إن عدم التعرض لضوء الشمس یزید من خطر ارتفاع ضغط الدم :

ووجدت دراسة عام 2008 فی کلیة هارفارد الطبیة أن التعرض القلیل لأشعة الشمس یزید من خطر الاصابة بارتفاع ضغط الدم . بالإضافة إلی ذلک، کما أن أشعة الشمس تزید بشکل مباشر من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعیة الدمویة وفقا لنفس التقریر کما أن فیتامین (د) هو واحد من أقوی الهرمونات لتنظیم ضغط الدم.

التعرض للشمس یعمل علی العلاج من الاکتئاب حیث اکدث الدراسات ان اثناء فصل الشتاء والخریف تقل اشعة الشمس لطبیعة الفصل فیزداد فیه نسبة الاصابه بالاکتئاب لذلک ینصح الاطباء النفسیین مرضاهم بالتعرض لاشعة الشمس فی الصباح , کما ان التعرض للشمس یساعد علی التخلص من التوتر العصبی وتنظیم ضغط الدم .

5-

اشعة الشمس تخفض خطر مرض السکری :

وفقا للخبراء فإن فیتامین (د) له تأثیر فی الوقایة من مرض السکری وفی دراسة فی عام 2006 فی جامعة لوند و مستشفی جامعة مالمو، السوید وجد أن التعرض للشمس لانتاج فیتامین (د) فی وقت مبکر من الحیاة فی الطفولة کان مرتبطا بقوة مع انخفاض خطر مرض السکری نوع الأول.

ص: 195

6- تساعد اشعة الشمس فی الشفاء من الصدفیة:

7_ کما ان للشمس دور هام فی معالجة الامراض الجلدیه.

والصدفیة

مرض جلدی یقال أنه غیر قابل للشفاء إلا أنه قد تم ملاحظة أن مرضی الصدفیة یستخدمون العلاج بالضوء لعلاج حالة الصدفیة فالشمس هی مصدر الضوء ، وبالتالی أشعة الشمس یمکن أن تساعدک علی الحد من الصدفیة.

7-

تساعد اشعة الشمس فی إیقاف تساقط الشعر:

إن تعریض الشعر لأشعة الشمس فی الصباح الباکر أی فی ساعات الصباح الأولی یساعد فی الحد من کثیر من مشاکل الشعر لذلک یجب علی المحجبات خصوصاً التعرض لأشعة الشمس بالجلوس تحت الشباک أو أی مکان یضمن تعرضهن للشمس لمدة عشر دقائق علی الأقل یومیاً.

8_کما اکدت الابحاث العلمیه ان الشمس لها دور هام فی مجال الوقایه من الاصابه بمرض النسیان کما ان نتائج الابحاث ان المناطق الحاره یقل بها الاصابه بالنسیان کما انه تقلل نسبة الاصابه بامراض الاسنان.

9_ وان التعرض لاشعة الشمس بمعدل معتدل یقی من الاصابه بامراض السرطان خصوصا سرطان الامعاء وسرطان الثدی وشرطان المثانه والمعده لیس هذا وحسب فان للشمس قدره علی تخفیض هرمون المیلاتونین هذا الهرمون یعمل علی تاخر وتباطؤ عملیة الحمل للنساء.

ص: 196

10_واثبتت الدراسات والابحاث ایضا ان التعرض لاشعة الشمس یعمل علی تاخیر سن الیاس بمقدار 7 او 9 سنوات , لیس هذا وحسب فان الشمس تعزز من زیادة انتاج مادة المیلاتون التی تعمل علی الوقایه من الاصابه بالارق وتمنح الجسم نوع طبیعی بدون استخدام الادویه المنومه التی لها تاثیر سئ علی صحه الانسان وجهازه العصبی.

وقال تعالی : { َجَعَلَ اللَّیْلَ سَکَناً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِکَ تَقْدِیرُ العَزِیزِ العَلِیم } ِ 96_الانعام .

{ وَجَعَلَ القَمَرَ فِیهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً 16 }_نوح .

{ وَتَحْسَبُهُمْ أیْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الیَمِینِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَکَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَیْهِ بِالوَصِیدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَیْهِمْ لَوَلَّیْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } 18 _سورة

الکهف.

کل من دخل علی أصحاب الکهف حسبهم ایقاظا أعینهم مفتوحة وتنفسهم طبیعی ووجوههم غضة طریة لکنهم نائمون لا ینطقون .

وکل من شاهدهم ملیء منهم بالرعب وفر عنهم .

وهؤلاء مجوفون محتاجون إلی طعام وشراب , وقد بقوا هذه المدة بنص القرآن بغیر طعام ولا شراب مما یأکل الناس , وبقوا بمقتضی ما تقدم من الخبر السالف عند ذکر قصة أصحاب الکهف إلی زمان محمد نبیهم

( صلی الله علیه و آله و سلم ) , حین بعث الصحابة علی البساط للسلام علیهم , ویبقون _ کما

ص: 197

رواه الثعلبی _ إلی زمن المهدی ( علیه السلام ) علی الصفة التی تضمنها القرآن من الحیاة بغیر طعام مألوف ولا شراب معروف , فأیما أعجب بقاء هؤلاء , أو بقاء المهدی ( علیه السلام ) ؟

وبعض الحذاق من الأطباء جوز بقاء الانسان باعتبار مزاجه الطبیعی ما یقرب من هذه المدة ویزید علیها ((1)) .

وأما المنجمون , فقالوا: أکثر ما یعطی کوکب واحد من العمر من حیث هو مائة وعشرون سنة , وجاز أن ینضم إلیه عندهم أسباب اخر فتتضاعف العطیة , قالوا:

فی مثل أن یتفق فی طالع کثرة الهیلاجات فیه , والکدخدایات کلها فی أوتاد الطالع ناظرة إلی بیوتها ونظر السعود لها بالتثلیث أو التسدیس , وتکون النحوس ساقطة , وحینئذ یحکمون لصاحب الطالع بطول العمر ((2)) .بِالوَصِیدِ: بالفناء . وکل من دخل علیهم ولی فاراً من المعجزة الالهیة العظیمة .

ص: 198

لما استیقظوا

شعر بعضهم بانهم قد ناموا نوما طویلا . فقال القسم الاول منهم: قَالُوا لَبِثْنَا یَوْماً أوْ بَعْضَ یَوْم .

فعارضهم القسم الثانی الذی شاهد دلیلا علی المدة الطویلة لمکثهم فی الغار لکنهم لا یعلمون عددها . سواء کان هذا الدلیل داخل الکهف أم خارجه مثل نمو الاشجار وتغیر موضع الاحجار وتغیبر الدور أسفل الجبل . فقالوا: رَبُّکُمْ أعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ .

وقال نجاح الطائی: طلبوا من رسولهم الی المدینة التحقیق :فی طعام فیه لحم مذبوح بید الموحدین الحلال لهم . قالوا: فَلْیَنظُرْ أیُّهَا أزْکَی طَعَاماً فَلْیَأتِکُمْ بِرِزْق مِنْهُ .

وطالبوا باللحم الحلال المحتاج الی التحقیق رغم انهم یعتقدون أنَّ الجیش والجواسیس یلاحقوهم .

وهذا یبین شدة التصاقهم بالشریعة الغراء طبقاً للامر الالهی عند أهل الدیانات السماویة: { ولا تأکلوا مما لم یذکر اسم الله علیه } سورة الانعام 121 .

{ إنَّهُمْ إنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ یَرْجُمُوکُمْ أوْ یُعِیدُوکُمْ فِی مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إذاً أبَداً } 20 _سورة الکهف.

إن أمسکوا بکم قتلوکم أو یعیدوکم الی عالم الکفر والظلم والرذیلة . ولن تفلحوا بالفرار من قبضتهم الحدیدیة .

الاعتقاد القوی عند أصحاب الکهف ان الحکومة ستقتلهم ان أمسکت بهم وطریقتهم فی القتل تتمثل فی رجمهم بالحجارة .

ص: 200

وهی طریقة صعبة وتحتاج الی وقت طویل لازهاق الروح . وقد تعفوا الحکومة عنهم لمنزلتهم فی سلم العوائل الحاکمة فلا تقتلهم بل تعیدهم فی عالم الکفر بالقوة والاکراه .

عن أبی عبد الله علیه السلام انه ذکر أصحاب الکهف فقال: لو کلفکم قومکم ما کلفهم قومهم , فقیل له: وما کلفهم قومهم ؟ فقال:

کلفوهم الشرک بالله العظیم , فأظهروا لهم الشرک وأسروا الایمان حتی جائهم الفرج ((1)) .

و عن أبی عبد الله علیه السلام قال: ما بلغت تقیة أحد ما بلغت تقیة أصحاب الکهف کانوا لیشدون الزنانیر ((2))ویشهدون الأعیاد وأعطاهم الله أجرهم مرتین ((3)) .

{وَکَذَلِکَ أعْثَرْنَا عَلَیْهِمْ لِیَعْلَمُوا أنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَأنَّ السَّاعَةَ لا رَیْبَ فِیهَا إذْ یَتَنَازَعُونَ بَیْنَهُمْ أمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَیْهِمْ بُنْیَاناً رَبُّهُمْ أعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِینَ غَلَبُوا عَلَی أمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیْهِمْ مَسْجِداً } 21_

سورة الکهف.

وقد جاء عن الامام علی علیه السلام :

ص: 201

لقد عثر جیش الملک علی الکهف بعد جهد جهید فشاهدوا الفتیة أحیاءا فی صورة نائمین وبهیئة

مخیفة لا یمکن الاقتراب منهم لنقلهم الی المدینة .

قال أحدهم: من یذهب المدینة ویشتری لنا طعاما ؟ فجعل کل واحد منهم یخاف من دقیوس (دقیانوس) .

فقال تملیخا: اخوانی , لا أحد اجتری علی ذلک إلا أنا , ولکن یا راعی انزع ثیابک حتی ألبسها لعلهم ینکرونی , فنزع الراعی ثیابه فلبسها تملیخا .

فجعل یمر بمواضع لا یعرفها وعمران لم یرها وخرابات لم یعهدها . فقال فی نفسه: (انی غلطت الطریق ) ! فسأل رجلا نحو المدینة التی تسمی (افسوس ) . فقال: (افسوس ) امامک .

قال: فما اسم ملکها . قال: عبد الرحمان .

فازداد عجبا وجعل یمسح عینیه ویقول: لعلی نائم . ثم سار حتی اتی المدینة وإذا بابها علی خلاف ما کان , وإذا علی الباب علمان منصوبان ابیض واسود , مکتوب علیهما: (لا اله إلا الله , عیسی رسول الله ) . فازداد عجبا ودخل المدینة فرأی الناس یقرؤون الإنجیل .

فدنی من خباز فقال له: یا خباز , ما اسم مدینتکم هذه ؟

قال: افسوس . فقال: ما اسم ملککم ؟ قال: عبد الرحمان .

قال تملیخا: فانی نائم بعد ! !

قال الخباز: أنت تکلمنی ولست بنائم .

قال: وأخذ درهما من الدراهم التی کانت معه فأعطاه الخباز فقال: زن

ص: 202

لی بهذا خبزا وعجل . فأخذه الخباز فرآه ثقیلا وزنه عشرة دراهم وثلثان , فجعل الخباز ینظر إلی تملیخا (مرة ) ومرة إلی الدرهم .

ثم قال: ما اسمک ؟ فقال: (تملیخا ) .

قال: یا تملیخا أظنک قد وجدت کنزا فإن کان قد أصبته فأعطنی بعضه وإلا.

قال تملیخا: یا هذا , لا تظلمنی , فأنا أخذت الدراهم من ثمن ثمرة بعتها بالأمس فی القریة وکان أهل المدینة یعبدون دقیوس الملک .

فقال الخباز: هات نصیبی من الکنز فإنی لا أقبل منک قولک هذا .

قال تملیخا: یا رجل , إنی من أهل هذه المدینة ولست بغریب .

قال الخباز: من یعرفک من أهل المدینة ؟ قال: یعرفنی جماعة فسمی أکثر من مائة انسان فلم یعرفهم الخباز ولا عرف أحد منهم .

فغضب الخباز وقال: إنک لأحمق وقد وجدت کنزا ولست تعطینی منه شیئا . ثم تذکر أسماء قوم کفار ماتوا منذ ثلاثمائة سنه . وتعلق به واجتمع علیه الناس , فقدموه إلی ملکهم .

وقال الملک: ما شأنکم ؟ _ وکان رجلا عاقلا _ .

قالوا: اتیناک بالعجب هذا رجل قد وجد کنزا وهی دراهم معه .

فقال الملک: إن نبینا عیسی علیه السلام أمرنا إلا نأخذ من الکنز إلا الخمس , فأعطنا مما وجدت الخمس وسائر ذلک لک حلال .

فقال: أیها الملک ابتد وانظر فی امری حسنا . أنا رجل من أهل هذه المدینة , بعت ثمرة بالأمس وأخذت ثمنها .

قال الملک: وتعرف من أهل هذه المدینة أحدا ؟

ص: 203

قال: نعم فلان وفلان , فسمی أکثر من مائة رجل ما عرفوا منهم أحدا .

قال الملک: یا هذا , هذه أسامی قوم کفار ولیست بأسمائنا ولکن هل لک بالمدینة دار تعرفها ؟ قال: نعم . (قال: ) فانطلق معنا فأرنا .

قال: فخرج وتبعه الملک والناس حتی انتهی إلی أشرف دار فی المدینة فقال: هذه داری أیها الملک إلا أنها قد تبدلت بعدی .

فقرع الملک الباب فخرج منها شیخ کبیر قد سقط حاجباه علی عینیه من الکبر . فقال: ما جاء بکم أیها الملک ؟

قال: قد جئناک بعجب , هذا الذی یزعم أن هذه الدار (له ) .

قال: فغضب الشیخ وقال: اربطوا عنی حاجبی , فربطوها ثم قال: ما اسمک فهذه الدار ورثتها عن أبی وورثها أبی عن جدی !

قال: اسمی تملیخا . قال: ابن من ؟ قال: ابن قسطنطین .

قال: فعاد الشیخ وانتسب له , فانکب الشیخ یقبل یدیه ورجلیه ویقول: هذا جد أبی _ ورب عیسی _ هؤلاء قوم هربوا من دقیوس الکافر إلی اله السماوات والأرض .

فأقبل الملک والناس یبکون حوله ویقبلونه . ثم قال له الملک: ما فعل أصحابک . قال: هم فی الجبل .

قال: اذهب بنا إلی أصحابک فرکب الملک ورکب أصحابه حتی إذا کانوا علی الجبل قال تملیخا: أیها الملک , قف أنت ساعة حتی أنبههم بخبر دقیوس وموته وخبر أهل المدینة ومتی ما سمعوا وقع حوافر الخیل خافوا وظنوا أن دقیوس الکافر قد غشیهم .

ص: 204

قال: فوقف الملک والناس فذهب تملیخا حتی دخل علیهم .

فقالوا: الحمد لله الذی أنقذک من شر دقیوس الکافر .

فقال تملیخا: ذرونی من دقیوس , کم لبثنا ؟

قالوا: یوما أو بعض (یوم ) .

قال: (بل لبثتم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا ) وقد مات دقیوس وبعث الله نبیا ورفعه الله إلیه وهؤلاء أصحاب المدینة قد أتوکم ((1)).

فقالوا: یا تملیخا أترید أن نکون عبرة للخلق ؟ قال: لا .

فقالوا: یا تملیخا , ارفع یدیک ونرفع أیدینا وندعو أن یسترنا ربنا ولا یفضحنا . ففعلوا ذلک وقالوا: (ربنا بحق الذی أریتنا من العجائب وأحییتنا بعد أن أمتنا ان تقبض أرواحنا وتعجل عندک فی الجنة ) .

قال: فما تم کلامهم حتی قبضت أرواحهم .

قال: فوقف الملک ساعة طویلة , فما رأی منهم أحدا . قال: لأصحابه:

اذهبوا فاطلبوا القوم .

قال: فطلبوهم فلم یجدوا لهم أثرا إلا علامة الغار وقد طمس الله علی باب الغار . فقال الملک: هذه عبرة أراکم الله . ثم قال الملک: إبنوا علیهم بنیانا یعنی مسجدا .

ص: 205

فکان علی المدینة ملک آخر کافر . فقال الکافر: ماتوا علی دیننا , أبنی علی باب الکهف کنیسة . فتقاتل المسلمون والکفار , فهزم الکفار وحکم المسلمون وانقلب الکفار .

وبنی علیهم مسجدا

. وذلک قوله تعالی: (وقال الذین غلبوا علی أمرهم لنتخذن علیهم مسجدا ) .

فقام الیهودی

فأسلم وقال: أشهد ان لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنت (علی علیه السلام ) أعلم أصحاب محمد وأحق بهذا الأمر من غیرک .

وأسامی أصحاب الکهف: فرطالوس , أمیوس , دانیوس , واسرافیون ، واسطاطانوس , ومکسامیس وتملیخا ((1)) .

{سَیَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ کَلْبُهُمْ وَیَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ کَلْبُهُمْ رَجْماً بِالغَیْبِ وَیَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ کَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّی أعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا یَعْلَمُهُمْ إلا قَلِیلٌ فَلا تُمَارِ فِیهِمْ إلا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِیهِمْ مِنْهُمْ أحَداً } 22 _سورة الکهف.

(وهم النبی ومن أعلمه الله من نبیه (أهل البیت). وقال ابن عباس: أنا من القلیل الذین یعلمون ذلک: کانوا سبعة وثامنهم کلبهم .

ثم قال تعالی , ناهیا لنبیه , والمراد به أمته { فلا تمار فیهم إلا مراء ظاهرا } . قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاک: معناه إلا بما أظهرنا لک من

ص: 206

أمرهم , والمعنی انه لا یجوز أن تماری وتجادل إلا بحجة ودلالة , واخبار من الله , وهو المراء الظاهر ) ((1)) .

وفی التوحید والخصال مسندا عن السکونی _ إسماعیل بن أبی زیاد _ عن جعفر بن محمّد , عن آبائه قال: قال رسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم : « أنا زعیم بیت فی أعلی الجنّة , وبیت فی وسط الجنّة , وبیت فی ریاض الجنّة لمن ترک المراء , وإن کان محقّا » الخصال زاد: « ولمن ترک الکذب وإن کان هازلا , ولمن حسّن خلقه ((2)) .

وفی منیة المرید فی آداب المفید والمستفید فی القسم الثانی فی آدابهما عن النّبیّ صلی الله علیه و آله و سلم انّه قال: « من ترک المراء وهو محقّ بنی له بیت فی أعلی الجنّة , ومن ترک المراء وهو مبطل بنی له بیت فی ریاض الجنّة » .

" أی فلا تجادل الخائضین فی أمر الفتیة وعددهم " إلا مراء ظاهرا " أی إلا بما أظهرنا لک من أمرهم , أی إلا بحجة ودلالة وإخبار من الله سبحانه أو الامراء یشهده الناس ویحضرونه , فلو أخبرتهم فی غیر مرأی من الناس لکذبوا علیک , ولبسوا ((3)) علی الضعفة , فادعوا أنهم کانوا یعرفونه , لان ذلک من غوامض علومهم " ولا تستفت فیهم منهم أحدا " أی لا تستخبر فی

ص: 207

أهل الکهف وعددهم من أهل الکتاب أحدا والخطاب له صلی الله علیه و آله و سلم والمراد غیره " ((1)) .

ای لا تجادل فی أمر أصحاب الکهف « إِلَّا مِراءً ظاهِراً » بحجة ودلالة فقص علیهم ما أوحی اللَّه إلیک کذا فی مجمع البحرین , وقیل المراء لا یکون الا اعتراضا والجدال یکون ابتداء واعتراضا فهو أعم من المراء وفی مرات العقول وأکثر ما یستعمل المراء والجدال فی المسائل العلمیة ولفظة (المخاصمة ) فی الأمور الدنیویة , ثم قال وقد یخص المراء بما إذا کان الغرض إظهار الفضل والکمال , والجدال بما إذا کان الغرض تعجیز الخصم وذلته , وکیف کان وقد عرف بأنه الاعتراض علی کلام الغیر من غیر غرض دینی وهو حرام فی غیر حال الاعتکاف ففی خبر مسعدة بن صدقة المروی فی الکافی عن الامام جعفر الصادق علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین إیاکم والمراء والخصومة فإنهما یمرضان القلوب (القلب ) علی الاخوان وینسب علیهما النفاق , وخبره الأخر المروی فیه أیضا عن الامام جعفر الصادق علیه السلام قال: ثلاث من لقی اللَّه عز وجل بهن دخل الجنة من ای باب شاء من حسن خلقه , وخشی اللَّه فی المغیب والمحضر ((2)) .

ص: 208

وقال نجاح الطائی: لقد جعل الله تعالی أصحاب الکهف من معجزاته الباهرة فهم لم یموتوا ولن یموتوا قبل ظهور الامام المهدی علیه السلام اذ سیظهرون معه مثلما یظهر معه النبی عیسی علیه السلام .

وسیحاربون جمیعا الباطل فی الدنیا بکل أشکاله وأنواعه ویؤسسون بقیادة امامهم المهدی علیه السلام أفضل دولة اسلامیة فی آخر الزمان قائمة علی العدل والمساواة .

{ وَلا تَقُولَنَّ لِشَیْء إنِّی فَاعِلٌ ذَلِکَ غَداً23 } سورة الکهف.

قال الطبرسی: نهی من الله لنبیه صلی الله علیه و آله و سلم أن یقول: إنی أفعل شیئا فی الغد , إلا أن یقید ذلک بمشیة الله , فیقول: إن شاء الله .

" وَاذْکُرْ رَبَّکَ إِذا نَسِیتَ " الاستثناء ثم تذکرت فقل: إن شاء الله , وإن کان بعد یوم أو شهر أو سنة , عن ابن عباس , وقد روی ذلک عن أئمتنا علیهم السلام .

ویمکن أن یکون الوجه فیه أنه إذا استثنی بعد النسیان , فإنه یحصل له ثواب المستثنی من غیر أن یؤثر الاستثناء بعد انفصال الکلام فی الکلام , وفی إبطال الحنث وسقوط الکفارة فی الیمین , وهو الأشبه بمراد ابن عباس ((1)) .

{ إلا أنْ یَشَاءَ اللّهُ وَاذْکُرْ رَبَّکَ إذَا نَسِیتَ وَقُلْ عَسَی أنْ یَهْدِیَنِی رَبِّی لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} 24_سورة الکهف.

ص: 209

الامر الالهی أن یقول الانسان: انشاء الله لکل أمر یرید تنفیذه لان حیاته بید الله تعالی وحیاة الاخرین بیده سبحانه والارزاق والنتائج بیده والاعمال والمشاریع وتأسیس الدول وسقوطها بیده عز وجل .

اذن کیف یقول الانسان سوف افعل الفعل الکذائی وأوسس حکومة ودولة ومصنعا ومزرعة ومدینة وسوف اسافر دون أن یقول باذن الله .

والمراد بالخطاب جمیع المکلّفین , ومتی أخبر المخبر عن ظنه وعزمه بأنّه یفعل شیئاً فیما بعد ثم لا یفعل لا یکون کاذباً , لأنّه أخبر عن ظنه وهو صادق فیه .

وقال الفراء قوله: (إِلاّ أَنْ یَشَاءَ اللَّهُ ) بمعنی المصدر , فکأنّه قال: إلاّ مشیئة الله , والمعنی إلاّ ما یریده الله , وإذا کان الله تعالی لا یشاء إلاّ الطاعات , فکأنّه قال له: لا تقل انّی أفعل إلاّ الطاعات وما یقرب إلی الله .

وهذا وجه حسن , ولا یطعن فی ذلک جواز الإخبار عمّا یرید فعله من المباحات التی لا یشاؤها الله , لأنّ هذا النهی لیس هو نهی تحریم , وإنّما هو نهی تنزیه , لأنّه لو لم یقل ذلک لما أثم بلا خلاف , وإنّما هو نهی تحریم فیما یتعلّق بالقبح , فإنّه لا یجوز أن یقول: انّی أفعل ذلک بحال .

والآیة تضمّنت أن لا یقول الإنسان إنّی أفعل غداً شیئاً إلاّ أن یشاء الله , فأما أن یعزم علیه من غیر ذکر ذلک , فلا یلزم المشیئة فیه إلاّ ندباً .

قال ابن عباس: له أن یستثنی ولو إلی سنة .

والّذی نقوله: انّ الاستثناء متی لم یکن متصلاً بالکلام أو فی حکم المتصل , لم یکن له تعلّق بالأوّل ولا حکم له , وأنّه یجوز دخول الاستثناء بمشیئة

ص: 210

الله فی جمیع أنواع الکلام من الأمر والنهی والخبر والأیمان وغیر ذلک , ومتی استثنی ثم خالف لم یکن حانثاً فی یمینه ولا کاذباً فی خبره , ومتی هو استثناه بعد مدّة وبعد انفصال الکلام لم یبطل ذلک حنثه ولزمته الکفارة

ولو لم نقل ذلک أدّی إلی أن لا یصحّ یمین ولا خبر ولا عقد , فإنّ الإنسان متی شاء استثنی فی کلامه ویبطل حکم کلامه .

وقد روی عن النبیّ ( صلی الله علیه و آله و سلم ) أنّه قال: “ من حلف علی أمر یفعله , ثم رأی ما هو خیر له , فلیحنث ولیکفّر ” .

ولو کان الاستثناء جائزاً بعد مدّة , لکان یقول: فلیستثن ولا یحتاج إلی الکفّارة ولا یلزمه الحنث .

وقد روی فی أخبارنا مثل ما حکیناه عن ابن عباس .

ویشبه أن یکون المراد به أنّه إذا استثنی وکان قد نسی من غیر تعمّد , فإنّه یحصل له ثواب المستثنی دون أن یؤثر فی کلامه , وهو الأشبه بابن عباس وألیق بعلمه وفضله , فإنّ ما حکی عنه بعید جداً .

وقال الکسائی والفراء: التقدیر ولا تقولنّ لشیء انّی فاعل ذلک غداً إلاّ أن تقول إن شاء الله فأضمر القول ((1)) .

وعن أبی بصیر , عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال: سألته عن قول الله عز وجل: (ولا تَقُولَنَّ لِشَیْءٍ إِنِّی فاعِلٌ ذلِکَ غَداً إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّه ) , قال: « هو الرجل

ص: 211

یحلف علی الشیء وینسی أن یستثنی , فیقول: لأفعلن کذا وکذا غدا أو بعد غد عن قوله: (واذْکُرْ رَبَّکَ إِذا نَسِیتَ ) » .

عن حمزة بن حمران , قال: سألته عن قول الله: (واذْکُرْ رَبَّکَ إِذا

نَسِیتَ ) , قال: « إذا حلفت ناسیا ثم ذکرت بعد , فاستثن حین تذکر » .

عن القداح , عن جعفر بن محمد , عن أبیه , عن علی (علیهم السلام ) قال: « الاستثناء فی الیمین متی ما ذکر , وإن کان بعد أربعین صباحا » . ثم تلا هذه الآیة: (واذْکُرْ رَبَّکَ إِذا نَسِیتَ ) ((1)) .

وقال نجاح الطائی:

قول المسلم: انشاء الله یبین ویزید الصلة بین الخالق والمخلوق .

ویوضح للشخص بانه مرتبط بربه ارتباطا وثیقا لا انفصام له . وقد جعل الله تعالی للمؤمنین مخرجا فی القضایا الدینیة .

وَقُلْ عَسَی أنْ یَهْدِیَنِی رَبِّی لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدا _الکهف 24 :

لحجج وادلة وقصص أقرب من هذه القصة والمعجزة .

{وَلَبِثُوا فِی کَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَة سِنِینَ وَازْدَادُوا تِسْعاً25 } _سورة الکهف.

وفی تفسیر مجمع البیان للطبرسی: روی أنّ یهودیا سأل علی بن أبی طالب علیه السلام عن مدّة لبثهم فأخبر بما فی القرآن , فقال: إنّا نجد فی کتابنا ثلاثمائة , فقال علیه السلام : ذاک بسنی الشمس وذاک بسنی القمر .

ص: 212

وقال الفخر الرازی فی تفسیره مفاتیح الغیب: قال بعضهم: کانت المدة ثلاثمائة سنة من السنین الشمسیة , وثلاثمائة وتسع سنین من القمریة , وهذا مشکل لأنه لا یصح بالحساب هذا القول .

والسنة الشمسیة الحقیقیة علی محاسبة الزیج البهادری وهو أدق الزیجات , هی:

رابعة لثه نیه قه عت یوم

10 6 46 48 5 365

والسنة القمریة الحقیقیة علی محاسبة ذلک الزیج الأسعد الأجد أیضا هی: مسه رابعة لثه نیه قه عت یوم

12 55 37 36 48 8 354

فالتفاوت بینهما

خامسة رابعة لثه نیه عت یوم

48 14 28 9 21 10

فعلی ذلک:

یوم 3000 = 10 علامة ضرب 300

ساعة 6300 = 21 علامة ضرب 300

یوم مع کسر وهو 12 ساعة

12 262 = 24 علامة تقسیم 6300

مجموع الأیام 3262 = 262 زائد 3000

تسع سنین مع کسر وهو 76 یوما

ص: 213

76 9 = 354 علامة تقسیم 3262

فالقمریة تزداد علی الشمسیة فی ثلاثمائة سنة , بتسع سنین وشهرین وعدة أیام , والحساب یسقطون الکسر فی العمل ان لم یکن الکسر مما یعتنی به فلبثوا فی کهفهم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا , وهذا قول فصل یصحّ بالحساب وما فی المجمع حق بلا ارتیاب وما قاله الفخر ساقط عن صوب الصواب ((1)) .

{قُلِ اللّهُ أعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَیْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أبْصِرْ بِهِ وَأسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا یُشْرِکُ فِی حُکْمِهِ أحَداً }26_سورة الکهف.

أبْصِرْ بِهِ وَأسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍّ: هذا للتعظیم أی هو سبحانه قادر بصیر سمیع عالم للغیب ویعطی الغیب لمن یرید .

{ وَاتْلُ مَا اُوحِیَ إلَیْکَ مِنْ کِتَابِ رَبِّکَ لا مُبَدِّلَ لِکَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ

دُونِهِ مُلْتَحَداً } 27 _سورة الکهف.

الکلمات: الأئمة. عن أبی عبد الله علیه السلام قال إذا خلق الله الامام فی بطن أمه یکتب علی عضده الأیمن(وتمت کلمة ربک صدقا وعدلا لا مبدل لکلماته وهو السمیع العلیم ) .

وحدثنی أبی عن حمید بن شعیب عن الحسن بن راشد قال: قال أبو عبد الله علیه السلام ان الله إذا أحب ان یخلق الامام اخذ شربة من تحت العرش من ماء

ص: 214

المزن أعطاها ملکا فسقاها أباه فمن ذلک یخلق الامام , فإذا ولد بعث الله ذلک الملک إلی الامام ان یکتب بین عینیه:

{ وَتَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ صِدْقاً وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِکَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِیعُ العَلِیمُ115_الانعام } فإذا مضی ذلک الامام الذی قبله رفع له منارا یبصر به اعمال العباد , فلذلک یحتج به علی خلقه ((1)) .

وقرأ أهل الکوفة ویعقوب کلمة علی التوحید . الباقون: کلمات جمع.

کلمة , والکلمة والکلمات ما ذکره الله من وعده ووعیده وثوابه وعقابه , فلا تبدیل فیه , ولا تغییر له کما قال { مَا یُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَیَّ وَمَا أنَا بِظَلام لِلْعَبِیدِ } سورة ق 29 , وقال: { لا تَبْدِیلَ لِکَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِکَ هُوَ الفَوْزُ العَظِیمُ64_یونس } وکان التقدیر , وتمت ذوات الکلمات , ولا یجوز أن یعنی بالکلمات الشرائع ههنا کما عنی بقوله: {وإذا ابتلی إبراهیم ربه بکلمات فأتمهن} .

وقوله: { وصدقت بکلمات ربها } ((2)) : لأنه قال لا مبدل لکلماته .

والشرائع یدخلها النسخ ((3)) .

ص: 215

وقال تعالی: {فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَات فَتَابَ علیه إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ

الرَّحِیمُ } ((1)) .

السیوطی: قال السیوطی فی تفسیره: أخرج ابن النجار عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن الکلمات التی تلقاها آدم من ربه فتاب علیه .قال: سأل بحق محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین علیهم السلام إلا تبت علیَّ , فتاب علیه ((2)) .

الدیلمی وابن المغازلی والبیهقی: روی خبرا طویلا أخرجه الدیلمی , وفیه أنه قال (یعنی جبرئیل ): فعلیک بهؤلاء الکلمات , فإن الله قابل توبتک وغافر ذنبک , قل:

اللهم إنی أسألک بحق محمد وآل محمد , سبحانک لا إله إلا أنت , عملتُ سوءا وظلمت نفسی فاغفر لی انک أنت الغفور الرحیم , اللهم إنی أسالک بحق محمد وآل محمد سبحانک لا إله إلا أنت , عملت سوءاً وظلمت

ص: 216

نفسی فتب علی إنک أنت التواب الرحیم . فهذه الکلمات التی تلقاها آدم

((1)) .

وروی الجمهور عن ابن عباس , قال: سئل رسول الله عن الکلمات التی تلقاها آدم من ربه , فتاب علیه , قال: سأله بحق محمد , وعلی , وفاطمة , والحسن , والحسین ,: إلا تبت علی , فتاب علیه ((2)) .

ص: 217

وقال النبی علیه السلام : انتهت الدعوة إلی , وإلی علی , لم یسجد أحدنا لصنم قط , فاتخذنی نبیا واتخذ علیاً وصیا ((1)).

{ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً } 27: یعنی مأوی.

الملتحد: الملجأ , وجاء فی القرآن الکریم:

(قل إنی لن یجیرنی من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ) _ الجن: 22 :الملحد: المائل عن الدین .

_ فی اصطلاح الشرع: هو من مال عن الشرع القویم إلی جهة من جهات الکفر ((2)) .

وسئل عن قول الله عز وجل: " قل إنی لا أملک لکم ضرا " ولا رشدا " .

ص: 218

قل إنی لن یجیرنی من الله أحد " إن عصیته فیما أمرنی " ولن أجد من دونه ملتحدا . إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن یعص الله ورسوله " فی ولایة علی " فإن له نار جهنم خالدین فیها أبدا " ((1)) .

وقال نجاح الطائی: تکلم الله تعالی فی الایة 26 عن رکن التوحید الالهی ورفضه الشرک من عباده . وفی هذه الایة تکلم تعالی عن أهل البیت فهم الکلمات , کما بینا فی النصوص الکثیرة السابقة عند السنة والشیعة .

ولا یمکن لاحد اللجوء الی أحد یحمیه من دون الله الخالق الجبار مالک الدنیا والاخرة .

{ وَاصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَیْنَاکَ عَنْهُمْ تُرِیدُ زِینَةَ الحَیَاةِ الدُّنْیَا وَلا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَکَانَ أمْرُهُ فُرُطاً } 28 _سورة الکهف.

واصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ والْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَه ولا تَعْدُ عَیْناکَ عَنْهُمْ تُرِیدُ زِینَةَ الْحَیاةِ الدُّنْیا ) _ إلی قوله تعالی _ ( عَنْ ذِکْرِنا )

العیاشی : عن زرارة وحمران ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهما السلام فی قوله : ( واصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ والْعَشِیِّ ) ، قال : « إنما عنی بها الصلاة » ((2)) .

ص: 219

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : یا ابن مسعود اصبر مع الذین یذکرون اللَّه ویسبحونه ویهللونه ویحمدونه ویعملون بطاعته ویدعونه بکرة وعشیا فإن اللَّه تعالی یقول « وَاصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَیْناکَ عَنْهُمْ » ((1)) ، یا ابن مسعود لا تختارن علی ذکر اللَّه شیئا فإنه یقول « وَلَذِکْرُ اللَّهِ أَکْبَرُ» ((2)) ویقول « فَاذْکُرُونِی أَذْکُرْکُمْ وَاشْکُرُوا لِی وَلا تَکْفُرُونِ » ((3)) .

ویقول « وَإِذا سَأَلَکَ عِبادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌ أُجِیبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ » ((4)) ویقول « ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ » ((5)) .

( ولا تطرد الذین یدعون ربهم بالغداة والعشی یریدون وجهه ما علیک من حسابهم من شئ وما من حسابک علیهم من شئ فتطردهم فتکون من الظالمین ) ((6)) .

ص: 220

وقال الإمام علی ( علیه السلام ) : لا تحقروا ضعفاء إخوانکم ، فإنه من احتقر مؤمنا لم یجمع الله عز وجل بینهما فی الجنة إلا أن یتوب ((1)) .

وقال الإمام الصادق ( علیه السلام ) : من حقر مؤمنا مسکینا لم یزل الله له حاقرا ماقتا حتی یرجع عن محقرته إیاه ((2)) .

{ وَلا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَکَانَ أمْرُهُ فُرُطاً } 28 _سورة الکهف.

وهو عیینة بن حصین بن حذیفة بن بدر الفزاری ((3)) .

وفی المجمع نزلت فی سلمان وأبی ذر وصهیب وخباب وغیرهم من فقراء

أصحاب النبی صلی الله علیه و آله و سلم وذلک أن المؤلفة قلوبهم جاؤوا إلی رسول الله عیینة بن حصین والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا یا رسول الله إن جلست فی صدر المجلس ونحیت عنا هؤلاء وروایح صنانهم وکانت علیهم جباب ( جمع جبة ) الصوف جلسنا نحن إلیک وأخذنا عنک فلا یمنعنا من الدخول علیک إلا هؤلاء فلما نزلت الآیة قام النبی صلی الله علیه و آله و سلم یلتمسهم فأصابهم فی مؤخر المسجد یذکرون الله عز وجل فقال الحمد لله الذی لم یمتنی حتی أمرنی أن أصبر نفسی مع رجال من أمتی معهم المحیی ومعهم المماة .

ص: 221

ونفس الحادثة وقعت بین النبی نوح علیه السلام وبین قومه : { فقال الملا الذین کفروا من قومه ما نراک إلا بشرا مثلنا وما نراک اتبعک إلا الذین هم أراذلنا بادی الرأی وما نری لکم علینا من فضل بل نظنکم کاذبین ، قال یا قوم أرأیتم إن کنت علی بینة من ربی وآتانی رحمة من عنده فعمیت علیکم أنلزمکموها وأنتم لها کارهون ، ویا قوم لا أسألکم علیه مالا إن أجری إلا علی الله وما أنا بطارد الذین آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولکنی أراکم قوما تجهلون } .

{وَقُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْیَکْفُرْ إنَّا أعْتَدْنَا لِلظَّالِمِینَ نَاراً أحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإنْ یَسْتَغِیثُوا یُغَاثُوا بِمَاء کَالمُهْلِ یَشْوِی الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً 29 }سورة الکهف.

{وَقُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ (فی ولایة علی علیه السلام ) فَمَنْ شَاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْیَکْفُرْ إنَّا أعْتَدْنَا لِلظَّالِمِینَ } ظالمی آل محمد حقهم ((1)) .

ص: 222

{ نَاراً أحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإنْ یَسْتَغِیثُوا یُغَاثُوا بِمَاء کَالمُهْلِ یَشْوِی الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً } 29_سورة الکهف.

وقال الامام موسی الکاظم علیه السلام : نزلت فی ولایة علی علیه السلام .ثم قال قیل للنبی صلی الله علیه و آله و سلم : (فاصدع بما تؤمر) ((1)) .

فَمَنْ شَاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْیَکْفُرْ ((2)) .

والسرادق: حائط من النار یحیط بهم ، عن ابن عباس ، وقیل: هو دخان النار ولهبها یصل إلیهم قبل وصولهم إلیها وهو الذی فی قوله: " إلی ظل ذی ثلاث شعب " عن قتادة ، وقیل: أراد أن النار أحاطت بهم من جمیع جوانبهم ، فشبه ذلک بالسرادق ، عن أبی مسلم " .

{ إنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إنَّا لا نُضِیعُ أجْرَ مَنْ أحْسَنَ عَمَلا30 اُوْلَئِکَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْن تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ یُحَلَّوْنَ فِیهَا مِنْ أسَاوِرَ مِنْ ذَهَب وَیَلْبَسُونَ ثِیَاباً خُضْراً مِنْ سُندُس وَاسْتَبْرَق مُتَّکِئِینَ فِیهَا عَلَی الأرَائِکِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً }31 _سورة الکهف.

ص: 223

السندس: هو الدیباج الرقیق والغلیظ . والإستبرق فارسی معرب أصله استبره . قیل: هو الدیباج المنسوج بالذهب .

جنات عدن: أی جنات اقامة فی الجنة یمکنهم التجول والاقامة أین شاءوا وتجری انهار الجنة فی أخادید والقصور علیها .

یقول العلماء إن اللون الأخضر هو أفضل لون بالنسبة للعین البشریة، وهو یعطی نوعاً من البهجة والراحة والسرور، حتی إنهم یفکرون باستخدامه لعلاج حالات الاکتئاب , یقول تعالی:

{ أُولَئِکَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ یُحَلَّوْنَ فِیهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَیَلْبَسُونَ ثِیَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّکِئِینَ فِیهَا عَلَی الْأَرَائِکِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا }_الکهف: 31 .

:{وَهُوَ الَّذِی أنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ کُلِّ شَیْء فَأخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً } _الانعام_ 99 .

: { وَیَلْبَسُونَ ثِیَاباً خُضْراً مِنْ سُندُس } _الکهف18/ 31.

وهذا یبین أن اللون الاخضر فیه بهجة وسرور وراحة للنفس الانسانیة .

و " مرتفقا " أی متکأ . وأصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد وهو لمقابلة قوله : " وحسنت مرتفقا " والا فلا ارتفاق لأهل النار .

أی حسنت الأرائک متکأ ، والأریکة سریر مزین فی قبة أو بیت والجمع أرائک .

ص: 224

فی الکافی عن الباقر علیه السلام نزل جبرئیل علیه السلام بهذه الآیة هکذا وقل الحق من ربکم فی ولایة علی علیه السلام فمن شاء فلیؤمن ومن شاء فلیکفر إنا اعتدنا للظالمین علی آل محمد نارا .

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَیْنِ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَیْنِ مِنْ أعْنَاب وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْل وَجَعَلْنَا بَیْنَهُمَا زَرْعاً32 کِلْتَا الجَنَّتَیْنِ آتَتْ اُکُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَیْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } 33_سورة الکهف.

أتت أکلها: بذلت ثمارها للراغبین المتقین ولا تمنع منه أحدا .

{ وَکَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ یُحَاوِرُهُ أنَا أکْثَرُ مِنْکَ مَالا وَأعَزُّ نَفَراً34 وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أظُنُّ أنْ تَبِیدَ هَذِهِ أبَداً35 وَمَا أظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إلَی رَبِّی لاَجِدَنَّ خَیْراً مِنْهَا مُنقَلَباً 36 قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ یُحَاوِرُهُ أکَفَرْتَ بِالَّذِی خَلَقَکَ مِنْ تُرَاب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ سَوَّاکَ رَجُلا37لَکِنَّا هُوَ اللّهُ رَبِّی وَلا اُشْرِکُ بِرَبِّی أحَداً38وَلَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَکَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللّهُ لا قُوَّةَ إلا بِاللّهِ إنْ تَرَنِی أنَا أقَلَّ مِنْکَ مَالا وَوَلَداً39فَعَسَی رَبِّی أنْ یُؤْتِیَنِی خَیْراً مِنْ جَنَّتِکَ وَیُرْسِلَ عَلَیْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِیداً زَلَقاً40أوْ یُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِیعَ لَهُ طَلَباً41وَاُحِیطَ بِثَمَرِهِ فَأصْبَحَ یُقَلِّبُ کَفَّیْهِ عَلَی مَا أنفَقَ فِیهَا وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَی عُرُوشِهَا وَیَقُولُ یَا لَیْتَنِی لَمْ اُشْرِکُ بِرَبِّی أحَداً 42وَلَمْ تَکُنْ لَهُ فِئَةٌ یَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَمَا کَانَ مُنتَصِراً } 43_سورة الکهف.

ص: 225

أی ذاهبا فی باطن غامض . والمعنی غائرا ، فوضع المصدر موضع الصفة ونصب علی الحال ولذلک لا یثنی ولا یجمع .

وقوله " فلن تستطیع له طلبا " أی لا تقدر علی طلب الماء إذا غار.

نزلت الایات فی غنی متعنت متکبر کافر وفی فقیر مؤمن مقتع بنعمة الله تعالی:

نزلت فی رجل کان له بستانان کبیران عظیمان کثیرا التمار کما حکی الله عز وجل وفیهما نخل وزرع وکان له جار فقیر فافتخر الغنی علی ذلک الفقیر وقال له (أنا أکثر منک مالا وأعز نفرا ودخل جنته ) أی بستانه وقال (ما أظن أن تبید هذه ابدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلی ربی لأجدن خیرا منها منقلبا ) فقال له الفقیر: (أکفرت بالذی خلقک من تراب ثم من نطفة ثم سواک رجلا لکنا هو الله ربی ولا أشرک بربی أحدا ) ثم قال الفقیر للغنی:

(ولولا إذ دخلت جنتک قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ان تَرَنِی أنا أقل منک مالا وولدا ) ثم قال الفقیر: (فعسی ربی ان یؤتین خیرا من جنتک ویرسل علیها حسبانا من السماء فتصبح صعیدا زلقا ) ای محترقا (أو یصبح ماؤها غورا فلن تستطیع له طلبا ) فوقع فیها ما قال الفقیر فی تلک اللیلة وأصبح الغنی (یقلب کفیه علی ما انفق فیها وهی خاویة علی عروشها ویقول یا

ص: 226

لیتنی لم أشرک بربی أحدا ولم تکن له فئة ینصرونه من دون الله وما کان منتصرا ) فهذه عقوبة البغی ((1)) .

هذه عقوبة دنیویة والعقوبة الاخرویة أشد .

{ هُنَالِکَ الوَلایَةُ لِلّهِ الحَقِّ هُوَ خَیْرٌ ثَوَاباً وَخَیْرٌ عُقْباً }44_سورة الکهف.

الاحادیث الواردة فی تفسیر وتوضیح الآیة الشریفة تشیر الی نزول الآیة فی ولایة علی علیه السلام :

الحسکانی الحنفی والقندوزی الحنفی: عن أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام فی قول الله تعالی: {هنالک الولایة لله الحق} قال: تلک ولایة أمیر المؤمنین التی لم یبعث نبی قط الا بها , وبهذا المعنی أیضا فسر جعفر الصادق علیه السلام الآیة عندما سأل عنها فی روایة أخری ((2)) .

ص: 227

وقال الامام جعفر الصادق علیه السلام : فی قوله تعالی: (هُنَالِکَ الولایة لِلّهِ الحَقِّ) . قال التی لم یبعث نبی قط الا بها

((1)): تلک ولایة أمیر المؤمنین .

الکلینی : قال الامام جعفر الصادق علیه السلام : ولایة أمیر المؤمنین ((2)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : یا علی لا یحبک إلاّ مؤمن طاهر المولد ولا یبغضک إلاّ ابن زنا ((3)) .

ص: 228

و کان من اللقطاء ابن تیمیة الکردی عدواً لدوداً للإمام علی علیه السلام یهاجمه هجوماً قبیحاً لا یستند إلی علم ولا یرکن إلی دین . ومن اللقطاء الذین یبغضون علیا علیه السلام معاویة وعمرو بن العاص والحجاج .

ابو بکر بن مردویه الشافعی , عن أنس بن مالک: کان الرجل من بعد یوم خیبر یحمل ولده علی عاتقه , ثم یقف علی طریق علی ( علیه السلام ) فإذا نظر إلیه أومأ بإصبعه: یا بنی , أتحب هذا الرجل ؟ فإن قال: نعم , قبَّله . وإن قال: لا , طرق به الأرض وقال له: إلحق بأمک ((1)) .

الولایة تظهر فی القرآن الکریم وفی الحدیث الشریف ومن فم الاطفال فهی ولایة الباری تعالی فی ارضه .

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَیَاةِ الدُّنْیَا کَمَاء أنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأصْبَحَ هَشِیماً تَذْرُوهُ الرِّیَاحُ وَکَانَ اللّهُ عَلَی کُلِّ شَیْء مُقْتَدِراً } 45 _سورة الکهف.

آیتان لترغیب المؤمنین وترهیب المخالفین: إن مثلها کمثل ماء أنزله الله من السماء { فاختلط به نبات الأرض } أی نبت بذلک الماء المنزل من السماء

ص: 229

نبات , من کل زوج بهیج . ثم عاد (هشیما ) أی مکسورا مفتتا { تذروه الریاح } فی وقت الخریف فالعجب ما بین الربیع والخریف من خضرة ثقیلة الی رماد خفیف تنقله الریاح من مکان الی آخر .

یقال: ذرته الریح تذروه ذروا , وذرته تذریه وأذرته .

والهشیم النبات الیابس المتفتت .

قال الحسن: معنی { وکان الله علی کل شئ مقتدرا } أی کان قادرا ان یکونه قبل أن یکون , وقیل أن یکون . وهو اخبار عن الماضی ودلالة علی المستقبل , وهذا المثل للمتکبرین الذین اغتروا بأموالهم , واستنکفوا من مجالسة فقراء المؤمنین , فأخبرهم الله أن ما کان من الدنیا لایراد به الله , فهو کالنبت الحسن علی المطر لا مادة له فهو یروق ما خالطه ذلک الماء , فإذا انقطع عنه عاد هشیما تذروه الریاح لا ینتفع به .

{المَالُ وَالبَنُونَ زِینَةُ الحَیَاةِ الدُّنْیَا وَالبَاقِیَاتُ الصَّالِحَاتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّکَ ثَوَاباً وَخَیْرٌ أمَلا } 46_سورة الکهف.

قال الامام جعفر الصادق علیه السلام : مودتنا من الباقیات الصالحات وجاء الحمد لله علی أولی النعم. أولی النعم ولایة أهل البیت ((1)) .

ص: 230

عن جعفر بن محمد علیه السلام قال: المال والبنون زینة الحیاة الدنیا وثمان رکعات آخر اللیل والوتر زینة الآخرة , وقد یجمعهما الله عز وجل لأقوام .المال والبنون زینة الحیاة الدنیا فتری أصحاب الاموال والبنین یفتخرون علی غیرهم ممن هو بحاجة الیهم ومن لا یملکهما تراه مکسور الخاطر لا یقوی علی ادارة الامور وتسییر الاعمال .

{وَیَوْمَ نُسَیِّرُ الجِبَالَ وَتَرَی الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أحَداً } 47 _سورة الکهف.

بارزة: أی: ظاهرة ومن المعلوم أنّ الإبراز مترتب علی الوجود ، لأنّه إظهار ، وهو منوط بوجود شیء قبل الإظهار ، فلا یکون الإبراز إنشاء أی إیجادا ((1)) .

سئل الامام علیه السلام عن قوله: ویوم نحشر من کل أمة فوجا}_النمل83 فقال ما یقول الناس فیها ؟ قلت یقولون انها فی القیامة فقال أبو عبد الله علیه السلام یحشر الله فی یوم القیامة من کل أمة فوجا ویذر الباقین ؟ إنما ذلک فی الرجعة فاما آیة القیامة فهذه { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا علی ربک صفا _ إلی قوله _ موعدا } فهو محکم.

وعن جابر بن یزید عن أبی عبد اللَّه علیه السلام قال « إن لعلی علیه السلام کرة مع الحسین بن علی علیه السلام ابنه یقبل برایته حتی ینتقم له من بنی أمیة ومعاویة ومن شهد حربه ثم یبعث اللَّه إلیهم بأنصاره یومئذ من أهل الکوفة ثلاثین

ص: 231

ألفا ومن سائر الناس سبعین ألفا فیلقاهم بصفین مثل المرة الأولی حتی یقتلهم فلا یبقی منهم مخبر .

ثم یبعثهم اللَّه فیدخلهم أشد عذابه مع فرعون وآل فرعون ثم کرة أخری مع رسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم حتی یکون خلیفته فی الأرض ویکون الأئمة علیه السلام عماله وحتی یعبد اللَّه علانیة فتکون عبادته علانیة فی الأرض کما عبد سرا فی الأرض ثم قال إی واللَّه وأضعاف ذلک ثم عقد بیده أضعافا یعطی اللَّه نبیه ملک جمیع أهل الدنیا إلی یوم یفنیها حتی ینجز له موعوده فی کتابه کما قال « لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ » ((1)) .

{وَعُرِضُوا عَلَی رَبِّکَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا کَمَا خَلَقْنَاکُمْ أوَّلَ مَرَّة بَلْ زَعَمْتُمْ ألَّنْ نَجْعَلَ لَکُمْ مَوْعِداً 48* } _سورة الکهف.

قیل معناه انهم یعرضون صفات بعد صف کالصفوف فی الصلاة .

وقیل المعنی انهم یعرضون علی ربهم لا یخفی منهم أحد فکأنهم صف واحد . وقیل: انهم یعرضون , وهم صف , ویقال لهم " لقد جئتمونا کما خلقناکم أول مرة " یعنی جئتم إلی الموضع الذی لا یملک الامر فیه أحد إلا الله , کما خلقناکم أول مرة لا تملکون شیئا . وروی عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم أنه قال (یحشرون حفاة عراة عزلا ) .

ص: 232

فقالت عائشة: أفما یحتشمون یومئذ , فقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم (لکل امرء منهم یومئذ شأن یغنیه ) ویقال لهم أیضا " بل زعمتم " فی دار الدنیا " أن لن نجعل لکم موعدا " یعنی یوم القیامة , وانکم أنکرتم البعث والنشور ((1)) .

جماعتهم کما یری کل واحد منهم , لا یحجب أحد أحدا . قال: (هم یومئذ عشرون ومائة ألف صف فی عرض الأرض ) ((2)) .

لقد بعثناکم کما أنشأناکم أول مرة و جئتمونا عراة لا شئ معکم من المال والولد لقوله ولقد جئتمونا فرادی کما سبق فی سورة الأنعام بل زعمتم ألن نجعل لکم موعدا وقتا لإنجاز الوعد بالبعث والنشور وأن الأنبیاء کذبوکم به . {وَوُضِعَ الکِتَابُ فَتَرَی المُجْرِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَیَقُولُونَ } .

یعود الناس یوم القیامة الی حالتهم الاولی قبل الخلقة حیث کانوا فی عالم الذر بلا أموال ولا مناصب دنیویة ولا أولاد .

{ یَا وَیْلَتَنَا مَالِ هَذَا الکِتَابِ لا یُغَادِرُ صَغِیرَةً وَلا کَبِیرَةً إلا أحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا یَظْلِمُ رَبُّکَ أحَداً } 49 _سورة الکهف.

قال یجدون کلما عملوا مکتوبا .

عن الامام جعفر الصادق علیه السلام أنه قال:

ص: 233

« یذکر العبد جمیع أعماله وما کتب علیه حتی کأنه فعله تلک الساعة فلذلک قالوا « یا ویلتنا ما لهذا الکتاب لا یغادر صغیرة ولا کبیرة إلا أحصاها » ونصبت الموازین کنایة عن الأنبیاء والأوصیاء علیهم السلام کما ورد عن أهل البیت علیهم السّلام وإنما کنی عنهم علیهم السّلام بالموازین لأن میزان کل شیء هو المعیار الذی به یعرف قدر ذلک الشیء فمیزان یوم القیامة ما یوزن به قدر کل إنسان وقیمته علی حسب عقائده وأخلاقه وأعماله لتجزی کل نفس بما کسبت وما ذلک إلا الإنسان الکامل إذ به وباقتفاء آثاره وترک ذلک وبالقرب من طریقته والبعد عنها یعرف مقادیر الناس وأثقال حسناتهم فمیزان کل أمة هو نبی تلک الأمة ووصی نبیها والشریعة التی أتی بها فمن ثقلت موازینه فأولئک هم المفلحون ومن خفت موازینه فأولئک الذین خسروا أنفسهم .

کبائر الإثم : المعاصی الکبیرة والفواحش أقبح الذنوب أو ما فیه الحدّ الشرعی أو الذنوب الشنیعة کالزنا واللواط . واللمم قیل: صغار الذنب کالنظر والقبلة .

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: إذا کان یوم القیامة دفع إلی الانسان کتابه , ثم قیل له: اقرأ , قلت: فیعرف ما فیه ؟ فقال: إن الله یذکره فما من لحظة ولا کلمة ولا نقل قدم ولا شئ فعله إلا ذکره , کأنه فعله تلک الساعة فلذلک قالوا: " یا ویلنا ما لهذا الکتاب لا یغادر صغیرة ولا کبیرة إلا أحصیها "((1))

ص: 234

.سیکون حساب البشر دقیقا یوم القیامة لکن معظمهم غافلون وعن الحساب لاهون ولکی یزیدوا فی لهوهم فقد أغرقوا أنفسهم فی لهو الدنیا وصخبها وغنائها ورقصها وفجورها .

{وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبْلِیسَ کَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ أفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّیَّتَهُ أوْلِیَاءَ مِنْ دُونِی وَهُمْ لَکُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلا50 } _سورة الکهف.

قال هارون العباسی للامام الکاظم علیه السلام :

من أین قلتم الانسان یدخله الفساد من قبل النساء ومن قبل الآباء لحال الخمس الذی لم یدفع إلی أهله ؟ فقال موسی علیه السلام : هذه مسألة ما سأل عنها أحد من السلاطین غیرک _ یا أمیر المؤمنین _ ((1))ولا تیم ولا عدی ولا بنو أمیة ولا سئل عنها أحد من آبائی فلا تکشفنی عنها . قال: فإن بلغنی عنک کشف هذا رجعت عما آمنتک . فقال موسی علیه السلام : لک ذلک . قال: فإن الزندقة قد کثرت فی الاسلام وهؤلاء الزنادقة الذین یرفعون إلینا فی الاخبار , هم المنسوبون إلیکم , فما الزندیق عندکم أهل البیت فقال علیه السلام : الزندیق هو الراد علی الله وعلی رسوله وهم الذین یحادون الله ورسوله قال الله: " لا تجد قوما یؤمنون بالله والیوم الآخر یوادون من حاد الله ورسوله ولو کانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشیرتهم إلی آخر الآیة " . وهم

ص: 235

الملحدون , عدلوا عن التوحید إلی الالحاد فقال هارون: أخبرنی عن أول من ألحد وتزندق ؟

فقال موسی علیه السلام : أول من ألحد وتزندق فی السماء إبلیس اللعین , فاستکبر وافتخر علی صفی الله ونجیه آدم علیه السلام ، فقال اللعین: " أنا خیر منه خلقتنی من نار وخلقته من طین " فعتا عن أمر ربه وألحد فتوارث الالحاد ذریته إلی أن تقوم الساعة . فقال: ولإبلیس ذریة ؟ فقال علیه السلام : نعم ألم تسمع إلی قول الله: {" إلا إبلیس کان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذریته أولیاء من دونی وهم لکم عدو بئس للظالمین بدلا ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما کنت متخذ المضلین عضدا "}:

لأنهم یضلون ذریة آدم بزخارفهم وکذبهم ویشهدون أن لا إله إلا الله کما وصفهم الله فی قوله:

" ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض لیقولن الله قل الحمد لله بل أکثرهم لا یعلمون " أی إنهم لا یقولون ذلک إلا تلقینا وتأدیبا وتسمیة . ومن لم یعلم وإن شهد کان شاکا حاسدا معاندا . ولذلک قالت العرب: " من جهل أمرا عاداه ومن قصر عنه عابه وألحد فیه " , لأنه جاهل غیر عالم .

ثم قال الرشید: بحق آبائک لما اختصرت کلمات جامعة لما تجاریناه . فقال علیه السلام : نعم . واتی بدواة وقرطاس فکتب:

بسم الله الرحمن الرحیم جمیع أمور الأدیان أربعة: أمر لا اختلاف فیه وهو إجماع الأمة علی الضرورة التی یضطرون إلیها , والاخبار المجمع علیها وهی الغایة المعروض علیها کل شبهة والمستنبط منها کل حادثة وهو

ص: 236

إجماع الأمة . وأمر یحتمل الشک والانکار , فسبیله استیضاح أهله لمنتحلیه بحجة من کتاب الله مجمع علی تأویلها , وسنة مجمع علیها لا اختلاف فیها , أو قیاس تعرف العقول عدله ولا یسع خاصة الأمة وعامتها الشک فیه والانکار له .

وهذان الأمران من أمر التوحید فما دونه وأرش الخدش فما فوقه . فهذا المعروض الذی یعرض علیه أمر الدین فما ثبت لک برهانه اصطفیته وما غمض علیک صوابه نفیته . فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهی الحجة البالغة التی بینها الله فی قوله لنبیه: " قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهدیکم أجمعین " یبلغ الحجة البالغة الجاهل فیعلمها بجهله کما یعلمه العالم بعلمه , لان الله عدل لا یجور , یحتج علی خلقه بما یعلمون ویدعوهم إلی ما یعرفون لا إلی ما یجهلون وینکرون . فأجازه الرشید ورده ((1)) .

" قال ابن عباس: إن الله تعالی جعلهم یجرون من بنی آدم مجری الدم , وصدور بنی آدم مساکن لهم , کما قال: " الذی یوسوس فی صدور الناس " فهم یرون بنی آدم وبنو آدم لا یرونهم , وإنما لا یراهم البشر لأن أجسامهم شفافة لطیفة یحتاج فی رؤیتها إلی فضل شعاع .

وقال أبو بکر بن الأخشید وأبو الهذیل: یجوز أن یمکنهم الله سبحانه فیتکثفوا فیراهم حینئذ من یحضرهم , وإلیه ذهب علی بن عیسی , وقال: إنهم ممکنون من ذلک وهو الذی نصره الشیخ المفید أبو عبد الله , قال

ص: 237

الشیخ أبو جعفر : وهو الأقوی عندی , وقال الجبائی: لا یجوز أن یری الشیاطین والجن لأن الله تعالی قال:

{" لا ترونهم }" وإنما یجوز أن یروا فی زمن الأنبیاء علیهم السلام بأن یکثف الله أجسادهم علما للأنبیاء کما یجوز أن یری الناس الملائکة فی زمن الأنبیاء " إنا جعلنا الشیاطین أولیاء للذین لا یؤمنون " أی حکمنا بذلک لأنهم یتناصرون علی الباطل .

وقال الرازی: قال أصحابنا: إنهم یرون الانسان لأنه تعالی خلق فی عیونهم إدراکا , والانس لا یرونهم لأنه تعالی لم یخلق هذا الادراک فی عیون الانس , وقالت المعتزلة: الوجه فی أن الانس لا یرون الجن لرقة أجسام الجن

ولطافتها والوجه فی رؤیة الجن للانس کثافة أجسام الانس , والوجه فی أن یری بعض الجن بعضا , أن الله تعالی یقوی شعاع أبصار الجن ویزید فیه , ولو زاد الله فی قوة

بصرنا لرأیناهم کما یری بعضهم بعضا , ولو أنه تعالی کثف أجسامهم وبقیت أبصارنا علی هذه الحالة لرأیناهم .

فعلی هذا کون الانس مبصرا للجن موقوف عند المعتزلة إما علی ازدیاد کثافة أجسام الجن , أو علی ازدیاد قوة أبصار الانس , وقوله تعالی: " من حیث لا ترونهم " یدل علی أن الانس لا یرون الجن , لأن قوله: " من حیث لا ترونهم " یدل علی أن الانس لا یرون الجن , لأن قوله: " من حیث لا ترونهم " یتناول أوقات الاستقبال من غیر تخصیص .

قال بعض العلماء: لو قدر الجن علی تغیر صور أنفسهم بأی صورة شاؤوا أو أرادوا لوجب أن ترتفع الثقة عن معرفة الناس , فلعل هذا الذی نشاهده

ص: 238

وحکم علیه بأنه ولدی أو زوجتی جنی صور نفسه بصورة ولدی أو زوجتی .

وعلی هذا التقدیر یرتفع الوثوق عن معرفة الاشخاص , وأیضا فلو کانوا قادرین علی تخبیط الناس وإزالة العقل مع أنه تعالی بین العداوة الشدیدة بینهم وبین الانس فلم لا یفعلون ذلک فی حق أکثر البشر وفی حق العلماء والأفاضل والزهاد ؟ لأن هذه العداوة بینهم وبین العلماء والزهاد أکثر وأقوی , ولما لم یوجد شئ من ذلک ثبت أنه لا قدرة لهم علی البشر بوجه من الوجوه , ویتأکد هذا بقوله: {" ما کان لی علیکم من سلطان إلا أن دعوتکم فاسستجبتم لی }" .

قال مجاهد: قال إبلیس: أعطنا أربع خصال: نری , ولا نری , ونخرج من تحت الثری , ویعود شیخنا فتی .

قوله تعالی: " وإما ینزغنک " قال الطبرسی : معناه یا محمد إن نالک من الشیطان وسوسة فی القلب ((1)) .

والنزغ: الازعاج بالاغواء وأکثرها ما یکون ذلک عند الغضب , وأصله الازعاج بالحرکة .

وقیل: النزغ: الفساد , ومنه " نزغ الشیطان بینی وبین إخوتی " أی أفسد قال الزجاج: النزغ " أدنی حرکة تکون , ومن الشیطان أدنی وسوسة " فاستعذ

ص: 239

بالله " أی سل الله عز اسمه أن یعیذک منه " إنه سمیع " للمسموعات " علیم " بالخفیات .

وقیل: سمیع لدعائک , علیم بما عرض لک , وقیل: النزغ: أول الوسوسة , والمس لا یکون إلا بعد التمکن , ولذلک فصل الله سبحانه بین النبی وغیره فقال للنبی صلی الله علیه و آله و سلم : " وإما ینزغنک " وقال للناس: " إذا مسهم طائف " معناه إذا وسوس إلیهم الشیطان وأغراهم بمعاصیه " تذکروا " ما علیهم من العقاب بذلک فیجتنبونه ویترکونه , قال الحسن: یعنی إذا طاف علیهم الشیطان بوساوسه .

وقال ابن جبیر: هو الرجل یغضب الغضبة فیتذکر ویکظم غیظه . وقیل: طائف غضب وطیف جنون .

وقیل: معناهما واحد " فإذا هم مبصرون " للرشد " وإخوانهم یمدونهم فی الغی " معناه وإخوان المشرکین من شیاطین الجن والإنس یمدونهم فی الضلال والمعاصی , أی یزیدونهم فیه ویزینون لهم ما هم فیه " ثم لا یقصرون " ثم لا یکفون یعنی الشیاطین عن استغوائهم ولا یرحمونهم , وقیل: معناه وإخوان الشیاطین من الکفار یمدهم الشیاطین فی الغی: ثم لا یقصرون هؤلاء کما یقصر الذین اتقوا , وقیل: معناه ثم لا یقصر الشیاطین عن إغوائهم ولا یقصرونهم عن ارتکاب الفواحش .

وقال رحمه الله فی قوله سبحانه: " وإذ زین لهم الشیطان أعمالهم " أی واذکروا إذ زین الشیطان للمشرکین أعمالهم , أی حسنها فی نفوسهم , وذلک أن إبلیس حسن لقریش مسیرهم إلی بدر لقتال النبی صلی الله علیه و آله و سلم , " وقال

ص: 240

لا غالب لکم الیوم من الناس " أی لا یغلبکم أحد من الناس لکثرة عددکم وقوتکم " وإنی " مع ذلک " جار لکم " أی ناصر لکم ودافع عنکم السوء , وإنی عاقد لکم عقد الأمان من عدوکم , " فلما تراءت الفئتان " أی التقت الفرقتان " نکص علی عقبیه " أی رجع القهقری منهزما وراءه " وقال إنی برئ منکم إنی أری ما لا ترون " أی رجعت عما ضمنت لکم من الأمان والسلام ة لأنی أری من الملائکة الذین جاؤوا لنصر المسلمین " ما لا ترون " وکان إبلیس یعرف الملائکة وهم کانوا یعرفونه " إنی أخاف الله " أی أخاف عذاب الله علی أیدی من أراهم " والله شدید العقاب " لا یطاق عقابه.

ورأیت فی کلام الشیخ المفید أبی عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أنه یجوز أن یقدر الله تعالی الجن ومن جری مجراهم علی أن یتجمعوا ویعتمدوا ببعض جواهرهم علی بعض حتی یتمکن الناس من رؤیتهم ویتشبهوا بغیرهم من أنواع الحیوان , لأن أجسامهم من الرقة علی ما یمکن ذلک فیها , وقد وجدنا الانسان یجمع الهوی ویفرقه ویغیر صور الأجسام الرخوة ضروبا من التغییر وأعیانها لم تزد ولم تنقص , وقد استفاض الخبر بأن إبلیس تراءی لأهل دار الندوة فی صورة شیخ من أهل نجد , وحضر یوم بدر فی صورة سراقة , وأن جبرئیل علیه السلام ظهر لأصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فی صورة دحیة الکلبی , قال: وغیر محال أیضا أن یغیر الله صورهم

ص: 241

ویکثفها فی بعض الأحوال فیراهم الناس لضرب من الامتحان ((1)) .

وقال نجاح الطائی : ما ذکره الشیخ المفید باطل لانه مخالف للقرآن الکریم بقوله سبحانه : { إنَّهُ یَرَاکُمْ هُوَ وَقَبِیلُهُ مِنْ حَیْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّیَاطِینَ أوْلِیَاءَ لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ 27}_الاعراف .

{مَا أشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أنفُسِهِمْ وَمَا کُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّینَ عَضُداً 51 }_سورة الکهف.

: ای ناصرا : الایة تتحدث عن رفض الله تعالی اتخاذه ابلیس عضدا لخیانته وعصیانه .

السؤال: لماذا اتخذ النبی صلی الله علیه و آله و سلم بعض الصحابة المنافقین والطالحین مثل المغیرة وخالد بن الولید وعمرو بن العاص ومعاویة وعثمان بن عفان

عضدا ؟ وهل هناک فرق بین الیهود والمنافقین فی قاموس النبی صلی الله علیه و آله و سلم ؟

الجواب: حرم الله تعالی الزواج الدائم مع الیهود والنصاری وحلله مع المسلمین المنافقین لاظهارهم الاسلام وفعلا تزوج النبی مع فلانة وفلانة وفلانة اللاتی عرضن أنفسهن علیه للزواج . ولم یتزوج مع صفیة الیهودیة الا بعدما اعتنقت الاسلام .

ص: 242

ولم یعین النبی صلی الله علیه و آله و سلم رجال السقیفة ولاة له وعندما عینهم قادة للجیوش فی معرکة خیبر ومعرکة ذات السلاسل کان یرید فضحهم أمام الملا العام للمسلمین وفعلا افتضحوا وهربوا من القتال وانهزموا شر هزیمة .

عضدا: أی أعوانا مساعدین مثل وصی وخلیفة ووزیر , قال اللَّه تعالی لموسی عن أخیه هارون: (سَنَشُدُّ عَضُدَکَ بِأَخِیکَ ) . [ سورة القصص , الآیة 35 ] . وقال الامام علی علیه السلام عن طلب البعض تولیة معاویة فی الشام :

شاورت من أثق بنصیحته لله عز وجل ولرسوله صلی الله علیه و آله و سلم وللمؤمنین فان رأیه فی ابن آکلة الأکباد کرأیی , ینهانی عن تولیته ویحذرنی أن ادخل فی أمر المسلمین یده , ولم یکن الله لیرانی أتخذ المضلین عضدا ((1)) .

ص: 243

وأرسل الله تعالی ابا بکر امیرا علی الحج فی السنة التاسعة فجاء الامر الالهی بطرده وارسال الامام علی علیه السلام ورجع ابو بکر وهو یبکی لطرده من أمارة الحج بالامر الالهی ((1)) .

ص: 244

وبکی ابو بکر عند طرده من أمارة الحج لان الله أبعده عن أن یکون عضدا للنبی لعدم أهلیته للولایة والوزارة للرسول . ولو کانت القضیة عادیة لم یبک .

وأرسل النبی صلی الله علیه و آله و سلم ابا بکر وعمر قائدین لفتح خیبر ففرا: وذکر المؤرخون عبارة: یجبنهم ویجبنونه ((1)) فی حق ابی بکر وعمر فی خیبر .

مما بین عدم أهلیتهما للقیادة الی جانب النبی کعضدین له .وفرا فی کل المعارک الاسلامیة فی بدر واحد والخندق وحنین وأصبح ابو بکر معروفا بالفرار .واراد ابو بکر وعمر وعثمان وسعد بن ابی وقاص وابو عبیدة بن الجراح وابن عوف ومعاویة والمغیرة قتل النبی فی حملة تبوک ((2)) .

فهل یسمی واحدهم بالعضد ؟ هل کان واحدهم مثل هارون لموسی ومثل الامام علی للنبی صلی الله علیه و آله و سلم ؟وأرسل النبی صلی الله علیه و آله و سلم عمرو بن العاص قائدا للجیوش فی حملة ذات السلاسل ففر من القتال .

ص: 245

وقتل خالد بن الولید بنی جذیمة : قال عبد الله بن عمر بعث النبی خالد بن الولید الی بنی جذیمة فدعاهم الی الإسلام فلم یحسنوا ان یقولوا أسلمنا فجعلوا یقولون صبأنا فجعل خالد یقتل منهم ویأسر ودفع إلی کل رجل منا أسیره فقلت والله لا أقتل أسیری ولا یقتل أحد من أصحابی أسیره حتی قدمنا علی النبی فذکرناه له فرفع النبی یده فقال ( اللهم إنی أبرأ الیک مما صنع خالد مرتین ) رواه البخاری ((1)) .

ولخالد واقعة أخری أیام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وذلک أنه بعثه إلی بنی جذیمة داعیا ولم یبعثه مقاتلا ، وکانت جذیمة قتلت فی الجاهلیة عمه الفاکه بن المغیرة ، فلما ورد علیهم قال لهم : ضعوا سلاحکم فإن الناس قد أسلموا ، فوضعوا سلاحهم فأمر بهم فکتفوا ثم عرضهم علی السیف وقتل منهم مقتلة عظیمة ، فلما انتهی الخبر إلی النبی صلی الله علیه و آله و سلم رفع یده إلی السماء فقال صلی الله علیه و آله و سلم : اللهم إنی أبرأ إلیک مما صنع خالد _ مرتین .

ثم أرسل صلی الله علیه و آله و سلم علیا علیه السلام " کما فی کامل ابن الأثیر وغیره " ومعه مال ، وأمره أن ینظر فی أمرهم فودی لهم الدماء والأموال حتی أنه ودی میلغة الکلب ، وبقی معه من المال فضلة ، فقال لهم : هل بقی لکم مال أو دم لم یود ؟

ص: 246

قالوا : لا . قال علیه السلام : فإنی أعطیکم هذه البقیة احتیاطا لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ففعل ثم رجع فأخبر النبی صلی الله علیه و آله و سلم فقال صلی الله علیه و آله و سلم : أصبت وأحسنت ((1)) .

وفی زمن ابی بکر قتل مالک بن نویرة وعشیرته وزنی بزوجته وزنی اصحابه بالمسلمات الاسیرات . لقد قتل خالد مالک بن نویرة ورجال قبیلته المؤمنین بعدما غدر بهم فی صلاة الجماعة حیث مسکوهم وکتفوهم وذبحوهم .

ومن الشاهدین علی اسلامهم فی مسجد النبی عبد الله بن عمر الذی کان جندیا فی جیش خالد . والدلیل علی اسلامهم نزع خالد أسلحتهم فی صلاة الجماعة وغدر بهم وقتلهم وجعل رؤوسهم تحت قدور الطعام کما یفعل أهل الجاهلیة ثم زنی بزوجة مالک فی قریتهم قبل جفاف دماء الشهداء . وتنکر الصحابة لفعل خالد المذکور وعلی رأسهم عمر وعبد الله بن عمر لکن ابا بکر رفض ذلک((2)).

وقال الیعقوبی عن خالد : فهو الذی قطع رأس مالک بن نویرة المسلم وباقی رؤوس أفراد قبیلته ووضعها حطباً تحت قدور طعامه((3)) .

ص: 247

وقبل النبی طلقاء مکة ومعظمهم من المنافقین فی معرکة حنین مثل

ابی سفیان وعکرمة بن ابی جهل ولم یستخدم الیهود والنصاری فی الحروب .

وقبل النبی صلی الله علیه و آله و سلم المنافقین مثل ابن أبی زعیم المنافقین فی الحروب ولم یستخدم یهود بنی قینقاع وبنی النضیر وبنی قریظة فی معارکه مع الکفار .

ولم یرسل النبی صلی الله علیه و آله و سلم ابن أبی والیا وقائدا .

تحالف النبی مع خزاعة الکافرة:

ودخلت قبیلة خزاعة الکافرة برئاسة بدیل بن ورقاء فی عهد محمد رسول الله( صلی الله علیه و آله و سلم ) متحالفة معه علی الحرب والسلم ودخلت بنو بکر فی عهد قریش، فأمن الناس لمدة سنتین ودخل فی الدین فی تینک السنتین ما دخل فیه قبل ذلک واکثر((1)).

ثم اعتدت قریش وقبیلة کنانة علی قبیلة خزاعة المتحالفة مع رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم )بعد شهر ونصف من حادثة مؤتة ((2)) .

فقال النبی( صلی الله علیه و آله و سلم ) لا نصرت إن لم انصر بنی کعب مما أنصر به نفسی((3)).

ص: 248

قال الیعقوبی: «وکانت خزاعة فی عقد رسول الله وکنانة فی عقد قریش، فأعانت قریش کنانة فأرسلوا موالیهم فوثبوا علی خزاعة فقتلوا فیهم. فجاءت خزاعة إلی رسول الله فشکوا إلیه ذلک فأحلّ الله لنبیّه قطع المدّة التی بینه وبینهم، وعزم علی غزو مکّة وقال: اللهمّ أعمِ الأخبار عنهم، یعنی قریشا ً((1)).

والقرشیون الذین شارکوا فی الهجمة علی خزاعة (الکافرة المتحالفة مع النبی ) هم: سهیل بن عمرو وعکرمة بن أبی جهل وصفوان بن أمیّة وآخرون فارسل لهم رسول الله( صلی الله علیه و آله و سلم ) ضمرة یخیرهم بین ثلاث خصال: الاولی: ان یدوا خزاعة.

والثانیة: ان یبرأوا من حلف نفاثة وهی الجماعة التی غدرت من بنی بکر . والثالثة : الحرب.

فاختلف القرشیون فیما بینهم ودعا أبو سفیان إلی جحد الأمر بانکار مشارکة قریش فی غزو خزاعة ((2)).وکان صفوان بن أمیّة وعکرمة بن أبی جهل وسهیل بن عمرو قد دعوا إلی قتال رسول الله( صلی الله علیه و آله و سلم ).

ومن دلائل النبوة قول النبی( صلی الله علیه و آله و سلم ): کأنکم بأبی سفیان قد جاء یقول: جدد العهد وزد فی الهدنة.وفعلا جاء أبو سفیان إلی المدینة طالباً تحکیم العهد وزیادة المدة فرده رسول الله( صلی الله علیه و آله و سلم )والمسلمون.

ص: 249

وخرج رسول الله یوم الجمعة حین صلّی العصر للیلتین خلتا من شهر رمضان سنة 8 ه- ((1)) لفتح مکة ردا علی نقض قادة قریش لمعاهدة الصلح.

وقال سید الانبیاء محمد ( صلی الله علیه و آله و سلم ): کفوا السلاح إلاّ خزاعة من بنی بکر، فاذن لهم حتی صلی العصر ثم قال: کفو السلاح ((2)).

واذا تبین معنی الایة بالامر الالهی الصادر الیه تسقط الروایات المعارضة لان النبی قال اضربوا بها عرض الحائط .

وقال الله تعالی: { یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الیَهُودَ وَالنَّصَارَی أوْلِیَاءَ بَعْضُهُمْ أوْلِیَاءُ بَعْض وَمَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللّهَ لا یَهْدِی القَوْمَ الظَّالِمِینَ } 51 _ سورة المائدة

.منع الله تعالی اتخاذ الیهود والنصاری أسیادا وقیادات مثلما یتخذ الوهابیون الغرب رؤساء له .

وفیما یخص صفوان بن أمیة فشأنه شأن ابی سفیان وباقی القرشیین الطلقاء الذین أسلموا قهرا فی فتح مکة ولم یکن کافرا .

ولا تبین الایة حرمة الاستعانة بالمنافقین لذا استعان النبی بهم مثل زعیم المنافقین ابن أبی واستعان بمنافقی المدینة فی حروبه لانهم مسلمون .

واستعان النبی صلی الله علیه و آله و سلم برؤساء الاعراب : رئیس بنی تمیم الأقرع بن حابس وعیینة بن حصن رئیس قبیلة غطفان (فزارة ) .

وقال رجل من ثقیف فی وصف عیینة بن حصن: لیس منا احد أشد علی محمد صلی الله علیه و آله و سلم منه وإن کان معه ((1)) .

وقال عیینة للمسلمین فی غزوتهم لثقیف: والله ما جئت معکم أُقاتل ثقیفاً ولکن أردت أن یفتح محمد الطائف فأُصیب جاریة من ثقیف فأطأُها لعلها تلد لی رجلاً فإنّ ثقیفاً قوم مبارکون.

ص: 251

فقال النبی( صلی الله علیه و آله و سلم ) عنه هذا الاحمق المطاع ((1)).

واستعان النبی بالطلقاء وأغلبهم من المنافقین حیث جاء : سر ابو سفیان بهزیمة المسلمین فی بدایة الحرب بین المسلمین وهوازن فی معرکة حنین .

وکان بعض الطلقاء قد فرحوا بهزیمة المسلمین ومعرفة خیانة هؤلاء تتبین من اقوالهم وافعالهم . فقال أبو سفیان: لا تنتهی هزیمتهم دون البحر.

والأزلام معه فی کنانته((2)).

وقد خان الطلقاء فی معرکة هوازن المسلمین وفروا من أرض المعرکة متسببین فی هزیمة المسلمین ولولا

النصر الالهی المتمثل فی قتل الامام علی لحامل رایة المشرکین ابی جرول لخسر المسلمون المعرکة .

ص: 252

وقال الیعقوبی عن خیانة الطلقاء ومنهم صفوان: وهؤلاء اقدموا بعد اسلامهم علی جر المسلمین الی الهزیمة فی معرکة حنین ((1)) .

الکبری علی المسلمین باشتراک هوازن وثقیف وطلقاء مکة وأهل السقیفة أبو بکر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وخالد بن الولید وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبیدة بن الجراح وسعد بن أبی وقاص ومنافقی المدینة وزعماء قبائل الاعراب المحیطة بالمدینة مثل غطفان وأسلم وتمیم .

والخطة تتمثل فی فرار المتآمرین فی الصف الاسلامی من أرض المعرکة عند بدایتها فیتسببون فی هزیمة جیش المسلمین ،أی تکرار مؤامرتهم الناجحة فی معرکة أحد ،ثم یُقدم الکافرون علی اغتیال النبی فی أرض المعرکة .وهذا من دلائل نبوّته.فدعا رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم )عمر بن الخطاب فأخبره خبر ابن أبی حدرد، فقال عمرُ: کذب.

فقال ابن أبی حدرد: إنْ تکذِّبنی فطالما کذَّبتَ بالحقِّ یا عمر، وکذّبت من هو خیر منّی ( أی کذبت محمدا صلی الله علیه و آله و سلم ) .فقال عمر: یا رسول الله ألا تسمع ما یقول ابن أبی حدرد؟

فقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ): قد کنت ضالا فهداک اللهُ یا عمر((1)).

لقد عرف ابن أبی حدرد من خلال نفوذه فی جیش قومه هوازن واستماعه الی أحادیث قیاداتهم تجسس بعض المسلمین وعلی رأسهم عمر لصالح هوازن واتفاقهم مع الکفار علی الهزیمة من المعرکة والتسبب فی فرار

ص: 254

المسلمین مثلما فعلوا فی معرکة أحد ،وترک رسول الله وحیداً فیها فیسهل علی الکفار قتله .

: نعم لقد وقعت المؤامرة الکبری مثلما ذکرها جاسوس المسلمین:

وفرَّ المساهمون فی الخطة: ذکرت أُمُّ الحارث الأنصاریة المشارکة فی حرب حنین الخطة ضدَّ المسلمین فی معرکة حنین المتمثلة فی فرار المتآمرین فی بدایة المعرکة ،فتضطر جیوش المسلمین الی الفرار ((1)) ،ویهجم شیبة بن عثمان من بنی عبد الدار (حاجب مکة الطلیق ) علی النبی ویقتله ((2)).

قال البخاری فی صحیحه: عن ابی قتادة وانهزم المسلمون - یوم حنین وانهزمت معهم، فإذا عمر بن الخطاب فی الناس (المنهزمین)، فقلت له: ما شأن الناس ؟قال عمر: أمر الله ((3)).

کان الواجب علی عمر أن یقول: انها خیانة معظم الصحابة والطلقاء لا أن یلقی المسؤولیة علی الله تعالی .وقال الواقدی فی مغازیه شاهدت أُمُّ الحارث الأنصاریة عمرَ یفرٌّ وهی تحارب فقالت: یا عمر ما هذا الفرار ؟

ص: 255

فقال عمر: أمْر الله ((1)) ،وطالبت أُمُّ الحارث بقتل الفارِّین ((2)).

وأعلن أبو سفیان وصفوان بن أمیّة وشیبة آراءهم فی بغض النبی( صلی الله علیه و آله و سلم )ودینه واستنکر عمر مناجاة الرسول لعلی( علیه السلام )،ورفض ذو الخویصرة طریقة رسول الله( صلی الله علیه و آله و سلم )فی توزیع الأموال .

وکان أبو جرول بطل هوازن علی جمل أحمر بیده رایة سوداء فی رأس رمح طویل أمام القوم، إذا أدرک ظفراً من المسلمین أکبَّ علیهم، وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشرکین فاتّبعوه وهو یرتجز ویقول:

أنا أبو جَرول لا بَراح *** حتی نُبیح القومَ أو نُباحَ

فصمد له أمیر المؤمنین علی ( علیه السلام ) فضرب عجز بعیره فصرعه ثم ضربه فقطّره ثم قال:

قد علم القومُ لدی الصباح *** أنّی فی الهیجاء ذو نِصاح

وقتل علی( علیه السلام ) أربعین رجلاً من القوم فکانت هزیمة المشرکین بقتل أبی جرول بطل الکافرین ((3)).

وقال الرسول صلی الله علیه و آله و سلم : کان علیا ( علیه السلام لی کالعصا السحریة لموسی ( علیه السلام

((4)).

ص: 256

وقال نجاح الطائی:

جاء: حدثنا

محمد بن عبد الله الحضرمی ثنا محمد عبد الله بن نمیر ثنا یزید بن هارون ثنا مستلم بن سعید أنا خبیب بن عبد الرحمن بن خبیب الأنصاری عن أبیه عن جده قال أتیت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنا ورجل من قومی قبل أن نسلم فقلنا إنا لنستحی أن یشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال لنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : وقد أسلمتم ؟ قلنا: لا .فقال صلی الله علیه و آله و سلم : أنا لا أستعین بالمشرکین علی المشرکین فأسلمنا وشهدنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ((1)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم فی سند آخر : (إنا لا نستعین بالمشرکین عل

المشرکین ) ((2)) .

النبی لم یأخذ الیهود والنصاری فی الحروب واخذ النبی المنافقین لانهم نطقوا بالشهادتین معلنین الاسلام مثل کل الصحابة المؤمنین والمنافقین منهم .ولم یستعن النبی بالیهود فی حروبه کلها .

ووضع الامویون روایات کاذبة فی أخذه الیهود للحروب . وهی روایات أمویة جاءت لتفرغ الایات القرآنیة من محتواها واتهام النبی صلی الله علیه و آله و سلم بمخالفته للقرآن .

والنصر الالهی لا یأتی بمساعدة کفار قریش والیهود .

ص: 257

وفی یوم الشوری الذی نصِّب فیه عثمان , عرض عبد الرحمن بن عوف علی أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) أن یعمل بکتاب الله و سنة نبیه ( صلی الله علیه و آله و سلم ) و سیرة الشیخین فرفض الامام أن یسیر بسیرتهما لانها مخالفة للشریعة . وبهذا السبب أعطی ابن عوف الخلافة لعثمان لانه قبل السیر

بسیرتهما .

ورفض الامام علی علیه السلام لسیرتهما یبین انهما لم یکونا عضدین للنبی صلی الله علیه و آله و سلم بل عاصیین ومخالفین له .

{ وَیَوْمَ یَقُولُ نَادُوا شُرَکَائِی الَّذِینَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ یَسْتَجِیبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَیْنَهُمْ مَوْبِقاً } 52 _سورة الکهف :

موبقا: ای سترا .

عن ابن عباس فی قوله تعالی: وجعلنا بینهم موبقا : أی مهلکا ((1)) .

ص: 258

بینهم موبقا: قال: هو واد من قیح فی جهنم . وفی روایة: نهر فی جهنم من قیح ودم . أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل .

قَالَ الَّذِینَ اُوتُوا العِلْمَ إنَّ الخِزْیَ الیَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَی الکَافِرِینَ27* الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِکَةُ ظَالِمِی أنفُسِهِمْ فَألْقَوْا السَّلَمَ مَا کُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوء بَلَی إنَّ اللّهَ عَلِیمٌ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 28*فَادْخُلُوا أبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَی المُتَکَبِّرِینَ 29 _ سورة النحل .

ادعوا شرکائی : والمراد ما عبد (من دونه ) من الجن والأنس وغیرهما.

{ وَرَأی المُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ یَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفا } ً53 _سورة الکهف.

قال الامام علی علیه السلام : یعنی أیقنوا أنهم داخلوها .

وکذلک قوله: " إنی ظننت أنی ملاق حسابیه " وأما قوله عز وجل _ للمنافقین _: " ویظنون بالله الظنونا " فهو: ظن شک ولیس ظن یقین , والظن ظنان: ظن شک , وظن یقین , فما کان من أمر المعاد من الظن فهو ظن یقین , وما کان من أمر الدنیا فهو ظن شک ((1)) .

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِی هَذَا القُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ کُلِّ مَثَل وَکَانَ الإنسَانُ أکْثَرَ شَیْء جَدَلا } 54 _سورة الکهف.

ظنوا یقیناً بالنار .

ص: 259

ابن ادریس الحلی: أی: خصومة . والجدل شدة الفتل عن المذهب بطریق الحجاج , وأصله الشدة , ومنه الأجدل الصقر لشدته , وسیر مجدول شدید الفتل ((1)) .

حیدر الاملی: واقوی الجدال ما یجادل به الله تعالی ((2)) .

الحائری الطهرانی: قیل: المراد بالإنسان فی الآیة الکافر ویدلّ علیه قوله: « وَیُجادِلُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِالْباطِلِ » . وقیل: المراد بالإنسان النضر بن الحارث لأنّه کان کثیر الجدل فی آیات النبیّ . وقیل: یرید ابیّ بن خلف , وهو کان کذلک ((3)) .

مغنیة: المراد بالإنسان هنا أکثر الناس لقوله تعالی فی العدید من الآیات: أکثر الناس لا یعقلون . . أکثر الناس لا یعلمون .أکثر الناس لا یؤمنون ((4)).

الثعلبی : خصومة فی الباطل ((5)) .

ابن الجوزی: قال الزجاج: الجدال: المبالغة فی المناظرة والخصومة , وهو مأخوذ من الجدل: وهو شدة الفتل . ویقال للصقر أجدل لأنه أشد الطیر .

ص: 260

وکل ما یعقل من الملائکة والجن یجادل , والإنسان أکثر هذه الأشیاء جدلا ((1)) .

الشنقیطی: فإیراده صلی الله علیه و آله و سلم الآیة علی قول علی علیه السلام (إنما أنفسنا بید الله , فإذا شاء أن یبعثنا بعثنا ) دلیل علی عموم الآیة الکریمة , وشمولها لکل خصام وجدل , لکنه قد دلت آیات أخر علی أن من الجدل ما هو محمود مأمور به لإظهار الحق , کقوله تعالی:

(وَجَادِلْهُم بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ ) , وقوله تعالی: (وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْکِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ )

.

وقوله (جدلاً ) منصوب علی التمییز , علی حد قوله فی الخلاصة: وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْکِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ ) . وقوله (جدلاً ) منصوب علی التمییز ((2)) .

روایة أمویة فاسدة : ابن ابی حاتم الرازی: عن علی علیه السلام : إن النبی صلی الله علیه و آله و سلم _ طرقه وفاطمة لیلا فقال: « ألا تصلیان » فقلت: یا رسول الله , إنما أنفسنا بید الله إن شاء أن یبعثنا بعثنا . وانصرف حین قلت ذلک ولم یرجع إلی شیئا , ثم سمعته یضرب فخذه ویقول (وکانَ الإِنْسانُ أَکْثَرَ شَیْءٍ جَدَلًا ) ((3)) .

ص: 261

جواب الروایة الکاذبة: ما ورد فی کتب السنة من أن الامام علیا وفاطمة لم یصلیا فی تلک اللیلة صلاة اللیل فهو من الموضوعات الامویة .

اولا لم یکن النبی یطرق باب فاطمة لصلاة اللیل بل جاءه مرارا لصلاة الصبح لتعریف الناس انهم أهل البیت العالون المذکورون فی القرآن الکریم :

ابن عساکر: روی الشیخ المحمودی عن (تاریخ دمشق) بالاسناد فیه عن أبی سعید الخدری , عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم : قال حین نزلت .

(وامر اهلک بالصلاة واصطبر علیها)کان یجیء نبی الله صلی الله علیه و آله و سلم إلی باب علی علیه السلام صلاة الغداة (الصبح) ثمانیة اشهر یقول: «الصلاة رحمکم الله , (انما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیراً)»((1)) .

وقال المصطفی علیه السلام : أنا مدینة العلم وعلی بابها ((2)) .

ص: 262

ص: 263

ص: 264

بینما قال الله تعالی للبشریة: "{ وَمَا أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا } _ سورة إسراء: 85 .

فکیف تحکم البشریة الجاهلة علی أهل البیت أهل العلم والحکمة .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : «علی بن أبی طالب باب حطّة , من دخل منه کان مؤمناً ومن خرج منه کان کافراً» ((1)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : « مثل أهل بیتی فیکم کمثل سفینة نوح من رکب فیها نجا ومن تخلَّف عنها هلک , ومثل باب حطّة فی بنی اسرائیل »((2)) .

ص: 265

و قال علی بن أبی طالب: «قال لی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : انک قسیم النار , وانک تقرع باب الجنة وتدخلها بغیر حساب» ((1)) .

لاجل هذه النصوص الصحیحة عند السنة والشیعة فی فضل أهل البیت وضع الامویون روایة مخالفة لهم .ولبیان الواقع نذکر صلاة اللیل لواحد من تلامیذ الامام علی علیه السلام الا وهو ابو ذر الغفاری:

ص: 266

ودوّنت شهادتهم (ضد ابی ذر) , ورفعها إلی عثمان , فأمره بنفیه إلی الشام , وحمله علی قتب حتّی یشقّ علیه السفر , ولمّا انتهی إلی الشام أنزله معاویة (الخضراء) , وبعث إلیه بجاریة تکون عیناً علیه , وأشرفت علیه الجاریة فرأته یقوم فی اللیل متعبّداً , ویخرج من السحر فلا یعود إلاّ بعد العتمة , ولا یتناول من طعام معاویة شیئاً , وکان یتناول کسراً من الخبز ویجعلها فی الماء تحرّجاً من أن یدخل جوفه شیء من الحرام , وانبرت الجاریة فأخبرت معاویة بشأنه , فکتب إلی عثمان بأمره((1)).

وجاء: کانت لعلی علیه السلام ساعة من السحر عند رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم تکن لأحد غیره وهی أهمّ ساعة عبادیة عند المصطفی صلی الله علیه و آله و سلم فکان یستخلی به حتّی یصبح إلی أن فارق الدنیا .

وجاء: حدثنا عبد الله حدثنی أبی ثنا أبو سعید ثنا عبد الواحد بن زیاد الثقفی ثنا عمارة بن القعقاع عن الحرث بن یزید العکلی عن أبی زرعة عن عبد الله بن نجی قال: قال علی علیه السلام کانت لی ساعة من السحر ادخل فیها علی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فإن کان قائما یصلی سبح بی فکان ذاک اذنه لی وان لم یکن یصلی أذن لی ((2)) .

ص: 267

وقال نجاح الطائی: الجدال مرة فی صالح الحق ومرة فی صالح الباطل ومن طبیعة الانسان اکثاره من الجدال .

ولم یرد الامام علی علیه السلام علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم فی کل طلب طلبه منه فی الحرب والسلم .

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أنْ یُؤْمِنُوا إذْ جَاءَهُمُ الهُدَی وَیَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إلا أنْ تَأتِیَهُمْ سُنَّةُ الأوَّلِینَ أوْ یَأتِیَهُمُ العَذَابُ قُبُلا } 55 _سورة الکهف.

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أنْ یُؤْمِنُوا إذْ جَاءَهُمُ الهُدَی}:

سهل الله تعالی علیهم الایمان بعدما جاءتهم الایات الالهیة والبینات والحجج الواضحة بواسطة أهل البیت والقرآن .

عن عبدالله بن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلی بن أبی طالب: «إنّ جبرئیل أخبرنی فیک بأمر قرّت به عینی وفرح به قلبی قال: « یا محمد إنّ الله تعالی قال لی: اقرأ محمداً منّی السلام واعلمه أنّ علیاً إمام الهدی ومصباح الدجی , والحجّة علی أهل الدنیا» ((1)).

ص: 268

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم لعلی علیه السلام : «أنت فاروق الأُمّة , ومنار الهدی , وإمام الأولیاء »((1)) .

وقال تعالی: {شهر رَمَضَانَ الَّذِی اُنزِلَ فِیهِ القُرْآنُ هُدیً لِلنَّاسِ وَبَیِّنَات مِنْ الهُدَی وَالفُرْقَانِ

} _ سورة البقرة 185 .

{ وَیَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ } : علی جرائمهم وکفرهم فی الایام الماضیة .

أی: إلا طلب أن تأتیهم العادة فی الأولین , من عذاب الاستئصال , حیث آتاهم العذاب من حیث لا یشعرون , حین امتنعوا من قبول الهدی والإیمان (أو یأتیهم العذاب قبلا ) أو طلب أن یأتیهم العذاب عیانا مقابلة , من حیث یرونه , وتأویله أنهم بامتناعهم من الإیمان , بمنزلة من یطلب هذا حتی یؤمنوا کرها , لأنهم لا یؤمنون حتی یروا العذاب الألیم , وهذا کما یقول القائل لغیره: ما منعک أن تقبل قولی إلا أن تضرب . علی أن المشرکین قد طلبوا مثل ذلک , فقالوا: اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک , فأمطر علینا حجارة من السماء , أو ائتنا بعذاب ألیم ((2)) .

وقال نجاح الطائی:

ص: 269

أوصی النبی بالثقلین قبل شهادته وهما الهدی قائلا:

« إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی , ما ان تمسکتم بهما لن تضلوا بعدی , واحدهما أکبر من الآخر , وانهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض یوم القیامة , وإنَّ اللطیف الخبیر انبأنی انهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض، فلا تتقدموهما فتهلکوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم ،ثم قال ( صلی الله علیه و آله و سلم ): إن الله مولای، وأنا مولی المؤمنین , ثم أخذ بید علی وقال: من کنت مولاه فعلی مولاه , اللهم وال من والاه وعاد من عاداه , واخذل من خذله وانصر من نصره , وأدر الحق معه حیث کان ((1))».

ص: 270

ورغم هذا ترکوهما وانتخبوا رجال السقیفة قیادة دینیة وسیاسیة لهم جاعلین الخلافة حزبیة وراثیة .

{وَمَا نُرْسِلُ المُرْسَلِینَ إلا مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ وَیُجَادِلُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِالبَاطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ وَاتَّخَذُوا آیَاتِی وَمَا اُنْذِرُوا هُزُواً } 56 _سورة الکهف. .

ص: 271

بین تعالی بان من ارکان منهجیة النبوة و الإمامة هی الهدایة , بنحو البشارة و النذارة , کما فی قوله تعالی:

{إنَّا أرْسَلْنَاکَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِیراً 45}الاحزاب .

(رُسُلاً مُبَشِّرِینَ وَمُنْذِرِینَ ) _ النساء / 165 .

(إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِکُلِّ قَوْم هَاد ) الرعد / 7 .

ویجب علی علماء الامة السیر علی هذا المنهج الاسلامی السماوی لا التحرک لاثارة الفتن الطائفیة ونشر فتاوی التکفیر واراقة دماء المسلمین .

وقوله (وما منع الناس ان یؤمنوا إذ جاءهم الهدی _ إلی قوله _ ویجادل الذین کفروا بالباطل ) ای یخاصمون بالباطل ویأتون بأدلة کاذبة لدحض الحق وکثیرا ما یستعمل العلماء الضالون هذا الاسلوب مثلهم مثل بلعم بن باعورا . (لیدحضوا به الحق ) ای یفندوه ویهدموه .

بینما قال تعالی: (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ ) . وهذا یدل علی أن الجدال فی العقائد مطلقا لیس منهیا عنه .

(ویجادل الذین کفروا بالباطل لیدحضوا به الحق وقد ضلوا ضلالا کثیرا وضلوا عن سواء السبیل )

وقال تعالی: وَجَادَلُوا بِالبَاطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأخَذْتُهُمْ فَکَیْفَ کَانَ عِقَابِ ((1)) .

ص: 272

الَّذِینَ یُجَادِلُونَ فِی آیَاتِ اللّهِ بِغَیْرِ سُلْطَان أتَاهُمْ کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَعِنْدَ الَّذِینَ آمَنُوا کَذَلِکَ یَطْبَعُ اللّهُ عَلَی کُلِّ قَلْبِ مُتَکَبِّر جَبَّار 35 _

سورة المؤمن (غافر) .

وَمِنْهُمْ مَنْ یَسْتَمِعُ إلَیْکَ وَجَعَلْنَا عَلَی قُلُوبِهِمْ أکِنَّةً أنْ یَفْقَهُوهُ وَفِی آذَانِهِمْ وَقْراً وَإنْ یَرَوْا کُلَّ آیَة لا یُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّی إذَا جَاؤُوکَ یُجَادِلُونَکَ یَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا إنْ هَذَا إلا أسَاطِیرُ الأوَّلِینَ 25 _ سورة الانعام .

وقال نجاح الطائی: تجد الکثیر من علماء البلاط من أحبار الدین یسعون لیلا ونهارا لیفرغوا النصوص القرآنیة والحدیثیة من معانیها الظاهرة خدمة للخلفاء الغاصبین للسلطة والمذاهب الوهمیة التی صنعوها .

مثلا کتب ابن حجر الهیتمی کتاب تطهیر الجنان واللسان فی مدح معاویة بن ابی سفیان مستحسنا اغتصابه الخلافة ومحاربته امام المسلمین علی بن ابی طالب علیه السلام .

وهؤلاء یکفرون أتباع أهل البیت علیهم السلام ویوجبون قتلهم وأخذ نسائهم وأموالهم واولادهم سبایا مثلما یفعل أهل الجاهلیة , وکانوا یضیفون نصوصا کاذبة للاحادیث الصحیحة مثلا :

النصوص الصحیحة:

ورد عن ابن اسحاق شیخ السیرة النبویة أنه لم یحضر علی ( علیه السلام )مع الخلفاء جمعة ولا جماعة ((1))» .

ص: 273

وجاء عن الامام علیه السلام : « لا جمعة الا فی مصر مع إمام عادل »((1)).

وجاء:«أنَّ الروافض لا یشهدون جمعة ولا جماعة ویسبون السلف »،واضاف الدیلمی فی الفردوس فی وصف الشیعة: «ویبغضون ابا بکر وعمر »((2)).

و کان الکثیر من الصحابة لا یصلون جمعة ولا جماعة مع ابی بکر وعمر: وکان سعد بن عبادة لا یصلی بصلاتهم ولا یجتمع بجماعتهم ،ولا یقضی

بقضائهم ((3)).

ص: 274

النصوص المحرفة و المضاف الیها:

العلماء النواصب المزورون هم الذین اضافوا الی الروایات ما یریدون فجاء فی الروایة المضاف الیها: ذکروا الحدیث الصحیح مع الاضافة:

وسیأتی قوم یقال لهم الرافضة فان أدرکتهم فجاهدهم لا یشهدون جمعة ولا جماعة ویطعنون علی السلف الاول ((1)) .

والشیعة یطعنون علی مغتصبی خلافة أهل البیت فقط وهم رجال السقیفة ولا یطعنون علی أهل بدر والانصار وعموم المؤمنین من الصحابة .وحصل المحرفون الکاذبون علی الاموال من الامویین وقد قال الله تعالی فی حق المفترین :

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إنَّ کَثِیراً مِنَ الأحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَیَأکُلُونَ أمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَیَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ وَالَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا یُنفِقُونَهَا فِی سَبِیلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَاب ألِیم }34_التوبة .

وقال الامام الحسین علیه السلام للمحاربین له بعدما أحاطوا به من کل جانب حتی جعلوه فی مثل الحلقة : ویلکم ما علیکم أن تنصتوا إلی فتسمعوا قولی ، وإنما أدعوکم إلی سبیل الرشاد ، فمن أطاعنی کان من المرشدین ، ومن عصانی کان من المهلکین ، وکلکم عاص لأمری غیر مستمع قولی فقد

ص: 275

ملئت بطونکم من الحرام ، وطبع علی قلوبکم ، ویلکم ألا تنصتون ؟ ألا تسمعون ؟

فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بینهم وقالوا : أنصتوا له (1) .

{وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ ذُکِّرَ بِآیَاتِ رَبِّهِ فَأعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِیَ مَا قَدَّمَتْ یَدَاهُ إنَّا جَعَلْنَا عَلَی قُلُوبِهِمْ أکِنَّةً أنْ یَفْقَهُوهُ وَفِی آذَانِهِمْ وَقْراً وَإنْ تَدْعُهُمْ إلَی الهُدَی فَلَنْ یَهْتَدُوا إذاً أبَداً } 57 _سورة الکهف.

وقال تعالی: وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا .

لم یؤمنوا بولایة أمیر المؤمنین و الأئمة ((2)) .

الآیات: أمیر المؤمنین و الأئمة .قال أمیر المؤمنین: ما لله آیة أکبر منِّی , فاذا رجعوا الی الدنیا یعرفهم اعداؤهم اذا رأوهم فی الدنیا ((3)) .

وقال تعالی: (لم حشرتنی أعمی وقد کنت بصیرا قال کذلک أتتک آیاتنا ) .

قال: الآیات: الأئمة (فنسیتها فکذلک الیوم تنسی ) یعنی ترکتها وکذلک الیوم تترک فی النار کما ترکت الأئمة (علیهم السلام ) فلم تطع أمرهم ولم تسمع

ص: 276

قولهم قال: قال تعالی: { وَکَذَلِکَ نَجْزِی مَنْ أسْرَفَ وَلَمْ یُؤْمِنْ بِآیَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أشَدُّ وَأبْقَی } سورة طه 127 .

کذلک نجزی من أشرک بولایة أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) ((1)) .

وقال الامام جعفر الصادق : الآیات هم الأئمة والنذر هم الأنبیاء ((2)) .

وقال الامام جعفر الصادق : من أشرک بولایة أمیر المؤمنین ولم یؤمن بآیات ربه وترک الأئمة معاندة فلم یتَّبع آثارهم ولم یتولهم ((3)) .

{ جَعَلْنَا عَلَی قُلُوبِهِمْ أکِنَّةً أنْ یَفْقَهُوهُ } : أی غشاوة .

{وَفِی آذَانِهِمْ وَقْراً } : أی صمم فهم لا یسمعون .

{وَإنْ تَدْعُهُمْ إلَی الهُدَی فَلَنْ یَهْتَدُوا إذاً أبَداً } .

الهدی: تعنی ولایة علی علیه السلام والدین .

وعن الباقر ( علیه السلام ) فی قوله تعالی (إنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ مَا أنزَلْنَا مِنْ البَیِّنَاتِ وَالهُدَی ) فی علی بن ابی طالب .

{مِنْ بَعْدِ مَا بَیَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِی الکِتَابِ اُوْلَئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَیَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ }.سورة البقرة 159 . قال: نزل جبرئیل بهذه الآیة هکذا ((4)) :

ص: 277

(وَمَنْ یُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الهُدَی وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ المُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ مَا تَولی وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیراً) ((1))

.

لذا تری علماء الخوارج النواصب لا یهتدون الی الحق بما اقترفوه من ذنوب وکفرهم بآیات الله وعلی رأسها أهل البیت .

ابن مردویه الشافعی: روی العلامة البحرانی عن ابن مردویه الشافعی فی معنی هذه الآیة: (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الهُدَی) : نزلت فی أمر علی ((2)) ولایة وخلافة علی علیه السلام .والله تعالی لا یهدی الظالمین المجرمین .

{ وَرَبُّکَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ یُؤَاخِذُهُمْ بِمَا کَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ یَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا }_سورة الکهف 58

یغفر للمستغفرین ویبدأ معهم صفحة جدیدة ورحمته الدنیوة واسعة للکافر والمسلم فکلهم یعیشون فی رغد وسرور رغم الصفات السیئة والذنوب المقترفة من المخلوقین .

{لَوْ یُؤَاخِذُهُمْ بِمَا کَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ یَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا }:

لو یحاسب الله تعالی المذنبین فی الدنیا لاسرع فی هلاکهم وأفناهم من الارض لکن یعطیهم الفرصة للاستغفار والعودة الی الدین .

ص: 278

وکی لا یعطیهم الحجة علیه سبحانه بانهم لم یکن عندهم الوقت الکافی للتفکر والتحرک الی الحق .

وعبر هذه الفرصة الکافیة للکافرین والمنافقین فی الحیاة الطویلة لهم فی الارض تنسلب منهم تلک الحجة یوم القیامة .

موئلا: أی ملجأ .

وقال النبی المختار صلی الله علیه و آله و سلم : یا ابن مسعود: سیأتی من بعدی أقوام یأکلون طیبات الطعام وألوانها ویرکبون الدواب ویتزینون بزینة المرأة لزوجها ویتبرجون تبرج النساء , وزیهم مثل زی الملوک الجبابرة , هم منافقو هذه الأمة فی آخر الزمان , شاربو القهوات , لاعبون بالکعاب , راکبون الشهوات , تارکون الجماعات , راقدون عن العتمات , مفرطون فی الغدوات , یقول الله تعالی: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف یلقون غیا " .

یا ابن مسعود: مثلهم مثل الدفلی زهرتها حسنة و طعمها مر , کلامهم الحکمة وأعمالهم داء لا تقبل الدواء , " أفلا یتدبرون القرآن أم علی قلوب أقفالها " .

یا ابن مسعود: ما ینفع من یتنعم فی الدنیا إذا أخلد فی النار , " یعلمون ظاهرا من الحیاة الدنیا وهم عن الآخرة هم غافلون " , یبنون الدور ویشیدون القصور ویزخرفون المساجد , لیست همتهم إلا الدنیا عاکفون علیها معتمدون فیها , آلهتهم بطونهم , قال الله تعالی: " وتتخذون مصانع لعلکم تخلدون , وإذا بطشتم بطشتم جبارین , فاتقوا الله وأطیعون " . وقال الله

ص: 279

تعالی: " أفرأیت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله علی علم وختم علی سمعه وقلبه " إلی قوله: " أفلا تذکرون " وما هو إلا منافق , جعل دینه هواه وإلهه بطنه , کل ما اشتهی من الحلال والحرام لم یمتنع منه , قال الله تعالی:

" وفرحوا بالحیاة الدنیا وما الحیاة الدنیا فی الآخرة إلا متاع " .یا ابن مسعود: محاریبهم نساؤهم وشرفهم الدراهم والدنانیر , وهمتهم بطونهم , أولئک هم شر الأشرار , الفتنة منهم وإلیهم تعود .

یا ابن مسعود: إقرأ قول الله تعالی: " أفرأیت إن متعناهم سنین , ثم جاءهم ما کانوا یوعدون , ما أغنی عنهم ما کانوا یمتعون " .

یا ابن مسعود: أجسادهم لا تشبع وقلوبهم لا تخشع .

یا ابن مسعود: الاسلام بدأ غریبا وسیعود غریبا کما بدأ , فطوبی للغرباء , فمن أدرک ذلک الزمان [ ممن یظهر ] من أعقابکم فلا یسلم علیهم فی نادیهم ولا یشیع جنائزهم ولا یعود مرضاهم , فإنهم یستنون بسنتکم ویظهرون بدعواکم ویخالفون أفعالکم فیموتون علی غیر ملتکم , أولئک لیسوا منی ولست منهم یا ابن مسعود: لا تخافن أحدا غیر الله , فإن الله تعالی یقول: " أین ما تکونوا یدرککم الموت ولو کنتم فی بروج مشیدة " . ویقول: " یوم یقول المنافقون والمنافقات للذین آمنوا انظروا نقتبس من نورکم _ إلی قوله _ وبئس المصیر " .

یا ابن مسعود: علیهم لعنة منی ومن جمیع المرسلین والملائکة المقربین وعلیهم غضب الله وسوء الحساب فی الدنیا والآخرة , وقال الله: " لعن الذین کفروا من بنی إسرائیل _ إلی قوله _ ولکن کثیرا منهم فاسقون " .

ص: 280

یا ابن مسعود: أولئک یظهرون الحرص الفاحش والحسد الظاهر ویقطعون الأرحام ویزهدون فی الخیر , وقد قال الله تعالی: " والذین ینقضون عهد الله من بعد میثاقه ویقطعون ما أمر الله به أن یوصل ویفسدون فی الأرض أولئک لهم اللعنة ولهم سوء الدار " . وقال تعالی: " مثل الذین حملوا التوریة ثم لم یحملوها کمثل الحمار یحمل أسفار " .

یا ابن مسعود: یأتی علی الناس زمان الصابر فیه علی دینه مثل القابض علی الجمر بکفه , فإن کان فی ذلک الزمان ذئبا , وإلا أکلته الذئاب .

یا ابن مسعود: علماؤهم وفقهاؤهم خونة فجرة , ألا إنهم أشرار خلق الله , وکذلک أتباعهم ومن یأتیهم ویأخذ منهم ویحبهم ویجالسهم ویشاورهم أشرار خلق الله یدخلهم نار جهنم " صم بکم عمی فهم لا یرجعون " , " ونحشرهم یوم القیامة علی وجوههم عمیا وبکما وصما مأواهم جهنم کلما خبت زدناهم سعیرا " , " کلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غیرها لیذوقوا العذاب " , " إذا ألقوا فیها سمعوا لها شهیقا وهی تفور , تکاد تمیز من الغیظ " , " کلما أرادوا أن یخرجوا منها من غم أعیدوا فیها وقیل لهم ذوقوا عذاب الحریق " , " لهم فیها زفیر وهم فیها لا یسمعون " .

یا ابن مسعود: یدعون أنهم علی دینی وسنتی ومنهاجی وشرائعی إنهم منی برآء وأنا منهم برئ .

یا ابن مسعود: لا تجالسوهم فی الملا ولا تبایعوهم فی الأسواق , ولا تهدوهم إلی الطریق , ولا تسقوهم الماء , قال الله تعالی: " من کان یرید الحیاة الدنیا وزینتها نوف إلیهم أعمالهم فیها وهم فیها لا یبخسون " , یقول

ص: 281

الله تعالی: " ومن کان یرید حرث الدنیا نؤته منها وما له فی الآخرة من نصیب " , یا ابن مسعود: ما بلوی أمتی منهم العداوة والبغضاء والجدال أولئک أذلاء هذه الأمة فی دنیاهم . والذی بعثنی بالحق لیخسفن الله بهم ویمسخهم قردة وخنازیر . قال: فبکی رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) وبکینا لبکائه وقلنا:

یا رسول الله ما یبکیک ؟ فقال: رحمة للأشقیاء , یقول الله تعالی: " ولو تری إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مکان قریب " . یعنی العلماء والفقهاء .

یا ابن مسعود: من نعلم العلم یرید به الدنیا وآثر علیه حب الدنیا وزینتها استوجب سخط الله علیه وکان فی الدرک الأسفل من النار مع الیهود والنصاری الذین نبذوا کتاب الله تعالی , قال الله تعالی: " فلما جاءهم ما عرفوا کفروا به فلعنة الله علی الکافرین " .

یا ابن مسعود: من تعلم القرآن للدنیا وزینتها حرم الله علیه الجنة .یا ابن مسعود: من تعلم العلم ولم تعمل بما فیه حشره الله یوم القیامة أعمی . ومن تعلم العلم رئاء وسمعة یرید به الدنیا نزع الله برکته وضیق علیه معیشته ووکله الله إلی نفسه , ومن وکله الله إلی نفسه فقد هلک , قال الله تعالی: " فمن کان یرجو لقاء ربه فلیعمل عملا صالحا ولا یشرک بعبادة ربه أحدا " .یا ابن مسعود: فلیکن جلساؤک الأبرار وإخوانک الأتقیاء والزهاد , لان الله تعالی قال فی کتابه: " الأخلاء یومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقین " ((1)) .

ص: 282

{ وَتِلْکَ القُرَی أهْلَکْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِکِهِمْ مَوْعِداً } سورة الکهف 59 . تلک القری : یعنی: قری عاد وثمود وأضرابهم .

لمهلکهم موعدا: یوم القیامة فی جهنم .

لقد جاءت عدة آیات فی القرآن الکریم تبین الهلاک للظالمین بعد الهدایة المبعوثة علیهم عبر الانبیاء:

هود: فمن ینصرنی من الله إن عصیته _ هود: 63 .

وقال تعالی حاکیا عن شعیب علیه السلام : ویا قوم اعملوا علی مکانتکم إنی عامل سوف تعلمون من یأتیه عذاب یخزیه ومن هو کاذب وارتقبوا إنی معکم رقیب _ هود: 96 .

الرعد: إن الله لا یغیر ما بقوم حتی یغیروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال _ الرعد: 11 .

النحل: وینهی عن الفحشاء والمنکر والبغی یعظکم لعلکم تذکرون _ النحل: 90 .

أسری: وإذا أردنا أن نهلک قریة أمرنا مترفیها ففسقوا فیها فحق علیها القول فدمرناها تدمیرا * وکم أهلکنا من القرون من بعد نوح وکفی بربک بذنوب عباده خبیرا بصیرا _ اسری: 16 _ 17 .

الکهف: وتلک القری أهلکناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلکهم موعدا_ الکهف: 59 .

النور: یا أیها الذین آمنوا لا تتبعوا خطوات الشیطان ومن یتبع خطوات الشیطان فإنه یأمر بالفحشاء والمنکر _ النور: 21 .

ص: 283

وقال تعالی: فلیحذر الذین یخالفون عن أمره أن تصیبهم فتنة أو یصیبهم عذاب ألیم _ النور: 63 .

ولم تستفد الطغاة من الفرص التی أعطاها الله تعالی لها

بل استمرت فی غیها وخرابها للارض وظلمها للعباد.

ولم تستفد الطغاة من القصص الالهیة الحالة بالکافرین المذنبین الطغاة .

{ وَإذْ قَالَ مُوسَی لِفَتَاهُ لا أبْرَحُ حَتَّی أبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَیْنِ أوْ أمْضِیَ حُقُباً 60 } _سورة الکهف.

: لا ابرح: لا ازال .

وامضی حقبا: الحقب: ثمانون سنة .

قیل: هما بحر فارس وبحر الروم , وقیل: البحران موسی والخضر فإن موسی کان بحر علم الظاهر والخضر کان بحر علم الباطن ((1)) .

قال ابن عباس: والحقب الدهر . وقیل هو سنة بلغة قیس . وقیل سبعون سنة _ ذکره مجاهد _ وقال عبد الله بن عمر: هو ثمانون سنة.

وقال قتادة: الحقب الزمان . وقال قتادة: مجمع البحرین: بحر فارس والروم وإنما نسیه یوشع بن نون وأضافه الیهما , کما یقال نسی القوم زادهم , وإنما نسیه بعضهم . وقیل نسی یوشع أن یحمل الحوت , ونسی موسی أن یأمره فیه بشئ .وقوله " فاتخذ سبیله " یعنی الحوت " فی البحر سربا " قال ابن

ص: 284

عباس وابن زید ومجاهد: أحیا الله الحوت , فاتخذ طریقه فی البحر مسلکا . وقیل إن الحوت کانت سمکة مملحة فطفرت من موضعها إلی البحر ذاهبة . وقال الفراء: کان مالحا , فلما حیی بالماء الذی أصابه من العین , وقع فی البحر . ووجد مذهبه , فکان کالسرب .

وروی عن أبی بن کعب أن مجمع بینهما أفریقیة , وأراد الله أن یعلم موسی أنه وإن آتاه التوراة , فإنه قد آتی غیره من العلم ما لیس عنده , فوعده بلقاء الخضر . وقوله " مجمع بینهما " یعنی موسی وفتاه بلغا مجمع البحرین . وقال قتادة قیل لموسی آیة لقیاک إیاه أن تنسی بعض متاعک , وکان موسی وفتاه تزودا حوتا مملوحا حتی إذا کانا حیث شاء الله , رد الله إلی الحوت روحه فسرب فی البحر , فذلک قوله " فاتخذ سبیله فی البحر سربا " أی مذهبا یقال سرب یسرب سربا إذا مضی لوجهه فی سفر غیر بعید ولا شاق وهی السربة فإذا کانت شاقة , فهی (السبأة) بالهمزة . وروی ان الله تعالی بعث ماء من عین الجنة , فأصاب ذلک الماء تلک السمکة فحییت وطفرت إلی البحر , ومضت . وروی عن ابن عباس أنه قال: لما وفد موسی إلی طور سیناء , قال رب أی عبادک أعلم ؟ قال الذی یبغی علم الناس إلی علمه , لعله یجد کلمة تهدیه إلی هدی أو ترده عن ردی . قال رب من هو ؟ قال الخضر تلقاه عند الصخرة التی عندها العین التی تنبع من الجنة . وقال الحسن البصری: کان موسی سأل ربه هل أحد أعلم منی من الآدمیین فأوحی الله إلیه: نعم عبدی الخضر علیه السلام , فقال موسی علیه السلام : کیف لی بلقائه ؟ فأوحی الله إلیه أن یحمل حوتا فی متاعه ویمضی علی وجهه حتی یبلغ مجمع

ص: 285

البحرین , بحر فارس والروم , وهما المحیطان بهذا الخلق . وجعل العلم علی لقائه أن یفقد حوته , فإذا فقدت الحوت فاطلب حاجتک عند ذلک فإنک تلقی الخضر عند ذلک ((1)) .

طریقة الخضر ( علیه السلام ) (تبدأ من الآیة 60 إلی الآیة 82 تقریباً ) .

{ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَیْنِهِمَا نَسِیَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِیلَهُ فِی البَحْرِ سَرَباً61فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِینَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً62قَالَ أرَأیْتَ إذْ أوَیْنَا إلَی الصَّخْرَةِ فَإنِّی نَسِیتُ الحُوتَ وَمَا أنْسَانِیه إلا الشَّیْطَانُ أنْ أذْکُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِیلَهُ فِی البَحْرِ عَجَباً63 } _سورة الکهف.

بعدما کلم الباری تعالی موسی علیه السلام أراد أن یبین له أن هناک من یعلم الغیب أکثر منه فأرسله الی الخضر علیه السلام . وعلامة المکان الذی یری فیه الخضر انه ینسی متاعه عنده , ولما نسی حوته هناک رجع موسی الی المکان فوجد الخضر ینتظره .

{ قَالَ ذَلِکَ مَا کُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَی آثَارِهِمَا قَصَصاً64فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَیْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً65 قَالَ لَهُ مُوسَی هَلْ أتَّبِعُکَ عَلَی أنْ تُعَلِّمَنِی مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً 66 } _سورة الکهف.

ص: 286

النبی موسی علیه السلام من أولی العزم لکنه یطلب العلم من الخضر علیه السلام وهو نبی أیضا .

قال الجبائی ما هذا لفظه ویقال ان هذا الانسان هو الخضر ولیس ذلک بصحیح لان الخضر یقال إنه أحد أنبیاء بنی إسرائیل الذین بعثوا بعد موسی وهذا أقبح من قول من قال إن صاحب موسی کان الخضر واما مالا یشک فیه فإنه کان نبیا من أنبیاء الله ورسولا من رسله لان الأنبیاء لا یجوز ان یتعلموا العلم الا من ملک من ملائکة الله أو رسولا من رسله لان من لم یکن من الملائکة والرسل یجب علیهم اتباع الرسل والتعلم منهم ولا یجوز ان یحتاج الأنبیاء إلی أن یتعلموا ممن یجب ان یتعلم منهم فهذا بین انه کان من رسل الله وأنبیائه ویدل علی ذلک أیضا ان هذا العلم لابد لمن یعلمه بوحی الله عز ذکره إذا کان لم یخبر به نبی من أنبیائه والله تبارک وتعالی لا یوحی إلی أنبیائه ورسله فجمیع ما ذکرناه یوجب ان یکون هذا العبد الذی ذکره الله نبیا لله ورسولا له هذا اخر کلام الجبائی بلفظه .

حدیث الزمخشری فی تفسیره المسمی بالکشاف فهو عالم بعلوم کثیرة لا یخفی فضله عند ذوی الأنصاف فان الزمخشری حکی فی تفسیر سورة الکهف ان بنی إسرائیل سألوا موسی أی الناس اعلم فقال انا فعتب الله حین لم یرد العلم إلی الله فأوحی الله إلیه بل اعلم منک عبد لی عند مجمع البحرین وهو الخضر وکان الخضر فی أیام أفریدون قبل موسی وکان علی مقدمة ذی القرنین الأکبر وبقی إلی أیام موسی وذکر الزمخشری وجها اخر فی سبب طلب موسی الخضر ان موسی قال الله تعالی إن کان فی عبادک

ص: 287

من هو اعلم منی فدلنی علیه قال اعلم منک الخضر قال أین اطلبه قال علی الساحل عند الصخرة ((1)) .

{ قَالَ إنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِی صَبْراً67وَکَیْفَ تَصْبِرُ عَلَی مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً68قَالَ سَتَجِدُنِی إنْ شَاءَ اللّهُ صَابِراً وَلا أعْصِی لَکَ أمْراً 69 قَالَ فَإنِ اتَّبَعْتَنِی فَلا تَسْألْنِی عَنْ شَیْء حَتَّی اُحْدِثَ لَکَ مِنْهُ ذِکْراً70فَانطَلَقَا حَتَّی إذَا رَکِبَا فِی السَّفِینَةِ خَرَقَهَا قَالَ أخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إمْراً 71 قَالَ ألَمْ أقُلْ إنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِی صَبْراً72قَالَ لا تُؤَاخِذْنِی بِمَا نَسِیتُ وَلا تُرْهِقْنِی مِنْ أمْرِی عُسْراً73فَانطَلَقَا حَتَّی إذَا لَقِیَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أقَتَلْتَ نَفْساً زَکِیَّةً بِغَیْرِ نَفْس لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً نُکْراً74 قَالَ ألَمْ أقُلْ لَکَ إنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِی صَبْراً75 }سورة الکهف.

النبی موسی علیه السلام یحکم بالظاهر فحکم علی قتل الخضر علیه السلام للصبی بالعملیة النکراء بینما حکم الخضر علیه السلام بالباطن فحکم علیها بالصحة .

{قَالَ إنْ سَألْتُکَ عَنْ شَیْء بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِی قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّی عُذْراً76فَانطَلَقَا حَتَّی إذَا أتَیَا أهْلَ قَرْیَة اسْتَطْعَمَا أهْلَهَا فَأبَوْا أنْ یُضَیِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِیهَا جِدَاراً یُرِیدُ أنْ یَنقَضَّ فَأقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَیْهِ أجْراً77قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَیْنِی وَبَیْنِکَ سَاُنَبِّئُکَ بِتَأوِیلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَیْهِ صَبْراً78أمَّا السَّفِینَةُ فَکَانَتْ لِمَسَاکِینَ یَعْمَلُونَ فِی

ص: 288

البَحْرِ فَأرَدْتُ أنْ أعِیبَهَا وَکَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِکٌ یَأخُذُ کُلَّ سَفِینَة غَصْباً79 وَأمَّا الغُلامُ فَکَانَ أبَوَاهُ مُؤْمِنَیْنِ فَخَشِینَا أنْ یُرْهِقَهُمَا طُغْیَاناً وَکُفْراً80فَأرَدْنَا أنْ یُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَیْراً مِنْهُ زَکَاةً وَأقْرَبَ رُحْماً81وَأمَّا الجِدَارُ فَکَانَ لِغُلامَیْنِ یَتِیمَیْنِ فِی المَدِینَةِ وَکَانَ تَحْتَهُ کَنزٌ لَهُمَا وَکَانَ أبُوهُمَا صَالِحاً فَأرَادَ رَبُّکَ أنْ یَبْلُغَا أشُدَّهُمَا وَیَسْتَخْرِجَا کَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أمْرِی ذَلِکَ تَأوِیلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَیْهِ صَبْراً82 }_سورة الکهف.

عن جعفر بن محمد ( علیه السلام ) أنه قال: « إن الخضر کان نبیا مرسلا , بعثه الله تبارک وتعالی إلی قومه , فدعاهم إلی توحیده , والإقرار بأنبیائه ورسله وکتبه , وکانت آیته أنه کان لا یجلس علی خشبة یابسة ولا أرض بیضاء إلا أزهرت خضراء , وإنما سمی خضرا لذلک , وکان اسمه تالیا بن ملکان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح ( علیه السلام ) , وإن موسی لما کلمه الله تکلیما , وأنزل علیه التوراة وکتب له فی الألواح من کل شیء موعظة وتفصیلا لکل شیء , وجعل آیته فی یده وفی عصاه , وفی الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم , وفلق البحر , وأغرق الله عز وجل فرعون وجنوده , وعملت البشریة فیه حتی قال فی نفسه: ما أری أن الله عز وجل خلق خلقا أعلم منی . فأوحی الله عز وجل إلی جبرئیل ( علیه السلام ): یا جبرئیل , أدرک عبدی موسی قبل أن یهلک , وقل: له: إن عند ملتقی البحرین رجلا عابدا فاتبعه وتعلم منه , فهبط جبرئیل ( علیه السلام ) علی موسی ( علیه السلام ) بما أمره به ربه عز وجل , فعلم موسی ( علیه السلام ) أن ذلک لما حدثته به نفسه .

ص: 289

فمضی هو وفتاه یوشع بن نون ( علیه السلام ) حتی انتهیا إلی ملتقی البحرین , فوجدا هناک الخضر ( علیه السلام ) یعبد الله عز وجل , کما قال الله عز وجل فی کتابه (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَیْناه رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وعَلَّمْناه مِنْ لَدُنَّا عِلْماً قالَ لَه مُوسی هَلْ أَتَّبِعُکَ عَلی أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ) ؟

قال له الخضر ( علیه السلام ): (إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً ) لأنی وکلت بعلم لا تطیقه , ووکلت أنت بعلم لا أطیقه . قال موسی: بل أستطیع معک صبرا . فقال الخضر: إن القیاس لا مجال له فی علم الله وأمره (وکَیْفَ تَصْبِرُ عَلی ما لَمْ تُحِطْ بِه خُبْراً ) ؟ قال له موسی: (سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّه صابِراً ولا أَعْصِی لَکَ أَمْراً ) فلما استثنی المشیئة قبله . قال: (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِی فَلا تَسْئَلْنِی عَنْ شَیْءٍ حَتَّی أُحْدِثَ لَکَ مِنْه ذِکْراً ) فقال موسی ( علیه السلام ):

لک ذلک علی . فانطلقا حتی إذا رکبا فی السفینة خرقها الخضر ( علیه السلام ) , فقال له موسی ( علیه السلام ): (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إِمْراً ) قال: (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً ) ؟ ! قال موسی ( علیه السلام ): (لا تُؤاخِذْنِی بِما نَسِیتُ ) أی بما ترکت من أمرک (ولا تُرْهِقْنِی مِنْ أَمْرِی عُسْراً ) . (فَانْطَلَقا حَتَّی إِذا لَقِیا غُلاماً فَقَتَلَه ) الخضر ( علیه السلام ) , فغضب موسی ( علیه السلام ) وأخذ بتلابیبه وقال له:

(أَقَتَلْتَ نَفْساً زَکِیَّةً بِغَیْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً نُکْراً ) ؟ !

قال له الخضر: إن العقول لا تحکم علی أمر الله تعالی ذکره , بل أمر الله یحکم علیها , فسلم لما تری منی واصبر علیه , فقد کنت علمت أنک لن

ص: 290

تستطیع معی صبرا . قال موسی ( علیه السلام ): (إِنْ سَأَلْتُکَ عَنْ شَیْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِی قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّی عُذْراً ) .

(فَانْطَلَقا حَتَّی إِذا أَتَیا أَهْلَ قَرْیَةٍ ) وهی الناصرة , وإلیها تنسب النصاری

(اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ یُضَیِّفُوهُما فَوَجَدا فِیها جِداراً یُرِیدُ أَنْ یَنْقَضَّ ) فوضع الخضر ( علیه السلام ) یده علیه فأقامه فقال له موسی ( علیه السلام ): (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَیْه أَجْراً ) ؟ قال له الخضر ( علیه السلام ): (هذا فِراقُ بَیْنِی وبَیْنِکَ سَأُنَبِّئُکَ بِتَأْوِیلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَیْه صَبْراً ) فقال: (أَمَّا السَّفِینَةُ فَکانَتْ لِمَساکِینَ یَعْمَلُونَ فِی الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِیبَها وکانَ وَراءَهُمْ مَلِکٌ یَأْخُذُ کُلَّ سَفِینَةٍ ) صالحة (غَصْباً ) فأردت بما فعلت أن تبقی لهم , ولا یغصبهم الملک علیها , فنسب إلابانة فی هذا الفعل إلی نفسه لعلة ذکر التعییب , لأنه أراد أن یعیبها عند الملک حتی إذا شاهدها فلا یغصب المساکین علیها , وأراد الله عز وجل صلاحهم بما أمره به من ذلک .

ثم قال: (وأَمَّا الْغُلامُ فَکانَ أَبَواه مُؤْمِنَیْنِ ) فطبع کافرا , وعلم الله تعالی ذکره أنه إن بقی کفر أبواه وافتتنا به وضلا بإضلاله إیاهما , فأمرنی الله تعالی ذکره بقتله , وأراد بذلک نقلهم إلی محل کرامته فی العاقبة , فاشترک فی الإبانة بقوله: (فَخَشِینا أَنْ یُرْهِقَهُما طُغْیاناً وکُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَیْراً مِنْه زَکاةً وأَقْرَبَ رُحْماً ) وإنما اشترک فی الإبانة لأنه خشی , والله لا یخشی لأنه لا یفوته شیء , ولا یمتنع علیه أحد أراده , وإنما خشی الخضر من أن یحال بینه وبین ما أمر فیه فلا یدرک ثواب الإمضاء فیه , ووقع فی نفسه أن الله تعالی ذکره جعله سببا لرحمة أبوی الغلام , فعمل فیه وسط

ص: 291

الأمر من البشریة مثل ما کان عمل فی موسی ( علیه السلام ) , لأنه صار فی الوقت مخبرا , وکلیم الله موسی ( علیه السلام ) مخبرا , ولم یکن ذلک باستحقاق الخضر ( علیه السلام ) للرتبة علی موسی ( علیه السلام ) وهو أفضل من الخضر , بل کان لاستحقاق موسی للتبیین .

ثم قال: (وأَمَّا الْجِدارُ فَکانَ لِغُلامَیْنِ یَتِیمَیْنِ فِی الْمَدِینَةِ وکانَ تَحْتَه کَنْزٌ لَهُما وکانَ أَبُوهُما صالِحاً ) ولم یکن ذلک الکنز بذهب ولا فضة , ولکن کان لوحا من ذهب مکتوب فیه: عجب لمن أیقن بالموت کیف یفرح , عجب لمن أیقن بالقدر کیف یحزن , عجب لمن أیقن أن البعث حق کیف یظلم , عجب لمن یری الدنیا وتصرف أهلها حالا بعد حال کیف یطمئن إلیها , وکان أبوهما صالحا , وکان بینهما وبین هذا الأب الصالح سبعون أبا , فحفظهما الله بصلاحه , ثم قال: (فَأَرادَ رَبُّکَ أَنْ یَبْلُغا أَشُدَّهُما ویَسْتَخْرِجا کَنزَهُما ) فتبرأ من الإبانة فی آخر القصص , ونسب الإرادة کلها إلی الله تعالی ذکره فی ذلک لأنه لم یکن بقی شیء مما فعله فیخبر به بعد ویصیر موسی ( علیه السلام ) به مخبرا ومصغیا إلی کلامه تابعا له , فتجرد من الإبانة والإرادة تجرد العبد المخلص , ثم صار متنصلا مما أتاه من نسبة الإبانة فی أول القصة , ومن ادعائه الاشتراک فی ثانی القصة , فقال:

(رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ وما فَعَلْتُه عَنْ أَمْرِی ذلِکَ تَأْوِیلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَیْه

صَبْراً ) .

ثم قال جعفر بن محمد (علیهما السلام ): « إن أمر الله تعالی ذکره لا یحمل علی المقاییس , ومن حمل أمر الله علی المقاییس هلک وأهلک , إن أول

ص: 292

معصیة ظهرت , الإبانة من إبلیس اللعین , حین أمر الله تعالی ذکره ملائکته بالسجود لآدم فسجدوا , وأبی إبلیس اللعین أن یسجد , فقال عز وجل: ما مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ قالَ أَنَا خَیْرٌ مِنْه خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وخَلَقْتَه مِنْ طِینٍ ) فکان أول کفره قوله: أَنَا خَیْرٌ مِنْه ثم قیاسه بقوله: خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وخَلَقْتَه مِنْ طِینٍ فطرده الله عز وجل عن جواره ولعنه وسماه رجیما , وأقسم بعزته لا یقیس أحد فی دینه إلا قرنه مع عدوه إبلیس فی أسفل درک من النار » .

علی بن إبراهیم , قال: وکان سبب ذلک أنه لما کلم الله موسی ( علیه السلام ) تکلیما , وأنزل علیه الألواح , وفیها کما قال الله تعالی: وکَتَبْنا لَه فِی الأَلْواحِ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِیلًا لِکُلِّ شَیْءٍ رجع موسی ( علیه السلام ) إلی بنی إسرائیل , فصعد المنبر فأخبرهم أن الله قد أنزل علیه التوراة وکلمه , قال فی نفسه: ما خلق الله خلقا أعلم منی , فأوحی الله عز وجل إلی جبرئیل ( علیه السلام ) أن أدرک موسی فقد هلک , وأعلمه أن عند ملتقی البحرین عند الصخرة رجلا أعلم منک فصر إلیه , وتعلم من علمه فنزل جبرئیل ( علیه السلام ) علی موسی ( علیه السلام ) وأخبره فذل موسی ( علیه السلام ) فی نفسه , وعلم أنه أخطأ ودخله الرعب , وقال لوصیه یوشع بن نون: إن الله قد أمرنی أن أتبع رجلا عند ملتقی البحرین وأتعلم منه . فتزود یوشع بن نون حوتا مملوحا وخرجا , فلما خرجا وبلغا ذلک المکان وجدا رجلا مستلقیا علی قفاه فلم یعرفاه , فأخرج وصی موسی الحوت وغسله بالماء ووضعه علی الصخرة , ومضیا ونسیا الحوت , وکان ذلک الماء ماء الحیوان , فحیی الحوت ودخل الماء , فمضی موسی ( علیه السلام ) ویوشع بن نون معه حتی عییا : فقال لوصیه: (آتِنا

ص: 293

غَداءَنا لَقَدْ لَقِینا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً ) أی عناء فذکر وصیه السمکة , فقال لموسی ( علیه السلام ): إنی نسیت الحوت علی الصخرة . فقال موسی: ذلک الرجل الذی رأیناه عند الصخرة هو الذی نریده , فرجعا علی آثارهما قصصا , إلی الرجل وهو فی الصلاة , فقعد موسی ( علیه السلام ) حتی فرغ من صلاته فسلم علیهما .

وقال علی بن إبراهیم: حدثنی محمد بن علی بن بلال , عن یونس , قال: اختلف یونس وهشام بن إبراهیم فی العالم الذی أتاه موسی ( علیه السلام ) أیهما کان أعلم ؟

وهل یجوز أن یکون علی موسی ( علیه السلام ) حجة فی وقته وهو حجة الله علی خلقه ؟ قال قاسم الصیقل: فکتبوا ذلک إلی أبی الحسن الرضا ( علیه السلام ) یسألونه عن ذلک , فکتب فی الجواب: « أتی موسی ( علیه السلام ) العالم فأصابه وهو فی جزیرة من جزائر البحر إما جالسا وإما متکئا , فسلم علیه موسی ( علیه السلام ) فأنکر السلام , إذ کان بأرض لیس فیها سلام , قال: من أنت ؟ قال: أنا موسی بن عمران . قال: أنت موسی بن عمران الذی کلمه الله تکلیما ؟ قال: نعم . قال: فما حاجتک ؟ قال: جئت لتعلمنی مما علمت رشدا .

قال: إنی وکلت بأمر لا تطیقه , ووکلت أنت بأمر لا أطیقه .

ثم حدثه العالم بما یصیب آل محمد (علیهم السلام ) من البلاء وکید الأعداء حتی اشتد بکاؤهما , ثم حدثه عن فضل آل محمد(علیهم السلام ) حتی جعل موسی ( علیه السلام ) یقول: یا لیتنی کنت من آل محمد , وحتی ذکر فلانا وفلانا , وفلانا (ابا بکر وعمر وعثمان واغتصابهم الخلافة الاسلامیة ),

ص: 294

ومبعث رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) إلی قومه , وما یلقی منهم ومن تکذیبهم إیاه , وذکر له تأویل هذه الآیة: { وَنُقَلِّبُ أفْئِدَتَهُمْ وَأبْصَارَهُمْ کَمَا لَمْ یُؤْمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرَّة وَنَذَرُهُمْ فِی طُغْیَانِهِمْ یَعْمَهُونَ 110_الانعام} حین أخذ علیهم المیثاق ( علیه السلام ) .

فقال موسی: (هَلْ أَتَّبِعُکَ عَلی أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ) فقال الخضر ( علیه السلام ): (إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً وکَیْفَ تَصْبِرُ عَلی ما لَمْ تُحِطْ بِه

خُبْراً )؟

فقال موسی ( علیه السلام ): (سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّه صابِراً ولا أَعْصِی لَکَ أَمْراً ) قال الخضر ( علیه السلام ): (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِی فَلا تَسْئَلْنِی عَنْ شَیْءٍ حَتَّی أُحْدِثَ لَکَ مِنْه

ذِکْراً ) یقول: لا تسألنی عن شیء أفعله , ولا تنکره علی حتی أخبرک أنا بخبره , قال: نعم .

فمروا ثلاثتهم حتی انتهوا إلی ساحل البحر , وقد شحنت سفینة وهی ترید أن تعبر , فقال أرباب السفینة:

نحمل هؤلاء الثلاثة نفر فإنهم قوم صالحون فحملوهم , فلما جنحت السفینة فی البحر قام الخضر ( علیه السلام ) إلی جوانب السفینة فکسرها وحشاها بالخرق والطین , فغضب موسی ( علیه السلام ) غضبا شدیدا , وقال للخضر( علیه السلام ): (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إِمْراً )

فقال له الخضر: (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً ) .

قال موسی علیه السلام (لا تُؤاخِذْنِی بِما نَسِیتُ ولا تُرْهِقْنِی مِنْ أَمْرِی عُسْراً ) .

ص: 295

فخرجوا من السفینة ومروا فنظر الخضر علیه السلام إلی غلام یلعب بین الصبیان حسن الوجه کأنه قطعة قمر , وفی أذنیه درتان , فتأمله الخضر

( علیه السلام ) , ثم أخذه فقتله فوثب موسی ( علیه السلام ) علی الخضر ( علیه السلام ) وجلد به الأرض , فقال: (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَکِیَّةً بِغَیْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً نُکْراً ) ؟ ! .

فقال الخضر علیه السلام

(أَلَمْ أَقُلْ لَکَ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً ) ؟ !

قال موسی ( علیه السلام ): (إِنْ سَأَلْتُکَ عَنْ شَیْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِی قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّی عُذْراً ) .

(فَانْطَلَقا حَتَّی إِذا أَتَیا أَهْلَ قَرْیَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها ) [ بالعشی ] تسمی الناصرة , وإلیها تنسب النصاری , ولم یضیفوا أحدا قط , ولم یطعموا غریبا, فاستطعموهم فلم یطعموهم ولم یضیفوهم , فنظر الخضر ( علیه السلام ) إلی حائط قد زال لینهدم فوضع الخضر یده علیه , وقال: قم بإذن الله تعالی , فقام . فقال موسی ( علیه السلام ): لم ینبغ لک أن تقیم الجدار حتی یطعمونا ویؤوونا وهو قوله: (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَیْه أَجْراً ) ؟

فقال له الخضر ( علیه السلام ): (هذا فِراقُ بَیْنِی وبَیْنِکَ سَأُنَبِّئُکَ بِتَأْوِیلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَیْه صَبْراً أَمَّا السَّفِینَةُ ) التی فعلت بها ما فعلت

(فَکانَتْ لِمَساکِینَ یَعْمَلُونَ فِی الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِیبَها وکانَ وَراءَهُمْ مَلِکٌ یَأْخُذُ کُلَّ سَفِینَةٍ ) صالحة (غَصْباً ) _ کذا نزلت _ وإذا کانت السفینة معیوبة , لم یأخذ منها شیئا , (وأَمَّا الْغُلامُ فَکانَ أَبَواه مُؤْمِنَیْنِ ) وطبع کافرا _ کذا نزلت _ فنظرت إلی جبینه وعلیه مکتوب: طبع کافرا: (فَخَشِینا أَنْ یُرْهِقَهُما طُغْیاناً وکُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَیْراً مِنْه زَکاةً وأَقْرَبَ رُحْماً ) فأبدل الله والدیه بنتا ولدت

ص: 296

سبعین نبیا

(وأَمَّا الْجِدارُ ) الذی أقمته (فَکانَ لِغُلامَیْنِ یَتِیمَیْنِ فِی الْمَدِینَةِ وکانَ تَحْتَه کَنْزٌ لَهُما وکانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّکَ أَنْ یَبْلُغا أَشُدَّهُما ویَسْتَخْرِجا کَنزَهُما ) إلی قوله: (ذلِکَ تَأْوِیلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَیْه صَبْراً ) » .

محمد بن یعقوب: عن عدة من أصحابنا , عن أحمد بن محمد بن خالد , عن عدة من أصحابه , عن الحسن بن علی بن یوسف , عن الحسن بن سعید اللخمی , قال: ولد لرجل من أصحابنا جاریة , فدخل علی أبی عبد الله علیهم السلام فرآه متسخطا , فقال له أبو عبد الله ( علیه السلام ): « أرأیت لو أن الله تبارک وتعالی أوحی إلیک أن أختار لک أو تختار لنفسک , ما کنت تقول ؟ » . قال: کنت أقول: یا رب , تختار لی . قال: « فإن الله قد اختار لک ! » .

قال: ثم قال: « إن الغلام الذی قتله العالم الذی کان مع موسی ( علیه السلام ) وهو قول الله عز وجل: (فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَیْراً مِنْه زَکاةً وأَقْرَبَ رُحْماً ) أبدلهما الله به بنتا , ولدت سبعین نبیا » .

محمد بن یعقوب: عن عدة من أصحابنا , عن أحمد بن محمد بن خالد , عن أحمد بن محمد بن أبی نصر , عن صفوان الجمال , قال: سألت أبا عبد الله ( علیه السلام ) عن قول الله عز وجل: (وأَمَّا الْجِدارُ فَکانَ لِغُلامَیْنِ یَتِیمَیْنِ فِی الْمَدِینَةِ وکانَ تَحْتَه کَنْزٌ لَهُما ) .فقال: « أما إنه ما کان ذهبا ولا فضة , وإنما کان أربع کلمات: لا إله إلا أنا , من أیقن بالموت لم یضحک , ومن أیقن بالحساب لم یفرح قلبه , ومن أیقن بالقدر لم یخش إلا الله » .

ص: 297

ابن بابویه , قال: حدثنا محمد بن الحسن (رحمه الله ) قال: حدثنا محمد بن یحیی العطار , عن محمد ابن أحمد , قال: حدثنا الحسن بن علی, رفعه إلی عمرو بن جمیع , رفعه إلی علی ( علیه السلام ) , فی قول الله عز وجل:

(وکانَ تَحْتَه کَنْزٌ لَهُما ) وذکر مثل ما فی روایة معاویة بن عمار , عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) السابقة .

علی بن إبراهیم , وفی روایة أبی الجارود , عن الامام أبی جعفر محمد الباقر ( علیه السلام ) فی قوله: (وإِذْ قالَ مُوسی لِفَتاه ) قال: « هو یوشع بن نون وقوله: (لا أَبْرَحُ ) یقول:

لا أزال (حَتَّی أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَیْنِ أَوْ أَمْضِیَ حُقُباً ) _ قال _ الحقب ثمانون سنة وقوله: (لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إِمْراً ) هو المنکر , وکان موسی ( علیه السلام ) ینکر الظلم , فأعظم ما رأی » .

و عن هشام بن سالم , عن أبی عبد الله ( علیه السلام ) قال: « کان موسی ( علیه السلام ) أعلم من الخضر ( علیه السلام ) » ((1)) .

وقال نجاح الطائی:

أراد الله تعالی أن یبین منزلة عبده الخضر وهو من عباد رب العالمین ومن أنبیاء الله تعالی لرسوله موسی بعدما کلمه تکلیما .

: " وکان فی الکنز الذی قال الله: (وکان تحته کنز لهما ) لوح من ذهب فیه: بسم الله الرحمن الرحیم ، محمد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، عجبت لمن أیقن بالموت

ص: 298

کیف یفرح ، وعجبت لمن أیقن بالقدر کیف یحزن ، وعجبت لمن رأی الدنیا وتقلبها باهلها کیف یرکن إلیها ! وینبغی لمن عقل عن الله أن لا یتهم الله تبارک وتعالی فی قضائه ، ولا یستبطئه فی رزقه " ((1)) .

وَکَانَ تَحْتَهُ کَنزٌ لَهُمَا وَکَانَ أبُوهُمَا صَالِحاً فَأرَادَ رَبُّکَ أنْ یَبْلُغَا أشُدَّهُمَا وَیَسْتَخْرِجَا کَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أمْرِی ذَلِکَ تَأوِیلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَیْهِ صَبْراً 82_الکهف.

وما فعله الخضر علیه السلام کان بالامر الالهی والا فان الکثیر من الحوادث لا یحاسب علیها تعالی فی الدنیا بل یعاقبهم فی الاخرة .

ومثل هذا الذی یفعله المجرمون الوهابیون السعودیون یومیا من قتل وزنا بالمسلمات وسبی لهن وسرقة أموال المسلمین وخیانة لصالح الیهود .

ولا یفعلون هذا مع الیهود المحتلین لفلسطین والصلیبیین الغربیین لانهم أسیادهم وائمتهم .

{ وَیَسْألُونَکَ عَنْ ذِی القَرْنَیْنِ قُلْ سَأتْلُو عَلَیْکُمْ مِنْهُ ذِکْراً 83 إنَّا مَکَّنَّا لَهُ فِی الأرْضِ وَآتَیْنَاهُ مِنْ کُلِّ شَیْء سَبَباً84 فَأتْبَعَ سَبَباً 85 } _سورة الکهف : سبباً : دلیلا .

عن أبی عبد الله علیه السلام قال سألته عن قول الله :

( یسألونک عن ذی القرنین قل سأتلو علیکم منه ذکرا قال إن ذا القرنین بعثه الله إلی قومه فضربوه علی قرنه الأیمن فأماته الله خمسمائة عام ((2)) ثم

ص: 299

بعثه إلیهم بعد ذلک فضربوه علی قرنه الأیسر فأماته الله خمسمائة عام ثم بعثه إلیهم بعد ذلک فملکه مشارق الأرض ومغاربها من حیث تطلع الشمس إلی حیث تغرب فهو قوله : ( حتی إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فی عین حمأة _ إلی قوله _ عذابا نکرا ) .

قال فی النار فجعل ذو القرنین بینهم بابا من نحاس وحدید وزفت وقطران فحال بینهم وبین الخروج ثم قال أبو عبد الله علیه السلام :

لیس منهم رجل یموت حتی یولد له من صلبه الف ولد ذکر ثم قال هم أکثر خلق خلقوا بعد الملائکة وسئل أمیر المؤمنین علیه السلام عن ذی القرنین نبیا کان أم ملکا ؟ فقال : لا نبی ولا ملک بل إنما هو عبد أحب الله فأحبه ونصح لله فنصح له .

{ حتی إذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِی عَیْن حَمِئَة وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً قُلْنَا یَا ذَا القَرْنَیْنِ إمَّا أنْ تُعَذِّبَ وَإمَّا أنْ تَتَّخِذَ فِیهِمْ حُسْناً } 86 _سورة الکهف

والعبد الصالح کنایة عن ذی القرنین .

روی علی بن إبراهیم رحمه اللَّه فی تفسیره عن أمیر المؤمنین علیه السلام : أنه سئل عن ذی القرنین أنبیا کان أم ملکا ؟

فقال « لا نبیا ولا ملکا عبد أحب اللَّه فأحبه اللَّه ونصح لله فنصح له فبعثه إلی قومه فضربوه إلی قرنه الأیمن فغاب عنهم ما شاء اللَّه أن یغیب ثم بعثه الثانیة

ص: 300

فضربوا قرنه الأیسر فغاب عنهم ما شاء اللَّه أن یغیب ثم بعثه الثالثة فمکن اللَّه له فی الأرض وفیکم مثله یعنی نفسه » ((1)) .

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام حین سأله ابن الکواء : ما ذو القرنین أملکٌ أم نبی ؟

فقال علیه السلام : لیس بملک ولا نبی ولکن کان عبداً صالحاً ضرب علی قرنه الأیمن فی طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب علی قرنه الأیسر فمات فبعثه الله فسمّی ذا القرنین وفیکم مثله » أراد به نفسه . وما ذکره أیضاً صاحب النهایة حیث قال :

ومنه حدیث علی وذکر قصّة ذی القرنین ثم قال : وفیکم مثله ، وإنّما عنی نفسه لأنّه ضرب علی رأسه ضربتین إحداهما یوم الخندق والأُخری ضربة ابن ملجم وذو القرنین هو الإسکندر سُمّی به لأنه ملک الشرق والغرب وقیل : لأنه کان فی رأسه شبه قرنین وقیل : رأی فی النوم أنه أخذ بقرنی

الشمس ((2)) .

ص: 301

الحدیث القدسی : عبدی أطعنی أجعلک مثلی .

ورد فی الحدیث القدسی عن الرب العلی انه یقول : عبدی أطعنی أجعلک مثلی : انا حی لا أموت أجعلک حیا لا تموت ، انا غنی لا افتقر أجعلک غنیا لا تفتقر ، انا مهما أشاء یکون أجعلک مهما تشاء یکون .

قال : ومنه _ أی من الحدیث القدسی _ ان لله عبادا أطاعوه فیما أراد فأطاعهم فیما أرادوا ، یقولون للشئ کن فیکون .

قال : وجاء فی الأحادیث القدسیات ان الله یقول : عبدی خلقت الأشیاء لأجلک وخلقتک لأجلی ، وهبتک الدنیا بالاحسان والآخرة بالایمان ((1)) .

قوله تعالی عز وجل : ( عبدی أطعنی تکون مثلی ( أو مثلی ) أقول للشئ کن فیکون وتقول للشئ کن فیکون ) .

فکان ذو القرنین من هذا النحو حیث اعتقد بالله تعالی

واطاعه فاعطاه تعالی ما أراد .

وسار ذو القرنین إلی ناحیة المغرب فکان إذا مر بقریة زأر فیها کما یزأر الأسد المغضب ، فینبعث فی القریة ظلمات ورعد وبرق وصواعق یهلک من

ناواه وخالفه ، فلم یبلغ مغرب الشمس حتی دان له أهل المشرق والمغرب ، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : وذلک قول الله عز وجل : " إنا مکنا له فی الأرض وآتیناه من کل شئ سببا " أی دلیلا .

ص: 302

فقیل له : إن الله فی أرضه عینا یقال لها عین الحیاة لا یشرب منها ذو روح إلا لم یمت حتی الصیحة ، فدعا ذا القرنین الخضر وکان أفضل أصحابه عنده ودعا ثلاث مائة وستین رجلا ودفع إلی کل واحد منهم سمکة وقال لهم : اذهبوا إلی موضع کذا وکذا فإن هناک ثلاث مائة وستین عینا ، فلیغسل کل واحد منکم سمکته فی عین غیر عین صاحبه فذهبوا یغسلون ، وقعد الخضر یغسل فانسابت السمکة منه فی العین وبقی الخضر

متعجبا مما رأی ، وقال فی نفسه :

ما أقول لذی القرنین ؟

ثم نزع ثیابه یطلب السمکة فشرب من مائها واغتمس فیه ولم یقدر علی السمکة ، فرجعوا إلی ذی القرنین فأمر ذو القرنین بقبض السمک من أصحابه ، فلما انتهوا إلی الخضر لم یجدوا معه شیئا فدعاه وقال له: ما حال السمکة ؟ فأخبره الخبر ، فقال له : فصنعت ماذا ؟

قال : اغتمست فیها فجعلت أغوص وأطلبها فلم أجدها ، قال : فشربت من مائها ؟

قال : نعم ، قال : فطلب ذو القرنین العین فلم یجدها ، فقال للخضر : کنت أنت صاحبها ((1)) .

واعطی تعالی العلم الالهی للخضر فتعجب موسی :

ص: 303

عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سمعته یقول : بینما العالم یمشی مع موسی إذا بغلام یلعب قال : فوکزه العالم فقتله ، فقال له موسی : " أقتلت نفسا زکیة بغیر نفس لقد جئت شیئا نکرا " .

قال : فأدخل العالم یده فاقتلع کتفه فإذا علیه مکتوب : کافر مطبوع ((1)) .

وعن أبی جعفر علیه السلام قال : إن الله تبارک وتعالی لم یبعث الأنبیاء ملوکا فی الأرض إلا أربعة بعد نوح : ذو القرنین واسمه عیاش ، وداود ، وسلیمان ، ویوسف علیهم السلام فأما عیاش فملک ما بین المشرق والمغرب ، وأما داود فملک ما بین الشامات إلی بلاد إصطخر ، وکذلک کان ملک سلیمان ، وأما یوسف فملک مصر وبراریها [ و ] لم یجاوزها إلی غیرها ((2)) .

وتکون هذه القدرة الالهیة مع العبد ما دام مع الله سبحانه فاذا انحرف عن الدین سلبه هذه النعمة مثلما فعل تعالی مع بلعم بن باعورا .

قال مجاهد : ملک الأرض أربعة : مؤمنان ، وکافران . فأما المؤنان فسلیمان وذو القرنین ، وأما الکافران فنمرود وبخت نصّر .

واختلفوا فی سبب تسمیته بذی القرنین ، فقال بعضهم : سُمی بذلک ، لأنه ملک الروم وفارس ((3)) .

ص: 304

وکان الروم وفارس قطبا العالم لمدة طویلة من الزمن فاستولی علیهما ذو القرنین .

{ قَالَ أمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ یُرَدُّ إلَی رَبِّهِ فَیُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُکْراً } 87 _سورة الکهف

{وَأمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَی } 88 .

أما من ظلم أهل البیت والصالحین من العباد فمصیره الی جهنم .

عن عبایة الأسدی قال : کان عبد الله بن العباس جالسا علی شفیر زمزم یحدث الناس ، فلما فرغ من حدیثه ، أتاه رجل فسلم علیه ثم قال : یا عبد الله إنی رجل من أهل الشام ، فقال : أعوان کل ظالم إلا من عصم الله منکم ، سل عما بدا لک ، فقال : یا عبد الله بن عباس إنی جئتک أسألک عمن قتله علی بن أبی طالب من أهل لا إله إلا الله لم یکفروا بصلاة ، ولا بحج ولا بصوم شهر رمضان ، ولا بزکاة ، فقال له عبد الله : ثکلتک أمک ، سل عما یعنیک ودع مالا یعنیک ، فقال :

ما جئتک أضرب إلیک من حمص للحج ولا للعمرة ولکنی أتیتک لتشرح لی أمر علی بن أبی طالب وفعاله ، فقال له : ویلک ان علم العالم صعب لا تحتمله ولا تقربه القلوب الصدئة ، أخبرک ان علی بن أبی طالب کان مثله فی هذه الأمة کمثل موسی والعالم علیهما السلام . وذلک أن الله تبارک وتعالی قال فی کتابه :

(یا موسی إنی اصطفیتک علی الناس برسالاتی وبکلامی فخذ ما أتیتک وکن من الشاکرین وکتبنا له فی الألواح من کل شئ موعظة وتفصیلا لکل شئ )

ص: 305

فکان موسی یری أن جمیع الأشیاء قد أثبتت له ، کما ترون أنتم ان علماؤکم قد أثبتوا جمیع الأشیاء ، فلما انتهی موسی علیه السلام إلی ساحل البحر فلقی العالم ، فاستنطق بموسی لیصل علمه . ولم یحسده کما حسدتم أنتم علی بن أبی طالب وأنکرتم فضلة ، فقال له موسی علیه السلام : هل اتبعک علی أن تعلمنی مما علمت رشدا ، فعلم العالم ان موسی لا یطیق بصحبته ، ولا یصبر علی علمه ، فقال له : انک لن تستطع معی صبرا ، وکیف تصبر علی ما لم تحط به خبرا ؟

فقال له موسی : { قَالَ سَتَجِدُنِی إنْ شَاءَ اللّهُ صَابِراً وَلا أعْصِی لَکَ أمْراً 69}. فعلم العالم ان موسی لا یصبر علی علمه ، فقال :

{ قَالَ فَإنِ اتَّبَعْتَنِی فَلا تَسْألْنِی عَنْ شَیْء حَتَّی اُحْدِثَ لَکَ مِنْهُ ذِکْراً 70} ، قال فرکبا فی السفینة فخرقها العالم وکان خرقها لله عز وجل رضی . وسخط ذلک موسی ولقی الغلام فقتله ، فکان قتله لله عز وجل رضی ، واسخط ذلک موسی وأقام الجدار فکان إقامته لله عز وجل رضی ، واسخط موسی . کذلک کان علی بن أبی طالب علی السلام لم یقتل إلا من کان قتله لله رضی ، ولأهل الجهالة من الناس سخطا اجلس حتی أخبرک ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تزوج زینب بنت جحش ، فأولم وکانت ولیمته الحیس ((1))، وکان یدعو عشرة عشرة ، فکانوا إذا أصابوا طعام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم استأنسوا إلی حدیثه واستغنموا النظر إلی وجهه ، وکان رسول الله

ص: 306

صلی الله علیه و آله و سلم یشتهی أن یخففوا عنه ، فیخلو له المنزل لأنه حدیث عهد بعرس ، وکان یکره أذی المؤمنین له ، فأنزل الله عز وجل فیه ( قرانا أدبا للمؤمنین ) وذلک قوله عز وجل : ( یا أیها الذین آمنوا لا تدخلوا بیوت النبی إلا أن یؤذن لکم إلی طعام غیر ناظرین اناه ، ولکن إذا دعیتم فأدخلوا ، فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسین لحدیث ان ذلکم کان یؤذی النبی فیستحیی منکم ، والله لا یستحیی من الحق ) فلما نزلت هذه الآیة کان الناس إذا أصابوا طعام نبیهم صلی الله علیه و آله و سلم لم یلبثوا أن یخرجوا

قال : فلبث رسول صلی الله علیه و آله و سلم سبعة أیام ، ولیالهن عند زینب بنت جحش ، ثم تحول إلی بیت أم سلمة ابنة أبی أمیة ، وکان لیلتها وصبیحة یومها من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : فلما تعالی النهار إنتهی علی علیه السلام إلی الباب فدقه دقا خفیفا له ، عرف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم دقه وأنکرته أم سلمة ، فقال یا أم سلمة : قومی فافتحی له الباب فقالت : یا رسول الله من هذا الذی یبلغ من خطره ، ان أقوم له فافتح له الباب وقد نزل فینا بالأمس ما قد نزل من قول الله عز وجل : ( وإذا سئلتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ) فمن هذا الذی بلغ من خطره ان استقبله بمحاسنی ومعاصمی ((1))، قال : فقال لها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم کهیئة المغضب :

من یطع الرسول فقد أطاع الله . قومی فافتحی له الباب : فإن بالباب رجلا لیس بالخرق ولا بالنزق ولا بالعجول فی أمره ، یحب الله ورسوله ویحبه الله

ص: 307

ورسوله ولیس بفاتح الباب حتی یتواری عنه الوطئ ، فقامت أم سلمة : وهی لا تدری من الباب غیر أنها قد حفظت النعت والمدح فمشت نحو الباب وهی تقول : بخ بخ لرجل یحب الله ورسوله ویحبه الله ورسوله . ففتحت له الباب ، قال فامسک بعضادتی الباب ولم یزل قایما حتی خفی عنه الوطئ ، ودخلت أم سلمة خدرها ، ففتح الباب ودخل فسلم علی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال رسول الله :

یا أم سلمة تعرفینه ؟ قالت نعم وهنیئا له ، هذا علی بن أبی طالب ، فقال : صدقت یا أم سلمة هذا علی بن أبی طالب ، لحمه من لحمی ، ودمه من دمی ، وهو منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنه لا نبی بعدی ، یا أم سلمة : إسمعی واشهدی ، هذا علی بن أبی طالب أمیر المؤمنین ، وسید المسلمین ، وهو عیبة علمی ، وبابی الذی أوتی منه ، وهو الوصی بعدی علی الأموات من أهل بیتی ، والخلیفة علی الاحیاء من أمتی ، وأخی فی الدنیا والآخرة ، وهو معی فی السنام الاعلی ، اشهدی یا أم سلمة واحفظی : انه یقاتل الناکثین والقاسطین والمارقین . فقال الشامی : فرجت عنی یا عبد الله ، أشهد أن علی ابن أبی طالب مولای ومولی کل مسلم ((1)) .

{ وَأمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَی وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أمْرِنَا یُسْراً 88* } سورة الکهف

ص: 308

قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : الحسنی : ولایة أهل البیت ((1)) .

عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : أتانی جبرئیل عن ربه عز وجل وهو یقول : ربی یقرئک السلام ویقول لک : یا محمد بشر المؤمنین الذین یعملون الصالحات ویؤمنون بک وبأهل بیتک بالجنة ، ولهم عندی جزاء الحسنی یدخلون الجنة ((2)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه آله : أتانی جبرئیل عن ربی تبارک وتعالی وهو یقول : ربی یقرئک السلام ویقول : یا محمد بشر المؤمنین الذین یعملون الصالحات ویؤمنون بک وبأهل بیتک بالجنة فلهم عندی جزاء الحسنی ، و سیدخلون الجنة ((3)) .

نعم سیدخل المؤمنون الجنة تحت رایة أهل البیت .

{ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أمْرِنَا یُسْراً 88 } : أی قولا جمیلا ، وسنأمره بما یتیسر علیه " .

{ ثُمَّ أتْبَعَ سَبَباً } 89_سورة الکهف

ص: 309

ثم أتبع سببا " أی طریقا آخر من الأرض یوصله إلی مطلع الشمس " حتی إذا بلغ مطلع الشمس " أی ابتداء المعمورة من جانب المشرق ((1)) .

{ حَتَّی إذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَی قَوْم لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً90 } : _سورة الکهف

عن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله : " فلما بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع علی قوم لم نجعل لهم من دونها سترا " قال : لم یعلموا صنعة البناء((2)) .

{ کَذَلِکَ وَقَدْ أحَطْنَا بِمَا لَدَیْهِ خُبْراً 91 } : _سورة الکهف

أی : علمنا ما کان عند ذی القرنین من الجیوش ، والعدة ، وآلات السیاسة . وقیل : معناه أحطنا علما بصلاحه واستقلاله بما ملکناه ، قبل أن یفعله ، کما علمناه بعد أن فعله ، ولم یخف علینا حاله .

وفی قوله ( بما لدیه ) :

إشارة إلی حسن الثناء علیه ، والرضا بأفعاله لامتثاله أمر الله تعالی فی کل أحواله ( ثم أتبع سببا ) معناه : ثم اتبع مسلکا بالغا مما یبلغه قطرا من أقطار الأرض . وهذا یقوی قول من قال : إن الأرض کرویة الشکل ، لأنه لم یأخذ فی الطریق الذی کان قد عاد فیه ، وإنما أخذ فی طریق آخر ((3)) .

ص: 310

العیّاشیّ عن أمیر المؤمنین : هم قوم قد أحرقهم الشمس وغیّرت أجسادهم وألوانهم حتّی صیّرتهم کالظلمة . قال فی المجمع : کانوا إذا طلعت الشمس یغورون فی المیاه والأتراب وإذا غربت تصرّفوا فی أمورهم فیکون عند طلوع الشمس یتعذّر علیهم التصرّف فی المعاش وعند غروبها یشغلون بتحصیل مهمّات المعاش حالهم بالضدّ من حال الناس .

{ ثُمَّ أتْبَعَ سَبَباً 92 } _سورة الکهف :

دلیلا.

یعنی : طریقا ثالثا معترضا بین المشرق والمغرب ، آخذا من الجنوب إلی الشّمال .

{حَتَّی إذَا بَلَغَ بَیْنَ السَّدَّیْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا یَکَادُونَ یَفْقَهُونَ قَوْلا 93 قالُوا یَا ذَا القَرْنَیْنِ إنَّ یَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مُفْسِدُونَ فِی الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَکَ خَرْجاً عَلَی أنْ تَجْعَلَ بَیْنَنَا وَبَیْنَهُمْ سَدّاً94 } .

قال ابن عباس : الخرج : الاجر العظیم .

وفی اشتقاق یأجوج ومأجوج وأنّهما من أیّ الطائفة اختلاف قیل : إنّهما اسمان أعجمیّان موضوعان بدلیل منع الصرف .

وقیل : مشتقّان : فیأجوج مشتقّ من تأجّج النار وتلهّبها فلسرعتهم فی الحرکة سمّوا بذلک ومأجوج من موج البحر .

وقیل : من تأجّج الملح لمناسبة الشدّة .

ص: 311

وقیل : من أجّ الظلیم إذا هرول وسمعت حفیفه فی عدوه . وأمّا أنّهم من أیّ الأقوام فقیل : إنّهما قبیلتان من ولد یافث بن نوح . وقیل : یأجوج من الترک ومأجوج من جیل .

وقال الضحّاک : هم جیل من الترک . وقال السدّیّ : الترک سریّة من یأجوج ومأجوج ، خرجت لأمر فضرب ذو القرنین السدّ فبقیت خارجة عن السدّ فجمیع الترک منهم .

وعن قتادة : أنّ یأجوج ومأجوج اثنتان وعشرون قبیلة سدّ ذو القرنین علی إحدی وعشرین قبیلة منهم وبقیت واحدة فسمّوا الترک لأنّهم ترکوا خارجین .

قال أهل التاریخ : أولاد نوح ثلاثة : سام وحام ویافث فسام أبو العرب والعجم والروم ، وحام أبو الحبشة والزنج والنوبة ، ویافث أبو الترک والخزر والصقالبة ویأجوج ومأجوج .

والحاصل ( [ قالُوا ] ) بواسطة مترجمهم علی قول ، أو بالذات علی قول ، فکان فهم ذو القرنین کلامهم من الأسباب الَّتی آتاه اللَّه ( [ یا ذَا الْقَرْنَیْنِ إِنَّ یَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ] ) خلف هذین الجبلین یفسدون أرضنا لأنّهم إذا کان أبان زرعنا وثمارنا خرجوا علینا من هذین الجبلین ویأکلون زروعنا حتّی لا یبقون منها شیئا .

وقیل فی کیفیّة إفسادهم لهؤلاء الساکنین فی موضع السدّین : إنّ یأجوج ومأجوج یقتلونهم ویأکلون لحومهم فضلا عن زروعهم ، وهم أقسام .

ص: 312

ثمّ من الناس من وصفوهم بقصر القامة وصغر الجثّة لکن لکثرتهم لا یتمکّنون هؤلاء منهم ((1)) .

مغنیة : « یأجوج هم التتر ، ومأجوج المغول ، وأصلهما من أب واحد یسمی ( ترک ) وتمتد بلادهم من التبت والصین إلی البحر المتجمد ، ومنهم جنکیزخان وهلاکو » . ثم نقل المراغی عن مجلة المقتطف لسنة 1888 ان سد ذی القرنین یقع وراء جیحون فی عمالة بلخ ، واسمه الآن باب الحدید ، وهو بمقربة من مدینة ترمذ ، وان العالم الألمانی « سیلد برجر » ذکره فی رحلته التی کانت فی أوائل القرن الخامس عشر ، وأیضا ذکره المؤرخ الاسبانی « کلافیجو » فی رحلته سنة 1403 .

ومهما یکن فقد طلب القوم من ذی القرنین أن یبنی لهم سدا یمنع عنهم یأجوج ومأجوج ، فقد کانوا یغزون أرضهم ، ویسومونهم سوء العذاب قتلا وسبیا ونهبا ، واشترطوا علی أنفسهم ان یجعلوا لذی القرنین جعلا فی أموالهم إذا هو بنی السد ( قالَ ما مَکَّنِّی فِیهِ رَبِّی ) وأعطانی من السلطان والمال ( خیر ) مما آتاکم اللَّه ، فأنتم إلی مالکم أحوج ((2)) .

ص: 313

الکافی : عن ابن عباس قال : سئل أمیر المؤمنین علیه السلام عن الخلق فقال : خلق الله ألفا ومائتین فی البر وألفا ومائتین فی البحر وأجناس بنی آدم سبعون جنسا والناس ولد آدم ما خلا یأجوج ومأجوج ((1)) .

والروایات تذکر یاجوج وماجوج مع مطلع الشمس مما یعنی انها الصین وسور الصین الذی یبلغ طوله نحو 1250 میلا وسمکه من الأسفل نحو خمسة وعشرین قدما ومن أعلاه نحو خمسة عشر قدما وارتفاعه ما بین خمسة عشر إلی عشرین قدما ، وفی أماکن منه حصون یبلغ ارتفاع بعضها إلی أربعین قدما . وهذا السور لم یبنه إسکندر وإنما الذی بناه الإسکندر هو سد دربند . وکلام هذا المفسر یفید أن ذا القرنین هو الإسکندر المکدونی

المشهور . وقد حاول المفسر أن یوفق بین ما هو معروف من عقیدة الإسکندر المکدونی الوثنیة وبین مقتضی الآیات القرآنیة وقال إنه لا یقتضی من عقیدة الیونان الوثنیة أن یکون هو وثنیا وأن أساتذته أرسطاطالیس وفیثاغوروس إلهیون . ولا تبلغ محاولته حد الإقناع ، وظاهر من کلامه أنه بنی السد لمنع زحف قبائل ماقوق وآقوق . . .

وهناک عالمان هندیان مسلمان مشهوران عصریان وهما شبلی النعمانی وأبو الکلام آزاد بحثا فی موضوع ما جاء فی الفصل القرآنی بحثا یتسم بسمة العلم والتروی ویستند إلی مصادر عدیدة ووثائق أثریة هامة . وقد أدی البحث عند الأول إلی ترجیح کون ذی القرنین هو دارا الکبیر ملک

ص: 314

الفرس فی القرن الخامس قبل المیلاد ، وأن الیأجوج والمأجوج من قبائل الاسکیت التتریة التی کانت تقیم فی الشرق من جبال القوقاز ، وأن السد الذی بناه هو السد المعروف بسد دربند القریب من مدینة دربند الواقعة غربی بحر الخزر . وأدی البحث عند الثانی إلی ترجیح کون ذی القرنین هو الملک کورش ملک الفرس فی القرن السادس قبل المیلاد والذی حکم قبل دارا الکبیر والذی قوّض مملکة بابل الکلدانیة وأذن للیهود المسبیین فی مملکة بابل بالعودة إلی فلسطین وتجدید أورشلیم ( بیت المقدس ) ومعبدها سنة ‹ 538 ق . م ) . وأن السدّ هو غیر سدّ دربند ، وإنما هو بین طرفی جبل من جبال القوقاز بین مدینتی ویلادی کیوکز وتفلیس ، ویعرف باسم مضیق کورش فیما یعرف به من أسماء . وأنه لا یزال موجودا وهو خلیط بالحدید والنحاس . وأن یأجوج ومأجوج هم قبائل منغولیة کانت تعیث فسادا فی البلاد فأنشأ کورش السدّ لمنعهم .

وحاول کل من العالمین إثبات أن کلا من رجلیهما أنه ذو القرنین بما کان من کثرة فتوحاته وسعة سلطانه وإثبات أن الزرادشتیة التی کان یدین بها کل من الملکین تقول بوحدة اللَّه وتأمر بالخیر وتدین بالآخرة ((1)) .

وقام صاحب المیزان بإحصاء الصور المحتملة لسرد القصة بناء علی المعانی المتعددة والوجوه المختلفة للمفسرین فوجدها تبلغ أکثر من ملیون صورة محتملة ، واستنتج من ذلک أن أی کتاب مهما بلغ من العلم لن یتمکن من

ص: 315

صیاغة قصة غامضة علی هذا النحو لتعطی هذا العدد من الصور ، مما یدل علی سماویة القرآن ! ! . ولا نرید مناقشة هذا الاستنتاج بالمقارنة مع وصف القرآن لنفسه بأنه ( مبین ) . لقد استخدمت فی القصة لغة قرآنیة بخلاف القصص القرآنی وورود ذکر اسم أقوام مجهولین عندنا هم ( یأجوج ومأجوج ) ، إذ لا یوجد علی الأرض قوم آذانهم طویلة تستخدم عندهم فرشاً وغطاءً وبمقدورهم شرب ماء بحیرة طبریة عن آخره ، کما ورد فی الحدیث ، کما لا یوجد قوم علی الأرض لا ستر لهم من الشمس ولا یوجد سور فی الأرض یشبه سد ذی القرنین _ مما یدل علی أن أی تفسیر یحاول فک رموزها علی نطاق الأرض سیکون فاشلاً .

وقال الإمام علی علیه السلام [ کل البشر ولد آدم _ إلا یأجوج ومأجوج _ إذ تکفی هذه العبارات بمفردها علی التیقن من أن الرحلة کانت لخلق لیسوا من ولد آدم وبالتالی فإنها لیست رحلة أرضیة .

إن الحدیث یعنی انهم مجبولون من الطین ولکنهم لم یصلوا بعد إلی مرحلة الآدمیة وبإمکاننا أن نفترض أنهم إذا کانوا فی أرض أخری فی کوکب آخر فأن لهم طباع مختلفة وعلاقة بالجاذبیة والمجالات المغناطیسیة وأوزان مختلفة عنا تماماً . وبالتالی فإن لهم قدرات جسمانیة تناسب کوکبهم تعتبر شدیدة الوطأة بالنسبة لنا لکننا نتفوق علیهم بالقدرات العقلیة وباجتیاز مراحل من الآدمیة .

ما هی الدلائل علی أن هؤلاء فی کوکب آخر وإن رحلة ذی القرنین کانت فی الفضاء ؟ إن الدلائل کثیرة جداً ومن أهمها الأسلوب القرآنی نفسه

:

ص: 316

فلم یذکر القرآن سفراً أو رحلة بمثل هذه العبارة : [ ثم أتبع سبباً ] . . فهذه العبارة بمفردها تدل علی السفر فی الفضاء ، ذلک لأنها فی القرآن لم تستخدم إلا فی هذا المعنی فقط :

المورد الأول : [ وَقَالَ فِرْعَوْنُ یَا هَامَانُ ابْنِ لِی صَرْحًا لَعَلِّی أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ . أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَی إِلَهِ مُوسَی وَإِنِّی لَأَظُنُّهُ کَاذِبًا وَکَذَلِکَ زُیِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِیلِ وَمَا کَیْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِی تَبَابٍ ] ( غافر : 36 / 37 ) .

المورد الثانی : [ مَنْ کَانَ یَظُنُّ أَنْ لَنْ یَنْصُرَهُ اللَّهُ فِی الدُّنْیَا وَالْآَخِرَةِ فَلْیَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَی السَّمَاءِ ثُمَّ لِیَقْطَعْ فَلْیَنْظُرْ هَلْ یُذْهِبَنَّ کَیْدُهُ مَا یَغِیظُ ] ( الحج : 15 ) ((1)) .

وقال نجاح الطائی: جاء الرأی الاول : السد هو سور الصین العظیم الذی بناه ذو القرنین من بدایة العالم بشروق الشمس علیه قرب بکین ویمتد الی الغرب فی وسط الصین فی مدینة قانسو . وهو الحاجز بین أهل المدنیة فی الصین وأهل الوبر والوحشیة فی منغولیا المغول .وهو من عجائب الدنیا السبع .

وقد عبره جنکیزخان قائد المغول فخرب عالم المدنیة فی بکین وخرب اولاده عالم الحضارة فی بغداد وروما وموسکو وباقی الحواضر المدنیة .

ص: 317

فکان هذا السور هو الحاجز بینهم وبین العالم ففتحوه . والاشکال یأتی من روایة الکافی بأنهم لیسوا اولادا لادم فکیف یکون الصینیون وعموم المغول والترک هکذا ..

الرأی الثانی : بانها رحلة فضائیة من کوکب آخر جاءوا الی الارض وهم طوال مثل النخلة کما جاء فی الروایة .

ولم یذکر القرآن شیئا عن طولهم وانهم لیسوا ولدا لادم .

الرأی الثانی بعید عن المنهج القرآنی وعن الروایات الاخری الواردة الینا من قبل الائمة الکرام فنحن لسنا معه .

وقال نجاح الطائی : لقد وقفت عدة وقفات علی سور الصین فی زیارات متعددة لهذا البلد من اوله قرب المحیط الهادیء وهو ما یقال عنه مشرق الشمس الی آخره فی غرب الصین متدبرا فی الموضوع .

والکلمتان : یاجوج وماجوج تعنی باللغة الصینیة القدیمة الصین والعالم .وبین الامام علی علیه السلام وحشیة المغول (الترک) :

قال الامام علی علیه السلام : والویل والعویل لأهل الزوراء من سطوات الترک ، وما هم الترک ؟ قوم صغار الحدق ، وجوههم کالمجان المطرّقة ، لباسهم الحدید ، جردٌ مردٌ ، یقدمهم ملک یأتی من حیث بدا ، ملکهم جهوری الصوت ، قویّ الصولة ، عالی الهمّة ، لا یمرّ بمدینة إلاّ فتحها ، ولا ترفع له رایة إلاّ نکسها ، الویل الویل لمن ناواه ! فلا یزال کذلک حتّی یظفر ((1)).

ص: 318

ولا یوجد سد فی العالم اعظم من سد الصین .

{ قَالَ مَا مَکَّنَنِی فِیهِ رَبِّی خَیْرٌ فَأعِینُونِی بِقُوَّة أجْعَلْ بَیْنَکُمْ وَبَیْنَهُمْ رَدْماً 95 آتُونِی زُبَرَ الحَدِیدِ حَتَّی إذَا سَاوَی بَیْنَ الصَّدَفَیْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّی إذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِی اُفْرِغْ عَلَیْهِ قِطْراً96 فَمَا اسْتَطَاعُوا أنْ یَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً97_سورة الکهف

قالوا : ومن أین لنا من الحدید والنحاس ما یسع هذا العمل الذی ترید أن تعمل قال : إنی سأدلکم علی معدن الحدید والنحاس ، فضرب لهم فی جبلین حتی فتقهما فاستخرج لهم منهما معدنین من الحدید و النحاس ،قالوا : فبأی قوة نقطع الحدید والنحاس ؟

فاستخرج لهم معدنا آخر من تحت الأرض یقال لها : السامور ((1)) وهو أشد بیاضا من الثلج ولیس شئ منه یوضع علی شئ إلا ذاب تحته فصنع لهم منه أداة یعملون بها _ وبه قطع سلیمان بن داود علیه السلام أساطین بیت المقدس وصخوره جاءت بها الشیاطین من تلک المعادن _ فجمعوا من ذلک ما اکتفوا به فأوقدوا علی الحدید حتی صنعوا منه زبرا مثال الصخور ، فجعل حجارته من حدید ، ثم أذاب النحاس فجعله کالطین لتلک الحجارة ، ثم بنی وقاس ما بین الصدفین وجده ثلاثة أمیال فحفر له أساسا حتی کاد أن یبلغ الماء وجعل عرضه میلا وجعل حشوه زبر الحدید ، وأذاب النحاس فجعله خلال الحدید فجعل طبقة من نحاس وأخری من حدید حتی ساوی

ص: 319

الردم بطول الصدفین ، فصار کأنه برد حبرة من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحدید ، فیأجوج ومأجوج ینتابونه فی کل سنة مرة ، وذلک أنهم یسیحون فی بلادهم حتی إذا وقعوا إلی ذلک الردم حبسهم ، فرجعوا یسیحون فی بلادهم ، فلا یزالون کذلک حتی تقرب الساعة وتجیئ أشراطها فإذا جاء أشراطها وهو قیام القائم علیه السلام فتحه الله عز وجل لهم ، وذلک قوله عز وجل " حتی إذا فتحت یأجوج ومأجوج وهم من کل حدب

ینسلون " ((1)) .

وعن المفضل قال : سألت الصادق علیه السلام عن قوله : ( اجعل بینکم وبینهم ردما ) قال التقیة ( فما اسطاعوا أن یظهروه وما استطاعوا له نقبا ) قال إذا عملت بالتقیة لم یقدروا لک علی حیلة ، وهو الحصن الحصین ، وصار بینک وبین أعداء الله سدا لا یستطیعون له نقبا .

فأمرهم أن یأتوه بالحدید فأتوا به فوضعه بین الصدفین یعنی بین الجبلین حتی سوی بینهما ، ثم أمرهم أن یأتوا بالنار فأتوا بها فنفخوا تحت الحدید حتی صار مثل النار ، ثم صب علیه القطر وهو الصفر حتی سده وهو قوله : " حتی إذا ساوی بین الصدفین قال انفخوا حتی إذا جعله نارا " إلی قوله : " نقبا " فقال ذو القرنین :

" هذا رحمة من ربی فإذا جاء وعد ربی جعله دکاء و کان وعد ربی حقا " قال : إذا کان قبل یوم القیامة فی آخر الزمان انهدم ذلک السد وخرج

ص: 320

یأجوج و مأجوج إلی الدنیا وأکلوا الناس وهو قوله : " حتی إذا فتحت یأجوج ومأجوج وهم من کل حدب ینسلون ((1)) .

وقال نجاح الطائی :

خلاصة قصة ذی القرنین انه عبد صالح أخلص للرحمن سبحانه فاعطاه الله تعالی امبراطوریة کبیرة وملکا کبیرا .

وطبقا للحدیث القدسی والحدیث النبوی: یا عبدی أطعنی تکن مثلی تقل للشیء کن فیکون .

والحدیث النبوی : ان للَّه عبادا إذا أرادوا أراد .

{ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّی فَإذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّی جَعَلَهُ دَکَّاءَ وَکَانَ وَعْدُ رَبِّی حَقّاً 98 } _سورة الکهف

وعد خروج المهدی علیه السلام لانقاذ العالم من الکفر والظلم والاستبداد الذی سیمثله یاجوج وماجوج .

القمی : إذا کان قبل یوم القیامة فی آخر الزمان ، انهدم ذلک السد وخرج یأجوج ومأجوج إلی الدنیا ، وأکلوا الناس . وهو قوله تعالی : " حتی إذا فتحت یأجوج ومأجوج وهم من کل حدب ینسلون " 1 .

وورد : ( هم أکثر خلق خلقوا بعد الملائکة ، ولیس منهم رجل یموت حتی یولد له من صلبه ألف ولد ذکر ) ((2)) .

ص: 321

محمد بن الحسن الصفار فی ( بصائر الدرجات ) : عن محمد بن الحسین ، عن صفوان بن یحیی ، عن أبی خالد ، عن حمران ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما موضع العلماء منکم ؟

قال : « مثل ذی القرنین ، وصاحب سلیمان ، وصاحب موسی علیه السلام » ((1)).

وعن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام قال : « إن علیا علیه السلام کان محدثا » قلت : فیکون نبیا ؟

قال : فحرک یده هکذا ، ثم قال : « أو کصاحب سلیمان ، أو کصاحب موسی ، أو کذی القرنین ، أو ما بلغکم أنه قال : وفیکم مثله ؟ ((2)) .

وعنه : عن محمد بن الحسین ، عن صفوان ، عن الحارث ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : ألست حدثتنی أن علیا علیه السلام کان محدثا ؟ قال : « بلی » . قلت : من یحدثه ؟

قال : « ملک یحدثه » قلت : فأقول : إنه نبی ، أو رسول ؟ قال : « لا ، بل مثله مثل صاحب سلیمان ، ومثل صاحب موسی ( علیهما السلام ) ، ومثل ذی القرنین ، أو ما بلغکم أن علیا علیه السلام سئل عن ذی القرنین ، فقیل : کان نبیا ؟

ص: 322

قال : لا ، بل کان عبدا أحب الله فأحبه ، ونصح لله فنصحه ، وهذا فیکم مثله » ((1)) .

الفتوحات المکیة:

أنه سئل أبو یزید من طیّ الأرض فقال لیس بشیء فإنّ إبلیس یقطع من المشرق إلی المغرب فی اللحظة الواحدة ، وما هو عند اللَّه بمکان .

وسئل عن اختراق الهواء فقال : إن الطیر یخترق الهواء والمؤمن عند اللَّه أفضل من الطیر ، فکیف یحسب کرامة من شارکه فیها طائر ، وهکذا فی غیره ((1)) .

وعنه ، قال : حدثنی أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، عن سیف بن عمیرة ، عن داود بن فرقد ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن رجلا منا صلی العتمة بالمدینة ، وأتی قوم موسی فی شیء شجر بینهم ، وعاد من لیلته ، وصلی الغداة بالمدینة » .

وعنه : عن محمد بن الحسین ، عن موسی بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمر بن أبان الکلبی ، عن أبان بن تغلب ، قال : کنت عند أبی عبد الله علیه السلام حیث دخل علیه رجل من علماء أهل الیمن ، فقال : أبو عبد الله علیه السلام : « یا یمانی ، أفیکم علماء ؟ » . قال : نعم قال : « فأی شیء یبلغ من علم علمائکم ؟ » قال : إنه لیسیر فی لیلة واحدة مسیر شهرین ، یزجر الطیر ، ویقفو الآثار .

ص: 324

فقال له : « فعالم المدینة أعلم من عالمکم » ، قال : فأی شیء یبلغ من علم عالم المدینة ؟ قال : « إنه یسیر فی صباح واحد مسیرة سنة ، کالشمس إذا أمرت ، إنها الیوم غیر مأمورة ، ولکن إذا أمرت أن تقطع اثنتی عشرة شمسا ، واثنی عشر قمرا ، واثنی عشر مشرقا ، واثنی عشر مغربا ، واثنی عشر برا ، واثنی عشر بحرا ، واثنی عشر عالما » قال : فما دری الیمانی ما یقول ((1)) .

وعنه : عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن أبی أیوب ، عن أبان ابن تغلب ، قال : کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فدخل علیه رجل من أهل الیمن ، فقال له : یا أخا الیمن ، عندکم علماء ؟ .

قال : نعم . قال : « فما بلغ من علم عالمکم ؟ » قال : یسیر فی لیلة واحدة مسیرة شهرین ، یزجر الطیر ، ویقفو الأثر .

فقال أبو عبد الله علیه السلام : « عالم المدینة أعلم من عالمکم » قال : فما بلغ من علم عالم المدینة ؟ قال : « یسیر فی ساعة من النهار مسیرة الشمس سنة ، حتی یقطع ألف عالم مثل عالمکم هذا ، ما یعلمون أن الله خلق آدم ولا إبلیس » قال : یعرفونکم ؟ قال : « نعم ، ما افترض الله علیهم إلا ولایتنا ، والبراءة من أعدائنا » ((2)) .

ص: 325

وعنه : عن أحمد بن الحسین ، قال : حدثنی الحسن بن برة ، والحسین بن براء ، عن علی بن حسان ، عن عمه عبد الرحمن بن کثیر قال : کنت عند أبی عبد الله علیه السلام إذ دخل علیه رجل من أهل الیمن ، فسلم علیه ، فرد علیه السلام ، ثم قال له : « هل عندکم علماء ؟ » قال : نعم ، قال : « فما بلغ من علم عالمکم ؟ » قال : یزجر الطیر ، ویقفو الأثر ، ویسیر فی ساعة واحدة مسیرة شهر للراکب .

فقال له : [ أبو عبد الله علیه السلام : « إن عالم المدینة أعلم من عالمکم » . قال : وما بلغ من علم عالم المدینة ؟

قال ] : « إن عالم المدینة ینتهی إلی أن لا یقفو الأثر ، ولا یزجر الطیر ، یسیر فی اللحظة الواحدة مسیرة سنة ، کالشمس تقطع اثنی عشر برجا ، واثنی عشر برا ، واثنی عشر بحرا ، واثنی عشر عالما » . فقال له الیمانی : جعلت فداک ، ما ظننت أن یعلم هذا أحد ویقدر علیه ((1)) .

وعنه : عن محمد بن حسان ، عن علی بن خالد _ وکان زیدیا _ قال : کنت فی العسکر ، فبلغنی أن هناک رجلا محبوسا ، أتی به من ناحیة الشام مکبلا ، وقالوا : إنه تنبأ قال علی : فداریت البوابین والحجة ، حتی وصلت إلیه ، فإذا هو رجل له فهم ، فقلت له : یا هذا ما قصتک ، وما أمرک ؟

فقال : کنت بالشام ، أعبد الله عند قبر رأس الحسین بن علی ( صلوات الله علیهما ) فبینا أنا فی عبادتی ، إذ أتانی شخص ، فقال لی : قم بنا فقمت معه

ص: 326

، فاذ أنا معه فی مسجد الکوفة ، فقال لی : تعرف هذا المسجد ؟ قلت : نعم ، هذا مسجد الکوفة .

قال : فصلی وصلیت معه ، فبینا أنا معه إذ أنا فی مسجد الرسول ( صلی الله علیه و آله و سلم ) بالمدینة ، فسلم علی رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) وسلمت وصلی وصلیت ، فصلی علی رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) ، ودعا له ، فبینا أنا معه إذ أنا بمکة فلم أزل معه حتی قضی مناسکه ، وقضیت مناسکی معه ، قال : فبینا أنا معه إذ أنا بموضعی الذی کنت أعبد الله فیه بالشام ، ومضی ، فلما کان عام قابل فی أیام الموسم ، إذا أنا به ، ففعل بی مثل فعله ، الأول ، فلما فرغنا من مناسکنا ، وردنی إلی الشام ، وهم بمفارقتی ، قلت له : سألتک بحق الذی أقدرک علی ما رأیت ، إلا أخبرتنی من أنت ؟

فأطرق ملیا ، فقال : أنا محمد بن علی بن موسی علیه السلام ((1))، فتراقی الخبر إلی محمد بن عبد الملک الزیات ، فبعث إلی ، وأخذنی وکبلنی ، بالحدید ، وحملنی إلی العراق ، وحبسنی کما تری ، قال : قلت له : أرفع قصتکم إلی محمد بن عبد الملک ؟

فقال : ومن لی یأتیه بالقصة ؟

قال : فأتیته بقرطاس ودوات ، فکتب قصته إلی محمد بن عبد الملک ، فذکر فی قصته ما کان ، قال : فوقع فی القصة : قل للذی أخرجک فی لیلة

ص: 327

من الشام إلی الکوفة ، ومن الکوفة إلی المدینة ، ومن المدینة إلی مکة ، وردک من مکة إلی المکان الذی أخرجک منه أن یخرجک من حبسک .

قال علی : فغمنی أمره ، ورققت له ، فأمرته بالعزاء والصبر ، قال : ثم بکرت علیه یوما ، فإذا الجند ، وصاحب الحرس ، وصاحب السجن ، وخلق عظیم یتفحصون حاله ، فقلت : ما هذا الأمر ؟

قالوا : المحمول من الشام الذی تنبأ ، افتقد البارحة ، لا ندری خسفت به الأرض ، أو اختطفه الطیر فی الهواء .

وقال علی بن خالد : هذا زیدی فقال بالإمامة بعد ذلک ، وحسن اعتقاده .

وروی هذا الحدیث محمد بن یعقوب : عن أحمد بن إدریس ، عن محمد بن حسان ، عن علی بن خالد ، قال محمد

_ وکان زیدیا _ قال : کنت بالعسکر ، فبلغنی أن هناک رجلا محبوسا ، أتی به من ناحیة الشام ، وذکر الحدیث بعینه ((1)) .

و قال المجلسی : روی متواترا أنهم علیهم السلام کان لهم طی الأرض وکانوا یذهبون إلی ما أرادوه ((2)) .

ص: 328

وقال الراوندی : وقد کان لجماعة کثیرة مثل ذلک من طی الأرض لهم مع زین العابدین ، والصادق والکاظم ، والتقی ، وآبائهم وأبنائهم علیهم السلام ((1)) .

الشیخ المفید فی ( الاختصاص ) : عن محمد بن عبد الله الرازی الجامورانی ، عن إسماعیل بن موسی ، عن أبیه ، عن جده ، عن عبد الصمد بن علی : قال : دخل رجل علی علی بن الحسین ( علیهما السلام ) ، فقال له علی بن الحسین ( علیهما السلام ) : « من أنت ؟ »

قال : أنا رجل منجم قائف عراف .

قال : فنظر إلیه ، ثم قا علیه السلام : « هل أدلک علی رجل قد مر منذ دخلت علینا فی أربعة عشر عالما ، کل عالم أکبر من الدنیا ثلاث مرات ، لم یتحرک من مکانه ؟ » .

قال : من هو ؟

قال علیه السلام : « أنا وإن شئت أنبأتک عما أکلت ، وما ادخرت فی بیتک » ((2)) .

وقد تقدم حدیث جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، والحدیث طویل ، وأنه دخل معه فی الظلمة التی فیها عین الحیاة التی سلکها ذو القرنین ، وقد وردا خمسة عوالم ، تقدم فی قوله تعالی : وکَذلِکَ نُرِی إِبْراهِیمَ مَلَکُوتَ

ص: 329

السَّماواتِ والأَرْضِ ولِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ والروایات فی ذلک کثیرة ، اقتصرنا علی ذلک مخافة الإطالة ((1)) .

وقال علی بن إبراهیم : فلما أخبر رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) قریشا بخبر أصحاب الکهف ، وخبر الخضر وموسی وخبر ذی القرنین علیهم السلام ، قالوا : قد بقیت مسألة واحدة ؟

فقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) : « ما هی ؟ »

قالوا : متی تقوم الساعة ؟

فأنزل الله تبارک وتعالی یَسْئَلُونَکَ عَنِ السَّاعَةِ أَیَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی ) الآیة ، فهذا کان سبب نزول سورة الکهف ، وهذه الآیة : یَسْئَلُونَکَ عَنِ السَّاعَةِ أَیَّانَ مُرْساها فی سورة الأعراف ، وکان الواجب أن تکون فی هذه السورة ((2)) .

{وتَرَکْنَا بَعْضَهُمْ یَوْمَئِذ یَمُوجُ فِی بَعْض وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً99_سورة الکهف

قال علی بن إبراهیم : قوله: ( وتَرَکْنا بَعْضَهُمْ یَوْمَئِذٍ یَمُوجُ فِی بَعْضٍ ) أی یختلطون ( ونُفِخَ فِی الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً ) .

ص: 330

العیاشی : عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمیر المؤمنین علیه السلام ، قال : ( وتَرَکْنا بَعْضَهُمْ یَوْمَئِذٍ یَمُوجُ فِی بَعْضٍ ) « یعنی یوم القیامة » .

قوله تعالی :

( الَّذِینَ کانَتْ أَعْیُنُهُمْ فِی غِطاءٍ عَنْ ذِکْرِی وکانُوا لا یَسْتَطِیعُونَ سَمْعاً ) _ إلی قوله تعالی _ ( إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْکافِرِینَ نُزُلًا )

[ 101 _ 102 ].

وعن ابن نباتة ، عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : ( وترکنا بعضهم یومئذ یموج فی بعض ) ، قال : یوم القیامة ((1)) .

( حتی إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع علی قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ) قال لم یعلموا صنعة الثیاب ( ثم اتبع سببا ) ای دلیلا ( حتی إذا بلغ بین السدین وجد من دونهما قوما لا یکادون یفقهون قولا _ إلی قوله _

آتونی زبر الحدید ) فأمرهم ان یأتوه بالحدید فأتوا به فوضعه بین الصدفین یعنی بنی الجبلین حتی سوی بینهما ثم أمرهم ان یأتوا بالنار فأتوا بها فنفخوا فأشعلوا تحت الحدید حتی صار الحدید مثل النار ثم صب علیه القطر وهو الصفر حتی سده وهو قوله : { حتی إذا ساوی بین الصدفین قال انفخوا _ إلی قوله _ نقبا } فقال ذو القرنین :

( هذا رحمة من ربی فإذا جاء وعد ربی جعله دکاء وکان وعد ربی

حقا ) قال إذا کان قبل یوم القیامة فی آخر الزمان انهدم ذلک السد وخرج یأجوج ومأجوج إلی الدنیا واکلوا الناس وهو قوله :

ص: 331

{ حتی إذا فتحت یأجوج ومأجوج وهم من کل حدب ینسلون } قال فسار ذو القرنین إلی ناحیة المغرب فکان إذا مر بقریة زأر فیها کما یزأر الأسد المغضب , فینبعث فی القریة ظلمات ورعد وبرق وصواعق تهلک من ناواه وخالفه , فلم یبلغ مغرب الشمس حتی دان له أهل المشرق والمغرب , فقال أمیر المؤمنین علیه السلام وذلک قوله عز وجل : ( إنا مکنا له فی الأرض وآتیناه من کل شئ سببا ) ای دلیلا , فقیل له ان لله فی ارضه عینا یقال لها عین الحیاة لا یشرب منها ذو روح إلا لم یمت حتی الصیحة , فدعا ذو القرنین الخضر وکان أفضل أصحابه عنده ودعا بثلاثمائة وثلاثین ( وستین الناشر : ) رجلا ودفع إلی کل واحد منهم سمکة وقال لهم اذهبوا إلی موضع کذا وکذا فان هناک ثلاثمائة وثلاثین عینا فلیغسل کل واحد منکم سمکته فی عین غیر عین صاحبه , فذهبوا یغسلون وقعد الخضر یغسل فانسابت السمکة منه فی العین وبقی الخضر متعجبا مما رأی وقال فی نفسه ما أقول لذی القرنین ثم نزع ثیابه یطلب السمکة فشرب من مائها ولم یقدر علی السمکة فرجعوا إلی ذی القرنین فأمر ذو القرنین بقبض السمک من أصحابه فلما انتهوا إلی الخضر لم یجدوا معه شیئا , فدعاه وقال له : ما حال السمکة ؟ فأخبره الخبر فقال له : فصنعت ماذا ؟ قال : اغتمست فیها فجعلت أغوص وأطلبها فلم أجدها , قال : فشربت من مائها ؟

ص: 332

قال : نعم , قال : فطلب ذو القرنین العین فلم یجدها فقال للخضر : کنت أنت صاحبها ((1)) .

{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ یَوْمَئِذ لِلْکَافِرِینَ عَرْضاً } 100_سورة الکهف

أی أظهرناها حتی رآها الکفار ،جاء فی النص : عرضت الشئ أی أظهرته ، والمصدر بفتح الفاء وسکون العین بمعنی الإظهار .

قال تعالی: ( وقل اعملوا فسیری الله عملکم ورسوله والمؤمنون ) ، وظاهر الآیة الکریمة أن الله تعالی ورسوله والمؤمنین یرون الأعمال کلها ، والفرق أن الله تعالی یراها بذاته المقدسة ، والرسول والمؤمنون یرونها بإراءة الله لهم.

{الَّذِینَ کَانَتْ أعْیُنُهُمْ فِی غِطَاء عَنْ ذِکْرِی وَکَانُوا لا یَسْتَطِیعُونَ سَمْعاً} 101_سورة الکهف

کان المنافقون لا یستطیعون سماع اسمه .

وقال الصادق علیه السلام : الذکر : ولایة علی ((2)) .

ص: 333

وسأل المأمون علیاً الرضا علیه السلام عن قول الله عز وجل (الَّذِینَ کَانَتْ أعْیُنُهُمْ فِی غِطَاء عَنْ ذِکْرِی وَکَانُوا لا یَسْتَطِیعُونَ سَمْعاً) .

فقال علیه السلام : إنَّ غطاء العین لا یمنع من الذکر , والذکر لا یُری بالعین ولکن الله عز وجل شبَّه الکافرین بولایة علی بن أبی طالب بالعُمیان لأنهم کانوا یستثقلون قول النبی فیه فلا یستطیعون سمعاً . فقال المأمون : فرَّجت عنی فرَّج الله عنک ((1)) .

وعن النبی صلی الله علیه و آله و سلم انه قال : " ثلاث خصال من علامات المنافق : إذا حدث کذب ، وإذا إئتمن خان ، وإذا وعد أخلف ((2)) .

محمد بن مسعود العیاشی فی تفسیره : عن العباس بن هلال ، عن أبی الحسن الرضا ( علیه السلام ) ، أنه ذکر رجلا کذابا ، ثم قال : " قال الله تعالی:

( إنما یفتری الکذب الذین لا یؤمنون ) " ((3)) .

ص: 334

الشهید فی الدرة الباهرة : عن أبی محمد العسکری ( علیه السلام ) قال : " حطت الخبائث فی بیت ، وجعل مفتاحه الکذب " ((1)) .

{ أفَحَسِبَ الَّذِینَ کَفَرُوا أنْ یَتَّخِذُوا عِبَادِی مِنْ دُونِی أوْلِیَاءَ إنَّا أعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْکَافِرِینَ نُزُلا } 102 _سورة الکهف

قال : یعنیهما وأشیاعهما الذین اتخذوهما من دون الله أولیاء وکانوا یرون أنهم بحبهم إیاهما أنهما ینجیانهم من عذاب الله وکانوا بحبهما کافرین ، قلت قوله : ( إنا اعتدنا جهنم للکافرین نزلا ) أی منزلا فهی لهما و لأشیاعهما عتیدة عند الله ، قلت : قوله : ( نزلا ) قال : مأوی ومنزلا ((2)) .

{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالأخْسَرِینَ أعْمَالا 103 الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الحَیَاةِ الدُّنْیَا وَهُمْ یَحْسَبُونَ أنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً 104 اُولَئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أعْمَالُهُمْ فَلا نُقِیمُ لَهُمْ یَوْمَ القِیَامَةِ وَزْناً } 105 _سورة الکهف

الآیات : الأوصیاء ((3)) .

ص: 335

روی أن رجلا قال للنبی صلی الله علیه و آله و سلم صمت الدهر یا رسول الله فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ما صمت ولا أفطرت وروی عن ابن مسعود انه سمع رجلا یقول قرأت البارحة البقرة قال ذلک خطه بل لو کنت باقیا علی اخلاصک فیه فقد نقصت منه تسعة وستین جزا من سبعین علی ما روی عنهم علیهم السلام ان أفضل عمل السر علی عمل الجهر سبعون ضعفا وعن الصادق علیه السلام من عمل حسنة سرا کتبت له سرا فإذا أقر بها محیت وکتبت جهرا فإذا أقر بها ثانیة محیت وکتبت ریاء فیالها من کلمة ما أشأمها وزدته ما اعظمها حیث نقص بها حظک وضاع کدحک ولیتک سلمت من تبعتها فان المرائی لا یسلم کما عرفت من وعیده وهذا کله مع عدم تعلق غرض صحیح فی الآخرة بإذاعته إما معه کما لو أراد بذلک تنشیط السامع وترغیبه فی فعل الخیر مع وثوقه بنفسه فلا حرج فیه إذا لم یمکن تنشیطه بدونه والا کان أولی وقد روی محمد بن مسلم من الباقر علیه السلام :

قال لا باس ان تحدث أخاک إذا رجوت ان تنفعه وتحثه وإذا سألک هل قمت اللیلة أو صمت فحدثه بذلک ان کنت فعلته فقل قد رزق الله ذلک ولا تقل لا فان ذلک کذب ومن هنا جاء أفضلیة الصدقة جهرا لیتأسی به والا جهار بصلاة اللیل زیادة علی غیرها لینبه أهله وجیرانه فیتأسوا به لکن ذلک کله موضع الخطر فیجب الاحتراز والتیقظ بمراعاة القلب وکما یکون الاظهار مظنة الریاء ومخطرته کذلک الاخفاء فان فیه أیضا للشیطان مداخل منها ان یأمرک بترک العمل خوفا من أن تکون مرائیا به وهذا من جملة خدائعه وفی ترک العمل کذلک تحصیل لغرضه لان غرضه الأقصی ترک

ص: 336

العمل وانما یعدل بک بک إلی قصد الریاء وغیره عند عجزه من تثبیتک عن العمل وثم هیدک فیه فإذا ترکته فإذا حصلت غرضه ومثالک فی ذلک مثال من سلم إلیه مولاه حنطة فیها تراب وقال خلصها من التراب ونقها منه تنقیة بالغة فیترک أصل العمل ویقول أخاف ان اشتغل به لم یخلص خلاصا صافیا فیترک العمل من الصلة وهذا تمام الغرض لإبلیس اللعین وغایة القصد فقد حصلت أمنیته وأرحته من التعب بک فی افساد العمل وانما سبیلک ان تجتهد فی تخلیص عملک بالأدویة النافعة وتحصل مراد مولاک ومنها ان یأمره بترک العمل أیضا لا لذلک بل خوفا علی الناس ان یقولوا انه مرائی فیعصون الله به وهذا أیضا مع ما قبله ریاء خفی من مکاید الشیطان لان ترک العمل خوفا من قولهم إنه مرائی غیر الریاء ولولا حبه لمحمدتهم وخوفه من ذمهم فماله ولقولهم قالوا :

إنه مرائی أو قالوا إنه مخلص وأی فرق بین ان یترک العمل خوفا من أن یقال إنه مرائی وبین ان یحسن العمل خوفا من أن یقال إنه غافل مقصر بل ترک العمل أشد من ذلک ((1)) .

وفی الحدیث من طلب العلم لیباهی به العلماء أو یماری به السفهاء أو یصرف وجوه الناس إلیه فلیتبوأ مقعده من النار وفیه من أراد الحدیث لمنفعة الدنیا لم یکن له فی الآخرة نصیب ومن أراد به خیر الآخرة أعطاه الله خیر الدنیا والآخرة .

ص: 337

وعن أبی عبد الله علیه السلام من تعلم العلم وعمل به وعلم لله دعی فی ملکوت السماوات عظیما فقیل تعلم لله وعمل لله وعلم لله واخلاص النیة مما یحق فی کل عمل وإن کان فی العلم أحق والعمل به فیما یطلب للعمل إذ بدون ذلک لا ینفعه عمله فی سلامة العاقبة وکان کمن به مرض شدید وهو یعلم کیفیة العلاج وترتیب الأدویة فیظن أن ذلک یکفیه فی خلاصه عن مرضه ویشفیه بدون العمل به فلا یزال یزداد مرضه حتی یهلکه وفی الحدیث لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعلموا بما علمتم فإن العلم إذا لم یعمل به لم یزدد صاحبه إلا کفرا ولم یزدد من الله إلا بعدا وقلما ینتفع بذلک العلم غیره أیضا فإن الذی یتناول مطعوما بنهمة وینهی الحاضرین عنه معللا بأنه مسموم منهوم عند الناس بالکذب وسخافة الرأی بل هم لفعله أطوع منهم لقوله إذ لولا أنه أطیب الأطعمة لما استأثر به وفی الحدیث أن العالم إذا لم یعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب کما یزل المطر عن الصفا ولو فرض أن واحدا من الأکیاس أو ممن لا خبرة لهم بحاله اهتدوا بعلمه کان ذلک حسرة ووبالا علیه کما تقدم .

وعن النبی صلی الله علیه و آله و سلم العلماء رجلان رجل عالم أخذ بعلمه فهذا ناج وعالم تارک لعلمه فهذا هالک وأن أشد الناس ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلی الله فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله فأدخله الله الجنة وأدخل الداعی إلی النار بترکه علمه الحدیث علی أن العمل عقال العلم وهو بدونه فی معرض الذهاب وفی الحدیث العلم مقرون إلی العمل فمن علم عمل ومن عمل علم والعلم یهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه والقول بما یعلم

ص: 338

والوقوف عند ما لا یعلم فعن زرارة بن أعین قال سألت أبا عبد الله علیه السلام ما حق الله علی العباد قال إن یقولوا ما یعلمون ویقفوا عندما لا یعلمون وعن أبی عبد الله علیه السلام مثله وزاد فإن فعلوا ذلک فقد أدوا إلی الله حقه وفی حدیث آخر ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا الله أعلم وعن أبی عبد الله علیه السلام قال للعالم إذا سئل عن شئ وهو لا یعلمه أن یقول الله أعلم ولیس لغیر العالم أن یقول ذلک .

وعنه علیه السلام إذا سئل الرجل منکم عما لا یعلم فلیقل لا أدری ولا یقل الله أعلم فیوقع فی قلب صاحبه شکا وإذا قال المسؤول لا أدری فلا یتهمه السائل والاحتراز عن الفتوی بالرأی و التدین بما لا یعلم ففی الصحیح عن أبی عبد الله علیه السلام إیاک وخصلتین ففیهما هلک من هلک إیاک أن تفتی الناس برأیک وتدین بما لا تعلم

((1)) .

{ ذَلِکَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا کَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آیَاتِی وَرُسُلِی هُزُواً

106 } _سورة الکهف :

قال تعالی : {وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا } الدالات علی صدق محمد صلی الله علیه و آله و سلم و علی علیه السلام ما أداه الی عباد الله من ذکر تفضیله لعلی وآله الطیبین ((2))

اُوْلَئِکَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ ((3)) .

ص: 339

ابن المغازلی الشافعی : عن الآیة یعنی الولایة بحقّ علی وحقّ علی واجب

علی العالمین ((1)).

یعنی بالآیات الأوصیاء اتخذوها هزوا ثم ذکر المؤمنین بهذه الآیات فقال

( ان الذین آمنوا وعملوا الصالحات کانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدین فیها لا یبغون عنها حولا ) ای لا یحولون ولا یسألون التحویل

عنها ((2)) .

آیات الله تعالی کل ما یبین ویدلل علی عظمته وتوحیده کالارض والشمس والنجوم والریاح والبحار والبشر وبقیة المخلوقات وعلی رأسها أهل البیت فهم آیات الله العظمی .

ورغم هذه الایات الالهیة الکثیرة والعظیمة تجد الکافرین والمنافقین یسألون عن آیات أقل منها مثل طلبهم شفاء مریض ونزول المطر علی قریة .ومعظمهم لا یؤمنون بتلک المعجزات الصغیرة لو شاهدوها ویقولون سحر ابتلانا به .

مثلما قال رجال قریش عن معجزات النبی صلی الله علیه و آله و سلم الکثیرة فی البرکة وشفاء المرضی وفلق القمر بانها سحر .

ص: 340

ممّا یعنی منزلة هؤلاء العالیة ومکانتهم الراقیة عند الله تعالی مکانة لا یقاس بهم أحد من عوام الناس ولا یرقی إلیهم أحد فإذا کانت منزلتهم إلهیة ودعمهم سماوی وکتابهم قرآنی والآخرة بیدهم فلا یهمّهم إزعاج المزعجین وتطفّل الغاوین وارهاصات الوهابیین السلفیین .

فکیف یقارن الجاهلون بین أمیر المؤمنین علی علیه السلام وبین أبی بکر وعمر وعثمان الذین انتزوا علی خلافتهم ونالوا من کرامتهم وظلموهم .

وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن أهل البیت علیه السلام : سلمهم سلمی وحربهم حربی , وحربی حرب الله ((1)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : یریدون لیطفؤوا نور الله بأفواههم ویأبی الله إلاّ أن یتمم نوره ولو کره الکافرون .

وقال الطبرانی : کانت لعلی علیه السلام ثمانی عشرة منقبة ما کانت لأحد من هذه الأُمّة ((2)) .

وقال الحنفی القندوزی : نزل ربع القرآن فی أهل البیت علیه السلام ((3)) .

قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : القرآن أربعة أرباع : ربع فینا أهل البیت . وربع قصص وأمثال وربع فضائل وانذار , وربع أحکام ((4)) .

ص: 342

{ إنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ کَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلا 107 خَالِدِینَ فِیهَا لا یَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا } 108 _سورة الکهف

قال القاضی :

الفردوس أعلی درجات الجنة وأصله البستان الذی یجمع الکرم والنخل ، وفی القاموس : الفردوس الأودیة التی تنبت ضروباً من النبت ، والبستان یجمع کل ما یکون فی البساتین تکون فیه الکروم وقد یؤنث ، عربیة أو رومیة أو سریانیة . وفی الفائق عن الفراء : الفردوس هو البستان الذی فیه الکرم بلغة العرب .

( وجنة نعیم ) قال الله تعالی ( أیطمع کل امرئ منهم أن یُدخل جنة

نعیم ) إنکاراً لقولهم لو صح ما تقوله لتکون فیها أفضل حظاً منهم کما فی الدُّنیا کذا فی تفسیر القاضی .

( وجنة المأوی ) قال الله تعالی ( وأما من خاف مقام ربّه ونهی النفس عن الهوی فإنّ الجنّة هی المأوی ) فهی منزل من خاف المقام بین یدی الرب وصرف النفس عن هواها وزجرها عن مقتضاها ( سبحانک اللهم ) أی اللهم إنّا نسبحک تسبیحاً وننزهک تنزیهاً من کل ما لا یلیق بک ((1)) .

ص: 343

عن أبی عبد الله علیه السلام فی قوله : " خالدین فیها لا یبغون عنها حولا " قال :

" خالدین فیها " لا یخرجون منها " ولا یبغون عنها حولا " قال : لا یریدون بها بدلا .

قلت : قوله : " قل لو کان البحر مدادا لکلمات ربی لنفد البحر قبل أن تنفد کلمات ربی ولو جئنا بمثله مددا " قال : قد أخبرک أن کلام الله لیس له آخر ولا غایة ولا ینقطع أبدا .

قلت : قوله : " إن الذین آمنوا ، وعملوا الصالحات کانت لهم جنات الفردوس نزلا " قال : هذه نزلت فی أبی ذر والمقداد وسلمان الفارسی وعمار بن یاسر جعل الله لهم جنات الفردوس نزلا مأوی ومنزلا .

قال : ثم قال : قل یا محمد : " إنما أنا بشر مثلکم یوحی إلی أنما إلهکم إله واحد فمن کان یرجو لقاء ربه فلیعمل عملا صالحا ولا یشرک بعبادة ربه أحدا " فهذا الشرک شرک ریاء ((1)) .

الحول : الحیلة أو القوة أو السنة ، وحال الغلام وحالت الدار أتی علیها الحول . وحالت القوس اعوجت ، وحال اللون تغیر . والحال : الطین .

والتحول التنقل والاسم الحول ، ومنه قوله تعالی:

( لا یبغون عنها حولا ) وذکر الأزهری عن الزجاج أن الحول مصدر کالصغر ، وأحال الرجل أتی بالمحال ، وأحال علیه بدینه ، والاسم الحوالة بفتح الحاء ، المحالة فی قولهم : لا محالة .

ص: 344

أی لابد . والملئ : الغنی الواسع الثراء ، ومن هنا تکون الحوالة نقل حق من ذمة إلی ذمة من قولهم : حولت الشئ من موضع إلی موضع إذا نقله إلیه ((1)) .

وعن أبی عبد الله علیه السلام فی قوله : " خالدین فیها لا یبغون عنها حولا " قال : " خالدین فیها " لا یخرجون منها " ولا یبغون عنها حولا " قال : لا یریدون بها بدلا ((2)) .

وکیف یبدل العاقل الجنة الفارهة السعیدة بما هو أقل وأخزی ؟

{ قُلْ لَوْ کَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِکَلِمَاتِ رَبِّی لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أنْ تَنفَدَ کَلِمَاتُ رَبِّی وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } 109 _سورة الکهف

الإحتجاج : سأل یحیی بن أکثم أبا الحسن علیه السلام عن قوله تعالی :

" سبعة أبحر ما نفدت کلمات الله " ما هی ؟

فقال : هی عین الکبریت ، وعین الیمن ، وعین البرهوت ،

وعین الطبریة ، وحمة ما سیدان ، وحمة إفریقیة ، وعین باجوران ، ونحن الکلمات التی لا تدرک فضائلها ولا تستقصی ((3)) .

وقال علی علیه السلام لو شئت لاوقرت سبعین بعیرا من تفسیر فاتحة الکتاب .

وقال النبی محمّد صلی الله علیه و آله و سلم فی علی قولا رائعاً أحببت ذکره :

ص: 345

« لو أنّ الریاض أقلام , والبحر مداد , والجنّ حساب , والإنس کتاب ما أحصوا فضائل علی بن أبی طالب » ((1)) .

کلمات الامام علی علیه السلام کلمات مدینة العلم الالهیة النبویة التی جعلها تعالی معجزة من معاجزه .

( ونفخ فی الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم یومئذ للکافرین عرضا الذین کانت أعینهم فی غطاء عن ذکری وکانوا لا یستطیعون سمعا ).

قال :

کانوا لا ینظرون إلی ما خلق الله من الآیات والسماوات والأرض وقوله :

ص: 346

( أفحسب الذین _ إلی قوله _ إنا اعتدنا جهنم للکافرین نزلا ) ای منزلا وفی روایة أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله :

( قل هل ننبئکم بالأخسرین اعمالا الذین ضل سعیهم فی الحیاة الدنیا وهم یحسبون انهم یحسنون صنعا ) قال :

هم النصاری والقسیسون والرهبان وأهل الشبهات والأهواء من أهل القبلة والحروریة وأهل البدع .

وقال علی بن إبراهیم :

نزلت فی الیهود وجرت فی الخوارج ( أولئک الذین کفروا بآیات ربهم ولقائه فحبطت اعمالهم فلا نقیم لهم یوم القیامة وزنا ) قال :

أی حسنة ( ذلک جزاؤهم جهنم بما کفروا واتخذوا آیاتی ورسلی

هزوا ) یعنی بالآیات الأوصیاء اتخذوها هزوا ثم ذکر المؤمنین بهذه الآیات فقال :

( ان الذین آمنوا وعملوا الصالحات کانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدین فیها لا یبغون عنها حولا ) ای لا یحولون ولا یسألون التحویل عنها ((1)) .

ص: 347

{ قُلْ إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحَی إلَیَّ أنَّمَا إلَهُکُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ کَانَ یَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلا صَالِحاً وَلا یُشْرِکُ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أحَداً } 110 _سورة الکهف

قال الصادق علیه السلام :

لا یتخذ مع ولایة آل محمد ولایة غیرهم وولایتهم العمل الصالح , فمن أشرک بعبادة ربه فقد أشرک بولایتنا , وکفر بها وجحد أمیر المؤمنین حقه وولایته ((1)) .

وقال علی بن إبراهیم نزلت فی الیهود وجرت فی الخوارج :

( أولئک الذین کفروا بآیات ربهم (أهل البیت ) ولقائه (القیامة ) .

اذن کان الخوارج السفاحون لایؤمنون بالایات :

أئمة أهل البیت علیهم السلام وبقیة الایات الکثیرة التی لا تحصی

ولا یؤمنون بالاخرة .

ص: 348

قال الصادق علیه السلام : کاف : کاف لشیعتنا , هاء : هاد لهم , یاء : ولی لهم , عین : عالم بأهل طاعتنا , صاد : صادق لهم وعده حتی یبلغ بهم المنزلة التی وعدها ایاهم فی بطن القرآن ((1)) .

{ ذِکْرُ رَحْمَةِ رَبِّکَ عَبْدَهُ زَکَرِیَّا2 إذْ نَادَی رَبَّهُ نِدَاءً خَفِیّاً3 } _سورة مریم . دعا زکریا علیه السلام ربه العظیم دعاء خفیا أی سرا غیر جهر لا ریاء فیه ولا شبهة .

( ولم أکن بدعائک رب شقیا ) یقول لم یکن دعائی خائبا عندک ( وانی خفت الموالی من ورائی ) یقول خفت الورثة من بعدی ( وکانت امرأتی عاقرا ) ولم یکن لزکریا یومئذ ولد یقوم مقامه ویرثه وکانت هدایا بنی إسرائیل ونذورهم للاخبار وکان زکریا رئیس الاخبار وکانت امرأة زکریا أخت مریم بنت عمران بن ما ثان ، وبنو ما ثان إذ ذاک رؤساء بنی إسرائیل وبنو ملوکهم وهم من ولد سلیمان بن داود وقال زکریا :

{ َفهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیّاً 5*یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیّاً6 } _مریم.

فهب لی من لدنک ولیا یرثنی ویرث من آل یعقوب واجعله رب رضیا یا زکریا إنا نبشرک بغلام اسمه یحیی لم نجعل له من قبل سمیا ) یقول لم یسم

ص: 350

باسم یحیی أحد قبله ( قال رب انی یکون لی غلام وکانت امرأتی عاقرا وقد بلغت من الکبر عتیا ) فهو الیؤس قال ( کذلک قال ربک هو علی هین وقد خلقتک من قبل ولم تک شیئا قال رب اجعل لی آیة قال آیتک ألا تکلم الناس ثلاث لیال سویا ) صحیحا من غیر مرض ، وعن علی بن إبراهیم قال ثم قص الله عز وجل خبر مریم علیه السلام فقال :

( واذکر فی الکتاب مریم إذ انتبذت من أهلها مکانا شرقیا ) قال : خرجت إلی النخلة الیابسة ( فاتخذت من دونهم حجابا ) قال فی محرابها ( فأرسلنا إلیها روحنا ) یعنی جبرئیل علیه السلام ( فتمثل لها بشرا سویا قالت انی أعوذ بالرحمن منک ان کنت تقیا ) یعنی ان کنت من یتقی الله قال لها جبرئیل

( إنما أنا رسول ربک لاهب لک غلاما زکیا ) فأنکرت ذلک لأنها لم یکن فی العادة ان تحمل المرأة من غیر فحل فقالت ( انی یکون لی غلام ولم یمسسنی بشر ولم أک بغیا ) ولم یعلم جبرئیل أیضا کیفیة القدرة فقال لها ( کذلک قال ربک هو علی هین ولنجعله آیة للناس ورحمة منا وکان أمرا مقضیا ) قال فنفخ فی جیبها فحملت بعیسی علیه السلام باللیل فوضعته بالغداة وکان حملها تسع ساعات من النهار جعل الله لها الشهور ساعات ثم ناداها جبرئیل علیه السلام وهزی إلیک بجذع النخلة ای هزی النخلة الیابسة فهزت ، وکان ذلک الیوم سوق فاستقبلها الحاکة وکانت الحیاکة أنبل صناعة فی ذلک الزمان فأقبلوا علی بغال شهب فقالت لهم مریم أین النخلة الیابسة ؟ فاستهزؤوا بها وزجروها فقالت لهم جعل الله کسبکم بورا وجعلکم فی الناس عارا ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها علی النخلة الیابسة فقالت لهم

ص: 351

مریم جعل الله البرکة فی کسبکم وأحوج الناس إلیکم ((1))، فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت بعیسی علیه السلام فلما نظرت إلیه قالت ( یا لیتنی مت قبل هذا وکنت نسیا منسیا ) ماذا أقول لخالی وماذا أقول لبنی إسرائیل

( فنادیها ) عیسی ( من تحتها ألا تحزنی قد جعل ربک تحتک سریا ) ای نهرا ( وهزی إلیک بجذع النخلة ) ای حرکی النخلة ( تساقط علیک رطبا جنیا ) أی طیبا وکانت النخلة قد یبست منذ دهر طویل ، فمدت یدها إلی النخلة فأورقت وأثمرت وسقط علیها الرطب الطری فطابت نفسها . فقال لها عیسی قمطینی وسوینی ثم افعلی کذا وکذا فقمطته وسوته وقال لها عیسی

( کلی واشربی وقری عینا فأما ترین من البشر أحدا فقولی انی نذرت للرحمن صوما ) وصمتا کذا نزلت :

( فلن أکلم الیوم انسیا ) ففقدوها فی المحراب فخرجوا فی طلبها وخرج خالها زکریا فأقبلت وهو فی صدرها وأقبلن مؤمنات بنی إسرائیل یبزقن فی وجهها فلم تکلمهن حتی دخلت فی محرابها فجاء إلیها بنو إسرائیل وزکریا ( فقالوا لها یا مریم لقد جئت شیئا فریا أی عظیما من المناهی یا أخت هارون ما کان أبوک امرأ سوء وما کانت أمک بغیا ):

یعنی زانیة .

ص: 352

قیل لها أخت هارون أی أخی موسی وکانت من نسله أی انت من بیت طاهر الابوین فکیف ولدت طفلا لا أب له ؟

من أین هذا البلاء الذی جئت به والعار الذی ألزمته لبنی إسرائیل ، فأشارت إلی عیسی فی المهد فقالوا لها :

( کیف نکلم من کان فی المهد صبیا ) فأنطق الله عیسی ابن مریم علیه السلام فقال : ( إنی عبد الله آتانی الکتاب وجعلنی نبیا _ إلی قوله _ ذلک عیسی بن مریم قول الحق الذی فیه یمترون ) ای یخاصمون فقال الصادق علیه السلام فی قوله " وأوصانی بالصلاة والزکاة " قال زکاة الرؤوس لان کل الناس لیس لهم أموال وإنما الفطرة علی الفقیر والغنی والصغیر والکبیر ((1)) .

وعن حفص قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام یتخلل بساتین الکوفة فانتهی إلی نخلة فتوضأ عندها ثم رکع وسجد فأحصیت فی سجوده خمسمائة تسبیحة ثم استند إلی النخلة فدعا بدعوات ، ثم قال : یا [ أبا ] حفص إنها والله النخلة التی قال الله عز وجل لمریم ( علیها السلام ) : " وهزی إلیک بجذع النخلة تساقط علیک رطبا جنیا ((2)) .

ص: 353

وعن أبان عن أبی عبد الله علیه السلام " قال : إن مریم حملت بعیسی تسع ساعات ، کل ساعة شهر " ((1)) .

وقال الامام جعفر الصادق : عن آیة: { وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْیَمَ وَاُمَّهُ آیَةً وَآوَیْنَاهُمَا إلَی رَبْوَة ذَاتِ قَرَار وَمَعِین } 50_سورة المؤمنون .

الربوة: النجف والقرار: المسجد والمعین: الفرات ((2)) .

اذن ولدت مریم ابنها عیسی علیه السلام فی النجف حینما انطوت لها الارض فجاءت من القدس ثم عادت الیها .

{ قَالَ رَبِّ إنِّی وَهَنَ العَظْمُ مِنِّی وَاشْتَعَلَ الرَّأسُ شَیْباً وَلَمْ أکُنْ بِدُعَائِکَ رَبِّ شَقِیّاً } 4 _سورة مریم .

{انی وهن العظم منی } أی ضعف , والوهن الضعف , وهو نقصان القوة , یقال وهن الرجل یهن وهنا إذا ضعف . ومنه قوله ( لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ) وإنما أضاف الوهن إلی العظم , لان العظم مع صلابته إذا کبر ضعف , وتناقص , فکیف باللحم والعصب . وقیل شکی البطش وهو قلة العطس وهو لا یکون إلا بالعظم .

ص: 354

وقوله ( واشتعل الرأس شیبا ) معناه انتشر الشیب فی الرأس , کما ینتشر شعاع النار , وهو من أحسن الاستعارات .

والاشتعال انتشار شعاع النار , والشیب مخالطة الشعر الأبیض للأسود فی الرأس وغیره من البدن , وهو مثل الشائب الذی یخالط الشئ من غیر

( ولم أکن بدعائک رب شقیا ) تمام حکایة ما دعا به زکریا , وانه قال : لم أکن یا رب بدعائی إیاک شقیا أی کنت أدعوک وحدک واعترف بتوحیدک . وقیل معناه انی إذا دعوتک أجبتنی ((1)) .

وقال نجاح الطائی : کان النبی زکریا علیه السلام مخلصا لله تعالی فدعاه دعاءا شفافا لا ریاء فیه .

وقال علیه السلام : ( ولم أکن بدعائک رب شقیا ) أی لم أطلب أمرا بطرا ورخاءا وترفا فی الدنیا بل طلبت لحاجة فی أمس الشیء الیها .

{ وَإنِّی خِفْتُ المَوَالِیَ مِنْ وَرَائِی وَکَانَتِ امْرَأتِی عَاقِراً فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیّاً } 5_سورة مریم .

قال الباقر علیه السلام : الموالی بنو العم , وأحب الله أن یهب له من صلبه , وذلک أنه فیما کان علم من فضل محمد صلی الله علیه و آله و سلم قال : یا رب أما شرَّفت محمداً وکرمته ورفعت ذکره حتی قرنته بذکرک , فما یمنعک یا سیدی أن تهب له ذریته من صلبه فتکون فیها النبوة .

ص: 355

قال : یا زکریا قد فعلت ذلک بمحمد صلی الله علیه و آله و سلم ولا نبوة بعده , وهو خاتم الأنبیاء , ولکن الإمامة لابن عمه واخیه علی بن ابی طالب علیه السلام من بعده , واخرجت الذریة من صلب علی علیه السلام الی بطن فاطمة بنت محمد علیها السلام وصیرت بعضها من بعض , فخرجت منه الأئمة حججی علی خلقی , وانه مخرج من صلبک ولداً یرثک ویرث من آل یعقوب , فوهب الله له

یحیی ((1)) .

{ یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیّاً } 6 _سورة مریم .

أشار علیه السلام بتلاوته الآیة إلی أن زکریا إنما سأل الولد الصالح لیرثه عبادة اللَّه حتی یصلح أن یکون میراث اللَّه منه لعبادته ((2)) .

بصائر الدرجات : علی بن إسماعیل عن محمد بن عمرو الزیات عن ابن قیاما قال : دخلت علی أبی الحسن الرضا علیه السلام وقد ولد له أبو جعفر علیه السلام فقال : إن الله قد وهب لی ما یرثنی ویرث آل داود .

بصائر الدرجات : سلمة بن الخطاب عن عبد الله بن محمد عن عبد الله بن القاسم عن زرعة عن المفضل قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : ورث سلیمان داود ، وإن محمدا ورث سلیمان وإنا ورثنا محمدا ( صلی الله علیه و آله و سلم ) وإن عندنا علم

ص: 356

التوراة والإنجیل والزبور وتبیان ما فی الألواح قال : قلت : إن هذا لهو العلم ، قال : لیس هذا العلم إنما العلم ما یحدث یوما بیوم وساعة بعد ساعة ((1)) .

وعن جابر بن عبد الله الأنصاری عن أبی جعفر علیه السلام : أن أبا بکر قال لفاطمة علیها السلام : النبی صلی الله علیه و آله و سلم لا یورث ، قالت : قد [ ورث سلیمان داود ] ، وقال زکریا : [ فهب لی من لدنک ولیا یرثنی ویرث من آل یعقوب ] ، فنحن أقرب إلی النبی من زکریا إلی یعقوب .

وعن أبی جعفر علیه السلام قال : قال علی علیه السلام لفاطمة علیها السلام :

انطلقی فاطلبی میراثک من أبیک رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم . فجاءت إلی أبی بکر فقالت : أعطنی میراثی من أبی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .

قال : النبی صلی الله علیه و آله و سلم لا یورث ، فقالت : ألم یرث سلیمان داود ؟ !

فغضب وقال : النبی لا یورث ، فقالت علیها السلام : ألم یقل زکریا [ فهب لی من لدنک ولیا یرثنی ویرث من آل یعقوب ] ؟ .

فقال : النبی لا یورث . فقالت علیها السلام : ألم یقل : [ یوصیکم الله فی أولادکم للذکر مثل حظ الأنثیین ] ؟ .

فقال : النبی لا یورث ((2)) .

الحدیث بین سیدة النساء فاطمة وبین الملک ابی بکر یبین منهجین المنهج الاول منهج الایات القرآنیة والحدیث الصحیح والاخلاق الکریمة والمنهج

ص: 357

الثانی منهج البطش والحدیث الموضوع والرشوة وغصب أموال المسلمین وارهابهم واثارة الفتن .

وقال نجاح الطائی :

اعتاد المخالفون للنبی علی اختلاق احادیث لمعارضة أهل البیت فصدمته فاطمة علیها السلام سیدة نساء العالمین بنص قرآنی واضح مبینة کذبه علی الشریعة .وعن السکونی قال : قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم من سعادة الرجل الولد الصالح وعنه أن أمیر المؤمنین علیه السلام کان یقرأ إنی خفت الموالی من ورائی یعنی أنه لم یکن له وارث حتی وهب الله له بعد الکبر ((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال :

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : مر عیسی ابن مریم علیه السلام بقبر یعذب صاحبه ثم مر به من قابل فإذا هو لا یعذب ، فقال : یا رب مررت بهذا القبر عام أول فکان یعذب ومررت به العام فإذا هو لیس یعذب ؟ فأوحی الله إلیه أنه أدرک له ولد صالح فأصلح طریقا وآوی یتیما فلهذا غفرت له بما فعل ابنه ، ثم قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : میراث الله عز وجل من عبده المؤمن ولد یعبده من بعده ، ثم تلا أبو عبد الله علیه السلام آیة زکریا علیه السلام " ( رب ) هب لی من لدنک ولیا * یرثنی ویرث من آل یعقوب واجعله رب رضیا ((2)) .

ص: 358

قال الصادق علیه السلام : میراث الله من عبده المؤمن الولد الصالح یستغفر له .

وفی ( ثواب الأعمال ) عن أبیه ، ( عن سعد ) ، عن محمد بن یحیی عن محمد بن أحمد ، عن العبیدی ، عن ابن أبی عمیر ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : إن الله لیرحم الرجل لشدة حبه لولده .

أقول : وتقدم ما یدل علی ذلک ، ویأتی ما یدل علیه .

محمد بن یعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد عن بکر بن صالح قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام إنی أحببت طلب الولد منذ خمس سنین ، وذلک أن أهلی کرهت ذلک ، وقالت : انه یشتد علی تربیتهم لقلة الشئ ، فما تری ؟ فکتب إلی : أطلب الولد فإن الله یرزقهم((1)).

{ یَا زَکَرِیَّا إنَّا نُبَشِّرُکَ بِغُلام اسْمُهُ یَحْیَی لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ

سَمِیّاً } 7 _سورة مریم .

قال ابن عباس : معناه لم تلد مثله العواقر ولدا .

وقال مجاهد : لم نجعل له من قبل مثلا .

وقال ابن جریج وقتادة و عبد الرحمن بن زید بن أسلم , والسدی : معناه لم یسم أحدا باسمه . وقیل إنه لم یسم أحدا من الأنبیاء باسمه قبله .

ص: 359

وعن الصادق ( علیه السلام ): وکذلک الحسین ( علیه السلام ) لم یکن له من قبل سمی , ولم تبک السماء إلا علیهما أربعین صباحا , قیل له :

وما کان بکاؤها ؟

قال : کانت تطلع حمراء وتغیب حمراء , وکان قاتل یحیی ولد زناء , وقاتل الحسین ( علیه السلام ) ولد زناء ((1)) .

{ قَالَ رَبِّ أنَّی یَکُونُ لِی غُلامٌ وَکَانَتِ امْرَأتِی عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الکِبَرِ عِتِیّاً } 8 _سورة مریم

: أصبح عجوزا .

أی قد بلغت من کبر السن إلی حال الیبس والجفاف ونحول العظم ، قال قتادة : کان له بضع وسبعون سنة

" قال کذلک " أی قال الله سبحانه : الامر علی ما أخبرتک من هبة الولد علی الکبر " قال ربک هو علیَّ هین وقد خلقتک من قبل " أی من قبل یحیی " ولم تک شیئا " أی شیئا موجودا ((2)) .

{ قَالَ کَذَلِکَ قَالَ رَبُّکَ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُکَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَکُ شَیْئاً} 9 _سورة مریم . :

ص: 360

وهو علی الله تعالی أمر یسیر هین اذ یمکنه ولادة طفل من رجل عجوز بالی وامرأة عاقر خاصة وانه خلق الانسان من عدم .وهذه من تشکیکات الکفار والمنافقین دائما فی کیفیة خلق الموتی .

{ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِی آیَةً قَالَ آیَتُکَ ألا تُکَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَیَال سَوِیّاً 10 فَخَرَجَ عَلَی قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأوْحَی إلَیْهِمْ أنْ سَبِّحُوا بُکْرَةً وَعَشِیّاً 11 } .

روی الحکم بن عتیبة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : إنما ولد یحیی بعد البشارة له من الله بخمس سنین . " قال رب اجعل لی آیة " وعلامة أستدل بها علی وقت کونه ، قال الله سبحانه :

" آیتک ألا تکلم الناس ثلاث لیال سویا " أی وأنت سوی صحیح سلیم " فخرج علی قومه من المحراب " أی من مصلاه " فأوحی إلیهم " أی أشار إلیهم وأومأ بیده ، وقیل : کتب لهم فی الأرض " أن سبحوا بکرة وعشیا " أی صلوا بکرة وعشیا ، وقیل : أراد التسبیح بعینه ، قال ابن جریح : أشرف علیهم زکریا علیه السلام من فوق غرفة کان یصلی فیها لا یصعد إلیها إلا بسلم ، وکانوا یصلون معه الفجر والعشاء ، فکان یخرج إلیهم فیؤذن لهم بلسانه ، فلما اعتقل لسانه خرج علی عادته وأذن لهم بغیر کلام ، فعرفوا عند ذلک أنه قد جاء وقت حمل امرأته بیحیی علیه السلام ، فمکث ثلاثة أیام لا یقدر علی الکلام معهم ویقدر علی التسبیح والدعاء ، ثم قال سبحانه : " یا یحیی خذ الکتاب بقوة " تقدیره : فوهبنا له یحیی وأعطیناه الفهم والعقل وقلنا له : یا یحیی خذ الکتاب ، یعنی التوراة بما قواک الله علیه وأیدک به ، ومعناه : وأنت قادر علی أخذه ، قوی علی العمل ، وقیل :

ص: 361

معناه : بجد وصحة عزیمة علی القیام بما فیه " وآتیناه الحکم صبیا " أی وآتیناه النبوة فی حال صباه وهو ابن ثلاث سنین ((1)) .

{ یَا یَحْیَی خُذِ الکِتَابَ بِقُوَّة وَآتَیْنَاهُ الحُکْمَ صَبِیّاً 12} _سورة مریم .

حکی الله تعالی ان زکریا خرج علی قومه من المحراب وهو الموضع الذی یتوجه إلیه للصلاة . وقال ابن زید محرابه مصلاه . والأصل فیه مجلس الاشراف الذی یحارب دونه ذبا عن أهله فأوحی إلیهم قیل : معناه أشار الهیم وأومأ بیده یقال :

أوحی یوحی إیحاء ووحی یحی ویحا مثل أومی یومی ایماء , وومی یمی ومیا . والایحاء إلقاء المعنی إلی النفس فی خفی بسرعة من الامر . واصله السرعة من قولهم : الوحی الوحا أی الاسراع . وقیل : کتب لهم علی الأرض , والوحی الکتابة .

وقوله { ان سبحوا بکرة وعشیا } أی أوحی إلیهم بأن سبحوا , ومعناه صلوا بکرة وعشیا _ فی قول الحسن وقتادة _ وقیل للصلاة تسبیح , لما فیها من الدعاء والتسبیح , ویقال : فرغت من سبحتی أی صلاتی .

وقوله { یا یحیی خذ الکتاب } یعنی التوراة التی أنزلتها علی موسی {بقوة } :

أی بجد { وآتیناه الحکم صبیا } معناه أعطیناه الفهم لکتاب الله حتی حصل له عظیم الفائدة .

ص: 362

وروی عن معمر : أن الصبیان , قالوا لیحیی أذهب بنا نلعب , فقال ما للعب خلقت . فأنزل الله { وآتیناه الحکم صبیا } .

الکافی ، 1 / 382 / 1 / 1 العدة عن ابن عیسی عن السراد عن هشام بن سالم عن یزید الکناسی قال : سألت أبا جعفر علیه السلام أکان عیسی بن مریم حین تکلم فی المهد حجة اللَّه علی أهل زمانه فقال کان یومئذ نبیا حجة لله غیر مرسل أما تسمع لقوله حین قال « إِنِّی عَبْدُ اللَّهِ آتانِیَ الْکِتابَ وَجَعَلَنِی نَبِیًّا وَجَعَلَنِی مُبارَکاً أَیْنَ ما کُنْتُ وَأَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَالزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیًّا » قلت فکان یومئذ حجة لله علی زکریا فی تلک الحال وهو فی المهد فقال کان عیسی فی تلک الحال آیة للناس ورحمة من اللَّه لمریم حین تکلم فعبر عنها وکان نبیا حجة علی من سمع کلامه فی تلک الحال .

ثم صمت فلم یتکلم حتی مضت له سنتان وکان زکریا الحجة لله عز وجل علی الناس بعد صمت عیسی علیه السلام بسنتین ثم مات زکریا علیه السلام فورثه ابنه یحیی الکتاب والحکمة وهو صبی صغیر أما تسمع لقوله عز وجل « یا یَحْیی خُذِ الْکِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَیْناهُ الْحُکْمَ صَبِیًّا » فلما بلغ عیسی علیه السلام سبع سنین .

تکلم بالنبوة والرسالة حین أوحی اللَّه إلیه فکان عیسی الحجة علی یحیی وعلی الناس أجمعین ولیس تبقی الأرض یا أبا خالد یوما واحدا بغیر حجة لله ((1)) .

ص: 363

وقال نجاح الطائی :

أوحی الیهم لا تعنی الاشارة بالید والرأس ولا الکتابة علی الارض لان الاول یسمی اشارة والثانی یسمی الطلب بالکتابة .

بل أوحی الیهم بروحه فاستلموا الایحاء بارواحهم وهذه قدرة نبویة عند الانبیاء تسمی بالایحاء وهی مأخوذة من القدرة الالهیة :

إنَّا أوْحَیْنَا إلَیْکَ کَمَا أوْحَیْنَا إلَی نُوح وَالنَّبِیِّینَ مِنْ بَعْدِهِ وَأوْحَیْنَا إلَی إبْرَاهِیمَ وَإسْمَاعِیلَ وَإسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِیسَی وَأیُّوبَ وَیُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَیْمَانَ وَآتَیْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ((1)) .

وَأوْحَیْنَا إلَی مُوسَی أنْ ألْقِ عَصَاکَ فَإذَا هِیَ تَلْقَفُ مَا یَأفِکُونَ ((2)) .

الانبیاء قادرون فی الایحاء الی الناس بقدرتهم التکوینیة التی وهبهم الله تعالی .

والشیاطین قدرتهم تتمثل فی الوسوسة فی صدور الناس :

قال تعالی : من شر الوسواس الخناس الذی یوسوس فی صدور الناس من الجنة والناس

وجاءت نبوة محمد صلی الله علیه و آله و سلم منذ الصغر کعیسی ویحیی (علیهما السلام ) . وغیرهما فقد قال تعالی عن یحیی علیه السلام : (وآتیناه الحکم صبیاً وحناناً من لَدُنا) ((3)) .

ص: 364

وأصبح یحیی علیه السلام نبیاً وهو فی السّنة الثالثة من عمره إذ اعطاه الله تعالی الحکمة والنبوة والکتاب (التوراة) ورثه من أبیه واعطاه الله الحنان ای الرزق والبرکة .

ولما أصبح عیسی علیه السلام ابن سبع سنین تکلّم بالنبوة والرسالة , وأُتی علی علیه السلام الحکمة صبیاً ((1)) .

وقال عیسی علیه السلام : (إنی عبدالله آتانی الکتاب وجعلنی نبیاً وجعلنی مبارکاً اینما کنت , وأوصانی بالصلاة والزکاة ما دمت حیاً) . ((2)) .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : کنت نبیاً وآدم بین الماء والطین أو بین الروح والجسد((3)) .

{ وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَکَاةً وَکَانَ تَقِیّاً } 13_ سورة مریم .

وقوله { وحنانا من لدنا } معناه وآتیناه رحمة من عندنا

_ فی قول ابن عباس وقتادة والحسن _ وقال الفراء : فعلنا ذلک رحمة لأبویه { وزکاة } أی وصلاحا ((4)) .

ص: 365

وآتیناه حنانا من لدنا وزکاة : أی أعطیناه الرزق والبرکة والعافیة والدفیء والاحساس بالامن وطهارة النفس عن الباطل والحرام .

فی الوقت الذی کان هو تقیاً یتحاشی الکبائر والصغائر من المحرمات .

{ وَبَرّاً بِوَالِدَیْهِ وَلَمْ یَکُنْ جَبَّاراً عَصِیّاً } 14_سورة مریم .

وکان َبَرّاً بِوَالِدَیْهِ وَلَمْ یَکُنْ جَبَّاراً عَصِیّاً : یحسن الی أبویه ویکرمهما ویعزهما . ولم یکن طاغیة مثل الملوک وعلماء البلاط وحرامیة الدین وأحبار الدین والحواشی .

{ وَسَلامٌ عَلَیْهِ یَوْمَ وُلِدَ وَیَوْمَ یَمُوتُ وَیَوْمَ یُبْعَثُ حَیّاً } 15_سورة مریم .

قال قوم معناه : أمان الله له وسلامه یوم ولد من عبث الشیطان له واغوائه إیاه , ویوم یموت فی الدنیا , ویوم یبعث حیا من عذاب النار وأهوال المحشر .

وقال نجاح الطائی :

قال سبحانه : ( وإِذا حُیِّیتُمْ بِتَحِیَّةٍ فَحَیُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها . . . ) إلخ .

وَسَلامٌ عَلَیْهِ , السلام یعنی الرحمة والأمان والبرکة لذا یستحب السلام علی الناس بالسلام علیکم فهی تعنی : سلام من الله علیکم .

وجمهور العلماء متفقون علی أن البدء بالسلام سنة مستحبة والردّ علیه واجب والممتنع عن الردّ آثم :

ص: 366

النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم حثَّ علی افشاء السلام بین الناس فهی مفتاح التعرف علیهم والود معهم .

وجاءت الایة بصیغة المجهول ومطلقة ( وإِذا حُیِّیتُمْ ) لتکون عامة لکل شخص رجل او امرأة , مسلم وغیره , صغیر وکبیر .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : أفشوا السلام بینکم .

وحدیث عن أنس رواه الترمذی قال: قال لی النبیّ : یا بنی إذا دخلت علی أهلک فسلَّم یکون برکة علیک وعلی أهل بیتک ((1)) .

وقال النبی إذا انتهی أحدکم إلی المجلس فلیسلم فإذا أراد أن یقوم فلیسلَّم فلیست الأولی بأحقّ من الآخرة ((2)) .

إذا لقی الرجل أخاه المسلم فلیقل السلام علیکم ورحمة اللَّه .

وحدیث عن جابر أن النبی صلی الله علیه و آله و سلم قال : السلام قبل الکلام .

وقال صلی الله علیه و آله و سلم : لا تدعوا أحدا إلی الطعام حتی یسلَّم .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : اعبدوا الرحمن وأطعموا الطعام وأفشوا السلام ((3)) .

ص: 367

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : یسلَّم الراکب علی الماشی والماشی علی القاعد

والقلیل علی الکثیر ((1)) .

وألح سید البشریة محمد صلی الله علیه و آله و سلم علی افشاء السلام بین الناس ((2))

قیل یا رسول اللَّه : الرجلان یلتقیان أیهما یبدأ بالسلام قال أولاهما باللَّه .

ولقد أثر عن ابن عباس أنه قال : من سلَّم علیک من خلق اللَّه فاردد علیه وإن کان مجوسیا .

الایات السابقة تبین حال النبی یحیی علیه السلام بأن الله تعالی أوحی الیه أن یأخذ الکتاب المقدس(التوراة) بجد وانه تعالی أعطاه الحکم الالهی وسنه سبع سنین .

ص: 368

وأعطاه تعالی الرحمة والصلاح وساعده أن یکون مطیعا ومساعدا لوالدیه .

وأمان الله وسلامه علیه یوم ولد ویوم یموت ویوم یبعث حیا .

هذا نموذج لنبی أوحی الله الیه فی الصبا وجعله نبیا .

{ وَاذْکُرْ فِی الکِتَابِ مَرْیَمَ إذِ انتَبَذَتْ مِنْ أهْلِهَا مَکَاناً شَرْقِیّاً 16 فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأرْسَلْنَا إلَیْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِیّاً17 قَالَتْ إنِّی أعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْکَ إنْ کُنتَ تَقِیّاً18 قَالَ إنَّمَا أنَا رَسُولُ رَبِّکِ لأهَبَ لَکِ غُلاماً زَکِیّاً19 قَالَتْ أنَّی یَکُونُ لِی غُلامٌ وَلَمْ یَمْسَسْنِی بَشَرٌ وَلَمْ أکُ بَغِیّاً20 _سورة مریم .

خرجت إلی النخلة الیابسة ( فاتخذت من دونهم حجابا ).

وفی ( الصافی ) عن أحدهما (الباقر او الصادق ) علیهما سلام الله فی هذه الآیة : سئل ما الروح ؟ قال « التی فی الدوابّ والناس » .

قیل :وما هی ؟ قال « هی ملکوت من القدرة ((1)) » .

وفیه : روی عن کمیل رضی الله عنه : أنه قال : سألتُ مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : فقلت : أُرید أن تعرّفنی نفسی . قال « یا کمیل : وأیّ الأنفس ترید أن أُعرّفک ؟ » .

قلت : یا مولای هل هی إلَّا نفس واحدة ؟ فقال « یا کمیل ، إنّما هی أربعة : النامیة النباتیّة ، والحسّیّة الحیوانیّة ، والناطقة القدسیّة ، والکلَّیّة الإلهیّة ، ولکلّ واحدة من هذه خمس قوی ، وخاصّتان ) .

ص: 369

« فالنامیة النباتیّة لها خمس قوی : ماسکة ، وجاذبة ، وهاضمة ، ودافعة ، ومربّیة . ولها خاصّتان : الزیادة والنقصان ، وانبعاثها من الکبد . ) « والحسّیّة الحیوانیّة لها خمس قوی :

سمع ، وبصر ، وشمّ ، وذوق ، ولمس . ولها خاصّتان : الرضا والغضب ، وانبعاثها من القلب ) « والناطقة القدسیّة لها خمس قوی : فکر ، وذکر ، وعلم ، وحلم ، ونباهة ، ولیس لها انبعاث ، وهی أشبه الأشیاء بالنفوس الملکیّة ، ولها خاصّتان : النزاهة ، والحکمة . )

« والکلَّیّة الإلهیّة لها خمس قوی : بقاء فی فناء ، ونعیم فی شقاء ، وعزّ فی ذلّ ، وفقر فی غناء ، وصبر فی بلاء . ولها خاصّتان : الرضا ، والتسلیم . وهذه هی التی مبدؤها من الله وإلیه تعود قال الله تعالی ( ونَفَخْتُ فِیه مِنْ رُوحِی ) ((1)) .

وقال تعالی : ( یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِی إِلی رَبِّکِ راضِیَةً مَرْضِیَّةً ) ((2)) ، والعقل وسط الکلّ ((3)) » .

وفی ( البحار ) من تفسیر القمی ((4)) بسنده عن أبی عبد الله علیه سلام الله _

: أنه قال « یا جابر :

ص: 370

إنّ الله خلق الناس ثلاثة أصناف ، وهو قول الله تعالی: ( کُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً ) ((1)) الآیة فالسابقون هو رسول الله وخاصّة الله من خلقه ، جعل فیهم خمسة أرواح ، أیّدهم بروح القدس ، فبه بعثوا أنبیاء وأیّدهم بروح الإیمان ، فبه خافوا الله وأیّدهم بروح القوّة ، فبه قووا علی طاعة الله وأیّدهم بروح الشهوة ، فبه اشتهوا طاعة الله وکرهوا معصیته ، وجعل فیهم روح المدرج الذی یذهب به الناس ویجیئون ، وجعل فی المؤمنین أصحاب المیمنة روح الإیمان ، فبه خافوا الله ، وجعل فیهم روح القوّة ، فبه قووا علی طاعته من الله ، وجعل فیهم روح الشهوة ، فبه اشتهوا طاعة الله ، وجعل فیهم روح المدرج الذی یذهب الناس به ویجیئون ((2)) » .

ومنه بسنده عن جابر : قال : سألت أبا جعفر علیهما السلام : عن علم العالم ، فقال « یا جابر : ، إنّ فی الأنبیاء والأوصیاء خمسة أرواح : روح القدس : ، وروح الإیمان ، وروح الحیاة ، وروح القوّة ، وروح الشهوة . فبروح القدس عرفوا ما تحت العرش إلی ما تحت الثری . یا جابر : ، إنّ هذه الأرواح یصیبها الحدثان إلَّا روح القدس ، فإنّها لا تلهو ولا تلعب ((3)) »

ص: 371

وفی خبر منه عن أبی عبد الله علیه سلام الله _ : بعد أن عدّ أرواح الأنبیاء والأوصیاء وأرواح المؤمنین قال « وفی الکفّار ثلاثة أرواح : روح البدن ، وروح القوّة ، وروح الشهوة ((1))» .

ومن ( البصائر ) بسنده عن المفضل :

قال : سألتُ أبا عبد الله علیه سلام الله : عن علم الإمام بما فی أقطار الأرض وهو فی بیته مرخًی علیه ستره ، فقال « یا مفضّل : ، إنّ الله تبارک وتعالی جعل للنبیّ صلی الله علیه و آله و سلم : خمسة أرواح : روح الحیاة فبه دبّ ودرج ، وروح القوّة فبه نهض وجاهد ، وروح الشهوة فبه أکل وشرب وأتی النساء من الحلال ، وروح الإیمان فبه أمر وعدل ، وروح القدس فبه حمل النبوّة ، فإذا قبض النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم :

وانتقل روح القدس فصار فی الإمام علیه السلام ، وروح القدس لا ینام ولا یغفل ولا یلهو ولا یسهو ، والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو ، وروح القدس ثابت یَری به ما فی شرق الأرض وغربها وبرّها وبحرها . قلت جعلت فداک یتناول الامام ما ببغداد بیده ؟

قال علیه السلام : نعم و ما دون العرش ((2)).

ص: 372

وقال نجاح الطائی :

قال فی محرابها ( فأرسلنا إلیها روحنا ) الروح هنا هو جبرائیل وهو الذی جاء لمریم علیها السلام .

{ فتمثل لها بشرا سویا }.

ولقد تمثلت الملائکة للنبی ابراهیم علیه السلام بصورة بشر وبشرته :

وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إبْرَاهِیمَ بِالبُشْرَی قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أنْ جَاءَ بِعِجْل حَنِیذ فَلَمَّا رَأی أیْدِیَهُمْ لا تَصِلُ إلَیْهِ نَکِرَهُمْ وَأوْجَسَ مِنْهُمْ خِیفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إنَّا اُرْسِلْنَا إلَی قَوْمِ لُوط ((1)) .

: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِیءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا یَوْمٌ

عَصِیبٌ ((2)) .

ولا یمکن للجن أن تتمثل بصورة بشر بل تتمثل بصورة حیوانات کما جاء فی الروایات .

ولا یمکن رؤیة الجن بصورتها الحقیقیة استدلالا بالقول القرآنی :

ص: 373

إنَّهُ یَرَاکُمْ هُوَ وَقَبِیلُهُ مِنْ حَیْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّیَاطِینَ أوْلِیَاءَ لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ ((1)) .

( قالت انی أعوذ بالرحمن منک ان کنت تقیا ) یعنی ان کنت من یتقی الله قال لها الروح ( إنما أنا رسول ربک لاهب لک غلاما زکیا ) فتعجبت من قوله اذ فی العادة ان تحمل المرأة من مساس رجل فقالت ( انی یکون لی غلام ولم یمسسنی بشر ولم أک بغیا ) .

{قَالَ کَذَلِکِ قَالَ رَبُّکِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آیَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَکَانَ أمْراً مَقْضِیّاً } 21 _ سورة مریم .

قال فنفخ فی جیبها فحملت بعیسی علیه السلام باللیل فوضعته بالغداة وکان حملها تسع ساعات من النهار جعل الله لها الشهور ساعات ((2)) .

فکان النبی عیسی آیة للبشریة فی حمله تسع ساعات وفی کلامه مع الناس وهو طفل سنه یوم واحد .

وکان رحمة للناس اذ نشر بینهم الشریعة السماویة فی کتابه الانجیل وشافی الناس وبین لهم المعجزات لیؤمنوا بالله العزیز بدل الشیطان الرجیم .

ص: 374

أحمد بن مهران وعلی بن إبراهیم جمیعا ، عن محمد بن علی ، عن الحسن بن راشد ، عن یعقوب بن جعفر بن إبراهیم قال : کنت عند أبی الحسن موسی علیه السلام إذ أتاه رجل نصرانی ونحن معه بالعریض فقال له النصرانی : أتیتک من بلد بعید وسفر شاق وسألت ربی منذ ثلاثین سنة أن یرشدنی إلی خیر الأدیان وإلی خیر العباد وأعلمهم و أتانی آت فی النوم فوصف لی رجلا بعلیا دمشق ، فانطلقت حتی أتیته فکلمته ، فقال

:

أنا أعلم أهل دینی وغیری أعلم منی ، فقلت : أرشدنی إلی من هو أعلم منک فإنی لا أستعظم السفر ولا تبعد علی الشقة ولقد قرأت الإنجیل کلها ومزامیر داود وقرأت أربعة أسفار من التوراة وقرأت ظاهر القرآن حتی استوعبته کله ، فقال لی العالم :

إن کنت ترید علم النصرانیة فأنا اعلم العرب والعجم بها وإن کنت ترید علم الیهود فباطی بن شرحبیل السامری أعلم الناس بها الیوم ، وإن کنت ترید علم الاسلام و علم التوراة وعلم الإنجیل وعلم الزبور وکتاب هود وکلما انزل علی نبی من الأنبیاء فی دهرک ودهر غیرک وما انزل من السماء من خبر فعلمه أحد أو لم یعلم به أحد ، فیه تبیان کل شئ وشفاء للعالمین وروح لمن استروح إلیه وبصیرة لمن أراد الله به خیرا وانس إلی الحق فأرشدک إلیه ، فأته ولو مشیا علی رجلیک ، فإن لم تقدر فحبوا علی رکبتیک ، فإن لم تقدر فزحفا علی إستک ، فإن لم تقدر فعلی وجهک ، فقلت : لا بل أنا أقدر علی المسیر فی البدن والمال ، قال : فانطلق من فورک حتی تأتی یثرب ، فقلت : لا أعرف یثرب ، قال : فانطلق حتی تأتی مدینة النبی

ص: 375

صلی الله علیه و آله و سلم الذی بعث فی العرب وهو النبی العربی الهاشمی فإذا دخلتها فسل عن بنی غنم بن مالک بن النجار وهو عند باب مسجدها وأظهر بزة

النصرانیة وحلیتها فإن والیها یتشدد علیهم والخلیفة أشد ، ثم تسأل عن بنی عمرو بن مبذول وهو ببقیع الزبیر ، ثم تسأل عن موسی بن جعفر علیه السلام وأین منزله وأین هو ؟ مسافر أم حاضر فإن کان مسافرا فالحقه فإن سفره أقرب مما ضربت إلیه ثم أعلمه أن مطران علیا الغوطة _ غوطة دمشق _ هو الذی أرشدنی إلیک وهو یقرئک السلام کثیرا ویقول لک : إنی لأکثر مناجاة ربی أن یجعل إسلامی علی یدیک ، فقص هذه القصة وهو قائم معتمد علی عصاه ، ثم قال : إن أذنت لی یا سیدی کفرت لک وجلست فقال : آذن لک ان تجلس ولا آذن لک أن تکفر ، فجلس ثم ألقی عنه برنسه ثم قال :

جعلت فداک تأذن لی فی الکلام ؟ قال : نعم ما جئت إلا له ، فقال له النصرانی : أردد علی صاحبی السلام أو ما ترد السلام ، فقال

أبو الحسن علیه السلام : علی صاحبک أن هداه الله فأما التسلیم فذاک إذا صار فی دیننا ، فقال النصرانی : إنی أسألک _ أصلحک الله _ قال :

سل ، قال : أخبرنی عن کتاب الله تعالی الذی انزل علی محمد ونطق به ، ثم وصفه بما وصفه به ، فقال : " حم * والکتاب المبین * إنا أنزلناه فی لیلة مبارکة إنا کنا منذرین * فیها یفرق کل أمر حکیم " ما تفسیرها فی

الباطن ؟

فقال علیه السلام : أما حم فهو محمد صلی الله علیه و آله و سلم وهو فی کتاب هود الذی انزل علیه وهو منقوص الحروف وأما " الکتاب المبین " فهو أمیر المؤمنین علی علیه السلام

ص: 376

وأما اللیلة ففاطمة وأما قوله : " فیها یفرق کل أمر حکیم " یقول : یخرج منها خیر کثیر فرجل حکیم ورجل حکیم.

فقال الرجل : صف لی الأول والآخر من هؤلاء الرجال ، فقال : إن الصفات تشتبه ولکن الثالث من القوم أصف لک ما یخرج من نسله وإنه عندکم لفی الکتب التی نزلت علیکم ، إن لم تغیروا وتحرفوا وتکفروا وقدیما ما فعلتم ، قال له النصرانی : إنی لا أستر عنک ما علمت ولا أکذبک وأنت تعلم ما أقول فی صدق ما أقول وکذبه والله لقد أعطاک الله من فضله ، وقسم علیک من نعمه ما لا یخطره الخاطرون ولا یستره الساترون ولا یکذب فیه من کذب ، فقولی لک فی ذلک الحق کما ذکرت ، فهو کما ذکرت ، فقال له أبو إبراهیم علیه السلام : أعجلک أیضا خبرا لا یعرفه إلا قلیل ممن قرأ الکتب ، أخبرنی ما اسم أم مریم وأی یوم نفخت فیه مریم ولکم من ساعة من النهار ، وأی یوم وضعت مریم فیه عیسی علیه السلام ولکم من ساعة من النهار ؟

فقال النصرانی : لا أدری ، فقال أبو إبراهیم علیه السلام : أما أم مریم فاسمها مرثا وهی وهیبة بالعربیة وأما الیوم الذی حملت فیه مریم فهو یوم الجمعة للزوال وهو الیوم الذی هبط فیه الروح الأمین ولیس للمسلمین عید کان أولی منه ، عظمه الله تبارک وتعالی وعظمه محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، فأمر أن یجعله عیدا فهو یوم الجمعة وأما الیوم الذی ولدت فیه مریم فهو یوم الثلاثاء ، لأربع ساعات ونصف من النهار, والنهر الذی ولدت علیه مریم عیسی علیه السلام هل تعرفه ؟

ص: 377

قال : لا ، قال : هو الفرات وعلیه شجر النخل والکرم ولیس یساوی بالفرات شئ للکروم والنخیل ، فأما الیوم الذی حجبت فیه لسانها ونادی قیدوس ولده وأشیاعه فأعانوه و أخرجوا آل عمران لینظروا إلی مریم ، فقالوا لها ما قص الله علیک فی کتابه وعلینا فی کتابه ، فهل فهمته ؟

قال : نعم وقرأته الیوم الا حدث ، قال : إذن لا تقوم من مجلسک حتی یهدیک الله ، قال النصرانی : ما کان اسم أمی بالسریانیة وبالعربیة ؟

فقال : کان اسم أمک بالسریانیة عنقالیة وعنقورة کان اسم جدتک لأبیک وأما اسم أمک بالعربیة فهو میة وأما اسم أبیک فعبد المسیح وهو عبد الله بالعربیة ولیس للمسیح عبد ، قال :

صدقت وبررت ، فما کان اسم جدی ؟ قال : کان اسم جدک جبرئیل وهو عبد الرحمن سمیته فی مجلسی هذا قال : أما إنه کان مسلما ؟

قال أبو إبراهیم علیه السلام : نعم وقتل شهیدا ، دخلت علیه أجناد فقتلوه فی منزله غیلة والاجناد من أهل الشام ، قال : فما کان اسمی قبل کنیتی ؟

قال : کان اسمک عبد الصلیب ، قال : فما تسمینی ؟ قال أسمیک عبد الله ، قال : فإنی آمنت بالله العظیم وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، فردا صمدا ، لیس کما تصفه النصاری ولیس کما تصفه الیهود ولا جنس من أجناس الشرک ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق فأبان به لأهله وعمی المبطلون وأنه کان رسول الله إلی الناس کافة إلی الأحمر والأسود کل فیه مشترک فأبصر من أبصر واهتدی من اهتدی وعمی المبطلون وضل عنهم ما کانوا یدعون ، وأشهد أن ولیه نطق بحکمته وأن

ص: 378

من کان قبله من الأنبیاء نطقوا بالحکمة البالغة وتوازوا علی الطاعة لله وفارقوا الباطل وأهله والرجس وأهله وهجروا سبیل الضلالة ونصرهم الله بالطاعة له وعصمهم من المعصیة ، فهم لله أولیاء وللدین أنصار ، یحثون علی الخیر ویأمرون به ، آمنت بالصغیر منهم والکبیر ومن ذکرت منهم ومن لم أذکر وآمنت بالله تبارک وتعالی رب العالمین ، ثم قطع زناره وقطع صلیبا کان فی عنقه من ذهب ، ثم قال : مرنی حتی أضع صدقتی حیث تأمرنی .

فقال علیه السلام : ههنا أخ لک کان علی مثل دینک وهو رجل من قومک من قیس بن ثعلبة وهو فی نعمة کنعمتک فتواسیا وتجاورا ولست أدع أن أورد علیکما حقکما فی الاسلام فقال : والله _ أصلحک الله _ إنی لغنی ولقد ترکت ثلاثمائة طروق بین فرس وفرسة و ترکت ألف بعیر ، فحقک فیها أوفر من حقی ، فقال علیه السلام له : أنت مولی الله ورسوله وأنت فی حد نسبک علی حالک ، فحسن إسلامه وتزوج امرأة من بنی فهر وأصدقها أبو إبراهیم علیه السلام خمسین دینارا من صدقة علی بن أبی طالب علیه السلام وأخدمه وبوأه وأقام حتی اخرج أبو إبراهیم علیه السلام ، فمات بعد مخرجه بثمان وعشرین لیلة ((1)) .

ص: 379

{ فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَکَاناً قَصِیّاً22 فَأجَاءَهَا المَخَاضُ إلَی جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ یَا لَیْتَنِی مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَکُنتُ نَسْیاً مَنْسِیّاً } 23_ سورة مریم .

ولم یعلم الروح (جبرائیل ) علیه السلام کیفیة القدرة فقال لها ( کذلک قال ربک هو علی هین ولنجعله آیة للناس ورحمة منا وکان أمرا مقضیا ).

جاء فی تفسیر القمی : فنفخ فی جیبها فحملت بعیسی علیه السلام باللیل فوضعته بالغداة وکان حملها تسع ساعات من النهار جعل الله لها الشهور ساعات ثم ناداها جبرئیل علیه السلام وهزی إلیک بجذع النخلة ای هزی النخلة الیابسة فهزت , وکان ذلک الیوم سوق فاستقبلها الحاکة وکانت الحیاکة أنبل صناعة فی ذلک الزمان فأقبلوا علی بغال شهب فقالت لهم مریم أین النخلة الیابسة ؟

فاستهزؤوا بها وزجروها فقالت لهم جعل الله کسبکم بورا وجعلکم فی الناس عارا ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها علی النخلة الیابسة فقالت لهم مریم جعل الله البرکة فی کسبکم وأحوج الناس إلیکم , فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت بعیسی علیه السلام فلما نظرت إلیه قالت ( یا لیتنی مت قبل هذا وکنت نسیا منسیا ) ماذا أقول لخالی وماذا أقول لبنی إسرائیل ((1)) .

ص: 380

( فنادیها ) عیسی علیه السلام ( من تحتها ألا تحزنی قد جعل ربک تحتک سریا ) ای نهرا .

{ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ألا تَحْزَنِی قَدْ جَعَلَ رَبُّکِ تَحْتَکِ سَرِیّاً } 24_سورة مریم .

قال النبی عیسی علیه السلام لامه مریم بعدما ولدته لا تحزنی قد أجری ربک تحت قدمیک عین ماء .

وکانت فاطمة علیها السلام تحدث امها فی بطنها ، وبشرها رسول الله أنها انثی وأنها الطاهرة المیمونة وأن نسله منها ، ومن نسلها أئمة الهدی ، خلفاء الله فی خلقه ((1))

علیه نزل فی حقها وحق باقی أفراد أهل البیت : (إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) وروی نحو ذلک الامامیة بطرق

کثیرة ومن علماء السنة القرطبی والالوسی ((2)) .

{ وَهزِّی إلَیْکِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَیْکِ رُطَباً جَنِیّاً 25 فَکُلِی وَاشْرَبِی وَقَرِّی عَیْناً فَإمَّا تَرَیْنَ مِنْ البَشَرِ أحَداً فَقُولِی إنِّی نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً فَلَنْ اُکَلِّمَ الیَوْمَ إنسِیّاً 26 فَأتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا

ص: 381

یَا مَرْیَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَیْئاً فَرِیّاً 27 یَا اُخْتَ هَارُونَ مَا کَانَ أبُوکِ امْرَأ سَوْء وَمَا کَانَتْ اُمُّکِ بَغِیّاً 28 فَأشَارَتْ إلَیْهِ قَالُوا کَیْفَ نُکَلِّمُ مَنْ کَانَ فِی المَهْدِ صَبِیّاً 29 قَالَ إنِّی عَبْدُ اللّهِ آتَانِیَ الکِتَابَ وَجَعَلَنِی نَبِیّاً } 30_سورة مریم .

( وهزی إلیک بجذع النخلة ) ای حرکی النخلة ( تساقط علیک رطبا جنیا ) أی طیبا وکانت النخلة قد یبست منذ دهر طویل , فمدت یدها إلی النخلة فأورقت وأثمرت وسقط علیها الرطب الطری فطابت نفسها .

فقال لها عیسی علیه السلام قمطینی وسوینی ثم افعلی کذا وکذا فقمطته وسوته وقال لها عیسی علیه السلام :

( کلی واشربی وقری عینا فأما ترین من البشر أحدا فقولی انی نذرت للرحمن صوما ) وصمتا کذا نزلت ( فلن أکلم الیوم انسیا ) ففقدوها فی المحراب فخرجوا فی طلبها وخرج خالها زکریا فأقبلت علیها السلام وهو فی صدرها وأقبلن مؤمنات بنی إسرائیل یبزقن فی وجهها فلم تکلمهن حتی دخلت فی محرابها فجاء إلیها بنو إسرائیل وزکریا .

( فقالوا لها یا مریم لقد جئت شیئا فریا أی عظیما من المناهی یا أخت هارون ما کان أبوک امرأ سوء وما کانت أمک بغیا ): یعنی زانیة .

قیل لها أخت هارون أی أخی موسی وکانت من نسله أی انت من بیت طاهر الابوین فکیف ولدت طفلا لا أب له ؟

من أین هذا البلاء الذی جئت به والعار الذی ألزمته لبنی إسرائیل , فأشارت إلی عیسی فی المهد فقالوا لها :

ص: 382

( کیف نکلم من کان فی المهد صبیا ) فأنطق الله عیسی ابن مریم علیه السلام فقال : ( إنی عبد الله آتانی الکتاب وجعلنی نبیا _ إلی قوله _ ذلک عیسی بن مریم قول الحق الذی فیه یمترون ) ای یخاصمون .

وقال نجاح الطائی :

لقد تحدث جبرائیل مع مریم قبل ولادة عیسی وبعد ولادته بدأ عیسی یعلم أمه ویخبرها بنبع الماء تحت قدمیها وأن تهز النخلة لیتساقط علیها تمرها وأن تقمطه وتعلن صومها وصمتها والباقی سیتکلف به هو .

فکان عیسی علیه السلام یأخذ الاوامر الالهیة من الله تعالی مباشرة بالایحاء الیه وهکذا کان أهل البیت یستلمون الاوامر والاخبار الالهیة مرة عبر جبرائیل ومرة بالایحاء المباشر منه تعالی .

وهذا یبین المنزلة العظیمة لانبیاء أولی العزم وأهل البیت الکرام لکن رجال السقیفة اغتصبوا حقهم وخلافتهم ونهبوا تراثهم وأحرقوا حدیثهم وسلطوا الاعراب والمنافقین علیهم وقتلوهم مثلما قتل بنو اسرائیل الانبیاء وقتلوا شیعتهم .

وحدیث عیسی علیه السلام مع قومه من المعجزات لکن رؤوس بنی اسرائیل بقوا علی کفرهم مفسرین ما شاهدوا وسمعوا بالسحر کما قال فرعون لموسی .

ومثلما قال رؤوس قریش للنبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم کلما شاهدوا معجزاته .

وقد أسرعت مؤمنات بنی اسرائیل الحکم علی مریم فنلن منها بالبزاق علیها قبل تبین الامور وهذا لیس من شیم المؤمنین والمؤمنات .

ص: 383

قال الصادق علیه السلام فی قوله { وأوصانی بالصلاة والزکاة } قال زکاة الرؤوس لان کل الناس لیس لهم أموال وإنما الفطرة علی الفقیر والغنی والصغیر والکبیر .

کره نکاح الزنج وقومیات بحر قزوین العشرة

واهالی الهند وأهالی قندهار

کان عمر وعبد الله بن عمر وابو هریرة وکعب وغیرهم یضعون الحدیث المزور باسم النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم وفی زمن الدولة العباسیة کانوا یضعون الحدیث الکاذب علی لسان الباقر والصادق علیهما السلام .

والاحادیث المزورة التی وضعها جواسیس العباسیین علی لسان النبی صلی الله علیه و آله و سلم کانت کثیرة , والهدف منها توسیع منهج عمر وکعب الاحبار فقالوا کذبا :قال الصادق علیه السلام :

(قال الصادق علیه السلام : لا تناکحوا الزنج والخزر (1)، فإنّ لهم أرحاما تدلّ علی غیر الوفاء ، قال : السند والهند والقندهار لیس فیهم نجیب ) (2) .

ص: 384

(لا تناکحوا الزنج والخزر ، فإن لهم أرحاما تدل علی غیر الوفاء ، قال : والسند والهند والقندهار ((1))

لیس فیهم نجیب ((2))

.

لقد کفَّروا نصف سکان العالم باسم النبی صلی الله علیه و آله و سلم والامام الصادق !!! وهذه من الاکاذیب التی نقلها الجواسیس ودونها بعض العلماء دون تحقیق لتلک الروایة ورغم مخالفتها للقرآن والحدیث الصحیح .

و هدف الروایة الکاذبة :النیل من الأئمة الخلفاء علیهم السلام بان حدیثهم مخالف للعلم والادیان .

وتشویه سمعة الاسلام .

وتحقیر قومیات العالم الکثیرة .

وتفضیل الاعراب النواصب والیهود علیهم .

بینما ظهر علماء کثیرون فی قندهار منهم الاخوند الخراسانی والشیخ المحسنی وعشرات آخرون خدموا التشیع .

فکیف لا یوجد فیهم نجیب واحد؟ !!!

وظهر فی الهند علماء ومفکرون خدموا الاسلام والبشریة فی کافة العلوم منهم میر سید حامد النقوی الهندی صاحب موسوعة عبقات الانوار 24 مجلدا .

ص: 385

عبد السلام بن عبد اللَّه بن نور الدین بن المحدّث نعمة اللَّه الموسوی ، الجزائری الأصل ، التستری ، نزیل الهند ( . . - بعد 1206 هج ) : فقیه إمامی ، من علماء الهند (1) .

إبراهیم ( محمد إبراهیم ) بن محمد تقی بن حسین بن دلدار علی النقوی ، النصیر آبادی ، اللکهنوی . کان فقیها إمامیا ، مفتیا ، مفسرا ، من أکابر علماء الهند .

ولد فی لکهنو سنة تسع وخمسین ومائتین وألف وقرأ علی کمال الدین الموهانی فی علوم العربیة والمنطق .وتتلمذ علی والده فی الفقه والأصول .

وبرع فی الفقه ، وأفتی فی حداثة سنّه .ثم انتهت إلیه رئاسة الإمامیة فی بلاد الهند بعد وفاة والده السید محمد تقی ، وعظَّمه السلطان واحد علی شاه ، ولقبه بسید العلماء .وحتفی به السلطان ناصر الدین الشاه ، ولقّبه ب « حجة الإسلام » .ثم عاد إلی بلاده ، فتوفّی بها سنة - سبع وثلاثمائة وألف .

وکان قد صنف کتبا ورسائل ، منها : الشمعة فی أحکام الجمعة ، الیواقیت والدرر فی أحکام التماثیل والصور ، شرح بعض عبارات « مسالک الأفهام » فی الفقه للشهید الثانی سمّاه وطاب العائل ، تکملة « ینابیع الأنوار » فی تفسیر القرآن الکریم لوالده فی مجلدین ، البضاعة المزجاة فی تفسیر سورة یوسف ، دعائم الإیمان فی أصول الدین ، تحف المؤمنین ، أمل الآمل فی

ص: 386

تحقیق بعض المسائل فی علم الکلام بالفارسیة ، ونور الأبصار فی أخذ الثار فی أحوال المختار الثقفی بالفارسیة . وله فتاوی ، وخطب (1) .

وانجبت الهند آلاف العلماء العاملین الصالحین المخلصین فکیف یقول الحدیث المزیف : لیس فیهم نجیب ولا یجوز الزواج معهم .

ویبلغ عدد نفوس الهند ملیار وثلاثمائة ملیون نسمة واهالی باکستان مائة ملیون نسمة واهالی بنکلادش مائة ملیون نسمة .

ویبلغ عدد نفوس قومیات بحر قزوین الاثنی عشر قومیة ودولة ملیار نسمة

ویبلغ عدد نفوس االزنج فی افریقیا ملیار نسمة .

هذا الحدیث المزیف یحرم نکاح ملیاری ونصف انسان ویتهمهم بانه لا یوجد فیهم نجیب وشریف .

وهذا الزیف والکذب علی الائمامین الباقر والصادق فیه تجنی علی الاسلام والامامة ویبین ان الکثیر من العلماء تذکر روایات وتدعوا الاخرین الی التحقیق فیها .

وعن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال :( لا یدخل حلاوة الایمان قلب سندی ، ولا زنجی ، ولا خوزی ، ولا کردی ، ولا بربری ، ولا نبک الری ( أهالی الری أی ایران ) ، ولا من حملته أمه من الزنا ) ((1)) .