امهات الائمه المعصومین علیهم السلام: دراسه تاریخیه،تحلیلیه،علمیه المجلد 2

اشارة

سرشناسه:أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام: دراسة تاریخیة تحلیلیة علمیة / تألیف الدکتور السید حسین الموسوی الصافی؛ تقدیم اللجنة العلمیة السید محمد علی الحلو. الطبعة الأولی. - کربلاء: قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة، 1436

عنوان و نام پدیدآور:امهات الائمه المعصومین / تالیف سید حسین موسوی صافی

مشخصات نشر: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة

محل نشر: کربلای معلی - عراق

سال نشر : 1436

مشخصات ظاهری: 2ج.

یادداشت:عربی.

موضوع:چهارده معصوم -- مادران - تاریخ

موضوع:زنان مقدس مسلمان -- سرگذشتنامه

ص :1

هویة الکتاب

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق - وزارة الثقافة العراقیة لسنة 2013؛ 774

الموسوی الصافی، حسین.

أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام: دراسة تاریخیة تحلیلیة علمیة / تألیف الدکتور السید حسین الموسوی الصافی؛ تقدیم اللجنة العلمیة السید محمد علی الحلو. الطبعة الأولی. - کربلاء: قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة، 1436 ق. = 2015 م.

2 ج. (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة؛ 153)

المصادر.

1. النساء المقدسات فی الإسلام سیرة. 2. الأربعة عشر معصوم أمهات. 3. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ ق. ه -- 11 ه -. العصمة. 4. النساء المقدسات فی الإسلام دفع مطاعن. ألف. الحلو، محمد علی، 1957 - م، مقدم. ب. العنوان. ج. السلسلة.

BP 52 . M85 2015

تمت الفهرسة فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة قبل النشر

ص:2

ص:3

ص:4

المقدمة

الحمد لله ربّ العالمین والصلاة والسلام علی خیر الأنام خاتم النبیین والمرسلین وسیّد الخلق أجمعین أبی القاسم محمد وعلی الولاة من بعده الهادین المهدیین.

هناک عدّة عوامل وقفت عائقاً أمام الحدیث عن ذکر خصوصیات أمهات الأئمة علیهم السلام بشکل مفصل، أو لا أقل بما یلیق بشأنهنَّ ومقامهنَّ السامی - لاسیّما أمهات المعصومین بعد السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام - فهن یعشنَّ فی بحر من الکرامات والمعاجز, وربما من تلک العوامل هی أن التأریخ عاش وترعرع فی أحضان أعداء أهل البیت علیهم السلام، ومن الواضح لا تسنح الظروف الراهنة آنذاک فی نشر فضائل أهل البیت علیهم السلام، سواء کان من جهة الآباء أو الأمهات, نعم هناک مواقف وکرامات فرضت نفسها علی التاریخ واختزلت فی أذهان الناس وانتشرت فی ربوع المعمورة وغالباً ما یتأتی هذا من جهة الرجال دون النساء لما تحیطها من ظروف اجتماعیة وغیرها.

کما أنّ هناک عوامل وقفت حائلاً دون ذلک, من قبیل تحجیم دور المرأة

ص:5

فی المجتمع حینذاک؛ إذ لم تحظَ بمکانة بینهم فی جمیع الأصعدة, ولا نبالغ حینما نقول عانت المرأة خلال العصور التاریخیة المختلفة ألواناً من الظلم والاضطهاد والتعسف فی جمیع مراحل التاریخ.

نعم مع ظهور الإسلام وانتشار تعالیمه السامیة، دخلت حیاة المرأة مرحلة جدیدة بعیدة کل البعد عما سبقها, ففی هذه المرحلة أصبحت المرأة مستقلة ومتمتعة بکل حقوقها الفردیة والاجتماعیة والإنسانیة, لکن بقیت هذه الرواسب الجاهلیة کامنة فی أذهان الکثیر لاسیما المتغطرسین والمتسلطین علی رقاب الناس ما یمنع من نشر فضائل النساء اللاتی خصها الله بالکرامة والتقدیر, والتی فیها مواقف مشرّفة تبیض فیها وجه الإنسانیة والتاریخ.

وکذلک من العوامل المهمة أیضاً التی حالت دون وصول تاریخ وفضائل أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام هی إحراق وإتلاف مکتبات وتراث الشیعة فی مرّ العصور لاسیما فی العصور القدیمة والقریبة من عصر الأئمة علیهم السلام, کحرق مکتبة الشیخ الطوسی رحمه الله والتی تعد من أکبر المکتبات فی زمانها, وما حدث علی ید التتار عند دخولهم بغداد من إحراق المکتبات وإلقاء الکتب فی نهر دجلة حتی أسود ماؤه. وما جری فی إحراق المکتبات الشیعیة فی مصر علی أیدی الأیوبیین.

وعلیه فتاریخ أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام قد یکون حافلاً بذکر فضائلهن التی دوّنها علماء التاریخ والسیر وغیرهم، ولکن بسبب ما تعرضت إلیه مکتبات الشیعه علی مرّ التاریخ من الإحراق والاتلاف الذی أدّی بدوره إلی تضییع هذه الفضائل؛ ولذا جاء هذا الجزء من الکتاب مکملاً لما جاء فی الجزء الأول بما

ص:6

یرتبط بسیرة أمهات المعصومین علیهم السلام، حیث قمنا ببذل قصاری جهودنا للبحث عن هذه السیرة فی متون الکتب ومطاویها، حتی تسنی لنا جمع أکبر قدر ممکن من هذه السیرة العطرة، ولا ندعی لهذه الدراسة الکمال، بل هی خطوة لسد هذا الفراغ فی عالم السیرة والتاریخ، وبادرة خیر للتحقیق حولها، سائلین المولی العلی القدیر أن یتقبل منا هذا النزر القلیل، وأن یوفقنا لما فیه الخیر والصلاح.

المؤلف

15 / شعبان / 1432 ه -.

ص:7

ص:8

الفصل السادس: فاطمة بنت الحسن أم الإمام الباقر علیهم السلام

اشارة

ص:9

ص:10

النسب الطاهر

السیدة فاطمة بنت الحسن بن علی بن أبی طالب علیهم السلام (عبد مناف) بن عبد المطلب بن هاشم، إلی آخر السلسلة الهاشمیة. وقیل اسمها زینب, ولکن المشهور هو فاطمة.

وأمّا أمها: أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله التیمی, وهی بعد استشهاد زوجها الإمام الحسن علیه السلام تزوجها الإمام الحسین علیه السلام بوصیة منه, حیث قال له بعد وفاتی تزوج بأم إسحاق, وهذا یدلل علی مدی مکانة هذه المرأة عند أهل البیت علیهم السلام, وقد اهتم معاویة فی تزویجها لابنه یزید قبل زواجها من الإمام الحسن علیه السلام لکن سارع أهلها فی تزویجها الحسن علیه السلام عند قدومه إلی المدینة(1), وربما هذا أحد الأسباب التی جعلت الإمام الحسن علیه السلام یوصی أخاه الحسین علیه السلام فی زواجها بعده.

وأمّا أمها (أی جدة فاطمة بنت الحسن من أمّها) فهی الجرباء بنت قسامة بن رومان من طیء, وإنما سمیت الجرباء بنت قسامة لحسنها, کانت لا تقف إلی

ص:11


1- (1) راجع: تاریخ مدینة دمشق, ابن عساکر, ج 8 ص 229.

جانبها امرأة إلا استقبح منظرها لجمالها وکان النساء یتحامین أنْ یقفن إلی جانبها فشُبهت بالناقة الجرباء التی تتوقاها الإبل مخافة أنْ تعدیها(1).

وأمّا إخوانها (أی إخوان فاطمة بنت الحسن علیه السلام) فهم خمسة عشر ولداً بین ذکر وأنثی: أمّا زید بن الحسن وأختاه أم الحسن وأم الحسین أمهم أم بشیر بنت أبی مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجیة. وأمّا الحسن بن الحسن أمه خولة بنت منظور الفزاریة. وأمّا عمرو بن الحسن وأخواه القاسم وعبد الله ابنا الحسن أمهم أم ولد. وأیضاً عبد الرحمن بن الحسن أمه أم ولد. وأمّا الحسین بن الحسن الملقب بالأثرم وأخوه طلحة بن الحسن وأختهما فاطمة بنت الحسن (أم الإمام الباقر) أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله التیمی. وأم عبد الله وفاطمة وأم سلمة ورقیة بنات الحسن علیه السلام لأمهات أولاد شتی(2). وقد ترکنا ذکر نسبها من جهة الأب؛ لأنّهم أجل وأعرف من التعریف.

کنیتها وألقابها

اشارة

من عادة العرب لاسیما فی العصور القدیمة کانت تستخدم الکنیة بدل الاسم, وذلک فیه نوع من التعظیم والاحترام للطرف المقابل سواء کان رجلاً أم امرأة, فکانوا یقولون للرجل ولو لم یتزوج أبو فلان وللمرأة کذلک أم فلان وعادة یکون باسم الابن الأکبر, وهذا مما أیده الشرع الحنیف وجعله من المستحبات, حیث ورد أنّه یستحب تکنیة أهل الفضل من الرجال والنساء، سواء کان له ولد،

ص:12


1- (1) راجع: مقاتل الطالبیین, أبو الفرج الأصفهانی, ص 122.
2- (2) راجع: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 20.

أم لا، وسواء کنی بولده، أم بغیره. ولا بأس بکنیة الصغیرة، وإذا کنی من له أولاد، فالسنة أن یکنی بأکبرهم(1). والمشهور فی کنیة السیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام أم عبد الله, وقیل أم الحسن وقیل أم عبده.

ومن ألقابها: الصدیقة الآمنة التقیة المحسنة, کما سیأتی بیان ذلک مع الروایات الواردة فیها.

الدلیل علی کنیتها أم عبد الله

اختلف المؤرخون فی اسم وکنیة السیدة فاطمة بنت الحسن المکناة أم عبد الله, والسبب فی ذلک هو تعدد أسماء بنات الإمام الحسن علیه السلام, حیث یتراوح عدد بناته علیه السلام إلی سبع, کما عدهم الشیخ المفید فیما تقدم, وأم الإمام الباقر علیه السلام تحتل المرتبة الرابعة, والشیخ عدها فی المرتبة الثالثة, ولا یخفی أنّ ثلاثاً من بنات الإمام الحسن علیه السلام باسم فاطمة؛ وذلک لشدة حب الحسن علیه السلام بأمه فاطمة الزهراء علیها السلام, فأخذ یکثر فی تسمیة بناته باسم أمه.

وکیف کان فإنّ الدلیل الذی یعین لنا أنها فاطمة المکناة بأم عبد لله هو ما ذکر بمصحف فاطمة علیها السلام بلسان جابر وتأیید الإمام الصادق علیهما السلام, کما تقدم ذکره کاملاً فی التمهید فقد ورد أنّه لما احتضر أبو جعفر محمد بن علی الباقر علیه السلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق علیه السلام لیعهد إلیه عهداً، (الی أن یقول) قال جابر: فقرأت فإذا: أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفی أمه آمنة، أبو الحسن علی بن أبی طالب المرتضی أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أبو محمد الحسن

ص:13


1- (1) راجع: روضة الطالبین, محیی الدین النووی, ج 2 ص 504.

ابن علی البر، أبو عبد الله الحسین بن علی التقی، أمهما فاطمة بنت محمد، أبو محمد علی بن الحسین العدل أمه شهربانو بنت یزدجرد، أبو جعفر محمد بن علی الباقر أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علی بن أبی طالب،... الخ(1).

من خصوصیات فاطمة بنت الحسن علیهما السلام

تمتاز السیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام عن غیرها فی جملة من الخصوصیات بحسب الترکیبة الاجتماعیة والوراثیة, إضافة إلی أبعادها الروحیة والإیمانیة وما شهد بحقها المعصوم علیه السلام, فهی غصن من الدوحة الهاشمیة، والشجرة المحمدیة, حیث تکون حفیدة الإمام علی علیه السلام، وحفیدة فاطمة الزهراء علیها السلام, أضف إلی ذلک المجد الشامخ, أنها قرینة الإمام السجاد علیه السلام, وهی تکون بنت عمه علیه السلام (أی بنت عم زوجها الإمام زین العابدین علیه السلام), ووالدة الإمام الباقر علیه السلام، فقد جمعت المجد من أطرافه والفخر من أعلی سنامه إلی أن تصل إلی هاشم بن عبد مناف بن قصی. فهی بنت إمام معصوم أحد أصحاب أهل الکساء, وحفیدة معصومین, وبنت عم معصوم, وهو الإمام الحسین علیه السلام وقد کانت تحت رعایته بعد استشهاد أبیها الحسن علیه السلام, وایضا زوجة معصوم وأم معصوم, ومن ابنها انحدرت سلسلة العصمة المبارکة إلی الإمام الثانی عشر علیه السلام, وأیضاً لها من الخصوصیات أنها بنت شهید وحفیدة شهیدین, وبنت عم سید الشهداء فی کربلاء وزوجة شهید وأخت شهید وأم شهید, وهی أوّل من تلد علویاً من علویین، وفاطمیاً من فاطمیین، وأول من

ص:14


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 47. وبحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 36 ص 193.

اجتمعت بها ولادة من الحسن والحسین علیهما السلام. جدتها فاطمة الزهراء سیدة نساء العالمین, وخدیجة الکبری وفاطمة بنت أسد, إضافة إلی أمها أم إسحاق, تلک المرأة الطاهرة الجلیلة التی اعترف بفضلها وطهارتها حتی الأعداء, وکانت تقرن مع سیدات النساء, کما جاء عن بن إسحاق قال: سئل أبو جعفر لما حج عبد الله ابن الحسن عن ابنیه؟ فقال: لا علم لی بهما حتی تغالظا فأمصه (أی شتمه) أبو جعفر فقال: یا أبا جعفر بأی أمهاتی تمصنی أبفاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله, أم فاطمة بنت الحسین أم خدیجة بنت خویلد امِّ إسحاق بنت طلحة؟ قال: ولا بواحدة منهن ولکن بالجرباء بنت قسامة بن رومان، فوثب المسیب بن إبراهیم فقال: یا أمیر المؤمنین دعنی اضرب عنق ابن الفاعلة. فقام زیاد بن عبد الله فألقی علیه رداءه، فقال: یا أمیر المؤمنین هبه لی فأنا استخرج لک ابنیه فخلصه منه(1).

مقامها السامی

هی العلویة الطاهرة، والصدیقة المخدرة، ذات علم وفقه وکمال وفضل وشرف، وحیاء وعفة، العابدة الزاهدة, فقد سجل التاریخ لها مناقب وکرامات کثیرة.

منها ما رواه الشیخ الکلینی فی الکافی، عن محمد بن یحیی... معنعناً إلی أن یصل إلی الإمام أبی جعفر الباقر علیه السلام، قال: کانت أمی قاعدة عند جدار فتصدع الجدار وسمعنا هدّه فقالت بلسانها وأومأت بیدها: لا وحق المصطفی ما أذن الله لک بالسقوط، فبقی معلقا فی الجو حتی جازته، فتصدق أبی عنها بمائة دینار(2).

ص:15


1- (1) مقاتل الطالبیین, أبو الفرج الأصفهانی, ص 145.
2- (2) الکافی, الکلینی, ج 1 ص 469.

وأیضا ذکر الرواة أن أم الإمام الباقر علیه السلام کانت علی مرتبة عالیة من الجلال والکمال.

یقول المحدث القمی: أمه (أی الإمام الباقر علیه السلام) الماجدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبی فأصبح علیه السلام ابن الخیرتین، وعلویاً بین العلویین(1).

وذکرها الصادق علیه السلام یوما فقال: کانت صدیقة لم یدرک فی آل الحسن امرأة مثلها(2). وکانت من الرواة کما ورد عنها جملة من الروایات, کما سیأتی فی محله.

الزواج المیمون

اشارة

بعد نصف قرن تقریباً من الهجرة النبویة المبارکة, تم زواج الإمام السجاد علیه السلام من ابنة عمه فاطمة (أم عبد الله) بنت الإمام الحسن علیه السلام, وعمره آنذاک یناهز السابعة عشرة, وکان هذا الزواج فی عهد خلافة الإمام الحسین علیه السلام, بعد استشهاد الإمام الحسن علیه السلام أصبحت عائلته تحت رعایة وإشراف الإمام الحسین علیه السلام وعندها تم زواج الإمام السجاد علیه السلام من ابنة عمه, وقد عمت الفرحة فی ربوع الأسرة الهاشمیة والمحبین, وهم یعلمون أنها الوعاء الطاهر الذی أعده الله تعالی للمعصوم (أی الباقر علیه السلام), ولهذا الزواج جملة من الخصوصیات, منها: أنّ الزوج إمام معصوم ابن إمام معصوم (الإمام الحسین علیه السلام) ابن جدین معصومین, ابن سید الأوصیاء, وابن سیدة النساء, والزوجة بنت معصوم ومن جدین معصومین

ص:16


1- (1) منتهی الآمال ج 2 ص 131
2- (2) الکافی, الکلینی, ج 1 ص 469.

أیضاً. ومن الخصوصیات أنّ من هذا الزواج المیمون استمرت الإمامة من نسل الحسین علیه السلام إلی الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف, فامتدت الإمامة من نسل الحسن والحسین علیهما السلام, لذلک عند زیارة السیدة المعصومة علیها السلام (فاطمة بنت الإمام موسی الکاظم علیه السلام) الواردة عن الإمام الرضا علیه السلام نقول:... السلام علیک یا بنت الحسن والحسین... الخ(1).

أی أنّ فاطمة المعصومة أخت الإمام الرضا علیه السلام کما هی من نسل الحسین فکذلک هی من نسل الحسن علیه السلام.

المهدی حسینی الأب حسنی الأم

من جملة المزایا التی حازت علیها السیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام إضافة إلی ما عندها من تاریخ حافل بالکرامات وغیرها, أنّها أصبحت حلقة وصل بین الحسنین, فکما أنّ الذریة الطاهرة تنتسب إلی الحسین علیه السلام من جهة الإمام السجاد علیه السلام فکذلک تنسب إلی الإمام الحسن علیه السلام من ناحیة السیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام؛ وذلک لأنّها زوجة الإمام علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام، أم الإمام الباقر محمد بن علی بن الحسین علیهم السلام وهی فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبی علیه السلام کما تقدم, وعلی هذا یکون الإمام الباقر علیه السلام حسینی الأب حسنی الأم، وذریته التی منها الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف تکون من ذریة السبطین حقیقة, وهذا الجمع له ما یؤیده من القرآن الکریم حیث

ص:17


1- (1) انظر: صحیفة الرضا علیه السلام, جمع الشیخ جواد القیومی, ص 240. وبحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 99 ص 266.

قال تعالی:(وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ کُلاًّ هَدَیْنا وَ نُوحاً هَدَیْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَیْمانَ وَ أَیُّوبَ وَ یُوسُفَ وَ مُوسی وَ هارُونَ وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ * وَ زَکَرِیّا وَ یَحْیی وَ عِیسی وَ إِلْیاسَ کُلٌّ مِنَ الصّالِحِینَ)1 فعیسی علیه السلام ألحق بذراری الأنبیاء من جهة مریم علیها السلام، فلا مانع إذن فی أن تلحق ذریة الإمام الباقر بالإمام الحسن السبط من جهة الأم, کما ألحق السبطان برسول صلی الله علیه و آله من جهة فاطمة الزهراء علیها السلام. وهذا یکون أحد الوجوه التی تفسر الحدیث الوارد فی السنن عن أبی إسحاق بعد فرض صحته، من أنّ الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف من صلب الإمام الحسن علیه السلام, حیث قال: قال علی رضی الله عنه ونظر إلی ابنه الحسن فقال: إن ابنی هذا سید کما سماه النبی صلی الله علیه وسلم وسیخرج من صلبه رجل یسمی باسم نبیکم یشبهه فی الخلق ولا یشبهه فی الخلق، ثم ذکر قصة: یملأ الأرض عدلاً(1).

أولادها

اشارة

اختلف المؤرخون فی تعیین عدد أولادها علیها السلام, منهم من قال: إنّها ولدت للإمام زین العابدین علیه السلام, الإمام محمداً الباقر علیه السلام وعبد الله الباهر(2) ، واختلف فی

ص:18


1- (2) سنن أبی داود, ابن الأشعث السجستانی, ج 2 ص 311.
2- (3) عبد الله هو المعروف بالباهر, لقب بذلک لجماله، قالوا: ما جلس مجلساً إلا بهر جماله وحسنه من حضر، وکان یلی صدقات النبی صلی الله علیه و آله وصدقات أمیر المؤمنین علیه السلام, وکان فاضلاً فقیهاً روی عن آبائه عن رسول الله أخباراً کثیرة وحدت الناس، وحملوا عنه الآثار, توفی وهو ابن سبع وخمسین سنة، لاحظ عمدة الطالب ص 252.

أنّ الحسین هی أمّه أم ولد رومیة، والصحیح أنّها أمّه وهی فاطمة بنت الإمام الحسن علیه السلام، وکان الحسین عالماً فاضلاً أشبه ولد أبیه به، وإنما اشتهر بالأصغر لأنه کان له أخ آخر أکبر منه، اسمه الحسین، توفی فی حیاة أبیه(1).

وقیل: عمر بن علی السجاد علیه السلام من أولادها. ولذلک یقال لعمر بن علی بن أبی طالب الأطرف وتلقب ذریة الأخیر العمری: نسبة إلی جده عمر الأطرف، واشتهر بالأطرف حتی یتمیز من عمر الأشرف ابن الإمام السجاد علیه السلام؛ لأن الأشرف انتسب إلی علی علیه السلام من طرف الأب والأم، إذ أبوه الإمام زین العابدین علیه السلام, وأمه فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبی، بخلاف عمر الأطرف الذی حاز الشرف من طرف واحد، فانه منتسب إلی علی علیه السلام من طرف الأب فقط, وأما أمّه هی الصهباء التغلبیة(2). وقد نص علی کونها (فاطمة بنت الحسن) أمّه (عمر بن علی السجاد) الشیخ أبو نصر البخاری فی کتابه سر السلسلة العلویة(3).

وبعضهم قال إنّها أنجبت له من الذکورة السادة: زید والحسن والحسین الأصغر وعبد الرحمن وسلیمان وعلی ومحمد الباقر علیه السلام وعبد الله الباهر، ومن الإناث السیدات: خدیجة وفاطمة وعلیة وأم کلثوم(4).

وعن ابن شهر آشوب قال: أبناؤه اثنا عشر من أمهات الأولاد إلا اثنین محمد الباقر، وعبد الله الباهر أمهما أم عبد الله بنت الحسن بن علی علیهم السلام، وأبو

ص:19


1- (1) راجع: شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 1 ص 107.
2- (2) المجدی فی أنساب الطالبین, علی بن محمد العلوی, ص 8.
3- (3) سر السلسلة العلویة, ص 96.
4- (4) شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 28 - ص 200.

الحسین زید الشهید بالکوفة وعمر توأم، والحسین الأصغر، وعبد الرحمن وسلیمان توأم، والحسن والحسین وعبید الله توأم، ومحمد الأصغر فرد، وعلی وهو أصغر ولده، وخدیجة فرد، ویقال: لم تکن له بنت، ویقال: ولدت له فاطمة، وعلیة، وأم کلثوم(1).

النبی یبعث سلاماً لابنها الباقر علیه السلام

طالما کان النبی صلی الله علیه و آله یوصی بإتباع ومودة أهل البیت علیهم السلام, وکان یعرفهم بصفاتهم وذواتهم إلی الإمام الثانی عشر عجل الله فرجه الشریف وذلک لأنهم ترجمان القرآن وعدله وبهم یستقیم الأمر وتستمر الرسالة والهدی الإلهی, وکان صلی الله علیه و آله یعلم أنّ أحد أصحابه الموالین وهو جابر بن عبد الله الأنصاری یُعمّر ویدرک ولده الباقر علیه السلام فقد ضمنه رسالة سلام معطرة من نور الوحی والنبوة, حیث ورد عن أبان بن تغلب عن أبی عبد الله علیه السلام قال: إن جابر بن عبد الله الأنصاری کان آخر من بقی من أصحاب رسول الله وکان رجلاً منقطعاً إلینا أهل البیت وکان یقعد فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وهو معتجر (متعمم) بعمامة سوداء وکان ینادی یا باقر العلم، یا باقر العلم، فکان أهل المدینة یقولون: جابر یهجر، فکان یقول: لا والله ما أهجر ولکنی سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: إنک ستدرک رجلاً منی اسمه اسمی وشمائله شمائلی، یبقر العلم بقراً، فذاک الذی دعانی إلی ما أقول، قال: فبینا جابر یتردد ذات یوم فی بعض طرق المدینة إذ مرّ بطریق فی ذاک الطریق کان فیه محمد بن علی فلما نظر إلیه قال: یا غلام أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر

ص:20


1- (1) انظر: مناقب آل أبی طالب, ج 3 ص 311.

فأدبر ثم قال: شمائل رسول الله صلی الله علیه و آله والذی نفسی بیده، یا غلام ما اسمک؟ قال: اسمی محمد بن علی بن الحسین، فأقبل علیه یقبل رأسه ویقول: بأبی أنت وأمی أبوک رسول الله صلی الله علیه و آله یقرئک السلام ویقول ذلک، قال: فرجع محمد بن علی بن الحسین إلی أبیه وهو ذعر فأخبره الخبر، فقال له: یا بنی وقد فعلها جابر، قال نعم قال: الزم بیتک یا بنی, فکان جابر یأتیه طرفی النهار وکان أهل المدینة یقولون: وا عجباه لجابر یأتی هذا الغلام طرفی النهار وهو آخر من بقی من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله(1).

زید الشهید فی لسان المعصوم

زید بن علی بن الحسین علیهم السلام هو أحد أباة الضیم، ومن مقدمی علماء أهل البیت، قد اکتنفته الفضائل من شتی جوانبه، موصول بشرف نبوی، ومجد علوی، وسؤدد فاطمی، وروح حسینی. والشیعة علی بکرة أبیها لا تقول فیه إلا بالقداسة، وقد دعا إلی الرضا من آل محمد، کما تشهد لذلک أحادیث أسندت إلی النبی صلی الله علیه و آله والأئمة الأطهار علیهم السلام إضافة إلی نصوص العلماء، ومدائح الشعراء وتأبینهم له، فمنها قول رسول الله صلی الله علیه و آله للحسین السبط: یخرج من صلبک رجل یقال له: زید یتخطی هو وأصحابه رقاب الناس یدخلون الجنة بغیر حساب(2). وأیضا قوله صلی الله علیه و آله: إنّه یخرج ویقتل بالکوفة ویصلب بالکناسة،

ص:21


1- (1) انظر: الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 469.
2- (2) مقاتل الطالبیین, أبو الفرج الأصفهانی, ص 88.

یخرج من قبره نبشاً، وتفتح لروحه أبواب السماء، وتبتهج به أهل السماوات والأرض(1). وقول أمیر المؤمنین علیه السلام وقد وقف بالکوفة علی الموضع الذی صلب فیه زید فبکی حتی اخضلت لحیته وبکی أصحابه فقالوا له: یا أمیر المؤمنین مم بکاؤک؟ قال: إنّ رجلاً من ولدی یصلب فی هذا الموضع، من رضی أن ینظر إلی عورته أکبه الله علی وجهه فی النار(2). وقول الإمام الباقر علیه السلام: اللهم اشدد أزری بزید. ودخل علیه زید فلما رآه علیه السلام تلا قوله تعالی:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ). ثم قال: أنت والله یا زید من أهل ذلک(3). وقول الصادق علیه السلام: إنّه کان مؤمنا، وکان عارفا، وکان عالما، وکان صدوقا، أما إنه لو ظفر لوفی، أما إنه لو ملک لعرف کیف یصنعها(4). وقول الرضا علیهم السلام، إنّه کان من علماء آل محمد غضب لله فجاهد أعداءه حتی قتل(5). وغیرها من الأحادیث الکثیرة فی هذا المجال.

الفرق بین العلوی والفاطمی

العلویون: هم المنسوبون إلی أمیر المؤمنین من غیر طرف الحسنین یقال لهم العلویون، وهم عدة کثیرة فی بلاد الهند، وفی أردکان من بلاد فارس, وبخارا

ص:22


1- (1) انظر: عیون أخبار الرضا, الصدوق, ج 2 ص 227.
2- (2) الملاحم والفتن, ابن طاووس, ص 244.
3- (3) الغدیر, الأمینی, ج 2 ص 70.
4- (4) مستدرک الوسائل, المیرزا النوری, ج 10 ص 391.
5- (5) عیون أخبار الرضا, الصدوق, ج 2 ص 225.

وبلاد الأفغان وملتان والسند وغیرها(1). أمّا الفاطمی: هو الذی ینتسب إلی علی وفاطمة عن طریق الحسنین. فالذی ینتسب إلی فاطمة علیها السلام بالولادة فاطمی، والعلوی هو الذی ینتسب إلی علی علیه السلام. ومن الواضح أن کل فاطمی علوی ولیس کل علوی فاطمی.

والفاطمیون ینتسبون إلی جدهم الملقب بالمهدی، أول خلفائهم ببلاد المغرب، وهو عبید الله بن محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعیل بن الإمام جعفر الصادق علیه السلام. وهم من فرقة الإسماعیلیة، إحدی فرق الشیعة. والإسماعیلیة یوافقون الإمامیة الاثنی عشریة فی سوق الإمامة من أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب إلی الإمام جعفر الصادق، ثم یعدلون بها عن الإمام موسی الکاظم إلی أخیه إسماعیل، ثم إلی ابنه محمد، ثم إلی ابنه جعفر، ثم إلی ابنه محمد الملقب بالحبیب، ثم إلی عبید الله الملقب بالمهدی أول خلفاء الفاطمیین، ثم إلی ابنه العزیز، ثم ابنه الظاهر، إلی ابنه المستنصر بالله أبی تمیم خامس خلفائهم بمصر، وهنا یفترق الإسماعیلیة إلی فرقتین: إحداهما تقول: إن الإمامة انتقلت من المستنصر إلی ابنه المستعلی، وأخری تقول: إنها انتقلت إلی ابنه نزار(2).

وذکرهم الشهید الأول بقوله: کان الفاطمیون شیعةً إسماعیلیةً، سعوا کثیراً لنشر التشیع فی مصر وأفریقیا والأقطار الأخری التی کانت تحت یدهم. وربما جاز لنا أن نقول: إنّ ظهور الفاطمیین واستیلاءهم علی الحکم وحرصهم علی نشر

ص:23


1- (1) المجدی فی أنساب الطالبیین, علی بن محمد العلوی, ص 9.
2- (2) انظر: الشیعة فی المیزان, محمد جواد مغنیة, ص 149.

التشیع ومعارضة المذاهب الأخری کان رد فعل طبیعی للعنف والضغط الذی کانت الشیعة تنوء به أیام الحکم العباسی(1). وقد نُقل عن المقریزی قال: إنّه لما کان الخلفاء الفاطمیون بمصر کانت تتعطل الأسواق فی ذلک الیوم (عاشوراء) ویعمل فیه السماط العظیم المسمی سماط الحزن وینحرون الإبل، وظل الفاطمیون یجرون علی ذلک کل أیامهم فلما زالت الدولة الفاطمیة اتخذ الملوک من بنی أیوب یوم عاشوراء یوم سرور یوسعون فیه علی عیالهم، ویتبسطون فی المطاعم، ویتخذون الأوانی الجدیدة، ویکتحلون ویدخلون الحمام جریاً علی عادة أهل الشام التی سنها لهم الحجاج فی أیام عبد الملک بن مروان لیرغموا بذلک أنوف شیعة علی بن أبی طالب کرم الله وجهه الذین یتخذون یوم عاشوراء یوم عزاء وحزن علی الحسین بن علی علیهما السلام لأنه قتل فیه(2).

فاطمة بنت الحسن وعاء وحجر للمعصوم

إضافة إلی کل السجایا والکرامات والصفات العالیة التی حازت علیها هذه العلویة الجلیلة, فحسبها فخراً وسمواً أنّها بضعة من رسول الله صلی الله علیه و آله, وتکون وعاءً للإمام الباقر علیه السلام ومربیة له فی حجرها الطاهر, فقد ولد علیه السلام بالمدینة یوم الجمعة غرة رجب سنة سبع وخمسین من الهجرة، قبل استشهاد الحسین علیه السلام بثلاث سنین أو قریب الأربع سنوات. وفی روایة الثالث من شهر صفر سنة سبع وخمسین من الهجرة, فأقام مع جده ثلاث سنین، ومع أبیه الإمام علی السجاد علیه السلام أربعاً وثلاثین

ص:24


1- (1) انظر: الدروس, الشهید الأول, ج 1 ص 50.
2- (2) انظر: صوم عاشوراء بین السنة النبویة والبدعة الأمویة, نجم الدین الطبسی, ص 136.

سنة وعشرة أشهر. وعاش بعد أبیه أیام إمامته بقیة ملک الولید، وملک سلیمان بن عبد الملک، وملک عمر بن عبد العزیز، وملک یزید بن عبد الملک، وملک هشام بن عبد الملک، وملک الولید بن یزید، وملک إبراهیم بن الولید. وقبض فی أول ملک إبراهیم بن الولید، فی شهر ربیع الآخر سنة مائة وأربع عشرة من الهجرة، فکانت أیام إمامته تسع عشرة سنة وشهرین، وصار إلی کرامة الله (عز وجل) وقد کمل عمره سبعاً وخمسین سنة.

وکان سبب وفاته أنّ إبراهیم بن الولید سمه. ودفن بالبقیع مع أبیه علی علیه السلام(1). وکان علیه السلام یشبه جده رسول الله صلی الله علیه و آله، لذا لقب بالشبیه.

الملائکة تنادی فاطمة بنت الحسن علیها السلام

من الصفات التی امتازت بها السیدة فاطمة بنت الحسن علیها السلام أنّها من جملة المحدثات علاوة علی ما حظیت به من خصائص ومزایا جمة, وهذا مما لا یتسنی لکل أحد إلا من خصه الله بمزید من الإیمان والمعرفة والارتقاء بحیث یصل إلی مرتبة التحدث مع الملائکة, فالسیدة أم الباقر علیه السلام بما فیها من مؤهلات وما تحمل من المعارف الإلهیة, وتجسد فی ذاتها الإخلاص والعمل والسیر علی نهج الأنبیاء والأولیاء علیهم السلام قد جعلها أن تصل إلی هذه المرتبة العالیة وتشابه جدتها الزهراء علیها السلام بهذه الصفة وتکون محدثة من قبل الملائکة, وأیضا شابهت مریم بنت عمران (أم نبی الله عیسی علیه السلام) حیث کانت تخاطبها الملائکة وقد ذکر القرآن تلک الفضیلة لها بقوله:(وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِکَةُ یا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاکِ وَ طَهَّرَکِ وَ اصْطَفاکِ

ص:25


1- (1) راجع: دلائل الامامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 215.

عَلی نِساءِ الْعالَمِینَ)1, فکما طهر الله واصطفی أم نبی الله عیسی علیه السلام وباقی أمهات الأنبیاء علیهم السلام فکذا الحال فی أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام, فلا عجب عندما نسمع أو نقرأ أنّ الملائکة تحدث أم أحد الأئمة علیهم السلام, کما هو الحال فی السیدة فاطمة بنت الحسن علیها السلام, فقد ورد عندما حملت السیدة فاطمة بالإمام الباقر علیه السلام أخذها الضعف والانهیار وأحیاناً تصاب بغثیان وربما غشیان فترقد فی فراشها, وفی بعض الأیام کانت نائمة فرأت فی عالم الرؤیا أن جاءها شخص وبشرها بمولد الباقر علیه السلام, فعندما جلست من نومها فقد سمعت صوتاً من الجانب الأیمن من الدار من دون أن تراه وهو یقول: أنت حامل بأفضل أهل الأرض فی زمانه وأخذ بالإمام الباقر علیه السلام. من ذلک الوقت لم تشعر السیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام بثقلٍ أو غیره فی حملها إلی حین ولادته(1).

من صفاتها الصِّدِّیقة

مرّ علیک أنّ لفظ الصّدِّیقة من الأسماء التی عرفت بها السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام وذلک لشدة تصدیقها بالله ورسوله ووصیه, والصّدِّیق صیغة مبالغة فی التصدیق الکامل والتام, أی کثیرة الصدق, وهو کما فی اللغة من صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله(2).

وکیف کان فالسیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام تشابه جدتها فی هذه الصفة

ص:26


1- (2) راجع: منتهی الآمال, ج 2 ص 174.
2- (3) راجع: تاج العروس, الزبیدی, ج 13 ص 36.

العظیمة وهی التصدیق العلمی والعملی أو قل التصدیق بالجوانح والجوارح, ومنه نعرف أنّ کل قولها صدق وکل فعلها صدق مطابق للواقع ولا تشوبه الأخطاء والانحرافات, وقد أشار القرآن الکریم إلی بیان هذه الصفة والمراحل التی یلزم طیها ثم الوصول إلیها بقوله:(وَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِکَ هُمُ الصِّدِّیقُونَ)1, والسیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام من المصادیق الجلیة لهذه الآیة المبارکة حیث آمنت کل الإیمان حتی أصبحت من الدعاة إلی الحق ونشر کلمة العدل, وقد أحفاها الله بکرامات عدیدة ذلک بما أحسنت وصدقت بالله الواحد ورسوله الخاتم,(وَ صَدَّقَتْ بِکَلِماتِ رَبِّها وَ کُتُبِهِ وَ کانَتْ مِنَ الْقانِتِینَ)2, وأیضا شابهت فی هذه الصفة مریم بنت عمران أم نبی الله عیسی علیه السلام حیث کانت تلقب بالصدیقة کما هو ثابت فی صریح القرآن الکریم بقوله:(مَا الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّیقَةٌ)3, فالصدیقة من الصفات العالیة التی لا یتسنی لکل أحد أن یصل إلیها إلا من خصه الله بالحفاوة والرعایة, ویبقی أن نعرف الدلیل الذی یثبت أنّ فاطمة بنت الحسن من الصدیقین وقد تجاوزت هذه الصفة العالیة, وهو ما ثبت عن المعصوم الذی یتکلم عن الواقع وعن الله بدون أی مبالغة أو مجاملة أو بدافع العاطفة وإنما ینطق عن الله وهذا هو شأن العصمة, فقد ثبت فی الکتب

ص:27

المعتبرة أنّ الإمام أبا عبد الله الصادق علیه السلام ذکر جدته یوماً (أی ذکر فاطمة بنت الحسن علیه السلام) فقال: کانت صدیقة لم یدرک فی آل الحسن امرأة مثلها(1). بالإضافة إلی أنّ زوجها علی بن الحسین علیهما السلام کان یسمیها الصّدیقة(2). وعلی غرار هذا یلزم حتی فی تغسیلها لابد من صّدیقٍ معصومٍ یتولی غسلها کما هو واضح من تعلیل الحدیث الذی یذکر تغسیل علی علیه السلام لفاطمة علیها السلام, حیث سئل الصادق علیه السلام عن فاطمة علیها السلام من غسلها؟ فقال: غسلها أمیر المؤمنین علیه السلام لأنها کانت صدِّیقة لم یکن لیغسلها إلا صدّیق(3).

من صفاتها الروایة

من جملة الصفات التی حوتها السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام أنها کانت تروی الحدیث عن النبی صلی الله علیه و آله وعن أئمة أهل البیت علیهم السلام, وقد روی عنها المحدثون من الفریقین, ومن تلک الروایات التی روتها عن النبی صلی الله علیه و آله کما جاء فی فلاح السائل: بإسناده عن فاطمة بنت الحسن علیهما السلام عن أبیها الحسن بن علی علیهما السلام قال: کان رسول الله صلی الله علیه و آله یدعو بهذا الدعاء بین کل رکعتین من صلاة الزوال، الرکعتان الأولتان: اللهم أنت أکرم مأتی، وأکرم مزور، وخیر من طلب إلیه الحاجات، وأجود من أعطی، وأرحم من استرحم، وأرأف من عفا، وأعز من اعتمد, اللهم بی إلیک فاقة، ولی إلیک حاجات، ولک عندی طلبات، من ذنوب أنا

ص:28


1- (1) الکافی, الکلینی, ج 1 ص 469.
2- (2) انظر: الفصول المهمة فی معرفة الأئمة, ابن الصباغ, ج 2 ص 880.
3- (3) الکافی, الکلینی, ج 1 ص 469.

بها مرتهن قد أوقرت ظهری وأوبقتنی، وألا ترحمنی وتغفر لی أکن من الخاسرین... الخ(1).

وکذلک روی عنها ابن إسحاق حیث قال: عن فاطمة بنت الحسن بن علی رضی الله عنهم أن رسول الله صلی الله علیه وسلم بعث زید بن حارثة نحو مدین ومعه ضمیرة مولی علی بن أبی طالب وأخ له، قالت: فأصاب سبباً من أهل میناء وهی السواحل وفیها جماع من الناس فبیعوا ففرق بینهم(2).

وأیضا روی عنها مسألة رد الشمس لعلی بن أبی طالب علیه السلام, فقد ورد عن فاطمة بنت الحسن، عن أسماء بنت عمیس قالت: کان رسول الله صلی الله علیه و آله یوحی إلیه ورأسه فی حجر علی فلم یصل (علی) العصر حتی غربت الشمس, وقال أبو أمیة: صلیت یا علی. قال: لا. وقال أبو أمیة: فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: اللهم إنه کان فی طاعتک وطاعة نبیک, فاردد علیه الشمس. قالت: أسماء: فرأیتها غربت ثم رأیتها طلعت بعد ما غربت(3). وغیرها من الروایات التی جاءت عن طریقها.

من أخبارها فی آخر الزمان

جاء عن السیدة فاطمة بنت الحسن علیهم السلام أنّها تتکلم عن أحوال آخر الزمان وحال الناس فیه من انشقاقهم وتکفیر بعضهم البعض وغیر ذلک, وهذا ینم عن مدی اطلاعها ونظرتها الثاقبة التی تجاوزت فیها المستقبل البعید الذی یظهر فیه

ص:29


1- (1) سنن النبی صلی الله علیه و آله, السید الطباطبائی, ص 376.
2- (2) سبل الهدی والرشاد, الصالحی الشامی, ج 6 ص 96.
3- (3) انظر: شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 16 ص 316.

العدل والإصلاح علی ید المصلح العالمی الذی یملأ الأرض عدلا وقسطا بعد ما ملئت ظلما وجورا. فقد ورد عن عمیرة بنت نفیل قالت: سمعت بنت الحسن بن علی علیهما السلام تقول: لا یکون هذا الأمر الذی تنتظرون حتی یبرأ بعضکم من بعض، ویلعن بعضکم بعضا، ویتفل بعضکم فی وجه بعض، وحتی یشهد بعضکم بالکفر علی بعض، قلت: ما فی ذلک خیر قالت: الخیر کله فی ذلک عند ذلک یقوم قائمنا فیرفع ذلک کله(1). ومثل هذه الروایة ذکرت عن الحسن علیه السلام تارة وعن الحسین علیه السلام کذلک, فلا یتعارض مع ما ذکرته علیها السلام فإنّ کل ما عندها من المزایا والعلم هو مکتسب من نور وفیض أهل البیت علیهم السلام, حیث عاشت وترعرعت تحت أکناف أهل العصمة ومعدن الرسالة.

الأوضاع السیاسیة فی عصرها

عاشت السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام أوضاعاً سیاسیة ألیمة فی کل مراحل حیاتها إلی حین وفاتها, حیث یمکن لنا أن نقسم حیاتها إلی ثلاث مراحل: المرحلة الأولی فی عصر أبیها الحسن علیه السلام وهی ما بین (40-50 ه -) وهذه المرحلة کانت من المراحل العصیبة التی مرت بها السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام, حیث کانت ملیئة بالأحداث والأحزان وتأزم الأوضاع فی شتی الأمور, فهی الحقبة التی کان فیها معاویة یقاتل الحسن علیه السلام والمؤمنین, وقد شاهدت ما جری علی أبیها من إصابات وخیانة من البعید والقریب واضطهادٍ واستبدادٍ لعموم المؤمنین, ومن ثم استقرت مع أبیها فی المدینة المنورة تحت الحصار والاضطهاد إلی أن جاءت

ص:30


1- (1) بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 52 ص 211.

جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن علیه السلام وسمت أباها علیه السلام, فقد أخذ هو الآخر مأخذه الکبیر منها واشتد حزنها وألمها بعد فقدها أباها مسموما مظلوما شهیدا. وأمّا المرحلة الثانیة, فهی کانت فی عصر عمها الحسین علیه السلام ما بین (50-61 ه -) حیث إنّها بعد استشهاد أبیها علیه السلام انتقلت إلی کفالة عمها الحسین علیه السلام إلی أن تزوجت بالإمام زین العابدین علیه السلام, وهذه المرحلة بدورها لا تقل عن الأولی من أحزانٍ وآلامٍ ومحنٍ, حیث کانت أیضاً ملیئة بالأحداث والمصائب, فقد کانت المناهضات بین عمها الحسین علیه السلام ومعاویة إلی أن هلک وجاء دور ابنه یزید وأول عمل أقدم علیه أن حارب عمها الحسین علیه السلام وقتله مع أهل بیته وأصحابه, وقد شاهدت السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام حال عمها وإخوتها وأهل بیتها مجزرین علی رمضاء کربلاء بلا رؤوس وهی مسبیة مع زوجها العلیل وابنها الصغیر وعمتها زینب علیها السلام وباقی أهلها من بلد إلی بلد, ورؤوس أهل بیتها نصب أعینها تلوح علی رؤوس الرماح, مع شدة المعاملة القاسیة التی واجهتها من قبل أعداء الإنسانیة والدین. وأما المرحلة الثالثة, فمع زوجها الإمام زین العابدین علیه السلام وقد شاهدت ما فیه من المصائب والحزن وهو فی حال یرثی له من شدة المرض, وتجاوز الأعداء علیه وغیره, حتی حاولوا قتله عدة مرات فی کربلاء وفی الکوفة ولکن حالت ید الغیب بینهم وبین قتله لکی یبقی نسل آل محمد یعطی دوره الکامل فی رسم النهج الإلهی الخالد, وبقیت هذه السیدة بعد عاشوراء وآلام السبی مع زوجها فی تلک الظروف الحزینة الألیمة إلی أن وافاها الأجل.

ص:31

حضورها کربلاء

حضرت السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام أرض کربلاء وشاهدت وقائع عاشوراء وعاشت فی تلک الحظة هذه السیدة الجلیلة المحن والآلام بما مرّ بها وبأهل البیت علیهم السلام, فقد کانت مع زوجها الإمام السجاد وابنها الإمام الباقر علیهما السلام فی واقعة الطف یوم عاشوراء، وبذلک تکون قد شاهدت الفجائع المروعة وما جری علی آل الرسول صلی الله علیه و آله فی ذلک الیوم من مصائب ومحن، فقد شاهدت مصرع عمها الإمام الحسین علیه السلام وقتل أخیها القاسم ومصارع بقیة الأبطال من آل البیت وأصحابهم الکرام، وشاهدت أیضا زوجها العلیل مکبلاً بالأغلال، وولدها الإمام الباقر علیه السلام البالغ من العمر أربع سنوات تقریباً، یشکون العطش ومرارة الأسر وذله، محتسبة کل ذلک فی سبیل الله.

وفاتها ومحل دفنها

لم یظهر لنا من التاریخ وکتب السّیر وغیرها تحدید تاریخ ولادة السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام أو شهادتها وحتی مقام دفنها, وهذا یعبر عن مدی الظلامة التی عاشتها هذه السیدة الجلیلة فی اندثار تاریخها وإعفاء معالمها, ولکن یمکن أن نقول إنّ حیاتها بعد واقعة الطف استقرت مع زوجها الإمام زین العابدین علیه السلام فی المدینة, فلا یبعد أن تکون قد دفنت فیها مع زوجها وابنها وباقی أئمة البقیع وأولادهم, کما ذکر ذلک فی بعض الکتب, حیث قال وإنّ مدفنها فی المدینة المنورة وعمرها ما یقارب (57 سنة)(1). ولکن مع ذلک قد ذکر أنّ قبرها فی

ص:32


1- (1) راجع: کتاب کاروانی با سیزده کجاوه, ص 77.

فلسطین عند مسجد الیقین, حیث روی أن فی موضع قُری لوط مسجد بناه أبو بکر محمد بن إسماعیل الصاحی فیه مرقد إبراهیم علیه السلام قد غاص فی الصخر بنحو ذراع، ویقال: إن إبراهیم علیه السلام لما رأی قُری قوم لوط فی الهواء، وقف (أو رقد) ثم قال: أشهد أن هذا هو الحق الیقین؛ فلذلک سُمّی مسجد الیقین.

وکان بناء هذا المسجد فی شهر شعبان سنة اثنتین وخمسین وثلاثمائة، وبظهر المسجد مغارة بها قبر فاطمة بنت الحسن بن علی بن أبی طالب علیهم السلام وعند قبرها رخامة مکتوب علیها بالکوفی:

من البسیط أسکنت من کان بالأحشاء مسکنه بالرّغم منّی بین التّرب والحجر

أفدیک فاطمةٌ ممّا رمیت به بنت الأئمّة بنت الأنجم الزّهر(1)

ولکن ذکر ابن بطوطة فی رحلته أنّ هذا القبر لفاطمة بنت الحسین علیهما السلام, فقد قال: وهنالک بحیرة لوط وهی أجاج یقال إنّها موضع دیار قوم لوط وبمقربة من تربة لوط مسجد الیقین وهو علی تل مرتفع له نور وإشراق لیس لسواه ولا یجاوره إلا دار واحدة یسکنها قیمه وفی المسجد بمقربة من بابه موضع منخفض فی حجر صلد قد هیئ فیه صورة محراب لا یسع إلا مصلیاً واحداً. ویقال إن إبراهیم سجد فی ذلک الموضع شکراً لله تعالی عند هلاک قوم لوط فتحرک موضع سجوده وساخ فی الأرض قلیلاً, وبالقرب من هذا المسجد مغارة فیها قبر فاطمة بنت الحسین بن

ص:33


1- (1) سمط النجوم العوالی فی أنباء, ج 1 ص 66.

علی علیهما السلام وبأعلی القبر وأسفله لوحان من الرخام فی أحدهما مکتوب منقوش بخط بدیع بسم الله الرحمن الرحیم له العزة والبقاء وله ما ذرا وبرا وعلی خلقه کتب الفناء ولکم فی رسول الله أسوة حسنة هذا قبر أم سلمة فاطمة بنت الحسین رضی الله عنه وفی اللوح الآخر منقوش صنعه محمد بن أبی سهل النقاش بمصر وتحت ذلک هذه الأبیات: أسکنت من کان بالأحشاء مسکنه... الخ(1).

زیارة السیدة فاطمة بنت الحسن

لم نعثر علی زیارة خاصة للسیدة فاطمة بنت الحسن علیه السلام وإنما هناک زیارات وردت لعموم أولاد المعصومین الصالحین, ولا ریب أنّ السیدة فاطمة بنت الحسن علیهما السلام (أم الإمام الباقر علیه السلام) من الأوائل المقصودین فی تلک الزیارات. ومن تلک الزیارات هذه:

السلام علی جدک المصطفی، السلام علی أبیک المرتضی الرضا، السلام علی السیدین الحسن والحسین، السلام علی خدیجة سیدة نساء العالمین، السلام علی فاطمة أم الأئمة الطاهرین، السلام علی النفوس الفاخرة، بحور العلوم الزاخرة، شفعائی فی الآخرة، وأولیائی عند عود الروح إلی العظام الناخرة, أئمة الخلق وولاة الحق، السلام علیک أیها الشخص الشریف الطاهر الکریم أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ومصطفاه، وأن علیاً ولیه ومجتباه وأن الإمامة فی ولده إلی یوم الدین، نعلم ذلک علم الیقین، ونحن لذلک معتقدون وفی نصرهم مجتهدون(2).

ص:34


1- (1) رحلة ابن بطوطة, ص 74.
2- (2) بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 99 ص 272.

الفصل السابع: فاطمة بنت القاسم أم الإمام الصادق علیهما السلام

اشارة

ص:35

ص:36

اسمها ونسبها

السیدة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر بن أبی قحافة التیمی, وقیل اسمها قریبة, وتکنی أم فروة. وقیل أم القاسم, وکان أبوها القاسم من ثقات أصحاب علی بن الحسین زین العابدین علیه السلام کما سیأتی.

ووالد القاسم, محمد بن أبی بکر, ربیب الإمام علی علیه السلام والذی یعتبره بمثابة ابنه, وأیضا أمه (أم القاسم) أخت شهر بانویة بنت یزدجرد (أُم الإمام السجاد علیه السلام), کما تقدم الکلام عنه مفصلاً فی سیرة السیدة شهر بانویه, حیث قالوا: وأخذهن علی رضی الله عنه فدفع واحدة لعبد الله بن عمر وأخری لولده الحسین علیه السلام وأخری لمحمد بن أبی بکر وکان ربیبه(1). فیکون والدها (أی القاسم) ابن خالة الإمام السجاد علیه السلام.

وأمّا أمّها, فهی أسماء بنت عبد الرحمن بن أبی بکر. فهی (فاطمة بنت القاسم) ترجع إلی أبی بکر من جهة الأب ومن جهة الأم؛ لأن أباها القاسم تزوج من ابنة عمه عبد الرحمن بن أبی بکر.

ص:37


1- (1) راجع: وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان, ابن خلکان, ج 3 ص 267.

وأمّا أخوها, فهو عبد الرحمن بن القاسم, من فضلاء قریش ویکنی أبا محمد.

وقال عنه الأمینی: عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبی بکر التیمی أبو محمد المدنی المتوفی (126 ه -)، وثّقه أحمد وابن سعد وأبو حاتم، وأثنی علیه الخزرجی فی خلاصته(1).

وأمّا أختها, فهی أم حکیم بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر, تزوجها إسحاق ألعریضی ابن عبد الله بن جعفر فولد له منها القاسم والد داود أبی هاشم الجعفری المشهور، فقد روی أنّ إسحاق بن عبد الله بن جعفر الطیار ویقال له إسحاق العریضی, هو الذی تزوج أم حکیم أخت أم فروة بنتی القاسم بن محمد بن أبی بکر، فولدت أم حکیم لإسحاق القاسم، وکان القاسم والصادق علیه السلام ابنی خالة, وکان القاسم رجلاً جلیلاً أمیراً علی الیمن، وهو والد داود بن القاسم المعروف بأبی هاشم الجعفری البغدادی، العالم الورع، الثقة الجلیل، الذی أدرک الرضا وبقیة الأئمة علیهم السلام، وکان من وکلاء الناحیة المقدسة، ولم یکن فی آل أبی طالب مثله فی علو النسب فإنه ینتهی إلی عبد الله بن جعفر بن أبی طالب بأبوین، توفی فی جمادی الأولی سنة مائتین وإحدی وستین، وکان قبره مشهوراً یزار علی ما صرح به المسعودی. ولابن عیاش کتاب فی أخبار أبی هاشم الجعفری، یروی عنه الطبرسی فی إعلام الوری(2).

ص:38


1- (1) انظر: الغدیر, الشیخ الأمینی, ج 1 ص 73.
2- (2) مستدرکات علم رجال الحدیث, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 1 ص 569. والأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 150.

منزلة والدها القاسم

نال القاسم بن محمد بن ابی بکر, والد السیدة أم فروة, درجة سامیة وحظی بتأیید وتوثیق من المعصوم ومدح واطراء من العلماء وغیرهم, وقد شهد بفضله وعلمه وتقواه المؤرخون والمحدثون وغیرهم من العلماء, حیث ملأ صیته الخافقین حتی کان یعد عند المحدثین بفقیه المدینة وعالمها, فکان بُعید کل صلاة تلتف حوله الناس ویعطی دروساً فی الأحکام وغیرها, وکان أیضاً یتمتع بخلق عظیم وتدبیر. لذلک جاءت بحقه روایات تدل علی توثیقه وفضله وما إلی ذلک. منها ما روی عن إسحاق بن جریر قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: کان سعید بن المسیب وقاسم بن محمد بن أبی بکر وأبو خالد الکابلی من ثقات علی بن الحسین علیه السلام(1).

وفی حاشیة الخلاف قال: القاسم بن محمد بن أبی بکر بن أبی قحافة القرشی، التیمی، أبو محمد، ویقال: أبو عبد الرحمن روی عن أبیه، وعن العبادلة، (یقصد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبیر وعبد الله بن عباس) وغیرهم. عده الشیخ الطوسی فی أصحاب الإمامین السجاد والباقر علیهما السلام, وقال ابن سعد: کان ثقة، فقیهاً، إماماً، کثیر الحدیث، ورعاً، وقال ابن خلکان: کان من سادات التابعین وأفضل أهل الزمان، وأحد الفقهاء السبعة فی المدینة. مات سنة (101 ه (وقیل: (106 ه -), وقیل غیر ذلک(2).

ص:39


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 472.
2- (2) انظر: هامش الخلاف, الشیخ الطوسی, ج 1 ص 120.

وقال السید الخوئی رحمه الله: عدّه الشیخ تارة فی أصحاب السجاد علیه السلام، وأخری فی أصحاب الباقر علیه السلام، مقتصرا علی قوله: القاسم بن محمد. وکذلک ذکره البرقی فی أصحاب الصادق علیه السلام، وهو جد الصادق علیه السلام لامّه أم فروة، ذکره المفید فی الارشاد: باب ذکر الإمام القائم بعد أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام(1).

وقد ذکر عنه الإمام الصادق علیه السلام قال: أخبرنی جدی القاسم بن محمد ابن أبی بکر قال: قالت عائشة: لأن تبتر یدی أحب إلی من أن أمسح علی الخفین(2).

وله مواقف مشرّفة مع أهل البیت علیهم السلام کأبیه محمد بن أبی بکر, منها ما جاء فی مسألة دفن جثمان الإمام الحسن علیه السلام مع جده صلی الله علیه و آله ووقوف القوم حائلاً دون ذلک, فقد جاء فی تاریخ الیعقوبی قال: عندما جاءوا بنعش الإمام الحسن علیه السلام إلی قبر جده صلی الله علیه و آله, رکب مروان بن الحکم وسعید بن العاص، فمنعا من ذلک، ورکبت عائشة بغلة شهباء، وقالت: بیتی ولا آذن فیه لأحد فأتاها القاسم بن محمد بن أبی بکر، فقال: یا عمة ما غسلنا رؤوسنا من یوم الجمل الأحمر، أتریدین أن یقال: یوم البغلة الشهباء، فرجعت، واجتمع مع الحسین بن علی جماعة من الناس، فقالوا له: دعنا وآل مروان، فوالله ما هم عندنا إلا کأکلة رأس، فقال: إن أخی أوصانی ألا أریق فیه محجمة دم، فدفن الحسن فی البقیع(3).

وکان یتمتع بسجایا إیمانیة عالیة تنم عن مدی إخلاصه وتمسکه بالقیم

ص:40


1- (1) انظر: معجم رجال الحدیث, السید الخوئی, ج 15 ص 48.
2- (2) النوادر, فضل الله الراوندی, ص 218.
3- (3) انظر: تاریح الیعقوبی, ج 2 ص 225.

الإلهیة والهدی المحمدی ولا تأخذه فی ذلک لومة لائم لأنه رسم طریق الحق أمامه, فقد ذکره الشهید الثانی فی کتابه الأخلاقی قال ورد عن القاسم بن محمد بن أبی بکر أحد فقهاء المدینة المتفق علی علمه وفقهه بین المسلمین أنه سئل عن شیء فقال: لا أحسنه، فقال السائل: إنی جئت إلیک لا أعرف غیرک، فقال القاسم: لا تنظر إلی طول لحیتی وکثرة الناس حولی، والله ما أحسنه. فقال شیخ من قریش جالس إلی جنبه: یابن أخی ألزمها فوالله ما رأیتک فی مجلس أنبل منک مثل الیوم. فقال القاسم: والله لان یقطع لسانی أحب إلی أن أتکلم بما لا علم لی به(1).

نبذة عن جدها محمد بن أبی بکر

ولد محمد بن أبی بکر جدها من جهة الأب بالبیداء فی سنة حجة الوداع, وأمه أسماء بنت عمیس کانت تحت جعفر بن أبی طالب، وهاجرت معه إلی الحبشة فولدت له هناک عبد الله بن جعفر الجواد ثم قتل عنها یوم مؤتة، فخلف علیها أبو بکر فأولدها محمداً، ثم مات عنها، فخلف علیها علی بن أبی طالب علیه السلام وکان محمد ربیبه وخریجه وجاریاً عنده مجری أولاده، ورضیع الولاء والتشیع مذ زمن الصبا، فنشأ علیه، فلم یکن یعرف أباً غیر علی علیه السلام ولا یعتقد لأحد فضیلة غیره، حتی قال علیه السلام: محمد ابنی من صلب أبی بکر، وکان یکنی أبا القاسم فی قول ابن قتیبة، وقال غیره: بل کان یکنی أبا عبد الرحمن، وکان من نساک قریش، وکان ممن أعان فی یوم الدار(2).

ص:41


1- (1) انظر: منیة المرید, الشهید الثانی, ص 286.
2- (2) انظر: حاشیة الاحتجاج, الطبرسی, ج 1 ص 296. و بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 42 ص 162.

وروی أنّ أبا بکر خرج فی حیاة رسول الله صلی الله علیه و آله فی غزوة, فرأت أسماء بنت عمیس (فی عالم الرؤیا) وهی تحته کأنّ أبا بکر متخضب بالحناء رأسه ولحیته، وعلیه ثیاب بیض، فجاءت إلی عائشة فأخبرتها، فبکت عائشة وقالت: إن صدقت رؤیاک فقد قتل أبو بکر إن خضابه الدم وأن ثیابه أکفانه، فدخل النبی صلی الله علیه و آله وهی کذلک فقال: ما أبکاها؟ فذکروا الرؤیا. فقال صلی الله علیه و آله: لیس کما عبرت عائشة ولکن یرجع أبو بکر، فتحمل منه أسماء بغلام تسمیه محمداً یجعله الله تعالی غیظاً علی الکافرین والمنافقین, فکان الغلام محمد بن أبی بکر(1).

وقال ابن أبی الحدید: ونشأ فی حجر أمیر المؤمنین علیه السلام وأنه لم یکن یعرف أباً غیر علیٍّ علیه السلام، حتی قال أمیر المؤمنین علیه السلام: محمد ابنی من صلب أبی بکر، وکان یکنی (أبا القاسم) وکان من نساک قریش، وکان ممن أعان فی یوم الدار، ومن ولده القاسم بن محمد فقیه أهل الحجاز وفاضلها، ومن ولد القاسم عبد الرحمن من فضلاء قریش ویکنی (أبا محمد) ومن ولد القاسم أیضاً أم فروة تزوجها الإمام الباقر أبو جعفر محمد بن علی علیه السلام, وکان من حواری أمیر المؤمنین علیه السلام، وخواصه وأحد المحامدة التی تأبی أن یعصی الله حتی شهد معه الجمل, وکان علی الرجالة, وشهد معه صفین وولاه مصر(2).

وروی عن حمزة بن محمد الطیار قال: ذکرنا محمد بن أبی بکر عند أبی عبدالله علیه السلام فقال أبو عبد الله علیه السلام: رحمه الله وصلی علیه، قال لأمیر المؤمنین علیه السلام

ص:42


1- (1) الغارات, ابراهیم بن محمد الثقفی, ج 1 ص 288.
2- (2) شرح نهج البلاغة, ابن أبی الحدید, ج 6 ص 53.

یوماً من الأیام: أبسط یدک أبایعک، فقال: أو ما فعلت؟ قال: بلی، فبسط یده فقال أشهد أنک إمام مفترض طاعتک(1).

وعن شعیب عن أبی عبد الله علیه السلام قال: سمعته یقول: ما من أهل بیت إلا ومنهم نجیب من أنفسهم، وانجب النجباء من أهل (بیت) محمد بن أبی بکر, وینسب إلیه قوله:

یا بنی الزهراء أنتم ُعدتی وبکمْ فی الحشر میزانی رَجَح

وإذا صحَ ولائی فیکم لا أبالی أی کلبٍ قد نبح(2)

وقتل بمصر, قتله معاویة بن خدیج, وکان فیها والیاً من قبل أمیر المؤمنین علیه السلام ثم وضعه فی جوف حمار میت وأحرقه ولما بلغ أمیر المؤمنین علیه السلام قتل محمد بن أبی بکر حزن لذلک حزناً شدیداً حتی ظهر ذلک علیه وتبین فی وجهه.

وقام خطیباً فحمد الله وأثنی علیه إلی أن قال: ألا وإن محمد بن أبی بکر قد استشهد رحمة الله علیه وعند الله نحتسبه, وقیل له علیه السلام قد جزعت علی محمدٍ جزعاً شدیداً یا أمیر المؤمنین فقال: وما یمنعنی إنّه کان لی ربیباً وکان لبنی أخاً، وکنت له والداً، أعده ولداً. ولما سمعت أمه أسماء بقتله کظمت غیظها حتی شخبت ثدیاها دماً وکان استشهاده سنة (37) للهجرة(3).

ص:43


1- (1) الاختصاص, الشیخ المفید, ص 70.
2- (2) راجع: حاشیة الاحتجاج, الشیخ الطبرسی, ج 1 ص 269.
3- (3) راجع: المصدر نفسه.

منزلته عند أهل البیت علیهم السلام

کان محمد بن أبی بکر یُعد من حواری أمیر المؤمنین علیه السلام ومن شیعته المقربین المخلصین ونال تأییداً ومدحاً کبیراً من قبل أهل البیت علیهم السلام وهذا یکشف عن إیمانه وإخلاصه, کما ورد عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال: إذا کان یوم القیامة نادی مناد أین حواری محمد بن عبد الله رسول الله صلی الله علیه و آله الذین لم ینقضوا العهد ومضوا علیه، فیقوم سلمان والمقداد وأبو ذر، ثم ینادی أین حواری علی بن أبی طالب وصی محمد بن عبد الله رسول الله صلی الله علیه و آله فیقوم عمرو بن الحمق الخزاعی ومحمد بن أبی بکر ومیثم بن یحیی التمار مولی بنی أسد وأویس القرنی(1).

وقد جاء فی الاحتجاج بالإسناده عن أبی محمد العسکری علیه السلام أنه قال: لما جعل المأمون إلی علی بن موسی الرضا علیه السلام ولایة العهد، دخل علیه آذنه فقال: إنّ قوماً بالباب یستأذنون علیک، یقولون: (نحن من شیعة علی علیه السلام). فقال: أنا مشغول فاصرفهم, فصرفهم إلی أن جاءوا هکذا (وبقوا أیاماً إلی أن أذن لهم ودخلوا علیه)... فقالوا: یا بن رسول الله ما هذا الجفاء العظیم، والاستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب، أی باقیة تبقی منا بعد هذا؟ فقال الرضا علیه السلام: اقرؤا:(وَ ما أَصابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِما کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ وَ یَعْفُوا عَنْ کَثِیرٍ)2 والله ما اقتدیت إلا بربی عز وجل وبرسوله وبأمیر المؤمنین ومن بعده من آبائی الطاهرین علیهم السلام،

ص:44


1- (1) اختیار معرفة الرجال, الشیخ الطوسی, ج 1 ص 43.

عتبوا علیکم فاقتدیت بهم, قالوا: لماذا یا بن رسول الله؟ قال: لدعواکم أنکم شیعة أمیر المؤمنین ویحکم إن شیعته: الحسن والحسین وسلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، ومحمد بن أبی بکر الذین لم یخالفوا شیئاً من أوامره، وأنتم فی أکثر أعمالکم له مخالفون، وتقصرون فی کثیر من الفرائض وتتهاونون بعظیم حقوق إخوانکم فی الله...(1).

وجاء عن سلیم قال: فلمّا قتل محمد بن أبی بکر بمصر وعزّیت به أمیر المؤمنین علیه السلام وخلوت به وحدثته بما حدثنی به محمد بن أبی بکر وبما حدّثنی به ابن غنم، قال علیه السلام: صدق محمد رحمه اللّه، أما انّه شهید حیّ مرزوق(2).

وفی تاریخ الطبری أنّه حزن أمیر المؤمنین علیه السلام عند ما بلغه خبر استشهاد محمد بن أبی بکر، حتی رُئی ذلک فیه وتبین فی وجهه وقام فی الناس خطیباً: ألا وإن محمد بن أبی بکر قد استشهد رحمه الله فعند الله نحتسبه، أما والله لقد کان ما علمت ینتظر القضاء ویعمل للجزاء ویبغض شکل الفاجر ویحب هین المؤمن(3).

وجاء فی نهج البلاغة: وقال علیه السلام لما بلغه قتل محمد بن أبی بکر: إن حزننا علیه علی قدر سرورهم به إلا أنهم نقصوا بغیضاً ونقصنا حبیباً(4).

وفی نهج البلاغة أیضاً: ومن کتاب له علیه السلام إلی عبد الله بن العباس بعد مقتل

ص:45


1- (1) راجع: الاحتجاج, الشیخ الطبرسی, ج 2 ص 236.
2- (2) راجع: کتاب سلیم بن قیس, تحقیق: محمد باقر الأنصاری, ص 352.
3- (3) تاریخ الطبری, الطبری, ج 4 ص 82.
4- (4) راجع: نهج البلاغة, ج 4 ص 77.

محمد بن أبی بکر بمصر: أما بعد فإنّ مصر قد افتتحت ومحمد بن أبی بکر رحمه الله قد استشهد فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً، وعاملاً کادحاً، وسیفاً قاطعاً، ورکناً دافعاً، وقد کنت حثثت الناس علی لحاقه وأمرتهم بغیاثه قبل الوقعة ودعوتهم سراً وجهراً وعوداً وبدءاً... الخ(1).

نظرة فی جدها من أمها عبد الرحمن بن أبی بکر

عبد الرحمن بن أبی بکر, جد السیدة أم فروة من جهة أمّها وعم والدها القاسم, شهد الیمامة مع خالد, وقتل محکم الیمامة فی الحصن فاقتحمه المسلمون, وبعث إلیه معاویة بمائة ألف درهم فردها وقال لا أبیع دینی بدنیای(2).

کما ذکر ذلک ابن حیان الأندلسی عنه (عبد الرحمن) حین دعاه مروان, وهو أمیر المدینة, إلی مبایعة یزید, فقال: جعلتموها هرقلیة؟ کلما مات هرقل ولی ابنه، وکلما مات قیصر ولی ابنه؟ فقال مروان: خذوه، فدخل بیت أخته عائشة رضی الله عنها، وقد أنکرت ذلک عائشة فقالت، وهی المصدوقة: لم ینزل فی آل أبی بکر من القرآن غیر براءتی؛ وقالت: والله ما هو به، ولو شئت أن أسمیه لسمیته. وصدت مروان وقالت: ولکن الله لعن أباک وأنت فی صلبه، فأنت فضض من لعنة الله. وکان عبد الرحمن من أفاضل الصحابة وسراتهم وأبطالهم، وممن له فی الإسلام غناء یوم الیمامة وغیره(3).

ص:46


1- (1) راجع: المصدر السابق, ج 3 ص 60.
2- (2) الإمام جعفر الصادق علیه السلام, عبد الحلیم الجندی, ص 128.
3- (3) انظر: تفسیر البحر المحیط, أبی حیان الأندلسی, ج 8 ص 61.

وفی لفظ آخر: فقال عبد الرحمان بن أبی بکر: جاء بها معاویة هرقلیة. فقال مروان: أیها الناس إن هذا عبد الرحمان بن أبی بکر هو الذی أنزل الله عز وجل فیه:(وَ الَّذِی قالَ لِوالِدَیْهِ أُفٍّ لَکُما أَ تَعِدانِنِی)1, فبلغ ذلک أخته عائشة، فغضبت، وقالت: لا والله ما هو به ولو شئت أن اسمیه لسمیته، ولکن الله لعن أباک یا مروان علی لسان رسوله وأنت فی صلبه، فأنت قطعة من لعنة الله عز وجل(1).

وجاء فی أسد الغابة عن عبد العزیز الزهری عن أبیه عن جده قال: بعث معاویة إلی عبد الرحمن بن أبی بکر بمائة ألف درهم بعد أن أبی البیعة لیزید بن معاویة فردها عبد الرحمن وأبی أن یأخذها وقال لا أبیع دینی بدنیای وخرج إلی مکة فمات بها قبل أن تتم البیعة لیزید وکان موته فجأة من نومة نامها بمکان اسمه حبشی علی نحو عشرة أمیال من مکة وحمل إلی مکة فدفن بها ولما اتصل خبر موته بأخته عائشة ظعنت إلی مکة حاجة فوقفت علی قبره فبکت(2). وهکذا أسدل التاریخ علیه الستار من دون معرفة أسباب وملابسات موته, وربما طعنه أحد الجنود التی کان یستخدمها معاویة بن أبی سفیان, ومن هذه الجنود العسل المسموم, فعندما أرسل السم إلی مالک الأشتر وهو فی طریقه إلی مصر, قام معاویة خطیباً فقال: لله جنود من العسل(3).

ص:47


1- (2) شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, ج 2 ص 158.
2- (3) أسد الغابة, ابن الأثیر, ج 3 ص 306.
3- (4) راجع: مروج الذهب, ج 2 ص 139.

کمالاتها العالیة

کانت أم فروة (أم الإمام الصادق) علیهما السلام من الصالحات القانتات الطائعات ومن أتقی نساء زمانها علیها السلام, وکان یصفها العلماء من الفریقین من دون تردید بأنّها المرأة النجیبة الجلیلة المکرمة, حتی أنّ الإمام الصادق علیه السلام کان یُعبر عنه بابن المکرمة(1).

وذلک بما کانت تمتاز به هذه المرأة الصالحة من صفات کمالیة عالیة, فلم یکن اختیارها کی تکون للمعصوم وعاءً وحجراً کان مجرد صدفة, بل کان مخططاً له مسبقاً وأنّها هی التی تستحق أن تکون لذلک بما تحویه من نزاهة مادیة ومعنویة إضافة إلی السجایا الحمیدة التی کانت تتمتع بها هذه السیدة العظیمة.

وقد روی الکلینی، عن الکاهلی، عن أبی الحسن علیه السلام قال: کان أبی یبعث أمی وأم فروة تقضیان حقوق أهل المدینة(2). فهذا یعبر عن الکفاءة العالیة والمکانة العظیمة التی کانت تمتاز بها السیدة فاطمة بنت القاسم.

الصفات التی تتمتع بها

اشارة

عندما نرید دراسة شخصیة ما أو التعرف علی سیرة إنسان لابد أن نلاحظ مدی ارتباطه بقوانین السماء وملاحظة الصفات والسجایا التی یحتویها فی باطنه

ص:48


1- (1) راجع: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 150.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 4 ص 428.

وظاهره ولیس من السهل أن نصل إلی ذلک إلا بعد معاشرته والسفر معه وما إلیه, ومع ذلک لا نقطع بأنّ هذا هو الواقع الذی یعیشه وأنّه سیبقی علی هذا الحال إلی آخر العمر؛ لأن مثل هذه الصفات یصعب معرفتها من الغیر؛ لأنّها صفات وسجایا معنویة باطنیة لا تدرک وتلاحظ بالحواس, وما أروع کلام الإمام أمیر المؤمنین عندما یصف المتقین بقوله: إذا زکی أحدهم خاف مما یقال له فیقول: أنا أعلم بنفسی من غیری، وربی أعلم بی من نفسی(1).

فالإنسان بنفسه أبصر من غیره, ومع ذلک بحاله ولا یعلم کیف یختم أمره. نعم إلا الذی یحصل علی توثیق ووصف من قبل الله, أو المعصوم فهذا یکون أدل علیه من نفسه؛ لأن المعصوم یحکی عن تمام الواقع بما له من معنی, فعندما نرید معرفة الأبعاد التی یتمتع بها هذا الإنسان نلاحظ تأییده من قبل المعصوم وما کشف عنه من صفات, وبه نکون قد خلصنا إلی تمام معرفة صفاته وبیان حاله, فعندما نأتی إلی السیدة أم فروة أم الإمام الصادق علیه السلام نلاحظ أنها حظیت بتأییدٍ وتوثیقٍ من المعصوم عظیم وقد کشف عن الأبعاد التی کانت علیها, کما جاء فی الکافی بسنده عن الصادق علیه السلام فی حدیث قال: کانت أمی ممن آمنت واتقت وأحسنت والله یحب المحسنین(2).

ویجدر بنا أن نقف عند هذه الصفات التی کانت تمتاز بها هذه السیدة الجلیلة بحسب شهادة المعصوم علیه السلام.

ص:49


1- (1) نهج البلاغة, خطب الإمام علی علیه السلام, ج 2 ص 162.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 472.

قوة الإیمان

النقطة التی یفترق منها الإنسان ویُصنف علی غرارها إمّا کافرٌ أو مؤمنٌ هو الإیمان بالغیب وعدمه, فالمؤمن هو الذی آمن بالله ورسله والیوم الآخر وعقد قلبه علی ذلک وامتثل لکل الأوامر السماویة ووافق ظاهره باطنه, وهذا أیضا یتضمن فرقا آخرَ بین الإسلام والإیمان, حیث إنّ الإسلام دائرته أوسع من الإیمان, ربما الإنسان یدخل فی حلقة الإسلام لکن لم تتبلور فی کیانه ونفسه تعالیم الإسلام ولم تتجذر فی أعماقه وباطنه, فیمکن أن یتصف بظاهره أنّه مسلم وینتمی إلی هذه الدیانة الحقة لکن بباطنه وعمله لم یکن علی هذا المستوی ولم یعکس قوانین ومتطلبات القیم والمبادئ الإسلامیة, فالإسلام لیس مجرد شعارات فارغة بل هو قیّم ومبادئ تنبعث من الأفئدة والقلوب وتظهر علی الجوارح والجوانح, وقد عانی الإسلام من هذه الثلة التی أعیت وأتعبت کاهل المسلمین وجرَّت الویلات للمؤمنین المخلصین, بل أصبحت سداً منیعاً لمن أراد أن ینتمی إلی هذا الدین الذی ینسجم مع القیم الإنسانیة والفطرة الإلهیة, لذلک نلاحظ أن القرآن والسنة یؤکدان علی إسلام حقیقی یحمل معنی الإیمان, کما فی قوله تعالی:(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ)1, فیمکن أن نعرف من هذه الآیة وغیرها أنّ ثمرة الإسلام هو الإیمان, ولهذا الإیمان مراتب ودرجات, ولیس من السهل أن یرد الإنسان إلی حلقة الإیمان إلا بالعمل والإخلاص والطاعة لله ورسوله وأولیائه, فالإیمان لیس

ص:50

مجرد انتماء بل هو صور روحانیة تتجسد فیه وینعکس صداها إلی الفضاء المادی, من هذا نجد أن الروایات تصف المؤمن عبارة عن مجموعة قیم وسجایا حمیدة تجسدت فیه, کما روی عن أبی عبد الله علیه السلام فی توصیف المؤمن قال: «صفة المؤمن قوة فی دین، وحزم فی لین، وإیمان فی یقین، وحرص فی فقه، ونشاط فی هدی، وبر فی استقامة، وإغماض عند شهوة، وعلم فی حلم، وشکر فی رفق، وسخاء فی حق، وقصد فی غنی، وتجمل فی فاقة، وعفو فی قدرة، وطاعة فی نصیحة، وورع فی رغبة، وحرص فی جهاد، وصلاة فی شغل، وصبر فی شدة، وفی الهزاهز وقور، وفی المکاره صبور، وفی الرخاء شکور، لا یغتاب ولا یتکبر ولا یبغی، وإن بُغی علیه صبر، ولا یقطع الرحم ولیس بواهن ولا فظ ولا غلیظ، ولا یسبقه بصره، ولا یفضحه بطنه، ولا یغلبه فرجه ولا یحسد الناس، ولا یفتر ولا یبذر ولا یسرف، بل یقتصد، ینصر المظلوم، ویرحم المساکین، نفسه منه فی عناء والناس منه فی راحة، لا یرغب فی عز الدنیا، ولا یجزع من ألمها، للناس هم قد أقبلوا علیه، وله هم قد شغله، لا یری فی حلمه نقص، ولا فی رأیه وهن، ولا فی دینه ضیاع، یرشد من استشاره، ویساعد من ساعده، ویکیع من الباطل والخنا والجهل»(1).

فکل هذه الصفات التی یحتوی علیها المؤمن الحقیقی کانت تتمتع بها

ص:51


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 2 ص 231.

السیدة المکرمة أم الإمام الصادق علیه السلام, کما کشف عن ذلک المعصوم علیه السلام بقوله إنّها ممن آمنت, وربما وصلت إلی مرتبة عالیة من الإیمان حتی جعلت الإمام علیه السلام أن یصفها بهذا الوصف العظیم, ولو صدر هذا من غیر المعصوم لقلنا إنّه یرید فی ذلک المبالغة أو غیرها ولکن بما أنّه صدر من المعصوم الذی لا ینطق إلا عن حقیقة وواقع بدون أی مبالغة ومراعاة, فقد یثبت أنه یکشف عن واقع فعلی تعیشه هذه السیدة الجلیلة.

شدة التقوی

بعد ما تجذّر فی أعماق السیدة أم فروة ونفسها الإیمان وتجاوزت فیه مرتبة عالیة حازت علی مرتبة التقوی التی تعد من المراتب القصوی فی مراتب الکمال وقد یعجز الإنسان الوصول إلیها إلا من خصه الله وحباه وسدده بعدما لاحظ منه الهدایة والإخلاص والطاعة والتزکیة وما شاکلها, فلا شک أنّ السیدة أم فروة قد طوت المقدمات التی تؤهلها لأن تصبح عضواً ممیزاً من المتقین وتتحمل أعباء هذه المرحلة بکل أطیافها, حیث یصعب لکل أحد تحملها حتی من المؤمنین الممیزین کما یتبین ذلک من وصف الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام حال المتقین وکیف مات السائل بمجرد سماع هذه الصفات, فقد روی أنّ صاحباً لأمیر المؤمنین علیه السلام یقال له همام کان رجلاً عابداً، فقال یا أمیر المؤمنین صف لی المتقین حتی کأنی أنظر إلیهم, فتثاقل علیه السلام عن جوابه ثم قال: یا همام اتق الله وأحسن فإن الله مع الذین اتقوا والذین هم محسنون، فلم یقنع همام بهذا القول حتی عزم علیه، فحمد الله وأثنی علیه وصلی علی النبی صلی الله علیه و آله ثم قال: «أما بعد،

ص:52

فإنّ الله سبحانه وتعالی خلق الخلق حین خلقهم غنیاً عن طاعتهم، آمناً من معصیتهم، لأنّه لا تضره معصیة من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه, فقسم بینهم معیشتهم، ووضعهم من الدنیا مواضعهم, فالمتقون فیها هم أهل الفضائل, منطقهم الصواب, وملبسهم الاقتصاد ومشیهم التواضع, غضوا أبصارهم عما حرّم الله علیهم، ووقفوا أسماعهم علی العلم النافع لهم, نزلت أنفسهم منهم فی البلاء کالتی نزلت فی الرخاء, ولولا الأجل الذی کتب لهم لم تستقر أرواحهم فی أجسادهم طرفة عین شوقاً إلی الثواب، وخوفاً من العقاب, عظم الخالق فی أنفسهم فصغر ما دونه فی أعینهم، فهم والجنة کمن قد رآها فهم فیها منعمون، وهم والنار کمن قد رآها فهم فیها معذبون, قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة, وأجسادهم نحیفة، وحاجاتهم خفیفة، وأنفسهم عفیفة, صبروا أیاماً قصیرة أعقبتهم راحة طویلة, تجارة مربحة یسرها لهم ربهم, أرادتهم الدنیا فلم یریدوها وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها, أما اللیل فصافون أقدامهم تالین لأجزاء القرآن یرتلونه ترتیلاً, یحزنون به أنفسهم ویستثیرون به دواء دائهم, فإذا مروا بآیة فیها تشویق رکنوا إلیها طمعا، وتطلعت نفوسهم إلیها شوقاً، وظنوا أنها نصب أعینهم, وإذا مروا بآیة فیها تخویف أصغوا إلیها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفیر جهنم وشهیقها فی أصول آذانهم فهم حانون علی أوساطهم، مفترشون لجبابهم، وأکفهم ورکبهم وأطراف أقدامهم، یطلبون إلی الله تعالی فی فکاک رقابهم,

ص:53

وأما النهار فحلماء علماء، أبرار أتقیاء, قد براهم الخوف بری القداح ینظر إلیهم الناظر فیحسبهم مرضی وما بالقوم من مرض ویقول قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظیم, لا یرضون من أعمالهم القلیل, ولا یستکثرون الکثیر, فهم لأنفسهم متهمون, ومن أعمالهم مشفقون إذا زکی أحدهم خاف مما یقال له فیقول: أنا أعلم بنفسی من غیری وربی أعلم بی من نفسی, اللهم لا تؤاخذنی بما یقولون، واجعلنی أفضل مما یظنون، واغفر لی ما لا یعلمون... الخ». فصعق همام صعقة کانت نفسه فیها, فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: أما والله لقد کنت أخافها علیه(1). ونحن عندما نذکر صفات المتقین هنا کی یتبین لنا منزلة هذه السیدة الجلیلة أم فروة, فإنّها من رموز المتقین, کما کشف عن ذلک المعصوم علیه السلام الذی ینطق عن الغیب, إنّها ممن آمنت واتقت, فعندما نعرف معانی التقوی نعرف من خلالها عظمة من تلبس بها والتی من مصادیقها أم الإمام الصادق علیه السلام.

من صفاتها الإحسان

من جملة الصفات التی کانت تتمتع بها فاطمة بنت القاسم (أم الإمام الصادق علیه السلام) هی صفة الإحسان, کما شهد لها بذلک المعصوم علیه السلام بقوله وکانت من المحسنین, واعتنت الشریعة فی مسألة الإحسان حتی وردت فی عدة آیات, منها قوله تعالی:(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنّاتٍ وَ عُیُونٍ * آخِذِینَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ

ص:54


1- (1) نهج البلاغة, خطب الإمام علی علیه السلام, ج 2 ص 160.

إِنَّهُمْ کانُوا قَبْلَ ذلِکَ مُحْسِنِینَ * کانُوا قَلِیلاً مِنَ اللَّیْلِ ما یَهْجَعُونَ * وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ * وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ)1. فأبان لنا هنا بعض صفات المحسنین من أنهم کانوا یتقون ربهم ویقومون أکثر اللیل یصلون له ویستغفرونه بالأسحار وأن فی أموالهم حق لمن یسألهم ومن لا یسألهم من المحوجین لذلک جزاهم بالجنات الخالدة والعیون الجاریة آخذیها من ربهم جزاء حسن أعمالهم، وهکذا رغب الله فی الإحسان کل محسن لیدوم علیه ویتصف به أمام ربه وأبناء نوعه وأسرته ونفسه وأنّ الله یکون دائماً مع المحسنین, لقوله تعالی:(وَ الَّذِینَ جاهَدُوا فِینا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِینَ)2. کما أعلن جل وعلا فی عدة آیات بأنه یحب المحسنین، منها قوله تعالی:(لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ)3. وغیرها من الآیات الکثیرة التی تناولت مسألة الإحسان وبینت مدی قرب المحسنین من الله عزّ وجلّ ومکانتهم عنده تعالی, فالسیدة أم فروة کانت من أفاضل المحسنین حتی حظیت بمکانة عند الله وعند أولیائه, فعلاوة علی ما کانت تمتاز به من إیمان وتقوی وعلم وما إلیه فقد اتصفت بالإحسان وحظیت بالجزاء والتسدید والمحبة الإلهیة إلی آخر مطاف حیاتها.

ص:55

من صفاتها الروایة

لم تقتصر السیدة أم فروة (أم الصادق علیه السلام) علی العبادة والارتقاء المعنوی فی معزل عن الناس وعن خدمة الإسلام, بل کانت مع ذلک من الدعاة إلی طریق الحریة ونشر کلمة الحق فی ربوع المعمورة وشارکت الناس فی همومهم والعلماء فی علمهم والرواة فی روایاتهم, لذلک کانت من الرواة الذین نقل عنها المعصوم والذی یدل بذلک علی عظمتها وعلمها وضبطها, بل إنها حازت علی کل مقدمات الروایة.

فعندما ینقل عنها الإمام نفهم منه أنّها من أکابر الرواة الذین یعتمد ویؤخذ بقولهم, فجاء فی الکافی قال الإمام الصادق علیه السلام وقالت أمی: قال أبی: یا أم فروة إنی لأدعو الله لمذنبی شیعتنا فی الیوم واللیلة ألف مرة، لأنا نحن فیما ینوبنا من الرزایا نصبر علی ما نعلم من الثواب وهم یصبرون علی ما لا یعلمون(1).

وقد ذکر المسعودی فی کتاب الوصیة, کانت أم الصادق علیه السلام أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر وکان أبوها القاسم من ثقات علی بن الحسین وکانت من اتقی نساء زمانها وروت عن علی بن الحسین علیه السلام أحادیث.

وأیضا عدها البرقی ممن روی عن أبی عبد الله علیه السلام(2).

ص:56


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 472.
2- (2) معجم رجال الحدیث, السید الخوئی, ج 24 ص 205.

من صفاتها العلم

وأیضا لم تکن السیدة أم فروة راویة للحدیث فقط وتتمتع بمکانة معنویة رفیعة, بل کانت تُعد من العلماء الکبار تستقل بعلومها لاسیما فی معرفة أحکام الشریعة بما استلهمته من زوجها وأسرتها إضافة إلی البیت التی کانت تعیش فیه, حیث إنّ أسرة هذا البیت قد تربت وترعرعت علی معرفة علوم أهل البیت علیهم السلام حتی صاروا من ثقات الأئمة علیهم السلام ومن العلماء الکبار ولهم ترجمة حقیقیة بالولاء والطاعة, من هنا وردت نصوص تاریخیة وغیرها تدل علی مدی العلم والمعرفة عند السیدة أم الإمام الصادق علیه السلام, فقد جاء فی الکافی عن داود بن فرقد، عن عبد الأعلی قال: رأیت أم فروة تطوف بالکعبة علیها کساء متنکرة فاستلمت الحجر بیدها الیسری فقال لها رجل ممن یطوف: یا أمة الله أخطأت السنة، فقالت: إنا لأغنیاء عن علمک(1).

قالوا: یظهر أنّ الرجل من فقهاء العامة وکان المعروف بابن خربوذ(2), وکیف لا تستغنی عن فقه العامة امرأة زوجها باقر علوم الأولین والآخرین, وأبو زوجها الإمام زین العابدین علیه السلام, وابنها ینبوع العلم ومعدن الحکمة جعفر الصادق علیه السلام. وأیضا قد تقدم کیف کان یبعثها الإمام لقضاء حقوق أهل المدینة, فهذا یعبر عن مدی المستوی العلمی والأخلاقی التی تعیشه هذه السیدة العظیمة, فهی نالت المجد من طرفیة والفخر من جانبیه حتی جمعت بین الصفات الروحیة والمعنویة والمادیة.

ص:57


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 4 ص 428.
2- (2) انظر: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 15.

أم فروة وعاء وحاضنة للمعصوم

عندما یختارها الإمام شریکة لحیاته وأمینة علی نطفته لاسیما المعصوم والحجة من بعده, وهو یعلم أنّها ستکون الوعاء المناسب واللائق للمعصوم من الناحیة المعنویة والمادیة والحضن الرؤف الصالح, فهذا یکشف بحد ذاته عن مدی طهارتها وقربها من الله تعالی, فلما تزوجها الإمام الباقر علیه السلام وعمت الفرحة فی ربوع الأسرة الهاشمیة لم تمض فترة طویلة من اقترانها بالإمام محمد بن علی الباقر علیه السلام حتی حملت بالإمام الصادق علیه السلام وزادت الفرحة وعمت البشری فی أفراد الأسرة العلویة بالمولود الجدید، ولما أشرقت الأرض بنور ولادته سارعت القابلة لتزف البشری إلی أبیه فلم تجده فی البیت، وإنما وجدت جده الإمام زین العابدین علیه السلام، فهنأته بالمولود الجدید وأخبرته القابلة بأن له عینین زرقاوین جمیلتین، فتبسم الإمام علیه السلام وقال: إنه یشبه عینی والدتی وبادر الإمام السجاد علیه السلام إلی الحجرة فتناول حفیده فقبله، وأجری علیه مراسیم الولادة الشرعیة، فأذن فی أذنه الیمنی، وأقام فی أذنه الیسری, والبدایة المشرقة للإمام الصادق علیه السلام أن استقبله جده، الذی هو خیر أهل الأرض وهمس فی أذنیه نشید الولاء للإسلام الخالد.

واختلف الرواة فی تاریخ ولادته علیه السلام, فقیل إنه ولد (17) ربیع الأول عام (80 ه (وقیل عام (83 ه (وقیل بل ولد قبل هذین التاریخین, والراجح أنه ولد عام (80 ه. (واستشهد (25) شوال (148 ه -) وتوفی جده زین العابدین وهو یومئذ ابن (14) عاما وأدرک جده من أُمّه القاسم الذی توفی عام (108 ه (وللصادق من العمر (28) عاما(1).

ص:58


1- (1) انظر: شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 28 ص 513.

أولادها

ذکروا أنّ أولاد الإمام الباقر علیه السلام سبعة, الذکور خمسة: وهم الإمام الصادق علیه السلام وعبد الله الأفطح(1), أمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر. وإبراهیم وعبید الله وعلی من غیرها. وکان عبد الله بن الإمام الصادق یشار إلیه بالفضل والصلاح. وروی أنه دخل علی بعض بنی أمیة فأراد قتله، فقال له عبد الله: لا تقتلنی أکن لله علیک عوناً، واترکنی أکن لک علی الله عوناً, فلم یقبل، وسقاه السم فقتله.

أما بناته علیه السلام فزینب وأم سلمة. وقیل: له بنت واحدة اسمها زینب وکنیتها أم سلمة. درجوا أولاده کلهم (أی ماتوا فی حیاته) إلا أولاد الصادق علیه السلام والعقب منه(2).

لکن قال العلامة الأمینی فی الغدیر مجموع أولاد أبی جعفر الباقر علیه السلام الذکور ستة باتفاق الفریقین ولم نجد فیما وقفنا علیه من تآلیف العامة والخاصة غیرهم, ثم ذکر الخمسة المذکورة والسادس زید(3).

ویؤید القول الأول ما جاء فی المناقب حیث قال جعفر الإمام وکان یکنی به، وعبد الله الأفطح من أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر، وعبد الله وإبراهیم من أم حکیم بنت أسد الثقفیة، وعلی وأم سلمة وزینب من أم ولد. ویقال: زینب

ص:59


1- (1) الفطح: عرض فی وسط الرأس والأرنبة حتی تلتزق بالوجه کالثور الأفطح، قال أبو النجم یصف الهامة: قبضاء لم تفطح ولم تکتل ورجل أفطح: عریض الرأس بین الفطح. انظر: لسان العرب, لابن منظور, ج 2 ص 545.
2- (2) انظر: مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 2 ص 400.
3- (3) انظر: الغدیر, العلامة الأمینی, ج 3 ص 273.

لام ولد أخری. ویقال: له ابنة واحدة وهی أم سلمة، درجوا کلهم إلا أولاد الصادق فقد تزوجها مولانا الباقر علیه السلام فولد له منها مولانا الصادق علیه السلام وعبد الله(1).

وابنها الإمام الصادق علیه السلام غنی عن التعریف، ورث المجد کابراً عن کابر، ومن أجدر بالإمام جعفر الصادق علیه السلام أن یفتخر بهذا النسب الرفیع المقدس، ویترنم بقول الفرزدق:

أولئک آبائی فجئنی بمثلهم إذا جمعتنا - یا جریر المجامع(2)

إیثارها بنفسها

حبها للمعصوم الابن وإیثارها بنفسها له لأجل إنقاذ حیاته یکشف عن بُعْدِ إیمانها بالله وطاعتها وإیمانها بحملة الرسالة المحمدیة, حیث ذکروا أن فی سنة تسعین من الهجرة انتشر مرض الجدری فی یثرب، فأصاب مجموعة کبیرة من الأطفال، وکان الإمام الصادق علیه السلام فی السنة السابعة أو العاشرة من عمره، فخافت علیه أمه من العدوی، ففرت به إلی الطنفسة من ریف المدینة, ولما استقرت السیدة (أم فروة) مع ابنها (الصادق) فقد أصیبت هی بهذا المرض دون أن تشعر به فی بادئ الأمر، فلما ظهرت علیها الأعراض، تنبهت إلی خطورة الموقف، ولم تهتم السیدة (أم فروة) بعلاج نفسها، وإنما کان همها الوحید إنقاذ ولدها (جعفر) فأبعدته عنها إلی مکان آخر، وأخذت تعانی آلام أعراض المرض، وسریانه فی جسمها ولما انتهی الخبر إلی الإمام الباقر علیه السلام، أوقف بحوثه ودروسه العلمیة

ص:60


1- (1) انظر: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 340.
2- (2) انظر: موسوعة المصطفی والعترة, الحاج الشاکری, ج 9 ص 16.

واتجه لعیادة زوجته، وقبل أن یغادر المدینة زار قبر جده رسول الله صلی الله علیه و آله ودعا الله تعالی أن ینقذ زوجته (أم فروة) من هذا المرض ولما انتهی إلیها عظم علیها مجیئه، وخافت علیه من العدوی، وشکرته علی تصدعه لزیارتها، والتفت إلیها الإمام وبشرها بالسلامة، قائلاً لقد دعوت الله عز وجل عند قبر جدی رسول الله صلی الله علیه و آله أن ینجیک من هذا المرض، وإنی واثق أن جدی لا یردنی، وسیقضی لی حاجتی، فثقی بأنک ستشفین من هذا المرض، وأنا أیضاً مصون منه إن شاء الله واستجاب الله دعاء ولیّه الإمام، فقد عوفیت السیدة (أم فروة) من مرضها، ولم یترک أی أثر علی جسمها. ومن الجدیر بالذکر: أنّ هذا المرض لا یصیب الکبار إلا نادراً، فإن أصابهم کان خطراً علی حیاتهم فلا ینجو منه إلا القلیل(1).

سبب تسمیة ولدها بالصادق

إنّ أهل البیت علیهم السلام کلهم مظهر الصدق والإحسان والعبادة والجود والعلم والهدی وکظم الغیظ وما إلی ذلک, ولکن ربما تظهر حادثة تتجلی بها هذه الصفة لأحد الأئمة علیهم السلام التی راهن عصرها کما روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: إذا ولد جعفر بن محمد بن علی بن الحسین ابنی فسموه الصادق؛ فإنه یولد من ولد ابنه ولد یقال له جعفر الکذاب, ویل له من جرأته علی الله وتعدیه علی أخیه صاحب الحق، وإمام زمانه وأهل بیتی. فلأجل ذلک سمی الصادق(2).

وأیضا روی عن أبی خالد أنه قال: قلت لعلی بن الحسین علیهما السلام من الإمام

ص:61


1- (1) الإمام الصادق کما عرفه علماء الغرب, ص 89
2- (2) دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 248. وانظر: علل الشرائع, الصدوق, ج 1 ص 234.

بعدک؟ قال: محمد ابنی یبقر العلم بقراً، ومن بعد محمد جعفر، اسمه عند أهل السماء الصادق، قلت: کیف صار اسمه الصادق؟ وکلکم الصادقون؟ فقال: حدثنی أبی، عن أبیه أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: إذا ولد ابنی جعفر بن محمد بن علی ابن الحسین بن علی بن أبی طالب فسموه الصادق، فإن الخامس من ولده الذی اسمه جعفر یدعی الإمامة اجتراءً علی الله، وکذباً علیه، فهو عند الله جعفر الکذاب، المفتری علی الله، ثم بکی علی بن الحسین علیهما السلام فقال: کأنی بجعفر الکذاب وقد حمل طاغیة زمانه علی تفتیش أمر ولی الله، والمغیب فی حفظ الله(1).

وأیضا یمکن أن یکون هناک مغزی آخر لتجلی هذه الصفة فی الإمام الصادق علیه السلام وهی أنّ فی عصره علیه السلام اختلف العلماء فی کثیر من المسائل الشرعیة وغیرها لاسیما بین المسلمین, حتی أنّ بعض تلامیذه اتخذوا فکراً آخر یختلف مما کان علیه المعصوم علیه السلام, بل ربما کانوا یخالفونه بکل شیء, فلازم أن یبین من هو الصادق فی القول ویستحق الإقتداء والإتباع لکی یکون سبیلاً للنجاة وطریقاً للسعادة, فأکد النبی صلی الله علیه و آله عندما لقبه بالصادق وأنه الصادق بالقول والعمل, حیث قال صلی الله علیه و آله: یقال له جعفر أصدق الناس قولاً وعملاً هو الإمام والحجة بعد أبیه, وذلک یکون حجة علی إتباعه وأنّه هو صاحب الحق وقوله الصدق وإتباعه إتباع لله ولرسوله, کما یتضح ذلک فی أدنی تأمل فی أحادیث النبی صلی الله علیه و آله التی سیأتی ذکرها, فإنّ الإمامیة تعتقد أنّ أسماء أهل البیت وألقابهم علیهم السلام کانت جمیعها من قبل النبی صلی الله علیه و آله وتحمل فی طیاتها معانی ودلالات.

ص:62


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الصدوق, ص 320.

النبی یکشف عن أسماء الأئمة وألقابهم

ذکر المؤرخون وأصحاب الحدیث جملة من الروایات الواردة عن النبی صلی الله علیه و آله فی بیان أسماء وألقاب أهل البیت علیهم السلام إلی الإمام الثانی عشر, کما جاء فی کفایة الأثر عن الحسن علیه السلام قال: خطب رسول الله صلی الله علیه و آله یوماً فقال بعد ما حمد الله وأثنی علیه: معاشر الناس کأنی ادعی فأجیب، وإنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی ما أن تمسکتم بهما لن تضلوا، فتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم، لا تخلو الأرض منهم، ولو خلت إذاً لساخت بأهلها. ثم قال صلی الله علیه و آله: اللهم إنی أعلم أن العلم لا یبید ولا ینقطع، وإنک لا تخلی أرضک من حجة لک علی خلقک ظاهر لیس بالمطاع أو خائف مغمور لکیلا تبطل حجتک ولا یضل أولیاؤک بعد إذ هدیتهم، أولئک الأقلون عدداً الأعظمون قدراً عند الله. فلما نزل عن منبره قلت: یا رسول الله أما أنت الحجة علی الخلق کلهم؟ قال: یا حسن إن الله یقول (إنما أنت منذر ولکل قوم هاد) فأنا المنذر وعلی الهادی. قلت: یا رسول الله فقولک إنّ الأرض لا تخلو من حجة؟ قال: نعم علی هو الإمام والحجة بعدی، وأنت الحجة والإمام بعده، والحسین الإمام والحجة بعدک، ولقد نبأنی اللطیف الخبیر أنه یخرج من صلب الحسین غلام یقال له علی سمی جده علی، فإذا مضی الحسین أقام بالأمر بعده علی ابنه وهو الحجة والإمام، ویخرج الله من صلبه ولداً سمیی وأشبه الناس بی علمه علمی وحکمه حکمی هو الإمام والحجة بعد أبیه، ویخرج الله تعالی من صلبه مولوداً یقال له جعفر أصدق الناس قولاً وعملاً هو الإمام والحجة بعد أبیه، ویخرج الله تعالی من صلب جعفر مولوداً [یقال

ص:63

له موسی] سمی موسی بن عمران علیه السلام أشد الناس تعبداً فهو الإمام والحجة بعد أبیه، ویخرج الله تعالی من صلب موسی ولداً یقال له علی معدن علم الله وموضع حکمه فهو الإمام والحجة بعد أبیه، ویخرج الله من صلب علی مولوداً یقال له محمد فهو الإمام والحجة بعد أبیه، ویخرج الله تعالی من صلب محمد مولوداً یقال له علی فهو الحجة والإمام بعد أبیه، ویخرج الله تعالی من صلب علی مولوداً یقال له الحسن فهو الإمام والحجة بعد أبیه، ویخرج الله تعالی من صلب الحسن الحجة القائم إمام شیعته ومنقذ أولیائه، ویغیب حتی لا یری فیرجع عن أمره ویثبت آخرون ویقولون (متی هذا الوعد إن کنتم صادقین)، ولو لم یبق من الدنیا إلا یوم واحد لطول الله عز وجل ذلک حتی یخرج قائمنا فیملأها قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، فلا تخلو الأرض، أعطاکم الله علمی وفهمی ولقد دعوت الله تبارک وتعالی أن یجعل العلم والفقه فی عقبی وعقب عقبی ومزرعی وزرع زرعی(1).

وفی خبر آخر عن أبی هریرة قال: کنت عند النبی صلی الله علیه و آله وأبو بکر وعمر والفضل بن العباس وزید بن حارثة وعبد الله بن مسعود إذ دخل الحسین بن علی علیه السلام فأخذه النبی صلی الله علیه و آله وقبله ثم قال: حزقة حزقة، ترق عین بقة، ووضع فمه علی فمه وقال: اللهم إنی أحبه فأحبه وأحب من یحبه، یا حسین أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة، تسعة من ولدک أئمة أبرار. فقال له عبد الله بن مسعود: ما هؤلاء الأئمة الذین ذکرتهم فی صلب الحسین؟ فأطرق ملیاً ثم رفع رأسه فقال: یا عبد الله سألت عظیماً ولکنی أخبرک أنّ ابنی هذا (ووضع یده

ص:64


1- (1) کفایة الأثر, الخزاز القمی, ص 163.

علی کتف الحسین علیه السلام ) یخرج من صلبه ولد مبارک سمی جده علی علیه السلام یسمی العابد ونور الزهاد، ویخرج الله من صلب علی ولداً اسمه اسمی وأشبه الناس بی یبقر العلم بقراً وینطق بالحق ویأمر بالصواب، یخرج الله من صلبه کلمة الحق ولسان الصدق، فقال له ابن مسعود: فما اسمه یا رسول الله؟ قال: یقال له جعفر، صادق فی قوله وفعله، الطاعن علیه کالطاعن علی، والراد علیه کالراد علی، ثم دخل حسان بن ثابت وأنشد فی رسول الله صلی الله علیه و آله شعراً وانقطع الحدیث. فلما کان من الغد صلی بنا رسول الله صلی الله علیه و آله ثم دخل بیت عائشة ودخلنا معه أنا و علی بن أبی طالب وعبد الله بن العباس، وکان صلی الله علیه و آله من دأبه إذا سئل أجاب وإذا لم یسأل ابتدأ، فقلت له: بأبی أنت وأمی یا رسول الله ألا تخبرنی بباقی الخلفاء من صلب الحسین قال: نعم یا أبا هریرة، ویخرج الله من صلب جعفر مولوداً نقیاً طاهراً أسمر ربعة سمی موسی بن عمران، ثم قال له ابن عباس: ثم من یا رسول الله؟ قال: یخرج من صلب موسی علی ابنه یدعی بالرضا، موضع العلم ومعدن الحلم، ثم قال صلی الله علیه و آله، بأبی المقتول فی أرض الغربة، ویخرج من صلب علی ابنه محمد المحمود، أطهر الناس خلقاً وأحسنهم خلقاً، ویخرج من صلب محمد علی ابنه: طاهر الحسب صادق اللهجة، ویخرج من صلب علی الحسن المیمون النقی الطاهر الناطق عن الله. وأبو حجة الله، ویخرج الله من صلب الحسن قائمنا أهل البیت یملأها قسطاً وعدلاً کما

ص:65

ملئت جوراً وظلماً، له هیبة موسی وحکم داود وبهاء عیسی ثم تلا صلی الله علیه و آله: (ذُرِّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ). فقال له علی بن أبی طالب علیه السلام: بأبی أنت وأمی یا رسول الله من هؤلاء الذین ذکرتهم؟ قال یا علی: أسامی الأوصیاء من بعدک، والعترة الطاهرة، والذریة المبارکة، ثم قال صلی الله علیه و آله: والذی نفس محمدٍ بیده لو أن رجلاً عبد الله ألف عام ثم ألف عام ما بین الرکن والمقام ثم أتانی جاحداً لولایتهم لأکبه الله فی النار کائناً من کان(1).

وأیضا ما ذکره بن عیاش الجوهری المتوفی سنة (401 ه -) بسنده المعنعن إلی أبی سلمی, سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: لیلة اسری بی إلی السماء قال العزیز جل ثناؤه: آمن الرسول بما انزل إلیه من ربه قلت: والمؤمنون، قال: صدقت یا محمد من خلفت لامتک؟ قلت: خیرها، قال: علی بن أبی طالب؟ قلت: نعم، قال: یا محمد إنی اطلعت علی الأرض اطلاعة فاخترتک منها، فشققت لک اسماً من أسمائی، فلا أذکر فی موضع الا وذکرت معی، فانا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت فاخترت منها علیاً، وشققت له اسماً من أسمائی، فانا الأعلی وهو علی، یا محمد أنی خلقتک وخلقت علیاً وفاطمة والحسن والحسین من سن نوری، وعرضت ولایتکم علی أهل السماوات والأرضین، فمن قبلها کان عندی من المؤمنین، ومن جحدها کان عندی من الکافرین، یا محمد لو أن عبداً من عبادی عبدنی حتی ینقطع أو یصیر کالشن البالی، ثم أتانی جاحداً لولایتکم، ما غفرت له أو یقر بولایتکم یا محمد تحب ان تراهم؟ قلت: نعم یا رب فقال لی: التفت عن

ص:66


1- (1) الصراط المستقیم, علی بن یونس العاملی, ج 2 ص 140.

یمین العرش فالتفت وإذا بعلی وفاطمة والحسن والحسین، وعلی بن الحسین، ومحمد بن علی، وجعفر بن محمد، وموسی بن جعفر، وعلی بن موسی، ومحمد بن علی، وعلی بن محمد، والحسن بن علی، والمهدی فی ضحضاح من نور قیاماً یصلون، وهو فی وسطهم - یعنی المهدی - کأنه کوکب درّی فقال: یا محمد؟ هؤلاء الحجج وهو الثائر من عزتک، وعزتی وجلالی إنّه الحجة الواجبة لأولیائی، والمنتقم من أعدائی(1).

ولدنی أبو بکر مرتین

اشارة

بما أنّ (أم فروه) فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر کانت أم الصادق علیه السلام, وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبی بکر, فیکون هذا معنی قول الصادق علیه السلام: إنّ أبا بکر ولدنی مرتین(2), حیث إنّ أُمه علیه السلام تتصل بأبی بکر من جهة الأب ومن جهة الأم, لأنّ أباها القاسم حفید أبی بکر, وأمها أسماء حفیدة أبی بکر کذلک. وقد تقدم توضیح ذلک مفصلاً.

وهذا الاتصال من الإمام علیه السلام بأبی بکر من جهة الأم بهذا النحو لا غبار علیه وانّه واقع فعلاً, ولکن الکلام فی صدور الحدیث عن لسان الإمام الصادق علیه السلام وعدمه, فیقع الکلام من هذه الناحیة فی مقامین, نذکرهما علی سبیل الاختصار والإیجاز لأنّ ذلک لیس مورد بحثنا, فالمقام الأول: من الناحیة السندیة. والمقام الثانی: ومن الناحیة الدلالیة.

ص:67


1- (1) مقتضب الأثر, أحمد بن عیاش الجوهری, ص 11.
2- (2) أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 8 ص 390.

المناقشة فی سند الروایة

أمّا المقام الأول من مناقشة الحدیث فتکون من جهة السند, فإن هذا الحدیث ینتهی إلی مسند الکوفة, محمد بن الحسین الحنینی، قال: حدثنا عبد العزیز بن محمد الأزدی، قال: حدثنا حفص بن غیاث، قال: سمعت جعفر بن محمد یقول: ما أرجو من شفاعة علی شیئاً إلا وأنا أرجو من شفاعة أبی بکر مثله، ولقد ولدنی مرتین(1).

وهذا الطریق من السند لیس بالسلیم ولا تقوم به حجة, کما یتضح ذلک من القوم أنفسهم, حیث إنّ المتفرد بروایته عن حفص بن غیاث, هو عبد العزیز بن محمد الأزدی, وهو فیه جهالة کما نص علیه جملة من علماء العامة, من جملتهم الذهبی حیث قال: عبد العزیز بن عبدالله الأصم (شیخ للحنینی) فیه جهالة, وقیل: عبد العزیز بن محمد(2).

وأیضا الحافظ ابن حجر قال: قال ابن القطان عبد العزیز لا یعرف, سواء کان عبد العزیز بن عبدالله (کما قال البزاز) أو عبد العزیز بن محمد (کما قال قاسم ابن محمد)(3). ثم إنّهم جعلوا ضابطة فی الأخذ بروایة من کانت حالته کذلک من الرواة, أن ینظر هل وافقه علیه أحد ممن یؤخذ بروایته أم لا, حیث قالوا: إنّ المجهول لا یخلو من أن یکون حدیثه معروفاً أو منکراً، فإن کان معروفاً فجهالته لا تضر، وإن کان منکراً وعرف تفرده به فهو (أی المجهول) ضعیف محقق الضعف حتی لو رفعت جهالته العینیة بروایة اثنین فصاعداً عنه، أو لم ترفع، فهو

ص:68


1- (1) تهذیب الکمال, المزی, ج 5 ص 81.
2- (2) میزان الاعتدال فی نقد الرجال, الذهبی, ج 2 ص 630.
3- (3) لسان المیزان, الحافظ ابن حجر, ج 4 ص 32.

ضعیف مجروح خارج من حیز المجاهیل إلی حیز الضعفاء المحقق ضعفهم, وبهذا الضابط یعرف المتأخرون ضعف الراوی المتقدم عنهم، أو ثقته، مع أنهم لم یروه ولم یعاشروه، بل یتکلمون فی الرواة المتقدمین عنهم بمئات السنین(1).

والأزدی هذا أولاً أنّه مجهول کما تقدم, وثانیاً لم یوافقه أحد من الرواة مطلقاً, لا من الثقات ولا غیرهم, فعلیه لا یصح الاستناد إلی کلامه, بالإضافة إلی ذلک أنّ شیخه حفص بن غیاث النخعی کان قد ساء حفظه, کما ذکر ذلک مجموعة من علمائهم, کما قال داود بن رشید: حفص کثیر الغلط (2). وأیضا سئل أحمد عن حفص قال: کان یخلط فی حدیثه(3). فمن هذا وذاک ثبت أن هذه الروایة ساقطة عن الاعتبار والقبول من ناحیة السندیة, ولا نرید أن نسهب فی الموضوع؛ لأنه لیس هدف بحثنا کما هو واضح.

إن قیل: إنّ علماء الشیعة قد نقلوا هذا الحدیث فی کتبهم, ولم ینفرد به علماء الجمهور؟ قلنا: إنّهم إنما نقلوه من کتب مخالفیهم, وأول من ذکره أبو الفتح الأربلی قدس سره(4), نقلاً عن کتاب (معالم العترة النبویة) لعبد العزیز بن الأخضر الجنابذی الحنبلی, ثم کل من جاء بعده من متقدمی أصحابنا ومتأخریهم إنما أخذ ذلک من کتابه, فهو لم یثبت عندنا وإنما هو منقول من طریق العامّة.

ص:69


1- (1) راجع: الکاشف فی معرفة من له روایة فی کتب الستة, الذهبی, ج 1 ص 26.
2- (2) راجع: تاریخ الإسلام, الذهبی, ج 13 ص 154.
3- (3) سیر أعلام النبلاء, ابن حجر, ج 9 ص 31. وأیضا: دفع شبه التشبیه بأکف التنزیه, أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزی الحنبلی, ص 251.
4- (4) کشف الغمة فی معرفة الأئمة, أبو الفتح الأربلی, ج 2 ص 373.

المناقشة فی الدلالة

أمّا المقام الثانی فیکون النقاش فیه من الناحیة الدلالیة, فلو تنزلنا وسلما وأغضضنا النظر عن سندها فلا ریب أنّ هذا الحدیث جاء فی مورد التقیة لا مورد الجد وبیان الواقع, وذلک لدفع ضرر سواء کان علی الإمام علیه السلام أو علی شیعته, والتقیة أمر ثابت فی القرآن والسنة کما هو ثابت فی محله. أمّا الدلیل الذی یدل علی کون هذا الکلام صدر من الإمام علیه السلام تقیة أمران:

الأول: کون المخاطب به هو حفص بن غیاث النخعی قاضی بغداد, ثم قاضی الکوفة, وکان یقال: «ختم القضاء بحفص»(1). ولا ریب أنّ من کان هذا شأنه عند قومه وعند السلطان, فإنّه ممن یُتقی منه بمثل هذا الکلام.

الثانی: أنّ أهل البیت علیهم السلام شفعاء دار البقاء, کما ثبت فی محله بالأدلة القاطعة, فکیف یصح أن یرتجی شفاعة غیره, مع أنّه کیف یمکن ترک رجاء شفاعة جده صلی الله علیه و آله والتی ثبتت له أولاً وبالذات دون الخلق أجمعین, کما تواتر عند الفریقین, عنه صلی الله علیه و آله: أعطیت خمساً لم یعطهن أحد قبلی... وأعطیت الشفاعة(2). ویرتجی شفاعة غیره.

الثالث: أنّ الشفاعة لا تقع للأنساب بما هی, حتی لو کان هذا الأب أو الجد أو غیرهما من الأنبیاء أو الخواص, فالنسب لیس مقیاس بالقانون الإلهی ولا یغنی ولا یقرب, کما صرح به تعالی:(فَإِذا نُفِخَ فِی الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَیْنَهُمْ یَوْمَئِذٍ

ص:70


1- (1) راجع: تذکرة الحفاظ, الذهبی, ج 1 ص 297. تهذیب التهذیب, ابن حجر, ج 1 ص 568.
2- (2) راجع: صحیح البخاری, ج 1 ص 86. وصحیح مسلم, مسلم النیسابوری, ج 2 ص 63, وغیرهم.

وَ لا یَتَساءَلُونَ)1.

ولذلک أنّ بعض العلماء قد حمله علی التقیة کما ورد عن التستری رحمه الله حیث یقول: حاشا عن الإمام الصادق علیه السلام أن یستدل من غیر ضرورة تقیة...(1).

الرابع: أنّ هذا الحدیث لو سلمنا ثبوته لم یکن بهذا الشکل من النقل, بل ما ثبت عند محدثینا وغیرهم خالٍ من کلام رجاء الشفاعة وإنما فقط یتحدث عن واقع النسب وهو (ولدنی أبو بکر مرتین)(2). ولا أحد ینکر هذا الواقع بحد ذاته من دون أنّ یحمل أبعاداً أخر, لذلک نجد البعض کالسید المرعشی رحمه الله قد قلل من أهمیة هذا الحدیث وأنّه لا یشیر إلی منزلة أحد لا من بعید ولا من قریب وإنما مجرد بیان نسب من جهة الأم, وفی نفس الوقت دفع ضرر, فقد ذکر رحمه الله: وإنما المذکور فیه فی باب أحواله ومناقبه مجرد قوله: ولقد ولدنی أبو بکر مرتین، ولا إشعار لسوقه هناک أیضاً بما یفید الثناء والتعظیم, بل الظاهر أنّه ذکر ذلک عند تفصیل حال الآباء والأمهات من غیر إرادة الافتخار والمباهات... مع أن سوق الحدیث المذکور صریح فی صدوره علی وجه التقیة، إذ الظاهر کون ما روی عنه علیه السلام جواباً عن سؤال من اتهمه بسب أبی بکر، ودفع تلک التهمة لم یمکن بأدنی من ذلک کما لا یخفی، مع أن کلامه علیه السلام قد وقع علی أسلوب جوامع الکلم... الخ(3).

ص:71


1- (2) الصوارم المهرقة, الشهید نور الله التستری, ص 253.
2- (3) انظر: عمدة الطالب, ابن عنبة, ص 195. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 29 ص 651, وغیرهم. وأمّا مصادر المخالفین: تهذیب الکمال, المزی, ج 5 ص 75. تهذیب التهذیب, ابن حجر, ج 2 ص 88.
3- (4) راجع: شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, ج 1 ص 67.

وفاتها ومحل قبرها

لم یصل إلینا من کتب التاریخ أو کتب الحدیث بیان زمان وفاة السیدة فاطمة بنت القاسم علیها السلام, ولا بیان محل قبرها, ولکن یمکن أن نتصید ذلک من بعض الروایات أنّها بقیت إلی ما بعد حیاة زوجها الإمام الباقر علیه السلام, وأدرکت إمامة ابنها الإمام الصادق علیه السلام فترة من الزمن, کما تشر الروایة التی تقدم ذکرها, أنها کانت تعین الإمام الصادق علیه السلام فی قضاء حوائج أهل المدینة, فقد جاء عن أبی الحسن علیه السلام قال: کان أبی یبعث أمی وأم فروة تقضیان حقوق أهل المدینة(1). فنفهم من ذلک أنّ الإمام الصادق علیه السلام بعدما تحولت إلیه أدارة الأمة وشؤون الإمامة أخذ یستعین بالکوادر الکفوءة والنزیهة والتی من جملتهم زوجته حمیدة المصفاة, وأمه أم فروة علیهما السلام, فهذا مؤشر علی أنها عاصرت ابنها الإمام الصادق علیه السلام فی حال إمامته فترة من الزمن بقوة وافیة واستعداد کامل, کما یظهر من الروایة من القیام بهذا العمل الذی من شأنه ذلک, وقد فارقت الحیاة بعد ذلک فی هذه الفترة من إمامة الإمام علیه السلام. ولا ینبغی التردید من أنّ المراد أم فروة زوجته أو ابنته؛ وذلک, أولاً: لم تکن للصادق علیه السلام بنت قد اشتهرت بهذا اللقب, وربما نسبها البعض به من الوهم أو التصحیف. وثانیاً: أنّ هذا اللقب (أم فروة) مشهور عند الخاصة والعامة بأُم الإمام الصادق علیه السلام, حتی علی لسان المعصوم علیه السلام لاسیما زوجها الباقر علیه السلام کما مرّ فی روایة الکافی قال الإمام الصادق علیه السلام وقالت أمی: قال أبی: یا أم فروة إنی لأدعو الله لمذنبی شیعتنا فی الیوم واللیلة ألف مرة... الخ.

ص:72


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 4 ص 428.

ولکن هناک روایة صریحة الدلالة تذکر أنّها علیها السلام توفیت فی حیاة زوجها الإمام الباقر علیه السلام, وحینئذ کان الإمام الصادق علیه السلام (ابنها) غلاماً, کما جاء ذلک عن ابن فضال، عن أبی جمیلة، عن محمد بن علی الحلبی قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: الرجل یستأذن علی أبیه؟ قال: نعم، قد کنت أستأذن علی أبی ولیست أمی عنده إنما هی امرأة أبی توفیت أمی وأنا غلام وقد یکون من خلوتهما مالا أحب أن أفجأهما علیه ولا یحبان ذلک منی، السلام أصوب وأحسن(1). إلا أنّ هذه الروایة ضعیفة السند بأبی جمیلة, فإنّه یروی ممن عرف بالکذب(2).

وأمّا محل قبرها, فأیضا یمکن أن نستفیده (علی القول الأرجح) من أحوال ابنها الإمام الصادق علیه السلام, فقد ثبت أنّها عاشت أواخر عمرها مع ابنها الصادق علیه السلام, مع أنها حینذاک تمارس نشاطها التبلیغی فی المدینة المنورة, وأیضا کان الإمام مستقره ومثواه فی المدینة المنورة إلی أن وافاه الأجل ودفن فی المقبرة المعروفة لأهل البیت علیهم السلام واتباعهم فی البقیع, فاحتمال قوی أنها دفنت مع زوجها الإمام الباقر علیه السلام فی البقیع, فیکون محل قبرها علیها السلام البقیع مع أئمة أهل البیت علیهم السلام الذین دفنوا بالبقیع. وهذا أیضاً یثبت علی القول من أنّها فارقت الحیاة فی زمان زوجها, فکذلک الإمام الباقر علیه السلام لم یتخذ سکناً غیر مدینة جده. نعم إلا أن نقول قد وافاها الأجل فی سفر من اسفارها إلی مکة بقصد الحج أو التبلیغ, وهذا قلیل الوقوع.

ص:73


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 4 ص 428.
2- (2) انظر: مبانی تکملة المنهاج, السید الخوئی, ج 2 ص 284. وکتاب النکاح, ج 1 ص 108.

ص:74

الفصل الثامن: حمیدة بنت صاعد البربری أم الإمام الکاظم علیهما السلام

اشارة

ص:75

ص:76

اسمها ونسبها

السیدة حمیدة بنت صاعد البربری، ویقال: إنّها أندلسیة, أو قل هی من أهالی المغرب بین حدود أفریقیا والأندلس. وهی أم ولد تکنی لؤلؤة, والأصح أنها تکنی أم محمد, ولؤلؤة لقب من ألقابها علیها السلام کما سیأتی. أمّا أخوها فقد ذکروا أنّه صالح بن صاعد البربری.

وعن ابن شهر آشوب ذکر عن أعلام الوری أنّ قال: أمه أم ولد یقال لها حمیدة البربریة, ویقال لها حمیدة المصفاة. وفی المناقب: أمه حمیدة المصفاة ابنة صاعد البربری ویقال إنّها أندلسیة(1).

من ألقاب السیدة حمیدة

ولها ألقاب کثیرة تحکی عن معانی اختزلت فی ذات السیدة حمیدة علیها السلام کما کشف عن ذلک المعصوم علیه السلام. فمن جملة ألقابها: المحمودة, کما وسمها الإمام الصادق علیه السلام بذلک حینما قال لها أنت حمیدة فی الدنیا محمودة فی الآخرة, وقیل وسمها بذلک الإمام الباقر علیه السلام أیضاً کما سیأتی فی محله, ویمکن الجمع فی

ص:77


1- (1) انظر: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 437.

ذلک من أن صدور هذا اللقب صدر من کلا الإمامین علیهما السلام, کما یتضح من خلال ذکر الروایات فی هذا المجال.

وأیضاً من ألقابها, المصفاة, کما لقبها أیضاً الإمام الصادق علیه السلام بذلک حینما قال حمیدة مصفاة من الأدناس کسبیکة الذهب... الخ. فأخذوا یسمونها حمیدة المصفاة. بمعنی أنّها خالیة ونزیهة وخالصة من کل الشوائب المعنویة والمادیة, وقد خلصت وصفت نفسها لله وحده. ومن ألقابها أیضاً المهذبة, وهذه الصفة إمّا أنّ تعطی معنی المصفاة من عموم الأرجاس والأدناس وتکون مرادفة لها, وإمّا المراد من هذه الصفة التهذیب فی أخلاقها ومنطقها وکلامها وما إلیه. کما جاء فی اللغة: التهذیب کالتنقیة. ورجل مهذب، أی مطهر الأخلاق(1). ومن ألقابها لؤلؤة, وهی الدرة, ویمکن أن یکون هذا اللقب له صلة فی مظهرها المادی أنّها تشع وتضیء, کما جاء: کوکب دری أی ثاقب ومضیء(2). وتلقب بأنّها سیدة الإماء. فکل هذه الألقاب تشیر إلی صفات تجسدت فی کیان السیدة الجلیلة حمیدة المصفاة أم الإمام الکاظم علیه السلام. لذلک قالوا إنها کانت من أشراف العجم.

البرابرة فی سطور

بما أنّ انتساب السیدة حمیدة یرجع إلی البرابرة بحسب المشهور فیجدر بنا هنا أن نلقی نظرة مقتضبة حول بیان هذا النسب فنقول:

البربرة فی اللغة: کثرة الکلام والجلبة باللسان، وقیل الصیاح والتخلیط فی

ص:78


1- (1) راجع: الصحاح, الجوهری, ج 1 ص 237.
2- (2) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 4 ص 282.

الکلام مع غضب ونفور. وفی حدیث علیٍّ علیه السلام لما طلب إلیه أهل الطائف أن یکتب لهم الأمان علی تحلیل الزنا والخمر، فامتنع، قاموا ولهم تذمرٌ وبربرة. وفی حدیث أحد: فأخذ اللواء غلام أسود فنصبه وبربر. یقال: بربر الرجل، إذا هذا فهو بربار، کصلصال، مثل ثرثر فهو ثرثار. وقال الفراء: البربری: الکثیر الکلام بلا منفعة، وقد بربر فی کلامه بربرة، إذا أکثر. ودلو بربار. لها فی الماء بربرة، أی صوت فی الماء، قال رؤبة:

أروی ببربارین فی الغطماط إفراغ ثجاجین فی الأغواط (1)

والبربر فی الاصطلاح: جیل من الناس لا تکاد قبائله تنحصر، کما قاله ابن خلدون فی التاریخ، وفی الروض للسهیلی: أنّهم والحبشة من ولد حام، وفی المصباح أنّه معرب، وقیل: إنهم بقیة من نسل یوشع بن نون من العمالیق الحمیریة، وهم رهط السمیدع، وإنه سمع لفظهم، فقال: ما أکثر بربرتکم، فسموا البربر(2). وقیل غیر ذلک. البرابرة، زادوا الهاء فیه، إما للعجمة، وإما للنسب وهو الصحیح. قال الجوهری: وإن شئت حذفتها، وهم أی أکثر قبائلهم بالمغرب فی الجبال، من سوس وغیرها، متفرقة فی أطرافها، وهم زنانة وهوارة وصنهاجة ونبزة وکتامة ولواته ومدیونة وشباته، وکانوا کلهم بفلسطین مع جالوت، فلما قتل تفرقوا.

وأیضا بربر: أمة أخری، وبلادهم بین الحبوش والزنج، علی ساحل بحر الزنج وبحر الیمن، وهم سودان جداً، ولهم لغة برأسها لا یفهمها غیرهم،

ص:79


1- (1) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 4 ص 56.
2- (2) انظر: تاریخ ابن خلدون, ج 6 ص 93.

ومعیشتهم من صید الوحش، وعندهم وحوش غریبة لا توجد فی غیرها، کالزرافة والکرکدن والببر والنمر والفیل، وربما وجد فی سواحلهم العنبر، وهم الذین یقطعون مذاکیر الرجال ویجعلونها مهور نسائهم وقال الحسن بن أحمد بن یعقوب الهمدانی: وجزیرتهم قاطعة من حد ساحل أبین، ملتحقة فی البحر بعدن، من نحو مطالع سهیل إلی ما یشرق عنها، وفیما حاذی منها عدن وقابله جبل الدخان، وهی جزیرة سقوطری، مما یقطع من عدن ثابتاً علی السمت، وکلهم من ولد قیس عیلان.

وقال البلاذری: حدثنی بکر بن الهیثم قال: سألت عبد الله بن صالح عن البربر، فقال: هم یزعمون أنهم من ولد بر بن قیس عیلان، وما جعل الله لقیس من ولد اسمه بر.

وقال أبو المنذر: هم من ولد فاران بن عملیق بن یلمع بن عابر بن سلیخ بن لاوذ بن سام بن نوح، والأکثر الأشهر أنهم من بقیة قوم جالوت، وکانت منازلهم فلسطین، فلما قتل جالوت تفرقوا إلی المغرب. أو هم بطنان من حمیر: صنهاجة وکتامة، صاروا إلی البربر أیام فتح والدهم أفریقش الملک ابن قیس بن صیفی بن سبأ الأصغر، کانوا معه لما قدم المغرب، وبنی أفریقیة فلما رجع إلی بلاده تخلفوا عنه عمالاً له علی تلک البلاد، فبقوا إلی الآن وتناسلوا(1).

وعن صاحب القاموس: البرابرة، وهم بالمغرب، وأمة أخری بین الحبوش والزنج، یقطعون مذاکیر الرجال ویجعلونها مهور نسائهم، وکلهم من ولد قیس

ص:80


1- (1) راجع: تاج العروس, الزبیدی, ج 6 ص 73. ومعجم البلدان, الحموی, ج 1 ص 368.

عیلان، أو هم بطنان من حمیر صنهاجة وکتامة، صاروا إلی البربر أیام فتح أفریقش الملک إفریقیة(1).

اقتران السیدة حمیدة بالإمام الصادق علیه السلام

الروایات الواردة عن أهل البیت علیهم السلام والتی تذکر کیفیة اختیار أم المعصوم وما تحیطها من رعایة إلهیة وحراسة ربانیة بحیث یکون أمرها وأمر زواجها بید الله عزّ وجل, والمعصوم یتحرک تحت أفق الغیب فی کثیر من المسائل لاسیما المصیریة والتی تتوقف علیها بعض المسائل التکوینیة, کما یتضح هذا المضمون من خلال الروایات الواردة فی اختیار أمهات الأئمة علیهم السلام ومن جملتهن اختیار حمیدة المصفاة أمّ الإمام الصادق علیه السلام, فقد روی عن ابن عکاشة الأسدی قال للباقر علیه السلام: لم لا تزوج الصادق علیه السلام؟ قال: وبین یدیه صرة مختومة, أما إنه سیجیء نخاس من أهل بربر فینزل دار میمون، فنشتری له بهذه الصرة جاریة، قال: فأتی لذلک ما أتی، فدخلنا یوماً علی أبی جعفر علیه السلام فقال: ألا أخبرکم عن النخاس الذی ذکرته لکم قد قدم، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة منه جاریة، قال: فأتینا النخاس فقال: قد بعت ما کان عندی إلا جاریتین مریضتین إحداهما أمثل من الأخری، قلنا: فأخرجهما حتی ننظر إلیهما فأخرجهما، فقلنا: بکم تبیعنا هذه المتماثلة قال: بسبعین دیناراً قلنا أحسن قال: لا أنقص من سبعین دینار، قلنا له نشتریها منک بهذه الصرة ما بلغت ولا ندری ما فیها وکان عنده رجل أبیض الرأس واللحیة قال: فکوا وزنوا، فقال النخاس:

ص:81


1- (1) القاموس المحیط, الفیروز آبادی, ج 1 ص 370.

لا تفکوا فإنها إن نقصت حبة من سبعین دیناراً لم أبعکم فقال الشیخ: ادنوا، فدنونا وفککنا الخاتم ووزنا الدنانیر فإذا هی سبعون دیناراً لا تزید ولا تنقص, فأخذنا الجاریة فأدخلناها علی أبی جعفر علیه السلام وجعفر قائم عنده, فأخبرنا أبا جعفر بما کان، فحمد الله وأثنی علیه ثم قال لها: ما اسمک؟ قالت: حمیدة، فقال حمیدة فی الدنیا، محمودة فی الآخرة، أخبرینی عنک أبکر أنت أم ثیب؟ قالت: بکر قال: وکیف ولا یقع فی أیدی النخاسین شیء إلا أفسدوه، فقالت: قد کان یجیئنی فیقعد منی مقعد الرجل من المرأة فیسلط الله علیه رجلاً أبیض الرأس واللحیة فلا یزال یلطمه حتی یقوم عنی، ففعل بی مراراً وفعل الشیخ به مراراً فقال: یا جعفر خذها إلیک, فولدت له خیر أهل الأرض الکاظم(1).

وعن جابر قال: قال لی أبو جعفر علیه السلام: قدم رجل من المغرب معه رقیق، ووصف لی صفة جاریة معه، وأمرنی بابتیاعها بصُرَّةٍ دفعها إلیّ، فمضیت إلی الرجل، فعرض علیَّ ما کان عنده من الرقیق، فقلت: بقی عندک غیر ما عرضت علی؟ فقال: بقیت جاریة علیلة، فقلت: أعرضها علیَّ فعرض حمیدة، فقلت له: بکم تبیعها؟ فقال: بسبعین دیناراً، فأخرجت الصرة إلیه، فقال النخاس: لا إله إلا الله؟ رأیت البارحة فی النوم رسول الله صلی الله علیه و آله وقد ابتاع منی هذه الجاریة بهذه الصرة بعینها, فتسلمت الجاریة وصرت بها إلی أبی جعفر علیه السلام فسألها عن اسمها، فقالت: حمیدة، فقال: حمیدة فی الدنیا، محمودة فی الآخرة، ثم سألها عن خبرها، فعرفته أنها بکر، فقال لها: أنّی یکون ذلک وأنت جاریة کبیرة؟

ص:82


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 476.

فقالت: کان مولای إذا أراد أن یقرب منی أتاه رجل فی صورة حسنة، فیمنعه أن یصل إلی، فدفعها أبو جعفر علیه السلام إلی أبی عبد الله علیه السلام وقال: حمیدة سیدة الإماء، مصفاة من الأرجاس کسبیکة الذهب ما زالت الأملاک تحرسها حتی أدیت إلی کرامة الله عز وجل(1). والإمام علیه السلام یسألها عن حالها؛ لکی یُعرّف الناس مدی منزلة أم المعصوم علیه السلام عند الله, ورعایة ید الغیب لها, وإلا الإمام علیه السلام عالم بحالها وما جری لها.

حمیدة الزوجة الأولی للمعصوم علیه السلام

یظهر من قصة زواج السیدة حمیدة من الإمام الصادق علیه السلام هی الزوجة الأولی وأول امرأة تصبح شریکة لحیاته, حیث کان الإمام الباقر علیه السلام ینتظر مجیئها فی قوافل النخاسین, وهو یدل علی أنّ هناک أمراً ألزم الإمام فی انتظار مجیئها وتزویجها من ابنه, فهی تلک المرأة التی تتوافق مع مقتضیات الإمامة من وعاء وغیره, فقد روی عن ابن عکاشة الأسدی قال للباقر علیه السلام: لم لا تزوج الصادق علیه السلام؟ فقال: وبین یدیه صرة مختومة, أما إنّه سیجیء نخاس من أهل بربر فینزل دار میمون، فنشتری له بهذه الصرة جاریة... الخ, فلو کان الإمام الصادق علیه السلام متزوجاً لما صح هذا السؤال من ابن عکاشة الأسدی, وکذلک لتغیر جواب الإمام الباقر علیه السلام.

وأیضا نستفید من هذه الروایة أن الإمام الباقر علیه السلام قد کُلّف بمهمة یلزمه

ص:83


1- (1) دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 308.

أداؤها وهی زواج ابنه من هذه المرأة بالذات, وهذا التکلیف یجری فی أفق الغیب خارج عن الادراکات الحسیّة, فالإمام علیه السلام کان ینظر من جانب غیبی وأصحابه ینظرون من جانب آخر, لذلک أبان لهم الإمام الباقر علیه السلام کیفیة زواج ابنه علیه السلام من هذه الجاریة التی ستأتی فی الأیام القلائل الآتیة حتی أنه عزل أموالها وقد ختمها؟.

والعجیب هنا أنّ السائل سأل الإمام الباقر علیه السلام لماذا لا تزوج الصادق علیه السلام, فمنطوق السؤال هو التزویج لیس التملیک, وما أکثر الجواری حینذاک فهی لیست بعیدة عن متناول ید الإمام الصادق علیه السلام وإنما کانت فی متناول الأیدی, لکن نلاحظ أنّ فحوی جواب الإمام الباقر علیه السلام هو شراء جاریة بهذه الأموال المعینة التی کانت أمامه فی صرة, والأعجب أنّ أصحابه ومن جملتهم السائل لم یستوضحوا من الإمام علیه السلام بل اقتنعوا بالجواب ونفذوا أوامر الإمام علیه السلام, فیمکن أنّ نفهم من کل ذلک أن مسألة اقتران حمیدة بالإمام الصادق علیه السلام هی بطریقة الزواج المتعارف (کما هو الحال فی باقی أمهات الأئمة) وأنّها بمثابة المرأة الحرة ولو أجبرتها الظروف أن یکون حالها مع الجواری بید النخاسین وتباع وتشتری لکن هی فی الواقع عاشت وتربت تحت الظل الإلهی والرعایة الربانیة إلی أن وصلت مثواها الذی أعدت له, فهی لا تعد جاریة کغیرها ولو کان یُنظر إلیها کذلک, وربما الإمام الباقر علیه السلام بیّن لأصحابه حال السیدة حمیدة علیها السلام ومکانتها وأنها هی ستکون شریکة حیاة ابنه الصادق علیه السلام وترزق منه الحجة بعده فلم یبدوا اعتراضاً أو توضیحاً.

ص:84

اهتمامها بزوجها الصادق علیه السلام

قد أصبحت هذه السیدة الجلیلة زوجة لحجة الله بعد أبیه وکانت تعتنی بشأنه وخدمته وتلبیة حاجاته ووقفت معه فی البأساء والضراء, فلم یقتصر اهتمامها علی أولادها فقط بل کانت تعتنی بکل احتیاجات زوجها وإمامها وتقدم له ما یسعده, حتی أنّه علیه السلام یذکر موقفاً من خدمتها له حیث یقول: «ولقد آذانی أکل الخل والزیت حتی أن حمیدة أمرت بدجاجة فشویت فرجعت إلی نفسی»(1).

تکامل صفات السیدة حمیدة

تتمتع حمیدة علیها السلام بصفات کمالیة عالیة تمتاز بها عن نساء عصرها, وعلیه حظیت باهتمام الأئمة علیهم السلام فقد کشفوا عن طهارتها وتکامل صفاتها بجملة من الروایات, منها: عن معلی بن خنیس أن الصادق علیه السلام قال: حمیدة مصفاة من الأدناس کسبیکة الذهب، ما زالت الأملاک تحرسها حتی أدیت إلی، کرامة من الله لی والحجة من بعدی(2).

فنفهم من کلام المعصوم علیه السلام أنّها مصفاة من الأدناس, أی أنها طاهرة مطهرة خالیة من کل الشوائب سواء کانت مادیة أم معنویة, وذلک أنّ الله تعالی جعلها صافیة وخالصة ومنع وصول الأدناس والأرجاس إلیها, وقد شابهت أُمنا

ص:85


1- (1) انظر: الکافی, الشیخ الکلینی, ج 4 ص 260.
2- (2) نفس المصدر, ج 1 ص 477.

حواء زوجة آدم علیه السلام فی هذه الصفة, کما جاء فی الدعاء: اللهم صل علی أبینا أدم بدیع فطرتک الذی کرمته بسجود ملائکتک وأبحته جنتک، اللهم صل علی أُمّنا حواء المطهرة من الرجس المصفاة من الدنس المفضلة من الإنس المترددة بین محال القدس... الخ(1). وأیضا قال الإمام الباقر علیهم السلام لها بعد ما سألها عن اسمها قالت حمیدة, فقال: حمیدة فی الدنیا محمودة فی الآخرة(2).

المعلّی بن خنیس فی لسان المعصوم

إنما نذکر بعض أحوال المعلّی هنا لکونه ذکر هذه الروایة التی لیس لها صلة بالسیدة حمیدة فقط, بل نستفید منها أن شأن کل أمهات الأئمة علیهم السلام کذلک تحت الحراسة الإلهیة والملائکة کرامة لحجة الله فی أرضه, فکما أکرم الله عزّ وجلّ الإمام الصادق علیه السلام بحراسة زوجته حمیدة کرامة له ولابنه المعصوم علیه السلام فکذلک یکون حال باقی أمهات الأئمة علیهم السلام؛ لأنّهم کلهم حجج الله فی أرضهِ والأمثال فیما یجوز وفیما لا یجوز واحدة, فمن الأجدر أنّ نعرف شیئا عن إیمان هذا الرجل الفاضل المعلی بن خنیس.

فقد روی عن ابن أبی عمیر عن عبد الرحمان بن الحجاج، قال: حدثنی إسماعیل بن جابر، قال: کنت عند أبی عبد الله علیه السلام مجاوراً بمکة، فقال لی: یا إسماعیل اخرج حتی تأتی مرا وعسفان فتسأل هل حدث بالمدینة حدث؟ قال:

ص:86


1- (1) انظر: مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, ص 808.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 476.

فخرجت حتی أتیت مرا فلم ألق أحداً، ثم مضیت حتی أتیت عسفان فلم یلقنی أحد، فارتحلت من عسفان، فلما خرجت منها لقینی عیر تحمل زیتاً من عسفان فقلت لهم: هل حدث بالمدینة حدث؟ قالوا: لا، إلا قتل هذا العراقی الذی یقال له المعلی بن خنیس. قال: فانصرفت إلی أبی عبد الله علیه السلام، فلما رآنی قال لی: یا إسماعیل قتل المعلی بن خنیس؟ فقلت: نعم، قال: أما والله لقد دخل الجنة. قال السید الخوئی رحمه الله هذه الروایة صحیحة(1).

وفی روایة عن ابن أبی نجران عن حماد الناب، عن المسمعی، قال: لما أخذ داود بن علی, المعلی بن خنیس وحبسه، وأراد قتله، فقال له معلی بن خنیس: أخرجنی إلی الناس، فإن لی دینا کثیراً ومالاً، حتی أشهد بذلک، فأخرجه إلی السوق فلما اجتمع الناس، قال: یا أیها الناس أنا معلی بن خنیس فمن عرفنی فقد عرفنی اشهدوا أن ما ترکت من مال، من عین، أو دین، أو أمة، أو عبد أو دار، أو قلیل، أو کثیر، فهو لجعفر بن محمد علیه السلام، قال: فشد علیه صاحب شرطة داود فقتله... ثم قال حماد: فأخبرنی المسمعی عن معتب، قال: فلم یزل أبو عبد الله علیه السلام لیله ساجداً وقائماً، فسمعت فی آخر اللیل وهو ساجد ینادی: اللهم إنی أسألک بقوتک القویة وبمحالک الشدید، وبعزتک التی خلقک لها ذلیل، أن تصلی علی محمد وآل محمد، وأن تأخذه الساعة. قال: فوالله ما رفع رأسه من سجوده حتی سمعنا الصایحة. فقالوا: مات داود بن علی. فقال أبو عبد الله علیه السلام: إنی دعوت علیه بدعوة بعث بها الله إلیه ملکاً، فضرب رأسه بمرزبة انشقت منها مثانته(2).

ص:87


1- (1) معجم رجال الحدیث, السید الخوئی, ج 19 ص 260.
2- (2) المصدر نفسه.

الأملاک تحرس حمیدة

عندما ثبت أنّ هذه السیدة الجلیلة أصبحت أُمّاً للمعصوم علیه السلام فلابد أنّ نحکم بطهارتها ونزاهتها وعظم مکانتها کیف ما کانت؛ وذلک من خلال اختیارها وعاءً للمعصوم علیه السلام, حیث ثبت أن الوعاء یؤثر علی الجنین سلباً وإیجاباً, ولذلک أوصت الشریعة الإسلامیة بانتقاء الزوجة الصالحة کی یحافظ علی نطفته ونسله, وقد بینا ذلک فی التمهید بشکل مفصل, ولکن الذی نرید أن نقوله هنا هو أنّ أم المعصوم علیه السلام لا یشترط فیها الطهارة فقط بل علاوة علی ذلک أن تحتوی علی صفات کمالیة عالیة تتناسب مع احتوائها فی أحشائها المعصوم علیه السلام الذی هو أفضل الخلق فی زمانه وحجة الله فی أرضه, فعندما نجهل سیرة بعض أمهات الأئمة علیهم السلام أو حصل إهمال من قبل التاریخ فی دراسة حیاة أمهات المعصومین علیهم السلام وعدم الوقوف علی الکرامات والفضائل والمزایا التی کُنَّ یتمتعن بها, فیبقی الدلیل اللمی شاهداً وثابتاً علی علو مکانتها وفضلها وطهارتها وقد کللتها رعایة إلهیة حثیثة. وقد کشفت لنا بعض الروایات التی وصلت إلینا ذلک ومن جملتها الحدیث المتقدم ذکره: ما زالت الأملاک تحرسها حتی أدیت إلیّ، کرامة من الله لی والحجة من بعدی. أی مازالت الأملاک تحرس حمیدة إلی أن تزوجها الإمام الصادق علیه السلام, وذلک کرامة له علیه السلام ولکونها قدر لها أن تکون وعاءً للمعصوم علیه السلام, وربما کان أحد هؤلاء الملائکة شیخاً جمیلاً أبیضاً کان یلطم النخاس عند إرادته الدخول علیها, کما تقدم, فیمکن أنّ نعرف من ذلک أنّ المقیاس فی إنتقاء واختیار أُم المعصوم علیه السلام لیس هو أن تکون من العرب أو من قریش أو من البیوتات المعروفة

ص:88

والمرموقة, بل ولا أن تکون من بیوتات العلماء والعرفاء وما إلی غیر ذلک, نعم یمکن أن یکون ذلک قرینة فی أنها من أهل الصلاح والإیمان حیث تربت وعاشت فی هذه الأجواء, لکن لیس هو الطریق الوحید فی تفضیلها علی غیرها, حیث ربما تکون هنالک امرأة بعیدة عن کل هذه الأجواء لکنها حظیت بتربیة ورعایة إلهیة جعلتها أفضل من کل نساء زمانها کما هو الحال فی أم الإمام الکاظم علیه السلام وغیرها من أمهات المعصومین علیهم السلام, فقد جعل الله تعالی أملاکاً تحرسها وتسددها وهی فی أحرج الظروف الاجتماعیة وغیرها إلی أن أدیت للإمام الصادق علیه السلام وولدت له الحجة من بعده.

فتحصل أن من المزایا التی تتمتع بها السیدة حمیدة هی أنّ الله عزّ وجلّ أوکل لها ملائکة تحرسها وتحفظها منذ بدایة حیاتها فی الدنیا, بل ربما یکون بحسب المقتضی قبل ذلک, وهذا یعنی أنها عصمت من الأخطاء والذنوب وما إلیه. کما هو الحال فی باقی أمهات الأئمة علیهم السلام.

حمیدة من أهل العلم

بالإضافة إلی کل المزایا التی تتمتع بها السیدة حمیدة أنّ هناک طائفةً من الروایات تکشف لنا عن مدی علمها ودورها التبلیغی فی نهج الحق وبیان الأحکام, وأنّها علیها السلام قدوة لاسیما فی المسائل الشرعیة والحقوق, کما روی فی الصحیح عن موسی بن القاسم عن صفوان بن یحیی عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام وکنا تلک السنة مجاورین وأردنا الإحرام یوم الترویة فقلت: إنّ معنا مولوداً صبیاً فقال علیه السلام: مروا أمه فلتلق حمیدة فلتسألها کیف

ص:89

تفعل بصبیانها؟ قال: فأتتها فسألتها فقالت لها: إذا کان یوم الترویة فجردوه وغسلوه کما یجرد المحرم ثم احرموا عنه ثم قفوا به فی الموقف، فإذا کان یوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه ثم زوروا به البیت ثم مروا الخادم ان یطوف به البیت وبین الصفا والمروة. وإذا لم یکن الهدی فلیصم عنه ولیه إذا کان متمتعاً(1).

هناک جانبان فی هذه الروایة یمکن أن نعرف من خلالهما الأبعاد والمزایا العالیة التی کانت تتمتع بها هذه السیدة الجلیلة, أمّا الجانب الأول هو اعتماد الإمام الصادق علیه السلام علیها بشکل مطلق وذلک یدل علی أنّه علیه السلام أشار لکفائتها المطلقة فی تبلیغ الأحکام وغیرها ولو کانت لیست بهذا المستوی لما أحالهم بهذه الطریقة حیث قال: مروا أمه فلتلق حمیدة فلتسألها کیف تفعل بصبیانها. فإنه واثق بجدارتها وعارف مدی علمها ومعرفتها, وکیف لا وهی تلمیذته وتربت علی هدیه وعلومه علاوة علی ما فضلها الله وأکرمها. والجانب الثانی: تسلطها علی معرفة الأحکام وبیان أصولها وفروعها من دون تأمل وتردد.

کما یظهر أیضاً من بعض الروایات أن الصادق علیه السلام کان یأمر النساء فی أخذ الأحکام إلیها(2). وهذا یدل علی أنّ السیدة حمیدة مرجع للنساء فی المسائل الشرعیة وغیرها, حیث إنّ الإمام علیه السلام أحال النساء فی أخذ الأحکام منها لاسیما الأحکام الخاصة بالنساء. فنفهم من هذا وغیره أنها علیها السلام کانت علی درجة عالیة من العلم والمعرفة حتی نالت التأیید من قبل المعصوم فی ذلک.

ص:90


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 476.
2- (2) الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 180

حمیدة من وکلاء الصادق علیه السلام

کانت السیدة حمیدة تحمل علی عاتقها تبلیغ الرسالة وأداء حقوق الناس لا سیما فی تلک الظروف العصیبة التی قیدت تحرکات الإمام علیه السلام ومارسوا معه أنواع الضغوطات ومنعوه من ممارسة نشاطاته التبلیغیة والإرشادیة وما إلیها, کما جاء عن المفضل بن عمر قال: إنّ المنصور قد کان هَمَّ بقتل أبی عبد الله علیه السلام غیر مرة فکان إذا بعث إلیه ودعاه لیقتله, فإذا نظر إلیه هابه ولم یقتله, غیر أنه منع الناس عنه، ومنعه من القعود للناس، واستقصی علیه أشد الاستقصاء حتی أنه کان لأحدهم مسألة فی دینه فی نکاح أو طلاق أو غیر ذلک فلا یکون علم ذلک عندهم(1). لکن لم یعقه ذلک عن مواصلة طریقه الرسالی فی مواصلة الناس وقضاء حوائجهم المادیة والمعنویة, فکان علیه السلام یستعین بوکلائه المخلصین الکفوئین من خلالهم یوصل صوته الإلهی إلی الناس فی إرشادهم وتبیین مسیرة حیاتهم وقضاء حاجاتهم وغیر ذلک, وکان من جملة هؤلاء الوکلاء الذین یرسلهم فی أداء حقوق الناس هی حمیدة المصفاة علیها السلام زوجته علیه السلام وأمه أم فروة, وربما کان لها الدور الأکبر بالقیام لهذا العمل؛ لکونها قریبة تماماً من الإمام علیه السلام وأیضاً بعیدة عن أنظار عیون الساسة الظالمة حیث لم یتوقعوا منها ذلک. کما وروی أنّ الصادق علیه السلام کان یرسلها مع أم فروة تقضیان حقوق أهل المدینة(2). وهذا یعبر عن مدی مکانتها العلمیة والعملیة ومشارکتها الأئمة علیهم السلام فی مواصلة

ص:91


1- (1) مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 364.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 3 ص 217.

تنویر الطریق وبیان کلمة الحق وإعانة المظلومین والمضطهدین من قبل العصابات الظالمة والمستبدة, مع أنّها علیها السلام کسبت ثقة المعصوم علیه السلام فی أداء هذا الدور الرسالی وتحملت کل مصاعبه وعواقبه فی سبیل إعلاء کلمة الحق ونشر العدل, فکان الإمام علیه السلام کلما أراد أن یؤدی حقوق أهل المدینة یرسل زوجته حمیدة المصفاة.

من صفاتها الروایة

بقیت السیدة حمیدة علیها السلام تواکب العصور ویرد ذکرها فی ألسن وأذهان الأجیال المتعاقبة وذلک بما خلفت من آثار کانت بمثابة الإیحاء فی ضمائر الأمة والإرشاد فی سبیل الحق, فدورها لم یقتصر علی مجال خاص بل اتسعت دائرته وشمل کل ما هو من شأنه أن یرسم مستقبلاً زاهراً للأمة, فکما کان لها دور ریادی فی عصرها فأیضاً کان لها دور فی نقل علوم أهل البیت علیهم السلام إلی الأجیال المتعاقبة وهی علی یقین أن هذه العلوم التی تؤخذ وتستقی من مصدرها الأصیل هی التی تسعد البشریة ما إن أخذوا بها وامتثلوها, فلم یقتصر نشاطها فی إیصال کلمة الحق بعصرها وجیلها وإنّما ترکت وسمات ذلک إلی الأجیال والعصور الآتیة, ومن جملت ما جاء عنها ما ذکره أبو بصیر حیث قال: دخلت علی حمیدة أعزیها بأبی عبد الله علیه السلام، فبکت وبکیت لبکائها، ثم قالت: یا أبا محمد، لو رأیت أبا عبد الله علیه السلام عند الموت لرأیت عجباً، فتح عینیه ثم قال: اجمعوا کل من بینی وبینه قرابة، قالت: فما ترکنا أحداً إلا جمعناه، فنظر إلیهم ثم قال: إن شفاعتنا لا

ص:92

تنال مستخفاً بالصلاة(1).

فکانت الناس والأعاظم من العلماء یعزون السیدة حمیدة برحیل إمامهم الصادق علیه السلام, وهذا بحد ذاته یبین لنا مکانة هذه السیدة الجلیلة, وهی تنقل لهم ما شاهدته وسمعته من لسان أهل العصمة والطهارة.

أولادها

ولد للإمام الصادق علیه السلام عشرة أولاد: سبعة ذکور وثلاث بنات, وقیل إنّ أولاده أحد عشر سبع ذکور وأربع بنات, أمّا الإمام موسی الکاظم علیه السلام وإسحاق ومحمد المعروف بالدیباج لحسنه وجماله, أمهم السیدة حمیدة المصفاة. وقیل: فاطمة الکبری وبریه أیضاً من أولاد حمید المصفاة(2). وأمّا إسماعیل (الملقب بالأعرج) وعبد الله وأم فروة، أمهم فاطمة بنت الحسین الأصغر بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام، وأمّا العباس وعلی وأسماء وفاطمة، لأمهات أولاد شتی(3). ولکنّ الأصح کما فی کشف الغمة, أنّ أمّ إسماعیل الأعرج وإخوته عبدالله وأم فروة هی فاطمة بنت الحسین الأثرم بن الحسن بن علی بن أبی طالب علیهم السلام(4).

وقد مات إسماعیل فی حیاة أبیه بالعُریض (العُریض: مصغر وهو واد فی

ص:93


1- (1) وسائل الشیعة (آل البیت), الحر العاملی, ج 4 ص 26.
2- (2) انظر: تواریخ النبی صلی الله علیه و آله والآل علیهم السلام, الشیخ محمد تقی التستری, ص 125.
3- (3) انظر: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 209.
4- (4) انظر: کشف الغمة, ابن أبی الفتح الإربلی, ج 2 ص 374.

المدینة) وحمل علی رقاب الرجال إلی أبیه بالمدینة، حتی دفن بالبقیع(1).

وروی أن أبا عبد الله علیه السلام جزع علیه جزعاً شدیداً، وحزن علیه حزناً عظیماً، وتقدم سریره بغیر حذاء ولا رداء، وأمر بوضع سریره علی الأرض مراراً کثیرة، وکان یکشف عن وجهه وینظر إلیه، یرید بذلک تحقیق أمر وفاته عند الظانین خلافته له من بعده، وإزالة الشبهة عنه فی حیاته، ولما مات إسماعیل رحمة الله علیه انصرف عن القول بإمامته بعد أبیه من کان یظن ذلک ویعتقده من أصحاب أبیه علیه السلام(2).

ومن جملة أولاده المعروفین بعظمة المنزلة، علی بن جعفر علیه السلام المدفون بمدینة قم المقدسة, وکان أصغر أولاد الإمام الصادق علیه السلام وقد شهد استشهاد أبیه وهو طفل. فتکفل الإمام الکاظم علیه السلام بتربیته فتدرج شیئاً فشیئاً فی درجات الفضل والکمال وصار عالماً زاهداً عظیم القدر, وقد نقل روایات کثیرة عن الإمام الکاظم علیه السلام. وقد أدرک زمان الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادی علیهم السلام. وکان علی بن جعفر فی زمان الإمام الجواد علیه السلام کهلاً موقراً یتمتع بمنزلة کبیرة ولکنه مع ذلک کان یتصرف مع الإمام الجواد بکامل الاحترام والتعظیم, فکان (فی المجالس) یقدّم نعلی الإمام علیه السلام بین یدیه، وفی مسجد النبی صلی الله علیه و آله استقبل الإمام الجواد علیه السلام وقبّل یده الشریفة, ولما عاتبه البعض من أصحابه علی هذه التصرفات، قال: أنا له عبد(3).

ص:94


1- (1) انظر: شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, ج 3 ص 309.
2- (2) انظر: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 210. والبحار, المجلسی, ج 47, ص 242.
3- (3) انظر: الکافی, الکلینی, ج 1 ص 322. والأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 252.

حمیدة وعاء للمعصوم

المرأة التی تحظی برعایة الله ومدح المعصوم وتحمل علم آل محمد فی صدرها وتؤدی وظیفتها الأخلاقیة والتبلیغیة أحق أن تکون الوعاء اللائق للمعصوم القائم بعد أبیه, فقد ولد الإمام الکاظم علیه السلام بالأبواء (منزل بین مکة والمدینة) یوم الأحد, لسبع خلون من صفر سنة ثمان وعشرین ومائة(1).

کما روی عن أبی بصیر قال: کنت مع أبی عبد الله علیه السلام فی السنة التی ولد فیها ابنه موسی علیه السلام، فلما نزلنا الأبواء وضع لنا أبو عبد الله علیه السلام الغداء ولأصحابه، وکان علیه السلام إذا وضع الطعام لأصحابه أکثره وأطابه، فبینا نحن نتغدی إذ أتاه رسول حمیدة: إن الطلق قد ضربنی، وقد أمرتنی أن لا أسبقک بابنک هذا. فقام أبو عبد الله علیه السلام فرحاً مسروراً فلم یلبث أن عاد إلینا حاسراً عن ذراعیه ضاحکاً سنه، فقلنا: أضحک الله سنک، وأقر عینک ما صنعت حمیدة؟ فقال: وهب الله لی غلاماً، وهو خیر من برأ الله، ولقد خبرتنی بأمر کنت أعلم به منها، قلت: جعلت فداک وما خبرتک عنه حمیدة؟ قال: ذکرت أنه لما وقع من بطنها وقع واضعاً یدیه علی الأرض، رافعاً رأسه إلی السماء، فأخبرتها أن تلک أمارة رسول الله صلی الله علیه و آله، وأمارة الإمام من بعده إذا خرج من بطن أمه، أن تقع یداه علی الأرض، ورأسه إلی السماء، ویقول: (اشهد الله أنه لا إله إلا هو)، أعطاه الله العلم الأول، والعلم الآخر، واستحق زیادة الروح فی لیلة القدر، وهو أعظم خلقاً من جبرئیل(2).

ص:95


1- (1) الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 179.
2- (2) دلائل الإمامة, للطبری (الشیعی), ص 300.

وروی لما ولد موسی بن جعفر علیهما السلام دخل أبو عبد الله علیه السلام علی حمیدة البربریة أم موسی علیه السلام فقال لها: یا حمیدة بخٍ بخٍ حل الملک فی بیتک(1).

علامات غیبیة فی ولادتها للکاظم علیه السلام

عندما تکون أم المعصوم علیه السلام قد اصطفاها الله وأعدها وحازت علی صفات مادیة ومعنویة تخرجها وتمیزها عن أقرانها لکونها وعاءً للمعصوم علیه السلام الذی شاء الله أن یجعله فی أحشائها ویتغذی من دمائها, وتجری علیه الإرهاصات والتغیرات الغیبیة فلا یتأتی هذا لکل امرأة إلا أنّ تکون قد تهیأت واستعدت لتحمل هذا الأمر العظیم, لذلک تذکر لنا الروایات مدی التغیرات التی تجریها ید الغیب والقدرة فی الجنین المعصوم علیه السلام وهو فی بطن أمه, فقد روی عن أبی بصیر قال, فقلت: جعلت فداک، وما الأمارة؟ فقال: العلامة یا أبا بصیر، إنه لما کان فی اللیلة التی علق فیها أتانی آتٍ بکأس فیه شربة من الماء، أبیض من اللبن، وأحلی من العسل وأشد، وأبرد من الثلج، فسقانیه فشربته، وأمرنی بالجماع، ففعلت فرحاً مسروراً، وکذلک یفعل بکل واحد منا، فهو والله صاحبکم. إن نطفة الإمام حین تکون فی الرحم أربعین یوماً ولیلة نصب لها عمود من نور فی بطن أمه، ینظر به مد بصره، فإذا تمت له أربعة أشهر أتاه ملک یقال له (الخیر) فکتب علی عضده الأیمن (وَ تَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِکَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ)2, فإذا وضعته أمه اتقی الأرض بیده، رافعاً رأسه إلی السماء، ویشهد

ص:96


1- (1) الفصول المختارة, الشریف المرتضی, ص 313.

أن لا إله إلا الله. وینادی منادٍ من قبل العرش، من الأفق الأعلی باسمه واسم أبیه: یا فلان بن فلان، یقول الجلیل: أبشر فإنک صفوتی، وخیرتی من خلقی، وموضع سری، وعیبة علمی، لک ولمن تولاک أوجب رحمتی وأسکنه جنتی، وأحلله جواری، ثم وعزتی لأصلین من عاداک ناری وأشد عذابی، وإن أوسعت علیه فی دنیاه. فإذا انقطع المنادی أجابه الإمام: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائکة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزیز الحکیم), فإذا قالها أعطاه الله علم الأولین وعلم الآخرین، واستوجب الزیادة من الجلیل لیلة القدر فقلت: جعلت فداک، ألیس الروح هو جبرئیل؟ فقال: جبرئیل من الملائکة، والروح خلق أعظم منه، وهو مع الإمام حیث کان(1).

حمیدة ترعی أُم الإمام الرضا علیه السلام

تزداد حمیدة فخراً ورفعة إضافة إلی کل ما تقدم, أنها کانت راعیةً لأُم الرضا علیه السلام وقد تفرست فیها الصفات الکمالیة اللائقة بأن تکون زوجةً للمعصوم ووعاءً لابنه المعصوم, کما روی عون بن محمد الکندی قال: سمعت أبی الحسن علی بن میثم یقول وما رأیت أحداً قط اعرف بأمور الأئمة علیهم السلام وأخبارهم ومناکحهم منه, قال: اشترت حمیدة المصفاة وهی أم أبی الحسن موسی بن جعفر علیهما السلام وکانت من أشراف العجم جاریةً مولده واسمها تکتم وکانت من أفضل النساء فی عقلها ودینها وإعظامها لمولاتها حمیدة المصفاة, حتی أنها ما جلست بین یدیها منذ ملکتها إجلالاً لها, فقالت لابنها موسی علیه السلام یا بنی إنّ تکتم جاریه

ص:97


1- (1) راجع: الدر النظیم, ابن حاتم العاملی, ص 650.

ما رأیت جاریةً قط أفضل منها ولست أشک أنّ الله تعالی سیظهر نسلها إن کان لها نسل, وقد وهبتها لک فاستوص خیراً بها فلما ولدت له الرضا علیه السلام سماها الطاهرة, قال: والرضا علیه السلام یرتضع کثیراً وکان تام الخلق فقالت أعینونی بمرضع فقیل لها: أنقص الدر؟ فقالت: ما أکذب والله نقص الدر ولکن علیّ ورد من صلواتی وتسبیحی وقد نقص منذ ولدت(1).

حمیدة تزوج الإمام الکاظم علیه السلام

ومن انجازات السیدة حمیدة علیها السلام أنّها کانت تخطط لرسم مستقبل ابنها المعصوم علیه السلام لاسیما فی المجال الاجتماعی حیث عندما لاحظت الکفاءة العالیة فی جاریتها وما کانت تمتاز به من صفات عالیة سواء علی الصعید المادی أم المعنوی, وربما تفرست أنّها أولی فی أن تکون وعاءً للمعصوم من ابنها علیه السلام؛ لأنّها علی علم أنّ أم المعصوم علیه السلام لابد أن تحتوی علی خصائص مادیة ومعنویة تؤهلها للقیام بحمل هذا الدور العظیم, ومن حسن الحظ أن هذا التفرس وهذه النظرة الثاقبة قد توافقت مع النظرة الغیبیة والتخطیط الإلهی, حتی أنّ النبی صلی الله علیه و آله أید ذلک وأمر به وذلک فی عالم الرؤیا التی رأتها السیدة حمیدة کما روی عن علی بن میثم عن أبیه قال: لما اشترت حمیدة أم موسی بن جعفر علیهما السلام أم الرضا علیه السلام نجمه ذکرت حمیدة: إنّها رأت فی المنام رسول الله صلی الله علیه و آله یقول لها یا حمیدة هبی نجمه لابنک موسی فإنه سیولد له منها خیر أهل الأرض, فوهبتها له فلما ولدت له الرضا علیه السلام سماها الطاهرة, وکانت لها أسماء, کما سیأتی فی محله, منها نجمه

ص:98


1- (1) عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 24.

وأروی وسکن وسمان وتکتم وهو آخر أسمائها, قال علی بن میثم: سمعت أبی یقول: سمعت أمی تقول: کانت نجمه بکراً لما اشترتها حمیدة(1).

حرق دار السیدة حمیدة

واست السیدة حمیدة مولاتها الزهراء علیها السلام فی هذه المصیبة من حرق الدار, فکما أنّ القوم احرقوا دار فاطمة الزهراء علیها السلام وروعوها وروعوا أطفالها وظلموا بعلها, فکان الحال کذلک فی حرق الدار التی کانت تقطنها السیدة حمیدة مع زوجها الصادق علیهما السلام وقد روعوها وأرهبوا أطفالها واعتدوا علی بعلها وظلموه, کما ورد عن المفضل بن عمر قال وجَّه أبو جعفر المنصور إلی الحسن بن زید وهو والیه علی الحرمین أن أحرق علی جعفر بن محمد داره، فألقی النار فی دار أبی عبد الله علیه السلام فأخذت النار فی الباب والدهلیز، فخرج أبو عبد الله علیه السلام یتخطی النار ویمشی فیها ویقول: أنا ابن أعراق الثری أنا ابن إبراهیم خلیل الله علیه السلام(2).

وأیضاً جاء أنّهم لما وضعوا الحطب الجزل علی باب الدار وأضرموا فیه النار فلما أخذت النار ما فی الدهلیز تصایحن النساء والعلویات وخرج الإمام یطفئ النار ویخمد الحریق حتی قضی علیها وجلس فی بیته حزیناً کئیباً فلما کان الغد دخل أصحابه علیه یسألونه, فقال لهم الإمام علیه السلام: لما أخذت النار ما فی الدهلیز نظرت إلی نسائی وبناتی یتراکضن من حجرة إلی حجرة ومن مکان إلی

ص:99


1- (1) الاختصاص, الشیخ المفید, ص 196.
2- (2) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 473.

مکان... الخ(1). فالسیدة حمیدة کانت تشاهد کل هذه المآسی والآلام التی حلت علیها وعلی أسرتها, ومن الظلم الذی حلّ علی بعلها وأهل البیت علیهم السلام وقلبها یتألم ویحترق حسرة علی أئمتها ولکن تحتسب ذلک بعین الله.

حزنها علی زوجها

أجهد العباسیون أنفسهم فی ظلم أهل البیت علیهم السلام وأخذوا یقتفون آثارهم وآثار ذراریهم وقتلهم وتعذیبهم, وکان من جملة الذین عانوا الأمرین منهم ومن أحقادهم هو مولانا الإمام الصادق علیه السلام وأهل بیته, فقد روی عن محمد بن عبد الله الإسکندری أنّه قال: کنت من جملة ندماء أمیر المؤمنین المنصور وخواصه، وکنت صاحب سره من بین الجمیع، فدخلتُ علیه یوماً فرأیته مغتماً وهو یتنفس نفساً بارداً، فقلت ما هذه الفکرة یا أمیر المؤمنین فقال لی: یا محمد لقد هلک من أولاد فاطمة ألفٌ أو یزیدون (فی البحار مقدار مائة) وقد بقی سیدهم وإمامهم فقلت له من ذلک؟ قال جعفر بن محمد, فقلت له: یا أمیر المؤمنین إنّه رجل أنحلته العبادة واشتغل بالله عن طلب الملک والخلافة, فقال: یا محمد وقد علمت أنک تقول به وبإمامته، ولکن الملک عقیم، وقد آلیت علی نفسی أن لا أمسی عشیتی هذه، أو أفرغ منه، قال محمد: والله لقد ضاقت علیّ الأرض برحبها، ثم دعا سیافاً وقال له: إذا أنا أحضرت أبا عبد الله الصادق وشغلته بالحدیث، ووضعت قلنسوتی عن رأسی فهی العلامة بینی وبینک فاضرب عنقه... الخ(2). وهکذا کان یتوعد

ص:100


1- (1) انظر: مجمع مصائب أهل البیت, الشیخ محمد الهنداوی, ج 3 ص 144.
2- (2) انظر: عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 80. وبحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 47 ص 202.

الإمام الصادق علیه السلام ویستدعیه بین حین وآخر إلی العراق وهو یرید بذلک قتله لکن یحول بینه القدر إلی أن جاءت الساعة التی قتل فیها الإمام علیه السلام.

وبعد شهادته علیه السلام اشتد حزن السیدة حمیدة علی إمامها قبل أن یکون زوجها وما رأت منه إلا الحنان والسعادة فکانت من بکائها علیه وحنینها تبکی الحاضرین, ومن جملتهم أبو بصیر حیث یقول بکیت لبکاء وحزن حمیدة المصفاة علی الإمام الصادق علیه السلام, کما جاء فی نص کلامه, وقد تقدم هذا الحدیث ونذکر منه هنا محل الشاهد, قال أبو بصیر: دخلت علی حمیدة أعزیها بأبی عبد الله الصادق علیه السلام فبکت وبکیت لبکائها ثم قالت: یا أبا محمد لو رأیت أبا عبد الله عند الموت لرأیت عجباً... الخ(1).

حمیدة من أوصیاء الصادق علیه السلام

عانی الإمام الصادق علیه السلام أشد المعاناة من هؤلاء الظالمین الذین تربصوا وشمروا عن ساعدیهم لاستئصاله واستئصال ذریته الطاهرة وقد ضیقوا علیه کل السبل حتی أنّهم تتبعوا وصایاه وتعمدوا إلی قتل الوصی من بعده فأخبر الإمام علیه السلام أصحابه المخلصین والمقربین بالحجة من بعده وهو ابنه الکاظم علیه السلام سواء کان فی حال ولادته أو بعدها, وقد أوهم علی الساسة العباسیین ذلک ولم یترک لهم سبیلاً لقتله, کما ورد ذلک عن أبی أیوب الجوزی قال بعث إلیّ أبو جعفر المنصور فی جوف اللیل فدخلت علیه وهو جالس علی کرسی وبین یدیه

ص:101


1- (1) روضة الواعظین, الفتال النیسابوری, ص 318.

شمعة وفی یده کتاب فلما سلمت رمی الکتاب إلیّ وهو یبکی وقال هذا کتاب محمد بن سلیمان والی المدینة یخبرنا أنّ جعفر بن محمد قد مات فانا لله وإنا إلیه راجعون ثلاثاً وأین مثل جعفر, ثم قال لی اکتب فکتبت صدر الکتاب ثم قال اکتب إن کان أوصی إلی رجل بعینه فقدمه واضرب عنقه فرجع الجواب إلیه أنّه أوصی إلی خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور ومحمد بن سلیمان وعبد الله وموسی ابنی جعفر وحمیدة فقال المنصور لیس إلی قتل هؤلاء سبیل(1).

وقد ذکر الإمام الصادق علیه السلام السیدة حمیدة فی جملة الأوصیاء للدلالة علی أنّها تحمل جملة من وصایا الإمام علیه السلام والتی من جملتها أنها تعرف أنّ الحجة من بعده هو الإمام الکاظم علیه السلام, وأیضا کما هی کانت من وکلائه فی حیاته وتوصل أفکاره وإرشاداته وغیرها إلی الناس فکذلک هی من أوصیائه بعد وفاته وتنشر وصایاه وهدیه وأداء الحقوق وغیرها إلی عموم الناس, ونلاحظ أنّه علیه السلام قرنها بابنه الکاظم علیه السلام, مع أنّه لم یذکر امرأة غیرها لا من زوجاته ولا من أقربائه, بالإضافة إلی أنّ ذکرها هنا لم یکن فیه دلالة علی الإیهام کما هو الحال فی ذکر الطرف الآخر؛ لأن الوصایة بالإمامة والقیادة من المسلمات أنّها للرجال دون النساء لاسیما فی الأوساط العربیة والعدو وغیره یعرف ذلک, فالمغزی من ذکرها هنا لیس إلا لبیان مکانتها وعظمتها وإشارة إلی ما تحمل من علوم ومعارف استقتها من منبع الحق, فکأنّه ارشد الناس إلیها بعده فی بیان کثیر من الأمور ومن جملتها بیان الحجة من بعده, فذکرها هنا من قبل الإمام یحمل دلالة غیر ما

ص:102


1- (1) انظر: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 1 ص 677.

یحملها غیره من الذین أوصی بهم, حیث یمکن أنّ نقول الوصایة لها هنا ولابنها المعصوم علیه السلام حقیقة وفی غیرها للإیهام والله العالم. وأمّا ذکره المنصور واضح أنّه للإیهام وللحفاظ علی الإمام من بعده کما حدث فعلاً وإلا کیف یصح أن یجعل عدوه والذی أراد قتله عدة مرات وصیاً له فکل لبیب یعرف ذلک بل ربما حتی العدو عرف ذلک لکن لم یجد سبیلاً لتعیینه الحجة من بعده.

وفاتها ومحل قبرها

لم نقف علی نص من التاریخ أو روایة تبیّن لنا زمان وفاة السیدة حمیدة, ولا یوجد أیضاً مما یدل علی محل قبرها, ولکن یمکن أن نعرف من خلال روایة أبی بصیر المتقدمة أنها بقیت علی قید الحیاة إلی ما بعد وفاة زوجها الإمام الصادق علیه السلام, (سنة 148 ه -) حیث قال دخلت علی حمیدة أعزیها بأبی عبد الله الصادق علیه السلام فبکت وبکیت لبکائها... الخ. نعم لا نعرف الفترة التی عاشتها بعد وفاة الإمام الصادق علیه السلام, فقد أهمل التاریخ وغیره ذکر ذلک أو حالت بین ذلک أیدی الظالمین من حرق وإتلاف التراث الأصیل کما حصل فی بغداد علی أیدی التتار وغیرهم أو ما حدث فی مصر علی أیدی الأیوبیین وقد بینا ذلک فی أواخر التمهید من هذا الکتاب. وأیضا یمکن أن نستفید من أن قبرها فی المدینة المنورة من خلال استقرارها فی محل سکناها فی المدینة مع أسرتها وأولادها ولا یبعد أن یکون مثواها الأخیر هو البقیع مع زوجها علیه السلام وأهل بیته, نعم قد ألجأت الظروف السیاسیة بعد ذلک ابنها الإمام الکاظم علیه السلام وألقی فی السجون إلی أن أستشهد فی سجن بغداد ودفن فیها.

ص:103

ص:104

الفصل التاسع: نجمة النوبیة أم الإمام الرضا علیهما السلام

اشارة

ص:105

ص:106

نسبها ومولدها

اسمها السیدة نجمة النوبیة, کما مرّ ذکره فی صحیفة الزهراء علیها السلام... إلی أن یقول, أبو الحسن علی بن موسی الرضا أمه جاریة اسمها نجمة, وأیضاً من الأدلة علی أنّ اسمها نجمة: هو تهنئة الإمام الکاظم علیه السلام لها بولادتها الإمام الرضا علیه السلام, هنیئاً لک یا نجمة کرامة ربک... الخ, کما سیأتی ذکره. ویقال: کان اسمها سکن النوبیة وسمیت أروی ومن ثم نجمة، ویقال لها سمان وتکتم وزاد بعضهم فی أسمائها خیزران، وصقر وسها، وتحیة، وشهد، ونجیة، وسلامة، وشهدة، وسبیکة، وصفراء، وسکینة(1). وتُکتَم, (بضم أوله وسکون الکاف وفتح التاء) هو آخر أسمائها علیها السلام علیه استقر اسمها حین ملکها الإمام الکاظم علیه السلام, ولما ولدت له الرضا علیه السلام سماها الطاهرة. والظاهر أنّ الطاهرة لقب من ألقابها, وهذه واحدة من الصفات التی کانت متجسدة فی ذات هذه السیدة الجلیلة وقد کشف عنها الإمام علیه السلام لاسیما بعد ولادتها للمعصوم علیه السلام, حیث فیه إشارة إلی أنّ أم المعصوم علیه السلام لابد أن تکون طاهرة, إضافة إلی المؤهلات الأخری, فعندما کان

ص:107


1- (1) راجع: هامش الفصول المهمة فی معرفة الأئمة, ابن الصباغ, ج 2 ص 970.

الإمام ینادیها ویسمیها بالطاهرة هو إشارة إلی صفة الطهارة التی کانت تتمتع بها السیدة نجمة حتی أصبحت کالعلم.

وأیضا من ألقابها الشقراء, وربما هنا فیه إشارة إلی تکامل صفاتها المادیة والجسدیة کما جاء فی اللغة أنّ الأشقر فی الإنسان حمرة صافیة وبشرته مائلة إلی البیاض(1).

أو أنّها أشرقت بالخیر والبرکة لاسیما ولادتها الإمام الرضا علیه السلام, أو أنها کانت تشرق فی محرابها کالشمس, فقد جاء (کما سیأتی) أنها کثیرة العبادة والصلاة.

فأبصر ناری، وهی شقراء، أوقدت بلیل فلاحت للعیون النواظر(2)

ولا یلزم التباین بین هذه الاحتمالات بل یمکن أن تنطبق کلها فی ذات هذه السیدة الجلیلة. وأمّا کنیتها فقد ذکروا أنّ کنیتها أم البنین.

السبب فی تعدد أسمائها

ذکروا أنّ السبب فی کثرة أسمائها نظراً لما هو المتعارف والمستحب من تغییر أسماء الممالیک عند شرائها, وکانت أم الرضا علیه السلام هذه جاریة مولدة: أی ولدت بین العرب ونشأت مع أولادهم وتأدبت بآدابهم, وکانت من أفضل النساء فی عقلها ودینها وإعظامها لمولاتها حمیدة, حتی أنها ما جلست بین یدیها منذ ملکتها إجلالاً لها فوهبتها حمیدة لولدها موسی علیه السلام وأوصته بها خیراً(3).

ص:108


1- (1) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 4 ص 421..
2- (2) راجع: المصدر السابق, ج 4 ص 206.
3- (3) راجع: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 3 ص 244.

أقول: ویمکن أن یکون فی تغییر اسمها أو کثرة أسمائها (کما هو الحال فی باقی أمهات الأئمة علیهم السلام خصوصاً فی أمهات الأئمة الذین عاصروا الحکومات العباسیة) هو لأهداف وأغراض سیاسیة منها حفاظاً علی أم المعصوم علیه السلام والإبهام والتشویش علی الأعداء لاسیما وأنّهم یقتفون آثار الأئمة علیهم السلام, وربما عندهم معرفة إجمالیة فی حال أم المعصوم بعد أبیه فیمکن أن یقطعوا الطریق فی قتلها قبل ولادتها المعصوم علیه السلام الذی یهدد عروش الظالمین, کما هو الحال فی أم النبی موسی علیهما السلام وقتل فرعون النسوة الحوامل حینذاک, وربما تسمیتها بتکتم فیه إشارة واضحة لما ذکرناه, حیث إنّ معناه کما جاء فی اللغة التستر والإخفاء والکتمان وقد أنشد الشاعر:

کتم الحب فأخفاه، کما تکتم البکر من الناس الوحم(1)

فقد کتمها الله وأخفاها عن أنظار وأفکار الحاقدین والمتربصین بأهل البیت علیهم السلام شراً, فلذا نلاحظ أنّ اسمها تکتم بعد ذلک اشتهر بین الناس حتی أنّه جری فی ألسن الشعراء کما ذکر عن الصولی قال: والدلیل علی أن اسمها تکتم قول الشاعر یمدح الرضا علیه السلام:

ألا أن خیر الناس نفساً ووالدا ورهطاً وأجداداً علی المعظم

أتتنا به للعلم والحلم ثامناً إماماً یؤدی حجة الله تکتم

وتکتم من أسماء نساء العرب قد جاءت فی الأشعار کثیرا منها فی قولهم:

طاف الخیالان فهاجا سقما خیال تکنی وخیال تکتما

ص:109


1- (1) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 12 ص 631. (الوحم: الشهوة)

وقال الصولی: کانت لإبراهیم بن العباس الصولی (عم أبی) فی الرضا علیه السلام مدایح کثیره أظهرها, ثم اضطر إلی أن سترها وتتبعها فأخذها من کل مکان(1).

بلدها الأصلی

اختلفوا فی موطنها ومحل إقامتها، حیث قال بعضهم: إنها کانت من بلاد النوبة، کما ذکر عن العطاردی قال: یحتمل أن تکون أم الرضا علیه السلام من أهل بونة هذه؛ لأنها قریبة من مرسی الخزر، ثم لعبت بها ید النساخ وصحفوها بالنوبة، کما صحفوا غیرها من أسماء الرجال والبلدان(2).

ولکن یبقی الکلام فی أنّه إذا کانت نوبیة، هل هی من بلاد النوبة وهی الناحیة التی فی جنوب مصر والتی یقال لها الیوم: (السودان), أو من النوبة وهی جیل من السودان کما قاله الجوهری.

نعم ذکروا أنّ بونة: بالضم ثم السکون: مدینة بإفریقیة بین مرسی الخرز وجزیرة بنی مزغنای، وهی مدینة حصینة مقتدرة کثیرة الرخص والفواکه والبساتین القرینة، وأکثر فاکهتها من بادیتها، وبها معدن حدید، وهی علی البحر، ینسب إلیها جماعة، منهم: أبو عبد الملک مروان بن محمد الأسدی البونی، فقیه مالکی من أعیان أصحاب أبی الحسن القابسی، له کتاب فی شرح الموطأ، وأصله من الأندلس انتقل إلی إفریقیة فأقام ببونة فنسب إلیها، ومات فیها قبل سنة (440)،

ص:110


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 25.
2- (2) راجع: مسند الإمام الرضا علیه السلام, الشیخ عزیز الله عطاردی, ج 1 ص 18.

ویطل علی بونة جبل زغوغ(1).

وذکر بعض آخر أنّ السیدة نجمة من المرسیة، ولکن لم یصرحوا بأنها کانت من أی مرسیة, أمرسیة الأندلس أم مرسیة إفریقیة، فأما مرسیة الأندلس, وهی کانت بلدة إسلامیة بناها أحد الأمراء الأمویین بالأندلس. قال الزبیدی فی التاج: مرسیة بالضم مخففة وأهل المغرب یفتحونها, بلد إسلامی بالمغرب شرقی الأندلس بناه الأمیر عبد الرحمان بن الحکم الأموی، کثیر المنازه والبساتین، ومن هذا البلد أبو غالب تمام بن غالب اللغوی صنف فی علم اللغة کتاباً نفیساً(2).

ولکن یذکر علی أن المرسیة بنیت فی القرن الثالث بعد وفاة الرضا علیه السلام، فلا جرم أن أمّه علیه السلام تکون من مرسیة إفریقیة، وبیان ذلک أن المسلمین لما افتتحوا إفریقیة وبلاد الروم، أسسوا بلاداً فی سواحل البحر الأبیض شمالیها وجنوبیها, ویقال لهذه البلاد: المراسی لاجتماع السفن بها کمرسی الخزر، ومرسی الدجاج، ومرسی ابن جناد, ویمکن أن تکون أم الرضا علیه السلام من إحدی هذه المراسی.

قال یاقوت: مرسی الخزر بالفتح ثم السکون والسین مهملة والقصر، أصله مفعل من رست السفینة إذا ثبتت والموضع مرسی، والخزر بفتح الخاء المعجمة والراء ثم زای، واحدته خزرة، موضع معمور علی ساحل إفریقیة بینه وبین بونة ثلاثة أیام یستخرج منه المرجان(3).

ص:111


1- (1) راجع: معجم البلدان, الحموی, ج 1 ص 512.
2- (2) راجع: تاج العروس, الزبیدی, ج 8 ص 471.
3- (3) راجع: معجم البلدان, الحموی, ج 5 ص 106.

وقد ذکر أهل الحدیث والتاریخ وغیرهم: أنّ أم الرضا علیه السلام کانت من أهل المغرب، اشتراها رجل نخاس وجاء بها إلی المدینة المنورة کما سیأتی, وربما کان بسب تناقلها بین أیدی النخاسین حتی أوصلت المغرب, ومن ثم إلی المدینة المنورة, أو للتوسع فی معنی المغرب حینذاک.

بلاد النوبة

ذکر المختصون أنّ بلاد النوبة هی علی شاطئ النیل من الجانب الغربی فی الاقلیم الثانی، طولها من الغرب أربع وخمسون درجة وأربع عشرة دقیقة، وعرضها أربع وعشرون درجة وأربعون دقیقة، وهی مدینة عامرة طیبة کثیرة النخل والبساتین والتجارة(1). وفی بلاد النوبة من البلاد المشهورة والقواعد المذکورة: کوشة, وعلوة, ودُنقُلة, وبلاق, وسوبة.

ودُنقُلة: مدینة کبیرة فی بلاد النوبة، وإذا استقبلت الغرب کانت علی یسارک فی الجنوب، وهی منزلة ملک النوبة علی شاطئ النیل، ولها أسوار عالیة لا ترام مبنیة بالحجارة، وطول بلادها علی النیل مسیرة ثمانین لیلة، غزاها عبد الله بن سعد ابن أبی سرح فی سنة (31) ه - فی خلافة عثمان بن عفان، رضی الله عنه، وأصیبت یومئذ عین معاویة بن حدیج، وقاتلهم قتالاً شدیداً ثم سألوه الهدنة فهادنهم الهدنة الباقیة إلی الآن، وقال شاعر المسلمین:

لم تر عینی مثل یوم دمقله والخیل تعدو بالدروع مثقله

ص:112


1- (1) راجع: معجم البلدان, الحموی, ج 1 ص 189.

قال ابن لهیعة: وسمعت یزید بن أبی حبیب یقول کان أبی منسبی دمقلة، والله أعلم(1).

وقال الإدریسی: مدینة دُنقُلة فی غربی النیل وعلی ضفته ومنه شرب أهلها وأهلها سودان لکنهم أحسن السودان وجوهاً وأجملهم شکلاً وطعامهم الشعیر والذرة والتمر یجلب إلیهم من البلاد المجاورة لهم وشرابهم المزر المتخذ من الذرة واللحوم التی یستعملونها لحوم الإبل طریة ومقددة ومطحونة ویطبخونها بألبان النوق, وأما السمک فکثیر عندهم جداً وفی بلادهم الزرائف والفیلة والغزلان(2).

وأمّا مدینة کوشة الواغلة بینها وبین مدینة نوابة ستة أیام وهی تبعد عن النیل یسیراً وموضعها فوق خط الاستواء وأهلها قلیلون وتجاراتها قلیلة وأرضها حارة جافة کثیرة الجفوف جداً وشرب أهلها من عیون تمد النیل هناک وهی فی طاعة ملک النوبة وملک النوبة یسمی کاسل وهو اسم یتوارثه ملوک النوبة وقرارته ودار ملکه فی مدینة دنقلة وأمّا مدینة علوة وهی علی ضفة النیل أسفل من مدینة دنقلة وبینهما مسیر خمسة أیام فی النیل وماؤهم من النیل وشربهم منه وبه یزرعون الشعیر والذرة وسائر بقولهم من السلجم والبصل والفجل والقثاء والبطیخ وحال علوة فی هیأتها ومبانیها ومراتب أهلها وتجاراتهم مثل ما هی علیه حالات مدینة دنقلة وأهل علوة یسافرون إلی بلاد مصر وبین علوة وبلاق عشرة أیام فی البر وفی النیل أقل من ذلک انحداراً. وکذلک أهل علوة ودنقلة یسافرون فی النیل

ص:113


1- (1) راجع: المصدر السابق, ج 2 ص 470.
2- (2) راجع: نزهة المشتاق فی اختراق الآفاق, الشریف الادریسی, ج 1 ص 37.

بالمراکب وینزلون أیضاً إلی مدینة بلاق فی النیل.

وأمّا مدینة بلاق فهی بین ذراعین من النیل وأهلها متحضرون ومعایشهم حسنة وربما وصلت إلیهم الحنطة مجلوبة والشعیر والذرة عندهم ممکن کثیر موجود, وبمدینة بلاق یجتمع تجار النوبة والحبشة وتجار أرض مصر یسافرون إلیها إذا کانوا معهم فی صلح وهدنة ولباس أهلها الأزر والمآزر وأرضها تسقی بالنیل وماء النهر الذی یأتی من بلاد الحبشة وهو وادٍ کبیرٍ جداً یمد النیل وموقعه بمقربة من مدینة بلاق وفی الذراع المحیط بها وعلیه مزارع أهل الحبشة وکثیر من مدنها ولیس فی مدینة بلاق مطر ولا یقع فیها غیث البتة, وکذلک سائر بلاد السودان من النوبة والحبشة والکانمیین والزغاویین وغیرهم من الأمم لا یمطرون ولا لهم من الله رحمة ولا غیاث إلا فیض النیل وعلیه یعولون فی زراعة(1).

صفات السیدة نجمة الکمالیة

نستفید من کثرة أسمائها وألقابها علیها السلام المتقدمة أنّها تحکی عن معانی وصفات سامیة قد تجذرت وتجسدت فی کیان السیدة نجمة أُم الإمام الرضا علیه السلام وتعبر عن مدی مکانتها وإیمانها, لذلک عرف عنها أنّها کانت من أشراف العجم، وهی من أفضل النساء فی عقلها، ودینها. وإنما وقع اختیار الإمام الکاظم علیه السلام علیها لأنّها کانت ذات شرف ومکانة وطهر وعفاف، لم تکن امرأة عادیة من سائر النساء، بل کانت جلیلة القدر عظیمة الشأن ذات منزلة رفیعة تقیة ورعة عفیفة. فعندما یسمیها الإمام المعصوم علیه السلام بالطاهرة وهو الذی یتکلم عن واقع ثابت

ص:114


1- (1) راجع: المصدر السابق, ج 1 ص 37.

بالإضافة إلی أنّه اطلق لفظ الطاهرة علیها فیعم الطهارة المادیة والمعنویة, مع أنّ فیه عموم زمانی فلم تکن الطهارة قد عرضت علیها بعد تملکها من الإمام علیه السلام أو بعد زواجها أو بعد ولادتها الإمام الرضا علیه السلام بل کانت متأصلة فیها قبل ذلک بکل أحوالها, فقد اصطفاها الله وطهرها وأعدها لکی تکون وعاءً لحجة الله, لذا نلاحظ تدخل الغیب فی الأمر بشرائها وأیضاً فی زواجها من الإمام الکاظم علیه السلام. ونفهم أیضاً من أسمائها سبیکة, أنّها قد سبکت بأخلاقها وخلقها ومنطقها وأخلصت نفسها لله وحدة وطاعة أولیائه, وأمّا اسمها نجیة ربما کثرة نجوتها مع الله فقد ظهرت آثارها إلی العیان وأصبحت صفة لا تنفک عنها بحال من الأحوال حتی تحولت إلی اسم تخاطب فیه وهذا ما لا یتأتی إلا بعدما یصبح لازماً ودائماً فهو یحمل النجوی المستمرة والدائمة مع الله. وهناک مغزی فی معانی اسمیها شهد وشهدة یمکن أن یحمل فی أحشائه الکمالات المادیة والمعنویة, فقد ثبت فی اللغة أن الشهد هو العسل کما قال: الشهد: العسل ما لم یعصر من شمعه، شهاد، والواحدة: شهدة(1). فهی تتصف فی حسنها ومنطقها وخلقها بالحلاوة البالغة والأدب العظیم. وربما تحمل معنی الشاهد والشهادة ولها الحظ فی الشهادة یوم القیامة. وناهیک عن معنی اسمیها سلامة وتحیة فقد تنطوی أیضاً فی طیاتهما جملة من المعانی التی تشیر إلی الصفات الکمالیة التی تتمتع بها هذه السیدة الجلیلة, ومن جملتها السلامة والبراءة من العیوب سواء کانت مادیة أم معنویة, کما جاء فی الصحاح قال, والسلام: البراءة من العیوب فی قول أمیة(2).

ص:115


1- (1) راجع: کتاب العین, الخلیل الفراهیدی, ج 3 ص 397.
2- (2) راجع: الصحاح, الجوهری, ج 5 ص 1951.

خلقها العظیم

یعتبر حسن الأخلاق من المحاور الأساسیة فی مسیرة الکمال والارتقاء, ویعطی صبغة للإنسان یمتاز بها علی غیره ویکون مورداً للغبطة والانجذاب وما إلیه, لذا نلاحظ تأکید الشریعة علی التلبس بحسن الخلق والترغیب فیه بنصوص کثیرة, وقد مدح الله رسوله لعُظم خلقه صلی الله علیه و آله بقوله:(وَ إِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ) مع أنّ النبی صلی الله علیه و آله متکامل الصفات من کل الجهات لیس فقط بحسن الخلق وإنما کذلک بالحلم والعلم والشجاعة و... ولکن نلاحظ خص الله مدحه بهذه الصفة, للدلالة علی أهمیة هذه الصفة فی الترکیبة الاجتماعیة بکل أطیافها, ولو رجعنا إلی السیدة نجمة أم الإمام الرضا علیه السلام لرأینا أنّها حظیت بمرتبة عالیة بحسن أخلاقها حتی أثار انتباه کل من عایشها وجالسها ومن جملتهم المعصوم علیه السلام وهذه الصفات الخلقیة الحمیدة وغیرها التی تجسدت فیها علیها السلام جعلت من مولاتها السیدة حمیدة أم الإمام الکاظم علیهما السلام تنظر لها بمستوی آخر حتی أخذت تخطط لها کی تکون زوجة لابنها المعصوم علیه السلام, فقد ذکروا أنّ من إعظامها لمولاتها السیدة حمیدة أنّها ما جلست بین یدیها من حین ملکتها إجلالاً، وإعظاماً لها، وهذا یشیر أیضاً إلی أنّها قد عرفت مکانة أم المعصوم علیهما السلام عند الله وعند أهل البیت علیهم السلام ومدی فضلها فیکون ذلک من منطلق الإیمان والمعرفة, فلم تکن تحرکاتها وأفعالها عن فراغ وإنما کانت تسیر علی وعی ومعرفة, وعلی غرار هذا وغیره نلاحظ أنّ السیدة حمیدة قد قالت لابنها الإمام موسی علیه السلام: یا بنی إنّ تکتم جاریة، ما رأیت جاریة قط أفضل منها، ولست أشک أن الله تعالی سیظهر نسلها، وقد

ص:116

وهبتها لک فاستوص بها خیراً. ولا یخفی أنّ السیدة حمیدة علیها السلام کانت علی مستوی عالٍ من العلم والمعرفة وقد رأینا مما تقدم من سیرتها أنّها کانت مورد اعتماد زوجها المعصوم علیه السلام فی حیاته وبعد مماته فی شتی المجالات فعندما تصف لنا هنا السیدة نجمة علیها السلام والتی کانت علی مقربة منها نفهم أنها وقفت علی حقائق واقعیة ذات سمات علیا خصوصاً مع تأیید المعصوم لها حتی أنها لم تقتصر علی مدحها, بل تحرکت فی زواجها من المعصوم علیه السلام لأنها تراها الوعاء الأنسب للحجة بعده علیه السلام وهذا ما رأیناه قد حصل فعلاً.

إنّها من الرواة

من جملة المزایا والصفات التی کانت تتمتع بها السیدة نجمة النوبیة هی الروایة فقد کانت تروی عن المعصوم علیه السلام, ومن جملت ما ورد عنها ما أسنده الصدوق رحمه الله عن علی بن میثم عن أبیه قال: سمعت أمی تقول: سمعت نجمه أم الرضا علیهما السلام تقول: لما حملت بابنی علی علیه السلام لم اشعر بثقل الحمل وکنت أسمع فی منامی تسبیحاً وتهلیلاً وتمجیداً من بطنی فیفزعنی ویهولنی فإذا انتبهت لم أسمع شیئاً, فلما وضعته وقع علی الأرض واضعاً یدیه علی الأرض رافعاً رأسه السماء یحرک شفتیه کأنه یتکلم فدخل إلیّ أبوه موسی بن جعفر علیهما السلام فقال لی: هنیئاً لک یا نجمة کرامة ربک فناولته إیاه فی خرقه بیضاء فأذّن فی أذنه الیمنی وأقام فی الیسری ودعا بماء الفرات فحنکه به ثم رده إلیّ فقال: خذیه فإنه بقیة الله تعالی فی أرضه(1). فهذه الروایة تحمل فی طیاتها جملة من الأحکام الفقهیة والعقیدیة وربما

ص:117


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 29.

تحتوی أیضاً علی معجزة وکرامة للإمام الرضا علیه السلام, وفیها اشارة إلی منزلة السیدة نجمة وأنّها مُحدَثة من جهة الغیب, وکیف کان فقد شارکت هذه السیدة الجلیلة فی نقل وإیصال العلوم والمعارف الإلهیة إلی البشریة بأجیالها المتعاقبة وکانت واحدة من الذین واصلوا فی سیر وتحریک العملیة الدینیة ونشر العلوم الحقة.

تربیتها فی بیت المعصوم

من جملة الخصوصیات التی رافقت السیدة نجمة النوبیة هی أنها نشأت وترعرت فی بیئة عربیة وأخذت من تقالیدهم وأعرافهم, کما ورد أنّها ولدت بین العرب ونشأت مع أولادهم وتأدبت بآدابهم, وکانت من أفضل النساء فی عقلها ودینها(1). ومن ثم تحولت إلی بیت العصمة والطهارة حیث اشتراها الإمام الکاظم علیه السلام وجعلها عند والدته السیدة حمیدة المصفاة وکانت بکراً کما ورد عن علی بن میثم قال: سمعت أبی یقول: سمعت أمی تقول: کانت نجمه بکراً لما اشترتها حمیدة(2). فکانت تحت إشراف وتعلیم المعصومین علیهم السلام وأهل العلم والمعرفة أمثال السیدة حمیدة علیها السلام التی کانت تباشر أمرها وکانت علی قدرٍ عالٍ من الکمال, حتی أضافت علی ما کانت تحویه من کفاءة وصفات حمیدة وعلوم ومعارف من بیت العصمة أضفت بها إلی الکمال والرقی الذی یعجز وصفه, فلا نستغرب عندما نجدها تتمتع بجملة من الصفات الکمالیة أو أعیت نفسها بالعبادة من الصیام والقیام وما إلیه, فقد کانت خریجة أهل الفضل والحکمة وتغرف من

ص:118


1- (1) راجع: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 3 ص 244.
2- (2) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 26.

ینابیع العلوم الحقة وتتغذی من مصادر السماء علی لسان الإیحاء والإلهام فکان مالکها وزوجها معصوم وابنها معصوم, إضافة إلی شرف وعلم الأسرة التی کانت فی ربوعها, ولا شک أنّ الحیاة فی بیت الإمام المعصوم علیه السلام، فی حد ذاتها کافیة فی تأسیس حیاة هی أفضل ما تکون، حیث منبع الطهر والعفاف والقداسة والکمال، فإذا انضم إلی ذلک الاستعداد التام کانت النتیجة هی بلوغ الغایة الممکنة، فی الکمال والاستقامة.

بُعدها الدینی

لقد تحلت السیدة نجمة علیها السلام بجمیع مزایا الشرف والفضیلة التی تسمو بها المرأة المسلمة من العفة والطهارة، وسمو الذات وهی من السیدات الماجدات فی الإسلام، ولو أنّ الظروف السیاسیة وغیرها ألجأتها أن تکون أمة فی ظاهر الحال لکن هذا لا ینقص مکانتها ولا یغیر ذاتها, کما فی غیرها من أمهات الأئمة الجواری؛ لأنّ الإسلام جعل المقیاس فی تفاوت الناس بالتقوی والعمل الصالح، ولا أثر لغیر ذلک فکانت هذه السیدة الزکیة من العابدات، فقد أقبلت علی طاعة الله إقبالاً شدیداً، وزادها تأثیراً سلوک زوجها الإمام الکاظم علیه السلام إمام المتقین, وأهل بیته, وقد انعکس ذلک علی حیاة السیدة نجمة علیها السلام، فکانت من أهل العبادة والتهجد، حتی إنّها لما أنجبت الرضا علیه السلام وکان کما تصفه الروایات یرتضع کثیرا، وکان تام الخلقة، قالت: أعینونی بمرضعة، فقیل لها أنقص الدر؟ فقالت: لا أکذب، والله ما نقص، ولکن علیّ ورد من صلاتی وتسبیحی وقد نقص منذ ولدت(1).

ص:119


1- (1) عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 24.

فلاحظ هذه النفس الملائکیة التی هامت بحب الله، وانقطعت إلیه فقد طلبت أن یعاونوها علی إرضاع ولدها لأنه یشغلها عن أورادها من الصلاة والتسبیح, وفی ذلک دلالة علی عظمة هذه المرأة، ومدی تعلقها بالله تعالی وارتباطها به، ولا شک أن لذلک تأثیراً علی ما ینحدر منها من نسل, مع أن المرأة التی یقع اختیار الإمام علیه السلام علیها وهو یعلم أنها ستکون وعاءً وحجراً لابنه المعصوم لم تکن من عامة الناس، بل من أشرف النساء، وذات مکانة فی قومها، غیر أنها وقعت فی الأسر وجرها ذلک إلی سوق النخاسین.

الله یختار أم الرضا علیهما السلام

وتقف هنا أیضاً ید الغیب لتختار الوعاء اللائق الذی أُعد کی یکون الحاضن الأصلح والحجر الأنسب والوعاء الأطهر للمعصوم علیه السلام بما تقتضیه الموازین العلمیة والعملیة, وقد کشف عن ذلک بجملة من الأحادیث, التی منها ما روی عن الصدوق بسنده عن هشام بن أحمد، قال: قال أبو الحسن الأول علیه السلام: هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا، فقال علیه السلام: بلی، قد قدم رجل أحمر، فانطلق بنا، فرکب ورکبنا معه حتی انتهینا إلی الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقیق، فقال له: اعرض علینا، فعرض علینا تسع جوارٍ کل ذلک یقول أبو الحسن علیه السلام: لا حاجة لی فیها، ثم قال له: اعرض علینا، قال: ما عندی شیء، فقال له: بلی اعرض علینا، قال: لا والله، ما عندی إلا جاریة مریضة، فقال له: ما علیک أن تعرضها، فأبی علیه، ثم انصرف علیه السلام، ثم أرسلنی من الغد إلیه، فقال لی: قل له: کم غایتک فیها؟ فإذا قال: کذا وکذا فقل: قد أخذتها، فأتیته، فقال: ما أرید أن أنقصها

ص:120

من کذا، فقلت: قد أخذتها، وهو لک، فقال: هی لک، ولکن مَن الرجل الذی کان معک بالأمس؟ فقلت: رجل من بنی هاشم، فقال: من أی بنی هاشم؟ فقلت: من نقبائهم، فقال: أرید أکثر منه، فقلت: ما عندی أکثر من هذا، فقال: أخبرک عن هذه الوصیفة، إنی اشتریتها من أقصی بلاد المغرب، فلقیتنی امرأة من أهل الکتاب فقالت: ما هذه الوصیفة معک؟ فقلت: اشتریتها لنفسی، فقالت: ما ینبغی أن تکون هذه الوصیفة عند مثلک، إنّ هذه الجاریة ینبغی أن تکون عند خیر أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلا قلیلاً حتی تلد منه غلاماً یدین له شرق الأرض وغربها، قال: فأتیته بها، فلم تلبث عنده إلا قلیلاً حتی ولدت له علیاً علیه السلام(1). فکان تحرک الإمام الکاظم علیه السلام نحو هذه الجاریة بأمر الغیب وأنه من جملة المخططات الغیبیة فی رسم مستقبل أهل البیت علیهم السلام الاجتماعی وقد کشف الإمام علیه السلام النقاب عن ذلک عندما تم شراء السیدة نجمة, التفت لأصحابه قائلاً: والله ما اشتریت هذه الجاریة إلا بأمر الله ووحیه... إلی آخر الحدیث الذی سیأتی ذکره.

زواجها بأمر الغیب

کما هو الحال فی کل أمهات الأئمة علیهم السلام أنّ الله اصطفاهن وأعدهن کی یکونن أوعیة وحواضن لحججه فی خلقه فنلاحظ أنّ الغیب یتدخل فی اختیارهن وشرائهن وأیضاً فی زواجهن وقد مرّ علینا أمر زواج الزهراء علیها السلام من علیٍّ علیه السلام حیث کان بأمرٍ ووحی من الله, فأیضاً نجد أنّ الوحی الغیبی کعادته فی تزویج

ص:121


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 27.

امهات الأئمة علیهم السلام قد تدخل فی أمر زواج السیدة نجمة النوبیة, کما ورد فی المأثور عن أبی الحسن موسی علیه السلام لما ابتاع هذه الجاریة قال لجماعة من أصحابه: والله ما اشتریت هذه الجاریة إلا بأمر الله ووحیه، فسئل عن ذلک فقال: بینا أنا نائم إذ أتانی جدی وأبی ومعهما شقة حریر فنشراها فإذا قمیص وفیه صورة هذه الجاریة، فقالا: یا موسی لیکونن لک من هذه الجاریة خیر أهل الأرض بعدک، ثم أمرانی إذا ولدته أن اسمیه علیاً، وقالا: إنّ الله سیظهر به العدل والرأفة والرحمة، طوبی لمن صدقه، وویل لمن عاداه وجحده(1).

إزالة توهم

ربما یتصور البعض أنّ هناک تنافیاً بین ما روی عن الصدوق رحمه الله بسنده عن علی بن میثم أنه قال: اشترت حمیدة المصفاة (وهی أم أبی الحسن موسی بن جعفر علیه السلام) جاریة واسمها تکتم، (أم الإمام الرضا علیه السلام) وهی من أشراف العجم وکانت من أفضل النساء فی عقلها ودینها وإعظامها لمولاتها حمیدة المصفاة، حتی أنها ما جلست بین یدیها منذ ملکتها إجلالاً لها, وکانت علائم الجلالة والنجابة تلوح منها حتی شهدت بذلک مولاتها حمیدة المصفاة.

وبین ما تقدم من أن الإمام الکاظم علیه السلام هو الذی اشتری السیدة تکتم (أم الإمام الرضا علیه السلام) حیث بعث هشاماً لابتیاعها له کما تقدم، وظاهر هذا هو التنافی بین الأحادیث.

ص:122


1- (1) دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 349.

قلنا: یمکن الجمع بین الروایتین بأن یقال: إنّ الإمام الکاظم علیه السلام اشتراها جاریة لأمّه أو جعلها عندها فمکثت عند أمّه مدة، وربما کان ذلک لحکمة فی مخطط الغیب من إعدادها وتأهیلها وما إلیه, ومن ثم وهبتها أمّه إلی الإمام علیه السلام أو جعلتها تحت تصرفه بعدما علمت من أنّها تکاملت وأصبحت قادرة تماماً علی تحمل المسؤولیة الکبری لذا حصلت حینها الإرهاصات الغیبیة فی باب تزویجها من الإمام علیه السلام، وبذلک یرتفع التنافی بین الروایتین؛ ولذا یذکر الرواة أنّ أم الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام هی جاریة، کانت مملوکة لحمیدة المصفاة أم الإمام موسی بن جعفر علیه السلام وقد أعجبت بها لعظیم خلقها ودینها وجلال وأدبها، فوهبتها لولدها الکاظم علیه السلام لیتزوج بها, مع أنّ النساء لاسیما أم المعصوم لا تزاول البیع والشراء فی مثل هذا وإنما هو من مهام الرجال, نعم بعد ذلک یهبها الإمام وربما لغایة فی قلب یعقوب, منها أنّ تبقی تحت رعایتها وإشرافها وحفظها کما تقدم, أو لأغراض سیاسیة منها حفاظاً علی أم المعصوم علیه السلام والحجة من بعده بسبب الظروف التی کانت تحیط به علیه السلام, وإلا نحن علمنا أنّ الإمام عندما اشتراها قد أخبر أصحابه الخلّص أنّها أم الحجة من بعده وأنها ستکون زوجة له.

السیدة نجمة وعاء للمعصوم

من أهم الفضائل التی حازت علیها السیدة نجمة (أم الإمام الرضا علیهما السلام) والتی یکشف عن طهارتها وإیمانها ویکللها وسام الشرف والطهارة بالماضی والمستقبل, هو ترقیها فی أن تکون وعاءً وحجراً للمعصوم علیه السلام, فقد جاء فی عیون أخبار الرضا علیه السلام: عن نجمة قالت: لما حملت بابنی علی علیه السلام لم أشعر بثقل الحمل،

ص:123

وکنت أسمع فی منامی تسبیحاً وتهلیلاً وتمجیداً من بطنی، فیفزعنی ذلک ویهولنی، فإذا انتبهت لم أسمع شیئاً، فلما وضعته وقع علی الأرض واضعاً یده علی الأرض، رافعاً رأسه إلی السماء یحرک شفتیه کأنه یتکلم، فدخل إلیّ أبوه موسی ابن جعفر علیهما السلام فقال لی: هنیئاً لک یا نجمة، کرامة ربک، فناولته إیاه فی خرقة بیضاء، فأذّن فی أذنه الأیمن وأقام فی الأیسر، ودعا بماء الفرات فحنکه به، ثم رده إلیّ وقال: خذیه، فإنه بقیة الله فی أرضه(1).

وسمی الإمام الکاظم علیه السلام ولیده المبارک باسم جده الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام، بأمر من الغیب کما تقدم, وتبرکاً وتیمناً بهذا الاسم الذی یرمز لأعظم شخصیة خلقت فی دنیا الإسلام والوجود بعد النبی المصطفی، والتی تحلت بجمیع فضائل الدنیا.

وقد وقع الاختلاف بین المحدثین وغیرهم فی تحدید السنة التی ولد فیها وأیضاً الشهر, فقد ولد الإمام علی الرضا علیه السلام بالمدینة المنورة عام (143 ه -) أو عام (148 ه -) أو عام (153 ه -)، علی اختلاف الروایات, وأیضاً حصل الاختلاف بینهم فی تحدید سنة وشهر استشهاده علیه السلام, فقد توفی عام (203 ه -)، کما فی روایة المسعودی وابن خلکان(2). وکانت ولادته علیه السلام یوم الجمعة فی بعض شهور سنة ثلاث وخمسین ومائة، وقیل: بل ولد سابع شوال، وقیل ثامنه، وقیل سادسه، سنة إحدی وخمسین ومائة، وتوفی فی آخر یوم من صفر سنة اثنتین ومائتین، وقیل بل

ص:124


1- (1) عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 29.
2- (2) مروج الذهب, المسعودی ج 2 ص 418. ووفیات الأعیان, ابن خلکان ص 3 ج 270.

توفی خامس ذی الحجة، وقیل: ثالث عشر ذی القعدة سنة ثلاث ومائتین بمدینة طوس، وکان مسموماً، فاعتل منه ومات(1).

أولادها

اختلف المحدثون والمؤرخون فی عدد أولاد الإمام الکاظم علیه السلام اختلافاً کبیراً, فعددهم یتراوح بین (33-60) بین ذکر وأنثی. فمنهم من قال ولد للکاظم علیه السلام ستون ولداً، سبعاً وثلاثین بنتاً، وثلاثة وعشرین ابناً، درج منهم خمسة لم یعقبوا بغیر خلاف وهم: عبد الرحمن وعقیل والقاسم ویحیی وداود. علی أنّ روایة الیعقوبی إنما تجعلهم (41) ولداً، ثمانیة عشر ذکراً، وثلاثاً وعشرین بنتا. بینما یجعلهم ابن کثیر أربعین فقط (2).

وفی الإرشاد قال: کان لأبی الحسن موسی علیه السلام، سبعة وثلاثون ولداً ذکرا وأنثی منهم: علی بن موسی الرضا علیه السلام، وإبراهیم، والعباس، والقاسم، لأمهات أولاد. وإسماعیل، وجعفر، وهارون، والحسین، لأم ولد. وأحمد، ومحمد، وحمزة، لأم ولد. و عبد الله، وإسحاق، وعبید الله، وزید، والحسن، والفضل، وسلیمان، لأمهات أولاد. وفاطمة الکبری، وفاطمة الصغری، ورقیة، وحکیمة، وأم أبیها، ورقیة الصغری، وکلثم، وأم جعفر، ولبابة، وزینب، وخدیجة، وعلیة، وآمنة، وحسنة، وبریهة، وعائشة، وأم سلمة، ومیمونة، وأم کلثوم، لأمهات أولاد. وکان أفضل ولد أبی الحسن موسی علیه السلام وأنبههم وأعظمهم قدراً وأعلمهم وأجمعهم

ص:125


1- (1) راجع: الإمامة وأهل البیت. محمد بیومی مهران, ج 3 ص 104. ووفیات الأعیان, ابن خلکان ص 3 ج 270.
2- (2) راجع: لإمامة وأهل البیت, محمد بیومی مهران, ج 3 ص 103.

فضلاً أبو الحسن علی بن موسی الرضا علیه السلام. وکان أحمد بن موسی کریماً جلیلاً ورعاً، وکان أبو الحسن موسی علیه السلام یحبه ویقدمه، ووهب له ضیعته المعروفة بالیسیرة. ویقال: إنّ أحمد بن موسی رضی الله عنه أعتق ألف مملوک(1).

ویذکر أن کل أولاد الإمام الکاظم علیه السلام أهل فضل وعلم وشهرة وکانت السیدة فاطمة المعصومة أخت الإمام الرضا لأمه وأبیه من أمهم السیدة الجلیلة نجمة النوبیه, ولم یذکر لنا التاریخ عدد نساء الإمام الکاظم علیه السلام ولا أسماءهن ولا أحوالهن مع کثرة أولاده وقالوا کل نسائه جواری(2).

الظروف المأساویة التی عاصرت السیدة نجمة

عندما نقرأ سیرة زوجها الإمام الکاظم علیه السلام نلاحظ أنّها کانت مشحونة بالظلم والاضطهاد من قبل الظالمین وکانت فترة عصیبة, وربما هی أشد المراحل فی عصر الأئمة علیهم السلام هی المرحلة التی عاصرها الإمام الکاظم علیه السلام فقد کرّس فیها الطغیان والاستبداد وکان فی أعلی مراتبه حتی أنّ أصحابه یصعب علیهم لقاؤه والحدیث عنه فکانوا یقولون حدثنا السید والرجل والعبد الصالح والعالم وغیر ذلک وکان یوصیهم بالکتمان والحذر, بالإضافة ما یجری علی الشیعة والمخلصین من قتلٍ وتشریدٍ وما إلیه, ومع ذلک کان یستدعی الإمام علیه السلام من وطنه المدینة إلی بغداد لأجل التحقیق معه وتهدیده حتی قاموا باعتقاله مرات عدیدة وأخذ ینقل من سجن إلی سجن.

ص:126


1- (1) راجع: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 244.
2- (2) انظر: تواریخ النبی صلی الله علیه و آله والآل علیهم السلام, ص 111.

ومن جملة الاعتقالات التی مرّ بها الإمام علیه السلام هی ما قام بها الرشید, حیث قبض علی موسی بن جعفر علیه السلام سنة تسع وسبعین ومائة فی سفره إلی مکة المعظمة، وهو عند رأس النبی صلی الله علیه و آله قائماً یصلی، فقطع علیه صلاته وحمله وهو یقول: إلیک أشکو یا رسول الله ما ألقی. وأقبل الناس من کل جانب یبکون ویضجون، فلما حمل إلی بین یدی الرشید وجن علیه اللیل أمر بقبتین فهیئاً له، فحمل الإمام إحداهما فی خفاء، ودفعه إلی حسان السروی وأمره أن یسیر به فی قبته إلی البصرة فیسلمه إلی عیسی بن جعفر بن أبی جعفر - وهو أمیرها -، ووجه قبة أخری علانیة نهاراً إلی الکوفة معها جماعة لیعمی علی الناس أمر موسی بن جعفر علیه السلام. فقدم حسان البصرة قبل الترویة بیوم، فدفعه إلی عیسی بن جعفر بن أبی جعفر نهاراً علانیة حتی عرف ذلک وشاع أمره، فحبسه عیسی فی بیت من بیوت المحبس الذی کان یحبس فیه، وأقفل علیه، وشغله عنه العید، فکان لا یفتح عنه الباب إلا فی حالتین: حال یخرج فیها إلی الطهور، وحال یدخل إلیه فیها الطعام(1). وهکذا بقی الإمام علیه السلام فی هذه الأجواء المظلمة إلی أن استشهد فی سجن السندی ببغداد. فکل هذه المحن والمصائب التی کان یعیشها الإمام علیه السلام وأهل بیته کانت السیدة نجمة زوجته علیهما السلام تتلقاها بقلب محترق یکاد یذوب ألماً علی حال إمامها وزوجها وهو فی أشد الأحوال من المعاناة والمضایقة فعاشت هذه السیدة أجواءً ملیئة بالأحزان والمصائب, مع أنّها کانت تحمل علی عاتقها مسؤولیة کبری فی ولادة وحفظ الحجة من بعده.

ص:127


1- (1) انظر: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 192.

من بناتها فاطمة المعصومة علیها السلام

السیدة فاطمة بنت الإمام موسی بن جعفر الصادق إلی أن ینتهی نسبها إلی الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیهم السلام. وهی شقیقة الإمام الرضا علیه السلام أباً وأماً. ولدت فی المدینة المنورة وأن ولادتها علیها السلام کانت سنة (183 ه (، وهی السنة التی استشهد فیها والدها الإمام الکاظم علیه السلام، فی قول أکثر المؤرخین. وعلی هذا فلم تحظ السیدة المعصومة بلقاء أبیها علیه السلام ورعایته، وعاشت فی کنف أخیها وشقیقها الإمام الرضا علیه السلام وصی أبیه والقائم مقامه. واستبعد بعضهم أنّ تکون ولادتها علیها السلام فی تلک السنة؛ لأن السنوات الأربع الأخیرة من عمره علیه السلام (علی أقل التقادیر) کان فیها رهین السجون العباسیة، مضافاً إلی أنه قد ذکر أن للإمام الکاظم علیه السلام أربعاً من البنات، اسم کل منهنّ فاطمة، وأن الکبری من بینهن هی فاطمة المعصومة علیها السلام(1). ولذا فلا بد أن تکون ولادتها قبل ذلک فتکون فی غرة ذی القعدة سنة (179 ه -)(2).

وکیف کان فإنها رضعت من ثدی الإیمان، ونشأت وترعرعت فی أحضان العفة والطهارة، تحت رعایة أخیها الإمام الرضا علیه السلام، لأن أباها الإمام الکاظم علیه السلام أُشخص إلی بغداد وسجن فیها بأمر الرشید العباسی لذلک تکفل أخوها الإمام الرضا علیه السلام رعایتها ورعایة أخواتها ورعایة بقیة العلویین الذین کان الإمام الکاظم علیه السلام قائماً برعایتهم.

ص:128


1- (1) راجع: کتاب الفاطمة المعصومة علیها السلام, محمد علی المعلم, ص 56.
2- (2) مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ص 361.

من صفات فاطمة المعصومة علیها السلام

تعرف هذه السیدة بالمحدثة، والعابدة، والمقدامة، وکریمة أهل البیت علیهم السلام وهی فی غایة الورع والزهد والتقوی، والانقطاع إلی الله سبحانه وتعالی.

کیف لا وأبوها الإمام الکاظم علیه السلام المعروف بباب الحوائج، وأخوها الإمام الرضا الراضی بالقدر, وقد عرفت حال أمها وما تحوی من صفات کمالیة ورعایة ربانیة.

جاء فی کتاب النساء المؤمنات: کانت السیدة فاطمة الکبری بنت الإمام الکاظم علیه السلام عالمة محدثة راویة، حدثت عن آبائها الطاهرین علیهم السلام، وحدث عنها جماعة من أرباب العلم والحدیث، وأثبت لها أصحاب السنن والآثار روایات ثابتة وصحیحة من الفریقین الخاصة والعامة، فذکروا أحادیثها فی مرتبة الصحاح الجدیرة بالقبول والاعتماد(1).

وفاة المعصومة ومحل قبرها

توفیت علیها السلام فی العاشر من ربیع الثانی فی سنة إحدی ومائتین فی بلدة قم؛ وذلک لمّا أخرج المأمون الرضا علیه السلام من المدینة إلی مرو لولایة العهد فی سنة (200) من الهجرة، خرجت فاطمة أخته تقصده فی سنة (201 ه (، فلما وصلت إلی ساوة مرضت، فسألت: کم بینها وبین قم؟

ص:129


1- (1) النساء المؤمنات, ص 577.

قالوا: عشرة فراسخ.

فقالت: احملونی إلیها، فحملوها إلی قم، وأنزلوها فی بیت موسی بن خزرج ابن سعد الأشعری.

ذکروا أنّه لما وصل خبر وصولها إلی قم، استقبلها أشراف قم، وتقدمهم موسی بن خزرج، فلما وصل إلیها أخذ بزمام ناقتها وجرها إلی منزله، وکانت فی داره سبعة عشر یوماً، ثم توفیت علیها السلام، فأمر موسی بتغسیلها وتکفینها وصلی علیها ودفنها فی أرض کانت له، وهی الآن روضتها، وبنی علیها سقیفة من البواری، إلی أن بَنَتْ زینب بنت محمد بن علی الجواد علیه السلام علیها قبة(1).

وروی أنّه لما توفیت فاطمة علیها السلام سنة (201 ه (وغسلت وکفنت، حملوها إلی مقبرة بابلان، ووضعوها علی سرداب حفر لها، فاختلف آل سعد فی من ینزلها إلی السرداب، ثم اتفقوا علی خادم لهم صالح کبیر السن یقال له قادر، فلما بعثوا إلیه رأوا راکبین مقبلین من جانب الرملة وعلیهما اللثام، فلما قربا من الجنازة نزلا وصلیا علیها، ثم نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ودفناها فیه، ثم خرجا ولم یکلما أحداً ورکبا وذهبا ولم یدر أحد من هما(2).

والمحراب الذی کانت فاطمة علیها السلام تصلی فیه موجود إلی الآن فی دار موسی بن خزرج ویزوره الناس, ولا یزال هذا المحراب إلی یومنا هذا یؤمه الناس

ص:130


1- (1) راجع: مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی, ص 561.
2- (2) انظر: مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 8 ص 262. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 48 ص 290.

للصلاة والدعاء والتبرک، وهو الآن مسجد عامر فی شارع (45 متری عمار یاسر) فی قم المقدسة، وقد جددت عمارته أخیراً بشکل یناسب مقام السیدة فاطمة المعصومة رضوان الله علیها.

فضل زیارة فاطمة المعصومة علیها السلام

یعد مشهد السیدة فاطمة المعصومة علیها السلام فی مدینة قم الیوم من المشاهد المشهورة فی عالمنا الإسلامی، وهو مبنی علی طرازٍ إسلامیٍّ رائعٍ، ویقصده محبو أهل البیت علیهم السلام من مختلف دیار الإسلام للزیارة والتوسل والدعاء, وهناک جملة من الروایات التی تحث علی زیارة السیدة فاطمة المعصومة علیها السلام, وتکشف عن عظم ثواب زیارة ضریحها.

منها ما روی عن ابن قولویه والشیخ الصدوق بالإسناد عن سعد بن سعد، قال: سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن زیارة فاطمة بنت موسی بن جعفر علیهما السلام فقال: من زارها فله الجنة(1).

ومنها, ما روی ابن قولویه بإسناده عن العمرکی، عمن ذکره، عن ابن الرضا علیه السلام قال: من زار قبر عمتی بقم فله الجنة(2).

ومنها, ما ورد عن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن سعد، عن علی ابن موسی الرضا علیه السلام قال: یا سعد، عندکم لنا قبر, قلت له: جعلت فداک، قبر فاطمة بنت موسی علیهما السلام, قال: نعم، من زارها عارفاً بحقها فله الجنة فإذا

ص:131


1- (1) کامل الزیارات, جعفر بن محمد بن قولویه, ص 563. وثواب الأعمال, الشیخ الصدوق, ص 99.
2- (2) کامل الزیارات, جعفر بن محمد بن قولویه, ص 563.

أتیت القبر عند رأسها مستقبل القبلة، وکبر أربعاً وثلاثین تکبیرة، وسبح ثلاثاً وثلاثین تسبیحة، واحمد الله ثلاثاً وثلاثین تحمیدة، ثم قل الزیارة(1).

وأیضا روی عن الحسن بن محمد القمی عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام، قال:

إنّ لله حرماً وهو مکة، وإن للرسول صلی الله علیه و آله حرماً وهو المدینة، وإنّ لأمیر المؤمنین علیه السلام حرماً وهو الکوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فیها امرأة من أولادی تسمی فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة(2).

وببرکة السیدة فاطمة المعصومة علیها السلام تعج المدینة المقدسة قم بأعداد غفیرة من طلبة العلم، یختلفون إلی عشرات المدارس الدینیة وفی مراحل مختلفة من أقطار شتی، فهی الیوم جامعة علمیة دینیة یتخرج منها آلاف الطلبة کل عام، حتی أصبحت مدینة قم مدینة العلم والاجتهاد.

وفاة ومحل قبر السیدة نجمة

من البعید أن نقف علی نص تاریخی أو غیره یبین لنا تاریخ وفاتها علیها السلام ولا حتی بیان قبرها وأثر معلمها, ولکن یمکن أن نقول إنّها بقیت علی قید الحیاة إلی ما بعد استشهاد زوجها الکاظم علیه السلام, وذلک علی القول من أنّ ولادة السیدة

ص:132


1- (1) مستدرک الوسائل, المیرزا النوری, ج 10 ص 368.
2- (2) المصدر السابق.

المعصومة أخت الإمام الرضا علیه السلام کانت فی أیام استشهاد أبیها کما تقدم, وقد ثبت أنّ السیدة المعصومة والرضا علیهما السلام أولادها علیها السلام, فعلیه تکون قد أدرکت استشهاد زوجها علیه السلام ولکن لم تعرف الفترة التی عاشتها بعد ذلک. وأیضا یمکن أن نرجح أن محل قبرها فی المدینة المنورة؛ وذلک لأنّ زوجها الإمام الکاظم علیه السلام عندما کان مثواه الأخیر فی بغداد لم یکن ذهابه باختیاره ومع أسرته بل أعتقل وأخذ جبراً لوحده إلی العراق وکان فی غیاهب السجون إلی أن استشهد ودفن فی بغداد, أما أسرته فکانت مستقرة فی موطنها المدینة المنورة ولم تسافر إلی غیرها. ولو فرضنا أنها بقیت حیة إلی حین تولی ابنها الإمام الرضا علیه السلام ولایة العهد من قبل المأمون فی طوس فأیضاً الإمام علیه السلام لم یأخذ أسرته وأهل بیته معه, بل ترکهم فی موطنهم المدینة المنورة بعد ما سافر لتقلد ولایة العهد التی فرضت علیه قهراً. فیمکن أنْ نستفید من هذا وغیره أنّها فارقت الحیاة فی المدینة المنورة ودفنت فیها.

ص:133

ص:134

الفصل العاشر: خیزران المریسیة أم الإمام الجواد علیهما السلام

اشارة

ص:135

ص:136

اسمها ونسبها

اسمها السیدة خیزران المریسیة القبطیة, کما جاء ذلک فی صحیفة الزهراء علیها السلام والتی تشتمل علی أسماء الأئمة علیهم السلام وأمهاتهم کما مرّ مفصلاً, فقد أسند الشیخ الصدوق رحمه الله, عن أبی نضرة قال: لما احتضر أبو جعفر محمد بن علی الباقر علیه السلام عند الوفاة،... ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال له: یا جابر, حدثنا بما عاینت من الصحیفة. فقال له جابر: نعم یا أبا جعفر دخلت علی مولاتی فاطمة... فقلت لها: یا سیدة النساء ما هذه الصحیفة التی أراها معک؟ قالت: فیها أسماء الأئمة من ولدی، (الی أن قال) أبو جعفر محمد بن علی الزکی أمه جاریة اسمها خیزران... الخ(1). والحدیث طویل، أخذنا منه موضع الحاجة.

ومن الأدلة علی أنّ اسمها خیزران هو ما ورد علی لسان السیدة حکیمة کما جاء فی المناقب عن حکیمة بنت أبی الحسن موسی بن جعفر علیه السلام قالت: لما حضرت ولادة الخیزران أم أبی جعفر علیه السلام دعانی الرضا فقال لی: یا حکیمة احضری ولادتها وادخلی وإیاها والقابلة بیتاً... الخ(2).

ص:137


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 41.
2- (2) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 499.

ومعنی الخیزران فی اللغة: هو نبات لیّن القضبان أملس العیدان لا ینبت ببلاد العرب إنما ینبت ببلاد الروم(1).

ویقال إنّ اسمها ریحانة، وهو مفرد الریاحین, والریحان: کل بقل طیب الریح، وقال:

بریحانة من بطن حلیة نورت لها أرج، ما حولها غیر مسنت

وقیل: الریحان أطراف کل بقلة طیبة الریح إذا خرج علیها أوائل النور، وفی الحدیث: إذا أعطی أحدکم الریحان فلا یرده، هو کل نبت طیب الریح من أنواع المشموم(2).

ویقال إنّ اسمها: سکینة, ویقال لها: درّه, کما عن ابن شهر آشوب, قال: وأمه (أی الجواد علیه السلام) أم ولد، تدعی: درة، وکانت مریسیة، ثم سماها الرضا علیه السلام: خیزران. وکانت من أهل بیت ماریة القبطیة. ویقال: إنها سبیکة، وکانت نوبیة. وتکنی: أم الحسن(3).

وکانت علیها السلام من أهل النوبة, أو من أهل مریسة, من قبیلة ماریة القبطیة أم إبراهیم ابن رسول الله صلی الله علیه و آله، والنوبة (بالضم) بلاد واسعة للسودان بجنب الصعید ومنها بلاد الحبشة، والنوبة أیضاً جیل من السودان, والنسبة إلیها نوبی ونوبیة, وقد تقدم الکلام عنه.

ص:138


1- (1) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 4 ص 237.
2- (2) راجع: المصدر نفسه, ج 2 ص 458.
3- (3) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 487. دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 396.

الحکمة من تعدد أسمائها

لا ضیر فی تعدد أسماء الجواری والإماء، وهو أمر وارد آنذاک وکان متعارفاً, فالسید أو المالک الجدید قد یطلق علی أمته اسماً جدیداً، إذا لم یعجبه اسمها الأول، أو یکون قد تزوجها فیغیر اسمها بما یتناسب ووضعها الجدید، أو أنه یطلق علیها عدة أسماء فی آن واحد؛ لهذا یکون للجاریة عدة أسماء أحیاناً, کما هو الحال فی والدة الإمام الجواد علیه السلام، فقد سماها الإمام الرضا علیه السلام إضافة لما لها من أسماء.

وربما یفهم من تعدد أسمائها تکامل صفاتها واحتواؤها علی الدرجات العالیة والرفیعة, فإن الأسماء عادة تحکی عن مسمیات فهی تشیر إلی معانٍ مقدسة, فلعلها إنما سمیت (درّة) لتلألأ وجهها بنور الإمامة لما کانت حاملاً بالإمام الجواد علیه السلام, وسمیت سبیکة بسبب لمعان وجهها کسبیکة الذهب, وسمیت ریحان لطیب ریحها کما تقدم معناه فی اللغة, وأیضاً أشار النبی صلی الله علیه و آله لذلک بقوله: الطیبة الفم, کما سیأتی.

وسمیت سکینة لحسن أخلاقها واستقامة سلوکها. وغیرها من الدلالات والإشارات التی تحویها هذه الأسماء.

ویمکن أن یکون من وراء تعدد أسمائها أهداف وأغراض سیاسیة وأمنیة منها الحفاظ علی أم المعصوم علیه السلام, لاسیما فی الفترة المتأخرة من عصر الأئمة علیهم السلام.

ص:139

الاختلاف فی بلدها بین المریسیة والمرسیة

اختلف المؤرخون والمحدثون فی نسبتها إلی بلدها, منهم من قال إنها ترجع إلی المریسة, والمراد بالمریسة: (بفتح أوله، وتخفیف الراء، ویاء ساکنة، وسین مهملة) هی جزیرة فی بلاد النوبة کبیرة یجلب منها الرقیق.

ومَرَیسة: (بالفتح ثم الکسر والتشدید، ویاء ساکنة، وسین مهملة) قریة بمصر وولایة من ناحیة الصعید، إلیها ینسب الحمر المریسیة وهی من أجود الحمیر وأمشاها، ینسب إلیها بشر بن غیاث المریسی صاحب الکلام مولی زید بن الخطاب، أخذ الفقه عن أبی یوسف القاضی صاحب أبی حنیفة ثم اشتغل بالکلام وجرد القول بخلق القرآن وحکی عنه أقوال شنیعة کقوله: إن السجود للشمس والقمر لیس بکفر، وکان مرجئاً، وروی عن حماد بن سلمة وسفیان بن عیینة، توفی سنة (218 ه -)، وببغداد درب یعرف بدرب المریسی ینسب إلیه(1).

ومنهم من نسبها إلی بلاد المرسیة, والمرسیة (بفتح المیم وسکون الراء وفی آخرها سین مهملة هذه النسبة إلی المرس) قریة نحو المدینة منها أبو عبد الله محمد بن إسماعیل بن القاسم بن إسماعیل العلوی المرسی المدینی, روی عن أبیه عن جده, وإلی المرسیة مدینة من بلاد الأندلس منها أبو غالب تمام بن غالب اللغوی المرسی الأندلسی یعرف بابن التیانی له کتاب مصنف فی اللغة.

والمرسیة: (بضم المیم وسکون الراء وفی آخرها سین مهملة) هذه النسبة

ص:140


1- (1) راجع: اللباب فی تهذیب الأنساب, ابن الأثیر الجزری, ج 3 ص 196.

إلی مرسیة وهی مدینة من بلاد المغرب هکذا ضبطه ابن ماکولا بالضم, قال السمعانی وکنت أسمع المغاربة یذکرونه بالفتح والله أعلم. ومنها جماعة من المحدثین والعلماء منها أبو غالب تمام بن غالب التیانی المرسی اللغوی ألَّفَ کتاباً فی اللغة أحسن فیه. (قال) قلت قول السمعانی فی هذه الترجمة بالضم وفی التی قبلها بالفتح وهما واحد لا وجه له فإن عادته فی أمثال هذا یذکر ترجمة واحدة ویقول وقیل بالفتح أو بالضم أو بالتشدید وأما میله إلی أنها بالفتح فغریب جداً وإنما هی بالضم وهما واحدة بالأندلس لا غیر ومن یراه قد ذکر فی الترجمة الأولی مرسیة بالأندلس فبقی الثانیة مرسیة بالمغرب یظن أن هذه غیر تلک لأنّ العادة جاریة أن یقال لبلاد العدوة المغرب ویقال لبلد الأندلس فهذا یوهم لبساً ودلیل أنهما مدینة واحدة أن المنسوب إلیهما واحد والله اعلم(1).

وکیف کان فقد ذکر البعض أنّها من المریسیة، نسبة إلی مریسة؛ وهی قریة فی صعید مصر من بلاد النوبة, وعلی هذا فهی من نوبة مصر لا السودان, والذی علیه أکثر المصادر عند الفریقین(2). ویؤید ذلک ما ورد فی الصحیفة عن النبی صلی الله علیه و آله بأبی ابن خیر الإماء النوبیة... الخ.

فتحصل أنّها علیها السلام سیدة أفریقیة من بلاد المغرب أو مصر أو النوبة, وهی شرق أفریقیة, ولیس هناک اختلاف جوهری وإنما اختلاف فی التعابیر.

ص:141


1- (1) راجع: معجم البلدان, الحموی, ج 5 ص 118.
2- (2) راجع: موسوعة شهادة المعصومین, لجنة الحدیث فی معهد باقر العلوم علیه السلام, ص 277.

مکانتها الرفیعة

نالت هذه السیدة الجلیلة الفخر والمجد الأوفر فی جملة من المزایا حتی أشخصتها عن غیرها وسادتْ علی أقرانها فی زمانها بحیث کانت أفضل نساء زمانها، حتی أنّ هذا الإیمان وهذه الفطرة السلیمة الراسخة فیها جعلت ید الغیب أن ترعاها ویجری مدحها علی لسان النبی صلی الله علیه و آله کاشفاً عن المستقبل وما تحویه هذه المرأة من طیب وطهارة.

فقد أشار إلیها رسول الله صلی الله علیه و آله بقوله: بأبی ابن خیر الإماء النوبیة الطیبة الفم، المنتجبة الرحم(1).

وأما مدح الإمام الرضا علیه السلام لها یکشف علی أنّها فی غایة القدسیة والکمال والطهارة, حیث قال علیه السلام بعدما سأله کلثم بن عمران, قال: قلت للرضا علیه السلام ادع الله أنّ یرزقک ولداً فقال علیه السلام:

إنما ارزق ولداً واحداً وهو یرثنی.

فلما ولد أبو جعفر (الجواد علیه السلام) قال الرضا علیه السلام لأصحابه:

قد ولد لی شبیه موسی ابن عمران علیه السلام فالق البحار, وشبیه عیسی ابن مریم علیه السلام قدست أم ولدته, قد خلقت طاهرة مطهرة, ثم قال الرضا علیه السلام یقتل غصباً فیبکی له وعلیه أهل السماء ویغضب الله تعالی علی عدوه وظالمه... الخ(2).

ص:142


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 323.
2- (2) راجع: عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 108. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 50 ص 15.

الصفات الکمالیة للسیدة خیزران

اشارة

تتمتع السیدة خیزران بکثیر من الصفات الکمالیة التی میزتها عن أقرانها وجعلتها أفضل أهل زمانها من النساء فی جمیع الأصعدة حتی أصبحت محط أنظار أهل البیت علیهم السلام وکشفوا لنا جملة من هذه الصفات الحمیدة التی کانت متجسدة فی ذات وکیان هذه المرأة العظیمة, فکانت تحوی علی الطهارة القصوی سواء کان ذلک فی المجال المعنوی أم المادی, وکانت المقدسة عند الجمیع والمنتجبة والمصطفاة من قبل الله تعالی, وکانت محل اهتمام الغیب فی کل شؤونها ولا نستبعد أو نستغرب ذلک فإنّ هذا دیدن أمهات وأوعیة الأئمة المعصومین علیهم السلام فقد اصطفاهن الله وخصهن وأعدهن حتی جعلهن طاهرات مطهرات مقدسات, وهذه الصفات المعنویة کثیر منها لا یمکن أن نطلع علیها إلا من قبل الغیب, فمن له شأن ارتباط بالغیب یکشف لنا عن مدی العظمة والمکانة التی تتمتع بها هذه السیدة الجلیلة, هب أنّ القدر أو الحکمة ساقها لأن تکون جاریة فی أیدی النخاسین أو أسیرة بأیدی القوم لکن هذا لا یحط من واقعها وعظمتها ورفعتها فإن الظاهر لا یؤثر بالواقع, فواقع حالها یحکی عن تکامل من جمیع جوانبها, فکیف أنّ السبی والأسر لم یؤثر بواقع السیدة زینب بنت أمیر المؤمنین علیه السلام بل جعلها بطلة ورائدة الإنسانیة وکشف عن مدی صلابتها ومتانتها وبعد إیمانها, فکذلک الأسر والسبی الذی حاکته السماء حتی تصل إلی مثواها الذی تؤدی به وظیفتها الکبری لن یلین ویؤثر بالسیدة خیزران أو غیرها من أمهات الأئمة علیهم السلام, بل ظلت تلک المرأة التی تحوی جملة من الصفات الکمالیة إلی أن أدت وظیفتها طبق المراد والمرسوم لها, کما شهد بذلک

ص:143

المعصوم الذی یحکی عن الواقع الذی غاب عن إدراک العوام, ونحن نذکر هنا بعضاً من صفاتها علیها السلام.

من صفاتها الطاهرة

من جملة الصفات التی کانت تتمتع بها السیدة خیزران هی صفة الطهارة, وهذه الصفة لم تکن ولیدةً فی حال اقترانها بالإمام الرضا علیه السلام أو فی حال ولادتها للإمام الجواد علیه السلام ولا فی حال طفولتها وغرة حیاتها, بل خلقت وجبلت طاهرة مطهرة کما کشف عن ذلک من له ارتباط بالغیب, وهو المعصوم الذی لا یزل ولا یخطأ ولا یتکلم فی مثل هذا إلا عن واقع فعلی, کما تقدم أنّه علیه السلام یُکلّم أصحابه بشأن السیدة خیزران (أم الإمام الجواد علیه السلام) ویقول: قد خلقت طاهرة مطهرة. ولو رجعنا إلی أهمیة هذه الصفة لوجدنا أنّها فی غایة الرفعة والعظمة, حیث ورد أنّ الطاهر أسم من أسماء المولی عزّ وجلّ کما جاء فی الدعاء: اللهم إنی أسألک باسمک المکنون المخزون الطاهر الطهر المبارک، وأسألک باسمک العظیم، وسلطانک القدیم... الخ(1). فهذه دلالة علی أهمیة هذه الصفة التی کانت من أسماء الله المکنونة المخزونة. قال الکفعمی: الطاهر من أسماء الله، أی المنزه عن الأشباه والأمثال والأضداد والأنداد وعن صفات الممکنات وحالات المخلوقات من الحدوث والزوال والسکون والانتقال(2). ولما کان لأسماء الله مظاهر فی هذا العالم، کانت السیدة خیزران إحدی مظاهر اسم «الطاهر».

ص:144


1- (1) راجع: من لا یحضره الفقیه, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 324.
2- (2) راجع: المصباح, الکفعمی, ص 457.

وأیضا نجد أنّ هذه الصفة کانت من الصفات التی عُرف بها النبی صلی الله علیه و آله فقد کان یعبر عنه بالطاهر, کما جاء فی النصوص والأشعار وغیرها, منها: ورد عن الشروانی قال بعض الثقات إنّ من أکل الفجل ثم قال بعده خمس عشرة مرة: اللهم صل علی النبی الطاهر فی نفس واحد لم یظهر منه ریح ولا یتجشأ منه(1).

وأیضا جاء ذلک فی أرجوزة الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام فی ساحة الوغی:

أنا علی فسألونی تخبروا ثم ابرزوا لی فی الوغی وابدروا

سیفی حسام وسنانی یزهر منا النبی الطاهر المطهر(2)

وکما جاء عن العباس بن علی علیه السلام عندما حمل علی القوم فی کربلاء وهو یرتجز:

والله إن قطعتم یمینی إنی أحامی أبدا عن دینی

وعن إمام صادق الیقین نجل النبی الطاهر الأمین(3)

وکذلک عرفت هذه الصفة (الطاهر) بالإمام الحسین علیه السلام, کما جاء فی زیارته المبارکة: السلام علیک یا حجة الله فی أرضه وسمائه، صلی الله علی روحک الطیبة وجسدک الطاهر، وعلیک السلام یا مولای ورحمة الله وبرکاته... الخ(4). وأیضا هذه الصفة کانت من الألقاب المشهورة للصدیقة فاطمة

ص:145


1- (1) راجع: حواشی الشروانی, الشروانی, ج 2 ص 275.
2- (2) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 2 ص 354.
3- (3) المصدر نفسه, ج 3 ص 256.
4- (4) راجع: المقنعة, الشیخ المفید, ص 470.

الزهراء علیها السلام بل کانت من الأوصاف الذاتیة للزهراء علیها السلام والمظهر الأجلی لاسم الله تعالی. کما عن الشیخ الصدوق فی علل الشرائع والأمالی عن الصادق علیه السلام قال: لفاطمة تسعة أسماء... وعَدَّ منها «الطاهرة»(1). وهو مشتق من الطُهر (بالضم)، وهو النزاهة والنظافة کما فی اللغة, والمطهر المنزه. ویقولون: امرأة طاهر من الحیض وطاهرة من النجاسة والعیوب(2). وکذلک عرفت بهذه الصفة السیدة خدیجة الکبری علیها السلام کما تقدم فی محله, عن الزبیر بن بکار قال فی حدیثه عن أحوال خدیجة الکبری علیها السلام «وکانت تدعی فی الجاهلیة الطاهرة»(3). حتی أنّ البعض قال إنّ هذا اللقب موروث لفاطمة علیها السلام من أمها إضافة إلی استحقاقها الذاتی. فنقول أیضا أصبح موروثاً لأمهات أولادها المعصومین علیهم السلام بعدها والتی من جملتهن السیدة الجلیلة خیزران أم الإمام الجواد علیه السلام. ولو فتشنا فی معنی الطاهرة والسبب فی تسمیتها بذلک لوجدنا أنها تحکی عن نزاهتها من کل القذارات والعیوب معنویة کانت أو مادیة, کما کشف عن ذلک المعصوم علیه السلام فی بیان سبب تسمیت فاطمة علیها السلام ب - (الطاهرة), فقد ورد عن أبی جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: إنّما سمیت فاطمة بنت محمد الطاهرة لطهارتها من کل دنس، وطهارتها من کل رفث، وما رأت قط یوماً حمرة ولا نفاساً(4).

ص:146


1- (1) راجع: الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 688. علل الشرایع, ج 1 ص 178.
2- (2) راجع: الصحاح, الجوهری, ج 2 ص 727.
3- (3) راجع: مجمع الزوائد, الهیثمی, ج 9 ص 218.
4- (4) راجع: الفصول المهمة فی معرفة الأئمة, ابن الصباغ, ج 2 ص 1198. وبحار الأنوار, المجلسی, ج 43 ص 19.

فکما أنّ فی هذا الحدیث إشارة إلی أن فاطمة علیها السلام مطهرة من الأخلاق الذمیمة والقبائح الباطنیة علاوة علی طهارتها من الأدناس والأرجاس البدنیة والظاهریة, فکذلک ینطبق تماماً علی السیدة خیزران (أم الإمام الجواد علیهما السلام)؛ لأنها أیضاً کانت توصف بالطاهرة علی لسان المعصوم علیه السلام والعلة والمناط واحد.

من صفاتها المُّطَهَّرَةٌ

ومن خصائص السیدة خیزران أنّها خلقت مطهَّرة, وقد اتصفت بهذه الصفة, کما تقدم عن الإمام الرضا علیه السلام, قد خلقت طاهرة مطهرة. والمطهر یحمل معانی أخری اضافة إلی المعانی التی تحملها صفة الطاهرة, وهذه الصفة أخذت مجالاً واسعاً فی القرآن الکریم والسنة الشریفة, کما جاء فی قوله تعالی:(وَ لَهُمْ فِیها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ)1, أی نساء مطهرة من الحیض والحدث ودنس الطبع وسوء الخلق. وفی مجمع البیان, طهرن من الحیض والنفاس، ومن جمیع المعائب، والأدناس، والأخلاق الدنیة، والطبائع الردیة، لا یفعلن ما یوحش أزواجهن، ولا یوجد فیهن ما ینفر عنهن(1). وقوله تعالی:(رَسُولٌ مِنَ اللّهِ یَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً)3, أی لا یمسها إلا الملائکة المطهرون، وقیل: مطهرة عن الباطل والکذب والزور. وفی قوله تعالی:(لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)4, والمعنی: لا

ص:147


1- (2) راجع: تفسیر مجمع البیان, الشیخ الطبرسی, ج 3 ص 111.

یمس الکتاب المکنون الذی فیه القرآن إلا المطهرون أو لا یمس القرآن الذی فی الکتاب إلا المطهرون. والکلام علی أی حال مسوق لتعظیم أمر القرآن وتجلیله فمسه هو العلم به وهو فی الکتاب المکنون. والمطهرون - اسم مفعول من التطهیر - هم الذین طهر الله تعالی نفوسهم من أرجاس المعاصی وقذارات الذنوب أو مما هو أعظم من ذلک وأدق, وهو تطهیر قلوبهم من التعلق بغیره تعالی، وهذا المعنی من التطهیر هو المناسب للمس الذی هو العلم دون الطهارة من الخبث أو الحدث کما هو ظاهر. فالمطهرون هم الذین أکرمهم الله تعالی بتطهیر نفوسهم کالملائکة الکرام والذین طهرهم الله، قال تعالی:(إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً)1 ، ولا وجه لتخصیص المطهرین بالملائکة کما عن جُلِّ المفسرین لکونه تقییداً من غیر مقید آیة التطهیر أن التطهیر بمعنی التنزیه عن أی عمل قبیح. ومتعلق الطهارة: إما الطهارة الظاهریة من الأخباث، أو طهارة الجوارح عن الجرائم والمعاصی، أو طهارة النفس من الأخلاق الردیة الرذیلة، أو طهارة السر عما سوی الله(1).

وکیف کانت هذه الصفة لها أهمیة فی الشرع الحنیف وقد وصف الله بعض خلقه ممن طهرهم واصطفاهم ولیس من السهل أن یصل کل أحد إلی هذا المقام ویتصف بهذه الصفة إلا من أخلص واتقی وسار علی نهج السماء... فمن هنا نعرف مکانة وعظمة السیدة الجلیلة الطاهرة المطهرة خیزران, فقد کشف لنا

ص:148


1- (2) راجع: تفسیر المیزان, السید الطباطبائی, ج 19 ص 137.

الإمام علیه السلام أنّها من جملة الذین طهرهم الله واصطفاهم فهی مطهرة من کل العیوب المادیة والمعنویة وما إلیها.

المقدسة

من جملة الصفات التی حظیت وتلبست بها السیدة خیزران هی التقدیس, وذلک أیضاً کشف عنه الإمام الرضا علیه السلام لأصحابه وللأجیال المتعاقبة أنّ أم ولده الإمام الجواد علیه السلام مقدسة, کما مرّ ذکره فی الحدیث المتقدم قوله علیه السلام: قدست امٌّ ولدته. وهذه الصفة تعبر عن مرتبة عالیة فی الکمال والارتقاء, بل هو أیضاً اسم من أسماء الله تعالی, کما جاء ذکره فی القرآن فی عدة آیات, منها قوله تعالی:(هُوَ اللّهُ الَّذِی لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِکُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ)1, ومنها قوله تعالی:(یُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ الْمَلِکِ الْقُدُّوسِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ)2. وفی الحدیث عن النبی صلی الله علیه و آله: یا قدوس، الطاهر فلا شیء کمثله(1).

وعن الإمام الکاظم علیه السلام فی الدعاء: تقدست یا قدوس عن الظنون والحدوس وأنت الملک القدوس بارئ الأجسام... الخ(2). وغیرها من النصوص التی تدل علی أنّ القدوس اسم من أسماء الله, وبعض المخلوقات التی خصها الله

ص:149


1- (3) راجع: جمال الاسبوع, السید ابن طاووس, ص 222.
2- (4) راجع: بحار الأنوار, المجلسی, ج 82 ص 220.

بالتطهیر والبرکة والاصطفاء تکون مظهراً لهذا الاسم العظیم, ومن جملة الذین نالت هذه المرتبة وأصبحت من المظاهر المتجلیة لهذا الاسم هی السیدة خیزران (أم الإمام الجواد علیهما السلام). وأما معنی التقدیس فقد اختلفوا فیه, منهم من قال التقدیس: هو التطهیر والتعظیم ومنه قولهم: سبوح قدوس، یعنی بقولهم سبوح: تنزیه لله وبقولهم قدوس: طهارة له وتعظیم ولذلک قیل للأرض: أرض مقدسة، یعنی بذلک المطهرة. فمعنی قول الملائکة - ونقدس لک - ننسبک إلی ما هو من صفاتک من الطهارة من الأدناس وما أضاف إلیک أهل الکفر بک. وقال بعضهم: التقدیس: هو التعظیم, نقدس لک: نعظمک ونمجدک ونکبرک. وقیل معنی المقدس المبارک فیه(1).

فتحصل أنّ البعض یری أنّه عبارة عن تنزیه الله عز وجل عن کل نقص. والبعض الآخر ذهبوا إلی أن التقدیس من مادة (قدس) أی تطهیر الأرض من الفاسدین والمفسدین. أو تطهیر النفس من کل رذیلة. أو تطهیر الجسم والروح لله. وبعض یری هو التعظیم والإجلال. وکیف کانت هذه الصفة تعبر عن مرتبة عالیة لا یتصف بها کل أحد إلا الخواص الذین طهرهم الله وسددهم واصطفاهم, وذلک بما قدموا من عملٍ وإخلاصٍ وطاعةٍ وما إلیه, وکانت السیدة خیزران واحدة من هؤلاء المصطفین, فقد حظیت برتبة التقدیس وأنها مقدسة, کما کشف عنها الإمام علیه السلام أنّها مقدسة, وهو یعبر عن مدی العظمة والمرتبة الرفیعة التی وصلت إلیها.

ص:150


1- (1) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 82 ص 220. وتفسیر البحر المحیط, الأندلسی, ج 6 ص 215. وغیره.

المنتجبة

من الصفات الکمالیة العالیة التی حازت علیها السیدة خیزران هی الانتجاب کما کشف عن ذلک النبی صلی الله علیه و آله علی لسان الإمام الرضا علیه السلام حیث یقول: یا عم، ألم تسمع أبی وهو یقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: بأبی ابن خیرة الإماء ابن النوبیة الطیبة الفم، المنتجبة الرحم(1). والانتجاب: هو الاصطفاء والاختیار, ونجیب الله مختاره(2). وهو افتعال من الصفو، وهو الخالص من الکدر والشوائب. وفی اللسان: الانتجاب, من نجب - بالضم - نجابة، یقال: انتجبه أی استخلصه، وأصله من النجب - بالتحریک - لحاء الشجر، وبالتسکین مصدر قولک: نجبت الشجرة أنجبها إذا أخذت قشر ساقها(3). فاستعمل منه النجابة لخلوص الطینة من الرذائل الخلقیة، یقال: فلان نجیب أی فاضل کریم سخی، ونجب فلان إذا کان فاضلاً نفیساً فی نوعه، فالانتجاب بمعنی الاختیار والاصطفاء من بین النوع لامتیازه عن سائر أفراده بالفضائل الکاملة.

ویدل علیه ما رآه أحد زوار مشهد الإمام الرضا علیه السلام مکتوباً علی الضریح من قبل الملائکة الکرام, وذلک عندما أراد خادم القبر أن یخرجه ویغلق الباب فسأله أن یغلق علیه الباب ویدعه فی المشهد لیصلی فیه فإنه جاء من بلد شاسع ولا یخرجه وأنّه لا حاجة له فی الخروج فترکه وغلق علیه الباب وأنّه کان یصلی

ص:151


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 323.
2- (2) راجع: تفسیر البحر المحیط, أبی حیان الأندلسی, ج 1 ص 545.
3- (3) راجع: لسان العرب, ابن منظور, ج 1 ص 748.

وحده إلی أن أعیی فجلس ووضع رأسه علی رکبتیه لیستریح ساعة فلما رفع رأسه رأی فی الجدار مواجهة وجهه رقعة علیها هذان البیتان:

من سره أن یری قبراً برؤیته یفرج الله عمن زاره کربه

فلیأت ذا القبر أن الله أسکنه سلالة من نبی الله منتجبه

قال: فقمت وأخذت فی الصلاة إلی وقت السحر ثم جلست کجلستی الأولی ووضعت رأسی علی رکبتی فلما رفعت رأسی لم أر ما علی الجدار شیئاً(1).

وأیضا ما قاله الحمیری:

سبطان أمهما الزهراء منتجبة سادت نساء جمیع العالمیات

ابنا الرسول الذی جلت فضائله إنْ عُدِّدَ الفضل عن وصف المقالات

وابنا الوصی الذی کانت ولایته حتماً من الله فی تنزیل آیات(2)

وعلی هذا یکون حال السیدة خیزران کحال سیدتها الزهراء علیها السلام منتجبة ومختارة وتحسب من سلالة النبی صلی الله علیه و آله المختارة والمصطفاة, کما هو الحال أیضاً فی أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام.

رسول الله یمدح السیدة خیزران

من الملفت للنظر أنّ النبی صلی الله علیه و آله وعن طریق الغیب أخذ یمدح جاریة تأتی فی المستقبل بفارقٍ زمنیٍّ بعیدٍ, بقوله: بأبی ابن خیرة الإماء ابن النوبیة الطیبة الفم،

ص:152


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 313.
2- (2) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 157.

المنتجبة الرحم. کما تقدم ذکره, وهذا یکشف عن خصوصیة تمتاز بها السیدة خیزران علی أقرانها, فنلاحظ فی قوله صلی الله علیه و آله: بأبی ابن خیرة الإماء, هذه الباء تسمی باء التفدیة، والمعنی أفدی بأبی ابن خیرة الإماء. وخیرة: (بفتح الخاء والیاء الساکنة) الفاضلة من کل شیء. وابن النوبیة: اشارة إلی بلدها. والطیبة الفم: یحمل معانی بالإضافة إلی الحسن المادی, من أنّها عذبة اللسان حسنة المنطق وذلک فی مرضاة الله وذکره وتسبیحه, قوله تعالی:(وَ هُدُوا إِلَی الطَّیِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلی صِراطِ الْحَمِیدِ)1. وأیضاً فی قوله تعالی:(إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصّالِحُ یَرْفَعُهُ)2. فذکرها وتسبیحها لبارئها وکلامها المهذب مع أسرتها وجیرانها ومجتمعها جعلها محط نظر النبی صلی الله علیه و آله فی مدحها وتکریمها.

والمنتجبة: علی صیغة المفعول صفة مضافة إلی معمولها علی طریقة کریم الأب، أی المنجبة رحمها. فالنبی صلی الله علیه و آله أشار مادحاً إلی صفاتها المادیة والمعنویة والخلقیة وأنها خیرة نساء عصرها. ولم نجد فی مثل هذا بغیرها من النساء أن تحظی بمدحٍ من قبل نبی الإنسانیة ولم تکن قد عاصرته أو قاربت عصره, فهذا یعبر عن اهتمام الغیب بهذه السیدة الجلیلة وبیان مکانتها العظیمة عند الله وأهل البیت علیهم السلام. نعم ربما حظیت أمهات الأئمة الباقین علیهم السلام بمدحٍ وغیره من قبل النبی صلی الله علیه و آله لکن لم یصل إلینا, کما یشیر لذلک الحدیث المتقدم, من أنّ مدح النبی صلی الله علیه و آله بحق السیدة خیزران کان مشتهراً لا أقل بین الأسرة الهاشمیة کما خاطب الإمام الرضا علیه السلام

ص:153

بقوله: یا عم، ألم تسمع أبی وهو یقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: بأبی ابن خیرة الإماء ابن النوبیة الطیبة الفم... الخ. فکان الأئمة علیهم السلام ینشرون فضائل أمهاتهم ویکشفون عن سجایاهن وأبعادهن ویذکرون ما قال النبی صلی الله علیه و آله بحقهن, لکن لم یصل إلا النزر القلیل, وهذا الحدیث لم یسمع إلا من الإمام الرضا علیه السلام بهذه الحادثة التی سیأتی ذکرها وکأنها کانت السبب فی إیصال هذا الحدیث.

الإمام الکاظم یرسل لها سلامه

ومما یدل أیضاً علی جلالة قدرها ومکانتها ما فی الخبر المعتبر من أن الإمام موسی بن جعفر علیه السلام طلب من یزید بن سلیط أن یبلغها منه السلام إذا قدر علی ذلک, کما سیأتی بیانه. وهذا یعزز فی جلالة وقداسة هذه المرأة العظیمة بأن یبلغها السلام من المعصوم, کما أمر رسول الله صلی الله علیه و آله جابر بن عبد الله الأنصاری أن یبلغ أبا جعفر الباقر علیه السلام سلامه. فیبقی أن نعرف ما هو الدافع الذی جعل الإمام الکاظم علیه السلام أن یحرص علی إیصال سلامه لجاریة تأتی فی المستقبل القریب ولم یُقدّر له أن یدرکها ویراها؟ ویمکن أن یکون لأجل بیان عظمة ومکانة هذه المرأة وعظُم الدور الذی ستقوم به. أو أنّ لهذه المرأة شأناً تستحق أن یُرسل لها سلام من قبل حجة الله فی أرضه ولسانه الناطق, وکما حصل أنّ بعث الله سلامه إلی السیدة خدیجة علیها السلام وأیضاً إلی بنتها السیدة الزهراء علیها السلام عن طریق جبرئیل فهذا یفهم منه أنّ هؤلاء النسوة یتمتعن بمکانة رفیعة ولهن مرتبة عالیة عند الله ورسوله وأوصیائه. وأیضاً هنا شبه آخر بین السیدة خیزران وبین سیدتها الزهراء والسیدة خدیجة, هو أنّ ابن سلیط لم یلتقِ بالجاریة فی المکان المعین وأخبر الأمام الرضا علیه السلام بخبر

ص:154

أمانة إیصال السلام إلیها فتکفل المعصوم علیه السلام إیصاله إلیها عند شرائها کما حدث فعلاً. وهذا کما کان من أن جبرئیل أوصل سلام الله تعالی إلی الزهراء وخدیجة علیهما السلام عن طریق النبی صلی الله علیه و آله. فیکون سلام من معصوم عن طریق معصوم إلی السیدة خیزران, کما هو الحال فی إیصال سلام الله تعالی عن طریق معصومین للزهراء وأمها علیهما السلام.

أزواج الإمام الرضا علیه السلام

لم نقف علی ذکر زوجة للإمام الرضا علیه السلام غیر السیدة الجلیلة خیزران (أم الإمام الجواد علیهما السلام), وفی أواخر حیاته علیه السلام وبعد أشهر من قبوله بولایة العهد من قبل المأمون یقال تزوج بنت المأمون أم حبیب أو أم حبیبة, وقیل أخت المأمون المکناة أم أبیها, کما ذکره بعض من الخاصة والعامة, منها ما جاء فی العیون قال: حدثنا أبو ذکوان قال: سمعت إبراهیم بن العباس یقول: کانت البیعة للرضا علیه السلام لخمس خلون من شهر رمضان سنة إحدی ومأتین وزوجه ابنته أم حبیب فی أول سنة اثنتین ومأتین وتوفی سنة ثلاث ومأتین بطوس والمأمون متوجه إلی العراق فی رجب ولی غیره(1).

وعن ابن شهر آشوب قال: أخذ البیعة فی ملکه للرضا علیه السلام بعهد المسلمین من غیر رضی فی الخامس من شهر رمضان سنة احدی ومائتین، وزوجه ابنته أم حبیب فی أول سنة اثنتین ومائتین. وقیل: سنة ثلاث وهو یومئذ ابن خمس

ص:155


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 159. إعلام الوری بأعلام الهدی, الشیخ الطبرسی, ج 2 ص 85.

وخمسین سنة(1).

وأیضاً ذکر ذلک ابن الأثیر فی أحداث سنة (202 ه -) قال: فیها تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل. وفیها أیضاً زوج المأمون ابنته أم حبیب من علی بن موسی الرضا, وزوج ابنته أم الفضل من محمد بن علی الرضا بن موسی(2). ویمکن أن یراد من تزویجه الإمام الجواد علیه السلام فی هذه السنة هو مجرد تسمیة ابنته له أو اجراء العقد إلی حین بلوغه, لأن الإمام فی هذه السنة کان فی بدایة صباه بل کان عمره علیه السلام لم یتجاوز السنة السابعة. لذلک أشار إلیه السید الأمین فی قوله: بعد ما جعل الرضا علیه السلام ولی عهده زوجه ابنته أم حبیب أو أم حبیبة فی أول سنة (202) وفی روایة أنّه زوجه ابنته أم حبیبة وسمی للجواد ابنته أم الفضل وتزوج هو ببوران بنت الحسن بن سهل کل هذا فی یوم واحد. وقال علی بن الحسین المسعودی فی کتاب إثبات الوصیة لعلی بن أبی طالب علیه السلام: زوجه المأمون ابنته وقیل أخته المکناة أم أبیها, قال والروایة الصحیحة أخته أم حبیبة وسأله أن یخطب لنفسه فلما اجتمع الناس للأملاک خطب خطبة قال فی آخرها والتی تذکر أم حبیبة أخت أمیر المؤمنین عبد الله المأمون صلة للرحم وأمشاج الشبیکة وقد بذلت لها من الصداق خمسمائة درهم تزوجنی یا أمیر المؤمنین فقال المأمون نعم قد زوجتک فقال قد قبلت ورضیت(3).

وعن ابن خلکان قال: أبو الحسن علی الرضا بن موسی الکاظم بن جعفر

ص:156


1- (1) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 476.
2- (2) راجع: الکامل فی التاریخ, ابن الأثیر, ج 6 ص 350.
3- (3) راجع: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 2 ص 23.

الصادق بن محمد الباقر بن علی زین العابدین المذکور قبله وهو أحد الأئمة الاثنی عشر علی اعتقاد الإمامیة وکان المأمون قد زوجه ابنته أم حبیب فی سنة اثنتین ومائتین وجعله ولی عهده وضرب اسمه علی الدینار والدرهم وکان السبب فی ذلک أنه استحضر أولاد العباس الرجال منهم والنساء وهو بمدینة مرو من بلاد خراسان وکان عددهم ثلاثة وثلاثین ألفاً ما بین الکبار والصغار واستدعی علیاً المذکور فأنزله أحسن منزلة وجمع خواص الأولیاء وأخبرهم أنه نظر فی أولاد العباس وأولاد علی بن أبی طالب رضی الله عنهما فلم یجد فی وقته أحداً أفضل ولا أحق بالأمر من علی الرضا فبایعه وأمر بإزالة السواد من اللباس والأعلام. و (قال) توفی فی آخر یوم من صفر سنة اثنتین ومائتین وقیل بل توفی خامس ذی الحجة وقیل ثالث عشر ذی القعدة سنة ثلاث ومائتین بمدینة طوس وصلی علیه المأمون ودفنه ملاصق قبر أبیه الرشید, وکان سبب موته أنه أکل عنباً فأکثر منه. وقیل بل کان مسموماً فاعتل منه ومات رحمه الله تعالی(1).

اقتران السیدة خیزران بالإمام الرضا علیه السلام

تکشف لنا قصة اقترانها بالإمام الرضا علیه السلام عن مدی مکانتها عند الله وعند أهل البیت علیهم السلام وعن بُعْدِ إیمانها وطهارتها وتکامل صفاتها (إضافة إلی اختیار المعصوم لها بالذات دون غیرها من النساء, ولکی تکون وعاءً وحجراً لابنه المعصوم وهذا وحده یکفی فی الدلالة علی تکامل صفاتها) فقد ورد عن یزید بن سلیط الزیدی، قال: لقیت أبا إبراهیم علیه السلام ونحن نرید العمرة فی بعض

ص:157


1- (1) راجع: وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان, ابن خلکان, ج 3 ص 269.

الطریق... ثم قال لی أبو إبراهیم (الإمام الکاظم علیه السلام): إنی أؤخذ فی هذه السنة والأمر هو إلی ابنی علی علیه السلام, ثم قال لی: یا یزید وإذا مررت بهذا الموضع ولقیته وستلقاه، فبشره أنه سیولد له غلام، أمین، مأمون، مبارک، وسیعلمک أنک قد لقیتنی، فأخبره عند ذلک أن الجاریة التی یکون منها هذا الغلام جاریة من أهل بیت ماریة، جاریة رسول الله صلی الله علیه و آله أم إبراهیم، فإن قدرت أن تبلغها منی السلام، فافعل. قال یزید: فلقیت بعد مضی أبی إبراهیم علیاً علیه السلام فبدأنی. فقال لی: یا یزید ما تقول فی العمرة؟ فقلت: بأبی أنت وأمی ذلک إلیک وما عندی نفقة. فقال: سبحان الله ما کنا نکلف ولا نکفیک. فخرجنا حتی انتهینا إلی ذلک الموضع، فابتدأنی، فقال: یا یزید إنّ هذا الموضع کثیراً ما لقیت فیه جیرتک وعمومتک. قلت: نعم ثم قصصت علیه الخبر. فقال لی: أما الجاریة فلم تجئ بعد، فإذا جاءت بلغتها منه السلام. فانطلقنا إلی مکة، فاشتراها فی تلک السنة، فلم تلبث إلا قلیلاً حتی حملت فولدت ذلک الغلام(1).

أولادها

اختلف المؤرخون والمحدثون فی عدد أولاد الإمام الرضا علیه السلام فذهب جمع أنّه لیس له عقب إلا الإمام الجواد علیه السلام, قال المفید رحمه الله ومضی الرضا علیه السلام ولم یترک ولداً نعلمه إلا ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمد بن علی علیه السلام وکانت سنهُ یوم وفاة أبیه سبع سنین وأشهراً(2).

ص:158


1- (1) راجع: الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 316.
2- (2) راجع: الارشاد, المفید, ج 2 ص 263.

وأیضاً قال الطبرسی: وکان للرضا علیه السلام من الولد ابنه أبو جعفر محمد بن علی الجواد لا غیر(1). وعن المناقب: کان للرضا علیه السلام من الولد ابنه أبو جعفر محمد بن علی الجواد لا غیر(2).

ویؤید قولهم بعض المروایات فی هذا المجال, منها: عن حنان بن سدیر قال: قلت لأبی الحسن الرضا علیه السلام: أیکون إمام لیس له عقب؟ فقال أبو الحسن: أما إنّه لا یولد لی إلا واحد، ولکن الله منشئ منه ذریة کثیرة(3).

ومنها: ما روی عن عبد الرحمن بن محمد عن کلثم بن عمران قال قلت للرضا علیه السلام ادع الله أن یرزقک ولداً, فقال علیه السلام إنما ارْزَقُ ولداً واحداً وهو یرثنی(4).

ومنهم مَنْ ذهب إلی أنّ أولاده علیه السلام ستة کما جاء عن الإربلی قال: وأمّا أولاده فکانوا ستة, خمسة ذکور وبنت واحدة، وأسماء أولاده: محمد القانع، الحسن، جعفر، إبراهیم، الحسین، وعائشة(5). وکما نقل عن الحافظ عبد العزیز بن الأخضر الجنابذی أن له علیه السلام من الولد خمسة رجال وابنة واحدة, محمد الإمام وأبو محمد الحسن، وجعفر، وإبراهیم والحسین، وعائشة. وکذلک عن ابن الخشاب(6). ویؤید

ص:159


1- (1) راجع: إعلام الوری، الطبرسی, ص 329.
2- (2) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 4 ص 367.
3- (3) راجع: کشف الغمة, ابن أبی الفتح الأربلی, ج 3 ص 95.
4- (4) عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 107.
5- (5) راجع: کشف الغمة, ابن أبی فتح الإربلی, ج 3 ص 60.
6- (6) راجع: مسند الإمام الرضا علیه السلام, الشیخ عزیز الله عطاردی, ج 1 ص 140. وتاریخ موالید الأئمة (المجموعة), ابن الخشاب البغدادی, ص 37.

قولهم ما ذکر أنّ فی قوجان مشهد عظیم یعرف بسلطان إبراهیم بن علی بن موسی الرضا علیه السلام(1).

وجاء فی کتاب العدد: کان له علیه السلام ولدان أحدهما محمد والآخر موسی، لم یترک غیرهما(2).

ولکن ذکر الصدوق قدس سره روایات أسندها عن فاطمة بنت علی بن موسی الرضا علیه السلام, منها: حدثنا محمد بن أحمد بن یوسف البغدادی، قال: حدثنا علی بن محمد بن عیینة قال: حدثنی أبو الحسن بکر بن أحمد بن محمد بن إبراهیم بن زیاد بن موسی بن مالک الأشج العصری، قال حدثتنا فاطمة بنت علی بن موسی الرضا علیه السلام، قالت: سمعت أبی علیاً یحدث، عن أبیه، عن جعفر بن محمد، عن أبیه وعمه زید، عن أبیهما علی بن الحسین عن أبیه وعمه، عن علی بن أبی طالب علیهم السلام قال: لا یحل لمسلم أن یروع مسلماً.

وبهذا الإسناد، عن النبی صلی الله علیه و آله، قال: من کف غضبه کف الله عنه عذابه، ومن حسَّن خلقه بلغه الله درجة الصائم القائم(3).

وهذا یدل علی أنّه علیه السلام له بنت بهذا الاسم لم یذکروها ضمن أولاده علیه السلام, ویمکن أن یکون بدل اسم عائشة؛ لأنّ أهل البیت علیهم السلام کانوا یکثرون من تسمیة فاطمة تبرکاً بجدتهم فاطمة الزهراء علیها السلام وربما تجد أکثر من بنت بهذا الاسم فی

ص:160


1- (1) راجع: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 48 ص 320.
2- (2) راجع: العدد القویة, علی بن یوسف الحلی, ص 294.
3- (3) راجع: مسند الإمام الرضا علیه السلام, الشیخ عزیز الله عطاردی, ج 1 ص 140. وتاریخ موالید الأئمة (المجموعة), ابن الخشاب البغدادی, ص 37.

أسرة واحدة, مع أنّه لم یوجد مانع أو غیره فی عصر الإمام الرضا علیه السلام من تسمیة بناته بفاطمة.

وکیف کان إن الذین ذکروا له أولاداً غیر الإمام الجواد علیه السلام لم یذکروا أمهاتهم ولا یبعد أن تکون السیدة خیزران أمهم جمیعاً, لأنّهم لم یذکروا له زوجة غیرها, نعم ذکر الصدوق رحمه الله وغیره کما تقدم أنّ له زوجة باسم أم حبیب بنت المأمون(1). وعلی صحة ذلک وثبوته فیکون تزویجها منه فی أواخر حیاته علیه السلام بعد سفره إلی طوس وتسلمه ولایة العهد, کما ذکروا أنّ المأمون زوجه بعد أشهر مرت علی ولایة العهد من ابنته أم حبیب وذلک فی أوائل سنة (202 ه -), وقیل إنّه زوجه أخته المکناة أم أبیها, وقیل تکنی بأم حبیبة کما تقدم ذکره. ونستخلص من هذا وغیره أنّه علی القول بتعدد أولاد الإمام الرضا علیه السلام لا یبعد أن یکونوا من السیدة خیزران علیها السلام, بل هو الأرجح والأقرب للمنطق؛ لأنه علیه السلام علی القول بزواجه من بنت المأمون أو أخته فإنه لم یطل مکثه مع زوجته الثانیة (علی فرض ثبوتها) وإنما الفترة بین زواجه منها وبین استشهاده علیه السلام کانت تتراوح ما بین سنة إلی سنة ونصف, کما نص علیه المؤرخون والمحدثون وقد تقدم ذکره. والتی منها ما فی العیون: حدثنا أبو ذکوان قال: سمعت إبراهیم بن العباس یقول: کانت البیعة للرضا علیه السلام لخمس خلون من شهر رمضان سنة إحدی ومأتین وزوجه ابنته أم حبیب فی أول سنة اثنتین ومأتین وتوفی سنة ثلاث ومأتین بطوس(2).

ص:161


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا, الشیخ الصدوق, ج 1 ص 274.
2- (2) راجع: المصدر نفسه, ج 1 ص 159.

ولادة السیدة خیزران للمعصوم

هذه المزّیة الأخری التی تزداد بها علیها السلام فخراً وعزّاً وتحظی بالشرف العظیم حیث تکون أمّاً مناسبة للمعصوم, وهذا بنفسه یعطیها الدلیل القاطع علی مدی إیمانها وطهارتها ورعایة الله لها حیث لا یمکن أن یکون وعاء المعصوم غیر ذلک, فقد وفر الله تعالی هذه المؤهلات فی هذه السیدة الجلیلة لتکون أمّاً لحجة الله, وحینما وصل الخبر إلی زوجها الإمام الرضا علیه السلام بولادتها لابنه الجواد, قال علیه السلام: قدست أم ولدته، قد خلقت طاهرة مطهرة...(1). والمقدس: هو المطهر والمبارک, والتقدیس: التطهیر والتنزیه, کما تقدم بیانه. فالجملة التی ذکرها الإمام تشیر إلی ما کانت تمتاز به أمّ الجواد علیه السلام من العفاف والنزاهة والتقوی والورع والبرکات التی جعلها الله فیها سواء کانت معنویة أو مادیة.

وقد وقع الاختلاف فی تاریخ ولادتها للإمام الجواد علیه السلام, فقد ذکر المجلسی أنّ یوم ولادة الجواد علیه السلام هو عاشر رجب بروایة ابن عیاش, أو سابع عشر شهر رمضان أو منتصفه سنة (195)، ویوم وفاته هو آخر ذی القعدة أو الحادی عشر منه، ویوم إمامته هو یوم شهادة أبیه علیه السلام(2). وقد أحصی هذا الاختلاف السید القزوینی فی موسوعته فراجع(3). والاختلاف فی زمان ولادته علیه السلام کما رأینا مردد فی شهر رجب أو شهر رمضان کما علیه المشهور.

ص:162


1- (1) راجع: عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 108. وبحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 50 ص 15.
2- (2) راجع: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 99 ص 25.
3- (3) راجع: موسوعة الإمام الجواد, السید الحسینی القزوینی, ج 1 ص 7.

ولکن مما یؤید کون ولادته فی رجب هو هذا الدعاء الوارد فی أیام رجب: اللهم إنی أسألک بالمولودین فی رجب محمد بن علی الثانی وابنه علی بن محمد المنتجب وأتقرب بهما إلیک خیر القرب... الخ(1).

من المعجزات فی ولادتها للمعصوم

وقد روی عن ابن شهر آشوب بسند معتبر عن حکیمة بنت أبی الحسن موسی بن جعفر علیهما السلام قالت: لما حضرت ولادة أم أبی جعفر علیه السلام دعانی الرضا فقال لی: یا حکیمة احضری ولادتها وادخلی وإیاها والقابلة بیتاً، ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علینا فلما أخذها الطلق طفی المصباح وبین یدیها طست فاغتممت بطفی المصباح، فبینا نحن کذلک إذ بدر أبو جعفر علیه السلام فی الطست وإذا علیه شیء رقیق کهیئة الثوب یسطع نوره حتی أضاء البیت فأبصرناه فأخذته فوضعته فی حجری ونزعت عنه ذلک الغشاء فجاء الرضا ففتح الباب وقد فرغنا من أمره، فأخذه فوضعه فی المهد وقال لی: یا حکیمة الزمی مهده. قالت: فلما کان فی الیوم الثالث رفع بصره إلی السماء ثم نظر یمینه ویساره ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقمت ذعرة فزعة فأتیت أبا الحسن علیه السلام فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبی عجباً.

فقال: وما ذاک؟ فأخبرته الخبر فقال:

یا حکیمة ما ترون من عجائبه أکثر(2).

ص:163


1- (1) مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, ص 805.
2- (2) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 499.

براءتها من الاتهام

إضافة إلی تجاوز ید الشر والطغیان فی عدائهم لأهل البیت علیهم السلام فی کل المجالات حتی التی تنتهی بالمساس بالشرف والعفة؛ وذلک لإطفاء نور الله بأفواههم, کما عبر عنهم المولی القدیر بقوله:(یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ یَأْبَی اللّهُ إِلاّ أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ)1, لقد وصل الأمر إلی عداء أقرب الناس إلیه من عمومته وإخوته أن یطعنوا فی أسرته, فهذه الحادثة التی ألمت بالإمام علیه السلام وقد یندی لها جبین الإنسانیة ومن خلال هکذا ظُلامات نعرف مدی المحن والآلام التی مرّ بها أهل البیت علیهم السلام, فقد ورد عن زکریا بن یحیی بن النعمان الصیرفی قال: سمعت علی بن جعفر یحدث الحسن بن الحسین بن علی بن الحسین، فقال: والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا علیه السلام. فقال له الحسن: أی والله - جعلت فداک - لقد بغی علیه اخوته. فقال علی بن جعفر: أی والله ونحن عمومته بغینا علیه, فقال له الحسن: جعلت فداک کیف صنعتم، فإنی لم أحضرکم؟, قال: قال له إخوته ونحن أیضاً: ما کان فینا إمام قط حائل اللون(1), فقال لهم الرضا علیه السلام: هو ابنی. قالوا: فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قد قضی بالقافة(2) ، فبیننا

ص:164


1- (2) کل حائل متغیر سمی به؛ لأنه یحول من حال إلی حال والمقصود أن لونه لیس مثل لونک ولون آبائک الطاهرین، لأن لونه علیه السلام کان أسمر، وکان غرضهم من ذلک سلب نسبه علیه السلام لسلب إمامته طمعاً فیها نعوذ بالله من ذلک. راجع: شرح أصول الکافی, المازندرانی, ج 6 ص 211
2- (3) القافة: جمع قائف، وهو الذی یعرف آثار الأقدام, تقول: قفت أثر. اذا اتبعته, مثل قفوت أثره. أنزر: الصحاح الجوهری ج 4 ص 1419. وفی الاصطلاح: هی الاستناد الی علامات یترتب علیها الحاق بعض

وبینک القافة قال: إبعثوا أنتم إلیهم، فأمّا أنا فلا، ولا تعلموهم لما دعوتموهم، ولتکونوا فی بیوتکم, فلما جاءوا أقعدونا فی البستان، واصطف عمومته واخوته، وأخذوا الرضا علیه السلام وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها، ووضعوا علی عنقه مسحاة، وقالوا له: ادخل البستان کأنک تعمل فیه، ثم جاءوا بأبی جعفر علیه السلام فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبیه. فقالوا: لیس له ههنا أب، ولکن هذا عم أبیه، وهذا عم أبیه، وهذا عمه، وهذه عمته. وإن یکن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإن قدمیه وقدمیه واحدة. فلما رجع أبو الحسن علیه السلام قالوا: هذا أبوه. قال علی بن جعفر: فقمت فمصصت ریق أبی جعفر علیه السلام ثم قلت: أشهد أنک إمامی عند الله. فبکی الرضا علیه السلام. ثم قال: یا عم، ألم تسمع أبی وهو یقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: بأبی ابن خیرة الإماء ابن النوبیة الطیبة الفم، المنتجبة الرحم, ویلهم لعن الله الأعیبس وذریته، صاحب الفتنة ویقتلهم سنین وشهوراً وأیاماً، یسومهم خسفاً، ویسقیهم کأساً مصبرة، وهو الطرید الشرید الموتور بأبیه وجده, صاحب الغیبة یقال: مات أو هلک، أی واد سلک, أفیکون هذا یا عم إلا منی فقلت: صدقت جعلت فداک(1). ولا یفهم من هذه الروایة أنّ الإمام الرضا علیه السلام قد أقرّ عمل القافة ورتب علیه

ص:165


1- (1) الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 323.

حکماً, بل الأمام علیه السلام رفض هذا العمل من أول الأمر وقال أنتم قوموا به ثم الزمهم بما کانوا به یعتقدون, والقیافة منهی عنها وهی حرام عندنا وقد عمل بها غیرنا(1).

وفاة ومحل قبر السیدة خیزران

لم یذکر المؤرخون ولا غیرهم زمان وفاة السیدة خیزران أم الإمام الجواد علیه السلام ولم نقف أیضاً علی ذکر محل قبرها, ولکن لا یُستبعد أن یکون فی المدینة المنورة مع قبور أهل البیت علیهم السلام؛ والشاهد علی ذلک أنّها کانت قاطنة ومستقرة فیها, وحتی لو قلنا إنّها بقیت علی قید الحیاة إلی حین سفر زوجها الإمام الرضا علیه السلام إلی خراسان بطلب من المأمون لولایة العهد فهو علیه السلام لم یصطحب أسرته معه, بل ترکهم فی المدینة إلی حین استشهاده فی طوس, ویفهم منه أنّها کانت مع فرض حیاتها مستقرة فی المدینة المنورة أیضاً إلی حین استشهاد زوجها علیه السلام ولم تسافر إلی غیرها من البلدان, وکذلک لو فرضنا حیاتها إلی حین استشهاد ولدها الإمام الجواد علیه السلام فهی أیضاً کانت مستقرة فی المدینة ولم تسافر مع ابنها علیه السلام إلی العراق, مع أنّ الإمام الجواد علیه السلام کان أغلب سکنه فی مدة إمامته فی المدینة المنورة, فقد ذکروا أنّه علیه السلام بعد زواجه من أم الفضل رجع إلی المدینة ومعه زوجته أم الفضل, وخرج منها مع زوجته أم الفضل بنت المأمون إلی بغداد قبیل وفاته وبعد وفاة المأمون بطلب من المعتصم, حتی أنه ترک ولده الإمام الهادی علیه السلام فی المدینة المنورة. کما جاء فی الإرشاد قال: ولما توجه أبو جعفر علیه السلام من بغداد منصرفاً من عند المأمون ومعه أم الفضل قاصداً بها المدینة،

ص:166


1- (1) راجع: نهایة الأحکام, العلامة الحلی, ج 2 ص 472.

صار إلی شارع باب الکوفة ومعه الناس یشیعونه، فانتهی إلی دار المسیب. عند مغیب الشمس، نزل ودخل المسجد، وکان فی صحنه نبقة لم تحمل بعد، فدعا بکوز فیه ماء فتوضأ فی أصل النبقة فصلی بالناس صلاة المغرب، فقرأ فی الأولی منها الحمد وإذا جاء نصر الله، وقرأ فی الثانیة الحمد وقل هو الله أحد، وقنت قبل رکوعه فیها، وصلی الثالثة وتشهد وسلم، ثم جلس هنیهة یذکر الله تعالی، وقام من غیر تعقیب فصلی النوافل أربع رکعات، وعقب بعدها وسجد سجدتی الشکر، ثم خرج. فلما انتهی إلی النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً حسناً فتعجبوا من ذلک وأکلوا منها فوجدوه نبقاً حلواً لا عجم له. وودعوه ومضی علیه السلام من وقته إلی المدینة، فلم یزل بها إلی أن أشخصه المعتصم فی أول سنة عشرین ومائتین إلی بغداد، فأقام بها حتی توفی فی آخر ذی القعدة من هذه السنة، فدفن فی ظهر (ضریح) جده أبی الحسن موسی علیه السلام(1).

وأیضاً یؤید استقراره علیه السلام فی المدینة المنورة ما روی من أن أم الفضل بنت المأمون کتبت إلی أبیها من المدینة تشکو أبا جعفر علیه السلام وتقول: إنه یتسری علی ویغیرنی، فکتب إلیها المأمون: یا بنیة، إنا لم نزوجک أبا جعفر لتحرمی علیه حلالاً، فلا تعاودی لذکر ما ذکرت بعدها(2). فهذا وغیره یدلنا علی أن السیدة خیزران أم الجواد علیه السلام فارقت الحیاة فی المدینة المنورة وقد دفنت فیها والله العالم.

ص:167


1- (1) راجع: نهایة الأحکام, العلامة الحلی, ج 2 ص 472.
2- (2) راجع: المصدر نفسه.

ص:168

الفصل الحادی عشر: سوسن المغربیة أم الإمام الهادی علیهما السلام

اشارة

ص:169

ص:170

اسمها ونسبها

اسمها السیدة سوسن المغربیة. کما جاء فی صحیفة الزهراء علیها السلام مع ذکر الأئمة وأمهاتهم وقد تقدم ذکره فی التمهید مفصلاً, فقد ورد فی عیون الأخبار, عن أبی نضرة قال: لما احتضر أبو جعفر محمد بن علی الباقر علیه السلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق علیه السلام لیعهد إلیه عهداً... ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال له: یا جابر حدثنا بما عاینت من الصحیفة فقال له جابر: نعم... فقلت لها: یا سیدة النساء ما هذه الصحیفة التی أراها معک؟ قالت: فیها أسماء الأئمة من ولدی... أبو الحسن علی بن محمد بن الأمین أمه جاریة اسمها سوسن... الخ(1). ومعنی سوسن فی اللغة: نبت، أعجمی معرب، وهو معروف وقد جری فی کلام العرب، قال الأعشی:

وآس وخیری ومرو وسوسن إذا کان هیزمن ورحت مخشما

وأجناسه کثیرة وأطیبه الأبیض(2). ویقال لها سمانة, وعن ابن الخشاب: یقال إنّ اسمها متفرشة المغربیة. ویقال لها الدرة المغربیة, ویقال: سکینة, مربیة أم ولد, ویقال خورنال, ویقال غزالة المغربیة. قال ابن أبی الثلج سألت أبا علی محمد

ص:171


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 47.
2- (2) لسان العرب, ابن منظور, ج 13 ص 229.

ابن همام(1) عن اسمها فقال: حدثنی ماجن مولاة أم محمد وجماعة الحانیة أنّ اسمها حویث(2). أو حُدیث. ویقال لها: جمانة. وأیضاً مهرسنة المغربیة. ومدنب. وهذا التعدد من الأسماء یحکی عن مسمیات وسجایا حمیدة جسدتها هذه المرأة الجلیلة وکانت تحکی عن واقعها وجمالها المادی والمعنوی.

أمّا نسبها: فیرجع إلی ذریة وولد عمار بن یاسر کما نقله السید ابن طاووس عن أبی نصر الهمدانی, قال حدثتنی حکیمة بنت محمد بن علی بن موسی بن جعفر عمة أبی محمد الحسن بن علی قالت لما مات محمد بن علی الرضا علیه السلام أتیت زوجته أم عیسی بنت المأمون فعزیتها ووجدتها شدیدة الحزن والجزع علیه... (إلی أن قالت أم عیسی) فبینما أنا جالسة ذات یوم إذ دخلت علیّ جاریة فسلمت فقلت من أنت فقالت جاریة من ولد عمار بن یاسر وأنا زوجة أبی جعفر محمد بن علی الرضا علیه السلام زوجک فدخلنی من الغیرة لم أقدر علی احتمال ذلک وهممت أن أخرج وأسیح فی البلاد... الخ(3).

وأمّا لقبها وکنیتها فقد ورد عن الطبری وغیره: أنّها کانت معروفه بالسیدة, وتکنی أم الفضل المغربیة, کانت من سادات الروم, حیث وقعت أسیرة فی جیش الإسلام وعلیه صارت حرّة(4). فهی من سبایا بعض الأمم النصرانیة.

ص:172


1- (1) محمد بن همام شیخ جلیل ثقة, یقال له أبو علی محمد بن همام الاسکافی صاحب کتاب التمحیص ویظهر من الأخبار أنّه من أصحاب سفراء الإمام الحجة علیه السلام المتوفی سنة (336 ه -).
2- (2) تاریخ الأئمة (المجموعة), الکاتب البغدادی, ص 25.
3- (3) انظر: الأمان من أخطار الأسفار, السید ابن طاووس, ص 74.
4- (4) انظر: چهارده نور پاک (فارسی), دکتر عقیقی بخشایشی, ج 12 ص 155.

بلاد المغرب

المغرب: بالفتح، ضد المشرق: وهی بلاد واسعة کثیرة ووعثاء شاسعة، قال بعضهم: حدها من مدینة ملیانة وهی آخر حدود إفریقیا إلی آخر جبال السوس التی وراءها البحر المحیط وتدخل فیه جزیرة الأندلس وإن کانت إلی الشمال أقرب ما هی، وطول هذا فی البر مسیرة شهرین(1).

ومن بلاد المغرب: تبالة، ومدینة صاحب الحبشة جرمی، ومدینة النوبة دمقلة، وجنوب البرابر، وغانة من بلاد سودان المغرب إلی البحر الأخضر(2). ویقول الحموی غانة: بعد الألف نون، کلمة أعجمیة لا أعرف لها مشارکا من العربیة: وهی مدینة کبیرة فی جنوبی بلاد المغرب متصلة ببلاد السودان یجتمع إلیها التجار ومنها یدخل فی المفازات إلی بلاد التبر ولولاها لتعذر الدخول إلیهم لأنها فی موضع منقطع عن الغرب عند بلاد السودان فمنها یتزودون إلیها، وقد ذکرت القصة فی ذلک فی التبر(3).

وتم فتحها فی عصر حکومة معاویة بن أبی سفیان بقیادة عمرو بن العاص, حیث قالوا لم یکتف عمرو بتأمین مصر من جهة الغرب، بل حاول أن یؤمنها من الجهة الوحیدة التی کانت لا تزال مصدر الخوف: وهی جهة الجنوب، فبعث نافع ابن عبد القیس الفهری (وکان نافع أخا العاص بن وائل لأمه) فدخلت خیلهم

ص:173


1- (1) معجم البلدان, الحموی, ج 5 ص 161.
2- (2) المصدر السابق, ج 1 ص 29.
3- (3) المصدر السابق, ج 4 ص 184.

أرض النوبة فقاتلهم أهلها قتالاً شدیداً فانصرفوا(1). وفی زمن یزید فتح المغرب الأقصی علی ید الأمیر «عقبة بن نافع»(2).

تکامل صفات السیدة سوسن

من المسلم أنّ المرأة التی یختارها الإمام المعصوم علیه السلام بأمر من الغیب کی تکون وعاءً وحجراً لابنه المعصوم علیه السلام, لا شک أنها تتمتع بصفات کمالیة عالیة, وقد حظیت بتربیة وإعداد إلهی, وتکون من جملة النساء اللاتی اصطفاهن الله وطهرهن وفضلهن علی غیرهن کما هو الحال فی أمهات الأنبیاء علیهم السلام, والسیدة سوسن من جملة هذه الکوکبة المنتجبة التی اختارها الله لکی تکون أوعیة صالحة وحجوراً طاهرة, فقد کشف لنا المعصوم علیه السلام عن مکانة وعظمة هذه السیدة الجلیلة من الناحیة المعنویة والمعرفیة, وأنّها تحظی برعایة وحراسة إلهیة لا یقربها شیطان ولا یعتریها مکروه, فقد روی ذلک تعزیزاً لشئنها وکشفاً عن عظم مکانتها وبُعد إیمانها, کما جاء عن محمد بن الفرج وعلی بن مهزیار، عن السید علیه السلام (الإمام الهادی علیه السلام) أنّه قال: أمی عارفة بحقی، وهی من أهل الجنة، لا یقربها شیطان مارد، ولا ینالها کید جبار عنید، وهی مکلوءة بعین الله التی لا تنام، ولا تتخلف عن أمهات الصدیقین والصالحین(3). وماذا یرید الإنسان أکثر من هذا التوثیق والبیان عن مدی أبعاد هذه السیدة الجلیلة, وهو یعلم

ص:174


1- (1) تاریخ عمرو بن العاص, دکتور حسن إبراهیم حسن, ص 187.
2- (2) الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 8 ص 189.
3- (3) نظر: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 274.

أنّ المعصوم علیه السلام لا یتکلم إلا عن واقع قد تجسد فی کیانها وتشرب فی ذاتها, فقد نطق الغیب عن مستوی المراحل والمراتب الکمالیة التی ارتقت إلیها هذه السیدة الطاهرة.

من صفاتها العارفة

ویستفاد من الحدیث أنّ السیدة سوسن کانت علی درجة کبیرة من الفضائل والصفات الحمیدة والأخلاق العالیة ویکفیها فخراً وعظم منزلة أنّه وصفها الإمام المعصوم علیه السلام (أمی عارفة بحقی) حیث إنّ معرفة حق الإمام علیه السلام کما هو الواقع لا یتأتی لکل أحد, إلا من خصه الله بمزایا وأیده وسدده؛ لأنّ المعرفة من المسائل التی تحتاج إلی توفیق الهی حتی یصل إلی مرحلة من الکمال لکی یتمکن من معرفة الإمام المعصوم علیه السلام بقدر ما توصل إلیه من کمال ومعرفة, وتحتاج هذه إلی مقدمات یصعب إحرازها, وهذه المعرفة لها مراتب کما أشار النبی الأکرم صلی الله علیه و آله إلی هذه المعرفة ذات المرتبة الکاملة «یا علی ما عرف الله إلا أنا وأنت وما عرفنی إلا الله وأنت وما عرفک إلا الله وانا»(1).

فقد صح أنّهم خزان العلم وعیبته وصاحب الدرجة العلیا یطیق حمل الدنیا وصاحب الدنیا لا یطیق حمل العلیا. وعلی غرار هذا حثت الروایات الإنسان أن یسأل الله فی معرفة ربه ومعرفة رسوله وإمام زمانه, کما ورد عن الصادق علیه السلام مخاطباً زرارة قل: «اللهم عرفنی نفسک، فإنک إن لم تعرفنی نفسک لم أعرف

ص:175


1- (1) انظر: مختصر بصائر الدرجات, الحسن بن سلیمان الحلی, ص 125.

نبیک، اللهم عرفنی رسولک، فإنک إن لم تعرفنی رسولک لم أعرف حجتک، اللهم عرفنی حجتک، فإنک إن لم تعرفنی حجتک ضللت عن دینی»(1).

وروی عن یسیر قال قلت لأبی عبدالله علیه السلام: إنّه یفوتنی الحج فأعرف عند قبر الحسین علیه السلام، فقال علیه السلام: أحسنت یا یسیر, من أتاه یوم عرفة عارفا بحقه کتب الله له ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات وألف غزوة مع نبی مرسل أو إمام عدل(2).

فتحصل أن معرفة المعصوم علیه السلام من خواص الأولیاء وأصحاب المعرفة والقرب الإلهی, والتی من جملتهم السیدة سوسن أمّ الإمام الهادی علیهما السلام, کما شهد لها بذلک المعصوم علیه السلام, بالإضافة إلی غیرها من المزایا التی لا تقل درجاتها عن درجات أمهات الصدیقین والصالحین.

ومعرفة الإمام علیه السلام لیست مجرد اطلاع علی واقع حاله ومدی بعده, بل یکون محرکاً نحوه فی الطاعة والاقتداء والامتثال لکل أقواله وأفعاله؛ لأنه لسان الله وحجته فی خلقة المفترض الطاعة, لذلک نلاحظ السیدة سوسن هی الوحیدة التی عرفت مقام ومکانة الإمام الجواد علیه السلام دون غیرها من نسائه, بل کانت أم الفضل بنت المأمون زوجته لا تری فی الإمام الجواد علیه السلام إلا إشباع متطلباتها وعلیه أخذت تشکوه بدافع الغیرة کما سیأتی.

ص:176


1- (1) انظر: الکافی, الشیخ الکلینی, ج 1 ص 337.
2- (2) انظر: مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, ص 715.

من صفاتها المعصومة

العصمة فی اللغة: المنع. یقال: عصمه الطعام، أی منعه من الجوع. وأبو عاصم: کنیة السویق. وأیضاً العصمة: تأتی بمعنی الحفظ. یقال: عصمته فانعصم. واعتصمت بالله، إذا امتنعت بلطفه من المعصیة(1). ویدل علیه قوله تعالی:(قالَ سَآوِی إِلی جَبَلٍ یَعْصِمُنِی مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْیَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ وَ حالَ بَیْنَهُمَا الْمَوْجُ فَکانَ مِنَ الْمُغْرَقِینَ)2, ویجوز أن یراد هنا لا معصوم، أی لا ذا عصمة، فیکون فاعل بمعنی مفعول. وهذا المعنی ینطبق علی السیدة سوسن علیها السلام فإنّ الله قد حفظها وعصمها ومنع عنها کل الآفات المعنویة والمادیة, مع أنّه أبعد عنها کل ما من شأنه أن یوقعها بالخطأ والمعصیة, کما کشف عن ذلک المعصوم علیه السلام فی الحدیث المتقدم بقوله: «لا یقربها شیطان مارد، ولا ینالها کید جبار عنید»، فقد أبعد الله الشیطان وغیره من التقرب إلی السیدة سوسن.

الحراسة الإلهیة للسیدة سوسن

بالإضافة إلی ما تکللت به من مزایا وسجایا قد حظیت بحفظ وحراسة من الله, وهذه الحراسة والحفظ الإلهی التی أوعزته السماء لحمایة وحراسة هذه السیدة العظیمة, وأیضاً قد کشف عن ذلک المعصوم علیه السلام الذی یحکی عن الغیب

ص:177


1- (1) انظر: الصحاح, الجوهری, ج 5 ص 1986.

والواقع بذیل الحدیث المتقدم, حیث یقول: «وهی مکلوءة بعین الله التی لا تنام، ولا تتخلف عن أمهات الصدیقین والصالحین».

والمکلوء فی اللغة: المحروس والمحفوظ. یقال: کلأک الله کلاءة أی حفظک وحرسک، والمفعول منه مکلوء، وأنشد الشاعر:

إن سلیمی، والله یکلؤها، ضنت بزاد ما کان یرزؤها

وفی الحدیث أنه صلی الله علیه و آله قال لبلال، وهم مسافرون: اکلأ لنا وقتنا. هو من الحفظ والحراسة(1).

وأیضاً ورد فی القرآن الکریم عندما أمر نبیه صلی الله علیه و آله بأن یقول لهؤلاء الکفار (قُلْ مَنْ یَکْلَؤُکُمْ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِکْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ)2, أی من یحفظکم من بأس الرحمن وعذابه. وقیل: من عوارض الآفات أو یحفظکم من أن یحل بکم عذابه, وقیل: من یحفظکم مما یرید الله إحلاله بکم من عقوبات الدنیا والآخرة(2).

وهناک قول آخر فی تفسیر الآیة: هو أنّ المراد ب - (الکلأ) هنا هو وضع الغلاف الجوی الذی یحفظ المخلوقات علی سطح الأرض من هجوم النیازک والأجرام, حیث یقول «فلو أن الله سبحانه لم یجعل السماء - أی الجو المحیط بالأرض سقفاً محفوظاً کما مر فی الآیات السابقة - لکان هذا وحده کافیاً أن

ص:178


1- (1) انظر: لسان العرب, ابن منظور, ج 1 ص 145.
2- (3) انظر: التبیان, الشیخ الطوسی, ج 7 ص 251.

تتهاوی النیازک وتمطرکم الأجرام السماویة بأحجارها لیل نهار. إن الله الرحمن قد أولاکم من محبته أن جعل جنوداً متعددین لحفظکم وحراستکم، بحیث لو غفلوا عنکم لحظة واحدة لصب علیکم سیل البلاء(1).

وکیف کان أنّ السیدة سوسن علیها السلام علاوة علی منع کل ما من شأنه أن یزلّها ویوقعها فی المعصیة أنّها قد حظیت بحفظ الله وحراسته, وهذا یعنی أنّها قد عُصِمَتْ تماماً من اقتراف الخطیئة وارتکاب المعصیة وما إلیها؛ لأنّها تحت الحراسة التی لا یمکن معها ذلک, مع أنّه تعالی قید عنها أغلال الشیاطین وتجاوزات المردة, ولا یخفی أنّ هذه الحراسة والألطاف الإلهیة لم تکن متأخرة عنها أو فی حال اقترانها بالإمام الجواد علیه السلام أو عند حملها وولادتها للإمام الهادی علیه السلام, بل یفهم من الحدیث أن هذه الرعایة والحراسة وغیرها متقدمة علی ولادتها بحسب المقتضیات العلمیة والعملیة.

السیدة سوسن من أهل الجنة

کشف المعصوم علیه السلام (الذی یحکی ویتحدث عن الغیب) عن خاتمة مطاف السیدة الجلیلة سوسن علیها السلام أنّها من أهل الجنة, وهذه العاقبة الحسنة یتمناها کل أحد لأنها عین السعادة والرفاه الأبدی, والجنة وبحسب مراتبها لا تتسنی لکل أحد بل تحتاج إلی عملٍ واعتقادٍ وإخلاصٍ وما إلیه, کما کشف عن ذلک القرآن الکریم والروایات وحثت الشریعة بالعمل والإخلاص والدعاء حتی یرزق الجنة,

ص:179


1- (1) الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل, الشیخ ناصر مکارم الشیرازی, ج 10 ص 171.

قوله تعالی:(وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِینَ)1. وأیضا جاء فی المأثور أن یدعو المؤمن عقیب صلاة الظهر وفی کل حال أن یرزقه الله الجنة, کما جاء فی المصباح یقول «اللهم اجعلنی من أهل الجنة التی حشوها البرکة وعمارها الملائکة مع نبینا محمد وأبینا إبراهیم علیهما السلام»(1).

والوصول إلی هذا المقام الرفیع والسعادة الحقیقیة یحتاج إضافة إلی العمل الصالح اعتقاداً وتقوی وإخلاصاً, کما فی قوله تعالی:(وَ سِیقَ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَی الْجَنَّةِ زُمَراً حَتّی إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَیْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِینَ * وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَیْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِینَ * وَ تَرَی الْمَلائِکَةَ حَافِّینَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قِیلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ)3.

ونستفید من هذا أنّ الإخبار من المعصوم علیه السلام بحق أمه السیدة سوسن أنّها من أهل الجنة لیس نابعاً عن تکریم من دون عمل واعتقاد بل هو یکشف لنا أن هذه السیدة کانت فی غایة قصوی من العبادة والإخلاص والتقوی والورع حتی کانت تُعْرَفُ من القانتات الفاضلات الورعات, فإنّ الوصول إلی هذه المرتبة

ص:180


1- (2) انظر: مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, ص 377.

الرفیعة ومن ثم حظیت بالألطاف الإلهیة کل ذلک کان یعبر عن مدی إیمانها وإتقان عملها وطاعتها حتی ختم الله لها بالجنة وکشف عن سعادة مستقبلها فی الدار الأبدیة.

أزواج الإمام الجواد علیه السلام

لم نقف علی زوجة للإمام الجواد علیه السلام غیر السیدة سوسن علیها السلام (أم الإمام الهادی علیه السلام), والأخری أم الفضل بنت المأمون الخلیفة العباسی, کما هو ثابت عند المؤرخین لدی الفریقین, منهم ما ذکره ابن الجوزی فی حوادث سنة خمس عشرة ومأتین قال: إنّ المأمون شخص من بغداد لغزو الروم فی یوم السبت لثلاث بقین من المحرم، وکان ارتحاله من الشماسیة إلی البردان یوم الخمیس بعد صلاة الظهر لستٍ بقین من المحرم، واستخلف حین رحل عن بغداد علیها إسحاق بن إبراهیم بن مصعب، وولاه مع ذلک السواد وحلوان وکور دجلة، فلما صار المأمون بتکریت قدم علیه محمد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب کرم الله وجهه من المدینة فی صفر، فأجازه، وأمره أن یدخل بابنته أم الفضل، وکان زوجها منه، فأدخلت علیه فی دار أحمد بن یوسف التی علی شاطئ دجلة، فأقام بها، فلما جاءت أیام الحج خرج بأهله وعیاله حتی أتی مکة، ثم أتی منزله بالمدینة، فأقام بها(1).

وروی الشیخ المفید رحمه الله أنّه لما أراد المأمون أن یزوجه ابنته قال له: أتخطب

ص:181


1- (1) انظر: المنتظم فی تاریخ الملوک والأمم, أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن محمد بن الجوزی المتوفی سنة 597 ه -, ج 10 ص 265, ط دار الکتب العلمیة بیروت.

یا أبا جعفر؟ قال: نعم یا أمیر المؤمنین. فقال له المأمون: اخطب لنفسک جعلت فداک فقد رضیتک لنفسی وأنا مزوجک أم الفضل ابنتی وإن رغم قوم لذلک، فقال أبو جعفر علیه السلام: الحمد لله إقراراً بنعمته، ولا إله إلا الله إخلاصاً لوحدانیته، وصلی الله علی سید بریته والأصفیاء من عترته.

أما بعد فقد کان من فضل الله علی الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه:(وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ وَ الصّالِحِینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ)1. ثم إن محمد بن علی بن موسی یخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و آله وهو خمسمائة درهم جیاداً، فهل زوجته یا أمیر المؤمنین بها علی هذا الصداق المذکور؟ فقال المأمون: نعم زوجتک یا أبا جعفر أم الفضل بنتی علی الصداق المذکور فهل قبلت النکاح؟ قال أبو جعفر: قد قبلت ذلک ورضیت به(1).

ولا یخفی أنّ هذا الزواج والإصرار علیه من قبل المأمون کانت وراءه أهداف وأغراض سیاسیة, منها مراقبة تحرکات الإمام الجواد علیه السلام حتی فی بیته من خلال ابنته, ومن ثم یضبط جمیع تحرکات الإمام علیه السلام ولقاءاته, کما حدث ذلک فی تزویجه بنته أو أخته للإمام الرضا علیه السلام لکی یراقب تحرکات ولقاءات الإمام علیه السلام.

ص:182


1- (2) انظر: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 284.

اقتران السیدة سوسن بالإمام الجواد علیهما السلام

صحیح أنّ الإمام المعصوم علیه السلام یتعامل مع الناس بحسب الظاهر وما جرت علیه العادة والعرف فی انسجامها مع أهداف الرسالة, لکن هذا لیس بشکل مطلق ودائم, فهناک رؤی خاصة للإمام علیه السلام وتحرکات بمقتضی احتکاکه بالغیب ونظراته الثاقبة وبما یتوقف علی إجراء المستقبل, فمن تلک المواقف التی اتخذها الإمام الجواد علیه السلام هی حالة اقترانه مع أمّ ولده الهادی علیه السلام السیدة سوسن علیها السلام, وهذا بعید عن متعارف عوام الناس حیث إنها تنتظر من الحرة ذات المنزلة الاجتماعیة فی أهلها أن تلد أمثال المعصوم علیه السلام, ولکن شاءت حکمة الله أن یجعل أمه من الجواری مع وجود زوجته بنت الخلیفة المأمون أمّ الفضل, فقد ذکروا أنّه علیه السلام بعث بِصُرَّةٍ فیها أموال مع أحد أصحابه وأعطاه مواصفات الجاریة التی أتت من المغرب لیشتریها, کما ورد ذلک عن إبراهیم بن عبد الله بن جعفر، قال: دعانی أبو جعفر محمد بن علی بن موسی علیهم السلام فأعلمنی أن قافلة قد قدمت، وفیها نخاس، معه جوارٍ، ودفع إلیّ سبعین دیناراً، وأمرنی بابتیاع جاریة وصفها لی, فمضیت وعملت بما أمرنی به، فکانت تلک الجاریة أمّ أبی الحسن علیه السلام(1).

وفی روایة المسعودی قال: روی عن محمد بن الفرج، وغیره، قال: دعانی أبو جعفر علیه السلام فأعلمنی أن قافلة قد قدمت، وفیها نخاس معه رقیق، ودفع إلی صرة فیها ستون دیناراً، ووصف لی جاریة معه بحلیتها وصورتها ولباسها، وأمرنی

ص:183


1- (1) انظر: دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), ص 410.

بابتیاعها، فمضیت واشتریتها بما استام (أی سام البائع) وکان سومها بها ما دفعه إلیّ. فکانت تلک الجاریة أم أبی الحسن علیه السلام, واسمها جمانة وکانت مولده عند امرأة ربتها، واشتراها النخاس، ولم یقض له أن یقربها حتی باعها(1).

اهتمام الإمام الجواد بالسیدة سوسن

بعدما علم الإمام الجواد علیه السلام مکانة السیدة سوسن علیها السلام عند الله وإخلاصها وطاعتها لله ولرسوله وأهل بیته علیهم السلام وأنّها أعدت لتکون له الزوجة الصالحة والوعاء الطاهر للحجة من بعده, وقد احتوت علی صفات کمالیة عالیة وما إلی غیر ذلک, فلا ریب أنّها قد تحظی باهتمام المعصوم علیه السلام وحبه وعطفه واهتمامه, ولو کانت لها ضرة تعد بحسب أنظار العوام من الملوک والسلاطین والأشراف وهی أم الفضل بنت المأمون التی حکمت علی نفسها بالهلاک والندم الأبدی فی الدنیا والآخرة وذلک بسوء خلقها وسریرتها فلم ترزق الولد ولا حب الإمام علیه السلام, فلذلک أنّها أخذت تشکوه وتؤذیه وتخطط لقتله, کما ذکر ذلک جملة من المؤرخین قالوا: لما انصرف أبو جعفر علیه السلام إلی العراق لم یزل المعتصم وجعفر بن المأمون یدبران ویعملان الحیلة فی قتله علیه السلام. فقال جعفر لأخته أم الفضل: (وکانت لأُمِّهِ وأبیه) فی ذلک، لأنه وقف علی انحرافها عنه وغیرتها علیه لتفضیله أم أبی الحسن ابنه علیها مع شدة محبتها له، ولأنها لم ترزق منه ولداً، فأجابت أخاها جعفراً وجعلوا سماً فی شیء من عنب رازقی... الخ(2).

ص:184


1- (1) انظر: إثبات الوصیة, ص 228.
2- (2) انظر: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 269. وإثبات الوصیة: ص 192.

وهناک شاهد آخر یحکی عن مدی غیرتها وشکایتها من الإمام علیه السلام بسبب زواجه وحبه لأم الإمام العسکری علیه السلام السیدة سوسن, فقد روت السیدة حکیمة عنها أنّها تقول: فبینما أنا جالسة ذات یوم إذ دخلت علی جاریة من ولد عمار بن یاسر وسلمت علیّ، فقلت: من أنت؟ قالت: أنا جاریة من ولد عمار بن یاسر، وأنا زوجة أبی جعفر محمد بن علی، زوجک. فدخلنی من الغیرة ما لم أقدر علی احتماله، وهممت أن أخرج وأصیح فی البلاد، وکاد الشیطان أن یحملنی علی الإساءة إلیها، فکظمت غیظی وأحسنت رفدها، وکسوتها. فلما خرجت عنی لم أتمالک أن نهضت، فدخلت علی أبی، فخبرته الخبر... الخ(1). وکیف کان أنّ السیدة سوسن علیها السلام دون غیرها قد حظیت بحب واهتمام الإمام الجواد علیه السلام وهذا بحد ذاته یعبر عن مدی طاعتها وإیمانها وحسن تبعلها وتکامل صفاتها وقربها من الله, لأنّ تحرک المعصوم علیه السلام نحو الغیر بشکل إیجابی سواء کان من خلال القول أم الفعل دلالة علی حسن وجمال ذلک الغیر بکل المعاییر المادیة والمعنویة, وقد لاحظنا کیف کان اهتمام الإمام علیه السلام بهذه السیدة الجلیلة سوسن علیها السلام حتی أثار ذلک حفیظة الطرف الآخر.

ولادة السیدة سوسن للهادی علیه السلام

تزداد علی کمالها ومنزلتها فی موقف هو الآخر الذی یکللها بالشرف والمجد وتکون الوعاء الطاهر والحجر المبارک إلی المعصوم الحجة فی زمانه, فلم تلد امرأة فی ذلک العصر مثله علماً وتقوی وغیر ذلک, فقد ولد فی المدینة المنورة، وکان بحکم میراثه جامعاً لجمیع خصال الخیر والشرف والنبل, وسارع

ص:185


1- (1) انظر: الثاقب فی المناقب, ابن حمزة الطوسی, ص 219.

الإمام الجواد علیه السلام فأجری علی ولیده المبارک المراسیم الشرعیة فأذن فی أذنه الیمنی، وأقام فی الیسری، وسماه أبوه الإمام الجواد علیه السلام علیاً تبرکاً وتیمناً باسم أجداده العظماء: جده الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام وجده الإمام علی بن الحسین زین العابدین وسید الساجدین علیه السلام, وجده علی بن موسی الرضا علیه السلام. ثم ختنه فی الیوم السابع من ولادته, کما هی العادة المتبعة عند أئمة أهل البیت علیهم السلام أنهم یجرون هذه المراسیم الشرعیة علی أبنائهم عند الولادة.

واتفق أکثر المؤرخین أنّه (الإمام الهادی علیه السلام) ولد سنة (212) للهجرة, وقیل إنه ولد فی سنة (214) للهجرة, وقد اختلفوا فی الشهر والیوم الذی ولد فیه, وهذه بعض الأقوال: منها: ولد فی الیوم السابع والعشرین من ذی الحجة. ومنها: ولد فی الیوم الثالث عشر من رجب(1).

وقال العلامة المجلسی رحمه الله فی زیارة الإمامین العسکریین علیهما السلام: اعلم أن زیارتهما علیهما السلام فی الأوقات والأیام الشریفة والأزمان المختصة بهما أفضل وأنسب، کیوم ولادة الإمام الهادی علیه السلام وهو فی النصف من ذی الحجة، وبروایة ابن عیاش ثانی رجب، أو خامسه، وبروایة إبراهیم بن هاشم ثالث عشر رجب، والأول أشهر، ولکن کونه فی رجب قد ورد به الخبر. ویوم وفاته وهو ثالث رجب بروایة إبراهیم بن هاشم وغیره، أو ثانیه وخامسه علی بعض الأقوال، أو لأربع بقین من جمادی الآخرة بروایة الشیخ الکلینی، ویوم إمامته, وهو آخر ذی القعدة أو الحادی عشر منه(2).

ص:186


1- (1) انظر: حیاة الإمام الهادی, الشیخ باقر شریف القرشی, ص 17.
2- (2) انظر: بحار الأنوار, الشیخ المجلسی, ج 99, ص 79. والکافی, الکلینی, ج 1 ص 498

أولادها

اختلف المؤرخون وغیرهم فی عدد أولاد الإمام الجواد علیه السلام, منهم من قال: ولد للإمام الجواد علیه السلام أربعة أبناء، وأربع بنات. فالبنات زاد علی روایة الصدوق علیهن فاطمة. وأما الأولاد فزاد علی الجمیع إضافة إلی الإمام علی النقی علیه السلام، وموسی المبرقع، وأبو أحمد الحسین، وأبو موسی عمران، وقال: إن جمیعهم أمهم أم ولد یقال لها سمانة المغربیة، ولم یکن للإمام الجواد علیه السلام من أم الفضل بنت المأمون نسل. وعقبه ینحصر فی الإمام علی النقی علیه السلام وأبی أحمد موسی المبرقع(1).

وأمّا الشیخ المفید ذکر أنّ أولاده علیه السلام أربعة: علی الإمام الهادی علیه السلام وموسی المبرقع وفاطمة وأمامة، ولم یخلف ذکراً غیر من سمیناه(2). وعن الشیخ الصدوق قال: أولاده علی الإمام علیه السلام وموسی وحکیمة وخدیجة وأم کلثوم. وقال أبو عبد الله الحارثی: خلف فاطمة وأمامة. ولم یخلف غیرهم. وعن النفحات العنبریة: أنه أولد من الذکور محمداً وعلیاً وموسی المبرقع والحسین، ومن الإناث حکیمة وبریهة وأمامة... الخ. وعن عمدة الطالب، وصحاح أخبار: أنه لم یعقب إلا من مولانا علی الهادی علیه السلام وموسی المبرقع. وفی عمدة الطالب فی أحوال موسی المبرقع ووروده بقم: فأتته أخواته زینب وأم محمد ومیمونة بنات الجواد علیه السلام ونزلن عنده، فلما مِتْنَ دفنَّ عند فاطمة بنت موسی الکاظم علیه السلام وأقام موسی بقم

ص:187


1- (1) راجع: چهارده نور پاک (فارسی), دکتر عقیقی بخشایشی, ج 12 ص 155.
2- (2) راجع: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 295.

حتی مات(1).

وعن الفخر الرازی: وأما أبو جعفر التقی علیه السلام، فله من الأبناء ثلاثة: أبو الحسن علی النقی علیه السلام الإمام، وموسی، ویحیی، وولده بقم. وله من البنات خمسٌ: فاطمة، وبهجت، وبریهة، وحکیمة، وخدیجة. لا عقب للبنات ولا لیحیی(2).

فتحصل مع اختلاف العدد من أولاد الإمام الجواد علیه السلام فهم کلهم یرجعون إلی السیدة سوسن علیها السلام حیث لم یذکر لأم الفضل بنت المأمون ولد من الإمام علیه السلام ولو کان لبان وظهر فی بطون الکتب وغیرها, وأیضاً لم یذکروا زوجة أخری غیر ما ذکرناه للإمام الجواد علیه السلام, فلا یبعد أنّ تکون السیدة سوسن هی المرأة الوحیدة التی رزق منها الإمام الجواد علیه السلام الولد.

من بنات الإمام الجواد حکیمة

حکیمة بنت الإمام محمد الجواد بن علی الرضا بن موسی الکاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام. مدفونة بسامراء هی ونرجس أم المهدی علیه السلام مع الإمامین العسکری والهادی علیهما السلام. والصواب أن اسمها حکیمة بالکاف کما هو الموجود فی کتب التواریخ والأخبار. وما یجری علی السنة العامة من تسمیتها حلیمة باللام تحریف. کانت من الصالحات العابدات القاتنات, لها أخبار فی تزویج الإمام الحسن العسکری علیه السلام بنرجس أم

ص:188


1- (1) راجع: مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, ج 2 ص 405.
2- (2) انظر: الشجرة المبارکة, ص 78.

المهدی علیه السلام, وفی ولادة الإمام المهدی علیه وعلی أبیه السلام(1). وقد أدرکت أربعة من الأئمة علیهم السلام, الجواد, والهادی, والعسکری, والحجة المنتظر. وبعد وفاة العسکری علیه السلام تسنمت منصب السفارة لإمام العصر علیه السلام, وکانت توصل عرائض الناس إلیه, کما توصل التوقیعات الصادرة عن تلک الناحیة المقدسة إلی الناس.

وذکروا فی سنة (274 ه -) توفیت السیدة حکیمة بنت الإمام الجواد علیه السلام فدفنت جوار أخیها. ثم بعد ذلک توفی من توفی من العائلة الکریمة أمثال السیدة سوسن, وقیل حدیث أو حدیثة والدة الإمام الحسن العسکری علیه السلام(2).

حکیمة ترعی أم الإمام المهدی

حظیت حکیمة بمکانة عالیة بین الأئمة الأطهار ولها جملة من المواقف المخلدة, من جملتها تربیتها لأم الإمام المهدی علیه السلام, کما جاء عن الثقات من مشایخنا أنّ بعض أخوات أبی الحسن علی بن محمد الهادی علیه السلام کانت لها جاریة ولدت فی بیتها وربتها تسمی نرجس (أم الإمام المهدی علیه السلام) فلما کبرت دخل أبو محمد الحسن العسکری علیه السلام فنظر إلیها فأعجبته فقالت له عمته أراک تنظر إلیها فقال إنّی ما نظرت إلیها إلا متعجباً أما أنّ المولود الکریم علی الله جل وعلا یکون منها, ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن علیه السلام فی دفعها إلیه, ففعلت(3).

وعن الصدوق فی کمال الدین, روی بسنده عن الطهوی عن حکیمة بنت

ص:189


1- (1) راجع: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 6 ص 217.
2- (2) راجع: الکشکول المبوب, الحاج حسین الشاکری, ص 114.
3- (3) راجع: الغیبة, الشیخ الطوسی, ص 244.

الإمام محمد الجواد علیه السلام قالت کانت لی جاریة یقال لها نرجس فزارنی ابن أخی أی الحسن العسکری علیه السلام وأقبل یحد النظر إلیها فقلت له یا سیدی لعلک هویتها فأرسلها إلیک فقال لا یا عمة لکن أتعجب منها سیخرج ولد کریم علی الله عز وجل الذی یملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً, فقلت فأرسلها إلیک یا سیدی, فقال استأذنی أبی فأتیت منزل أبی الحسن علیه السلام فبدأنی وقال یا حکیمة ابعثی بنرجس إلی ابنی أبی محمد فقلت یا سیدی علی هذا قصدتک, فقال یا مبارکة إن الله تبارک وتعالی أحب أن یشرکک فی الأجر فزینتها ووهبتها لأبی محمد علیه السلام, فمضی أبو الحسن علیه السلام وجلس أبو محمد مکانه فکنت أزوره کما کنت أزور والده فجاءتنی نرجس یوماً تخلع خفی وقالت یا مولاتی ناولینی خفک, فقلت بل أنت سیدتی ومولاتی والله لا دفعت إلیک خفی ولا خدمتنی بل أخدمک علی بصری, فسمع أبو محمد علیه السلام ذلک فقال جزاک الله خیراً یا عمة, فلما غربت الشمس صحت بالجاریة ناولینی ثیابی لأنصرف فقال یا عمتاه بیتی اللیلة عندنا فإنه سیولد اللیلة المولود الکریم علی الله عز وجل الذی یحیی الله به الأرض بعد موتها(1). کما سیأتی الکلام فیه مفصلاً إن شاء الله.

نبذة من حیاة السید موسی المبرقع

ولد السید موسی المبرقع أخو الإمام الهادی علیه السلام بالمدینة المنورة وعاش مع أبیه فیها مدة حیاته، وبعد استشهاد أبیه انتقل إلی الکوفة وسکن بها مدة ثم هاجرها إلی قم فوردها سنة (256) للهجرة بقصد التوطن بها، وهو أول سید

ص:190


1- (1) راجع: کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 426.

رضوی تطأ أقدامه مدینة قم, وکان یضع برقعاً علی وجهه، لما قیل من أنه کان حسن الوجه، جمیل الصورة، فکان الناس رجالاً ونساءً یطیلون النظر إلیه، انبهاراً بجماله، فکان رحمه الله یتضایق من هذا الأمر، ولهذا ستر وجهه ببرقع حتی یستریح من کثرة نظر الناس إلیه، فلهذا لقب بالمبرقع. وارتاب منه أهالی قم لعدم معرفتهم إیاه، فأخرجه جماعة العرب المقیمین بها فرحل عنها إلی کاشان ونزل عند أحمد ابن عبد العزیز بن دلف العجلی، فأکرمه هذا ورحب به وبذل له الأموال، فعاش عنده مدة فی رخاء ورفاه وجاه حتی خرج جماعة من رؤساء الکوفیین المشایعین لأهل البیت علیهم السلام لتفحص أمره فقدموا قم واستطلعوا أخباره، فعرفوا ما کان بینه وبین أهل قم، فوبخوهم علی فعلهم من سوء معاملته، وعرفوهم به. فندم القمیون علی ما بدر منهم تجاه ابن الإمام علیه السلام واستشفعوا بالکوفیین کی یردوه إلی بلدهم، فقبل موسی شفاعتهم، وصفح عن أهل قم. ثم عاد إلی قم فنزل علی أهلها معززاً مکرماً، وبذلوا له الأموال والعقار فعاش بینهم فی رخاء وسعة، وانتقل إلیه أقاربه وأهل بیته من الکوفة وأقاموا عنده(1).

کان موسی المبرقع من أهل الحدیث والدرایة، ویروی عنه الشیخ الطوسی فی التهذیب، وابن شعبة فی تحف العقول. وهناک خبر مروی عن یعقوب بن یاسر، یمس بکرامة موسی المبرقع ویطعن فیه، وهو خبر لا اعتماد علیه؛ لمجهولیة الراوی، وعدم الاعتبار بحدیثه.

وقد ألف الشیخ النوری رحمه الله رسالة سماها: (البدر المشعشع فی أحوال ذریة

ص:191


1- (1) راجع: بحار الأنوار, الشیخ المجلسی, ج 50 ص 160.

موسی المبرقع) زیف فیها ذلک الخبر، وذکر بعض الأدلة علی استقامة حاله واعتداله(1).

توفی موسی المبرقع بقم فی الثامن ربیع الآخر سنة (296) للهجرة ودفن فی بیته وقبره الیوم مزار مشهور، تزوره الناس، وعلیه عمارة حدیثة ضخمة وضریح فضی مذهب، ویقع فی المحلة المعروفة ب - (دربهشت) أی باب الجنة. وعقبه کثیرون منتشرون فی بقاع واسعة فی إیران (فی مدینتی مشهد وقم) والهند، والباکستان، وأفغانستان، وترکستان، والعراق، وسوریة(2).

وفاة السیدة سوسن ومحل قبرها

لم یذکر المؤرخون ولا أصحاب الحدیث وغیرهم زمان وفاتها ولا محل قبرها علیها السلام نعم قد ورد فی عیون المعجزات وغیره: عن الحسن بن محمد بن المعلی، عن الحسن بن علی الوشاء قال: جاء المولی أبو الحسن علی بن محمد علیه السلام مذعوراً حتی جلس فی حجر أم موسی عمة أبیه، فقالت له: مالک؟ فقال لها: مات أبی والله الساعة، فقالت: لا تقل هذا، فقال: هو والله کما أقول لک، فکتب الوقت والیوم، فجاء بعد أیام خبر وفاته علیه السلام وکان کما قال علیه السلام(3). ویفهم من هذه الروایة أنّ الإمام الجواد علیه السلام ترک عائلته فی المدینة ومن جملة الذین

ص:192


1- (1) راجع: موسوعة المصطفی والعترة علیهم السلام, الحاج حسین الشاکری, ج 13 ص 34.
2- (2) راجع: الإمام الجواد علیه السلام من المهد الی اللحد, السید القزوینی, ص 85. والشجرة الطیبة, ص 11.
3- (3) راجع: عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 119. وکشف الغمة, ابن أبی الفتح الأربلی, ج 3 ص 177.

بقوا السیدة سوسن, واصطحب معه فقط أم الفضل. وبقی الهادی علیه السلام حتی بعد شهادة أبیه فی المدینة أکثر من عشرین سنة. ولکن یبقی الکلام أنّه لماذا لم یأتِ إلی أمه ویخبرها بوفاة أبیه مع أنّ الراوی لم یذکر لها خبراً فی ساعة استشهاد زوجها الإمام الجواد علیه السلام, وربما کانت قد فارقت الحیاة قبل رحیل زوجها علیه السلام وبه یثبت ما نروم إلیه من أنّ قبرها فی المدینة المنورة وزمن وفاتها فی حیاة زوجها الجواد علیه السلام, إلا اللهم أن یقال إنّه علیه السلام قد اصطحبها معه إلی بغداد, وهو بعید لأمرین: الأول, عدم ذکر رحیلها وحضورها فی بغداد ولا ذکر شیء عن موقفها وجزعها عند وبعد استشهاد زوجها الإمام الجواد علیه السلام.

والثانی, من البعید أن یفرق الإمام الجواد علیه السلام بینها وبین أبنائها لاسیما ولدها الإمام الهادی علیه السلام فقد ثبت أنه قد ترکه فی المدینة المنورة عند رحیله إلی بغداد. حتی لو قیل إنّ عدم ذکرها من قبل الراوی حینذاک لیس بالضرورة قد کانت فارقت الحیاة, بل یمکن أن یکون الراوی رصد هذه الحادثة فی بیت عمة أبیه من دون أن یشیر إلی حالها, فأقول حتی مع هذا یمکن أن یفهم منه أنّها کانت مستقرة فی المدینة المنورة إلی حین وفاتها. وربما من هذا فهم البعض وقال إنّ محل قبرها فی المدینة المنورة(1).

ص:193


1- (1) کاروانی با سیزده کجاوه, ص 115.

ص:194

الفصل الثانی عشر: سُمانة النوبیة أم الإمام العسکری علیهما السلام

اشارة

ص:195

ص:196

اسمها ونسبها

اشارة

السیدة سُمانة النوبیة, کما ذکر ذلک جملة من المؤرخین وأصحاب السیر والحدیث, حیث قالوا إنّ امّ الإمام العسکری علیها السلام اسمها سُمانة, کما عن الصدوق رحمه الله قال: أمّه جاریة اسمها سمانة وتکنی أمّ الحسن, وغیره کذلک(1). ومن الأدلة علی ذلک ذکر اسمها وکنیتها فی صحیفة الزهراء علیها السلام, کما ورد عن أبی نضرة قال: لما احتضر أبو جعفر محمد بن علی الباقر علیه السلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق علیه السلام، فعهد إلیه عهداً... ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال له: یا جابر حدثنا بما عاینت فی الصحیفة؟ فقال له جابر: نعم یا أبا جعفر دخلت علی مولاتی فاطمة علیها السلام لأهنئها بمولود الحسن علیه السلام فإذا هی بصحیفة بیدها من درة بیضاء، فقلت: یا سیدة النسوان ما هذه الصحیفة التی أراها معک؟ قالت: فیها أسماء الأئمة من ولدی فقلت لها: ناولینی لأنظر فیها، قالت: یا جابر لولا النهی أفعل لکنه نهی أن یمسها إلا نبی أو وصی نبی، أو أهل بیت نبی، ولکنه مأذون لک أن تنظر إلی باطنها من ظاهرها. قال جابر: فقرأت فإذا فیها: أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفی، أمه

ص:197


1- (1) راجع: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 48. والاحتجاج, الطبرسی, ج 2 ص 137. لکن منهم من قال: إنّ اسمها سمانه کما عن الکلینی, فی الکافی, ج 1 ص 498.

آمنة بنت وهب... (إلی أن یقول) أبو محمد الحسن بن علی الرفیق، أمه جاریة اسمها سمانة وتکنی بأم الحسن(1).

وقالوا اسمها حدیث, أو حدیثة (علی اختلاف النسخ) وتسمی سمانة, وتسمی شکل النوبیة, ویقال لها: سوسن المغربیة. ویقال: ستقوس. ویقال: أسماء, ویقال: سلیل. ویقال لها حریبة. وتکنی أم الحسن. وتلقب بالجدة.

سبب الاختلاف فی تعیین اسمها

اختلفوا أیضا فی تعیین اسمها علیها السلام کما هو الحال فی غیرها من أمهات الأئمة علیهم السلام, لاسیما ما بعد أمّ الرضا علیها السلام, وربما یکون ذلک بسبب الظروف السیاسیة التی أحاطت وألمت بهم علیهم السلام, لاسیما فی تعین أمّ الإمام الحجة علیه السلام التی وعدت بها الأحادیث عن النبی صلی الله علیه و آله وغیره من أهل البیت علیهم السلام, وهی التی تلد من یملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً, ویزیل عروش الظالمین والمستبدین, فأصبحت مراقبة خاصة لأمهات الأئمة فی الآونة الأخیرة من قبل السلطة الحاکمة حینذاک, فعمد أهل البیت علیهم السلام إلی الکتمان والإیهام لاسیما فی أمّ المعصوم علیه السلام. ولعل هذا السبب فی اضطراب أقلام المؤرخین وترددهم واختلافهم فی تحدید أسم أمّ المعصوم علیه السلام. بالإضافة إلی ذلک أنّ الأسماء التی تکللت بها السیدة سمانة علیها السلام تحمل مدالیل تحکی عن عظمة هذه السیدة الجلیلة وتکشف عن مدی أبعادها وصفاتها المعنویة والمادیة.

ص:198


1- (1) راجع: کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 305. وعیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 48.

سمو مقام السیدة سمانة

ذکر المؤرخون وأصحاب السیر أنّها من العارفات الصالحات ومن السیدات الزاکیات, حیث کانت أفضل نساء عصرها فی عقلها وورعها وتقواها ویکفیها فخراً ورفعة وسمواً اختیار المعصوم علیه السلام لها کی تکون وعاءً وحجراً لابنه المعصوم, وذلک بما یعلم علیه السلام من أنّه الأنسب والأصلح, حیث أنه عُدّ وهیئ لذلک, کما فی غیره من أمهات المعصومین علیهم السلام. وقد ثبت بالأدلة النقلیة اعتماد الإمام علیه السلام علیها فی بیان أحکام الشریعة للناس بعده ورجوعهم إلیها علیها السلام, وتحملها میراث وأسرار المعصومین, والقیام بالحفظ والستر علی الحجة القائم الذی یملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً, وهذا کله نابع من تکامل خصالها وبعد إیمانها, إضافة إلی ذلک کله حظیت بمدحٍ وإطراءٍ من قبل المعصوم علیه السلام الذی بأقواله وأفعاله یحکی عن واقع محقق ولا یبالغ ویجامل, کما هو عند عوام الناس, فقد أثنی علیها الإمام الهادی علیه السلام ثناءً عاطراً وأشاد بمکانتها وسمو منزلتها فقال: سلیل (الذی هو أحد أسمائها) مسلولة من الآفات والأرجاس والأنجاس. فإنها لم تلوث بالأرجاس والأدناس ولا بما یشین المرأة وینقصها فی شرفها وعفتها.

وعن صاحب المنتهی رحمه الله قال: کانت فی غایة الصلاح والورع والتقوی وهی فی حیاة الخلود إذ ولد فی أیامها إمام الزمان علیه السلام, وکفی فی فضلها أنّها کانت مفزع الشیعة وغوثهم بعد وفاة الإمام العسکری علیه السلام(1).

ص:199


1- (1) راجع: منتهی الآمال, ج 2 ص 509.

وأمّا کونها علیها السلام من الجواری فهو لا یضر فی سمو منزلتها ولا ینقص من شأنها, فإنّ الإنسان فی دین الإسلام إنّما یسمو بهدیه وتقواه وصلاحه, وینحط بضلاله وانحرافه عن الطریق القویم, فلیس علو النسب أو انخفاضه, بل ولا الکرسی ولا المال ولا غیر ذلک من الشؤون الاعتباریة التی یؤول أمرها إلی التراب تکرم وترفع الإنسان أو العکس, بل المحور الأول والأخیر هو التقوی,(إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاکُمْ).

السیدة سُمانة مسلولة من کل الآفات

کشف المعصوم علیه السلام عن أبعاد وطهارة السیدة سمانة (أم الإمام العسکری علیه السلام) بما فیه الکفایة وقد أوجز أنّها طاهرة مطهرة لا یعتریها کل مکروه, وذلک عندما دخلت علی الإمام الهادی علیه السلام قال: «سُلَیل سلت من کل آفة وعاهة ومن کل رجس ونجاسة» ثم قال «لا تلبثین حتی یعطیک الله عزّ وجلّ حجته علی خلقه»(1).

والآفة فی اللغة: العاهة، أو عرض مفسد لما أصابه. وسلم من الآفة بالکسر سلامة وسلمه الله تعالی منها تسلیماً. وتأتی فی البلیة الشدیدة التی قَلَّ ما یخلو الإنسان عنها(2).

ص:200


1- (1) راجع: ریاحین الشریعة, شیخ ذبیح الله محلاتی, ج 3 ص 306. ومادران جهارده معصوم علیهم السلام, أحمد أمیری بور, ص 228.
2- (2) راجع: القاموس المحیط, الفیروز آبادی, ج 3 ص 120. و ج 4 ص 130. ومجمع البحرین, الشیخ الطریحی, ج 1 ص 131.

وجاء فی الحدیث عن النبی صلی الله علیه و آله قال, یا علی: آفة الحدیث الکذب، وآفة العلم النسیان، وآفة العبادة الفترة(1), وآفة الجمال الخیلاء(2) ، وآفة العلم الحسد(3).

وقد فسروا (السلام) الذی هو اسم من أسماء الله تعالی أنّه مصدر وصف به للمبالغة والمراد السالم من النقائص بأسرها, وسمیت الجنة دار السلام لأن سکانها سالمون من کل آفة أو لأنها داره جل شأنه(4).

وقد جاء استحباب الدعاء بالطهارة من کل آفة کما روی محمد بن مروان عن أبی عبد الله علیه السلام یقول فی غسل الجمعة: اللهم طهر قلبی من کل آفة تمحق دینی وتبطل عملی(5).

وجاء فی المصباح: فإذا اغتسلت، فقل فی غسلک: بسم الله وبالله، اللهم! اجعله نوراً وطهوراً وحرزاً وشفاءً من کل داء وسقم وآفة وعاهة، اللهم طهر به قلبی واشرح به صدری وسهل لی به أمری(6).

وأیضا سئل أبو عبد الله علیه السلام عن کیفیة تناوله (التربة الحسینیة)، قال: «إذا

ص:201


1- (1) الفترة: الانکسار والضعف، ولا یکون کل ذلک إلا لعدم التوجه وحضور القلب الذی هو روح العبادة، فإنه کلما کان الحضور أکثر کان الشوق والذوق والنشاط أکثر.
2- (2) الخیلاء: بالضم وبالکسر کلاهما صحیح وهو بمعنی العجب والتکبر.
3- (3) من لا یحضره الفقیه, الشیخ الصدوق, ج 4 ص 373.
4- (4) انظر: مفتاح الفلاح, البهائی العاملی, ص 100.
5- (5) ذخیرة المعاد, المحقق السبزواری, ج 1 ص 60.
6- (6) انظر: مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, ص 718.

تناول التربة أحدکم فلیأخذ بأطراف أصابعه، وقدره مثل الحمصة، فلیقبلها ولیضعها علی عینیه ولیمرها علی سائر جسده ولیقل: اللهم بحق هذه التربة، وبحق من حل بها وثوی فیها، وبحق أبیه وأمه وأخیه والأئمة من ولده، وبحق الملائکة الحافین به إلا جعلتها شفاءً من کل داء، وبرءاً من کل مرض، ونجاةً من کل آفةٍ، وحرزاً مما أخاف وأحذر»(1).

وقد وصف النبی صلی الله علیه و آله أنّه مطهر من کل آفة کما جاء فی الدعاء المروی عن صاحب الزمان علیه السلام: بسم الله الرحمن الرحیم اللهم صل علی محمد سید المرسلین وخاتم النبیین وحجة رب العالمین المنتجب فی المیثاق المصطفی فی الظلال المطهر من کل آفة البریء من کل عیب المؤمل للنجاة المرتجی للشفاعة المفوض إلیه دین الله(2).

ونستفید من کل ما تقدم أنّ السیدة سوسن علیها السلام منزهة من کل العیوب والآفات کما کشف عن ذلک المعصوم الذی یحکی عن الواقع الحق سلت من کل آفة وعاهة, فهی مطهرة ومصونة من کل آفة وعاهة بما أولاها الله بلطفه وعنایته وجعلها فی مرتبة عالیة ومنزلة رفیعة.

مطهرة من کل رجس

لم یکتف الإمام علیه السلام فی بیان عظمة السیدة سمانة من أنّها مصونة من کل الآفات والعاهات بل أخذ یبین الصفات الأخری التی تتمتع بها هذه السیدة الجلیلة

ص:202


1- (1) مستند الشیعة, المحقق النراقی, ج 15 ص 164.
2- (2) انظر: مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, ص 406.

ومنها الطهارة من کل رجس ونجاسة, کما تقدم فی الحدیث.

والرجس فی اللغة: القذر، وقیل: الشیء القذر. ورجس الشیء یرجس رجاسة، وإنه لرجس مرجوس، وکل قذر رجس. ویقال: رجس الرجل رجساً ورجس یرجس إذا عمل عملاً قبیحاً(1). فتحصل أنّ الرجس أعم من القذارات المادیة بل یشمل المعنویة والخلقیة, وعلیه أنّ السیدة سمانة علیها السلام طاهرة ومطهرة من کل رجس سواء کان علی الصعید المادی أم المعنوی أم الأخلاقی, فهی کغیرها من أمهات الأئمة المعصومین علیهم السلام والصالحات, تحتل المرتبة الثانیة بالتطهیر والتنزیه بعد أهل البیت علیهم السلام الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً.

من صفات السیدة سُمانة الروایة

من جملة الصفات العملیة التی تتمتع بها السیدة الجلیلة سُمانة هی الروایة والحدیث عن أهل بیت العصمة والطهارة علیهم السلام, بل أکثر من ذلک أنّ الإمام العسکری علیه السلام أرجع الناس إلیها بعد رحیله کما سیأتی بیانه, فلا نستعظم تصدّیها لبیان أحکام الشرع الحنیف فقد عاشت وترعرعت فی بیت العصمة والعلم والحکمة إضافة إلی ما حباها الله من الکمال والارتقاء والاصطفاء, وکیف کان فقد کانت إحدی الرواة التی حظیت بالتأیید والوثاقة من قبل المعصوم علیه السلام, ومن جملة الروایات التی وردت عنها ما جاء عن علی بن إبراهیم بن مهزیار، عن

ص:203


1- (1) انظر: لسان العرب, ابن منظور, ج 6 ص 94.

محمد بن أبی الزعفران، عن أم أبی محمد علیهما السلام قال: قال لی یوماً من الأیام تصیبنی فی سنة ستین ومائتین حزازة أخاف أن أنکب منها نکبة، قالت: وأظهرت الجزع وأخذنی البکاء، فقال: لا بد من وقوع أمر الله، لا تجزعی(1).

تلقیها أسرار الإمام العسکری علیه السلام

إضافة إلی الصفات الکاملة والمزایا النادرة التی تحویها السیدة سمانة أمّ الإمام العسکری علیه السلام, فقد کللت بهذه المنقبة العظیمة المشرفة والتی تعبر عن مدی إیمانها وبُعد إخلاصها لله ولأهل البیت علیهم السلام, بحیث کانت تحمل سرّ المعصوم علیه السلام الذی هو من سرّ الله عز وجل, لاسیما فی تلک الظروف العصیبة التی واجهها العسکریان علیهما السلام, فقد ورد أنّ أبا محمد علیه السلام أمر والدته بالحج فی سنة تسع وخمسین ومائتین، وعرفها ما یناله فی سنة ستین، وأحضر الصاحب علیه السلام فأوصی إلیه وسلّم الاسم الأعظم والمواریث والسلاح إلیه، وخرجت أم أبی محمد علیهما السلام مع الصاحب علیه السلام جمیعاً إلی مکة، وکان أحمد ابن محمد بن مطهر أبو علی المتولی لما یحتاج إلیه الوکیل، فلما بلغوا بعض المنازل من طریق مکة، تلقی الأعراب القوافل، فأخبروهم بشدة الخوف، وقلة الماء، فرجع أکثر الناس إلا من کان فی الناحیة، فإنهم نفذوا وسلموا(2).

وروی أنه ورد علیهم الأمر بالنفوذ. کما فی الکافی فی باب مولد أبی محمد علیه السلام بإسناده عن أبی علی المطهر، أنه کتب إلیه بالقادسیة یعلمه انصراف

ص:204


1- (1) انظر: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 50 ص 313.
2- (2) خاتمة المستدرک, المیرزا النوری, ج 4 - ص 56

الناس، وأنه یخاف العطش، فکتب علیه السلام: امضوا ولا خوف علیکم إن شاء الله، فمضوا سالمین(1).

ونفهم من هذه الروایة أنّ الإمام العسکری علیه السلام قد کلف والدته سمانة علیها السلام بأمر عظیم وفی غایة الخطورة وهو حراسة وحفظ الحجة من بعده (ابنه الإمام المهدی علیه السلام) مع خطورة تلک الفترة الحرجة والحساسة, لذلک أمرها أن تذهب به إلی البلد الأمین مکة المکرمة وتکون قد أبعدته عن أنظار الأعداء والمتربصین به لاسیما عند وفاة العسکری علیه السلام ورحیله, وربما فهم الإمام علیه السلام مخطط الأعداء فی اغتیال الإمام صاحب الزمان علیه السلام فی حال وفاته, أو لا أقل التعرف علی وجودهِ وتشخیصه. وهذا الدور الذی کُلفت به السیدة سمانة یکشف عن مدی قربها لله وأهل البیت علیهم السلام وأنّها مورد ثقة المعصوم علیه السلام, وأیضاً یکشف عن مدی فطنتها وحکمتها وشجاعتها مع الحنکة التی تتمتع بها فی مواجهة الأعداء والحفاظ علی الخلف من بعد الإمام العسکری علیه السلام, فلم یستعن الإمام علیه السلام بمثل هذا لا بأولاده ولا بعمومته وغیرهم, بل أوکل هذا الأمر العظیم إلی أمه السیدة سمانة علیها السلام.

أمانتها لمیراث الإمامة

تقدم أنّ الإمام العسکری علیه السلام بعدما نعی للسیدة سمانة نفسه علّمها أسراراً وسلّمها أمانة الإمام الثانی عشر الحجة بن الحسن علیهما السلام, ثم أمرها بالذهاب للحج, فلم یقتصر الأمر علی حفظ الإمام الثانی عشر علیه السلام, بل کانت أیضاً من أوصیاء ابنها الإمام العسکری علیه السلام لاسیما فی الأمور المهمة والخطیرة والتی تتعلق بأسرار

ص:205


1- (1) أصول الکافی, الکلینی, ج 6 ص 425.

الإمامة والدین, لذلک عندما توفی الإمام علیه السلام بسر من رأی، ووصل الخبر لأمه سمانة علیها السلام وهی فی المدینة، خرجت حتی قدمت سر من رأی، وجری بینها وبین أخیه جعفر أقاصیص فی مطالبته إیاها بمیراثه، وسعی بها إلی السلطان، وکشف ما ستر الله، فجعل نساءه وخدمه، ونساء الواثق، ونساء القاضی ابن أبی الشوارب، یتعاهدون أمرها إلی أن دهمهم أمر الصفار، وموت عبد الله بن یحیی بن خاقان، وأمر صاحب الزنج، وخروجهم عن سر من رأی ما شغلهم عنها، وعن ذکر من أعقب من أجل ما یشاء الله ستره وحسن رعایته بمنه وطوله.

رجوع الناس إلیها بعد العسکری علیه السلام

نقف مرة أخری علی واحدة من تلک المزایا التی حازت علیها السیدة سمانة علیها السلام أم العسکری علیه السلام والتی تعطیها بُعداً سامیاً یصعب تفسیره ویجل تقدیره, وهذا یعبر عن المؤهلات الذاتیة التی تمتلکها هذه المرأة الجلیلة, حیث کانت مرجع الناس بعد استشهاد الإمام العسکری علیه السلام فی کل الأمور لاسیما الأمور الشرعیة, ولا یخفی أنها کانت بظاهر أمرها هکذا ولکن کانت فی الواقع ترتبط مع الإمام الحجة علیه السلام وتقتبس من نوره وتوصیاته وتدلیها إلی الناس, کما ورد ذلک عن أحمد بن إبراهیم قال: دخلت علی حکیمة بنت محمد بن علی الرضا علیهما السلام، أخت أبی الحسن صاحب العسکر علیه السلام فی سنه اثنتین وستین ومائتین فکلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دینها فسمت لی من تأتم بهم، ثم قالت: والحجة ابن الحسن بن علی فسمته، فقلت لها: جعلنی الله فداک معاینة أو خبراً؟ (یعنی هذا الحجة بن الحسن رأیتیه أم سمعتی به؟) فقالت خبراً عن أبی

ص:206

محمد علیه السلام کتب به إلی أمه، فقلت لها: فأین الولد؟ فقالت: مستور، فقلت: إلی من تفزع الشیعة؟ فقالت إلی الجدة أم أبی محمد علیه السلام السیدة سمانة (أم الإمام العسکری علیها السلام) فقلت لها: أقتدی بمن وصیته إلی امرأة؟ فقالت: اقتداءً بالحسین بن علی علیه السلام فإن الحسین بن علی علیهما السلام أوصی إلی أخته زینب بنت علی فی الظاهر فکان ما یخرج عن علی بن الحسین علیه السلام من علم ینسب إلی زینب علیها السلام, ستراً علی علی بن الحسین علیه السلام، ثم قالت: إنّکم قوم أصحاب أخبار, أما رویتم أن التاسع من ولد الحسین بن علی علیه السلام یقسم میراثه وهو فی الحیاة(1).

والذی نروم إلیه فی ذکر هذا الحدیث الشریف هو بیان فضل ومکانة أم الإمام العسکری علیهما السلام, حیث إنّه أمر المعصوم علیه السلام الذی أمره من أمر الله عزّ وجل برجوع الناس إلیها بعده, وتکون فی نفس الوقت حافظة لإمام العصر علیه السلام وحلقة وصل بینه وبین الناس فی تبلیغ الأحکام وغیرها, ولا یخفی أنّ هذا لیس من السهل أن یتلبس به کل إنسان وإنما یحتاج إلی کفاءة عالیة علی الصعید المعنوی والمادی, وعلیه لابد وأنّ یکون قد حظی برعایة إلهیة وتسدید فی جمع المواقف, فأم العسکری علیهما السلام أصبحت الشریک الأکبر فی تبلیغ الدین وتحمل أعباء التکالیف, بالإضافة إلی تحملها المصاعب والمشقات فی حفظ وستر الإمام علیه السلام من ید الشر والعدوان, ثم إنّ حکیمة مثلتها بزینب علیه السلام التی لا تُدرک بکمالها وعلو مقامها, بشهادة المعصوم لها (عمة بحمد الله أنت عالمة غیر معلمة, فهمة غیر مفهمة)(2), فهذا یدلنا علی العلم والورع والتقوی والحنکة التی تتمتع بها هذه السیدة الجلیلة

ص:207


1- (1) راجع: کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 507. والغیبة, الشیخ الطوسی, ص 230.
2- (2) راجع: الاحتجاج, الطبرسی, ج 2 ص 31.

سمانة أم العسکری علیها السلام, ولذلک لم یختر الأمام غیرها حینذاک من الرجال أو النساء فی رجوع الناس إلیه لبیان حکم الله.

أولادها

اختلف المؤرخون فی ذکر عدد أولاد الإمام علی الهادی علیه السلام, أمّا الشیخ المفید فعدهم خمسة, أربعة ذکور وابنة واحدة, فقد قال: توفی أبو الحسن علیه السلام فی رجب سنة أربع وخمسین ومائتین، ودفن فی داره بسر من رأی، وخلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه وهو الإمام من بعده، والحسین، ومحمداً، وجعفراً، وابنته عائشة(1).

وأمّا الفخر الرازی فقال: له من الأبناء ستة أبو محمد العسکری الإمام علیه السلام وأبو عبدالله جعفر الذی لقبوه بالکذاب والحسین مات قبل أبیه بسر من رأی. وموسی ومحمد وهو أکبر أولاده, وعلی. واتفقوا علی أنّ المعقب من أولاده ابنان: الحسن العسکری الإمام, وجعفر الکذاب. وله من البنات ثلاث: عائشة وفاطمة وبریهة(2). وعن ابن عنبة أعقب علیه السلام رجلین هما الإمام أبو محمد الحسن العسکری علیه السلام وأخوه جعفر(3). وذکروا أنّ محمداً أراد النهضة إلی الحجاز فسافر فی حیاة أخیه (ولعل الصحیح فی حیاة أبیه؛ لان السید أبا جعفر محمداً رضوان الله تعالی علیه مات فی حیاة أبیه أبی الحسن الثالث الهادی علیه السلام) حتی بلغ بلدا وهی

ص:208


1- (1) راجع: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 311.
2- (2) راجع: الشجرة المبارکة, الفخر الرازی, ص 78.
3- (3) راجع: عمدة الطالب, ابن عنبة, ص 78.

قریة فوق الموصل بسبعة فراسخ فمات بالسواد فقبره هناک علیه مشهد(1).

وذکروا أنّ وفاة جعفر المشهور بالکذاب سنة (271 ه -). وقد اختُلِفَ فی حقه هل أنّه تاب أو بقی علی إصراره علی الأفعال المنکرة والدعاوی الکاذبة, وقیل إنّه تاب، وقد روی ثقة الإسلام الکلینی عن محمد بن عثمان العمری توقیعا بخط صاحب الأمر علیه السلام صریحا فی توبته وأنّ سبیله سبیل أخوة یوسف بن یعقوب علیه السلام، کما جاء عن الشیخ فی الغیبة عن جعفر بن محمد بن قولویه وأبی غالب الزراری (وغیرهما) عن محمد بن یعقوب الکلینی، عن إسحاق بن یعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمری رحمه الله أن یوصل لی کتاباً قد سألت فیه عن مسائل أشکلت علیّ، فورد التوقیع بخط مولانا صاحب الدار علیه السلام. أما ما سألت عنه أرشدک الله وثبتک من أمر المنکرین لی من أهل بیتنا وبنی عمنا، فاعلم أنه لیس بین الله عز وجل وبین أحد قرابة، ومن أنکرنی فلیس منی، وسبیله سبیل ابن نوح علیه السلام. وأما سبیل عمی جعفر وولده، فسبیل إخوة یوسف علی نبینا وآله وعلیه السلام(2). وتوفی جعفر عن (45) سنة وقبره فی دار أبیه بسامراء.

ولادتها للإمام العسکری علیه السلام

فلو لم تحظ أمّ العسکری علیها السلام إلا علی هذه المنقبة من أنّها أصبحت وعاءً وحجراً للمعصوم لکفاها فخراً وعزاً, ولکان ذلک الدلیل القاطع علی طهارتها وإیمانها وتکامل صفاتها؛ لأن وعاء المعصوم لابد أن تتوفر فیه الصفات الإیجابیة

ص:209


1- (1) راجع: المجدی فی أنساب الطالبین, علی بن محمد العلوی, ص 130
2- (2) راجع: الغیبة, الشیخ الطوسی, ص 290.

اللازمة, ومن هنا قد حظیت برعایة إلهیة وتربیة غیبیة. وقد ولدت الإمام العسکری علیه السلام بالمدینة فی شهر ربیع الأول سنة ثلاثین ومائتین، وکانت مدة خلافته ست سنین. وقیل: یوم العاشر من شهر ربیع الآخر سنة اثنتین وثلاثین ومائتین من الهجرة. وقیل یوم الاثنین(1).

وعن مناقب ابن شهرآشوب قال: میلاده یوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربیع الآخر بالمدینة، وقیل: ولد بسر من رأی سنة اثنتین وثلاثین ومائتین، مقامه مع أبیه ثلاث وعشرون سنة، وبعد أبیه أیام إمامته ست سنین، وکان فی سنی إمامته بقیة أیام المعتز أشهراً ثم ملک المهتدی، والمعتمد، وبعد مضی خمس سنین من ملک المعتمد قبض علیه السلام. ویقال: استشهد، ودفن مع أبیه بسر من رأی، وقد کمل عمره تسعة وعشرین سنة, ویقال: سنة ثمان وعشرین، مرض فی أول شهر ربیع الأول سنة ستین ومائتین، وتوفی یوم الجمعة لثمان خلون منه(2).

وقال ابن الخشاب: ولد أبو محمد علیه السلام فی سنة إحدی وثلاثین ومائتین، وتوفی یوم الجمعة، وقال بعض الرواة فی یوم الأربعاء لثمان لیال خلون من ربیع الأول سنة مائتین وستین، فکان عمره تسعاً وعشرین سنة، منها بعد أبیه خمس سنین و ثمانیة أشهر وثلاثة عشر یوماً، قبره بسر من رأی(3). وذهب کثیر من أصحابنا إلی أنه علیه السلام قبض مسموماً وکذلک أبوه وجده و جمیع الأئمة علیهم السلام خرجوا من الدنیا علی الشهادة, واستدلوا فی ذلک بما روی عن أبی الصلت عبد

ص:210


1- (1) راجع: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 50 ص 235.
2- (2) راجع: مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, ج 3 ص 523.
3- (3) تاریخ موالید الأئمة, ابن الخشاب البغدادی, ص 42.

السلام بن صالح الهروی قال: سمعت الرضا علیه السلام یقول: والله ما منّا إلا مقتول شهید، فقیل له: فمن یقتلک یابن رسول الله؟ قال: شر خلق الله فی زمانی یقتلنی بالسم ثم یدفننی فی دار مضیقة وبلاد غربة، ألا فمن زارنی فی غربتی کتب الله عز وجل له أجر مائة ألف شهید، ومائة ألف صدیق، ومائة ألف حاج ومعتمر، ومائة ألف مجاهد، وحشر فی زمرتنا وجعل فی الدرجات العلی من الجنة رفیقنا(1).

ونقل هذا الحدیث عن الإمام الصادق علیه السلام, کما عن المجلسی رحمه الله حیث قال: وذهب کثیر من أصحابنا إلی أن الأئمة خرجوا من الدنیا علی الشهادة، واستدلوا بقول الصادق علیه السلام: والله ما منا إلا مقتول شهید(2).

الظروف السیاسیة التی مرت بها

عانت السیدة سمانة مع زوجها الإمام الهادی علیه السلام وابنها الإمام العسکری علیه السلام ألوان العنف والاضطهاد من قبل المستبدین والمتسلطین علی رقاب الناس لاسیما الأبریاء والأحرار منهم, وقد بلغت هذه الضغوط والمضایقات ذروتها لاسیما فی عصر الإمام الهادی علیه السلام, فقد أشخصوها مع زوجها الإمام علیه السلام من المدینة إلی سر من رأی کرهاً کما یقول الإمام الهادی علیه السلام «یا أبا موسی، أخرجت إلی سر من رأی کرهاً»(3) وجعلوهم تحت المراقبة والمتابعة, والإقامة الجبریة, وکان ذلک فی عصر المتوکل الذی بالغ فی ظلم أهل البیت علیهم السلام

ص:211


1- (1) من لا یحضره الفقیه, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 585.
2- (2) راجع: بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 27 ص 209.
3- (3) راجع: الأمالی, الشیخ الطوسی, ص 281.

وشیعتهم, وقد ضیق علیهم اقتصادیاً وسیاسیاً واجتماعیاً, حتی قیل إنّه لم یکن للنساء العلویات فی تلک الفترة ثیاب سالمة یرتدینها للصلاة, وکن یملکن ثوباً واحداً بالیاً یرتدینه فی الصلاة بالتناوب, ویعشن علی بیع الغزل, وبقین علی هذه الحالة من الفقر والفاقة حتی هلک المتوکل(1). وفی قبال ذلک قد شید القصور الفخمة وهدر الملایین من الأموال علی اللهو والطرب وما إلیه, وهناک شواهد کثیرة یندی لها الجبین لا یسع المقام لذکرها. ولم یکتف عن ظلم الإمام علیه السلام بالمراقبة وجعل الجواسیس والعیون وسلب کل حقوقه, بل کان بین فترة وأخری یرسل علیه جلاوزته یفتشون بیته ویروعون حریمه وأطفاله ویستدعونه فی آناء اللیل علی أشد حال, کما ذکروا أنّه بعث إلیه جماعة من الأتراک، فهاجموا داره لیلاً فلم یجدوا فیها شیئاً، ووجدوه فی بیت مغلق علیه، وعلیه مدرعة من صوف وهو جالس علی الرمل والحصی، وهو متوجه إلی الله تعالی یتلو آیات من القرآن، فحمل علی حاله تلک إلی المتوکل وقالوا له: لم نجد فی بیته شیئاً، ووجدناه یقرأ القرآن مستقبل القبلة، وکان المتوکل جالساً فی مجلس الشراب فأدخل علیه والکأس فی یده، فلما رآه هابه وعظمه وأجلسه إلی جانبه، وناوله الکأس التی کانت فی یده، فقال الإمام علیه السلام: والله ما خامر لحمی ودمی قط... الخ(2).

ولم یرو غلیله بذلک حتی أمر بحبس الإمام علیه السلام وزجه فی السجن، بعدما فرض علیه الإقامة الجبریة فی داره، کما یدل علی ذلک جملة أخبار, منها: ما ورد

ص:212


1- (1) راجع: سیرة الأئمة, مهدی البیشوائی, ص 281.
2- (2) راجع: تاریخ الإسلام, الذهبی, ج 18 ص 199.

عن الحسن بن محمد بن جمهور، قال: کان لی صدیق مؤدب ولد (ولدی) بغا أو وصیف - الشک منی - فقال لی: قال الأمیر [عند] منصرفه من دار الخلافة: حبس أمیر المؤمنین هذا الذی یقولون له ابن الرضا الیوم ودفعه إلی علی بن کرکر، فسمعته یقول: «أنا أکرم علی الله من ناقة صالح»(تَمَتَّعُوا فِی دارِکُمْ ثَلاثَةَ أَیّامٍ ذلِکَ وَعْدٌ غَیْرُ مَکْذُوبٍ)1 لیس یفصح بالآیة ولا بالکلام، أی شیء هذا؟ قال: قلت: أعزک الله تعالی توعدک أنظر ما یکون بعد ثلاثة أیام. فلما کان من الغد أطلقه واعتذر إلیه، فلما کان الیوم الثالث وثب علیه باغر وبغلون أوتامش وجماعة معهم، فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خلیفة(1). وهکذا إلی أن جاء دور المعتز فأرسل السم إلی الإمام علیه السلام وقتله. وکل هذه الأجواء من ظلم واضطهاد وغیرها لم تکن السیدة سمانة فی معزل عنها بل کانت تعیش المحنة مع زوجها وتتألم لکل ما یمرّ به من آلام ومضایقات, بالإضافة إلی أنّها واحدة من الذین عانوا من هذه السیاسة الرعناء من خوف وترویع وغیره. ثم اشتدت علیها الآلام والمحن بعد رحیل زوجها وفی عصر ابنها الإمام العسکری علیه السلام, حیث ضیقوا علیه کل تحرکاته وسکناته حتی أصحابه لم یتسنَ لهم الوصول إلیه والتحدث معه, فقد ورد عن محمد بن عبد العزیز البلخی قال أصبحت یوماً فجلست فی شارع الغنم فإذا بأبی محمد قد اقبل من منزله یرید دار العامة فقلت فی نفسی تری إن صحت أیها الناس هذا حجة الله علیکم فاعرفوه یقتلونی فلما دنی منی أومأ بإصبعه السبابة

ص:213


1- (2) الثاقب فی المناقب, ابن حمزة الطوسی, ص 536.

علی فیه أن أسکت ورأیته تلک اللیلة یقول إنما هو الکتمان أو القتل فاتق الله علی نفسک(1). ویعز علی السیدة سمانة أن تری ابنها قد زجوه فی الحبس ولا تعلم حاله وما یجری علیه, وهکذا إلی أن استشهد علیه السلام وقد عظم علیها الخطب والمصاب واحتسبت کل ذلک بعین الله, ولکن الأمر الذی زاد علیها الألم ووسع الجرح هو ما جری بینها وبین جعفر الکذاب فی المطالبة فی میراث أخیه الإمام العسکری علیه السلام وقد جعله الإمام علیه السلام عندها أمانة فقد قام بکشف سرها وشکاها إلی السلطة حتی أصبحت فی عین المواجه مع السلطة.

وفاتها ومحل قبرها علیها السلام

لم یذکر المؤرخون الزمان الذی توفیت به السیدة سمانة علیها السلام أم الإمام العسکری علیه السلام, ولکن ورد عن بعضهم أنّ فی سنة (274 ه -) توفیت السیدة حکیمة بنت الإمام الجواد علیه السلام فدفنت جوار أخیها. ثم بعد ذلک توفی من توفی من العائلة الکریمة أمثال السیدة سمانة, والدة الإمام الحسن العسکری علیه السلام(2). وهذا وغیره مما تقدم یؤکد أنّ السیدة سمانة بقیت علی قید الحیاة إلی ما بعد ابنها العسکری علیه السلام وعاصرت حفیدها الإمام المهدی علیه السلام أکثر من أربع عشرة سنة بحسب الروایة السابقة, فقد بقیت إلی ما بعد سنة (274 ه -) والإمام العسکری استشهد سنة (260 ه -).

أمّا محل قبرها فهو فی قبة الإمام العسکری علیه السلام, فی سر من رأی, فإنّ

ص:214


1- (1) کشف الغمة, ابن أبی الفتح الإربلی, ج 3 ص 218.
2- (2) راجع: الکشکول المبوب, الحاج حسین الشاکری, ص 114.

ذکرهم أن قبر حکیمة فی قبة العسکری علیه السلام کما اشتهر, فهو غیر معلوم، وکذلک اشتهر أنّ القبر الذی فی قبة العسکری علیه السلام للسیدة نرجس علیها السلام أم الإمام الحجة علیه السلام فهو أیضاً غیر معلوم, کما ذهب إلیه بعض الأعلام رحمه الله, وقال: لا یبعد أن یکون القبر المنسوب إلیها قبر أم العسکری علیه السلام(1).

وقد روی عن الصدوق فی باب من رأی الحجة علیه السلام أنه لما ماتت أم الحسن الجدة أمرت أن تدفن فی الدار، فنازعهم جعفر وقال (هی داری لا تدفن فیها) فخرج علیه السلام وهو یقول: (یا جعفر أدارک هی؟ ثم غاب فلم یره بعد ذلک)(2). ولکن لا یبعد أن یکون الکل قد دفنوا بهذه الروضة المبارکة.

ص:215


1- (1) راجع: قاموس الرجال, الشیخ محمد تقی التستری, ج 12 ص 239.
2- (2) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 442.

ص:216

الفصل الثالث عشر: نرجس الرومیة أم الإمام الحجة المنتظر علیهما السلام

اشارة

ص:217

ص:218

اسمها ونسبها

هی السیدة نرجس بنت یشوعا بن قیصر ملک الروم, ولدت فی عاصمة الأمبراطوریة الرومیة، (القسطنطینیة) وذلک قبل عام (240 ه -), وأمّا الدلیل علی أنّ اسمها نرجس هو ما علیه أغلب العلماء لاسیما القریبین من عصرها أمثال الشیخ المفید والشیخ الطوسی وغیرهم, وأیضاً نقل عن ابن همام قال: حکیمة هی عمة أبی محمد ولها حدیث بمولود صاحب الزمان علیه السلام وهی روت أنّ أم الخلف اسمها نرجس(1). ومن الأدلة علی أنّ اسمها نرجس هو ما جاء ذکره فی صحیفة الزهراء علیها السلام, عن أبی نضرة قال: لما احتضر الإمام الباقر علیه السلام دعا بابنه الإمام الصادق علیه السلام,... ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال: له یا جابر حدثنا بما عاینت من الصحیفة فقال له جابر: نعم یا أبا جعفر دخلت علی مولاتی فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله لأهنئها بمولودها الحسین علیه السلام فإذا بیدیها صحیفة بیضاء من دره فقلت لها: یا سیدة النساء ما هذه الصحیفة التی أراها معک؟ قالت: فیها أسماء الأئمة من ولدی قلت لها: ناولینی لأنظر فیها قالت: یا جابر لولا النهی لکنت أفعل لکنه قد نهی أن یمسها إلا نبی أو وصی نبی أو أهل بیت نبی ولکنه مأذون لک أن تنظر باطنها من ظاهرها قال جابر:... (إلی أن قال) أبو القاسم محمد الحسن هو حجه الله

ص:219


1- (1) انظر: تاریخ الأئمة (المجموعة), الکاتب البغدادی, ص 26.

القائم أمه جاریة اسمها نرجس صلوات الله علیهم أجمعین(1).

والنرجس فی اللغة: هو من الریاحین معروف(2). ویقال لها: ریحانة، ویقال: صیقل، (الشیء الأملس). ویقال لها: سوسن، ویقال مریم بنت زید, ویقال ملیکة. ویقال لها خمط, (الخمط: نوع من شجر الأراک له حمل وثمر یؤکل)(3).

وکما أسلفنا ربما یکون هذا التعدد فی الأسماء لتعدد المناسبات أو لمصالح وأسباب وحکم سیاسیة وأمنیة واجتماعیة.

وأمّا نسبها فقیل: مریم بنت زید العلویة، أخت حسن ومحمد ابنی زید الحسینی الداعی بطبرستان(4).

والصحیح: أنّ نسبها یرجع إلی أولاد شمعون بن حمون بن الصفا وصی حضرت عیسی علیه السلام. و قیل إنّ أمها من ولد الحواریین تنسب إلی شمعون الصفا وصی عیسی علیه السلام(5). وکما نقل عن الشیخ الصدوق فی حدیث طویل یتضمن إرسال الهادی علیه السلام لبعض أصحابه فاشتراها له، وأعطاها ابنه الحسن علیه السلام فأولدها الإمام القائم علیه السلام کما سیأتی, ثم ذکر أن القول بکونها مریم بنت زید العلویة فی نهایة الضعف(6).

ص:220


1- (1) انظر: عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, ج 2 ص 47.
2- (2) انظر: لسان العرب, ابن منظور, ج 6 ص 23.
3- (3) الصحاح: الجوهری, ج 3 ص 112.
4- (4) کما یقول الخصیبی فی الهدایة الکبری: 32, نقلاً عن الهامش فی کتاب الفصول المهمة فی معرفة الأئمة, ابن الصباغ, ج 2 ص 1103.
5- (5) انظر: الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, ص 336.
6- (6) انظر: الحدائق الناضرة, المحقق البحرانی, ج 17 ص 44.

من هو شمعون الصفا

هو شمعون بن حمون بن عامه؛ الملقب بالصفا, والصفا کلمة عربیة تعنی الحجر الأملس؛ ویقابلها بالیونانیة: بطرس؛ وبالآرمیة: کیفا؛ ومعناها الحجر أو الصخر.

والنصاری یسمّونه بطرس بالیونانیة وبالسریانیة کیفاس وهما بمعنی الحجر. إذاً لشمعون الصفا أسماء أخری یعرف بها منها: بطرس - کیفا أو کیفاس - سِمْعَان أو سَمْعَان أو شمعان الصفا, وفی قاموس الکتاب المقدس: بطرس اسم یونانی؛ ومعناه صخرة أو حجر؛ وکان هذا الرسول یسمّی أولاً سمعان... فلمّا اتبع یسوع سمی کیفا وهی کلمة آرمیة معناها صخرة؛ یقابلها فی العربیة صفا أی صخرة وقد سمّاه المسیح بهذا الاسم؛ والصخرة بالیونانیة بیتروس ومنها بطرس.

أمّا فی المصادر والکتب المسیحیة؛ فقد ورد ذکر شمعون الصفا باسم: سمعان؛ بطرس؛ کیفا, صفا. ففی العهد الجدید: نظر إلیه یسوع وقال: أنت سمعان ابن یونا؛ أنت تدعی صفا الذی تفسیره بطرس(1).

وممّا تقدّم نعلم أن شمعون الصفا؛ کان یعرف قدیماً بسمعان الصفا. وسمعان کلمة عبریة؛ یقابلها شیمون بالسریانیة؛ التی هی شمعون بالعربیة الملقب بطرس.

ولد شمعون الصفا سنة 10 ق. م. ویعتبر سلیل الأنبیاء من ناحیة الأب والأم

ص:221


1- (1) انظر: الکتاب المقدس, مجمع الکنائس الشرقیة, ص 83.. والکتاب المقدس (العهد الجدید), الکنیسة, ص 30.

معاً؛ فوالده حمون بن عامه؛ یعود فی نسبه إلی النبی سلیمان بن داود علیهما السلام؛ وهو من موالید بلدة جسکالا؛ المعروفة - الیوم - ببلدة الجش شمال فلسطین, وکانت نشأته الأولی من قریة مشرفة علی شاطئ البحر؛ وفی منطقة کانت تعرف بجلیل الأمم.

وأمّه سیّدة جلیلة؛ تربّت فی بیت من بیوتات الأنبیاء والذین ضرب الله المثل برفعة شأنهم وصدق إیمانهم؛ فهی أخت النبی عمران والد السیّدة مریم العذراء علیها السلام الذی خصّه الله وآله بسورة فی القرآن الکریم؛ فقال تعالی:(إِنَّ اللّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ)1, وعندما تزوّج حمون من أخت النبی عمران أنجبا شمعون الصفا (الذی یعتبر ابن عمة مریم) وهذا ما اشیر له فی حدیث للإمام علی علیه السلام لجاثلیق الروم؛ یقول: أوما تعلمون أن وصی عیسی شمعون بن حمون الصفا ابن خاله اختلفت علیه أمة عیسی...(1). وقیل ابن عم السیدة مریم علیها السلام(2).

وبناءً علی ما تقدّم تکون قرابة شمعون الصفا علیه السلام بالسیدة مریم علیها السلام من ناحیة الأب والأم معاً؛ فهو ابن خالها وابن عمتها فی الوقت نفسه. أما بالنسبة لمنطقة سکنهم؛ فالمصادر لا تذکر شیئاً سوی أن شمعون کان یسکن فی بلدة کفر ناحوم علی بحیرة طبریا؛ لکن بعض المعاصرین رجّح أن یکون والده قد سکن بالقرب من الناقورة فی منقطة حامول وحامول هذا تل بالقرب من الناقورة

ص:222


1- (2) انظر: بحار الانوار, المجلسی, ج 30 ص 76.
2- (3) انظر: بصائر الدرجات, محمد بن الحسن الصفار, ص 119.

یبعد عن مقام شمعون حوالی خمسة کیلومترات من الناحیة الجنوبیة الغربیة؛ ویعتقد أهالی المنقطة أن قبر أحد الأنبیاء أو الصالحین موجود علی سفحه الغربی؛ ویعتقد البعض أن والد شمعون الصفا حمون مدفون فیه. و (قال) نحن نرجّح ذلک لأنّ لفظة حمون؛ قد تکون حرفت نونها لاماً لتقارب المخارج الصوتیة؛ وقد ذکر روبنصون فی کتابه یومیات فی لبنان تعریفاً لحامول فقال: وتحتنا وادی حامول القصیرة؛ وهو یشق الجبل ویخرج من ثغرة ضیقة إلی الشاطئ شمال الناقورة؛ وفی هذا الوادی أطلال حامول؛ وربما کانت حمون.

شمعون وصی نبی الله عیسی علیه السلام

شاءت حکمته تعالی أنّ لا یجعل الأرض خالیة من حجة, من آدم علیه السلام إلی قیام الساعة, لا بد من نبیّ أو وصیّ, فکانت الوصایة تنتقل بین الأنبیاء والأوصیاء حتی الإمام الثانی عشر من أئمة أهل البیت علیهم السلام, کما جاء ذلک فی نصوص صریحة, منها: عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: أنا سید النبیین، ووصیی سید الوصیین، وأوصیاؤه سادة الأوصیاء، إنّ آدم علیه السلام سأل الله عز وجل أن یجعل له وصیاً صالحاً، فأوحی الله عز وجل إلیه: أنی أکرمت الأنبیاء بالنبوة، ثم اخترت خلقی، وجعلت خیارهم الأوصیاء. ثم أوحی الله عز وجل إلیه: یا آدم، أوص إلی شیث، فأوصی آدم إلی شیث، وهو هبة الله بن آدم، وأوصی شیث إلی ابنه شبان، وهو ابن نزلة الحوراء التی أنزلها الله علی آدم من الجنة، فزوجها ابنه شیثاً، وأوصی شبان إلی مجلث، وأوصی مجلث إلی محوق، وأوصی محوق إلی غثمیشا، وأوصی غثمیشا إلی أخنوخ، وهو إدریس النبی علیه السلام، وأوصی

ص:223

إدریس إلی ناحور ودفعها ناحور إلی نوح النبی علیه السلام، وأوصی نوح إلی سام، وأوصی سام إلی عثامر، وأوصی عثامر إلی برعیثاشا، وأوصی برعیثاشا إلی یافث، وأوصی یافث إلی برة، وأوصی برة إلی جفسیه وأوصی جفسیه إلی عمران، ودفعها عمران إلی إبراهیم خلیل الرحمن علیه السلام، وأوصی إبراهیم إلی ابنه إسماعیل، وأوصی إسماعیل إلی إسحاق، وأوصی إسحاق إلی یعقوب، وأوصی یعقوب إلی یوسف، وأوصی یوسف إلی بثریاء، وأوصی بثریاء إلی شعیب علیه السلام، ودفعها شعیب إلی موسی بن عمران علیه السلام، وأوصی موسی بن عمران علیه السلام إلی یوشع بن نون، وأوصی یوشع بن نون إلی داود علیه السلام، وأوصی داود علیه السلام إلی سلیمان علیه السلام، وأوصی سلیمان علیه السلام إلی آصف بن برخیا، وأوصی آصف بن برخیا إلی زکریا علیه السلام، ودفعها زکریا علیها السلام إلی عیسی ابن مریم علیه السلام، وأوصی عیسی إلی شمعون بن حمون الصفا، وأوصی شمعون إلی یحیی بن زکریا، وأوصی یحیی بن زکریا إلی منذر، وأوصی منذر إلی سلیمة، وأوصی سلیمة إلی بردة. ثم قال رسول الله صلی الله علیه و آله: ودفعها إلی بردة، وأنا أدفعها إلیک یا علی، وأنت تدفعها إلی وصیک، ویدفعها وصیک إلی أوصیائک من ولدک واحداً بعد واحد، حتی تدفع إلی خیر أهل الأرض بعدک، ولتکفرن بک الأمة، ولتختلفن علیک اختلافاً شدیداً، الثابت علیک کالمقیم معی، والشاذ عنک فی النار، والنار مثوی الکافرین(1). وهناک روایات کثیرة تصرح أیضاً أنّ شمعون الصفا کان من الأوصیاء المباشرین والرئیسیین لنبی الله عیسی علیه السلام.

ص:224


1- (1) الأمالی, الشیخ الصدوق, ص 486.

الشبه بین نرجس وأم موسی علیه السلام

مما جاء فی زیارة السیدة نرجس علیها السلام یضفی لنا عظمة المکانة والمرتبة التی تحویها هذه السیدة الجلیلة وأنّها فی مسیر رکب الانبیاء علیهم السلام ومقام أمهاتهم, بل أکبر من ذلک بحسب ما تحمل من سر عظیم دارت علیه القرون وختم به الکون, فقد جاء فی زیارتها علیها السلام کما سیأتی ذکرها کاملة: السلام علیک أیتها الصدیقة المرضیة، السلام علیک یا شبیهة, أم موسی وابنة حواری عیسی، السلام علیک أیتها التقیة النقیة، السلام علیک أیتها الرضیة المرضیة... الخ(1). فکان لهذه السیدة العظیمة العدید من المقارنات بینها وبین السیدات العظام فی الأزمنة التی سبقتها لاسیما أم نبی الله موسی علیه السلام (یوخابید) فکما أخفی الله حمل السیدة یوخابید أم موسی علیه السلام بابنها أخفی حمل السیدة نرجس بابنها الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ومنها: إنّ السیدة نرجس وأم نبی الله موسی علیه السلام کلتیهما قد تعرضتا لرقابة شدیدة وصارمة. وعاشتا ضغوطاً سیاسیة من قبل فراعنة الماضی والحاضر ففرعون موسی کان یعلم انه سیولد نبی ویقضی علی ملکه ویحقق طموح وآمال المستضعفین, وفراعنة العباسیین کانوا یعلمون بأنّ إماما أسمة باسم الرسول محمد صلی الله علیه و آله سیولد وسیقضی علی دولتهم وسلطانهم ویظهر العدل والرفاه فی أرجاء المعمورة التی عمها الظلم والاضطهاد.

ومنها: أنّ نبی الله موسی رُد إلی أمه علیها السلام کما فی قوله تعالی:(فَرَدَدْناهُ إِلی أُمِّهِ کَیْ تَقَرَّ عَیْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا

ص:225


1- (1) انظر: المزار, محمد بن المشهدی, ص 660.

یَعْلَمُونَ)1, کذلک السیدة نرجس رد علیها ابنها ساعة ولادته, وقد صرح الإمام الحسن العسکری علیه السلام بذلک فقال لعمته السید حکیمة رضوان الله علیها «یا عمه ردیه إلی أمه کی تقر عینها ولا تحزن ولتعلم أنّ وعد الله حق ولکن أکثر الناس لا یعلمون. فرددته إلی أمه»(1).

وأیضاً ورد أنّ الإمام العسکری علیه السلام بعد ما أجری علیه مراسم الولادة قال لعمته السیدة حکیمة امضی به إلی أمه لترضعه وردیه إلیّ قالت: فتناولته أمه فأرضعته، فرددته إلی أبی محمد علیه السلام والطیر ترفرف علی رأسه فصاح بطیر منها فقال له: احمله واحفظه ورده إلینا فی کل أربعین یوماً، فتناوله الطیر وطار به فی جو السماء واتبعه سائر الطیر، فسمعت أبا محمد علیه السلام یقول: أستودعک الله الذی أودعته أم موسی موسی, فبکت نرجس فقال لها: اسکتی فإن الرضاع محرم علیه إلا من ثدیک وسیعاد إلیک کما رد موسی إلی أمه وذلک قول الله عز وجل (ثم تلا الآیة), قالت حکیمة: فقلت: وما هذا الطیر؟

قال: هذا روح القدس الموکل بالأئمة علیهم السلام یوفقهم ویسددهم ویربیهم بالعلم(2).

ومن جملة الشبه بینها وبین أم موسی علیه السلام: إنّ کلتا السیدتین اضطرتا لفراق ولیدهما ساعة ولادته إلی أن أعید لهما بفضل الله ولطفه وعنایته.

ص:226


1- (2) ألقاب الرسول وعترته (المجموعة), من قدماء المحدثین, ص 87.
2- (3) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 428.

مکانة السیدة نرجس عند الله وأهل البیت علیهم السلام

إنّ الروایات التی تتحدث عن طهارة وإیمان أمهات الأئمة هی لیست ولیدة مرحلة اقترانها بالمعصوم أو بعد ذلک, وإنما تکشف عن ذلک قبل حضورها فی ید الإمام وزواجها منه, کما یکشف لنا الإمام عن طریق الغیب أنّها کانت معدة ومصانة من قبل الله عزّ وجل؛ لأن تکون الوعاء الصالح والأنسب للمعصوم, نعم لم یصل لدینا الکثیر من الروایات وذلک للظروف التی مرّ بها التاریخ (السیاسیة والاجتماعیة), وکیف کان فقد روی الشیخ رحمه الله من القضایا التی دلت علی أن الأمر لم یکن بصورة عفویة، أو من القضایا الاتفاقیة، بل کانت علی وفق تخطیط إلهی محکم ویحتوی علی الأسرار الإلهیة، وإن کانت لا تخرج عن ظاهرة الخضوع للأسباب المتعارفة، والتی کانت یبدو فیها أن الأمر طبیعی جداً, وربما أم الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف بالذات تحتاج إلی رعایة وصیانة أشد من غیرها بما ینطوی علیها ولادة منقذ البشریة من أیدی الظالمین ومطبق رسالة جده المصطفی فی أرجاء المعمورة, ولذا نری کما سیأتی فی زیارتها علیها السلام انّها کانت منعوتة فی الکتب المقدسة, مع أنّها حظیت باهتمام الأنبیاء والصالحین علیهم السلام فی نطاق إرهاصات الغیب السابق علی أوانه, إضافة إلی ظاهر الحال من اهتمام الأئمة علیهم السلام فیها.

الرعایة الإلهیة لأم القائم علیه السلام

لم یکن شراء السیدة نرجس صدفة کغیرها من الجواری, بل کان أمر شرائها مقصوداً ومبرمجاً عبر تخطیطٍ إلهی غیبی کما جاء فی خبر شرائها علیها السلام فقد

ص:227

أسند الصدوق عن أبی الحسین محمد بن بحر الشیبانی عن بشر بن سلیمان النخاس قال: فبینما أنا ذات لیلة فی منزلی بسر من رآی وقد مضی هوی من اللیل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعاً فإذا أنا بکافور الخادم رسول مولانا أبی الحسن علی بن محمد علیه السلام یدعونی إلیه فلبست ثیابی ودخلت علیه فرأیته یحدث ابنه أبا محمد وأخته حکیمة من وراء الستر، فلما جلست قال: یا بشر إنّک من ولد الأنصار وهذه الولایة لم تزل فیکم یرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البیت وإنی مزکیک ومشرفک بفضیلة تسبق بها شأن الشیعة فی الموالاة بها: بسر أطلعک علیه وأنفذک فی ابتیاع أمة فکتب کتاباً ملصقاً بخط رومی ولغة رومیة، وطبع علیه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فیها مائتان وعشرون دیناراً فقال: خذها وتوجه بها إلی بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة کذا، فإذا وصلت إلی جانبک زواریق السبایا وبرزن الجواری منها فستحدق بهم طوائف المبتاعین من وکلاء قواد بنی العباس وشراذم من فتیان العراق، فإذا رأیت ذلک فأشرف من البعد علی المسمی عمر بن یزید النخاس عامة نهارک إلی أن یبرز للمبتاعین جاریة صفتها کذا وکذا، لابسة حریرتین صفیقتین، تمتنع من السفور ولمس المعترض، والانقیاد لمن یحاول لمسها ویشغل نظره، بتأمل مکاشفها من وراء الستر الرقیق فیضربها النخاس فتصرخ صرخة رومیة، فاعلم أنها تقول: وا هتک ستراه، فیقول بعض المبتاعین علی بثلاثمائة دینار فقد زادنی العفاف فیها رغبة، فتقول بالعربیة: لو برزت فی زی سلیمان وعلی مثل سریر ملکه ما بدت لی فیک رغبة فأشفق علی مالک، فیقول النخاس: فما الحیلة ولا بد من بیعک، فتقول الجاریة: وما العجلة ولا بد من اختیار

ص:228

مبتاع یسکن قلبی [إلیه و] إلی أمانته ودیانته، فعند ذلک قم إلی عمر بن یزید النخاس وقل له: إن معی کتاباً ملصقاً لبعض الأشراف کتبه بلغة رومیة وخط رومی، ووصف فیه کرمه ووفاه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إلیه ورضیته، فأنا وکیله فی ابتیاعها منک. ثم قال بشر بن سلیمان النخاس: فامتثلت جمیع ما حده لی مولای أبو الحسن علیه السلام فی أمر الجاریة، فلما نظرت فی الکتاب بکت بکاءً شدیداً، وقالت لعمر بن یزید النخاس: بعنی من صاحب هذا الکتاب، وحلفت بالمحرجة المغلظة إنه متی امتنع من بیعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحه فی ثمنها حتی استقر الأمر فیه علی مقدار ما کان أصحبنیه مولای علیه السلام من الدنانیر فی الشستقة الصفراء، فاستوفاه منی وتسلمت منه الجاریة ضاحکة مستبشرة.

السیدة نرجس تکشف عن التحرک الغیبی

لم تکن السیدة نرجس علیها السلام امرأة عادیة کغیرها من النساء, بل کانت تمتاز بصفات واسعة وتحظی بکمالٍ عالٍ لا یتسنی لکل امرأة إلا أنّ تکون قد خصها الله واصطفاها, فکانت السیدة نرجس تحظی بالنسب العریق والإیمان العمیق وقد خصها الله بالعلم, والمعرفة والشجاعة، والحکمة، والصمود، والکتمان، والمثالیة, وما إلیها, لذلک ورد عن بشر یقول بعدما اشتریتها وانصرفت بها إلی حجرتی التی کنت آوی إلیها ببغداد فما أخذها القرار حتی أخرجت کتاب مولاها علیه السلام من جیبها وهی تلثمه وتضعه علی خدها وتطبقه علی جفنها وتمسحه علی بدنها، فقلت: تعجباً منها أتلثمین کتاباً ولا تعرفین صاحبه؟ قالت: أیها العاجز الضعیف

ص:229

المعرفة بمحل أولاد الأنبیاء أعرنی سمعک وفرغ لی قلبک أنا ملیکة بنت یشوعا بن قیصر ملک الروم، وأمی من ولد الحواریین تنسب إلی وصی المسیح شمعون، أنبئک العجب العجیب إن جدی قیصر أراد أن یزوجنی من ابن أخیه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع فی قصره من نسل الحواریین ومن القسیسین والرهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوی الأخطار سبعمائة رجل وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساکر ونقباء الجیوش وملوک العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملکه عرشاً مسوغاً من أصناف الجواهر إلی صحن القصر فرفعه فوق أربعین مرقاة فلما صعد ابن أخیه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عکفاً ونشرت أسفار الإنجیل تسافلت الصلبان من الأعالی فلصقت بالأرض، وتقوضت الأعمدة فانهارت إلی القرار، وخر الصاعد من العرش مغشیاً علیه، فتغیرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال کبیرهم لجدی: أیها الملک أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة علی زوال هذا الدین المسیحی والمذهب الملکانی، فتطیر جدی من ذلک تطیراً شدیداً، وقال للأساقفة: أقیموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنکوس جده لأزوج منه هذه الصبیة فیدفع نحوسه عنکم بسعوده، فلما فعلوا ذلک حدث علی الثانی ما حدث علی الأول.

رسول الله صلی الله علیه و آله یخطب السیدة نرجس للعسکری علیه السلام

دخول السماء واهتمام الغیب بحیاة السیدة نرجس یعبر عن مدی إیمانها وطهارتها وما تحویه من صفات کمالیة عالیة حتی أنّ الأنبیاء علیهم السلام اجتمعوا لخطبتها کی تکون وعاءً لحجة الله فی أرضه القائم علی خلقه, فقد ذکرت

ص:230

السیدة نرجس قالت: عندما تفرق الناس وقام جدی قیصر مغتماً ودخل قصره وأرخیت الستور فأریت فی تلک اللیلة کان المسیح والشمعون وعدة من الحواریین قد اجتمعوا فی قصر جدی ونصبوا فیه منبراً یباری السماء علواً وارتفاعاً فی الموضع الذی کان جدی نصب فیه عرشه، فدخل علیهم محمدٌ صلی الله علیه و آله مع فتیة وعدة من بنیه فیقوم إلیه المسیح فیعتنقه فیقول: یا روح الله إنی جئتک خاطباً من وصیک شمعون فتاته ملیکة لابنی هذا، وأومأ بیده إلی أبی محمد صاحب هذا الکتاب، فنظر المسیح إلی شمعون فقال له: قد أتاک الشرف فصل رحمک برحم رسول الله صلی الله علیه و آله قال: قد فعلت، فصعد ذلک المنبر وخطب محمد صلی الله علیه و آله وزوجنی وشهد المسیح علیه السلام بنبوة محمد صلی الله علیه و آله والحواریون، فلما استیقظت من نومی أشفقت أن أقص هذه الرؤیا علی أبی وجدی مخافة القتل، فکنت أسرها فی نفسی ولا أبدیها لهم، وضرب صدری بمحبة أبی محمد حتی امتنعت من الطعام والشراب وضعفت نفسی ودق شخصی ومرضت مرضاً شدیداً فما بقی من مدائن الروم طبیب إلا أحضره جدی وسأله عن دوائی فلما برح به الیأس قال: یا قرة عینی فهل تخطر ببالک شهوة فأزودکها فی هذه الدنیا؟ فقلت: یا جدی أری أبواب الفرج علیّ مغلقة فلو کشفت العذاب عمن فی سجنک من أساری المسلمین وفککت عنهم الأغلال وتصدقت علیهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن یهب المسیح وأمه لی عافیةً وشفاءً، فلما فعل ذلک جدی تجلدت فی إظهار الصحة فی بدنی وتناولت یسیراً من الطعام فسر بذلک جدی وأقبل علی إکرام الأساری وإعزازهم.

ص:231

زیارة الزهراء للسیدة نرجس علیها السلام

نقف علی مزیة أخری قد حظیت بها السیدة نرجس علیها السلام, حیث رأت أیضاً بعد أربع لیال کأن سیدة النساء قد زارتنی ومعها مریم بنت عمران وألف وصیفة من وصائف الجنان فتقول لی مریم: هذه سیدة النساء أم زوجک أبی محمد علیه السلام، فأتعلق بها وأبکی وأشکو إلیها امتناع أبی محمد من زیارتی، فقالت لی سیدة النساء علیها السلام: إنّ ابنی أبا محمد لا یزورک وأنت مشرکة بالله وعلی مذهب النصاری وهذه أختی مریم تبرأ إلی الله تعالی من دینک فإن ملت إلی رضا الله عز وجل ورضا المسیح ومریم عنک وزیارة أبی محمد أیاک فتقولی: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ - أبی - محمداً رسول الله، فلما تکلمت بهذه الکلمة ضمتنی سیدة النساء إلی صدرها فطیبت لی نفسی، وقالت: الآن توقعی زیارة أبی محمد إیاک فإنی منفذه إلیک، فانتبهت وأنا أقول: وا شوقاه إلی لقاء أبی محمد، فلما کانت اللیلة القابلة جاءنی أبو محمد علیه السلام فی منامی فرأیته کأنی أقول له: جفوتنی یا حبیبی بعد أن شغلت قلبی بجوامع حبک؟ قال: ما کان تأخیری عنک إلا لشرکک وإذ قد أسلمت فإنی زائرک فی کل لیلة إلی أن یجمع الله شملنا فی العیان، فما قطع عنی زیارته بعد ذلک إلی هذه الغایة(1).

کیفیة أسر السیدة نرجس علیها السلام

لم تکن السیدة نرجس علیها السلام غیر عالمة بأسرها وما یجری لها, وإنما بحسب احتکاکها بالغیب وما فضلها الله من کشف رؤیة المستقبل وما یؤول الیه مصیرها

ص:232


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 418.

وختام حسن عاقبتها بأحسن ما یکون کانت عالمة بمجاری الأمور, کما ورد عن بشر قال: فقلت لها علیها السلام: وکیف وقعت فی الأسر فقالت: أخبرنی أبو محمد لیلة من اللیالی (حیث کان الإمام العسکری علیه السلام کل لیلة یأتیها فی الرؤیا کما تقدم) أن جدک سیسرب جیوشاً إلی قتال المسلمین یوم کذا، ثم یتبعهم فعلیک باللحاق بهم متنکرة فی زی الخدم مع عدة من الوصائف من طریق کذا، ففعلت فوقعت علینا طلائع المسلمین حتی کان من أمری ما رأیت وما شاهدت وما شعر أحد [بی] بأنی ابنة ملک الروم إلی هذه الغایة سواک، وذلک باطلاعی إیاک علیه، ولقد سألنی الشیخ الذی وقعت إلیه فی سهم الغنیمة عن اسمی فأنکرته وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواری، فقلت: العجب إنک رومیة ولسانک عربی؟ قالت: بلغ من ولوع جدی وحمله إیای علی تعلم الآداب أن أوعز إلی امرأة ترجمانة له فی الاختلاف إلیّ، فکانت تقصدنی صباحاً ومساءً وتفیدنی العربیة حتی استمر علیها لسانی واستقام(1).

وثاقة رجال الروایة

ربما الشک یراود البعض لاسیما مرضی النفوس أو ضعفاء الإیمان ویستبعد صحة صور هذه الروایة أو یشکک فی رجالها فنقول إنّ الصدوق رحمه الله أسند الروایة إلی أحمد بن عیسی الوشاء البغدادی أبی العباس، وشیخه أحمد بن طاهر القمی، فی باب خاص باسم (باب ما روی فی نرجس أم القائم علیهما السلام) والظاهر منه معرفته بحالهما واعتماده علیهما، (الروایة)؛ وذلک لأنه لم یرو فی هذا الباب

ص:233


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 422.

الذی هو من الأبواب المهمة من کتابه إلا حدیثاً واحداً, بل یظهر من ذلک کمال وثاقتهما عنده واعتماده علی صدقهما وأمانتهما، ویظهر مما عنون به الباب أیضاً اعتماده واستدلاله علی ما کان مشهوراً فی عصره من اسم أمه علیها السلام ونسبها بهذا الحدیث، فالرجلان کانا معلومی الحال عنده بالصدق والأمانة، وإلا فلا ینبغی لمثله أنّ یعتمد علی روایة غیر موثقة لا یعرف رواتها بالوثاقة فی مثل هذا الأمر المعتنی به عند الخاص والعام، فالمظنون بل المقطوع اطمئنانه بصحة الروایة وصدق رواتها.

ولو تنزلنا عن ذلک فلا محیص عن القول باطمئنانه بصدورها بواسطة بعض القرائن والامارات المعتبرة التی یجبر بها ضعف الراوی ویقطع بها بصحتها، وإلا فیسأل ما فائدة عقد باب فی کتاب (مثل کمال الدین) للاحتجاج بروایة واحدة لا یحتج بها ولا یعتمد علیها مؤلف الکتاب لجهله بأحوال رجالها؟ وما معنی عنوان الباب بمضمونها؟ وکیف یقبل صدور ذلک من الصدوق قدس سره؟ ألم یصنف کتابه (کمال الدین) لرفع الحیرة والشبهة والاستدلال علی وجود الحجة؟ فهل هذه الروایة إذا کان مؤلف الکتاب لا یعتمد علیها تزید الشبهة والحیرة أو ترفعها؟(1).

إضافة إلی ذلک ما ورد فی صدر الروایة من أشارة إلی إیمان وعلم الراوی النخاس بشر بن سلیمان من أصحاب العسکریین علیهما السلام ومحمد بن بحر الشیبانی, ففیه أیضا تزکیة لهما فقد قال: وردت کربلاء سنة ست وثمانین

ص:234


1- (1) راجع: مجموعة الرسائل, الشیخ لطف الله الصافی, ج 2 ص 148.

ومائتین، قال: وزرت قبر غریب رسول الله صلی الله علیه و آله ثم انکفأت إلی مدینة السلام متوجهاً إلی مقابر قریش فی وقت قد تضرمت الهواجر وتوقدت السمائم، فلما وصلت منها إلی مشهد الکاظم علیه السلام واستنشقت نسیم تربته المغمورة من الرحمة، المحفوفة بحدائق الغفران أکببت علیها بعبرات متقاطرة، وزفرات متتابعة وقد حجب الدمع طرفی عن النظر فلما رقأت العبرة وانقطع النحیب فتحت بصری فإذا أنا بشیخ قد انحنی صلبه، وتقوس منکباه، وثفنت جبهته وراحتاه، وهو یقول لآخر معه عند القبر: یابن أخی لقد نال عمک شرفاً بما حمله السیدان من غوامض الغیوب وشرائف العلوم التی لم یحمل مثلها إلا سلمان، وقد أشرف عمک علی استکمال المدة وانقضاء العمر، ولیس یجد فی أهل الولایة رجلاً یفضی إلیه بسره، قلت: یا نفس لا یزال العناء والمشقة ینالان منک باتعابی الخف والحافر فی طلب العلم، وقد قرع سمعی من هذا الشیخ لفظ یدل علی علم جسیم وأثر عظیم، فقلت: أیها الشیخ ومن السیدان؟ قال: النجمان المغیبان فی الثری بسر من رأی، فقلت: إنی أقسم بالموالاة وشرف محل هذین السیدین من الإمامة والوراثة إنی خاطب علمهما، وطالب آثارهما، وباذل من نفسی الأیمان المؤکدة علی حفظ أسرارهما، قال: إن کنت صادقاً فیما تقول فأحضر ما صحبک من الآثار عن نقلة أخبارهم، فلما فتش الکتب وتصفح الروایات منها قال: صدقت أنا بشر بن سلیمان النخاس من ولد أبی أیوب الأنصاری أحد موالی أبی الحسن وأبی محمد علیهما السلام وجارهما بسر من رأی، قلت: فأکرم أخاک ببعض ما شاهدت من آثارهما قال: کان مولانا أبو

ص:235

الحسن علی بن محمد العسکری علیهما السلام فقهنی فی أمر الرقیق فکنت لا أبتاع ولا أبیع إلا بإذنه، فاجتنبت بذلک موارد الشبهات حتی کملت معرفتی فیه فأحسنت الفرق [فیما] بین الحلال والحرام(1).

خلاصة القول فی حال السیدة نرجس علیها السلام

إن السیدة نرجس کانت من سلالة الأوصیاء بنت یشوعا من أولاد شمعون بن الصفا وصی نبی الله عیسی علیه السلام. وإن الإمام الهادی علیه السلام عندما أراد شراءها وتزویجها من ابنه الإمام الحسن العسکری علیه السلام اجتمع مع ابنه علیه السلام وأخته حکیمة وتشاوروا بالأمر ثم أرسلوا إلی بشر بن سلیمان النخاس وبعثوه لشرائها. وقد ثبت أنّها کانت بالغة بل کان عمرها أکثر من ثلاث عشرة سنة. وأنّها کانت عارفة أدیبة وعالمة وکانت مسلمة حین أسرها, مع ذلک أن الإمام الهادی علیه السلام استودعها أخته حکیمة لتعلمها الفرائض والسنن. وقیل: إنّها ولدت فی بیت حکیمة کما جاء فی عیون المعجزات, قال: إنّه کان لحکیمة بنت أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام جاریة ولدت فی بیتها وربتها وکانت تسمی نرجس فلما کبرت دخل أبو محمد فنظر إلیها فقالت له عمته حکیمة أراک یا سیدی تنظر إلیها فقال علیه السلام إنی ما نظرت إلاّ إلیها متعجباً أما إنّ المولود الکریم علی الله یکون منها ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن أباه علیه السلام فی دفعها إلیه فقلت فأمرها بذلک(2). أقول وربما حصل هنا تصحیف فی لفظة - ولدت فی بیت حکیمة - بدل - وضعت فی بیت حکیمة - والله العالم.

ص:236


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 417.
2- (2) انظر: عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, ص 127.

السیدة نرجس تتکلم العربیة

من جملة الصفات التی تتمتع بها السیدة نرجس علیها السلام أنّها کانت أدیبة وعالمة باللغة العربیة وربما هذه إحدی الحکم الغیبیة التی تحکی عن انتظار مستقبل یتطلب ذلک ومن جملتها الحفاظ علی مولودها الحجة التی تعلقت علیه آمال البشریة المستضعفة کی تعرف کلام القوم وتتقی شرهم, فقد جاء عن بشر عندما اشتراها للإمام علیه السلام قال لها: العجب أنک رومیة ولسانک عربی؟ قالت: نعم، من ولوع جدی وحمله إیای علی تعلم الآداب أن أوعز إلی امرأة ترجمانة له فی الاختلاف إلی وکانت تقصدنی صباحاً ومساءً وتفیدنی العربیة حتی استمر لسانی علیها واستقام(1).

الإمام الهادی یبشرها بالمهدی علیه السلام

حظیت هذه المرأة العظیمة باهتمام ثلاثة من الأئمة علیهم السلام (الهادی, والعسکری, والقائم علیهم السلام) بالإضافة إلی ما تقدم من اهتمام الأنبیاء علیهم السلام بشأنها, بشرها الهادی علیه السلام عن هذا الشرف العظیم الذی فیه السعادة الأبدیة فی الدارین, حیث قال بشر: فلما انکفأت بها إلی سر من رأی دخلت علی مولانا أبی الحسن العسکری علیه السلام فقال لها: کیف أراک الله عز الإسلام وذل النصرانیة، وشرف أهل بیت محمد صلی الله علیه و آله؟ قالت: کیف أصف لک یابن رسول الله ما أنت أعلم به منی؟ قال: فإنی أرید أن أکرمک فأیما أحب إلیک عشرة آلاف درهم؟ أم بشری لک فیها شرف الأبد؟ قالت: بل البشری، قال علیه السلام: فأبشری بولد یملک الدنیا شرقاً وغرباً

ص:237


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 417.

ویملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، قالت: ممن؟ قال علیه السلام: ممن خطبک رسول الله صلی الله علیه و آله من لیلة کذا من شهر کذا من سنة کذا بالرومیة، قالت: من المسیح ووصیه؟ قال: فممن زوجک المسیح ووصیه، قالت: من ابنک أبی محمد؟ قال: فهل تعرفینه؟ قالت: وهل خلوت لیلة من زیارته إیای منذ اللیلة التی أسلمت فیها علی ید سیدة النساء أمه.

فقال أبو الحسن علیه السلام: یا کافور ادع لی أختی حکیمة، فلما دخلت علیه قال علیه السلام لها: هاهیه فاعتنقتها طویلاً وسرت بها کثیراً، فقال لها مولانا: یا بنت رسول الله أخرجیها إلی منزلک وعلمیها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبی محمد وأم القائم علیه السلام(1).

ولادة السیدة نرجس علیها السلام للإمام المهدی علیه السلام

وقفت نرجس علیها السلام مرة أخری لتسجل موقفاً مخلداً للتأریخ والإنسانیة, وتصل فیه إلی ذروة کمالها وختمت باکورة أعمالها وحازت علی الشرف العظیم حیث أصبحت وعاء وحجرا للقائم المنتظر علیه السلام, فقد ورد عن حکیمة بنت محمد الجواد علیهما السلام، قالت: بعث إلی أبو محمد الحسن بن علی علیهما السلام فقال: یا عمة اجعلی إفطارک [هذه] اللیلة عندنا فإنها لیلة النصف من شعبان فإن الله تبارک وتعالی سیظهر فی هذه اللیلة الحجة وهو حجته فی أرضه، قالت: فقلت له: ومن أمه؟ قال لی: نرجس، قلت له: جعلنی الله فداک ما بها أثر، فقال: هو ما أقول لک، قالت: فجئت، فلما سلمت وجلست جاءت تنزع خفی وقالت لی: یا سیدتی کیف

ص:238


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 423.

أمسیت؟ فقلت: بل أنت سیدتی وسیدة أهلی، قالت: فأنکرت قولی وقالت: ما هذا یا عمة؟ قالت: فقلت لها: یا بنیة إن الله تعالی سیهب لک فی لیلتک هذه غلاما سیدا فی الدنیا والآخرة قالت: فخجلت واستحیت, فلما أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعی فرقدت، فلما أن کان فی جوف اللیل قمت إلی الصلاة ففرغت من صلاتی وهی نائمة لیس بها حادث ثم جلست معقبة، ثم اضطجعت ثم انتبهت فزعة وهی راقدة، ثم قامت فصلت ونامت قالت حکیمة وخرجتُ أتفقد الفجر فاذا أنا بالفجر الأول کذنب السرحان وهی نائمة فدخلنی الشکوک، فصاح بی أبو محمد علیه السلام من المجلس فقال: لا تعجلی یا عمة فهاک الامر قد قرب، قالت: فجلست وقرأت ألم السجدة ویس، فبینما أنا کذلک إذ انتبهت فزعة فوثبت إلیها فقلت: اسم الله علیک، ثم قلت لها: أتحسین شیئاً؟ قالت: نعم یا عمة، فقلت لها: اجمعی نفسک واجمعی قلبک فهو ما قلت لک، قالت: فأخذتنی فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحس سیدی فکشفت الثوب عنه فإذا أنا به علیه السلام ساجداً یتلقی الأرض بمساجده فضممته إلیّ فإذا أنا به نظیف متنظف.

العسکری یستقبل ابنه المولود المنتظر علیهما السلام

قالت حکیمة فصاح بی أبو محمد علیه السلام هلمی إلی ابنی یا عمة فجئت به إلیه فوضع یدیه تحت ألیتیه وظهره ووضع قدمیه علی صدره ثم أدلی لسانه فی فیه وأمرَّ یده علی عینیه وسمعه ومفاصله، ثم قال: تکلم یا بنی فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، وأشهد أن محمداً رسول الله صلی الله علیه و آله، ثم صلی علی أمیر المؤمنین وعلی الأئمة علیهم السلام إلی أن وقف علی أبیه، ثم أحجم.

ص:239

ثم قال أبو محمد علیه السلام: یا عمة اذهبی به إلی أمه لیسلم علیها وائتنی به، فذهبت به فسلم علیها ورددته فوضعته فی المجلس ثم قال: یا عمة إذا کان یوم السابع فأتینا قالت حکیمة: فلما أصبحت جئت لأسلم علی أبی محمد علیه السلام وکشفت الستر لأتفقد سیدی علیه السلام فلم أره، فقلت: جعلت فداک ما فعل سیدی؟ فقال: یا عمة استودعناه الذی استودعته أم موسی موسی علیه السلام.

العسکری یجری مراسم یوم السابع

قالت حکیمة: فلما کان فی الیوم السابع جئت فسلمت وجلست فقال: هلمی إلی ابنی، فجئت بسیدی علیه السلام وهو فی الخرقة ففعل به کفعلته الأولی، ثم أدلی لسانه فی فیه کأنه یغذیه لبناً أو عسلاً، ثم قال: تکلم یا بنی، فقال: أشهد أن لا إلا إله الله وثنی بالصلاة علی محمد وعلی أمیر المؤمنین وعلی الأئمة الطاهرین علیهم السلام حتی وقف علی أبیه علیه السلام، ثم تلا هذه الآیة:(وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ)1, قال: موسی فسألت عقبة الخادم عن هذه، فقال: صدقت حکیمة(1).

ولادة السیدة نرجس علیها السلام للقائم علیه السلام بلسان آخر

ذکروا أنّ حکیمة کانت فی بیت الإمام العسکری علیه السلام وعندما أرادت الذهاب إلی بیتها فقال علیه السلام: یا عمة بیتی اللیلة عندنا فإنه سیولد اللیلة المولود

ص:240


1- (2) راجع قصة ولادة الإمام المنتظر فی کتاب کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 424.

الکریم علی الله عز وجل الذی یحیی الله به الأرض بعد موتها قلت: فممن یا سیدی ولست أری بنرجس شیئاً من أثر الحبل؟ فقال: من نرجس لا من غیرها قالت: فوثبت إلیها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أر بها أثر حبل فعدت إلیه فأخبرته بما فعلت فتبسم ثم قال لی: إذا کان وقت الفجر یظهر لک بها الحبل؛ لأن مثلها مثل أم موسی لم یظهر بها الحبل، ولم یعلم بها أحد إلی وقت ولادتها لأن فرعون کان یشق بطون الحبالی فی طلب موسی، وهذا نظیر موسی علیه السلام قالت حکیمة: فعدت إلیها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها فقالت: یا مولاتی ما أری بی شیئاً من هذا قالت حکیمة: فلم أزل أرقبها إلی وقت طلوع الفجر وهی نائمة بین یدی ولا تقلب جنباً إلی جنب حتی إذا کان فی آخر اللیل وقت طلوع الفجر، وثبت فزعة فضممتها إلی صدری وسمیت علیها فصاح أبو محمد علیه السلام وقال اقرئی إنّا أنزلناه فی لیلة القدر، فأقبلت اقرأ علیها وقلت لها ما حالک؟ قالت: ظهر بی الأمر الذی أخبرک به أبو محمد مولای، فأقبلت اقرأ علیها کما أمرنی فأجابنی الجنین من بطنها یقرأ بمثل ما أقرأ وسلم علی، قالت حکیمة: ففزعت لما سمعت فصاح بی أبو محمد علیه السلام لا تعجبین من أمر الله إنّ الله تعالی ینطقنا صغاراً بالحکمة ویجعلنا حجة فی أرضه کباراً فلم یستتم الکلام حتی غیبت عنی نرجس فلم أرها کأنه صُرِبَ بینی وبینها حجاب فعدوت نحو أبی محمد علیه السلام وأنا صارخة فقال لی: ارجعی یا عمة فإنک ستجدینها فی مکانها قالت: فرجعت فلم ألبث إلی أن کشف الغطاء الذی کان بینی وبینها وإذا أنا بها وعلیها من أثر النور ما غشی بصری, فإذا أنا بالصبی علیه السلام ساجداً لوجهه جاثٍ علی رکبتیه رافعاً سبابته نحو السماء وهو

ص:241

یقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدی رسول الله صلی الله علیه و آله وان أبی أمیر المؤمنین ثم عد إماماً إماماً إلی أن بلغ إلی نفسه فقال: اللهم أنجز لی وعدی وأتمم لی أمری، وثبت وطأتی وأملأ الأرض بی عدلاً وقسطاً فصاح بی أبو محمد علیه السلام، وقال: یا عمة تناولیه وهاتیه فتناولته وأتیت به نحوه فلما مثلت بین یدی أبیه وهو علی یدی فسلم علی أبیه فتناوله الحسن علیه السلام منی والطیر یرفرف علی رأسه ویناوله لسانه فیشرب منه ثم قال: امض به إلی أمه لترضعه وردیه إلیّ قالت فناولته أمه فأرضعته ورددته إلی أبی محمد والطیر یرفرف علی رأسه فصاح طیر منها فقال له: أحمله وأحفظه ورده إلینا فی کل أربعین یوماً فتناوله الطیر وطار به فی جو السماء واتبعه سائر الطیور فسمعت أبا محمد یقول: أستودعک الذی أودعته أم موسی فبکت نرجس فقال: اسکتی فان الرضاع محرم علیه إلا من ثدیک وسیعاد إلیک کما رد موسی إلی أم موسی وذلک قول الله عز وجل (فَرَدَدْناهُ إِلی أُمِّهِ کَیْ تَقَرَّ عَیْنُها وَ لا تَحْزَنَ) قالت حکیمة: قلت فما هذا الطیر؟ قال هذا روح القدس الموکل بالأئمة علیهم السلام یوفقهم ویسددهم ویربیهم العلم قالت حکیمة: فلما کان بعد أربعین یوما رد الغلام ووجهه إلی ابن أخی فدعانی فدخلت علیه فإذا أنا بصبی متحرک یمشی بین یدیه فقلت سیدی هذا ابن سنتین فتبسم علیه السلام ثم قال: إن أولاد الأنبیاء والأوصیاء إذا کانوا أئمة ینشؤون بخلاف ما ینشأ غیرهم وإن الصبی منا إذا أتی علیه شهر کان کمن أتی علیه سنة وإن الصبی منا لیتکلم فی بطن أمه ویقرأ القرآن ویعبد الله تعالی عند الرضاع وتطیف به الملائکة وینزل علیه بالسلام صباحا ومساءً قالت حکیمة: فلم أزل أری ذلک الصبی فی کل أربعین یوماً إلی أن رأیته رجلاً

ص:242

قد مضی أبو محمد بأیام قلائل فلم اعرفه فقلت لابن أخی علیه السلام من هذا الذی تأمرنی ان اجلس بین یدیه؟ فقال لی: هذا ابن نرجس وهذا خلیفتی من بعدی وعن قلیل تفقدوننی فاسمعی وأطیعی قالت حکیمة: فمضی أبو محمد بعد ذلک بأیام قلائل وافترق الناس کما تری(1).

ولادتها للمهدی المنتظر عجل الله فرجه الشریف عند المخالفین

هناک مجموعة کبیرة من علماء القوم ذکروا ولادة السیدة نرجس للإمام المهدی المنتظر علیه السلام وزمان ولادته له, ولم یکن ذلک مختص بالشیعة الإمامیة بل وجدناه مبثوثاً فی تراث الثقات من المسلمین لدی الفریقین, ونذکر هنا بغضاً منهم:

1 - الشیخ الشبراوی الشافعی(2):

فقد قال الشیخ الشبراوی: الثانی عشر من الأئمة أبو القاسم محمد الحجة الإمام، قیل: هو المهدی المنتظر، ولد الإمام محمد الحجة بن الإمام الحسن الخالص رضی الله عنه بسر من رأی لیلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسین ومائتین قبل موت

ص:243


1- (1) انظر: روضة الواعظین, الفتال النیسابوری, ص 258.
2- (2) هو الشیخ عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدین القاهری الشافعی الشهیر بالشبراوی شیخ الجامع الأزهر فی سنة 1137 ه - انتقلت مشیخة الجامع الأزهر إلی الشافعیة فتولاها الشیخ عبد الله الشبراوی فی حیاة کبار العلماء بعد أن تمکن وحضر الأشیاخ وسمع الأولیة وأوائل الکتب ولم یزل یترقی فی الأحوال والأطوار ویفید ویملئ ویدرس حتی صار أعظم الأعاظم ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والأمراء ونفدت کلمته وصار لأهل العلم فی مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام وأقبلت علیه العلماء وهادوه بأنفس ما عندهم وکان عارفاً حاذقاً وأدیباً متفننا له النثر الرائق والنظم الطلی. مات بالقاهرة ودفن بمقبرة المجاورین. وله عدة مؤلفات. راجع: معجم المطبوعات العربیة, الیان سرکیس, ج 1 ص 1098.

أبیه بخمس سنین, وکان أبوه قد أخفاه حین ولد وستر أمره لصعوبة الوقت وخوفه من الخلفاء، فإنهم کانوا فی ذلک الوقت یتطلبون الهاشمیین ویقصدونهم بالحبس والقتل ویریدون إعدامهم. وکان الإمام محمد الحجة یلقب أیضاً بالمهدی، والقائم، والمنتظر، والخلف الصالح، وصاحب الزمان، وأشهرها المهدی... الخ(1).

2 - الشیخ الشبلنجی(2):

فقد ذکر الشبلنجی فصل فی ذکر مناقب محمد بن الحسن الخالص، بن علی الهادی، بن محمد الجواد، بن علی الرضا، بن موسی الکاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علی زین العابدین، بن الحسین بن علی أبی طالب رضی الله عنهم: أمه أم ولد یقال لها: نرجس، وقیل: صقیل، وقیل: سوسن، وکنیته أبو القاسم، ولقبه الإمامیة بالحجة، والمهدی، والخلف الصالح، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان، وأشهرها المهدی(3).

3 - الحافظ الکنجی الشافعی(4):

قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن یوسف الکنجی الشافعی: أبو محمد

ص:244


1- (1) الإتحاف بحب الأشراف, الشبراوی, ص 68.
2- (2) هو مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجی, المتوفی بعد سنة 1308 ه -, فاضل، من أهل شبلنجة, من قری مصر، قرب بنها العسل, تعلم فی الأزهر وأقام فی جواره. وکان یمیل إلی العزلة. من کتبه (نور الأبصار فی مناقب آل بیت النبی المختار) و (فتح المنان) فی تفسیر غریب القرآن، و (مختصر الجبرتی) فی جزءین صغیرین. راجع: الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 7 ص 334.
3- (3) نور الأبصار فی مناقب آل بیت النبی المختار, الشبلنجی الشافعی, ص 168.
4- (4) هو محمد بن یوسف بن محمد، أبو عبد الله ابن الفخر الکنجی (المتوفی سنة 658 ه -): محدث. من الشافعیة نسبته إلی (کنجة) بین اصبهان وخوزستان. نزل بدمشق. راجع: الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 7 ص 150.

الحسن العسکری بن علی الهادی مولده بالمدینة... إلی أن قال: ودفن فی داره بسر من رأی فی البیت الذی دفن فیه أبوه، وخلف ابنه وهو الإمام المنتظر صلوات الله علیه(1).

4 - سراج الدین الرفاعی(2):

وقال سراج الدین بن السید عبد الله الرفاعی: وأما الإمام علی الهادی ابن الإمام محمد الجواد، ولقبه النقی، والعالم، والفقیه، والأمیر، والدلیل، والعسکری، والنجیب. ولد فی المدینة سنة اثنتی عشرة ومائتین من الهجرة، وتوفی شهیداً بالسم فی خلافة المعتز العباسی یوم الاثنین بسر من رأی لثلاث لیال خلون فی رجب سنة أربع وخمسین ومائتین، وکان له خمسة أولاد: الإمام الحسن العسکری، والحسین، ومحمد، وجعفر، وعائشة، فالحسن العسکری أعقب صاحب السرداب الحجة المنتظر ولی الله الإمام محمد المهدی(3).

5 - ابن حجر الهیتمی:

وأیضاً نقل عن ابن حجر الهیتمی قال: ولم یخلف غیر ولده أبی القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبیه خمس سنین، لکن آتاه الله فیها الحکمة،

ص:245


1- (1) کفایة الطالب فی مناقب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب, الکنجی, ص 458.
2- (2) هو محمد بن عبد الله بن محمد المخزومی الرفاعی الحسینی، سراج الدین: شیخ الاسلام فی عصره. ولد بواسط (فی العراق) ورحل إلی الشام ومصر. وتوفی ببغداد (سنة 885 ه -). له مؤلفات، منها (البیان فی تفسیر القرآن) و (صحاح الأخبار فی نسب السادة الفاطمیة الأخیار), وغیرها. راجع: الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 6 ص 238.
3- (3) صحاح الأخبار, ص 55, ط بومبای سنة 1306

ویسمی القاسم المنتظر، قیل: لأنه ستر بالمدینة وغاب، فلم یعرف أین ذهب(1).

6 - ابن طولون الدمشقی الحنفی(2):

وعن الشیخ شمس الدین محمد بن طولون الدمشقی الحنفی قال: ثانی عشرهم ابنه محمد بن الحسن، وهو أبو القاسم محمد بن الحسن بن علی الهادی، ابن محمد الجواد، بن علی الرضا، بن موسی الکاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علی زین العابدین، بن الحسین بن علی بن أبی طالب رضی الله عنهم. وکانت ولادته رضی الله عنه یوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسین ومائتین، ولما توفی أبوه المتقدم ذکره رضی الله عنهما کان عمره خمس سنین. واسم أمه خمط، وقیل: نرجس... إلی أن قال: وذکر ابن الأزرق فی تاریخ میافارقین: أن الحجة المذکور ولد تاسع ربیع الآخر سنة ثمان وخمسین ومائتین، وقیل: فی ثامن شعبان سنة ست وخمسین، وهو الأصح... إلی أن قال: وقد نظمتهم علی ذلک، فقلت:

علیک بالأئمة الاثنی عشر من آل بیت المصطفی خیر البشر

أبو تراب حسن حسین وبغض زین العابدین شین

ص:246


1- (1) الصواعق المحرقة, ص 208. نقلاً عن ینابیع المودة للقندوزی, ج 3 ص 131.
2- (2) هو محمد بن علی بن أحمد (المدعو محمد) ابن علی بن خمارویه بن طولون الدمشقی الصالحی الحنفی، شمس الدین, المتوفی سنة 953 (ه -) وکان مؤرخاً، عالماً بالتراجم والفقه. من أهل الصالحیة بدمشق، ونسبته إلیها. قال الغزی: کانت أوقاته معمورة کلها بالعلم والعبادة، وله مشارکة فی سائر العلوم حتی فی التعبیر والطب. وله نظم، ولیس بشاعر. کتب بخطه کثیراً من الکتب وعلق ستین جزءاً سماها (التعلیقات) أکثرها من جمعه وبعضها لغیره. ولم یتزوج ولم یعقب. راجع: الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 6 ص 291.

محمد الباقر کم علم دری والصادق ادع جعفراً بین الوری

موسی هو الکاظم وابنه علی لقبه بالرضا وقدره علی

محمد التقی قلبه معمور علی النقی دره منثور

والعسکری الحسن المطهر محمد المهدی سوف یظهر(1)

7 - ابن خلکان(2):

وقال ابن خلکان: فی ذکر محمد بن الحسن المهدی: وکانت ولادته یوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسین ومائتین. وذکر ابن الأزرق فی تاریخ میافارقین أن الحجة المذکور ولد تاسع عشر ربیع الأول سنة ثمان وخمسین ومائتین، وقیل: فی ثامن شعبان سنة ست وخمسین، وهو الأصح(3).

8 - السبط ابن الجوزی(4):

وقال السبط ابن الجوزی: المهدی هو محمد بن الحسن، بن علی، بن

ص:247


1- (1) الشذورات الذهبیة فی تراجم الأئمة الاثنی عشریة عند الإمامیة, ابن طولون الدمشقی, ص 117.
2- (2) هو القاضی الفاضل المحقق شمس الدین أحمد بن محمد بن أبی بکر بن خلکان المتوفی سنة 681 ه - من أشهر مشاهیر أهل السنة، فقد قال الذهبی بترجمته: ابن خلکان قاضی القضاة... لقی کبار العلماء، وبرع فی الفضائل والآداب... وکان کریماً جواداً سریاً ذکیاً أخباریاً عارفاً بأخبار الناس... وقال أبو الفداء: القاضی الفاضل المحقق شمس الدین أحمد بن محمد بن أبی بکر بن خلکان البرمکی، وکان فاضلاً عالماً، تولی القضاء بمصر والشام وله مصنفات جلیلة مثل وفیات الأعیان وغیره فی التاریخ. راجع: نفحات الأزهار, السید علی المیلانی, ج 5 ص 46.
3- (3) وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان, ج 4 ص 176.
4- (4) هو: شمس الدین یوسف سبط أبی الفرج ابن الجوزی، توفی سنة 654 أو 656 ه -، وصفوه بالإمام، الحافظ، الواعظ، المؤرّخ، الفقیه، الحنفی. وصفه ابن خلکان قائلاً: الواعظ المشهور، حنفی المذهب، وله صیت وسمعة فی مجالس وعظه، وقبول عند الملوک وغیرهم. راجع: وفیات الأعیان, ج 3 ص 142.

محمد، بن علی، بن موسی بن جعفر، بن محمد، بن علی، بن الحسین بن علی بن أبی طالب، وکنیته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان، القائم، والمنتظر، والتالی، وهو آخر الأئمة. وقال: ویقال له: ذو الاسمین: محمد، وأبو القاسم. قالوا: أمه أم ولد یقال لها: صیقل(1).

9 - الذهبی:

وأیضا عن الذهبی قال: ولد محمد بن الحسن، بن علی الهادی، بن محمد الجواد، بن علی الرضا، بن موسی الکاظم، بن جعفر الصادق العلوی الحسینی، أبو القاسم الذی تلقبه الرافضة الخلف الحجة، وتلقبه بالمهدی والمنتظر، وتلقبه بصاحب الزمان، وهو خاتمة الاثنی عشر(2).

10 - ابن الصباغ المالکی(3):

وکذلک عن ابن الصباغ قال: ولد أبو القاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص بسر من رأی لیلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسین ومائتین للهجرة. وأما نسبه أباً وأماً فهو أبو القاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص، ابن

ص:248


1- (1) تذکرة الخواص, السبط ابن الجوزی, ص 204.
2- (2) العبر, الذهبی, ج 2 ص 31.
3- (3) هو علی بن محمد بن أحمد، نور الدین ابن الصباغ: فقیه مالکی. من أهل مکة، مولداً ووفاة. أصله من سفاقس. له کتب، منها (الفصول المهمة لمعرفة الأئمة). راجع: الأعلام, خیر الدین الزرکلی, ج 5 ص 8. وابن الصباغ من مشاهیر فقهاء المالکیة، ومن ثقات علماء أهل السنة المعروفین، فهم ینقلون عنه أقواله ویعتمدون علی روایاته، ویصفونه - وهم ناقلون عنه - بالأوصاف العظیمة. راجع: خلاصة عبقات الأنوار, السید حامد النقوی, ج 8 ص 249.

علی الهادی، بن محمد الجواد، بن علی الرضا، بن موسی الکاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علی زین العابدین، بن الحسین بن علی بن أبی طالب صلوات الله علیهم أجمعین. وأما أمه فأم ولد یقال لها: نرجس خیر أمة، وقیل: اسمها غیر ذلک. وأما کنیته فأبو القاسم. وأما لقبه فالحجة، والمهدی، والخلف الصالح، والقائم المنتظر، وصاحب الزمان، وأشهرها المهدی. صفته علیه السلام شاب مرفوع القامة، حسن الوجه والشعر، یسیل شعره علی منکبیه، أقنی الأنف، أجلی الجبهة. بوابه محمد بن عثمان، معاصره المعتمد. قیل: غاب فی السرداب والحرس علیه، وکان ذلک سنة ست وسبعین ومائتین للهجرة(1). ولا یخفی أنّ هناک جمعاً کثیراً من علماء القوم قد ذکروا ولادة الإمام المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف أعرضنا عن ذکرهم هنا خوف التطویل, وقد دونهم أصحاب الحدیث والسیّر.

محاولات لقتل السیدة نرجس والحجة علیهما السلام

ربما عانت السیدة نرجس أکثر من غیرها من أمهات الأئمة محنة وبلاء؛ لأنها کانت فی خط المواجهة والصراع المباشر مع المستبدین والمتغطرسین, وکانت الوعاء للمعصوم الذی هدد عروش الظالمین فکانت تعیش تحت المراقبة المباشرة والتفتیش المستمر وینتظر زمان حملها فتقتل هی مع جنینها علیهما السلام, لذلک ذکروا أنّه لما علِم خلفاء بنی العباس بالأخبار النبویة والآثار المرویة عن النبی صلی الله علیه و آله ما مضمونها: أن المهدی المنتظر سیظهر من صلب الحسن

ص:249


1- (1) الفصول المهمة فی معرفة الأئمة, ابن الصباغ, ج 2 ص 1104.

العسکری علیه السلام، ویملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وینتقم من أعداء آل محمد صلی الله علیه و آله خصوصا من بنی العباس وبنی أمیة، فلذلک صاروا فی صدد إطفاء نوره، ویأبی الله إلا أن یتم نوره، وقد بالغوا وجدّوا واجتهدوا فلم ینفعهم الجد حیث کانت ید الله فوق أیدیهم,(وَ مَکَرُوا وَ مَکَرَ اللّهُ وَ اللّهُ خَیْرُ الْماکِرِینَ)1, وقد أخفی الله عز وجل حمل أمه نرجس بنت یشوعا قیصر الروم عن عامة الناس, کما أخفی حمل أم موسی عن فرعون وقومه، مع أن الکهنة والمنجمین قد عیّنوا سنة ولادته إلی أن بعث المعتمد العباسی القوابل سراً وأمرهن أن یدخلن دور بنی هاشم سیما دار العسکری علیه السلام بلا استیذان، وفی أی وقت کان لیفتشن أثره ویتطلعن خبره إلی أن نور الکون بقدومه إلی عالم الوجود، وتولد علیه السلام قبل وفاة أبیه بسنتین، وقیل بخمس، فی سامراء فی منتصف شعبان، وأنّه کان علیه السلام یوماً من الأیام فی حجر والدته فی صحن الدار إذ أحست نرجس بالقوابل فاضطربت اضطراباً شدیداً، ولم تجد فرصة حتی تخفی ذلک النور، فهتف هاتف بها أن ألقی حجة الله القهار فی البئر التی فی صحن الدار، فألقته فی البئر وقد سمعت القوابل صوت الطفل فدخلن الدار بسرعة فبالغن فی التفحص فلم یجدن منه أثراً فخرجن والهات حایرات، فلما فرغت الدار عن الأغیار أقبلت نرجس إلی البئر لکی تعلم ما جری علی قرة عینها، فلما أشرفت علی البئر رأت الماء یفور إلی أن ساوی أرض الدار، وحجة الله فوق الماء صحیحاً سالماً کالبدر الطالع، والقماط الذی علیه لم یبتل أبداً فتناولته وأرضعته وحمدت الله وسجدت

ص:250

له شکراً فهتف هاتف: أن یا نرجس ألقیه إلی البئر أربعین یوماً، فمتی أردت أن تسترضعیه نوصله إلیک، فکانت کلما أرادت إرضاعه تأتی إلی شفیر البئر فیفور الماء، وحجة الله فوقه فتأخذه وترضعه وتقر عینها بجماله وترده إلی البئر فینزل الماء إلی قراره، فبقی علیه السلام فی البئر فی تلک المدة کما أن یوسف الصدیق أیضاً کذلک، وکان مستوراً عن أعین الناس(1).

أولادها

المعروف بین الشیعة الإمامیة بل المشهور أنّ الإمام الحسن العسکری علیه السلام لیس له ولد إلا المهدی المنتظر علیه السلام کما صرح به الشیخ المفید رحمه الله, بقوله: ولم یخلف أبوه ولداً ظاهراً ولا باطناً غیره وخلفه غائباً مستتراً(2).

وقد تصدی لبحث هذه المسألة بالذات کثیر من العلماء والمراجع الماضین منهم والمعاصرین ومن جملتهم آیة الله الشیخ الصافی دام ظله, قال: هذا ظاهر عبارات کثیر من أساطین الشیعة وهو القول المشهور بینهم فی ذلک ولم نعرف فی الأحادیث ما یدل علی وجود ولد لسیدنا أبی محمد علیه السلام غیر مولانا المهدی علیه السلام إلا هذین الخبرین اللذین أخرجهما فی کمال الدین، وقد عرفت أنّهما خبر واحد روی بألفاظ مختلفة ومضامین متقاربة، وروی فی الغیبة وفی دلائل الإمامة ولیس فیهما ذکر من ذلک، کما لم نجد أیضاً فی الأقوال قولاً مخالفاً لهذا القول إلا من الحسین بن حمدان فإنه قال فی کتابه الموسوم بالهدایة فی ترجمة مولانا أبی

ص:251


1- (1) انظر: إلزام الناصب فی إثبات الحجة الغائب, الشیخ علی الیزدی الحائری, ج 1 ص 318.
2- (2) انظر: الإرشاد, الشیخ المفید, ج 2 ص 339.

محمد علیه السلام (له من الولد موسی والحسین والخلف علیه السلام ومن البنات...) وإلا من ابن أبی الثلج فی تاریخ الأئمة فإنه قال (ولد للحسن بن علی العسکری علیه السلام (م ح م د) علیه السلام وموسی وفاطمة وعایشة. ولا ریب إن هذا القول شاذ ومخالف لما هو المعروف بین الشیعة وأرباب کتب السیرة والأنساب والتواریخ، وقد صرح بما هو المشهور بین الامامیة بعض أکابر العامة أیضا کابن حجر فی الصواعق قال: (ولم یخلف (یعنی مولانا أبا محمد علیه السلام) غیر ولده أبی القاسم محمد الحجة وعمره عند وفاة أبیه خمس سنین لکن آتاه الله فیها الحکمة. وهذا ظاهر کلمات جماعة منهم... الخ(1).

وقیل ولد للحسن بن علی العسکری علیه السلام (م ح م د علیه السلام) وموسی وفاطمة وعایشة. کما تقدم عن ابن أبی الثلج وذهب علی الفریابی فاطمة من ولد الحسن بن علی العسکری علیه السلام, ومن الدلائل ما جاء عن الحسن بن علی العسکری علیه السلام عند ولادة محمد بن الحسن علیه السلام فی کلام کثیر زعمت الظلمة أنهم یقتلوننی لیقطعوا هذا النسل کیف رأوا قدرة القادر وسماه المؤمل... الخ(2). ویدل علی أنّ له أکثر من ولد ما ورد عن إبراهیم بن مهزیار قال: قدمت مدینة الرسول صلی الله علیه و آله فبحثت عن أخبار آل أبی محمد الحسن بن علی الأخیر علیه السلام فلم أقع علی شیءٍ منها فرحلت منها إلی مکة مستبحثاً عن ذلک، فبینما أنا فی الطواف إذ تراءی لی فتی أسمر اللون، رائع الحسن، جمیل المخیلة، یطیل التوسم فیّ، فعدت إلیه مؤملاً منه عرفان ما قصدت له، فلما قربت منه سلمت، فأحسن الإجابة، ثم قال: من أی

ص:252


1- (1) انظر: مجموعة الرسائل, الشیخ لطف الله الصافی, ج 2 ص 202.
2- (2) انظر: تاریخ الأئمة (المجموعة), الکاتب البغدادی, ص 21.

البلاد أنت؟ قلت: رجل من أهل العراق، قال: من أی العراق؟ قلت: من الأهواز، فقال: مرحباً بلقائک هل تعرف بها جعفر بن حمدان الحصینی، قلت: دعی فأجاب، قال: رحمة الله علیه ما کان أطول لیله وأجزل نیله، فهل تعرف إبراهیم بن مهزیار قلت: أنا إبراهیم بن مهزیار فعانقنی ملیاً ثم قال: مرحباً بک یا أبا إسحاق ما فعلت بالعلامة التی وشجت بینک وبین أبی محمد علیه السلام؟ فقلت: لعلک ترید الخاتم الذی آثرنی الله به من الطیب أبی محمد الحسن بن علی علیه السلام؟ فقال: ما أردت سواه، فأخرجته إلیه، فلما نظر إلیه استعبر وقبله، ثم قرأ کتابته فکانت (یا الله یا محمد یا علی) - إلی أن قال لی -: یا أبا إسحاق أخبرنی عن عظیم ما توخیت بعد الحج؟ قلت: وأبیک ما توخیت إلا ما سأستعلمک مکنونه، قال: سل عما شئت فإنی شارح لک إن شاء الله؟ قلت: هل تعرف من أخبار آل أبی محمد الحسن علیه السلام شیئاً؟ قال لی: وأیم الله إنی لأعرف الضوء بجبین محمد وموسی ابنی الحسن بن علی علیه السلام ثم إنّی لرسولهما إلیک قاصداً لإنبائک أمرهما فإن أحببت لقاءهما و الاکتحال بالتبرک بهما فارتحل معی إلی الطائف ولیکن ذلک فی خفیة من رجالک واکتتام... الخ(1).

وقیل: کان له ولد توفی قبل ولادة الحجة علیه السلام کما ورد عن إبراهیم بن إدریس قال: وجه إلیّ مولای أبو محمد علیه السلام بکبش وقال: عقه عن ابنی فلان وکل وأطعم أهلک ففعلت، ثم لقیته بعد ذلک فقال لی: المولود الذی ولد لی مات، ثم وجه إلیّ بکبشین وکتب: بسم الله الرحمن الرحیم عق هذین الکبشین عن مولاک وکل

ص:253


1- (1) انظر: کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 445.

هنأک الله وأطعم إخوانک، ففعلت ولقیته بعد ذلک فما ذکر لی شیئاً(1).

الظروف السیاسیة الألیمة التی مرت بها السیدة نرجس علیها السلام

عاشت السیدة نرجس علیها السلام ألوان الظلم والاضطهاد من السیاسة المهیمنة علی رقاب المسلمین والمستضعفین وکانت السیدة بالذات علی رأس قائمة المطلوبین وذلک لأنّها الوعاء والحاضن للإمام الحجة الذی یبحثون عنه فقد واجهت السجن والتعذیب والترویع وما إلیه لاسیما بعد رحیل زوجها الإمام العسکری علیه السلام, کما جاء عن الصدوق رحمه الله... فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علی علیهما السلام فعرفوا موته فقالوا: فمن (نعزی)؟ فأشار الناس إلی جعفر بن علی فسلموا علیه وعزوه وهنوه وقالوا: إن معنا کتباً ومالاً، فتقول ممن الکتب؟ وکم المال؟ فقام ینفض أثوابه ویقول: تریدون منا أن نعلم الغیب، قال: فخرج الخادم فقال: معکم کتب فلان وفلان (وفلان) وهمیان فیه ألف دینار وعشرة دنانیر منها مطلیة، فدفعوا إلیه الکتب والمال وقالوا: الذی وجه بک لأخذ ذلک هو الإمام، فدخل جعفر بن علی علی المعتمد وکشف له ذلک، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا علی صقیل الجاریة فطالبوها بالصبی فأنکرته وادعت حبلاً به لتغطی حال الصبی فسلمت إلی ابن أبی الشوارب القاضی، وبغتهم موت عبید الله بن یحیی بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلک عن الجاریة، فخرجت عن أیدیهم، والحمد لله رب العالمین(2). والحدیث طویل أخذنا منه موضع الحاجة,

ص:254


1- (1) انظر: الغیبة, الشیخ الطوسی, ص 245.
2- (2) انظر: کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 476.

فهذه واحدة من الماسی والآلام التی واجهتها السیدة نرجس علیها السلام إلی أن قضت نحبها جاهدة فی سبیل الله ورضاه وطاعة أهل البیت علیهم السلام وقد بوأها الله مکانة رفیعة تُغبط علیها فی الدنیا والآخرة بما صبرت وجاهدة وعملت.

حکیمة تتکلم عن المهدی وأمه علیهما السلام

اعتاد الناس أن تعرف الخلف بعد الإمام علیه السلام, ویرجعوا إلیه فی الصغیرة والکبیرة فی حل مسائلهم وعلاج مشاکلهم, لکن فی عصر العسکری علیه السلام ضیقت السیاسة علی معرفة الإمام الخلف الذی یقف فی وجه الظالمین ویزیل عروشهم ویهدم کیانهم, کما بشرت به الروایات المستفیضة, فوقف الناس موقف حیرة وارتیاب ازاء الخلف, فأخذوا یبحثون عن معرفته وتشخیصه لیطمئنوا إلیه, ولذا روی عن عبد الله الطهوی قال: قصدت حکیمة بنت محمد الجواد علیه السلام بعد مضی أبو محمد علیه السلام أسألها عن الحجة وما قد اختلف فیه الناس من الحیرة التی هم فیها فقالت لی: اجلس فجلست، ثم قالت: یا محمد إن الله تبارک وتعالی لا یخلی الأرض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم یجعلها فی أخوین بعد الحسن والحسین علیهما السلام تفضیلاً للحسن والحسین وتنزیهاً لهما أن یکون فی الأرض عدیلهما إلا أن الله تبارک وتعالی خص ولد الحسین علیه السلام بالفضل علی ولد الحسن علیه السلام کما خص ولد هارون علی ولد موسی علیه السلام وإن کان موسی حجة علی هارون، والفضل لولده إلی یوم القیامة، ولا بد للأمة من حیرة یرتاب فیها المبطلون ویخلص فیها المحقون، کیلا یکون للخلق علی الله حجة، وإن الحیرة لا بد واقعة بعد مضی أبی محمد الحسن علیه السلام، فقلت: یا مولاتی هل کان للحسن (العسکری)

ص:255

علیه السلام ولد؟ فتبسمت ثم قالت: إذا لم یکن للحسن علیه السلام عقب فمن الحجة من بعده وقد أخبرتک أنه لا إمامة لأخوین بعد الحسن والحسین علیهما السلام فقلت: یا سیدتی حدثینی بولادة مولای وغیبته علیه السلام قالت: نعم کانت لی جاریة یقال لها: نرجس فزارنی ابن أخی فأقبل یحدق النظر إلیها، فقلت له: یا سیدی لعلک هویتها فأرسلها إلیک؟ فقال لها: لا یا عمة ولکنی أتعجب منها, فقلت: وما أعجبک [منها]؟ فقال علیه السلام: سیخرج منها ولد کریم علی الله عز وجل الذی یملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً، فقلت: فأرسلها إلیک یا سیدی؟ فقال: استأذنی فی ذلک أبی علیه السلام قالت: فلبست ثیابی وأتیت منزل أبی الحسن علیه السلام: فسلمت وجلست فبدأنی علیه السلام وقال: یا حکیمة ابعثی نرجس إلی ابنی أبی محمد, قالت: فقلت: یا سیدی علی هذا قصدتک علی أن أستأذنک فی ذلک، فقال لی: یا مبارکة إن الله تبارک وتعالی أحب أن یشرکک الأجر ویجعل لک فی الخیر نصیباً، قالت حکیمة: فلم ألبث أن رجعت إلی منزلی وزینتها ووهبتها لأبی محمد علیه السلام وجمعت بینه وبینها فی منزلی فأقام عندی أیاماً، ثم مضی إلی والده علیهما السلام ووجهت بها معه.

قالت حکیمة: فمضی أبو محمد علیه السلام بعد ذلک بأیام قلائل، وافترق الناس کما تری ووالله إنی لأراه صباحاً ومساءً وإنه لینبئنی عما تسألون عنه فأخبرکم، ووالله إنی لأرید أن أسأله عن الشیء فیبدأنی به وإنه لیرد علیّ الأمر فیخرج إلیّ منه جوابه من ساعته من غیر مسألتی. وقد أخبرنی البارحة بمجیئک إلیّ وأمرنی أن أخبرک بالحق. قال محمد بن عبد الله: فوالله لقد أخبرتنی حکیمة بأشیاء لم یطلع

ص:256

علیها أحد إلا الله عز وجل، فعلمت أن ذلک صدق وعدل من الله عز وجل، لأن الله عز وجل قد أطلعه علی ما لم یطلع علیه أحداً من خلقه(1).

إزالة وهم

اختلف الخبر فی السیدة نرجس أم الحجة علیه السلام هل کانت من جواریها (أی من جواری حکیمة) وأنها ربتها وأهدتها إلی ابن أخیها العسکری علیه السلام أو من أسراء الروم التی اشتراها الهادی علیه السلام لابنه؟ والمفهوم من إثبات المسعودی أن الأول الثبت، حیث اقتصر علی خبره، ومال الإکمال إلی الثانی حیث إنه وإن روی الأول، إلا أنه قال: ما روی فی نرجس أم القائم علیه السلام واسمها ملیکة بنت یوشعا بن قیصر الملک, کما تقدم(2).

أقول: لا منافاة بین هذا الحدیث الذی تقدم ذکره عن حکیمة, والذی سبق من أنّها کانت أسیرة واشتراها الإمام الهادی علیه السلام؛ لأن فی ما سبق قال علیه السلام: یا بنت رسول الله أخرجیها وعلمیها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبی محمد وأم القائم علیه السلام, فکانت هی عند حکیمة فی تلک الحالة حتی اشتهرت بجاریة حکیمة وجری الأمر بعد ذلک کما فی هذا الخبر الذی عن حکیمة. فیمکن أن نقول إنّ السیدة نرجس علیها السلام عاشت ثلاث مراحل فی حیاتها قبل زواجها من الإمام ابی محمد الحسن العسکری علیه السلام مرحلة مع أسرتها والثانیة فی الأسر والثالثة فی دار حکیمة بنت الإمام الجواد علیه السلام ومن ثم تزوجت بأبی محمد العسکری علیه السلام.

ص:257


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 427.
2- (2) انظر: قاموس الرجال, الشیخ محمد تقی التستری, ج 12 ص 239.

شفاعة السیدة نرجس علیها السلام

من جملة المزایا التی حازت علیها السیدة نرجس علیها السلام علاوة علی ما تکللها من کرامات وصفات کمالیة عالیه هی الشفاعة, فقد أعطاها الله هذه الدرجة العظیمة وقرنها مع شفاعة المعصومین علیهم السلام کما جاء ذلک فی زیارتها علیها السلام «اللهم بحق محمد وآل محمد أن تصلی علی محمد وآل محمد وعجل لهم بانتقامک من عدوک وعدوهم یا إله العالمین ولا تجعله آخر العهد من زیارتی إیاها وارزقنی العود إلیها أبداً ما أبقیتنی وإذا توفیتنی فاحشرنی فی زمرتها وأدخلنی فی شفاعة ولدها وشفاعتها واغفر لی ولوالدی وللمؤمنین والمؤمنات وآتنا فی الدنیا حسنة وفی الآخرة حسنة وقنا برحمتک عذاب النار والسلام علیکم یا موالی وساداتی ورحمة الله وبرکاته»(1).

من کرامات السیدة نرجس علیها السلام

إنّ السیّدة نرجس علیها السلام تنحدر من سلالة الأنبیاء والأوصیاء علیهم السلام وقد اصطفاها الله أن تکون وعاءً وحجراً لخاتم الأوصیاء, لیس ببعید أو مستغرب أن تکون باباً من أبواب الله تعالی یقصده المحتاجون والمنکوبون فلا یعودوا إلاّ بحوائج مقضیة وهموم مکشوفة بإذن الله تعالی، والشواهد علی ذلک کثیرة.

منها: ما نقل فی أحوال المیرزا محمّد تقی الشیرازی قدس سره أنّه قد أصاب مدینة سامراء مرض الطاعون وأخذ من أهلها مأخذاً عظیماً بحیث إنّ أهالی

ص:258


1- (1) المزار, الشهید الأول, ص 213.

الموتی عجزوا عن دفن موتاهم فأصبحوا یأتون بهم ویترکونهم فی الشوارع آنذاک وفی شدّة المحنة جاء المیرزا محمّد تقی الشیرازی إلی منزل السیّد محمّد الفشارکی قدس سره الذی کان فی منزله مع کوکبة من العلماء فدار البحث حول الوباء الذی یهدّد حیاة الجمیع وبینما هم علی ذلک وإذا بالمیرزا الشیرازی یلتفت إلیهم قائلاً: إذا أصدرت حکماً فهل هو نافذ أم لا؟

فردّ الجمیع: نعم إنّه نافذ ویجب إجراؤه فقال المیرزا: إنّی أصدرت حکماً علی جمیع الشیعة القاطنین فی سامراء أن یقرؤوا زیارة عاشوراء من الیوم إلی عشرة أیّام ویهدوا ثوابها إلی روح السیّدة نرجس علیها السلام والدة الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشریف لیبتعد عنهم البلاء فأبلغ الحاضرون حکمه ذاک لجمیع الشیعة فشرع الموالون بقراءة الزیارة، وإذا بالطاعون یرتفع عنهم منذ قراءتهم للزیارة، بینما بقی غیرهم یموتون کالعادة حتّی تجلّی الأمر للجمیع.

فسأل بعض أتباع المذاهب الاُخری أبناء الشیعة فی سامراء عن سبب ارتفاع الطاعون عنهم، فأخبروهم بالحال، فشرعوا بقراءة الزیارة وإهدائها إلی السیّدة نرجس علیها السلام فدفع البلاء عن الجمیع.

وفاة السیدة نرجس ومحل قبرها علیها السلام

ذکروا أنّ السیدة نرجس أم المهدی علیه السلام ماتت فی حیاة أبی محمد علیه السلام, کما روی ذلک عن الصدوق رحمه الله, قال أبو علی: فحدثتنی أنها حضرت ولادة السید علیه السلام، وأن اسم أم السید صقیل، وأن أبا محمد علیه السلام حدثها بما یجری علی

ص:259

عیاله، فسألته أن یدعوا الله عز وجل لها أن یجعل منیتها قبله، فماتت فی حیاة أبی محمد علیه السلام, وعلی قبرها لوح مکتوب علیه هذا قبر أم محمد(1).

والصحیح أنّها بقیت إلی ما بعد استشهاد زوجها الإمام أبی محمد الحسن العسکری علیه السلام, ومن الأدلة علی ذلک هو نفس ما جاء عن الشیخ الصدوق فی نفس الکتاب, حیث ذکر عن محمد بن الحسین بن عباد أنّه قال: مات أبو محمد الحسن بن علی علیهما السلام یوم جمعة مع صلاة الغداة، وکان فی تلک اللیلة قد کتب بیده کتباً کثیرة إلی المدینة، وذلک فی شهر ربیع الأول لثمان خلون منه سنة ستین ومائتین من الهجرة، ولم یحضر رحمه الله فی ذلک الوقت إلا صقیل الجاریة، وعقید الخادم ومن علم الله عز وجل غیرهما، قال عقید: فدعا بماء قد أغلی بالمصطکی فجئنا به إلیه فقال: أبدء بالصلاة هیئونی فجئنا به وبسطنا فی حجره المندیل فأخذ من صقیل الماء فغسل به وجهه وذراعیه مرة مرة ومسح علی رأسه وقدمیه مسحاً وصلی صلاة الصبح علی فراشه وأخذ القدح لیشرب فأقبل القدح یضرب ثنایاه ویده ترتعد فأخذت صقیل القدح من یده. ومضی من ساعته صلوات الله علیه ودفن فی داره بسر من رأی إلی جانب أبیه صلوات الله علیهما فصار إلی کرامة الله جل جلاله وقد کمل عمره تسعاً وعشرین سنة. قال: وقال لی عباد فی هذا الحدیث: قدمت أم أبی محمد علیه السلام من المدینة واسمها. (حدیث) حین اتصل بها الخبر إلی سر من رأی فکانت لها أقاصیص... الخ(2). فهذه الروایة تصرح علی أنّ أم الإمام المهدی علیه السلام کانت حاضرة عند وفاة زوجها العسکری علیه السلام.

ص:260


1- (1) انظر: کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, ص 431.
2- (2) انظر: المصدر السابق, ص 473.

وأیضا من الأدلة التی تثبت أن وفاتها کانت بعد رحیل زوجها علیه السلام هو اعتقالها وحبسها ومطالبتها بالصبی بعد وفاة أبی محمد العسکری علیه السلام وقد تقدم ذکره بحسب ما أورده الصدوق فی نفس الکتاب, قال: إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علی علیه السلام فعرفوا موته فقالوا: فمن (نعزی)؟ فأشار الناس إلی جعفر ابن علی فسلموا علیه وعزوه وهنوه وقالوا: إن معنا کتباً ومالاً، فتقول ممن الکتب؟ وکم المال؟ فقام ینفض أثوابه ویقول: تریدون منا أن نعلم الغیب، قال: فخرج الخادم فقال: معکم کتب فلان وفلان (وفلان) وهمیان فیه ألف دینار وعشرة دنانیر منها مطلیة، فدفعوا إلیه الکتب والمال وقالوا: الذی وجه بک لأخذ ذلک هو الإمام، فدخل جعفر بن علی علی المعتمد وکشف له ذلک، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا علی صقیل الجاریة فطالبوها بالصبی فأنکرته وادعت حبلاً به لتغطی حال الصبی فسلمت إلی ابن أبی الشوارب القاضی، وبغتهم موت عبید الله بن یحیی بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلک عن الجاریة، فخرجت عن أیدیهم، والحمد لله رب العالمین(1). مع أنّه لم یذکر (فی غیر ما تقدم) من الأحادیث أو التواریخ وفاتها قبل أبی محمد علیه السلام.

أمّا محل قبرها فهو فی سر من رأی (سامراء) قریب من قبر العسکریین علیهما السلام, بل خلف ضریح مولانا الحسن العسکری علیه السلام, وعلی قبرها لوح مکتوب علیه هذا قبر أم محمد رحمه الله کما تقدم ذکره عن الشیخ الصدوق رحمه الله. وقد ذکر السید محسن الأمین علیهم السلام أنّ العسکریین علیهما السلام دفنا فی دارهما وکان سرداب الغیبة هو سرداب

ص:261


1- (1) انظر: المصدر السابق, ص 476.

تلک الدار سکنه الهادی والعسکری وصاحب الزمان علیهم السلام فکان القبران الشریفان والسرداب فی دار واحدة وکان طریق السرداب ودرجه من داخل حرم العسکریین علیهما السلام قریباً من قبر نرجس أم المهدی علیهما السلام(1).

زیارة ضریح السیدة نرجس علیها السلام

من خلال زیارة السیدة نرجس علیها السلام نعرف مدی المکانة التی تتبوأ بها أُمّ الإمام المعصوم علیه السلام, وأنّ الذی وصل إلینا من ذکر صفات أمهات المعصومین علیهم السلام هو غیض من فیض, حیث إنّ أمهات المعصومین علیهم السلام فی درجة واحدة من الکمال, وکل واحدة تحمل أسرار رب العالمین وغیرها من الصفات. فقد وصفت هذه السیدة أنّها مودعة أسرار الملک العلام, وأنّها منعوتة فی الإنجیل... الخ, کما ذکر المجلسی وغیره من المحدثین نص زیارتها علیها السلام, أنه بعد الفراغ من زیارة العسکریین علیهما السلام تزور السیدة نرجس أم القائم علیه السلام, وهذا الوسام بالإضافة إلی ما تحمله ألفاظ الزیارة الخاصة بها من مضامین عالیة یدل علی عظمة تلک المرأة الجلیلة الطاهرة, والیک نص زیارتها علیها السلام.

«السلام علی رسول الله صلی الله علیه و آله الصادق الأمین، السلام علی مولانا أمیر المؤمنین، السلام علی الأئمة الطاهرین، الحجج المیامین، السلام علی والدة الإمام، والمودعة أسرار الملک العلام، والحاملة لأشرف الأنام، السلام علیک أیتها الصدیقة المرضیة، السلام علیک یا شبیهة أم موسی، وابنة

ص:262


1- (1) انظر: أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, ج 2 ص 588.

حواری عیسی السلام علیک أیتها التقیة النقیة، السلام علیک أیتها الرضیة المرضیة، السلام علیک أیتها المنعوتة فی الإنجیل، المخطوبة من روح الله الأمین، ومن رغب فی وصلتها محمد سید المرسلین، والمستودعة أسرار رب العالمین، السلام علیک وعلی آبائک الحواریین، السلام علیک وعلی بعلک وولدک، السلام علیک وعلی روحک وبدنک الطاهر، أشهد أنک أحسنت الکفالة، وأدیت الأمانة، واجتهدت فی مرضاة الله، وصبرت فی ذات الله، وحفظت سر الله، وحملت ولی الله، وبالغت فی حفظ حجة الله، ورغبت فی وصلة أبناء رسول الله، عارفة بحقهم، مؤمنة بصدقهم، معترفة بمنزلتهم، مستبصرة بأمرهم، مشفقة علیهم، مؤثرة هواهم. وأشهد أنک مضیت علی بصیرة من أمرک، مقتدیة بالصالحین، راضیة مرضیة تقیة نقیة زکیة، فرضی الله عنک وأرضاک، وجعل الجنة منزلک ومأواک، فلقد أولاک من الخیرات ما أولاک، وأعطاک من الشرف ما به أغناک، فهناک الله بما منحک من الکرامة».

ثم ترفع رأسک وتقول:

«اللهم إیاک اعتمدت، ولرضاک طلبت، وبأولیائک إلیک توسلت، وعلی غفرانک وحلمک اتکلت، وبک اعتصمت، وبقبر أم ولیک لذت، فصل علی محمد وآل محمد وانفعنی بزیارتها، وثبتنی علی محبتها، ولا تحرمنی شفاعتها وشفاعة ولدها وارزقنی مرافقتها واحشرنی معها ومع

ص:263

ولدها کما وفقتنی لزیارة ولدها وزیارتها، اللهم إنی أتوجه إلیک بالأئمة الطاهرین وأتوسل إلیک بالحجج المیامین، من آل طه ویس، أن تصلی علی محمد وآل محمد الطیبین، وأن تجعلنی من المطمئنین الفائزین، الفرحین المستبشرین، الذین لا خوف علیهم ولا هم یحزنون، واجعلنی ممن قبلت سعیه، ویسرت أمره، وکشفت ضره، وآمنت خوفه. اللهم بحق محمد وآل محمد، صل علی محمد وآل محمد، وعجل لهم بانتقامک ولا تجعله آخر العهد من زیارتی إیاها، وارزقنی العود إلیها أبداً ما أبقیتنی، وإذا توفیتنی فاحشرنی فی زمرتها، وأدخلنی فی شفاعة ولدها وشفاعتها، واغفر لی ولوالدی وللمؤمنین والمؤمنات، وآتنا فی الدنیا حسنة، وفی الآخرة حسنة وقنا برحمتک عذاب النار، والسلام علیکم یا ساداتی ورحمة الله وبرکاته»(1).

ص:264


1- (1) بحار الأنوار, العلامة المجلسی, ج 99 ص 70, وقد ذکر المفید والشهید وغیرهما فی کتبهم زیارة أم القائم علیه السلام هکذا, انظر مصباح الزائر, ابن طاوس ص 213. ومزار الشهید ص 65. المزار الکبیر ص 217.

فهرس المصادر

1. القرآن الکریم.

2. إبصار العین فی أنصار الحسین علیه السلام, الشیخ محمد السماوی, الطبعة: الأولی سنة الطبع: رمضان المبارک 1419-1377 ش, الناشر: مرکز الدراسات الإسلامیة لممثلیة الولی الفقیه فی حرس الثورة الإسلامیة.

3. الإتحاف بحب الأشراف, الشبراوی الشافعی, ط مصطفی البابی الحلبی بمصر.

4. الإتقان فی علوم القرآن, السیوطی, تحقیق: سعید المندوب, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1416 ه -- 1996 م, المطبعة: لبنان, دار الفکر.

5. إثبات الوصیة, علی بن الحسین المسعودی, نشر الرضی, قم.

6. الاحتجاج, الشیخ الطبرسی, تحقیق: السید محمد باقر الخرسان, سنة الطبع: 1386 ه -- 1966 م, الناشر: دار النعمان للطباعة والنشر, النجف الأشرف.

7. الاختصاص, الشیخ المفید, تحقیق: علی أکبر الغفاری، السید محمود الزرندی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414 ه -- 1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت.

8. اختیار معرفة الرجال, الشیخ الطوسی, تحقیق: السید مهدی الرجائی, سنة الطبع: ه - 1404, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

9. الإرشاد, الشیخ المفید, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لتحقیق التراث, الطبعة: الثانیة,

ص:265

سنة الطبع: 1414 ه -- 1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

10. أسباب نزول الآیات, الواحدی النیسابوری, سنة الطبع: 1388-1968 م, الناشر: مؤسسة الحلبی وشرکاه للنشر والتوزیع, القاهرة.

11. الاستبصار, الشیخ الطوسی, تحقیق وتعلیق: السید حسن الموسوی الخرسان, الطبعة: الرابعة,, سنة الطبع: 1363 ش, الناشر: دار الکتب الإسلامیة, طهران.

12. الاستغاثة, أبو القاسم الکوفی, علی بن أحمد بن موسی بن الإمام الجواد محمد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام.

13. الاستیعاب, ابن عبد البر, تحقیق: علی محمد البجاوی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1412 ه -, المطبعة: بیروت, دار الجیل.

14. أسد الغابة, ابن الأثیر, الناشر: دار الکتاب العربی, بیروت, لبنان. الأسرار الفاطمیة, الشیخ محمد فاضل المسعودی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1420 ه -- 2000 م, المطبعة: أمیر, قم.

15. الإصابة, ابن حجر, تحقیق: الشیخ عادل أحمد عبد الموجود، والشیخ علی محمد معوض, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1415, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت.

16. الاعتقادات فی دین الإمامیة, الشیخ الصدوق, تحقیق: عصام عبد السید, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414 ه - 1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

17. إعلام الوری بأعلام الهدی, الشیخ الطبرسی, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ربیع الأول 1417 ه -, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, قم المشرفة.

18. الأعلام, خیر الدین الزرکلی, الطبعة: الخامسة, سنة الطبع: أیار, مایو 1980, الناشر: دار العلم للملایین, بیروت, لبنان.

ص:266

19. أعمال الحرمین, ابن الشیخ منصور المرهون, الطبعة: الثانیة المنقحة, سنة الطبع: 1422 ه -- 2001 م, الناشر: دار الهدی للطباعة والنشر.

20. أعیان الشیعة, السید محسن الأمین, تحقیق وتخریج: حسن الأمین, الناشر: دار التعارف للمطبوعات, بیروت, لبنان.

21. إقبال الأعمال, السید ابن طاووس, تحقیق: جواد القیومی الاصفهانی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: رجب 1414 ه -, المطبعة: مکتب الإعلام الإسلامی.

22. إلزام الناصب فی إثبات الحجة الغائب, الشیخ علی الیزدی الحائری, تحقیق: السید علی عاشور.

23. أم البنین, محمد علی السالکی.

24. أم المؤمنین خدیجة الطاهرة علیها السلام, حسین الشاکری, الطبعة: الأولی, المطبعة: ستارة.

25. الأمالی, الشیخ الصدوق, تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة, مؤسسة البعثة, قم, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1417 ه -, الناشر: مرکز الطباعة والنشر فی مؤسسة البعثة.

26. الأمالی, الشیخ الطوسی, تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة, مؤسسة البعثة, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1414 ه -, الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزیع, قم.

27. الإمام الجواد علیه السلام من المهد إلی اللحد, السید القزوینی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ذی الحجة 1419 ه -, الناشر: مؤسسة ولی العصر عجل الله فرجه الشریف للدراسات الإسلامیة, قم المشرفة.

28. الإمام الصادق کما عرفه علماء الغرب.

29. الإمام جعفر الصادق علیه السلام, عبد الحلیم الجندی, إشراف: محمد توفیق عویضة, سنة الطبع: 1397-1977 م, المطبعة: مطابع الأهرام التجاریة, القاهرة.

30. الإمامة وأهل البیت. محمد بیومی مهران, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1415 ه - 1995 م,

ص:267

المطبعة: نهضت, الناشر: مرکز الغدیر للدراسات الإسلامیة.

31. الأمان من أخطار الأسفار, السید ابن طاووس, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1409 ه -, المطبعة: مهر, قم.

32. إمتاع الأسماع, المقریزی, تحقیق وتعلیق: محمد عبد الحمید النمیسی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1420 ه -- 1999 م, الناشر: منشورات محمد علی بیضون، دار الکتب العلمیة, بیروت, لبنان.

33. الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل, الشیخ ناصر مکارم الشیرازی.

34. أمل الأمل, الحر العاملی, تحقیق: السید أحمد الحسینی, المطبعة: الآداب, النجف الأشرف, الناشر: مکتبة الأندلس, بغداد.

35. الانتصار, العاملی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1422 ه -, الناشر: دار السیرة, بیروت, لبنان.

36. الإنسان ذلک المجهول, الدکتور. الکسیس کارل.

37. الأنوار البهیة, الشیخ عباس القمی, تحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1417 ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

38. الأنوار الساطعة, الشیخ غالب السیلاوی, طبعة: الأولی, سنة الطبع: 1421 ه -, المطبعة: علمیة.

39. الأنوار العلویة, الشیخ جعفر النقدی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1381 ه -- 1962 م, الناشر: مکتبة الحیدریة, النجف الأشرف.

40. أوائل المقالات, الشیخ المفید, تحقیق: الشیخ إبراهیم الأنصاری, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414-1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

41. إیمان أبی طالب, العلامة الشیخ عبد الحسین الأمینی النجفی.

42. بحار الأنوار, العلامة المجلسی, الطبعة: الثانیة المصححة, سنة الطبع: 1403 ه -- 1983 م,

ص:268

الناشر: مؤسسة الوفاء, بیروت, لبنان.

43. البدایة والنهایة ابن کثیر, تحقیق وتدقیق وتعلیق: علی شیری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1408-1988 م, الناشر: دار إحیاء التراث العربی, بیروت, لبنان.

44. بشارة المصطفی, محمد بن علی الطبری, تحقیق: جواد القیومی الإصفهانی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1420 ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

45. بصائر الدرجات, محمد بن الحسن الصفار, تصحیح وتعلیق وتقدیم: الحاج میرزا حسن کوچه باغی, سنة الطبع: 1404-1362 ش, الناشر: منشورات الأعلمی, طهران.

46. بلاغات النساء, ابن طیفور, الناشر: مکتبة بصیرتی, قم المقدسة

47. بیت الأحزان, الشیخ عباس القمی, الطبعة: الجدیدة الأولی, سنة الطبع: 1412 ه -, المطبعة: أمیر, الناشر: دار الحکمة, قم, إیران.

48. تاج العروس, الزبیدی, تحقیق: علی شیری, سنة الطبع: 1414 ه -- 1994 م, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت.

49. تاج الموالید, الشیخ الطبرسی, سنة الطبع: 1406 ه -, الناشر: مکتب آیة الله العظمی المرعشی النجفی, قم.

50. تاریح الإسلام, الذهبی, تحقیق: د. عمر عبد السلام تدمری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1407 ه -- 1987 م, الناشر: دار الکتاب العربی.

51. تاریح الیعقوبی, الیعقوبی, الناشر: دار صادر, بیروت, لبنان.

52. تاریخ ابن خلدون, ابن خلدون. الناشر: مؤسسة الاعلمی للمطبوعات, بیروت لبنان. سنة الطبع: 1391 ه -..

53. تاریخ الإسلام, حسن إبراهیم.

ص:269

54. تاریخ الأئمة (المجموعة), الکاتب البغدادی, سنة الطبع: 1406 ه -, الناشر: مکتب آیة الله العظمی المرعشی النجفی. قم.

55. تاریخ الطبری, الطبری, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1403 ه -- 1983 م, الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت, لبنان.

56. تاریخ الکوفة, السید البراقی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1424 ه الناشر: انتشارات المکتبة الحیدریة.

57. تاریخ بغداد, الخطیب البغدادی, دراسة وتحقیق: مصطفی عبد القادر عطا, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1417 ه -- 1997 م, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت, لبنان.

58. تاریخ عمرو بن العاص, الدکتور حسن إبراهیم حسن, الناشر: مکتبة مدبولی, القاهرة.

59. تاریخ مختصر الدول, ابن العربی.

60. تاریخ مدینة دمشق, ابن عساکر, تحقیق: علی شیری, سنة الطبع: 1415 ه -, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

61. تاریخ موالید الأئمة, ابن الخشاب البغدادی, سنة الطبع: 1406, المطبعة: الصدر, الناشر: مکتب آیة الله العظمی المرعشی النجفی, قم.

62. التبیان, الشیخ الطوسی, تحقیق وتصحیح: أحمد حبیب قصیر العاملی الطبعة: الأولی, الناشر: مکتب الإعلام الإسلامی.

63. تتمة المنتهی, الشیخ عباس القمی, طبع فی طهران, سنة الطبع, 1333 ش - 1373 ق ه

64. تذکرة الحفاظ, الذهبی, الناشر: دار إحیاء التراث العربی, بیروت, لبنان.

65. تذکرة الخواص, السبط ابن الجوزی, طبعة طهران.

66. ترجمة الإمام الحسین علیه السلام, ابن عساکر, حقیق: الشیخ محمد باقر المحمودی, الطبعة: الأولی, الناشر: مؤسسة المحمودی للطباعة والنشر, بیروت, لبنان.

ص:270

67. التشیع العلوی والتشیع الصفوی, الدکتور علی شریعتی. الناشر دار الأمیر للثقافة والعلوم, المترجم: حیدر مجید, الطبعة الأولی 1422 ه -.

68. التعجب, أبو الفتح الکراجکی, تصحیح وتخریج: فارس حسون کریم.

69. التعدیل والتجریح, سلیمان بن خلف الباجی, تحقیق: الأستاذ أحمد البزار, الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامیة, مراکش.

70. تفسیر الإمام العسکری علیه السلام, تحقیق: مدرسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف, الطبعة: الأولی محققة, الناشر: مدرسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف - قم المقدسة

71. تفسیر البحر المحیط, أبی حیان الأندلسی, الطبعة: الأولی, طبع ونشر: لبنان, بیروت, دار الکتب العلمیة.

72. تفسیر الجامع لأحکام القرآن, القرطبی, تصحیح: أحمد عبد العلیم البردونی, الناشر: دار إحیاء التراث العربی, بیروت, لبنان.

73. تفسیر السمعانی, تحقیق: یاسر بن إبراهیم و غنیم بن عباس بن غنیم, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1418 علیه السلام - 1997 م, المطبعة: السعودیة, دار الوطن, الریاض.

74. تفسیر العیاشی, محمد بن مسعود العیاشی, تحقیق: الحاج السید هاشم الرسولی المحلاتی, الناشر: المکتبة العلمیة الإسلامیة, طهران.

75. التفسیر الکبیر, الفخر الرازی. 76. تفسیر المیزان, السید الطباطبائی, الناشر: منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة, قم المقدسة.

77. تفسیر روح المعانی, الآلوسی.

78. تفسیر مجمع البیان, الشیخ الطبرسی, تحقیق وتعلیق: لجنة من العلماء والمحققین الأخصائیین, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1415 علیه السلام - 1995 م, الناشر: مؤسسة الأعلمی

ص:271

للمطبوعات, بیروت, لبنان.

79. تفسیر مقاتل بن سلیمان, مقاتل بن سلیمان, تحقیق: أحمد فرید الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1424 ه -- 2003 م, الناشر: دار الکتب العلمیة.

80. تنقیح المقال فی أحوال الرجال, عبدالله بن محمد حسن المامقانی, المطبعة: المرتضویة, النجف, 1352 ه -..

81. تهذیب الأحکام, الشیخ الطوسی, تحقیق وتعلیق: السید حسن الموسوی الخرسان, الطبعة: الثالثة, سنة الطبع: 1364 ش, الناشر: دار الکتب الإسلامیة, طهران.

82. تهذیب التهذیب, ابن حجر, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1404 ه -- 1984 م, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

83. تهذیب الکمال, المزی, تحقیق وضبط وتعلیق: الدکتور بشار عواد معروف, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1406 ه -- 1985 م, الناشر: مؤسسة الرسالة, بیروت, لبنان.

84. تواریخ النبیّ صلی الله علیه و آله والآل علیهم السلام, الشیخ محمد تقی التستری, تحقیق الشیخ محمود الشریفی, الطبعة الأولی 1416 ه - المطبعة أمیر.

85. الثاقب فی المناقب, ابن حمزة الطوسی, تحقیق: نبیل رضا علوان, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1412 ه -, الناشر: مؤسسة أنصاریان للطباعة والنشر, قم المقدسة.

86. ثواب الأعمال, الشیخ الصدوق, تقدیم: السید محمد مهدی السید حسن الخرسان, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1368 ش, الناشر: منشورات الشریف الرضی, قم.

87. جامع أحادیث الشیعة, السید البروجردی, سنة الطبع: 1399, المطبعة: المطبعة العلمیة, قم.

88. جمال الأسبوع, السید ابن طاووس, تحقیق: جواد قیومی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1371 ش, الناشر: مؤسسة الآفاق.

ص:272

89. جهاد الإمام السجاد علیه السلام, السید محمد رضا الجلالی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1418 ه -, الناشر: مؤسسة دار الحدیث الثقافیة.

90. جواهر المطالب فی مناقب علی بن أبی طالب علیه السلام, أحمد الدمشقی الشافعی, تحقیق: الشیخ محمد باقر المحمودی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1415 ه -, الناشر: مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة, قم, إیران.

91. چهارده نور پاک (فارسی), دکتر عقیقی بخشایشی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: تابستان 1381, الناشر: انتشارات نوید إسلام.

92. الحدائق الناضرة, المحقق البحرانی, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

93. حلیة الأبرار, السید هاشم البحرانی, تحقیق: الشیخ غلام رضا مولانا البروجردی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1411 ه -, الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة, قم, ایران.

94. حواشی الشروانی, الشروانی, الناشر: دار إحیاء التراث العربی, بیروت, لبنان.

95. حیاة الإمام الحسین علیه السلام, الشیخ باقر شریف القرشی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1394 ه -- 1974 م, المطبعة: مطبعة الآداب, النجف الأشرف.

96. حیاة الإمام الرضا علیه السلام السید جعفر المرتضی, سنة الطبع: 1398 ه -- 1978 م, الناشر: دار التبلیغ الإسلامی.

97. حیاة الإمام الهادی, الشیخ باقر شریف القرشی.

98. حیاة السیدة خدیجة بنت خویلد من المهد إلی اللحد, حسین علی الشرهان, الطبعة: الأولی, دار مکتبة الهلال, بیروت.

99. حیاة النبی, محمد قوام الشنوی. 100. حیاة أمیر المؤمنین علیه السلام عن لسانه, محمد محمدیان, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1417

ص:273

ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

101. خاتمة المستدرک, المیرزا النوری, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: رجب 1415, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, قم, ایران.

102. الخرائج والجرائح, قطب الدین الراوندی, تحقیق: مؤسسة الإمام المهدی علیه السلام, بإشراف السید محمد باقر الموحد الأبطحی, الطبعة: الأولی، کاملة محققة, سنة الطبع: ذی الحجة 1409 ه -, الناشر: مؤسسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف, قم المقدسة.

103. الخصال, الشیخ الصدوق, تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری, سنة الطبع: 18 ذی القعدة الحرام 1403 ه -- 1362 ش, الناشر: منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة.

104. الخصائص الفاطمیة, الشیخ محمد باقر الکجوری, ترجمة: سید علی جمال أشرف, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1380 ش, الناشر: انتشارات الشریف الرضی.

105. الخلاف, الشیخ الطوسی, تحقیق: جماعة من المحققین, سنة الطبع: جمادی الآخرة 1407 ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

106. خلق الإنسان بین الطب والقرآن, دکتور: محمد علی البار, الطبعة: الثامنة مزیدة ومنقحة, سنة الطبع: 1412 ه -- 1991 م, الناشر: الدار السعودیة للنشر والتوزیع, جدة, السعودیة.

107. الدر المنثور, جلال الدین السیوطی, الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر, بیروت, لبنان.

108. الدر النظیم, ابن حاتم العاملی, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

109. الدرجات الرفیعة, السید علی خان المدنی, حقیق: تقدیم: السید محمد صادق بحر

ص:274

العلوم, سنة الطبع: 1397, الناشر: منشورات مکتبة بصیرتی, قم.

110. الدروس, الشهید الأول, تحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

111. دفاع من وحی الشریعة ضمن دائرة السنة والشیعة, السید حسین الرجا, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1421 ه -- 2000 م, الناشر: مؤسسة الإمامة للتحقیق والنشر, بیروت, لبنان.

112. دفع شبه التشبیه بأکف التنزیه, أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزی الحنبلی, تحقیق وتقدیم: حسن السقاف, الطبعة: الثالثة، مزیدة ومنقحة, سنة الطبع: 1413 ه -- 1992 م, الناشر: دار الإمام النووی, عمان, الأردن.

113. دلائل الإمامة, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة, مؤسسة البعثة, قم, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1413, الناشر: مرکز الطباعة والنشر فی مؤسسة البعثة.

114. دلائل النبوة, إسماعیل الأصبهانی, تحقیق: أبو عبد الرحمن مساعد بن سلیمان الراشد الحمید, الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزیع.

115. ذخائر العقبی, أحمد بن عبد الله الطبری, سنة الطبع: 1356 ه -, الناشر: مکتبة القدسی لصاحبها حسام الدین القدسی, القاهرة

116. ذخیرة المعاد, المحقق السبزواری, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

117. الذریة الطاهرة النبویة, محمد بن أحمد الدولابی, تحقیق: سعد المبارک الحسن, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1407 ه -, الناشر: الدار السلفیة, الکویت. راه زندکی, الکسیس کارل, ترجمة, دبیری.

118. رحلة ابن بطوطة, أبی عبد الله محمد بن إبراهیم اللواتی، طبع ومنشورات دار بیروت، بیروت 1405 ه -..

ص:275

119. رسالة فی المهر, الشیخ المفید, تحقیق: الشیخ مهدی نجف, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414-1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

120. روضة الطالبین, محیی الدین النووی, تحقیق: الشیخ عادل أحمد عبد الموجود، والشیخ علی محمد معوض, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت, لبنان.

121. روضة الواعظین, الفتال النیسابوری, تقدیم: السید محمد مهدی السید حسن الخرسان, الناشر: منشورات الشریف الرضی, قم.

122. الزندقة والشعوبیة, سمیرة اللیثی.

123. سبل الهدی والرشاد, الصالحی الشامی, تحقیق وتعلیق: الشیخ عادل أحمد عبد الموجود، الشیخ علی محمد معوض, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1414 ه -- 1993 م, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت, لبنان.

124. سر السلسلة العلویة, تقدیم وتعلیق: السید محمد صادق بحر العلوم, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1413 ه -- 1371 ش, الناشر: انتشارات شریف الرضی.

125. السقیفة وفدک, الجوهری, الناشر: شرکة الکتبی للطباعة والنشر, بیروت, لبنان, تحقیق: تقدیم وجمع وتحقیق: الدکتور الشیخ محمد هادی الأمینی, سنة الطبع: 1413 ه -- 1993 م.

126. سمط النجوم العوالی فی أنباء الأوائل والتوالی, عبد الملک العاصمی المکی.

127. سنن ابن ماجة, محمد بن یزید القزوینی, تحقیق وترقیم وتعلیق: محمد فؤاد عبد الباقی, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع.

128. سنن أبی داود, ابن الأشعث السجستانی, تحقیق وتعلیق: سعید محمد اللحام, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1410 ه -- 1990 م, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع.

129. سنن الترمذی, الترمذی, تحقیق وتصحیح: عبد الوهاب عبد اللطیف, الطبعة: الثانیة, سنة

ص:276

الطبع: 1403 ه -- 1983 م, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

130. السنن الکبری, البیهقی, الناشر: دار الفکر.

131. السنن الکبری, النسائی, تحقیق: عبد الغفار سلیمان البنداری، سید کسروی حسن, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1411 ه -- 1991 م, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت, لبنان

132. سنن النبی صلی الله علیه و آله, السید الطباطبائی, تحقیق وإلحاق: الشیخ محمد هادی الفقهی, سنة الطبع: رمضان 1419 ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

133. سیر أعلام النبلاء, الذهبی, اشراف وتخریج: شعیب الأرنؤوط, تحقیق: حسین الأسد, الطبعة: التاسعة, سنة الطبع: 1413 ه -- 1993 م, الناشر: مؤسسة الرسالة, بیروت, لبنان.

134. سیرة ابن إسحاق, محمد بن إسحاق بن یسار, تحقیق: محمد حمید الله, الناشر: معهد الدراسات والأبحاث للتعریف.

135. سیرة الأئمة, مهدی البیشوائی, تعریب: حسین الواسطی, المطبعة: اعتماد, الناشر: مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام, سنة 1423 ه -.

136. السیرة الحلبیة, الحلبی, سنة الطبع: ه - 1400, المطبعة والنشر: بیروت, دار المعرفة.

137. السیرة النبویة, ابن کثیر, تحقیق: مصطفی عبد الواحد, سنة الطبع: 1396 ه -- 1976 م, الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

138. السیرة النبویة, ابن هشام الحمیری, تحقیق وضبط وتعلیق: محمد محیی الدین عبد الحمید, سنة الطبع: 1383 ه -- 1963 م, الناشر: مکتبة محمد علی صبیح وأولاده, بمصر.

139. الشجرة المبارکة فی أنساب الطالبیة, الفخر الرازی, مطبعة سید الشهداء قم المقدسة, الطبعة الأولی 1409 ه -.

ص:277

140. شجرة طوبی, الشیخ محمد مهدی الحائری, الطبعة: الخامسة, سنة الطبع: محرم الحرام 1385 ه -, الناشر: منشورات المکتبة الحیدریة ومطبعتها, النجف الأشرف.

141. الشذورات الذهبیة فی تراجم الأئمة الاثنی عشریة عند الامامیة, ابن طولون الدمشقی الحنفی, طبعة بیروت.

142. شرح إحقاق الحق, السید المرعشی, تعلیق: السید شهاب الدین المرعشی النجفی, تصحیح: السید إبراهیم المیانجی, الناشر: منشورات مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی, قم, ایران.

143. شرح أصول الکافی, صالح المازندرانی, تحقیق: مع تعلیقات: المیرزا أبی الحسن الشعرانی, ضبط وتصحیح: السید علی عاشور, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1421 ه -- 2000 م, الناشر: دار إحیاء التراث العربی للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

144. شرح الأخبار, القاضی النعمان المغربی, تحقیق: السید محمد الحسینی الجلالی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: ه - 1414, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

145. الشرح الکبیر, المؤلف, عبد الرحمن بن قدامه, الناشر: دار الکتاب العربی للنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

146. شرح النهج, ابن أبی الحدید, تحقیق: محمد أبی الفضل إبراهیم, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1378-1959 م, الناشر: دار إحیاء الکتب العربیة, عیسی البابی الحلبی وشرکاؤه.

147. شرح مسلم, النووی, سنة الطبع: 1407 ه -- 1987 م, الناشر: دار الکتاب العربی, بیروت, لبنان.

148. الشیعة فی المیزان, محمد جواد مغنیة, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1399 ه -- 1979 م, الناشر: دار التعارف للمطبوعات, بیروت, لبنان.

ص:278

149. الصحاح, الجوهری, تحقیق: أحمد عبد الغفور العطار, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1407-1987 م, الناشر: دار العلم للملایین, بیروت, لبنان.

150. صحیح البخاری, البخاری, سنة الطبع: 1401 ه -- 1981 م, الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع.

151. صحیح مسلم, مسلم النیسابوری, لناشر: دار الفکر, بیروت, لبنان.

152. الصحیح من سیرة النبی الأعظم|, السید جعفر مرتضی, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1415 ه -- 1995 م, الناشر: دار الهادی للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

153. الصراط المستقیم, علی بن یونس العاملی, تحقیق: تصحیح وتعلیق: محمد الباقر البهبودی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1384 ه -, الناشر: المکتبة المرتضویة لإحیاء الآثار الجعفریة.

154. الصوارم المهرقة, الشهید نور الله التستری, تحقیق: السید جلال الدین المحدث, سنة الطبع: 1367 ه -, المطبعة: نهضت.

155. صوم عاشوراء بین السنة النبویة والبدعة الأمویة, نجم الدین الطبسی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1422 ه -, الناشر: منشورات العهد

156. ضحی الإسلام, أحمد أمین المصری، المطبعة: مکتبة النهضة, القاهرة, مصر.

157. الطبقات الکبری, ابن سعد, الناشر: دار صادر, بیروت.

158. الطرائف فی معرفة مذاهب الطوائف, السید ابن طاووس, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1399 ه -, المطبعة: الخیام, قم.

159. الطفل بین الوراثة والتربیة, الشیخ محمد تقی فلسفی, تحقیق: تعریب وتعلیق: فاضل الحسینی المیلانی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1426 ه -- 2005 م, الناشر: مکتبة الأوحد.

160. العباس, السید المقرم.

ص:279

161. العبر, الذهبی, طبعة الکویت.

162. العدد القویة, علی بن یوسف الحلی, تحقیق: السید مهدی الرجائی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1408 ه -, الناشر: مکتبة آیة الله المرعشی العامة.

163. العقد الفرید, بن عبد ربه الأندلسی، دار الکتاب العربی، بیروت.

164. العقد النضید والدر الفرید, محمد بن الحسن القمی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1423 ه -- 1381 ش, الناشر: دار الحدیث للطباعة والنشر.

165. علل الشرائع, الشیخ الصدوق, تحقیق: تقدیم: السید محمد صادق بحر العلوم, سنة الطبع: 1385 ه -- 1966 م, الناشر: منشورات المکتبة الحیدریة ومطبعتها, النجف الأشرف.

166. عمدة الطالب, ابن عنبة, تصحیح: محمد حسن آل الطالقانی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1380-1961 م, الناشر: منشورات المطبعة الحیدریة, النجف الأشرف.

167. عوالی اللئالی, أبو جمهور الأحسائی, تقدیم: السید شهاب الدین النجفی المرعشی, تحقیق: الحاج آقا مجتبی العراقی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1403 ه -- 1983 م, المطبعة: سید الشهداء, قم.

168. عیون أخبار الرضا علیه السلام, الشیخ الصدوق, تصحیح وتعلیق وتقدیم: الشیخ حسین الأعلمی, سنة الطبع: 1404 ه -- 1984 م, الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت, لبنان.

169. عیون المعجزات, حسین بن عبد الوهاب, سنة الطبع: 1369 ه -, المطبعة: الحیدریة, نجف.

170. الغارات, إبراهیم بن محمد الثقفی, تحقیق: السید جلال الدین الحسینی الأرموی المحدث.

ص:280

171. غایة المأمول من علم الأصول, تقریرات بحوث السید الخوئی رحمه الله, للشیخ محمد تقی الجواهری.

172. الغدیر, الأمینی, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1397 ه -- 1977 م, الناشر: دار الکتاب العربی, بیروت, لبنان.

173. غرر الحکم ودرر الکلم, للآمدی عبد الواحد بن محمد التمیمی الآمدی، مکتب الإعلام الإسلامی، قم.

174. الغیبة, الشیخ الطوسی, تحقیق: الشیخ عباد الله الطهرانی، الشیخ علی أحمد ناصح, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: شعبان 1411 ه -, الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة, قم المقدسة.

175. الفاطمة المعصومة علیها السلام, محمد علی المعلم.

176. فتاوی الأزهر.

177. فتح الباری بشرح البخاری, ابن حجر, الطبعة: الثانیة, طبع ونشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بیروت, لبنان.

178. فتوح البلدان, البلاذری, نشر وإلحاق وفهرسة: الدکتور صلاح الدین المنجد., سنة الطبع: 1956 م, الناشر: مکتبة النهضة المصریة, القاهرة.

179. الفصول المختارة, الشریف المرتضی, تحقیق: السید نور الدین جعفریان الاصبهانی، الشیخ یعقوب الجعفری، الشیخ محسن الأحمدی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414 ه -- 1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

180. الفصول المهمة فی معرفة الأئمة, ابن الصباغ, تحقیق: سامی الغریری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1422 ه -, الناشر: دار الحدیث للطباعة والنشر.

181. فیض القدیر شرح الجامع الصغیر, المناوی, تصحیح أحمد عبد السلام, الطبعة: الأولی,

ص:281

سنة الطبع: 1415 ه -- 1994 م, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت.

182. قاموس الرجال, الشیخ محمد تقی التستری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1419 ه, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

183. القاموس المحیط, الفیروز آبادی.

184. قرب الإسناد, الحمیری القمی, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ه - 1413, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, قم.

185. قصص الأنبیاء, القطب الراوندی, تحقیق: المیرزا غلام رضا عرفانیان الیزدی الخراسانی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1418 ه -- 1376 ش, المطبعة: مؤسسة الهادی.

186. کاروانی با سیزده کجاوه.

187. الکاشف فی معرفة من له روایة فی کتب الستة, الذهبی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1413 ه -- 1992 م, الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامیة, جدة, مؤسسة علوم القرآن, جدة.

188. الکافی, الکلینی, تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری, الطبعة: الخامسة, سنة الطبع: 1363 ش, الناشر: دار الکتب الإسلامیة, طهران.

189. کامل الزیارات, جعفر بن محمد بن قولویه, تحقیق: الشیخ جواد القیومی، لجنة التحقیق, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1417, الناشر: مؤسسة نشر, الفقاهة.

190. الکامل فی التاریخ, ابن الأثیر, سنة الطبع: 1386-1966 م, الناشر: دار صادر للطباعة والنشر - دار بیروت للطباعة والنشر.

191. کتاب العین, الخلیل الفراهیدی, تحقیق: الدکتور مهدی المخزومی، الدکتور إبراهیم السامرائی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1409, الناشر: مؤسسة دار الهجرة.

192. الکتاب المقدس (العهد الجدید), الکنیسة. الناشر: دار الکتاب المقدس, سنة 1980.

193. الکتاب المقدس, مجمع الکنائس الشرقیة. الطبعة: الثالثة, سنة 1983, الناشر: دار

ص:282

المشرق, بیروت, لبنان.

194. کتاب سلیم بن قیس, تحقیق محمد باقر الأنصاری.

195. کتاب عبدالله بن عباس, السید محمد تقی الحکیم.

196. کذبة فارسیة یفضحها الحق العربی, عبد الحمید العلوجی, الطبعة الأولی بغداد 1987 م، عن دار الشؤون الثقافیة العامة.

197. کشف الغمة فی معرفة الأئمة, أبو الفتح الإربلی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1405-1985 م, الناشر: دار الأضواء, بیروت, لبنان.

198. الکشکول المبوب, الحاج حسین الشاکری, الطبعة: الخامسة, سنة الطبع: 1418 ه -, المطبعة: ستارة.

199. کفایة الأثر, الخزاز القمی, تحقیق: السید عبد اللطیف الحسینی الکوهکمری الخوئی,, سنة الطبع: 1401 ه -, الناشر: انتشارات بیدار.

200. کفایة الأحکام, المحقق السبزواری, تحقیق: الشیخ مرتضی الواعظی الأراکی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1423 ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

201. کفایة الطالب فی مناقب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب, الحافظ الکنجی الشافعی, ط النجف.

202. کمال الدین وتمام النعمة, الشیخ الصدوق, تحقیق: تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری, سنة الطبع: محرم الحرام 1405 ه -- 1363 ش, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

203. کنز العمال, المتقی الهندی, ضبط وتفسیر: الشیخ بکری حیانی, تصحیح وفهرسة: الشیخ صفوة السقا, سنة الطبع: 1409-1989 م, الناشر: مؤسسة الرسالة, بیروت, لبنان.

ص:283

204. کنز الفوائد, أبو الفتح الکراکجی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1369 ش, الناشر: مکتبة المصطفوی, قم.

205. اللباب فی تهذیب الأنساب, ابن الأثیر الجزری, المطبعة: دار صادر, بیروت, الناشر: دار صادر, بیروت.

206. لسان العرب, ابن منظور, سنة الطبع: محرم ه - 1405, الناشر: نشر أدب الحوزة, قم, ایران.

207. لسان المیزان, الحافظ ابن حجر, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1390 ه -- 1971 م, الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت, لبنان.

208. لمحات, الشیخ لطف الله الصافی, الناشر: قسم الدراسات الإسلامیة, مؤسسة البعثة.

209. اللمعة البیضاء, التبریزی الأنصاری, تحقیق: السید هاشم المیلانی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ه - 1418, الناشر: دفتر نشر الهادی, قم, ایران.

210. لواعج الأشجان, السید محسن الأمین, سنة الطبع: 1331, الناشر: منشورات مکتبة بصیرتی, قم.

211. مادران چهارده معصوم علیهم السلام, أحمد أمیری بور, انتشارات راز توکل, ط 3 سنة 1385.

212. المجالس الفاخرة فی مصائب العترة الطاهرة, السید شرف الدین, مراجعة وتحقیق: محمود بدری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1421 ه -, الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة, قم.

213. المجدی فی أنساب الطالبین, علی بن محمد العلوی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1409 ه -, الناشر: مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی العامة, قم المقدسة.

214. مجمع البحرین, الشیخ الطریحی, تحقیق: السید أحمد الحسینی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1408 ه -- 1367 ش, الناشر: مکتب النشر الثقافة الإسلامیة.

ص:284

215. مجمع الزوائد, الهیثمی, سنة الطبع: 1408 ه -- 1988 م, الناشر: دار الکتب العلمیة, بیروت, لبنان.

216. مجمع النورین, الشیخ أبو الحسن المرندی, طبعة حجریة.

217. مجمع مصائب أهل البیت, الشیخ محمد الهنداوی, الطبعة الثانیة, سنة 1378 ش, انتشارات: الشریف الرضی.

218. المجموع, محیی الدین النووی, الناشر: دار الفکر.

219. مجموعة الرسائل, الشیخ لطف الله الصافی.

220. محاضرات فی أصول الفقه, تقریرات بحث السید الخوئی, للفیاض, لطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1419 ه -, المطبعة والنشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

221. مختصر بصائر الدرجات, الحسن بن سلیمان الچلبی, لطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1370-1950 م, الناشر: منشورات المطبعة الحیدریة, النجف الأشرف.

222. مدینة المعاجز, البحرانی, تحقیق: الشیخ عزة الله المولائی الهمدانی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1413, الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة, قم, ایران.

223. مروج الذهب, المسعودی.

224. المزار, الشهید الأول, تحقیق: مدرسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ذی الحجة 1410, الناشر: مؤسسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف, قم المقدسة.

225. المزار, الشیخ المفید, تحقیق: السید محمد باقر الأبطحی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414-1993 م, الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع, بیروت, لبنان.

226. مستدرک الوسائل, المیرزا النوری, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, الطبعة: الأولی المحققة, سنة الطبع: 1408 ه -- 1987 م, الناشر: مؤسسة آل

ص:285

البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, بیروت, لبنان.

227. مستدرک سفینة البحار, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, تحقیق وتصحیح: الشیخ حسن ابن علی النمازی, سنة الطبع: 1418, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

228. المستدرک علی الصحیحین, الحاکم النیسابوری, تحقیق: إشراف: یوسف عبد الرحمن المرعشلی.

229. مستدرکات علم رجال الحدیث, الشیخ علی النمازی الشاهرودی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1412, المطبعة: شفق, طهران.

230. مستند الشیعة, المحقق النراقی, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, مشهد المقدسة, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ربیع الأول 1415, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, قم.

231. مسند احمد, احمد بن حنبل, الناشر: دار صادر, بیروت, لبنان.

232. مسند الإمام الرضا علیه السلام, الشیخ عزیز الله عطاردی, سنة الطبع: ربیع الآخر 1406 ه -, المطبعة: مؤسسة طبع ونشر آستان قدس الرضوی, الناشر: المؤتمر العالمی الإمام الرضا علیه السلام.

233. مسند الشهاب, ابن سلامة, تحقیق: حمدی عبد المجید السلفی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1405-1985 م, الناشر: مؤسسة الرسالة, بیروت.

234. مصباح المتهجد, الشیخ الطوسی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1411 ه - 1991 م, الناشر: مؤسسة فقه الشیعة, بیروت, لبنان.

235. المصباح, الکفعمی, الطبعة: الثالثة, سنة الطبع: 1403 ه -- 1983 م, الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت.

ص:286

236. معانی الأخبار, الشیخ الصدوق, تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری, سنة الطبع: 1379-1338 ش, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

237. المعجم الأوسط, الطبرانی, قسم التحقیق بدار الحرمین, سنة الطبع: 1415 ه -- 1995 م, الناشر: دار الحرمین للطباعة والنشر والتوزیع.

238. معجم البلدان, الحموی, سنة الطبع: 1399 ه -- 1979 م, الناشر: دار إحیاء التراث العربی, بیروت, لبنان.

239. معجم الفاظ الفقه الجعفری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1415-1995 م, المطبعة: مطابع المدوخل, الدمام.

240. المعجم الکبیر, للطبرانی, تحقیق وتخریج: حمدی عبد المجید السلفی, الطبعة: الثانیة، مزیدة ومنقحة, الناشر: دار إحیاء التراث العربی.

241. معجم رجال الحدیث, السید الخوئی, الطبعة: الخامسة, سنة الطبع: 1413-1992 م.

242. معجم ما استعجم, البکری الأندلسی, تحقیق وضبط: مصطفی السقا, الطبعة: الثالثة, سنة الطبع: 1403-1983 م, الناشر: عالم الکتب, بیروت, لبنان.

243. مفتاح الفلاح, البهائی العاملی, الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت, لبنان.

244. مقاتل الطالبیین, أبو الفرج الأصفهانی, تقدیم وإشراف: کاظم المظفر, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1385-1965 م, الناشر: منشورات المکتبة الحیدریة ومطبعتها, النجف الأشرف.

245. مقتضب الأثر, تألیف أحمد بن عیاش الجوهری, الناشر: مکتبة الطباطبائی قم.

246. مقتل الحسین علیه السلام, أبو مخنف الأزدی, تعلیق: حسین الغفاری, المطبعة: مطبعة العلمیة, قم.

247. المقنعة, الشیخ المفید, تحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع:

ص:287

1410 ه -, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

248. مکارم الأخلاق, الشیخ الطبرسی, الطبعة: السادسة, سنة الطبع: 1392 ه -- 1972 م, الناشر: منشورات الشریف الرضی.

249. مکیال المکارم, میرزا محمد تقی الأصفهانی, تحقیق: السید علی عاشور, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1421 ه -, الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات, بیروت.

250. الملاحم والفتن, ابن طاووس, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1416, الناشر: مؤسسة صاحب الأمر عجل الله فرجه.

251. الملحمة الحسینیة, العلامة الشهید مطهری, الطبعة الثالثة, 1413 ه -, الناشر: المرکز العالمی للدراسات الإسلامیة, قم ایران.

252. من لا یحضره الفقیه, الشیخ الصدوق, تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری, الطبعة: الثانیة, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

253. مناسک الحج, السید الکلبایکانی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: رجب المرجب 1413 ه -, الناشر: دار القرآن الکریم, قم المشرفة, ایران.

254. مناقب آل أبی طالب, ابن شهر آشوب, تصحیح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف, سنة الطبع: 1376 ه -- 1956 م, الناشر: المکتبة الحیدریة, النجف الأشرف.

255. مناقب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام, محمد بن سلیمان الکوفی, تحقیق: الشیخ محمد باقر المحمودی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1412, الناشر: مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة, قم المقدسة.

256. مناقب علی بن أبی طالب علیه السلام, أحمد بن موسی بن مردویه الاصفهانی, جمعه ورتبه وقدم له: عبد الرزاق محمد حسین حرز الدین, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1424-1382 ش, المطبعة والنشر: دار الحدیث

ص:288

257. المناقب, الموفق الخوارزمی, تحقیق: الشیخ مالک المحمودی, مؤسسة سید الشهداء علیه السلام, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: ربیع الثانی 1414, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

258. المنتخب الحسنی, مکتبة الصدر, طهران.

259. المنتظم فی تاریخ الملوک والأمم, أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن محمد بن الجوزی المتوفی سنة 597 ه -, ط دار الکتب العلمیة بیروت.

260. منتهی الآمال, الشیخ عباس القمی, الطبع فی طهران.

261. منیة المرید, الشهید الثانی, تحقیق: رضا المختاری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1409-1368 ش, المطبعة والناشر: مکتب الإعلام الإسلامی.

262. موارد الضمآن, الهیثمی, تحقیق: حسین سلیم أسد الدارانی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1411 ه -- 1990 م, الناشر: دار الثقافة العربیة.

263. موسوعة الإمام الجواد, السید الحسینی القزوینی, إشراف: أبی القاسم الخزعلی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ذی الحجة ه - 1419, المطبعة: أمیر, قم, الناشر: مؤسسة ولی العصر عجل الله فرجه الشریف للدراسات الإسلامیة, قم المشرفة.

264. موسوعة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام فی الکتاب والسنة والتاریخ, محمد الریشهری, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1425 ه -, المطبعة والناشر: دار الحدیث للطباعة والنشر.

265. موسوعة التأریخ الإسلامی, الیوسفی الغروی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ربیع الثانی 1417 ه -, المطبعة: مؤسسة الهادی, قم, الناشر: مجمع الفکر الإسلامی.

266. موسوعة المصطفی والعترة علیهم السلام, الحاج حسین الشاکری, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1417 ه -, المطبعة: ستارة, الناشر: نشر الهادی, قم, ایران.

267. موسوعة شهادة المعصومین علیهم السلام, لجنة الحدیث فی معهد باقر العلوم علیه السلام, الطبعة:

ص:289

الأولی, سنة الطبع: 1380 ش, المطبعة: اعتماد, قم, الناشر: انتشارات نور السجاد.

268. موسوعة کلمات الإمام الحسین علیه السلام, لجنة الحدیث فی معهد باقر العلوم علیه السلام, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: ربیع الثانی 1423 ه -, المطبعة: الآثار, قم, الناشر: دار المعروف.

269. میزان الاعتدال فی نقد الرجال, الذهبی, تحقیق: علی محمد البجاوی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1382 ه -- 1963 م, الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر, بیروت, لبنان.

270. میزان الحکمة, محمد الریشهری, تحقیق: دار الحدیث, الطبعة: الأولی, المطبعة والنشر: دار الحدیث.

271. نزهة المشتاق فی اختراق الآفاق, الشریف الادریسی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1409-1989 م, المطبعة والنشر: بیروت - عالم الکتب

272. نفس المهموم, الشیخ عباس القمی, مکتبة بصیرتی, قم.

273. نهایة الأحکام, العلامة الحلی, تحقیق: السید مهدی الرجائی, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1410 ه -, الناشر: مؤسسة إسماعیلیان للطباعة والنشر والتوزیع, قم, إیران.

274. النهایة فی غریب الحدیث, ابن الاثیر, تحقیق: طاهر أحمد الزاوی، محمود محمد الطناحی, الطبعة: الرابعة, سنة الطبع: 1364 ش, الناشر: مؤسسة إسماعیلیان للطباعة والنشر والتوزیع, قم, ایران.

275. نهج البلاغة, شرح: الشیخ محمد عبده, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1412 ه -- 1370 ش, الناشر: دار الذخائر, قم, ایران.

276. نوادر المعجزات, محمد بن جریر الطبری (الشیعی), تحقیق: مؤسسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1410 ه -, الناشر: مؤسسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف, قم.

277. النوادر, فضل الله الراوندی, تحقیق: سعید رضا علی عسکری, الطبعة: الأولی, المطبعة والناشر: مؤسسة دار الحدیث الثقافیة, قم.

ص:290

278. هویة التشیع, الشیخ أحمد الوائلی, الطبعة: الثالثة, سنة الطبع: 1414 ه -- 1994 م, الناشر: دار الصفوة, بیروت, لبنان.

279. الوافی بالوفیات, الصفدی, تحقیق: أحمد الأرناؤوط وترکی مصطفی, سنة الطبع: 1420 ه -- 2000 م, المطبعة والنشر: بیروت, دار إحیاء التراث.

280. وسائل الشیعة (آل البیت), الحر العاملی, تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث, الطبعة: الثانیة, سنة الطبع: 1414 ه -, المطبعة: مهر, قم, الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث بقم المشرفة.

281. وفیات الأعیان, ابن خلکان, تحقیق: إحسان عباس, المطبعة والنشر: لبنان, دار الثقافة.

282. ینابیع المودة لذوی القربی, القندوزی, تحقیق: سید علی جمال أشرف الحسینی, الطبعة: الأولی, سنة الطبع: 1416 ه -, المطبعة: أسوه, الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر.

ص:291

ص:292

فهرس المحتویات

المقدمة 5

الفصل السادس

فاطمة بنت الحسن أم الإمام الباقر علیهم السلام

النسب الطاهر 11

کنیتها وألقابها 12

الدلیل علی کنیتها أم عبد الله 13

من خصوصیات فاطمة بنت الحسن علیهما السلام 14

مقامها السامی 15

الزواج المیمون 16

المهدی حسینی الأب حسنی الأم 17

أولادها 18

النبی یبعث سلاماً لابنها الباقر علیه السلام 20

زید الشهید فی لسان المعصوم 21

ص:293

الفرق بین العلوی والفاطمی 22

فاطمة بنت الحسن وعاء وحجر للمعصوم 24

الملائکة تنادی فاطمة بنت الحسن علیها السلام 25

من صفاتها الصِّدِّیقة 26

من صفاتها الروایة 28

من أخبارها فی آخر الزمان 29

الأوضاع السیاسیة فی عصرها 30

حضورها کربلاء 32

وفاتها ومحل دفنها 32

زیارة السیدة فاطمة بنت الحسن 34

الفصل السابع

فاطمة بنت القاسم أم الإمام الصادق علیهما السلام

اسمها ونسبها 37

منزلة والدها القاسم 39

نبذة عن جدها محمد بن أبی بکر 41

منزلته عند أهل البیت علیهم السلام 44

نظرة فی جدها من أمها عبد الرحمن بن أبی بکر 46

کمالاتها العالیة 48

الصفات التی تتمتع بها 48

ص:294

قوة الإیمان 50

شدة التقوی 52

من صفاتها الإحسان 54

من صفاتها الروایة 56

من صفاتها العلم 57

أم فروة وعاء وحاضنة للمعصوم 58

أولادها 59

إیثارها بنفسها 60

سبب تسمیة ولدها بالصادق 61

النبی یکشف عن أسماء الأئمة وألقابهم 63

ولدنی أبو بکر مرتین 67

المناقشة فی سند الروایة 68

المناقشة فی الدلالة 70

وفاتها ومحل قبرها 72

الفصل الثامن

حمیدة بنت صاعد البربری أم الإمام الکاظم علیهما السلام

اسمها ونسبها 77

من ألقاب السیدة حمیدة 77

ص:295

البرابرة فی سطور 78

اقتران السیدة حمیدة بالإمام الصادق علیه السلام 81

حمیدة الزوجة الأولی للمعصوم علیه السلام 83

اهتمامها بزوجها الصادق علیه السلام 85

تکامل صفات السیدة حمیدة 85

المعلّی بن خنیس فی لسان المعصوم 86

الأملاک تحرس حمیدة 88

حمیدة من أهل العلم 89

حمیدة من وکلاء الصادق علیه السلام 91

من صفاتها الروایة 92

أولادها 93

حمیدة وعاء للمعصوم 95

علامات غیبیة فی ولادتها للکاظم علیه السلام 96

حمیدة ترعی أُم الإمام الرضا علیه السلام 97

حمیدة تزوج الإمام الکاظم علیه السلام 98

حرق دار السیدة حمیدة 99

حزنها علی زوجها 100

حمیدة من أوصیاء الصادق علیه السلام 101

وفاتها ومحل قبرها 103

ص:296

الفصل التاسع

نجمة النوبیة أم الإمام الرضا علیهما السلام

نسبها ومولدها 107

السبب فی تعدد أسمائها 108

بلدها الأصلی 110

بلاد النوبة 112

صفات السیدة نجمة الکمالیة 114

خلقها العظیم 116

إنّها من الرواة 117

تربیتها فی بیت المعصوم 118

بُعدها الدینی 119

الله یختار أم الرضا علیهما السلام 120

زواجها بأمر الغیب 121

إزالة توهم 122

السیدة نجمة وعاء للمعصوم 123

أولادها 125

الظروف المأساویة التی عاصرت السیدة نجمة 126

من بناتها فاطمة المعصومة علیها السلام 128

ص:297

من صفات فاطمة المعصومة علیها السلام 129

وفاة المعصومة ومحل قبرها 129

فضل زیارة فاطمة المعصومة علیها السلام 131

وفاة ومحل قبر السیدة نجمة 132

الفصل العاشر

خیزران المریسیة أم الإمام الجواد علیهما السلام

اسمها ونسبها 137

الحکمة من تعدد أسمائها 139

الاختلاف فی بلدها بین المریسیة والمرسیة 140

مکانتها الرفیعة 142

الصفات الکمالیة للسیدة خیزران 143

من صفاتها الطاهرة 144

من صفاتها المُّطَهَّرَةٌ 147

المقدسة 149

المنتجبة 151

رسول الله یمدح السیدة خیزران 152

الإمام الکاظم یرسل لها سلامه 154

أزواج الإمام الرضا علیه السلام 155

اقتران السیدة خیزران بالإمام الرضا علیه السلام 157

ص:298

أولادها 158

ولادة السیدة خیزران للمعصوم 162

من المعجزات فی ولادتها للمعصوم 163

براءتها من الاتهام 164

وفاة ومحل قبر السیدة خیزران 166

الفصل الحادی عشر

سوسن المغربیة أم الإمام الهادی علیهما السلام

اسمها ونسبها 171

بلاد المغرب 173

تکامل صفات السیدة سوسن 174

من صفاتها العارفة 175

من صفاتها المعصومة 177

الحراسة الإلهیة للسیدة سوسن 177

السیدة سوسن من أهل الجنة 179

أزواج الإمام الجواد علیه السلام 181

اقتران السیدة سوسن بالإمام الجواد علیهما السلام 183

اهتمام الإمام الجواد بالسیدة سوسن 184

ولادة السیدة سوسن للهادی علیه السلام 185

ص:299

أولادها 187

من بنات الإمام الجواد حکیمة 188

حکیمة ترعی أم الإمام المهدی 189

نبذة من حیاة السید موسی المبرقع 190

وفاة السیدة سوسن ومحل قبرها 192

الفصل الثانی عشر

سُمانة النوبیة أم الإمام العسکری علیهما السلام

اسمها ونسبها 197

سبب الاختلاف فی تعیین اسمها 198

سمو مقام السیدة سمانة 199

السیدة سُمانة مسلولة من کل الآفات 200

مطهرة من کل رجس 202

من صفات السیدة سُمانة الروایة 203

تلقیها أسرار الإمام العسکری علیه السلام 204

أمانتها لمیراث الإمامة 205

رجوع الناس إلیها بعد العسکری علیه السلام 206

أولادها 208

ولادتها للإمام العسکری علیه السلام 209

ص:300

الظروف السیاسیة التی مرت بها 211

وفاتها ومحل قبرها علیها السلام 214

الفصل الثالث عشر

نرجس الرومیة أم الإمام الحجة المنتظر علیهما السلام

اسمها ونسبها 219

من هو شمعون الصفا 221

شمعون وصی نبی الله عیسی علیه السلام 223

الشبه بین نرجس وأم موسی علیه السلام 225

مکانة السیدة نرجس عند الله وأهل البیت علیهم السلام 227

الرعایة الإلهیة لأم القائم علیه السلام 227

السیدة نرجس تکشف عن التحرک الغیبی 229

رسول الله| یخطب السیدة نرجس للعسکری علیه السلام 230

زیارة الزهراء للسیدة نرجس علیها السلام 232

کیفیة أسر السیدة نرجس علیها السلام 232

وثاقة رجال الروایة 233

خلاصة القول فی حال السیدة نرجس علیها السلام 236

السیدة نرجس تتکلم العربیة 237

الإمام الهادی یبشرها بالمهدی علیه السلام 237

ص:301

ولادة السیدة نرجس للإمام المهدی علیه السلام 238

العسکری یستقبل ابنه المولود المنتظر علیهما السلام 239

العسکری یجری مراسم یوم السابع 240

ولادة السیدة نرجس علیها السلام للقائم علیه السلام بلسان آخر 240

ولادتها للمهدی المنتظر عجل الله فرجه الشریف عند المخالفین 243

محاولات لقتل السیدة نرجس والحجة علیهما السلام 249

أولادها 251

الظروف السیاسیة الألیمة التی مرت بها السیدة نرجس علیها السلام 254

حکیمة تتکلم عن المهدی وأمه علیهما السلام 255

إزالة وهم 257

شفاعة السیدة نرجس علیها السلام 258

من کرامات السیدة نرجس علیها السلام 258

وفاة السیدة نرجس ومحل قبرها علیها السلام 259

زیارة ضریح السیدة نرجس علیها السلام 262

فهرس المصادر 265

فهرس المحتویات 293

ص:302

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.