ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

الباب الثانی والثلاثون

یعنی : أنّ الفعل اللازم المکسور العین - قیاس مصدره یأتی علی «فعل» بفتح العین ، ویستوی فی ذلک الصّحیح ک- «فرح فرحا» ، والمعتلّ اللّام ، ک- «عمی عمی» ، والمضاعف ، ک- «شلّ شللا» (1).

ثمّ أشار إلی الثّالث بقوله :

وفعل اللّازم ...

البیت

یعنی : أنّ فعل اللازم یأتی مصدره علی «فعول» ، واستوی فی ذلک الصّحیح / ، نحو «قعد قعودا» ، والمعتلّ العین ، نحو «حال حؤولا» ، والمعتلّ اللّام ، نحو «سما سموّا» (2).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ما لم یکن مستوجبا فعالا

أو فعلانا فادر أو فعالا

فأوّل لذی امتناع کأبی

والثّانی للّذی اقتضی تقلّبا

للدّا فعال أو لصوت وشمل

سیرا وصوتا الفعیل کصهل

اطّراد «فعول» فی «فعل» اللّازم یشترط فیه أن لا یکون الفعل مستوجبا لأحد الأوزان المذکورة ، وإلی ذلک أشار بقوله :

ما لم یکن مستوجبا ...

البیت (3)

فذکر فیه ثلاثة أوزان ، وسیذکر رابعا بعد ، وهی : «فعال - بکسر الفاء - ، وفعلان - بفتح الفاء والعین - ، وفعال - بضمّ الفاء -».

ثمّ بیّن معانی الأفعال الّتی تستحقّ هذه الأوزان ، فقال :

فأوّل لذی امتناع کأبی

ص: 4

یعنی ب- «الأوّل» : «فعالا» ، وهو مصدر مطّرد فی «فعل» اللّازم ، الدّالّ علی الامتناع ، نحو «أبی إباء ، ونفر نفارا ، وفرّ فرارا». وقوله :

والثّانی للّذی اقتضی تقلّبا

یعنی ب- «الثّانی» : «فعلانا» ، وهو أیضا مصدر «فعل» اللّازم ، الدّالّ علی التّقلّب والاضطراب ، نحو «لمع لمعانا ، وجال جولانا ، وغلت القدر غلیانا».

وقوله : «للدّا فعال». هذا هو الوزن الثّالث ، وهو «فعال» ، وهو مصدر مطّرد فی «فعل» (اللازم) (1) الدّالّ علی الدّاء والمرض ، نحو «سعل سعالا / ، وزکم زکاما».

وأراد : «للدّاء» بالمدّ ، فقصره ضرورة.

ثمّ قال : «أو لصوت» ، یعنی : أنّ «فعالا» یکون أیضا مطّردا فی «فعل» اللازم ، الدّالّ علی الصّوت ، نحو «نعق نعاقا (2) ، ویعرت الشّاة یعارا (3) ، ورغا البعیر رغاء (4)» ، ف- «فعال» (5) یکون علی هذا ل- «فعل» (6) الدّالّ علی (الدّاء ، ول «فعل» الدّالّ علی) (7) الصّوت.

وقوله :

وشمل

سیرا وصوتا الفعیل کصهل

هذا هو الوزن الرّابع ، وهو «فعیل» ، ویکون مصدرا مطّردا فی «فعل» اللّازم ، الدّالّ علی السّیر ، نحو «ذمل ذمیلا (8) ، ورسم رسیما» (9) ، والدّالّ علی الصّوت ، نحو «صهل صهیلا» (10) ، وهذا معنی قوله : «وشمل سیرا وصوتا».

ص: 5

و «شمل» فیه لغتان : «شمل یشمل» - بفتح العین فی الماضی ، وضمّها فی المضارع - ، و «شمل یشمل» - بکسر العین فی الماضی ، وفتحها فی المضارع - وهی الفصحی ، إلّا أنّه ینبغی أن تضبط هنا بالفتح صونا (1) من السّناد ، وهو : اختلاف حرکة الحرف الّذی قبل الرّویّ المقیّد (2).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

فعولة فعالة لفعلا

کسهل الأمر وزید جزلا

هذا إشارة إلی الرّابع ، وهو «فعل» - المضموم العین - ، فذکر أنّه لا یکون إلّا لازما ، ویطّرد فی مصدره وزنان :

الأوّل : فعولة ، نحو «سهولة ، وصعوبة».

والثّانی : فعالة / ، نحو «جزالة (3) ، ونظافة».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وما أتی مخالفا لما مضی

فبابه النّقل کسخط ورضی

یعنی : أنّ ما خالف ما ذکره من مصادر الفعل الثلاثیّ - فهو منقول سماعا عن العرب.

وفهم منه : أنّ جمیع ما تقدّم من المصادر مقیس.

وفهم منه أیضا : أنّ مصادر الثّلاثیّ أتت علی غیر قیاس ، وذکر منها مصدرین :

- «سخطا» ، وهو مصدر «سخط» ، وقیاسه «سخط» - بفتح (السّین و) (4) الخاء - وقد جاء کذلک (5).

ص: 6

- و «رضی» ، وقیاسه «رضی» بفتح الرّاء (1) -.

وفهم من قوله : «کسخط» فی إتیانه بکاف التّشبیه : أنّه قد جاء غیر هذین المصدرین علی غیر قیاس (2).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وغیر ذی ثلاثة مقیس

مصدره کقدّس التّقدیس

لمّا فرغ من مصادر الثّلاثیّ شرع فی بیان المزید ، فقال : إنّ غیر الثّلاثیّ من الأفعال له مصدر مقیس ، غیر متوقّف علی السّماع.

وشمل قوله : «غیر ذی ثلاثة» الرباعیّ الأصول ، نحو «دحرج» ، والمزید علی الرباعیّ ، (نحو «احرنجم» ، والمزید علی الثلاثیّ) (3) ، نحو «استخرج».

وله أبنیة کثیرة ، وبدأ منها ب- «فعّل» فقال : «کقدّس التّقدیس».

یعنی : أنّ «فعّل» (4) المشدّد العین ، نحو «قدّس» یأتی مصدره علی «تفعیل» ، نحو «قدّس تقدیسا ، وعلّم تعلیما».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وزکّه تزکیة وأجملا

إجمال من تجمّلا تجمّلا /

هذا البیت اشتمل علی ثلاثة أفعال بمصادرها ، وکلّها من الثلاثیّ المزید فیه :

ص: 7

الأوّل : «زکّه» ، وهو أمر من «زکّی» ، ومصدره یأتی علی «تزکیة» ، ومثله «نمّی تنمیة».

الثّانی : «أجمل» ، وهو أمر من «أجمل» ، ومصدره یأتی علی «إجمال» ومثله «أکرم إکراما ، وأعطی إعطاء».

الثّالث : «تجمّل» (وهو) (1) فعل ماض ، ومصدره یأتی علی «تفعّل» ، ومثله «تکلّم تکلّما ، وتعلّم تعلّما».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

واستعذ استعاذة ثمّ أقم

إقامة وغالبا ذا التّا لزم

ذکر فی هذا البیت فعلین مع مصدریهما من الثلاثیّ المزید :

الأوّل : «استعذ» ، وهو فعل أمر من «استعاذ» ، ومصدره یأتی علی «استعاذة» ، ومثله «استقام استقامة».

الثّانی : «أقم» ، وهو فعل أمر من «أقام» ، ومصدره یأتی علی «إقامة» ، ومثله «أجاز إجازة».

وقوله : «وغالبا» ذا التّا لزم الإشارة للفعلین معا ، وإنّما أفرده علی إرادة ما ذکر ، وإنّما لزمته (2) التّاء ، لأنّ «استعاذة» أصلها «استعواذا» ، و «إقامة» ، أصلها «إقواما» ، فنقلت حرکة الواو فیها إلی السّاکن ، وانقلب الواو ألفا ، وحذفت إحدی الألفین ، وعوّض منها التّاء.

وفهم من قوله : «غالبا» أنّها تحذف فی غیر الغالب (3) ، کقول بعضهم : «أری (4) إراء» (5) و «استفاه استفاها» (6)(7).

ص: 8

ثمّ قال رحمه الله تعالی / :

وما یلی الآخر مدّ وافتحا

مع کسر تلو الثّان ممّا افتتحا

بهمز وصل کاصطفی وضمّ ما

یربع فی أمثال قد تلملما

هذا ضابط فی مصدر کلّ فعل افتتح بهمزة الوصل ، یعنی : أنّ الحرف المتّصل به الحرف الآخر من الفعل ، إذا کان الفعل مفتتحا بهمزة الوصل - مدّه وافتح ما قبل المدّة ، فینشأ من ذلک الألف ، ثمّ تکسر تلو الحرف (1) الثّانی من الفعل ، وهو الحرف الثّالث ، ثمّ مثّل ذلک بقوله : «کاصطفی» ، (فتقول : «اصطفی) (2) اصطفاء» و «انطلق انطلاقا». ثمّ قال :

وضمّ ما

یربع فی أمثال قد تلملما

یعنی : أنّ مصدر «تفعّل» یضمّ فیه رابع الفعل ، فیصیر مصدرا ، نحو «تلملم تلملما» ، ومثله «تدحرج تدحرجا ، وتنفّس تنفّسا».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

فعلال (3) أو فعللة

لفعللا

واجعل مقیسا ثانیا لا أوّلا

یعنی : أنّ «فعلل» یأتی مصدره علی «فعلال» ، وعلی «فعللة» نحو «دحرج دحراجا ، ودحرجة».

وفهم منه : أنّ مصدر الملحق ب- «فعلل» کمصدر «فعلل» ، نحو «جلبب وحوقل» ، فتقول : «جلبب جلبابا وجلببة ، وحوقل حیقالا وحوقلة».

إلّا أنّ المقیس منهما «فعللة» دون «فعلال» ، وقد نبّه علی ذلک بقوله :

واجعل مقیسا ثانیا لا أوّلا

وجعلهما فی التّسهیل مقیسین معا (4).

ثمّ قال رحمه الله تعالی / :

لفاعل الفعال والمفاعله

وغیر ما مرّ السّماع عادله

ص: 9

یعنی : أنّ «فاعل» له مصدران ، وهما : «الفعال» و «المفاعلة» ، نحو «قاتل قتالا ومقاتلة ، وخاصم (1) خصاما ومخاصمة». وقوله :

وغیر ما مرّ السّماع عادله

یعنی : أنّ ما تقدّم من مصادر غیر الثلاثیّ هو (2) القیاس ، وما جاء علی خلافه عادله السّماع ، أی : صار عدیلا له ، وممّا جاء من ذلک قول الرّاجز :

152-* باتت تنزّی دلوها تنزیّا *(3)

وقیاس مصدر «نزّی» : «تنزیة» ، مثل «زکّی تزکیة».

ومن ذلک «کذّاب» فی مصدر «کذّب» ، وقیاسه «تکذیب».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وفعلة لمرّة کجلسه

وفعلة لهیئة کجلسه

یعنی : أنّک إذا أردت المرّة الواحدة من مصدر الثلاثیّ أتیت ب- «فعلة» - بفتح الفاء ، وسکون العین - ، نحو «جلس جلسة ، وضرب ضربة» ، وإذا أردت الهیئة أتیت ب- «فعلة» - بکسر الفاء - ، نحو «جلس جلسة».

وقد یکون بناء المصدر علی «فعلة» ک- «رحمة» ، وعلی «فعلة» ، ک- «ذربة» (4) ،

ص: 10

فلا یکون لحاق التّاء دلالة علی المرّة (1) ، ولا علی الهیئة ، إلّا بقرینة تدلّ علی ذلک.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

فی غیر ذی الثّلاث بالتّا المرّه

وشذّ فیه هیئة کالخمره

یعنی : أنّ مصدر غیر الثلاثیّ إذا أرید منه المرّة ألحقت / التّاء بمصدره القیاسیّ ، فتقول فی نحو «أکرمه إکراما» إذا أردت المرّة : «إکرامة» ، وفی نحو «انطلق انطلاقا» : «انطلاقة» ، فلو کان المصدر من ذلک (2) مبنیّا علی التّاء فی نحو «زکّی تزکیة ، واستعاذ استعاذة» لم یدلّ علی المرّة فیه إلّا بقرینة ، نحو «زکّی تزکیة واحدة».

وأمّا الهیئة فلم تستعمل من المزید إلّا علی وجه الشّذوذ ، وإلی ذلک أشار بقوله :

وشذّ فیه هیئة کالخمره

یعنی : أنّه قد جاءت الهیئة علی «فعلة» فی مصدر غیر الثلاثیّ ، کقولهم : «خمرة» ، وهو من «اختمرت المرأة إذا لبست الخمار» (3) ، ومثله «العمّة» من «اعتمّ» و «القمصة» من «تقمّص» ، و «النّقبة» من «انتقب» (4).

ص: 11

«هو» : ضمیر عائد علی «فاعل» فی البیت الّذی قبله ، یعنی : أنّ «فاعلا» قلیل فی اسم الفاعل من «فعل» المضموم العین ، و «فعل» المکسور (1) العین اللازم ، نحو «فره (2) العبد فهو فاره (3) ، وسلم فهو سالم».

وفهم (منه) (4) : أنّه کثیر فیما عدا هذین الوزنین من الثلاثیّ ، وهو ثلاثة أنواع : مفتوح العین متعدّ ، نحو «ضرب فهو ضارب» ، وغیر متعدّ ، نحو «قعد فهو قاعد» ، ومکسور العین (5) متعدّ ، نحو «شرب فهو شارب».

و «غذا» یحتمل أن یکون من «غذوت الصّبیّ باللّبن» أی : ربّیته (به) (6) ، فیکون / متعدّیا ، ویحتمل أن یکون بمعنی : «غذا الماء» أی : سال (7) ، فیکون لازما.

والمراد بالقلیل هنا : الشّاذّ ، ولذلک قال بعد : «بل قیاسه فعل».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

بل قیاسه فعل

وأفعل فعلان نحو أشر

ونحو صدیان ونحو الأجهر

هذا إشارة إلی النّوع الثّانی من (8) المثالین ، فذکر لاسم الفاعل من «فعل» اللّازم : ثلاثة أوزان : «فعل ، وأفعل ، وفعلان» ، وتجوّز فی إطلاق اسم الفاعل علیها ، وإنّما هی صفات مشبّهة باسم الفاعل.

ولمّا کان کلّ واحد من هذه الأوزان یختصّ بمعنی فی الفعل یقتضیه نبّه علی ذلک بالمثل فقال :

نحو أشر

ونحو صدیان ونحو الأجهر

ص: 13

ف- «فعل» للأعراض ، نحو «فرح فهو فرح ، وأشر فهو أشر» (1) ، و «فعلان» للامتلاء ، وحرارة البطن ، نحو «غرث فهو غرثان (2) ، وصدی فهو صدیان (3)» ، و «أفعل» للخلق والألوان ، نحو «حمر فهو أحمر ، وجهر فهو أجهر» (4).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وفعل اولی وفعیل بفعل

کالضّخم والجمیل والفعل جمل

وأفعل فیه قلیل وفعل

وبسوی الفاعل قد یغنی فعل

هذا إشارة إلی النّوع الثّالث ، فذکر أنّ الأولی ب- «فعل» / - مضموم العین - «فعل» - بسکونها - ، نحو «سهل الأمر فهو سهل ، وضخم فهو ضخم» ، و «فعیل» نحو «ظرف فهو ظریف ، وجمل فهو جمیل».

وفهم من قوله : «أولی» أنّ اسم الفاعل منه یأتی علی غیر الوزنین المذکورین ، وهو المنبّه علیه بقوله :

وأفعل (5) فیه قلیل وفعل

یعنی : أنّ اسم الفاعل من «فعل» - مضموم العین - قد یأتی علی وزن «أفعل» ، نحو «حرش (6) فهو أحرش» (7) ، وعلی وزن «فعل» ، نحو «بطل فهو بطل (8) ، وحسن فهو حسن».

ص: 14

وفهم من تنصیصه علی القلّة فی «أفعل» ، و «فعل» : أنّ الوزنین السّابقین کثیران. وقوله :

وبسوی الفاعل قد یغنی فعل

یعنی : أنّ «فعل» - المفتوح العین - قد یأتی اسم فاعله علی وزن غیر «فاعل» ، ولم یذکر الوزن الّذی یأتی علی غیر «فاعل».

وفهم منه أنّه غیر مخصوص بوزن واحد ، والّذی جاء من ذلک «طاب فهو طیّب ، وشاخ فهو شیخ ، وشاب فهو أشیب ، وعفّ فهو عفیف».

وفهم من قوله : «قد یغنی» : التّقلیل.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وزنة المضارع اسم فاعل

من غیر ذی الثّلاث کالمواصل

مع کسر متلوّ الأخیر مطلقا

وضمّ میم زائد قد سبقا

لمّا فرغ (من) (1) اسم الفاعل من الثلاثیّ ، شرع فی بیان اسم الفاعل / من غیره ، فذکر له ضابطا ، وهو أنّه إذا أردت اسم الفاعل من غیر الثلاثیّ أتیت بوزن مضارعه ، إلّا أنّک تکسر ما قبل الآخر ، وتجعل عوض حرف المضارعة میما زائدة مضمومة.

وشمل غیر الثلاثیّ : الرباعیّ الأصول ، ک- «یدحرج» ، والرباعیّ المزید ، ک- «یحرنجم» ، والثلاثیّ المزید ، ک- «ینطلق» و «یستخرج» ، فتقول فی اسم الفاعل من «دحرج» : «مدحرج» ، ومن «احرنجم» : «محرنجم» ، ومن «انطلق» : «منطلق» ، ومن «استخرج» : «مستخرج».

ومعنی قوله : «مع کسر متلوّ الأخیر» - یعنی : أنّه إذا کان مفتوحا فی المضارع ، کسر فی اسم الفاعل ، نحو «یتدحرج فهو متدحرج».

وفهم من قوله : «مطلقا» (2) أنّه إذا کان مکسورا فی المضارع - یکسر فی اسم الفاعل ، فتکون الکسرة غیر الکسرة ، نحو «منطلق» ، فی «ینطلق».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ص: 15

وإن فتحت منه ما کان انکسر

صار اسم مفعول کمثل المنتظر

یعنی : أنّ الحرف الّذی قبل الآخر فی اسم الفاعل من غیر الثلاثیّ ، إذا فتحته صار اسم مفعول ، فتقول فی اسم الفاعل من «دحرج» : «مدحرج» - بکسر الرّاء - ، وفی اسم المفعول : «مدحرج» - بفتحها - وفی اسم الفاعل من «انتظر» : «منتظر» ، وفی اسم المفعول : «منتظر».

وقد تبرّع (1) بذکر (اسم) (2) المفعول فی هذا الباب ، لأنّه إنّما ترجم لاسم الفاعل ، والصّفات المشبّهات به (3) /.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وفی اسم مفعول الثلاثیّ اطّرد

زنة مفعول کآت من قصد

وناب نقلا عنه ذو فعیل

نحو فتاة أو فتی کحیل

یعنی : أنّ اسم المفعول من الثلاثیّ یأتی علی وزن «مفعول».

وقوله : «کآت من قصد» أی : کالمفعول الآتی من «قصد» ، وهو «مقصود» ومثله : «مضروب» من «ضرب» ، و «مرضیّ» من «رضی» ، وأصله : «مرضوی» (4).

وقوله :

وناب نقلا ...

البیت یعنی : أنّ صاحب هذا الوزن الّذی هو «فعیل» ناب عن «مفعول» ، نحو

ص: 16

«قتیل» بمعنی : مقتول ، و «جریح» بمعنی : مجروح ، (وهو کثیر) (1) ومع کثرته (فهو) (2) غیر مقیس (3) ، وقیل : یقاس (4).

وفهم من تمثیله ب- «فتاة ، وفتی» : أنّ «فعیلا» المذکور یجری علی المذکّر والمؤنّث بلفظ واحد ، (نحو) (5) «فتی کحیل ، وفتاة کحیل».

ص: 17

وفهم من قوله : «استحسن» أنّ ذلک موجود فی اسم الفاعل ، إلّا أنّه غیر مستحسن ، نحو «کاتب الأب» ، وفیه خلاف ، ومذهب النّاظم جوازه (1).

وفهم منه أیضا : أنّ الجرّ بها غیر لازم ، بل یجوز فیه الرّفع والنّصب علی ما (سیأتی) (2).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وصوغها من لازم لحاضر

کطاهر القلب جمیل الظّاهر

یعنی : أنّ الصّفة المشبّهة باسم الفاعل - لا تصاغ (إلّا من) (3) الفعل اللّازم ، ولا تکون إلّا للحال (4) ، وبهذین الوصفین خالفت اسم الفاعل ، (فإنّ اسم الفاعل) (5) یصاغ (6) من اللّازم والمتعدّی ، ویکون للحال والاستقبال والمضیّ.

ص: 19

ثمّ أتی بمثالین ، وهما (1) : «طاهر» ، و «جمیل» ، ف- «طاهر» مصوغ من «طهر» ، وهو لازم ، والمراد به الحال ، و «جمیل» وهو مصوغ من «جمل» وهو أیضا لازم ، ویراد به الحال.

وفهم من تمثیله بالوصفین : أنّ الصّفة المشبّهة تکون جاریة علی الفعل المضارع فی الحرکات ، والسّکنات ، وعدد الحروف ، ک- «طاهر» ، فإنّه جار فیما ذکر علی «یطهر» ، وغیر جاریة ک- «جمیل» ، فإنّه غیر جار علی «یجمل».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وعمل اسم الفاعل المعدّی

لها علی الحدّ الّذی قد حدّا

یعنی : أنّ الصّفة المشبّهة باسم الفاعل تعمل عمل اسم الفاعل المعدّی / فتقول : «زید حسن الوجه» ، کما تقول : «زید ضارب الرّجل».

والمراد ب- «المعدّی» : المعدّی إلی مفعول واحد.

وفهم من قوله : «علی الحدّ الّذی قد حدّا» أنّها تعمل بالشّروط المتقدّمة فی اسم الفاعل من الاعتماد ، ولا ینبغی أن یحمل (2) علی جمیع الشّروط السّابقة التی منها : أن یکون بمعنی الحال أو الاستقبال ، لأنّه نصّ علی أنّ الصفة لا تکون إلّا للحال بقوله : «لحاضر».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وسبق ما تعمل فیه یجتنب

وکونه ذا سببیّة وجب

یعنی : أنّ الصفة تخالف اسم الفاعل فی شیئین :

الأوّل : أنّ معمولها لا یجوز تقدیمه علیها ، فتقول : «زید حسن الوجه» ، ولا یجوز «زید الوجه حسن» ، بخلاف اسم الفاعل ، فإنّه یجوز أن تقول : «زید (الرّجل) (3) ضارب» ، (وهو المنبّه علیه بقوله :

وسبق ما تعمل فیه یجتنب) (4)

الثّانی : أنّه (5) لا یکون إلّا سببیّا ، کالمثال المتقدّم ، بخلاف (معمول) (6)

ص: 20

اسم الفاعل ، فإنّه یکون سببیّا ، نحو «زید ضارب أباه» ، وأجنبیّا ، نحو «زید ضارب عمرا» ، وهو المنبّه علیه بقوله :

وکونه ذا سببیّة وجب

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

فارفع بها وانصب وجرّ مع أل

ودون أل مصحوب أل وما اتّصل

بها مضافا أو مجرّدا ولا

تجرر بها مع أل سما من (أل) (1)

خلا

ومن إضافة لتالیها وما

لم یخل فهو بالجواز وسما (2)

هذه الأبیات الثّلاثة تکلّم (3) فیها علی مسائل الصّفة ، وهی ستّ (4) وثلاثون / مسألة ، وذلک أن الصّفة ترفع معمولها علی الفاعلیّة ، وتنصبه إن کان معرّفا علی التّشبیه بالمفعول ، وإن کان منکّرا علی التّمییز ، وتجرّه علی الإضافة ، فمعمولها إمّا مرفوع أو منصوب أو مجرور ، وذلک مع کون الصّفة معرّفة ب- «أل» ، أو مجرّدة منها ، فهی (5) ستّ مسائل ، وقد أشار إلی ذلک بقوله :

فارفع بها وانصب وجرّ مع أل

ودون أل ...

ثمّ أخذ یتکلّم فی (أحوال) (6) معمول الصفة ، فذکر أنّه إمّا أن یکون فیه «أل» ، وهو الّذی عبّر عنه بقوله : «مصحوب أل» ، وإمّا أن یتّصل (7) بالصّفة ، أی : لم یفصل بینها وبین لفظه «أل» ، وإلی هذا أشار بقوله : «وما اتّصل بها».

ثمّ بیّن لک أنّ المتّصل بالصّفة إمّا مضافا وإمّا (8) مجرّدا عن الإضافة ، وإلی هذا أشار بقوله : «مضافا أو مجرّدا».

والمضاف علی أربعة أنواع :

- إمّا مضاف إلی ضمیر الموصوف (9) ، نحو «الحسن وجهه».

ص: 21

- أو ظاهر (1) معرّف بالألف واللّام ، نحو «الحسن وجه الأب».

- أو ظاهر مجرّد من الألف واللّام والإضافة ، نحو «حسن وجه أب».

- وإمّا مضاف إلی مضاف إلی ضمیر الموصوف (2) ، نحو «حسن وجه أبیه».

فهذه أربعة أنواع من المضاف (3).

وقد علمت أنّ معمول الصفة إمّا بالألف واللّام ، أو عاریا عنها : مضافا ، أو مجرّدا ، فمعمول الصّفة إذن علی ستّة أنواع ، وقدّمت ستّة بحسب رفع المعمول ونصبه وجرّه / ، مع تعریف الصّفة وتنکیرها ، وإذا ضربت ستّة فی ستّة بلغت ستّة وثلاثین.

ثمّ ذکر أنّه أنه لا یجرّ بالصّفة إذا کان فیها الألف واللّام اسم خلا منهما ، ومن الإضافة إلی ما هما فیه ، وإلی هذا أشار بقوله :

ولا

تجرر بها مع أل سما من أل (4)

خلا

ومن إضافة لتالیها ...

یعنی : ولا تجرر بالصّفة مع وجود الألف واللّام فیها سما ، أی : اسما خلا منهما ومن الإضافة إلی تالیهما (5).

ص: 22

وحاصله أنّ الممتنع من المسائل السّتّة والثّلاثین (1) - أربع مسائل : «الحسن وجهه ، الحسن وجه أبیه ، (الحسن) (2) وجه ، الحسن وجه أب» ، وإنّما (ذلک مع) (3) جرّ المعمول ، فلو نصبت أو رفعت - جاز.

ثمّ نبّه علی أنه ما عدا ذلک جائز الجرّ بقوله :

وما

لم یخل فهو بالجواز وسما

یرید : وما لم یخل من «أل» ومن الإضافة إلی تالیها - فهو جائز الجرّ بالصّفة وإن (4) کان فیه الألف واللّام.

وقد أوصل المکودیّ الصّور الحاصلة من الصّفة ومعمولها إلی أربع عشرة ألف صورة ومائتین وستّ وخمسین صورة (5) ، ومن أراد توجیهها (6) فعلیه بشرحه (7).

ص: 23

وعند الأخفش موصولة ، وصلتها فعل التّعجّب ، والخبر محذوف ، أی : الذی أحسن زیدا شیء عظیم (1).

وکون هذا الخبر لم یسمع فی حال من الأحوال - یرجّح کلام سیبویه ، لأنّ عدم ذکر الخبر فی حال (من الأحوال) (2) - یقتضی أنّ حذفه من قبیل الحذف (3) اللازم ، وذلک لا یکون إلّا إذا سدّ مسدّ الخبر غیره ، وذلک هنا معدوم.

وأمّا «أفعل» (ففعل) (4) عند البصریّین ، لدخول نون الوقایة علیه (5) ، اسم عند الکوفیّین ، لثبوت تصغیره (6) فی قول الشّاعر :

ص: 25

153- یا ما أمیلح غزلانا شدنّ لنا***...(1)

وأمّا «أفعل به» ، ففعل باتّفاق (2) ولفظه لفظ الأمر ، ومعناه الخبر ، وفاعله المجرور بالباء (3).

ص: 26

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وتلو أفعل انصبنّه کما

أو فی خلیلینا وأصدق بهما

لمّا بیّن صیغتی التّعجّب نبّه علی أنّک تنصب تلو «أفعل» أی : الواقع بعد «أفعل» (1) ، ثمّ مثّل ذلک بقوله : «ما أوفی خلیلینا» ، ثمّ مثّل الصّیغة الثّانیة من فعلی التّعجب بقوله : «وأصدق بهما» وجرّ ما بعدها بالباء ، لیعلم أنّ الحکم ذلک.

وحصل من البیت تمثیل فعلی التعجّب ، وأنّ (2) ما یلی «أفعل» ینصب ، وذلک بالنّصّ منه ، وما یلی «أفعل» یجرّ بالباء ، وذلک مفهوم / من المثال ، وإن لم ینصّ علیه.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وحذف ما منه تعجّبت استبح

إن کان عند الحذف معناه یضح

نبّه (فی هذا البیت) (3) علی أنّ المتعجّب منه یستباح حذفه ، إذا کان معلوما عند السّامع متّضحا ، فدخل تحت قوله : («ما منه) (4) تعجّبت» : المنصوب بعد «أفعل» ، والمجرور بالباء بعد «أفعل» ، لأنّ کلیهما متعجّب منه.

فمثال حذف المنصوب بعد «أفعل» قول علیّ رضی الله عنه :

154- جزی الله عنّا والجزاء بفضله ***ربیعة خیرا ما أعفّ وأکرما(5)

ص: 27

التّقدیر : ما أعفّ ربیعة وأکرمهم (1).

ومثال حذف المجرور بالباء بعد «أفعل» ، قوله تعالی : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مریم : 38] ، أی : وأبصر بهم.

وأکثر ما یحذف المجرور بالباء إذا کان معطوفا ، کالآیة ، وجاز حذف المجرور (بالباء) (2) وإن کان فاعلا لشبهه بالفضلات ، حیث جاء مجرورا.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وفی کلا الفعلین قدما لزما

منع تصرّف بحکم حتما

نبّه فی هذا البیت علی أنّ فعلی التّعجّب ممنوعان (3) من التّصرّف ، وإلی (هذا) (4) أشار بقوله :

وفی کلا الفعلین قدما لزما

منع تصرّف ...

ثمّ نبّه علی أنّ منع تصرّفهما إنّما هو بحکم تحتّم فیهما ، وهو مجیئهما (5) لخصوص التعجّب ، وذلک معنی هو ألیق بالحرف ، فاستحقّا أن لا یتصرّفا ، وأن تکون (بنیتهما) (6) جاریة علی طریقة واحدة ، لتدلّ بلفظها علی المعنی المراد منها (7).

ثمّ قال رحمه الله تعالی / :

وصغهما من ذی ثلاث صرّفا

قابل فضل تمّ غیر ذی انتفا

وغیر ذی وصف یضاهی أشهلا

وغیر سالک سبیل فعلا

ص: 28

(لا یصاغ) (1) فعل التّعجّب إلّا ممّا (2) اجتمعت فیه ثمانیة شروط :

أحدها : أن یکون فعلا ، فلا یبنی من غیر فعل ، وقول العامّة : «ما أحمره» من لفظ «الحمار» خطأ ، إذ لا فعل له.

الثّانی : أن یکون ثلاثیّا (3) ، وقول الفقهاء : «ما أخصره» (4) لا یعرف به سماع (5).

الثالث : أن یکون متصرّفا ، فلا یبنی من «نعم وبئس» وما جری مجراهما.

الرّابع : أن یکون معناه قابلا للتّفاضل ، فلا یبنی (من) (6) نحو «ذهب» ، وقول العامّة : «ما أموته» خطأ.

ص: 29

الخامس : أن یکون تاما ، فلا یبنی من نحو «کان» ، وقولهم : «ما أصبح أبردها ، وما أمسی أدفأها» (1) لحن (2).

السّادس : أن یکون غیر منفیّ ، فلو کان لازم الاستعمال فی النّفی ، نحو «ما عجت (3) بالدّواء» أی : ما انتفعت به (4) ، أو عرض له النّفی ، نحو «ما قام زید» لم یبن منه فعل التّعجّب.

السّابع : أن لا یکون الوصف منه علی «أفعل» ، فلا یبنی من نحو «عرج ، وعور ، وشهل» ، وقول العامّة : «ما أشقره» خطأ.

الثّامن : أن لا یکون مبنیا للمفعول ، فلو کان لازم البناء للمفعول ، ک- «عنی (5) بحاجتک» ، لم یبن (6) منه ، وقول العامّة : «ما أزهاه» خطأ.

وقد سمع من العرب أشیاء لم تستوف الشّروط ، فتحفظ ، ولا یقاس علیها ، فمنها قولهم : «ما / أتقاه» ، لأنّه من «اتّقی» ، وهو رباعیّ ، و:

155- أخلق بذی الصّبر أن یعنی بحاجته ***...(7)

ص: 30

لأنّه لا یعرف له فعل.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وأشدد او أشدّ أو شبههما

یخلف ما بعض الشّروط عدما

(ومصدر العادم بعد ینتصب

وبعد أفعل جرّه بالبا یجب) (1)

إذا أرید التّعجّب من فعل لم یستکمل شروط «أفعل» التّعجّب (2) - أقیم مقامه «أشدد» قبل مجرور بباء ، أو «أشدّ» بعد «ما» ، أو ما أشبههما من «أکثر ، وأسرع» ، ونحوهما ، ثمّ یؤتی بمصدر الفعل الّذی امتنع بناء فعل التّعجّب منه مضافا إلی المتعجّب (3) منه ، منصوبا بعد «ما أفعل» ، ومجرورا بالباء بعد «أفعل» ، نحو (ما) (4) أشدّ انطلاقه ، وأشدد بانطلاقه ، وما أسرع فناءه ، وأسرع بفنائه (5) ، وما أکثر کونه منطلقا ، وأکثر بکونه منطلقا» ، فإن لم یکن للفعل مصدر - أتی بفعله مع (6) حرف مصدریّ ، نحو «ما أکثر ما عنیت بحاجتی ، وما أکثر أن کان زید یقوم» (7).

ص: 31

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وفعل هذا الباب لن (1)

یقدّما

معموله ووصله به الزما

وفصله بظرف او بحرف جر

مستعمل والخلف فی ذاک استقر

قد تقدّم أنّ فعل التّعجّب غیر متصرّف فی نفسه ، فلذلک لا یتصرّف فی معموله ، فلا یجوز تقدیمه علیه ، فلا یجوز «ما زیدا أحسن ، ولا بزید أحسن» ، ووصله به لازم ، فلا یفصل بینهما بغیر الظّرف والجارّ والمجرور ، فلا یقال : «ما أحسن لو لا البخل زیدا» ، ولا «أحسن یا أخی (2) بزید».

وأما الفصل بالظّرف والجارّ والمجرور فمستعمل ، ومن کلامهم : «ما أحسن بالرّجل أن یصدق ، وما أقبح به أن یکذب» (3) ، ومنه :

156- ...***وأحر إذا حالت بأن أتحوّلا(4)

وقوله :

157- ...***وأحبب إلینا أن یکون المقدّما(5)

ص: 32

ولذلک صحّح المصنّف جوازه (1) ، موافقة للفرّاء والفارسیّ (2) ، مع مخالفته أکثر البصریّین (3).

واعلم أنّ محلّ الخلاف ما إذا کان الظّرف والجارّ والمجرور معمولین لفعل التعجّب ، فإن کانا متعلّقین بمعمول الفعل - امتنع الفصل بهما اتّفاقا (4) ، فلا یقال : «ما أحسن فی المسجد اعتکافک» ، ولا «أحسن عند زید بجلوسک».

ص: 33

ولا دلیل للکوفیّین علی اسمیّتهما (1) : باتّصالهما بحرف الجرّ (2) ، نحو «نعم (3) السیر علی بئس العیر» (4) ، و «ما هی بنعم الولد» (5) ، لتأوّله بدخول حرف الجرّ علی موصوف محذوف ، تقدیره : علی عیر بئس العیر (6) ، وبمولود نعم الولد.

ویلزمهما عدم التّصرّف (7) ، ویعمل کلّ منهما الرّفع فی اسم یکون فاعلا لهما ، وشرطه إن کان ظاهرا : أن یکون بالألف واللّام الجنسیّة ، نحو (نِعْمَ (8)

ص: 35

الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص : 44] ، أو مضافا إلی مقترن بها ، ک- : «نعم عقبی الکرما» (1) ، وقوله تعالی : (فَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ) [الزمر : 72].

وقد یقع مضافا إلی مضاف إلی المقترن بها ، کقوله :

158- فنعم ابن أخت القوم غیر مکذّب ***...(2)

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ویرفعان مضمرا یفسّره

ممیّز کنعم قوما معشره

کما یکون فاعلهما اسما ظاهرا ، یکون ضمیرا مستترا واجب الاستتار ، یفسّره اسم بعده منصوب علی التّمییز ، کقوله تعالی : (بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلاً) [الکهف : 50] ، تقدیره : بئس هو ، أی : البدل.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وجمع تمییز وفاعل ظهر

فیه خلاف عنهم قد اشتهر

اختلف النحاة فی جواز إظهار فاعلهما مع التّمییز ، فمنعه سیبویه وأکثر أصحابه (3) ، وأجازه المبرّد والفارسیّ (4) ، وهو / الحقّ لورود السّماع به فی نحو :

ص: 36

159- ...***فنعم الزّاد زاد أبیک زادا(1)

وفی قوله :

160- نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت ***ردّ التّحیّة نطقا أو بإیماء(2)

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وما ممیّز وقیل فاعل

فی نحو نعم ما یقول الفاضل

تتّصل «ما» بهذین الفعلین ، نحو (فَنِعِمَّا هِیَ) [البقرة : 271] ، وفی الحدیث : «بئسما لأحدهم أن یقول نسیت آیة کذا» (3) ومحلّها (4) النّصب علی

ص: 37

التّمییز ، والفاعل مستتر والتّقدیر : نعم هو ، أی : الشّیء شیئا (1). هذا اختیار الفارسیّ (2).

وقیل : بل هی معرفة عامّة فی محلّ الرّفع ، لأنّها فاعل ، وهو مذهب السّیرافیّ والأکثرین ، وهو ظاهر کلام سیبویه (3).

ص: 38

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ویذکر المخصوص بعد مبتدا

أو خبر اسم لیس یبدو أبدا

یذکر المخصوص بالمدح أو بالذّمّ بعد فاعل «نعم ، وبئس» مرفوعا (1) نحو «نعم الرّجل زید ، وبئس الرّجل عمرو» ، ورفعه بالابتداء ، والجملة قبله خبره ، ولیس بواجب التّأخیر ، بل یجوز ، (نحو) (2) «زید نعم الرّجل» (3).

وقیل : ارتفاعه لأنّه خبر مبتدأ لازم الحذف ، والتّقدیر : «هو زید» ، والضّمیر عائد علی الممدوح بعد «نعم» ، وعلی المذموم بعد «بئس» (4).

ص: 39

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وإن یقدّم مشعر به کفی

کالعلم نعم المقتنی والمقتفی

یحذف المخصوص بالمدح کثیرا ، لتقدّم ما یدلّ علیه ، نحو (نِعْمَ الْعَبْدُ) [ص : 44] بعد قوله : (عَبْدَنا أَیُّوبَ) [ص : 41] ، و (بِئْسَ الشَّرابُ) [الکهف : 29] بعد قوله : (یُغاثُوا / بِماءٍ کَالْمُهْلِ) [الکهف : 29].

ولیس منه ما مثّل به النّاظم من قولهم : «العلم نعم المقتنی» ، لأنه من باب تقدیم المخصوص - کما سبق مثله - لا من باب حذفه (1).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

واجعل کبئس ساء واجعل فعلا

من ذی ثلاثة کنعم مسجلا

«ساء» بمنزلة «بئس» فی دلالتها علی الذّمّ ، وعدم تصرّفها ، واقتضائها فاعلا کفاعلها ، ومخصوصا ، ومن استعمالها قوله تعالی : (ساءَتْ مُسْتَقَرًّا) [الفرقان : 66] ، وفاعلها مستتر مفسّر بالتّمییز ، والمخصوص محذوف للعلم به.

ویستعمل من کلّ فعل ثلاثیّ «فعل» - بضمّ العین - سواء کان مبنیّا علی ذلک ک- «ظرف ، وشرف» ، أو محوّلا إلیه ک- «فهم ، وفقه» استعمال «نعم» فی الدّلالة علی المدح ، واقتضاء فاعل کفاعلها ، ومخصوص بالمدح ، نحو «فقه الرّجل زید» ، و (حَسُنَ أُولئِکَ رَفِیقاً) [النساء : 69].

ولا یختصّ ذلک بالمدح - کما یقتضیه کلام المصنّف (2) - ، بل یستعمل فی الذّمّ أیضا ک- «خبث الرّجل زید».

ص: 40

ویجوز مجیء فاعله مضمرا کفاعل «نعم» ، نحو «مررت برجل (1) فهم رجلا».

وبعضهم یسکّن عینه ، فیقول : «حسن» ، وبعضهم ینقل حرکتها مع التّسکین (2) إلی الفاء ، فیقول : «حسن» (3).

ویختصّ بجواز جرّ فاعله بالباء ، کقوله :

161- حبّ بالزّور (4)الّذی لا یری ***...(5)

أصله «حبب» فأرید تسکین أوّل المثلین للإدغام فنقلت حرکته إلی الحاء.

ثمّ قال :

ومثل نعم حبّذا الفاعل ذا

وإن ترد ذمّا فقل لا حبّذا /

قد اجتمعت دلالته علی المدح والذّمّ (6) فی قوله :

162- ألا حبّذا عاذری فی الهوی ***ولا حبّذا الجاهل العاذل (7)

ص: 41

والفعل منهما «حبّ» ، و «ذا» هو الفاعل (1).

وقیل : الجمیع فعل ، والفاعل ما بعده (2).

وقیل : الجمیع اسم مبتدأ ، وما بعده خبره (3).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وأول (4) ذا المخصوص

أیا کان لا

تعدل بذا فهو یضاهی المثلا

قد تقرّر أنّ «ذا» هو فاعل «حبّ» ، فالمرفوع بعده هو المخصوص.

ولا یغیّر «ذا» عن هیئة الإفراد والتّذکیر ، ولو اختلف أحوال المخصوص ، بل یقال : «حبّذا الزّیدان ، وحبّذا الزّیدون» ، لأنّه جری فی کلامهم مجری المثل ، کما یخاطبون (5) بقولهم : «الصّیف ضیّعت اللّبن» (6) - بکسر التّاء - کلّ أحد (7).

ص: 42

ویختصّ «حبّذا» بعدم جواز تقدّم المخصوص علیه ، لما ذکر من أنّه جار مجری المثل.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وما سوی ذا ارفع بحبّ أو فجر

بالبا ودون ذا انضمام الحاکثر

إذا قیل : «حبّ الرّجل زید» دون «ذا» ، فلک أن تأتی ب- «الرّجل» مرفوعا ، لأنّه هو الفاعل ، ولک أن تجرّه بالباء ، فتقول : «حبّ بالرّجل» ، ولک فی أوّله - وهو الحاء - الفتح والضّمّ.

وهذه المسألة لا تختصّ ب- «حبّ» ، بل هو من جملة ما بنی علی «فعل» ، للدّلالة علی المدح أو الذّمّ ، وقد سبق أنّ فی صیغته ثلاث لغات ، وأنّ فی الاسم الّذی بعده وجهان (1) / ، فإفراد المصنّف لها بالذّکر یوهم اختصاص الحکمین بها ، ولیس کذلک.

وکذلک إفراده (2) «ساء» بالذّکر لیس بشیء ، فإنّها من جملة هذا القسم ، فإنّ أصلها «سوء» قلبت واوها ألفا لتحرّکها ، وانفتاح ما قبلها ، فهی ک- «جاد الرّجل زید» و «فاق الّرجل زید».

ص: 43

وقد یستعمل «خیر ، وشرّ» علی الأصل کقراءة (1) بعضهم : (مَنِ الْکَذَّابُ الْأَشِرُ)(2) [القمر : 26] ، ونحو :

164- *بلال خیر (النّاس) (3) وابن الأخیر*(4)

ولا یصاغ أفعل التّفضیل إلا ممّا یصاغ منه أفعل التعجّب (بالشّروط المتقدّمة ، وما امتنع صوغ أفعل التّعجّب) (5) منه لفقدها أو فقد بعضها - امتنع صوغ أفعل التّفضیل منه ، ولذلک حکم بندور قولهم : «ألصّ من شظاظ» (6) ، وقوله (7) :

165- ...***فأنت أبیضهم سربال طبّاخ (8)

ص: 45

وقولهم : «هو أشغل من ذات النّحیین» (1).

إذ الأوّل : لا فعل له ، والثّانی : فعله زائد علی الثلاثیّ ، والثّالث : فعله لازم البناء للمفعول.

ثمّ قال رحمه الله تعالی / :

وما به إلی تعجّب وصل

لمانع به إلی التّفضیل صل

أی : ما وصل به إلی التعجّب ممّا لا یصحّ بناء فعله منه - یتوصّل به إلی التّفضیل ممّا لا یسوغ (2) بناء أفعل التّفضیل منه ، فیقال : «هذا أکثر لصوصیّة ، وأشدّ انطلاقا ، وأعظم کونا فی الدّار» ، ونحوه.

ص: 46

ثمّ قال رحمه الله :

وأفعل التّفضیل صله أبدا

تقدیرا او لفظا بمن إن جرّدا

لا یستقیم معنی التّفضیل إلّا من مفضّل ومفضّل علیه ، ولفظ دالّ علی التّفضیل ، ولذلک وجب أن یوصل أفعل التّفضیل - إذا جرّد من «أل» والإضافة - باسم مجرور ب- «من» (1) یکون هو المفضّل علیه ، فإن ظهر فی اللّفظ ، نحو (أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) [ق : 36] ، وإلا قدّر نحو (أَکْثَرُ أَمْوالاً) [سبأ : 35] ، تقدیره : منکم.

وأکثر ما یحذف إذا کان «أفعل» خبرا - کما مثّل - ویقلّ إذا کان صفة أو حالا (2).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وإن لمنکور یضف أو جرّدا

ألزم تذکیرا وأن یوحّدا

وتلو أل طبق وما لمعرفه

أضیف ذو وجهین عن ذی معرفه

هذا إذا نویت معنی من وإن

لم تنو فهو طبق ما به قرن

لأفعل التّفضیل ثلاثة أحوال :

أحدها : أن یضاف إلی نکرة ، أو یجرّد من الإضافة ، ویؤتی بالمفضّل علیه مجرورا ب- «من» / : إمّا فی اللّفظ ، وإمّا فی التّقدیر ، فیلزم لفظ الإفراد والتّذکیر ،

ص: 47

وإن اختلف أحوال المفضّل علیه ، نحو (أَنَا أَکْثَرُ (مِنْکَ)(1) مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً [الکهف : 34] ، (وَلَلْآخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الْأُولی) [الضحی : 4] ، (لَیُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلی أَبِینا مِنَّا) [یوسف : 8] ، (أُولئِکَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِینَ) [الحدید : 10] ، وفی الحدیث : «هنّ أغلب» (2).

إلّا أنّ المضاف إلی نکرة یجب فیه وقوع المطابقة بالمضاف إلیه (3) ، نحو «هند أفضل امرأة ، والزّیدان أفضل رجلین ، والزّیدون أفضل رجال ، ونساءک أفضل نساء».

فأمّا قوله : (وَلا تَکُونُوا أَوَّلَ کافِرٍ بِهِ) [البقرة : 41] فتقدیره : أوّل فریق کافر به.

الثّانی (4) : أن یکون معرّفا ب- «أل» فیجب مطابقته (5) لما قبله من موصوف أو مبتدأ ، نحو «زید الأفضل ، وهند الفضلی ، والزّیدان الأفضلان ، والهندان الفضلیان ، والزّیدون الأفضلون ، والهندات الفضلیات» ، وإن شئت «الفضل».

الثّالث (6) : أن یضاف إلی معرفة ، فیجوز فیه الوجهان : عدم المطابقة ، وهو الأکثر ، نحو (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلی حَیاةٍ) [البقرة : 96] ، والمطابقة ، نحو (أَکابِرَ مُجْرِمِیها) [الأنعام : 123] ، وإنّما یجوز الوجهان إذا کان «أفعل» باقیا علی معنی المفاضلة ، بأن تکون «من» مقدّرة فیه ، أمّا إن أوّل «أفعل» بما لا یفضّل فیه علی غیره ، نحو «النّاقص والأشجّ / أعدلا بنی مروان» (7) وجبت المطابقة.

ص: 48

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وإن تکن بتلو من مستفهما

فلهما کن أبدا مقدّما

کمثل ممّن أنت خیر ولدی

إخبار التّقدیم نزرا وجدا

إذا کان المفضّل علیه مجرورا ب- «من» - وجب تقدیمه علی أفعل التّفضیل ، إن کان اسم استفهام أو مضافا إلیه ، نحو «ممّن أنت خیر ، ومن غلام من أنت أفضل» ، لما تقدّم (1) من أنّ الاستفهام له صدر الکلام ، وفی غیر ذلک فتأخیره (2) واجب ، وقد یتقدّم قلیلا ، نحو :

166- ... وزوّدت ***جنی النّحل بل ما زوّدت منه أطیب (3)

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ص: 49

ورفعه الظاهر نزر ومتی

عاقب فعلا فکثیرا ثبتا

کلن تری فی النّاس من رفیق

أولی به الفضل من الصّدّیق

فاعل أفعل التّفضیل لا یکون إلّا ضمیرا مستترا ، ولا یرفع اسما ظاهرا ، ولا ضمیرا منفصلا ، إلّا قلیلا ، ک- «مررت برجل أفضل منه أبوه» ، و «ما أفضل من زید إلّا هو» ، وهی لغة ذکرها سیبویه (1).

أما متی عاقب الفعل - بأن یقع بعد نفی ، ویکون مرفوعه أجنبیّا مفضّلا علی نفسه باعتبارین - فإنّ رفعه الظّاهر حینئذ کثیر مطّرد ، کالمثال الذی مثّل به النّاظم (2) / ، وکقولهم : «ما رأیت رجلا أحسن فی عینه الکحل منه فی عین زید» (3).

ص: 50

فالأوّل واقع موقع قولک : لن تری (1) فی النّاس (من) (2) رفیق یلی به الفضل کولایته (3) الصّدّیق.

والثّانی موقع : ما رأیت رجلا یحسن فی عینه الکحل کحسنه فی عین زید».

ص: 51

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ولیعط فی التّعریف والتّنکیر ما

لما تلا کامرر بقوم کرما /

وهو لدی التّوحید والتّذکیر أو

سواهما کالفعل فاقف ما قفوا

یجب موافقة النّعت فی التّعریف والتّنکیر المنعوت (1) مطلقا ، کما یجب تبعیّته (2) فی أحد ألقاب الإعراب الثّلاثة مطلقا ، کالبسملة ، و (3) (قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ) [غافر : 28] ، (وَیَلْبَسُونَ ثِیاباً خُضْراً) [الکهف : 31].

وأمّا مطابقته له فی التّوحید - والمراد به : الإفراد - وضدّیه - وهما : التّثنیة والجمع - والتّذکیر وضدّه - وهو التّأنیث - ، فهو فیها بمنزلة الفعل.

فإن (4) رفع (الوصف) (5) ضمیر موصوفه المستتر - سمّی جاریا علی من هو له ، وتعیّنت المطابقة نحو (فِی مَقامٍ أَمِینٍ) [الدخان : 51] ، (فِی عِیشَةٍ راضِیَةٍ) [الحاقة : 21] ، (کانَتا تَحْتَ عَبْدَیْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَیْنِ) [التحریم : 10] ، (إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ) [النمل : 12] ، (تِسْعَ آیاتٍ بَیِّناتٍ) [الإسراء : 101] ، کما تقول فی الفعل «زید قام ، وهند قامت ، والزّیدان قاما ، والزّیدون قاموا ، والهندات قمن».

وإن رفع الوصف اسما ظاهرا ، أو ضمیرا بارزا - سمّی جاریا علی غیر من هو له ، ولزم صیغة الإفراد والتّذکیر ، إلا حیث یصحّ إلحاق الفعل علامة التّأنیث ، نحو «مررت برجل کریم أبوه ، والمرأة الکریم أبوها ، ورأیت رجلین کریما

ص: 53

أبواهما ، ورجالا کریما آبائهم» ، کما تقول : «مررت برجل قام أبوه ، وبامرأة قام أبوها» إلّا أنّک تقول : «بالرّجل الکریمة أمّه».

ومن قال فی الفعل : «قاما أبواک ، وقاموا إخوتک» قال / فی الوصف : «مررت برجلین قائمین أبواهما ، وبرجال قائمین إخوتهم».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وانعت بمشتقّ کصعب وذرب

وشبهه کذا وذی والمنتسب

أصل النّعت أن یکون بالمشتقّ ، وهو ما دلّ علی الحدث (1) وصاحبه ، کاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصّفة المشبّهة ، وأفعل التّفضیل ، نحو (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر : 24] ، (ذلِکَ یَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) [هود : 103] ، و «مررت برجل صعب ، وبرجل ذرب - وهو الماهر فی الأمور (2) - ، ومررت برجل أفضل منک».

وینعت بشبه المشتقّ ، وهو ما أوّل به ، ک- «ذا» ، وغیره من أسماء الإشارة (3) ، نحو «مررت بأخیک هذا ، وبأختک تلک» ، و «ذی» بمعنی : صاحب ، نحو «یمرّ (4) راکب ذو شارة» ، والمنسوب نحو «وإن تأمّر علیکم عبد حبشیّ» (5).

ص: 54

إذ الأوّل فی تأویل : الحاضر ، والثّانی فی تأویل : صاحب ، والثّالث فی تأویل : منسوب إلی الحبشة ، إلی غیر ذلک ممّا یؤول بالمشتقّ (1).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ونعتوا بجملة منکّرا

فأعطیت ما أعطیته خبرا

تختصّ النّکرات بجواز نعتها بالجمل ، سواء کان تنکیرها لفظا ومعنی ، نحو (فَإِذا هِیَ حَیَّةٌ تَسْعی) [طه : 20] ومعنی لا لفظا ، نحو (وَآیَةٌ لَهُمُ اللَّیْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [یس : 37] ونحوه من المعرّف ب- «أل» الجنسیّة.

ویلزم الجملة / ما یلزمها إذا وقعت خبرا من الاشتمال علی ضمیر مطابق ، (إمّا ملفوظ - کما مثّل -) (2) ، وإمّا مقدّر ، نحو (وَاتَّقُوا یَوْماً لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئاً) [البقرة : 48] أی : فیه.

والظّرف (3) والجارّ والمجرور بمنزلة الجملة فی أنّه لا ینعت بهما إلّا النّکرات ، لأنّهما فی معنی الجملة.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وامنع هنا إیقاع ذات الطّلب

فإن أتت فالقول أضمر تصب

الجملة المنعوت بها بمنزلة المخبر بها ، فلا تکون طلبیّة لعدم الفائدة ، فإن أتی ما یوهم ذلک ، کقوله :

167- *جاؤوا بمذق هل رأیت الذئب قط*(4)

ص: 55

أوّل علی إضمار القول ، فیکون التّقدیر : بمذق مقول فیه.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ونعتوا بمصدر کثیرا

فالتزموا الإفراد والتّذکیرا

استعملت العرب المصدر فی نعت الذّوات کثیرا ، کقولهم : «رجل عدل» ، إلّا أنهم ألزموه فقط الإفراد والتّذکیر ، وإن اختلفت أحوال منعوته ، نحو «مررت برجلین عدل ، وبامرأة رضی ، وبرجال صوم».

ثمّ هل ذلک وصف بالمصدر علی ظاهره تنزیلا للذّات منزلة (المعنی) (1) مبالغة ، أو المصدر مؤوّل بالوصف ، أی : عادل ، ونحوه ، أو علی حذف مضاف تقدیره : ذو عدل ، فیه للنحاة ثلاثة أقوال (2).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ونعت غیر واحد إذا اختلف

فعاطفا (3) فرّقه لا إذا

ائتلف /

إذا کان المنعوت غیر واحد (4) ونعوته مختلفة - وجب تفریقها بالعطف ، سواء کان تعدّده (5) من حیث اللّفظ ، نحو «جاءنی زید وعمرو ، الکاتب والشّاعر» ، أو من حیث المعنی ، نحو «مررت برجلین ، کاتب وشاعر».

ص: 56

قال الشّاعر :

168- بکیت وما بکی رجل حزین ***علی ربعین مسلوب وبالی (1)

وإن ائتلف معنی النّعوت (2) - أتی بها مثنّاة ، أو مجموعة ، بحسب منعوتها ، نحو «مررت بزید وعمرو ، الفاضلین ، وبإخوتک الفضلاء».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ونعت معمولی وحیدی معنی

وعمل أتبع بغیر استثنا

إذا تعدّد المنعوت ، واتّحد معنی النّعت - کما سبق تمثیله - ، نظرت : فإن اتّحد معنی العامل فیهما فأتبعهما (3) للمنعوت ، سواء اتّحد لفظ العامل - کالمتعاطفین - ، أو اختلف لفظه ، نحو «جاء زید وأتی عمرو العاقلان» ، و «هذا زید وتلک هند القائمان» ، وسواء کانا مرفوعین - کما مثّل - ، أو غیر مرفوعین ، نحو «رأیت أخاک وأبصرت أباک الکریمین».

وبعضهم خصّص ذلک بالمرفوعین (4).

وإلی خلافه أشار المصنّف بقوله : «بغیر استثنا».

ص: 57

أمّا لو اختلف المنعوتان فی عمل العاملین / ، نحو «هذا موجع زید ومؤلم عمرا القائمین» - وجب القطع ، إمّا إلی الرّفع ، وإمّا إلی النّصب ، وامتنع الإتباع (1).

ثمّ قال رحمه الله تعالی (2) :

واقطع أو اتبع إن یکن معیّنا

بدونها أو بعضها اقطع معلنا (3)

إذا کان المنعوت معیّنا (4) بدون النّعت ، وإنّما سیق النّعت لمجرّد المدح ، نحو «بسم الله الرّحمن الرّحیم» ، أو لمجرّد الذّمّ ، نحو «أعوذ بالله من الشّیطان الرّجیم اللّعین» ، فلک فی النّعوت الإتباع - کما مثّل - ، وإتباع البعض ، وقطع (الآخر) (5) ، من (ثمّ) (6) جاز فی «الرّحمن الرّحیم» فی البسملة ستّة أوجه أخر (7).

ص: 58

أمّا إذا کان المنعوت محتاجا فی بیانه إلی بعض النّعوت دون البعض - وجب إتباع ما یحصل به البیان ، ولک فی الباقی ما ذکر من القطع.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا

مبتدأ أو ناصبا لن یظهرا

حقیقة قطع النّعت أن یعدل عن إتباع النّعت لمنعوته فی الإعراب ، ویوالی ما یوافقه فی اللّفظ ، مثل أن یکون المنعوت مرفوعا فیقطع إلی الرّفع بإضمار مبتدأ لائق بالخبر ، أو منصوبا فیقطع إلی النّصب بإضمار فعل ناصب ، نحو :

أعنی ، أو أذکر ، أو أمدح - إن کان معناه المدح - ، أو أذمّ - إن / کان معناه الذّمّ (1) -.

وأکثر ما یظهر أثر القطع عند المخالفة فی لفظ الإعراب.

ثمّ هذا المبتدأ والفعل واجبا الإضمار ، لدلالة الحال علیهما ، وحصول الإطالة بذکرهما (2).

ثمّ قال :

وما من المنعوت والنّعت عقل

یجوز حذفه وفی النّعت یقل

إذا علم النّعت أو المنعوت جاز حذفه ، إلّا أنّ ذلک فی المنعوت أکثر منه فی النّعت ، کقوله تعالی : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) [سبأ : 11] ، أی : دروعا سابغات ، (وَاعْمَلُوا صالِحاً) [المؤمنون : 51] ، أی : عملا صالحا.

ص: 59

ومن مجیء ذلک فی النّعت قوله تعالی : (یَأْخُذُ کُلَّ سَفِینَةٍ غَصْباً) [الکهف : 79] ، أی : صالحة (1) ، و (فَصِیامُ)(2) ثَلاثَةِ أَیَّامٍ [البقرة : 196] ، أی : متتابعات ، وقد أثبتها ابن مسعود (3) ، وغیره (4).

ص: 60

فالتّابع : جنس یشمل (جمیع) (1) التّوابع ، وما / بعده فصل مخرج لسائرها. وتقسیم رفع التّوهّم یشمل نحو «جاء زید نفسه ، وجاء القوم کلّهم».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

بالنّفس أو بالعین الاسم أکدّا

مع ضمیر طابق المؤکّدا

بدأ بالکلام علی التّوکید المعنویّ (2) ، وقدّم ما سیق لرفع توهّم المجاز عن ذات المسند إلیه ، وهو لفظ «النّفس» ولفظ «العین».

ویؤکّد بهما مفردین ومجتمعین ، تقول : «جاء الأمیر» ، فیحتمل مجیء خبره ، أو ثقله ، أو الإخبار (3) بقرب مجیئه ، فإذا أکّدت بهما أو بأحدهما ارتفع ذلک الاحتمال.

ویؤکّد بهما (4) الاسم المفرد ، ویلزم إضافتهما إلی ضمیر مطابق له فی التّذکیر والتّأنیث ، نحو «جاء زید نفسه ، ورأیت هندا عینها».

وإن کان المؤکّد ضمیرا - طابقه فی التّکلّم والخطاب والغیبة ، نحو «قمت نفسی ، ورأیتک (نفسک) (5) ، وضربته نفسه».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

واجمعهما بأفعل إن تبعا

ما لیس واحدا تکن متّبعا

أی : إذا أکّدت بالنّفس أو العین ما زاد علی الواحد من مثنّی أو جمع ذکور أو إناث - أتیت بهما علی صیغة الجمع علی «أفعل» مضافین إلی ضمیر مطابق

ص: 62

للمؤکّد (1) ، نحو «جاء الزّیدان ، أو الهندان أنفسهما ، والزّیدون أنفسهم ، والهندات / أنفسهنّ» ، وکذلک یطابقه فی التّکلّم ، وقسیمیه (2) - کما سبق -.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وکلّا اذکر فی الشّمول وکلا

کلتا جمیعا بالضّمیر موصلا

هذا النّوع الثّانی من التّوکید المعنویّ ، وهو ما سیق لرفع توهّم المجاز عن جملة المسند إلیه ، وهو «کلّ» (3) ، نحو «اشتریت العبد کلّه» ، و «کلا» ویؤکّد بها المثنّی المذکّر ، نحو «قام الزّیدان کلاهما» ، و «کلتا» ، ویؤکّد بها المثنّی المؤنّث ، نحو «جاءت (4) الهندان کلتاهما».

ویجب اتّصالهما بضمیر مطابق للمؤکّد - کما سبق - ، ولذلک لم یجعل قوله تعالی : (إِنَّا) کلا (فِیها) [غافر : 48] - علی قراءة النّصب (5) - توکیدا (6) عند المحقّقین (7).

ص: 63

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

واستعملوا أیضا ککلّ فاعله

من عمّ فی التّوکید مثل النّافله

بنوا للدّلالة علی الشّمول «فاعلة» ، من «عمّ» بوزن «نافلة» ، والتّاء فیه مزیدة ، کما هی فی «نافلة» ، لا للدّلالة علی التّأنیث (1) ، واستعملوه استعمال «کلّ» فی تأکید الجمعین ، وإضافته إلی الضّمیر المطابق ، فقالوا : «جاء القوم عامّتهم» ، و «قام النّساء عامّتهنّ».

والمراد به : الشّمول لا الأکثر ، کما تفهمه العامّة (2).

ومن الألفاظ التی یؤکّد بها لقصد (3) الشّمول «جمیع» ، واستعمالها غریب (4) ، نحو :

ص: 64

169- فداک حیّ خولان ***جمیعهم وهمدان (1)

ولیس منه : (خَلَقَ / لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً) [البقرة : 29] ، لعدم الإضافة إلی ضمیر المؤکّد (2).

ثمّ قال :

وبعد کلّ أکّدوا بأجمعا

جمعاء أجمعین ثمّ جمعا

قد یراد (3) زیادة التّوکید ، فیؤتی بعد «کلّ» ب- «أجمع» ، مطابق لحال المؤکّد فی الإفراد والتّذکیر وأضدادهما نحو «اشتریت العبد کلّه أجمع ، وقمت اللّیلة کلّها جمعاء» ، و (فَسَجَدَ)(4) الْمَلائِکَةُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [الحجر : 30] ، و «جاء النّساء کلّهنّ جمع».

والتّحقیق : أنّه لا یؤکّد به المثنّی - کما یأتی (5) -.

ثمّ قال :

ودون کلّ قد یجیء أجمع

جمعاء أجمعون ثمّ جمع

ص: 65

قد یؤکّد ب- «أجمع» (1) وفروعه ، وإن لم تسبق «کلّ» ، نحو قوله تعالی : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِینَ) [الحجر : 43] ، وقوله :

170- *إذن ظللت (2) الدّهر أبکی أجمعا* (3)

و «جاء القوم جمع».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وإن یفد توکید منکور قبل

وعن نحاة البصرة المنع شمل

لا تؤکّد النّکرة عند عدم الفائدة اتّفاقا (4) ، و (تؤکّد) (5) مع حصول الفائدة ،

ص: 66

وفاقا (1) (للکوفیّین) (2)(3) ، لکون المؤکّد محدودا (4) ، والتّوکید من الألفاظ الدّالّة علی الشّمول ، نحو «اعتکفت شهرا کلّه» ، بخلاف «صمت زمنا کلّه (5) ، وشهرا نفسه» (6).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

واغن بکلتا فی مثنّی وکلا

عن وزن فعلاء ووزن أفعلا

ص: 67

استغنوا فی تأکید المثنّی ب- «کلا ، وکلتا» ، فلم یؤکّدوا بعدهما / ب- «أجمع» ، ولا ب- «جمعاء» (1)(2).

ولا سماع مع الکوفیّین فی إجازة «جاء الزّیدان أجمعان ، والهندان جمعاوان» (3).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وإن تؤکّد الضّمیر المتّصل

بالنّفس والعین فبعد المنفصل

عنیت ذا الرّفع وأکّدوا بما

سواهما والقید لن یلتزما

إذا أکّد ضمیر الرّفع المتّصل أو المستکنّ ب- «النّفس أو العین» أکّد قبل ذلک بضمیر (4) رفع منفصل مطابق له ، نحو «قمت أنا نفسی ، وقامت هی نفسها ، وقاما ، أو قامتا هما أعینهما ، وقاموا (5) هم أنفسهم ، وقمن هنّ أعینهنّ» (6).

ویؤکّد أیضا بما سوی «النّفس ، والعین» من «کلّ ، وکلا ، وکلتا» و «أجمع»

ص: 68

وفروعه ، فلا یلتزم القید المذکور من تقدّم الضّمیر المرفوع المنفصل ، بل تقول : «جاؤا کلّهم ، وقاما کلاهما ، وقاموا (1) أجمعون» وإن شئت أتیت بالضّمیر المنفصل ، فقلت : «قاموا هم کلّهم».

أما غیر المرفوع من الضّمائر : إذا أکّد - لم یلتزم تأکیده بالضّمیر ، (سواء) (2) أکّد ب- «النّفس» ، أو ب- «العین» ، أو بغیرهما من الألفاظ ، بل تقول : «رأیتک نفسک» - وإن شئت قلت : «رأیتک (أنت نفسک)» (3) ، و «رأیتهم أنفسهم» ، - ومثله : (لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ) [الحجر : 39] - ، وإن شئت قلت : «هم أنفسهم».

ثمّ قال رحمه الله تعالی / :

وما من التّوکید لفظیّ یجی

مکرّرا کقولک ادرجی ادرجی

التّوکید اللّفظیّ (4) عبارة عن تکرار اللّفظ السابق ، إمّا بعطف ، نحو (کَلَّا سَیَعْلَمُونَ ، ثُمَّ کَلَّا سَیَعْلَمُونَ) [النبأ : 4 - 5] ، وإمّا دونه ، نحو (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) [الواقعة : 10] لکن مع الجملة : الأکثر أن یکون بعطف ، ولیس بلازم بدلیل قوله :

171- فأین إلی أین النّجاء ببغلتی ***أتاک أتاک اللاحقون احبس احبس (5)

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ولا تعد لفظ ضمیر متّصل

إلّا مع اللّفظ الّذی به وصل

إذا قصد تأکید لفظ الضّمیر المتّصل - وجب إعادة لفظ ما وصل (به) (6) معه ، نحو «عجبت منک منک ، ومررت به به».

ص: 69

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

کذا الحروف غیر ما تحصّلا

به جواب کنعم وکبلی

أی : الحروف مثل الضّمائر المتّصلة فی وجوب إعادة ما اتّصلت به معها ، إذا قصد تأکید ألفاظها ، نحو (أَیَعِدُکُمْ أَنَّکُمْ إِذا مِتُّمْ ، وَکُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً ، أَنَّکُمْ مُخْرَجُونَ) [المؤمنون : 35].

وقد یستغنی بإعادة (ضمیر) (1) ما اتّصل بالحرف ، نحو «إنّ زیدا إنّه فاضل».

وزعم بعضهم : أنّه أولی من إعادة لفظه (2).

أمّا حروف الجواب فلا یشترط فیها ذلک ، إذ کلّ واحد منها قائم مقام الجملة ، بل یجوز أن تقول «نعم نعم» ، و «أجل أجل» ، قال الشّاعر :

172- لا لا أبوح بحبّ / بثنة إنّها***أخذت علیّ مواثقا وعهودا(3)

والأحسن إعادة حرف الجواب بمرادفه (4) ، نحو «أی نعم» ، و «بلی جیر» (5) ، وکقوله (6) :

ص: 70

173- وقلن علی الفردوس أوّل مشرب ***أجل جیر إن کانت أبیحت دعائره (1)

ثمّ قال :

ومضمر الرّفع الّذی قد انفصل

أکّد به کلّ ضمیر اتّصل

قد سبق أنّ تأکید غیر المرفوع من الضّمائر المتّصلة بالمنفصل جائز (لا) (2) واجب ، ویؤکّد بالمنفصل ، لأجل تأکیده ببعض ألفاظ التّوکید ، أو لإرادة العطف علیه ، وهو من قسم التّوکید اللّفظیّ ، وتؤکّده بضمیر الرّفع المنفصل ، نحو «مررت بی أنا ، ورأیتک أنت ، وأکرمته هو» ، ولا یؤکّد المجرور إلّا بذلک.

وأمّا المنصوب ، فإذا قیل : «أکرمتک إیّاک» ، فهو بدل عند البصریین ، وتأکید عند الکوفیّین والنّاظم (3).

ص: 71

وأمّا الضّمائر المنفصلة ، فإنّما تعاد بألفاظها ، نحو :

174- فإیّاک إیّاک المراء فإنّه ***إلی الشّرّ دعّاء وللشرّ جالب (1)

ص: 72

فالتّابع : جنس یشمل جمیع التّوابع کلّها.

وشبه الصّفة : فصل مخرج لما سوی التّوکید.

وخرج التّوکید بالفصل (1) الثّانی ، لأنّ التّوکید مقوّ للمتبوع ، لا کاشف لحقیقته.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

فأولینه من وفاق الأوّل

ما من وفاق الأوّل النّعت ولی

فقد یکونان منکّرین

کما یکونان معرّفین

عطف البیان فی موافقته (2) لمتبوعه بمنزلة النّعت الجاری علی من هو له فی موافقته لمنعوته ، فیجب موافقته فی أربعة من عشرة :

واحد من أنواع الإعراب الثّلاثة ، وواحد من الإفراد وضدّیه ، وواحد من التّذکیر وضدّه ، (وواحد من التّنکیر وضدّه) (3).

وقد علم بذلک أنّهما قد یتوافقان فی التّنکیر ، کما ذهب إلیه الکوفیّون (4) ، وعلیه حمل قوله تعالی : (مِنْ ماءٍ صَدِیدٍ) [إبراهیم : 16] ، وغیرهم یجعله بدلا.

أما تخالفهما فی التّعریف والتّنکیر ، فممتنع اتّفاقا ، ولذلک وهم الزّمخشریّ فی جعل (مَقامُ إِبْراهِیمَ ،) عطف بیان ل- (آیاتٌ)(5) [آل عمران : 97].

وأکثر ما یستعمل فی الأعلام ، نحو :

175- *أقسم بالله أبو / حفص عمر*(6)

ص: 74

ولا یشترط کونه أوضح من (1) متبوعه ، خلافا للجرجانیّ (2).

ثمّ قال رحمه الله :

وصالحا لبدلیّة یری

فی غیر نحو یا غلام یعمرا

ونحو بشر تابع البکریّ

ولیس أن یبدل بالمرضیّ

حیث ورد عطف البیان جاز أن یعرب بدلا إلّا إذا امتنع وقوعه فی محلّ الأوّل ، وذلک فی موضعین :

أحدهما : أن یکون المتبوع واقعا بعد حرف النّداء ، والتّابع لا یصحّ وقوعه

ص: 75

بعده ، نحو «یا أخانا الحارث» ، فإنّ «الحارث» ، لا یصلح لمباشرة حرف النّداء (1) ، (ولو صلح) (2) فإنّه یبنی علی الضّمّ ، والواقع أنّه یتبع (أخانا) (3) منصوبا ، وإلی هذا القسم أشار المصنّف ب- «نحو : یا غلام یعمرا».

فإنّ «غلام» منادی مضاف إلی یاء المتکلّم ، وحذفت وأبقیت الکسرة دلیلا علیها ، ومحلّه النّصب ، وتابعه علم مفرد ، لو باشره حرف النّداء بنی علی الضّمّ.

الثّانی : أن یضاف إلی المتبوع ما لا یصحّ إضافته إلی التّابع ، کقوله :

176- أنا ابن التّارک البکریّ بشر***علیه الطّیر ترقبه وقوعا(4)

ص: 76

فلا یصحّ (1) أن یجعل فیه «بشر» بدلا من «البکریّ» لعدم صحّة إضافة «التّارک» إلیه ، والفرّاء یجیز البدلیّة (2) ، ولیس بمرضیّ عند النّاظم (3).

ص: 77

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وأتبعت لفظا فحسب بل ولا

لکن کلم یبد امرؤ لکن طلا (1)

هذه الأحرف الثّلاثة إنّما یحصل الإتباع بها فی اللّفظ دون المعنی ، إذ هی فی المعنی منقسمة إلی ما تثبت لما بعدها ما نفی عمّا (2) قبلها ، ک- «بل ، ولکن» ، وعکس ذلک ، ک- «لا» ، ومثلها «لیس» علی قول من عدّها عاطفة (3).

ثمّ قال :

ص: 79

فاعطف بواو لاحقا أو سابقا

فی الحکم أو مصاحبا موافقا

«الواو» لمطلق الجمع ، لا تقتضی ترتیبا (1) ولا معیّة (2) ، بل یکون متبوعها لاحقا لتابعه ، أی : متأخّرا عنه فی الحکم المنسوب إلیه ، وهو الأکثر ، نحو (وَما وَصَّیْنا)(3) بِهِ إِبْراهِیمَ وَمُوسی وَعِیسی [الشوری : 13] ، وقد یکون سابقا له فی الحکم ، وهو الأقلّ ، نحو (کَذلِکَ یُوحِی إِلَیْکَ وَإِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ) [الشوری :

3] ، ویکون مصاحبا / ، والحمل علیه عند عدم الدّلیل أرجح ، نحو (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) [القصص : 81].

ثمّ قال :

واخصص بها عطف الّذی لا یغنی

متبوعه کاصطفّ هذا وابنی

لترجّح معنی المصاحبة فی الواو - اختصّت بعطف ما لا یستغنی بمتبوعه عنه ، کالمفرد الّذی أسند إلیه فعل (4) ، یلزم فاعله التّعدّد ، ک- «اصطفّ هذا وابنی» ، ومثله «اختصم زید وعمرو» ، ولا یصحّ العطف فی ذلک ونحوه بغیر الواو (5).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

والفاء للتّرتیب باتّصال

وثمّ للتّرتیب بانفصال

تشترک الفاء و «ثمّ» فی الدّلالة علی التّرتیب ، إلّا أنّ ترتیب الفاء یکون

ص: 80

معه اتّصال ، وهو الّذی یعبّر عنه : بالتّعقیب (1) ، وترتیب «ثمّ» (2) یکون معه انفصال ، وهو المعبّر عنه : بالمهلة (3) ، نحو (أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ، ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) [عبس : 21 - 22].

ولا یرد علی التّرتیب فیهما (4) : نحو قوله تعالی : (أَهْلَکْناها فَجاءَها بَأْسُنا) [الأعراف : 4] ، (وَلَقَدْ خَلَقْناکُمْ ثُمَّ صَوَّرْناکُمْ) [الأعراب : 11] ، لأنّ المراد بالأوّل : (أردنا) (5) إهلاکها (6) ، وبالثّانی : خلقنا أصلکم (7) ، وهو آدم (8).

ص: 81

ولا علی التّعقیب والمهلة (1) : تعاقبهما (2) فی نحو (ثُمَّ خَلَقْنَا)(3) النُّطْفَةَ عَلَقَةً ، فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً [المؤمنون : 14] ، مع قوله : (فَإِنَّا خَلَقْناکُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) [الحج : 5] ، لأنّ العطف بالفاء تعقیب لآخر الطّور ، والعطف بثمّ التفات إلی أوّل الطّور.

ثمّ قال رحمه الله تعالی / :

واخصص بفاء عطف ما لیس صله

علی الّذی استقرّ أنّه الصّله

تختصّ الفاء بأنّها تعطف علی صلة الموصول ما لا (4) یصحّ جعله صلة ، لخلوّه من العائد ، نحو «الّذی یطیر فیغضب زید الذباب» (5) ، وعکسه (6) نحو «الذی یقوم أخواک فیغضب هو زید» (7).

ولا یختصّ ذلک بالعطف علی الصّلة ، بل یجیء مثله فی العطف علی کلّ جملة افتقرت (8) إلی رابط ، کالخبر والحال والصّفة ، نحو (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ

ص: 82

مِنَ السَّماءِ ماءً ، فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً)(1) [الحج : 63] ، ونحو «جاء زید یضحک فیغضب أخوک» ، و «مررت برجل یضحک فیغضب زید».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

بعضا بحتّی اعطف علی کلّ ولا

یکون إلّا غایة الّذی تلا

لا یعطف ب- «حتّی» إلّا ما کان بعضا ممّا قبلها ، نحو «قدم الجیش حتّی أمراؤهم» ، أو کبعضه ، نحو «وصل الأمراء حتّی ثقلهم» ، ویمتحن ذلک بصحّة استثنائه ممّا قبلها ب- «إلّا» ، ولا یکون إلّا غایة لما قبلها (2) : إمّا فی القوّة ، وإما فی الضّعف ، نحو :

177- قهرناکم حتّی الکماة فأنتم ***تهابوننا (3) حتّی بنینا الأصاغرا(4)

وإمّا (5) فی الشّرف ، نحو «مات النّاس حتّی الأنبیاء» ، وإمّا فی الخسّة (6) ، نحو «مات النّاس (7) حتّی الحجّامون» (8).

ص: 83

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وأم بها اعطف بعد (1)

همز التّسویه

أو همزة عن لفظ أیّ مغنیه

وربّما أسقطت الهمزة إن

کان خفا المعنی بحذفها أمن

تنقسم «أم» إلی متّصلة ، وإلی منقطعة (2) ، وبدأ بالکلام علی المتّصلة ، وتعرف / : بوقوعها بعد همزة التّسویة ، أو همزة بمعنی : أیّ ، فی أنّه یطلب بها وب «أم» التّعیین (3) ، إلّا أنّ الواقعة بعد همزة التّسویة لا تعطف إلّا الجمل ، وأکثر ما تکون فعلیّة ، نحو قوله تعالی : (سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : 6] ، وقد تکون اسمیّة ، کقوله :

178- ولست أبالی بعد فقدی مالکا***أموتی ناء أم هو الآن واقع (4)

وتکون متغایرة ، نحو (أَدَعَوْتُمُوهُمْ)(5) أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ [الأعراف : 193].

وأمّا الواقعة بعد همزة بمعنی : أیّ ، فأکثر ما یعطف بها المفردات ، ویکون المسؤول عنه متأخّرا عن المتعاطفین ، نحو : (وَإِنْ أَدْرِی أَقَرِیبٌ ، أَمْ بَعِیدٌ ما تُوعَدُونَ») [الأنبیاء : 109] ، أو متوسّطا بینهما ، نحو (أَأَنْتُمْ)(6) أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها [النازعات : 27] ، وقد یعطف بها الجمل ، نحو :

ص: 84

179- ...***فقلت أهی سرت أم عادنی حلم (1)

وقد تحذف الهمزة إذا أمن خفاء المعنی بحذفها ، فمنه فی همزة التّسویة قراءة (أَنْذَرْتَهُمْ) [البقرة : 6] علی الإخبار (2) ، ومنه فی الأخری قوله :

180- لعمرک ما أدری وإن کنت داریا***شعیث بن سهم أم شعیث بن منقر(3)

ص: 85

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وبانقطاع وبمعنی بل وفت

إن تک ممّا قیّدت به خلت

إذا خلت «أم» من القید المذکور فی المتّصلة وهو کونها واقعة بعد همزة ملفوظ بها أو مقدّرة دالّة علی ما ذکر - فهی منقطعة ، ویکون معناها الإضراب ، بمعنی : «بل».

ولا یرد قول من جعلها مقدّرة / ب- «بل» والهمزة (1) ، لأنّها وإن اقتضت الاستفهام فی أکثر محالّها نحو (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَیْرِ شَیْءٍ ، أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) ...

إلی آخرها [الطور : 35] ، فلا یصحّ حملها علیه فی نحو (أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) [الرعد : 16] ، ولا فی قوله :

181- فلیت سلیمی فی الممات ضجیعتی ***هنالک أم فی جنّة (أم) (2) جهنّم (3)

ص: 86

إذ الاستفهام لا یدخل علی الاستفهام ، والبیت لا معنی للاستفهام (1) (فیه) (2)(3).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

خیّر أبح قسّم بأو وأبهم

واشکک وإضراب بها أیضا نمی

ذکر ل- «أو» ستّة معان :

الأوّل : التّخییر (4) ، نحو (فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ) [البقرة : 196].

الثّانی : الإباحة ، نحو (وَلا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا)(5) لِبُعُولَتِهِنَ [النور : 31].

ولا یکون الأوّل إلّا بعد طلب بعض أفراده ، بخلاف الثّانی ، فإنّه مأذون فی جمیعه (6).

الثّالث : التّقسیم ، نحو (فَجاءَها بَأْسُنا بَیاتاً ، أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : 4].

الرّابع : الإبهام (7) ، نحو (وَإِنَّا)(8) أَوْ إِیَّاکُمْ لَعَلی هُدیً أَوْ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ [سبأ : 24].

الخامس : الشّکّ (9) ، نحو (لَبِثْتُ)(10) یَوْماً ، أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ [البقرة : 259].

ص: 87

السّادس : الإضراب (1) ، نحو :

182- ...***وصورتها أو (2) أنت فی العین أملح (3)

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وربّما عاقبت الواو إذا

لم یلف ذو النّطق للبس منفذا

من معانی «أو» وقوعها موقع الواو ، للدّلالة علی الجمع (4) ، کقوله :

183- (حتّی) (5) خضبت بما تحدّر من دمی ***أکناف سرجی (6) أو عنان لجامی /(7)

ص: 88

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ومثل أو فی القصد إمّا الثّانیه

فی نحو إمّا ذی وإمّا النائیه

«إمّا» الثانیة فی قولک : «قام إمّا زید وإمّا عمرو» و «اضرب إمّا زیدا وإمّا عمرا» مثل «أو» فی الدّلالة علی الشّکّ فی الأوّل ، وعلی التّخییر فی الثّانی.

وعدّها الأکثر من حروف العطف ، کما نقله المصنّف (1).

والفارسیّ یقول : العطف بالواو لملازمتها إیّاها (2).

ص: 89

وأمّا تجرّدها عنها فی قوله :

184- یا لیتما أمّنا شالت نعامتها***أیما إلی جنّة أیما إلی نار(1)

فشاذّ عنده ، کما أبدلت الیاء من میمها الأولی شذوذا ، وفتح همزتها لغة تمیم ، وبه روی البیت المذکور.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وأول لکن نفیا أو نهیا ولا

نداء أو امرا أو اثباتا تلا

لمّا فرغ من الکلام علی أحکام الحروف المتبعة لفظا ومعنی - أخذ فی الکلام علی القسم الثّانی ، وهو ما یتبع فی اللّفظ خاصّة.

فمنه : «لکن» (2) ولا یعطفونها إلّا بعد النّفی أو النّهی ، نحو «ما قام زید

ص: 90

لکن عمرو» ، و «لا تضرب زیدا لکن عمرا» ، فلو لم یتقدّمها نفی کانت ابتدائیّة ، ولزم وقوع الجملة بعدها ، نحو «قام زید لکن عمرو لم یقم» (1).

ومن شرط کونها للعطف أن تکون غیر مسبوقة بالواو ، وأن یقع بعدها المفرد - کما مثّل - ، فإن تقدّمتها الواو ، نحو (ما کانَ مُحَمَّدٌ أَبا / أَحَدٍ مِنْ رِجالِکُمْ ، وَلکِنْ رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : 40] ، أو دخلت علی الجملة ، نحو (لکِنِ اللهُ یَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَیْکَ) [النساء : 166] فهی حرف ابتداء ، والواو حرف استئناف ، وعلی هذا ف- «رسول الله» منصوب لأنّه خبر «کان» محذوفة ، لا عطفا علی ما قبله بالواو ، لأنّ الواو (لا) (2) یعطف بها (المفردان) (3) المختلفان فی الإثبات والنفی (4).

ومنه : «لا» ولا تکون عاطفة إلا إذا تقدّمها نداء ، نحو «یابن أخی لا ابن عمّی» (5) ، أو أمر ، نحو «اضرب زیدا لا عمرا» ، أو خبر مثبت ، نحو «جاء زید لا عمرو».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وبل کلکن بعد مصحوبیها

کلم أکن فی مربع بل تیها

ص: 91

وانقل بها للثّانی حکم الأوّل

فی الخبر المثبت والأمر الجلی

إذا عطف ب- «بل» بعد مصحوبی «لکن» اللّذین (1) یعطف بها بعدهما - وهما : النّفی والنّهی - ، فهی مثلها فی أنّها توجب لما بعدها ما سلب عمّا قبلها ، مع بقاء ما قبلها علی حکمه ، نحو «لم یقم زید ، بل عمرو» ، و «لا تضرب زیدا ، بل عمرا» (2).

وإن عطف بها بعد خبر مثبت ، أو بعد أمر - اقتضت نقل ذلک الحکم إلی الثّانی ، وسلبه عن الأوّل ، نحو «قام زید بل عمرو ، واضرب زیدا بل عمرا» (3) ، فإنّما یستقیم کونها للإضراب فی هذا ، دون الّذی قبله.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وإن علی ضمیر رفع متّصل

عطفت فافصل بالضّمیر المنفصل /

أو فاصل (4) ما وبلا فصل

یرد

فی النّظم فاشیا وضعفه (5)

اعتقد

العطف علی الضّمائر والظّواهر المنفصلة ، وضمائر النّصب المتّصلة - لا یقیّد (6) بشرط.

وأمّا العطف علی ضمائر الرّفع المتّصلة ، وضمائر الجرّ - فمقیّد بما ذکره المصنّف.

ص: 92

فأمّا ضمیر الرّفع المتّصل - البارز أو المستتر - فلا یجوز العطف علیه ، إلّا بعد الفصل بالضّمیر المنفصل المرفوع (1) بین المعطوف والمعطوف علیه ، نحو (لَقَدْ کُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُکُمْ) [الأنبیاء : 54] ، (اسْکُنْ أَنْتَ وَزَوْجُکَ)(2) الْجَنَّةَ (3) [البقرة : 35] ، أو بفاصل غیره ، إمّا بین حرف العطف والمعطوف علیه ، نحو (یَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) [الرعد : 23] ، وإمّا بین حرف العطف والمعطوف ، نحو (ما أَشْرَکْنا)(4) وَلا آباؤُنا [الأنعام : 148] ، وقد یرد بلا فصل ، إلّا أنّه ضعیف (5) ، وقد ورد منه فی الحدیث : «کنت وأبو بکر وعمر ، وفعلت وأبو بکر وعمر» (6) ، ویکثر فی الشّعر ، کقوله :

185- قلت إذ أقبلت وزهر تهادی ***...(7)

ص: 93

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وعود خافض لدی عطف علی

ضمیر خفض لازما قد جعلا

ولیس عندی لازما إذ قد أتی

فی النّثر والنّظم الصّحیح مثبتا

أکثر النّحاة یشترط فی جواز العطف علی الضّمیر المجرور : إعادة الخافض للمعطوف علیه ، سواء کان اسما ، نحو (یا لَیْتَ بَیْنِی وَبَیْنَکَ) [الزخرف] ، أو حرفا ، نحو (وَبارَکْنا عَلَیْهِ وَعَلی إِسْحاقَ) [الصافات : 113] ، ولیس ذلک بلازم عند المصنّف / موافقة (1) للأخفش (2) ، لصحّة النّقل به دون ذلک (3) ، نثرا ونظما.

أمّا النّثر : فکقراءة غیر واحد (الَّذِی تَسائَلُونَ بِهِ وَ)(4) الْأَرْحامَ (5) [النساء : 1].

ص: 94

وأمّا النّظم : فکثیر ، نحو :

186- ...***فاذهب فما بک والأیّام (1) من عجب (2)

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

والفاء قد تحذف مع ما عطفت

والواو إذ لا لبس وهی انفردت

بعطف عامل مزال قد بقی

معموله دفعا لوهم اتّقی

تختصّ الفاء والواو من بین حروف العطف بجواز حذفهما مع التّابع الّذی عطفاه ، إذا کان المراد ظاهرا مع حذفه.

فمنه مع الفاء : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاکَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء : 63] ، ومنه

ص: 95

مع الواو : «راکب النّاقة طلیحان» (1) ، تقدیر الأوّل : فضربه ، وهو معطوف علی «أوحینا» ، وتقدیر الثّانی : راکب النّاقة (والنّاقة) (2).

وتفرد الواو بعطفها لعامل قد حذف ، وبقی معموله دلیلا علیه ، سواء کان المعمول مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا ، نحو (اسْکُنْ أَنْتَ وَزَوْجُکَ) [البقرة : 35] ، و (تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِیمانَ) [الحشر : 9] ، وکقولهم : «ما کلّ سوداء تمرة ولا بیضاء (3) شحمة» (4) ، تقدیر الأوّل : ولتسکن زوجتک ، وتقدیر الثّانی : وآثروا الإیمان ، وتقدیر الثّالث : ولا کلّ بیضاء ، والحامل علی تقدیر المعمول فی ذلک دفع توهّم (5) فی الکلام :

إمّا من جهة اللّفظ ، لتعذّر إسناد الفعل إلی الظاهر فی المثال الأوّل ، ولامتناع العطف (6) علی معمولی عاملین فی الثّالث.

ص: 96

وإمّا من جهة المعنی ، لعدم صحّة نسبة / «التّبوّء» إلی «الإیمان» (فی الثّانی) (1).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وحذف متبوع بدا هنا استبح

وعطفک الفعل علی الفعل یصح

کما یحذف المعطوف بالفاء والواو ، یحذف المعطوف علیه بهما ، وهو المتبوع.

فمنه قبل الفاء ما سبق من قوله : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاکَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء : 63] ، فإنّ المحذوف کما هو معطوف ، فهو معطوف علیه ، ومنه قبل الواو قولک : «بلی وزید» ، لمن قال : «ما جاء عمرو» ، تقدیره : بلی جاء عمرو وزید» (2).

وکما یعطف الاسم علی الاسم ، یصحّ عطف الفعل علی الفعل ، سواء اتّحدت صیغتهما ، نحو (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) [آل عمران : 179] ، (وَاسْمَعُوا وَأَطِیعُوا) [التغابن : 16] ، (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) [البقرة : 285] ، ونحوه کثیر ، أو اختلفت مع اتّحاد الزّمان ، نحو (یَقْدُمُ قَوْمَهُ (یَوْمَ الْقِیامَةِ)(3) فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ [هود : 98] ، (إِنْ شاءَ جَعَلَ لَکَ خَیْراً مِنْ ذلِکَ ، جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ، وَیَجْعَلْ لَکَ قُصُوراً) [الفرقان : 10].

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

واعطف علی اسم شبه فعل فعلا

وعکسا استعمل تجده سهلا

یعطف الفعل أیضا علی الاسم المشبه له فی المعنی ، نحو (فَالْمُغِیراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ) [العادیات : 3 - 4] ، (أَوَلَمْ یَرَوْا إِلَی الطَّیْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَیَقْبِضْنَ) [الملک : 19] ، وعکس ذلک - وهو عطف الاسم المشبه للفعل

ص: 97

علی الفعل - مستعمل ، نحو (یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ ، وَمُخْرِجُ)(1) [الأنعام : 95] ، وکقوله :

187- *أمّ صبیّ قد حبا أو دارج (2)*(3)

ص: 98

المقصود لا کلّه ، وللمسبوق ب- «لا» ، و «لکن» ، و «بل» فی غیر الإیجاب ، إذ هو غیر مقصود بالحکم.

وکونه بلا واسطة : مخرج للمسبوق ب- «بل» بعد الإیجاب ، فإنّه تابع مقصود بالحکم ، لکن بواسطة حرف العطف.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

مطابقا أو بعضا او ما یشتمل

علیه یلغی أو کمعطوف ببل

وذا للاضراب اعز إن قصدا صحب

ودون قصد غلط به سلب

کزره خالدا وقبّله الیدا

واعرفه حقّه وخذ نبلا مدا

قسّم البدل إلی خمسة أقسام :

(الأول) (1) : بدل المطابقة ، وهو المسمّی : بدل الکلّ من الکلّ ، وبدل الشّیء من الشّیء ، وهو أن یکون الثّانی هو الأوّل فی المعنی ، ومنه : «زره خالدا» (ف «خالد») (2) ، والضّمیر مدلولهما واحد.

الثّانی : بدل البعض من الکلّ ، وهو ما کان البدل فیه جزءا من المبدل منه قلّ ذلک الجزء أو کثر ، ومثّله النّاظم بقوله : «قبّله الیدا» ، ولا بدّ من اتّصاله بضمیر یعود علی المبدل منه (3) : إمّا ظاهرا - کما مثّل - وإمّا مقدّرا ، نحو (وَلِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً) [آل عمران : 97] أی : منهم.

الثالث : بدل الاشتمال ، وهو أن یبدل شیء من شیء مشتمل علیه ، لا بطریق البعضیّة ، ولکن بطریق الإجمال (4) ، نحو «أعجبنی زید عمله» / ، وقد مثّله النّاظم بقوله : «اعرفه حقّه» ، وحکمه فی الضّمیر حکم بدل البعض (5).

الرّابع : البدل المباین لما قبله ، وهو مراده ، بقوله : «أو کمعطوف ببل» ، وهو منقسم إلی قسمین :

ص: 100

أحدهما : بدل الإضراب ، وهو ما کان کلّ منهما مقصودا للمتکلّم ، إلا أنّه أضرب عن الأوّل ، ویسمّی : بدل البداء.

الثّانی : بدل الغلط ، وهو ما لم یکن الأوّل فیه مقصودا للمتکلّم ، ولکن سبق اللّسان إلیه.

وتمثیل النّاظم بقوله : «وخذ نبلا مدی» ، یحتملهما باعتبار تقدیر القصد وغیره.

ثمّ بدل الغلط :

بعضهم یطلق علیه : بدل النّسیان (1).

وبعضهم یفرّق بینهما (2) ، فیجعل بدل النّسیان قسما سادسا ، ویفرّق بینه وبین الغلط : (بأنّ الغلط) (3) ما سبق إلیه اللّسان ولم یقصد ، والنّسیان ما قصد ذکره إلّا أنه تبیّن له بعد ذلک فساد ذکره ، فالنّسیان متعلّق بالقلب ، والغلط باللّسان.

لکن إذا سلّم هذا عسر الفرق بین بدل النّسیان وبدل الإضراب.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ومن ضمیر الحاضر الظّاهر لا

تبدله إلّا ما إحاطة جلا

أو اقتضی بعضا أو اشتمالا

کأنّک ابتهاجک استمالا

قد سبق من التّمثیل ما عرف به جواز إبدال الظّاهر من الظّاهر ولم یسمع إبدال المضمر من الظّاهر (4) ، وفی إبدال المضمر من المضمر خلاف بین البصریین والکوفیین فی «رأیتک إیّاک».

ص: 101

فعند البصریین / : أنه بدل.

وعند الکوفیین : أنه تأکید ، کما سبق (1).

وأمّا مسألة الکتاب ، وهی إبدال الظّاهر من المضمر فجائز فی ضمیر الغائب مطلقا ، کما هو مفهوم کلام المصنّف (2) ، نحو (عَمُوا وَصَمُّوا کَثِیرٌ مِنْهُمْ) [المائدة : 71] ، ولا یجوز فی ضمیر الحاضر المتکلّم أو المخاطب ، إلّا فی المواضع الثّلاثة التی ذکرها المصنّف (3) :

أحدها : أن یکون مفیدا للإحاطة فی بدل ، نحو «مررت بکم کبیرکم وصغیرکم».

الثّانی : فی بدل البعض ، نحو (لَقَدْ کانَ)(4) لَکُمْ فِی رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللهَ [الأحزاب : 21].

الثالث : فی بدل الاشتمال ، نحو قول النّاظم : «کأنّک ابتهاجک» ، ومثله :

188- بلغنا السّماء مجدنا وسناؤنا***...(5)

ص: 102

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وبدل المضمّن الهمز یلی

همزا کمن ذا أسعید أم علی

إذا أبدل اسم من اسم متضمّن معنی حرف الاستفهام (1) - أو کأسمائه (2) - ذکرت همزة الاستفهام مع البدل ، نحو «من ذا ، أسعید (أم علی) (3) ، و «کم مالک أعشرون أم ثلاثون» ، و «أیّهم عندک ، أزید أم عمرو» والبدل فی ذلک کلّه من اسم الاستفهام.

ویساویه فی هذا الحکم المبدل من اسم الشّرط ، فیعاد معه حرف الشّرط ، نحو «من یقم ، إن زید وإن عمرو - أقم معه» ، و «ما صنع ، إن خیرا ، وإن شرّا - (یجز به) (4)».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ویبدل الفعل من الفعل کمن

یصل إلینا یستعن بنا یعن /

لا یقع الفعل تابعا إلّا فی عطف النّسق وفی التّوکید اللّفظیّ - کما مرّ - وفی البدل ، ک- «من (5) یصل إلینا یستعن (6) بنا» ، فإنّ «یستعن» (7) ، بدل من «یصل» ، ومثله قوله تعالی : (وَمَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثاماً ، یُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ یَوْمَ الْقِیامَةِ) [الفرقان : 68 - 69].

ویقع البدل فی الجملة (8) أیضا ، وأکثر ما تبدل (9) من جملة مثلها ، نحو (أَمَدَّکُمْ بِما تَعْلَمُونَ ، أَمَدَّکُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِینَ)(10) [الشعراء : 132 - 133].

ص: 103

- و «أی» ، کما ورد فی الحدیث : «أی فل هلمّ» (1) ، وقد تمدّ همزتها.

- و «آ» (2) ، وقیل : إنّ أصلها الهمزة مدّت (3) ، وقیل : أصلها «أی» قلبت یاؤها ألفا.

- و «أیا» نحو :

189- أیا شاعرا لا شاعر / الیوم مثله ***...(4)

وهی أزید فی البعد من «یا».

- و «هیا» ، کقوله :

ص: 105

190- هیا ظبیة الوعساء بین (1) جلاجل ***...(2)

وقیل : إنّ أصلها «أیا» قلبت الهمزة هاء ، کما قالوا : «هراق الماء» (3).

- و «وا» ، کقولهم فی النّدبة : «وا عمراه».

- ومنها واحد مختصّ بالقریب ، وهو الهمزة (4) ، نحو :

191- أمحمّد ولأنت ضنء نجیبة***...(5)

ص: 106

وتختصّ بالنّدبة - وهی نداء المتفجّع علی فقده - : «وا» (1) ، و «یا» ، وتستعمل «وا» أکثر ، ویجتنب استعمال «یا» عند خوف اللّبس بالنّداء ، وإنّما تستعمل مع أمن اللّبس ، کقوله :

192- ...***وتقول سلمی : یا رزیّتیه (2)(3)

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وغیر مندوب ومضمر وما

جا مستغاثا قد یعرّی فاعلما

قد یعرّی المنادی من حرف النّداء ، وأکثر ما یستعمل ذلک فی الأعلام ، نحو : (یُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) [یوسف : 29] ، وما یجری مجراها ، نحو : (سَنَفْرُغُ لَکُمْ أَیُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن : 31].

ولیس منه : (أَنْ أَدُّوا إِلَیَّ عِبادَ اللهِ) [الدخان : 18] بل الصّواب أنّه مفعول.

ص: 107

ویمتنع ذلک فی ثلاثة أشیاء :

الأوّل : المندوب ، لأنّ المقصود من الندبة إطالة الصّوت ، والحذف ینافیه.

الثّانی : المضمر ، ونداؤه قلیل ، ولذلک لم یتصرّف فیه بالحذف، وأکثر ما ینادی بصیغة المرفوع منه ، نحو:

193- *یا أبجر بن أبجر یا أنتا*(1)

وقد ینادی بصیغة المنصوب (نحو) (2) «یا إیّاک قد کفیتک» (3).

الثّالث : المستغاث به ، وامتناع الحذف معه / للعلّة الّتی لأجلها امتنع الحذف مع المندوب.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وذاک فی اسم الجنس والمشار له

قلّ ومن یمنعه فانصر عاذله

ص: 108

«ذاک» : إشارة إلی (أنّ) (1) تعرّی المنادی من حرف النّداء - یقلّ فی اسم الجنس واسم الإشارة.

ومن وروده فی اسم الجنس قوله : «أصبح لیل» (2) ، وقوله : «أطرق کرا» (3) ، وهو ترخیم «کروان» اسم جنس لطائر معروف (4).

ص: 109

ومن وروده فی اسم الإشارة :

194- إذا هملت عینی لها قال صاحبی ***بمثلک هذا لوعة وغرام (1)

وجعل منه بعضهم (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَکُمْ)(2) [البقرة : 85].

ولا یمتنع ذلک فیهما (3) ، کما زعم البصریّون (4).

والخلاف فی اسم الجنس المعیّن.

أمّا اسم الجنس غیر المعیّن (5) ، کقول الأعمی : «یا رجلا خذ بیدی» فلا یجوز الحذف معه اتّفاقا (6).

ص: 110

ومن المواضع الّتی یمتنع حذف حرف النّداء معها : اسم «الله» (1) ، إلّا إذا عوّضت (عنه) (2) المیم المشدّدة فی آخره ، نحو (سُبْحانَکَ اللهُمَ) [یونس : 10].

وزعم قوم : أنّه ممتنع الحذف مع بعد المنادی (3).

ثمّ قال :

وابن المعرّف المنادی المفردا

علی الّذی فی رفعه قد عهدا

یبنی المعرّف فی النّداء ، سواء کان تعریفه سابقا علی النّداء ، نحو «یا زید» (4) ، أو حاصلا بالنّداء ، نحو «یا رجل» و (یا أَیُّهَا النَّاسُ)(5) [البقرة : 21] ، وإنّما یبنی إذا کان مفردا ، أی : غیر مضاف ، ولا شبیها بالمضاف ، فیشمل ذلک نحو / یا زید ، ویا معدی کرب ، ویا زیدان ، ویا زیدون» ، ولذلک قال :

علی الّذی فی رفعه قد عهدا

فیبنی المفرد الصّحیح الآخر ، وما أعرب إعرابه - من جمع تکسیر ، أو

ص: 111

جمع مؤنّث سالم ، أو مرکّب ترکیب مزج - علی ضمّة ظاهرة ، ویبنی المنقوص والمقصور علی ضمّة مقدّرة ، ویبنی المثنّی علی الألف ، وجمع المذکّر السّالم علی الواو (1).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وانو انضمام ما بنوا قبل النّدا

ولیجر مجری ذی بناء جدّدا

إذا کان المنادی المعرّف مبنیّا قبل النّداء علی غیر الضّمّ - نویت فیه ضمّة للنّداء ، سواء کان علما ، ک- «سیبویه» علی أشهر لغاتها (2) ، و «حذام» علی لغة أهل الحجاز (3) ، و «تأبّط (4) شرّا» ، أو غیر علم ک- «هذا» ، ونحوه من أسماء الإشارة ، ویظهر تقدیر الضّمّ فی تابعه ، فتقول : «یا سیبویه العالم ، ویا حذام القاعدة ، ویا

ص: 112

هذا الرّجل» ، إلّا أنّ الأوّلین یجوز فی تابعهما النّصب ، کما یجوز فی تابع ما تجدّد بناؤه (1) بسبب (2) النّداء (3) ، بخلاف الثالث ، کما یأتی (4).

وإن کان مبنیّا علی الضّمّ کعلم منقول من «حیث» - فهل یقال : إنّه مبنیّ علی هذه الضّمّة أو یقدّر له ضمّة ، یحتمل وجهین ، کما فی إعراب المضاف إلی یاء المتکلّم فی حال جرّه.

ثمّ قال :

والمفرد المنکور والمضافا

وشبهه انصب عادما خلافا

هذه ثلاثة (5) أشیاء یجب نصبها فی النّداء وهی :

- النّکرة المفردة غیر / المقصودة ، نحو :

195- فیا راکبا إمّا عرضت (6) فبلّغن ***...(7)

ص: 113

وأنکر المازنیّ وجوده (1).

- والمضاف ، نحو «یا رسول الله».

- وشبه المضاف ، وهو ما تعلّق به شیء من تمام معناه ، إمّا بعمل ، نحو «یا جمیلا وجهه» ، و «یا راکبا فرسا» ، و «(یا) (2) خیرا من زید» ، وإمّا بغیره ، نحو «یا ثلاثة وثلاثین» فی نداء من سمّیته بذلک ، وفی قصدک هذا العدد من جملة رجال.

أمّا فی ندائک جماعة معیّنین بهذا العدد ، فلک ثلاثة أوجه (3) :

- بناؤهما معا ، مع تکرار حرف النّداء ، فتقول : «یا ثلاثة ویا ثلاثون» (4).

- وبناء الأوّل ، وإدخال «أل» علی الثّانی تجوّزا مع رفعه ونصبه ، فتقول : یا ثلاثة والثّالثون ، وإن شئت : «والثّلاثین» (5).

ولیس نصب المضاف متّفقا علیه - کما ذکر النّاظم (6) - ، بل قد حکی عن ثعلب جواز ضمّ المضاف الصّالح ل- «أل» (7).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ص: 114

ونحو زید ضمّ وافتحنّ من

نحو أزید بن سعید لا تهن

هذا النّوع من أنواع المنادی المبنیّ علی الضّمّ ، یجوز فتح آخره ، وهو ما وصف من العلم ب- «ابن» مضاف إلی علم (1) ، نحو «یا زید بن سعید» ، وأکثر البصریّین : یختار الفتح (2).

وإنّما (3) جاز إتباعا لفتحة (4) («ابن») (5)(6) ولا همزة فیها (7).

ص: 115

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

والضّمّ إن لم یل الابن علما

أو یل (1) الابن علم قد

حتما

إذا لم توجد القیود الثّلاثة المسوّغة للفتح - تعیّن بناء المنادی / علی ضمّة ، فلا یجوز الفتح فی نحو «یا رجل ابن زید» ، ولا فی «یا زید الکریم ابن عمرو» ، لأنّ «الابن» لم یل علما ، ولا فی «یا زید ابن أخینا ، أو ابن أخی عمرو» ، لأنّ «الابن» لم یله علم ، ولا فی «یا زید وابن عمرو» ، لأنّ «الابن» التّابع غیر صفة ، ولا فی نحو «یا زید الکریم» لأنّ الصّفة غیر «ابن» (2).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

واضمم أو انصب ما اضطرارا نوّنا

ممّا له استحقاق ضمّ بیّنا

إذا دعت ضرورة (3) الشّعر إلی تنوین المنادی المبنیّ علی الضّمّ - جاز إبقاؤه علی ضمّه ، نحو :

196- سلام الله یا مطر علیها***...(4)

ص: 116

وجاز نصبه لشبهه بالنّکرة ، نحو :

197- أعبدا (1)من الوافر لجریر بن عطیة الخطفی من قصیدة له فی دیوانه (62) یهجو العباس بن یزید الکندی (وقیل : خالد بن یزید الکندی) ، وعجزه :

ألؤما لا أبالک واغترابا

شعبی : اسم موضع. اللؤم : فعل الأمور الخسیسة الدنیئة. لا أبالک : جملة معترضة ، وهذا یکون للمدح بأن یراد نفی نظیر الممدوح بنفی أبیه ، ویکون للذم بأن یراد أنه مجهول النسب وهذا هو المراد هنا. وإنما عیر جریر العباس بن یزید بحلوله فی شعبی ، لأنه کان حلیفا لبنی فزارة ، وشعبی فی بلادهم ، وهو کندی ، والحلف عندهم عار. والشاهد فیه أنه نون «عبدا» وهو منادی مفرد معرفة للضرورة ، ثم نصبه ، کما فی قوله :

یا عدیّا لقد وقتک الأواقی

انظر شرح الکافیة لابن مالک : 34 / 1305 ، التصریح علی التوضیح : 1 / 331 ، 2 / 171 ، 189 ، شرح الأشمونی : 2 / 118 ، 3 / 145 ، الشواهد الکبری : 3 / 49 ، 4 / 215 ، 506 ، الکتاب مع الأعلم : 1 / 170 ، 173 ، جمل الزجاجی : 156 ، الحلل : 206 ، الخزانة : 2 / 183 ، تاج علوم الأدب : 2 / 556 ، شواهد ابن النحاس : 149 ، شواهد ابن السیرافی : 1 / 98 ، شرح ابن الناظم : 571 ، شرح الجمل لابن هشام : 238 ، أوضح المسالک : 201.(2) حلّ فی شعبی غریبا***...(197)

وهل الأرجح الأوّل ، أو الثّانی ، أو یترجّح الأوّل فی العلم ، والثّانی فی اسم الجنس؟ فیه ثلاثة أقوال (3).

ص: 117

ثمّ قال :

وباضطرار خصّ جمع یا وأل

إلّا مع الله ومحکیّ الجمل

لا یباشر حرف النّداء ما فیه «أل» إلّا فی موضعین :

الأوّل : ما سمّی به من الجمل المبدوءة ب- «أل» ، کما لو سمّیت رجلا ب- «المنطلق زید» ، فإنّک تقول فی ندائه : «یا المنطلق زید».

ومثله ما یسمّی به من الموصولات المبدوءة ب- «أل» نحو «یا الّذی قام» إذا کان اسم رجل (1).

وأمّا نحو :

198- فیا الغلامان اللّذان فرّا ***فمخصوص بالضّرورة (2). (3)

ص: 118

الثّانی : لفظ «الله» ، نحو «یا ألله» (1).

ص: 119

وإن یکن مصحوب أل ما نسقا

ففیه وجهان ورفع ینتقی

ما سوی التّابع المضاف مع تجرّده من «أل» - یجوز فیه الرّفع والنّصب ، ویشمل ذلک المفرد المتلبّس (1) ب- «أل» ، والمضاف المتلبّس (2) بها ، نحو «یا زید الکریم ، ویا زید الحسن الوجه» فیجوز (3) فیهما الرّفع والنّصب فی جمیع التّوابع ، إلّا أنّهما لا یتصوّران فی التّوکید ، وبهما (4) قرئ فی العطف یا جبال أوبی معه والطیر (5) [سبأ : 10].

وسیبویه والخلیل (6) والأکثرون (یختارون) (7) الرّفع فیه (8).

ص: 121

والجرمی : یختار النّصب (1) ، ووافقه المبرّد فیما کانت الألف واللّام فیه للتّعریف - کالآیة - ، لا فیما کانت لغیره ، ک- «یا زید والیسع» (2).

ولا یتصوّر ذلک فی المفرد (المجرّد) (3) من «أل» إلّا فی عطف / البیان نحو «یا غلام بشر» ، وفی التّوکید نحو «یا تمیم أجمعون».

وأمّا فی النّعت فلا یتصوّر ، لامتناع نعت المعرفة بالنّکرة.

وفی عطف النّسق والبدل یجب فیه الضّمّ ، جعلا له کالمستقلّ ، لأنّ العاطف کالنّائب عن العامل ، والبدل فی نیّة تکرار العامل ، فتقول : «یا زید وعمرو ، ویا رجلا وزید» ، و «یا رجل زید ، ویا رجلا زید» (4) ، کما یتعیّن فیهما النّصب إذا کانا مضافین.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وأیّها مصحوب أل بعد صفه

یلزم بالرّفع لدی ذی المعرفه

وأیّ هذا أیّها الّذی ورد

ووصف أیّ بسوی هذا یرد

هذه المسألة مستثناة من التّابع الّذی یجوز نصبه مع بناء متبوعه علی الضّمّ ، وهی تابع «أیّ» نحو (یا أَیُّهَا النَّاسُ).

وإنّما لزم رفعه ، لأنه المقصود بالنّداء ، وإنّما أتی ب- «أیّ» وصلة إلی ندائه ،

ص: 122

لتعذّر مباشرة حرف النّداء له ، ولذلک کان وصف «أیّ» به لازما ، بخلاف : «یا زید الظّریف».

وما حکاه الزّجّاج فی کتاب المعانی عن بعضهم : من إجازة نصبه (1) غلط.

ولا توصف «أیّ» فی النّداء ، إلّا بمتلبّس ب- «أل» الجنسیّة - کما تقدّم - ، أو بموصول مقترن ب- «أل» ، نحو (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا) [البقرة : 104] ، أو باسم إشارة ، نحو :

199- ألا أیّهذا الزّاجری أحضر الوغی ***...(2)

ص: 123

وأکثر ما یکون ذلک إذا کان اسم الإشارة موصوفا بما فیه الألف / واللّام - کما مثّل - ، ووقوعه دونه قلیل ، کقوله :

200- ألا (1) أیّهذان (2) کلا زادکما***...(3)

ثمّ قال :

وذو إشارة کأیّ فی الصّفه

إن کان ترکها یفیت المعرفه

إذا وقع اسم الإشارة بعد حرف النّداء ، فإن کان المقصود بالنّداء صفته ، بحیث إذا ترکت فات العلم بتعیینه (4) ، کقولک للقائم بین جلوس : «یا هذا القائم» ، فإنّ صفته کصفة «أیّ» (فی) (5) اللّزوم (6) وفی تعیّن الرّفع.

أما إذا کان اسم الإشارة هو المقصود بالنّداء (7) ، لکونه متعیّنا ، وإنّما أجری الوصف علیه مدحا أو ذمّا ، نحو «یا هذا الکریم ، ویا هذا الخبیث» ، فحکمها (8) حکم غیرها من الصّفات فی عدم اللّزوم ، وفی جواز النّصب.

ص: 124

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

فی نحو سعد سعد الاوس ینتصب

ثان وضمّ وافتح أوّلا تصب

إذا أتبع المنادی المفرد المستحقّ البناء علی الضّمّ بمماثل (1) له لفظا مضاف ، نحو «یا سعد سعد الأوس» ویا زید زید الخیل» تعیّن نصب الثّانی ، لکونه تابعا مضافا - کما سبق -.

وأمّا الأوّل فقیاسه (2) : أن یبقی علی ضمّه ، لأنّه منادی مفرد معرفة ، لم ینعت بابن ، وقد سمع فیه :

201- یا تیم تیم عدیّ لا أبالکم ***...(3)

وقوله :

202- *یا سعد سعد الیعملات الذّبّل*(4)

ص: 125

واختلف فی توجیهه :

فعند سیبویه : أنّه مضاف إلی ما بعد الثّانی ، والثّانی مقحم (1).

وعند المبرّد : أنّه مضاف إلی محذوف / مماثل لما أضیف إلیه الثّانی (2).

وعند الفرّاء : أنّهما مضافان إلی (ما بعد) (3) الثّانی (4).

وقیل : بل رکّبا قبل الإضافة ک- «خمسة عشر» (5).

ص: 126

- وإثباتها مع التّحریک بالفتح ، وهی الّتی أشار إلیها بقوله : «عبدیا» ، وإنّما الألف إشباع ، وبها قرئ : یا عبادی الذین أسرفوا (1) [الزمر : 53].

- وحذف (2) الیاء ، وإبقاء (3) آخره علی الکسر ، نحو «یا غلام».

- وقلب الیاء ألفا ، فیفتح ما قبلها ، نحو (یا) حسرتا (عَلی (ما)(4) فَرَّطْتُ [الزمر : 56].

- وحذف الألف ، وإبقاء آخره (علی الفتح) (5) ، نحو «یا عبد» (6).

ویستثنی من ذلک الوصف الصّالح للعمل (7) فی الیاء ، فإنّه لم یسمع فی یائه إلّا لغتان : السّکون (والفتح) (8) ، نحو «(یا) (9) معاضبیّ».

ص: 128

أما المعتلّ ، نحو «فتی ، وقاضی» فلیس فی یائه إلّا التّحریک بالفتح ، نحو «یا فتیّ ، ویا قاضیّ (ویا) (1) باریّ».

ثمّ قال رحمه الله تعالی / :

وفتح او کسر وحذف الیا استمر

فی یابن أمّ یابن عمّ لا مفر

إذا کان المنادی مضافا إلی (مضاف إلی) (2) یاء المتکلّم تعیّن إثبات الیاء ، نحو «یابن أخی» ، إلّا إذا کان المضاف إلی الیاء «الأمّ ، والعمّ» ، والمنادی «ابن» ، فإنّ الیاء تحذف (3) لزوما ، ویجوز فیما قبلها إبقاؤه علی الکسر (4) ، وفتحه : إمّا تخفیفا (5) ، وإمّا للتّرکیب ک- «خمسة عشر» (6) ، وبهما قرئ : قال ابن أم (7) [الأعراف : 150].

أمّا إذا کان المنادی غیر «ابن» (8) فإنّ الیاء تثبت ، نحو «یا غلام عمّی».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وفی النّدا أبت أمّت عرض

واکسر أو افتح ومن الیا التّا عوض

ص: 129

إذا نودی «الأب أو الأمّ» المضافین إلی یاء المتکلّم ، ففیهما من اللّغات السّتّ ما سبق فی غیرهما من الصّحیح المضاف إلی الیاء ، ویزیدان علی ذلک بجواز تعویض تاء التّأنیث من یاء المتکلّم ، ثمّ الأشهر کسرها (1) ، کما قرأ به الأکثرون فی (یا أَبَتِ إِنِّی رَأَیْتُ) [یوسف : 4] ، وبعض العرب یفتحها (2) ، وبه قرأها ابن عامر (3) ، وبعضهم یضمّ التاء معاملة له معاملة المستقلّ (4) ، ک- «ثبة» (5) ، وبه قرئ شاذّا (6).

ص: 130

واطّرد فی الأسماء اللّازمة النّداء ما جاء علی «فعال» مقصودا (1) به سبّ الإناث ، سواء کان مشتقّا من الفعل ، نحو «یا خباث» ، أو غیر مشتقّ منه ، نحو «یا لکاع» (2) ، وإنّما ینقاس هذا فیما کان من فعل ثلاثیّ ، کما ینقاس منه مجیء «فعال» بمعنی الأمر نحو «نزال».

ولا بدّ (3) فی الثّلاثیّ الّذی ینقاس فیه ذلک : أن یکون تامّا متصرّفا (4).

وشاع فی سبّ المذکّرین وزن «فعل» لازم النّداء ، نحو «یا غدر ، ویا فسق» ، ولیس بمقیس (5) ، کما زعم ابن عصفور (6).

ص: 132

وإن لم تکرّر «یا» کسرتها ، نحو :

204- ...***یا للکهول وللشبّان للعجب (1)

ثمّ قال رحمه الله :

ولام ما استغثت عاقبت ألف

ومثله اسم ذو تعجّب ألف

قد یعاقب اللّام الجارّة فی الاستغاثة ألف تتّصل بآخر الاسم، کألف النّدبة ، یستغنی به عن اللّام، کقوله:

205- یا زیدا لآمل نیل عزّ***وغنی بعد فاقة وهوان (2)

ص: 134

وتجرّد المستغاث منهما (1) ، نحو :

206- ألا یا قوم للعجب العجیب (2) ***...(3)

- نادر.

ومثل المستغاث فی الجرّ باللّام المفتوحة - ما دخل علیه حرف النّداء لقصد (4) التّعجّب منه (5) ، کقولهم (6) : «یا للکمأ ، ویا للکلأ» تعجّبا من کثرتهما (7) ، ویعاقبها ألف ، نحو «یا عجبا».

ص: 135

أو منه (1) / ، نحو «وا مصیبتاه» (2).

ولا یستعمل فیها من حروف النّداء إلّا «وا» و «یا».

ویستحقّ المندوب من الإعراب ما یستحقّه المنادی العاری عن الندبة ، فیضمّ فی نحو «یا زید» ، وینصب فی نحو «وا أمیر (3) المؤمنین».

ولا یندب نکرة ، ک- «رجل ، وامرأة» ، ولا مبهم کأسماء الإشارة و «أیّ» (4) ، لأنّ المقصود بالندبة إنّما هو عظم الفجیعة بفقد المندوب ، واشتهار حاله بالندبة له ، وذلک لا یحصل إلّا مع التّعیین (5).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ویندب الموصول بالّذی اشتهر

کبئر زمزم یلی وامن حفر

الموصول من قسم المبهم ، فلا یندب إلّا إذا کانت صلته مشهورة ، نحو «وامن حفر بئر زمزماه» ، إذ قد علم أنّ حافرها عبد المطّلب ، فصار بمنزلة : «وا عبد المطّلباه».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ومنتهی المندوب صله بالألف

متلوّها إن کان مثلها حذف

کذاک تنوین الّذی به کمل

من صلة أو غیرها نلت الأمل

یتّصل آخر المندوب غالبا بألف ، سواء کان مفردا نحو :

208- ...***وقمت فینا بأمر الله یا عمرا(6)

ص: 137

أو مضافا ، نحو «وا أمیر (1) المؤمنیناه» ، أو نهایة صلة (2) ، نحو «وامن حفر بئر زمزماه».

ثمّ إن کان متلوّ الألف - وهو الحرف الّذی قبلها - مضموما ، نحو «وا زید» (3) أو مکسورا ، نحو «وا عبد المطّلب» - حذفت حرکته ، وفتح ، لاتّصال الألف به ، وإن کان ألفا مثلها - حذفت ، نحو «وا موساه» (4) /.

وکذلک یحذف تنوین ما کمل به المندوب من صلة ، نحو «وامن حفر بئر زمزماه» ، أو غیر الصّلة ، کالمضاف إلیه ، نحو «وا غلام زیداه» ، والمحکیّ ، نحو «واتأبّط شرّاه» (5).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

والشّکل حتما أو له مجانسا

إن یکن الفتح بوهم لابسا

ص: 138

قد تقدّم أنّ ما یلیه ألف الندبة ، إن کان ضمّة ، أو کسرة - حذفت ، وأبدل مکانها فتحة لکن لا یفعل ذلک إلّا عند أمن اللّبس - کما سبق تمثیله - ، فإن خیف بفتح الآخر حصول اللّبس - أتی بألف الندبة مجانسة لحرکة الآخر ، فتصیر «واوا» بعد الضّمّة ، نحو «وا غلامهوه» ، خوفا من الالتباس بالمضاف إلی ضمیر المؤنّث ، و «یاء» بعد الکسرة ، نحو «وا غلامکیه» ، خوف اللّبس بالمضاف إلی ضمیر المخاطب (1).

ثمّ قال :

وواقفا زد هاء سکت إن ترد

وإن تشأ فالمدّ والها لا تزد

إذا وصلت المندوب بما بعده ، نحو «وا عمرا الکریم» - لم تلحقه (2) الهاء ، وإن وقفت علیه - فلک أن تزید فی آخره هاء السّکت ساکنة ، وقد تضمّ للضّرورة ، نحو :

209- ألا یا عمرو عمراه ***وعمرو بن الزّبیراه (3)

ولک أن تقف علیه بالألف (4) وما انقلبت إلیه (5) من واو أو یاء ، ولا تأتی بالهاء ، کما سبق من قوله :

210- ...***وقمت فینا بأمر الله یا عمرا(6)

ص: 139

ثمّ قال :

وقائل وا عبد یا وا عبدا

من فی النّدا الیا ذا سکون أبدی /

إذا ندب المضاف إلی یاء المتکلّم علی لغة من أقرّ (1) الیاء فیه ساکنة ، فقال : «یا عبدی» - جاز حذف یائه ، لملاقاتها ساکنة لألف الندبة ، فیقال : «وا عبدا» ، وهو اختیار المبرّد (2) ، وجاز تحریکها بالفتح لمجانسة الألف ، فیقال : «وا عبدیا» وهو اختیار سیبویه (3) ، ویتعیّن الأوّل علی لغة من قلب الیاء ألفا أو حذفها واجتزأ عنها بالفتحة أو الکسرة (4) ، أو عاملها معاملة المفرد ، ویتعیّن الثّانی علی لغة من أقرّ الیاء وحرّکها بالفتح (5).

ص: 140

وإنّما توسّع فی ترخیم المنادی ، لأنّه قد تغیّر بالنّداء ، والتّرخیم تغییر ، والتّغییر یؤنس بالتّغییر (1).

ثمّ قال :

وجوّزنه مطلقا فی کلّ ما

أنّث بالها والّذی قد رخّما

بحذفها وفّره (2) بعد واحظلا

ترخیم ما من هذه الها قد خلا

إلّا الرباعیّ فما فوق العلم

دون إضافة وإسناد متم /

التّرخیم جائز مطلقا فی کلّ ما أنّث بالهاء ، سواء کان لمذکّر (3) ، ک- «طلحة» أو لمؤنّث ، ک- «عائشة» ، زائدا علی ثلاثة أحرف - کما مثّل - ، أو ثلاثة ، ک- «ثبة» ، علما (- کما مثّل -) (4) ، أو غیر علم ، ک- «جاریة».

ویرخّم ما هی فیه بحذفها ، کما مثّل بقولهم : «عائش یا لقومک» ، ویوفّر ما رخّم بحذفها ، فلا یحذف منه شیء بعد ذلک ، بل حرف اللّین إن کان قبلها بقی علی حاله مطلقا.

ویحظل : أی : یمتنع ترخیم ما خلا من «هاء» التّأنیث ، إلّا إذا کان علما زائدا علی ثلاثة أحرف ، خالیا (5) من ترکیبی : الإضافة والإسناد ، ک- «جعفر» من أعلام المذکّر ، و «زینب» من أعلام المؤنّث.

فلا یرخّم نحو «إنسان» لفقد العلمیّة ، ولا نحو «زید» ، لانتفاء الزّیادة

ص: 142

علی الثّلاثة ، ولا تأثیر لحرکة وسطه ، ک- «حکم» (1) ، ولا نحو «عبد الله» (2) ، لأنّه مضاف (3) ، ولا نحو «برق نحره» ، لأنّ فیه إسنادا (4).

ثمّ قال رحمه الله :

ومع الآخر احذف الّذی تلا

إن زید لینا ساکنا مکمّلا

أربعة فصاعدا والخلف فی

واو ویاء بهما فتح قفی

إذا حذف الآخر للتّرخیم ، وکان ما قبله صحیحا - أقرّ ، فلم یحذف (5) ، وإن کان معتلا ، وهو المراد بقوله : «لینا» حذف مع الآخر ، سواء کان واوا ، ک- «منصور» ، أو یاء ، ک- «مسلمین» ، أو ألفا ، ک- «مروان» ، وإنّما یحذف (6) بشرطین :

أحدهما : أن یکون ساکنا.

الثّانی : أن یکون مکمّلا أربعة (7) أحرف فصاعدا - کما مثّل - ، ومن وروده :

ص: 143

211- یا مرو إنّ (1) مطیّتی محبوسة***...(2)

فلو کان حرف اللّین الّذی یلیه الآخر متحرّکا ، نحو «هبیّخ ، وقنوّر» (3) إذا سمّیت بهما - / ویتصوّر ذلک فی الألف المنقلبة عن متحرّک ، ک- «مختار ، ومنقاد» علمین - لم یحذف حرف اللّین فی ذلک کلّه ، وکذا لو کان حرف اللّین ثالثا ک- «ثمود ، وسعید ، وعماد» - لم یحذف.

وفی اشتراط کون ما قبل الواو والیاء مجانسا لها - بأن یکون مکسورا (4) قبل الیاء ، ومضموما قبل الواو - خلاف :

فسیبویه والأکثرون یشترطون ذلک ، فلا یجیزون حذف حرف العلّة فی نحو «فرعون ، وغرنیق» (5) ، لأنّ ما قبل الواو والیاء فیهما مفتوح (6).

والفرّاء لا یشترط ذلک ، فیجیز حذفه (7).

ص: 144

وإلی هذه المسألة أشار بقوله :

والخلف فی

واو ویاء بهما فتح قفی

لأنّه لا یتصوّر قبلهما حرکة غیر مجانسة ، إلّا الفتحة ، فلا یتصوّر ضمّة قبل الیاء ، ولا کسرة (1) قبل الواو.

ولا خلاف فی الواو والیاء من نحو «مصطفون ومصطفین» وإن کان قبلهما فتح ، لأنّ الحرکة المجانسة فیهما مقدّرة ، وإنّما عدل إلی الفتح للّبس (2) باسم الفاعل.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

والعجز احذف من مرکّب وقل

ترخیم جملة وذا عمرو نقل

هذا القسم الثّانی من قسمی التّرخیم ، وهو ما تحذف منه الکلمة الأخیرة ، وهو المرکّب ترکیب مزج ، فإنّک تحذف عجزه ، فتقول فی «معدی کرب ، وسیبویه» مرخّمین : «یا معدی ، ویا سیب» (3).

وقلّ ترخیم الجملة المنقولة إلی العلمیّة لحذف عجزها ، وهذا نقله عمرو أبو بشر إمام / النّحو الملقّب ب- «سیبویه» فی باب النّسب فی کتابه لا فی باب التّرخیم (4).

ص: 145

ثمّ قال :

وإن نویت بعد حذف ما حذف

فالباقی استعمل بما فیه ألف

واجعله إن لم ینو محذوف کما

لو کان بالآخر وضعا تمّما

إذا رخّم المنادی ، فلک فیما بقی منه (1) وجهان :

أحدهما : أن ینوی المحذوف ، فیترک الباقی علی ما کان علیه قبل الحذف من حرکة أو سکون ، فتقول : «یا جعف ، ویا منص ، ویا حار ، ویا هرق» (2) بفتح الأوّل ، وضمّ الثّانی ، (وکسر) (3) الثّالث ، وإسکان الرّابع.

والثّانی : أن لا ینوی المحذوف ، بل تجعل ما بقی بمنزلة الاسم المستقلّ الّذی تمّ وضعه بالحرف الأخیر منه ، فتبنیه علی الضّمّ مطلقا ، وتجعل الضّمّة فی «یا منص» حادثة للبناء.

والأوّل أکثر فی (4) الاستعمال.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

فقل علی الأوّل فی ثمود یا

ثمو ویا ثمی علی الثّانی بیا

إنّما قلت علی الوجه الأوّل «یا ثمو» ، لأنّ المحذوف کالملفوظ به ، فلیست الواو آخرا (5).

وأمّا علی الثّانی ، فتقلب الواو یاء ، والضّمّة الّتی قبلها کسرة ، لأنّه لیس فی کلامهم اسم معرب آخره واو لازمة ، قبلها ضمّة ، وقد یوجد ذلک فی الفعل ، ک- «یغزو» ، وفی المبنیّ ، ک- «هو» ، وفیما واوه غیر لازمة ، ک- «أبوه» ، ومع سکون ما قبل الواو ، ک- «عدو» ، فلذلک قلبت الواو یاء ، کما قلبت فی جمع «دلو» مع أنّ قیامه (6) «أدلو» علی وزن «أفعل» ، واللّام واو.

ولذلک تقول علی الأوّل : «یا علاو» (7) ترخیم «علاوة» ، لأنّ / الواو لیست آخرا فی التّقدیر.

وتقول علی الثّانی : «یا علاء» (8) ، بإبدال الواو همزة ، لوقوعها آخرا بعد ألف ، ک- «کساء».

ص: 146

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

والتزم الأوّل فی کمسلمه

وجوّز الوجهین فی کمسلمه

ما رخّم بحذف تاء التّأنیث ، فلک فی آخره من مراعاة المحذوف وعدم مراعاته وجهان کغیره ، فتقول فی «مسلمة» علی الأوّل : «یا مسلم» - بالفتح - ، وعلی الثّانی : «یا مسلم» - بالضّمّ ، وکذلک تقول : «یا فاطم» ، ویا فاطم» ، إلّا أن یعرض (1) بسبب عدم مراعاة المحذوف لبس ، کما فی نحو «مسلمة ، وقائمة» ، ونحوهما من صفات المؤنّث ، ک- «حارثة ، وحفصة» ، ونحوهما من أعلامه ، فإنّه یجب إبقاء أواخرها کلّها علی الفتح ، لما یعرض من الضّمّ من التباسها بصفة المذکّر ، أو غیره (2)(3).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ولاضطرار رخّموا دون ندا

ما للنّدا یصلح نحو أحمدا

یرخّم غیر المنادی فی ضرورة الشّعر ، لکن بشرط صلاحیّته للنّداء ، نحو «أحمد» وغیره من الأعلام ، فلو لم یصلح لمباشرة حرف النّداء له ، ک- «الغلام» - لم یرخّم.

ومن شرطه أیضا أن یصلح للتّرخیم فی النّداء ، فلا یرخّم مضاف ، ولا ثلاثیّ ، إلّا أن یکون مختتما (4) بالتّاء ، ثمّ لک أن تجعله بعد ترخیمه کالمستقلّ ، فتعرب ما بقی بما یقتضیه العامل ، وهو الأکثر (5) ، کقوله :

ص: 147

212- مررت بعقب وهو قد ذلّ للعدا***...(1)

ولک أن تنوی المحذوف / فتترکه علی حاله (2) ، کما هو الأرجح فی النّداء ، کقوله :

213- ...***وأضحت (3) منک شاسعة أماما(4)

أصله : أمامة.

ص: 148

ولا یقع إلّا بعد ضمیر المتکلّم : إمّا متّصلا ، وإمّا منفصلا - کما تری -.

ویعامل الاسم فی الاختصاص بما یعامل به فی النّداء.

وأکثر ما یکون الاختصاص ب- «أیّ» ، أو تأنیثها ، فیبنیان علی الضّمّ ، لشبههما بالمنادی ، مردوفان ب- «هاء» مقحمة للتّنبیه ، متبعان بصفة لازمة واجبة الرّفع ، متّصلة ب- «أل» الجنسیّة ، نحو «أنا أیّها الرّجل أولی بالجمیل» ، و «اللهمّ اغفر لنا أیّتها العصابة» (1)(2).

ویفارق النّداء فی أنّه لا یستعمل معه حرف النّداء ، ولا یقع فی ابتداء الکلام ، وإنّما یقع فی أثنائه ، وبعد تمامه - کما مثّل - ، وینتصب مع الإفراد ، وتدخل علیه الألف واللّام قیاسا ، ولا یأتی علما.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وقد یری ذا دون أیّ تلو أل

کمثل نحن العرب أسخی من بذل

قد یری الاختصاص دون «أیّ» ، فیکون اسما ، مفردا ، تالیا ل- «أل» ، کمثل : «نحن العرب أسخی من بذل» ، وقد یأتی مضافا إلی متلبّس ب- «أل» ، کمثل : «نحن / معاشر الأنبیاء لا نورث» (3) ، ویجب نصبه فی المثالین بفعل محذوف لا یظهر ، تقدیره : أخصّ ، ولیس نصبه بحرف النّداء مقدّرا ، لامتناع تقدیر الحرف مع «أل» فی مثل : «نحن العرب».

ص: 150

معطوف ، نحو «إیّاک الأسد ، وإیّاک (1) من الأسد» أو مکرّرا ، نحو :

214- إیّاک إیاک المراء ...***...(2)

فإنّ تقدیر العامل (لا) (3) یختلف فی ذلک ، فتقدیر الأوّل : احذر تلاقی نفسک والشّرّ (4) ، ثمّ حذف المضاف الأوّل - وهو «تلاقی» - ، وأقیم الثّانی مقامه ، ثمّ حذف الثّانی ، وأقیم الثالث - وهو الضّمیر - مقامه ، فانتصب (5) ، فعطف علیه بالنّصب ، ثمّ حذف الفعل ، فانفصل الضّمیر (6).

وکذلک تقدیر الثّانی (7) والثالث (8) ، إلّا أنّه کرّر فیه (9) الضّمیر تأکیدا (10).

ص: 152

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ودون عطف ذا لإیّا انسب وما

سواه ستر فعله لن یلزما

إلّا مع العطف أو التّکرار

کالضّیغم الضّیغم یا ذا السّاری

قد تقرّر أنه مع العطف یکون العامل فیهما مضمرا ، فبدون العطف / یکون العامل فی «إیّا» واجب الاستتار أیضا.

وما سوی التّحذیر ب- «إیّا» إن کان مفردا ، غیر معطوف - لم یجب ستر العامل فیه ، سواء ذکرت المحذّر ، نحو «رأسک» ، أو المحذّر منه (1) ، نحو «الأسد» فیجوز ظهور العامل فیهما ، ومنه :

215- خلّ الطّریق لمن یبنی المنار به ***...(2)

وإن کان مکرّرا ، نحو «الضّیغم الضّیغم» یرید : الأسد الأسد ، أو معطوفا

ص: 153

علیه نحو «رأسک والسّیف» أو عطف أحد المحذّر منهما علی الآخر ، ک- (ناقَةَ اللهِ وَسُقْیاها)(1) [الشمس : 13] ، فاستتار الفعل النّاصب فی ذلک کلّه واجب ، کما یجب مع «إیّا» (2).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وشذّ إیّای وإیّاه أشذ

وعن سبیل القصد من قاس انتبذ

«إیّا» المستعملة فی التّحذیر (هی) (3) المردفة بالکاف التی للخطاب نحو «إیّاک ، وإیّاک ، وإیّاکما ، وإیّاکم ، وإیّاکنّ».

وشذّ استعماله مردوفا بما یدلّ علی التّکلّم ، کقول عمر رضی الله عنه : «وإیّای ونعم ابن عفّان» (4).

ص: 154

وأشذّ منه اتّصاله بما یدلّ علی الغائب ، وأشذّ منه اتّصاله (1) باسم ظاهر ، وقد اجتمعا فی قول بعضهم : «إذا بلغ الرّجل السّتین ، فإیّاه وإیّا الشّوابّ» (2).

(ولا) (3) ینقاس شیء من ذلک إلّا مع الخطاب (4).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وکمحذّر بلا إیّا اجعلا

مغری به فی کلّ ما قد فصّلا

أی : حکم المغری به حکم المحذّر منه ، إذا لم یکن معه «إیّا» ، فیلزم ستر العامل فیه مع العطف ، نحو «السّلاح والخیل» ، ومع التّکرار ، نحو :

216- أخاک / أخاک إنّ من لا أخا له ***...(5).

ص: 155

وتقدیر العامل : الزم.

ولا یلزم ستر العامل دونهما (1) ، نحو «الصّلاة جامعة» ، فإنّ تقدیره : احضروا ، ولو ظهر جاز ، و «جامعة» منصوب علی الحال من «الصّلاة» ، ولو رفعا علی الابتداء والخبر جاز (2).

ص: 156

والمراد بالاستعمال : جریانه کالفعل فی عدم التّأثّر بالعوامل ، وبذلک خرجت (1) المصادر والصّفات العاملة ، فإنّها تتأثّر بالعوامل.

وینقسم إلی :

- نائب عن الماضی ک- «شتّان» بمعنی : افترق (2) ، ولذلک لا یسند إلّا إلی متعدّد ، إمّا بعطف ، نحو «شتّان زید وعمرو» ، أو بضمّ ، ک- «شتّان القوم» (3).

ومنه : «شتّان ما بین زید وعمرو» ، لأنّ «ما» موصولة بمعنی : الأمکنة (4).

وقیل : «ما» ، و «بین» زائدتان (5).

- وإلی نائب عن الأمر ، ک- «صه» بمعنی : اسکت ، و «مه» بمعنی : اکفف ، ولا یسند إلی ظاهر.

ص: 158

- وإلی نائب عن المضارع ، ک- «أوّه» بمعنی : أتوجّع ، و «أفّ» بمعنی : أتضجّر ، و «کخّ» بمعنی : أتکرّه (1) ، ولم یستعمل إلّا بمعنی مضارع المتکلّم ، ولذلک لا یظهر بعده الفاعل.

ثمّ قال / :

وما بمعنی افعل کآمین کثر

وغیره کوی وهیهات نزر

أکثر ما استعمل أسماء الأفعال نائبة عن فعل الأمر ، ک- «آمین» بمعنی : استجب ، وقد تحذف المدّة منه ، وقد تشدّد المیم مع حذفها (2).

ص: 159

ومثله فی الدّلالة علی الأمر : «هیت» بمعنی : أسرع ، و «نزال» وبابه ، وقد تقدّم فی باب الأسماء اللّازمة للنّداء : أنّه ینقاس من کلّ فعل ، ثلاثیّ ، تامّ ، متصرّف (1).

ویقلّ استعمالها نائبة عن المضارع (2) (ک «أوّه» بمعنی أتوجّع ، و «وی» بمعنی : أعجب) (3) ، کقوله تعالی : (وَیْکَأَنَّ اللهَ یَبْسُطُ الرِّزْقَ) [القصص : 82] ، ویقال فیها : «وا» (4) ، نحو :

217 - *وا بأبی أنت وفوک الأشنب*(5)

أو نائبة عن الماضی ک- «هیهات» بمعنی (6) : بعد ، وهی مفتوحة التّاء عند الحجازیّین ، وبنو تمیم : یکسرونها ، وعقیل : تضمّها (7) ، وبها قرئ شاذّا :

ص: 160

(هَیْهاتَ)(1) هَیْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (2) [المؤمنون : 36] ، وفیها لغات غیر ذلک (3).

ثمّ قال :

والفعل من أسمائه علیکا

وهکذا دونک مع إلیکا

کذا روید بله ناصبین

ویعملان الخفض مصدرین

اسم الفعل ینقسم إلی موضوع له بالأصالة - کالأمثلة السّابقة - ، وإلی منقول إلیه بعد الاستعمال فی غیره ، ثمّ النّقل :

إمّا من جارّ ومجرور ، ک- «علیک زیدا» بمعنی : الزم ، قال الله تعالی : (عَلَیْکُمْ أَنْفُسَکُمْ) [المائدة : 105] ، و «إلیک عن زید» بمعنی : تنحّ (4).

وإمّا من ظرف ، ک- «دونک» بمعنی : خذ ، ومثله : «مکانک» بمعنی : اثبت ، و «وراءک» بمعنی : تأخّر ، و «أمامک» بمعنی : تقدّم.

وإمّا من مصدر استعمل فعله ، ک- «روید» / بمعنی : أمهل ، فإنّه تصغیر «إرواد» مصدر «أروده» بمعنی : أمهله ، ثمّ صغّر تصغر ترخیم ، فقیل : «رویدا» ، ثمّ نقل عن المصدریّة ، فاستعمل اسم فعل ، فنصبوا به ما بعده من غیر تنوین.

وإمّا من مصدر لم یستعمل فعله ، ک- «بله زیدا» ، بمعنی : دع ، فإنّ «بله» فی الأصل : مصدر فعل مهمل مرادف ل- «دع».

ص: 161

وإن أرید بهما المصدر خفضا ما بعدهما ، بإضافتهما إلیه ، فقیل : «روید زید ، وبله عمرو» ، کما یضاف المصدر إلی مفعوله.

وینفرد «روید» بأنّه یعمل النّصب (1) فی (حال) (2) مصدریّته أیضا ، فیفرّق بینه وبین اسم الفعل - التّنوین.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وما لما تنوب (3) عنه من عمل

لها وأخّر ما لذی فیه العمل

أی : تعمل أسماء الأفعال عمل الأفعال التی (4) نابت عنها.

فما ناب منها عن لازم ، ک- «صه ، ونزال ، وهیهات» اقتصر علی رفع فاعل ، وحکمه فی وجوب استتار الفاعل وظهوره حکم ما ناب عنه - کما سبق (5) -.

وما ناب منها عن متعدّ ، ک- «دونک ، وعلیک» نصب.

وإن استعمل بمعنی أفعال متعدّدة ، اختلفت أحواله ک- «حیّهل الثّرید» بمعنی : ائت ، و «حیّهل علی الخیر» ، بمعنی : أقبل ، ولم یسمع بعد «آمین» مفعول ، مع کونه بمعنی : استجب.

ویفارق اسم الفعل مسمّاه فی أنّه لا یجوز تقدیم معموله علیه ، بخلاف الأصل ، فلا یقال : «زیدا بله» کما یقال : «زیدا اترک» (6).

ثمّ قال رحمه الله تعالی / :

واحکم بتنکیر الّذی ینوّن

منها وتعریف سواه بیّن

تنقسم أسماء الأفعال بالنّسبة إلی لزوم التّنوین ، ولزوم التّجرّد منه ، وجوازهما ثلاثة أقسام :

فالأوّل : ک- «واها ، وویها» بمعنی : أتعجّب ، فهما فی الأسماء بمنزلة : «أحد ، ودیّار» ، وغیرهما ممّا یلزم التّنکیر.

ص: 162

والثّانی : ک- «شتّان» ، و «نزال» وبابه ، فهی بمنزلة ما لزم التّعریف ، کالمضمرات.

والثّالث : ک- «صه ، ومه» ، فإنّک إذا نوّنتهما کانتا (1) بمنزلة النّکرة فی دلالتها : إمّا علی معیّن ، وإمّا علی الجنس ، (فهما) (2) بمنزلة «رجل ، وثوب» ونحوهما ممّا یقبل (3) التّعریف والتّنکیر (4).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وما به خوطب ما لا یعقل

من مشبه اسم الفعل صوتا یجعل

الأصوات نوعان :

أحدهما : ما وضع لخطاب ما لا یعقل ، وهو شبیه باسم الفعل ، فلا یدخل فی ذلک (5) مخاطبتهم الدّور والمنازل وغیرها ، نحو :

218- ألا أیّها اللّیل الطّویل ألا انجلی ***...(6)

لعدم شبهه باسم الفعل ، بخلاف قولهم فی زجر البغل : «عدس» ، وفی

ص: 163

حثّ الإبل (علی) (1) الشّرب : «جئ جئ» (2) وفی دعاء الضّأن : «حاحا» (3) غیر مهموز.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

کذا الّذی أجدی حکایة کقب

والزم بنا النّوعین فهو قد وجب

هذا هو النّوع الثّانی من الأصوات ، وهو ما وضع لحکایة صوت : إمّا صوت حیوان ، وإمّا صوت جسم ملاق لآخر.

فمن الأوّل قولهم فی / حکایة صوت الغراب : «غاق» وفی حکایة صوت طیران الذّباب : «خاز باز» ، وفی حکایة صوت الضّحک : «طیخ» (4).

ومن الثّانی قولهم فی حکایة صوت الضّرب : طاق ، وفی حکایة صوت وقع الحجر : طق ، وفی حکایة صوت وقع السّیف : قب.

وکل من نوعی أسماء الأفعال والأصوات لازم البناء ، وعلّة بناء أسماء الأفعال شبهها بالحرف فی النّیابة عن الفعل ، مع عدم التّأثّر بالعوامل ، وعلّة (5) بناء أسماء الأصوات شبهها بالحرف المهمل فی وقوعها غیر عاملة ولا معمولة.

ص: 164

أو مثبتا فی قسم مستقبلا

وقلّ بعد ما ولم وبعد لا

وغیر إمّا من طوالب الجزا

وآخر المؤکّد افتح کابرزا

التّأکید بالنّون یختصّ بفعلی الأمر والمضارع ، ولا یدخل (1) علی الماضی.

أمّا الأمر ، فیؤکّدانه بلا قید.

وأمّا المضارع ، فینقسم تأکیده بهما إلی : مطّرد ، وإلی قلیل.

فالمطّرد منه ثلاثة مواضع :

الأوّل : أن یدلّ علی طلب : إمّا أمرا ، نحو «لیقومنّ زید» ، وإمّا نهیا ، نحو (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً) [إبراهیم : 42] ، وإمّا دعاء ، نحو «لتسقنّا الغیث یا إلهنا» ، ویلتحق بالطّلب ما أشبهه من التّحضیض ، والتّمنّی ، والاستفهام ، نحو :

219- هلا تمنّن بوعد غیر مخلفة***...(2)

وقوله :

220- فلیتک یوم الملتقی ترینّنی ***...(3)

ص: 166

وقوله :

221- ...***أفبعد کندة تمدحنّ قبیلا (1)(2)

الثّانی : أن یقع بعد «إن» الشّرطیّة المؤکّدة ب- «ما» ، نحو (فَإِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) [مریم : 26].

الثّالث : أن یقع (3) فی جواب القسم ، وهو مثبت مستقبل ، نحو (وَتَاللهِ لَأَکِیدَنَّ أَصْنامَکُمْ) [الأنبیاء : 57] ، ولا یؤکّد بها منفی ، نحو (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْکُرُ یُوسُفَ) [یوسف : 85] ، أو (4) (حال) (5) ، نحو :

222- یمینا لأبغض کلّ امرئ***یزخرف قولا ولا یفعل (6)

والتأکید فی القسم الثّالث واجب ، فإن عری عن التّأکید بالنّون قدّر قبله حرف النّفی ، فإذا قلت : «والله یقوم زید» کان المعنی : نفی القیام عنه.

وأمّا الثّانی : فلیس تأکیده واجبا / إلّا أنّ تجرّده من التّأکید لا یکاد یوجد إلّا فی الشّعر ، نحو :

ص: 167

223- یا صاح إمّا تجدنی غیر ذی جدة***...(1).

وأمّا الأوّل : فالتأکید فیه وترکه شائعان ، والقلیل منه أربعة مواضع :

الأوّل : إذا وقع بعد «ما» ، والمراد بها «ما» الزّائدة ، کقوله :

224- قلیلا (به) (2) ما یحمدنّک وارث ***...(3)

الثانی : إذا وقع بعد «لم» کقوله :

225- یحسبه الجاهل ما لم یعلما***شیخا علی کرسیّه معمّما(4)

ص: 168

الثّالث : إذا وقع بعد «لا» النّافیة ، کقوله :

(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا) [الأنفال : 25].

الرّابع : إذا وقع (1) شرطا لغیر «إن» ، کقوله :

226- من تثقفن منهم فلیس بآیب ***...(2)

وهو فی الأوّل والثّالث أکثر منه فی الآخرین (3).

ویجب بناء آخر الفعل المؤکّد علی الفتح ، ما لم یتّصل به ضمیر.

ص: 169

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

واشکله قبل مضمر لین بما

جانس من تحرّک قد علما

هذه المسألة مستثناة من وجوب فتح آخر الفعل المؤکّد ، وهو ما إذا أسند الفعل إلی ضمیر ذی لین ، وهو الألف والواو والیاء ، فإنّک تجعل آخر الفعل حینئذ محرّکا حرکة تجانس الضّمیر ، فتضمّه قبل الواو ، نحو (لَتُبْلَوُنَّ فِی أَمْوالِکُمْ) [آل عمران : 186] ، وتکسره قبل الیاء ، نحو (فَإِمَّا)(1) تَرَیِنَ [مریم : 26] ، وتفتحه قبل الألف ، نحو (وَلا تَتَّبِعانِ) [یونس : 89].

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

والمضمر احذفنّه إلّا الألف

وإن یکن فی آخر الفعل ألف

فاجعله (منه) (2) رافعا غیر

الیا

والواو یاء کاسعینّ سعیا /

واحذفه من رافع هاتین وفی

واو ویا شکل مجانس قفی

نحو اخشین یا هند بالکسر ویا

قوم اخشون واضمم وقس مسوّیا

أی : إذا کان آخر الفعل المؤکّد ضمیر ذو لین - حذفته إن کان غیر ألف ، فیشمل ذلک الواو ، نحو «هم یضربنّ» ، والیاء ، نحو «أنت تضربنّ» ، أصلهما «یضربون (3) ، وتضربین» حذفت الواو والیاء ، لالتقائهما (4) ساکنین مع أوّل نونی التّأکید الساکنة للإدغام فیما بعدها ، وسواء کان آخر الفعل صحیحا - کما مثّل - أو معتلّا بالواو والیاء ، نحو (لَتُبْلَوُنَ) [آل عمران : 186] ، (فَإِمَّا تَرَیِنَ) [مریم : 26].

وإن کان الضّمیر ألفا - أقرّ علی حاله إن کان الفعل صحیحا أو معتلا ، نحو «هما یضربانّ ، ویعدوانّ ، ویرمیانّ ، ویخشیانّ».

وأمّا حکم آخر الفعل المعتلّ - فقد (5) سبق أنّ المعتلّ بالواو والیاء لا یحذف حرف العلّة منه.

وأمّا المعتلّ بالألف : فإن رفع غیر الواو والیاء من ألف ، أو ضمیر مستتر - قلبت ألفه یاء ، نحو «اخشینّ یا زید ، واسعینّ (6) سعیا ، واخشیانّ ، وأنتما

ص: 170

تسعیانّ» ، وإن رفع الواو والیاء - حذفت (1) ألفه وحرّک کلّ واحد من الواو والیاء بما یجانسه ، فتحرّک الیاء بالکسر ، نحو «اخشینّ یا هند» (2) ، والواو بالضّمّ نحو «یا قوم اخشونّ» ، ویقاس علی ذلک جمیع الأفعال المعتلّة بالألف.

ثمّ قال رحمه الله تعالی / :

ولم تقع خفیفة بعد الألف

لکن شدیدة وکسرها ألف

أخذ فی بیان الأحکام المختصّة بالنّون الخفیفة وهی أربعة :

أوّلها هذا : وهو عدم وقوعها بعد ألف ، وإنّما تقع بعدها الثّقیلة ، ثمّ المانع من وقوع الخفیفة بعد الألف هو (3) الفرار من التقاء السّاکنین ، فلو کان بعدها ما تدغم فیه : ففی کونه مسوّغا لوقوعها بعد الألف قولان (4).

والحقّ ما ذهب إلیه یونس ، من جواز وقوعها بعد الألف مطلقا (5) ، ثمّ تکسر لالتقاء السّاکنین (6) ، - لا کما قال أبو علیّ : إنّها تقرّ علی سکونها (7) - ،

ص: 171

ومنه (1) قراءة بعضهم : فدمرانهم تدمیرا (2) [الفرقان : 36].

ثمّ قال :

وألفا زد قبلها مؤکّدا

فعلا إلی نون الإناث أسندا

هذا الحکم الثّانی من أحکام الخفیفة ، وهو أنّه لا یؤکّد بها الفعل المسند إلی نون الإناث لأنّه إذا أکّد بالنّون الثّقیلة لزم أن یفصل بینها (3) وبین نون الإناث بألف ، فیقال : «هما یضربنانّ» (4) کراهیّة لتوالی النّونات ، والخفیفة لا تقع بعد الألف.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

واحذف خفیفة لساکن ردف

وبعد غیر فتحة إذا تقف

واردد إذا حذفتها فی الوقف ما

من أجلها فی الوصل کان عدما (5)

وأبدلنها بعد فتح ألفا

وقفا کما تقول فی قفن قفا /

هذان الثّالث والرّابع من الأحکام المختصّة بالخفیفة.

فالثّالث : أنّها تحذف لملاقاتها السّاکن بعد ، کقوله :

227- لا تهین الفقیر علّک أن ***ترکع یوما والدّهر قد رفعه (6)

ص: 172

أصله : تهینن.

والرّابع : أنّها تعامل بما یعامل التّنوین ، فتقف بحذفها إن وقعت بعد غیر فتحة من کسر أو ضمّ ، ولا یتصوّر ذلک إلّا فی الفعل المسند إلی الواو والیاء - کما سبق - وحینئذ فلا یبقی آخر الفعل علی حاله معها ، لکن یجب أن یردّ إلیه ما کان قد حذف من أجلها للوصل ، فتقول فی نحو «القوم یکرمن أضیافهم ، وأنت تکرمن بعلک» إذا وقفت (1) علی الفعل : «یکرموا ، وتکرمی» بحذف النّون لشبهها بالتّنوین ، وردّ الواو والیاء ، لزوال ما حذفا من أجله من ملاقاة السّاکن بعدهما.

وإن کانت النّون بعد فتحة ، نحو لنسفعن [العلق : 15] ، وقفت علیها بإبدالها ألفا ، کما یفعل ذلک بالتّنوین الواقع بعد فتحة ، فتقول علی هذا فی «قفن یا زید» ، إذا وقفت : «قفا» ، ومنه قوله :

228- ... ***ولا (2) تعبد الشّیطان والله فاعبدا(3)

ص: 173

فالأوّل : ک- «زید».

والثّانی : ک- «کیف».

والثّالث : ک- «أحمد» (1) ، ولیس فیها عکسه (2).

وقوله :

الصّرف ...

البیت أی : الصّرف تنوین (3) جیء به لبیان معنی أمکنیّة الاسم ، وسلامته من شبه الفعل والحرف ، ک- «زید» من (4) المعارف (و «فرس» من النّکرات) (5) ، إلّا أنّه (6) یخلفه ما یشبهه ، ک- «مسلمات» (7).

والمانع لدخول هذا التّنوین :

إمّا علّتان من علل عشر.

وإمّا علّة تقوم مقامهما بأن (8) تکون - أی إحدی العلتین - راجعة إلی

ص: 175

اللّفظ ، والأخری راجعة إلی المعنی ، لأنّ الفعل فیه فرعیّة من حیث اللفظ ، وهی (1) اشتقاقه من المصدر ، وفرعیّة من حیث المعنی ، وهی (2) اقتران دلالته بالزّمان.

والعلة القائمة مقام علّتین شیئان :

أحدهما : ألف التّأنیث.

والثّانی : صیغة منتهی الجموع.

وأمّا العلّتان ، فلا بدّ أن تکون إحداهما : إمّا الوصف ، وإمّا العلمیّة ، لأنّهما العلّتان المعنویّتان ، وما عداهما فعلل لفظیّة (3).

فیمنع مع الوصف ثلاثة أشیاء : العدل (4) ، ک- «مثنی» ، ووزن الفعل ، ک- «أحمد» وزیادة الألف والنّون ، ک- «سکران».

ویمنع مع العلمیّة هذه الثّلاثة (5) ، (ک «عمر) (6) ، ویزید ، ومروان» ، وأربعة أخری ، وهی : العجمة ، ک- «إبراهیم» ، والتّأنیث ، ک- «طلحة ، وزینب» ، والتّرکیب ، ک- «معدی کرب» (7) وألف الإلحاق ، ک- «أرطی» ، وستری ذلک کلّه مفصّلا.

ثمّ قال رحمه الله تعالی / :

فألف التّأنیث مطلقا منع

صرف الّذی حواه کیفما وقع

أی : ألف التّأنیث تستقلّ (8) بالمنع مطلقا ، سواء کانت مقصورة أو ممدودة ، وسواء کان ما وقعت (9) فیه علما ، ک- «سلمی» ، أو اسما ، ک- «حبلی» ، أو صفة ک- «حمراء» ، أو اسم جنس ، ک- «ذکری» مفردا (- کما مثّل -) (10) أو جمعا ، ک- «جرحی» (11).

ثمّ قال :

ص: 176

وزائدا فعلان فی وصف سلم

من أن یری بتاء تأنیث ختم

بدأ بذکر العلل المانعة مع الوصف ، وهی ثلاثة أشیاء ، هذا أوّلها ، وهو : زیادة الألف والنّون مع الوصف ، وهو مختص بوزن «فعلان» ، بشرط سلامته من قبول تاء التأنیث عند الإطلاق علی المؤنّث.

إمّا لأنّ مؤنّثه علی «فعلی» ، ک- «سکران».

وإمّا لأنّه لا مؤنّث له ، لفقد (1) المعنی فیه ، ک- «لحیان» (2) ، أو للاستغناء عنه بلفظ آخر ، ک- «ألیان» لعظیم الإلیتین (3) ، فإنّهم قالوا : مؤنّثه فی الآدمیّین (4) «عجزاء» (5).

أمّا (ما) (6) ختم مؤنّثه بالتاء عند قصد التّأنیث ، نحو «سیفان» للطّویل (7) ، فلا یمتنع صرفه.

وبنو أسد یصرفون باب «فعلان» من الصّفات ، لأنّ «فعلانة» (8) مطّرد فیه عندهم (9).

ص: 177

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ووصف اصلیّ ووزن أفعلا

ممنوع تأنیث بتا کأشهلا

هذا الثّانی (1) ممّا یمنع مع الوصف ، وهو زنة «أفعل» فی لفظ وضع للوصف أصلا ، ک- «أشهل» (2) ، وشرطه :

أن یمتنع ختمه بتاء التّأنیث عند (3) / قصد إطلاقه علی المؤنّث ، إمّا لأنّ مؤنّثه «فعلی» - کما مثّل - ، وإمّا لأنّه لا مؤنّث له ، ک- «أکمر» للعظیم الکمرة (4).

أمّا لو ختم - عند قصد التّأنیث - بالتّاء ، ک- «أرمل ، وأرملة» - لم یمتنع صرفه (5).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وألغینّ عارض الوصفیّه

کأربع وعارض الإسمیّه

فالأدهم القید لکونه وضع

فی الأصل وصفا انصرافه منع

وأجدل وأخیل وأفعی

مصروفة وقد ینلن المنعا

قد سبق أنّ شرط منع الوصف مع وزن الفعل أن یکون أصلیّا ، فنحو «أربع» فی قولک : «مررت بنسوة أربع» لا یمتنع صرفه فی الأصل ، (لأنّه) (6) اسم لهذا العدد المخصوص ، ولکن عرض الوصف به ، وفی التّمثیل به نظر : فإنّ فیه مقتضی (7) آخر للصّرف ، وهو أنّه یقبل التّأنیث بالتاء ، نحو «مررت برجال أربعة» ، لکن یمثّل ذلک بقولهم : «مررت برجل أرنب» أی : ذلیل (8).

ص: 178

ولذلک (فإنّ) (1) أصالة الوصفیّة تقتضی منع الصّرف لما عرض نقله إلی الاسمیّة ک- «الأدهم» إذا سمّی به القید (2) ، و «أبطح ، وأبرق ، وأجرع» إذا سمّی بها (3) أماکن (4) ، و «أرقم ، وأسود» إذا أطلقا (5) علی الحیّة (6).

وأمّا «أجدل» للصّقر (7) ، و «أخیل» لطائر ذی خیلان ، وهی نقط (8) سوداء (9) ، و «أفعی» للحیّة (10) - فإنّها مصروفة ، لکونها أسماء فی الأصل والحال.

وبعض العرب یمنعها الصّرف (11) التفاتا إلی / معنی الصّفة التی لأجلها

ص: 179

سمّیت هذه الحیوانات بذلک ، وهی : القوّة ، والتّلوّن ، والإیذاء ، إلا أنّ ذلک فی «أجدل ، وأخیل» أبین (1) ، لظهور معنی الاشتقاق ، قال الشاعر :

229- کأنّ بنی الدّغماء (2) إذ لحقوا بنا***فراخ القطا لاقین أجدل بازیا(3)

ومثله :

230- ...***فما طائر یوما علیک بأخیلا(4)

بخلاف «أفعی» فإنّ اشتقاقه : إمّا منتف ، وإمّا خفی ، إلّا أنّه قد سمع أیضا نحو :

ص: 180

231- ... ***أطرق أفعی ینفث السّمّ صلّ (1)

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ومنع عدل مع وصف معتبر

فی لفظ مثنی وثلاث (2)

وأخر

هذا الباب الثّالث ممّا یمنع مع الوصف، وهو العدل، وهو التّحویل من مثال إلی غیره ، وذلک فی موضعین:

أحدهما : الأعداد المعدولة ک- «مثنی (3) ، وثلاث» ، قال الله تعالی : (أُولِی)(4) أَجْنِحَةٍ مَثْنی وَثُلاثَ [فاطر : 1] ، وهما معدولان عن لفظی العدد إذا کرّرا ، ف- «مثنی» قائم مقام «اثنین» مکرّرا ، و «ثلاث» قائم مقام «ثلاثة» مکرّرا.

ولا یقع هذا النّوع إلّا نعتا - کما مثّل - أو حالا نحو (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنی وَفُرادی) [سبأ : 46] ، أو خبرا ، کقوله صلی الله علیه و (آله و) سلم : «صلاة اللّیل مثنی مثنی» (5).

ص: 181

الثّانی : «أخر» جمع «أخری» مؤنّث «آخر» للدّلالة علی المغایر ، کقولک : «مررت بامرأة ونسوة أخر» ، وهو معدول عن «آخر» ، لأنّه من باب أفعل التّفضیل وأفعل التّفضیل إذا تجرّد من «أل» والإضافة / جری مفردا فی الأحوال کلّها - کما سبق - فکان مقتضی هذه القاعدة أن یقال : «مررت برجلین أخر ، وبرجال أخر ، وبنسوة أخر» ، کما یفعل ذلک ب- «أفعل» ، إلّا أنّهم فرّعوه کما تفرّع الصّفات ، فکلّ فروعه معدولة عنه ، فلم یظهر أثر العدل فی التّثنیة والجمع ، لأنّهما معربان بالحروف ، فلا مدخل لهما فی هذا الباب ، ولم یذکره النحاة فی «أخری» اکتفاء بما فیها من ألف التّأنیث المقتضیة للمنع و «آخر» هو الأصل ، فلم یبق شیء ممّا أثّر فیه العدل إلّا «أخر».

وهذه الأقسام الثّلاثة (1) صرفها ممتنع مع التّنکیر ، فلو سمّی بها ، وصارت معارف ، فمنع الصّرف باق ، لأنّه خلف الوصف علّة أخری وهی العلمیّة (2).

ثمّ قال :

ووزن مثنی وثلاث کهما

من واحد لأربع فلیعلما

وزن «فعال ، ومفعل» المعدول (3) عن الأعداد - مسموع من الواحد إلی الأربعة ، قالوا : «أحاد وموحد ، وثناء ومثنی ، وثلاث ومثلث ، ورباع ومربع» ، قال الله تعالی : (فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَثُلاثَ وَرُباعَ) [النساء : 3].

وقد سمع أیضا فی «خماس ، وعشار» (4).

ص: 182

وذهب بعض النحاة إلی قیاسهما فی الجمیع (1).

وبعضهم إلی (عدم) (2) قیاس «مفعل» ، دون «فعال» (3).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وکن لجمع مشبه مفاعلا

أو المفاعیل بمنع کافلا

هذه العلّة الثّانیة من العلّتین المستقلّتین. وهو ما / أشبه فی اللّفظ «مفاعل» أو «مفاعیل» من الجموع (4) ، سواء کانت المیم فی أوّله ، ک- «مساجد ، ومصابیح» ، أو لم تکن ک- «دراهم (5) ، ودنانیر» ، ومنه : «دوابّ ، وصوافّ» ، لأنّ أصلهما (6) : «دوابب ، وصوافف».

ص: 183

ویسمّی : الجمع الذی لا نظیر له فی الآحاد ، وصیغة منتهی الجموع.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وذا اعتلال منه کالجواری

رفعا وجرّا أجره کساری

ما کان من هذا الجمع معتلّا بالیاء - ولا یتصوّر ذلک إلّا فی موازن «مفاعل» - ک- «الجواری ، والعلالی ، والصّحاری» ، فمع خلوّه من «أل» ، والإضافة ، تجریه فی الرّفع والجرّ مجری «قاض ، وسار» (1) ، ونحوهما من المنقوص المنکّر ، فتحذف یاؤه ، ویعوّض عنها التّنوین ، نحو (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) [الأعراف : 41] ، و (سَبْعَ لَیالٍ)(2) [الحاقة : 7].

وأمّا فی النّصب فتجریه مجری «مفاعل» فتفتح یاءه غیر منوّنة ، نحو (سِیرُوا فِیها لَیالِیَ) [سبأ : 18].

أمّا المضاف منه والمعرّف ب- «أل» فتعاملهما معاملة المنقوص ، فتسکّن (3) یاءه فی الرّفع والجرّ ، نحو (وَمِنْ آیاتِهِ) الجواری (4) [الشوری : 32] ، وتقول : «مررت بالجواری» ، وتفتح فی النّصب ، نحو (وَإِنِّی خِفْتُ الْمَوالِیَ)(5) [مریم : 5].

ص: 184

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ولسراویل بهذا الجمع

شبه اقتضی عموم المنع

«سراویل» یمتنع صرفه مع کونه مفردا غیر علم ، لمشابهته هذا الجمع لفظا (1).

وقیل : بل منع صرفه للعجمة ، مع شبه الجمع (2).

وقیل : بل لأنّه فی الأصل جمع «سروالة» (3).

ص: 185

ونقل ابن الحاجب صرفه عن بعض العرب (1) ، ولم (2) یثبت (3).

ثمّ قال / :

وإن به سمّی أو بما لحق

به فالانصراف منعه یحق

إذا سمّی بهذا الجمع - مثل أن تسمّی رجلا ب- «دراهم» أو امرأة ب- «دنانیر» - ، أو بما ألحق به : إمّا منقولا عن أعجمیّ ، ک- «شراحیل» (4) ، وإمّا مرتجلا ، ک- «هوازن» - استحقّ منع الصّرف ، ک- «سراویل» ، بل أولی لزیادته علیه بالعلمیّة ، مع تحقّق الجمعیّة فی المنقول عنها.

فإن أخرج عن العلمیّة بالتّنکیر ، فهل یصرف أو لا؟

الأکثرون علی بقاء المنع ، لأنّ التّأثیر إنّما هو لشبه الجمع لفظا ، أو لأنّه الأصل (5).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

والعلم امنع صرفه مرکّبا

ترکیب مزج نحو معدی کربا

ص: 186

أخذ فی ذکر العلل المانعة مع العلمیّة ، وهی سبع :

الأولی : ترکیب (1) المزج ، دون ترکیب الإضافة ، ودون ترکیب الإسناد ، ولا یتناول فی الأفصح إلّا ما لم یختم ب- «ویه» (2) ، ک- «بعلبکّ ، وحضر موت ، ومعدی کرب» فی أفصح لغاتها (3) ، فإنّ بعض العرب یبنیهما معا علی الفتح (4) ، وبعضهم یضیف أوّل الجزأین إلی الثّانی (5) - کما سبق (6) -.

ص: 187

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

کذاک حاوی زائدی فعلانا

کغطفان (1) وکإصبهانا

هذه العلّة الثّانیة ممّا یمنع مع العلمیّة ، وهو ما اتّصل به زائدا «فعلان» ، وهما الألف والنّون ، سواء طابقه وزنا ک- «مروان (2) ، وسلمان» ، أو لم یطابقه ک- «إصبهان» (3).

فإن لم تکن نونه زائدة ک- «تبّان» (4) صرف (5).

وإن احتملت / الزّیادة وعدمها ، ک- «حسّان ، وحیّان ، وشیطان» - فإنّها تحتمل الاشتقاق من الحسّ (6) ، والحیاة ، ومن شاط إذا احترق (7) ، فتکون النّون زائدة ، وتحتمل (8) الاشتقاق من : الحسن ، والحین (9) ، ومن شطن (10) ، فتکون أصلیّة - جاز فیه الصّرف وترکه ، وهو الأکثر فی «حسّان» ، ومن شعره :

232- ما هاج حسّان رسوم المقام ***ومظعن الحیّ (11) ومبنی الخیام(12)

ص: 188

ثمّ قال رحمه الله :

کذا مؤنّث بهاء مطلقا

وشرط منع العار کونه ارتقی

فوق الثّلاث أو کجور أو سقر

أو زید إسم امرأة لا اسم ذکر

هذه العلّة الثّالثة ممّا یمنع مع العلمیّة ، وهی التّأنیث ، فإن کان (1) بزیادة التّاء ، منع الصرف مطلقا ، سواء زاد علی ثلاثة أحرف ک- «طلحة (2) ، وعائشة» ، أو لم یزد ، ک- «هبة (3) ، وثبة» ، وسواء کان علم مذکّر ، أو علم مؤنّث - کما مثّل -.

وإن کان التّأنیث بالمعنی ، لم یؤثّر إلّا فی أربع صور معها کلامه :

الأولی : أن یکون زائدا علی ثلاثة أحرف ، ک- «سعاد ، وزینب».

الثّانیة (4) : أن یکون علی ثلاثة أحرف ، إلّا أنّه متحرّک الوسط ک- «سقر ، ولظی» (5).

الثّالثة : أن یکون علی ثلاثة أحرف ، ساکن الوسط ، إلّا أنّه أعجمیّ ، ک- «ماه (6) ، وجور (7)» اسمی بلدتین ، و «مصر» علی قول من جعلها أعجمیّة (8).

ص: 189

الرّابعة (1) : أن یکون علی ثلاثة أحرف ، ساکن الوسط ، إلّا أنه منقول من المذکّر إلی المؤنّث ، ک- «زید» ، إذا سمّیت به امرأة (2).

ثمّ قال رحمه الله تعالی / :

وجهان فی العادم تذکیرا سبق

وعجمة (3) کهند والمنع

أحق

إذا کان المؤنّث بالمعنی علی ثلاثة أحرف ساکن الوسط ، ولم یسبق استعماله فی التّذکیر ، ک- «زید» ، ولا هو أعجمیّ ک- «جور» - (جاز) (4) فیه الوجهان : الصّرف ، وترک ذلک ، ک- «هند ، ودعد ، وجمل (5)» إلّا أنّ ترک صرفه أولی (6).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

والعجمیّ الوضع والتّعریف مع

زید علی الثّلاث صرفه امتنع

ص: 190

هذه العلّة الرّابعة ممّا (1) یمنع مع (2) العلمیّة ، وهی العجمة ، ومعناه أن یکون العجم - والمراد بهم : من عدا العرب (3) - قد وضعت الاسم فی لغتها علما ، وهو المراد بصدر البیت.

وشرطه : الزّیادة علی ثلاثة أحرف ، ک- «یوسف ، وإبراهیم ، وثمود» ، و (إلیه) (4) أشار بقوله : «مع زید علی الثّلاث».

فلو وضعت العرب فی لغتها اسم جنس ، ک- «جوالق (5) ، ولجام» (6) - لم یمتنع صرفه عند استعمال العرب له علما.

ولو کان علی ثلاثة أحرف لم یمتنع صرفه ، سواء کان ساکن الوسط ، ک- «نوح ولوط» (7) أو متحرّکا ، ک- «شتر» (8).

وبعضهم یحکی فی السّاکن (9) منه - ما لم یکن مؤنّثا ک- «ماه ، وجور» - الوجهین (10) ، ولم یرد فی القرآن إلّا مصروفا ، نحو (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) [العنکبوت : 26] ، (قالَ نُوحٌ) [نوح : 21].

ص: 191

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

کذاک ذو وزن یخصّ الفعلا

أو غالب کأحمد ویعلی

هذه العلّة الخامسة ممّا یمنع مع العلمیّة ، وهی وزن الفعل ، ولا یختصّ / ذلک بوزن «أفعل» ، کما فی الصّفات ، ولا بما یخصّ الفعل من الأوزان ، بل یؤثّر فی المنع ما یخصّ الفعل ک- «شمّر» (1) ، و «دئل» اسم قبیلة (2) ، وما غلب فیه ، ک- «أحمد ، ویعلی ، ویزید ، ویشکر» ، ونحوها ممّا جاء علی وزن مبدوء بحرف یدلّ الابتداء به علی معنی فی الفعل ، ولا یدلّ علی معنی فی الاسم ، کحروف المضارعة.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وما یصیر علما من ذی ألف

زیدت لإلحاق فلیس ینصرف

هذه العلّة السّادسة ممّا یمنع (مع) (3) العلمیّة ، وهی ألف الإلحاق المقصورة ، ک- «علقی» (4) ، و «أرطی» (5) ، علمین ، لشبهها بألف التّأنیث فی الزّیادة والموافقة لمثال ما سمّی به ممّا هی فیه ، (بخلاف الممدودة) (6) ، لعدم (7) تمام الشّبه ، فإنّها لا توافق (8) وزن ما فیه ألف التّأنیث الممدودة (9).

ص: 192

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

والعلّم امنع صرفه إن عدلا

کفعل التّوکید أو کثعلا

هذه العلّة السّابعة ممّا یمنع مع العلمیّة ، وهی العدل من مثال إلی غیره ، ویعرف عدله بأنّه یسمع ممنوع الصّرف ، ولیس فیه علّة ظاهرة غیر العلمیّة ، نحو «عمر ، وزفر ، وزحل ، وجمح ، وثعل» فیقدّر (1) ذلک کلّه معدولا ، لأنّ العلمیّة لا تستقلّ بالمنع ، مع شهرة العدل فی هذا الوزن ک- «غدر (2) ، وفسق ، وأخر» - کما سبق (3) -.

ولیس فی کلمة «طوی» من قولهم : «ذی طوی» (4) (عدل) (5) ، لأنّ المانع من الصّرف علی إحدی اللغتین (6) فیه إنّما هو التّأنیث / باعتبار البقعة ، ولا یمنع من ذلک کونه علی ثلاثة أحرف ، لقیام حرکة وسطه مقام الحرف الرّابع.

ویمنع أیضا مع شبه العلمیّة ، ک- «جمع» ، وما یتبعها من ألفاظ التّوکید ، ک- «کتع ، وبتع ، وبصع» ، فإنّها معدولة عن «فعلاوات» ، لأنّ مفرداتها «فعلاء»

ص: 193

وقیاسها الجمع علی «فعلاوات» ، ک- «صحراوات» ، وهی معارف بنیّة الإضافة إلی ضمیر المؤکّد.

ثمّ قال :

والعدل والتّعریف مانعا سحر

إذا به التّعیین قصدا یعتبر

ممّا یمنع صرفه للعدل وشبه العلمیّة : «سحر» (1) ، إذا کان ظرفا ، وقصد (2) به تعیین (3) سحر یوم بعینه ، ولم یتعرّف ب- «أل» ، ولا بإضافة ، نحو «آتیک یوم الجمعة سحر».

أما شبه العلمیّة فیه ، فظاهر باقتضائه تعیین (4) مسمّاه.

وأمّا العدل (5) ، فإنّه معدول عن «السّحر» ، لأنّ النّکرات إذا قصد تعیینها بدون إضافة ، أدخلت علیها «أل».

ونظیره فی ذلک (أمس) (6) إذا أرید به الیوم الّذی قبل یومک علی لغة من یعربه ، وهم بنو تمیم ، فإنّهم لا یصرفونه لشبه العلمیّة والعدل عن «الأمس» (7) ، نحو :

ص: 194

233- إنّی رأیت عجبا مذ أمسا (1) ***عجائزا مثل السّعالی (2) خمسا(3)

ولیس مبنیّا علی الفتح ، کما زعم بعضهم (4) ، بدلیل قول الآخر :

234- اعتصم بالرّجاء إن عزّ بأس (5) ***وتناس الّذی تضمّن أمس (6)

وأمّا علی لغة أهل الحجاز فی بنائهم علی الکسر (7) ، فلا یدخل فی هذا الباب.

ص: 195

أمّا لو لم یرد ب- «سحر» التّعیین (1) - صرف ، کقوله تعالی : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّیْناهُمْ)(2) / بِسَحَرٍ [القمر : 34] ، وکذلک لو أرید به الاسم دون الظّرف (3) إلّا أنّه یلزمه فی هذه الحالة الإضافة ، نحو «طاب سحر لیلتنا» ، أو «أل» نحو «طاب السّحر».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وابن علی الکسر فعال علما

مؤنّثا وهو نظیر جشما

عند تمیم واصرفن ما نکّرا

من کلّ ما التّعریف فیه أثّرا

ما جاء من الأعلام علی «فعال» ک- «حذام وقطام» (4) ، فإنّ أهل الحجاز یبنونه علی الکسر (5) ، لشبهه ب- «نزال» وبابها من أسماء الأفعال ، وعلیه جاء :

235- إذا قالت حذام فصدّقوها***فإنّ القول ما قالت حذام (6)

وبنو تمیم یعربونه إعراب ما لا ینصرف (7) ، واختلف فی المانع من صرفه :

ص: 196

فقال سیبویه والأکثرون : العدل (1) مع العلمیّة (2) ، وإلی ذلک أشار النّاظم بقوله : «وهو نظیر جشم» ، فإنّ «جشم» فیه العدل والعلمیّة ، وعلی هذا فهو معدول عن «فاعلة» ، کما أنّ «جشم» معدول عن «فاعل».

وقال المبرّد : المانع التّأنیث المعنویّ مع العلمیّة ک- «زینب» (3).

وعندی : أنّ قوله (4) أصحّ (5) ، إذ الموجب لادّعائه العدل ما سبق من وجود منع الصّرف ، مع عدم ظهور علّة أخری ، وهنا قد وجدت علّة أخری ، وهی التّأنیث ، فلا یعدل إلی العدل.

وأمّا نحو :

236- ومرّ دهر علی وبار***فهلکت جهرة وبار(6)

ص: 197

فقیل : هو استعمال للغتین (1) ، فإنّ آخره مرفوع ، لأنّ قبله / :

ألم تروا إرما وعادا

أودی بها اللّیل والنّهار (2)

ثمّ هذه الأقسام السبعة الّتی أحد المانعین من صرفها التّعریف بالعلمیّة إذا نکّرت صرفت ، لزوال إحدی العلّتین ، فتقول : «ربّ معدی کرب ، وعمران ، وفاطمة ، وزینب ، وإبراهیم ، وأحمد ، وأرطی ، وعمر - لقیتهم» ، بخلاف ما لم تکن العلمیّة سببا فی منعه ، ک- «سکران» وغیره من الصّفات المانعة من الصّرف ، إذا سمّیت بها ، فإنّها إذا نکّرت لم تصرف (3) ، لبقاء مانعین (4) ، وتجویز الأخفش (الصّرف) (5) فی أحد قولیه - ضعیف (6).

ص: 198

وممّا یعود إلی الصّرف ، لزوال إحدی (1) العلّتین : ما صغّر من نحو «حمید ، وعمیر» ، و «سمیع ، وبریه» ، تصغیر «إسماعیل ، وإبراهیم» لزوال وزن الفعل فی الأوّل ، ولفظ العدل فی الثّانی ، وزوال اللّفظ الأعجمیّ فی الأخیرین (2).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وما یکون منه منقوصا ففی

إعرابه نهج جوار یقتفی

إذا کان الممتنع صرفه للعلمیّة وعلّة أخری منقوصا ، ک- «القاضی» إذا سمّیت به امرأة ، فإنّک تعربه إعراب «جوار» بأن تحذف یاؤه رفعا وجرّا ، معوّضا عنها بالتّنوین ، فتقول : «هذه قاض ، ومررت بقاض» ، وتثبت فی النّصب محرّکة (3) بالفتح (4) ، نحو «رأیت قاضی الجمیلة». هذا مذهب سیبویه والأکثرین (5).

وعند الکسائیّ ، ویونس (6) : أنّ الیاء تقرّ (7) ساکنة فی الرّفع ، وتحرّک بالفتحة فی الجرّ والنّصب ، تمسّکا بقوله :

237- قد عجبت منّی ومن یعیلیا***لمّا رأتنی خلقا مقلولیا(8)

ص: 199

وغیرهما یجعل ذلک ضرورة.

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ولاضطرار أو تناسب (1)

صرف

ذو المنع والمصروف قد لا ینصرف /

یمتنع الممتنع صرفه - مع قیام المانع - من الصّرف (إلّا) (2) فی موضعین :

أحدهما : ضرورة الشّعر ، وهو کثیر ، لا اختلاف بین النحاة فیه (3) ، وإنّما الاختلاف فی عکسه ، وهو منع صرف المصروف للضّرورة ، والصّحیح : جوازه ، کما ذهب إلیه الکوفیّون (4) ، نحو :

ص: 200

238- فما کان حصن ولا حابس ***یفوقان مرداس فی مجمع (1)

الثّانی : طلب التّناسب لما بعده ، کقراءة نافع : (سَلاسِلَ وَأَغْلالاً)(2) [الإنسان : 4] ، أو لما قبله ، کقراءة الأعمش : لا تذرن ودا ولا سواعا ولا یغوثا ویعوقا (3) [نوح : 23].

ص: 201

وردّ قول البصریّین : إنّ الرّافع له وقوعه موقع الاسم ؛ بثبوت الرّفع بعد أدوات التّحضیض ، وفی خبر أفعال المقاربة المجرّدة عن «أنّ» ، وفی الصّلة ، نحو «جاءنی الّذی یقوم» ، مع عدم صلاحیّة هذه المواضع للاسم (1).

وقدّم الجازم لکونه من خصائص الفعل (2).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وبلن انصبه وکی کذا بأن

لا بعد علم والّتی من بعد ظن

فانصب بها والرّفع صحّح واعتقد

تخفیف أن (3) من أنّ فهو

مطّرد

الّذی ینتصب بعده المضارع ینقسم إلی : ما هو ناصب بنفسه ، وإلی ما ینصب ب- «أن» مضمرة بعده ، فبدأ بالقسم الأوّل ، وهو أربعة أحرف :

أحدها : «لن» ، ولیست مرکّبة من «لا» ، و «أن» ، حذفت الهمزة تخفیفا ، ثمّ الألف لالتقاء الساکنین ، کما ذهب إلیه الخلیل (4) ، ولا أصلها «لا» ، أبدلت

ص: 203

الألف نونا ، کما ذهب إلیه الفرّاء (1) ، لانتفاء الدّلیل علیهما (2) /. وهی ناصبة بنفسها اتّفاقا (3) ، والرّفع بعدها ندور ، کندور الجزم بها (4) ، کقوله :

239- ...***فلن یحل للعینین بعدک منظر(5)

ص: 204

وتقتضی نفی ما أثبت بحرف التّنفیس» (1) ، من غیر دلالة علی التّأبید (2) ، ولا منافاة له (3).

الثّانی : «کی» ، وظاهر کلامه هنا أنّها ناصبة بنفسها مطلقا ، والصواب ما قسّمه فی غیر هذا الموضع ، من أنّ المصدریّة ناصبة بنفسها ، والتّعلیلیّة الّتی بمعنی الّلام ، النّصب بعدها بإضمار «أن» (4).

وتعرف المصدریّة بدخول لام التّعلیل علیها ، نحو : (لِکَیْلا)(5) تَأْسَوْا [الحدید : 23] ، والتّعلیلیّة بدخولها علی الّلام ، نحو :

ص: 205

240- فأوقدت ناری (1) کی لیبصر ضوؤها***...(2)

لامتناع الفصل بین الموصول (3) وصلته (4) بحرف الجرّ ، ودخول حرف موصول علی مثله (5) ، وتقدّر الّلام مؤکدة لتعلیل «کی» (6).

ومع التجرّد عن الّلام ، نحو : (کَیْ لا یَکُونَ دُولَةً) [الحشر : 7] ، فیجوز الوجهان ، ولم یسمع فی کلامهم : «کی أن یقوم زید» (7).

الثّالث : أن المصدریّة ، نحو : (وَالَّذِی أَطْمَعُ أَنْ یَغْفِرَ لِی) [الشعراء : 82] ، وتعرف بصحّة تأوّلها وما بعدها بالمصدر ، بخلاف المخفّفة من الثّقیلة ، وهی الواقعة بعد فعل دالّ علی العلم ، نحو : (عَلِمَ أَنْ سَیَکُونُ) [المزمل : 20] ، فإنّه یتعیّن رفع الفعل بعدها ، وأکثر ما یقع مفصولا منها بحرف التّنفیس ، أو نفی ، أو «قد» ، أو «لو» - کما سبق (8) - وقد تأتی بلا فصل کقوله :

241- علموا أن یؤمّلون فجادوا***...(9)

ص: 206

والنّصب بعدها فی قراءة / بعضهم : (أَفَلا یَرَوْنَ أَلَّا یَرْجِعُ)(1) [طه : 89] - نادر. فإن وقعت بعد فعل دالّ علی الظّنّ ، ک- : «حسب ، وزعم ، وظنّ» ونحوها - جاز أن تجعل مصدریّة ناصبة ، وأن تجعل مخفّفة من الثّقیلة ، فلا تعمل ، ویکون الفعل بعدها مرفوعا (2) ، وبهما قریء فی التواتر (3) : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَکُونَ)(4) فِتْنَةٌ (5) [المائدة : 71] ، وتترجّح المصدریّة عند عدم الفصل بینها وبین الفعل ، ولذلک أجمعوا علی النّصب فی : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا)(6) [العنکبوت : 2].

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وبعضهم أهمل أن حملا علی

ما أختها حیث استحقّت عملا

بعض العرب یهمل «أن» مطلقا حملا علی «ما» المصدریّة فی نحو : (وَیَعْلَمُ ما) یفعلون (7) [الشوری : 25] ، ومنه قوله :

ص: 207

242- أن تقرآن علی أسماء ویحکما***...(1)

وقریء شاذّا : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ یُتِمَّ الرَّضاعَةَ) [البقرة : 233] - بضمّ المیم (2) - وأندر منه الجزم بها (3) فی نحو :

243- ...***تعالوا إلی أن یأتنا الصید نحطب (4)

وتقع أن تفسیریّة ، وزائدة ، فلا تعمل شیئا.

ص: 208

وتعرف الأولی : بأن یتقدّم علیها جملة متضمّنة لمعنی القول دون حروفه (1) ، وأکثر ما یلیها الأمر ، نحو : (فَأَوْحی إِلَیْهِمْ)(2) أَنْ سَبِّحُوا [مریم : 11] ، (فَأَوْحَیْنا إِلَیْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْکَ) [المؤمنون : 27].

وأکثر ما تقع الثّانیة بعد «لمّا» ، نحو : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِیرُ) [یوسف : 96] ، (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) [العنکبوت : 33].

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

ونصبوا بإذن المستقبلا

إن صدّرت والفعل بعد موصلا

أو قبله الیمین وانصب وارفعا

إذا إذن من بعد عطف وقعا /

هذا هو الحرف الرّابع ممّا ینصب الفعل المضارع بنفسه وهو : «إذن» (3).

قال سیبویه : «وهی حرف جزاء وجواب» (4).

وذکر المصنّف لعملها ثلاثة شروط :

ص: 209

أحدها : أن یکون الفعل الّذی دخلت علیه مستقبلا ، فلا یجوز النّصب فی نحو : «إذن تصدق» ، جوابا لمن قال : «أحبّ زیدا».

الثّانی : أن تکون مصدّرة ، فلو وقعت حشوا ، کقوله :

244- لئن عاد لی عبد العزیز بمثلها***وأمکننی منها إذن لا أقیلها(1)

لم تعمل شیئا ، فإن تقدّمها عاطف - کالواو والفاء - فالأکثر أن تقدّر خارجة عن التّصدّر بذلک ، فیرفع الفعل بعدها ، وبه قرأ السّبعة : وإذن لا یلبثون خلفک (2) [الإسراء : 76] ، فإذن لا یؤتون الناس (3) [النساء : 53] ، وبعضهم

ص: 210

ینصب بها ، ولا یخرجها عن التّصدّر بسبق العاطف لها ، کما لا یخرج سبق العاطف أدوات الاستفهام عمّا استقرّ لها من التّصدّر ، نحو : (وَمَنْ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : 135].

الثّالث : أن یتّصل بها الفعل ، إلا إذا حصل الفصل بالقسم ، فلا یبطل العمل ، کقوله :

245- إذن والله نرمیهم بحرب ***...(1)

وإلیه أشار المصنّف بقوله : «أو قبله الیمین».

ولا حجّة لمن أجاز الفصل بالنّداء والدّعاء (2) ، أو معمول الفعل (3).

ثمّ قال :

وبین لا ولام جرّ التزم

إظهار أن ناصبة وإن عدم /

لا فأن اعمل مظهرا أو مضمرا

وبعد نفی کان حتما أضمرا

أخذ فی ذکر المواضع الّتی ینتصب فیها الفعل ب- «أن مضمرة» ، وهی منقسمة إلی ما إضمارها فیه جائز ، وإلی ما إضمارها فیه واجب.

ص: 211

فالإضمار الجائز فی موضعین ذکرهما المصنّف :

أحدهما : بعد لام التّعلیل ، إذا لم یقترن الفعل بعدها ب- «لا» (1).

ومن إظهارها قوله : (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَکُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِینَ) [الزمر : 12] ، (ومن) (2) إضمارها : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِینَ) [الأنعام : 71].

وإن اقترن الفعل بعدها ب- «لا» التزم إظهار «أن» کما أشار إلیه بالبیت الأول ، وسواء کانت «لا» نافیة ، کقوله تعالی : (لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَیْکُمْ حُجَّةٌ) [البقرة : 150] ، أو زائدة مؤکّدة ، نحو : (لِئَلَّا یَعْلَمَ أَهْلُ الْکِتابِ) [الحدید : 29].

والموضع الثّانی : ما إذا عطف المضارع علی اسم فی تأویل الفعل - کما یأتی -.

والإضمار الواجب فی خمسة مواضع :

أحدها : بعد لام (3) الجرّ الواقعة بعد «کان» المنفیّة الدّالة علی معنی (ماض) (4) إمّا بلفظ ، نحو : (ما کانَ (اللهُ)(5) لِیَذَرَ الْمُؤْمِنِینَ [آل عمران : 179] ، وإمّا لاقترانها ب- «لم» ، نحو : (لَمْ یَکُنِ اللهُ لِیَغْفِرَ لَهُمْ) [النساء : 137] ، وتسمّی لام الجحود (6).

ص: 212

ثمّ قال :

کذاک بعد أو إذا یصلح فی

موضعها حتّی أو الّا أن خفی

هذا هو الموضع الثّانی مما ینتصب فیه الفعل ب- «أن» واجبة الإضمار ، وهو بعد «أو» المقدّرة ب- «حتّی» (1) ، أو ب- «إلا».

وقول المصنّف : «أن خفی» (2) (لا) (3) حاجة / إلیه ، لأنّ «أن» مقدّرة (4) ، وقد یتعیّن التّقدیر الأوّل ، نحو : «لأسیرنّ (5) أو لأدخلنّ البصرة» ، وقوله :

246- لأستسهلنّ الصّعب أو أدرک المنی ***...(6)

ص: 213

وقد یتعیّن الثّانی ، نحو : «لأطلّقنّک (1) أو تحسن صحبتی» ، وقوله :

247- وکنت إذا غمزت قناة قوم ***کسرت کعوبها أو تستقیما(2)

وقد یجوز الأمران ، نحو : «لألزمنّک أو تقضینی حقّی».

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وبعد حتّی هکذا إضمار أن

حتم کجد حتّی تسرّ ذا حزن

وتلو حتّی حالا او مؤولا

به ارفعنّ وانصب المستقبلا

هذا هو الموضع الثالث مما یجب فیه إضمار «أن» وهو بعد «حتّی» الجارّة (3) ، سواء کانت لانتهاء الغایة ، نحو : (وَزُلْزِلُوا حَتَّی یَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة : 214] ، أو

ص: 214

التعلیل ، نحو : (لا تُنْفِقُوا عَلی مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّی یَنْفَضُّوا)(1) [المنافقون : 7] ، أو محتملة لهما ، نحو : (فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّی تَفِیءَ) [الحجرات : 9].

وشرط النّصب بعدها أن یکون الفعل مستقبلا - کما مثّل - ، فأمّا إن کان حالا أو مؤّولا بالحال - تعیّن رفعه (2).

فمن الحال قولهم : «مرض حتّی (3) لا یرجونه» (4) ، ومن المؤوّل به قراءة نافع : (وَزُلْزِلُوا حَتَّی یَقُولَ الرَّسُولُ)(5) [البقرة : 214] ، إذ هی فی تأویل : حتّی حال الرّسول والّذین آمنوا معه أنّهم (6) / یقولون ذلک.

و (من) (7) شروط الرّفع أن یکون ما بعدها فضلة مسبّبا عمّا قبله (8) ، فلا

ص: 215

یجوز الرّفع فی نحو : «سیری حتّی أدخلها» ، لانتفاء الفضلة (1) ، ولا فی نحو : «لأسیرن (2) حتّی تطلع الشّمس» لانتفاء السّببیّة (3).

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

وبعد فاجواب نفی أو طلب

محضین أن وسترها حتم نصب

هذا هو الموضع الرّابع ممّا یجب فیه إضمار «أن» وهو بعد الفاء الواقعة جوابا لنفی محض (4) ، نحو : (لا یُقْضی عَلَیْهِمْ فَیَمُوتُوا) [فاطر : 36] ، أو طلب محض ، سواء کان أمرا ، نحو :

248- یا ناق سیری عنقا فسیحا***إلی سلیمان فنستریحا (5)(6)

أو نهیا نحو : (لا تَطْغَوْا فِیهِ فَیَحِلَ) [طه : 81] ، أو دعاء کقوله :

ص: 216

249- ربّ وفّقنی فلا أعدل عن ***سنن السّاعین فی خیر سنن (1)

ویلتحق بذلک جواب الاستفهام ، والتّمنّی ، والعرض ، نحو : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَیَشْفَعُوا لَنا) [الأعراف : 53] ، (یا لَیْتَنِی کُنْتُ مَعَهُمْ ، فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِیماً) [النساء : 73] ، (لَوْ لا أَخَّرْتَنِی إِلی أَجَلٍ قَرِیبٍ فَأَصَّدَّقَ) [المنافقون : 10] ، وقوله :

250- یابن الکرام ألا تدنو فتبصر ما***قد حدّثوک فما راء کمن سمعا(2)

فلو کان النّفی والطّلب غیر محضین ، کالنّفی الدّاخل علیه همزة الاستفهام لقصد التّقریر (3) ، نحو : «ألم تأتنی فأحسن إلیک» ، والنّفی الدّاخل (4) علی النّفی ، نحو : «ما یزال یأتینا فیحدّثنا» (5) - لم یجز النّصب ، وکذلک إن کان الطّلب غیر محض ، بأن یکون / أمرا بغیر «افعل» - کما یأتی (6) -.

ص: 217

ثمّ قال رحمه الله تعالی :

والواو کالفا إن تفد مفهوم مع

کلا تکن جلدا وتظهر الجزع

هذا هو الموضع الخامس مما یجب فیه إضمار «أن» ، وهو بعد الواو الدّالّة علی المعیّة (1) ، وتسمّی : واو الجمع (2) ، وواو الصّرف (3).

وشرط النّصب بعدها : أن یتقدّمها ما یتقدّم الفاء من نفی ، نحو : (وَلَمَّا یَعْلَمِ اللهُ الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْکُمْ وَیَعْلَمَ الصَّابِرِینَ) [آل عمران : 142] ، أو طلب من أمر ، نحو :

251- فقلت : ادعی وأدعو إنّ أندی ***لصوت أن ینادی داعیان (4)

ص: 218

أو نهی ، نحو : «لا تکن جلدا وتظهر (1) الجزع» ، ومثله :

252- لا تنه عن خلق وتأتی مثله ***...(2)

ویلتحق بهما : التّمنّی ، کقراءة بعضهم : (یا لَیْتَنا نُرَدُّ وَلا نُکَذِّبَ) [الأنعام : 27] - بفتح الباء الموحّدة (3) -.

فلو لم تدلّ علی المعیّة ، کالواو العاطفة فی قولک : «لا تأکل السّمک وتشرب الّلبن» (4) إذا أردت النّهی عن کلّ منهما ، والاستئنافیّة فی قولک :

ص: 219

«وتشرب الّلبن» إذا أردت النّهی عن الأوّل فقط - لم یکن من هذا الباب ، لأنّک إنّما تنصب ب- «أن» إذا أردت الجمع بینهما.

وکذلک لا ینتصب الفعل بعد الفاء الّتی لا تدلّ علی الجواب ، کالعاطفة فی قوله : (وَلا یُؤْذَنُ لَهُمْ فَیَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : 36] ، والاستئنافیّة فی قوله :

253- ألم تسأل الرّبع القواء فینطق ***...(1)

والمراد بالجواب : أن یکون ما بعدها مسبّبا عمّا قبلها.

ثمّ قال رحمه الله تعالی / :

وبعد غیر النّفی جزما اعتمد

إن تسقط الفا والجزاء قد قصد

وشرط جزم بعد نهی أن تضع

إن قبل لا دون تخالف یقع

المراد بغیر النّفی : الطلب ، فإذا أسقطت الفاء بعد الطّلب ، مع إرادة الجواب بالفعل - فحکمه الجزم (2) ، نحو : (تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّکُمْ عَلَیْکُمْ)

ص: 220

[الأنعام : 151] ، (فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا یَرِثُنِی)(1) [مریم : 5 - 6].

ثمّ هو بعد الأمر بلا شرط ، وبعد النّهی بشرط صحّة وقوع «إن (لا) (2)» موقع حرف النّهی (3) ، فیکون الکلام مستقیما ، نحو : «لا تعص الله یدخلک الجنّة» ، لصحّة تقدیره ب- : إن (لا) (4) تعص الله یدخلک الجنّة ، بخلاف : «لا تعص الله یدخلک النّار» فإنّه یتعیّن الرّفع فیه ، لعدم صحّة التّقدیر المذکور.

والجزم فی قول أبی طلحة (5) : «بأبی أنت وأمّی ، لا تشرف یصبک سهم» (6) علی البدل ، ولا یجوز علی الجواب عند الأکثرین ، وفیه نظر.