نهایه الاحکام فی معرفه الاحکام المجلد 2

اشارة

سرشناسه:علامه حلی ، حسن بن یوسف ، ق 726 - 648

عنوان و نام پدیدآور:نهایه الاحکام فی معرفه الاحکام / تالیف العلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی المطهر الحلی ؛ تحقیق مهدی الرجائی

مشخصات نشر:قم : موسسه اسماعیلیان ، 1410ق . - = -1368.

فروست:(موسسه آل البیت (ع ) لاحیاآ التراث 7)

شابک:بها:4000ریال (دوره کامل )

یادداشت:ج . 1 (چاپ دوم : )1368

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس

موضوع:فقه جعفری

شناسه افزوده:رجائی ، مهدی ، 1336 - ، مصحح

رده بندی کنگره: ‫ BP182/3 ‫ /ع8ن9 1368

رده بندی دیویی: 297/342

شماره کتابشناسی ملی: م 69-1279

ص :1

اشارة

ص :2

نهایه الاحکام فی معرفه الاحکام

تالیف العلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی المطهر الحلی

تحقیق مهدی الرجائی

ص :3

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :4

ص :5

ص :6

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

تتمة کتاب الصلاة

المقصد الثالث: فی باقی الصلوات

اشارة

و فیه فصول

ص:7

ص:8

الفصل الأول (فی صلاة الجمعة)

اشارة

و فیه مطالب:

المطلب الأول (فی الشرائط)
اشارة

و یزید الجمعة علی الشرائط فی الیومیة بأمور ستة: الأول الوقت. الثانی السلطان. الثالث العدد. الرابع الجماعة. الخامس الوحدة. السادس الخطبتان. فهنا مباحث:

البحث الأول (فی الوقت)

الجمعة واجبة بالنص و الإجماع، قال اللّه تعالی فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللّهِ (1) و قال علیه السلام فی خطبة: اعلموا أن اللّه قد افترض علیکم الجمعة فی مقامی هذا فی شهری هذا فی عامی هذا، فمن ترکها فی حیاتی أو بعد موتی و له إمام عادل استخفافا بها أو جحودا بها، فلا جمع اللّه شملهم و لا بارک اللّه له فی أمره، ألا و لا صلاة له، ألا و لا زکاة له، ألا و لا حج له، ألا و لا صوم

ص:9


1- (1) سورة الجمعة: 9.

له، ألا و لا بر له حتی یتوب، فإن تاب تاب اللّه علیه(1).

و قال الباقر علیه السلام: فرض اللّه علی الناس من الجمعة إلی الجمعة خمسا و ثلاثین صلاة، منها صلاة واحدة فرضها اللّه عز و جل فی جماعة، و هی الجمعة، و وضعها عن تسعة الحدیث(2).

و أجمع المسلمون کافة علی وجوب صلاة الجمعة علی الأعیان، لقوله علیه السلام: الجمعة حق واجب علی کل مسلم إلا أربعة: عبد مملوک، أو امرأة، أو صبی، أو مریض(3).

و لا خلاف فی أن الجمعة کسائر الفرائض فی الأرکان و الشرائط، لکنها تختص بأمور زائدة، منها ما هو شرط فی صحتها، و منها شروط زائدة فی لزومها، و منها آداب و وظائف، و قدم الشرائط لتقدمها طبعا، و هی ستة:

الأول الوقت. الثانی السلطان. الثالث العدد. الرابع الخطبتان. الخامس الجماعة. السادس الوحدة.

أما الوقت: فلا خلاف فی اشتراطه، فلا مدخل للقضاء فی الجمعة علی صورتها إجماعا، بخلاف سائر الصلوات، فإن الوقت لیس شرطا لها، و إنما هو شرط فی إیقاعها أداء.

و أول وقتها زوال الشمس کالظهر علی الأصح، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله کان یصلی الجمعة بعد الزوال، و قال: صلوا کما رأیتمونی أصلی(4).

و قال الصادق علیه السلام: کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله یصلی الجمعة حین زوال الشمس قدر شراک(5). و لأنها بدل عن عبادة فلا یحسب قبل وقتها کالتیمم.

ص:10


1- (1) وسائل الشیعة 5-7 ح 38، سنن ابن ماجة 1-343.
2- (2) وسائل الشیعة 5-6 ح 19.
3- (3) وسائل الشیعة 5-6 ح 24.
4- (4) جامع الأصول 6-374.
5- (5) وسائل الشیعة 5-18 و 30.

و قال المرتضی: یجوز أن یصلی الفرض عند قیام الشمس یوم الجمعة خاصة.

و آخر وقتها إذا صار ظل کل شیء مثله، لأنه علیه السلام کان یصلی دائما بعد الزوال بلا فصل. فلو جاز التأخیر لفعله فی بعض الأوقات للبیان، کغیرها من الصلوات.

و لیس بقاء الوقت شرطا، فلو انعقدت الجمعة و تلبس بالصلاة - و لو بالتکبیر - فخرج الوقت قبل إکمالها أتمها جمعة، إماما کان أو مأموما، لأنه دخل فیها فی وقتها، فوجب إتمامها کسائر الصلوات، و لأن الوجوب یتحقق باستکمال الشرائط، فلا یسقط مع التلبس بفوات البعض کالجماعة.

فروع:

الأول: لو أدرک المسبوق رکعة مع الإمام، صحت له الجمعة إن کان تکبیرة افتتاحه وقعت فی الوقت، ثم یقوم لتدارک الثانیة و إن کان الوقت خارجا.

الثانی: لو غفلوا عن الصلاة حتی ضاق الوقت، فإن علم الإمام اتساعه لخطبتین خفیفتین و رکعتین خفیفتین، وجبت الجمعة، و کذا لو أدرک مع الخطبتین رکعة واحدة، بل تکبیرة الإحرام لا غیر معهما، صحت الجمعة عندنا.

الثالث: یستحب تعجیل الجمعة کغیرها من الصلوات.

الرابع: فرض الوقت للجمعة [1]، و هی قائمة بنفسها، لیست ظهرا مقصورة، فلیس له إسقاط الجمعة بالظهر، لأنه مأمور بالجمعة، فیکون منهیا عن الظهر فلا تقع عن الواجب، و لقوله علیه السلام: کتب علیکم الجمعة فریضة واجبة إلی یوم القیامة(1).

ص:11


1- (1) وسائل الشیعة 5-6 ح 22.

الخامس: لو فاتت الجمعة صلی الظهر أربعا بنیة الأداء إن کان وقت الظهر باقیا، و إن خرج الوقت صلی أربعا بنیة قضاء الظهر لا الجمعة، لأنه مع خروج وقت الجمعة تسقط الجمعة و یجب الظهر أداء، لسعة وقت الظهر و إمکان فوات الجمعة مع بقائه، فیکون الفائت بعد فوات الجمعة هو الظهر، لانتقال الوجوب إلیه.

و لو فاتته الجمعة بعد انعقادها، بأن زوحم و خرج الوقت قبل إدراک رکعة مع الإمام، استأنف الظهر و لا یبنی علی الجمعة، لتغایر الفرضین.

السادس: لو صلی المکلف بالجمعة الظهر قبل أن یصلی الإمام الجمعة، لم تصح صلاته و یجب علیه السعی إلی الجمعة، فإن صلاها برئت ذمته، و إلا أعاد الظهر، لأن ما فعله أولا لم یکن واجبا علیه.

و لا فرق فی صحة الظهر المفعولة بعد فوات الجمعة بین أن یکون قد ترک الجمعة عمدا أو لضرورة.

و لو صلی الظهر و شک هل صلی قبل صلاة الإمام أو بعدها؟ فالأصل البقاء.

و لو صلی الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة، فإن علم أنه یفوته إدراکها، صحت صلاته و إلا فلا. و فوات الجمعة برفع الإمام رأسه من رکوع الثانیة.

السابع: من لا تجب علیه الجمعة - کالمسافر و العبد - له أن یصلی الظهر قبل صلاة الإمام و معه و بعده، و إن جاز أن یصلی جمعة، لأن الجمعة غیر واجبة علیه، فصح منه الظهر فی أوله کالبعید. و لا یستحب له تأخیر ظهره حتی یفرغ الإمام، لأن فرضه الظهر، فیستحب تقدیمها.

فإذا حضر أصحاب الأعذار الجمعة وجبت علیهم، و سقط عنهم فرض الوقت، لأنها سقطت عنهم لعذر تخفیفا، و وجبت علی أهل الکمال، لانتفاء المشقة فی حقهم، فإذا حضروا سقطت المشقة المبیحة للترک.

ص:12

و لو صلوا الظهر فی منازلهم ثم حضروا الجمعة، لم تبطل ظهرهم، سواء زال عذرهم أو لا.

و یستحب الجماعة لمن فاتته الجمعة فی الظهر، و کذا لأصحاب الأعذار، لعموم قوله علیه السلام: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمسة و عشرین درجة(1).

و یستحب لذوی الأعذار السعی إلی الجمعة و إن صلوا الظهر، طلبا لفضیلة الجماعة، کما یستحب فی الظهر.

و یحرم إنشاء السفر لمن وجبت علیه الجمعة و اشتملت الشرائط فیه بعد الزوال قبل الصلاة، لقوله علیه السلام: من سافر من دار إقامته یوم الجمعة دعت علیه الملائکة لا یصحب فی سفره، و لا یعان علی حاجته(2). و لأنه مخاطب بالسعی، فلا یجوز العدول عنه، و سواء کان لأجل الجهاد أو لغیره.

أما [1] مع الضرورة، کخائف فوات الصحبة مع ضرورته إلیها، و الخوف علی النفس، أو المرض، أو المال، أو علی من یجری مجراه من ولد و رفیق و حیوان محترم، یجوز له ترک الجمعة للمشقة.

و یجوز السفر قبل الزوال. و یکره بعد الفجر.

البحث الثانی (السلطان)

و یشترط فی وجوب الجمعة السلطان أو نائبه، عند علمائنا أجمع، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کان یعین لإقامة الجماعة، و کذا الخلفاء بعده، کما عین للقضاء. و کما لا یصح أن ینصب الإنسان نفسه قاضیا من دون إذن الإمام، فکذا إمام الجمعة.

ص:13


1- (1) وسائل الشیعة 5-371 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 5-86 ما یشبه ذلک.

و لروایة محمد بن مسلم قال: لا تجب الجمعة علی أقل من سبعة:

الإمام، و قاضیه، و مدعی حقا، و مدعی علیه، و شاهدان، و من یضرب الحدود بین یدی الإمام(1).

و السلطان عندنا هو الإمام المعصوم، فلا تصح الجمعة إلا معه، أو مع من یأذن له. هذا فی حال ظهوره.

أما فی حال الغیبة فالأقوی أنه یجوز لفقهاء المؤمنین إقامتها، لقول زرارة: حثنا الصادق علیه السلام علی صلاة الجمعة حتی ظننت أنه یرید أن نأتیه، فقلت: نغدوا علیک، فقال: لا إنما عنیت عندکم(2). و قال الباقر علیه السلام لعبد الملک: مثلک یهلک و لم یصل فریضة فرضها اللّه، قلت:

کیف أصنع ؟ قال: صلوا جماعة. یعنی صلاة الجمعة(3).

و منع جماعة من أصحابنا ذلک، لفقد الشرط، و الباقر و الصادق علیهما السلام لما أذنا لزرارة و عبد الملک جاز لوجود المقتضی، و هو إذن الإمام.

و یشترط فی نائب الإمام أمور:

الأول: العدالة، لأن الاجتماع مظنة التنازع، و الحکمة تقتضی عدمه، و إنما یحصل بالسلطان، و مع فسقه لا یزول لتبعیة أفعاله قوته الشهویة، و لأنه لیس محلا للأمانة فلا یصلح للإمامة، لجواز أن یصلی صلاة باطلة، و لقوله تعالی «وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا (4) و الایتمام رکون إلیه.

و لقوله علیه السلام: لا تؤمن امرأة رجلا و لا فاجر مؤمنا(5). و سئل الرضا علیه السلام رجل یقارف الذنوب و هو عارف بهذا الأمر أصلی خلفه ؟ قال: لا(6).

ص:14


1- (1) وسائل الشیعة 5-9 ح 9.
2- (2) وسائل الشیعة 5-12 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 5-12 ح 2.
4- (4) سورة هود: 113.
5- (5) وسائل الشیعة 5-392 مع تفاوت.
6- (6) وسائل الشیعة 5-393 ح 10.

الثانی: البلوغ شرط، فلا تصح إمامة الصبی، لعدم التکلیف فی حقه، و لأنه إن لم یکن ممیزا لم یعتد بفعله، و إلا عرف بترک المؤاخذة علی فعله، فلا یؤمن ترک واجب أو فعل محرم، و لأن العدالة شرط و هی منوطة به.

الثالث: العقل، لعدم الاعتداد بفعل المجنون. و لو کان یعتوره فکذلک، لجواز أن یحصل له حالة إمامته.

الرابع: الذکورة، فلا تصح إمامة المرأة و لا الخنثی.

الخامس: الحریة، و الأقوی اشتراطها، لأنها من المناصب الجلیلة فلا یلیق بالعبد، و لأن العبد لا تجب علیه، فلا یکون إماما کالصبی.

السادس: طهارة المولد، فلا تصح إمامة ولد الزنا، لنقصه، فلا یناط به المناصب الجلیلة.

السابع: السلامة من الجذام و البرص و العمی، لقول الصادق علیه السلام خمسة لا یؤمون الناس علی کل حال: المجذوم، و الأبرص، و المجنون، و ولد الزنا، و الأعرابی(1). و أما الأعمی فلأنه لا یتمکن من التحرز عن النجاسات غالبا.

فروع:

الأول: لو خفی فسق الإمام، ثم ظهر بعد الصلاة، أجزأ للامتثال.

و کذا لو ظهر کفره، سواء کان مما یخفی کالزندقة أو لا کالتهود و التنصر.

و لو شک فی إسلامه، لم تنعقد صلاته، لأن ظهور العدالة شرط و هو منتف مع الشک. و کذا لو بان کونه جنبا أو محدثا، و یحتمل البطلان إن لم یتم العدد إلا به، لأن الجماعة شرط، و إنما یرتبط بالإمام، فإذا بان أن الإمام لم یکن مصلیا بان أنه لا جماعة، و أن أحد شروط الجمعة قد فات، بخلاف سائر

ص:15


1- (1) وسائل الشیعة 5-397 ح 1.

الصلوات، لأن الجماعة لیست شرطا، و غایته أن یصلی منفردا. و یشکل بأن حدث الإمام لا یمنع صحة الجماعة، و ثبوت حکمها فی حق المأموم الجاهل بحاله.

الثانی: المخالف فی فروع الفقه مع اعتقاد الحق، لا یمنع الإمامة. و لو اعتقد المجتهد شیئا من الفروع و فعل ضده مع بقاء اعتقاده قدح فی عدالته.

و کذا المقلد إذا أفتاه العالم. أما لو عدل من عالم إلی أعلم أو مساو، لم یقدح فی عدالته.

الثالث: لو حضر إمام الأصل، لم یأمّ غیره إلا مع العذر إجماعا، لتوقف الایتمام علی إذنه، فلیس لغیره التقدم علیه، و کذا نائب الإمام، و لقول علی علیه السلام: إذا قدم الخلیفة مصرا من الأمصار جمع بالناس، لیس ذلک لأحد غیره(1).

الرابع: لا یشترط فی الإمام أن یکون ممن یجب علیه الجمعة، فللمسافر أن یکون إماما مع الإذن، لأنه ممن تصح منه الجمعة، فکان إماما کالحاضر.

و هل یصح أن یکون متنفلا؟ کمسافر صلی الظهر ثم حضر، إشکال، ینشأ: من أنه لا بد فی العدد المشروط، من أن یکونوا مصلین فرض الجمعة فکذا الإمام، و من جواز اقتداء المفترض بالمتنقل فی صورة المصلی ثانیا. أما لو صلی الصبح قضاء، أو غیرها من الفرائض، فالأقوی صحة الایتمام به، لأنها صلاة فرض فأشبهت الجمعة کغیرها من الفرائض.

الخامس: لو قام إمام الجمعة إلی رکعة ثالثة سهوا، فاقتدی به إنسان و أدرک جمیع الرکعة، لم یحسب له، لأنها غیر محسوبة للإمام، و الزیادة یمکن الاطلاع علیها بالمشاهدة و إخبار الغیر، فلا تجزیه، کما لو اقتدی بالمرأة، بخلاف الحدث، فلا ینعقد له بها جمعة و لا ظهر.

السادس: لو لم یدرک مع الإمام المحدث إلا رکوع الثانیة، احتمل أن

ص:16


1- (1) وسائل الشیعة 5-36 ح 1 ب 20

یکون مدرکا للجمعة، لأنه لو أدرک کل الرکعة لکانت محسوبة له، فکذا إذا أدرک رکوعها، کالرکعة المحسوبة للإمام، و الأقوی عدم الإدراک، لأن الحکم بإدراک ما قبل الرکوع بإدراک الرکوع خلاف الحقیقة، إنما یصار إلیه إذا کان الرکوع محسوبا من صلاة الإمام لیتحمل به، فأما غیر المحسوب فلا یصلح للتحمل عن الغیر.

بخلاف ما لو أدرک الرکعة بکمالها، لأنه قد فعلها بنفسه، فتصح علی وجه الانفراد إن تعذر تصحیحها علی وجه الجماعة، و هنا لا یمکن التصحیح علی سبیل الانفراد، فإن الرکوع لا یبتدأ به.

السابع: إذا أحدث الإمام فی صلاة الجمعة أو غیرها من الفرائض، أو خرج بسبب آخر، جاز أن یستخلف غیره لیتم بهم الصلاة، لأن النبی علیه السلام خرج فأتم الصلاة التی ابتدأ بها أبو بکر. و قول علی علیه السلام: من وجد أذی، فلیأخذ بید رجل فلیقدمه(1). یعنی إذا کان إماما، و لأن صلاة المأموم لا تبطل ببطلان صلاة الإمام، فإذا قدم من یصلح للإمامة کان کما لو أتمها، فلا ینفک المأموم من الجماعة و العمل بالفضیلة فیها.

و لا فرق فی جواز الاستخلاف بین ما إذا أحدث الإمام بعد الخطبتین قبل التحریم و بعدها، فإذا استخلف صلی بهم من غیر خطبة، لخروج العهدة عنها بفعلها أولا.

و لو أحدث بعد التحریمة، استخلف سواء صلی رکعة أولا، و أتمها جمعة.

و إنما یستخلف من هو بشرط الإمامة. و لا یشترط فیه سماعه للخطبة و لا الإحرام مع الإمام للروایة. و لو لم یستنب الإمام، أو مات، أو أغمی علیه، فإن کان بعد رکعة استناب المأمومون، و للواحد منهم أن یتقدم، لأن الإمام قد خرج و المأمومون فی الصلاة، و هی جمعة انعقدت صحیحة بإذن الإمام فیتمونها جمعة. و لا یفتقر إلی إذن مستأنف.

ص:17


1- (1) وسائل الشیعة 4-1345 ح 8.

و لو لم یستنیبوا أو بقی واحد و من لا یصلح للإمامة، أتموها جمعة فرادی.

و کذا لو کان قبل صلاة رکعة.

و لو تعمد الإمام الحدث فکالسهو فیه.

و هل یجب اتحاد الإمام و الخطیب ؟ الأقرب المنع، لجواز تعدد الأئمة فی صلب الصلاة، مع احتماله، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله تولاهما.

و لا یجب علی المأمومین استئناف نیة القدوة، لأنه خلیفة الأول، و الغرض من الاستخلاف تنزیل الخلیفة منزلة الأول. و یحتمل الوجوب، لوجوب تعیین الإمام فی الابتداء.

و لو استناب المأمومون، لم تبطل صلاة المتلبس و أتم جمعة، و غیره کذلک علی الأقوی، لأنها جمعة مشروعة.

و ینبغی أن یستخلف علی قرب، و لیس شرطا. فلو قضوا رکنا فالأقرب جواز الاستخلاف إن جوزنا تجدید نیة الاقتداء للمنفرد، و علی المسبوق أن یراعی نظم صلاة الإمام، فیقعد فی موضع قعوده، و یقوم فی موضع قیامه، لأنه اقتدی به و التزم ترتیب صلاته، و لا یتابعه فی القنوت بل یقف قائما، و لا فی التشهد بل یقعد ساکتا. و إذا تمت صلاة المأمومین، قام الخلیفة لتدارک ما علیه، فإن شاء المأمومون فارقوه و سلموا، و یستحب أن یشیر إلیهم بالتسلیم.

و إن شاءوا صبروا جالسین لیسلموا معه.

و لو أحدث بین الخطبة و الصلاة، جاز أن یستخلف فی الصلاة، لأن التعدد قد جاز فی الصلاة، و هی عبادة واحدة، فهنا أولی. و کذا لو أحدث فی أثناء الخطبة و شرطنا الطهارة.

و لو صلی مع الإمام رکعة من الجمعة، ثم فارقه لعذر، لم تبطل صلاته، و جاز له أن یتمها جمعة. و لو فارقه لا لعذر فإشکال.

و لو أتم الإمام و لم یتم المأمومون، بأن کانوا مسبوقین، و لم یستخلف الإمام

ص:18

جاز لهم أن یستخلفوا کغیر الجمعة. و کذا لو کانوا مقیمین و هو مسافر فی إحدی الرباعیات.

البحث الثالث (العدد)

لا تنعقد الجماعة بالواحد، بل لا بد من العدد إجماعا، لأن تسمیتها «جمعة» من الاجتماع المستلزم للتکثر، و لأن الإمام شرط و إنما یتحقق مسماه بالمأموم.

و الأقرب عندنا أن أقل عدد یجب معه الجمعة خمسة نفر الإمام أحدهم، لتوجه الخطاب بصیغة الجمع، و الاستیطان شرط و هو مظنة التنازع، فلا بد من حاکم یفصل بین المتنازعین فوجب الثالث، ثم لما اعتورت الحوادث للإنسان وجب أن یکون للحاکم نائب یقوم مقامه عند العوارض فوجب رابع، ثم لما کان التنازع مظنة الافتراء احتیج إلی من یستوفی الحدود بإذن الحاکم مباشرة فوجب خامس. فالأمور الضروریة التی لا بد من حصولها فی الاجتماع خمسة نفر.

و لقول الباقر علیه السلام: لا تکون الخطبة و الجمعة و صلاة رکعتین علی أقل من خمسة رهط الإمام و أربعة(1).

و یشترط فی العدد أمور:

الأول: الذکورة، فلا تنعقد بالنساء و لا بالرجال إذا کمل العدد بامرأة أو خنثی مشکل، أما الخنثی الملحق بالرجال فرجل.

الثانی: التکلیف، فلا ینعقد بالصبی و إن کان ممیزا، و لا بالمجنون و إن لم یکن مطبقا، إلا أن یکون وقت الإقامة مفیقا.

الثالث: الحریة، علی الأقوی، فلا تنعقد بالعبد، قنا کان أو مدبرا أو

ص:19


1- (1) وسائل الشیعة 5-7 ح 2.

مکاتبا أو أم ولد، لأنه لو انعقدت به لانعقدت بجماعتهم منفردین کالأحرار.

الرابع: الحضر، علی الأقوی، فلا تنعقد بالمسافر، و هو الذی یجب علیه القصر. فلو وجب علیه التمام، کالعاصی بسفره، و من قصر سفره عن المسافة، و من یتکرر سفره کالملاح، و من نوی الإقامة فی بلد الجمعة عشرة أیام، أو أقام أزید من ثلاثین، وجبت علیه الجمعة، لأن السفر غیر مؤثر فی القصر، فلا یؤثر فی إسقاط الجمعة.

الخامس: الإسلام، فلا تنعقد بالکافر إجماعا، و تنعقد بالفاسق بلا خلاف.

السادس: عدم العلم بحدث أحدهم، فلو أحدث أحدهم مع العلم به و العدد یتم به، لم تنعقد ما لم یتطهر. و لو لم یعلم، صحت الجمعة للمتطهرین. و کذا لو ظهر حدث أحدهم و کان جاهلا به، کواجد المنی علی الثوب المختص به، فإن الجمعة تصح لغیره، و یقضی هو الظهر.

و لا یشترط الصحة، و لا زوال الموانع من المطر و الخوف، فلو حضر المریض أو المحبوس بالمطر أو الخائف، وجبت علیهم و انعقدت بهم، لأن سقوطها عنهم لمشقة السعی، فإذا تکلفوه زالت المشقة، فزال مانع الوجوب و الانعقاد به.

و لا یشترط دوام العدد فی الصلاة، فلو انعقدت بهم، ثم انفضوا أو ماتوا أو تجدد عذر کالحدث و غیره بعد تکبیرة الإحرام، لم تبطل الجمعة، بل یتمها الباقی جمعة رکعتین، لأن الأصل عدم اشتراط الاستدامة، و لأن الصلاة افتتحت جمعة.

و قال علیه السلام: الصلاة علی ما افتتحت علیه. و لأنهم انفضوا عن النبی (ص) و لم یبق معه إلا اثنا عشر رجلا، و فیهم نزلت وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً (1) ثم إنه بنی علی الصلاة و هو الرامی، و لأنهم شرطوا أربعین، لأن بقاء العدد عنده لا یتعلق باختیاره، و فی الابتداء یمکن تکلیفه بأن لا یحرم حتی

ص:20


1- (1) سورة الجمعة: 11.

یحضروا، و الشیء قد یشترط فی الابتداء دون الدوام کالنیة.

فروع:

الأول: لا اعتبار بانفضاض الزائد علی العدد إجماعا، لأنه لیس بشرط فی الابتداء، فکذا فی الاستدامة.

الثانی: العدد المعتبر فی الصلاة معتبر فی الکلمات الواجبة من الخطبة، لأن الخطبة ذکر واجب فی الجمعة، فیشترط حضور العدد فیه کتکبیرة الإحرام.

فلو انفضوا قبل الخطبة، لم یخطب حتی یجتمع العدد و هو الخمسة عندنا.

و إن کان فی أثناء الخطبة فالرکن المأتی به فی غیبتهم غیر محسوب، بخلاف ما لو انفضوا فی الصلاة. و الفرق أن کل مصل یصلی لنفسه، فجاز أن یتسامح فی نقصان العدد فی الصلاة، و فی الخطبة الخطیب لا یخطب لنفسه، و إنما غرضه إسماع العدد و تذکرهم، فإذا خطب و لا مستمع، أو مع نقصان عدد المستمعین، فات مقصود الخطبة.

الثالث: لو عاد العدد بعد انفضاضهم فی أثناء الخطبة بنی، لجواز البناء فی الصلاة لمن سلم ناسیا، ففی الخطبة أولی، سواء طال الفصل أو قصر، لأن الغرض الوعظ و التذکر، و هو حاصل مع تفرق الکلمات.

الرابع: لو لم یعد الأولون و عاد عدد غیرهم، فالأقرب وجوب إعادة الخطبة، سواء طال الفصل أو لا.

و لو عاد الأولون و قد انفضوا بعد الفراغ من الخطبة صلی بهم، سواء طال الفصل أو لا، لأن الأقرب عدم اشتراط الموالاة بین الخطبة و الصلاة للأصل.

و یحتمل عدم الإعادة فی الأول، لأنهم قد ینفضون ثانیا، فیعذر فی ترک إعادتها.

الخامس: کما لا یشترط دوام العدد، کذا لا یشترط دوام الجماعة بعد التحریم، فلو تحرم بالعدد ثم انفضوا أو ماتوا کلهم، أتم هو الجمعة، لأن

ص:21

الشروع وقع و الشروط موجودة، فلا یضر الانفراد بالعدد بعده.

و لا فرق بین أن ینفضوا قبل رکعة أو بعدها. و یحتمل اشتراط الرکعة، فلو انفضوا قبلها فلا جمعة، و الأقوی حینئذ أن یصلوها ظهرا، لأنها صلاة صحیحة، فجاز العدول عنها إلی الواجبة.

و هل یشترط کمال الرکعة ؟ الأقرب ذلک، فلو انفضوا بعد الرکوع و قبل السجود الثانی فلا جمعة. و یحتمل الاکتفاء بالرکوع، لأنه کاف فی إدراک الرکعة للمسبوق، فکذا هنا.

البحث الرابع الجماعة)

الجماعة شرط فی الجمعة، فلا تصح الانفراد بالجمعة و إن حصل العدد، بل لا بد من الارتباط الحاصل بین صلاتی الإمام و المأموم، لأنه علیه السلام لم یصلها إلا کذلک و قال: صلوا کما رأیتمونی أصلی(1).

و لأن الجمعة صلاة تجمع الجماعات، و الغرض منها إقامة الشعار و إظهار اتفاق الکلمة، و بفوات الجماعة یفوت الغرض. و ما رواه زرارة قال: فرض اللّه من الجمعة إلی الجمعة خمسا و ثلاثین صلاة، واحدة فرضها اللّه فی جماعة، و هی الجمعة(2).

و هی شرط فی الابتداء دون الاستدامة، فلو ابتدأ منفردا ثم ائتم به فی الأثناء لم تنعقد. و لو ابتدأ إماما ثم انفض العدد بعد التحریم، لم تبطل، و یحتمل بعد الرکعة.

و هل یجب أن ینوی الإمام نیة الإمامة ؟ الأقرب ذلک هنا خاصة.

و لا یشترط التساوق بین تکبیرة الإمام و المأمومین، و لا بین نیتهما علی

ص:22


1- (1) جامع الأصول 6-374.
2- (2) وسائل الشیعة 5-3 ح 1.

الأقوی. بل یجوز أن یتقدم الإمام بالنیة و التکبیر، ثم یتعقبه المأمومون، نعم لا یجوز أن یتأخروا بالتکبیر عن الرکوع. فلو رکع و نهض قبل تحریمهم فلا جمعة.

و إن لحقوا به فی الرکوع، صحت جمعتهم. و لا یشترط أن یتمکنوا من قراءة الفاتحة.

و إن لحقوا به فی الرکوع، فالأقرب صحة الجمعة. و لو لم یلحقوا به إلا بعد الرکوع، لم یکن لهم جمعة، و الأقرب أنه لا جمعة للإمام أیضا، لفوات الشرط و هو الجماعة فی الابتداء و الأثناء. و حینئذ فالأقرب جواز عدول نیته إلی الظهر. و یحتمل الانقلاب إلی النفل، و البطلان، و الصحة جمعة إن لحقوه قبل فوات رکوع الثانیة.

و إذا انعقدت الجمعة و دخل المسبوق، لحق الرکعة إن کان الإمام راکعا، و یدرک الجمعة إن أدرکه راکعا فی الثانیة، ثم یتم بعد فراغ الإمام، لقوله علیه السلام: من أدرک من الجمعة رکعة فلیضف إلیها أخری، و من أدرک دونها صلاها أربعا(1).

و لأن الأعذار تعتور الإنسان غالبا، فلو کلف الإدراک من أول التحریم حصلت المشقة، فإنه الغرض فی حق الأکثر، و هو مناف للحکمة، فاعتبر إدراک رکعة من الرکعتین، کإدراک المبیت بإدراکه إلی نصف اللیل.

و یدرک الرکعة بإدراک الإمام راکعا، و إن لم یدرک تکبیرة الرکوع.

و یکفی اجتماعه مع الإمام فی جزء من الرکوع، لقول الصادق علیه السلام:

إذا أدرکت الإمام و قد رکع فکبرت و رکعت قبل أن یرفع رأسه فقد أدرکت الرکعة، و إن رفع الإمام رأسه قبل أن ترکع فقد فاتتک(2).

و للشیخ قول: إنه إن أدرک تکبیرة الرکوع أدرک الرکعة و إلا فلا، و لیس عندی بعیدا من الصواب، لقول الباقر علیه السلام لمحمد بن مسلم: إن لم

ص:23


1- (1) جامع الأصول 6-427، سنن ابن ماجة 1-356.
2- (2) وسائل الشیعة 5-442 ح 2.

یدرک القوم قبل أن یکبر الإمام للرکعة فلا تدخل معهم فی تلک الرکعة(1).

و لفوات واجب الرکوع، فیکون قد أدرکه فی المستحب، فلا تحصل الرکعة بالمتابعة فیه، لفوات الرکوع الواجب.

فروع (یتعلق بالمسبوق)

الأول: لا یشترط إدراک الخطبة، لأن إدراک أول الرکعة لیس شرطا، فالخطبة أولی.

الثانی: لو ذکر ترک سجدة سهوا، و شک أ هی من التی أدرکها مع الإمام أو الثانیة ؟ قضاها و سجد للسهو إن کان بعد التسلیم، و إن کان قبله فالأقرب فعلها قبله و إعادة التشهد، لأنه شاک فی الأولی و قد فاتت و هو مأموم أیضا، فلا عبرة بشکه فیها فیتعین للأخری، و یحتمل المساواة للأولی، فیسلم ثم یقضی، و علی التقدیرین یدرک الجمعة، إذ لا یضر الرکعة فوات سجدة سهوا.

الثالث: لو کبر و الإمام راکع فرفع، فإن أتی بالذکر قبل أن یخرج الإمام فی نهوضه عن حد الراکعین، صحت له تلک الرکعة، و إن لم یلحق ذلک، فإن کان فی الثانیة فاتته الجمعة، و إن کان فی الأولی، احتمل الذکر ثم یلحق بالإمام فی السجود، لکن فی إدراکه للجماعة فی أبعاض هذه الرکعة إشکال، و الاستمرار علی حاله إلی أن یلحق الإمام فی ثانیه و یتم مع الإمام، و الاستیناف.

الرابع: لو شک هل کان الإمام راکعا أو رافعا؟ رجحنا جانب الاحتیاط علی الاستصحاب.

الخامس: لو أدرک مع الإمام رکعة، فلما جلس مع الإمام ذکر أنه ترک فیها سجدة، فإنه یسجد و یدرک الرکعة، لأنه صلی مع الإمام رکعة، و فعل

ص:24


1- (1) وسائل الشیعة 5-441 ح 2.

السجدة فی حکم متابعته، فلم یمنع ذلک من إدراکها، و کذا لو ذکرها بعد تسلیم الإمام، لأن فوات السجدة الواحدة لا یقتضی فوات الرکعة.

السادس: لو قام الإمام إلی الثالثة سهوا، فأدرکه فیها، فصلاها معه، لم یکن مدرکا للجمعة إجماعا، لأنها زیادة، و هل یعدل إلی الظهر أو یستأنف ؟ الأقرب الثانی، و هل له التنفل ؟ إشکال.

السابع: لو ذکر الإمام ترک سجدة لا یعلم موضعها بعد أن قام إلی الثالثة سهوا، و قلنا بالإبطال بکل سهو یلحق الأولین، أو ذکر ترک سجدتین، بطلت صلاته، و لو قلنا بالتلفیق، تمت صلاته، لأن المتروک إن کان من الأولی فقد تمت بالثانیة و کانت الثالثة ثانیة، و إن ترکها من الثانیة تمت بالثالثة، و لا یتم جمعة المأموم اللاحق فی الثالثة، لجواز أن تکون هی من الثانیة، فیتم بالثالثة، فلم تکن الثالثة من أصل الجمعة، لأن المحسوب منها للإمام سجدة واحدة.

و لو ذکر الإمام أنها من الأولة، أدرک المأموم الجمعة، لأن الأولی تمت بالثانیة و کانت الثالثة ثانیته و قد أدرکها المأموم.

فروع (یتشعب عن شرط الجماعة یتعلق بالإمام)

الأول: لو کان الإمام متنفلا بأن یکون مسافرا قد صلی الظهر أولا، فإن فرض تم العدد به فلا جمعة، إذ لیس من أهل التکلیف بها، فلا یتعلق وجوب غیره به علی إشکال. و إن تم بغیره احتمل جواز الاقتداء به، کما یجوز اقتداء المفترض بالمتنفل و عدمه لنقص صلاته.

الثانی: لو کان الإمام عبدا، فالأقرب أنه إن أتم العدد به، لم تصح الجمعة، و إلا صحت کالمسافر، لأن العدد قد تم بصفة الکمال، و جمعة العبد صحیحة و إن لم یلزمه.

ص:25

الثالث: قال الشیخ(1): أقسام الناس فی الجمعة خمسة، منهم من تجب علیه و تنعقد به، و هو الذکر الحر البالغ، العاقل، الصحیح السلیم من العمی و العرج و الشیخوخة التی لا حراک معها، الحاضر أو من هو بحکمه.

و منهم من لا تجب علیه و لا تنعقد به، و هو الصبی و المجنون و العبد و المسافر و المرأة، لکن تصح منهم إلا المجنون.

و منهم من تنعقد به و لا تجب علیه، و هو المریض و الأعمی و الأعرج، و من کان علی رأس أکثر من فرسخین.

و منهم من تجب علیه و لا تنعقد به، و هو الکافر، لأنه مخاطب بالفروع عندنا.

الرابع: لا تصح إمامة الصبی، لأنه لا جمعة علیه، و إذا فعلها لا یسقط بها الفرض عن نفسه، إذ لا فرض علیه، بخلاف العبد و المسافر، فإنهما یسقطان بهما فرض الظهر إن جوزنا إمامتهما. و یحتمل الجواز کسائر الفرائض إن جوزنا إمامته فیها.

الخامس: إذا استخلف الإمام من اقتدی به قبل حدثه، صح. و إن استخلف غیره، لم یصح، و لم یکن لذلک الغیر أن یصلی الجمعة، لأنه لا یجوز ابتداء جمعة بعد انعقاد جمعة، و لو صح منه الجمعة، لکان مبتدئا بها بعد انعقاد جمعة الإمام و القوم، بخلاف المأموم یدخل فی صلاة الجمعة، فإنه تابع للقوم لا مبتدئ. و هل یصح ظهرا له أو ینقلب نفلا؟ الأقرب الأول إن عدل بالنیة إلیها، و إلا فلا. أما المأمومون فإنهم یتمون الجمعة، لأنها وقعت أولا صحیحة، و یحتمل اشتراط فعل رکعة تامة.

فروع (یتعلق بالزحام)

الأول: إذا رکع مع الإمام فی الأولی، ثم منعه الزحام عن السجود، لم

ص:26


1- (1) المبسوط 1-143.

یجز له أن یسجد علی ظهر غیره أو رأسه أو رجله، عند علمائنا أجمع، بل ینتظر حتی یتمکن من السجود علی الأرض، لقوله علیه السلام: و مکن جبهتک من الأرض(1). و لیس له الإیماء به، و لا أن یتمها ظهرا، لأن إقامة الجمعة واجبة، فلا یجوز الخروج قصدا مع توقع إدراکها.

ثم إن تمکن من السجود قبل رکوع الإمام فی الثانیة سجد کما یمکن، ثم ینهض إلی الثانیة و یرکع مع الإمام للحاجة و الضرورة، و مثله وقع فی صلاة عسفان، حیث سجد النبی علیه السلام و بقی صف لم یسجد معه، و لیس له أن یرکع مع الإمام قبل قضاء السجدتین، لئلا یزید رکنا، و یستحب للإمام تطویل القراءة لیلحق به.

الثانی: لو سجد و لحق الإمام، فوجده راکعا فی الثانیة، انتصب واجبا، لوجوبه و تمکنه منه، و یترک القراءة لسقوطها عنه، و خوف فوت الرکوع الواجب.

و لو وجده قد قام من رکوع الثانیة، لم یقم، بل یجلس إلی أن یسلم الإمام، ثم یقوم و یأتی لثانیة، و لیس له أن یتابع الإمام فی سجدتیه، لئلا یزید رکنا.

و لو وجده و قد سلم، فالأقوی إدراکه للجمعة، لأنه أدرک الرکوع الأول فیتم ما علیه.

الثالث: لو لم یتمکن من السجود حتی یرکع فی الثانیة، لم یتابعه فی الرکوع، بل یراعی ترتیب صلاته، لئلا یزید رکنا، و یوالی بین رکوعین فی رکعة واحدة، فإن رکع عامدا، بطلت صلاته، و علیه أن یبتدئ الإحرام بالجمعة إن أمکنه إدراک الإمام فی الرکوع.

و إن کان ناسیا أو جاهلا، احتمل ذلک أیضا، لأن زیادة الرکن مطلقا مبطلة. و الصحة، لأن حکم الایتمام قد یخالف الانفراد، کما لو سبق إلی

ص:27


1- (1) جامع الأصول 6-253.

رکوع أو سجود ناسیا قبل الإمام، فإنه یرجع إلی حاله ثم یعید مع إمامه.

فحینئذ لا یعتد برکوعه و لا تبطل صلاته، فإذا سجد معه بعد الرکوع حسب له السجدتان، لأنا أمرناه بالسجود، فقدم علیه شیئا غیر معتد به و لا مفسد، فإذا انتهی إلیه وجب أن یقع عن المأمور به.

و یحتمل أن یعیدهما، لأنه فعلهما علی قصد الثانیة، فلا یقع عن أولاه، کما لو نسی سجدة من رکعة، ثم سجد لتلاوة أو سهو، لا یقوم مقامها، فإن قلنا بالأول فالحاصل رکعة ملفقة و یدرک بها الجمعة.

الرابع: إذا لم یرکع فی الثانیة مع الإمام کما هو الواجب علیه، بل انتظره إلی أن سجد الإمام و هو المأمور به، فهو مقتد قدوة حکمیة، لوقوع السجود بعد الرکوع الثانی للإمام، و یدرک به الجمعة، لأنه أدرک رکعة ملفقة. و إذا سجد مع الإمام نوی بسجدتیه أنهما لرکعته الأولی، فإن نوی بهما للثانیة، فالوجه بطلان الصلاة، لإخلاله برکن فی الأولی و هو السجدتان. و برکن فی الثانیة و هو الرکوع.

و لو لم ینو بهما شیئا، فالوجه البطلان، لأنه مقتد بالإمام و هو فی حکم التابع له فی أفعاله، و قد سجد الإمام للثانیة، فینصرف فعل المأموم إلیه أیضا تحقیقا للاقتداء. و هل له أن یسجد قبل سجود الإمام ؟ إشکال، أقربه المنع، بل یتابع الإمام، فإذا سلم الإمام اشتغل بتدارک ما علیه، لأنه إنما جعل الإمام لیؤتم به، فأشبه المسبوق.

الخامس: إذا رکع الإمام فی الثانیة، فاشتغل بالسجدتین، ثم نهض فوجد الإمام راکعا، تابعه و سقطت عنه القراءة کالمسبوق، و یسلم معهم و یتم جمعته. و إن وجده قد رفع رأسه من الرکوع، لم یتابعه فی السجود علی ما تقدم، بل إما ینوی الانفراد و یتم الجمعة، لإدراکه الرکعة، علی إشکال من حیث إنه فاته السجدتان معه، و إما أن یستمر علی حاله إلی أن یسلم الإمام، ثم یتم ما علیه. و یحتمل أن یجلس متابعة للإمام و لا یسجد. فإذا سلم الإمام، قام فأتم ما بقی علیه.

ص:28

السادس: لو لم یتمکن من السجود، حتی سجد الإمام فی الثانیة، تابعه فی السجود إجماعا، و یحصل رکعة ملفقة. و لو لم یتمکن حتی یتشهد الإمام سجد، فإن أدرک الإمام قبل السلام، أدرک الجمعة و قام فأتم ما بقی علیه.

و إن لم یدرکه حتی سلم، فکذلک علی إشکال.

السابع: لو کان الزحام فی سجود الثانیة، و قد صلی الأولی مع الإمام، سجد متی تمکن قبل سلام الإمام أو بعده و صحت جمعته. و لو کان مسبوقا لحقه فی الثانیة، فإن تمکن قبل سلام الإمام سجد و قد أدرک رکعة، و إن لم یتمکن حتی سلم الإمام فإشکال.

الثامن: لو زوحم عن رکوع الأولی حتی سجد الإمام، رکع و لحقه و تابعه فی السجود، و إن وجده قد نهض إلی الثانیة سجد و لحقه، و لو لم یتمکن حتی یرکع [1] الإمام فی الثانیة، رکع و یعتد له بالرکعة الثانیة، و تکون أولی له.

التاسع: لو زوحم عن سجود الأولی، فقضاه قبل رکوع الإمام فی الثانیة، ثم رکع مع الإمام فزوحم عن السجود، فقضاه بعد جلوس الإمام للتشهد، تبع الإمام فی التشهد و تمت جمعته، لأنه أدرک جمیع الصلاة بعضها فعلا و بعضها حکما، فیثبت له حکم الجماعة.

العاشر: لو زوحم عن الرکوع و السجود فی الأولی، صبر حتی یتمکن منها، ثم یلتحق للروایة(1) ، فإن لحق الإمام راکعا فی الثانیة، تابعه و أدرک الجمعة، و لو لحقه رافعا من رکوع الثانیة، ففی إدراک الجمعة إشکال، ینشأ:

من أنه لم یلحق رکوعا مع الإمام و من إدراک رکعة تامة فی صلاة الإمام حکما، و لو لم یتمکن من القضاء حتی رکع الإمام فی الثانیة، فزوحم عن المتابعة حتی سجد الإمام، أتمها ظهرا.

الحادی عشر: النسیان عذر کالزحام، فلو تأخر سجوده عن سجود

ص:29


1- (1) وسائل الشیعة 5-32.

الإمام بالنسیان، ثم سجد فی حال قیام الإمام، فالحکم کما تقدم فی الزحام، لأنه عذر، و کذا لو تأخر لمرض.

و لو بقی ذاهلا عن السجود، حتی رکع الإمام فی الثانیة ثم تنبه، فإنه کالمزحوم یرکع مع الإمام.

و لو تخلف عن السجود عمدا حتی قام الإمام و رکع فی الثانیة أو لم یرکع، ففی إلحاقه بالمزحوم إشکال.

الثانی عشر: الزحام کما یفرض فی الجمعة یفرض فی غیرها، و ذکر فی الجمعة، لأن وقوعه أکثر فیها، لأن الجماعة شرط فیها، و لا سبیل إلی المفارقة ما دام یتوقع إدراک الجمعة، بخلاف باقی الصلوات، و الحکم فی غیر الجمعة کالحکم فیها.

البحث الخامس (الوحدة)

الوحدة شرط فی الجمعة، فلا تنعقد جمعتان بینهما أقل من فرسخ، سواء کانتا فی مصر واحد أو مصرین، و سواء فصل بینهما نهر عظیم أو لا، عند علمائنا أجمع، لقول الباقر علیه السلام: لا یکون بین الجمعتین أقل من ثلاثة أمیال(1) ، و إذا کان بین الجماعتین ثلاثة أمیال فلا بأس أن یجمع هؤلاء و هؤلاء، لأن النبی علیه السلام لم یجمع إلا فی مسجد واحد، و کذا الخلفاء بعده.

و إذا لم یجز إقامتها فی مساجد البلد کسائر الجماعات و احتمل تعطیل المساجد، عرف أن المقصود إظهار شعار الاجتماع و اتفاق کلمة المسلمین، فلیقتصر علی الواحد، لأنه أفضی إلی هذا المقصود، و لأنه لا ضبط بعد مجاوزة الواحدة، و مع بعد المسافة یشق الإتیان، فلا بد من تقدیر یرفع المشقة.

و القدر الذی یمکن تکلیفه لأکثر الناس فرسخ، فکان الاعتبار به.

ص:30


1- (1) وسائل الشیعة 5-16 ح 1.

فلو احتاج من بعد بأقل من فرسخ إلی مرکوب و تمکن منه وجب، إما بالتملک، أو الاستیجار، أو العاریة، و هل یجب قبول الهبة أو العاریة ؟ إشکال.

فإن صلیت جمعتان بینهما أقل من فرسخ، فله صور:

الأول: أن تسبق إحداهما الأخری، فالسابقة صحیحة، لاجتماع الشرائط فیها، و اللاحقة باطلة، و السبق یحصل بالتحریم، فالتی سبق عقدها علی الصحة هی الصحیحة، و إن تقدمت الثانیة فی الخطبة أو التسلیم أو کانت جمعة السلطان، لأنه لا بد من إذنه، و الاعتبار إنما هو بتمام التکبیر، حتی لو سبقت إحداهما بهمزة التکبیر و الأخری بالراء، فالصحیحة هی التی سبقت بالراء، لأنها هی التی تقدم تکبیرها.

و لو شرع الناس فی صلاة الجمعة، فأخبروا أن طائفة أخری سبقتهم بها و فاتت الجمعة علیهم، استأنفوا الظهر، و هل لهم أن یتموها ظهرا؟ الأقوی المنع، لظهور البطلان.

الثانی: أن تقع الجمعتان معا، فیتدافعان و تبطلان معا، و یستأنف واحدة إن وسع الوقت، و إلا صلوا الظهر.

الثالث: أن یشکل الحال، فلا یدری أوقعتا معا، أو سبقت إحداهما، فیعیدون جمعة و ظهرا، لاحتمال الاتفاق، فلا جمعة، فتجب إعادتها.

و التقدم، فیعلم وقوع جمعة صحیحة، فلا یصح عقد أخری، فوجبت الصلاتان معا.

الرابع: أن تسبق إحدی الجمعتین علی التعیین، ثم تلتبس، فلا تخرج واحدة من الطائفتین عن العهدة، إذ لا یقین لإحداهما بصحة جمعته، و الأصل بقاء الفرض فی ذمتهم، و لیس لهم إعادة جمعة، لأنه قد وقعت فی البلد جمعة صحیحة، فلا سبیل إلی تعقبها بأخری، بل تصلی الطائفتان الظهر، فمن لا جمعة له، صحت له الظهر.

ص:31

الخامس: أن تسبق إحداهما و لا تتعین، کما لو سمع مریضان أو مسافران تکبیرتین متلاحقتین و هما خارج المسجد، و أخبراهم الحال و لم یعرفا من تقدم تکبیرة، فلا یخرجون عن العهدة، لأن کل واحدة یجوز أن تکون هی المتأخرة، فیحتمل ضعیفا استیناف جمعة إن بقی الوقت، لأن المفعولتین باطلتان غیر مجزیتین، فکأنه لم یقم فی البلد جمعة أصلا، و الحق ما تقدم فی الصورة الرابعة، من أنهم یصلون الظهر، لأن إحداهما صحیحة فی علم اللّه تعالی، و إنما لم یخرجوا عن العهدة للإشکال.

و لهذه الصور الخمس نظائر فی نکاحین عقدهما ولیان، و سیأتی إن شاء اللّه تعالی.

البحث السادس (الخطبتان)

و فیه أقطاب:

القطب الأول (فی واجباتها)

من شرائط الجمعة تقدیم خطبتین، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله لم یصل الجمعة إلا بخطبتین متقدمتین و قال: صلوا کما رأیتمونی أصلی(1). و لأنه تعالی أوجب السعی إلی ذکر اللّه تعالی، و المراد به الخطبة، فیستلزم وجوبها، و لأنهما أقیمتا مقام الرکعتین، و البدل کالمبدل فی الحکم، و قال الصادق علیه السلام:

لا جمعة إلا بخطبة(2).

و یجب أمور:

الأول: التعدد، فلا یجزی الخطبة الواحدة، امتثالا لفعله علیه

ص:32


1- (1) جامع الأصول 6-374.
2- (2) وسائل الشیعة 5-16 ح 9.

السلام: و لأنهما أقیمتا مقام رکعتین، فالإخلال بإحداهما إخلال برکعة.

الثانی: یجب فی کل خطبة منهما حمد اللّه تعالی، و یتعین «الحمد للّه» لأنه علیه السلام داوم علی ذلک، و لقول الصادق علیه السلام: یحمد اللّه(1).

و الأقرب إجزاء «الحمد للرحمن».

الثالث: الصلاة علی النبی و آله علیهم السلام فی کل خطبة، لأن کل عبادة افتقرت إلی ذکر اللّه افتقرت إلی ذکر رسوله، کالأذان و الصلاة، و لقول الصادق علیه السلام: و یصلی علی محمد و آله(2).

الرابع: الوصیة بالتقوی فی کل واحدة منهما، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله واظب علیها فی خطبته، و لأن المقصود من الخطبة الوعظ و التحذیر، و لا یجوز الإخلال به، و لأن الصادق علیه السلام قال: ثم توصی بتقوی اللّه(3) ، و الأقرب أنه لا یتعین لفظ «الوصیة» لأن غرضها الوعظ، فبأی لفظ وعظ حصل الغرض.

و لا یکفی الاقتصار علی التحذیر من الاغترار بالدنیا و زخارفها، لأنه قد تتواصی به المنکرون للمعاد، بل لا بد من الحمل علی طاعة اللّه تعالی و المنع من المعاصی.

و لا یجب فی الموعظة فصل و کلام طویل، بل لو قال: «أطیعوا اللّه» کفاه، لکن الأفضل فیه استعطاف القلوب و تنبیه الغافلین.

الخامس: قراءة القرآن فی کل واحدة من الخطبتین، لأنه علیه السلام کان یقرأ فیها.

و هل تجب سورة تامة ؟ قال الشیخ: نعم، لقول الصادق علیه السلام:

ص:33


1- (1) وسائل الشیعة 5-38 ح 2.
2- (2) نفس المصدر.
3- (3) نفس المصدر.

تقرأ سورة قصیرة من القرآن(1) ، و لأنهما بدل فیجب فیهما القراءة علی حد ما یجب فی المبدل.

فروع:

الأول: ظاهر کلام المرتضی الاکتفاء بمسمی القرآن، فحینئذ یکفی آیة واحدة تامة الفائدة، و لا فرق بین أن یکون فی وعد و وعید، أو حکم، أو قصص.

الثانی: لا یکفی آیة فیها وعظ عنهما.

الثالث: الأقرب علی قول السید الاکتفاء بشطر آیة إذا تمت الفائدة بها، أما لو قال «ثم نظر» لم یکف و إن عد آیة، لأنها غیر مفهم.

الرابع: کلام السید یقتضی عدم وجوب القراءة فی الثانیة، و علیه دلت روایة سماعة عن الصادق علیه السلام(2).

الخامس: کلام المرتضی یقتضی وجوب الاستغفار للمؤمنین فی الثانیة فی مقابلة القراءة المختصة بالأولی، و علیه دلت روایة سماعة(3). و کلام الشیخ یقتضی عدم وجوب الدعاء للمؤمنین للأصل.

السادس: کلام الشیخ یقتضی وجوب الصلاة علی النبی صلی اللّه علیه و آله فی الخطبتین، لقوله تعالی «وَ رَفَعْنا لَکَ ذِکْرَکَ» (4) أی لا أذکر إلا و تذکر معی. و لم یوجب الشهادة بالرسالة فیهما.

و کلام المرتضی یقتضی وجوب الشهادة بالرسالة فی الأولی، و الصلاة علیه فی الثانیة.

ص:34


1- (1) نفس المصدر.
2- (2) نفس المصدر.
3- (3) نفس المصدر.
4- (4) سورة أ لم نشرح: 4.

السابع: لا تصح الخطبة إلا بالعربیة، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله داوم علی ذلک. و لو کان المستمع ممن لا یفهم العربیة، فالأقوی الخطبة بغیرها، إذ القصد الوعظ و التخویف، و إنما یحصل بفهم کلامه.

و یجب أن یتعلم واجد العربیة فی الخطبة، کالعاجز عن التکبیر بالعربیة، فلو مضت مدة إمکان التعلم و لم یتعلم، عصی و تصح الجمعة.

الثامن: ینبغی أن تکون السورة خفیفة، و یجوز أن یقرأ إحدی العزائم، فینزل و یسجد لو قرأ السجدة. و لو کان المنبر عالیا لو نزل لطال الفصل، نزل أیضا، و إن أمکنه أن یسجد علیه فعل.

التاسع: لا یجوز أن یقتصر علی آیات تشتمل علی الأذکار، لأنه لا تسمی خطبة. و لو أتی ببعضها فی ضمن آیة، لم یمنع.

القطب الثانی (فی شرائط الخطبتین)

و هی ستة:

الأول: الوقت، و هو ما بعد الزوال، فلا یجوز تقدیمها و لا شیء منها علی الأصح، لأنه علیه السلام کان یخطب بعد الزوال، و لو جاز التقدیم لقدمها، تخفیفا علی الباکرین، و إیقاعا للصلاة فی أول الوقت.

و للشیخ قول بجواز إیقاعها قبل الزوال، بحیث إذا فرغ منها زالت الشمس.

الثانی: تقدیمهما علی الصلاة، بخلاف صلاة العید، لأنه علیه السلام کذا فعل فی الموضعین، لأنهما شرط فی الجمعة، و الشرط متقدم، بخلاف العید.

الثالث: القیام فیهما عند القدرة، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله و من بعده لم یخطبوا إلا من قیام، و لأنه ذکر یختص بالصلاة لیس من شرطه القعود،

ص:35

فکان من شرطه القیام کالقراءة و التکبیر، فإن عجز فالأولی أن یستنیب غیره.

و لو لم یفعل و خطب قاعدا أو مضطجعا، جاز کالصلاة، و یجوز الاقتداء به، سواء قال لا أستطیع أو سکت، بناء علی الظاهر من أن قعوده للعجز، فإن بان أنه کان قادرا، فهو کما لو بان أن الإمام محدث.

الرابع: الجلوس بینهما، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله و من بعده جلسوا بینهما دائما(1) ، و یجب فیه الطمأنینة کالجلسة بین السجدتین.

و لو خطب قاعدا لعجزه عن القیام لم یضطجع بینهما للفصل، بل یفصل بسکتة، کما فی الفصل فی الصلاة قاعدا.

الخامس: شرط بعض علمائنا طهارة الحدث و البدن و الثوب و المکان من الخبث، اتباعا لما جرت السنّة علیه فی الأعصار، و لأن الخطبتین بدل، و لأن الموالاة بینهما و بین الصلاة واجبة عند آخرین، و علی هذا یشترط ستر العورة، لأنهما بدل.

و قیل: لا یشترط، لأنه ذکر یتقدم الصلاة فأشبه الأذان.

و علی الأول لو کان جنبا و قرأ عزیمة لم تصح الخطبة، لأن القراءة شرط، و هی محرمة.

و لو سبقه الحدث فی الخطبة، لم یعتد بما یأت به حال الحدث. فإن تطهر و عاد، فالأقرب البناء و إن طال الفصل.

السادس: رفع الصوت بالخطبتین، فإن الوعظ الذی هو الغایة إنما یحصل بالاستماع المشترط برفع الصوت، و لأنه علیه السلام کان إذا خطب رفع صوته کأنه منذر جیش، فلو خطب سرا بحیث لا یسمعه العدد، لم تحسب، و لو رفع الصوت قدر ما یبلغ، لکن کانوا أو بعضهم صما، فالأقرب الإجزاء، کما لو سمعوا و لم یفهموا.

ص:36


1- (1) جامع الأصول 6-433.

السابع: العدد، قال الشیخ: شرط الخطبتین العدد المشترط فی الجمعة(1) ، لأنهما ذکر هو شرط فی الجمعة، فکان من شرطه حضور العدد کالتکبیر، و لأن وجوب الخطبة تابع لوجوب الجمعة التابع لحضور العدد.

فلو انفضوا فی الأثناء فالمأتی به حال غیبتهم غیر محسوب، لأن القصد بها الإسماع، فإن عادوا قبل طول الفصل جاز البناء، و کذا إن طال علی إشکال، لأن الوعظ یحصل معه تفرق الکلمات.

و لو اجتمع بدل الأولین العدد، فلا بد من استیناف الخطبة مطلقا، و لو انفضوا بعد تمام الخطبة و عادوا قبل طول الفصل، بنیت الصلاة علی الخطبة، و کذا إن طال علی إشکال.

و العدد إنما هو شرط فی واجبات الخطبة دون مستحباتها.

الثامن: نیة الخطبة من فرضها، لأنها عبادة فافتقرت إلی النیة کالصلاة.

التاسع: الترتیب بین أجزاء الخطبة الواجبة، فلو قدم علی الحمد غیره، أو قدم الوعظ علی الصلاة استأنف، للتأسی به صلی اللّه علیه و آله.

القطب الثالث (فی الإصغاء)

الأقرب وجوب الإنصات، و هو السکوت، و الاستماع، و هو شغل السمع بالسماع، لقوله تعالی وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ (2) ذکر فی التفسیر أن الآیة وردت فی الخطبة، و سمیت «قرآنا» لاشتمالها علیه، فلا یحل له الکلام.

و یحتمل الکراهة، و لأن رجلا دخل و النبی صلی اللّه علیه و آله یخطب یوم

ص:37


1- (1) المبسوط 1-146.
2- (2) سورة الأعراف: 204.

الجمعة، فقال: متی الساعة ؟ فأومی إلیه بالسکوت، فلم یقبل و أعاد الکلام فقال النبی صلی اللّه علیه و آله بعد الثالثة: ما ذا أعددت لها؟ فقال: حب اللّه و رسوله، فقال: إنک مع من أحببت(1) ، و لم ینکر علیه.

و هل یحرم الکلام علی الخطیب فی الأثناء؟ الأقرب المنع للأصل، و لأنه علیه السلام کلم قتلة ابن أبی الحقیق و سألهم عن کیفیة قتله فی الخطبة(2). و إنما حرم علی المستمع لئلا یمنعه عن السماع.

و للشیخ قول بالتحریم، و الأصل فیه أن الخطبتین إن جعلناهما بمثابة الرکعتین حرم الکلام، و إلا فلا، و الخلاف فی کلام لا یتعلق به غرض مهم.

أما لو رأی أعمی یقع فی بئر، أو عقربا تدب علی إنسان، فأنذرهما، أو علم إنسانا شیئا من الخیر أو نهاه عن منکر، فإنه لا یحرم، و یستحب الاقتصار علی الإشارة إن کفت فی الغرض.

و یجوز الکلام قبل الشروع فی الخطبة، و بعد الفراغ منها، لأنه لیس وقت الاستماع. و کذا یجوز حالة الجلوس بین الخطبتین علی الأقوی.

و یجوز للداخل فی أثناء الخطبة أن یتکلم ما لم یأخذ لنفسه مکانا.

و یجوز رد السلام، بل یجب، لأنه کذلک فی الصلاة، ففی الخطبة أولی، و کذا یجوز تسمیت العاطس، و هل یستحب ؟ یحتمل ذلک، لعموم الأمر به، و العدم، لأن الإنصات أهم، فإنه واجب علی الأقوی، بخلاف التسمیت، و هل یجب الإنصات علی من لا یسمع الخطبة ؟ الأولی المنع، لأن غایته الاستماع، فله أن یشتغل بذکر و تلاوة، و یحتمل الوجوب لئلا یرتفع اللغط، و لا یتداعی إلی منع السامعین عن السماع، و لا تبطل جمعة المتکلم و إن حرمناه

ص:38


1- (1) سنن الترمذی 4-595.
2- (2) سنن البیهقی 3-222.

إجماعا، و الخلاف فی الإثم و عدمه، فإذا صعد الخطیب المنبر، فیستحب لمن لیس فی الصلاة أن لا یفتتحها، سواء صلی السنّة أو لا، و من کان فی الصلاة خففها، لئلا یفوته سماع أول الخطبة، و لقول أحدهما علیهما السلام: إذا صعد الإمام المنبر فخطب، فلا یصلی الناس ما دام الإمام علی المنبر(1) ، و الکراهة تتعلق بالشروع فی الخطبة لا بالجلوس علی المنبر، لقول أحدهما علیهما السلام: فخطب، و لأن المقتضی للمنع السماع.

و لو دخل و الإمام فی آخر الخطبة و خاف فوت تکبیرة الإحرام، لم یصل التحیة، لأن إدراک الفریضة من أولها أولی، و أما الداخل فی أثناء الخطبة، فالأقرب أنه کذلک، للعموم، و لأن رجلا جاء یتخطی رقاب الناس، فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: اجلس فقد آذیت و آنیت(2) ، و لأنه یستحب له السماع من أول الخطبة، فالبعض أولی.

و یجب أن یرفع الإمام صوته بالخطبة، بحیث یسمع العدد المعتبر من أهل الکمال، و هل یحرم الکلام علی من عدا العدد؟ إشکال.

القطب الرابع (فی سنن الخطبة)

و هی أمور:

الأول: الخطبة علی المنبر، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله لما دخل المدینة خطب مستندا إلی جذع، فلما بنی له المنبر صعد علیه، و لاشتماله علی الإبلاغ للبعید.

الثانی: وضع المنبر علی یمین المحراب، و هو الموضع الذی یکون علی یمین

ص:39


1- (1) وسائل الشیعة 5-39 ح 3.
2- (2) سنن ابن ماجة 1-354.

الإمام إذا استقبل، لأن منبره علیه السلام کذا وضع.

الثالث: أن لا یکون المنبر کبیرا، بحیث یضیق المکان علی المصلین، إذا لم یکن المسجد متسعا للخطبة.

و لو لم یکن منبر، خطب علی موضع مرتفع یبلغ صوته الناس.

الرابع: التسلیم علی من عند المنبر إذا انتهی إلیه، لاستحباب التسلیم للواردین، و کان علیه السلام إذا دنا من منبره سلم علی من عند المنبر ثم یصعد، فإذا استقبل الناس بوجهه سلم ثم قعد.

الخامس: التسلیم علی الناس إذا صعد علی المنبر و انتهی إلی الدرجة التی تلی موضع القعود، و تسمی «المستراحة» اقتداء به علیه السلام، و قول علی علیه السلام: من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن یسلم إذا استقبل الناس(1).

و لا یسقط بالتسلیم الأول، لأن الأول مختص بالقریب من المنبر، و الثانی عام.

السادس: أن یجلس بعد السلام علی المستراح، لیستریح عن تعب الصعود، لأنه علیه السلام کان یخطب خطبتین و یجلس جلستین(2) ، و المراد هذه الجلسة التی قبل الخطبتین، و قال الباقر علیه السلام: کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إذا خرج إلی الجمعة قعد علی المنبر حتی یفرغ المؤذنون(3).

السابع: بلاغة الخطیب بحیث لا یکون مؤلفة من الکلمات المبتذلة، لأنها لا تؤثر فی القلوب، و لا من الکلمات الغریبة الوحشیة، لعدم انتفاع الناس بها، بل تکون قریبة من الأفهام ناصة علی التخویف و الإنذار.

الثامن: أن لا یطول فیها، لقوله علیه السلام: قصر الخطبة و طول الصلاة من فقه الرجل(4) ، و لا یقصرها بل تکون وسطا.

ص:40


1- (1) وسائل الشیعة 5-43 ح 1.
2- (2) جامع الأصول 6-433.
3- (3) وسائل الشیعة 5-43 ح 2.
4- (4) جامع الأصول 6-436.

التاسع: أن لا تشتمل الخطبة علی ما یستنکره عقول الحاضرین، لقول علی علیه السلام: کلموا الناس علی قدر عقولهم، أ تحبون أن تکذبوا اللّه و رسوله ؟.

العاشر: أن یأتی بالکلمات علی تأنّ و ترتیب و سکون، و لا یمدها مدا یشبه الغناء، و لا یدرجها بحیث لا یفهم.

الحادی عشر: کون الخطیب مواظبا علی الصلوات حافظا لمواقیت الفرائض، لیقع وعظه فی القلوب بموقع.

الثانی عشر: أن یستدبر القبلة، لیستقبل الناس بوجهه، و لا یلتفت یمینا و لا شمالا، لأنه علیه السلام کان إذا خطب استقبل الناس بوجهه و استقبلوه و کان لا یلتفت(1) ، و لو خطب مستقبلا للقبلة و مستدبرا للناس، جاز و إن خالف السنّة.

الثالث عشر: أن یکون صادق اللهجة لا یلحن فی الخطبة.

الرابع عشر: أن لا یضع یمینه علی شماله کما فی الصلاة، بل یشغل بما یعتمد علیه یسراه، و یقبض بالیمین حرف المنبر.

الخامس عشر: أن یعتمد علی سیف أو عنزة أو عصا و نحوها، اقتداء بالنبی علیه السلام، فإنه کان یعتمد علی عنزته اعتمادا، و قال الصادق علیه السلام: و یتوکأ علی قوس أو عصا(2).

السادس عشر: أن یکون متعمما شتاء و صیفا مرتدیا، لأنه أدخل فی الوقار، و أن یکون التردی ببرد یمنیة لأنه علیه السلام کان یتعمم و یرتدی و یخرج فی الجمعة و العیدین علی أحسن هیئة.

ص:41


1- (1) جامع الأصول 6-436.
2- (2) وسائل الشیعة 5-38 ح 2 ب 24.
المطلب الثانی (فی من یجب علیه)
اشارة

شرائط الوجوب عشرة: الأول البلوغ، الثانی العقل، الثالث الذکورة، الرابع الحریة، الخامس السلامة من المرض، السادس السلامة من العمی، السابع السلامة من العرج، الثامن عدم الشیخوخة المانعة من الحراک، التاسع أن لا یکون مسافرا، العاشر: أن لا یکون علی رأس أکثر من فرسخین.

و لیس الإسلام شرطا فی الوجوب، لأن الکفار عندنا مخاطبون بالشرائع، و العقل شرط فی الوجوب و الصحة معا، و البواقی شرط فی الوجوب لا الصحة.

و یستحب إحضار الصبی الجمعة للتمرین، خصوصا المراهق، و لا یجب علی المرأة إجماعا، لقوله علیه السلام: من کان یؤمن باللّه و الیوم الآخر فعلیه الجمعة إلا علی امرأة أو مسافر أو عبد أو صبی أو مریض(1) ، فإن حضرن الجمعة صحت منهن و لم تنعقد بهن.

و یستحب للعجائز الحضور مع إذن أزواجهن، لانتفاء الفتنة فیهن.

و یکره للشواب لما فیه من الافتتان.

و العبد لا تجب علیه لجمعة، لما تقدم فی الحدیث، و لأنه محبوس علی السید فأشبه المحبوس فی الدین، و لا فرق بین المخارج و غیره، فإن أذن له السید استحب له الحضور، فإن حضر حینئذ وجبت علیه، و لا یجب علیه الحضور، لأن الحقوق الشرعیة تتعلق بخطاب الشرع لا بإذن السید.

و القن و المدبر و المکاتب بنوعیه و أم الولد سواء، لبقاء الرق، و کذا لو انعتق بعضه، فإن هایأه مولاه و اتفقت الجمعة فی یومه، فالأقرب عدم الوجوب، و لو ألزمه مولاه بالحضور، احتمل الوجوب، لوجوب طاعته فی غیر العبادة، ففیها أولی.

ص:42


1- (1) وسائل الشیعة 5-5 ح 16، جامع الأصول 6-425.

و المریض لا جمعة علیه، للحدیث، و للمشقة، سواء خالف زیادة المرض، أو المشقة غیر المحتملة، أو لا، و لو کان المریض قریبه، أو ضیفه، أو زوجته، أو مملوکه، جاز له ترک الجمعة لأجل تمریضه مع الحاجة إلیه.

و کذا یترک لصلاة المیت و تجهیزه.

و لو کان المریض أجنبیا لا صحبة له معه، و کان له من یمرضه، لم یترک الجمعة له.، إن لم یکن جاز له ترکها للقیام بأمره.

و کذا لو کان علیه حق قصاص یرجو بالاستتار الصلح جاز، و لو کان علیه حد قذف، لم یجز له الاستتار عن الإمام لأجله و ترک الجمعة، لأنه حق واجب و لا بدل له، و کذا غیره من الحدود المتعلقة به للّه [1] تعالی بعد ثبوتها بالبینة.

و المدیون المعسر یجوز له الاختفاء، و کذا الخائف من ظالم علی مال، أو نفس، أو ضرب، أو شتم.

و الأعمی لا یجب علیه و إن کان قریبا من الجامع، یتمکن من الحضور إلیه بقائد أو بغیره، و سواء وجد قائدا أو لا، للمشقة، و لقول الباقر علیه السلام: فرض اللّه الجمعة و وضعها عن تسعة، و عد منها الأعمی(1).

و الأعرج و الشیخ الذی لا حراک به لا جمعة علیهم، للمشقة، و لقول الباقر علیه السلام: و الکبیر(2) ، و لو لم یبلغ العرج الإقعاد، فإن حصلت مشقة سقطت، و إلا وجبت، و الحر الشدید و البرد کذلک.

و المطر المانع من السعی و الوحل مسقطان للمشقة، و قال الصادق علیه السلام: لا بأس أن تدع الجمعة فی المطر(3) ، و هو وفاق.

و المسافر لا تجب علیه إجماعا، لقوله علیه السلام: الجمعة واجبة إلا علی

ص:43


1- (1) وسائل الشیعة 5-2 ح 1.
2- (2) نفس المصدر.
3- (3) وسائل الشیعة 5-37.

خمسة، و عد منها المسافر(1). و قول الباقر علیه السلام: و وضعها عن تسعة، و عد منهم المسافر(2).

و لأن الجمعة ظهر مقصورة بشرائطه أو کالظهر، و المسافر یباح له القصر دون تلک الشرائط، فلم یکن لاعتبارها فی حقه و إیجاب الجمعة معنی، و لأنه خفف منه العبادات الراتبة فغیرها أولی.

و إنما تسقط مع إباحة السفر لا حظره، لمنافاة التحریم الترخیص فی سفر القصر، فلو لم یوجبه کما لو کان دون المسافة، أو کان سفره أکثر من حضره، وجبت علیه، و لو کان القصر غیر واجب، کما فی المواضع التی یستحب فیها الإتمام، احتمل الوجوب و الاستحباب.

و لو نوی المسافر إقامة عشرة أیام، صار بحکم المقیم، و وجبت علیه الجمعة، و تنعقد به الجمعة حینئذ قطعا، و فیما لم ینو قولان.

و من کان بینه و بین الجمعة أکثر من فرسخین، لم یجب علیه الحضور عندنا، بل إن وجدت الشرائط فی حقه، وجب علیه إقامة الجمعة عنده أو یحضر، و إن لم تحصل الشرائط لم تجب علیه الإقامة عنده و لا الحضور عندنا.

و من کان بینه و بین الجمعة فرسخان فما دون، وجب علیه: إما إقامة الجمعة عنده إن حصلت الشرائط، أو الحضور عندنا، إلا أن یکون بینه و بین الجامع أقل من فرسخ، فیجب علیه الحضور عندنا.

و یشترط الزیادة علی الفرسخین بین منزله و الجامع الذی یقام فیه الجمعة، لا بین البلدین، فلو کان بین البلدین أقل من فرسخین، و بین منزله و الجامع أزید من فرسخین، فالأقرب السقوط، لأنه المفهوم من کلام الباقر علیه السلام فی قوله «تجب الجمعة علی من کان منها علی فرسخین»(3).

ص:44


1- (1) وسائل الشیعة 5-5 ح 16.
2- (2) وسائل الشیعة 5-2 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 5-11 ح 2.

و من شرائط الوجوب علی المأموم أن لا یکون قد صلی العبد فی ذلک الیوم، فلو اتفقا فی یوم واحد، تخیر من صلی العید فی حضور الجمعة عدا الإمام، فإنه یجب علیه الحضور، و یستحب له إعلامهم ذلک، لقوله علیه السلام: أیها الناس قد اجتمع عیدان فی یوم، فمن أراد أن یشهد الجمعة فلیشهد، و من أراد أن ینصرف فلینصرف(1) ، و لأن الجمعة زادت علی الظهر بالخطبة و قد جعلت فی یوم العید، و لما فیه من المشقة بالعود.

و یستحب له الحضور، أما الإمام فیجب علیه لإقامتها مع من یحضر، و إذا حضر المتخیر، وجب علیه الجمعة کالمسافر.

فروع فی صفات النقصان:

الأول: الخنثی المشکل کالمرأة، لاحتمال أن تکون أنثی، فلا یلزم بالشک.

الثانی: من لا تلزمه الجمعة إذا حضرها و صلاها، انعقدت جمعته و أجزأه، لأنها أکمل فی المعنی و إن کانت أقصر فی الصلاة، فإذا أجزأت الکاملین الذین لا عذر لهم، فلئن تجزی أصحاب العذر کان أولی.

الثالث: الذین لا تلزمهم الجمعة إذا حضروا الجامع هل لهم أن ینصرفوا و یصلوا الظهر؟ أما الصبی و المرأة فلهم ذلک، لأن المانع من وجوب الجمعة علیهم الصفات القائمة بهم، و هی لا ترتفع بحضورهم.

أما الباقون فالأقرب أن لهم ذلک إن خرجوا قبل دخول الوقت. و إن دخل الوقت و أقامت الصلاة لزمتهم الجمعة، و إن تخلل زمان بین دخول الوقت و إقامة الصلاة، و لا مشقة فی الانتظار حتی تقام الصلاة، لزمه ذلک، و إن لحقته مشقة، لم تلزمه.

ص:45


1- (1) جامع الأصول 7-96، وسائل الشیعة 5-116.

و لو أحرموا بالجمعة، لم یجز لهم الانصراف، و لیس لهم أداء الظهر مع الحضور، لانتفاء موجب الترخص.

الرابع: لا یشترط فی إقامة الجمعة دار إقامته، بل یجوز إقامتها خارج البلد حیث یقام العید، للأصل.

و لا یشترط الأبنیة التی یستوطنها المقیمون للجمعة، بل تجب علی أهل القری و قاطنی الخیام و إن کانوا یرحلون و ینزلون للعموم، و قیاسا علی ما لو انهدمت الأبنیة و أقاموا علیها.

و لیس من الشرط إقامتها فی کن أو مسجد، بل یجوز إقامتها تحت السماء فی خارج البلد و غیره.

الخامس: العذر المبیح لترک الجمعة، تبیحه و إن طرأ بعد الزوال، لکن یحرم إنشاء السفر بعد الزوال، لوجوب الجمعة علیه، فلا یجوز الاشتغال بما یؤدی إلی ترکها، کالتجارة و اللهو، و لأن الوجوب متعلق بأول الوقت، و هو و إن کان موسعا فی أوله، لکن هذه الصلاة تخالف غیرها، فإن الناس فیها تبع للإمام، فلو عجلها تعینت متابعته و سقطت خیرة الناس فیه، و إذا کان کذلک فلا یدری متی یقیم الإمام الصلاة، فتعین علیه انتظاره.

و یجوز قبل الزوال بعد الفجر علی کراهیة، لأنه لم یدخل وقت وجوب الجمعة فأشبه قبل الفجر، لکن الجمعة و إن دخل وقتها بالزوال فهی مضافة إلی الیوم، و لذلک یعتد بالغسل قبل الزوال، و یجب السعی لمن بعد داره قبل الزوال، فلهذا کره السفر بعد الفجر.

و لو کان السفر واجبا کالحج و الجهاد، أو مندوبا کالزیارة، فالأقرب عدم الکراهیة، و لیس کون السفر طاعة عذرا فی إنشائه بعد الزوال، و إن کان فی واجب إذا لم یخف فوته.

و لو احتاج إلی السفر و خاف فوت الرفقة و نیل الضرر لو تخلف، جاز له

ص:46

أن یسافر و إن کان بعد الزوال للعذر.

السادس: المعذور قد یرجو زوال عذره قبل فوات الجمعة، کالعبد یتوقع العتق، و المریض یتوقع البرء، فالأقوی عندی أنه یستحب له تأخیر ظهره إلی الیأس عن درک الجمعة، و هو رفع الإمام رأسه من رکوع الثانیة، لأنه ربما یزول عذره و یتمکن من فرض أهل الکمال.

و لو کان لا یرجی زوال عذره استحب له تقدیم ظهره، تحصیلا لفضیلة أولویة الوقت.

السابع: ذو المنزل البعید إذا انتهی الوقت إلی حد لو أخذ فی السعی لم یدرک الجمعة، فقد حصل الفوات فی حقه.

الثامن: إذا اجتمع معذورون، استحب لهم الجماعة فی الظهر، لعموم الترغیب الوارد فی الجماعة، و لا یستحب لهم الإخفاء، إلا أن یتهموا بالرغبة عن صلاة الإمام، بأن کان عذرهم خفیا.

التاسع: لو صلی المعذور قبل فوات الجمعة، صحت، لأنها فرضه، فإن زال العذر و أمکنه إدراک الجمعة، لم تجب علیه، لبراءة ذمته بأداء فرضه، کما لو برأ المریض، أو أقام المسافر، أو أعتق العبد.

أما لو صلی الخنثی المشکل الظهر، ثم تبین أنه رجل قبل فوات الجمعة، فإنه تلزمه الجمعة، لأنه ظهر کونه رجلا حین صلی الظهر.

و لو صلی الصبی الظهر ثم بلغ، فالأقوی عندی وجوب الجمعة علیه، و هؤلاء المعذورون یستحب لهم حضور الجمعة و إن لم یلزمهم، فإن کانوا قد صلوا الظهر، استحب لهم إعادة الجمعة، و الفرض هو الظهر السابقة.

و لو زال العذر فی أثناء الظهر، احتمل الاستمرار، لأنه دخل فی فرضه مشروعا فلا یبطله، و العدول إلی النفل ثم یصلی الجمعة، لوروده فیما هو مستحب، ففی الواجب أولی.

العاشر: من لا عذر له إذا صلی الظهر قبل فوات الجمعة، لم تصح

ص:47

صلاته، لأن الجمعة فرض قائم بنفسه [1] بالأصالة لا بدل علی غیره، و إلا لجاز ترکها و الاشتغال بالمبدل، و إنما قضیت أربع رکعات مع فواتها و زاد عدد القضاء، لأن الخطبتین قائمة مقام الرکعتین.

و لو أثم أهل البلد بترک الجمعة فصلوا الظهر، و صلی من هو بصفات الکمال الظهر لتعذر العدد، ثم صلوا الجمعة، فالوجه صحة ظهره و عدم وجوب الجمعة فی حقه، لبراءة ذمته بما فعله، إذ الواجب علیه الظهر عند فقد الشرائط التی من جملتها العدد.

المطلب الثالث (فی ماهیتها)

الجمعة رکعتان کسائر الصلوات، و إنما تتمیز عنها بما تقدم من الشرائط و بما یأتی من الآداب، و یسقط معها الظهر إجماعا.

و یستحب أن یقرأ فی الأولی بعد الحمد الجمعة، و فی الثانیة بعدها المنافقین، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کذا فعل(1) ، و قول الصادق علیه السلام: إذا کان صلاة الجمعة فاقرأ سورة الجمعة و المنافقین(2).

و لو قرأ غیرهما عمدا لم تبطل جمعته للأصل، و لقول الکاظم علیه السلام و قد سأله علی بن یقطین عن الرجل یقرأ فی صلاة الجمعة بغیر سورة الجمعة متعمدا؟ قال: لا بأس بذلک(3).

و لو قرأ غیر الجمعة فی الأولی عمدا أو سهوا، احتمل قراءتها فی الثانیة لیدرک فضلها، و قراءة المنافقین لأنه محلها، و لو قرأ فی الأولی المنافقین قرأ فی الثانیة الجمعة، تحصیلا لفضلهما معا.

ص:48


1- (1) جامع الأصول 6-439.
2- (2) وسائل الشیعة 4-815 ح 4.
3- (3) وسائل الشیعة 4-817 ح 1.

و یستحب الجهر بالقراءة فی الجمعة إجماعا، و فی الظهر یومها قولان، الاستحباب مطلقا، لقول الصادق علیه السلام و قد سأله الحلبی عن القراءة یوم الجمعة إذا صلیت وحدی أربعا أجهر بالقراءة ؟ قال: نعم(1).

و الاستحباب جماعة، لقول الصادق علیه السلام: صلوا فی السفر صلاة جمعة جماعة بغیر خطبة و أجهروا بالقراءة(2) ، و قیل: یمنع الجهر فی الظهر جماعة، لأن جمیلا سأل الصادق علیه السلام عن الجماعة یوم الجمعة فی السفر قال: یصنعون کما یصنعون فی غیر یوم الجمعة فی الظهر، و لا یجهر الإمام، إنما یجهر إذا کانت خطبة(3) ، و هو أحوط.

المطلب الرابع (فی آدابها)

و هی:

الأول: یستحب الزینة یوم الجمعة بحلق الرأس إن کان من عادته، و إلا غسله بالخطمی، و قص الأظفار، و أخذ الشارب، و التطیب، و لبس أفضل الثیاب، و السعی علی سکینة و وقار، و الغسل مقدما علی الصلاة، قال الصادق علیه السلام: لیتزین أحدکم یوم الجمعة، و یتطیب، و یسرح لحیته، و یلبس أنظف ثیابه، و لیتهیأ للجمعة، و یکون علیه فی ذلک الیوم السکینة و الوقار(4).

الثانی: یستحب السواک و قطع الرائحة الکریهة، لئلا یؤذی غیره، و لبس الثیاب البیض، فإنها أفضل، لقوله علیه السلام: أحب الثیاب إلی اللّه تعالی البیض یلبسها أحیاؤکم و یکفن فیها موتاکم(5).

ص:49


1- (1) وسائل الشیعة 4-819.
2- (2) وسائل الشیعة 4-820 ح 6.
3- (3) وسائل الشیعة 4-820 ح 8.
4- (4) وسائل الشیعة 5-78 ح 2.
5- (5) وسائل الشیعة 2-750.

و ینبغی للإمام الزیادة فی التجمل، لأنه المنظور إلیه، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کان یعتم و یرتدی و یخرج فی الجمعة و العیدین فی أحسن هیئة.

الثالث: یستحب المباکرة إلی الجامع، لقوله علیه السلام: من اغتسل یوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فکأنما قرب بدنة، و من راح فی الساعة الثانیة فکأنما قرب بقرة، و من راح فی الساعة الثالثة فکأنما قرب کبشا أقرن، و من راح فی الساعة الرابعة فکأنما قرب دجاجة، و من راح فی الساعة الخامسة فکأنما قرب بیضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائکة یستمعون الذکر(1). و قال الصادق علیه السلام: إن الجنان لتزخرف و تزین یوم الجمعة لمن أتاها، و إنکم تتسابقون إلی الجنة علی قدر سعیکم إلی الجمعة(2).

الرابع: المشی، فلا ینبغی الرکوب، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله ما رکب فی عید و لا جنازة قط، فالجمعة أولی، إلا أنه لم ینقل فیها قول عنه علیه السلام، لأن باب حجرته فی المسجد.

الخامس: الدعاء أمام التوجه، لقول الباقر علیه السلام للسمال: ادع فی العیدین و یوم الجمعة إذا تهیأت للخروج بهذا الدعاء «اللّهم من تهیأ و تعبأ» إلی آخره(3).

السادس: الغسل، و قد تقدم، و لا یکفی التیمم عنه، و لو لم یجد الماء سقط لا إلی بدل، إذ الغرض منه قطع الروائح الکریهة، و التیمم لا یفید هذا الغرض.

و وقته: للمختار من طلوع الفجر الثانی، لقوله علیه السلام: من اغتسل یوم الجمعة ثم راح فکأنما قرب بدنة، و من راح فی الساعة الثانیة فکأنما قرب بقرة الحدیث(4).

ص:50


1- (1) سنن أبی داود 1-91.
2- (2) وسائل الشیعة 5-70 ح 1.
3- (3) الإقبال ص 292.
4- (4) سنن أبی داود 1-91.

و متی تعتبر الساعات المذکورة فی الحدیث ؟ الأقرب أنها من أول طلوع الفجر الثانی، لأنه أول الیوم شرعا.

و قال بعض الجمهور: من أول طلوع الشمس، لأن أهل الحساب منه یحسبون الیوم و یقدرون الساعات.

و قال بعضهم: من وقت الزوال، لأن الأمر بالحضور حینئذ یتوجه إلیه، و یبعد أن یکون الثواب فی وقت لم یتوجه علیه الأمر فیه أعظم، و لأن الرواح اسم للخروج بعد الزوال، و لیس بجید، لاشتمال الحضور قبل الزوال علی الحضور حالة الزوال و زیادة، فزاد الثواب باعتباره، و ذکر الرواح لأنه خروج لأمر یؤتی به بعد الزوال.

و لیس المراد من الساعات الأربع و العشرون التی تقسم الیوم و اللیلة علیها، و إنما المراد ترتیب الدرجات و فضل السابق علی الذی یلیه، إذ لو کان المراد الساعات المذکورة لاستوی السابق و المسبوق فی الفضیلة إذا جاءا فی ساعة واحدة علی التساوق، و لاختلف الأمر بالیوم الشاتی و الصائف، و لفاتت الجمعة فی الیوم الشاتی إن جاء فی الساعة الخامسة.

السابع: ترک التخطی لرقاب الناس، و لا بأس بذلک للإمام للحاجة، و کذا لو ضاق المکان و بین یدیه فرجة لا یصل إلیها إلا بالتخطی، و لیس له إقامة غیره لیجلس موضعه و إن کان معتادا به، و له أن یبعث من یأخذ له موضعا فإذا حضر تنحی المبعوث، و لو فرش له ثوب فجاء آخر، لم یجز له أن یجلس علیه، فإن رفعه أو نحاه و جلس مکانه، دخل فی ضمانه.

الثامن: إذا حضر قبل الخطبة یستحب له الاشتغال بالذکر و التلاوة و الصلاة علی النبی و آله علیهم السلام و التنفل، و یستحب الإکثار من الصلاة علی النبی و آله علیهم السلام یوم الجمعة و لیلة الجمعة، لقوله علیه السلام: أقربکم منی فی الجنة أکثرکم صلاة علی

ص:51

فأکثروا الصلاة علی فی اللیلة الغراء و الیوم الأزهر(1).

و قال الصادق علیه السلام: إذا کان لیلة الجمعة نزل من السماء ملائکة بعدد الذر فی أیدیهم أقلام من الذهب و قراطیس الفضة لا یکتبون إلی لیلة السبت إلا الصلاة علی محمد و علی آل محمد علیهم السلام فأکثروا منها، ثم قال: إن من السنّة أن تصلی علی محمد و علی أهل بیته فی کل جمعة ألف مرة و فی سائر الأیام مائة مرة(2).

التاسع: یستحب الدعاء فی الوقت الذی یرجی استجابة الدعاء، و هو ما روی عن الصادق علیه السلام الساعة التی تستجاب فیها الدعاء یوم الجمعة ما بین فراغ الإمام من الخطبة إلی أن یستوی الناس فی الصفوف، و ساعة أخری من آخر النهار إلی غروب الشمس(3).

العاشر: لو لم یکن الإمام مرضیا، استحب للمصلی تقدیم ظهره علی صلاة الإمام، و یجوز أن یصلی معه رکعتین ثم یتم الظهر بعد فراغ الإمام، لقول الصادق علیه السلام فی کتاب علی علیه السلام: إذا صلوا الجمعة فی وقت فصلوا معهم و لا تقومن من مقعدک حتی تصلی رکعتین آخرتین(4) ، و لو صلی فی منزله أولا جاز، لأن الباقر علیه السلام کان یصنع ذلک(5).

الحادی عشر: یستحب التنفل یوم الجمعة زیادة علی نوافل الظهر بأربع رکعات، و السر [1] فیه أن الساقطة رکعتان، فیستحب الإتیان ببدلهما، و النافلة الراتبة ضعف الفرائض.

ص:52


1- (1) وسائل الشیعة 5-72 ح 6.
2- (2) وسائل الشیعة 5-72 ح 5.
3- (3) وسائل الشیعة 5-46 ح 1 ب 30.
4- (4) وسائل الشیعة 5-44 ح 1.
5- (5) وسائل الشیعة 5-44 ح 3.

و یستحب تقدم العشرین قبل الزوال، لقول الکاظم علیه السلام: إنها قبل الزوال(1).

و یستحب ست عند انبساط الشمس، و ست عند ارتفاعها، و ست بین الظهرین، و رکعتان عند قیام الشمس، و لو صلی الجمیع بین الظهرین، أو بعد العصر جاز.

المطلب الخامس (فی المحرمات)

و یحرم یوم الجمعة شیئان:

الأول: البیع وقت النداء لا قبله و لا بعد الصلاة إجماعا، قال تعالی وَ ذَرُوا الْبَیْعَ (2).

و النداء الذی یتعلق به التحریم هو النداء الذی یقع بعد الزوال و الخطیب جالس علی المنبر، لأنه تعالی علق التحریم بالنداء، و إنما ینصرف إلی الأذان الذی فعله النبی صلی اللّه علیه و آله.

و لو جوزنا الخطبة قبل الزوال، کما ذهب إلیه بعض علمائنا، لم یشرع الأذان قبله، و هل یحصل التحریم حینئذ؟ إشکال، أقربه ذلک، لحصول الغایة.

و یکره البیع بعد الزوال قبل النداء، لما فیه من التشاغل عن التأهب للجمعة.

و لو کان بعیدا من الجمعة یفتقر إلی قطع المسافة قبل الزوال، وجب السعی و حرم البیع إن منع و إلا فلا.

ص:53


1- (1) وسائل الشیعة 5-22.
2- (2) سورة الجمعة: 9.

و لو لم یمنع البیع عن سماع الخطبة، و لا من التشاغل بالجمعة، أو منع و لم نوجب السماع، و لا حرمنا الکلام، احتمل التحریم للعموم، و یختص التحریم بمن یجب علیه السعی، لا کالعبید و المسافرین.

و لو کان أحد المتبایعین مخاطبا دون الآخر، حرم بالنسبة إلی المخاطب إجماعا، و الأقوی عندی التحریم فی حق الآخر، لقوله تعالی وَ لا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (1). و لو تبایع المخاطبین بالجمعة فعلا حراما.

و الأقوی عندی انعقاد البیع، لعدم اقتضاء النهی فی المعاملات الفساد، و أصالة الصحة لوجود المقتضی، و هو البیع الصادر من أهله فی محله.

و الأقوی عندی تحریم غیر البیع مما یشبهه من العقود، کالإجارة و النکاح و الصلح و غیرها، للمشارکة فی العلة.

الثانی: الأذان الثانی بدعة عند علمائنا، لقول الباقر علیه السلام:

الأذان الثالث یوم الجمعة بدعة(2) و سماه الثالث بالنسبة إلی الإقامة، و لأن النبی صلی اللّه علیه و آله لم یفعله إجماعا.

و شرع للصلاة أذانا واحدا و إقامة، و الزیادة الثالثة بدعة، لأن الأذان کان یوم الجمعة حین یجلس الإمام علی المنبر علی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله، و علی عهد أبی بکر و عمر، فلما کان زمن عثمان کثر الناس بالزوراء أمر بالأذان الثالث.

و یستحب الأذان بعد جلوس الإمام علی المنبر.

و أذان العصر مکروه یوم الجمعة، بل إذا فرغ من الظهر صلی العصر بغیر أذان، للمشقة بالمصیر إلی الجامع، و الإعلام قد حصل.

ص:54


1- (1) سورة المائدة: 2.
2- (2) وسائل الشیعة 5-81 ح 1.

الفصل الثانی (فی صلاة العیدین)

اشارة

و فیه مطالب:

المطلب الأول (الشرائط)

صلاة العیدین واجبة علی الأعیان عند علمائنا أجمع، لقوله تعالی «فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَ انْحَرْ» (1) و فی مشهور التفسیرات المراد صلاة العید، و قوله تعالی قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَکّی وَ ذَکَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّی (2) و المراد زکاة الفطرة و فطرة العید و لأنه علیه السلام داوم علیها و لم یخل بها فی وقت من الأوقات.

و لو کانت مندوبة لأخل بها فی وقت ما بیانا للحکم، أو لنص علی ذلک، و لقول الصادق علیه السلام: صلاة العید فریضة(3) ، و لأنها لو لم یجب لم یجب قتال تارکها کغیرها من السنن، و لأنها من شعائر الدین الظاهر و أعلامه، فیکون واجبة علی الأعیان کالجمعة.

و شرائطها: شرائط الجمعة إلا الخطبتین، فإنهما و إن وجبتا فیهما لکنهما

ص:55


1- (1) سورة الکوثر: 2.
2- (2) سورة الأعلی: 14.
3- (3) وسائل الشیعة 5-95.

لیستا شرطا، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله صلاها بشرائط الجمعة و قال: صلوا کما رأیتمونی أصلی(1) ، و لأن کل من أوجبها علی الأعیان اشترط ذلک، و قد بینا وجوبها علی الأعیان، و لقول الباقر علیه السلام: لا صلاة یوم الفطر و لا الأضحی إلا مع إمام(2).

و تجب علی کل من تجب علیه الجمعة، و تسقط عمن تسقط عنه الجمعة.

و هل یشترط بین فرض العیدین بعد فرسخ، کما قلناه فی الجمعة ؟ إشکال، ینشأ من عدم نص علمائنا علی کونه شرطا بالخصوصیة، حیث عدوا شرائط الجمعة.

و وقتها: من طلوع الشمس إلی الزوال، عند علمائنا أجمع، لأن عبد اللّه بن بسر صاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله خرج فی یوم عید الفطر أو أضحی، فأنکر إبطاء الإمام، فقال: إنا کنا قد فرغنا ساعتنا هذه، و ذلک حین صلاة التسبیح(3) ، و قول الصادق علیه السلام: لیس فی الفطر و لا الأضحی أذان و لا إقامة أذانهما طلوع الشمس، فإذا طلعت فاخرجوا(4).

و یستحب تأخیرها إلی أن تبسط الشمس، لیتوفر الناس علی الحضور.

و یستحب فی الفطر الإصباح بها أکثر، لأن من المسنون یوم الفطر أن یفطروا أولا علی شیء من الحلوة ثم یصلی، و فی الأضحی لا یطعم شیئا حتی یصلی و یضحی، و یکون إفطاره علی شیء مما یضحی به، لأن الأفضل إخراج الفطرة قبل الصلاة، فیؤخرها لیتسع الوقت لذلک، و فی الأضحی یقدمها لیضحی بعدها.

و وقت الخروج إلی العید بعد طلوع الشمس، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کان یخرج کذلک، و قال الصادق علیه السلام: إذا طلعت فاخرجوا(5).

ص:56


1- (1) جامع الأصول 6-374.
2- (2) وسائل الشیعة 5-96 ح 1.
3- (3) جامع الأصول 7-86.
4- (4) وسائل الشیعة 5-102 ح 5.
5- (5) وسائل الشیعة 5-102.

و لو فاتت لم تقض، فرضا کانت أو نفلا، عمدا کان الفوات أو نسیانا، عند أکثر علمائنا، لأنها صلاة شرع لها الاجتماع و الخطبة، فلا تقضی بعد فوات وقتها کالجمعة، و لقول الباقر علیه السلام: من لم یصل مع الإمام فی جماعة، فلا صلاة له و لا قضاء علیه(1) ، و لأصالة البراءة السالم عن اقتضاء الأمر تعقب القضاء.

قال الشیخ: و إن شاء من فاتته أن یصلی أربعا أو اثنتین من غیر أن یقصد القضاء، لقول الصادق علیه السلام: من فاتته صلاة العید فلیصل أربعا(2).

و لو أدرک الإمام فی التشهد جلس معه، فإذا سلم الإمام قام فصلی رکعتین إن قلنا بالقضاء مستحبا، یأتی فیهما بالتکبیر.

و لو أدرکه فی رکوع الثانیة، وجبت المتابعة، لأنه مدرک للصلاة حینئذ فیرکع و یتابع الإمام، فإذا سلم قام فقضی الرکعة الثانیة.

و لو أدرکه بعد رفع رأسه من الرکوع فاتته الصلاة.

و لو أدرکه فی أثناء التکبیر تابعه فی الباقی، فإن تمکن بعد ذلک من التکبیر ولاء، أتی بما فاته، و إلا سقط.

و یحرم السفر بعد طلوع الشمس علی المکلف بها حتی یصلی العید، لأنه مخاطب بالصلاة، فیحرم علیه ترکها.

و یکره بعد الفجر قبل طلوع الشمس، لقول الصادق علیه السلام: إذا أردت الشخوص فی یوم عید فانفجر الصبح و أنت فی البلد، فلا تخرج حتی تشهد ذلک العید(3) ، و لیس للتحریم، لأصالة البراءة.

أما من کان بینه و بین العید ما یحتاج معه إلی السعی قبل طلوع الشمس، ففی تسویغ السفر له نظر، أقربه المنع، و لا بأس به قبل طلوع الفجر إجماعا.

ص:57


1- (1) نفس المصدر.
2- (2) وسائل الشیعة 5-99 ح 2.
3- (3) وسائل الشیعة 5-133 ح 1.

و لو أصبح یوم الثلاثین صائما، فشهد اثنان برؤیة الهلال فی لیلة فعدلا قبل الزوال، خرج الإمام و صلی بالناس العید لبقاء الوقت، و لو عدلا بعد الزوال، أو شهدا بعده سقطت و لا قضاء، و یکره مزاحمتها بنافلة قبلها أو اتباعها بالنافلة إلی الزوال [1]، سواء الإمام و المأموم، لأنه علیه السلام خرج یوم الفطر فصلی رکعتین لم یتنفل قبلها و لا بعدها(1). و رأی علی علیه السلام قوما یصلون قبل العید، فقال: ما کان یفعل ذلک علی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله، و قال الباقر علیه السلام فی صلاة العیدین لیس قبلها و لا بعدها صلاة(2) ، نعم یستحب صلاة رکعتین فی مسجد النبی صلی اللّه علیه و آله لمن کان بالمدینة قبل خروجه إلی العید، لقول الصادق علیه السلام: رکعتان من السنة لیس تصلیان فی موضع إلا بالمدینة، تصلی فی مسجد الرسول علیه السلام فی العید قبل أن یخرج إلی المصلی لیس ذلک إلا بالمدینة، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فعله(3).

و لو أقیمت صلاة العید فی المسجد لعذر، استحب صلاة التحیة، و لو دخل المأموم و الإمام یخطب اشتغل بالتحیة لأنه موضعها، و لا یشتغل بالقضاء للعید، أما لو أقیمت فی المصلی اشتغل بسماع الخطبة لا بالصلاة، لأن المصلی لا تحیة له، و لا یشتغل بقضاء العید، لقول الصادق علیه السلام: یجلس حتی یفرغ من خطبته ثم یقوم فیصلی(4).

و لو فقدت الشرائط أو بعضها، سقط الوجوب دون الاستحباب.

ص:58


1- (1) جامع الأصول 7-84.
2- (2) وسائل الشیعة 5-95 ح 2.
3- (3) وسائل الشیعة 5-102 ح 10.
4- (4) وسائل الشیعة 5-99 ح 1 ب 4.

و یستحب الإتیان بها حینئذ جماعة و فرادی سفرا و حضرا، لأنها عبادة فات شرط وجوبها، فاستحب الإتیان بها کالحج، و قول الصادق علیه السلام: من لم یشهد الجماعة فی العیدین فلیغتسل و لیتطیب بما وجد و لیصل وحده کما یصلی فی الجماعة(1).

و یستحب إذا صلاها فی جماعة الخطبة، کما فی الواجبة، أما المنفرد فالأقرب أنه لا یخطب.

المطلب الثانی (فی ماهیتها)
اشارة

هذه الصلاة رکعتان کالصبح، إلا أنه یزید فیها تسع تکبیرات، خمسا فی الأولی و أربعا فی الثانیة علی الأشهر، غیر تکبیرة الافتتاح، لأنه علیه السلام کذا فعل(2) ، و لقول الصادق علیه السلام: ثم یکبر بعد القراءة خمس تکبیرات، ثم یرکع، ثم یقرأ فی الثانیة و یکبر أربعا(3).

و موضع هذه التکبیرات بعد القراءة قبل الرکوع فی الرکعتین معا علی الأقوی، لأنه قنوت فی صلاة فرض، فیکون بین القراءة و الرکوع کالیومیة، و لقول الصادق علیه السلام: ثم یقرأ ثم یکبر خمس تکبیرات، ثم یکبر و یرکع بالسابعة، ثم یقوم فیقرأ ثم یکبر أربع تکبیرات قال: و کذا صنع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله، و یقنت عقیب کل تکبیرة و یدعو بما شاء(4).

و الأفضل ما نقل عن أهل البیت علیهم السلام لأنهم أعرف بما یناجی به الرب تعالی، لاستفادة علومهم من الوحی.

قال الباقر علیه السلام: کان أمیر المؤمنین علیه السلام إذا کبر فی

ص:59


1- (1) وسائل الشیعة 5-98 ح 1.
2- (2) جامع الأصول 7-85.
3- (3) وسائل الشیعة 5-107.
4- (4) وسائل الشیعة 5-105 ح 2.

العیدین قال بین کل تکبیرتین: «أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شریک له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، اللهم أهل الکبریاء و العظمة، و أهل الجود و الجبروت، و أهل العفو و الرحمة، و أهل التقوی و المغفرة، أسألک فی هذا الیوم الذی جعلته للمسلمین عیدا، و لمحمد صلی اللّه علیه و آله ذخرا و مزیدا، أن تصلی علی محمد و آل محمد، کأفضل ما صلیت علی عبد من عبادک، و صل علی ملائکتک و رسلک، و اغفر للمؤمنین و المؤمنات، اللهم إنی أسألک خیر ما سألک عبادک المرسلون، و أعوذ بک مما استعاذ منه عبادک المرسلون(1).

و اختلف علماؤنا فی وجوب التکبیرات الزائدة و القنوت بینهما، فقال الشیخ: باستحبابهما، للأصل، و قال الآخرون بوجوبهما للتأسی، و تنزیلا لفعله علیه السلام علی أفضل مراتبه و هو الوجوب، و للفرق بین هذه الصلاة و الیومیة.

و یستحب رفع الیدین عند کل تکبیرة، لقوله علیه السلام: لا ترفع الأیدی إلا فی سبعة مواطن، و ذکر من جملتها تکبیرات العیدین، و سأله یونس عن تکبیرات العیدین، فقال: یرفع یدیه مع کل تکبیرة(2) ، و لأنه تکبیر فاستحب فیه الرفع کالیومیة.

و یتعین الفاتحة فی کل رکعة إجماعا، و تجب سورة أخری معها تامة فی کل رکعة، و لیست معینة وجوبا، بل یستحب فی الأولی بعد الحمد الأعلی، و فی الثانیة بعده و الشمس، لقول الباقر علیه السلام: یقرأ فی الأولی «سبح اسم ربک الأعلی» و فی الثانیة «و الشمس و ضحیها»(3).

و یستحب الجهر بالقراءة فیهما إجماعا، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله فعل ذلک(4) ، و الدعاء بدعاء الاستفتاح عقیب تکبیر الإحرام، و هو «وجهت وجهی» إلی آخره.

ص:60


1- (1) وسائل الشیعة 5-131 ح 3.
2- (2) وسائل الشیعة 5-136.
3- (3) وسائل الشیعة 5-107 ح 10.
4- (4) وسائل الشیعة 5-137 ح 1 ب 32.

و یجب بعدها الخطبتان، و قد أجمع العلماء علی أنهما بعد الصلاة فی العیدین، لأنه علیه السلام فعل ذلک، و قول الصادق علیه السلام: الخطبة بعد الصلاة(1) ، و لا یجب استماعهما و لا حضورهما، و لهذا أخرتا عن الصلاة، لیتمکن المصلی من ترکهما، لقوله علیه السلام بعد صلاته: إنا نخطب، فمن أحب أن یجلس للخطبة فلیجلس، و من أحب أن یذهب فلیذهب(2).

فروع:

الأول: لو نسی التکبیر أو بعضه، ثم ذکر قبل الرکوع فعله، لأنه فی محله، و إن ذکره بعد الرکوع لم یلتفت، لفوات محله و لا یقضیه، و إن قلنا بوجوبه للأصل، خلافا للشیخ، و لو قلنا بتقدیمه علی القراءة و قلنا بوجوبه فذکره فی الأثناء، کبر ثم استأنف القراءة، و لو ذکره بین القراءة و الرکوع کبر، و هل یعید القراءة ؟ إشکال، ینشأ من أنها وقعت صحیحة، و من تقدیم التکبیر.

الثانی: لو شک فی عدد التکبیر، فإن کان لم یقرأ بنی علی الیقین، و لو کان قد قرأ أو فی الأثناء فالأقرب الاستمرار و عدم الالتفات للانتقال.

الثالث: لو قدمه علی القراءة ناسیا و قلنا بتأخره، أعاد لبقاء موضعه.

الرابع: لو أدرک المأموم بعض التکبیرات مع الإمام، أتم مع نفسه قبل أن یرکع، ثم یدرک الإمام، فإن خاف فوت رکوع الإمام کبر بغیر قنوت، فإن خاف الفوت ترکها و قضی بعد التسلیم عند الشیخ، و علی ما اخترناه فلا قضاء.

و لو أدرک الإمام و هو راکع، کبّر للافتتاح و رکع معه، و لا یقضی

ص:61


1- (1) وسائل الشیعة 5-107 ح 9.
2- (2) جامع الأصول 7-94.

التکبیر، لأنه ذکر فات محله فیفوت، کذکر الرکوع و السجود.

الخامس: الخطبتان هنا کما فی الجمعة إجماعا، إلا أنه ینبغی أن یذکر فی خطبة الفطر ما یتعلق بالفطرة و وجوبها و شرائطها و قدر المخرج و جنسه و مستحقه و وقته، و فی الأضحی حال الأضحیة و ما یتعلق بها و استحبابها و ما یجری فیها و وقت ذبحها و کیفیة تفریقها و غیر ذلک.

السادس: ینبغی أن یخطب قائما، لأنه علیه السلام خرج یوم فطر أو أضحی فخطب قائما، ثم قعد، ثم قام(1). و قال أحدهما علیهما السلام:

یخطب قائما و یجلس بینهما کالجمعة(2) ، و ینبغی أن یجلس بینهما لما تقدم من الحدیث، و هل القیام و الجلوس واجبان ؟ الأقرب ذلک.

و إذا صعد سلم کالجمعة، و هل یجلس بعد التسلیم قبل الخطبة ؟ إشکال، ینشأ من المساواة للجمعة، فیجلس للاستراحة عن تعب الصعود، و للتأهب للخطبة، و تأهب الناس لاستماعها، و من أن الجلوس فی الجمعة لانتظار الأذان.

السابع: یستحب للنساء استماع الخطبتین کالرجال، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله لما صلی العید قام متکئا علی بلال، فأمر بتقوی اللّه و حث علی طاعته و وعظ الناس فذکرهم، ثم مضی حتی أتی النساء فوعظهن و ذکرهن(3).

و قالت أم عطیة: کنا نؤمر أن نخرج یوم العید حتی یخرج البکر و الحیض یرجون برکة ذلک الیوم(4).

و الأولی بالصواب أن لا یخرجن من بیوتهن، لقول الصادق علیه السلام:

لا یخرجن(5) ، و قد روی عبد اللّه بن سنان قال: إنما رخص رسول اللّه صلی

ص:62


1- (1) جامع الأصول 7-92.
2- (2) وسائل الشیعة 5-110.
3- (3) جامع الأصول 7-89.
4- (4) جامع الأصول 7-99.
5- (5) وسائل الشیعة 5-134 ح 2.

اللّه علیه و آله للعواتق فی الخروج فی العیدین للتعرض للرزق(1).

المطلب الثالث (فی سننها)

و هی أمور:

الأول: یستحب الغسل یومی العیدین إجماعا، لأن علیا علیه السلام کان یفعله، و وقته بعد طلوع الفجر، لإضافته إلی الیوم، و لحصول الغرض من التطیب، و قطع الرائحة الکریهة معه.

و کما یستحب الغسل نهارا کذا یستحب لیلا استحبابا عاما لحاضر العید و غیره، لأنه یوم زینة. و لو احتاج إلی قصد العید من قریة قبل الفجر، فالأولی جواز إیقاعه حینئذ للضرورة، فإن تمکن من إعادته بعده أعاد.

الثانی: یستحب أن یتطیب یوم العید، و یتنظف بحلق الشعر، و قلم الأظفار، و قطع الروائح الکریهة، و أن یلبس أفخر ثیابه، سواء خرج إلی الصلاة أو قعد فی بیته، و یتعمم شتاء أو صیفا، قال علیه السلام: ما علی أحدکم أن یکون له ثوبان سوی ثوبی مهنته و عیده(2).

و یحرم علی الرجال التزین بالحریر دون النساء، لأنه علیه السلام قال و فی یدیه قطعتان ذهب و حریر: هذان حرام علی ذکور أمتی حل لإناثها(3) ، و القز من الحریر، و لا بأس بالممتزج من الإبریسم و غیره، و إن کان الإبریسم أکثر ما لم یخرج.

الثالث: یستحب إذا تزین القصد إلی الصحراء، فإن الإصحار بها أفضل، إلا بمکة فإن المسجد أولی من الصحراء، لفضیلة البقعة، و لا یلحق

ص:63


1- (1) وسائل الشیعة 5-1133 ح 1.
2- (2) سنن ابن ماجة 1-348.
3- (3) سنن ابن ماجة 2-1189.

بیت المقدس به، أما سائر البلاد فالإصحار أفضل، سواء اتسع المسجد للناس أو لا، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کان یخرج إلی المصلی و یترک مسجده(1) ، و لا یترک الأفضل مع قربه و یقصد الأنقص مع بعده، مع شرف مسجده.

و قیل لعلی علیه السلام: قد اجتمع فی المسجد ضعفاء الناس، فلو صلیت بهم فی المسجد؟ فقال: أخالف السنّة إذن و لکن یخرج إلی المصلی(2).

و قال الصادق علیه السلام: یخرج الإمام إلی البر حیث ینظر إلی آفاق السماء(3).

و قال الصادق علیه السلام: السنّة علی أهل الأمصار أن یبرزوا من أمصارهم فی العیدین إلا أهل مکة فإنهم یصلون فی المسجد(4).

و لا ینبغی للإمام أن یستخلف أحدا یصلی العیدین فی المساجد بضعفة الناس، لسقوط الصلاة عن العاجز.

و قال الباقر علیه السلام: قال الناس لأمیر المؤمنین علیه السلام: أ لا تخلف رجلا یصلی العیدین بالناس ؟ فقال: لا أخالف السنّة(5).

الرابع: یستحب الخروج ماشیا علی سکینة و وقار ذاکرا، للإجماع، و أن یکون حافیا، لأنه أبلغ فی الخضوع، و مشی الرضا علیه السلام إلی المصلی حافیا(6) ، و لو کان عذر جاز الرکوب.

و یستحب فی العود المشی أیضا إلا من عذر، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کان یخرج إلی العید ماشیا و یرجع ماشیا(7).

الخامس: الأذان و الإقامة فی العیدین بدعة إجماعا، لأن النبی صلی اللّه

ص:64


1- (1) وسائل الشیعة 5-117 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 5-119 ح 9.
3- (3) وسائل الشیعة 5-118 ح 6.
4- (4) وسائل الشیعة 5-118 ح 8.
5- (5) وسائل الشیعة 5-119 ح 9.
6- (6) وسائل الشیعة 5-120 ح 1.
7- (7) جامع الأصول 7-97.

علیه و آله صلی غیر مرة بغیر أذان و لا إقامة(1). و سئل الصادق علیه السلام عن صلاة العیدین فیها أذان و إقامة ؟ قال: لا، و لکن ینادی «الصلاة» ثلاثا(2).

و لو قال: «الصلاة جامعة» أو «هلموا إلی الصلاة» جاز، لکن الأفضل التوقی من عبارة الأذان مثل «حی علی الصلاة».

السادس: لا ینقل المنبر من موضعه، بل یعمل منبرا من طین، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله لم ینقله. و قال الصادق علیه السلام: لا یحرک المنبر من موضعه، و لکن یصنع شبه المنبر من طین یقوم علیه فیخطب الناس(3) و علیه إجماع العلماء.

السابع: یستحب أن یسجد علی الأرض، لأن الصادق علیه السلام أتی بخمرة یوم الفطر فأمر بردها و قال: هنا کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله یحب أن ینظر إلی آفاق السماء و یضع جبهته علی الأرض(4).

الثامن: یستحب أن یطعم فی الفطر قبل خروجه، فیأکل شیئا من الحلوة، و بعد عوده فی الأضحی مما یضحی به، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کان لا یخرج یوم الفطر حتی یطعم، و لا یطعم یوم الأضحی حتی یرجع(5).

و لأن الفطر واجب، فاستحب تعجیله لإظهار المبادرة إلی الطاعة، و لیتمیز عما قبله من وجوب الصوم و تحریم الأکل، بخلاف یوم النحر، حیث لم یتقدمه صوم واجب و تحریم الأکل، فاستحب تأخیر الأکل فیه لیتمیز عن الفطر.

و یستحب أن یأکل فی الفطر شیئا من الحلوة، لأن النبی صلی اللّه علیه

ص:65


1- (1) جامع الأصول 7-87.
2- (2) وسائل الشیعة 5-101 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 5-137.
4- (4) وسائل الشیعة 5-118 ح 5.
5- (5) جامع الأصول 7-97.

و آله قل ما کان یخرج یوم الفطر حتی یأکل تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا، أو أقل من ذلک و أکثر(1).

التاسع: یستحب التکبیر فی عید الفطر علی الأقوی للأصل، و قیل:

بالوجوب لقوله تعالی وَ لِتُکْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُکَبِّرُوا اللّهَ عَلی ما هَداکُمْ (2) قال المفسرون: لتکملوا عدة صوم رمضان، و لتکبروا اللّه عند إکماله علی ما هداکم.

و کان النبی صلی اللّه علیه و آله یخرج یوم الفطر و الأضحی رافعا صوته بالتکبیر(3). و قال الصادق علیه السلام: أما إن فی الفطر تکبیرا، و لکنه مستحب(4).

و هو عقیب أربع صلوات: أولاهن مغرب لیلة الفطر، و آخرهن صلاة العید، و سئل الصادق علیه السلام عن التکبیر أین هو؟ فقال علیه السلام:

فی لیلة الفطر فی المغرب و العشاء و الفجر و صلاة العید(5).

و یستحب رفع الصوت به، لأن فیه إظهارا لشعائر الإسلام.

العاشر: و یستحب التکبیر أیضا فی الأضحی بمعنی عقیب خمس عشرة صلاة: أو لها ظهر الفجر و آخرها صبح الثالث من أیام التشریق، لقوله تعالی وَ اذْکُرُوا اللّهَ فِی أَیّامٍ مَعْدُوداتٍ (6) و هی أیام التشریق، و لیس فیها ذکر زائد مأمور به سوی التکبیر، لأن علیا علیه السلام کبّر کما قلناه(7).

و قول الصادق علیه السلام: التکبیر فی أیام التشریق عقیب صلاة الظهر

ص:66


1- (1) جامع الأصول 7-97.
2- (2) سورة البقرة: 185.
3- (3) جامع الأصول 7-86.
4- (4) وسائل الشیعة 5-133 ح 2.
5- (5) وسائل الشیعة 5-123 ح 6.
6- (6) سورة البقرة: 203.
7- (7) وسائل الشیعة 5-125 ح 6.

یوم النحر، ثم یکبّر عقیب کل فریضة إلی صبح الثالث من أیام التشریق(1).

و لأن الناس تبع للحاج، و الحاج یقطعون التلبیة مع أول حصاة، و یکبرون مع الرمی، و إنما یرمون یوم النحر، فأول صلاة بعد ذلک الظهر، و آخر صلاة یصلون بمنی فجر الثالث من أیام التشریق.

و إن کان بغیر منی، کبّر عقیب عشر صلوات: أولها ظهر النحر، و آخرها صبح الثانی من أیام التشریق، لقول الصادق علیه السلام: التکبیر فی الأمصار عقیب عشر صلوات، فإذا نفر الحاج النفر الأول أمسک أهل الأمصار، و من أقام بمنی فصلی الظهر و العصر فلیکبر(2) ، و لأن الناس فی التکبیر تبع للحاج، و مع النفر الأول یسقط التکبیر، فیسقط عمن لیس بمنی.

و الأقرب استحباب هذا التکبیر، لأصالة البراءة. و الأشهر فی صفته أن یقول فی عید الفطر: اللّه أکبر (مرتین) لا إله إلا اللّه و اللّه أکبر علی ما هدانا، و له الحمد علی ما أولانا، و یزید فی الأضحی:

و رزقنا من بهیمة الأنعام للروایة(3).

و التکبیر عقیب الفرائض المذکورة دون النوافل، لقول الباقر و الصادق علیهما السلام: التکبیر بمنی فی دبر خمس عشرة صلاة، و فی سائر الأمصار عقیب عشر صلوات آخرها صبح الثالث أو الثانی(4) ، و لأنها نوافل فلا یکبر عقیبها، کنوافل عرفة.

و إذا أدرک المأموم بعض صلاة الإمام، أتم بعد تسلیم إمامه، و لا یتابعه فی التکبیر، لأن الإمام یکبر بعد خروجه، فإذا أتم المأموم صلاته کبر عقیبها.

و هو مستحب للجامع و المنفرد، و الحاضر و المسافر، فی بلد کان أو فی قریة، صغیرة أو کبیرة، ذکرا کان أو أنثی، حرا أو عبدا، لعموم الأخبار.

ص:67


1- (1) وسائل الشیعة 5-124 ح 4.
2- (2) وسائل الشیعة 5-123 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 5-124.
4- (4) وسائل الشیعة 5-123 ح 2.

و قول علی علیه السلام: و کل من صلی وحده(1).

و إذا فاتته صلاة من هذه الصلوات، فقضاها کبّر و إن فاتت أیام التشریق، لقوله علیه السلام: من فاتته صلاة فلیقضها کما فاتته(2) ، و لو ترک الإمام التکبیر کبر المأموم، و لو نسی التکبیر، کبّر حیث ذکر.

الحادی عشر: یستحب إحیاء لیلتی العیدین بفعل الطاعات، لقوله علیه السلام: من أحیا لیلتی العیدین لم یمت قلبه یوم یموت القلوب(3) ، و ما یضاف إلی القلب فإنه أعظم وقعا، لقوله تعالی فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (4) و موت القلب الکفر فی الدنیا و الفزع فی الآخرة.

الثانی عشر: یستحب إذا مشی فی طریق أن یرجع فی غیرها، لأنه علیه السلام فعلها(5) ، قصدا لسلوک الأبعد فی الذهاب، لیکثر ذهابه بکثرة خطواته إلی الصلاة، و یعود فی الأقرب لأنه أسهل، و هو راجع إلی منزله، أو لیشهد له الطریقان، أو لیتساوی أهل الطریقین فی التبرک بمروره و سرورهم برؤیته، و ینتفعون بمسألته، أو لیتصدق علیهما، أو لیتبرک الطریقان بوطئه علیهما فیتابع للتأسی. و إن اختص المعنی به کالرمل و الاصطباغ فی طواف القدوم فعله هو و أصحابه، لإظهار الجلد للکفار و بقی سنّة بعده.

الثالث عشر: یترک السلاح، فإن الخروج به مکروه، لمنافاته الخضوع و الاستکانة، إلا مع خوف العدو، لقول الباقر علیه السلام: نهی النبی صلی اللّه علیه و آله أن یخرج السلاح فی العیدین إلا أن یکون عدوا ظاهرا(6).

الرابع عشر: یستحب التعریف عشیة عرفة بالإحضار فی المساجد، لما

ص:68


1- (1) وسائل الشیعة 5-98 ما یدل علی ذلک.
2- (2) عوالی اللئالی 3-107.
3- (3) وسائل الشیعة 5-138 ح 1 و 2.
4- (4) سورة البقرة: 283.
5- (5) جامع الأصول 7-98.
6- (6) وسائل الشیعة 5-116.

فیه من الاجتماع لذکر اللّه تعالی، و فعله ابن عباس بالبصرة، و قول الصادق علیه السلام: من لم یشهد جماعة الناس فی العیدین، فلیغتسل و لیتطیب و لیصل وحده کما یصلی فی الجماعة(1).

و فی یوم عرفة یجتمعون بغیر إمام فی الأمصار یدعون اللّه عز و جل.

ص:69


1- (1) وسائل الشیعة 5-98 ح 1.

ص:70

الفصل الثالث (فی صلاة الآیات)

اشارة

و فیه مطالب:

المطلب الأول (فی الکیفیة)
اشارة

هذه الصلاة رکعتان تشتمل کل رکعة علی خمس رکوعات و سجدتین، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله رکع خمس رکوعات ثم سجد سجدتین، و فعل فی الثانیة مثل ذلک(1) ، و صلی علی علیه السلام مثل ذلک(2) ، و قال الباقر علیه السلام: هی عشر رکوعات بأربع سجدات(3).

و کیفیتها: أن ینوی و یکبّر للافتتاح، ثم یقرأ الحمد و سورة أیها شاء أو بعضها، ثم یرکع فیذکر اللّه تعالی، ثم ینتصب، فإن کان قد قرأ أولا السورة کملا قرأ الحمد ثانیا و سورة أو بعضها، ثم یرکع و یذکر اللّه تعالی، ثم ینتصب، فإن کان قد أتم السورة قرأ الحمد و سورة أو بعضها، و هکذا خمس مرات، ثم یسجد سجدتین بعد انتصابه من الخامس بغیر قراءة، ثم یقوم فیعتمد فی الثانیة ما فعله فی الأولی إلا النیة و تکبیرة الإحرام، ثم سجد مرتین

ص:71


1- (1) جامع الأصول 7-125.
2- (2) وسائل الشیعة 5-150 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 5-149 ح 2.

کالأولی، ثم یتشهد و یسلم.

و کل قیام لم یکمل فیه السورة إذا انتصب من الرکوع بعده، یتمم السورة أو بعضها من غیر أن یقرأ الحمد، لقول أحدهما علیهما السلام: تبدأ فتکبر لافتتاح الصلاة، ثم تقرأ أم الکتاب و سورة ثم ترکع، ثم ترفع رأسک من الرکوع فتقرأ أم الکتاب و سورة، ثم ترکع الثالثة، ثم ترفع رأسک من الرکوع فتقرأ أم الکتاب و سورة، ثم ترکع الرابعة، ثم ترفع رأسک من الرکوع فتقرأ أم الکتاب و سورة، ثم ترکع الخامسة، فإذا رفعت رأسک قلت: سمع اللّه لمن حمده، ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتین، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت فی الأولی، قال قلت: و إن هو قرأ سورة واحدة فی الخمس رکعات یفرقها بینها؟ قال: أجزأه أم القرآن فی أول مرة، و إن قرأ خمس سور فمع کل سورة أم القرآن(1).

و لا خطبة لهذه الصلاة و لا النفل، و لا یجوز أن یصلی علی الراحلة و لا مشیا إلا مع الضرورة، لأنها فریضة للروایة(2).

فروع:

الأول: لو قرأ فی القیام الأول الحمد و بعض السورة، هل یتعین علیه فی الثانی الابتداء من الموضع الذی انتهی إلیه، أو یجوز له أن یقرأ من أی موضع اتفق ؟ الأحوط الأول.

الثانی: لو قرأ بعض السورة فی الأول، هل یجوز له العدول إلی سورة أخری ؟ ظاهر کلامه فی المبسوط(3) ذلک. فیتعین أن یقرأ الحمد أولا علی إشکال، ینشأ من سقوط وجوبها فی البعض، ففی الجمیع أولی، و من وجوب الحمد مع السورة الکاملة.

ص:72


1- (1) وسائل الشیعة 5-149 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 5-157.
3- (3) المبسوط 1-173.

الثالث: لو قرأ بعض السورة فی الأولی، و سوغنا العدول أو الابتداء بأی موضع شاء، جاز له أن یبتدئ من أول السورة التی قطعها. و لو لم نجوزها فهل یجوز الابتداء من أول السورة ؟ الأقرب ذلک.

و علی التقدیرین هل یتعین الفاتحة حینئذ؟ إشکال، ینشأ من إجزاء بعضها بغیر الحمد فالکل أولی، و من وجوب قراءة الحمد مع الابتداء بأول السورة.

الرابع: هل یجب إکمال السورة فی الخمس ؟ الأقرب ذلک، لصیرورتها حینئذ بمنزلة رکعة، فیجب فیها الحمد و سورة، و هل یجوز أن یقرن بین سورتین أو ثلاث ؟ الأقرب ذلک، لجواز أن یقرأ خمس سور و سورة واحدة فجاز الأوسط.

الخامس: أنه یجوز أن یقرأ فی الخمس سورة و بعض أخری، فإذا قام إلی الثانیة، فالأقرب وجوب الابتداء بالحمد، لأنه قیام عن سجود، فوجب فیه الفاتحة، ثم یبتدئ بسورة من أولها، ثم إما أن یکملها، أو یقرأ بعضها.

و یحتمل ضعیفا أن یقرأ من الموضع الذی انتهی إلیه أولا من غیر أن یقرأ الفاتحة، لکن یجب أن یقرأ الحمد فی الثانیة، بحیث لا یجوز له الاکتفاء بالحمد مرة فی الرکعتین.

و هل یجوز أن یقرأ الحمد فی الرکعتین و سورة واحدة فیهما؟ الأقرب المنع.

السادس: الأقرب أنه إذا قرأ فی قیامه بعض سورة، أن لا یقرأ فی القیام الذی یلیه بعضا من أخری، بل إما أن یکمل الأولی، أو یقرأ من الموضع الذی انتهی إلیه بعضها.

ص:73

المطلب الثانی (فی السنن)

و هی:

الأول: یستحب إیقاعها تحت السماء، لأنه سائل لرد النور فأشبهت صلاة الحوائج و الاستسقاء، و قول الباقر علیه السلام: و إن استطعت أن تکون صلاتک بارزا ألا یجنک بیت فافعل(1).

الثانی: الجماعة، لاشتمالها علی سؤال فأشبهت الاستسقاء، و صلاها النبی صلی اللّه علیه و آله فی جماعة(2).

و کذا ابن عباس فی عهد علی علیه السلام، و قول الصادق علیه السلام:

إذا انکسفت الشمس أو القمر، فإنه ینبغی للناس أن یفزعوا إلی الإمام یصلی بهم(3).

الثالث: یستحب أن یدعو بالتوجه عقیب تکبیرة الافتتاح کغیرها من الفرائض.

الرابع: یستحب أن یقرأ بسور الطوال مع السعة مثل الکهف و الأنبیاء، لأن الباقر علیه السلام کان یستحب أن یقرأ فیها بالکهف و الحجر، إلا أن یکون إماما یشق علی من خلفه(4).

الخامس: یستحب الإطالة بقدر الکسوف، لأن الباقر علیه السلام قال: کسفت الشمس فی زمن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فصلی بالناس رکعتین و طوّل حتی غشی علی بعض القوم ممن کان وراءه من طول القیام(5).

و لأن الغرض استدفاع الخوف و طلب رد النور، فینبغی الاستمرار باستمراره.

ص:74


1- (1) وسائل الشیعة 5-151 ح 6.
2- (2) جامع الأصول 7-110.
3- (3) وسائل الشیعة 5-157 ح 2.
4- (4) وسائل الشیعة 5-151 ح 6.
5- (5) وسائل الشیعة 5-154 ح 1.

السادس: یستحب إطالة السجود و الرکوع، و ینبغی أن یکون زمان رکوعه بقدر قراءته، لقول الباقر علیه السلام: و تطیل القنوت علی قدر القراءة و الرکوع و السجود، فإن تجلی قبل أن یفرغ فأتم ما بقی(1) ، و قال الباقر علیه السلام: و یطیل الرکوع و السجود(2).

السابع: یستحب أن یکبّر کلما انتصب من الرکوع إلا فی الخامس و العاشر، فإنه یقول: سمع اللّه لمن حمده، و لأن الرکوعات و إن تکررت فهی تجری مجری رکعة واحدة، فیکون «سمع اللّه لمن حمده» فی آخرها کغیرها من الفرائض.

الثامن: یستحب أن یقنت خمس مرات فی القیام الثانی من الرکوعات و الرابع و السادس و الثامن و العاشر، لقول الباقر و الصادق علیهما السلام:

و القنوت فی الرکعة الثانیة قبل الرکوع، ثم فی الرابعة و السادسة و الثامنة و العاشرة(3) ، و لأنه سائل و القنوت مظنة الإجابة فشرع، کما قنت النبی صلی اللّه علیه و آله علی المشرکین.

التاسع: یستحب الجهر بالقراءة فی الکسوفین، لأن النبی و علیا علیهما السلام جهرا بالقراءة فی کسوف الشمس(4) ، و لو خافت، لم یکن به بأس.

المطلب الثالث (فی الموجب)

هذه الصلاة تجب عند کسوف الشمس و خسوف القمر، لقوله علیه السلام: إن الشمس و القمر آیتان من آیات اللّه لا یخسفان لموت أحد و لا لحیاته، فإذا رأیتم ذلک فصلوا(5).

ص:75


1- (1) وسائل الشیعة 5-151 ح 6.
2- (2) نفس المصدر.
3- (3) وسائل الشیعة 5-149 ح 1.
4- (4) جامع الأصول 7-108.
5- (5) جامع الأصول 7-126.

و تجب عند الزلزلة، لأنه علیه السلام علل الکسوف بأنه آیة من آیات اللّه یخوف بها عباده، و صلی ابن عباس للزلزلة، و قال الباقر و الصادق علیهما السلام: إن صلاة کسوف الشمس و خسوف القمر و الرجفة و الزلزلة عشر رکعات و أربع سجدات(1). و لأن المقتضی و هو الخوف موجود، فثبت معلوله.

و تجب أیضا لأخاویف السماء، کالظلمة الشدیدة العارضة، و الحمرة الشدیدة، و الریاح العظیمة المخوفة السود و الصفر و الصیحة، لعموم قوله علیه السلام: إن هذه الآیات(2) ، و قول الباقر علیه السلام: کل أخاویف السماء من ظلمة أو ریح أو فزع فصل له صلاة الکسوف حتی یسکن(3) ، و لوجود العلة فیه و هو الخوف.

و لا تجب لغیر هذه من الأمور المخوفة کالسبع و اللص و غیرهما.

و هل تجب فی کسف بعض الکواکب بعضا، أو کسف أحد النیرین بشیء من الکواکب ؟ کما قال بعضهم إنه شاهد الزهرة فی جرم الشمس کاسفة لها، إشکال ینشأ من عدم النص و أصالة البراءة و خفائه، لعدم دلالة الحس علیه، و إنما یستند فی ذلک إلی قول من لا یوثق به کالمنجم، و من کونه آیة مخوفة، فشارک النیرین فی الحکم، و الأقوی الأول.

المطلب الرابع (فی الوقت)
اشارة

وقت صلاة الکسوف و الخسوف من حین الابتداء فی الکسف إلی ابتداء الانجلاء، لزوال الحذر و حصول رد النور، و قول الصادق علیه السلام: إذا انجلی منه شیء فقد انجلی(4).

ص:76


1- (1) وسائل الشیعة 5-149 ح 1.
2- (2) المتقدم آنفا.
3- (3) وسائل الشیعة 5-144 ح 1.
4- (4) وسائل الشیعة 5-146 ح 3.

و أما الریاح المظلمة و الظلمة و الحمرة الشدیدتین، فوقت صلاتها مدتها.

و الزلزلة وقتها مدة العمر، فیصلی أداء و إن سکنت، و کذا الصیحة، لأنها من قبیل الأسباب لا الأوقات، لتعذر الصلاة فیه لقصوره جدا. و یحتمل أن یکون سببا للفوریة، فیجب الابتداء بالصلاة حین وقوعه.

و یمتد الوقت بامتداد الصلاة، ثم یخرج و یصیر قضاء، لکن الأول أولی. و یحتمل فی البلاد التی تستمر فیها الزلزلة زمانا طویلا کون الوقت منوطا بها، و الضابط: أن کل آیة یقصر زمانها عن فعل العبادة فإنها سبب، و ما لا یقصر فإنها وقت، و لو قصر فی بعض الأوقات سقطت.

و إذا علم بالکسوف أو الخسوف و أهمل الصلاة عمدا أو نسیانا حتی خرج الوقت، قضاها واجبا، سواء احترق جمیع القرص أو بعضه، لعموم قوله علیه السلام: من فاتته صلاة فریضة فلیقضها إذا ذکرها(1). و قول الباقر علیه السلام: من نسی صلاة أو نام عنها فلیقضها إذا ذکرها(2). و قول الصادق علیه السلام فی صلاة الکسوف: إن أعلمک أحد و أنت نائم، فعلمت ثم غلبتک عینک فلم تصل، فعلیک قضاؤها(3).

و قول الشیخ: إن احترق البعض و ترکها نسیانا لم یقض(4) ، إن قصد الحقیقة فلیس بجید، و إن قصد الجهل فحق.

و لو لم یعلم الکسوف حتی انجلی، فإن کان قد احترق القرص کله وجب القضاء، و إلا فلا علی الأقوی، لقول الصادق علیه السلام: إذا انکسف القمر و لم تعلم حتی أصبحت، ثم بلغک فإن احترق کله فعلیک القضاء، و إن

ص:77


1- (1) جامع الأصول 6-134 مع تفاوت یسیر.
2- (2) وسائل الشیعة 5-350.
3- (3) وسائل الشیعة 5-156 ح 10.
4- (4) المبسوط 1-172.

لم یحترق کله فلا قضاء علیک(1) ، و قال علیه السلام أیضا: إذا انکسفت الشمس کلها و لم تعلم و علمت فعلیک القضاء، و إن لم یحترق کلها فلا قضاء علیک(2).

و لأصالة براءة الذمة مع عدم الاستیعاب، و عموم من نام عن صلاة أو نسیها معه، و التخصیص للتفریط و الإهمال للعبادة، و ترک التعرض لاستعلام حال النیرین، و طول مدة الاستیعاب و قصور مدة غیره.

أما جاهل غیرهما مثل الزلزلة و الریاح و الظلمة الشدیدة، فیحتمل سقوطها عنه، للأصل و زوال الموجب و هو الحذر، بخلاف العامد لتفریطه، فجاز أن یعاقب بالقضاء. و وجوب قضائها لعموم الأخبار. و یحتمل فی الزلزلة قویا الإتیان بها، لأن وقتها العمر.

و لا تسقط هذه الصلاة بغیبوبة الشمس منخسفة، عملا بالاستصحاب.

و کذا الخسوف لا یسقط صلاته بغیبوبة القمر منخسفا إجماعا، و لا یسقطان بستر السحاب إجماعا، لأصالة البقاء.

و لو طلعت الشمس و القمر منخسفة، لم تسقط صلاته، عملا بالموجب، و کذا لو طلع الفجر.

و لو فرغ من الصلاة قبل الانجلاء فالمشهور سقوط الوجوب للامتثال، إذ لیس مقتضی الأمر التکرار، نعم یستحب إعادة الصلاة، لأن المقتضی للمشروعیة باق، و قول الصادق علیه السلام: إذا فرغت قبل أن ینجلی فأعد(3) ، و لیس للوجوب، لقول الباقر علیه السلام: فإذا فرغت قبل أن ینجلی فاقعد و ادع اللّه حتی ینجلی(4). و أوجب بعض علمائنا الإعادة، و منع منها آخرون وجوبا و استحبابا.

ص:78


1- (1) وسائل الشیعة 5-155 ح 4.
2- (2) وسائل الشیعة 5-155 ح 2.
3- (3) وسائل الشیعة 5-153 ح 1.
4- (4) وسائل الشیعة 5-151 ح 6.

و یستحب الدعاء و الذکر و الاستغفار و التکبیر و التضرع إلی اللّه تعالی، لقوله علیه السلام: فافزعوا إلی ذکر اللّه تعالی و دعائه و استغفاره(1). و قالت أسماء: کنا نؤمر بالعتق فی الکسوف(2) ، و لأنه محذور فیبادر إلی طاعة اللّه تعالی لیکشف عن عباده.

و أی وقت حصل السبب، وجبت الصلاة، و إن کان أحد الأوقات الخمسة، لأنها صلاة فرض فلا یتناولها النهی، و قوله علیه السلام: فإذا رأیتم ذلک فصلوا(3) ، و قول الصادق علیه السلام: وقت صلاة الکسوف فی الساعة التی تنکسف عند طلوع الشمس و عند غروبها(4) ، و لأنها ذات سبب.

و لو اتفق وقت فریضة حاضرة، فإن اتسع الوقتان قدم الحاضرة استحبابا، لأن العنایة بها أتم، و لهذا شرع لها قطع الکسوف لو دخلت لا وجوبا، لأنها موسعة.

و لو تضیق الوقتان، قدمت الحاضرة وجوبا، ثم إن فرط فی صلاة الکسوف بالتأخیر وجب القضاء، و إلا فلا.

و لو تضیقت إحداهما تعینت للتقدیم، ثم یصلی الأخری بعدها، جمعا بین الفریضتین.

و لو ضاق وقت الکسف عن إدراک رکعة، لم تجب، بخلاف الزلزلة، فإنها سبب فی الوجوب لا وقت له.

و لو اتسع لرکعة و قصر عن أخف صلاة، احتمل الوجوب، لقوله علیه السلام: من أدرک رکعة من الصلاة فقد أدرک الصلاة(5). و من استحالة فرض

ص:79


1- (1) جامع الأصول 7-118.
2- (2) جامع الأصول 7-115.
3- (3) جامع الأصول 7-123.
4- (4) وسائل الشیعة 5-146.
5- (5) سنن ابن ماجة 1-356.

وقت لعبادة یقصر عنها عقلا، إلا أن یکون القصد القضاء، و لم یثبت القصد هنا.

فلو اشتغل أحد المکلفین بها فی الابتداء، و خرج الوقت و قد أکمل رکعة، فعلی الأول یجب علیه الإکمال، و لا یجب علی الثانی. أما الآخر فلا یجب علیه القضاء علی التقدیرین.

و لو ضاق الوقت عن العدد، لم یجز الاقتصار علی الأقل.

و لو اتسع للأکثر، لم یجز الزیادة، لأنها فریضة مقدرة شرعا، فلا یجوز الزیادة علیها، کالفرائض الیومیة.

فروع:

الأول: لو تلبس بصلاة الکسوف و تضیق وقت الحاضرة و خاف فوتها لو أتم الکسوف، قطعها إجماعا و صلی الحاضرة، لقوله الصادق علیه السلام تخشی فوت الفریضة قال: اقطعوها و صلوا الفریضة و عودوا إلی صلاتکم(1).

إذا ثبت هذا.

فإذا قطع و صلی الفریضة هل یستأنف الکسوف، أو یبتدئ من حیث قطع ؟ الشیخان و المرتضی علی الثانی للروایة [1]، و یحتمل الأول، لأنه فعل کثیر، و الروایة متأولة بالعود إلی ابتداء الصلاة.

الثانی: لو اشتغل بالکسوف و خشی فوت الحاضرة لو أتمها، و فوت الکسوف لو اشتغل بالحاضرة، احتمل تقدیم الحاضرة، لأولویتها فیقطع

ص:80


1- (1) وسائل الشیعة 5-147 ح 3.

الکسوف، و إتمامه لأولویته بالشروع فیه، و النهی عن إبطال العمل. و یحتمل إتمامها إن أدرک من الحاضرة بعدها رکعة و إلا استأنف.

الثالث: لو خالف ما أمر به من تقدیم الحاضرة لو خاف فوتها، فاشتغل بالکسوف أو بإتمامه، احتمل عدم الإجزاء، سواء ظهر بطلان ظن الضیق أو لا، لأنه فعل منهی عنه، فلا یقع عبادة متقربا بها، و الإجزاء إن کذب الظن، سواء الابتداء و الإتمام، و یحتمل الفرق.

الرابع: لو اتسع وقت الحاضرة و شرع القرص فی الکسوف، أو حدثت الریاح المظلمة، فالوجه تقدیم الکسوف و الآیات، لاحتمال قصور الزمان، فیفوت لو اشتغل بالحاضرة.

الخامس: الزلزلة متأخرة عن الحاضرة مطلقا، إن قلنا وقتها العمر، و إن قلنا وقتها حدوثها، وجب [1] و إن سکنت فکالکسوف.

السادس: لو اتفقت مع منذورة موقتة، بدأ بما یخاف فوتها، و لو أمن، تخیر.

السابع: الکسوف أولی من النافلة الموقتة، کصلاة اللیل و غیرها، فإن خاف فوتها و اتسع وقت الکسوف، فالکسوف أولی، ثم یقضی النافلة.

الثامن: لو اجتمع الکسوف و العیدین و الجنازة، قدم ما یخشی فوته، و لا امتناع فی اجتماع الکسوف و العید، و العادة لا تخرج نقیضها عن الإمکان، و اللّه علی کل شیء قدیر، و الفقهاء یفرعون الممکن و إن لم یقع عادة، لیبینوا الأحکام المنوطة بها، کما یفرضون ما یوجد.

ثم و إن اقتضت العادة عدم کسف الشمس إلا فی التاسع و العشرین من الشهر، فإنا نفرض الصلاة فی الریاح و الزلزلة و باقی الآیات، فلو خاف خروج وقت العید، قدمت صلاته و لم یخطب لها حتی یصلی الکسوف، فإذا صلی الکسوف خطب للعید خاصة.

ص:81

التاسع: لو اجتمع الخسوف و الجمعة، فإن اتسع وقت الجمعة، بدأ بالخسوف و یقصر فی قراءته، فإذا فرغ اشتغل بخطبة الجمعة.

العاشر: لو اجتمع فی الموقف حالة الکسوف قدمت صلاته علی الدعاء.

و لو خسف القمر بعد الفجر من لیلة المزدلفة و هو بها صلی الخسوف و إن فاته الدفع إلی منی قبل طلوع الشمس، و کذا لو کسفت الشمس یوم الترویة بمکة، صلی الکسوف و إن فاته فعل الظهر بمنی.

المطلب الخامس (فی اللواحق)

و هی:

الأول: هذه الصلاة واجبة علی الأعیان، علی الرجال و النساء و الخناثی، و الحر و العبد، و الحاضر و المسافر، و الصحیح و المریض، للعموم، و قال الصادق علیه السلام: لما قبض إبراهیم ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله جرت ثلاث سنن: أما واحدة فإنه لما مات کسفت الشمس لفقد ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فصعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله المنبر فحمد اللّه و أثنی علیه و قال: أیها الناس إن الشمس و القمر آیتان من آیات اللّه یجریان بأمره مطیعان له، لا ینکسفان لموت أحد و لا لحیاته، فإذا انکسفتا أو واحدة منهما فصلوا، ثم نزل فصلی بالناس صلاة الکسوف(1) ، و الأمر للوجوب.

و قالت أسماء بنت أبی بکر: فزع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله یوم کسفت الشمس، فقام قیاما، فرأیت المرأة التی أکبر منی و المرأة التی أصغر منی قائمة، فقلت أنا أحری بالصبر علی طول القیام.

الثانی: هذه الصلاة فرض مع الإمام و غیبته، لعموم الأخبار، و قول الصادق علیه السلام فی صلاة الکسوف: تصلی جماعة و فرادی(2) ، و لأنها صلاة

ص:82


1- (1) وسائل الشیعة 5-143 ح 10.
2- (2) وسائل الشیعة 5-157 ح 1 و 3.

لا یشترط البنیان و الاستیطان فی أدائها، فلا یشترط الجماعة.

الثالث: قد بینا استحباب الجماعة فی هذه الصلاة، و یستحب للعجائز و من لاهیة له الصلاة مع الرجال، و یکره ذلک للشواب، و یستحب لهن الجماعة تصلی بهن إحداهن.

الرابع: لو أدرک المأموم الإمام راکعا فی الأولی أدرک الرکعة.

و لو أدرکه فی الرکوع الثانی أو الثالث، ففی إدراک تلک الرکعة إشکال، فإن منعناه استحب المتابعة حتی یقوم من السجود فی الثانیة، فیستأنف الصلاة معه. فإذا قضی صلاته أتم هو الثانیة، و یحتمل الصبر حتی یبتدئ بالثانیة.

و یحتمل المتابعة بنیة صحیحة، فإذا سجد الإمام لم یسجد هو بل ینتظر الإمام إلی أن یقوم، فإذا رکع الإمام أول الثانیة رکع معه عن رکعات الأولی، فإذا انتهی إلی الخامس بالنسبة إلیه سجد، ثم لحق الإمام و یتم الرکعات قبل سجود الثانیة.

الخامس: لو شک فی عدد الرکوعات، احتمل البناء علی الأقل، لأصالة عدم الزیادة، و البطلان لشغل الذمة بیقین، فلا یخرج عن العهدة بدونه.

ص:83

ص:84

الفصل الرابع (فی صلاة النذر)

صلاة النذر واجبة بحسب ما نذره إجماعا، و لقوله تعالی یُوفُونَ بِالنَّذْرِ (1) و قوله تعالی «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (2).

و یشترط فیه ما یشترط فی الفرائض الیومیة من الطهارة و الاستقبال و غیرهما إجماعا، إلا الوقت، و یزید الصفات التی عینها فی نذره، و إنما تنعقد لو وقع فی طاعة، أما لو وقع فی معصیة فلا.

و لو عین الزمان تعین، سواء اشتمل علی المزیة کیوم الجمعة أو لا، لأن البقاء غیر معلوم، و التقدم ممنوع، لأنه فعل الواجب قبل وجوبه، فلا یقع مجزیا، کما لو صلی الفرض قبل وقته.

و لو قیده بأحد الأوقات الخمسة، فالأقرب الانعقاد، لاختصاص الکراهة بالنوافل و هذه فرض.

و لو قید النذر بزمان فأوقعها فی غیره، لم یجز. ثم إن کان الفعل متقدما علی الزمان، وجب علیه الإعادة عند دخول الوقت، فإن أهمل وجب القضاء و الکفارة، و إن تأخر الفعل، فإن کان لعذر أجزأ و لا کفارة، و إن کان لغیر

ص:85


1- (1) سورة الإنسان: 7.
2- (2) سورة المائدة: 1.

عذر، فإن أوقعه بهیئة القضاء أجزأ و کفر، و إلا وجب علیه الفعل ثانیا و الکفارة.

و لو نذر إیقاعه فی زمان یتکرر مثله کیوم الجمعة، لم یجب فی الأولی إلا مع النذر، بل یجزیه فعلها فی أی جمعة شاء، فإن أوقعها فی یوم خمیس لم یجزیه، و وجب إیقاعها فی الجمعة الأخری أداء لا قضاء.

و لو قید نذر الصلاة بمکان، فإن کان له مزیة تعین کالمسجد. و إن لم یکن له مزیة، فالأقوی عدم وجوب القید، فیجوز إیقاعها حینئذ فی أی موضع شاء.

أما لو کان له مزیة فی مکان، فصلاها فی أعلی، فالأقرب الجواز، لأن زیادة المزیة بالنسبة إلی ذی المزیة، کذی المزیة بالنسبة إلی غیر ذی المزیة.

و یحتمل العدم، لأنه نذر انعقد فلا یجوز غیره، فإن قلنا بالجواز فلا بحث، و إلا وجب القضاء.

و لو قیده بزمان و مکان، فأوقعها فی ذلک الزمان فی غیر ذلک المکان مما یساویه أو یزید علیه فی المزیة، أجزأ علی إشکال، و إلا وجب القضاء فی ذلک المکان بعینه، و الکفارة لفوات الوقت.

و لو أطلق العدد أجزأه رکعتان إجماعا، و الأقوی إجزاء الواحدة للتعبد بمثلها فی الوتر. و لو صلاها ثلاثا أو أربعا أجزأ إجماعا، و فی وجوب التشهدین إشکال، و لو صلاها خمسا، فإشکال، و لو قید نذره بعدد، تعین إن تعبد بمثله إجماعا، و إن أطلق احتمل وجوب التسلیم عقیب کل رکعتین، و وجوبه عقیب أربع أو ما زاد علی إشکال، و إن لم یتعبد بمثله کالخمس و الست قیل: لا ینعقد، و یحتمل انعقاده لأنه عبادة، و عدم التعبد بمثلها لا یخرجها عن کونها عبادة.

و لو قید النذر بقراءة سورة معینة، أو آیات مخصوصة، تعین، و هل یسقط وجوب السورة الکاملة لو قید النذر بآیات معینة ؟ الوجه ذلک، و یحتمل وجوب السورة.

ص:86

فلو نذر آیات من سورة معینة و قلنا بوجوب السورة، وجب هنا عین تلک السورة، و لو کانت الآیات من سور متعددة، وجب قراءة سورة اشتملت علیها بعض تلک الآیات، و قراءة باقی الآیات من غیر سورة، و یحتمل إجزاء غیرها من السور، فیجب قراءة الآیات التی نذرها.

و لو نذر النافلة فی وقتها صارت واجبة. فلو نذر العید المندوبة أو الاستسقاء فی وقتهما لزمه، و لو نذرهما فی غیر وقتهما، فالأقرب عدم الانعقاد.

و کذا لو نذر صلاة علی هیئتهما، أو هیئة صلاة الکسوف علی إشکال، ینشأ من أنها طاعة تعبد بمثلها فی وقت فکذا فی غیره.

و لو نذر إحدی المرغبات وجبت، فإن کانت مقیدة بوقت تقید النذر به و إن أطلقه، کما لو نذر نافلة الظهر أو صلاة اللیل، و إلا فلا. و لو کان الوقت مستحبا لها، کصلاة التسبیح المستحب إیقاعها یوم الجمعة، لم تنعقد إلا مع تقید النذر به.

و لو نذر صلاة اللیل وجب ثمان رکعات، و لا یجب الدعاء، و کذا لو نذر نافلة رمضان، لم یجب الدعاء المتخلل بینها إلا مع التقیید.

و لو نذر الفریضة الیومیة، فالوجه الانعقاد، لأنها طاعة بل أقوی الطاعات لوجوبها، و الفائدة وجوب الکفارة مع المخالفة.

و لو نذر النافلة علی الراحلة، انعقد المطلق لا المقید لأولویة غیره، و کذا لو نذر إیقاع النافلة فی إحدی الأماکن المکروهة، و لو فعل ما قید النذر به أجزأه.

و لو نذر التنفل جالسا، أو مستدبرا، فإن أوجبنا القیام أو الاستقبال، احتمل بطلان النذر، کما لو نذر الصلاة بغیر طهارة، و الانعقاد للمطلق، فیجب الضد، و إن جوزنا إیقاعها جالسا أو مستدبرا، أجزأ لو فعلها علیهما [1] أو قائما أو مستقبلا.

و الیمین و العهد فی ذلک کله کالنذر.

ص:87

ص:88

الفصل الخامس (فی الصلوات المندوبة)

اشارة

و فیه مطالب:

المطلب الأول (فی النوافل الیومیة)

النوافل: إما راتبة، أو غیر راتبة، و الراتبة: إما أن تتبع الفرائض أو لا. فالتابعة للفرائض ثلاث و عشرون رکعة: قبل الصبح رکعتان، و قبل الظهر ثمان، و کذا قبل العصر، و بعد المغرب أربع، و بعد العشاء رکعتان من جلوس تعدان برکعة.

لقول الصادق علیه السلام: کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله یصلی من التطوع مثلی الفرض، و یصوم من التطوع مثلی الفرض(1).

و قال الصادق علیه السلام: کان النبی صلی اللّه علیه و آله یصلی ثمان رکعات للزوال، و أربعا الأولی، و ثمان بعدها، و أربعا العصر، و ثلاثا المغرب، و أربعا بعدها، و العشاء أربعا، و ثمان صلاة اللیل، و ثلاثا الوتر، و رکعتی الفجر، و صلاة الغداة رکعتین(2).

ص:89


1- (1) وسائل الشیعة 3-32 ح 4.
2- (2) وسائل الشیعة 3-33 ح 6.

و فی خبر آخر: و رکعتین بعد العشاء کان أبی یصلاهما و هو قاعد و أنا أصلیهما و أنا قائم(1).

و قال الکاظم علیه السلام: أنا أصلی واحدة و خمسین، ثم عد بأصابعه حتی قال: و رکعتین من قعود تعدان برکعة من قیام(2).

و غیر التابعة للفرائض: صلاة اللیل، و فیها فضل کثیر و ثواب جزیل.

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: یا جبرئیل عظنی قال: یا محمد عش ما شئت فإنک میت، و أحبب ما شئت فإنک مفارقه، و اعمل ما شئت فإنک ملاقیه، شرف المؤمن صلاته باللیل، و عزه کف الأذی عن الناس(3). و مدح اللّه تعالی أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَ قائِماً یَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ یَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ (4) و آناء اللیل ساعاته.

و هی فی المشهور إحدی عشر رکعة: ثمان صلاة اللیل، و اثنتان للشفع و یوتر بواحدة، و الوتر عندنا واحدة، و ما تقدم علیها لیس منها، لأن ابن عباس روی أن النبی صلی اللّه علیه و آله قال: الوتر رکعة من آخر اللیل(5).

و یستحب فیه القنوت و الدعاء بالمرسوم فی جمیع السنة، لأن علیا علیه السلام قال: کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم یقول فی آخر وتره:

«اللّهم إنی أعوذ برضاک من سخطک، و أعوذ بمعافاتک من عقوبتک، و أعوذ بک عنک، لا أحصی ثناء علیک، أنت کما أثنیت علی نفسک»(6) و کان للدوام.

و ینبغی أن یقنت بالأدعیة المأثورة عن أهل البیت علیهم السلام. و ینبغی

ص:90


1- (1) وسائل الشیعة 3-34 ح 9.
2- (2) وسائل الشیعة 3-33 ح 7.
3- (3) وسائل الشیعة 5-269 ح 3.
4- (4) سورة الزمر: 9.
5- (5) سنن ابن ماجة 1-372.
6- (6) سنن ابن ماجة 1-373.

الاستغفار فیه سبعین مرة، و الدعاء بعد الرفع من الرکوع.

و یستحب أن یقرأ فی الأولتین من صلاة اللیل الحمد مرة و الإخلاص ثلاثین مرة، و الإطالة مع سعة الوقت، و التخفیف مع قصوره و لو بقراءة الحمد وحدها، فإن ضاق الوقت عن الصلاة صلی الرکعتین و أوتر بعدهما، ثم صلی رکعتی الفجر و الغداة و قضی ما فاته. و لو کان قد تلبس بأربع، زاحم بها الفریضة.

و أن یضطجع بعد رکعتی الفجر علی جانبه الأیمن، و یقرأ خمس آیات من آخر آل عمران، و یدعو بالمنقول، و لو سجد عوض الضجعة جاز، لقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: إذا صلی أحدکم رکعتی الفجر فلیضطجع(1).

و یستحب زیادة علی الرواتب التنفل بین المغرب و العشاء بأربع: اثنتان ساعة الغفلة، و اثنتان بعدها، فقد قیل فی تأویل قوله تعالی تَتَجافی جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ (2) أنهم کانوا یتنفلون ما بین المغرب و العشاء.

و قال الصادق علیه السلام: تصلی رکعتین تقرأ فی الأولی الحمد، و من قوله تعالی وَ ذَا النُّونِ - إلی قوله نُنْجِی الْمُؤْمِنِینَ و فی الثانیة الحمد و «عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَیْبِ» إلی آخر الآیة، ثم یدعو بدعائها و یسأل اللّه حاجته(3).

و قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: أوصیکم برکعتین بین العشاءین، یقرأ فی الأولی الحمد و إذا زلزلت ثلاث عشرة مرة، و فی الثانیة الحمد مرة و الإخلاص خمس عشرة مرة، فمن فعل ذلک فی کل شهر کان من الموقنین، فإن فعل ذلک فی کل سنة کان من المحسنین، فإن فعل ذلک فی کل جمعة کان من المصلحین، فإن فعله فی کل لیلة زاحمنی فی الجنة و لم یحص ثوابه إلا اللّه تعالی(4).

ص:91


1- (1) سنن ابن ماجة 1-378، سنن أبی داود 2-21.
2- (2) سورة السجدة: 16.
3- (3) وسائل الشیعة 5-249 ح 2.
4- (4) وسائل الشیعة 5-247 ح 1 ب 17.

و قال علی بن بابویه: أفضل النوافل رکعتا الفجر، و بعدهما رکعة الوتر، و بعدها رکعتا الزوال، و بعدهما نوافل المغرب، و بعدها تمام صلاة اللیل، و بعدها نوافل النهار(1).

و یکره الکلام بین المغرب و نوافلها، لأن الصادق علیه السلام نهاه عن الکلام(2).

و یستحب أن یسجد للشکر بعد السابعة، لئلا یفصل بین الفریضة و نافلتها، و قال الهادی علیه السلام: ما کان أحد من آبائی یسجد إلا بعد السابعة(3).

و أما صلاة الضحی فإنها بدعة عند علمائنا، قالت عائشة: ما رأیت النبی صلی اللّه علیه و آله یصلی الضحی قط(4).

و قال عبد الرحمن بن أبی لیلا ما حدثنی أحد أنه رأی النبی صلی اللّه علیه و آله یصلی الضحی إلا أم هانئ فإنها حدثت أن النبی صلی اللّه علیه و آله دخل بیتها یوم فتح مکة، و صلی ثمانی رکعات ما رأته قط صلی صلاة أخف منها، غیر أنه کان یتم الرکوع و السجود(5) ، و أنکر علی علیه السلام صلاة الضحی.

و سئل الباقر و الصادق علیهما السلام عن الصلاة فی رمضان نافلة باللیل جماعة ؟ فقال: إن النبی صلی اللّه علیه و آله صعد علی منبره، فحمد اللّه و أثنی علیه، ثم قال: أیها الناس إن الصلاة باللیل فی شهر رمضان فی النافلة جماعة بدعة، و صلاة الضحی بدعة، فلا تجمعوا فی رمضان بصلاة اللیل، و لا تصلوا الضحی، فإن ذلک بدعة، و کل بدعة ضلالة، و کل ضلالة سبیلها إلی النار(6).

ص:92


1- (1) من لا یحضره الفقیه 1-314.
2- (2) وسائل الشیعة 3-63.
3- (3) وسائل الشیعة 4-1058 ح 1.
4- (4) جامع الأصول 7-74.
5- (5) جامع الأصول 7-75.
6- (6) وسائل الشیعة 5-192 ح 1.

و قوله علیه السلام: «الصلاة خیر موضوع» لا تنافی ما قلناه، فإنه لو صلی هذه الصلاة نافلة مبتدأة جاز، لکن الممنوع صلاتها مع اعتقاد مشروعیتها فی هذا الوقت بالخصوصیة.

المطلب الثانی (فی نافلة شهر رمضان)

یستحب نافلة شهر رمضان، لقوله علیه السلام: من قام رمضان إیمانا و احتسابا غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه(1).

و قال الصادق علیه السلام: کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إذا جاء شهر رمضان زاد فی الصلاة و أنا أزید فزیدوا(2).

و إنه أفضل من غیره من الشهور، و اختص بلیلة القدر و لیلة الفرقان.

و زیادة تضاعف الحسنات تناسب مشروعیة زیادة أهم العبادات فی نظر الشرع، و هی الصلاة.

و قدرها ألف رکعة، لقول الصادق علیه السلام: تصلی فی شهر رمضان ألف رکعة(3) ، و قد روی زیادة علی الألف مائة رکعة لیلة النصف، تقرأ فی کل رکعة الحمد مرة و الإخلاص مائة مرة(4) ، و هذه الألف زیادة علی النوافل الیومیة.

و فی توزیعها وجهان:

الأول: أن یصلی فی کل لیلة عشرین رکعة، ثم فی اللیالی الأفراد، و هی لیلة تسع عشرة و إحدی و عشرین و ثلاث و عشرین فی کل لیلة زیادة مائة،

ص:93


1- (1) سنن ابن ماجة 1-526.
2- (2) وسائل الشیعة 5-174 ح 2.
3- (3) وسائل الشیعة 5-178 ح 1.
4- (4) وسائل الشیعة 5-177 ح 1.

ثم زیادة عشر فی العشر الأواخر، لروایة سماعة(1).

الثانی: أن یصلی کذلک، إلا أنه یقتصر فی لیالی الأفراد علی مائة، فیبقی علیه ثمانون یصلی فی کل جمعة عشر رکعات بصلاة علی و فاطمة و جعفر علیهم السلام، و فی لیلة آخر جمعة من الشهر عشرین بصلاة علی، و فی عشیة تلک الجمعة لیلة السبت عشرین بصلاة فاطمة علیها السلام، لروایة المفضل بن عمر عن الصادق علیه السلام و إسحاق بن عمار عن الکاظم علیه السلام(2).

و المشهور فی ترتیب العشرین أنه یصلی بعد المغرب ثمانی رکعات، و الباقی بعد العشاء، لروایة مسعدة(3) ، و فی روایة سماعة یصلی بعد المغرب اثنی عشر رکعة، و الباقی بعد العشاء، و کذا فی ترتیب الثلاثین و المائة أیضا.

و روی أن علیا علیه السلام کان یصلی فی آخر عمره فی کل یوم و لیلة من شهر رمضان ألف رکعة(4).

و کیفیة هذه النوافل: أن یقرأ فی کل رکعة الحمد و سورة أخری، و قد روی أن یقرأ فی المئات فی کل رکعة الحمد مرة و الإخلاص مائة مرة(5).

و لا تجوز الجماعة فی هذه الصلاة، قال زید بن ثابت: إن الناس اجتمعوا فلم یخرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فرفعوا أصواتهم، و حصبوا الباب، فخرج مغضبا و قال: ما زال بکم صنیعکم حتی ظننت أنها ستکتب علیکم فعلیکم بالصلاة فی بیوتکم، فإن خیر صلاة المرء فی بیته إلا المکتوبة(6).

ص:94


1- (1) وسائل الشیعة 5-180 ح 3.
2- (2) وسائل الشیعة 5-178 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 5-179 ح 2.
4- (4) وسائل الشیعة 5-176 ح 1 ب 5.
5- (5) وسائل الشیعة 5-184.
6- (6) جامع الأصول 7-81.

و لو کانت الجماعة مستحبة لم یزهد فیها.

و قال الباقر و الصادق علیهما السلام: إن النبی صلی اللّه علیه و آله خرج أول لیلة من شهر رمضان لیصلی، فاصطف الناس خلفه، فهرب إلی بیته و ترکهم، ففعل ذلک ثلاث لیال، و قام یوم الرابع علی منبره و قال: أیها الناس إن الصلاة باللیل فی رمضان نافلة فی جماعة بدعة، فلا تجمعوا لیلا فی شهر رمضان فی صلاة اللیل، فإن ذلک معصیة، و کل بدعة ضلالة سبیلها إلی النار. ثم نزل و هو یقول: قلیل فی سنّة خیر من کثیر فی بدعة(1).

و ینبغی أن یفصل بین کل رکعتین بالتسلیم، و یدعوا بعدهما بالمأثور عن أهل البیت علیهم السلام.

و لا یستحب قیام لیلة الشک، لأنها لم تثبت من رمضان، فصلاة رمضان فیها بدعة.

و یستحب أن یقرأ فی لیلة ثلاث و عشرین سورة العنکبوت و الروم و ألف مرة إنا أنزلناه. قال الصادق علیه السلام: من قرأ سورتی العنکبوت و الروم فی شهر رمضان لیلة ثلاث و عشرین، فهو و اللّه یا أبا محمد من أهل الجنة لا أستثنی فیه أبدا، و لا أخاف أن یکتب اللّه علی فی یمینی إثما، و أن لهاتین السورتین من اللّه مکانا(2).

المطلب الثالث (فی باقی النوافل الموقتة)

یستحب من النوافل الموقتة صلوات، و أهمها ما نذکره:

الأول: صلاة لیلة الفطر، و هی رکعتان یقرأ فی الأولی الحمد مرة و الإخلاص ألف مرة، و فی الثانیة الحمد مرة و الإخلاص مرة واحدة، و یدعو بعدهما بالمنقول.

ص:95


1- (1) وسائل الشیعة 5-192 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 7-264 ح 1.

الثانی: یستحب أن یصلی أول یوم من ذی الحجة صلاة فاطمة علیها السلام، و فیه زوّجها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من علی علیه السلام، و روی أنه الیوم السادس، ثم یدعو بالمنقول.

الثالث: یستحب أن یصلی یوم الغدیر رکعتین قبل الزوال بنصف ساعة، بعد أن یغتسل، یقرأ فی کل واحدة منهما الحمد مرة و کل واحدة من الإخلاص و القدر و آیة الکرسی عشر مرات، ثم یدعو بالمنقول.

و روی أبو الصلاح استحباب الجماعة فیها و الخطبة و التصافح و التهانی، لبرکة هذا الیوم و شرفه بتکمیل الدین(1).

الرابع: یستحب أن یصلی یوم الرابع و العشرین من ذی الحجة، و هو یوم الصدقة بالخاتم قبل الزوال بنصف ساعة رکعتین، یقرأ فی کل رکعة الحمد مرة و کل واحد من الإخلاص و آیة الکرسی إلی قوله «هُمْ فِیها خالِدُونَ» و القدر عشر مرات.

قال الشیخ: و هذه الصلاة بعینها رویناها فی یوم الغدیر، و هو یعطی أن آیة الکرسی فی صلاة الغدیر إلی قوله هُمْ فِیها خالِدُونَ .

الخامس: یستحب أن یصلی یوم المباهلة، و هو الخامس و العشرین من ذی الحجة ما شاء، و یستغفر اللّه عقیب کل رکعتین سبعین مرة، و یدعو بالمنقول.

السادس: یستحب أن یصلی صلاة عاشوراء، و هی أربع رکعات یحسن رکوعها و سجودها، و یسلم بین کل رکعتین، یقرأ فی الأولی بعد الحمد الجحد، و فی الثانیة الحمد و الإخلاص، و فی الثالثة الحمد و الأحزاب، و فی الرابعة الحمد و المنافقون أو ما تیسر، ثم یسلم و یحول وجهه نحو قبر الحسین علیه السلام الحدیث(2).

ص:96


1- (1) الکافی لأبی الصلاح الحلبی ص 160.
2- (2) وسائل الشیعة 5-225 ح 1.

السابع: یستحب أن یصلی لیلة نصف رجب اثنتی عشرة رکعة، یقرأ فی کله الحمد و سورة، فإذا فرغ قرأ الحمد و المعوذتین و سورة الإخلاص و آیة الکرسی أربع مرات، و یدعو بالمنقول.

الثامن: یستحب أن یصلی لیلة المبعث، و هی لیلة السابع و العشرین من رجب أی وقت کان من اللیل اثنتی عشرة رکعة، یقرأ فی کل رکعة الحمد و المعوذتین و الإخلاص أربع مرات، ثم یدعو بالمنقول.

التاسع: یستحب أن یصلی یوم المبعث اثنتی عشرة رکعة، یقرأ فی کل رکعة الحمد و یس، فإذا فرغ قرأ الحمد أربع مرات، و کذا الإخلاص و المعوذتان، و دعا بالمنقول.

العاشر: یستحب أن یصلی فی أیام رجب ثلاثین رکعة، فی کل رکعة الحمد مرة و الإخلاص ثلاث مرات و الجحد ثلاث مرات، یصلی عشرا فی العشر الأول، و عشرا فی الأوسط، و عشرا فی الأخیر، و یدعو بالمنقول.

الحادی عشر: یستحب أن یصلی لیلة نصف شعبان أربع رکعات، یقرأ فی کل رکعة الحمد و الإخلاص مائة مرة، و یدعو بالمنقول. و روی استحباب مائة رکعة یقرأ فی کل رکعة الحمد مرة و التوحید عشر مرات(1). و روی فیها صلوات کثیرة(2) ، و هی لیلة مولد القائم علیه السلام.

الثانی عشر: یستحب أن یصلی کل لیلة جمعة اثنتی عشرة رکعة بین العشاءین، یقرأ فی کل رکعة الحمد و الإخلاص أحدا و أربعین مرة، و روی رکعتان فی کل واحدة الحمد و الزلزلة خمس عشرة مرة(3) و غیرها من الصلوات(4).

و یصلی یوم الجمعة صلاة النبی صلی اللّه علیه و آله، و هی رکعتان یقرأ فی

ص:97


1- (1) وسائل الشیعة 5-177 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 5-237 ب 8.
3- (3) وسائل الشیعة 5-75 ح 3.
4- (4) راجع وسائل الشیعة 5-221-297.

کل رکعة الحمد و إنا أنزلناه خمس عشرة مرة، فإذا رکع قرأها خمس عشرة مرة فإذا انتصب قرأها خمس عشرة مرة، فإذا سجد قرأها خمس عشرة مرة، فإذا رفع رأسه قرأها خمس عشر مرة، فإذا سجد ثانیا قرأها خمس عشرة مرة، ثم یرفع رأسه من السجود إلی الثانیة، و یصلی کذلک، فإذا سلم دعا بالمنقول.

و صلاة علی علیه السلام و هی أربع رکعات، یقرأ فی کل رکعة الحمد و خمسین مرة الإخلاص، ثم یدعو بالمنقول.

و صلاة فاطمة علیها السلام رکعتان، یقرأ فی الأولی الحمد مرة و القدر مائة مرة، و فی الثانیة الحمد و الإخلاص مائة مرة، ثم یدعو بالمنقول.

و صلاة جعفر بن أبی طالب علیه السلام و هی صلاة التسبیح و صلاة الحبوة أربع رکعات بتسلیمتین، یقرأ فی الأولی الحمد و الزلزلة، و فی الثانیة الحمد و العادیات، و فی الثالثة الحمد و النصر، و فی الرابعة الحمد و التوحید، و إذا فرغ من القراءة فی کل رکعة قال خمس عشرة مرة: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أکبر» ثم یرکع و یقولها عشرا، ثم یرفع رأسه و یقولها عشرا، ثم یسجد و یقولها عشرا، ثم یرفع رأسه و یقولها عشرا، ثم یسجد ثانیا و یقولها عشرا، ثم یجلس و یقولها عشرا، ثم یقوم إلی الثانیة، و کذا باقی الرکعات، ثم یدعو بالمنقول.

و الصلاة الکاملة، و هی أربع رکعات قبل الزوال، یقرأ فی کل رکعة الحمد عشر مرات، و کذا المعوذتان و التوحید و الجحد و آیة الکرسی و القدر و «شهد اللّه» فإذا فرغ استغفر اللّه مائة مرة و دعا بالمنقول.

و صلاة الأعرابی، و هی عشر رکعات، یصلی رکعتان ثم یسلم، و یصلی أربعا ثم یسلم، و یصلی أربعا أخری عند ارتفاع نهار الجمعة، یقرأ فی الأولی الحمد مرة و الفلق سبع مرات، و فی الثانیة الحمد مرة و الناس سبع مرات، فإذا سلم قرأ آیة الکرسی سبع مرات، ثم یصلی ثمانی رکعات یقرأ فی کل رکعة الحمد مرة و الإخلاص خمسا و عشرین مرة، ثم یدعو بالمنقول.

و صلاة الحسین علیه السلام أربع رکعات بثمانمائة مرة الحمد

ص:98

و الإخلاص، یقرأ فی الأولی بعد التوجه الحمد خمسین مرة و کذا الإخلاص، فإذا رکع قرأ الحمد عشرا و الإخلاص عشرا، و کذا فی الأحوال فی کل رکعة مائتی مرة، ثم یدعو بالمنقول. و یستحب ختم القرآن یوم الجمعة.

و صلاة الحاجة روی عن الباقر علیه السلام رکعتین یدعو بعدها بالمنقول(1). و عن الصادق علیه السلام: صوم الأربعاء و الخمیس و الجمعة، ثم یغتسل یوم الجمعة و یلبس ثوبا نظیفا، ثم یصعد إلی أعلی موضع فی داره و یصلی رکعتین، و یدعو بالمنقول(2).

و کذا یستحب فی النوافل المنقولة یوم الجمعة. و قد ذکرناها فی کتاب تذکرة الفقهاء إجمالا، و ذکرها الشیخ فی المصباح تفصیلا.

و کذا یستحب صلاة باقی الأسبوع، فإن لکل یوم صلاة خاصة به ذکرناها فی کتاب تذکرة الفقهاء.

و یستحب أن یصلی فی أول کل شهر ما کان الباقر علیه السلام یصلیه، و هو فی أول کل یوم منه رکعتان، یقرأ فی الأولی الحمد مرة و الإخلاص لکل یوم إلی آخره، و فی الثانیة الحمد مرة و القدر و الإخلاص، و یتصدق بما تیسر، یشتری به سلامة ذلک الشهر کله [1].

و صلاة الشکر مستحبة عند رفع النقم و تجدد النعم، و هی رکعتان یقرأ فی الأولی الحمد و التوحید، و فی الثانیة الحمد و الجحد، و یدعو بالمنقول.

و صلاة الاستخارة مستحبة، کان زین العابدین علیه السلام إذا هم بأمر حج أو عمرة أو بیع أو شراء أو عتق تطهر ثم صلی رکعتین للاستخارة یقرأ فیهما الحشر و الرحمن و المعوذتین، ثم یدعو بالمنقول(3). و قد رویت صلاة کثیرة للحاجة و الاستخارة و غیرهما(4).

ص:99


1- (1) وسائل الشیعة 5-258 ح 8.
2- (2) وسائل الشیعة 5-259 ح 10.
3- (3) وسائل الشیعة 5-204 ح 3.
4- (4) راجع وسائل الشیعة 5-204-221 و 255-261.

و یستحب صلاة التحیة عند دخول المساجد و صلاة الإحرام.

المطلب الرابع (فی صلاة الاستسقاء)

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: إذا غضب اللّه علی أمة، ثم ینزل بها العذاب، غلت أسعارها و قصرت أعمارها، و لم تربح تجارتها، و لم تزک ثمارها، و لم تعذب أنهارها، و حبس عنها أمطارها، و سلط علیها أشرارها(1).

و قال الصادق علیه السلام: إذا فشت أربعة ظهرت أربعة، إذا فشی الزنا ظهرت الزلازل، و إذا أمسکت الزکاة هلکت الماشیة، و إذا جار الحکام فی القضاء أمسک القطر من السماء، و إذا خفرت الذمة نصر المشرکون علی المسلمین(2).

و الاستسقاء مشروع بالکتاب و السنّة و الإجماع، قال اللّه تعالی وَ إِذِ اسْتَسْقی مُوسی لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاکَ الْحَجَرَ (3) و قال تعالی فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کانَ غَفّاراً یُرْسِلِ السَّماءَ عَلَیْکُمْ مِدْراراً (4).

و أصاب أهل المدینة قحط فبینا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله یخطب إذ قام رجل فقال: هلک الکراع و الشاء فادع اللّه أن یسقینا، فمد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله یدیه و دعا و السماء کمثل الزجاجة، فهاجت رحی ثم أنشأت سحابا، ثم اجتمع، ثم أرسلت السماء عزالیها فخرجنا نخوض الماء حتی أتینا قبل منازلنا، فلم تزل تمطر إلی الجمعة الأخری، فقام إلیه الرجل أو غیره فقال: یا رسول اللّه تهدمت البیوت و احتبس الرکبان، فادع اللّه أن یحبسه، فتبسم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله، ثم قال: حوالینا و لا علینا، فتصدعت

ص:100


1- (1) وسائل الشیعة 5-168 ح 2.
2- (2) وسائل الشیعة 5-168 ح 1.
3- (3) سورة البقرة: 60.
4- (4) سورة نوح: 10.

السماء حول المدینة کأنه اللیل [1].

و قال الباقر علیه السلام صلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الاستسقاء رکعتین(1) ، و صلی أمیر المؤمنین صلاة الاستسقاء و خطب طویلا ثم بکی و قال: سیدی ساخت جبالنا، و أغبرت أرضنا، و هامت دوابنا، و قنط ناس منا، و تاهت البهائم و تحیرت فی مراتعها، و عجت عجیج الثکلی علی أولادها، و ملت الدوران فی مراتعها حیث حبست عنها قطر السماء، فدق بذلک عظمها و رق لحمها و ذاب شحمها و انقطع درها، اللهم ارحم أنین الأنة، و حنین الحانة، و ارحم تحیرها فی مراتعها و أنینها فی مرابضها(2).

و یستحب فیه الصلاة عند قلة الأمطار و غور الأنهار و الآبار و الجدب، عند علمائنا أجمع لما تقدم، و قول الصادق علیه السلام فی الاستسقاء یصلی رکعتین(3) ، و هذه الصلاة لیست واجبة إجماعا.

و هی رکعتان یقرأ فی کل رکعة الحمد و سورة، و یکبر فیهما تکبیر العید، لأن الباقر علیه السلام قال: إن النبی صلی اللّه علیه و آله صلی صلاة الاستسقاء و کبر فیها سبعا و خمسا(4). و قال ابن عباس: خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله متذللا متواضعا، فصلی رکعتین کما یصلی فی العید(5).

و یقرأ فیهما أی سورة شاء. و یحتمل کما فی العید، لأن الصادق علیه السلام سئل عن کیفیة صلاة الاستسقاء؟ فقال: مثل صلاة العید(6).

و یقنت عقیب کل تکبیرة زائدة، کما فی العید، إلا أنه یدعو هنا بالاستعطاف و سؤال الرحمة و إنزال الغیث و توفیر الماء، و أفضل ما یقال ما نقل

ص:101


1- (1) وسائل الشیعة 5-163 ح 6.
2- (2) من لا یحضره الفقیه 1-338.
3- (3) وسائل الشیعة 5-163 ح 6.
4- (4) وسائل الشیعة 5-163 ح 3.
5- (5) جامع الأصول 7-129.
6- (6) وسائل الشیعة 5-162 ح 1.

عن أهل البیت علیهم السلام.

و یستحب أن یصوم الناس لهذه الصلاة ثلاثة أیام، یخطب الإمام یوم الجمعة و یشعر الناس بذلک، و یأمرهم بصوم السبت و الأحد و الاثنین، أو الأربعاء و الخمیس و الجمعة، و یخرج بهم الیوم الثالث، لاستجابة دعاء الصائم، قال علیه السلام: دعوة الصائم لا ترد(1).

و یستحب الإصحار بها، لأنه علیه السلام خرج بالناس إلی المصلی یستسقی و قال علیه السلام: مضت السنّة أنه لا یستسقی إلا بالبراری حیث ینظر الناس إلی السماء(2). و لا یستسقی فی المساجد إلا بمکة لشرف البقعة، فإنه یصلی فی مسجدها الحرام، لأنهم فی الصحراء ینظرون ما ینشأ من السحاب أو ینزل من الغیث.

و الاستحباب إخراج الصبیان و النساء و البهائم، و لا یحمل ذلک إلی المصلی.

و هل یخرج المنبر؟ قال المرتضی: نعم، لقول الصادق علیه السلام لمحمد بن خالد: یخرج المنبر، ثم یخرج کما یخرج یوم العیدین، و بین یدیه المؤذنون فی أیدیهم عنزهم، حتی إذا انتهی الإمام إلی المصلی صلی بالناس رکعتین بغیر أذان و لا إقامة(3). و قیل: لا یخرج، بل یعمل شبه المنبر من طین.

و یستحب أن یخرج الناس حفاة علی سکینة و وقار، لأنه أبلغ فی الخضوع و الاستکانة، و لقول الصادق علیه السلام: یخرج کما یخرج فی العیدین(4) ، و أن یتنظف الخارج بالماء و ما یقطع الرائحة من سواک و غیره، و لا یتطیب، لأن التطیب للزینة و لیس یوم زینة.

ص:102


1- (1) سنن ابن ماجة 1-557.
2- (2) وسائل الشیعة 5-166 ح 1.
3- (3) تهذیب الأحکام 3-149 ح 5.
4- (4) نفس المصدر.

و یخرج فی ثیاب بذلته و تواضعه، و لا یجدد لأن النبی صلی اللّه علیه و آله خرج متبذلا متواضعا متضرعا(1) ، و یکون مشیه و جلوسه و کلامه فی تواضع و استکانة، و أن یخرج الناس کافة، لأن اجتماع القلوب علی الدعاء مظنة الإجابة.

و یخرج الإمام من کان ذا دین و صلاح و ستر و عفاف و علم و زهد، لقرب دعائهم من الإجابة.

و یخرج الشیوخ و العجائز و الأطفال، لأنهم أقرب إلی الرحمة و أسرع للإجابة، قال علیه السلام: لو لا أطفال رضع و شیوخ رکع و بهائم رتع لصب علیکم العذاب صبا(2). و لا یخرج الشواب من النساء، لیؤمن الافتتان بهم.

و یمنع الکفار من الخروج معه و إن کانوا أهل ذمة، لأنه مغضوب علیهم، و لئلا یصیبهم عذاب فیعم من حضرهم، فإن قوم عاد استسقوا، فأرسل اللّه تعالی علیهم ریحا صرصرا فأهلکتهم.

و یکره إخراج المتظاهر بالفسق و الخلاعة [1] و النکر من أهل الإسلام.

و یخرج بالبهائم، لأنهم فی مظنة الرحمة و طلب الرزق مع انتفاء الذنب، و قد جعلها علیه السلام سببا فی دفع العذاب بقوله «و بهائم رتع» و لأن سلیمان علیه السلام خرج یستسقی فرأی نملة قد استلقت علی ظهرها و هی تقول:

اللهمّ أنا خلق من خلقک و لیس بنا غنی عن رزقک، فقال سلیمان علیه السلام: ارجعوا فقد شفعتم بغیرکم.

و ینبغی أن یأمر الإمام بالخروج من المظالم و الاستغفار بالمعاصی، و ترک التشاجر، و الصدقة. و یفرق بین الأطفال و أمهاتهم، لیکثر البکاء و الخشوع بین یدی اللّه تعالی، فربما أدرکهم بلطفه.

ص:103


1- (1) جامع الأصول 7-128.
2- (2) سنن البیهقی 3-345.

و یخرج هو و القوم یقدمونه ذاکرین مستغفرین إلی أن ینتهوا إلی المصلی، و لا أذان و لا إقامة إجماعا، بل یقول المؤذن «الصلاة» ثلاثا. و فی أی وقت خرج جاز و صلاها، إذ لا وقت لها إجماعا.

و یجوز فعلها فی الأوقات المکروهة، لأنه ذات سبب. و تصلی جماعة و فرادی، لأنه علیه السلام صلاها فی جماعة، و لأن المراد برکتهم.

و تصح من المسافر و الحاضر و أهل البوادی و غیرهم، لعموم الحاجة. و إذا صلیت جماعة لم یشترط إذن الإمام، لأن علة تسویغها حاصل، فلا یشترط إذن الإمام کغیرها من النوافل.

و یستحب إذا فرغ من الصلاة أن یخطب، اقتداء بفعله علیه السلام، فإذا صعد المنبر جلس بعد التسلیم، کما فی باقی الخطب، و یخطب بالخطبة المرویة عن علی علیه السلام(1). و الأقرب أنه یخطب خطبتین، للنص علی مساواة العید.

و یستحب أن یستقبل الإمام القبلة بعد فراغه من الصلاة قبل الخطبة، و یکبر اللّه تعالی مائة مرة، ثم یلتفت عن یمینه و یسبح اللّه تعالی مائة مرة، ثم یلتفت عن یساره و یهلل اللّه مائة مرة، ثم یستدبر القبلة و یستقبل الناس و یحمد اللّه تعالی مائة مرة، یرفع بذلک صوته، و الناس یتابعونه فی الأذکار دون الالتفات إلی الجهات، لما فیه من إیتاء الجهات حق الأذکار، إذ لا یعلم جهة الرحمة و للروایة(2). و اختلف علماؤنا فی تقدیم الأذکار علی الخطبة و تأخیرها.

و یستحب للإمام بعد الفراغ من الخطبة تحویل الرداء، فیجعل الذی علی یمینه علی یساره، و الذی علی یساره علی یمینه قبل الأذکار، لقول الصادق علیه السلام: ثم یصعد المنبر فیقلب رداءه فیجعل الذی علی یمینه علی یساره، و الذی علی یساره علی یمینه، ثم یستقبل القبلة، فیکبر اللّه مائة(3). و فی

ص:104


1- (1) راجع من لا یحضره الفقیه 1-338.
2- (2) وسائل الشیعة 5-163 ح 2.
3- (3) نفس المصدر.

روایة: إذا أسلم الإمام قلب ثوبه بقلب الرداء، لیقلب اللّه تعالی ما بهم من الجدب إلی الخصب(1). و لا فرق بین أن یکون الرداء مربعا أو مقورا [1] لأنه علیه السلام حول رداءه و جعل عطافه الأیمن علی عاتقه الأیسر، و عطافه الأیسر علی عاتقه الأیمن(2).

و یستحب الإکثار من الاستغفار، و التضرع إلی اللّه تعالی، و الاعتراف بالذنب، و طلب المغفرة و الرحمة، و الصدقة، لأن المعاصی سبب انقطاع الغیث، و الاستغفار یمحو المعاصی المانعة من الغیث، فیأتی اللّه تعالی به.

فإن تأخرت الإجابة، استحب الخروج ثانیا و ثالثا و هکذا إلی أن یجابوا، لقوله علیه السلام: إن اللّه یحب الملحین فی الدعاء، و لحصول السبب و الخروج ثانیا کالخروج أولا.

و لو تأهبوا للخروج فسقوا قبل خروجهم لم یخرجوا، و کذا لو سقوا قبل الصلاة لم یصلوا، لانتفاء المقتضی. نعم تستحب صلاة الشکر، و سؤال الزیادة، و عموم الخلق بالغیث. و کذا لو سقوا عقیب الصلاة، فإذا کثر الغیث و خافوا ضرره دعوا اللّه تعالی أن یخففه و أن یصرف مضرته عنهم، تأسیا به علیه السلام.

و یجوز أن یستسقی الإمام بغیر صلاة، بأن یستسقی فی خطبة الجمعة و العیدین، و هو دون الأول فی الفضل.

و یستحب لأهل الخصب أن یدعو لأهل الجدب، لأنه تعالی أثنی علی قوم دعوا لإخوانهم فی قوله تعالی «یَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا» (3).

و لو نذر الإمام أن یستسقی انعقد نذره، لأنه طاعة، فإن سقی الناس، ففی وجوب الخروج لإیفاء النذر إشکال، ینشأ من حصول الغرض فلا فائدة

ص:105


1- (1) وسائل الشیعة 5-165.
2- (2) جامع الأصول 7-129.
3- (3) سورة الحشر: 10.

فی الصلاة، و فی انعقاد النذر لأنه صلاة، فلا یخرج عن العهدة بدونه، و حصول الغایة لا تسقط الواجب. و لیس له إخراج غیره و لا إلزامه بالخروج.

و لو لم یسقوا، وجب علیه الخروج بنفسه، و لیس له إلزام غیره بذلک، بل یأمرهم أمر ترغیب.

و لو نذر أن یخرج بالناس، انعقد نذره فی حقه خاصة، و وجب علیه إشعار غیره و ترغیبه فی الخروج، فإن فعل و إلا لم یجز جبره علیه. و حکم غیر الإمام لو نذر کالإمام.

و یستحب أن یخرج فیمن یطیعه من أهله و أصحابه، فإن أطلق النذر لم تجب الخطبة، و لو نذرها خطب. و لو نذر أن یخطب علی المنبر انعقد نذره، و لم یجز أن یخطب علی حائط و شبهه.

و لو نذر الاستسقاء، لم تجب الصلاة و لا الصوم. و لو نذر أن یستسقی بصلاة، جاز أن یصلی أین شاء، و یجزیه فی منزله. و لو قید صلاته فی المسجد وجب، فإن صلاها فی الصحراء حینئذ قال الشیخ: لا تجزیه(1) ، و فیه إشکال، ینشأ من أولویة إیقاعها فی الصحراء.

المطلب الخامس (فی الأحکام)

التطوع قائما أفضل، لأنه أشق فیزید الثواب بزیادة المشقة، و قال علیه السلام: من صلی قائما فهو أفضل، و من صلی قاعدا فله نصف أجر القائم(2).

و یجوز الجلوس إجماعا، و لهذا الحدیث، و قول الباقر علیه السلام: ما أصلی النوافل إلا قاعدا مذ حملت هذا اللحم(3) ، و لأنه قد یشق علی کثیر، فلو

ص:106


1- (1) المبسوط 1-135.
2- (2) جامع الأصول 6-214.
3- (3) وسائل الشیعة 4-696 ح 1.

لم یشرع الجلوس لزم الحرج، أو ترک النوافل.

و إذا صلی جالسا احتسب کل رکعتین من جلوس برکعة من قیام، لأن أجره أجر نصف القائم، فاستدرک أجر القائم بتضعیف العدد، و قال الصادق علیه السلام: یضعف رکعتین برکعة(1). و لو احتسب برکعتین جاز للروایة و الوجه(2) عندی فی الجمع بین الروایتین التضعیف مع عدم العذر، و عدمه مع ثبوته.

و إذا صلی جالسا استحب أن یتربع حال قراءته و یثنی رجلیه راکعا و ساجدا. و لو قام للرکوع بعد فراغ القراءة کان أفضل، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کان یصلی باللیل قائما، فلما أسن کان یقرأ قاعدا حتی إذا أراد أن یرکع قام فقرأ نحوا من ثلاثین آیة أو أربعین ثم رکع(3).

و النوافل التی لا سبب لها هی ما یتطوع به الإنسان ابتداء، و هی أفضل من نفل العبادات، لأن فرض الصلاة أفضل من جمیع الفرائض، و التنفل باللیل أفضل، لقوله تعالی «وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَکَ» (4) و لأنه وقت غفلة الناس فکانت العبادة فیه أشد خلاصا من الریاء. و لا یستحب استیعاب اللیل بالصلاة، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله نهی بعض أصحابه عن فعل ذلک.

و الأفضل فی النوافل کلها أن یصلی رکعتین کالرواتب، إلا الوتر و صلاة الأعرابی، سواء نوافل اللیل و النهار، لقوله علیه السلام: مفتاح الصلاة الطهور، و بین کل رکعتین تسلیمة(5). و منع الشیخ من الزیادة علی الرکعتین، لأنها عبادة شرعیة فتقف علی مورد النص. و روی عنه علیه السلام: صلاة

ص:107


1- (1) وسائل الشیعة 4-697 ح 3.
2- (2) وسائل الشیعة 4-697 ح 1.
3- (3) جامع الأصول 6-215.
4- (4) سورة الإسراء: 79.
5- (5) سنن ابن ماجة 1-101 و 419.

اللیل و النهار مثنی مثنی(1). و ثبت أن تطوعاته علیه السلام کذلک.

و قال فی الخلاف: لا یجوز الاقتصار علی الواحدة إلا فی الوتر، لأنه علیه السلام نهی عن البتیراء. یعنی الرکعة الواحدة.

و إذا نوی النفل مطلقا صلی رکعتین، لأنه الکیفیة المشروعة، و لو نوی أربعا سلم عن رکعتین، و لو شرع بنیة رکعتین، ثم قام إلی الثالثة سهوا عاد، و إن تعمد بطل.

و النوافل الموقتة تقضی لو فاتت، لعموم من نام عن صلاة أو نسیها فلیقضها إذا ذکرها(2) و الأقرب جواز قضائها فی الأوقات الخمسة، لأنها ذات سبب هو الذکر، و یقضی سواء فاتت منفردة أو منضمة إلی الفرائض التابعة لها.

ص:108


1- (1) سنن ابن ماجة 1-419.
2- (2) جامع الأصول 6-134.

المقصد الرابع: فی النوافل

اشارة

و فیه فصول:

ص:109

ص:110

الفصل الأول (فی الجماعة)

اشارة

و فیه مطالب:

المطلب الأول (فی فضیلة الجماعة)

أرکان الصلاة و شروطها لا تختلف بین أن یؤدی علی سبیل الانفراد أو بالجماعة، لکن الأداء بالجماعة أفضل، و الإجماع و الأحادیث دلا علی فضلها قال علیه السلام: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع و عشرین درجة(1).

قال الصادق علیه السلام: الصلاة فی جماعة تفضل علی صلاة الفذ بأربع و عشرین درجة تکون خمسة و عشرین صلاة(2).

و الصلاة: إما واجبة، أو مندوبة، فالمندوبة لا جماعة فیها، إلا ما تقدم من صلاة الاستسقاء و العیدین المستحبین، و أما الواجبة، فمنها ما تجب الجماعة فیها، کالجمعة و العیدین الواجبین، و منها ما تستحب کالفرائض الخمس الیومیة و الآیات.

و لیست الجماعة فی الفرائض الیومیة فرض عین، لقوله علیه السلام:

ص:111


1- (1) سنن ابن ماجة 1-259.
2- (2) وسائل الشیعة 5-371 ح 1.

صلاة الرجل مع الواحد أفضل من صلاته وحده(1).

و لا یحسن أن یقال: الإتیان بالواجب أفضل من ترکه. و لیست أیضا فرض کفایة، لأنها خصلة مشروعة فی الصلاة لا تبطل الصلاة بترکها، فلا تکون مفروضة، کسائر السنن المشروعة فی الصلاة، و لأصالة البراءة، فلو امتنع أهل بلدة من إقامتها، لم یقاتلوا علیه، لکن یستحب حثهم علیها و ترغیبهم فیها، و یحتمل قتالهم علیها کالأذان، لأنها من شعائر الإسلام و أعلامه.

و کما تستحب للرجال کذا تستحب للنساء، لکن فی حق الرجال آکد، و لیست مکروهة لهن، لأنه علیه السلام أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها(2) ، و إذا صلین جماعة وقفت الإمامة وسطهن، و جماعتهن فی البیوت أفضل.

و یجوز للعجائز حضور المساجد لأمن الافتتان، لأنه علیه السلام نهی النساء عن الخروج إلی المساجد فی جماعة الرجال إلا عجوزا فی منقلها و المنقل الخف. و إمامة الرجال لهن أولی من إمامة النساء.

و لو صلی الرجل فی بیته برفیقه أو زوجته أو ولده، أدرک فضیلة الجماعة، لکنها فی المساجد أفضل، لقوله علیه السلام: صلاة الرجل فی بیته أفضل إلا المکتوبة(3).

و کلما کثرت الجماعة فیه من المساجد، کان الفضل فیه أکثر، فلو کان بالقرب منه مسجد قلیل الجمع و بالبعد کثیر الجمع، فالأفضل قصد الأبعد، إلا أن تتعطل الجماعة فی القریب بعدوله عنه، إما لکونه إماما، أو لأن الناس یحضرون بحضوره، فیکون فی القریب أفضل، أو أن یکون إمام البعید لا یرتضی به.

ص:112


1- (1) وسائل الشیعة 5-374 ح 14.
2- (2) سنن أبی داود 1-161.
3- (3) صحیح مسلم 1-540 الرقم 781.

و إذا رأی رجلا یصلی وحده، استحب أن یصلی معه، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله رأی رجلا یصلی وحده فقال: أ لا رجل یتصدق علی هذا یصلی معه(1) ، فجعل الصلاة معه بمنزلة الصدقة علیه.

و یستحب أن یمشی علی عادته إلی الجماعة، و لا یسرع إلا أن یخاف فوتها، فیستحب محافظة علی إدراک فضیلة الجماعة.

و یکره ترک الجماعة، إلا لعذر إما عام، کالمطر لیلا و نهارا، لقوله علیه السلام: إذا ابتلت النعال فالصلاة فی الرحال(2) ، أو الریح العاصفة لیلا و نهارا، لأنه علیه السلام کان یأمر منادیه فی اللیلة المطیرة و اللیلة ذات الریح ألا صلوا فی رحالکم(3) ، و إما خاص کالمرض، قیل: یا رسول اللّه ما العذر؟ حیث قال علیه السلام: من سمع النداء فلم یأته فلا صلاة له إلا من عذر، فقال: خوف أو مرض.

و لا یشترط أن یبلغ مبلغا یجوز العقود فی الفریضة معه، لکن المعتبر أن یلحقه مشقة کمشقة الماشی فی المطر، و کالمتمرض و کالخوف علی نفسه، أو ماله، أو علی من یلزمه الذب عنه من سلطان یظلمه، أو یخاف من غریم یلازمه أو یحبسه إن رآه و هو معسر لا یجد وفاء.

و لا عبرة بالخوف ممن یطالبه بحق هو ظالم فی منعه، بل علیه الحضور و توفیة ذلک الحق.

أو أن یکون علیه قصاص و لو ظفر به المستحق قتله، و کان یرجو العفو مجانا أو علی مال، و کذا حد القذف.

أو أن یدافعه الأخبثین أو الریح، فإن الصلاة مکروهة حینئذ،

ص:113


1- (1) سنن أبی داود 1-157.
2- (2) سنن ابن ماجة 1-302.
3- (3) نفس المصدر، جامع الأصول 6-372.

و المستحب أن یفرغ نفسه ثم یصلی و إن فاتته الجماعة، قال علیه السلام: لا یصلین أحدکم و هو یدافع الأخبثین(1). و لو خاف خروج الوقت بدأ بالصلاة، و لا یجوز قضاء حاجته مع التمکن.

أو یکون به جوع شدید و قد حضر الطعام و الشراب و نفسه تتوق إلیه، فیبدأ بالأکل و الشرب. قال علیه السلام: إذا حضر العشاء و أقیمت الصلاة ابدءوا بالعشاء(2). و لو خاف فوت الوقت لو اشتغل بالأکل، قدم الفریضة.

أو یکون عاریا لا لباس له، فیعذر فی التخلف، سواء وجد ما یستر به العورة أو لم یجد، و فی حکمه من لا یجد ثیاب التجمل و هو من أهله.

و شدة الحر و البرد عذران عامان، و إرادة السفر و خوف فوت الرفقة، و منشد الضالة أعذار خاصة، و کذا غلبة النوم و أکل شیء من المؤذیات کالثوم و البصل.

قال الشیخ: یکره تکرر الجماعة فی المسجد الواحد، فإذا صلی إمام الحی فی مسجد و حضر قوم آخرون صلوا فرادی(3) ، لما فیه من اختلاف القلوب و التهاون بالصلاة مع إمامه.

و الأقوی عندی استحباب الجماعة لکن لا یؤذنون ما دامت الصفوف الأولی لم یتفرقوا، لأن الذی رواه أبو علی الجبائی عن الصادق علیه السلام کراهة أن تؤذن الجماعة الثانیة إذا تخلف أحد من الأولی و دخل رجلان المسجد و قد صلی علیه السلام بالناس فقال لهما: إن شئتما فلیؤم أحدکما صاحبه و لا یؤذن و لا یقیم(4) ، و لأن العذر قد یحصل فلو منعوا من الجماعة فاتهم أجرها و للعموم، و لقوله علیه السلام: أ لا رجل یتصدق علی هذا فیصلی معه(5).

ص:114


1- (1) صحیح مسلم 1-393 الرقم 560.
2- (2) صحیح مسلم 1-392 الرقم 557.
3- (3) المبسوط 1-152.
4- (4) وسائل الشیعة 5-466 ح 3.
5- (5) سنن أبی داود 1-157.

و محل الجماعة الفرض دون النفل کما قلناه، لأنه علیه السلام أمرهم بالتنفل فی بیوتهم(1).

المطلب الثانی (فی الشرائط)
اشارة

و هی ثمانیة [1]: الأول العدد. الثانی عدم تقدم المأموم علی إمامه فی الموقف. الثالث الاجتماع فی الموقف. الرابع عدم الحیلولة المانعة من المشاهدة. الخامس عدم علو الإمام علی المأموم بالمعتد به. السادس نیة الاقتداء. السابع توافق نظم الصلاتین. الثامن إدراک الإمام قارئا أو راکعا.

التاسع المتابعة، فهنا مباحث:

البحث الأول (العدد)

و أقله اثنان إمام و مأموم. فلو نوی الواحد الإمامة أو الایتمام، لم یصح نیته، و فی بطلان الصلاة إشکال ینشأ من بطلان النیة لبطلان ما نواه و تعذره، و من بطلان الوصف فیقع لاغیا و بقی الباقی علی حکمه.

و لا یشترط زیادة علی الاثنین إجماعا، و لقوله علیه السلام: الاثنان فما فوقهما جماعة(2) ، و لأن المعنی المشتق منه موجود فیهما. و لا یشترط اتحادهما نوعا، فیجوز للرجل و المرأة أو الصبی أو الخنثی عقد الإمامة.

و کذا یجوز للنساء أن یصلین جماعة فی الفرض و النفل کالرجال، لأنه علیه السلام أمر أم ورقة بنت عبد اللّه بن الحارث بن نوفل و کان یزورها و یسمیها

ص:115


1- (1) صحیح مسلم 1-540.
2- (2) وسائل الشیعة 5-380 ح 6.

الشهیدة بأن تؤم أهل دارها و جعل لها مؤذنا(1). و سئل الصادق علیه السلام هل تؤم المرأة النساء؟ فقال: لا بأس(2) ، و لأنهن من أهل الفرض، فسنت لهن الجماعة کالرجال، و هو مستحب لا مکروه، و تقف فی وسطهن للروایة(3) ، و لأن ذلک أستر کالعراة، فإن تقدمت صحت الصلاة، کالرجل لو صلی وسط الرجال.

و الحرة بالإمامة أولی من الأمة، کالحر مع العبد، لأنها أکمل، و لأنها تستتر فی الصلاة. و لو تقدمت الأمة، جاز و إن صلت مکشوفة الرأس لصحتها و لأنه فرضها. فإن أعتقت فی الأثناء، أو قبل الصلاة و لم تعلم و علمت الحر، جاز لها الایتمام بها، لأنها صلاة مشروعة. و کذا العالم بنجاسة ثوب إمامه الجاهل بها، إن لم توجب الإعادة فی الوقت لو علم.

و یصح أن یؤم الرجل النساء الأجانب، لأنه علیه السلام صلی بأنس و بأمه أو خالته. و کذا یصلی بالصبی فی الفرض و النفل الذی یسوغ الجماعة فیه، لأنه علیه السلام أم ابن عباس و هو صبی.

و للخنثی أن تؤم المرأة، لأن أدون أحوالها المساواة، و لا یجوز أن یؤم مثلها و لا رجلا و لا أن تأتم بالمرأة لجواز أن تکون امرأة و المأموم رجلا.

البحث الثانی (فی عدم التقدم فی الموقف)

لا یجوز أن یتقدم المأموم إمامه فی الموقف، فإن فعل بطلت صلاته، سواء تقدم عند التحریم أو فی الأثناء، لأنه علیه السلام تقدم و کذا الصحابة و التابعون، و لأنه أخطأ موقفه إلی موقف لیس بموقف لأحد من المأمومین

ص:116


1- (1) سنن أبی داود 1-161، جامع الأصول 6-379.
2- (2) وسائل الشیعة 5-408 ح 11.
3- (3) وسائل الشیعة 5-406.

بحال، فلم تصح صلاته، کما لو صلی فی بیته بصلاة الإمام فی المسجد.

و لأنه یحتاج فی الابتداء و المتابعة إلی الالتفات إلی ورائه، و الاعتبار فی التقدم و المساواة فی العقب، فلو تقدم عقب المأموم بطلت، و إن ساواه صحت.

و لو کان المأموم أطول یخرج عن حد الإمام فی رکوعه و سجوده، فالأولی الصحة، و لو کانت رجل الإمام أکبر، فوقف المأموم بحیث یحاذی أطراف أصابعه أصابع الإمام و لکن یقدم عقبه علی عقب إمامه، فالوجه البطلان.

و یحتمل الصحة، لأنه حاذی الإمام ببعض بدنه و اعتبارا بالأصابع.

و لو کانت رجل المأموم أطول، فوقف بحیث یکون عقبه محاذیا لعقب الإمام، و تقدمت أطراف أصابعه فالوجهان، و الأقرب اعتبار العقب و الأصابع معا، و الأفضل تأخر المأموم عن الإمام.

و لو جمعوا فی المسجد الحرام، فالمستحب أن یقف الإمام خلف المقام، و یصف الناس خلفه.

و لو استداروا بالکعبة فإشکال، ینشأ من أنه تقدم أم لا، فإن جوزناه و کان بعضهم أقرب إلی البیت، فإن کان متوجها إلی الجهة التی توجه إلیها الإمام، بطلت صلاته لتقدمه، و إن کان متوجها إلی غیرها، احتمل ذلک لئلا یکون متقدما حکما، و الجواز لأنه لم یظهر منکره، و لعدم ضبط القرب من البیت من جمیع الجهات للمشقة.

و لو صلوا داخل الکعبة فالأقرب وجوب اتحاد الجهة، و یحتمل جواز الاختلاف. فإن کان أحدهم أقرب من الإمام إلی الجدار، فإن اتحدت الجهة بطلت صلاته، و إلا فالوجهان. و هل یجوز تقابل الإمام و المأموم إشکال.

و لو وقف الإمام فی الکعبة و المأموم خارجا، ففی جواز المخالفة فی الاستقبال إشکال. و لو انعکس الفرض جاز، لکن لو توجه إلی الجهة التی توجه إلیها الإمام فإشکال، ینشأ من أنه یکون سابقا علی الإمام.

ص:117

ثم المأموم إن کان واحدا ذکرا، وقف علی یمین الإمام استحبابا لا وجوبا للأصل، فإن خالف بأن وقف خلفه أو علی یساره، لم تبطل صلاته. قال ابن عباس: بت عند خالتی میمونة فقام النبی صلی اللّه علیه و آله یصلی فقمت عن یساره، فأخذنی بیمینه فحولنی عن یمینه(1). و قال أحدهما علیهما السلام:

الرجلان یؤم أحدهما الآخر یقوم عن یمینه(2).

و لا فرق بین البالغ و الصبی فی ذلک، فإن جاء مأموم آخر، وقف علی یساره و أحرم، ثم إن أمکن تقدم الإمام و تأخر المأمومین لسعة المکان من الجانبین تقدم أو تأخر، و الأولی تقدم الإمام، لأنه یبصر قدامه فیعرف کیف یتقدم.

و یحتمل أولویة تأخرهما، لقول جابر: صلیت مع النبی صلی اللّه علیه و آله فقمت عن یمینه ثم جاء آخر فقام عن یساره، فدفعنا جمیعا حتی أقامنا من خلفه(3). و لو لم یمکن إلا التقدم أو التأخر لضیق المکان من أحد الجانبین، حافظوا علی الممکن.

هذا إذا لحق فی القیام، و إن لحق الثانی فی التشهد أو السجود، فلا تقدم و لا تأخر حتی یقوموا.

و لو حضر معه فی الابتداء رجلان أو رجل و صبی، قاما خلفه صفا واحدا. و لو لم یحضر معه إلا الإناث، وقفن خلفه صفا، سواء کانت واحدة أو اثنتین أو ثلاثا.

و لو حضر رجل و امرأة قام الرجل عن یمینه و المرأة خلف الرجل.

و لو حضرت امرأة مع رجلین أو رجال، أو رجل و صبی، قام الرجلان، أو الرجل و الصبی خلف الإمام صفا، و قامت المرأة خلفهما.

ص:118


1- (1) جامع الأصول 6-389.
2- (2) وسائل الشیعة 5-379.
3- (3) سنن ابن ماجة 1-312.

و لو کان معه رجل و امرأة و خنثی، وقف الرجل عن یمینه و الخنثی خلفهما، لاحتمال أن تکون امرأة، و المرأة خلف الخنثی لاحتمال أنه رجل.

و لو حضر رجال و صبیان، وقف الرجال خلف الإمام فی صف أو صفوف، و الصبیان خلفهم، و لو قصد تعلیم الصبیان و تمرینهم لم یکن بأس، بأن یکون بین کل رجلین صبی.

و لو حضر معهم نساء آخر، صف النساء عن صف الصبیان، کل هذا استحباب لا تبطل الصلاة بمخالفته إلا فی موضعین:

الأول: تقدم المأموم علی الإمام مبطل إجماعا منا، الثانی: تقدم المرأة علی الرجل، أو اتفاقهما فی صف واحد علی الخلاف، سواء کانت مقتدیة به، أو بإمامه أو منفردة، و لو کانوا عراة، وقفوا صفا واحدا.

و لو دخل رجل و القوم فی الصلاة، کره أن یقف منفردا خلف الصف، بل إن وجد فرجة أو سعة فی الصف دخل، و له أن یخرق الصف الآخر إن لم یجد فرجة فیه و وجدها فی صف قبله، لأنهم قصروا حیث لم یتموه. و لو لم یجد فرجة وقف منفردا، و لا یجذب إلیه أحدا، لئلا یفوت علیه الصف الأول، و لو جر إلیه غیره، استحب للمجرور أن یساعده، لیحصل له فضیلة الموقف.

و یستحب أن یلی الإمام أهل النهی و الفضل، لأنهم أشرف، لیردوا الإمام لو غلط. و قال النبی صلی اللّه علیه و آله: لیلینی منکم أولو الأحلام، ثم الذین یلونهم ثم الصبیان(1). و قال الباقر علیه السلام: لیکن الذین یلون الإمام أولو الأحلام(2).

و العراة کغیرهم فی استحباب الجماعة، و یجلس وسطهم و یصلون

ص:119


1- (1) جامع الأصول 6-388.
2- (2) وسائل الشیعة 5-386 ح 2.

جلوسا، و یتقدمهم برکبتیه للروایة [1]. و یومون للرکوع و السجود. و یکون السجود أخفض.

و لو تقدمت سفینة المأموم، فإن استصحب نیة الایتمام، بطلت صلاته، لفوات الشرط، و هو عدم التقدم، خلافا للشیخ. و لو عدل إلی نیة الانفراد، صحت.

البحث الثالث (فی الاجتماع فی الموقف)

یجب العلم بالأفعال الظاهرة للإمام، لیتمکن من متابعته، و إنما یکون بالمشاهدة للإمام، أو لبعض الصفوف، أو بسماع صوت الإمام، أو صوت المترجم فی حق الأعمی و البصیر الذی لا یشاهد لظلمة و غیرها، أو بهدایة غیره إن کان أصم [2] أو فی ظلمة.

فإن کان الإمام و المأموم فی مسجد واحد، صح الاقتداء، إن لم یتباعد المأموم عن الإمام بما یعد تباعدا فاحشا فی العرف، إلا مع إیصال الصفوف، فإنه یصح الاقتداء و إن بعد جدا، لقول الباقر علیه السلام: إذا صلی قوم و بینهم و بین الإمام ما لا یتخطی، فلیس ذلک لهم بإمام، و أی صف کان أهله یصلون و بینهم و بین الصف الذی یتقدمهم قدر ما لا یتخطی فلیس تلک لهم بصلاة(1).

و لا فرق فی المنع من التباعد بین أن بجمعهما مسجد أو لا للعموم و القرب و البعد الحوالة فیهما علی العرف لعدم التنصیص. نعم یستحب أن

ص:120


1- (1) وسائل الشیعة 5-462 ح 2.

یکون بین الصفین، أو بین الصف و الإمام قدر مسقط الجسد، لیحصل التشبیه فی قوله تعالی کَأَنَّهُمْ بُنْیانٌ مَرْصُوصٌ (1) و قال الباقر علیه السلام: یکون ذلک قدر مسقط الجسد(2).

و ینبغی تسویة الصفوف. و الوقوف عن یمین الإمام أفضل، لقول البراء بن عازب: کان یعجبنا عن یمین رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله(3). و لأن الإمام یبدأ بالسلام علیهم.

و ینبغی أن یقف الإمام فی مقابل وسط الصف، لقوله علیه السلام:

وسطوا الإمام و سدوا الخلل(4).

و لو کان الإمام فی المسجد و المأموم خارجه فی ملکه أو غیره، أو بالعکس، أو کانا خارج المسجد، أو کانا فی مسجدین، صحت الصلاة مع عدم البعد المفرط کالمسجد الواحد.

و حیلولة الطریق بین الإمام و المأموم لا یمنع الجماعة، مع انتفاء البعد، لأن أنسا کان یصلی فی بیت حمید بن عبد الرحمن بن عوف بصلاة الإمام، و بینه و بین المسجد طریق و لم ینکر علیه، و لأن ما بینهما یجوز الصلاة فیه فلا یمنعها.

و أما النهر الحائل بینهما، فإن کان مما یتخطی، صحت الجماعة إجماعا، و إن کان مما لا یتخطی، فإن کان بعیدا فی العادة منع من الجماعة، و إلا فلا.

و الجماعة فی السفن المتعددة جائزة، اتصلت أو انفصلت، ما لم یخرج إلی حد البعد، أو یقدم المأموم علی الإمام، أو حصول حائل یمنع من المشاهدة، لإمکان الاستطراق، و الماء مانع کالنار، فلا یؤثر فی جواز الایتمام. و لو تقدمت سفینة المأموم، فإن استصحب نیة الایتمام، بطلت صلاته لاختلال الشرط، و إلا صحت.

ص:121


1- (1) سورة الصف: 4.
2- (2) وسائل الشیعة 5-462 ح 1.
3- (3) جامع الأصول 6-392.
4- (4) جامع الأصول 6-395.
البحث الرابع (فی عدم الحیلولة بین الإمام و المأموم الذکر)

و لا تصح الجماعة و بین الإمام و المأموم الذکر حائل یمنع المشاهدة للإمام أو المأموم، سواء کان الحائل من جدران المسجد أو لا، و سواء کانا فی المسجد أو لا، لتعذر الاقتداء، و لأن المانع من المشاهدة مانع من اتصال الصفوف، بل هو أبلغ فی ذلک من البعد، و لقول الباقر علیه السلام: و أی صف کان أهله یصلون بصلاة إمام و بینهم و بین الصف الذی یتقدمهم قدر ما لا یتخطی، فلیس تلک لهم بصلاة، فإن کان بینهم سترة أو جدار، فلیس تلک لهم بصلاة إلا من کان حیال الباب(1).

و لو کان الحائل مخرما یمنع من الاستطراق دون المشاهدة، کالشبابیک و الخیطان المخرمة التی لا تمنع من مشاهدة الصفوف فقولان: المنع، لقول الباقر علیه السلام: إن صلی قوم و بینهم و بین الإمام ما لا یتخطی فلیس ذلک الإمام لهم بإمام(2) ، و الجواز، إذ القصد من التخطی العلم بحال الإمام، و مع المشاهدة تحصل ذلک. و یحتمل المنع عن المانع من المشاهدة.

أما المقاصیر غیر المخرمة فإن الصلاة فیها باطلة، لوجود الحائل، و قول الباقر علیه السلام: هذه المقاصیر لم تکن فی زمن أحد من الناس، و إنما أحدثها الجبارون، و لیس لمن صلی خلفها مقتدیا بصلاة من فیها صلاة(3).

و لو کان الحائل قصیرا یمنع حالة الجلوس خاصة، فالأقرب الجواز، للعلم بحال الإمام حینئذ.

و لو وقف الإمام فی بیت و بابه مفتوح، فوقف مأموم خارجا بحذاء

ص:122


1- (1) وسائل الشیعة 5-462 ح 2.
2- (2) وسائل الشیعة 5-462 ح 4.
3- (3) وسائل الشیعة 5-460 ح 1.

الباب، بحیث یری الإمام أو بعض المأمومین، صحت صلاته. و کذا إن صلی قوم عن یمینه و شماله أو من ورائه، فإن صلاتهم صحیحة. و إن لم یشاهدوا من فی البیت لمشاهدتهم هذا الخارج المشاهد لمن فی البیت، فإن وقف بین یدی هذا الصف صف آخر عن یمین الباب أو شماله، لا یشاهدون من فی المسجد، لم تصح صلاتهم، إذا لم یکونوا علی سمت المحاذی للباب.

و لو وقف الإمام فی محراب داخل فی الحائط، صحت صلاة من خلفه، لأنهم یشاهدونه. و کذا باقی الصفوف التی من وراء هذا الصف الأول، أما من علی یمین الإمام أو شماله، فإن حال بینهم و بین الإمام حائل، لم تصح صلاتهم، و إلا صحت، لقول الصادق علیه السلام: لا بأس بوقوف الإمام فی المحراب(1).

و لو صلی فی داره و بابها مفتوح یشاهد الإمام أو بعض المأمومین، صحت صلاته و إن لم یتصل الصفوف، إذا لم یتباعد بالمعتد.

و لو صلی بین الأساطین، فإن اتصلت الصفوف به، أو شاهد الإمام، أو بعض المأمومین، صحت صلاته، لقول الصادق علیه السلام: لا أری بالصفوف بین الأساطین بأسا.(2).

هذا فی حق المأموم الذکر، أما المرأة فیجوز أن تصلی من وراء الجدار مقتدیة بالإمام و إن لم تشاهده و لا من یشاهده، للروایة(3) ، و للأصل، و لحکمة الجمع بین الستر و إحراز فضیلة الجماعة، سواء کانت حسناء شابة، أو شوهاء عجوزا.

و الماء لیس بحائل مع المشاهدة و عدم البعد المفرط، خلافا لأبی الصلاح(4).

ص:123


1- (1) وسائل الشیعة 5-461 ما یدل علی ذلک.
2- (2) وسائل الشیعة 5-460 ح 2.
3- (3) وسائل الشیعة 5-461 ح 1.
4- (4) الکافی ص 144.
البحث الخامس (فی عدم العلو)

یشترط فی الجماعة أن لا یعلو الإمام علی المأموم بما یعتد به، فلو صلی الإمام علی موضع مرتفع بما یعتد به و المأموم أسفل، لم تصح صلاة المأموم، سواء أراد تعلیتهم [1] أو لا، لأن عمار بن یاسر قام علی دکان بالمدائن و الناس أسفل منه، فأخذ حذیفة بیده حتی أنزله، فلما فرغ من صلاته قال له حذیفة:

أ لم تسمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله یقول: إذا أم الرجل القوم فلا یقومن فی مکان أرفع من مقامهم، قال عمار: فلذلک اتبعتک(1). و کذا فعل عبد اللّه بن مسعود بحذیفة(2).

و قول الصادق علیه السلام: إن کان الإمام علی شبه دکان أو علی موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم(3) ، و لأنه قد یخفی علیه أفعال الإمام حینئذ.

و لو صلی علی مرتفع لا یعتد به، صح.

و هل یتقدر الارتفاع بشبر أو بما لا یتخطی ؟ الأقرب الثانی.

و لو کان الإمام علی سطح و المأموم علی آخر و بینهما طریق، صح مع التباعد و عدم علو سطح الإمام.

و یجوز أن یکون المأموم أعلی من الإمام بما یعتد به کالسطح و شبهه، سواء کان خارج المسجد و الإمام فیه، أو کانت الصلاة جمعة أو غیرها، لقول الصادق علیه السلام: إن کان الإمام أسفل من موضع المأموم فلا بأس(4).

و للأصل.

ص:124


1- (1) جامع الأصول 6-408.
2- (2) جامع الأصول 6-408.
3- (3) وسائل الشیعة 5-463 ح 1.
4- (4) وسائل الشیعة 5-463 ذیل ح 1.
البحث السادس (فی نیة الاقتداء)

یشترط فی الاقتداء أن ینوی المأموم الاقتداء، و إلا لم تکن صلاته صلاة جماعة، إذ لیس للمرء من عمله إلا ما نواه، و علیه الإجماع.

و لا یکفی نیة الجماعة، لاشتراکها بین الإمام و المأموم، فلیس فی نیة الجماعة ربط الفعل بفعل الغیر، و لأن المأموم یسقط عنه وجوب القراءة الثانیة علی المنفرد. فإذا لم ینو الاقتداء، انعقدت صلاته منفردا، فإذا ترک القراءة، بطلت صلاته، و کذا لو قرأ معتقدا عدم الوجوب.

و لا یکفی المتابعة من غیر نیة فی الاقتداء، فإن تابع من غیر نیة الاقتداء، صحت صلاته إذا فعل ما یفعله المنفرد، للامتثال، و لم یحصل منه سوی مقارنة فعله بفعل غیره.

و لو شک هل نوی الاقتداء أم لا؟ احتمل أن یکون حکمه حکم الشاک فی أصل النیة، فإن کان المحل باقیا استأنف، و إلا فلا التفات، و یبنی علی ما فعله معه إن کان متابعا تارکا للقراءة، فهو مأموم و إلا فمنفرد.

و لو کان ذلک قبل القراءة، فإن جوزنا ایتمام المنفرد فی الأثناء، جدد نیة الایتمام، و إلا احتمل البطلان و التخییر و الانفراد، و احتمل مخالفته للشک فی أصل النیة [1]، إذ لا یمکن الاستمرار هنا علی نیة الاقتداء، و لا علی نیة الانفراد، لتضاد حکمهما.

و یجب أن ینوی الاقتداء بإمام معین، إما بالاسم، أو الصفة، و لو بکونه الإمام الحاضر لیمکن متابعته.

و لو عین و أخطأ، بأن نوی الاقتداء بزید، فبان أنه عمرو، بطلت صلاته، لأنه لم ینو الاقتداء بهذا المتبوع و ما نواه لم یقع له، لعدم إمکانه.

ص:125

و کذا لو عین المیت فی صلاة الجنازة و أخطأ، وجب علیه إعادة الصلاة.

و لو نوی الاقتداء بالحاضر، فاعتقده زیدا فکان غیره، فالوجه البطلان.

و لو کان بین یدیه اثنان، و نوی الاقتداء بأحدهما لا بعینه، لم تصح صلاته، لعدم إمکان متابعتهما علی تقدیر الاختلاف و لا أولویة.

و لو نوی الایتمام بهما معا، لم تصح، للاختلاف، و لو نوی الاقتداء بالمأموم، لم تصح صلاته، و لا فرق بین أن یکون عالما بالحکم، أو جاهلا به أو للوصف. فلو خالف المأموم سنّة الموقف، فوقف علی یسار الإمام، فنوی الداخل الاقتداء بالمأموم ظنا أنه الإمام، لم تصح صلاته.

و لو ظن أنه مأموم، فنوی الاقتداء به جاهلا بالحکم، فبان منفردا، فالأقوی الصحة، لأنه لم ینو الباطل فی نفسه و لا فی ظنه، و لو کان عالما بالحکم، فالأقوی البطلان، لأنه دخل دخولا باطلا فی ظنه، و إن لم یکن مطابقا.

و لا یشترط أن ینوی الإمام الإمامة، فلو صلی منفردا، فدخل قوم، فصلوا بنیة الاقتداء، صحت صلاتهم و إن لم یجدد نیة الإمامة. و کذا لو صلی بنیة الانفراد مع علمه بأن من خلفه یأتم به، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله صلی منفردا ثم لحقه من ائتم به، و لأن أفعال الإمام مساویة لأفعال المنفرد، و لا مخالفة بینهما فی الهیئات و الأحکام.

و هل یشترط ذلک فی الجمعة و ما یشترط فیه الجماعة ؟ إشکال، ینشأ من أنها لا تقع إلا جماعة، و لا یکفی نیة الجمعة المستلزمة لنیة مطلق الجماعة، لاشتراکها بین الإمام و المأموم، و من عدم وجوب التعرض للشرائط فی النیة.

و إذا صلی اثنان فنوی کل منهما أنه إمام لصاحبه، صحت صلاتهما، لأن کلا منهما قد احتاط لصلاته فیما یجب علی المنفرد، و لقول علی علیه السلام،

ص:126

صلاتهما تامة(1). و عذر فی نیة الإمامة و إن لم یکن مأموم، لتوهمه ایتمام صاحبه به، فإن لم یکن هناک مأموم، و جوز أن یحضر فی الأثناء، أو لم یجوز، ففی جواز انضمام نیة الإمام إشکال.

و لو نوی کل منهما أنه مأموم لصاحبه، بطلت صلاتهما إجماعا، لإخلالهما بشرط الصلاة و هو القراءة الواجبة، لقول علی علیه السلام: صلاتهما فاسدة لیستأنفا(2).

و لو شک کل منهما هل نوی الإمامة أو الایتمام ؟ بعد الفراغ من الصلاة، احتمل الصحة، لأنه شک فی شیء بعد الفراغ منه. و البطلان لعدم تیقن [1] براءة ذمته مما هو ثابت بیقین.

و لو شکا فی أثناء الصلاة أیهما إمام، بطلت صلاتهما، إذ لا یمکن مضیهما فی الصلاة و اقتداء أحدهما بالآخر.

و لو ائتم السابق برکعة فما زاد، صح فی الفرض و النفل، لأن جابرا و جبارا دخلا المسجد و قد أحرم علیه السلام وحده، فأحرما معه فی الفرض، و لم ینکر علیهما.

و لو عین الإمام إمامته بمعین، فأخطأ لم یضر، لأن أصل النیة غیر واجب علیه، و الخطأ لا یزید علی الترک.

و لو لم ینو الإمامة أصلا، صحت الجماعة، و الأقرب أنه یدرک فضیلتها، لحصولها من غیر نیة، و لأن المأموم نال فضیلتها بسببه. و یحتمل العدم، إذ لیس للمرء من عمله إلا ما نوی(3).

و لو أحرم منفردا، ثم نوی الایتمام، قال الشیخ: تصح الجماعة،

ص:127


1- (1) وسائل الشیعة 5-420 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 5-420 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 1-34.

لإجماع الفرقة، و للأخبار عنهم علیهم السلام، و للأصل، و لأنه یجوز النقل من الایتمام إلی الانفراد للحاجة، فجاز العکس طلبا للفضیلة.

لا یقال: ورد إبطال الفرض مع إمام الأصل و النقل إلی النفل مع غیره، فلو جاز النقل إلی الایتمام کان أولی.

لأننا نقول: بمنع الأولویة، تحصیلا لفضیلة الجماعة من أول الصلاة.

إذا أثبت هذا فإن کان قد سبق الإمام برکعة، لم یتابعه فی القیام إلی الرابعة، بل یجلس و یتشهد، ثم إن شاء سلم بنیة المفارقة، و إن شاء انتظر مطولا فی الدعاء إلی أن یفرغ الإمام و یسلم معه. و یجوز أن یحرم مأموما ثم یصیر إماما فی موضع الاستخلاف، أو إذا نوی المفارقة ثم ائتم به غیره، و کذا لو نقل نیته إلی الایتمام بإمام آخر.

و لو أدرک نفسان بعض الصلاة، أو ائتم مقیمان بمسافر فسلم الإمام، جاز أن یأتم أحدهما بالآخر.

و لو نوی الإمام الایتمام بغیره، لم یصح.

و یجوز للإمام نقل النیة من الایتمام إلی الانفراد إجماعا منا، لأنه علیه السلام صلی یوم ذات الرقاع بطائفة رکعة، ثم خرجت من صلاته و أتمت منفردة. و قال الصادق علیه السلام فی الرجل صلی خلف إمام فسلم قبل الإمام، قال: لیس بذلک بأس(1) ، و لأن الجماعة لیست واجبة ابتداء فکذا استدامة، لأن التطوعات لا تجب بالشروع، و لأنه استفاد بصلاة الإمام فضیلة الجماعة، فتزول بالخروج الفضیلة دون الصحة.

و لو نوی الانفراد قبل شروع الإمام فی القراءة، قرأ هو، و لو کان بعد فراغه، رکع و لم یقرأ. و لو کان بعد الفاتحة، فالأقرب الاجتزاء بها عنها فیقرأ السورة. و لو کان فی الأثناء، فالوجه الابتداء من أول الحمد، مع احتمال القراءة من موضع المفارقة. و کذا لو کان فی أثناء السورة.

ص:128


1- (1) وسائل الشیعة 5-465 ح 4.

و لو صلی مع جماعة فحضرت جماعة أخری، فعدل نیته إلی الایتمام بإمامتهم، فالوجه الجواز. و لو أراد أن یصلی صلاته بصلاة الجماعة، وجب نیة الاقتداء.

و لو أحدث الإمام، فاستخلف غیره، لم یحتج المأموم إلی تجدید نیة الایتمام بالخلیفة، لوجود نیة الاقتداء فی الابتداء و الخلیفة کالنائب. و یحتمل وجوب نیة الاقتداء ثانیا.

البحث السابع (فی توافق نظم الصلاتین)

یشترط توافق نظم صلاة الإمام و المأموم فی الأرکان و الأفعال، فلا تصح مع الاختلاف، کالیومیة مع الجنازة أو الخسوف أو العید، للنهی عن المخالفة.

و عدم جواز الموافقة هنا، لئلا یخرج صلاة المأموم عن هیئتها.

و لا یشترط اتحاد الصلاتین نوعا و لا صنفا، فیجوز للمفترض الاقتداء بالمتنفل، لا مطلقا بل فی صورة النص، و هو ما إذا قدم فرضه. و یجوز العکس مطلقا، لأن معاذا کان یصلی مع النبی صلی اللّه علیه و آله العشاء، ثم یرجع فیصلیها بقومه(1) ، هی له تطوع و لهم مکتوبة. و لأن الرضا علیه السلام أمر محمد بن إسماعیل بن بزیع بذلک.

و کذا یجوز لمن صلی الظهر أن یصلی العصر خلف من یصلی الظهر و بالعکس، سواء اتفق العدد أو اختلف، کالصبح قضاء مع الظهر.

و کذا یجوز للقاضی أن یصلی خلف المؤدی و بالعکس، لأن الصادق علیه السلام سئل عن إمام صلی العصر و هی لهم ظهر؟ قال: أجزأت عنه و أجزأت عنهم(2). و لأنهما صلاتان متفقتان فی الأفعال الظاهرة، فیصحان جماعة

ص:129


1- (1) سنن أبی داود 1-163.
2- (2) وسائل الشیعة 5-453 ح 1.

و فرادی، فجاز أن یکون المأموم فی إحداهما و الإمام فی الأخری، کالمتنفل خلف المفترض.

و هل یصح أن یصلی الجمعة خلف المتنفل بها؟ کالمعذور إذا قدم ظهره، أو خلف مفترض بغیرها؟ کقاضی الصبح، الأحوط المنع، و الأقرب جواز صلاة المتنفل بمثله فی مواضع مخصوصة، کالاستسقاء و العیدین المندوبین، دون غیرهما.

و إذا کانت صلاة المأموم ناقصة العدد، لم یجز له المتابعة، بل یتخیر بین التسلیم عند الفراغ، و بین الصبر إلی أن یفرغ إمامه.

و لو انعکس الحال، تخیر عند قعود الإمام للتشهد بین المفارقة فیتم قبل سلامه، و بین الصبر إلی أن یسلم، فیقوم و یأتی بما بقی علیه.

و لو قام الإمام إلی الخامسة سهوا، لم یکن للمسبوق الایتمام فیها.

و یستحب للمنفرد إعادة صلاته مع الجماعة، إماما کان أو مأموما. و هل یجوز فیهما؟ الأقرب ذلک فی صورة واحدة، و هی ما إذا صلی إمام متنفل بصلاته بقوم مفترضین، و جاء من صلی فرضه فدخل معهم متنفلا، أما لو خلت الصلاة عن مفترض، فإشکال.

و یستحب إعادة الصلاة للمنفرد فی جمیع الصلوات الیومیة فی أی وقت کان، للعموم و قول الصادق علیه السلام فی الرجل یصلی الفریضة ثم یجد قوما یصلون جماعة، أ یجوز أن یعید صلاته معهم ؟ قال: نعم و هو أفضل(1) ، و لا کراهة فی الفجر و العصر، لأنها ذات سبب.

البحث الثامن (إدراک الرکوع)

من أدرک الإمام فی الرکوع فقد أدرک تلک الرکعة، لقوله علیه السلام:

ص:130


1- (1) وسائل الشیعة 5-456 ح 9.

من أدرک الرکوع من الرکعة الأخیرة یوم الجمعة، فلیضف إلیها أخری، و من لم یدرک الرکوع من الرکعة الأخیرة، فلیصل الظهر أربعا(1). و لأنه أدرک معظم أرکان الرکعة، لأن القراءة لیست رکنا.

و لا یشترط إدراک تکبیرة الرکوع، خلافا للشیخ، و قد سبق فی الجمعة.

و إذا أدرکه راکعا، کبر للافتتاح واجبا، و کبر ثانیا للرکوع مستحبا، لأنه رکوع معتد به، و من انتقل إلی رکوع معتد به فمن سننه التکبیر، کالإمام و المنفرد.

و لو خاف رفع الإمام، کبّر للافتتاح خاصة و نوی الوجوب. و لیس له أن ینوی الافتتاح و الرکوع لتضاد الوجهین.

و لو کبّر و لم ینو أحدهما، احتمل البطلان، لعدم نیة الافتتاح و صلاحیة الفعل لهما، و الصحة، لأن قرینة الافتتاح تصرفها إلیه، و یعارض بأن قرینة الهوی تصرفها إلیه.

و لو رفع الإمام رأسه مع رکوع المأموم، فإن اجتمعا فی قدر الإجزاء من الرکوع أجزأه، و إلا فلا.

و لو رفع الإمام رأسه من الرکوع، ثم ذکر أنه نسی التسبیح، لم یکن له الرجوع إلی الرکوع، فإن رجع جاهلا بالحکم فدخل مأموم معه، لم یکن مدرکا للرکعة، لأنه رکوع باطل.

و لو شک هل رفع رأسه قبل رکوعه، فالأقوی عدم إدراک الرکعة، لأن الأصل عدم إدراک الرکوع، و لأن الحکم بإدراک ما قبل الرکوع بإدراک الرکوع علی خلاف الحقیقة، لا یصار إلیه إلا عند یقین الرکوع. و یحتمل الرجوع إلی أصالة بقاء الإمام فی الرکوع فی زمان الشک.

و إن أدرکه بعد الرکوع و الأذکار، لم یکن مدرکا للرکعة، و علیه أن یتابعه فی الرکن الذی أدرکه فیه و إن لم یکن محسوبا له.

ص:131


1- (1) سنن ابن ماجة 1-356، جامع الأصول 6-427.

و إن أدرکه بعد رفعه من الرکوع، استحب له أن یکبّر للهوی إلی السجود، و یسجد معه السجدتین، و لا یعتد بهما، بل إذا قام الإمام إلی اللاحقة، قام و نوی و کبر للافتتاح، و إن شاء انتظره حتی یقوم فیستفتح معه.

و إنما لم یعتد بالسجدتین، لأن زیادتهما زیادة رکن فتبطل الصلاة بهما.

و قال الصادق علیه السلام: إذا استقبل الإمام برکعة فأدرکت و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتد بهما(1). و لو کان السجود للرکعة الأخیرة فعل ما قلناه، فإذا سلم الإمام، قام فاستقبل صلاته بنیة منفردة و تکبیر متجدد.

و لو أدرکه بعد رفع رأسه من السجدة الأخیرة، کبر للافتتاح خاصة و جلس معه فی تشهده ذاکرا، و إن شاء سکت إلی أن یفرغ الإمام و یسلم، فیقوم إلی صلاته. و لا یکبّر للهوی، لأن الجلوس فی القیام لم یشرع فی الصلاة، فلا یکبّر له. و لا یحتاج إلی استیناف تکبیر آخر للافتتاح، لأنه لم یزد رکنا تبطل الزیادة به سهوا، بخلاف القیام بعد السجدتین، لأنهما رکن مبطل، و الجلوس هنا لیس مبطلا، لأنه من أفعال الصلاة تحصیل للجماعة.

و إذا لحقه بعد رفعه من سجود الثانیة، تخیر بین أن یکون للافتتاح خاصة، و یجلس متابعة لإمامه، فإذا قام إلی الثالثة قام معه، و لا یتابعه فی التکبیر، لأنه قیام أول بالنسبة إلیه، فاذا صلی رکعتین مع الإمام ثم سلم الإمام، قام إلی ثالثته مکبرا، إن قلنا باستحبابه فی قیام الثالثة، لا یقوم إلی ابتداء رکعة. و إن شاء صبر بعد التکبیر إلی أن یقوم الإمام إلی الثالثة، و إذا کبّر و جلس معه لم یتشهد متابعة له، لأن المتابعة تجب فی الأفعال دون الأذکار، و هذا لیس موضع التشهد.

و إذا قام مع الإمام إلی أولاه و هی ثالثة الإمام، لا یقرأ دعاء الاستفتاح.

و لو کبّر المأموم و قصد أن یقعد، فقام الإمام قبل أن یقعد المأموم، دعا

ص:132


1- (1) وسائل الشیعة 5-449 ح 2.

للاستفتاح. و الفرق أنه وجد منه فی الأول الاشتغال بعد الافتتاح بفعل وجب علیه الإتیان به، فلم یبق حکم الاستفتاح. و هنا لم یشتغل بفعل، فیؤمر بدعائه.

و هل تحصل فضیلة الجماعة لو أدرکه بعد الرفع من الرکوع الأخیر؟ إشکال، ینشأ من فوات الجماعة. و من روایة مرسلة عن محمد بن مسلم قلت له: متی یکون مدرکا للصلاة مع الإمام ؟ قال: إذا أدرک الإمام و هو فی سجدته الأخیرة من صلاته. فهو مدرک لفضل الصلاة مع الإمام(1).

و إذا کبّر الإمام ثم أحس بداخل فی المسجد، لم یستحب له الزیادة فی التلاوة لغرض الالتحاق، لأنه یحصل من إدراک الرکوع. و لو زاد فی القراءة، لم تکره. و لو ظن أنه یفوته الرکوع، فالأقرب استحباب زیادة القراءة، تحصیلا لفضیلة الجماعة للداخل.

و کذا لو أحس به و هو فی الرکوع، استحب له تطویله لیلحق به، لأنه فعل یقصد به التقرب إلی اللّه تعالی بتحصیل ثواب لمسلم. قال الباقر علیه السلام: انتظره مثلی رکوعک(2).

و لو دخل المأموم المسجد فرکع الإمام، فخاف فوت الرکوع، جاز أن یکبّر و یرکع و یمشی راکعا حتی یلتحق بالصف قبل رفع رأس الإمام، أو یأتی آخر فیقف معه، و لا تبطل بالمشی فی الرکوع، لأنه من أفعال الصلاة لإدراک الصف، و تحصیلا لسنّة الموقف، و فعل ذلک جماعة من الصحابة، و لقول أحدهما علیهما السلام: یرکع قبل أن یبلغ القوم و یمشی و هو راکع حتی یبلغهم(3).

و یجوز أن یرکع و یسجد فی مکانه، ثم یقوم إلی الثانیة و یمشی فی قیامه.

و لو کان بعیدا من الصف، فإن لم یخرج عن حد البعد المبیح للایتمام،

ص:133


1- (1) وسائل الشیعة 5-448 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 5-450 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 5-443 ح 1.

فالوجه أنه یقف وحده، لئلا یفعل فعلا کثیرا. فإن مشی، احتمل الجواز لأنه من أفعال الصلاة، و المنع لکثرته.

و إذا کان لا یصح أن یأتم به لبعده، فالوجه أنه لیس له أن یرکع، بل یصبر حتی یلتحق بالإمام فی الثانیة. و إن کان لا یصح للحائل، لم یجز له أن یشرع حتی یخرج عن الحائل.

و لو رکع دون الصف و مشی، فسجد الإمام قبل التحاقه، سجد علی حاله و قام و التحق بالصف، فإن رکع الإمام ثانیا، رکع و مشی فی رکوعه و صحت صلاته، لقول الصادق علیه السلام: إذا خفت أن یرکع قبل أن تصل إلیه فکبر و ارکع، فإن رفع رأسه فاسجد مکانک، فإذا قام فالحق بالصف، و إن جلس فاجلس مکانک، فإذا قام فالحق بالصف(1).

و لو رفع رأسه من الرکوع ثم دخل الصف قبل إتمام الرکعة، صحت صلاته. لأن أبا بکرة دخل و رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله راکع فرکع دون الصف ثم مشی إلی الصف، فلما فرغ علیه السلام قال: أیکم الذی رکع دون الصف ثم مشی إلی الصف ؟ فقال أبو بکرة: أنا فقال علیه السلام: زادک اللّه حرصا. و لم یأمره بالإعادة.

و ما یدرکه المسبوق مع الإمام، یکون أول صلاته و إن کانت آخر صلاة الإمام عند علمائنا، لقول علی علیه السلام: یجعل ما أدرک مع الإمام من الصلاة أولها(2).

و قال الباقر علیه السلام: إذا أدرک الرجل بعض الصلاة جعل أول ما أدرک أول صلاته. إذا أدرک من الظهر أو العصر رکعتین یقرأ فیما أدرک مع الإمام مع نفسه أم الکتاب و سورة، فإن لم یدرک السورة تامة أجزأته أم الکتاب، فإذا سلم الإمام قام فصلی رکعتین لا یقرأ فیهما، لأن الصلاة إنما تقرأ

ص:134


1- (1) وسائل الشیعة 5-443 ح 3.
2- (2) وسائل الشیعة 5-446 ح 6.

فیهما فی الأولتین(1). و لأنها رکعة مفتتحة بالإمام فکانت أول صلاته کالمنفرد، و للإجماع علی أنه إذا أدرک رکعة فی المغرب صلی أخری و جلس للتشهد، و یجهر فی الثانیة و یسر فی الثالثة.

و لو أدرک الأخیرتین من الرباعیة، استحب القراءة لا وجوبا، لسقوطها عن المأموم، و یقرأ فی الأخیرتین الحمد وحدها مسرا فیها. و لو لم یقرأ مع الإمام، أو قرأ مستحبا فی الأولتین، لم یسقط التخییر بعد مفارقة الإمام، و إن کان الإمام قد سبّح فی أخیرتیه، لأنهما آخرتان [1] فلا یسقط حکم التخییر فیهما. و قیل: یجب القراءة، لئلا تخلو صلاته عن القراءة.

البحث التاسع (فی المتابعة)

یجب علی المأموم أن یتابع الإمام، و لا یتقدم علیه فی الأفعال، لقوله علیه السلام: لا تبادروا الإمام، فإذا کبّر فکبّروا، و إذا رکع فارکعوا، و إذا سجد فاسجدوا(2). و المراد من المتابعة أن یجری علی أثر الإمام، بحیث یکون ابتداؤه بکل واحد منهما متأخرا أو مصاحبا أو متقدما علی فراغه.

و هل یجب التأخیر فی التکبیر؟ إشکال، ینشأ من قوله علیه السلام:

فإذا کبّر فکبّروا(3) ، و من أصالة العدم.

أما الرکوع و السجود و سائر الأرکان، فإنه یجوز المساوقة، لأن الإمام حینئذ فی الصلاة، فینتظم الاقتداء به.

و لو رفع المأموم رأسه من الرکوع أو السجود قبل إمامه. أو أهوی إلیهما، فإن کان ناسیا عاد إلی المتابعة، لأن النسیان یسقط معه اعتبار الزیادة. و سئل

ص:135


1- (1) وسائل الشیعة 5-445 ح 4.
2- (2) جامع الأصول 6-401.
3- (3) نفس المصدر.

الکاظم علیه السلام عن رجل رکع مع الإمام یقتدی به، ثم رفع رأسه قبل الإمام ؟ قال: یعید رکوعه(1) و سئل الصادق علیه السلام عن الرجل یرفع رأسه من السجود قبل أن یرفع الإمام رأسه من السجود؟ قال: فلیسجد(2). و لا تعد هذه زیادة فی الحقیقة، لأن فعل المأموم تابع لفعل الإمام و هو واحد فکذا متابعه. و هل العود واجب ؟ الأقرب المنع.

و إن کان عامدا صبر، و لم یجز له الرجوع، لأنه یکون قد زاد رکنا من غیر عذر، و لأنه برفعه عمدا قبل إمامه یجری مجری عدول نیة الاقتداء فیما سبقه فیه. و سئل الصادق علیه السلام عن الرجل یرفع رأسه من الرکوع قبل الإمام أ یعود فیرکع إذا أبطأ الإمام ؟ قال: لا(3). و کذا لو کان الإمام ممن لا یقتدی به، لأنه منفرد، فیقع سجوده و رکوعه فی محله، فلا یسوغ له العود فی العمد و النسیان.

تذنیب:

أطلق علماؤنا الاستمرار مع العمد، و الوجه عندی التفصیل، فإن المأموم إن سبق إلی رکوع بعد فراغ الإمام من القراءة استمر. و إن کان قبل فراغه و لم یقرأ المأموم، أو قرأ و منعناه منها، أو قلنا أن المندوب لا یجزی عن الواجب، بطلت صلاته، و إلا فلا.

و إن کان إلی رفع أو سجود أو قیام عن تشهد، فإن کان بعد فعل ما یجب من الذکر، استمر و إن لم یفرغ إمامه منه. و إن کان قبله، بطلت و إن کان قد فرغ إمامه.

و لو فرغ المأموم من القراءة قبل الإمام، استحب له أن یسبّح، تحصیلا لفضیلة الذکر، و لئلا یقف صامتا. و سئل الصادق علیه السلام أکون مع الإمام

ص:136


1- (1) وسائل الشیعة 5-447 ح 2. و 3.
2- (2) وسائل الشیعة 5-447 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 5-448 ح 6.

فأفرغ من القراءة قبله ؟ قال: أمسک آیة و مجد اللّه و أثن علیه، فاذا فرغ فاقرأ الآیة و ارکع(1).

و یستحب أن یبقی آیة من السورة للروایة(2) ، ثم یتم القراءة إذا رکع إمامه لیرکع عن قراءة. و الظاهر أن هذا فیما لا یجهر فیه الإمام بالقراءة، أو أن یکون الإمام ممن لا یقتدی به، لأن الإنصات إلی قراءة الإمام أفضل.

و لو رکع الإمام و لم یرکع المأموم حتی رفع الإمام رأسه، لم تبطل صلاته و إن تأخر عنه برکن کامل.

و لو تأخر عنه برکنین لغیر عذر، ففی الإبطال إشکال، ینشأ من عدم المتابعة. و من أصالة الصحة، و لو کان لعذر، جاز قطعا.

و لو کان الإمام سریع القراءة و المأموم بطیئها و لم یسمع و لا همهمة فی الجهریة، و کان إخفاتا، فرکع الإمام قبل الإتمام تابعه، لعدم وجوب القراءة و وجوب المتابعة. و لو أمن الرفع قبل الإکمال، جاز له الإکمال ثم یلتحق به.

و لو حضر المأموم و الإمام فی أثناء القراءة فکبّر، و رکع الإمام قبل إتمام قراءة المأموم، تابعه فی الرکوع و سقط عنه باقی القراءة، لعدم وجوبها.

و إذا ترک الإمام شیئا من أفعال الصلاة، فإن کان فرضا لم یتابعه المأموم علی ترکه، کما لو قام فی موضع قعوده و بالعکس و لم یرجع بعد ما سبّح به المأموم، لأنه إما عامد فتبطل صلاته، أو ساه فلا یترک العامد.

و إن ترک مندوبا، فإن کان فی الاشتغال بها تخلف فاحش، لم یأت به المأموم، لأن المتابعة أولی من فعل المندوب. و لو أمن التخلف، جاز الإتیان بها، کجلسة الاستراحة و القنوت إذا لحقه علی القرب.

و إذا صلی منفردا ثم وجد جماعة، استحب له تلک الصلاة علی ما تقدم، و یتابع الإمام فی العدد. فلو کانت المغرب صلاها ثلاثا لا غیر.

ص:137


1- (1) وسائل الشیعة 5-432 ح 1.
2- (2) نفس المصدر.

و لو صلی الفریضة فی جماعة، ففی استحباب إ@@@@@@@عادتها فی جماعة أخری إشکال، ینشأ من العموم، و من حصول فضیلة الجماعة، فلا وجه للإعادة. و یحتمل الإعادة و إن کان إماما. و یحتمل الإعادة أیضا إذا حصل فی الجماعة الثانیة زیادة فضیلة، بأن یکون الإمام أعلم، أو أورع، أو کون الجمع أکثر، أو کون المکان أفضل.

و إذا أعیدت الصلاة نوی نیتها، فلو أعاد الظهر نوی الظهر و کذا البواقی. و هل ینوی الفرض ؟ إشکال، ینشأ من عدم الوجوب، و من کونها إعادة فیأتی بالمثل، و الأول أقوی. فإن قلنا بالثانی فالفرض الأصلی هو الأول.

و یحتمل أن ینوی الظهر و لا یتعرض للفرض، و یکون ظهره نفلا کصلاة الصبی.

المطلب الثالث (فی صفات الإمام)
اشارة

یشترط فی إمام الصلاة شروط، ینظمها قسمان: عامة و خاصة.

البحث الأول (فی الشرائط العامة)

و هی البلوغ، و العقل، و الإسلام، و طهارة المولد، و الختان.

الأول: البلوغ، فلا تصح إمامة غیر الممیز، و أما الممیز فقولان: المنع فی الفرض و هو الأقوی، لقول علی علیه السلام: لا بأس أن یؤذن الغلام قبل أن یحتلم، و لا یؤم حتی یحتلم، فإن أمّ جازت صلاته و فسدت صلاة من خلفه(1).

و لأن الإمامة من المناصب الجلیلة، و هی تناسب حالة الکمال، و الصبی

ص:138


1- (1) وسائل الشیعة 5-398 ح 7.

ینحط درجته عنها، و لأنه عارف بعدم المؤاخذة، فلا یؤمن أن یترک شرطا، لعدم الزاجر فی حقه، و لأنها فریضة فلا تصح إمامته فیها کالجمعة.

و الجواز، لقول علی علیه السلام: لا بأس أن یؤذن الغلام الذی لم یحتلم و أن یؤم(1). و فی الطریق ضعف [1].

و هل تصح إمامته فی النفل ؟ إن قلنا إن فعله شرعی جاز، لأنه یترخص فیها ما لا یترخص فی الفرض، و إلا فلا. و لا خلاف فی أن البالغ أولی منه.

الثانی: العقل، فلا تصح إمامة المجنون إجماعا، لعدم تحصیله و الاعتداد بفعله، و کما لا تصح إمامة المطبق، فکذا من یعتوره حالة جنونه.

و یجوز حالة إفاقته علی کراهة، لإمکان أن یکون قد احتلم حال جنونه و لا یعلم، و لئلا یعرض له الجنون فی الأثناء.

الثالث: الإسلام شرط فی الإمام إجماعا، فلا تصح إمامة الکافر، و إن کان أمینا فی مذهبه أو مستترا به، لقوله تعالی وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا (2) و لأن الأئمة ضمناء و الکافر لیس أهلا لضمان الصلاة.

و لا تصح خلف من یشک فی إسلامه، لأن الشک فی الشرط شک فی المشروط.

و إذا صلی الکافر، لم یحکم بإسلامه بذلک، سواء صلی فی دار الحرب أو دار الإسلام. و لو سمعت منه الشهادتان، فالأقرب الحکم بإسلامه، و کذا فی الأذان.

الرابع: الإیمان شرط فی الإمام، فلا تصح إمامة من لیس بمؤمن من أهل البدع، و الأهواء، سواء أظهر البدعة أو لا، لاندراجه فی قوله تعالی وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا (3) و قال جابر: سمعت رسول اللّه صلی اللّه

ص:139


1- (1) وسائل الشیعة 5-398 ح 8.
2- (2) سورة هود: 113.
3- (3) سورة هود: 113.

علیه و آله علی منبره یقول: لا یؤمن امرأة رجلا و لا فارج مؤمنا إلا أن یقهره سلطان، أو یخاف سوطه أو سیفه(1). و قال الباقر و الصادق علیهما السلام:

عدو اللّه فاسق لا ینبغی لنا أن نقتدی به(2).

و لا فرق فی بطلان إمامته بین أن یکون إماما لمحق أو مثله، و لا بین أن یستند فی مذهبه إلی شبهة أو تقلید، و لا بین أن یکون عدلا فی مذهبه أو فاسقا.

الخامس: العدالة شرط فی الإمام، فلا تصح خلف الفاسق و إن اعتقد الحق، عند جمیع علمائنا، لقوله تعالی وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا (3) و الفاسق ظالم، و قوله علیه السلام: و لا فاجر مؤمنا(4). و قول الصادق علیه السلام: و لا تصل خلف الفاسق و إن کان یقول بقولک، و المجهول، و المتجاهر بالفسق و إن کان معتقدا(5). و قول الباقر علیه السلام: لا تصل إلا خلف من تثق بدینه و أمانته(6). و سئل الرضا علیه السلام رجل یقارف الذنوب و هو عارف بهذا الأمر، أصلی خلفه ؟ قال: لا(7) ، و لعدم یقین البراءة.

و لو کان فسقه خفیا و هو عدل فی الظاهر، فالأقرب أنه لا یجوز للعارف بحاله الایتمام به، لأنه ظالم عنده، و لا فرق فی ذلک بین الفرائض الیومیة و الجمع و الأعیاد.

أما المخالف فی الفروع الاجتهادیة باجتهاد، فیصح أن یکون إماما، لانتفاء فسقه.

و لو علم أنه ترک واجبا أو شرطا یعتقده المأموم دون الإمام، فالوجه عدم

ص:140


1- (1) سنن البیهقی 3-90.
2- (2) وسائل الشیعة 5-392 ما یدل علی ذلک.
3- (3) سورة هود: 113.
4- (4) سنن البیهقی 3-90.
5- (5) وسائل الشیعة 5-392 ح 4.
6- (6) وسائل الشیعة 5-393 ح 8.
7- (7) وسائل الشیعة 5-393 ح 10.

جواز الاقتداء به، لأنه یرتکب ما یفسد به صلاته فی نظر المأموم، فلا تصح إمامته له، کالمخالف فی القبلة. فلا تصح لمن یعتقد وجوب السورة بعد الحمد الصلاة خلف من لا یعتقد وجوبها و إن قرأها، لأنه یعتقد إیقاعها علی جهة الندب، فلا تجزی عن الواجب. و کذا لا یصح أن یصلی من یعتقد تحریم لبس السنجاب مثلا خلف من یعتقد تسویغه حال لبسه.

و لو فعل الإمام شیئا یعتقد تحریمه من المختلف فیه، فإن کان ترک ما یعتقده شرطا للصلاة أو واجبا فیها، فصلاته فاسدة، لأنه مأمور بالعمل باجتهاده، فصلاة من یأتم به کذلک، و إن اعتقد تسویغ الترک، لأنه صلی خلف من یعتقد بطلان صلاته، و من شرط القدوة إسقاط صلاة الإمام القضاء.

و إن کان یفعل ما یعتقد تحریمه فی غیر الصلاة، کنکاح المخلوقة من الزنا، فإن داوم علیه فهو فاسق لا یجوز الصلاة خلفه، و إلا فلا، و إن کان الفاعل عامیا و قلد من یعتقد جوازه، لم یکن علیه شیء، لأن فرضه التقلید.

و إن کان یفعل ما یعتقد تحریمه فی الصلاة، کالقرآن بین السورتین، بطلت صلاة المأموم و إن اعتقد تسویغه.

و لو کان المأموم یعتقد وجوب التسبیحات الثلاث فی الرکوع أو السجود، و الإمام یعتقد الواحدة. أو کان المأموم یعتقد وجوب غیر التسبیح، و الإمام یعتقد إجزاء مطلق الذکر، احتمل جواز الایتمام، بناء علی الظاهر من إتیان الإمام بالمستحب رغبة فی السنّة، أو للخلاص من الخلاف، و الوجه المنع، کما لو عرف أنه لم یأت بها.

تذنیب:

لو احتاج إلی أحد الإناءین المشتبه أحدهما بالمضاف، و أوجبنا استعمال أحدهما بعد الاجتهاد مع التیمم، أو اشتبه ثلاثة أوانی و اجتهد فیها ثلاثة، فاستعمل کل واحد منهم واحدا بأداء اجتهاده إلی إطلاقه، و کان المطلق

ص:141

واحدا، لم یجز لأحدهم الایتمام بصاحبه علی إشکال.

و إن کانا اثنین و أراد أحدهما الاقتداء بآخر، فإن ظن إطلاق إناء صاحبه کما ظن إطلاق إنائه، جاز الاقتداء به قطعا، و لیس له الاقتداء بالثالث. و إن لم یظن إلا إطلاق إنائه، فالأقرب المنع من القدوة، لأنه متردد فی أن المستعمل للمضاف هذا أو ذاک، و لیس أحدهما أولی، فلا یأتم بهما کالخنثی لا یجوز الایتمام به، لتعارض احتمالی الذکوریة و الأنوثیة.

و یحتمل أن یقتدی بأیهما شاء دون جمعهما فی فرضین، لأنه لا یدری کون إناء الإمام مضافا. و إذا لم یعلم المأموم من حال الإمام ذلک، سومح و جوز الاقتداء.

و لو اقتدا بهما فی فرضین، احتمل وجوب إعادتهما معا، لبطلان إحداهما لا بعینها. و یحتمل إعادة الثانیة خاصة، لأنه لو اقتصر علی الاقتداء الأول لم یکن علیه قضاء.

و لو کانت الأوانی خمسة و المضاف واحد، و ظن کل من الخمسة إطلاق إنائه، و لم یظن شیئا من حال الأربعة الباقیة، و أم کل واحد منهم صاحبه فی واحدة من الخمس و البدأة بالصبح، احتمل إعادة الصلوات الأربع علی کل واحد منهم التی کان مأموما فیها، و أن یعید کل واحد منهم آخر صلاة کان مأموما، فیعید کلهم العشاء إلا إمام العشاء، فإنه یعید المغرب.

و إنما أعاد العشاء لأن فی ظنهم یتعین الإضافة فی حق إمام العشاء، و إنما أعاد هو المغرب، لصحة الصبح و الظهرین له عند أئمتها و هو متطهر فی ظنه، فیتعین بزعمه الإضافة فی إناء صاحب المغرب.

و کذا لو سمع من بین خمسة صوت حدث، و نفاه کل واحد عن نفسه.

السادس: طهارة المولد شرط فی الإمام عند علمائنا، لقوله علیه السلام: ولد الزنا شر الثلاثة(1) ، و إذا کان شره أعظم من شر أبویه و لا تصح

ص:142


1- (1) وسائل الشیعة 5-397 ما یدل علی ذلک.

إمامتهما فکذا هو. و قال الباقر علیه السلام: لا تقبل شهادة ولد الزنا و لا یؤم الناس(1). و لأنه غیر مقبول الشهادة، فلا یصلح [1] للإمامة، لأنها تتضمن معنی الشهادة بأداء ما وجب علیه من الأفعال.

و أما من جهل حاله، أو لم یعرف أبوه، فالوجه صحة إمامته، عملا بظاهر العدالة، و الأحسن کراهته، لأن الإمامة من المناصب الجلیلة و لا تلیق بمثله، لنقصه بعدم العلم بأبیه.

و کذا لا تصح إمامة ولد الشبهة، و المنفی باللعان.

السابع: الختان شرط فی الإمام لا مطلقا، بل إذا کان بالغا ممکنا من الختان و أهمل کان فاسقا، فلا یصلح [2] للإمامة باعتبار فسقه، و قول علی علیه السلام: الأغلف لا یؤم القوم و إن کان أقرأهم، لأنه ضیع من السنّة أعظمها، و لا تقبل له شهادة، و لا یصلی علیه، إلا أن یکون ترک ذلک خوفا علی نفسه(2). و هو دلیل شرط المکنة.

أما إذا لم یکن متمکنا منه، أو ضاق الوقت من غیر تفریط بالإهمال، فإن الصلاة خلفه جائزة، لاقتضاء التعلیل فی الروایة ذلک.

و لو اتفق البلوغ فی أول الوقت، ففی جواز الابتداء [3] بالصلاة قبله إشکال.

و لو جهل الحکم، فالأقرب جواز الصلاة خلفه، لأنه قد یخفی مثله علی الآحاد.

ص:143


1- (1) وسائل الشیعة 18-276 ح 4.
2- (2) وسائل الشیعة 5-396 ح 1.
البحث الثانی (فی الشرائط الخاصة)

و هی:

الأول: الذکورة، و هی شرط فی حق المأمومین الذکور و الخناثی خاصة، فلا تصح إمامة المرأة و لا الخنثی المشکل إجماعا، لقوله علیه السلام: ألا لا یؤمن امرأة رجلا(1) ، و لأن المرأة لا تؤذن للرجال، فلا تکون إمامة لهم کالکافر. و لا فرق فی ذلک بین الفرائض و النوافل.

و یجوز للرجل أن یصلی بالنساء و الخناثی، و إن کن أجنبیات و لا رجل معهن.

و الخنثی المشکل تجوز أن تکون إماما للمرأة، لأن أقل أحواله أن تکون کذلک، و لأنه تصلح أن تکون إماما لها. و لا تجوز أن تکون إماما لرجل و لا لخنثی، لجواز أن یکون المأموم رجلا و الإمام امرأة.

فلو صلی الرجل أو الخنثی خلف امرأة أو خنثی، بطلت صلاة المأموم خاصة، و لا فرق بین أن ینوی الإمام استتباع الرجال أو النساء.

و لو ائتم الرجل بمن ظنه رجلا، فبان کونه امرأة أو خنثی مشکلا، لم یجب القضاء، لأن المأخوذ علیه العمل بالظن، خصوصا الخنثی قد یستتر و یخفی غالبا، و لو کلف العلم بعدمه لزم [1] الحرج.

و لو ائتم خنثی بمثله، أو رجل بخنثی مع العلم بکونه خنثی مشکلا، وجب القضاء، لبطلان الاقتداء. فلو لم یقض حتی ظهر کون الإمام رجلا، فالأقوی عدم سقوط القضاء، لأنه کان ممنوعا من الاقتداء به، للتردد فی حاله، و التردد مانع من صحة الصلاة، و إذا لم تصح فلا بد من القضاء.

و یحتمل ضعیفا الصحة، لأنه مأمور بالاقتداء بالرجال و قد حصل.

ص:144


1- (1) سنن البیهقی 3-90.

و کذا لو اقتدی خنثی مشکل بامرأة، ثم بان کون المأموم امرأة، و لم تقض حتی ظهرت الأنوثیة.

و کذا لو اقتدی خنثی بخنثی و لم یقض المأموم حتی بانا رجلین أو امرأتین، أو کون الإمام رجلا، أو کون المأموم امرأة.

و من نظائره ما لو باع مال أبیه علی ظن الحیاة، فبان میتا، ففی الصحة وجهان.

و لو وکل وکیلا فی شراء و باع ذلک الشیء من انسان علی ظن أنه ما اشتراه وکیله بعد و کان قد اشتراه، ففی الصحة الوجهان.

الثانی: القیام فی إمامة القائم، فلا یؤم القاعد القائم عند جمیع علمائنا، لقوله علیه السلام: لا یؤمن أحد بعدی جالسا(1). و قول علی علیه السلام: لا یؤم المقید المطلقین(2). و لأن القیام رکن، فلا تصح إمامة العاجز عنه القادر علیه کغیره من الأرکان و لا فرق بین الإمام الراتب و غیره، و لا بین الإمام الأصلی و غیره. و لا فرق فی بطلان صلاتهم بین أن یصلوا قیاما خلفه أو جلوسا، و لا بین أن یکون مرضه مما یرجی برؤه أو لا.

و لو صلی قائما فاعتل فی قیامه فجلس، أتموا الصلاة من قیام بنیة الانفراد، فإن استخلف أو استخلفوا صلوا جماعة، و إلا انفردوا. و لا یجوز الایتمام به، لأن القعود مانع من الابتداء فکذا یمنع من الاستدامة.

و یجوز للعاجز أن یؤم بمثله إجماعا. و لا یجوز للمومی أن یکون إماما للقاعد، و لا للمستلقی أن یکون إماما للمضطجع.

و لا یجوز للعاجز عن رکن إمامة القادر علیه، کالعاجز عن الرکوع أو السجود، و لو اختلفا فی المقدور علیه لم یجز الایتمام، و إن کان المأموم عاجزا عن الأقل.

و لا یجوز أن یؤم المقید المطلقین، لعجزه عن القیام، و لا صاحب الفالج

ص:145


1- (1) وسائل الشیعة 5-415 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 5-411 ح 1 و 3.

الأصحاء. و یجوز للأعرج أن یؤم الأصحاء.

و لو عجز عن القیام إلا بما یعتمد علیه، فاعتمد حال قیامه، فالأقوی صحة إمامته بالصحیح، لأن المنع - و هو إمامة القاعد - غیر ثابت هنا.

و الأقوی فی الراکع خلقة المنع من إمامته بالسلیم، و یجوز بمثله. و فی جوازه بالأدون إشکال.

و یجوز إمامة أقطع الیدین و الرجل بالصحیح دون أقطع الرجلین. و یجوز إمامة الخصی و الجندی.

الثالث: القراءة شرط فی إمامة القراء، فلا یجوز أن یأتم قارئ بأمی فی الجهریة و السریة. و نعنی بالأمی من لا یحسن القراءة، أو لا یحسن الفاتحة، لأن القراءة واجبة مع القدرة. و مع الإتمام بالأمی تخلو الصلاة عن القراءة، و لأن الإمام بصدد تحمل القراءة عن المأموم بحق الإمامة بدلالة المسبوق، فإذا لم یحسنها لم یصلح للتحمل.

و لا فرق بین أن یقرأ المأموم لنفسه فی السریة أو الجهریة أو لا یقرأ. فلو صلی القارئ خلف الأمی، بطلت صلاة المأموم خاصة، لاختصاص المنع به.

أما لو کان القارئ مرضیا عند الأمی، فالأقرب وجوب الایتمام بالقارئ، فإن أخل بطلت صلاته مع المکنة، لأنه متمکن من الإتیان بالصلاة علی وجهها و هی القراءة، فوجب علیه.

و یجوز أن یأتم الأمی بمثله إن عجز الإمام و المأموم عن التعلم، أو ضاق الوقت دونه، لتساویهما.

و لو تمکن أحدهما من التعلم و الوقت متسع، بطلت صلاته، إماما کان أو مأموما. أما المأموم فإن کانت صلاة الإمام باطلة، لتمکنه دون تمکن المأموم، لم یصح الاقتداء به أیضا.

و یجب علی الأمی الاشتغال بالتعلم دائما إلا وقت الضرورة، کالأکل

ص:146

و الشرب و قضاء الحاجة و ضیق وقت الفریضة، و تحصیل ما لا بد منه من القوت الحافظ للنفس و لعیاله، و الاشتغال بالمندوب لیس عذرا.

و لو أم الأمی قارئا و أمیا معا، أعاد القارئ خاصة، و کذا الأمی إن وجد قارئا مرضیا، أو تمکن من التعلم قبل خروج الوقت، و إلا فلا.

و لو کان أحدهما یحسن الفاتحة و الآخر السورة، فالأقرب وجوب الایتمام بمن یحسن الفاتحة، للإجماع علی أولویتها و وجوبها عند الأکثر.

و لو جوزنا انقلاب المأموم إماما لإمامه، ائتم جاهل الفاتحة بعارفها، فإذا فرغ نوی الثانی الایتمام بالأول. و لو کان معهما ثالث لا یعرف شیئا، ائتم بعارف الفاتحة، فإذا فرغ نقل نیته إلی الایتمام بالثانی. و فی وجوب ذلک إشکال.

هذا إذا کانا مرضیین، و لو کان جاهل الفاتحة مرضیا، وجب علی جاهلها الایتمام به علی إشکال.

و لو کان أحدهما یعرف بعض الفاتحة و الآخر سورة کملا، احتمل تخیر ایتمام أحدهما بالآخر، و أولویة إمامة عارف بعض الفاتحة.

و لو جهل القارئ حال الأمی، فأحرم مأموما معه، ثم علم فی الأثناء، نقل النیة إلی الانفراد وجوبا. و لو کانت الصلاة سریة، أو بعد عنه، أو جوز غفلته عن الجهر، و لم یعلم حاله حتی فرغ من صلاته خلفه، صحت صلاته، لأنه یبنی علی الظاهر. و یحتمل المنع، لأن العدالة شرط و قد جهل المأموم بها.

و لو أم الأخری مثله، صحت صلاتهما، لتساویهما فی العجز. و لا یجوز أن یؤم بالصحیح و إن کان أمیا، لتمکنه من التکبیر و الذکر. و یحتمل الجواز، لأن الإمام لا یتحمل التکبیر و هما سواء فی القراءة. و الوجه الأول، لتمکنه من بدلها.

و یجوز إمامة الأصم بالسلیم، لأنه لا یخل بشیء من واجبات الصلاة.

و لو أحسن کل منهما بعض الفاتحة، فإن اتحد صح ایتمام أحدهما

ص:147

بصاحبه، لتساویهما. و إن اختلف لم یصح، لأن کلاّ منهما أمی بالنسبة إلی صاحبه باعتبار ما جهله.

الرابع: اللحن فی القراءة الواجبة، إن فعله عمدا مع تمکنه من التعلم، أبطل صلاته، لأنه لیس بعربی، و القرآن عربی، و لا فرق بین أن یختلف المعنی، کمن یکسر کاف «إیاک» أو لا کمن یفتح کاف «إیاک».

و إن کان سهوا، لم تبطل صلاته، و لا صلاة من خلفه. و إن کان جاهلا، فإن تمکن من التعلم و اتسع الزمان، بطلت صلاته و صلاة من خلفه، لأنه کالعامد. و لو لم یتمکن أو ضاق الوقت من غیر تفریط، صح أن یکون إماما لمثله.

و الأقرب أنه لا تصح إمامته بالمتقن، لأنه متمکن من الصلاة بقراءة صحیحة، فلا یجوز العدول إلی الفاسد.

و لو کان لحن أحدهما مختلا و لحن الآخر غیر مختل، فالأقوی جواز اقتداء الأول بالثانی دون العکس.

الخامس: لا یصح أن یؤم مئوف اللسان صحیحه، لوجوب القراءة فی حق الصحیح، لتمکنه منها، و مع عجز الإمام لا یصح التحمل، فلا یصح الاقتداء. و یصح أن یؤم مثله إذا تساویا فی النطق.

و لو تمکن من إصلاح لسانه فأهمل، لم تصح صلاته مع سعة الوقت و لا صلاة من خلفه.

و لو کان ألثغ یبدل حرفا بآخر مع تمکنه من التعلم لم تصح، کمن یبدل الحاء بالخاء أو بالهاء، أو یبدل المیم فی «المستقیم» بالنون، أو السین بالثاء، أو الراء بالغین.

و إن لم یطاوعه لسانه، أو کان و لم یمض من الزمان ما یمکنه التعلم فیه، أو لم یجد المرشد، صحت صلاته دون صلاة من خلفه، و لو تمکن من التعلم، لم تصح صلاته و وجب علیه قضاؤها، فلا یصح الاقتداء به.

ص:148

و کذا من فی لسانه رخاوة تمنع أصل التشدیدات.

و من لا یفصح ببعض الحروف، کالضاد و القاف، لا تصح إمامته للعارف، لأنه أمی بالنسبة إلی الفصیح، و یجوز أن یؤم مثله.

و لو أبدل الضاد فی «المغضوب» أو «الضالین» و غیرهما بالظاء، لم تصح صلاته مع إمکان التعلم.

و تکره إمامة التمتام، و هو الذی یردد التاء ثم یأتی بها، و الفأفاء، و هو الذی یردد الفاء ثم یأتی بها، لأنهما لا ینقصان شیئا، و یزیدان زیادة یعذران فیها.

و لو کان له لثعة خفیفة تمنع من تخلیص الحرف، و لکن لا یبدله بغیره، جاز أن یکون إماما للقار.

السادس: الأجذم و الأبرص لا یؤمان الصحیح علی الأقوی، لنفور النفس عنهما، فلا یحصل الانقیاد إلی طاعتهما، و قول الصادق علیه السلام:

خمسة لا یؤمون الناس علی کل حال: المجذوم، و الأبرص، و المجنون، و ولد الزنا، و الأعرابی(1). و یجوز إمامتهما لمثلهما و إمامة کل واحد للآخر.

السابع: الأعرابی و هو الذی لا یعرف محاسن الإسلام لا یؤم المهاجرین، لقوله تعالی اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ کُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ یَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلی رَسُولِهِ (2) و لأنه لا یعرف تفاصیل أحکام الصلاة، و للحدیث السابق. و کذا غیره من العوام إذا لم یعرف شرائط الصلاة علی التفصیل.

و لو کان الأعرابی قد دخل البناء و عرف أحکام الصلاة علی التفصیل و ما یکفیه اعتماده فی التکلیف و تدین به، و لم یکن ممن یلزمه المهاجرة وجوبا، جازت إمامته مطلقا، لوجود الشرائط فیه، و انتفاء الموانع عنه.

ص:149


1- (1) وسائل الشیعة 5-397 ح 1 و 399 ح 5.
2- (2) سورة التوبة: 97.

و الضابط فیه: إنه إن عرف الواجب من المندوب، صح الایتمام به، و إلا فلا.

و لا یجوز أن یکون إماما لمثله علی إشکال، أقربه الجواز مع عدم وجوب القضاء للصلاة، و المنع لا معه.

البحث الثالث (فیمن تکره إمامته)

الأول: تکره إمامة المحدود بعد توبته، لأن فسقه و إن زال بالتوبة، لکن نقص منزلته و سقوط محله فی القلوب باق.

الثانی: تکره إمامة السفیه، لقول أبی ذر: إن إمامک شفیعک إلی اللّه، فلا تجعل شفیعک سفیها و لا فاسقا(1).

الثالث: فی کراهة إمامة الأعمی إشکال، أقربه المنع، لقول الصادق علیه السلام: لا بأس بأن یصلی الأعمی بالقوم و إن کانوا هم الذین یوجهونه(2). و قول علی علیه السلام: لا یؤم الأعمی فی الصحراء إلا أن یوجه إلی القبلة(3). و لأنه فاقد حاسة لا یختل به شیء من شرائط الصلاة، فأشبه الأصم، نعم البصیر أولی لتوقیه من النجاسات.

الرابع: کره الشیخ إمامة العبد إلا لأهله، لقول علی علیه السلام: لا یؤم العبد إلا أهله(4). و لیس للتحریم، لأن أحدهما علیهما السلام سئل عن العبد یؤم القوم إذا رضوا به و کان أکثرهم قرانا؟ فقال: لا بأس(5). و لأنه من أهل الأذان، فکان من أهل الإمامة، لاشتراکهما فی الإمامة.

ص:150


1- (1) وسائل الشیعة 5-392 ح ط.
2- (2) وسائل الشیعة 3-235 ح 1 و 5-409 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 3-235 ح 3 و 5-410 ح 7.
4- (4) وسائل الشیعة 5-401 ح 4، و کلام الشیخ فی الخلاف 1-209.
5- (5) وسائل الشیعة 5-400 ح 2.

و حکم المعتق بعضه و المکاتب و أم الولد و المدبر حکم الرق.

الخامس: یکره أن یأتم الحاضر بالمسافر و بالعکس، و لیس محرما، لأن الأصل الجواز، و اشتمال الایتمام لکل واحد منهما بصاحبه علی المفارقة یقتضی الکراهة.

و قال الصادق علیه السلام: لا یؤم الحضری المسافر، و لا المسافر الحضری، فإن ابتلی بشیء من ذلک فأم قوما حاضرین، فإذا أتم الرکعتین سلم ثم أخذ بید بعضهم فقدمهم فأمهم و إذا صلی المسافر خلف المقیم، فلیتم صلاته رکعتین و یسلم، و إن صلی معهم الظهر فلیجعل الأولتین الظهر و الأخیرتین العصر(1).

و لو لم تحصل المفارقة، فالأقرب زوال الکراهة کالغداة و المغرب، و کذا لو صلی الإمام رکعتین ثم حضر المسافر.

السادس: یکره أن یأتم المتوضئ بالمتیمم، فإن فعل صح إجماعا، لأن عمرو بن العاص صلی بأصحابه متیمما و بلغ النبی صلی اللّه علیه و آله فلم ینکره، و لأنه متطهر طهارة صحیحة فأشبه المتوضئ. و أما الکراهة فلنقص طهارته، و قول علی علیه السلام: لا یؤم المقید المطلقین، و لا یؤم صاحب الفالج الأصحاء، و لا صاحب التیمم المتوضئین(2).

و یجوز للطاهرة أن تأتم بالمستحاضة، لأنها متطهرة فأشبهت المتیمم.

و کذا یصح ایتمام الصحیح بصاحب السلس، لأنه متطهر، و الحدث الموجود غیر مانع. و أن یأتم الطاهر بمن علی بدنه أو ثوبه نجاسة کالمجروح.

و لیس للمتوضئ و لا للمتیمم الایتمام بعادم الماء و التراب، سواء أوجبنا علیه الصلاة أو لا، لأنه غیر متطهر.

و قال الشیخ: یجوز للمکتسی أن یأتم بالعریان، و فیه نظر، لأن العاری

ص:151


1- (1) وسائل الشیعة 5-404 ح 6.
2- (2) وسائل الشیعة 5-411 ح 1.

إن صلی قاعدا لم یصح الایتمام به، و إن صلی قائما مومیا، لم یصح الایتمام به حالة الرکوع و السجود. و لو کان المکتسی یصلی بالإیماء لمرض، جاز أن یأتم بالعریان حینئذ.

و لا یجوز للقادر علی الاستقبال الایتمام بالعاجز عنه، و یصح لمماثله.

و لو صلت الحرة خلف أمة مکشوفة الرأس صح، فإن أعتقت فی الأثناء و کانت السترة قریبة، فأخذتها و أتمت الصلاة، صح استمرار الایتمام، و إلا نوت المأمومة المفارقة. و کذا العاری یجد السترة فی الأثناء.

السابع: یکره أن یؤم قوما یکرهون الایتمام به، لقوله علیه السلام:

ثلاثة لا یتجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتی یرجع، و امرأة باتت و زوجها علیها ساخط، و إمام قوم و هم له کارهون(1).

المطلب الرابع (فی ترجیح الأئمة)

إذا حضر إمام الأصل، لم یجز لأحدهم التقدم علیه، و تعین هو للإمامة، لقوله تعالی «أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ» (2) و قال تعالی لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (3) و هو خلیفته، فیکون له هذه المنزلة، و یجوز مع العذر الاستنابة.

و یحصل فی غیره أولویة التقدم إذا کثروا بأمور:

الأول: القراءة، فإذا تعددت الأئمة، قدم من یختاره المأمومون، فإن اختلفوا قدم من یختاره الأکثر، فإن تساووا قدم الأقرأ، و الأصل فی التقدیم بالفضائل ما روی عنه علیه السلام قال: یؤم القوم أقرأهم لکتاب اللّه(4).

ص:152


1- (1) جامع الأصول 6-380.
2- (2) سورة النساء: 59.
3- (3) سورة الحجرات: 1.
4- (4) جامع الأصول 6-373.

فإن کانوا فی القراءة سواء، فأعلمهم بالسنّة، فإن کانوا فی السنّة سواء فأقدمهم بالهجرة، فإن کانوا فی الهجرة سواء، فأکبرهم سنا، و لأن القراءة رکن فی الصلاة، فکان الأعلم فیها أولی، کالقادر علی القیام مع العاجز عنه.

و قدم بعض علمائنا الأفقه علی الأقرأ، لانحصار القراءة التی یحتاج إلیها فی الصلاة و هو یحفظها، و عدم انحصار ما یحتاج إلیه من الفقه، لعدم انضباط الوقائع الجزئیة و الحوادث. و قد یعرض له فی الصلاة ما یحتاج إلی الفقه فی معرفته. و الحدیث متأول، فإن الصحابة کانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا معه أحکامه.

إذا ثبت هذا فإن أحد القارئین یرجح علی الآخر بکثرة القرآن، فإن تساویا فی قدر ما یحفظانه و کان أحدهما أجود قراءة و أشد إخراجا للحروف من مواضعها، فهو أولی. و إن کان أحدهما أقل حفظا و الآخر أجود قراءة، فالأجود أولی.

الثانی: إذا تساووا فی القراءة قدم الأفقه لما تقدم فی الحدیث و قیل: یقدم الأسن ثم الأفقه لقول الصادق علیه السلام: یؤم القوم أقرؤهم للقرآن، فإن تساووا فأقدمهم هجرة، فإن تساووا فأسنهم، فإن کانوا سواء فلیؤمهم أعلمهم بالسنّة(1).

و لو اجتمع فقیهان أحدهما أقرأ و الآخر أفقه، قدم الأقرأ علی أحد القولین، و الأفقه علی الآخر. و لو تساووا فی القراءة و الفقه قدم الأقدم هجرة، و المراد به سبق الإسلام، أو من کان أسبق هجرة من دار الحرب إلی دار الإسلام، أو یکون من أولاد من تقدمت هجرته یتقدم بذلک، سواء کانت الهجرة قبل الفتح أو بعده.

و للشیخ قول: إنه مع التساوی فی الفقه یقدم الأشرف، فإن تساووا قدم

ص:153


1- (1) وسائل الشیعة 5-419 ح 1.

الأقدم هجرة، فإن تساووا فی الهجرة، إما لهجرتهما معا، أو لعدمها عنهما، قدم الأسن(1) ، لحدیث الصادق علیه السلام(2) و لأنه أحق بالتقدیم و الإعظام.

و اختلف، فقیل: أن یمضی علیه فی الإسلام أکثر، فلا یقدم شیخ أسلم الیوم علی شاب نشأ فی الإسلام.

فإن تساووا فی السن قدم الأصبح وجها، و المراد به إما أحسنهم صورة، أو أحسنهم ذکرا بین الناس.

فإن تساووا فی ذلک، قدم الأشرف، و هو الأعلی فی النسب، و الأفضل فی نفسه، و الأرفع قدرا.

فإن تساووا فی ذلک، قدم الأورع و الأتقی، و لیس المراد مجرد العدالة، بل ما یزید علیه من العفة و حسن السیرة. و الأقوی عندی تقدیم هذا علی الأشرف نسبا، لأن شرف الدین خیر من شرف الدنیا.

فإن تساووا فی ذلک کله فالقرعة، لأنهم تساووا فی الاستحقاق و تعذر الجمع، فلا بد من القرعة، لعدم التخصیص من غیر مخصص.

و لو قدم المفضول علی الفاضل فی هذه المراتب کلها جاز، لأنها إمامة خاصة، بخلاف الإمامة العامة.

الثالث: صاحب المنزل أولی بالإمامة فیه من غیره، و إن کان الغیر أقرأ و أفقه إجماعا، لقوله علیه السلام: لا یؤمن الرجل الرجل فی بیته و لا فی سلطانه، و لا یجلس علی تکرمته إلا بإذنه(3). و المراد بالتکرمة الفراش، و قیل: المائدة. و قال الصادق علیه السلام: لا یتقدمن أحدکم الرجل فی منزله و فی سلطانه(4).

ص:154


1- (1) المبسوط 1-157.
2- (2) المتقدم آنفا.
3- (3) جامع الأصول 6-373.
4- (4) وسائل الشیعة 5-419 ح 1.

و لو کان فی المنزل إمام الحق فهو أولی، لأنه الحاکم المطلق، و أم النبی صلی اللّه علیه و آله غسان بن مالک و أنسا فی بیوتهما.

و إمام المسجد الراتب أولی من غیره، لأنه فی معنی صاحب المنزل و السلطان، و لقوله علیه السلام: من زار قوما فلا یؤمهم(1) ، و هو عام فی المسجد، و لو أذن صاحب المنزل أو السلطان لغیره کان أحق.

و الوالی من قبل السلطان أولی من صاحب المنزل و المسجد، لأنه نائب الأولی فکان له منزلة المنوب.

و لو دخل السلطان بلدا له فیه خلیفة، فهو أولی من خلیفته، لأصالة ولایته.

و السید أولی من العبد فی بیت العبد، لأنه صاحب البیت. و لو اجتمع العبد و غیر سیده، فالعبد أولی باعتبار المنزل.

و لو اجتمع مالک الدار و مستأجرها فیها، فالمستأجر أولی، لأنه أحق بالمنفعة و الاستیلاء. و لو کان المالک ممن لا یصلح للإمامة فقدم غیره، ففی أولویته إشکال.

و لو اجتمع المکاتب و السید فی دار المکاتب، فالأقرب أن المکاتب أولی، لقصور ید السید عن أملاک المکاتب.

و المالک أولی من المستعیر، لنقص تصرف المستعیر، إذ للمالک عزله متی شاء.

و لو حضر جماعة المسجد، استحب لهم مراسلة إمامة الراتب، فإن حضر و ألا یقدم أحدهم. و لو خافوا فوت أول الوقت و آمنوا الفتنة جمعوا.

و هل یقدم أولاد من تقدمت هجرته ؟ الأقرب ذلک من حیث شرف النسب، لا من حیث تقدم الهجرة.

ص:155


1- (1) جامع الأصول 6-375.

و لو اجتمع مالکا الدار، لم یتقدم غیرهما، و یتقدم أحدهما بإذن الآخر أو القرعة.

المطلب الخامس (فی اللواحق)

و هی:

الأول: لو کان الإمام ممن لا یقتدی به، لم یجز الاقتداء، فإن احتاج إلی الصلاة معه، تابعه فی الأفعال و قرأ مع نفسه، و إن کانت الصلاة جهریة للضرورة، و لا یعید لاقتضاء الأمر الإجزاء.

الثانی: لو کان الإمام کافرا و لم یعلم المأموم، ثم علم فی الأثناء، عدل إلی الانفراد واجبا، فإن لم یفعل و استمر علی الاقتداء بطلت صلاته، لإخلاله بالشرط.

و لو علم بعد الفراغ، صحت صلاته علی الأقوی، للامتثال بفعل المأمور به، فیخرج عن العهدة، إذ هو مکلف بالظاهر. و سئل الصادق علیه السلام عن قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال، و کان یؤمهم رجل، فلما صاروا إلی الکوفة علموا أنه یهودی ؟ قال: لا یعیدون(1).

و لا فرق بین کون الکفر مما یستتر به عادة کالزندقة أو لا. و قیل: یعید مطلقا، لأنه ائتم بمن لیس من أهل الصلاة، فتبطل صلاته. کما لو ائتم بمجنون [1]، و ینتقض بالمحدث.

و یحتمل الفرق بین الخفی و غیره، لمشقة الوقوف علیه. و یعزر الکافر إذا أم، لأنه غاشّ.

و لو صلی خلف من أسلم من الکفار، فلما فرغ من صلاته قال: لم أکن

ص:156


1- (1) وسائل الشیعة 5-435 ح 1.

أسلمت و لکن تظاهرت بالإسلام، لم یلزمه قبول قوله لکفره، و لا إعادة علیه.

و لو کان یعرف لرجل إسلام و ارتداد، فصلی آخر خلفه و لم یعلم فی أی الحالین صلی خلفه، لم یعد، لأن الشک بعد الفراغ غیر مؤثر.

الثالث: لو کان الإمام جنبا أو محدثا، لم تصح صلاته، سواء علم بحدث نفسه أو لا، و تصح صلاة من خلفه إذا لم یعلم بحدثه للامتثال، و لأن الباقر علیه السلام سأله محمد بن مسلم عن الرجل یؤم القوم و هو علی غیر طهر و لا یعلم حتی تنقضی صلاته ؟ قال: یعید و لا یعید من خلفه و إن أعلمهم أنه علی غیر طهر(1). و لأنه لا علامة للمتطهر من المحدث، فلم یوجد من المأموم تقصیر فی الاقتداء.

و لو أحدث الإمام فی الأثناء فعلم به المأموم، وجب أن ینوی الانفراد، فإن استمر علی نیة الایتمام بطلت صلاته. و إذا کان حدثه بعد إکمال القراءة، رکعوا منفردین أو یقدمون غیره، و إن کان قبل القراءة، اشتغلوا بها، و کذا لو کان فی الأثناء، و یحتمل الإتمام من حیث قطع.

و لو أخبر الإمام بعد فراغه أنه محدث أو جنب، لم یلتفت إلیه فی بطلان صلاة المأموم.

و یستحب للإمام أو المأمومین إذا أحدث الإمام، أو أغمی علیه، أو جن، أو مات، أن یقدم من یؤم من الجماعة و یتم بهم الصلاة لا وجوبا، لأصالة البراءة.

و یکره أن یستنیب المسبوق، لقول الصادق علیه السلام: فلا ینبغی له أن یقدم إلا من قد شهد الإقامة(2). و یجوز أن یستنیب المنفرد و السابق، فإن استنابه جاز أن یستنیب ثانیا.

و لا فرق فی جواز الاستخلاف بین أن یکون الإمام قد سبقه الحدث، أو

ص:157


1- (1) وسائل الشیعة 5-434 ح 4.
2- (2) وسائل الشیعة 5-439 ح 2.

أحدث عمدا، فیجوز للمحدث عمدا أن یستنیب هو أو المأمومون، و لا یشترط الاستخلاف، فلو تقدم بنفسه جاز أن یتموا معه الصلاة.

و لو استخلف اثنین حتی یصلی کل واحد بطائفة، جاز فی غیر الجمعة، و فیها إشکال، ینشأ من المنع من تعدد الأئمة فی الابتداء فکذا فی الأثناء، و من کون الجمعة واحدة فی الحقیقة.

الرابع: إذا بلغ الطفل سبع سنین، کان علی أبیه أن یعلمه الطهارة و الصلاة، و یعمله الجماعة و حضورها لیعتادها، لحصول التمییز للصبی فی هذا السن.

و إذا بلغ عشر ضرب علیها، و إن کانت غیر واجبة، لما فیه من اللطف، و هو الاعتیاد و التمرین، و لقوله علیه السلام: مروا أولادکم بالصلاة و هم أبناء سبع، و اضربوهم علیها و هم أبناء عشر، و فرقوا بینهم فی المضاجع(1). و کذا یفعل ولی الصبی و وصیه، و قال الصادق علیه السلام: مروا أولادکم بالصلاة و هم أبناء سبع، و اضربوهم علیها و هم أبناء عشر، فإنا نأمر أولادنا بالصلاة و هم أبناء خمس، و نضربهم علیها و هم أبناء سبع(2).

و قد روی عن النبی صلی اللّه علیه و آله قال: إذا بلغ الصبی سبع سنین أمر بالصلاة، فإذا بلغ عشرا ضرب علیها، فإذا بلغ ثلاث عشرة فرقوا بینهم فی المضاجع، فإذا بلغ ثمانی عشرة علم القرآن، فإذا بلغ إحدی و عشرین انتهی طوله، فإذا بلغ ثمانی و عشرین کمل عقله، فإذا بلغ ثلاثین بلغ أشده، فإذا بلغ أربعین عوفی من البلوی الثلاث: الجذام و الجنون و البرص، فإذا بلغ الخمسین حبب إلیه الإنابة، فإذا بلغ الستین غفرت ذنوبه، فإذا بل السبعین عرفه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانین کتبت الحسنات و لم تکتب السیئات، فإذا بلغ التسعین کتب أسیرا للّه فی أرضه، فإذا بلغ المائة شفع فی سبعین من أهل بیته و جیرانه و معارفه(3).

ص:158


1- (1) جامع الأصول 6-133.
2- (2) وسائل الشیعة 3-12 ح 5.
3- (3) جامع الأصول 6-132، سنن أبی داود 1-133، رووا صدر الحدیث.

إذا عرفت هذا فإن الصلاة تجب علیه مع البلوغ لا قبله، لقوله علیه السلام: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبی حتی یبلغ الحلم(1).

الخامس: إذا شرع إنسان فی نافلة، فأحرم الإمام، قطعها إن خاف الفوات، تحصیلا لفضیلة الجماعة، سواء خاف فوت النافلة أو لا، و لو لم یخف فوات الجماعة، أتم النافلة ثم دخل فی الفریضة.

و لو کان فی فریضة، استحب له أن ینقل نیته إلی النافلة و یکملها رکعتین، ثم یدخل مع الإمام فی الصلاة، للحاجة إلی نیل الجماعة.

و لو کان إمام الأصل، قطع الفریضة، کما یقطع النافلة لغیره، ثم یدخل معهم فی الجماعة، لأن متابعته أولی.

و لو کان الإمام ممن لا یقتدی به، استمر علی حاله، لأنه لیس بمؤتم فی الحقیقة و للروایة(2).

و لو تجاوز فی الفریضة رکعتین، ثم أحرم الإمام. فإن کان إمام الأصل، قطعها و استأنف معه، لما فیه من المزیة المقتضیة للاهتمام بمتابعته. و إن کان غیره، فالأقرب الإتمام ثم الدخول معه علی سبیل إعادة المنفرد مع الجماعة.

و لو ابتدأ بقضاء الظهر، ثم شرع الإمام فی صلاة الصبح، و خاف أن یتمم رکعتین نافلة فاتته الصلاة مع الإمام، فإن کان إمام الأصل أبطل صلاته، و إلا فالوجه إتمام القضاء و تفویت الجماعة، لأن تدارکها إنما هو بنقل النیة من الفرض إلی النفل، و لا یحصل التدارک بذلک.

السادس: ینبغی للإمام أن یخفف صلاته بتخفیف الأذکار، و تکمیل أفعالها من رکوع و سجود و قیام. قال أنس: ما صلیت خلف أحد قط أخف و لا أتم صلاة من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله(3).

ص:159


1- (1) الخصال ص 162.
2- (2) وسائل الشیعة 5-458 ح 2.
3- (3) جامع الأصول 6-384.

و لو أحب المأمومون خلفه التطویل، لکان أولی، لقوله علیه السلام:

أفضل الصلاة ما طال قنوتها(1).

السابع: لا یجب علی المأموم القراءة فی الجهریة و الإخفاتیة، سمع قراءة الإمام أو لا. و لا یستحب فی الجهریة مع السماع، لقوله تعالی فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ (2) نزلت فی بیان الصلاة. و قوله علیه السلام: و إذا قرأ فأنصتوا(3) ، و قول الصادق علیه السلام: إذا کنت خلف إمام تولاه و تثق به، فإنه یجزیک قراءته، و إن أحببت أن تقرأ فاقرأ فیما یخافت فیه، فإذا جهر فأنصت، قال اللّه تعالی وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ (4) و لأنها قراءة لا تجب علی المسبوق، فلا تجب علی غیره.

و هل تحرم القراءة لو سمع و لو مثل الهمهمة ؟ قال الشیخان: نعم، لقول الصادق علیه السلام: من رضیت به فلا تقرأ خلفه(5) ، و النهی للتحریم. و لو لم یسمع و لا همهمة فی الجهریة، فالأفضل القراءة لا واجبا، لقول الصادق علیه السلام: إذا کنت خلف من ترضی به فی صلاة یجهر فیها فلم تسمع قراءته فاقرأ، و إن کنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ(6). و قال الرضا علیه السلام فی الرجل یصلی خلف من یقتدی به یجهر بالقراءة فلا یسمع القراءة قال: لا بأس إن صمت و إن قرأ(7).

و یستحب للأصم أن یقرأ مع نفسه، لأنه لا یسمع همهمة، و الأقرب أن له التوجه، أما الاستعاذة فلا إلا مع القراءة.

و لو کانت الصلاة سرا قال الشیخ: یستحب قراءة الحمد خاصة(8) ،

ص:160


1- (1) جامع الأصول 6-264.
2- (2) سورة الأعراف: 204.
3- (3) سنن ابن ماجة 1-276.
4- (4) وسائل الشیعة 5-424 ح 15.
5- (5) وسائل الشیعة 5-424 ح 14.
6- (6) وسائل الشیعة 5-423 ح 7.
7- (7) وسائل الشیعة 5-424 ح 11.
8- (8) المبسوط 1-158.

لقول الصادق علیه السلام: فإن لم تسمع فاقرأ(1). و هو یعطی استحباب القراءة فی الإخفاتیة.

و لا یستحب القراءة فی سکتات الإمام، لقول الصادق علیه السلام: لا ینبغی له أن یقرأ یکله إلی الإمام(2). و لو لم یقرأ مطلقا صحت صلاته، لقوله علیه السلام: من کان له إمام فقراءته له قراءة(3).

و لو کان الإمام ممن لا یرتضی به وجبت القراءة، فإن کانت جهریة جاز أن یخافت للضرورة، و قول الصادق علیه السلام: یجزیک إذا کنت معهم من القراءة مثل حدیث النفس(4). فإن لم یتمکن من السورة الأخری، فالأقوی الاجتزاء بالفاتحة. و لا یجب إعادة الصلاة و إن کان فی الوقت. و لو عجز عن إکمال الفاتحة، فالوجه إعادة الصلاة.

و لو فرغ المأموم من القراءة قبل الإمام، استحب له أن یسبح، تحصیلا لفضیلة الذکر، و لئلا یقف صامتا، و لقول الصادق علیه السلام: أمسک آیة و مجد اللّه و أثن علیه، فإذا فرغ فاقرأ الآیة و ارکع(5).

إذا ثبت هذا فإنه یستحب أن یمسک عن قراءة آخر الآیات من السورة، فإذا فرغ الإمام قرأ هو تلک الآیة لیرکع عن قراءة. و الظاهر أن ذلک فی الصلوات السریة، لأن الإنصات فی الجهریة أفضل، أو أن یکون الإمام ممن لا یقتدی به.

الثامن: یستحب للإمام أن یسمع من خلفه القراءة و التشهد و ذکر الرکوع و السجود، لقول الصادق علیه السلام: ینبغی للإمام أن یسمع من خلفه کلما یقول، و لا ینبغی لمن خلفه أن یسمعه شیئا مما یقول(6).

ص:161


1- (1) وسائل الشیعة 5-422 ح 1 و 5.
2- (2) وسائل الشیعة 5-423 ح 8.
3- (3) سنن ابن ماجة 1-277 الرقم 850.
4- (4) وسائل الشیعة 5-428 ح 4.
5- (5) وسائل الشیعة 5-432 ح 1.
6- (6) وسائل الشیعة 5-452 ح 3.

التاسع: ینبغی للإمام أن لا یبرح من مکانه حتی یتم المسبوق ما فاته، لأن إسماعیل بن عبد الخالق سمعه یقول: لا ینبغی للإمام أن یقوم إذا صلی حتی یقضی کل من خلفه ما فاته من الصلاة(1).

العاشر: یکره التنفل بعد الإقامة، لأنه وقت القیام إلی الفریضة، فلا یشتغل بغیرها.

ص:162


1- (1) وسائل الشیعة 5-451 ب 51.

الفصل الثانی (فی صلاة السفر)

اشارة

و فیه مطالب:

المطلب الأول (القصر و محله)

القصر جائز فی الصلاة الرباعیة بإجماع العلماء، و الأصل فیه الآیة [1]، و فعل النبی صلی اللّه علیه و آله حیث قصر فی أسفاره حاجا و غازیا، حتی أن جاحده کافر، لأنه جحد ما علم ثبوته من الدین ضرورة.

و محله الصلاة و الصوم، أما الصلاة ففی الفرائض الرباعیة منها خاصة، و هی الظهر و العصر و العشاء، و فی النوافل نوافل الظهرین و الوتیرة بشرط الأداء فی السفر. فلا قصر فی الغداة و المغرب بالإجماع.

و القصر فی الرباعیة بحذف الشطر الأخیر، فیقتصر علی الأولتین منها، و لا یجوز الاقتصار علی أقل منها فی سفر خوف و أمن، لأن أسفار النبی صلی اللّه علیه و آله قد کانت مع الخوف و لم ینقص عن رکعتین.

و لا قصر فی القضاء إذا فات فی الحضر، و إن کان حال القضاء مسافرا أو حاضرا و قد تخلل السفر بینهما، لانتفاء العذر وقت استقرارها.

ص:163

و لو ترکها فی السفر ثم ذکرها فی السفر، قضاها قصرا، لوجود العذر حالة الوجوب، و إن تخلل الحضر بینهما. و لو ذکرها فی الحضر، قضاها قصرا، لأن القضاء یعتبر بالأداء، و إنما یقضی ما فاته و الفائت رکعتان. و قال علیه السلام: من فاتته صلاة فریضة فلیقضها کما فاتته(1).

و لو تردد فی أنها فائتة فی الحضر أو السفر، فالوجه وجوب صلاتی تمام و قصر، و یحتمل الأول خاصة و الثانی خاصة، لأصالة البراءة عن الزائدة علی الواحدة و علی الرکعتین، و أصالة الحضر و توقف یقین البراءة علی الجمع.

المطلب الثانی (فی تجدد السفر علی الحضر و بالعکس)

لو سافر بعد دخول الوقت و مضی وقت الطهارة و الصلاة، فالأقرب وجوب الإتمام، لأن الصلاة تجب بأول الوقت و قد أدرک وقت الوجوب، فلزمه التمام کالحائض و المغمی علیه، و قول الصادق علیه السلام: لبشیر النبال و قد خرج معه حتی أتینا الشجرة: یا نبال قلت: لبیک، قال: إنه لم یجب علی أحد من أهل هذا العسکر أن یصلی أربعا غیری و غیرک، و ذلک لأنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج(2).

و للشیخ قول بجواز القصر، لکن یستحب التمام، لعموم الآیة، و لأنه مسافر قبل خروج الوقت، فأشبه ما لو سافر قبل الوجوب، و لأنه مؤد للصلاة، فوجب أن یؤدیها بحکم وقت فعلها، و لأن الاستقرار إنما یکون بآخر الوقت، و لهذا لا یعصی لو مات و قد أخر الصلاة. بخلاف الحائض، فإنه مانع من الصلاة، فإذا طرأ الحیض وقت الإمکان فی حقها فی ذلک القدر، فکأنها أدرکت جمیع الوقت، بخلاف المسافر فإنه غیر مانع، و لأن الحیض لو أثر لأثر فی إسقاط الصلاة بالکلیة.

ص:164


1- (1) عوالی اللئالی 3-107.
2- (2) وسائل الشیعة 5-537 ح 10.

و القول بالسقوط مع إدراک وقت الوجوب بعید. و السفر یؤثر فی کیفیة الأداء فی أصل الفعل، فأشبه ما لو أدرک العبد من الوقت قدر ما یصلی فیه الظهر، ثم عتق فلزمه الجمعة دون الظهر.

و لأن الصادق علیه السلام سأله إسماعیل بن جابر یدخل وقت الصلاة و أنا فی أهلی أرید السفر فلا أصلی حتی أخرج قال: صل و قصر، فإن لم تفعل فقد و اللّه خالفت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله(1). و یمکن حملها علی ما لو خرج فی ابتداء الوقت.

و لو دخل الوقت و هو فی السفر، ثم حضر قبل خروجه و قبل صلاته، فالأقرب وجوب الإتمام، لانتفاء سبب الترخص، و لقول الصادق علیه السلام حیث سأله إسماعیل بن جابر یدخل علی وقت الصلاة و أنا فی السفر، فلا أصلی حتی أدخل أهلی أصلی و أتم(2). قال الشیخ: و لو بقی ما یقصر عن التمام صلی قصرا و إلا أتم(3).

و لو سافر و قد بقی من الوقت مقدار رکعة أو رکعتین، قال الشیخ: فیه خلاف بین أصحابنا(4) ، فمن قال الأداء یحصل بإدراک رکعة وجب القصر، لإدراک الوقت مسافرا، و إن قلنا إن بعضها قضاء و البعض أداء لم یجز القصر، لأنه غیر مؤد لجمیع الصلاة فی الوقت.

و لو سافر و قد بقی من الوقت أقل من رکعة، وجب القضاء تماما إجماعا، لفواتها حضرا.

و لو سافر و حضر قبل الصلاة بعد دخول وقتها، ثم فاتته، قضاها تماما علی ما اخترناه من وجوب الإتمام فی الموضعین، لأن القضاء تابع للأداء. و من اعتبر حال الوجوب، وجب الإتمام فی الأولی و القصر فی الثانیة. و من اعتبر فی القضاء حال الفوات عکس، و بالأول روایة عن الباقر علیه السلام حیث سأله

ص:165


1- (1) وسائل الشیعة 5-535 ح 2 ذیل الحدیث.
2- (2) وسائل الشیعة 5-535 + 2 صدر الحدیث.
3- (3) الخلاف 1-225.
4- (4) الخلاف 1-225.

زرارة فی رجل دخل علیه وقت الصلاة فی السفر، فأخر الصلاة حتی قدم، فنسی حین قدم أهله أن یصلیها حتی ذهب وقتها: یصلیها صلاة المسافر، لأن الوقت دخل علیه و هو مسافر، کما ینبغی له أن یصلیها عند ذلک(1).

المطلب الثالث (فی وجوب القصر)

القصر عزیمة فی الصلاة و الصوم، واجب لا رخصة یجوز ترکه، فلو أتم عامدا عالما بوجوب القصر علیه، بطلت صلاته عند جمیع علمائنا، لقوله تعالی فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ (2) أوجب القصر فی الصوم بنفس السفر. و قصر الصلاة ملازم إجماعا.

و لم یزل علیه السلام مواظبا علی قصر الصلاة، و لو کان رخصة یجوز ترکها لعدل إلی الأصل لیعرف الأحکام. و سأل الحلبی الصادق علیه السلام قال: صلیت الظهر أربع رکعات و أنا فی السفر؟ قال: أعد(3) ، و لأن الأخیرتین یجوز ترکهما إلی غیر بدل، فلم تجز الزیادة علیهما کالصبح.

و لا یتغیر فرض المسافر بالایتمام بالمقیم عند علمائنا، فلو ائتم بمقیم صلی رکعتین و سلم و لم یجز له الایتمام، سواء أدرک أول الصلاة أو آخرها، لأن فرضه القصر، فلا یجوز له الزیادة. کما لو صلی الفجر خلف من یصلی الظهر، و لقول الصادق علیه السلام فی المسافر یصلی خلف المقیم رکعتین و یمضی حیث شاء(4).

و لو ائتم المقیم بالمسافر و سلم الإمام فی رکعتیه، أتم المقیم إجماعا. و لو أتم المسافر عمدا، بطلت صلاته للزیادة، و صلاة المأمومین المقیمین، للمتابعة فی صلاة باطلة.

ص:166


1- (1) وسائل الشیعة 5-535 ح 3.
2- (2) سورة البقرة: 185.
3- (3) وسائل الشیعة 5-531 ح 6.
4- (4) وسائل الشیعة 5-403 ح 2.

و لو أم المسافر المسافرین فأتم ناسیا فإن کان الوقت باقیا أعاد، و إلا صحت صلاتهم و لو ذکر الإمام بعد قیامه إلی الثالثة، جلس واجبا و حرم علیه الإتمام. و لو علم المأموم أن قیامه لسهو، لم یتابعه و سبّح به، فإن لم یرجع فارقه، فإن تابعه بطلت صلاته للزیادة، و لا تبطل صلاة الإمام إن کان آخر الوقت.

و إذا دخل المسافر بلدا و أدرک الجمعة، فأحرم خلف الإمام ینوی قصر الظهر لم یجز، لوجوب الجمعة علیه بالحضور.

و القصر فی الصلاة إنما هو فی عدد الرکعات لا فی غیره، و هو واجب علی ما تقدم فی کل سفر جمع الشرائط الآتیة، إلا فی أربعة مواطن: مسجد مکة، و مسجد النبی صلی اللّه علیه و آله و سلم بالمدینة، و جامع الکوفة، و الحائر علی ساکنه السلام علی الأقوی، فإن الإتمام فی هذه المواضع أفضل و إن جاز القصر، لقول الصادق علیه السلام: تتم الصلاة فی المسجد الحرام، و مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله، و مسجد الکوفة، و حرم الحسین علیه السلام(1).

و هل یستحب الإتمام فی جمیع مکة و المدینة ؟ قال الشیخ: نعم، لدلالة الروایة علیه، و منع قوم، و عمم المرتضی استحباب الإتمام عند قبر کل إمام.

و المراد بالحائر ما دار سور المشهد علیه دون سور البلد.

و لو فاتت هذه الصلاة، احتمل وجوب القصر مطلقا، لفوات محل الفضیلة و هو الأداء، و وجوب القصر إن قضاها فی غیرها، لفوات محل المزیة و هو المکان. و التخییر إن قضاها فیها، لأن القضاء تابع للأداء مطلقا، لأن الأداء کذلک.

و یستحب أن یقول المسافر عقیب کل صلاة: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أکبر» ثلاثین مرة، فإن ذلک جبران لصلاته علی ما روی.

ص:167


1- (1) وسائل الشیعة 5-546 ح 14.

و لأنها تقع بدلا عن الرکعات فی شدة الخوف. و یحتمل الاختصاص بالمقصورة:

لقول العسکری علیه السلام: یجب علی المسافر أن یقول فی دبر کل صلاة یقصر فیها: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أکبر» ثلاثین مرة لتمام الصلاة(1). و المراد بالوجوب شدة الاستحباب.

و لو سافر بعد الزوال قبل التنفل، استحب له قضاء النافلة و لو فی السفر، لحصول السبب و هو الوقت.

المطلب الرابع (فی الشرائط)
اشارة

و هی خمسة: الأول قصد المسافة. الثانی الضرب فی الأرض. الثالث استمرار القصد. الرابع عدم زیادة السفر علی الحضر. الخامس: إباحة السفر.

البحث الأول (قصد المسافة)

قصد المسافة شرط فی القصر، فالهائم الذی لا یدری أین یتوجه و هو راکب التعاسیف و إن طال سفره - لا یجوز له القصر. بل لا بد من ربط القصد بمقصد معلوم، لأن مطلق السفر غیر کاف، بل لا بد من طوله، و هذا لا یدری أن سفره طویل أو لا.

و لو استقبلته بریة و اضطر إلی قطعها، أو ربط قصده بمقصد معلوم بعد ما هام علی وجهه أیاما، فهو منشئ للسفر من حینئذ. و کذا طالب الآبق إذا قصد الرجوع أین لقیه.

و المسافة شرط فی القصر، فلا یجوز فی قلیل السفر إجماعا، لقوله علیه

ص:168


1- (1) وسائل الشیعة 5-542 ح 1.

السلام: یا أهل مکة لا تقصروا فی أدنی من أربعة برد من مکة إلی عسفان(1). و قال الصادق علیه السلام: القصر فی الصلاة برید فی برید أربعة و عشرون میلا(2). و لأن سبب الرخصة المشقة، و لا مشقة مع القلة.

و حد المسافة: ثمانیة فراسخ، فلو قصد الأقل لم یجز القصر، و لا تحتسب مسافة الإیاب فی الحد، إلا أن یقصد الرجوع لیومه، لأن سماعة سأله عن المسافر فی کم یقصر الصلاة ؟ فقال: فی مسیرة یوم، و ذلک بریدان ثمانیة فراسخ(3). و سئل الصادق علیه السلام عن القصر قال: فی بریدین، أو بیاض یوم(4).

و لو کانت المسافة أربعة فراسخ و قصد الرجوع لیومه، وجب القصر أیضا ذاهبا و جائیا، لأنه قد شغل یومه بالسفر، فحصلت المشقة المنتجة للقصر.

و لقول الباقر علیه السلام: إذا ذهب بریدا و رجع بریدا فقد شغل یومه(5).

و لو کانت المسافة ثلاثة فراسخ، فقصد التردد ثلاثا لم یقصر، لأنه بالرجوع انقطع سفره، و إن کان فی رجوعه لم ینته إلی سماع الأذان و مشاهدة الجدران.

و الفرسخ: ثلاثة أمیال إجماعا، و المیل الهاشمی منسوب إلی هاشم جد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أربعة آلاف خطوة و اثنی عشر ألف قدم، لأن کل خطوة ثلاثة أقدام، و هو أیضا أربعة آلاف ذراع لأن المسافة تعتبر بمسیر الیوم للإبل السیر العام، و هو یناسب ما قلناه، و هو قدر مدّ البصر من الأرض.

و لو لم یعلم المسافة و شهد عدلان، وجب القصر.

و لو شک و لا بینة، وجب التمام لأصالته، فلا یعدل عنه إلا مع

ص:169


1- (1) جامع الأصول 6-445.
2- (2) وسائل الشیعة 5-491 ح 3.
3- (3) وسائل الشیعة 5-492 ح 8.
4- (4) وسائل الشیعة 5-492 ح 11.
5- (5) وسائل الشیعة 5-496 ح 9.

الیقین. و کذا لو اختلف المخبرون، بحیث لا ترجیح. و لو تعارضت البینات وجب القصر، ترجیحا لشهادة الإثبات.

و هذا التقدیر تحقیق لا تقریب، فلو نقصت المسافة شیئا قلیلا لم یجز قصر، لأنه ثبت بالنص لا بالاجتهاد. و لا اعتبار بتقدیر الزمان، فلو قطع المسافة فی أیام متعددة، وجب القصر فی الجمیع، و کذا لو قطعها فی بعض یوم.

و لا فرق بین البر و البحر فی ذلک، فلو سافر فی البحر و بلغت المسافة فله القصر، و إن قطع المسافة فی أقل زمان، لأن المعتبر المسافة. و اعتبار المسافة من حد الجدران دون البساتین و المزارع.

و لو کان لبلد طریقان، أحدهما مسافة دون الآخر، فسلک الأقصر لم یجز القصر، سواء علم أنه القصیر أو لا، لانتفاء المسافة فیه. و إن سلک الأبعد وجب القصر، سواء قصد الترخص أو غیره من الأغراض لوجود المقتضی.

و إذا سلک الأبعد، قصر فی طریقه و فی البلد و فی الرجوع، و إن کان بالأقرب، لأنه مسافة و لا یخرج عن حکم السفر إلا بالوصول إلی بلده.

و لو سلک فی مقصده الأقصر، أتم فی الطریق و فی البلد، فإذا رجع فإن کان فیه أتم فی رجوعه أیضا. و إن رجع بالأبعد قصر فی رجوعه لوجود المقتضی. و لا یقصر فی البلد حال قصد الرجوع بالأبعد، لأن القصد الثانی لا حکم له قبل الشروع فیه.

و طالب الآبق و الهائم إذا رجعا إلی بلادهما، فإن کان بین قصد الرجوع و بین البلد مسافة، قصرا حین الارتحال، لأنهما قد أنشئا السفر، و إلا فلا.

و لو بلغه أن عبده فی بلد، فقصده بنیة أنه إن وجده فی الطریق رجع، لم یکن له الترخص، لعدم جزم السفر. و لو جزم علی قصد البلدة، ثم عزم فی الطریق علی الرجوع إن وجده، قصر إلی وقت تغیر نیته و بعده، إن کان قد قطع مسافة و بقی علی التقصیر، و إلا أتم.

ص:170

و الأسیر فی أیدی المشرکین، أو فی ید الظالم، إن عرف مقصدهم و قصده ترخص، و إن عزم علی الهرب متی قدر علی التخلص لم یترخص. و لو لم یعرف القصد، لم یترخص فی الحال، لعدم علمه بالمسافة، فإن ساروا به المسافة، لم یقصر أیضا إلا فی الرجوع.

و لو سافر بعبده أو ولده أو زوجته أو غلامه، فإن عرفوا المقصد و قصدوا السفر ترخصوا. و لو عزم العبد علی الرجوع متی أعتقه مولاه، و الزوجة متی طلقها، أو علی الرجوع و إن کان علی سبیل التحریم کالإباق و النشوز، لم یترخصوا لعدم القصد، و إن کان ترک القصد حراما.

و لو لم یعلموا المقصد، لم یترخصوا، لانتفاء اختیارهم، و إنما سفرهم بسفر غیرهم و لا یعرفون مقصدهم. و لو نووا مسافة القصر، فلا عبرة بنیة العبد و المرأة، و یعتبر نیة الغلام، فإنه لیس تحت ید الأمیر.

و منتظر الرفقة إذا غاب عنه الجدران و الأذان، یقصر إن عزم علی السفر، و إن لم تحصل الرفقة إلی شهر، و إن تردد فی السفر إن لم تحصل الرفقة، لم یقصر، إلا أن یکون قد قطع مسافة فیقصر إلی شهر.

و لو قصد ما دون المسافة فقطعه، ثم قصد ما دون المسافة فقطعه، و هکذا دائما، لم یقصر و إن تجاوز مسافة القصر. و کذا لو خرج غیر ناو مسافة، لم یقصر و إن قطع أزید من المسافة. نعم لو رجع قصر مع بلوغ المسافة، لوجود قصد المسافة. و سأل صفوان الرضا علیه السلام عن الرجل یرید أن یلحق رجلا علی رأس میل، فلم یزل یتبعه حتی بلغ النهروان ؟ قال: لا یقصر و لا یفطر، لأنه لم یرد السفر ثمانیة فراسخ، و إنما خرج لیلحق بأخیه فتمادی به السیر(1).

و لو قصد ما دون المسافة أولا، ثم قصد المسافة ثانیا، قصر حینئذ لا قبله.

ص:171


1- (1) وسائل الشیعة 5-503 ح 1.

و لا یجب القصر هنا بنفس القصد و لا بغیبوبة الجدران و خفاء الأذان، بل بنفس الشروع و إن شاهد الجدران أو سمع الأذان، لو کان عند تغیر المقصد [1].

البحث الثانی (الضرب فی الأرض)

و لا یکفی فی القصر قصد المسافة دون الضرب فی الأرض إجماعا لأنه الشرط، لقوله تعالی «وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ» (1) فإن مجرد النیة لا تجعله مسافرا، و لکنه تعالی ربط القصر بالضرب فی الأرض لا بقصده.

بخلاف ما لو نوی المسافر الإقامة فی موضع، فإنه یصیر مقیما، لأن الأصل الإقامة و السفر عارض، فیجوز العود إلی الأصل بمجرد القصد. و لا یکفی فی العود من الأصل إلی العارض، کمال القنیة لا یصیر مال تجارة بالنیة، و مال التجارة تصیر مال قنیة بها.

و لا یشترط انتهاء المسافة إجماعا، لتعلق القصر بالضرب، و هو یصدق فی أوله. و لا اختلاف الوقت إجماعا، فلو خرج نهارا قصر و إن لم یدخل اللیل و بالعکس، لوجود الشرط بدونه.

بل الشرط فی إباحة القصر فی الصلاة و الصوم غیبوبة جدران البلد و خفاء أذانه، لأن القصر مشروط بالسفر، و لا یتحقق فی بلده و لا مع مشاهدة الجدران، فلا بد من تباعد یطلق علی من بلغه اسم السفر.

و لا حد بعد مفارقة المنازل سواه، و لأنه علیه السلام کان یقصر علی فرسخ من المدینة(2). و قال الصادق علیه السلام: إذا کنت فی الموضع الذی لا تسمع فیه الأذان فقصر(3).

ص:172


1- (1) سورة النساء: 101.
2- (2) جامع الأصول 6-445.
3- (3) وسائل الشیعة 5-506 ح 3.

و کما أن مبدأ القصر ذلک، فکذا هو منتهاه، فلا یزال مقصرا إلی أن یشاهد الجدران أو یسمع الأذان، لقول الصادق علیه السلام: إذا کنت فی الموضع الذی لا تسمع فیه الأذان فقصر، و إذا قدمت من سفرک فمثل ذلک(1).

و لا عبرة بأعلام البلدان، کالمنابر و القباب المرتفعة عن اعتدال البنیان، إحالة للمطلق فی اللفظ علی المتعارف. و الاعتبار بمشاهدة صحیح الحاسة، و سماع صحیح السمع، دون بالغ النهایة فیهما، و فاقد کمال إحداهما.

و لا عبرة بالبساتین و المزارع، فیجوز القصر قبل مفارقتها مع خفاء الجدران و الأذان، لأنها لم تبن للسکنی. و لا فرق بین أن تکون محوطة أو لا، إلا أن تکون فیها دور و قصور للسکنی، فی طوال السنة أو فی بعض فصولها، و لا فرق بین البلد و القریة فی ذلک.

و لو کان لبلده سور، فلا بد من خفائه و إن کان داخله مزارع أو مواضع خربة، لأن جمیع ما فی داخل السور معدود من نفس البلد و محسوب من موضع الإقامة. و لو کان خارج السور دور متلاصقة، لم یعتد بها لصدق هذه الدور خارج البلد. و لو جمع سور قری متفاصلة، لم یشترط فی المسافر من إحداهما مجاوزة ذلک السور، بل خفاء جدار قریته و أذانها، إلا أن یشملها مع الباقی اسم البلدة.

و الخراب الذی بین العمارات معدود من البلد، کالنهر الحائل بین جانبی البلد، فلا یترخص بالعبور من أحد الجانبین إلی الآخر. و لو کانت البلدة خربة لا عمارة فرآها، لم یعتد به، لأن الخراب لیس موضع إقامة.

و لو سکن فی الصحراء أو واد، لم یشترط قطعه، بل خفاء الأذان.

و لو کانت البلدة علی موضع مرتفع، اشترط خفاء الآذان دون خفاء الجدران، و کذا لو کانت فی موضع منخفض أو کان ساکنا فی الخیام، و یحتمل خفاء الجدران المقدر.

ص:173


1- (1) نفس المصدر.

و لو اتصل بناء إحدی القریتین بالأخری، فسافر من إحداهما علی طریقه الأخری، اشترط مفارقتهما معا، لصیرورتهما کقریة واحدة. و لو کان بینهما فصل، اعتبر مفارقة قریته خاصة.

و لو کانت الخیام متفرقة، فلا بد من مجاوزتها ما دامت تعد حلة [1] واحدة، و الخانان کالقریتین، و یعتبر مع مجاوزة الخیام مجاوزة مرافقها، کمطرح الرماد و ملعب الصبیان و النادی و معاطن الإبل، لأنها تعد من جملة مواضع إقامتهم.

و لو قصد المسافة و خرج، فمنع عن السفر بعد خفاء الجدران و الأذان، فإن بقی علی نیة السفر لو زال المانع، قصر إلی شهر. و لو غیر النیة أو تردد، أتم، لانتفاء الشرط و هو القصد.

و لو سافر فی المرکب فردته الریح بعد خفائهما حتی ظهر أحدهما، أتم لدخوله فی الحضر.

و لو أحرم فی السفینة قبل أن یسیر و هی فی الحضر، ثم سارت حتی خفی الأذان و الجدران، لم یجز له القصر، لأنه دخل فی الصلاة علی التمام.

و لو خرج من البلد إلی حیث یجوز له الترخص، فرجع إلیه لحاجة عرضت له، لم یترخص حال رجوعه و خروجه ثانیا من البلد، لخروجه عن اسم المسافر بعوده إلی بلده، فإذا وصل إلی حد الخفاء قصر. و لو کان غریبا، فله استدامة الترخص و إن دخل إلی البلد. و لو کان رجوعه بعد قطع المسافة، فإنه یقصر فی رجوعه و خروجه ثانیا.

البحث الثالث (استمرار القصد)

و استمرار قصد السفر شرط فی القصر، فلو قطع نیة السفر فی أثناء

ص:174

المسافة، أتم لخروجه عن حکم المسافر.

و لو قطع المسافة ثم غیر نیة السفر و عزم علی الرجوع، قصر.

و إن عزم علی المقام عشرة أیام، أتم. و إن ردد نیته، قصر ما بینه و بین ثلاثین یوما، ثم یتم بعد ذلک.

و تحمل نهایة السفر بأمور ثلاثة:

الأول: العود إلی الوطن، بأن یرجع إلی الموضع الذی یشترط مجاوزته فی ابتداء السفر، و فی معناه الوصول إلی المقصد الذی عزم علی الإقامة فیه إقامة تقطع الرخصة، أو إلی موضع له فیه ملک قد استوطنه ستة أشهر.

الثانی: نیة إقامة عشرة أیام فی أی موضع یراه، سواء صلح للإقامة فیه، کالعمران أو لا کالمفاوز.

الثالث: إقامة ثلاثین یوما علی التردد و سیأتی.

و یجب القصر ما دام مسافرا، و إن أقام فی أثناء المسافة، أو وصل إلی مقصد إذا لم یعزم للإقامة عشرة أیام، ما لم تزد إقامته علی ثلاثین یوما. فلو نوی إقامة عشرة أیام فیه، أو فی أثناء المسافة، وجب الإتمام.

و إن نوی أقل من عشرة، قصر، لقول علی علیه السلام: یتم الصلاة الذی یقیم عشرا، و یقصر الصلاة الذی یقول أخرج الیوم أخرج غدا شهرا(1).

و قول الباقر علیه السلام: إن دخلت أرضا و أیقنت أن لک بها مقام عشرة أیام فأتم الصلاة، و إن لم تدر مقامک فیها، تقول: غدا أخرج أو بعد غد، فقصر ما بینک و بین شهر(2).

و لا یکتفی بنیة إقامة ثلاثة غیر یومی الدخول و الخروج. و لا یشترط مقام خمسة عشر.

ص:175


1- (1) وسائل الشیعة 5-529 ح 20.
2- (2) وسائل الشیعة 5-526 ح 9.

و لو ردد نیته فیقول: الیوم أخرج غدا أخرج، قصر إلی ثلاثین یوما، ثم یتم بعد ذلک و لو صلاة واحدة للروایة(1).

و لا فرق بین المحارب و غیره فی وجوب الإتمام بعد شهر، و فی وجوب الإتمام لو نوی إقامة عشرة، لعموم الحدیث. و الأولی اعتبار الثلاثین، للتقدیر به فی بعض الروایات، قال الباقر علیه السلام: فإن لم یدر ما یقیم یوما أو أکثر فلیعد ثلاثین یوما ثم لیتم(2).

فلو کان الشهر هلالیا و أقام من أوله إلی آخره و نقص یوما، قصر علی هذه الروایة و للاستصحاب، و لأن الشهر کالمجمل و الثلاثین کالمبین، و علی روایة الشهر یتم.

و لو دخل بلدا فی طریقه، فقال: إن لقیت فلانا فیه أقمت عشرة، قصر إلی أن یلقاه، أو یمضی ثلاثون یوما، فإن لقیه حکم بإقامته ما لم یغیر النیة قبل أن یصلی تماما و لو فریضة واحدة.

و لو نوی أنه متی قضیت حاجته خرج، فإن عرف أن الحاجة لا تنقضی فی عشرة صار بحکم المقیم، و إلا قصر إلی شهر.

و لو نوی فی بعض المسافة إقامة عشرة أیام، انقطع سفره، فإذا خرج إلی نهایة السفر، فإن کان بین موضع الإقامة و النهایة مسافة، قصر، و إلا فلا.

و لو عزم فی ابتداء السفر علی الإقامة فی أثناء المسافة، فإن کانت بین الابتداء و موضع الإقامة مسافة قصر، و إلا فلا، و یتم مع نیة الإقامة عشرة، و إن بقی علی العزم علی السفر.

و لو کان له فی أثناء المسافة ملک قد استوطنه ستة أشهر، انقطع سفره بوصوله إلیه، و وجب علیه الإتمام، سواء عزم علی الإقامة فیه أو لا، لأنه مقیم فی بلده. و سأل محمد بن إسماعیل بن بزیع الرضا علیه السلام عن الرجل

ص:176


1- (1) وسائل الشیعة 5-527 ح 12.
2- (2) نفس المصدر.

یقصر فی ضیعته، قال: لا بأس ما لم ینو مقام عشرة أیام، إلا أن یکون له فیها منزل یستوطنه، فقلت: ما الاستیطان ؟ فقال: أن یکون له فیها منزل یقیم فیه ستة أشهر، فإذا کان کذلک یتم فیها متی یدخلها(1).

و لا یشترط توالی الأشهر، بل لو استوطنه ستة أشهر ملفقة وجب الإتمام، و لا استیطان الملک بل البلد الذی فیه الملک، و لا کون الملک صالحا للسکنی.

فلو کان له مزرعة أو نخل و استوطن ذلک البلد ستة أشهر أتم، لقول الصادق علیه السلام فی الرجل یخرج فی سفر فیمر بقریة له أو دار فینزل فیها، قال: یتم الصلاة، و لو لم یکن له إلا نخلة واحدة و لا یقصر و لیصم إذا حضره الصوم و هو فیها(2).

و لو انتقل الملک عنه، ساوی غیره من البلاد.

و یشترط ملک الرقبة، فلو استأجر أو استعار أو ارتهن لم یلحقه حکم المقیم، و إن تجاوزت مدة الإجارة عمره.

و لو غصب ملکه، لم یخرج عن حکم المقیم. و هل یعتبر مدة الغصب من الستة الأشهر؟ إشکال.

و لو کان بین منشإ سفره و الملک الذی قد استوطنه ستة أشهر، أو ما نوی فیه المقام عشرة أیام مسافة، قصر فی الطریق خاصة. و لو قصر عن المسافة، لم یقصر، و لا یضم ما قبله إلی ما بعده، لأن عبد الرحمن بن الحجاج سأل الصادق علیه السلام عن الرجل له الضیاع بعضها قریب من بعض، فیخرج فیطوف فیها، أ یتم أم یقصر؟ قال: یتم(3).

و کما تعتبر المسافة بین ابتداء السفر و موضع إقامته أو بلد استیطانه، کذا

ص:177


1- (1) وسائل الشیعة 5-522 ح 11.
2- (2) وسائل الشیعة 5-521 ح 5.
3- (3) وسائل الشیعة 5-525 ح 2.

تعتبر بینهما و بین مقصده، فإن کان مسافة قصر فی الطریق، و إن قصر أتم فیهما. و لو کان بین مبدإ السفر و بینهما [1] مسافة و قصر ما بینهما و بین المقصد عنها، قصر فی المسیر إلیهما دونهما، و دون المسافة بینهما و بین مقصده، و دون مقصده أیضا.

و لو انعکس الفرض، أتم فی مبدإ السفر و بینهما، و قصر فی السفر بینهما إلی مقصده و فی مقصده. و لو قصرا معا فلا قصر فی شیء من الجمیع، و إن زاد المجموع علی المسافة.

و لو تعددت المواطن، أو ما نوی الإقامة فیه عشرة، قصر بین کل موطن بینهما مسافة خاصة دون المواطن، و دون ما قصر عن المسافة.

و لو اتخذ الغریب بلدا دار إقامته و لم یکن له فیه ملک، کان حکمه حکم الملک. فلو اجتاز علیه وجب الإتمام فیه، ما لم یغیر نیة الإقامة المؤبدة فیه.

و لو اتخذ بلدین فما زاد موضع إقامته، کانا بحکم ملکه و إن لم یکن له فیهما ملک.

و لو نوی الإقامة فی بلد قبل وصوله إلیه عشرة أیام، و بینه و بین المبدإ مسافة، قصر فی الطریق إلی أن ینتهی إلی ذلک البلد، و یحتمل إلی أن ینتهی إلی مشاهدة الجدران أو سماع الأذان، لصیرورته بحکم بلده. و کذا یتم إذا خرج منه إلی أن یخفی علیه الأذان و الجدران، مع احتمال القصر من حین الخروج.

البحث الرابع (عدم زیادة السفر علی الحضر)

یشترط فی القصر أن لا یزید سفره علی حضره، کالمکاری و الملاح و الراعی و البدوی الذی یطلب القطر و النبت، و الذی یدور فی إمارته، و الذی

ص:178

یدور فی تجارته من سوق إلی سوق، و البرید. علی معنی أن أحد هؤلاء إذا حضر بلده، ثم سافر منه قبل إقامته عشرة أیام فیه، وجب علیه التمام.

فإن أقام عشرة ثم خرج، قصر فی خروجه، لقول الباقر علیه السلام:

سبعة لا یقصرون الصلاة: الجابی الذی یدور فی جبایته، و الأمیر الذی یدور فی إمارته، و التاجر الذی یدور فی تجارته من سوق إلی سوق، و الراعی، و البدوی الذی یطلب مواضع القطر و منبت الشجر، و الرجل الذی یطلب الصید یرید به لهو الدنیا، و المحارب الذی یقطع السبیل(1).

و إنما شرطنا العشرة، لانقطاع السفر بها، و لقول الصادق علیه السلام:

المکاری إن لم یستقر فی منزله إلا خمسة أیام، قصر فی سفره بالنهار و أتم باللیل، و علیه صوم شهر رمضان. و إن کان له مقام فی البلد الذی یذهب إلیه عشرة أیام أو أکثر، قصر فی سفره و أفطر(2).

و لو أقام أحدهم فی بلده خمسة أیام، فالأشهر وجوب الإتمام لیلا و نهارا.

و لو أقام فی غیر بلده عشرة، فإن نواها خرج مقصرا، و إلا فلا. و لا یشترط النیة فی إقامته فی بلده، بل نفس الإقامة.

و من کان منزله فی سفینة، لا یقصر، لأنه مقیم فی مسکنه، فأشبه النازل فی بلده. و المعتبر صدق اسم المکاری و الملاح و غیرهما، سواء صدق بأول مرة أو بأزید.

و هل یعتبر هذا الحکم فی غیرهم، حتی لو کان غیر هؤلاء یتردد فی السفر، یعتبر فیه ضابط الإقامة عشرة أو لا؟ إشکال، من حیث المشارکة فی المعنی، و الاقتصار علی مورد النص.

ص:179


1- (1) وسائل الشیعة 5-516 ح 9.
2- (2) وسائل الشیعة 5-519 ح 5.
البحث الخامس (فی إباحة السفر)

یشترط فی القصر إباحة السفر، فلا یترخص العاصی بسفره، کالآبق، و العاق، و الناشز، و الغریم مع القدرة علی الأداء، و قاطع الطریق، و طالب الزنا بامرأة، و طالب قتل من لا یستحق قتله، و تابع الجائر، و طالب الصید لهوا، و بطرا، و قاصد مال غیره، و الخارج علی إمام عادل، و الخارج إلی بلد لیعمل فیه المعاصی.

لقوله تعالی فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ (1) قال الصادق علیه السلام: الباغی باغی الصید لهوا، و العادی السارق، لیس لهما أن یأکلا المیتة إذا اضطر إلیها، هی حرام علیهما، لیس هی علیهما کما هی علی المسلمین، فلیس لهما أن یقصرا فی الصلاة(2).

و لأن الرخصة [1] ثبت تخفیفا و إعانة علی السفر، و لا سبیل إلی إعانة العاصی فیما هو عاص به.

و لا یشترط انتفاء المعصیة فی سفره، فلو کان یشرب الخمر فی طریقه و یزنی ترخص، إذ لا تعلق للمعصیة بما هو سبب الرخصة، فلا یمنع من السفر، و إنما یمنع من المعصیة. و لو کانت المعصیة جزءا من داعی السفر لم یترخص، کما لو کانت کل الداعی.

و لو أحدث نیة المعصیة بعد السفر مباحا، انقطع ترخصه، لأنها لو قارنت الابتداء لم تفد الرخصة، فإذا طرأت قطعت کنیة الإقامة.

و لو انعکس الفرض، فأنشأ السفر علی قصد معصیة، ثم تاب و بدل قصده من غیر تغییر صوب السفر به، ترخص حینئذ إن کان منه إلی مقصده مسافة القصر و إلا فلا.

ص:180


1- (1) سورة البقرة: 173.
2- (2) وسائل الشیعة 5-509.

و لو ابتدأ بسفر الطاعة، ثم عدل إلی قصد المعصیة، انقطع ترخصه حینئذ، فإن عاد إلی سفر الطاعة، عاد إلی الترخص إن کان الباقی مسافة، و إن لم یکن لکن بلغ المجموع من السابق و المتأخر مسافة، احتمل القصر، لوجود المقتضی، و هو قصد المسافة مع انتفاء مانعیة قصد المعصیة. و المنع اعتبارا بالباقی، کما لو قصد الإقامة فی أثناء المسافة.

و لا یترخص العاصی بسفره فی تناول المیتة عند الاضطرار، لما فیه من التخفیف علی العاصی، و هو متمکن من دفع الهلاک عن نفسه، بأن یتوب ثم یأکل، و یحتمل الجواز، لاشتماله علی إحیاء النفس المشرفة علی الهلاک، و لأن المقیم متمکن من تناول المیتة عند الاضطرار، فلیس ذلک من رخص السفر، فأشبه تناول الأطعمة المباحة لما لم یکن من خصائص السفر، لم یمنع منه العاصی بسفره، و الأشهر الأول.

و لو عدم الماء فی سفر المعصیة، وجب التیمم، و لم یجز له ترک الصلاة، و الأقرب عدم وجوب الإعادة، لاقتضاء الأمر الإجزاء.

و لو وثب من بناء عال أو من جبل متلاعبا، فانکسرت رجله، صلی قاعدا و لا إعادة، لأن ابتداء الفعل باختیاره دون دوام العجز.

و السفر لزیارة القبور و المشاهد یوجب الرخص، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کان یأتی قبا راکبا و ماشیا و یزور القبور، و قال: زوروها تذکرکم الآخرة(1).

و لو سافر للتنزه و التفرج، فالأقرب الترخص لإباحته، أما اللاهی بسفره کطالب الصید لهوا و بطرا، فإنه لا یقصر، لأن زرارة سأل الباقر علیه السلام عمن یخرج من أهله بالصقورة و الکلاب یتنزه اللیلة و اللیلتین و الثلاث هل یقصر من صلاته أم لا؟ فقال: لا یقصر إنما خرج فی لهو(2). و لأن اللهو حرام فالسفر له معصیة.

ص:181


1- (1) سنن ابن ماجة 1-500 الرقم 1569.
2- (2) وسائل الشیعة 5-511 ح 1.

و لو کان الصید لقوته و قوت عیاله، وجب القصر فی الصلاة و الصوم إجماعا، لقول الصادق علیه السلام: إن خرج لقوته و قوت عیاله، فلیفطر و لیقصر، و إن خرج لطلب الفضول فلا و لا کرامة(1).

و لو کان الصید للتجارة، فکذلک علی الأقوی لإباحته. و قول الشیخ:

یقصر فی الصلاة دون الصوم، لیس بمعتمد، لقول الصادق علیه السلام: إذا قصرت أفطرت، و إذا أفطرت قصرت(2).

و لو قصد مسافة، ثم عدل فی أثنائها إلی الصید لهوا، أتم عند عدوله و قصر عند عوده.

و سالک الطریق المخوف اختیارا مع عدم التحرز عاص، لیس له الترخص.

المطلب الخامس (فیما ظن أنه شرط و لیس کذلک)

و هو أمور خمسة:

الأول: لا یشترط فی القصر وجوب السفر عند علمائنا، لأنه تعالی علق القصر علی الضرب فی الأرض.

الثانی: لا یشترط کون السفر طاعة، فیجب الترخص فی المباح، لما تقدم.

الثالث: لا یشترط الخوف، بل یجب القصر فی سفر الأمن، لقول یعلی بن أمیة لعمر: ما بالنا نقصر و قد آمنا؟ فقال عمر: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله. فقال: صدقة تصدق اللّه بها علیکم فاقبلوا صدقته(3). و سافر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بین مکة و المدینة

ص:182


1- (1) وسائل الشیعة 5-512 ح 5.
2- (2) وسائل الشیعة 7-130 ح 1.
3- (3) سنن ابن ماجة 1-339 الرقم 1065.

آمنا لا یخاف إلا اللّه تعالی و صلی رکعتین(1).

الرابع: نیة القصر لیست شرطا فیه، فلو صلی و لم ینو القصر وجب.

و کذا لو نوی الإتمام، لأن المقتضی لوجوب الإتمام و القصر لیس هو القصد التابع لحکمه تعالی بل حکمه تعالی، فلا یتغیر الفرض بتغیر النیة، بل لو نوی المخالف، لم یجز و وجب ما حکم به تعالی.

و لو نوی الإتمام فی المواطن الأربعة التی تستحب فیها الإتمام لم یجز. و کذا لو نوی القصر، بل یبقی علی التخییر عملا بالاستصحاب.

و لو کان فی الصلاة فشک هل نوی الإقامة أم لا؟ لزمه القصر عملا بالاستصحاب.

و لو وصل إلی بلده فی السفینة، فشک هل هی بلدة إقامته ؟ فالأقرب وجوب القصر، للاستصحاب، مع احتمال الإتمام، لوقوع الشک فی سبب الرخصة.

و لو صلی أربعا سهوا، ثم عزم علی إقامة عشرة قبل التسلیم، احتمل أن یقوم فیصلی رکعتین غیرهما، لأنه ساه فی فعلهما، فلا یحتسب به عن الفرض. و لو قصد الإتمام ساهیا، أعاد فی الوقت خاصة.

الخامس: لا یشترط فی القصر عدم الایتمام بالمقیم، فلو ائتم مسافر بمقیم قصر المسافر، و قد تقدم.

المطلب السادس (فی بقایا مباحث هذا الباب)

و هی:

الأول: الواجب علی المسافر القصر عندنا، فلو أتم عامدا أعاد فی الوقت

ص:183


1- (1) جامع الأصول 6-445.

و خارجه، سواء قعد قدر التشهد أو لا، لأن الزیادة فی الفریضة عمدا مبطلة(1). و قول ابن عباس: من صلی أربعا کمن صلی فی الحضر رکعتین.

و سئل الصادق علیه السلام صلیت الظهر أربع رکعات و أنا فی السفر؟ قال:

أعد(2).

و لو أتم جاهلا بوجوب القصر، لم یعد مطلقا عند أکثر علمائنا، لقوله علیه السلام: الناس فی سعة ما لم یعلموا. و قول الباقر علیه السلام: إن کان قد قرأت علیه آیة التقصیر و فسرت له أعاد، و إن لم یکن قرأت علیه، و لم یعلمها لم یعد(3).

و إن أتم ساهیا، أعاد فی الوقت لا خارجه، لأنه لم یفعل المأمور به علی وجهه، فیبقی علی عهدة التکلیف، و بعد الوقت یکون قضاء، و الأصل عدمه. و قول الصادق علیه السلام فی الرجل ینسی فیصلی فی السفر أربع رکعات إن ذکر فی ذلک الیوم فلیعد، و إن لم یذکر حتی مضی ذلک الیوم فلا إعادة(4).

الثانی: لو قصر المسافر اتفاقا من غیر علم بوجوبه، أو جهل المسافة فاتفق الإصابة، لم یجزیه الصلاة، لأن القصر إنما یجوز مع علم السبب أو ظنه، فالدخول الذی فعله منهی عنه فی ظنه، فلا یقع مجزیا.

و لو ظن المسافة فأتم، ثم علم القصور، احتمل الإجزاء للموافقة، و لرجوعه إلی الأصل، و عدمه لإقدامه علی عبادة یعتقد فسادها، فلا تقع مجزیة عنه.

الثالث: الشرائط فی قصر الصلاة و الصوم واحدة إجماعا، و کذا الحکم

ص:184


1- (1) سنن أبی داود 2-3.
2- (2) وسائل الشیعة 5-531 ح 6.
3- (3) وسائل الشیعة 5-531 ح 4.
4- (4) وسائل الشیعة 5-530 ح 2.

علی الأقوی، لقول الصادق علیه السلام: إذا قصرت أفطرت، و إذا أفطرت قصرت(1).

الرابع: إذا نوی المسافر إقامة عشرة فی بلد، أتم علی ما تقدم. فإن رجع عن نیته، قصر ما لم یصل تماما و لو صلاة واحدة. فلو صلی صلاة تمام و لو کانت واحدة أتم، لأن مجرد النیة غیر کاف فی الإقامة، فإذا صلی علی التمام، فقد ظهر حکم الإقامة فعلا، فانقطع السفر بالنیة و الفعل، ثم لا یصیر مسافرا بالنیة، بل بالضرب فی الأرض.

و لو لم یصل صلاة واحدة علی التمام، کان سفره باقیا، و لقول الصادق علیه السلام لما سأله أبو ولاد کنت نویت الإقامة بالمدینة عشرة أیام ثم بدا لی بعدها فما تری ؟ إن کنت صلیت بها صلاة فریضة واحدة بتمام، فلیس لک أن تقصر حتی تخرج منها، و إن کنت دخلتها و علی نیتک التمام فلم تصل فیها فریضة واحدة بتمام حتی بدا لک، فأنت فی تلک الحال بالخیار، إن شئت فانو المقام عشرا و أتم، و إن لم تنو المقام فقصر ما بینک و بین شهر، فإذا مضی شهر فأتم الصلاة(2).

و لو رجع عن نیة الإقامة فی أثناء الصلاة، فالأقرب أنه إن تجاوز فی صلاته فرض القصر، بأن رکع فی الثالثة وجب الإتمام، و إلا جاز القصر، لأن المناط فی وجوب الإتمام صلاة تامة و لم توجد فی الأثناء.

و لو رجع عن نیة الإقامة بعد خروج وقت الصلاة و لم یصل، فإن کان الترک لعذر مسقط، صح الرجوع و وجب القصر، و إن لم یکن لعذر مسقط، لم یصح و وجب الإتمام إلی أن یخرج علی إشکال.

و لو نوی الإقامة فشرع فی الصوم، فالوجه أنه کصلاة الإتمام. لأنه أحد العبادتین المشروطتین بالإقامة، فقد وجدت النیة و أثرها، فأشبه العبادة

ص:185


1- (1) وسائل الشیعة 7-130 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 5-532 ح 1.

الأخری. و یحتمل صحة الرجوع، لعدم المناط و هو الصلاة التامة. و إذا جعلنا الصوم ملزما للإقامة، فإنما هو الصوم الواجب المشروط بالحضر، أو النافلة إن شرطنا فی صحتها الإقامة.

و لو شرع فی نوافل النهار، فالأقرب أنه کالفرض.

الخامس: لو أحرم بنیة القصر، ثم نوی فی الأثناء المقام عشرة أیام، أتم الصلاة تماما، لوجود نیة الإقامة المنافیة لنیة السفر.

و إذا دخل بنیة القصر، ثم نوی الإتمام، لم یجز له الإتمام عندنا، لأنه غیر فرضه إلا أن ینوی المقام عشرا.

السادس: لو أراد السفر إلی بلد ثم إلی آخر بعده، فإن کان الأول مما یقصر فی مثله قصر، و إلا فلا إن نوی الإقامة فی الأقرب عشرة، و إلا قصر إن بلغ المجموع المسافة، و لو دخل الأقرب و أراد الخروج إلی الآخر، اعتبرت المسافة إلیه.

و لو قصد بلدا، ثم قصد أن یدخل فی طریقه إلی بلد آخر یقیم فیه أقل من عشرة، لم یقطع ذلک سفره، و اعتبرت المسافة من البلد الذی أنشأ منه السفر إلی البلد الذی قصده.

و لو خرج إلی الأبعد، فخاف فی طریقه، فأقام یطلب الرفقة أو لیرتاد الخبر، ثم طلب غیر الأبعد الذی قصده أولا جعل مبتدئا للسفر من موضع إقامته لارتیاد الخبر، لأنه قطع النیة الأولی. و لو لم یبد له لکن أقام أقل من عشرة، قصر.

السابع: لو فارق البلد إلی حیث غاب الأذان و الجدران، ثم عاد إلی البلد لحاجة عرضت له، لم یترخص فی رجوعه و خروجه ثانیا، إلی أن یغیب عنه الأذان و الجدران، إلا أن یکون غریبا عن البلد، أو قد بلغ سیره الأول مسافة، فله استدامة الترخص، و إن کان قد أقام أکثر من عشرة فی بلد الغربة.

ص:186

الثامن: لو عزم علی إقامة عشرة فی غیر بلده، ثم خرج إلی ما دون المسافة عازما علی العود و الإقامة، أتم ذاهبا و عائدا و فی البلد. و إن لم یعزم علی الإقامة بعد العود، فالأقوی التقصیر.

التاسع: لو قصر فی ابتداء السفر، ثم رجع عن نیة السفر، لم یجب علیه الإعادة، لأنها وقعت مشروعة، و لا فرق بین بقاء الوقت و خروجه.

العاشر: لا یفتقر القصر إلی نیة، بل یکفی نیة فرض الوقت.

الحادی عشر: لو خرج إلی البلد و المسافة طویلة، ثم بدا له فی أثناء السفر أن یرجع، فقد انقطع سفره بهذا القصد، و لم یکن له أن یقصر ما دام فی ذلک الموضع، إلا أن یکون علی حد المسافة بینه و بین مبدإ سفره، فإذا ارتحل عنه فهو سفر جدید، فإن کان بینه و بین مقصده مسافة قصر، و إلا فلا.

و لو توجه إلی مکان لا یقصر إلیه الصلاة، ثم نوی مجاوزته إلی بلد یقصر إلیه الصلاة، فابتداء سفره من حین غیّر النیة، فإنما یترخص إذا کان من ذلک الموضع إلی مقصده الثانی مسافة.

و لو خرج إلی سفر طویل علی قصد الإقامة فی کل أربعة فراسخ عشرة أیام، لم ترخص، لانقطاع کل سفر عن الأخری.

الثانی عشر: هل یحتسب یوما الدخول و الخروج من جملة العشرة ؟ إشکال، ینشأ من أن المسافر لا یستوعب النهار بالسیر، إنما یسیر فی بعضه، و هو فی یومی الدخول و الخروج سائر فی بعض النهار، و لأنه یوم الدخول فی شغل الخط و تنضید الأمتعة، و یوم الخروج فی شغل الارتحال، و هما من أشغال السفر. و یحتمل احتسابهما لا بأجمعهما، بل یلفق من حین الدخول إلی حین الخروج.

و لو دخل لیلا لم یحتسب بقیة اللیل، و یحسب الغد، و العشرة یعتبر فیها اللیل بأیامها.

الثالث عشر: لو کان عالما بوجوب القصر مطلقا، و استحباب الإتمام فی

ص:187

المواطن الأربعة، ثم جهل حد موضع الحائر مثلا، فتوهم دخول ما لیس منه فیه، احتمل إلحاقه بجاهل وجوب القصر، إذ لا فرق بین الجهل بوجوب القصر مطلقا و وجوبه فی هذا الموضع، و بالعالم. و کذا لو جهل المکاری و شبهه وجوب القصر لو أقام عشرة.

ص:188

الفصل الثالث (فی صلاة الخوف)

اشارة

و فیه مطالب:

المطلب الأول (فی مشروعیتها)

و هی ثابتة بالنص و الإجماع، قال اللّه تعالی وَ إِذا کُنْتَ فِیهِمْ (1) الآیة، و صلاها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فی عدة مواطن(2). و اتفق العلماء إلا من شذ علی أن حکمها باق بعد النبی صلی اللّه علیه و آله، لأن ما ثبت فی حقه علیه السلام کان ثابتا فی حقنا، إلا أن یقوم المخصص، لأنه تعالی أمرنا باتباعه.

و سئل عن القبلة للصائم ؟ فأجاب علیه السلام بأننی أفعل ذلک، فقال السائل: لست مثلنا، فغضب و قال: إنی لأرجو أن أکون أخشاکم للّه و أعلمکم بما أتقی(3). و لو اختص بفعله لما کان الإخبار بفعله جوابا، و لا غضب من قول السائل «لست مثلنا» لأن قوله حینئذ یکون صوابا. و کان أصحابه علیه السلام یحتجون بأفعاله و ینتمون بها أقواله. و صلی علی علیه

ص:189


1- (1) سورة النساء: 102.
2- (2) جامع الأصول 6-470.
3- (3) جامع الأصول 7-165.

السلام صلاة الخوف لیلة الهریر(1).

و قیل: إنه قبل نزول آیة الخوف کان الحکم تأخیر الصلاة إلی أن یحصل الأمن ثم یقضی، ثم نسخ إلی صلاة الخوف، و لهذا أخر النبی صلی اللّه علیه و آله أربع صلوات یوم الخندق.

و هی مشروعة فی السفر إجماعا، و فی الحضر عند جمیع علمائنا، لقوله تعالی وَ إِذا کُنْتَ فِیهِمْ (2) و هو عام، و لأنها حالة خوف، فجاز صلاة الخوف فیها کالسفر.

المطلب الثانی (فی کیفیتها)
اشارة

و فیه مباحث:

البحث الأول (فی القصر)

صلاة الخوف إن کانت فی السفر، قصرت فی العدد إجماعا، سواء صلیت جماعة أو فرادی، لاستقلال السفر بالقصر، و إنما یقصر الرباعیات خاصة إلی رکعتین، و أما البواقی فعلی عددها فی الحضر إجماعا.

و إن صلیت فی الحضر، فکذلک علی الأقوی، سواء صلیت جماعة أو فرادی، لقوله تعالی «فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ» (3) و لیس المراد بالضرب سفر القصر، و إلا لکان اشتراط الخوف لغوا. و لأن النبی صلی اللّه علیه و آله صلی صلاة الخوف فی المواضع التی صلاها رکعتین، و لم یرو

ص:190


1- (1) وسائل الشیعة 5-487 ح 10.
2- (2) سورة النساء: 102.
3- (3) سورة النساء: 101.

عنه أنه صلی أربعا فی موضع البتة.

و سأل زرارة الباقر علیه السلام عن صلاة الخوف و صلاة السفر تقصران ؟ فقال: نعم، و صلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذی لا خوف فیه(1).

و لم یشترط الجماعة. و لأن المشقة بالإتمام أکثر من المشقة فی السفر، فکان الترخص فیه أولی.

البحث الثانی (فی صورها)

و هی أربع صورة الأول: ذات الرقاع، و سمیت بذلک لأن فیه جبلا ألوانه مختلفة، بعضها أحمر و بعضها أسود و بعضها أصفر. و قیل: إنه موضع مر به ثمانیة نفر حفاة، فتشققت أرجلهم و تساقطت أظفارهم، فکانوا یلفون علیها الخرق، فسمیت لذلک «ذات الرقاع».

و صورتها: أن یفرقهم الإمام فرقتین، لینحاز بطائفة إذا التحم القتال و احتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة إلی حیث لا یبلغهم سهام العدو، فیصلی بهم رکعة، فإذا قام إلی الثانیة انفردوا واجبا و أتموا و الأخری تحرسهم، ثم تأخذ الأولی مکان الثانیة، و تنحاز الثانیة إلی الإمام و هو ینتظرهم، فیقتدون به فی الثانیة، فإذا جلس للتشهد قاموا فأتموا و لحقوا به و سلم بهم، فتحصل للطائفة الأولی تکبیرة الافتتاح و للثانیة التسلیم. لأنه علیه السلام صلی کذلک، و کذا وصفها الصادق علیه السلام للحلبی(2).

الثانی: صلاة عسفان، و عسفان قریة جامعة علی اثنی عشر فرسخا من مکة.

ص:191


1- (1) وسائل الشیعة 5-478 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 5-480 ح 4.

و صورتها: أن یقوم الإمام و یصف المسلمین صفین وراءه، و یحرم بهم جمیعا و یرکع بهم، و یسجد بالأولی خاصة و تقوم الثانیة للحراسة، فإذا قام الإمام بالأولی سجد الصف الثانی، ثم ینتقل کل من الصفین مکان صاحبه، فإذا رکع الإمام رکعوا جمیعا، ثم یسجد بالصف الذی یلیه، و یقوم الثانی الذی کانوا أولا لحراستهم، فإذا جلس بهم سجدوا و سلم بهم جمیعا.

و لم یثبت عندی نقلها عن أهل البیت علیهم السلام.

الثالث: صلاة بطن النخل، و قد روی أنه علیه السلام صلی الظهر، فصف بعض أصحابه خلفه، و بعضهم جعله بإزاء العدو للحراسة، فصلی رکعتین ثم سلم، ثم انطلق الذین صلوا فوقفوا موقف أصحابهم للحراسة، ثم جاء أولئک فصلی بهم الظهر مرة ثانیة رکعتین، الأولی له فرض و الثانیة سنّة(1).

و هذه لا تحتاج إلی مفارقة الإمام، و لا إلی تعریف کیفیة الصلاة، و لا إلی کلفة، بل لیس فیها أکثر من أن الإمام فی الثانیة متنفل و المأموم مفترض، و لیس فیها مخالفة لصلاة الآمن أیضا.

و أما ما روی أنه علیه السلام صلی بالأولی رکعتین و بالثانیة رکعتین من غیر تسلیم، حتی کانت له أربعا و للمأمومین رکعتین، و من أنه صلی بکل طائفة رکعة، فیکون له رکعتان و للمأمومین رکعة واحدة، فبعید من الصواب فی النقل.

الرابع: صلاة شدة الخوف و سیأتی بیانها.

البحث الثالث (فی الشرائط)

یشترط فی صلاة ذات الرقاع أمور:

ص:192


1- (1) جامع الأصول 6-465.

الأول: کون الخصم فی غیر جهة القبلة، بحیث لا یتمکن من الصلاة حتی یستدبر القبلة، أو یکون عن یمینه، أو شماله، أو حصول حائل یمنع من رؤیتهم لو هجموا، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله فعلها علی هذه الصورة فیجب متابعته، و لو قیل بعدمه أمکن، و فعل النبی صلی اللّه علیه و آله و سلم وقع اتفاقا.

الثانی: کون الخصم قویا، بحیث یخاف هجومه علی المسلمین متی اشتغلوا بالصلاة، و إلا انتفی الخوف الذی هو مناط هذه الصلاة.

الثالث: أن یکون فی المسلمین کثرة یمکنهم أن یفترقوا فرقتین، یقاوم کل فرقة العدو، و إلا لم یتحقق هذه الصلاة.

الرابع: عدم الحاجة إلی زیادة التفریق علی فرقتین، و إلا یحصل لکل فرقة أقل من رکعة فلا یتحقق الایتمام.

و هذه الصلاة تخالف غیرها فی وجوب الانفراد للمؤتم، و انتظار الإمام للمأموم، و ایتمام القائم بالقاعد.

و یشترط فی صلاة عسفان أمور ثلاثة:

الأول: أن یکون العدو فی جهة القبلة، لأنهم لا یمکنهم حراستهم فی الصلاة إلا کذلک، لیشاهدوهم فیحرسوهم.

الثانی: أن یکون فی المسلمین کثرة یمکنهم معها حراسة بعضهم بعضا، و أن یفترقوا فرقتین یصلی معه إحداهما و یحرس الثانیة معه.

الثالث: أن یکونوا علی قلة جبل، أو مستوی الأرض، لا یحول بینهم و بین أبصار المسلمین حائل من جبل و غیره، لیتوقوا کبساتهم و الحملات علیهم، و لا یخاف کمین لهم.

ص:193

البحث الرابع (فی أحکام صلاة ذات الرقاع)

و هی:

الأول: یستحب للإمام فی صلاة ذات الرقاع تخفیف قراءة الأولی، لما هم به من حمل السلاح. و کذا یخفف فی کل فعل لا یفتقر فیه الانتظار. و کذا الطائفة التی تفارقه و تصلی لنفسها یستحب لها التخفیف.

الثانی: إذا قام الإمام إلی الثانیة، تابعه الطائفة الأولی، فإذا انتصبوا نووا مفارقته، لأنه لا فائدة لهم فی مفارقته قبل ذلک، لاشتراکهم فی النهوض، و لأن الرفع من السجدة الثانیة من الرکعة الأولی. و لو فارقوه بعد الرفع من السجود الثانی جاز، و إذا انفردوا بقی الإمام قائما ینتظرهم حتی یسلموا، و حتی تجیء الطائفة الثانیة تدخل معه.

و الأقوی أنه یقرأ فی انتظاره، لأنه قیام للقراءة، فیجب أن یأتی بها فیه، فیطول حینئذ القراءة حتی یفرغ الطائفة الأولی و یلتحق به الثانیة. فإذا جاءت الطائفة الثانیة، فإن کان فرغ من قراءته رکع بهم، و لا یحتاج المأمومون إلی قراءة. و لو رکع عند مجیئهم أو قبله، فأدرکوه راکعا رکعوا معه، و صحت لهم الرکعة مع ترکه للسنة. و لو أدرکوه بعد رفعه، فاتتهم الصلاة.

الثالث: إذا صلی الرکعة الثانیة بالفرقة الثانیة و جلس للتشهد، قامت الفرقة إلی صلاتها، و یطول الإمام فی تشهده بالدعاء حتی یدرکوه و یتشهدون ثم یسلم بهم، و لا یحتاجون إلی الجلوس معه و التشهد، لأنها لا تعود إلیه لیسلم معه، فلا فائدة فی تطویله علیها بالجلوس معه، مع أن مبنی هذه الصلاة علی التخفیف.

و لو تابعوه فی الجلوس جاز، لکن لا یتشهدون بل یذکرون اللّه تعالی، فإذا سلم الإمام قاموا فأتموا صلاتهم، ثم تشهدوا و سلموا. و به روایة عن الصادق علیه السلام(1).

ص:194


1- (1) وسائل الشیعة 5-480.

الرابع: إذا قامت الفرقة الثانیة إلی الثانیة حال تشهد الإمام، لا تنوی الانفراد حال قیامها إلی الثانیة، فإن نووه ففی جواز نیة الاقتداء بعده للتسلیم وجهان.

الخامس: للإمام ثلاث انتظارات: ینتظر الأولی فی الرکعة الثانیة حتی یفرغ. و انتظار آخر فیها للطائفة الثانیة حتی تأتی و تحرم معه، و کلاهما فی حکم انتظار واحد لاتصاله. و الثالث للطائفة الثانیة حال تشهده حتی تتم الصلاة.

السادس: لو انتظر الثانیة بعد رفعه من السجود الأخیر من الرکعة الأولی، فإن کان لعذر لمرض أو ضعف جاز، و لو کان عن قدرة و ترکه عمدا إلی مجیء الثانیة قال الشیخ: بطلت صلاته دون الأولی(1) ، لأنها فارقته حین رفع الرأس.

و أما الثانیة فإن علمت أن ذلک تبطل [1] صلاته و تابعته، بطلت صلاتها و لو اعتقدت عذرا أو جوزت ذلک، لم تبطل صلاتها، لأن الظاهر من حاله العذر.

و لو فعله سهوا، لحقه حکم سهوه دون الطائفة الأولی، لأنها برفع الرأس قد فارقته، و فی بطلان الصلاة عندی بذلک إشکال.

السابع: لو أراد أن یصلی بهم المغرب صلاة ذات الرقاع، تخیر الإمام بین أن یصلی بالأولی رکعة و بالثانیة رکعتین، و بین العکس. لأن علیا علیه السلام صلی لیلة الهریر بالأولی رکعة و بالثانیة رکعتین(2).

و اختلف فی الأولویة، فیحتمل الأولی، لأن علیا علیه السلام فعله، و لأن الأولی أدرکت معه فضیلة الإحرام و التقدم، فینبغی أن تزید الثانیة فی الرکعات لینجبر نقصهم و تساوی الأولی. و یحتمل الثانی، لئلا یکلف الثانیة

ص:195


1- (1) المبسوط 1-164.
2- (2) وسائل الشیعة 5-480.

زیادة جلوس، و هی مبنیة علی التخفیف.

الثامن: إذا صلی بالأولی رکعتین، جاز أن ینتظر الثانیة فی التشهد الأول و فی القیام الثالث، فقیل: الأول أولی، لیدرکوا معه رکعة من أولها. و قیل:

الثانی، لأن القیام مبنی علی التطویل، و الجلسة الأولی علی التخفیف. فإن انتظرهم فی القیام، فالأولی أن یفارق [1] الأولی عند الانتصاب. و إذا صلی بالثانیة الثالثة و جلس للتشهد، قامت الطائفة و لا تتشهد.

و إن صلی بالأولی رکعتین، تشهد طویلا، ثم أتمت الأولی صلاتها و سلمت و قامت، و تجیء الثانیة فینهض الإمام و یصلی بهم الثالثة، و إن شاء تشهد خفیفا ثم قام إلی الثالثة، و قامت الأولی و طول فی القراءة حتی یتم و یأتی الثانیة.

التاسع: لو صلی بالأولی رکعة، طول قراءة الثانیة، و نوت الأولی مفارقته حین انتصابها، و خففت و صلت الثانیة و تشهدت خفیفا، و قامت إلی الثالثة و تشهدت خفیفا و سلمت، ثم تجیء الثانیة فتدخل معه فی ثانیته، فإذا جلس للتشهد جلسوا معه یذکرون اللّه تعالی من غیر تشهد. فإذا قام إلی الثالثة قاموا معه، فإذا جلس للتشهد الثانی جلسوا و تشهدوا خفیفا، و طول هو إلی أن یتموا، ثم یتشهدون خفیفا و یسلم بهم.

العاشر: لو قلنا بوجوب الإتمام فی الحضر، صلی بالأولی رکعتین و تشهد بهم، ثم یقوم إلی الثالثة فیطول القراءة، و یخففون و یتمون أربعا و یمضون إلی موقف أصحابهم، و یجیء أصحابهم فیرکع بهم الثالثة، و هی أولی لهم، ثم یصلی الرابعة و یطول فی تشهده حتی یتم صلاتهم أربعا، ثم یسلم بهم، فیکون انتظار الثانیة فی الثالثة و التشهد الثانی.

و یجوز أن ینتظر فی التشهد الأول.

و قسمتهم فرقتین أولی من قسمتهم أربعا، لقلة المخالفة و قلة الانتظار.

ص:196

فإن فرقهم أربعا، جاز للأصل، و جواز المفارقة مع النیة، فیصلی بالأولی رکعة، ثم یقوم إلی الثانیة، فیطول القراءة إلی أن تصلی الطائفة ثلاث رکعات، ثم تذهب فتجیء الثانیة فیصلی بهم الثانیة، و یطول فی تشهده أو قیامه فی الثالثة، حتی تتم صلاتها أربعا، ثم تأتی الثالثة فیصلی بهم رکعة، و یقوم إلی الرابعة و یطول حتی یتم من خلفه أربعا، ثم یأتی الرابعة فیصلی بهم تمام الرابعة، و یطول تشهده حتی یتم أربعا، ثم یسلم بهم.

و قال فی الخلاف: تبطل، لأنها مقصورة، و لو قلنا بالشاذ من قول أصحابنا ینبغی البطلان أیضا، لأنها لم یثبت لها فی الشرع هذا الترتیب(1).

و یمنع عدم المثل، فإن الانتظار و مفارقة الإمام ثابتان، و الزیادة فی أعمال الصلاة غیر مبطلة، کما لو طول القیام قارئا، و لأن الحاجة قد تدعو إلیه، بأن یکون العدو من أربع جهات، و یکون فی المسلمین کثرة، فیکون فی التفریق صلاح الحرب و الصلاة.

و لا یجب فی هذا التفریق سجود، و لو صلی بطائفة ثلاث رکعات و بأخری رکعة، فالأقرب الجواز.

و الأقرب جواز أن یفرقهم فی السفر و الحضر فی المغرب ثلاث فرق، و کذا فی الرباعیة، فیصلی بطائفة رکعتین و بکل طائفة رکعة.

الحادی عشر: لا تجب التسویة بین الطائفتین، للأصل، بل صلاحیة الحارسة [1] للحراسة.

و لو خاف اختلال حالهم و احتیج إلی إعانتهم بالطائفة الأخری، فللإمام أن یکب بمن معه علی العدو و یبنوا علی صلاتهم. و یجوز أن تکون الطائفة واحدا و لا تجب الثلاثة للأصل، و لأن الواحد یسمی طائفة.

الثانی عشر: یجب أخذ السلاح فی الصلاة، لقوله تعالی

ص:197


1- (1) الخلاف: 1-256.

وَ لْیَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ (1) و الأمر للوجوب، و لا تبطل الصلاة بترکه إجماعا. و لا فرق فی وجوب الأخذ بین الطاهر و النجس للحاجة، و لأنه مما لا تتم الصلاة فیه منفردا.

و لو منع شیئا من واجبات الصلاة، حرم الأخذ إلا مع الضرورة، فیومی بالممنوع کالرکوع و السجود.

و لو کان مما یتأذی به غیره، کالرمح فی وسط الناس، لم یجز. و لو کان فی حاشیة الصفوف جاز، لعدم الأذی به.

الثالث عشر: یجوز أن یصلی الجمعة فی الخوف علی صفة ذات الرقاع، بأن یفرقهم فرقتین. إحداهما تقف معه للصلاة فیخطب بهم و یصلی بهم رکعة، ثم یقف بهم فی الثانیة فیتم صلاتها، ثم تجیء الثانیة فتصلی معه رکعة جمعة بغیر خطبة کالمسبوق. فإذا تشهد و طول، أتموا الثانیة و سلم بهم، لعموم الأمر بالجمعة. و یجوز أن یخطب بالفرقتین معا، ثم یفرقهم فرقتین.

و تجب هذه الصلاة بشروط الحضر، و کون الفرقة الأولی کمال العدد.

فلو تم العدد بالثانیة، لم تصح الخطبة للفرقة الأولی. فلو لم یخطب، لم تصح.

و لو خطب لها ثم مضت إلی العدو قبل الصلاة و جاءت الأخری، وجب إعادة الخطبة. فإن بقی من الأولی کمال العدد، جاز أن یعقد الجمعة لبقاء العدد الذی سمع الخطبة معه.

و لو کملت الأولی العدد، و نقصت الثانیة، صحت الجمعة لهما. و لو انعکس الفرض فلا جمعة، لأنه لا یصلی بالأولی إلا الظهر، فلا یجوز أن یصلی بعدها جمعة نعم یجوز أن یستنیب من یصلی بهم الجمعة منهم فیخرج عن هذه الصلاة و لا یجوز أن یصلی الجمعة علی صفة صلاة بطن النخل، إذ لا جمعتان فی بلد.

و یجوز أن یصلی علی صفة صلاة عسفان، بل هو أولی إن سوغناه مطلقا، أو لم یتقدم أحد الصفین و یتأخر الآخر کثیرا.

ص:198


1- (1) سورة النساء: 102.

الرابع عشر: یجوز أن یصلی صلاة الاستسقاء علی صفة صلاة الخوف، فیصلی بالأولی رکعة، ثم ینتظر حتی یتم، و یصلی بالثانیة أخر و ینتظر حتی یتم.

و یجوز أن یصلی العیدین و الخسوفین فی الخوف جماعة علی صفة المکتوبة، فیصلی بالأولی رکعة مشتملة علی خمس رکوعات، و ینتظر حتی یتم فی الثانیة، و کذا بالثانیة. و یجوز أن یصلی الکسوفین فرادی، بخلاف العیدین.

الخامس عشر: قد بینا أن حکم السهو مختص بمن یختص به سببه.

و للشیخ قول بتعدی حکمه إلی المأموم لو سها الإمام، فعلی هذا لو سها فی الأولی، لزم حکمه الطائفة الأولی، فیشیر إلیهم بالسجود بعد فراغهم.

و لو سها بعد مفارقتهم له، لم یلحقهم حکمه، لصیرورتهم منفردین.

فإن سهوا بعد سهوه فی ثانیتهم، انفردوا بسجوده، و فی الاکتفاء بالسجدتین قولان.

أما الطائفة الثانیة فیلحقهم سهو الإمام فیما تابعته فیه دون الأولی، قال:

و إن تابعته فیه کان أفضل، و لم یتعرض لسهوه حال انتظاره. و یحتمل المتابعة، لأنها فی حکم ایتمامه.

السادس عشر: لا حکم لسهو المأمومین حال المتابعة عندنا، بل حالة الانفراد، و مبدؤه رفع الإمام من سجود الأولی. و یحتمل اعتداله فی قیام الثانیة. و الأولی عندی إیقاع نیة الانفراد.

و لو سهت الطائفة الثانیة فی الرکعة الثانیة، فإن نوت الانفراد سجدت، و إلا احتمل ذلک أیضا، لأنهم ینفردون [1] بها حقیقة، و عدمه لأنهم مقتدون، لعدم احتیاجهم إلی إعادة نیة الاقتداء.

و لا یرتفع حکم السهو بالقدوة الطاریة إن جوزنا نیة اقتداء المنفرد. و فی المزحوم إذا سها فی وقت تخلفه إشکال.

ص:199

المطلب الثالث (فی صلاة شدة الخوف)

و هی تثبت عند التحام القتال، و عدم التمکن من ترکه لأحد، أو عند اشتداد الخوف، و أن یلتحم القتال فلم یأمنوا هجومهم علیهم لو ولوا عنهم أو انقسموا، و حینئذ یصلون رجالا و مشاة علی الأقدام و رکبانا، مستقبل القبلة واجبا مع الإمکان، و غیر مستقبلها مع عدمه علی حسب الإمکان.

فإن تمکنوا من استیفاء الأرکان وجب، و إلا أومئوا لرکوعهم و سجودهم، و یکون سجودهم أخفض من الرکوع. و لو تمکنوا من أحدهما خاصة وجب.

و یجوز لهم التقدم و التأخر، لقوله تعالی فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُکْباناً (1) و عن النبی صلی اللّه علیه و آله قال: مستقبل القبلة و غیره مستقبلها. و قول الباقر علیه السلام فی صلاة الخوف عند المطاردة و المناوشة و تلاحم القتال: یصلی کل إنسان منهم بالإیماء حیث کان وجهه(2).

و هی صلاة صحیحة لا یجب قضاؤها، لاقتضاء الأمر الإجزاء. و لا یجوز تأخیر الصلاة إذا لم یتمکن من إیقاعها إلا ماشیا، لعموم «فرجالا».

و لو انتهت الحال إلی المسایفة و تمکن من الصلاة مع الأعمال الکثیرة، کالضرب المتواتر و الطعن المتتابع، وجب علی حسب حاله بالإیماء فی الرکوع و السجود، مستقبل القبلة إن أمکن و إلا فلا، و لا إعادة علیه لاقتضاء الأمر الإجزاء.

و یجب الاستقبال مهما أمکن، فإن تعذر فبتکبیرة الافتتاح، لقول الباقر علیه السلام: غیر أنه یستقبل القبلة بأول تکبیرة حین یتوجه(3). فإن لم یتمکن

ص:200


1- (1) سورة البقرة: 239.
2- (2) وسائل الشیعة 5-486 ح 8.
3- (3) وسائل الشیعة 5-487 ح 11.

سقط، لقوله علیه السلام فی حال المطاردة: یصلی کل إنسان منهم بالإیماء حیث کان وجهه(1). و یسجد الراکب علی قربوس سرجه إن لم یتمکن من النزول، فإن عجز أومأ، لقول الباقر علیه السلام: و یجعل السجود أخفض من الرکوع(2).

و لو تمکن من الاستقبال فی الأثناء، فالوجه الوجوب. و یحتمل سقوطه للمشقة، و لقول الباقر علیه السلام: و لکن أینما دارت دابته(3).

و لو تمکن من النزول علی الأرض و استیفاء السجود فی الأثناء، وجب و یبنی. فإن احتاج إلی الرکوب رکب و بنی، و إن کثر الفعل للحاجة. و لو علم حالة تمکنه من النزول احتیاجه إلی رکوب فی الأثناء، احتمل الوجوب و عدمه.

و لو اشتد الحال عن ذلک و عجز عن الإیماء، سقطت عنه أفعال الصلاة من القراءة و الرکوع و السجود، و اجتزأ عوض کل رکعة بتسبیحة واحدة، و صورتها «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أکبر».

و لا بد من النیة، لقوله علیه السلام: إنما الأعمال بالنیات. و إنما لکل امرئ ما نوی(4) ، و لأنها فعل یجامع القتال، فلا تسقط به.

و یجب أیضا تکبیرة الافتتاح، لقوله علیه السلام: تحریمها التکبیر(5) ، و لتمکنه منها.

و فی وجوب القراءة و التشهد إشکال، ینشأ من تمکنه منهما، و من اختصاص التشهد بحال الجلوس و القراءة بالقیام، و أصالة البراءة. و الأقرب وجوب هذه الصیغة علی هذا الترتیب، للإجماع علی إجزائه. و یجزی هذه

ص:201


1- (1) وسائل الشیعة 5-486 ح 8.
2- (2) وسائل الشیعة 5-484 ح 8.
3- (3) نفس المصدر.
4- (4) وسائل الشیعة 1-34 ح 7.
5- (5) سنن أبی داود 1-16.

الأذکار عن أذکار الرکوع و السجود و القراءة، لأنها أذکار مختصة بهیئة و قد سقطت فتسقط.

و یجب فی الثنائیة تسبیحتان و فی الثلاثیة ثلاث، لأنها علی عدد الرکعات، و لقول الصادق علیه السلام: أقل ما یجزی فی حد المسایفة من التکبیر تکبیرتان لکل صلاة إلا صلاة المغرب، فإن لها ثلاثا(1). و هل یجوز الزیادة ؟ الأقرب المنع، إن قصد عوض رکعة، و الجواز مع عدمه.

و حکمه فی حال الأذکار حکم المصلین من وجوب الطهارة و تحریم و غیر ذلک. و هل تبطل بالسهو فی عددها؟ إشکال، ینشأ من مساواتها للرکعات، و من اختصاص المبطل بعدد الثنائیة من الرکعات الحقیقیة لا من البدل، فعلی الأول یستأنف، و علی الثانی یأتی بما شک فیه، لأصالة العدم.

و لو أمن أو تمکن من الصلاة علی الأرض، أو علی الدابة بعد التکبیرتین، سقطت عنه للاجتزاء بفعل المأمور به، و لقول الباقر علیه السلام:

إذا کانت المسایفة و المعانقة و تلاحم القتال، فإن أمیر المؤمنین علیه السلام لیلة صفین - و هی لیلة الهریر - لم تکن صلاتهم الظهر و العصر و المغرب و العشاء عند کل صلاة إلا بالتکبیر و التهلیل و التسبیح و التحمید و الدعاء، فکانت تلک صلاتهم لم یأمرهم بإعادة الصلاة(2).

و لو أمن أو تمکن بعد تکبیرة واحدة، فالوجه سقوط رکعة عنه و وجوب الإتیان بالأخری، مع احتمال وجوب الجمیع.

و لو صلی رکعة حالة الأمن فاشتد الخوف، احتمل الإتیان بتکبیرة واحدة.

ص:202


1- (1) وسائل الشیعة 5-485 ح 3.
2- (2) وسائل الشیعة 5-486 ح 8.
المطلب الرابع (فی بقایا مسائل هذا الباب)

و هی:

الأول: یجوز للرجال لبس الحریر حالة الحرب علی ما بیناه. و کذا لبس الدیباج الصفیق [1] الذی لا یقوم غیره مقامه فی القتال. و لا یجوز لبس الأعیان النجسة، إلا مع الضرورة.

و یجوز أن یلبس فرسه و دابته جلد المیتة و الکلب و الخنزیر مع الحاجة لا بدونها. و هل یجوز أن یحلل کلبه بجلد کلب مع عدم الحاجة ؟ الأولی المنع، لعموم «حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ» (1) و هو یقتضی تحریم وجوه الانتفاع.

و یجوز تسمید الأرض و الزرع بالزبل و العذرة النجسة، و الاستصباح تحت السماء خاصة بالدهن النجس نجاسة عرضیة لا ذاتیة کشحم المیتة.

الثانی: إذا صلی علی صفة صلاة عسفان، صلی الصفان معه إلی الاعتدال عن رکوع الأول، فإذا سجد سجد معه أحد الصفین، و کذا فی الثانیة، فالکل یرکعون معه فی الرکعتین، و إنما الحراسة فی السجود.

الثالث: لو رتب الإمام القوم صفوفا، و حرس صفان أو صف أو ثلاثة جاز. و لو حرس فرقتان من صف واحد أو من صفین أو ثلاث فی الرکعتین علی التناوب جاز أیضا. و لو حرس فی الرکعتین طائفة واحدة ثم سجدت و لحقت جاز.

و لو لم یتقدم الصف الثانی إلی موقف الأول، و لا تأخر الأول عن مکانه إلی الثانی جاز. و الأقوی عندی جواز هذه الصلاة إن لزم کل طائفة مکانهم، أو کان التقدم و التأخر من الأفعال القلیلة.

الرابع: لو عرض الخوف الموجب للإیماء، أو الرکوب فی الأثناء، أتم

ص:203


1- (1) سورة المائدة: 3.

مومیا أو راکبا. و کذا بالعکس لو صلی بالإیماء للخوف أو راکبا، فآمن إما لانهزام العدو أو للحاق النجدة، لم یجز الإتمام بالإیماء و لا راکبا، لزوال العذر، فینزل لإتمامها برکوع و سجود.

و لو ترک الاستقبال حالة نزوله استأنف، لإخلاله بالشرط حالة الأمن.

و لو فعله حالة رکوبه، جاز للحاجة. و علی هذا التفصیل حکم الإخلال بشیء من واجبات الصلاة.

الخامس: لو صلی حالة الشدة راکبا، جاز أن یصلیها جماعة و فرادی، و الجماعة أفضل لعموم الترغیب فیها، و لأن کل رکوب لا یمنع من الصلاة منفردا لا یمنع فی الجماعة کالسفینة.

و لو صلوا حال الشدة غیر مستقبلین القبلة جاز. و هل یجوز الاقتداء حینئذ؟ إن اتحدت الجهة جاز، و إلا کان کالمستدیرین حول الکعبة.

السادس: یجوز أن یضرب فی الصلاة الضربة الواحدة و الطعنة، و إن لم یحتج إلیها، لأنها فعل قلیل، و کذا الاثنتان. و بالجملة ما لا یعد کثیرا، فإن فعل الکثیر بطلت صلاته إلا مع الحاجة فیجوز.

و یجوز أن یصلی ممسکا بعنان فرسه، لأنه یسیر. و إن نازعه فجذبه إلیه جذبة أو جذبتین أو ما زاد، جاز مع الحاجة.

السابع: لو رأوا سوادا أو إبلا أو أشخاصا، فظنوهم عدوا، فصلوا صلاة الشدة، ثم ظهر کذب الظن، لم تجب إعادة الصلاة، لأنها وقعت مشروعة، و الأمر یقتضی الإجزاء، و سواء کان الوقت باقیا أو لا.

و کذا لو رأوا عدوا فصلوا صلاة الشدة، ثم بان بینهم حائل من نهر أو خندق مانع من الوصول.

و لو کان بینهم و بین العدو خندق أو نهر، فخافوا إن تشاغلوا بالصلاة طموا الخندق أو النهر، أو نقبوا الحائط، جاز أن یصلوا صلاة الشدة.

الثامن: یجوز أن یصلی صلاة الخوف بصفة ذات الرقاع أو بطن النخل فی

ص:204

الأمن، و أما عسفان فإن لم یکن هناک تقدم و تأخر أو کان قلیلا، جاز أیضا، و إن کان کثیرا لم تصح صلاة المأمومین، و صحت صلاة الإمام.

أما صلاة الشدة، فلا یجوز حالة الأمن بحال. و قال الشیخ: لا یجوز صلاة الخوف فی طلب العدو، لانتفاء الخوف(1). فإن قصد صلاة الشدة فحق قال: و کل قتال واجب کالجهاد، أو مباح کالدفع عن المال، یجوز أن یصلی فیه صلاة الخوف و الشدة(2). و أما المحرم فلا تجوز صلاة الخوف، فإن صلوا صحت صلاتهم، لأنهم لم یخلوا برکن، و لو صلوا صلاة الشدة، بطلت.

و الوجه فی الصورة الأولی الجواز، و إلا لوجبت الإعادة.

و لو انهزم العدو، فلم یأمن المسلمون کرتهم علیه و رجوعهم، جاز أن یصلوا صلاة الخوف لوجود المقتضی.

التاسع: کل أسباب الخوف یجوز معها القصر و الصلاة بالإیماء مع الحاجة إلیه. و لو عجز عنه صلی بالتسبیح، إن خشی من الإیماء، سواء کان الخوف من لص أو سبع أو غرق أو حرق.

و لا قضاء علیه، لأنه تعالی علق القصر علی الخوف، و هو یشعر بالعلیة.

و التعلیق ب «الذین کفروا» للأغلبیة، فلا یعدم الحکم بعدمه.

و لأن الصادق علیه السلام سئل عن الرجل یخاف من لص أو عدو أو سبع کیف یصنع ؟ فقال علیه السلام: یکبّر و یومی برأسه(3). و قال الباقر علیه السلام: الذی یخاف اللص و السبع یصلی صلاة المواقفة إیماء علی دابته(4).

و لأن فی التأخیر تغریرا بالصلاة، و تکلیفه بالاستیفاء تکلیف بما لا یطاق، فکلف علی حسب حاله، فلا یعید للامتثال. و لا فرق بین السفر و الحضر، لأن المناط الخوف.

ص:205


1- (1) المبسوط: 1-167.
2- (2) المبسوط 1-168.
3- (3) وسائل الشیعة 5-482 ح 1.
4- (4) وسائل الشیعة 5-484 ح 8.

و لو خاف المحرم فوت الوقوف، لم یجز القصر و لا الإیماء.

و المدیون المعسر لو عجز عن إقامة بینة الإعسار و خاف الحبس فهرب، جاز أن یصلی فی هربه صلاة الشدة.

و لو کان علیه قصاص و توقع العفو من مستحقه مع سکون الغلیل فهرب، لم تجز صلاة الشدة لعصیانه بهربه.

و یجوز أن یصلی صلاة الشدة حال المدافعة عن ماله، و إن لم یکن حیوانا.

و الموتحل و الغریق یصلیان بحسب الإمکان، فإن تمکنا من الرکوع و السجود وجبا، و إلا أومئا، و لا یقصر أحدهما عدد صلاته إلا فی سفر أو خوف.

و الأسیر إذا خاف علی نفسه إن صلی و المختفی فی موضع، یصلیان کیف ما أمکنهما. و لو کان المختفی مضطجعا لا یتمکن من القعود، صلی علی حاله و لا قضاء.

ص:206

المقصد الخامس: فی الجنائز

اشارة

و فیه فصول:

ص:207

ص:208

الفصل الأول (فی مقدمته)

یستحب للإنسان ذکر الموت و الاستعداد له، لقوله علیه السلام: أکثروا من ذکر هادم اللذات، فما ذکر فی کثیر إلا قلله، و لا فی قلیل إلا کثره(1).

و عنه علیه السلام أنه قال: استحیوا من اللّه حق الحیاء، فقیل: یا رسول اللّه و کیف نستحی من اللّه حق الحیاء؟ قال: من حفظ الرأس و ما حوی، و البطن و ما وعی، و ترک زینة الحیاة الدنیا، و ذکر الموت و البلی، فقد استحیا من اللّه حق الحیاء.(2).

و قال الصادق علیه السلام: من عد غدا من أجله فقد أساء صحبة الموت(3).

و ینبغی للمریض الصبر، و ترک الشکایة، مثل أن یقول: ابتلیت بما لم یبتل به أحد و شبهه. و لا یتمنی الموت و إن اشتد مرضه، لقوله علیه السلام:

لا یتمنین أحدکم الموت لضرر نزل به، و لیقل: اللهم أحینی ما کانت الحیاة خیرا لی(4).

ص:209


1- (1) وسائل الشیعة 2-649 ح 5.
2- (2) جامع الأصول 4-353.
3- (3) وسائل الشیعة 2-651 ح 2.
4- (4) جامع الأصول 3-107، وسائل الشیعة 2-659 ح 2.

و ینبغی التوبة و الاستغفار، لما فیه من إسقاط الذنب، قال علیه السلام فی آخر خطبة خطبها: من تاب قبل موته بسنة تاب اللّه علیه. ثم قال: و إن السنة لکثیرة، و من تاب قبل موته بشهر تاب اللّه علیه. ثم قال: و إن الشهر لکثیر، ثم قال: و من تاب قبل موته بیوم تاب اللّه علیه. ثم قال: و إن یوما لکثیر، و من تاب قبل موته بساعة تاب اللّه علیه. ثم قال: و الساعة لکثیرة، من تاب و قد بلغت نفسه هذه و أهوی بیده إلی حلقه - تاب اللّه علیه(1).

و یحسن ظنه بربه، قال علی علیه السلام قبل موته بثلاث: لا یموتن أحدکم إلا و هو یحسن الظن باللّه تعالی(2). و روی: أن اللّه تعالی یقول: أنا عند ظن عبدی بی(3).

و تجب الوصیة علی کل من علیه دین، و یستحب لغیره، قال علیه السلام: من مات بغیر وصیة مات میتة جاهلیة(4).

و یستحب عیادة المریض إلا فی وجع العین، قال البراء: أمرنا النبی صلی اللّه علیه و آله باتباع الجنائز و عیادة المریض(5).

و عن علی علیه السلام: أن النبی صلی اللّه علیه و آله قال: ما من رجل یعود مریضا ممسیا إلا خرج معه سبعون ألف ملک یستغفرون له حتی یصبح و کان له خریف فی الجنة، و من أتاه مصبحا خرج معه سبعون ألف ملک یستغفرون له حتی یمسی و کان له خریف فی الجنة(6).

و قال علی علیه السلام: ضمنت لستة الجنة: رجل خرج لصدقة فمات فله الجنة، و رجل خرج یعود مریضا فمات فله الجنة، و رجل خرج مجاهدا فی

ص:210


1- (1) وسائل الشیعة 11-371 ح 6.
2- (2) وسائل الشیعة 2-659 ح 2.
3- (3) وسائل الشیعة 11-180 ح 1 و 8.
4- (4) وسائل الشیعة 13-352 ح 8.
5- (5) سنن ابن ماجة 1-461.
6- (6) وسائل الشیعة 2-637 ح 3.

سبیل اللّه فمات فله الجنة، و رجل خرج حاجا فمات فله الجنة، و رجل خرج إلی الجمعة فمات فله الجنة، و رجل خرج فی جنازة فمات فله الجنة(1).

و یستحب له أن یأذن لهم فی الدخول، فإذا طال مرضه ترک و عیاله.

و ینبغی تخفیف العیادة، إلا أن یطلب المریض الإطالة.

و یستحب للداخل علیه الدعاء له، لأن جبرئیل علیه السلام أتی النبی صلی اللّه علیه و آله فقال: یا محمد اشتکیت ؟ قال: نعم، قال: بسم اللّه أرقیک من کل شیء یؤذیک من شر کل نفس أو عین أو حاسد اللّه یشفیک(2).

و یستحب أن یلی المریض أشفق أهله به، و أعلمهم بسیاسته، و أتقاهم للّه تعالی لیذکره بربه و التوبة من المعاصی و الخروج من المظالم و الوصیة، و إذا رآه منزولا به تعاهد تقطیر ماء أو شراب فی حلقه. و أن یندی شفتیه بقطنة، و یستقبل به القبلة، لقوله علیه السلام: خیر المجالس ما استقبل به القبلة.

و یلقنه قول «لا إله إلا اللّه» لقوله علیه السلام: لقنوا موتاکم «لا إله إلا اللّه»(3) و عنه علیه السلام: من کان آخر کلامه «لا إله إلا اللّه» دخل الجنة(4). و قال علیه السلام: من کان آخر قوله عند الموت «أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شریک له» إلا هدمت ما قبلها من الخطایا و الذنوب، فلقنوها موتاکم، فقیل: یا رسول اللّه کیف هی للأحیاء؟ قال، هی أهدم و أهدم(5).

و ینبغی أن یکون ذلک فی لطف و مداراة، و لا یکرر علیه و لا یضجره، فإن تکلم بشیء أعاد تلقینه لیکون «لا إله إلا اللّه» آخر کلامه.

ص:211


1- (1) وسائل الشیعة 2-635 ح 8.
2- (2) سنن ابن ماجة 2-1164.
3- (3) سنن ابن ماجة 1-464.
4- (4) وسائل الشیعة 2-664 ح 6.
5- (5) وسائل الشیعة 2-664 ح 10.

ص:212

الفصل الثانی (فی الاحتضار)

اشارة

و فیه مطالب:

المطلب الأول (فی ما یفعل به قبل الموت)
اشارة

و فیه بحثان

البحث الأول (فی توجیهه)

الأقوی أنه إذا تیقن الولی نزول الموت بالمریض، أن یوجه إلی القبلة واجبا، لأن علیا علیه السلام قال: دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله علی رجل من ولد عبد المطلب و هو فی السوق، و قد وجه إلی غیر القبلة، فقال:

وجهوه إلی القبلة، فإنکم إذا فعلتم ذلک أقبلت علیه الملائکة(1). و الأمر للوجوب. و کیفیته: أن یلقی علی ظهره، و یجعل باطن قدمیه إلی القبلة، بحیث لو جلس لکان مستقبلا، لقول الصادق علیه السلام: یستقبل بوجهه القبلة، و یجعل باطن قدمیه مما یلی القبلة(2) ، و قیل: إنه مستحب للأصل.

ص:213


1- (1) وسائل الشیعة 2-662 ح 6.
2- (2) وسائل الشیعة 662 ح 3.
البحث الثانی (فی باقی الأفعال)

یستحب أمور:

الأول: نقله إلی مصلاه إذا تعسر علیه خروج الروح، قال الصادق علیه السلام: إذا عسر علی المیت موته و نزعه قرب إلی المصلی الذی کان یصلی فیه(1).

الثانی: أن یلقن الشهادتین و أسماء الأئمة علیهم السلام. قال الباقر علیه السلام: لو أدرکت عکرمة عند الموت لعلمته کلمات ینتفع بها، قلت:

جعلت فداک و ما تلک الکلمات ؟ قال: هو ما أنتم علیه، فلقنوا موتاکم عند الموت شهادة «أن لا إله إلا اللّه» و الولایة(2).

و قال الصادق علیه السلام: اعتقل لسان رجل من أهل المدینة علی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فی مرضه الذی مات فیه، فدخل علیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال له: قل: لا إله إلا اللّه، فلم یقدر علیه فأعاد علیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فلم یقدر علیه، و عند رأس الرجل امرأة، فقال لها: هل لهذا الرجل أم ؟ فقالت: نعم یا رسول اللّه أنا أمه، فقال لها:

أ فراضیة أنت عنه أم لا؟ فقالت: بل ساخطة، فقال صلی اللّه علیه و آله: فإنی أحب أن ترضی عنه، فقالت: رضیت عنه لرضاک یا رسول اللّه.

فقال له قل: لا إله إلا اللّه، فقال: لا إله إلا اللّه. فقال قل: یا من یقبل الیسیر، و یعفو عن الکثیر، اقبل منی الیسیر، و اعف عنی الکثیر، إنک أنت العفو الغفور، فقالها، فقال له: ما ذا تری ؟ قال: أسودین قد دخلا علی. قال: فأعدها، فأعادها، فقال: ما تری ؟ قال: قد تباعدا عنی و دخل الأبیضان و خرج الأسودان فما أراهما، و دنا الأبیضان منی یأخذان بنفی، فمات من ساعته(3).

ص:214


1- (1) وسائل الشیعة 2-669 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 2-665.
3- (3) وسائل الشیعة 2-668 ح 3.

الثالث: یستحب أن یلقن کلمات الفرج، قال الصادق علیه السلام:

إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله دخل علی رجل من بنی هاشم و هو فی النزع، فقال قل: «لا إله إلا اللّه الحلیم الکریم، لا إله إلا اللّه العلی العظیم، سبحان اللّه رب السماوات السبع، و رب الأرضین السبع، و ما فیهن و ما بینهن، و رب العرش العظیم، و سلام علی المرسلین. و الحمد للّه رب العالمین» فقالها، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: الحمد للّه الذی استنقذه من النار(1).

الرابع: یستحب أن یقرأ عنده شیئا من القرآن، قال الکاظم علیه السلام لابنه القاسم: قم یا بنی و اقرأ عند رأس أخیک «و الصافات صفا» حتی تستتمها، فلما بلغ «أ هم أشد خلقا أم من خلقنا» قبض الفتی، فلما سجی و خرجوا عنه، أقبل علیه یعقوب بن جعفر، فقال: کنا نعهد المیت إذا نزل به نقرأ عنده «یس» فصرت تأمرنا ب «الصافات» فقال: یا بنی لم تقرأ عند مکروب من موت قط إلا عجل اللّه راحته(2).

و کما یستحب قراءة القرآن قبل خروج روحه، فکذا بعده استدفاعا عنه.

المطلب الثانی (فی ما یکره)

یکره أن یقبض علی شیء من أعضائه إن حرکها، و لا یمنع منه، و لا یظهر له الجزع لئلا یضعف نفسه، فیکون إعانة علی موته.

و یکره أن یحضره جنب أو حائض، لقول الصادق علیه السلام: لا یحضر الحائض المیت و لا الجنب عند التلقین، و لا بأس أن یلیا غسله(3).

و قال علی بن أبی حمزة للکاظم علیه السلام: المرأة تقعد عند رأس المریض و هی حائض فی حد الموت، فقال: لا بأس أن تمرضه، فإذا خافوا

ص:215


1- (1) وسائل الشیعة 2-666 ح 2.
2- (2) وسائل الشیعة 2-670 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 2-671 ح 2.

علیه و قرب ذلک فلتنح عنه و عن قربه، فإن الملائکة تتأذی بذلک(1).

و یکره بعد الموت أن یترک علی بطن المیت حدیدا و غیره. قال الشیخ:

سمعناه مذاکرة، لأنه أمر شرعی، فیقف علی النقل و لم یوجد. و قال ابن الجنید: یضع علی بطنه شیئا یمنع من ربوها.

المطلب الثالث (فی ما بعد الموت)

یستحب بعد الموت أمور:

الأول: إغماض عینیه، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله دخل علی أبی سلمة و قد شق بصره فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال: لا تدعوا علی أنفسکم إلا بخیر، فإن الملائکة یؤمنون علی ما یقولون، ثم قال: اللهم اغفر لأبی سلمة، و ارفع درجته فی المقربین المهدیین، و اخلفه فی عقبه فی الغابرین، و اغفر له یا رب العالمین، و افسح له فی قبره، و نور له فیه(2) ، و لأن الصادق علیه السلام غمض لابنه إسماعیل(3) ، و لأن فتح عینیه یقبح منظره، و یحذر معه دخول الهوام إلیها، و بعد الإغماض یشبه النائم.

الثانی: شد لحیته بعصابة عریضة، لئلا یسترخی لحیاه، و ینفتح فوه، و یدخله الهوام، و یقبح منظره، و یؤمن من دخول ماء الغسل فیه. و لما مات إسماعیل شد الصادق علیه السلام لحیته(4).

الثالث: تلیین مفاصله، فإن ذلک إبقاء للینها، فیرد ذراعیه إلی عضدیه و یمدهما، و یرد فخذیه إلی بطنه و یمدهما، و رجلیه إلی فخذیه و یمدهما، فإن ذلک

ص:216


1- (1) وسائل الشیعة 2-671 ح 1.
2- (2) سنن ابن ماجة 1-467.
3- (3) وسائل الشیعة 2-672 ح 3.
4- (4) نفس المصدر.

یعین الغاسل علی تمدیده و تکفینه.

الرابع: تغطیه بثوب، لأنه أستر له، و سجی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بثوب حبرة(1). و غطی الصادق علیه السلام ابنه إسماعیل بملحفة(2).

الخامس: تجرید ثیابه، فإنه لا یؤمن معها الفساد، فإنها تحمیه، و لئلا یخرج منه شیء یفسد به و یتلوث بها إذا نزعت عنه.

السادس: وضعه علی لوح أو سریر، و لا یترک علی الأرض، لأنه أسرع لفساده، و یخاف نیل الهوام له.

السابع: مد یدیه إلی جنبیه و ساقیه إن کانت منتصبتین، لأنه أطوع للغاسل.

الثامن: یسرج عنده مصباح إن مات لیلا إلی الصباح، لأن الباقر علیه السلام لما قبض أمر الصادق علیه السلام بالسراج فی البیت الذی یسکنه، حتی قبض أبو عبد اللّه علیه السلام، ثم أمر الکاظم بمثل ذلک فی بیت أبی عبد اللّه علیه السلام(3).

التاسع: ینبغی أن یکون عنده من یذکر اللّه تعالی، و لا یترک وحده، لقول الصادق علیه السلام: لیس من میت یموت و یترک وحده إلا لعب الشیطان فی جوفه(4).

العاشر: یستحب تعجیل أمره، و المسارعة إلی تجهیزه إن تیقن موته بإجماع العلماء، لأنه صون له و أحفظ من أن یتغیر و تصعب معاناته، و قال علیه السلام: إنی لأری طلحة قد حدث فیه الموت فآذنونی به و عجلوا فلا

ص:217


1- (1) جامع الأصول 11-391.
2- (2) وسائل الشیعة 2-672 ح 3.
3- (3) وسائل الشیعة 2-673 ب 45.
4- (4) وسائل الشیعة 2-671 ب 42.

ینبغی لجیفة مسلم أن یحبس بین ظهرانی أهله(1). و قال علیه السلام: کرامة المیت تعجیله(2).

و قال علیه السلام: لا ألقین رجلا منکم مات له میت لیلا فانتظر الصبح، و لا رجلا مات له میت نهارا فانتظر به اللیل، لا تنتظروا بموتاکم طلوع الشمس و لا غروبها، عجلوا بهم إلی المضاجع یرحمکم اللّه تعالی، فقال الناس: و أنت یا رسول اللّه یرحمک اللّه(3).

و لا بأس أن ینتظر به قدر ما یجمع له جماعة، لما یؤمل من الدعاء له إذا صلوا علیه.

و لو اشتبه الموت، لم یجز التعجیل به حتی تظهر علاماته، و یتحقق العلم به إجماعا. قال الصادق علیه السلام: خمسة ینتظر بهم إلا أن یتغیروا:

الغریق، و المصعوق، و المبطون، و المهدوم، و المدخن(4).

و یصبر علیه ثلاثة أیام حتی یتیقن موته، أو یتغیر، لقول الصادق علیه السلام و قد سئل کیف یستبرأ الغریق ؟: یترک ثلاثة أیام قبل أن یدفن، فیغسل و یدفن(5).

و قد دفن جماعة أحیاء اشتبه موتهم علی أهلهم، و خرج بعضهم.

و شاهدت واحدا فی لسانه وقفة فسألته عن سببها؟ فقال: مرضت مرضا شدیدا، فاشتبه الموت فغسلت و دفنت فی أزج، و لنا عادة إذا مات شخص فتح عنه باب الأزج بعد لیلة أو لیلتین، إما زوجته أو أمه أو أخته أو ابنته، فتنوح عنده ساعة، ثم تطبق علیه هکذا یومین أو ثلاثا، ففتح علی فعطست فجاءت أمی بأصحابی فأخذونی من الأزج، و ذلک منذ سبع عشرة سنة.

ص:218


1- (1) سنن أبی داود 2-200.
2- (2) وسائل الشیعة 2-676 ح 7.
3- (3) وسائل الشیعة 2-675 ح 1.
4- (4) وسائل الشیعة 2-676 ح 2.
5- (5) وسائل الشیعة 2-677 ح 4.

و المصلوب لا یترک علی خشبته أکثر من ثلاثة أیام، ثم ینزل بعد ذلک و یدفن قال الصادق علیه السلام: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أیام حتی ینزل و یدفن(1).

الحادی عشر: یستحب إعلام المؤمنین بموته، لیتوفروا علی تشییعه، لقوله علیه السلام: لا یموت منکم أحد إلا آذنونی به(2). و قال الصادق علیه السلام: ینبغی لأولیاء المیت أن یؤذنوا إخوان المیت بموته، یشهدون جنازته و یصلون علیه و یستغفرون له، فیکتب لهم الأجر و للمیت الاستغفار، و یکتسب هو الأجر بما اکتسب لهم(3).

الثانی عشر: و یسارع فی قضاء دینه، لقوله علیه السلام: نفس المؤمن معلقة بدینه حتی یقضی عنه(4). و لو تعذر إیفاء دینه فی الحال استحب لوارثه أو غیره أن یتکفل عنه، کما فعل علی علیه السلام لما أتی النبی صلی اللّه علیه و آله بجنازة، فقال: هل علی میتکم دین ؟ قالوا: نعم یا رسول اللّه، فلم یصل علیها، فقال علی علیه السلام: صل علیها یا رسول اللّه و علیّ دینه، فصلی علیها(5).

و یستحب المسارعة إلی تفریق وصیته، لیعجل له ثوابها بجریانها علی الموصی له.

ص:219


1- (1) وسائل الشیعة 2-678 ح 1.
2- (2) سنن ابن ماجة 1-489.
3- (3) وسائل الشیعة 2-762 ح 1.
4- (4) سنن ابن ماجة 2-806 الرقم 2413.
5- (5) وسائل الشیعة 13-151 ح 2 و 3.

ص:220

الفصل الثالث) (فی تغسیله)

اشارة

و فیه مطالب:

المطلب الأول (فی الکیفیة)
اشارة

و فیه مباحث:

البحث الأول (فی مقدماته)

و هی مستحبات تسع:

الأول: إذا أراد غسله، استحب أن یفضی به إلی مغتسله، و یکون ما یلی رأسه مرتفعا، و ما یلی رجلیه منحدرا، لئلا یجتمع الماء تحته، ثم یوضع علی مرتفع من لوح أو سریر، لأنه أحفظ لجسده من التلطخ.

الثانی: أن یستقبل به القبلة علی هیئة الاحتضار، لقول الصادق علیه السلام و قد سئل عن غسل المیت ؟ قال: یستقبل باطن قدمیه القبلة حتی یکون وجهه مستقبل القبلة(1).

ص:221


1- (1) وسائل الشیعة 2-661 و 688 و 682.

و قد اختلف فی وجوب هذا الاستقبال کالاحتضار.

الثالث: أن یحفر لمصب الماء حفیرة یدخل فیها الماء، فإن تعذر جاز أن یصب إلی البالوعة. و یکره الکنیف، لأن العسکری علیه السلام کرهه(1).

الرابع: یغسل تحت سقف، و لا یکون تحت السماء، قالت عائشة:

أتانا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و نحن نغسل ابنته، فجعلنا بینها و بین السقف سترا. و عن الصادق علیه السلام: إن أباه علیه السلام کان یحب أن یجعل بین المیت و بین السماء سترا(2). و لما فیه من کراهیة مقابلة السماء بعورته.

و ینبغی أن یکون فی بیت أو یستر علیه بثوب، لئلا ینظر إلی المیت.

الخامس: یستحب تجرید المیت من قمیصه، بأن فتق جیبه و ینزع من تحته، لئلا یکون فیه نجاسة تلطخ أعالی بدنه، فإن هذا الحال مظنة النجاسة، و تجریده أمکن لغسله.

و لیس واجبا، بل یجوز أن یغسل و علیه القمیص، لکن الأول أولی، لما فیه من الاستظهار بالغسل، و لأن ثوبه ینجس بالغسل، و ربما لا یطهر فینجس به المیت.

السادس: إذا جرده ستر واجب العورة واجبا، و استحب ما بین السرة و الرکبة. و لا یجب ستر عورة الصبی، و لو کان الغاسل أعمی، أو وثق من نفسه بکف البصر عن العورة و لو غلطا لم یجب الستر، إذ الفائدة منع الإبصار و قد حصل، لکن یستحب تحفظا عن الغیر و الغلط.

السابع: یستحب أن یلین أصابعه برفق، لأن انقباض کفه یمنع من الاستظهار علی تطهیرها، و إن تعسرت ترکها، و لأنه لا یؤمن انکسار عضو.

و کذا یستحب تلیین مفاصله، لأنه أمکن للغاسل فی تمدیده و تکفینه و تغسیله.

ص:222


1- (1) وسائل الشیعة 2-720 ب 29.
2- (2) وسائل الشیعة 2-720 ح 2.

و ذلک مستحب فی موضعین عند الموت قبل قسوتها، و إذا أخذ فی غسله، و بعد الغسل لا یلین شیئا منه لعدم الفائدة.

الثامن: یستحب أن یؤخذ شیء، من السدر فیطرح فی إجانة و یضرب ضربا جیدا حتی یرغو، و یؤخذ رغوته فیطرح فی موضع نظیف لغسل رأسه و جسده للروایة(1). و لو تعذر السدر فالخطمی.

التاسع: یستحب للغاسل أن یلف علی یدیه خرقة ینحیه بها و باقی جسده یغسله بغیر خرقة. و یبدأ بغسل فرجه بماء السدر و الحرض لقول الصادق علیه السلام: ثم ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض فاغسله ثلاث غسلات(2).

و لو کان علی بدنه نجاسة، وجب أن یبدأ بإزالتها إجماعا، لأن المراد تطهیره، فإذا وجب إزالة الحکمیة عنه فالعینیة أولی. و لیکون ماء الغسل طاهرا. و فی روایة یونس عنهم علیهم السلام: امسح بطنه مسحا رقیقا، فإن خرج منه شیء فانقه(3).

البحث الثانی (فی کیفیة الغسل)

تجب فیه النیة علی الغاسل عند بعض علمائنا، لأنه عبادة فتجب فیه النیة. و یحتمل العدم، لأنه تطهیر من نجاسة الموت، فأشبه غسل النجاسة من الثوب.

و یجب أن یغسله ثلاث مرات عند أکثر علمائنا، بماء قد طرح فیه یسیر من السدر، بحیث لا یخرجه عن الإطلاق، فإن أخرجه عنه لم یصح، لصیرورة الماء مضافا غیر مطهر، و ینبغی أن یکون قدر سبع ورقات من سدر.

الثانیة: بماء قد طرح فیه کافور خالص غیر مخرج عن الإطلاق أیضا.

ص:223


1- (1) وسائل الشیعة 2-680 ح 3.
2- (2) وسائل الشیعة 2-682 ح 5.
3- (3) وسائل الشیعة 2-681 ح 3.

الثالثة: بماء قراح، لقول الصادق علیه السلام: یغسل المیت ثلاث غسلات: مرة بالسدر، و مرة بالماء یطرح فیه الکافور، و مرة أخری بالماء القراح(1). و الأمر للوجوب.

و یجب فی کل غسلة الترتیب، یبدأ بغسل رأسه، ثم بشقه الأیمن، ثم بشقه الأیسر مستوعبا، لقول النبی صلی اللّه علیه و آله لما توفت ابنته للنساء ابدأن بمیامنها(2). و قول الصادق علیه السلام: إذا أردت غسل المیت إلی أن قال: و یغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر، ثم سائر جسده، و ابدأ بشقه الأیمن - إلی أن قال: - فاغسله مرة أخری بماء کافور، ثم اغسله بماء غسلة أخری(3).

و قول الباقر علیه السلام: غسل المیت مثل غسل الجنب(4).

و هل یسقط الترتیب بالغمس فی الکثیر؟ إشکال.

و الواجب جعل السدر فی الأولی خاصة، و الکافور فی الثانیة خاصة.

فلو غیر الترتیب فغسله أولا بالقراح و ثانیا بالسدر، أو الکافور و ثالثا بالآخر، احتمل الطهارة، لحصول الإنقاء المقصود من الغسلات، و العدم، لمخالفة الأمر. و لو غیر ترتیب کل غسلة أعاد علی ما یحصل معه الترتیب کالجنابة.

و یستحب أن یبدأ بغسل یدیه قبل رأسه، ثم یغسل رأسه یبدأ بشقه الأیمن ثم بشقه الأیسر. و أن یغسل کل عضو منه فی کل غسلة ثلاث مرات للروایة(5).

و إذا فرغ من غسل رأسه وضعه علی جانبه الأیسر لیبدو له الأیمن، فیغسله فی کل غسلة من قرنه إلی قدمه. ثم یضعه علی جانبه الأیمن لیبدو له

ص:224


1- (1) وسائل الشیعة 2-681 ح 4.
2- (2) سنن ابن ماجة 1-469.
3- (3) وسائل الشیعة 2-680 ح 2.
4- (4) وسائل الشیعة 2-685 ح 1.
5- (5) وسائل الشیعة 2-680 ح 2.

الأیسر، فیغسله من قرنه إلی قدمه. و لا یغسل أکثر من ثلاث مرات، لأنه أمر شرعی فیقف علی الإذن.

و لا ینبغی وضع السدر صحیحا بل مطحونا، لأن المراد التنظیف و إنما یحصل به.

و لو تعذر السدر أو الکافور أو هما، فالأقوی عدم سقوط الغسلة، لأن وجوب الخاص یستلزم وجوب المطلق.

و لو لم یجد السدر، ففی تغسیله بما یقوم مقامه من الخطمی أو نحوه إشکال، ینشأ من عدم النص، و حصول الغرض. و لو غسله بذلک مع وجوده لم یجز، و کذا لو غسله بالقراح من غیر سدر و کافور، و فی حصول التطهیر إشکال.

و الغریق یغسل واجبا. و لا فرق فی ذلک کله بین الرجل و المرأة و الکبیر و الصغیر.

و یستحب مسح بطنه فی الغسلتین الأولتین قبلهما رقیقا، لخروج ما لعله بقی مع المیت، لاسترخاء الأعضاء و عدم القوة الماسکة، و بقاؤه یؤدی إلی خروجه بعد الغسل، فیؤذی الکفن، إلا الحامل لئلا یخرج الولد و لا یمسح فی الثالثة عند علمائنا، لحصول المطلوب بالأولتین.

و إذا خرج من المیت شیء بعد غسله ثلاثا، فإن لم یکن ناقضا کالدم غسل، و إن لم یکن نجسا فلا بأس. و إن کان أحد النواقض، فالأقوی الاکتفاء بغسل النجاسة دون إعادة الغسل، لقول الصادق علیه السلام: و لا تعد الغسل(1).

ص:225


1- (1) وسائل الشیعة 2-723 ح 1.
البحث الثالث (فی بقایا مسائله)

قیل: باستحباب وضوء المیت، لقول الصادق علیه السلام: فی کل غسل وضوء إلا غسل الجنابة. و قیل: بعدمه، لأنه کغسل الجنابة، فإن قلنا باستحبابه منعنا المضمضة و الاستنشاق، لئلا یدخل الماء جوفه.

و یستحب إمرار ید الغاسل علی جسد المیت، فإن خیف من ذلک لکونه مجدورا أو محترقا، اکتفی بصب الماء علیه، لقول الباقر علیه السلام: المجدور و الکسیر و الذی به القروح یصب علیه الماء صبا(1).

فإن خیف من صب الماء یمم بالتراب إجماعا، لتعذر الماء. و لأن قوما أتوا النبی صلی اللّه علیه و آله فقالوا: یا رسول اللّه مات صاحب لنا و هو مجدور، فإن غسلناه انسلخ، قال: یمموه(2).

و کذا ییمم المیت لو فقد الماء، أو تعذر الوصول إلیه، أو وجد المضاف، أو النجس، أو اضطر الحی إلی شربه.

و إذا مات الجنب: أو الحائض أو النفساء، کفی غسل الموت إجماعا، قال الباقر علیه السلام فی الجنب: إذا مات لیس علیه إلا غسل واحد(3). و لا یجب التسمیة فی غسل المیت للأصل.

و یستحب فی کل غسلة صاع، و الواجب الإنقاء، لقول العسکری علیه السلام: حده یغسل حتی یطهر(4). و ینبغی أن یبدأ فی کل غسلة بیدیه و فرجه مبالغة فی الإنقاء.

و یستحب للغاسل أن یذکر اللّه تعالی عند غسله، و قال الباقر علیه

ص:226


1- (1) وسائل الشیعة 2-702 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 2-703 ح 3.
3- (3) وسائل الشیعة 2-721 ح 4.
4- (4) وسائل الشیعة 2-718 ح 2 ب 27.

السلام: أیما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلبه: «اللّهم هذا بدن عبدک المؤمن و قد أخرجت روحه و فرقت بینهما، فعفوک عفوک» إلا غفر له ذنوب سنته إلا الکبائر(1).

و یستحب وقوف الغاسل علی جانبه الأیمن. و یکره جعله بین رجلیه، لقول الصادق علیه السلام: و لا یجعله بین رجلیه فی غسله، بل یقف من جانبه(2).

و یشترط فی الماء الطهارة إجماعا، فإن النجس لا یطهر غیره.

و الإطلاق، فإن المضاف غیر مطهر. و ینجس بما یلاقیه من النجاسة، و الأقوی علی قول المرتضی ذلک، لأنه عبادة فأشبهت الوضوء. و لو جعلناه کغسل النجاسة انسحب علی قوله الجواز.

و الملک و الإباحة، فلا یجوز الغسل بالماء المغصوب مع علم الغاصب، و لا یحصل به الطهارة، فإن جعلناه إزالة النجاسة احتمل الطهارة. و لو کان الغاسل جاهلا أجزأ کالوضوء. و کذا یجب کون الکافور و السدر مملوکین. و لو غسله فی مکان مغصوب، فإن جعلناه عبادة محضة، فالأقوی عدم الإجزاء، و إن جعلناه إزالة نجاسة أجزأ.

و إذا تعذر استعمال الماء وجب التیمم بتراب مملوک له طاهر أو مباح مطلق، و هل ییمم ثلاثا أو مرة ؟ الأقرب الأول، لأنه بدل عن ثلاثة أغسال.

و یحتمل الثانی، لاتحاد غسل المیت.

و إذا فرغ من غسله شفه بثوب مستحبا، لئلا یسرع الفساد إلی الکفن مع البلل و للروایة(3).

ص:227


1- (1) وسائل الشیعة 2-690 ح 1.
2- (2) المعتبر ص 74.
3- (3) وسائل الشیعة 2-680 ح 2.
البحث الرابع (فی المکروهات)

یکره إقعاد المیت و عصره قاعدا، لأن فی إقعاده أذی له، و فی روایة حمران بن أعین: إذا غسلت المیت فارفق به و لا تعصره. و فی أخری: و لا تعصروا له مفصلا(1).

و یکره أیضا قص أظفاره، و ترجیل شعره عند جمیع علمائنا. و کذا حلق العانة، و نتف الإبط، و حف الشارب، لأن الساقط منه یوضع فی کفنه، فلا معنی لقص ذلک مع القول بوضعها فی الکفن. و قول الصادق علیه السلام: لا یمس من المیت شعر و لا ظفر، و إن سقط منه شیء فاجعله فی کفنه(2).

و یحرم حلق رأسه، قال الشیخ: إنه بدعة(3). و یکره تسریح اللحیة، و إن کانت ملبدة، لأدائه إلی سقوط شیء من شعره.

و لا یختن المیت إذا لم یکن مختتنا و إن کان کبیرا. و کذا لو وصل عظمه بعظم میتة لم تقلع، لأنه صار جزءا منه، فصار کله میتا.

و ینبغی إخراج الوسخ من بین أظفاره بعود لیّن، و إن شد علیه قطنا و یتبعها به کان أولی. و لیس من السنّة ظفر شعر المیت، لئلا یسقط منه شیء.

و یکره إسخان الماء إلا لضرورة، کالبرد المانع للغاسل عنه، لقول الباقر علیه السلام: لا یسخن الماء للمیت(4). و لأن المراد شد المیت بالماء البارد، و لهذا طرح الکافور فیه لیشده و یبرده، و المسخن یرخیه، فإن احتیج إلی الإسخان زالت الکراهة. و لو تعذر و لم یتمکن الغاسل منه للبرد یممه.

و لا یستحب الدخنة بالعود و لا بغیره و لا التجمیر عند الغسل، لأن

ص:228


1- (1) وسائل الشیعة 2-692 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 2-694 ح 1.
3- (3) الخلاف 1-282.
4- (4) وسائل الشیعة 2-693 ح 1.

الاستحباب أمر شرعی، فیقف علی دلالته. قال الباقر علیه السلام: لا تقربوا موتاکم النار(1). یعنی الدخنة.

المطلب الثانی (فی الغاسل)
اشارة

الأصل أن یغسل الرجل مثله و المرأة مثلها. و لیس للرجل أن یغسل المرأة إلا بأحد أسباب ثلاثة: الزوجیة و المحرمیة و الملک.

فهنا مباحث:

البحث الأول (فی الزوجیة)

یجوز للرجل أن یغسل زوجته اختیارا، عند أکثر علمائنا، لأن فاطمة علیها السلام أوصت أن تغسلها أسماء بنت عمیس و علی علیه السلام، فکان علی علیه السلام یصب الماء علیها(2). و سئل الصادق علیه السلام عن الرجل یخرج إلی السفر و معه امرأة یغسلها؟ قال: نعم و أخته(3).

و للشیخ قول آخر بالمنع، إلا مع عدم النساء من وراء الثیاب، لأن الموت فرقة تبیح الأخت و الرابعة [أی الفرقة] [1] فحرمت اللمس و النظر کالمطلقة بائنا.

و کما یجوز للرجل أن یغسل زوجته، فکذا الزوجة أن تغسل زوجها اختیارا، و المطلقة رجعیا کالزوجة، و البائن أجنبیة.

و لا فرق بین الزوجة الحرة و الأمة و المکاتبة و المتولدة، و غیر المدخول بها،

ص:229


1- (1) وسائل الشیعة 2-735 ح 12.
2- (2) وسائل الشیعة 2-717.
3- (3) وسائل الشیعة 2-705.

کالمدخول بها لوجود المقتضی و هو الزوجیة.

و لو کانت ذمیة، لم یجز له غسلها، لأن المسلم لا یغسل الکافر، و الأقرب أن لکل من الزوجین تجرید صاحبه عند غسله کمجانسه. و یجوز لأم الولد أن تغسل مولاها. و لو لم یکن أم ولد احتمل ذلک کأم الولد، و المنع، لانتقال الملک إلی غیره و لم یکن بینهما من الاستمتاع ما تصیر [1] به فی معنی الزوجات.

البحث الثانی (الملک)

یجوز للسید غسل أمته و مدبرته و أم ولده، لأنهن فی معنی الزوجیة، فی اللمس و النظر و الاستمتاع، فکذلک فی الغسل کالحرة، و الأقوی أن المکاتبة کالأجنبیة، لتحریمها علی المولی بعقد الکتابة. سواء کانت مطلقة أو مشروطة.

و لو کانت الأمة مزوجة أو معتدة، لم یکن للسید تغسیلها، و لا لها تغسیل السید. و لو انعتق بعضها فکالحرة الأجنبیة، أما المولی منها من الزوجات و الإماء و المظاهر منها، فإنهن کالزوجات.

البحث الثالث (المحرمیة)

للرجل أن یغسل من ذوی أرحامه محارمه من وراء الثیاب عند عدم الزوج و النساء، و نعنی بالمحارم من لا یحل له وطؤها بالنسب أو الرضاع، کالبنت و الأخت و العمة و الخالة و بنت الأخ و بنت الأخت، لتسویغ النظر إلیهن فی الحیاة.

أما من لیس من المحارم من ذوی الأرحام، کبنت العم و بنت الخال، فإنهن کالأجنبیات.

ص:230

و لو مات الرجل و لم یوجد رجل مسلم یغسله و لا زوجة، جاز أن یغسله بعض محارمه من وراء الثیاب، لقول الصادق علیه السلام فی الرجل یموت و لیس عنده من یغسله إلا النساء هل یغسله النساء؟ قال: یغسله امرأته أو ذات محرمة، و یصب علیه الماء صبا من فوق الثیاب(1).

و لا یجوز أن یغسل الرجل الأجنبیة، و لا الأجنبیة الرجل، لتحریم النظر.

و للنساء غسل الطفل مجردا من ثیابه إجماعا، و إن کان أجنبیا اختیارا أو اضطرارا، لأن المرأة تربیه و لا تنفک عن الاطلاع علی عورته. و اختلف فی تقدیره، و الأقرب أنه ابن ثلاث سنین، لأن الصادق علیه السلام سئل إلی کم یغسله النساء؟ فقال: إلی ثلاث سنین(2). و قیل: إلی خمس.

و کذا یغسل الرجل الصبیة عند جمیع علمائنا إذا کانت بنت ثلاث سنین مجردة، و إن کانت أجنبیة لأنها لیست محل الشهوة.

و لا یشترط فی الغاسل البلوغ، بل یجوز تغسیل الممیز. و کذا یصح أن یغسل المحرم الحلال و بالعکس.

البحث الرابع (فی حالة الاضطرار)

إذا مات الرجل و لیس هناک رجل مسلم و لا زوجته، غسلته محارمه من وراء الثیاب، لقول الصادق علیه السلام: إذا مات الرجل مع النساء، غسلته امرأته، فإن لم تکن امرأته غسلته أولاهن به، و یلف علی یدیها خرقة(3).

و لو لم یکن هناک محرم و کان هناک ذات رحم غسله کذلک.

ص:231


1- (1) وسائل الشیعة 2-706 ح 4.
2- (2) وسائل الشیعة 2-712 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 2-706 ح 6.

و لو لم یکن هناک ذات رحم و کان هناک رجال کفار و نساء مسلمات، أمر بعض النساء رجلا کافرا بالاغتسال، و علمته غسل أهل الإسلام ثم یغسله، لقول الصادق علیه السلام فی مسلم مات و لیس معه رجل مسلم و لا امرأة مسلمة من ذوی قرابته و معه رجال نصاری و نساء مسلمات، قال: یغتسل النصاری ثم یغسلونه فقد اضطر(1).

و لو لم یکن معه أحد من الکفار، دفن من غیر غسل و لا تیمم، لأن نظر الأجنبیات إلیه حرام.

و لو ماتت امرأة مسلمة و لیس هناک زوج و لا ذو رحم و لا نساء، دفنت بثیابها و لا یغسلها الأجنبی و لا ییممها، لتحریم النظر و اللمس، و لقول الصادق علیه السلام: تدفن و لا تغسل(2). و روی أنهم یغسلون محاسنها یدیها و وجهها(3) ، لأنه مواضع التیمم.

و لو کان مع الرجال الأجانب نساء کافرات، أمر الرجال المسلمون امرأة من الکفار بالاغتسال، ثم یعلمها غسل المسلمات فتغسلها، لقول الصادق علیه السلام عن المرأة المسلمة تموت و لیس معها امرأة مسلمة و لا رجل مسلم من ذوی قرابتها، معها نصرانیة و رجال مسلمون، قال: تغتسل النصرانیة ثم تغسلها(4).

و غسل الکافر و الکافرة إما تعبد، أو لزوال النجاسة الطاریة. و إذا غسله الکافر أو الکافرة لتعذر المسلم و المسلمة، ثم وجد مسلم أو مسلمة، فالوجه إعادة الغسل ما لم یدفن، لأن تسویغه للضرورة و قد زالت.

و هل یجب علی من مسه بعد هذا الغسل الغسل أو لا؟ إشکال، أقربه الوجوب، لعدم حصول الطهارة به.

ص:232


1- (1) وسائل الشیعة 2-704 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 2-709 ح 3.
3- (3) وسائل الشیعة 2-710 ح 1.
4- (4) وسائل الشیعة 2-704 ح 1.

و لو کان المیت خنثی مشکلا، فإن کان صغیرا، فلکل من الرجال و النساء غسله. و إن کان کبیرا، فإن کان له ذو رحم من الرجال أو النساء غسله، و إن لم یکن احتمل دفنه من غیر غسل، و شراء جاریة من ترکته تغسله، فإن لم تکن ترکة فمن بیت المال، و یبعد بانتفاء الملک عنه بموته.

و إذا حصل جماعة یصلحون للغسل، فأولاهم به أولاهم بالمیراث. و لو کان المیت امرأة، فالزوج أولی بها من کل أحد فی جمیع أحکامها. و لو کان القریب أو الزوج أو الزوجة کافرا فکالمعدوم.

المطلب الثالث (فی المحل)
اشارة

و مباحثه ثلاثة [1]:

البحث الأول (من یجب غسله)

یجب تغسیل المیت المسلم و من هو بحکمه، و تکفینه و الصلاة علیه و دفنه، علی الکفایة بإجماع علماء الإسلام، فإن أعرابیا سقط عن بعیره فرفص فمات، فقال النبی صلی اللّه علیه و آله: اغسلوه بماء و سدر(1).

و حینئذ یحرم أخذ الأجرة علی الواجب فی هذه الأحوال، لا علی المستحب. و لا یجب علی المسلمین بذل ماء الغسل و ثیاب الکفن إجماعا.

و فی تغسیل المیت ثواب عظیم، قال الصادق علیه السلام: من غسل میتا فستر و کتم خرج من الذنوب کما ولدته أمه(2).

و یجب تغسیل کل میت مسلم و من هو بحکمه من أطفالهم للأمر به. و لا

ص:233


1- (1) سنن ابن ماجة 2-1030.
2- (2) وسائل الشیعة 2-692 ح 2.

یجوز تغسیل الکافر، فإن کان ذمیا أو مرتدا، قریبا کان أو أجنبیا، لانتفاء قبوله للطهارة، و لعدم الصلاة علیه و الدعاء له، و أولاد المشرکین کآبائهم.

و یغسل ولد الزنا. و المخالف یغسل غسلة.

و یجب تغسیل أموات المسلمین من الکبار و الصغار، لأن الملائکة غسلت آدم علیه السلام، و قالوا لولده: هذه سنّة موتاکم.

و لو وجد میت لا یعلم أ مسلم هو أو کافر؟ اعتبر بالعلامات کالختان، فإن لم یکن هناک علامة، غسل و صلی علیه إن کان فی دار الإسلام، و إلا فلا.

البحث الثانی (فی السقط و الأبعاض)

السقط إذا کمل له أربعة أشهر، وجب أن یغسل، لروایة أحمد بن محمد عمن ذکره قال: إذا أتم السقط أربعة أشهر غسل(1). و لو کان له أقل من أربعة أشهر، لم یغسل و لم یکفن و لم یصل علیه، بل یلف فی خرقة و یدفن إجماعا.

و إذا وجد بعض المیت، فإن خلا عن عظم لف فی خرقة و دفن من غیر غسل، و یجب علی من مسها غسل یده دون الغسل. و إن کان فیه عظم، فإن کان الصدر کان حکمه حکم المیت فی أحکامه کلها، من التغسیل و التکفین و الصلاة علیه، و فی وجوب تحنیطه إشکال، ینشأ من اختصاص وجوبه بالمساجد، و من الحکم بالمساواة. و أما غیر الصدر فإنه یغسل و یلف فی خرقة و یدفن و لا یصلی علیه، و یجب علی من مسه الغسل.

قال سلار: و یحنط(2). و هو حق إن کان أحد المساجد، و إلا فلا لأصالة البراءة.

ص:234


1- (1) وسائل الشیعة 2-695 ح 2.
2- (2) المراسم ص 630.

و لو أبینت قطعة من حی، فإن کانت ذات عظم، وجب غسلها و لفها فی خرقة و دفنها، و إلا لفت فی خرقة و دفنت.

البحث الثالث (فی الشهید)

إن مات فی المعرکة لا یغسل و لا یکفن، بل یصلی علیه عند جمیع علمائنا، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کذا فعل و أمر بدفن شهداء أحد من غیر تغسیل و لا کفن، و قال: زملوهم بدمائهم، فإنهم یحشرون یوم القیامة و أوداجهم تشخب دما، اللون لون الدم، و الریح ریح المسک(1).

و لو نقل من المعرکة و به رمق، أو انقضی الحرب و به رمق، غسل و کفن، سواء أکل أو لا وصی أو لم یوص، للأصل، و لقول الصادق علیه السلام: الذی یقتل فی سبیل اللّه یدفن بثیابه و لا یغسل، إلا أن یدرکه المسلمون و به رمق، ثم یموت بعد فإنه یغسل و یکفن و یحنط، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله کفن حمزة فی ثیابه و لم یغسله، لکنه صلی علیه(2).

و اختلف فی الشهید لو کان جنبا، فالمرتضی أوجب غسله، لأن حنظلة بن الراهب قتل یوم أحد فقال النبی صلی اللّه علیه و آله: ما شأن حنظلة فإنی رأیت الملائکة تغسله(3) ، فقالوا: إنه جامع ثم سمع الهیعة فخرج للقتال. و قال الشیخ: لا یغسل للعموم(4).

و کذا لو طهرت المرأة من الحیض أو النفاس ثم استشهدت، لم تغسل للعموم.

و لا فرق فی الشهید بین الرجل و المرأة و الصبی و الکبیر و الرضیع و الحر

ص:235


1- (1) جامع الأصول 11-430.
2- (2) وسائل الشیعة 2-700 ح 9.
3- (3) وسائل الشیعة 2-698 ح 2.
4- (4) الخلاف 1-288.

و العبد، لأنه مسلم قتل فی معرکة المشرکین فکان کالبالغ و الحر، و لأنه کان فی قتلی أحد و بدر أطفال لحارثة بن النعمان و عمر بن أبی وقاص، و لم ینقل أن النبی صلی اللّه علیه و آله غسلهم. و فی یوم الطف قتل رضیع الحسین علیه السلام و لم یغسله.

البحث الرابع (فی شرط الشهید)

و له شرطان: الأول: تسویغ القتل بین یدی الإمام. الثانی: الموت فی المعرکة بسبب.

فلو قتل أهل البغی واحدا من أهل العدل فهو شهید لا یغسل و لا یکفن، لأن علیا علیه السلام لم یغسل من قتل معه(1). و أوصی عمار أن لا یغسل، و قال: ادفنونی فی ثیابی فإنی مخاصم. و أوصی أصحاب الجمل أنا مستشهدون غدا، فلا تنزعوا عنا ثوبا، و لا تغسلوا عنا دما.

و لو قتل أهل العدل رجلا من البغاة، غسل و کفن و صلی علیه، و هو أحد قولی الشیخ(2) ، لقوله علیه السلام: صلوا علی من قال «لا إله إلا اللّه»(3). و لأنه مسلم قتل بحق فأشبه النصرانی. و فی موضع آخر قال: إنه کافر لا یغسل و لا یصلی علیه(4). لأنهم جماعة لیس لهم منعة و قوة باینوا أهل الحق بدار و قتال، فلا یغسلون و لا یصلی علیهم کأهل الحرب.

و شرط الشیخان فی سقوط غسل الشهید أن یقتل بین یدی إمام عادل فی نصرته، أو من نصبه.

و یحتمل اشتراط تسویغ القتال، فقد یجب القتال و إن لم یکن هناک إمام،

ص:236


1- (1) وسائل الشیعة 2-699 ح 4.
2- (2) الخلاف 1-290 مسألة 61.
3- (3) أورده الشیخ فی الخلاف 1-290.
4- (4) الخلاف 1-290 مسألة 59.

بأن یدهم المسلمین عدو، فإنه یجب علی کل أحد دفعه، لقولهم علیهم السلام: اغسل کل الموتی إلا من قتل بین الصفین.

و کل مقتول فی غیر المعرکة یغسل و یکفن و یحنط و یصلی علیه، و إن قتل ظلما، أو دون نفسه أو أهله أو ماله، عند جمیع علمائنا، لقوله علیه السلام:

اغسل کل الموتی إلا من قتل بین الصفین(1).

و النفساء تغسل و تکفن و یصلی علیها إجماعا. و کذا المطعون و المبطون و الغریق و المهدوم علیهم، و تسمیتهم شهداء باعتبار الفضیلة، و قد صلی النبی صلی اللّه علیه و آله علی امرأة ماتت فی نفاسها.

و لا فرق بین أن یقتل الشهید بالحدید، أو بالخشب، أو بالصدم، أو اللطم بالید و الرجل، عملا بإطلاق اللفظ. و لو عاد علیه سلاحه فقتله فهو کالمقتول بین یدی العدو، لأنه قتل بین الصفین.

و لو وجد غریقا أو محترقا فی حال القتال، أو میتا لا أثر فیه، لم یغسل عند الشیخ، لاحتمال موته بسبب من أسباب القتال. و قال ابن الجنید:

یغسل لأصالة وجوبه.

و لو حمل علیهم فتردی فی بئر، أو وقع من جبل، أو سقط من فرسه، أو رفسه فرس غیره، فهو شهید. و لو انکشف الصف عن مقتول من المسلمین لم یغسل، و إن لم یکن به أثر.

البحث الخامس (فی المقتول غیر الشهید)

کل مقتول غیر شهید یجب أن یغسل و یکفن، فلو قتل اللص رجلا غسل و کفن، سواء قتل بحدید أو غیره، لأن علیا علیه السلام قتل بحدید و غسل، و کذا عمر.

ص:237


1- (1) وسائل الشیعة 2-698 ح 3.

و لو قتل اللص و قاطع الطریق غسلا و کفنا، لأن الفسق لا یمنع وجوب هذه الأحکام.

و من وجب علیه القود أو الرجم، یؤمر بالاغتسال و التخیط و التکفین، ثم یقام علیه الحد و یدفن، لأن الصادق علیه السلام قال: المرجوم و المرجومة یغسلان و یحنطان و یلبسان الکفن قبل ذلک و یصلی علیهما(1).

و المقتص منه بمنزلة ذلک یغتسل و یتحنط و یلبس الکفن و یصلی علیه.

و المراد بالصلاة بعد الموت.

و إذا قتل قودا أو رجما، لم یجب غسله ثانیا. و هل یغسل ثلاثا بالسدر و الکافور و القراح أو بالأخیر خاصة ؟ إشکال، أقربه الأول، لأن الإحالة إلی المعهود و لو مسه بعد القتل لم یجب علیه الغسل لأنه متطهر بغسله السابق و هو هنا غسل الأموات.

و لو مسه بعد القتل، لم یجب علیه الغسل، لأنه متطهر بغسله السابق، و إلا انتفت فائدته، و تقدیم الغسل یمنع من تجدید النجاسة بالموت، لتحقق الطهارة به. و لا یجب بمس الشهید الغسل لطهارته.

و لو اغتسل المقتول قودا فمات قبل القتل، وجب أن یغسل و یکفن ثانیا، و یجب علی من مسه الغسل، لعدم تأثیر السابق فی الموت حتف الأنف، و کذا لو قتل لغیر ما اغتسل له، کما لو وجب قتله بالزنا، فاغتسل أولا و أمر الحاکم بقتله فیه، فحضر ولی القصاص و طالب به، فالأقرب وجوب الاغتسال ثانیا علی إشکال.

البحث السادس (فی المحرم)

المحرم کالمحل فی وجوب تغسیله، إلا أنه لا یقرب الکافور، و لا غیره

ص:238


1- (1) وسائل الشیعة 2-703 ب 17.

من أنواع الطیب فی تغسیله و لا حنوطه، لقوله علیه السلام: لا تقربوه طیبا، فإنه یحشر یوم القیامة ملبیا(1). و لا یمنع من المخیط و لا تغطیة الرأس و الرجلین، لأن محمد بن مسلم سأل الباقر و الصادق علیهما السلام عن المحرم کیف یصنع به إذا مات ؟ قال: یغطی وجهه و یصنع به کما یصنع بالحلال، غیر أنه لا یقرب طیبا(2).

و قال المرتضی و ابن أبی عقیل: إحرامه باق، فلا یخمر رأسه. و یغسل کما یغسل الحلال، و لا یکفی صب الماء علیه، و تغطی رجلاه و وجهه. و یجوز أن یلبس المخیط، و لو کانت امرأة ألبست القمیص و خمر رأسها و لا تقرب طیبا، و یغطی وجهها.

و لا تلحق المعتدة بالمحرم، لأن وجوب الحداد للتفجع علی الزوج و قد زال بالموت. و لا یلحق المعتکف بالمحرم و إن حرم علیه الطیب حیا.

و لا فرق بین الحج و العمرة، و لو أفسد حجه بالجماع، فکالمحرم الصحیح، لمساواته له فی الأحکام.

و لو مات عقیب التحلل الأول - و هو عقیب الحلق أو التقصیر المحلل لما عدا الطیب و النساء، فکالمحرم. أما لو تحلل الثانی - و هو عقیب طواف الزیارة المحلل للطیب - ففی إلحاقه بالمحرم من حیث أنه لم یحل مطلقا، لتحریم النساء علیه، أو بالمحلل لإباحة الطیب له حیا فکذا میتا إشکال، و الأخیر أقرب.

ص:239


1- (1) سنن ابن ماجة 2-1030.
2- (2) وسائل الشیعة 2-696 ح 2.

ص:240

الفصل الرابع (فی تکفینه)

اشارة

و فیه مطلبان:

المطلب الأول (فی تحنیطه)

إذا فرغ من غسله نشفه بثوب لئلا تبل أکفانه، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله قال لأم سلیم: فإذا فرغت منها فألقی علیها ثوبا نظیفا. و فی حدیث ابن عباس أن النبی صلی اللّه علیه و آله لما غسل جففوه بثوب.

ثم ینقل إلی أکفانه المبسوطة المعدة له برفق مستورا بثوب، فیجعل علیها مستلقیا، لأنه أمکن لإدراجه فیها.

ثم یحنطه واجبا، بأن یمسح مساجده السبعة بالکافور بأقل اسمه، و أقل فضله درهم، و أزید منه أربعة مثاقیل، و الأکمل ثلاث عشر درهما و ثلث، لأن جبرئیل علیه السلام نزل بأربعین درهما من کافور الجنة، فقسمه النبی صلی اللّه علیه و آله بینه و بین علی علیه السلام و فاطمة علیها السلام أثلاثا(1). و هل کافور الغسلة من هذه الثلاثة عشر و ثلث أو لا؟ قولان.

ص:241


1- (1) وسائل الشیعة 2-730 و 731.

و لا یقوم غیر الکافور مقامه، فلا یجوز استعمال المسک و غیره، إلا الذریرة، لأن المیت کالمحرم.

و لو تعذر الکافور سقط الحنوط لعدم تسویغ غیره. و لا یجب استیعاب المساجد بالمسح.

المطلب الثانی (فی تکفینه)
اشارة

و فیه مباحث:

البحث الأول (فی جنسه)

یحرم التکفین فی الحریر المحض للرجال و النساء عند علمائنا، لما فیه من إتلاف المال، و لأن أحدا من الصحابة و التابعین لم یفعله. و لو کان سائغا لفعلوه، لأنهم کانوا یفتخرون بجودة الأکفان، و قد استحب الشارع تجویدها.

و سأله الحسین بن راشد عن ثیاب تعمل بالبصرة علی عمل القصب الیمانی من قز و قطن هل یصلح أن یکفن فیها الموتی ؟ قال: إذا کان القطن أکثر من القز فلا بأس(1) ، دل بمفهومه علی التحریم مع صرافة القز.

و القصب ضرب من برود الیمن یسمی بذلک، لأنه یصنع بالقصب، و هو ینبت بالیمن. و یحتمل عندی کراهة ذلک للمرأة، لإباحته لها فی الحیاة.

و یستحب أن یکون الکفن قطنا محضا أبیض أجما، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کفن فی القطن الأبیض.

و قال علیه السلام: البسوا من ثیابکم البیاض، فإنه أطهر و أطیب، و کفنوا فیه موتاکم(2). و قول الصادق علیه السلام: الکتان کان لبنی إسرائیل

ص:242


1- (1) وسائل الشیعة 2-753 ح 1 ب 23.
2- (2) سنن ابن ماجة 2-1181، وسائل الشیعة 2-750.

یکفنون به، و القطن لأمة محمد صلی اللّه علیه و آله(1).

و یکره الکتان عند علمائنا، لقول الصادق علیه السلام: لا یکفن المیت فی کتان(2). و کذا یکره الممتزج بالحریر.

و یشترط أن یکون مما یجوز فیه الصلاة، فلا یصح التکفین فی الجلود.

لأنها(3) تنزع عن الشهید، مع أنه یدفن بجمیع ما علیه، و لا یناسب تکفین غیره بها. و الأقرب جواز التکفین بالصوف و الشعر و الوبر، لجواز الصلاة فیها.

و فی جلود ما یؤکل لحمه إذا کان مذکی إشکال.

و یشترط فیه أیضا الطهارة إجماعا، فلا یجوز أن یکفن فی النجس، لأنه لو لحقه نجاسة بعد التکفین وجب إزالته فقبله أولی. و أن یکون مملوکا، فلا یجوز التکفین فی المغصوب إجماعا، لقبح التصرف فی مال الغیر بغیر إذنه.

و یکره أن یکفن فی الثیاب السود إجماعا، لأن وصف البیاض بالطیب و الطهور فی کلامه علیه السلام یدل بمفهومه علی کراهة ضده، و لأنها ثیاب مثله، و لقول الصادق علیه السلام: لا یکفن المیت بالسواد(4). و کذا یکره تکفین الرجل و المرأة بالمعصفر و غیره.

البحث الثانی (فی قدره)

و یجب عند أکثر علمائنا للرجل و المرأة ثلاثة أثواب: مئزر، و قمیص هو البقیرة(5) ، و إزار، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کفن فی ثلاثة أثواب سحولیة(6) ،

ص:243


1- (1) وسائل الشیعة 2-751 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 2-751 ح 2.
3- (3) فی «ق» فإنها.
4- (4) وسائل الشیعة 2-751 ح 1 ب 21.
5- (5) کذا فی «ق» و «ر» و فی «س» هو القبر.
6- (6) جامع الأصول 11-414.

و سحول بفتح السین مدینة بالیمن و السحول بضم السین الثیاب البیض. قال الصادق علیه السلام: کفن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فی ثوبین سحولیین، و ثوب حبرة یمنیة عبری(1).

و قال الباقر علیه السلام: الکفن المفروض ثلاثة أثواب تامة، لا أقل منه یواری به جسده کله، فما زاد فهو سنة حتی یبلغ خمسة، فما زاد فمبتدع(2).

و عند بعض علمائنا الواجب لفافة تستر المیت و تعم البدن، و ما زاد مستحب للأصل.

و لو لم یوجد الثلاث، اکتفی بما یوجد. و لو قصر الثوب عن جمیعه، ستر رأسه و جعل علی رجلیه حشیشا. و لو لم یکف إلا العورة، وجب الستر بها، لأنها أهم من غیرها، و لا فرق بین الرجل و الصبی.

و یستحب زیادة حبرة یمنیة منسوبة إلی الیمن، عبریة منسوبة إلی العبر و هو جانب الوادی، غیر مطرز بالذهب، لأن الباقر علیه السلام قال: کفن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فی ثلاثة أثواب: برد حبرة أحمر، و ثوبین أبیضین(3) ، و کفن علی علیه السلام ابن حنیف فی برد أحمر(4). و کفن الحسن علیه السلام أسامة بن زید فی برد أحمر حبرة(5).

و یستحب أن یزاد الرجل فرقة لشد فخذیه طولها ثلاثة أذرع و نصف فی عرض شبر إلی شبر و نصف، و یسمی «الخامسة» یلف بها فخذاه لفا شدیدا.

و یستحب للرجل أیضا العمامة تبنی علیه محنکا، و یخرج طرفاها من الحنک، و یلقیان علی صدره، لقول الباقر علیه السلام: أمر النبی صلی اللّه علیه و آله بالعمامة(6). و قال الصادق علیه السلام: العمامة سنّة(7). و لیست

ص:244


1- (1) وسائل الشیعة 2-726 ح 4.
2- (2) وسائل الشیعة 2-726 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 2-726 ح 3.
4- (4) وسائل الشیعة 2-726 ح 3.
5- (5) نفس المصدر.
6- (6) وسائل الشیعة 2-726 ح 1.
7- (7) نفس المصدر.

من الکفن، فلو سرقها النباش لم یقطع و إن بلغت النصاب، لأن القبر حرز الکفن خاصة.

فللرجل خمسة غیر العمامة، الواجب منها ثلاثة: أما المرأة فیستحب لها الخمسة أیضا، و زیادة لفافتین أو لفافة و نمطا، فیکون المستحب لها سبعة، و یعوض عن العمامة بقناع.

و لا یجوز الزیادة علی ذلک فی الرجل و المرأة، لما فیه من إضاعة المال المنهی عنه.

البحث الثالث (فی الکیفیة)

إذا أراد تکفینه یستحب له أن یغتسل أولا، فإن لم یفعل استحب له أن یتوضأ، فإن لم یتفق غسل یدیه إلی ذراعیه، لأنه استظهار فی التطهیر، و لقول العبد الصالح علیه السلام: یغسل الذی غسله یدیه قبل أن یکفنه إلی المنکبین ثلاث مرات، ثم إذا کفنه اغتسل(1). و هذا الوضوء کاف عن وضوء الصلاة مع انضمام الغسل.

ثم یطیب الکفن بالذریرة، لقول الصادق علیه السلام: و تبسط اللفافة طولا و یذر علیها من الذریرة(2).

و یستحب أن یؤخذ أحسن اللفائف [1] و أوسعها، فتبسط أولا لیکون الظاهر للناس أحسنها، کالحی یجعل الظاهر أفخر ثیابه. و یجعل علیها حنوطا، ثم تبسط الثانیة التی تلیها فی الحسن [2] و السعة، و یجعل فوقها ذریرة أیضا، ثم ینقل المیت إلیها.

ص:245


1- (1) وسائل الشیعة 2-761 ح 2.
2- (2) وسائل الشیعة 2-746.

و یستحب أن یکتب علی الحبرة و القمیص و اللفافة و الجریدتین أنه یشهد الشهادتین، و یسمی الأئمة علیهم السلام واحدا واحدا، لأن الصادق علیه السلام کتب فی حاشیة کفن ولده إسماعیل «یشهد أن لا إله إلا اللّه»(1).

و یکون ذلک بتربة الحسین علیه السلام، فإن تعذر فبالإصبع. و یکره أن یکتب بالسواد.

و یستحب أن یجعل بین ألیتیه شیئا من القطن الخالص من جنسه، لئلا یخرج منه شیء، و لا یدخل فی دبره، بل یبالغ فی إدخاله بین ألیتیه.

ثم یشد فخذیه بالخامسة، یضم فخذیه ضما شدیدا. و یضع علی المذاکیر شیئا من القطن، ثم یخرج رأسها من تحت رجلیه إلی الجانب الأیمن، و یغمزها فی الموضع الذی لف فیه الخرقة، و یلف فخذیه من حقویه إلی رکبتیه لفا شدیدا، ثم یأخذ الإزار فیوزره به، و یکون عریضا یبلغ من صدره إلی الرجلین، فإن نقص عنه لم یکن به بأس.

ثم یحنط مساجده بالکافور، فإن فضل منه شیء، جعله علی صدره و مسحه به، ثم یرد القمیص علیه، و یأخذ الجریدتین و یجعل إحداهما من جانبه الأیمن مع ترقوته و یلصقها بجلده، و الأخری من الأیسر ما بین القمیص و الإزار.

و یعممه فیأخذ وسط العمامة فیثنیها علی رأسه بالدور، و یحنکه بها، و یطرح طرفیها علی صدره. و لا یعممه عمة الأعرابی بغیر حنک. ثم یلفه فی اللفافة فیطوی جانبها الأیسر علی جانبه الأیمن، و جانبها الأیمن علی جانبه الأیسر. ثم یصنع بالحبرة أیضا مثل ذلک، و لو لم یوجد حبرة استحب التعویض بلفافة أخری، و یعقد طرفیها مما یلی رأسه و رجلیه.

و الواجب من ذلک أن یوزره، ثم یلبسه قمیصه، ثم یلفه بالإزار.

ص:246


1- (1) وسائل الشیعة 2-757 ح 1.
البحث الرابع (فی محل الکفن)

محل کفن الرجل ترکته إجماعا، و یقدم الواجب علی جمیع الدیون و الوصایا، لقول الصادق علیه السلام: ثمن الکفن من جمیع المال(1). مقدم علی جمیع الدیون و الوصایا، و لو ضاقت الترکة قدم الکفن و ضاع الدین.

و لو لم یخلف شیئا أصلا، لم یجب علی أحد بذل الکفن عنه، قریبا کان أو بعیدا، سواء وجبت النفقة علیه فی حیاته أو لا، للبراءة الأصلیة و یدفن عریانا. و لو کان فی بیت المال فضل، کفن منه.

و کذا الماء و الکافور و السدر إلا المملوک، لکن یستحب استحبابا مؤکدا.

و أما المرأة فإن کان لها زوج کان کفنها علیه، عند جمیع علمائنا، سواء کانت موسرة أو معسرة، لقول علی علیه السلام: علی الزوج کفن امرأته إذا ماتت(2).

و أما المملوک، فیجب علی مولاه بالإجماع، لاستمرار حکم رقبته إلی الوفاة.

و إنما یخرج من صلب الترکة الکفن الواجب، و هو القمیص و الإزار و اللفافة خاصة بأدون ثمن یکون، و لا فرق بین أن یوصی به أو لا. أما الزائد علی الواجب، فإن اتفق الورثة علیه و لا دین، أو کان و وافق صاحبه، أو کان فاضلا عنه، أو أوصی به، و هو یخرج من الثلث أخرج.

و لو تشاح الورثة و لا وصیة، أو ضاق الثلث عنه، اقتصر علی ما یحتمله الثلث.

و لو أوصی بإسقاط الزائد علی الواجب، نفدت وصیته.

ص:247


1- (1) وسائل الشیعة 2-758 ب 31.
2- (2) وسائل الشیعة 2-759 ح 1.

و لو أوصی بإخراج الکفن من عین فتعذرت، فإن لم ترد الوصیة علی الواجب، أخرج من غیرها و کانت العین میراثا. و لو زادت و هو یخرج من الثلث، أخرج الواجب من غیرها، و سقط الزائد مطلقا.

و لو أوصت الزوجة بالکفن، صحت من الثلث فی الواجب و غیره، لأنه ینزع منها. و لو کان الزوج فقیرا لا یزید ما معه عن قوت یوم و کانت موسرة، أخرج الکفن من ترکتها. و لو ملک ما یقصر عن الواجب، أخرج منه قدر ما معه و الباقی من ترکتها.

و لا فرق بین أن تکون الزوجة صغیرة أو کبیرة، مدخولا [1] بها أو لا، حرة أو أمة.

أما غیر الکفن من ماء الغسل و السدر و الکافور، فالأقرب أنه علی الزوج أیضا.

البحث الخامس (فی بقایا مسائله)

الأول: إذا أخذ السیل المیت، أو أکله السبع و بقی الکفن، کان للورثة دون غیرهم، لأن المیت لا یملک شیئا، و هذا عین ترکته. و لو تبرع أجنبی به، فالأولی أنه للورثة أیضا.

الثانی: یستحب الجریدتان من النخل مع جمیع الأموات، لقوله علیه السلام: خضروا صاحبکم(1) ، أی اجعلوا معه جریدة خضراء. و قول الصادق علیه السلام: یوضع للمیت جریدة فی الیمین و الأخری فی الیسار، فإن الجریدة تنفع المؤمن و الکافر(2).

ص:248


1- (1) وسائل الشیعة 2-739 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 2-737 ح 6.

و لو کان هناک تقیة و لم یتمکن من وضعها فی الکفن، طرحت فی القبر.

فإن لم یقدر، دفن بغیر جریدة.

و یستحب أن یکونا رطبتین، لأن القصد استدفاع العذاب ما دامت رطبة، قیل للصادق علیه السلام: لأی شیء یکون مع المیت جریدة ؟ قال:

یتجافی عنه العذاب ما دامت رطبة(1).

و یستحب أن یکون من النخل، فإن تعذر فمن السدر، فإن تعذر فمن شجر رطب. و یکون قدر کل واحدة قدر عظم الذراع.

الثالث: یکره تجمیر الأکفان، لعدم الأمر به، و لقول الصادق علیه السلام: لا تجمروا الأکفان، و لا تمسوا موتاکم بالطیب إلا بالکافور، فإن المیت بمنزلة المحرم(2).

الرابع: یستحب سحق الکافور بالید. و لا ینبغی أن یکون فیه شیء من المسک و العنبر. و یکون من الجید الخالص لا المغشوش بالنار.

الخامس: یکره أن یوضع شیء من الکافور و المسک و القطن فی سمع المیت و بصره و فیه و جرحه النافذ، إلا أن یخاف خروج شیء منها، فیوضع علیه القطن عند علمائنا، لأن ذلک یفسدها فتجتنب. و قال الصادق علیه السلام:

لا تجعل فی مسامع المیت حنوطا(3).

السادس: یکره قطع الکفن بالحدید، قال الشیخ: سمعناه مذاکرة من الشیوخ و علیه کان عملهم، و لا بد له من أصل، و کذا بل الخیوط التی یخاط بها الکفن بالریق.

السابع: یکره أن یعمل لما یبتدئ من الأکفان أکمام، و لو کفن فی قمیص کان یلبسه لم یقطع کمه و کان جائزا. و سئل الصادق علیه السلام الرجل

ص:249


1- (1) وسائل الشیعة 2-736 ح 4.
2- (2) وسائل الشیعة 2-734 ح 5.
3- (3) وسائل الشیعة 2-747 ح 4.

یکون له قمیص أ یکفن فیه ؟ فقال: اقطع أزراره قلت: و کمه ؟ قال: لا إنما ذلک إذا قطع له و هو جدید لم یجعل له کما. فأما إذا کان ثوبا لبیسا فلا یقطع منه إلا أزراره(1).

الثامن: إذا سقط من المیت شیء، غسل و جعل معه فی أکفانه إجماعا، لأولویة جمیع أجزاء المیت فی موضع واحد.

التاسع: الشهید لا یکفن کما لا یغسل، بل یدفن بثیابه، و لو جرد کفن و لا یدفن عریانا.

ص:250


1- (1) وسائل الشیعة 2-756 ح 2 ب 28.
الفصل الخامس (فی الصلاة علیه)
اشارة

و فیه مطالب:

المطلب الأول (المحل)

یجب الصلاة علی کل میت مسلم، و من هو بحکمه إذا بلغ ست سنین خاصة و صدره، شهید و غیره.

فلا یجوز الصلاة علی الکافر ذمیا کان أو مرتدا أو غیرهما بإجماع العلماء، و لقوله تعالی وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً (1) و لا یجب علی المسلمین تکفینه و لا دفنه و لا غسله و إن کان ذمیا، لأن الذمة قد انتهت بالموت.

و الصبی من أولاد المسلمین إن بلغ ست سنین وجبت الصلاة علیه، لأنه الحد الذی یؤمر معه بالصلاة.

و لا یجب لو نقص سنه عن ذلک للأصل، و لأن الصلاة علی المیت استغفار و شفاعة، فلا معنی للشفاعة فیمن لا یؤمر بالصلاة وجوبا و لا ندبا.

و سئل الصادق علیه السلام متی تجب علیه ؟ قال: إذا کان ابن ست سنین(2).

ص:251


1- (1) سورة التوبة: 84.
2- (2) وسائل الشیعة 2-787 ح 1.

نعم تستحب الصلاة علیه، لقول الکاظم: یصلی علی الصبی علی کل حال، إلا أن یسقط لغیر تمام(1).

و لو خرج بعضه و استهل، ثم مات، استحب الصلاة علیه و إن کان الخارج أقله، لحصول الشرط و هو الاستهلال.

و لا تستحب الصلاة علی السقط.

و لو وجد میت لا یعلم کفره و لا إسلامه، فإن کان فی دار الإسلام ألحق بالمسلمین، و إلا فبالکفار.

و لو امتزج أموات المسلمین بأموات الکفار، صلی علیهم جمیعا بنیة إفراد الصلاة علی المسلمین خاصة. و یجوز أن یصلی علی کل واحد واحد بنیة الصلاة علیه إن کان مسلما، سواء کان المسلمون أکثر أو أقل.

یصلی علی کل مظهر للشهادتین من سائر فرق الإسلام. و لا یصلی علی أطفال المشرکین، لإلحاقهم بآبائهم.

و لا تجب الصلاة علی کل من اعتقد ما یعلم بطلانه من الدین کالخوارج و الغلاة. و تجب علی الفاسق، لقوله علیه السلام: صلوا علی کل بر و فاجر(2).

و یشترط حضور المیت عند جمیع علمائنا، فلا یجوز الصلاة علی الغائب عن البلد، و إلا لصلی علی النبی صلی اللّه علیه و آله فی الأمصار، و کذا الأعیان من الصحابة، و لو فعل ذلک لاشتهر و تواترت مشروعیته، و لأن حضور الجنازة شرط کما لو کانت فی البلد.

و صلاة النبی صلی اللّه علیه و آله علی النجاشی إما بمعنی الدعاء له، أو أن الأرض زویت له فأری الجنازة، و یؤید الأول ما رواه زرارة و محمد بن مسلم

ص:252


1- (1) وسائل الشیعة 2-789 ح 4.
2- (2) سنن ابن ماجة 1-488 ما یشبه ذلک.

قلت له: فالنجاشی لم صلی علیه النبی صلی اللّه علیه و آله فقال: لا إنما دعا له(1).

و لیس ظهوره شرطا، فلو دفن قبل الصلاة علیه صلی علی القبر و لم ینبش إجماعا. و العاری یترک فی القبر و تستر عورته بالتراب، ثم یصلی علیه ثم یدفن.

و إذا دفن المیت قبل الصلاة علیه، صلی علی قبره، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله صلی علی قبر مسکینة دفن لیلا(2). و صلی علی قبر رجل کان یقیم بالمسجد دفن لیلا.

و اختلف فی تقدیر الصلاة علی القبر، فقال بعض علمائنا: یصلی علیه یوما و لیلة لا أزید. و قال آخرون: إلی ثلاثة أیام، و لا یجوز الصلاة بعدها، لقول الکاظم علیه السلام: لا یصلی علی المدفون(3). خرج ما قدرناه بالإجماع، فیبقی الباقی علی المنع.

و لا یصلی علی المدفون إذا کان قد صلی علیه قبل دفنه، عند جمیع علمائنا. و لو دفن بغیر صلاة، ثم قلع صلی علیه مطلقا.

و یصلی علی الشهید عند جمیع علمائنا، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله خرج یوما صلی علی أهل أحد صلاته علی المیت، ثم انصرف إلی المنبر. و قال ابن عباس: إن النبی صلی اللّه علیه و آله صلی علی قتلی أحد، و کان یقدمهم تسعة تسعة و حمزة عاشرهم(4). و قال الصادق علیه السلام: إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله کفن حمزة فی ثیابه و لم یغسله، و لکنه صلی علیه(5).

و یصلی علی المقتول ظلما، أو دون ماله أو نفسه أو أهله، عند جمیع

ص:253


1- (1) وسائل الشیعة 2-795 ح 5.
2- (2) جامع الأصول 7-155.
3- (3) وسائل الشیعة 2-795 ح 8.
4- (4) سنن ابن ماجة 1-485.
5- (5) وسائل الشیعة 2-700 ح 9.

علمائنا، لعموم «صلوا علی من قال لا إله إلا اللّه»(1).

و یصلی علی الصدر و القلب، أو الصدر وحده عند جمیع علمائنا، لأن الصلاة تثبت لحرمة النفس، و القلب محل الأعراض النفسانیة، و منه ینبت الشرایین الساریة فی البدن، و هو الرئیس علی جمیع الأعضاء، فکأنه الإنسان حقیقة، و لقول الکاظم علیه السلام فی الرجل یأکله السبع، فیبقی عظامه بغیر لحم، قال: یغسل و یکفن و یصلی علیه و یدفن(2).

فإذا کان المیت نصفین صلی علی النصف الذی فیه القلب. و لا فرق بین الرأس و غیره من الأعضاء.

و لو وجد الصدر بعد دفن المیت، غسل و صلی علیه و دفن.

و لو أبینت القطعة من حی فی المعرکة، دفن من غیر غسل و لا صلاة.

و إن کان فیها عظم، لأنها من جملة لا یغسل علی إشکال، ینشأ من اختصاص الشهادة بالجملة.

و المرجوم یصلی علیه بعد قتله. و کذا المرجومة، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله رجم الغامدیة و صلی علیها، فقال عمر: ترجمها و تصلی علیها؟ فقال:

لقد تابت توبة لو قسمت علی سبعین من أهل المدینة لو سعتهم(3). و یصلی الإمام و غیره.

و یصلی علی ولد الزنا إجماعا، لأنه مسلم فیندرج تحت العموم. و یصلی أیضا علی النفساء، و علی کل مسلم و إن کان تارکا للصلاة، أو منع زکاة ماله.

و علی الغالی و هو الذی یکتم غنیمته أو بعضها لیأخذه لنفسه. و کذا قاتل نفسه عمدا.

و لا فرق فی وجوب الصلاة بین الذکر و الأنثی، و الحر و العبد، و الفاسق

ص:254


1- (1) الخلاف 1-390.
2- (2) وسائل الشیعة 2-815 ح 1.
3- (3) جامع الأصول 4-282.

و العدل، لأن هشام بن سالم سأل الصادق علیه السلام عن شارب الخمر و الزانی و السارق یصلی علیهم إذا ماتوا؟ فقال: نعم(1).

المطلب الثانی (فی المصلی)

أولی الناس بالصلاة أولاهم بالمیراث، لقوله تعالی وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ (2) و هو أولی من الوصی إذا أوصی إلیه المیت بالصلاة علیه، للآیة، و لأنها ولایة یترتب العصبات، فکان الولی أولی، کولایة النکاح. و قول الصادق علیه السلام: یصلی علی الجنازة أولی الناس بها، أو یأمر من یحب(3). و هو أولی من الوالی للآیة و الخبر.

نعم إمام الأصل أولی من کل أحد. و یجب علی الولی تقدیمه، لأن علیا علیه السلام قال: الإمام من صلی علی الجنازة. و قال علیه السلام: إذا حضر سلطان اللّه جنازة، فهو أحق بالصلاة علیها إن قدمه ولی المیت و إلا فهو غاصب(4).

و لو لم یقدمه الولی، فالأولی أن له التقدم، لأن له من الولایة ما کان للنبی صلی اللّه علیه و آله، و قد قال اللّه تعالی اَلنَّبِیُّ أَوْلی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (5) و یحتمل المنع، لما تقدم من حدیث علی علیه السلام.

و إذا تعدد الأولیاء کان الأب أولی من الجد، لأنه الوارث له دونه، و من الولد و إن شارکه، لأنه أرق و أشفق علیه، فدعاؤه لابنه أقرب إلی الإجابة.

و الجد للأب أولی من الأخ للأبوین. و الابن و إن نزل أولی من الجد، لأنه أحق

ص:255


1- (1) وسائل الشیعة 2-814 ح 1.
2- (2) سورة الأحزاب: 6.
3- (3) وسائل الشیعة 2-801 ح 1 و 2.
4- (4) وسائل الشیعة 2-801 ح 4.
5- (5) سورة الأحزاب: 6.

بالمیراث منه. و الأکثر نصیبا أولی، کالعم أولی من الخال، و الأخ للأب أولی من الأخ للأم.

و لو عدم العصبات، احتمل تقدیم المعتق، لقوله علیه السلام: الولایة لحمة کلحمة النسب(1) ، و لأنه أحق بالمیراث.

و الزوج أولی من کل أحد، لأن الصادق علیه السلام سئل عن المرأة تموت من أحق بالصلاة علیها؟ قال: زوجها، قلت: الزوج أحق من الأب و الولد و الأخ ؟ قال: نعم(2).

و إنما یتقدم الولی إذا کان بشرائط الإمامة، و قد تقدمت فی الجماعة. فإن لم یستکملها استناب، فمن قدمه فهو بمنزلته. و لیس للنائب أن یستنیب، لاختصاصه باعتقاد إجابة دعائه.

و ینبغی للولی أن یقدم الهاشمی، مع اجتماع الشرائط، لقوله علیه السلام: قدموا قریشا و لا تقدموها(3) ، و لیس له التقدم بدون إذن الولی إجماعا.

و الحر البعید أولی من العبد القریب. و الفقیه العبد أولی من غیره الحر.

فإن اجتمع صبی و مملوک و نساء، فالمملوک أولی لصحة إمامته.

و إذا ازدحم الأولیاء قدم الأقرأ، فالأفقه، فالأسن کالمکتوبة، لعموم قوله علیه السلام یؤمکم أقرؤکم(4). فإن تساووا و تشاحوا أقرع، لتساوی حقوقهم.

و لو لم یکن معه إلا نساء، صلین علیه جماعة، تقف إمامتهن وسطهن من غیر بروز، لأنهن من أهل الجماعة، و کان لهن الجماعة هنا کالرجال. و صلی

ص:256


1- (1) صحیح مسلم 2-1144 ما یشبه ذلک.
2- (2) وسائل الشیعة 2-802 ح 1 و 2.
3- (3) کنز العمال 6-198.
4- (4) جامع الأصول 6-376.

أزواج النبی صلی اللّه علیه و آله علی سعد بن أبی وقاص(1). و سئل الباقر علیه السلام المرأة تؤم النساء؟ قال: لا إلا علی المیت إذا لم یکن أحد أولی منها، تقوم وسطهن و تکبّر و یکبّرن(2).

و یجوز للشابة أن تخرج إلی الجنازة علی کراهیة، لما فیه من الافتتان، و قال الصادق علیه السلام: لیس ینبغی للشابة أن تخرج إلی الجنازة تصلی علیها، إلا أن تکون امرأة دخلت فی السن(3).

و إذا صلت المرأة علی المیت، سقط الفرض عن الرجال، و إن کانت حال اختیار. و کذا لو صلی الفاسق منفردا، لأنه فرض کفایة قام به من یصح إیقاعه منه، فتسقط عن الباقین. أما الصبی فلا یسقط الفرض بصلاته، و إن کان مراهقا.

و إذا صلی العراة، وقفوا صفا کالنساء، و یقف إمامهم وسطهم، و لا یتقدمهم لئلا تبدو عورته.

و جامع الشرائط لیس له التقدم إلا بإذن الولی المکلف، و إن لم یکن جامعا لها، لأنه حق له لیس لأحد مزاحمته فیه. و لو لم یکن هناک ولی یقدم بعض المؤمنین.

و إذا اجتمع جنائز و تشاح أولیاؤهم فیمن یتقدم للصلاة علیهم، قدم أولاهم بالإمامة فی الفرائض. و یحتمل تقدیم من سبق میته. و لو أراد ولی کل میت إفراد میته بصلاته جاز إجماعا.

ص:257


1- (1) جامع الأصول. 153.
2- (2) وسائل الشیعة 2-803 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 2-818 ح 3.
المطلب الثالث (فی الکیفیة)

و فیه مباحث:

البحث الأول (فی المقدمات المستحبة)

یستحب تشییع الجنائز بالإجماع، و قد أمر النبی صلی اللّه علیه و آله به و حث علیه(1). قال الباقر علیه السلام: من شیع جنازة امرئ مسلم أعطی یوم القیامة أربع شفاعات، و لم یقل شیئا إلا قال الملک: و لک مثل ذلک(2).

و مراتبه ثلاث:

الأول: أن یصلی و ینصرف.

الثانی: أفضل منه أن یتبعها إلی القبر، ثم یقف حتی یدفن، لقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: من شهد الجنازة حتی یصلی فله قیراط، و من شهد حتی یدفن کان له قیراطان، قیل: و ما القیراطان ؟ قال: مثل الجبلین العظیمین(3).

الثالث: أن یقف بعد الدفن فیستغفر له و یدعو له بالرحمة و یسأل له التثبیت، لأنه علیه السلام کان إذا دفن میتا وقف فقال: استغفروا له و اسألوا اللّه له التثبیت، فإنه الآن یسئل(4). قال علی علیه السلام: من تبع جنازة کتب له أربع قراریط: قیراط لاتباعه إیاها، و قیراط للصلاة علیها، و قیراط للانتظار حتی یفرغ من دفنها، و قیراط للتعزیة(5).

ص:258


1- (1) جامع الأصول 11-418.
2- (2) وسائل الشیعة 2-820 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 2-823.
4- (4) جامع الأصول 11-436.
5- (5) وسائل الشیعة 2-822 ح 1.

و یستحب لمشیع الجنازة أن یکون متخشعا متفکرا فی حاله، متعظا بالموت و بما یصیر إلیه المیت، و لا یتحدث بشیء، من أحوال الدنیا، و لا یضحک.

و أن یکون ماشیا خلف الجنازة، متبعا لها أو إلی أحد جانبیها من غیر تقدم علیها، لأن المستحب التشییع و المشیع متأخر، و لأنها متبوعة فکانت متقدمة. و سأل أبو سعید الخدری أمیر المؤمنین علیه السلام فقال: أخبرنی یا أبا الحسن عن المشی مع الجنازة ؟ فقال: فضل الماشی خلفها علی الماشی قدامها کفضل المکتوبة علی المتطوع، فقلت: أ تقول هذا برأیک أم سمعته من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ فقال: بل سمعته من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله(1).

و قال الباقر علیه السلام: المشی خلف الجنازة أفضل من بین یدیها(2).

و إذا رأی مع الجنازة منکرا، أنکره إن تمکن. فإن لم یقدر علی إزالته، لم یمتنع لأجله من الصلاة علیه، لسقوط الإنکار مع العجز، فلا یسقط الواجب، قال زرارة: حضرت فی جنازة فصرخت صارخة، فقال عطاء:

لتسکتن أو أرجع، فلم تسکت فرجع، فقلت ذلک للباقر علیه السلام فقال:

امض بنا فلو أنا إذا رأینا شیئا من الباطل مع الحق ترکنا له الحق لم نقض حق مسلم(3).

و یجوز للمشیع أن یجلس إذا تبع الجنازة قبل أن توضع فی اللحد من غیر کراهة، للأصل، و لقول علی علیه السلام: قام رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و أمر بالقیام، ثم جلس و أمر بالجلوس(4).

و قال عبادة بن الصامت: کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إذا کان فی جنازة لم یجلس حتی توضع فی اللحد، فاعترض بعض الیهود و قال: إنا لنفعل

ص:259


1- (1) بحار الأنوار 81-284.
2- (2) وسائل الشیعة 2-824 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 2-818 ح 1.
4- (4) جامع الأصول 11-426.

ذلک، فجلس و قال: خالفوهم(1).

و یستحب لمن رأی جنازة أن یقول: «الحمد للّه الذی لم یجعلنی من السواد المخترم».

و یستحب تربیع الجنازة، و هو حملها من جوانبها الأربع عند جمیع علمائنا، لقول الصادق علیه السلام: یبدأ فی الحمل من الجانب الأیمن، ثم یمر علیه من خلفه إلی الجانب الآخر، حتی یرجع إلی المقدم، کذلک دور الرحی(2).

و ینبغی أن یبدأ بمقدم السریر الأیمن، ثم یمر علیه إلی مؤخره، ثم بمؤخر السریر الأیسر و یمر علیه إلی مقدمه.

و ینبغی أن یمشی بالجنازة وسطا بغیر إسراع، لقوله علیه السلام: علیکم بالقصد فی جنائزکم، و لأنه قد ورد: من مشی خلف جنازة کتب له بکل خطوة قیراطا من الأجر(3).

البحث الثانی (فی المکروهات)

یکره الرکوب خلف الجنازة مع القدرة علی المشی، لأنه علیه السلام خرج فی جنازة، فرأی ناسا رکبانا، فقال: أ لا تستحیون أن ملائکة اللّه علی أقدامهم و أنتم علی ظهور الدواب(4). و قال الصادق علیه السلام: خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فی جنازة یمشی، فقال بعض أصحابه: أ لا ترکب ؟ فقال: إنی أکره أن أرکب و الملائکة یمشون(5).

و لو احتاج إلی الرکوب، زالت الکراهة إجماعا. و الکراهة إنما تثبت فی

ص:260


1- (1) جامع الأصول 11-423.
2- (2) وسائل الشیعة 2-830 ح 5.
3- (3) وسائل الشیعة 2-821 ح 6.
4- (4) وسائل الشیعة 2-827 ح 3، جامع الأصول 11-420-421.
5- (5) وسائل الشیعة 2-827 ح 1، جامع الأصول 11-421.

التشییع لا فی العود، لأن علیا علیه السلام کره أن یرکب الرجل مع الجنازة فی بدائه إلا من عذر، و قال: یرکب إذا رجع(1).

و یکره إتباع المیت بنار إجماعا، و لقول الصادق علیه السلام: إن النبی صلی اللّه علیه و آله نهی أن یتبع الجنازة بمجمرة(2).

و لو اتفق الدفن لیلا و احتیج إلی المصباح جاز إجماعا، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله دخل قبرا لیلا فأسرج له سراج. و سئل الصادق علیه السلام عن ذلک ؟ فقال: إن ابنة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أخرج بها لیلا و معها مصابیح(3).

و یکره اتباع النساء الجنائز، لقول أم عطیة: نهینا عن اتباع الجنائز(4).

و لأنه مناف للستر، و لأنه علیه السلام خرج فإذا نسوة جلوس، فقال: ما یجلسکن ؟ فقلن: ننتظر الجنازة، قال: هل تغسلن ؟ قلن: لا، قال: هل تحملن ؟ قلن: لا، قال: هل تدلین فیمن یدلی ؟ قلن: لا قال: فارجعن مأزورات غیر مأجورات(5).

و لا یستحب لمن مرت به الجنازة القیام، لذمی کانت أو لمسلم، لأن زرارة قال: مرت جنازة فقام الأنصاری و لم یقم الباقر علیه السلام، فقال له:

ما ذا أقامک ؟ فقال: رأیت الحسین بن علی یفعل ذلک، فقال الباقر علیه السلام: و اللّه ما فعل ذلک الحسین و لا قام لها أحد منا أهل البیت قط، فقال الأنصاری: شککتنی أصلحک اللّه و قد کنت أظن أنی رأیت(6).

ص:261


1- (1) وسائل الشیعة 2-827 ح 2.
2- (2) وسائل الشیعة 2-734 ح 3.
3- (3) وسائل الشیعة 2-832 ح 4.
4- (4) جامع الأصول 11-420، سنن ابن ماجة 1-502.
5- (5) سنن ابن ماجة 1-502-503.
6- (6) وسائل الشیعة 2-839 ح 1.
تتمة:

یجب تقدیم الغسل و التکفین علی الصلاة علی المیت، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کذا فعل، و قال الصادق علیه السلام: لا یصلی علی المیت بعد ما یدفن و لا یصلی علیه و هو عریان(1).

البحث الثالث (فی واجبات الصلاة)

القیام شرط فی الصلاة مع القدرة، فلا تجوز الصلاة قاعدا و لا راکبا مع الاختیار، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله صلی دائما قائما، و قال: صلوا کما رأیتمونی أصلی(2).

و یجب أن یقف المصلی وراء الجنازة مستقبل القبلة و رأس المیت علی یمینه غیر متباعد عنها کثیرا.

و تجب النیة، لأنها عبادة فلا بد فیها منها. و التکبیر خمس مرات بینها أربعة أدعیة عند علمائنا کافة، لأن زید بن أرقم کبّر علی جنازة خمسا، و قال:

کان النبی صلی اللّه علیه و آله یکبرها(3). و عن حذیفة أن النبی صلی اللّه علیه و آله فعل ذلک. و کبّر علی علیه السلام علی سهل بن حنیف خمسا(4). و قال الباقر علیه السلام: کبّر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله خمسا(5).

و روی الصدوق فی العلل: أن اللّه عز و جل فرض علی الناس خمس صلوات، فجعل للمیت من کل صلاة تکبیرة(6). و فی أخری: أن اللّه تعالی فرض

ص:262


1- (1) وسائل الشیعة 2-795 ح 8.
2- (2) جامع الأصول 6-374.
3- (3) جامع الأصول 7-143.
4- (4) وسائل الشیعة 2-777 ح 1.
5- (5) وسائل الشیعة 2-773 ح 8.
6- (6) وسائل الشیعة 2-774 ح 14.

علی الناس خمس فرائض: الصلاة، و الزکاة، و الصوم، و الحج، و الولایة، فجعل للمیت من کل فریضة تکبیرة(1).

و لا ینبغی الزیادة، لأنها کیفیة شرعیة، فتقف علی مورده. و ما روی عن النبی صلی اللّه علیه و آله أنه کبّر علی حمزة سبعین(2) ، و عن علی علیه السلام أنه کبّر علی سهل بن حنیف خمسا و عشرین(3) ، إنما کان فی صلوات متعددة.

قال الباقر علیه السلام، کان إذا أدرکه الناس قالوا: یا أمیر المؤمنین لم ندرک الصلاة علی سهل بن حنیف، فیضعه فیکبّر علیه خمسا حتی انتهی إلی قبره خمس مرات(4).

و لو کبّر الإمام أکثر من خمس لم یتابعه المأموم، لأنها زیادة غیر مسنونة.

و یجب الدعاء عقیب الأربع الأول بین کل تکبیرتین علی الأقوی، لأن القصد الدعاء. فلو لم یکن واجبا لم تجب الصلاة، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله کذا فعل.

و یجب أن یدعو عقیب الأولی بأن یشهد الشهادتین، ثم عقیب الثانیة بأن یصلی علی النبی و آله علیهم السلام، ثم عقیب الثالثة بالدعاء للمؤمنین، ثم عقیب الرابعة بالدعاء للمیت، ثم ینصرف عقیب الخامسة. لقول الصادق علیه السلام: کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إذا صلی علی میت کبّر و تشهد، ثم کبّر و صلی علی الأنبیاء و دعا، ثم کبّر و دعا للمؤمنین، ثم کبّر الرابعة و دعا للمیت، ثم کبّر و انصرف(5).

ص:263


1- (1) وسائل الشیعة 2-775 ح 16.
2- (2) وسائل الشیعة 2-777 ح 3 و 5 و 6.
3- (3) وسائل الشیعة 2-777 ح 1 و 5.
4- (4) وسائل الشیعة 2-778 ح 5.
5- (5) وسائل الشیعة 2-763 ح 1.
البحث الرابع (فی المستحبات)

و یستحب أمور:

الأول: الطهارة، و لیست شرطا عند علمائنا کافة، بل یجوز للمحدث و الجنب و الحائض أن یصلوا علی الجنائز، مع وجود الماء و التراب و التمکن منهما، لأن الغایة الکلیة الدعاء للمیت، و الطهارة لیست شرطا فیه.

و لقول الصادق علیه السلام و قد سأله یونس بن یعقوب عن الجنازة أ صلی علیها علی غیر وضوء؟: نعم إنما هو تکبیر و تسبیح و تحمید و تهلیل، کما تکبّر و تسبح فی بیتک علی غیر وضوء(1). و سأله محمد بن مسلم عن الحائض تصلی علی الجنازة ؟ قال: نعم(2).

لکن تستحب، لأن عبد الحمید سأل الکاظم علیه السلام أ یجزینی أن أصلی علی الجنازة و أنا علی غیر وضوء؟ فقال: تکون علی طهر أحب إلیّ(3).

و یجوز التیمم مع وجود الماء، و هو أقل فضلا من الطهارة، لأن الطهارة لیست شرطا، و لأن سماعة سأله عن رجل مرت به جنازة و هو علی غیر طهر، قال: یضرب یدیه علی حائط لین فیتیمم(4). و لا یجوز أن یدخل بهذا التیمم فی شیء من الصلاة المفروضة و المندوبة، فقد الماء أو لا.

الثانی: تستحب الجماعة، و لیست شرطا إجماعا، و تستحب للنساء أن یصلین جماعة، و لو کن مع الرجال تأخرن مؤتمات بهن. و هل یحرم التقدم علی الرجال ؟ أو المقارنة لو قلنا به فی الفریضة ؟ إشکال.

و لو کان فیهن حائض انفردت وحدها بصف، و الأولی إلحاق النفساء بها دون المستحاضة. و لو تعددت فالأولی اجتماعهن فی صف منفرد عن الباقیات.

ص:264


1- (1) وسائل الشیعة 2-799 ح 3.
2- (2) وسائل الشیعة 2-800 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 2-798 ح 2.
4- (4) وسائل الشیعة 2-799 ح 5.

الثالث: تستحب کثرة المصلی و لیست شرطا، بل یجزی الواحد و إن کان امرأة، لأنها صلاة لا تفتقر إلی الجماعة، فلم یکن من شرطها العدد کغیرها.

الرابع: یستحب أن یتحفی المصلی إن کان علیه نعل، لما فیه من الاتعاظ و الخشوع، و لقوله علیه السلام: من أغبرت قدماه فی سبیل اللّه حرمهما اللّه علی النار.

الخامس: یستحب وقوف الإمام عند وسط الرجل و صدر المرأة، لقول علی علیه السلام: من صلی علی امرأة فلا یقوم فی وسطها و یکون مما یلی صدرها، و إذا صلی علی الرجل فلیقم فی وسطه(1). و لأنه أبعد عن محارمها فکان أولی.

السادس: یستحب جعل الرجل مما یلی الإمام، و المرأة مما یلی القبلة لو اجتمعا إجماعا، لأن أم کلثوم و ابنها وضعا کذلک(2). و لقول أحدهما علیهما السلام: الرجل مما یلی الإمام(3). و لأن الرجل یکون إماما فی جمیع الصلوات، فکذا هنا.

و لو کان کلهم رجالا، استحب تقدیم الأفضل إلی الإمام. و لو کان مع الرجل و المرأة صبی له ست سنین فصاعدا، جعل مما یلی الرجل و المرأة وراءه، و لو کان أقل أخر عن المرأة، لعدم وجوب الصلاة علیه فأخر.

و لو کان معهم عبد و خنثی، جعل الرجل مما یلی الإمام، ثم العبد، ثم الخنثی، ثم المرأة، ثم الصبی.

السابع: یستحب رفع الیدین فی أول تکبیرة إجماعا، و اختلف فی البواقی، فالأقوی عندی کذلک، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله کان یرفع یدیه فی کل تکبیرة(4). و صلی الصادق علیه السلام علی جنازة فکبّر خمسا،

ص:265


1- (1) وسائل الشیعة 2-805 ح 1 ب 27.
2- (2) جامع الأصول 7-151.
3- (3) وسائل الشیعة 2-810 ح 10.
4- (4) جامع الأصول 7-143.

و یرفع یدیه مع کل تکبیرة(1).

الثامن: تستحب الصلاة فی الأمکنة المعتادة. و یجوز أن یصلی فی المساجد، و الأولی تجنبه إلا بمکة، لقوله علیه السلام من صلی علی جنازة فی المسجد فلا شیء له(2).

و قال أبو بکر بن عیسی بن أحمد العلوی: کنت فی المسجد فجیء بجنازة، فأردت أن أصلی علیها، فجاء الکاظم علیه السلام، فوضع مرفقه فی صدری و جعل یدفعنی حتی أخرجنی من المسجد، ثم قال: یا أبا بکر إن الجنائز لا یصلی علیها فی المسجد(3). و لیس للتحریم، لأن الصادق علیه السلام سئل یصلی علی المیت فی المسجد؟ فقال: نعم(4).

البحث الخامس (فی اللواحق)

و هی:

الأول: إذا صلوا جماعة، استحب أن یتقدم الإمام إن کان رجلا غیر عریان [1]، و یقف المأمومون خلفه صفوفا، و أقل الفضل ثلاثة صفوف.

و لو کانا اثنین وقف الآخر خلفه، بخلاف الجماعة، و لا یقف علی یمینه، لقول الصادق علیه السلام فی الاثنین: یقوم الإمام وحده و الآخر خلفه و لا یقوم إلی جنبه(5).

و أفضل الصفوف هنا آخرها، لقول الصادق علیه السلام: قال رسول

ص:266


1- (1) وسائل الشیعة 2-785 ح 1.
2- (2) جامع الأصول 7-154.
3- (3) وسائل الشیعة 2-807 ح 2.
4- (4) وسائل الشیعة 2-806 ح 1 ب 30.
5- (5) وسائل الشیعة 2-805 ح 1.

اللّه صلی اللّه علیه و آله: خیر الصفوف فی الصلاة المقدم، و فی الجنائز المؤخر، قیل: و لم ؟ قال: صار سترة للنساء(1). و یستحب تسویة الصفوف.

الثانی: لو اجتمعت جنائز الرجال، جعل رأس الأبعد عند ورک الأقرب و هکذا صفا مدرجا، ثم یقف الإمام وسط الصف للروایة(2). و یحتمل التسویة.

و لو اجتمع الرجل و المرأة جعل رأس المرأة عند وسط الرجل، لیقف الإمام موضع الفضیلة فیهما.

و الأفضل تعدد الصلوات بتعدد الجنائز، لأن القصد بالتخصیص أولی منه بالتعمیم، فإن کان هناک عجلة، أو خیف علی الأموات، صلی علی الجمیع صلاة واحدة. و إذا تعددت الصلاة، فالأولی تقدیم من یخاف علیه ثم الأفضل.

و لو اختلفوا فی الحکم، فکان بعضهم ممن یجب الصلاة علیه و الباقی لا یجب، لم یجمعهم بنیة متحدة الوجه، لتضادهما.

الثالث: یکبّر علی المخالف أربع تکبیرات، لاعتقاده الاکتفاء بذلک.

الرابع: لا قراءة فی الصلاة عند علمائنا کافة، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله لم یوقت فیها قولا و لا قراءة(3). و قال الباقر علیه السلام: لیس فی الصلاة علی المیت قراءة و لا دعاء موقت(4) ، و لأن ما لا رکوع فیه لا قراءة فیه کسجود التلاوة.

و لا یستحب دعاء الاستفتاح، لاستحباب التخفیف فی هذه الصلاة. و لا التعوذ، لانتفاء سببه و هو القراءة، و یستحب الإسرار بالدعاء، لأنه أبعد من الریاء و أقرب إلی القبول.

ص:267


1- (1) وسائل الشیعة 2-806 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 2-810.
3- (3) جامع الأصول 7-145.
4- (4) وسائل الشیعة 2-783 ح 1.

الخامس: لا تسلیم فی هذه الصلاة، بل یکبّر للخامسة و ینصرف، و هو یقول: عفوک عفوک. عند جمیع علمائنا، لقول ابن مسعود: لم یوقت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فی صلاة المیت قولا. و قول الباقر و الصادق علیهما السلام: لیس فی الصلاة علی المیت تسلیم(1) ، و لأنه لیس لها حرمة الصلاة، لإیقاعها من غیر طهارة و لا قراءة، فلا یشرع لها التسلیم.

السادس: إذا فرغ من الصلاة یستحب أن لا یبرح من مکانه حتی ترفع الجنازة.

السابع: المیت إن کان مؤمنا دعا له فی الرابعة، و إن کان منافقا دعا علیه فیها، و إن کان مستضعفا دعا له بدعاء المستضعفین و هو «ربنا اغفر لِلَّذِینَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِیلَکَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِیمِ » و إن جهله سأل اللّه تعالی أن یحشره مع من کان یتولاه. و إن کان طفلا سأل اللّه أن یجعله له و لأبویه فرطا.

لأن النبی صلی اللّه علیه و آله حضر جنازة عبد اللّه بن أبی سلول فقیل:

یا رسول اللّه أ لم ینهاک اللّه أن تقوم علی قبره ؟ قال: ویلک ما یدریک ما قلت، إنی قلت: اللهم احشر جوفه نارا و املأ قلبه نارا و أصله نارک(2).

و صلی الحسین علیه السلام علی منافق فقال: اللهم العن عبدک فلانا، و اخزه فی عبادک، و أذقه أشد عذابک، فإنه یوالی أعداءک، و یعادی أولیاءک، و یبغض أهل بیت نبیک(3).

و قال علی علیه السلام فی الصلاة علی الطفل: اللهم اجعله لنا و لأبویه فرطا و أجرا(4).

و صلی الباقر علیه السلام علی من لا یعرفه، فقال: اللهم هذا عبدک و لا

ص:268


1- (1) وسائل الشیعة 2-784 ح 2 ب 9.
2- (2) وسائل الشیعة 2-770 ح 4.
3- (3) وسائل الشیعة 2-771 ح 6.
4- (4) وسائل الشیعة 2-787 ب 12.

أعلم منه شرا، فإن کان مستوجبا فشفعنا فیه و احشره مع من کان یتولاه(1).

و قال الباقر علیه السلام: إذا صلیت علی المؤمن فادع له، و إن کان مستضعفا فکبّر و قل: اللهم اغفر للذین تابوا الآیة(2).

الثامن: تکره الصلاة علی الجنازة مرتین، سواء اتحد المصلون أو تعددوا علی الأقوی، لأن المراد المبادرة، و لسقوط الفرض بالصلاة الأولی فالثانیة تطوع، و الصلاة علی المیت لا یتطوع بها. و قول الصادق علیه السلام: إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله صلی علی جنازة، ثم جاءه قوم و قالوا: فأتنا الصلاة، فقال: إن الجنازة لا یصلی علیها مرتین ادعوا له و قولوا خیرا(3).

و قال بعض علمائنا: من فاتته الصلاة علی الجنازة، فله أن یصلی علیها ما لم یدفن، فإذا دفن فله أن یصلی فی القبر یوما و لیلة، أو ثلاثة أیام علی الخلاف، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله صلی علی قبر المسکینة(4) و الظاهر أنها دفنت بعد الصلاة. و صلی علی علیه السلام علی سهل بن حنیف خمسا و عشرین تکبیرة(5) ، إما لتعظیمه و إظهار شرفه، أو لتلاحق من لم یصل.

التاسع: یصلی علی الجنائز فی الأوقات الخمسة المکروهة، لأن أبا هریرة صلی علی عقیل حین اصفرت الشمس. و قول الباقر علیه السلام: یصلی علی الجنائز فی کل ساعة، لأنها لیست صلاة رکوع و سجود، و إنما یکره عند طلوع الشمس و غروبها التی فیها الرکوع و السجود(6). و لأنها واجبة فلا تکره، و لأنها ذات سبب فلا تکره و لا تحرم.

العاشر: إذا حضرت جنازة وقت فریضة، فإن خیف فوات أحدهما تعینت، و لو لم یخف فالأولی تقدیم الیومیة. و لو صلی علی المیت أولا جاز،

ص:269


1- (1) وسائل الشیعة 2-769 ح 7.
2- (2) وسائل الشیعة 2-768 ح 3.
3- (3) وسائل الشیعة 2-782 ح 23.
4- (4) جامع الأصول 7-155.
5- (5) وسائل الشیعة 2-777 ح 1.
6- (6) وسائل الشیعة 2-797 ح 3.

لأنهما فرضان فیتخیر بینهما، و لقول الباقر علیه السلام: عجل المیت إلی قبره إلی أن یخاف فوت الفریضة(1). و قول الصادق علیه السلام: ابدأ بالمکتوبة قبل الصلاة علی المیت، إلا أن یکون المیت مبطونا أو نفساء(2) ، و مع التعارض یثبت التخییر.

الحادی عشر: لو فاته بعض الصلاة مع الإمام و أدرکه بین تکبیرتین، کبّر و دخل معه، و لا ینتظر الإمام حتی یکبر اللاحقة، لأنه أدرک الإمام و قد فاته بعض صلاته، فیدخل و لا ینتظره کسائر الصلوات.

و إذا أتم الصلاة قضی ما فات مع الإمام، لقوله علیه السلام: ما أدرکتم فصلوا و ما فاتکم فاقضوا(3) ، و قول الصادق علیه السلام لما سأله عیص عن الرجل یدرک من الصلاة علی المیت تکبیرة ؟ قال: یتم ما بقی(4). و لأنه دخل فی فرض فوجب إکماله.

فإن تمکن فی القضاء من الأدعیة فعل، و إن ضاق الوقت لخوف رفع الجنازة، تابع التکبیر ولاء، لقول الصادق علیه السلام: إذا أدرک الرجل التکبیرة و التکبیرتین فی الصلاة علی المیت، فلیقض ما بقی متتابعا(5).

و لو رفعت الجنازة قبل إتمامه، أتم و هی علی أیدی الرجال.

و لو رفعت أتم علی القبر، لقول الباقر علیه السلام: یتم التکبیر و هو یمشی معها. و إذا لم یدرک التکبیر کبّر علی القبر. و إن أدرکهم و قد دفن، کبّر علی القبر(6).

و لو سبق المأموم الإمام بتکبیرة فصاعدا، استحب له أن یعیدها مع

ص:270


1- (1) وسائل الشیعة 2-808 ح 2 ب 31.
2- (2) وسائل الشیعة 2-807 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 2-792 ب 17 ما یشبه ذلک.
4- (4) وسائل الشیعة 2-793 ح 2.
5- (5) وسائل الشیعة 2-792 ح 1 ب 17.
6- (6) وسائل الشیعة 2-793 ح 5.

الإمام، تحصیلا لفضیلة الجماعة فی جمیع الصلاة.

الثانی عشر: لو صلی بعض التکبیرات، فحضرت جنازة أخری فی الأثناء، تخیر الإمام فی إتمام صلاته علی الأولی، ثم یستأنف أخری علی الثانیة. و فی الاستیناف علیهما معا بعد إبطال ما کبّر. و الأفضل إفراد کل جنازة بصلاة ما لم یخف علی المیت.

و لو اختلف الوجه بأن جاء من یستحب الصلاة علیه و قد دخل فی الواجبة، فالأقوی وجوب الإکمال و استحب الثانیة. و لو انعکس الفرض، جاز الإتمام و الاستیناف، و لو خیف علی الجنائز، استحب الاستیناف، کما یستحب الجمع ابتداء معه.

ص:271

ص:272

الفصل السادس (فی دفنه)
اشارة

و فیه مطالب:

المطلب الأول (فی واجبه)

أجمع علماء الإسلام علی وجوب دفن المیت المسلم علی الکفایة، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله أمر به و فعله مع کل میت(1).

و الواجب: حفرة تحرسه عن السباع، و یکتم رائحته عن الناس. و یجب انضجاعه علی جانبه الأیمن موجها إلی القبلة، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله دفن کذلک. و عمل علیه الصحابة و التابعون، و یجب اتباع فعله صلی اللّه علیه و آله.

المطلب الثانی (فی مستحباته)

و هی:

الأول: یستحب تعمیق القبر قدر قامة، أو إلی الترقوة، لقول الصادق

ص:273


1- (1) جامع الأصول 11-433.

علیه السلام: حد القبر إلی الترقوة(1). و یکره الزیادة، لأن الصادق علیه السلام قال: إن النبی صلی اللّه علیه و آله نهی أن یعمق القبر فوق ثلاثة أذرع(2).

الثانی: أن یجعل له لحد، بأن یحفر إذا بلغ أرض القبر فی حائطه مما یلی القبلة مکانا یوضع فیه المیت، و هو أفضل من الشق، و هو أن یحفر فی قعر القبر شقا شبه النهر یوضع المیت فیه و یسقف علیه بشیء، لقوله علیه السلام:

اللحد لنا و الشق لغیرنا(3). و قال الصادق علیه السلام: إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لحد له أبو طلحة الأنصاری(4).

و لو کانت الأرض رخوة یخاف من اللحد الخسف فالشق أولی. و قال بعض علمائنا: یعمل له شبه اللحد من بناء، تحصیلا للفضیلة.

الثالث: سعة اللحد بحیث یقدر الجالس فیه من الجلوس، لقوله علیه السلام: و أوسعوا(5). و قول الصادق علیه السلام: و أما اللحد فقدر ما یتمکن فیه من الجلوس(6).

الرابع: وضع الجنازة علی الأرض عند الوصول إلی القبر، و إنزاله إلیه فی ثلاثة دفعات و لا یفدحه بالقبر دفعة واحدة، لأنه أبلغ فی التذلل و الخضوع، و لقول الصادق علیه السلام: ینبغی أن یوضع المیت دون القبر هنیئة ثم واره(7).

فإن کان رجلا جعل المیت عند رجل القبر، و یسل من قبل رأسه، و یبدأ برأسه کما خرج من الدنیا. و إن کان امرأة جعلت قدام القبر مما یلی القبلة،

ص:274


1- (1) وسائل الشیعة 2-836 ح 1 ب 14.
2- (2) وسائل الشیعة 2-836 ح 1 ب 14.
3- (3) سنن ابن ماجة 1-496.
4- (4) وسائل الشیعة 2-836 ح 1 ب 15.
5- (5) سنن ابن ماجة 1-497.
6- (6) وسائل الشیعة 2-836 ح 2 ب 14.
7- (7) وسائل الشیعة 2-837 ح 1.

و تنزل عرضا عند علمائنا. لأن النبی صلی اللّه علیه و آله سل من قبل رأسه سلا.

و روی محمد بن عطیة مرسلا قال: إذا أتیت بأخیک إلی القبر فلا تفدحه به، ضعه أسفل من القبر بذراعین أو ثلاثة حتی یأخذ أهبته ثم ضعه فی لحده(1). و قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: إن لکل بیت بابا، و باب القبر من قبل الرجلین(2).

و قال الصادق علیه السلام: إذا دخل المیت القبر إن کان رجلا سل سلا، و المرأة تؤخذ عرضا(3).

الخامس: نزول الولی أو من یأمره به إلی القبر فی الرجل، لطلب الرفق به، و قول علی علیه السلام: إنما یلی الرجل أهله(4). و لحد النبی صلی اللّه علیه و آله العباس و أسامة(5).

و یجوز أن یکون شفا أو وترا، للحاجة و طلب الأسهل فی أمره. و سأل زرارة الصادق علیه عن القبر کم یدخله ؟ قال: ذلک إلی الولی إن شاء أدخل وترا، و إن شاء شفعا(6).

و یکره نزول ذی الرحم، لأنه یقسی القلب، بل یولیه غیره. أما المرأة فالأولی أن ینزلها ذو الرحم، لأنها عورة، قال الصادق علیه السلام: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: قضیت السنّة من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن المرأة لا یدخل قبرها إلا من کان یراها فی حیاتها(7).

و الزوج أولی من کل أحد، فإن لم یکن زوج و لا ذو رحم فالنساء أولی، فإن تعذر فالأجانب الصلحاء.

ص:275


1- (1) وسائل الشیعة 2-838 ح 2.
2- (2) وسائل الشیعة 2-849 ح 4 و 7.
3- (3) وسائل الشیعة 2-849 ح 5.
4- (4) وسائل الشیعة 2-852 ب 26.
5- (5) جامع الأصول 11-392.
6- (6) وسائل الشیعة 2-850 ح 1.
7- (7) وسائل الشیعة 2-853 ح 1 ب 26.

السادس: یستحب أن یوضع تحت رأس المیت لبنة أو لوح أو شیء مرتفع، کما یصنع بالحی، و یدنی من الحائط، لئلا ینکب، و یسند من ورائه بتراب، لئلا ینقلب. قال الصادق علیه السلام: یجعل للمیت وسادة من تراب، و یجعل خلف ظهره مدرة لئلا یستلقی(1).

و لا ینبغی جعل مضربة و لا مخدة فی القبر، لما فیه من إتلاف المال و عدم ورود النص. و روی أنه جعل فی قبر النبی صلی اللّه علیه و آله قطیفة حمراء(2).

السابع: یستحب للنازل حل أزراره و التحفی و کشف رأسه. قال الصادق علیه السلام: لا تنزل إلی القبر و علیک عمامة و لا قلنسوة و لا رداء و لا حذاء و حل أزرارک، قلت: و الخف ؟ قال: لا بأس(3).

و أن یکون متطهرا قال الصادق علیه السلام: توضأ إذا أدخلت المیت القبر(4).

الثامن: الدعاء عند معاینة القبر، فیقول: «اللهم اجعلها روضة من ریاض الجنة، و لا تجعلها حفرة من حفر النار».

و إذا تناوله قال: «بسم اللّه و باللّه و فی سبیل اللّه و علی ملة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله، اللهم إیمانا بک و تصدیقا بکتابک، هذا ما وعد اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله، اللّهم زدنا إیمانا و تسلیما».

و إذا وضعه فی اللحد قال: «بسم اللّه و فی سبیل اللّه و علی ملة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله اللّهم عبدک نزل بک و أنت خیر منزول به، اللهم افسح له فی قبره و ألحقه بنبیه، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خیرا و أنت أعلم به».

فإذا وضعت اللبن فقل: «اللّهم صل وحدته، و آنس وحشته، و أسکن

ص:276


1- (1) وسائل الشیعة 2-842 ح 5.
2- (2) جامع الأصول 11-393.
3- (3) وسائل الشیعة 2-840 ح 4.
4- (4) وسائل الشیعة 2-877 ح 1.

إلیه من رحمتک رحمة تغنیه بها عن رحمة من سواک.

فإذا خرجت من قبره فقل: «إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ ، و اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ ، اللهم ارفع درجته فی أعلی علیین، و اخلف علی عقبه فی الغابرین، و عندک نحتسبه یا رب العالمین».

التاسع: یحل عقد کفنه من عند رأسه و رجلیه، لأن عقدها کان لخوف انتشارها و قد أمن ذلک، و لما أدخل النبی صلی اللّه علیه و آله نعیم بن مسعود الأشجعی القبر نزع الأحلة بفیه.

و لا یشق الکفن، لأنه إتلاف مستغنی عنه، و قد أمر النبی صلی اللّه علیه و آله بتحسین الکفن، و تخریقه ینافی حسنه.

العاشر: یستحب أن یضع خده علی التراب، و أن یضع معه شیئا من تربة الحسین علیه السلام، للأمن و الستر و استدفاع العذاب.

فقد روی أن امرأة کانت تزنی و تحرق أولادها خوفا من أهلها، فلما ماتت دفنت فقذفتها الأرض، و دفنت ثانیا و ثالثا فجری ذلک، فسألت أمها الصادق علیه السلام عن ذلک و أخبرته بحالها، فقال: إنها تعذب خلق اللّه بعذاب اللّه، اجعلوا معها شیئا من تربة الحسین علیه السلام ففعل فاستقرت(1).

الحادی عشر: إذا وضعه فی اللحد لقنه الولی أو من یأمره، و هو التلقین الثانی. قال الصادق علیه السلام: إذا وضعته فی اللحد، فضع فمک علی أذنه و قل:

«اللّه ربک، و الإسلام دینک، و محمد نبیک، و القرآن کتابک، و علی إمامک(2). ثم یشرج علیه اللحد باللبن و الطین، قال الصادق علیه السلام:

و یضع الطین و اللبن(3).

ثم یخرج من قبل الرجلین، لما تقدم من أنه باب القبر. و قال الباقر علیه

ص:277


1- (1) وسائل الشیعة 2-742 ح 2.
2- (2) وسائل الشیعة 2-863 ح 1 و 843 ح 3.
3- (3) وسائل الشیعة 2-848 ح 6.

السلام: من دخل القبر فلا یخرج منه إلا من قبل الرجلین(1).

الثانی عشر: إهالة التراب علیه، و کذا یهیل الحاضرون بظهور الأکف مسترجعین، لأن الکاظم علیه السلام حثی التراب علی القبر بظهر کفیه(2).

ثم یقول: اللهم إیمانا بک و تصدیقا بکتابک، هذا ما وعد اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله قاله الصادق علیه السلام(3). و قال علی علیه السلام: من حثی علی قبر میت و قال هذا القول أعطاه اللّه بکل ذرة حسنة(4). ثم یطم القبر.

الثالث عشر: أن یرفع مقدار أربع أصابع لا أزید، لیعلم أنه قبر فیتوقی و یترحم علیه. و رفع قبر النبی صلی اللّه علیه و آله قدر شبر(5). و قال علیه السلام لعلی علیه السلام: لا تدع تمثالا إلا طمسته، و لا قبرا مشرفا إلا سویته(6) و عن أحدهما علیهما السلام: و یلزق القبر بالأرض إلا قدر أربع أصابع مفرجات(7).

الرابع عشر: تربیع القبر مسطحا، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله سطح قبر ابنه إبراهیم، و سطح قبر النبی علیه السلام و لا یفعل به غیر السنّة.

و عن أحدهما علیهما السلام: و یربع قبره(8).

الخامس عشر: ثم یصب علیه الماء من أربع جوانبه، مبتدئا بالرأس دورا، فإن فضل من الماء شیء صبه علی وسط القبر. و قال الصادق علیه السلام:

السنّة فی رش الماء علی القبر أن یستقبل القبلة، و یبدأ من عند الرأس إلی عند

ص:278


1- (1) وسائل الشیعة 2-850 ح 1 ب 23.
2- (2) وسائل الشیعة 2-854 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 2-854 ح 2.
4- (4) وسائل الشیعة 2-855 ح 4.
5- (5) وسائل الشیعة 2-857 ح 8.
6- (6) جامع الأصول 11-434.
7- (7) وسائل الشیعة 2-856.
8- (8) وسائل الشیعة 2-858 ح 9.

الرجلین یدور علی القبر من الجانب الآخر، ثم یرش علی وسط القبر(1).

السادس عشر: ثم یضع الحاضرون الأیدی علیه مترحمین مفرجات الأصابع. قال الباقر علیه السلام: إذا حثی علیه التراب و سوی قبره، فضع کفک علی قبره عند رأسه و فرج أصابعک و اغمز کفک علیه بعد ما نضج بالماء(2). و قال الباقر علیه السلام بعد أن وضع کفیه علی القبر: «اللهم جاف الأرض عن جنبیه، و أصعد إلیک روحه، و لقه منک رضوانا، و أسکن قبره من رحمتک ما تغنیه عن رحمة من سواک»(3) ثم مضی.

السابع عشر: ثم یلقنه بعد انصراف الناس عنه ولیه مستقبلا للقبر و القبلة، و هو التلقین الثالث عند علمائنا.

قال الصادق علیه السلام: ما علی أهل المیت منکم أن یدرءوا عن میتهم لقاء منکر و نکیر، قلت: کیف یصنع ؟ قال: إذا أفرد المیت فلیتخلف عنده أولی الناس به، فلیضع فمه عند رأسه، ثم ینادی بأعلی صوته یا فلان بن فلان أو فلانة بنت فلانة هل أنت علی العهد الذی فارقتنا علی شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شریک له، و أن محمدا عبده و رسوله، و أن علیا أمیر المؤمنین، و أن ما جاء به محمد صلی اللّه علیه و آله حق، و أن الموت و البعث حق، و اللّه یبعث من فی القبور، قال فیقول منکر و نکیر: انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته(4).

و ینبغی أن یسمی الأئمة علیهم السلام واحدا واحدا، لأنه موضع الحاجة إلیه.

الثامن عشر: یستحب تعلیم القبر بحجر، أو خشبة، لیعرفه أهله فیترحمون علیه، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله لما مات عثمان بن مظعون و أخرج بجنازته فدفن أمر علیه السلام رجلا یأتیه بحجر فلم یستطع حمله، فقام رسول

ص:279


1- (1) وسائل الشیعة 2-859 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 2-860 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 2-882 ح 1.
4- (4) وسائل الشیعة 2-863 ح 1.

اللّه صلی اللّه علیه و آله فحسر عن ذراعیه ثم حملها فوضعها عند رأسه، و قال:

أعلّم بها قبر أخی و أدفن إلیه من مات من أهله(1).

المطلب الثالث (فی المحرمات)

یحرم نبش القبور بإجماع العلماء، لأنه منکر و هتک لحرمة المیت، إلا فی مواضع:

الأول: إذا وقع فی القبر ما له قیمة، جاز نبشه لأخذه، حفظا للمال عن الضیاع.

و لو دفع أهل المیت القیمة إلیه، لم یجب أخذها. و لا فرق بین أن تکون القیمة قلیلة أو کثیرة، لکن یکره فی القلیلة.

الثانی: لو دفن فی أرض مغصوبة، أو مشترکة بینه و بین غیره و لم یأذن الشریک، فلمالکها قلعه، لأنه عدوان فیجب إزالته.

و لو استعار للدفن، جاز الرجوع قبله، و یحرم بعده لأن نبش القبر محرم، و لأن الدفن مؤبد إلی أن یبلی المیت ثم تعود إلی مالکها.

الثالث: لو کفن فی ثیاب مغصوبة و دفن، نبش إن طلب مالکها عین ماله، لأنه ملک الغیر، فلا ینتقل منه.

الرابع: لو دفن و لم یغسل قال الشیخ: لا ینبش(2). و یحتمل عندی جوازه. و کذا لو دفن إلی غیر القبلة. و کذا لو دفن و لم یکفّن. و الوجه أن لا ینبش، إذ المقصود ستره و قد حصل.

و لو دفن قبل الصلاة، فالوجه أنه لا ینبش لاستدراکها بفعلها علی القبر.

ص:280


1- (1) جامع الأصول 11-435.
2- (2) الخلاف 1-298.

الخامس: أن یبلی المیت و یصیر رمیما، فإنه یجوز نبشه لدفن غیره فیه، أو لمصلحة المالک المعیر.

و لو شک رجع إلی أهل الخبرة، و یختلف باختلاف الأهویة و الترب. فإن نبش فوجد فیه عظاما، دفنها و حفر فی غیره.

و یحرم دفن غیر المسلمین و أطفالهم فی مقبرة المسلمین، سواء کان حربیا أو مرتدا أو کافرا أو ذمیا بإجماع العلماء، لئلا یتأذی المسلمون بعذابهم، إلا الذمیة الحامل من المسلم، فإنها تدفن فی مقبرة المسلمین، لرحمة ولدها لأن له حرمة أجنة المسلمین، و لهذا لو سقط لم تدفن إلا فی مقابرهم. و یستدبر بها القبلة علی جانبها الأیسر، لیکون وجه الجنین إلی القبلة علی جانبه الأیمن.

و یحرم قطع شیء من أعضاء المیت و التمثیل به کالحی، و شق بطنه إلا الحامل إذا لم یمت ولدها بموتها، فإنه یشق بطنها من الجانب الأیسر و یخرج الولد و یخاط الموضع، لأنه إتلاف جزء من المیت لإبقاء حی فجاز، کما لو خرج بعضه حیا، و لم یتمکن من إخراج باقیه إلا بالشق، و لقول الکاظم علیه السلام: یشق عن الولد(1). و الخیاطة لحرمة المیتة.

و لو شک فی حیاته، فالأولی الصبر حتی یتیقن الحیاة أو الموت، و یرجع فی ذلک إلی قول العارف.

و لو مات الولد خاصة، أدخلت القابلة، أو من یقوم مقامها، أو الزوج، أو غیره عند التعذر - و إن کان أجنبیا - یده فی فرجها و قطع الصبی، و یخرج قطعة قطعة، لأن حفظ حیاة الأم أولی من حفظ بنیه المیت و للروایة(2).

و لو بلع المیت جوهرة أو مالا لغیره، قال الشیخ: الأولی أن لا یشق جوفه، لعموم قوله علیه السلام: حرمة المسلم میتا کحرمته حیا(3).

ص:281


1- (1) وسائل الشیعة 2-674 ح 6.
2- (2) وسائل الشیعة 2-673 ح 3.
3- (3) الخلاف 1-298.

و یحتمل عندی جواز الشق، لما فیه من رفع الضرر عن المالک بدفع ماله إلیه و عن المیت بإبراء ذمته و عن الورثة بحفظ الترکة لهم.

و لو کان المال له، لم یشق بطنه عند الشیخ، لأنه ماله استهلکه فی حیاته، فلم یثبت للورثة فیه حق. و یحتمل الشق، لأنها صارت ملکهم بموته فهی کالمغصوبة.

و لو أذن المالک فی الابتلاع، صار کماله، فإن قلنا بشقه هناک شق هناک.

و هل یکون للورثة ؟ الأقرب أنه علی ملک صاحبه، إلا أن یکون قد وهبه إیاه، فیخرج عن ملکه بالإتلاف. و إذا منعنا من الشق کما اختاره الشیخ أخذت قیمة ما ابتلعه من مال غیره من الترکة، لأنه حال بینه و بین صاحبه.

و لو لم یترک المیت ترکة و تطاولت المدة و بلی المیت، جاز النبش و إخراج ذلک المال، لعدم المثلة حینئذ، و کذا لو کان له.

و لو کان فی أذن المیت حلقة، أو فی یده خاتم، أخذ. فإن تصعب توصل إلی إخراجه أو کسره، للنهی عن تضییع المال. و لا یجوز خرق أذن المیت و لا قطع إصبعه.

المطلب الرابع (فی المکروهات)

و هی:

الأول: یکره أن یهیل ذو الرحم التراب علی رحمه، لأن بعض أصحاب الصادق علیه السلام مات له ولد، فحضره الصادق علیه السلام، فلما ألحد تقدم أبوه یطرح التراب، فأخذ الصادق علیه السلام بکفیه و قال: لا تطرح علیه التراب، و من کان منه ذا رحم فلا یطرح علیه التراب، فقلنا: یا ابن رسول اللّه تنهانا عن هذا وحده، فقال: أنهاکم أن تطرحوا التراب علی ذوی الأرحام، فإن ذلک یورث القسوة فی القلب، و من قسی قلبه بعد من ربه(1).

ص:282


1- (1) وسائل الشیعة 2-855 ح 1.

الثانی: یکره أن یطرح فی القبر من غیر ترابه، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله نهی أن یزاد فی القبر علی حفیرته، و قال: لا تجعل فی القبر من التراب أکثر مما خرج منه(1). و عن الصادق علیه السلام قال: إن النبی صلی اللّه علیه و آله نهی أن یزاد علی القبر تراب لم یخرج منه(2).

الثالث: یکره تسنیم القبور، لأن السنّة التسطیح، و قبور المهاجرین و الأنصار بالمدینة مسطحة، و هو یدل علی أنه المتعارف.

الرابع: یکره نقل المیت من بلد موته بإجماع العلماء، لقوله علیه السلام: عجلوهم إلی مضاجعهم(3). نعم یستحب نقله إلی أحد مشاهد الأئمة علیهم السلام رجاء لشفاعته و تبرکا بتربته و تباعدا عن عذاب اللّه تعالی.

اما لو دفن فی غیر المشاهد، فإنه لا یجوز نقله و إن کان إلی أحد المشاهد، لإطلاق تحریم النبش. و سوغه بعض علمائنا، و قال الشیخ:

سمعناه مذاکرة.

الخامس: یکره دفن میتین فی قبر واحد إذا دفنا ابتداء. أما لو دفن أحدهما ثم أرید نبشه و دفن آخر فیه قال فی المبسوط یکره(4) ، و الوجه المنع، لأنه صار حقا للأول، فلم یجز مزاحمته بالثانی، نعم لو کان فی أزج وضع لدفن الجماعة کان مکروها لا محرما.

السادس: یکره حمل میتین علی جنازة واحدة. لأن العسکری علیه السلام لما کتب إلیه الصفار، وقع: لا یحمل الرجل و المرأة علی سریر واحد(5).

السابع: یکره فرش القبر بالساج إلا مع الحاجة کنداوة الأرض، لما فیه

ص:283


1- (1) وسائل الشیعة 2-864 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 2-864 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 2-676 ح 7 ما یشبه ذلک، سنن أبی داود 3-202.
4- (4) المبسوط 1-187.
5- (5) وسائل الشیعة 2-868 ب 42.

من إتلاف المال لغیر غرض، أما مع الضرورة فإنه جائز، دفعا للمشقة، و للروایة(1).

الثامن: یکره تجصیص القبور إجماعا، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله نهی عنه(2) ، و قال الکاظم علیه السلام: لا یصلح البناء علیه و لا الجلوس و لا تجصیصه و لا تطیینه(3).

التاسع: یکره تطیینه بعد اندراسه لهذه الروایة، و لا بأس به ابتداء للروایة.

العاشر: یکره البناء علی القبر، لما تقدم فی الروایة(4). و نهی النبی صلی اللّه علیه و آله أن یجصص القبر، و أن یبنی علیه، و أن یقعد علیه، و أن یکتب علیه(5). و لأنه من زینة الدنیا فلا حاجة بالمیت إلیه.

الحادی عشر: یکره تجدید القبور، لقول علی علیه السلام: من حدد قبرا أو مثّل مثالا فقد خرج من الإسلام(6). و رواه محمد بن الحسن الصفار بالجیم(7) ، أی جدد بناها أو یطینها. و حکی أنه لم یکره دفنها. و قال البرقی بالجیم و الثاء(8) ، أی یجعل القبر جدثا مرة أخری. و قال سعد بن عبد اللّه بالحاء من حد(9) و عنی التسنیم، و قال المفید بالخاء المعجمة(10) و هی شقها من خددت الأرض أی شققتها.

الثانی عشر: یکره الجلوس علی القبر، و الاتکاء علیه، و المشی علیه، لأنه علیه السلام نهی عن الجلوس علی القبر، و قال: لأن أطأ علی جمرة أو سیف أحب إلی من أن أطأ علی قبر مسلم(11) و لأن فیه نوع استهانة. و لا

ص:284


1- (1) وسائل الشیعة 2-853 ح 1 ب 27.
2- (2) جامع الأصول 11-434.
3- (3) وسائل الشیعة 2-869 ح 1.
4- (4) نفس الروایة المتقدمة.
5- (5) وسائل الشیعة 2-869 ح 2.
6- (6) وسائل الشیعة 2-868 ح 1.
7- (7) وسائل الشیعة 2-868 ح 1.
8- (8) وسائل الشیعة 2-868 ذیل ح 1.
9- (9) وسائل الشیعة 2-868 ذیل ح 1.
10- (10) وسائل الشیعة 2-868 ذیل ح 1.
11- (11) جامع الأصول 11-443.

فرق بین کراهة الجلوس للغائط و غیره.

الثالث عشر: التغوط بین القبور، لما فیه من تأذی المسترحمین و المترددین لزیارتهم. و قال النبی صلی اللّه علیه و آله: لا أبالی أ وسط القبور قضیت حاجتی أو وسط السوق.

الرابع عشر: یکره المقام عندها، لما فیه من ترک الرضا بقضائه تعالی، أو للاشتغال عن مصالح المعاد و المعاش، أو لعدم الاتعاظ.

الخامس عشر: یکره أن یتخذ مساجد، لقوله علیه السلام: لعن اللّه الیهود اتخذوا قبور أنبیائهم مساجد(1).

المطلب الخامس (فی اللواحق)

و هی:

الأول: یستحب أن یدفن المیت فی أشرف البقاع، فإذا کان بمکة ففی مقبرتها. و کذا بالمدینة و مشاهد الأئمة علیهم السلام، و فی المقبرة إن کثر فیها الصالحون و الشهداء لتناله برکتهم، و کذا فی البقاع الشریفة، لأن موسی علیه السلام لما حضرته الوفاة سأل اللّه تعالی أن یدنیه إلی الأرض المقدسة رمیته بحجر، قال النبی صلی اللّه علیه و آله: لو کنت ثم لأریتکم قبره عند الکثیب الأحمر(2).

الثانی: ینبغی جمع الأقارب فی الدفن، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله لما دفن عثمان بن مظعون قال: أدفن إلیه من مات من أهله(3) ، و لأنه أسهل لزیارتهم و أکثر للترحم علیه. و ینبغی تقدیم الأب، ثم من یلیه فی السن، و الفضیلة إذا أمکن.

ص:285


1- (1) وسائل الشیعة 2-887 ح 2 ب 65.
2- (2) صحیح البخاری 2-98 ط مصر.
3- (3) جامع الأصول 11-435.

و ینبغی دفن الشهید حیث قتل، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله قال:

ادفنوا القتلی فی مضاجعهم(1).

و لو طلب بعض الورثة الدفن فی المسبلة و البعض فی الملک، دفن فی المسبلة، لأنه أقل ضررا علی الورثة.

فإن تشاحا فی الکفن، قدم قول من یکفنه من ملکه، لأن فیه منة یتضرر بها الوارث. و لو أوصی بأن یدفن فی داره، کان من الثلث.

و ینبغی أن یکون للإنسان مقبرة یدفن فیه أهله و أقاربه. و لو تشاح اثنان فی الدفن فی المسبلة، قدم قول أسبقهما، کما لو تنازعا فی رحال الأسواق. فإن تساویا أقرع.

الثالث: یجوز الدفن لیلا، لأن ذا النجارین دفن لیلا، و استقبل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله القبلة، و قال: اللهم إنی أمسیت عنه راضیا فارض عنه.

و دفن علی علیه السلام فاطمة علیها السلام لیلا. و کذا لو دفن أبو بکر و عثمان و عائشة.

الرابع: إذا دفن جماعة فی قبر استحب تقدیم الأفضل إلی القبلة. و لو کان رجلا و صبیا فالرجل إلی القبلة.

و ینبغی وضع حاجز بین کل اثنین، لیکونا کالمنفردین. و لو خدد لهم أخدود و جعل رأس کل واحد عند رجل الآخر جاز، و إن کان اللحد أفضل.

الخامس: لو مات فی سفینة فی البحر و لم یقدر علی الشط، غسل و کفن و صلی علیه و ثقل لیرسب فی الماء، و یجعل فی خابیة و یسد رأسها و یلقی فی البحر. لأن المقصود من دفنه ستره و هو یحصل بذلک، و لقول الصادق علیه السلام: و لو مات فی بئر فإن أمکن إخراجه وجب تحصیلا للتغسیل و غیره،

ص:286


1- (1) سنن أبی داود 3-202.

إن تعذر إلا بالتمثیل به لم یجز و طمت و کانت قبره، لقول الصادق علیه لسلام: و یجعل قبرا(1).

و لو اضطر إلی البئر إلی استعمالها و خافوا التلف، جاز إخراجه بکلالیب و إن تقطع إذا لم یمکن إلا بذلک. و کذا لو کان طمها یضر بالمارة، سواء أفضی إلی المثلة أو لا، لما فیه من الجمع بین الحقوق من نفع المارة و غسل المیت و حفظه من المثلة ببقائه، لأنه ربما أنتن و تقطع.

السادس: الشهید یدفن بثیابه أصابه الدم أو لا إجماعا، لقول النبی صلی اللّه علیه و آله: ادفنوهم بثیابهم(2). و الأقوی وجوب دفن السروال أیضا لأنه من الثیاب، و لا یکفن إلا أن یجرد، فإن لم یجرد لم یجز تجریده و تکفینه.

نعم یجوز أن یزاد علی ثیابه، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله دفن حمزة فی ثیابه التی أصیب فیها و زاده برداء فقصر عن رجلیه فدعی بآخر فطرح علیه، و صلی علیه سبعین تکبیرة(3). و فی روایة أنه کان جرد(4).

و لا یدفن معه الفرو و القلنسوة، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله أمر فی قتلی أحد بأن ینزع عنهم الحدید و الجلود. و أن یدفنوا بدمائهم و ثیابهم، و لا یدفن معه الخف و لا الفرو، فإن أصابهما الدم دفنا معه(5).

السابع: لو خرج من المیت نجاسة بعد التکفین لاقت کفنه، غسلت ما لم یطرح فی القبر، فإن طرح قرضت، لقول الصادق علیه السلام: إذا خرج من منخر المیت الدم أو الشیء و بعد الغسل فأصاب العمامة أو الکفن قرض بالمقراض(6).

الثامن: إذا نزل المیت القبر قال الشیخ: استحب أن یغطی القبر

ص:287


1- (1) وسائل الشیعة 2-875 ب 51.
2- (2) جامع الأصول 11-430.
3- (3) وسائل الشیعة 2-700 ح 8.
4- (4) وسائل الشیعة 2-700 ح 7.
5- (5) وسائل الشیعة 2-701 ح 10.
6- (6) وسائل الشیعة 2-723 ح 4.

بثوب، سواء کان المیت رجلا أو امرأة، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله لما دفن سعد بن معاذ ستر قبره بثوب. و قال الصادق علیه السلام: و قد مد علی قبر سعد بن معاذ ثوب، و النبی صلی اللّه علیه و آله شاهد فلم ینکر ذلک(1). و لأنه یحل عقد کفنه و سیوبه و جعل ما ینبغی ستره. و عند المفید یستحب فی المرأة دون الرجل.

التاسع: لا یمنع أهل المیت من رؤیته و تقبیله، لأن جابرا لما قتل أبی جعل یکشف الثوب عن وجهه و یبکی و النبی صلی اللّه علیه و آله لا ینهاه. و قبل رسول اللّه صلی علیه و آله عثمان بن مظعون و هو میت، حتی کانت الدموع تسیل(2). و کشف الصادق علیه السلام عن وجه إسماعیل بعد أن کفن فقبل وجهه.

العاشر: المقتول الذی یجب تغسیله یغسل عنه الدم أولا، و یبدأ بیدیه و دبره و یربط جراحاته بالقطن و الحنوط. و إذا وضع علیه القطن عصبه، و کذا موضع الرأس و الرقبة، و یجعل له من القطن شیئا کثیرا، و یدر علیه الحنوط، و إن استطاع أن یعصبه فعل. و إن کان الرأس قد بان من الجسد غسل الرأس إذا غسل الیدین و سفله، و یوضع القطن فوق الرقبة، و یضم إلیه الرأس، و یجعل فی الکفن. و إذا دفن تناول الرأس و الجسد و أدخله اللحد و وجهه إلی القبلة، روی ذلک العلاء بن سیابة عن الصادق علیه السلام(3).

الحادی عشر: إذا اجتمع أموات بدأ بمن یخشی فساده، فإن لم یکن قال فی المبسوط: الأولی تقدیم الأب، ثم الابن و ابن الابن، ثم الجد. و لو کان أخوان فی درجة قدم الأکبر، فإن تساویا أقرع. و تقدم أسن الزوجتین، و یقرع إن تساویا(4). و للولی التخییر.

ص:288


1- (1) وسائل الشیعة 2-875 ب 50.
2- (2) جامع الأصول 11-403.
3- (3) وسائل الشیعة 2-701 ب 15.
4- (4) المبسوط 1-176.

الثانی عشر: یستحب للمصاب الاستعانة باللّه و الصبر و استنجاز ما وعد اللّه تعالی علیها فی قوله «وَ بَشِّرِ الصّابِرِینَ اَلَّذِینَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِیبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ أُولئِکَ عَلَیْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (1).

و لیتحفظ من التکلم بشیء ینحبط أجره به و یسخط ربه مما یشبه التظلم و الاستغاثة، فإن اللّه تعالی عدل لا یجور و لا یدعو علی نفسه، لنهی النبی صلی اللّه علیه و آله عنه.

و یحتسب ثواب اللّه و یحمده. قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: إذا قبض ولد المؤمن و اللّه أعلم بما قال العبد، فیسأل الملائکة قبضتم ولد فلان المؤمن ؟ فیقولون نعم ربنا، فیقول: فما ذا قال عبدی ؟ فیقولون: حمدک ربنا و استرجع، فیقول عز و جل، ابنوا له بیتا فی الجنة و سموه بیت الحمد(2).

الثالث عشر: البکاء جائز إجماعا و لیس بمکروه، قبل خروج الروح و بعدها، قال الصادق علیه السلام: إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حین جاءته وفاة جعفر بن أبی طالب و زید بن حارثة کان إذا دخل بیته کثر بکاؤه علیهما جدا، و قال کانا یحدثانی و یؤنسانی فذهبا جمیعا(3).

و یجوز النوح و الندب بتعداد فضائله و اعتماد الصدق، لأن فاطمة علیها السلام کانت تنوح علی النبی صلی اللّه علیه و آله، فتقول: یا أبتاه من ربه ما أدناه، یا أبتاه إلی جبرائیل أنعاه، یا أبتاه أجاب ربا دعاه(4).

و لو اقترن بالکذب و الدعاء بالویل و الثبور، لم یجز. و یجوز الوقف علی النائحة لأنه فعل سائغ فجاز الوقف علیه کغیره.

الرابع عشر: یجوز شق الثوب علی موت الأب و الأخ، لأن العسکری

ص:289


1- (1) سورة البقرة: 157.
2- (2) وسائل الشیعة 2-896 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 2-922 ح 6.
4- (4) وسائل الشیعة 2-922.

علیه السلام شق علی أبیه الهادی علیه السلام من خلف و قدام(1). و لا یجوز للرجل شقه علی غیرهما. أما المرأة فیجوز مطلقا.

الخامس عشر: کل ما یفعل من القرب و الطاعات یهدی ثوابه إلی المیت، فإنه یصله و ینفعه، قال اللّه تعالی «یَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا» (2) «وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِکَ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ» (3) و قال رجل للنبی صلی اللّه علیه و آله: إن أمی ماتت أ ینفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم(4). و قال الصادق علیه السلام: یدخل علی المیت فی قبره الصلاة و الصوم و الحج و الصدقة و البر و الدعاء، و یکتب أجره للذی یفعله و للمیت(5). و قال النبی صلی اللّه علیه و آله: من دخل المقابر، فقرأ سورة یس خفف عنهم یومئذ، و کان له بعدد من فیها حسنات(6). و لا فرق بین الواجبات و الصدقة و الدعاء و الاستغفار و غیرها، لقول الصادق علیه السلام: من عمل من المسلمین عن میت عملا صالحا، أضعف له أجره، و نفع اللّه به المیت(7).

السادس عشر: یستحب تعزیة أهل المیت إجماعا، لقوله علیه السلام:

من عزی مصابا فله مثل أجره(8). و قال علیه السلام: من عزی حزینا کسی فی الموقف حلة یحبر بها(9). و قال علیه السلام: التعزیة تورث الجنة(10).

و المراد منها تسلیة أهل المصیبة، و قضاء حقوقهم، و التقرب إلیهم، و إطفاء نار الحزن عنهم، و تسلیتهم بمن سبق من الأنبیاء و الأئمة علیهم

ص:290


1- (1) وسائل الشیعة 2-916 ح 3.
2- (2) سورة الحشر: 10.
3- (3) سورة محمد: 19.
4- (4) جامع الأصول 7-316.
5- (5) وسائل الشیعة 2-655 ح 3.
6- (6) راجع جواهر الکلام 4-22. سنن أبی داود 3-191.
7- (7) وسائل الشیعة 2-655 ح 4.
8- (8) وسائل الشیعة 2-871 ح 2، جامع الأصول 11-445.
9- (9) وسائل الشیعة 2-872 ح 9 و 7.
10- (10) وسائل الشیعة 2-871 ح 8 و 6.

السلام، و یذکرهم الثواب علی الصبر و اللحاق بالمیت.

و یجوز قبل الدفن و بعده، قال هشام بن الحکم: رأیت الکاظم علیه السلام یعزی قبل الدفن و بعده(1).

و یستحب تعزیة جمیع أهل المصیبة من الکبار و الصغار، خصوصا من ضعف منهم عن تحمل المصیبة. و لا فرق بین الرجل و المرأة، لقوله علیه السلام: من عزی ثکلی کسی بردا فی الجنة(2).

و یجوز تعزیة الکفار، فیقول له: أخلف اللّه علیک. و فی تعزیة المسلم بالکافر أعظم اللّه أجرک و أخلف علیک.

و لیس فی التعزیة شیء موظف، قال زین العابدین علیه السلام: لما توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و جاءت التعزیة سمعوا قائلا یقول: إن فی اللّه عزاء من کل مصیبة و خلفا من کل هالک و درکا من کل ما فات، فباللّه فثقوا و إیاه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب.

و یکفی فی التعزیة أن یراه صاحب المصیبة. و قال الصادق علیه السلام:

کفاک من التعزیة أن یراک صاحب المصیبة»(3).

قال الشیخ: یکره الجلوس للتعزیة یومین أو ثلاثة(4). و أنکره ابن إدریس، لأنه تزاور مستحب.

و لا یجوز أن یتمیز صاحب المصیبة عن غیره بإرسال طرف العمامة، و أخذ میزر فوقها. قال الشیخ: إلا علی الأب و الأخ لا غیرهما(5). و الوجه عندی الجواز، لأن الصادق علیه السلام لما مات إسماعیل تقدم السریر بغیر رداء و لا حذاء. و قال علیه السلام: ینبغی لصاحب المصیبة أن یضع رداءه حتی یعلم

ص:291


1- (1) وسائل الشیعة 2-872 ب 47.
2- (2) جامع الأصول 11-444.
3- (3) وسائل الشیعة 2-874 ح 4.
4- (4) المبسوط 1-189.
5- (5) نفس المصدر.

الناس أنه صاحب المصیبة(1). و قد نهی من وضع الرداء عن مصیبة الغیر.

السابع عشر: یستحب إصلاح طعام لأهل المیت یبعث به إلیهم إجماعا، إعانة لهم و جبرا لقلوبهم، و لأنهم مشتغلون بمصابهم و بالواردین إلیهم من إصلاح طعام لأنفسهم. و لما جاء نعی جعفر علیه السلام قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: اصنعوا لآل جعفر طعاما، فإنه قد أتاهم أمر یشغلهم(2). و قال الصادق علیه السلام: لما قتل جعفر أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فاطمة علیها السلام أن تأتی أسماء بنت عمیس و نساءها و أن تصنع لهم طعاما ثلاثة أیام، فجرت بذلک السنّة(3).

الثامن عشر: یستحب زیارة المقابر، لقوله علیه السلام: کنت نهیتکم عن زیارة القبور فزوروها فإنها تذکرکم الموت. و قال الرضا علیه السلام: من أتی قبر أخیه المؤمن من أی ناحیة یضع یده و قرأ إنا أنزلناه سبع مرات أمن من الفزع الأکبر(4).

و لا یکره ذلک للنساء، لأن فاطمة علیها السلام کانت تأتی قبور الشهداء فی غداة کل سبت فتأتی قبر حمزة علیه السلام، و تترحم علیه و تستغفر له(5).

تم الجزء الأول من کتاب «نهایة الإحکام فی معرفة الأحکام» بعون اللّه تعالی و حسن توفیقه و منّه.

و یتلوه فی الجزء الثانی إن شاء اللّه تعالی کتاب الزکاة و فیه مقاصد، و الحمد للّه وحده و صلی اللّه علی سیدنا محمد خیر خلقه النبی و عترته الطاهرین. فرغ المصنف (قدس اللّه روحه) من تصنیفه فی شعبان سنة خمس و سبعمائة.

ص:292


1- (1) وسائل الشیعة 2-675.
2- (2) وسائل الشیعة 2-890. ب 68 جامع الأصول 11-445.
3- (3) وسائل الشیعة 2-889 ح 7.
4- (4) وسائل الشیعة 2-881 ح 1.
5- (5) وسائل الشیعة 2-879 ح 2.

کتاب الزکاة

اشارة

و فیه مقاصد

ص:293

ص:294

المقصد الأول: فی زکاة المال

اشارة

و فیه فصول

ص:295

ص:296

الفصل الأول: فی الشرائط العامة

مقدمة:

الزکاة لغة: النمو و الزیادة، سمیت بذلک لأنها تثمر المال و تنمیه. و هی فی الشریعة: عبارة عن حق تجب فی المال المخصوص علی شرائط مخصوصة.

و هی واجبة بالنص و الإجماع. قال اللّه تعالی وَ آتُوا الزَّکاةَ (1) و قال تعالی وَ وَیْلٌ لِلْمُشْرِکِینَ اَلَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکاةَ (2) و بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله معاذا إلی الیمن، فقال: أعلمهم أن اللّه تعالی افترض علیهم صدقة تؤخذ من أغنیائهم، فترد فی فقرائهم(3). و قال علیه السلام: مانع الزکاة فی النار(4).

و هی أحد الأرکان الخمسة فی الإسلام. و أجمع المسلمون فی جمیع الأعصار علی وجوبها، فمن أنکر وجوبها جاهلا [1] به و کان ممن یجهل ذلک، إما لقرب عهده بالإسلام، أو لبعده عن أهله، بأن یکون من أهل بادیة بائنة عن

ص:297


1- (1) سورة البقرة: 43 و 83 و 110 و 277 و غیرها.
2- (2) سورة فصلت: 7
3- (3) جامع الأصول 5-295.
4- (4) وسائل الشیعة 6-17 ح 27 ما یشبه ذلک.

الأمصار، عرّف وجوبها و لا یحکم بکفره، لأنه معذور.

و إن کان مسلما نشأ فی الإسلام و عرف محاسنه، فهو مرتد، لأنه جحد ما هو معلوم بالضرورة من دین الإسلام، و لا یکاد یخفی علیه حاله، فجحوده لها إنما یکون لتکذیبه الکتاب و السنّة المتواترة.

فإن منعها مع اعتقاد وجوبها، أخذها الإمام منه قهرا و عزره، و لا یأخذ زیادة علیها.

و إن غل ماله فکتمه حتی لا یأخذ الإمام زکاته فظهر علیه، لقوله علیه السلام: لیس فی المال حق سوی الزکاة(1).

و لو لم یدفعها إلاّ بالقتال، وجب، لأنه من الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر. و لا یحکم بکفره لقتاله علیها. و لا یسبی هو و لا ذریته. فإن ظفر الإمام به دون ماله، دعاه إلی أدائها و استتابه ثلاثا، فإن تاب و أدی، و إلا قتل.

و لا یحکم بکفره، لأنها من فروع الدین، فلم یکفر تارکه کالحج، و إذا لم یکفر بترکه لم یکفر بالقتال علیه کأهل البغی.

و لو لم یکن فی قبضة الإمام و اعتصم بقوم، قاتلهم الإمام لمساعدتهم إیاه علی الامتناع من أداء الواجب، و هو محرم.

و اعلم أن الشروط العامة أربعة یشتمل علیها أربعة مباحث:

البحث الأول (البلوغ)

البلوغ شرط فی وجوب الزکاة، فلا تجب زکاة العین علی الصبی عند علمائنا کافة، لقوله علیه السلام: رفع القلم عن الصبی حتی یبلغ، و عن المجنون حتی یفیق(2). و قول الباقر علیه السلام: لیس فی مال الیتیم زکاة(3). و لأن الزکاة

ص:298


1- (1) سنن ابن ماجة 1-570 الرقم 1789
2- (2) سنن ابن ماجة 1-658 الرقم 3041
3- (3) وسائل الشیعة 6-58 ح 8.

تکلیف، و هو منوط بالبلوغ، و لأنها عبادة فلا تجب علیه کالصلاة و الحج.

و الأصح أنها لا تجب فی غلاتهم لما تقدم، و لقول الصادق علیه السلام:

و لیس علی جمیع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زکاة(1).

و لا تجب أیضا فی مواشیهم علی الأصح. لعموم «لیس علی مال الیتیم زکاة»(2).

و لو اتجر له الولی فی ماله إرفاقا به و شفقة علیه، استحب له إخراج الزکاة عن الطفل عند علمائنا، لقول الصادق علیه السلام: لیس فی مال الیتیم زکاة إلاّ أن یتجر به(3). و لأنه مال تجارة فاستحب فیه الزکاة کمال البالغ.

و لو ضمن الولی المال و اتجر لنفسه، کان الربح له إن کان ملیا، و علیه الزکاة استحبابا، لأن له ولایة الاقتراض منه فملک، و کان النماء له و کان ضامنا، لأنه ملکه بالقرض، و لقول الصادق علیه السلام و قد سأله منصور بن الفضل [1] عن مال الیتیم یعمل به: إذا کان عندک مال و ضمنته و لک الربح و أنت ضامن للمال، و إن کان لا مال لک و عملت به، فالربح للغلام و أنت ضامن(4).

و لو لم یکن ملیا و إن کان ولیا. [أو لم یکن ولیا. و إن کان ملیا [2]] و ضمن و اتجر لنفسه، ضمن المال للیتیم، و کان الربح للیتیم و لا زکاة، لأن الولی إنما له الاقتراض مع المصلحة، و هی منتفیة مع عدم الملاءة، فکان الاقتراض باطلا.

و کذا لو کان ملیا و لم یکن ولیا، إذ لا ولایة لغیر الولی، و الربح نماء مال

ص:299


1- (1) وسائل الشیعة 6-56 ح 11.
2- (2) المتقدم آنفا.
3- (3) وسائل الشیعة 6-57 ح 1 و 2.
4- (4) وسائل الشیعة 6-58 ح 7.

الطفل، فلا یملکه. العامل إذا اشتری بالعین، و لا زکاة لأنها تجارة باطلة، و لما رواه سماعة قال: قلت للصادق علیه السلام الرجل یکون عنده مال الیتیم فیتجر به أ یضمنه ؟ قال: نعم، قلت: فعلیه زکاة ؟ قال: لعمری لا أجمع علیه خصلتین: الضمان و الزکاة(1).

و یستحب فی غلات الطفل و مواشیه علی رأی، و یتناول التکلیف بالإخراج الولی وجوبا إن قلنا بالوجوب، و استحباب إن قلنا به، کما یخرج عنه قیم المتلفات و أروش الجنایات و نفقة الأقارب، و تعتبر نیة الولی فی الإخراج کما تعتبر النیة من رب المال.

و لا فرق بین الممیز و غیره، و لا بین المراهق و غیره فی جمیع ما تقدم، لصدق وصف الصغر علیهم.

البحث الثانی (العقل)

العقل شرط فی وجوب الزکاة، فلا تجب زکاة العین علی المجنون، عند علمائنا أجمع، لأن مناط التکلیف معدوم، و لقوله علیه السلام: و عن المجنون حتی یفیق(2).

و کذا لا تجب فی غلاته و مواشیه علی الأصح، لکن تستحب.

و لو کان الجنون یعتوره أدوارا، اشترط فی الوجوب العقل طول الحول.

و لو عرض له الجنون فی أثنائه، سقط اعتبار ذلک الحول.

و ابتداء الحول من حین العود إلی الصحة، لسقوط التکلیف به.

و حکم المغمی علیه حکم المجنون.

ص:300


1- (1) وسائل الشیعة 6-58 ح 5.
2- (2) سنن ابن ماجة 1-658
البحث الثالث (الحریة)

الحریة شرط فی وجوب الزکاة، فلا تجب علی العبد، لأنه غیر مالک عندنا، لقوله تعالی «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ» (1) و قوله تعالی «ضَرَبَ لَکُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِکُمْ هَلْ لَکُمْ مِنْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ مِنْ شُرَکاءَ فِی ما رَزَقْناکُمْ فَأَنْتُمْ فِیهِ سَواءٌ (2) و لأنه مال فلا یملک بالتملیک کالدابة.

أما علی قول بعض علمائنا، فإنه یملک فاضل الضریبة. و أرش الجنایة و ما یملکه مولاه، فتجب الزکاة علیه. و یحتمل أن لا تجب لنقص الملک فیه.

و علی ما اخترناه تجب الزکاة علی المولی، لأنه مالک لما تجب فیه الزکاة.

و المدبر و أم الولد کالقن، أما المکاتب فإن کان مشروطا فکالقن لا زکاة علیه، لأن ما فی یده لمولاه، فلا زکاة علیه و لا علی المولی أیضا، لأنه ممنوع من التصرف فیه، و لقوله علیه السلام لا زکاة فی مال المکاتب(3). و لأنه ممنوع من التصرف بغیر، الاکتساب.

و لو عجز فرده مولاه إلی الرق، ملک المولی المال تبعا له، و استقبل الحول حینئذ و ضمه إلی ماله و کمل به النصاب.

و أما المطلق: فإن لم یؤد شیئا، لم تجب علیه زکاة، لأنه بعد مملوک فلا یملک المال ملکا تاما، و هو ممنوع من التصرف فیه بغیر الاکتساب.

و إن قد أدی تحرر منه بقدر ما أدی و کان الباقی رقیقا. فإذا ملک مالا قسط علی نسبة الحریة و الرقیة، فإن کان نصیب الحریة نصابا، وجب علیه فیه الزکاة، لأنه مالک ملکا تاما فکان کالحر.

ص:301


1- (1) سورة النحل: 75.
2- (2) سورة الروم: 28.
3- (3) وسائل الشیعة 6-60 ح 5.

و کذا من انعتق بعضه بغیر المکاتبة إن بلغ نصیب الحریة نصابا، وجب فیه الزکاة، و إلا فلا.

و إذا أعتق المکاتب، استقبل الحول مما فی یده من حین العتق، لأنه وقت استقرار الملک، فلو ظهر بطلان العتق: إما بأن کان المدفوع معیبا، أو ملک الغیر، أو أعتق الوارث و هناک دین خفی و لا شیء بعد دفع الزکاة، استردها، لظهور عدم الاستحقاق و کون المدفوع مال الغیر.

البحث الرابع (الملک التام)
اشارة

یشترط فی وجوب الزکاة تمامیة الملک، فلا تجب الزکاة علی غیر مالک إجماعا. و أسباب نقص الملک ثلاثة:

السبب الأول (منع التصرف)

فلو منع المالک من التصرف فی ماله، لم تجب الزکاة فیه، لأن التمکن من التصرف طول الحول شرط فی الوجوب، فلا تجب فی المغصوب، و لا الضال، و لا المجحود بغیر بینة، و لا المسروق. لأنه ملک خرج عن یده و تصرفه و صار ممنوعا منه، فلم یلزمه زکاته، کمال المکاتب. و قول الصادق علیه السلام: لا صدقة علی المال الغائب عنک حتی یقع فی یدیک(1).

و إذا عاد صار کالمستعاد یستقبل به حولا من حین العود و التمکن من التصرف. و لا یجب علیه الزکاة عما مضی، سواء عاد بتمامه أو لا.

نعم یستحب له إذا عاد بعد سنین أن یزکیه لسنة واحدة، لقول الصادق علیه السلام: فإذا عاد خرج زکاة لعام واحد(2).

ص:302


1- (1) وسائل الشیعة 6-63 ح 6.
2- (2) وسائل الشیعة 6-63 ح 7.

و لو غصبه [1] فی أثناء الحول ثم عاد، استأنف من حین العود، لعدم الشرط حالة الغصب، فیعدم المشروط.

و الضال کالمغصوب لا زکاة فیه، لأن النسیان عذر. و کذا لو دفنه فی داره و ضل عنه، لأن المقتضی للوجوب و هو التمکن من التصرف منتف.

و لو أیسر المالک و حیل بینه و بین ماله، فلا زکاة، و إن تمکن من التصرف فیه بالبیع و شبهه، لنقص التصرف. و لو تمکن من أنواع التصرفات فیه، وجب لوجود الشرط، و هو إمکان التصرف.

و أما الدین: فإن کان علی معسر، أو جاحد، أو مماطل، أو کان مؤجلا، لم تجب فیه الزکاة، لأن الشرط و هو التمکن من التصرف مفقود، و لقول الصادق علیه السلام: کل دین یدعه صاحبه إذا أراد أخذه فعلیه زکاته، و ما لا یقدر علی أخذه فلیس علیه زکاته(1). و المؤجل لا یقدر علی انتزاعه، فلم یکن متمکنا من التصرف.

و إن کان علی ملی باذل، فالأقوی عدم الوجوب أیضا، سواء کان من النعم أو لا، لأنه غیر متعین، و للمدیون الخیار فی تعیین القضاء من أی جهة شاء، و إنما یتعین بالقبض، فیکون ملکه ناقصا، و لأنه غیر تام، فأشبه عوض المنفعة(2) و لقول الصادق علیه السلام: لیس فی الدین زکاة [2].

فإذا قبضه، استقبل الحول من حین القبض، و لا یزکیه عما مضی، و لا یحتسب من الحول أیضا، لقول الکاظم علیه السلام و قد سأله إسحاق بن عمار الدین علیه زکاة ؟ قال: لا حتی یقبضه، قلت: فإذا قبضه علیه زکاة ؟ قال: لا حتی یحول علیه الحول فی یده(3).

ص:303


1- (1) وسائل الشیعة 6-64 ح 5 و 14.
2- (2) وسائل الشیعة 6-64 ح 4.
3- (3) وسائل الشیعة 6-62 ح 3.

و أما الغائب: فإن کان مقدورا معلوم علیه السلامة، وجبت الزکاة علیه، لوجود المقتضی جامعا للشرائط. و ینبغی أن یخرج فی بلد المال، و لو أخرج فی غیره جاز، و لا فرق بین أن یکون مستقرا فی بلد أو سائرا. و إن لم یکن مقدورا علیه فلا زکاة، لعدم التمکن منه.

و المستودع إذا جحد الودیعة، فکالغاصب، و لو کان له بینة و قدر علی انتزاعه، وجبت الزکاة.

و لو اشتری نصابا معینا و لم یقبضه حتی مضی حول فی ید البائع، فإن کان ممنوعا من قبضه، أما من البائع أو من غیره، فلا زکاة، أما علی البائع فلانتقال ملکه عنه، و أما علی المشتری فلعدم تمکنه من التصرف. و إن لم یکن ممنوعا من التصرف و لا من القبض، وجبت علیه الزکاة، لوجود المقتضی جامعا لشرائطه.

و لو لم یکن معینا، کان کالدین، و لو قبضه جری فی الحول من حینئذ، سواء کان فی مدة الخیار أو لا، لأنه مالک تام الملک. و کذا لو شرط البائع خیارا لم یمنع وجوب الزکاة علی المشتری، إلا أن یفسخ قبل الحول.

و الوقف من الغنم السائمة لا زکاة فیه لنقص التصرف، و لأن الزکاة تجب فی العین، فتخرج عن الوقف.

السبب الثانی (تسلط الغیر علیه)

فلا تجب فی المرهون و إن کان فی یده، لأن تسلط الغیر یمنع المالک من التصرف فیه. و لو کان قادرا علی الافتکاک، وجبت الزکاة، لتمکنه من التصرف، و لا یخرجها من النصاب، لتعلق حق المرتهن به تعلقا مانعا من تصرف الراهن.

و لو رهن ألف درهم علی ألف اقترضها و بقیت فی یده حولا، وجبت علیه الزکاة فیها لأنه ملک بالقرض ما اقترضه، و هو متمکن من فک الرهن.

ص:304

و مال القرض إن ترکه المقترض بحاله حولا، سقطت الزکاة عن المقترض، لخروجه عن ملکه، و وجبت علی المقترض، لأنه ملکه بالقرض، و لقول الباقر علیه السلام: القرض زکاته علی المقترض أن کان موضوعا عنده حولا(1). و لیس علی المقرض زکاته لأنه مال المقترض لیس ذلک لأحد غیره.

و لا زکاة فی منذور الصدقة، لتسلط حق الفقراء علیه إذا کان النذر قبل الحول، و لو کان بعده لم ینعقد فی الفریضة إذا نوی غیر الزکاة فلم یضمنها.

و لو نذر جعل هذه الأغنام ضحایا. أو هذا المال صدقة قبل الحول، سقطت الزکاة أیضا، بل کان السقوط أقوی من منذور الصدقة، لأن هذا خرج بالنذر عن ملکه، بخلاف منذور الصدقة، فإنه لا یخرج إلا بالصدقة.

و لو نذر الصدقة بأربعین شاة و أطلق، لم تسقط الزکاة، لأن الدین غیر مانع. و لو کان النذر مشروطا، احتمل الوجوب إذا حال الحول قبل الشرط، لأنه مال مملوک حال علیه الحول. و عدمه، لمنعه من التصرف فیه، و هو الأقوی.

و لو استطاع بالنصاب و وجب الحج، ثم مضی الحول علی النصاب، فالأقوی عدم منع الحج من الزکاة، لتعلقها بالعین.

و لو اجتمع الدین و الزکاة، قدمت الزکاة، لتعلقها بالعین و الدین بالذمة.

و لو حجر الحاکم علی المالک لإفلاسه، ثم حال الحول، فلا زکاة، لأنه ممنوع من التصرف.

و لو استقرض الفقیر نصابا و ترکه حولا، وجبت الزکاة علیه، لأنه مالک نصابا، و الدین لا یمنع الزکاة لأنها متعلقة بالعین و الدین متعلق بالذمة، فیغایر المحل، فلا منافاة.

و لو حجر علیه الحاکم بعد الحول، لم تسقط الزکاة و تناول الحجر ما عدا الزکاة. و إن حجر قبل الحول، فلا زکاة، للمنع من التصرف و تسلط حق الغیر

ص:305


1- (1) وسائل الشیعة 6-67.

علیه، سواء قسمه الحاکم، أو عینه من غیر قسمة أو لا.

و لو اشترط المقترض الزکاة علی المالک [1]، لم یصح، و کان الزکاة علیه، لمخالفة الشرط مقتضی الدلیل. و إن أبطلنا القرض لبطلان الشرط، فالزکاة علی المالک إن تمکن من التصرف، و إلا فلا.

و لو عزل لأهله نفقة هی نصاب، فإن کان حاضرا و حال الحول علیها، وجبت الزکاة، لأنها لم تخرج عن ملکه بمجرد العزل، و هو متمکن من التصرف بحضوره.

و إن غاب قبل الحول، فلا زکاة فیها، لأنها فی معرض الإتلاف.

و لو کسب نصابا، وجب الخمس حال حصوله، لکن أخره الشارع حولا إرفاقا به، فإذا حال الحول فلا زکاة، لتعلق الخمس به أولا، فنقص عن النصاب.

السبب الثالث (عدم قرار الملک)

فلا یجری الموهوب فی الحول إلا بعد القبول و القبض، لأنه قبله غیر مملوک، و لا فرق بین المتهب الأجنبی و القریب، لأن ملک الأجنبی و إن کان متزلزلا إلا أنه تام، و لا یزول إلا بالرجوع.

و لو أوصی له بنصاب اعتبر الحول بعد الوفاة و القبول لتمام الملک لا بأحدهما، نعم یشترط إمکان التصرف.

و لو استقرض نصابا، جری فی الحول حین القبض، لأن الملک یحصل به.

و لا تجری الغنیمة فی الحول إلا بعد القسمة، سواء کانت جنسا واحدا أو أجناسا مختلفة، و سواء اختاروا التملک أو لا لأن الغانمین و إن ملکوا الغنیمة

ص:306

باختیار التملک إلا أن ملکهم فی غایة الضعف و لهذا یسقط بمجرد الإعراض.

و للإمام أن یقسمها بینهم قسمة تحکم، فیخص بعضهم ببعض الأنواع و بعض الأعیان إن اتحد النوع.

و لا یجوز مثل هذه القسمة فی سائر الأملاک المشترکة إلا بالتراضی. و إنما یملک الغانم بالقسمة، و لا یکفی عزل الإمام إلا بعد قبض الغانم.

و لو أصدقها نصابا معینا، ملکته بالإصداق، سواء دخل بها أو لا، فإن قبضها إیاه، أو مکنها من التصرف فیه جری فی الحول حینئذ، و إلا فلا. فإن حال الحول و هو مقبوض، وجبت الزکاة علیها، لاستقرار الملک حولا.

فإن طلقها قبل الدخول أخذ الزوج النصف کملا، و کان حق الفقراء علیها أجمع، لأنها مالکة للنصاب حولا، و زوال ملکها عن النصف بالطلاق بعد استحقاق الفقراء لا یؤثر فیه لاستقرار الحکم بوجود علته التامة.

و إن کانت قد أخرجت الزکاة من العین ثم طلق، أخذ نصف الصداق من الموجود، و یجعل المخرج من نصیبها، فإن تساوت القیم و کانت أغناما، مثلا أخذ عشرین منها. و إن تفاوت أخذ النصف بالقیم، و یحتمل أخذ نصف الأغنام الباقیة و نصف قیمة الشاة المخرجة.

و إن کانت قد أخرجت من غیر العین، رجع الزوج بنصف الأربعین، لأن الزکاة و إن تعلقت بالعین إلا أنها لیست علی سبیل الشرکة. و لو تلف النصف بتفریطها، تعلق حق الساعی بالعین و ضمنت للزوج.

و لو آجر داره حولین بأربعمائة درهم و قبضها، وجب عند کمال الحول الأول زکاة الجمیع، و إن کان فی معرض التشطیر بالانهدام، لثبوت الملک التام فی الجمیع. و لهذا لو کانت الأجرة جاریة حل وطؤها، و السقوط بالانهدام لا یوجب ضعف الملک، کالزوجة تلزمها زکاة الصداق قبل الدخول، و إن کان فی معرض السقوط بارتدادها، أو سقوط نصفه بالطلاق.

و یحتمل أن یقال: إنما یملک الموجر الأجرة شیئا فشیئا، فحینئذ لا یجری

ص:307

نصاب الزکاة فی الحول الأول إلا عما تبین بعد تمامه لا غیر، إن تساوت أجرة السنین، أو کانت أجرة المثل فی الأول أکثر.

تتمة:

تشتمل علی مسائل:

الأول: إمکان الأداء شرط فی الضمان دون الوجوب، فلو أتلف النصاب بعد الحول قبل إمکان الأداء، وجبت علیه الزکاة، سواء قصد بذلک الفرار أو لا. و کذا لو تلف بغیر فعله بعد تمکنه من الأداء بعد الحول، لأنه قصد بحبس الحق عن المستحق، سواء طولب بالأداء أو لا.

و لو لم یتمکن من الأداء بعد الحول و تلف المال بغیر تفریط منه، لم یضمن، کما لو جن بعد دخول وقت الصلاة قبل تمکنه من الأداء.

و لو تلف البعض بعد الحول قبل التمکن من الأداء، سقط من الواجب علی النسبة.

فلو حال الحول علی خمس من الإبل، ثم تلفت واحدة قبل التمکن من الإخراج، سقط خمس الشاة و وجب الباقی، لأنه قد استقر بالإمکان.

الثانی: الکافر عندنا مخاطب بفروع العبادات، لوجود المقتضی و هو عموم الأمر السالم عن معارضة الکفر، لعدم صلاحیته للمانعیة، لتمکنه من الفعل بتقدیم الإسلام کالمحدث، فحینئذ إذا ملک نصابا و حال علیه الحول و هو علی الکفر، وجب علیه الزکاة لکن لا یصح منه أدائها إلا بعد الإسلام.

فإذا أسلم بعد الحول سقطت عنه، لقوله علیه السلام: الإسلام یجب ما قبله(1).

و لو أسلم قبل الحول بلحظة، وجبت الزکاة. و لو کان الإسلام بعد الحول و لو بلحظة، فلا زکاة، سواء کان المال باقیا أو تالفا بتفریط منه، أو بغیر تفریط. أما المسلم فإذا تمکن من الأداء بعد الوجوب و أهمل ضمن، و کذا المرشد.

ص:308


1- (1) الخصائص الکبری 1-349.

و لو قلنا بوجوب الزکاة فی غلاة الأطفال و المجانین و مواشیهم، ففرط الولی، أو أتلف، فالضمان علیه لا علیهما، لسقوط التکلیف فی حقهما.

الثالث: مال اللقطة یجری فی الحول من حین الملک، و هو بعد حولان:

حول التعریف و نیة التملک عندنا، و عند الشیخ أنه یدخل فی ملکه بغیر اختیاره بعد حول التعریف، فیبتدأ الحول من حینئذ و إن لم ینو التملک.

ص:309

ص:310

الفصل الثانی: فی الشرائط الخاصة

اشارة

إنک ستعلم أن الأجناس التی تجب فیها الزکاة تسعة، تنقسم أقساما ثلاثة: الأنعام، و الغلاة، و النقدان. فهنا مباحث:

البحث الأول (فی شرائط الأنعام)
اشارة

و هی أربعة:

الأول: النصاب، و سیأتی فی کل جنس من الأجناس عند تفصیل الکلام فیها.

الثانی: الحول، و لا خلاف بین العلماء فی اعتباره فی الأنعام و النقدین و زکاة التجارة، لعموم قوله علیه السلام: لا زکاة فی مال حتی یحول علیه الحول(1). خرج عنه الغلاة، فیبقی معمولا [1] به فی الباقی.

و الأصل فیه: أن ما اعتبر فیه الحول مرصد للنماء، کالأنعام مرصدة للذر و النسل، و عروض التجارة مرصدة للربح، و کذا الأثمان، فاعتبر له الحول، فإنه مظنة النماء، لیکون إخراج الزکاة من الربح فإنه أسهل، و لأن الزکاة

ص:311


1- (1) سنن ابن ماجة 1-571 الرقم 1792.

وجبت مواساة. و لم تعتبر حقیقة النماء، لکثرة اختلافه و عدم انضباطه، فاعتبرت مظنته، و لأنها تتکرر فی هذه الأموال، فلا بد لها من ضابط، لئلا یفضی إلی تعاقب الوجوب فی الفرض الواحد، فینفد مال المالک.

أما الزرع و الثمار فهی نماء فی نفسها تکامل [1] عند إخراج الزکاة منها، فتؤخذ الزکاة منها حینئذ، ثم تعود فی النقص لا فی النماء، فلا تجب فیها زکاة ثانیة، لعدم إرصادها للنماء، و لقول الباقر و الصادق علیهما السلام:

کل ما لم یحل علیه الحول عند ربه فلا زکاة علیه(1).

و یتم الحول بمضی إحدی عشرة شهرا کاملة عند استهلال الثانی عشر، لقول الصادق علیه السلام: إذا دخل الشهر الثانی عشر فقد حال علیه الحول و وجبت علیه الزکاة(2). و الأقرب احتساب الثانی عشر من الحول الأول.

و إذا دخل الثانی عشر، وجبت الزکاة إن استمرت شرائط الوجوب فی المال طول الحول، و لا یکفی طرفاه. فلو اختل بعض الشرائط قبل کمال الحول ثم عاد، استؤنف الحول من حین العود.

فلو عاوض النصاب بمثله، أو بغیر جنسه فی أثناء الحول، سقط اعتبار الأول و استؤنف الحول للثانی من حین ملکه، لأنه أصل بنفسه، فلم یبن علی حول غیره، و لقوله علیه السلام: لا زکاة فی مال حتی یحول علیه الحول(3).

و لو استرجع الأول، استأنف الحول فی الراجع من حین رجوعه أیضا.

و لو باع بعض النصاب قبل الحول، أو أتلفه قصدا للفرار، سقطت، سواء کان قبل الحول بقلیل أو کثیر، لأنه نقص قبل تمام حوله، فلم تجب فیه الزکاة، کما لو أتلفه لحاجته.

و لو باعه بشرط الخیار ثم استرده، استأنف الحول، لزوال ملکه بالبیع.

ص:312


1- (1) وسائل الشیعة 6-82 ح 1.
2- (2) فروع الکافی 3-526.
3- (3) سنن ابن ماجة 1-571.

و لو حال الحول علی النصاب الذی اشتراه بالخیار و لم تنقض مدته، وجبت فیه الزکاة، لوجود المقتضی. فإن اختار البائع الرجوع، رجع فی العین لتعلق حقه أولا، و کانت الزکاة علی المشتری. و لو کان قد أخرجها کان للبائع المطالبة بالقیمة عن المخرج.

و لو وجد المشتری به عیبا قبل إخراج زکاته، فله الرد، فإن الزکاة و إن وجبت فی العین عندنا إلا أنه لیس باعتبار استحقاق الفقراء جزءا من العین، بل بمعنی تعلق وجوبه به، کتعلق الأرش بالجانی، فإذا رد النصاب، أخرج الزکاة من مال آخر. و لو أخرج الزکاة لم یکن له رد الباقی، لما فیه من تفریق الصفقة، و لحدوث عیب التنقیص.

و لو کان البیع فاسدا، انقطع الحول به، لعدم تمکن المالک من التصرف فیه، و لا زکاة علی المشتری، لعدم تملکه له.

و السخال لا تعد مع الأمهات إلا بعد سومها، و لیس حول الأمهات حولها، لقوله علیه السلام: لا زکاة فی مال حتی یحول علیه الحول(1). و ابتداء حولها من حین السوم.

و لو کان عنده أربع، ثم نتجت واحدة، وجبت الشاة إذا استغنت السخلة بالرعی حولا. و لا فرق بین أن یکمل النصاب بالسخال أو بالأمهات، فی عدم ضمها إلیها.

و لو کان عنده نصاب، فنتج فی أثناء الحول، اعتبر لها حول بانفرادها، و لا یکون حول أمهاتها حولها، لقول الباقر علیه السلام: لیس فی صغار الإبل و البقر و الغنم شیء إلا ما حال علیه الحول عند الرجل، و لیس فی أولادها شیء حتی یحول علیه الحول(2).

ص:313


1- (1) سنن ابن ماجة 1-571.
2- (2) وسائل الشیعة 6-84 ح 5.
فروع:

الأول: لا فرق فی عدم الانضمام بین أن یحدث قبل تمام الحول أو بعده، و لا بین أن یحدث من نفس المال، أو یستفیدها بالشراء و الإرث و الهبة و شبهها، و لا بین أن یکون حدوث الفروع بعد بلوغ الأمهات نصابا أو لا.

الثانی: إذا حال علی السخال الحول سائمة، وجبت الزکاة، و إن لم یکن معها کبار.

الثالث: لو باع النصاب بخیار فلم ینقض الحول حتی رد، استقبل البائع به حولا من حین الرد، سواء کان الخیار للبائع أو للمشتری أو لهما، لأنه تجدید ملک.

الرابع: لو تلف بعض النصاب قبل الحول، فلا زکاة، و بعده یجب فی الجمیع إن فرط و إلا فبالنسبة.

الخامس: لو ملک خمسا من الإبل نصف حوله، ثم ملک أخری، ففی کل واحدة عند کمال حولها شاة، لوجود المقتضی و هو تملک النصاب حولا.

و لو تغیر الفرض بالثانی، بأن ملک إحدی و عشرین، وجبت الشاة عند تمام حول الخمسة الأولی، لوجود المقتضی. و إذا کمل حول أحد و عشرین، وجبت علیه أحد و عشرین جزءا من ستة و عشرین جزءا من بنت مخاض، لأنه یصدق علیه أنه ملک ستة و عشرین من الإبل حولا، و قد أخرج عن الخمس ما وجب علیه، فیجب فی الثانی بالنسبة من بنت المخاض.

و لو ملک عشرین من الإبل نصف حول، ثم ملک عشرة أخری، وجب عند کمال حول العشرین أربع شیاه، فإذا کمل حول العشرة وجب ثلث مخاض. فإذا حال حول ثانی علی العشرین، فعلیه ثلثا بنت مخاض.

[فإذا حال الحول علی العشر، فعلیه ثلث بنت مخاض [1]].

ص:314

و علی هذا إذا حال الحول الثانی علی الخمسة فی الصورة الأولی، وجب علیه خمسة أجزاء من ست و عشرین جزءا من بنت مخاض. فإذا کمل الحول الثانی لأحد و عشرین، وجب علیه أحد و عشرون جزءا من ستة و عشرین جزءا من بنت مخاض.

و یحتمل فی صورة الثلاثین، وجوب أربع شیاه عند کمال حول العشرین، و شاتین عند کمال حول العشر و هکذا. لأن کلا منهما نصاب، بخلاف الصورة الأخری، لأنا لو اعتبرنا کل واحد منهما بانفراده، لم تجب فی الواحدة الزائدة شیء، و هو ضرر علی الفقراء.

السادس: لو ملک ثلاثین بقرة ستة أشهر، ثم ملک عشرا، وجب عند تمام حول الثلاثین تبیع أو تبیعة، و عند تمام حول العشر ربع مسنة. فإذا تم حول الآخر علی الثلاثین، وجب علیه ثلاثة أرباع مسنة. و إذا حال آخر علی العشرة، فعلیه ربع مسنة.

و یحتمل قویا وجوب التبیع عند کل حول للثلاثین، و ربع المسنة عند کل حول للعشرة.

و یحتمل أن لا ینعقد الحول علی العشرة حتی یتم حول الثلاثین، ثم یستأنف الحول علی الجمیع.

السابع: لو ملک أربعین من الغنم، ثم ملک أربعین أخری بعد ستة أشهر، فعند تمام حول الأولی تجب فیها شاة، فإذا تم حول الثانیة، فالوجه عدم وجوب شیء فیها، لأن الثمانین ملک لواحد، فلا تجب فیها أکثر من شاة، کما لو ملکها دفعة.

و لقول الباقر و الصادق علیهما السلام فی الشاة فی کل أربعین شاة شاة، و لیس فیما دون الأربعین شیء. ثم لیس فیهما شیء حتی تبلغ عشرین و مائة، فإذا بلغت عشرین و مائة ففیها شاتان(1).

ص:315


1- (1) وسائل الشیعة 6-78 ح 1.

فإن تلفت الأولی قبل الحول فابتداء حول الثانیة من حین ملکها لا من حین تلف الأولی، لأن المقتضی لعدم الاحتساب - و هو وجوب الشاة فی الأولی مفقود و عدم اعتباره لو وجبت الشاة لسلامة نصابها لا یخرجها عن حصولها فی ملکه حولا.

و إن تلفت بعده، فابتداء حول الثانیة من حین انتهاء حول الأولی.

و لو ملک فی الثانیة ما یغیر الفرض، کما لو ملک مائة، وجب علیه عند کمال حول الأولی شاة، فإن کمل حول الثانیة، وجب ما یخصها من الشاة الثانیة کما تقدم.

الثامن: قد بینا أن المرتد تجب علیه الزکاة، فإن کان ارتداده عن فطرة بعد الحول، وجب إخراج الزکاة، فإن کان قبله استأنف ورثته الحول حینئذ، لتجدد ملکهم حین الارتداد. و إن کان عن غیر فطرة لم یزل ملکه، و إذا حال الحول و هو باق لم یحجر علیه وجبت الزکاة، و إلا فلا.

التاسع: لو کان عنده أربعون شاة، فضلت واحدة ثم عادت قبل حؤول الحول أو بعده، قال الشیخ: وجبت علیه شاة(1). لأن النصاب و الملک و حولان الحول قد حصلت فیه، و إن قلنا إنها حین ضلت انقطع الحول، لأنه لم یتمکن من التصرف فیها مثل مال الغائب، فلا یلزمه شیء و إن عادت کان قویا.

و ما قواه الشیخ هو الحق، لکن ینبغی مراعاة الاسم هنا، فلو ضلت لحظة، ثم عادت لم یعتد بها و وجبت الزکاة، لصدق ملکه النصاب حولا.

الشرط الثالث: السوم، و هو قول علمائنا أجمع، لقوله علیه السلام:

فی سائمة الغنم الزکاة(2). دل بمفهومه علی نفیها عن المعلوفة، و عن علی علیه السلام: لیس فی البقر العوامل صدقة(3). و قال الباقر و الصادق علیهما

ص:316


1- (1) المبسوط 1-203.
2- (2) وسائل الشیعة 6-81 ح 6 ما یدل علی ذلک.
3- (3) وسائل الشیعة 6-81 ح 5.

السلام: لیس علی المعلوفة شیء، إنما ذلک علی السائمة الراعیة(1). و لأن الزکاة تجب فی المال النامی و العلف یستوعبه.

و یشترط سومها طول الحول، لأن السوم شرط فی الزکاة، فاعتبر فی جمیع الحول کالملک و کمال النصاب و لأن العلف مسقط و السوم موجب، فلما اجتمعا غلب المسقط، کما لو ملک نصابا بعضه سائمة و بعضه معلوفة.

و لا یکفی السوم أکثر الحول، و للشیخ قول أنه لو علفها بعض الحول اعتبر الأغلب. و لیس بجید.

فلو اعتلفت و لو یوما فی أثناء الحول ثم عاده إلی السوم استؤنف الحول حینئذ. و یحتمل اعتبار الاسم و صدقه، فإن صدق علیها السوم طول الحول مع العلف یوما وجبت الزکاة. أما اللحظة الواحدة فلا عبرة بها، و لا یخرج عن کونها سائمة.

و لا فرق فی الإسقاط بالعلف بین أن یعلفها مالکها، أو غیره بإذنه، أو بغیر إذنه من مال المالک، أو اعتلفت من نفسها. و لا بین کون العلف لعذر کالثلج أو لا، لانتفاء الشرط فی هذه الأحوال کلها.

و لا زکاة فی السخال حتی تستغنی عن الأمهات و تسوم حولا لما تقدم. و لو علفها الأجنبی من مال نفسه، احتمل السقوط، لانتفاء الشرط. و الوجوب، لمساواته السوم فی خفة المئونة عن المالک.

الشرط الرابع: أن لا تکون عوامل، لقوله علیه السلام: لیس علی البقر العوامل شیء(2). و قول الباقر و الصادق علیهما السلام: لیس علی الإبل و البقر العوامل شیء، إنما الصدقة علی السائمة الراعیة(3). و لأن مناط الوجوب النمو، و الإیجاب فی العوامل ینافیه. و الأصح عدم اشتراط الأنوثیة عملا بالعموم.

ص:317


1- (1) وسائل الشیعة 6-80 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 6-80.
3- (3) وسائل الشیعة 6-81 ح 5.
البحث الثانی (فی شرائط الغلاة)

و هی ثلاثة:

الأول: النصاب، و سیأتی.

الثانی: بدو الصلاح، فلا تجب الزکاة قبله بالإجماع، لأن الوجوب یتناول الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب، و إنما یسمی بذلک بعد بدو الصلاح فلا وجوب قبله.

و نعنی به اشتداد الحب و احمرار الثمرة أو اصفرارها و انعقاد الحصرم علی الأقوی، لنص أهل اللغة علی أن البسر نوع من التمر، و إذا وجب فی البسر فکذا فی الحب المشتد و الحصرم، لعدم القائل بالفرق.

الثالث: تملک الغلة بالزراعة لا بغیرها، فلو اشتری الغلة أو الثمرة بعد بدو الصلاح، فالزکاة علی البائع، لأن السبب وجد فی ملکه فیوجد المسبب.

و لو اشتری الزرع أن الثمرة قبل بدو الصلاح، ثم بدا صلاحها فی ملکه، فالزکاة علیه.

و لو مات المالک و علیه دین مستوعب، فالزکاة واجبة إن مات بعد بدو الصلاح، لتعلق الزکاة بالعین، فهی أولی من الدین المتعلق بالذمة.

و لو مات قبل بدو الصلاح، فلا زکاة، سواء قلنا بانتقال الترکة إلی الوارث، أو قلنا إنها علی حکم مال المیت، لمنع الوارث من التصرف فیها، فانتفی شرط الوجوب. و لو لم یستوعب الدین الترکة، فإن فضل قدر النصاب، وجبت الزکاة، لانتقال الترکة إلی الوارث.

و عامل المساقاة و المزارعة، تجب علیه الزکاة، إن بلغ نصیبه النصاب علی الأقوی، لأنه ملک نصابا قبل بدو الصلاح.

ص:318

البحث الثالث (فی شرائط النقدین)
اشارة

و هی ثلاثة:

الأول: النصاب، و سیأتی.

الثانی: الحول. و هو حول الأنعام، و قد سبق.

الثالث: کونهما مضروبین دراهم و دنانیر منقوشین بسکة المعاملة، أو ما کان یتعامل بها، فلا زکاة فی السبائک و النقار، لأنها تجری مجری الأمتعة، و لقول الکاظم علیه السلام: لیس فی سبائک الذهب و نقار الفضة زکاة، و کل مال لم یکن رکازا فلا زکاة فیه. قال علی بن یقطین قلت: و ما الرکاز؟ قال:

الصامت المنقوش(1). و عن الصادق و الکاظم علیهما السلام: لیس علی التبر زکاة، إنما هی علی الدنانیر و الدراهم(2).

و الحلی، لا زکاة فیه سواء کان محرما کحلی المرأة للرجل أو محللا، لقوله علیه السلام: لیس فی الحلی زکاة(3). و قول الصادق علیه السلام و قد سأله بعضهم فی الحلی زکاة، فقال: لا(4). و لأنه معد للانتفاع لا للاستمناء، فأشبه ثیاب البذلة و العوامل، و لأن الزکاة تجب فی مال تام و النقد غیر تام فی نفسه، إنما یلحق بالنامیات لکونه متهیأ للإخراج و بالصیاغة بطل التهیؤ.

فروع:

الأول: لو فر بسبک الذهب و الفضة، فإن کان قبل الحول، فلا زکاة، و إلا وجبت. و قد تقدم مثله.

الثانی: لا یضم الدراهم إلی النقار، و لا السبائک إلی الذهب.

ص:319


1- (1) وسائل الشیعة 6-105 ح 2.
2- (2) وسائل الشیعة 6-106 ح 5.
3- (3) وسائل الشیعة 6-106 ح 2.
4- (4) وسائل الشیعة 6-106 ح 4.

الثالث: لو کان الحلی معدا للإجارة أو غیرها من وجوه الاکتساب، لم تجب فیه الزکاة، لعدم الشرط و هو النقش.

الرابع: لو کسرت بعد نقشها، فإن خرجت عن النقش بالکلیة و صارت مطحونة، سقطت الزکاة عنها، و إلا وجبت.

الخامس: لو صاغ الدراهم أو الدنانیر حلیا محرما أو محللا، فلا زکاة إن کان قبل الحول و إن قصد الفرار، کما قلنا لو عاوض النصاب بمثله فی الحول، أو أخرجه بسبب من الأسباب.

و لو باع فی الأثناء بطل الحول، لخروجه عن ملکه، فإن عاد بفسخ العیب أو خیار، استؤنف الحول حین العود، لتجدد الملک حینئذ.

ص:320

الفصل الثالث: فی المحل

اشارة

إنما تجب الزکاة عند علماء آل محمد علیهم السلام فی تسعة أجناس:

الإبل و البقر و الغنم، و الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب، و الذهب و الفضة.

لأصالة البراءة، و قول الصادق علیه السلام: الزکاة علی تسعة أشیاء: الذهب و الفضة، و الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب، و الإبل و البقر و الغنم. و عفا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عما سوی ذلک(1). و یستحب فیما یأتی:

فهنا مطالب:

المطلب الأول (فی زکاة الأنعام)
اشارة

و فیه مباحث:

البحث الأول (فی زکاة الإبل)

و فیه مقامات:

ص:321


1- (1) وسائل الشیعة 1-34 ح 4 و 5.
المقام الأول (فی مقادیر النصب و الفرائض)

و هی اثنا عشر نصابا: الأول: خمس. الثانی: عشر. الثالث: خمسة عشر. الرابع: عشرون. الخامس: خمس و عشرون. السادس: ستة و عشرون. السابع: ستة و ثلاثون. الثامن: ست و أربعون. التاسع: إحدی و ستون. العاشر: ستة و سبعون. الحادی عشر: إحدی و تسعون. الثانی عشر: مائة و إحدی و عشرون.

للإجماع علی أنه لا زکاة فیما دون الخمس. و قال الباقر و الصادق علیهما السلام: لیس فی الإبل شیء حتی تبلغ خمسا، فإذا بلغت خمسا ففیها شاة، ثم فی کل خمس شاة حتی تبلغ خمسا و عشرین، فإذا زادت عن خمس و عشرین ففیها بنت مخاض، فإذا لم یکن فیها بنت مخاض فابن لبون ذکرا إلی خمس و ثلاثین، فإذا زادت علی خمس و ثلاثین فابنة لبون إلی خمس و أربعین، فإذا زادت فحقة إلی ستین، فإذا زادت فجذعة إلی خمس و سبعین، فإذا زادت فابنتا لبون إلی تسعین، فإذا زادت فحقتان إلی عشرین و مائة، فإذا زادت ففی کل خمسین حقة و فی کل أربعین ابنة لبون(1). و لیس فی شیء من الحیوان زکاة غیر هذه الأصناف.

إذا عرفت هذا ففی کل خمس من الإبل شاة إلی خمس و عشرین، فإذا بلغت ذلک ففیها خمس شیاه، فإذا زادت واحدة ففیها بنت لبون، ثم لیس فیها شیء إلی أن تبلغ ستة و أربعین ففیها حقة، ثم لیس فیها شیء إلی أن تبلغ إحدی و ستین ففیها جذعة، ثم لیس فیها شیء إلی أن تبلغ ستة و سبعین ففیها بنتا لبون، ثم لیس فیها شیء إلی أن تبلغ إحدی و تسعین ففیها حقتان، ثم لیس فیها شیء إلی أن تبلغ مائة و إحدی و عشرین ففی کل خمسین حقة، و فی کل أربعین بنت لبون، و هکذا فی الزائد مطلقا، ففی کل مائة و إحدی و عشرین ثلاث بنات لبون. ثم لیس فیها شیء إلی أن تبلغ مائة و ثلاثین ففیها حقة و بنتا

ص:322


1- (1) وسائل الشیعة 6-73 ح 3.

لبون، ثم لیس فیها شیء حتی تبلغ مائة و أربعین ففیها حقتان و بنت لبون و هکذا.

المقام الثانی (فی الأسنان)

الشاة المأخوذة فی الإبل و الغنم أقلها الجذع من الضأن، و هو ما کمل سبعة أشهر. و من المعز الثنی، و هو ما کمل سنة و دخل فی الثانیة، لقول سوید بن غفلة: أتانا مصدق رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال: نهینا أن نأخذ المواضع و أمرنا بالجذعة و الثنیة(1). و الخیار إلی المالک [1] فی إخراج أیهما شاء، لإجزاء کل منهما. و یجزی الذکر و الأنثی، لصدق الإطلاق فیهما.

و بنت المخاض: ما کمل لها سنة و دخلت فی الثانیة، فصارت أمها ماخضا أی حاملا.

و بنت اللبون: هی التی لها سنتان و دخلت فی الثالثة، فصارت أمها ذات لبن.

و الحقة: ما کمل لها ثلاث سنین و دخلت فی الرابعة، فاستحقت أن یطرقها الفحل و أن تحمل.

و الجذعة: ما کمل لها أربع سنین و دخلت فی الخامسة، و هی أعلی أسنان الإبل المأخوذة فی الزکاة.

و لیس کون الأم ماخضا شرطا فی بنت المخاض، و إنما ذکر ذلک للتعریف بغالب حالها. و کذا بنت اللبون.

ص:323


1- (1) جامع الأصول 8-326.
المقام الثالث (فی الإبدال)

من وجب علیه سن من الإبل و لیست عنده، بل أرفع منها بدرجة، أو أنزل بدرجة، دفع ما عنده و استرجع من العامل شاتین، أو عشرین درهما، أو دفع ذلک إلیه، إلا فی بنت المخاض فلا یأخذ أنزل منها، لأنها أدون أسنان الإبل إلا بالقیمة السوقیة، و إلا الجذعة فإنه لا یأخذ أعلی منها إلا بالقیمة أیضا، لأنها أعلی أسنان ما یؤخذ فی الزکاة.

لقوله علیه السلام: و من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة و لیست عنده جذعة و عنده حقة، فإنه تقبل منه الحقة، و یجعل معها شاتین إن استیسر ماله أو عشرین درهما. و من بلغت عنده صدقة الحقة و لیست عنده و عنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة و یعطیه المصدق عشرین درهما أو شاتین(1).

و نحوه عن علی علیه السلام و ساق فی الحدیثین أسنان الإبل، فلو وجبت علیه بنت مخاض و عنده بنت لبون دفعها و استرجع شاتین أو العشرین.

و کذا بین بنت اللبون و الحقة و الجذعة، و لا جبران بین بنت المخاض و ابن اللبون، بل یجبر علو سنه نقص ذکوریته.

فلو وجب علیه بنت مخاض و لیست عنده و عنده ابن لبون ذکر دفعه و لا شیء له و لا علیه، لقول علی علیه السلام: و من لم یکن عنده ابنة مخاض علی وجهها و عنده ابن لبون، فإنه یقبل منه و لیس معه شیء(2).

فروع:

الأول: لو وجد من وجب علیه سن الأعلی و الأدون، تخیر فی دفع أیهما شاء، فإن دفع الأعلی استرجع من المصدق و إن دفع الأدون دفع الجبران، و لا

ص:324


1- (1) وسائل الشیعة 6-87، جامع الأصول 8-310.
2- (2) نفس المصدر من الوسائل.

خیار للعامل فی ذلک بل للمالک، لأن التخییر فی الروایة له، و کذا له أخذ الشاتین أو الدراهم و فی دفع الشیاه أو الدراهم لاقتضاء «أو» ذلک.

الثانی: الظاهر أن الشرع بنی هنا علی الغالب من مساواة المدفوع مع أخذ الجبران، أو استرداده الفریضة، أو نقصها عنه بشیء یسیر أو زیادتها علیه کذلک، فلو نقصت نقصانا فاحشا أو زادت کذلک، فالوجه الرجوع إلی القیمة السوقیة، أو دفع ما یساوی مع الجبران الفریضة.

فلو دفع عن بنت اللبون حقة و استرجع الشیاه أو الدراهم فساوی الباقی من الحقة بعد دفع الراجع بنت المخاض، فالأقرب عدم الإجزاء.

الثالث: لو تضاعفت الدرجة، احتمل وجوب القیمة السوقیة، اقتصارا بالتقدیر الذی لا یعقل معناه علی مورده و تضاعف الشیاه و الدراهم، لأن مساوی المساوی مساو.

الرابع: إنما یجزی ابن اللبون مع عدم بنت المخاض، سواء تمکن من شرائها أو لا.

و لو کان عنده بنت مخاض مریضة فکالمعدومة، لأنها غیر مقبولة.

و لو کان عنده بنت مخاض أعلی صفة من الواجب فإن تبرع بها کان أفضل و إلا أجزأه ابن اللبون أو یشتری بنت مخاض علی صفة الواجب.

و لو عدم بنت المخاض و عنده ابن لبون و بنت لبون، تخیر فی دفع ابن اللبون من غیر جبر، و دفع بنت اللبون مع استرجاع الجبران.

و لو عدم بنت المخاض و ابن اللبون، جاز أن یشتری أیهما شاء، لأنه مع ابتیاعه یکون واجدا لابن اللبون فأجزأه.

الخامس: لا یجزی الحقة عن بنت اللبون، و لا الجذع عن الحقة، لأنه تخط عن موضع النص فی التقدیرات. نعم یجزی لو ساواه قیمة علی سبیل القیمة، کغیره من أنواع القیم.

ص:325

السادس: یجزی بنت اللبون عن بنت المخاض، و الحقة عن بنت اللبون، و الجذعة عن الحقة، لأنها تجزی مع استرجاع الجبران، فمع عدمه أولی. و یجزی عن أزید من نصاب السفلی فعنه أولی.

و هل تجزی بنت المخاض عن خمس شیاه مع قصور قیمتها عنها؟ إشکال، ینشأ: من أنه غیر الواجب، فلا تجزی إلا بالقیمة و التقدیر القصور، فیکون قد أدی بعض الواجب. و من أجزائها عن ست و عشرین، فعن خمس و عشرین أولی. و علی هذا لو أخرج بنت المخاض عن شاة واحدة لنقص قیمتها عنها، فالإشکال بحاله، و الأول أقوی. و کذا البحث لو أخرج عن الجذعة بنتی لبون.

السابع: یخرج عن الإبل من جنسها، فعن البخاتی بختیة، و عن العراب عربیة، و عن السمان سمینة و عن المهازیل مهزولة.

و لو اجتمع الصنفان فی نصاب، أخرج فریضة بالنسبة بعد التقسیط.

و یحتمل إجزاء أیهما شاء إذا کانت بالصفة الواجبة، لأنهما فی الزکاة جنس واحد.

الثامن: یجوز أن یدفع عن الإبل من شیاه البلد و غیرها و إن کان أدون قیمة، لتناول الاسم لهما، أما الغنم فالفریضة تجب فی العین، فلا تدفع من غیر صنفها إلا بالتقویم علی إشکال.

التاسع: أسنان غیر الإبل إنما تنتقل عنها إلی غیرها بالتقویم، فلو وجب علیه تبیع أو تبیعة و عنده مسنة أو بالعکس، دفعها إن شاء أو غیرها بالقیمة.

العاشر: لو کان النصاب کله مراضا و فریضته معدومة، فله أن یعدل إلی السن السفلی مع دفع الجبران، و لیس له أن یصعد مع أخذ الجبران، لأن الجبران أکثر من الفضل الذی بین الفرضین. و قد یکون الجبران من الأصل، فإن قیمة الصحیحین أکثر من قیمة المریضین، و کذلک قیمة ما بینهما، فلم یجز الصعود و جاز النزول، لأنه متطوع.

ص:326

و لو کان المخرج ولی یتیم، لم یجز له دفع الفضل، فیجب شراء الفضل من غیر المال.

الحادی عشر: لو اجتمع نصابان، تخیر المالک، کما فی مائتین یجوز له دفع أربع حقاق، أو خمس بنات لبون. و لا یجزی حقتان و بنتا لبون و نصف إلا بالقیمة، لأن التشقیص عیب. و یجزی فی أربعمائة أربع حقاق و خمس بنات لبون، لانتفاء المانع.

البحث الثانی (فی زکاة البقر)

للبقر نصابان:

الأول: ثلاثون، و فیه تبیع أو تبیعة، و هو ما کمل سنه و دخل فی الثانیة فیتبع أمه فی الرعی، أو تبع قرنه أذنه.

الثانی: أربعون و فیها مسنة، و هی ما کمل لها سنتان و دخلت فی الثالثة، و هکذا فیما زاد فی کل ثلاثین تبیع أو تبیعة، و فی کل أربعین مسنة. و لا یجز المسن عن أربعین، و یجزی عن ثلاثین لإجزاء التبیع فالمسن أولی، و لا شیء فیما نقص عن ثلاثین إجماعا.

و لما بعث النبی صلی اللّه علیه و آله معاذا أمره أن یأخذ من البقر من کل ثلاثین تبیعا و من کل أربعین مسنة(1).

و قال الباقر و الصادق علیهما السلام فی البقر فی کل ثلاثین تبیع أو تبیعة، و لیس فی أقل من ذلک شیء حتی تبلغ أربعین ففیها مسنة، ثم لیس فیها شیء حتی تبلغ ستین ففیها تبیعان أو تبیعتان، ثم فی سبعین تبیع أو تبیعة و مسنة، و فی ثمانین مسنتان، و فی تسعین ثلاث تبایع(2).

ص:327


1- (1) جامع الأصول 8-322.
2- (2) وسائل الشیعة 6-77 ب 4.

و الجاموس کالبقر بالإجماع.

و لا یجزی الذکر فی الزکاة أصلا إلا فی البقر، و ابن اللبون لیس بأصل بل هو بدل عن ابنة مخاض. و إنما یجزی الذکر فی البقر عن الثلاثین، و ما تکرر منها کالستین و السبعین، و ما ترکب من الثلاثین و غیرها کالتسعین. و أما الأربعون و ما تکرر منها فلا یجزی فی فرضها الذکور، إلا أن یخرج عن المسنة تبیعین.

و لو بلغت البقر مائة و عشرین اتفق الفرضان، فیتخیر المالک بین إخراج ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة.

هذا کله إذا کانت البقر أناثا، و لو کانت کلها ذکورا أجزأ الذکر منها بکل حال، لأن الزکاة مواساة فلا یکلف المشقة بالإخراج من غیر ماله. و یحتمل عدم إجزاء الذکور فی الأربعینات، لورود النص علی المسنة.

و لا زکاة فی بقر الوحش، لعدم انصراف الإطلاق إلیه، و لأنها لیست من بهیمة الأنعام، فأشبهت الوحوش.

البحث الثالث (فی زکاة الغنم)

و للغنم خمس نصب:

الأول: أربعون، و فیها شاة.

الثانی: مائة و إحدی و عشرون، و فیها شاتان.

الثالث: مائتان و واحدة، و فیها ثلاث شیاه.

الرابع: ثلاثمائة و واحدة، و فیها أربع شیاه علی الأقوی.

الخامس: أربعمائة، ففی کل مائة شاة. و هکذا فیما زاد أبدا فی کل مائة شاة.

و لا خلاف فی النصب الثلاثة السابقة، بل فی الرابع، فقیل: إنه ینتقل

ص:328

الفرض إلیه فی کل مائة شاة، و تظهر الفائدة فی الوجوب و الضمان.

و الأصل فی ذلک الروایة الصحیحة عن الباقر و الصادق علیهما السلام فی الشیاه فی کل أربعین شاة شاة، و لیس فیما دون الأربعین شیء حتی تبلغ عشرین و مائة، فإذا بلغت عشرین و مائة ففیها شاتان، و لیس فیها أکثر من شاتین حتی تبلغ مائتین، فإذا بلغت المائتین ففیها مثل ذلک، فإذا زادت علی المائتین شاة واحدة ففیها ثلاث شیاه، ثم لیس فیها شیء أکثر من ذلک حتی تبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففیها مثل ذلک ثلاث شیاه، فإذا زادت واحدة ففیها أربع حتی تبلغ أربعمائة، فإن بلغت أربعمائة کان علی کل مائة شاة و سقط الأمر الأول، و لیس علی ما دون المائة بعد ذلک شیء، و لیس فی النیف [1] شیء و قالا: کل ما لا یحول علیه الحول عند ربه فلا شیء علیه، فإذا حال علیه الحول وجب علیه(1).

البحث الرابع (فی الأشناق)

کل ما نقص عن النصاب یسمی فی الإبل «شنقا» و فی البقر «وقصا» و فی الغنم و باقی الأجناس «عفوا».

فلو کان عنده تسع من الإبل، کان النصاب فیها خمسا و الأربع شنق لا شیء فیه، و لا یتعلق الزکاة به. فلو تلف بعد الحول أربع بغیر تفریط، وجبت الشاة کملا.

لقوله علیه السلام: لیس فی الزائد شیء حتی تبلغ ستا و ثلاثین، فإذا بلغتها ففیها بنت لبون(2). و قول الباقر و الصادق علیهما السلام فی زکاة الإبل لیس فی النیف شیء، و لیس فی الکسور شیء(3). و لو تلف خمس بغیر

ص:329


1- (1) وسائل الشیعة 6-78 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 6-74 ح 6.
3- (3) وسائل الشیعة 6-74 ح 6.

تفریط، سقط خمس الشاة.

و لو حال الحول علی ثلاثمائة و واحدة من الغنم، ثم تلف بغیر تفریط مائة، سقطت من أربع شیاه مائة جزء من ثلاثمائة جزء. و لو تلفت واحدة لا غیر، سقط من ثلاثمائة جزء و جزء من أربع شیاه جزء واحد.

هذا إن أوجبنا فی ثلاثمائة و واحدة أربع شیاه، و إن أوجبنا فی کل مائة شاة، فتلفت من ثلاثمائة و واحدة شاة واحدة، لم تسقط من ثلاث شیاه شیء، لأنهم أوجبوا فی کل مائة شاة، و الشاة التالفة زائدة علی ما علقوا الوجوب به، و لا یلزم من کون الشاة شرطا فی تغیر الفرض و وجوب شاة فی کل مائة تعلق الوجوب فیها، و هو المراد بقولنا «و تظهر الفائدة فی الوجوب و الضمان».

و لو تلف مائة، وجب شاتان، لانعقاد النصاب أولا علی وجوب کل مائة. و یحتمل وجوب ثلاث، لأنه مالک لمائتین و واحدة حولا.

و لو اشترک اثنان فی نصاب واحد، فلا زکاة، سواء کانت الخلطة خلطة أعیان أو أوصاف، لأن کل واحد منهما یقصر نصیبه عن النصاب، فلا زکاة لعدم الشرط، و لأن النصاب شرط کالحول، فکما لا یبنی حول شخص علی آخر، فکذا فی النصاب.

و لا فرق بین الأنعام و غیرها فی عدم الاعتداد بالخلطة.

و لا یفرق بین مالی شخص واحد و إن تباعدا، فلو کان له عشرون من الغنم فی بلد و مثلها فی آخر و سامت حولا، وجبت الشاة. کما لا یجمع بین مالی شخصین، و إن اتفقا فی المرعی و المسرح و الراعی و الفحل و غیرها.

و لو باع صاحب النصاب نصفه قبل الحول، فلا زکاة.

و لو استأجر راعیا بشاة من النصاب قبل الحول، سقط الحول، سواء أفردها أو خلطها، لنقصان الملک عن النصاب.

ص:330

البحث الخامس (فی صفة الفریضة)

لا تؤخذ المریضة من الصحاح، لأنها أقل من الواجب، فلا تکون مجزیة، لقوله تعالی «وَ لا تَیَمَّمُوا الْخَبِیثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» (1).

و لا الهرمة، و لا ذات العوار و هی المعیبة، لقوله علیه السلام: لا یخرج فی الصدقة هرمة و لا ذات عوار و لا تیس إلا ما شاء المصدق(2). و المراد بتیس الغنم فحلها، لنقصه و فساد لحمه، أو للانتفاع بضرابه، إلا أن یکون جمیع المال من جنس المأخوذ، فیجوز.

و لا تؤخذ الذکر من الإناث فی الإبل و البقر، لأن فی الأنوثة رفق فی الذر و النسل، إلا فی التبیع من البقر و ابن اللبون عوضا عن بنت المخاض.

و الأقرب جواز الذکر فی الغنم، لقوله علیه السلام فی أربعین شاة(3). و الشاة تقع علی الذکر و الأنثی.

و لو کان نصاب الغنم ذکرانا کله، أجزأ الذکر قطعا، و هل یجزی فی البقر و الإبل لو کانت ذکرانا کلها؟ إشکال، ینشأ: من نصه علیه السلام علی الأنثی فی فرائض الإبل و البقر، و قال: من لم یجد بنت مخاض أخرج ابن لبون ذکرا(4). و لأن فرائض الإبل تتغیر بزیادة السن، فإذا جوزنا إخراج الذکر أفضی إلی التسویة بین الفریضتین، لأنه یخرج ابن اللبون عن ست و عشرین و یخرجه عن ست و ثلاثین.

و من أن الزکاة تجب فی العین، فلا یکلف شراء الأنثی کالمعیب، و حینئذ فالأقرب عدم وجوب الأخذ بالنسبة، فلا یشترط أخذ ابن لبون من ست و عشرین قیمته دون قیمة ابن لبون یأخذه من ستة و ثلاثین، و یکون بینهما فی

ص:331


1- (1) سورة البقرة: 267.
2- (2) جامع الأصول 8-321.
3- (3) وسائل الشیعة 6-78.
4- (4) جامع الأصول 8-310.

القیمة کما بینهما فی العدد، و یکون الفرض بصفة المال للأمر بالمطلق.

و لو کثرت قیمة المعیبة، فالأقرب عدم إجزائها عن الصحیحة، للنهی عن أخذها، و لاشتماله علی الإضرار بالفقراء، و لهذا یستحق ردها فی البیع و إن کثرت قیمتها. و یحتمل قویا الإجزاء إذا اشتمل علی قیمة الصحیحة.

و لو اشتمل المال علی صحاح و مراض، أخرج صحیحة قیمتها علی قیمة المالین، أو معیبة کذلک.

و لو کان النصاب کله مراضا إلا بقدر الفرض، فإن تطوع به و إلا أخرج مریضة علی قدر النسبة أو صحیحة کذلک. فلو کان الأربعون مراضا إلا واحدة أخرج شاة بقیمة تسعة و ثلاثین جزءا من أربعین جزءا من مریضة و جزءا من أربعین من صحیحة.

و لو کان نصف النصاب صحاحا و نصفه مراضا، و وجب فیه حقتان أو ابنتا لبون، جاز إخراج حقة مریضة و أخری صحیحة، أو بنتی لبون کذلک.

و لا اعتبار بقلة المعیب و کثرته علی إشکال، فله إخراج ما عیبه أفحش عن النصاب المعیب.

و لو وجد المعیب و زیادة آخر مغایر، فالوجه عدم الإجزاء، لأن النصاب کالصحیح بالنسبة إلی الزائد.

و لا تؤخذ الربی، و هی التی قد وضعت ولدها و هی تربیه إلی خمس عشر یوما، و قیل: إلی خمسین.

و الضابط استغناء الولد عنها، لما فیه من الإضرار بالمالک.

و لا الماخض و هی الحامل. و لا الأکولة و هی السمینة المعدة للأکل.

لقوله علیه السلام: إیاک و کرائم أموالهم(1).

ص:332


1- (1) وسائل الشیعة 6-84 و 91.
البحث السادس (فی اللواحق)

الأول: قد سبق أن نصب الإبل إنما تستقر إذا زادت علی مائة و عشرین، و لا یکفی الزیادة بشقص واحدة، بل لا بد من زیادة واحدة کملا، لأن فی بعض الروایات عن الباقر و الصادق علیهما السلام تفسیر الزیادة بالواحدة قالا علیهما السلام: فإذا بلغت عشرین و مائة ففیها حقتان طروقة الفحل، فإذا زادت واحدة علی عشرین و مائة ففی کل خمسین حقة و فی کل أربعین بنت لبون(1).

الثانی: فی مائة و عشرین حقتان، فإذا زادت واحدة ففیها ثلاث بنات لبون، و هل للواحدة قسط من الواجب ؟ یحتمل العدم، لقوله علیه السلام:

فی کل أربعین بنت لبون(2). و لو کان لها قسط، لکان فی کل أربعین و ثلث بنت لبون، و الأقوی الثبوت، لأن الواجب بالواحدة یتعلق الوجوب بها کالعشارة و غیرها.

فلو تلفت الواحدة بعد الحول و قبل إمکان الأداء، سقط من الواجب جزء من مائة و إحدی و عشرین جزءا.

الثالث: لا یتعین الواجب بعد الثلاثین إلا بزیادة عشر، فإذا وجب عدد من بنات اللبون ثم زادت عشر أبدلت بنت اللبون بحقة، فإن زادت عشرا أخری أبدلت أخری. و هکذا إلی أن یصیر الکل حقاقا.

فإذا زادت بعد ذلک، أبدلت الحقاق کلها بنات اللبون و زیدت واحدة، ففی مائة و إحدی و عشرین ثلاث بنات.

فإذا صارت مائة و ثلاثین ففیها بنتا لبون و حقة، و إذا صارت مائة و أربعین ففیها بنت لبون و حقتان، فإذا صارت مائة و خمسین ففیها ثلاث حقاق، فإذا

ص:333


1- (1) وسائل الشیعة 6-72 ح 1.
2- (2) نفس المصدر.

صارت مائة و ستین ففیها أربع بنات لبون، فإذا بلغت مائة و سبعین ففیها ثلاث بنات لبون و حقة.

فإذا بلغت مائة و ثمانین ففیها بنتا لبون و حقتان، فإذا بلغت مائة و تسعین ففیها ثلاث حقاق و بنت لبون، و هکذا دائما.

الرابع: لا تجزی الخنثی عن الأنثی فی الإبل، و المسنة تجزی عن الذکر فیهما، فتجزی الخنثی من أولاد اللبون، لأنه إما ذکر و یؤخذ بدلا من بنت المخاض، أو أنثی و هو بالجواز أولی، و لا جبران له لجواز الذکوریة.

الخامس: الضأن و المعز جنس واحد، یکمل أحدهما بالآخر فی نصاب الغنم. کما أن الجاموس و العراب فی البقر جنس. و کما فی الإبل العراب و البخاتی بالإجماع.

السادس: الأقرب أنه لا یتعین علیه غالب غنم البلد، فلو کان الغالب الضأن أجزأه المعز و بالعکس، لقوله علیه السلام فی خمس من الإبل شاة(1).

و اسم الشاة یقع علیهما، فصار کالأضحیة لا یتعین فیها غنم البلد.

السابع: قد بینا أن الأقرب إجزاء بعیر عن شاة، و هل یقع الکل فرضا؟ یبنی علی أن الشاة الواجبة فی الإبل أصل بنفسها أو بدل عن الإبل، احتمال ینشأ: من أن اقتضاء ظاهر النص الأول. و من أصالة وجوب جنس المال، إلا أن إیجاب بعیر قبل کثرة الإبل إجحاف برب المال، و إیجاب شقص بعیر یشق علیه، لنقصان القیمة و عسر الانتفاع، فعدل الشارع إلی الشاة إرفاقا و تسهیلا.

فإن جعلنا الشاة أصلا، فإذا أخرج البعیر کان کله فرضا کالشاة. و إن جعلناها بدلا، فإذا أخرج بعیرا کان الواجب أقل من خمسة، لأنه یجزی عن ستة و عشرین، و حصة کل خمس خمس إلا خمس خمس.

ص:334


1- (1) وسائل الشیعة 6-72.

و لو أخرج بعیرا عن عشر من الإبل، أو خمس عشرة، أو عشرین. فإن قلنا إنه یقع فرضا کله لو أخرجه عن الخمس لم یجزیه عن العشر، بل لا بد من بعیرین أو بعیر و شاة، و فی الخمس عشرة ثلاثة أبعرة، أو بعیرین أو شاة، أو شاتین و بعیر، أو ثلاث شیاه. و إن قلنا الفرض أقل من خمسة، أجزأ و یکون متبرعا فی العشر الزائد.

الثامن: یجوز أن یخرج حقا عن بنت مخاض، لإجزاء ابن اللبون فالحق أولی.

و لو أخرجه بدلا عن بنت اللبون، لم یجز لاختصاص النص بمورده، و لیس هو فی معناه، لأن تفاوت السن بین بنت المخاض و ابن اللبون متفاوت یوجب ورود الماء و الشجر و الامتناع من صغار السباع.

و التفاوت بین بنت اللبون و الحق لا یوجب اختصاص الحق بهذه القوة، بل هی موجودة فیهما جمیعا، فلا یلزم من جبر تلک الزیادة الفضیلة الأنوثیة جبر هذه الزیادة هنا لها.

التاسع: لو فقد صاحب المائتین الحقاق و بنات اللبون، تخیر فی شراء أیهما شاء، کما یتخیر فی إخراج أیهما شاء لو وجدهما، لکن الأفضل إخراج الحقاق، لأن الاعتبار فی زکاة الإبل بزیادة السن ما أمکن، إلا أن الشرع ارتقی فی نصبها إلی منتهی الکمال فی الأسنان، ثم عدل بعد ذلک إلی زیادة العدد، و ذلک یشعر بزیادة الرغبة فی علو السن. و لا یجب علیه تحصیل الصنف الأفضل و إن کان أنفع للمساکین.

و یجوز أن لا یحصل الحقاق و لا بنات اللبون، بل ینزل أو یصعد مع الجبران، فإن شاء جعل بنات اللبون أصلا و ینزل منها إلی خمس بنات مخاض، فأخرجها مع خمس جبرانات. و إن شاء جعل الحقاق أصلا و صعد منها إلی أربع جذاع، فأخرجها و أخذ أربع جبرانات.

و فی جواز جعل الحقاق أصلا و النزول منها إلی أربع بنات مخاض مع ثمان جبرانات، أو جعل بنات اللبون أصلا و الصعود منها إلی خمس جذاع و یأخذ

ص:335

عشر جبرانات مع جواز التضعیف، إشکال ینشأ: من الجواز هناک فلیجوّز هنا، لأنه هو بعینه. و من إمکان تقلیل الجبران بجعل الجذاع بدل الحقاق، و بنات المخاض بدل بنات اللبون.

و لو کان عنده أحد الصنفین، لم یجز له العدول إلی بدل الآخر مع الجبران.

العاشر: لو بلغت البقر مائة و عشرین، کان حکمها فی التخییر بین إخراج أیّ الفرضین شاء حکم المائتین فی الإبل.

الحادی عشر: الشاة المأخوذة جبرانا بین الأسنان بصفة المخرج عن خمس من الإبل. و لا یشترط فیها الأنوثة، فالدراهم المخرجة هی النقرة المضروبة بسکة المعاملة، و کذلک دراهم الشرعیة حیث وردت.

و لو افتقر الإمام إلی إعطاء الجبران و لم یکن فی بیت المال دراهم، باع شیئا من مال المساکین و صرفه إلی الجبران.

الثانی عشر: لو أخرج بدل الجذعة ثنیة و لم یطلب جبرانا، جاز و قد زاد خیرا. و لو طلب الجبران فالقیمة السوقیة، و لا یسترد الشاتین أو العشرین درهما، لأن المؤدی لیس من أسنان الزکاة، فأشبه ما لو أخرج فصیلا لم یبلغ أسنان الزکاة، مع الجبران الناقص عن القیمة السوقیة.

الثالث عشر: علی ما اخترناه من جواز الجبران فی الدرجتین لو ارتقی إلی ثلاث درج، بأن یعطی بدل الجذعة عند فقدها و فقد الحقة و بنت اللبون بنت مخاض مع ثلاث جبرانات، أو یعطی مکان بنت المخاض عند فقدها و فقد بنت اللبون و الحقة جذعة و یأخذ ثلاث جبرانات جاز.

و هل یجوز الصعود و النزول بدرجتین أو ثلاث مع القدرة علی الدرجة القریبة ؟ الأقرب المنع، للاستغناء عن أخذ الجبرانیین ببدل الأدنی. و یحتمل الجواز، کما لو لم یجد الدنیا فإنها لیست واجب ماله، فوجودها بمثابة عدمها.

و لو وجب علیه بنت لبون و عنده حقة و بنت مخاض، احتمل وجوب بنت

ص:336

المخاض مع دفع الجبران، لأنها أقرب و جواز دفع الحقة و استرجاع ضعف الجبران.

الرابع عشر: یجوز أن یخرج عن جبرانیین شاتین و عشرین درهما، کما یخرج عن کفارتین صنفین و لا یجوز أن یخرج عن جبران واحد شاة و عشرة دراهم، لاقتصاء النص التخییر بین شاتین و عشرین درهما، فلا یثبت خیار ثالث، کما لا یکسوا خمسة و یطعم خمسة.

و لو کان المالک هو الآخذ و رضی بالتفریق جاز، لأنه حقه و له إسقاطه بالکلیة.

الخامس عشر: فی جواز إخراج قیمة الشاتین، أو العشرین درهما من غیرهما مع النقصان عن القمیة السوقیة فی المجبور و القیمة إشکال، أقربه المنع.

أما لو ساوی المجبور کبنت مخاض مثلا مع قیمة الشاتین من غیر الدراهم، فإنه یجزی علی أنه قیمة [بنت اللبون] [1].

السادس عشر: لو وجب علیه بنت لبون و لم یجدها، و وجد ابن لبون و حقة، فأراد أن یعطی ابن اللبون مع الجبران، احتمل الجواز، لأنه بمنزلة بنت المخاض فی نظر الشرع، و الأقرب المنع.

و لو کان له ثلاثون من الإبل نصفها مراض و نصفها صحاح، و قیمة الصحیحة أربعة و المعیبة دینارین، قسط المأخوذ علی ست و عشرین، خمسة عشرة منها صحاح، لأن الزکاة لا تقسط علی الشق عندنا.

السابع عشر: لو باع السائمة بیعا فاسدا، لم یزل الملک، و وجب الزکاة علیه إن لم یمنع من الاسترداد، و هل یقوم ترک الاسترداد لجهله بالحکم مقام المنع ؟ إشکال.

و لو علفها المشتری، فالأقوی انقطاع الحول، لأنه مأذون فی التصرف

ص:337

من جهة المالک، فأشبه علف الوکیل.

و لو باع معلوفة بیعا فاسدا فأسامها المشتری، فهو کما لو أسامها الغاصب لا ینقطع به الحول إلا باعتبار الغصب، فلو غصب من یتمکن المالک من الانتزاع منه، لم تسقط الزکاة.

الثامن عشر: لو باع المالک النصاب قبل الحول، فرده المشتری بعیب سابق قبل کمال الحول، استأنف المالک الحول و لا یبنی، سواء ردّه بعد القبض أو قبله، و سواء رده بقضاء القاضی أو لا.

و لو مضی الحول فی ید المشتری، وجبت الزکاة علیه، لأنه مالک نصاب حال علیه الحول، فإن لم یخرج الزکاة فلیس له الرد، لأن للساعی أخذ الزکاة من العین لو تعذر أخذها من المشتری، فلا یخلو وجوب الزکاة فیه من عیب حادث، و لا یبطل حق الرد بالتأخیر إلی أن یؤدی الزکاة، لعدم تمکنه من الرد قبله، و إنما یبطل الحق بالتأخیر مع التمکن.

و لا فرق بین ما یجب أخذ الزکاة من جنسه کالغنم و البقر، أو من غیر جنسه کالإبل التی تجب فیها الغنم.

و إن کان قد أخرج الزکاة، فإن کان من غیر المال فله الرد، لأنه لم یتصرف فی المبیع. و یحتمل عدم الرد، لأن الذی أخرجه عوضا قد یخرج مستحقا، فیتبع الساعی عین النصاب، و إن کان من العین سقط الرد، لحدوث العیب عنده بالتشقیص و له الأرش.

التاسع عشر: لو مات المالک، استأنف ورثته الحول من حین موته و تمکنهم منه. و لا یشترط علمهم بالسوم، فلو سامت حولا بعد موت المالک و لم یعلم الورثة، وجبت الزکاة، لوجود السبب التام.

المطلب الثانی (فی زکاة النقدین)
اشارة

أما الذهب فله نصابان:

ص:338

الأول: عشرون مثقالا، و فیه نصف مثقال، فلا شیء فیما نقص عن عشرین مثقالا بالإجماع، و لقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: لیس علیک فی الذهب شیء حتی یبلغ عشرین دینارا و یحول علیها الحول ففیها نصف دینار(1). و قال الباقر علیه السلام: لیس فیما دون العشرین مثقالا من الذهب شیء، فإذا کملت عشرین مثقالا ففیها نصف مثقال(2).

الثانی: أربعة مثاقیل و لا شیء فی الزائد علی العشر مثقالا من الذهب حتی تبلغ أربعة مثاقیل و فیها قیراطان، و هکذا لیس فی الزائد علی أربعة و عشرین مثقالا شیء إلا أن تزید أربعة مثاقیل أخر فیکون فیها قیراطان، و هکذا دائما بالغا ما بلغ.

لقول الباقر و الصادق علیهما السلام: لیس فیما دون العشرین مثقالا شیء، فإذا بلغ ففیه نصف مثقال، إلی أربعة و عشرین ففیها ثلاثة أخماس دینار، إلی ثمانیة و عشرین، فعلی هذا الحساب کل ما زاد أربعة(3). و لأصالة البراءة فیما نقص عن الأربعة.

و لا یعتبر فی نصاب الذهب نصاب الفضة، فلو قصرت قیمة العشرین عن نصاب الفضة - و هو مائتا درهم - وجبت الزکاة، للخبر(4).

و أما الفضة فلها نصابان:

الأول: مائتا درهم، فلا شیء فیما نقص عن مائتی درهم، بالإجماع المنعقد بین علماء الإسلام، فإذا بلغت مائتی درهم ففیها خمسة دراهم بالإجماع.

الثانی: أربعون درهما، و لا شیء فی الزائد علی المائتین إلی أن یبلغ الزائد علی المائتین أربعین درهما. و هکذا لیس فی الزائد علی المائتین و الأربعین شیء

ص:339


1- (1) وسائل الشیعة 6-94.
2- (2) وسائل الشیعة 6-93 ح 5.
3- (3) نفس المصدر.
4- (4) وسائل الشیعة 6-101 ب 5.

إلی أن یبلغ مائتی درهم و ثمانین درهما ففیها سبعة دراهم. و هکذا بالغا ما بلغ.

فروع:

الأول: لو نقص أحد النصب فی النقدین، سقطت الزکاة فیه و إن خرج بالتام، لعدم مناط الوجوب. و لا فرق بین النقص الیسیر و الکثیر، فلو نقص و لو حبة فلا زکاة. أما لو اختلفت الموازین فنقص یسیرا فی بعضها و کمل فی الباقی، وجبت الزکاة عملا بالاحتیاط.

الثانی: الاعتبار فی الوزن بمیزان أهل مکة، و فی الکیل بمکیال المدینة، و الدنانیر لم تختلف المثقال فیها فی جاهلیة و لا إسلام.

و أما الدراهم فإنها کانت مختلفة الأوزان. و الذی استقر علیه الأمر فی الإسلام أن وزن الدرهم الواحد ستة دوانیق، کل عشرة منها سبعة مثاقیل من ذهب، و الدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعیر.

و السبب فیه أن غالب ما کانوا یتعاملون به من أنواع الدراهم فی عصر النبی صلی اللّه علیه و آله و الصدر الأول بعده نوعان: البغلیة و الطبریة، و الدرهم الواحد من البغلیة ثمانیة دوانیق، و من الطبریة أربعة دوانیق، فأخذوا واحدا من هذه و واحدا من هذه و قسموها نصفین و جعلوا کل واحد درهما فی زمن بنی أمیة و أجمع أهل ذلک العصر علی تقدیر الدراهم الإسلامیة بها.

فإذا زادت علی الدرهم الواحد ثلاثة أسباعه کان مثقالا، و إذا نقصت من المثقال ثلاثة أعشاره کان درهما، و کل عشرة دراهم سبعة مثاقیل، و کل عشرة مثاقیل أربعة عشر درهما و سبعان.

قال المسعودی: إنما جعل کل عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقیل من الذهب، لأن الذهب أوزن من الفضة، فکأنهم جربوا قدرا من الفضة و مثله من الذهب، فوزنوهما فکان وزن الذهب زائدا علی وزن الفضة بمثل ثلاثة

ص:340

أسباعها. و استقرت الدراهم فی الإسلام علی أن کل درهم نصف مثقال و خمسه.

و بها قدر نصب الزکاة، و مقدار الجزیة، و الدیات، و نصاب القطع فی السرقة، و غیر ذلک.

الثالث: قد بینا أنه لو نقص النصاب عن القدر و لو قل، سقطت الزکاة منه، لعموم قوله علیه السلام: لیس فیما دون خمسة أوساق صدقة(1).

و الأوقیة أربعون درهما.

و أنه لا فرق بین أن یروج رواج التمام، أو یفضل علیه، و بین أن لا یکون، و فضله علی التمام إنما یکون لجودة النوع، و رواجه رواج التام قد یکون للجودة، و قد یکون لنزارة القدر الناقص و وقوعه فی محل المسامحة.

الرابع: یشترط ملک النصاب بتمامه فی جمیع الحول، و لا یکفی طرفاه، لقوله علیه السلام: لا زکاة فی مال حتی یحول علیه الحول(2).

و الحادث بعد نقصان النصاب لم یحل علیه الحول.

الخامس: لا یکمل نصاب أحد النقدین بالآخر، لأنهما جنسان مختلفان، فأشبها غیرهما من النصب. نعم لو کانا للتجارة ضم أحدهما إلی الآخر.

و کذا یکمل جید الجنس الواحد بردیه. و لیس المراد بذلک الخالص و المغشوش، بل الجودة هنا النعومة و الصبر علی الضرب، و الرداءة الخشونة و التعنت عند الضرب، و یخرج من کل واحد بقدره. و لو تعسر اعتبار ذلک أخرج من الوسط.

و لو أخرج الجید عن الردی، کان أفضل، و فی إجزاء العکس إشکال، أقربه ذلک إن صدق الاسم.

ص:341


1- (1) جامع الأصول 5-318.
2- (2) جامع الأصول 5-315.

و لو تساوی العیار و اختلفت القیمة کالرضویة و الراضیة، استحب التقسیط و أجزأ التخییر علی إشکال. و کذا لو أسقط السلطان معاملة سکة مساویة فی العیار، فصارت أقل قیمة.

السادس: یجوز إخراج الصحیح عن المکسور، بل یستحب. و لا یجوز العکس مع نقص القیمة عنه.

و لو اجتمع المستحقون، صرف إلیهم الدینار الصحیح، أو إلی واحد بإذن الباقین لو أراد التعمیم.

السابع: لا زکاة فی المغشوش حتی یبلغ صافیها نصابا، أو یکمل به نصاب الجید، سواء کان الغش أقل أو لا، لقوله علیه السلام: لیس فیما دون خمس أوساق زکاة(1) ، و إذا بلغ الصافی منها نصابا، أخرج قدر الواجب خالصا، أو أخرج من المغشوش ما یعلم أنه مشتمل علی قدر الواجب.

و لو أخرج عن مائتی درهم خالصة خمسة دراهم مغشوشة، لم یجز، کما لو أخرج مریضة عن الصحاح، بل هنا أولی، لأن الغش لیس بورق و المریضة إبل، فإن أخرج فالأقرب أن له الاسترجاع إن کان بین عند الدفع أنه یخرج عن هذا المال، لأنه دفع دفعا فاسدا. و کما لو عجل الزکاة فتلف المال. و یحتمل العدم، کما لو أعتق رقبة معیبة، فإنه یکون متطوعا بها.

و لا ینبغی للإمام ضرب الدراهم المغشوشة، لئلا یحصل الغش لبعض الناس من بعضهم، فإن کانت الدراهم المغشوشة مضبوطة العیار، صح التعامل بها بعد بیان حالها.

و لو کان مقدار النقرة منها مجهولا، احتمل صحة التعامل بها، لأن القصد رواجها، و هی رائجة لمکان السکة. و لأنه یجوز بیع المعجونات و الغالیة و إن اختلفت أقدارها. و المنع لأنها مقصودة باعتبار ما فیها من النقرة، و هی مجهولة القدر. و الإشارة إلیها لا تفید الإحاطة بقدر النقرة.

ص:342


1- (1) جامع الأصول 5-318.

فعلی الأول لو باع بدراهم و أطلق و نقد البلد مغشوشة، صح العقد و وجب من ذلک النقد. و علی الثانی لا یصح.

الثامن: لو جهل مقدار الغش، فإن أخرج عن المغشوش من الصافی بقدره أجزأ، و إن ماکس ألزم التصفیة مع علم النصاب، لأن الخروج عن العهدة إنما یتم به.

و لو جهل بلوغ الصافی النصاب، لم یجب التصفیة، لأصالة البراءة، و عدم البلوغ.

و لو علم النصاب و قدر الغش، أخرج عن الخالصة مثلها و عن المغشوشة مثلها.

و لو کان الغش مما تجب فیه الزکاة، وجبت الزکاة عنهما.

فإن أشکل الأکثر منهما و لم یمکن التمییز، بأن کان قدر أحد النقدین ستمائة و الآخر أربعمائة، أجزأه إخراج ستمائة من الأکثر قیمة و أربعمائة من الأقل. و یجوز أن یبنی علی ظنه لو اتفق، لأنه الراجح، فیتعین العمل به عند التعارض.

و یجوز امتحانه بالماء، بأن یوضع قدر المخلوط من الذهب الخالص فی ماء و یعلم علی الموضع الذی یرتفع إلیه الماء، ثم یخرج و یوضع مثله من الفضة الخالصة و یعلم علی موضع الارتفاع أیضا، و تکون هذه العلامة فوق الأولی، لأن أجزاء الذهب أشد اکتثارا، ثم یوضع فیه المخلوط و ینظر إلی ارتفاع الماء به هل هو إلی علامة الذهب أقرب أو إلی علامة الفضة.

التاسع: لو کان بیده مائة نقدا و له دین مائة أخری علی باذل، و أوجبنا الزکاة فی الدین، وجبت الزکاة علیه فی الجمیع، لأنا إنما نوجب فی الدین لو کان تأخره ممن له فکأنه مقبوض.

و لو تعسر الأخذ بعد الحول، وجب أن یخرج نصیب المائة التی بیده من الزکاة.

ص:343

العاشر: لا زکاة فی شیء من نفائس الجواهر، کاللؤلؤ و الیاقوت و غیرهما. و إنما تجب فی النقدین خاصة بشرط أن یکونا مضروبین منقوشین کما تقدم، فلا زکاة فی الحلی و إن کان محرفا، خلافا لبعض علمائنا فی المحرم إذا فر به من الزکاة، فعلی قوله تجب الزکاة.

سواء کان التحریم لعینه کالأوانی و القصاع و الملاعق و المجامر المتخذة من الذهب و الفضة، أو باعتبار القصد، کما لو قصد الرجل تحلی النساء الذی اتخذه أو ورثه أو اشتراه، کالسوار و الخلخال أن یلبسه أو یلبسه غلمانه، أو قصدت المرأة تحلی الرجال، کالسیف و المنطقة أن تلبسه جوارها أو غیرهن من النساء. و کذا لو أعد [1] الرجل حلی الرجال لنسائه و جواریه، أو أعدت المرأة حلی النساء لزوجها و غلمانها، فکل ذلک محرم تجب فیه الزکاة.

و حکم القصد الطاری بعد الصیاغة حکم المقارن، فلو اتخذه علی قصد استعمال محظور، ثم غیر قصده إلی مباح بطل الحول، فلو عاد إلی القصد الفاسد ابتدئ حول الزکاة. و لو لم یقصد استعمالا مباحا و لا محرما فلا زکاة لعدم الشرط و هو النقش أو تحریم الاستعمال.

و کذا لا زکاة لو اتخذ الحلی لیؤاجره ممن له استعماله و إن اتخذ للنماء، لأنه لا اعتبار بالأجرة هنا، لأنها کأجرة العوامل.

و لو انکسر بحیث لا یمنع الاستعمال، لم یؤثر فی السقوط. و لو لم یصلح للاستعمال و احتاج إلی سبک و صوغ جدید، سقطت الزکاة، لخروجه عن صفة التحریم. و لو کان بحیث یمنع الاستعمال، لکن لا یحتاج إلی صوغ جدید بل یقبل الإصلاح باللحام، لم یسقط، لدوام صورة الحلی المحرم.

الحادی عشر: أصل الذهب التحریم علی الرجال، و استثنی اتخاذ أنف لمن جدع أنفه، لأن رجلا قطع أنفه یوم الکلاب، فاتخذ أنفا من فضة فأنتن علیه، فأمره النبی صلی اللّه علیه و آله أن یتخذ أنفا من ذهب. و لأنه فی محل

ص:344

الحاجة. و فی معنی الأنف السن و الأنملة.

و لا یجوز لمن قطعت یده أو إصبعه اتخاذهما من الذهب. و لا أن یتخذ الرجل لخاتمه سنا أو أسنانا من الذهب. و لا التمویه بالذهب فی خاتم و ثوب و غیرهما من ملابس الرجال.

و حکم الخنثی حکم الرجل، لجواز کونه رجلا، و لا یجوز له لبس حلی الرجال و لا النساء. و یحتمل ضعیفا جوازهما، لأنه کان له لبسهما فی الصغر، فیستصحب إلی زوال الإشکال.

و لا یحرم التحلی بالذهب للنساء و لا الفضة، و لا اتخاذ نعلین منهما، و لا لبس الثیاب المنسوجة منهما.

و کذا لا یحرم التختم بالفضة علی الرجال، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله اتخذ خاتما من فضة. و لا یجوز له غیره من السوار و الدملج و الطوق، نعم یجوز له تحلیة آلات الحرب بالفضة، کالسیف و الرمح و أطراف السهام و الدرع و المنطقة و السکین و الترس و الخف و غیرهما لیغیظ بها الکفار، و قد کانت قبیعة سیف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من فضة.

و الأقرب جواز تحلیة السرج و اللجام و الثغر و الرکاب للأصل، و التاج إن کان فی موضع یعتاد الرجال لبسه کان من ملابسهم، و إلا فهو من ملابس النساء.

و لو أسرف الرجل فی آلات الحرب، أو اتخاذ خواتیم من فضة کثیرة، أو اتخذت المرأة خلاخل کثیرة من ذهب أو فضة، لم یکن محرما للأصل. و کذا لو اتخذت خلخالا ثقیلا.

أما أوانی الذهب و الفضة فإنها محرمة الاستعمال علی الرجال و النساء، و قد تقدم. و فی اتخاذهما إشکال ینشأ: من أصالة الإباحة. و من تعطیل المال و الإسراف به. و کذا تباح تحلیة السکاکین و إن کانت للمهنة.

و لا یجوز تحلیة المصحف و لا غلافه بذهب و لا فضة، و لا الکتب، و لا

ص:345

زخرفة المساجد. و الأقرب تحریم تذهیب حیطان الدور، لما فیه من الإسراف و تضییع المال. و الأقرب جواز تعلیق القنادیل من الذهب و الفضة فی المشاهد و الکعبة للتعظیم، کما یجوز ستر الکعبة بالدیباج.

منع الشیخ من اتخاذ الآلات من الذهب و الفضة کالأوانی مثل المرآة و المقلمة و المقراض و هو الأقوی.

الثانی عشر: إذا أوجبنا الزکاة فی الحلی المحرم، کان الاعتبار بوزنه لا بقیمته. فلو اتخذ خلخالا وزنه مائتا درهم و قیمته ثلاثمائة، أخرج زکاة مائتی درهم، لأنها زکاة عین، فلا تنظر فیها إلی القیمة کالمواشی. و لهذا لو کان وزنه مائة درهم و قیمته بسبب الصنعة مائتان، فإنه لا زکاة فیه.

و یحتمل اعتبار الصنعة، کما أنه یجب أن یخرج عن المضروب مضروبا من حیث إنها صفة فی العین، فیلزمه إخراج زکاة العین علی تلک الصفة، فحینئذ یتخیر بین أن یخرج ربع عشر الحلی مشاعا، ثم یبیعه الساعی و یفرق الثمن علی المساکین، و بین أن یخرج خمسة دراهم مصوغة قیمتها سبعة دراهم و نصف.

و لا یجوز أن یکسره و یخرج خمسه مکسورة، لما فیه من الضرر علیه و علی الفقراء. و یجوز أن یخرج ما قیمته سبعة و نصف من غیر الفضة.

أما لو کانت له آنیة وزنها مائتان و قیمتها للصنعة ثلاثمائة، فإن جوزنا الاتخاذ و الاستعمال، کان حکمها حکم الکلی المتقدم، و إلا أجزأه إخراج خمسه من غیره و کسره و إخراج خمسه منه، لأنه لا قیمة للصنعة شرعا.

و کل حلی محرم علی جمیع الناس، حکم صنعته حکم صنعة الإناء، و لا یضمن کاسرها. و ما یحل لبعض الناس فعلی کاسره ضمانها. و ما یکره من التحلی و لا یحرم کالآنیة المفضضة، حکمه حکم الحلی المباح فی سقوط الزکاة عنه.

الثالث عشر: قد بینا أنه ینبغی إخراج الأجود إذا تساوت القیم، و لو اختلفت أخذ من کل نوع ما یخصه، أو أخرج من أوسطها ما بقی بقدر الواجب و قیمته. و لو أخرج من أجودها بقدر الواجب، جاز له ثواب الزیادة،

ص:346

و إن أخرجه بالقیمة مثل أن یخرج عن نصف دینار ثلث دینار جید، فالأقرب الجواز.

و کذا إن أخرج من الأدنی، و زاد فی المخرج ما یفی بقیمة الواجب، کما یخرج عن دینار دینارا و نصفا یفی بقیمته.

و إن أخرج بهرجا عن الجید و زاد بقدر ما یساوی قیمته الجید جاز، و لا ربا هنا، لأنه لا ربا بین العبد و سیده و الحق هنا للّه تعالی، و لأن المساواة فی المعتاد الشرعی، و إنما اعتبرت فی المعاوضات و القصد من الزکاة المواساة و إغناء الفقیر و شکر نعمة اللّه تعالی، فلا مدخل للربا هنا.

و لو خلف لأهله نفقة قدر النصاب فما زاد و حال علیها الحول، فإن کان حاضرا، وجبت الزکاة لقدرته علیه، و إن کان غائبا فلا، لأنها فی معرض الإتلاف، و لقول الصادق علیه السلام: إن کان شاهدا فعلیه زکاة، و إن کان غائبا فلیس فیها شیء(1). و لأنها مع الغیبة لا یتمکن من التصرف فیه، لأنه أخرجه عن یده بتسلیط أهله علی الانتفاع به.

المطلب الثالث (فی زکاة الغلاة)
اشارة

و إنما تجب الزکاة بشرط النصاب، و هو واحد فی الجمیع. و قدره خمسة أوسق، کل وسق ستون صاعا، کل صاع أربعة أمداد، کل مد رطلان و ربع بالعراقی و رطل و نصف بالمدنی، للروایة. قال الکاظم علیه السلام: الصاع ستة أرطال بالمدنی و تسعة بالعراقی(2). فلا زکاة فیما هو أقل من ذلک إجماعا منا، لقوله صلی اللّه علیه و آله: لیس فیما دون خمسة أوسق صدقة(3). ثم لا نصاب له بعد ذلک، بل کل ما زاد وجب فیه ما یجب فی الأوسق الخمسة، سواء قل أو کثر.

ص:347


1- (1) وسائل الشیعة 6-117 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 1-338، وسائل الشیعة 6-126 ح 10.
3- (3) جامع الأصول 5-318.

ثم الزرع و الثمار إن سقیت سیحا أو بعلا أو عذیا کان فیه العشر، و إن سقیت بالغرب و الدوالی و النواضح و ما یلزمه مئونة و هو ما سقی بآلة و یرفع الماء إلیه. و إن تمکن من سقیه سیحا و عدل فرارا کان فیه نصف العشر بإجماع العلماء، لأن معاذا لما بعثه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلی الیمن أمره أن یأخذ مما سقت السماء أو سقی بعلا العشر و ما سقی بدالیة نصف العشر(1). و قال الباقر علیه السلام: ما سقی بالرشاء و الدوالی و النواضح فیه نصف العشر. و ما سقت السماء أو کان بعلا ففیه العشر(2).

و لو اجتمع الأمران، فإن تساویا کان فی نصفه نصف العشر و فی نصفه ربع العشر، فیکون فی جمیعه ثلاثة أرباع بإجماع علماء الإسلام. قال الصادق علیه السلام و قد سئل عن الأرض تسقی الدوالی ثم یزید فتسقی سیحا؟:

نصف بنصف العشر و نصف بالعشر(3). و لأن کل واحد لو انفرد، کان له قدر معین مغایر لصاحبه، فإذا اجتمعا اقتضی کل واحد منهما حکمه، و لأنه لا أولویة فی ترجیح أحدهما.

و لو غلب أحدهما کان الاعتبار له، فإن کان الغالب السیح وجب العشر فی الجمیع، و إن کان بالآلة وجب نصف العشر فی الجمیع، لقول الصادق علیه السلام: نصف العشر، و قد سئل عن الأرض تسقی بالدوالی ثم تزید الماء فتسقی السقیة و السقیتین سیحا فی ثلاثین لیلة أو أربعین و قد تمکث قبل ذلک فی الأرض ستة أشهر أو سبعة أشهر(4).

فروع:

الأول: تقدیر النصاب تحقیق لا تقریب، لقوله علیه السلام: لیس فیما دون خمسة أوسق من التمر صدقة(5). و قول الباقر علیه السلام: فإن کان من

ص:348


1- (1) جامع الأصول 5-333.
2- (2) وسائل الشیعة 6-120 ح 5.
3- (3) وسائل الشیعة 6-128 ح 1.
4- (4) نفس المصدر.
5- (5) جامع الأصول 5-318.

کل صنف خمسة أو ساق غیر شیء، و إن قل فلیس فیه شیء(1). و لأن نصاب المواشی تحقیق فکذا هنا.

و هل الاعتبار الکیل أو الوزن ؟ الأولی فی الحنطة و الشعیر اعتبار الکیل، و فی التمر و الزبیب اعتبار الوزن. و یحتمل تقدیر الجمیع بالوزن، لأنه الأصل فی اعتبار المکیال.

الثانی: لا فرق بین ما نبتته الأرض المملوکة، و بین ما نبتته الأرض المکتراة، فی وجوب العشر. و یجتمع علی المستأجر العشر و الأجرة، کما لو استأجر حانوتا للتجارة، فإن الأجرة لا تمنع زکاة التجارة.

و یجتمع أیضا عندنا العشر و الخراج، لأنها حقان وجبا بسببین مختلفین، فلا یمنع أحدهما الآخر کالقیمة و الجزاء فی الصید المملوک.

الثالث: النصاب یعتبر فی ثمر النخل حالة الجفاف تمرا أو قسیا، و فی ثمر الکرم الجفاف أیضا زبیبا و فی الحنطة و الشعیر التصفیة من التبن و الإخراج من السنابل و القشر الأعلی، لقول الصادق علیه السلام: و العنب مثل ذلک حتی یکون خمسة أوساق زبیبا(2).

و لا یشترط فی الجفاف تناهیه إلی حد لا یقبل الزیادة، بل أول مراتب ما یسمی تمرا أو زبیبا.

و تجب الزکاة عند بدو الصلاح، و إنما یجب الإخراج بعد اقتطافها و اخترامها و تصفیتها إجماعا.

الرابع: ما یسقی بالناعورة، و هو ما یدیره الماء بنفسه کالدوالیب، لأنه تسبیب إلی النزح و إنما یتم بالدلاء.

و أما القنوات و السواقی المحفورة من النهر العظیم إلی حیث یسوق الماء إلیه فکالعذی، لأن مئونة القنوات إنما تتحمل لإصلاح الضیعة و الأنهار تشق

ص:349


1- (1) وسائل الشیعة 6-121 ح 8.
2- (2) وسائل الشیعة 6-121 ح 7.

لإحیاء الأرض، فإذا تهیأت وصل الماء إلی الزرع بطبعه مرة بعد أخری، بخلاف السقی بالنواضح و شبهها، فإن المئونة تتحمل لنفس الزرع.

الخامس: لو احتاج إلی شراء الماء، فالواجب نصف العشر لما فیه من المئونة، و کذا لو غصبه لأن علیه الضمان.

و لو وهب منه الماء، احتمل إلحاقه بالمغصوب، لما فی قبوله الهبة من المنة العظیمة، فصار کما لو علق ماشیته بعلف موهوب. و کذا لو وضع السلطان قطیعة علی السقی.

السادس: یحتمل اعتبار الأغلبیة و عدمها بعدد السقیات، لأن المئونة تقل و تکثر بها. و یحتمل بمدة عیش الزرع و نمائه أ هو بأحدهما أکثر أو لا.

کما لو کانت المدة من یوم الزرع إلی الإدراک ثمانیة أشهر و احتاج فی ستة أشهر زمان الشتاء و الربیع إلی سقیتین و فی شهرین من الصیف إلی ثلاث سقیات، فسقی السقیتین بماء السماء و الثلاث بالنضح، فإن اعتبرنا العدد یجب نصف العشر، لأن النضح أکثر. و إن اعتبرنا مدة العیش یجب العشر، لأن مدة السقی بماء السماء أطول. و یحتمل عدم اعتبار المدة بل النفع و الفائدة، فقد تکون السقیة الواحدة أنفع من عدد.

السابع: لو سقی بالناضح و ماء السماء جمیعا، و لکن لم یعرف قدر کل واحد، وجب ثلاثة أرباع العشر، عملا بالاحتیاط و أصالة الاستواء. و یحتمل نصف العشر، عملا بأصالة البراءة، فیجب المتیقن.

و لا فرق فیما ذکرنا بین أن ینشأ الزرع علی اجتماع السقی بالناضح و السائح، و بین أن یقصر أمره [1] علی أحد السقیتین ثم یعرض الآخر.

الثامن: لو اختلف الساعی و المالک فی أنه بما ذا سقی، فالقول قول المالک، لأصالة عدم وجوب الزیادة.

ص:350

التاسع: لو کان له زرعان، یسقی أحدهما بماء السماء، و الآخر بماء الناضح، و لم یبلغ واحد منهما نصابا، ضم أحدهما إلی الآخر فی تکمیل النصاب و أخرج من کل صنف بقسطه.

العاشر: إنما تجب الزکاة بعد إخراج المؤن کلها، من أجرة السقی و العمارة و الحائط و المساعد فی حصاد و جذاذ و تجفیف ثمرة و إصلاح موضع التشمیس و غیر ذلک و البذر، لأن المئونة سبب زیادة المال، فتجب علی الجمیع کالمال المشترک. و لأن فی إلزام المالک بذلک حیفا و إضرارا به.

و الخراج عن الأرض أو النخل یخرج وسطا، و یؤدی زکاة ما بقی إذا بلغ النصاب، و ثمن الثمرة من المئونة، فیخرج ثم یزکی الباقی، أما عن أصل النخل فلا.

و حصة السلطان تخرج وسطا، لقول الباقر علیه السلام: کل أرض دفعها إلیک السلطان، فعلیک فیما أخرج اللّه منها ما قاطعک علیه، و لیس علی جمیع ما أخرج اللّه منها العشر، و إنما العشر علیک فیما تحصل فی یدک بعد مقاسمته لک(1).

الحادی عشر: إذا أخرج الزکاة، سقطت عنه بعد ذلک، فلا تجب علیه فی الحول الثانی فی تلک الغلة و لا تکرر علیه و إن بقیت أحوالا، لأنها أموال غیر مرصدة للنماء فی المستقبل، بل هی إلی النقص أقرب، و الزکاة تجب فی النامیة، إرفاقا بالمالک و تسهیلا علیه فی الإخراج.

الثانی عشر: لا یجزی أخذ الرطب عن التمر، و لا العنب عن الزبیب، لأنه أقل من الواجب، فإن أخذه الساعی رجع بما نقص عند الجفاف، لاشتغال الذمة به.

الثالث عشر: تضم الزروع المتباعدة و الثمار المتفرقة فی الحکم، سواء اتفقت فی الإیناع و الإخراج، أو اختلفت فیهما، أو فی أحدهما، لأنه غلة عام

ص:351


1- (1) وسائل الشیعة 6-129 ح 1.

واحد فأخذ النصاب من الجمیع. و لا فرق بین أن تطلع الثانیة قبل جذاذ الأولی أو بعده، و لا قبل بدو صلاح الأولی أو بعده.

و لو کان له نخل یطلع فی السنة مرتین أو کرم، احتمل ضم الثانی إلی الأولی مطلقا، لأنها ثمرة عام واحد، فأشبه حمل النخلتین المختلفین فی الإیناع. و عدمه مطلقا، لأن کل حمل کثمرة عام واحد، و الضم إن طلعت قبل الجذاذ و عدمه.

الرابع عشر: لا یضم شیء من هذه الأجناس إلی غیره، فالحنطة و الشعیر هنا جنسان و إن اتحدا فی الربا علی الأقوی، لاندراجه تحت قوله علیه السلام: لیس فیما دون خمسة أوسق صدقة(1).

و العلس. قال الشیخ: إنه نوع من الحنطة. قال: إذا اجتمع عنده حنطة علس یضم إلیها(2). و هی مما یدخر فی قشره، و یزعم أهله أنه إذا أخرج من قشره لا یبقی بقاء غیره من الحنطة، و یزعمون أنه یخرج علی النصف، [1] فیعتبر نصابه فی قشره للضرر فی إخراجه، فإذا بلغ بقشره عشرة أوسق وجبت الزکاة، لأن فیه خمسة أوسق.

و لو حصل الشک فی بلوغه النصاب، فلا وجوب، لکن إن أخرج عشرة بقشره أو أخرجه بعد التقشیر له، قدر بخمسة أوسق کان أحوط.

و أما غیره من الحنطة فلا یجوز تقدیره بقشره بل بعد التصفیة، حذرا من حیف الفقراء.

و السلت. قال الشیخ: إنه شعیر فیه مثل ما فیه(3). و قیل: إنه یشبه الحنطة فی اللون و النعومة و الشعیر فی برودة الطبع. و قیل: بالعکس.

ص:352


1- (1) جامع الأصول 5-318.
2- (2) المبسوط 1-217.
3- (3) المبسوط 1-217.

و علی کل تقدیر فیحتمل ضمه إلی الحنطة باعتبار و إلی الشعیر باعتبار، أو لا یجب فیه شیء البتة، و هو الأقوی. لانفراده عنهما بالاسم و الصفة، و اکتسب من ترکب الشبهین طبعا ینفرد به، فصار أصلا برأسه.

و لا خلاف فی أنه یضم أصناف النوع الواحد بعضها إلی بعض، کالحنطة الجیدة و الردیة، و فی الإخراج إن أخرج الأجود فهو أفضل، و إن ماکس فالتقسیط. و قول الصادق علیه السلام: و یترک [1] معی فأرة و أم جعرور لا یزکیان(1).

إشارة إلی أنه لا یؤدی الزکاة منهما.

و لو انفرد هذین الجنسین، وجب فیه الزکاة و أجزأه الإخراج منه.

الخامس عشر: إذا مات و علیه دین مستوعب و له ثمرة بدا صلاحها بعد موته قبل القضاء، احتمل سقوط الزکاة، لأنهما فی حکم مال المیت و ملک الورثة غیر مستقر فی الحال، و إنما یستقر بعد قضاء الدین من غیره.

و الوجه عندی الوجوب إن کانوا موسرین، لأنها ملکهم ما لم تبع فی الدین، و لهذا کان لهم التصرف فیها و قضاء الدین من موضع آخر، و إنما لرب الدین التعلق بالترکة و طلب الحق منه، فتکون الرقبة لهم کالمرهون و الجانی و قیمتهما للمالک، فإذا ملکوها و هم من أهل الزکاة وجبت علیهم. و إن کانوا معسرین فلا زکاة، لأنهم فی حکم المحجور علیهم، إذ لیس لهم التصرف إلا بعد قضاء الدین من غیر النصاب و هم عاجزون عنه.

و إنما تجب الزکاة علیهم لو بلغ نصیب کل واحد منهم النصاب، فإن قصر لم تجب الزکاة و إن بلغ المجموع، لأنا لا نوجب الزکاة علی الخلطة لم تقدم.

و لو قصر نصیب أحدهم دون غیره، وجب علی من لم یقصر نصیبه عن النصاب.

ص:353


1- (1) وسائل الشیعة 6-120 ح 3.

و لو بدا الصلاح فی حیاته، وجبت الزکاة و أخرجت من الأصل قبل الدین، لتعلقه بالذمة و تعلقها بالعین.

و لو أطلع بعد موته، فالنماء للورثة، و لا یصرف إلی دین الغرماء إلا إذا قلنا الدین یمنع المیراث، فحکمها حکم ما لو وجد قبل موته.

فائدة (تتعلق بالخرص)

روی أن النبی صلی اللّه علیه و آله کان یبعث علی الناس من یخرص علیهم کرومهم. و بعث علیه السلام عبد اللّه بن رواحة یخرص علی یهود نخلهم حین تطیب الثمار(1).

و هو مشروع مستحب، و لیس واجبا إجماعا. و لیس تخمینا بل هو اجتهاد فی معرفة الثمرة و إدراکه بالخرص الذی هو نوع من المقادیر و المعاییر، فهو کتقویم المتلفات.

و وقته: حین بدو صلاح الثمرة، اقتداء بفعله علیه السلام حیث کان یبعث من یخرص النخل حین یطیب. و لأنه وقت الأمن علی الثمرة من الجائحة.

و لأن الفائدة من الخرص معرفة الزکاة و إطلاق أرباب الثمار فی التصرف فیها، و الحاجة إنما تدعو إلی ذلک حین یبدو الصلاح و تجب الزکاة فیه.

و لا یفید التضمین و لا یصیر حق المساکین بخرصانه فی ذمة رب المال، بل یبقی علی ما کان، و یفید معرفة المقدار، و لا یؤثر فی نقل الحق إلی ذمته.

و یکفی الخارص الواحد، لأنه علیه السلام اکتفی به، و لأنه مجتهد یعمل علی اجتهاده، فکان کالحاکم. و لا فرق فی الاکتفاء به بین أن یکون الخرص علی صبی أو مجنون أو غائب أو علی أضدادهم.

ص:354


1- (1) سنن ابن ماجة 1-582.

و یشترط فیه الإسلام و العدالة و العلم بالخرص حتی تنتفی التهمة و یغلب علی الظن صدقه.

و الأقرب اشتراط الذکورة و الحریة، لأنه نوع حکم.

و کیفیة الخرص: أن یطیف بکل نخلة أو شجرة و ینظر کم علیها من رطب أو عنب، ثم إن کانت الثمرة من نوع واحد نظر کم الجمیع عنبا أو رطبا، ثم قدر ما یجیء منه تمرا أو زبیبا.

و إن کانت أنواعا خرص کل نوع بانفراده، لاختلافها فمنها کثیر الرطب قلیل التمر و بالعکس، و کذا العنب. و لأنه یحتاج إلی معرفة قدر کل نوع لإخراج عشره.

فإذا خرص عرف المالک قدر ما تجب فیه من الزکاة. ثم خیره بین أن یضمن قدر الزکاة و یتصرف فیها بما شاء من أکل و غیره، و بین حفظها إلی وقت الجذاذ و الجفاف، و بین تضمین الساعی حصة المالک.

فإن اختاروا الحفظ و أبوا الضمان، کان أمانة فی أیدیهم، و لم یجز لهم التصرف بالأکل و البیع و الهبة، لأن فیها حق للمساکین. فإن تلفت بغیر تفریط إما بآفة سماویة أو أرضیة، أو ظلم ظالم أو غصب غاصب، سقط ضمان الحصة، لأنها أمانة فلا تضمن بالخرص.

و لو تلف البعض، لزمه زکاة الموجود خاصة و إن نقص عن النصاب، لأن الإمکان شرط الضمان لا الوجوب.

و لو أتلفها المالک أو تلفت بتفریط ضمن. و أما المضمون یحتمل المثل کالأجنبی، و نصیب الفقراء بالخرص، لأن علیه تجفیف هذا الرطب بخلاف الأجنبی.

و لو ادعی تلفها بغیر تفریط، صدق بغیر یمین.

و لو حفظها إلی وقت الإخراج، فعلیه زکاة الموجود لا غیر، سواء اختار الضمان أو حفظها علی سبیل الأمانة، و سواء کانت أکثر مما أخرصه الخارص أو

ص:355

أقل، لأنها أمانة فلا تصیر مضمونة بالشرط کالودیعة، بخلاف ما لو تلفت بتفریط، فإنه یرجع إلی الخرص، لأنه تصرف فی الثمرة و لم یعلم قدرها و الظاهر إصابة الخارص.

و لو ادعی المالک غلط الخارص بالمحتمل، صدق بغیر یمین، بخلاف ما لو ادعی غیره کالنصف و نحوه، و لأنه یعلم کذبه.

و لو قال: لم یحصل فی یدی غیر کذا، قبل قوله من غیر یمین، لأنه قد یتلف بعضها بآفة لا یعلمها.

و لو زاد الخرص، فالأقرب وجوب الزکاة فی الزیادة، و لو نقص لم یکن علیه، لأنها أمانة فلا تضمن کالودیعة.

و لا یستظهر الخارص فی الاستقصاء علی المالک، بل یخفف ما یکون به المالک مستظهرا، و ما یجعل للمارة بحسب ما یراه الخارص، أو ما یأکل منه بالمعروف، أو یطعم جاره، أو صدیقه.

و إذا خرص و امتنعوا من الضمان، فقد قلنا إنهم یمنعون من الأکل و التصرف و تبقی أمانة فی أیدیهم. و الظاهر أن المنع إنما هو فی عشر المساکین لا فی تسعة أعشار المالک. و قبل الخرص لا یجوز التصرف فی الجمیع.

و لو ادعی المالک هلاک الثمرة المخروصة علیه، أو هلاک بعضها بسبب یکذبه الحس فیه، کما لو ادعی حریق البستان، و یعلم أنه لم یقع فیه حریق، لم یلتفت إلیه. فإن ادعی شیئا خفیا - کالسرقة - قبل قوله من غیر یمین.

و لو ادعی سببا ظاهرا. کالنهیب و البرد - قبل قوله من غیر یمین أیضا، سواء عرف وقوع هذا السبب و عموم إثارة أو جهل، و سواء أمکنه إقامة البینة علیه أو لا، لأن تکلیف الإحلاف إضرار ینافی المواساة، و سواء کان ثقة أو لا مؤتمن شرعا. و کذا یقبل قوله فی دعوی الهلاک من غیر استناد إلی سبب من غیر یمین.

و لو ادعی أن الخارص تعمد الإجحاف علیه فی الخرص، لم یلتفت إلیه،

ص:356

کما لو ادعی المیل علی الحاکم و الکذب علی الشاهد. نعم لو أقام البینة بذلک، قبل.

و لو ادعی الغلط و لم یبین المقدار، لم یلتفت إلیه.

و لو ادعی بعد الکیل غلطا یسیرا فی الخرص بقدر ما یقع بین المکیلین، احتمل الحط، لأن الکیل تحقیق و الخرص تخمین، و الإحالة علی الأول أولی، و عدمه لاحتمال وقوع النقصان فی الکیل فلعله یفی لوکیل ثانیا.

و یجوز تجفیف الثمرة بعد الخرص مع الحاجة، دفعا للمشقة، فیسقط بحسابه من الزکاة، و کذا قبله مستقلا من دون إذن الإمام أو الساعی.

و لو کان قبل بدو الصلاة، جاز تجفیفه و قطعه أصلا، لما یراه من مصلحة نفسه و أصول نخله.

و یجوز قسمة الثمرة قبل قطعها و إن کانت رطبا، لأن القسمة تمییز حق و أفراده و لیس بیعا. و لو کانت بیعا جاز أیضا، لجواز بیع الرطب بمثله عندنا، فیخرص الثمار و یعین حق المساکین فی نخلة أو نخلات بأعیانها. و یجوز للخارص بیع نصب المساکین من المالک و غیره.

و یجوز للمالک تقویم نصیب الفقراء من غیر مراجعة الساعی، لأن له إخراج القیمة.

و یجوز لرب المال قطع الثمرة و إن لم یستأذن الخارص، سواء ضمن أو لا. و منع الشیخ (رحمه اللّه) مع عدم الضمان، من حیث إنه تصرف فی مال الغیر فیقف علی الإذن. و لیس بجید، لأن المالک أمین علی الحفظ، فله التصرف بما یراه مصلحة.

و لو أخذ الساعی الرطب عن التمر، فإن ساواه قیمة و دفعه علی أنه قیمة جاز، و إلا اعتبر عند جفافه، فإن کان بقدر الواجب أجزأ، و إلا أخذ النقصان و رد الفاضل.

و لو دفع المالک عن التمر رطبا بالقیمة، جاز و إلا فلا، و إن کان لو جف

ص:357

ساواه، لأنه غیر الواجب.

و لا یجزی الخرص فی غیر النخل و الکرم من الغلاة، اقتصارا بالتخمین علی مورده، و لأن الزرع مستتر، بخلاف ثمر النخل و الکرم فالخرص فیه أقرب إلی الإصابة، و لأن الحاجة تدعو إلی تناول الرطب و العنب قبل صیرورته تمرا و زبیبا، بخلاف الزرع.

خاتمة:

تشتمل علی مسائل:

الأول: قد بینا أن وقت الوجوب فی الثمرة بدو الصلاح، و هو الزهر، و لذلک کان علیه السلام یبعث الخارص لیخرص، و لو سبق الوجوب علیه لبعثه قبل ذلک، و لو تأخر عنه لتأخر بعثه له إلی ذلک الوقت.

و فی الحبوب اشتدادها، لأنها حینئذ تصیر طعاما، کما أن عمل النخل و الکرم بعد بدو الصلاح ثمرة کاملة.

فلو اشتری نخلا مثمرا بشرط الخیار قبل بدو الصلاح، فبدا فی زمان الخیار، فعلی ما نذهب إلیه من الانتقال إلی المشتری بالعقد، تکون الزکاة علیه و إن فسخ البیع. و علی ما اختاره الشیخ فی بعض أقواله من البقاء علی ملک البائع، تکون الزکاة علیه و إن أمضی البیع.

و لو کان المشتری ذمیا، فلا زکاة علی المسلم، لأن الثمرة لم تکن فی ملکه وقت الوجوب، و الذمی لا یصح منه إخراجها [1]، و لو عادت إلی ملک المسلم بعد بدو الصلاح ببیع مستأنف أو هبة أو تقایل أو رد بعیب، فلا زکاة أیضا، لأنها لم تکن فی ملکه حین الوجوب. و البیع من المکاتب کالبیع من الذمی.

الثانی: لو باع النخل من مسلم قبل بدو الصلاح فبدا الصلاح فی ملک المشتری ثم وجد بها عیبا، فلیس له الرد إلا بعد رضا البائع، لتعلق حق

ص:358

الزکاة بها، فکان العیب حدث فی یده.

فإن أخرج المشتری الزکاة من غیر العین، احتمل ذلک أیضا، لأن المؤدی عن الزکاة قد یخرج مستحقا فیتبع الساعی عین النصاب. و الرد، الزوال المانع و هو استحقاق الفقراء.

الثالث: لو باع الثمرة وحدها قبل بدو الصلاح فقولان، الأقوی الصحة.

و قیل: البطلان إلا مع شرط القطع، فإن شرطه و لم یتفق حتی بدا صلاحها وجب العشر. فإن رضیا بإبقائها إلی أوان الجذاذ، جاز و العشر [1] علی المشتری.

و إن لم یرضیا بالإبقاء، لم یقطع الثمرة، لأن فیه إضرارا بالمساکین، ثم یحتمل فسخ البیع، لتعذر إمضائه، فإن البائع یبغی القطع لشرطه و هو ممتنع، و عدمه و هو الأقوی، لأنه عیب حدث بعد القطع، فلا یؤثر فیه الفسخ، لکن إن لم یرض البائع بالإبقاء انفسخ البیع.

و إن رضی بالإبقاء و لم یرض المشتری، لم ینفسخ، لأن البائع زاده خیرا، و القطع إنما کان لحقه بحیث لا تمص الثمرة ماء النخل. فإذا رضی، ترکت النمرة بحالها.

و لو رضی البائع بالإبقاء، کان له الرجوع متی شاء، لأنه إعارة.

و إذا انفسخ البیع حیث سوغناه، فالزکاة علی المشتری، و إن کان الفسخ لشرط القطع المستند إلی أصل العقد، لأن بدو الصلاح کان فی ملکه، فأشبه ما لو فسخ بعیب، فإن أخذ الساعی من العین، رجع البائع علی المشتری.

الرابع: من الرطب ما لا یصیر تمرا، و کذا من العنب ما لا یصیر زبیبا، و یجب فیهما عشر العین، أو نصف العشر رطبا أو عنبا، و لا یوجب علیه ضمان تمر منهما أو من غیرهما، لکن فی اعتبار قدر النصاب منه إشکال، أقربه اعتبار الخرص لو جف، و یؤخذ منه بالتقریب، و یحتمل البناء علی القطع، فلا یحکم بالوجوب إلا مع علم بلوغ النصاب لو جف.

ص:359

ص:360

الفصل الرابع: فی ما یستحب فیه الزکاة

اشارة

و فیه مطالب:

المطلب الأول (مال التجارة)
اشارة

و فیه مباحث:

البحث الأول (فی استحبابها)

الذی علیه أکثر علمائنا استحباب الزکاة فیها، و قال شاذ منهم بالوجوب. و الوجه الأول، للأصل، و لقول الصادق علیه السلام: لیس فی المال المضطرب به زکاة(1).

و قال الباقر علیه السلام: یا زرارة أن أبا ذر و عثمان تنازعا علی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله، فقال عثمان: کل مال من ذهب أو فضة یدار و یعمل به و یتجر به ففیه الزکاة إذا حال علیه الحول، فقال أبو ذر: أما ما اتجر

ص:361


1- (1) وسائل الشیعة 6-49 ح 5.

به أو دیر و عمل به فلیس فیه زکاة، إنما الزکاة فیه إذا کان رکازا أو کنزا موضوعا فإذا حال علیه الحول ففیه الزکاة، و اختصما فی ذلک إلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال: القول ما قال أبو ذر(1).

البحث الثانی (الماهیة)

مال التجارة المال المملوک بعقد معاوضة للاکتساب عند التملک، فلا یکفی مجرد نیة التجارة فی جعل المال لها، فلو کان له عروض قنیة ملکها بشراء و غیره، ثم جعلها للتجارة، لم یصر مال تجارة، و لم ینعقد الحول علیه، لأن ما لا یثبت له حکم الحول بدخوله فی ملکه لا یثبت بمجرد النیة، کما لو نوی بالمعلوفة السوم.

و لأن التجارة اسم للعقود، فالمال المضاف إلیها یختص بها، بخلاف مال التجارة، فإنه یخرج عنها بمجرد نیة القنیة، لأنه لیس الاقتناء إلا الحبس و الإمساک للانتفاع. فإذا أمسک و نوی الاقتناء، فقد قرن النیة بصورة الاقتناء، و لم یجردها فثبت الاقتناء.

و لأن الأصل فی العروض الاقتناء و التجارة عارضة، فإذا وجد مجرد النیة عاد حکم الأصل. و إذا ثبت حکم الأصل، لم یزل بمجرد النیة، کالمسافر یصیر مقیما بالنیة، بخلاف العکس.

و إذا اقترنت نیة التجارة بالشراء، کان الشراء للتجارة و دخل فی الحول، لانضمام قصد التجارة إلی فعلها، کالمسافر إذا نوی السفر و سار، فإنه یصیر مسافرا، و لا فرق بین أن یکون الشراء بنقد أو عرض أو دین، و لا بین أن یکون حالا أو مؤجلا. و إذا ثبت حکم التجارة، لم یفتقر لکل معاملة إلی نیة جدیدة.

و لا فرق بین البیع و غیره، فلو صالح علی دین له فی ذمة إنسان، أو عین

ص:362


1- (1) وسائل الشیعة 6-48 ح 1.

فی یده علی عرض نیته التجارة، صار للتجارة، سواء کان الدین قرضا، أو ثمن مبیع، أو ضمان، أو إتلاف.

و کذا لو اتهب بشرط الثواب و نوی التجارة، أما الاتهاب لا بشرط الثواب و الاحتشاش و الاحتطاب و الاغتنام و الإرث، فلا یعد من أسباب التجارة، و لا أثر لاقتران النیة بها.

و کذا الرد بالعیب و الاسترجاع به، فلو باع عرضا للقنیة بعرض للقنیة ثم وجد بما أخذ عیبا فرده و استرد الأول علی قصد التجارة، أو وجد صاحبه بما أخذه عیبا فرده فقصد المردود علیه بأخذه التجارة، لم یصر مال تجارة.

و لو کان عنده ثوب للقنیة فاشتری به عبدا للتجارة، ثم رد علیه الثوب بعیب، انقطع حول التجارة، و لم یکن الثوب المردود مال تجارة، لأن الثوب لم یکن عنده علی حکم التجارة حتی یقال ینقطع البیع و یعود إلی ما کان قبله، بخلاف ما لو کان الثوب للتجارة أیضا، فإنه یبقی علی حکم التجارة.

و لو تقایل التاجران ما تبایعاه، استمر حکم التجارة فی المالین.

و لو کان عنده ثوب تجارة فباعه بعبد للقنیة، فرد علیه الثوب بالعیب لم یعد حکم التجارة فی الثوب، لانقطاع حول التجارة بقصد القنیة، و الرد و الاسترداد بعد ذلک لیسا من التجارة فی شیء، فصار کما لو قصد القنیة بمال التجارة الذی عنده، ثم نوی جعله للتجارة ثانیا، لا یؤثر حتی یقترن النیة بتجارة متجددة.

و لو خالع امرأته و قصد التجارة فی عوض الخلع، أو زوج السید أمته، أو تزوجت الحرة و نویا التجارة فی الصداق، فالأقوی أنه لا یکون مال تجارة، لأن الخلع و النکاح لیسا من عقود التجارات و المعاوضات المحضة، و لأن المملوک بهما لیس مملوکا بعین مال. و یحتمل أن یکون مال تجارة، لأنه مال ملکه بمعاوضة.

و کذا الاحتمال فی المال المصالح علیه عن الدم، و الموجر نفسه و ماله إذا نوی بهما التجارة، و فیما إذا کان تصرفه فی المنافع، بأن کان یستأجر المستقلات

ص:363

و یؤاجرها علی قصد التجارة، و الأقوی فی ذلک کله أنه لا یکون مال تجارة لما تقدم، و لقول الصادق علیه السلام: إن أمسک التماس الفضل علی رأس ماله فعلیه الزکاة(1). و هو یدل علی اعتبار رأس المال فیه.

البحث الثالث (فی الشرائط)

و هی ثلاث:

الأول: یشترط فیه الحول إجماعا، لقوله صلی اللّه علیه و آله: لا زکاة فی مال حتی یحول علیه الحول(2). و قال الصادق علیه السلام لمحمد بن مسلم و قد سأله عن الرجل یوضع عنده الأموال یعمل بها إذا حال علیه الحول فلیزکها(3).

و ابتداء الحول من حین صیرورة المال للتجارة، فلو اشتری سلعة للتجارة بسلعة للقنیة، جرت فی الحول من حین ابتیاعها.

و لا یشترط حولان: حول علی مال بعینه، بل یشترط بقاء النصاب طول الحول و إن تغایرت أشخاصه.

فلو اشتری بنصاب سلعة للتجارة، ثم باعها فی أثناء الحول بنقد أو عرض للتجارة أیضا، ثم اشتری بالثانیة ثالثة، و هکذا طول الحول، تعلقت الزکاة به وجوبا عند قوم و استحبابا عند آخرین. و لا أثر للمبادلة فی أموال التجارة.

الثانی: بلوغ قیمة المال نصابا بالإجماع، و یشترط بقاؤه طول الحول کالمواشی، فلو نقصت القیمة عن النصاب فی لحظة انقطع الحول، فإن کمل بعد ذلک إما بارتفاع السوق أو بضم سلعة للتجارة، استأنف الحول حینئذ.

ص:364


1- (1) وسائل الشیعة 6-46 ح 4.
2- (2) جامع الأصول 5-315.
3- (3) وسائل الشیعة 6-46 ح 3.

و لو اشتری بدون النصاب مال تجارة، لم ینعقد الحول حتی یرتفع السوق إلی أن یبلغ القیمة نصابا فیبتدئ حینئذ الحول، أو یشتری للتجارة بشیء آخر ما یکمل به النصاب.

و لو باع سلعة للتجارة فی أثناء الحول بأخری لها، و قیمة کل واحدة نصاب، بنی حول الثانیة علی الأولی و لا أثر للمبادلة فی أموال التجارة، إذ الزکاة تتعلق بالنصاب الکلی لا بجزئیاته.

و لو باعها فی أثناء الحول بالنقد و هو ناقص عن النصاب، ثم اشتری به سلعة بلغت القیمة نصابا، تعلقت بها الزکاة من حین البلوغ.

و لو تغابن معه البائع بما یبلغها نصابا، تعلقت بها الزکاة أیضا، و لا أثر للنقص الحسی(1) فی الثمن، لانتقال الحکم إلی القیمة.

الثالث: أن یطلب برأس المال، أو الزیادة علی معنی أنه یشترط وجود رأس المال طول الحول، فلو نقص رأس المال و لو حبة فی أثناء الحول فلا زکاة، و إن زادت القیمة علی النصاب أضعافا مضاعفة إجماعا منا، لأن وضع الزکاة للإرفاق و المواساة، فلا یکون سببا فی إضرار المالک، و لقول الصادق علیه السلام: إن أمسک متاعه و یبتغی رأس ماله، فلیس علیه زکاة، و إن حبس بعد ما وجد رأس ماله، فعلیه الزکاة بعد ما أمسکه(2).

البحث الرابع (فی اللواحق)

و هی ثمانیة عشر:

الأول:

زکاة التجارة تتعلق بالقیمة دون العین، لأن النصاب معتبر بالقیمة، فتعلقت الزکاة بها، و لقول الصادق علیه السلام: کل عرض فهو

ص:365


1- (1) فی «ر» الخفی.
2- (2) وسائل الشیعة 6-46 ح 3.

مردود إلی الدراهم و الدنانیر(1). و لو أخرج من العین، جاز.

الثانی:

القدر المخرج هنا هو ربع العشر، لأنه الواجب فی أحد النقدین، و التقدیر أن الزکاة هنا متعلقة به.

الثالث:

لو بلغت السلعة بأحد النقدین نصابا و قصرت بالآخر، تعلقت بها الزکاة، لوجود الشرط و هو بلوغ النصاب، کما لو کان عینا.

الرابع:

لو اشتری سلعة التجارة بنصاب، فإن کان بأحد النقدین بنی حول السلعة علی حول النصاب إن کان ثمن مال التجارة، لما تقدم من أن المعتبر جنس المال و صدق اسم التجارة علیه دون أشخاصه. و لو لم یکن ثمن مال التجارة، لم یبن، سواء اشتری بالعین أو فی الذمة و نقد، لأنه لم یکمل حول زکاة المال علیه.

[و لا تجب زکاة المال و لیس مال تجارة [1].] لأنه التقدیر، فلا یبنی الحول علیه، لتغایر الزکاتین.

و إن کان بعروض، فإن کانت مال تجارة بنی الحول علیها و إلا فلا، سواء کانت مما تجب فیه الزکاة کالأنعام أو لا، کالثیاب و شبهها.

الخامس:

لو اشتری مائتی قفیز کل قفیز بدرهم، و حال الحول علی هذه القیمة، ثم نقصت قیمتها قبل إمکان الأداء، فصارت علی النصف الناقص مثلا، لم یضمن الناقص، لعدم تفریطه کما فی الواجب، و لزمه أقفزة أو درهمان و نصف قیمتها.

و لو زادت فصارت علی الضعف، کان بالخیار فی إعطاء خمسة دراهم أو قیمتها قفیزین و نصف، لأن الدراهم هی القدر الواجب عند الحول و البدل یراعی قیمته وقت العطاء.

السادس:

زکاة التجارة تتکرر فی کل عام مع وجود الشرائط، لوجود

ص:366


1- (1) الخلاف 1-346 المسألة 111.

المقتضی، و حکی الشیخ خلافا أنها لعام واحد.

السابع:

لا یضم الربح لو حصل فی أثناء الحول إلی الأصل، بل إذا کمل حول الأصل زکاه، و إذا کمل حول الربح زکاه إن کان نصابا، سواء نض المال أو لا، و سواء أمسک الناض إلی تمام الحول أو لا.

و لو اشتری عرضا للتجارة بمائتی درهم، فصارت قیمته فی أثناء الحول ثلاثمائة، زکی المائتین عند انتهاء حولها خاصة، لعدم وجود الشرط فی الفائدة و هو الحول. أما لو ارتفعت بعد الحول، فالربح مضموم إلی الأصل فی الحول الثانی کالنتاج.

و لو اشتری عرضا بمائتی درهم و باعه فی أثناء الحول بثلاثمائة، و تم الحول و هی فی یده، زکی المائتین خاصة. أما لو کان الربح موجودا وقت الشراء، فإنه یضم إلی الأصل، کما لو اشتری سلعة بألف و هی تساوی ألفین، فإن الحول ینعقد علی الألفین معا.

الثامن:

قد بینا أن الربح الحاصل فی أثناء الحول یفرد بحول نفسه، و لا یتبع الأصل فی حوله، و مبدأ حوله من حین الظهور [1] أو الإنضاض.

فلو اشتری سلعة بمائتین فصارت تساوی أربعمائة فی أثناء الحول، ابتدأ حول الزیادة من حین ظهورها و إن لم یبع السلعة، لأن الربح لم یحصل بالبیع، إنما حصل بارتفاع قیمة السلعة و إن کانت متوهمة. نعم یشترط حفظها طول الحول.

التاسع:

قد بینا أنه یشترط أن لا یطلب بأقل من رأس المال فی أثناء الحول، بل یبقی رأس المال محفوظا، فلو نقص فی الأثناء سقط اعتبار الحول، فإن عادت إلی رأس المال، ابتدئ الحول حینئذ، لأنها کالزیادة.

و لو اشتری سلعة بمائتین، ثم بلغت فی الأثناء إلی خمسمائة، ثم رجعت إلی أربعمائة، اعتبر حول المائتین التی هی الأصل من حین الشراء و حول الزیادة

ص:367

التی هی المائتین من حین ظهورها، و لا اعتبار بالنقص المتجدد، لعدم تطرقه إلیها.

و لو اشتری عرضا بمائة درهم فباعه بعد ستة أشهر بمائتی درهم، و بقیت عنده إلی آخر الحول من یوم الشراء، فلا زکاة حتی یکمل الحول فی الربح و الأصل معا.

العاشر:

لو ملک عشرین دینارا، فاشتری بها عرضا للتجارة، ثم باعه بعد ستة أشهر من ابتداء الحول بأربعین دینارا و اشتری بها سعلة أخری، ثم باعها بعد تمام الحول بمائة، زکی العشرین بعد تمام الحول.

و ابتداء الحول للعشرین الزائدة من حین البیع الأول، و حول کمال المائة و هو المسنون من حین البیع الثانی یضم إلی العشرین الأولی، فإذا مضت ستة أشهر من حین البیع الثانی، زکی العشرین الزائدة علی رأس المال، فإذا مضی ستة أشهر أخری، زکی الثمانین.

و کذا الحکم لو لم یبع السلعة الثانیة، لأنا نشترط الظهور لا الإنضاض.

الحادی عشر:

لو ملک سلعا فی أزمنة متعاقبة، و قیمة کل واحدة نصاب، زکی کل سلعة عند تمام حولها.

و لو کانت الأولی نصابا و لیس الباقی کذلک، فکل ما حال علیه الحول یضم إلی الأولی و یزکی، کالمال الواحد من کل أربعین درهما درهم.

و لو کان الأول دون النصاب و الثانی نصاب، جریا فی الحول عند بلوغ النصاب، و وجبت الزکاة عند انتهاء حول الثانیة.

الثانی عشر:

مال التجارة إذا کان حیوانا لا تجب فیه الزکاة، کالخیل و الجواری و معلوفة الأنعام فنتج، احتمل أن لا یکون الولد مال تجارة، لأن النماء الذی تفیده العین لا یناسب الاستنماء بطریق التجارة، فلا یجعل مال تجارة.

و إن یکون، لأن الولد کالجزء من الأم فله حکمها، و زوائد مال التجارة

ص:368

من فوائد التجارة عند أهلها، و التفصیل. فإن نوی عند شراء الأصل التکسب به و بنتاجه تبعه و إلا فلا.

و کذا الأشجار المثمرة و الصوف و اللبن.

و لو نقصت الأم بالولادة. فإن قلنا بتبعیة الولد، جبر نقصانها بقیمته، و إلا فلا، لأنه کالمستفاد بسبب غیر التجارة.

و إذا جعلنا الولد و الثمرة مال تجارة، لم یتبع الأصول فی الحول، بل لها حول بانفراده من حین ظهورها.

الثالث عشر:

یقوم السلعة عند کمال الحول بالثمن الذی اشتریت به، سواء کان نصابا أو أقل، و لا یقوم بنقد البلد، لأن نصاب العرض مبنی علی ما اشتری به، فیجب اعتباره. و لقول الصادق علیه السلام: إن طلب برأس ماله فصاعدا ففیه الزکاة، و إن طلب بالخسران فلا زکاة فیه [1]. و هذا لا یعرف إلا مع التقویم بما اشتری به.

إذا عرفت هذا فنقول: مال التجارة إما أن یملکه بنقد أو عرض أو بهما، و الأول إما أن یملکه بأحدهما أو بهما، فالأقسام أربعة:

أحدها: أن یملکه [2] بأحدهما، فإن کان نصابا کما لو اشتری بمائتی درهم أو عشرین دینارا، فإنه یقوم فی آخر الحول بذلک، لأن الحول مبنی علیه و الزکاة متعلقة به، و إن کان الآخر غالب نقد [3] البلد.

و لو قوم به لبلغ نصابا حتی لو اشتری بمائتی درهم عرضا و باعه بعشرین دینارا بقصد التجارة. فتم الحول و الدنانیر فی یده لا تبلغ قیمتها مائتی درهم، فلا زکاة فیها. و إن کان دون النصاب قوم به أیضا لا بنقد البلد، لأنه أصل ما فی یده و أقرب إلیه من نقد البلد.

ص:369

ثانیها: أن یملکه بالنقدین معا، فإن کان کل منهما نصابا قومت بهما علی نسبة التقسیط یوم الملک، بأن یقوم أحد النقدین بالآخر یومئذ، کما لو اشتراه بمائتی درهم و عشرین دینارا، فإن کانت قیمة المائتین عشرین فنصفه مشتری بالدراهم و نصفه بالدنانیر.

و إن کانت قیمتها عشرة، فالثلث بالدراهم و الثلثان بالدنانیر و هکذا، فیقوم آخر الحول کذلک، و لا یضم أحدهما إلی الآخر حتی لا تثبت الزکاة، إذا لم تبلغ واحد منهما نصابا.

و إن کان بحیث لو قوم الجمیع بأحد النقدین لبلغ نصابا، و حول کل واحد من المبلغین من یوم ملک ذلک النقد للتجارة. و یحتمل الضم إن کان النقدان مال تجارة. و إن کان أحدهما نصابا خاصة، قوم ما ملکه بالنقد الذی هو نصاب بذلک النقد و ما ملکه بالثانی علی ما تقدم.

ثالثها: أن یملکه بعوض للقنیة، فیقوم فی آخر الحول بغالب نقد البلد من الدنانیر و الدراهم، فإن بلغ به نصابا أخرج زکاته و إلا فلا. و یحتمل أنه لو بلغ بغیره نصابا، أخرج زکاته.

و لو تعدد النقد، قوم بالأغلب، فإن تساویا، تخیر المالک. و یستحب له مراعاة الأغبط للمساکین.

و لا بد من ضبط قیمة الثمن، فلو اشتری بکر حنطة جاریة للتجارة فحال الحول، فإن کانت القیمتان محفوظتین و بلغت الأولی نصابا ثبتت الزکاة.

و کذا لو زادتا، أو زادت قیمة الجاریة.

و لو نقصت قیمة الجاریة و قیمة الکر محفوظة و لا محاباة فیهما، فلا زکاة، لتحقق الخسران.

و لو زادت حینئذ قیمة الجاریة بما ینجبر به نقص الکر، ثبتت الزکاة، لانتفاء الخسران حینئذ.

و لو نقصت قیمة الکر و قیمة الجاریة محفوظة، ثبتت الزکاة، و کذا لو

ص:370

زادت. و لو نقصت فلا زکاة، و إن ساوت الجاریة الکر، أو زادت علیه علی إشکال.

رابعها: أن یملک بالنقد و غیره، کما لو اشتری بمائتی درهم و عرض قنیة، فما یقابل الدراهم یقوم بها، و ما یقوم بالعرض یقوم بنقد البلد، و کما یثبت التقسیط عند اختلاف الجنسین، تثبت عند اختلاف الصفة، کما لو کان بعض الدنانیر صحاحا و بعضها مکسرة و بینهما تفاوت.

الرابع عشر:

لا یمنع التاجر بعد حولان الحول من بیع مال التجارة، سواء منعنا فی زکاة المال البیع أو لا، لأن متعلق هذه الزکاة المالیة و القیمة، و هی لا تفوت بالبیع.

و لا فرق بین أن یبیع علی قصد التجارة، أو علی قصد اقتناء العرض، فإن تعلق الزکاة به، لا تبطل و إن صار مال قنیة، کما لو نوی الاقتناء من غیر بیع.

أما لو أعتق عند التجارة أو وهبه، فحکمه حکم ما لو باع المواشی بعد وجوب الزکاة فیها، لأن العتق و الهبة تبطلان متعلق زکاة التجارة، کما تبطل البیع متعلق زکاة العین.

و لو باع مال التجارة محاباة، فقدر المحاباة کالموهوب، و الباقی إن رضی به المشتری، ضمن البائع زکاته، و إلا فهو کما لو لم یبع.

الخامس عشر:

لا تجمع زکاة العین و التجارة فی مال واحد إجماعا، و لقوله علیه السلام: لا ثنی فی الصدقة(1).

و لو ملک أربعین شاة للتجارة و سامت حولا و قیمتها نصاب، سقطت زکاة التجارة، إما لاستحبابها، أو للخلاف فی وجوبها، و بقیت زکاة العین، للإجماع علی وجوبها، فهی أقوی، و لاختصاص وجوبها بالعین.

و لو بادل بها فی أثناء الحول بجنسها أو بغیر جنسها مما تجب فیه الزکاة،

ص:371


1- (1) نهایة ابن الأثیر 1-224.

فإن بنینا حول البدل علی حول المبدل فکذلک، و إلا تعلقت بها زکاة التجارة، لانتفاء المسقط و هو وجوب زکاة العین. و کذا یثبت لو بادل بما لا تجب فیه الزکاة. و لا اعتبار فیما إذا وجبت زکاة العین بالقیمة، زادت أو نقصت عن الشاة المأخوذة.

و إذا أثبتنا زکاة التجارة مع التبادل و هو الأقوی، قومت مع ذرها و نسلها و صوفها و ما اتخذ من لبنها.

و لو لم یکمل نصاب أحدهما، ثبتت الأخری، فلو ملک أربعین من الغنم السائمة للتجارة، و لم تبلغ قیمتها نصابا، أو طلب بنقصان من رأس المال، ثبتت زکاة العین قطعا.

و لو اشتری أربعین فنقص العدد و قیمة الباقی نصاب و لا خسران، ثبتت زکاة التجارة لعدم المزاحم، و یبنی حول إحدی الزکاتین علی الأخری، لوجود المقتضی و هو حولان الحول فی الملک.

أما لو اشتری نصابا من السائمة لا للتجارة، ثم اشتری سلعة للتجارة فی أثناء الحول، لم یبن حول السلعة علی حول الماشیة.

و لو اشتری بمتاع تجارة أو بمعلوفة لها بعد ستة أشهر نصابا من السائمة، أو أسام بعد ستة أشهر، قدمت زکاة التجارة عند کمال حولها، و منع المتقدم المتأخر، لکمال حولها و خلوها عن المزاحم، فإذا کملت زکاة العین حولها، لم یجب شیء.

و لو فرض ربع عشر القیمة نصف شاة من أربعین، لم تجب بعد کمال حول زکاة العین شیء أیضا علی إشکال، ثم یبتدئ حول زکاة العین من انقراض حول زکاة التجارة.

أما زکاة الفطرة، فإنها تجامع زکاة التجارة عند علمائنا، لأنهما حقان بسببین مختلفین فلا یتداخلان، کالجزاء مع القیمة فی الصید المملوک، فلو

ص:372

اشتری عبدا للتجارة، وجب علیه [1] زکاة الفطرة و التجارة عند من یوجبها من علمائنا، و استحب عند آخرین.

السادس عشر:

لو اشتری نخلا للتجارة فأدرکت ثمرته، أو أرضا مزروعة للتجارة فأدرک الزرع و بلغ الحاصل نصابا، أو تجددت الثمرة و الزرع فی ید المشتری، و قلنا أن الثمرة الحاصلة من أشجار التجارة مال تجارة، و اتفق حولاهما، بأن یکون بدو الصلاح فی الثمرة و اشتداد الحب عند تمام الحول، و کمل النصابان فی الثمرة، غلبنا زکاة العین فیهما، و اختصت زکاة التجارة بالأرض و الأشجار، فیخرج العشر أو نصفه من الثمار و الزرع.

و لا یسقط به زکاة التجارة عن قیمة جذع النخل و تبن الزرع، و إن کان المقصود هو الثمار و الزرع قد أخذ زکاته، لأنه لیس فیها زکاة العین، فلا تسقط عنها زکاة التجارة، لثبوت المقتضی سلیما عن المعارض.

و لا یسقط اعتبار زکاة التجارة فی المستقبل عن الثمار و الزرع، بل یبتدئ حولها من وقت إخراج العشر و هو القطاف، لا من وقت بدو الصلاح، و إن کان ذلک وقت الوجوب، لأن علیه بعد بدو الصلاح تربیة الثمار للمساکین، فلا یکون زمانها محسوبا علیه، دفعا للإضرار به.

و لا فرق بین أن یشتریها مزروعة للتجارة، و بین أن یشتری أرضا و بذرا للتجارة و یزرعها به.

و لو سبق حول التجارة فکمل، و الزرع فصیل و الثمرة بلح [2]، تثبت زکاة التجارة فی الأصل و النماء، و سقطت زکاة العین بعد بدو الصلاح.

و لو اشتری الزرع وحده، فبدا صلاحه فی یده، قدم زکاة العین أیضا.

و لو اشتری أرضا للتجارة و زرعها ببذر القنیة، فعلیه العشر فی الزرع

ص:373

و زکاة التجارة فی الأرض، و لا تسقط زکاة التجارة بأداء العشر، لتغایر محل الزکاتین.

السابع عشر:

عامل القراض إن قلنا یملک بالقسمة لا بالظهور، فلا زکاة علیه فی الربح، و یثبت علی المالک زکاة الأصل و حصته من الربح.

و هل تثبت علیه زکاة حصة العامل ؟ إشکال، ینشأ: من أن الجمیع ملکه حینئذ، و من منعه من التصرف فیه [1]، لتأکد حق العامل فی حصته و تعذر إبطاله علی المالک، و لا یبنی حول الربح علی حول الأصل عندنا.

ثم المالک إن أخرج من غیره، فلا بحث، و إن أخرج من العین احتمل احتساب المخرج من الربح، کالمؤن التی تلزم المالک من أجرة الدلال و الکیال، و کفطرة عبید التجارة و أرش جنایتهم. و عدمه، لأنه کطائفة من المال استردها المالک حیث هو مصروف إلی حق لزمه، فالمخرج من رأس المال و الربح جمیعا علی وجه التقسیط، فلو کان رأس المال ضعف الربح، فثلثا المخرج من رأس المال و الثلث من الربح.

و الأقرب الأول لأن الزکاة تثبت فی العین فهی کالمؤن. و یحتمل أن یکون المخرج من رأس المال خاصة، لأن الواجب لزمه خاصة. و إن قلنا یملک بالظهور، فعلی المالک زکاة رأس المال و نصیبه من الربح.

و أما العامل فیحتمل سقوطها عنه، لعدم تمکنه من التصرف علی حسب اختیاره فکان کالمغصوب، و لأن ملکه غیر مستقر من حیث إنه وقایة لرأس المال علی الخسران، فأشبه مال المکاتب. و یحتمل الثبوت، لأنه متمکن من التوصل إلیه متی شاء بالمقاسمة.

فإن قلنا به فعلی قولنا لا یبنی حول حصته من الربح علی حول رأس المال، بل و لا حصة المالک أیضا، بل یستأنف للربح حولا من حین ظهوره، لثبوت ملکه حینئذ.

.

ص:374

و لو لم تبلغ حصة العامل نصابا، فلا زکاة و لا أثر للخلطة عندنا، و الأقرب أنه لا یلزمه إخراج الزکاة قبل القسمة، لأنه لا یعلم سلامة نصیبه له إلا مع المقاسمة، و حینئذ یزکیه لما مضی.

و یحتمل الوجوب فی الحال، لتمکنه من الاقتسام فی الحال، فأشبه الودیعة عند الغیر.

ثم إن أخرج الزکاة من مال آخر، فله مطلقا. و إن أراد الإخراج من مال القراض، فله الاستبداد. و یحتمل أن یکون للمالک منعه، لأنه وقایة فیمنعه إلی أن یسلم إلیه رأس ماله.

الثامن عشر:

الدین لا یمنع زکاة العین، و لا زکاة التجارة عندنا و إن فقد غیره، لعموم الأمر و لاختلاف المحل، فالدین محله الذمة و الزکاة العین.

المطلب الثانی (فی باقی الأنواع التی تستحب فیها الزکاة)

و هی الأول: جمیع الغلات غیر الأربع یستحب فیه الزکاة، کالأرز و الماش و العدس و الذرة و الهرطمان و الباقلی، و غیر ذلک من جمیع ما نبتته الأرض من المکیلات و الموزونات، لعموم قوله علیه السلام: فیما سقت السماء العشر(1).

و حملناه علی الندب فی الأجناس المغایرة للأربع لقول الصادق علیه السلام:

و عفا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عما سوی ذلک(2).

و حکم ما یستحب فیه الزکاة من هذه الغلات، حکم ما یجب فیه من النصاب و قدر المخرج و اعتبار السقی و إخراج المؤن.

و لا زکاة فی الخضراوات کالقثاء و الباذنجان و سائر البقول، لقوله علیه

ص:375


1- (1) جامع الأصول 5-333.
2- (2) وسائل الشیعة 6-34 ح 4 و 5 و 6 و غیرها.

السلام: لیس فی الخضراوات صدقة(1).

و هل یضم ما یزرع فی السنة مرتین کالذرة بعضه إلی بعض ؟ إشکال کالنخل الذی یطلع فی السنة مرتین.

الثانی: الخیل یستحب فیها الزکاة و لیست فرضا، لقوله علیه السلام:

لیس علی المسلم فی فرسه و غلامه صدقة(2). و عن علی علیه السلام قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: عفوت لکم عن صدقة الخیل و الرقیق(3). و هو محمول علی نفی الإیجاب، لقوله علیه السلام: فی الخیل السائمة فی کل فرس دیناران(4).

إذا عرفت هذا فشرائط الاستحباب أربعة:

أحدها: الملک، فلا تستحب الزکاة فی المستعار. و یشترط تمامیة الملک، فلا زکاة فی المغصوب و الضال، کما فی زکاة الأنعام.

ثانیها: السوم، فلا زکاة فی المعلوفة، لعموم السقوط عنها، و لما فیه من ثقل المئونة، و لأن زرارة سأل الصادق علیه السلام هل علی الفرس و البعیر یکون للرجل یرکبها شیء؟ فقال: لیس علی ما یعلف شیء إنما الصدقة علی السائمة المرسلة فی مراحها عامها الذی یقتنیها فیه الرجل، فأما ما سوی ذلک فلیس فیه شیء(5).

ثالثها: الحول، فلا یستحب إلا بعد الحول، لقوله علیه السلام: لا زکاة فی مال حتی یحول علیه الحول(6).

رابعها: الأنوثة، فلا زکاة فی الذکور، سواء انفردت أو انضمت إلی

ص:376


1- (1) جامع الأصول 5-337.
2- (2) جامع الأصول 5-339.
3- (3) جامع الأصول 5-340 و 315.
4- (4) وسائل الشیعة 6-51 ح 1.
5- (5) وسائل الشیعة 6-52 ح 3.
6- (6) جامع الأصول 5-343.

الإناث، لأن النتاج معتبر فی إیجاب الزکاة فی الحیوان مع کثرة أفراده، لیخلف النتاج القدر المخرج منها فهنا أولی، و لأن زرارة قال للصادق علیه السلام: هل فی البغال شیء؟ فقال: لا، قلت: فکیف صار علی الخیل و لم یصر علی البغال ؟ فقال: إن البغال لا ینتج، و الخیل الإناث ینتجن(1). و لیس علی الخیل الذکور شیء.

إذا عرفت هذا فإنه یخرج عن کل فرس عتیق فی کل سنة دینارین، و عن کل برذون دینارا واحدا، لأن العتیق أشرف و النفع به أکثر، فناسب زیادة النمو الإخراج.

و قال الباقر و الصادق علیهما السلام: وضع أمیر المؤمنین صلوات اللّه علیه علی الخیل العتاق الراعیة فی کل فرس فی کل عام دینارین و علی البرازین دینارا(2).

الثالث: العقار المتخذ للنماء کالدکاکین و الخانات و دور الأجرة، یستحب أن یخرج من غلتها الزکاة.

و لو لم یکن دار غلة و لا عقارا متخذا للنماء، لم تستجب الزکاة إجماعا.

و لو بلغت الغلة نصابا و حال علیها الحول، وجبت الزکاة فیها. أما إذا لم یبلغ، فیستحب عند حصولها، و لا یشترط نصاب فیها و لا حولان الحول.

و لا تستحب الزکاة فی شیء سوی ما ذکرناه من الأقمشة و الأثاث و الفرش و الأوانی و الرقیق و الماشیة عدا ما تقدم عملا بالأصل.

ص:377


1- (1) وسائل الشیعة 6-51 ح 3.
2- (2) وسائل الشیعة 6-51 ح 1.

ص:378

الفصل الخامس: فی مستحق الزکاة

اشارة

و فیه مطلبان:

المطلب الأول (فی الأصناف)
اشارة

مستحق الزکاة من تضمنته الآیة فی قوله تعالی «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساکِینِ وَ الْعامِلِینَ عَلَیْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِی الرِّقابِ وَ الْغارِمِینَ وَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ» (1) فهؤلاء الثمانیة هم مستحقوا الزکاة بالإجماع.

و قال زیاد بن الحارث الصیداوی: أتیت النبی صلی اللّه علیه و آله فبایعته، قال: فأتاه رجل فقال: أعطنی من الصدقة. فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: إن اللّه لم یرض بحکم نبی و لا غیره فی الصدقات حتی حکم فیها هو فجزاها ثمانیة أجزاء فإن کنت من تلک الأجزاء أعطیتک حقک(2).

الصنف الأول و الثانی (الفقراء و المساکین)

و لا خلاف فی أن اسم کل واحد منهما یطلق علیهما معا حالة الانفراد،

ص:379


1- (1) سورة التوبة 60.
2- (2) جامع الأصول 5-369.

کما لو أوصی للفقراء فإنه یشمل المساکین. و کذا لو أوصی للمساکین فإنه یشمل الفقراء، أما لو جمع بینهما و میز بینهما تمییزا، کما فی آیة الزکاة.

و قد اختلف فی أیهما أسوأ حالا و أشد فاقة ؟ فقیل: الفقیر و هو الذی لا شیء له البتة، أو له شیء یسیر لا یقع موقعا من حاجته، و المسکین هو الذی له بلغة من العیش لا یکفیه و لا ما یقع موقعا من حاجته، و إذا [1] احتاج إلی عشرة یکسب ستة أو أکثر فما دون العشرة.

لأن النبی صلی اللّه علیه و آله استعاذ من الفقر، و قال: «اللهم أحینی مسکینا و أمتنی مسکینا و احشرنی فی زمرة المساکین»(1).

و لأن العرب یبتدئ بالأهم، و قد تقدم ذکر الفقر فی الآیة.

و لأنه مشتق من کسر الفقار، فإنه فعیل بمعنی مفعول، أی مکسور فقار الظهر، و لقوله تعالی «أَمَّا السَّفِینَةُ فَکانَتْ لِمَساکِینَ» (2) و سفینة البحر تساوی جملة من المال.

و قیل: بالعکس لقوله تعالی أَوْ مِسْکِیناً ذا مَتْرَبَةٍ» (3) و هو المطروح علی التراب لشدة حاجته، و لأنه یؤکد به، فیقال: فقیر مسکین، إذا أرید المبالغة فی الحاجة، و لقول الشاعر:

أما الفقیر الذی کانت حلوبته وفق العیال و لم یترک له سبد(4) إذا عرفت هذا فإن الشامل لهما المقتضی لتسویغ الإعطاء، قصور مال کل واحد منهما عن مئونة سنة له و لعیاله علی الاقتصار.

و المانع من الإعطاء الغنی، و هو أن یکون الشخص مالکا لقوت سنة له

ص:380


1- (1) المستدرک کتاب الزکاة الباب - 20 - من أبواب الصدقة ح 15.
2- (2) سورة الکهف 79.
3- (3) سورة البلد 16.
4- (4) راجع مجمع البیان 3-42.

و لعیاله علی الاقتصاد من غیر إسراف و لا تقتیر، فمتی ملک ذلک حرم علیه أخذ الصدقة، لقول الصادق علیه السلام: لا تصلح لغنی(1). و لأن من لیس له کفایة محتاج. و الحاجة ترادف الفقر، لقوله تعالی «أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللّهِ» (2) أی المحتاجون، فیصدق علیه اسم الفقر.

و القادر علی تکسب ما یمون به نفسه و عیاله، لا یحل له أخذ الزکاة و إن لم یملک نصابا، لأنه کالغنی فی عدم الاحتیاج.

و قد روی أن رجلین أتیا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و هو یقسم الصدقة، فسألاه شیئا منها، فصعد بصره فیهما و صوبه و قال لهما: إن شئتما أعطیتکما. و لا حظ فیها للغنی و لا لقوی مکتسب(3).

و کذا ذو الصنعة إذا کانت صنعته تفی بمئونته و مئونة عیاله علی الدوام.

و لو ذکر الصحیح الجلد أنه لا کسب له، أعطی منها و قبل قوله بغیر یمین إذا لم یعلم کذبه، لأنه علیه السلام أعطی الرجلین و لم یحلفهما، و لأن الأصل فی المسلم العدالة و الصدق، و لأن الفقر من الأمور الخفیة و إنما یظهر بقول صاحبه، و الإخبار لا یفید الیقین بل الظن، و هو حاصل من قوله.

و لو ادعی أن له عائلة لا یکفیهم کسبه، قبل قوله أیضا من غیر یمین، و إن أمکنه إقامة البینة علیه.

و کذا لو کان له مال و ادعی تلفه، إما بسبب خفی أو ظاهر، و إن کان الأصل بقاؤه، لأصالة صدق المسلم.

و یجوز إعطاء صاحب دار السکنی و فرس الرکوب و عبد الخدمة و ثیاب التجمل، لاحتیاجه إلی ذلک و اضطراره إلی ذلک فأشبه الثوب، و لقول الصادق علیه السلام: تحل الزکاة لصاحب الدار و الخادم(4). و لأنها لا تباع فی الدین

ص:381


1- (1) وسائل الشیعة 6-159 ح 3.
2- (2) سورة فاطر 15.
3- (3) جامع الأصول 5-367.
4- (4) وسائل الشیعة 6-162 ح 4.

فلم یکن غنیا بها، فجاز له أخذ الزکاة. و قال الباقر علیه السلام: أعط السائل و لو کان علی ظهر فرس(1).

و لو کانت له دار غلة فإن کانت غلتها تکفیه له و لعیاله، أو ضیعة یستغلها و تکفیه غلتها کذلک، أو بضاعة یتجر بها و تکفیه فائدتها و لعیاله، لم یجز له أخذ شیء من الزکاة.

و إن کان لا تکفیه جاز له تناول الزکاة، لأنه محتاج، و لقول الصادق علیه السلام و قد سأله سماعة هل تصلح الزکاة لصاحب الدار و الخادم ؟ فقال:

نعم، إلا أن تکون داره دار غلة فیخرج من غلتها دراهم تکفیه و عیاله، فإن لم تکن الغلة تکفیه لنفسه و عیاله فی طعامهم و کسوتهم و حاجتهم من غیر إسراف، فقد حلت له الزکاة، و إن کانت غلتها تکفیهم فلا(2).

و لو کان له نصاب زکوی أو أکثر لا یکفیه لمئونته و مئونة عیاله حولا، جاز له أخذ الزکاة علی الأقوی لأنه مع ملکه لهذه الأشیاء محتاج. و کذا لو کان یملک ما قیمته نصاب.

و قد روی عن الصادق علیه السلام جواز إعطاء صاحب ثلاثمائة درهم بضاعة إذا لم یکفه ربحها له و لعیاله. و فی روایة أخری صاحب سبعمائة و منع صاحب خمسین درهما إذا کان سعیه بها تکفیه و عیاله حولا(3). و لا یمنع إیجاب الزکاة علیه من أخذها.

و قوله علیه السلام: أعلمهم أن علیهم صدقة تؤخذ من أغنیائهم و ترد فی فقرائهم(4). غیر مناف لما قلناه.

و لو کان له مال یعد للإنفاق و لم یکن ذا کسب و لا صناعة، اعتبرت الکفایة حولا له و لعیاله، لأنه حینئذ لا یسمی فقیرا. و لو قصر عن کفایة الحول

ص:382


1- (1) وسائل الشیعة 6-290 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 6-161.
3- (3) وسائل الشیعة 6-160 ح 6.
4- (4) جامع الأصول 5-295.

له و لعیاله، جاز له أخذ الزکاة، و لا ینتظر بإعطائه إخراج ما معه من النفقة، لدلالة جواز إعطاء صاحب ثلاثمائة أو سبعمائة، لقصورها عن التکسب علیه.

و لا یشترط الزمانة فی استحقاق الفقراء، و لا التعفف عن السؤال، لاندراجه تحت العموم.

و لو کان ما معه ینقص عن مئونته و مئونة عیاله حولا، جاز له أخذ الزکاة، و لا یتقدر بقدر، بل یجوز أن یأخذ زائدا عن تتمة المئونة حولا دفعة، لعموم قوله علیه السلام: خیر الصدقة ما أبقت غنی(1).

و یجوز للقادر علی التکسب التفقه فی الدین و أخذ الزکاة، لأنه مأمور بالتعلم فی الدین.

و الزوجة الفقیرة إذا کان زوجها موسرا و کان ینفق علیها، لم یجز دفع الصدقة إلیها إجماعا، لأنها غنیة به. و لو لم ینفق علیها، جاز لها أخذ الزکاة من غیره لفقرها.

و الولد المکتفی بنفقة أبیه أو بالعکس، لا یجوز له أخذ الزکاة، لأنه غنی به. نعم لو احتاج إلی اتساع فی النفقة و هی زائدة عن الواجب، فالأقرب جواز دفع الصدقة إلیه، لقول الکاظم علیه السلام و قد سئل عن الرجل یکون أبوه أو عمه أو أخوه یکفیه مؤنته أ یأخذ من الزکاة فیوسع له إن کانوا لا یوسعون علیه فی کلما یحتاج إلیه ؟ فقال: لا بأس(2).

و لو کان علیه دین، لم یمنع القدر الذی یؤدی به الدین من الاستحقاق، و إن وجب فیه الزکاة. و لا یشترط صرفه إلی الدین فی تسویغ الأخذ.

و لو کان له مال غائب لا یقدر علی الإنفاق منه، جاز له تناول الزکاة.

و لو تمکن هذا من الاقتراض و الدفع من الغائب بعد وقت، فالأولی المنع من

ص:383


1- (1) جامع الأصول 7-302.
2- (2) وسائل الشیعة 6-163 ح 1.

الأخذ. و لا فرق بین أن یکون الغائب علی مسافة القصر أو لا. و لو کان له دین مؤجل، فالحکم فیه کالغائب.

و لا یشترط العجز عن کل کسب، بل ما یلیق بحاله و مروته، دون ما لا یلیق بحاله.

و لو قدر علی الکسب إلا أنه مشغول بتحصیل العلوم الشرعیة، و لو تکسب انقطع عن التحصیل، حلت له الزکاة. أما لو لم یکن مشتغلا بالعلم، أو کان لا یتأتی له التحصیل لبلادته، لم تحل له الزکاة مع القدرة علی الکسب.

و لو اشتغل بنوافل العبادات و کان الکسب یمنعه عنها، أو عن استغراق الوقت بها، لم تحل له الصدقة، لأن التکسب و قطع الطمع عما فی أیدی الناس أولی من الاشتغال بالنوافل مع الطمع. و لو لم یجد الکسوب من یستعمله، حلت له الزکاة.

و یجوز إعطاء من تجب نفقته من سهم الغارمین و العاملین و المکاتبین و الغزاة إن کان بهذه الصفات، و کذا من سهم المؤلفة. و لو کان فقیرا، فالأقرب المنع، لأنه حینئذ تسقط النفقة عن نفسه. و یجوز أن یعطیه من سهم ابن السبیل قدر مئونة السفر ما یحتاج إلیه سفرا و حضرا، فإن هذا القدر هو المستحق علیه.

و لو کانت الزوجة ناشزة، جاز أن یعطیها من سهم الفقراء، لأنه لا نفقة لها حینئذ. و یحتمل المنع لقدرتها علی العود إلی الطاعة و ترک النشوز، فأشبهت القادر علی التکسب. و یجوز أن یعطیها و إن کانت مطیعة من سهم المکاتبین و الغارمین دون المؤلفة، لأنها لیست من أهل الجهاد.

و لو کانت الزوجة مسافرة بانفرادها، جاز أن تعطی من سهم الفقراء، ثم إن سافرت بإذنه فالنفقة واجبة علیه، فلا تعطی أصل النفقة من سهم ابن السبیل، و یجوز أن تعطی منه مئونة السفر.

و إن خرجت من غیر إذنه لم تعط منه، بل من سهم الفقراء و المساکین، بخلاف الناشزة حیث قلنا باحتمال منعها لقدرتها علی العود إلی بدو طاعته،

ص:384

و المسافرة قادرة، فإن ترکت سفرها و عزمت علی العود إلیه، أعطیت من سهم ابن السبیل.

و لا یشترط فی المسکین السؤال، للأصل.

و لو کان القوی من أهل البیوتات الذین لم تجر عادتهم بالتکسب بالبدن، له أن یأخذ الزکاة، لأنا قد بینا أن المعتبر التکسب بحرفة تلیق بحاله، فکما لا تعتد بالحرفة التی لا تلیق بحاله، لا یعتد بأصل حرفة فی حق من لا تلیق به مطلق الحرفة.

الصنف الثالث (العاملون)

و هم جباة الصدقات، کالساعی، و الکاتب، و القاسم، و الحاسب، و العریف و هو کالنقیب للقبیلة، و الحاشر و هو الذی یجمع أرباب الأموال، و حافظ المال، و کل من یحتاج إلیه فیها إلا الکیال و الوزان و العداد.

فإنه یحتمل إسهامهم [1] من سهم العاملین لأنهم منهم، و لأنا لو ألزمنا أجرتهم المالک زاد فی قدر الواجب. و المنع، لأن علی المالک توفیة الواجب و إنما یتم بذلک، فکان العوض علیه کالبیع.

و یجب علی الإمام أن یبعث الساعین فی کل عام إلی أرباب الأموال لجبایة الصدقات، اقتداء بالنبی صلی اللّه علیه و آله و الأئمة علیهم السلام و إیصالا للحق إلی مستحقه، فإن من أرباب الأموال من لا یعرف الواجب و لا قدره و لا مصرفه، و منهم من یدافع و یماطل، فیؤدی إلی تضییع المال.

و لو احتاج إلی بعث أزید من واحد، فعل بحسب الحاجة.

و یتخیر الإمام بین أن یستأجره إجارة صحیحة معلومة، إما مدة معلومة أو عمل معلوم، و بین أن یجعل جعالة معلومة علی عمله، فإذا عمله استحق

ص:385

المشروط. و إن شاء بعثه من غیر تسمیة ثم أعطاه.

و إن تلفت الصدقة فی یده من غیر تفریط، فلا ضمان علیه، و یستحق أجرة من بیت المال، و إن لم یتلف أعطاه أجرة منها، و إن کان أکثر من الثمن أو أقل ثم قسم الباقی علی أربابه، لأن ذلک من مئونتها.

و لو رأی الإمام أن یعطیه أجرة من بیت المال، أو یرزقه منها رزقا، و لا یعطیه من الزکاة شیئا فعل، لأنه الناظر فی المصالح. و لیس للإمام و لا لوالی الإقلیم من قبله، و لا القاضی إذا تولوا أخذها و قسمتها شیء فیها، لعموم ولایتهم، فهم یأخذون من بیت المال.

و یجوز للإمام تولیة الساعی جبایتها و قسمتها. و یجوز أن یولیه تحصیلها لا غیر، و إذا أولاه القسمة، فرقها علی أربابها بحسب اجتهاده بمقتضی المصلحة، و إن لم یکن أذن فی ذلک، لم یجز تفریقها بنفسه، فإن فعل ضمن.

الصنف الرابع (المؤلفة قلوبهم)

و هم عند علمائنا الکفار خاصة الذین یستمالون إلی الإسلام بشیء من الصدقات، أو یتآلفون لیستعان بهم علی قبال أهل الشرک. و لا یعرف علماؤنا مؤلفة أهل الإسلام.

و سهم المؤلفة کان ثابتا فی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و لم ینسح حکمه، لقوله تعالی «وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ» (1) و هذه فی سورة براءة، و هی من أواخر ما نزل من القرآن علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله، و قد أعطی النبی صلی اللّه علیه و آله المؤلفة، و کل إمام قام مقامه.

و یجوز أن یتألفهم بمثل ذلک و یعطیهم السهم الذی سماه اللّه تعالی مع الحاجة. و لا یجوز لغیر الإمام القائم مقام النبی صلی اللّه علیه و آله ذلک، لأنها ولایة مختصة به.

ص:386


1- (1) سورة التوبة: 60.

و نقل الشیخ فی المبسوط عن الشافعی أن المؤلفة ضربان: أحدهما قوم لهم شرف و طاعة فی الناس و حسن نیة فی الإسلام یعطون استمالة لقلوبهم و ترغیبا لهم فی الإسلام، کصفوان بن أمیة و غیره.

و الثانی قوم من المشرکین لهم قوة و شوکة و طاعة إذا أعطاهم الإمام کفوا شرهم عن المسلمین، و إذا لم یعطوا بغوا [1] علیه و قاتلوه فهؤلاء کان النبی صلی اللّه علیه و آله یعطیهم استکفاء لشرهم، و من أین یعطیهم من سهم المصالح أو من سهم الصدقات قولان.

و أما مؤلفة الإسلام فأربعة أقسام:

الأول: قوم لهم شرف و سداد، علم صدقهم فی الإسلام و حسن نیتهم به، إلا أن لهم نظراء من المشرکین، إذا أعطوا رغب نظراؤهم فی الإسلام، فهؤلاء یعطون، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله أعطی عدی بن حاتم و الزبرقان بن بدر مع حسن نیتهم.

الثانی: أشراف مطاعون فی قومهم نیاتهم ضعیفة فی الإسلام إذا أعطوا یرجی حسن نیاتهم فإنهم یعطون، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله أعطی عتیبة بن الحصین و الأقرع بن حابس و أبا سفیان بن حرب و صفوان کل واحد مائة من الإبل، و أعطی العباس بن مرداس أقل من مائة فقال: أ تجعل بسهمی..، الأبیات، فأکمل له المائة.

الثالث: قوم من المسلمین أعراب أو عجم فی طرف من أطراف المسلمین لهم قوة و طاقة بمن یلیهم من المشرکین، و إذا احتاج الإمام إلی غزوهم لزمته مئونة ثقیلة، و إذا أعطی هؤلاء الأعراب أو العجم دفعوا المشرکین عنه، فهؤلاء یعطون للانتفاع بهم فی الجهاد.

الرابع: مسلمون من الأعراب أو غیرهم فی طرف من أطراف الإسلام، و یأت إلیهم قوم من أهل الصدقات إن أعطاهم الإمام جبوا الصدقات و حملوها

ص:387

إلی الإمام، و إن منعهم لم یجبوا و احتاج الإمام فی إنفاذ من یجمعها إلی مئونة کثیرة، فیجوز أن یعطیهم تحصیلا لهذه المصلحة.

و من أین یعطی هذین الفریقین أربعة أقوال:

الأول: من سهم المصالح.

الثانی: من سهم المؤلفة من الصدقات.

الثالث: من سهم سبیل اللّه، لأنها فی معنی الجهاد.

الرابع: من سهم المؤلفة و سهم الجهاد.

ثم قال الشیخ: و هذا التفصیل لم یذکره أصحابنا، غیر أنه لا یمتنع أن نقول: للإمام [1] أن یتألف هؤلاء القوم و یعطیهم إن شاء من سهم المؤلفة، و إن شاء من سهم المصالح. لأن هذا من فرائض الإمام، و فعله حجة، و لیس یتعلق علینا فی ذلک حکم الیوم، ففرضنا تجویز ذلک و الشک فیه و أن لا نقطع علی أحد الأمرین(1).

و قول الشیخ جید، لکن لو فرضنا الحاجة إلی المؤلفة، بأن ینزل بالمسلمین نازلة و احتاجوا إلی الاستعانة بالکفار، فالأولی عندی جواز صرف السهم إلیهم حینئذ.

الصنف الخامس (فی الرقاب)

و هم ثلاثة: المکاتبون، و العبید تحت الشدة، و العبید یشتری للعتق مع عدم المستحق و إن لم یکن فی شدة. و روی رابع و هو من وجبت علیه کفارة(2) و لم یجد، فإنه یعتق عنه.

ص:388


1- (1) المبسوط 1-249-250.
2- (2) وسائل الشیعة 6-145 ح 7.

و یشترط فی المکاتب أن لا یکون فی یده ما یفی بنجومه، فإن کان لم یعط، لأنه لا حاجة به إلیه، و لیس له أن یصرف زکاته إلی مکاتب نفسه، لئلا تعود الفائدة إلیه. و یحتمل الجواز، للعموم فیدفع الزکاة إلی المکاتب، ثم یدفعها المکاتب إلیه.

و یشترط صحة الکتابة، فإن الفاسدة لا اعتبار بها، فلا یستحق بها زکاة.

و یجوز أن یعطی قبل حلول النجم و بعده، عملا بالعموم، و لأن التعجیل متیسر فی الحال و عند المحل قد یتعذر الأداء.

و یجوز الصرف إلی المکاتب، سواء أذن له السید أو منعه، و إلی السید بإذن المکاتب لا بدون إذنه لأنه المستحق، لکن تسقط عن المکاتب بقدر المصروف من النجوم، لأن من قضی دین غیره بغیر إذنه برئت ذمته.

و لو صرف المکاتب المدفوع إلیه فی غیر مال الکتابة، ارتجع، لأنه تعالی لم یضف السهم إلیه إضافة التملیک، کما أضاف إلی [1] الفقراء، بل أضافه إضافة الظرفیة. و إذا لم یصرف فیها ارتجع، و لأن المقصود حصول العتق بالمال المدفوع إلیه و لم یحصل.

و یحتمل عدمه و هو الأقوی عند الشیخ، کما لو استغنی الفقیر المدفوع إلیه، و کذا لو استغنی المکاتب عما أعطی أو أعتق بتبرع السید بإعتاقه، أو بإبرائه عن النجوم، أو بأن یتبرع غیره بأداء النجوم عنه، أو بأن أدی النجوم من مال آخر و مال الزکاة باق فی یده.

فإن قلنا بالارتجاع فتلف المال فی یده، فإن قبل العتق لم یغرم و کذا لو أتلفه، و إن کان بعد العتق غرم. و إن عجز المکاتب فإن کان المال باقیا فی یده استرجع منه، لأن العتق لم یحصل و لم یصرف المأخوذ إلی ما أمر به، و العبد و السید لا یستحقان المأخوذ، إذ لا تحل لهما الزکاة.

ص:389

و إن کان تالفا. فإن کان بغیر تفریط فلا ضمان، و إلا ضمن أن أوجبنا الرجوع فیما إذا لم یصرف الغارم ما أخذه فی الغرم، و إلا فلا، و مع وجوب الغرم یتعلق بذمته لا برقبته، لأن المال حصل عنده برضی صاحبه.

و إن کان قد دفعه إلی السید و عجز عن بقیة النجوم، فالأقرب عدم الرجوع، لأنه مأمور بالصرف إلی الجهة المعینة و قد امتثل، و السید ملکه بالدفع إلیه. و یحتمل الرجوع کالغارم.

و لو أخرجه السید عن ملکه، فعلی عدم الغرم لا تجب فیه، و علیه یغرم المثل أو القیمة.

تذنیبات:

الأول: للمکاتب أن یتجر بما أخذه طلبا للزیادة و إیفاء تمام النجوم، و کذا الغارم. و لو اتجر بالمال ثم استرد، لم یسترجع منه النماء، و إن کان قد اشتراه بالعین.

الثانی: الغارم کالمکاتب فی أن له الاکتساب بالمأخوذ فی عدم الرجوع بالنماء لو رجع علیه بالعین.

الثالث: الأقرب أن للمکاتب الخیار فی إخراج ما أخذه علی نفقته و أداء النجوم من کسبه، و کذا الغارم.

الرابع: یعطی مدعی الکتابة من غیر یمین إذا لم یکذبه السید [1]، سواء صدقه أو تجردت دعواه عنهما، لأصالة عدالة المسلم و صدقه فی إخباره، و کذا البحث فی الغارم و الفقیر.

الخامس: الأقرب جواز الإعتاق من الزکاة، إما باعتبار أنه فی الرقاب أو فی سبیل اللّه، إن عممنا السبیل، و کذا شراء الأب منهما.

ص:390

السادس: المکاتب إذا لم یکن له مال، لکنه کسوب، فالأقرب [1] جواز إسهامه من الزکاة عملا بالعموم.

الصنف السادس (الغارمون)

و هم ثلاثة:

الأول: المدیون لمصلحة نفسه، فیقضی من الزکاة بشرطین:

أحدهما: أن یکون به حاجة إلی قضاء الدین، فإن وجد ما یقتضیه به من نقد أو عرض لم یقض لاندفاع حاجته، نعم لو خرج بالصرف فی الدین إلی حد الفقر و المسکنة، فالأقرب عندی جواز القضاء، لانتفاء الفائدة فی أن یدفع ماله، ثم یأخذ الزکاة باعتبار الفقر.

و لو کان معه ما یقضی به بعض الدین، أعطی ما یقضی به الباقی.

و لو لم یملک شیئا إلا أنه کسوب یتمکن من قضاء دینه من کسبه، احتمل أن یعطی، بخلاف الفقیر و المسکین، لأن حاجتهما یتحقق یوما فیوما، و الکسوب یحصل فی کل یوم ما یکفیه، و حاجة الغارم حاصلة فی الحال، لثبوت الدین فی ذمته، و إنما یقدر علی اکتساب ما یقضی به الدین بالتدریج.

و یحتمل المنع، تنزیلا للقدرة علی الکسب منزلة القدرة علی المال، کما فی الفقیر.

و یقضی دین الغارم و إن کان له مسکن و ملبوس و فراش و آنیة و خادم و فرس رکوب و حمار طحن إذا احتاج إلی ذلک کله و کان من أهله.

و لو ملک قدر کفایته و لو قضی دینه لنقص ماله عما یکفیه، قضی من دینه قدر ما ینقص عن الکفایة.

ثانیهما: أن یکون استدان و أنفق فی طاعة أو مباح کحج أو جهاد، أو

ص:391

إنفاق علی نفسه أو عیاله، أو خسران ما یلحقه فی معاملة.

و لو کان قد أنفقه فی معصیة کثمن الخمر و الإسراف فی الإنفاق، لم یقض من سهم الغارمین، سواء أصر علی المعصیة أو تاب، لعدم الأمن من العود، و اتخاذ التوبة ذریعة و وصلة إلی أخذ السهم.

و لو جهل فیما ذا أنفقه أعطی علی الأقوی، حملا لتصرف المسلم علی الصحة.

و یجوز أن یعطی المنفق فی المعصیة من سهم الفقراء و یقضی هو.

و لا یشترط الحلول، فلو کان منجما جاز أن یعطی ما یقضی فی الحال أو عند الحلول و له أن یتعیش به الآن و یدفعه عند أجله، کالنجم فی المکاتب، لأنه واجب فی الحال لکن لا مطالبة، و سواء کان الدین یحل فی تلک السنة أو بعدها، فإنه یعطی من صدقة هذه السنة.

الثانی: المدیون لإصلاح ذات البین، بأن یخاف شرا و فتنة بین شخصین أو قبیلتین، إما بسبب تشاجر بینهما فی دم قتیل لم یظهر قاتله، فیستدین لتسکین الفتنة و إطفاء النائرة، الدیة لأهله، فیقضی دینه من سهم الغارمین، غنیا کان علی إشکال أو فقیرا، لئلا یمتنع الناس من هذه المکرمة. أو بسبب إتلاف مال، فیحمل قیمة المتلف، فیقضی الدین [1] مع الغنی و الفقر، تحصیلا لهذه المصلحة الکلیة.

الثالث: الملتزم مالا بالضمان عن غیره، فلو کان الضامن و المضمون عنه معسرین أعطی الضامن ما یقضی به الدین، و یجوز صرفه إلی المضمون عنه إن ضمن عنه بإذنه، لأن الضامن من فرعه.

فإن دفع إلی الضامن فقضی به الدین، لم یکن له الرجوع علی المضمون عنه، لأنه إنما یرجع إذا غرم من عنده لا إذا أعطیناه.

و إن کانا موسرین، لم یعط، لأنه إذا غرم رجع إلی المضمون عنه، فلا

ص:392

حاجة إلی أن یعطیه من عندنا.

و لو ضمن بغیر إذنه، فکذلک، و إن کان الضامن خاصة معسرا، فإن ضمن بإذنه لم یعط، لأن له الرجوع. و إن ضمن بغیر إذنه أعطی، إذ لا ملجأ له سوی ما نعطیه.

و لو کان المعسر المضمون عنه خاصة، جاز أن یعطی المضمون عنه. و فی الضامن إشکال، ینشأ: من أنه دین من تحمل لإصلاح ذات البین، فیقضی مع الیسار، و من أن المصلحة هنا جزیة، فلا یلتفت إلیها، بخلاف المصلحة الکلیة. و الغارم إنما یعطی مع بقاء الدین، فإذا أداه من ماله لم یقض، لأنه خرج عن کونه غارما.

و کذا لو بذل فی الابتداء ماله فیه، لم یعط، بخلاف ما لو استدان لعمارة المسجد أو قری الضیف أعطی مع الفقر.

و یجوز صرف السهم إلی الغارم بغیر إذن صاحب الدین، و إلی صاحب الدین بإذن المدیون، و بدون الإذن إشکال. و لو منعناه سقط من الدین قدر المصروف.

و یجوز القضاء عن المیت الغارم و المقاصة، و إن کان واجب النفقة، جاز القضاء عنه و المقاصة للعموم. و لو صرف السهم فی غیر القضاء، ارتجع.

و لو ادعی الغرم، صدق قوله بغیر یمین، لأصالة صدق المسلم، ما لم یکذبه الغریم.

الصنف السابع (سبیل اللّه)

قیل: إنه مختص بالغزاة المجاهدین فی سبیل اللّه، و هم قسمان:

الأول: المطوعة، و هم المشتغلون بحرفهم و صنائعهم یغزون إذا نشطوا، و لا یأخذون من الفیء.

ص:393

الثانی: المرتزقة الذین رتبوا أنفسهم للجهاد و تجردوا له، و هم المرابطون الذین یأخذون من الفیء.

و السهم للأول خاصة، و الثانی لا یأخذون کما لا یأخذ المطوعة من الفیء. قال الشیخ: و لو حمل علی الکل لعموم الآیة لکان قویا(1). و هو جید.

و علی الأول إن لم یکن مع الإمام شیء من المرتزقة و احتاج المسلمون إلی من یکفیهم شر الکفار، فالأقرب أنه تعطی المرتزقة من سهم سبیل اللّه، لأنهم غزاة. و یعطی الغازی غنیا کان أو فقیرا، لأنه کالأجیر.

و قیل: سبیل اللّه أعم، و المراد به کل ما فیه قربة، کمعونة الحاج و الزائر و قضاء الدین عن الحی و المیت، سواء کان المیت إذا لم یخلف شیئا ممن یجب علیه نفقته أو لا. و عمارة المساجد، و المشاهد، و إصلاح القناطر، و السقایات، و الطرقات، و سد الثقوب، و تکفین الموتی، و التوسعة علی الأصناف، و جمیع سبیل الخیر و المصالح.

و یعطی الغازی قدر کفایته لذهابه و عوده علی حسب حاله من کونه فارسا أو راجلا و منفردا و ذا رفیق و طول المسافة و قصرها، فإن خرج و غزا، وقعت الصدقة موقعها، و إن بدا له فلم یخرج أو رجع من الطریق استرجع منه، لأنه فی الآیة جعل ظرفا للصدقة لا مالکا.

الصنف الثامن (ابن السبیل)

و هو الغریب المجتاز المنقطع به، و إن کان ذا یسار فی بلده. و روی أن الضیف داخل فیه(2). و هل یعطی المنشئ للسفر ما یستعین به علی سفره مع حاجته إلیه ؟ إشکال، ینشأ: من قولهم علیهم السلام فی تفسیره أنه

ص:394


1- (1) المبسوط 1-252.
2- (2) وسائل الشیعة 6-146 ح 9.

المنقطع(1). و إن کان ذا یسار فی بلده، و من أنه مرید للسفر محتاج إلی إنشائه.

و الأقوی الأول. و یعطی ابن السبیل بشرطین:

الأول: أن لا یکون معه ما یحتاج إلیه فی سفره، و یدخل فیه من لا مال له البتة، و من له غیر حاضر عنده بل فی بلده الذی انتقل عنه.

الثانی: أن لا یکون سفره معصیة، بل إما أن یکون واجبا کالحج و الجهاد، أو مندوبا کزیارة المشاهد، أو مباحا کسفر التجارة و طلب الآبق، لأن السفر المباح و الطاعة یتساویان فی الترخص، فیتساویان فی الأخذ.

و کذا یعطی فی سفر الترفه لأنه مباح. أما سفر المعصیة فإنه لا یعطی، لأن فیه إعانة علی المعصیة.

و لا یزاد ابن السبیل علی قدر کفایته لاندفاع حاجته، فخرج عن کونه منقطعا، فخرج عن صدق [1] الاستحقاق. و لو دفع إلیه شیء ففضل عن حاجته أعاده.

المطلب الثانی (فی الأوصاف)
اشارة

یشترط فی أصناف المستحقین للزکاة عدا اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ أمور.

الأول: الإیمان، فلا یجوز إعطاء الکافر من الزکاة، إلا أن یکون مؤلفا، سواء کان کافرا أصلیا أو مرتدا، و سواء انتمی إلی الإسلام - کالخوارج و الغلاة - أو لا، و سواء کان ذمیا أو لا، لقولهم علیهم السلام: أعلمهم أن علیهم صدقة تؤخذ من أغنیائهم فترد فی فقرائهم(2). و الإضافة مخصصة.

و لا یجوز إعطاء المخالف للحق و إن کان مسلما، لقول الباقر و الصادق

ص:395


1- (1) وسائل الشیعة 6-146 ح 7.
2- (2) وسائل الشیعة 6-5 ج 9 ما یشبه ذلک، جامع الأصول 5-295.

علیهما السلام: الزکاة لأهل الولایة(1). و لأنه خالف فی أصول الدین و جحد ما هو رکن فیه، فأشبه الکافر فی المنع.

و لا فرق بین زکاة المال أو الفطرة فی عدم إعطاء الکافر و المخالف للعموم، و لقول الرضا علیه السلام و قد سأله إسماعیل بن سعد الأشعری عن الزکاة هل توضع فیمن لا یعرف ؟ قال: لا و لا زکاة الفطرة(2). و لأنها إحدی الزکاتین، فمنع منها من یمنع من الأخری کالأخری.

الثانی: العدالة، و قد اختلف علماؤنا فی اشتراطها، فأثبته قوم و نفاه آخرون، و شرط آخرون مجانبته الکبائر.

و الأقرب عدم الاشتراط، عملا بعموم اللفظ الشامل لصورة النزاع، و بأصالة عدم الاشتراط السالم عن معارضة ما یدل علیه، و لأنه مستحق للثواب الدائم بإیمانه فجاز أن یعطی کالعدل.

نعم هی شرط فی العاملین إجماعا، لعموم وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا (3) فیشترط فیهم التکلیف لتوقیفهما [1] علیه، و معرفة ما یحتاج إلیه من الفقه، لئلا یمنع المستحق حقه أو بعضه أو یعطیه أکثر أو یعطی غیر المستحق.

و فی اشتراط الحریة إشکال، ینشأ: من صلاحیة العبد للنیابة فی غیرها، فکذا فیها. و من أنها نوع ولایة تصرف فی مال الغیر.

الثالث: أن لا یکون ممن تجب نفقته علی المالک، کالأبوین و إن علوا و الأولاد و إن نزلوا، و الزوجة و المملوک، لقول الصادق علیه السلام: خمسة لا یعطون من الزکاة شیئا الأب و الأم و الولد و المملوک و المرأة، و ذلک أنهم عیاله

ص:396


1- (1) وسائل الشیعة 6-154 ح 9.
2- (2) وسائل الشیعة 6-152 ح 1.
3- (3) سورة هود: 113.

لازمون له(1). و قال علیه السلام: و لا یعطی الجد و لا الجدة من الزکاة(2).

و لأنهم أغنیاء به، و لعود نفع الزکاة المدفوعة علیه، إذ بذلک یسقط عنه الإنفاق علیهم، لصیرورته أغنیاء بها، فیکون فی الحقیقة قد دفع إلی نفسه.

و یجوز الدفع إلی من یعوله تبرعا کیتیم أجنبی، و لأن مئونته لیست واجبة علیه، فلا یعود النفع بالدفع إلی المنفق.

فیجوز للزوجة أن یدفع زکاتها إلی زوجها، لوجود المقتضی و هو الفقر السالم عن معارضة وجوب الإنفاق. و لا یؤثر جواز مطالبته بنفقة الغنی حینئذ، کما لا یؤثر صیرورة المدیون غنیا بالدفع إلیه.

الرابع: أن لا یکون هاشمیا، لإجماع علماء الأمصار علی تحریم الصدقة المفروضة علی الهاشمی من غیره. قال علیه السلام: إن الصدقة لا تنبغی لآل محمد، إنما هی أوساخ الناس(3). و قال علیه السلام: الصدقة محرمة علی بنی هاشم(4). و أخذ الحسن علیه السلام تمرة من تمر الصدقة و هو صغیر فوضعها فی فمه فقال له النبی صلی اللّه علیه و آله: کخ کخ لیطرحها، و قال: أ ما شعرت أنا لا نأکل الصدقة(5).

و لا تحرم صدقة بعضهم علی بعض، لسلامة العموم عن معارضة کونها أوساخ الناس، لأن الأوساخ کله ذم لمن تضاف إلیه، فلا یندرج فیها بنو هاشم. و سأل زرارة الصادق علیه السلام عن صدقات بنی هاشم بعضهم علی بعض تحل لهم الزکاة ؟ قال: نعم صدقة الرسول صلی اللّه علیه و آله تحل لجمیع الناس بنی هاشم و غیرهم، و صدقات بعضهم علی بعض تحل لهم، و لا تحل لهم صدقات إنسان غریب(6).

ص:397


1- (1) وسائل الشیعة 6-165 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 6-166 ح 3.
3- (3) جامع الأصول 5-363.
4- (4) وسائل الشیعة 6-187.
5- (5) جامع الأصول 5-364.
6- (6) وسائل الشیعة 6-190 ح 6.

و لا فرق بین أن یکون المدفوع إلیه أرفع نسبا من الدافع، کالعلوی یأخذ من العباسی و الحسینی من الحسنی أو لا، لعموم الدلیل.

و الذین تحرم الصدقة علیهم کل ولد هاشم، و هم الآن أربعة: أولاد أبی طالب و العباس و الحارث و أبی لهب.

و لا تحرم علی غیرهم من المطلبین علی الأقوی، عملا بالعموم السالم عن معارضة قوله علیه السلام: إنما هذه الصدقات أوساخ الناس و إنها لا تحل لمحمد و آل محمد علیهم السلام(1). و بأن بنی المطلب و بنی نوفل و عبد شمس متحدون فی القرابة و القعود، فإذا لم یستحق بنو نوفل و عبد شمس، فکذا بنو المطلب.

و إنما تحرم علی من أبوه من بنی هاشم دون من أمه خاصة منهم، تبعا للعرف فی قول الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

و یشترط إلحاقه شرعا، سواء کان بعقد صحیح أو شبهة، لاتحادهما فی ثبوت النسب. و کذا لو ثبت بالقرعة من المتداعیین.

و الأقرب اشتراط الحریة فی التحریم، فلو کان الهاشمی مملوکا، جاز صرف سهم الرقاب إلیه، لأنه لیس أقل درجة من الاسترقاق، مع احتمال المنع، لعموم قوله علیه السلام: إنا أهل بیت لا تحل لنا الصدقة(2).

و لا تحرم الواجبة علی موالیهم، و نعنی بالمولی من أعتقه هاشمی، و لقول الصادق علیه السلام: تحل لموالیهم(3). و لأن منع الزکاة فی مقابلة استحقاق الخمس، و موالیهم لا یستحقون الخمس.

و إنما یحرم علی الهاشمی المفروضة من غیرهم، أما المندوبة فلا، لعموم

ص:398


1- (1) جامع الأصول 5-365.
2- (2) جامع الأصول 5-364.
3- (3) وسائل الشیعة 6-192 ح 4.

«وَ تَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْوی» (1) و لأن الباقر علیه السلام کان یشرب سقایات بین مکة و المدینة، فقال له ابنه علیه السلام: تشرب من الصدقة، قال: إنما حرمت علینا الصدقة المفروضة رواه الجمهور(2).

و روی الخاصة عن الصادق علیه السلام أنه سأله زید الشحام عن الصدقة التی حرمت علیهم ؟ فقال: الصدقة المفروضة(3). و وقف علی علیه السلام و فاطمة علیهما السلام وقفا علی بنی هاشم. و الوقف صدقة. و لأن المفروضة مطهرة للمال، فینتفی الوسخ عن المندوبة.

و فی تحریم المندوبة علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إشکال، ینشأ: من عموم قوله صلی اللّه علیه و آله: إنا لا نأکل الصدقة(4). و من أنه کان یقترض و یقبل الهدیة و ذلک صدقة، لقوله علیه السلام: کل معروف صدقة(5).

و یمکن الفرق بأن الصدقة المحرمة من المال ما یدفع إلی المحاویج علی سبیل سد الخلّة و إعانة الضعیف طلبا للأجر، لا ما جرت العادة بفعله علی سبیل التودد من قبول الهدایا. و لا یقال لمن قبل الهدیة أنه تصدق.

و إنما تحرم المفروضة علی الهاشمی مع حصول ما یکفیه من الخمس، فإن منع أو لم یبلغ الواصل من الخمس قدر کفایته، جاز له أن یقبل الزکاة، لأن الصدقة إنما حرمت علیهم فی مقابلة ما جعل لهم من الخمس، فإذا لم یحصل لهم حلت له الصدقة. و لهذا قال علیه السلام للعباس: أ لیس فی الخمس ما یکفیکم عن أوساخ الناس [1].

و الأقرب تقدیر المدفوع بما یرفع الحاجة، فلا یجوز لهم تناول الزائد عن قدر الحاجة [2]، لأنه من مفهوم النهی.

ص:399


1- (1) سورة المائدة: 2.
2- (2) وسائل الشیعة 6-188 و 191.
3- (3) وسائل الشیعة 6-190 ح 4.
4- (4) جامع الأصول 5-364.
5- (5) وسائل الشیعة 6-321 ح 1 و 2.

و لا یحرم علی زوجات النبی صلی اللّه علیه و آله، للعموم السالم عن معارضة النهی عن إعطاء الهاشمی.

خاتمة:

تشتمل علی مسائل:

الأول: لا یجوز أن یکون الهاشمی عاملا فی الصدقات مع تمکنه من الأخماس و غیرها، لقول الصادق علیه السلام: إن أناسا من بنی هاشم أتوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فسألوه أن یستعملهم علی صدقات المواشی، و قالوا: یکون لنا هذا السهم الذی جعله اللّه عز و جل للعاملین علیها فنحن أولی به، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله یا بنی عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لی و لا لکم، و لکن قد وعدت الشفاعة، فما ظنکم یا بنی عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الجنة أ ترونی مؤثرا علیکم غیرکم(1). و قال الصادق علیه السلام: لا تحل الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بنی هاشم(2). و هو علی العموم.

الثانی: المخالف إذا دفع زکاته إلی مثله، وجب علیه بعد الاستبصار الإعادة، لأنه لم یدفع الحق إلی مستحقه، فیبقی فی عهدة التکلیف.

و لقول الباقر و الصادق علیهما السلام فی الرجل یکون فی بعض هذه الأهواء الحروریة و المرجئة و العثمانیة و القدریة، ثم یتوب و یعرف هذا الأمر و یحسن رأیه، أ یعید کل صلاة صلاها أو صوم أو زکاة أو حج أو لیس علیه إعادة شیء من ذلک ؟ قال: لیس علیه إعادة شیء من ذلک غیر الزکاة لا بد أن یؤدیها، لأنه وضع الزکاة فی غیر موضعها و إنما موضعها أهل الولایة(3).

ص:400


1- (1) وسائل الشیعة 6-186 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 6-186 ح 3.
3- (3) وسائل الشیعة 6-149 ح 2.

الثالث: أطفال المؤمنین کآبائهم تدفع إلیهم الزکاة مع فقرهم للعموم، سواء کان الأب حیا أو میتا.

و لو کان الأب غنیا، لم تدفع إلی الولد، لأنه غنی به، فلو کان یمنعه من الإنفاق أعطی لحاجته.

و لو احتاج إلی أزید فی النفقة عن الواجب، فالأقرب جواز دفعه إلیه مع احتمال المنع.

و لا یجوز إعطاء أولاد الکفار و لا أولاد المخالفین، لأنهم فی الأحکام تابعون لآبائهم.

و إذا أعطی أطفال المؤمنین، دفع الزکاة إلی ولیه، لأنه المتولی لأمره، سواء کان رضیعا أو أکل الطعام أو لا للعموم، و لاحتیاج الرضیع إلی أجرة الرضاع و الکسوة و النفقة، و کذا [1] یدفع إلی ولی المجنون.

ص:401

ص:402

الفصل السادس: فی کیفیة إخراج الزکاة

اشارة

و فیه مباحث:

البحث الأول (فی وقت الزکاة)

تجب الزکاة بعد حولان الحول فی النقدین و الأنعام و بعد التصفیة فی الغلاة و یبس الثمار، لقول الصادق علیه السلام: إذا وجد لها موضعا فلم یدفعها فهو لها ضامن حتی یدفعها(1). و لأن الفقراء لحاجتهم مطالبون بشاهد الحال، فیجب التعجیل کالودیعة و الدین الحال.

و لا یجوز تأخیرها مع وجود المستحق و التمکن من الإخراج، فإن أخر معه کان ضامنا مأثوما، لإخلاله بالواجب.

و کذا لو دفع إلیه غیره زکاته لیفرقها، أو أوصی إلیه بذلک فأخر مع إمکان الدفع.

و کذا کل من کان فی یده مال لغیره و طالبه فامتنع، أو أوصی إلیه بشیء فلم یصرفه فیه، أو دفع إلیه ما یوصله إلی غیره.

ص:403


1- (1) وسائل الشیعة 6-198 ح 1.

و لو کان علیه ضرر فی الإخراج، جاز له التأخیر للضرورة.

و لو أخر لیدفعها إلی من هو أحق بها کالقرابة، أو ذی الحاجة الشدیدة مع وجود المستحق ضمن و إن کانت قلیلة، لأنه أخر الواجب عن وقته.

و لو کثر المستحقون و أراد التشریک، جاز أن یؤخر إعطاء بعض المستحقین بقدر ما یعطی غیره.

و لو أخر مع وجوب الفور، لم تصح صلاته الموسع وقتها فی أوله بل فی آخره. و کذا المدیون القادر مع المطالبة، و یدخل فی ضمانه، حتی لو تلف المال بعد ذلک لزمه الضمان، سواء تلف بعد مطالبة الساعی أو الفقیر أو قبل ذلک.

و إن أتلفه أجنبی، لم تسقط الزکاة، لأن التمکن لیس شرطا فی الوجوب بل فی الضمان، و ینتقل حق المستحقین إلی القیمة أو المثل المأخوذ من الأجنبی، لأنها بدل العین التی تعلقت الزکاة بها.

و لو لم یتمکن من الأخذ من الأجنبی، لم یضمن إن لم یفرط. و إذا لم یتمکن من إخراجها، لم یکن مفرطا، سواء کان ذلک لعدم المستحق، أو لبعد المال عنه، أو لکون الفریضة لا توجد فی المال و یحتاج إلی شرائه فلم یجد ما یشتریه، أو کان فی طلب الشراء، أو نحو ذلک.

و لو تمکن من أداء قیمة الزکاة دون العین، فأخر فتلف المال ففی السقوط إشکال، ینشأ: من تمکنه من إیصال مساوی الحق إلی مستحقه. و من تعلق الزکاة بالعین، و القیمة تبع، فیسقط بسقوط متبوعه و إمکان الأداء یفوت بغیبة المال، فلو کان غائبا عنه، لم نوجب إخراج زکاته من موضع آخر، و إن جوزنا نقل الصدقات بغیبة المستحق للإعطاء، و هو الفقراء، أو السلطان أو نائبه.

و لو وجد الفقیر فأخر، أو وجد الإمام أو الساعی فأخر، ضمن و إن سوغنا له التأخیر لإعطاء القریب، أو من هو أشد فاقة، لأن الإمکان حاصل، و إنما تؤخر لغرض نفسه، فتتقید الجواز بشرط سلامة العاقبة.

ص:404

و لو تردد فی استحقاق الحاضر فأخر لیتروی، جاز و لم یکن ضامنا.

البحث الثانی (فی التعجیل)
اشارة

لا یجوز تقدیم الزکاة قبل وقت وجوبها علی الأشهر، لأنها عبادة موقتة، فلا یجوز إیقاعها قبل وقتها کغیرها. و لقول الصادق علیه السلام و قد سأله عمر بن یزید الرجل یکون عنده المال أ یزکیه إذا مضی نصف السنة ؟ قال:

لا، و لکن حتی یحول علیه الحول. لأنه لیس لأحد أن یصلی صلاة إلا لوقتها.

و کذا الزکاة. و لا یصوم رمضان إلا فی شهره إلا قضاء، و کل فریضة إنما تؤدی إذا حلت(1).

و قد وردت رخصة فی جواز تقدیمها شهرا أو شهرین. قال الشیخ: إنه محمول علی القرض،(2) و یکون صاحبها ضامنا متی جاء الوقت و قد أیسر الآخذ.

و لا یضمن لو بقی علی الاستحقاق، لقول الصادق علیه السلام و قد سئل عن رجل عجل زکاة ماله ثم أیسر المعطی قبل رأس السنة یعید المعطی(3) فإذا کان المدفوع قبل الوقت قرضا علی ما اخترناه، فلو کان النصاب یتم به سقطت الزکاة، لانتقال بعضه عنه فینقص النصاب، و الدین لا یجبر العین، و لا تتعلق فیه الزکاة کما تقدم.

و إن لم یتم النصاب، احتسب ما دفعه قرضا عند الحول من الزکاة إن بقی الآخذ علی الاستحقاق و المال علی الوجوب، و له استعادتها و دفعها إلی غیره، لأنها لیست زکاة معجلة عندنا، و لم یملکها الفقیر علی أنها زکاة، بل علی أنها قرض یستعیده، و له إذا استعاده أن یدفع غیره إلیه أو إلی غیره، لأنه مال قرض استعاده و لم یتعین للزکاة.

ص:405


1- (1) وسائل الشیعة 6-212 ح 2.
2- (2) المبسوط 1-227.
3- (3) وسائل الشیعة 6-211 ح 1.

و للقابض دفع القرض [1] إما مثلا أو قیمة إن کانت ذات قیمة وقت القبض، و إن کانت العین موجودة و کره المالک، لأنه ملکها بالقرض.

و لو خرج عن الاستحقاق و تعذرت الاستعادة غرم المالک، لأن المدفوع لم یقع زکاة، و سبب الزکاة متجددة و إذا دفع المالک الزکاة لا علی وجه القرض، بل علی وجه التعجیل قبل الوقت، فالدفع فاسد و له الاستعادة، و إن لم یصرح بالرجوع، لبقائها علی ملکه، و لا یملکها الفقیر. و لا ینثلم النصاب إن بقیت و تمکن من الاستعادة.

فإن قید الدفع بأنها زکاة معجلة، وجب علی الفقیر ردها إلیه مع طلبه إیاها لفساد الدفع، فلا یثمر الملک. و لا یجب بدون الطلب، لجواز أن یکون المالک قد احتسبها من الزکاة عند الوقت.

و لو لم یقید بالتعجیل لکن قصده، فإن علم الفقیر ذلک فهو کالمصرح به، إذ الأفعال إنما تقع علی حسب القصود و الدواعی، و التقدیر قصد التعجیل و هو لا یتم.

و لو لم یعلم و ادعاه المالک، احتمل تقدیم قوله مع الیمین، لأن المرجع إلی نیته، و هو أعرف بما قصده. و تقدیم قول الفقیر، لأصالة عدم الاشتراط، و أغلبیة الأداء فی الوقت. و کذا لو اختلفا فی ذکره.

و لو تلفت العین فی ید القابض، ضمن المثل إن کان مثلیا، و القیمة إن لم یکن.

أما زکاة الفطرة فإنه یجوز تقدیمها فی رمضان لا قبله علی ما یأتی، لأن وجوبها بشیئین برمضان و الفطر منه، و قد وجد أحدهما.

و أما زکاة الثمار و الغلاة، فإنه یجوز تقدیمها قبل الجذاذ و الحصاد و الجفاف، فیخرج الرطب، لأن الزکاة تعلقت بها حینئذ ففی الحقیقة لا تقدیم، لکن یجوز التأخیر إلی الجذاذ و الجفاف.

ص:406

و لو استغنی المدفوع إلیه بالمال أو به و بمال آخر، جاز احتسابه من الزکاة، لأن الزکاة إنما تصرف إلی الفقیر لیستغنی به، فلا یصیر ما هو المقصود مانعا من الأجر. و إن استغنی بمال آخر، لم یجز احتساب المدفوع من الزکاة، لخروجه عن أهلیة الاستحقاق.

و لو عرض شیء من الحالات المانعة من الاستحقاق کردة، أو استغنی ثم زال و کان بصفة الاستحقاق عند تمام الحول، جاز الاحتساب من الزکاة.

و إذا أخذ الإمام من المالک قبل تمام الحول مالا للمساکین، فإما أن یکون علی وجه القرض، أو لیحتسبه عن زکاته عند تمام الحول. فإن أخذه قرضا، فإن کان قرضا بسؤال المساکین، فضمانه علیهم، سواء تلفت فی یده، أو سلمه إلیهم، کما لو استقرض الرجل مالا لغیره بإذنه.

ثم الدافع إن لم یعلم أن الإمام استقرض للمساکین بإذنهم، کان له مطالبة الإمام، و یرجع الإمام علی المساکین، و إلا لم یکن له مطالبته، کالوکیل فی الشراء.

و لو أقرضه المالک للمساکین ابتداء من غیر سؤالهم اختلف فی ید الإمام، فلا ضمان علی المساکین لعدم الطلب، و لا علی الإمام لأنه وکیل المالک، کما لو دفع إلیه مالا لیدفعه إلی ثالث فتلف.

و لو استقرضه الإمام بسؤال المالک و المساکین جمیعا فهلک عنده، فالأقرب أنه من ضمان المساکین، لأنه دفعه لیستعید عوضه.

و لو استقرضه لا بسؤال أحد منهما، فإن لم یکن لهم حاجة إلی القرض، فالقرض یقع للإمام و علیه ضمانه من خالص ماله، سواء تلف فی یده، أو دفعه إلی المساکین. ثم إن تبرع بالدفع لم یرجع.

و إن أقرضهم فقد أقرضهم من مال نفسه فله الرجوع، و إن استقرض لهم و بهم حاجة، فإن هلک فی یده، احتمل أن یکون من مال المساکین، لأن الإمام قبضه من مال الصدقة، کولی الیتیم إذا استقرض لحاجته فهلک فی یده،

ص:407

فإن الضمان فی مال الصبی. و أن یکون من خالص ماله، لعدم تعین المساکین، و أکثرهم أهل رشد لا ولایة علیهم لأحد، و لهذا لا یجوز منع الصدقة عنهم من غیر عذر، و لا التصرف فی مالهم بالتجارة.

و إنما یجوز الاستقراض لهم بشرط سلامة العاقبة، بخلاف الیتیم و إن دفع المال إلیهم، فالضمان علیهم و الإمام طریق فیه، فإن أخذ الزکوات و المدفوع إلیه بصفة الاستحقاق، فله أن یقضیه [1] من الزکوات، و له أن یحسبه عن صدقة القرض.

و إن لم یکن المدفوع إلیه بصفة الاستحقاق عند تمام حول الزکوات المأخوذة، لم یجز قضاؤه منها، بل یقضی من مال نفسه، ثم یرجع علی المدفوع إلیه إن وجد له مالا.

و إن أخذ المال لیحسبه عن زکاة المأخوذ منه عند تمام حوله، فإن تلف بسؤال المساکین و دفع إلیهم قبل الحول و تم الحول، و هم بصفة الاستحقاق و المال بصفة الوجوب وقع الموقع، لکن یجب أن ینوی عند الحول الإسقاط من الزکاة، لما بینا من المنع من جواز التعجیل.

و لو کان المالک دفع إلی الإمام لیسلمه إلی الفقیر و یحسبه من الزکاة عند تمام الحول، فالوجه أنه لیس للإمام الاستعادة منه، و یجوز للمالک، لأن الدفع لم یقع علی وجه الزکاة.

و لو خرجوا عن الاستحقاق فعلیهم الضمان، و علی رب المال إخراج الزکاة ثانیا.

و إن تلفت فی یده قبل تمام الحول من غیر تفریط، فإن خرج المالک عن الوجوب، فله الضمان علی المساکین. و فی کون الإمام طریقا احتمال.

و إن لم یخرج عن أن یجب علیه، [2] لم یقع المخرج عن زکاته، لأنه لم یصل

ص:408

إلی المستحق، فله أخذ الضمان من المساکین و من الإمام و یرجع علیهم.

و لو أسقط المالک الضمان عن المساکین علی أنه الزکاة، أجزأ، لأنه کإسقاط دین فی ذمتهم منها.

و لو لم یسقط الضمان عنهم من الزکاة و لا مال لهم، جاز للإمام إذا اجتمعت الزکاة عنده صرف ذلک القدر إلی قوم آخرین عن جهة الذی تسلف منهم إذا أمره المالک. و إن تسلف بسؤال المالک فإن دفع إلی المساکین، فتم الحول و هم بصفة الاستحقاق، جاز الاحتساب و أجزأ، و إلا رجع المالک علی المساکین دون الإمام.

و لو تلف فی ید الإمام، لم یجز له علی المساکین، سواء فرط أو لا، کما لو دفعه إلی وکیله فتلف عنده. ثم إن تلف بتفریطه فعلیه الضمان للمالک، و إلا فلا ضمان علیه و لا علی المساکین.

و لو تسلف بسؤال المالک و المساکین، فالأقرب أنه من ضمان المالک لقوة جانبه، إذ له الخیار فی الدفع و المنع. و یحتمل أن یکون من ضمان المساکین، لعود المنفعة إلیهم، فیکون المال من ضمانهم.

و لو تسلف لا بسؤال أحدهما، بل لما رأی من حاجته، احتمل أن یکون حکمه کحکم سؤالهم، لأن مصرف الزکاة جهة الحاجة إلی قوم معین و الإمام ناظرهم، فإذا رأی المصلحة فی الأخذ کان له ذلک، و کان کما لو أخذ بسؤالهم و صار کولی الطفل و إن لا ینزل منزلة سؤالهم، لأنهم أهل رشد.

و لو عرفوا صلاحهم فی التسلف، التمسوه من الإمام، فعلی هذا إن دفعه إلیهم فخرجوا عن الاستحقاق عند تمام الحول، استرد منهم و دفعه إلی غیرهم.

و إن خرج الدافع عن أهلیة الوجوب استرجعه و رده إلیه، فإن لم یجد المدفوع ضمنه من مال نفسه، فرط أو لا. و علی المالک إخراج الزکاة ثانیا لو لم یخرج عن أهلیة الوجوب.

و لو کان المأخوذ لهم أطفالا لا مال لهم، جاز للإمام التسلف لهم، لأن

ص:409

حاجتهم کسؤال البالغین، إذ لیس لهم أهلیة النظر و التماس التسلف.

و فی جمیع المسائل لو تلف المعجل فی ید الساعی، أو الإمام بعد تمام الحول، و احتسب المالک ذلک من الزکاة، سقطت الزکاة عن المالک، لأن الحصول فی یدهما بعد الحول، کالحصول فی ید المساکین، و کما لو أخذ بعد تمام الحول.

ثم الآخذ إن فرط فی الدفع إلیهم، ضمن من مال نفسه لهم، و إلا فلا ضمان علی أحد. و لو انتظر انضمام غیره إلیه لقلته، فالأقرب أنه تفریط.

فروع:

الأول: لو تسلف الساعی الزکاة من غیر مسألة أحد، فإن حال الحول و الدافع و المدفوع إلیه من أهل الزکاة، فقد وقعت موقعها، و إن حال الحول و قد تغیرت الحال بعد الدفع، بأن افتقر الدافع أو استغنی المدفوع إلیه أو ارتد، فمتی تغیر حالهما أو حال أحدهما، لم تقع الزکاة موقعها و یستردها الإمام.

و إن کان لتغیر حال الدافع أو تغیرهما ردها علیه، لأنها لم تجب علیه، و إن کان لتغیر المدفوع إلیه دفعها إلی غیره.

الثانی: لو قال المالک حالة الدفع: هذه زکاتی عجلتها لک، کان له الرجوع بها. و إن أطلق و لم یقل عجلتها، فإن نوی التعجیل و صدقه الفقیر فکالأول، و إن اتفقا علی الإطلاق، کان له الاستعادة إن لم یسبق علیه وجوب و علم الفقیر ذلک.

و لو لم یعلم لم یقبل قوله، لأن الظاهر أنه کان واجبا علیه، و لا یقبل قوله بعد ذلک إنه عجلها له، فلو طلب من الفقیر الحلف علی عدم علم التعجیل، کان له ذلک.

الثالث: إذا دفع المال إلی الفقیر علی أنه زکاة معجلة، کان الدفع فاسدا و الملک باق علی مالکه، و لا یکون مضمونا، بل یکون أمانة فی یده، فإن

ص:410

حصل منه نماء - کنتاج أو ربح مضاربة - فهو للمالک. فإن دفعه علی أنه قرض یحتسبه من الزکاة عند الحول، ملکه الفقیر، و کان للمالک الرجوع، و لا یجب الوفاء بوعد الاحتساب [1].

الرابع: لو دفع الزکاة المعجلة و قال: هذه زکاة معجلة، فإن عرض مانع استردت، و له الاسترداد سواء حصل مانع أو لا، لما قدمناه من فساد الدفع.

و لو قال: هذه زکاة معجلة، و لم یذکر الاسترداد عند المانع، فله الاسترداد أیضا و إن لم یکن مانع. و کذا لو علم القابض أنها زکاة معجلة.

و لو کان الدافع الإمام و لم یعلم القابض أنها زکاة غیره، و لا أنها معجلة ثبت الاسترداد لفساد الدفع، فإن تعذر، ضمن الإمام، و إن فعل بدون إذن المالک بتقصیره فی ترک شرط الرجوع.

و لو کان الدافع المالک، احتمل أن لا یثبت الاسترداد أیضا، لأن المالک یعطی الفرض و التطوع، و إذا لم یقع عن الفرض وقع تطوعا، و الإمام یقسم مال غیره، و لا یعطی إلا الفرض، فکان مطلق دفعه کالمقید بالفرض.

و الوجه أن للمالک الاستعادة أیضا، و الأصل فیه أن الدفع إن وقع بغیر نیة کان مجرد إباحة، للمالک الرجوع ما دامت العین باقیة. و إن وقع بنیة التعجیل، کان له الاسترجاع لفساد الدفع، کما لو دفع إلی غیره مالا علی ظن أن له علیه دینا فلم یکن له، فإن له الاسترجاع.

و کذا إن دفع علی وجه القرض لتضمنه الاسترجاع.

و لیس القول قول الفقیر فی قصد التملک بالصدقة، بل قول المالک، لأنه أعرف بقصده.

و کذا القول قوله مع الیمین لو قال: أنا قصدت التعجیل و لم أذکره لفظا، و قال الفقیر: لم یقصد التعجیل.

ص:411

و لو ادعی المالک علم القابض بأنها کانت معجلة، فالقول قول القابض، لأن الأصل عدم العلم، و الغالب الأداء فی الوقت.

الخامس: لو أتلف المالک النصاب قبل الحول، کان له الاسترداد، لانتفاء وجوب الزکاة بتلف المال.

و کذا لو أتلف بعضه بحیث خرج الباقی عن کونه نصابا.

السادس: لو أتلف المسکین ما تعجله، فإن کان قبضه قرضا، فعلیه المثل إن کان مثلیا، و القیمة وقت القرض إن لم یکن، لأن ما زاد علیها یزاد فی ملک القابض فلا یضمنه، کما لو طلق الزوج بعد تسلیم المهر و تلفه قبل الدخول، و هو من ذوات القیم، فإن الزوج یرجع بقیمة النصف یوم القبض.

و أما إن دفعه علی أنه زکاة معجلة، فإن قلنا إن الفقیر یملک بذلک، فکما تقدم فی القرض. فإن قلنا بفساد الدفع کما هو اختیارنا فیما تقدم و الملک غیر حاصل، فیضمن الفقیر بأقصی القیم، لأن یده ید ضمان، فالزائد مضمون فی یده کالأصل.

و یحتمل الضمان یوم التلف، لأن الواجب العین، فلا عبرة بزیادة القیمة مع وجودها، و إنما ینتقل الحق إلی القیمة یوم التلف، فاعتبر قیمة ذلک الیوم.

السابع: لو کان المدفوع باقیا من غیر زیادة و لا نقصان، فإن دفعه قرضا فللمالک استعادة مثله أو قیمته لا عینه، فإن دفعه تعجیلا استرده و دفعه أو مثله إلی المستحق، إن بقی بصفة الوجوب أو إلی غیره.

و إن کان الدافع هو الإمام، فإن کان قرضا استرجع مثله أو قیمته. و إن کان تعجیلا استرد العین.

و هل یصرفه إلی المستحقین بدون إذن جدید من المالک ؟ فإن کان المالک قد فوض إلیه علی التعمیم، کان له ذلک مع بقاء الوجوب علی المالک، و إن لم یعمم التفویض فالأقرب المنع، سواء أمره بالإقراض أو بالتعجیل.

و إن زاد المدفوع زیادة متصلة، فإن کان قرضا فللفقیر الزیادة، و إن کان

ص:412

تعجیلا فللمالک، و کذا المنفصلة. لظهور فساد الملک بخلاف الموهوب، لتحقق الملک هناک، و إن حدث فیه نقص دفع أرشه.

الثامن: المعجل لا یصیر ملکا للقابض، و یحتمله مع الإطلاق، فیحتمل أن یکون الملک موقوفا إلی أن ینکشف الأمر فی المال، فإن حدث مانع ظهر استمرار ملک المالک، و الأظهر أنه صار ملک القابض من یومئذ.

و یحتمل أن یکون الملک للقابض، لکن إن استمرت السلامة تبین أنه ملک عن جهة زکاة مستحقة، و إلا تبین وقوعه قرضا، ثم القرض یملک بالقبض، فإن قلنا بالتوقف وجب رد الزوائد، لتبین حدوثها علی ملک المالک.

و إن قلنا بتقدیر القرض، سلمت الزوائد للقابض.

و إذا باع القابض ما قبضه معجلا، فإن قلنا بالتوقف و حدث المانع [1] ظهر فساد بیعه، و إن قلنا بالقرض فلا. و علی القول بالتوقف، یلزم رد العین لو کانت موجودة، و علی القرض لا یجب بل له الإبدال.

التاسع: المعجل مضموم إلی ما عند المالک، لبقاء ملکه علیه علی ما اخترناه، فإذا استمرت الملکیة [2] منه حتی حال الحول و لم یطرأ مانع، تعلقت الزکاة حینئذ، و جاز له الاحتساب و الاسترجاع.

فلو عجل شاة عن مائة و إحدی و عشرین، جاز له أن یحتسب المدفوع من الزکاة، و یجب علیه شاة أخری. و کذا لو عجل شاتین عن مائتین و واحدة.

وجبت الثالثة مع الشرائط.

و لو کانت المعجلة معلوفة لم تجب الزائدة، لأن النصاب لا یتم بها، و إن جاز إخراجها عن النصاب. و لو قلنا إن التعجیل إقراض بعض النصاب بالمدفوع، فیسقط الزکاة حینئذ. و إن قلنا إن الملک باق للمالک، فإن تم الحول علی السلامة أجزأه ما أخرج إذا نوی أنه أسقطه من الزکاة.

ص:413

و إن عرض مانع من وقوع المعجل زکاة، فإن کان المخرج أهلا للوجوب و المال نصاب، وجب الإخراج ثانیا. و إن کان الباقی دون النصاب، فحیث لا استرداد فلا زکاة، و کأنه تطوع بشاة قبل الحول، و حیث ثبت فاسترد، فهو مستأنف للحول، فلا زکاة لنقصان ملکه عن النصاب قبل تمام الحول.

و قال الشیخ: علیه أن یخرج من الرأس(1) ، و إن کان الموضع الذی له الاحتساب احتسب به، لأن ما له استرجاعه فی حکم ما فی یده. و لو لم یمکنه الاسترجاع فی وقت ما فلا زکاة.

و لو کان عنده أربعون فعجل شاة، ثم حال الحول، جاز أن یحتسب بها لبقائها فی ملکه، ما دامت العین باقیة، فإن أتلفها المدفوع إلیه قبل الحول، فقد انقطع حول النصاب، و لا زکاة علی صاحبها، و کان له استرجاع ثمنها.

و لو کان عنده مائة و إحدی و عشرین فعجل واحدة، ثم نتجت واحدة و حال الحول، لم یلزمه أخری، لأن النتاج لا یضم إلی الأمهات.

و لو مات المالک قبل الحول، انقطع الحول، لانفصال المال عنه، و استأنف الوارث الحول، و لا یبنی علی حول المیت.

العاشر: لا یجوز تعجیل الزکاة قبل ملک [1] النصاب، بإجماع علماء الإسلام.

و لو ملک بعض النصاب فعجل زکاته أو زکاة نصاب لم یجز، لأنه عجل الحکم قبل سببه.

و إن ملک نصابا فعجل زکاته و زکاة ما یستفیده و ما ینتج منه أو یربح فیه، لم یجز عن النصاب عندنا، لأنا نمنع من التعجیل و لا عن الزیادة لعدمها.

ص:414


1- (1) المبسوط 1-231.
البحث الثالث (فی المتولی للإخراج)

یجوز للمالک أن یفرق زکاة ماله بنفسه، سواء الأموال الظاهرة و الباطنة، لأنه عاقل فی یده حق لغیره دفعه إلیه فأجزأه، کما لو دفع الدین إلی غریمه.

لکن الأفضل صرفها إلی الإمام، لأنه أعرف بمواقعها، و لأنه بتفریق الإمام علی یقین من سقوط الفرض، بخلاف ما لو فرق بنفسه، لجواز أن یسلم إلی من لیس بصفة الاستحقاق، خصوصا الأموال الظاهرة، و هو نائب المساکین.

و الأقرب عدم الوجوب، لأصالة البراءة. نعم لو طلبها الإمام، وجب الصرف إلیه بذلا للطاعة، و لقوله تعالی خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً (1) و هو یستلزم وجوب الإعطاء، و لأنه مال للإمام المطالبة به، فیجب دفعه إلیه مع المطالبة کالخراج.

فإن فرقها المالک بعد طلب الإمام لها أثم، لأن مخالفة الإمام الواجب الطاعة من أعظم الکبائر. و هل یجزی الدفع ؟ قولان: من حیث إنه عبادة لم تقع علی الوجه المأمور به، فلا تقع مجزیة. و من حیث إنه أوصل المال إلی مستحقه، فخرج عن العهدة کالدین.

و یجوز أن یدفعها إلی العامل، لأن الإمام نصبه کذلک و هو وکیله.

و یجوز أن یدفعها إلی وکیل له فی الصرف إلی الإمام، أو فی التفرقة علی المستحقین، حیث یجوز أن یصرف بنفسه، لأنه حق مالی، فیجوز التوکیل فی أدائه کدیون الآدمیین. و التفرقة بنفسه أولی من التوکیل، لأنه علی یقین من فعل نفسه و فی شک من فعل الوکیل، و لینال أجر التفریق، و لیخص بها أقاربه و جیرانه، و له علی الوکیل غرم ما أتلف.

و لو امتنع من الدفع إلی الإمام، قاتله الإمام علیه السلام، فإن أجاب .

ص:415


1- (1) التوبة: 103

إلی إخراجها بنفسه، احتمل الکف و عدمه، بناء علی الإجزاء و عدمه.

و لو لم یطلب الإمام و لم یأت الساعی، أخر المالک ما دام راجیا مجیء الساعی، فإن أیس فرقها بنفسه، لئلا یتأخر عن المساکین حقهم.

و لو علم الإمام من رجل أنه لا یدفع الزکاة، طالبه بالدفع. إما بأن یحملها إلیه، أو یفرقها بنفسه. و کذا له المطالبة بالنذور و الکفارات.

و لا یجوز دفعها إلی الحاکم الجائر اختیارا، لأنه ظالم، فلا یجوز الرکون إلیه. فإن دفعها إلیه اختیارا ضمن، فإن فرقها الجائر حینئذ علی المستحقین، فالأقرب الإجزاء لأنه کالوکیل.

و لو لم یعلم المالک هل وصلت إلی المستحقین أو لا؟ ضمن، لشغل ذمته بالإخراج، و عدم العلم بالبراءة.

و لو دفعها مکرها بعد عزلها و عدم التفریط فی تفریقها، لم یضمن لأنها کالتالفة.

و لو فرط فی تفریقها، بأن أخر دفعها إلی المستحقین، أو إلی الإمام، أو الساعی من قبله مع قدرته علی ذلک، ضمن لتفریطه فی مال الغیر.

و لو لم یعزلها و لم یعینها، فإن أمکنه الجحود أو ادعاء التفریق مع ظن القبول منه ثم دفعها، ضمن کالودیعة. و لو لم یتمکن احتمل الإجزاء، لأنه بالدفع إلیه یکون قد عزلها. و عدمه، إذ لم یتعین حق الفقراء فی مال المأخوذ.

و ولی الطفل و المجنون کالمالک.

و إذا أذن الإمام لساعیه فی التفریق، جاز أن یأخذ نصیبه منها، لأنه مستحق و قد أمر بدفع المأخوذ إلی المستحقین. و إذا لم یعین له الإمام قدرا، لم یجز له أن یخص نفسه بالجمیع، لأنه نصب للجمع و الحفظ، و إن سوغنا الصرف إلی واحد. و هل له أن یقلل فی المدفوع إلیهم بحیث یزداد نصیبه ؟ إشکال، أقربه اعتبار المصلحة فی نظر الإمام لو تولاه.

و لو طلب الساعی الزکاة و ادعی المالک الإخراج، أو نقص النصاب، أو

ص:416

الإبدال، أو عدم حولان الحول، صدق بغیر یمین و لا بینة، لأنه إخبار عما فی ذمته، و کان القول قوله کغیره من العبادات.

و إذا تولی المالک الإخراج و التفریق بنفسه أو بوکیله، أو دفعها إلی الإمام ففرقها بنفسه، سقط سهم العامل منها، لأنه إنما یأخذ أجر العملة، فإذا لم یعمل لم یستحق شیئا، و یبقی سبعة أصناف، إن وجد جمیعهم أعطاهم أو أعطی بعضهم.

و یجوز أن یقتصر علی صنف واحد بل شخص واحد، قل المال أو کثر.

و لا تجب القسمة فی کل صنف، لقوله علیه السلام: أعلمهم أن علیهم صدقة تؤخذ من أغنیائهم فترد فی فقرائهم(1). فأخبر أنه مأمور برد جملتها فی الفقراء و هم صنف واحد.

ثم أتاه بعد ذلک مال آخر فجعله فی صنف آخر غیر الفقراء، و هم المؤلفة الأقرع بن حابس، و عیینة بن حصین و علقمة بن علاثة و زید الخیل قسم فیهم الذهبة التی بعث بها إلیه علی علیه السلام من الیمن.

ثم أتاه مال آخر فجعله فی صنف آخر، لقوله علیه السلام لقبیضة بن المخارق حین یحمل فأتاه النبی صلی اللّه علیه و آله یسأله فقال: أقم یا قبیضة حتی تأتینا الصدقة فنأمر لک بها.

و لو وجب صرفها إلی جمیع الأصناف، لم یجز دفعها إلی واحد. نعم یستحب دفعها إلی جمیع الأصناف، أو إلی من أمکن منهم، لما فیه من التسویة بین المستحقین.

و لو تعذر الإمام، فالأولی صرفها إلی الفقیه المأمون. و کذا حال الغیبة، لأنه أعرف بمواقعها، و لأنه نائب الإمام علیه السلام، فکان له ولایة ما یتولاه.

ص:417


1- (1) جامع الأصول 5-295.
البحث الرابع (فی کیفیة الإخراج)

قد بینا أنه لا یجب التعمیم فی الإعطاء، بل یجوز صرفها إلی صنف واحد، بل إلی شخص واحد، لکن یستحب التعمیم إن أمکن، فیدفع إلی کل صنف ما یدفع به حاجته من غیر زیادة.

فیعطی الفقیر و المسکین ما یغنیهما إن أمکن. و یعطی الغارم و المکاتب ما یقضیان دینهما و إن کثر. و لو قدرا علی بعض ما علیهما أعطیا الباقی.

و یعطی ابن السبیل ما یبلغه إلی بلده، و الغازی ما یکفیه لغزوه، و العامل بقدر أجره. و لا یعطی أزید مما یندفع به الحاجة، لأن الدفع لها، فلا یزاد علی ما سیغنیه.

و علیه تفریق الزکاة فی فقراء بلد المال، فإن نقلها مع وجود المستحق ضمن. و یجوز النقل لو لم یجد المستحق. و یخرج زکاة الفطرة فی بلد المال، لتعلقها بالبدن لا بالمال.

و لا فرق فی المنع من النقل من الموضع القریب و البعید.

و لو فقد المستحق فی بلد المال و وجد فی بلدین غیره، فإن کان أحد البلدین طریقا للآخر، تعین التفریق فی الأقرب. و لو لم یکن لذلک تخیر بین البعید و القریب مع التساوی فی غلبة ظن السلامة.

و یستحب التفریق فی الأصناف الثمانیة إن کانوا موجودین، و إن لم یکونوا موجودین وضعها فیمن یوجد منهم. و لو وضعها فی جنس أو جنسین جاز. و إن تفرق فی کل جنس علی جماعة.

و إذا عدم صنف فی سائر البلاد، انتقل سهمه إلی باقی الأصناف. و إن عدم فی بلد المال و وجد فی غیره، فرق فی باقی الأصناف فی بلد المال.

و ینبغی أن یعطی الأشد حاجة و الأکثر استحقاقا ما یکفیه عن غیره، بحسب نظر الحاکم.

ص:418

و یعطی الفقیر و المسکین ما تزول به حاجتهما سنة، لتکرر الزکاة کل سنة، و یختلف ذلک باختلاف الناس و النواحی. و المحترف الذی لا یجد آلة لحرفته، یعطی بقدر ما یشتریها به، قلت قیمتها أو کثرت لتکسبه.

و یعطی التاجر ما یشتری به من النوع الذی یحسن التجارة و التصرف فیه، و یکون قدره ما یفی ربحه بکفایته.

و یعطی ابن السبیل ما یبلغه مقصده أو موضع ماله، و یهیأ له من الکسوة و الرکوب ما یحتاج إلیه و ما ینقل به زاده و رحله، فیعطی أجرة المرکوب أو ثمنه إن اتسع المال، و لا یسترد منه الدابة مع وصوله، لأنه ملکها بالإعطاء. و کما یعطی للذهاب یعطی للعود إن أراده، لشمول الحاجة. و یعطی مئونة إقامته لحاجة یتوقع زوالها، و إن زادت إقامته علی إقامة المسافرین. و الأقرب أنه یعطی تمام مئونته، و یحتمل ما زاد بسبب السفر.

و یعطی الغازی النفقة و الکسوة مدة الذهاب و المقام فی السفر و إن طال و مدة الرجوع. و هل یعطی تمام المئونة أو ما یزید بسبب السفر؟ إشکال، و یعطی ما یشتری به الفرس إن قاتل فارسا، و ما یشتری به السلاح و آلات القتال، و یملک جمیع ذلک. و یجوز أن یستأجر له الفرس و السلاح بحسب اختلاف قلة المال و کثرته. و أن یعطی الفرس و السلاح عاریة أو وقفا مما وقفه الإمام بعد أن اشتراه بهذا السهم.

و إنما یعطی إذا قرب خروجه، لیتهیأ به للخروج، فإن أخذ و لم یخرج استرجع منه. و إن مات فی الطریق، أو امتنع من الغزو، استرجع الباقی، فإن غزا و عنده بقیة، احتمل الرجوع إن لم یقتر علی نفسه، لظهور أن المعطی فوق الحاجة، و خطأ الساعی فی الاجتهاد. و إن قتر علی نفسه، أو کان الباقی یسیرا جدا، لم یسترجع منه. و یأخذ نفقته و نفقة عیاله ذهابا و مقاما و غزوا.

و هل للإمام أن یشتری من سهم الغزاة أفراسا و یجعلها وقفا فی سبیل اللّه، فیعطیهم عند الحاجة قبل وصول المال إلیهم ؟ الأقوی ذلک، لأنه نائب عنهم.

ص:419

و یعطی المؤلفة بحسب ما یراه الإمام. و العامل قدر أجرة عمله. و لو جعل له أکثر من أجرة المثل، فسدت القسمة من أصلها، و یرد الفاضل علی باقی السهمان. و لو نقص أکمل من بیت المال، أو من سهم باقی الأصناف علی حسب ما یراه الإمام.

و لو اجتمع فی شخص سببا استحقاق فما زاد، جاز أن یأخذ بهما نصیبه للسبب کالمیراث، فإن حصل تضاد لم یجز، کما لو دفع إلی الفقیر العامل عن عمله أولا ما یغنیه، لانتفاء السبب عن المدفوع إلیه.

و إذا فقد المالک المستحق، ففی وجوب الدفع إلی الإمام، أو الساعی مع عدم طلبهما، أو جواز إبقائها فی یده، إشکال ینشأ: من عدم وصولها فی الحال إلی المستحق یدفعه إلیهما. و من کونهما نائبین عنه.

و لو تعذر الإمام و الساعی أیضا، استحب له عزلها من ماله و إفرادها منه، لأنه مال لغیره. فإن تلف بعد العزل من غیر تفریط، فلا ضمان لتعیینها بتعیینه کالدین.

و لو حضرته الوفاة، وجب علیه الإیصاء بها و الإشهاد، لأنه حق فی ذمته یجب علیه إعلام الشاهدین، أو من یعلم قیامه مقامه، توصلا إلی إیصال الحق إلی مستحقه.

و لو عین الفطرة من غائب، ضمن بنقله مع وجود المستحق فیه، للتفریط بالنقل.

البحث الخامس (فی النیة)

أداء الزکاة عبادة، فیفتقر إلی النیة، لعموم «وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ» (1) و لأنه عمل و قال: إنما الأعمال بالنیات(2). بخلاف

ص:420


1- (1) سورة البینة: 5.
2- (2) وسائل الشیعة 1-34 ح 10.

قضاء الدین، فإنه لیس بعبادة، و لهذا یسقط بإسقاط مستحقه.

و محلها: القلب، لأنه محل الإرادات و الاعتقادات. و لا یکفی التلفظ باللسان، و لا یضر لو انضم إلی الإرادة. و لو نوی شیئا و تلفظ بغیره، کان الاعتبار بالقصد لا الملفوظ.

و یجب فیها القصد إلی الإخراج عنده متقربا به إلی اللّه تعالی، لوجوبه أو ندبه أو لوجههما. و تعیین کون المخرج زکاة مال أو فطرة.

و لو قال: هذا فرض زکاة مالی، أو فرض صدقة مالی، أو زکاة مالی المفروضة، أو الصدقة، صح مع النیة و الوجوب أجزأ [1].

و لو تصدق بجمیع ماله بنیة التطوع و لم ینو به الزکاة، لم یجزیه، لأنه ما نوی عما علیه، فکان کما لو تصدق ببیضة، أو صلی ألف رکعة و لم ینو الفرض.

و لا یکفی التعرض لفرض المال، فإن ذلک قد یکون کفارة و نذرا، و لا التعرض للصدقة، لأنها قد تکون نافلة. و لا التعرض للزکاة، و أیضا [2] لأنها قد تکون مندوبة.

و لا یجب تعیین المال المزکی عنه، فلو ملک أربعین من الغنم و خمسا من النعم، فأخرج شاة عن أحدهما من غیر تعیین صح، لأن الغرض تبعیض [3] المال و دفع حاجة الفقیر. فلو أخرج شاة مطلقا، ثم بان تلف أحد المالین، أو تلف أحدهما بعد التمکن من الإخراج، جاز له احتساب المخرج عن زکاة الآخر.

و لو قال: هذه زکاة مالی الغائب أو الحاضر، صح، لأن التعیین لیس بشرط، فأشبه ما لو أخرج نصف دینار عن أربعین، فإنه یصح عن عشرین غیر معینة.

ص:421

و لو عین مالا، لم ینصرف إلی غیره مع بقاء الوجوب فیه، کما لو أخرج شاة عن الإبل و له أربعون من الغنم، وجب علیه شاة أخری عن الغنم. و لو لم تبق الوجوب، کما لو أخرج عن ماله الغائب فبان تالفا، قال الشیخ: لم یکن له صرفه إلی الحاضر، لأنه عینه، فأشبه ما لو أعتق عبدا عن کفارة عینها و لم تقع عنها، لم یکن له صرفه إلی غیرها. و یحتمل عندی الجواز، لظهور فساد الدفع، فکان دینا علی الفقیر، فجاز له احتسابه عن غیره.

و یجوز أن یخرج عن ماله الغائب مع شک السلامة، و یکون نیة الإخراج صحیحة، لأصالة البقاء.

فإن قال: إن کان مالی سالما فهذه زکاة، و إن کان تالفا فهی تطوع، فبان سالما أجزأت نیته. لأنه أخلص النیة للفرض علی تقدیر وجوده، ثم رتب علیها النقل علی تقدیر تلفه. و هکذا حکمها لو لم یقله، و إذا قاله لم یضر.

و لو قال: هذه زکاة مالی الغائب أو تطوع، لم یجزیه، لأنه لم تحصل النیة للفرض، فکان کما لو قال: أصلی فرضا أو نفلا.

و إن قال: هذا زکاة مالی الغائب إن کان سالما، و إلا فهو زکاة مالی الحاضر، أجزأه عن السالم منهما، و إن کانا سالمین فعن أحدهما، لأن التعیین لیس شرطا.

و لو قال: هذه زکاة مالی الغائب إن کان سالما فبان تالفا، فالأقرب أن له الصرف إلی الحاضر.

و لو قال: إن کان مورثی قد مات و قد ورثت ماله، فهذه زکاة فبان موته، لا تحتسب المخرج من الزکاة، لعدم وجوب الزکاة عندنا إلا بعد العلم بأنه ورثه، و بعد التمکن من التصرف فیه، و لأصالة بقاء الحیاة و عدم الإرث.

بخلاف ما لو قال: إن کان مالی الغائب سالما فهذه زکاته، و إن کان تالفا استرجعته، فبان سالما فإنه یجزیه، و إن بان تالفا کان له الاسترجاع.

و هذا کما لو قال آخر شهر رمضان: أصوم غدا إن کان من الشهر، فإنه

ص:422

یصح. و لو قال فی أوله أصوم غدا من رمضان إن کان من الشهر، لم یصح.

و لو قال: إن کان مالی الغائب سالما فهذه زکاته أو نفل، و کان ماله سالما، لم یجزیه، لأنه لم یقصد قصد فرض خالص.

و لو نوی الإخراج عن مال مترقب التملک، لم یجز و إن حصل، لأنه فعل العبادة قبل حصول سببها، فکان کما لو صلی الظهر قبل الزوال.

البحث السادس (فی وقت النیة و من یتولاها)

وقت النیة عند الدفع، لأنها عبادة تقع علی وجوه مختلفة و لا یتمیز أحدهما عن صاحبه إلا بالنیة وقت الدفع.

و لا یجزی تقدیمها علیها بالزمن الطویل و لا القصیر الیسیر، لأنه إن استدام علیه فهو المطلوب، و إن غفل حالة الدفع عن القصد فلا یقع علی وجه مخصوص.

و لو نوی بعد الدفع، لم یجز إن دفع أولا بنیة الصدقة المطلقة، لوقوع المطلق فیه عن التطوع.

و لو دفع بغیر نیة و المال باق، احتمل إجزاء النیة بعده، إذ الدفع لا یستلزم مطلقه التملیک إلا مع القصد، و هو منفی، فیبقی علی ملکه، فیجوز حینئذ أن ینوی صرف ما دفعه أولا إلی الزکاة المفروضة.

أما لو تلف المال فی ید الفقیر بفعله أو بغیر فعله، فالأقرب عدم الإجزاء، لأنه أباحه بدفعه إلیه إتلافه من غیر ضمان، فلا یصادق النیة عینا و لا مستحقا فی ذمته.

ثم المالک إن تولی تفریق زکاته بنفسه، تولی هو النیة عند الدفع، لأنها تخصیص فعل المرید بما یخصصه [1] لا فعل غیره.

ص:423

و إن کان عن غیره. فإن کان ولیا عن صبی أو مجنون، تولی هو النیة کما ینوب فی التفریق، فإن دفع من غیر نیة، لم یقع الدفع و علیه الضمان لتفریطه، لأنه دفع إلی المستحق علی وجه لا یبرئ ذمة المستحق علیه.

و إن کان وکیلا، فإن نوی المالک حالة الدفع إلیه، و نوی هو حالة الدفع إلی الفقراء، أجزأ إجماعا، لأنه أوقع العبادة علی وجهها. و إن لم ینو أحدهما لم یجز إجماعا.

و لو نوی الوکیل خاصة و لم ینو الموکل، قال الشیخ: لم یجز(1) لأن الفرض یتعلق به و الإجزاء یقع عنه. و الأقرب عندی الجواز، لأنه فعل تدخله النیابة، فصح مشروطه.

و لو وکل وکیلا و فوض النیة إلیه فأولی بالجواز.

و لو نوی الموکل خاصة دون الوکیل، فإن کان حال الدفع إلی الفقیر جاز. و إن تقدمت النیة، لم یجز کما تقدم.

و لو دفعها إلی الإمام باختیاره، و نوی حال الدفع إلی الإمام أو الساعی، و لم ینو الإمام أو الساعی حال التفریق جاز، لأنه وکیل الفقراء و نائب المستحقین، فالدفع إلیه کالدفع إلیهم.

و إن لم ینو المالک و نوی الإمام، قال الشیخ: لم یجزیه فیما بینه و بین اللّه تعالی، غیر أنه لیس للإمام مطالبته دفعة ثانیة(2). لأن الإمام إما وکیله أو وکیل الفقراء أو وکیلهما معا، و أیا ما کان لا تجزی نیته عن نیة رب المال، و لأن الزکاة عبادة تجب لها النیة، فلا تجزی عمن وجبت علیه بغیر نیة إذا کان من أهلها کالصلاة، و لأن الإمام نائب الفقراء و لو دفع إلیهم بغیر نیة لم یجز، فکذا إذا دفع إلی نائبهم.

و یحتمل الإجزاء لأن أخذ الإمام بمنزلة القسم بین الشرکاء، فلا یحتج إلی

ص:424


1- (1) المبسوط 1-233.
2- (2) المبسوط: 1-233.

نیة، و لأن للإمام ولایة الأخذ، و لهذا یأخذ من الممتنع اتفاقا، و لو لم یجزیه لما أخذها أولا لأخذها ثانیا و ثالثا حتی ینفذ ماله، لأن أخذها إن کان لإجزائها لم یحصل بدون النیة، و إن کان لوجوبها فهو باق بعد أخذها، لأنه لا یدفع إلی السلطان إلا الفرض، و هو لا یفرق علی أهل السهمان إلا الفرض، فأغنت هذه القرینة عن النیة.

و إن أخذها الإمام منه کرها، قال الشیخ: أجزأت عن المالک(1). سواء نوی المالک أو لا إذا نوی الإمام، لأنه لم یأخذ إلا الواجب، و لأن قسمة الإمام قائمة مقام قسمة الممتنع، فیقوم نیة الإمام مقام نیته. و کما أن نیة الولی تقوم مقام نیة الصبی، و لأن بامتناعه تعذرت النیة فی حقه، فیسقط وجوبها عنه کالصبی و المجنون.

و یحتمل عدم الإجزاء باطنا، لأنه لم ینو و هو متعبد بأن یتقرب، و إنما أخذت منه عدم الإجزاء حراسة للعلم، کما یجب علی المکلف الصلاة لیأتی بصورتها، و لو صلی بغیر نیة لم یجزیه عند اللّه تعالی.

أما لو نوی المالک حالة الأخذ، فإنها تبرئ ذمته ظاهرا و باطنا، و لا حاجة إلی نیة الإمام.

و لو لم ینو الإمام و لا المالک، لم یسقط الفرض فی الباطن و لا فی الظاهر علی الأقوی، لأنه عبادة لم تقع علی وجهها.

البحث السابع (فی بقایا مباحث هذا الباب)
الأول:

کان النبی صلی اللّه علیه و آله و أمیر المؤمنین علیه السلام یبعثان السعاة لأخذ الزکوات، لأن جماعة من الناس لا یعرفون الواجب و لا ما یجب فیه من تصرف إلیه، فیبعثان لیأخذوا ممن تجب علیه ما یجب و یضعونه حیث یجب.

ص:425


1- (1) نفس المصدر.

و المال: إما أن لا یعتبر فیه الحول، کالثمار و الزروع، و بعث السعاة لوقت وجوبها، و هو إدراک الثمار و اشتداد الحبوب، و لا یختلف فی الناحیة الواحدة کثیر اختلاف. و إما أن یعتبر، کالنقدین و الأنعام، و أحوال الناس فیه مختلف، و لا یمکن بعث ساع إلی کل واحد عند تمام الحول، فینبغی أن یعین شهرا یأتیهم الساعی فیه، و لیس واجبا لأصالة البراءة، فإذا جاءهم فیه فمن تم حوله أخذها منه، و من لم یتم حوله فیستحب له أن یعجل إن سوغناه، فإن لم یفعل استخلف علیه من یأخذ زکاته. و إن شاء أخره إلی مجیئه من قابل، فإن وثق به فوض التفریق إلیه.

فإن کانت المواشی ترد الماء أخذها علی میاههم، و لا یکلفهم ردها إلی البلد، و لا یلزمه أن یتبع الراعی، فإن اجتزأت بالکلاء فی وقت الربیع و لا ترد الماء، أخذ الزکاة فی بیوت أهلها.

الثانی:

یستحب وسم نعم الصدقة و الفیء إلی أن یعرف، و لیس مکروها، لأن عبد اللّه بن أبی طلحة عامل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله کان یسم إبل الصدقة. و الفائدة فی تمییزها عن غیرها، رد الواجد لها لو شردت، و معرفة المالک فلا یستردها بشراء.

و لیکن الوسم فی الموضع الصلب المنکشف، کآذان الغنم و أفخاذ الإبل و البقر. و یکره فی الوجه، لورود النهی عنه. و لیکن میسم الغنم ألطف من میسم البقر، و میسم البقر ألطف من میسم الإبل. و أن یکتب فی المیسم ما یؤخذ له من زکاة أو جزیة.

الثالث:

یستحب للساعی أو الإمام أو الفقیر إذا أخذ أحدهم الزکاة الدعاء لصاحبها، قال اللّه تعالی وَ صَلِّ عَلَیْهِمْ (1) و کان النبی صلی اللّه علیه و آله إذا أتاه بصدقتهم قال: اللهم صل علی آل فلان(2). و یجوز أن یأتی بهذه

ص:426


1- (1) سورة التوبة: 301.
2- (2) جامع الأصول 5-359.

اللفظة اقتداء برسول اللّه صلی اللّه علیه و آله، و لقوله تعالی هُوَ الَّذِی یُصَلِّی عَلَیْکُمْ وَ مَلائِکَتُهُ (1).

و لا یجب هذا الدعاء، لأصالة البراءة، و لقوله علیه السلام: أعلمهم أن علیهم صدقة تؤخذ من أغنیائهم فترد فی فقرائهم(2). و لم یأمره بالدعاء، و لأنه لا یجب علی الفقیر المدفوع إلیه فالنائب أولی.

و ینبغی أن یقول لصاحبها: آجرک اللّه علی ما أعطیت، و بارک لک فیما أبقیت، و جعله لک طهورا، أو ما یشبه ذلک.

و ینبغی للمالک أن یقول حال الدفع: اللهم اجعلها مغنما و لا تجعلها مغرما، و یحمد اللّه تعالی علی أدائها.

الرابع:

إذا دفع الزکاة إلی من یظنه فقیرا، لم یجب إعلامه أنها زکاة، لأنه ربما یستحی من ذلک و یلحقه الغض به.

و یعطی الکبار و الصغار، و إن لم یأکلوا الطعام لإنه فقیر محتاج إلی الزکاة لأجل رضاعته و کسوته و سائر مئونته، و تدفع إلی ولیه لا إلیه لأنه القابض لحقوقه، فإن لم یکن له ولی دفعها إلی من یعبأ بأمره کأمه أو غیرها. و کذا المجنون، فلو دفع إلی الصبی الممیز الذی یعلم أو یظن التحفظ، ففی الإجزاء نظر.

الخامس:

یکره لمن أخرج زکاة ماله أن یشتریها أو یتهبها، و بالجملة أن یملکها اختیارا. و لا بأس بعودها إلیه بمیراث و شبهه، کالقبض من المدیون، لقوله علیه السلام: و لا تعد فی صدقتک(3). و لیس محرما، لقوله تعالی إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ (4) و قوله علیه السلام: لا تحل الصدقة لغنی

ص:427


1- (1) سورة الأحزاب: 43.
2- (2) جامع الأصول 5-295.
3- (3) سنن ابن ماجة 2-799.
4- (4) سورة النساء: 29.

إلا لخمسة: لغاز فی سبیل اللّه، أو لغارم، أو لعامل علیها، أو لرجل اشتراها بماله، أو رجل له جار مسکین، فتصدق علی المسکین، فأهدی المسکین للغنی(1).

و لو احتاج إلی الشراء، بأن یکون الفرض جزءا من حیوان، لا یمکن الفقیر الانتفاع بعینه، و لا یجد من یشتریه سوی المالک، و لو اشتراه غیره تضرر المالک بسبب المشارکة، أو احتاج الساعی إلی بیع الثمرة قبل الجذاذ، زالت الکراهیة دفعا للمشقة.

و یجوز احتساب الدین الذی علی الفقیر من الزکاة، فیسقطه عنه منها، سواء کان حیا أو میتا، لأن الإسقاط فی معنی الأداء المأمور به. و أن یدفع إلیه قدر الدین ثم یرده الفقیر قضاء إلیه. و یکره إن کان حیلة، لما فیه من تملک الصدقة اختیارا. و أن یستقرض الذی علیه الدین و یرده علیه و یحسبه من الزکاة.

و إذا أعطی من یظنه فقیرا فبان غنیا، أجزأ مع عدم التفریط، لأن النبی صلی اللّه علیه و آله أعطی الرجلین الجلدین و قال: إن شئتما أعطیتکما منها، و لا حظ فیها لغنی و لا لقوی مکسب(2). و لو اعتبر حقیقة الغنی لما اکتفی بقولهم، و یعسر الاطلاع علیه، قال اللّه تعالی یَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِیاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ (3) و اکتفی بظهور الفقر و دعواه. و إن بان کافرا فکذلک مع الاجتهاد.

و کذا لو کان عبدا لغیره أو هاشمیا أو قرابة ممن لا یجوز الدفع إلیه، لحصول المشقة بالاستقصاء فی البحث عن ذلک.

السادس:

یجوز للساعی بیع الصدقة أو بعضها مع الحاجة إلیه من کلفة فی نقلها أو مرضها و نحو ذلک، روی أن النبی صلی اللّه علیه و آله رأی فی إبل

ص:428


1- (1) جامع الأصول 5-367.
2- (2) جامع الأصول 5-367.
3- (3) سورة البقرة: 273.

الصدقة کوما فسأل عنها، فقال المصدق إنی أرتجعها بإبل فسکت. و الرجعة أن یبیعها و یشتری بثمنها مثلها أو غیرها. و لو لم یکن حاجة بطل البیع و ضمن، إلا أن یجعل له الإمام ذلک بالتبعیض أو الإطلاق.

السابع:

الزکاة تجب فی العین لا فی الذمة، لقوله علیه السلام فی أربعین شاة شاة.(1) و قوله علیه السلام: فیما سقت السماء العشر(2). و غیر ذلک من الألفاظ الواردة بحرف «فی» الدالة علی الظرفیة، و لسقوطها بتلف النصاب بعد الحول قبل إمکان الأداء، أو الإخراج من غیر النصاب رخصة.

و لو کان عنده نصاب واحد لا أزید، فحال علیه حولان فما زاد لم یخرج منه الزکاة، وجبت زکاة سنة واحدة، لأن تعلق الزکاة فی الحول الأول بالمال ینقص النصاب، فیفقد شرط الوجوب فی الحول الثانی. و لا فرق بین الإبل و غیرها فی ذلک، لأن تعلق الشاة بها ینقص النصاب، و کون الواجب من غیر النصاب فی الجنس لا یخرج تعلقها بالعین.

الثامن:

فی تعلق الزکاة بالعین احتمال الشرکة، فیصیر المستحقون شرکاء للمالک، لأن الواجب تتبع المال فی الصفة، حتی یؤخذ من المراض مریضة، و من الصحاح صحیحة. و لأنه لو امتنع المالک من إخراج الزکاة أخذها الإمام من عین النصاب.

کما یقسم علی الشرکاء أموالهم إذا امتنع البعض، و فیه وجهان:

أحدهما: أن الزکاة شائعة فی الجمیع متعلقة بکل واحدة من الشیاه بالقسط.

ثانیهما: أن یحل الاستحقاق قدر الواجب ثم یتعین بالإخراج، و احتمال تعلق الوثیقة، لأنه لو صار شریکا لما جاز للمالک الإخراج من موضع آخر، کما لا یجوز للشریک دفع حق الشریک من غیر مال الشریک، فیحتمل حینئذ

ص:429


1- (1) جامع الأصول 5-309.
2- (2) جامع الأصول 5-317.

تعلقها به تعلق الدین بالرهن، لأنه لو امتنع من أداء الزکاة و لم توجد السن الواجبة فی ماله، کان للإمام بیع بعض النصاب و شراء السن الواجبة.

کما یباع المرهون لقضاء الدین، و فیه وجهان:

أحدهما: أن جمیع المال مرهون.

ثانیهما: المرهون قدر الزکاة، و تعلق الأرش برقبة العبد الجانی، لسقوط الواجب بهلاک النصاب، کسقوط الأرش بتلف العبد، فلو تعلق الدین بالرهن لما سقطت.

فلو باع المالک النصاب کله بعد الحول قبل الأداء [1] فالوجه صحة البیع، لضعف علقة حق الفقراء بالمال، فیسامح فیه ما لا یسامح فی غیره، و لهذا کان للمالک إبطال حقهم منه بالدفع من غیره و إن کره الفقیر. فإذا باعه فقد اختار الدفع من غیره. ثم إن دفع البائع عوض مال المساکین من غیره مضی البیع، لأن له دفع العوض و إن لم یدفع کان للمشتری الرد بالعیب، لأنه باع ما لا یملک. و لیس یمکنه مقاسمة [2] المساکین، لأن ذلک إلی رب المال، و هو المطالب به، قال الشیخ: و یحتمل ذلک فی الأنعام دون الباقی.

فإذا امتنع المالک من أداء الزکاة من غیر المال، تبع الساعی المشتری و أخذ الزکاة منه، فیبطل البیع فی قدر الزکاة، و لا ینفسخ فی الباقی، بل یتخیر المشتری مع الجهل، لتبعیض الصفقة علیه. فإن اختار الإمضاء فیقسطه من الثمن.

و لو لم یأخذ الساعی الواجب من المشتری و لم یرد البائع الزکاة من غیره، تخیر المشتری إذا علم، لتزلزل ملکه و تعرضه لأخذ الساعی، فإن أدی البائع من غیره، سقط اختیار المشتری، لحصول استقرار الملک. کما لو اشتری معیبا و لم یرده حتی زال العیب سقط الرد. و یحتمل عدمه، لإمکان خروج ما دفعه

ص:430

المالک إلی الساعی مستحقا، فیرجع الساعی إلی غیر المال.

و إن باع بعض النصاب، فإن کان الباقی أقل من الواجب، فحکمه کما لو باع الجمیع، و إن کان بقدره إما علی قصد صرفه إلی الزکاة، أو لا علی هذا القصد، فإن قلنا بالشرکة، احتمل صحة البیع، لأن حقه ما باعه. و المنع، لسریان حقه أهل السهمان فی الجمیع، فأی قدر باعه کان حقه و حقهم.

التاسع:

یجوز أن یقتصر بالزکاة علی صنف واحد، بل علی شخص من صنف واحد و إن کثر المال. و لا یجب البسط علی الأصناف، لقوله علیه السلام لمعاذ: أعلمهم أن علیهم صدقة تؤخذ من أغنیائهم فترد فی فقرائهم(1). فذکر صنف الفقراء. نعم یستحب ذلک خصوصا مع کثرة المال.

و یجوز أن یعطی الفقیر غناه دفعة و دفعات. و أن یعطی ما یزید علی غناه دفعة لا دفعات، بل یحرم إذا بلغ حد الغناء إعطاء الزائد علیه. قال الباقر علیه السلام: إذا أعطیته فأغنه(2).

و یکره أن یعطی الفقیر أقل من خمسة دراهم أو نصف دینار، و هو ما یجب فی النصاب الأول، لما فیه من الاستهانة بالفقیر، و لقول الصادق علیه السلام: لا یعطی أحد من الزکاة أقل من خمسة دراهم(3). و هو أقل ما فرض اللّه تعالی من الزکاة فی أموال المسلمین، فلا تعطوا أحدا أقل من خمسة دراهم.

و لیس ذلک واجبا، بل یجوز أن یعطی أقل، لأن محمد بن الصهبان کتب إلی الصادق علیه السلام: هل یجوز یا سیدی أن یعطی الرجل من إخوانی من الزکاة الدرهمین و الثلاثة، فقد اشتبه ذلک علی ؟ فکتب: ذلک جائز(4).

العاشر:

ینبغی أن یعطی زکاة الذهب و الفضة و الغلاة أهل الفقر و المسکنة المعروفین بأخذ الزکوات، و زکاة النعم أهل التجمل المترفعین عن أخذ

ص:431


1- (1) جامع الأصول 5-295.
2- (2) وسائل الشیعة 6-179 ح 4.
3- (3) وسائل الشیعة 6-177 ح 2.
4- (4) وسائل الشیعة 6-177 ح 1.

الزکاة، لقول الصادق علیه: صدقة الظلف و الخف تدفع إلی المتجملین من المسلمین، و صدقة الذهب و الفضة و ما کیل بالقفیز مما أخرجت الأرض للفقراء المدقعین قال ابن سنان: و کیف ذلک ؟ قال: لأن المتجملین یستحیون من الناس، فیدفع إلیهم أجمل الأمرین عند الناس(1).

و لو استحیا الفقیر من طلبها، استحب له أن یواصل بها و لا یعلم بأنها صدقة، لأن الواجب الدفع. و هو حاصل مع عدم الإعلام، و فی ترکه تعظیم للمؤمن. قال الباقر علیه السلام: أعطه و لا تسم له و لا تذل المؤمن(2).

و یکره لمستحق الزکاة الامتناع من أخذها مع حاجته، بل قد یحرم، قال الصادق علیه السلام: تارک الزکاة و قد وجبت له مثل مانعها(3).

الحادی عشر:

العبد المشتری من الزکاة إذا مات و لا وارث له، کان میراثه للإمام، لأنه وارث من لا وارث له. و قیل: لأرباب الزکاة، لأنه اشتری بمالهم، و لقول الصادق علیه السلام: یرثه الفقراء المؤمنون الذین یستحقون الزکاة(4). لأنه إنما اشتری بمالهم.

ص:432


1- (1) وسائل الشیعة 6-182 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 6-219 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 6-218 ح 3.
4- (4) وسائل الشیعة 6-203 ح 2.

المقصد الثانی: فی زکاة الفطرة

اشارة

و فیه فصول:

الفصل الأول (من تجب علیه)

أجمع العلماء علی وجوب زکاة الفطرة، قال علیه السلام: فرض زکاة الفطرة من رمضان علی الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعیر علی کل حر أو عبد، و ذکر أو أنثی(1). و سئل الصادق علیه السلام عن الفطرة ؟ فقال: علی الصغیر و الکبیر و الحر و العبد، کل إنسان صاع من حنطة، أو صاع من تمر، أو صاع من زبیب(2).

و لا تجب إلا علی المکلف، فلا تجب علی الصبی عند علمائنا أجمع و إن وجبت عنه، لقوله علیه السلام: رفع القلم عن الصبی حتی یبلغ(3). و هو ظاهر فی سقوط الأحکام الشرعیة عنه. و کتب محمد بن القاسم إلی الرضا علیه السلام یسأله عن الوصی یزکی زکاة الفطرة عن الیتامی إذا لم یکن لهم مال ؟

ص:433


1- (1) جامع الأصول 5-347.
2- (2) وسائل الشیعة 6-227 ح 1.
3- (3) الخصال ص 175.

فکتب: لا زکاة علی مال یتیم(1). و لأنها جعلت طهرا للصائم من الرفث و اللغو، و إنما یصح فی حق البالغ.

و لا تجب علی المجنون لذلک أیضا، و لا علی من أهل شوال و هو مغمی علیه، لأن مناط التکلیف العقل و هو زائل.

و لا تجب علی العبد أیضا إجماعا، لأن شرط وجوبها الغنی، و هو مفقود عنه. نعم تجب علی السید أداؤها عنه. و حکم أم الولد و المدبر و المکاتب المشروط علیه حکم القن.

و کذا المکاتب المطلق إذا لم یتحرر منه شیء، فإن تحرر منه شیء وجبت علیه، و علی السید بالحصص إذا ملک بنصیب الحریة ما تجب فیه الزکاة.

و لا تجب علی الفقیر بل علی الغنی. و نعنی به من یملک قوت السنة له و لعیاله علی الاقتصاد. و بالجملة من یحرم علیه أخذ الزکاة عند علمائنا، لقوله علیه السلام: لا صدقة إلا عن ظهر غنی(2). و سئل الصادق علیه السلام عن رجل یأخذ من الزکاة أ علیه صدقة الفطرة ؟ قال: لا(3). و المکتسب و ذو الصنعة إذا اکتفیا بهما غنیان.

و تجب علی المدیون و إن استوعب الدین المال.

و إنما یعتبر الیسار وقت الوجوب، و لو کان معسرا عنده ثم أیسر بعد ذلک، لم تجب الزکاة علیه، لفقدان الشرط.

و تجب علی الکافر، لأنه عندنا مخاطب بفروع العبادات، فیدخل تحت عموم الأمر بها، و لا یصح منه أداؤها، لامتناع حصول الشرط، و هو نیة التقرب فی حقه، فإذا أسلم سقطت عنه کغیرها من العبادات، لقوله علیه السلام: الإسلام یجب ما قبله(4).

ص:434


1- (1) وسائل الشیعة 6-226 ح 2.
2- (2) جامع الأصول 7-301.
3- (3) وسائل الشیعة 6-223 ح 1.
4- (4) الخصائص الکبری 1-249.

و لو کان له عبد مسلم، أو قریب مسلم، وجب علیه عنهما، و المرتد یجب علیه و لا تسقط عنه بإسلامه.

و یستحب للفقیر إخراجها و إن أخذها، فیدیر صاعا علی عیاله، ثم یخرجها عنهم إلی المستحق الأجنبی، لما فیه من المواساة.

الفصل الثانی (فی المؤدی عنه زکاة الفطرة)

اشارة

قد یؤدیها الإنسان عن نفسه، و قد یؤدیها غیره عنه [1]، و الأصل فیه قوله علیه السلام: أدوا صدقة الفطرة عمن تمونون(1). و قال الصادق علیه السلام: کل من ضممت إلی عیالک من حر أو مملوک فعلیک أن تؤدی الفطرة عنه(2).

و أسباب العیلولة ثلاثة: النکاح، و الملک، و القرابة. و کلها تقتضی لزوم الفطرة. و المتبرع بالإنفاق علی الغیر تجب علیه فطرته عنه للعموم.

و لا فرق بین أن یکون المعال صغیرا أو کبیرا، حرا أو عبدا، مسلما أو کافرا. فلو عال مملوک الغیر، سقطت عن المالک و وجبت علی العائل، لوجود المقتضی.

و فی أسباب العیلولة مباحث:

البحث الأول (النکاح)

المقتضی لوجوب الفطرة هو نکاح المزکی، فیجب علیه فطرة زوجته، و إن کانت کافرة دون زوجة أبیه، لانتفاء وجوب الإعفاف عندنا، و دون زوجة

ص:435


1- (1) وسائل الشیعة 6-230 ح 15.
2- (2) وسائل الشیعة 6-229 ح 8.

الابن أیضا. و نفقة زوجة العبد علی مولاه، فیجب علیه فطرتها.

و لو زوج الابن أباه و کان ممن تجب علیه نفقته و نفقة زوجته، فعلیه فطرتها.

و خادم الزوجة إن کان بأجرة، لم یکن علی الزوج فطرته، لأن الواجب الأجر دون النفقة. و إن کان لها، فإن کان ممن لا تجب لها خادم، فلیس علیه نفقة خادمها و لا فطرته.

و إن کان ممن یخدم مثلها، فعلی الزوج أن یخدمها، ثم یتخیر بین أن یشتری لها خادما أو ینفق علی خادمها، أو یکتری لها خادما، فإن اختار الإنفاق علی خادمها فعلیه فطرته. و إن استأجر لها خادما فلیس علیه نفقته و لا فطرته، سواء شرط علیه مئونته أو لا، لأن المئونة إذا کانت أجرة، فهی من مال المستأجر، و إن تبرع بالإنفاق علی من لا یلزمه نفقته، فحکمه حکم من تبرع بالإنفاق علی أجنبی.

و یجب علی الزوج الفطرة عن زوجته و إن لم یعلها، إذا لم یعلها غیره، سواء کانت حاضرة أو غائبة. و لو عالها غیره، وجبت علی العائل.

و لو نشزت فی وقت الوجوب قبل تحققه، ففطرتها علی نفسها دون الزوج، لسقوط نفقتها عنه، بخلاف المریضة فإن عدم الإنفاق علیها لعدم الحاجة لا لخلل فی المقتضی لها و هو التمکن، فلا یمنع ذلک من ثبوت نفقتها و کذلک کل امرأة لا تلزمه نفقتها، کغیر المدخول بها إذا لم تسلم إلیه، و الصغیرة التی لا تمکن الاستمتاع بها، فإنه لا تلزمه نفقتها و لا فطرتها.

و لو کانت الزوجة موسرة و الزوج معسرا، فلا فطرة علیه لإعساره، و إن وجبت علیه لأنها آکد لوجوبها علی المعسر و العاجز، و ترجع علیه بها عند یساره، و لأن النفقة عوض و الفطرة عبادة مشروطة بالیسار.

و هل تجب علیها الفطرة عن نفسها؟ إشکال، ینشأ: من أن الفطرة هل تجب علیها ابتداء و یتحمل عنها الزوج، أو تجب علی الزوج ابتداء، احتمال منشؤه دلالة قول الصادق علیه السلام: الفطرة علی الصغیر و الکبیر ابتداء

ص:436

و الحر و العبد(1) علی الأول، و قوله علیه السلام: کل من ضممت إلی عیالک من حر أو مملوک فعلیک أن تؤدی الفطرة عنه(2) علی الثانی، فإن قلنا بالأول فالزکاة علیها، لوجود المقتضی السالم عن معارضة التحمل. و إن قلنا بالثانی، سقطت الزکاة عنهما معا.

أما الناشزة فتجب فطرتها علیها، و إن حکمنا بأصالة الوجوب علی الزوج، لأنها بالنشوز أخرجت نفسها عن إمکان التحمل [1].

و لو کانت زوجة الموسر أمة، فإن وجب علیه نفقتها وجبت علیه فطرتها، و إلا کانت الفطرة علی مولاها.

و لو کان الزوج معسرا، احتمل وجوب الفطرة علی سیدها، و عدم وجوب الفطرة مطلقا، و التفصیل و هو إن وجبت علی الزوج نفقتها سقطت، و إلا وجبت علی المولی.

البحث الثانی (الملک)

و یجب أن یخرج الإنسان الموسر الفطرة عن کل مملوک له، ذکرا و أنثی صغیرا و کبیرا، و إن لم یعله إذا لم یکن فی عیلولة أحد، سواء کان حاضرا أو غائبا. و لو عاله غیره فالزکاة علی العائل.

و لا یسقط وجوب النفقة بالإباق، فیجب علی مولاه الفطرة عنه. و کذا المرهون و المغصوب و الضال و إن انقطع خبره ما لم یغلب ظن الموت.

و الجانی و المستأجر و فطرة العبد المشترک علی موالیه للعموم. و یجب علی الجمیع صاع واحد بالحصص، فإن اختص أحدهم بالعیلولة تبرعا اختص بها.

ص:437


1- (1) وسائل الشیعة 6-227 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 6-229 ح 8.

و لو وقعت مهایاة بین الموالی، أو بین المتحرر بعضه و بین مولاه، فوقع الهلال فی نوبة أحدهما، ففی اختصاصه بالفطرة إشکال، ینشأ: من وجوب الإنفاق علی صاحب النوبة و الفطرة تتبعه، و من کون الإنفاق فی الحقیقة مشترکا. و ینشأ: من کون الفطرة من المؤن المعتادة، لأنها معلومة القدر و الوقت معدودة من وظائف السنة أو النادرة لعدم تعیین یوم العید فی السنة لاختلاف الأهلة. و بتقدیر الثانی فهل یدخل فی المهایاة من حیث إن مقصود المهایاة بالتفاضل و التمایز، فلیخص کل منهما بما ینفق فی نوبته من الغنم و الغرم، أو لا من حیث إن النوادر مجهولة لا تخطر بالبال عند المهایاة.

و الغائب تجب فطرته عند الهلال و لا ینتظر عوده. و لو لم یعلم حیاته قال الشیخ: لا تجب فطرته(1). و الأولی الوجوب ما لم یعلم أو یظن الموت.

و قال: لا تجب علی المولی فطرة عبد المغصوب(2) ، لعدم تمکنه منه. و لیس بجید.

و لو اجتمع الدین و فطرة العبد علی المیت بعد الهلال، قسمت الترکة علیهما بالحصص عند قصور الترکة، لأنهما فرضان فتبسط الترکة علیهما.

و لو مات قبل الهلال فلا زکاة علی الوارث و لا علی غیره، إلا أن یعوله أحدهما، لتعلق الدین بالترکة. و الأقرب عندی وجوب الفطرة علی الوارث، لانتقال الترکة إلیه.

و لو أوصی له بعبد فقبل قبل الهلال و مات الموصی قبله، وجبت علیه الزکاة عنه. و لو قبل بعد الهلال، سقطت عنه. و فی الوجوب علی الوارث احتمال، ینشأ: من انتقال الترکة إلیه و عدمه.

و لو اتهب عبدا، فإن قبضه قبل الهلال، وجبت زکاته علیه، و إلا فعلی الواهب. و إن مات قبل الهلال، بطلت الهبة و وجبت علی الوارث، و کذا لو مات المتهب قبل القبض.

ص:438


1- (1) المبسوط 1-239.
2- (2) المبسوط 1-240.

و لو أوصی برقبة عبده لشخص و لآخر بمنفعته، فالزکاة علی الأول، لوجوب النفقة علیه.

و العبد الموقوف علی رجل تجب فطرته علیه، لانتقال الوقف إلیه علی الأقوی، و علی الآخر لا فطرة. و کذا لا فطرة علی العبد الموقوف علی المسجد، أو علی بیت المال.

و عبید التجارة تجب فطرتهم، و إن تعلقت بهم زکاة التجارة استحبابا أو وجوبا علی الخلاف للعموم. و لا یجتمع هنا زکاتان، لتعلق الفطرة بالبدن، و لهذا وجبت علی الأحرار، و التجارة بالقیمة و هی المال.

و عبید التجارة فی ید المضارب زکاتهم علی العامل و المالک إن ظهر فیهم ربح، و إلا فعلی المالک. و عبد العبد فطرته علی المولی.

البحث الثالث (القرابة)

کل من وجب علیه نفقته من الأقارب، و هم العمودان و إن علوا و الأولاد و إن نزلوا، تجب علیه فطرته، لعموم قوله علیه السلام: أدوا صدقة الفطرة عمن تمونون(1).

و إنما یجب علی الأب فطرة ابنه المعسر بعد انفصاله حیا، و لا تجب علی الحمل، لأنه لم تثبت له أحکام الدنیا، إلا فی الإرث و الوصیة بشرط أن یخرج حیا.

و المطلقة رجعیة کالزوجة. و البائن إن کانت حاملا، فإن قلنا النفقة للحمل فلا فطرة، و إن قلنا للحامل وجبت.

و لو وجد القریب قوته لیلة العید و یومه، سقطت فطرته عن المنفق،

ص:439


1- (1) وسائل الشیعة 6-230 ح 15.

لسقوط نفقته عنه و سقطت عنه لفقره. و لا فرق بین أن یکون الولد صغیرا أو کبیرا.

و کل من وجبت زکاته علی غیره سقطت عنه، کالزوجة و الضیف الموسرین، و لو أخرجا الزکاة عن أنفسهما بإذن الزوج و المضیف، أجزأ إجماعا، و لو کان بدون إذن، احتمل الإجزاء و عدمه، و منشأ الإشکال: التحمل، أو الأصالة.

الفصل الثالث (فی الوقت)

و تجب بغروب الشمس لیلة العید، لأنها أضیفت إلی الفطر. قال ابن عباس: إن النبی صلی اللّه علیه و آله فرض زکاة الفطرة طهرة للصائم من الرفث و اللغو(1). فتجب به کزکاة المال، لأن الإضافة دلیل الاختصاص.

و یمتد وقتها بامتداد وقت صلاة العید، و هو زوال الشمس من یوم الفطر. فلو بلغ قبل الغروب، أو أسلم، أو زال جنونه، أو استغنی، أو ملک عبدا، أو ولد له ولد، وجبت. و لو حصل ذلک کله بعد الغروب، استحب له إن لم یصل العید. و لو حصلت بعد صلاة العید، سقطت وجوبا و استحبابا.

و لو مات عبده، أو ولده، أو زوجته، أو طلقها بائنا بعد الغروب، وجبت فطرتهم.

و لو باع عبده بعد الغروب، فالزکاة علیه. و إن کان قبله، فالزکاة علی المشتری، و إن کان فی مدة خیار البائع.

و لو اتهب العبد قبل الغروب و لم یقبض إلا بعده، فالزکاة علی الواهب، لأن انتقال الهبة بالقبض.

ص:440


1- (1) جامع الأصول 5-354.

و لو أوصی له بعبد و مات الموصی قبل الغروب و لم یقبل الموصی له إلا بعد الغروب، فالفطرة فی ترکة المیت، أو علی الوارث، أو لا فطرة إن جعلنا القبول سببا أو جزءا. و إن جعلناه کاشفا فالفطرة علی الموصی له.

و لو مات الموصی له قبل القبول و الرد فقبل ورثته، فالوجهان.

و لو مات المولی بعد غروب الشمس، فالزکاة علیه فی ترکته و قبله علی الوارث.

و یستحب إخراجها بعد طلوع الفجر یوم العید قبل صلاة العید. و هل یجوز تقدیمها؟ قال الشیخ: نعم بیوم أو یومین، أو من أول الشهر(1). و الوجه أن ذلک علی سبیل القرض، لعدم الإجزاء قبل وجود السبب، کالمکفر قبل الحنث.

و یحرم تأخیرها عن الزوال، لأنها عبادة موقتة، فیحرم تأخیرها عن وقتها کغیرها من الموقتات.

ثم إن کان قد عزلها قبل الزوال، وجب علیه إخراجها بنیة الأداء. و إن لم یکن قد عزلها، قیل: سقطت، لفوات الوقت. و قیل: یجب أن یأتی بها قضاء، لعدم سقوط الفریضة بفوات وقتها. و قیل: أداء. و الأجود الأوسط.

و لو أخر دفعها بعد العزل مع الإمکان، فعل حراما و کان ضامنا. و لو لم یتمکن فلا إثم و لا ضمان.

و لا یجوز حملها إلی بلد آخر مع وجود المستحق فیضمن. و لو فقد المستحق جاز الحمل و لا ضمان.

و لو أخر العزل مع عدم المستحق، فلا إثم و لا یقضی [1].

الفصل الرابع (فی الواجب)

ص:441


1- (1) المبسوط 1-242.

ص:442

کتاب البیع

اشارة

و فیه مقاصد:

ص:443

ص:444

المقصد الأول: فی ماهیته و أرکانه

اشارة

و فیه فصول:

ص:445

ص:446

الفصل الأول (فی ماهیته و صیغته)

اشارة

و فیه بحثان:

البحث الأول (الماهیة)

البیع انتقال عین مملوکة من شخص إلی غیره بعوض معین علی جهة التراضی. و یدخل فیه بیع المعاطاة عند من یسوغه، و یخرج عنه عند من یمنعه بالانتقال.

و هو جائز بالنص و الإجماع، قال اللّه تعالی وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ (1)لَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّکُمْ (2) قیل: کانت عکاظ و جحفة و ذو المجاز أسواقا فی الجاهلیة، فلما کان الإسلام تأثموا فیه، فأنزلت لَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّکُمْ فی مراسم الحاج، و قوله تعالی إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ (3).

و قال علیه السلام: البیعان بالخیار ما لم یفترقا(4). و خرج علیه السلام

ص:447


1- (1) سورة البقرة: 275.
2- (2) سورة البقرة: 198.
3- (3) سورة النساء: 29.
4- (4) سنن ابن ماجة 2-736 الرقم 2182.

إلی المصلی فرأی الناس یتبایعون، فقال: یا معشر التجار، فاستجابوا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فرفعوا أعناقهم و أبصارهم إلیه، فقال: إن التجار یبعثون یوم القیامة فجارا إلا من بر و صدق(1).

و أجمع المسلمون کافة علی جوازه فی الجملة. و الحکمة تقتضیه، لأن الحاجة قد تدعو الإنسان إلی التعلق بما فی ید صاحبه، و صاحبه لا یبذل بغیر عوض، و فی شرعیته إیصال کل واحد منهما إلی غرضه و دفع حاجته.

البحث الثانی (فی صیغته)

و هی الإیجاب و القبول، فالإیجاب من جهة البائع، بأن یقول: بعت، أو شریت، أو ملکت. و القبول من جهة المشتری، بأن یقول: قبلت، و یقوم مقامه ابتعت و اشتریت و تملکت، و إنما جعلناها قائمة مقام القبول لا قبولا، لأن القبول علی الحقیقة ما لا یمکن الابتداء به، فإذا أتی بما یمکن الابتداء به فقد أتی بأحد شقی العقد.

و لا فرق بین أن یتقدم قول البائع «بعت» علی قول المشتری «اشتریت» و من أن یتقدم قول المشتری «اشتریت» و یصح البیع فی الحالتین علی الأقوی، بخلاف ما لو قدم «قبلت» فإنه لا یعد قبولا و لا جزءا من العقد، فکان لغوا.

و لا بد من الصیغة الدالة علی الإیجاب و القبول، للنهی عن الأکل بالباطل، بل المأمور به التجارة عن التراضی، و الرضا من الأمور الباطنة التی یعسر الوقوف علیها، فناط الشارع الحکم باللفظ الظاهر توصلا علی علم الباطن غالبا، و لم یعتد بالنادر.

و لا یشترط اتفاق اللفظین، فلو قال البائع: شریت، فقال المشتری:

تملکت أو ابتعت، أو قال البائع: ملکت، فقال المشتری: اشتریت، صح لاتحاد المعنی.

ص:448


1- (1) سنن ابن ماجة 2-726 الرقم 2146.

و المعاطاة لیست بیعا، و هو أن یقول: أعطنی بهذا الدینار جزءا، فیعطیه ما یرضیه. أو یقول: خذ هذا الثوب بدینار فیأخذه، لأن الأفعال لا دلالة لها بالوضع، و قصود الناس فیها تختلف. و لا فرق بین المحقرات و غیرها، لأصالة بقاء الملک فیهما.

و هل هو إباحة ؟ أو یکون حکمه حکم المقبوض بسائر العقود الفاسدة ؟ الأقرب الثانی، فلکل منهما مطالبة الآخر بما سلمه إلیه ما دام باقیا، و یضمنانه إن کان تالفا. فلو کان الثمن الذی قبضه البائع مثل القیمة، فهو مستحق ظفر بمثل حقه و المالک راض فله تملکه. و یحتمل العدم.

و لو قال: بعنی، فقال البائع: بعتک، فإن قال بعد ذلک: اشتریت أو قبلت، انعقد لا محالة و إلا فلا، لاحتمال أن یکون غرضه استبانة رغبة البائع فی البیع. و هذا بخلاف النکاح لو قلنا بصحة زوجنی فیقول: زوجتک، لأن النکاح لا یجری معاوضة فی الغالب، فتکون الرغبة معلومة من قبل و یتعین قوله «زوجنی» استدعاء جزما، و البیع کثیرا ما یقع معاوضة.

و کذا لا ینعقد لو قال البائع: اشتر منی کذا، فیقول المشتری:

اشتریت. بل هذا أولی بالعدم، لأن قول المشتری «بعنی» موضوع للطلب، و یعتبر من جهة الطلب مبتدئا أو القبول مجیبا. و قول البائع «اشتر کذا» لم یوضع للبدل و لا للإیجاب، و لا بد من جهته من بدل أو إیجاب.

فلو قال المشتری: أ تبیعنی عبدک بکذا [أو قال: بعتنی بکذا] [1] فقال:

بعت، لم ینعقد، إلا أن یقول بعده: اشتریت. و کذا لو قال البائع: اشتری داری بکذا، أو اشتریت منی داری، فقال: اشتریت، لا ینعقد حتی یقول بعده: بعت، إذ الاستفهام لا یقتضی الجزم بالإیجاب و القبول.

و لا ینعقد بالکنایات، مثل خذه منی، أو تسلم منی بألف، أو أدخلته فی ملکک، أو جعلته لک بکذا، أو سلطتک علیه بألف، أو أبحته لک بألف.

ص:449

لأن المخاطب لا یدری بما خوطب.

و لا ینعقد بالکتابة علی قرطاس و لوح و أرض و حجر و خشب و غیر ذلک.

و لا برسم الأحرف علی الماء و الهواء، سواء کان المشتری حاضرا عند البائع أو غائبا. نعم لو عجز عن النطق و کتبا أو أحدهما، و انضم إلیه قرینة إشارة دالة علی الرضا، صح.

و لا بد من إیقاع القبول فی مجلس الإیجاب، فلو قال: بعت داری من فلان و هو غائب، فلما بلغه الخبر قال: قبلت، لم ینعقد، لأنه لا یعد قبولا عرفا. و لو قال: بعت من فلان و أرسل إلیه رسولا فأخبره بذلک، فقبل، لم ینعقد أیضا.

و لا بد من الصیغة إیجابا و قبولا، و إن تولی طرفی العقد، کبائع مال ولده من نفسه أو بالعکس.

و یشترط أن لا یطول الفصل بین الإیجاب و القبول، و لا یتخللهما کلام أجنبی غیر العقد، إذا خرج بذلک عن القبول عرفا، سواء تفرقا عن المجلس أو لا.

و لو مات المشتری بعد الإیجاب و وارثه حاضر فقبل، لم ینعقد.

و یشترط المطابقة بین الإیجاب و القبول، فلو قال: بعتک بألف صحیحة، فقال: قبلت بألف قراضة، أو بالعکس. أو قال: بعتک جمیع کذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمسمائة. أو قال لاثنین: بعتکما بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه بخمسمائة، لم یصح.

و لو قال: بعتک هذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمسمائة و نصفه بخمسمائة، احتمل الصحة لأنه تصریح بمقتضی الإطلاق و لا مخالفة، و ترتبه علی أن تفصیل الثمن هل هو من موجبات تعدد الصفقة، و البائع هنا أوجب بیعة واحدة، و الفاعل قبل بیعین لم یوجبهما البائع، ففیه مخالفة.

و لو قال: بعتک بألف، فقال: اشتریت بألف و خمسمائة، لم یصح أیضا.

ص:450

و لو قال الواسطة للبائع: بعت بکذا، فقال: نعم أو بعت، و قال للمشتری: اشتریت بکذا، فقال: نعم أو اشتریت، احتمل عدم الانعقاد، لأن کلا منهما لم یخاطب صاحبه، و ثبوته لوجود الصیغة و التراضی.

و یکفی فی القبول أن یقول: قبلت عقیب بعتک کذا بألف، و لا یشترط قبلت البیع. و کذا فی النکاح، لوجود القبول الدال علی الرضا.

و لا بد و أن یقع الإیجاب و القبول منجزا، فلو علقه علی شرط لم یقع، کما لو قال: إن دخلت، لأصالة بقاء الملک.

و لو علقه علی مشیة المشتری، بأن قال: بعت هذا بألف إن شئت، فقال: اشتریت، لم ینعقد أیضا، لما فیه من التعلیق، کما لو قال: إن دخلت الدار. و یحتمل هنا الصحة، لأن هذه صفة تقتضیها إطلاق العقد، فإنه لو لم یشأ لم یشتر و الحق الأول، فإنه حالة الإیجاب غیر عالم بحاله، فلم یوقع الإیجاب منجزا.

و یصح بیع الأخرس و شراؤه بالإشارة و الکتابة، مع انضمام القرینة.

و الصیغة إنما تعتبر فی البیع المستقل، أما الضمنی کقوله: أعتق عبدک عنی علی ألف، فلا یعتبر فیه الصیغ المذکورة. و یکفی فیه الالتماس و الجواب.

ص:451

ص:452

الفصل الثانی (فی العاقد)

اشارة

و شروطه أربعة: البلوغ، و العقل، و الاختیار، و القصد، فهنا مباحث:

البحث الأول (فی البلوغ)

لا عبرة بعقد الصبی لا لنفسه و لا لغیره، سواء کان الصبی ممیزا أو لا، و سواء باشر بإذن الولی أو لا، لأنه غیر مکلف فأشبه غیر الممیز، و لأن العقل لا یمکن الوقوف فیه علی الحد الذی یصح به التصرف لخفائه و تزایده بتزاید أخفی [1] التدریج، فجعل الشارع له ضابطا و هو البلوغ، فلا یثبت له أحکام العقلاء قبل وجود المظنة.

و هل یصح بیع الاختبار؟ إشکال، ینشأ: من الأمر به فی قوله تعالی وَ ابْتَلُوا الْیَتامی (1) و المنع لما تقدم، فیفوض الولی الاستیام و تدبیر العقد إلیه، فإذا انتهی الأمر إلی اللفظ أتی به الولی.

ص:453


1- (1) سورة النساء: 6.

و علی ما اخترناه لو اشتری و قبض المبیع، فتلف فی یده أو أتلفه، فلا ضمان علیه فی الحال و لا بعد البلوغ. و کذا لو استقرض مالا، لأن المالک هو المضیع لماله بالتسلیم إلیه، و ما دامت العین باقیة فی الموضعین فللمالک الاسترجاع.

و لو سلمه ثمن ما اشتراه، فعلی الولی استرجاعه، و البائع یرده علی الولی، فإن رده علی الصبی، لم یبرأ من ضمانه.

و کذا لو عرض الصبی دینارا علی ناقد لینقده، أو متاعا علی مقوم لیقومه، فأخذه لم یجز رده علی الصبی، بل علی ولیه إن کان للصبی، و علی مالکه إن کان لکامل.

فلو أمره ولی الصبی بالدفع إلیه فدفعه إلیه، برئ من ضمانه إن کان المال للولی، و إن کان للصبی فلا، کما لو أمره بإلقاء مال الصبی فی البحر یلزمه الضمان.

فلو تبایع صبیان و تقابضا و أتلف کل منهما ما قبضه، فإن جری بإذن الولیین فالضمان علیهما، و إلا فلا ضمان علیهما، بل علی الصبیین، لأن تسلیمهما لا یعد تسلیطا و تضییعا.

و کما لا ینفذ بیع الصبی و شراؤه، فکذا نکاحه و جمیع تصرفاته، و فی تدبیره و عتقه و صدقته و وصیته بالمعروف خلاف یأتی.

فإذا فتح الباب و أخبر عن إذن أهل الدار فی الدخول، أو أوصل هدیة إلی إنسان و أخبر عن إهداء مهدیها، فإن انضمت قرینة تؤذن العلم أو الظن بحقیقة الحال، جاز الدخول و القبول، و هو فی الحقیقة عمل بما علم أو ظن لا بالقول. و إن لم ینضم، فإن کان غیر مأمون القول لم یعتمد علیه، و إلا فالأقوی القبول جریا علی العادات.

و کما لا یصح تصرفاته اللفظیة، لا یصح قبضه فی تلک التصرفات، فإن للقبض من التأثیر ما لیس للعقد. فلو قبض الموهوب، لم یفد له الملک و إن

ص:454

اتهب له الولی و لا لغیره إذا أمره الموهوب منه بالقبض له.

و لو قال صاحب الدین للمدیون: سلم حقی إلی هذا الصبی، فسلمه قدر حقه لم یبرأ عن الدین، و کان ما سلمه باقیا علی ملکه، حتی لو ضاع ضاع منه، و لا ضمان علی الصبی، لأن المالک ضیعه حیث سلمه إلیه، و بقاء الدین لأن الدین مرسل فی الذمة، لا یتعین إلا بقبض صحیح، فإذا لم یصح القبض لم یزل الحق المطلق عن الذمة، کما لو قال: ارم حقی فی البحر، فألقی قدر حقه. بخلاف ما لو قال للمستودع: سلم مالی إلی الصبی أو ألقه فی البحر، فسلم أو ألقی، لأنه امتثل المأمور فی حقه المعین، فخرج عن العهدة.

و لو کانت الودیعة للصبی فسلمها إلیه، ضمن و إن کان بإذن الولی، إذ لیس له تضییعها بأمر الولی.

البحث الثانی (العقل)

لا عبرة بعبارة المجنون فی العقد إیجابا و قبولا لنفسه و لغیره، سواء أذن له الولی أو لا. و کذا المغمی علیه و السکران و الغافل و النائم، سواء رضی کل منهم بما فعله بعد زوال عذره أو لا، لارتفاع العقل الذی هو مناط صحة التصرفات فأشبه غیر الممیز، و لقوله علیه السلام: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبی حتی یبلغ، و عن المجنون حتی یفیق(1).

و لو کان الجنون یعتوره، فعقد حال إفاقته، صح لوجود المقتضی للملک، و هو العقد السالم عن المانع و هو الجنون.

البحث الثالث (فی بقیة الشرائط)

و یشترط الاختیار و القصد، فلا ینعقد بیع المکره و لا شراؤه، و لا فاقد .

ص:455


1- (1) الخصال ص 94

القصد لغفلة أو نوم أو هزل، لعموم قوله تعالی إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ (1) فالمناط و هو التراضی إنما یتحقق بالاختیار و القصد.

فلو باع المکره و رضی بعد زوال عذره، انعقد، للوثوق بعبارته.

و لو أکره علی دفع مال ظلما و هو عاجز عنه، فباع لیأخذ الثمن و یدفعه صح البیع، حیث لم یکره علیه.

و بیع التلجئة باطل، و هو أن یخاف أن یأخذ الظالم ملکه، فیواطی رجلا علی أن یظهر أنه اشتراه منه لیحفظه من الظالم، و لا یرید بیعا حقیقیا، لأنهما لم یقصدا البیع فکانا کالهازلین.

البحث الرابع (الإسلام)
اشارة

لا یشترط إسلام العاقد، فیصح بیع الکافر و شراؤه، لأنه عقد صادف ملکا فاقتضی أثره، إلا أن یشتری مسلما أو مصحفا، فیشترط إسلام المشتری، لأن الرق ذل فلا یجوز إثباته للکافر علی المسلم، کما لا ینکح الکافر المسلمة، و لقوله تعالی وَ لَنْ یَجْعَلَ اللّهُ لِلْکافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً (2) و التملک أعظم السبیل.

فعلی هذا لو عقد کان باطلا و لم یثمر الملک. و یحتمل الصحة، لأنه طریق من طرق التملک، فیملک به الکافر رقبة المسلم کالإرث. و کذا البحث فیما لو وهب منه عبد مسلم فقبل، أو أوصی له به.

أما المصحف فیحتمل البطلان قطعا، تعظیما للکتاب العزیز و صیانة له عن ملاقاة النجاسة. و الفرق بینه و بین العبد تملک [1] العبد من الاستعانة و دفع

ص:456


1- (1) سورة النساء 29.
2- (2) سورة النساء 141.

الذل عن نفسه. و یحتمل الصحة، فیقهر علی بیعه.

و هل تجری الأحادیث عن الرسول و أهل بیته علیهم السلام مجری المصحف فی المنع من البیع ؟ إشکال، فإن قلنا به منعنا من الکتب المشتملة علی الأخبار و الآثار من کتب الفقه دون غیرها.

فروع:

الأول: لو اشتری الکافر العبد المسلم و قلنا بالمنع، کان العقد باطلا علی ما تقدم، فلو کان قریبه الذی یعتق علیه کابنه و أبیه، احتمل البطلان أیضا، لما فیه من ثبوت الملک للکافر علی المسلم. و الصحة، إذ الملک المستعقب بالعتق بغیر اختیار المشتری لیس بإذلال، و إلا لم یجز للمسلم شراء أبیه، إذ لا یجوز له إذلاله.

الثانی: کل ملک یستعقب عتقا، حکمه حکم شراء القریب، کما لو قال الکافر لمسلم: أعتق عبدک المسلم عنی بعوض أو بغیر عوض، فأجابه إلیه. و کما لو أقر بحریة عبد مسلم فی ید غیره ثم اشتراه، فالأولی من هاتین أولی بالصحة من الأخری، لأن الملک فیها ضمنی، و العتق فی الثانیة - و إن حکم به - فهو ظاهر غیر محقق.

الثالث: لو اشتری عبدا مسلما بشرط الإعتاق، فهو کما لو اشتراه مطلقا، فإن العتق لا یحصل عقیب الشراء، و إنما یزول بإزالته. و یحتمل مساواته لشراء القریب.

الرابع: یجوز أن یستأجر الکافر المسلم علی عمل فی الذمة، لأنه کدین فی ذمته، و هو سبیل من تحصیله بغیره فینتفی السبیل، و إن وقعت علی العین فالأقرب الجواز، حرا کان الأجیر أو عبدا، لأنها لا تفید ملک الرقبة، و لا تسلطا تاما بل نفسه فی یده أو ید مولاه، و إنما یستوفی منفعته بعوض. و یحتمل البطلان، لأن صحتها تستلزم استحقاق استعماله و فیه إذلال له، فأشبه الشراء.

ص:457

و علی الصحة هل یؤثر بإزالة ملکه عن المنافع بأن یؤاجره من مسلم ؟ الأقرب عدم الوجوب.

الخامس: یصح للکافر أن یرتهن العبد المسلم، إذ لا تسلط فیه علیه.

و یجوز أیضا إعادته و إیداعه، إذ لیس فیهما رقبة و لا منفعة و لا حق لازم.

السادس: لو باع الکافر عبده المسلم الذی ورثه، أو کان قد أسلم فی یده بعین ثم وجد بها عیبا، کان له رد العین، فحینئذ یحتمل أن یسترجع العبد، لأن الاختیار فی الرد. أما عود العوض إلیه، فهو قهری کالإرث. و یشکل بأن الملک القهری الذی لا یتعلق سببه بالاختیار. و الاختیاری هو الذی یتعلق سببه به، أما نفس الملک بعد تمام السبب، فهو قهری أبدا، و معلوم أن عود الملک بهذا اختیاری.

نعم الفسخ بالعیب یقطع العقد و یجعل الأمر کما کان، و لیس هو کإنشاء العقود. و لهذا لا تثبت به شفعة، و حینئذ ینزل منزلة استدامة الملک، و یحتمل أن یسترد القیمة و یجعل العبد کالهالک.

أما لو وجد مشتری العبد به عیبا و أراد رده و استرداد عینه، [فإنه کما لا یجوز للکافر تملک المسلم یجوز للمسلم تملیک الکافر لا أباه، و یحتمل الجواز إذ لا اختیار للکافر لها] [1] احتمل المنع، و لو تقایلا فالوجهان، لأن الإقالة فسخ.

السابع: لو وکل الکافر مسلما فی شراء مسلم لم یجز، لأن العقد یقع للموکل أولا و لا ینتقل إلیه أخیرا. و لو وکل مسلم کافرا لیشتری له عبدا مسلما صح، سواء سمی الموکل فی الشراء أو لا، لأن الملک یقع عندنا للموکل لا للوکیل.

الثامن: الأقرب أنه لا یجوز للکافر أن یشتری العبد المرتد، لبقاء علقة الإسلام.

ص:458

التاسع: لو اشتری الکافر عبدا کافرا، فأسلم قبل القبض، احتمل البطلان، کما لو اشتری عصیرا فتخمر قبل القبض. و الصحة، کما لو أبق قبل القبض. فإن قلنا بالصحة، فالأقوی أن المشتری لا یقبضه، بل ینصب الحاکم من یقبض عنه، ثم یأمره بإزالة الملک. و کذا لو قلنا بصحة شراء الکافر للمسلم.

العاشر: إذا کان فی ملک الکافر عبد کافر فأسلم لم یقر فی یده، سواء الذکر و الأنثی، و سواء کان الکافر ذمیا أو حربیا، دفعا للذل عن المسلم، و قطعا لسلطنة الکافر عنه، قال اللّه تعالی وَ لَنْ یَجْعَلَ اللّهُ لِلْکافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً (1) و لا یحکم بزوال ملکه.

بخلاف ما لو أسلمت الزوجة تحت الکافر، لأن ملک النکاح لا یقبل النقل، فیتعین البطلان. و ملک الیمین یقبل النقل، و به یحصل رفع الذل فیصار إلیه و یؤمر بإزالة ملکه.

الحادی عشر: کیف حصل إزالة الملک أجزأ، إما ببیع، أو عتق، أو هبة أو غیرها. و لا یکفی الرهن و التزویج و الإجارة و الحیلولة. و الأقرب و لا الکتابة، لاستمرار الملک علی رقبة المکاتب. و یحتمل الاکتفاء بالمطلقة [1]، لأنها تفید الاستقلال و تقطع حکم السید. و یحتمل المشروطة أیضا.

فإن قلنا بالاکتفاء، فالکتابة صحیحة. و إن قلنا بعدمه، احتمل فسادها و یباع العبد، و هو الأقوی. و یحتمل الصحة. ثم إن جوزنا بیع المکاتب بیع مکاتبا، و إلا فسخت الکتابة و بیع.

الثانی عشر: لو امتنع الکافر من إزالة الملک عنه، باعه الحاکم علیه بثمن المثل، کما یبیع مال الممتنع من أداء الحق، فإن لم یتفق الظفر بمن یشتریه بثمن المثل، وجب الصبر و یحال بینه و بین الکافر إلی الظفر، و یستکسب له و تؤخذ نفقته منه.

ص:459


1- (1) سورة النساء 141.

الثالث عشر: لو أسلمت مستولدة الکافر، فالأقرب عدم وجوب إجباره علی عتقها، لأنه تخسیر فیحتمل حینئذ بیعها لإزالة السلطنة عنها، و أن یحال بینها و بین المالک و ینفق علیها و تستکسب له فی ید غیره، فإذا مات مولاه انعتقت من نصیب ولدها.

الرابع عشر: لو مات الکافر الذی أسلم العبد فی یده، صار العبد لوارثه، و یؤمر بما کان یؤمر به المورث إن کان کافرا، و إن امتثل و إلا بیع علیه کالمورث.

ص:460

الفصل الثالث (فی المعقود علیه)

اشارة

و شروطه خمسة: الطهارة، و الانتفاع به، و کونه مملوکا للعاقد، مقدورا علی تسلیمه، معلوما، فهنا مطالب:

المطلب الأول (الطهارة)
اشارة

و فیه مباحث:

البحث الأول (فی النجس بذاته)

لا یصح بیع ما لا یقبل الطهارة من الأعیان النجسة، فمنه الکلب و الخنزیر و ما یتولد منهما و من أحدهما و غیره إذا تبعه فی الاسم، لأنه علیه السلام نهی عن بیع الکلب(1). و قول الصادق علیه السلام: ثمن الکلب سحت(2).

و هل یندرج المعلم فیه ؟ إشکال، ینشأ: من جواز إمساکه و إباحة

ص:461


1- (1) سنن ابن ماجة 2-730.
2- (2) وسائل الشیعة 12-83 ح 2.

الانتفاع به و الوصیة و نقل الید عنه بالهبة و غیرها، و له دیة مقدرة فی نظر الشارع، فیصح بیعه. و من العموم. إن سوغنا بیع کلب الصید، فلا فرق بین السلوقی و غیره، لاشتراکهما فی الفائدة.

و الأقرب حینئذ جواز بیع کلب الماشیة و الزرع و الحائط، لوجود المعانی المسوغة فی کلب الصید. أما الخنزیر فلا مساغ لبیعه بحال.

و تصح إجارة هذه الکلاب [1] المنتفع بها دون الکلب العقور، لأنها منفعة مباحة، فجازت المعاوضة علیها. و تصح الوصیة به و هبته، و من قبله وجب علیه دیته علی ما یأتی تفصیله.

و یجوز اقتناء هذه الکلاب، و إن هلکت الماشیة، أو خرب الحائط، أو تلف الزرع. و الأقرب جواز تربیة الجرو الصغیر لأحد الأمور الثلاثة، کما یجوز بیع العبد الصغیر و الدابة الصغیرة الذی لا انتفاع به فی الحال، لأنه یئول إلیه.

البحث الثانی (فی باقی أنواعه)

و هی أنواع:

الأول: المیتة، لا یجوز بیع المیتة النجسة، لقوله تعالی حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ (1) و هو یستلزم إضافة التحریم إلی جمیع المنافع المتعلقة بالعین. و لا فرق بین أن ینتهی الحال إلی جواز الانتفاع بها، کالأکل فی المخمصة أو لا، لخروجها بالموت عن الملک.

و کذا لا یجوز بیع أبعاضها مما تحله الحیاة کالجلد و إن دبغ، لأنه لا یطهر به عندنا. أما ما لا تحله الحیاة کالعظم و الصوف و الشعر و غیرها مما ینتفع به، فإنه یجوز لأنه فی الحقیقة لیس میتة، بل عین ینتفع بها طاهرة فساوت ما ساغ بیعه.

ص:462


1- (1) سورة المائدة 3.

الثانی: الخمر، و لا یجوز للمسلم بیع الخمر و لا شراؤه إجماعا، لأن جابرا سمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله یقول و هو بمکة: إن اللّه و رسوله حرم بیع الخمر و المیتة و الخنزیر و الأصنام(1). و قول الصادق علیه السلام: السحت ثمن المیتة، و ثمن الکلب، و ثمن الخنزیر، و مهر البغی، و الرشا فی الحکم، و أجر الکاهن(2). و قال الباقر علیه السلام: و السحت أنواع کثیرة منها: أجور الفواجر، و ثمن الخمر و النبیذ، و المسکر، و الربا بعد البینة، فأما الرشا فی الحکم فإن ذلک الکفر باللّه عز و جل العظیم و رسوله(3).

و کما لا یجوز إیقاع البیع مباشرة، فکذا تسبیبا. فلا یجوز له أن یوکل ذمیا فی بیعه و شرائه، لقوله علیه السلام: حرمت التجارة فی الخمر(4). و لأن الخمر نجسة محرمة، فحرم بیعها و التوکیل فیها، کالمیتة و الخنزیر. و لأن هذه المعاوضة باطلة، لا باعتبار خصوصیة البائع، بل باعتبار هذه العین. و لأن ید الوکیل فی الحقیقة ید الموکل.

و حکم النبیذ و سائر المسکرات الزبیبیة و العسلیة و المتخذ من الحنطة و الشعیر و غیرهما، حکم الخمر، لوجود مقتضی التحریم و هو الإسکار فیه.

و الفقاع عند علمائنا کافة کالخمر فی جمیع الأحکام.

الثالث: بیع الدم و شراؤه حرام إجماعا، لنجاسته و عدم الانتفاع به.

الرابع: بیع العذرة و شراؤها حرام إجماعا، لوجود المقتضی. و کذا البول و إن کان طاهرا لاستخباثه، کأبوال البقر و الإبل و إن انتفع به فی شربه للدواء، لأنه لمنفعة جزئیة نادرة فلا یعتد بها، إذ کل شیء یفرض من المحرمات لا یخلو عن منفعة، کالخمر للإبقاء فی یده للتخلیل، و العذرة للتسمید، و المیتة لأکل جوارح الصید. و لا یعتبرها الشارع.

ص:463


1- (1) سنن ابن ماجة 2-732.
2- (2) وسائل الشیعة 12-62 ح 5.
3- (3) وسائل الشیعة 12-62 ح 1.
4- (4) وسائل الشیعة 12-165.

و السرجین النجس حرام بیعه و شراؤه لنجاسته، فأشبه المیتة. و کذا السرجین غیر النجس لاستخباثه. و الوجه عندی جواز بیعه، لطهارته و الانتفاع به.

الخامس: ما اشتمل علی أحد هذه، کالتریاق المشتمل علی لحوم الأفاعی، فإنه لا یجوز بیعه و لا شراؤه و لا الانتفاع به، إلا مع خوف التلف لولاه، فالأقرب عندی حینئذ الجواز، کأکل المیتة للمضطر.

و یصح بیع الحیوان و إن اشتمل باطنه علی النجاسة، لعدم القصد إلیها، و بیع بزر القز و فأرة المسک لطهارته.

البحث الثالث (فیما نجاسته عرضیة)

کل ذات أصلها الطهارة إذا عرض لها التنجیس، فإن أمکن تطهیرها، صح بیعها حال نجاستها، لطهارة جوهرها و إمکان إزالة النجاسة عنها. و ما لا یمکن طهارته لا یصح بیعه کذاتی النجاسة، کالخل و اللبن و الدبس إذا نجست.

و الدهن النجس إن کان نجس العین، فلا سبیل إلی بیعه بحال، کالألیة المقطوعة من الحیة أو المیتة و ودک المیتة، و لا یجوز الاستصباح به تحت السماء، فإن نجس بعارض جاز بیعه، لفائدة الاستصباح به تحت السماء، و لا یجوز تحت الظلال، سواء قلنا یمکن تطهیره أو لا.

و یجوز بیع الماء النجس، لقبوله الطهارة بالمکاثرة. و کما یجوز بیع الدهن النجس، کذا یجوز الوصیة به و الهبة و الصدقة.

و یحرم اقتناء الأعیان النجسة إلا لفائدة، کالکلب و السرجین لتربیة الزرع و الخمر للتخلیل. و کذا یحرم اقتناء المؤذیات کالحیات و السباع.

ص:464

المطلب الثانی (الانتفاع)
اشارة

یشترط کون المبیع مما ینتفع به منفعة معتبرة فی نظر العقلاء شائعة فی نظر الشرع، فإن ما لا منفعة فیه لا یعد مالا، فکان أخذ المال فی مقابلته قریبا من أکل المال بالباطل.

و لخلو الشیء عن المنفعة سببان: القلة و الخسة، فالقلة کالحبة و الحبتین من الحنطة و الزبیبة الواحدة، لأن ذلک لا یعد مالا، و لا یبذل فی مقابلته المال، و لا نظر إلی ظهور الانتفاع إذا ضم هذا القدر إلی أمثاله، و لا إلی ما یفرض من وضع الحبة الواحدة فی فم القمح، و لا فرق بین زمان الرخص و الغلاء فی ذلک.

و مع هذا فلا یجوز أخذ الحبة و الحبتین من صبرة الغیر، و إلا لانجر ذلک إلی أخذ الکثیر، فإن أخذ الحبة آخذ، وجب الرد، فإن تلفت احتمل الضمان بالمثل، لأنه من ذوات الأمثال، و عدمه لأنه لا مالیة لها.

و أما الخسة کالحشرات کالفأر و الحیات و الخنافس و العقارب و النمل و الذباب و نحوها، و لا نظر إلی منافعها المعدودة فی الخواص، فإن تلک المنافع لا تلحقها بما یعد فی العادة مالا. و فی معناها السباع التی لا تصلح للاصطیاد و القتال علیها، کالأسد و الذئب و النمر. و لا ینظر إلی اقتناء الملوک لها للهیبة و السیاسة، فلیس هی من المنافع المعتبرة. و یحتمل جواز بیع السباع کلها لفائدة الانتفاع بجلودها عند الذکاة.

و لا یجوز بیع الحدأة و الرحمة و إن کان فی أجنحة بعضها فائدة، و کذا بیضها. و کذا المسوخ لا یجوز بیعها کالقرد و إن قصد به حفظ المتاع، و کذا الدب. و کذا المسوخ البحریة، کالجری و السلاحف و التمساح.

و الأقرب جواز بیع کل ما ینتفع بجلده عند الذکاة، لتوقع الانتفاع بجلودها فی المال، فصار کالطفل الرضیع، و فی روایة عن الصادق علیه السلام

ص:465

أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله نهی عن القرد أن یشتری أو یباع(1).

و لا یجوز بیع العلق و إن انتفع به فی امتصاص الدم، لأنها منفعة جزئیة غیر معتد بها، فلا تؤثر فی المالیة عرفا.

أما ما ینتفع به من السباع للصید، أو القتال علیه، فیجوز بیعه لطهارته و کثرة منفعته. و لأن عیصا سأل الصادق علیه السلام فی الصحیح عن الفهود و سباع الطیر، هل یلتمس للتجارة فیها؟ قال: نعم(2).

و کذا الفیل و عظامه، لأن الکاظم علیه السلام سئل عن عظام الفیل یحل بیعه أو شراؤه و الذی یجعل منه الأمشاط؟ فقال: لا بأس، و قد کان لأبی مشط أو أمشاط(3).

و کذا الحیوانات الطاهرة المنتفع بها، کالنعم و البغال و الحمیر، و من الصیود کالضبی و الیحامیر، و من الجوارح کالصقور و البزاة و الفهود، و من الطیور کالحمام و العصافیر و العقاب. و ما ینتفع بلونه أو صورته کالطاوس و الزرزور.

و یجوز أیضا بیع دود القز، لما فیه من المنفعة. و بیع النحل فی الکوارة مع المشاهدة، و إمکان التسلیم بجمیعها. و لو باعها و هی طائرة، صح مع المشاهدة و إمکان التسلیم.

و أما السم فإن کان مما یقتل کثیره و ینفع قلیله، کالسقمونیاء و الأفیون، جاز بیعه. و إن قتل کثیره و قلیله، لم یجز لعدم الانتفاع إلا نادرا، کوضعه فی طعام الکافر، فلا یثبت فیه المالیة باعتباره.

و یجوز بیع الحمار الزمن، لأنه مما یؤکل لحمه عندنا، فأشبه العبد الزمن الذی یتقرب بإعتاقه.

.

ص:466


1- (1) وسائل الشیعة 12-124 ح 4.
2- (2) وسائل الشیعة 12-123 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 12-123 ح 2

و ما لا منفعة فیه فی نظر الشرع، کآلات الملاهی مثل المزمار و الطنبور و غیرها إن کان مما لا یعد الرض مالا، لم یجز بیعها، لأن المنفعة فیها لما کانت محرمة شرعا ألحقت بالمنافع المعدومة حسا. و إن عد الرض مالا، جاز بیعها قبل الرض، للمنفعة المتوقعة. و یحتمل المنع، لأنها علی هیئتها آلة الفسق، و لا یقصد بها غیره ما دام الترکیب. و کذا الأصنام و الصور المتخذة من الذهب و الخشب و غیرها.

و یجوز بیع الجاریة المغنیة و إن کان الغناء أکثر منافعها، إذ لا یخرج بهذه الصنعة عن المالیة. و لو کانت تساوی ألفا و باعتبار الغناء تساوی ألفین، فاشتراها بألفین و لو لا الغناء لم تطلب إلا بألف، فالوجه الصحة. أما لو اشتراها بشرط الغناء المحرم بطل.

و یصح بیع الماء المملوک، لأنه طاهر ینتفع به، و یصح بیعه علی شط النهر، و بیع التراب فی الصحراء، و بیع الأحجار فیما بین الشعاب الکثیرة الأحجار، لأن إمکان تحصیل المنفعة من مثلها لا یقدح فی المالیة. و کذا یصح بیع لبن الآدمیات، لأنه طاهر ینتفع به، فأشبه لبن الشاة.

و لو باعه دارا لا طریق إلیها و لا مجاز، جاز مع علم المشتری، و إلا تخیر لأنه عیب.

و لا یجوز بیع السلاح لأعداء الدین و إن کانوا مسلمین، أو لقطاع الطریق، أو فی الفتنة، لما فیه من الإعانة علی الظلم. و یجوز بیع ما یکن من آلات السلاح کالدرع و البیضة، قال الباقر علیه السلام: فإذا کانت الحرب فینا فمن حمل إلی عدونا سلاحا یستعینون به علینا فهو مشرک(1). و قال الصادق علیه السلام: إذا کانت المباینة حرم علیکم أن تحملوا إلیهم السلاح و السروج(2).

و سئل الصادق علیه السلام عن الفئتین تلتقیان من أهل الباطل أبیعهما السلاح ؟ فقال: بعهما ما یکنهما الدرع و الخفین و نحو هذا(3).

ص:467


1- (1) وسائل الشیعة 12-69 ح 2.
2- (2) وسائل الشیعة 12-69 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 12-70 ح 3.

و تحرم إجارة المساکن و السفن للمحرمات، لما فیه من المساعدة علی المعاصی. و لا یملک المؤجر مال الإجارة. أما لو استأجره لا لذلک، صح و إن عمل هو فیه ذلک المحرم.

و یحرم بیع العنب لیعمل خمرا، و الخشب لیعمل صنما، أو البیت لیتخذ کنیسة أو بیعة أو بیت نار، لما فیه من البعث علی فعل المعاصی و الحث علیه.

أما لو باعه ممن یتخذ لا بشرطه، فإنه مکروه غیر محرم، لعموم «وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ» (1) و لأنه بیع تم بأرکانه و شروطه.

و یحتمل عندی التحریم إن علم ذلک، لقوله تعالی وَ لا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (2) و قد سئل الصادق علیه السلام عن الرجل یؤاجر بیته یباع فیه الخمر، فقال: حرام أجره(3). و فی حدیث آخر أنه سئل علیه السلام عن الرجل یؤاجر سفینته و دابته ممن یحمل فیها أو علیها الخمر و الخنازیر، فقال:

لا بأس(4). و الأول محمول علی أنه أجرة لذلک. و الثانی علی أنه أجرة مطلقا، أو للحمل عن المنزل. و سئل علیه السلام عن رجل له خشب فباعه ممن یتخذه صلبانا، فقال: لا(5).

و لو استأجر الذمی دار المسلم، لم یکن له منعه من بیع الخمر فیها سرا، لأنه ملک المنافع، و هذا فعل سائغ له فی دینه، و قد أمرنا بإقرارهم علیه. و لو آجره لذلک حرم.

و لو استأجر دابة أو إنسانا لحمل الخمر للتخلیل أو الإراقة جاز، و إلا فلا.

ص:468


1- (1) سورة البقرة 275.
2- (2) سورة المائدة 2.
3- (3) وسائل الشیعة 12-126 ح 1 ب 29.
4- (4) وسائل الشیعة 12-126 ح 2.
5- (5) وسائل الشیعة 12-127 ح 1.
و هنا مسائل:

الأول: ما نص الشارع علی تحریمه لا یجوز التجارة فیه و التکسب به، کعمل الصور المجسمة، و الغناء و استماعه و أجر المغنیة.

و قد وردت رخصة فی إباحة أجرها فی العرس، إذا لم تتکلم بالباطل و لم تلعب بالملاهی، و لم یدخل الرجال علیها، لقول الصادق علیه السلام: أجر المغنیة التی تزف العرائس، لیس به بأس لیست بالتی تدخل علیها الرجال(1).

أما التی تطلب بها اللهو، فإنه یحرم بیعها، لأن الرضا علیه السلام سئل عن شراء المغنیة، فقال: قد تکون للرجل الجاریة تلهیه، و ما ثمنها إلا ثمن کلب، و ثمن الکلب سحت، و السحت فی النار(2).

الثانی: أجر النائحة بالباطل حرام، و لا بأس إذا ناحت بالحق، لقول الصادق علیه السلام: لا بأس بأجر النائحة التی تنوح علی المیت(3). و یکره مع الشرط للروایة.

الثالث: القمار حرام و ما یؤخذ به حتی لعب الصبیان بالخاتم و الجوز، لقوله تعالی وَ الْمَیْسِرُ (4) و سئل الباقر علیه السلام عن المیسر، فقال: کلما یقمروا به حتی الکعاب و الجوز(5). و سئل الصادق علیه السلام الصبیان یلعبون بالجوز و البیض و یقامرون، فقال: لا تأکل منه فإنه حرام(6).

الرابع: الغش بما یخفی حرام، کمزج اللبن بالماء، و لا بأس بما یظهر للحس، کما لو مزج الحنطة بالشعیر.

الخامس: تدلیس الماشطة، و تزیین الرجل بالحرام. و لو لم تدلس الماشطة

ص:469


1- (1) وسائل الشیعة 12-85 ح 3.
2- (2) وسائل الشیعة 12-88 ح 6.
3- (3) وسائل الشیعة 12-90 ح 7.
4- (4) سورة البقرة: 219.
5- (5) وسائل الشیعة 12-119 ح 4.
6- (6) وسائل الشیعة 12-120 ح 7.

جاز کسبها، لأن الصادق علیه السلام قال: دخلت ماشطة علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال لها: هل ترکت عملک أو قمت علیه ؟ قالت: یا رسول اللّه أنا أعمله إلا أن تنهانی عنه فأنتهی ؟ فقال: افعلی، فإذا مشطت فلا تحکی الوجه بالخرق فإنه یذهب بماء الوجه، و لا تصلی الشعر بالشعر(1).

السادس: معونة الظالمین فی الظلم حرام، قال الصادق علیه السلام:

إن أعوان الظلمة یوم القیامة فی سرادق من نار حتی یحکم اللّه بین العباد(2).

و قال علی بن أبی حمزة: کان لی صدیق من کتاب بنی أمیة فقال: استأذن لی علی أبی عبد اللّه علیه السلام فاستأذنت له، فأذن له، فلما أن دخل و جلس، ثم قال له: جعلت فداک إنی کنت فی دیوان هؤلاء القوم فأصبت من دنیاهم مالا کثیرا فأعظمت [1] فی مطالبه، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام: لو لا أن بنی أمیة وجدوا من یکتب لهم و یجبی لهم الفیء و یقاتل عنهم و یشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا، و لو ترکهم الناس و ما فی أیدیهم لما وجدوا شیئا إلا ما وقع فی أیدیهم.

قال فقال الفتی: جعلت فداک فهل لی من مخرج منه ؟ فقال: إن قلت لک تفعل ؟ قال: أفعل، قال: فاخرج من جمیع ما کسبت من دیوانهم، فمن عرفت منهم رددت علیه ماله، و من لم تعرف تصدق به، و أنا أضمن لک علی اللّه عز و جل الجنة، قال: فأطرق الفتی طویلا، فقال له: قد فعلت جعلت فداک.

قال ابن أبی حمزة: فرجع الفتی معنا إلی الکوفة، فما ترک شیئا علی وجه الأرض إلا خرج منه حتی ثیابه التی علی بدنه، قال: فقسمت له قسمة و اشترینا له ثیابا و بعثنا إلیه نفقة.

قال: فما أتی علیه إلا أشهر قلائل حتی مرض و کنا نعوده قال: فدخلت

ص:470


1- (1) وسائل الشیعة 12-94 ح 2.
2- (2) وسائل الشیعة 12-129 ح 6.

یوما و هو فی السوق، قال: ففتح عینیه ثم قال لی: یا علی و فی لی و اللّه صاحبک، ثم مات، فتولینا أمره فخرجت حتی دخلت علی أبی عبد اللّه علیه السلام فلما نظر إلی قال: یا علی وفینا و اللّه لصاحبک، قال: فقلت صدقت جعلت فداک هکذا و اللّه قال عند موته(1).

السابع: حفظ کتب الضلال و نسخها لغیر النقض أو الحجة، و نسخ التوراة و الإنجیل، لأنهما منسوخان. و خرج علی علیه السلام یوما إلی المسجد و فی ید عمر شیء من التوراة فأمره بإلقائها، و قال: لو کان موسی و عیسی علیهما السلام حیّین لما وسعهما إلا اتباعی [1]. و لأنهما قد حرفا و غیرا و بدلا.

و کذا تعلیمهما و أخذ الأجرة علیهما لما تقدم.

الثامن: هجاء المؤمن حرام، و کذا أخذ الأجرة علیه. و الغیبة و الکذب علیهم، و النمیمة، و سب المؤمنین، و مدح من یستحق الذم، و بالعکس، قال تعالی وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَ یُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً (2) و التشبیب بالمرأة المعروفة المؤمنة غیر الزوجة.

التاسع: تعلم السحر و تعلیمه، و هو کلام یتکلم أو یکتبه أو رقیة، أو یعمل شیئا یؤثر فی بدن المسحور أو قلبه من غیر مباشرة. و هل له حقیقة ؟ قال الشیخ: لا، و إنما هو تخیل. و یقتل لو استحله.

و یجوز حل السحر بشیء من القرآن أو الذکر و الأقسام لا بشیء منه.

و دخل عیسی بن سیفی [2] علی الصادق علیه السلام و کان ساحرا یأتیه الناس و یأخذ علی ذلک الأجر، فقال: جعلت فداک أنا رجل صناعتی السحر و کنت آخذ علیه الأجر و کان معاشی، و قد حججت و منّ اللّه علی بلقائک، و قد تبت

ص:471


1- (1) وسائل الشیعة 12-144 ح 1.
2- (2) سورة الحجرات: 12.

إلی اللّه عز و جل، فهل لی فی شیء منه مخرج ؟ فقال الصادق علیه السلام:

حل و لا تعقد(1).

العاشر: تعلم الکهانة حرام، و الکاهن هو الذی له رئیّ من الجن یأتیه بالأخبار. و عن الصادق علیه السلام أجر الکاهن من السحت(2).

و کذا تعلم النجوم مع اعتقاد تأثیرها بالاستقلال، أو لها مدخل فیه.

و الشعبذة حرام، و هی الحرکات السریعة جدا، بحیث تخفی علی الحس الفرق بین الشیء و شبهه، لسرعة انتقاله من شیء إلی شبهه.

الحادی عشر: القیافة حرام عند علمائنا کافة، لأن النسب عندنا لا تثبت بها بل بالقرعة، فلا یجوز سلوک هذا الطریق.

الثانی عشر: بیع المصحف و شراؤه حرام، بل یباع الجلد و الورق، لمنع الصحابة منه و لم یعلم لهم مخالف، و لأنه یشتمل علی کلام اللّه فیجب صیانته عن البیع و الابتذال. و قال الصادق علیه السلام فی بیع المصاحف: لا تبع الکتاب و لا تشتره و بع الورق و الأدیم و الحدید(3) ، و الشراء أسهل من البیع لأنه استنقاذ للمصحف و بذل ماله فیه.

و یجوز أخذ الأجرة علی کتابة القرآن، لأنها منفعة مباحة، فجاز أخذ العوض علیها. نعم یحرم نقشه بالذهب.

قال محمد الوراق: عرضت علی الصادق علیه السلام کتابا فیه قرآن مختم معشر بالذهب و کتبت فی آخر سورة بالذهب فأریته إیاه. فلم یغیر منه شیئا إلا کتابة القرآن بالذهب، فإنه قال: لا یعجبنی أن یکتب القرآن إلا بالسواد کما کتب أول مرة(4).

ص:472


1- (1) وسائل الشیعة 12-105 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 12-62 ح 5.
3- (3) وسائل الشیعة 12-115 ح 7.
4- (4) وسائل الشیعة 12-117 ح 1.

الثالث عشر: السرقة و الخیانة، یحرم بیعها و أخذها و شراؤها، لأنه تصرف فی مال الغیر بغیر إذنه، فیکون أکلا بالباطل. و قول الصادق علیه السلام: لا یصح شراء السرقة و الخیانة إذا عرفت(1). و قال الصادق علیه السلام: من اشتری سرقة و هو یعلم فقد شرک فی عارها و إثمها(2). أما لو اشتری من السارق أو الخائن أو الظالم شیئا و لا یعلم أنه من أخذها، جاز علی کراهیة، جمعا بین العمل بالأصل و الاحتراز عن الحرام بأبلغ الوجه [1].

و لو وجد عنده سرقة ضمنها، إلا أن یقیم البینة بشرائها، فیرجع علی بائعها مع جهله. قال الصادق علیه السلام فی الرجل یوجد عنده سرقة فقال:

هو غارم إذا لم یأت علی بائعها بشهود(3). و لو کان عالما بالحال فقد أطلق علماؤنا عدم الرجوع بالثمن، لأنه أباحه بغیر عوض، فملکه إیاه مجانا.

و الوجه عندی الرجوع إن کانت العین باقیة و إلا فلا و سیأتی.

و لو اشتری بالمال المغصوب جاریة أو ضیعة، فإن کان بالعین بطل البیع، إذ لا یملک المبیع بثمن غیره، و لو کان قد اشتراه بمال فی الذمة و نقد المال، صح الشراء و حل له وطء الجاریة و استنماء الضیعة، لوقوعهما فی ملکه بثمن مطلق، و هو مغایر للمغصوب، نعم علیه وزر المال الذی نقده، و دفع عوضه مع تعذره.

و لو حج بذلک المال، فإن کان الحج قد وجب علیه بدونه، برئت الذمة إلا فی الهدی. و لو طاف و سعی فی الثوب المغصوب أو الدابة المغصوبة، بطلا.

الرابع عشر: التطفیف فی الکیل و الوزن حرام، لقوله تعالی وَیْلٌ لِلْمُطَفِّفِینَ (4) و لا ینبغی أن یتولی الکیل و الوزن من لا یعرفهما لئلا یزید أو

ص:473


1- (1) وسائل الشیعة 12-250 ح 7.
2- (2) وسائل الشیعة 12-251 ح 6.
3- (3) وسائل الشیعة 12-251 ح 10.
4- (4) سورة المطففین: 1.

ینقص، و لو زاد أو نقص کان ضامنا.

و کذا الناقد لا یتولاه إلا العارف، فإن أخطأ و تعذر الرجوع علی صاحبه احتمل الرجوع علیه، لأنه سبب فی الإتلاف و عدمه، لاستناد التفریط إلی البائع بالإخلال إلیه.

الخامس عشر: الرشا فی الحکم حرام، سواء حکم لباذله أو علیه، بحق أو باطل. قال الباقر علیه السلام: فأما الرشا فی الحکم فإن ذلک الکفر باللّه عز و جل العظیم و برسوله(1). قال الصادق علیه السلام: السحت ثمن المیتة و ثمن الکلب و ثمن الخنازیر و مهر البغی و الرشا فی الحکم و أجر الکاهن(2).

السادس عشر: ما یجب علی الإنسان فعله یحرم أخذ الأجرة علیه، کتغسیل الموتی و تکفینهم و دفنهم، لتعینه علیه، و لا یجوز أخذ الأجرة فیه.

أما لو أخذ الأجرة علی المستحب، کما لو أخذ أجرة علی تکرار کل غسلة ثلاثا، أو توضئة المیت، أو تکفینه بالمستحب، أو دفنه فی اللحد، فالأقرب الجواز، لأنه عمل مقصود محلل، فجاز أخذ الأجرة علیه کغیره. و کذا یجوز أخذ ثمن الکفن و ماء تغسیل المیت.

السابع عشر: یحرم أخذ الأجرة علی الأذان للروایة(3) ، و لأنه من أعظم شعائر الإسلام.

الثامن عشر: یحرم أخذ الأجرة علی القضاء، و سیأتی تفصیله. و یجوز أخذ الرزق علیه و علی الأذان من بیت المال. و کذا یجوز أخذ الأجرة علی عقد النکاح و الخطبة فی الأملاک.

و یحرم الأجرة علی الإمامة فی الصلاة و الشهادة و أدائها.

ص:474


1- (1) وسائل الشیعة 12-62 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 12-62 ح 5.
3- (3) وسائل الشیعة 12-113 ب 30.

التاسع عشر: الأقرب تحریم أخذ الأجرة علی تعلیم القرآن، لأنه من أعظم المعجزات التی تجب تداولها و نقلها بالتواتر، فلا یجوز أخذ الأجرة علیه.

و یجوز قبول الهدیة علیه. و لأن الصادق علیه السلام قال للمعلم: لا تعلم بالأجر و تقبل الهدیة(1).

و قال رجل لعلی علیه السلام: یا أمیر المؤمنین و اللّه إنی لأحبک للّه تعالی. فقال له: و لکنی أبغضک للّه فقال: و لم ؟ قال: لأنک تبغی فی الأذان و تأخذ علی تعلیم القرآن أجرا، و سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: من أخذ علی تعلیم القرآن أجرا کان حظه یوم القیامة(2).

المطلب الثالث (فی الملک)
اشارة

یشترط فی المبیع کونه ملکا لمن یقع العقد له، إما لنفسه إن کان مباشرة، أو لغیره إن کان بولایة أو وکالة عن ذلک الغیر. و هذا شرط اللزوم لا الصحة.

فلو باع مال غیره بغیر ولایة و لا وکالة، وقع موقوفا علی إجازة المالک، فإن أجازه لزم و إلا بطل، و لا یقع باطلا من أصله، لأنه علیه السلام دفع إلی عروة البارقی دینارا لیشتری به شاة، فاشتری به شاتین و باع إحداهما بدینار و جاء بشاة و دینار، فقال النبی صلی اللّه علیه و آله: بارک اللّه فی صفقة یمینک(3).

فالنبی صلی اللّه علیه و آله أجاز ما باعه فضولا، و لأنه عقد له مجیز فی الحال، فینعقد موقوفا کالوصیة. و کذا لو زوج أمة الغیر أو ابنته، أو آجر داره أو رهنها بغیر إذنه.

و لا یکفی فی الإجازة و اللزوم حضور المالک ساکتا، لأن السکوت کما .

ص:475


1- (1) وسائل الشیعة 12-113 ح 5.
2- (2) وسائل الشیعة 12-114 ب 30.
3- (3) مستدرک الوسائل 2-462

یحتمل الرضا یحتمل غیره.

و لو اشتری الفضولی لغیره شیئا، فإن کان بعین مال الغیر، وقف علی الإجازة کالبیع. و إن اشتری فی الذمة، فإن أطلق و نوی کونه للغیر، وقف علی الإجازة، فإن أجازه صح له، و إن رد نفذ فی حقه ظاهرا، و فی نفوذه باطنا إشکال، ینشأ: من البناء علی القصد و النیة، أو علی العقد الجامع للشرائط من غیر اعتبار نیة النسبة.

و لو قال: اشتریت لفلان بألف فی ذمته، فالحکم کما لو اشتری بعین ماله. و لو اقتصر علی قوله: اشتریت لفلان بألف و لم یضف الثمن إلی ذمته، وقف علی الإجازة، فإن أجاز الغیر و إلا بطل.

و لو اشتری شیئا لغیره بمال نفسه، فإن لم یسمه فی العقد وقع عن المباشر علی إشکال، سواء أذن ذلک الغیر أو لا. و إن سماه، فإن لم یأذن له لغت التسمیة، و هل یبطل من أصله أو یقع عن المباشر؟ إشکال. و إن أذن له فهل تلغو التسمیة ؟ احتمال، فإن ألغیناها فهل یبطل من أصله، أو یقع عن العاقد؟ احتمال. و إن قلنا بعدم الإلغاء، وقع عن الإذن، و الثمن المدفوع یکون قرضا أو هبة احتمال.

و هل یشترط فی عقد الفضولی أن یکون له مجیز مالک أو غیره فی الحال ؟ إشکال. فلو باع عبدا لطفل، لم یتوقف علی إجازته بعد البلوغ. و یحتمل ذلک، فإن اعتبرناه اعتبرنا إجازة من یملک التصرف عند العقد، حتی لو باع مال الطفل فبلغ و أجاز لم ینفذ. و کذا لو باع مال الغیر ثم ملکه و أجاز.

و لو غصب أموالا و باعها و تصرف فی أثمانها مرة بعد أخری، فللمالک إجازتها و أخذ الحاصل منها و یتبع العقود الکثیرة بالنقض و الإبطال و رعایة مصلحته. و لو کان المشتری عالما بالغصب فإشکال، ینشأ: من رجوعه بالثمن و عدمه.

و لو باع مال أبیه بظن أنه حی و هو فضولی، فبان أنه کان میتا حینئذ و أن المبیع ملک للعاقد، فالأقوی الصحة لصدوره من المالک.

ص:476

بخلاف ما لو أخرج شیئا و قال: إن مات مورثی فهذا زکاة ما ورثته منه و کان قد ورث، فإنه لا یجزیه، لأن النیة لا بد منها فی الزکاة و لم تبن نیته علی أصل، و البیع لا حاجة له إلی النیة.

و یحتمل البطلان، لأنه و إن کان العقد منجزا فی الصورة إلا أنه فی المعنی معلق، و تقدیره إن مات مورثی فقد بعتک، و لأنه کالعابث عند مباشرة العقد، لاعتقاده أن المبیع لغیره.

و أما الهازل فإن بیعه باطل. و کذا بیع التلجئة، کما لو خاف غصب ماله و الإکراه علی بیعه، فیبیعه علی إنسان بیعا مطلقا، و لکن توافقا قبله علی أنه لدفع الشر لا علی حقیقة البیع.

و کذا لو باع العبد علی أنه آبق أو مکاتب، فصادف رجوعه أو فسخ الکتابة. و کذا لو زوج أمة أبیه علی ظن أنه حی فبان میتا.

و کل عقد یقبل الاستنابة یقع موقوفا من غیر مالکه، و لیس للمملوک أن یشتری و یبیع إلا بإذن مولاه، لأنه لا یملک شیئا. فإن وکله غیره فی شراء نفسه من مولاه، فالأقوی الصحة، لأنه محل قابل للنقل. و یصح استنابته مع الإذن.

و یصح بیع کل من له ولایة شرعیة و شراؤه عن المولی علیه، کالأب و الجد له و الحاکم و أمینه و الوصی و الوکیل.

و لا یجوز بیع الحر و لا شراؤه، لانتفاء الملک عنه إجماعا، و لقوله علیه السلام، ثلاثة أنا خصمهم یوم القیامة: رجل أعطی ثم غدر، و رجل باع حرا فأکل ثمنه، و رجل استأجر أجیرا فاستوفی منه و لم یوفه أجره(1). و کذا ما لیس بمملوک، کالمباحات قبل حیازتها و تملکها.

و لیس له أن یبیع عینا لا یملکها و یمضی لیشتریها و یسلمها، لقوله علیه السلام: لا تبع ما لیس عندک(2).

ص:477


1- (1) سنن ابن ماجة 2-816 الرقم 2442.
2- (2) سنن ابن ماجة 2-737 الرقم 2187.

و إذا باع مال غیره و لم یجز المالک، بطل العقد و یرجع المالک بعینه، و یرجع المشتری علی البائع بما دفع ثمنا و ما اغترمه من نفقة، أو عوض عن أجرة، أو نماء مع جهله، أو ادعاء البائع إذن المالک، سواء حصل مقابلته نفع کأجرة الدار و الدابة، أو لا کقیمة الولد علی إشکال، لأنه دخل علی أنه یستوفی المنافع بغیر عوض.

و قیل: لا یرجع بما حصل فی مقابلته نفع، لأنه مباشر للإتلاف، فکان أضعف من السبب، و یشکل بغروره.

و لو کان عالما، لم یرجع بشیء، لأنه أباح البائع فی الثمن مع علمه بعدم سلامة المعوض له، و أذن له فی إتلافه، و أطلق علماؤنا ذلک. و الأقوی عندی الرجوع بالثمن إن کانت عینه باقیة لفساد القبض.

و لو ادعی المشتری الجاهل للملکیة للبائع، لم یبطل رجوعه، لأنه بنی علی الظاهر، مع احتمال عدم الرجوع لاعترافه بالظلم، فلا یرجع علی ظالمه.

و لو تلفت العین فی یدی المشتری، تخیر المالک فی الرجوع علی من شاء منهما بالقیمة إن لم یجز البیع، أما البائع فلتعلق الضمان به بسبب الید و سببیته الإتلاف، و أما المشتری فکذلک و لمباشرة الإتلاف، فإن رجع علی البائع، رجع علی المشتری بالزائد مما قبضه إن کان عالما قطعا، لاستقرار التلف فی یده، و کذا إن کان جاهلا علی إشکال، و إن رجع علی المشتری، لم یرجع علی البائع.

و لو باع ملکه و ملک غیره، مضی فی ملکه، و وقف علی الإجازة فی ملک الآخر، و یتخیر المشتری إن کان جاهلا، لتفرق الصفقة علیه، فإن أجاز المالک نفذ البیع، و قسط الثمن علی القیمتین، بأن یقوما جمیعا ثم یقوم أحدهما و یبسط الثمن علیهما.

و لو کان المبیع من ذوات الأمثال، بسط علی الأجزاء، سواء اتحدت العین أو تکثرت. و لو فسخ تخیر المشتری، فإن فسخ رجع بالجمیع و إلا فقسط غیره.

ص:478

و لو کان مالکا لنصف العین، فباع النصف مطلقا، انصرف إلی نصیبه، صرفا للعقد إلی الصحة. و یحتمل الإشاعة کالإقرار، و لأنه حقیقة اللفظ، فیقف فی نصف نصیب الآخر علی الإجازة، و الإقرار یبنی علی الإشاعة قطعا، لأنه إخبار یتعلق بمال غیره کتعلقه بماله.

و لو ضم إلی المملوک حرا أو خمرا أو خنزیرا، صح فی المملوک و بطل فی الباقی، و یقسط الثمن علی المملوک و الحر لو کان مملوکا، و علی قیمة الخمر و الخنزیر عند مستحلیهما.

و لو باع الثمرة و فیها عشر الزکاة، صح فیما یخصه دون حصة الفقراء، إلا مع الضمان، لأنهم شرکاء.

و لو باع أربعین شاة و فیها الزکاة، فإن ضمنها صح، و إلا بطل فی الجمیع، لاختلاف أجزاء المبیع، بخلاف أجزاء الثمرة و ثمن الحصة مجهول.

و لو کان له شریک بواحدة عوض الفقراء، صح البیع فی الجمیع إن أجاز و فی حصة البائع إن لم یجز.

و الفرق أن المالک بعدم ضمان الزکاة قد اختار فسخ البیع فی نصیب الفقراء، لأن الخیار له فی الإمضاء بضمان القیمة، و فی التعیین دون الفقراء، فیبطل البیع فی نصیب الفقراء لعدم الإجازة، و إنما بطل فی نصیبه دون نصیبه مع الشریک غیر المجیز، لحصول الجهالة هنا، إذ له الخیار فی التعیین، فصار بمنزلة ما لو اشتری أربعین إلا شاة بخلاف الشریک.

و لو کانت حصة الشریک مجهولة أو مشتبهة، صح البیع أیضا، و إن لم یجز، و یبقی المشتری معه کالمالک یقضی له بالصلح معه، لأن العقد تناول المعلوم و هو الجملة، و إنما حصل التقسیط المجهول بعدم الإجازة المعتبرة بعد عقد البیع لا قبله، لعدم تأثیره حینئذ، فلا یقتضی بطلان ما وقع صحیحا فی نفسه، و هو معاملة الجملة بالجملة المعلومة، بخلاف الزکاة التی تحققت الجهالة فی صلب البیع حالة العقد، لأنه بعدم الضمان حال العقد صار کأنه قد باع أربعین إلا شاة مجهولة.

ص:479

و لو کان لکل من الاثنین عبدا بانفراده، فباعا صفقة واحدة، صح البیع، سواء اتفقا أو اختلفا، و یبسط الثمن علی القیمتین، لأن العقد تناول الجملة و هی معلومة فلا یضر جهالة مقابلة الجزء بالجزء، کما لو کانا لواحد.

و للأب و للجد للأب التصرف فی مال الولد الصغیر و غیر الرشید، و إن طعن فی السن. و لو بلغ رشیدا، زالت ولایتهما عنه، و لکل منهما أن یتولی طرفی العقد، فیبیع کل منهما مال أحد الصغیرین من الآخر و من نفسه و یشتری له من نفسه.

و الحاکم و أمینه إنما یلیان المحجور علیه لصغر أو جنون أو فلس أو سفه و الغائب إذا وجب علیه حق.

و الوصی إنما ینفذ تصرفه بعد الموت و صغر الموصی علیه أو جنونه.

و للولی أن یقترض مع الملاءة و إن کان الوصی، و أن یقوم علی نفسه کالأب.

و الوکیل یمضی تصرفه ما دام الموکل حیا جائز التصرف، فلو مات أو جن أو أغمی علیه، بطلت وکالته. و له أن یتولی طرفی العقد مع الإعلام و مطلقا علی رأی، و کذا الوصی. و إنما یصح بیع من له الولایة مع المصلحة للمولی علیه.

و لو وکل اثنین أو أوصی إلیهما علی الجمع و التفریق، فعقدا علی اثنین، أو باع الحاکم و أمینه، أو الأب و الجد، و اتفق زمان الإیقاع بطلا، و لو باعا علی شخص و وکیله، أو علی وکیلیه، و اتفق الثمن جنسا و قدرا صح و إلا بطلا [1].

و لو اختلف الخیار فکما لو اختلف الثمن، إلا أن یجعلا [2] مشترکا بینهما. و لو سبق عقد أحدهما، صح دون الآخر.

تذنیب:

لما شرطنا الملک و هو إضافة تستدعی التغایر، وجب مغایرته للمعقود له،

ص:480

فلو باعه من نفسه لم یصح، و إن کان الثمن مؤجلا، بخلاف الکتابة.

و یحتمل الصحة. و المغایرة ثابتة فیما یشترط فیه الملک، و هنا لا ملک فی الحقیقة بل إزالة له، فکأن الشرط خاص لا عام.

المطلب الرابع (فی القدرة علی التسلیم)

یشترط فی المبیع القدرة علی التسلیم، لیخرج العقد عن أن یکون بیع غرر، و یوثق بحصول الغرض، فلا یصح بیع الطیر فی الهواء، إذا لم یقض عادته بعوده لیلا أو نهارا، و لو کانت عادته الرجوع احتمل الصحة، کبیع العبد المبعوث فی الشغل. و البطلان، لانتفاء القدرة فی الحال علی التسلیم، و عوده غیر موثوق به، إذ لیس له عقل باعث.

و کذا لا یصح بیع السمک فی الماء، إلا أن یکون السمک محصورا بحیث یمکنه أخذه، و إن احتاج إلی تعب و مشقة، فإن الأقوی صحة بیعه إذا کان مشاهدا مع علم وزنه، أو عدم اشتراطه و لو لم یشاهده لکدورة الماء لم یصح.

و أما النحل فإن شاهدها و کانت محبوسة، بحیث لا یمکنها أن تمتنع، صح بیعها منفردة، لأنه حیوان طاهر مملوک مقدور علی تسلیمه، یخرج من بطونها شراب مختلف [1] ألوانه فیه شفاء للناس، فجاز بیعها کبهیمة الأنعام، و لو کانت طائرة و عادتها العود، فالوجهان.

و لا یصح بیع العبد الآبق منفردا، سواء علم مکانه أو لا، لأنه لا یقدر علی تسلیمه فکان غررا. و لا یشترط فی الحکم بالبطلان الیأس من عوده، بل یکفی ظهور التعذر. و لو عرف مکانه و علم أنه یصل إلیه إذا رام الوصول إلیه، فلیس له حکم الآبق. و لو حصل فی ید إنسان، جاز بیعه علیه لإمکان تسلیمه.

و لو بیع منضما إلی غیره، صح بیعه، سواء قلت قیمة الغیر أو کثرت،

ص:481

و سواء ظفر به المشتری أو لا، و لم یکن له رجوع علی البائع بشیء لو لم یظفر به، و کان الثمن فی مقابلة المنضم. لأن الصادق علیه السلام سئل فی الرجل یشتری العبد و هو آبق من أهله، قال: لا یصلح له إلا أن یشتری معه شیئا آخر، و یقول: أشتری منک هذا الشیء و عبدک بکذا و کذا، فإن لم یقدر علی العبد کان الذی نقده فیما اشتری منه(1).

و لو تلف قبل القبض، فکذلک علی إشکال، ینشأ: من أن کل مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه. و من عدم وجوب الإقباض هنا، فلا یدخل تحت ضمان البائع.

و الجمل الشارد و الفرس العائر و شبههما کالآبق فی بطلان البیع، لتعذر التسلیم، و هل یصح مع الضمیمة کالآبق ؟ إشکال، فإن قلنا به فلو تعذر تسلیمه، احتمل کون الثمن فی مقابلة الضمیمة و التقسیط.

و لو باع المالک ماله المغصوب علی الغاصب، صح البیع مطلقا، و إن باع علی غیره، فإن أمکنه استرداده و تسلیمه، صح کالودیعة و العاریة، و إن لم یقدر هو و لا المشتری لم یصح، لعدم إمکان التسلیم.

و إن باعه ممن یقدر علی انتزاعه منه، فالأصح الجواز، لأن القصد وصول المشتری إلی المبیع. و یحتمل المنع، لوجوب التسلیم علی البائع و هو عاجز عنه. و علی الأول لو علم المشتری حقیقة الحال لم یکن له خیار.

و لو عجز عن الانتزاع لضعف عرض له أو قوة عرضت للغاصب، احتمل ثبوت الخیار.

و لو کان جاهلا عند العقد فله الخیار، لأن المشتری لا یلزمه کلفة الانتزاع، فله فسخ البیع، سواء قدر علی انتزاعه أو لا.

و یجوز تزویج الآبقة و المغصوبة و إعتاقهما مطلقا، و کتابة المغصوب لأنها لیست بیعا.

ص:482


1- (1) وسائل الشیعة 12-263 ح 2.

و لو باع نصفا أو ربعا أو جزءا مشاعا من سیف أو إناء أو نحوهما جاز، و یکون مشترکا بینهما. و لو عین نصفا أو ربعا، لم یصح، لأن التسلیم لا یتم إلا بالقطع و الکسر، و فیه نقص و تضیع للمال و لو باع ذراعا فصاعدا من ثوب و عینه فإن کان الثوب نفیسا ینقص بالقطع احتمل الصحة کما لو باع ذرعا معینا من دار أو أرض. و المنع لأن التسلیم لا یمکن إلا باحتمال النقص و الضرر، بخلاف الأرض التی یحصل التمییز فیها مرز بین النصیبین من غیر ضرر.

و الوجه الصحة، لأنهما إذا رضیا به و احتملاه صح البیع، کما یصح بیع أحد زوجی الخف و إن نقص بالتفریق، فحینئذ الأقوی عندی صحة ذلک فی السیف و الإناء أیضا، لرضاهما به.

و لو باع جزءا معینا من جدار أو أسطوانة، فإن کان فوقهما شیء لم یجز، إذ لا یمکن تسلیمه إلا بهدم ما فوقه. و إن لم یکن، فإن کان قطعة واحدة من طین أو خشب فالوجهان، و إن کان من لبن أو آجر، جاز إن جعل النهایة شق رصیف من الآجر أو اللبن. و کذا إن جعل القطع لصف سمکها علی إشکال.

و لو باع فصا من خاتم، فالأقوی الجواز، و لا اعتبار بالنقص بعد أخذه لاتفاقهما علیه.

و لو باع دارا إلا بیتا فی صدرها لا یلی شارعا و لا ملکا له علی أنه لا مسلوک له فی المبیع، فالأقوی صحة البیع.

و لا یصح بیع المرهون بعد الإقباض قبل الافتکاک، لأنه ممنوع من تسلیمه شرعا، لما فیه من تفویت حق المرتهن، فإن أجاز المرتهن صح. و هل یصح قبل الإقباض ؟ إن جعلنا القبض شرطا فی الرهن صح البیع، و إلا وقف علی الإجازة.

کلام (فی بیع الجانی)

و الجانی لا یصح بیعه، سواء کانت جنایته عمدا توجب القصاص، أو

ص:483

خطاء توجب المال، و سواء کانت علی النفس أو ما دونها، و سواء تعلق المال بذمته أو برقبته، لأنه لم یخرج بالجنابة عن ملکه، فیکون البیع قد صادف ملکا فصح کالعتق.

و حق الجنایة لا یمنع جواز البیع، أما فی الخطإ فلأنه غیر مستقر فی الجانی، لأن للمالک أداءه من غیره، و لأنه حق تعلق به من غیر اختیار المالک، فلا یمنع البیع کالزکاة. و أما العمد فلأنه حی یرجی سلامته و یخشی تلفه فأشبه المریض.

إذا ثبت هذا فإن کانت الجنایة خطاء توجب المال، أو عمدا توجب القصاص، فعفی علی مال فعلی السید فداؤه بأقل الأمرین من قیمته أو أرش جنایته، و قیل: بأرش الجنایة.

و تزول الحق عن رقبة العبد ببیعه، لأن الخیار للسید بین تسلیمه و فدائه، فإذا باعه لزم الفداء لإخراج العبد من ملکه، و لا خیار للمشتری، لانتفاء الضرر عنه، إذ الرجوع علی غیره.

هذا إذا کان المولی موسرا، و لو تعذر استیفاء الدیة، کان للمجنی علیه فسخ البیع لأن حقه أقوی من حق المرتهن، و لهذا لو جنی المرهون قدم حق الجنایة علی حق المرتهن. و یحتمل أنه لا یلزم المولی فداؤه، لأنه أکثر ما فیه أنه التزم فداءه فلا یلزم ذلک، کما لو قال الراهن: أنا أقضی الدین من الرهن، فحینئذ یبقی الخیار للمجنی علیه.

فإن أجاز [1] البیع سقط حقه من الثمن، و کان باقیا فی رقبة العبد إن أجاز علی أن الثمن للبائع، فإن باع المشتری العبد صح، لأن إجازته تضمنت ملک المشتری تاما. و إن أعتق کان له مطالبته بالدیة و الأقرب الأول لأنه أزال ملکه عن الجانی فلزمه فداؤه کما لو قتله. و یحتمل إیقاعه موقوفا، فإن فداه مولاه نفذ و إلا فلا. و یحتمل بطلانه، لتعلق حق المجنی علیه به، فمنع صحة

ص:484

بیعه کحق المرتهن، لکن الأول أولی، لأن الراهن منع نفسه من التصرف بالرهن، و هنا لم یعقد عقدا و لم یحجر علی نفسه فی التصرف.

و لو کان البائع معسرا، لم یسقط حق المجنی علیه من العین، لأن البائع إنما یملک نقل حقه عن رقبته بفدائه أو ما یقوم مقامه، و لا یحصل ذلک من ذمة المعسر، فیبقی الحق فی رقبته بحاله مقدما علی حق المشتری، و للمشتری الخیار إن لم یعلم ببقاء الحق فی رقبته، فإن فسخ رجع بالثمن، و إن لم یفسخ و کانت الجنایة مستوعبة لرقبته فأخذها، رجع المشتری بالثمن أیضا، لأن أرش مثل هذا جمیع ثمنه، و إن کانت غیر مستوعبة لرقبته رجع بقدر أرشه.

و لو کان عالما بعیبه راضیا بتعلق الحق به، لم یرجع بشیء، لأنه اشتری معیبا عالما بعیبه، فإن اختار المشتری فداءه فله ذلک و البیع بحاله، لأنه یقوم مقام البائع فی الخیرة بین تسلیمه و فدائه علی إشکال. و حکمه فی الرجوع فیما فداه به علی البائع حکم القضاء عنه.

و لو قلنا ببطلان البیع کان السید علی خیرته بین فدائه و بین دفعه إلی المجنی علیه.

و إن قلنا بصحة البیع علی ما اخترناه، إما بعد اختیار الفداء أو قبله، أجبر علی تسلیمه، لأنه مختار للفداء ببیعه مع العلم بجنایته، و قد فوت بالبیع محل الحق، فأشبه ما لو أعتقه أو قتله.

و لو تعذر تحصیل الفداء، أو تأخر لإفلاسه أو غیبته أو صبره علی الحبس، فسخ البیع و بیع فی الجنایة، لأن حق المجنی علیه أقدم من حق المشتری. و إن کانت الجنایة عمدا و لا عفو فالخیار هنا للمجنی علیه علی ما یأتی بین قتله و استرقاقه.

و الأقوی هنا صحة البیع أیضا، لأن استحقاق القتل لا یخرجه عن المالیة و توقع الهلاک لا یقتضی فسخ البیع کتوقع موت المریض المشرف. فإن اختار المجنی علیه أو ورثته الاسترقاق، بطل العقد إن استغرقت الجنایة قیمته

ص:485

و إلا فبقدرها. و إن اختار القصاص، کان له ذلک، لتقدم حقه علی حق المشتری.

إذا ثبت هذا فإن للمشتری الخیار بین الرد و أخذ الأرش، فإن اقتص منه تعین الأرش، و هو قسط ما بینه جانیا و غیر جان، و لیس له الرجوع بجمیع الثمن إن شاء، و إن تلفت بسبب مستحق عند البائع، لأن التلف عند المشتری بالعیب الذی کان فیه، فأشبه المریض إذا مات بمرضه، أو المرتد المقتول بردته.

و لو اشتراه عالما بعیبه، لم یکن له رده و لا أرشه کسائر المبیعات.

و لو أوجبت الجنایة قطع یده، فقطعت عند المشتری، فقد تعیب فی یده، لأن استحقاق القطع دون حقیقته، فحینئذ لیس له الرد بالعیب.

تذنیب:

لو أعتق السید الجانی، فإن کانت الجنایة خطاء و کان موسرا، صح العتق. و لو تعذر استیفاء الفداء فکذلک لنفوذه أولا، لأنه سبیل من نقل حق المجنی علیه إلی ذمته باختیاره الفداء، فإن أعتق انتقل إلی ذمته بخلاف الرهن.

و إن کان معسرا فالأقوی عدم النفوذ، لتعلق حق المجنی علیه بالرقبة، و لا تعلق له بذمة السید، فنفوذ العتق تبطل الحق بالکلیة. و یحتمل نفوذه، لأنه صادف ملکا، و حینئذ تتعلق الجنایة بذمة العبد، و هل تتعلق بالعاقلة ؟ إشکال، ینشأ: من عدم العقل حال الجنایة، و لا بد لأرشها من مقر، فلا ینتقل بالعتق.

و لو استولد الجانیة، فالأقوی تعلق حق المجنی علیه برقبتها، فإن کانت الجنایة عمدا، تخیر بین القصاص و الاسترقاق. و إن کانت الجنایة خطاء، فإن فداها المولی فهی باقیة علی الاستیلاد، و إلا کان الحق متعلقا برقبتها تباع فیه.

ص:486

المطلب الخامس (فی العلم)

یجب کون المبیع معلوما لیعرف ما ملک بإزاء ما بذل، فینتفی الغرر.

و معلوم أنه لا یشترط العلم بالمبیع من کل وجه، بل یجب العلم بثلاثة أشیاء:

عن المبیع، و قدره، و صفته، فهنا مباحث:

البحث الأول (العلم بالعین)

و یشترط العلم بالعین، فیخرج ما لو قال: بعتک عبدا من العبید أو أحد عبدی أو عبیدی هؤلاء أو شاة من القطیع، فإنه باطل.

و کذا لو قال: بعتک عبیدی أو قطیعی إلا واحدا و لم یعین المستثنی، لأن المبیع غیر معلوم. و لا فرق بین أن یتساوی قیم العبید و الشیاه أو تختلف.

و کذا لو قال: علی أن تختار أیهم شئت، سواء قدر زمان الاختیار أو لا.

أو قال: بعتک أجودهم، إلا أن یعرفاه حال العقد.

و لو لم یکن له إلا عبد واحد، فحضر فی جماعة من العبید، و قال السید، بعتک عبدی من هؤلاء، و المشتری یراهم و لا یعرفه بعینه، بطل لعدم تعیینه.

و یصح بیع الجزء الشائع من کل جملة معلومة من أرض و دار و عبد و غلة و ثمرة و غیر ذلک. و یصح لو باع جزءا شائعا من شیء بمثله من ذلک الشیء، کما لو کان بینهما نصفین، فباع هذا نصفه بنصف ذلک، لاجتماع الشرائط فیه، و تظهر له فوائد:

الأول: أن یملکا أو أحدهما نصیبه بالهبة من أجنبی، فإنه ینقطع ولایة الرجوع.

ص:487

الثانی: لو ملکه بالشراء ثم اطلع بعد هذا التصرف علی عیب، لم یملک الرد.

الثالث: أن یکون أحدهما أو کلاهما مرهونا و تخیر المرتهن البیع، فإنه یخرج الجمیع عن الرهانة، إلی غیر ذلک من الفوائد و لو باع الجملة و استثنی منها جزءا شائعا، فهو صحیح أیضا، کأن یقول: بعتک هذه الثمرة إلا ربعها، أو قدر الزکاة منها.

و یشترط العلم بالجزء المستثنی، فلو جهلاه بطل البیع، کأن یقول:

بعتک هذا العبد إلا بعضه، أو إلا شیئا منه، أو إلا جزءا، أو إلا سهما. و لا یحمل علی الوصیة إلا أن یقصد له. و کذا یجوز الاستثناء فی الثمن.

و بالجملة إذا استثنی الجزء المعلوم المشاع فی أحد العوضین، کان الآخر فی مقابلة الباقی.

و لو قال: بعتک هذه الثمرة بأربعة آلاف إلا ما یساوی ألفا بسعر الیوم، قال الشیخ: یبطل مطلقا للجهالة(1). و الوجه ذلک إلا أن یعلما سعر الیوم.

و لو قال: إلا ما یخص ألفا. فإن أراد ما یساوی ألفا عند التقویم، بطل للجهالة. و إن أراد ما یخص ألفا عند تقسیط جمیع الثمرة علی أربعة آلاف، صح البیع فی ثلاثة أرباعها بجمیع الثمن. و إن أراد ما یخص ألفا من المبیع بعد الاستثناء، دخلها الدور حینئذ، لتوقف معرفة قدر کل من المبیع و الاستثناء علی الآخر، فإن عرفاه بالجبر و المقابلة، صح البیع فی أربعة أخماسها بجمیع الثمن، لأنا نقول: صح البیع فی الجمیع إلا فی شیء، و ذلک الشیء هو ما یقابل الألف بجمیع الثمن، فإذا جبرنا الثمن بشیء و زدنا علی الألف ما یقابله و هو ألف، صارت الثمرة بأجمعها تعدل خمسة آلاف، فالمقابل للألف الخمس.

و لو قال: بعتک نصفی من میراث أبی من هذه الأرض، فإن عرف القدر صح، و لو جهله بطل. و لو عرف عدد الورثة و قدر الاستحقاق إجمالا،

ص:488


1- (1) المبسوط 2-116.

فالأقوی الصحة فیکون له ما یقتضیه الحساب.

و کذا لو قال: بعتک جزءا من مائة و أحد عشر جزءا، فإنه یصح و إن جهل النسبة.

و کذا یصح لو عکس بأن یقول بعتک نصف تسع عشر هذا الموضع و جهل القدر من السهام.

و کذا لو باع من اثنین صفقة قطعة أرض علی الاختلاف، بأن ورث من اثنین مختلفین، و جعل لکل واحد منهما أحد النصیبین و للآخر الباقی، فإنه یصح و إن جهلا قدر نسبة النصیب إلی الجمیع فی الحال و نسبة النصیب فی الثمن، و یرجعان إلی ما یقتضیه الحساب، إذ الثمن فی مقابلة الجملة، فلا یضر جهالة الآخر.

فروع من هذا الباب:

الأول: لو قال بعتک خمسة أرطال علی سعر المائة باثنی عشر، صح و إن جهل فی الحال قدر الثمن، لأنه مما یعلم بالحساب.

و طریقه هنا أن نقول: نسبة المائة إلی ثمنها و هو اثنا عشر، کنسبة خمسة إلی ثمنها، فالمجهول هو المرتفع، فیضرب الثانی و هو اثنا عشر فی الثالث و هو خمسة، تبلغ ستین، تقسمها علی الأول و هو مائة، تخرج ثلاثة أخماس، و هو ثمن المبیع. أو نقول الاثنا عشر و خمس عشر المائة، فتأخذ بهذه النسبة من الخمسة.

و لو قال: بعتک بخمسة دراهم علی سعر المائة باثنی عشر، أخذت ربع و سدس المائة، لأن الخمسة ربع و سدس الاثنی عشر.

الثانی: لو کان له ثلاث قطاع من الغنم، ثانیها ثلاثة أمثال أولها، و ثالثها ثلاثة أمثال ثانیها، فاشتری آخر منه ثلثی الأول و ثلاث أرباع الثانی و خمسة أسداس الثالث، اجتمع له مائة و خمسة و عشرون رأسا.

ص:489

و طریق ذلک: معرفة قدر کل قطیع، أن نقول: نفرض القطیع الأول شیئا، و الثانی ثلاثة أشیاء، و الثالث تسعة أشیاء، فیأخذ ثلثی شیء و ثلاثة أرباع ثلاثة أشیاء و خمسة أسداس تسعة أشیاء، و یجمعها فتکون عشرة أشیاء و ربع و سدس شیء، و هو یعدل مائة و خمسة و عشرین، فالشیء یعدل اثنی عشر.

الثالث: لو کان له قطعة أرض بین شجرتین، و قدرها أربع عشر ذراعا، و طول إحدی الشجرتین ستة، و طول الأخری ثمانیة، فاجتاز ظبی بینهما، فطار إلیه طائران من الرأسین بالسویة، حتی تلاقیا علی رأس الظبی، فباع القطعة من اثنین بثمن واحد بصفقة واحدة، لأحدهما من أصل الشجرة إلی موضع الظبی، و للآخر من موضع الظبی إلی أصل الأخری.

فطریق معرفة حق کل واحد منهما: أن تجعل ما بین أصل الشجرة القصیرة إلی موضع الظبی شیئا، و تضربه فی نفسه، فیکون الحاصل مالا، و تضرب طولها و هو ستة فی نفسه، فیکون المجموع مالا و ستة و ثلاثین، و جذره مقدار ما طار الطائر، لأنه وتر القائمة، فیکون مربعه مساویا لمجموع مربعی ضلعها بشکل العروس.

و یبقی من موضع الظبی إلی أصل الأخری أربعة عشر الأشیاء مربعة مائة و ستة و تسعون، و مالا إلا ثمانیة و عشرین شیئا، و هو یعدل مالا و ستة و ثلاثین لیساوی الوترین حیث طارا بالسویة، فإذا جرت و قابلت بقی مائتان و أربعة و عشرون تعدل ثمانیة و عشرین شیئا، فالشیء یعدل ثمانیة، و هو ما بین أصل القصیرة و الظبی، فیبقی ما بینه و بین أصل الأخری یعدل ستة، فکل وتر عشرة.

الرابع: لو باع اثنین صفقة قطعة أرض علی هیئة مثلث، قاعدته أربعة عشر ذراعا، و آخر ضلعیه الباقیین ثلاثة عشر و الآخر خمسة عشر، علی أن یکون لأحدهما من مسقط العمود فی القاعدة إلی أحد الضلعین. و للآخر منه إلی الضلع الآخر، و بسط الثمن علی الأذرع.

ص:490

فطریق معرفة نصیب کل منهما أن تقول: نفرض ما بین الضلع الأقصر و مسقط العمود شیئا، فیکون مربعه مالا، و مربع الضلع مائة و تسعة و ستون، فإذا نقص المال منه بقی مربع العمود، فمربع العمود مائة و تسعة و ستون إلا مالا، و یبقی من مسقط العمود إلی الطرف الآخر أربعة عشر إلا شیئا، و مربعه مائة و ستة و تسعون و مال إلا ثمانیة و عشرین شیئا.

و ینقص من مربع الأطول و هو مائتان و خمسة و عشرون، و یبقی تسعة و عشرون و ثمانیة و عشرون شیئا إلا مالا، و هو مربع العمود، و یکون معادلا لمائة و تسعة و ستین إلا مالا. فإذا قابلت بقی مائة و أربعون، تعدل ثمانیة و عشرین شیئا، فالشیء خمسة، و هو ما بین طرف القاعدة التی تلی الأقصر و مسقط العمود، و مربعه خمسة و عشرون.

و إذا أسقطناه من مائة و تسعة و ستین، بقی مائة و أربعة و أربعون، و هو مربع العمود. و من الجانب الآخر یکون ما بین مسقط العمود و طرف القاعدة تسعة مربعة أحد و ثمانون، فإذا أسقطناه من مائتین و خمسة و عشرین یبقی مائة و أربعة و أربعون، و هو مربع العمود، و العمود یکون اثنی عشر.

الخامس: لو قال زید لعمرو: أعطنی ثلث ما معک لیتم لی ثمن المبیع، و قال عمرو له: بل أعطنی ربع ما معک لیتم لی الثمن.

فطریق معرفة قدر الثمن و قدر ما مع کل واحد منهما: أن نفرض ما مع زید شیئا و ما مع عمرو ثلاثة لیصح الثلث، فإذا أخذ زید واحدا صار معه شیء و واحد، و هو ثمن المبیع. و إذا أخذ عمرو ربع ما مع زید صار معه ثلاثة و ربع شیء، و هو ثمن المبیع، فشیء و واحد یعدل ثلاثة و ربع شیء.

فإذا ما قابلت صار ثلاثة أرباع شیء یعدل اثنین، فالشیء یعدل اثنین و ثلثی واحد، و الثمن ثلاثة و ثلثا واحد، فإذا ضممت الکسر، کان مع زید ثمانیة و مع عمرو تسعة، فالثمن المبیع أحد عشر.

السادس: لو باع حوض ماء رکز فیه رمح ظهر حال انتصابه ستة أذرع، ثم مال حتی غاب رأسه فی الماء، و کان بین موضعه وقت الانتصاب و موضع

ص:491

رأسه عند المغیب عشرة أذرع من الجانبین.

فطریق معرفة قدر عمقه: أن نفرض القدر الفائت من الرمح وقت الانتصاب شیئا، فیکون مربعه مع مربع العشرة مساویا لمربع الرمح بشکل العروس، و مربع الشیء مال، و مربع العشرة مائة، فمربع طول الرمح مال و مائة.

فکان طول الرمح وقت الانتصاب شیئا و ستة، و مربعه مال و اثنا عشر شیئا و ستة و ثلاثون، لأن الخط إذا قسم بقسمین، فإن مربعه مساو لمربع کل قسم، و یضرب أحد القسمین فی الآخر مرتین، فالمال ضرب الشیء فی نفسه، و ثلاثون [1] ضرب ستة فی نفسه و اثنا عشر شیئا ضرب ستة فی الشیء مرتین، و هو یعادل المال و مائة.

و بعد المقابلة یبقی أربعة و ستون تعدل اثنی عشر، و یکون الشیء خمسة و ثلثا، و طول الرمح أحد عشر و ثلث ذراع، فالفاضل عن ستة عمق الماء.

و المسائل کثیرة ذکر منها هذا للتدرب.

البحث الثانی (فی بقایا مسائل یشترط العلم بالعین)

الأول: لو باعه ذراعا من أرض أو ثوب، و هما یعلمان جملة الذرعان، کما لو علما أن الجملة عشرة، صح البیع إن قصد الإشاعة. فکأنه قال: بعت العشر. و لو عنی معینا فسد، کقوله شاة من قطیع.

و لو أطلقا، فالأقوی البطلان، لاحتمال انصرافه إلی کل منهما، فحمل انصرافه إلی الإشاعة و إلی المنفعة المجهولة، فتضاعف الجهالة فیه. و یحتمل الصحة، صرفا للعقد إلی الصحة، و لأصالة عدم التعیین.

و لو اختلفا فقال المشتری: أردت الإشاعة و العقد الصحیح، و قال

ص:492

البائع: بل أردت معینا، فالأقرب تصدیق البائع، لأنه أعرف بقصده، و دلالة لفظه التابعة لإرادته. و یحتمل تصدیق المشتری، عملا بأصالة الصحة و أصالة عدم التعیین. و یحتمل البطلان و إن قصد الإشاعة، لأن الذراع اسم لمنفعة مخصوصة، فیکون المبیع مبهما.

و لو لم یعلما أو أحدهما قدر الذرعان من الأرض و الثوب، بطل البیع، لتفاوت أجزائهما غالبا فی المنفعة و القیمة، و الإشاعة متعددة.

و لو وقف علی طرف الأرض و قال: بعتک کذا ذراعا من موقفی هذا فی جمیع العرض إلی حیث ینتهی الطول، لم یصح علی إشکال، ینشأ: من العلم به مشاهدة. و من جهالة القدر، لأن الموضع الذی ینتهی إلیه لا یعلم حال العقد.

و کذا لو قال: بعتک نصف داری مما یلی دارک، فإنه لا یصح، لأنه لا یعلم أین ینتهی، فیکون مجهولا.

الثانی: لو باعه صاعا من صبرة و علما مبلغ الصیعان، صح العقد، و فی تنزیله وجهان:

أحدهما: المبیع صاع من الجملة غیر مشاع أی صاع کان، لعدم اختلاف المقصود، فحینئذ یبقی المبیع ما بقی صاع. و إذا تلف بعض الصبرة لم یتقسط [1] المبیع و غیره.

ثانیهما: الحمل علی الإشاعة، فإذا کانت عشرة فالمبیع عشرها. و لو تلف بعض الصبرة، تلف بقدره من المبیع.

و لو جهلا أو أحدهما مبلغ الصیعان، احتمل البطلان، لأن المبیع غیر معین و لا موصوف، فأشبه ما لو باع ذراعا من أرض أو ثوب، و جملة الذرعان مجهولة. و الصحة، فیکون المبیع صاعا أیّ صاع کان، حتی لو تلف الجمیع إلا صاعا تعین العقد فیه. و یتخیر البائع بین أن یسلم من أعلی الصبرة أو

ص:493

أسفلها، و إن لم یکن الأسفل مرئیا، لأن رؤیة ظاهر الصبرة کرؤیة جمیعها، بخلاف الذراع من الأرض أو الثوب، لأن أجزاء الصبرة الواحدة لا تختلف.

و الثانی أظهر فی المذهب، و الأول أقوی فی النظر، لأنه لو فرق صیعان الصبرة و قال: بعتک واحد منها لم یصح و لا فرق سوی الجمع و التفریق و لا مدخل له فی الصحة و المنع و لأنه لو قال بعتک هذه الصبرة إلا صاعا منها لم یصح، إلا أن یکون الصیعان معلومة.

و لا فرق بین استثناء المعلوم من المجهول، أو استثناء المجهول من المعلوم فی کون الباقی مجهولا.

و التحقیق أن نقول: إن جعلنا علة بطلان البیع فی بیع عبد من عبدین الغرر الذی فیه مع سهولة الإخبار عنه، صح البیع هنا، لانتفاء الغرر هنا، لتساوی أجزاء الصبرة. و إن جعلناها افتقار البیع إلی محل معین، لم یصح، لعدم التعیین هنا کالعبد.

و أیضا یحتمل أن یقال: إنه مبنی علی الشرط فی العلم بالصیعان، فإن قلنا المبیع هناک مشاع فی الجملة، بطل هنا لتعذر الإشاعة. و إن قلنا المبیع صاع غیر مشاع، صح هنا، و علی تقدیر البطلان مع الجهالة، یحتمله مع العلم، کما فی بیع عبد من عبدین.

الثالث: إبهام السلوک کإبهام المبیع، کما لو باع أرضا محفوفة بملک البائع من جمیع الجانب، و شرط المشتری حق الاستطراق من جانب و لم یعینه، بطل البیع، لاختلاف الأغراض باختلاف الجهات فربما أدی الأمر إلی المنازعة، فالجهالة فی الحقوق کالجهالة فی المعقود علیه. و لو عینه من جانب، صح.

و کذا یصح لو قال: بعتک بحقوقها، و یثبت للمشتری حق الممر من جمیع الجوانب، کما کان ثابتا للبائع قبل البیع.

و لو أطلق و لم یتعرض للممر، احتمل الصحة، لأن مطلق البیع یقتضی حق الممر، لتوقف الانتفاع علیه، فأشبه ما لو قال: بعتکها بحقوقها، و لأنه

ص:494

علی تقدیر عدم اقتضاء مطلق البیع حق الممر، یمکنه التدرج إلی الانتفاع بتحصیل ممر بالعاریة أو بالشراء، فأشبه ما لو بقی الممر. و البطلان، لعدم الانتفاع بها فی الحال. و کذا لو نفی الممر احتمل الوجهان.

و لو کانت الأرض ملاصقة للشارع و أطلق المبیع، صح الانتفاع بها فی الحال، و لیس للمشتری الاستطراق فی ملک البائع، لأن العادة فی مثلها الدخول من الشارع فینزل الأمر علیها. و لو کانت ملاصقة لملک المشتری فکالشارع، و لا یملک المشتری الاستطراق فی الباقی.

و لو قال: بحقوقها، کان له الاستطراق فی ملک البائع، سواء کانت ملاصقة للشارع أو لملک المشتری.

و لو باع دارا و استثنی لنفسه بیتا، فله الممرّ إن قال بحقوقه: و لو أطلق فالأقرب ذلک أیضا، سواء کان له طریق غیره علی إشکال أو لا. و لو نفی الممر، صح و إن لم یکن له طریق غیره.

البحث الثالث (فی شرط العلم بالقدر)

یشترط العلم بالقدر فیما یکال أو یوزن، مبیعا کان أو ثمنا، سواء کان فی الذمة کالسلم و النسیة، أو معینا مشاهدا.

فلو قال: ملء هذا البیت حنطة، أو بزنة هذه الصنجة ذهبا، لم یصح.

و کذا لو قال: بعت بما باع به فلان فرسه أو ثوبه، و هما یجهلانه أو أحدهما، لأنه غرر یسهل [1] الإخبار عنه. و لو قلنا فی الصبرة بالصحة، احتمل هنا لإمکان الاستکشاف و إزالة الجهالة.

و للشیخ (رحمه اللّه) قول بجواز بیع الصبرة المشاهدة مع جهالة القدر، .

ص:495

کما لو قال: بعتک هذه الصبرة بعشرة دراهم، أو قال: بعتک بهذه الدراهم و هی مشاهدة، ربطا للعقد بالمشاهدة، و حصول العلم بالرؤیة، فیصح کبیع الحیوان و الثوب.

و لا یضر عدم مشاهدة باطن الصبرة، فإنه یشق لکون الحب بعضه علی بعض، و لا یمکن بسطه حبة حبة، و لأن أجزاءه متساویة، فاکتفی برؤیة ظاهره، بخلاف الثوب فإن نشره لا یشق و یختلف أجزاؤه، و لا یحتاج إلی معرفة قدرها مع المشاهدة، لأنه علم ما اشتری بأبلغ الطرف و هو الرؤیة، و الحق بطلان البیع، لثبوت الغرر.

و کذا لا یصح لو قال: بعتک نصف هذه الصبرة أو ثلثها، و یستحب علی قول الشیخ.

و لو قال: بعتک بمائة دینار إلا عشرة دراهم، لم یصح إلا أن یعلما قیمة الدینار بالدرهم.

و لو قال: بعتک بألف من الدنانیر و الدراهم، لم یصح لجهالة قدر کل واحد منها. و یحتمل الصحة، فیحمل علی التنصیف.

و إذا باع بدراهم أو دنانیر، فلا بد من العلم بنوعها، فإن کان فی البلد نقد واحد، أو نقود مختلفة و غلب أحدها، انصرف العقد إلیه، و إن کان فلوسا إلا أن یعین غیره.

و إن کان نقد البلد مغشوشا و عهدت المعاملة به، انصرف الإطلاق إلیه، و صح إن کانت النقرة معلومة، لأن المقصود إذا لم یتمیز عما لیس بمقصود، أدی إلی جهالة الثمن. و یحتمل الصحة مع جهالة قدرها، لأن العلم بالجملة حاصل، فلا تضر جهالة الأجزاء، و لا فرق بین أن یکون الغش غالبا أو مغلوبا.

و لو باع شیئا بدراهم مغشوشة، ثم بان قلة النقرة، فله الرد.

و لو تعددت نقود البلد و لا غالب، فالبیع باطل إلا أن یعین أحدها.

ص:496

و تقویم المتلفات یکون أیضا بغالب البلد. فإن تساوی النقدان عین الحاکم واحدا للتقویم. و لو غلب من جنس العرض نوع، احتمل انصراف الإطلاق إلیه کالنقد.

و لو باع صاعا من حنطة بصاع منها أو بشعیر فی الذمة، ثم أحضرا قبل التفرق صح، و الأجود المنع، لتعلق الأغراض بخصوصیات الأعیان فی المبیع دون الثمن، لأنه غیر مراد لذاته.

و کما ینصرف النقد إلی الغالب، کذا ینصرف فی الصفات إلیه، حتی لو باع بدینار أو بعشرة و المعهود فی البلد الصحاح، انصرف العقد إلیه. و إن کان المعهود المکسرة، فکذلک إلا أن یتفاوت قیم المکسرة، فلا بد من التعیین.

و لو کان المعهود أن یؤخذ نصف الثمن من هذا و النصف من ذاک، أو أن یؤخذ علی نسبة أخری، صح البیع حمل علیه.

و لو کان یعهد التعامل بهذا مرة و بذلک أخری و لا تفاوت، صح و سلم ما شاء. و یحتمل الصحاح، لأن الکسر عیب و الإطلاق إنما یحمل علی السلیم.

و لو کان بینهما تفاوت، فالأقرب الحمل علی الصحة. و یحتمل السلیم. و یحتمل البطلان للجهالة [کما لو تعدد أو نفل العام] [1].

و لو قال: بعت بألف صحاح و مکسرة، فالأقوی الصحة و یحمل علی التصنیف. و یحتمل البطلان للجهالة.

و لو قال: بعت بدینار صحیح، فجاء بصحیحین و وزنهما مثقال، لم یجب القبول و إن اتحد الغرض، لأنه غیر المشترط. و کذا لو جاء بصحیح وزنه مثقال و نصف، لما فی الشرکة من الضرر، و عدم وجوب قبول الأمانة. فإن تراضیا علیه جاز. و لو أراد أحدهما کسره، لم یجبر علیه، لما فیه من الضرر.

و لو باع بنصف دینار صحیح و شرط أن یکون مدورا، جاز إن عم وجوده، و إن لم یشترط فعلیه شق وزنه نصف مثقال، فإن سلم إلیه صحیحا

ص:497

وزنه مثقال و تراضیا علی الشرکة جاز.

و لو باعه آخر بنصف دینار، لم یجب صحیح عنهما، فإن دفعه فقد زاده خیرا. و لو سلم قطعتین کل واحدة نصف فهو الواجب. و لو شرط فی العقد الثانی تسلیم الصحیح عنهما، فالأقوی عندی الصحة.

و لو باع بنقد ثم انقطع عن أیدی الناس، بطل العقد لعدم القدرة علی التسلیم. و إن کان لا یوجد فی تلک البلدة و یوجد فی غیرها، فإن کان الثمن حالا أو مؤجلا إلی مدة لا یمکن نقله، بطل أیضا، و إن کان إلی مدة یمکن نقله صح، ثم إن حل الأجل و لم یحضره، فهو کما لو انقطع المسلم فیه. و إن کان لا یوجد فی البلد إلا أنه عزیز، فالأقوی الجواز. فإن تعذر التسلیم، فالوجه تخیر البائع.

و لو کان النقد الذی جری به التعامل موجودا ثم انقطع، فهو کانقطاع المسلم فیه. و یحتمل لزوم العقد، و یثبت فی الذمة القیمة.

و لو باع شیئا بنقد معین أو مطلقا، و حملناه علی نقد البلد، و أبطل السلطان ذلک النقد، لم یکن للبائع إلا ذلک النقد، کما لو أسلم فی حنطة فرخصت، لم یکن له سواها. و یحتمل تخیر البائع بین إجازة العقد بذلک النقد و الفسخ، کما لو تعیب قبل القبض.

و لو قال: بعتک هذه الصبرة کل قفیز بدرهم، فإن علما قدرها صح، و إن جهلا جملة الثمن و یرجعان إلی ما یقتضیه الحساب. و لو جهلاه أو أحدهما، فالأقوی بطلان البیع. و یحتمل الصحة فی قفیز واحد. أما لو قالا فی الأرض أو الثوب ذلک مع الجهالة، فإن البیع باطل قطعا.

و لو قال: بعتک عشرة من هذه الأغنام بکذا، بطل و إن علما قدر الغنم، لاختلاف قیمة الشیاه، بخلاف الصبرة.

و لو قال: بعتک هذه الأرض أو هذا الثوب أو هذه الأغنام کل ذراع و کل رأس بدرهم، مع علمهما بالقدر صح.

ص:498

و لو قال: بعتک هذه الصبرة بعشرة دراهم کل صاع بدرهم، أو قال مثله فی الثوب أو الأرض، فإن خرج کما ذکر، صح البیع إن باعهما علی هذا التقدیر.

و إن خرج زائدا أو ناقصا، احتمل البطلان، لأنه باع جملة الصبرة بالعشرة، بشرط مقابلة کل صاع بدرهم، و الجمع بینهما عند الزیادة و النقصان محال. و الصحة للإشارة إلی الصبرة و یلغی الوصف، فإن خرج ناقصا تخیر المشتری، فیحتمل بین الإمضاء بجمیع الثمن لمقابلة الصبرة به، أو بالقسط لمقابلته کل صاع بدرهم.

و إن خرج زائدا، احتمل أن تکون الزیادة للمشتری، لأن جملة الصبرة مبیعة منه فلا خیار له، و فی البائع إشکال، ینشأ: من رضاء ببیع الجمیع، و أن یکون للبائع فلا خیار له. و الأقرب ثبوته للمشتری، إذ لم یسلم إلیه جمیع الصبرة.

و إذا جوزنا بیع الصبرة المشاهدة مع جهالة القدر، فلو کانت علی موضع من الأرض فیه ارتفاع و انخفاض، ثبت الخیار هنا عند معرفة مقدار الصبرة، أو التمکن من تخمینها برؤیة ما تحتها.

و لو باع الصبرة و المشتری یظن أنها علی استواء الأرض، ثم بان تحتها ارتفاع، احتمل البطلان فی أصل العقد، لأنا تبینا بالآخر أن العیار لم یفد علما. و الصحة مع الخیار للمشتری، تنزیلا لما ظهر منزلة العیب و التدلیس.

و لو قال: بعتک هذه الصبرة إلا صاعا، فإن علما قدر الصیعان، و إلا فالوجهان.

البحث الرابع (فی شرط العلم بالصفة)

یشترط العلم بصفة البیع، إما بالمشاهدة، أو بالوصف الرافع للجهالة،

ص:499

کما یوصف فی السلم، لثبوت الغرر مع إهماله، فالمبیع إن کان معینا و کان غائبا أو حاضرا لم یر، وجب وصفه بما یرفع الجهالة.

فإن لم یکن ضبط أوصافه المقصودة، لم یصح البیع إلا مع المشاهدة.

و إن کان کلیا، وجب وصفه أیضا لذلک، لکن انحصار المبیع فی الأول فی ذلک المعین.

و لو تلف قبل القبض، بطل البیع لعدم محله. و لو تلف بعضه، بقی الباقی مبیعا بقدر قسطه من الثمن و یتخیر المشتری.

و أما الثانی فلا ینحصر فی عین دون أخری، بل أیّ عین دفعها بالصفات انصرف البیع إلیها، و استفاد المشتری الانتفاع بتلک العین الشخصیة، و لم یکن للبائع الرجوع فیها، و إن لم یتناولها العقد بالخصوصیة. و لا یبطل البیع بتلف أی عین کانت قبل الدفع، بل یجب عوضها.

و لا فرق فی البطلان بین أن لا یراه أحدهما أو لا یریاه معا، لأنه علیه السلام نهی عن بیع الغرر(1). و لأنه مبیع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد، فلم یصح بیعه، کما لو أسلم فی شیء و لم یصفه، و مع الوصف یتخیر المشتری إن لم یجده علی الوصف، لقوله علیه السلام: من اشتری شیئا لم یره فله الخیار إذا رآه(2). و إنما یثبت الخیار فی العقود الصحیحة.

و کما یشترط الوصف الرافع للجهالة فی شراء الغائب، فکذا فی إجارته، أو جعله مال الإجارة، أو مال الصلح، أو رأس مال السلم، ثم یسلم فی مجلس العقد.

و لو أصدقها عینا غائبة، فالأقوی صحته لتسامح الجهالة فیه. أما لو خالعها علیها أو علی القصاص فإشکال، فإن أبطلنا المسمی، وجب مهر المثل علی الرجل فی النکاح و علی المرأة فی الخلع، و الدیة علی المعفو عنه.

ص:500


1- (1) سنن ابن ماجة 2-739.
2- (2) وسائل الشیعة 12-361 ب 15 ما یدل علی ذلک.

أما هبة الغائب و رهنه، فالأولی فیهما الصحة، لأنهما لیسا من عقود المغابنات، بل الواهب و الراهن مغبونان لا محالة، و المتهب و المرتهن غابنان لا محالة، فلا خیار إذا صححناهما عند الرؤیة، إذ لا حاجة إلیه.

و أما بیع الأعمی و شراؤه، فإنهما صحیحان کالبصیر، بشرط معرفته بالوصف، فإن ظهر علی خلاف ما وصف له، کان له الخیار، لأنه تمکن الاطلاع علی المقصود و معرفته، فأشبه بیع البصیر و شراءه. و الأحوط التوکیل فی البیع و الشراء. و یجوز أن یوکل الصحیح من یختار له الفسخ و الإمضاء عند مخالفة الوصف، کما یجوز التوکیل فی خیار العیب.

و للأعمی أن یقبض لنفسه ما اشتراه بالوصف، و إن لم یتمیز بین المستحق و غیره إخلادا إلی قول البائع.

و یجوز أن یبیع و یشتری سلما و غیره بالوصف، سواء عمی بعد التمییز أو قبله و لم یعرف الألوان، لأنه یعرفها بالسماع و تخیل الفرق بینها.

و إذا اشتری غائبا رآه قبل العقد، أو باع کذلک، فإن کان مما لا یتغیر غالبا، کالأراضی و الأوانی و الحدید و النحاس و نحوها، أو کان لا یتغیر بالمدة المتخللة بین الرؤیة و العقد، صح العقد لحصول العلم الذی هو المقصود، فإن وجده کما رآه فلا خیار.

و إن وجده متغیرا، احتمل البطلان لسبق انتفاء المعرفة، و الأقوی الصحة لبناء العقد فی الأصل علی ظن غالب، و لکن له الخیار. و لا نعنی بالتغیر التعیب، فإن خیار العیب لا یختص بهذه الصورة، و لکن الرؤیة بمثابة الشرط فی الصفات الکائنة عند الرؤیة، فکل ما فات منها فهو بمثابة ما لو تبین الخلف فی الشرط.

و لو کان المبیع مما یتغیر فی مثل تلک المدة غالبا، کما لو رأی ما یسری إلیه الفساد من الأطعمة، ثم اشتراه بعد مدة کثیرة، فالبیع باطل، للعلم بتغیر الصفة فیبقی مجهولا.

و لو احتمل الأمران أو کان المبیع حیوانا، فالأصح الصحة، لظهور بقائه

ص:501

علی حاله، فإن وجده متغیرا تخیر.

و لو اختلفا، احتمل تقدیم قول البائع، لأصالة عدم التغیر و استمرار العقد، و قول المشتری لأن البائع یدعی علیه الاطلاع علی المبیع علی هذه الصفة و الرضا به و هو ینکره، فأشبه ما لو ادعی اطلاعه علی العیب و أنکره المشتری. و التفصیل، فیقدم قول البائع مع عدم عیب، و قول المشتری معه.

و یکفی استقصاء الأوصاف علی الحد المعتبر فی السلم، و یقوم مقام الرؤیة. و کذا سماع وصفه بطریق التواتر، لأن ثمرة الرؤیة المعرفة، و هما یفیدانها.

و لو شاهد بعض المبیع دون بعض، فإن کان مما یستدل برؤیة بعضه علی الباقی، صح البیع، کما إذا رأی ظاهر الصبرة من الحنطة، إذ الغالب تساوی أجزائها، و یعرف جملتها برؤیة ظاهرها، و لا خیار له إذا رأی باطنها إلا إذا خالف الظاهر. و کذا سائر الحبوب و کومة الجزر و الأرز و الدقیق.

و لو کان شیء منها فی وعاء، فرأی أعلاه، أو رأی أعلی السمن و الخل و سائر المائعات فی ظروفها کفی.

و لو کانت الحنطة فی بیت مملو منها، فرأی بعضها فی الباب کفی.

و لو رأی الجمد فی المجمدة صح إذا عرف سعتها و عمقها.

و لا یکفی رؤیة صبرة البطیخ و الرمان و السفرجل، لأنها تباع فی العادة عددا و یختلف کثیرا، فلا بد من رؤیة واحد واحد.

و کذا لا یکفی رؤیة رأس السلة فی العنب و الخرج و نحوهما، لکثرة اختلاف أجزائها، بخلاف صبرة الحبوب و الثمر إن لم یلتزق أفراده، فصبرته کصبرة اللوز، و إن التزقت کالقوصرة، کفی رؤیة الأعلی.

و الأقرب الاکتفاء برؤیة ظاهر عدل القطن و الصوف، و لو أراه أنموذجا و بنی أمر المبیع علیه، فإن قال: بعتک من هذه النوع کذا احتمل البطلان، لأنه لم یعین مالا و لا راعی شروط السلم، و لا یقوم ذلک مقام الوصف فی

ص:502

السلم، لأن اللفظ و الوصف یمکن الرجوع إلیه عند الإشکال، و الأقرب عندی الصحة، إذ المشاهدة أبلغ فی العلم من الوصف.

و إن قال: بعتک الحنطة التی فی هذا البیت، و هذا الأنموذج منها، فإن لم یدخل الأنموذج فی البیع، احتمل الصحة تنزیلا منزلة استقصاء الوصف.

و المنع، لأن المبیع غیر مرئی، و لا یشبه استقصاء الوصف. و إن أدخله فی المبیع، احتمل الصحة، کما رأی بعض الصبرة. و المنع.

و مسألة الأنموذج إنما نفرض فی المتماثلات.

و لو کان الشیء مما یستدل برؤیة بعضه علی الباقی، فإن کان المرئی صونا للباقی، کقشر الرمان و البیض و الجوز، کفی رؤیته و إن کان المقصود مستورا، لأن صلاحه فی بقائه فیه، فإن خرج سلیما لزم البیع، و إلا وجب الأرش. و لو لم یکن لمسکوره قیمة کالبیض الفاسد، فالأرش جمیع الثمن.

و لا یصح بیع اللب وحده، لأن تسلیمه لا یمکن إلا بکسر القشر و فیه تغیر عین المبیع. و الوجه عندی الصحة مع سقوط القشر عن التقویم.

و لو رأی المبیع من تحت الماء الشفاف، أو من وراء قارورة و شبهها، فإن حصلت المعرفة التامة صح البیع، و إلا فلا. و کذا الأرض إذا علاها الماء الصافی و شاهدها أو الحرث فیه، و إن لم یکن المرئی صونا للباقی، لم یصح بیعه إلا مع المشاهدة، أو الوصف الرافع للجهالة.

البحث الخامس (فی بقایا مسائل هذا الباب)

الأول: قد بینا أن العلم بالمبیع و الثمن قدرا و وصفا شرط، فلو جهلاه أو أحدهما لم یجز العقد، فإن وکلا عارفا به صح البیع، لانتفاء الغرر عن العقد. و کذا لو أجاز الجاهل بیع الفضولی العالم علی إشکال، ینشأ: من أن الإجازة إنشاء عقد أو تقریره.

ص:503

الثانی: رؤیة کل شیء بحسب ما یلیق به، ففی شراء الدار تجب رؤیة البیوت و السقوف و السطوح و الجدران داخلا و خارجا و المستحم و البالوعة، و فی البستان رؤیة الأشجار و الجدران و البسط و مسائل المیاه، و لا حاجة إلی رؤیة أساس البناء و لا عروق الأشجار. و هل یشترط رؤیة طریق الدار و مجری الماء الذی تدور به الرحی ؟ إشکال.

و فی العبد رؤیة الوجه و الأطراف و باطن البدن. و فی العورة إشکال.

ینشأ: من تعمیم التحریم، و من التسویغ عند الحاجة الثابتة هنا. و کذا الجاریة علی الأقوی، و الأقرب اشتراط رؤیة اللسان و الأسنان.

و فی الدواب رؤیة مقدمها و مؤخرها و قوائمها، و یجب رفع السرج و الإکاف و الجل.

و فی اشتراط جری الفرس لیعرف سیره إشکال.

و الثوب إن کان مطویا ینقصه النشر، فالأقرب عدم اشتراط نشره، و کذا إن لم ینقصه، بشرط دلالة ظاهره علی ما خفی، و إذا نشرت فالصفیق کالدیباج المنقش لا بد من رؤیة کلا وجهیه، و کذا البسط و الزلالی. و ما کان رقیقا لا یختلف وجهاه، کفی رؤیة أحد وجهیه علی الأقوی.

و فی شراء الکتب یجب تقلیب الأوراق و رؤیة جمیعها.

الثالث: بیع اللبن فی الضرع باطل، لأنه مجهول القدر، لتفاوت ثخن الضروع، و لأنه یزداد شیئا فشیئا، لا سیما إذا أخذ فی الحلب، و ما یحدث لیس من المبیع، فلا یتأتی التمییز و التسلیم. و لأن النبی علیه السلام نهی عنه.

و لو قال: بعتک من اللبن الذی فی ضرعها کذا، لم یجز، لأن وجود القدر فی الضرع لا یستقر [1]. و یحتمل الجواز بناء علی العادة، لکن لا بد من ضبطه بالوصف.

و لو احتلب بعضه و باعه مع باقی الضرع، فللشیخ قول بالجواز. و الوجه

ص:504

المنع، لأن انضمام المعلوم إلی المجهول لا یصیر معلوما.

و لو حلب بعضه ثم باعه مع ما فی الضرع مدا و شاهد المحلوب، فهو کالأنموذج.

هذا إذا کان المبیع قدرا یسیرا یتأتی حلبه و ابتدر قبل تزاید اللبن، أما لو کان قدرا لا یتأتی حلبه إلا و یتزاید اللبن، فالوجه المنع.

و یجوز الوصیة باللبن فی الضرع، بخلاف البیع. و لا یجوز بیع اللبن فی الضرع أیاما معلومة و إن عرف قدر حلبها، لأنه بیع ما لم یخلق فلم یجز، کبیع ما تحمله الناقة.

الرابع: فی بیع الصوف علی الظهر قولان: المنع للنهی عنه، و لأنه متصل بالحیوان فلم یجز بیعه منفردا کأعضائه، و لأن مطلق اللفظ یتناول جمیع ما علی ظهر الجلد. و لا یمکن استیعابه إلا بإیلام الحیوان، و إن شرط الجز، فالعادة فی المقدار المجزور تختلف، و بیع المجهول لا یجوز. و الجواز و الجز بمقتضی العادة کالرطبة و غیرها من الزرع المأخوذ جزا، بخلاف الأعضاء التی لا یمکن تسلیمها مع سلامة الحیوان.

و لو اشتراه بشرط الجز فترکه حتی طال، فکالرطبة إذا اشتراها بشرط القطع فترکها حتی طالت.

الخامس: بیع الشاة المذبوحة قبل سلخها باطل، سواء بیع اللحم وحده، أو الجلد وحده، أو بیعا معا، لأن المقصود اللحم و هو مجهول.

و یحتمل الجواز، لعدم اشتراط الرؤیة، فأشبه لب الجوز.

و یجوز بیع الأکارع و الرءوس بعد التذکیة و الإبانة مشویة و نیة و لا عبرة بما علیها من الجلد، لأنه مأکول.

و لو باعا قبل الإبانة، فالوجه الجواز أیضا، أما قبل التذکیة فلا یجوز و کذا لا یجوز بیع جلد الشاة و غیرها قبل التذکیة لتعذر تسلیمه و لا بعدها لجهالته.

ص:505

السادس: یجوز بیع المسک فی الفأر، و هو الوعاء الذی یکون فیه، لأن بقاءه فی فأره مصلحة له، لأنه یحفظ رطوبته و ذکا رائحته فأشبه الجوز، ثم إن وجده صحیحا لزم و إلا تخیر.

و لو کان رأس الفأرة مفتوحا یشاهد أعلاه، صح البیع أیضا، و یلزم لو کان أسفله کأعلاه، و إلا تخیر. و لو رآه خارج الفأرة فاشتراه بعد الرد إلیها، جاز.

و لا یجوز بیع الدر فی الصدف، للجهالة مع تفاوتها کبرا و صغرا و صفاء و کدورا.

السابع: لو رأی بعض الثوب و بعضه الآخر فی صندوق أو جدار، فإن وصفه وصفا یرفع الجهالة، أو أخبره بأن الباقی کالمرأی، صح البیع لانتفاء الجهالة.

قال الشیخ: و لو باعه ثوبا علی خشب ساج قد نسج بعضه علی أن ینسج الباقی و یدفعه، کان باطلا، لأن المرأی من الثوب البیع فیه لازم من غیر خیار الرؤیة، و الباقی یقف علی خیار الرؤیة، فیجتمع فی شیء واحد خیار الرؤیة و انتفاؤها و هو متناقض.

و لیس بجید، لأنها نمنع لزوم البیع فی المشاهد لوحدة العقد.

و لو کان المبیع شیئین صفقة، و رأی أحدهما دون الآخر، فإن وصف له وصفا یرفع الجهالة، صح البیع. فإن لم یوصف بطل البیع فیه، و الأقرب بطلان البیع فی المرئی لاتحاد العقد، مع احتمال الصحة فیه، و یتخیر المشتری لتفریق الصفقة علیه.

الثامن: لا یجوز بیع عین بصفة مضمونة، کأن یقول: بعتک هذا الثوب علی أن طوله کذا و عرضه کذا و غیره من الصفات، فإن لم یکن بهذه الصفات فعلی بدله بهذه الصفات، لوقوع العقد علی شیء بعینه، و إذا لم یصح فیه، افتقر فی ثبوته فی بدله إلی تجدید عقد.

ص:506

التاسع:

إذا باع عینا شخصیة، فإن شوهدت صح البیع، و إلا فلا إلا مع ذکر الجنس و النوع و الوصف الرافع للجهالة المشروط فی السلم.

و لو قال: بعتک ما فی کمی أو کفی أو ما ورثته من أبی، لم یصح. و کذا لو ذکر الجنس و النوع، مثل بعتک عبدی الترکی، ما لم یصفه بصفات السلم، حذرا من الغرر، و لأنه مبیع غیر مشاهد، فاعتبر فیه التعرض للصفات کالمسلم فیه، فلا یکفی ذکر معظم الصفات.

العاشر:

إذا باع الغائب بالوصف، فإن وجده علی ما وصفه، لم یکن له خیار، لسلامة المعقود علیه بصفاته، و قوله علیه السلام: من اشتری شیئا لم یره فله الخیار إذا رآه(1). المراد به إذا وجده علی غیر الوصف.

و لو وجده دون ما وصفه، فله الخیار قطعا. فلو أخبره بکونه علی خلاف الوصف، کان له الفسخ قبل الرؤیة، لأن حق الفسخ ثابت له عند الرؤیة، فلا معنی لاشتراط الرؤیة فی نفوذه.

و لو ظهر کذبه بعد الفسخ، احتمل أن یکون له استرجاعه باختیاره و مخیرا و عدمه، و هل له الإجازة ؟ الأقرب ذلک، لأنها ثابتة له عند الرؤیة مغبوطا کان أو مغبونا، فلا معنی لاشتراط الرؤیة. و یحتمل المنع، لأن قوله «أجزت» مع الجهل بمنزلة قوله فی الابتداء «اشتریت» و الإجازة رضاء بالعقد و التزام له، و هو یستدعی العلم بالمعقود علیه، و هو جاهل بحاله.

و لو اشتراه بشرط انتفاء الخیار، فالأقرب الجواز، و لا خیار له و إن کان قد تغیر.

و لو کان البائع قد رأی المبیع أولا، فإن تغیر بالزیادة، کان له الخیار کخیار المجلس، فإنهما یشترکان فیه. و لو لم یکن قد تغیر أو تغیر بالنقصان، فلا خیار له.

و لو لم یکن البائع قد رآه، بل باعه بالوصف، کان له الخیار عند

ص:507


1- (1) وسائل الشیعة 12-361 ب 15 ما یدل علی ذلک.

الرؤیة، إن کان أجود مما وصف له، و إلا فلا.

و لو باع شیئا علی أنه معیب، فبان صحیحا، کان له الخیار، لأن الخیار کما یثبت للمشتری عند النقصان یثبت للبائع عند الزیادة، و لهذا لو باع ثوبا علی أنه عشرة، فبان أحد عشر، کان له الخیار.

الحادی عشر:

الأقرب أن خیار الرؤیة متراخ، لأنه خیار تعلق بالاطلاع علی حال المبیع، فأشبه الرد بالعیب. و یحتمل امتداده بامتداد مجلس الرؤیة، لأنه خیار یثبت قضیة للعقد فتعلق بالمجلس کخیار المجلس.

الثانی عشر:

لو تلف المبیع فی ید المشتری قبل الرؤیة، لم ینفسخ البیع. و لو باعه قبل الرؤیة بالوصف الذی اشتراه، صح.

الثالث عشر:

یجوز بیع ما لا یعلم وصفه المقصود إلا بالذوق کالخل و العسل و أشباههما، أو بالشم مثل المسک و نحوه، أو باللمس کالناعم و الخشن قبل إدراکه، بناء علی الصحة و السلامة فی الکیفیات المقصودة المعلومة بهذه الطرق.

الرابع عشر:

لو کان المبیع فی غیر موضع العقد، صح و وجب تسلیمه فی ذلک البلد، و أکثر علمائنا علی تسلیمه فی بلد العقد. و لو شرط تسلیمه فی بلد العقد صح البیع و لزم الشرط کالسلم.

الخامس عشر:

لو شاهد ثوبین ثم سرق أحدهما، فاشتری الآخر و لم یعلم المسروق أیهما هو، فإن تساویا قدرا و وصفا و قیمة کنصفی کرباس واحد صح، فإنه اشتری معینا مرئیا معلوما، و إن اختلفا فی شیء من ذلک لم یصح، لأنه لا یعلم المشتری منهما الطویل أو الجید أو ضدهما، و لم تفد الرؤیة السابقة العلم بحال المبیع عند العقد.

السادس عشر:

لو اختلفا، فقال البائع للمشتری: رأیت المبیع، فقال المشتری: لم أره، قدم قول البائع، لأصالة صحة العقد، و للمشتری أهلیة الشراء و قد أقدم علیه، فکان اعترافا منه بصحة العقد.

ص:508

السابع عشر:

نهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن ثمن عسیب الفحل(1). فقیل: عسیب الفحل أجرة ضرابه. و قیل: ضرابه. و قیل:

ماؤه. و المراد من الثمن الأجرة، فإنها قد تسمی ثمنا مجازا.

و الأصل أن بیع الماء ممنوع منه، لأنه غیر متقوم و لا معلوم و لا مقدور علی تسلیمه. و أما بطریق الاستیجار فإنه جائز عندنا علی کراهیة، لأنها منفعة مقصودة فجاز الاستیجار علیها، کالاستیجار لتلقیح النخل، و الماء تابع و الغالب حصوله عند نزوه، فیکون کالعقد علی الظئر، لتحصیل اللبن فی بطن الصبی.

و تزول الکراهة لو أعطاه علی سبیل الکرامة.

الثامن عشر:

نهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن بیع حبل الحبلة(2) ، و له تفسیران:

أحدهما: قال أبو عبیدة و أهل اللغة: أن یبیع نتاج النتاج نفسه، لأنه بیع ما لیس بمملوک و لا معلوم و لا مقدورا علی تسلیمه.

ثانیهما: أن یجعل نتاج النتاج داخلا فی الشیء، فإن الجاهلیة کانوا یتبایعون لحم الجزور إلی حبل الحبلة، و هو أن ینتج الناقة ثم تحمل التی نتجت، فنهاهم النبی صلی اللّه علیه و آله، و هو باطل، لأنه بیع إلی أجل مجهول فکان غررا.

التاسع عشر:

نهی علیه السلام عن بیع الملاقیح و المضامین(3).

فالملاقیح ما فی بطون الأمهات من الأجنة، الواحدة ملقوحة، من قولهم لقحت، کالمجنون من جن و المحموم من حم.

و المضامین ما فی أصلاب الفحول، سمیت بذلک لأن اللّه تعالی ضمنها،

ص:509


1- (1) سنن ابن ماجة 2-731 الرقم 2160.
2- (2) جامع الأصول 1-475.
3- (3) جامع الأصول 1-475.

و کانوا فی الجاهلیة یبیعون ما فی بطن الناقة و ما تحبل من ضراب الفحل فی عام أو أعوام.

و الأصل فیه الجهالة و عدم التملک و القدرة علی التسلیم.

العشرون:

نهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن بیع الملامسة و المنابذة(1) ، و للملامسة تأویلات:

أحدها: أن یأتی بثوب مطوی أو فی ظلمة فیلمسه المستام فیقول صاحب الثوب: بعتک هذا بکذا بشرط أن یقوم لمسک مقام نظرک و لا خیار لک إذا رأیته. لما فیه من الغرر و الجهالة.

و کذا لو باع شیئا علی شرط نفی خیار الرؤیة، فإن کان قد رآه أولا، احتمل الصحة و البطلان. و إن لم یکن قد رآه و لا وصف له وصفا یرفع الجهالة بطل.

ثانیها: أن یجعلا نفس اللمس بیعا، بأن یقول صاحب الثوب لطالبه:

إذا لمست ثوبی فهو مبیع منک بکذا. و هو باطل، لما فیه من التعلیق و العدول عن الصیغة الشرعیة. و هل هو فی حکم المعاطاة ؟ الأقرب ذلک.

ثالثها: أن یبیعه شیئا علی أنه متی لمسه فقد وجب البیع و سقط خیار المجلس و غیره، و هو باطل لجهالة مدة الخیار.

و للمنابذة تأویلان:

أحدهما: أن یجعلا النبذ بیعا، فیقول أحدهما للآخر: أنبذ إلیک ثوبی و تنبذ إلی ثوبک علی أن کل واحد بالآخر، أو یقول: أنبذ إلیک ثوبی بعشرة فیکون النبذ بیعا. لما فیه من اختلاف الصیغة، و هو راجع إلی المعاطاة، فإن المنابذة مع قرینة البیع هی المعاطاة بعینها.

ثانیهما: أن یقول: بعتک هذا بکذا علی أنی إذا أنبذته إلیک فقد وجب

ص:510


1- (1) جامع الأصول 1-405.

البیع، و حکمه ما تقدم فی الملامسة.

الحادی و العشرون:

نهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن بیع الحصاة(1). و له تأویلات:

أحدها: أن یقول: بعتک ثوبا من هذه الأثواب و أرمی بهذه الحصاة، فعلی أیها وقعت فهو المبیع. أو یقول: أرمی بهذه الحصاة فإلی أی موضع بلغت من الأرض یکون مبیعا منک.

ثانیها: أن یقول: بعتک هذا بکذا علی أنک بالخیار إلی أن أرمی بهذه الحصاة.

ثالثها: أن یجعلا نفس الرمی بیعا، فیقول البائع: إذا رمیت هذه الحصاة فهذا الثوب مبیع منک بعشرة.

و البیع باطل فی الجمیع: أما أولا فللجهل بالمبیع. و أما ثانیا فللجهل بمدة الخیار. و أما ثالثا فلاختلال الصیغة.

و لو عقد البیع قبل لمسه و نبذه و رمیه بالحصاة، ثم قال: بعتک ما تلمسه من هذه الثیاب، أو ما أنبذه إلیک، أو ما یقع علیه الحصاة بالحصاة، فهو غیر معین و لا موصوف، فصار کما لو قال: بعتک عبدا من هذه العبید.

الثانی و العشرون:

نهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن بیعتین فی بیعة، و له تفسیران(2).

أحدهما: أن یقول: بعتک هذا العبد بألف نقدا أو بألفین إلی سنة، فخذه بأیهما شئت أنت أو شئت أنا. و هو باطل للجهل بالعوض، کما لو قال:

بعتک هذا العبد أو هذه الجاریة بکذا.

و لو قال: بعتک بألف نقدا أو بألفین إلی سنة علی رأی. أو قال: بعتک

ص:511


1- (1) جامع الأصول 1-441.
2- (2) جامع الأصول 1-446.

نصف هذا العبد بألف و نصفه بألفین صح البیع.

و لو قال: بعتک هذا العبد بألف نصفه بستمائة، فالأقرب عندی الصحة، و إن اقتضی ابتداء کلامه توزیع الثمن علی المثمن بالسویة، إلا أن دلالة المنطوق أقوی و لا تناقض، فإن خرج نصفه مستحقا فله نصف الألف.

ثانیهما: أن یقول: بعتک هذا العبد بألف علی أن تبیعنی دارک بکذا، أو تشتری منی داری بکذا، و هو صحیح، لقوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) و قوله علیه السلام: المؤمنون عند شروطهم(2).

الثالث و العشرون: إنما یصح البیع علی الأعیان المملوکة کما تقدم، فلا یصح علی المنافع، و لا علی ما لا یصح تملکه، و لا مع خلوه عن العوض، و قد تقدم ذلک.

المطلب السادس (فی بقایا المناهی)
اشارة

و فیه مباحث:

البحث الأول (ما ورد فیه النهی)

قد یحکم بفساده [1] قضیة للنهی عند قوم و هو الأغلب، و قد لا یحکم بحیث یتفاوت البیع بما یعرف عود النهی إلیه کالمنع عن البیع حالة النداء، فإنا نعلم أن المنع غیر متوجه نحو خصوص البیع، بل نحو ترک الجمعة، حتی لو

ص:512


1- (1) سورة المائدة: 1.
2- (2) تهذیب الأحکام 7-371 ج 66.

ترکها بسبب آخر فقد ارتکب النهی، و لو باع فی غیر تلک الحالة لم یتحقق نهی.

فمن الأول نهیه علیه السلام عن بیع اللحم بالحیوان(1) ، و سیأتی إن شاء اللّه تعالی. و منه بیع ما لم یقبض، و بیع الطعام حتی تجری فیه الصاعات، و بیع الکالی بالکالی، و بیع الغرر، و بیع ما لا یقدر علی تسلیمه، و بیع مال الغیر و ما لیس عنده، و یفسر ببیع ما هو غائب عنه، أو ببیع ما لا یملکه لیشتریه فیسلمه، و بیع الکلب و الخنزیر، و قد تقدم بیان ذلک.

و أما ما لا یدل علی الفساد فأقسام یأتی فی أبحاث إن شاء اللّه تعالی.

البحث الثانی (فی الاحتکار)

الاحتکار منهی عنه إجماعا، قال علیه السلام: لا یحتکر الطعام إلا خاطئ(2). أی آثم. و قال علیه السلام: الجالب مرزوق و المحتکر ملعون(3). و قال الصادق علیه السلام: کان رجل من قریش یقال له حکیم بن حزام کان إذا دخل الطعام المدینة اشتراه کله، فمر علیه النبی صلی اللّه علیه و آله فقال: یا حکیم بن حزام إیاک أن تحتکر(4).

و هل هو حرام أو مکروه ؟ لعلمائنا قولان.

و الاحتکار: أن یشتری ذو الثروة الطعام فی وقت الغلاء و لا یدعه للضعفاء، و یحبسه لیبیعه منهم بأکثر عند اشتداد حاجتهم.

و لا بأس أن یشتری فی وقت الرخص لیبیع فی وقت الغلاء، و أن یشتری فی وقت الغلاء لنفسه و عیاله، ثم یفضل شیء فیبیعه فی وقت الغلاء، و أن

ص:513


1- (1) جامع الأصول 1-413.
2- (2) جامع الأصول 2-22، وسائل الشیعة 12-315 و 314.
3- (3) جامع الأصول 2-28، وسائل الشیعة 12-313 ح 3.
4- (4) وسائل الشیعة 12-316 ح 3.

یمسک غلة ضیعة لیبیع فی وقت الغلاء، لکن الأولی أن یبیع ما یفضل عن کفایته. و هل یکره إمساکه ؟ إشکال.

و لا احتکار فی غیر الأقوات إجماعا، و لا یعم جمیع الأقوات، بل هو مختص بالحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب و الملح و السمن. و الاحتکار المنهی عنه ما جمع ثلاث شرائط:

الأول: أن یشتری فلو جلب شیئا، أو أدخل شیئا من غلته فادخره، لم یکن محتکرا، لقوله علیه السلام الجالب مرزوق و المحتکر ملعون(1). و لأن الجالب لا یضیق علی أحد و لا یضر به بل یبیع [1]، فإن الناس إذا علموا عنده طعاما معدا للبیع کان أطیب لنفوسهم [2] من عدمه.

الثانی: أن یکون قوتا، فلا احتکار فی الأدم کالعسل و غیره عدا ما استثنی، و لا علف البهائم لأن هذه الأشیاء مما لا تعم الحاجة إلیها، فأشبهت الثیاب و الحیوانات.

الثالث: أن یضیق علی الناس بشرائه، و لا یحصل ذلک إلا بأمرین: أن یکون فی بلد یضیق بأهله الاحتکار کالحرمین و الثغور، أما البلاد الواسعة الکثیرة المرافق و الجلب کبغداد و مصر، فقل أن یؤثر ذلک فیها، فإن فرض کان منهیا عنه.

و أن یکون فی حال الضیق، بأن یدخل البلد قافلة فیتبادر ذوی الیسار فیشترونها و یضیقون علی الناس، و أما إن اشتراه حال الرخص بحیث لا یضیق علی أحد فلا بأس، فإن تجدد الضیق وجب البذل.

ص:514


1- (1) تقدم آنفا.
البحث الثالث (فی التسعیر)

المشهور أنه لا یجوز التسعیر لا للإمام و لا لنائبه علی أهل الأسواق فی شیء من أمتعتهم من الطعام و غیره فی حال الرخص و الغلاء، لما روی أن رجلا جاء إلی النبی صلی اللّه علیه و آله فقال: سعر علی أصحاب الطعام، فقال: بل أدعو اللّه، ثم جاء آخر فقال: یا رسول اللّه سعر علی أصحاب الطعام، فقال: بل اللّه یرفع و یخفض و إنی لأرجو أن ألقی اللّه و لیس لأحد عندی مظلمة(1).

إذا عرفت هذا فلو خالف إنسان من أهل السوق بزیادة سعر أو نقصان، فلا اعتراض لأحد علیه، و لا یسعر علیه بل یبیع بما رزقه اللّه، سواء کان فی الغلاء أو الرخص، تمکینا للناس من التصرف فی أموالهم، و لأنهم قد یمتنعون بسبب ذلک من البیع فیشتد الأمر.

و لو جوزنا التسعیر فإنما هو فی الأطعمة التی تثبت الاحتکار فیها خاصة، و لا یلحق بها علف الدواب.

و إذا سعر الإمام علیه السلام: فخالف، استحق التعزیر و صح البیع.

إذا ثبت هذا فإن الإمام یجبر المحتکر علی إخراج الطعام و بذله للبیع و تعریضه له، لأن علیا علیه السلام قال: إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مر بالمحتکرین، فأمر محتکریهم أن یخرج إلی بطون الأسواق و حیث ینظر الأبصار إلیها، فقیل لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: لو قومت علیهم فغضب حتی عرف الغضب من وجهه، فقال: أنا أقوم علیهم، إنما السعر إلی اللّه یرفعه إذا شاء و یخفضه إذا شاء(2).

و حد الشیخ (رحمه اللّه) الاحتکار فی الرخص بأربعین یوما، و فی الغلاء

ص:515


1- (1) جامع الأصول 2-24-25.
2- (2) وسائل الشیعة 12-317 ح 1.

بثلاثة أیام(1). لقول الصادق علیه السلام: الحکر فی الخصب أربعون یوما و فی الشدة و البلاء ثلاثة أیام، فما زاد علی الأربعین یوما فی الخصب فصاحبه ملعون، و ما زاد فی العسرة علی ثلاثة أیام فصاحبه ملعون(2). و قیل: لا یشترط.

البحث الرابع (فی بیع الحاضر للبادی)

یکره أن یبیع حاضر لباد، لقوله علیه السلام: لا یبیع حاضر لباد دعوا الناس یرزق اللّه بعضهم من بعض(3).

و صورته: أن یحمل البدوی أو القروی متاعه إلی البلد و یرید بیعه بسعر الیوم لیرجع إلی موضعه، و لا یلزمه مؤنة الإقامة، فیأتیه البلدی و یقول له:

ضع متاعک عندی و ارجع لأبیعه لک علی التدریج بأغلی من هذا السعر.

و قیل: أن یخرج الحضری إلی البدوی و قد جلب السلعة فیعرفه السعر و یقول: أنا أبیع لک و أکون سمسارا.

و علی کل تقدیر فلیس بمحرم، بکل مکروه بشروط:

الأول: أن یکون عالما بورود النهی، و هو شرط یعم جمیع المناهی.

الثانی: أن یظهر من ذلک المتاع سعة فی البلد، فإن لم یظهر إما لکبر البلد أو لقلة ذلک الطعام، أو لعموم وجوده و رخص السعر، فالأقرب عدم الکراهیة، لأن المقتضی للنهی تفویت الربح، و فقد الرفق علی الناس و هذا لم یوجد هنا.

الثالث: أن یکون المتاع المجلوب مما تعم الحاجة إلیه، أما ما لا یحتاج .

ص:516


1- (1) النهایة ص 374-375.
2- (2) وسائل الشیعة 12-313 ح 1.
3- (3) جامع الأصول 1-442

إلیه إلا نادرا، فالأقرب عدم دخوله تحت المنع.

الرابع: أن یعرض الحضری ذلک علی البدوی و یدعوه إلیه، فإن التمس البدوی منه بیعه له تدریجا و قصد الإقامة فی البلد لیبیعه کذلک، فسأل البدوی تفویضه إلیه لم یکن به بأس، لأنه لم یضر بالناس. و لا سبیل إلی منع المالک عنه، لما فیه من الإضرار به.

و لو استرشد البدوی الحضری، فهل له إرشاده إلی الادخار و البیع علی التدریج ؟ فالأقرب جوازه.

و لو باع الحضری للبدوی عند اجتماع الشرائط، صح البیع، لأن قوله علیه السلام: دعوا الناس یرزق اللّه بعضهم من بعض(1). یدل علیه، فإنه لو لا صحة البیع لما کان فی فعله تفویت علی الناس. أما الشراء لهم فإنه جائز، لأن النهی غیر متناول للشراء بلفظه و لا هو فی معناه، فإن النهی عن البیع إنما یثبت للرفق بأهل الحضر لیبیع علیهم بالسعر و یزول عنهم الضرر.

البحث الخامس (فی التلقی)

قال الباقر علیه السلام: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: لا یتلقی أحدکم تجارة خارجا من المصر، و لا یبیع حاضر لباد، و المسلمون یرزق بعضهم من بعض(2). و هو مکروه عند أکثر العلماء، و لیس حراما إجماعا.

و صورته: أن یتلقی الإنسان طائفة یحملون متاعا إلی البلد فیشتریه منهم قبل قدوم البلد و معرفة سعره، فإنه مکروه إن قصد التلقی، و یصح البیع و لا خیار لهم قبل أن یقدموا البلد و یعرفوا السعر، و بعده یثبت الخیار إن کان البیع بأرخص من سعر البلد بما لا یتغابن الناس به، سواء أخبر کاذبا أو لم یخبر بشیء.

ص:517


1- (1) نفس المصدر.
2- (2) وسائل الشیعة 12-326-327 ح 5 و 1.

و لو کان الشراء بسعر البلد أو أکثر أو أقل بما یتغابن الناس به فلا خیار، لأنه لم یوجد تغریر و لا خیانة، و لو خرج لا بقصد التلقی، بل اصطیادا أو غیره فاتفق لقاء الرکب، لم یکن قد فعل مکروها. و یثبت الخیار مع الغبن الفاحش لا بدونه. و الخیار یثبت علی الفور کخیار العیب. و قیل: لا یسقط إلا بالإسقاط.

و لو تلقی الرکبان و باع منهم ما یقصدون شراءه فی البلد، احتمل مساواته للتلقی فی الشراء لنفوذه [1] بالرفق الحاصل منهم و عدمها، لأن النهی إنما ورد عن الشراء.

و حد التلقی: أربعة فراسخ، فإن زاد علی ذلک کان تجارة و جلبا و لم یکن تلقیا، لقول الصادق علیه السلام فی حده ما دون غدوة أو روحة، قلت: و کم الغدوة و الروحة ؟ قال: أربعة فراسخ(1).

و لو تلقی الجلب فی أعلی السوق، فالأقرب عدم الکراهیة، لأنه إذا صار فی السوق فقد صار فی محل البیع و الشراء، کالذی صار إلی وسطها. أما لو دخل أول البلد، فالأقرب اندراجه تحت النهی.

البحث السادس (فی السوم علی السوم)

روی عنه علیه السلام أنه قال: لا یوسم الرجل علی سوم أخیه(2).

و الأقسام أربعة:

الأول: أن یوجد من البائع تصریح بالرضا بالبیع، فهذا یکره فیه السوم علی غیر ذلک المشتری، و هو الذی تناوله النهی.

ص:518


1- (1) وسائل الشیعة 12-326 ح 1.
2- (2) جامع الأصول 1-447.

الثانی: أن یظهر منه ما یدل علی عدم الرضا، فلا یحرم السوم إجماعا و لا یکره، لأن أنسا قال: جاء رجل من الأنصار شکا إلی النبی صلی اللّه علیه و آله الشدة و الجهد، فقال له: أ ما بقی لک شیء، فقال: قدح و حلس قال:

فأتنی بهما، فأتاه بهما، فقال: من یبتاعهما؟ فقال رجل: أخذتهما بدرهم، فقال النبی صلی اللّه علیه و آله: من یزید علی درهم، فأعطاه رجل درهمین، فباعهما منه(1). و للإجماع علی البیع بالتزاید.

الثالث: أن لا یوجد منه ما یدل علی الرضا و لا عدمه، و لا یکره السوم أیضا و لا الزیادة، لأن فاطمة بنت قیس خطبها معاویة و أبو جهم، فأمرها النبی صلی اللّه علیه و آله أن تنکح أسامة، مع أنه قد نهی عن الخطبة علی خطبة آخر، کما نهی عن السوم علی سوم أخیه، فما أبیح فی أحدهما أبیح فی الآخر.

الرابع: أن یظهر منه ما یدل علی الرضا من غیر تصریح، ففی الکراهة إشکال، ینشأ: من أصالة الإباحة و عدم الکراهة، و من أنه وجد منه دلیل الرضا، فأشبه ما لو صرح به.

و صورة السوم علی السوم: أن یأخذ شیئا لیشتریه فیجیء غیره و یقول:

رده حتی أبیع منک خیرا منه بأرخص، أو یقول لمالکه: استرده لأشتریه بأکثر. و إنما یکره بعد استقرار الثمن، و فی معناه ما روی أنه علیه السلام قال: لا یبع بعضکم علی بعض(2).

و صورته: أن یشتری الرجل شیئا فیدعوه غیره إلی الفسخ لیبیعه خیرا منه بأرخص منه.

و کذا الشراء علی الشراء، و هو أن یدعوه البائع إلی الفسخ لیشتریه منه بأکثر، و إنما یمکن ذلک عند إمکان الفسخ، و هو أن یکونا فی زمن الخیار إما خیار المجلس أو الشرط أو غیرهما، و الأقرب أن ذلک مکروه لا محرم للأصل.

ص:519


1- (1) سنن ابن ماجة 2-740 الرقم 2198.
2- (2) سنن ابن ماجة 2-733 الرقم 2271.

و هل یشترط أن لا یکون المشتری مغبونا غبنا مفرطا؟ الأقرب ذلک. و لو کان جاز أن یعرفه و یبیع علی بیعه، لأنه نوع من النصیحة.

و لو أذن البائع فی البیع علی بیعه، ارتفعت الکراهة.

البحث السابع (فی النجش)

روی أنه علیه السلام نهی عن النجش(1).

و صورته: أن یزید فی ثمن السلعة المعروضة للبیع، و هو غیر راغب فیها، لیخدع الناس و یرغبهم فیها، و الأقرب التحریم، لما فیه من الخدیعة المنهی عنها.

لکن لو انخدع إنسان فاشتراها، صح العقد و لا خیار له إلا مع الغبن الفاحش، سواء کان عن مؤاطاة البائع أو لا، لأن التفریط من جهته حیث اغتر بقوله و لم یحتط بالبحث عن ثقاة أهل الخبرة.

و لو قال البائع: أعطیت بهذه السلعة کذا، فصدقه المشتری و اشتراه، ثم بان خلافه أثم و لا خیار للمشتری إلا مع الغبن.

البحث الثامن (فی التفریق)

نهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن تولّه الوالدة بولدها. و قال علیه السلام: من فرق بین والدة و ولدها، فرق اللّه بینه و بین أحبته یوم القیامة(2).

و اشتری الصادق علیه السلام جاریة من الکوفة فذهب لیقوم فی بعض حوائجه فقالت: یا أماه، فقال لها الصادق علیه السلام: أ لک أم ؟ قالت:

ص:520


1- (1) جامع الأصول 1-424.
2- (2) جامع الأصول 1-450.

نعم فأمر بها فردت و قال: ما أمنت لو حبستها أن أری فی ولدی ما أکره(1).

و قال الصادق علیه السلام: أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بسبی من الیمن فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جاریة من السبی کانت أمها معهم، فلما قدموا علی النبی صلی اللّه علیه و آله سمع بکاءها، فقال: ما هذه ؟ قالوا: یا رسول اللّه احتجنا إلی نفقة فبعنا ابنتها، فبعث بثمنها فأتی بها و قال: بیعوهما جمیعا أو أمسکوهما جمیعا(2).

و هل هو حرام أو مکروه ؟ الأقرب الثانی عملا بالأصل، و لقوله علیه السلام: الناس مسلطون علی أموالهم(3). و یحتمل الأول للنهی و التوعد و النهی المثمر للکراهة، و التحریم إنما هو قبل الاستغناء.

و فی حده قولان: سبع سنین أو مدة الرضاع. فلو فرق بعد ذلک جاز.

و لو قلنا بالتحریم مع الصغر ففرق، فالوجه صحة البیع، لأن النهی لمعنی فی غیر البیع، و هو الضرر اللاحق بالتفریق، فلم یمنع صحة البیع، کالبیع فی وقت النداء. و یحتمل البطلان، لأنه علیه السلام أمر بالرد و لو کان البیع لازما لما أمر برده، و لأن التسلیم تفریق محرم، فکان کالمتعذر، لأن العجز قد یکون حسیا و قد یکون شرعیا. و لا یکره بعد الاستغناء، لاستقلال کل منهما بنفسه و استغنائه من تربیة غیره له.

فروع:

الأول: لا فرق فی التفریق بین الأم و ولدها بالبیع و غیره من العقود الناقلة، کالهبة و القسمة و الإصداق و الاستیجار به، أما إجارة أحدهما فلیس تفریقا. و کذا الإعارة و الإیداع، و إیجار معنی التفریق بجعلهما فی بلدین علی إشکال.

ص:521


1- (1) وسائل الشیعة 13-41 ح 3.
2- (2) وسائل الشیعة 13-41 ح 2.
3- (3) عوالی اللئالی 2-138.

الثانی: لا یحرم التفریق فی العتق و لا فی الوصیة، فربما کان الموت بعد انقضاء زمان التحریم. فإن فرض قبله، فالأقوی إلحاقه بالبیع، و سیأتی حکم التفریق فی الرهن فی بابه إن شاء اللّه تعالی.

الثالث: لو اشتراهما معا، ثم تفاسخا فی أحدهما، فالأقرب أنه تفریق.

الرابع: لو فرق بأحد العقود قبل أن یشرب الولد اللبأ، بطل العقد و کان حراما قطعا، لاشتماله علی السبب إلی هلاک الولد.

الخامس: هل یکره التفریق بعد البلوغ ؟ لو قلنا بتحریمه قبله الأصح المنع.

السادس: لو کانت الأم رقیقة و الولد حرا أو بالعکس، فلا منع و یبیع الرقیق.

السابع: یجوز التفریق بین البهیمة و ولدها بعد استغنائه عن اللبن و القیام فیه، أو ذبحه إن قبل التذکیة، حذرا من إتلاف المال المنهی عنه.

الثامن: هل الأب و الجد و سائر المحارم کالأب ؟ الأقرب ذلک، لما فیه من التوحش بالانفراد عن النسب المستأنس به، و لأن ابن سنان سأل الصادق علیه السلام فی الرجل یشتری الغلام أو الجاریة و له أخ أو أخت أو أم بمصر من الأمصار، قال: لا تخرجه من مصر إلی مصر آخر إن کان صغیرا و لا تشتره و إن کانت له أم فطابت نفسها و نفسه فاشتره إن شئت(1).

التاسع: لو رضی الولد و الأم بالتفریق، فالوجه الجواز للروایة و الأصل و انتفاء مقتضی المنع.

العاشر: لو وجد التفریق فی البیع دون التفریق فی الإیناس، مثل أن یبیع علی زوجته أو ولده أو من لا یفارقه من الأقارب أو الأباعد، فالأقرب المنع إقامة للمظنة مقام المعنی. و کذا لو اشترت الأخت الحرة أخاها دون الأم.

ص:522


1- (1) وسائل الشیعة 13-41 ح 1.
البحث التاسع (فی العربون)

العربون و العربات هو الأربون و الأربات بمعنی واحد، روی أنه علیه السلام نهی عنه، و له تفسیران(1) الأول: أن یشتری سلعة من غیره و یدفع إلیه دراهم علی أنه إن أخذ السلعة فهی من الثمن، و إلا فهی إلی المدفوع إلیه مجانا.

الثانی: أن یدفع دراهم إلی صانع لیعمل له ما یرید من صیاغة خاتم، أو حرز خف، أو نسج ثوب، أو خیاطة، أو غیر ذلک علی أنه إن رضیه فالمدفوع من الثمن، و إلا لم یسترده منه. و هما متقاربان.

و الوجه فیه المنع للنهی عنه، و لأنه شرط للبائع شیئا بغیر عوض فلا یصح، کما لو شرطه لأجنبی. و لأنه بمنزلة الخیار المجهول، لأنه شرط له رد المبیع من غیر ذکر مدة فلم یصح، کما لو قال: و لی الخیار متی شئت رددت السلعة و معها درهما.

و لو دفع إلیه درهما قبل البیع و قال: لا تبع هذه السلعة لغیری، فإن لم أشترها منک فهذا الدرهم لک، ثم اشتراها منه بعد ذلک بعقد مبتدإ و حسب الدرهم من الثمن صح، لأن البیع خلا عن الشرط المبطل، فإن لم یشتر السلعة لم یستحق البائع الدرهم، لأنه أخذه بغیر عوض و لصاحبه الرجوع فیه، و لا یصح جعله عوضا عن انتظاره و تأخیره بیعه من أجله.

خاتمة:

تشتمل علی مسائل:

الأول: نهی علیه السلام عن بیع المجر، فقیل: ما فی الرحم.

و قیل: الربا، و قیل: المحاقلة و المزابنة.

ص:523


1- (1) جامع الأصول 1-426.

الثانی: روی أنه علیه السلام نهی عن بیع السنین(1) ، و هو أن یقول:

بعتک هذه سنة علی أنه إذا انقضت السنة فلا بیع بیننا، فأرد أنا الثمن و ترد أنت المبیع. أما لو باعه و شرط الخیار إلی سنة بشرط رد الثمن، جاز.

الثالث: بیع السلاح لأهل الحرب حرام، لأنه لا یراد إلا للقتال، فیکون بیعه منهم تقویة لهم علی قتال المسلمین. و یجوز بیع الحدید منهم، لأنه لا یتعین للسلاح. و کذا یجوز بیع ما یکن و ما هو جنة من القتال. و کذا لا یجوز بیع السلاح من البغاة و قطاع الطریق.

الرابع: یکره معاملة من لا یتوقی الحرام، سواء کان الحلال أکثر أو بالعکس. و لو باعه لم یحکم بالفساد، إلا أن یعلم الحرام بعینه. و لا یقبل قول المشتری علیه فی الحکم، لأن الید تقضی بالملک ظاهرا، لکنه مکروه لاحتمال أن یکون من الحرام. و یقدر کثرة الحرام بکثرة الشبهة، و قال علیه السلام:

دع ما یریبک إلی ما لا یریبک(2).

و أقسام المشتبه ثلاثة:

الأول: ما أصله التحریم، کذبیحة فی بلد المشرکین، فلا یجوز شراؤها و إن أمکن أن یکون الذابح مسلما، لأصالة التحریم، فلا یزول إلا بیقین أو ظاهر. و کذا لو کان مازجهم مسلمون، و أصله قوله علیه السلام: إذا أرسلت کلبک مخالطا کلبا لم یسم علیها، فلا تأکل فإنک لا تدری أیهما قتله(3). و إن کان فی بلد الإسلام فالظاهر إباحتها، لأن المتعاهد من المسلمین أنه لا یباع فی بلادهم ما لا یحل بیعه.

الثانی: ما أصله الإباحة، کالمتغیر من الماء إذا لم یعلم استناد التغیر إلی نجاسة، فالأصل الطهارة، فلا یزول عنها إلا بیقین أو ظاهر و لم یوجد واحد منهما، و أصله قوله علیه السلام: لا ینصرف حتی تسمع صوتا أو تجد ریحا(4).

ص:524


1- (1) جامع الأصول 1-405.
2- (2) وسائل الشیعة 18-122 ح 38.
3- (3) وسائل الشیعة 16-215.
4- (4) صحیح مسلم 1-276 ح 98.

الثالث: ما یجهل أصله، کرجل فی ماله حلال و حرام، فهذا هو الشبهة التی ینبغی ترکها، و أصله أنه علیه السلام وجد تمرة ساقطة فقال: لو لا أنی أخشی أنها من الصدقة لأکلتها(1) ، و هو من باب الورع.

تذنیب:

لو امتزج الحلال بالحرام و لم یتمیز و لا عرف باذله، تصدق بالخمس واجبا، و هل یتعین مستحقه ؟ إشکال، أقربه ذلک. و لو عرف أنه أکثر، تصدق بالزائد حتی یغلب علی ظنه الوفاء. و لو علم أنه أقل، لم یجب إلا ما ظنه علی إشکال. و لو عرف القدر دون المالک، تصدق به، أو احتفظه و دفعه لمالکه. و لو عرف المالک دون القدر، صالحه واجبا.

و یحرم الولایة من قبل الجائر، لما فیه من المساعدة علی الظلم، و لقول الصادق علیه السلام: لا تعنهم علی بناء مسجد(2). و لو عرف أنه یتمکن من الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و التحرز عن المظالم، جاز بل استحب. و لو لم یأمن الدخول فی الظلم، حرم.

فإن أکره علی الدخول، جاز دفعا للضرر الیسیر علی کراهیة. و لو کان الضرر کثیرا کالنفس أو المال أو الخوف علی بعض المؤمنین، جاز و زالت الکراهیة و یعتمد الحق ما أمکن.

فإن تعذر، جاز مع الإلزام اعتماد ما لا یسوغ من الظلم، إلا أن یبلغ حد القتل فلا یجوز، و إن خاف علی نفسه القتل، فإنه لا تقیة فی الدماء.

أما الولایة من قبل العادل فإنها جائزة، و ربما وجبت کما لو عینه، أو لم یکن الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر إلا بولایته.

و أما جوائز الجائر، فإن علمت بعینها حراما فهی حرام، فإن قبضها

ص:525


1- (1) جامع الأصول 5-364.
2- (2) وسائل الشیعة 12-130 ح 8.

أعادها علی المالک. فإن جهله، أو تعذر الوصول إلیه، تصدق بها عنه، و لا یجوز إعادتها علی غیر مالکها. و إن لم یعلم حراما جاز تناولها، لأن رجلا سأل الصادق علیه السلام أصلحک اللّه أمر بالعامل فیجیز لی بالدراهم آخذها؟ قال: نعم، قلت: و أحج بها؟ قال: نعم(1).

و ینبغی الصدقة ببعضها، و أن یواسی إخوانه المؤمنین، و الأقرب أنه علی سبیل الاستحباب.

و ما یأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم المقاسمة، أو الأموال باسم الخراج عن حق الأرض، و من الأنعام باسم الزکاة، سائغ شراؤه و اتهابه. و لا یجب إعادته علی أربابه و إن عرفهم، لأن أبا عبیدة سأل الباقر علیه السلام عن الرجل منا یشتری من السلطان من إبل الصدقة و غنمها و هو یعلم أنهم یأخذون منهم أکثر من الحق الذی یجب علیهم، فقال: ما الإبل و الغنم إلا مثل الحنطة و الشعیر و غیر ذلک لا بأس به حتی تعرف الحرام بعینه(2).

الرابع: من دفع إلیه مال لیفرقه فی المحاویج أو العلویین [1] أو الفقهاء و کان منهم، فإن عین له اقتصر علیه، و لا یجوز له العدول إلی غیرهم، فإن خالف ضمن و له الرجوع علی المدفوع إلیه.

و إن أطلق، فلعلمائنا قولان: جواز أن یأخذ منه مثل ما یعطی غیره لا أزید. و قیل: بالمنع لأن الأمر بالدفع یستدعی المغایرة، و لأن عبد الرحمن بن الحجاج سأله أعطاه مالا لیقسمه فی محاویج أو فی مساکین و هو محتاج، أ یأخذ منه لنفسه و لا یعلمه ؟ قال: لا یأخذ منه شیئا حتی یأذن له صاحبه(3).

و لو کان له عیال، جاز أن یعطیهم منه مع اتصافهم بصفة المستحقین قطعا، للأصل، و لما رواه عبد الرحمن بن الحجاج أنه سأل الصادق علیه السلام

ص:526


1- (1) وسائل الشیعة 12-156 ح 3.
2- (2) وسائل الشیعة 12-162 ج 5.
3- (3) وسائل الشیعة 12-206 ح 3.

فی رجل أعطاه رجل مالا لیقسمه فی المساکین و له عیال محتاجون، أ یعطیهم منه من غیر أن یستأذن صاحبه ؟ قال: نعم(1).

تذنیب:

الأول: الوصی أو الوکیل فی التفریق إذا دفع إلی المأذون فی الدفع إلیهم، فإن کانوا معینین فلا ضمان قطعا، و إن کانوا غیر معینین، فإن کان عدلا فلا ضمان أیضا، لأن له ولایة التعیین، و إلا ضمن علی إشکال ینشأ:

من دفع الحق إلی مستحقه، إذ التعیین إلی نظر الموکل و الموصی و هو نائب عنهما. و من انتفاء ولایته فی التعیین بفسقه فیضمن.

الثانی: یجوز أکل ما ینثر فی الأعراس مع علم الإباحة أو ظنها، إما نطقا أو بشاهد الحال، لقول علی علیه السلام: لا بأس بنثر الجوز و السکر(2).

و یکره انتهابه، لقول الکاظم علیه السلام: یکره أکل ما انتهب(3).

و لو لم یعلم قصد الإباحة، حرم عملا بأصالة تحریم مال الغیر، و لأن إسحاق بن عمار سأل الصادق علیه السلام الإملاک یکون و العرس ینثر علی القوم، فقال: حرام، و لکن کل ما أعطوک منه(4).

و لو ظن کراهیة الانتهاب، حرم الانتهاب دون الأخذ.

الثالث: الأجیر الخاص لا یجوز له العمل لغیر من استأجره إلا بإذنه، لأنه قد استحق منافعه و صرف زمانه إلی مصالحه. و لا یجوز العدول عنه إلی غیره، فإن فعل ضمن أجرة ذلک الزمان، لا أجرة ذلک العمل، و لا ما أخذه أجرة أو عقده علیه. و یحتمل بطلان العقد فی ذلک الوقت، فله من الأجرة بنسبة ذلک الزمان.

ص:527


1- (1) وسائل الشیعة 12-206 ح 2.
2- (2) وسائل الشیعة 12-122 ح 5.
3- (3) وسائل الشیعة 12-122 ح 2.
4- (4) وسائل الشیعة 12-122 ح 4.

الرابع: یجوز للمار بثمرة النخل أو الفواکه أو السنبل أن یأکل منهما بشروط: عدم الإفساد، فلا یجوز مع الإفساد إجماعا. و عدم القصد فلو قصد المضی إلیها لم یجز، و إنما یجوز مع الاجتیاز بها اتفاقا.

و أن لا یأخذ منها شیئا، فلو أخذ منها شیئا لم یجز، و قیل بالمنع مطلقا، و الأصل اختلاف الروایة، فروی علی بن یقطین عن الکاظم علیه السلام قال:

سألته عن الرجل یمر بالثمرة من الزرع و النخل و الکرم و الشجر و المباطخ و غیر ذلک من الثمر أ یحل له أن یتناول منه شیئا و یأکل بغیر إذن من صاحبه ؟ و کیف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القیم فلیس له ؟ و کم الحد الذی یسعه أن یتناول منه ؟ قال: لا یحل له أن یأخذ منه شیئا(1).

و سأل بعض أصحابنا الصادق علیه السلام عن الرجل یمر بالنخل و السنبل و الثمرة فیجوز له أن یأکل منهما من غیر إذن صاحبها من ضرورة أو غیر ضرورة ؟ قال: لا بأس(2).

و حمل الشیخ الأول علی أنه منعه من الأخذ، و نحن نقول به، إذ السائغ الأکل لا الخروج بشیء منها.

و احتج علی الجمع بقول الصادق علیه السلام و قد سأله محمد بن مروان أمرّ بالثمرة فآکل منها؟ قال: کل و لا تحمل، قلت: جعلت فداک الثمار قد اشتروها و نقدوا أموالهم، قال: اشتروا ما لیس لهم(3).

و هل یثبت التسویغ مع کراهة المالک ؟ یقتضی الحدیث ذلک، و فیه إشکال. و لو أباح المالک مطلقا، جاز إجماعا.

الخامس: یجوز أخذ أجرة البذرقة، لأنه عمل محلل سائغ فجازت المعاوضة علیه، لشدة الحاجة إلیه.

ص:528


1- (1) وسائل الشیعة 13-15 ح 7.
2- (2) وسائل الشیعة 13-14 ح 3.
3- (3) وسائل الشیعة 13-15 ح 4.

السادس: یحرم جمیع آلات الملاهی من الدفوف و الطبول و الزمر و القصب و الشبر و الرقص، و جمیع ما یطرب من الأصوات و الأغانی و الخیال علی اختلاف وجوهه و ضروبه و آلاته، و سائر التماثیل و الصور ذوات الروح، مجسمة کانت أو غیر مجسمة، و النرد و الشطرنج، و جمیع آلات القمار کاللعب بالخاتم و الأربعة عشر، اللعب بالجوز و الطیور و أحادیث القصص و الأسمار، و سماع غیبة المؤمن، و الحضور فی مجالس المنکر و مواضعه إلا للإنکار، و ما جری مجراه إجماعا منا، و للأخبار الدالة علیه.

کان الصادق علیه السلام ینهی عن الجوز یجیء به الصبیان من القمار أن یؤکل و قال: هو سحت(1). و قال الباقر علیه السلام: لما أنزل اللّه تعالی علی رسوله «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ » قیل:

یا رسول اللّه ما المیسر؟ قال: قال: کلما یقمروا به حتی الکعاب و الجوز.

فقیل: ما الأنصاب ؟ قال: ما ذبحوا لآلهتهم. قیل: فما الأزلام ؟ قال:

قداحهم التی کانوا یستقسمون بها(2).

و یحرم اقتناء المؤذیات، کالسباع المؤذیة و الحیات و العقارب و الکلب العقور.

السابع: منع بعض علمائنا من خصی الحیوان، و الأولی الجواز علی کراهیة، لأن له التصرف فی ملکه بما فیه صلاحه. أما خصی الآدمی فإنه محرم، و إن کان مملوکا صغیرا أو کبیرا.

الثامن: یحرم بناء البیع و الکنائس و أخذ الأجرة علی ذلک. و کذا کل ما کان معبدا لأهل الضلال. و کذا المساجد المبنیة للإضرار. و کذا بیوت الأصنام و الصلبان و الأوثان و الأنصاب و الأزلام.

التاسع: لا یجوز بیع تراب الصیاغة و أخذه، فإن بیع تصدق بثمنه، لأن أربابه لا یتمیزون و للروایة.

ص:529


1- (1) وسائل الشیعة 12-120 ح 6.
2- (2) وسائل الشیعة 12-119 ح 4.

العاشر: یکره من الصنائع خمس، رویت عن الصادق علیه السلام:

الصرف، فإن الصرف لا یسلم من الربا، و بیع الأکفان، فإنه یسره موت الأحیاء. و بیع الطعام، حذرا من الاحتکار. و النحر و الذبح، لأنهما تسلب الرحمة من القلب. و التنخس قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال: شر الناس من باع الناس(1).

و عن الصادق علیه السلام: أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال: إنی أعطیت خالتی غلاما و نهیتها أن تجعله قصابا أو حجاما أو صائغا(2).

و تکره الحیاکة النساجة، لأن أبا إسماعیل الصیقل الرازی قال: دخلت علی الصادق علیه السلام و معی ثوبان فقال: یا أبا إسماعیل یجیئنی من مثلکم أثواب کثیرة، و لیس یجیئنی مثل هذین الثوبین اللذین تحملهما أنت ؟ فقلت:

جعلت فداک تغزلها أم إسماعیل و أنسجهما أنا فقال لی: أ حائک ؟ قلت: نعم، قال: لا تکن حائکا، قلت: فما أکون ؟ قال: کن صیقلا، و کانت معی مائتا درهم فاشتریت بها سیوفا و قرابا عتقا و قدمت بها الری و بعتها بربح کثیر(3).

الحادی عشر: لا یجوز سلوک طریق مخوف مع ظهور أمارة الخوف، لوجوب الاحتراز عن الضرر المظنون عقلیا، و کره الباقر و الصادق علیهما السلام رکوب البحر للتجارة(4). و قال الباقر علیه السلام: فی رکوب البحر للتجارة یعزر الرجل بدینه(5).

الثانی عشر: یکره بیع العقار و الأرض و الماء مع عدم الحاجة، لأن الصادق علیه السلام دعا أبان بن عثمان. فقال: باع فلان أرضه ؟ فقلت: نعم، فقال: مکتوب فی التوراة من باع أرضا أو ماء و لم یضعه فی أرض و ماء ذهب

ص:530


1- (1) وسائل الشیعة 12-97 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 12-97 ح 2.
3- (3) وسائل الشیعة 12-100 ح 1 مع تفاوت یسیر.
4- (4) وسائل الشیعة 12-177 ح 1.
5- (5) وسائل الشیعة 12-177 ح 2.

ثمنه محقا(1) و عن الصادق علیه السلام أنه قال: مشتری العقدة مرزوق و بائعها ممحوق(2).

الثالث عشر: روی أن النبی صلی اللّه علیه و آله نهی أن ینزی حمار علی عتیق(3). فی سند ضعیف، فإن صح فلیس المراد بالنهی التحریم بل الکراهة للأصل. و لما روی عن الرضا علیه السلام قال: سألته عن الحمیر تنزیها علی الرمک لتنتج البغال أ یحل ذلک ؟ قال: نعم أنزها(4).

الرابع عشر: نهی الصادق علیه السلام عن أجر القارئ الذی لا یقرأ إلا بأجر مشروط(5).

الخامس عشر: لا بأس بالعینة، و هو أن یشتری سلعة بثمن مؤجل ثم یبیعها من بائعها بدون ذلک نقدا لیقضی دینا علیه لمن قد حل له، و یکون الدین الثانی هو العینة من صاحب الدین الأول لیقضیه بها الدین الأول للأصل، و لأنه یجوز بیعها من غیر بائعها فیجوز منه، کما لو اشتراه بسلعة.

و لما رواه أبو بکر الحضرمی عن الصادق علیه السلام قلت: رجل یعین ثم یحل دینه فلم یجد ما یقضی، أ یتعین من صاحبه الذی عینه و یقضیه ؟ قال:

نعم(6). مأخوذ ذلک من العین و هو النقد الحاضر.

و لا فرق بین أن یصیر بیع العینة عادة فی البلد أو لا. أما لو شرط فی البیع الأول الثانی حرم.

ص:531


1- (1) وسائل الشیعة 12-45 ح 5.
2- (2) وسائل الشیعة 12-45 ح 6.
3- (3) وسائل الشیعة 12-173 ح 1.
4- (4) وسائل الشیعة 12-173 ح 2.
5- (5) وسائل الشیعة 12-113 ح 6 و 7.
6- (6) وسائل الشیعة 12-372 ح 2.
البحث العاشر (فیما للولد أن یأخذ من مال والده) و بالعکس و ما للمرأة من مال زوجها)

لا یجوز للولد أن یأخذ من مال والده شیئا قل أو کثر إلا بإذنه، لا مختارا و لا مضطرا. فإن اضطر ضرورة یخاف معها تلف نفسه، أخذ من ماله ما یمسک به رمقه کالمیتة، إذا کان الوالد ینفق علیه و یقوم بواجب حقه، إذا کان الولد معسرا صغیرا کان أو کبیرا، لأصالة عصمة مال الغیر، و لعموم قوله تعالی «لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ» (1).

و قال الصادق علیه السلام: فی کتاب علی علیه السلام أن الولد لا یأخذ من مال والده شیئا إلا بإذنه(2). و لأن الأب ربما کره ذلک فیکون مرتکبا للعقوق، و هو من أعظم الکبائر.

و لو کان الولد معسرا و منعه الأب عن حق الإنفاق علیه مع یساره، رفع أمره إلی الحاکم لیجبره علی الإنفاق، فإن تعذر الحاکم جاز للولد حینئذ أن یأخذ من مال والده قدر النفقة علی الاقتصاد، و حرم ما زاد.

و کذا الأب لیس له أن یأخذ من مال ولده شیئا، إذا کان الولد یقوم بواجب نفقته مع حاجته، لا لقضاء دیونه و لا التزویج به و لا لیحج للأصل.

و لو کان الأب موسرا، لم یجز له أن یتناول من مال ولده شیئا أصلا.

و لو لم یقم الولد بواجب النفقة مع الحاجة، جاز للأب أن یأخذ من مال ولده قدر النفقة بالمعروف، عملا بعموم المنع، و ما ورد من تسویغ ذلک فمحمول علی الاستحباب.

ص:532


1- (1) سورة النساء 29.
2- (2) وسائل الشیعة 12-195 ح 1.

و لو کان الولد صغیرا، جاز للأب الاقتراض من ماله، و یؤیده ما رواه الحسین بن أبی العلاء قال قلت للصادق علیه السلام: ما یحل للرجل من مال ولده ؟ قال: قوته بغیر سرف إذا اضطر إلیه، قال قلت له: قول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: للرجل الذی أتاه فقدم أباه فقال: أنت و مالک لأبیک، فقال: إنما جاء بأبیه إلی النبی صلی اللّه علیه و آله فقال له: یا رسول اللّه هذا أبی قد ظلمنی میراثی من أمی، فأخبره الأب أنه قد أنفقه علیه و علی نفسه، فقال: أنت و مالک لأبیک. و لم یکن عند الرجل شیء، فکان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله یحبس الأب للابن ؟(1).

و ما ورد من أنه یأخذ من مال ولده ما یحج به، و أنه یجوز له وطی جاریته بعد تقویمها(2). محمول علی الصغیر، فإن له أن یقترض من ماله ما شاء، و أن یقوم علی نفسه الجاریة و غیرها.

و أما الأم فلا یجوز لها أخذ شیء من مال ولدها لا علی سبیل القرض و لا غیره. نعم لو کانت معسرة و لم ینفق الولد علیها و تعذر الحاکم، جاز لها أن تتناول من ماله قدر نفقتها الواجبة علیه خاصة.

و أما الزوجة فلا یجوز لها أن تأخذ من مال زوجها شیئا إلا بإذنه، فإن امتنع من الإنفاق علیها و تعذر الحاکم، جاز لها أخذ الواجب علیه من النفقة.

و لا فرق بین القلیل و الکثیر إلا المأدوم، فإنه یجوز لها أن تأخذ منه و أن تهب لغیرها، عملا بشاهد الحال، ما لم یؤد ذلک إلی الإضرار به، أو یکون قد نهی و إن حصل أحدها، حرم کغیره لأن ابن بکیر سأل الصادق علیه السلام عما یحل للمرأة أن تتصدق به من مال زوجها بغیر إذنه ؟ قال: المأدوم(3). و سأل علی بن جعفر الکاظم علیه السلام عن المرأة لها أن تعطی من بیت زوجها بغیر إذنه، قال: لا إلا أن یحللها(4) و لیس للزوج أن یأخذ شیئا من مال زوجته إلا بإذنها کغیره.

ص:533


1- (1) وسائل الشیعة 12-197 ح 8.
2- (2) وسائل الشیعة 12-198.
3- (3) وسائل الشیعة 12-201 ح 2.
4- (4) وسائل الشیعة 12-200 ح 1 ب 82.
البحث الحادی عشر (فی بقایا مسائل بیع الغرر و المجازفة)

الأول: قد سبق أنه لا یجوز بیع ما یدخل الکیل أو الوزن جزافا، بل یجب أن یکون معلوما بمقداره. فإن بیع جزافا بطل عندنا، لأنه غرر، و لقول الصادق علیه السلام: ما کان من طعام سمیت فیه کیلا فلا یصلح مجازفة(1).

و لو بیع المکیل بعضه ببعض بالوزن، فإن اتحد الجنس و الصنف، فالوجه الجواز، کما لو باع مائة رطل حنطة بمائة رطل حنطة. و لو أدی إلی الربا، لم یجز، کما لو کان أحدهما أخف من الآخر. و کذا لو تعدد الصنف، کما لو باع مائة رطل حنطة بمائة رطل دقیق. و لو بیع بغیر جنسه، جاز بیعه وزنا.

و أما ما یباع وزنا، فلا یجوز بیعه مکیلا، سواء اتحد الجنس أو اختلف، حذرا من الربا أو الغرر بالجهالة.

الثانی: لو تعذر کیل ما یباع کیلا، أو وزن ما یباع بالوزن لکثرته، جاز أن یکال منه أو یوزن مکیال، ثم یعتبر وزنه أو کیله و تؤخذ الباقی بالحساب، لانتفاء الغرر حینئذ و حصول العلم بالمقدار. و لأن الصادق علیه السلام سئل عن الرجل یشتری مبیعا فیه کیل أو وزن، یعتبره ثم یأخذه علی نحو ما فیه، قال: لا بأس(2). و سئل الصادق علیه السلام عن رجل اشتری مائة روایة زیتا فاعترض راویة أو اثنتین فاتزنهما ثم أخذ سائره علی قدر ذلک، فقال:

لا بأس(3).

الثالث: ما یباع بالعدد لا یجوز بیعه جزافا، حذرا من الغرر، بل یجب عده فإن تعذر لکثرته، جاز أن یکال منه أو یوزن مکیال و یعد و یأخذ الباقی بحسابه، لحصول العلم بالمقدار. و لما روی عن الصادق علیه السلام أنه سئل عن الجوز لا یستطیع أن یعده فیکال بمکیال ثم یعد ما فیه ثم یکال ما بقی علی .

ص:534


1- (1) وسائل الشیعة 12-254 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 12-255 ح 4.
3- (3) وسائل الشیعة 12-255 ح 1

حساب ذلک من العدد؟ فقال: لا بأس به(1).

الرابع: لا یجوز بیع اللبن فی الضرع لأنه مجهول، و ما روی فی ذلک محمول علی الضریبة، فقد روی أنه لا بأس أن یعطی الإنسان الغنم أو البقر بالضریبة مدة من الزمان بشیء من الدراهم و الدنانیر و السمن(2). و إعطاء ذلک بالذهب و الفضة أحوط.

و هذا لیس بیعا فی الحقیقة، بل نوع معاوضة غیر لازمة، بل جائزة لما فیه من الإرفاق و الإعانة، فیأخذ دافع النقد ما یحتاج إلیه من اللبن و غیره و ینتفع به، و یأخذ صاحب الغنم النقد لینتفع به.

و لا یمکن البیع فی مثل هذا، و لا طریق سوی ما ذکرناه، و کان سائغا للحاجة، و کبیع المعاطاة. و لما روی عن الصادق علیه السلام فی الرجل یکون له الغنم أ یعطیه بضریبة سمنا شیئا معلوما أو دراهم معلومة من کل شاة کذا و کذا؟ قال: لا بأس بالدراهم و لست أحب أن یکون بالسمن(3).

الخامس: لا یجوز أن یبیع الصیاد ما یضرب بشبکته، لأنه مجهول، و لأن أمیر المؤمنین علیه السلام نهی أن یشتری شبکة الصیاد، یقول: اضرب شبکتک فما خرج فهو من مالی بکذا و کذا(4).

السادس: یجوز أن یتقبل الإنسان من الإمام بشیء معلوم، جزیة رءوس أهل الذمة، و خراج الأرضین، و ثمرة الأشجار، و ما فی الآجام من السموک، إذا کان قد أدرک ذلک و عرفه و لا علی سبیل البیع لجهالته، بل علی جهة المعاوضة السائغة، لقول الصادق علیه السلام فی الرجل یتقبل بجزیة رءوس الرجال و بخراج النخل و الآجام و الطیر، و هو لا یدری من کذا، لعله لا یکون

ص:535


1- (1) وسائل الشیعة 12-259 ح 1 ب 7.
2- (2) وسائل الشیعة 12-261.
3- (3) وسائل الشیعة 12-260 ح 1.
4- (4) وسائل الشیعة 12-263 ح 1.

من هذا شیء أبدا أو یکون، قال: إذا علم من ذلک شیء واحد بأنه قد أدرک فاشتراه و تقبل به(1).

السابع: لا بأس أن یتقبل الإنسان بتبن البیدر لکل کر من الطعام تبینه شیء معلوم، و إن لم یکل بعد الطعام. و لا یکون ذلک بیعا لازما، بل عقدا سائغا للحاجة إلیه، و لما رواه زرارة عن الباقر علیه السلام قال: سألته عن رجل اشتری تبن بیدر قبل أن تداس بشیء معلوم یأخذ التبن و یبیعه قبل أن یکال الطعام ؟ قال: لا بأس(2).

الثامن: لا یجوز بیع سمک الآجام، لجهالته و تعذر تسلیمه. و لو کانت فیها قصب و باعه مع القصب، لم یصح و کذا لو أخذ شیئا من السمک و باعه مع ما فی الأجمة.

و الأصل فیه أن المجهول إن کان مقصودا، لم یصح تفرده بالبیع و لا ضمه إلی غیر المقصود، لعدم ارتفاع الجهالة عنه. و إن لم یکن مقصودا و کان تابعا للمقصود، جاز بیعه منضما إلی المقصود، کالأساسات المجهولة حیث کانت تابعة.

التاسع: یجوز الإندار للظروف فی السمن و الزیت و شبههما شیئا معلوما معتادا بین التجار، و یکون مما یزید تارة و ینقص أخری، و لا یکون مما یزید و لا ینقص، لحصول الظن بمعرفة المقدار، فأشبه عد المکیل و وزنه.

و لأن معمر الزیات سأل الصادق علیه السلام أنا نشتری الزیت فی الزقاقة یحسب لنا فیه نقصان لمکان الأزقاق، فقال الصادق علیه السلام: إن کان یزید و ینقص فلا بأس، و إن کان یزید و لا ینقص فلا تقربه(3).

العاشر: یجوز بیع ولد الزنا و أکل ثمنه، لأنه مملوک یصح المعاوضة علیه فأشبه غیره، لأن الصادق علیه السلام سئل عن ولد الزنا أ یشتری و یستخدم

ص:536


1- (1) وسائل الشیعة 12-264 ح 4.
2- (2) وسائل الشیعة 12-267 ب 13.
3- (3) وسائل الشیعة 12-273 ح 4.

و یباع ؟ فقال: نعم(1). و قد وردت روایة بکراهیته عن الصادق علیه السلام قال: لا یطیب ولد الزنا أبدا، و لا یطیب ثمنه أبدا(2).

الحادی عشر: لا یجوز أن یبیع بدینار غیر درهم نسیئة مما یتعامل به وقت الأجل للجهالة، أو نقدا مع جهله بالنسیئة، أو بما یتجدد من النقد. و لو قدر الدرهم من الدینار صح، لأن الباقر علیه السلام کره أن یشتری الرجل بدینار إلا درهما و إلا درهمین و نسیئة، و لکن یجعل ذلک بدینار إلا ثلثا و إلا ربعا و إلا سدسا، أو شیئا یکون جزءا من الدینار(3).

و سئل علیه السلام فی الرجل یشتری السلعة بدینار غیر درهم إلی أجل، قال: فاسد، فلعل الدینار یصیر بدرهم(4). و هذه الروایة محمولة علی ما إذا اشترط النقد وقت الأجل، فإنه لو أطلق حمل علی نقد ذلک الیوم، فإذا کان عالما صح، أو علی أن الدرهم یضمن بالقیمة.

المطلب السابع (فی الربا)
اشارة

و فیه مباحث:

البحث الأول (فی تحریمه)

تحریم الربا معلوم بالضرورة من دین محمد صلی اللّه علیه و آله، و النص و الإجماع، قال اللّه تعالی «وَ حَرَّمَ الرِّبا» (5) و قال «اِتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِیَ مِنَ الرِّبا إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ» (6) و لعن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أکل الربا و مؤکله

ص:537


1- (1) وسائل الشیعة 12-223 ح 6.
2- (2) وسائل الشیعة 12-224 ح 8.
3- (3) وسائل الشیعة 12-399 ح 3.
4- (4) وسائل الشیعة 12-399 ح 2.
5- (5) سورة البقرة 275.
6- (6) سورة البقرة 278.

و کاتبه و شاهده(1). و قال الصادق علیه السلام: درهم ربا أشد من سبعین زنیة کلها بذات محرم(2). قال الصادق علیه السلام: درهم ربا أشد من ثلاثین زنیة کلها بذات محرم مثل عمته و خالته(3). و عن علی علیه السلام قال: لعن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الربا و آکله و بائعه و مشتریه و کاتبه و شاهدیه(4).

و سأل سماعة الصادق علیه السلام فقال: إنی سمعت أنه عز و جل یقول فی کتابه «یَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ یُرْبِی الصَّدَقاتِ» و قد أری من یأکل و یزید ماله، قال: فأی محق أمحق من درهم ربا یمحق الدین و إن تاب ذهب ماله و افتقر(5).

و قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: اجتنبوا السبع الموبقات، قیل: یا رسول اللّه ما هی ؟ قال: الشرک باللّه، و السحر، و قتل النفس التی حرم اللّه إلا بالحق، و أکل الربا، و أکل مال الیتیم، و التولی یوم الزحف، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات(6).

و هو فی اللغة: الزیادة، قال اللّه تعالی «فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَیْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ» (7) و قال «أَنْ تَکُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبی مِنْ أُمَّةٍ» (8) أی أکثر عددا.

و هو فی الشرع: الزیادة فی أحد عوضی المبیع مع التماثل فی أشیاء مخصوصة نص علیه السلام علیها.

و هو ضربان: ربا الفضل، و ربا النسیئة. و أجمع العلماء علی تحریمهما، و قد کان فی ربا الفضل اختلاف بین الصحابة، فحکی عن ابن عباس و أسامة بن زید و زید بن أرقم و ابن الزبیر أنهم قالوا: إنما الربا فی النسیئة، لقوله علیه

ص:538


1- (1) جامع الأصول 1-451.
2- (2) وسائل الشیعة 12-423 ح 1.
3- (3) وسائل الشیعة 12-423 ح 5.
4- (4) وسائل الشیعة 12-430 ح 2.
5- (5) وسائل الشیعة 12-424 ح 7.
6- (6) صحیح مسلم 1-92 الرقم 145.
7- (7) سورة الحج: 5 و سورة فصلت: 39.
8- (8) سورة النحل 92.

السلام: لا ربا إلا فی النسیئة(1). ثم رجعوا إلی باقی الصحابة.

البحث الثانی (فی شرائطه)

و هی اثنان:

الأول: التماثل فی الماهیة، لقوله علیه السلام: إذا اختلف الجنسان فبیعوا کیف شئتم(2). و قول الصادق علیه السلام: ما کان من طعام مختلف أو متاع أو شیء من الأشیاء متفاضل، فلا بأس ببیعه مثلین بمثل یدا بید، فأما بنظرة فإنه لا یصلح(3).

الثانی: التقدیر بالکیل أو الوزن، لقول الصادق علیه السلام: لا یکون الربا إلا فیما یکال أو یوزن(4). و فی العدد قولان. و النظر هنا فی أمرین:

النظر الأول (التماثل)

و المراد به هنا الاتحاد فی الحقیقة و إن اختلف بالصفات العارضة، فکل شیئین یشملهما اسم خاص، فهما واحد بالحقیقة. و إن اختص کل واحد باسم، فهو مخالف للآخر، فالحنطة جنس واحد جیدها و ردیها و صویبها و شینها. و کذا الشعیر کله جنس.

و هل هما جنسان ؟ الأقوی الاتحاد، لأن أحدهما یفسر بالآخر فکانا کنوعی الجنس الواحد، و لقول علی علیه السلام: و لا تبع قفیزا من حنطة

ص:539


1- (1) جامع الأصول 1-469.
2- (2) وسائل الشیعة 12-442.
3- (3) وسائل الشیعة 12-443 ح 2.
4- (4) وسائل الشیعة 12-434 ح 1.

بقفیزین من شعیر(1). و قول الصادق علیه السلام: لا یصلح الشعیر بالحنطة إلا واحدا بواحد(2).

و قیل: إنهما مختلفان، لأنهما لم یشترکا فی الاسم الخاص، فکانا مختلفین کالحنطة و التمر، و لأنهما جنسان فی باب الزکاة، و لاختلافهما صورة و طبعا.

و التمور کلها جنس واحد، لأن الاسم الخاص هو التمر یجمعها و إن کثرت أنواعه کالبرنی و المعقلی، لقوله علیه السلام: التمر بالتمر مثلا بمثل(3).

فاعتبر المساواة فی جنس التمر. و قول الصادق علیه السلام: یکره قفیز تمر بقفیزین(4). و کان علیه السلام یکره أن یستبدل وسق من تمر المدینة بوسق من تمر خیبر(5). و لأن إجماع العلماء علیه. و لا فرق بین القسب و التمر، و کذا ثمار النخل کلها جنس واحد. و العنب کله جنس واحد و إن اختلفت أصنافه.

و أما اللحم فإنه متعدد بتعدد أصله، فلحم الإبل کله صنف واحد عرابها و بخاتها، و لحم البقر کله جنس آخر مخالف له عرابها و جوامیسها. و الغنم کلها ضأنها و ماعزها جنس آخر مخالف لهما، و یحتمل التخالف لأنه تعالی سماها فی الأزواج الثمانیة فقال مِنَ الضَّأْنِ اثْنَیْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَیْنِ (6) کما قال وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَیْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَیْنِ (7).

و کل جنس من الأهلی مخالف لما یناسبه من الوحشی، فالبقر الأهلی و الوحشی جنسان، و الظبی و الغنم جنسان. و لحم البری و البحری جنسان، و الطیور أجناس، و العصافیر علی اختلاف أنواعها جنس، و البط جنس، و الدجاج جنس، و الحمام جنس. و یحتمل اختلافه، فکلما یختص باسم فهو جنس علی انفراده، کالفخاتی و الورشان و الجراد مخالف للحیوان و اللحوم.

ص:540


1- (1) وسائل الشیعة 12-439 ح 8.
2- (2) وسائل الشیعة 12-439 ح 5.
3- (3) جامع الأصول 1-458.
4- (4) وسائل الشیعة 12-443 ح 3.
5- (5) وسائل الشیعة 12-447.
6- (6) سورة الأنعام: 143-144.
7- (7) سورة الأنعام: 143-144.

أما أعضاء الحیوان الواحد، کالکرش و الکبد و الطحال و القلب و الریة و المخ و الجلد و الشحم و الرأس و الأکارع، فالوجه أنها جنس من اللحم، و یحتمل اختلافها لاختلاف أسمائها و صفاتها.

و أما الألبان فإنها تتبع اللحمان فی التجانس و الاختلاف، فیجوز بیع لبن المعز بلبن البقر متفاضلا، و بیع أحدهما بما یتخذ من الآخر. و لبن الضأن و المعز جنس واحد. و لبن بقر الوحش و الأهلی جنسان اعتبارا بالأصول.

و إن أثبتنا الربا فی المعدود کانت البیوض تابعة لأصولها مختلفة باختلافها.

و کذا الخلول و الأدهان.

و دقیق الحنطة و الدخن جنسان. و الخل المتخذ من العنب و التمر جنسان، أما المتخذ من التمر و الدبس و القسب فکله جنس واحد.

و دهن السمسم مخالف لدهن البزر و الزیت و غیرهما، لأنهما فروع أصول مختلفة هی من أصول الربا، و کذا عصیر العنب مع عصیر الرطب جنسان و دبسهما کذلک. و الزیت المتخذ من الزیتون مع الزیت المتخذ من برز الفجل جنسان، و إن صلح لبعض ما یصلح له الأول. و تمر النخل و تمر الهندی جنسان، و القثاء و الخیار جنسان، و البقولة کالهندباء و الفجل و الکراث و النقیع و غیرها جنسان إن دخلهما الوزن.

و هنا مسائل:

الأول: أصل کل شیء و فرعه جنس واحد، لاتحادهما فی الحقیقة و إن اختلفا فی الصفات، کالحنطة و دقیقها و خبزها، فلا یجوز بیع أحدهما بالآخر متفاضلا بل متساویا نقدا لا نسیئة، لأن الدقیق نفس الحنطة، إلا أن أجزاءها قد افترقت، فأشبه بیع حنطة صغیرة الحبات ببیع حنطة کبیرة الحبات.

لکن یبقی الإشکال فی العیار، فإن اعتبر الکیل أو الوزن احتمل الزیادة و النقصان. و لا یجوز أخذ أحدهما مکیلا و الآخر موزونا.

و کذا الدبس مع التمر و الخل المتخذ منه جنس، و العنب و عصیره و خله

ص:541

و دبسه جنس أیضا. و اللبن و السمن و الزبد و الأقط و الکشک جنس. و السمسم و الشیرج و دهن البنفسج و النیلوفر و دهن الورد و غیر ذلک من الأدهان المتخذة من الشیرج و الأدهان جنس واحد.

الثانی: الحبات إذا تغیرت عن حالها بأمور عارضة، لم تؤثر فی الاتحاد و وجوب المماثلة فی القدر، فیجوز بیع الحنطة المقلیة بمثلها و إن اختلف الحب فی التأثر بالنار، لعدم الاعتداد به.

و کذا یجوز بیع المبلولة بمثلها، أما المبلولة بالیابسة فقیل: بالمنع، لأن الأجزاء المائیة مازجت إحداهما دون الأخری. و الوجه الجواز، لأن تلک الأجزاء مخالفة، و لا یمکن خروجها عن حد البیع، بل هی جزء منه، فکان کبیع جنسین بواحد.

و کذا یجوز بیع الهریسة بمثلها وزنا نقدا لا نسیئة.

و کذا یجوز بیع التی لم یتم جفافها و لم تصل إلی حد الکمال، و إن فرکت و أخرجت من السنابل.

و یجوز بیع الحنطة المسوسة بمثلها، سواء بقی فیها شیء من اللب أو لا أما النخالة فإن کانت موزونة فإنه لا یجوز بیعها بالحنطة و الدقیق متفاضلا، لأن أصلها الحنطة و إن خرجت عن جنس المأکول علی إشکال، ینشأ: من صیرورتها جنسا بانفرادها.

الثالث: السمسم و غیره من الحبوب التی تتخذ منها الأدهان علی حالة الکمال ما دامت علی نفسها کالأقوات. و یجوز بیع طحینها بطحینها کما فی الدقیق بمثله. و لا فرق فی وجوب المماثلة و جواز بیع المثل بالمثل بین المنتهی إلی حالة الکمال مع مثله، أو مع القاصر عنه.

و یجوز بیع خل الزبیب بمثله، و خل العنب بخل الزبیب، و خل الرطب بخل التمر، و إن کان فی أحد الطرفین ماؤه.

و یجوز بیع الرطب بالرطب متماثلا، و اللبن بمثله و إن اختلف طعمه، أو

ص:542

بجنسه کالحلو و الحائض و الدائب بالحلیب فی الحال و لو کان مغلی، و بیع المحیض بالمحیض و الحلیب و إن کان فیهما ماء.

و یجوز بیع الأقط بالأقط، و المصل بالمصل، و الجبن بالجبن، و کل صنف بالآخر متماثلا، و إن خالط الأقط الملح و الدقیق المصل و الإنفحة اللبن.

و یجوز بیع الزبد بالزبد متماثلا، و السمن بالسمن کذلک. و یجوز بیع اللبن بکل ما یتخذ منه متماثلا لا متفاضلا.

الرابع: المعروض من مال الربا علی النار یجوز بیع المجانس منه بمثله لا متفاضلا، و سواء عرض للعقد أو الطبخ کالدبس و اللحم المشوی.

و کذا یجوز بیع السکر بمثله، و اللبإ باللباء، و قصب السکر بقصب السکر.

و یجوز بیع اللحم القدید بمثله، و الطری بالطری. أو عرض للتمییز و التصفیة، کالذهب و الفضة یعرضان علی النار لیتمیز الغش، و العسل المصفی بالنار بمثله، و الشهد بالشهد و إن اشتمل علی الشمع لأنه تابع، و لأنه قد اشتمل علی جنسین فیجوز بیعه بمثله، و یکون الفاضل من أحدهما لو کان فی مقابلة الآخر و بالعکس.

و یجوز بیع الشهد بالعسل متساویان، لأن الشمع فی مقابلته بقدر وزنه من العسل، و الباقی من العسل فی مقابلة وزنه منه.

الخامس: لا یشترط فی المبیع کونه مما یدخر، فالتمر إذا نزع النوی منه جاز بیعه بمثله، و إن بطل کماله لبطلان ادخاره و تسارع الفساد إلیه، و لأن النوی لیس من جنس التمر، فلا یضر فصله عنه.

و أما المنزوع بغیره، فالأقرب عندی الجواز مع التماثل فی الوزن، إن أمکن الانتفاع بالنوی و جعل جزءا من المبیع و إلا فلا. و اللحم یباع بعضه ببعض، سواء نزع العظم منه أو لا.

السادس: جید کل جنس و ردیه واحد، کالفضة الخشنة و الناعمة،

ص:543

و الخبز الأبیض و الأسمر و غیر ذلک، لصدق الاسم علیها.

السابع: الصحیح و المکسر جنس واحد، و التبر و المضروب واحد.

النظر الثانی (فی النقدین)

قد عرفت فیما تقدم أن شرط الربا الکیل أو الوزن فی المبیع، فلا ربا فیما لا یدخلانه، کالثیاب و الأقمشة و غیرها، لأن الصادق علیه السلام سئل عن البیضة بالبیضتین ؟ فقل: لا بأس به. و الثوب بالثوبین قال: لا بأس به.

و الفرس بالفرسین فقال: لا بأس به، ثم قال: کل شیء یکال أو یوزن فلا یصح مثلین بمثل إذا کان من جنس واحد، و إذا کان لا یکال و لا یوزن فلیس به بأس اثنین بواحد(1). و هذا نص فی الباب.

إذا عرفت هذا فقد اختلف علماؤنا فی المعدود هل یثبت فیه الربا؟ و الأقوی عدمه، لما تقدم من الحدیث، و للأصل الدال علی تسویغ البیع مطلقا، خرج عنه ما وقع الاتفاق علیه بالدلیل، فیبقی الباقی علی الأصل، فیجوز بیع البیضة بالبیضتین و الجوزة بالجوزتین. و قیل: بل یثبت فیه، لأنه أحد المقادیر فأشبه الکیل أو الوزن.

إذا ثبت هذا فالربا ثابت بالنص لا بعلة من العلل، لکن الشرع جعل له ضابطا و هو أمور ثلاثة:

الأول: أن یکون الانتقال بالبیع، فلو دفع إلیه درهما فأعطاه درهمین، أو وهبه دینارا فوهبه دینارین، لم یکن هناک ربا. و الصلح الأقرب أنه عقد قائم بنفسه غیر ملحق بغیره.

الثانی: أن یکون العوضان من جنس واحد، فلو اختلف الجنسان، جاز التفاضل نقدا إجماعا. و فی النسیة إذا کان من المکیلات أو الموزونات قولان،

ص:544


1- (1) وسائل الشیعة 12-448 ح 3.

إلا أن یکون أحد العوضین أحد النقدین، فإنه جائز إجماعا.

و قیل: فی غیرهما ذلک، لعموم قوله علیه السلام: إذا اختلف الجنسان فبیعوا کیف شئتم(1). و الأحوط المنع، لقول الصادق علیه السلام: ما کان من طعام أو متاع مختلف، أو شیء من الأشیاء متفاضل، فلا بأس ببیعه مثلین بمثل یدا، فأما نسیة فلا یصلح(2).

الثالث: أن یکون العوضان متقدرین بالکیل أو الوزن، فیجوز بیع ثوب بثوبین و عبد بعبدین نقدا أو نسیئة علی کراهیة، سواء اتفقت القیمة أو اختلفت، لأنه علیه السلام أمر رجلا أن یشتری بعیرا ببعیرین إلی أجل.

إذا تقرر هذا فاعلم أن معتاد الشرع الذی یراعی به المماثلة هو الکیل و الوزن لما تقدم، فالمکیل لا یجوز بیع بعضه ببعض وزنا، إلا إذا علم التساوی فی الکیل، و لا یضر مع الاستواء فی الکیل التفاوت فی الوزن. و الموزون لا یجوز بیع بعضه ببعض کیلا، و لا یضر مع الاستواء فی الوزن التفاوت فی الکیل.

و الحوالة فی التقدیر علی عادة الشرع. فما ثبت أنه مکیل أو موزون فی عهده علیه السلام حکم بدخولهما فیه، فإن لم یعلم العادة الشرعیة، فعادة البلد حیث لم ینص الشارع علیه، و عادة الشرع فی مثل هذه الأشیاء رد الناس إلی عوائدهم.

و لو اختلف البلدان، فلکل بلد حکم نفسه علی الأقوی. و قیل: یغلب التقدیر أخذا بالاحتیاط.

و لو أحدث الناس خلاف ما عهد فی زمانه علیه السلام، لم یعتبر به، بل بالمعهود.

ص:545


1- (1) وسائل الشیعة 12-442.
2- (2) وسائل الشیعة 12-443 ح 2 و 453 ح 14.
فروع:

الأول: الملح مکیل، فلو کان قطعا کبارا، احتمل أن یستحق و یباع کیلا و لأنه الأصل. و أن یباع وزنا، نظرا إلی ما له من الهیئة فی الحال. و کذا کل شیء یتجافی فی المکیل، یباع بعضه ببعض وزنا.

الثانی: إذا عرف أن الشیء مقدر فی زمانه علیه السلام، و جهل هل کان یوزن أو یکال ؟ فالأقرب اعتبار الوزن فیه، لأنه أخص و أقل تفاوتا. و یحتمل الکیل، لأنه أغلب فی المطعومات فی عصره علیه السلام.

و لو عرف أنه کان یکال مرة و یوزن أخری، فالوجه التخییر بینهما.

و یحتمل الرجوع إلی عادة أکثر البلاد. و یحتمل الرجوع إلی عادة بلد المبیع، و هو الأقوی.

الثالث: المراد هنا جنس المکیل و الموزون، و إن لم یدخلاه لقلته کالحبة و الحبتین، أو لکثرته کالزبرة.

الرابع: الماء و الطین لا ربا فیهما، لأنهما لا یدخلهما الکیل و الوزن إلا الأرمنی.

الخامس: لا فرق بین المکیال المعتاد فی عصره علیه السلام و سائر المکاییل المحدثة بعده، کما أننا لو عرفنا التساوی بالتعدیل فی کفتی المیزان یکتفی به، و إن لم یعلم قدر ما فی کل کفة. أما فیما لا یعتاد الکیل بمثله کالطاسة المجهولة المقدار و القصعة فالأحوط المنع.

السادس: إذا خرج بالصنعة عن الوزن، جاز التفاضل فیه کالثوب بالثوبین، و الآنیة الحدید أو الصفر إذا لم تجر العادة بوزنها اعتبارا بالحال.

السابع: لو کانا فی حکم الجنس الواحد و اختلفا فی التقدیر، کالحنطة المقدرة بالکیل و الدقیق المقدر بالوزن، احتمل تحریم البیع بالکیل و الوزن للاختلاف قدرا، و تسویغه بالوزن.

الثامن: یجوز بیع الخبز بمثله و إن احتمل اختلافهما فی الأجزاء المائیة.

ص:546

و کذا الخل بمثله، للأصل و الروایة. و کذا یجوز الرطب بالرطب و التمر بالتمر، و کل من العنب و الزبیب بمثله و إن تفاوت الجفاف، عملا بإطلاق الاسم.

التاسع: ما لا یدخله الکیل و لا الوزن، یباع جزافا متفاضلا أو متساویا، لما تقدم من أن شرط الربا الکیل أو الوزن. و لو کیل أو وزن و بیع بعضه ببعض، جاز متفاضلا أو متماثلا، لعدم أصالة التقدیر فیه.

العاشر: القسمة عندنا لیست بیعا بل هی إفراز، فیجوز قسمة المکیل وزنا و جزافا، و قسمة الموزون کیلا و جزافا. و یجوز قسمة الثمار بالخرص علی رءوس الأشجار، سواء العنب و الرطب و غیرهما.

الحادی عشر: لا یجوز بیع المکیل و الموزون جزافا عندنا، و لا بالتخمین و التحری، سواء کانا فی بلد أو بادیة، لعموم النهی عن الغرر. فلو باع صبرة من حنطة بصبرة، أو دراهم بدراهم جزافا، أو بالتخمین لم یجز، سواء تماثلتا أو اختلفتا، لأن التساوی شرط و شرط العقد یعتبر العلم به عند العقد، فلو قال: بعتک هذه الصبرة مکائلة أو کیلا بکیل، أو هذه الدراهم بتلک موازنة أو وزنا بوزن بطل، إلا أن یعلما قبل العقد القدر.

و للشیخ (رحمه اللّه) قول بجواز بیع الصبرة المجهولة. فعلیه یصح مع الاتفاق و یبطل مع التفاوت، لأنه قابل الجملة بالجملة و هما متفاوتان. و یحتمل أنه یصح فی الکبیرة بقدر ما یقابل الصغیرة لمقابلة صاع بصاع، و لمشتریها الخیار حیث لم یسلم له الجمیع.

الثانی عشر: لو قال: بعتک هذه الصبرة کل قفیز بدرهم، جاز علی أحد قولی الشیخ. فلو قال: علی أن أزیدک قفیزا و الخیار لی فی الزیادة و النقصان، قال: لم یجز، لأن المبیع مجهول، لأنه لا یدری أ یزیده أم ینقصه.

قال و لو قال: بعتک هذه الصبرة کل قفیز بدرهم علی أن أزیدک قفیزا، فإن أراد بالزیادة الهبة، صح و لا مانع منه، و إن أراد أن یزید مع المبیع لم یجز، لأن الصبرة إذا لم تکن معلومة المقدار. فإذا قسم الزائد علی القفیزین کان کل

ص:547

قفیز و شیء بدرهم، و ذلک مجهول، و هو یشکل علی تسویغ بیع الصبرة مع جهالتها.

قال و لو قال: بعتک هذه الصبرة کل قفیز بدرهم علی أن أنقصک قفیزا لم یصح، لأن معناه أنی آخذ منها قفیزا و أحسب علیک ثمنه، فیکون کل قفیز بدرهم و شیء، و هو مجهول، لأن الصبرة بمنزلة القفیزین.

الثالث عشر: کلما یدخله الکیل و الوزن، یحرم التفاضل فیه مع اتحاد الجنس و إن لم یکن مطعوما، کالجص و النورة و غیرهما مما یدخله الکیل و الوزن عند جمیع علمائنا. و هل یجری الربا فی لحم الطیر؟ إشکال، ینشأ: من أنه لحم فأشبه سائر اللحمان، و من أنه لا یوزن.

البحث الثالث (فی تکثیر العوضین أو أحدهما)

إذا اشتملت الصفقة علی مال الربا من الطرفین و اختلف أحد العوضین أو کلاهما جنسا و نوعا و صفة، فقد تکون مال الربا من الجانبین من جنس واحد أو من جنسین، فالأول مثل أن یبیع مد عجوة و درهما بمد عجوة و درهم أو بمدی عجوة أو بدرهمین، أو باع صاع حنطة و صاع دخن بصاع حنطة و صاع دخن أو بصاعی حنطة أو بصاعی دخن، أو باعه مد عجوة و مد برنی بمدی عجوة أو بمدی برنی.

فهذا إن اختلفا نوعا و صفة و اتفقا جنسا، أو باع مائة دینار جیدة و مائة دینار ردیة بمائتی دینار جیدة أو بمائتی دینار ردیة، فإنه یصح البیع عندنا فی جمیع ذلک.

و لا فرق بین أن یکون الدرهمان من ضرب واحد و المدان من شجرة واحدة أو لا، و لا بین أن تختلف قیمة المدین أو تتفق.

نعم یجب أن یکون المفرد أکثر قدرا من الذی معه غیره، أو یکون مع کل منهما شیء من غیر جنسه، لأصالة الصحة و وجوب حمل العقد علیها دون

ص:548

الفساد مهما أمکن، فإنه لو اشتری لحما من قصاب حکم بصحة العقد، مع احتمال کونه میتة، لکن یجب حمله علی التذکیة تصحیحا للعقد.

و لو اشتری من غیره شیئا، حکم بالصحة مع احتمال کونه غیر مالک و لا مأذون له فی البیع تصحیحا للعقد، و قد أمکن التصحیح هنا بجعل الجنس فی مقابلة غیر الجنس، أو جعل غیر الجنس فی مقابلة الزائد علی المکیل، و لأن المبیع إنما هو الجملة و کذا الثمن، و هما مختلفان و إن کانت بعض أجزاء أحدهما تساوی بعض أجزاء الآخر و باقی الأجزاء الباقی.

لأنها مع الترکیب و اعتبار المجموعیة لا تخرج عن الاختلاف، و لقول الصادق علیه السلام: لا بأس بألف درهم و درهم بألف درهم و دینارین إذا دخل فیها دیناران أو أقل أو أکثر فلا بأس به(1). و سأله منصور بن الصیقل عن السیف المفضض یباع بالدراهم ؟ فقال: إذا کانت فضته أقل من النقد فلا بأس، و إن کان أکثر فلا یصلح(2).

و لو باع ما لا ربا فیه بما فیه الربا و معه من جنس ما یبیع به إلا أنه غیر مقصود جاز، کدار سقفها مموه بذهب، لأن ما فیه الربا غیر مقصود، و علیه إجماع العلماء. و کذا لو باع شاة ذات لبن بشاة خالیة أو بلبن أو بشاة علیها صوف بصوف.

و لو باع جنسا فیه الربا بجنسه و مع کل واحد من غیر جنسه، جاز مطلقا، سواء اختلفا فی علة الربا لو عللناه، کما لو باع دینارا و درهما بصاع حنطة و صاع دخن، أو اتفقا.

و یجوز أن یبیع صاع حنطة بصاع حنطة و فیهما أو فی أحدهما عقد التبین أو زوان، و هو حب أسود دقیق، لأنه لا یمکن التخلص منه، فصار کحب الشعیر و المدر الیسیر و التراب القلیل.

ص:549


1- (1) وسائل الشیعة 12-468 ح 4.
2- (2) وسائل الشیعة 12-483 ح 7.
البحث الرابع (فی بیع الرطب بالیابس)

یجوز بیع الرطب بمثله، و العنب بمثله، و لا یعتبر حالهما عند الجفاف عند علمائنا، عملا بالأصل السالم عن معارضة التفاضل حالة العقد، و لأنه وجد التماثل فیهما فی الحال علی وجه لا ینفرد أحدهما بالنقص، فجاز کبیع اللبن باللبن.

و کذا جمیع الأشیاء الرطبة بعضها ببعض، سواء کان له حالة جفاف أو لا، کالرطب الذی لا یتمر، و العنب الذی لا یزیب، و البطیخ و الکمثری اللذین لا یعلفان، و الرمان الحلو و الباذنجان و البقول.

و کذا یجوز بیع الیابس بمثله. أما بیع الرطب منه بالیابس مع اختلاف الجنس، فإنه جائز إجماعا یدا بید، و فی النسیة قولان.

و أما مع اتحاد الجنس کالرطب بالتمر و العنب بالزبیب فقولان لعلمائنا، التحریم لأنه علیه السلام سئل عن بیع الرطب بالتمر، فقال: أ ینقص الرطب إذا یبس ؟ قالوا: نعم، قال: فلا إذن(1) و قول الصادق علیه السلام: لا یصلح التمر الیابس بالرطب من أجل أن التمر یابس و الرطب رطب، فإذا یبس نقص(2).

و الکراهیة، عملا بأصالة الإباحة، و عموم قوله تعالی وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ (3) و قول الصادق علیه السلام لما سئل عن العنب بالزبیب، قال: لا یصلح إلا مثلا بمثل، و التمر و الرطب مثلا بمثل(4).

و الأولی أصح طریقا، فإن منعناه فالعلة الرطوبة فی أحدهما و الیبوسة فی الآخر، و حصول التفاوت عند الجفاف، و حینئذ تطرد العلة فی کل متجانسین

ص:550


1- (1) وسائل الشیعة 12-446.
2- (2) وسائل الشیعة 12-445 ح 1.
3- (3) سورة البقرة: 275.
4- (4) وسائل الشیعة 12-446 ح 3.

اختلفا فی الرطوبة و الیبوسة، کالعنب و الزبیب و التین الیابس و الرطب، و الحنطة المبلولة و الیابسة، و کذا غیرهما.

و یجوز بیع الرطب منه بالرطب متماثلا، لعدم علم التفاوت لو جفا. مع أصالة عدمه.

و لا یجوز بیع الرطب بالتمر متفاوتا، بحیث یحصل التساوی لو جف، لحصول التفاوت فی الحال مع اتحاد الجنس. و إذا کان التفاوت الاستقبالی مانعا من صحة البیع، فالحالی أولی بالمنع.

و یجوز بیع الحدیث بالعتیق متساویا، و فی روایة عن الباقر علیه السلام:

أن علیا علیه السلام کره أن یباع التمر بالرطب عاجلا بمثل کیله إلی أجل من أجل أن التمر یبس فینقص من کیله(1).

و اللبن الیابس و الرطب کالتمر و الرطب فی المنع و الکراهة.

البحث الخامس (فی بیع اللحم المأکول بالحیوان)

یجوز بیع اللحم المأکول بالحیوان الحی غیر المأکول، کالفهد بلحم الشاة. و کذا بالمأکول من غیر جنسه، کلحم شاة ببقرة حیة أو بغیر حی، للأصل السالم عن معارضة وجود الربا المنفی شرطه هنا.

و هل یباع بالمأکول من جنسه ؟ کلحم شاة بشاة حیة، و لحم بقرة ببقرة، و لحم جزور بجزور، لعلمائنا قولان:

المنع، لما روی أنه علیه السلام نهی عن بیع اللحم بالحیوان(2). و عن الصادق علیه السلام: أن أمیر المؤمنین علیه السلام کره اللحم بالحیوان(3).

ص:551


1- (1) وسائل الشیعة 12-445 ح 2.
2- (2) جامع الأصول 1-413.
3- (3) وسائل الشیعة 12-441 ب 11.

و لأن اللحم نوع یجری فیه الربا ببیع أصله الذی فیه منه، فلم یجز کبیع السمسم بالشیرج.

و الجواز، للعموم عن معارضة الربا، و أن الحیوان لیس من مال الربا، و لأنه باع مال الربا بما لا ربا فیه، فأشبه بیع الحیوان بالدراهم، و لأنه باع الموزون بغیره، و إن کان أصله فساغ، کالثیاب بالکتان و الغزل.

فإن منعناه، فالأقرب جواز بیع الشحم و الألیة و الطحال و الکبد و الکلیة و القلب و الریة بالحیوان، و کذا بیع السنام بالإبل، لأن ذلک کله من أنواع اللحم.

و یجوز بیع دجاجة فیها بیضة أو دجاجة. و شاة فی ضرعها لبن بمثلها، أو بخالیة من اللبن، أو بلبن، سواء کان من جنس اللبن أو من غیر جنسه، کبیع شاة ذات لبن بلبن شاة أو بلبن بقرة.

البحث السادس (فی اللواحق)

الثمن و المثمن إذا اختلفا، جاز أن یختلفا قدرا نقدا و نسیة علی کراهیة، إلا الصرف فإنه یحرم فیه النسیة اتفقا أو اختلفا إجماعا. و إن اتفقا جنسا، وجب اتفاقهما قدرا و حلولا إن دخلهما الکیل أو الوزن إجماعا و إلا فلا.

و لا یشترط التقابض فی المجلس و إن اتفقا جنسا و قدرا، للأصل السالم عن معارضة ربا الزیادة.

و لا یثبت الربا إلا فی البیع. و إذا اشتمل أحد العوضین علی جنسین ربویین، صح بیعهما بأحدهما مع الزیادة، کما قلنا فی مد تمر و درهم بمد و درهم أو بمدین أو بدرهمین أو بمدین و درهمین، فإن تلف الدرهم المعین أو استحق، احتمل البطلان فی الجمیع، إذ لا یجب البدل، فلیس أحد الباقیین أولی من الآخر، فتبطل فی الجمیع حذرا من الربا. و البطلان فی المخالف، لأنا صرفنا بیع کل جنس إلی مخالفه، و لهذا سوغنا التکثر من أحد الجانبین و التقسیط و لا

ص:552

ربا، لتجدد الزیادة بعد البیع.

و لو أراد المعاوضة علی المتفاضلین المتفقین جنسا، فطریق التخلص من الربا بیع السلعة بجنس غیرها، ثم یشتری بها الأخری، أو یباع المتماثل قدرا و یهبه الزائد، أو یقرضه إیاه و یبرئه، لأن سماعة سأله عن الطعام و التمر و الزبیب، فقال: لا یصلح شیء منه اثنان بواحد، إلا أن کان یصرفه نوعا إلی نوع آخر، فإذا صرفته فلا بأس به اثنین بواحد أو أکثر(1).

البحث السابع (فی الأحکام)

یحرم الربا بین المسلمین، سواء کانوا فی دار الإسلام أو دار الحرب، لعموم قوله تعالی وَ حَرَّمَ الرِّبا (2) و الأماکن لا مدخل لها فی الأحکام، و سواء کان المسلمان مسلمین بالأصالة، أو أسلما فی دار الحرب أو دار الإسلام.

و لا یثبت الربا بین المسلم و الحربی عند علمائنا، لقوله علیه السلام: لا ربا بین المسلمین و أهل الحرب(3). و لقول الصادق علیه السلام قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله: لیس بیننا و بین أهل حربنا ربا، فإنا نأخذ منهم ألف درهم بدرهم، و نأخذ منهم و لا نعطیهم(4).

و فی ثبوته بین المسلم و أهل الذمة قولان، الأقوی منهما ثبوته، للعموم.

قال بعض علمائنا: تؤخذ من أهل الحرب الزیادة، و لا یجوز لنا أن نعطیهم إیاها.

و لا ربا بین الوالد و ولده، فلکل منهما أخذ الزیادة من صاحبه. و لا بأس

ص:553


1- (1) وسائل الشیعة 12-443 ح 5.
2- (2) سورة البقرة: 275.
3- (3) وسائل الشیعة 12-436.
4- (4) وسائل الشیعة 12-436 ح 2.

بین الرجل و عبده، لأن مملوکه و ما بیده له. و لا بینه و بین زوجته، لقول الباقر علیه السلام: لیس بین الرجل و ولده و لا بینه و بین عبده و لا بینه و بین أهله ربا. إنما الربا بینک و بین من لا تملک(1). و لو کان العبد مشترکا، ثبت الربا بینه و بین کل من ساداته. و المکاتب کالحر، و المدبر و أم الولد کالقن.

و من ارتکب الربا مع علمه بالتحریم، فإن استحله فهو مرتد، یقتل من غیر استتابة إن کان علی الفطرة، و معها إن کان ولد علی غیر الفطرة. و إن اعتقد تحریمه استتیب، فإن تاب و إلا غرره الإمام، و هکذا ثلاثا، ثم یقتل فی الرابعة.

و یحصل التوبة بالندم علی فعله، و العزم علی ترک العود. ثم یجب علیه رد المال الزائد إلی صاحبه إن علم و تمکن منه، و إن جهله تصدق به عنه، لأنه مال محرم فی یده، فیجب نزع یده عنه و دفعه إلی مستحقه، و هو المالک مع العلم، و مستحق الصدقة مع الجهل.

و لو جهل القدر خاصة صالح المالک، و لو جهلهما أخرج خمس ماله صدقة و حل له الباقی. و لو استعمله بجهالة ثم علم التحریم، وجب علیه التوبة.

و هل یجب علیه رد المال ؟ الأقوی ذلک، لأنه مال الغیر لم ینقل عنه إلیه بوجه شرعی و لا تجارة عن تراض بل بالباطل. و للشیخ (رحمه اللّه) قول بعدم الوجوب، لقوله تعالی فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهی فَلَهُ ما سَلَفَ (2).

و سئل الصادق علیه السلام عن الرجل یأکل الربا و هو یری أنه له حلال، قال: لا یضره حتی یصیبه متعمدا، فإذا أصابه فهو بمنزلة الذی قال اللّه عز و جل(3). و یحمل علی انتفاء الإثم. و لا فرق بین أن یکون عین المال موجودا أو تالفا.

ص:554


1- (1) وسائل الشیعة 12-436 ح 3.
2- (2) سورة البقرة: 275.
3- (3) وسائل الشیعة 12-430 ح 1.

و اعلم أنا قد بینا أنه لا یجوز بیع مال الربا بجنسه مع زیادة، إلا مع توسط عقد آخر، کما إذا أراد بیع دراهم أو دنانیر صحاح بمکسره أکثر من وزنها ببیع الدراهم بالدنانیر و الدنانیر بالدراهم أو بعرض، ثم إذا تقابضا اشتری بالدراهم أو بذلک العرض المکسرة، کما أمر النبی صلی اللّه علیه و آله عامل خیبر أن یبیع الجمع بالدراهم، ثم یبتاع بها جنیبا(1). و الجنیب أجود التمر، و الجمع کل لون من التمر لا یعرف له اسم. و لا فرق بین أن یتجدد ذلک عادة أو لا یتجدد.

ص:555


1- (1) جامع الأصول 1-469.

ص:556

المقصد الثانی: فی أنواع المبیع

اشارة

و فیه فصول:

ص:557

ص:558

الفصل الأول: فی الصرف

اشارة

و فیه مطلبان:

المطلب الأول: فی الماهیة و الشرائط

الصرف بیع الأثمان بعضها ببعض مع اتفاق الجنس و اختلافه.

و شروطه ثلاثة:

الأول: الحلول، فلا یجوز بیع الذهب بمثله و لا بالفضة، و لا الفضة بمثلها و لا بالذهب، سلفا و لا نسیة، بل یجب أن یکون کل من الثمن و المثمن حالا.

الثانی: التقابض فی المجلس، سواء کانا معینین أو مطلقین موصوفین إجماعا، لقول الصادق علیه السلام: إذا اشتریت ذهبا بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتی تأخذ منه، فإن نزا حائطا فانز معه(1).

و سئل الصادق علیه السلام عن بیع الذهب بالدراهم: فیقول: أرسل رسولا یستوفی لک ثمنه قال یقول: هات و هلم و یکون رسولک معه.(2).

ص:559


1- (1) وسائل الشیعة 12-459 ح 8.
2- (2) وسائل الشیعة 12-458 ح 2.

و سأله عبد الرحمن بن الحجاج عن الرجل یشتری من الرجل الدراهم بالدنانیر، فیزنها و ینقدها و یحسب ثمنها کم هی دینارا، ثم یقول: أرسل غلامک معی حتی أعطیه الدنانیر، فقال: ما أحب أن یفارقه حتی یأخذ الدنانیر، فقلت: إنما هی فی دار واحدة و أمکنتهم قریبة بعضها من بعض و هذا یشق علیهم فقال: إذا فرغ من وزنها و انتقادها فلیأمر الغلام الذی یرسله أن یکون هو الذی یبایعه و یدفع إلیه الورق أو یقبض منه الدنانیر حیث یدفع إلیه الورق(1).

الثالث: الاتفاق قدرا مع التساوی جنسا، لما مر فی الربا. قال الصادق علیه السلام: الذهب بالذهب و الفضة بالفضة، الفضل بینهما هو الربا المنکر(2).

و إذا اختلف الجنسان، جاز التفاضل إجماعا. و لأن الصادق علیه السلام سئل عن الرجل یبتاع الذهب بالفضة مثلین بمثل، قال: لا بأس به یدا بید(3). و لو اتفقا، وجب التماثل وزنا.

و إذا افترقا قبل التقابض، بطل الصرف إجماعا.

و لو تقابضا بعض کل واحد من العوضین ثم تفرقا، بطل فی غیر المقبوض، و صح فی المقبوض لوجود الشرط فیه. و هل یثبت فی المقبوض خیار تفریق الصفقة ؟ إشکال.

و لا یحصل التفرق لو فارقا مجلس البیع و مصطحبین، لانتفاء حقیقته عنهما، لأن مفهومه المباینة و لم تحصل، فأشبه ما لو کانا راکبین فی سفینة أو علی دابة واحدة.

و لو و کل أحدهما وکیلا أو هما وکیلین، فقبض الوکیل أو الوکیلان قبل تفرقهما، صح. سواء فارق الوکیل المجلس قبل القبض أو بعده. و لو قبض

ص:560


1- (1) وسائل الشیعة 12-458 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 12-457 ح 2.
3- (3) وسائل الشیعة 12-459 ح 7.

بعد تفرق المتبایعین، بطل العقد.

و لو طال مقامهما فی المجلس، ثم حصل التقابض، صح البیع، و لیس من شرط صحة الصرف عدم التخایر فی المجلس قبل التقابض فی المجلس، فلو تخایرا قبل العقد أو بعده قبل القبض فی المجلس، لم یبطل الصرف.

و التخایر قبل العقد أن یقول: بعتک و لا خیار بیننا و یقبل الآخر علی ذلک، فلا یکون لهما خیار. و التخایر بعده أن یقول کل منهما بعد العقد:

اخترت إمضاء العقد أو التزامه، لأنهما لم یفترقا قبل القبض، و الشرط إنما هو قبل التقابض فی المجلس، و لیس التقابض قبل اللزوم شرطا، فإنه تحکم بغیر دلیل، ثم یبطل بما إذا تخایرا قبل الصرف ثم اصطرما، فإن الصرف یقع لازما صحیحا قبل القبض.

ثم یشترط القبض فی المجلس، و لو اشتری منه دراهم ثم اشتری بها دنانیر قبل قبض الدراهم، قال الشیخ: یبطل البیع. و شرط بعض علمائنا فی البطلان التفرق. و هو مبنی علی أن بیع ما لم یقبض من الموزونات و المکیلات صحیح أو لا و سیأتی.

و لو افترقا قبل التقابض، بطل العقدان. و لو تقابضا صح العقدان، عملا بالأصل، و بما رواه أبو بصیر عن الصادق علیه السلام قلت له: آتی الصیرفی بالدراهم أشتری منه الدنانیر فیرد إلی أکثر من حقی، ثم أبتاع منه مکانی بها دراهم، قال: لیس به بأس، و لکن لا یزن لک أقل من حقک(1).

و إذا کان لإنسان علی غیره دراهم دین فاشتری بها دنانیر، أو کان له علیه دنانیر دین فاشتری بها دراهم و تقابضا، صح العقد لوجود المقتضی.

و لأن الحلبی سأل الصادق علیه السلام عن الرجل یکون علیه دنانیر، فقال: لا بأس أن یأخذ ثمنها دراهم. و فی الرجل یکون له دین دراهم معلومة

ص:561


1- (1) وسائل الشیعة 12-458 ح 4.

إلی أجل، فجاء الأجل و لیس عند الرجل الذی حل علیه دراهم، فقال له:

خذ منی دنانیر بصرف الیوم، قال: لا بأس به(1).

و لأن ما فی الذمة مقبوض فجاز بیعه بالمقبوض، و هذا صرف تعین و ذمة، و لا خلاف فی جواز قضائها بالسعر. و هل یجوز أن یقبضه إیاها علی التراضی ؟ کما لو کان علیه ألف درهم یساوی یوم القضاء مائة دینار، فأعطاه عوضها تسعین دینارا أو مائة و عشرة، الوجه الجواز، لأنه بیع فی الحال فجاز ما تراضیا علیه إذا خالف [1] الجنس، لعموم قوله علیه السلام: إذا اختلف الجنسان فبیعوا کیف شئتم(2). و کما لو کان العوض عرضا.

و قول الصادق علیه السلام بصرف الیوم(3). و قول النبی صلی اللّه علیه و آله: لا بأس أن یأخذها بسعر یومها. لا یدلان علی المنع.

و لو کان الدین مؤجلا، فالأقرب صحة القضاء من الجنس و غیره حالا، لأنه ثابت فی الذمة، و ما فی الذمة بمنزلة المقبوض، فکأنه رضی بتعجیل المؤجل.

و لو تساویا جنسا، ففی جواز القضاء متفاضلا نظر، أقربه الجواز، لاختصاص الربا بالبیع و لا بیع هنا.

و لو کان لکل منهما علی صاحبه نقد و اختلفا جنسا، بأن یکون لأحدهما علی الآخر ذهب و للآخر علی الأول فضة، فتصارفا بما فی الذمم، صح من غیر تقابض علی إشکال، ینشأ: من أنه بیع دین بدین و لو تباریا أو اصطلحا جاز قطعا، و ما رواه عبید بن زرارة عن الصادق علیه السلام قال: سألته عن الرجل یکون له عند الصیرفی مائة دینار، و یکون للصیرفی عنده ألف درهم، فیقاطعه .

ص:562


1- (1) وسائل الشیعة 12-462 ح 1 و 2.
2- (2) وسائل الشیعة 12-442.
3- (3) وسائل الشیعة 12-462 ح 2

علیها، قال: لا بأس(1). لا یعطی بیع الدین بمثله، لجواز أن تکون الأعیان موجودة.

و إذا کان لإنسان علی صیرفی دراهم أو دنانیر، فیقول له: حول الدنانیر إلی الدراهم، أو الدراهم إلی الدنانیر و ساعره علی ذلک، قال الشیخ: یجوز و إن لم یوازنه فی الحال و لا یناقده، لأن النقدین جمیعا من عنده.

و لأن إسحاق بن عمار قال للصادق علیه السلام: یکون للرجل عندی الدراهم فیلقانی فیقول: کیف سعر الوضح الیوم ؟ فأقول: کذا و کذا، فیقول: أ لیس لی عندک کذا و کذا ألف درهم وضحا؟ فأقول: نعم، فیقول: حولها إلی دنانیر بهذا السعر و أثبتها لی عندک، فما تری فی هذا؟ فقال لی: إذا کنت قد استقصیته السعر یومئذ فلا بأس بذلک، فقلت: إنی لم أوازنه و لم أناقده و إنما کلام بینی و بینه، فقال: أ لیس الدراهم من عندک و الدنانیر من عندک ؟ قلت:

بلی، قال: لا بأس(2).

و منع بعض الأصحاب من ذلک إلا أن یتقابضا فی المجلس، لأنه صرف و شرطه التقابض فی المجلس.

و یحتمل أن یقال: إذا کان القول علی جهة التوکیل صح، و إن تفرقا قبل القبض، لکن لا یکون ذلک بیعا فی الحال بل توکیلا فیه.

المطلب الثانی: فی اللواحق

و هی تسعة عشر بحثا:

الأول: إذا تصارفا و تفرقا قبل الوزن و النقد، صح إذا تقابضا، فلو اشتری منه مائة درهم بعشرة دنانیر، و دفع کل منهما إلی صاحبه أکثر من الحق

ص:563


1- (1) وسائل الشیعة 12-464 ح 3.
2- (2) وسائل الشیعة 12-464 ح 1.

الذی علیه لقبض ما له و رد الباقی، صح لوجود الشرط و هو التقابض فی المجلس. و الأحوط فی ذلک أن یزن و ینقد فی المجلس قبل التفرق.

و لو قبض أحدهما أقل من ما له، صح العقد فی المقبوض خاصة دون الباقی، لعدم شرطه و للروایة.

الثانی: الدراهم المغشوشة تباع بغیر جنسها إن جهل قدر الغش، و إن علم الغش جاز أن یبیعه بجنس الدراهم خالصا إن زاد الخالص لیقابل الغش، و الأقوی جواز المغشوشة بمثلها و إن جهل قدر الغش فیهما، و کذا الدنانیر المغشوشة.

و لو بیع المغشوش من الفضة بوزنه فضة خالصة، فالوجه عندی الجواز، سواء علم قدر الفضة أو لا. و کذا المغشوش من الذهب یجوز بیعه بقدر وزنه ذهبا خالصا.

نعم لا یجوز بیعه بأقل من وزنه مع جهالة قدر الخالص من المغشوش، إلا إذا علم زیادة الخالص علی ما اشتمل علیه المغشوش من الفضة، لأنه إذا بیع بوزنه خالصا قابل ما اشتمل علیه المغشوش من الفضة بقدره من الخالص، و کان الفاضل من الخالص فی مقابلة الغش.

و روی ابن سنان قال: سألت الصادق علیه السلام عن شراء الفضة فیها الرصاص بالورق، فإذا خلصت نقصت من کل عشرة درهمین أو ثلاثة، قال:

لا یصلح إلا بالذهب، قال: و سألته عن شراء الذهب فیه الفضة و الزیبق و التراب بالدنانیر و الورق، فقال: لا تصارفه إلا بالورق(1).

الثالث: لا یجوز إنفاق الدراهم المغشوشة إلا بعد بیان حالها أو جریان العادة بالمعاملة بها، سواء کان الغش مما لا قیمة له أو له قیمة، لقوله علیه السلام: من غشنا فلیس منا(2).

ص:564


1- (1) وسائل الشیعة 12-475 ح 1.
2- (2) وسائل الشیعة 12-208 ح 1.

و قال المفضل بن عمر الجعفی: کنت عند الصادق علیه السلام فألقی من یدیه دراهم فألقی إلی درهما منها فقال: أی شیء هذا؟ فقلت: ستوق، فقال: و ما الستوق ؟ فقلت: طبقتین فضة و طبقة من نحاس و طبقة من فضة، فقال: اکسرها فإنه لا یحل بیع هذا و لا إنفاقه(1). أما مع البیان جائز، إذ الغش حینئذ منتف، و لأن الصادق علیه السلام سئل عن الرجل یعمل الدراهم یحمل علیها النحاس أو غیره ثم یبیعها، قال: إن بین ذلک فلا بأس(2).

الرابع: تراب معدن الذهب تباع بالفضة أو بجنس آخر غیر الذهب.

و کذا تراب معدن الفضة تباع بالذهب أو بجنس آخر غیر الفضة، تحرزا من الربا. و لو جمعا معا، بیعا بهما.

الخامس: لا اعتبار بالذهب الیسیر فی جوهر النحاس [1] و لا بالفضة الیسیرة فی جوهر الرصاص، لقلته و عدم إمکان التخلص.

السادس: المصاغ من النقدین إن جهل قدر کل واحد منهما، بیع بهما أو بجنس غیرهما، أو بالأقل منهما إن تفاوتا وزنا، و عرف زیادة الثمن علی جنسه من المرکب، حذرا من الربا فی ذلک کله.

و لو علم مقدار کل واحد منهما، بیع بأیهما کان مع زیادة الثمن علی جنسه. و لو بیع بهما أو بجنس غیرهما، جاز مطلقا، سواء نقص الثمن عنهما أو زاد أو ساواه.

و لو کان وزن الآنیة المرکبة منهما ألف مثقال، جاز بیعها بعشرة مثاقیل ذهبا، صرفا لکل منهما إلی غیر جنسه.

السابع: السیوف المحلاة و المراکب المحلاة إن علم مقدار ما فیهما و بیعت بجنس الحلیة، جاز إن زاد الثمن زیادة تقابل السیف أو المرکب. و لو

ص:565


1- (1) وسائل الشیعة 12-473 ح 5.
2- (2) وسائل الشیعة 12-472 ح 2.

بیعت بغیر جنس الحلیة، جاز مطلقا.

و لو جهل، فإن أمکن نزعها، لم تبع بجنسها إلا بعد النزع، و لو تعذر أو خیف العیب أو النقص، بیعت بغیر جنس الحلیة. و إن أرید بیعها بجنس الحلیة جعل معها شیء من المتاع أو النقد الآخر و یباع المجموع بالمجموع.

الثامن: یجوز المصارفة، کأن یقول: بعتک دینارا بعشرة دراهم، سواء کانت الدنانیر و الدراهم عندهما أو لا، إذا تقابضا قبل الافتراق.

و من شرطها أن یکون العوضان معلومین إما بصفة یتمیزان، أو بالرجوع إلی نقد معلوم، أو غالب فینصرف الإطلاق إلیه. و حلولها معا، فلو قال:

بعتک دینارا مصروفا بعشرین درهما صح.

و لو أطلق الدنانیر و هناک نقد غالب فی البلد انصرف إلیه.

و لو قال: بعتک بعشرین درهما من نقد عشرة بدینار لم یصح، إلا أن لا یکون فی البلد نقد عشرة بدینار إلا نوعا واحدا ینصرف إلیه تلک الصفة. و کذا الحکم فی البیع لو باعه ثوبا بعشرین درهما من صرف العشرة بدینار أو العشرین بدینار.

التاسع: یجوز استعمال الحیل المباحة، فلو کان معه خمسة دراهم و أراد شراء دینار بعشرة، اشتراه ثم دفع ما معه عن النصف، ثم اقترضها و دفعها عن الآخر لیصح الصرف و إن کان حیلة. و کذا لو احتال بمثل ذلک لدفع خیار الفسخ بعد الثلاثة.

العاشر: لو کان له عند رجل دینار ودیعة فصارفه به و هو معلوم البقاء أو مظنون صح الصرف، و إن ظن العدم لم یصح، لأن حکمه حکم المعدوم.

و لو شک احتمل الصحة، لأصالة البقاء، فصح البناء علیه عند الشک، فإن الشک لا یزیل الیقین، و لهذا صح بیع الحیوان الغائب المشکوک فی حیاته. و البطلان، لأن شرط الصحة و هو البقاء مجهول.

الحادی عشر: الثمن إذا کان معینا من أحد النقدین تعین عندنا بالتعیین

ص:566

بالعقد فیما عیناه، و یتعین عوضا عنه فیه، و لا یجوز إبداله. و إن خرج مغصوبا بطل العقد، لأنه عوض فی عقد یتعین بالتعیین، کسائر الأعواض، و لأنه أحد العوضین فیتعین بالتعیین کالآخر، و إطلاقها فی العقد و إن کان جائزا إلا أنه لا یوجب عدم التعیین، کالمکیال و الصنجة لأنهما لیسا عوضین، و إنما یرادان لتقدیر المعقود علیه و تعریف قدره، فلا یثبت فیهما الملک بحال.

إذا تقرر هذا فنقول: إذا تصارفا بما فی الذمة أی من غیر تعیین صح، و لا بد من تعیینهما بالتقابض فی المجلس.

فإن تقابضا فوجد أحدهما بما قبضه عیبا قبل التفرق، فله المطالبة بالبدل، سواء کان العیب من جنسه أو من غیر جنسه، لوقوع العقد علی مطلق لا عیب فیه، فله المطالبة بما وقع العقد علیه کالمسلم فیه. و إن رضیه بعیبه و العیب بجنسه، جاز، کما لو رضی المسلم فیه معیبا، و إن اختار أخذ أرشه.

فإن کان العوضان من جنس واحد، لم یجز، لإفضائه إلی التفاضل فیما یشترط فیه التماثل. و إن کانا من جنسین، تصارفا و تقابضا و تفرقا، ثم وجد العیب من الجنس، فله إبداله، لأن ما جاز إبداله قبل التفرق جاز بعده کالمسلم فیه، علی إشکال ینشأ: من أنه قبض بعد التفرق، و هو مبطل فی الصرف، و الأول أقوی، لأن قبض الأول صح به العقد و قبض الثانی بدل عن الأول. و هل یشترط أن یأخذ البدل فی مجلس الرد؟ إشکال.

و لو وجد البعض ردیا فرده، کان له البدل. و لو منعناه علی الثانی، بطل فی المردود و صح فی الباقی، و یتخیر المشتری لتفریق الصفقة. و لا فرق بین أن یکون المبیع من جنس أو جنسین.

و إذا قلنا له البدل، لم یکن له الفسخ مع الإبدال، لأنه یمکنه أخذ حقه غیر معیب.

و لو منعناه تخیر بین الفسخ أو الإمساک فی الجمیع، لتعذر الوصول إلی ما عقد علیه مع بقاء العقد.

ص:567

و لو اختار أخذ الأرش بعد التفرق، جاز علی الأول دون الثانی، لأنه عوض بقبضه بعد التفرق علی الصرف. و لو تقابضا و تفرقا ثم وجد المعیب من غیر الجنس، بطل الصرف، لعدم اتصال القبض به.

و لو کان البعض من الجنس و البعض من غیره، بطل فی غیر الجنس و تخیر المشتری لتفرق الصفقة. و لو کان الذی من الجنس..

إلی هنا جف قلمه الشریف، و بقی الکتاب ناقصا.

و قال فی آخر نسخة «ق»: و هذا ما انتهی إلیه المصنف فی هذا الکتاب، و الحمد للّه وحده، علی ید العبد الفقیر إلی رحمة ربه، المستجیر باللّه من عذابه، الراجی شفاعة نبیه و آله الأخیار، یعقوب بن خلیل العاملی... مولدا و منشأ، غفر اللّه له و لوالدیه و لمن نظر فیه و لسائر المؤمنین أجمعین. وافق الفراغ من تعلیقه نهار الثلثاء لخمس بقین من شهر رمضان المبارک من شهور سنة تسعة و خمسین و ثمانمائة من الهجرة النبویة، و الحمد للّه وحده، و صلی اللّه علی سیدنا محمد و آله و سلم.

و قال فی آخر نسخة «ر»: تمت بعون الملک الوهاب، بتاریخ بیست و هفتم شهر ذی القعدة الحرام سنة «1245» الهجریة.

و تم تحقیق الکتاب و تصحیحه و التعلیق علیه فی الیوم الخامس عشر من الجمادی الآخر سنة ألف و أربعمائة و خمس هجریة علی ید العبد السید مهدی الرجائی.

ص:568

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.