خلاصه عمده الاصول آیه الله خرازی المجلد 1

اشارة

سرشناسه:خرازی، سیدمحسن، 1315 -

عنوان و نام پدیدآور:خلاصه عمده الاصول/ تالیف محسن الخرازی؛ تصحیح علی رضا الجعفری

مشخصات نشر:قم: موسسه در راه حق، 1415ق.= -1376

مشخصات ظاهری:2ج.

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1422ق. = 1380).

یادداشت:ج. 5 (چاپ اول: 1427ق. = 1385).

یادداشت:ج.6 (چاپ اول: 1430ق. = 1388).

یادداشت:کتابنامه

موضوع:اصول فقه شیعه

شناسه افزوده:جعفری، علیرضا، مصحح

رده بندی کنگره:BP159/8/خ 4ع 8 1376

رده بندی دیویی:297/312

شماره کتابشناسی ملی:م 78-2994

ص :1

هویة الکتاب

العنوان... خلاص عمدة الأصول (ج 1)

الموضوع... اصول الفقه

تألیف... آیة الله السیّد محسن الخرّازی

باهتمام... السیّد علیّ رضا الجعفری

نشر... مؤسسه در راه حق

الطبع... الاُولی

المطبع... ولی عصر (عج)

العدد... 1000

ص:2

ص:3

ص:4

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدلله رب العالمین و الصلوة و السلام علی سیّدنا محمد و آله الطاهرین و اللعنة علی اعدائهم أجمعین إلی قیام یوم الدین

أما بعد فقد رتبت هذه الخلاصة کعمدة الاصول علی مقدمة و مقاصد ان شاء الله تعالی اما المقدمة ففی بیان امور:

الأمر الأوّل: فی تعریف علم الاصول و موضوعه

اشارة

و یقع الکلام فیه من جهات:

الجهة الاُولی: فی تعریف علم الاصول

و للقوم هنا تعاریف لاتخلو عن المناقشات و نلخّصها کما یلی:

1 - تعریف المشهور و هو «العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیّة الفرعیّة عن أدلّتها التفصیلیّة» وفیه انه لایتمّ طرداً بعد شموله لسائر القواعد الممهّدة لذلک کالقواعد المنطقیّة و الرجالیّة و الأدبیّة لعدم اختصاص القواعد الممهّدة المذکورة بالمسائل الاصولیة مع انها من المبادی لا من مسائل علم الاصول ولاعکساً بعد عدم جامعیّته لما لااستکشاف فیه بالنسبة إلی الأحکام الشرعیّة کالحکم بالتخییر عند

ص:5

دوران الأمر بین المحذورین أو الحکم بالاحتیاط عند العلم الإجمالی و غیر ذلک فان الحکم العقلی فی مورد دوران الأمر بین المحذورین بالتخییر أو حکم العقل بالاحتیاط عند العلم الإجمالی لایکشف عن الحکم الواقعی الآخر فی هذا الحال و هکذا الأصل الشرعی فی مورد الشک کاصالة الحلیة لاکاشفیة له بالنسبة إلی الواقع مع انها من المسائل الأصولیّة.

2 - تعریف صاحب الدرر و هو العلم بالقواعد الممهّدة لکشف حال الأحکام الکلیّة الواقعیّة المتعلّقة بأفعال المکلّفین سواء تقع فی طریق العلم بها کما فی بعض القواعد العقلّیة أو تکون موجبة للعلم بسقوط العقاب کذلک فإنّ القواعد المذکورة کلّها إذا انضمّت إلی صغریاتها فالنتیجة الحاصلة تنفع بحال حکم شرعیّ آخر وراء نفسها إمّا لکونها طریقاً علمیّاً لثبوته أو لاثبوته و إمّا سبباً لتنجّزه أو لا تنجّزه، و فیه انه لایتمّ طرداً بعد عدم اختصاص القواعد الممهّدة بالمسائل الاُصولیّة لان سائر العلوم أیضاً قواعد ممهدة لکشف حال الأحکام الکلیة الواقعیه فیرد علیه ما أورد علی تعریف المشهور من عدم کونه طارداً.

3 - تعریف صاحب الکفایة و هو «صناعة یعرف بها القواعد التی یمکن أن تقع فی طریق استنباط الأحکام أو التی ینتهی إلیها فی مقام العمل» و فیه انه لایتمّ طرداً لأنّ قوله: ینتهی إلیها فی مقام العمل یشمل جمیع القواعد الفقهیّة کقاعدة الفراغ و اصالة الصحة هذا مضافاً إلی انه یوجب أن یکون فن الاصول فنین اذ تمایز العلوم بتمایز الاغراض عند صاحب الکفایة.

4 - تعریف مصابیح الاُصول و هو «العلم بالقواعد لتحصیل العلم بالوظیفة الفعلیّة فی مرحلة العمل» و فیه انه غیر تامّ أیضاً لأنّه غیر شامل للمباحث الاُصولیّة التی تکون نتیجة البحث فیها منفیّة کحجیّة القیاس و الإجماع المنقول و غیرهما.

ص:6

5 - تعریف تهذیب الاُصول و هو «القواعد الآلیّة التی یمکن أن تقع فی کبری استنتاج الأحکام الکلّیّة الفرعیّة الإلهیّة أو الوظیفة العملیّة» و هو أحسن ما فی الباب أللّهمّ إلّا أن یقال إنّ تعدّد الغرض یوجب تعدّد العلم بناء علی مختار صاحب الکفایة من أنّ تمایز العلوم بتمایز الأغراض و علیه فلامناص من أن یفرض غرض جامع بین الغرضین کتحصیل الحجّة علی الحکم الشرعیّ حتّی لایلزم تعدّد علم الاُصول فافهم.

6 - تعریف المختار و هو أنّ علم الاُصول «علم بالقواعد التی یمکن أن تقع تلک القواعد کبری للشکل القیاسیّ الذی رتّب لتحصیل الحجّة علی الأحکام التی غیر تلک القواعد سواء کانت معذّرة أو منجّزة» و هو تامّ إذ بقولنا: یمکن أن تقع کبری للشکل القیاسیّ الذی رتّب لتحصیل الحجّة الخ یخرج سائر العلوم من النحو و الصرف و المنطق و غیرها لأن نتیجتها لاتقع کبری للشکل القیاسیّ المذکور بل بعضها یکون من المبادئ و الصغریات للکبریات الاصولیة کالبحث عن ظهور الأوامر فی الوجوب فانه من صغریات کبری حجیة الظهور و أیضاً بقولنا لتحصیل الحجّة علی الحکم یخرج جمیع القواعد الفقهیّة لأنّها تفید نفس الحکم لا الحجّة علی الحکم کما لایخفی.

الجهة الثانیة: فی تعریف موضوع کل علم

ولایخفی علیک أنّ قضایا العلوم مرکّبة من الموضوع و المحمول و من المعلوم أنّ کلّ محمول عارض لموضوعه و حیث أنّ الموضوع مندرج تحت الموضوع الجامع الکلّیّ فعارضه عارض للموضوع الجامع الکلّیّ بواسطة عروضه لنوعه.

وحیث أنّ العوارض علی أنحاء؛ منها: العارض الذاتیّ الذی یعرض لذات الموضوع من دون وساطة شیء کقولنا فی الاُصول: الظهورات حجّة.

ومنها: العارض الذی یعرض لذات الموضوع بواسطة شیء کعروض الرفع لفاعل کقولنا: «کلّ فاعل مرفوع»، بواسطة عروضه لآخر الکلمة فالفاعل مرفوع من باب

ص:7

توصیف الکلّ بوصف جزئه و لیس ذاتیّاً له و إلّا فلیس الفاعل بتمام أجزائه مرفوع کما هو واضح بل الرفع عارض ذاتیّ لآخر الکلمة و عارض غیر ذاتیّ للفاعل و هکذا فی سائر موارد الإعراب و کعروض عوارض الأنواع بالنسبة إلی جنسها فإنّ عروض عوارض الأنواع بالنسبة إلی جنسها بواسطة أنواعه و لیس ذاتیّاً له.

و معلوم أنّ کلّ واحد من الأنحاء المذکورة یکون من أغراض مدوّن العلوم فلاوجه لإخراج العارض بالواسطة إذا کان مورداض لغرض مدوّن العلم.

و علیه فتخصیص موضوع کلّ علم بما فی المنطق من «أنّه الذی یبحث فیه عن عوارضه الذاتیّة» لایخلو عن المناقشة و النظر بعد کون عروض المحمولات للموضوع الجامع بواسطة عروضها لأنواعه و کون العوارض بالنسبة إلی جنس الأنواع أعراضاً غریبة و بعد ما عرفت من أنّ الإعراب عارض لآخر الکلمة ذاتاً و مع ذلک و مع ذلک یکون من عوارض الفاعل و المفعول و نظائرهما.

والقول بأنّ الموضوع هو العنوان الانتزاعیّ من موضوعات المسائل لا أنّه کلّیّ یتخصّص فی مراتب تنزّله بخصوصیّات تکون تلک الخصوصیّات واسطة فی عروض محمولاتها له کما فی تعلیقة الإصفهانیّ قدس سره عدول عمّا مرّ من إمکان تصویر الموضوع الکلّیّ الجامع لموضوعات المسائل مثل عنوان «ذات الحجّة فی الفقه» أو «ما یصلح لأن یحتجّ به علی الأحکام الکلّیّة فی الفقه» فحدیث الانتزاع خروج عن الفرض.

هذا مضافاً إلی ما عرفت من أنّ المحمولات فی النحو لاتکون أعراضاً ذاتیّة لموضوعات مسائله أیضاً بل تحمل علیها من باب توصیف الکلّ بوصف جزئه.

وممّا ذکر یظهر ما فی دعوی أنّ اللازم هو صدق محمولات القضایا علی موضوع العلم صدقاً حقیقیّاً بلامجاز لا أن تکون الأعراض أعراضاً ذاتیّة بالمعنی المصطلح بل

ص:8

بحیث لایری اللاحق لاحقاً لغیره و إن کان بالنظر الدقیق ذا واسطة فی العروض و بعبارة اخری یکون الوصف وصفاً له بحال نفسه لابحال متعلّقه.

وذلک لما عرفت من أنّ حمل محمولات الأنواع علی جنسها بواسطة الأنواع من المجاز کما أنّ حمل الإعراب علی الفاعل أو المفعول مع أنّه عارض لآخر الکلمة من باب المجاز و لیس الوصف وصفاً له بحال نفسه کما لایخفی.

و ممّا ذکر یظهر أیضاً أنّ تفسیر العوارض الذاتیّة بما لاواسطة له فی العروض کما فی الکفایة لایکفی فی تصحیح تعریف موضوع کلب علم بأنّه الذی یبحث فیه عن عوارضه الذاتیّة لما عرفت من أنّ المحمولات عوارض لموضوعاتها بواسطة عروضها للأنواع أو بواسطة عروضها لآخر الکلمة فالأولی هو أن یقال فی تعریف الموضوع لکلب علم بأنّه الذی یبحث فیه عن عوارضه المقصودة سواء کانت ذاتیّة أو غریبة حقیقیّة أو مجازیّة. فالمعیار هو أن یکون العوارض مقصودة لمدوّن العلم فلاتغفل.

الجهة الثالثة: فی تمایز العلوم

و اختلف فیه علی أقوال و آراء و المختار انه بالموضوع و تفصیل ذلک بذکر امور:

1 - إنّ التمایز بین العلوم یکون بالموضوع الجامع الذی لایندرج تحت جامع آخر و علیه فیندرج موضوع کلّ باب أو کلّ مسألة من علم تحت موضوع واحد بحیث تکون محمولات القضایا أعراضاً لذلک فلا یرد علی کون تمایز العلوم بالموضوع ما أورده صاحب الکفایة من أنّ لازمه هو کون کلّ باب بل کلّ مسألة من کلّ علم علماً علی حدّه. لان موضوعات أبواب النحو أو مسائلها ککون الفاعل مرفوعاً أو المفعول منصوباً تندرج تحت موضوع واحد جامع کلّیّ کالکلمة و الکلام من حیث قابلیّتهما للإعراب و البناء بحیث یصحّ حمل المرفوع أو المنصوب علی الکلمة کما یصحّ حملهما علی الفاعل و المفعول.

ص:9

2 - لاحاجة فی التمایز بین العلوم إلی ضمیمة وحدة الغرض لحصول التمایز بالموضوع وحده بل مع حصول التمایز بالموضوع الکلّیّ الجامع علی النحو المذکور فلا یبقی إجمال حتّی یرتفع بالأمر المترتّب علی مسائل العلم و أبوابه من الغرض فالتمایز بالموضوع مقدّم رتبة علی التمایز بالغرض.

3 - لامجال لدعوی التمایز بنفس القضایا و المسائل مع تقدّم التمایز بنفس الموضوع الجامع. و الاستدلال بأنّ بعض العلوم کعلم الجغرافیا لم یکن فی ابتداء الأمر إلّا قضایا قلیلة قد تکمّلت بمرور الزمان فلم یکن الموضوع عند المؤسّس المدوّن مشخّصاً حتّی یجعل البحث عن أحواله أصدق شاهد إذ العلم بأوضاع الأرض من جبالها و میاهها و بحارها و بلدانها لم یتیسّر إلّا بمجاهدة الرجال قد قام کلّ علی تألیف کتاب فی أوضاع مملکته الخاصّة به حتّی تمّ العلم، مندفع بأنّ کلّ علم له موضوع و إن کان قضایاه فی أوّل الأمر قلیلة و لعلّ موضوع علم الجغرافیا هو أوضاع الأرض من جبالها و میاهها و بحارها و بلدانها و معادنها و نحوها و إن لم یتمکّن الباحث عن تبیین جمیع موارد الموضوع المذکور. و هکذا موضوع علم الفقه هو طبیعة الأفعال التی تتعلّق بها الأحکام الخمسة و کلّ حکم وضعیّ یرجع إلی الأحکام التکلیفیّة التی تکون أعراضاً لطبیعة الأفعال فمثل اشتغال الذمّة بالضمان یرجع إلی وجوب الأداء و هکذا النجاسات ترجع إلی وجوب الاجتناب عنها.

ثم ان قصورنا عن تعریف الجامع الکلی بالنسبة إلی بعض العلوم کالفن الاعلی لایکشف عن عدم وجود الموضوع الجامع له بل اللازم فی نحوه هو التعبیر بالکلی الذی اتحّد مع موضوعات مسائله ثم السعی نحو استکشاف الموضوع علی نحو یعم موضوعات جمیع المسائل عدا ما لایمکن ادراجه فی الموضوع الّا استطراداً و بالجملة

ص:10

فمع حصول التمایز بالموضوع الجامع الکلّیّ یرتفع الإجمال فلایبقی مورد للتمایز بالمسائل أو الأغراض فلاتغفل.

الجهة الرابعة: فی موضوع علم الاُصول

وتلخص الکلام فیمایلی:

1 - موضوع علم الاُصول هو «ما یصلح للحجّیّة علی الأحکام الکلّیّة الفقهیّة» إذ مرجع التعاریف کالعلم بالقواعد الممهّدة کما ذهب إلیه المشهور أو العلم بالقواعد التی یمکن أن تقع کبری للشکل القیاسیّ الذی رتّب لتحصیل الحجّة علی الحکم الکلّیّ الفقهیّ کما هو المختار أو العلم بالقواعد الآلیّة التی یمکن أن تقع فی کبری استنتاج الأحکام الکلّیّة الفرعیّة الإلهیّة أو الوظیفة العملیّة کما أفاده سیّدنا الإمام المجاهد قدس سره و غیر ذلک، إلی العلم بما یصلح للحجّیّة علی الأحکام الکلّیّة الفقهیّة وهذا ینطبق علی جمیع موضوعات المسائل کالخبر و الشهرة و الخبرین المتعارضین و الاستصحاب و اصالة البرائة و اصالة التخییر و المفاهیم و غیر ذلک لأن کلها مما یصلح للحجیة علی الحکم الکلی الفقهی فالموضوع لعلم الاُصول هو ذات الحجّة و ذات الحجّة لایختصّ بالأدلّة الأربعة و لذلک یشمل موضوع علم الاُصول لما لایبحث عن أحوال الأدلّة الأربعة کالبحث عن العامّ و الخاصّ و المطلق و المقیّد لأنّها ممّا یصلح للحجّیّة علی الأحکام الکلّیّة الفقهیّة مع أنّها لیست من مختصّات الأدلّة الأربعة فلا وجه لدعوی استطراد هذه المباحث.

و حیث کان الموضوع هو ما یصلح للحجّیّة فکلّ شیء تدّعی حجّیّته و إن لم تساعده الأدلّة یشمله موضوع علم الاُصول کالقیاس و الاستحسان لأنّه أیضاً ممّا یصلح للحجّیّة فلا وجه لدعوی استطراد هذه المباحث نعم لو قلنا بأنّ الموضوع فی علم الاُصول هو ما یکون حجّة فعلیّة کان القیاس و نحوه خارجاً عن موضوع علم الاُصول و لکن عرفت

ص:11

أنّ الموضوع هو ما یصلح للحجّیّة علی الأحکام الکلّیّة الفقهیّة و لا وجه لتقیید الحجّیّة، بالفعلیّة کما یظهر من نهایة الاُصول.

و علیه فموضوع علم الاُصول یشمل جمیع القواعد الکلّیّة المبحوث عنها فی علم الاُصول کحجّیّة المفاهیم نعم البحث عن مدلول أدوات العموم أو المشتقّات و نحوهما یکون من صغریات الظهورات فالبحث عنها لیس بحثا اصولیّا بل یکون من المبادئ فإنّ کبری هذه الظهورات و هی حجّیّة الظهورات تقع فی الشکل القیاسیّ لاستنتاج الأحکام الکلّیّة.

2 - و لا یخفی علیک أنّ بعد اتضاح أنّ موضوع علم الاُصول هو ما یصلح لأن یکون حجّة علی الأحکام الفقهیّة الکلّیّة، لامجال لأن یجعل الموضوع هو الحجّة التی نعلم بوجودها إجمالاً فنبحث عن تعیّناتها و أفرادها کما فی نهایة الاُصول و إلّا فبعد انحلال الحجّة المعلومة إجمالاً بعدّة من موارد الحجج التفصیلیّة فلایصحّ البحث عن صلاحیّة الموارد الاُخری لکونها حجّة علی الأحکام و المعلوم خلافه فالموضوع هو ما یصلح للحجّیّة و هو ینطبق علی جمیع القواعد المبحوث عنها فی علم الاُصول عدا موارد تکون من المبادئ کالبحث عن الأدوات أو المشتقّات و نحوهما کما عرفت.

ص:12

الأمر الثانی: فی الوضع

اشارة

والکلام فیه یقع فی مقامات:

المقام الأوّل: فی حقیقة الوضع:

اشارة

و لایخفی علیک أنّ الصادر من الواضع هو تعیین اللفظ للمعنی علی وجه یصّحح الاستعمال فیه من غیر اعتماد علی تعیینه لمعنی آخر و هذا التعیین کتعیین الأب و الجد مثلا لفظاً خاصا للولید فی الأعلام الشخصیة.

نعم اللازم فی واضع الأعلام الشخصیة و واضع اللغة أن یکونا فی موضع و محل من الاعتبار حتی یعتنی بوضعهما و یتبع وعلیه فصلاحیة الاتباع تکون من الشرائط لاالاتباع الخارجی إذ بعد العلم بتخصیص الواضع الذی یصلح للتبعیة عنه لفظاً لمعنی یحصل الاُنس بین اللفظ و المعنی و إن لم یتحقق الاتباع الخارجی بعد و هذا التخصیص و التعیین یؤول فی الحقیقه إلی اعتبار الواضع الارتباط و الاختصاص بین طبیعة لفظ خاص و طبیعة معنی خاص و الاختصاص و الارتباط أمر اعتباری یحصل بفعل الواضع.

ثم لایذهب علیک أنّ حیثیة الارتباط المذکور بین اللفظ و المعنی هو عین دلالة اللفظ علی معناه و الانتقال منه إلیه من دون حاجة إلی الالتزام بأنّ حقیقة الوضع تعهّد ذکر اللفظ عند ارادة تفهیم المعنی لأنّ کیفیة الدلالة و الانتقال فی الألفاظ و سائر الدوال کنصب العلائم للفرسخ و غیره علی نهج واحد.

ص:13

فهل تری تعهدا من ناصب العلم علی رأس الفرسخ بل لیس هناک إلّا وضعه علیه بداعی الانتقال من رؤیته إلیه فکذلک فیما نحن فیه.

عدم الحاجة إلی الالتزام و التعهّد فی الوضع

ولایخفی أنّ اعتبار الاختصاص و الارتباط بین طبیعة اللفظ و طبیعة المعنی أمر مقدور بواسطة تعیین اللفظ علی المعنی ممن شأنه ذلک من دون حاجة إلی شیء آخر کالالتزام و التعهد بأنّه متی أراد معناً و تعقله و أراد افهام الغیر تکلّم بلفظ کذا حتی إذا التفت المخاطب إلی هذا الالتزام ینتقل إلی ذلک المعنی عند استماع ذلک اللفظ منه.

ودعوی أنّ الالتزام و التعّهد المذکور لازم فی اسناد المعنی إلی المتلفظ مندفعة بأنّ اسناد المعنی إلی المتلفظ من الاُمور المتأخرة عن الوضع و لامجال لتفسیر الوضع بما یتأخر عنه هذا مضافاً إلی أنّه یکفی فی الاسناد المذکور إلیه أصالة عدم اللغویة و اصالة الارادة الاستعمالیة کما أنّ أصالة الحقیقه تصلح فی اسناد المعنی الحقیقی إلیه دون سائر المعانی و أیضاً غرض الوضع و إن کان هو قصد التفهیم و ابراز المقاصد بالألفاظ إلّا أنّه حکمة الوضع و لیس دخیلا فی قوام الوضع و حقیقته و مما یبعد الالتزام و التعهد المذکور أنّ لازم ذلک عدم تمشی الوضع ممن یعلم أنّه لایبتلی بالاستعمال حتی یتعهد بالتعهد المذکور و هو کما تری فتحصل ان الوضع فی الالفاظ هو تعیینها علامات لنفس المعانی و الغرض من ذلک هو تفهیم المعانی بالفاظها و علیه فالموضوع له هو مسمّی الالفاظ لاارادة التفهیم و لا المعانی المرادة کما لایخفی.

تحلیل الوضع و الدلالة

ثم إنّ ما اخترناه فی حقیقة الوضع یرجع إلی أنّ الواضع یعیّن لفظاً لمعنی لحصول الاختصاص و الارتباط بینهما و هو أمر اعتباری فالوضع هو تعیین اللفظ بازاء المعنی و التعیین فعل مصدری صادر من الواضع و الاختصاص و الارتباط أمر اعتباری

ص:14

یحصل فی وعاء الاعتبار بالتعیین المذکور کالملکیة الحاصلة بفعل الموجب فی بعض العقود کالبیع فالوضع أمر تکوینی و هو التعیین و الاختصاص أمر اعتباری قد یعبّر عنه بالدلالة الشأنیة اذ بعد اعتبار وجود هذه الرابطة بینهما یکون الأمر بحیث إذا علم المخاطب بأحدهما ینتقل إلی الآخر.

فمن علم به و ارتکز فی نفسه أنّ الواضع اعتبر الاختصاص و الارتباط بین اللفظ و المعنی متی سمع اللفظ انتقل منه إلی المعنی و حصلت الدلالة الفعلیة.

و قد عرفت أنّ الوضع فعل الواضع و هو التسمیة و بعد فعل الواضع و علم السامع أو المخاطب بذلک یحصل الانتقال من اللفظ إلی المعنی من جهة العلم بالملازمة الاعتباریة فالتعیین فعل تکوینی و أمّا الارتباط و الاختصاص أمر اعتباری اعتبره الواضع عند اجتماع الشرائط کسائر الاعتباریات.

و دعوی أنّ الوضع هو قرن مخصوص بین تصور اللفظ و تصور المعنی بنحو اکید لکلی یستتبع حالة إثارة احدهما للآخر فی الذهن مندفعة بأنّ الواضع لم یکرّر الوضع حتی یتحقق الاستجابة المذکورة من جهة التکرار تکوینا نعم یساعد ذلک الوضع التعیّنی فإنّ کثرة التلفظ بلفظ خاص وارادة معنی خاص منه و لو مع القرنیة توجب الأنس و الملازمة بینهما تکوینا فی الأذهان بحیث إذا سمع أحدهما انتقل إلی الآخر.

ولکن الوضع التعیّنی لیس بوضع حقیقة لأنّ الوضع بمعناه المصدری لیس إلّا هو تعیین اللفظ للمعنی و تخصیصه به و الوضع بمعنی حاصل المصدر یکون نفس الارتباط الاعتباری الحاصل بتعیین الواضع و أمّا الوضع التعینّی فهو لیس إلّا اقران تصور اللفظ مع تصور المعنی فی الاستعمالات المتکررة تکوینا بحیث یحصل القرن و الانس بینهما تکوینا علی نحو یتداعی تصور أحدهما تصور الآخر و تسمیته بالوضع مسامحة.

ص:15

التنزیل و الهوهویة

و قد عرفت أنّ الوضع هو تعیین اللفظ للمعنی لاعتبار الاختصاص و الارتباط بینهما و لاتنزیل فی ذلک بین اللفظ و المعنی بحیث یجعل اللفظ وجوداً لفظیاً للمعنی و لاشاهد له عدا ما استشهد به علیه من سرایة القبح و الحسن من المعنی إلی اللفظ مع أنّها لازم أعم لأنّ السرایة معقولة أیضا بناء علی کون اللفظ علامة علی المعنی ألا تری أنّ العلم المنصوب لاعلام العزاء یوجب الحزن مع أنّه لاتنزیل فیه.

وبالجملة الارتباط المذکور بین اللفظ و المعنی و بین العلم المنصوب لاعلام العزاء أو لحدّ الفرسخ او غیر ذلک یکون من الملازمات الاعتباریة و من المعلوم أنّ حکم الملازمة الاعتباریة کحکم الملازمة الواقعیة فکما انّ الانتقال من أحد المتلازمین الواقعیین إلی الآخر من جهة الملازمة الواقعیة لامن جهة التنزیل و الهوهویة کذلک فی الملازمة الاعتباریة.

وعلیه فما حکی عنهم من جعل اللفظ وجوداً لفظیا للمعانی محمول علی العنایة نعم من آثار الارتباط و الاختصاص بین اللفظ و المعنی هو المرآتیة و الحکایة عن المعنی ولکنّها لیست هی غیر الدلالة الفعلیة کما لایخفی.

المقام الثانی: فی أقسام الوضع

1 - الوضع باعتبار نفس اللفظ ینقسم إلی أربعة

الأوّل: أن یلاحظ الواضع طبیعة لفظ معیّن بمادّته و هیأته ثمّ یضعها بإزاء المعنی بحیث لایحتاج فی تعیین مصادیقه للمعنی إلی وضع آخر و ذلک واقع شائع فالوضع حینئذٍ باعتبار اللفظ عامّ و الموضوع و هو نفس اللفظ أیضاً عامّ.

ص:16

الثانی: أن یلاحظ الواضع مصادیق طبیعة اللفظ المعیّن بمادّته و هیأته بواسطة نفس طبیعة اللفظ ثمّ یضع خصوص مصادیقها للمعنی حینئذٍ یکون الوضع عامّاً و الموضوع خاصّاً و هذا غیر واقع إذ لاحاجة إلیه بعد إمکان الأوّل.

الثالث: أن یلاحظ شخص لفظ خاصّ و یضعه للمعنی فالوضع خاصّ و الموضوع أیضاً خاصّ و هو فاسد فإنّ لازمه هو عدم وضع سائر أفراد طبیعة اللفظ و إنّما تکون مشابهة للموضوع و الموضوع لفظ خاصّ من هذه الطبیعة و هو کما تری.

الرابع: أن یلاحظ الواضع شخص لفظ خاصّ ثمّ یجعله وجهاً للطبیعة الکلّیّة من هذا اللفظ ثمّ یضع الطبیعة الکلّیّة للمعنی فیکون الوضع خاصّاً و الموضوع عامّاً و هو غیر ممکن لأنّ الشخص لایحکی إلّا عن حصّة من الکلّیّ و علیه فلا یکون وجهاً للطبیعة الکلّیّة فالوضع الشائع هو القسم الأوّل فمن یسمّی ابنه علیّا یری طبیعة لفظ علیّ بمادّته و هیأته ثمّ یضعها لابنه.

2 - الوضع باعتبار المعنی یقسّم أیضاً إلی أربعة: فإنّ الواضع إمّا أن یلاحظ طبیعة المعنی العامّ و یضع اللفظ فی قباله کأسماء الأجناس و إمّا یلاحظ هیأة شخص خاصّ و یضع اللفظ له کأسماء الأعلام و الأشخاص و لاریب فی وقوعهما و شیوعهما.

و إمّا یلاحظ الواضع طبیعة المعنی العامّ و یضع اللفظ فی قبال مصادیق تلک الطبیعة و هو أمر ممکن لأنّ العامّ من وجوه المصادیق و معرفة وجه الشیء معرفته بوجه.

فالوضع حینئذٍ یکون عامّاً و الموضوع له خاصّاً و یصیر من المشترکات اللفظیّة لأنّ المشترک اللفظیّ عبارة عن کون لفظ واحد موضوعاً لمعانی متعدّدة سواء کان بوضع واحد أو بأوضاع متعدّدة.

و إمّا یلاحظ الخاصّ و یرید أن یضع اللفظ للعامّ و لکنّه غیر ممکن فإنّ الخاصّ بما هو خاصّ لایمکن أن یکون وجهاً للعامّ و لا سائر الأفراد لأنّ الخاصّ حصّة من العامّ و لاغیر.

ص:17

3 - ربما یشکل فی إمکان القسم الثالث من أنحاء أقسام الوضع باعتبار المعنی بأنّ عنوان العامّ کالإنسان لایحکی إلّا عن حیثیّة الإنسانیّة دون ما یقارنها من العوارض و الخصوصیّات لخروجها عن حریم المعنی و الحکایة فرع الدخول فی الموضوع له و الاتّحاد الخارجیّ بین حیثیّة الإنسانیّة و المقارنات لایصحّح حکایة عنوان العامّ عنها و إلّا لزم أن تکون الأعراض حاکیّة عن جواهرها و هو کما تری.

و بالجملة انّ المشخصّات غیر داخله فی مفهوم العامّ و علیه فکیف یحکی مفهوم العامّ عنها مع أنّ الحکایة فرع الدخول فلایمکن أن یکون الوضع عامّاً و الموضوع له خاصّاً.

ولکن یمکن أن یقال: إنّ الفردیّة للعامّ تتحقّق بنفس تحصّص الطبیعة من دون حاجة إلی المشخّصات و العوارض و لو کانت غیر منفکّة عن الحصص و اللازم فی الوضع العامّ و الموضوع له الخاصّ هو ملاحظة الحصص المحقّقة فی الخارج دون سائر المشخصّات و الجامع الکلّیّ الذی یحکی عن حصصه یکفی للحکایة عن الحصص لأنّه وجهها.

4 - و من مصادیق القسم الثالث الوضع فی المعانی الحرفیّة و أسماء الإشارات و الموصولات.

لأنّ المعانی الحرفیّة جزئیّات حقیقیّة ربطیّة مصداقیّة متحقّقة بتبع الطرفین و لیس لها کالمعانی الاسمیّه جامع کلّیّ ینطبق علی أفراده و إلّا لزم الخلف فی اندکاکیّتها و علیه فالوضع فیها یکون من باب الوضع العامّ و الموضوع له الخاصّ خلافاً لما ذهب إلیه فی الکفایة حیث جعل الإسم و الحرف متّحدان فی المعنی و الآلیّة و الاستقلال من أنحاء الاستعمال مع أنّ الآلیّة و الاستقلالیّة من ذاتیّات المعانی و الفرق بین الإسم و الحرف فرق جوهریّ و ذاتیّ و لیس من ناحیة الاستعمال لأنّ المعانی الحرفیّة معان مندکّة فی الأطراف دون المعانی الإسمیّة و هکذا الأمر بالنسبة إلی أسماء الإشارة.

ص:18

فإنّها إمّا موضوعة لنفس الإشارة أی إیجادها إلی الحاضر من دون کون المشار إلیه داخل فی معناه و إن توقّفت الإشارة علی حضور المشار إلیه حقیقة أو حکماً کتوقّف الإشارة الخارجیّة بالأصبع و نحوها علی حضور طرف الإشارة.

و مثلها أسماء الضمائر فإنّها وضعت لنفس الإشارة إلی الغائب أو إلی المخاطب أو إلی المتکلّم و مجرّد توقّفها علی الطرف الغائب أو المخاطب أو المتکلّم لایکون دلیلاً علی دخول الأطراف فی حقیقتها ففی الصور المذکورة أعنی وضع أسماء الإشارة أو أسماء الضمائر لنفس الإشارة یکون الوضع فیها کالوضع فی المعانی الحرفیّة لأنّ الإشارة الموجدة بأسماء الإشارة أو أسماء الضمائر جزئیّة. فالوضع عامّ و الموضوع له خاصّ.

و إمّا موضوعة لنفس المعانی عند الإشاره الخارجیّة أو الذهنیّة فالأمر أیضاً کذلک فإنّ المعانی المشار إلیها معان جزئیّة و یکون الوضع فیها عامّاً و الموضوع له خاصّاً.

و مما ذکر یظهر: حکم أسماء الموصولات أیضاً فإنّها إمّا موضوعه لإیجاد الإشارة إلی المبهم المتعقّب بصفة ترفع الإبهام و من المعلوم أنّ الإیجاد لیس بکلّیّ بل جزئیّ.

و إمّا موضوعة لنفس المبهم المتعقّب بالصفة مع الإشارة فیکون المشار إلیه جزئیاً و علی کلّ تقدیر یکون الوضع عامّاً و الموضوع له خاصّاً.

5 - ذهب صاحب الکفایة إلی أنّ الجمل الإنشائیّة و الجمل الإخباریة کلتیهما متّحدتین فی المعنی الموضوع له و المستعمل فیه و إنّما الاختلاف بینهما فی الدواعی فإنّ الدواعی فی الإنشائیّة هو إیجاد المعنی و فی الخبریّة هو الحکایة عن وجود المعنی ولکنّ الدواعی خارجة عن حریم المعنی.

و لایخفی علیک أنّ ما ذهب إلیه خلاف الوجدان فإنّه لو کان کذلک لاحتاج کلّ واحد منهما إلی قرینة معیّنة و لاتکون الجملة ظاهرة فی أحدهما بدون القرینة المعیّنة مع أنّا نری ظهور الجملة فی الخبریّة من دون حاجة إلی القرینة المذکورة و إرادة الإنشاء

ص:19

محتاجة إلی القرینة و لیس ذلک إلّا لکون الجملة المشترکة کقولنا بعت و أجرت موضوعة للإخبار و قصد الحکایة کما أنّ الجملة المختصّة بالإنشاء کقولنا اضرب و أکرم ظاهرة فی الإنشاء و قصد الإیجاد.

ثمّ إنّ الجمل الإنشائیّة حیث کانت آلة للإیجاد لا للحکایة کما هو المشهود و لذا لاتتّصف بالصدق و الکذب فالموجد بها لیس إلّا الجزئیّات کما توجد بالحروف و أسماء الإشارات النسب الجزئیّة و الإشارات الجزئیّة و علیه فلا مجازفة فی إلحاق الجمل الإنشائیة بأسماء الإشارات و الضمائر و المعانی الحرفیّة فی کون الوضع فیها عامّاً و الموضوع له خاصّاً إذ حقیقة ما یوجد بها معان جزئیّة و لا حکایة للجمل الإنشائیّة عن الموجود الخارجیّ حتّی یصحّ باعتبار ذلک توصیفها بالصدق و الکذب نعم تدلّ الجمل و الصیغ الإنشائیّة بدلالة الاقتضاء علی أنّ المتکلّم بها مریداً لما أوجده بها و لکن من المعلوم أنّ هذه الدلالة دلالة الاقتضاء التی حکم بها العقل و لاتکون مستفادة من اللفظ حتّی تکون الجملة حاکیّة عنها بل یمکن أن یقال إنّ الجمل الخبریّة و إن کانت حاکیّة ولکن وضع هیأتها یکون من باب الوضع العامّ و الموضوع له الخاصّ لأنّ الحکایة التی تکون داخلة فی حریم المعنی لیست معنا مستقلاً کمعانی الأسماء بل هی أمر کالمعانی الحرفیّة و لذا لایلتفت المخبر إلی نفس الحکایة بل یلتفت إلی المخبر به فنفس الحکایة کالإشارة من الجزئیّات و المفروض أنّ وضع هیأة الجمل الخبریّة لنفس الحکایة فالوضع فیها أیضاً عامّ و الموضوع له خاصّ.

ص:20

الأمر الثالث: فی مصحّح الاستعمالات المجازیّة

1 - حسن الاستعمالات المجازیّة تابع للطبع لا للوضع لشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فیما یناسب ما وضع له ولو مع منع الواضع عنه و استهجان الاستعمال فیما لایناسبة ولو مع ترخیص الواضع و لغفلة الواضع کثیراً مّا عمّا یناسب ما وضع له فلا معنی لأن یکون حسن الاستعمال تابعاً لوضع الواضع و لأنّه لو کان حسن الاستعمال بالوضع لزم أن یکون المهملات التی ارید بها النوع أو الصنف أو المثل فی مثل «دیز مهمل» موضوعة مع أنّها لیست بموضوعة.

و لأنّه لو احتاج الاستعمال المجازیّ إلی إجازة الواضع و وضعه شخصاً أو نوعاً لم یکن ذلک الاستعمال استعمالاً مجازیّا بل کلّ مورد مع الوضع فیصیر الألفاظ مشترکة لفظیّة و هو کما تری.

ربما یقال لا مجال للنزاع المذکور بعد إمکان الالتزام بما نسب إلی السکّاکیّ لأنّ التصرّف حینئذٍ یکون فی الأمر العقلیّ و هو جعل ما لیس بفرد للمعنی فردا له ادّعاء و علیه فاللفظ لایستعمل فی غیر معناه حتّی یکون مجازاً فی الکلمة.

واُجیب عنه بأنّ کلام السکّاکیّ کان أوّلاً فی خصوص الاستعارة لا عموم المجازات و ثانیاً أنّه لیس باستعمال حقیقیّ إذ الاستعمال الحقیقیّ هو الذی یکون الدلالة فیه علی

ص:21

المعنی بنفسه لا بالقرینة و علی ما ذهب إلیه السکّاکیّ لیست الدلالة بنفسه و علیه فللنزاع فی کون حسن الاستعمال من جهة الوضع أو الطبع باق علی حاله.

ربما یقال إنّ صاحب الوقایة ذهب فی عامّة المجازات إلی أنّ الألفاظ لم یستعمل إلّا فیما وضع له غایة الأمر ما هو المراد استعمالاً غیر ما هو مراد جدّاً. و علیه فاللفظ مستعمل فی معناه الموضوع له و لا مجال للنزاع المزبور.

وفیه أوّلاً: أنّ ما ذکره لا یعمّ جمیع المجازات لعدم الإرادة الاستعمالیّة للمعنی الموضوع له فی استعمال اللفظ فی النوع و الصنف أو المثل فضرب مثلاً فی قولنا: «ضَرَبَ فعل ماض» استعمل فی النوع لا فی معناه الموضوع له و إلّا لما کان مبتدأ إذ الأفعال لاتصلح لأن تکون مبتدأ مع أنّ استعمال اللفظ فی النوع أو الصنف أو المثل من الاستعمالات المجازیّة.

وثانیاً: أنّ ذلک نحو تصرّف فی اللفظ إذ اللفظ الموضوع لمعنی لو خلّی و طبعه لانطبق علی مصادیقه الحقیقیّة و کانت مرادة بالارادة الجدیة فصرف اللفظ عن هذا الطبع یوجب خروج اللفظ عمّا یقتضیه طبع الوضع و لذا تحتاج إلی القرینة و من المعلوم أنّ کلّ دلالة تحتاج إلی القرینة لیست بدلالة حقیقیّة و بالجملة للنزاع المذکور مجال سواء قلنا بالتصرّف فی ناحیة المراد کما ذهب إلیه صاحب الوقایة أو قلنا بالتصرّف فی ناحیة المستعمل فیه کما ذهب إلیه السکّاکیّ أو قلنا بالمجاز فی الکلمة کما ذهب إلیه المشهور لأنّ کلّها موجب للخروج عن طبع الوضع.

2 - إنّ المراد من الطبع الذی یکون من مصحّحات الاستعمالات المجازیّة هو طبع نوع المستعملین فی کلّ لغة لا بعض الآحاد و الشواذّ و هو یعرف باستقراء استعمالات و النظر فی الطریقة الجاریة فی المحاورات.

ص:22

3 - لا دلیل علی حصر العلاقات فی المذکورات فی علم المعانی و البیان لإمکان زیادة علاقة اخری یحسنها طبع نوع المستعملین. ثمّ إنّه قد یکون نوع العلاقة و مع ذلک لا یحسن الاستعمال ألا تری أنّ علاقة الکلّ و الجزء من العلاقات و مع ذلک لایجوز استعمال الرجل مکان الید و یقال «علی الرجل ما أخذ حتّی یؤدّی» مع أنّه یصحّ ان یقال «علی الید ما أخذت حتّی تؤدّی» فمنه یعلم أنّ مجرّد وجود نوع العلاقة لایکفی بل یحتاج المورد إلی استحسانه من نوع المستعملین کما لایخفی.

4 - إنّ الاستعمالات الکنائیّة تکون من المجازات و إن استعمل اللفظ فی مواردها فیما وضع له إذ المقصود بالأصالة منها لیس معانیها الحقیقیّة و لذا تحتاج إلی القرینة و من جملتها استعمال المرکّبات مع إرادة المعانی المجازیّة کاستعمالهم: «أراک تقدّم رجلاً و تؤخّر اخری» فی من تردّد فی الأمر و لم یعزم علی شیء فإنّ معناه الحقیقیّ هو الإخبار عمّن یکون فی الخارج کذلک و استعماله فی المتردّد فی الاُمور محتاج إلی القرینة و قد عرفت أنّ کلّ دلالة محتاجة إلی القرینة لیست بدلالة حقیقیّة. و ممّا ذکر یظهر أنّه لا وجه للاستدلال بمثل المرکّبات المذکوره علی کون الاستعمال فیما إذا انطبق المعنی علی الفرد الادّعائیّ حقیقیّاً.

ص:23

ص:24

الأمر الرابع: فی استعمال اللفظ فی اللفظ

1 - استعمال اللفظ فی النوع أو الصنف أو المثل أمر ممکن یحسن عند طباع المستعملین کقولنا «ضَرَبَ فعل ماض» و من المعلوم أنّ المسند إلیه و المبتدأ لیس هو الفعل إذ الفعل لایخبر عنه و لایسند إلیه بل المراد منه هو نوع من ضَرَبَ لاجنسه بقرینة محموله و اللفظ مستعمل فیه.

وهکذا یصحّ أن نقول «انّ زیداً الواقع بعد فعل اسند إلیه کقولنا ضَرَبَ زیدٌ فاعل» و «زیداً الواقع بعد فعل یقع علیه نحو ضَرَبتُ زیداً مفعول» و لیس ذلک إلّا استعمال لفظ الزید فی صنف من زید.

و أیضاً یصحّ استعمال اللفظ فی مثل الملفوظ و لعلّ من هذا الباب القراءة للقرآن الکریم فإنّها حکایة عن مثل ما تلفّظ به و نزل علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم و یلحق بقراءة القرآن قراءة الأشعار و نحوها لأنّها من هذا الباب إلّا إذا أنشدها ارتجالاً.

2 - هل یجوز استعمال اللفظ فی نفسه أم لا؟ ذهب فی الفصول إلی أنّه غیر معقول لاتحاد الدالّ و المدلول و اجیب عنه بکفایة التعدّد الاعتباریّ حیث أنّ اللفظ من حیث أنّه صادر عن لافظه دالّ و من حیث أنّ نفسه مراد کان مدلولاً.

ص:25

اورد علیه بأنّ عنوان الصادریّة و ما قاربها أمر منتزع بعد صدور اللفظ فکیف یکون أمرا مصحّحا للاستعمال الواقع قبله.

هذا مضافاً إلی أنّه یستلزم الجمع بین اللحاظین المختلفین فی شیء واحد لأنّ اللفظ عند الاستعمال لایلاحظ إلّا آلیّا و المعنی حیث لایراد إلّا استقلالیّاً لزم أن یکون نفس اللفظ أیضاً مقصودا استقلالیّاً فیجتمع اللحاظ الآلیّ و الاستقلالیّ فی لفظ واحد و هو نفس اللفظ.

و علیه فقد یقال یرجع استعمال اللفظ فی نفسه إلی إیجاد صورة الموضوع فی ذهن السامع لینتقل منه إلی نفس الموضوع وفیه ان حمل بعض الاطلاقات علی باب الالقاء غیر شائع و یمکن أن یقال کما فی تعلیقة الإصفهانیّ بأنّ المتکلّم فی مثل «زید ثلاثیّ» تصوّر الموضوع و المحمول و المراد من تصوّر الموضوع تصوّر ماهیّة اللفظ الموضوع الذی یکون متعلّقاً للإرادة و الشوق و حیث أنّ ماهیّة اللفظ غیر الوجود الخارجیّ و الذهنیّ فالمتکلّم استعمل اللفظ الخارجیّ الموجود أو اللفظ الذهنیّ الموجود فیه فی الماهیّة المتصوّرة و یقول زید لفظ أو زید ثلاثیّ.

فالاستعمال فی المقام کسائر الاستعمالات استعمال فی المعنی و هو ماهیّة اللفظ و لا شاهد للتفرقة بین استعمال اللفظ فی نفسه و سائر الاستعمالات بعد امکان تصوّر المعنی بالوجه المذکور فالاستعمال فی نفس اللفظ أمر ممکن بل شائع و بابه باب الاستعمال للمغایرة الموجودة بین الوجود الخارجیّ أو الذهنیّ و بین الماهیّة المتصوّرة فی الذهن فلایلزم من استعمال الوجود الخارجیّ لللفظ فی الماهیّة المتصوّرة منه اتحاد الدالّ و المدلول و لا ملزم لإرجاع الاستعمال إلی الإیجاد أو إلقاء صورة الموضوع مع فرض إمکان الاستعمال بمعناه الجاری فی سائر المقامات و لایلزم اجتماع اللحاظین المختلفین فی شیء واحد بعد تعدّد الدالّ و المدلول فلاتغفل.

ص:26

الأمر الخامس: فی أنّ الألفاظ موضوعة بإزاء معانیها من حیث هی

1 - و لایخفی علیک أنّ الموضوع له للألفاظ هو نفس المعانی الواقعیّة من دون تقیّدها أو تقییدها بشیء آخر کالإرادة لما عرفت من أنّ الوضع هو تعیین اللفظ فی مقابل نفس المعنی و اعتبار الاختصاص والارتباط بینهما ممّن یعتنی بوضعه و اعتباره و یشهد لذلک انسباق نفس المعانی من الألفاظ الموضوعة عند سماعها من ناطق بها من دون حاجة إلی احراز إرادة تلک المعانی و علیه فلا دخالة لشیء آخر بنحو من الأنحاء کالإرادة و العلم و نحوهما فی الموضوع له فلفظ الماء مثلاً یدلّ علی نفس المائع السیّال الخاصّ لا المائع المعلوم أو المائع المراد أو المائع المقصود و إن سلّمنا أنّ غرض الواضع هو قصد التفهیم و إبراز المقاصد بالألفاظ لا خطور المعنی کلّما یخطر اللفظ ولو بسماع من لافظ بلا شعور فالغرض هو تهیئة مقدّمات التفهیم و إبراز المقاصد و هذا الغرض بضمیمة أصالة الحقیقة و غیرها یتمّ من دون حاجة إلی الالتزام بکونه دخیلاً فی قوام الوضع و حقیقته.

فالإرادة سواء کانت بمعناها الحرفیّ أو الاسمیّ لادخل لها فی المعنی الموضوع له کما لادخل للتصوّر أو العلم فیه و غرض المتکلّم أیضاً من التکلّم هو إفادة ذوات المرادات لا بما هی مرادات بل بما هی نفس الحقائق و یشهد له غفلة المتکلّم و السامع عن مرادیّتها فی کثیر من الأحیان کما لا یخفی.

ص:27

و حمل مرادیّة المعانی علی ما ذهب إلیه صاحب الدرر فی حقیقة الوضع من التزام الواضع و من تبعه بأنه متی أراد المعنی الخاصّ و تعلّق غرضه بإفهام الغیر ما فی ضمیره تکلّم باللفظ الکذائیّ مندفع بما مرّ فی بیان حقیقة الوضع من أنّه لا حاجة إلی الالتزام المذکور بعد إمکان اعتبار الاختصاص و الارتباط بنفس تعیین الواضع لفظاً لمعنی معیّن و جریان أصالة الحقیقة و أصالة تطابق الإرادة الجدّیّة مع الإرادة الاستعمالیّة.

2 - إنّ الدلالة الفعلیّة علی قسمین أحدهما التصوّریّة و ثانیهما التصدیقیّة و الدلالة التصوّریّة لا تتوقّف إلّا علی العلم بالوضع و لا دخل للإرادة فیها و لذا إذا سمع اللفظ الموضوع من الساهی أو النائم دلّ علی معناه بالدلالة التصوّریّة إذ الدلالة التصوّریّة الفعلیّة لیست إلّا الانتقال من اللفظ إلی المعنی و هو حاصل بالسماع من دون حاجة إلی إرادة المتکلّم الإفهام أو التفهیم من استعماله.

وممّا ذکر یظهر صحّة ما نسب إلی المعروف و المشهور من أنّ الدلالة الفعلیّة التصوّریّة تابعة للوضع لا للإرادة و أنّ الدلالة التصدیقیّة الفعلیّة تتوقّف علی الإرادة التصدیقیّة کدلالة هیأة الجملة الاسمیّة کقولنا زید قائم و الفعلیّة کقولنا قام زید علی النسبة التامّة الخبریّة إذ المقصود من الجمل التامّة إلقاء المعنی أی النسبة إلی المخاطب لیصدّق بوقوعها کما یدلّ ظاهرها علی تصدیق المتکلّم بها ما لم یقرن قرینة علی الخلاف و لکن الدلالة التصدیقیّة الفعلیّة متأخّرة عن الوضع برتبتین و هی الوضع و العلم به و اشتراط شیء فی المتأخّر لایوجب دخله فی المتقدم.

3 - ثمّ إنّ الإفهام و التفهیم من أفعال المتکلّم و هما علی قسمین تصوّریّ و تصدیقیّ. و التصوّریّ متوقّف مضافاً إلی العلم بالوضع علی إرادة الاستعمال بنیّة الإفهام التصوّریّ فإنّ الإفهام لایتحقّق إلّا باللفظ الموضوع المستعمل و من المعلوم أنّ الاستعمال

ص:28

لایتحقّق بدون قصد المتکلّم و التصدیقیّ من الإفهام یتوقّف مضافاً إلی ذلک علی الإرادة التصدیقیّة کما هو ظاهر هیأة الجمل الفعلیّة و الاسمیّة التامّة إلا أنّ الإفهام و التفهیم أیضاً متأخّران عن الوضع فتوقّفهما علی إرادة الاستعمال فی التصوّریّة و علی الإرادة الجدّیّة فی التصدیقیّة لایستلزم مدخلیّة الإرادة فی الوضع أو الدلالة التصوّریّة الفعلیّة لأنّ مدخلیّة شیء فی المتأخّر لایوجب اعتباره فی المتقدّم فلاتغفل.

4 - فالمحصّل من نفس الوضع هو الدلالة التصوّریّة التی توجب إحضار المعانی فی الأذهان و أمّا دلالة اللفظ علی کون ذلک مراد المتکلّم فهی محتاجة إلی أمر آخر کأصالة الحقیقة و أصالة تطابق الإرادة الاستعمالیّة مع الإرادة الجدّیّة فحمل اللفظ علی کونه مراداً للمتکلّم یحتاج إلی جریان أصل آخر و لایستفاد من الوضع حتّی یعدّ من القواعد الوضعیّة.

5 - و من ثمرات المبحث المذکور أنّه إن قلنا بأنّ الألفاظ موضوعة للمعانی المرادة فإذا انتفی المرادیّة بوجه من الوجوه صارت الألفاظ مجازاً لانتفاء المرکّب بانتفاء أحد أجزائه و لذلک قال فی تحریر الاُصول أنّه إذا استعمل اللفظ فی المعنی بقصد التفهیم کان ذلک علی وفق الوضع و کان حقیقة و إذا استعمل فیه لا بهذا الوجه و من دون هذا القصد کان مجازاً لاستعماله فی غیر المعنی الموضوع له.(1)

ص:29


1- (1) تحریر الاُصول، ج 1، ص 51.

ص:30

الأمر السادس: فی وضع الهیأة قائمة علی المرکّبات

1 - إنّ المرکّبات لها هیأة اخری وراء هیآت مفرداتها تدلّ باعتبارها علی معانٍ تصدیقیّة و هی غیر مدالیل المفردات کزید و قائم فی زید قائم فإنّ المفردات مع قطع النظر عن هیأة القضیّة المرکّبة التامّة لاتدلّ إلّا علی المعانی التصوّریّة و مفاد القضیّة المرکّبة التامّة هو الهوهویّة التصدیقیّة کزید هو القائم و القائم هو الزید أو النسب التصدیقیّة فی مثل القضایا الشرطیّة کالحکم بترتّب وجود النهار علی طلوع الشمس فی مثل قولهم «إن کانت الشمس طالعة فالنهار موجود».

أو الفوائد الخاصّة کحصر الموضوع فی المحمول أو بالعکس و مثل قولنا إنّما زید قائم أو إنّما قائم زید أو غیر ذلک من المعانی التصدیقیّة التی لاتدلّ علیه المفردات مع قطع النظر عن الهیأة الترکیبیّة و خصوصیّاتها و هو شاهد علی کون هذه الاُمور مستفادة من هیأة المرکّبات التامّة و علیه فدعوی الوضع الآخر لهیأة المرکّبات بما هی زائدة علی مفرداتها مادّة و هیأةً لإفادة المعانی التصدیقیّة أمر یشهد له الوجدان السلیم و من الممتنع عادة عدم وضع لفظ لتلک المعانی التصدیقیّة فی اللغات الرائجة فی أقطار الأرض مع کثرة الابتلاء بها.

ص:31

2 - إنّ الهیآت المفیدة للمعانی التصدیقیّة قائمة علی المرکّبات و لیست متّحدة مع هیأة المفردات لأنّ هیأة المفردات قائمة بموادّها و هیأة المرکّبات قائمة بالمجموع فاختلاف المحلّ شاهد علی اختلاف الهیأتین.

فهیأة المرکّبات غیر هیأة المفردات و اختلافهما یوجب اختلاف المدالیل فمدالیل المفردات بمادّتها و هیأتها هی مدالیل تصوّریّة بخلاف مدالیل هیأة المرکّبات فإنّها مدالیل تصدیقیّة فلکلّ وضع علی حدة فلایکفی وضع کلّ واحد منهما عن الآخر.

3 - ممّا ذکر یظهر أنّ المراد من هیأة المرکّبات هیأتها القائمة علی القضیّة المرکّبة دون موادّ المفردات و الهیآت المختصّة بها و علیه فلا وجه لتفسیر هیأة المرکّبات بهیأة مجموعها من الموادّ و هیآت المفردات و الهیآت القائمة علی القضیّة المرکّبة بمعنی أنّ لقضیّة زید قائم وضعا آخر یکون لفظ زید بمنزلة جزء الکلمة فی ذلک الوضع إذ وجدان کلّ أحد یشهد ببطلان هذا الکلام مضافاً إلی لزوم اللغویّة و التکرار.

فهیأة المرکّبات العارضة علی القضیّة المرکّبة أمر وراء وضع المفرد و هیأته و لایستغنی عنها إذ وضع المفردات و هیأتها لایفی بصدق القضیّة التامّة التی یصحّ السکوت علیها لأنّ معانی المفردات معانٍ تصوّریّة و تعدّد المعانی التصوّریّة لایستلزم القضیّة التامّة التی یصحّ السکوت علیها.

فتحصّل أنّ فی المرکّبات أوضاعا متعدّدة أحدها وضع المفردات بمادّتها وضعا شخصیّاً إن کانت من الجوامد و وضعا نوعیّاً إن کانت من المشتقّات و ثانیها وضع هیآت المفردات وضعا نوعیّاً و ثالثها وضع هیآت المرکّبات علاوة علی وضع المفردات بمادّتها و هیأتها المختصّة بالمفردات و هی التی تفید المعانی التصدیقیّة.

4 - و لایخفی علیک أنّ الأوضاع الثلاثة المذکورة فی القضایا لاتختصّ بالقضایا الخبریه کزید قائم بل هی محقّقة فی القضایا الإنشائیّة کقولنا اضرب زیداً إذ لا وجه له

ص:32

بعد کون اضرب مرکّباً من الفعل و الفاعل و لیس بمفرد و هو بعث للمخاطب نحو الضرب و یکون فی قوّة أن یقال أبعثک نحو الضرب فالقضیّة مرکّبة تامّة لصحّة السکوت علیها کما لا وجه لتخصیصها بالقضایا الاسمیّة لأنّ قولنا ضرب زید إن لوحظ کلّ جزء منه منحازاً عن جزء آخر فهو لیس بجملة تامّة و لایصحّ السکوت علیه و ان لوحظ کلّ جزء منه مرتبطا مع الآخر فهو جملة تامّة کالجملة التامّة الاسمیّة و لا فرق بینهما فی إفادة المعانی التصدیقیّة التی توجب صحّة السکوت علیها.

ص:33

ص:34

الأمر السابع: فی علائم الحقیقة و المجاز

اشارة

1 - علائم الحقیقة والمجاز متعدّدة؛ منها: تنصیص الواضع کالآباء بالنسبة إلی أسامی أولادهم أو الحکومة بالنسبة إلی أسامی الشوارع أو الأذقّة أو المخترعین بالنسبة إلی أسامی ما اخترعوه لأنّهم هم الواضعون ویکونون أعرف بفعلهم من غیرهم.

ومنها: النقل المتواتر لکیفیّة الوضع فإنّ التواتر یفید العلم وهو حجّة بل یلحق به الشیاع المفید للعلم. ربما یقال: إنّه لا مناقشة فیه إلّا فی وجوده ولکنّه لا وقع لها بعد ملاحظة کثرة الألفاظ التی تکون کذلک کلفظة الماء والتراب والبرد والحرّ والجنّ والإنس وغیره. فیما اذا استندوا فی معانیها للمستعلم بالإخبار عن الوضع لابالتبادر و غیره.

ومنها: تنصیص مهرة الفّن کقول اللغویّ إذا کان خبرة تشخیص الحقیقة والمجاز والدلیل علیه هو بناء العقلاء علی حجّیّة قول أهل الخبرة لا الانسداد إذلا انسداد مع وجود الطرق الاُخر و لاالخبر الواحد لتقییده بالعدالة والتعدّد أللّهم إلّا أن یقال دلیل اعتبار أخبار الآحاد هو بناء العقلاء والبناء ثابت علی حجّیّة أخبار الثقات و لاملزم لاعتبار العدالة و لادلیل علی اعتبار التعدّد إلّا فی بعض الأبواب کباب الشهادة والتمسّک بموثّقة مسعدة بن صدقة «الأشیاء کلّها علی ذلک حتّی تستبین أو تقوم بها البیّنة... الحدیث» لاعتبار التعدّد منظور فیه لاحتمال أن یکون المقصود من البیّنة هو معناها اللغویّ لا معناها الاصطلاحیّ فحینئذٍ یصح الاعتماد علی أخبار الثقات فی

ص:35

تعیین معنی اللغة ولکن الإشکال فیه أنّه لیس بنفسه علامة للحقیقة والمجاز بل یرجع إلی سائر العلائم کالتبادر عند المستعملین أو تنصیص الواضع أو غیرهما وعلیه فلا یکون أخبار الثقات فی عداد سائر العلائم هذا بخلاف ما إذا کان حجّیّته من باب کونه من أهل الخبرة فإنّه حینئذٍ یکون فی عداد سائر الطرق و لاحاجة إلی العدالة و لاإلی التعدّد فی الرجوع إلی المتخصّص کما لا یخفی. ثمّ إنّ تنصیص أهل الخبرة حجّة تعیینیّة مادام لم یعارضه قول مثله وإلّا فإن أمکن الجمع تعیّن وإلّا فإن کان التعارض بین النفی والإثباب تعیّن القول بالإثبات ما لم ینقضه الآخر بما یترجّح به علیه لأنّ مرجع الإثبات إلی الاطّلاع ومرجع النفی إلی عدم الاطّلاع غالباً وإلّا فالتعویل عند العقلاء علی ما کان الظنّ معه أقوی کالمعتضد بالشهرة أو بأکثریّة اطّلاع نقلته أو حذاقتهم أو نحو ذلک.

أمّا ولو تعارض أقوال مهرة الفنّ من دون ترجیح لأحد المتعارضین علی الآخر فالحکم هو التساقط کما هو القاعدة فی تعارض الأمارات والطرق. أللّهمّ إلّا أن یقال إنّ التساقط مع التعارض و عدم الترجیح فیما إذا کان المقصود من المراجعة إلی الأمارات والطرق هو إدراک الواقع لا الأخذ بالحجّة وإلّا فالحکم هو التخییر کما نقول به فی تعارض أقوال أصحاب الفتاوی وذلک للفرق بین أخبار العدول والثقات وبین الأخذ بالفتوی فإنّ المقصود فی الأوّل هو الأخذ بجمیعها لإدراک الواقع بخلاف الثانی فإنّ الاخذ بجمیع الفتاوی لیس بواجب وإنّما الواجب هو الأخذ بفتوی واحد منهم لتحصیل الحجّة.

وهکذا نقول فی المقام: إنّ المقصود من الرجوع إلی أهل الخبرة هو الأخذ بالحجّة وهی حاصلة بالأخذ بقول واحد منهم ولیس المقصود هو الأخذ بأقوال جمیع أهل

ص:36

الخبرة کما لایخفی وعلیه فمفاد أدلّة حجّیّة أقوال أهل الخبرة فی اللغات هو الحجّیّة التخییریّة عند التعارض وعدم الترجیح.

ثمّ إنّ ظاهر الفصول هو تقیید جواز الرجوع إلی أهل الخبرة بما اذا لم یکن طریق آخر کالتبادر إلی معرفة حقایق الألفاظ ومجازاتها وإلّا فلا سبیل إلی التعویل فیه علی النقل لأنّه فی حکم التقلید مع التمکّن من الاجتهاد.

وفیه أنّ ذلک صحیح فیما إذا لم یتوقّف الاجتهاد علی الفحض والتتبّع والمؤنة وإلّا فیجوز الرجوع فی المقام علی قول أهل الخبرة کما یجوز لمن تمکنّ من الاجتهاد أن یقلّد فیما لم یجتهد بداعٍ من الدواعی.

ومنها: الاستعمال المجرّد عن قرائن المجاز فإنّه شاهد علی أنّ المستعمل فیه هو الحقیقه وإلّا لزم أن یکون الاستعمال المذکور غلطاً وهو لا یناسب حکمة المستعمل (بکسر المیم).

وعلیه فإذا راینا لفظاً استعمل فی المحاورات العرفیّة فی معنی من دون ضمّ قرینه المجاز إلیه کان ذلک شاهداً علی أنّ معناه هو ذلک وحینئذٍ إن لم نحتمل النقل فنحکم بکونه موضوعاً له وأمّا مع احتمال النقل فنحکم بذلک بضمیمة أصالة عدم النقل.

و لافرق فیما ذکر بین کون موارد الاستعمال متّحداً أو متعدّداً ونحکم فی صورة التعدّد بالاشتراک اللفظیّ بین المعانی المتعدّدة.

و لاضیر فی ذلک احتیاج کلّ واحد إلی القرینة المعیّنة فإنّها لیست قرینة المجاز ولعلّ طریقة أئمّة اللغة ونقلة المعانی هی ذلک فعن ابن عباس الاستناد فی معنی الفاطر إلی مجرّد الاستعمال وکذا عن الاصمعیّ فی معنی «الدهاق» فکذا الحال فیمن عداهم فإنّهم لا زالوا یستشهدون فی إثباتها إلی مجرّد الاستعمالات الواردة فی الأشعار وکلمات

ص:37

العرب ویثبتون المعانی اللغویّة بذلک و لازالوا ذلک دیدناً لهم من قدمائهم إلی متأخّریهم کما لا یخفی علی من له أدنی خبرة بطریقتهم.

ولذلک لا مانع من أن یقال إنّ الأصل فی الاستعمال هو الحقیقه فیما إذا لم یکن مصحوباً بقرینة من القرائن وعلائق المجازیّة وإلیه مال العلاّمة الشعرانیّ قدس سره فی حاشیة مجمع البیان.

وقد عرفت أنّ مقتضی الأصل المذکور هوالحقیقه من دون فرق بین کون موارد الاستعمال متّحده أو متعدّدة إذ ملاک الحمل علی الحقیقة هوصون الکلام عن الغلطیّة وهو موجود فی کلتا الصورتین فلاوجه لدعوی اختصاص الأصل المذکور بما إذا کانت موارد الاستعمال متّحدة کما فی هدایة المسترشدین.

والاستدلال لاختصاص الأصل المذکور بما إذا کانت موارد الاستعمال متّحدة بترجیح المجاز علی الاشتراک خروج عن محلّ الکلام لأنّ المفروض فیما إذا لم یکن الاستعمال مصحوباً بقرینة من قرائن المجاز و دار الأمر بین الاشتراک والغلط لخلوّ الاستعمال عن العلاقات المجازیّة فالاستعمال فی المتعدّد مع خلوّه عن قرائن المجاز شاهد الاشتراک صونا لکلام الحکیم عن اللغویّة والغلطیّة.

ثمّ إنّ ذلک الأصل لا یکون مشروطاً بالفحص والتتبّع عن موارد الاستعمال إلحاقاً له بالخطاب الشرعیّ حیث إنّه لا یکون دلیلاً للفقیه إلّا بعد بذل الجهد والفحص عن المعارض.

وذلک لأنّ الاستعمال المجرّد عن العلاقات المجازیّة لایحتاج فی شهادته علی کون المستعمل فیه هو الموضوع له لللفظ إلی التتبّع والتفحّص عن سائر موارد استعماله و قیاسه بالخطاب الشرعیّ فی غیر محلّه لأنّ حجّیّة الدلیل الاجتهادیّ متوقّفة علی الفحص والتتبّع عن المخصّص والمقیّد والشرط وغیره فلا یمکن الأخذ بمدلول الدلیل الاجتهادیّ

ص:38

إلّا بعد الفحص المذکور ولکن شهادة الاستعمال المجرّد فی المقام لا یتوقّف علی أیّ شیّ آخر کما لا یخفی فلا وجه لما فی الفصول من اشتراط ذلک الأصل بالتتبّع عن سائر موارد استعماله و ممّا ذکر یظهر أیضاً لزوم حمل ما اشتهر من أنّ الاستعمال أعمّ من الحقیقة والمجاز علی موارد اخری التی لاتکون اللفظ مجرّداً عن العلائق المجازیّة لما عرفت من أنّ المقام لا احتمال فیها للمجازیّة بعد فرض کونه خالیاً عن أیّ علاقة من العلائق المجازیّة فلا مورد لکون الاستعمال أعمّ من الحقیقة والمجاز بعد عدم احتمال المجازیّة کما لا یخفی.

وعلی ما حقّقناه فی المقام یظهر أنّ الأصل فی الاستعمال المجرّد عن العلائق المجازیّة هو الحقیقة و لاضیر فی التعبیر عن ذلک بأصالة الحقیقیة أیضاً لأنّه أحد معانی أصالة الحقیقة کما ربما یقال ویراد بها أنّ المتکلّم أراد المعنی الحقیقیّ فیما إذا علم المعنی الحقیقیّ تفصیلاً وجهل المراد فیحمل علی المعنی الحقیقیّ عند التجرّد عن القرائن والعلاقات المجازیّة لظهوره فیه ورجحانه ولأنّ مبنی المحاورات علیه فلاتغفل.

ومنها: التبادر وهو انسباق المعنی من حاقّ اللفظ فقطّ من دون حاجة إلی قرینة اخری حالیّة کان أو مقالیّة ومن المعلوم أنّه دلیل علی کون المعنی المذکور هو الموضوع له إذ لاسبب لهذا الانسباق إلّا الوضع بعد فرض عدم دخل قرینة اخری علی هذا الانسباق.

ولایذهب علیک أن التبادر المذکور لیس هو التبادر الإطلاقیّ الحاصل بمعونة مقدّمات الحکمة فإنّه لیس من حاقّ اللفظ ولذلک قالوا إنّ تبادر الوجوب النفسیّ والعینیّ والتعینیّ من إطلاق صیغة الأمر لیس علامة لکون الصیغة حقیقة فیها فإنّ تبادر الاُمور المذکوره لیس من حاقّ اللفظ بل مستفادة من مقدّمات الحکمة فالتبادر المذکور لیس علامة للحقیقة کما أن تبادر المعنی المجازیّ بسبب احتفاف اللفظ بالقرینه لا یکون دلیلاً علی الحقیقة وهذا هو الفرق بین المعنی الحقیقیّ والمجاز المشهور فإنّ فی الثانی

ص:39

لابدّ من ملاحظة الشهرة وهی قرینة علی التجوّز بخلاف المعنی الحقیقیّ فإنّ التبادر فیه لا یحتاج إلی القرینة وممّا ذکر یظهر الفرق أیضاً بین المنقول والمجاز المشهور فإنّ فی المنقول یتبادر المعنی من المنقول من دون حاجة إلی ملاحظة قرینة اخری بخلاف المجاز المشهور فإنّه یحتاج إلی ملاحظة الشهرة کما عرفت.

لایقال: إنّ التبادر المستفاد من حاقّ اللفظ مشترک بین الوضع التعیینیّ الذی یدلّ علی کون المستعمل فیه هوالموضوع له والوضع التعیّنیّ الذی لایکون وضعاً فی الحقیقة إذ الوضع علی ما عرفت هو تعیین اللفظ للمعنی و لاتعیین فی التعیّنیّ.

لأنّا نقول: إنّ تبادر المعنی من حاقّ اللفظ بضمیمة أصالة عدم النقل یکون دلیلاً علی أنّ المعنی المتبادر منه هو الموضوع له فی أصل الوضع وهذا الأصل من الاُصول العقلائیّة التی تثبت بها المعنی الأصلیّ کما أنّ السیرة قائمة علی إجراء أصالة عدم النقل فیما إذا شکّ فی أنّ المعنی شرعیّ أم لا.

هذا کلّه فیما إذا علم استناد التبادر إلی حاقّ اللفظ وأمّا مع احتمال وجود القرینة أو قرینیّة الموجود فالظاهر من الکلمات أنّ التبادر لا یکون علامة للحقیقة لعدم إحراز استناده إلی حاقّ اللفظ وعدم بناء علی أصل آخر لإحراز استناد المذکور نعم اکتفی فی هدایة المسترشدین بالظنّ بانتفاء القرینة کالظنّ بالاستناد وإن انضمّ إلیه بعض القرائن مستدلاًّ بوجود البناء علیه.

وفیه أنّ مورد البناء هوالظنون الحاصلة من حاقّ الألفاظ وأمّا إذا توسّط شیء آخر غیر الألفاظ کأصالة عدم القرینة أو عدم قرینیّة الموجود فهو متفرّع علی إحراز جریانه وهو أوّل الکلام.

ولکنّ الانصاف أنّ البناء علی عدم وجود القرینة عند الشکّ فی وجودها والأخذ بظهور اللفظ ثابت وإن احتمل استناد الظهور إلی القرینة.

ص:40

ولذلک لم یعطّل عرف العقلاء فی تشخیص معانی الألفاظ فیما إذا أخذ وهامن المستعملین بمجرّد احتمال وجود القرینة ولیس ذلک إلّا لجریان أصالة عدم القرینة عند الشکّ فیه کما نصّ علیه فی نهایة النهایة والفصول واُستاذنا المحقّق الداماد قدس سره ویشهد له ندرة العلم بالاستناد إلی حاقّ اللفظ فی استعمال أهل اللسان إذ احتمال الاستناد إلی القرینة موجود فی کثیر من الموارد فلو لم یکن بناء علی أصالة عدم القرینة لاختلّ الأمر فی تشخیص المعانی الحقیقیّة من طریق التبادر.

ثمّ إنّ التبادر وقع محل شبهة وإشکال من جهات مختلفة و أجابوا عنها منها أنّ التبادر موقوف علی العلم بالوضع فاذا کان العلم بالوضع موقوفاً علی التبادر لزم الدور و اجیب عنه بان المقصود ان علم الجاهل بالوضع موقوف علی تبادر المعنی من اللفظ عند العالم بالوضع فالموقوف علیه غیر الموقوف فلادور و منها ان التبادر مسبوق بالارتکاز وهو حاصل بالاستعمال المجرّد من أهل اللسان أو تنصیص الواضع أو تنصیص مهرة فنّ الحقیقة ومن المعلوم أنّ هذه الاُمور علائم الحقیقة قبل التبادر فلا تصل النوبة إلی أن یکون التبادر علامة للحقیقة مع أنّه لا یحصل إلّا بتقدم تلک الاُمور.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ التبادر من اللوازم الخاصّة لوجود الحقیقة فإذا تحقّق التبادر کان ذلک ملازماً لوجود الحقیقة وعلیه فلا مانع من جعل التبادر علامة للحقیقة وإن کان رتبة علامیّة الاستعمال المجرّد أو تنصیص الواضع أو تنصیص مهرة فنّ الحقیقة متقدّمة علیه و لابأس بتعدّد العلامة فی عرض واحد أو مع اختلاف الرتبة إذ ربما یفید بعضها لمن التفت إلیه ولم یلتفت إلی غیره من العلائم وإن کان موقوفاً علیه بحسب الواقع فلاتغفل.

ومنها: صحّة الحمل وعدم صحّة السلب والمراد من صحّة الحمل هو أن یتصوّر الموضوع الذی ارید کشف حاله ویحمل المحمول بماله من المعنی الارتکازیّ علیه فلو

ص:41

کان حمله علیه صحیحاً کشف ذلک عن کون المعنی المذکور هو معنی لفظ الموضوع وإلّا لم یصحّ الحمل.

والمقصود من عدم صحّة السلب أنّ حین یکون حمل اللفظ بما له من المعنی الارتکازیّ علی المعنی الذی ارید کشف حاله صحیحاً لا یصحّ سلب اللفظ عنه فإذا کان حمل إنسان مثلاً بما له من المعنی الارتکازیّ علی زید فی قولهم زید إنسان صحیحاً لا یصحّ سلب الإنسان من زید فیعلم من ذلک أنّ زیداً من مصادیق الإنسان و أفراده الحقیقیّة للزوم الاتّحاد الوجودیّ فی الحمل الشائع الصناعی فصحّة الحمل أو عدم صحّة السلب من دون قرینة من قرائن المجاز علامة الحقیقة إذ لا تکون هذه إلّا من جهة کون الموضوع من المصادیق الحقیقیّة للمحمول أو متّحداً مع مفهوم المحمول کما فی الحمل الأوّلیّ کقولهم الإنسان حیوان ناطق کما أنّ عدم صحّة الحمل وصحّة السلب علامة المجاز کما لا یخفی. ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد بصحّة الحمل وعدم صحّة السلب أن یکونا کذلک عند نفسه لا عند غیره وإلّا یرجع هذه العلامة إلی علائم اخر کتنصیص أهل اللغة واللسان إذ العلم بهما لا یحصل حینئذٍ إلّا بتصریح الغیر فیرجع إلی تنصیصهم أو التبادر عندهم أو غیر ذلک.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ ملاک العلامیّة هو اتّحاد المصداق مع الکّلیّ فی الوجود أو اتّحاد المفهومین مع عدم قرینة من قرائن المجاز.

وممّا ذکر یظهر أنّه لا وقع لما اورد علیه بأنّه لا یصحّ سلب شیء من المفاهیم المتّحدة فی المصداق عن بعض آخر کالإنسان والضاحک مع أنّ شیئاً منهما لم توضع بإزاء المفهوم الآخر و لایکون حقیقة فیه و ذلک لأن الکلّیّین المساویین کالإنسان و الضاحک لااتّحاد مفهومیّ بینهما کی یکون الحمل ذاتیّاً و لااتّحاد وجودیّ بینهما کاتّحاد الکلّیّ مع مصداقه حتّی یکون عدم صحّة السلب دلیل الحقیقة إذ لیس وجود الإنسان بما هو

ص:42

وجود وجوداً للضاحک کزید و للانسان بل یتصادقان فی وجود واحد والفرق أنّ زیداً لا وجود له إلّا وجود الإنسان متشخّصاً بالمتشخّصات فیعلم منه أنّ المعنی الموجود بوجود زید هو معنی الإنسان بخلاف المعنی الموجود بوجود الضاحک فإنّه لیس معنی الإنسان و لایکون وجود الضاحک بما هو وجود وجوداً للانسان و وجوداً للضاحک وإن تصادقا علی وجود واحد.

و علیه فعدم دلیلیة عدم صحّة السلب فی مثل الکلّیّین المساویین علی کون معنی الإنسان هو الضاحک وبالعکس لیس إلّا لعدم وجود الملاک وهو اتّحاد وجودیّ کاتّحاد الکلّیّ مع مصداقه فلا تغفل وأیضاً ینقدح ممّا ذکر أنّه لا وقع لما قیل من أنّ الحمل الذاتّی لا یکشف إلّا عن اتّحاد الموضوع والمحمول ذاتاً ومغایرتهما اعتباراً و لانظر فی ذلک إلی حال الاستعمال و ان حمل الحیوان الناطق علی الإنسان حقیقیّ أو مجازیّ وکذلک صحّة الحمل الشائع الصناعیّ لا تکشف إلّا عن اتّحاد المحمول مع الموضوع خارجاً لأنّ الملاک فی صحّة الحمل الشائع هو الاتّحاد فی الوجود الخارجیّ وأمّا أنّ حمل لفظ المحمول علی نحو الحقیقة أو المجاز فهی لا تدلّ علیه.

وذلک لما عرفت من أنّ الاتّحاد بین الموضوع والمحمول مع تجرّد اللفظ عن القرینة یکون علامة ودلیلاً علی أنّ استعمال لفظ المحمول فی الموضوع حقیقة لا مجرّد الاتّحاد الذاتّی أو الوجودیّ و لامجرّد الاستعمال فاذا رأی المستعمل صحّة الحمل مع تجرّد اللفظ عن القرینة یکفی ذلک فی حکمه بکون اللفظ حقیقة فیه إذ لو لم یکن کذلک لاحتاج إلی إقامة قرینة المجاز والمفروض هو عدمه.

فاتّحاد الموضوع مع المحمول مفهوماً مع تجرّده عن قرینة المجاز فی مثل «الإنسان حیوان ناطق» أو اتّحاد المعنی المتقرر فی مرتبة ذات الموضوع کزید مع ماللمحمول من

ص:43

المعنی کالإنسان فی «زید إنسان» مع تجرّده عن قرینة المجاز شاهد علی أنّ الحمل فیه حقیقة فلا تغفل.

وأیضاً یظهر ممّا ذکر أنّه لاوجه لما یقال من أنّ التحقیق أن الاستکشاف واستعلام الحال حاصل من التبادر الحاصل من تصوّر الموضوع السابق علی الحمل وسلبه فیکون إسناده إلی الحمل أو سلبه فی غیر محلّه، توضیح ذلک أنّ الحاکم المستعلم بحمله لابدّ أن یتصوّر الموضوع أولاً بما له من المعنی الارتکازیّ حتّی یجده متّحداً مع المعنی المشکوک فیه فی مفهومه ثمّ یحمل المحمول المتصوّر علی الموضوع المعلوم حملاً أوّلیّاً ولولا ذلک لما کان لحکمه وزن و لاقیمة وعندئذٍ إذا وجده فی عالم التصوّر متّحداً معه قبل حمله فقد علم بوضع اللفظ للمعنی ولم یبق لتأثیر صحّة الحمل فی رفع الستر مجال.

وأمّا الحمل الشائع فلا یکون علامة إلّا إذا کان شائعاً ذاتیّاً لکونه کاشفاً عن المصداق الحقیقیّ کما فی قولنا البیاض أبیض لا عرضیّاً وحینئذٍ إن کان المستعلم مردّداً فی کون الحمل ذاتیّاً أو عرضیّاً لم یکن له استکشاف الوضع من مجرّد الحمل وإن کان عالماً بکونه حملاً ذاتیّاً وأنّه من قبیل حمل الکلّیّ علی بعض مصادیقه الحقیقیّة فقد علم المعنی قبل الحمل إذ العلم بکونه مصداقاً حقیقیّاً ذاتیّاً مستلزم للعلم بکونه موضوعاً للطبیعة المطلقة. انتهی

وذلک لأنّ تصوّر الموضوع والمحمول إجمالاً یکفی فی صحّة الحمل و لایلزم أن یکون تصوّرهما تفصیلیاً بل یجوز أن یحصل التفصیل بالحمل وعلیه فلامنافاة بین أن یکون الموضوع أو المحمول قبل الحمل متبادراً فی أصل معناه وبین أن لا یعلم حدوده بالتفصیل إلّا بالحمل ولذلک یمکن أن لا یعلم باتّحادهما قبل الحمل فإذا رأی صحّة حمل المحمول علی الموضوع حدث له العلم التفصیلیّ بحدود المعنی مثلاً إذا شککنا

ص:44

فی حدود معنی الصعید فإذا رأینا صحّة حمله علی الحجر وغیره ممّا عدا التراب علمنا بالتفصیل حدود معناه وارتفع الشکّ.

هذا مضافاً إلی أنّ وجدان الاتّحاد فی عالم التصوّر لا یمکن إلّا بالحمل أیضاً کالحمل فی القضیّة الملفوظه إذ القضیّة الذهنیّة قبل التلفّظ بها کالقضیة الملفوظة تفید حمل المحمول علی الموضوع وعلیه فلا مورد لقوله «وعندئذٍ إذا وجده فی عالم التصوّر متّحداً معه قبل حمله فقد علم بوضع اللفظ للمعنی ولم یبق لتأثیر صحّة الحمل فی رفع الستر مجال».

ثمّ لا یخفی علیک مغایرة صحّة الحمل وعدم صحّة السلب مع علامة سابقة وهی الاستعمال المجرّد فإنّ الحمل فی المقام حاصل من المستعلم بخلاف الاستعمال المجرّد فإنّه حاصل من أهل المحاورة نعم ربما یتّحد استعمالهم مع حمل الشیء علی شیء بصورة القضیّة من دون قرینة المجاز وفی هذه الصورة یتّحد صحّة الحمل مع استعمال المجرّد فلا تغفل.

ربما یفصّل بین الحمل المتداول علی ألسنة اللغوییّن کحمل أحد اللفظین المترادفین بماله من المعنی علی الآخر مثل قولهم «الغیث هو المطر» وبین الحمل الأوّلیّ المستعمل فی الحدود المشتمل علی حمل الذاتیّات علی الذات مثل قولهم «الإنسان حیوان ناطق» بدعوی أنّ فی الأوّل یمکن استکشاف وضع اللفظ للمعنی المعلوم عند من استعمل هذا الحمل دون الثانی فإنّ مفهوم «حیوان ناطق» مفهوم مرکّب مفصّل وبما أنّه کذلک یمتنع أن یکون هو مفهوم الإنسان لأنّ مفهوم کلّ لفظ مفرد بسیط مجمل.

اجیب عنه بأنّ الغرض من الحمل لیس إثبات وضع اللفظ لذلک المفصّل بل لماهیّة بسیطة یکون هذا المفصّل حدّاً لها بحیث إذا انحلّت رجعت إلیه.

ومنها: الاطّراد وعدمه والا متن فی تعریفه هو أن یقال إنّه إذا اطّرد استعمال لفظ فی أفراد کلّیّ بحیثیّة خاصّة کالإنسان باعتبار الإنسانیّة فی افراده کالبکر وخالد وغیرهما

ص:45

من أفراد الکلّیّ مع القطع بکون الکلّیّ فی جمیع الموارد غیر موضوع لکلّ فرد فرد علی حدة کان ذلک دلیلاً علی وجود علاقة الوضع بین الافراد و بین ذلک الکلّیّ وعلم أنّ الکلّیّ موضوع للطبیعی من المعنی و استعماله فی الأفراد استعمال حقیقیّ لا مجازیّ إذ نوع علائق المجاز لیست مطّردة والاطّراد دلیل علاقه الوضع وهی کلّیّة مطّردة دون نوع علائق المجاز ألا تری أنّ علاقة المجاز فی اطلاق الأسد علی الرجال الشجاع هو الشجاعة و نوع تلک العلاقة کالمشابهة لیست بمطّردة وإلّا لزم أن یطلق الأسد علی مطلق مصادیق الشجاع کالنملة الشجاعة والبقّة الشجاعة مع أنّه لیس کذلک فنوع العلاقة فی المجاز لیس مطّرداً بخلاف علاقة الوضع کما عرفت. و قال سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد المراد من عدم الاطراد فی المجازات عدمه باعتبار نوع العلائق المذکورة و اما باعتبار الخصوصیات التی یصح معها الاستعمال فالمجاز أیضاً مطرد فانّه یصح استعمال الاسد فی کل من له مشابهة له فی الشجاعة قال بعض الاعلام أیضاً قد یطلق علی المرق الرقیق الماء فی موارد الطعن علی صاحبه مثلاً و قد لایطلق علیه الماء فی جمیع الموارد کما اذا لم یکن عند المکلف ماء للوضوء او الغسل و کان عنده المرق فانه لایقول عندی ماء و هذا بخلاف ماء الکوز و نحوه فانه یطلق علیه الماء فی جمیع الموارد.

و کیف کان فقد قال المحقّق الإصفهانیّ قدس سره فی تعریف الاطّراد هو ما إذا اطلق لفظ باعتبار معنی کلّیّ علی فرد یقطع بعدم کونه من حیث الفردیّة من المعانی الحقیقیّة لکنّه یشکّ أنّ ذلک الکلّیّ کذلک أم لا فإذا وجد صحّة الإطلاق مطّرداً باعتبار ذلک الکلّیّ کشف عن کونه من المعانی الحقیقیّة لأنّ صحّة الاستعمال فیه وإطلاقه علی أفراده مطّردا لابدّ أن تکون معلولة لأحد الأمرین إمّا الوضع وإمّا العلاقة وحیث لا اطّراد لأنواع العلائق المصحّحة للتجوّز ثبت الاستناد إلی الوضع فنفس الاطّراد دلیل علی الحقیقة

ص:46

وإن لم یعلم وجه الاستعمال علی الحقیقة کما أنّ عدم الاطّراد فی غیر مورد یکشف عن عدم الوضع له وإلّا لزم تخلّف المعلول عن العلّة لأن الوضع علّة صحّة الاستعمال مطّرداً.

وهذه العلامة علامة قطعیّة لو ثبت عدم اطّراد علائق المجاز کما هو المعروف والمشاهد فی جملة من الموارد.

ربّما یقال إنّ التبادر علامة لوجود الوضع وصحّة السلب علامة عدمه والاطراد علامة لاستناد التبادر أو صحّة السلب إلی حاقّ اللفظ ورافع استنادهما إلی قرینة حافّة بالکلام ولو بمثل الانصراف الإطلاقیّ حیث أن الاستقراء فی موارد الاستعمال سلباً أم إیجاباً ربما یکشف بحکم ارتکاز الذهن أنّ فهم المعنی سلباً أم إیجاباً مستند إلی نفس اللفظ لا قرینة اخری کما أنّه قد یستفاد هذه الجهة من أمر آخر بحیث لا یحتاج إلی استقراء موارد.

وفیه أنّ ذلک صحیح فیما إذا کان تبادر المعنی محرزاً وشکّ فی استناده إلی حاقّ اللفظ أو غیره وأمّا إن لم یکن اللفظ متبادراً فی المعنی وکان اللفظ ذا احتمالین أو احتمالات فالاطّراد فی أحدهما أو أحدها دلیل کونه حقیقة فیه فحینئذٍ لا وجه لجعل الاطّراد علامة للعلامة بل هو بنفسه یکون علامة الحقیقة فلا تغفل.

ثمّ إنّ هذه العلامة تختصّ بالکلّیّات دون غیرها فإنّ الاطّراد فی غیر الکلّیّات جار فی غیر الحقیقة أیضاً فاطّراد الأعلام منقوض باطّراد شخص مشابهة زید الشجاع بالأسد أو صنفها کمشابهة الرجل الشجاع فإن کان إطلاق الأعلام مطّرداً کان إطلاق الأسد علی زید الشجاع أو علی الرجل الشجاع أیضاً مطّرداً فالاطّراد لا یختصّ بالأعلام حتّی یکون علامة للحقیقه هذا بخلاف الکلّیّات وأنواع العلاقات فإنّ الاطّراد مختصّ بالکلّیّات مطلقاً سواءً کانت کلّیّات شمولیّة أو کلّیّات بدلیّة وأمّا نوع العلاقة فقد عرفت أنّه لا یطّرد إذ لا یصحّ إطلاق الأسد علی النملة الشجاعة أو البقّة الشجاعة فاطّراد لفظ الأسد فی أفراد الحیوان المفترس دلیل علی کونه حقیقة فی الحیوان المتفرس بخلاف أفراد الشجاع فإنّ

ص:47

لفظ الأسد لایطّرد إطلاقه فی جمیع أفراده وعلیه فإطلاقه علی بعض أفراده دون بعض آخر دلیل علی کون إطلاقه علی الشجاع مجازاً فلاتغفل.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد من الاطّراد هو الاطّراد عند أهل اللسان دون المستعلم فإنّه إنّ صحّ عنده الحمل وأذعن بذلک فمن حمل واحد یستنتج المقصود لدخوله تحت عنوان صحّة الحمل و لایحتاج إلی تکرّره واطّراده وإن لم یصحّ أولم یدرک صحّته فتکرّره لا یجدیه شیئاً.

أللّهمّ إلّا أن یقال: أنّ الإذعان ربما لایحصل بالحمل مرّة بل یحتاج إلی تکرّر الحمل وعلیه فالتکریر قدیجدیه فی بعض الأحیان و لایختصّ الاطّراد بالاطراد عند اهل اللسان فافهم.

ثمرة العلامات

ربما یقال إنّ العلامات المذکورة علی فرض تمامیّتها لا ثمرة لها إلّا بناء علی أصالة الحقیقة تعبّداً فحینئذٍ لو استکشفنا أنّ لفظاً بواسطة إحدی هذه العلامات حقیقة فی معنی یمکن الأخد به و إن لم یکن له ظهور فیه بواسطة احتفافه بما یصلح للقرینیّة علی خلافه.

ولکنّ التحقیق هو أنّ الأخذ دائر مدار وجود الظهور وهو موضوع الحجّیّة سواء کان مستنداً إلی حاقّ اللفظ أو إلی القرینه وعلیه فلا حاجة إلی إثبات کونه حقیقة فیه أو مجازاً کما أنّه لو لم یکن ظاهراً فیه لم یجز الأخذ به سواء قامت العلامة علی الحقیقة أو لم تقم انتهی.

وفیه أنّ العلامات المذکورة موجبة للظهور فیما لم تکن قرینة فی الکلام فالظهور ناش منها ومعه کیف یستغنی منها وعلیه فالبحث عن العلامات بحث عن محقّقات الظهور ومقوّماته وأصالة الحقیقة وأصالة عدم القرینة من الاُصول العقلائیّة اللفظیّة التی تفید الظهور لأنّها من الأمارات العقلائیّة و لابناء لهم فیما لا تفید الظهور وعلیه ففرض قیام الاُصول اللفظیّة مع عدم حصول الظهور النوعیّ کماتری.

ص:48

الأمر الثامن: فی تعارض الأحوال

اشارة

1 - الأحوال العارضة علی الألفاظ الموضوعة فی مقام الاستعمال مختلفة: و تنقسم إلی مشترک وغیر مشترک ومنقول وغیر منقول وحقیقة ومجاز وإضمار وغیر إضمار واستخدام وغیر استخدام ومطلق و مقیّد وعامّ و خاصّ.

أمّا الأوّل فباعتبار تعدّد الوضع وعدمه وأمّا الثانی فباعتبار بقائها علی الوضع الأوّل وعدمه وأمّا الثالث فباعتبار استعمالها فیما وضع له وعدمه وأمّا الرابع فباعتبار التقدیر وعدمه وأمّا الخامس فباعتبار اتّحاد مایراد من اللفظ مع ما یراد من الضمیر وعدمه وأمّا السادس والسابع فباعتبار اقتران معناها بخصوصیّة زائدة وعدمه.

دوران الأمر بین الحقیقة و غیرها

2 - لا إشکال فی جواز المصیر إلی إحدی هذه الأحوال وترتیب آثارها عند قیام أمارة معتبرة علیها وأمّا إذا لم تقم قرینة علی إحدیها فمقتضی الأصل هو عدم هذه الأحوال من الاشتراک والنقل والمجاز والإضمار والاستخدام والتقیید والتخصیص فیما إذا دار الأمر بین الحقیقة وإحدی أو الأزید من الأحوال المذکورة وذلک لأنّ الأصل هو عدم الاشتراک وعدم النقل وقد یعبّر عن هذا الأصل بالأصل الوضعیّ لأنّ به یتعیّن حال الوضع من التعدّد وعدمه ومن النقل وعدمه. وهکذا مقتضی الأصل عند الشکّ فی إرادة الحقیقة والمجاز هو عدم إرادة المجاز وقد یعبّر عن الأصل المذکور بأصالة الحقیقة.

ص:49

ومقتضی الأصل عند الشکّ فی الإضمار وعدمه أو الاستخدام وعدمه هو عدم الإضمار وعدم الاستخدام.

ومقتضی الأصل عند الشّک فی التقیید والتخصیص بعد الفحص هو الإطلاق والعموم.

فکلّ هذه الأحوال منفیّة بالاُصول المذکورة و لایرفع الید عن المعنی الحقیقیّ المطلق باحتمال هذه الأحوال.

3 - تلک الاُصول من الاُصول العقلائیّة التی تدور مدار بنائهم علیها إذا لم یکن فی الکلام ما یصلح للقرینیّة وإلّا فلا مجال لإحداها.

4 - هل یشترط فی جریان أصالة عدم النقل أن یکون الشکّ فی أصل النقل أم لا یشترط بل تجری فیما إذا علم بالنقل وشکّ فی تقدّمه علی الاستعمال وتأخّره؟

ذهب بعض إلی الاشتراط مطلقاً وذهب آخر إلی عدم الاشتراط مطلقاً وثالث إلی التفصیل بین العلم بتاریخ الاستعمال فلا تجری والأوسط هو المختار وذلک لأنّ بناء العقلاء علی أنّهم لا یرفعون الید عن الحجّه إلّا بقیام الحجّة علی خلافها ومن المعلوم أنّ وضع الواضع معتبر ومتّبع فی تعیین اللفظ للمعنی وحصول الارتباط بینهما ما لم یثبت العدول عنه فتعیین الواضع حجّة علی الارتباط بینهما و لایرفع الید عن تلک الحجّة إلّا بقیام الحجّة علی العدول کما هو مقتضی البناء المذکور فکما لا یرفع الید عنها بمجرّد احتمال النقل کذلک لایرفع الید عنها بالعلم الإجمالیّ بالنقل والشکّ فی التقدّم والتأخّر بالنسبة إلی الاستعمال وعلیه فیتحقّق الشکّ فی ارتفاع الوضع الأوّل حال الاستعمال وبناء العقلاء علی عدم رفع الید عن الحجّة بلاحجّة ومقتضی هذا البناء هو الحکم ببقاء الوضع الأوّل حال الاستعمال فکما أنّ العلم بالنقل فی الآتی لا یضرّ بجریان أصالة عدم النقل قبل حصول النقل لتحقّق أرکانها من العلم بالحجّة والشکّ فی الارتفاع حال الاستعمال فکذلک العلم الإجمالیّ بأصل النقل والاستعمال والشکّ فی التقدّم

ص:50

والتأخّر لا یمنع عن جریانها لتحقّق أرکانها من العلم بالحجّة والشکّ فی ارتفاعها حال الاستعمال.

و مع جریان أصالة عدم النقل یبقی ظهور اللفظ فی معناه الحقیقیّ و لاینثلم هذا الظهور بالعلم الإجمالیّ بوقوع النقل والشکّ فی التقدّم والتأخّر بعد حفظ أرکان أصالة عدم النقل من العلم بالحجّة والشکّ فی ارتفاعها حال الاستعمال فدعوی انثلام الظهور لا وجه لها بعد جریان أصالة عدم النقل کما لا یخفی.

وتوهّم المعارضة بین أصالة عدم النقل مع استصحاب عدم الاستعمال إلی ما بعد زمان الوضع الجدید فاسد لأنّ استصحاب عدم الاستعمال إلی ما بعد زمان الوضع الجدید حیث لا أثر شرعیّ له فهو مثبت هذا مضافاً إلی أنّه لو سلّم جریانه فهو لا یعارض مع الأمارة والمفروض أنّ أصالة عدم النقل من الأمارات العقلائیّة و لایقاس أصالة عدم النقل بالاُصول التعبّدیّه فتحصّل أنّه لا فرق فی جریان أصالة عدم النقل بین الأقسام فتجری سواء کان الاستعمال معلوماً أو مجهولاً لأنّ رفع الید عن الوضع الأوّل فی جمیع الصور رفع الید عن الحجّة بلا حجّة فلاوجه للقول بعدم الجریان مطلقاً کما لاوجه للتفصیل و لاتغفل. فتحصل ان عند الشک فی الحقیقة و غیرها یقدم اصالة الحقیقة.

دوران الأمر بین نفس الاحوال غیر الحقیقة

5 - إذا دار الأمر بین نفس الأحوال کما إذا دار الأمر بین النقل والاشتراک وبین المجاز والاشتراک وبین الإضمار والاشتراک وبین التخصیص والاشتراک بناء علی أنّ التخصیص مجاز وبین المجاز والنقل وبین المجاز والإضمار وبین التقیید و التخصیص بناء علی کونهما من المجازات وغیر ذلک فقد ذکروا لترجیح بعضها علی بعض وجوهاً من أنّ النقل أولی من الاشتراک لاتحاد المعنی فی النقل دائماً فیحصل الفهم بخلاف المشترک و المجاز اولی من الاشتراک لان اللفظ إن تجرّد عن القرینة حمل علی الحقیقة

ص:51

وإلّا فعلی المجاز والإضمار أولی من الاشتراک لأنّ صحّته مشروطة بالعلم بتعیینه بخلاف المشترک والتخصیص أولی من الاشتراک لأنّه خیر من المجاز والمجاز أولی من النقل لا فتقار النقل إلی الاتّفاق علیه بین أهل اللغة إلی غیر ذلک.

إلّا أنّها مع اجمالها وجوه استحسانیّة لا اعتبار بها إلّا إذا کانت موجبة لصیرورة اللفظ ظاهراً فیه فبناء العقلاء علی ظاهره و اما إذا لم تکن موجبة للظهور تعارضت الأحوال ویصیر اللفظ مجملاً إذ المعنی الحقیقیّ لم یرد علی المفروض و لاترجیح لإحدی الأحوال المتعارضة علی الاُخری أللّهمّ إلّا أن یدّعی وجود البناء فی بعض موارد تعارضها علی تعیین إحدی الأطراف کما قال فی مقالات الاُصول إذا دار الأمر بین النقل وغیر الحقیقة السابقة (کالاضمار) فأصالة عدم النقل یحرز البقیّة.

وفیه: أنّ أصالة عدم النقل معارضة مع أصالة عدم التقدیر عند دوران الأمر بین النقل والإضمار لأنّ کلّ واحد منهما من الاُصول اللفظیّة و علیه البناء فالإجمال باقٍ علی حاله وکما قال أیضاً إذا دار الأمر بین الاشتراک وبقیّة الأحوال العارضة علی خلاف الحقیقه فمقتضی أصالة عدم تعدّد الوضع یثبت سائر الأحوال.

وفیه أیضاً أنّه إن کان الاستعمال غیر مقرون بقرینة سائر الأحوال فالمتعیّن هو الاشتراک لما مرّ من أنّ الاستعمال المجرّد علامة الحقیقة مطلقاً سواء کان المستعمل فیه متّحداً أو متعدّداً وإلّا لزم أن یکون الاستعمال غلطاً وهو لا یصدر عن المتکلّم الحکیم وإن کان الاستعمال مقروناً بقرینه سائر الأحوال فهو مجاز و لامجال لاحتمال الاشتراک والدوران بینه وبین المجاز نعم لو کان مع ما یصلح للقرینیّة بحیث شکّ فی کونه حقیقة أو مجازاً لم یکن الاستعمال مجرّداً حینئذٍ حتّی یحمل علی الحقیقة ولم یعلم قرینیّة الموجود حتّی یحمل علی المجاز فیمکن حینئذٍ إثبات المجاز بأصالة عدم تعدّد الوضع إن کانت أصلاً عقلائیّاً فافهم و اذا دار الأمر بین التخصیص و النقل او الاشتراک قال

ص:52

سیّدنا الاستاذ سیرة العقلاء تکون علی تقدیم التخصیص علی النقل او الاشتراک و قد یکون بنائهم علی الاجمال و عدم ترجیح أحدهما علی الآخر کما فی دوران الأمر بین المجاز و الاضمار نظیر قوله علیه السلام «فی خمسة من الابل شاة» إمّا أنّ المراد منه ظرفیة مجازیة بمعنی انه یجب فی خمسة من الابل شاة فخمسة ابل ظرف مجازی لوجوب الشاة و إمّا فیه إضمار بمعنی أنّه یجب فی خمسة إبل مقدار شاة و الثمرة بینهما تظهر فی شرکة الفقراء مع من علیه الحق فی الابل بمقدار الشاة من السهم او انه یجب علی من علیه الحق اعطاء شاة.

ثمّ إنّه إذا دارالأمر بین التقیید والتخصیص فقد یقال إن کان أحد الدلیلین عامّاً اصولیّاً والآخر إطلاقاً شمولیّاً کقوله أکرم العلماء حیث إنّه عامّ اصولیّ مقدّم علی قوله لا تکرم الفاسق فی مادّة الاجتماع أی العالم الفاسق والسرّ فی ذلک أنّ شمول العامّ الاُصولیّ لمورد الاجتماع بالوضع وشمول الإطلاق الشمولیّ بالإطلاق ومقدّمات الحکمة ومن تمامیّة مقدّمات الحکمة عدم قرینة علی التقیید ویکفی فی القرینیّة شمول العموم لمورد الاجتماع بالوضع من دون اشتراطه بشیء.

وهکذا الأمر إن کان أحدهما عامّاً اصولیّاً والآخر إطلاقاً بدلیّاً فلو قال أکرم عالماً وقال أیضاً لا تکرم الفساق فشمول الإطلاق البدلیّ لمورد الاجتماع أی العالم الفاسق بالإطلاق وشمول العامّ الاُصولیّ له بالوضع فیکون مانعاً عن تحقّق الإطلاق.

واُلْحِقَ بذلک أیضاً الإطلاق الشمولیّ والإطلاق البدلیّ کما إذا قال أکرم عالماً فإنّه إطلاق بدلیّ وقال أیضاً لاتکرم الفاسق فإنّه إطلاق شمولیّ لانحلال النهی إلی قضایا متعدّدة حسب تعدّد أفراد موضوعه أی متعلّق متعلّقه کقوله لاتشرب الخمر أو کقوله لاتکرم الفاسق وعلیه فتقیید الإطلاق البدلیّ مقدم علی تقیید الشمولیّ وإن کان کلاهما بمقدّمات الحکمة. لأنّ جریان مقدّمات الحکمة فی الإطلاق البدلیّ مشروط بشرط وهو

ص:53

تساوی أقدام الأفراد فی انطباق صرف الوجود علیها و الاطلاق الشمولی فی طرف المعارض یخرج هذا الفرد الذی هو مورد الاجتماع عن کونه متساوی الأقدام مع سایر الأفراد فی انطباق صرف الوجود علیه لابتلائه بالحکم المنافی مع هذا الحکم بخلاف الجریان فی الإطلاق الشمولیّ فإنّه لیس مشروطاً بشرط لأنّ الإطلاق الشمولیّ عبارة عن تعلّق الحکم بوجود الطبیعة الساریة وهذا المقدار مشترک بین العامّ الاستغراقیّ والإطلاق الشمولیّ.

فالعامّ الاُصولیّ مقدّم فی جمیع االصور علی الإطلاق سواء کان شمولیّاً أو بدلیّاً کما أنّ الإطلاق الشمولیّ مقدّم علی الإطلاق البدلیّ إذ دار الأمر بینهما و یکفی للقرینیة شمول العموم أو شمول الاطلاق للمانعیة عن تحقق الاطلاق فی طرف آخر.

یمکن أن یقال أوّلاً: إنّ المعتبر فی تحقّق الإطلاق والظهور الاستعمالیّ هو عدم البیان المتّصل لا الاعم منه و من المنفصل إذ مع الاتّصال لا ینعقد الظهور فیتقیّد انعقاد الظهور بعدم البیان أو القرینة هذا بخلاف البیان المنفصل فإنّ ظهور کلّ منعقد فیدور الأمر بین الظهورین ویتقدّم الأقوی منهما إن کان وإلّا فیتعارضان فلاوجه لتقدیم العام الاصولی علی غیره لتحقق الظهور فی الطرفین فیما اذا کان البیان منفصلاً نعم لامانع من ان یقال ان الظهور فی طرف الاطلاق الشمولی اقوی من الظهور فی طرف الاطلاق البدلی ولعلّ منشأ ذلک هو توقّف الإرادة الجدّیّة علی الفحص والتتبّع و ملاحظة القیود ولکن ذلک لا ینافی انعقاد الظهور الاستعمالیّ قبل الفحص والتتبّع کما لا یخفی.

وثانیاً: إنّ التفرقه بین الإطلاق البدلیّ والإطلاق الشمولیّ مع تقیّد کلّ واحد منهما بجریان مقدّمات الحکمة کما تری لمساواتهما فی ملاحظة الشرط المذکور وعدمه.

ص:54

وثالثاً: أنّ التقیید والتخصیص لیسا عند المتأخّرین من أحوال الألفاظ إذ لا یلزم من تقیید المطلق أو تخصیص العامّ مجاز فی الکلمة لأنّ التصرّف فی ناحیة المراد لاالمستعمل فیه کما حقّقه سلطان العلماء قدس سره وعلیه فعدّهما من أحوال الألفاظ مسامحة.

وعلی فرض التسامح لایختصّ الدوران بهما لإمکان الدوران أیضاً بین التخصیصین کما إذا کان المتعارضان عامیّن من وجه فالتصرّف فی کلّ طرف تخصیص فحینئذٍ لاترجیح لأحدهما علی الآخر إلّا إذا کان فیه أمر یوجب قوّة الظهور بالنسبة إلی الآخر کما إذا کان أحدهما وارداً فی مورد السؤال عن فرد یجتمع فیه العنوانان فلابدّ وأن یخصّص الآخر لأنّ تخصیص المورد مستهجن فإذا سئل عن جواز إکرام زید العالم الفاسق وقیل فی الجواب: «أکرم العلماء» وصدر أیضاً قبلاً أو بعداً: «لاتکرم الفسّاق» فلابدّ وأن یقدّم عموم «أکرم العلماء» ویخصّص به عموم «لاتکرم الفسّاق» وإن کان بینهما عموم من وجه.

وإلّا إذا کان أحد العامیّن من وجه له أفراد قلیلة بحیث لو خصّص بما عدا مورد الاجتماع یکون إلقاء العامّ قبیحاً فاللازم هو تخصیص دلیل آخر به لا العکس.

وإلّا إذا کان أحد العامّین فی مقام التعریف و التحدید فیقدّم علی الآخر ویکون قرینة علی التصرّف فیه وإن لم یکن أخصّ منه عنواناً وذلک من جهة صیرورته کالنصّ بواسطة کونه فی مقام التحدید کما اذا کان فی مقام ذکر موارد ممنوعیة الاحترام و قال لاتکرم الفساق فهو مقدم علی اکرم العلماء.

وهکذا الأمر فیما إذا دار الأمر بین التقییدین سواء کان الإطلاق شمولیّاً أو بدلیّاً بعد ما عرفت من انعقاد الظهور مع انفصال القید فإنّهما یتعارضان و لاترجیح بینهما إلّا بأمثال ما ذکر فی دوران الأمر بین التخصیصین فلا تغفل. قال سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد اذا دار الأمر بین التخصیص و النقل و الاشتراک کان بناء العقلاء علی تقدیم التخصیص

ص:55

علی النقل او الاشتراک و قد یکون بناؤهم علی الاجمال و عدم ترجیح احدهما علی الآخر کما فی دوران الأمر بین المجاز و الاضمار نظیر قوله علیه السلام «فی خمسة من الابل شاة» إمّا ان المراد منه ظرفیة مجازیة بمعنی انه یجب فی خمسة من الابل شاة فخمسة ابل ظرف مجازی لوجوب شاة و إمّا فیه اضمار بمعنی انه یجب فی خمسة ابل مقدار شاة و الثمرة بینهما تظهر فی شرکة الفقراء مع من علیه الحق فی الابل بمقدار الشاة من السهم او انه یجب علی من علیه الحق اعطاء شاة و غیرها من الثمرات و لاوجه لتقدیم احد الاحتمالین علی الآخر.

فتحصّل انه اذا احرز قوة الظهور بجهة من الجهات فی طرف فلااعتبار بغیره و ان وافقه بعض الاستحسانات المذکورة فی ترجیح بعض الاحوال علی بعض و یشهد له بناء العقلاء.

و اذا لم تحرز قوة الظهور فی طرف فلاوجه لتقدیم التقیید علی التخصیص و لاتقدیم تخصیص علی تخصیص و لا تقدیم تقیید علی تقیید فیما اذا دار الأمر بین التخصیصین او التقییدین وعلیه فیتعارضان ویتساقطان فی مادة الاجتماع کما لایخفی.

ص:56

الأمر التاسع: فی الحقیقة الشرعیّة

1 - إنّ الوضع التعیینیّ یکون علی قسمین أحدهما أن یصرّح الواضع بإنشاء العلقة والارتباط بین لفظ ومعنی وثانیهما أن یستعمل الواضع لفظاً فی معنی بداعی إنشاء الارتباط والعلقة بینهما من دون أخذ قرینة وعلاقة من القرائن والعلائق المجازیّة وهما أمران واقعاًن من الواضعین ألاتری أنّ الوالد الواضع قد یصرّح بجعل العلقة والارتباط بین لفظ إبراهیم مثلاً وولده ویقول سمّیته ابراهیم وقد لا یصرّح بذلک وإنّما یستعمل لفظ إبراهیم فی ولده بقصد إنشاء العلقة والارتباط بینهما ویقول مثلاً لخادمه جئنی بإبراهیم.

و لاوقع بعد وقوعهما للإشکال فی إمکان الثانی باستلزامه الجمع بین اللحاظین فی شیء واحد فإنّ الحکایة والدلالة مقصودة فی الاستعمال علی الوجه الالیّ والمعنی الحرفیّ إذ الالتفات یکون بالمعنی الاسمیّ نحو نفس المعنی دون اللفظ ودلالته وحکایته هذا بخلاف الوضع فإنّ الحکایة فیه مقصودة علی وجه الاستقلال لأنّ حقیقة الوضع هو جعل اللفظ لمعنی بحیث یحکی به عنه عند الاستعمال وهو متوقّف علی ملاحظة اللفظ والمعنی وجعل الارتباط والعلقة بینهما ومن البیّن أنّ الجمع بینهما فی لحاظ واحد جمع بین اللحاظین.

وذلک لأنّ استعمال اللفظ فی المعنی علی نحو استعمال اللفظ الموضوع فی معناه من دون إقامة قرینة وعلاقة من علائق المجاز یدلّ بدلالة الاقتضاء علی إنشاء العلقة

ص:57

والارتباط بین اللفظ والمعنی بالاستعمال إذ بدونه لایمکن هذا الاستعمال الخاصّ کما أنّه إنشاء بیع المبیع من ذی الخیار علی نحو بیع سائر أملاکه یدلّ بدلالة الاقتضاء علی إنشاء الفسخ بنفس البیع إذ بدونه لا یمکن البیع مجدّداً لما باعه قبلاً.

وعلیه فللاستعمال جهتان طولیّتان من جهة یدلّ علی إنشاء الارتباط والعلقة ومن جهة یدلّ علی المعنی ویحکی عنه فلا یلزم اجتماع اللحاظ الآلیّ والاستقلالیّ فی شیء واحد.

وإلیه یؤول ما أفاده المحقّق الإصفهانیّ قدس سره من أنّ التحقیق أنّ إنشاء الوضع حقیقة بمعنی جعل اللفظ بحیث یحکی بنفسه بجعل لازمه وهو جعله حاکیاً فعلاً بنفسه معقول فالحکایة وإن کانت مقصودة وملحوظة آلیّا فی الاستعمال إلّا أنّها مقصودة بالاستقلال فی مرحلة التسبّب إلیها بإنشاء لازمها وجعله انتهی و الاسهل هو ما أفاده سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد من ان التحقیق فی الجواب ان اللفظ حین الاستعمال لم یلاحظ الّا بلحاظ إلی غایة الأمر انه قبل الاستعمال لابد للمستعمل من لحاظ کل من اللفظ و المعنی مستقلاً ثم استعمال اللفظ فی المعنی ضرورة انه مادام لم یتصور المستعمل بالفتح و المستعمل فیه کیف یستعمله فی المعنی فاذا تصور اللفظ یتوجه إلی انه غیر مرتبط إلی المعنی فیرید ان یجعل بینهما الارتباط بان یضع اللفظ لذلک المعنی و حینئذٍ یستعمل اللفظ فی المعنی و یجعل استعماله الذی هو فعل منه (لااللفظ المستعمل) دالاً علی الوضع بالدلالة الالتزامیة العقلیة فان المستمع یحکم بانه لو لم یجعل هذا اللفظ لهذا المعنی لم یصح استعماله فیه و حیث انه استعمله و لایتحقق منه الخطاء و الغلط فلابد و ان یکون فی مقام الوضع فاللفظ لم یستعمل إلّا فی ذلک المعنی و لم یلاحظ حین الاستعمال و الاداء الّا بلحاظ الإلی الا انه لاحظه قبل الاستعمال بلحاظ الاستقلإلی و جعل نفس الاستعمال (أی فعله) آلة للانشاء و الوضع فتدبر فانه دقیق.

ص:58

2 - هل یقع الوضع بقسمیه من الشارع أم لا؟ لم یعهد منه علیه الصلاة والسلام أن یصرّح بجعل العلقة والارتباط بین لفظ ومعنی وعلیه فالوضع التصریحیّ غیر ثابت وأمّا الوضع الاستعمالیّ فلایبعد دعواه فی مثل استعمال ألفاظ العبادات کالصلاة فی معانیها الشرعیّة من الأرکان المخصوصة والأجزاء المعیّنة المعتبرة فی شرع الإسلام فإنّ استعمال الشارع تلک الألفاظ فیها من دون إقامة قرینة وعلاقه من العلائق المجازیّه لا یکون إلّا لإرادة وضعها لخصوصها و إلّا لزم الخطاء و الغلط و هو لایصدر عن الشارع ولاینافی ذلک کون ألفاظ العبادات معلوم المفهوم لدی النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم وأصحابه ومعاصریه من الکفّار والأقوام فإنّهم کانوا یفهمون معانیها بلا معونة قرینة لأنّ إرادة الأرکان المخصوصة والأجزاء المعیّنة المعتبره فی شرع الإسلام لاتساعد المعانی المعهودة لها فی السابق لأنّها إمّا أرکان مخصوصة بالشرع السابق والمعلوم عدم إرادتها وإمّا المعانی الکلّیّة کالعطف والمیل القابلة لانطباقها علی غیر الأرکان والأجزاء المعتبرة فی شرعنا وهی أیضاً غیر مرادة باستعمالها.

أللّهمّ إلّا أن یقال: المقصود من تلک الألفاظ هو معانیها الکلّیّة المعهودة ولکن تدلّ علی الأرکان والأجزاء المعتبره فی شرعنا من جهة تعدّد الدالّ والمدلول فلا یثبت بنفس الاستعمال، الوضع التعیینیّ الاستعمالیّ نعم لابأس بأن یقال إنّ کثرة إفادة الخاصّ بدالّین فی مقام الطلب و بیان الخواصّ والآثار والحکایة والمحاورات المتعارفة توجب اختصاص اللفظ بالمعنی الخاصّ فی أیّام قلائل ومنع بلوغ الکثرة فی لسان الشارع ومتابعیه إلی حدّ یوجب الاختصاص مکابرة واضحة.

فالانصاف هوالحکم بوقوع الوضع التعینیّ الاستعمالیّ من الشارع المقدّس کما تشهد له کثرة الاستعمإلی هذا مضافاً إلی الوضع الاستعمالی التعیینی کما تدل علیه الروایات

ص:59

المستفیضه والمتواتره الدالّة علی استعمال النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم کلمة أهل البیت فی أهل بیت النبوّة وهم الخمسة الطیّبة والأئمّة الطاهرین علیهم السلام فلا تغفل.

3 - إنّ ثمرة البحث المذکور تظهر فی لزوم حمل الألفاظ الواقعة فی کلام الشارع بلا قرینة علی معانیها اللغویّة لو لم نقل بالحقیقة الشرعیّة التعیینیّة أو التعیّنیّة کما تظهر فی لزوم حملها علی معانیها الشرعیّة إن قلنا یثبوت الحقیقة الشرعیّة سوائ کان التعیینیّة أو التعیّنیّة إن علم تأخّر الاستعمال عن الوضع الشرعیّ کما لا یخفی ولذا نقول بأنّ المراد من کلمة أهل البیت فی لسان النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم والائمّة الأطهار علیهم السلام هو أهل بیت النبوّة بعد علمنا بأنّه صلی الله علیه و آله و سلم خصّصها بهم وضعاً استعمالیّاً کما هو الظاهر أو صارت منصرفة إلیهم بکثرة الاستعمال فیهم مع تعدّد الدالّ والمدلول فی عهده صلی الله علیه و آله و سلم وهذا لا کلام فیه وإنّما الکلام فیما إذا لم یعلم بتأخّر الاستعمال ذهب فی الکفایة فی هذه الصورة إلی أنّ أصالة عدم الاستعمال لیکون متأخّراً عن الوضع الشرعیّ تکون معارضة مع أصالة عدم الوضع الشرعیّ لیکون متأخّراً عن الاستعمال هذا مضافاً إلی أنّه لا دلیل علی اعتبارها تعبّداً إلّا علی القول بالأصل المثبت ولم یثبت بناء من العقلاء علی التأخّر مع الشکّ و اصالة عدم النقل إنّما کانت معتبره فیما إذا شکّ فی أصل النقل لافی تأخّره فتأمّل.

ولعلّ وجه التأمّل هو ما مرّ فی الفصل السابق من جریان أصالة عدم النقل مطلقاً سواء علم بأصل النقل أولم یعلم لوجود ملاک جریانه وهو بناء العقلاء علی عدم جواز رفع الید عن الحجّة ما لم یعلم بالحجّة الناقضة لها قال سیّدنا الاستاذ اصالة عدم النقل أصل عقلائی فان الوضع السابق حجة عندهم لایرفعون الید عنه الّا بعد العلم بالوضع الثانی سواء فی ذلک الشک فی أصل النقل او فی تأخره و انکاره فی الثانی مکابرة.

ص:60

وعلیه فمع جریان أصالة عدم النقل حملت ألفاظ العبادات وغیرها ممّا ثبتت فیها الحقیقة الشرعیّة فی صورة عدم العلم بتاریخ استعمالها علی معانیها اللغویّة دون المعانی الشرعیّة والذی یسهل الخطب أنّ تلک الألفاظ ظاهرة فی المعانی الشرعیّة فی أکثر الموارد ولذلک صرّح غیر واحد بعدم الثمرة للبحث عن هذه المسألة أصلاً فإنّ ألفاظ الکتاب و السنة الواصلتین إلینا یداً بید معلومتان من حیث المراد فلا شکّ فی المراد الاستعمالیّ منهما ولایتوقّف فی حملهما علی المعانی الشرعیّة.

ص:61

ص:62

الأمر العاشر: فی الصحیح و الأعمّ

اشارة

قبل أن ندرس أدلّة الصحیحیّ و الأعمّیّ نقدّم امورا.

1 - إنّه لاشبهة فی تأتّی الخلاف و إمکان النزاع علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیّة أو المتشرّعة فی أنّ ألفاظ العبادات الواقعة فی لسان الشارع أو المتشرّعة هل هی أسام لخصوص الصحاح من العبادات أو الاعمّ منها و أمّا بناء علی عدم ثبوت الحقیقة الشرعیّة و المتشرّعة فربما یقال إنّه لامجال للنزاع لأنّ الطرفین إتفقوا علی وقوع الاستعمال فی الصحیحة و الفاسدة مجازاً بلاکلام کقولهم صلاة الحائض و صوم الوصال و صیام العیدین فی قبال صلاة المختار و صومه للیوم الشرعیّ.

اجیب عن ذلک بأنّ مجرّد وضوح کون الاستعمال فی کلّ واحد من الصحیحة و الفاسدة مجازاً لاینافی جریان النزاع علی تقدیر عدم ثبوت الحقیقة الشرعیّة بعد اختلاف مراتب المجازات فیصحّ أن ینازع فی أنّ المجاز الغالب فی لسان الشارع هل هو الصحیح علی وجه یحمل علیه اللفظ عند وجود الصارف عن المعنی الحقیقیّ أو هو الأعمّ.

فیمکن أن ینازع فی أنّ أقرب المجازات أو أشیعها هل هو الصحیح أو الأعمّ فإذا احرز أنّ الأشیع هو استعمالها فی الصحیح أو الأعمّ فلا حاجة إلی إحراز بناء الشارع لوجود بناء العقلاء علی تقدیم الأقرب و الأشیع لأنّ ثبوتهما کافٍ فی التعیین و دعوی الإجمال و التردّد لامجال لها.

ص:63

2 - إنّ لفظی الصحیح و الفاسد لهما إطلاقان أحدهما بالنسبة إلی المرکّبات التکوینیّة و ثانیهما بالنسبة إلی المرکّبات الاعتباریّة کالمعاملات و العبادات فإذا اطلقا علی المرکّبات التکوینیّة کان معناهما انهما مشتملین علی الوجودین المضادّین لأنّهما حینئذٍ کیفیّتان وجودّیتان عارضتان للشیء فی الوجود الخارجی باعتبار اتّصافه بکیفیّة ملائمة لطبیعة النوعیّة فیقال بطّیخ صحیح بالملاک المذکور کما أنّه إذا اتّصف بکیفیّة منافرة أو بأثر لایرقب من نوعه یقال بطّیخ فاسد لمرارته أو فساده فالتقابل بینهما تقابل التضادّ.

و إذا اطلقا علی المرکّبات الاعتباریّة کان معناهما کمعنی التامّ و الناقص فالصحیح هو الجامع للأجزاء و الشرائط و الفاسد هو الذی لایجتمع فیه الأجزاء و الشرائط فالتقابل بینهما تقابل العدم و الملکة ألاتری أنّهم یقولون هذه المعاملة صحیحة و تلک فاسدة مع أنّ المعاملة الفاسدة هی التی لاتجتمع فیه الأجزاء و الشرائط و لایزید علیه بوجود ضدّ و هکذا یکون الإطلاق فی العبادات فإنّ إطلاق الفاسد علیها نوعاً من جهة فقدان الأجزاء أو الشرائط لاوجود الأضداد و علیه فلفظی الصحیح و الفاسد من الألفاظ المشترکة و الشاهد علیه أنّه لاحاجة فی استعمالهما فی التام و الناقص إلی ملاحظة العلاقة أو تخیّل وجود المنافر و لیس ذلک إلّا لکونهما من الألفاظ المشترکة و المراد من لفظی الصحیح و الفاسد فی عنوان البحث أعنی أنّ ألفاظ العبادات هل هی أسام لخصوص الصحیحة أو الأعمّ منها هو المعنی الثانی.

فالصّحة بمعنی التمامیّة و یقابلها الفساد و هو بمعنی عدم التمامیّة و تقابلهما تقابل العدم و الملکة لاتقابل التضادّ و لاخلاف بین الفقهاء و المتکلّمین و علماء الأخلاق و النفس فی أنّ الصحّة بمعنی التمامیّة و الفساد بمعنی عدمها و إنّما اختلفوا فی ذکر محقّقاتهما و لوازمها و علیه فتفسیر الصحّة بإسقاط القضاء کما عن الفقهاء أو بموافقة

ص:64

الشریعة الموجبة لصدق الطاعة و استحقاق الثواب کما عن المتکلّمین أو بالمقرّبیّة أو المعراجیّة کما عن علماء الأخلاق لایکشف عن تعدّد المعنی بل هذه الاُمور من لوازم التمامیّة أو محقّقاته. کما لایوجب اختلاف مصادیق التمامیة أو محقّقاته بحسب اختلاف الحالات کالسفر و الحضر و الاختیار و الاضطرار و غیرها تعدّد المعنی لأنّ الاختلاف فی المصادیق لافی معنی التمام إذ کلّ صلاة مشروعة فی کلّ حال تامّة و لیست بناقصة فصدق التامّة عل کلّ یشهد علی أنّ المعنی واحد و الاختلاف فی ناحیة المصداق فلا تغفل.

ثمّ إنّ الصحّة و الفساد أمران إضافیّان لما سیأتی من منع دخالة الشرائط التی تتأتّی من قبل الأمر کقصد القربة و جواز الامتثال الإجمالی مع امکان الامتثال التفصیلی أو الشرائط العقلیّة المحضة مثل اشتراط کون المأمور به غیر مبتلی بالمزاحم الأهمّ أو غیر منهیّ بالفعل فالمراد من الصحیح هو الجامع للأجزاء و الشرائط فی نفسه ویقابلها الفاسد و هو الذی لیس کذلک وهذا أمر عرفیّ لصدق الصحیح علی المرکّبات التولیدیّة فیما إذا کانت واجدة لأجزائها و شرائطها فی نفسها کالسیّارة من دون لزوم اجتماع شرائط تأثیرها من وجود البترول أو السائق و عدم وجود المزاحم و لیس هذا إلّا لما عرفت من عدم دخالة غیر أجزائها و شرائطها فی نفسها فی إطلاق الصحّة.

ثمّ إنّه ربما یکتفی فی عنوان البحث عن ذکر الصحّة و الفساد بذکر عنوان آخر فیقال إنّ البحث فی تعیین الموضوع له فی الألفاظ المتداولة فی الشریعة أو فی تعیین المسمّی لها أو فی تعیین الأصل فی الاستعمال فیها ولکّنه لاتستغنی عنهما و لامفرّ عن البحث عن معناهما إذ یقع الکلام حینئذٍ فی أنّ المراد من الموضوع له و المسمی له ماهو؟ فلابدّ من ذکر الصحیح و الفاسد بالحمل الأوّلیّ أو الشائع الصناعیّ کعنوان الجامع للأجزاء و الشرائط.

ص:65

3 - یمکن تصویر الجامع المرکّب علی القول الصحیحیّ بأن یقال إنّ الصحیح هی المهیّة الجامعة للأجزاء و الشرائط التی لها دخل فی ترتّب ما هو الباعث علی الأمر بها علیه.

والملحوظ فی هذا التعریف هو عنوان الأجزاء والشرائط علی إبهام من دون تعیین لنحو الأجزاء و الشرائط و علیه فیشار بهذ التعریف إلی جمیع الذوات المرکّبة المختلفة بحسب الأجزاء والشرائط کما یشهد له عدم الحاجة إلی إعمال عنایة و ملاحظة علاقة فی إطلاق الصلاة علی صلاة غیر المختارین.

فمهیّة الصلاة بالمعنی المذکور حاکیة عن جمیع أنواع الصلوات الصحیحة لأنّ کلّ صلاة صحیحة واجدة للأجزاء و الشرائط الدخیلة فی ترتّب ما هو الباعث علی الأمر بها علیه و یصدق هذا العنوان الجامع علیه و یؤیّده عموم قوله علیه السلام: الصلاة لاتترک بحال الوارد فی مورد الصلاة الناقصة العذریّة و توّهم کون الإطلاق علی الصلوات العذریّة من باب التوسّع لاوجه له بعد مساعدة الارتکاز علی کون الإطلاق فیه بنحو الإ طلاق فی سائر المقامات.

وهذا المعنی العامّ مشترک بین جمیع أفراد أنواع الصلوات الصحیحة و هو کافٍ فی تصویر الجامع علی القول الصحیحیّ و لاوقع لما یقال من أنّ الجامع المرکّب لایتصوّر و إلّا لزم الخلط بین الصحیح و الفاسد لأنّ کلّ ما فرض جامعاً یمکن أن یکون صحیحاً و فاسداً.

و ذلک لأنّ الخلط لازم فیما إذا فرض الجامع المذکور مرکّباً من الأجزاء والشرائط الشخصیّة کالمؤلّف من أربع رکعات إذ صلاة المسافر فی أغلب الأمکنة رکعتان فالأربعة بالنسبة إلیه فاسدة و المؤلّفة من الثنائیّة بالنسبة إلی المسافر صحیحة و لکن بالنسبة إلی الحاضر فاسدة.

ص:66

وأمّا إذا فرض الجامع المذکور مرکّباً من الأجزاء و الشرائط الدخیلة فی ترتّب ما هو الباعث علی الأمر بها من دون اعتبار نوع خاصّ أو صنف خاصّ من الأجزاء و الشرائط فلایشمل الفاسدة حتّی یلزم الخلط لأنّ مصادیق هذا العنوان الجامع لیست إلّا الأفراد الصحیحة لأنها هی التی تکون جامعة للأجزاء و الشرائط المذکورة دون الأفراد الفاسدة.

وهذا التعریف أجود ممّا أفاده المحقّق الإصفهانیّ قدس سره من أنّ الوضع بإزاء سنخ عمل مبهم فی غایة الإبهام بمعرّفیّة النهی عن الفحشاء فعلاً و غیرها من الخواصّ المحقّقة له بمراتب الصحیحة فقط.

کما أنّه أجود أیضاً ممّا أفاده الفاضل الإیروانیّ من أنّه اسم لعدّة أجزاء ثابت لها الأثر الخاصّ کالنهی عن الفحشاء فلایتّجه علیه شیء فبهذا الأثر یشار إلی الذوات المرکّبة المختلفة بحسب الأجزاء و الشرائط المؤثرة فی هذا الأثر.

وجه الأجودّیة هو أنّ تفسیر الصلاة بسنخ عمل خلاف الظاهر من معناها المرتکز فی أذهان عرف المتشرّعة إذ الصلاة هی مهیّة جامعة للأجزاء و الشرائط الدخیلة فی ترتّب ما هو الباعث علی الأمر بها علیه.

کما أنّ الإشارة إلی الأفراد بالأثر کما أفاده فی نهایة النهایة لایناسب تصویر الجامع المرکّب فإنّ الجامع یحکی عن الأفراد من دون حاجة إلی أخذ الأثار. و کیف کان فالأجزاء کلّها معتبرة فی الجامع المذکور بنحو الإبهام و أمّا الشرائط فما لم تتأتّ من قبل الأمر فهو معتبر و أما المتاتّی من ناحیته فلامدخلیّة له فی الجامع المذکور إذ لیس دخیلاً فی الباعثیّة علی الأمر بها لأنّ المفروض هو کونه عارضا علی الأمر فلایکون باعثا إلیه کما لادخل للشرائط العقلّیة کخلوّها عن المزاحمات وعلیه فالجامعیّة و الصحّة فی المرکبات تکون بالإضافة إلی الأجزاء والشرائط المعتبرة فیها فی نفسها کما لایخفی.

ص:67

4 - ذهب صاحب الکفایة بعد ما لم یتصوّر الجامع المرکّب إلی انه یمکن تصویر الجامع البسیط علی القول الصحیحیّ بأن یقال إنّ الاشتراک فی الأثر کالانتهاء عن المنکر أو المعراجیة یکشف عن الاشتراک فی جامع واحد یؤثّر الکلّ فیه بذلک الجامع و علیه فیصحّ تصویر المسمّی بلفظ الصلاة مثلاً بالناهیة عن الفحشاء و ما هو معراج المؤمن و نحو هما انتهی.

لایقال: إنّ الاستکشاف المذکور یبتنی علی القاعدة الفلسفیّة و هی أنّ الواحد لایصدر إلّا عن الواحد مع أنّ القاعدة المذکورة مربوطة بالواحد الشخصیّ دون الواحد النوعیّ لجواز استناده إلی المتعدّد کالحرارة الواقعة إحدی جزئیّاتها بالحرکة و اخری بالشعاع و اخری بالغضب و اخری بملاقاة النار و علیه فالأفراد الصحیحة مشترکة فی النهی عن الفحشاء و هو الواحد النوعیّ و هو علی ما ذکر لایکشف عن وحدة المؤثّر إذ لعلّ ذلک الواحد النوعیّ مستند إلی المتعدّد فالاشتراک فی الأثر النوعیّ لا یکشف عن الاشتراک فی جامع واحد.

لأنّا نقول: إنّ مقتضی السنخیّة بین العلّة والمعلول هو امتناع صدور المعلول الواحد النوعیّ عن الفواعل المفیضة المتکثّرة نوعاً و علیه فإذا کانت المعالیل متّحدة بالنوع و إن کانت متکثّرة بالشخص تکشف عن کون الفواعل المتعدّدة مشترکة فی نفس الکمال الذی یکون واحداً بالنوع و علیه فیصحّ استکشاف الاشتراک فی جامع واحد بالاشتراک فی الأثر إن قلت إنّ جهة النهی عن الفحشاء و المنکر واحدة بالعنوان لاواحدة بالذات و الحقیقة و الواحد بالعنوان لایکشف إلّا عن واحد بالعنوان و هو عنوان الناهی عن الفحشاء والمنکر و إن کانت ذات المنکر فی کلّ مرتبة مبائنة للمنکر الذی تنهی عنه مرتبة اخری وعلیه فلایکشف تأثیر الصلاة بمراتبها المختلفة کمّا و کیفا فی الانتهاء عن الفحشاء عن وحدة حقیقیّة ذاتیّة بین مراتب الصلاة.

ص:68

قلت: إنّا نمنع المبائنة بین أفراد النهی و الانتهاء عن المنکرات فإنّها تشترک فی جامع النهی و الانتهاء و معه کیف لایکشف عن اشتراک الصلوات فی حقیقة واحدة و لو نوعاً.

هذا مضافاً إلی أن کشف الواحد بالعنوان عن الواحد بالعنوان کافٍ فی مسألة الوضع و لاحاجة إلی کشف الوحدة الحقیقیّة الذاتیّة بین مراتب الصلاة.

لایقال: إنّ أثر الصلاة کثیر إذ کونها ناهیة عن الفحشاء غیرکونها عمودالدین و هکذا فلوکانت الآثار صادرة عن الصلاة لزم أن یکون فیها حیثیّات متکثرّة حسب تکثّر تلک الآثار و علیه فلاتکشف تلک الآثار المختلفة عن جامع واحد و إرجاع جمیع الآثار إلی معنی واحد وهو الکمال الحاصل للمصلّی بسبب عمله القربیّ تخّرص علی الغیب.

لأنّا نقول: إنّ الأثار المذکورة بعضها یکون من لوازم بعض آخر و فی طولها مثلاً مع إقامة الدین باقامة الصلاة ترتفع الفحشاء و المنکرات بحذافیرها و علیه فلیست بین الآثار مباینة.

هذا مضافاً إلی أنّ تکثیر الحیثیّات فی الصلاة لاینافی بساطة حقیقة الصلاة کما لاینافی إطلاق المعلوم و المعلول علی البسیط مع بساطته وعلیه فتکّثر الحیثیّات المستکشفة عن اختلاف الآثار لاینافی بساطة المؤثّر فتحصّل أنّ دعوی إمکان استکشاف تصویر الجامع البسیط بوحدة الآثار غیر مجازفة فتأمّل والوجه فی التأمل أنّه خلاف الظاهر من لفظ الصلاة فان المنسبق منها هو المهیّة الجامعة للأجزاء و الشرائط وهو مرکّب ولیس ببسیط فإرادة المؤثّر أو الناهیة أو غیر ذلک من لفظ الصلاة خلاف الظاهر.

ص:69

أضف إلی ذلک أیضاً أنّ استکشاف المؤثّر البسیط من وحدة الآثار إنّما یصحّ إذا اختصّت الآثار بأفراد الصلاة و أمّا إذا عمّت سائر أفراد العبادات أو احتمل عمومها لها أو لبعضها فلا یستکشف من وحدة الآثار إلّا الجامع بین جمیع العبادات دون خصوص الصلاة.

وأیضاً أنّ لازم کون معنی الصلاة أمرا بسیطاً کالمؤثّر هو عدم صحّة استعمال لفظ الصلاة مثلاً فی نفس الجامع الذی هو مهیّة ترکیبّة من الأجزاء و الشرائط بلاعنایة مع أنّه کما تری.

علی أنّ وحدة الأثر لو دلّت إنّما تدلّ علی وجود جهة جامعة لاعلی أنّها مسمّی لفظ الصلاة و بینهما بون بعید.

و علیه فمع إمکان تصویر الجامع المرکّب و ظهور اللفظ فیه لاتصل النوبة إلی الجامع البسیط کما لایخفی.

5 - لاإشکال فی جریان البراءة علی تقدیر تصویر الجامع المرکّب علی القول الصحیحیّ لانطباق الجامع بین الأفراد الصحیحة علی الأجزاء الموجودة فی الخارج أعنی المرکّب الخارجیّ کانطباق الکّلیّ علی أفراده إذ مفهوم الجامع المرکّب لیس بمطلوب إلّا باعتبار وجوده الخارجیّ ولو کان بمعنی وجوده الخارجیّ اللافراغیّ و علیه فالمرکّب الخارجیّ من حیث اتّحاده مع الکّلیّ و انطباق الکّلیّ الجامع علیه یکون تعلّقا للإرادة حقیقة فإذا انحلّ المرکّب الخارجیّ إلی متیقّن المرادیّة و مشکوک المرادیّة تجری البراءة فی المشکوک لان الشک یکون بالنسبة إلیه شکّا فی ثبوت الحکم و الإرادة و لذا ذهب أکثر من قال بالجامع بین الأفراد الصحیحة إلی البراءة.

6 - لو لم نقل بإمکان تصویر الجامع المرکّب علی القول الصحیحیّ و قلنا بتصویر الجامع البسیط فهل تجری فی المشکوک البراءة أم لا؟ ربما یقال إنّ مسمّی لفظ الصلاة

ص:70

و هو عنوان الناهی عن الفحشاء مفهوم مبیّن وقع فی حیّز الأمر لمکان القدرة علی إیجاده بالقدرة علی إیجاد معنونه و حیث أنّه مفهوم مبیّن لاینحلّ إلی معلوم و مجهول حتّی تجری البراءة فی المشکوک و انحلال مطابقه إلی معلوم و مجهول أجنبیّ عن انحلال متعلّق التکلیف لأنّه ظرف السقوط لاظرف الثبوت.

یمکن الجواب عنه: بأنّ الجامع البسیط لیس بنفسه مع قطع النظر عن وجوده فی الخارج متعلّقاً للأمر و مطلوباً إذ الماهیّة بنفسها لیست إلّا هی و لایتعلّق الطلب بها بل الماهیّة بعنوان مرآتیتها عن الخارج و مصادیقها و لو بنحو الوجود اللافراغیّ تکون مطلوبة و مأموراً بها و علیه فالخارج المفروض و هو الوجود اللافراغیّ یدور أمره بین المعلوم و المشکوک فتجری البراءة فی المشکوک و لیس المراد من الخارج هو الخارج المأتیّ به حتی یقال إنّه ظرف السقوط لا الثبوت فعنوان الناهی عن المنکر ینطبق یقینا علی الأقلّ من الأجزاء المعلومة المفروضة وجودها بنحو الوجود اللافراغیّ لأنّ الناهی عن المنکر لایخلو من تلک الأجزاء و إنّما الکلام فی الزائد علیها و هو الأکثر فتجری البراءة فیها لأنّها مشکوکة.

و لایقاس المقام بموارد الشبهات الموضوعیّة التی لایجوز الاکتفاء بها فی الامتثال کما إذا قیل جئنی بماء فأتی بمشکوک المائیّة لأنّ مع الإتیان بها شکّ فی وقوع الامتثال لعدم معلومیّة تطبیق الواجب علی المأتیّ بها هذا بخلاف المقام فإنّ تطبیق الواجب البسیط علی الأقلّ معلوم لمدخلیّته فی تحقّق الناهی سواء کان الناهی هو الأقلّ بالخصوص أو الأکثر و إنّما الشکّ فی الزائد علیه. ولو سلّم أنّ الواجب لاینطبق علی الخارج و الخارج یکون محصلاً له فحیث کان المحصّل أمرا شرعیّاً و بیانه بید الشارع فمع الشکّ تجری البراءة فی الأجزاء المشکوکة فإنّها لو کانت واجبة بیّنها الشارع ولو

ص:71

بینّها لوصل إلینا و حیث لم یصل البیان إلینا فالأصل هو العدم فالأظهر هو جریان البراءة مطلقاً سواء کان الجامع مرکّباً أو بسیطاً و سواء انطبق علی الخارج أولا.

7 - و أمّا علی تقدیر القول بالأعمّ فیمکن تصویر الجامع بوجوه:

منها أنّ لفظ الصلاة مثلاً موضوع لمهیّة مرکّبة من معظم الأجزاء بنحو الإبهام بمعنی أنّ الأجزاء فی مفهوم الصلاة مأخوذة بنحو الإبهام کأخذها فی مفهوم البیت و الدار أو السیّارة أو الطائرة فکما یصدق عنوان «الدار» مثلاً علی ما یبنی للسکونة من أیّ موادّ وبأیّة هیأة کانت فکذلک یصدق عنوان «الصلاة» علی مصادیق معظم الأجزاء فی دائرة الأجزاء الخاصّة من التکبیرة و الرکوع و السجود و القراءة و الدعاء و التشهّد و القیام و التسبیح و السلام بأیّة هیأة ترکیبیّة و إن اختلفت الهیآت الترکیبیّة بالنقص و الزیادة.

و لیس ذلک إلّا لکون لفظ الصلاة و لفظ الدار موضوعین لهیأة مّاو أجزاءٍ مّا فی دائرة الأجزاء الخاصّة مع کونها لابشرط عن الزیادة و لذا یصدق علی کلّ معظم الأجزاء کما یصدق علی جامع الأجزاء أیضاً لکونه لابشرط عن الزیادة.

و لیس الموضوع له هو مفهوم معظم الأجزاء بما هو مفهوم حتی یرد علیه أنّ لازمه هو ترادف لفظ معظم الأجزاء مع لفظ الصلاة و هو بدیهیّ الفساد.

کما لیس الموضوع له هو مصداق مفهوم معظم الأجزاء معیّنا حتّی یلزم أن یکون إستعماله فی غیره مجازاً أو أن یکون مصداقه مردّدا حتّی یلزم التبادل فی ماهیّة العبادة و أجزائها مع أنّ الذاتیّ لایختلف و لایتخلّف.

بل الموضوع له هو نفس الهیأة الصلاتیّة المرکّبة من معظم الأجزاء علی نحو الإبهام بما هی مرآة إلی الأجزاء و المصادیق فلا یلزم من ذلک الترادف و لاالمحذورات الاُخر لأنّ کلّها ناشئة من الوضع للمفهوم بما هو مفهوم أو للمصادیق الخارجیّة بنحو التعیین أو التردید.

ص:72

و حیث إنّ الموضوع له مفهوم کلّیّ بما هو مرآة إلی مصادیقه یصدق علی جمیع مصادیقه کصدق سائر المفاهیم الکلّیّة فالقول بأنّ الموضوع له هو مصداق هذا المفهوم بنحو الکّلیّ فی المعیّن أو أنّ الموضوع له هو أحد الاُمور من أربعة أجزاء أو خمسة أو ستّة علی البدل غیر سدید لما عرفت من کلّیّة المفهوم و صدقه علی جمیع مصادیقه نحو صدق سائر المفاهیم الکلّیّة.

و أمّا صدق الصلاة علی فاقد معظم الأجزاء کصلاة الغرقی فإن لم نقل بأنّ الإشارة تقوم مقام المعظم و باعتباره یکون صدق الصلاة علیها صدقا حقیقیّاً لأنّ معظم کلّ شیء بحسبه فهو مجاز لفقدان معظم الأجزاء و صحّتها بعنوان الصلاة شرعاً إلحاق حکمّی کما لایخفی.

ومنها: أنّ ألفاظ العبادات أسماء لأجزاء معلومة کالأرکان الأربعة فی الصلاة من التکبیرة و الرکوع و السجود و الطهارة فجمیع أفراد الصلاة أعنی الصحیحة المشتملة علی الأرکان و الزائدة علیها و الفاسدة المقتصرة علیها و الزائدة علیها تکون من حقیقة الصلاة و یطلق علی جمیعها لفظ الصلاة علی وجه الاشتراک المعنویّ.

أورد علیه الشیخ الأعظم قدس سره علی ما حکی عنه بأنّ لازم هذا القول هو انتفاء الصدق بانتفاء أحد الأرکان و إن اشتملت علی بقیّة الأجزاء (انتهی موضع الحاجة).

والإشکال وارد علی هذا الجامع من جهة تقیید الأجزاء بالمعلومة و أمّا إذا أخذها مبهمة ولو من بین الأجزاء المعلومة کما مرّ فی الوجه الأوّل فلایرد علیه الإشکال المذکور کما لایخفی.

ثمّ إنّا أغمضنا عن ذکر خلاصة سائر الوجوه لأنّها إمّا راجعة إلی الوجه الأوّل أو راجعة إلی الاشتراک اللفظیّ الذی یکون أجنبیّا عن تصویر الجامع المعنویّ بین الصحیح و الفاسد فلاتغفل.

ص:73

8 - ثمرة النزاع علی المعروف هو إجمال الخطاب علی قول الصحیحیّ دون قول الأعمّیّ فلایجوز الرجوع إلی إطلاق الخطاب فی الأوّل لرفع الشکّ فی جزئیّة شیء أو شرطیّته لأنّ مرجع الشکّ فیهما إلی الشکّ فی وجود ماله المدخلیّة فی قوام الموضوع له و معه یؤول الشکّ إلی الشکّ فی صدق الموضوع و التمسّک بالدلیل علیه تمسّک به فی الشبهات الموضوعیّة و هو باطل هذا بخلاف قول الأعمّیّ فإنّه یجوز له التمسّک بالإطلاق الذاتیّ فیما إذا لم یکن الشکّ فیما له دخل فی انحفاظ الذات و کانت مقدّمات الإطلاق تامّة لأنّ مع انحفاظ الذات فالشکّ یکون فی أمر لا دخالة له فی قوام المتعلّق فیرفع الشکّ بأصالة الإطلاق فی ناحیة المتعلّق.

فإن کان إطلاق فی صلاة الجماعة و قلنا بالوضع للأعمّ و شککنا فی جواز اقتداء أحد المجتهدین المختلفین فی الرأی أو المقلّدین للمجتهدین المختلفین بالآخر مع العلم بإتیان خلاف رأیه و عدم جوازه یمکن الأخذ بإطلاق الدلیل و رفع الشکّ عن اعتبار الموافقة فی الرأی و العمل.

و دعوی أنّ الثمرة المذکورة مبتنیة علی وجود الإطلاقات و هی مفقودة کما تری بعد وجود الإطلاقات الواردة فی أجزاء الصلاة کالتشهد و الرکوع و السجود من حیث التوالی أو الطمأنیة أو الموافقة فی الرأی و العمل فی الجماعة أو غیر ذلک هذا مضافاً إلی إطلاقات المخترعات الشرعیّة الرائجة فی الاُمم السابقة کالمعاملات الرائجة فی الأقوام و الملل فکما یکون للأدلّة الواردة فی المعاملات إطلاق إمضائیّ فکذلک الأمر فی الإطلاقات الواردة فی العبادات الرائجة فی الاُمم السابقة.

لایقال: إنّ متعلّق الأوامر الشرعیّة لیس الحصّة الفاسدة و لا الجامع بینها و بین الحصّة الصحیحة ضرورة أنّ الشارع لایأمر بالحصّة الفاسدة أو الأعمّ منها و علیه فالأعمّیّ أیضاً کالصحیحیّ فإنّ المسمّی و إن کان عنده أعمّ ولکن بحسب أمر الشارع و إرادته یکون

ص:74

مقیّدا بالصحّة فإذا کان الفاسد خارجاً عن دائرة المتعلّق فالمتعلّق معنون بضدّ الخارج و هو الصحیح و علیه فلایجوز التمسّک بالإطلاق فی المشکوک الجزئیّة أو الشرطیّة لأنّه تمسّک بالإطلاق فی الشبهات المصداقیّة کما لایجوز التمسّک بدلیل الخاصّ المفید لإخراج الفاسد فإنّ التمسّک به تمسّک به فی الشبهات الموضوعیّة.

لأنّا نقول: - کما أفاد الشیخ الأعظم قدس سره علی ما حکی عنه - إنّ تعنون المطلق أو العامّ بضدّ الخاصّ أمر صحیح(1) ولکنّه لیست الأفراد الخارجة عن حقیقة الصلاة معنونة بالفساد حتی تعنون المطلق أو العامّ بضدّه و هو الصحّة إذ مثل قوله علیه السلام

«لاصلاة إلّا بفاتحة الکتاب» لایفید إلّا خروج ذلک من حقیقة الصلاة و متعلّق الحکم غایته أنّ المتعلّق بعد خروجه متعنون بعدم مثل هذا المورد.

نعم مثل هذا المورد معنون بالفساد بعد اتّصافها بالخروج فکونه فاسداً موقوف و مترتّب علی خروجه ولذلک لایوجب خروجها عن المتعلّق تعنون المطلق بضدّ الفساد لأنّه فی حال الخروج لایکون معنونا بالفساد و علیه فالمتعلّق لایکون معنونا بالصحیح حتّی یشکل التمسّک به فی الموارد المشکوکة.

هذا مضافاً إلی أنّ الاستعمالات الشرعیّة لاتنحصر فیما إذا کانت مأمورا بها حتّی یقال إنّ المأمور به لایمکن أن یکون فاسداً لإمکان أن یستعمل ألفاظ العبادات بعنوان لموضوع لحکم آخر ففی هذه الصورة لایکون لفظ العبادة مأمورا به فیمکن التمسّک بإطلاقه مثلاً إذا دلّ الدلیل علی صحّة الإقتداء لصلاة العادل فعلی الصحیحیّ لایجوز

ص:75


1- (1) ولایخفی علیک ان الشیخ ذهب فی مطارح الانظار، ص 163 الی عدم إمکان أخذ الصحة و الفساد فی متعلق الارادة و الأمر لانهما من العناوین المتأتیة من قبلهما ولذا صرح بجواز الأخذ بالاطلاقات فی الموارد المشکوکة فراجع و سیأتی ان شاء الله فی ص 454 ما ینفع فی المقام.

الاقتداء إلّا بمن احرزت صحّة صلاته ولو بالأصل و علی الأعمّیّ تصحّ الصلاة خلف الغیر ولو لم یوافقه فی العمل بعد إتیانه بمسمّی الصلاة هذا.

والحقّ أن یقال: إنّ ما ذهب إلیه المعروف من إجمال الخطاب علی الصحیحیّ و عدمه علی الأعمّیّ منظور فیه فإنّ إجمال الخطاب فیما إذا کان القائل بالصحیح قائلاً بالوضع لأفراد الصحیح بنحو الوضع العام و الموضوع له الخاص فحیث لم یعلم أنّ الصحیح ما هو لم یعلم أنّ الصلاة ما هی و أمّا علی تصویر الجامع سواء کان بسیطاً أو مرکّباً فهو مبیّن و لا إجمال فیه و مجرّد عدم جواز التمسّک به فی الموارد المشکوکة لایوجب إجمالاً فی المفهوم و إلّا فمامن عامّ إلا و له شبهات موضوعیّة فیصیر کلّ عامّ مجملاً بعدم شموله للموارد المشکوکة مع أنّه کماتری. فلاوجه لجعل الإجمال ثمرة الصحیحیّ و عدمه ثمرة الأعمّیّ بل الثمرة فی المقام هو أن یقال: إنّ البحث عن الوضع للصحیح أو الأعمّ یوجب حمل الألفاظ الشرعیّة علی خصوص الصحیح علی قول الصحیحیّ و علی الأعمّ علی قول الأعمّیّ و لایختصّ الحمل المذکور بموارد أمر الشارع بالمتعلّقات الشرعیّة بل هو جار فیما إذا کانت ألفاظ العبادات موضوعة للأحکام الاُخر کالتخییر بین الحلق و التقصیر لمن حجّ فی السابق فلو علم الحاجّ بفساد حجّه فی العام السابق کان التخییر المذکور علی الأعمّیّ دون الصحیحیّ و کما اذا نذر ان یعطی من صلی درهما فیجب علیه اعطائه لمن صلی ولو فاسداً فلاتغفل.

ثمّ إنّ تشخیص الموضوع له فی أسامی العبادات حیث یحتاج إلی مهارة فنّ علم الاُصول إذ العرف لایصل یده إلیه بنفسه فلا مانع من عدّ هذه المسألة من المسائل الاُصولیّة فان نتیجة هذه المسألة کمسالة الحقیقة الشرعیّة تقع فی طریق استنباط الأحکام الشرعیّة مثلاً إذا ورد لفظ من ألفاظ العبادات فی متعلّق الأوامر أو فی موضوع

ص:76

أحکام أخر نقول هذا من ألفاط العبادات و حیث ثبت أنّ ألفاظ العبادات موضوعة لخصوص الصحیح فمدلولها خصوص الصحیح أو حیث أنّها موضوعة للأعمّ فمد لولها هو الأعمّ و قد یقال ان المسألة من مبادی المسائل الفقهیة فانه وقع الکلام فی ان الفاظ العبادات هل تعدّ من المطلقات لیمکن الأخذ باطلاقها فیما اذا وردت فی الخطاب الشرعی أو لا و یمکن الجواب عنه بان تشخیص الموضوع له لاسامی العبادات علی عهدة مهرة فن الاصول و الا فالعرف لایصل یده الیه فلایکون خارجاً عن المسألة الاصولیة و إذا عرفت الاُمور المتقدّمة فقد حان الوقت لملاحظة أدلّة الصحیحیّ وادلة الأعمیّ.

أدلّة الصحیحیّ

و قد یقال أنّ أدلّة الصحیحیّ متعدّدة:

منها: التبادر بتقریب أنّه إذا قیل لک صلّیت الصبح أو صمت الجمعة أو توضّأت أو اغتسلت للصلاة لم ینصرف إلّا إلی الصحیحة و لایحمل علی الفاسدة إلّا بالقرینة و ذلک من أقوی الأمارات علی کونها حقیقة فی مهیّة هیأة الصلاة الجامعة للأجزاء و الشرائط.

اورد علیه بأنّه لیس کلّ تبادر أمارة علی الحقیقة بل ما لایکون لغیر اللفظ فیه مدخلّیة فإن انسبق المعنی من اللفظ بمجرّد إطلاقه من غیر ملاحظة شیء من الاُمور الخارجیّة دلّ ذلک علی خصوص الوضع له و أمّا إذا انضمّ إلیه شیء آخر لم یکن ذلک دلیلاً علی کونه حقیقة فیه إذ لاملازمة بین الفهم المذکور و الوضع.

ألا تری أنّ المتبادر من سائر العقود کالبیع و الإجارة و المزارعة و المساقات و غیرها إذا اطلقت هو الصحیحة مع أنّها تکون موضوعة للأعمّ.

ص:77

و الشاهد لذلک صحّة الجمع بین هذین القولین: رأیت فلانا یصلّی، و لایکون صلاته صلاة صحیحة و عدم صحّة الجمع بین هذین القولین: رأیت فلانا یصلّی و لایصلّی للمناقضة فی الثانی دون الأوّل، هذا دلیل علی أنّ المراد بالصلاة المطلقة فی قوله رأیت فلانا یصلی و لایکون صلاته صلاة صحیحة هو الأعمّ من الصحیح و الفاسد و إلّا فلافرق بین الإطلاق و التقیید فی عدم جواز الجمع لوجود المناقضة فی الصورتین لایقال جملة ولایکون صلاته صلاة صحیحه تصلح للقرینیة علی ان المراد من قوله رأیت فلانا یصلی هو الأعم و الّا فمع عدم القرینة یتبادر منه الصحیحة لأنا نقول الأمر کذلک لو کانت جملة و لایکون صلاته صحیحة متصلة بجملة رأیت فلانا یصلی ولکن الکلام فی الجملتین المنفصلتین و من المعلوم انه لامناقضة بینهما مع الانفصال فی الأول دون الثانی و هو شاهد علی ان المراد من قوله فلانا یصلی هو الأعم لاخصوص الصحیح.

وعلیه فتبادر الصحیح من جهة استناد العمل إلی نفسه فی مثل قوله صلّیت الصبح أو صمت الجمعة أو من جهة تعلّق الأمر فی مثل ایت بالصلاة و الصوم من القرائن الخاصّة و العامّة لایرتبط بالوضع الشرعّی.

هذا مضافاً إلی أنّ تبادر هذا المعنی عندنا من إطلاق لفظ العبادات مجرّدا عن القرائن الخاصّة و العامّة لایکشف عن کونه کذلک عند الشارع بعد احتمال استعمال الشارع فیه بتعدّد الدالّ و المدلول و حصول التبادر فیه بعد ذلک بتکرّر الاستعمال و الإطلاق فیه إذ لاأصل فی البین حتّی یتعیّن حال استعمال الشارع فلاتغفل.

و بالجملة فالظهور المذکور أعمّ من أن یکون من ناحیة الوضع أو تکّرر الاستعمال فلایکون دلیلاً علی کون ألفاظ العبادات موضوعة عند الشارع للمعانی الصحیحة.

ص:78

ومنها: أنّه ربما یقال إنّ صحّة السلب عن الأعمّ باختلال بعض الاجزاء أو الشرائط تدلّ علی أنّه موضوع لخصوص الصحیح و استدلّ له بأنّ ذلک ممّا یساعد له العرف و الاعتبار مضافاً إلی دلالة طائفة من الأخبار کقوله علیه السلام:

«لاصلاة إلّا بطهور» و

«لاصلاة إلّا بفاتحة الکتاب» لما تقرّر فی محلّه من ظهور هذه التراکیب فی نفی الحقیقة والماهیّة ونفی الحقیقه و الماهیة یستلزم کون لفظ الصلاة مثلاً حقیقه فی الصحیح و الجامع للاجزاء و الشرائط و الّا فلامجال لسلب الحقیقه ونفیها باختلال بعض الاجزاء أو الشرائط ثم ان الخبر المحذوف فی مثل لاصلاة الا بطهور هو الوجود بل ربما نسب إلی بعض المحقّقین أنّ «لا» غیر محتاجة إلی الخبر فیکون العدم المستفاد منه عدما محمولیّا و هو أقرب لتسمیته بنفی الجنس حیث أنّ المنفی هو نفی الجنس لاوجوده.

اورد علیه أوّلاً: بمنع مساعدة العرف علی صحّة السلب عن مطلق الفاسد ألا تری أنّ العرف لاینفون أسامی المخترعات عنها بمجرّد اختلال بعض أجزائها بل یطلقون علیها تلک الأسامی ما لم تکن فاقدة لمعظم الأجزاء من دون حاجة إلی إعمال عنایة أو ملاحظة علاقة و لیس ذلک إلّا لکون إطلاقها علیها حقیقة.

و المفروض أنّ الشارع لم یسلک طریقة اخری غیر طریقة العقلاء فی مخترعاتهم فکما أنّ المخترعین وضعوا أسامی مخترعاتهم لها من دون ملاحظة تمامیّتها للأجزاء و الشرائط فکذلک الشارع وضع أسامی عباداته و مخترعاته للأعمّ من الصحیح.

فدعوی صحّة السلب کما تری. هذا مضافاً إلی أنّه لو سلّمنا مساعدة عرف المتشرّعة فی صحّة السلب فلاطریق لنا لإثبات کونه کذلک فی صدر الإسلام لاحتمال صیرورته کذلک بعد ذلک بتعدّد الدالّ و المدلول و تکرّر الاستعمالات عند المتشرّعة فلایثبت بذلک الوضع الشرعیّ للصحیح.

ص:79

و أمّا الاستشهاد بالأخبار المذکورة ففیه أن مع تبیّن المراد لامعنی للأخذ بأصالة الحقیقة و الحکم بأنّ المستعمل فیه اللفظ هو معناه الحقیقیّ فإنّ مجری أصالة الحقیقة إنّما هو عند الشکّ فی المراد و دوران الأمر بین المعنی الحقیقیّ و المجازیّ لافی ما إذا کان المراد معلوماً و شکّ فی کونه حقیقة أو مجازاً فإنّ فی مثله لابناء من العقلاء علی الحمل علی الحقیقة هذا مضافاً إلی ما قیل من أنّ استعمال هذه التراکیب فی نفی الصحّة شائع فی الشرع بحیث لم یبق له ظهور عرفیّ فی نفی الماهیّة و علیه فشیوع استعمال هذه التراکیب فی نفی الصحّة مجازاً أو فی نفی الحقیقة ادّعاء بداعی نفی الصحّة مانع من ظهورها فی نفی الحقیقة حقیقة فالمقصود من هذه التراکیب نفی الصحّة باختلال بعض الشرائط و الأجزاء لانفی الحقیقة حتی تدلّ صحة سلبها علی ان اللفظ موضوع لخصوص الصحیح.

ومنها: الأخبار الدالّة علی إثبات بعض الخواصّ و الآثار للمسمّیات کقوله علیه السلام «الصلاة عمود الدین» أو «معراج المؤمن» بدعوی أن هذه الأخبار تدلّ بحکم عکس النقیض علی أنّ ما لایوجب المعراج لیس بصلاة فیختصّ موضوع له للفظ الصلاة بالصلاة الصحیحة.

وفیه أوّلاً: أنّ ذلک مبنیّ علی أن یکون تلک الخطابات واردة فی مقام بیان أحکام تلک العبادات علی وجه الإطلاق و هو غیر معلوم.

وثانیاً: أنّ الصحیح فی أمثال تلک الأخبار معلوم بقیام القرینة لاباستعمال اللفظ فیه و هو الحکم المذکور فیها کقولنا العالم یقتدی به فإنّ لفظ «العالم» مستعمل فی الأعمّ من العادل ولکن المعلوم هو إرادة العادل بقرینة حمل المحمول علیه.

ومنها: حکمة الوضع بدعوی أنّها تقتضی اختصاص الوضع بالمرکّب التامّ لوجود الحاجة إلی ذلک کثیراً.

ص:80

وفیه: منع حصر الحاجة فیه لعدم ندرة الحاجة إلی استعمال ألفاظ المرکّبات فی غیر التامّ أیضاً ثم ان مع وجود الحاجة فی غیر التام أیضاً لاوجه لتخصیص غیر التامّ بالفاقد لشرائط التأثیر بل یعمّ الفاقد لبعض الأجزاء أو الشرائط الداخلیّة أیضاً بعین الملاک.

أدلّة الأعمیّ

وأمّا أدلّة الأعمّیّ فهی أیضاً متعدّدة ذهب العلاّمة علی المحکیّ فی غیر موضع من النهایة و ولده فخر المحقّقین فی محکیّ الأیضاح و الشهید الثانی و الشیخ البهائیّ إلی القول بالأعمّ و استدلّوا لذلک بوجوه:

الأوّل: التبادر: بدعوی أنّه لایتبادر من ألفاظ العبادات إلّا معظم الأجزاء.

وفیه: أنّ التبادر غیر معلوم الاستناد إلی حاقّ اللفظ ولو سلّم أمکن أن یکون إطلاقیّا و حاصلاً من کثرة الاستعمال فلایدلّ التبادر المذکور علی کونه کذلک فی صدر الإسلام.

الثانی: حکمة الوضع: فإنّها کما تقتضی الوضع للمرکّبات التامّة فکذلک تقتضی الوضع للأعمّ منها لوجود الحاجة إلی الإفادة و الاستفادة بالنسبة إلی کلیهما و لاوجه لاختصاص الوضع بأحدهما مع کثرة الحاجة فی کلیهما فکما أنّ بناء المخترعین لیس علی اختصاص أسامی مخترعاتهم بالکامل منها فکذلک یکون بناء الشارع لعدم اتّخاذه طریقا آخر لإفادة مراداته فألفاظ المرکّبات موضوعة للأعمّ.

و المقصود من الأعمّ مع وسعة أطرافه کما یظهر من ملاحظة ألفاظ المخترعات هو معظم الأجزاء لأنّه الذی یصحّ إطلاقها علیه من دون عنایة.

الثالث: صحّة سلبه عن خصوص الصحیح تدلّ علی أنّه مجاز فی خصوص الصحیح و حیث لم یکن خصوص الفاسد أیضاً متبادراً یستکشف من ذلک أنّ الموضوع له هو الأعمّ منهما.

ص:81

وفیه: أنّی لنا بإثبات وجود ذلک فی صدر الإسلام و عهد الشارع و لعلّه صار هکذا بالإطلاق و الاستعمال فی مرور الزمان و لاأصل حتّی یثبت ذلک.

الرابع: صحّة تقسیم ألفاظ العبادة إلی الصحیحة والسقیمة بدعوی أنّه لو لاوضعها للأعمّ لزم تقسیمها إلی نفسها و إلی غیرها و فیه أنّه لوسلّم ذلک فأنّی لنا بإثبات ذلک فی عهد الشارع.

الخامس: صحّة تقیید أسامی العبادات بالصحّة و البطلان بدعوی أنّه لولاوضع تلک الألفاظ للأعمّ لزم التناقض فیما إذا تقیدّت بالفاسدة و التکرار فیما إذا تقیّدت بالصحّة.

یرد علیه ما اورد علی الوجه الثالث و الرابع.

السادس: إطلاق أسامی العبادات علی الأعمّ فی جملة من الأخبار کقوله علیه السلام

«لاتعاد الصلاة إلّا من خمس» بدعوی أنّ المستعمل فیه فی قوله علیه السلام:

«لاتعاد الصلاة» أعمّ و إلّا لزم أن یکون الاستثناء منقطعاً و هو خلاف الأصل. و فیه أنّ مجرّد الاستعمال لایدلّ علی الحقیقة.

السابع: أنّه لو کانت ألفاظ العبادات أسامی للصحیحة لزم فیما إذا نذر أو حلف أن لایصلّی فی مکان مکروه أو مباح من وجود الشیء عدمه و بطلان التالی قاض ببطلان المقدّم (إلخ). بیان الملازمة انه علی القول بالصحیح یکون متعلق الحلف أو النذر فی کلام الحالف هو الصحیح فیصیر منهیا عنه لحصول الحنث بفعله و النهی یقتضی الفساد فیکون متعلق النذر أو الحلف فاسداً و ذلک یوجب عدم تعلق الحلف أو النذر بها فلزم من تعلق النذر أو الحلف به عدم تعلق الحلف أو النذر به. بخلاف ما إذا کانت الفاظ العبادات للأعم فانّه لایلزم من تعلق الحلف به محذور.

ص:82

وفیه أن الفساد إنّما یقتضی عدم تعلّق الحلف أو النذر به إذا کان المتعلّق مع قطع النظر عن الحلف أو النذر فاسداً کما إذا کان المحلوف علی ترکه فعل الصلاة بدون الرکوع مثلاً.

و أمّا الفساد الذی جاء بواسطة تعلّق الحلف أو النذر بترکه فهو لایقتضی عدم تعلّق الحلف به بل هو مؤکّد لتعلّقه لأنّ الفساد حاصل بالتعلّق فلاینافی تعلّقه به.

هذا مضافاً إلی أنّ هذا النقض یرد علی الأعمّیّ أیضاً لوکان الناذر قاصداً للصحیح کما هو الغالب فالمحذور المذکور من لوازم إرادة الصحیح لاالقول بالصحیح.

فتحصّل ممّا مرّ إمکان تصویر الجامع علی کلا القولین و أنّ الأقوی هو الأعمّ أخذا بدلیل الحکمة فلاتغفل.

أسامی المعاملات:

هنا امور: الأوّل: فی تحریر محلّ النزاع و المعروف هو عدم جریان النزاع فی کون الفاظ المعاملات موضوعة للصحیح أو الأعمّ بناء علی وضع أسامی المعاملات للمسبّبات لأن أمره یدور بین الوجود و العدم فإنّ الشرع إن وافق العرف فی اعتبار شیء تحقّق المسبّب کموافقة الشرع مع العرف فی اعتبار الملکیّة بالبیع الغیر الربویّ و إن خالفهم کنکاح المحارم أو البیع الربویّ فلایتحقّق المسبّب الشرعیّ و علیه فالمسبّبات الشرعیّة أمرها بین الوجود إذا وافق الشرع العرف فی اعتبار شیء و بین العدم إذا لم یوافقه فی الاعتبار و من الواضح أنّ اعتبار کلّ معتبر لاواقع له و راء نفسه فالاعتبار الشرعیّ قائم بالشارع کما أنّ الاعتبار العرفیّ قائم بالعرف فإذا تسبّب الشخص بما جعله الشارع سبباً لاعتباره فقد أوجد الملکیّة الاعتباریّة الشرعیّة بالتسبیب و لاحالة منتظرة بعد حصول الملکیّة الشرعیّة بعلّتها التامّة الشرعیّة و إن لم یتسببّب بما جعله الشارع سبباً فالملکیّة الشرعیّة لم توجد بعدم سببها و إن حصل الملکیّة العرفیّة.

ص:83

لایقال: إنّ التملیک العرفیّ المسبّبیّ سبب بالإضافة إلی الملکیّة الشرعیّة فإذا ترتّب علیه الملکیّة الشرعیّة کان ذلک مناط الصحّة و إلّا فهو مناط فساده.

لأنّا نقول: نحن نمنع ذلک إذ لاسببیّة بین التملیک العرفیّ المسببیّ و التملیک الشرعیّ حتّی إذا ترتّب الأثر کان صحیحاً و إذا لم یترتّب علیه کان فاسداً بل التملیک العرفیّ کالتملیک الشرعیّ أمر اعتباریّ یکون أمره بید معتبره ففی مورد الربا مثلاً حکم الشارع بعدم وقوع النقل و الانتقال أصلاً لابوقوع النقل و الانتقال العرفیّ و نفی الأثر و إلّا لزم اللغویّة و هو لایصدر عن الشارع الحکیم نعم القابل للتأثیر و عدمه هو الأسباب دون المسبّبات عرفیّة کانت أو شرعیّة.

و أمّا ما یقال من صحّة اتّصاف المسبّب بالصحّة و الفساد إذا کان المراد من المسبّب هو الاعتبار النفسانیّ القائم بالمعتبر بالمباشرة فإنّ هذا الاعتبار إذا کان من أهله فیتّصف بالصحّة حتّی عند العقلاء و إذا کان من غیر أهله کالمجنون فیتّصف بالفساد.

ففیه أوّلاً: أنّا لانسلّم کون الاعتبار المذکور مسبّباً عن سبب بعد فرض عدم دخالة شیء وراء الاعتبار النفسانیّ. وثانیاً: أنّ الاعتبار النفسانیّ الشخصی لیس سبباً لاعتبار العرفیّ أو الشرعیّ لعدم وجود رابطة العلّیّة و المعلولیّة بینهما بل الشارع أو العرف یعتبر ان الملکیّة الشرعیّة أو الملکیّة العرفیّة عند تسبّب الشخص بما جعله العرف أو الشارع سبباً لاعتبار الملکیّة و لادخالة لاعتبار الشخص فی الاعتبار العرفیّ أو الشرعیّ کما لایخفی.

فتحصّل: أنّ الأقوی هو ما ذهب إلیه المعروف من عدم مجال للنزاع إن کانت أسامی المعاملات أسام للمسبّبات بخلاف ما إذا کانت موضوعة للأسباب فإنّ للنزاع فی أنّ المراد منها هو خصوص الصحیحة أو الأعمّ مجالاً.

ص:84

الثانی: أنّ بعد معلومیّة أنّ محلّ النزاع هو الأسباب لاالمسبّبات ربما یدّعی أنّ أسامی المعاملات موضوعة لخصوص الصحیحة منها و أنّ الموضوع له هو العقد المؤثّر التامّ والاختلاف بین الشرع و العرف فیما یعتبر فی تأثیر العقد لایوجب الاختلاف المعنویّ بل الاختلاف فی المحقّقات.

وفیه: أنّ صدق أسامی المعاملات علی غیر الصحیح من دون عنایة و ملاحظة علاقة کبیع المرهون و بیع السفیه بضمیمة أصالة عدم النقل شاهد علی کونها موضوعة للأعمّ فاختلاف شرائط تأثیر السبب بین الشرع و العرف لایضرّ بصدق وجود السبب عرفا و علیه فالموضوع له هو ذوات الأسباب لاالصحیح المؤثّر التامّ و المفروض عدم تصرّف الشارع فی المسمیّ من حیث التسمیة.

الثالث: أنّ بعد استعمال ألفاظ المعاملات فی الأسباب کالمسبّبات تکون ألفاظ المعاملات مشترکة بینهما بالاشتراک اللفظیّ لعدم وجود الجامع بین الأسباب اللفظیّة و المسبّبات الاعتباریّة.

و لاوجه لتخصیص الاستعمال الحقیقیّ بالمسببّات بدعوی الارتکاز علی أنّ المراد من «بعت داری لکذا» و نحوه لیس إلّا وقوع المبادلة.

و ذلک لاستعمالها أیضاً فی الأسباب من دون عنایة ألا تری صحّة القول بأن زیداً باع ملک أخیه فیما إذا باعه من دون إذنه فصدق البیع علی إیجاد السبب ولو مع عدم وجود ما اعتبره فی تأثیره شاهد علی کونه مستعملاً فی السبب دون المسبّب إذ لامسبّب فی هذا الفرض و هکذا نری صحّة نهی النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم عن بیع الغرر مع انه لیس إلّا بیع السببی و هکذا.

الرابع: فی الأخذ بإطلاق الخطابات عند الشکّ فی اعتبار شیء شرعاً ولایخفی علیک أنّه بناء علی المختار من أنّ أسامی المعاملات موضوعة للأعمّ من الصحیح العرفیّ من

ص:85

الأسباب لا إشکال فی الأخذ بإطلاقها لصدقها علیها عرفا بعد الشکّ فی دخل شیء کعربیة الصیغة شرعاً ومع صدق الصحیح العرفیّ یتحقّق موضوع الإمضاء الشرعیّ فیؤخذ بإطلاقه اللفظیّ عند احتمال مدخلیّة شیء شرعاً. وهکذا یکون الأمر إن قلنا بأنّها موضوعة للأعم من الصحیح العرفیّ من المسببات بعین الملاک.

و أمّا إذا قیل أنّها موضوعة للصحیح و المؤثّر الواقعیّ فلایجوز التمسّک بإطلاقها اللفظیّ عند الشکّ فی اعتبار شیء لأنّه تمسّک بالعامّ فی الشبهات الموضوعیّة لاحتمال دخل المشکوک فی تأثیره واقعاً.

نعم یمکن التمسّک بالإطلاق المقامیّ بإن یقال: إنّ المولی بعد ما کان فی مقام بیان الحکم الشرعیّ و إنفاذ السبب شرعاً و لم یعیّن محقّقا و لامصداقاً لما هو الموضوع لحکمه فذلک کاشف عن عدم تعیین مصداق خاصّ لموضوع حکمه شرعاً و علیه فصدق الصحیح العرفیّ یکفی فی إثبات کونه مؤثّراً واقعاً بالإطلاق المقامیّ ولکن الإطلاق المقامیّ لایجری إلّا فیما کان کذلک فی عصر الشارع و أمّا إذا لم یکن ذلک بأن کان مستحدثا و لاسابقة لصدق أسامی المعاملة علیه عرفا کعقد التأمین و نحوه فلامجال للإطلاق المقامیّ أیضاً هذا بخلاف الإطلاق اللفظیّ فإنّه مأخوذ علی نحو القضیّة الحقیقة کقولة تعالی:(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)1 و غیره، فلاتغفل.

لایقال: إنّ الأخذ بالإطلاق اللفظیّ أو المقامیّ فرع کون أدلّة الإمضاء إمضاء للأسباب لاالمسببّات و هو غیر ثابت لوضوح اتّجاه أدلّة الإمضاء من الآیات و الروایات إلی إمضاء المسبّبات إذ الحلّیّة فی قوله تعالی:(أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ)2 ثابتة لنفس المبادلة و الملکیّة فی مقابل تحریمها ولامعنی لحلّیّة نفس الصیغه أو حرمتها و هکذا وجوب الوفاء فی

ص:86

قوله تعالی:(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ثابت للملکیّة و المبادلة فإنّ الوفاء الإنهاء و الإتمام و من المعلوم أنّه لایتعلّق بنفس العقد لأنّه آنیّ الحصول فلابقاء له بل لابدّ و أن یتعلّق بماله قابلیّة البقاء و الدوام و هو لیس إلّا نفس المسبّب و علیه فإذا شکّ فی حصول مسبّب خاصّ کالمعاطات مثلاً فمقتضی الأصل هو عدم حصوله و الاقتصار علی القدر المتقیّن إلّا إذا کان له سبب واحد فإنّ إمضاء مسبّبه یستلزم إمضاء سببه و إلّا لکان إمضاء المسبّب لغوا و کذا مقتضی الأصل هو عدم حصول المسبب فیما إذا لم یکن فی البین قدر متقیّن و کان نسبة المسبّب إلی الجمیع من الأسباب علی حدّ سواء إذ لایمکن الحکم بإمضاء بعض دون بعض.

لأنّا نقول: أوّلاً: إنّا نمنع اختصاص ادّلة الإمضاء، بالمسبّبات، لظهور قوله تعالی:(لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)1 فی المنع عن الأکل بسبب باطل و جوازه بسبب صحیح و من المعلوم أن المسبّب الباطل لاوجود له حتّی یمکن المنع عن الأکل بسببه فإذا کان المنع عن الأکل متوجّها إلی السبب کان المراد من (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) بقرینة المقابلة هو خصوص السبب أو السبب مع المسبّب.

ولظهور قوله تعالی:(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فی القرارات الإنشائیّة والإیجاب والقبول لاالمسبّب منها و لاأقلّ أن یکون المراد السبب والمسبّب کلیهما.

و الاستدلال بتعلّق وجوب الوفاء لکون المراد هو خصوص المسبّب فی غیر محله لأنّ وجوب الوفاء من توابع العقد بحدوثه فیکون قابلاً للوفاء إلی الأبد لامن توابع بقاء العقد.

وثانیاً: أنّه لوسلّمنا اختصاص أدلّة الإمضاء بإمضاء المسبّبات فلایذهب علیک أنّ الدلیل بإطلاقه علی إمضاء کلّ فرد من أفراد المسبّب فی العرف یدلّ بالملازمة و دلالة

ص:87

الاقتضاء علی إمضاء کلّ سبب یتسبّب به فی العرف إلیه و إلّا کان إطلاق دلیل المسبّب مقیّداً بغیر ذلک السبب الذی یدّعی عدم إمضائه أو لایکون له إطلاق و هو خلاف الفرض فالرجوع إلی الإطلاقات اللفظیّة لامانع منه علی جمیع التقادیر نعم لو شکّ فی اعتبار شیء عرفا فی تأثیر بعض الأسباب العرفیّة لامجال للرجوع إلی إطلاق إمضاء المسبّبات العرفیة أو إطلاق إمضاء الأسباب العرفیّة لأنّ الشکّ یرجع الی الشکّ فی صدق الموضوع کما لایخفی.

تبصرة:

1 - إنّ الشرائط علی قسمین: أحدهما: ما یکون دخیلاً فی قوام الشیء و متعلّق الأمر. وثانیهما ما یکون متأتّیا من ناحیة الأمر أو غیره من العوارض کالخلّو عن العناوین المتزاحمة فما له المدخلیّة فی الصدق هو الأوّل دون الثانی فمن ذهب إلی أنّ أسامی العبادات موضوعة لخصوص الصحیح منها جعل القسم الأوّل من الشرائط دخیلاً فی صدق الصحیح دون القسم الثانی فما یتأتّی من ناحیة الأمر خارج عن ذلک کما هو الظاهر من الشیخ حیث قال فی تعریف الصحیح هو المهیّة الجعلیّة الجامعة للأجزاء و الشرائط التی لها مدخل فی ترتّب ما هو الباعث علی الأمر بها و من المعلوم ان قصد الامتثال و نحوه خارج عمّا یعتبر فی صدق الصحیح ضرورة أنّه فی مرتبة متأخرة عن الأمر فکیف یعقل أخذها فی المسمّی و فی متعلّق الأمر و من الواضح أنّ المراد من الوضع للصحیح أو الأعمّ هو الوضع لما هو واقع فی حیّز الأمر.

ثمّ إنّ المراد من الشرائط فی القسم الأوّل هو الخصوصیّة الحاصلة فی الشیء بسبب الشرائط ککون الصلاة مع الطهارة أو مقرونة مع الستر و هکذا و من المعلوم أنّ تلک الخصوصیّة لیست خارجة عن الشیء و الخارج هو ما یوجب الخصوصیّة کنفس الطهارة أو الستر و علیه فتلک الشرائط أعنی الخصوصیّة الحاصلة بسبب الشرائط کالأجزاء

ص:88

داخلة فی مهیّة العبادة و لذا یصحّ الفرق بین الأجزاء و نفس الشرائط بأنّ الأجزاء من المقوّمات و نفس الشرائط من المقدّمات لما عرفت من دخالة الخصوصیّة الحاصلة فی مهیّة العبادة دون موجبها و أسبابها.

2 - إنّ خصوصیات بعض أفراد المهیّة من المزیّة أو النقصان کالشرائط و الأوصاف المندوبة أو المکروهة کوقوع الصلاة فی المسجد أو فی الحمّام لایوجب مزیّة أو نقصانا فی ملاک ماهیّة المأمور بها فإنّ الطبیعة باقیة فی تلک الموارد کسائر الموارد و إنّما الفرق من ناحیة الامتثال أو عدمه بالنسبة إلی خطاب آخر کخطاب «صلّ فی المسجد» أو «لاتصلّ فی الحمّام» فطبیعة الصلاة لاتکون فی تلک الموارد أقصر أو أزید ملاکا من الصلاة التی اتی بها فی غیرهما بل هی هی و إنّما الفرق یکون فی امتثال سائر الخطابات و عدمه و علیه فلاوقع لما قیل من أنّ العبادة المکروهة أقلّ ثوابا لما عرفت من أنّ قلّة الثواب أو زیادته من ناحیة الامتثال و عدمه بالنسبة إلی خطابات اخر فإسناد قلّة الثواب إلی الطبیعة المأمور بها کالصلاة لیس علی ما هو علیه کما لایخفی.

3 - إنّ الصلاة مثلاً من المخترعات الشرعیّة اسم للهیأة الترکیبیّة من الأجزاء و الشرائط الدخیلة فی باعثیّة المولی نحو الأمر بها وعلیه فالطبیعة لاتحکی إلّا عمّا یکون مأخوذا فیها شطرا أو شرطا فالأجزاء الندبیّة کالقنوت خارجة عن حقیقة مسمّی الصلاة لصدقها علی فاقدها کما هو الشأن فی کلّ مشخصّ من المشخّصات الفردّیة فإنّه خارج عن حقیقة المسمّی کالإنسان و لو کانت تلک الأجزاء أو المشخصات عند الضمیمة مورد انطباق المسمّی لکون أجزائه و شرائطه مأخوذة بنحو اللابشرط لا «بشرط لا» فکما یصدق إنسان علی زید بما هو زید لامجردّا عن الخصوصیّات الفردیّة فکذلک یصدق عنوان الصلاة علی واجد الضمیمة الندبیّة ولکن ذلک لایکون دلیلاً علی دخولها

ص:89

فی حقیقة مسمّی الصلاة أو الإنسان لصدق عنوان الإنسان أو الصلاة علی فاقد المشخّصات الفردیّة.

وعلیه فوجود الجزء الاستحبابیّ لایکون دخیلاً فی الصحّة کما لایکون فقدانه موجبا للفساد و مزّیتها أو منقصتها لاتسری إلی حقیقة المسمّی إلّا من باب «زید أبوه قائم» و العنایة و المجاز و القول بأنّ المسمّی فی المخترعات الشرعیّة هی معان بسیطة مشکّکة کالتخضّع فینتزع مرتبة کاملة منها عن جمیع الأجزاء الواجبة و المستحبّة و مرتبة منها تنتزع عن الأجزاء الواجبة بضمیمة بعض الأجزاء الندبیّة و مرتبة منها تنتزع عن الاجزاء الواجبة فقطّ، مردود بعد ما عرفت من أنّ المسمّی هو الهیأة الترکیبیّة من الأجزاء و الشرائط الدخیلة فی باعثیّة الأمر لاالعناوین البسیطة.

فإذا عرفت خروج الأجزاء الندبیّة عن حقیقة المسمّی فلو لاشبهة الزیادة فی الصلاة لأمکن القول بأن الریاء فی الأجزاء الندبیّة لایضرّ بصحّة الصلاة لأنّ الریاء یوجب فساد الجزء الاستحبابیّ لاالطبیعة المأمور بها ولکن حیث یصدق عنوان الزیادة فی الصلاة فهو یقتضی البطلان فی المرکّبات الشرعیّة التی منع عن الزیادة فیها فتدّبر جیّداً.

ص:90

الأمر الحادی عشر: فی الاشتراک

فتحصّل: أنّ الاشتراک فی الألفاظ ممکن لضعف الوجوه التی أقاموها للامتناع بل هو واقع لشهادة عدم تبادر معنی بالخصوص من المعانی فی مثل الأعلام الشخصیّة المشترکة و فی مثل «القرء» و «العین» من أسامی الاجناس و هکذا، یدل علیه عدم صحّة السلب بالنسبة إلی معنیین أو أکثر فإنّ عدم التبادر و عدم صحّة السلب لیسا إلّا لجهة اشتراک الألفاظ المذکورة لمعان مختلفة. بل لابعد فی دعوی وجوب الاشتراک بعد تناهی الألفاظ و عدم تناهی الأعلام الشخصیّة و المعانی الکلّیّة الشاملة للاخترعات و الاعتباریّات و الانتزاعیّات لمسیس الحاجة إلیه کما لایخفی.

ص:91

ص:92

الأمر الثانی عشر: فی إستعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد

اشارة

یقع الکلام فی مقامات:

المقام الأوّل: فی محلّ النزاع و هو ما إذا استعمل لفظ واحد فی معنیین مستقلّین أو المعانی المستقلّة بحیث یکون الاستعمال الواحد بمنزلة الاستعمالین أو الاستعمالات و یکون کلّ واحد من المعنیین أو المعانی مراداً علی حیاله و استقلاله دون ما إذا استعمل اللفظ فی مجموع المعنیین کالعامّ المجموعیّ أو أحدهما لابعینه کالفرد المردّد أو الجامع بینهما أو بین المعانی کالکلّیّ لأنّ المستعمل فیه فی أمثال هذه الموارد لیس متعدّداً و یکون خارجاً عن محلّ النزاع.

المقام الثانی: فی وجوه الامتناع و هی علی قسمین:

أحدهما: الوجوه العقلیّة منها: أنّه لایکاد یمکن فی حال استعمال واحد لحاظ اللفظ وجهاً و فانیاً فی المعنیین أو الأزید إذ بعد کون اللفظ آلة و وجهاً لمعنی و النظر بالذات إلی المعنی یستحیل أن یکون آلة لحاظ لمعنی آخر و إلّا لزم اجتماع المثلین فی شیء واحد.

وفیه: أنّ الاستعمال من باب العلامة و الدلالة لا الفناء و علیه فلامانع من أن یجعل لفظ واحد موضوع للمعانی المختلفة علامة لأزید من معنی واحد فی عرض واحد من دون حاجة إلی تکرار اللفظ أو لحاظه فی کلّ استعمال لحاظا علیحدة و

ص:93

حدیث فناء اللفظ فی معناه لاواقعیّة له و مجرّد کون النظر إلی المعانی بالأصالة نوعاً دون الألفاظ لایکون قرینة علی جعل اللفظ فانیاً فی معناه کما أنّ سرایة الحسن و القبح من المعانی إلی الألفاظ لایکون شاهداً علی الفناء المذکور لإمکان کون ذلک من جهة الارتباط الأکید الحاصل بین اللفظ و المعنی بالوضع بل اختیار لغة من بین اللغات أو مراعاة فصاحتها حین الاستعمال ینافی دعوی الفناء کما لایخفی.

ومنها: أنّ حقیقة الاستعمال هو إلقاء المعنی إلی الطرف بإلقاء اللفظ و هذا لایمکن إلّا بأن یکون اتّحاد بین اللفظ والمعنی و حیث أنّ هذا الاتّحاد لیس حقیقیّاً لأنّ اللفظ من مقولة و المعنی غالباً من مقولة اخری فلابّد أن یکون اعتباریّاً و إن شئت فسمه بالهو هویّة الاعتباریّة أو الوجود التنزیلیّ للمعنی و لهذا قالوا للشیء أربعة أنحاء من الوجودات و عدّوا منها الوجود اللفظیّ فإذا کان حقیقة الاستعمال کذلک فکیف یمکن أن یعتبر وجود واحد لطبیعیّ اللفظ وجوداً لهذه الماهیّة و وجوداً آخر لماهیّة اخری.

وفیه أوّلاً: أنّ الاستعمال لیس إلّا التکلّم بالدالّ علی المعنی بحسب الوضع أو بحسب القرائن لا القاء المعنی باللفظ فی الخارج و علیه فاعتبار وجود اللفظ وجوداً للمعنی أو اعتبار الهوهویّة و التنزیل بینهما خارج عن حقیقة الاستعمال و یحتاج إلی مؤونة زائدة و لاالتفات للمتکلّم إلیه و لاشاهد و لادلیل علیه.

وثانیاً: أنّ الوجود التنزیلیّ لیس إلّا بالاعتبار لابالذات و الحقیقة و علیه فتعدّد الموضوع له أو المستعمل فیه و جعل اللفظ الواحد مرآتا لتلک المعانی بالمواضعة الاعتباریّة لایستلزم کون شیء واحد حقیقیّ ذا وجودین أو ذا وجودات إذ الوجود الإعتباریّ لایوجب التکثّر فی الوجود الواقعیّ بل هو یحتاج إلی تکثّر الاعتبار و هو خفیف المؤونة إذ الاعتبار فی تکثّره وسعته و ضیقه و عمومه و خصوصه تابع لنظر المعتبر فیجوز له أن ینزّل أمرا واحداً منزلة أمرین أو امور و یترتّب علیه آثار المتعدّد فلاتغفل.

ص:94

ومنها: أنّ حقیقة الاستعمال لیست إلّا عبارة عن إیجاد المعنی باللفظ و إلقائه إلی المخاطب خارجاً و من هنا لایری المخاطب إلّا المعنی فإنّه الملحوظ أوّلاً و بالذات و اللفظ ملحوظ بتبعه و فان فیه.

ولازم ذلک أنّ استعمال اللفظ فی الأزید من معنی علی نحو الاستقلال یوجب تعلّق اللحاظ الاستقلالیّ بکلّ واحد منهما فی آن واحد کما لو لم یستعمل اللفظ إلّا فیه و النفس لاتستطیع علی أن تجمع بین اللحاظین المستقلّین فی آن واحد و المستلزم للمحال محال لامحالة.

وفیه أوّلاً: ما عرفت من منع کون الاستعمال من باب إیجاد المعنی باللفظ و مجرّد کون الغرض من الاستعمال هو تفهیم المعانی لایستلزم أن یکون باب الاستعمال من باب إیجاد المعانی لحصول الغرض بتکلّم الدوالّ و استماعها بعد العلم بعلقة الوضع بین الدوالّ و المعانی.

وثانیاً: أنّا نمنع عدم استطاعة النفس للجمع بین اللحاظین المستقلّین أو اللحاظات المستقلّة فی آن واحد ألا تری أنّ الواضع یلاحظ عنواناً عامّاً مرآة للأفراد و یضع اللفظ بإزاء کلّ واحد من الأفراد بحیث یکون الوضع عامّاً و الموضوع له خاصّاً فکما أنّ هذا الأمر ممکن فی حقّ الواضع فکذلک یکون فی حقّ المستعمل فیجوز له أن یلاحظ عنواناً عامّاً مرآة للمعانی المتعدّدة فیستعمل اللفظ الواحد فیها بحیث یصیر کلّ واحد منها مستعملاً فیه.

وثانیهما: الوجوه الأدبیّة: منها: أنّ اعتبار الوحدة فی الموضوع له أو الوضع یمنع عن جواز استعمال اللفظ فی الأکثر من معنی واحد لا حقیقة و لا مجازاً أمّا الحقیقة فواضح و أمّا المجاز فلأنّه مثل الحقیقة فی أنّه لایجور التعدی عما حصلت الرخصة فیه من العرب بحسب نوعه و المفروض أنّه لم تثبت الرخصة منهم فی هذا النوع من الاستعمال.

ص:95

وفیه أوّلاً: أنّه لاوجه لدعوی اعتبار الوحدة فی الموضوع له لأنّ الموضوع له اللفظ هو نفس ذوات المعانی من دون تقییدها بالوحدة و وضع الألفاظ لمعانیها فی حال الانفراد لا یقتضی عدم جواز استعمالها فی غیر حال الانفراد ما لم تکن الحالة المذکورة مأخوذة فیها إذ غایتة أنّ المعنی الأخر لایکون موضوعاً له اللفظ بهذا الوضع و لایستلزم أن لایکون اللفظ موضوعاً له بوضع آخر.

هذا مضافاً إلی أنّه لادلیل علی لزوم مراعاة خصوصیّات عمل الواضع لأنّ اللازم تبعیّة الواضع فی مجعولاته لافی خصوصیّات عمله.

وثانیاً: أنّ الاستعمال بنحو المجاز لایتوقّف علی الترخیص لعدم انحصار مجوّزات الاستعمالات المجازیّة فی العلاقات المشهورة بل یصحّحه وجود ما یستحسنه الطبع.

ومنها: أنّ الاستعمال فی الأکثر من معنی واحد مجاز فی المفرد دون التثنیة و الجمع لأنّ المفرد اخذفیه قید الوحدة فاستعماله فی الأکثر یوجب إلغاء قید الوحدة فیکون مستعملاً فی جزء المعنی بعلاقة الکلّ و الجزء و هو مجاز. هذا بخلاف التثنیة والجمع فإنّهما فی قوّة التکریر بالعطف وحیث لایعتبر فیهما أزید من الاتّفاق فی اللفظ یجوز استعمالهما فی الأزید من معنی واحد کما یشهد له صحّة التثنیة و الجمع فی الأعلام مع مغایرتها فی المعنی.

وفیه أوّلاً: ما عرفت من منع اعتبار الوحدة فی الموضوع له لا فی المفرد و لافی التثنیة و الجمع فاستعمال المفرد فیالأکثر لایوجب استعمال اللفظ فی جزء المعنی کما لایکون کذلک فی التثنیة و الجمع.

وثانیاً: أنّ التثنیة و إن کانت لإفادة الاثنینیّة و الجمع لإفادة الجماعة مطلقاً سواء کانت من جنس واحد أو أجناس مختلفة ولکن إرادة المعانی المتغایرة منهما لایوجب

ص:96

استعمالهما فی الأکثر أصلاً لأنّ هیأة التثنیة و الجمع إنّما تدلّ علی إرادة المتعدّد ممّا یراد من مفرد هما فیکون استعمالهما و إرادة المتعدّد من معانیهما استعمالاً لهما فی معنی واحد کما أنّه کذلک إذا استعملا و ارید المتعدّد من معنی واحد منهما و لیس ذلک إلّا لکون التثنیة و الجمع لإفادة المتعدّد ولو من الأجناس المختلفة و علیه فلافرق بین استعمال اللفظ فی التثنیة و الجمع و إرادة المتعدّد من معنی واحد و بین استعماله فیهما و إرادة المتعدّد من معانیهما المختلفة لأنّ صیغة الجمع و التثنیة مستعملتان فی کلتی الصورتین فی معنی واحد و هو إرادة المتعدّد ممّا یراد من مفردهما و هذا المعنی یصدق فی الصورتین و علیه فلو ارید من العینین فرد من الجاریة و فرد من الباکیة لم یستعمل لفظ العینین فی الأزید من معنی التثنیة کما إذا ارید من العینین فردان من الجاریة نعم لو ارید من لفظ العینین فردان من الجاریة و فردان من الباکیة کان من استعمال العینین فی الأزید من المعنی فإن ثبت الاشتراک فهو علی نحو الحقیقة بعد ما عرفت من عدم دخالة قید الوحدة لافی المفرد و لافی التثنیة والجمع و إلّا فهو استعمال مجازیّ کما لایخفی.

فتحصّل أنّه لامانع عقلاً و نقلاً عن جواز الاستعمال فی أکثر من معنی واحد.

وهم و دفع:

ربما یتوهمّ أنّ الأخبار الدالّة علی أنّ للقرآن بطونا سبعة أو سبعین تدلّ علی وقوع استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد.

ویمکن دفعه بأنّ إرادة البطون لیس من باب استعمال اللفظ فیها و إرادتها منه لاحتمال أن یکون من لوازم المعنی و صدق البطون من جهة خفائها و علیه فاللفظ لم یستعمل فیها حتّی یوجب استعمال اللفظ فی الأکثر من معنی واحد أو لاحتمال أن یکون المراد من البطون أنّ للمعانی و المدالیل الکلّیّة القرآنیّة مصادیق خفیّة مستورة عن

ص:97

الأذهان قد اطلقت علیها الألفاظ القرآنیّة کما اطلقت علی مصادیقها الظاهریّة و علیه فاللفظ لم یستعمل إلّا فی مفهوم واحد کلّیّ أو لاحتمال أن یکون المراد من البطون هو الإشارات التی استفیدت من الحروف المقطّعة أو حروف الأبجد أو الترکیبات الخاصّة من الحروف کالمهموسة و غیرها.

المقام الثالث: فی ثمرة البحث: و لایخفی علیک أنّ بعد فرض إمکان استعمال للفظ فی الأکثر من معنی واحد فإن احرز أنّ متکلّما فی مقام البیان لجمیع المعانی التی یکون اللفظ مشترکاً فیها وجب حمل اللفظ المشترک عند الإطلاق علی جمیع معانیه بعد ذلک الإحراز فإذا قال: أحسن زیداً، و نعلم أنّه أراد إحسان کلّ زید من أصدقائه وجب حمل زید الذی کان مشترکاً بین عدّة من أصدقائه علی إرادة جمیع معانیه و استعماله فی الأزید من معنی واحد و هذا الإحراز هل یحصل بمجرّد إطلاق الکلام و عدم ما یعیّن بعض المعانی أم لایحصل، ذهب بعض إلی الأوّل بدعوی أنّ هذا الاستعمال علی فرض جوازه حیث کان بنحو الحقیقة و المفروض عدم وجود قرینة معیّنة فلامحالة یکون المراد هو الجمیع نظیر العمومات المحمولة علی جمیع الأفراد عند عدم القرینة علی الخصوص و یشکل ذلک بأنّ ارتکاز العقلاء یکون علی الخلاف عند عدم قیام قرینة فإنّهم لایحملون اللفظ المشترک علی جمیع معانیه و کیف کان فإن حمل اللفظ المشترک عند الإطلاق علی جمیع معاینه فثمرة البحث واضحة و إلّا فلاثمرة عدا ما یمکن أن یقال من أنّ جواز استعمال اللفظ فی الأکثر من معنی واحد یوجب الاستغناء عن التقدیر و مجاز الحذف فی مثل قوله تعالی:(اللّهَ یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ) إلی قوله:(کَثِیرٌ مِنَ النّاسِ...) الآیة فإنّ قوله:«کَثِیرٌ مِنَ النّاسِ» شاهد علی أنّ المراد من السجود المسندإلیه غیر السجود المسند إلی غیره إذ الخضوع التکوینیّ لایختص بالکثیر بل

ص:98

جمیع أفراد الانسان و غیره یکونون خاضعتین بالخضوع التکوینیّ و علیه فمعنی السجود مختلف باختلاف الموارد تکوینیّ باعتبار غیر ذوی الشعور و تشریعیّ خاصّ باعتبار ذوی الشعور فمن ذهب إلی عدم جواز استعمال لفظ السجود فی الأزید من معنی واحد اضطرّ إلی تقدیر یسجد عند قوله:«کَثِیرٌ مِنَ النّاسِ» مع أنّه لاحاجة إلیه بعد جوازاستعمال اللفظ فی الأکثر من معنی واحد و علیه فلایخلو هذا البحث عن الثمرة کما لایخفی.

ص:99

ص:100

الأمر الثالث عشر: البحث فی المشتق

اشارة

یقع الکلام فی مقامات:

المقام الأوّل: فی تحریر محلّ النزاع: و قد اختلفوا فی أنّ إطلاق المشتقّ علی من انقضی عنه المبدأ فی حال انقضاء المبدأ هل یکون حقیقة أم لا؟

المقام الثانی: أنّ المسألة لغویّة لاعقلیّة لأنّ النزاع یکون فی تعیین حدود الوضع و أنّه لخصوص المتلبّس أو الأعمّ منه و أمّا النزاع عقلاً فی امکان إطلاق المشتقّ علی من زال عنه المبدأ بعد تلبّسه به و عدمه فلا مورد له لوضوح أنّ المعنی الانتزاعیّ تابع لمنشأ انتزاعه حدوثا و بقاءً و المنشأ مفقود بعد الانقضاء فالانتزاع بدون منشأ الانتزاع غیر معقول کما أنّ وجود المعلول بدون العلّة غیر معقول. هذا مضافاً إلی أنّ الاستدلال للمختار بالتبادر و عدم صحّة السلب و نحوهما ممّا یکون من علائم الحقیقة و المجاز ممّا یشهد علی أنّ البحث لغویّ لاعقلیّ.

المقام الثالث: أنّ البحث لیس فی مبادیء المشتقّات و موادّها فإنّ المرجع فیها کتب اللغة و لا فی کیفیّة اشتقاق المشتقّات فإنّ المرجع فیها هو علم التصریف، بل البحث فی معرفة معانیها من حیث أوضاعها النوعیّة و هی معانی هیآتها الکلّیّة الطارئة علی مواردها.

ص:101

المقام الرابع: أنّ المشتقّات المبحوثة عنها فی المقام هی التی لها ذوات و تحمل علیها ویحکم باتّحادها معها لامطلق المشتقّات حتّی التی لاتحکی عن الذوات و لایجری علیها کالأفعال و المصادر مزیدة کانت أو مجرّدة إذالنزاع فی أنّ إطلاق المشتقّ علی من انقضی عنه المبدأ فی حال الانقضاء حقیقة أم لافرع وجود الذات و حمل المشتقّ علیها و لاذوات و لاحمل و لااتّحاد فی المصادر و الأفعال. ثمّ إنّ المشتقّات المحمولة علی الذوات علی قسمین: أحدهما: ما کان لکل واحدة من مادّته وهیئته وضع خاصّ مستقلّ کأسماء الفاعلین والمفعولین والصفات المشبهات وهی التی تسمّی بالمشتقّات المصطلحة وثانیهما: ما لیس کذلک کالجوامد التی کانت منتزعة باعتبار أمر خارج عن مقام الذات وجاریة علیه کعنوان الزوج فعنوان المشتقّ فی المقام یعمّ کلاهما لعموم الملاک من الجریان والحمل علی الذات فللبحث عن کونها موضوعة للذات المتلبّس أو الأعمّ مجال کما لایخفی.

المقام الخامس: أنّ المشتقّات المبحوث عنها فی المقام لایختصّ بأسماء الفاعلین و المفعولین و الصفات المشبهة بل تعمّ غیرها من المشتقّات کصیغ المبالغة واسم المکان و اسم الزمان بل تشمل المشتقّات من أسماء الأعیان کلابن وتامر وتمّار وعطّار ونحوها لعموم اقتضاء الأدلّة إذ کلّ هذه الأوصاف ممّا له زوال فإذا زالت کان إطلاقها علی الذوات المتّصفة بها حقیقةً إن وضعت للأعمّ من المتلبّس بها ومجازاً إن وضعت لخصوص المتلبّس بها والقول بأنّ اسم الآلة حقیقه فیما اعدّ واستعدّ للآلیة و الاستعداد لایکون ممّا یزول عن الآلة بل هو ثابت من أوّل وجودها إلی أن ینهدم هیئتها رأساً فلامجال حینئذٍ للبحث فی کون إطلاق إسم الآلة عند انقضاء الاستعداد حقیقة أو مجازاً إذ مع زوال الاستعداد لایبقی ذات الآلة حتی یبحث عن إطلاق اسمها و عدمه ممنوع بمنع زوال الذات بزوال الاستعداد ألاتری أنّ مع کسر بعض أسنان المفتاح زال

ص:102

عنه استعداد الفتح ولم یزل ذات المفتاح فیصحّ البحث عن کون إطلاق اسم المفتاح علیه حینئذٍ حقیقة أو مجازاً کما أنّه لاوقع للقول بخروج صیغ المبالغة عن محلّ النزاع بدعوی أنّها موضوعة للاتّصاف بما یکثر صدور المبدأ عنه وهذا المعنی فی صیغ المبالغة کالجلاّد أمر ثابت لایزول عنه حتّی یبحث بعد الزوال عن کون إطلاقه علیه حقیقة أو مجازاً وذلک لاعتبار دوام اتّصافه بکثرة صدور المبدأ عنه فی إطلاق صیغ المبالغة فمع عدم دوام ذلک یجری البحث المذکور فیها أیضاً.

ثمّ لایخفی أنّ محلّ البحث هو العناوین التی لم تنقلب عن الوصفیّة إلی الاسمیّة وإلّا فلا ینسبق منها إلّا ذات تلک الحقائق لا المبادیء رأساً وعلیه فإذا اطلق بعض العناوین من باب الاسمیّة لا الوصفیّة کالمسجد سلیمان علی بلد من بلاد الفارس فهو خارج عن محلّ البحث.

المقام السادس: أنّ النزاع فی مسألة المشتقّ یکون فی أنّ الوضع النوعیّ للهیئة أنّه یخصّ أو یعمّ من دون اختصاص بمادّة دون مادّة و التحقیق أنّ وضع الهیئات نوعیّ و عامّی لا شخصیّ مثلاً هیئة افعل وضعت لمعنی وهیئة مفعول وضعت لمعنی وهکذا ولایختص بمورد دون مورد.

وعلیه فحیث أنّ زنة الفاعل وضعت نوعیّاً لاتّصاف خاصّ من غیر نظر إلی المواد وخصوصیّات المصادیق بطل القول بخروج الناطق والممکن وما اشبههما ممّا لیس له معنون وذات باق بعد انقضاء المبدأ عنها إذ قد عرفت أنّ النزاع فی هیئة الفاعل و نحوه عنون بعنوان عامّ و مقتضاه ادخال هیئة هذه الموارد فی مورد النزاع أیضاً ولایکون وضع الهیئات باعتبار المواد متکثّرا ومتعدّداً.

وعدم جریان النزاع فی الموارد المذکورة من جهة عدم إمکان بقاء الذات فیها مع زوال المبدأ لایوجب عدم جریانه فی کلّیّ الهیئة فانه کافل لإدخالها تحته.

ص:103

المقام السابع: أنّ جریان النزاع فی اسم الزمان مورد الاختلاف ذهب بعض الأعلام إلی خروجه عن محلّ النزاع بدعوی أنّ الذات المعتبر فی اسم الزمان و هو نفس الزمان لاقابلیّة له للبقاء حتّی یقع النزاع فی صدق الاسم علیه حقیقة بعد الانقضاء حسب ما هو الشأن فی سائر المشتقات.

واُجیب عنه بأن المتصرّم مثل الزمان باق بنظر العرف ولذا حکموا ببقاء الموضوع فی استصحاب الزمان کاستصحاب الیوم أو اللیلة لو شکّ فی بقائه مع أنّ وحدة الموضوع فی القضیّة المتیقّنة والقضیّة المشکوکة معتبرة فی الاستصحاب.

ولیس حکمهم ببقاء المتصرّم مسامحیّ بل هو دقّی وإلّا لم یجر الاستصحاب کما لایخفی و علیه یکون الیوم العاشر من المحرّم الذی قتل فیه سیّدالشهداء الحسین بن علیّ علیهما السلام له حدوث و بقاء کالاشیاء القارّة فإذا کان الیوم فی ساعة منه متلبّساً بالمبدأ و هو القتل و فی ساعة اخری بعد الاولی غیر متلبّسٍ به بل کان منقضیا یصدق علیه فی الساعة الثانیة أنّ ذات الیوم کانت متلبّساً بهذه الحادثة والآن انقضی عنها المبدأ مع بقاء الذات نعم إطلاق المقتل علی غیر الیوم العاشوراء من تلک السنة التی قتل فیها الحسین علیه السلام یکون مجازاً علی کلّ حال سواء قلنا بأنّ المشتقّ حقیقة فی الأعم أولا لأنّ إطلاق المقتل علی الیوم العاشوراء فی سائر السنوات من باب المماثلة کما أنّ صدق المقتل علی یوم العاشوراء لایستلزم صدقه علی سائر الأیّام واللیالی من تلک السنة لأنّ للیوم حدّا ینتهی بمجیء لیله والعرف کما یدرک الوحدة الاتّصالیّة للیوم فکذلک یدرک تصرّمه و تقضیّه بمجیء اللیل فإذا وقعت واقعة فی الیوم لایری زمان الوقوع باقیا عند مجیء اللیل أو سائر الأیّام.

ص:104

فبهذا الاعتبار یمکن أن یقع النزاع فی اسم الزمان کمقتل الحسین علیه السلام هل یکون موضوعاً لخصوص زمان وقوع الحادثة الذی یتّصف بوصف القتل و تلبّس به أو للأعمّ منه حتّی یشمل سائر ساعات ذلک الیوم.

المقام الثامن: أنّ خروج العناوین الغیر الاشتقاقیة کعنوان الماء و الإنسان عن محلّ النزاع لاکلام فیه و انما الکلام فی وجه الخروج و لعله من جهة أنّ تلک العناوین منتزعة عن الذات بما هو ذات عرفا فإذا انتفی الذات عرفا فلامجال لبقاء العنوان عرفا حتّی یبحث عن کون إطلاقه حقیقة أو مجازاً لأن الامور الانتزاعیة تابعة لمنشأ الانتزاع و علیه فمع تبدّل الماء بشیء آخر أو الإنسان بالتراب لایصحّ النزاع فی أنّ صدق الماء علی ذلک الشیء الآخر أو صدق الإنسان علی التراب هل هو حقیقة أو مجاز لعدم بقاء الذات بحکم العرف کما لا یخفی والمعیار هو الحکم العرفیّ و لاحاجة إلی الحکم العقلیّ بأنّ فعلیّة الشیء بصورته لابمادّته حتّی یرد علیه أنّ النزاع فی المقام لغویّ لاعقلیّ الا ان یراد من ان شیئیة الشئ بصورته لا بمادته معناه العرفی فلااشکال.

المقام التاسع: أنّ وجه دخول المشتقّات الغیر الاصطلاحیّة فی محلّ النزاع هو اشتراکها مع المشتقّات الاصطلاحیّة فی الملاک فإنّ بقاء الذات فی المشتقّات الاصطلاحیّة کما یکون موهما لصدق الوصف علیها بعد زوال تلبّسها بمبدئه فکذلک یکون بقاء الذات فی المشتقّات الغیر الإصطلاحیّة موهما لذلک وهذا الملاک لیس فی سائر الجوامد لأنّ الذات فیها منعدمة عرفا بانعدام عناوینها فلایبقی الذات حتّی یکون موهما لصدق الوصف علیها وعلیه فالفرق بین الماء والإنسان وبین الزوجة والرقّ والحرّ واضح إذ الذات فی مثل الزوجة ونحوها محفوظة بعد زوال تلبّسها بالزوجیّة بخلاف الماء والإنسان فإنّ الذات منعدمة بانعدام الماء والانسانیّة عرفا.

ص:105

وممّا ذکر یظهر أنّ المراد من المشتقّ فی موضوع البحث هو کما فی الکفایة مطلق ما کان مفهومه و معناه جاریاً علی الذات و منتزعاً عنها بملاحظة اتّصافها بعرض کالاعراض المتأصلة مثل السواد و البیاض و نحوهما التی لها حظ من الوجود و لو فی ضمن المعروض أو بعرضیّ کالفوقیة و التحتیة و الزوجیة و الحریة و نحوهما من الامور الانتزاعیة التی لیس لها حظّ من الوجود إلّا لمنشأ انتزاعها.

المقام العاشر: أنّ الأوصاف المشتقّة کأسامی الأجناس فی عدم دلالتها علی الزمان لابنحو الجزئیّة ولابنحو القیدیّة سواء کان المراد من الزمان زمان النطق أو زمان التلبّس أو زمان الجری و الحمل.

وعلیه فالمراد من الحال فی عنوان المسألة و هو أنّ المشتقّ حقیقة فی خصوص ما تلبّس بالمبدأ فی الحال أو فیما یعمّه و ما انقضی عنه هو الفعلیّة والاتّصاف أی أنّ المشتقّ حقیقة فی خصوص المتّصف بالمبدأ أو الأعمّ منه.

وذلک لأنّ البحث فی المشتقّ إنّما هو فی المفهوم اللغویّ التصوریّ و من المعلوم أنّ زمان الجری و الحمل و زمان النطق و النسبة الحکمیّة متأخّر عن زمان الوضع فلایحتمل دخالة تلک الأزمنة فی الوضع المتقدم.

ویؤیّد ذلک اتّفاق أهل العربیّة علی عدم دلالة الاسم علی الزمان و منه المشتقّات و أمّا اشتراط عمل اسمی الفاعل و المفعول بالدلالة علی زمان الحال أو الاستقبال بالقرینة المقرونة لاینافی عدم دلالتها علیه بالوضع.

وحیث لاتدلّ الأوصاف المشتقّة علی الزمان یکون مثل زید کان قائما بالأمس أو سیکون ضارباً حقیقة مع أنّه لو کان زمان النطق مأخوذا فیها لکان مجازاً لاحتیاجه إلی التجرید.

ص:106

فالمشتقّات التصوّریّة کالجمل الاسمیة لاتدلّ علی الأزمنة بنفسها هذا بخلاف الأفعال فإنّ هیئة الماضی والمضارع تکونان ظاهرتین فی السبق و اللحوق الزمانین و لذا یکون مثل زید ضرب غدا أو یضرب أمس غلطا و علیه فهیئة ضرب تدلّ علی الحدث السابق وهیئة یضرب تدلّ علی الحدث اللاحق.

المقام الحادی عشر: أنّ مبادی المشتقّات مختلفة منها مایکون من قبیل الأفعال الخارجیّة التی یکون انقضائها برفع الید عنها کالقیام و نحوه ومنها ما یکون من قبیل الاستعداد أو القوّة أو الملکة التی لایکون انقضائها إلّا بزوال الاستعداد أو القوّة أو الملکة کالاجتهاد ومنها ما یکون من قبیل الحرفة التی یکون انقضائها بالإعراض عنها کحرفة الخیاطة و التجارة فمادام لم یترکها و لم یعرض عنها فالتلبس فعلی و إن لم یشتغل بها فعلاً بجهة من الجهات.

هذا الاختلاف یستفاد من ألفاظ المشتقّات بمفهومها التصوّریّة مع قطع النظر عن الجری و الحمل فإذا عرفت اختلاف المبادی فالتلبّس و الانقضاء فی کلّ واحد منها بحسبه ففی الأوّل یکون التلبّس بالحدوث و الانقضاء برفع الید وفی الثانی یکون التلبّس بحصول الاستعداد أو القوّة أو الملکة ولم یزل هذا التلبّس إلّا بزوال هذه الاُمور وفی الثالث یکون التلبّس بأخذ تلک المبادی حرفة أو صنعة والانقضاء بترکها و الإعراض عنها فالتلبّس فعلیّ مادام لم یعرض عنها وإن لم یشتغل بها فعلاً بجهة من الجهات و کیف ما کان فلایوجب اختلاف المبادی اختلافاً فی دلالة المشتقّات بحسب الهیئة و لا تفاوتاً فی الجهة المبحوث عنها فإن کان المشتقّ حقیقة فی من تلبّس بالمبدأ فهو کذلک فی جمیع الأنحاء المذکورة کلّ بحسبه.

المقام الثانی عشر: أنّه إذا شکّ فی أنّ الموضوع له فی المشتقّات هو المتّصف بعنوان بعض صفاته من دون شرط بقاء الاتصاف حتّی یکون أعمّ أو مع اشتراط بقاء الاتّصاف

ص:107

حتّی یختصّ بالمتلبّس بالمبدأ فمقتضی الأصل اللفظیّ هو الأوّل إن کان الإطلاق ذاتیّاً لحاظیّاً کما هو الحقّ فإنّ مجرّد ملاحظة الحاکم أو الواضع المهیّة اللابشرط التی تکون خالیة عن القیود والشروط کاف للسریان والإطلاق بعد کون المتکلّم فی مقام بیان موضوع حکمه سواء کان الحکم شرعیّاً أو وضعیّا و لاحاجة إلی ملاحظة السریان والإطلاق هذا بخلاف الخاصّ أی المتلبس مع بقاء الاتصاف فإنّه یحتاج إلی ملاحظة الخصوصیّة و هی بقاء اتصاف الذات فتجری فیه أصالة عدم الخصوصیّة و لاتکون معارضة مع أصالة عدم ملاحظة الإطلاق بعد ما عرفت من أنّ الإطلاق ذاتیّ لالحاظیّ و معنی الإطلاق والسریان فی المقام هو أنّ المشتقّات کانت موضوعة للأعمّ لالخصوص المتلبّس بالمبدأ هذا کلّه بالنسبة إلی الأصل اللفظیّ.

وأمّا الأصل العملیّ ففیه تفصیل لأنّ الشکّ إن کان فی حدوث الحکم بعد زوال العنوان الذی اخذ فی الموضوع فالمرجع هو أصالة البراءة کما إذا فرضنا أنّ زیداً کان عالماً ثمّ زال عنه العلم وبعد ذلک یرد دلیل علی وجوب إکرام کلّ عالم فشککنا فی وجوب إکرام زید لاحتمال کون المشتقّ موضوعاً للأعمّ فتجری فیه اصالة البراءة.

وإن کان الشکّ فی بقاء الحکم بعد حدوثه و ثبوته فالمرجع هو استصحاب البقاء کما لو کان زید عالماً و أمر المولی بوجوب إکرام کلّ عالم ثمّ بعد ذلک زال عنه العلم و أصبح جاهلاً فلا محالة نشک فی بقاء الحکم لاحتمال کون المشتقّ موضوعاً للأعمّ فیجری استصحاب بقائه بعد حکم العرف بأنّ الأوصاف من قبیل الأحوال فیقال إنّ زیداً کان إکرامه واجباً والآن کما کان. هذا بناء علی عدم وجود دلیل علی أنّ المشتقّ حقیقة فی المتلبّس بالمبدأ و أمّا مع إقامة الدلیل فلا مجال للأصل مطلقاً و سیأتی أنّ الدلیل موجود فی المقام.

ص:108

المختار

الحقّ أنّ المشتقّ حقیقة فی المتلبّس بالمبدأ لا الأعمّ ویدلّ علیه وجوه:

منها: تبادر المتلبّس من لفظ العالم و لو کان موضوعاً للاعم لصدق علیه و لو بعد الانقضاء و لتبادر منه الجامع بینهما و المعلوم خلافه و منها صحّة سلب عنوان المشتقّ عمّن انقضی عنه المبدأ مثلاً اذا رأینا صحة القول بان زیداً لیس بعالم عند انقضاء المبدأ عنه کان ذلک دلیلاً علی اختصاص معنی العالم بالمتلبس بمبدأ العلم.

ومنها: ارتکاز تضادّ الصفات المتقابلة کتضادّ الأبیض مع الأسود مع أنّ المشتقّ لو کان موضوعاً للأعمّ لما کان بین الصفات المذکورة تضادّ لإمکان صدقهما معا علی الذات فی زمان واحد کالصفات المتخالفة لجواز إرادة الفعلیّ من الأبیض ومن انقضی عنه المبدأ من الأسود أو بالعکس إذ المفروض أنّهما موضوعان للأعمّ فإذا إجتمعا ارید منهما ما یمکن الجمع بینهما بالنحو المذکور.

ومنها: جواز الاستعمال المجرّد عن القرینة فی خصوص المتلبّس فإنّه یکشف عن کون اللفظ موضوعاً له وإلّا فلا یستعمله المتکلم الحکیم فیه من دون إقامة القرینة لکون الاستعمال المذکور غلطا بناء علی وضعه للأعمّ بعد فرض تجرّده عن جمیع علاقات المجاز.

ثمّ إنّ تقدّم رتبة بعض هذه العلائم بالنسبة إلی البعض کتقدم الاستعمال المجرد عن القرینة علی غیره لایضرّ بإطلاق العلامة علی جمیعها باعتبار التلازم الموجود بینها لاسیّما إذا أمکن أن لایلتفت المستمع أو المخاطب إلی الملزوم فهو بالتفاته إلی اللازم أحرز الحقیقة کما لا یخفی.

لایقال: إنّ فی مثل المضروب والمقتول لایدوم الضرب والقتل بل انقضی عنه المبدأ و هو حدث الضرب و القتل و مع ذلک لایصحّ سلبهما فعدم صحّة السلب لایکون شاهداً

ص:109

علی أنّه حقیقة فی المتلبّس بالمبدأ لأنّا نقول إن ارید بالقتل أو الضرب نفس ما وقع علی الذات ممّا صدر عن الفاعل ففیه أنّه نمنع عدم صحّة السلب فی حال انقضائهما لوضوح صحّة أن یقال أنّه لیس بمضروب أو مقتول فی الآن و صحّة السلب دلیل علی کونهما حقیقة فی المتلبّس بهما دون من انقضی عنه المبدأ. و إن ارید بهما معنی آخر و لو مجازاً کإرادة عدم الروح من القتل و الجراحة أو الإیلام من الضرب فالتلبّس بهما یکون باقیاً حتّی حال انقضاء حدث الضرب و القتل و باعتبار بقاء التلبّس بعدم الروح أو الجراحة و الإیلام لایصحّ سلبهما.

ولکن ذلک یکون خارجاً عن محلّ الکلام إذ محلّ البحث هو إطلاق المشتقّ علی من انقضی عنه المبدأ و فی مثل المذکور لاینقضی عنه المبدأ.

استدلال الأعمّیّ

واستدلّ الأعمّیّ بقوله تعالی:(قالَ لا یَنالُ عَهْدِی الظّالِمِینَ) تبعاً للاستدلال به فی الروایات علی عدم لیاقة من سبق منه الظلم لمنصب الإمامة و إن تاب و صار عادلاً و من المعلوم أنّ ذلک لایکون موجهاً إلّا بأن کان المشتقّ موضوعاً للأعمّ من المتلبّس بالمبدأ و إلّا فان کان المشتق موضوعاً لخصوص المتلبس فلامجال للاستدلال به فی من انقضی عنه المبدأ.

وفیه: أوّلاً: أنّ الاستعمال فی الأعمّ من المتلبس بقیام القرینة لایکون دلیلاً لکون المشتقّ حقیقة فی الأعمّ والقرینة فی المقام هی فخامة أمر الإمامة والخلافة بحیث لاتنالها ید من تلوّث بلوث الظلم والمعصیة و لو آنامّا و تشهد علی هذه الفخامة الامتحانات المقدّماتیّة لإفاضتها مع کون إبراهیم علیه السلام نائلاً لمنصب النبوّة و الخلّة هذا مضافاً إلی الروایات الدالة علی عدم لیاقة من سبق منه الظلم لمنصب الامامة.

ص:110

وثانیاً: أنّ عنوان «الظالمین» مستعمل بلحاظ حال التلبّس ولو آنامّا لابلحاظ حال الانقضاء کقولهم کان زید ضارباً أمس لأنّ إبراهیم علیه السلام أجلّ شأنا من أن یسئل عن اللّه تعالی تلک الإمامة الشامخة بقوله ومن ذرّیّتی بعد قوله عزّوجلّ:(إِنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِماماً) لذرّیّته الذین یکونون فی جمیع عمرهم من الظالمین أو الذین یکونون کذلک فی حال إعطاء الإمامة و بعده فالمناسب له هو أن کان یسئلها للعادلین فی جمیع العمر أو فی حال إعطاء الإمامة وبعده. فأجابه سبحانه و تعالی بنیل الذین لم یظلموا أصلاً لتلک الرتبة دون من صدر منهم الظلم فی برهة من الزمن وعلیه فلفظ الظالمین بالقرینة المذکورة مستعمل فی حال التلبّس لابلحاظ حال الانقضاء و الفرق بین الثانی و الأوّل ان استعمال المشتق فی الأوّل یکون مجازاً فی من انقضی عنه المبدأ بخلاف الثانی فان استعمال المشتق بلحاظ حال التلبس یکون حقیقة و کیف کان فلیس هذا الاستعمال دلیلاً علی کونه موضوعاً للأعمّ کما لایخفی.

فلا وجه للاستدلال بالآیة الکریمة لإثبات أنّ لفظ المشتقّ حقیقة فی الأعمّ مع ماعرفت من تبادر لفظ المشتقّ فی المتلبّس بالمبدأ واحتمال استعماله فی الآیة علی وجه لاینافی ذلک فلاتغفل.

تنبیهات:

التنبیه الأوّل: فی بساطة المشتقّ والمراد منها

الحق أنّ المشتقّ بحکم التبادر موضوع لأمر وحدانیّ و إن کان عند التحلیل العقلیّ مرکّباً من أمرین ذات ونعت وذلک لعدم انطباع شیء فی مرآة الذهن عند إدراک المشتقّ إلّا صورة علمیّة واحدة سواء کان بسیطاً فی الخارج کالأعراض کقولنا البیاض أبیض أو مرکّباً حقیقیّاً کالإنسان ونحوه من الأنواع المرکّبة أو مرکّباً اعتباریّاً کالدار و البیت و غیرهما.

ص:111

وهذه البساطة بساطة إدراکیّة و لحاظیّة و ملاکها وحدة الصورة الإدراکیّة سواء أمکن تحلیلها إلی معان متعدّدة أم لا وعلیه فالتحلیل العقلیّ لاینافی البساطة الإدراکیّة و اللحاظیّة فکما أنّ من نظر إلی النجم لایری فی بدو النظر جسماً و نوراً مرتبطین بل یری معنونا بعنوان النورانیّة کذلک من رأی ضارباً لایری فی بدء النظر ذاتاً و ضرباً مرتبطین بل یری معنونا بعنوان الضاربیّة الذی یعبّر عنه فی الفارسیّة ب - «زننده» وإن جاز تحلیله فی مقام الشرح إلی ذات ثبت له الضرب و هذا أمر لاغبار علیه و هو المناسب للمقام لأنّ البحث هنا عن مفاهیم المشتقّات لغة وعرفا.

ودعوی أنّ البحث لزم أن یکون فی البساطة الحقیقیّة و العقلیّة لا الإدراکیّة لأنّ البساطة الإدراکیّة ممّا لایکاد یشکّ فیها ذو مسکة بخلاف البساطة الحقیقیّة فانّها قابلة للبحث من حیث خروج الذات عن المشتقّات و تمحّضها فی المبدأ و النسبة أو من حیث خروج الذات والنسبة عن المشتقّات و تمحّضها فی المبدأ فقط و کون الفرق بین مدلول لفظ المشتقّ و مدلول لفظ المبدأ فرقاً اعتباریّاً.

مندفعة بأنّ المباحث الفلسفیّة التی یبحث فیها عن حقائق الأشیاء لاتساعد المفاهیم العرفیّة و اللغویّة المبحوثة عنها فی مباحث الألفاظ فما ذکره السیّد الشریف فی مقام تعریف الفصل الحقیقیّ بحسب اصطلاح المنطقیّین من ان المشتق عند المنطقیین خال عن الذات لایرتبط بمقامنا من تعیین معانی المشتقّات لغة و عرفا فی الکتاب و السنّة.

و کیف کان فالدلیل علی البساطة الإدراکیّة هو التبادر المشهود بالوجدان عند إدراک المشتقّات فإنّا لانفهم من مثل الضارب إلّا أمراً وحدانیّاً قابلاً للتحلیل إلی معنون وعنوان صدور الضرب منه لامرکّباً من الشخص و صدور الضرب و لانفس المبدأ والعنوان من دون معنون کما یشهد له صحّة أخذ المشتقّات موضوعاً فی القضایا الحملیّة أو متعلّقاً

ص:112

للحکم فی القضایا الإنشائیّة کقولنا الضاحک إنسان أو صلّ خلف العادل أو صحّة جعل المشتقّات محمولة فی القضایا الحملیّة کقولک زید عالم.

لأنّ ملاک صحّة الحمل فی الحمل الشائع هو الاتّحاد فی الوجود والاختلاف فی المفهوم ولاریب فی وجود هذا الملاک مع کون الموضوع له فی المشتقّ هو المعنون دون نفس العنوان إذ لا اتّحاد بین الضحک و الإنسان والعلم والزید.

لایقال: صحّة حمل الموجود علی الوجود أو المضیء علی الضوء و نحوهما یدلّ علی أنّ مفاد المشتقّ و معناه هو نفس المبدأ فقطّ و الذات و النسبة لیستا داخلتین فی مفهومه أصلاً والفرق بین المبدأ والمشتقّ هو باعتبار المبدأ بشرط لا والمشتقّ لابشرط.

لأنّا نقول: إنّ الإبهام المأخوذ فی مفهوم المشتقّ حیث کان من جمیع الجهات حتّی من حیث کونه عین المبدأ فی الخارج یصحّح حمل الموجود علی الوجود ونحوه حیث لم یعتبر فی العنوان المذکور أن لایکون عین المبدأ خارجاً فالأمر الوحدانیّ المتبادر من المشتقّ کاف لصحّة الحمل هذا مضافاً إلی جواز تخیّل المغایرة بینهما وإن لم یکن بینهما مغایرة حقیقة علی أنّ المغایرة المفهومیّة تکفی فی صحّة الحمل.

وبالجملة أنّ المشتقّ موضوع لمعنی بسیط إدراکاً وتصوّراً ولکنّه قابل للتحلیل إلی الذات والمبدأ عقلاً فالقول بوضعه للمرکّب ممنوع کالقول بأنّه موضوع للبسیط الذی لایکون قابلاً للتحلیل إلی الذات والمبدأ والدلیل علیه هو التبادر وصحّة الإسناد والحمل و أما الاستدلالات العقلیّة للبساطة العقلیّة فهی أجنبیّة عن إثبات معانی المشتقّات لغة وعرفا بل هی مناسبة لتبیین معانی الفصول الحقیقیّة بحسب اصطلاح المنطقیّین مع ما فیه من النقض والإبرام.

ص:113

التنبیه الثانی: فی الفرق بین المبدأ والمشتقّ

و لایخفی علیک الفرق بینهما بعد ما عرفت من أنّ المشتقّ موضوع لأمر وحدانیّ قابل للتحلیل العقلیّ إلی معنون مبهم وعنوان بخلاف المبدأ فإنّه موضوع نفس العنوان ولذا یجوز حمل المشتقّ دون المبدأ بلاإعمال العنایة إذ المعنون المبهم قابل للاتّحاد مع الموضوع بعکس المبدأ فإنّه غیر الموضوع و لااتّحاد بینهما وعلیه فالفرق بین المشتقّ والمبدأ فرق جوهریّ ناش من کیفیّة الوضع و لاحاجة مع وجود الفرق الجوهریّ إلی الفرق الإعتباریّ مع ما فیه من الضعف هذا مضافاً إلی أنّ اعتبار المبدأ بشرط لا والمشتقّ لابشرط بحسب الحمل لایصحّح الحمل فی المشتّق بناء علی عدم وجود الفرق الجوهریّ وعینیّة المشتقّ مع المبدأ لأنّ مثل العلم والحرکة والضرب ونحوها ممّا یمتنع حملها علی الذوات لاتصیر قابلة للحمل باعتبارها لابشرط کما لا یخفی.

وکیف ما کان فمن صحّة حمل المشتقّ یعلم أنّ لمادّة المشتقّات معنی ولهیئتها معنی آخر به صار قابلاً للحمل وهذا هو معنی الترکیب الانحلالیّ.

التنبیه الثالث: فی ملاک الحمل

و لایذهب علیک لزوم اعتبار الاتّحاد فی صحّة حمل شیء علی شیء ولو کان الاتّحاد من وجه إذ بدونه لایصحّ الحمل لوجود المباینة المطلقة بین الموضوع والمحمول.

ثمّ إنّ الاتّحاد علی أنحاء منها أن یکون بحسب المفهوم کقولنا الإنسان إنسان بالضرورة وهو الذی یعبّر عنه بحمل الشیء علی نفسه و لافائدة فیه إلّا دفع توهّم إمکان سلب الشیء عن نفسه.

ومنها: أن یکون بحسب الهو هویّة بالذات والحقیقة وهو ملاک الحمل الأولیّ والمغایرة حینئذٍ تکون بالاعتبار الموافق للواقع لا بالفرض کمغایرة حیوان ناطق مع الإنسان بالإجمال والتفصیل وهو الّذی یعبّر عنه بالحمل الأولیّ الذاتیّ.

ص:114

ومنها: أن یکون الاتّحاد بحسب المصداق والوجود وإن کانا متغایرین بحسب المفهوم والحمل فیه یرجع إلی کون الموضوع من أفراد المحمول ومصادیقه کقولنا الإنسان قائم وهو الذی یعبّر عنه بالحمل الشائع الصناعیّ ولابدّ فیه من وجود واحد ینسب إلی الموضوع والمحمول ولایعقل بدونه حمل أحد المتغایرین فی الوجود علی الآخر وعلیه فلو کان بین الموضوع والمحمول مغایرة فی الوجود کقولنا زید ضارب بناء علی کون المشتقّ عین المبدأ أعنی الضرب فلایصحّ حمله علی زید واعتبار لابشرط فی المتغایرین فی الوجود لایصحّح الحمل لعدم إیجابه تغییرا فی المتغایرین کما أنّ اعتبار المجموع واحداً وملاحظة الحمل بالإضافة إلی المجموع من حیث الهیئة الإجتماعیّة حتّی یکون الحمل بالإضافة إلی المتّحدین فی الوجود بنحو من الاعتبار لایجدی فی رفع المغایرة الحقیقیّة الخارجیّة وحصول الاتّحاد فی الوجود الخارجیّ وعلیه فلو کان المشتقّ عبارة عن نفس المبدأ فاعتباره لابشرط أو اعتبار المبدأ والذات شیئاً واحداً وملاحظة الحمل بالإضافة إلی المجموع لایجدی فی صحّة الحمل لأنّ الإعتبارات لاتوجب الاتّحاد الحقیقیّ فی ظرف الحمل وهو الخارج فاللازم هو ماعرفت فی معنی المشتقّ من أنّه موضوع لأمر وحدانیّ قابل للانحلال وهذا الأمر الوحدانیّ أمر مبهم یقبل الحمل علی الذات وهو أمر ینتزع عن مثل زید بلحاظ قیام الضرب به قیام الفعل بفاعله أو العرض بموضوعه ومنشأ الانتزاع أمر واقعیّ لا اعتباریّ کما لا یخفی.

التنبیه الرابع

أنّ المعیار فی صحّة الحمل الشائع الصناعیّ کحمل المشتقّ علی موضوع لیس إلّا مجرّد تحقّق حیثیّة المبدأ فی الخارج سواء کان قائما بالموضوع بقیام الانضمامیّ کما فی صدق الأسود علی الجسم أو کان قائما بقیام انتزاعیّ کما فی صدق الفوق علی شیء و کان منفردا

ص:115

فی ذات الموضوع بنحو الجزئیّة کما فی تقرّر الإنسانیّة فی ذات الزید المتشخّص بالوجود أو کان متّحداً مع الموضوع فی الوجود کما فی حمل الجنس علی الفصل وبالعکس أو کان عین تمام ذات الموضوع کما فی صدق الأسود علی السواد و الموجود علی الوجود أو کان زائدا علیه أو غیر ذلک من الخصوصیّات المصداقیّة فالمعتبر فی صحّة الحمل هو إفادة المشتقّ مجرّد تحقّق حیثیة المبدأ و علیه فزیادة العنوان علی المعنون لیس من مدلول المشتقّ و إن کان من خصوصیّات المصادیق غالباً.

و ممّا ذکر یظهر أنّ صدق المشتقّ فیما إذا کان عین الذات کصفاته تعالی لیس بمجاز بل هو حقیقة بعد عدم دلالة نفس المشتقّ علی زیادة العنوان علی المعنون فکما أنّ صدق عالم علی زید حقیقة فکذلک یکون صدقه علی اللّه تعالی مع أنّ العلم فیه سبحانه عین ذاته علی مذهب الإمامیّة من دون حاجة إلی النقل أو القول بالمجاز و التغایر المفهومیّ فی صفات المبدأ المتعال مع الذات و إن کانا متّحدین فی الوجود و المصداق کاف فی صحّة الحمل و إفادته.

التنبیه الخامس

إنّ مفهوم صفات اللّه سبحانه و تعالی و تطبیقها علیه ممّا یعرفه العرف لما عرفت من أنّ المناط فی صدق المشتقّات لیس إلّا تعنون الذات بمعنونیّة تحقّق المبدأ فیه من دون دخل للخصوصیّات المصداقیّة وهذا التحقّق لایحتاج إلی التعمّل والتأمّل الخاصّ و إنّما الذی یحتاج إلی التأمّل والتعمّل هو کیفیّة التطبیق من العینیة أو الزیادة لا أصل التطبیق فإنّ تطبیق المفاهیم علی مصادیقه و تبیین معانی الألفاظ و معانیها بید العرف وعلیه فدعوی عدم اطّلاع العرف علی مثل هذا التلبّس کما تری.

ص:116

المقصد الاول: فی الاوامر

اشارة

ص:117

ص:118

الفصل الأوّل: فیما یتعلّق بمادة الأمر

اشارة

والبحث فی جهات:

الجهة الأولی:

أنّ الأمر علی زنة الفَلْس مشترک لفظیّ بین معانیها من الطلب الالزامیّ و الشیء أو الفعل أو الشأن علی اختلاف الاقوال وعلیه فمعنی الأمر جامدی و حدثی و متعدّد و الشاهد علی تعدّد معنی الأمر المذکور مضافاً إلی التبادر هو اختلاف صیغ جمعه بالأوامر والاُمور إذ جمع الأمر بالمعنی الجامدیّ هو الاُمور وجمع الأمر بالمعنی الحدثیّ هو الأوامر وهکذا الاشتراک المعنویّ فی لفظة الأمر ینافیه الاختلاف المذکور لأن الاختلاف فی الجمع حاک عن اختلاف المفردات فی المعانی.

الجهة الثانیة:

أنّ الحقّ هو اعتبار العلوّ فی مفهوم الأمر من دون فرق بین کون العلوّ معنویّاً أو ظاهریّاً و الدلیل علیه هو التبادر و صحّة السلب عن الطلب من المساوی أو السافل و أمّا الاستعلاء فهو غیر معتبر فی حقیقة الأمر و الشاهد له هو صدق الأمر علی طلب العالی مع الغفلة عن علوّه مع أنّ الاستعلاء لو کان دخیلاً لما صدق الأمر بدونه و هکذا

ص:119

لایتوقف صدق الأمر علی نفوذ الکلمة لعدم مدخلیة ذلک فی العلو الواقعی نعم لامعنی للعلو الظاهری بدون نفوذ الکلمة.

الجهة الثالثة:

الإلزام و الإیجاب معتبر فی مادّة الأمر و الدلیل علیه هو التبادر و هو انسباق الإلزام من حاقّة مادّة الأمر کما أنّه متبادر من مرادفها فی لغة الفارسیّة و هو «فرمان» و لذا یصحّ به الاحتجاج و المؤاخذة علی المخالفة مع الأمر.

ثمّ إنّ التعبیر بالظهور الانصرافیّ أو الظهور الإطلاقیّ أو الظهور العقلیّ مکان تبادر المعنی من حاقّ اللفظ غیر صحیح أو مسامحة. لأن الأوّل من جهة کثرة الاستعمال لا من جهة حاقّ اللفظ والثانی من جهة مقدّمات الحکمة لا من جهة حاقّ اللفظ فقطّ و الثالث من جهة اللابدّیّة العقلیّة بمقتضی قضیة العبودیة و الرقیة و هو لزوم الخروج عن عهدة الخطاب ما لم ینصب قرینة علی الترخیص فی ترکه لا من جهة دلالة اللفظ بنفسه و لعلّ منشأ هذه التعبیرات هو الخلط بین مادّة الأمر و بین صیغة الأمر أو جعل معنی مادّة الأمر هو مجرّد الطلب مع ما عرفت من أنّ معناه هو الطلب مع الإلزام لا صرف الطلب و إذا اتّضح ذلک فی مادّة الأمر کانت مادّة النهی أیضاً کذلک بقرینة المقابلة فإنّ المتبادر منها هو الزجر عن الشیء علی سبیل الإلزام والإیجاب.

ویتفرّع علی ذلک أنّ الواجب فی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر هو البعث نحو المعروف و الزجر عن المنکر علی سبیل الإلزام والإیجاب إذ المأمور به فی مثل قوله تعالی «و أمر بالمعروف و انْه عن المنکر» هو الأمر و النهی و هما البعث أو الزجر علی سبیل الإلزام و الإیجاب و علیه فلا یکفی فی الامتثال مجرّد الطلب کالاستدعاء أو الالتماس إذا احتیج إلی الأمر و النهی فلاتغفل.

ص:120

الجهة الرابعة: إنّه یقع البحث فی المقامین:

المقام الأوّل: فی مفهوم الطلب و الإرادة

و لایخفی علیک أنّ المتبادر من لفظة الإرادة هی الصفة النفسانیّة و من لفظة الطلب هو الفعل وهو التصدّی نحو تحصیل شیء فی الخارج و الأوّل من مقولة الکیف النفسانیّ و الصفة النفسانیة من الامور الحقیقیة الّتی لاتقبل الوجود الانشائی و الثانی من مقولة الفعل و هو یقبل الوجوبی الانشائی و دعوی اتّحاد هما کما عن جماعة منهم صاحب الکفایة غیر صحیحة لما عرفت من أنّهما مقولتان لامقولة واحدة ثمّ إنّ الطلب و هو التصدّی إمّا یکون بنفسه بأن یتصدّی بنفسه تحصیل شیء و یصدق علیه الطالب بسبب تصدّیه لتحصیل شیء و اما ان یتصدی لاتیان الغیر شیئاً و هو علی نوعین أحدهما هو ان یأخذ الطالب یدغیره ویسوقه نحو العمل وثانیهما هو ان یقول لغیره «اضرب» أو «آمرک بالضرب» و کلاهما بعث و تحریک نحو العمل و یصدق علیهما عنوان الطلب فالطلب عنوان عامّ یصدق علی الطلب الخارجیّ وعلی الطلب الإنشائیّ فلا وجه لتخصیص الطلب بأحدهما.

ثمّ لایخفی علیک أنّ القول بتغایر الطلب والإرادة لایؤول إلی ما ذهب إلیه الأشاعرة من الاعتقاد بالطلب النفسیّ لأنّ الطلب عندهم من الصفات النفسانیّة بخلاف ماقلناه فإنّ الطلب عنوان الفعل وهو مغایر مع الإرادة التی تکون هی من الصفات النفسانیّة.

المقام الثانی: فی حقیقة الکلام النفسیّ و الطلب النفسیّ بناء علی ما ذهب إلیه الأشاعرة و أدلّتها

ولایخفی علیک أنّهم ذهبوا إلی أنّ الکلام النفسیّ فی الأخبار و الطلب النفسی فی الأوامر أمر وراء الکلام اللفظیّ و هوالمعنی القائم بالنفس الذی یعبّر عنه بالألفاظ ویقال هو الکلام حقیقة و هو فی الله عزّوجلّ قدیم قائم بذاته تعالی وهو غیر العبارات التی

ص:121

نعترف بحدوثها وعدم قیامها بذاته تعالی والکلام النفسیّ لایختلف دون الکلام اللفظیّ فإنّه یختلف عباراته باختلاف الأزمنة و الأمکنة و الأقوام و أیضاً الکلام النفسیّ أمر یغایر مع العلم إذ قد یخبر الرجل عمّا لایعلمه بل یعلم خلافه أو یشکّ فیه کما یغایر الطلب النفسی فی الأوامر مع الإرادة أیضاً إذ قد یأمر الرجل بما لایریده کالمختبر لعبده هل یطیعه أو لا؟

ثمّ إنّ الدالّ علی الکلام النفسیّ لاینحصر بالألفاظ إذ ربّما یدلّ علیه بالإشارة والکتابة و کیف کان فقد استدلّوا علی مختارهم بأمور:

الأوّل: إنّ الدلیل علی أنّ الکلام النفسیّ مغایر مع العلم أنّ الرجل قد یخبر عمّا لایعلمه بل یعلم خلافه أو یشکّ فیه فالخبر هو النسبة الحکمیّة بین الموضوع والمحمول والمراد منها هو حکم النفس وإذعانها بها وهو غیر انکشاف ثبوت شیء لشیء فالإذعان بالوقوع المأخوذ فی الجمل الخبریّة غیر العلم الواقعیّ بوقوع النسبة ضرورة أنّه قد یخبر المتکلّم وهو شاکّ بل قد یخبر وهو عالم بعدم الوقوع فالمراد من الإذعان حینئذٍ هو عقد القلب علی الوقوع جعلاً علی نحو ما یکون القاطع معتقداً وهو الذی یعبّر عنه بالتجزّم.

اجیب عنه بأنّ النسبة التی دلّت الجملة علیها لیست شیئاً آخر وراء العلم إذ النسبة المتصوّرة بین المحمول والموضوع أعنی هذا ذاک فی الخارج تقوّم بالنفس لابنفسها بل بصورتها فهی کالمعلومات الاُخر من العلم الحصولی حیث أنّ قیامها قیام علمیّ لا کقیام العلم مثل العلم بالنفس حتی لایحتاج إلی الصورة.

والذی یجب علی الأشعریّ هو إثبات قیام شیء بالنفس بنفسه علی حدّ قیام العلم الحضوری والإرادة لا علی حدّ قیام المعلوم بالعلم الحصولی، فإنّ هذا القیام لایوجب صفة اخری بالنفس حتّی ینفع فی إثبات الکلام القائم بذاته تعالی وراء علمه وسائر صفاته العلیا.

فالخبر هو الکلام اللفظیّ ومدلوله هو النسبة أعنی «هذا ذاک» وهی کما عرفت هو

ص:122

العلم الانفعالیّ و ثبوت شیء لشیء والنسبة المذکورة غیر شؤونها من الإقرار و الإذعان فإنّ شؤونها من باب علم فعلیّ قائم بالنفس قیاماً صدوریّاً والنسبة من باب ثبوت شیء لشیء والانکشاف والعلم الانفعالیّ و مدلول الکلام هو النسبة التی تکون متعلّقة للإقرار والإذعان والجزم والتجزّم لا نفس الإقرار والإذعان و الجزم و التجزّم إذ مدلولیّة الوجود الحقیقیّ کالاقرار و الاذعان من دون وساطة وجه وعنوان أمر غیر معقول لان المدلولیة لیست إلّا بحصوله فی المدارک الادراکیة و الوجود لایقبل وجوداً آخر سواء کان العارض من سنخ المعروض أم لا ودعوی إمکان التخلّص عنه بدلالة الکلام اللفظیّ علی نفس مفهوم الاقرار و الاذعان لابما أنّه موجود خروج عن فرض الأشعریّ فإنّه قائل بدلالة الکلام اللفظیّ علی نفس الحکم والإقرار والإذعان بوجودها التکوینیّ من دون وساطة مفهوم و هو أمر غیر معقول.

الثانی: إنّه ممّا یدلّ علی أنّ الطلب النفسیّ أمر وراء الإرادة هی نفس الأوامر الامتحانیّة لأنّها لاتوجد بدون السبب والمفروض عدم الإرادة فیها فلابدّ من وجود صفة اخری لتکون هی الباعثة إلیها و هذه الصفة تسمّی بالطلب النفسیّ فإذا ثبت ذلک فی الأوامر الإمتحانیّة ثبت فی غیرها بعدم القول بالفصل.

و اجیب عنه بأنّ السبب فی الأوامر مطلقاً هو الإرادة غایة الأمر أنّ المنشأ للأوامر الجدّیّة إرادة نفس المأمور به و فی الأوامر الامتحانیّة إرادة إتیان مقدّماته بقصد التوصّل بها إلی المأمور به.

وعلیه فلا حاجة إلی الطلب النفسیّ فی تحقّق الأوامر الامتحانیّة ونحوها.

هذا مضافاً إلی أنّ تحقّق صفة الإرادة أو التمنّی أو الترجّی فی النفس قد یکون لتحقّق مبادئها فی متعلّقاتها کمن اعتقد المنفعة فی ضرب زید فتحقعت فی نفسه ارادته أو اعتقد المنفعة فی الشیء مع الاعتقاد بعدم وقوعه فتحققت فی نفسه حالة تسمّی

ص:123

بالتنمیّ أو اعتقد النفع فی شیء مع احتمال وقوعه فتحققت فی نفسه حالة تسمیّ بالترجی وقد یکون تحقّق تلک الصفات فی النفس لا من جهة متعلّقاتها بل توجد النفس تلک الصفات من جهة مصلحة فی نفسها کإتمام الصلاة من المسافر فإنّه یتوقّف علی قصد الإقامة عشرة أیّام فی بلد من دون مدخلیّة لبقائه فی ذلک البلد بذلک المقدار وجوداً و عدماً ومع ذلک یتمشّی قصد البقاء من المکلّف مع علمه بأنّ ما هو المقصود لیس منشأ للأثر المهمّ.

فإذا صحّ تحقّق الإرادة لمنفعة فیها لا فی المراد فی الإرادة التکوینیّة صحّ ذلک فی الإرادة التشریعیّة لانها لیست بازید مؤمونه من الارادة التکوینیة ودعوی امتناع تعلّق الإرادة بالبقاء من غیر مصلحة فی البقاء مندفعة بکفایة ترتّب المصلحة علی القصد المضاف إلی الإقامة ولاحاجة إلی وجود المصلحة فی نفس البقاء و علیه فلاامتناع فی تعلّق الارادة بفعل الغیر مع کون المصلحة فی نفس الارادة کما فی الأوامر الامتحانیة.

الثالث: إنّهم استدلّوا علی مغایرة الطلب النفسیّ مع الإرادة بأوامر الکفّار بالإسلام والإیمان والعصاة بالطاعة والامتثال فإنّ هذه الأوامر خالیة عن الإرادة الجدّیّة وإلّا لزم تخلّف المراد عن الإرادة و هو محال ولکن مع ذلک توجد صفة نفسانیّة اخری غیر الإرادة فی هذه الأوامر وهذه الصفة تسمّی بالطلب النفسیّ.

واُجیب عنه: بأنّ المحال هو تخلّف المراد عن الإرادة التکوینیّة لا الإرادة التشریعیّة و الإرادة فی الأوامر المذکورة هی الإرادة التشریعیّة و هی تعلّقت بإتیان الفعل مع وساطة اختیارهم وهذه الإرادة جدّیّة من قبل المولی ولیس مقتضاها هو صدور الفعل عنهم قهراً و إلّا لزم الخلف کما لایخفی.

و قد انقدح ممّا ذکر عدم تمامیّة استدلالاتهم علی وجود الکلام النفسیّ فی الأخبار و وجود الطلب النفسیّ فی الأوامر.

ص:124

تبصرة: ولایخفی أنّ البحث عن الجبر و الاختیار بحث کلامیّ لایناسبه المقام ومع ذلک خرج أصحابنا الاُصولیّون عن المباحث الاُصولیّة و بحثوا عنه.

ومجمل الکلام فیه أنّ الوجدان أدلّ دلیل علی اختیاریّة الأفعال إذ معیار الاختیاریّة هو التمکّن من طرفی الفعل و الترک و هو موجود فی أنفسنا بالوجدان.

وهذا التمکّن من مواهب اللّه سبحانه تعالی وهو الذی یخرجنا عن المجبوریّة وعن التفویض والاستقلال کما اشیر إلیه فی الأخبار بأنّه لاجبر و لاتفویض بل أمر بین الأمرین.

وأمّا تعریف الاختیاریّ بالمسبوقیّة بالإرادة ففیه أنّه منقوض بما یصدر من العشّاق الذین لم یتمکّنوا من الخلاف فإنّهم لایعدّون لعدم تمکنّهم من الخلاف مختارین مع أنّ ما یصدر عنهم مسبوق بالإرادة فالصحیح أن یعرّف الاختیاریّ بما یصدر عن شخص مع التمکّن من الخلاف وهو صادق علی أفعاله سبحانه و تعالی مع کونها مستندة إلی صفاته وأسمائه الذاتیّة الواجبة لوجود ملاک الصدق وهو التمکّن والقدرة علی الخلاف.

فوجوب القدرة بالذات فیه تعالی أو وجوب التمکّن بالغیر فینا لاینافی الاختیار.

ثمّ إنّ السعادة والشقاوة لیستا ذاتیّتین بل هما مکسوبتان باختیار العبد وإرادته فما یتراءی فی الأخبار من خلاف ذلک مأوّل أو مطروح لمنافاته مع اصول المذهب کما لایخفی.

ص:125

ص:126

الفصل الثانی: فیما یتعلّق بصیغة الأمر

اشارة

وفیه مباحثا

المبحث الأوّل: فی تحقیق معنی صیغة الأمر

و أعلم أنّ التحقیق أنّ مفاد هیأة الأمر إیجادیّ لاحکائیّ فهی موضوعة لإنشاء البعث والإغراء نحو المأمور به والبعث والإغراء هو تحریک المطلوب منه نحو العمل المقصود وهو یوجد تارة بالتحریک الفعلیّ الخارجیّ کأن یأخذ الطالب ید المطلوب منه ویسوقه نحو المطلوب ویوجد اخری بالتحریک الإنشائیّ کقولک «افعل کذا» أو «آمرک بکذا».

والدلیل علی أنّ مفادها هو ذلک تبادر الفرق بین «اضرب الانشائی وتضرب الخبری» إذ الأوّل لإیجاد البعث والثانی للحکایة ولذلک یتّصف الثانی بالصدق والکذب دون الأوّل لأنّهما من أوصاف الحکایة لا الإنشاء والإیجاد.

ثمّ لایخفی علیک أنّه لیس المراد من الإیجاد إیجاد شیء فی عالم التکوین حتّی یقال إنّا لانتصوّر له معنی بل المراد هو إیجاد بعث اعتباریّ فی دائرة المولویّة والعبودیّة وهو بمکان من الإمکان فإنّه یقوم مکان البعث الخارجیّ بالجوارح من الید أو الرجل وله نظائر فی مثل حروف النداء والتحضیض والتوبیخ وإنشاء العقود والمناصب ونحوها فإنّها موجدات بنحو من الإیجاد لا حکائیّات و لذلک لایتفحّص العقلاء فی مثل هذه

ص:127

الاُمور عن الصدق والکذب بل یتفحّصون عن الإرادة الجدّیّة ثمّ إنّ دلالة الإنشائات علی الإرادة الجدّیّة تکون بدلالة الاقتضاء من باب أنّ هذه الأفعال لاتصدر عن الحکیم من دون إرادة جدّیّة لا بالدلالة اللفظیّة حتّی تکون بالنسبة إلیها حاکیة ولذا یقال إنّ الأصل فی الأفعال الصادرة عن الحکیم هو حملها علی الجدّ حتّی یظهر خلافه فالإرادة خارجة عن مدلول الصیغة ومفادها وإنّما تستفاد من بناء العقلاء علی حمل أفعال الحکیم علی الجدّ.

وینقدح ممّا ذکر أنّ إرادة البعث کسائر الدواعی من التهدید والإنذار والاستهزاء تکون خارجة عن مدلول الصیغة ومفادها لأنّها موضوعة لإیجاد البعث والإغراء نحو المأمور به والإرادة الجدّیّة مستفادة من الأصل العقلائیّ مادام لم تقم قرینة علی الخلاف ومع قیام القرینة فلا إرادة جدّیّة ولکنّ الصیغة استعملت فی معناها من دون لزوم مجاز فی الکلمة أو اشتراک لفظیّ فیها لأنّ صیغة افعل تستعمل فی جمیع التقادیر فی إنشاء البعث الذی وضعت له وإنّما اختلف الداعی لأنّه تارة هو الإرادة الجدّیّة للبعث والتحریک نحو المطلوب الواقعیّ واُخری التهدید والإنذار وغیرهما بقیام القرینة، نعم لو قلنا بأنّ الصیغة موضوعة للحکایة عن الإرادة النفسیّة الجدّیّة لکان المعنی مختلفاً بحسب اختلاف الموارد ولزم المجاز فیما إذا لم تکن حاکیة عن الإرادة النفسیّة الجدّیّة ولکن هذا المبنی ضعیف ربّما یقال نعم لا مجاز فی الکلمة لعدم استعمال الصیغة فی غیر الموضوع له ولکن یلزم خلاف الوضع إذ الواضع جعل الصیغة موضوعة لإنشاء الطلب بداعی البعث والتحریک جدّاً لابداع آخر.

وفیه أنّ الدواعی والأغراض لاتوجب تقییداً فی الوضع کما لاتوجب ذلک فی المعاملات وعلیه فدعوی اختصاص الوضع بالداعی الحقیقیّ کما تری.

وبالجملة فکما أنّ تخصیص العمومات لایوجب المجاز فیها مع أنّ الخاصّ قرینة

ص:128

لرفع الید عن أصالة الإرادة الجدّیّة فی العموم لعدم التصرّف فی الإرادة الاستعمالیّة فکذلک فی المقام فإنّ التصرّف فی الإرادة الجدّیّة لا فی الإرادة الاستعمالیّة.

وممّا ذکر یظهر أنّه لا وجه لدعوی انسلاخ الصیغ الإنشائیّة کالترجّی والتمنّی عن معانیها إذا استعملت فی کلامه سبحانه وتعالی بدعوی استحالة مثل هذه المعانی فی حقّه عزّوجلّ وذلک لأنّ المتسحیل هو الحقیقیّ من الترجّی والتمنّی ونحوهما للزوم الجهل والعجز لا الإنشائیّ الاعتباریّ منها الذی یوجد بالصیغ المذکورة بدواع معقولة والمفروض أنّ الصیغ لاتدلّ إلّا علی الإنشائیّ منها وعلیه فمثل قوله تعالی (وَ ما تِلْکَ بِیَمِینِکَ یا مُوسی) لیس مستعملاً فی الاستفهام الحقیقیّ حتّی ینافی علمه تعالی بل هو استفهام إنشائیّ استعمل بداعی إظهار المحبّة.

المبحث الثانی: فی کیفیة استفادة الوجوب من صیغة الأمر

وقد عرفت أنّ مقتضی التبادر هو وضع صیغة افعل لإیجاد البعث وإنشائه.

ثمّ لایخفی علیک أنّ البعث من ناحیة المولی مع أنّ الاصل فی الأفعال هو حملها علی الجدّ یکون تمام الموضوع لحکم العقلاء بکون البعث المذکور حجّة علی لزوم الإتیان ما لم تقم قرینة علی الترخیص وجواز الترک.

کما أنّ البعث الخارجیّ بالید و نحوها من ناحیة المولی یکون موضوعاً لحکمهم بذلک.

ولذلک لایتوجّه العقلاء إلی الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب مع الاعتراف بعدم قیام القرینة علی الخلاف.

وعلیه فالوجوب أمر ینتزع من البعث المذکور وحکم العقلاء بکونه حجّة علی لزوم الإتیان به ما لم تقم قرینة علی الترخیص فی ترکه.

کما أنّ الاستحباب أمر ینتزع من البعث المذکور مع قیام قرینة علی الترخیص فی ترکه فالوجوب والندب أمران انتزاعیّیان لا مدلولان لصیغ الأمر.

ص:129

وعلیه فدعوی تبادر الوجوب من حاقّ صیغة افعل کما تری لما عرفت من أنّها جزء الموضوع لانتزاع الوجوب و جزء الآخر هو حکم العقلاء بکونه حجّة علی لزوم الإتیان کما أنّ القول بأنّ الوجوب مستفاد من مقدّمات الحکمة غیر سدید إذ لیس المراد من الوجوب هو الإرادة حتّی یقال إنّها ذات مراتب فیمکن جریان المقدّمات لتعیین شدیدها لما عرفت من أنّ مفاد الصیغة هو الأمر الإنشائیّ وهو لیس ذا مراتب بل أمر بسیط لایختلف فی الوجوب والندب هذا مضافاً إلی ان المفاهیم المشککة نحو مفهوم الاسود لایحمل علی شدید مرتبتها و الّا لزم حمل کل مطلق علی اکمل افرادها و هو واضح البطلان کما لا وجه لدعوی انصراف الصیغة إلی الوجوب لما عرفت من أنّ مدلولها لیس إلّا إنشاء البعث. و لا إطلاق فی مفاد الإنشائیّات لأنّها کالمعانی الحرفیّة من الاُمور المشخّصة الجزئیّة فلامجال لدعوی الانصراف لأنّه متفرّعة علی کون مفادها مطلقاً.

ثمّ ینقدح ممّا ذکر أنّه لا حاجة فی انتزاع الوجوب بعد بناء العقلاء علی أنّ بعث المولی لایترک بغیر جواب إلی اقتران البعث بالمقارنات الشدیدة کضرب الرجل علی الأرض وتحریک الرأس والید ولذا لو لم یقترن بهذه الاُمور انتزع الوجوب منه کما لایخفی.

ثمّ إنّ البعث لایختلف فی الوجوب والندب لأنّه تحریک إنشائی نحو العمل وإنّما الاختلاف فی جواز الترک الکاشف عن عدم الإرادة الحتمیّة فالمستعمل فیه فی الوجوب والندب واحد وهو إنشاء البعث وإنّما الاختلاف فی الدواعی إذ الداعی فی الوجوب هو الإرادة الحتمیّة للإتیان بخلاف الداعی فی الندب.

والشاهد له هو إمکان جمع الواجبات والمندوبات فی عبارة واحدة کقولهم اغسل للجمعة والجنابة من دون لزوم استعمال اللفظ الواحد فی الأکثر من معناه أو تأویل الصیغة إلی معنی یصحّ أن یکون جامعاً وذلک لأنّ معنی الصیغة وهو إنشاء البعث واحد

ص:130

فی الوجوب والندب والاختلاف فی الدواعی لا فی مفاد الهیأة فمع قیام القرینة علی الترخیص فی ترک غسل الجمعة یرفع الید عن ظهور الصیغة فی الوجوب بالنسبة إلیه دون غسل الجنابة.

المبحث الثالث: فی الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام الطلب و البعث

و لایخفی أنّ جماعة ذهبوا إلی أنّ الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام الطلب مستعملة فی معناها من الإخبار وإنّما التفاوت بینها وبین الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام الإخبار بالدواعی إذ الداعی فی الخبریّة هو الإخبار والإعلام بثبوت الشیء لشیء بخلاف المستعملة فی مقام الطلب فإنّ الداعی فیها هو البعث الحقیقیّ.

واستشکل فیه بأنّ لازم استعمال الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام الطلب فی معناها من ثبوت الشیء لشیء هو الکذب کثیراً لکثرة عدم وقوع المطلوب کثیراً ما فی الخارج.

واُجیب عنه بأنّه إنّما یلزم ذلک إذا أتی بها بداعی الإخبار لابداعی البعث فإذا جیئ بالنسب الخبریّة توطئة لإفادة أمر آخر لایکون المقصود الأصلیّ هو الإخبار فلایرد علی ذلک باستلزام الکذب لو ارید من قوله علیه السلام «یعید» ونحوه الجمل المستعملة فی معناها لأنّ النسبة فی قولهم یعید جیئ بها توطئة لإفادة إرادة البعث، والصدق والکذب یلاحظان بالنسبة إلی النسبة الحکمیّة المقصودة بالأصالة دون النسب التی جیئ بها توطئة لإفادة أمر آخر ولذا لایسند الکذب إلی القائل بأنّ زیداً کثیر الرماد توطئة لإفادة جوده وإن لم یکن له رماد أو کان و لم یکن کثیراً وإنّما یسند إلیه الکذب لو لم یکن زید جواداً.

والإنصاف أنّ هذا القول لایخلو عن تکلّف والأولی أن یقال إنّ الظّاهر من الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام الطلب عرفاً فی مثل قولنا بعت وانکحت ویعید هو الإنشاء لا الإخبار بداعی الإنشاء والبعث فهذه الجمل من الموجدات لا الحاکیات وحملها علی الإخبارات بعید عن أذهان العرف وإن کان ممکناً کما عرفت.

ص:131

ثمّ إنّ کیفیّة استفادة الوجوب منها کاستفادة الوجوب من صیغ الأمر وعلیه فنفس البعث بالجملة الخبریّة کالبعث بالصیغة موضوع لحکم العقلاء بکونه حجّة علی لزوم الإتیان فینتزع منه الوجوب فلاتکون الجمل الخبریّة مستعملة فی الوجوب کما لایکون الوجوب مستفاداً منها بمقدّمات الحکمة أو بالانصراف کما مرّ تفصیل ذلک فی صیغ الأمر.

المبحث الرابع: فی التعبدی و التوصلی

اشارة

والبحث فیه یقع فی مقامات:

المقام الأوّل: فی تعریف التعبّدیّ و التوصّلیّ

واعلم أنّه یمکن تعریفهما بأنّ التعبّدیّ ما لا یسقط أمره ولایحصل الامتثال به فی حاقّ الواقع إلّا بإتیانه بقصد القربة والتوصّلیّ ما یسقط أمره بنفس الإتیان کیفما اتفق من دون حاجة إلی حصول قصد القربة.

ویمکن أیضاً تعریفهما بأنّ التوصّلیّ هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرّد حصول الواجب ویسقط بمجرّد وجوده والتعبّدیّ هو ما لا یکاد یحصل الغرض بذلک بل لابدّ فی حصوله وسقوطه من الإتیان به متقرباً به منه تعالی.

المقام الثانی: فی إمکان أخذ القربة فی متعلّق التکلیف و عدمه
اشارة

ذهب القدماء إلی الأوّل والمتأخّرون إلی الثانی والحقّ مع القدماء لعدم تمامیّة أدلّة المانعین المتأخّرین.

وجوه الامتناع فی مقام الأمر

منها: أنّ الأمر یتوقّف علی تحقّق موضوعه بتمام أجزائه و شروطه توقّف العرض

ص:132

علی معروضه فلوکان قصد هذا الأمر مأخوذاً فی الموضوع لزم الدور لعدم تحقّق الموضوع بتمام أجزائه و شروطه التی منها قصد الأمر إلّا بعد ثبوت الأمر فالأمر یتوقّف علی الموضوع والموضوع علی الأمر و هو دور.

اجیب عنه: بأنّ المراد من التوقّف إن کان توقّفه علیه فی الخارج فهو باطل ضرورة أنّ الأمر لایتعلّق بالموضوع إلّا قبل وجوده الخارجیّ وأمّا بعد وجوده الخارجیّ فیستحیل تعلّق الطلب به لأنّه تحصیل الحاصل وإن کان المراد توقّفه تصوّراً فهو مسلّم ولکن لایلزم منه الدور لأنّ الموضوع بوجوده الذهنیّ متقدّم علی الأمر ولاینافی ذلک کونه بوجوده الخارجیّ متأخّراً عن الأمر ومتوقّفاً علیه وبالجملة المتوقّف علی الأمر و هو الموضوع بوجوده الخارجی غیر ما یتوقّف الأمر علیه و هو الموضوع بوجوده الذهنی وعلیه فتوهّم الدور ناشئ من خلط الذهن بالخارج.

ومنها: أنّه یستحیل أخذ الأمر وکلّ ما ینشأ من قبله أو یضاف إلیه فی موضوع المأمور به، وجه الاستحالة هو تأخّر الحکم من الموضوع رتبة مع أنّ اللازم فی القید والمقیّد هو أن یکونا فی مرتبة واحدة بحیث یتمکّن الأمر من النظر إلیهما معاً بلحاظ واحد وطلب أحدهما مقیّداً بالآخر والحکم لتأخّره الرتبیّ لایتصوّره الذهن إلّا بعد تصوّر موضوعه.

اجیب عنه: بأنّ تأخّر الحکم رتبة عن الموضوع لایمنع عن إمکان لحاظهما معاً ألاتری أنّ السبب والمسبّب یمکن ملاحظتهما معاً ولایمنع عن ذلک التقدّم والتأخّر الوجودیّ بینهما وعلیه فیمکن تصوّر الحکم بشخصه قبل وجوده وتصوّر الموضوع کالصلاة ثمّ یتقیّد الموضوع کالصلاة بتصوّر الحکم إذ تصوّرهما فی مرتبة واحدة ولاتقدّم وتأخّر فی تصوّرهما وإن کانا بحسب الوجود متقدّماً ومتأخّراً.

ص:133

ومنها: أنّ تعلّق التکلیف بذلک المقیّد یوجب الجمع بین اللحاظ الآلیّ والاستقلالیّ لأنّ الموضوع بقیوده لابدّ وأن یکون ملحوظاً استقلالاً والأمر بما أنّه طرف لإضافة القید المأخوذ فی الموضوع لابدّ من لحاظه أیضاً استقلالاً مع أنّ الأمر بما أنّه آلة البعث إلی المطلوب لایمکن لحاظه إلّا آلة إلیه.

اجیب عنه: بأنّ اللحاظین المتنافیین لم یجتمعا فی وقت واحد إذ اللحاظ الاستقلالیّ مقدّم علی اللحاظ الآلیّ منها لأنّ الموضوع بتمام قیوده مقدّم تصوّراً علی تعلّق الأمر والبعث.

ومنها: أنّ فعلیّة الحکم متوقّفة علی فعلیّة موضوعه فإذا کان الحکم نفس موضوعه أو جزءاً منه لزم توقّف فعلیّة الشیء علی فعلیّة نفسه.

اجیب عنه: بأنّ فعلیّة الحکم متوقّفة علی فعلیّة فرض وجود موضوعه وتقدیره فی الذهن وهو لایتوقّف علی فعلیّة الحکم خارجاً کما یقول المولی لعبده کُل هذا لمحبّتی أو لامری فالطلب فعلی فی فرض فعلیة المحبة او الأمر و لایتوقف الطلب و الحکم علی فعلیتهما فی الخارج کما لایخفی.

ومنها: أنّ الإنشاء حیث کان بداعی جعل الداعی فجعل الأمر داعیاً إلی جعل الأمر داعیاً یوجب علّیّة الشیء لعلّیّة نفسه وهو محال للزوم تقدّم الشیء علی نفسه.

واُجیب عنه: بعد مقدّمتین:

الاُولی: أنّ الموضوع فی المقام لیس إلّا الصلاة المتصوّرة مع قصد أمرها والأمر إنشاء علی ذلک المقیّد فالبعث إلی طبیعة الصلاة أمر بایجادها و تحصیلها.

والثانیة: أنّ الأمر لیس إلّا المحرّک والباعث الإیقاعیّ لا المحرّک الحقیقیّ والباعث التکوینیّ ولهذا لیس شأنه إلّا تعیین موضوع الطاعة من غیر أن یکون له تأثیر فی بعث

ص:134

المکلّف تکویناً وإلّا لوجب اتّفاق الأفراد فی الإطاعة بل المحرّک حقیقة لیس إلّا بعض المبادئ الموجودة فی نفس المکلّف کادراک استحقاق المولی للاطاعة فنسبة التحریک إلی الأمر یکون بضرب من العنایة و التشبیه.

بأنّه إن أراد القائل من کون الأمر محرّکاً إلی محرّکیّة نفسه أنّ الأمر الإنشائیّ المتعلّق بالعنوان المقیّد موجب لذلک المحال ففیه أنّ الإنشاء لایحتاج إلی مؤونة زائدة من تصوّر الطرفین.

وإن أراد أنّ الأمر المحرّک للمکلّف تکویناً محرّک حقیقة إلی محرّکیّة نفسه فهو خلاف ما عرفت من أنّ نسبة التحریک إلیه بضرب من التشبیه و العنایة والمحرّک الأصلیّ هو بعض المبادئ الموجودة فی النفس کإدراک استحقاق المولی للإطاعة أو الخوف من ناره وغضبه ومعرفة أنّ الإطاعة لاتحقّق لها إلّا بإتیان الصلاة المقیّدة فلامحالة یقوم بامتثاله علی نحو ما أمر.

وجه الامتناع فی مقام الامتثال

ومنها: أنّ متعلّق التکلیف هو المقیّد وهو الصلاة بداعی الأمر إلیها ولیست الصلاة بنفسها متعلّقة للأمر حتّی یمکن الإتیان بها بداعی أمرها وحیث إنّ ذات المقیّد لاتکون مأموراً بها لأنّ الجزء التحلیلیّ لایتّصف بالوجوب أصلاً إذ المأمور به لیس إلّا وجوداً واحداً وهو المقیّد وهو یکون واجباً بالوجوب النفسیّ فلامجال لدعوی أنّ نفس الصلاة تکون مأموراً بها بالأمر بالصلاة مقیّدة بداعی الأمر بها.

واُجیب عنه بوجوه:

أحسنها أن نقول: أنّا لانحتاج فی الامتثال و إیجاد الصلاة بداعی الأمر إلی تعلّق الأمر بذات الصلاة بل نفس الأمر بالمقیّد أو المرکّب یدعو إلیها أیضاً ویکفی أیضاً فی مقرّبیّتها

ص:135

وعبادیّتها إتیانها بداعی هذا الأمر وذلک لأنّه یکفی فی عبادیّة الأجزاء التحلیلیّة والخارجیّة والمقدّمات الوجودیّة والعلمیّة إتیانها بداعی الأمر المتعلّق بالکلّ وبذی المقدمة فإنّ الأمر کما یکون داعیاً إلی نفس متعلّقة فکذلک یکون داعیاً إلی کلّ ماله دخل فی تحقّقه من غیر احتیاج فی مدعویّتها للأمر إلی تعلّق أمر بها علیحدة.

فانقدح من جمیع ما ذکر أنّ أخذ قصد القربة فی متعلّق التکلیف شرعاً ممکن ولایلزم منه المحذورات المذکورة لا فی ناحیة التکلیف و لافی ناحیة الامتثال.

ثمّ لایخفی علیک أنّه ذهب المانعون إلی تصحیح اعتبار أخذ قصد القربة فی متعلّق التکلیف بوجوه اخری بعد فرض امتناع أخذه فی المتعلّق بأمر واحد:

تصحیح أخذ قصد القربة بتعدد الأمر

أحدها: أنّه یمکن أخذ قصد القربة بتعدّد الأمر أحدهما بذات المتعلّق وثانیهما بالإتیان به بداعی أمره المتعلّق به.

و لامانع منه إذ لاحیلة للمولی فی بیان کون مطلوبه عبادیّاً إلّا بذلک بعد فرض امتناع أخذ قصد القربة فی المتعلّق بالأمر الواحد ویدلّ علی وقوع ذلک وجود العبادات التی قامت الضرورة والإجماع علی اشتراطها بقصد القربة ولامجال للتمسّک باصل الاشتغال عند الشکّ فی عبادیّة أمر لاختصاص جریانه بما إذا لم یتمکّن المولی من البیان والمفروض أنّه متمکّن بتعدّد الأمر فإذا لم یبیّن وشکّ فی عبادیّة أمر تجری أصالة البراءة و لاوقع لبعض الإشکالات فی هذا المقام.

تصحیح القربة بأخذ دواعی التقرب

ثانیها: أنّه یمکن أخذ دواعی التقرّب فی المتعلّق بمعنی اشتراط الإتیان بفعل بداعی حسنه أو بداعی کونه ذا مصلحة أو بداعی محبوبیّته للّه تعالی.

ص:136

أورد علیه بأنّ اعتبارها فی متعلّق الأمر وإن کان بمکان من الإمکان إلّا أنّه غیر معتبر فیه قطعاً لکفایة الاقتصار علی قصد الامتثال فإنّه یکشف عن تعلّق الأمر بنفس الفعل وإلّا یلزم اجتماع داعیین علی فعل واحد أو کون داعی الأمر من قبیل الداعی علی وهو خلف لفرض کفایة إتیانه بداعی الأمر بنفسه.

واُجیب عنه: بأنّ کفایة قصد الامتثال لاینافی أخذ سائر الدواعی فی المتعلّق تصحیحاً لقصد القربة فإنّ اعتبار سائر الدواعی یکون فیما إذا لم یأت بقصد الأمر وإلّا فمع إمکان قصد الأمر والإتیان به فلا حاجة فی التقرّب إلی الإتیان بسائر الدواعی حتّی یلزم الاجتماع المذکور أو الداعی علی الداعی.

نعم یرد علی أخذ الدواعی الثلاثة فی متعلّق الأوامر ما اورد علی أخذ قصد الأمر فی المتعلّق ولکن یمکن الجواب عنه بالجواب کما فی تهذیب الاُصول.

ثالثها: أنّ العبادة عبارة عن إظهار عظمة المولی والشکر علی نعمائه بما یستحقّ ویلیق به وإظهار العظمة والشکر المذکور بما یستحقّ ویلیق به مقرّب بالذات وعبادة من دون توقّف علی وجود الأمر أو قصد الأمر نعم لمّا کان المکلّف لا طریق له إلی استکشاف أنّ المناسب بمقام هذا المولی تبارک و تعالی ما هو إلّا بإعلامه تعالی لابدّ أن یعلمه أوّلاً ما یتحقّق به تعظیمه ثمّ یأمر به وعلیه فالعبادة بهذا المعنی لیست ممّا یتوقّف تحقّقه علی قصد الأمر حتّی یلزم محذور الدور.

اورد علیه بأنّ قصد التعظیم التعبّدیّ بالمعنی المذکور یؤول إلی قصد ما أمر به تعبّداً ومعه لایصحّ دعوی خلوّ العبادة عن قصد الأمر.

هذا مضافاً إلی ما فیه من عدم صحّة تفسیر العبادة بمطلق إظهار العظمة والشکر فإنّ العبادة هی التألّه وهو التعظیم فی مقابل الغیر بعنوان أنّه ربّ وخالق سواء کان التعظیم

ص:137

بما یکون تعظیماً ذاتاً کالسجدة أو بما لانطّلع بکونه تعظیماً إلّا بالنصّ الشرعیّ کالصوم ونحوه من العبادات الشرعیّة.

رابعها: أنّ الفعل المقیّد بعدم الدواعی النفسانیّة وثبوت الداعی الالهیّ الذی یکون مورداً للمصلحة الواقعیّة وإن لم یکن قابلاً لتعلّق الأمر به بملاحظة الجزء الأخیر للزوم الدور أمّا من دون ضمّ القید الأخیر فلا مانع منه ویکون ملازماً مع القربة وعلیه فیقع الطلب به من دون ضمّ القید الأخیر.

لایقال: إنّ هذا الفعل من دون ملاحظة تمام قیوده التی منها القید الأخیر لایکاد یتصف بالمطلوبیّة فکیف یمکن تعلّق الطلب بالفعل من دون ملاحظة تمام القیود التی یکون بها قوام المصلحة.

لأنّا نقول: الفعل المقیّد بعدم الدواعی النفسانیّة وإن لم یکن تمام المطلوب النفسیّ مفهوماً لکن لمّا لم یوجد فی الخارج إلّا بداعی الأمر لعدم إمکان خلوّ الفاعل المختار عن کلّ داع یصحّ تعلّق الطلب به لأنّه یتّحد فی الخارج مع ما هو مطلوب حقیقة فهذا الوجه یرجع إلی إمکان اعتبار قصد القربة بالعنوان اللازم و هو عنوان عدم الدواعی النفسانیة کما لایخفی.

المقام الثالث: فی الأخذ بالإطلاق عند الشکّ فی اعتبار قصد القربة فی واجب و عدمه

ولایخفی أنّه لا إشکال فی جواز الأخذ بالإطلاق اللفظیّ سواء قلنا بإمکان أخذ قصد القربة فی المتعلّق أو لم نقل.

أمّا إذا قلنا بالإمکان فواضح وأمّا إذا لم نقل فإنّ التقیید المتّصل غیر ممکن وأمّا المنفصل أو العنوان الملازم فهو ممکن فیجوز الحکم بإطلاق متعلّق التکلیف وعدم تقییده بقصد القربة بمقدّمات الحکمة.

ص:138

المقام الرابع: فی الأصل العملیّ عند فرض عدم جریان مقدّمات الإطلاق

ولایخفی علیک أنّ المراد من الأصل العملیّ إمّا هو البراءة العقلیّة أو البراءة الشرعیّة.

أمّا الاُولی فقد یمنع جریانها بدعوی أنّه لابدّ عند الشکّ وعدم إحراز کون الأمر فی مقام بیان تمام ما له دخل فی حصول غرضه من الرجوع إلی ما یقتضیه الأصل ویستقلّ به العقل وهو لیس إلّا أصالة الاشتغال لأنّ الشکّ هیهنا فی الخروج عن عهدة التکلیف المعلوم مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها.

وفیه أنّ مع إمکان أخذ قصد الامتثال أو دواعی القربة فی المتعلّق متّصلاً أو منفصلاً فلافرق بین قصد الامتثال أو دواعی القربة وبین سائر القیود فکما أنّ مع الشکّ فی سائر القیود عند عدم جریان مقدّمات الإطلاق تجری البراءة العقلیّة فکذلک مع الشکّ فی اعتبار قصد الامتثال و دواعی القربة تجری البراءة العقلیّة ومجرّد عدم إمکان تقیید المأمور به متّصلاً بناء علی امتناعه لایوجب الفرق مع إمکان البیان مستقلاًّ.

و دعوی أنّ أصل الغرض معلوم والشکّ فی حصوله بإتیان المأتیّ به من دون قصد الأمر أو دواعی القربة ومقتضی الاشتغال الیقینیّ هو الفراغ الیقینیّ مندفعة بأنّ الأغراض إن کانت حاصلة بنفس ما وقع تحت دائرة البیان فما هو واجب تحصیله هو ما تعلّق به البیان من الأجزاء والشرائط ویتبعه الغرض فی الحصول وإن کانت غیر حاصلة إلّا بضمّ ما لم تقم علیه حجّة فلانسلّم وجوب تحصیله.

وأمّا الثانیة أعنی البراءة الشرعیّة فهی جاریة کالبراءة العقلیّة بعد فرض عدم جریان مقدّمات الإطلاق.

و دعوی أنّه لابدّ فی عموم أدلّة البراءة الشرعیّة من شیء قابل للرفع والوضع شرعاً ولیس هیهنا کذلک فإنّ دخل قصد القربة ونحوها فی الغرض لیس بشرعیّ بل واقعیّ

ص:139

ودخل الجزء والشرط فیه وإن کان کذلک إلّا أنّهما قابلان للوضع والرفع شرعاً فبدلیل الرفع ولو کان أصلاً یکشف أنّه لیس هناک أمر فعلیّ بما یعتبر فیه المشکوک یجب الخروج عن عهدته عقلاً بخلاف المقام فإنّه علم بثبوت الأمر الفعلیّ مندفعة بأنّا لانسلّم عدم إمکان أخذ قصد الأمر أو دواعی القربة فی المتعلّق ولو منفصلاً.

هذا مضافاً إلی أنّه کیف یمکن دخالة شیء فی الغرض ولایمکن للمولی بیانه وإظهاره.

وعلیه فلامحیص عن جریان أدلّة الرفع بعد إمکان وضعه فی نظائر المقام.

المبحث الخامس: فی حمل الأمر علی النفسیّ و العینیّ و التعیینی

ولایخفی علیک أنّ بعث المولی إلی شیء عند العقلاء یکون تمام الموضوع لاحتجاجه علی العبد فی باب الإطاعة ولذا حکموا بأنّه لایجوز له التقاعد عن المبعوث إلیه باحتمال إرادة الندب وهذا البیان بعینه جار فی المقام فإذا تعلّق أمر المولی بشیء یصیر حجّة علیه بحیث لایجوز للعبد أن یعدل عنه إلی غیره باحتمال إرادة تخییر فی متعلّق الأمر کما لایجوز له الترک مع إتیان الغیر باحتمال الکفائیّة و لاالتقاعد عن الإتیان باحتمال الغیریّة مع سقوط الوجوب عن غیره الذی یحتمل کون الأمر المفروض مقدّمة له.

کلّ ذلک لما عرفت من بناء العقلاء فإنّهم یحکمون بأنّ البعث المذکور حجّة علی لزوم الإتیان به بنفسه سواء أتی به الغیر أو لم یأت وسواء سقط الوجوب عن الغیر المحتمل کون ذلک مقدّمة له أو لم یسقط وسواء أتی بشیء آخر یحتمل أن یکون عدلاً لذلک أو لم یأت ومع قیام بناء العقلاء لا حاجة إلی الاستدلال بمقدّمات الحکمة حتّی یرد علیه الإشکالات وإن أمکن الجواب عنها کما عرفت.

المبحث السادس: فی الأمر عقیب الحظر أو توهّمه

ولایخفی علیک إنّ وقوع الأمر عقیب الحظر أو توهّمه ظاهر فی ارتفاع النهی السابق

ص:140

و سرّ ذلک أنّه لما کان المفروض فی المقام التفات کلّ من الأمر والمأمور إلی النهی السابق والتفات الأمر بالتفات المأمور إلی النهی السابق وإنّ حالته حالة انتظار الرخصة کان الأمر الوارد عقیب النهی ظاهراً ظهوراً نوعیّاً فی الرخصة فی الفعل ورفع النهی السابق.

نظیر ما إذا استأذن الشخص الذی نهی عن شیء من الناهی فی ارتکاب ما نهی عنه بقوله أفعله؟ فقال الناهی أفعل.

فکما أنّ الاستیذان یوجب ظهور الأمر فی مجرّد الرخصة وصرفه عن الوجوب إلیه بلاخلاف فکذلک حالة انتظاره للإذن والرخصة مع علم الأمر والتفاته إلیها توجب ذلک من غیر فرق.

وحیث إنّ الأمر حینئذٍ یفید مجرّد ارتفاع النهی فهو یجتمع مع الأحکام الأربعة الاُخری من الوجوب والندب والکراهة والإباحة الخاصّة.

فإن کان حال النهی قبل النهی معلوماً من الوجوب أو الاستحباب أو غیرهما وقلنا بجواز الاستصحاب فهو محکوم به بعد ارتفاع النهی.

وإلّا فأصالة البراءة تقتضی نفی احتمال الوجوب وتردّد الأمر بین البواقی. ثمّ إنّ هذا لایختصّ بالأمر بل یشارکه فیه النهی الوارد بعد الأمر أو توهّمه فإنّه أیضاً لایدلّ إلّا علی رفع الأمر السابق کما لو أمر الطبیب بملازمة شرب دواء فی کلّ یوم ثمّ قال بعد مدّة مع حالة انتظار المأمور للإذن فی الترک: لاتشربه فإنّه یدلّ علی رفع الإلزام والوجوب فالنهی الوارد عقیب الأمر یفید رفع الإلزام والوجوب وهویجتمع مع الأحکام الأربعة الاخری من الحرمة أو الندب أو الکراهة أو الاباحة الخاصة ویتعیّن الحکم بالاُصول الجاریة فی مورده فلاتغفل.

المبحث السابع: فی المرة و التکرار

اشارة

الکلام فیه یقع فی مقامات:

ص:141

المقام الأوّل:

أنّ محلّ النزاع فیه هو هیأة الأمر دون مادّة الأمر ودون مجموعهما لنصّ جماعة من الاُصولیّین علیه.

هذا مضافاً إلی تحریر أکثرهم النزاع فی الصیغة وهی ظاهرة فی الهیأة لو لم نقل بأنّها صریحة فیها، علی أنّه لا کلام فی أنّ المادّة کالضاد والراء والباء فی مثل المصدر وهو الضرب لاتدلّ إلّا علی الماهیة من حیث هی إذ لو کانت دالّة علی المرّة والتکرار لزم أن تدلّ علیه کلّ صیغة تحتوی تلک المادّة باعتبار دلالة مادّتها مع أنّه لیس کذلک فالبحث عن دلالة صیغة الأمر ترجع إلی البحث عن دلالة هیأة الأمر.

المقام الثانی:

أنّ الحقّ هو عدم دلالة هیئة الأمر علی المرّة والتکرار لأنّ هیأة الأمر موضوعة للبعث نحو وجود الطبیعة بنحو الوجود اللافراغیّ من دون دلالة علی المرّة والتکرار هذا بناء علی ما قرّر فی محلّه من أنّ الطبیعة بما هی الطبیعة لاتکون مطلوبة ولامرادة فاللازم هو تعلّق البعث إلی وجود الطبیعة بالنحو المذکور وأمّا إذا قلنا بأنّ البعث متعلّق بنفس الطبیعة المهملة التی تکون مقسماً لاعتبارات الماهیّة التی یعبّر عنها باللابشرط المقسمیّ فالعقل یحکم بأنّ البعث یرجع إلی إیجاد ما یکون مدلولاً لذلک اللفظ لأنّ الطبیعة بالمعنی المذکور لایمکن إرادتها لإهمالها وخلوّها من جمیع الحیثیّات وعلیه فالإیجاد مستفاد من حکم العقل ولیس داخلاً فی الماهیّة والطبیعة.

فلا دلالة للهیأة أیضاً علی المرّة والتکرار نعم یتحقّق الامتثال بوجود الطبیعة أو بإیجادها فی المرّة الاُولی إذ بعد الإتیان بالطبیعة سقط الأمر وتحقّق الامتثال ولامجال للامتثال الثانی کما لایخفی.

ص:142

المقام الثالث: فی المراد من المرّة و التکرار

هل هو الدفعة والدفعات أو الفرد والأفراد والفرق بینهما واضح لاحتیاج الدفعة والدفعات إلی تعدّد الأزمنة وتعاقبها بخلاف الفرد والأفراد.

ذهب فی الفصول إلی أنّ المراد هو الدفعة والدفعات مستدلاًّ بالتبادر وبأنّ المراد لو کان هو الفرد والأفراد لکان الأنسب بل اللازم أن یجعل هذا المبحث تتمّة للمبحث الآتی من أنّ الأمر هل یتعلّق بالطبیعة أو بالفرد فیقال عند ذلک وعلی تقدیر تعلّقه بالفرد هل یقتضی التعلّق بالفرد الواحد أو المتعدّد أو لایقتضی شیئاً منهما ولم یحتج إلی إفراد کلّ منهما بالبحث کما فعلوه وأمّا لو ارید بها الدفعة فلا علقة بین المسألتین.

وفیه أنّ الأمر لو کان متعلّقاً بالطبیعة یجری البحث المذکور فی هذه الصورة أیضاً لأنّ الطبیعة لایمکن وجودها إلّا فی ضمن فرد ما فحینئذٍ یقع الکلام فی أنّ المطلوب بالأمر هل هو الطبیعة بإیجادها فی ضمن فرد أو أفراد أو الدفعة أو الدفعات.

و دعوی الفرق بین أن یکون المطلوب هو وجود الطبیعة کما هو الظّاهر أو نفس الطبیعة وتقدیر الإیجاد بحکم العقل بأنّ البحث فی الأوّل لغویّ وفی الثانی عقلیّ. لایوجب أن یکون البحث تتمّة للمبحث الآتی بعد جریانه فی الصورتین ولو کان البحث علی تقدیر لغویّاً وعلی تقدیر عقلیّاً.

فالتحقیق أن یقع النزاع بکلا المعنیّین.

فکلّ مورد تقوم فیه القرینة علی إرادة الفرد أو الدفعة أو الأفراد أو الدفعات فلا کلام ومع عدم قیام القرینة فإن کان إطلاق فالمرجع هو الإطلاق وهو یقتضی جواز الاکتفاء بالمرّة والدفعة إلّا أنّ الاکتفاء بهما لیس من جهة کونهما مأخوذتین فی الهیأة أو المادّة لما عرفت من عدم أخذهما فیها بل من جهة صدق الامتثال بإتیان الطبیعة مرّة أو دفعة ومع صدق الامتثال لا یبقی الأمر حتّی تحتاج إلی امتثال آخر.

ص:143

وإن لم یکن إطلاق وشکّ فی أنّ المطلوب هو الفرد أو الأفراد أو الدفعة أو الدفعات فالمرجع هو الأصل العملیّ وهو لیس إلّا أصالة البراءة عن تکلیف الزائد فلاتغفل.

المقام الرابع: فی تبدیل الامتثال بالامتثال

ولایخفی علیک أنّ بعد الإتیان بالمأمور به وسقوط الأمر لا مجال للامتثال الثانی بالنسبة إلی الأمر الأوّل الساقط لأنّ الامتثال متوقّف علی الأمر والمفروض هو سقوطه بالامتثال الأوّل.

و لافرق فی ذلک بین أن نقول بدلالة الأمر علی المرّة وضعاً أو بعدمها وتقدیر الوجود أو الإیجاد فی جانب المتعلّق بحکم العقل لسقوط الأمر المتعلّق بالطبیعة أیضاً بإتیان الفرد الأوّل فکما أنّ الأمر المتعلّق بالفرد یسقط بإتیان الفرد الأوّل فکذلک یسقط الأمر المتعلّق بالطبیعة إذ یتحقّق الطبیعة بالفرد الأوّل.

نعم لو علم بعد الإتیان بالفرد أو تحقّق الطبیعة أنّ للمولی أمر استحبابیّ بإتیان فرد أحسن ممّا أتی به لجاز أن یأتی بفرد آخر ولکنّه لیس إلّا الامتثال للأمر الثانی ولیس من باب تبدیل امتثال الأمر الأوّل بالامتثال الثانی بالنسبة إلی الأمر الأوّل وعلیه یحمل جواز إعادة الفریضة المأتیّ بها منفرداً أو بالجماعة.

و أمّا الفرق بین ما إذا کان امتثال الأمر علّة تامّة لحصول الغرض الأقصی بحیث یحصل بمجرّده فلایبقی معه مجال لإتیانه ثانیاً بداعی امتثال آخر أو بداعی أن یکون الإتیانان امتثالاً واحداً وبین ما إذا لم یکن الامتثال علّة تامّة لحصول الغرض الأقصی کما إذا أمر بالماء لیشرب أو یتوضّأ فأتی به ولم یشرب أو لم یتوضّأ فعلاً فلایبعد صحّة تبدیل الامتثال بإتیان فرد آخر أحسن منه بل مطلقاً کما کان له ذلک قبله ففیه ما لایخفی لأنّ الغرض من الأمر فی نظیر المثال هو التمکّن من الشرب وهو حاصل بإتیان الماء فلا معنی لبقاء الأمر مع حصول الغرض فلاتغفل.

ص:144

المقام الخامس: فی الامتثال بالأزید

و لاإشکال فی جوازه بعد کون إیجاد الطبیعة المأمور بها فی ضمنها نحواً من الامتثال کإیجادها فی ضمن فرد واحد إذ مقتضی إطلاق الطبیعة هو جواز الإتیان بها علی نحوین.

ثمّ إنّ وحدة الامتثال وکثرته بوحدة الطلب وکثرته لا بوحدة الطبیعة وکثرتها وعلیه فالإتیان بعدّة أفراد عرضیّة دفعة واحدة لایکون إلّا امتثالاً واحداً لا امتثالات متعدّدة کما لایخفی.

المقام السادس: فی عدم اختصاص النزاع بالأمر الوجوبیّ

وذلک لوحدة الملاک.

المقام السابع: فی الفرق بین النواهی و الأوامر

ولایخفی أنّ کیفیّة الامتثال بین النواهی والأوامر مع وحدة متعلّقهما وهی الطبیعة بتقدیر الوجود أو الإیجاد إذ الأمر هو البعث نحو وجود الفعل و النهی هو الزجر عن وجود الفعل متفاوتة وهی ناشئة إمّا من جهة اختلاف حکم العقلاء بالنسبة إلیهما إذ یحکمون بأنّ وجود الطبیعیّ ینعدم بعدم جمیع الأفراد فی النواهیّ ویتحقّق بوجود ما فی الأوامر فامتثال الأمر بصرف وجود الطبیعة وامتثال النهی بترک جمیع الأفراد علی نحو الاستغراق.

أو ناشئة من جهة کثرة الاستعمال فإنّ الأمر استعمل کثیراً ما عند مطلوبیّة صرف وجود الطبیعة بخلاف النهی فإنّه مستعمل کثیراً ما عند مبغوضیّة الطبیعة بجمیع أفرادها علی نحو الاستغراق ولعلّه أقرب کما سیأتی تفصیله إن شاءاللّه فی المباحث الآتیة وعلی کلّ تقدیر لایحتاج إفادة النواهی للشیوع والاستغراق إلی مقدّمات الحکمة.

المبحث الثامن: فی الفور و التراخی

والحق أنّ البعث الإنشائیّ کالبعث الخارجیّ فکما أنّ البعث الخارجیّ یفید الفوریّة لانها مقترنة

ص:145

بالبعث التکوینی فکذلک البعث الاعتباری الإنشائیّ والفوریّة المذکورة کالوجوب والندب من الاُمور المنتزعة من البعث بحکم العقلاء من دون أن تکون مأخوذة فی الهیأة أو المادّة.

إذ البعث من المولی کما یکون موضوعاً لحکم العقلاء بتمامیّة الحجّة علی لزوم الإتیان فانتزع من هذا الحکم عنوان الوجوب فکذلک یکون موضوعاً لحکمهم بالفوریّة وعدم جواز التراخی فیه ما لم تکن قرینة علی الخلاف. نعم أفاد بعض الأکابر ان هذا فیما اذا لم یؤخذ فی متعلّق البعث ما یدل علی التوسعة کقول أحد لغیره جئنی بکذا یوم الجمعة أو کقوله تعالی فعدة من أیام أخر و إلّا فاطلاق المتعلّق یقدم علی الفوریة المستفادة من نفس الأمر.

ثمّ إنّ مقتضی ما ذکر لزوم الإتیان بمتعلّق الأوامر فوراً ففوراً بحیث لو عصی فی الآن الأوّل لوجب علیه الإتیان به فوراً فی الزمان الثانی وهکذا.

وذلک لما عرفت من أنّ البعث الإنشائیّ کالبعث الخارجیّ فکما أنّ البعث الخارجیّ مادام باقیاً یکون موضوعاً عند العقلاء للفور فالفور فکذلک البعث الإنشائیّ القائم مقامه یکون موضوعاً لحکمهم بالفور فالفور.

وینقدح ممّا ذکر من أنّ الفور وهکذا الفور فالفور کالوجوب والندب أنّهما لیسا داخلین فی الهیأة و لافی المادّة لابالوضع ولابنحو آخر بل یکونان من الاُمور الانتزاعیّة تبعاً لانتزاعیّة الوجوب والندب.

ثمّ إنّ النزاع فی الفور والتراخی و إن اختصّ بحسب کلماتهم بالأوامر الوجوبیّة ولکن بعد ما ذکرناه فی الأوامر الوجوبیّة یظهر الحال فی الأوامر الندبیّة أیضاً لعدم الفرق بینهما فی عدم کونهما من قیود الطلب أو المادّة وإنّما یستفادان من حکم العقلاء بعد تحقّق موضوع حکمهم بإنشاء البعث فلاتغفل.

ص:146

الفصل الثالث: فی الاجزاء

اشارة

هنا ملاحظات قبل الخوض فی تفصیله.

أحدها: أنّ هذه المسألة هل تکون من المسائل العقلیّة أو من المباحث اللفظیّة.

والتحقیق هو جواز کلیهما لأنّ المسألة ذو حیثیّتین:

الحیثیّة الأولی: أنّ أدلّة اعتبار الأوامر الظاهریّة أو الاضطراریّة هل تدلّ علی توسعة موضوع الأوامر الاختیاریّة و الواقعیّة بنحو الحکومة أو لاتدلّ و علیه فاللازم هو ملاحظة لسان أدلّة الاعتبار فالنزاع حینئذٍ یکون لفظیّا و من هذه الجهة تکون المسألة من مباحث الألفاظ.

والحیثیّة الثانیة: أنّ الاتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراریّ أو الظاهریّ هل یقتضی سقوط الأوامر الواقعیّة لاشتمال المأتیّ به علی المصلحة المقتضیّة للأمر أو لایقتضی فاللازم حینئذٍ هو ملاحظة تأثیر الإتیان فی سقوط الأوامر الواقعیّة و عدمه و من المعلوم أنّ هذا البحث حینئذٍ یکون عقلیّاً و یناسب المباحث العقلیّة و علیه فذکر المسألة فی مقامنا هذا لیس استطرادیّاً فلاتغفل.

ثانیها: نتیجة المسألة الاُصولیّة کلّیّة وهل یلزم أن یکون مبانیها أیضاً کلّیّة أم لا. و الحقّ هو عدم لزوم ذلک إذ یکفی کلّیّة نفس المسألة فی إدراجها فی المسائل الاُصولیّة

ص:147

التی لابدّ أن تکون کلّیّة و إن استفیدت المسألة من الدلیل الخاصّ الجزئیّ و علیه فلاوقع للإشکال فی الأوامر الاضطراریّة بأنّ مبناها جزئیّ لابتنائها علی قوله التراب أحد الطهورین من حیث الإطلاق الملازم للإجزاء و عدمه بخلاف الأوامر الظاهریّة فإنّ إجزائها و عدمه مبنیّان علی السببیّة و الطریقیّة.

هذا مضافاً إلی عدم اختصاص مبنی الأوامر الاضطراریّة بقوله التراب أحد الطهورین بل قوله علیه السلام المیسور لایسقط بالمعسور أو أنّ التقیّة دینی و دین آبائی و نحوهما من مبانی الأوامر الاضطراریّة کلّیّة.

ثالثها: إنّ صاحب الکفایة ذهب إلی أنّ المراد من وجهه فی عنوان البحث هو النهج الذی ینبغی أن یؤتی به علی ذلک النهج شرعاً و عقلاً لاخصوص الکیفیّة المعتبرة شرعاً و إلّا لزم أن یکون القید توضیحیّاً هذا مع لزوم خروج التعبدّیّات عن حریم النزاع لأنّ قصد القربة یکون من کیفیّات الإطاعة عقلاً.

وفیه منع لزوم خروج التعبّدیّات بناء علی المختار من إمکان اعتبار قصد القربة فی المأمور به شرعاً.

هذا مضافاً إلی ما قیل من أنّ القید لیس توضیحیّاً بل مذکور لردّ عبد الجبار من السابقین فافهم.

رابعها: إنّ معنی الاقتضاء فی عنوان البحث «هل الإتیان بالمأمور به علی وجهه یقتضی الإجزاء أولا» هو الاقتضاء الإثباتیّ إن کان النزاع فی دلالة الأوامر الاضطراریّة والظاهریّة أو الاقتضاء الثبوتیّ بمعنی العلّیّة و التأثیر إن کان النزاع فی أنّ الإتیان بالمأمور به فی الخارج هل یقتضی الإجزاء أولا لأنّ المأمور به خارجاً هو الذی یتحقّق به الغرض ومع تحقّقه حصلت علّة سقوط الأمر الواقعیّ فالإتیان بالمأمور به الظاهریّ أو الاضطراریّ مؤثّر فی رفع الأمر الواقعیّ.

ص:148

وممّا ذکر یظهر أنّه لامجال لما فی تعلیقة الإصفهانیّ قدس سره من أنّ المعلوم أنّ المعلول ینعدم بانعدام علّته لا أنّ القائم به الغرض علّة لسقوط الأمر لأنّ الأمر علّة لوجود الفعل فی الخارج فلو کان الفعل علّة لسقوط الأمر لزم علّیة الشیء لعدم نفسه فسقوط الأمر لتمامیّة اقتضائه وانتهاء أمده.

وذلک لأنّ حدیث انتهاء الأمد و انعدام المعلول بانعدام علّته صحیح بالنسبة إلی إتیان المأمور به وأمر نفسه لا إتیان المأمور به بالأمر الظاهریّ أو الاضطراریّ بالنسبة إلی الأمر الواقعیّ إذ لاینعدم أمد الأمر فی الثانی بإتیان الظاهریّ أو الاضطراریّ.

بل یحتاج رفعه إلی تأثیر الإتیان بالمأمور به الظاهریّ أو الاضطراریّ فیه فالحقّ مع صاحب الکفایة حیث ذهب إلی أنّ معنی الاقتضاء هو العلّیة و التأثیر بناءً علی النزاع فی أنّ الإتیان بالمأمور به یقتضی الإجزاء أو لایقتضی و علیه فلاحاجة إلی تغییر عنوان البحث بأنّ الإتیان بالمأمور به هل هو مُجز أولا کما فی تهذیب الاُصول.

خامسها: إنّ الإجزاء بحسب اللغة یکون بمعنی الکفایة و بحسب الاصطلاح یکون بمعنی إسقاط التعبّد بالإتیان أعادة کان أو قضاء و المعنی الثانی لازم الکفایة و لاوجه لرفع الید عن معناه اللغویّ ما لم تقم قرینة و علیه فالإجزاء فی عنوان البحث محمول علی معناه اللغویّ.

سادسها: إنّ الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار واضح فأنّ البحث فی المقام بعد معلومیّة مقدار المأمور به فی الواقع و عدم الإتیان به فی أنّ الإتیان بالأمر الظاهریّ أو الاضطراریّ مع کشف الخلاف یکفی عن الواقعیّ الذی لم یأت به أو لا یکفی و البحث فی مسألة المرّة و التکرار فی تعیین مقدار المأمور به و کمّیّته و أنّ بعد الإتیان بالمأمور به الواقعیّ هل یلزم التکرار أو لایلزم.

ص:149

کما أنّ الفرق بین هذه المسألة و مسألة تبعیّة القضاء للأداء واضح فإنّ البحث فی المقام فی کفایة المأتیّ به عن الواقع بعد الإتیان بالمأمور به الظاهریّ أو الاضطراریّ و البحث فی مسألة القضاء و الأداء بعد فوت المأمور به و عدم الإتیان به فی الوقت فی ثبوت القضاء و عدمه فلا تشابه بین المسألتین.

تحقیق المقام فی الأجزاء و عدمه

ثمّ لایخفی علیک أنّ بعد ما عرفت من المقدّمات فتحقیق المقام فی الإجزاء و عدمه یستدعی البحث فی الموضعین:

الموضع الأوّل:

إنّه لا کلام فی إجزاء الإتیان بالمأمور به عن أمره إذ الغرض من الأمر لیس إلّا هو إتیان المأمور به بما له من القیود و الشروط و مع الإتیان حصل الغرض و مع حصول الغرض ینتهی أمد البعث و الإرادة و لاموجب لبقائهما و إلّا لزم الخلف أو بقاء المعلول بدون علّته.

وأنت خبیر بأنّ المقصود من الإجزاء فی هذا الموضع أنّ الإتیان بالمأمور به الواقعیّ یجزی عن أمره الواقعی و هکذا الإتیان بالمأمور به الاضطراریّ یجزی عن أمره الاضطراریّ أو الإتیان بالمأمور به الظاهریّ یجزی عن أمره الظاهریّ لا أنّ الإتیان بکلّ واحد منها یجزی عن الآخر فأنّه سیأتی الکلام فیه فی الموضع الثانی إن شاء اللّه تعالی.

وممّا ذکر ینقدح أنّ مع سقوط الأمر لحصول الغرض لامجال لتبدیل الامتثال بامتثال آخر إذ الامتثال فرع بقاء الأمر والمفروض أنّ مع حصول الغرض یسقط الأمر و لامجال للامتثال الثانی بالنسبة إلی الأمر الساقط.

ولذلک یحمل ماورد فی المقام ممّا یتوهّم أنّ المراد منه هو الامتثال عقیب الامتثال و مطلوبیّة الإعادة علی أمر لاینافی ما یقتضیه حکم العقل فإنّ مطلوبیّة الإعادة أعمّ من

ص:150

بقاء الأمر السابق لامکان أن یکون ذلک من جهة الأمر الجدید الاستحبابیّ و لا أقلّ من احتمال ذلک فلایکون منافیاً لما استقلّ العقل به من سقوط الأمر بالامتثال الأوّل و عدم معقولیّة الامتثال عقیب الامتثال فلاتغفل.

الموضع الثانی:

وفیه مقامان:

المقام الأوّل: فی إجزاء الأوامر الاضطراریّة

اشارة

ولایخفی علیک أنّه إن قلنا بأنّ الأمر الأوّلیّ عامّ یشمل المضطرّ و غیره فی عرض واحد و الأوامر الاضطراریّة تدلّ علی تنویع العامّ المذکور فی حال الاضطرار و إخراج الاضطرار عن تحت العام فالإجزاء فی غایة الوضوح إذ لیس فی حال الاضطرار إلّا أمر واحد و لاإشکال فی أنّ الإتیان بالمأمور به بهذا الأمر یوجب سقوط الأمر المذکور و المفروض أنّه لا أمر آخر حتّی یبحث عن إجزائه عنه و عدمه.

وإن لم نقل بذلک فالأمر فی حال الاضطرار غیر الأمر الواقعیّ.

فیمکن البحث حینئذٍ عن إجزاء الاضطراریّ عن الواقعیّ وعدمه.

وقد أوضحنا قوّة الثانی بناء علی المختار من أنّ المتبادر من الصلاة هی الهیئة الترکیبیّة الجامعة للأجزاء و الشرائط الدخیلة فی باعثیّة المولی نحو الأمر بها لأنّ الأمر الأوّلیّ تعلّق بها لا الهیئة الترکیبیّة المجملة أو المهملة لأنّ البعث نحو المهمل و المجمل لا یصدر عن الحکیم المتعال.

وممّا ذکر یظهر أنّ المبعوث إلیه فی الأمر الأوّلیّ هی الصلاة الکاملة و هی صلوة المختار و حینئذٍ تدلّ الأدلّة الاضطراریّة علی ما یقوم مقام الصلاة الکاملة فی حال الاضطرار و مقتضی ذلک هو تعدّد الأمر من الأمر الواقعیّ و الأمر الاضطراریّ هذا مضافاً إلی أنّ ذلک هو مقتضی لسان أدلّة الاضطرار کنفی الحرج و الضّرر و رفع الاضطرار و التقیّة لأنّ لسانها

ص:151

هو لسان الحکومة و معنی الحکومة هو النظارة إلی الأدلّة الأوّلیّة و مقتضاها هو وجود الأحکام الأوّلیّة و إلّا لزم الخلف فی کون أدلّة الاضطرار ناظرة إلی الأدلّة الأوّلیّة.

ویشهد له أیضاً فتوی الأصحاب بصحّة الوضوء أو الغسل الضرریّین إذا أتی بهما جهلا وغفلة مع أنّه لو کان مقتضی أدلّة الاضطرار هو التنویع و إخراج مورد الاضطرار فلاوجه للصحّة فی صورة الجهل و الغفلة إذ لا أمر و لامصلحة فیما إذا کانا ضرریّین فالحکم بصحّتهما فی حال الجهل و الغفلة یدلّ علی أنّ مفاد أدلّة الاضطرار لیس کمفاد أدلّة التخصیص التی تخرج الأفراد عن تحت مادّة العموم بحیث لا یبقی للعموم بالنسبة إلیها اقتضاء بل مفادها هو التصرّف فی هیئة الأوامر الأوّلیّة بسقوطها عن الفعلیّة من باب الامتنان ففی حال الجهل و الغفلة حیث یکون الوضوء أو الغسل مشتملین علی المصلحة و لهما الأمر الأوّلیّ فالإتیان بهما إتیان بالمطلوب الواقعیّ فللحکم بالصحّة مجال کما أنّ فی صورة الإتیان بالتیمّم و رفع الاضطرار فی الوقت یمکن النزاع فی کفایة التیمّم عن الوضوء أو الغسل فی صحّة ما أتی به من العبادات و عدمها هذا بخلاف ما إذا لم نقل بالتعدّد فإنّ الإتیان بالتیمّم مع أنّه لا أمر إلّا به یوجب الإجزاء قطعاً و لا مجال للنزاع فی الإجزاء و عدمه.

ثمّ إنّ النزاع یتبنی علی شمول إطلاق أدلّة العمل الاختیاریّ لحالة طروّ الاختیار بعد رفع الاضطرار و إلّا فیکفی فی عدم وجوب الإعادة و القضاء عدم إطلاق الأدلّة الأوّلیّة بالنسبة إلی حالة طروّ الاختیار بعد رفع الاضطرار.

فبعد فرض إطلاق أدلّة العمل الاختیاریّ یقع النزاع بعد الإتیان بالاضطراریّ و عروض حالة الاختیار فی الوقت عن أنّه هل یجزی العمل الاضطراریّ عن العمل الاختیاریّ أو لایجزی بل یلزم العمل الاختیاریّ بعد شمول إطلاق دلیله لحالة طروّ الاختیار بعد الاضطرار.

ص:152

و أمّا ابتناء النزاع علی ملاحظة الجهات الواقعیّة من المصالح و المفاسد فی المتعلّقات وحصر الجهات الواقعیّة فی الأقسام الأربعة ففیه منع لامکان البحث والنزاع فی کیفیة اعتبار الأوامر الاضطراریة فی أدلتها ولو لم نقل بتبعیّة الأحکام للمصالح و المفاد فی المتعلّق.

هذا مضافاً إلی عدم إمکان الإطلاع نوعاً بالنسبة إلی الجهات الواقعیّة فالإحالة إلیها أحالة علی المجهول.

کیفیة دلالة الأوامر الاضطراریّة علی الإجزاء

ولایذهب علیک تمامیّة دلالة أدلّة الأوامر الاضطراریّة علی الإجزاء بعد کون لسانها لسان التوسعة.

إمّا بإلحاق شیء بشیء کإلحاق التراب بالماء فی مثل قوله علیه السلام التراب أحد الطهورین فأنّه یفید التوسعة فی الطهارة المشروطة بها العبادات فلاوجه بعد ذلک لعدم الإجزاء فإنّه قد أتی بما هو تکلیفه واقعاً کما سلک صاحب الکفایة هذا المسلک فی الاُصول الموضوعیّة.

أو بالأمر بالباقی مع الاضطرار إلی ترک بعض الإجزاء أو الشرائط.

أو بالأمر بإتیان ما هو مضطرّ إلی فعله من الموانع أو القواطع کالأدلّة الواردة فی مقام التقیّة.

إذ من المعلوم أنّ الأمر بما عدا المضطرّ إلی ترکه یدلّ علی عدم دخالة المتروک جزءاً کان أو شرطاً کما أنّ الأمر علی الإتیان بما هو مضطرّ إلیه من الموانع و القواطع یدلّ علی عدم مانعیّة ما أتی به ممّا اضطرّ إلیه و لیس ذلک إلّا معنی الحکومة لأنّ المتفاهم العرفیّ من الأمر بالباقی أو الأمر بإتیان المانع و القاطع هو عدم مدخلیّة المتروک أو عدم مانعیّة الماتیّ به من المانع و القاطع أو الأمر بتبدیل کیفیّة صلاة المختار

ص:153

بکیفیّة أخری کما ورد فی صلاة المضطرّ و الغریق فأنّ الظّاهر ممّا ورد هنا أنّه فی مقام بیان بدلیّة الکیفیّة المذکورة عن صلاة المختار و لیس هذا إلّا معنی الحکومة.

بل یمکن أن یقال: إنّ لسان أدلّة نفی الحرج و الضّرر أیضاً لسان الحکومة بالنسبة إلی الإجزاء التی تکون ضرریّة أو الحرجیّة فأنّ مفادها هو سقوط ما تجری فیه تلک الأدلّة عن الفعلیّة فمقتضی إطلاق جواز البدار و إتیان العمل هو کفایة ما أتی به عن الجامع للشرائط والإجزاء ویشکل ذلک بأنّ أدلّة نفی الحرج و الضّرر لاتدلّ علی الأمر بالباقی حتّی یکون أمراً مغایراً مع الأمر الأوّلی و یقتضی الإجزاء بل غایة دلالتها هو نفی الضرریّ و الحرجیّ.

فاستفادة وجوب الباقی من الأدلّة الأوّلیّة لیست بأمر مغایر مع الأمر الأوّلیّ حتّی یجری النزاع فی إجزائه عن الواقع وعدمه.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ المتفاهم العرفیّ من بقاء الأمر بالنسبة إلی العمل مع نفی الوجوب عن الضرریّ أو الحرجیّ هو کفایة المأتیّ به عن الجامع للشرائط و الأجزاء و هو کاف فی الإجزاء و عدم وجوب الإعادة و القضاء و لا حاجة إلی دلالة دلیل نفی الحرج أو الضّرر علی وجوب الباقی فتدبّر.

ثمّ لایخفی علیک أنّ الموضوع فی الأوامر الاضطراریّة هو العذر والاضطرار فی بعض الوقت لا العذر و الاضطرار المستوعب إذ الأمر الاضطراریّ فی مقابل الأمر الواقعیّ لایمکن إلّا إذا أمکن منه فی بعض الوقت و إلّا فلا أمر اضطراریّ فی المستوعب حتّی نبحث عن إجزائه عن الواقع.

ثمّ إنّ مع تمامیّة دلالة الأدلّة الاضطراریّة علی إجزاء ما أتی به عند الاضطرار فی بعض الوقت عن الواقع لا مجال لاحتمال القضاء حینئذٍ إذ القضاء فیما إذا لم یأت بالواجب مطلقاً فی الوقت و المفروض هو أنّ ما أتی به عوض عن الواقع فی الوقت فلاتغفل.

ص:154

مقتضی الأصل

ثمّ مع إهمال أدلّة الاضطرار تجب الإعادة فی الوقت و القضاء فی خارجه إن قلنا بوحدة حقیقة القضاء مع الأداء و إلّا فلایجب القضاء فی خارج الوقت.

أمّا الإعادة فی الوقت بعد رفع الاضطرار فهی واجبة مع إهمال أدلّة الاضطرار بالنسبة إلی الإجزاء قضاء لإطلاق الأدلّة الأوّلیّة.

ودعوی أنّ الأمر الأوّلیّ ساقط عن الفعلیّة حال الاضطرار و لا علم بحدوثه بعد رفع الاضطرار فلاوجه لدعوی وجوب الاعادة بالأمر الأوّلیّ فی الوقت بعد رفع الاضطرار.

مندفعة بأنّ التکلیف معلوم من أوّل الأمر فی الأفراد العرضیّة و الطولیّة حال الاضطرار و حال رفعه و إنّما أسقطه الاضطرار فی خصوص حال الاضطرار و سقوطه فی غیر حال الاضطرار متفرع علی حکومة الأمر الاضطراریّ علی الأمر الواقعیّ و المفروض أنّ أدلّة الأوامر الاضطراریّة مهملة و لا إطلاق لها وعلیه فمع رفع الاضطرار لا وجه لرفع الید عن إطلاق التکلیف الأوّلیّ المعلوم من أوّل الأمر.

نعم لو کانت الأدلّة الأوّلیّة أیضاً مهملة فقد یقال بأنّ الأصل یقتضی البراءة ولکنّه أیضاً منظور فیه لأنّ الأمر یدور حینئذٍ بین احتمال وفاء الاضطراریّ فی أوّل الوقت بمصالح الاختیاریّ فیکون مخیّراً بین الاضطراریّ فی أوّل الوقت والاختیاریّ فی آخره و احتمال أن لایکون کذلک فیتعیّن الاختیاریّ و مرجع ذلک إلی دوران الأمر بین التعیینیّ و التخییریّ فمقتضی القاعدة فیه هو الاشتغال فاللازم حینئذٍ هو وجوب الإتیان بالاختیاریّ فی آخر الوقت و عدم الاکتفاء بالاضطراریّ.

وأمّا القضاء فی خارج الوقت فإن قلنا بوحدة حقیقة القضاء مع الأداء و تعدّد المطلوب من الواجب و الوقت فهو واجب فأنّه مقتضی العلم بمطلوبیّة الإتیان بالعمل مطلقاً من دون دخالة للوقت فیه و حصول الشکّ فی الامتثال فیستصحب حینئذٍ وجوب

ص:155

الإتیان به فی خارج الوقت إذ المفروض أنّه لم تدلّ أدلّة الاضطرار علی کفایة الإتیان بالاضطراریّ عنه.

وإن لم نقل بوحدة حقیقة القضاء مع الأداء فلادلیل علی وجوب القضاء فی خارج الوقت لعدم جریان الاستصحاب بعد عدم إحراز وحدة الحقیقة و لا أمر جدید بوجوب القضاء فی خارج الوقت فلاتغفل.

المقام الثانی: فی إجزاء الاصول و الامارات الظاهریّة

والکلام فیه یقع فی امور:

الأمر الأوّل: فی تحریر محل النزاع

والإنصاف أنّه لافرق بین کون الأمارات و الاُصول قائمة علی متعلّقات التکالیف و بین کونها قائمة علی نفس التکالیف فإنّ کلّها فی مقام بیان أنّ الواقعیّات تمتثل بکذا و کذا و مقتضاه هو أن تکون مصالحها مسانخة لمصالح الواقعیّات من دون فرق بین مواردها.

والقول بأنّ الأمارات و الاُصول إذا کانت قائمة علی نفس التکالیف لیست ناظرة إلی الواقعیّات فلاتکون مصالحها مسانخة لمصالح الواقعیّات و مع عدم المسانخة لامجال للوفاء حتّی یبحث عن إجزائها أو عدمه.

غیر سدید بعد کون لسانها علی ما عرفت أنّ الواقع المعلوم علی سبیل الإجمال یمتثل بالأمارة أو الاُصول فلابدّ أن تکون مصلحة الأمارة أو الاُصول هو مصلحة الواقع لاسنخ آخر من المصلحة کی لایغنی إحرازه عن إحرازه و علیه فلاوجه لتخصیص محلّ النزاع بما إذا کانت الأمارات و الاُصول قائمة علی متعلّقات التکالیف.

نعم ربّما یدّعی خروج بعض الموارد عن محلّ النزاع و لابأس بالإشارة إلی ذلک.

منها ما إذا کان سبب الأمر الظاهریّ مجرّد الوهم و الخیال کأن یقطع بوجود أمر واقعیّ ثمّ یکشف خلافه ففی مثله لا أمر فیظاهر الشرع و مجرّد التوهّم لایستلزم وجود

ص:156

الأمر الظاهریّ حتّی یبحث عن إجزائه وعدمه وعلیه فإذا استظهر المجتهد معنی من اللفظ وأفتی علی طبقه استنادا إلی حجّیّة الظهور ثمّ انکشف أنّه لاظهور للفظ فی هذا المعنی بل هو مجرّد وهم وخیال فلاواقع موضوعیّ له حتّی یندرج فی المقام.

ومنها: موارد التی تقوم الأمارة أو الاُصول فی الشبهات الموضوعیّة کالبیّنة أو الید و ما شاکلهما ممّا یجری فی تنقیح الموضوع بدعوی أنّ هذه الموارد خارجة عن محلّ البحث لأنّ قیام الأمارة أو الاُصول لایوجب قلب الواقع عمّا هو علیه و القائلون بالتصویب فی الأحکام الشرعیّة لایقولون به فی الموضوعات الخارجیّة.

مع أنّ الإجزاء فی موارد الاُصول و الأمارات غیر معقول إلّا بالالتزام بالتصویب فیها و من المعلوم أنّ التصویب فی الأمارات و الاُصول الجاریة فی الشبهات الموضوعیّة غیر معقول بداهةً. أنّ البیّنة الشرعیّة إذا قامت علی أنّ المایع الفلانیّ خمر مثلاً لاتوجب انقلاب الواقع عمّا هو علیه.

یمکن أن یقال: إنّ المقصود من جریان الأمارات و الاُصول فی الموضوعات هو ترتیب الآثار الواقعیّة علیها فی الظّاهر لاتغییر الموضوعات و قلبها عمّا هو علیها فی الواقع بحسب الوجود وغیر خفیّ. إنّ تغییر الآثار و الأحکام الجزئیّة کتغییر الآثار و الأحکام الکلّیّة فإن کان تغییر الأحکام الکلّیّة جایزاً فکذلک الجزئیّة و إن لم یکن ممکناً فی الکلّیّة فکذلک فی الجزئیّة فلاوجه للفرق بینهما إلّا من جهة أنّ التصویب فی بعض صوره مجمع علی بطلانه فی الأحکام الکلّیّة دون الموضوعات.

الأمر الثانی: فی إجزاء الاُصول الظاهریّة

ذهب جماعة إلی أنّ الاُصول الظاهریّة کقاعدة الطهارة والحلّیّة و الاستصحاب بناءً

ص:157

علی کونه أصلاً عملیّاً حاکمة بالنسبة إلی أدلّة الشرائط والأجزاء کقوله علیه السلام لاصلاة إلّا بطهور فقوله کلّ شیء طاهر حتّی تعلم أنّه قذر یکون حاکما علی قوله لاصلاة إلّا بطهور و معمّماً له من جهة توسعة الطهارة و جعلها أعمّ من الواقعیّة و الظاهریّة.

و ذلک لأنّ الحکم بالطهارة مثلاً فی قاعدة الطهارة حکم بترتیب آثارها ومنها الشرطیّة للعبادات فإذا ضمّ هذا الحکم إلی أدلّة الأجزاء والشرائط یستفاد منه عرفاً أنّ المقصود هو التوسعة فی الشرطیّة ومن المعلوم أنّ ضمّ غیر الواقعی فی حال الشکّ إلی الواقعی لیس له کشف الخلاف فإذا أتی بالعمل مع هذا الشرط التعبّدیّ أتی به مع شرطه إذ المفروض أنّ الشرط أعمّ من الواقعیّ و الظاهریّ وعلیه فانکشاف عدم الطهارة الواقعیّة لایوجب انکشاف فقدان العمل لشرطه نعم یوجب ارتفاع موضوع الطهارة الظاهریّة من ذلک الحین فلاتبقی الطهارة الظاهریّة مع ارتفاع الجهل. و أمّا العمل فقد أتی به مع شرطه فی حال الجهل و هو الطهارة الظاهریّة و لایقبل الخطأ ما فرض فیه الشرط أعمّ لأنّ الطهارة الظاهریّة معتبرة واقعاً من حیث نفسها لا من حیث کونها طریقة إلی الطهارة الواقعیّة.

ثمّ إنّ القائل بالإجزاء و حکومة الاُصول الظاهریّة علی أدلّة الشرائط و الأجزاء یدّعی أنّ ما هو نجس واقعاً یجوز ترتیب آثار الطهارة علیه فی ظرف الشکّ و من تلک الآثار إتیان الصلاة المشروطة بها لکن بلسان تحقّق الطهارة و لازمه تحقّق مصداق المأمور به لأجل حکومتها علی أدلّة الشرائط والموانع.

وممّا ذکر یظهر الجواب عن النقوض الواردة فی المقام من أنّ لازم ترتّب جمیع الأحکام الثابتة للطاهر الواقعیّ علی المشکوک هو الحکم بطهارة الملاقی للمشکوک طهارته بعد العلم بالنجاسة أو الحکم بنجاسة الملاقی للمشکوک نجاسته بعد العلم بالطهارة عند استصحاب النجاسة أو الحکم بصحّة الوضوء أو الغسل بماء قد حکم بطهارته ولو مع انکشاف النجاسة مع أنّ أحدا من الفقهاء لم یلتزم بذلک.

ص:158

وذلک لأنّ حکومة الاُصول الظاهریّة علی أدلّة اشتراط طهارة الماء فی حصول طهارة المغسول أو نجاسة المغسول أو صحّة الوضوء أو الغسل و إن تقتضی الأحکام المذکورة ولکنّها ثابتة مع انحفاظ الشکّ.

فإذا زال الشکّ انقلب الموضوع ومع انقلاب الموضوع لامجال للحکومة وعلیه فیحکم بنجاسة الثوب الموجود المغسول بالماء الذی کشف نجاسته و بطهارة الثوب الموجود المغسول بالماء الذی یکون محکوما بالنجاسة ثمّ انکشف طهارته.

ویحکم بأعادة الوضوء أو الغسل مع انکشاف نجاسة الماء المشکوک.

نعم کلّ عبادة أتی بها فی حال الشکّ بالوضوء المذکور یحکم بصحّتها لحکومة الاُصول الظاهریّة علی أدلّة اشتراط العبادة بالطهارة فالعمل العبادیّ بعد الحکومة المذکورة أتی به مع شرطه لأنّ المفروض أنّ الطهارة المشروطة أعمّ من الطهارة الظاهریّة و العمل حین الإتیان مقرون بشرطه و هو کاف کما لایخفی.

وینقدح ممّا ذکر أیضاً الجواب عن نقض آخر و هو أنّ لازم الإجزاء هو أنّه لو توضّأ رجاء بماء محکوم بالنجاسة ظاهراً بالاستصحاب مثلاً ثمّ انکشف الخلاف کان وضوؤه باطلاً إذ کما یفرض توسیع الشرطیّة الواقعیّة للطهارة کذلک ینبغی أن یفرض توسیع المانعیّة للنجاسة.

وذلک لأنّ الحکم بالمانعیّة مادام کان الموضوع محفوظاً وأمّا مع ارتفاع الشکّ وظهور کون الماء طاهرا فی الواقع لایبقی هذا الحکم ومع ارتفاعه بارتفاع موضوعه یمکن الحکم بصحّة الوضوء من هذا الحین لوجود الملاک فیه مع فرض تمشی قصد القربة فیه نعم لو أتی بعمل مشروط بالطهارة قبل ارتفاع الموضوع کان مقتضی حکومة الاُصول الظاهریّة علی أدلّة الاشتراط هو الحکم بالبطلان لعدم کون العمل واجد للشرائط تعبّداً بسبب الحکومة المذکورة فلاتغفل.

ص:159

وأمّا الإشکال فی الإجزاء بأنّ هذه الحکومة هی حکومة ظاهریّة موقّتة بزمن الجهل بالواقع و الشکّ فیه و لیست بحکومة واقعیّة لکی توجب توسعة الواقع أو تضییقه ونتیجة هذه الحکومة بطبیعة الحال ترتیب آثار الواقع ما لم ینکشف الخلاف فإذا انکشف فلابدّ من العمل علی طبق الواقع ففیه أنّ الحکومة فی موضوعها واقعیّة لاظاهریّة فإنّ مثل قوله علیه السلام کلّ شیء نظیف حتّی تعلم أنّه قذر ظاهر فی أنّه یجوز للمکلّف ترتیب جمیع آثار الطهارة علی الشیء المشکوک فیه و من جملتها شرطیّتها للصلاة فیکون مفاده جواز إتیان الصلاة فی الثوب المشکوک فی طهارته و ترتیب آثار الطاهر الواقعیّ علی الشیء المشکوک فیه و حینئذٍ فالمتبادر من هذا الکلام و نحوه أنّ الصلاة فی حقّ هذا الشخص عبارة عمّا أتی به وأنّه قد عمل بوظیفته الصلاتیّة و أوجد الفرد المأمور به لا أنّه عمل عملاً مردّداً بین أن یکون صلاة و بین أن یکون لغواً بحیث تکون الصلاة باقیة فی ذمّته خصوصاً مع ملاحظة ان هذه الاصول تسهیلته و امتنانیة.

وبعبارة أخری مفاده هو ترتیب آثار الطهارة علی المشکوک فیه بلسان تحقّقها فیفهم منه عرفا أنّ الصلاة المشروطة بالطهارة یجوز الإتیان بها فی حال الشکّ بهذه الکیفیّة و یکون المأتیّ به مع هذه الکیفیّة مصداقاً للصلاة المأمور بها و واجداً لما هو شرطها و حصل به الامتثال و هو معنی الإجزاء.

لایقال: إنّ هذا إذا لم ینکشف الواقع فأنّه یقال لامعنی لانکشاف الخلاف هاهنا لأنّ الأصل لیس طریقا للواقع یطابقه تارة ویخالفه أخری مثل الأمارة حتّی یفرض فیه انکشاف الخلاف ثمّ ان هذا التقریب المذکور فی قاعدة الطهارة یأتی فی الاستصحاب وقاعدة التجاوز والفراغ وحدیث الرفع أیضاً خصوصاً مع کون هذه الاصول تسهیلیة و امتنانیة فإنّ المکلّف فی جمیع الموارد فی صدد امتثال أمره تعالی بالصلاة التی أمر بها جمیع المسلمین فالمتبادر من القواعد المذکورة عرفا هو کون الفاقد صلاة حقیقة حکومة

ص:160

لا أنّه محتمل الصلاتیّة بحیث لو استمرّ شکّه إلی حین موته و کان فی الواقع جزءاً أو شرطاً کان تارکاً للصلاة أداءً وقضاءً وإن لم یستمرّ لم یکن صلاة وعمل عملاً لغواً.

فالأقوی هو القول بالإجزاء فی الاُصول الظاهریّة کما ذهب إلیه سیّدنا المحقّق البروجردیّ وسیّدنا الإمام المجاهد قدس سرهما تبعا لصاحب الکفایة.

الأمر الثالث: فی إجزاء الأمارات عند کشف الخلاف بالیقین

هنا جهات:

الجهة ا لأولی: فی إجزاء الأمارات بناء علی الطریقیّة

التقریب الأوّل: أنّ الأمارات کخبر الواحد و البیّنة و أمثالهما و إن کانت بلسان حکایة الواقع ولکنّها بانفسها لیست أحکاماً ظاهریّة بل الحکم الظاهریّ عبارة عن مفاد دلیل حجیّة الأمارة الحاکمة بوجوب البناء علیها و لسان أدلّتها هی بعینها لسان أدلّة الاُصول إذ ظاهر ما دلّ علی اعتبار الأمارات هو قناعة الشارع فی امتثال أوامره الصلاتیّة مثلاً بإتیانها فیما قامت البیّنة علی طهارته و لازم ذلک سقوط الطهارة الواقعیّة من الشرطیّة المنحصرة فی هذه الصورة وکفایة الطهارة التی قامت البیّنة علیها.

وعلیه فالاختلاف بین الاُصول و الأمارات لیس إلّا من جهة أنفسهما لا من جهة دلیل اعتبارهما و المعیار فی الإجزاء هو دلیل حجّیّتهما لا أنفسهما.

والقول بأنّ الأمارة تارة تکون عقلائیّة ولم یرد من الشرع أمر باتّباعها ولکن استکشفنا إمضائها من عدم الردع وأخری هذا الفرض مع ورود أمر إرشادیّ منه باتّباعها و ثالثة تکون تأسیسیّة شرعیّة.

والظّاهر خروج الفرض الأوّل عن محطّ البحث بل الثانی أیضاً لأنّ الأمر الإرشادیّ لم یکن أمراً حقیقة.

ص:161

والمتّبع فیهما هو طریقة العقلاء لعدم تأسیس للشارع و لا إشکال فی أنّهم إنّما یعملون علی طبق الأمارات لمحض الکشف عن الواقع.

بل التحقیق عدم الإجزاء فیما إذا کانت الأمارة تأسیسیّة لأنّ معنی الأمارة هو الکشف عن الواقع وإیجاب العمل علی طبقها إنّما هو لمحض الکاشفیّة عن الواقع المحفوظ من غیر تصرّف فیه و انقلاب و إلّا لخرجت الأمارة عن الأماریّة ولایفهم العرف و العقلاء من دلیل إیجاب تصدیق العادل إلّا ما هو المرکوز فی أذهانهم من الأمارات لا انقلاب الواقع عمّا هو علیه بخلاف أدلّة الاُصول.

وبالجملة انّ الإجزاء مع جعل الأمارة و إیجاب العمل علی طبقها لأجل الکشف عن الواقع کما هو شأن الأمارات متنافیان لدی العرف و العقلاء.

غیر سدید لما عرفت من أنّ المکلّف الذی کان بصدد الامتثال بالنسبة إلی التکالیف الواقعیّة وکان متحیّراً فی هذا المقام إذا سهّل الشارع الأمر علیه بإیجاب العمل بالأصل والأمارة یفهم من إیجاب العمل بهما أنّه قنع فی مقام الامتثال بالواقعیّات بالإتیان بما قامت علیه الاُصول والأمارات ولیس معنی ذلک إلّا الإجزاء کما لایخفی ومجرّد کون الأمارات کاشفة بنحو کشف ناقص عن الواقعیّات دون الاُصول الظاهریّة لایوجب تفاوتا فی التبادر المذکور والانفهام العرفیّ من أدلّة الاعتبار.

ولامنافاة بین کونها کاشفة والاکتفاء بها عند المخالفة ویشهد له صحّة تصریح الشارع عند جعل الاعتبار للأمارات بأن إعملوا بها وإن کانت مخالفة للواقع فلا أعادة فی الوقت و لاقضاء فی خارجه.

ثمّ لاوجه للفرق بین ما إذا کانت الأمارة تأسیسیّة أو إمضائیّة فإنّ إمضاء الأمارة فی مقام قبول ما قامت علیه الأمارات العقلائیّة مکان تکالیفه الواقعیّة یفید أمراً زائداً علی ما اعتبره العقلاء.

ص:162

فإذا ظهر التخلّف کان مقتضی قبوله أیّاها مکان الواقع هو الإجزاء هذا بخلاف ما إذا ورد إمضاء الشارع بعنوان محض الإرشاد إلی ما بنی علیه العقلاء فأنّه تابع لما علیه العقلاء فلاتغفل.

وبالجملة فالحکم الظاهریّ فی المقام هو الذی استفید من أدلّة اعتبار الأمارات الحاکمة بوجوب العمل علی طبقها و ترتیب آثار الواقع علی مؤدّیها لا نفس الأمارة ومن المعلوم أنّ ظاهر أدلّة الاعتبار فی الأمارات والاُصول هو البناء علی الوجود والتعبّد به ومقتضی ذلک مع عدم حصول العلم والاطمئنان بوجود الواقع هو ترتیب جمیع آثار الواقع علی ما أدّت إلیه الأمارة ومن جملتها الشرطیّة والمتبادر من ذلک هو قناعة الشارع فی مقام الامتثال بإتیان ما أدّت إلیه الأمارات والاُصول وهذا هو معنی الإجزاء.

والتقریب المذکور أصحّ من التقریب الثانی المحکیّ عن المیرزا الشیرازیّ قدس سره لوجود بعض المناقشات فیه کما عرفت.

وأیضاً لایصلح التقریب الثالث لأنّ حدیث الرفع لاموضوع له بعد وجود الأمارات إذ المراد منه هو رفع ما لاتقوم الحجّة علیه ومع وجود الأمارات تقوم الحجّة والقول بإنّ المراد هو رفع ما لایحصل العلم الحقیقیّ به غیر سدید لأنّ لازمه هو جریان حدیث الرفع مع الأمارات وحصلت بینهما المناقضة لأنّ مفاد الأمارات هو وجود الأحکام الواقعیّة و فعلیّتها و مفاد حدیث الرفع هو عدم فعلیّة الواقعیّات و دعوی المناقضة بین حدیث الرفع والأمارات کما تری و لم یلتزم به أحد.

الجهة الثانیة: فی إجزاء الأمارات بناء علی المنجّزیّة و المعذّریّة

ربّما یقال إنّه لو قیل فی الأمارات بجعل الحجّیّة ومجرّد المعذّریّة والمنجّزیّة لم یکن وجه للإجزاء.

ص:163

والمراد منه أنّ بناء علی جعل المنجّزیّة و المعذّریّة لامصلحة فی المتعلّق حتّی تکون موجبة لإنشاء الحکم علی أیّ تقدیر ویقتضی ذلک الإجزاء بل الإنشاء بداعی تنجیز الواقع أو بداعی إیصال الواقع منبعث عن نفس مصلحة الواقع لاعن مصلحة أخری وعلیه فلا مقتضی للإجزاء.

وأجیب عنه أوّلاً: بأنّ مفاد الأخبار المستدلّ بها لاعتبار الآحاد من الأخبار هو وجوب العمل علی طبق الآحاد من الأخبار تعبّداً علی أنّها هو الواقع وترتیب آثار الواقع علی مؤدّاها ولیس فیها أیّ أثر من حدیث جعل الوسطیّة و الطریقیّة بل لاتکون الوسطیّة والطریقیّة قابلة للجعل فإنّها لاتنالها ید الجعل إذ الشیء لو کان واجداً لهذه الصفة تکوینا فلامورد لإعطائها إیّاه و إن کان فاقداً لها فلایمکن إعطائها إیّاه لأنّه لایعقل أن یصیر ما لیس بکاشف کاشفاً و ما لیس بطریق طریقاً إذ الطریقیّة لیست أمراً اعتباریّاً کالملکیّة حتّی یصحّ جعلها و هکذا إکمال الطریقیّة و تتمیم الکشف لایمکن جعلهما فکما أنّ اللاکاشفیّة ذاتیّة للشکّ و لایصحّ سلبه فکذلک النقصان فی مقام الکشف ذاتیّ للأمارات لایمکن سلبها.

فما یناله ید الجعل فی أمثال ما ذکر هو إیجاب العمل بمفاد الآحاد من الأخبار والعمل علی طبقها وترتیب آثار الواقع علیه نعم بعد التعبّد بلسان تحقّق الواقع وإلقاء احتمال الخلاف تعبّداً یصحّ انتزاع الوسطیّة والکاشفیّة.

وثانیاً: إنّ المعذّریّة لیست أثراً للأمارة فیما إذا خالفت للواقع بل هی أثر عدم وصول الواقع والجهل به سواء علم بخلافه أم لا و سواء قامت الأمارة علی خلافه أم لا.

فتحصّل: أنّه لاجعل فی البیّن فالطریقیّة أو الحجّیّة لیستا بمجعولتین بل المستفاد من الأمارات والطرق هو ما علیه العقلاء من الاکتفاء بها فی مقام الاحتجاج و اللجاج و ترتیب آثار الواقع علیها.

ص:164

وعلیه فإذا استظهر منها کما مرّ أنّ الأمارات أو الطرق تکون ناظرة إلی الواقع بلسان تبیین ما هو وظیفة الشاکّ فی الأجزاء والشرائط فهی حاکمة بالنسبة إلی الأدلّة الدالّة علی الأجزاء والشرائط وموجبة لسقوط الواقعیّ عن الفعلیّة وکون ما أتی به منجزیاً عن الواقع.

الجهة الثالثة: فی إجزاء الأمارات و عدمه بناء علی السببیّة

ولامجال للإجزاء إذا کان المراد من السببیّة أنّه تعالی لم یجعل حکماً من الأحکام قبل قیام الأمارات وتأدیتها لعدم مقتض له من المصالح والمفاسد قبل قیام الأمارات لیکون منشأ لجعل الحکم بل المصلحة و المفسدة تحدث بقیام الأمارات علی الوجوب أو علی الحرمة و الحکم مجعول بقیامها.

وعلیه فالأحکام الواقعیّة هی نفس مفاد الأمارات و لا شیء غیرها حتّی یقال بإجزاء مفاد الأمارات عنه عند تخالفها والمفروض هو الإتیان بمفاد الأمارات.

ولکنّ هذا المعنی للسببیّة ممّا یکون خلاف الضرورة المتسالم علیه عند الأصحاب من أنّ الأحکام مشترکة بین العالم و الجاهل.

وهکذا لایعقل الإجزاء فیما إذا کان المراد من السببیّة هو انقلاب الأحکام الواقعیّة بنفس قیام الأمارات إلی مؤدّی الأمارات بحیث لایبقی فی الواقع شیء لافعلاً و لاشأناً غیر مؤدّی الأمارات.

فإنّه بعد عدم وجود الأحکام الواقعیّة لامجال لکشف الخلاف إذ الأحکام الواقعیّة حینئذٍ أیضاً هی نفس مفاد الأمارات و المفروض هو الإتیان بها وحیث إنّ الأحکام الواقعیّة تختصّ بالعالمین بالأمارات فلاحکم بالنسبة إلی غیرهم و هو أیضاً خلاف الضرورة و المتسالم علیه بین الأصحاب من اشتراک العالم و الجاهل فی الأحکام.

وأمّا إذا ارید من السببیّة أنّ بسبب قیام الأمارات تحدث فی المؤدّی مصلحة غالبة

ص:165

علی مصالح الواقعیّة وهی موجبة لسقوط الواقعیّة عن الفعلیّة فلایکون مخالفاً للضرورة المتسالم علیها لثبوت الأحکام الواقعیّة فی هذه الصورة وإنّما انحصر الأحکام الفعلیّة فی مؤدّیات الأمارات و یکون لکشف الخلاف فی هذه الصورة مجال فبعد وجود الأحکام الواقعیّة وإمکان کشف الخلاف یمکن أن یبحث فیها عن إجزاء الأمارات عن الأحکام الواقعیّة و عدمه.

وهکذا یمکن تصوّر کشف الخلاف و إمکان الإجزاء فیما إذا أرید من السببیّة أنّ العناوین الواقعیّة بما هی مشتملة علی المصالح و المفاسد ومحکومة بأحکام واقعیّة ولم یکن أداء الأمارة علی خلافها موجباً لانقلاب الواقع مصلحة أو حکما بل المصلحة الحادثة إنّما تکون فی سلوک الأمارة و تطبیق العمل علی طبقها والحکم الظاهریّ یثبت لهذا العنوان أعنی سلوک الأمارة بما هو سلوک والمصلحة إنّما تکون فی سلوک الأمارة بما هو سلوک و بهذه المصلحة یتدارک فوت مصلحة الواقع بقدر فوتها.

ففی هذه الصورة تکون الأحکام الواقعیّة محفوظة ومع کونها محفوظة فلکشف الخلاف مجال وعلیه فیجری فیه بحث الإجزاء.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ السلوک لیس أمراً وراء العمل الذی یوجده المکلّف فهذه الصورة ترجع إلی الصورة السابقة.

ویلحق بها أیضاً ما قیل من أنّ المصلحة تکون فی نفس الأمر بالسلوک دون نفس السلوک و دون نفس المتعلّق فإنّ الواقعیّات حینئذٍ باقیة ومع بقائها علی ما علیها یجری فیه بحث الإجزاء.

ثمّ لایخفی علیک أنّه لادلیل علی الإجزاء فی الفروض المذکورة فی السببیّة لعدم مساعدة إطلاقات أدلّة حجّیّة الأمارات مع السببیّة لظهورها فی الطریقیّة وتحفظ

ص:166

الواقعیّات و لو أغمضنا عن ذلک فالإطلاق المقامیّ فیها یکفی أیضاً لإثبات الإجزاء علی السببیّة من دون حاجة إلی إثبات الإجزاء من ناحیة قبح تفویت المصلحة الواقعیّة مع عدم تمامیّة عمومه و شموله فراجع.

فتحصّل: أنّ الأمارات بناء علی الطریقیّة کما هو الحقّ تکون کالاُصول الظاهریّة فی کونها مجزیة عن الواقع عند کشف الخلاف بالیقین.

الأمر الرابع: فی إجزاء الأمارات بعد کشف الخلاف بغیر الیقین

ویقع الکلام فی جهات:

الجهة الأولی: فی إجزاء الاجتهاد السابق بالنسبة إلی نفس المجتهد

بمعنی أنّه لو تبدّل الاجتهاد السابق إلی اجتهاد آخر یخالفه فهل یجزی الاجتهاد السابق أم لا؟ فالأقوی هو الإجزاء لما عرفت من أنّ مقتضی حکومة أدلّة اعتبار الاُصول والأمارات بالنسبة إلی الأوامر الواقعیّة قبل حدوث الاجتهاد اللاحق هو تحقّق الامتثال بالنسبة إلی الطبیعة المأمور بها ومعه لایبقی أمر واقعیّ حتّی یبحث عن سقوطه أو عدمه والاجتهاد اللاحق لایدلّ علی عدم حجّیّة الأمارات والاُصول فی ظرفها بل تدلّ علی انتهاء أمدها إذ المفروض فیما إذا لم یظهر بطلان الاجتهاد السابق کما توهّم المجتهد الظهور مع أنّه لاظهور أو توهّم صحّة الروایة مع أنّه لاصحّة لها لأنّ فرض ظهور بطلان الاجتهاد السابق خارج عن محلّ الکلام لأنّ فی هذه الصورة لا أمر ظاهریّ حتّی یبحث عن إجزائه وعدمه.

فالکلام فیما إذا تمّ الاجتهاد السابق فی ظرفه کما إذا أفتی علی طبق العموم بعد الفحص اللازم عن مخصّصه و عدم الظفر به ثمّ ظفر به اتّفاقاً.

والقول بأنّ مدلول الحجّة اللاحقة یعمّ السابق حیث إنّها تحکی عن ثبوت مدلولها فی الشریعة المقدّسة من دون اختصاصه بزمن دون زمن آخر وبعصر دون عصر ولذا

ص:167

وجب ترتیب الأثر علیه من السابق ولازم هذا هو أنّ العمل المأتیّ به علی طبق الحجّة السابقة حیث کان مخالفاً لمدلولها باطل لعدم کونه مطابقاً لما هو المأمور به فی الواقع وهو مدلولها.

وکون الحجّتین تشترکان فی احتمال مخالفة مدلولهما للواقع لایضرّ بذلک بعد إلغاء هذا الاحتمال بحکم الشارع فی الحجّة الثانیة حسب أدلّة اعتبارها وعدم إلغائها فی الأولی لفرض سقوطها عن الاعتبار بقاء و من الطبیعیّ أنّ صرف هذا الاحتمال یکفی فی الحکم بوجوب الإعادة أو القضاء بداهةً أنّه لامؤمّن معه من العقاب فأنّ الحجّة السابقة و إن کانت مؤمّنة فی ظرف حدوثها إلّا أنّها لیست بمؤمّنة فی ظرف بقائها لفرض سقوطها عن الحجّیّة بعد الظفر بالحجّة الثانیة.

غیر سدید لما عرفت من أنّ مقتضی صحّة الحجّة فی ظرفها وکون لسان أدلّة اعتبارها هو الحکومة هو وقوع امتثال الطبیعة المأمور به فی ظرفها کسائر موارد التقبّل المصداقیّ و مع تحقّق الامتثال لایبقی أمر فی الواقع حتّی تدلّ الحجّة اللاحقة بالإعادة فی الوقت و القضاء فی خارجه و تعمیم مفاد الحجّة اللاحقة بالنسبة إلی ما سبق إنّما یجدی بالنسبة إلی ما لم یمتثل و لم یتقبّل لا بالنسبة إلی ما امتثله وتقبّله الشارع و علیه فأدلّة اعتبار الأمارات و الاُصول مؤمّنة فی المقام کما لایخفی.

ولافرق فیما ذکر بین کون الحجّة اللاحقة راجحة بالنسبة إلی الحجّة السابقة أو متساویة أو مرجوحة لأنّ مقتضی إطلاق أدلّة اعتبار الحجّة السابقة فی ظرفها وحکومتها بالنسبة إلی الأدلّة الأوّلیّة هو تحقّق الامتثال فی جمیع الصور و إنّما الفرق بالنسبة إلی الأعمال اللاحقة فلاتغفل.

وأیضاً لافرق فیما ذکر بین أن نقول بالطریقیّة أو السببیّة وذلک لإطلاق أدلّة اعتبار الأمارات والاُصول وحکومتها بالنسبة إلی الأدلّة الأوّلیّة و مقتضاه هو تقبّل المصداق

ص:168

الظاهریّ مکان المصداق الواقعیّ فی حصول الامتثال وسقوط الأمر نعم لو کشف عدم وجود الأمارات و الاُصول و کان هذا موجباً لتبدّل الرأی فلا کلام حینئذٍ فی عدم الإجزاء بعد عدم وجود الأوامر الظاهریّة فلاتغفل.

الجهة الثانیة: فی إجزاء عمل المقلّد و عدمه عند تبدّل رأی مجتهده

ولایخفی علیک أنّ ظاهر أدلّة اعتبار الفتاوی کقوله علیه السلام لأبان بن تغلب اجلس فی مسجد المدینة و أفت للناس فإنّی احبّ أن یری فی شیعتی مثلک.

أو کقوله فی جواب من سئل عمّن آخذ معالم الدین (خذ) من زکریّا بن آدم القمیّ المأمون علی الدین و الدنیا و غیر ذلک من الأخبار الکثیرة هو الاکتفاء بفتوی المفتین من علماء الشیعة فی مقام الامتثال للتکالیف الواقعیّة بالتقریب الذی عرفت فی الأمارات والاُصول الظاهریّة.

هذا مضافاً إلی إمکان الاستدلال هنا بالاطلاق المقامیّ فی مثل تلک الأدلّة إذ مع وقوع الاختلاف وتبدّل الرأی بین المفتین لم یرد شیء فی الأخبار یدلّ علی وجوب الإعادة والقضاء فهو یدلّ علی عدم وجوبهما وإلّا لأشیر إلیه فی الأخبار علی أنّ السیرة المتشرّعة من لدن صدر الإسلام تکون علی عدم الإعادة والقضاء عند تبدّل الرأی.

ولافرق فی ما ذکر بین أن تکون الأمارات معتبرة علی الطریقیّة أو السببیّة فإنّ المعیار هو الاستظهار المذکور من أدلّة الاعتبار و الإطلاق المقامیّ و قیام السیرة المتشرّعة و هذه الأمور جاریة علی کلّ تقدیر من التقادیر.

الجهة الثالثة: فی إجزاء عمل المقلّد عند الرجوع عن المیّت إلی الحیّ أو عند عدوله من الحیّ إلی الحیّ بناءً علی جواز ذلک

والظّاهر أنّ حکم المقام هو الذی عرفته فی المسائل المتقدّمة إذ بعد حجّیّة رأی المجتهد الأوّل فی ظرف التقلید عنه و دلالة أدلّة اعتباره علی حکومة رأیه علی

ص:169

الواقعیّات کسائر الأمارات وسقوط الأوامر الواقعیّة تعبّداً بإتیانها طبقاً لرأی المجتهد فلامجال للامتثال بعد الامتثال حتّی یمکن الأخذ بإطلاق حجّیّة رأی المجتهد الثانی.

هذا مضافاً إلی الإطلاق المقامیّ مع شیوع العدول عن المیّت إلی الحیّ أو من الحیّ إلی الحیّ.

وأیضاً تقوم السیرة علی عدم الإعادة و القضاء و بالجملة فکما أنّ مقتضی إطلاق أدلّة اعتبار الخبرین المتعارضین والحکم بالتخییر الاستمراریّ بینهما هو الحکم بالاجتراء إذا عمل بکلّ واحد منهما عند عدوله إلی الآخر فکذلک مقتضی إطلاق أدلّة اعتبار الفتاوی المختلفة التی تدلّ علی الحجّیّة التخییریّة هو الحکم بالاجتراء بکلّ واحد منهما إذا عمل به هذا مضافاً إلی دعوی لزوم الحرج و هو منفی فی الاحکام.

الأمر الخامس: فی مقتضی الأصل عند عدم إحراز کیفیّة حجّیّة الأمارات من أنّها هل تکون بنحو الکشف و الطریقیّة أو الموضوعیّة و السببیّة

ویقع الکلام فی المقامین:

المقام الأوّل: فی مقتضی الأصل بالنسبة إلی وجوب الإعادة فی الوقت و عدمه

وأعلم أنّ مقتضی ما قلنا من حکومة أدلّة اعتبار الأمارات و الاُصول علی الأدلّة الأوّلیّة مطلقاً سواء علی الطریقیّة أو السببیّة هو عدم الشکّ فی الإجزاء ومع عدم الشکّ لامجال للبحث عن مقتضی الأصل کما لایخفی.

نعم لو لم نقل بذلک وفصّلنا فی الإجزاء بین السببیّة و الکشف فاللازم حینئذٍ عند الشکّ فی الطریقیّة أو السببیّة هو الرجوع إلی مقتضی الأصل.

ذهب فی الکفایة إلی وجوب الإعادة مستنداً إلی أصالة الاشتغال إذ الاشتغال الیقینیّ یقتضی الفراغ الیقینیّ.

ص:170

اورد علیه بأنّ بعد العلم بالخلاف تعلّق العلم بحکم لم یکن حال ثبوته وعدم العلم به فعلیّاً لأنّ المفروض فی هذا الحال هو قیام الأمارة علی خلاف الواقع.

وحیث إنّ العلم بالخلاف بعد العمل بالأمارة لم یعلم ببقاء ما علم ثبوته حال قیام الأمارة لاحتمال اجتزاء ما أتی به عنه و علیه فلا أثر لتعلّق العلم بالحکم بعد العمل بالأمارة.

اجیب عنه بأنّه یکفی استصحاب بقاء التکلیف الواقعیّ الذی هو عبارة عن الإنشاء بداعی جعل الداعی الذی علم به بعد کشف الخلاف و حیث إنّ الحکم الاستصحابیّ و أصل فیصیر فعلیّاً فینسب الفعلیّة بالعرض إلی الحکم الواقعیّ.

هذا مضافاً إلی أنّ حال العلم هنا حال الحجّة الشرعیّة بمعنی المنجّز فکما أنّ قیامها یوجب تنجّزه علی تقدیر ثبوته فکذلک العلم هنا تعلّق بتکلیف لو کان باقیاً لکان فعلیّاً منجّزاً.

اورد علیه أیضاً بأنّ المقام لیس من مورد قاعدة الاشتغال بل من موارد أصالة البراءة حیث لاواقع بناء علی السببیّة بالمعنی الأوّل إذ الواقع یدور مدار الأمارة و لابالمعنی الثانی لأنّ الواقع ینقلب طبقا لمؤدّی الأمارة و علیه فإذا شکّ فی أنّ حجّة الأمارة علی نحو السببیّة أو الطریقیّة فبطبیعة الحال لایعلم باشتغال ذمّته بالواقع إذا عمل بما أدّت إلیه الأمارة ثمّ انکشف بطلانها و عدم مطابقتها للواقع.

وبعبارة أخری أنّ الشکّ فیما نحن فیه وإن أوجب حدوث العلم الإجمالیّ بوجود تکلیف مردّد بین تعلّقه بالفعل الذی جیئ به علی طبق الأمارة السابقة وبین تعلّقه بالواقع الذی لم یؤت به علی طبق الأمارة الثانیة إلّا أنّه لا أثر لهذا العلم الإجمالیّ ولایوجب الاحتیاط.

وذلک لأنّ هذا العلم حدث بعد الإتیان بالعمل علی طبق الأمارة الأولی فلا أثر له بالإضافة إلی هذا الطرف فلامانع من الرجوع إلی أصالة البراءة من الطرف الآخر.

ص:171

بل الأمر یکون کذلک بناءً علی السببیّة بالمعنی الثالث إذ بعد قیام المصلحة السلوکیّة بوجود الأمارات امتنع للشارع الحکیم تخصیص الوجوب الواقعیّ بخصوص مافی الواقع لقبح الترجیح من دون مرجّح بل الواجب حینئذٍ هو الجامع بین الواقع وما قامت الأمارة المعتبرة علیه فینقلب الواقع عن التعیین إلی التخییر ومقتضی صیرورة الواجب واجباً تخییریّاً هو عدم تأثیر العلم الإجمالیّ الحادث بعد الإتیان بالأمارة الأولی وبعد عدم التاثیر لامانع من الرجوع إلی أصالة البراءة.

ولایخفی أنّ ما ذکر جیّد بالنسبة إلی السببیّة بالمعنی الأوّل و المعنی الثانی و أمّا بالنسبة إلی السببیّة بالمعنی الثالث أی المصلحة السلوکیّة منظور فیه لأنّ الأمارة بناءً علی السببیة بالمعنی المذکور فی طول الواقع لا فی عرضها إذ مفاد أدلّة اعتبار الأمارات بناء علی المصلحة السلوکیّة هو اعتبار التعبّد بها بعنوان أنّها وصول الواقع و علیه فلاوجه لدعوی انقلاب الواقع عن التعیینیّ إلی التخییریّ إذ مجرّد کون المصلحة السلوکیّة للتدارک لاینقلب الواقع عمّا هو علیه بعد کون ما یوجب التدارک لیس فی عرض المتدارک و علیه فالواقع باقٍ علی ما هو علیه.

فعند کشف الخلاف والعلم بالواقع و الإتیان بما أدّت إلیه الأمارة و الشکّ فی الطریقیّة والسببیّة بمعنی المصلحة السلوکیّة یکون مقتضی القاعدة هو لزوم الإعادة فی الوقت لأنّ مقتضی العلم بالواجب الواقعیّ و اشتغال الذمّة به هو الفراغ الیقینیّ و المفروض أنّ الشکّ فی السقوط بعد الثبوت لاحتمال السببیّة والتدارک فلاوجه لرفع الید عن الواقع بمجرّد احتمال السقوط و التدارک.

المقام الثانی: فی مقتضی الأصل بالنسبة إلی وجوب القضاء وعدمه

وحکمه ظاهر ممّا تقدّم فی المقام الأوّل لأنّ مقتضی الأصل هو وجوب القضاء عند الشکّ فی أنّ اعتبار الأمارة من باب الطریقیّة أو السببیّة بالمعنی الثالث أی المصلحة

ص:172

السلوکیّة بناءً علی وحدة حقیقة القضاء مع حقیقة الأداء کما هو المختار فأنّ قاعدة الاشتغال حینئذٍ تکفی لوجوبه إذ المفروض هو حصول العلم بمطلوبیّة الواقع مطلقاً سواء کان فی الوقت أو فی خارجه سواء قلنا بالطریقة أو السببیّة بالمعنی المذکور وإنّما الشکّ فی السقوط بسبب الإتیان بمؤدّی الأمارة لاحتمال التدارک و مقتضی القاعدة هو وجوب القضاء.

نعم لو کانت السببیّة بالمعنی الأوّل و الثانی و دار أمر اعتبار الأمارة بین الطریقیّة و السببیّة لیس من موارد قاعدة الاشتغال بل من موارد أصالة البراءة حیث لاواقع بناء علی السببیّة بالمعنی الأوّل إذ الواقع یدور مدار الأمارة و لا بالمعنی الثانی لأنّ الواقع ینقلب طبقا لمؤدّی الأمارة و أیضاً تکون مقتضی القاعدة هو البراءة عن وجوب القضاء لو لم نقل بوحدة حقیقة القضاء مع الأداء وقلنا بأنّ القضاء فرض جدید و یحتاج إلی صدق عنوان الفوت فإنّ هذا العنوان غیر محرز بعد احتمال اعتبار الأمارة التی أتی بها من باب السببیّة بالمعنی الأوّل أو الثانی دون المعنی الثالث إذ علی السببیّة المذکورة أتی بالعمل ولم یصدق عنوان الفوت.

ولاطریق آخر لإحراز عنوان الفوت و أصالة عدم الإتیان بالعمل لایثبت عنوان الفوت لأنّه لیس عنواناً للترک و لعدم الفعل مطلقاً بل فیما إذا کان للشیء استعداد الوجود من حیث کونه ذا مصلحة فعلیّة أو مأمور به واقعاً أو مبعوثا إلیه فعلاً. و الظّاهر أنّ الفوت لیس مجرّد عدم ما کان له الإمکان الاستعدادیّ للوجود من أحدی الجهات المزبورة بل هو عنوان ثبوتیّ ملازم لترک ما کان کذلک فی تمام الوقت المضروب له و إثبات الملازم بالأصل التعبّدیّ لادلیل له.

الأمر السادس: أنّ مقتضی ما مرّ من أنّ المتبادر من أدلّة اعتبار الأمارات و الاُصول الظاهریّة

هو الإجزاء و ترتیب آثار الواقع علی کلّ عمل أتی به بالظنّ الاجتهادیّ تقلیداً أو

ص:173

إجتهاداً هو عدم اختصاص ذلک بالشخص العامل بل یعمّ غیره فیجوز له أن یترتّب آثار الواقع علی ما أتی به الغیر باجتهاد أو تقلید ولو مع العلم أو الظنّ المعتبر بمخالفته للواقع.

إذ بعد تمامیّة أدلّة الإجزاء علم بحکم الشارع تعبّداً و حکومة بصحّة ما أتی به بأمارة أو أصل من الاُصول الظاهریّة.

فکما أنّ الآثار مترتّبة علی الصحّة الواقعیّة فکذلک تترتّب علی الصحّة التعبّدیّة بعد کون لسان أدلّة اعتبار الأمارات و الاُصول هو لسان الحکومة و ادراجها فی الواقعیّات هذا مع الغمض عن الادلة الخاصة و إلّا أمکن الاستدلال علی عدم الاجزاء بصحیحة عبدالرحمن بن أبی عبدالله قال قلت له رجل اسرته الروم و لم یصم شهر رمضان و لم یدر أی شهر هو قال یصوم شهراً یتوخاه (یتحرّی) و یحسب (و یحتسب) فان کان الشهر الذی صامه قبل (شهر - فقیه) رمضان لم یجزه و ان کان بعد (شهر - فقیه - تهذیب) رمضان اجزئه.(1) بدعوی ان دلالة هذا الحدیث علی عدم الاجزاء واضحة فان مع التحرّی یحصل له ترجیح بعض الشهور علی بعض فیکون وظیفته الظاهریة هو صوم ذلک الشهر فلو کشف ان مورد التجدی لیس بشهر رمضان بل هو واقع قبل شهر رمضان حکم بعدم اجزائه عن صوم شهر رمضان إلّا اذا کان الشهر المذکور واقعاً بعد شهر رمضان فحکم فیه بصحته قضاء لوقوعه بعده و کیف کان فیقتصر علی موردها فی تخصیص قاعدة الاجزاء خصوصاً مع ملاحظة صحیحة زرارة الّتی علل فیها بما یتعدی عن موردها و صحیحة الحلبی المشار الیها سابقاً الّتی تدلّ علی الاجزاء عند التحری.

ص:174


1- (1) جامع الأحادیث، الباب 15 من أبواب کتاب الصوم، ح 358، ج 9، ص 145.

الفصل الرابع: فی مقدمة الواجب و الحرام

اشارة

و قبل الخوض فی المقصود و یقع الکلام فی مقامات:

المقام الأوّل

انّه لاتختصّ المقدّمة المبحوث عنها بمقدّمة الواجب بل تعمّ مقدّمة الحرام أیضاً لعمومیّة ملاک البحث ضرورة أنّ الملازمة إن کان ثابتة تکون بین مطلق الطلب و مقدّماته سواء کان الطلب طلباً للفعل أو للترک.

المقام الثانی

انّ المراد من المقدّمة هو ما یتوقّف ذو المقدّمة علیه فی الوجود أو الترک و علیه فلاتشمل المقارنات والمتلازمات لعدم توقّف المقارن والمتلازم علی المقارن و المتلازم الآخر.

وأمّا اعتبار الاستقلال فی الوجود فی المقدّمة کما یظهر من بعض الأعلام فهو منظور فیه إذ لادلیل علی ذلک مع ما نراه بالوجدان من دخول القیود کالإیمان فی مثل أعتق رقبة فی البحث مع عدم استقلال وجودها کما لایخفی.

المقام الثالث

انّ محلّ النزاع والاختلاف هو الوجوب أو الحرمة الشرعیّة لا العقلیّ إذ اللابدّیّة العقلیّة لامجال لانکارها بداهة أنّ العقل إذ أدرک توقّف الواجب أو الحرام علی مقدّماته استقلّ من دون تأمّل بوجوبها و لامجال للنزاع فیه.

ص:175

المقام الرابع

انّ المقصود من تبعیّة إرادة المقدّمة لإرادة ذیها انّ إرادة ذیها صارت منشأ لإرادة المقدّمة بمادتها بعد الالتفات إلی أنّ ذا المقدّمة لایحصل بدون المقدّمات الواقعیّة وحیث إنّ الالتفات المذکور حاصل فی جمیع الموارد إجمالاً تحصل إرادة المقدّمة بالفعل بتبع إرادة ذیها و أنّ توقّف تفصیل الإرادة بالنسبة إلی آحاد المقدّمات علی تشخیص أنّ کلّ واحد منها ممّا توقّف علیه ذوها.

المقام الخامس

انّ المسألة من المسائل الاُصولیّة لاالکلامیّة لأنّ البحث فیها عن ثبوت الملازمة بین إرادة ذی المقدّمة وإرادة المقدّمة أو عن ثبوت دلالة وجوب ذی المقدّمة علی وجوب المقدّمة و هذا أجنبیّ عن البحث الکلامیّ إذ البحث فیه یکون عن أحوال المبدأ و المعاد و أنّ المقدّمة هل تکون مستتبعة فعلاً و ترکاً للثواب والعقاب أم لا.

ومن المعلوم أنّ البحث فی المقام لیس من هذه الناحیة بل لامورد له لأنّ وجوب المقدّمة علی القول به لایستلزم امتثاله بنفسه ثواباً و لا عصیانه عقاباً غیر ما یترتّب علی امتثال ذیها و عصیانه.

وهکذا لاتکون المسألة فقهیّة فإنّ الاُصولیّة ما به ینظر والمسألة الفقهیّة ما فیه ینظر وهذه المسألة هی الّتی تقع نتیجتها فی طریق الاستنباط وتکون ممّا به ینظر و المسألة الفقهیّة لاتقع کذلک بل هی ممّا فیه ینظر فإنّها هی نفس الحکم ولاتقع فی طریق الاستنباط.

ثمّ لایخفی علیک أنّ المسألة الاُصولیّة هی ما یصلح للحجّیّة علی الحکم الکلّیّ الفقهیّ و هو عنوان ینطبق علی وجوب ذی المقدّمة فإنّه ممّا یصلح لأن یکون حجّة علی وجوب المقدّمة بدعوی الملازمة العقلیّة بین وجوبهما أو بدعوی الدلالة اللفظیّة علیه ولایضرّ بذلک تعنون المسألة بعناوین أخری من قبیل أنّ الملازمة من عوارض

ص:176

وجوب ذی المقدّمة وبهذا الاعتبار یمکن إدراجها فی مبادئ الأحکام الفقهیّة لأنّ ملازمات الأحکام ومعانداتها تسمّی بالمبادئ الأحکامیّة.

إذ لامنافاة بین کون المسألة باعتبار من المبادئ الأحکامیة وباعتبار کون نتیجة المسألة ممّا یصلح لأن تقع فی طریق الاستنباط یکون من المسائل الاُصولیّة.

وممّا ذکر یظهر أنّه لاوقع لما یقال من أنّ موضوع علم الاُصول هو الأدلّة الأربعة و منها حکم العقل والمراد به کلّ حکم عقلیّ یتوصّل به إلی حکم شرعیّ فلامحالة یجب أن یبحث فی الاُصول عن لواحق القضایا العقلیّة المثبتة للأحکام الشرعیّة لاعن ثبوت نفسها ونفیها والبحث فی مسألة المقدّمة إذا کان عن تحقّق الملازمة بین الوجوبین کان بحثاً عن نفس الحکم العقلیّ لاعن عوارضه وعلیه یصیر البحث من المبادئ التصدیقیّة لوجود موضوع علم الاُصول.

وذلک لأنّ إدراج أمثال هذه المسألة التی تنفع نتائجها فی إثبات الحکم الشرعیّ کسائر المسائل الاُصولیّة فی المبادئ التصدیقیّة کما تری لأنّ هذه المسائل کنفس المسائل الاُصولیّة فی النتیجة فإنّ نتیجتها تقع فی طریق الاستنباط و عنوان ما یصلح لأن یقع فی طریق الاستنباط یشمله وإن لم یشمله ما عدّه بعض موضوعاً لعلم الاُصول فلاتغفل.

المقام السادس

انّ الظّاهر أنّ المسألة عقلیّة لا لفظیّة إذ اللازم فی الدلالة الالتزامیة هو أن یکون اللازم لازماً للمعنی المطابقیّ وما نحن فیه لیس کذلک لأنّ دلالة الأمر علی کون متعلّقه مراداً للآمر لیس من قبیل دلالة اللفظ بل من قبیل کشف الفعل الاختیاریّ عن کون فاعله مریداً له هذا مضافاً إلی أنّ محلّ الکلام أعمّ من المدلول علیه بالدلالة اللفظیّة.

ص:177

المقام السابع: فی تقسیمات المقدمة

اشارة

منها: تقسیمها إلی الداخلیّة والخارجیّة

یقع الکلام فی أمور:

أحدها: إنّ المقدّمة الداخلیّة هی التی تکون أجزاء و مقوّمات للمرکّبات کأجزاء الصلاة فی المرکّبات الاعتباریّة و أجزاء البیت و الدار فی المرکّبات الصناعیّة.

وأنّ المقدّمة الخارجیّة هی التی تکون مغایرة مع المرکّبات فی الوجود و الماهیّة کطیّ الطریق بالنسبة إلی الحجّ مثلاً.

و لاإشکال فی کون المقدّمة الخارجیّة محلّاً للنزاع وإنّما الکلام فی المقدّمة الداخلیّة فإنّه ربّما یتوهّم خروجها عن حریم النزاع بتقریب أنّ الأجزاء بالأسر أی مجموعها عین المرکّب فی الخارج ومعه فلامعنی للتوقّف حتّی یترشّح الوجوب منه إلیه والمغایرة الاعتباریّة لاتوجب مغایرة وجود أحدهما لوجود الآخر.

ویمکن أن یقال: بمنع خروج المقدّمة الداخلیّة عن محلّ النزاع فإنّ المقدّمة هی کلّ واحد واحد من الأجزاء و الأفراد و المرکّب هو مجموع الأجزاء والأفراد والمرکّب ممّا لایتحقّق فی الواقع ونفس الأمر إلّا بتحقّق کلّ واحد واحد من الأجزاء والأفراد فی الواقع ونفس الأمر إذ المراد من المرکّب هو ما یترتّب علیه الغرض کفتح المصر وغیره وهو یتقوّم بوجود المجموع.

وهو منشأ انتزاع عناوین للمجموع کعنوان الفوج أو القوم.

وکلّ واحد واحد من الأفراد والأجزاء منشأ انتزاع المقدّمة ولایتوقّف وجودها علی شیء آخر بل یکون وجود کلّ واحد ممّا یتوقّف علیه وجود ذی المقدّمة إذ لایمکن وجود المجموع بدون وجوده و علیه فالکلّ و الجزء لهما ملاکان فی نفس الأمر ومعه

ص:178

فإذا کانت حقیقة ذی المقدّمة و المقدّمة و ملاکهما متحقّقة فی الواقع و نفس الأمر فلامجال لأن تکون المقدّمة الداخلیّة خارجة عن محلّ النزاع.

ثانیها: إنّ محطّ الإرادة و الطلب هو الوجود الذهنیّ بما هو حاک عن الخارج لا الوجود الخارجیّ لأنّ الخارج ظرف السقوط لا ظرف الثبوت.

وعلیه فالمطلوب والمراد هو الوجود العنوانیّ الذهنیّ سواء کان بسیطا أو مرکّباً.

فإذا لاحظ الأمر عنوانا مرکّباً یترتّب الغرض علیه کالفوج المترتّب علیه فتح البلد کان کلّ واحد واحد من أفراد الفوج مندکّاً و فانیاً فی هذا العنوان و لذلک لم یتعلّق الإرادة عند تصوّر العنوان المرکّب إلّا بنفس العنوان المرکّب و دعوة الناس إلی العنوان المذکور دعوة إلی مجموع الأجزاء والآحاد لعینیّة مجموع الأجزاء مع العنوان المذکور.

ولکن عرفت أنّ مجموع الأجزاء لیس مقدّمة للعنوان المذکور بل هو عین المرکّب والمقدّمة هو کلّ جزء جزء و کلّ فرد فرد والوجدان شاهد علی أنّ الأمر بعد ما رأی أنّ المرکّب والمجموع لایتأتّی إلّا بکلّ واحد واحد من الأجزاء والأفراد أراد کلّ مقدّمة لأجل إرادة المرکب ویکفی فی تعلّق الإرادة الغیریّة لحاظ کلّ واحد واحد إجمالا بعنوان کونه ممّا یتوقّف علیه العنوان المرکّب الواجب فتعلّق الإرادة بها تبعا لإرادة ذیها.

ثالثها: إنّ مرکب الإرادة فی الإرادة النفسیّة هو العنوان الذهنی الذی یکون مطابقه عین مجموع الأجزاء الذی یترتّب علیه الغرض و مرکب الإرادة فی الإرادة الغیریّة هو أیضاً عنوان ذهنیّ وهو المقدّمة الحاکیة عن حقیقة خارجیّة وهو ما لولاه لما کان المرکّب المقصود فاختلف المرکبان والمعتبر فی الإرادة الغیریّة هو عنوان المقدمیّة و لاحاجة إلی عنوان آخر من العناوین الذاتیّة.

رابعها: إنّه لایلزم من وجوب المقدّمة الداخلیّة اجتماع الوجوب النفسیّ والغیریّ فی شیء واحد لأنّ الوجوب النفسیّ متعلّق بالعنوان المطابق علی مجموع الأجزاء الذی

ص:179

یکون منشأ لانتزاع العنوان المترتّب علیه الغرض کالبیت والدار والصلوة والحجّ ومن المعلوم أنّ المعنون المذکور لیس کلّ واحد واحد من الأجزاء ومع مغایرة العنوانین والمعنونین فلامجال لتوهّم اجتماع المثلین فی شیء واحد بسبب وجوب المقدّمة الداخلیّة و بعبارة أخری معنون عنوان المرکّب الاعتباریّ کالصناعیّ هو مجموع الأجزاء الذی یترتّب علیه الغرض ومعنون عنوان المقدّمة هو کلّ جزء جزء ممّا یتوقّف حصول المرکّب علیه فارادة المجموع بما هو المجموع غیر إرادة کلّ جزء جزء بما هو جزء.

ولاینافی ذلک کون کلّ جزء باعتبار اندکاکه فی المجموع موردا للإرادة النفسیّة لأنّه باعتبار وجوده فی العنوان الإجمالیّ و الإرادة الغیریّة باعتبار وجوده التفصیلیّ فیکفی الاختلاف بالإجمال و التفصیل فی رفع التنافیّ کما یشهد بذلک الوجدان فی إجتماع الإرادتین فی المرکّبات الصناعیّة فإنّ البانی للبیت و الدار له إرادة نفسیّة بالنسبة إلی بناء البیت و البیت عنوان إجمالیّ لمجموع ماله دخل فی تحقّق البیت فی الخارج و مع ذلک یکون له إرادة بالنسبة إلی کلّ جزء جزء بتبع إرادته لمجموع الأجزاء الموسوم بالبیت فلاتغفل.

خامسها: فی ثمرة البحث ولایخفی علیک أنّ مع اتّحاد المرکّب مع أجزائه نوع اتّحاد المجمل مع المفصّل ترجع إرادة العنوان ووجوبه إلی إرادة مجموع الأجزاء المعلومة و وجوبها قضاء للاتّحاد والعینیّة وحیث إنّ الأجزاء المشکوکة لادلیل علی دخالتها فی العنوان کما لادلیل علی إرادته و وجوبها أمکن جریان البراءة فیها لعدم تمامیّة البیان بالنسبة إلیها من دون فرق فی ذلک بین القول بوجوب کلّ جزء جزء بنحو الوجوب الغیریّ وبین القول بعدم الوجوب.

إذ العبد محجوج بمقدار ما قامت الحجّة علیه لاأزید و لاأنقص و الحجّة قامت علی عنوان المرکّب و هکذا قامت علی الأجزاء المعلومة لانحلال العنوان بالنسبة إلیها وأمّا

ص:180

غیرها من الأجزاء المشکوکة فلم یعلم انحلال العنوان بالنسبة إلیها ولم یتمّ الحجّة علیها للشکّ فی دخولها فی العنوان فتجری البرائة بالنسبة إلیها و بعد فرض الاتّحاد لاتکون النسبة بین العنوان والأجزاء نسبة المحقّق إلی المحقّق (بالفتح) حتّی لایکون مجال للبراءة لأنّ الشکّ حینئذٍ فی المحصّل مع العلم بالتکلیف بالمحصل (بالفتح) وهو مقتض للاحتیاط. نعم إذا کان بیان المحصّل (بالکسر) وظیفة الشارع فتجری البراءة فیه أیضاً.

بل عنوان المرکّب فی المقام عین الأجزاء و متّحد معها لامتحصّلاً منها.

وعلیه فلا وقع لما قیل من أنّ ثمرة القول بالوجوب الغیریّ للأجزاء هو الاشتغال فی مسألة الشکّ فی الأقل والأکثر الارتباطیّین وذلک لوجود العلم الإجمالیّ بالتکلیف و عدم صلاحیّة العلم التفصیلیّ بمطلق وجوب الأقلّ من الغیریّ و النفسیّ للانحلال لتولّده من العلم الإجمالیّ السابق علیه و تحقّق التنجّز فی الرتبة السابقة.

وذلک لما عرفت أنّ مع الاتّحاد لامغایرة إلّا بالإجمال و التفصیل و عدم المغایرة یقتضی الانحلال کما لایخفی.

تبصرة

ولایذهب علیک أنّ أجزاء المرکّب مطلقا سواء کان اعتباریّاً أو خارجیّاً من المقدّمات الداخلیّة فإنّها داخلة فی حقیقة المرکّب.

ثمّ إنّ التقیّد بطهارة البدن أو باستقبال القبلة أو بالطهارة عن الحدث یکون کالأجزاء من المقدّمات الداخلیّة وهذه التقیّدات تکشف عن کون الصلاة هی الصلاة المتقیّدة بتلک الشرائط ولیست مطلقة.

نعم نفس الشرائط والقیود لیست من المقدّمات الداخلیّة بل هی خارجة عن حقیقة المأمور به المرکّب کما لایخفی.

ص:181

لوجود الملاک فی المقدّمات الخارجیّة فی الشرائط و القیود و هو المغایرة فی الوجود لتغایر وجود الطهارة مع التقیّد بها کتغایر الحجّ مع طیّ المسافة.

ثمّ إنّ المقدّمات الخارجیّة هی التی یتوقّف علیها وجود المأمور به فی الخارج کتوقّف الحجّ علی طیّ المسافة ولافرق فیها بین أن تکون من العلل أو الأسباب أو نفس الشروط أو المعدّات فإنّ کلّها ممّا یتوقّف وجود المأمور به علیها و دعوی أنّ الأمر و الطلب لامجال له بالنسبة إلی المسببات التولیدیّة لعدم کونها مقدورة.

فاللازم هو رجوع الأمر إلی الأسباب التی تکون مقدورة مندفعة بأنّ ملاک صحّة تعلّق الأمر و الطلب هو المقدوریّة و لا إشکال فی کون المسبّب مقدوراً بالقدرة علی سببه و ملاک صحّة الأمر عند العقلاء هو کون الشیء مقدوراً ولو مع الواسطة فتدبّر جیّداً.

ومنها: تقسیمها إلی: العقلیّة و الشرعیّة و العادیّة.

والتوقّف بالفعل فی جمیع الأنحاء المذکورة عقلیّ و إن کانت علّة التوقّف فیها مختلفة لأنّ العلّة فی الأولی هو التکوین کتوقّف المعلول علی وجود العلّة إذ لایمکن المعلول بدون العلّة و العلّة فی الثانیة هو الحکم الشرعیّ بدخالة شیء فی مطلوبه ومراده ولذلک سمّیت بالشرعیّة ولکنّ بعد الجعل والحکم الشرعیّ یکون المطلوب مقیّداً ومشروطاً به ومع کون المطلوب مشروطاً یکون التوقّف عقلیّاً بالفعل أیضاً لعدم النیل إلی المطلوب الشرعیّ بدون المقدّمة.

والعلّة فی الثالثة عادیة من جهة إمکان النیل إلی ذیها من طریق آخر ولکن مع عدم وجود طریق آخر وتوقّف النیل إلی ذی المقدّمة إلی الطریق الموجود یتوقّف المطلوب علی الموجود من الطریق کالصعود علی السطح فإنّه متوقّف علی نصب السلّم ونحوه ولکنّه من جهة عدم التمکّن عادة من الطیران الممکن عقلاً وإلّا فلایتوقّف علی خصوصه

ص:182

وبهذا الاعتبار سمّیت بالعادیة ولکنّ التوقّف علی نصب السلّم ونحوه عقلیّ أیضاً ما لم یتمکّن من طریق آخر ضرورة استحالة الصعود بدون مثل نصب السلّم عقلاً لمن لم یتمکّن من الطیران فعلاً و إن کان الطیران ممکناً ذاتاً.

وحیث إنّ البحث فی جمیع الأنحاء المذکورة یکون فی التوقّف الفعلیّ فالبحث عقلیّ لعدم إمکان النیل إلی ذی المقدّمة بدونها عقلاً بالفعل من دون فرق بین أن یکون التوقّف المذکور من جهة التکوین أو من جهة التشریع أو من جهة العادة.

ومنها تقسیمها إلی: مقدّمة الوجود ومقدّمة الصحّة ومقدّمة الوجوب ومقدّمة العلم.

ولایخفی علیک إمکان إرجاع مقدّمة الصحّة إلی مقدّمة الوجود بناءً علی إمکان أخذ قصد القربة فی متعلّق التکلیف کما هو المختار لأنّ قصد القربة حینئذٍ یکون من مقدّمات وجود الواجب إذ فقد شرط الصحیح أو وجود المانع یمنع عن وجود الواجب الصحیح المطلوب وعلیه فما یوجب فقد الصحّة یوجب فقد الوجود أیضاً.

وأمّا إذا قلنا بعدم إمکان أخذ قصد القربة فی متعلّق التکلیف لا بأمر واحد و لابأمر متعدد بل هو ممّا یعتبر عقلاً فقصد القربة لایکون مقدّمة لوجود الواجب بل هو مقدّمة لتحقّق المسقط للإعادة والقضاء و معه یصحّ التقابل بین مقدّمة الوجود وبین مقدّمة الصحّة.

ثمّ اعلم أنّ مقدّمة الوجوب خارجة عن محطّة الکلمات ولاحاجة إلی البحث عنها إذ الکلام فی وجود الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة ومقدّماته یکون بعد الفراغ عن ثبوت الوجوب لذی المقدّمة.

وأمّا المقدّمات العلمیّة فیمکن تصوّرها فی مثل تعلّم الأحکام الشرعیّة لأنّ مع ترک التعلّم یفوّت الأحکام الواقعیّة وعلیه فیکون وجود التعلّم من مقدّمات وجوب الواجبات الواقعیّة.

ص:183

هذا مضافاً إلی أنّه لو قلنا بوجوب قصد الوجه أو التمییز تفصیلا لزم تعلّم الأحکام بالتفصیل بناء علی ثبوت الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة ومقدّماته لأنّ التعلّم یکون حینئذٍ من مقدّمات وجود الواجب فتأمّل.

ومنها: تقسیمها إلی: المتقدّمة والمقارنة والمتأخّرة بالنسبة إلی وجود ذی المقدّمة.

والأولی کأجزاء کلّ عقد عدی الجزء الأخیر والثانیة کالقیود المقارنة للواجب کالطهارة بالنسبة إلی الصلاة و الثالثة کأغسال اللیلیّة اللاحقة المعتبرة عند بعض فی صحّة صوم المستحاضة فی الیوم السابق أو الإجازة المتأخّرة عن العقد الفضولیّ المعتبرة فی صحّة العقد السابق بناء علی الکشف.

و لاکلام فی المقارنة و إنّما الکلام فی غیرها فإنّه قد أورد علیه بأنّ المقدّمة من أجزاء العلّة والمسلّم فی أحکام العلّة هو لزوم تقارنها زماناً بجمیع أجزائها مع المعلول وتقدّمها بالطبع علیه بحیث یصحّ تخلّل الفاء بأن یقال وجدت العلّة فوجد المعلول.

وهذا الأمر مفقود فی المقدّمة المتأخّرة والمقدّمة المتصرّمة.

وعلیه فانخرام القاعدة العقلیّة فی المتقدّمة أو المتأخّرة یوجب حصر المقدّمة المبحوثة عنها فی المقدّمات المقارنة.

وأجیب عن ذلک بأمور:

الأوّل: إنّ المعتبر فیهما هو اشتراط لحاظهما لا اشتراط المتأخّر أو المتقدّم وهو مقارن فلایلزم الانخرام.

ویرد علی ذلک بأنّ المعتبر هو الوجود الخارجیّ فی مثل القدرة علی الامتثال فی صحّة التکلیف أو مثل الإجازة المتأخّرة فی صحّة العقد السابق لا لحاظهما فالإشکال باقٍ علی حاله لعدم معقولیّة دخالة أمر متأخّر فی ثبوت أمر متقدّم ورجوع الأمر إلی اللحاظ فی بعض الموارد لایرفع الإشکال فی سائر الموارد.

ص:184

ودعوی أنّ موضوع الحکم الوضعیّ والمکلّف به هو ما یکون متقدّماً أو متأخّراً بحسب الواقع علی حادث خاصّ فالعقد الذی هو متقدّم بتبع الزمان علی الإجازة تقدما واقعیّاً موضوع للنقل ولایکون مقدّماً علیها بواقع التقدّم التبعیّ إلّا أن تکون الإجازة متحقّقة فی ظرفها کما أنّ تقدّم الحوادث الیومیّة إنّما یکون علی الحوادث الآتیة لا علی ما لم یحدث بعد من غیر أن تکون بینها إضافة.

وموضوع الصحّة فی صوم المستحاضة ما یکون متقدّماً تقدّماً واقعیّاً تبعاً للزمان علی أغسال اللیلیّة الآتیة والتقدّم الواقعیّ علیها لایمکن إلّا مع وقوعها فی ظرفها ومع عدم الوقوع یکون الصوم متقدّماً علی سائر الحوادث فیها لا علی هذا الذی لم یحدث والموضوع هو المتقدّم علی الحادث الخاصّ.

والحاصل أنّ الموضوع هو التقدّم الحقیقیّ وهو حاصل تبعاً للزمان لا من ناحیة المتأخّر وإنّما یکشف عنه بعد وقوع المتأخّر أنّه متقدّم علی المتأخّر.

مندفعة أیضاً بأنّ مرجع ذلک إلی أنّ المراد من الشرائط المتأخّرة هو أنّها من کواشف الموضوع للحکم الواقعیّ أو المکلّف به الواقعیّ و لاتأثیر لها بنفسها فمثل الأغسال المأتیّ بها فی اللیلة الآتیة بعد صوم یومها السابق لا تأثیر لها بل هی کواشف عن کون المؤثّر هو تقدّم الصوم علی الأغسال وهذا یوجب سقوط الشرائط عن الشرطیّة کما لایخفی.

الثانی: إنّ جمیع الأسباب والشرائط الشرعیّة معدّات لا العلل الإیجادیّة حتّی یلزم من تأثیرها قبلا أو بعدا انخرام القاعدة.

ویردّ ذلک أوّلاً: أنّ الأسباب و الشرائط الشرعیّة علی أنحاء منها هی التی تکون مؤثّرة فی فاعلیّة الفاعل أو قابلیّة القابل و اللازم فیها أن لاتنفکّ عن زمان التأثیر إذ ما کان من الشرائط شرطاً للتأثیر کان حاله حال ذات المؤثّر وما کان شرطاً لتقریب الأثر کان حاله حال المعدّ.

ص:185

وثانیاً: إنّ دعوی المعدّیّة فی المقدّمات تامّة بالنسبة إلی الشرائط المتقدّمة وأمّا المتأخّرة فهی معدومة فلامجال لعلّیة المعدوم ولو بنحو الإعداد بالنسبة إلی المتقدّم.

الثالث: إنّ الأحکام الشرعیّة بشتّی أنواعها أمور اعتباریّة و لاواقع موضوعیّ لها ما عدی اعتبار من بیده الاعتبار و لاصلة لها بالموجودات المتأصّلة الخارجیّة أبدا حتّی تکون محکومة بحکمها.

ویردّ ذلک أنّ ذلک یلزم خلوّ جمیع الشرائط و الأسباب الشرعیّة عن مطلق التأثیر وهو ممّا یخالفه الارتکاز.

الرابع: إنّ الشرط هو وصف التعقّب وهو قائم بالعقد و موجود معه لا المتأخّر کالإجازة بالنسبة إلی العقد الفضولیّ.

ویرد ذلک أنّ هذا مخالف لما هو الظّاهر بل المقطوع به من الأدلّة من أنّ الشرط هو رضی المالک اذ علی هذا ما هو الشرط و هو التعقّب لیس برضی المالک وما هو الرضا لیس بشرط کما لایخفی.

الخامس: انّ ما فرض مقتضیّاً لیس کذلک بالمباشرة بل یوجد أثراً معیّناً وهو یبقی إلی زمان الشرط المتأخّر فبمجموعهما یکتمل أجزاء العلّة فلایکون الشرط متأخّراً حینئذٍ بل هو مقارن مع الأثر الباقی وهو المقتضیّ.

ویرد ذلک أنّه یوجب خروج المقتضیّ عن کونه مقتضیاً ودخوله فی المعدّات والعلل المتدرّجة بالنسبة إلی وجود المقتضی المقارن مع الشرط المتأخّر.

هذا مضافاً إلی أنّ لازمه هو أنّ النقل والانتقال فی العقد الفضولیّ المتعقّب بالإجازة حصل عند اکتمال الأجزاء من بقاء أثر العقد و حصول الإجازة لاحین العقد وهو لایصحّح الکشف الحقیقیّ بنحو الشرط المتأخّر وهو کما تری.

ص:186

فتحصّل: أنّ الشرط المتأخّر لاتأثیر له فی المتقدّم ولو بنحو الإعداد ولکنّ الشرط المتقدّم یجوز تأثیره بنحو الأعداد فی المتأخّر لا بنحو العلّیة فإنّه غیر معقول.

وممّا ذکر یظهر أنّ البحث فی المقدّمات یکون فی المقدّمات المقارنة لا المتقدّمة والمتأخّرة إذ المقدّمة من أجزاء العلّة و المسلّم فی أحکام العلّة هو لزوم تقارنها زماناً بجمیع أجزائها مع المعلول وهذا الأمر مفقود فی المتقدّمة والمتأخّرة ولذا لزم توجیه ما ورد فی ذلک.

مثلاً ما ورد فی المتقدّمة فلیحمل علی الإعداد کما أنّ ما ورد فی المتأخّرة فلیحمل علی کون لحاظه شرطاً أو علی کونه من کواشف الموضوع للحکم الواقعیّ أو المکلّف به الواقعیّ ولاتأثیر له بنفسه.

فمثل الأغسال المأتّی بها فی اللیلة الآتیة بعد صوم یومها السابق لا تأثیر لها بنفسها بل هی کواشف عن کون المؤثّر هو تقدّم الصوم علی الأغسال.

المقام الثامن: فی تقسیمات الواجب

اشارة

منها تقسیمه إلی المطلق و المشروط

ویقع الکلام فی مواضع:

الموضع الأوّل: فی تعریفهما

والأقرب هو ما عرّفه العمیدیّ من أن المطلق هو ما لایتوقّف وجوبه علی أمر زاید علی الأمور المعتبرة فی التکلیف من العقل و العلم و البلوغ و القدرة وأنّ المشروط هو ما کان وجوبه موقوفاً علی أمر آخر أیضاً.

والمطلق بناء علی هذا التعریف یقابل المشروط تقابل العدم والملکة وهو مساعد مع العرف کما لایخفی.

الموضع الثانی: انّ الشروط فی القضایا الشرطیّة و إن کانت راجعة إلی الهیئة بحسب

ص:187

القواعد العربیّة ولکنّها منصرفة عنها إلی المادّة بقرینة الوجدان لأنّا نجد بالوجدان أنّ الأرادة موجودة بالنسبة إلی المشروط قبل تحقّق الشرط والإنشاء الحقیقیّ تابع للإرادة النفسانیّة فإذا کانت الإرادة النفسانیّة موجودة فی النفس قبل تحقّق الشرط کان الإنشاء أیضاً کذلک فالإرادة والوجوب فعلیّة ولاتعلیق فیهما والشرط والقید شرط وقید للمادّة ولذا لافرق بین قوله صلّ مع الطهارة وقوله إذا کنت طاهرا فصلّ من جهة فعلیّة الإرادة وإنشاء الوجوب وإنّما الاختلاف بینهما من جهة أنّ القید لازم التحصیل فی الأوّل دون الثانی لإطلاق المادّة فی الأوّل دون الثانی.

وما ذکرناه لایکون من جهة استحالة رجوع القیود والشروط إلی الهیئة بدعوی أنّ معنی الهیئة من المعانیّ الحرفیّة فلاإطلاق فیها حتّی یصحّ تقییدها لإمکان أن یقال إنّ عدم إمکان التقیّد بعد وجود المعانیّ الحرفیّة وأمّا تقییدها حال تحقّقها فلامانع منها کما لایخفی.

بل یکون من جهة حکم الوجدان بالتقریب المذکور ومقام الإثبات یتبع مقام الثبوت.

وبالجملة فالمعنی المستفاد من الهیئة والمنشأ بها متحقّق بالفعل فی فرض وجود الشروط و القیود من دون ابتنائه علی تحقّقها و إنّما المتوقّف تأثیره فی المکلّف فلاحالة منتظرة للإرادة و الإنشاء بل هما موجودان بالفعل و إنّما باعثیّتهما موقوفة علی تحقّق الشروط و القیود فلاتغفل.

الموضع الثالث: انّ النزاع یعمّ المقدّمات الوجودیّة للواجب المشروط کالمقدّمات الوجودیّة للواجب المطلق و لاوجه لتخصیص النزاع بالثانی لعموم الملاک لأنّ الملازمة الشرعیّة إن کانت ثابتة فلافرق فیها بین کون الواجب مطلقاً أو مشروطاً.

نعم لایعمّ النزاع المقدّمات الوجوبیّة و إلّا لزم التنافی لمنافاة تسبیب وجوب الشیء إلی ایجاده مع فرض حصوله بطبعه لابتسبیب منه.

ص:188

الموضع الرابع: انّ بناء علی رجوع القیود والشروط إلی المادّة لا الهیئة هل تکون المقدّمات الوجودیّة متعلّقة للطلب فی الحال أم لا.

والحقّ أنّها تکون متعلّقة للطلب فی الحال علی نحو تعلّق الطلب بذیها فإن کان ذو المقدّمة واجباً فی الحال فکذلک المقدّمات ولکنّ حیث کان وجوب ذی المقدّمة غیر منجّز أی لایجب البدار إلی امتثاله قبل حصول الشرط کان وجوب مقدّماته أیضاً کذلک لتبعیّة وجوب المقدّمات عن وجوب ذیها فی جمیع الخصوصیّات وعلیه فالوجوب حالیّ وفعلیّ ولکنّ لا فاعلیّة له ما لم یتحقّق التنجّز بوجود الشرط و حصوله.

الموضع الخامس: انّ الحقّ هو وجوب المقدّمات المفوّتة قبل حصول شرط الوجوب فیما إذا علم بأنّ غرض الشارع علی نحو لایرضی بترکه و علم بتوقّفه علی الإتیان بمقدّماته المفوّتة قبل الوقت بل لو کان المولی غافلا عن مجیئ صدیقه لکن یعلم العبد مجیئه و تعلّق غرض المولی بإکرامه علی تقدیر مجیئه و توقّفه علی مقدّمات کذائیّة یحکم العقل بإتیانها حفظا لغرضه اللزومیّ و لایجوز التقاعد عنه.

والوجوب المتعلّق بالمقدّمات المذکورة قبل الوقت وجوب فعلیّ منجّز کما لایخفی.

الموضع السادس: انّ الظّاهر هو وجوب تعلّم الأحکام حتّی فی الأحکام المشروطة قبل حصولها.

أمّا فی الأحکام المطلقة فلاستقلال العقل بتنجّز الأحکام علی الأنام بمجرّد قیام احتمالها إلّا مع الفحصّ و الیأس عن الظفر بالدلیل علی التکلیف فیستقلّ بعده بالبراءة العقلیّة والإتیان بها یتوقّف علی تعلّمها فی الغالب.

وأمّا فی المشروطة فلما عرفت من وجوب مقدّمات المفوّتة فیما إذا علم أنّ الشارع لایرضی بترکها مطلقاً ولم یسع الوقت للتعلّم بعد حصول الشرط.

هذا مضافاً إلی روایات خاصّة تدلّ علی وجوب التعلّم والتفقّه فی الدین کموثّقة أبی

ص:189

جعفر الأحول عن أبی عبداللّه علیه السلام قال:

لایسع الناس حتّی یسألوا ویتفقّهوا.

ومرسلة یونس قال سئل أبو الحسن علیه السلام هل یسع للناس ترک المسألة عمّا یحتاجون إلیه قال: لا.

ومرسلة ابن أبی عمیر عن بعض أصحابنا عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسّلوه فمات فقال: قتلوه ألّا سألوا؟! فإنّ شفاء العِیّ السؤال وغیر ذلک من الأخبار.

ولکنها غیر شاملة لما یکون خارجاً عن محلّ الابتلاء فلایجب تعلّم ما یکون خارجاً عن محلّ الابتلاء إلّا من باب الواجبات الکفائیّة.

ثمّ ان الظّاهر أنّ الوجوب المذکور إرشادیّ لا نفسیّ و لاغیریّ و لانفسیّ طریقیّ.

ومنها: تقسیمه إلی المعلّق و المنجّز

ویقع الکلام فی امور:

الأمر الأوّل: إنّه یصحّ تقسیم الواجب المطلق إلی المنجّز والمعلّق إذ امتثال المطلق إمّا لایتوقّف علی أمر متأخّر فهو منجّز، و إمّا یتوقّف علی أمر متأخّر فهو معلّق وعلیه فلامانع من تقسیم الواجب إلی ثلاثة أقسام المطلق والمشروط والمطلق إلی المنجّز والمعلّق.

ولایصحّ إرجاع الواجب المعلّق إلی المشروط لاتّصاف الفعل فی الواجب المعلّق بالمصلحة التامّة الداعیة إلی التکلیف به قبل تحقّق قیده فلامحالة تتعلّق به الإرادة لتمام المقتضیّ وعدم المانع نعم امتثاله لایصحّ إلّا بعد حصول قیده.

هذا بخلاف المشروط علی مذهب المشهور فإنّ قبل تحقّق الشرط لیست المصلحة تامّة وداعیة إلی التکلیف به و علی المختار و إن کان التکلیف فیه قبل تحقّق القید خارجاً فعلیّاً ولکنّه علی فرض وجود القید لا مطلقاً.

ص:190

وعلیه فلاوقع لما فی الوقایة من إنکار المعلّق و إرجاعه إلی المشروط معلّلاً بأنّ القید قد یکون داخلاً فی حیّز الإرادة وقد یکون خارجاً و الأوّل هو المطلق و الثانی هو المشروط و لاثالث لهما بحکم العقل لکی یثبت به الأقسام و یسمّی المعلّق و حیث إنّ الزمان خارج عن القدرة و القیود الخارجة عن قدرة المکلّف من قبیل الثانی لاستحالة التکلیف بغیر المقدور فالأوامر المتعلّقة بقید الزمان یکون من قبیل المشروط قطعاً.

وذلک لما عرفت من أنّ المنوط بوجود الزمان هو الامتثال لا المصلحة الباعثة علی التکلیف فإنّها تامّة و لایتوقّف علی وجود الزمان و لذا تکون الإرادة بتبعها موجودة بالفعل و له الفاعلیّة.

هذا بخلاف المشروط فإنّ الطلب و الإرادة فی فرض حصول الشیء ولازمه هو إناطة الفاعلیّة بوجود الشیء فی الخارج و الفرق بینهما ظاهر فلاوجه لإرجاع المعلّق إلی المشروط کما لاوجه لإنکار المشروط و إرجاعه إلی المعلّق لما عرفت من الفرق بینهما هذا مضافاً إلی أنّ بعض القیود لایصلح لأن یکون قیداً للواجب کقول الطبیب إن مرضت فاشرب المسهل فإنّ شرب المسهل لدفع المرض فلایعقل أن یکون المرض دخیلا فی مصلحة شرب المسهل فتحصّل أنّ الواجب علی ثلاثة أقسام لأنّه إمّا مطلق أو مشروط و المطلق إمّا منجّز أو معلّق.

الأمر الثانی: فی الإشکالات الواردة علی ثبوت الواجب المعلّق والجواب عنها و هی مختلفة.

منها: إنّ الإرادة التامّة لاتنفکّ عن المراد فکذلک الإیجاب غیر منفکّ عن الواجب و علیه فلایمکن أن یتعلّق الإیجاب بأمر استقبالیّ للزوم التفکیک کما لایخفی.

وفیه أوّلاً: إنّ الإرادة تتعلّق بالوجدان بالنسبة إلی أمر متأخّر استقبالیّ کما تتعلّق بأمر

ص:191

حالیّ و یشهد له تحمّل المشاقّ فی تحصیل المقدّمات فیما إذا کان المقصود بعیدة المسافة إذ لیس ذلک إلّا لأجل تعلّق الإرادة بالمقصود البعید فإذا کان المقیس علیه ممکنا فالمقیس أیضاً کذلک.

هذا مضافاً إلی أنّ الواجبات التدریجیّة یکون أجزائها تدریجیّة الحصول مع أنّه لا إشکال فی وجوب جمیع هذه الأجزاء المتدرّجة قبل الإتیان بها فالوجوب المتعلّق بالجمیع فعلیّ مع أنّ الواجب و هی أجزاء المرکّب استقبالیّ و متدرجة الوجود.

وثانیاً: أنّ دعوی عدم إمکان تعلّق الإرادة بأمر استقبالیّ یحتاج إلی برهان مستأنف ولم یقم علیه لو لم نقل بقیامه علی إمکانه بعدماً عرفت من قضاء الوجدان بوقوعه.

کیف و إرادة اللّه تعالی قد تعلّقت أزلاً بإیجاد ما لم یکن موجوداً علی الترتیب السببیّ و المسبّبیّ من غیر إمکان التغییر و الحدوث فی ذاته و إرادته.

ولایمکن أن یقال فی حقّه تعالی کان له شوق ثمّ بلغ الشوق حدّ النصاب فصار إرادة إذ لا تغیّر و لاتحوّل فی ذاته سبحانه وتعالی.

وتوهّم أنّ الإرادة هی التی لاتنفکّ عن تحریک العضلات فلایمکن تحقّق الإرادة من دون تحریک العضلات مدفوع بأنّ الإرادة لاتکون ملازمة لذلک ألا تری أنّا نرید فی أذهاننا وجود أشیاء مع أنّه لم یکن فیها تحریک العضلات وهکذا تکون المجرّدات مریدة للأشیاء مع أنّه لامعنی لتحریک العضلات بالنسبة إلیهم وعلیه فلامانع من تعلّق الإرادة بأمر استقبالیّ من دون تحریک للعضلات قبل حلول وقته من دون فرق بین الإرادة التکونیّة أو التشریعیّة.

ومنها: أنّه لایعقل فعلیّة الحکم قبل تحقّق فعلیّة الموضوع بجمیع ما اعتبر فیه من القیود وتحقّقه فی الخارج ولافرق فیه بین الموقّتات وغیرها إذ فعلیّة الجمیع متوقّفة علی تحقّق الموضوع بقیودها وعلیه فلایعقل الواجب المعلّق بحیث یکون الحکم فیه فعلیّاً و الواجب استقبالیّاً.

ص:192

وفیه: أنّ القیود إن کانت راجعة إلی الهیئة ففعلیّة الحکم متوقّفة علی تحقّق الموضوع بقیوده ولایکون قبل تحقّق الموضوع إلّا صورة الحکم و دعوی عدم تعقل فعلیّة الحکم قبل تحقّق فعلیّة الموضوع صحیحة فی هذه الصورة.

وأمّا إذا کانت القیود راجعة إلی المادّة فالحکم مطلق و متعلّق بالموضوع فإن کان القید فعلیّاً وقابلا للتحصیل فهو مطلق منجّز کقوله صلّ مع الطهارة و إن لم یکن کذلک ولکنّ علم بمجیئه فهو مطلق معلّق کقوله حجّ فی الموسم أو صلّ فی الظهر و یکون الحکم فیه فعلیّاً نعم یتوقّف تنجّزه علی تحقّق الموضوع فی الخارج و بالجملة أنّ الحکم فی القضایا الحقیقة فعلیّ و إنّما تنجّزه متوقّف علی تحقّق موضوعها فی الخارج فقولهم المسافر یجب علیه القصر یدلّ علی الحکم الفعلیّ و إنّما تنجّزه متوقّف علی تحقّق المسافر فی الخارج و لافرق فی القضایا الحقیقة بین أن تکون الموقّتة أو غیرها والقضایا الحقیقیّة قضایا حملیّة و إمکان إرجاعها إلی الشرطیّة لایوجب خروجها عن الحملیّة و من المعلوم أنّ ترتّب الحکم فی القضایا الحملیّة علی موضوعها فعلیّ ولیس بتعلیقیّ کما لایخفی.

الأمر الثالث: انّ مقتضی ما مرّ من تصویر تعلیق الوجوب هو ارتفاع الإشکال الذی یرد علی الحکم بلزوم الإتیان بالمقدّمة قبل إتیان زمان الواجبات الموقّتة فیما إذا فرض عدم التمکّن منها بعد مجییء زمان الواجبات الموقّتة.

فإنّ الوجوب علی الفرض فعلیّ وله الفاعلیّة و علیه یلزم الإتیان بالمقدّمة التی لایتمکّن منها بعد إتیان زمان الواجبات الموقّتة و لاکلام فیه.

وإنّما الکلام فی أنّ هذا الإشکال هل یرتفع من طریق آخر أو ینحصر فی الوجوب التعلیقیّ.

ذهب فی الکفایة إلی عدم انحصار رفع الإشکال فی التعلیق أو ما یرجع إلیه بدعوی

ص:193

إمکان التفصّی عنه بما إذا فرض أنّ الشرط مأخوذ بنحو الشرط المتأخّر الذی یکون معلوم الوجود فیما بعد ضرورة فعلیّة وجوبه وتنجّزه بالقدرة علیه بتمهید مقدّمته.

وفیه أنّ الشرط المتأخّر لایصلح لرفع الإشکال فی أکثر الموارد إذ الشرط هو وجوده لا لحاظه.

وهکذا لا یرتفع ما ذهب إلیه الشیخ الأعظم من رجوع القیود إلی المادّة لأنّ قبل حصول القید فی الخارج لا فاعلیّة للوجوب الفعلیّ فلا مورد للوجوب الفعلیّ المنجّز بالنسبة إلی بعض المقدّمات مع أنّه لاوجوب فعلیّ منجّز بالنسبة إلی ذیها.

وسایر الوجوه المذکورة هنا إمّا ترجع إلی الواجب المعلّق أو لیست بتامّة فراجع.

الأمر الرابع: إنّه إذا دار الأمر بین رجوع القید إلی الهیئة أو المادّة وشکّ فی وجوب تحصیل القید وعدمه من جهة أنّ القید راجع إلی الهیئة حتّی لایجب تحصیله أو راجع إلی المادّة فیجب تحصیله فإن دلّ دلیل علی ترجیح أحد الطرفین فهو وإلّا فقد یقال إنّ مقتضی العلم الإجمالیّ بتقیید أحد الطرفین هو تعارض أصالة الإطلاق فی الهیئة مع أصالة الإطلاق فی المادّة و مع التعارض یرجع إلی مقتضی الأصل وهو البراءة عن وجوب تحصیل القید إذ هو فرع رجوع القید إلی المادّة وهو غیر معلوم و البراءة عن أصل الوجوب لاحتمال رجوع القید إلی الهیئة فلادلیل علی أصل الوجوب کما لایخفی.

ربّما استدلّ لترجیح إطلاق الهیئة علی إطلاق المادّة بوجوه:

منها: انّ إطلاق الهیئة شمولیّ بمعنی أنّ مفادها هو الوجوب علی کلّ تقدیر یمکن أن یتوجّه معه الخطاب إلی المکلّف بخلاف إطلاق المادّة فإنّه بدلیّ بمعنی أنّ مفاده صلوح أی فرد من أفراد الطبیعة المامور بها للامتثال وعلیه فإذا دار الأمر بینهما یؤخذ بالإطلاق الشمولیّ لکونه أقوی ویرفع الید عن الإطلاق البدلیّ.

ص:194

واُجیب عنه بأنّ الإطلاق فی کلا المقامین مستفاد من مقدّمات الحکمة فلایمکن تقدیم أحدهما علی الآخر بمجرّد کونه شمولیّاً والآخر بدلیّاً.

ومنها: انّ تقیید الهیئة یوجب بطلان محلّ الإطلاق فی المادّة بخلاف العکس ولافرق بین التقیید و بطلان محلّ الإطلاق فی کونهما خلاف الأصل.

وعلیه فکلّما دار الأمر بین التقییدین کذلک کان تقیید ما لایوجب ذلک أولی فالنتیجة أنّ فی مفروض المسألة یکون الترجیح مع تقیید المادّة.

واُجیب عنه بأنّ التقیید و إن کان خلاف الأصل إلّا أنّ العمل الذی یوجب عدم جریان مقدّمات الحکمة وانتفاء بعض مقدّماتها لایکون علی خلاف الأصل أصلاً إذ معه لایکون هناک إطلاق کی یکون بطلان العمل به فی الحقیقة مثل التقیید الذی یکون علی خلاف الأصل.

هذا مضافاً إلی أنّه لادلیل علی ترجیح ما یلزم منه التقیید الواحد علی ما یلزم منه التقییدان فتدبّر جیّداً.

ومنها: أنّ تقیید المادّة حیث إنّه متیقّن ومعلوم بالتفصیل لأنّها: إمّا مقیّدة إبتداءً أو تبعاً فینحلّ العلم الإجمالیّ إلی المعلوم بالتفصیل والشکّ البدویّ فیبقی أصالة الإطلاق فی جانب الهیئة سلیمة عن المعارض فیصحّ التمسّک بإطلاقها لالقاء احتمال التقیید.

واُجیب عنه بأنّ أحد تقدیری العلم بتقیید المادّة فرض تقیید الهیئة لأنّ المفروض هو العلم بتقیید ذات المادّة أو بتقییدها بما هی واجبة وعلیه فکیف یعقل سلامة إطلاق الهیئة عن المعارضة.

هذا مضافاً إلی أنّ إبطال محلّ الإطلاق غیر التقیید ولو تبعاً فلایکون التقیید متیقّناً.

ویمکن دفع ذلک أوّلاً: بأنّ احتمال تقیید الهیئة یکفی لحصول العلم بتقیید المادّة علی أی

ص:195

حال کما أنّ احتمال التخییر یکفی لحصول العلم بالمطلوبیّة فیما إذا دار الأمر بین التعیین والتخییر مع عدم العلم بالتخییر فافهم.

وثانیاً: إنّه لادخالة للفظ التقیید بل المراد هو العلم التفصیلیّ بعدم الإطلاق فی ناحیة المادّة.

ودعوی أنّ تقیید کلّ من الهیئة و المادّة مشتمل علی خصوصیّة مباینة لما اشتمل علیه الآخر من الخصوصیّة فإنّ تقیید الهیئة مستلزم لأخذ القید مفروض الوجود و تقیید المادّة مستلزم لکون التقیید به مطلوباً للمولی فلیس فی البین قدر متیقّن لنأخذ به و ندفع الزائد بالإطلاق.

مندفعة بأنّ القدر المتیقّن هو عدم إطلاق المادّة لتضییقها إمّا بالتقیید أو بالتضییق القهریّ ومع العلم التفصیلیّ بعدم الإطلاق فلامجال لجریان أصالة الإطلاق فی ناحیة المادّة و عدم وجود القدر المتیقّن بین التقییدین لاینافی العلم بعدم إطلاق المادّة فتدبّر.

مقتضی الأصل

ثمّ لایذهب علیک أنّ مع عدم تمامیّة الوجوه المرجّحة للاطلاق فی طرف الهیئة یمکن أن یقال إنّ مقتضی الأصل هو البراءة لدوران القید بین کونه قیداً للوجوب أو قیداً للواجب ومع الدوران المذکور لا علم بالتکلیف و لافرق فی ذلک بین مقالة المشهور من رجوع القیود إلی الهیئة وبین المختار من رجوعها إلی المادّة لأنّ علی کلّ واحد من المذهبین لایکون أصل الوجوب ثابتا مع إمکان أن یکون القید قیداً للوجوب.

نعم لو قلنا بعدم إمکان الرجوع إلی الهیئة فلامجال للرجوع إلی البراءة إذ لا قید بالنسبة إلی الوجوب ولکنّه خلاف مفروض البحث من دوران القید بین رجوعه إلی المادّة أو الهیئة.

ص:196

ثمّ لافرق أیضاً فیما ذکرناه بین أن یکون القید علی فرض رجوعه إلی المادّة قیداً علی وجه التنجیز أو علی وجه التعلیق إذ مع إمکان رجوعه إلی الهیئة واحتماله لا علم بأصل الوجوب کما لایخفی هذا کلّه فیما إذا دار الأمر بین تقیید المادّة وتقیید الهیئة.

ولو شکّ فی تقیید الوجوب فقط فإن کان لدلیله إطلاق یؤخذ به وإن لم یکن له إطلاق ولکنّ له حالة سابقة فیستصحب وإن لم یکن إطلاق ولم یجر فیه الاستصحاب فمقتضی القاعدة هو البراءة قبل تحقّق القید المحتمل تقیّد الوجوب به ولو شکّ فی تقیید الواجب فقط فالظّاهر هو عدم وجوب تحصیل القید المحتمل بإطلاق الدلیل إن ثبت وإلّا بمقتضی الأصل ویصحّ الاکتفاء بأصل الواجب فی مقام الامتثال ولو علم بتقیید الواجب ولکنّ شکّ فی کونه معتبراً علی وجه لایجب تحصیله فیکون الواجب المعلّق أو علی وجه یجب تحصیله فیکون الواجب منجّزاً أمکن التمسّک بالبراءة لنفی الوجوب المستلزم لتحصیل القید.

ومنها تقسیمه إلی نفسیّ و غیریّ

وهنا جهات:

الجهة الاُولی: فی تعریفهما:

والأولی فی تعریفهما أن یقال إنّ الغیریّ هو ما أمر به للتوصّل إلی واجب آخر والإتیان به والنفسیّ ما لم یکن کذلک وهو تعریف جامع.

وأمّا تعریفهما: بأنّ الواجب النفسیّ ما أمر به لنفسه و الغیریّ ما أمر به لأجل غیره کما نسب إلی المشهور.

فقد أورد علیه الشیخ الأعظم قدس سره بأنّ لازم ذلک هو أن یکون جمیع الواجبات الشرعیّة أو أکثرها من الواجبات الغیریّة إذ المطلوب النفسیّ قلّما یوجد فی الأوامر فإنّ جلّها مطلوبات لأجل الغایات التی هی خارجة عن حقیقتها فیکون أحدهما غیر منعکس

ص:197

و یلزمه أن یکون الآخر غیر مطّرد و ذهب إلی أنّ الأولی هو أن یقال إنّ الواجب الغیریّ ما أمر به للتوصّل إلی واجب آخر والنفسیّ ما لم یکن کذلک فیتمّ العکس والطّرد.

أورد صاحب الکفایة علی تعریف الشیخ الأعظم قدس سره بأنّ الداعیّ فی الواجبات النفسیّة تارة یکون محبوبیّة الواجب بنفسه کالمعرفة باللّه تعالی وتارة اخری یکون محبوبیّته بماله من الفوائد المترتّبة کأکثر الواجبات من العبادات و التوصّلیّات و لاإشکال فی القسم الأوّل و إنّما الإشکال فی القسم الثانی. فإنّ مقتضی کون الداعی فیه محبوبیّته بما له من الفوائد المترتّبة علیه هو أن یکون أکثر الواجبات النفسیّة فی الحقیقة واجبات غیریّة فإنّه لو لم یکن وجود هذه الفوائد لازما لتلک الواجبات لما کان الداعیّ موجوداً إلی إیجاب ذیها وعلیه فالإشکال باقٍ بالنسبة إلی جامعیّة التعریف و مانعیّته فإنّ الواجبات النفسیّة تدخل فی تعریف الواجبات الغیریّة فتعریف النفسیّ لایکون جامعا لأفراده کما أنّ تعریف الغیریّ لایکون مانعا من الاغیار انتهی.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ الأغراض فی الواجبات النفسیّة لیست من الواجبات التی یؤتی بها عقیب الإتیان بنفس الواجبات حتّی یصدق علی الواجبات النفسیّة أنّها واجبات ومأمورات لأجل الإتیان بالواجبات الاُخری وهذا بخلاف الواجبات الغیریّة فإنّها واجبات للتوصّل والإتیان بالواجبات الاُخری ولعلّ مراد الشیخ قدس سره من التوصّل هو الإتیان وعلیه فلاإشکال فی تعریف الشیخ ولذا اخترناه و أضفنا کلمة الإتیان حتّی یکون المقصود واضحاً فتدبّر جیّداً.

الجهة الثانیة: فی مقتضی الأصل اللفظیّ

ولایخفی علیک أنّ مقتضاه عند الشکّ فی واجب أنّه نفسیّ أو غیریّ هو النفسیّ لأنّ ما یحتاج إلی التقیید هو کون الوجوب للتوصّل إلی واجب آخر والإتیان به کالوضوء بالنسبة إلی الصلاة و أمّا النفسیّ فلایحتاج إلی ضمیمة شیء و علیه فمقتضی الإطلاق

ص:198

هو عدم تقیید البعث بانبعاثه عن واجب آخر و من المعلوم أنّ عدم التقیید بذلک غیر التقیید بعدم ملاحظة انبعاثه عن واجب آخر والمحتاج إلی المؤنة هو الثانی لا الأوّل.

وممّا ذکرنا یظهر أنّه لامجال للاشکال بأنّ کلّاً من النفسیّة و الغیریّة متقوّم بقید زائد فلامجال لإثبات النفسیّة بأصالة الإطلاق.

وذلک لما عرفت من أنّ النفسیّة هو عدم التقیید و الغیریّة هو التقیید فالمتقوّم بقید زائد هو الغیریّ لا النفسیّ.

لایقال: إنّ البعث کالمعنی الحرفیّ فی الجزئیّة فلاتوسعة فیه حتّی یجری فیه أصالة الإطلاق.

لأنّا نقول: إنّ أصالة الإطلاق فی ناحیة الهیئة تجری أیضاً لإمکان إنشاء الجزئیّ علی تقدیر من أوّل الأمر من باب ضیق فم الرکّیّة فلایلزم تقیید الجزئیّ بعد تحقّقه حتّی یقال إنّ الجزئیّ لاسعة له حتّی یتقیّد.

هذا مع الغمض عن إمکان التمسّک بالإطلاق الأحوالیّ إذ الجزئیّ بعد التحقّق له أحوال مختلفة فإذا لم یتقیّد بخصوص حال کالتوصّل إلی واجب آخر یمکن أن یقال إنّ البعث مطلق وینتزع منه النفسیّ.

هذا کلّه بناء علی التمسّک بأصالة الإطلاق و مقدّمات الحکمة وهنا قول آخر وهو دعوی الظهور الانصرافیّ للبعث إلی النفسیّ دون الغیریّ و استدلّ له بکثرة استعمال الهیئة فیما ینتزع منه النفسیّ دون ما ینتزع منه الغیریّ و من المعلوم أنّ الظهور الانصرافیّ لایحتاج إلی مقدّمات الحکمة.

ولکنّ هذا القول متوقّف علی ثبوت ندرة استعمال الهیئة فی البعث الغیریّ وهو غیر ثابت بل استعماله فی الغیریّ کالوضوء و الغسل و التیمّم وغیر ذلک من الموارد کثیر.

ص:199

الجهة الثالثة: فی مقتضی الأصل العملیّ

إذا شکّ فی واجب أنّه نفسیّ أو غیریّ ولم تجر أصالة الإطلاق فی طرف فالمرجع حینئذٍ هو الأصل العملیّ فهنا صور.

الصورة الاولی: أنّه إذا علم بعد الزوال بوجوب الوضوء والصلاة وشکّ فی وجوب الوضوء أنّه غیریّ أو نفسیّ وشکّ فی الصلاة أنّها متقیّدة بالوضوء أو لا ذهب بعض الأعلام إلی أنّ مقتضی الأصل هو البراءة عن اشتراط الصلاة بالطهارة فیجوز الإتیان بها بلا طهارة وأمّا نفس الطهارة فیعلم بوجوبها فی ذلک الوقت علی کلّ حال أمّا لنفسها أو لغیرها.

ولعلّ وجهه هو انحلال العلم الإجمالیّ بالعلم التفصیلیّ بوجوب الوضوء علی کلّ حال فیرجع فی ناحیة الصلاة إلی البراءة بالنسبة إلی احتمال تقییدها بالوضوء.

اورد علیه بأنّ العلم الإجمالیّ بالوضوء نفسیّا أو وجوب الصلاة المتقیّد بالوضوء باقٍ علی حاله وعلیه فلامعنی للرجوع إلی البراءة بالنسبة إلی احتمال تقیید الصلاة بالوضوء بل مقتضی العلم الإجمالیّ هو الاحتیاط بأن لایأتی بالصلاة إلّا مع الطهارة.

هذا مضافاً إلی أنّ مقتضی الاحتیاط فی ناحیة الوضوء هو أن یأتی به قبل الإتیان بالصلاة بقصد ما فی الذمّة ولایبطله حتّی یأتی بالصلاة و إلّا لم یحصل الاحتیاط بین النفسیّ والغیریّ الذی هو واجب للتوصّل إلی واجب آخر.

وعلیه فلاتفاوت بحسب النتیجة بین الانحلال وعدمه فإنّ اللازم هو الإتیان بالوضوء قبل الصلاة وعدم الإتیان بالصلاة بلاطهارة فتأمّل.

الصورة الثانیة: إذا علمنا بوجوب الصلاة و وجوب الوضوء و شککنا فی کون وجوب الوضوء نفسیّاً أو غیریّاً وکان وجوب الصلاة مشروطاً بشرط غیر حاصل وهو الوقت فهل یجب الوضوء قبل الوقت أم لا؟

ص:200

أمکن القول بالبرائة لعدم العلم بالوجوب الفعلیّ قبل الوقت بناء علی کون الوقت قیدا للوجوب فی الصلاة.

ودعوی رجوع الفرض إلی العلم الإجمالیّ بوجوب الوضوء نفسیّاً أو وجوب الصلاة المتقیّدة به بعد الوقت والعلم الإجمالیّ بالواجب المشروط إذا علم تحقّق شرطه منجّز عقلاً.

فیجب علیه الوضوء فی الحال و الصلاة مع الوضوء بعد حضور الوقت.

مندفعة بأنّ الشرط هو واقع الوقت لا لحاظه و علیه فالعلم بحصول الشرط أی الوقت لایکفی للتنجیز.

فلامانع من جریان البراءة قبل الوقت بالنسبة إلی الوضوء کما لایخفی.

نعم لو لم یتمکّن من الوضوء بعد دخول الوقت یجب علیه الوضوء فی الحال من جهة قبح تفویت مراد المولی لاتنجیز الخطاب فلاتغفل.

الصورة الثالثة: إنّه إذا لم یعلم إلّا وجوب ما یحتمل کونه نفسیّاً أو غیریّاً مع احتمال أن یکون فی الواقع واجب فعلیّ آخر یکون مقیّداً بما علم وجوبه فی الجملة فقد یتوهّم عدم وجوب إتیان ما یحتمل أن یکون واجباً نفسیّاً أو غیریّاً للبراءة عن وجوبه للشکّ فی وجوب ما یحتمل اشتراطه به فلاعلم بوجوبه علی کلّ حال.

ولکنّه مدفوع بأنّ المقام کدوران الأمر بین الأقلّ والأکثر مع أنّ الأقلّ مردّد بین کونه نفسیّاً أو غیریّاً فکما أنّ الأقلّ معلوم الوجوب هناک فکذلک الوضوء المحتمل أن یکون وجوبه نفسیّاً أو غیریّاً معلوم الوجوب سواء کانت الصلاة المتقیّدة بالوضوء واجبة أو لا ومن المعلوم أنّه لامجال للبراءة فی الأقلّ المعلوم بعد فعلیّة خطابه أو خطاب الأکثر وهو الصلاة المتقیّدة بالوضوء.

وهذا لایتمّ إلّا إذا کان وجوب الوضوء مفروغاً عنه ویکون الشکّ فی ناحیة کیفیّة وجوبه من النفسیّ أو الغیریّ.

ص:201

وعلیه فلاوجه للبراءة بالنسبة إلی الأقلّ المعلوم بل لاوجه لها بالنسبة إلی وجوب الصلاة المتقیّدة بالوضوء نفسیّاً لأنّ العلم بوجوب الوضوء والشکّ فی کونه نفسیّاً أو غیریّاً یرجع إلی العلم الإجمالیّ بوجوب الوضوء نفسیّاً أو وجوب الصلاة المتقیّدة بالوضوء نفسیّاً ویکون الوضوء غیریّاً ومقتضاه هو وجوب الاحتیاط بإتیان الصلاة مع الإتیان بالوضوء قبلها لأنّ العلم التفصیلیّ بوجوب الأقلّ المردّد بین کونه نفسیّاً أو غیریّاً عین العلم الإجمالیّ بالتکلیف المردّد بین کون الوضوء واجباً نفسیّاً أو الصلاة واجبة نفسیّة ومثل هذا العلم التفصیلیّ لایعقل أن یوجب الانحلال وإلّا کان مرجعه إلی أن یکون العلم الإجمالیّ موجباً لانحلال نفسه و هو محال.

والانحلال فی الأقلّ والأکثر فی الأجزاء لکون وجوب الأقلّ علی کلا التقدیرین نفسیّاً سواء کان متعلّق التکلیف هو الأقلّ أو الأکثر فإنّ الأجزاء تجب بعین وجوب الکلّ ولایجتمع الوجوب الغیریّ فی الأجزاء الداخلیّة مع الوجوب النفسی هذا بخلاف المقدّمات الخارجیّة کالوضوء بالنسبة إلی الصلاة فإنّ الوجوب النفسیّ لامجال له مع وجوب الأکثر وهو الصلاة المشترطة بالوضوء.

فالدوران بین النفسیّة والغیریّة مانع عن الانحلال ومقتضاه هو وجوب الاحتیاط کالصورة الاُولی فلاتغفل.

والانحلال الحکمیّ بعد ما عرفت من عینیّة العلم التفصیلیّ مع العلم الإجمالیّ لامورد له إذ مع وجود العلم الإجمالیّ لایجری البراءة فی أحد الطرفین کما لایخفی.

ومنها: تقسیمه إلی الأصلیّ و التبعیّ:

والظّاهر أنّ هذا التقسیم یکون أیضاً کسائر التقسیمات بحسب مقام الإثبات فإنّ الشیء قد یکون مقصودا بالإفادة أصالة وعلی حدّة وقد لایکون إلّا أنّه لازم الخطاب فإذا قلنا ادخل السوق واشتر اللحم یدلّ بالأصالة علی وجوب الدخول فی السوق وإذا

ص:202

قلنا اشتر اللحم یدلّ علی وجوب الدخول فی السوق تبعاً والأوّل أصلیّ والثانی تبعیّ و کلاهما مدلولان للکلام و یدلاّن علی الوجوب کما أنّ دلالة الإشارة من المدالیل الکلامیّة کدلالة الآیتین الکریمتین وهما قوله تعالی: (وَ الْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ یُتِمَّ الرَّضاعَةَ). و قوله تعالی (وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) علی أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر فإنّ الدلالة المذکورة وإن لم تکن بالأصالة ولکن تکون حجّة لأنّها من لوازم الخطاب.

وعلیه فالواجب سواء کان مدلولاً أصلیّاً للکلام أو تبعیّاً یکون لازم الإتیان ویصحّ بهذا الاعتبار تقسیم الواجب إلی الأصلیّ والتبعیّ وإن لم یکن له ثمرة.

وممّا ذکر یظهر ما فی الکفایة حیث ذهب إلی أنّ هذا التقسیم بلحاظ مقام الثبوت لابلحاظ مقام الدلالة والإثبات واستدلّ له بأمرین:

أحدهما: أنّ الاتصاف بهما إنّما هو فی نفسه لا بلحاظ حال الدلالة علیه.

وثانیهما: إنّ الواجب ربّما لایکون مفاد الأدلّة اللفظیّة کما إذا دلّ علیه الدلیل اللبّیّ کالإجماع.

وذلک لأنّ التقسیمات الاُخری من النفسیّ و الغیریّ و المطلق و المشروط والمعلّق والمنجّز تصلح للقرینیّة علی أنّ المراد من الأصلیّ والتبعیّ فی المقام أیضاً یکون بلحاظ مقام الإثبات ولحاظ الخطاب فإنّ تلک التقسیمات باعتبار مقام الإثبات.

هذا مضافاً إلی قابلیّة معقد الإجماع للتقسیم المذکور بلحاظ مقام الإثبات والدلالة.

ثمّ لو شکّ فی واجب أنّه أصلیّ أو تبعیّ فلاثمرة علی المختار للتعیین لأنّه علی کلا التقدیرین من مدالیل الکلام ویکون موجباً للزوم الإتیان.

وأمّا ما فی الکفایة بناء علی مختاره من التفصیل بین ما إذا کان الواجب التبعیّ أمراً عدمیّا بأن یکون عبارة عمّا لم تتعلّق به الإرادة المستقلّة والالتفات التفصیلیّ فمقتضی

ص:203

الأصل هو التبعیّة إذ الأصل عند الشکّ فی تحقّق الالتفات التفصیلیّ هو العدم وبین ما إذا کان الواجب التبعیّ أمراً وجودیّاً خاصّاً غیر متقوّم بعدمیّ وإن کان یلزمه بأن یکون عبارة عمّا تعلّقت به الإرادة التبعیّة فلایثبت بأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة به أنّه واجب تبعیّ إلّا علی القول بالأصل المثبت.

ففیه أنّه لامدخلیّة للوجودیّ أو العدمیّ فی کون الأصل مثبتا وإنّما الملاک فی عدم جریان الأصل هو کیفیّة الأخذ فإن أخذ عدم تفصیلیّة الإرادة فی التبعیّ بنحو الاتّصاف لا بنحو الترکیب فالأصل لایجری لأنّه لایثبت الاتّصاف کما لایثبت التبعیّ بناء علی کونه وجودیّاً بأصالة عدم تفصیلیّة الإرادة.

فالتفصیل بین کون التبعیّ متقوّما بالعدم أو الوجود لایفید بل اللازم هو التفصیل بین کون العدم أو الوجود مأخوذاً بنحو الاتّصاف أو الترکیب فلایجدی الأصل فی الأوّل و ان کان الواجب التبعی أمراً عدمیاً دون الثانی و ان کان الواجب التبعی أمراً وجودیاً خاصاً فتدبّر جیّداً.

تنبیهات:

التنبیه الأوّل: أنّ العقل یحکم باستحقاق العاصی للعقاب عند مخالفته للأوأمر النفسیّة لأنّه خارج عن زیّ العبودیّة ولیس المراد من الاستحقاق هو إیجاب العقاب بل المراد هو أهلیّته للعقاب ولذا یجتمع مع عفو المولی کما لایخفی.

هذا بحسب استحقاق العاصی وأمّا استحقاق المطیع للمدح والثواب فلایحکم العقل به بعد وضوح أنّ العبد أتی بما هو وظیفته بالنسبة إلی مولاه مع أنّه بشراشر وجوده مدیون لمولاه ومتنعّم بإحسانه هذا مضافاً إلی أنّ التکالیف نافعة له لا للّه تعالی.

نعم یمکن أن یحکم العقل بأنّ المدح والأجر بالنسبة إلی المطیع فی محلّه لا بمعنی أنّ له حقّاً علی المولی.

ص:204

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ بعد جعل الثواب للإطاعة صار العبد بعمله مستحقّاً لما جعله المولی من المثوبة بحقیقة معنی الاستحقاق من جهة الجعل والقرار فلاتغفل.

التنبیه الثانی: فی استحقاق الثواب و العقاب بالنسبة إلی الواجبات والمحرّمات الغیریّة و عدمه و لاریب فی عدم استحقاقهما علی المقدّمات وإن قلنا باستحقاقهما علی ذیها من الواجبات والمحرّمات النفسیّة لخلوّ الغیریّات عن الأمر والنهی والمصالح والمفاسد من جهة نفسهما ومع فقدانهما عنهما فلایتصور لهما موافقة ولامخالفة ومع عدم تصوّرهما لامجال للثواب و العقاب بالنسبة الیهما.

ودعوی أنّ من یأتی بالمقدّمة بقصد التوصّل إلی ذیها یراه العقلاء متلبّساً بامتثال الواجب النفسیّ ومستحقّاً للمدح و الثواب فی ذلک الحین وإن لم یکن مشتغلاً بنفس الواجب النفسیّ.

کما أنّ من لم یأت بشیء من مقدّماته فی الوقت الذی یلزم الامتثال فیه یرونه متلبّسا بعصیانه ومستحقّاً للذمّ والعقاب وهذا المدح و الثواب و الذمّ و العقاب من رشحات ثواب الواجب النفسیّ فیستحقّهما بالشروع بإتیان المقدّمات.

مندفعة بأنّ الاشتغال بالواجب النفسیّ أو الحرام النفسیّ لایصدق إلّا بالشروع فیه نفسه لا مقدّماته وإطلاق الشروع بإتیان المقدّمات أو بترک بعض المقدّمات من باب المجاز والأُول والمشارفة هذا مضافاً إلی أنّ مجرّد الاشتغال بالواجب النفسیّ قبل الإتیان به لایوجب استحقاق شیء إذ الأجر ثابت علی الإتیان بمتعلّق الأمر ولایتحقق ذلک إلّا بإتمام الواجب ومع عدم موجب استحقاق الثواب بالنسبة إلی ذی المقدّمة کیف یترشّح إلی المقدّمات وهکذا لایصدق الاشتغال بالحرام ما لم یأت بنفس الحرام.

نعم یمکن أن یقال: استحقاق ثواب الامتثال أو استحقاق العقاب وإن کان لامجال لهما

ص:205

فی الواجبات و المحرّمات الغیریّة قبل الإتیان بالواجبات النفسیّة أو قبل ارتکاب المحرّمات النفسیّة ولکنّ الاستحقاق بمعنی ثواب الانقیاد وأهلیّة المدح بسبب الاشتغال بمقدّمات الواجبات النفسیّة أو بسبب ترک مقدّمات المحرّمات النفسیّة غیر بعید لأنّ الاستحقاق بالمعنی الثانی لایتقوّم بإتیان الواجبات النفسیّة أو بترک المحرّمات النفسیّة والوجدان قاض بالفرق بین من قصد الحجّ وأتی بمقدّمات السفر و شرع فی السفر و لم یدرک الحجّ و بین من لم یقصده ولم یأت بمقدّماته ولم یسافر و ملاک الفرق لیس إلّا الانقیاد.

وهکذا نجد الفرق بین من ترک جمیع مقدّمات الحرام و بین من أتی ببعضها ولکنّ یمنعه مانع عن الإتیان بالحرام هذا کلّه مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة الواردة فی جعل الثواب علی مقدّمات بعض الواجبات أو المستحبّات مثل ماورد من الثواب فی المشی نحو أقامة الصلاة فی المساجد أو نحو أقامة صلاة الجمعة أو ماورد من الثواب علی کلّ خطوة من الخطوات التی یأتی بها قاصد زیارة مولانا الحسین علیه السلام.

فإنّ مع ورود الثواب یستحقّه تابعاً لما ورد من الثواب علی المقدّمات من باب الجعل و القرار و الوعد کما لایخفی.

التنبیه الثالث: فی الاشکال ودفعه فی الطهارات الثلاث.

أمّا الإشکال فهو أنّ بعدماً عرفت من أنّه لامثوبة و لاقربة فی امتثال الأوامر الغیریّة لخلوّها عمّا یصلح لهما کیف یکون حال الطهارات الثلاث التی لاشبهة فی مقرّبیّتها وترتّب المثوبة علیها مع أنّها من الأوامر الغیریّة بالنسبة إلی ما تشترط فیه.

فإن کان منشأ لعبادیّتها هو تعلّق الأوامر النفسیّة بها.

ففیه أنّه ممنوع أوّلاً: فی مثل التیمّم لعدم کونه مستحبّا نفسیّاً.

ص:206

وثانیاً: أنّ الأمر الاستحبابیّ لایبقی مع تعلّق الأمر الغیریّ لتضادّهما.

وثالثاً: إنّ الاستحباب النفسیّ لایساعد مع کفایة الإتیان بها من دون التفات إلی أوامرها النفسیّة.

وإن کان منشأ لعبادیّتها هو الأمر الغیریّ المتوجّه إلیها لزم الدور لأنّ الأمر الغیریّ یتوقّف علی عبادیّتها والمفروض أنّ عبادیّتها متوقّفة علی تعلّق الأمر الغیریّ بها وهو دور.

وأمّا الدفع فعلی تسلیم کون المنشأ لعبادیّة الطهارات الثلاث هو الأمر النفسیّ فبأن یقال: یمکن أن یکون التیمّم مستحبّا نفسیّاً لإطلاق قوله علیه السلام التیمّم أحد الطهورین فتأمّل کما یمکن أن یجتمع الوجوب والاستحباب بناء علی أنّ اختلافهما فی حدّ الرجحان وعلیه فحدّ الاستحباب النفسیّ وإن زال بتحقّق الوجوب الغیریّ إلّا أنّ أصل الرجحان لاموجب لانعدامه.

هذا مع وضوح عدم المنافاة بین کون الطهارات الثلاث مستحبّات نفسیّة وبین جواز الاکتفاء بقصد أمرها الغیریّ لأنّ الأمر الغیریّ لایدعو إلّا إلی متعلّقه والمفروض أنّ متعلّق الأمر الغیریّ مستحبّ نفسیّ فقصد الأمر الغیریّ یرجع إلی قصد المستحبّ النفسیّ.

ولکن لقائل أن یقول إنّ لازم ما ذکر فی الدفع بناء علی تسلیم کون الطهارات الثلاث عبادات نفسیّة هو بطلان الطهارات الثلاث لو أتی بها بداعی أمرها الغیریّ مع الغفلة عن عبادیّتها بالکلّیّة مع أنّ ارتکاز المتشرّعة علی الصحّة فیما إذا أتی بها مع الغفلة عن کونها عبادات نفسیّة فهو یکشف عن أنّ حلّ الإشکال لیس من ناحیة کون الطهارات عبادات نفسیّة.

وأمّا الدفع علی تقدیر عدم ثبوت الاستحباب النفسیّ کما هو الظّاهر فبأن یقال إنّ عبادیّة الطهارات الثلاث لیست من ناحیة قصد الأمر الغیریّ حتّی یدّعی أنّه دور إذ لاأثر لذلک فی کلمات الأصحاب هذا مضافاً إلی أنّه لو کان لقصد الأمر الغیریّ مدخلیّة فی

ص:207

عبادیّتها فلامجال لدعوی الاتّفاق فی عبادیّة الطهارات الثلاث حتّی مّمن لم یقل بوجوب المقدّمات شرعاً ولم یر الاستحباب النفسیّ للطهارات الثلاث إذ لا موجب عنده حینئذٍ لعبادیّتها لأنّ المفروض عنده عدم وجود الأوامر النفسیّة و عدم ثبوت الأمر الغیریّ الشرعیّ.

فالوجه فی عبادیّتها هو قصد التوصّل بها إلی غایاتها سواء قیل بوجوب المقدّمة شرعاً أو لا إذ مع قصد التوصّل إلی أحدی الغایات حصل الانقیاد و أهلیّة المدح و الثواب و حیث لادلیل علی اعتبار قصد القربة إلّا الإجماع و نری أنّهم اکتفوا فی عبادیّتها بقصد التوصّل إلی احدی الغایات نستکشف من ذلک أنّ مرادهم من عبادیّتها هی ذلک لاغیر.

وعلیه فالفرق بین الطهارات الثلاث و غیرها من المقدّمات لیس إلّا فی اعتبار عبادیّتها بالإتیان بها بقصد التوصّل إلی غایاتها فی الطهارات الثلاث دون غیرها فاللازم فی تحقّق عبادیّة الطهارات الثلاث هو أن یؤتی بها للغایات لابدون قصد التوصّل بها إلی الغایات فعبادیّة الطهارات الثلاث تتحقّق بقصد التوصّل بها إلی ذی المقدّمة لا بقصد أمرها الغیریّ الترشّحیّ.

ثمّ إنّه لادلیل تامّ علی استحباب الطهارات الثلاث نفسا لضعف ما استدلّ لذلک دلالة وسنداً.

وأشرنا إلی ذلک هنا و التفصیل موکول إلی محلّه وهو الفقه فاللازم فی تحقّق عبادیّة الطهارات الثلاث هو أن یؤتی بها للتوصّل إلی إحدی غایاتها.

المقام التاسع: فی تبعیة وجوب المقدمة عن وجوب ذیها

و لایخفی ان وجوب المقدمة بناء علی ثبوت الملازمة تابع فی الخصوصیات من الاطلاق و الاشتراط لوجوب ذیها و ذلک فی غایة الوضوح و الوجه فیه ان وجوب المقدمة من رشحات وجوب ذیها کمالایخفی.

ص:208

المقام العاشر: فی ما هو الواجب فی باب المقدّمة

اشارة

والمشهور ذهبوا إلی أنّ الواجب هو ذات المقدّمة من دون اعتبار أی قید فیه وفی قباله اعتبار خصوص ما قصد به التوصّل إلی ذی المقدّمة أو خصوص ما یکون موصلاً.

دلیل المشهور

یدلّ علی ما ذهب إلیه المشهور تعریف المقدّمة الواجبة بأنّه هی ما لولاها لما أمکن حصول ذی المقدّمة إذ ذات المقدّمة ممّا لایتمکّن من ذی المقدّمة بدونها فالواجب هو ذات المقدّمة لتوقّف ذیها علیها.

اورد علیه بأنّ هذا التعریف یصدق علی أحد المتلازمین أیضاً إذ لایتمکّن من کلّ واحد إلّا بوجود الآخر مع أنّه لیس بمقدّمة واجبة.

هذا مضافاً إلی شهادة الوجدان علی عدم مطلوبیّة المقدّمة إذا کانت منفکّة عن ذیها ولذا نری العقلاء یحکمون من دخل فی دار الغیر عند غرق مؤمن فیها لداعی التنزّه مع أنّه ممّا یتوقّف علیه الإنقاذ ویجوز أن یصرّح الأمر الحکیم بأنّی لا أرید ما لایتوصّل إلی الواجب.

فیعلم من ذلک أنّ ملاک مطلوبیّة المقدّمة لیس مجرّد التوقّف فدعوی أنّ الواجب هو ذات المقدّمة لادلیل له وإن ذهب المشهور إلیه فلاتغفل.

دلیل اعتبار القصد

واستدلّ لدخالة قصد التوصّل فی مصداقیّة المقدّمة للواجب بأمرین:

أحدهما: رجوع الحیثیّات التعلیلیّة إلی الحیثیّات التقییدیّة فی الأحکام العقلیّة ومقتضی ذلک أنّ الواجب بحکم العقل هو المتوصّل لا ذات الشیء لغایة التوصّل.

اورد علیه بأنّ الأحکام العقلیّة علی قسمین:

أحدهما: العملیّة ومبادیها هو بناء العقلاء علی الحسن والقبح ومدح فاعل بعض

ص:209

الأفعال وذمّ فاعل بعضها الآخر وموضوع الحسن مثلاً التأدیب لا الضرب لغایة التأدیب إذ لیس هناک بعث من العقلاء لغایة بل مجرّد بنائهم علی المدح والممدوح هو التأدیب لا الفعل بغایة التأدیب.

وثانیهما: النظریة ولاتتکفّل فیه إلّا الإذعان بالواقع والمقام من قبیل الثانی إذ من الواضح أنّ العقل لایتکفّل فیه إلّا الإذعان بالواقع ولیس هو إلّا الإذعان بالملازمة بین الإرادتین لا أنّه حکم ابتدائیّ بوجوب الفعل عقلاً حتّی لایکون له معنی إلّا الإذعان بحسنه و حیث لابعث ولازجر من العاقلة ینتج أنّ الحسن فی نظر العقل هو المتوصّل لا الفعل لغایة التوصّل.

یمکن أن یقال: إنّ الإدراکات العقلیّة یعبّر عنها بالأحکام العقلیّة وهذه الأحکام إذا کانت معلّلة بحیثیّات ترجع تلک الحیثیّات التعلیلیّة إلی الحیثیّات التقییدیّة سواء کانت عملیّة أو نظریّة وحکم العقل العملیّ بحسن الفعل للتأدیب متصوّر کحکمه بحسن التأدیب ولافرق بینهما إلّا فی أنّ الأوّل ینتهی إلی الثانی دون الثانی فإنّه لاینتهی إلی الأوّل ومع تصوّر الحکم بحسن الفعل للتأدیب یشمله ما ذکر من أنّ أحکام التعلیلیّة العقلیّة ترجع إلی التقییدیّة.

وهکذا یکون حکمه بتلازم إرادة ذی المقدّمة لإرادة المقدّمات من جهة التوصّل بها إلیها ینتهی إلی الحکم بتلازم إرادة ذی المقدّمة مع إرادة المقدّمة المتقیّدة بالتوصّل بها إلیها ولافرق فی ذلک بین أن یعبّر عن الحکم المذکور بالإذعان أولا یعبّر لأنّ الإذعان أیضاً حکم من الأحکام ولو سلم أنّه لیس بحکم فنفس الإذعان والإدراک أیضاً یکون کالحکم فی رجوع الحیثیّات التعلیلیّة إلی الحیثیّات التقییدیّة ولاخصوصیّة للحکم بمعناه الاصطلاحیّ.

ص:210

نعم یمکن أن یقال: بأنّ علّة الحکم أو جهة الإدراک لیس عنوان قصد التوصّل بل هی کما سیأتی نفس التوصّل والإیصال فلاتغفل.

وأمّا ما یقال من أنّ الجهات التعلیلیّة فی الأحکام العقلیّة وإن ترجع إلی الجهات التقییدیّة إلّا أنّه أجنبیّ عن محلّ الکلام فی المقام لأنّ وجوب المقدّمة عقلاً بمعنی اللابدّیّة خارج عن مورد النزاع و غیر قابل للإنکار و إنّما النزاع فی وجوبها شرعاً الکاشف عنه العقل و کم فرق بین الحکم الشرعیّ الذی کشف عنه العقل والحکم العقلیّ والجهات التعلیلیّة فی الأحکام الشرعیّة لاترجع إلی الجهات التقییدیّة.

ففیه أنّ العقل إذا کشف عن حکم بملاکه العقلیّ لایمکن أن یکشف أوسع أو أضیق من ملاکه و لاموضوع آخر غیر حیثیّة الملاک.

وثانیهما: إنّ التوصّل إذا کان بعنوانه واجباً فما لم یصدر هذا العنوان عن قصد و اختبار لایقع مصداقاً للواجب وإن حصل منه الغرض مع عدم القصد و العمد إلیه.

أورد علیه بأنّ الممدوح علیه هو التأدیب بالحمل الشایع کما أنّ الواجب هنا هو التوصّل بالحمل الشایع إلّا أنّ التأدیب بالحمل الشایع اختیاریّة بقصد عنوان التأدیب لا باختیاریّة الضرب فإنّه إذا صدر الضرب فقط بالاختیار لم یصدر منه تأدیب اختیاریّ بخلاف التوصّل بالحمل الشایع فإنّ عنوانه لاینفکّ عن المشی إلی السوق فإذا صدر المشی بالاختیار کان توصّلاً أختیاریّاً من دون لزوم قصد عنوان التوصّل.

ووجّه بعض الأعلام اعتبار قصد التوصّل من بعض الفحول بأنّ مراده فیما إذا وقعت المزاحمة بین الوجوب الغیریّ و الحرمة النفسیّة کما إذا توقّف واجب نفسیّ کإنقاذ الغریق مثلاً علی مقدّمة محرّمة بنفسها کالتصرّف فی مال الغیر فبطبیعة الحال تقع المزاحمة بین الوجوب الغیریّ و الحرمة النفسیّة وعلیه فإن جاء المکلّف بالمقدّمة قاصداً بها التوصّل

ص:211

إلی الواجب النفسیّ ارتفعت الحرمة عنها لأهمیّة الإنقاذ من التصرّف فی مال الغیر فلا محالة یوجب سقوط الحرمة عنه وأمّا إن جاء بها لا بقصد التوصّل بل بقصد التنزّه فلاموجب لسقوط الحرمة عنه أبداً.

ویمکن أن یقال: إنّ مناط مطلوبیّة المقدّمة هو وقوعها فی طریق الإنقاذ ولو لم یکن مع قصد التوصّل وعلیه ففی صورة المزاحمة لا دخل لقصد التوصّل و إنّما المدخلیّة لنفس التوصّل فالسلوک فی الأرض المغصوبة إذا وقع فی طریق الإنقاذ لایکون محرّماّ بداهة أنّه لایعقل بقاؤه علی حرمته مع توقّف الواجب الأهمّ علیه و لافرق فی ارتفاع الحرمة عنه عن خصوص هذه المقدّمة بین أن یکون الآتی بها قاصداً للتوصّل بها إلی الواجب المذکور أم لا غایة الأمر أنّه إذا لم یکن قاصداً بها التوصّل کان متجرّیاً.

وأمّا إذا لم یقع السلوک فی طریق الإنقاذ فبقی حرمته علی حالها ضرورة أنّه لاموجب ولامقتضی لارتفاع الحرمة أصلاً فإنّ المقتضیّ لذلک وقوع المقدّمة فی طریق الوصول إلی الواجب الأهمّ والمفروض هو عدمه فمع عدم وجوبها لاتقع المزاحمة مع حرمتها فی نفسها کما لایخفی فتحصّل أنّه لادلیل علی اعتبار قصد التوصّل.

دلیل اعتبار الإیصال

ذهب صاحب الفصول قدس سره إلی أنّ مقدّمة الواجب لاتتّصف بالوجوب والمطلوبیّة من حیث کونها مقدّمة إلّا إذا ترتّب علیها وجود الواجب بحیث إذا وقعت المقدّمة مجرّدة عن وجود الواجب تجرّدت عن وصف الوجوب والمطلوبیّة لعدم وجودها علی الوجه المعتبر فالتوصّل بها إلی الواجب من قبیل شرط الوجود لها لا من قبیل شرط الوجوب و هذا عندی هو التحقیق الذی لامزید علیه و إن لم أقف علی من یتفطّن له.

واستدلّ له بوجوه منها: إنّ العقل لایدلّ علی أزید من ذلک و هو ظاهر لأنّ مناط

ص:212

المطلوبیّة الغیریّة منحصر فی المقدّمات الموصلة لاغیرها و العقل لایحکم بالوجوب بدون المناط و علیه فلایدلّ علی أزید من ذلک و بعبارة اخری أنّ الغایات فی الأحکام العقلیّة تکون عناوین موضوعاتها.

فالتوصّل غایة حکم العقل بوجوب المقدّمة و مرجعه إلی أنّ موضوع حکم العقل بوجوب المقدّمة هو المقدّمة الموصلة لا ذات المقدّمة.

ومنها: تجویز العقل أن یصرّح الأمر الحکیم بأنّی لا ارید إلّا الموصلة و هو شاهد علی أنّ دائرة حکم العقل هی الموصلة و إلّا فلا مجال لتجویز ذلک إذ لا تخصیص فی الأحکام العقلیّة.

ومنها: حکم العقلاء باستحقاق المذمّة فیمن دخل فی الدار المغصوبة لغیر الإنقاذ الواجب مع أنّ الدخول فیها من مقدّمات الإنقاذ ولیس ذلک إلّا لشرطیّة التوصّل فی تحقّق المقدّمة الواجبة و إلّا فلامجال لاستحقاق المذمّة لأنّ الدخول فی الدار المغصوبة یکون ممّا یتوقّف علیه الإنقاذ الواجب.

ومنها: الارتکاز و الوجدان حیث کان مقتضاهما هو وجوب خصوص هذا القسم الملازم لوجود الواجب فی الخارج بداهة أنّ من أشتاق إلی شراء اللحم مثلاً فلامحالة یحصل له الشوق إلی صرف مال واقع فی سلسلة مبادئ وجوده لامطلقاً و لذا لو فرض أنّ عبده صرف ماله فی جهة اخری لا فی طریق امتثال أمره بشراء اللحم لم یعدّ ممتثلاً للأمر الغیریّ بل یعاقبه علی ذلک.

واستشکل القوم علیه بوجوه:

أحدها: أنّ الغرض الداعی إلی وجوب المقدّمة لیس إلّا حصول ما لولاه لما أمکن حصول ذی المقدّمة ضرورة أنّه لایکاد یکون الغرض إلّا ما یترتّب علیه من فائدته و

ص:213

أثره و لایترتّب علی المقدّمة إلّا ذلک و لا تفاوت فیه بین ما یترتّب علیه الواجب وبین ما لایترتّب علیه أصلاً.

اجیب عنه بأنّ هذا المعنی السلبیّ التعلیقیّ (أعنی أنّ الغرض لیس إلّا حصول ما لولاه لما أمکن حصول ذی المقدّمة) لیس أثر وجود المقدّمة و لاهو متعلّق الغرض کما أنّ إمکان ذی المقدّمة ذاتاً وقوعیّاً وکذا التمکّن منه غیر مترتب علی وجود المقدّمة بل إمکانه مطلقاً و القدرة علیه یتّبع إمکان المقدّمة و القدرة علیها لا وجودها فذو المقدّمة لایوجد بدونها لا أنّه لایمکن بدونها أو لایتمکّن منه بدونها.

فجعل التمکّن من ذی المقدّمة من آثار الإتیان بالمقدّمة کما تری لوضوح أنّ التمکّن المذکور من آثار التمکّن من الإتیان بالمقدّمة لا من آثار الإتیان بالمقدّمة أو إیجابها فالغرض من الإیجاب هو الإیصال و إلّا فنفس التمکّن من ذی المقدّمة حاصل قبل الإیجاب و لاحاجة إلی إیجاب المقدّمة أو إلی إتیانها.

ثانیها: نمنع جواز تصریح الأمر الحکیم بأنّی ارید الحجّ واُرید المسیر الذی یتوصّل به إلی فعل الواجب دون ما لم یتوصّل به إلیه لثبوت مناط الوجوب فی مطلقها و دعوی أنّ الضرورة قاضیة بجواز ذلک مجازفة.

اجیب عنه بمنع ثبوت مناط الوجوب فی غیر صورة الإیصال و مع عدم وجود المناط لیست دعوی الضرورة قاضیة بجواز التصریح المذکور مجازفة.

وثالثها: أنّ الإیصال لیس أثر مجموع المقدّمات فضلاً عن إحدیها فی غالب الواجبات إذ الواجب فعل اختیاریّ یختار المکلّف تارة إتیانه بعد وجود تمام مقدّماته واُخری عدم إتیانه وعلیه فکیف یکون اختیار إتیانه غرضاً من إیجاب کلّ واحدة من مقدّماته مع عدم ترتّبه علی تمام المقدّمات فضلاً عن کلّ واحدة منها نعم إذا کان الواجب من

ص:214

الأفعال التسبّبیّة والتولیدیّة کان مترتّباً علی تمام مقدّماته لعدم تخلّف المعلول عن علّته.

وعلیه فالقول بالمقدّمة الموصلة یستلزم إنکار وجوب المقدّمة فی غالب الواجبات والالتزام بوجوب الإرادة فی الباقی التزام بالتسلسل.

واُجیب عنه بأنّ المراد من الإیصال أعمّ من الإیصال مع الواسطة فالقدم الأوّل بالنسبة إلی الحجّ قد یکون موصلاً ولو مع الوسائط إلیه أی یتعقّبه الحجّ وقد لایکون کذلک و الواجب هو الأوّل.

وأمّا الإشکال بالإرادة ففیه أوّلاً: انّ الإرادة قابلة لتعلّق الوجوب بها کما فی الواجب التعبدیّ.

وثانیاً: انّ الإشکال فیها مشترک الورود.

ورابعها: أنّه لو قلنا بعدم وقوع المقدّمة علی المطلوبیّة الغیریّة عند عدم حصول سائر ماله دخل فی حصولها لزم أن یکون وجود الغایة من قیود المقدّمة ومقدّمة لوقوع المقدّمة علی نحو یکون الملازمة معکوسة بین وجوب المقدّمة بذلک النحو و وجوب غایتها وهی ذو المقدّمة.

واُجیب عنه بمنع لزوم کون وجود ذی المقدّمة من قیود المقدّمة و مقدّمة لوقوع المقدّمة لأنّ عنوان الإیصال مأخوذ فی المقدّمات و لیس لوجود ذیها دخل فی ذلک إذ منشأ انتزاع الإیصال هو نفس المقدّمات عند بلوغها إلی حیث یمتنع انفکاکها عن ذیها لاوجود ذی المقدّمة أو ترتّبه فلاتغفل.

خامسها: أنّ الإتیان بالمقدّمة بناءً علی وجوب الموصلة لایوجب سقوط الطلب منها إلّا أن یترتّب الواجب علیها مع أنّ السقوط بالإتیان بالمقدّمة واضح فلابدّ أن یکون ذلک من جهة موافقة الأمر ومع الموافقة یستکشف عن أنّ الواجب هو مطلق المقدّمة ولو لم توصل إلی ذیها.

ص:215

واُجیب عنه بأنّا نمنع سقوط الأمر بمجرّد الإتیان بالمقدّمة ولو لم توصل إلی ذیها بعد فرض تعلّقه بالمقیّد وهو المقدّمة الموصلة إذ لایتحقّق المقدّمة الموصلة إلّا بوجود قیده کما فی المرکّبات فإنّ التحقیق فیها أنّ الأمر بها لایسقط إلّا بإتیان تمام أجزاء المرکّب.

اعتبار حال الإیصال

والظّاهر من الدرر و بدائع الأفکار أنّهما ذهبا إلی اعتبار المقدّمة فی ظرف الإیصال وحاله بنحو القضیّة الحینیّة فراراً من الإشکالات المتقدّمة بناءً علی اعتبار الإیصال بنفسه.

قال المحقّق الیزدیّ قدس سره إنّ الطلب متعلّق بالمقدّمات فی لحاظ الإیصال لامقیّداً به حتّی یلزم المحذورات السابقة والمراد أنّ الأمر بعد تصوّر المقدّمات بأجمعها یریدها بذواتها لأنّ تلک الذوات بهذه الملاحظة لاتنفکّ عن المطلوب الأصلیّ ولو لاحظ مقدّمة منفکّة عمّا عداها لایریدها جزماً فإنّ ذاتها وإن کانت مورداً للإرادة لکنّ لما کانت المطلوبیّة فی ظرف ملاحظة باقی المقدّمات معها لم تکن کلّ واحدة مرادة بنحو الإطلاق بحیث تسری الإرادة إلی حال انفکاکها عن باقی المقدّمات وهذا هو الذی ذکرنا مساوق للوجدان ولایرد علیه ما أورد علی القول باعتبار الإیصال قیداً وإن اتّحد معه فی الأثر.

وفیه أنّه لاوجه لما ذهبا إلیه بعد ما عرفت من عدم لزوم المحذورات من اعتبار الإیصال وتقیید المقدّمات به لأنّ المراد من الإیصال لیس هو اعتبار وجود المتأخّر فی المتقدّم حتّی یلزم تجافی الموجود المتأخّر عن مرتبته بل المراد منه هو اعتبار بلوغ المقدّمات إلی حیث لاینفکّ المترتّب المتأخّر عنها. ومن المعلوم أنّ المقدّمات البالغة إلی تلک الحیثیّة تکون بنفسها منشأ لانتزاع الإیصال و لادخل لترتّب ذی المقدّمة علیها فی ذلک و إن کان الترتّب المذکور ملازماً لبلوغ المقدّمات إلی تلک الحیثیّة.

وعلیه فتقیید المقدّمات بالإیصال بالمعنی المذکور لامحذور فیه حتّی یحصل الاضطرار إلی العدول عنه.

ص:216

هذا مضافاً إلی أنّ اعتبار حال الإیصال أیضاً لایخلو عن المحذور لأنّ الحال من الحیثیّات وقد عرفت أنّ الحیثیّة التعلیلیّة فی الأحکام العقلیّة ترجع إلی الحیثیّة التقییدیّة و علیه فلیس الواجب هو مطلق المقدّمة بل هو المقدّمة المتحیّثة بالحال المذکور فعادت الإشکالات والمحاذیر فتدبّر جیّداً.

الثمرة بین القولین

والأهمّ ممّا ذکروه من الثمرات هو جواز المقدّمة المحرّمة مطلقاً فیما إذا صارت مقدّمة للواجب الأهمّ بناءً علی القول بوجوب مطلق المقدّمة سواء ترتّب علیها الواجب أو لم یترتّب و جوازها فیما إذا ترتّب علیها الواجب الأهمّ بناءً علی تخصیص وجوب المقدّمة بالموصلة.

وهو واضح لأنّ حرمة المقدّمة ساقطة عن الفعلیّة بمجرّد مقدّمیّتها للواجب الأهمّ بناءً علی أنّ المقدّمة هو مطلقها سواء کانت موصلة أو غیر موصلة فصارت المقدّمة بعد سقوط الحرمة جایزة بل واجبة بمقتضی الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة و وجوب المقدّمة المطلقة.

هذا بخلاف ما إذا قلنا بأنّ المقدّمة الواجبة لیس مطلقاً بل هی الموصلة إذ علیه لاتسقط المقدّمة عن الحرمة الفعلیّة إلّا إذا کانت موصلة.

وهذا الفرق یکفی فی الثمرة بین القولین.

وربّما یجعلون من الثمرات إمکان تصحیح العبارة إذا صارت ضدّاً للواجب الأهمّ بناءً علی القول بوجوب المقدّمة الموصلة بخلاف ما إذا قلنا بأنّ المقدّمة المطلقة واجبة بتقریب أن یقال: إنّه إذا کان ترک الصلاة فی أوّل الوقت مقدّمة لواجب أهمّ کإزالة النجاسة عن المسجد مثلاً و قلنا بوجوب مطلق المقدّمة فترک الصلاة واجب بناءً علی

ص:217

أنّ ترک الضدّ من المقدّمة لا المقارنات و مقتضی کون الترک واجباً من دون قید هو حرمة فعل الصلاة بناءً علی أنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه العامّ ومن المعلوم أنّ هذا النهی یوجب الفساد بناءً علی أنّ النهی الغیریّ کالنهی النفسیّ فی الدلالة علی الفساد عند عدم القول بالترتّب.

هذا بخلاف ما إذا قلنا بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة فالصلاة فی المثال المزبور لاتقع فاسدة فإنّ المقدّمة الواجبة بناءً علی هذا القول هو الترک الموصل لامطلق الترک و نقیض الترک الموصل هو رفعه أی ترک هذا الترک الخاصّ ومن المعلوم أنّ الرفع المذکور لیس عین الصلاة فی الخارج بل هو مقارن مع الفعل والترک المجرّد وعلیه فإذا وجب الترک الموصل حرم رفعه والحرمة من الرفع المذکور لایسری إلی مقارناته فلو عصی المکلّف ولم یأت بالأهمّ وهو الإزالة بل أتی بالصلاة کانت صلاته صحیحة لعدم کونها منهیّة.

ولکنّ الإنصاف أنّ سرایة الحرمة فی فرض کون المقدّمة مطلقة لاموصلة مبنیّة علی البناءات المذکورة و هی غیر ثابتة فمع عدم السرایة لافرق بین القولین ومع عدم الفرق لاوجه للحکم ببطلان الصلاة فی صورة کون وجوب المقدّمة مطلقاً فلاثمرة بین القولین لأنّ المفروض هو صحّة الصلاة علی کلا القولین.

فالأولی هو الاکتفاء بالثمرة الاُولی فی الفرق بین القولین فلاتغفل.

تذنیب فی کیفیّة استکشاف الحکم الکلّیّ الفقهیّ

ولایذهب علیک أنّ الثمرة فی المسألة الاُصولیّة هی اکتشاف الحکم الکلّیّ الفقهیّ من المسألة الاُصولیّة لاتطبیق المسألة الاُصولیّة علی مصادیقها وتطبیق الحکم الکلّیّ الفقهیّ علی موارده فإنّ کلیهما خارجان عن حقیقة الاستکشاف و الاستنباط وهذا الاکتشاف لایحصل إلّا بأن یجعل المسألة الاُصولیّة صغری للقیاس بأن یقال: فی مسألتنا

ص:218

کلّ مقدّمة یستلزم وجوب ذیها وجوبها وکلّ ما کان کذلک فهو واجب شرعاً فیستنتج منه أنّ کلّ مقدّمة واجب شرعاً و هو الحکم الکلّیّ الفقهیّ فالملازمة بین وجوب ذی المقدّمة والمقدّمة مسألة اصولیّة وجعلت صغری للقیاس وهی مع ضمیمة کلّ ما کان کذلک فهو واجب شرعاً یوجب کشف الحکم الکلّیّ الفقهیّ وهو أنّ کلّ مقدّمة واجب شرعاً.

وأمّا إذا جعلت مقدّمیّة الوضوء صغری القیاس و الحکم بوجوب کلّ مقدّمة شرعاً کبری القیاس فهو ینتج تطبیق الحکم الکلّیّ الفقهیّ علی مصادیقه و هو متوقّف علی الفراغ عن وجوب کلّ مقدّمة حتّی یصحّ القیاس المذکور.

أو جعلت المسألة الاُصولیّة وهی کلّ مقدّمة یستلزم وجوب ذیها وجوبها کبری القیاس ینتج أنّ الوضوء یستلزم وجوب ذیه وجوبه وهذا هو تطبیق المسألة الاُصولیّة الکلّیّة علی مصادیقها ولاینتج حکماً کلّیّاً فقهیّاً من وجوب کلّ مقدّمة شرعاً حتّی یکون نتیجة للقیاس.

وممّا ذکر یظهر ما فی المعروف من أنّ استکشاف الحکم الشرعیّ من المسألة الاُصولیّة یتوقّف علی جعل المسألة الاُصولیّة کبری للقیاس.

وذلک لما عرفت من أنّ جعل المسألة الاُصولیّة کبری للقیاس ینتج تطبیق المسألة الاُصولیّة علی مواردها لاکشف الحکم الکلّیّ الفقهیّ فلاتغفل.

تأسیس الأصل

ولایخفی علیک أنّه لا أصل بالنسبة إلی المسألة الاُصولیّة وهی نفس الملازمة لعدم حالة سابقة لها وجوداً وعدماً لأنّها إمّا ثابتة أزلاً أو معدومة أزلاً فالملازمة بین وجوب ذی المقدّمة و وجوب المقدّمة إنْ کانت موجودة کانت کذلک أزلاً وإن لم تکن موجودة کان الأمر کذلک و الملازمة المذکورة لاتتوقّف علی فعلیّة الوجوب فی ذی المقدّمة حتّی یقال باعتبار فعلیّة الوجوب لها حالة سابقة فإنّ القضیّة الشرطیّة صادقة و إن لم

ص:219

یکن طرفاها موجودین بالفعل بل و إن کان ممتنعین کقولنا لو کان شریک الباری موجوداً لکان العالم فاسداً.

فإذا شککنا فی الملازمة فلامجال للرجوع إلی مقتضی الأصل فی المسألة الاُصولیّة وهی نفس الملازمة.

نعم یمکن جریان الاستصحاب الحکمیّ فی نفس وجوب المقدّمة لکون وجوبها مسبوقاً بالعدم إذ قبل تعلّق الوجوب بذی المقدّمة لم تکن المقدّمة واجبة حیث إنّ وجوبها حادثة بحدوث وجوب ذیها.

وعلیه فإن شکّ فی وجوب المقدّمة من ناحیة الشکّ فی وجود الملازمة وعدمه فمقتضی الاستصحاب هو عدم وجوب المقدّمة ودعوی أنّ وجوب المقدّمة علی تقدیر الملازمة من قبیل لوازم الماهیّات التی لیست مجعولة لا بالجعل البسیط الذی هو مفاد کان التامّة و لابالجعل التألیفیّ الذی هو مفاد کان الناقصة و لاأثر آخر لوجوب المقدّمة حتّی یمکن جریان الاستصحاب فیه باعتبار أثره الشرعیّ مندفعة بأنّ وجوب المقدّمة مجعول بالعرض وبالتبع لوجوب ذی المقدّمة و هو کاف فی جریان الأصل کما فی الکفایة و فیه أنّ إرادة المقدّمة بحسب الوجود غیر إرادة ذیها ومع التعدّد والمغایرة لایکون الجعل بالعرض بل یجب تعدّد الجعل هذا مضافاً إلی أنّ الجعل العرضیّ لیس شیئاً منحازاً حتّی یجری فیه الأصل.

نعم یمکن أن یقال فی الجواب: وجوب المقدّمة من قبیل لوازم الوجود لا لوازم الماهیّة إذ لیست إرادة المقدّمة بالنسبة إلی إرادة ذیها کالزوجیّة بالإضافة إلی الأربعة و إلّا فنفس وجوب ذی المقدّمة کافٍ فی وجود وجوب المقدّمة إذ لا وجود للازم الماهیّة غیر وجودها مع أنّ ارادة المقدّمة بحسب الوجود غیر إرادة ذیها فیمکن جریان الأصل فیها.

لایقال: لامجال لجریان الاستصحاب فی نفس وجوب المقدّمة مع الشکّ فی وجود

ص:220

الملازمة و عدمها لمنافاته مع الملازمة بناءً علی ثبوتها فی الواقع إذ یستلزم التفکیک بین المتلازمین سواء قلنا بأنّ وجوب المقدّمة من باب لوازم الماهیّة أو لوازم الوجود والتفکیک بین المتلازمین محال ومع الاستحالة لامجال لإطلاق أدلّة الاستصحاب.

لأنّا نقول: لاوجه لرفع الید عن إطلاق الدلیل لمجرّد احتمال الاستحالة لأنّ احتمال الاستحالة لیس بمانع بل المانع هو إحراز الاستحالة وهو لم یثبت فالدلیل الظّاهر فی شمول المورد حجّة علی التعبّد به ما لم تقم حجّة علی خلافها واحتمال الاستحالة غیر حجّة فلایمنع عن تصدیق الحجّة.

فتحصّل: أنّه لا أصل بالنسبة إلی نفس الملازمة ولکن یجری الأصل الحکمیّ بالنسبة إلی وجوب المقدّمة عند وجوب ذیها فلاتغفل.

أدلّة وجود الملازمة

استدلّوا علی وجود الملازمة بوجوه:

منها: شهادة الوجدان علی وجود الملازمة بین طلب ذی المقدّمة وطلب المقدّمة بتقریب أنّ من راجع وجدانه وأنصف من نفسه یقطع بثبوت الملازمة بین الطلب المتعلّق بالفعل والطلب المتعلّق بمقدّماته ولیس المراد تعلّق الطلب الفعلیّ بها. کیف والبداهة قاضیة بعدمه لجواز غفلة الطالب عن المقدّمة بل کیفیّة الطلب التقدیریّ کما یکفی ذلک فی الواجبات النفسیّة ولذا لو غرق ولد المولی وهو لایعلم لزم علی العبد الملتفت إنقاذ ابن المولی بحیث لو لم ینقذ عدّ عاصیاً واستحقّ العقاب ولیس ذلک إلّا لکفایة الطلب التقدیریّ فکما أنّ الطلب التقدیریّ یکفی فی الواجبات النفسیّة فکذلک یکفی فی الواجبات الغیریّة.

أورد علیه بأنّ الوجدان من أقوی الشواهد علی عدم تعدّد البعث من قبل المولی بتعدّد المقدّمات شرعاً بداهة أنّه بعد مراجعة الوجدان لانری إلّا بعثاً واحداً ولو سئل

ص:221

المولی بعد ما أمر بشیء له مقدّمات هل لک فی هذا الموضوع أمر واحد أو أوامر متعدّدة فهل تراه یقول إنّ لی أوامر متعدّدة لا بل یجیب بأنّ لی بعثاً واحداً و طلباً فارداً متعلّقاً بالفعل المطلوب.

نعم لاننکر أنّ العقل یحکم بوجوب إتیان المقدّمات حفظاً لغرض المولی وتمکّناً من إتیانه ولکنّ أین هذا من الوجوب الشرعیّ والطلب المولویّ؟.

ولذا لو التزم المولی بأن یعطی بإزاء کلّ أمر امتثله العبد دیناراً فامتثل العبد أمراً صادراً عنه متعلّقاً بفعل له ألف مقدّمة مثلاً فهل تری للعبد أن یطالب المولی بأکثر من دینار واحد و هذا شاهد علی أنّه لابعث للمولی بالنسبة إلی المقدّمات بل لو بعث إلیها بما هی مقدّمة یکون البعث نحوها عین البعث نحو ذیها.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ الوجدان یشهد علی وجود الإرادة التشریعیّة عند التفات المولی إلی المقدّمات و عدم کونه بلا تفاوت بالنسبة إلی الإتیان بالمقدّمات و عدمه کما أنّ الأمر کذلک بالنسبة إلی الإرادة التکوینیّة فإنّ من أراد شیئاً أراد مقدّماته و عدم تحقّق البعث أو عدم تعدّده نحو المقدّمات لایکشف عن عدم وجود الإرادة المولویّة بالنسبة إلیها للاکتفاء فی ذلک بالبعث نحو ذیها فإنّ البعث نحوها بعث نحو مقدّماتها بالملازمة المذکورة.

واحتمال أن تکون الإرادة بالنسبة إلی المقدّمات من باب اللابدّیّة العقلیّة لا المولویّة مندفع بأنّ اللابدّیّة العقلیّة لیست إلّا إدراک الضرورة لا الإرادة و المفروض فی المقام هو وجدان إرادة المقدّمات بتبع إرادة ذیها وهذه الإرادة تشریعیّة لا إرشادیّة ولذا لو رأی المولی تأخیر العبد فی تحصیل المقدّمات نادی بأعلی صوت بالأمر بالإتیان مع التأکیدات اللازمة حتّی لایفوت المطلوب الأوّلیّ و لایکتفی فی ذلک بمجرّد إظهار

ص:222

النصح و الإرشاد إلی ما فی نفس الشیء من الصلاح و الفساد و هذا أحسن شاهد علی أنّ الإرادة تشریعیّة لا إرشادیّة.

وقول الأمر بأنّ لی بعثاً واحداً لاینافی وجدان الإرادة التشریعیّة بالنسبة إلی المقدّمات فإنّ الأمر نفی الأمر النفسیّ بالمقدّمات و هو کذلک إذ لایدّعی وجود أوامر أو إرادات نفسیّة بالنسبة إلی المقدّمات بل الأوامر الغیریّة أو إرادة غیریّة مورد الکلام نحن ندّعی الوجدان علی وجود إرادات غیریّة ولو تقدیراً. ولایصحّ فی مثل ذلک دعوی البداهة علی عدم وجود إرادات غیریّة.

وأمّا الاستشهاد بأنّ المولی عند التزامه بإعطاء الدینار عند امتثال کلّ أمر من أوامره لم یعط الممتثل أکثر من دینار واحد ولو کان لمورد الامتثال مقدّمات عدیدة.

ففیه أنّه تابع لما التزمه المولی فإنّه إن التزم بإعطاء الدینار علی امتثال الأمر النفسیّ فلیس علیه إلّا الدینار الواحد وأمّا إذا التزم بامتثال الأمر ولو کان غیریّاً فعلیه ألف دینار.

أورد علیه أیضاً بأنّ الضرورة قاضیة بعدم إرادة البعث نحو المقدّمات لعدم تحقّق البعث فی غالب الموارد و علیه فلو کانت الإرادة بالنسبة إلیها موجودة یلزم تفکیک الإرادة عن معلولها و هو البعث و حیث إنّ التفکیک بین العلّة و المعلول محال فإرادة البعث غیر حاصلة وتعلّق الإرادة بنفس عمل الغیر غیر معقول وغیر مقدور لأنّ عمل التشریعیّة تابعة للإرادات التکوینیّة فکما أنّ المولی إذا أراد نفسه شیئاً أراد مقدّماته بالوجدان فکذلک یکون إذا أراد شیئاً عن غیره لأنّ ذلک من شؤون إرادة ذی المقدّمة.

ورابعاً: إنّ احتمال أن یکون إرادة المقدّمة من باب کون المولی أحداً من العقلاء واللابدّیّة العقلیّة مندفع بأنّ اللابدّیّة العقلیّة هی درک الضرورة لا الإرادة والمفروض فی المقام هو وجدان الإرادة بالنسبة إلی المقدّمات فی الإرادات التکوینیّة والتشریعیّة ولذا

ص:223

یرغب المولی ویحرّک نحوها إذا رأی أنّ العبد لم یأت بها وضاق وقت العمل.

وخامساً: إنّ الإرادة متعلّقة بالمقدّمات لابذیها حتّی یمکن حملها علی تأکید الإرادة المتعلّقة بذیها.

وسادساً: إنّ لزوم اجتماع الأمرین فی المقدّمة الداخلیّة مع عینیّتها مع المرکّب ممنوع بعد ما مرّ مراراً من أنّ الحیثیّات التعلیلیّة ترجع إلی الحیثیّات التقییدیّة ومع تعدّد الحیثیّة یتعدّد الموضوع باعتبارها ومع التعدّد لایجتمع الأمران فی شیء واحد فتحصّل أنّ الملازمة بین الإرادة المولویّة التشریعیّة لذی المقدّمة و الإرادة المولویّة التشریعیّة بالنسبة إلی المقدّمات متحقّقة کما تکون کذلک بالنسبة إلی الإرادات التکوینیّة بشهادة الوجدان وعلیه فما ذهب إلیه الشیخ والمحقّق الخراسانیّ وصاحب الوقایة و الدرّر و بدایع الأفکار و غیرهم من الفحول من وجود الملازمة لایخلو من وجه.

ثمّ لایخفی علیک أنّ ثبوت الملازمة بین الإرادة التشریعیّة بالنسبة إلی ذی المقدّمات وبین الإرادة التشریعیّة بالنسبة إلی المقدّمات لایستلزم أن یکون للمقدّمات ثواب وعقاب وإطاعة وعصیان علی حدّه لأنّ الإرادات الغیریّة تابعة للإرادات الأصلیّة فی الاُمور المذکورة.

ثمّ لایذهب علیک أنّه لاوجه للتفصیل فی المقدّمات بین الأسباب وغیرها والقول بوجوبها فی الاُولی دون الثانیة بدعوی أنّ التکلیف لایتعلّق إلّا بالمقدور والمقدور فی الاُولی هو الاسباب لا المسبّبات لما عرفت من أنّ المقدور بالواسطة مقدور و المسبّبات مقدورة بمقدوریّة أسبابها فلا إشکال فی تعلّق التکلیف بها و أیضاً لافرق فی المقدّمة بین العقلیّة وبین الشرعیّة إذ بعد ثبوت المقدّمیّة شرعاً تکون المقدّمة الشرعیّة کغیرها فی توقّف ذی المقدّمة علیها فیجری فیها أیضاً دعوی الملازمة لأنّ المفروض أنّ ذا المقدّمة لایتحقّق بدونها کالعقلیّة.

ص:224

مقدّمة المستحب

لاتختصّ دعوی الملازمة بکون المقدّمات مقدّمات الواجبات بل تجری فی مقدّمات المستحبّات أیضاً بعین الوجه المذکور فی الواجبات إذ من أراد شیئاً من غیره أراد مقدّماته کما فی الإرادات التکوینیّة من دون فرق بین أن یکون الشیء واجباً أو مستحبّاً.

مقدّمة الحرام أو المکروه

و لاخفاء فی أنّ المقدّمات الموصلة نحو الحرام أو المکروه محکومة بحکمها من الحرمة أو الکراهة بناءً علی الملازمة لشهادة الوجدان علی أنّ من أکره شیئاً أکره مقدّماته الموصلة من دون فرق بین أن تکون الإرادة تکوینیّة أو تشریعیّة إذ البغض للمعلول یلازم بغض العلّة وهی مجموع المقدّمات الموصلة و علیه فیکون کلّ مقدّمة من المقدّمات مبغوضة بمبغوضیّة العلّة وهی مجموع المقدّمات الموصلة و لا ملاک لمبغوضیّة کلّ واحدة من المقدّمات مع قطع النظر عن سائر المقدّمات ولو کانت المقدّمة هی الجزء الأخیر أو المقدّمة الأخیرة لإنّها مع قطع النظر عن غیرها لایترتّب علیها المبغوض الأصلیّ فلاوجه لتخصیص المبغوضیّة بالجزء الأخیر من العلّة التامّة مع عدم انفکاکه عن سائر الأجزاء والمقدّمات إذ المجموع بما هو المجموع هو العلّة التامّة نعم لو کانت المقدّمة الأخیرة غیر متلازمة مع وجود غیرها من المقدّمات اختصّت بالمبغوضیّة بعد وجودها کما لایخفی.

ص:225

ص:226

الفصل الخامس: فی أنّ الأمر بالشیء هل یستلزم النهی عن ضدّه أم لا؟

اشارة

ویقع الکلام فی أُمور:

الأمر الأوّل: أّن المسألة أصولیّة لأنّ نتیجة المسألة تقع فی طریق الاستنباط ودعوی أنّها فقهیّة لأنّ البحث فیها عن ثبوت الحرمة لضدّ الواجب و عدمه وهو بحث فقهیّ مندفعة بأنّ البحث لیس کذلک بل هو البحث عن ثبوت الملازمة بین الأمر بالشیء والنهی عن ضدّه و عدمه و هو بحث أصولیّ.

ثمّ إن تعنون المسألة بجهة أخری تصلح باعتبارها أن تکون من مبادی الأحکام لاینافی إدراجها فی المسائل الاُصولیّة باعتبار ثبوت الملازمة و عدمه کمالایخفی.

الأمر الثانی: أنّ هذه المسألة الاُصولیّة تکون من المسائل العقلیّة لا اللفظیّة لأنّ البحث لایختصّ بصورة ثبوت الأمر بلفظ و نحوه هذا مضافاً إلی أنّ الغرض من الإستلزام لیس إلّا فی عالم الواقع والحاکم بها لیس إلّا العقل و لاصلة للبحث المذکور بدلالة الألفاظ وعدمها ولعلّ ذکرها فی باب الألفاظ لعدم إفراد باب لخصوص المسائل العقلیّة هذا مضافاً إلی غلبة کون الواجبات من الأوامر اللفظیّة.

الأمر الثالث: انّ المراد من الضدّ فی المقام هو الضدّ الاُصولیّ لا المنطقیّ ولذا لایختصّ بالضدّ الوجودیّ بل یشمل مطلق مایعاند الشیء وینافیه ولو کان أمراً عدمیّاً کنقیض

ص:227

الشیء أعنی عدمه ولذلک یصحّ إطلاق الضدّ علی ترک کلّ ضدّ کالصلاة و الإزالة فی وقت واحد مع أنّ ترک الصلاة و الإزالة من النقیض و یسمّی الضدّ بالعامّ من جهة ملائمة ترک کلّ ضدّ مع اجتماعه مع واحد من الاضداد الخاصّة مثلاً ترک الإزالة یجتمع مع الصلاة و غیرها من الأکل والشرب و نحوهما و هکذا ترک الصلاة یجتمع مع الإزالة و غیرها من الأفعال.

کما یصحّ إطلاق الضدّ علی الضدّ الخاصّ بمعناه المنطقیّ و هو الذی لایلائم و لایجتمع مع غیره من الأضداد الوجودیّة کضدّیّة الإزالة مع الصلاة و بالعکس إذ الضدّان بالمعنی المنطقیّ أمران وجودیّان لا یجتمعان فی محلّ واحد.

الأمر الرابع: أنّ محلّ النزاع لیس فی الواجبین الموسّعین إذ لا مزاحمة بینهما کما لیس فی المضیّقین اللذین لا أهمّ بینهما إذ من المعلوم أنّ الحکم هو التخییر بینهما بل محلّ النزاع فی الموردین:

أحدهما: ما إذا کان أحد الواجبین موسّعاً والآخر مضیّقاً.

وثانیهما: هو ما إذا کانا مضیّقین ولکن کان أحدهما أهمّ من الآخر.

الأمر الخامس: فی استدلالاة القوم علی استلزام طلب الشیء و الأمر به للنهی عن ضدّه ویقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی الضدّ الخاصّ

واستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ ترک الضدّ الخاصّ مقدّمة للضدّ الآخر وحیث إنّ مقدّمة الواجب واجبة بناء علی وجوب المقدمة فترک الضدّ الخاصّ واجب فإذا کان ترک الضدّ واجباً کان فعله محرّماً وهو المطلوب إذ نتیجة القیاس أنّ الأمر بالشیء أو إرادته یستلزم النهی عن ضدّه ویمکن

ص:228

أن یقال: إنّ ترک الضدّ الخاصّ لیس من مقدّمات وجود الضدّ الآخر لأنّ الأمر العدمیّ لا حظّ له من الوجود حتّی یؤثّر فی وجود الضدّ الآخر فمع عدم کون ترک الضدّ مقدّمة لامجال لسرایة الوجوب من ذی المقدّمة إلیه کما لایخفی.

هذا مضافاً إلی ما قیل من أنّه لا تقدّم ولاتأخّر بین الضدّین بما هما ضدّان وعلیه فنقیض کلّ واحد منهما وهو العدم البدیل للوجود أیضاً لا تقدّم له علی وجود الآخر وهذا معنی کونهما فی مرتبة واحدة. و علیه فلاتقدم لعدم أحدهما علی وجود الآخر فإذا لم یکن تقدّم لعدم البدیل بالنسبة إلی وجود الضد الآخر فلایکون عدم الضدّ من المقدمات حتّی یندرج فی وجوب المقدمات و ینتهی وجوب عدم الضدّ إلی النهی عن الضدّ.

وفیه مالایخفی لأنّ صرف کون عدم الضدّ بدیلاً لعین الضدّ لا یقتضی أن یکون فی رتبته لجواز أن یتقدّم علیه أو یتأخّر عنه طبعا بشهادة أنّ الشرط وجوده متقدّم بالطبع علی وجود مشروطه ومع ذلک لاتقدّم لعدمه البدیل علی وجود مشروطه بالطبع وأیضاً أنّ المعلول متأخّر عن العلّة رتبة وما هو متّحد معه وهو عدم البدیل له لایکون متأخّراً عن العلّة الموجودة مع أنّ المفروض أنّ عدم المعلول یکون فی مرتبة وجود المعلول.

وبالجملة فلاملازمة بین انتفاء التقدّم فی وجود الضدّین وبین انتفائه فی نقیضهما وعلیه فمع عدم الملازمة لایثبت عدم التقدّم لنقیض أحد الضدّین بالنسبة إلی الآخر فلا یصلح هذا الجواب لردّ من جعل نقیض کلّ واحد من الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر.

فالأولی هو أن یقال إنّ التقدّم والتأخّر والمقارنة والمعیّة من خواصّ الوجود والعدم لاحظّ له من الوجود حتّی یتصوّر فیه هذه الاُمور. وعلیه فعدم النقیض أو الضدّ فی عین عدم اختصاصه بمرتبة النقیض أو الضدّ لا تقدّم له من أنواع التقدّم ومع عدم التقدّم فلاوجه لتعلّق الوجوب المقدّمیّ إلیه.

ص:229

الوجه الثانی: أنّ وجود الضدّ متلازم لترک الضدّ الآخر والمتلازمان لایمکن اختلافهما فی الحکم بأن یکون أحدهما واجباً والآخر محرّماً وعلیه فإذا کان أحد الضدّین واجباً فلامحالة یکون ترک الآخر أیضاً واجباً وإلّا لکان المتلازمان مختلفین فی الحکم وهو خلف فإذا کان ترک الآخر واجباً ففعل نفس الآخر یکون محرّماً و هو المطلوب من استلزام الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه.

یمکن أن یقال: إنّ غایة مایدلّ علیه الدلیل المذکور هو أنّه لا یکون أحد المتلازمین محکوماً بغیر ما حکم به الآخر و لایستفاد منه أنّه محکوم بحکمه بل یمکن أن لایکون له حکم أصلاً وعلیه فالمحذور کما یندفع بالالتزام بکونهما متوافقین فی الحکم فکذلک یندفع بکون أحدهما غیر محکوم بحکم من الأحکام و علیه فالالتزام بالتوافق فی الحکم یحتاج إلی إقامة دلیل.

فتحصّل: أنّ الأمر بأحد الضدّین لایستلزم الأمر بترک الضدّ الآخر وإن کان کلّ ضدّ متلازماً مع ترک الآخر.

فمع عدم الإستلزام المذکور لایکون فعل الآخر حراماً حتّی یدّعی أنّه هو المطلوب.

المقام الثانی: فی الضدّ العامّ

اشارة

وتقریب الإستلزام فیه بأن یقال:

إنّ الأمر بالضدّ کالإزالة کقوله أزل النجاسة عین النهی عن الضدّ العامّ کقوله لاتترک الإزالة أو مشتمل علیه أو مستلزم له والضدّ العامّ هو الترک فإذا کان الترک منهیّاً عنه یسری النهی منه إلی محقّقاته و هی أضداد الإزالة و علیه فمثل الصلاة التی تکون من محقّقات ترک الإزالة منهیّ عنها ومن المعلوم أنّ النهی عن الصلاة بضمیمة أنّ النهی فی العبادات یقتضی الفساد ینتج فساد الصلاة.

ص:230

ویمکن أن یقال أوّلاً: إنّا نمنع تعدّد الخطاب من الأمر والنهی بناءً علی أنّ النهی هو طلب الترک إذ الأمر هو طلب الفعل والنهی هو طلب الترک و هما یرجعان إلی أمر واحد لأنّ النهی عن الترک یرجع إلی طلب ترک الترک ومن المعلوم أنّ طلب ترک الترک عین طلب الفعل فلاتعدّد للخطاب. هذا مضافاً إلی عدم وجود الملاک لتعدّد الخطاب إذ لیس فی ترک الترک مصلحة غیر مصلحة الفعل حتّی یطلبها من دون فرق بین أن یکون النهی عین الأمر بالشیء أو جزءاً منه أو لازماً له.

وأمّا بناءً علی أنّ النهی بمعنی الزجر عن ترک الإزالة والأمر بمعنی البعث نحو الإزالة فلا اتّحاد بینهما لمغایرة البعث والزجر و تعدّد متعلّقهما فدعوی العینیّة و الاتّحاد مع مغایرتهما محال.

بل لامجال لدعوی الجزئیّة أیضاً بعد ما عرفت من مغایرة البعث والزجر هذا مضافاً إلی عدم کون الوجوب مرکّباً من طلب الفعل مع المنع من الترک بعد ما عرفت فی محلّه من بساطة الوجوب وإنّه أمر انتزاعی ینتزعه العقلاء من تعلّق الأمر بشیء من دون ترخیص فی ترکه.

کما لاوجه لدعوی اللزوم الواقعیّ بین الأمر بالضدّ والنهی عن ترکه لأنّ الصادر من المولی لیس إلّا الأمر ولیس فی جانب الترک مفسدة حتّی لزم علیه أن ینهی عنه باعتباره علی حدّه بل الترک هو ترک ما فیه المصلحة الملزمة الموجبة للأمر فیجوز التفکیک بین الأمر و النهی فی الاعتبار لأنّ کلّ واحدٍ منهما یحتاج إلی اعتبار مستقلّ و لاملازمة بین الاعتبارین.

وثانیاً: إنّ الأضداد الخاصّة وإن کانت متلازمة مع الترک فی الضدّ العامّ ولکنّها لیست من محقّقات الترک إذ الترک لازم لترک نقیضه وهی إرادة الإزالة کما انّ عدم المعلول لازم لعدم علّته.

ص:231

وثالثاً: إنّه لادلیل علی سرایة الحکم من أحد المتلازمین إلی الآخر غایته إنّه لیس محکوماً بحکم آخر.

ورابعاً: إنّ النتیجة علی تقدیر صحّة المقدّمات المذکورة ممنوعة لأنّ النهی الغیریّ لایدلّ علی مبغوضیّة العمل.

مقتضی الأصل

یقع الکلام فی المقامین: المقام الأوّل فی مقتضی الأصل بناءً علی مقدّمیّة ترک الضدّ و المقام الثانی فی مقتضاه بناء علی التلازم بین وجوب الضدّ ووجوب ترک الضدّ الآخر.

أمّا الأوّل: فلو شکّ فی المقدّمیّة وعدمها بالنسبة إلی ترک أحد الضدّین فلامجال للبراءة العقلیّة إذ لا عقاب علی المقدّمات کما لامجال للبراءة الشرعیّة لأنّ وجوب ترک الضدّ علی تقدیر المقدّمیّة تابع لوجوب ذیه فلایمکن رفع وجوبه مع حفظ وجوب ذیه و إلّا فیؤول الأمر إلی التبعیض فی الحکم العقلیّ وهو کما تری.

وأمّا علی الثانی: فلو شکّ فی الحکم بناء علی سرایة الحکم من متلازم إلی متلازم آخر فلامجال للأخذ بالبراءة العقلیّة لعدم وجود مصلحة توجب الحکم النفسی ولعدم العقاب علی الحکم الغیریّ.

وأمّا البراءة الشرعیّة فلامجال لها بعد کون الملازمة عقلیّة لعدم کون رفع وجوبه و وضعه بید الشارع حتّی تجری فیه البراءة الشرعیّة.

نعم لو قلنا بأنّ مفاد البراءة الشرعیّة هو رفع المواخذة لارفع الحکم فلامانع من جریان البراءة الشرعیّة إذ رفع المؤاخذة لاینافی کون الحکم عقلیّاً ولکن لیس مفاد البراءة الشرعیّة هو رفع المؤاخذة بل هو رفع جمیع الآثار برفع الحکم کما قرر فی محله.

ص:232

ثمرة المسألة

ربّما یقال إنّه بناء علی تمامیّة دعوی الملازمة بین الأمر بالشیء والنهی عن ضدّه کانت نتیجة المسألة هی النهی عن الضدّ و هذه النتیجة بضمیمة هذه الکبری وهی أنّ النهی فی العبادات یقتضی الفساد تدلّ علی فساد الضدّ إذا کان عبادة کالصلاة وعلیه فیمکن أن نقول بأنّ کلّ عبادة صارت متزاحمة مع الأهمّ تکون محکومة بالفساد إن أتی بها فی وقت الإتیان بالأهمّ.

اورد علیه أوّلاً: بعدم انطباق تلک الکبری وهی أنّ النهی فی العبادات یقتضی الفساد علی النهی عن الضدّ فی المقام لأنّ المراد من النهی المذکور فی تلک الکبری هو النهی النفسیّ الکاشف عن المفسدة أو البعد والمفروض فی المقام أنّ النهی لایکشف عن المفسدة ولایکون مبعّداً لأنّه نهی غیریّ بل العقل یحکم بتحقّق المصلحة الملزمة فی الضدّ المزاحم بالأهمّ إذ لا مزاحمة بین المقتضیات وإنّما التزاحم فی مقام الامتثال.

ومع عدم الانطباق لاینتج القیاس المذکور فساد العبادة إذا صارت متزاحمة مع الأهمّ.

وثانیاً: بأنّه لو سلّمنا کشف النهی الغیریّ عن المفسدة لایکفی مجرّد ذلک فی الحکم ببطلان فعل العبادة لإمکان مزاحمة مصلحة الفعل ذاتاً مع المفسدة المکشوفة بالنهی الغیریّ وغلبتها علیها.

ألا تری أنّ مصلحة الصوم فی یوم عاشوراء تتزاحم مع مفسدة التشابه ببنی أمیّة وتترجّح علیها ولذا یکون الصوم المذکور محکوماً بالصحّة وإن کان مکروهاً.

وعلیه فمجرّد کشف النهی الغیریّ عن المفسدة فی الفعل لایکفی فی الحکم ببطلان العبادة بل اللازم هو غلبة المفسدة الغیریّة المکشوفة علی مصلحة نفسیّة للعبادة وبالجملة فمع بقاء مصلحة العبادة علی ما هی علیها یکفی قصدها لتحقّق العبادة سواء قلنا باستلزام

ص:233

الأمر بالأهمّ للنهی عن المهمّ أو لم نقل وسواء قلنا بکشف النهی الغیریّ عن المفسدة أو لم نقل وعلیه فلاثمرة للمسألة.

ودعوی أنّ فساد العبادة لایحتاج إلی استلزام الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه لکفایة عدم الأمر فی الحکم بفساد العبادة والمفروض هو سقوط الأمر بمزاحمة الأهمّ.

فلا مجال لتصحیح العبادة فیما إذا کانت متزاحمة بالأهمّ سواء قلنا بالإستلزام أو لم نقل و سواء قلنا بکشف النهی عن المفسدة أو لم نقل.

وعلیه فلاثمرة للمسألة أیضاً کما عن شیخنا البهائی قدس سره لأنّ العمل علی کلّ حال محکوم بالفساد.

مندفعة: أوّلاً: بما عرفت من کفایة قصد الملاک فی تحقّق العبادة لأنّ إضافة العمل إلی المولی معیار تحقّق العبادة سواء کانت الإضافة قصد الأمر أو الملاک المحبوب للمولی و المتحقّق فی المقام هو وجود الملاک المحبوب فلا یلزم فی تحقّق العبادة قصد الأمر و علیه فلاوجه للحکم بفساد العبادة بمجرّد سقوط الأمر مع وجود الملاک نعم إن کان النهی علی تقدیر الإستلزام المذکور کاشفاً عن المفسدة الغالبة بالعبادة فالعبادة محکومة بالفساد وکفی به ثمرة.

وثانیاً: بأنّه لو سلّمنا الحاجة إلی قصد الأمر فی تحقّق العبادة أمکن إتیان الفرد المزاحم بداعی الأمر بالطبیعة المأمور بها لانطباق تلک الطبیعة علیه کانطباقها علی بقیّة الأفراد ضرورة أنّه لافرق بینه وبین غیره من الأفراد من هذه الجهة. نعم لو استلزم الأمر بالأهمّ للنهی عن المهمّ کان المهمّ منهیّاً عنه فلاینطبق علیه المأمور به فلایکفی قصد الأمر المتوجّه إلی الطبیعة لأنّ المفروض عدم انطباق الطبیعة المأمور بها علیه فلاوجه لإنکار الثمرة علی هذا القول.

وثالثاً: بوجود الأمر بناء علی إمکان الترتّب فإنّ الأمر بالمهمّ علی فرض إمکان

ص:234

الترتّب موجود و یصحّ قصده فیتحقّق الامتثال بقصده و تتمّ العبادة حتّی عند من اعتبر قصد الامتثال فی تحقّق العبادة.

الترتّب

وحیث انتهی الکلام إلی الترتّب ینبغی البحث عن إمکانه کما ذهب إلیه المحقّق الاصفهانی والسیّد محمّد الفشارکی والمیرزا الشیرازی وکاشف الغطاء وصاحب الوقایة وهدایة المسترشدین وغیرهم من الأعاظم.

وقد ذکروا تقریبات مختلفة لبیان إمکان الترتّب و الاحسن منها هو أن یقال:

إذا تزاحم أمران أحدهما أهمّ من الآخر فلایمکن أن یقتضی کلّ واحد متعلّقه بالفعل من دون ترتّب أحدهما علی عدم تأثیر الآخر لاستحالة فعلیّة مقتضاهما معاً لوجود التضادّ بینهما و إن کان المکلّف فی کمال الانقیاد کما لایمکن أن یتعلّق الأمر بالجمع بینهما من أوّل الأمر إذ لاواقع له و لایکون ممکناً بعد استحالته وعلیه فالتأثیر یکون للأهمّ بعد کونه مانعاً عن تأثیر المهمّ فمع فعلیّة التأثیر للأمر بالأهمّ لا تأثیر للأمر بالمهمّ.

نعم یمکن أن یکون: المقتضیان مترتّبین بأن یکون أحدهما وهو المهمّ لا اقتضاء له إلّا عند عدم تأثیر الأهمّ فمع تأثیر الأهمّ لاموضوع لتأثیر المهمّ و مع عدم تحقّق موضوع التأثیر للأمر بالمهم یستحیل مانعیّته عن تأثیر الأمر المتوجّه بالأهمّ.

ومع عدم تأثیر الأمر بالأهمّ فلامانع من فعلیّة تأثیر الأمر بالمهمّ المعلّق علی عدم تأثیر الأمر بالأهمّ.

وعلیه فلاتضادّ بین الأمرین کما لاتضادّ بین الامتثالین بعد ترتّب تأثیر أحدهما علی عدم تأثیر الآخر إذ لا جمع بینهما بعد کون المفروض هو تأثیر أحدهما عند عدم تأثیر الآخر وخلوّ المحلّ عنه فأین اجتماع الضدّین فی محلّ واحد.

ص:235

فالدافع لإشکال الجمع بین الضدّین هو عدم تأثیر دعوة الأمر بالأهمّ فی حال العصیان أو العزم علیه و إن کان له صلاحیّة الدعوة و التأثیر فی نفسه.

فإذا ورد الأمران أحدهما بالمهمّ والآخر بالأهمّ فلامجال لفعلیّة التأثیر فی کلیهما لأنّه یستلزم طلب الجمع بین الضدّین أمّا إذا علّق تأثیر أحدهما علی عدم تأثیر الآخر فلامحذور کما إذا قیل ان کنت فی حال عصیان الأهمّ أو عزمت علی العصیان فأت بالمهم فلایلزم الإشکال إذ لایکون الأمر بالمهمّ مزاحماً للأمر بالأهمّ عند تأثیر الأمر بالاهمّ لعدم تحقّق موضوع الأمر بالمهمّ حتّی یکون مزاحماً للأمر بالأهمّ کما أنّ الأمر بالأهمّ لایکون مزاحماً للأمر بالمهمّ فی حال عدم تأثیره کحال العصیان أو البناء والعزم علیه.

ولقد أفاد وأجاد فی نهایة الدرایة حیث قال إنّ الأمر بالاضافة إلی متعلّقه من قبیل المقتضی بالإضافة إلی مقتضاه فإذا کان المقتضیان المنافیان فی التأثیر لا علی تقدیر والغرض من کلّ منهما فعلیّة مقتضاه عند انقیاد المکلّف له فلامحالة یستحیل تأثیرهما وفعلیّة مقتضاهما وإن کان المکلّف فی کمال الانقیاد و إذا کان المقتضیان مترتّبین بأن کان أحد المقتضین لا اقتضاء له إلّا عند عدم تأثیر الآخر فلامانع من فعلیّة الأمر المترتّب.

وحیث إنّ فعلیّة أصل اقتضاء المترتّب منوطة بعدم تأثیر المترتّب علیه فلامحالة یستحیل مانعیته عن تأثیر الأمر المترتّب علیه إذ ما کان اقتضاؤه منوطاً بعدم فعلیّة مقتضی سبب من الأسباب یستحیل أن یزاحمه فی التأثیر و لا مزاحمة بین المقتضین إلّا من حیث التأثیر و إلّا فذوات المقتضیات بما هی لاتزاحم بینها انتهی.

فتحصّل: أنّ ترتّب الأمر بالمهمّ علی حالة عصیان الأمر بالأهمّ أمر معقول وأمر عرفیّ وإن لم یکن بینهما رابطة العلّیّة والمعلولیّة لکفایة تأخّره عنه ولو بالتأخّر الطبعی کما إن شوب العصیان بالوجود یکفی فی صحّة جعله موضوعاً أو شرطاً للخطاب بالمهمّ.

ص:236

فأساس الترتّب مبنی علی ترتّب أثر الأمر بالمهمّ علی حالة العصیان بالنسبة إلی الأمر بالأهمّ و عدم تأثیره لأنّ حالة العصیان تلازم مع عدم تأثیر الأمر بالأهمّ الذی هو المانع من تأثیر الأمر بالمهمّ فإذا حصلت حالة العصیان بالنسبة إلی الأمر بالأهمّ ارتفعت مانعیّة الأمر بالأهمّ عن تأثیر الأمر بالمهمّ ومع ارتفاع المانعیّة أثّر الخطاب بالمهمّ.

وممّا ذکر ینقدح أنّ إشکال طلب الجمع بین الضدّین مرتفع بعدم تأثیر الأمر بالأهمّ لابسقوطه و علیه فلاملزم لجعل موضوع الأمر بالمهمّ سقوط الأمر بالأهمّ حتّی یدور الأمر بین السقوط والثبوت فیخرج عن محلّ الکلام بل الأمر بالأهمّ ثابت فی حال العصیان أو البناء علیه قبل مضیّ وقت العمل فمع ذلک لا یکون مؤثّراً و مع عدم المؤثّریة لایوجب مؤثّریة الأمر بالمهمّ طلب الجمع بین الضدّین کما لا یخفی.

لایقال: إنّ العصیان أمر عدمی ولیس فیه مناط التأخّر الرتبی عن الأمر بالأهمّ لاختصاص المناطات بالاُمور الوجودیّة و العصیان لیس إلّا ترک الامتثال بلاعذر وعلیه فتأخّره عن الأمر بالأهمّ لامناط له وهکذا لامناط فیه لتقدّمه علی الأمر بالمهمّ حتّی یکون موضوعاً لحکم أو شرطاً لشیء أو غیر ذلک لأنّ تلک الاُمور أی التقدّم أو التأخّر یکون من الاُمور الوجودیّة و العصیان لایتّصف بإحدی الحیثیّات الوجودیّة لأنّا نقول أوّلاً: إنّ مفهوم العصیان متقوّم بتقدّم الأمر علیه إذ العصیان هو ترک امتثال الأمر الفعلی من دون عذر فالعصیان من دون وجود أمر غیر متصوّر وعلیه فتقدّم الأمر علیه کتقدّم اجزاء الماهیّة علی نفس الماهیّة و ان لم یکن بین العصیان و الأمر رتبة العلّیّة و المعلولیّة.

وثانیاً: إنّ العصیان لیس هو عدم محض بل هو مشوب بالوجود لأنّ العصیان مخالفة المولی فی أوامره و نواهیه و هی من الاُمور الوجودیّة و إن کانت المخالفة موجبة لترک الامتثال بلاعذر.

وعلیه فیکون العصیان متأخّراً زماناً عن الأمر بالأهمّ ومتقدّماً علی الأمر بالمهمّ.

ص:237

و لاامتناع فی جعل العصیان شرطاً أو موضوعاً بل واقع فی الکتاب و السنّة کقوله تعالی:(فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ).

وثالثاً: إنّ الموضوعات و الشرائط فی الخطابات الشرعیّة لیست عقلیّة بل هی تکون عرفیّة و العرف یحکم بصحّة جعل مثل العصیان موضوعاً أو شرطاً للخطاب بالمهمّ.

ألا تری انّ الوالد یقول لولده تعلّم فإن عصیت أمری و لم تتعلّم فعلیک بالکسب و التجارة و لیس ذلک إلّا لأنّ العرف یری العصیان أمراً وجودیّاً و متأخّراً عن الأمر بالأهمّ و هو التعلّم ومتقدّماً علی الأمر بالمهمّ وهو الکسب.

لایقال: إنّ الأمر بالأهمّ لایسقط وبقی علی باعثیّته قبل تحقّق العصیان و مقتضی ذلک انّ المکلّف الذی یکون عاصیاً فیما بعد یکون مبعوثاً نحو الجمع بین الأمرین المتنافین و مجرّد کون العصیان فی طول موضوع الأمر بالأهمّ لا یکفی فی رفع المحذور و هو طلب الجمع بین الأمرین المتنافیین و هو غیر قادر علی ذلک.

لأنّا نقول: إنّ مع عدم سقوط الأمر بالأهمّ فی حال العصیان أو البناء علیه یلزم الجمع بین الطلبین لاطلب الجمع بین الأمرین المتضادین بعد ما عرفت من عدم تأثیر طلب المهمّ إلّا بعد عدم تأثیر طلب الأهمّ.

وبالجملة انّ الأمر الترتّبی بما هو هو لا یوجب طلب الجمع بین المتضادّین و یشهد لما ذکر أنّ المکلّف لو جمع بین الأهمّ والمهمّ علی فرض إمکان الجمع لم یقع الأمران علی صفة المطلوبیة و لذا لو قال المولی لعبده جئنی بماء عذب و إن عصیت أمری جئنی بماء ملح فاتی العبد بماء عذب و ماء ملح لم یقع عنه امتثالان ولم یکن کلاهما مطلوبین و هذا علامة انّ الطلب الترتّبی لایؤول إلی طلب الجمع.

فالترتّب یفید الجمع فی الطلب لاطلب الجمع فلاتغفل.

ص:238

التنبیهات:

التنبیه الأوّل: أنّه لایتوقّف الحکم بترتّب تأثیر الأمر بالمهمّ علی حالة عصیان الأمر بالأهمّ علی ورود خطاب یتکفّل ذلک لجواز الاکتفاء بحکم العقل بذلک عند إحراز أهمّیّة أحد الطرفین و الحکم العقلی بذلک یکشف عن الحکم الشرعی أیضاً لأنّ العقل هو المدرِک بکسر الراء والمدرک بفتح الراء هو الحکم الشرعی فکما أنّه من الممکن ان یقیّد الشارع من ابتداء الأمر خطابه بالنسبة إلی المهمّ بصورة عدم مزاحمة الأهمّ فکذلک یقیّد ذلک بعد کشف الحکم الشرعی بحکم العقل بذلک فالحکم فی ناحیة المهمّ مترتّب علی عصیان الأهمّ و عدم تأثیره فلایرفع الید عن إطلاق الأمر فی ناحیة المهمّ بمجرّد الأمر فی ناحیة الأهمّ بل رفع الید عنه منوط بتاثیر الأمر فی ناحیة الأهمّ.

التنبیه الثانی: أنّه ربّما یتوهّم انّ اللاّزم من قول الترتّب هو تعدّد العقاب لو لم یأت بأحد الأمرین من المهمّ و الأهمّ إذ الأمر بکلّ واحد منهما بناء علی الترتّب أمر فعلیّ مولوی و من شأن هذا الأمر هو استحقاق العقاب علی مخالفته کما من شأنه الثواب علی امتثاله فالتفکیک بین الملزوم و لازمه غیر صحیح.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ تعدّد العقاب لایوافق مع توقّف أحدهما علی عدم تأثیر الآخر فإنّه کالتخییر العقلی والشرعی فکما أنّ ترک کلّ واحد منهما لایوجب تعدّد العقاب فکذلک فی المقام مع أنّ القدرة علی عدم الجمع بین الترکین حاصلة فی جمیع الموارد فالمحکی عن بعض الأعلام من أنّ العقاب الثانی لیس علی عدم الجمع بین الضدّین حتّی یقال أنّه غیر مقدور بل العقاب علی الجمع بین المعصیتین و قد کان مقدوراً للمکلّف أن لا یجمع بین المعصیتین فیما إذا أتی بالأهمّ غیر سدید لما عرفت من حصول القدرة علی عدم الجمع بین الترکین فی موارد التخییر العقلی و الشرعی ومع ذلک لامجال للحکم بتعدّد العقاب.

ص:239

ویشهد علی ما ذکرناه ارتکاز العقلاء علی عدم تعدّد العقاب فیما إذا لم یقدر المکلّف علی جمیع الواجبات الکفائیّة إلّا واحداً منها ومع ذلک ترک جمیعها.

التنبیه الثالث: أنّ الأمر فی ناحیة المهمّ فی موارد الترتّب موجود وإنّما یرفع الید عن إطلاقه بحکم العقل من جهة المزاحمة مع الأهمّ فیما إذا کان مؤثّراً ولایرتفع إطلاق الأمر فی ناحیة المهمّ بمجرّد الأمر فی ناحیة الأهمّ بل هو منوط بتأثیر الأمر فی ناحیة الأهمّ وإلّا فإطلاق الأمر فی ناحیة المهمّ بقی علی ما علیه.

وممّا ذکر یظهر خروج ما إذا لم یبق للمهمّ موضوع بمجرّد وجود الأمر بالأهمّ عن موارد الترتّب کما إذا کان التکلیف بالمهمّ مشروطاً بالقدرة الشرعیّة والتکلیف بالأهمّ مشروط بالقدرة العقلیة فلایأتی فیه الترتّب لارتفاع موضوع الأوّل بالواجب الآخر لعدم القدرة علیه شرعاً بواسطة المزاحمة مع الأهمّ فإنّ الممتنع الشرعی کالممتنع العقلی فلایبقی موضوع للواجب الذی کان مشروطاً بالقدرة الشرعیّة بمجرّد وجوب الأهمّ من دون حاجة إلی إناطة ذلک علی تأثیر الآخر فتدبّر جیّداً.

التنبیه الرابع: أنّه لا اختصاص لمورد الترتّب بالضدّین بل یشمل غیرهما کما إذا قال الوالد لولده تعلّم فإن عصیت أمری فکن مطیعاً للعالم.

مع أنّ التعلّم والإطاعة للعالم لایکونان ضدّین.

وخصّص بعض مورد الترتّب بالضدّین اللذین لهما الثالث کالصلاة والإزالة وقال لایشمل الضدّین اللذین لاثالث لهما کالحرکة و السکون فإنّ الترتّب لایتأتّی بینهما إذ ترک أحدهما أو عصیانه لایتحقّق بدون فعل الآخر ومعه لامعنی لتعلّق الأمر بالآخر بشرط ترک الضدّ أو عصیانه فإنّ الآخر حاصل فیکون طلبه من قبیل طلب الحاصل.

ویمکن أن یقال: بعد الغمض عمّا ذکرناه من عدم اختصاص مورد الترتّب بالضدّین إنّه

ص:240

لاوجه لتخصیص الضدّین بما لهما ثالث لما عرفت من أنّ موضوع الأمر الترتّبی لیس هو العصیان الخارجی أو الترک الخارجی بل هو العزم علی العصیان أو البناء علیه وعلیه فلایلزم من الأمر بالآخر عند العزم علی العصیان تحصیل الحاصل کما لایخفی.

وممّا ذکر یظهر صحّة ما ذهب إلیه کاشف الغطاء علی المحکی عنه من جعل مسألة الإخفات فی موضع الجهر و بالعکس من موارد الترتّب ولاوقع لما اورد علیه المحقّق النائینی قدس سره بأنّ تلک المسألة لیست من مصادیق الترتّب لأنّ الجهر والإخفات من الضدّین اللذین لاثالث لهما إذ القارئ لا یخلو عن أحدهما وقد ثبت أنّ الترتّب لایجری فی الواجبین اللذین لاثالث لهما لامتناعه و بقیّة الکلام فی المفصّل فراجع.

التنبیه الخامس: أنّ الحکم فی طرف المهمّ یکون فعلیّاً بمبادئه وهی الإطلاقات الدالّة علیه مع وصولها إلی المکلّف واشتراط عصیان الأهمّ لاتأثیر له فی فعلیّة الحکم بل هو فی قوّة عدم وجود المزاحم عن فعلیّة الحکم بمبادئه.

وعلیه فلامجال لما قیل من لزوم التفصیل بین الموارد ویقال کلّ مورد یلزم من اشتراط عصیان الأهمّ فیه تأثیر أمر متأخّر فی المتقدّم لایتأتّی فیه الترتّب کما إذا کان الأهمّ و المهمّ تدریجی الوجود أو کان الأهمّ أمراً باقیاً ومستمرّاً وکان عصیانه فی الآن الأوّل المتعقّب بعصیاناته فی الآنات المتأخّرة مؤثّراً فی فعلیّة الحکم.

بخلاف ما إذا کان الشرط هو عصیان الأهمّ فی الآن المقارن فلامانع من الترتّب فیه إذ لایلزم منه تأثیر الشرط المتأخّر فی المتقدّم.

وذلک لما عرفت من أنّ شرط العصیان لاتأثیر له فی فعلیّة الحکم.

التنبیه السادس: أنّ الترتّب جارٍ أیضاً فی الواجبین المتزاحمین الطولیین بحسب الزمان إذا کان الثانی أهمّ و واجب المراعاة إمّا من جهة تصویر الواجب المعلّق أو من جهة أهمّیّة ملاک خطابه مع حکم العقل مستقلاًّ أو من باب متمّم الجعل بحفظ القدرة للواجب

ص:241

المتأخّر الأهمّ وذلک لعدم الفرق بین الواجبین المتزاحمین المقارنین و الواجبین المتزاحمین الطولیین فکما أنّ اشتراط العصیان فی المقارنین یدلّ علی فعلیّة الأمر بالمهمّ بسبب عدم وجود المزاحم فکذلک فی الطولیین حرفاً بحرف.

والقول بأنّ ذلک فی الطولیین یستلزم الالتزام بتأثیر الشرط المتأخّر وهو ممتنع غیر سدید بعد ما عرفت من أنّ العصیان لاتأثیر له فی فعلیّة الخطاب بالمهمّ لأنّ فعلیّته تکون بمبادئه المخصوصة و إنّما اشتراط العصیان یدلّ علی عدم وجود المزاحم عن تأثیر مبادئ المهمّ.

التنبیه السابع: أنّ الترتّب کما یمکن فی ناحیة الأمر فکذلک یمکن فی ناحیة النهی فیجوز أن یکون لاتغصب مترتّباً علی عصیان الأهمّ کإنقاذ المؤمن فی أرض مغصوبة فالنهی عن الغصب فی مورد التزاحم مترتّب علی عصیان خطاب الأهمّ کما أنّ الأمر بالصلاة مترتّب علی عصیان الأمر بالإزالة عند تزاحمهما.

فکما أنّ العصیان فی ناحیة الأمر لاتأثیر له فی فعلیّة الخطاب فی طرف المهمّ إذ الفعلیّة ناشئة من وصول الإطلاقات الأوّلیّة الدالّة علی وجوب الصلاة کقوله تعالی أقیموا الصلاة وإنّما العصیان یکون حاکیاً عن عدم المزاحم لتلک الإطلاقات فکذلک یکون العصیان حاکیاً عن عدم المزاحم لفعلیّة النهی عند تزاحمه مع الأهمّ وهذا واضحٌ بناء علی عدم وجوب المقدّمة فإنّ بین خطاب لاتغصب وانقذ الغریق مثلاً تزاحم لاتعارض حتّی یستلزم التکاذب ومع وجود الأهمّ لاخطاب فی طرف المهمّ وأمّا إذا قلنا بوجوب المقدّمة الموصلة فیقع التعارض بین لاتغصب ووجوب المقدّمة الموصلة لأنّ المراد من المقدّمة الموصلة هو نفس التصرّف فی دار الغیر من دون استیذان ومع التعارض یتکاذبان وحیث إنّ الأهمّ وهو وجوب المقدّمة الموصلة مقدّم فلاحکم فی طرف المهمّ فیخرج عن مورد الترتّب فإنّ المهمّ فی الترتب له حکم موجود مترتّب علی عصیان الأهمّ.

ص:242

التنبیه الثامن: أنّ الترتّب لایجری إلّا فی المتزاحمین اللذین بینهما تزاحم اتّفاقی کالصلاة والإزالة وأمّا إذا کان التزاحم بینهما دائمیّا فلا مورد للترتّب لأنّ الترتّب فرع جعل الحکمین ومع التزاحم الدائمی جعل الحکمین خالٍ عن الحکمة ولایصدر عن الحکیم المتعال ففی مثله إن کان الملاک فی أحدهما أقوی فالجعل علی طبقه وإن کان الملاک فیهما متساویاً فالحکم هو التخییر الشرعی ففی الصورتین لامجال للترتّب إذ فی الصورة الاُولی لاحکم إلّا علی طبق الملاک الأقوی فلا مجال لفرض ترتّب أحد الحکمین علی عصیان الآخر وفی الصورة الثانیة لامجال لفرض العصیان بعد کون الحکم هو التخییر إذ لاحاجة فی الأخذ بالحکم الآخر مع التخییر الشرعی إلی فرض العصیان بالنسبة إلی حکم آخر.

التنبیه التاسع: أنّه یمکن جریان الترتّب فی باب اجتماع الأمر والنهی حتی بناءً علی الامتناع و تغلیب جانب النهی و کون الترکیب بین متعلق الأمر و النهی اتّحادیّاً لاانضمامیّاً إذ الواحد متحیّث بحیثیّتین عند التحلیل ولکلّ واحدة ملاک والحکم یتعلّق بهما فی الذهن و المفروض أنّه متعدّد ومع التعدّد لاتزاحم فی مقام الجعل ولکن حیث لایمکن امتثالهما غلب جانب النهی إلّا أنّه إذا بنی علی العصیان فلامانع من فعلیّة الأمر إذ النهی لایکون مؤثراً عند إرادة العصیان ودعوی أنّ الغصب الذی به یتحقّق عصیان النهی فی مثل قولهم إن عصیت النهی أی إن غصبت مثلاً فصلّ إن کان هو الغصب الذی یوجد فی ضمن الصلاة و ینطبق علیها ففی ذلک الظرف تکون الصلاة موجودة وحاصلة فیکون طلبها طلب الحاصل وإن کان غصباً آخر غیر منطبقٍ علی الصلاة فیکون طلباً للممتنع و إن کان مطلقاً یلزم کلا المحذورین مندفعة بأنّ الشرط هو حالة العصیان لا العصیان الخارجی فارتفعت المحاذیر.

ص:243

ص:244

الفصل السادس: فی جواز الأمر مع انتفاء الشرط و عدمه

ولایخفی علیک إنّ الشرط إمّا شرط نفس الأمر و الجعل و إمّا شرط المجعول و المأمور به و لانزاع عندنا فی عدم جواز الأمر أو الجعل سواء کان الشرط شرطاً لنفس الأمر والجعل أو شرطاً للمجعول و المأمور به.

لأنّ الأمر والجعل علی الأوّل بدون حصول شرطه غیر ممکن إذ الشرط علی المفروض من أجزاء علّة الأمر و الجعل فمع عدم تمامیّة العلّة لایصدر الجعل و الأمر و إلّا لزم تحقّق المعلول بدون علّته و هو محال.

کما أنّ الأمر والجعل علی الثانی من دون حصول شرط المجعول و المأمور به تکلیف بغیر المقدور و هو قبیح لایصدر عن الحکیم المتعال.

وعلیه فلایجوز الأمر مع انتفاء الشرط سواء کان الشرط شرطاً لنفس الأمر أو شرطاً للمأمور به.

نعم یجوز الأمر الکلّی والقانونی ولو مع فقدان شرط التکلیف أو المأمور به بالنسبة إلی بعض الآحاد من المکلّفین لکفایة وجود الشرط بالنسبة إلی العنوان الکلّی ولو بوجوده فی بعض أفراده.

وهکذا یجوز الأمر مع انتفاء الشرط بنفس الأمر کما إذا قال المولی لعبده إن کذبت مثلاً یجب علیک إعطاء دینار وعلم المولی أنّ هذا الجعل یوجب عدم صدور الکذب

ص:245

من عبده ویکون الغرض من الأمر هو ذلک و من المعلوم أنّه لامانع منه بل یقتضیه المصلحة أحیاناً.

ولعلّه خارج عن محلّ الکلام لأنّ العلم بانتفاء الشرط معلول للأمر ومتأخّر عنه مع أنّ محلّ الکلام هو ما إذا علم بفقدان الشرط قبل الأمر.

فانقدح ممّا ذکرناه أنّه لامجال لتصحیح وجوب الکفّارة علی من أفطر فی نهار شهر رمضان مع عدم تمامیّة شرائط الوجوب له إلی اللیل بدعوی جواز الأمر مع علم الأمر بانتفاء شرط التکلیف أو المامور به لما عرفت من أنّه لایجوز الأمر مع علمه بالانتفاء إذ الأمر بالصوم مع عدم تمامیّة شرائطه تکلیف بغیر المقدور وهو لایصدر عن الحکیم المتعال نعم یمکن تصحیح ذلک من جهة إطلاق الروایات الدالّة علی وجوب الکفّارة فإنّها تدلّ علی وجوبها عند الإفطار العمدی فی حال الصوم سواء طرأ علیه مانع من الإتمام أو لم یطرأ وبالجملة فموضوع الکفّارة هو إفطار الصوم مطلقاً.

ص:246

الفصل السابع: فی متعلّق الأوامر و الطلب

وتحقیق ذلک یتوقّف علی امور الأمر الأوّل: أنّ لحاظ الطبیعة علی أنحاء منها لحاظها فی ذاتها ومنها لحاظها باعتبار الوجود الذهنی ومنها لحاظها بما هی مرآة إلی الوجود الخارجی وهو علی قسمین القسم الأوّل أن یلاحظ الخارج باللحاظ التصدیقی بعد تحقّقه و القسم الثانی أن یلاحظ الخارج باللحاظ التصوّری قبل وجوده بالفرض والتقدیر الذی یسمّی بالوجود اللافراغی.

الأمر الثانی: أنّ الطبیعة بما هی هی لامصلحة فیها حتّی یشتاق الإنسان إلیها ویریدها وعلیه فالطبیعة باعتبار وجودها یکون مورد الاشتیاق والإرادة والمراد من الوجود لیس الوجود الذهنی إذ لایکون هو مطلوباً ولایمکن الإتیان به والامتثال به ولیس المراد أیضاً منه الوجود الخارجی بعد تحقّقه لأنّه تحصیل الحاصل فانحصر الأمر فی الوجود التقدیری الحاکی عن الخارج الذی یُسمّی بالوجود اللافراغی.

الأمر الثالث: أنّه لافرق فیما ذکر بین الإرادة الفاعلیّة والإرادة التشریعیّة لأنّ کلّ واحدة منهما ناشئة عن المصلحة و هی لاتکون إلّا فی الطبیعة باعتبار وجودها.

الأمر الرابع: أنّ البعث والزجر تابعان للإرادة والکراهة فإذا کانت الإرادة و الکراهة متعلّقتین بالطبیعة باعتبار وجودها فالبعث والزجر کانا أیضاً کذلک.

ص:247

الأمر الخامس: أنّ الکلّی الطبیعی لایکون بما هو کلّی فی الخارج لأنّ الخارجیّات جزئیّات لا کلّیّات والجزئیّات لاتصلح للصدق علی الکثیرین بل حصصه موجودة ومتکثّرة فی الخارج والحصص لیس معناها هی الأبعاض بل معناها أنّها مصادیق وأفراد مجرّدة عن العوارض والمراد بالأفراد هی الأفراد الجوهریّة التی عین الحصص لا الأفراد العرفیّة أو العرضیّة التی تعتبر باعتبار مجموع حصّة الإنسانیّة و الخصوصیّات الضمیمة.

نعم حصص الکلّی الطبیعی متّحدة مع الخصوصیّات فی الخارج ولکنّ ذلک لایوجب حکایة الکلّی الطبیعی عن الخصوصیّات و لاسرایة الحکم من الطبیعی إلیها لأنّ الکلّی الطبیعی لایحکی عن غیر حقیقته والمفروض أنّ الحکم فی الذهن متعلّق بالکلّی الطبیعی ولاوجه لسرایته منه إلی الخصوصیّات المتّحدة معها.

إذا عرفت تلک الأمور فقد اتّضح لک أنّ الأمر متعلّق بالطبیعة المفروضة الوجود التی تکون مرآة إلی الوجود الخارجی و یسری الأمر منها إلی حصصها لا إلی مقارناتها و ملازماتها و إن کانت متّحدة معها فی الوجود الخارجی لأنّ الطبیعة موضوعة للحکم لاعنوان أفراد الطبیعة وهی لاتحکی عن الأغیار.

فالأفراد الجوهریّة بما أنّها متّحدة مع الطبیعة مشمولة للحکم المتعلّق بالطبیعة لاالأفراد العرفیّة التی تکون مجموع الحصص و المقارنات و لملازمات.

فالقائل بتعلّق الأمر بالطبیعة التی تکون مرآة إلی الأفراد أراد تعلّقه بالأفراد الجوهریّة المفروضة الوجود فی الذهن مع قطع النظر عن مقارناتها من الخصوصیّات.

و القائل بتعلّقه بالفرد دون الطبیعة أراد تعلّقه بالأفراد العرفیّة الجامعة للحصّة و الخصوصیّات أو المقارنات.

وتظهر الثمرة بین القولین فی باب اجتماع الأمر و النهی فإنّ إجتماعهما بناء علی

ص:248

القول بتعلّق الأمر بالطبیعة التی تکون مرآة إلی الأفراد الجوهریّة جایز لمغایرة متعلّقهما بخلاف القول بتعلّق الأمر بالأفراد العرفیّة فإنّ اجتماعهما ممتنع إذ مرکب الأمر و النهی حینئذٍ واحد و لیس بمتعدّد.

فتحصّل: أنّ الأحکام متعلّقة بالطبایع وهی مرآة إلی الأفراد الجوهریّة التی تکون حصصها ولاحکایة لها بالنسبة إلی مقارناتها لأنّها أجنبیّة عنها نعم لو انضمّ إلی الطبیعة عنوان الأفراد ویقال إنّ الحکم متعلّق بأفراد الطبایع فکلمة الأفراد تحکی عن الأفراد العرفیّة ولکنّ المفروض هو عدم هذا الإنضمام و علیه فلایسری الحکم من الطبایع إلی غیر حصصها سواءً کان الحکم المذکور هو الأمر أو النهی.

وممّا ذکر یظهر أنّ نتیجة المسألة هو جواز إجتماع الأمر والنهی بناءً علی تعلّق الحکم بالطبیعة لا أفراد الطبیعة لتغایر متعلّق الأمر والنهی لأنّ الطبیعة فی کلّ واحد منهما مغایرة مع الطبیعة الأُخری وحصصهما أیضاً تکون متغایرة فلایسری الحکم من طبیعة إلی طبیعة أُخری و لامن حصص کلّ واحدة منها إلی حصص أُخری واتّحادهما بحسب الوجود الخارجی لایضرّ بذلک لأنّ حصص کلّ واحدة منهما متغایرة مع الاُخری فی التحلیل العقلی و المفروض أنّ عروض الخطابات واتّصافها فی الذهن لا فی الخارج فلایکون متعلّق الأمر والنهی متّحداً ومع عدم الاتّحاد یجوز إجتماعهما بخلاف ما إذا کان متعلّق الخطابات هی الأفراد العرفیّة فإنّها باعتبار کونها مجموع الفرد الجوهری و الخصوصیّات توجب إجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و هو ممتنع.

ص:249

ص:250

الفصل الثامن: فی أنه بعد نسخ الوجوب

فی أنّه هل یدلّ دلیل الناسخ أو المنسوخ بعد نسخ الوجوب علی الرجحان أو الجواز بالمعنی الأخصّ أو الأعمّ أو لایدلّ.

والذی ینبغی أن یقال إنّه إن کان مفاد النسخ هو رفع البعث الصادر من المولی فلادلالة للناسخ و لا للمنسوخ علی ذلک کما ذهب إلیه صاحب الکفایة فإنّ بعد رفع البعث یمکن ثبوت کلّ واحد من الأحکام الأربعة من المستحبّ والمکروه و الإباحة والحرمة ولادلالة لواحد من دلیلی الناسخ و المنسوخ بإحدی الدلالات علی تعیین واحد منها.

وأمّا إن کان مفاد النسخ هو رفع الإلزام بالترخیص فی الترک مع بقاء البعث علی حاله فلاإشکال فی کون البعث الباقی مع الترخیص فی الترک موضوعاً لحکم العقلاء بالاستحباب کما أنّ البعث مع عدم الترخیص موضوع لحکم العقلاء بالوجوب لما مرّ فی محلّه من أنّ الوجوب و الاستحباب لیسا داخلین فی مدلولی هیئة إفعل بل هما أمران انتزاعیان من البعث مع عدم الترخیص والبعث مع الترخیص.

وعلیه فالمتبع هو لسان دلیل الناسخ فإن کان هو رفع أصل البعث فلادلالة علی

ص:251

الرجحان و لا علی الجواز و إن کان رفع الإلزام والوجوب بالترخیص فی الترک فیحکم بالاستحباب بعد رفع الإلزام والوجوب وبقاء البعث بالترتیب الذی ذکرناه.

وهکذا الأمر فی طرف المحرّمات فإنّ مفاد الناسخ إن کان رفع الزجر فلادلالة لدلیل الناسخ کالمنسوخ علی أنّ الباقی هو المکروه أو غیره من الأحکام وإن کان مفاد الناسخ هو رفع الالزام بالترخیص فی الفعل مع بقاء الزجر عن الفعل فهو موضوع لحکم العقلاء بالکراهة کما لایخفی.

ولو شکّ فی رفع أصل البعث أو الزجر أمکن استصحاب أصل البعث أو الزجر فهو مع رفع الإلزام یفید الاستحباب فی الأوّل و الکراهة فی الثانی.

ص:252

الفصل التاسع: فی تصویر الوجوب التخییری

ویقع الکلام فی المقامیین:

المقام الأوّل: فی إمکان تصویر الوجوب التخییری فی المتباینین أو المتباینات والتحقیق فیه أن یقال إنّ الطلب التخییری سنخ مستقلّ من الطلب وهو طلب واحد له طرفان أو ثلاثة أطراف أو أکثر قد تعلّق کلّ طرف منه بشیء خاصّ فحاله حال الشکّ فی کونه متقوّماً بطرفی الوجود و العدم فکما أنّ الشکّ مرتفع بارتفاع أحد طرفیه فکذلک الطلب التخییری مرتفع بارتفاع أحد طرفیه.

والحاصل أنّ الطلب فی الوجوب التخییری واحد له شعب متعدّدة یبعث المخاطب نحو أشیاء متعدّدة لا علی الإستغراق فإنّه لم یتعلّق بالجامع و لاعلی المجموع فإنّ الأشیاء لم تلاحظ شیئاً واحداً بحیث یکون الأطراف فیه أجزاءاً لواحد بل بقرینة کلمة «أو» یبعث المخاطب نحو الأشیاء علی البدلیّة کقوله ایت بهذا أو ذاک وهذا هو الوجوب التخییریّ الشرعی وهو نوع مستقل فی قبال الوجوب التعیینیّ.

وممّا ذکر یظهر أنّ الوجوب التخییریّ لیس هو البعث نحو الواحد لابعینه لأنّ الإنشاء لم یتعلّق بعنوان أحدهما أو أحدها إذ العنوان المذکور ممّا ینتزعه العقل من الوجوب التخییریّ الذی عرفت أنّه البعث نحو ذلک أو ذاک.

بل الخطاب فی موارد التخییر الشرعی متعلّق بالأشیاء الخاصّة کخصال الکفّارات

ص:253

ورفع الید عن ظاهر هذا الخطاب وإرجاعه إلی العنوان الانتزاعی خلاف الظّاهر کما أنّه لاوجه لإرجاع الخطاب إلی الجامع الحقیقی لأنّه أیضاً خلاف الظاهر.

والاستدلال علیه أی الارجاع المذکور بقاعدة عدم صدور الکثیر عن الواحد غیر سدید بعد إختصاص القاعدة المذکورة بالواحد الشخصی فلاتشمل الواحد النوعیّ ولذا نجد بالوجدان إمکان إستناد الواحد النوعیّ إلی المتعدّد کالحرارة فإنّها واحد نوعیّ یمکن إستنادها تارةً الی النار واُخری إلی الحرکة وثالثة الی الشمس وهکذا.

ومن المعلوم أنّ تدارک التخلّف فی الصوم مثلاً واحد نوعی ویمکن أن یستند إلی الأُمور الثلاثة من خصال الکفّارات فلاوجه لرفع الید عن ظاهر الخطابات الواردة فی موارد التخییر الشرعیّ وإرجاعه إلی الجامع الحقیقی والقول بالتخییر العقلی کما یظهر من صاحب الکفایة وممّا ذکر أیضاً ینقدح ما فی دعوی أنّ الواجب فی الوجوب التخییریّ هو المعیّن عند اللّه وهو ما یختاره المکلّف فی مقام الإمتثال.

وذلک لأنّه خلاف ظاهر الأدلّة الدالّة علی عدم تعیّن الواجب علی المکلّف فی الواقع ونفس الأمر بل یکون الوجوب علی نحو التخییر فما یختاره المکلّف مصداق للواجب لا أنّه الواجب بعینه هذا مضافاً إلی أنّه منافٍ لقاعدة الاشتراک فی التکلیف ضرورة أنّ لازمه هو إختلاف التکلیف باختلاف المکلّفین فی الاختیار.

علی أنّ لازم ذلک هو عدم وجوب شیء فی الواقع لو لم یختر المکلّف شیئاً لأنّ الوجوب منوط باختیار المکلّف والمفروض أنّه لم یختر شیئاً ومقتضی عدم وجوب شیء فی الواقع هو عدم العصیان بترکهما وهو کما تری.

وهکذا یظهر ممّا تقدّم أنّه لاوجه لقول من ذهب إلی أنّ الوجوب التخییریّ لیس إلّا بمعنی وجوب کلّ منهما تعییناً مع الحکم بسقوط الوجوب بفعل أحدهما.

ص:254

فإنّه مضافاً إلی أنّه مخالف لظاهر الوجوب التخییریّ من جهة أنّه وجوب واحد له طرفان أو أطراف یلزم تعدّد العقاب لو ترکهما رأساً مع أنّه کما تری.

المقام الثانی: فی إمکان تصویر التخییر الشرعی وعدمه بین الأقلّ والأکثر ذهب صاحب الکفایة الی إمکانه فیما إذا کان کلّ منهما بحدّه محصّلاً للغرض بحیث لایکون الأقلّ فی ضمن الأکثر محصّلاً وبعبارة اخری إنّ الغرض إذا کان مترتّباً علی الأقلّ بشرط لا عن الغیر لا علی الأقل مطلقاً ولو کان فی ضمن الأکثر جاز التخییر بین الأقل والأکثر من دون فرق بین أن یکون للأقلّ وجود مستقلّ کتسبیحة واحدة فی ضمن التسبیحات الأربع أو لایکون له وجود کذلک کالخطّ القصیر فی ضمن الخطّ الطویل.

وفیه: أنّ هذا التصویر وإن کان ممکناً ومعقولاً ولکنّه خارج عن محلّ البحث لأنّ تقیید الأقلّ بشرط لایوجب أن یکون الأقلّ متبایناً مع الأکثر ومع المباینة لا إشکال لما عرفت من جواز التخییر بین المتباینات.

هذا مضافاً إلی أنّه خلاف ظواهر الأدلّة فإنّ المنصرف إلیه من التخییر فی التسبیحات الأربع هو ذات الواحد والثلاث لا الواحد بشرط لا.

فإذا کان التخییر بین ذات الواحد والثلاث فی التسبیحات الأربع مثلاً فالتخییر بینهما ممتنع لأنّ الأقلّ ولو وجد فی ضمن الأکثر یکون واجباً لحصول الغرض به ومع حصول الغرض به یکون الزائد علیه من أجزاء الأکثر غیر الواجب إذ بعد حصول الغرض لایبقی الأمر ومع عدم بقاء الأمر لاوجوب للزائد وهذا واضح فی التدریجات.

وأمّا الدفعیّات فإن کان الغرض واحداً لایعقل التخییر بینهما أیضاً لأنّ الغرض إذا حصل بنفس ذراع من الخطّ بلاشرط کان التکلیف بالأزید منه بلا ملاک فتعلّق الإرادة والبعث نحو الزیادة لغو ممتنع ومجرّد وحدة وجود الأقلّ بلاشرط مع الأکثر خارجاً

ص:255

لایدفع اللغویّة والامتناع المذکور بعد کون محلّ تعلّق الأمر هو الذهن الذی هو محل تجرید الطبیعة المطلوبة عن غیرها من اللواحق الزائدة.

وهکذا الأمر لو کان لکلّ منهما غرض غیر ما للآخر وکان بینهما تدافع فی الوجود فإنّه لایمکن اجتماعهما ومع عدم اجتماعهما لایعقل التخییر بینهما إذ الأقلّ بلاشرط موجود مع الأکثر فإذا وجداً دفعة لایمکن وجود أثریهما للتزاحم لأنّ المفروض أنّ بینهما التدافع فلایعقل تعلّق الأمر بشیء لأجل غرض لایمکن تحصیله.

نعم لو کان الغرضان قابلین للإجتماع وإن لم یکونا مرادین أیضاً فالتخییر بینهما یکون جایزاً لأنّ الأقل مشتمل علی غرض مطلوب والأکثر علی غرض آخر مطلوب فإذا وجد متعلّق الغرضین بوجود واحد کان للمولی أن یختار منهما ما یشاء.

فتحصّل: أنّ التخییر بین الأقلّ والأکثر فیما إذا کان الأقلّ ملحوظاً بنحو لابشرط غیر معقول إلّا فی بعض صور الدفعیات عند تعدّد الغرض وعدم التدافع بین الأغراض وعلیه فیحمل ماورد فی التخییر بین الأقلّ والأکثر علی وجوب الأقلّ واستحباب الزائد فی التدریجات أو علی وجوب صرف الوجود وأصل الطبیعة بعد عدم مدخلیّة خصوصیّات الفردیّة من الطول والقصر فی الدفعیّات فیکون التخییر بین الأفراد عقلیّاً لاشرعیّاً.

ص:256

الفصل العاشر: فی تصویر الواجب الکفائیّ

ولایخفی علیک أنّ لسان الخطابات الکفائیّة کلسان الواجبات العینیّة وعلیه فالواجب الکفائی کالواجب العینی فی تعلّق التکلیف إلی کلّ واحد من المکلّفین نعم إذا أتی واحد منهم به سقط التکلیف عن الآخرین لحصول الغرض وعدم بقاء الموضوع و مقتضی ما ذکرناه من تعدد التکلیف بتعداد المکلّفین هو تعدّد الامتثال لو أتی المکلّفون به دفعة کما إذا صلّوا دفعة علی المیت لأنّ کلّ واحد منهم یکون مؤدّیاً للواجب کما أنّ مقتضی ما ذکرناه هو تعدّد العقاب لو لم یأت به واحد.

ودعوی أنّ تخصیص الجمیع بالخطاب علی نحو العموم الاستغراقی بلاموجب إذ بعد کون الغرض واحداً یحصل بفعل واحد منهم فلاموجب لوجوب تحصیله علی الجمیع.

مندفعة بإمکان أن یکون الواجبات الکفائیة علی حدّ من الأهمیّة یطلبها الشارع من الجمیع لئلاّ تکون معطّلة فمع إمکان ذلک لاوجه لرفع الید عن ظاهر الخطابات المتعلّقة الی الجمیع.

ومرجع التکلیف الکفائی المتعلّق بجمیع المکلّفین إلی عدم جواز إهمال کلّ مکلّف لا إلی إتیان کلّ مکلّف إذ فرق بین الکفائی والعینی وعلیه فلایرد علی ما ذکرناه أنّ لازم ذلک هو طلب الفعل من الجمیع وهو محال فیما إذا لم یمکن التکثّر والتکرار کقتل المحارب مثلاً أو هو مناف للحکمة فیما إذا کان الفرد الزائد ممکناً ولکنّه غیر مطلوب أو مبغوض.

ص:257

لما عرفت من أنّ المقصود من تکلیف الجمیع فی الواجبات الکفائیّة هو بیان عدم جواز إهمال الفعل لا إتیان جمیع المکلّفین.

ثمّ بعدما عرفت من ظهور الخطابات فی تعلّق التکالیف الی الجمیع لامجال لاحتمال تعلّق التکلیف فی الواجبات الکفائیّة بفرد من الأفراد أو الفرد المردد أو صرف الوجود وإن أمکن کلّ ذلک عندنا.

فتحصّل: أنّ الخطابات والتکالیف فی الواجبات الکفائیة کالواجبات التعینیّة متعلّقة بالجمیع کما أفاد سیّدنا الاُستاذ والمحقّق الإصفهانی وغیرهما من الفحول و إنّما التفاوت بینهما فی سقوط الوجوب بإتیان واحد من المکلّفین فی الواجبات الکفائیّة لحصول الغرض.

ص:258

الفصل الحادی عشر: فی الموسّع و المضیّق

ولایخفی علیک أنّ المقسم لهما هو الموقّت وهو قسیم المطلق وهو الذی لایعتبر فیه الزمان شرعاً فالموقت هو الذی یعتبر فیه الزمان شرعاً وهو ینقسم إلی مضیّق وموسّع حیث إنّ الزمان المعتبر فیه إن کان بقدر الفعل کالصوم فهو مضیّق.

وإن کان الزمان الماخوذ فیه أوسع من فعل الواجب فهو موسّع کالصلوات الیومیّة ثمّ إنّ الواجب فی الموسّع هو إیجاد الطبیعة الصلاتیّة الکّلیّة المقیّدة بوقوعها بین الحدّین وهذه الطبیعة مرآة الی حصصها الدفعیّة والطولیّة ومقتضی عینیّة الطبیعة الکلّیّة مع حصصها هو سرایة الحکم من الطبیعة الکلّیّة الی حصصها وخروج الخصوصیّات الفردیّة عن الغرض الشرعی لایلازم خروج نفس الحصص عن المطلوبیّة الشرعیّة والغرض الشرعی مع عینیّتها مع الطبیعة وحکایة الطبیعة عنها وعلیه فمقتضی عدم خروج الحصص عن المطلوبیة الشرعیّة هو التخییر الشرعی بینها ودعوی التخییر العقلی مندفعة بما ذکرناه ومخصوصة بما إذا لم تکن الطبیعة حاکیة عن حصصها والمفروض هو الحکایة کما عرفت.

ثمّ إنّ الأمر بالموقت لایقتضی إلّا إتیان متعلّقه فی الوقت لأنّ المفروض أنّ متعلّقه مقیّد بالوقت والأمر لایدعو إلّا الی متعلّقه فلاتعرض للأمر بالنسبة إلی غیر صورة الوقت

ص:259

لأنّه خارج عن متعلّقه والمفروض هو وحدة المطلوب ودعوة الأمر إلی الطبیعة فی ضمن الموقت لاتوجب دعوته إلیها ولو بدون القید بعد کون المطلوب واحداً وهو المقیّد هذا کلّه فیما إذا کان التوقیت والتقیید بالوقت بدلیل متصل أو بدلیل منفصل یدلّ علی التقیید بالوقت فی أصل المطلوبیّة.

وأمّا إذا کان التوقیت والتقیید بدلیل منفصل مع عدم الدلالة علی أنّ أصل المطلوبیّة مقیّد وموقت وکان لدلیل الواجب إطلاق فمقتضی إطلاق دلیل الواجب هو ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت فحینئذٍ کان التقیید من باب تعدّد المطلوب وعلیه فبعد الوقت مقتضی إطلاق دلیل الواجب هو بقاء الواجب کما لایخفی ولو شککنا بعد الوقت فی وجوب الطبیعة ولم یظهر من دلیل المطلق اطلاق المطلوبیّة ولاتقییدها فهل یمکن اثبات الوجوب بالاستصحاب أم لا ربّما یقال أمکن استصحاب شخص الحکم مع فرض تعلّقه بالموقت بدعوی انّ الموضوع وإن کان بحسب الدلیل موقّتاً إلّا انّ العبرة فی بقاء الموضوع بنظر العرف والعرف یری انّ الموضوع هو نفس الفعل والوقت من أحواله لا من مقوّماته ولاقطع بخطاء نظر العرف.

اورد علیه بأنّ ذلک صحیح فیما إذا کان الموضوع من الخارجیّات کالماء المتغیّر الخارجی الذی زال تغییره بخلاف ما إذا کان الموضوع هو المقیّد بما هو کلّی من الکلّیّات فإنّ الکلّی المطلق والکلّی المقیّد متغایران عرفاً و المقام من قبیل الثانی إذ المتعلّق هو المهیّة الکلّیّة فالصلوة عنوان والصلاة الموقتة عنوان آخر و علیه فلامجال للاستصحاب لعدم وحدة القضیّة المتیقّنة والمشکوکة فإسراء الحکم من المتقیّدة الی الخالیة إسراء حکم من موضوع الی موضوع آخر.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ وجوب ذات المقیّد معلوم بناء علی اتّحاد وجوب الاستقلالی مع الوجوب الضمنی عرفاً کما ذهب إلیه شیخنا الأعظم قدس سره فی أجزاء الواجب بعد

ص:260

تعذّر بعض أجزائه وعلیه فیمکن استصحاب وجوب ذات المقیّد ویشهد له جریان البراءة فی الأقلّ والأکثر الارتباطیین فی المرکّبات أو القیود المشکوکة فی المطلق والمشروط بناءً علی انحلال الوجوب العینی المتعلّق بالمرکّبات والمقیّدات فمع الانحلال فالوجوب بالنسبة إلی الأجزاء المعلومة وذوات المقیّدات محرز ومع إحرازه یجری الاستصحاب.

هذا مضافاً إلی إمکان أن یقال إنّ المکلّف بعد کونه مدرکاً للوقت وصیرورته مخاطباً بإتیان الواجب فبعد إنقضاء الوقت إذا شک فی بقاء تکلیفه بالإتیان وعدمه أمکن له إستصحاب وجوب الإتیان بالواجب لأنّ العرف یری المکلّف المذکور هو المکلّف السابق لکون الوقت کسایر القیود من الأحوال عند العرف والشکّ فی ذلک وإن کان ناشئاً عن کون متعلّق التکلیف هو المطلق أو المقیّد ولکن مع فرض عدم جریان الاستصحاب فی المنشأ یجری الاستصحاب فی نفس المکلّف کما یکون الأمر کذلک فیما إذا شکّ فی بقاء الوقت من جهة الشکّ فی مفهوم الغروب والمغرب فإن مع عدم جریان الاستصحاب فی المنشأ یجری استصحاب حرمة الإفطار علی المکلّف.

فتحصّل: أنّ وجوب القضاء لایحتاج إلی أمر جدید بل یکفیه الأوامر الأولیّة فی الموقت بمعونة الاستصحابّ فلاتغفل.

ص:261

ص:262

الفصل الثانی عشر: فی دلالة الأمر بالأمر

إذا أمر المولی أحداً أن یأمر غیره بإتیان عمل فهل هو أمر بذلک الفعل حتّی یجب علی الثانی فعله أولا أمکن أن یقال إنّ ظاهر الأمر عرفاً مع التجرّد عن القرائن هو أنّ الأمر المتعلّق لأمر المولی یکون مأخوذاً علی نحو الطریقیّة لتحصیل الفعل من المأمور الثانی وحمله علی أخذه بنحو الموضوعیّة من دون إقامة قرینة خلاف الظاهر.

وعلیه قوله علیه السلام مروا صبیانکم بالصلاة یدلّ علی مطلوبیّة الفعل وهو الصلاة من الصبی وإن لم یکن واجباً علیه بحدیث رفع القلم عن الصبی حتّی یحتلم.

وممّا ذکر یظهر ما فی الکفایة حیث قال لا دلالة بمجرّد الأمر بالأمر علی کونه أمراً به بل لابدّ فی الدلالة علیه من قرینة علیه.

ص:263

ص:264

الفصل الثالث عشر: فی الأمر بعد الأمر

ولایخفی إنّه إذا کان الأمر الثانی بعد إمتثال الأمر الأوّل کان ظاهراً فی التأسیس و لزم امتثاله ثانیاً.

وهکذا لزم الإتیان بالثانی إن کان معلّقاً علی سبب آخر غیر سبب الأوّل فإنّ مقتضی تعدّد الأسباب هو تعدّد المسبّبات فیما إذا لم یقم دلیل علی التداخل.

وإذا تکرّر الأمر بالنسبة إلی طبیعة واحدة و تقیّد الثانی بالمرّة الاُخری کان ظاهراً أیضاً فی التأسیس و لزم الإتیان بفرد آخر من الطبیعة المذکورة ولایکفی الإتیان بالواحدة منها نعم إذا لم یتقیّد الثانی بالمرّة الاُخری کان الأمر الثانی لامحاله ظاهراً فی التأکید لاستحالة تعلّق الأمرین معاً من دون إمتیاز فی البین بشیء واحد.

ولاینافی ذلک دعوی ظهور الهیئة وضعاً فی التأسیس فإنّ ذلک منوط بعدم تقدّم مثلها و المفروض فی المقام هو تقدّم مثل الهیئة بالنسبة إلی الأمر الثانی هذا مضافاً إلی أنّ التأسیس و التأکید کالمرّة و التکرار لیسا داخلین فی الهیئة وضعاً بل یستفاد التأسیس عند عدم قرینة التأکید.

وعلیه فلامجال لما یقال من أنّ إطلاق المادّة یقتضی التأکید ولکنّه ظهور تعلیقی متوقّف علی عدم القرینة بخلاف ظهور الأمر فی التأسیس فإنّه تنجیزی لأنّه وضعی

ص:265

وعلیه فیرفع موضوع الأوّل بالثانی فإنّ ظهور الأمر وضعاً فی التأسیس یمنع عن إطلاق المادّة.

وذلک لما عرفت من منع ظهور الهیئة فی الأمر الثانی فی التأسیس مع سیق الأمر الأوّل هذا مضافاً إلی إمکان منع ظهور الهیئة فی التأسیس رأساً.

وعلیه فالأمر الثانی مع عدم تقید المتعلّق بالمرّة الاُخری لایفید إلّا التأکید فتدبّر جیّداً.

ص:266

المقصد الثانی: فی النواهی

اشارة

ص:267

ص:268

یقع الکلام فی فصول:

الفصل الأوّل: فی مفاد مادّة النهی و صیغته و هنا مباحث

المبحث الأوّل: فی مادّة النهی

ولایخفی أنّها کمادّة الأمر فی الدلالة علی الإلزام إذ لاینسبق منها إلّا المنع و الزجر الإلزامی.

وعلیه فالنواهی تدلّ علی الزجر عن الفعل علی سبیل الإلزام کما أنّ الأوامر تدلّ علی البعث نحو الفعل علی سبیل الإلزام.

المبحث الثانی: فی صیغة النهی

ولایخفی أنّها من الإنشاءات کما أنّ صیغة الأمر کذلک و المنشأ بها هو الزجر عن الفعل کما أنّ المنشأ بصیغة الأمر هو البعث نحو الفعل و لادلالة لهما علی الإلزام و الإیجاب بحسب الوضع بل یحکم به العقلاء مع أصالة التطابق و عدم قیام القرینة علی الترخیص فی الفعل أو الترک و الموضوع لحکم العقلاء بلزوم الفعل أو الترک هو صیغة إفعل و لاتفعل مع أصالة التطابق بین الإنشاء و الإرادة أو الکراهة الشدیدة.

المبحث الثالث: فی معنی النهی

ولایذهب علیک أنّ النهی بمعنی الزجر عن الفعل کما أنّ الأمر بمعنی البعث نحو الفعل فالمتعلّق فی النهی و الأمر هو الفعل و تفسیر النهی بطلب الترک کتفسیر الأمر

ص:269

بالمنع عن الترک تفسیر بلازم المعنی إذ الزجر عن الفعل فی النهی ملازم لطلب الترک عقلاً کما أنّ البعث نحو الفعل فی الأمر ملازمٌ لمبغوضیّة الترک و المنع عنه و الدلیل علی ذلک هو التبادر و المساعدة مع مقام الثبوت إذ مقام الإثبات تابعٌ لمقام الثبوت و الإرادة و الکراهة فی مقام الثبوت متعلّقتان بالفعل.

و لافرق فیما ذکر بین أن تکون صیغة النهی بنحو لاتفعل أو بنحو أنهاک عن الفعل بل لو قال الناهی ارید منک الترک أو اترک فاللازم هو إرجاعهما إلی إنشاء الزجر عن الفعل لعدم مطلوبیّة الترک بنفسه لخلوّه عن المصلحة حقیقةً فلایصلح للطلب بخلاف الفعل لکونه مشتملاً علی المفسدة و هو یقتضی الکراهة و الزجر عنه.

هذا مضافاً إلی أنّ العدم لیس بشیءٍ و لایمکن أن یکون ذا مصلحة تتعلّق به الارادة و الاشتیاق و لا بعث و لا تحریک و لا طلب.

فإذا عرفت أنّ النهی بمعنی الزجر عن الفعل فلامجال للنزاع فی أنّ متعلّق الطلب فی النهی هو الکفّ أو نفس أن لاتفعل لما عرفت من أنّ النهی هو الزجر عن الوجود لا طلب الترک و البحث المذکور متفرّعٌ علی کون معنی النهی هو طلب الترک.

المبحث الرابع:

فی وجه اختلاف الامتثال فی الأمر و النهی مع أنّ متعلّقهما هو وجود الفعل إذ الأمر هو البعث نحو وجود الفعل والنهی هو الزجر عن وجود الفعل ومع ذلک یتحقّق الامتثال فی الأمر بوجود فردٍ واحد بخلاف النهی فإنّه لایتحقّق الامتثال فیه إلّا بترک جمیع الأفراد.

وهنا وجوهٌ لبیان سرّ هذا الاختلاف؛

منها: أنّ وجه ذلک هو اختلافهما فی کثرة الاستعمال إذ النهی کثیراً ما یستعمل فی الطبیعة الساریة بخلاف الأمر فإنّه کثیراً ما یستعمل فی مطلق الطبیعة و الکثرة موجبةٌ

ص:270

للانصراف و حیث إنّ الکثرة متعاکسةٌ فی الأمر و النهی یکون امتثالهما مختلفةٌ و فی هذا الوجه لایحتاج إلی جریان مقدّمات الحکمة لأنّه یبتنی علی الظهور الانصرافی کما لایخفی بل مع العصیان فی الزمان الأوّل لاحاجةَ لإفادة بقاء المبغوضیّة فی جانب النهی إلی الأخذ بالمقدّمات لأنّ النواهی منحلةٌ بتبع إنحلال الأفراد ومن المعلوم أنّ عصیانه بالنسبة إلی فردٍ من أفرادها لاینافی بقائه بالنسبة إلی سائر الأفراد.

ومنها: أنّ منشأ الفرق هو العقل لأنّ المتعلّق فی الأمر و النهی واحد و هو الطبیعة و إنّما العقل یحکم باختلافهما فی الامتثال ضرورةَ أنّ وجود الطبیعة یکون بوجود فردٍ واحد ولکن عدمها لایکاد یکون إلّا بعدم الجمیع.

اوردَ علیه بأنّ التفکیک بین وجود الطبیعة وعدمها غیر متصوّرٍ لأنّ الطبیعة توجد بوجوداتٍ متعددةٍ ولکلّ وجود عدم هو بدیله و نقیضه و لایعقل الوجود المضاف إلی الماهیّة علی نحو یتحقّق بفرد ما و یکون عدم البدیل له بحیث لایکون إلّا بعدم الماهیّة بجمیع أفرادها.

فإن کان النظر إلی الطبیعة المهملة کان النظر مقصوراً علی ذاتها و ذاتیّاتها فیقابله إضافة العدم إلی مثلها ونتیجة المهملة جزئیة فکما أنّ مثل هذه الطبیعة تتحقّق بوجودٍ واحد فکذلک عدم مثلها.

وإن کان النظر إلی الطبیعة بنحو الکثرة فلکلّ وجود منها عدم هو بدیله فهناک وجودات و أعدام و إن کان النظر إلی الوجود بنحو السعة أی بنهج الوحدة فی الکثرة بحیث لایشذّ عنه وجود فیقابله عدم مثله.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ النظر فی ناحیة الأمر یکون إلی وجود الطبیعة بمعنی ناقض العدم الکلّی و طارد العدم الأزلی ومن المعلوم أنّه ینطبق علی أوّل فرد ووجود من الطبیعة بخلاف النظر فی ناحیة النهی فانه إذا تعلّق النهی بوجود الطبیعة بالمعنی المذکور صار

ص:271

معناه هو الزجر عن ناقض العدم و من المعلوم أنّه یساوق إبقاء العدم الکلّی علی حاله و إبقاء العدم الکلّیّ علی حاله لایتحقّق إلّا بترک جمیع الأفراد وهذا هو الفرق فی ناحیة الامتثال.

ودعوی: أنّ طارد العدم الکلی لامطابق له فی الخارج لأنّ کلّ وجودٍ یطرد عدمه البدیل له لا عدمه و عدم غیره فأوّل الوجودات أوّل ناقض للعدم و نقیضه عدم هذا الأوّل و لازم هذا العدم الخاصّ بقاء سائر الأعدام علی حالها فإنّ عدم الوجود الأوّل یستلزم عدمه الثانی و الثالث و هکذا لا أنّه عینها.

مندفعة: بأنّه لاضیرَ فی عدم وجود المطابق بالفعل لطارد العدم الکلّیّ فی الخارج بعد إمکان تصوّره فی الذهن و وجود منشأ انتزاعه فی الخارج و لامانع من انتزاع ناقض العدم الکلیّ عن الوجود الأوّل بتبدّل عدم واحد بالوجود والموضوع فی الأوامر و النواهی حیث یکون من الاُمور الذهنیّة فلایضرّه عدم وجود المطابق له فی الخارج کما أنّ الأمر کذلک فی الکسور التسعة فإنّه مع عدم وجود مطابق له بالفعل فی الخارج أمکن تصوّره و تعلّق الملکیّة به.

وعلیه فالأمر بصِرف الوجود أو أصل الوجود یمکن امتثاله بفعل واحد بخلاف الزجر عن أصل الوجود فإنّه یرجع إلی مطلوبیّة العدم الکلّی المتنزع عن الأعدام و من المعلوم أنّه لایمکن امتثاله إلّا بترک الطبیعة مطلقاً.

نعم بناء علی ان منشأ الفرق هو العقل کما ذهب إلیه صاحب الکفایة لو عصی المکلّف فدلالة النهی علی حرمة الفعل بعد عصیان النهی فی الزمان الأوّل یحتاج إلی جریان مقدّمات الحکمة و بعد جریانها یکون العدم الکلّی مطلوباً للمولی فی الزمان المستمرّ و عصیانه فی الزمان الأوّل لایضرّ ببقاء النهی علی ما هو علیه من الزجر عن الفعل مطلقاً.

هذا بخلاف الوجه الأوّل فإنّه لایحتاج إلی المقدّمات لابتنائه علی الظهور الانصرافی کما عرفت.

ص:272

ومنها: أنّ المطلوب من الأمر بما أنّه إیجاد الطبیعة فی الخارج لایمکن أن یُرید المولی منه إیجادها بکلّ ما یمکن أن ینطبق علیه هذه الطبیعة لفرض عدم تمکّن المکلّف منه کذلک بل یکون المطلوب إیجادها فی ضمن فرد مّا المعبّر عنه بصِرف الوجود و المطلوب من النهی بما أنّه حِرمان المکلّف لایمکن أن یُراد منه حِرمانه عن بعض أفرادها لفرض أنّه حاصل قهراً و النهی عنه تحصیلٌ للحاصل فهذه الخصوصیّة أوجبت أن تکون نتیجة مقدّمات الحکمة فیه هی کون المطلوب حِرمان المکلّف عن جمیع أفرادها.

وهذا الوجه یصلح لأن یکون علّةٌ للوجه الأوّل من جهة أنّ منشأ الفرق بین الأمر و النهی هو کون کثرة الاستعمال متعاکسةٌ فیهما و بیان آخر للوجه الثانی فلاتغفل.

هنا تنبیهان:

التنبیه الأوّل: أنّ النواهی الواردة فی العبادات و المعاملات تکون إرشاداً إلی مانعیّة الاُمور المنهیّة مثل النهی عن لُبس الحریر فی الصلاة وعن الغرر فی البیع وغیر ذلک کما أنّ الأوامر الواردة فیهما ظاهرةٌ فی الإرشاد إلی الجزئیّة أو الشرطیّة کالأمر بالذکر فی الرکوع أو ستر العورة حال الصلاة.

ومعنی المانعیّة أنّ الاُمور المنهیّة بوجودها تمنع عن صحّة العبادة أو المعاملة کما أنّ معنی الجزئیّة و الشرطیّة أنّ الاُمور المأمور بها فی العبادات أو المعاملات یکون لوجودها مدخلیّة شطراً أو شرطاً فی صحّتهما.

ثمّ إنّ الأوامر الإرشادیّة کالنواهی الإرشادیّة تکون حقیقیة و تکشف عن المصالح فی متعلّق الأوامر و المفاسد فی متعلّق النواهی.

وعلیه فما قیل من أنّ النهی الوارد فی الموانع غیر ناشٍ عن مفسدةٍ فی الفعل بداهة أنّه لامفسدة فیه أصلاً بل نشأ عن قیام مصلحةٍ فی ترکه وهذه النواهی إرشادُ إلی تقیّد الصلاة بعدمها لأجل مصلحةٍ کانت فی هذا التقیّد لا لأجل مفسدة فی نفس تلک الأُمور

ص:273

حال الصلاة ضرورةَ أنّه لیس لُبس ما لایؤکل أو المیتة أو النجس فی الصلاة من المحرّمات فی الشریعة المقدّسة فإذن لایمکن أن تکون هذه النواهی ناشئةٌ عن وجود مفسدةٍ ملزمة فیها ولانعنی بالمانع إلّا ما کان لعدمه دخلٌ فی المأمور به و هذا معنی کون هذه النواهی إرشاداً إلی مانعیّة هذه الاُمور وتقیّد الصلاة بعدمها.

منظورٌ فیه لأنّ النواهی ظاهرة فی الإرشاد إلی مانعیّة وجود الموانع و أمّا إرجاع النواهی إلی الإرشاد إلی تقیّد العبادة أو المعاملة بالترک مع أنّه لامصلحةَ فی التقیّد المذکور فهو خروج عن ظواهر النواهی الإرشادیّة من دون وجهٍ.

ثمّ إنّ عدم حرمة لُبس ما لایؤکل بالحرمة التکلیفیّة لاینافی مانعیّة وجود لُبس ما لایؤکل عن صحّة الصلاة و المانعیّة التشریعیّة کالمانعیّة التکوینیّة فی أنّ وجودها تمنع عن تأثیر المقتضی و لایکون عدمها شرطاً فی التأثیر إذ عدم المانع بمعنی عدم المزاحمة فی التأثیر ولیس بمعنی أنّ عدمه موثّرٌ فی تأثیر الصلاة ونحوها کما لایخفی.

التنبیه الثانی: فی حکم الشبهة الموضوعیّة من الموانع ولایخفی علیک أنّ الظّاهر من النواهی سواءً کانت مولویّة أو إرشادیّة إلی الموانع هو الزجر عن وجود طبیعة المنهی أو المانع و حیث عرفت بکثرة الإستعمال أنّ المنهی أو المانع هو وجود کلّ فرد فرد بنحو الإستغراق لاصرف وجود المانع فلو شکّ فی فرد أنّه من أفراد الطبیعة المنهیّة أو المانعة أم لا.

یجوز الرجوع إلی أصالة البراءة فإنّ الشکّ فی التکلیف الزائد علی المعلوم مولویّاً کان أو وضعیّاً.

و لافرق فیما ذکر بین أن یکون النواهی فی المرکّبات إرشاداً إلی مانعیّة وجود الموانع أو إرشاداً إلی تقیّد العبادة بعدم وجود الموانع.

إذ تجری البراءة فیها أیضاً بناءً علی جریانها فی الأقلّ و الأکثر الارتباطییْن لأنّ

ص:274

انطباق الواجب بالنسبة إلی غیر مورد المشکوک معلومٌ فیدور الأمر بین المعلوم و المشکوک فیجری البراءة بالنسبة إلی غیر مورد المعلوم کما لایخفی.

بل لو قلنا بأنّ المنهیَّ هو صِرف وجود الطبیعة لأمکن إجراء البراءة أیضاً فإنّ المانع علی تقدیر صِرف الوجود هو نفس الوجودات والطبیعی موجودٌ فی الخارج بوجودات الأشخاص فوجود کلّ شخصٍ عین وجود الطبیعی و المانع عن الصلاة هو نفس الطبیعی المتحقّق فی الخارج، و علیه فالأفراد بذواتها و بالجهة المشترکة مع إلغاء الخصوصیّات مورد النهی فمع الشکّ فی تحقّق تلک الجهة فی المشکوک یدور الأمر بین المعلوم و المشکوک فلامانع من شمول حدیث الرفع و مجرّد تبیّن المفهوم مع وقوع الشکّ لایمنع عن الشمول بعد کون الشبهة موضوعیّة و المانع نفس الوجودات دون نفس المفهوم، فلاتغفل.

ص:275

ص:276

الفصل الثانی: فی جواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه فی شیءٍ واحدٍ ممّا ینطبق علیه العناوین کعنوان الصلاة و عنوان الغصب

اشارة

ولابدّ هنا من تقدیم جهاتٍ:

الجهة الاُولی: فی تحریر محلّ النزاع و لایخفی علیک أنّ المراد من الواحد المذکور فی عنوان المسألة لیس هو الواحد الشخصیّ فی قبال الکلّی و إلّا لزم خروج الواحد الجنسیّ المعنون بعنوانین کلّیّین کالحرکة الکلّیة المعنونة بعنوان الصلاتیة و الغصبیة المنتزعة من الحرکات الخارجیّة عن محلّ النزاع مع أنّه لاموجب لإخراجه و لیس المراد منه أیضاً هو الواحد الجنسیّ أو النوعیّ و إلّا لزم دخول السجود الکلّی الذی له نوعان بتقییده بکونه للّه أو للصنم مثلاً مع أنّه خارجٌ قطعاً إذ لانزاع فیه کما لایخفی.

ولیس المراد أیضاً الأعمّ من الشخصی و الجنسیّ أو النوعی و إلّا لزم الخروج و الدخول المذکورین کما عرفت.

بل المراد من الواحد هو الواحد فی الهویة و الوجود ممّا یصحّ أن ینطبق علیه عنوان المأمور به و المنهیّ عنه کما فی العناوین المتخالفة کعنوان الغصب و الصلاة من دون فرق بین أن یکون الواحد المذکور شخصیّاً أو کلّیّاً فالواحد المذکور فی قبال المتعدّد

ص:277

من حیث الهویة و الوجود ممّا ینطبق علیه العناوین المتقابلة کعنوان السجودِ للّه و عنوان السجود للصنم.

فمحلّ النزاع هو الواحد المنطبق علیه العناوین المتخالفة لا المتعدّد المنطبق علیه العناوین المتقابلة و لایختصّ الواحد المذکور بالکلّی بل یشمل الجزئی و إن کان الجزئی خارجاً عن محل البحث لأنّ شأن الاُصولی هو أن یبحث عن الکلّی فتدبّر.

الجهة الثانیة: أنّ النزاع فی المسألة صغرویٌ لا کبرویٌ لأنّ البحث یقع فی أنّ الواحد العرفی المعنون بعنوانْین هل یکون واحداً حقیقیّاً حتّی یمتنع اجتماع الأمر و النهی فیه لضرورة استحالة اجتماعهما فی الواحد الحقیقیّ أو لایکون واحداً حقیقیّاً لتعدد الجهات فیه بل یکون متعدّداً فی الحقیقة فیجوز اجتماع الأمر و النهی فیه باعتبار تعددها و علیه فالبحث عن کون الواحد العرفی واحداً حقیقیاً أو متعدّداً بحث صغرویٌ لأنّ البحث یرجع إلی أنّ الواحد العرفی هل یکون من مصادیق الواحد الحقیقی أو لایکون.

ویشهد لذلک بداهة کبری استحالة اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد لاستحالة کون شیء واحد محبوباً و مبغوضاً للمولی معا علی جمیع المذاهب و الاراء فلامجال للنزاع فیها بین الاعلام کما لایخفی.

وتحریر موضوع المسألة بجواز اجتماع الأمر و النهی أو امتناعه فی شیءٍ واحدٍ لایوجب أن یکون البحث کبرویّاً لأنّ الباعث علی عقد المسألة کذلک هو أنّ تعدّد الوجه و العنوان فی متعلّق الأمر والنهی هل یقتضی تعدّد المعنون و المتعلّق أو لایقتضی و هذا الباعث لیس واسطةٌ لثبوت المحمول لموضوعه من دون مدخلیّة له فی ذلک بل یکون من الجهات التقییدیة للموضوع و علیه فمع تقیّد موضوع المسألة و هو جواز الاجتماع و عدمه بوحدة الموضوع أو تعدّده یکون البحث صغرویّاً فلاتغفل.

ص:278

الجهة الثالثة: أنّ الفرق بین هذه المسألة و مسألة أنّ النهی فی العبادات هل یقتضی الفساد أولا واضحٌ لاختلاف الموضوع أو المحمول أو کلیهما إذ تمایز مسائل العلوم بهذه الاختلافات و الموضوع فی المقام هو الواحد العرفیّ المعنون بعنوانیْن ومحموله أنه واحدٌ حقیقیٌ أو متعدّدٌ والموضوع فی تلک المسألة هو النهی و محموله هو أنّه یقتضی الفساد أولا و البحث فی المقام بحثٌ صغرویٌ کما عرفت بخلاف البحث فی تلک المسألة فإنّه بحثٌ عن وجود الملازمة بین النهی والفساد کما لایخفی.

الجهة الرابعة: أنّه یکفی لکون المسألة مسألة اصولیّة وقوع نتیجتها بأحد طرفیها فی طریق الاستنباط و تعیین الوظیفة الفقهیّة من دون حاجةٍ إلی وساطةِ شیءٍ آخر و لایضرّ فی ذلک عدم وقوع المسألة بطرفها الآخر فی طریق الاستنباط کذلک کما أنّ الأمر کذلک فی کثیر من المسائل کمسألة حجّیّة خبر الواحد ومسألة حجّیّة الظواهر فإنّهما تقعان فی طریق الاستنباط علی القول بحجّیّتهما لا علی القول بعدمها کما لایخفی مع أنّه لاشُبهة فی کونهما من المسائل الأصولیّة.

وعلیه فمسألة جواز الاجتماع وعدمه مسألة اصولیّة لوقوع نتیجتها بأحد طرفیها وهو الجواز فی طریق الاستنباط من دون حاجة إلی وساطةِ شیءٍ آخر حیث یمکن أن یقال هذا المورد من موارد تعلّق الأمر و النهی بواحدٍ و حیث قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهی فی الواحد أمکن القول بصحّة العبادة المتوقفة علی قصد الأمر لوجود الأمر فی المورد و لاحاجةَ إلی واسطة شیءٍ آخر فی ترتّب النتیجة الفقهیّة و لایضرّ فی ذلک عدم ترتب فساد العبادة کذلک علی القول بالامتناع إذ اللاّزم علی القول بالامتناع هو إدراج المورد تحت تعارض دلیلی الوجوب والحرمة حتّی یجری علیه أحکامه لیستنبط من ذلک الحکم الفرعی فیحتاج الاستنباط إلی واسطة شیءٍ آخر کما لایخفی.

ص:279

وعلیه فلاوجه لجعل المسألة فی المقام من المبادی التصدیقیّة من جهة عدم ترتّب نتیجة فقهیّة علیها من دون واسطة شیءٍ آخر علی القول بالامتناع.

الجهة الخامسة: أنّ مسألة جواز اجتماع الأمر والنهی وعدمه عقلیّة لأنّ الحاکم بالجواز أو الامتناع هو العقل و لیس البحث فی هذه المسألة عن حدود مدلول اللّفظ حتّی یکون من المباحث اللّفظیّة و لافرق فی ذلک بین أن یکون الموضوع هو اجتماع الأمر و النهی أو اجتماع الارادة و الکراهة الواقعیتیْن لأنّ البحث عن إمکان الاجتماع و عدمه فی الصورتیْن لا عن تعیین مدلول اللّفظ کما لایخفی.

الجهة السادسة: أنّ ملاک النزاع فی جواز الاجتماع و الامتناع التضادّ وهو لایختصّ بنوع خاصّ من أنواع الایجاب و التحریم کالنفسیین التعینین العینیین بل التضادّ موجود بین الغیریین و التخییرین و الکفائیین و علیه فیجری النزاع فی جواز اجتماعهما و عدمه فیها أیضاً.

فکما یقع البحث عن جواز اجتماع مثل وجوب الصلاة مع حرمة الغصب فی الشیء الواحد المعنون بعنوان الصلاة والغصب وعدمه فکذلک یقع البحث عن جواز اجتماع الوجوب الغیری مع الحرمة الغیریة فی شیء واحد یکون معنوناً بعنوان مقدّمیّة الواجب ومقدّمیّة الحرام وعدمه أو عن جواز اجتماع الأمر التخییریّ مع النهی التخییری فی الشیء الواحد وعدمه مثل الأمر بالصلاة أو الصوم تخییراً بینهما و النهی عن التصرف فی الدار أو المجالسة مع الأغیار تخییراً فإذا صلّی و لم یصم و تصرف فی الدار و لم یترک المجالسة مع الأغیار اجتمع فی الصلاة فی الدار الأمر التخییری و النهی التخییری أو عن جواز اجتماع الوجوب الکفائیّ مع التحریم الکفائیّ فی فِعل واحد وعدمه.

وقد استثنی من ذلک بعض الأعلام الواجب و الحرام التخییرین بدعوی أنّهما لایجتمعان فی شیء واحد لأنّ مرد الحرمة التخییریة إلی حرمة الجمع باعتبار قیام

ص:280

مفسدة ملزمة بالمجموع لاالجامع بینهما ومرد الوجوب التخییری إلی ایجاب الجامع لاإیجاب کلّ منهما بخصوصه ومع تغایر المتعلّق لاتضادّ و لامنافاةَ.

ویمکن أن یقال: انّ إیجاب الجامع فی الوجوب التخییری ممنوعٌ لتعلّق الوجوب و الحرمة التخییرین بنفس الاُمور لا بالجامع الانتزاعی و علیه فینافی وجوب کلّ واحد تخییراً مع النهی عنه تخییراً.

الجهة السابعة: فی اعتبار قید المندوحة أی تمکّن المکلّف من امتثال الأمر فی موردٍ آخر غیر مورد الاجتماع.

الظّاهر من کلماتهم کجعل ثمرة جواز الاجتماع أن یکون المکلّف مثاباً و معاقباً و مأموراً به و منهیّاً عنه هو تقیّد محلّ النزاع بوجود المندوحة و إلّا فمع عدم المندوحة عند الامتثال لامعنی للثمرة المذکورة لاستحالة فِعلیّة التکلیفین مع عدم التمکّن من امتثالهما ومع عدم فعلیتهما لامجال للثمرة المذکورة ولامورد للنزاع للاتّفاق علی الامتناع کما لایخفی.

ودعوی أنّ عدم المندوحة یمنع عن الأمر لعدم القدرة علی الامتثال لاالرجحان الذاتی الصالح للتقرّب به وعلیه فکما أنّ تعدّد الجهة یکفی من جهة رفع التضادّ فکذلک یکفی من حیث ترتّب الثمرة وهی صحة الصلاة إذا أتی بها بقصد الرجحان الذاتی فإذا أمکن ترتّب الثمرة صحّ اتصاف المکلّف بإصابة الثواب و العقاب و لاینافی ذلک مع الاتّفاق علی امتناع اجتماع الأمر و النهی.

مندفعةٌ بأنّ ذلک لایساعد عنوان البحث من جهة جواز اجتماع الأمر و النهی إذ مع عدم وجود المندوحة لا أمر لعدم القدرة علی الامتثال نعم لو کان عنوان البحث هو صحّة العبادة مع تعدّد الجهة وعدمها، تمّ ما ذکر فتدبّر.

وعلیه فبعدما عرفت من اعتبار قید المندوحة یقع النزاع بعد وجود الأمر و النهی

ص:281

المتعلّقین بعنوانین و تمکّن المکلّف من امتثالهما بإتیان المأمور به فی غیر مورد الاجتماع فی أنّه هل یجوز اجتماع الأمر و النهی فی مصداقٍ واحدٍ و هل یصحّ امتثال الأمر باتیان المنهیّ بسوء الاختیار أو لایجوز و لایصحّ.

الجهة الثامنة: أنّه لایختصّ النزاع فی مسألة جواز الاجتماع وعدمه بما إذا تعلّقت الأحکام بالطبائع الکلّیة بل یجری فیما إذا تعلّقت بالطبائع الجزئیة أیضاً لمغایرة الطبیعة الجزئیة مع الطبیعة الجزئیة الاُخری کمغایرة الطبیعة الکلّیة مع الطبیعة الکلّیة الاُخری.

فالمصداق الخارجی عند تداخل الطبیعتین الجزئیتین فی الوجود الخارجی وإن کان وجوداً واحداً ولکنّ الذهنَ یفکّک بینهما کتفکیکه فی مصداق الطبیعتین الکلّیتین.

فکما أنّ تعدّد العناوین فی الطبائع الکلّیة أمکن أن یکون سبباً للقول بالجواز فکذلک تعدّدها فی الطبائع الجزئیة أمکن أن یکون سبباً لذلک حرفاً بحرف فالنزاع فی الجواز و الامتناع مثلاً أنّ الحرکة الخاصّة فی الدّار المغصوبة قد تلحظ بعنوان هذا الغصب مع قطع النظر من حیث کونها صلاة أیضاً و قدتلحظ بعنوان هذه الصلاة مع قطع النظر عن جهة کونها غصباً أیضاً و لاشکّ فی أنّ هذین اللحاظین متغایران فی الذهن و لاینافیان مع وحدة مصداقهما فی الخارج وعلیه فلایختصّ النزاع فی المسألة بصورة تعلّق الأحکام بالطبائع الکلّیة بل یعمّ صورة تعلّق الأحکام بالأفراد إذ المراد من الأفراد لیس الأفراد الخارجیة لأنّ الخارج ظرف السقوط لا الثبوت بل المراد منها هی الطبائع الجزئیة الشخصیّة و هذه الطبائع قابلةٌ للملاحظة فی الذهن و یتعلّق الأحکام بها کالطبائع الکلیّة و ربّما یتداخلان فی الوجود الخارجی کما قد یتداخل الطبائع الکلیّة فی الوجود الخارجی ومع التداخل فی الوجود یقع فیهما النزاع فی جواز اجتماع الأمر و النهی و امتناعه فمَن ذهب إلی الجواز نظر إلی موطن تعلّق الحکم فإنّ المتعلّق فی الذهن متعدّد و مَن ذهب إلی الامتناع نظر إلی تداخلهما فی الوجود الخارجی وعلیه فلاوجه

ص:282

لتخصیص النزاع بصورة تعلّق الأحکام بالطبائع الکلّیة فتدبّر جیّداً.

الجهة التاسعة: أنّ محلّ الکلام عند الإمامیّة فی اجتماع الأمر و النهی هو ما إذا کانا واجدین للمناط فیبحث حینئذٍ عن جواز اجتماع الحکمیْن و امتناعه مع کون کلّ واحد منهما ذا ملاکٍ ففی صورة الامتناع یرجع إلی مرجّحات باب المزاحمة دون صورة الجواز لعدم التزاحم بینهما علی القول بجواز الإجتماع کما لایخفی هذا بخلاف مورد التعارض و العلم بکذب أحدهما فإنّ مرجعه الی العلم بعدم وجود المناط فی أحد الطرفیْن وهو یخرج عن مورد التزاحم بل یرجع فیه إلی مقتضی القاعدة فی باب التعارض بناءً علی شمول الأخبار العلاجیة للعامّین من وجه و إلّا فیرجع إلی مقتضی الأصل وهو التساقط والرجوع إلی العموم أو الأصل فی المسألة.

ثمّ إنّ مقتضی التحقیق علی القول بالامتناع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هو التفصیل بین صورة المندوحة و عدمها ففی الاُولی یتقیّد ذو المندوحة بحکم العقل بغیر مورد التصادق ویرجّح علیه ما لامندوحة فیه لأنّه مقتضی الجمع فی الغرضین بحکم العقل ولاوجه لرفع الید من أحد الغرضین من دون موجب وفی صورة عدم المندوحة و عدم امکان الجمع بین الغرضین یرجع إلی مرجحات باب المزاحمة و الأخذ بأقوی المناطین.

وعلیه فما فی الکفایة من إطلاق الحکم بالرجوع إلی مرجّحات باب المزاحمة وترجیح أقوی المناطین غیر صحیح بإطلاقه لماعرفت من أنّ فی صورة المندوحة مقتضی الجمع بین الغرضین مهما أمکن هو ترجیح غیر ذی المندوحة و إن کان ذوها أقوی أو دلیله أظهر هذا مضافاً إلی أنّ الترجیح بالأظهریّة من مرجّحات باب التعارض لاالتزاحم والمقام من باب التزاحم.

إذ المفروض هو وجود الملاکین فی الطرفین کما هو واضحٌ.

ثمّ إنّ تمییز مورد التزاحم عن مورد التعارض یحصل بالعلم أو العلمیّ بوجود الملاک فی

ص:283

الطرفین فیکون من باب التزاحم أو بوجود الملاک فی أحدهما فیکون من باب التعارض.

ویمکن استکشاف وجوده فی الطرفین من ناحیة إطلاق الدلیل فی کلّ طرف ما لم یعلم إجمالاً بکذب أحد الطرفین فإنّ کلّ دلیل یدلّ بالدلالة المطابقیّة علی ثبوت مضمونه من الوجوب و الحرمة و معنی ذلک هو ثبوت المقتضی و الشرط وعدم المانع من تأثیر المقتضی وعدم وجود المزاحم بحسب الوجود لمضمونه المطابقی فإذا قدّم أحد الدلیلین علی الآخر من جهة قوّته لایدلّ هذا الدلیل المقدّم إلّا علی عدم تمامیّة العلّة من حیث فقد شرط التأثیر وأمّا عدم وجود المقتضی فلادلالة له لیکون حجّة فی قبال الحجّة الأخری الدالّة علی وجود المقتضی فی الطرف الآخر ومع إحراز وجود المقتضی و بقائه فی صورة الاجتماع یندرج المتعارضان بنحو العموم من وجه فی باب المتزاحمین فیما إذا لم یعلم بکذب أحدهما.

ویترتّب علیهما ما یترتّب علی المتزاحمین و قدعرفت عدم التزاحم علی القول بالجواز و اختصاص التزاحم بصورة الامتناع و ترجیح غیر ذی المندوحة علی ذیها و تقیید ذی المندوحة بغیر مورد التصادق و الأخذ بالأقوی منهما مناطاً مع عدم وجود المندوحة فتدبّر جیّداً.

الجهة العاشرة: فی ثمرة بحث جواز الاجتماع وامتناعه و لایخفی علیک أنّ جماعة من الأصحاب فصّلوا بین الجواز و الامتناع أو بین صورة العلم والجهل فی صحّة العبادة و عدمها ولکنّ التحقیق عدم صحّة التفصیلات المذکورة.

وذلک لأنّ علی القول بالجواز یتحقّق الامتثال و لسقط الأمر باتیان المجمع ولو فی العبادات و إن کان معصیة للنهی أیضاً عند وجود المندوحة و العلم بالغصب.

و لاکلام فیه فی صورة الجهل بالموضوع أو الحکم قصوراً لتعدّد الملاک و وجود

ص:284

الأمر علی الطبیعة حیث إنّ تقیید المأمور به بحکم العقل بغیر مورد التصادق من جهة أنّ المنهی عنه طبیعة مرسلة و المأمور به صِرف الوجود لاینافی وجود الملاک فی الطرفین إذ التقیید العقلی لایوجب تقیید الملاک.

وإنّما الکلام فی صحّة العمل مع العلم بالموضوع و الحکم و وجود المندوحة فانّه ربّما یفصّل فی الصحّة وعدمها بین ما إذا کان الترکیب بین الخصوصیّة العبادیّة والخصوصیّة المحرّمة اتّحادیاً فلاتصحّ العبادة لعینیّة حرکة العبادیّة مع الخصوصیّة المحرّمة ومع العینیّة لاتصلح حرکة العبادیّة للمقربیّة إذ هی بعینها مبعّدة و المبعّد لایکاد یکون مقرّباً.

وبین ما إذا کان الترکیب بینهما إنضمامیّاً فتصحّ العبادة فإنّ حرکة العبادیّة حینئذٍ مغایرة مع الخصوصیّة المحرّمة فلامانع مع المغایرة من أن تکون حرکة العبادیّة مقرّبة.

والتحقیق أنّ الاتّحاد الخارجی لایوجب البطلان بعد کون الوجود الخارجی مصداقاً لکلّ واحد من الخصوصیّة العبادیّة و الخصوصیّة المحرّمة إذالوجود الخارجی المذکور مقرّب بما هو مصداق للخصوصیّة العبادیّة ومبعّد بما هو مصداق للخصوصیّة المحرّمة ولیس المقرّب بما هو المبعّد مقرّباً حتّی لایمکن ذلک غایته هو تقارن المقرّب مع المبعّد و لاضیر فیه.

وعلیه فالتفصیل المذکور علی القول بالجواز لا وجه له لما عرفت من أنه یمکن القول بالصحّة سواءً کان الترکیب الخارجی إتّحادیّاً أو إنضمامیّاً لأنّه باتیانه أطاع وعصی ولادلیل علی اشتراط عدم اتّحاد العبادة مع المحرّم فی صحّة العبادة کما لایخفی نعم العقل یحکم بلزوم إتیان المأمور به فی غیر مورد التصادق عند وجود المندوحة جمعاً بین الغرضین ولکنّ إذا عصی المکلّف و أتی بمورد التصادق فالأقرب هو الصحّة سواءً کان الترکیب إتّحادیّاً أو إنضمامیّاً.

ص:285

ودعوی أنّ الغرض من التکلیف حیث إنّه کان جعل الدّاعی للمکلّف نحو الفعل فمقتضاه هو کون متعلّقه مقدوراً ضرورة استحالة جعل الدّاعی نحو الممتنع عقلاً و شرعاً و نتیجة ذلک هی أنّ متعلّق التکلیف حِصّة خاصّة من الطبیعة وهی الحِصّة المقدورة عقلاً و شرعاً و علیه فلایمکن تصحیح العبادة فی مورد الاجتماع علی القول بالجواز لعدم انطباق الطبیعة المأمور بها علیها.

مندفعةٌ بأنّ مجرّد کون الغرض من التکلیف هو جعل الدّاعی لایوجب تقیید المتعلّق بالحِصّة الخاصة شرعاً لأنّ غایته هو الاستدلال العقلی علی لزوم کون المتعلّق مقدوراً هذا مضافاً إلی أنّ اعتبار القدرة شرعاً علی فرض التسلیم لایقتضی إلّا کون المتعلّق مقدوراً فی الجملة ولو باعتبار القدرة علی بعض أفراده ضرورة کفایة ذلک فی البعث نحو المتعلّق علی نحو ضرب القانون.

لایقال: أنّ ملاک الأمر إنّما یصلح للتقرّب به فیما إذا لم یکن مزاحماً بالقبح الفاعلی و إلّا فلایکون صالحاً للتقرّب فإنّ صحّة العبادة کما هی مشروطة بالحُسن الفعلی بمعنی أن یکون الفعل فی نفسه محبوباً وحَسَناً فکذلک هی مشروطة بالحُسن الفاعلی والمفروض فیما نحن فیه أنّه لیس کذلک ضرورة أنّ المکلّف بایجاد الصلاة فی الأرض المغصوبة أوجد أمرین أحدهما الصلاة والآخر الغصب لا أنّه أوجد الصلاة فحسب و علیه فلامحالة یکون موجدهما مرتکبا للقبح فی إیجاده ومعه یستحیل أن یکون الفعل الصادر منه مقرّباً.

لأنّا نقول: إنّ الموجد إذا أوجد المجمع أوجد أمرین أحدهما الصلاة والآخر الغصب فکما أنّ الصلاة غیر الغصب فی الوجود الوحدانی فکذلک الموجد للصلاة مغایرٌ مع الموجد للغصب وارتکاب القبح لایکون إلّا باعتبار إیجاده الغصب لا باعتبار إیجاده الصلاة.

ص:286

ومجرّد ملازمة إیجاد ذاک لهذا لایوجب سرایة القبح من هذا إلی ذاک فالفاعل باعتبار إیجاده للصلاة حسن فمع وجود الحُسن الفعلی والفاعلی فلِمَ لاتکون العبادة صحیحة هذا کلّه بناءً علی القول بالجواز و قد عرفت عدم صحة التفصیلات المذکورة علیه.

وأمّا علی القول بالامتناع وسرایة الحکم من العنوان إلی معنونه فی مورد التصادق یستحیل اجتماع الأمر و النهی فی المعنون و لابُدّ من ترجیح أحدهما علی الآخر.

فإن رجّح جانب الأمر کما إذا لم تکن مندوحة فلااشکال فی صحّة العبادة لوجود الملاک والأمر.

فإن قدّم جانب النهی کما إذا کانت المندوحة فتقدیم النهی لیس بمعنی أنّ ملاکه أقوی من ملاک الأمر بل من جهة أنّ المنهیّ عنه طبیعة مرسلة ولابدل لها بخلاف المأمور به فإنّ المطلوب فیه الوجود أو صِرف الوجود فیتزاحمان کتزاحم الواجب الموسّع و الواجب المضیّق فکما أنّ الموسّع یتقیّد بزمان غیر المضیّق فکذلک المأمور به یتقیّد بغیر مورد التصادق و حیث إنّ التقیید المذکور عقلیٌ لا شرعیٌ فالمأمور به فی مورد التصادق و إن کان أمره ساقطاً ولکنه ذو ملاکُ لأنّ کلّ مورد یحکم العقل بالتقیید لایوجب سلب الملاک عنه ولذا لو ارتفعت المزاحمة أو التعذّر کان کما لامزاحم له من أوّل الأمر.

و لافرق فی ذلک بین صورة جهل المکلّف بحکم الغصب أو موضوعه و بین العلم بهما وعلیه أمکن القول بصحّة عبادة من توسّط فی الأرض المغصوبة ولو مع العلم والعمد إذ عبادته فی الدّار المغصوبة عین صلاته فی خارجها من جهة وجدان الملاک ومن جهة کونه مختاراً فی إیجادها.

ودعوی أنّ العالم العامد لایتمشّی منه قصد القربة لاتّحاد العبادة مع الغصب و الغصب مبعّد و المبعّد لایکون مقرّباً.

ص:287

مندفعةٌ بمنع عدم التمشّی بعد مشاهدة تمشّی ذلک من العوام الّذین یعلمون الحرمة و مع ذلک یقصدون القربة و الوقوع أدلّ شیء علی الإمکان.

والسّرّ فیه أنّ الماتی به مصداق للعبادة و الغصب کلیهما و الآتی به یقصد القربة من جهة الإتیان بالعبادة.

لانقول: علی الامتناع بجواز الإتیان بالعبادة تکلیفاً فی مورد التصادق لحرمة الاتیان بها فی محلّ مغصوب ولکن لو عصی و أتی بالعبادة فی مورد التصادق لایوجب إرتکاب الحرام بطلان العبادة إذ لایجب فی صحّة العبادة إلّا أن یُؤتی بها للّه و المفروض أنّه حاصلٌ و لادلیلُ علی اشتراط عدم اتّحادها مع المحرّم فی صحتها.

وما ذکره الفقهاء رضوان اللّه تعالی علیهم فی باب اشتراط اباحة المکان أو اباحة اللباس للمصلّی مبنیٌّ علی القواعد لضعف الأدلّة السمعیة المذکورة هناک و قدعرفت أنّ مقتضی القواعد لیس کذلک.

ویشهد لما ذکرناه حکمهم بصحّة الصلاة فی الدّار المغصوبة حال الخروج عند تضیّق الوقت سواءً توسّط الدار بسوء الاختیار أو بدونه مع أنّ الاتّحاد لو کان موجباً لسلب الملاک فلامجال للحکم بالصحّة فی هذا الفرض لکون الخروج غصب و الصلاة متّحدة معه و التصرّف فی الدار المغصوبة ولو بالخروج مبغوض إذا دخل بسوء الاختیار و إن سقط عنه النهی فِعلاً.

فکما أنّ مبغوضیّة الخروج ومبعّدیته فی حال تضیّق الوقت لاینافی صحّة صلاته و تمشّی منه قصد القربة فکذلک فی غیر حال تضیّق الوقت و یشهد أیضاً لما ذکرناه حکم الأصحاب بوجوب الصلاة علی من توسّط فی الدّار المغصوبة مع العلم و العمد و لم یتمکّن من الخروج منها مع أنّ مکثه فیها مبغوض لکونه داخلاً فیها بسوء الاختیار و متّحد مع الصلاة.

ص:288

فوجود الملاک یکفی فی الحکم بالصحّة أیضاً علی القول بالامتناع و تقدیم جانب النهی.

و دعوی أنّه لاطریق لنا إلی إثبات وجود الملاک فإنّه کما یمکن أن یکون سقوط الحکم عنه من ناحیة المانع فکذلک یمکن أن یکون من ناحیة عدم المقتضی و الملاک ولاترجیحّ.

مندفعةٌ بأنّ الأمر المتعلّق بالطبیعة یکشف عن وجود الملاک و المحرز من المزاحمة هو رفع الأمر لا رفع الملاک و لاوجه علی رفع الملاک بعد ثبوته باطلاق الخطاب إذ المفروض أنّ التقیید عقلیٌ لاشرعیٌ.

نعم لو ذهب الامتناعی إلی عدم وجود ملاک الأمر فی ناحیّة العبادة عند وجود المندوحة أمکن له القول بالبطلان مع العلم بموضوع الغصب و حرمته بل لازم عدم وجود الملاک عند وجود المندوحة هو القول بالبطلان فی صورة الجهل أیضاً لفقدان الملاک و هو لایناسب التفصیل المنسوب إلی المشهور بین صورة العلم و بین صورة الجهل القصوریّ.

وبالجملة فمقتضی ما ذکرناه هو القول بصحّة العبادة علی کلّ تقدیر سواءٌ قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهی أو لم نقل وسواءٌ علم بالغصب موضوعاً و حکماً أو لم یعلم و التفصیلات المذکورة فی الکفایة من جهة الحکم الوضعی بین الاضطرار بسوء الاختیار و بدونه أو بین العلم و الجهل و النسیان محلّ نظرٍ لما ذکرناه ودعوی الإجماع علی البطلان فی صورة العلم مندفعةٌ أوّلاً بمنع الاجماع و ثانیاً بأنّه غیر کاشف مع احتمال کون مدرکهم هو القواعد و الوجوه المذکورة.

والاستدلال ببعض الروایات مع ضعفها و عدم ثبوت انحبار ضعفها بعمل الأصحاب لایکفی لاثبات البطلان فی بعض الصور فالتفصیلات المذکورة فی المقام بعنوان الثمرة فی غیر محلِّها.

ص:289

بین المختار و مقدّماته:

إذا عرفت الجهات العشرة فالمختار هو جواز الاجتماع و بیان ذلک یحتاج إلی تمهید مقدّمات.

أوّلها: أنّ متعلّق الأوامر و النواهی هی العناوین لا الوجود الخارجی وإلّا لزم تحصیل الحاصل عند البعث إلیه أو المناقضة عند الزجر عنه.

وحیث إنّ العناوین متعدّدةٌ لایجتمع الأمر و النهی فی واحدٍ ولافرق فی ذلک بین أن یکون بین الأحکام مضادّة أو لا، لأنّ الأحکام ولو کانت متضادّة لامانع من تعلّقها بالعناوین المتعدّدة و إنّما المحذور فیما إذا تعلّقت بالواحد الحقیقیّ و المفروض أنّها متعلّقة بالعناوین المتعدّدة لا بالواحد فالبحث عن تضادّ الأحکام وعدمه غیر لازم.

ثانیها: أنّ کلّ عنوان یحکی عن معنونه إذا کان له واقعیة فی نفس الأمر ومقتضی ذلک هو تعدّد المعنون بتعدّد العنوان و لایضرّ الوجود الوحدانیّ بتعدّد المعنون بعد کونه مصداقاً للعناوین المتعدّدة والذهن یقدر علی تفکیک ما هو فی الخارج ولو کان متّحداً مع غیره و بعد التفکیک یکون متعلّق کلّ حکم مغایراً مع متعلّق الآخر و مقتضی المغایرة بین المتعلّقین هو جواز اجتماع الأمر و النهی.

فالتفصیل بین الترکیب الإنضمامیّ و الاتّحادیّ فی الواحد الخارجی و القول بالامتناع علی الثانی و الجواز علی الأول أجنبی عن المقام لما عرفت من أنّ موطن تعلّق الأحکام هو الذهن لا الخارج و المفروض أنّ الذهن یقدر علی تفکیک العناوین الصادقة علی الواحد الخارجی و إن کان الترکیب اتّحادیّاً لاإنضمامیّاً.

ثالثها: أنّ المحذور من اجتماع الأمر و النهی إن کان هو وحدة المتعلّق فلامورد له بعدما عرفت من أنّ موطن تعلّق الأحکام هو الذهن و متعلّق الأمر فیه مغایرُ لمتعلّق

ص:290

النهی فلاوحدة فی المتعلّق ومع عدم الوحدة لایکون التکلیف تکلیفاً محالاً وإن کان المحذور هو التکلیف بالمحال أو لزوم نقض الغرض أو التقرّب بالمبعّد فالجواب عن الأوّل بأنّه یلزم لو کان التکلیف متعلّقاً بجمیع الأفراد أو الطبیعة الساریة و الفانیة فی الأفراد بخلاف ما إذا کان التکلیف متعلّقاً بصِرف الوجود و المفروض أنّ المندوحة موجودة إذ لامنافاة بین التکلیف بصرف وجود الطبیعة و التکلیف بعدم وجود المنهی عنه مطلقاً لإمکان الإتیان بصِرف الوجود فی غیر مورد المنهی فامتثال الأمر و النهی مقدورٌ بإتیان صِرف الوجود فی غیر مورد النهی.

والجواب عن الثّانی وهو نقض الغرض بأنّه لا مورد له لأنّ المکلّف یقدر علی الامتثال فی مفروض الکلام وهو وجود المندوحة بإتیان المأمور به فی غیر مورد التصادق و ترک مورد التصادق حتّی یجمع بین الغرضین والجواب و لعل منشأ توهم عدم تحقق المقربیة فیما اذا اتحد الصلاة مع الغصب هو عدم الالتفات إلی ان الحیثیات متعددة حتی فی صورة الاتحاد لان الوجود الخارجی مصداق للغصب و الصلاة و دعوی عدمه حصول المقربیة لان التقرب یوجب التقدم نحو المحبوب و الغصب یوجب التأخر و التولی مندفعة بان التقدم و التقرب و استحقاق الثوبة حاصل باتیان الصلاة کما انه مستحق للعقوبة بحیثه الغصب. عن الثالث بأنّ التقرب لیس بحیثیّة مبعّدة بل بحیثیّة مقرّبة و إن اتّحدا فی الخارج فی الوجود لما عرفت من تعدّد الحیثیّات و المعنونات.

فإذا عرفت المقدّمات المذکورة انقدح أنّه لامحذور و لامانع من اجتماع الأمر و النهی فی الواحد الّذی انطبق علیه العنوانان یکون بأحد العنوانین مأموراً به و بالآخر منهیّاً عنه لأنّ موطن تعلّق الأحکام هو الذهن و متعلّق الأمر فیه مغایرٌ مع متعلّق النهی و لایلزم من التکلیف بهما تکلیفٌ محال لتعدّد متعلّقهما کما لایلزم من ذلک التکلیف بمحال مع إمکان امتثال الأمر فی غیر مورد التصادق إذ المفروض وجود المندوحة و

ص:291

الأمر متعلّق بصِرف الوجود و علیه فلامجال لدعوی نقض الغرض من تعلّق الأمر و النهی بالواحد المذکور لأنّ الغرض فی الطرفین حاصلٌ إذ غرض الأمر متحقّق بالاتیان به ولو فی غیر مورد التصادق و الغرض من النهی هو ترک الطبیعة بترک جمیع أفرادها وهو حاصل إذا اکتفی فی امتثال الأمر بغیر مورد التصادق.

فتحصّل: أنّ المختار هو جواز الاجتماع فیما إذا کانت المندوحة موجودة و لامانع من صحّة العمل لإمکان التقرّب بالحیثیّة المقرّبة و إن عصی و أتی بمورد التصادق لأنّ الواحد المذکور مصداق للحیثیتین کما لایخفی.

تصور اجتماع الأمر و النهی فی العبادات المکروهة

لا اشکال فی تصور ذلک بناءً علی القول بالجواز لأنّ النسبة بین العبادة و العنوان المکروه: إمّا تکون هی العموم من وجه کالصلاة المندوبة مع الکون فی مواضع التهمة ففی هذه الصورة یتعدّد العنوان فی مورد الاجتماع ومع التعدّد لا منافاة بین الاستحباب و الکراهة کما هو الواضح.

وإمّا النسبة بین العبادة والعنوان المکروه هی الأعمّ و الأخصّ المطلق ففی هذه الصورة فإن أخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ کقولهم (صلّ و لاتصلّ فی الحمام) ففی جریان جواز الاجتماع إشکالٌ لأنّ المطلق عین ما أخذ فی المقیّد ومع العینیّة لایعقل تعلّق الحکمین المختلفین بالطبیعة الواحدة ولو فی الذهن و علیه یجری حکم الامتناع فیحمل النهی علی الارشاد إلی سائر الأفراد لعدم امکان تعلّق النهی مع الأمر بالطبیعة الواحدة أو یخصّص النهی بالمشخّصات الخارجة عن الطبیعة الواحدة کایقاع الصلاة فی الحمام.

وإن لم یؤخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ کقولهم (حرّک ولاتدن إلی موضعٍ کذا) فیجوز اجتماع الأمر والنهی فیه لتعدّد العنوان وإن کانت النسبة بینهما بحسب المورد هی الأعمّ و الأخصّ، فتأمّل.

ص:292

هذا کلّه بالنسبة إلی تعلّق الأمر و النهی بعنوانین مختلفین اللذین یجتمعان فی الوجود الخارجی.

وأمّا إذا تعلّق النهی بذات العبادة و لابدل لها کصوم یوم عاشوراً أو الصلوات المبتداة عند غروب الشمس و طلوعها.

فإن أمکن رجوع النهی إلی عنوان آخر کعنوان الموافقة مع بنی أمیّة أو التشابه بعبدة الشمس فلا اشکال فی اجتماع الأمر و النهی إذ مرجع ذلک إلی تعدّد العنوان لأنّ الأمر متعلّق بذات العبادة و النهی راجع إلی عنوان آخر کالموافقة مع بنی أمیّة أو المشابهة بعبدة الشمس وإن لم یمکن رجوع النهی إلی عنوان آخر فمقتضاه هو لزوم رفع الید عن الأمر و الحکم بفساد العبادة لدلالة النهی علی مرجوحیّة المتعلّق و هو لایجتمع مع مقرّبیة المتعلّق بعد فرض عدم کونه معنوناً بعنوان آخر.

وبالجملة فمع تعدّد العناوین والقول بالجواز لا إشکال فی اجتماع الأمر والنهی فی العبادات المکروهة ولاحاجة إلی دعوی سقوط الأمر عن الفِعلیة أو حمل النهی علی الاقتضائی بل مقتضی ظاهر هما هو بقائهما علی الفِعلیة و هما یحکیان عن وجود المصلحة فی متعلّق الأمر والمفسدة فی متعلّق النهی من دون کسر و انکسار فی مصلحة المأمور به ومن دون تزاحم بینهما مثلاً إذا قال المولی لعبده جئنی بماءٍ فی البلور و لاتأت به فی الخزف فإذا تخلّف العبد و أتی بالماء فی الخزف لایتغیر مصلحة الماء وهو رفع العطش بل هو باقٍ علی ما هو علیه من دون کسر و انکسار و إنّما عصی مولاه لعدم إتیانه فی ظرف یلیق بشأنه وهو مفسدة غیر مرتبطة بمصلحة الماء فإذا کانت المصلحة و المفسدة باقیتین فالأمر و النهی باقیان علی المولویة و لایحملان علی الارشاد إذ لاتزاحم بینهما.

ص:293

وممّا ذکر یظهر حکم اجتماع الوجوب مع الاستحباب أو مع الوجوب أو حکم اجتماع الحرام مع الحرام أو اجتماع المستحبّ مع المستحب فإنّ بناء علی جواز الاجتماع لااشکال فی اجتماعهما مع تعدّد العنوان إذ لامزاحمة بینهما فی مقام الامتثال کما لایخفی.

تنبیهات:

التنبیه الأوّل: فی حکم الاضطرار إلی ارتکاب الحرام کالتصرّف فی الدّار المغصوب وهو علی أقسام:

أحدها: أن یکون المکلّف مضطراً إلی ارتکاب الحرام من دون سوء الاختیار و لااشکال فی هذه الصورة فی سقوط الحرمة و الحکم التکلیفی إذ لا قدرة له والتکلیف بما لایطاق قبیح هذا مضافاً إلی صحاح تدلّ علی رفع التکلیف عند الاضطرار ولاإشکال أیضاً فی صحّة صلاته فی الدّار المغصوبة بعد اضطراره إلی السکونة فیها وعدم المندوحة.

وعلیه فیجوز له أن یصلّی فیها مع الرکوع والسجود و لایجب علیه الاقتصار علی الایماء والاشارة بدلاً عنهما وذلک لمنع التصرّف الزائد بالرکوع والسجود إذ لایتفاوت فی إشغال المحلّ بین أن یرکع أو یؤمی إلیه.

نعم لو حصلت له المندوحة لایجوز له أن یصلّی فیها بل یجب علیه أن یخرج منها و یصلّی فی خارجها إن وسع الوقت و إلّا فمع ضیق الوقت یجب علیه أن یصلّی فی حال الخروج إذ الصلاة لاتسقط بحال.

ثانیها: أن یکون الإضطرار إلی إرتکاب الحرام بسوء الاختیار کما إذا دخل فی الدّار بدون إذن صاحبها و انحصر التخلّص منها بالتصرّف الخروجی.

یقع الکلام حینئذٍ فی مقامین:

ص:294

المقام الأوّل: فی بیان الحکم التکلیفیّ للخروج الّذی صار اضطراریّاً بسوء الاختیار و هنا أقوال:

أحدها: هو اجتماع الوجوب و الحرمة فی الخروج وفیه أنّه لامجال له بعد اعتبار المندوحة فی باب اجتماع الأمر و النهی إذ المفروض أنّه لامندوحة له بالنسبة إلی التصرّف الخروجی ومع عدم المندوحة تکلیفه بوجوب الخروج مع حرمته تکلیف بالمحال.

وثانیها: هو وجوب الخروج مع جریان حکم المعصیة علیه بعد سقوط النهی عنه بالاضطرار وهو منسوبٌ إلی صاحب الفصول و مختار استاذنا المحقّق الداماد قدس سره و هو أقوی الأقوال.

أمّا وجوب الخروج فمن جهة کون الخروج من مقدّمات ردّ المغصوب وهو واجبٌ و أمّا سقوط النهی عن الخروج مع کونه تصرّفاً غصبیاً فللاضطرار.

ثالثها: أنّ الخروج واجبٌ من دون جریان حکم المعصیة علیه وهو ظاهر البطلان بعد کون الاضطرار الیه بسوء الاختیار.

رابعها: أنّ الخروج حرامٌ فِعلی ولاوجوب له و فیه أنّ الخروج مقدّمة للواجب الأهمّ وهو وجوب ردّ المغصوب و المقدّمة الموصلة واجبة بوجوب ذیها و الحرمة الفِعلیة لشیءٍ مع فرض الاضطرار إلیه مستحیلة فمع الاستحالة یسقط الحرمة و یبقی عقوبته بسوء الاختیار لأنّ الاضطرار بسوء الاختیار لایمنع عن العقوبة.

خامسها: أنّه لا وجوب و لاحرمة للخروج مع جریان حکم المعصیة علیه وفیه أنّ نفی الوجوب مع کونه من مقدّمات وجوب ردّ المغصوب غیر مسموع و ممّا ذکر یظهر أنّ أقوی الأقوال هو القول الثانی فلاتغفل.

ص:295

المقام الثانی: فی بیان الحکم الوضعی عند الاضطرار إلی الخروج.

ولایخفی علیک صحّة الصلاة عند الاضطرار إلی الخروج باتیانها مع الایماء بالرکوع و السجود حال الخروج الاضطراری وضیق الوقت عن الاتیان بها فی خارج الدّار.

بل المختار هو صحّة الصلاة مطلقاً ولو عصی فی إتیانها سواء قلنا بجواز الاجتماع أو لم نقل و سواء علم المضطرّ بحکم الغصب أو موضوعه أو لم یعلم و سواء وسع الوقت أو لم یسع وسواء تمکن من إقامة الصلاة فی خارج الدار المغصوبة مع الشرائط الکاملة أو لم یتمکّن و ذلک لما مرّ من تمامیّة الملاک و عدم إحراز دلیل لاشتراط خلوّ العبادة عن اقتران محرّم من المحرّمات.

نعم من تمکّن من إقامة الصلاة فی خارج الدّار المغصوبة مع شرائطها الکاملة وأتی بها فی الدار المغصوبة مع الایماء بالرکوع و السجود عند الخروج لایصحّ صلاته لإنّه اکتفی بوظیفة العاجز مع تمکّنه من الاتیان بصلاة القادر.

التنبیه الثانی: أنّه وقد ذکرنا اختصاص اجتماع الأمر و النهی بوجود الملاک فی الطرفین و علیه فلاتعارض بینهما لوجود الملاک فی الطرفین علی المفروض بل و لاتزاحم بینهما مع وجود المندوحة لامکان الجمع بینهما بتقدیم النهی وإتیان المأمور به فی مکان آخر جمعاً بین الغرضین کما هو مقتضی القاعدة عند تزاحم المضیّق مع الموسّع کوجوب الإزالة و وجوب الصلاة.

وعلیه فمع وجود المندوحة و إمکان الجمع المزبور لامجال للرجوع إلی تقدیم جانب الأقوی ملاکاً إذ لا وجه لرفع الید عن أحد الغرضین ولو کان فی غایة الضعف لأجل الآخر ولو کان فی غایة القوّة بعد إمکان إحرازهما معاً کما هو المفروض مع وجود المندوحة نعم یقع التزاحم بینهما مع عدم وجود المندوحة حتّی علی القول

ص:296

بالاجتماع لعدم التمکّن من إمتثالهما مع عدم وجود المندوحة فاللازم حینئذٍ هو تقدیم الأقوی ملاکاً إن کان وإلّا فالحکم هو التخییر من دون فرق بین الامتناع و جواز الاجتماع إذ لایجوز التکلیف بهما فإنّه تکلیف بما لایطاق.

ودعوی اختصاص الرجوع بالأقوی ملاکاً بالقول بالامتناع لاوجه لها بعد عدم إمکان امتثالهما لعدم وجود المندوحة کما لایخفی.

ثمّ إن کان الأقوی ملاکاً معلوماً فهو و إلّا فالحکم هو التخییر عند عدم وجود المندوحة و تزاحم الأمر و النهی فی مقام الامتثال.

ودعوی تعارض الخطابین من جهة تشخیص الأقوی ملاکاً فیرجع إلی المرجّحات السندیّة فیقدّم الأقوی منهما دلالةً أو سنداً ویکشف بذلک أنّ مدلوله أقوی ملاکاً مندفعةٌ أوّلاً باختصاص المرجّحات السندیّة بمدارک حکم الحکمین لاختصاص المقبولة بذلک و ثانیاً بأنّ مجرّد أقوائیّة السند لأجل أعدلیّة الراوی مثلاً لایکشف عن أقوائیّة ملاک مدلول الخبر.

التنبیه الثالث: فی حکم التردّد بین التزاحم أو التعارض و کیفیّة إحراز الملاک فی الطرفین.

لا إشکال فی وجود الملاک فی الطرفین علی القول بجواز الاجتماع و وجود المندوحة لوجود الکاشف عن الملاک فی الطرفین إذ المفروض هو فِعلیة الأمر و النهی علی هذا القول فی الطرفین لعدم المزاحمة بینهما و یستکشف من اطلاق کلّ واحد من الأمر و النهی عن وجود الملاک.

وأمّا علی القول بالامتناع أو الاجتماع مع عدم المندوحة فقد یقال بأنّه لا طریق لنا إلی احراز وجود الملاک فی الطرفین مع عدم فِعلیة الأمر و النهی معاً فیهما.

ص:297

وعدم اجتماع الخطابین فیهما یمکن أن یکون لعدم وجود المقتضی فی کلّ طرف لاللتزاحم و غلبة أحدهما علی الآخر فالمرجع حینئذٍ هو الاُصول العملیّة بعد عدم جریان الأخبار العلاجیّة فی العامّین من وجه لاستلزام جریانها لطرح المرجوح مطلقاً ولو فی مورد الافتراق بعد عدم إمکان التبعیض فی الحجّیّة وهو کما تری فیؤخذ بالبراءة الشرعیّة بالنسبة إلی الوجوب والحرمة ویحکم بالاباحة بالنسبة إلی الفعل والترک.

یمکن أن یقال: إن کانت الخطابات بالنسبة إلی مورد الاجتماع شخصیّة فلایمکن اجتماعهما ولاکاشف حینئذٍ عن وجود الملاک فی الطرفین.

وأمّا إذا کانت الخطابات متعلّقة بالطبیعة المطلقة الحاکیة عن أفرادها فالخطاب بالاطلاق الذاتی مع قطع النظر عن المزاحم موجود ومع إحراز وجود الخطاب یکشف عن وجود الملاک فی کلّ طرف.

ومزاحمة الخطاب الآخر إنّما توجب رفع فِعلیة أحد الخطابین لارفع الملاک و لادلیل علی رفع الملاک بعد ثبوته بالاطلاق الذاتی.

وحکم العقل بتقدیم النهی أو الأمر علی تقدیر الامتناع أو علی فرض عدم وجود المندوحة والقول بالاجتماع لایدلّ علی سلب الملاک لأنّ التقیید عقلیٌ ولیس بشرعیٍ.

وعلیه فمع دلالة کلّ خطاب علی وجود الملاک فی الطرفین یندرج المورد فی المتزاحمین ویحکم علیه بالتخییر لو لم یکن دلیل علی ترجیح أحد الملاکین و لامورد للمرجوع إلی الاُصول العملیّة کما لایخفی.

نعم علی القول بالامتناع و تعلّق الخطاب بما یصدر عن الفاعل فی الخارج لاعلم بوجود الخطابین بعد افتراض إستحالة تعلّقهما بالواحد الخارجی.

فحینئذٍ أمکن الرجوع إلی البراءة الشرعیّة بالنسبة إلی خصوص الوجوب أو الحرمة و یکون الحکم هو الاباحة بالنسبة إلی الفعل والترک فتدبّر جیّداً.

ص:298

التنبیه الرابع:

فی مقتضی القواعد من جهة الحکم الوضعی و قدعرفت ممّا تقدّم أنّ مقتضی المختار من جواز الاجتماع و کفایة تعدّد الحیثیّة و الملاک فی صحّة العبادة وعدم وجود دلیل علی اشتراط خلوّ جهة العبادة عن جهة المبغوضیّة هو الحکم بصحّة العبادة ولو مع العلم و العمد فضلاً عن الجهل و النسیان و الاضطرار.

بل قلنا أمکن القول بالصحّة علی الامتناع و تعدّد الملاک ولو کان الترکیب بینهما ترکیباً اتّحادیّاً لصدق العنوانین علیه فلامانع من أن یأتی به بقصد العنوان المقرّب ولو لم یخل عن صدق العنوان المبعّد لعدم اشتراط خلوّ جهة العبادة عن العنوان المبعّد.

لایقال: لازم ذلک هو کون الموجود الخارجی محبوباً و مبغوضاً وهو محال لأنّا نقول إن المحبوبیّة و المبغوضیّة لیستا من الصفات القائمة بالموضوع خارجاً کالسواد والبیاض بل هما من الکیفیّات النفسانیّة ولابدّ من أن یتشخّص کلّ واحد بما هو حاضر لدی النفس بالذّات وهو الصورة الحاصلة فیها ولذا قد تنسب المحبوبیّة إلی ما لیس موجوداً فی الخارج مع أنّه ممتنعٌ لو کان مناط الانتساب هو قیام صفة خارجیّة بالموضوع الخارجی.

فإذا کان الأمر کذلک یمکن أن یتعلّق الحُبّ بعنوان و البُغض بآخر فیکون الموجود الخارجی محبوباً و مبغوضاً من جهة کون العنوانین موجودین بوجود واحد.

وعلی ما ذکرنا أمکن القول بصحّة العبادة مطلقاً ولومع العلم والعمد فضلاً عن الجهل و النسیان و الاضطرار و التفصیل بین العلم وغیره مبنیّ علی الاحتیاط أو تمامیّة الأدلّة الخاصّة المذکورة فی الفقه و أمّا إذا قلنا بعدم الوجه للزوم الاحتیاط لأنّ الأدلّة الخاصّة ضعیفة و الاجماع المدّعی فی المقام محتمل المدرک فمقتضی القاعدة هو الصحّة مطلقاً.

ولو سلّمنا عدم تمامیّة ما ذکرناه من صحّة العبادة بمقتضی القاعدة فالعبادة فی صورة

ص:299

العلم و العمد باطلةٌ و فی صورة النسیان و الاضطرار صحیحةٌ لقیام الدلیل الخاص علی رفع شرطیّة الاباحة بسبب النسیان أو الاضطرار.

وأمّا الصحّة عند الجهل بالموضوع أو الحکم فهی غیر واضحةٍ بعد کون الدلیل یفید الحکم الظاهری إذ مع کشف الخلاف لا مجال للدلیل بعد حصول العلم.

والقاعدة علی المفروض غیر تامّةٍ أللّهمّ إلّا أن یدّعی الاجماع فی المقام وهو لایخلو عن التأمّل.

والّذی یسهل الخطب هو ما عرفت من أنّ القاعدة تامّة و مقتضاها هو الصحّة علی کل حالٍ وبقیّة الکلام فی محلّه.

التنبیه الخامس: فی الوجوه المذکورة لترجیح جانب النهی بناءً علی الامتناع وعدم تعدّد الحیثیّات.

وقد ذکرنا أنّ علی القول بجواز الاجتماع و وجود المندوحة یلزم القول بتقدیم النهی علی الأمر فی مورد الاجتماع جمعاً بین الغرضین مع إمکانه.

ومع عدم وجود المندوحة یلزم القول بتقدیم الأقوی ملاکاً إن کان و إلّا فالتخییر بل الأمر کذلک بناءً علی الامتناع و الاعتراف بتعدّد الحیثیّات و عدم وجود المندوحة.

وأمّا بناءً علی الامتناع و عدم الاعتراف بتعدّد الحیثیّات فقد ذکروا لترجیح النهی وجوهاً:

منها: أنّ النهی أقوی دلالة من دلیل الوجوب لأنّ دلالة النهی علی سریان الحرمة إلی الأفراد ناشئةٌ من الوضع بخلاف دلالة صیغة الأمر علی السریان فإنّها مستندةٌ إلی الاطلاق بمعونة مقدّمات الحِکمة.

ومن المعلوم أنّ الظهور الاطلاقی ینتفی بوجود الظهور الوضعیّ لأنّ الظهور الاطلاقی متقوّم بعدم البیان و الظهور الوضعیّ یصلح لأن یکون بیاناً و هذا هو الوجه فی تقدیم النهی علی الأمر.

ص:300

اورد علیه بأنّ التقوّم المذکور واضحٌ فیما إذا کان الظهور الوضعیّ مقارناً فإنّه یمنع عن إنعقاد الظهور و إلّا فالظّهور الإطلاقی منعقد و یقع التعارض حینئذٍ بین الظهور الوضعی و الإطلاقی فاللاّزم هو مراعاة الأقوی و ربّما یکون الإطلاقی أقوی من الوضعیّ کما قرّر فی محلِّه.

هذا مضافاً إلی أنّ التزاحم بین الأمر والنهی لایختصّ بصورة تزاحم الإطلاقی مع الوضعی بل یعمّ ما إذا تزاحم الوضعی مع الوضعی مثل أکرم العلماء ولاتکرم الفسّاق.

مع أنّ الاستغراق فی کلیهما وضعیٌّ.

ومنها: أنّ دفع المفسدة أوْلی من جلب المنفعة.

ربّما یقال فی الجواب إنّ الأمر دائر بین المفسدة و المفسدة فإنّ فی ترک الواجب أیضاً المفسدة و یمکن دفعه بأنّ الواجب لابدّ وأن یکون فی فعله مصلحة و لایلزم أن یکون فی ترکه مفسدة.

فالأوْلی: فی الجواب أن یقال أنّ الأولویة مطلقاً ممنوعة لإمکان العکس أحیاناً.

هذا مضافاً إلی أنّه لا دوران فیما إذا کانت المندوحة و أمکن استیفاء الغرضین.

ومنها: أنّ الاستقراء یشهد علی تقدیم جانب النهی علی الأمر.

وفیه: أوّلاً أنّه استقراء غیر تامٍ.

وثانیاً: أنّه لادلیل علی اعتبار الاستقراء.

فالحاصل أنّ دعوی تقدّم النهی علی الأمر مطلقاً ممنوعة بل یمکن تقدیم الأمر علیه فیما إذا کانت مراعاة المصلحة أوْلی فاللاّزم حینئذٍ هو مراعاة الأوْلی و هو یختلف بحسب الموارد.

ص:301

التنبیه السادس: أنّ تعدّد الإضافات کتعدّد العنوانات من جهة کونها من باب التزاحم لاالتعارض فکما أنّ تعدّد العنوان یکفی فی جواز الاجتماع فکذلک تعدّد الاضافات یوجب جواز الاجتماع لإقتضاء الاضافات المختلفة اختلافها فی المصلحة والمفسدة کما یقتضی اختلاف العناوین ذلک و علیه فلامجال للتفکیک بین تعدّد الاضافات کاکرام العلماء و اکرام الفساق وتعدّد العنوانات مثل عنوان الصلاة و الغصب وممّا ذکر یظهر أنّ مثل أکرم العلماء و لاتکرم الفساق یکون من باب التزاحم واجتماع الأمر و النهی کما أنّ صلّ و لاتغصب یکون کذلک.

نعم لو لم یکن لأحد الاضافات ملاکٌ کان ذلک من باب التعارض لاالتزاحم کما مرّ تفصیل ذلک، فراجع.

ص:302

الفصل الثالث: فی أنّ النهی هل یکشف عن الفساد أو لا؟

اشارة

وهنا مقدّمات:

المقدّمة الاُولی: أنّ الفرق بین هذه المسألة و المسألة السابقة باختلاف الموضوع و المحمول الذی به یتمایز المسائل کتمایز العلوم.

وقدعرفت أنّ الموضوع والمحمول فی المسألة السابقة یرجع إلی أنّ الواحد المعنون بعنوانین هل یعدّ واحداً حقیقیّاً أو لایعدّ.

وهما متغایران مع الموضوع والمحمول فی هذه المسألة و هو أنّ النهی المتعلّق بذات العبادة أو المعاملة هل یقتضی الفساد أو لا.

ومع امتیاز المسألتین بالموضوع والمحمول لاحاجة إلی طلب المیز من الجهات العارضة.

ثمّ دعوی الفرق بین المسألتین بأنّ مورد المسألة السابقة هو العامّان من وجه بخلاف هذه المسألة فإنّ موردها هو العامّ و الخاصّ المطلق.

مندفعة بأن نمنع تخصیص المسألة السابقة بالعامّین من وجه لما مرّ من أنّ النزاع فی المسألة السابقة یجری فیما إذا لم یؤخذ مفهوم العامّ فی الخاصّ و إن کان بحسب المورد العام و الخاص المطلق مثل قولهم (حَرِّک ولاتُدنِ إلی موضع کذا) مع أنّ النسبة بینهما

ص:303

بحسب المورد هو العامّ و الخاصّ المطلق لتعدّد العنوان و کفایته فی المغایرة فی الذهن الذی یکون موطن تعلّق الأحکام.

المقدّمة الثانیة:

أنّه اختلف الأصحاب فی کون هذه المسألة عقلیّة أو لفظیّة أو عقلیّة لفظیّة.

والذی ینبغی أن یقال هو أنّ المسألة لفظیّة إذ الملازمة العقلیّة بین حرمة العبادة وانتفاء ملاک الأمر بوجود المفسدة و المرجوحیّة واضحة کما أنّ عدم الملازمة العقلیّة بین الحرمة التکلیفیّة فی المعاملات وعدم ترتّب الأثر أیضاً واضح.

ولاینبغی أن یبحث فی هذه الواضحات بل الاُولی هو جعل المسألة لفظیة البحث عن أنّ النهی الدالّ علی الحرمة هل یکشف عن الفساد و هو مرجوحیّة المتعلّق وعدم وجود ملاک الأمر من المصلحة أو لا یکشف و لذلک فالأنسب أن یجعل فی العنوان لفظ الکشف و یقال هل النهی عن الشیء یکشف عن الفساد أو لا.

المقدّمة الثالثة: أنّ محلّ النزاع هو دلالة النواهی المولویة وعدمها علی الفساد لا النواهی الارشادیّة الدالّة علی المانعیّة فی العبادات کالنهی عن الصلاة فی وبر ما لایؤکل وفی المعاملات کالنهی عن الغرر إذ بعد کونها إرشاداً إلی المانعیّة لاخفاء فی دلالة هذه النواهی علی الفساد فیما إذا کانت العبادة أو المعاملة مع وجود الشیء المنهی.

ثمّ إنّ النواهی المولویة لاتختصّ بالتحریمیة بل تعم التنزیهیة لان منشأ اقتضاء الفساد هو کاشفیة النهی عن المرجوحیّة ومبغوضیة متعلّق النهی فإنّ مع المبغوضیّة و المرجوحیّة لایصلح المتعلّق للتقرّب.

وهذا الملاک موجود فی النواهی التنزیهیّة أیضاً لدلالتها علی مرجوحیّة ذات العبادة و من المعلوم أنّه لایمکن التقرّب بالمبغوض ذاتاً.

وأمّا النواهی الغیریّة کالنهی عن الصلاة و الأمر بالازالة فیما إذا تزاحماً فهی خارجة

ص:304

عن محلّ الکلام لأنّها لیست متعلّقة بذات العبادة بل متعلّقة بها بعنوان مقدّمیّتها لترک التکالیف النفسیّة مع أنّ الکلام فی هذه المسألة فی النواهی المتعلّقة بذات العبادة.

هذا مضافاً إلی أنّ التکالیف المقدّمیّة لاتوجب مخالفتها العقوبة والبعد استقلالاً ومع عدم استلزام مخالفتها للعقوبة و البعد لاتوجب سقوط العبادة عن صلاحیّتها للتقرّب.

ودعوی: أنّ مقدّمیّة العبادة لترک ذی المقدّمة الذی هو مبعّد یکفی فی المنع عن التقرّب بالعبادة مندفعة بأنّ مبغوضیّة العبادة بعنوان مقدّمیّتها لترک ذی المقدّمة خارجة عن محلّ البحث عن مبغوضیّة العبادة بذاتها إذ تلک الجهة مغایرة لنفس العبادة من حیث هی بل داخلة فی مبحث اجتماع الأمر والنهی وقد مرّ أنّه لامانع من اجتماع العنوان المحبوب والعنوان المبغوض فی شیء واحد بناء علی ما مرّ من جواز الاجتماع.

فتحصّل: أنّ النهی النفسی التحریمی والتنزیهی داخلان فی محلّ النزاع دون النهی الغیری والإرشادی أمّا الغیری فلعدم تعلّقه بذات العبادة ولعدم دلالته علی مبغوضیّة المتعلّق وأمّا الإرشادی فلوضوح دلالته علی الفساد و لایحتاج إلی البحث فیه کما لایخفی.

المقدّمة الرابعة: أنّ المراد من العبادة المنهیّة هو ما یکون بذاته وبعنوانه حسناً بالذات ومرتبطاً بالمولی من دون حاجة إلی تعلّق الأمر به مثل عنوان السجود للّه تعالی.

أو المراد منها هی العبادة الشأنیّة والتقدیریّة وهی التی أحرز وجود المصلحة فیها والمقصود من التقدیریّة والشأنیّة أنّه لو أمر بها لکان الأمر بها عبادیّاً ولایسقط أمرها علی فرض تعلّقه بها إلّا إذا أتی به بوجه قربی و کیف کان فلیس المراد من العبادة المنهیّة عبادة فعلیّة تامّة من جمیع الجهات وإلّا لزم من النهی عنها اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد مع عنوان واحد وهو محال.

ص:305

وبالجملة فالعبادة بالمعنی المذکور إذا وقعت تحت النهی یقع البحث عن کون النهی عنها هل یکشف عن الفساد أم لا.

ثمّ انّ المراد من المعاملة المنهیة هو مایتّصف بالصحّة و الفساد حتّی یصحّ البحث فی أنّ النهی عنه هل یوجب الفساد أو لا.

فمثل العقود والإیقاعات التی تسمّی بالمعاملات بالمعنی الأخصّ داخل فی المعاملة المنهیّة بل یدخل فی عنوان المعاملة المنهیّة فی المسألة کلّ ما یسمّی بالمعاملة بالمعنی الأعمّ و یتّصف بالصحّة و الفساد کالتحجیر و الحیازة.

وأمّا غیرهما من الأفعال التی لاتتّصف بالصحّة و الفساد کشرب الخمر و الغیبة و نحوهما فهو خارج عن عنوان المعاملة المنهیّة کما لایخفی.

المقدّمة الخامسة: فی المراد من الفساد فی عنوان البحث و هو أنّ النهی عن العبادة أو المعاملة هل یکشف عن الفساد أو لا.

ولایخفی علیک أنّ الفساد فی مقابل الصحّة و هما فی المرکّبات الاعتباریّة کالعبادات و المعاملات بمعنی التمامیّة و النقص.

والتقابل بینهما هو تقابل العدم و الملکة لأنّ الفاسد هو ما لایکون واجداً لتمام الأجزاء و الشرائط فی مقابل الصحیح الذی هو ما یکون واجداً لجمیع ما اعتبر فیه و الصحة و الفساد فی المرکّبات الواقعیّة بمعنی السلامة و العیب و التقابل بینهما هو تقابل التضادّ لحکایتهما عن أمرین وجودیین فإنّ السالم هو الذی یکون واجداً للخصوصیّات الملائمة و الفاسد هو الذی یکون واجدا للخصوصیات المنافرة و المرکبات الواقعیة خارجة عن محلّ الکلام فالصحّة والفساد فی المرکّبات الاعتباریّة بمعنی التمام والنقصان.

ص:306

تنبیه فی مجعولیّة الصحّة و الفساد و عدمها

والذی ینبغی أن یقال انّ الصحّة والفساد تکونان من الأمور الإنتزاعیة التی تکون مجعولة بتبع مجعولیّة منشأ انتزاعها.

فإنّ انتزاع الصحّة الظاهریّة من العمل فی موارد قاعدة التجاوز والفراغ فی العبادات یکون تابعاً لتصرّف الشارع فی المنشأ برفع الید عن الشرط أو الجزء أو المانع.

وهذه التبعیّة لاتختصّ بما إذا کان نفس الجعل الشرعی مستتبعاً لأمر انتزاعی کالجزئیّة أو الشرطیّة بل تعمّ ماتوقّف علی إتیان المکلّف به فی الخارج أیضاً لأنّ انتزاع الصحّة فی هذه الصورة أیضاً یکون تبعاً للجعل الشرعی عرفاً وهذه التبعیّة العرفیّة تکفی فی جریان الاستصحاب أو أصالة الصحّة عند الشکّ فی الصحّة والفساد.

لأنّ الصحّة تکون من المجعولات التبعیّة الشرعیّة فإنّ مع رفع الشرطیّة أو الجزئیّة یصیر العمل موافقاً للمأمور به ومسقطاً ومع عدم رفعهما یکون العمل المأتی به مخالفاً للمأمور به وعلیه فالموافقة والمخالفة أو المسقطیّة وعدمها یتبعان إرادة الشارع وعدمها ولامعنی للمجعولیّة التبعیّة إلّا ذلک ویکفی فی شرعیّة الصحّة وعدمها إرتباط انتزاعها بالشرعی بنحو من الأنحاء ولو لم یکن الجعل الشرعی مستتبعاً لأمر انتزاعی بنفسه بل مع الإتیان به خارجاً.

بل الأمر فی المعاملات أیضاً یکون کذلک فإنّه کما أنّ الحکم بعدم وجوب القضاء أو الإعادة فی العبادات یکون منشأ لانتزاع الصحّة الظاهریّة فی مثل موارد قاعدة الفراغ والتجاوز فکذلک یکون الحکم بعدم تکرار المعاملة منشأ لانتزاع الصحّة الظاهریّة فی موارد أصالة الصحّة فی المعاملات فتحصّل أنّ الأقوی هو مجعولیّة الصحّة والفساد لکونها من الإنتزاعیات التی ترتبط بوضع الشرع ورفعه من دون فرق بین العبادات والمعاملات، فتدبّر جیّداً.

ص:307

المقدّمة السادسة: فی مقتضی الأصل

والکلام فیه یقع فی مقامین:

المقام الأوّل: فی مقتضی الأصل فی المسألة الاُصولیّة.

ولایخفی علیک أنّه إذا شککنا فی دلالة النهی لفظاً علی الفساد وعدمها أو شککنا فی ملازمة الحرمة عقلاً مع الفساد وعدمها فلا أصل فی المسألة.

لأنّ الدلالة وعدمها لیس لها حالة سابقة إذ اللفظ إمّا له الدلالة من أوّل وجوده بالوضع أو لیس له الدلالة ولم یمض علیه زمان یعلم فیه حالة سابقة حتّی یمکن استصحابها.

کما أنّ الملازمة العقلیّة بین الحرمة والفساد وعدمها إن کان المقصود منها الملازمة الأزلیّة فهی مشکوکة إذ لا أصل فی البین حتّی یعیّن أنّ الملازمة کانت من الأزل أو لم تکن.

وإن کان المقصود منها الملازمة بین الحرمة الموجودة والفساد وعدمها فقبل تحقّق الحرمة وإن علمنا بعدم وجود الملازمة ولکنّه کان بنحو العدم المحمولی واستصحابه لایثبت العدم النعتی کما لایفید استصحاب عدم الکرّیّة قبل وجود الماء المشکوک کرّیّته لإثبات عدم کرّیّته.

هذا مضافاً إلی أنّ الملازمة المذکورة من الأحکام العقلیّة وأمرها یدور بین الوجود والعدم فإنّ العقل إمّا یحکم بها أو لایحکم ولامجال لتعینهما بالاستصحاب مع قطع النظر عن کون الملازمة کنفس الدلالة لیست موضوعة للأحکام الشرعیّة فلایجری الاستصحاب فیها لأنّ معیار جریانها هو کون المستصحب حکماً شرعیاً أو موضوعاً للحکم الشرعی وهو مفقود فی الدلالة والملازمة کما لایخفی.

فتحصّل: أنّه لا أصل فی المسألة الاُصولیّة.

ص:308

المقام الثانی: فی مقتضی الأصل فی المسألة الفرعیّة

ولایذهب علیک أنّ مقتضی الأصل فیما إذا شکّ فی دلالة النهی علی الفساد أو فی وجود الملازمة بین الحرمة والفساد هو الفساد فی المعاملات فیما إذا لم یکن إطلاق أو عموم یقتضی الصحّة.

بخلاف ما إذا کان الإطلاق أو العموم موجوداً فإنّ مقتضاهما هو الصحة و لاعبرة بالشکّ فی الدلالة أو وجود الملازمة.

وأمّا فی العبادات فقد یقال انّ مقتضی الأصل فیها هو الفساد بعد سقوط الأمر بتعلّق النهی بذات العبادة إذ لایجتمعان فی واحد بعنوان واحد فلا أمر کما لایحرز وجود الملاک بسبب سقوط الأمر وعلیه فمقتضی الاشتغال الیقینی بالعبادة المقربة هو الفراغ الیقینی وهو لایحصل إلّا بإتیان الفرد غیر المنهی.

ولکن لقائل أن یقول: انّ ذلک صحیح فیما إذا لم یکن إطلاق وأمّا مع وجود الإطلاق ودلالته علی وجود الملاک فمقتضی الأصل هو الصحّة دون الفساد لکفایة قصد الملاک فی الصحّة وقد مرّ(1) کیفیّة دلالة الإطلاق علی وجود الملاک فراجع فتحصّل أنّ مقتضی الأصل فی المسألة الفرعیّة فی المعاملات والعبادات هو الفساد فیما إذا لم یکن إطلاق وأمّا مع وجود الإطلاق فمقتضی الإطلاق هو الصحّة فتدبّر جیّداً.

المقدّمة السابعة: أنّه لافرق فی العبادة المنهیّة بین أن تکون عبادة بسیطة کصوم العیدین أو عبادة مرکّبة کصلاة الحائض أو جزءاً عبادیّاً للعبادة کقراء سور العزائم أو شرطاً عبادیّاً للعبادة کالوضوء.

فإنّ النهی فی جمیع الصور متعلّق بنفس العبادة ویجری البحث فی کلّ واحد من

ص:309


1- (1) فی ص 298.

الصور عن أنّ النهی یکشف عن الفساد أم لا إذ لافرق بین عبادة وعبادة اخری والبساطة أو الترکیب أو الجزئیّة أو الشرطیّة لاتوجب الفرق فی المسألة والمفروض هو تعلّق النهی بنفس العبادة فی جمیع الصور وهو محلّ البحث هذا بخلاف ما إذا تعلّق النهی بالوصف الملازم للعبادة أو المفارق له فإنّه خارج عن محلّ النزاع إذ لم یتعلّق الأمر والنهی بالعبادة بعنوان واحد بل هو داخل فی مسألة اجتماع الأمر والنهی لأنّ عنوان المأمور غیر عنوان المنهی عنه ویجری فیه ما جری فی تلک المسألة حرفاً بحرفٍ.

المختار فی المسألة

یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی العبادات

لاشبهة فی أنّ النهی الشرعی التحریمی المتعلّق بعنوان العبادة یقتضی الفساد بحکم العقل فإنّه یدلّ علی حرمة متعلّقه وهو کاشف عن مبغوضیّته ومع المبغوضیّة الذاتیّة لایصلح المتعلّق للتقرّب إذ المفروض أنّ المتعلّق لیس له إلّا عنوان واحد وعلیه فلاملاک و لاأمر لأنّهما فرع کون المتعلّق ذا عنوانین وهو خارج عن محلّ البحث فالنهی عن العبادة مع فرض الإطلاقات الدالّة علی مطلوبیّة العبادة یرجع إلی تقیید المادّة ومقتضاه هو عدم وجود الملاک فیها ومع عدم وجود الملاک لا أمر فلا مجال للتقرّب به کما لایخفی.

وهکذا الأمر فی النهی التنزیهی المولوی إذ النهی التنزیهی عن العبادة بعنوان واحد یدلّ أیضاً علی مرجوحیّة متعلّقة ومع مرجوحیّة المتعلّق بعنوانه لایکاد یمکن أن یتقرّب به إذ لاملاک و لاأمر له حتّی یتقرّب بهما.

وأمّا النهی التنزیهی عن العبادة بعنوان آخر فهو خارج عن محلّ الکلام لأنّ محلّ الکلام هو ما إذا تعلّق النهی بالعبادة بعنوان واحد وحیث لایکون العبادة بذاتها مرجوحة لامانع من صحّتها.

ص:310

وممّا ذکر یظهر خروج النهی الغیری عن محلّ الکلام أیضاً کالنهی عن الضدّ بناء علی اقتضاء الأمر بالضدّ للنهی عن الضدّ الآخر لأنّه لایکون بعنوان واحد فکما أنّ الأمر المقدّمی لایتعلّق بذات الشیء بل بعنوان المقدّمیّة لشیء آخر فکذلک النهی المقدّمی.

وعلیه فالأمر بذات العبادة وإن لم یجتمع مع النهی الغیری فی مقام الامتثال ولکنّ یکفی وجود الملاک فی ذات العبادة لصحّتها لو أتی بها بقصد الملاک للّه تعالی.

وأمّا النواهی الارشادیة فهی خارجة عن محلّ النزاع أیضاً لوضوح دلالتها علی الفساد مع سوقها لبیان المانعیّة کالنهی عن الصلاة فی وبر ما لایؤکل لحمه وإنّما الکلام فی النواهی المولویّة وقد عرفت دلالتها علی الفساد بحکم العقل من دون فرق بین کونها تحریمیّة أو تنزیهیّة.

المقام الثانی: فی المعاملات

ولایبعد دعوی أنّ المتفاهم العرفی من النواهی الواردة فی المعاملات ما لم تقم قرینة هو کونها إرشادیّاً لا مولویّاً وإن کانت مولویّتها معقولة بل واقعة فی جملة من الموارد کالنواهی الواردة فی حرمة التزویج علی المحرم فی حال الإحرام أو حرمة الربا أو حرمة النکاح فی العدّة وغیر ذلک ولاریب بعد کون المتفاهم العرفی هو الإرشاد أنّ النواهی الإرشادیّة حینئذٍ تدلّ علی الفساد لأنّها إرشاد إلی وجود المانع ومن المعلوم أنّ الأسباب مع وجود المانع لا أثر لها وهذا لیس إلّا معنی الفساد، کما لایخفی.

ثمّ إنّه لو فرض تعلّق النهی التکلیفی بالمعاملات فالنهی إمّا تنزیهی أو تحریمیّ نفسی أو تحریمیّ غیری.

فإن کان النهی تنزیهیّاً أو تحریمیّاً غیریّاً فلایدلّ علی الفساد إذ لامنافاة بین المرجوحیّة التنزیهیّة والغیریّة وبین تأثیر المعاملة کما لایخفی.

ص:311

وإن کان النهی تحریمیّاً نفسیّاً فهو إمّا متعلّق بالتسبّب بعقد إنشائی خاصّ لحصول المسبّب کالنهی عن تسبّب الظهار لحصول أثره وهو الفرقة.

والنهی المذکور لایلازم الفساد لأنّ مبغوضیّة التسبّب بمعاملة شرعاً لاینافی تأثیر السبب عرفاً ولذا ترتّب الأثر علی الظهار مع کونها محرّماً.

وإمّا النهی متعلّق بالمعاملة من جهة مبغوضیّة ترتیب الآثار المطلوبة من العقد علیه وهو أیضاً لایلازم الفساد لما عرفت من عدم المنافاة بین مبغوضیّة ترتیب الآثار شرعاً وترتّب الآثار عرفاً بل النهی عن ترتیب الآثار عین النهی عن التسبّب بعقد خاصّ.

وإمّا النهی متعلّق بالسبب لأجل مبغوضیّة المسبّب کالنهی عن بیع المصحف من الکافر لأجل مبغوضیّة ملکیّته له وهذا النهی أیضاً لایدلّ علی الفساد وإن کان محرّماً لعدم المنافاة بین المبغوضیّة الشرعیّة وتأثیر السبب.

وإمّا النهی متعلّق بأکل الثمن أو المثمن وهو خارج عن محلّ الکلام إذ النهی لایتعلّق فی هذه الصورة بالمعاملة نعم النهی عن أکل الثمن أو المثمن کاشف عن عدم صحّة المعاملة إذ لاوجه للنهی المذکور إلّا فساد المعاملة.

وإمّا النهی متعلّق بذات السبب لا بما هو سبب بل بما هو فعل مباشری صادر من الفاعل وهو أیضاً خارج عن محلّ الکلام إذ النهی فیه لم یتعلّق به بعنوان المعاملة وإیقاع السبب بل بما هو فعل مباشری له.

فتحصّل: أنّ النهی المولوی مطلقاً فی المعاملات لایستلزم الفساد لأنّه ربّما یکون النهی لافادة مجرّد الحرمة التکلیفیّة کالنهی عن الظهار مع أنّ الظهار مؤثّر.

وإن أمکن اجتماعه مع الفساد مع قیام قرینة علیه کالنواهی الواردة فی حرمة الربا وفساده.

هذا کلّه بحسب القاعدة.

ص:312

وأمّا بحسب الروایات فقد استدلّ علی إفادة النواهی التکلیفیّة المتعلّقة بذات المعاملة للفساد بصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن مملوک تزوّج بغیر إذن سیّده فقال ذاک إلی سیّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بینهما قلت أصلحک اللّه إنّ الحکم بن عتیبة وإبراهیم النخعی وأصحابهما یقولون انّ أصل النکاح فاسد ولایحلّ إجازة السیّد له فقال أبو جعفر علیه السلام إنّه لم یعص اللّه إنما عصی سیّده فإذا أجازه فهو له جائز.

وبمعتبرة موسی بن بکر عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام إنّه قال: إنّما أتی شیئاً حلالاً ولیس بعاص للّه إنما عصی سیّده ولم یعص اللّه إنّ ذلک لیس کإتیان ما حرّم اللّه علیه من نکاح فی عدّة وأشباهه.

وجه الاستدلال أنّ الروایتین تدلاّن علی أمرین أحدهما الکبری وهی أنّ النکاح لو کان معصیّة للّه تعالی لکان باطلاً. وثانیهما: نفی الصغری وهی أنّ نکاح العبد لم یکن معصیّة للّه تعالی وإنّما کان معصیّة للسیّد.

والأمر الأوّل یکفی لإثبات التعبّد بالبطلان فی النواهی المولویّة المتعلّقة بذات المعاملة فإنّ النواهی المولویّة المتعلّقة بذات المعاملة تدلّ علی أنّ إتیان مواردها معصیّة للّه تعالی فیندرج فی قوله علیه السلام إنّه لم یعص اللّه إنّما عصی سیّده فإذا أجازه فهو له جائز أو قوله إنّما أتی شیئاً حلالاً ولیس بعاص للّه إنّما عصی سیّده ولم یعص اللّه إنّ ذلک لیس کإتیان ما حرّم اللّه علیه من نکاح فی عدّة وأشباهه.

ومقتضی الکبری المذکورة فی روایتین هو أنّ النکاح لو کان معصیّة للّه تعالی لکان باطلاً.

واُجیب عن الاستدلال المذکور بأنّ المراد من المعصیّة المنفیّة فی قوله علیه السلام إنّه لم یعص اللّه أو قوله علیه السلام ولیس بعاص للّه هی المعصیّة الوضعیّة لا التکلیفیّة و لاکلام فی استتباع المعصیّة الوضعیّة للفساد وإنّما الکلام فی المعصیّة التکلیفیّة والمراد من المعصیة

ص:313

الوضعیّة المنفیة انّه لم یفعل ما لم یمضه اللّه وإنّما فعل ما لم یمضه مولاه والشاهد علی إطلاق المعصیة علی المعصیّة الوضعیّة هو إطلاق المعصیّة بهذا المعنی فی صدر الروایة علی الفعل غیر المأذون فیه بإذن وضعی حیث قال الراوی فی صحیحة زرارة قلت لأبی جعفر علیه السلام «انهم یقولون أصل النکاح فاسد» مع أنّ إنشاء العقد لاینافی حقّ المولی حتّی یکون معصیّة تکلیفیّة فالمراد من قوله أصل النکاح فاسد أنّه فعل ما لم یأذن به المولی وهی المعصیّة الوضعیّة وعلیه فالمعصیة والفساد فی الروایة بمعنی واحد ومع وضوح وحدتهما فالمراد من قوله علیه السلام إنّه لم یعص اللّه أو قوله إنّه لیس بعاص للّه لیس المعصیّة التکلیفیّة وعلیه فالروایتان حینئذٍ خارجتان عن محل الکلام ودعوی أنّ حمل المعصیّة علی مخالفة النهی الوضعی خلاف الظّاهر بل الظّاهر منها هی مخالفة النهی التحریمی مندفعة بأنّ ذلک فیما إذا لم تقم قرینة علی ذلک.

وقد عرفت استعمال المعصیّة فی صدر الروایة فی المعصیّة الوضعیّة هذا مضافاً الی ما أفاده المحقّق الإصفهانی من استعمال المعصیّة فی قوله علیه السلام عاص لمولاه فی صحیحة منصور بن حازم فی المعصیّة الوضعیّة.

فإن السؤال عن الحرمة التکلیفیة بعد قوله علیه السلام عاصٍ لمولاه فی صحیحة منصور بن حازم لاوجه له إلّا من جهة أنّ المراد من قوله عاص لمولاه هو المعصیّة الوضعیّة.

لایقال إنّ المعصیّة فی الروایة هی معصیّة تکلیفیّة لاالوضعیّة لأنّ المراد من عصیان السیّد هو إتیان الحرام وهو مخالفة السیّد إذ هی خروج عن رسم العبودیّة والحرمة لاتسری من عنوان مخالفة السیّد إلی عنوان النکاح بما هو هو و حاصل الروایة أنّ حرمة تکلیفیّة متعلّقة بعنوان آخر غیر عنوان ذات الشیء لاتوجب الفساد بخلاف ما إذا تعلّقت الحرمة التکلیفیّة بعنوان ذات الشیء کالنکاح فی أیّام العدّة و علیه فالروایتان تدلّ علی الفساد فیما إذا کان النهی متعلّقاً بشیء بذاته لا بعنوانه الآخر.

ص:314

لأنّا نقول: قد عرفت أنّ المراد من عصیان السیّد فی صدر الروایات هو العصیان الوضعی لعدم حرمة مجرّد إنشاء النکاح عن العبد و حمله علی الحرمة التکلیفیّة لاوجه له و لو کانت الحرمة متعلّقة بعنوان آخر غیر عنوان ذات الشیء کعنوان المخالفة مع مولاه إذ مجرّد الإنشاء لایوجب تضییع حقّ من حقوق المولی.

وأیضاً السؤال عن الحرمة التکلیفیّة بعد قوله علیه السلام عاص لمولاه ممّا یشهد علی أنّ المراد من العصیان هو العصیان الوضعی و إلّا فلاوجه للسؤال بعد تصریحه بأنه عاص لمولاه و علیه فالروایات أجنبیّة عن المقام لأنّ المعصیّة المنفیّة فی طرف اللّه تعالی بقوله «ولم یعص اللّه» هی المعصیّة الوضعیّة بقرینة المعصیة المثبتة فی طرف العبد فإنّ المراد منها هی المعصیّة الوضعیّة ومحلّ الکلام فی المعصیّة التکلیفیّة ولاأقل من الشک فی أنّ المراد من المعصیة المنفیة هی المعصیّة التکلیفیّة أو الوضعیة فلاتصلح الروایات لإثبات شیء علی خلاف القاعدة المذکورة فی النواهی المولویّة التکلیفیّة من عدم اقتضائها للفساد، فلاتغفل.

ص:315

ص:316

المقصد الثالث: فی المفاهیم

اشارة

ص:317

ص:318

وهنا فصول:

الفصل الأوّل: فی تعریف المفهوم و المنطوق

ولایخفی أنّ المنطوق هو ما دلّت علیه القضیّة الملفوظة بالدلالة المطابقیّة أو التضمنیّة.

والمفهوم علی تقدیر ثبوته هو ما دلّت علیه القضیّة غیر المذکورة فی شخص الکلام وهی التی تستفاد من القضیّة الملفوظة بالدلالة الالتزامیّة بسبب اشتمال القضیّة الملفوظة علی خصوصیّة وهی تستتبع القضیّة غیر المذکورة بلزوم بیّن بالمعنی الأخصّ ولقد أفاد وأجاد فی الکفایة حیث قال: إنّ المفهوم کما یظهر من موارد إطلاقه هو عبارة عن حکم إنشائی أو إخباری تستتبعه خصوصیّة المعنی الذی أرید من اللفظ بتلک الخصوصیّة ولو بقرینة الحکمة وکان یلزمه لذلک وافقه فی الإیجاب و السلب أو خالفه.

وممّا ذکر یظهر أنّ المفهوم مستند إلی اللفظ لأنّ الخصوصیّة المذکورة فی القضیّة الملفوظة تدلّ علی القضیة غیر المذکورة.

وبهذا الاعتبار یکون البحث عن المفاهیم من مباحث الألفاظ ثمّ الفرق بین المفهوم و المعنی الالتزامی بأنّ المفهوم أخصّ منه لاعتبار الخصوصیّة الملفوظة فی القضیّة المذکورة فی المفهوم دون المعنی الالتزامی إذ یکفی الملازمة بین المعنی المطابقی و المعنی الالتزامی.

ثمّ إنّ المنطوق والمفهوم یکونان من أوصاف المدلول لا الدالّ و لاالدلالة کما یظهر

ص:319

من تعاریف القوم منهم الحاجبی حیث قال المنطوق هو ما دلّ علیه اللفظ فی محل النطق و المفهوم هو ما دلّ علیه اللفظ لا فی محلّ النطق.

قال الشیخ الأعظم قدس سره: إنّ لفظة «ما» موصولة فتدلّ علی أنّ المنطوق و خلافه من أوصاف المدلول.

ویظهر ممّا ذکرناه من اعتبار التابعیّة بین المفهوم والمنطوق خروج مثل وجوب المقدّمة عن المفهوم لأنّ الصیغة الدالّة علی وجوب ذی المقدمة لاتشتمل علی خصوصیّة تدلّ باعتبارها علی وجوب مقدّماته بل منشأ وجوب المقدّمة علی تقدیر ثبوته هو الملازمة العقلیة بین الوجوبین مع عدم خصوصیّة فی صیغة وجوب ذی المقدّمة.

وهکذا یظهر خروج دلالة الاقتضاء عن المفهوم کدلالة الآیتین أی قوله تعالی:(وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) و قوله عزّوجلّ:(وَ الْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ) علی أنّ مدّة أقلّ مدّة الحمل هو ستّة أشهر وذلک لأنّ هذه الدلالة تکون بحکم العقل إذ لایمکن جعل مدّة الرضاع حولین مع زیادة مدّة الحمل عن ستّة أشهر وإلّا لزم ازدیاد الحمل والفصال عن ثلاثین شهراً هذه الدلالة کما عرفت من جهة حکم العقل جمعاً بین الآیتین لا من جهة خصوصیّة مذکورة فی إحدی الآیتین ثمّ لایذهب علیک أنّ استفادة المفهوم من المنطوق علی القول بها تکون باعتبار اشتمال المنطوق علی الخصوصیّة المستتبعة للقضیّة غیر المذکورة ومن المعلوم أنّها هی استفادة من ألفاظ المنطوق باعتبار وضع أداة الشرط أو القضیّة الشرطیّة أو مقدمات الإطلاق الجاریة فی الکلام.

وعلیه فما نسب الی القدماء من أنّ الدلالة علی المفهوم من باب دلالة الأفعال لبناء العقلاء علی حمل الفعل الصادر عن الغیر علی کونه صادراً عنه لغایة و فائدة لالغواً وأنّ الغایة المنظورة هی إفادة المعنی أیّ شیء کان و لیس هذا مربوطاً بباب دلالة الألفاظ

ص:320

علی معانیها بل هو من باب بناء العقلاء علی حمل فعل الغیر علی کونه صادراً عنه لغایته الطبیعیة لالغواً وهذا مقدّم بحسب المرتبة علی الدلالة الثابتة لللفظ بما هو لفظ موضوع علی معناه لأنّه من باب دلالة الفعل لا اللفظ بما هو لفظ و لذا یحکم به العقلاء قبل الإطّلاع علی المعنی الموضوع له تفصیلاً.

وهذا البناء کما یکون ثابتاً بالنسبة إلی مجموع الکلام فکذلک یکون ثابتاً بالنسبة إلی أبعاضه.

منظور فیه لعدم إحراز النسبة المذکورة بل یخالفها ما حکی عن الحاجبی لظهور تعریفه فی أنّ المنطوق والمفهوم من باب دلالة الألفاظ لامن باب الأفعال وبناء العقلاء.

هذا مضافاً إلی أنّ ما حکم به العقلاء یکون من المبادی لدلالة الألفاظ علی معانیها إذ لایستفاد منها إلّا الدلالة الإجمالیة وأمّا التفصیل فهو مربوط بمفاد اللفظ بما هو اللفظ وعلیه فمجرّد دلالة اللفظ بما هو فعل علی دخالة القید فی المطلوب لاینفی دخالة شیء آخر فی شخص الحکم فی المنطوق بل هی متوقّفة علی استظهار الانحصار من مدلول اللفظ.

ثمّ إنّ البحث فی المقام بحث عن وجود المفهوم لا البحث عن حجیّته لأنّ حجیّة الظهورات مفروغ عنها.

ص:321

ص:322

الفصل الثانی: فی دلالة الجملة الشرطیّة علی المفهوم و عدمها

اشارة

ولایخفی أنّ المشهور ذهبوا إلی دلالتها بمعنی أنّها کما تدلّ علی ثبوت شیء عند ثبوت شیء فکذلک تدلّ بالإلتزام علی الانتفاء عند الانتفاء.

و استدلّ له بوجوه:

منها: التبادر بدعوی أنّ المنساق من الجملة الشرطیّة هو تعلیق شیء و توقّفه علی شیء آخر و هو دلیل علی کون الجملة الشرطیّة موضوعة لذلک.

ومقتضاه هو الانتفاء عند الانتفاء إذ لامعنی للتوقّف إلّا ذلک.

ویؤیّده ما هو المعروف من أنّ أداة «لو» للامتناع إذ مقتضاه هو الالتزام بالمفهوم والعلّیّة المنحصرة و إلّا فلاوجه لامتناع التالی بمجرّد امتناع المقدّم مع إمکان وجود علّة أخری.

هذا مضافاً إلی شهادة صحّة الاستدراک کما إذا قیل إن ضربتنی ضربتک ولکنّک لم تضربنی فلاأضربک مع أنّه لو لم یکن للقضیّة الشرطیّة مفهوم لم یکن حاجة إلی الاستدراک.

أورد علیه بأنّ تبادر العلّیّة المنحصرة من الجملة الشرطیّة غیر ثابت بل غایته هو تبادر الترتب.

ص:323

ولعلّ وجهه هو توهّم انصراف الترتّب الّذی یدلّ علیه الجملة الشرطیّة الی التوقّف والتعلیق من جهة کونه أکمل الأفراد من الترتّب مع أنّ مجرّد الأکملیّة لایوجب الانصراف.

هذا مضافاً إلی إمکان منع الأکملیّة فإنّ الانحصار لایوجب الأکملیّة.

وأمّا تأیید ذلک بکلمة «لو» وصحّة الاستدراک ففیه منع کون ذلک دلیلاً علی الوضع لإمکان ذلک مع القول بالدلالة من باب الإطلاق أیضاً فالدلیل أعم من المدّعی و بالجملة دلالة القضیة علی حصر العلّة فی المقدّم أعم من أن یکون ذلک من جهة الوضع أو مقدّمات الإطلاق أو المرکّب منهما، فتدبّر جیّداً.

منها: ما فی نهایة الأفکار من إطلاق الجزاء و بیانه أنّ قولهم أکرم زیداً مع قطع النظر عن القرائن الخارجیّة لایقتضی إلّا مجرّد ثبوت الحکم و المحمول لزید بنحو الطبیعة المهملة الغیر المنافی مع ثبوت شخص حکم آخر من هذا السنخ للعمرو.

وإهماله من هذه الناحیة لاینافی إطلاقه من ناحیة أخری و من أنّ هذا الحکم ثابت علی الإطلاق لزید من دون فرق بین حالاته من القیام و القعود و المجیئ ونحوه.

وبعبارة أخری أنّ الموضوع بإعتبار حالاته مطلق و یلزمه قهراً إطلاق فی طرف الحکم المترتّب علیه أیضاً بحسب تلک الحالات.

فإذا ورد علیه أداة الشرط لایقتضی إلّا مجرد إناطة النسبة الحکمیّة بمالها من المعنی الإطلاقی بالشرط و هو المجیئ لأنّ ما هو شأن الأداة إنّما هو إناطة الجملة الجزائیة بمالها من المعنی الذی یقتضیه طبع القضیّة الحملیّة أو الإنشائیّة بالشرط.

فإذا کان مقتضی طبع القضیّة فی مثل قولهم أکرم زیداً هو ثبوت حکم شخصی محدود لزید علی الإطلاق الملازم لإنحصاره وعدم فرد آخر منه فی بعض الحالات و کان قضیّة الأداة علی ما هو شأنها إناطة تلک الجملة بمالها من المعنی بالشرط وهو

ص:324

المجیئ فلاجرم بعد ظهور الشرط فی دخل الخصوصیّة بمقتضی ما بیّناه یلزمه قهراً انتفاء وجوب الإکرام عن زید عند انتفاء المجیئ.

وهذا البیان لایحتاج فی إثبات المفهوم فی القضایا الشرطیّة إلی إثبات العلیة المنحصرة لأنّ إطلاق الجزاء یکفی فی إفادة المفهوم من جهة أنّ لازم إناطة مثل هذا الحکم الشخصی حینئذٍ هو لزوم انتفاء ذلک عند الانتفاء.

وحیث أنّه فرض انحصار الطبیعی أیضاً بهذا الشخص بمقتضی الظهور الإطلاقی قهراً یلزمه انتفاء الحکم السنخی بانتفائه من دون احتیاج إلی إثبات العلّیّة المنحصرة.

ویمکن أن یقال: أنّ إطلاق القضیّة من جهة موضوعها بحسب الأحوال و منها المجیئ و عدمه غیر باقٍ بمجرّد إناطة القضیّة بالشرط و هو المجیئ ومع عدم اطلاق القضیّة بالنسبة إلی عدم المجیئ فلادلیل علی نفی الحکم الآخر فی صورة عدم المجیئ بجهة أُخری إلّا إذا أفادت القضیّة الشرطیّة علّیّة منحصرة و هو أوّل الکلام کما لایخفی.

ومنها: إطلاق أداة الشرط بدعوی أنّ مقتضی جریان مقدّمات الإطلاق فی أداة الشرط أنّ المراد من الترتّب المستفاد من أداة الشرط هو الترتّب بنحو العلیّة المنحصرة لأنّه الذی لایحتاج الی مؤونة زائدة علی بیان نفس الترتّب بقول مطلق إذ قیده عدمی لأنّ المترتّب العلّی المنحصر هو الترتب علی الشرط لاغیر بخلاف الترتّب غیر المنحصر فإنّه الترتّب علی الشرط و علی الغیر و من المعلوم أنّ الترتّب غیر المنحصر یحتاج إلی المؤونة الزائدة فکما أنّ فی إثبات نفسیّة الوجوب یتمسّک بالإطلاق ویقال أنّ خصوصیّة الوجوب النفسی خصوصیّة عدمیّة لأنّه الوجوب لا للغیر بخلاف الوجوب الغیری فإنّه الوجوب للغیر فکذلک یتمسّک بالإطلاق فی الترتّب العلّی المنحصر بعد ما عرفت من أنّه هو الترتّب المطلق و لایحتاج إلی المؤونة الزائدة.

یمکن أن یقال: قیاس المقام بالوجوب النفسی قیاس مع الفارق لأنّ الوجوب النفسی

ص:325

یغایر الوجوب الغیری بخلاف الترتّب فی المقام فإنّ سنخ الترتّب فی العلّیّة المنحصرة لایغایر الترتّب فی غیر المنحصرة إذ الانحصار و عدمه لیسا من شؤون العلّیّة بل هما من شؤون العلّة.

ولیس مدلول الأداة هو التعلیق والتوقیف حتی یقال أنّه ملازم للانحصار ویغایر مع ما لم یکن للانحصار و علیه فالترتّب بنحو الانحصار و بنحو غیر الانحصار مصداقان للترتّب و إرادة کلّ واحد منهما یحتاج إلی القرینة و لایکفی لیتعیّن أحدهما الأخذ بالإطلاق، فتأمّل.

ومنها: إطلاق الشرط بدعوی أنّ إطلاق الشرط من دون قید لو لاشرط آخر یقتضی أن یکون الشرط مؤثّراً بالفعل وحده و بخصوصه من دون تقییده بعدم شیء آخر فی السابق أو المقارن و هذا المعنی هو العلّة المنحصرة.

یمکن أن یقال: لا إنکار فی الدلالة علی المفهوم مع کون المتکلّم فی مقام بیان المؤثّر الفعلی بنحو المذکور ولکنّه نادر جدّاً، بل القدر المسلّم فی القضیّة الشرطیّة هو کون المتکلّم فی مقام إفادة العلیّة و صلاحیّة الشیء للتأثیر من دون دخل شیء آخر وجوداً أو عدماً فی العلیّة الشأنیّة هذا مضافاً إلی أنّ الجزاء إذا کان قابلاً للتکرار لایدلّ الفعلیّة المذکورة علی الانحصار بل مقتضی فعلیّة کل شرط هو تأثیر کل شرط فی فرد من الجزاء و لاینافی الفعلیّة فی التأثیر مع تعدّد الشرط وعلیه فلاینتج الإطلاق المذکور انحصار الشرط والعلّة.

ومنها: أنّ تلفیق الوضع فی أداة الشرط مع الإطلاق فی الشرط یکفی فی إفادة المفهوم کما ذهب إلیه فی الفصول و حاصل کلامه أنّ دلالة أداة الشرط علی إناطة الجزاء بالشرط وترتّبه علیه وضعیّة و لذا یکون استعمالها فیما لا إناطة فیه مجازاً هذا بخلاف دلالته علی تعیین الشرط المذکور فی تلو الأداة فإنّها مقتضی جریان مقدّمات الإطلاق

ص:326

فی الشرط بعد عدم ذکر کلمة «أو شیء آخر» و لذا إذا ظهر تعدّد الشرط لایلزم منه أن یکون الاستعمال مجازاً بل غایته هو المخالفة مع الظهور الإطلاقی فیحمل علی أنّ الشرط أحد الأمرین جمعاً بین الأدلّة. والدلیل علی کون الأداة موضوعة للترتّب و اللزوم هو تبادر العلقة بین الشرط و الجزاء بحیث تقتضی عدم انفکاک الجزاء عن الشرط.

وأمّا انّ الشرط سبب للجزاء أو مسبّب عنه أو مشارک له فی العلّة فلامجال للثانی فی الجزاء الانشائی إذ لاسببیّة للجزاء الإنشائی بالنسبة إلی الشرط کما لامجال للثالث إذ الظّاهر من الشرط و الجزاء هو دخالة الشرط فی الجزاء لا کونهما معلولین لعلّة ثالثة فلایحمل علیه من دون قرینة فبقی الأوّل و هو أن یکون بینهما ترتّب و سببیّة وأمّا أنّ هذه السببیّة هل تکون منحصرة أولا فلا دلالة للأداة علیها بحسب الوضع.

نعم یمکن أن یتمسّک لها بإطلاق الشرط فإنّ إطلاق الشرط من دون ضمیمة «أو شیء آخر» ظاهر فی تعیین المذکور وعدم دخالة شیء آخر فی ترتّب الجزاء علیه و لیس المراد من الإطلاق هو إطلاق الجزاء و إثبات أنّ ترتّبه علی الشرط إنّما یکون علی نحو ترتّب المعلول علی علّته المنحصرة حتّی یرد علیه بأنّ ترتّب المعلول علی علّته المنحصرة لیس مغایراً فی السنخ مع ترتّب غیر المنحصرة بل هو فی کلیهما علی نحو واحد فإذن لامجال للتمسّک بالإطلاق لإثبات الترتّب علی العلّة المنحصرة بل المراد هو إطلاق الشرط من دون ضمیمة شیء آخر معه.

وهذا الإطلاق مع انضمام مفاد الأداة یدلّ علی تعلیق خصوص الجزاء علی خصوص الشرط بحیث إذا حصل الشرط ثبت الجزاء و إذا انتفی الشرط انتفی الجزاء.

فالقضیّة الشرطیّة بعد کون المتکلّم فی مقام البیان تدلّ علی الثبوت عند الثبوت والانتفاء عند الانتفاء وبالجملة فکما أنّه لو شکّ فی مدخلیّة شیء آخر فی شرطیة

ص:327

المذکور یدفع بالإطلاق فکذلک لو شکّ فی وجود البدیل للمذکور یدفع بالإطلاق وهذا لایعتبر إلّا الإنحصار کما لایخفی.

ویشهد علی أنّ الجملة الشرطیّة دلّت علی المفهوم عدّة من الروایات منها صحیحة أبی أیّوب قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام إنّا نرید أن نتعجّل السیر و کانت لیلة النفر حین سألته فأیّ ساعة ننفر؟ فقال لی أمّا الیوم الثانی فلاتنفر حتی تزول الشمس و کانت لیلة النفر و أمّا الیوم الثالث فإذا ابیضّت الشمس فانفر علی برکة اللّه فإنّ اللّه جلّ ثناؤه یقول فمن تعجّل فی یومین فلا إثمّ علیه و من تأخّر فلا إثمّ علیه فلو سکت لم یبق أحد إلّا تعجّل ولکنّه قال ومن تأخّر فلا إثمّ علیه.(1)

وهذه الروایة و نحوها تکفی لإثبات المفهوم للقضیّة الشرطیّة بما هی هی من دون ضمّ قرینة إلیها لأنّ قوله علیه السلام فلو سکت لم یبق أحد إلّا تعجّل یدلّ علی أنّ المفهوم من القضیّة الشرطیّة هو أنّ من لم یتعجّل فعلیه الإثمّ و کان ذلک مفهوماً عرفیّاً بحیث لو سکت اللّه تعالی و لم یقل و من تأخّر فلا إثمّ علیه لم یبق أحد إلّا استفاد من القضیّة الشرطیّة حرمة التأخیر وتعجّل لئلاّ یبتلی بالحرمة.

فالأظهر کما أفاد صاحب الفصول و ذهب الیه صاحب الحاشیة و الشیخ الأعظم وغیرهم من الأعلام هو أنّ القضیّة الشرطیّة تدلّ علی المفهوم أعنی الانتفاء عند الانتفاء.

بقی التنبیه علی أُمور:

أحدها: أنّ المنتفی فی المفهوم هو سنخ الحکم المعلّق علی الشرط عند انتفاء الشرط و انتفاء سنخ الحکم هو انتفاء طبیعة الحکم و انتفاء الطبیعة لیس إلّا بانتفاء جمیع الأفراد و لاتدلّ القضیّة الشرطیّة علی انتفاء الطبیعة عند انتفاء الشرط إلّا إذا کان الشرط فی

ص:328


1- (1) الکافی، ج 4، ص 520-519.

القضیّة الشرطیّة علّة منحصرة لوجود الطبیعة فالحکم المعلّق فی القضیّة الشرطیّة هو الطبیعة و هذه الطبیعة تحقّقت ببعض الأفراد عند وجود الشرط وتنتفی بجمیع الأفراد عند انتفاء الشرط.

ولیس الحکم المعلّق فی القضیّة الشرطیّة هو شخص الحکم فإنّه خارج عن محلّ الکلام إذ انتفاء شخص الحکم بانتفاء موضوعه أو علّته عقلی و لایحتاج إلی إقامة دلیل علی انحصار علّته بأداة أو غیرها.

ولیس الحکم المعلّق فیها هو الحکم الکلّی بحیث لا یشذّ عنها فرد منها لعدم الفرق بین أکرم زیداً فی القضیّة الشرطیّة وبین أکرم زیداً فی غیرها فکما أنّ أکرم زیداً لیس فی الثانی کلّیاً فکذلک فی القضیّة الشرطیّة و لیس الحکم المعلّق فی القضیّة الشرطیّة هو صرف وجوب الطبیعة الذی هو ناقض للعدم الکلّی بحیث إذا تحقّق صرف الوجوب نقض العدم الکلّی و إذا انتفی شرط صرف الوجوب بقی العدم المطلق لأنّ الوجود نقیض العدم و کلّ وجود بدیل عدم نفسه لا العدم المطلق فانتفائه انتفاء نفسه لا انتفاء سنخ الوجوب.

وبالجملة انتفاء ناقض العدم لایوجب بقاء العدم المطلق علی حاله بل هو عدم ما هو ما بدیل له فتعلیق الوجوب علی الشرط بهذا المعنی لایقتضی انتفاء سنخ الحکم.

فالتحقیق هو أن یقال أنّ المعلّق علی العلّة المنحصرة هو طبیعة وجوب الإکرام المنشأ فی شخص هذه القضیّة لکنّه لابما هو متشخّص بلوازمه بل بما هو وجوب وطبیعة و الوجه فی کون المراد من الحکم هو طبیعة الحکم هو أنّ التعلیق یکون لمناسبة بین الشرط ومادّة الجزاء وهذه المناسبة لاتختصّ بفرد من المادّة بل إذا کانت علّة الوجوب بما هو وجوب منحصرة فی المجیئ استحال أن یکون وجوب فرد آخر بعلّة أخری.

ولقد أفاد وأجاد فی الکفایة حیث قال: إنّ المفهوم إنّما هو انتفاء سنخ الحکم وعلیه

ص:329

فلاحاجة فی إثبات المفهوم إلی إثبات سنخ الحکم فی المنطوق بل یکفی تعلیق طبیعة الحکم مع إفادة أداة الشرط و مقدّمات الإطلاق انحصار العلّة فالهیئة وإن کانت جزئیة ولکن تناسب الحکم والموضوع یوجب إلغاء الخصوصیة و جعل الشرط علّة منحصرة لنفس الوجوب و طبیعته و علیه فبانتفاء الشرط ینتفی طبیعة الوجوب وهو مساوق لانتفاء سنخ الحکم.

هذا کلّه بحسب القاعدة الکلّیّة فی القضایا الشرطیّة من دون قیام قرینة علی ارادة شخص الحکم وأمّا مع قیام القرینة علی إرادة شخص الحکم فلاإشکال فی أنّ الانتفاء عند الانتفاء حینئذٍ یکون عقلیّاً لا بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب کما أنّ الغالب فی مثل الوقوف والنذور والعهود والوصایا یکون کذلک ولذلک تکون خارجة عن دائرة المفاهیم ثمّ إنّ البحث المذکور فیما إذا کان الجزاء فی القضیّة الشرطیّة إنشاء.

وأمّا إذا کان الجزاء قضیّة خبریّة وإن استعملت بداعی الإنشاء فلیس بجزئی بل هو کلّی وتدلّ القضیّةٍ حینئذٍ علی ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط وانتفائه عند انتفائه ومن المعلوم أنّ الدلالة علی الانتفاء من جهة دلالة القضیّة علی انحصار العلة لا من جهة الدلالة العقلیة فلاتغفل.

ثانیها: أنّ محلّ الکلام فی القضایا الشرطیّة هو ما إذا کان الموضوع ثابتاً فی صورتی وجود الشرط و عدمه کقوله إن جاء زید فأکرمه فإنّ الموضوع هو زید و المحمول وجوب الإکرام و الشرط هو المجیئ والموضوع ثابت فی صورة وجود المجیئ وعدمه.

وأمّا إذا لم یکن الموضوع محققاً إلّا بالفرض و الشرط کقوله إن رزقت ولداً فاختنه فهو خارج عن محلّ الکلام لأن انتفاء الحکم فی هذه الصورة بانتفاء الموضوع عقلی ولامفهوم للقضیّة إذ لم یبق الموضوع عند انتفاء الشرط حتی یمکن أن یدلّ القضیّة الشرطیّة علی انتفاء الحکم فیه.

ص:330

ثالثها: أنّ دائرة المفهوم تتّسع بتعدّد القیود و الشروط فی القضیّة الشرطیّة إذ انتفاء کلّ قید یکفی فی انتفاء الجزاء مثلاً إذا قال السیّد إن جاء زید فأکرمه کان مفهومه إن لم یجئ فلایجب إکرامه و إذا قال إن جاء زید و سلّم علیک وأتی بهدیة فأکرمه کان مفهومه انتفاء الإکرام بانتفاء أحد الأمور المذکورة.

رابعها: أنّه لاإشکال فی لزوم التطابق بین المفهوم و المنطوق فی جمیع القیود عدی السلب و الإیجاب.

فالمفهوم من قولک إن جاء زید یوم الجمعة فأکرمه یوم السبت أنّه إن لم یجیئک زید یوم الجمعة لایجب إکرامه یوم السبت.

و لاکلام فیه إلّا فی العموم المأخوذ فی الجزاء فانه قد وقع الخلاف بین الأعلام فی أنّه لو أخذ العموم علی وجه الاستغراق فی المنطوق هل یکون المفهوم هو رفع الإیجاب الکلّی الملائم مع الإیجاب الجزئی أو یکون المفهوم هو السلب الکلّی.

واستدلّ للأوّل بما هو مقرّر فی المنطق من أنّ نقیض کلّ شیء رفعه ومقتضی ذلک أن نقیض الموجبة الکلیّة السالبة الجزئیة ونقیض السالبة الکلّیّة الموجبة الجزئیة وهذا هو التفاهم العرفی فی أمثال تلک القضایا.

ففی نفس القضیّة المذکورة فی الجزاء یلاحظ الآحاد مستقلاً و لایلاحظ العموم إلّا مرآة لها.

وعند ملاحظة القضیة مع ارتباطها بالشرط یلاحظ العموم مستقلاً.

والتطابق بین المنطوق والمفهوم محفوظ لأنّ العموم ملحوظ مستقلاً فی المنطوق والمفهوم غایته أنّ العموم منحلّ إلی الأشیاء بنفسه فی المنطوق دون المفهوم فإنّه رفع المنطوق و لایلزم فیه الاستغراق.

یمکن أن یقال: أنّ ملاحظة المتکثّرات بعنوان واحد و شیء وحدانی عین.

ملاحظة المتکثّرات بنفسها لأنّ المفروض أنّ العنوان الوحدانی مرآة بالنسبة الیها

ص:331

وملاحظة العموم بما هو عموم بعنوان الموضوع المستقلّ یحتاج إلی مؤونة زائدة مضافاً إلی أنّه خلف فی کون العام للاستغراق و أداة الشرط لمجرّد الإناطة لالتغیر موضوع القضیّة الجزائیة و علیه فالاستظهار المذکور فی القضایا الشرطیّة الدالّة علی المفهوم محلّ تأمّل و إشکال.

واستدلّ للثانی بأنّ مفاد القضیة الشرطیّة إذا کان الشرط علة منحصرة هی علّیّة الشرط بالإضافة الی کلّ واحد من الأفراد و لازم ذلک هو انتفاء الحکم عن کلّ واحد منها عند انتفاء الشرط.

مثلاً قوله علیه السلام إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء یدلّ بالمنطوق علی أنّ الکرّیّة علّة منحصرة لعدم تنجیس کلّ واحد من النجاسات للماء فعلّة عدم تنجیس کلّ واحد من النجاسات بالنسبة الی الماء منحصرة فی الکرّیّة و علیه فلامفرّ من القول بعموم المفهوم لأنّه إذا کان العموم حاصلاً من علّة واحدة منحصرة یلزم من انتفاء هذه العلّة انتفاء جمیع أفراد هذا العموم فإنّ العموم عبارة عن نفس الآحاد فلو کان لبعض الآحاد علّة أُخری للحکم فلم یتحقّق العموم بعلیّة هذه العلة بل بعض الأفراد و بعضها الآخر بعلّیّة العلّة الاُخری و هو خلف فی کون العلّة علّة منحصرة و هذه قرینة علی تعمیم المفهوم بحیث لولاها لکان نقیض الموجبة الکلّیّة هی السالبة الجزئیة و نقیض السالبة الکلّیّة هی الموجبة الجزئیّة و الثانی أقرب علی المختار من أنّ القضایا الشرطیّة تفید العلیّة المنحصرة بل الأمر کذلک لو لم نقل بذلک ولکن قامت قرینة علی إفادة المفهوم و العلّیّة المنحصرة فتحصّل أنّ المنطوق إذا کان الموضوع فیه مأخوذاً علی وجه الاستغراق فالمفهوم فی القضیة الشرطیّة هو السلب الکلّی إذا کان المنطوق إیجابا کلّیّاً أو هو الإیجاب الکلّی إذا کان المنطوق سلباً کلّیّاً.

وهذا وإن کان ینافی ما قرّر فی المنطق من أنّ نقیض الموجبة الکلّیّة هی السالبة

ص:332

الجزئیة و نقیض السالبة الکلّیّة هی الموجبة الجزئیّة ولکنّه لامفسرّ منه لأنّه خواصّ إفادة العلّیّة المنحصرة فی القضایا الشرطیّة فاللازم هو حمل ما فی المنطق علی غیر القضایا الشرطیّة بناء علی إفادتها العلّیّة المنحصرة هذا مضافاً إلی ما قیل من أنّ موضوع کلام المنطقین هو المعقولات ولایرتبط بموضوع کلام الاُصولی و الفقیه فإنّ موضوع کلامهم هو ظاهر الألفاظ، فتدبّر.

خامسها: أنّ مع فرض تسلیم أنّ مفهوم القضیّة الشرطیّة الموجبة الکلیّة هی السالبة الجزئیّة و مفهوم القضیّة الشرطیّة السالبة الکلّیّة هی الموجبة الجزئیّة یقع الکلام فی أنّ الأمر فی العموم الأحوالی یکون کذلک أولا ذهب بعض الأعلام إلی أنه کذلک نظراً إلی أنّ مفاد المنطوق فی مثل قوله علیه السلام: (إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء) سالبة کلیّة وهی أنّ الکرّ لاینجّسه شیء من النجاسات أو المتنجّسات فی شیء من الحالات فیکون نقیضها رفع هذا العموم ویکفی فی صدقه تنجّس ما دون الکرّ ببعض النجاسات ولو فی بعض الحالات فنفس المفهوم لیس فیه عموم أفرادی و لاإطلاق أحوالی.

ویمکن أن یقال: أنّ الإنصاف هو الفرق بین العموم الأحوالی المصرّح به بمثل قوله فی کلّ حال ففی هذه الصورة یصحّ أن یقال نقیضه هو رفع هذا العموم و هو یشمل الأحوالی أیضاً و لاحاجة فی هذه الصورة إلی المقدّمات و بین العموم الأحوالی المستفاد من مقدّمات الحکمة.

فإنّ الظّاهر فی هذه الصورة یحتاج إلی المقدّمات ثمّ أنّ نسبة المقدّمات الی المنطوق و المفهوم علی السواء و تجری بالنسبة إلیهما فی عرض واحد و علیه تدلّ المقدّمات المذکورة علی العموم الأحوالی فی المنطوق والمفهوم ویکون المفهوم فی مثل قوله علیه السلام: «إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء» أنّه إذا لم یکن الماء قدر کرّ ینجّسه بعض

ص:333

الأشیاء فی جمیع أحواله سواء کان الشیء وارداً علی الماء أو کان الماء وارداً علیه أو کانا متلاقیین.

وعلیه فمفهوم أخبار الکرّ یدلّ علی نجاسة مادون الکرّ بملاقاة نجس ما بالإطلاق الأحوالی من دون فرق بین أنحاء الثلاثة.

نعم یتوقّف الإطلاق الأحوالی علی إدراج قید الملاقاة بالارتکاز العرفی فی مثل النجس ینجّس الشیء کما یدرج المماسّة فی مثل السکّین یقطّع الید أو الإشراق فی مثل الشمس تنضّج الأثمار.

ومن المعلوم أن بعد الإدراج المذکور کان المقدّر کالمذکور فی کونه مجری الإطلاق الأحوالی.

سادسها: أنّ العلّیّة المستفادة من القضیّة الشرطیّة بعد استظهار الانحصار بالوضع والإطلاق تدلّ علی أنّ وجود تالی الأداة علّة لترتّب الحکم علی الموضوع المذکور وعدمه علّة لانتفاء سنخ الحکم عن الموضوع المذکور و لاتعرّض له بالنسبة إلی غیره من الموضوعات وعلیه فالعلّیّة هنا لیست علی نحو العلّیّة المستفادة من اللام لوجود الفرق بین قولنا الخمر حرام لأنّه مسکر و قولنا الخمر حرام إذا کان مسکراً إذ مفاد الأوّل هو أنّ میزان الحرمة هو الإسکار فی أیّ موضوع کان و مفاد الثانی أنّ وصف الإسکار متی تحقّق فی موضوع الخمر یوجب ترتّب الحرمة علیه و متی لم یتحقّق فیه یوجب انتفائها عنه من دون تعرّض لحال غیر الخمر أللّهمّ إلّا أن قلنا بالغاء الخصوصیّة، فتدبّر جیّداً.

سابعها: فی تعدّد الشرط مع عدم إمکان تکرار الجزاء کالقتل کما إذا ورد إن ارتد المسلم قتل و إن زنی المسلم المحصن قتل ففی مثله بناء علی إفادة القضیّة الشرطیّة

ص:334

للمفهوم یقع التعارض بین الدلیلین فإنّ مقتضی إفادة المفهوم أنّ کلّ قضیّة تنفی الحکم عن غیر موضوعه.

ولذلک ذکروا وجوهاً للجمع بینهما.

الأوّل: تقیید مفهوم کلّ منهما بمنطوق الآخر فیکون کلّ واحد من الشرطین مستقلاً فی التأثیر ولایتوقّف علی وجود الشرط الآخر فالارتداد موجب للقتل کما أنّ الزنا من الشخص المذکور موجب للقتل و علیه فانتفاء القتل بانتفاء الشرطین و یکفی وجود أحدهما لترتّب الجزاء و إن حصل الشرطان بالتعاقب فالتأثیر للسابق وإن تقارنا فی الحصول فالتأثیر لهما.

وحیث أنّ المفهوم فی هذه الصورة باقٍ فی کلّ منهما فینفیان الثالث.

الثانی: رفع الید عن المفهوم فی الطرفین بدعوی أنّ المفهوم متقوّم بالخصوصیّة وهی إفادة العلیّة المنحصرة فمع تعدّد الشرط لاموجب للانحصار ومع اختلال الانحصار لاموجب للمفهوم فحینئذٍ یکون کلّ واحد من الشرطین سبباً مستقلاً و لاینفیان الثالث.

الثالث: تقیید کلّ واحد من المنطوقین بمنطوق الآخر ورفع الید عن استقلالیّة کلّ واحد منهما فالشرط مع التعدّد هو مجموع الشرطین و مفهومهما هو انتفاء الجزاء بانتفاء المجموع ولو مع بقاء أحدهما.

الرابع: أن یجعل الشرط و السبب هو الجامع بین الشرطین وأن یرفع الید عن خصوصیّة کلّ واحد منهما ففی هذه الصورة یکفی فی ترتّب الشرط أحد الأمرین.

والتحقیق هو الوجه الأوّل بعدما عرفت من أنّ المختار فی إفادة المفهوم هو وضع الأداة للإناطة و جریان مقدّمات الإطلاق فی تالیها فإنّ مع تعدّد الشرط لاتستعمل الأداة أو الهیئة الشرطیّة فی غیر معناها الحقیقی ولایخل بالإطلاق اللفظی والاستعمالی وإنّما

ص:335

یکشف تعدّد الشرط عن تقیید المراد الجدّی فمقتضی الجمع بین الشرطین هو تقیید إطلاق کلّ منهما المقتضی للمفهوم بالآخر و یبقی الإطلاق اللفظی فی بقیّة الموارد تحت إصالة الجدّ کسائر المطلقات المقیّدة فإن مقتضی القاعدة هو رفع الید عن مقتضی الإطلاق بمقدار المقیّدات فالمنطوقان یدلاّن علی تأثیرهما بالخصوص فی الجزاء و مقتضاه هو انحصار علّة الجزاء فی الشرطین.

ومنشأ التقیید المذکور هو التصرّف فی المنطوقین إذ کلّ منطوق یدلّ بمقدّمات الإطلاق علی کونه بلابدیل و بلاحاجة إلی الضمیمة علّة فی الجزاء فمع ملاحظة دلیل آخر یرفع الید عن إطلاق عدم البدیل ویقیّد کلّ منطوق بالآخر و یرفع الید من الانحصار الحقیقی و یحملان علی إفادة الانحصار الإضافی بالنسبة إلی غیرهما وهکذا یتقیّد مفهوم کلّ منهما بمنطوق الآخر کما أنّ إصالة الإطلاق فی کلّ واحد من المنطوقین و المفهومین متقیّدة بالأُخری.

وممّا ذکر یظهر عدم صحّة الوجه الثانی لأنّ الانحصار لایستفاد من الوضع حتّی یقال مع تعدّد الشرط اختلت دلالة الجملة الشرطیّة علی الانحصار ومع الاختلال المذکور لادلالة للجملتین علی المفهوم لأنّ قوام دلالتهما علیه بالخصوصیّة التی هی الانحصار و المفروض أنّهما لیستا مستعملتین فی المعنی الموضوع له فلفظ الأداة بعد استعمالها فی غیر معناها الحقیقی بقرینة التعدّد لاتدلّ علی الانحصار ولاعلی عدم مدخلیّة شیء آخر بل عرفت أنّ الانحصار یستفاد من الوضع و الإطلاق و من المعلوم أنّ التقیید لاینافی بقاء الإطلاق و الانحصار الاضافی ودعوی رفع أصل الحصر لاموجب له کما لایخفی.

وهکذا یظهر عدم صحة الوجه الثالث و الرابع إذ لاوجه لرفع الید عن الظهور فی

ص:336

السببیّة المستقلّة لکلّ منهما بعنوانه فدعوی الاشتراک فی التأثیر أو دعوی أنّ المؤثّر هو الجامع خلاف الظّاهر ولاموجب لرفع الید عن الاستقلال فی التأثیر أو عن العنوان الخاصّ.

فتحصّل: أنّ الوجه الأوّل مقدّم بناء علی استفادة العلّیّة المنحصرة من مقدّمات الإطلاق فلاتغفل.

ثامنها: فی تداخل الشروط و الأسباب و المسبّبات و الجزاء وعدمه فیما إذا تعدّد الشروط و الأسباب و اتّحد الجزاء أو المسبّب عنواناً ولکن کان قابلاً للتکرار والبحث فیه یقع فی مقامین.

المقام الأوّل: فی تداخل الشروط والأسباب وعدمه و المراد من التداخل عند تعدّد الشروط و الأسباب هو تداخل الأسباب أو الشروط فی استیجاب الجزاء أو المسبّب.

مثلاً إذا ورد أنّه إذا زلزلت الأرض أو انخسف القمر صلّ رکعتین فإن قلنا بالتداخل فالواجب عند وقوعهما صلاة واحدة و إن لم نقل به فالواجب صلوات متعدّدة.

ثمّ إنّ هذا البحث لایتبنی علی المفهوم بل یجری فی القضیّات الحملیّات الدالّة علی سببیّة شیء لشیء بنحو القضیّة الحقیقیّة إذ لافرق بین أن یقال إذا زلزلت الأرض أو انخسف القمر صلّ رکعتین وبین أن یقال حدوث الزلزلة فی بلدکم أو وقوع الخسف فی أفقکم یوجب صلاة رکعتین و السرّ فیه أنّه من مباحث المنطوق لاالمفهوم.

ثمّ إنّ المراد من تعدّد السبب هو أن یکون السبب قابلاً للتعدّد سواء کان التعدّد نوعیّاً أو شخصیّاً و أمّا ما لایکون قابلاً للتعدّد کما إذا کان السبب صرف الوجود فهو خارج عن محلّ البحث لأنّ صرف الشیء لایتکرّر ولایتعدّد والمفروض هو البحث عن تداخل الأسباب المتعدّدة.

وحاصل الکلام فی المقام أنّ المختار هو عدم تداخل الأسباب والشروط فی مفروض

ص:337

الکلام وتوضیح ذلک أنّه إذا کانت الدلالة علی التعدّد فی السبب والشرط وضعیّاً مع اتّصال القضایا فلاإشکال فی تقدم الدلالة علی التعدّد المذکور علی إطلاق المسبّب و الجزاء المقتضی للوحدة لعدم انعقاد الإطلاق فی ناحیة الجزاء أو السبب مع الدلالة الوضعیّة علی التعدّد لعدم تمامیّة مقدّمات الحکمة مع وجود القرینة علی التعدّد وهو الدلالة الوضعیّة فی ناحیة السبب و الشرط إذ من المعلوم أنّ تعدّد الأسباب والشروط یقتضی تأثیر کلّ واحد منها من قبل نفسه فی وجود ماهیة المسبّب أو الجزاء بل الأمر کذلک إذا کانت الدلالة المذکورة لمقدّمات الإطلاق لتفرع إطلاق الجزاء علی المقدّم کتفرّع الحکم علی الموضوع أو کتفرّع الإطلاق الأحوالی علی العموم الأفرادی هذا کلّه مع اتّصال القضایا.

وأمّا مع انفصال القضایا فالظهور وإن کان فی کلّ واحد من الشرط والجزاء والسبب والمسبّب منعقداً ولکن مع ذلک لایمنع ظهور الجزاء و المسبّب عن ظهور الشرط والسبب فی التعدّد وذلک لأنّ اقتضاء کلّ واحد لایعارض مع اقتضاء الآخر لأنّ البعث لایتعلّق بالطبیعة بما هی هی إذ لیست هی إلّا هی لامطلوبه و لاغیر مطلوبة بل یتعلّق بوجودها فالبعث المتعلّق بوجود الطبیعة یقتضی وجوداً واحداً من الطبیعة و لایقتضی عدم البعث إلی وجود آخر بل هو بالاضافة إلی وجود آخر بوجوب آخر لا اقتضاء والبعث الآخر یکون مقتضیاً لوجود آخر بوجوب آخر وعلیه فلاتعارض بین الاقتضاء واللا إقتضاء بهذه الملاحظة وإن انعقد الظهور فی کلّ قضیّة لانفصال کلّ قضیة عن الاُخری.

وبالجملة إنّ اقتضاء الوحدة فی ناحیة الجزاء و المسبّب اقتضاء حیثیّ و لیس بإطلاقی ولو من جهة سبب آخر و إلّا لزم أن یکون کلّ قضیّة ناظرة إلی قضیّة أخری وهو ممنوع و علیه فلامنافاة بین ظهور کلّ قضیّة شرطیّة أو سببیّة فی إفادة الحدوث عند الحدوث و ظهور الجزاء أو المسبّب فی وحدة وجود الطبیعة لما عرفت من عدم

ص:338

التعارض بین الاقتضاء و اللااقتضاء إذ الماهیة فی الجزاء أو المسبّب لااقتضاء لها بالنسبة إلی وجود آخر بخلاف القضیّة الشرطیّة أو القضیّة السببیّة فإنّها تکون مقتضیة لوجودات أخری و لاتعارض بین اللااقتضاء والاقتضاء وإن انعقد الظهور فی الوحدة فی کلّ قضیّة لکونها منفصلة عن القضیّة الاُخری لأنّ هذا الظهور حیثیّ فلایمنع ظهور الجزاء أو المسبّب فی الوحدة من ناحیة سبب نفسه أو شرطه المذکور فی هذه القضیّة عن وجود آخر بسبب أو شرط آخر کما لایخفی.

وعلیه فکلّ قضیّة مفادها التحریک إلی وجود واحد فنفس التحریک الثانی تحریک آخر فیقتضی حرکة أخری لا أنّ المتعلّق مقیّد بالآخر ضرورة أنّ کلّ قضیّة لیست ناظرة إلی قضیّة أخری لأنّ المبحث فی المقام لایکون مبتنیاً علی النظارة والمفهوم نعم لو فرض ذلک لزم أن یقیّد إطلاق کلّ قضیّة بالأُخری کما لایخفی.

فلحاظ صرف الوجود فی الجزاء لو ثبت لیس إلّا من جهة سبب نفسه أو شرطه ولانظر فیه إلی غیره من الأسباب و الشرائط.

فإذا کانت الأسباب أو الشرائط متعدّدة وکان الجزاء قابلاً للتکرار کما هو المفروض لزم تکرار المسبّب أو الجزاء لأنّ کلّ واحد من الأسباب و الشرائط یقتضی وجوده هذا بخلاف تکرار الأمر من دون تکرار السبب أو الشرط فإنّه لایدلّ إلّا علی التأکید ولاأقلّ من الشکّ فی التأسیس أو التأکید فی الأمر المکرّر من دون ذکر سبب أو شرط فمقتضی البراءة هو جواز الاکتفاء بالواحد و الحمل علی التأکید کما لایخفی.

وعلیه فإذا ورد إن فعلت کذا فتصدّق بکذا و إن فعلت ذاک فتصدّق بکذا کان مقتضی القاعدة هو تکرار التصدّق بتکرار الشرط و هکذا فی السبب ولافرق فیه بین أن کانت القضایا متّصلة أو منفصلة و هذا هو الذی یعرفه العرف و یحکم به إذ کلّ سبب عنده

ص:339

یقتضی و یؤثّر فی مسبّبه بل الأمر کذلک فیما إذا کان السبب أو الشرط من جنس واحد و تکرّر فإنّ مقتضی جعل السببیّة للطبیعة هو سرایة السببیّة إلی کلّ فرد فرد منها.

وعلیه فبعد جعل السببیّة بطبیعة شیء یترتّب علیها ما یترتّب علی الأسباب التکوینیّة فکما أنّ کلّ سبب من الأسباب التکوینیّة یؤثّر ولو من جنس واحد فکذلک یؤثّر کلّ سبب شرعی کما لایخفی.

قال الشیخ الأعظم إنّ الأسباب الشرعیّة کالأسباب العقلیّة فحینئذٍ لو کانت الأسباب الشرعیّة سبباً لنفس الأحکام وجب تعدّد إیجاد الفعل فانّ المسبّب یکون هو اشتغال الذمّة بإیجاده و السبب الثانی لو لم یقتض إشغالاً آخر فإمّا أن یکون لنقص فی السبب أو المسبّب و لیس شیء منهما أمّا الأوّل فمفروض و أمّا الثانی فلانّ قبول الاشتغال للتعدّد تابع لقبول الفعل المتعلّق به و المفروض قبوله للتعدّد و احتمال التأکید مدفوع.

بطلان التفصیل بین اتّحاد الجنس و عدمه

وحیث عرفت أنّ مقتضی القاعدة هو عدم تداخل الأسباب والشروط فی التأثیر مع إمکان تکرار المسبّب والجزاء فلافرق فی ذلک بین أن یکون الجنس متّحداً أو مختلفاً لأنّ المناط فی الجمیع واحد و هو ظهور القضیّتین فی تعدّد الأسباب و الشروط فیما إذا کانت الأجناس مختلفة و ظهور القضیّة المأخوذة فیه طبیعة الشرط و السبب فی الطبیعة الساریة فیما إذا کانت الأجناس واحدة و مقتضی سریان الطبیعة هو انحلال طبیعة الشرط أو السبب إلی آحادها و علیه فمقتضی ظهور الجملة السببیّة أو الشرطیّة فی کلتا الصورتین فی الحدوث عند الحدوث یقتضی أن کلّ فرد فرد یکون سبباً مستقلاً لترتّب الأثر علیه فلاوجه لتداخل الأسباب بعضها فی بعض ولو کان من جنس واحد.

وعلیه فإن سها المصلّی فی صلاته بما یوجب سجدتی السهو مرّات عدیدة فی صلاة واحدة یجب علیه لکلّ مرة سجدتا السهو و إن کان سببه واحداً نوعیاً کما لایخفی.

ص:340

بطلان التفصیل بین کون الأسباب الشرعیّة معرّفات أو مؤثّرات

وذلک لأنّ مجرّد المعرفیّة لاتقتضی المصیر إلی التداخل لإمکان معرفیّة الأسباب الشرعیّة لأسباب حقیقیّة واقعیّة.

ویکفی لإثبات ذلک ظهور الجملة السببیّة أو الشرطیّة فی الطبیعة الساریة وفی الحدوث عند الحدوث و فی تعدّد المسبّب أو الجزاء بتعدّد السبب أو الشرط فإنّ هذه الظهورات تدلّ علی تعدّد السبب الحقیقی أو الشرط الحقیقی المنکشف بالمعرّفات الشرعیّة.

فاختیار کون الأسباب الشرعیّة معرّفات لایستلزم القول بالتداخل بعد الاعتراف بظهور الجملة الشرطیّة أو السببیّة فیما ذکر.

هذا مضافاً إلی أنّ حمل العناوین المأخوذة فی لسان الأدلّة الشرعیّة علی المعرّفات لاتساعده ظواهر الأدلّة حیث أنّ الظّاهر من العناوین أنّها بأنفسها موضوعات لابعنوان کونها معرّفات.

وعدم دخالة الأسباب الشرعیّة فی أحکامها کدخل العلّة الطبیعیّة فی معلولها لایستلزم أن تکون الأسباب الشرعیّة معرّفات محضة بل هی کما یقتضیه الظواهر موضوعات لها و تتوقّف فعلیّة الأحکام علی فعلیّة تلک الموضوعات و لاتنفکّ عنها أبداً ومن هنا تشبه العلّة التامّة من هذه الناحیة أی من ناحیة إستحالة انفکاکها عن موضوعاتها فتحصل أنّ القضایا سواء کانت دالة علی الجنس الواحد أو المتعدّد تدلّ علی تعدّد الأسباب و عدم تداخلها و ذلک لما عرفت من ظهور الجمل المذکورة فی الحدوث عند الحدوث و هو یقتضی عدم التداخل بین الأجناس والآحاد کما لایخفی.

المقام الثانی: فی تداخل المسبّبات و عدمه.

ولایخفی علیک أنّ بعدما عرفت من عدم تداخل الأسباب و الشروط و تأثیر کلّ

ص:341

واحد منها یقع البحث فی جواز الاکتفاء بمسبّب واحد أو جزاء واحد فی امتثال الجزاء والمسبّبات المتعدّدة و عدمه.

والتحقیق أنّه یجوز التداخل بالإتیان بمسبّب واحد أو جزاء واحد فیما إذا کان العنوانان عامّین من وجه لتصادقهما علی المأتی به مع قصد الامتثال للمتعدّد إن کان أمراً قصدیّاً و إلّا فیتصادقان علیه قهراً ففی مثل إذا جاءک زید فأکرمه و إذا سلّم علیک فأطعمه ممّا کان النسبة بینهما هی العموم من وجه یجوز التداخل بأن یمتثل الأمر بالإکرام والأمر بالإطعام بکیفیّة یصدق علیه الإکرام و الإطعام ومع صدقهما یسقط الأمر بهما و لامعنی للامتثال إلّا ذلک.

وهکذا بالنسبة إلی غسل الجنابة وغسل الحیض فإنّه یمکن أن تأتی المرأة بغسل واحد بقصدهما فإنّه مع قصدها ذلک یصدق علی المأتی به أنّه غسل الجنابة وغسل الحیض لأنّ العنوانین من العناوین المتصادفة و کانت النسبة بینهما هی العموم من وجه ومع الصدق المذکور یتحقّق الامتثال.

وبالجملة فمع الإتیان بالواحد المعنون بالعنوانین یصدق الإتیان بهما و یتحقّق الامتثال کما لایخفی.

ولایتوقّف ذلک علی القول بجواز الاجتماع فی الأمر والنهی لجواز الاکتفاء بإتیان ما فیه الملاکان فی الحکم بالامتثال بناء علی عدم لزوم قصد الأمر فی الامتثال کما هو الظاهر.

ویلحق بذلک ما إذا کانت النسبة بین المتعلّقین عموماً من وجه من ناحیة إضافتهما إلی موضوعهما فقوله إذا جاءک زید فأکرم العالم و إذا سلّم علیک فأکرم الهاشمی مثل قوله إذا جاءک زید فأکرمه و إذا سلّم علیک فأطعمه فکما أنّ النسبة بین الإکرام والإطعام هی العموم من وجه فکذلک تکون النسبة بین إکرام العالم و إکرام الهاشمی

ص:342

عموماً من وجه فیجوز التداخل فی الامتثال بإتیان المجمع لإنطباق العنوانین علیه إذ لایعتبر فی تحقّق الامتثال إلّا الإتیان بما ینطبق علیه متعلّق الأوامر والمفروض هو صدقه علیه.

واحتمال لزوم الإتیان بالمتعلّق منفرداً لامجتمعاً مندفع بإطلاق المتعلّق من کلّ الدلیلین إذ لم یتقیّد کلّ واحد منهما بعدم اجتماعه مع الآخر مع امکان التقیید بذلک کما یقید صلاة العصر بکونها واقعة عقیب صلاة الظهر.

ثمّ لافرق فیما ذکر بین أن یکون الطرفان واجبین کما فی الأمثلة المذکورة أو واجباً و مستحبّاً کصوم الاعتکاف وصوم القضاء أو مستحبّین کنافلة المغرب و صلاة الغفیلة.

فإنّ مقتضی إطلاق الأمر بکلّ منها من دون تقییدها بالانفراد هو عدم دخالة التقدّم و التأخّر فی المأمور به ومعه یجوز الجمع بینها فی مقام الامتثال بأن یأتی بصلاة بعنوان النافلة و الغفیلة أو أن یأتی بصوم بعنوان صوم الاعتکاف و القضاء و هکذا.

ومع الإطلاق لامجال لاحتمال أن یکون العنوانان متباینین فی الواقع بحیث لایمکن قصدهما بعمل واحد نظیر عدم امکان الإتیان بأربع رکعات بقصد الظهر والعصر.

إذ معنی الإطلاق هو عدم اشتراط إتیان نافلة المغرب أو صلاة الغفیلة أو صوم الاعتکاف أو صوم القضاء بکیفیّة خاصّة کإتیان نافلة المغرب قبل الغفیلة أو بعدها أو إتیان الغفیلة بعد نافلة المغرب أو قبلها فمع عدم اشتراط الکیفیّة المخصوصة ینتفی احتمال التباین و معه یجوز أن یأتی بهما مجتمعاً فی مقام الامتثال ثمّ لایبعد جواز التداخل فیما إذا کانت النسبة بین العنوانین هی العموم و الخصوص المطلق بحسب الخارج ولکن لم یؤخذ مفهوم الأعم فی الأخصّ کقولهم حرّک و لاتدن إلی موضع کذا أو حرّک و أدنُ من موضع کذا و کقولهم جئنی بحیوان و جئنی بناطق لکفایة تغایر المفهومین فی الذهن فی جواز اجتماع الأمر والنهی أو اجتماع المثلین و إن کانت النسبة

ص:343

بحسب الخارج هی العموم و الخصوص فیجوز تعلّق الحکمین بالعنوانین فیتداخلان فی الأخص بحسب الخارج و لعلّ الأمر فی مثل الجنس و الفصل کالحیوان والناطق کذلک فإنّهما متغایران بحسب الذهن ولکن النسبة بینهما هی العموم والخصوص بحسب الخارج و الاتّحاد الخارجی لایضرّ لعدم کون الخارج متعلّقاً للحکم و إنّما هو مصداق للمفهومین المتغایرین اللذین کانا مورداً للحکمین.

وممّا ذکرناه یظهر أنّه لامجال للتداخل فیما إذا کانت النسبة بین المفهومین هی التباین لعدم إمکان اجتماعهما کالکسوة و الإطعام فتغایر المفهومین المتعلّقین للحکمین لایبقی مجالاً للتداخل کما لایخفی.

ویلحق به ما إذا کان متعلّق الحکمین حقیقة واحدة لأنّ تعدّد الأمر فی الحقیقة الواحدة غیر معقول فمع عدم الحمل علی التأکید لابدّ و أن یکون متعلّق کلّ واحد من الأمرین هو الفرد المغایر للفرد الواجب بالأمر الآخر.

ومن المعلوم أنّه لامجال لتداخل الأفراد ولو من مهیّة واحدة لمغایرة الأفراد بعضها مع بعض.

والمراد من الفرد لیس عنواناً کلّیاً حتی یکون قابلاً للانطباق علی الکثیرین من الأفراد حتّی یقال بأنّ عدم إمکان تداخل العنوانین من ماهیّة واحدة غیر مسلم بل القیود الواردة علی ماهیة مختلفة فقد تکون موجبة لصیرورة المقیّدین متباینین کالإنسان الأبیض و الأسود وقد لاتکون کذلک کالإنسان الأبیض و العالم ممّا بینهما عموم من وجه.

فالوضوء فی قوله إذا نمت فتوضّأ وإذا بلت فتوضّأ ماهیة واحدة ولابدّ من کونها مقیّدة حتّی یکون کلّ سبب علّة مستقلّة للإیجاب علی أحد العنوانین لکن لایجب أن یکون بین العنوانین التباین حتی یمتنع تصادقهما علی الفرد الخارجی.

بل المراد من الفرد هو الوجود الذهنی من الفرد الخارجی بنحو الوجود اللافراغی

ص:344

فصورة الذهنی من کلّ فرد کنفس الفرد الخارجی فی أنّها مغایرة لغیرها ومباینة لها ومع المغایرة والمباینة لامجال لتداخل الفردین فی واحد کما لامجال للتداخل فی الماهیتین المتباینین.

فلایجوز الإکتفاء بالوضوء الواحد فی المثال المزبور و إن کان فی المثال مناقشة لأنّ ناقض الوضوء هو صرف وجود الناقض وهو لایتکرّر فالأولی أن یذکر طواف النساء فی ما إذا أتی بعمرتین فإنّ کلّ عمرة توجب طواف النساء غیر طواف النساء الذی اقتضته عمرة أُخری فالمغایرة بین الفردین تمنع عن امتثالهما بوجود واحد فاللازم هو أن یأتی بطواف النساء مرّتین ولایکتفی بطواف واحد أللّهمّ إلّا أن یقال یمکن إلقاء الخصوصیّات الفردیّة ومعه تکون الصورة الذهنیّة من کلّ فرد بمنزلة الکلّی فتأمّل.

مقتضی الأصل فی الشک فی تداخل الأسباب

ولایخفی أنّ الشکّ فی تداخل الأسباب وعدمه یرجع الی احتمال کون المؤثّر هو الجامع المنطبق علی أوّل الوجود أو کلّ واحد من الأسباب فالمتیقن حینئذٍ هو حدوث تکلیف واحد ویرجع فی الزائد إلی إصالة البراءة.

هذا مضافاً إلی جریان استصحاب عدم النجاسة بالسبب الثانی فیما إذا أصاب البول ید شخص مرّتین و متعاقبین لأنّ بعد الإصابة الأُولی کان المعلوم هو عدم تنجّس الید بسبب آخر فإذا حدث الإصابة الثانیة و شکّ فی حدوث النجاسة ثانیاً یستصحب عدمه.

وإن أصابا دفعة وشکّکنا فی أنّ کلّ واحد مؤثّر أو الجامع بینما فاستصحاب جامع النجاسة بعد العمل بالمتیقّن من التکلیف جار ولکن لاأثر له إذ الأثر مترتّب علی الأفراد لاعلی الجامع واستصحاب جامع النجاسة لإثبات تأثیر کلّ واحد منهما مثبت.

وکیف کان فالشکّ فی التکلیف الزائد علی المقدار المتیقّن یکون مجری لإصالة البراءة.

ص:345

مقتضی الأصل فی الشکّ فی تداخل المسببّات

ولایذهب علیک أنّ الشکّ فی تداخل المسبّبات وعدمه یرجع إلی الشکّ فی الامتثال و السقوط بعد الفراغ عن أصل ثبوت التکلیف و اشتغال الذمّه به.

وحینئذٍ فإن کان إطلاق المتعلّقات کافیاً لدفع احتمال مدخلیّة التقدّم و التأخّر وإحراز إمکان التصادق فلاشکّ فی کفایة الإتیان بما یتصادق العنوانان علیه.

وإن لم یکن إطلاق أو کان الدلیل لُبّیا أو کان مجملاً فمقتضی الأصل هو عدم التداخل و لزوم الإتیان بکلّ واحد من الأسباب حتّی یحصل الفراغ الیقینی بعد الاشتغال الیقینی.

ص:346

الفصل الثالث: فی مفهوم الوصف

اشارة

ذهب المشهور إلی أنّ إثبات حکم لذات مأخوذة مع بعض صفاتها لایستلزمه انتفاء ذلک الحکم عند انتفاء تلک الصفة.

ویقع البحث عنه فی مقامین:

أحدهما: فی محلّ النزاع، و لاإشکال فی شمول عنوان البحث للوصف المعتمد علی الموصوف کقولهم أکرم رجلاً عالماً و أمّا ما لم یعتمد علی الموصوف کقولهم أکرم عالماً فقد یقال بخروجه عن عنوان البحث بدعوی أنّه لافرق بین اللقب و الوصف غیر المعتمد فکما أنّ اللقب لایدلّ علی المفهوم من دون خلاف فکذلک الوصف غیر المعتمد و الملاک فی عدم الدلالة فیهما واحد و هو أنّ الحکم الثابت فی القضیة لعنوان اشتقاقیّاً کان أو ذاتیّاً لاتدلّ القضیة إلّا علی ثبوت هذا الحکم لهذا العنوان و أمّا انتفاء الحکم عن غیر العنوان المذکور بجهة من الجهات فلا إشعار لها فضلاً عن الدلالة علیها.

ویمکن أن یقال: أنّ قیاس الوصف غیر المعتمد علی اللقب فی غیر محلّه فإنّ الذات فی الوصف غیر المعتمد کالمذکور عند العرف و إن قلنا ببساطة المشتقّ فإنّ مفهوم ضارب مثلاً و إن کان بسیطاً ویعبّر عنه فی اللغة الفارسیة ب - «زننده» ولکن هذا المفهوم عند

ص:347

العرف یحتوی الذات بخلاف اللقب فإنّه لایکون کذلک نعم یمکن تحلیله عقلاً بالذات والعنوان ولکنّ المعیار هو التفاهم العرفی لاالتحلیل العقلیّ فالأظهر کما أفاد الشیخ الأعظم قدس سره هو دخول الوصف غیر المعتمد فی عنوان البحث فراجع.

ویؤیّده بعض الاستدلالات والأجوبة کالاستدلال بقوله علیه السلام مطل الغنی ظلم علی أنّ مطل غیر الغنی لیس بظلم والجواب عنه بأنّ الدلالة مع القرینة لامانع منها و إنّما الکلام فیما إذا کان الکلام خالیاً عن القرینة مع أنّه لو لم یکن الوصف غیر المعتمد داخلاً فی محلّ البحث کان الأولی فی الجواب عنه بکونه من قبیل مفهوم اللقب لا الوصف.

ثمّ إنّ الوصف إمّا وصف أخصّ کقولهم أکرم إنساناً عالماً أو الوصف الأعمّ من وجه کقوله صلی الله علیه و آله و سلم و فی الغنم السائمة زکاة.

وکلاهما داخلاً فی عنوان البحث و أمّا الوصف المساوی کقولهم أکرم إنساناً ضاحکاً بالقوّة أو الوصف الأعمّ المطلق کقولهم أکرم إنساناً ماشیاً فلاإشکال فی خروجهما عن محلّ البحث لأنّ الوصف المساوی أو الأعمّ المطلق لایوجبان التضییق فی ناحیة الموصوف حتّی یدلّ علی انتفاء الحکم فی الموصوف عند انتفاء الوصف بل عند انتفاء الوصف لایبقی موصوف کما لایخفی.

ثمّ یمکن إلحاق الحال والتمییز وغیرهما من قیود الموضوع فإنّ مناط المفهوم فی الوصف یأتی فی تلک الموارد أیضاً ولکن مقتضی وجود المناط فیها هو الإلحاق کما ذکرنا لا الإدخال لعدم صدق عنوان الوصف علی أمثال هذه الموارد فتدبّر جیّداً.

وثانیهما: فی أدلّة المثبتین

منها: التبادر کما یشهد له فاتبادر عدم مطلوبیّة شراء العبد الأبیض من قول المولی لخادمه إشتر لی عبداً أسود.

ص:348

وفیه: منع واضح لأنّ عدم مطلوبیّته شراء العبد الأبیض من ناحیة هذا الخطاب لایستلزم عدمه مطلوبیته بسائر الجهات.

ومنها: دعوی وضع الوصف للعلّیّة المنحصرة وفیه أیضاً منع واضح لعدم شاهد لذلک بل لادلالة للوصف علی العلّیّة فضلاً عن انحصارها وما اشتهر من أنّ تعلیق الحکم علی الوصف مشعر بالعلّیّة منظور فیه لاحتمال خصوصیّة المورد و دخالة الموضوع أو المتعلّق الموصوف و علیه فلایدلّ التعلیق المذکور علی أنّ الوصف علّة تامّة و علی فرض التسلیم لاینفی احتمال تعدّد العلّة هذا مضافاً إلی أنّه مجرّد إشعار وهو غیر الدلالة.

ولایقاس الوصف بالشرط لما عرفت من وضع الشرط للإناطة و العلّیّة و دلالة اطلاق الشرط علی الانحصار و لاوضع ولادلالة فی الوصف کما لایخفی.

ودعوی أنّ الوصف بعنوانه متمّم لقابلیّة القابل والموضوع وهو معنی الشرط حقیقة وحیث أنّ الظّاهر دخله بعنوان الخاصّ لا بعنوان کونه مصداقاً للجامع بینه و بین غیره وأنّ المنوط بهذا الوصف نفس الوجوب بما هو وجوب لا بما هو شخص من الوجوب فلامحالة ینتفی سنخ الوجوب بانتفاء ما هو دخیل فی موضوعیّة الموضوع لسنخ الحکم فقیاس الوصف بالشرط فی محلّه مندفعة بأنّ الوصف متمّم لقابلیّة الموضوع وعلل قوامه لا من علل الحکم وهذا هو الفرق بین الوصف والشرط فإنّ الشرط من علل الأحکام والوصف من علل الموضوعات وانحصار تتمیم الموضوع فی وصف لایدلّ علی علّیّة الموضوع أو انحصار العلّیّة فی الموضوع بالنسبة إلی الحکم وعلیه فلاوجه لجعل الوصف فی معنی الشرط وإرجاع القضیّة الوصفیّة إلی القضیّة الشرطیّة.

ومنها: أنّ الأصل فی القیود أنّها للاحتراز ولامعنی للاحتراز إلّا هو المفهوم.

وبعبارة أُخری أنّ التخصیص بأمر زائد علی الذات کقولک صلّ خلف العادل لابدّ

ص:349

فیه من فائدة وحیث أنّه لا فائدة إلّا نفی الحکم عن غیر الموصوف بوصف کذا أوجب ذلک القطع بهذا النفی ولیس ذلک إلّا هو المفهوم.

یمکن أن یقال: لا کلام فی ما إذا علم أنّ الموصوف علّة منحصرة فی ترتّب الحکم علیه فإنّ الحکم حینئذٍ ینتفی بانتفاء الموصوف ولکنّه لیس من جهة دلالة الجملة الوصفیّة بل لقیام قرینة خاصّة.

والأصل فی القیود وإن کان للاحتراز إلّا أنّه لدفع احتمال کون الوصف مذکوراً من باب الاهتمام أو التوضیح أو الابتلاء وإثبات دخالته فی تحقّق موضوع الحکم وهذا لایوجب حمل الأوصاف والقیود علی بیان العلّة فضلاً عن انحصارها لأنّ الاحتراز یکفیه دخالة القیود والأوصاف فی تحقّق موضوع الحکم وتضیقه ولاموجب للأزید منه ما لم یقم قرینة خاصّة وبالجملة إثبات شیء لشیء لاینفی إثباته عمّا عداه.

فإذا قیل جئنی بحیوان ناطق لایدلّ هذه الجملة إلّا علی مطلوبیّة إیتاء الانسان للخدمة ولاینافی هذا مطلوبیّة إیتاء الحیوان أیضاً لجهة من الجهات کالرکوب ونحوه ولذا لو قیل بعد هذه العبارة جئنی بحیوان فهم منه تعدّد المطلوب فکما أنّ جئنی بإنسان لامفهوم له فکذلک جئنی بحیوان ناطق لامفهوم له و وصف الناطقیة لا یدلّ علی انحصار المطلوبیّة فی الحیوان الناطق کما لایخفی.

ومنها: أنّه لو لم تدلّ القضیّة الوصفیّة علی المفهوم فلاموجب لحمل المطلق علی المقیّد وقد أنکر شیخنا بهاء الدین قدس سره علی منکری مفهوم الوصف بقوله بأنّهم قد قیّدوا بمفهوم الصفة فی نحو أعتق فی الظهار رقبة مؤمنة فإذا لم یکن مفهوم الصفة حجة عندهم کیف یقیّدون بها فما هذا إلّا التناقض.

فممّا ذکر یظهر أنّ مورد عدم حجّیّة المفهوم مختصّ بغیر موارد الإطلاقات وأمّا فیها فمفهوم الوصف حجّة.

ص:350

یمکن أن یقال: لافرق فی عدم حجّیّة مفهوم الوصف بین موارد الإطلاقات وغیرها ما لم یحرز وحدة المطلوب بقرینة خارجیّة إذ لاوجه لحمل المطلقات علی المقیّدات فی المثبتات لاحتمال مطلوبیّة کلیهما فمع عدم إحراز وحدة المطلوب فالمقیّد یدلّ علی مطلوبیّة المقیّد ولاینافی ذلک مع مطلوبیّة المطلق أیضاً بدلیل آخر وعلیه فانتفاء الوصف لایدلّ علی عدم حکم آخر بالنسبة إلی ذات الموصوف بعد احتمال تعدّد المطلوب.

نعم لو کان المطلوب واحداً کما فی مثال إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة فاللازم لوجود المنافاة بین الطلب البدلی و جواز الاکتفاء بکل واحد من أفراد الطبیعة مع الطلب التعینی و ارادة خصوص بعض الافراد من الطبیعة هذا فیما اذا کان العموم بدلیاً و اما اذا کان العموم استغراقیاً کقولنا أکرم العلماء و أکرم عدون العلماء فیحمل علی تعدد المطلوب اذ لامنافاة بین ان یکون الواجب احترام جمیع الأفراد و بین أن یکون بعض الأفراد مورد الاحترام من جهة اخری و هی العلم و مثله اذا ورد المنفیان یکون أحدهما مقیّداً کما اذا ورد یحرم النظر إلی العورة و ورد یحرم النظر إلی عورة المؤمن لان شمول الاول استغراقی فیشمل مورد الاخر و لامانع من أن یکون النظر بالنسبة إلی کل فرد حراماً و علیه فیکون حرمة النظر إلی عورة المؤمن من جهة تعدد المطلوب و حرمة اخری هو حمل المطلق علی المقیّد والمراد من الحمل أنّ المقصود من المطلق فی الخطاب المذکور هو المقیّد فقوله أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة فی قوّة أن یقال من أوّل الأمر أعتق رقبة مؤمنة فالقید والوصف لتحدید الموضوع ولیس ذلک من جهة دلالة الوصف علی المفهوم بل من جهة العلم بوحدة الطلوب وحصول المناقضة العرضیّة بینهما.

فإنّ مقتضی المطلق أنّه هو المطلوب لا المقیّد و مقتضی المقیّد أنّه هو المطلوب لاالمطلق والجمع بینهما یقتضی حمل المطلق علی المقیّد لمنصوصیّة دلالته بالنسبة إلی

ص:351

المطلق ولأنّ رفع الید عن المقیّد یوجب لغویّة المقیّد بخلاف العکس فإنّ المطلق یإطلاقه یشمل المقید أیضاً وهذا الجمع غیر مرتبط بالمفهوم بل یکون من جهة المنطوقین المذکورین فتحصّل أنّ مفهوم الوصف لیس بحجّة لافی المطلقات و لافی غیرها ما لم یقم قرینة خاصّة کمقام التحدید ونحوه.

بل بعد العلم بوحدة المطلوب وحمل المطلق علی المقیّد یحکم بعدم کون المطلق محکوماً بالحکم المذکور فی القضیّة و لادلالة للقضیّة علی انتفاء الحکم عن المطلق بجهة أُخری من الجهات بعدما عرفت من عدم دلالة الجملة الوصفیّة علی المفهوم فلاتغفل.

هنا تفصیلان:

أحدهما: الفرق بین الأحکام الوضعیّة والأحکام التکلیفیّة بمنع المفهوم فی الثانیة دون الأُولی لعدم التعدّد والشدّة والضعف فیها بخلاف الأحکام التکلیفیّة فاللازم هو حمل المطلق علی المقیّد فی الوضعیّات وفیه أنّ وجه حمل المطلقات فی الوضعیّات علی المقیّدات هو العلم بوحدة السبب فیها غالباً وهو کما عرفت موجب للحمل المذکور مطلقاً من دون فرق بین الأحکام التکلیفیّة والأحکام الوضعیّة ومع وحدة السبب یکشف عدم قابلیّة المطلق للسببیّة فنفی السببیّة عن المطلق لیس من جهة مفهوم الوصف بل من جهة عدم قابلیّة المطلق للسببیّة و وحدة السبب.

وثانیها: أنّه لافرق فی عدم دلالة الوصف علی المفهوم بین نفی الحکم عن حصص أخری غیر الحصّة المذکورة کقولنا أکرم رجلاً عالماً فإنّه لایدلّ علی نفی وجوب الإکرام عن حصّة أخری کالرجل العادل أو الهاشمی ونحوهما وبین نفی الحکم عن طبیعی موصوفه علی نحو الإطلاق کقولنا أکرم رجلاً عالماً فإنّه لایدلّ علی نفی وجوب الإکرام عن طبیعة الرجل بجهة من الجهات غیر الجهة المذکورة فی شخص هذه القضیّة و

ص:352

بالجملة، فکما لادلالة للوصف علی المفهوم بحسب الأوّل فکذلک لادلالة له علی المفهوم بحسب الثانی.

وظهور القید فی الاحتراز ودخله فی الموضوع لاینفی الحکم عن طبیعی موصوفه من سائر الجهات غیر الجهة المذکورة فی شخص هذه القضیّة إذ کلّ قید و إن کان فی نفسه ظاهراً فی الاحتراز ودخله فی الموضوع نفی أنّ الحکم غیر ثابت له إلّا مقیداً بهذا القید لامطلقاً وإلّا لکان القید لغواً ولکن ذلک کلّه بالنسبة إلی شخص الحکم المذکور فی القضیّة ولانظر له بالنسبة إلی سنخ الحکم ولو من سائر الجهات وعلیه فکما أنّ الوصف لاینفی الحکم عن سائر الحصص فکذلک لاینفی سنخ الحکم عن طبیعة الموصوف من سائر الجهات.

فلامجال لاستنتاج حمل المطلق علی المقیّد ولو کان التکلیف متعدّداً بدعوی أنّ القید ظاهر فی الاحتراز فیدلّ علی أنّ الحکم وهو وجوب الإکرام لم یثبت لطبیعة الموضوع علی الإطلاق وإنّما یثبت لحصّة خاصّة منه وهو العالم العادل فی مثل قوله أکرم عالماً وأکرم عالماً عادلاً من دون فرق بین کون التکلیف واحداً أو متعدّداً وذلک لما عرفت من عدم المنافاة بین عدم ثبوت شخص الحکم المذکور فی هذه القضیّة لطبیعة الموضوع علی الإطلاق وبین أن یکون محکوماً بسنخ الحکم بجهة أخری غیر شخص هذا الحکم.

وعلیه فلامنافاة بین أکرم عالماً وأکرم عالماً عادلاً إلّا إذا أحرز وحدة المطلوب وهکذا لامنافاة بین لاتکرم عالماً ولاتکرم عالماً فاسقاً إلّا إذا أحرز وحدة المطلوب وأمّا مع عدم إحراز وحدة المطلوب فمقتضی أدلّة أکرم عالماً هو مطلوبیّة إکرام طبیعة العالم کما أنّ مقتضی قوله لاتکرم عالماً هو النهی عن إکرام طبیعة العالم فتدبّر جیّداً.

ص:353

ص:354

الفصل الرابع: فی مفهوم الغایة

ویقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی دلالة الغایة علی المفهوم

ذهب المشهور بل المعظم إلی أنّ تقیید حقیقة الحکم بالغایة یدلّ علی انتفاء الحکم سنخا بعد الغایة بناء علی دخول الغایة فی المغیّی أو یدلّ علی انتفائه سنخا عن الغایة وما بعدها بناء علی خروج الغایة.

ویشهد له التبادر إذ تقیید حقیقة الحکم بحدّ خاصّ ظاهر فی ارتفاعه بحصول الحدّ بالخصوص ومقتضی ارتفاع حقیقة الحکم بحصول الحدّ الخاصّ هو ارتفاع جمیع أفراده إذ حقیقة الحکم وطبیعته لایرتفع إلّا بارتفاع جمیع أفراده فکما أنّ علّة حقیقة الوجوب بما هو وجوب إذا انحصرت فی شیء فلامحالة یقتضی انتفاء العلّة انتفاء سنخ الوجوب فکذلک فی المقام إذا حدّدت طبیعة الحکم وحقیقته بحدّ خاصّ فلامحالة تنتفی حقیقة الحکم بحصول الحدّ المذکور وإلّا لزم الخلف فی تحدیده بذلک الحدّ کما لایخفی.

ودعوی: أنّ المحدّد بالحدّ لیس هو الطبیعة و الحقیقة بل هو الحکم الجزئی الشخصی

ص:355

وارتفاع الحکم الجزئی والشخصی بحصول الحدّ لایدلّ علی ارتفاع طبیعة الحکم وحقیقته و سنخ الحکم.

مندفعة بأنّ جزئیّة إنشاء الحکم وخصوصیّته لیست مورد الالتفات عند الإنشاء لأنّ الهیئة آلة محضة للبعث والإغراء من غیر توجّه إلی الجزئیّة والکلّیّة والمفروض أنّ القضیة لیست القضیّة الشخصیّة بل القضیّة الطبیعیّة فالمحدّد هو الوجوب بما هو وجوب فإذا حصل الحدّ ینتفی الوجوب بما هو وجوب و معنی انتفائه بما هو هو انتفائه بجمیع أفراده.

وبعبارة أُخری دلالة القضیّة المغیّاة علی المفهوم من ناحیة دلالتها علی انتفاء حقیقة الحکم بحصول الغایة وهکذا دلالة الجمل الشرطیّة علی المفهوم من ناحیة دلالتها علی انتفاء حقیقة الحکم بانتفاء العلّة إذ مقتضی دلالتهما علی انتفاء حقیقة الحکم بانتفاء العلّة أو بحصول الحدّ الخاصّ هو انتفائه بجمیع أفراده.

ولیست هذه الدلالة فی القضیّة الوصفیّة فإنّها لمجرد إثبات حکم لموصوف و لادلالة فیها علی الانتفاء عند الانتفاء وعلیه فما ذهب إلیه المشهور من دلالة القضیّة المغیّاة علی المفهوم وهو انتفاء سنخ الحکم بحصول الغایة لایخلو عن وجه ولکنّ ذلک مختصّ بما إذا کانت الغایة قیداً للحکم وأمّا إذا کانت قیداً للموضوع کقوله تعالی:(فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ) أو قوله تعالی (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَیْنِ) أو کانت قیداً للمتعلّق کالأمر بالسیر من البصرة إلی الکوفة فلامفهوم لها لأنّ الجملة حینئذٍ تکون کالجمل الوصفیّة فی الدلالة علی مجرّد اثبات الحکم للموضوع أو المتعلّق و لادلالة لها علی الانتفاء عند الانتفاء.

ثمّ لایخفی علیک أنه ذکر بعض أموراً لتشخیص کون الغایة غایة للحکم أو قیداً

ص:356

للموضوع أو المتعلّق ولکنّه لایخلو عن تأمّل ونظر فالأولی هو إحالة ذلک إلی لاستظهار العرفی

المقام الثانی: فی دخول الغایة أو خروجها والظّاهر أنّه لافرق بین أن یکون الغایة غایة للموضوع أو غایة للحکم فی ظهورها فی الخروج لأنّ المراد من الغایة هو ماینتهی عنده الشیء لا آخر نفس الشیء ومن المعلوم أنّ حدود الشیء خارج عن الشیء سواء کان الشیء موضوعاً أو حکماً نعم ربّما یستعمل الغایة فی آخر نفس الشیء وحینئذٍ لاتدلّ علی خروجها کقولک قرأت القرآن من أوّله إلی آخره وأمّا فی مثل سر من الصبرة إلی الکوفة أو قوله عزّوجلّ:(أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیْلِ) فالکوفة خارجة عن مورد السیر الواجب فیجوز أن سار إلی جدارها ولم یدخل فیها کما أنّ الصیام ینتهی إلی اللیل وکان اللیل خارجاً عن الواجب وهو صوم الیوم.

ص:357

ص:358

الفصل الخامس: فی مفهوم الحصر

ولایذهب علیک أنّ حصر حکم فی شیء یدلّ بمفهومه علی نفی الحکم المذکور عن غیره و لاکلام فی ذلک وإنّما الکلام فی موارد إفادة الحصر وهی متعدّدة.

منها: کلمة الاستثناء نحو «إلّا» إذا لم تستعمل بمعنی الصفة أی الغیر وإلّا فلاتدلّ علی الاستثناء بل هی وصف فیدخل فی مفهوم الوصف وکیف کان فالإستثناء فی الإیجاب کقولک جائنی القوم إلّا زیداً یدلّ علی اختصاص الإیجاب بالمستثنی منه والنفی بالمستثنی وعلیه فغیر الجائی منحصر فی زید.

والاستثناء فی النفی کقولک ماجائنی القوم إلّا زید یدلّ علی اختصاص النفی بالمستثنی منه والإیجاب بالمستثنی وعلیه فالجائی منحصر فی زید والشاهد علی ذلک هو التبادر عند أهل اللسان.

ودعوی: أنّ المستفاد من قولک ماجائنی إلّا زید لیس إلّا عدم دخول زید فی الحکم المذکور وأمّا حکمه فیحتمل أن یکون موافقاً أو مخالفاً وشیء منهما غیر مستفاد من الکلام المذکور.

ص:359

مندفعة بوضوح دلالة الاستثناء علی الحکمین فی مثل لیس لزید علی دراهم إلّا درهم أحدهما نفی الدراهم وثانیهما إثبات الدراهم ولذا یحکم العقلاء باشتغال ذمّته بالدرهم بعد إقراره بذلک ولیس ذلک إلّا لدلالة الاستثناء وعلیه فدعوی إهمال الاستثناء بالنسبة إلی حکم المستثنی غیر مسموعة.

نعم ربّما تستعمل الجملة الاستثنائیّة مثل لا صلاة إلّا بطهور فی مقام الإرشاد إلی اشتراط الصلاة بالطهارة ولیست الجملة حینئذٍ بعدد الإخبار عن العقد السلبی والایجابی وفی مثله لامفهوم للاستثناء وأین هذا من مثل ما جاءنی القوم إلّا زید.

ویشهد علی تبادر الاختصاص والحصر من الاستثناء قبول رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم إسلام من قال کلمة لا إله إلّا اللّه إذ لیس هذا إلّا لدلالة هذه الکلمة علی التوحید والإخلاص ولو کان الاستثناء مهملاً من ناحیة حکم المستثنی فلاوجه للقبول المذکور کما لایخفی.

ثمّ وقع الکلام استطراداً فی أنّ کلمة التوحید تفید توحید الذات أو توحید المعبود ذهب الشیخ الأعظم إلی الأوّل وتبعه المحقّق الخراسانی قدس سره وقال فی الکفایة إنّ المراد من الإله هو واجب الوجود ونفی ثبوته ووجوده فی الخارج وإثبات فرد منه فیه وهو اللّه یدلّ بالملازمة البیّنة علی امتناع تحقّقه فی ضمن غیره تبارک وتعالی ضرورة أنّه لو لم یکن ممتنعاً لوجد لکونه من أفراد الواجب.

وأورد علیه بأنّ هذا المعنی بعید عن أذهان العامّة هذا مضافاً إلی أنّ العرب فی صدر الإسلام لم یکونوا مشرکین فی أصل واجب الوجود بل کانوا مشرکین فی العبادة فکلمة الإخلاص ردع لهم فی الشرک فی العبادة فقبول کلمة التوحید إنّما هو لأجل نفی الآلهة (أی المعبودین) لا إثبات وجود الباری تعالی فإنّه کان مفروغاً عنه.

علی أنّ لفظة الإله تطلق علی المعبود بحسب اللغة لا واجب الوجود فالمناسب أن یراد منها فی کلمة التوحید المعبود بالحق أی لامعبود بالحقّ إلّا اللّه.

ص:360

ویمکن الجواب: بأنّ إرتکاز وحدة الخالق وواجب الوجود غیر بعید عن أذهان الآحاد ولذا متی سئل المشرکون عن خالق السموات والأرض أجابوا بأنّه هو اللّه ومع وجود هذا الارتکاز لامانع من إرادة التوحید الذاتی.

ودعوی: أنّ العرب کانوا مشرکین فی العبادة لا فی الذات فلاحاجة إلی التوحید الذاتی کما تری إذ هذه الکلمة لیست مخصوصة بجماعة المشرکین المعاصرین للنبی صلی الله علیه و آله و سلم الذین اعتقدوا بوجود الخالق الأصلی بل هی لجمیع الطوائف والملل ولو لم یعتقدوا بوجود الخالق أصلاً کالمادّیین والملحدین فلاوجه لتخصیص هذه الکلمة بتلک الطائفة.

وأمّا استعمال کلمة الإله فی واجب الوجود فی المحاورات فهو موجود ولعلّ منه لو کان فیهما آلهة غیر اللّه لفسدتا.

هذا مضافاً إلی إمکان أنّ یقال أن الإله بمعنی المستحقّ للعبادة ذاتاً وهو مساوٍ لواجب الوجود ویدلّ علی کلا الأمرین أی التوحید الذاتی والتوحید فی العبادة لأنّ الإله بمعنی المستحقّ للعبادة وإن لم یعبد بالفعل راجع الی الصفات الذاتیّة الراجعة إلی نفس الذات فإنّ استحقاق العبادة من أجل المبدئیّة والفیاضیّة فیستحقّ العلّة انقیاد المعلول لها وتخضّعه لها فنفی فعلیّة هذا المعنی عن غیره تعالی لعدم کونه بذاته مبدأ مقتضیاً لذلک ویستحیل أن ینقلب عمّا هو علیه فینحصر المستحقّ للعبادة ذاتاً فی اللّه تعالی فتأمّل.

ومنها: کلمة «إنّما» وهی علی المعروف تکون من أداة الحصر مثل کلمة «إلّا» فإذا استعملت فی حصر الحکم أو الصفة فی موضوع معین دلّت بالملازمة البیّنة علی انتفاء الحکم أو الصفة عن غیر ذلک الموضوع.

ویشهد له التبادر عند أهل اللسان مضافاً إلی تصریح أهل اللغة و دعوی عدم الخلاف بل الإجماع علیه کما علیه أئمّة التفسیر.

ص:361

ویشکل ذلک بأنّه لاسبیل لنا إلی ذلک فإنّ موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة ولایعلم بماهو مرادف لها فی عرفنا حتی یستکشف منها ما هو المتبادر منها.

وأمّا النقل المذکور فاعتباره موقوف علی اعتبار قول اللغوی فی تشخیص الأوضاع وهو غیر ثابت هذا مع احتمال أن یکون ذلک من اجتهاداتهم وتمسّک العلماء بمثل حدیث إنّما الأعمال بالنیّات لفساد العمل بلانیّة لایجدی لأنّه لایزید عن مجرّد الاستعمال.

وأجیب عنه: بأنّ السبیل إلی التبادر لاینحصر بالانسباق إلی أذهاننا فإنّ الانسباق إلی أذهان أهل اللسان کالأعشی والمبرّد أیضاً سبیل هذا مضافاً إلی انسباق ذلک إلی أذهان الذین سکنوا البلاد العربیّة سنوات متمادیّة کالأزهری وغیره ویکفی لإثبات التبادر عند أهل اللسان ما حکاه المفسّرون من أهل الأدب العربی من الأقوال والأشعار فإنّها توجب الاطمئنان بذلک.

قال فی مجمع البیان لفظة «إنّما» مخصّصة لما أثبت بعده نافیة لما لم یثبت یقول القائل لغیره إنّما لک عندی درهم فیکون مثل أن یقول إنه لیس لک عندی إلّا درهم وقالوا إنّما السخاء حاتم یریدون نفی السخاء عن غیره والتقدیر إنّما السخاء سخاء حاتم فحذف المضاف والمفهوم من قول القائل إنّما أکلت رغیفاً وإنّما لقیت الیوم زیداً نفی أکل أکثر من رغیف ونفی لقاء غیر زید وقال الأعشی:

ولست بالأکثر منهم حصَیً وإنّما العزّةُ للکاثر

أراد نفی العزّة عمّن لیس بکاثر(1) والأعشی أحد المعروفین من شعراء الجاهلیّة.

وقال الزمخشری فی ذیل قوله تعالی:(إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ) و یعنی إنّما اختصاصهم بالموالاة.(2)

ص:362


1- (1) مجمع البیان، ج 3، ص 209.
2- (2) الکشاف، ج 1، ص 623.

وأیضاً تاج العروس والصحاح ظاهران فی أنّ الحصر مما یفیده کلمة «إنّما» عند ابناء المحاورة و حمله علی اجتهاداتهم بعید جدّاً.

ودعوی أنّ قوله تعالی:(إِنَّما مَثَلُ الْحَیاةِ الدُّنْیا کَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) مع أنّه لاشکّ فی أنّ الحیاة الدنیا لها أمثال أخری یدلّ علی عدم إفادة إنّما للحصر.

مندفعة: أوّلاً: بأنّ الاستعمال بالقرینة فی غیر المعنی الموضوع له لاینافی تبادر الحصر الموضوع له من الکلمة.

وثانیاً: بأنّ «إنّما» استعملت فی الآیة المذکورة فی الحصر الإضافی والمقصود منه هو نفی ما توهّمه أهل الدنیا بالنسبة إلی الدنیا ومن المعلوم أنّ إفادة الحصر الاضافی حاکیة عن کون الکلمة موضوعة للحصر الحقیقی.

ومنها: کلمة «بل» الإضرابیّة وهی علی أنحاء لأنّها إمّا مستعملة فی مقام إثبات الحکم لشیء آخر زائداً علی الموضوع السابق مثل جاء غلام زید بل زید.

وإمّا مستعملة للترقّی مثل یجوز صلاة الجمعة بل تجب.

ولاتفید الصورتان المذکورتان للحصر.

وإمّا مستعملة لإبطال السابق وإثبات اللاحق ففی هذه الصورة إمّا أتی بها غفلة کقوله اشتریت داراً بل دکّاناً أو توطئة وتأکیداً کقوله قدم رکبان الحجّاج بل المشاة وعلی کلّ التقدیرین لایدلّ علی الحصر وإمّا أتی بها لردع السابق وإثبات اللاحق جدّاً و لاإشکال فی أنّ القسم الأخیر یفید الحصر ویمکن أن یقال أنّ بل الإضرابیّة ظاهرة فی هذا القسم لأنّ احتمال الغفلة وسبق اللسان مندفع بإصالة عدم السهو والخطأ کما أنّ احتمال التوطئة والتأکید مندفع بإصالة الجدّ فما لم تقم قرینة خاصّة علی الأُمور المذکورة تکون حکمة «بل» الإضرابیّة ظاهرة فی القسم الأخیر من إبطال ما سبق وتخصیص الحکم باللاحق وهذا التخصیص یفید الحصر.

ص:363

والإنصاف أنّ إفادة القسم الأخیر للحصر تتوقّف علی إحراز کون المتکلّم فی مقام تخصیص سنخ الحکم بمدخول «بل» وهو غیر ثابت.

ومنها: إفادة الحصر من ناحیة تعریف المسند إلیه بلام الجنس مع حمل المسند الأخصّ علیه کقوله عزّوجلّ:(الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ).

قال فی الکفایة ما محصّله أنّ التحقیق أنّه لایفید الحصر لأنّ الأصل فی اللام وإن کان أنّه لتعریف الجنس ولکنّ الجنس بنفسه لایفید الحصر إذ إثبات المحمول للطبیعة لایقتضی سوی اتّحادها به فی الجملة کما أنّ الأصل فی الحمل هو الحمل المتعارف الذی ملاکه هو مجرّد الاتّحاد فی الوجود لاحصر المسند إلیه فی المسند.

نعم لو قامت قرینة علی أنّ اللام للاستغراق أو أنّ مدخوله أخذ بنحو الإرسال والإطلاق أو أنّ الحمل کان ذاتیّاً فحمل المسند علی المسند إلیه المذکور یفید الحصر ولعلّه من ذلک قوله عزّوجلّ:(الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ) فإنّ مقام الشکر قرینة علی أنّ المراد هو انحصار جنس الحمد به جلّ وعلا.

ویمکن أن یقال: لاحاجة فی إفادة الحصر إلی إثبات الاستغراق أو الإرسال بل یکفی لام الجنس لذلک إذا کان المسند إلیه أءعمّ من المسند ولو من وجه إذ ظاهر لمبتدأ و الخبر أنّ المبتدأ لایوجد بدون الخبر فإذا اکتفی بواحد من الأخبار دون غیره یفید لام الجنس الحصر وعلیه فإن کان المسند إلیه أعمّ من المسند کما إذا کان المراد منه الجنس لاینفکّ الجنس عن المسند ومعنی عدم الانفکاک هو حصره فیه فالحصر یکون من لوازم حمل الأخصّ ولو من وجه علی الأعمّ ولو کان الحمل حملاً شایعاً صناعیّاً ثمّ إنّ الحصر المستفاد من قوله عزّوجلّ:(الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ) یکون من ناحیة حصر الجنس الأعمّ فی الأخصّ لا من ناحیة قرینة المقام ثمّ إنّه یحمل الحصر علی الحقیقة فیما إذا

ص:364

أمکن کما فی مثل قوله تعالی:(الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ) وعلی الحصر الادّعائی فیما إذا لم یمکن الحمل علی الحقیقة کقولنا الإنسان زید.

وبالجملة لافرق فیما ذکر بین أن یکون النسبة بین المسند إلیه والمسند هی العموم والخصوص أو هی العموم من وجه فقوله صلی الله علیه و آله و سلم الأئمّة من قریش یفید الحصر لحمل الأخصّ من وجه علی الأعمّ من وجه أی جنس الائمّة فی الإسلام منحصر بالقریش ولیس من غیرهم.

وعلیه فلاوجه لإنکار إفادة لام الجنس للحصر مع حمل الأخصّ علیه؛ فلاتغفل.

ص:365

ص:366

الفصل السادس: فی مفهوم اللقب و العدد

أمّا الأوّل وهو اللقب فلامفهوم له إذ إثبات حکم لموضوع لاینفی سنخ الحکم عن غیره و دعوی أنّه لولا المفهوم لزم العراء عن الفائدة ممنوعة لمدخلیّته فی شخص الحکم ولذا یتقوّم شخص الحکم به وینتفی بانتفائه عقلاً.

وربّما یتسدلّ له بأنّ قول القائل لا أنا بزانٍ و لاأختی زانیة رمی المخاطب ولأُخته بالزنا و لذلک أوجبوا علیه حدّ القذف وفیه أنّه إن صحّ ذلک فهو بواسطة قرینة المقام وهو خارج عن محلّ الکلام وبالجملة قوله زید موجود لایدلّ علی أنّ عمرواً لیس بموجود.

وعلیه فلادلالة لللقب علی المفهوم وإنتفاء سنخ الحکم عن غیر مورده وأمّا إنتفاء شخص الحکم بانتفاء موضوعه فلیس بمفهوم.

نعم لو کان المتکلّم فی مقام تعدید الموجودین واکتفی بموضوع خاصّ.

وقال مثلاً زید موجود دلّ الکلام المذکور علی انتفاء الحکم عن غیر الموضوع المذکور بسبب مقدّمات الإطلاق فتکون النتیجة نفی سنخ الحکم عن سائر الموضوعات ولکنّ الغالب أنّه فی مقام حکم المورد لاسائر الموارد کما لایخفی.

ثمّ إنّ المراد من اللقب هو مطلق مایعبّر عن الشیء سواء کان إسماً له أو کنیة له أو لقباً اصطلاحیّاً وأمّا الوصف غیر المعتمد فقد مرّ أنّه ملحق بالوصف المعتمد وخارج عن اللقب فلاتغفل.

ص:367

وأمّا الثانی أعنی العدد فإن لم یکن المتکلّم فی مقام تحدید سنخ الحکم لا من طرف الأقلّ و لامن طرف الأکثر فلادلالة للعدد علی المفهوم لا من طرف الأقلّ و لامن طرف الأکثر فمثل قوله صم ثلاثة أیّام من کلّ شهر لایدلّ علی عدم استحباب غیرها من الأقلّ أو الأکثر وإنّما یلّ علی إختصاص الحکم المذکور فی هذه القضیّة بالثلاثة وعلیه فلایعارض مع ما دلّ علی استحباب غیرها لسکوته عنه.

وعلیه فمجرّد العدد بما هو العدد لادلالة له علی المفهوم ونفی سنخ الحکم لا من ناحیة النقیصة و لا من ناحیة الزیادة لأنّهما خارجتان عن حدود موضوع الدلیل فلاینافی ثبوت الحکم لهما بدلیل آخر لتعدّد المطلوب.

نعم إذا کان المتکلّم فی مقام البیان وتحدید سنخ الحکم من ناحیة الأقلّ کالعشرة فی الإقامة أو من ناحیة الزیادة کالعشرة فی الحیض أو من ناحیتین کعدد الرکعات فی الصلوات فلاإشکال فی دلالة العدد علی المفهوم ونفی سنخ الحکم ولکنّه مختصّ بما إذا أحرز أنّ المتکلّم فی مقام البیان من ناحیة أو من النواحی المذکورة.

ثمّ أنّه لو شکّ فی أنّ العدد مأخوذ بنحو «لابشرط» أو «بشرط لا» أمکن القول بالأوّل بمقدّمات الحکمة لأنّ أخذ العدد بنحو «بشرط لا» یحتاج إلی مؤونة زائدة وعلیه فلایکون الإتیان بالزیادة مضرّاً بامتثال العدد.

ص:368

الفصل السابع: فی مفهوم العلّة و الحکمة المنصوصیّن

اشارة

یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی العلّة المنصوصة

ولایخفی أنّ العلّة معمّمة بمنطوقها ومخصّصة بمفهومها.

ففی مثل قولهم لا تأکل الرمّان للحموضة یعلّل النهی عن أکل الرمّان بأنّه حامض ومقتضی عدم تقیید الحموضة بشیء آخر هو أنّ الحموضة بخصوصها من دون حاجة إلی ضمیمة شیء آخر تکون علّة للمنع المذکور فالحموضة علّة مستقلّة للنهی لاجزء العلّة.

وأیضاً مقتضی عدم تقیید الحموضة بحموضة المورد فی المنطوق هو أنّ الحموضة مطلقاً ولو لم تکن فی المورد المذکور فی المنطوق موجبة للنهی و لذا یتعدّی عن الرمّان إلی کلّ حامض و یحکم بحرمته و من هذه الجهة توصف العلّة بکونها معمّمة و بتعبیر آخر قوله للحموضة فی قوّة تعلیل تحریم الرمّان بکونه من مصادیق الحامض والحامض محرّم و هو کبری کلّیّة تدلّ علی تعمیم الحکم ولکن هذا التعمیم بمناسبة الحکم والموضوع یکون فی دائرة المأکولات و المشروبات فلایتعدّی عن مواردها إلی غیرها کالحمل و المسّ ونحوهما من الأُمور.

ص:369

ثمّ إنّ الاکتفاء بخصوص هذه العلّة أی الحموضة فی تعلیل النهی عن أکل الرمّان یقتضی بمقدّمات الحکمة أن تکون العلّة الوحیدة لحرمة الرمّان هی الحموضة لاغیر وعلیه فالعلّة المذکورة هی العلّة المنحصرة فی النهی المذکور والانحصار المذکور یوجب تخصیص عموم المنع عن أکل الرمّان بالرمّان الحامض وعلیه تدلّ العلّة بمفهومها علی جواز أکل الرمّان غیر الحامض ولذلک توصف العلّة الوحیدة بکونها مخصّصة ثمّ إنّ التعلیل المذکور یستفاد من أداة التعلیل کلام التعلیل وفاء التعلیل وکیّ التعلیل ولکیلا ولئلاّ و حوها فالعلّة فی هذه الموارد معمّمة و مخصّصة و یتعدّی عن موردها إلی سائر الموارد.

وأمّا التعلیل المستفاد من القضیّة الشرطیّة مختصّة بموضوع القضیّة الشرطیّة إذ اللازم فی مفهوم الشرط هو حفظ الموضوع فلایتعدّی عن الموضوع المذکور فی الشرط إلی غیره من الموضوعات إلّا بإلقاء الخصوصیّة فوجود تالی الأداة الشرطیّة علّة لترتّب الحکم علی هذا الموضوع و عدمه علّة لانتفاء سنخ الحکم عن هذا الموضوع و لاتعرّض فیه لحال غیره من الموضوعات کما لایخفی.

ثمّ أنّ مقتضی کون العلّة مخصّصة هو نفی الحکم عن الموضوع فیما إذا کان خالیاً عن العلّة و حینئذٍ فإن ورد فیه دلیل آخر یدلّ علی إثبات الحکم فیه یقع التعارض بینهما وحیث أنّ التعارض بینهما یکون تعارضاً تباینیّاً یندرجان تحت أخبار العلاجیّة وربّما یقال بتقدیم مفهوم التعلیل ولکنّه لادلیل له فتدبّر جیّداً.

المقام الثانی: فی الحکمة المنصوصة

ولایذهب علیک أنّ الحکمة المنصوصة لادلالة لها علی التخصیص لأنّها فی مقام تقریب الحکم المطلق لا فی مقام تحدیده وتقییده ولذا یکون إطلاق الحکم محفوظاً ولو فی موارد خلت عن الحکمة.

ص:370

وأمّا دلالة الحکمة المنصوصة علی التعمیم فالمشهور ذهبوا إلی العدم ولکن یمکن أن یقال الظّاهر أنّها کالتعلیل فی الدلالة علیه لأنّ المراد من الحکمة المنصوصة هی الحکمة الفعلیّة الباعثة علی الحکم التی لایرضی الشارع بإهمالها ومن المعلوم أنّ هذه الحکمة تصلح لأن تکون وجهاً للحکم الفعلی إذ مقتضی باعثیّتها علی النحو المذکور هو ثبوت الحکم أینما کانت بعد فرض عدم تقیّدها بالمورد الخاصّ و عمومیّتها.

ویشهد له تعدّی العقلاء عن موارد الحکمة إلی غیرها ممّا تکون الحکمة موجودة فیه بعینها ألا تری أنّ الحاکم إذا أمر أهل بلد بتلقیح مواد خاصّة مع التصریح بحکمته وهی شیوع مرض خاصّ.

یتعدّی أهل سائر البلاد عن البلد المذکور و یلتزمون بالأمر المذکور للحکمة التی نصّ علیها مع أنّ الحاکم لم یأمر إلّا أهل ذلک البلد.

ولیس ذلک إلّا لإفادة تعمیم الحکمة المنصوصة وهکذا لو أمر الحاکم أهل بلد بإقلال مصرف الماء مع التصریح بحکمته و هو دفع الهلاکة یتعدّی أهل سائر البلاد عن البلد المذکور و یلتزمون بالأمر المذکور بسبب الحکمة التی صرّح الحاکم بها إذا کانت الحکمة المذکورة موجودة فیها بعینها و إن لم یأمرهم الحاکم بذلک لجواز الاکتفاء بالحکمة المنصوصة.

لایقال: أنّ مقتضی ذلک هو التعدّی عن موارد الحکمة غیر المنصوصة أیضاً لأنّا نقول مع عدم التنصیص لاعلم بالحکمة ولابباعثیّتها بل لیست إلّا حکمة ظنیّة مع احتمال اقترانها بالموانع و الروادع و لایکون الحکمة المنصوصة کذلک إذ صرّح الشارع بکونها حکمة باعثة فعلیّة للحکم الّذی أمر به أو نهی عنه.

و قد حکی عن الأُستاذ المحقّق الحاج الشیخ الحائری قدس سره أنّه قال شأن الحکمة وإن

ص:371

کان عدم الاطّراد لکن فی خصوص جانب العدم أعنی لایدور عدم الحکم مدار عدمها و أمّا فی جانب الوجود فلایمکن أن لایدور مدارها بأن لایوجد الحکم مع وجودها.

ولعلّه لذلک ذهب أُستاذنا المحقّق الداماد قدس سره إلی أنّ الحکمة کالعلّة فی التعمیم دون التخصیص و قال إنّ مقتضی کون شیء حکمة هو جواز أن یوجد الحکم و هی غیر موجودة و أمّا إذا وجدت الحکمة فلا إشکال فی وجود الحکم ولو فی غیر موضوع الدلیل کما فی العلّة فافتراقها فی الجهة الأُولی لا الثانیة.

وظاهر کلامهما عدم تقیید الحکمة بالمنصوصة ولکن عرفت أنّ مع عدم التصریح بالحکمة لاعلم بها و لابباعثیّتها لاحتمال اقترانها بالموانع و الروادع فالقول بتعمیم مطلق الحکمة وإن لم تکن منصوصة محلّ إشکال و کیف کان فقد استدلّ بالحکمة السیّد المحقّق الخوئی قدس سره لجواز إقامة الحدود فی زمان الغیبة.

واستدلّ بها أیضاً المحقّق الحائری الحاج الشیخ قدس سره لعدم جواز السجود علی المأکولات ولو لم یصدق علیها الثمرة کالاسفناج والبقولات.

واستدلّ سیدنا الأُستاذ المحقّق الداماد قدس سره لحرمة النظر بشهوة إلی المحارم بسبب عموم الحکمة الواردة فی حرمة النظر بشهوة إلی الأجانبّ فعلیک بإمعان النظر؛ و اللّه هو الهادی.

ص:372

المقصد الرابع: فی العام و الخاص

اشارة

ص:373

ص:374

الفصل الأوّل: فی تعریف العامّ

اشارة

و هنا أمور:

الأمر الأول: فی تعریف العامّ الاُصولی

عرّف شیخنا الاُستاذ العامّ بأنّه ما یکون مسوَّراً بسور محیط بأفراد حقیقة واحدة، کما فی «کلّ عالم» و «العلماء» و «جمیع علماء»

و مقتضی هذا التعریف أنّ مثل لفظ «کلّ» و «جمیع» و «لام الاستغراق» من أدوات العموم و لیست بعمومات، کما أنّ لفظ «عالم» و «علماء» و نحوهما یکون من المطلقات لاالعمومات، و إنّما یصیر لفظ «عالم» و «علماء» من العمومات إذا صدِّرت بإحدی أدوات العموم.

فالعامّ هو مدخول أداة العموم، و هو الذی یشمل جمیع أفراده و یکون محیطاً بالنسبة إلیها، و هذا العامّ هو اللفظ بلحاظ معناه، لاالمفهوم.

و ممّا ذکر یظهر ما فی الکفایة حیث قال فی تعریف: «هو شمول المفهوم لجمیع ما یصلح أن ینطبق علیه» و ذلک لأنّ العموم و الخصوص لیسا من صفات المفهوم و المعنی، بل هما من صفات اللفظ باعتبار المعنی و لحاظه.

ص:375

وأیضاً جعل العامّ نفس الأداة لامدخولها کما تری؛ لأنّ أداة العموم لاتفید إلّا الاستیعاب، و لاحکایة لها عن المصادیق، و إنّما الحکایة لمدخولها، و لاوجه لإنکار حکایة طبیعة المدخول عن حصصها، مع أنّ الحکایة أمر عرفیّ و لیست عقلیّاً.

نعم یرد علی هذا التعریف: أنّه لایشمل العامّ الذی لیس بمسوَّر، کاسم الجمع مثل «قوم» و «ناس» بناءاً علی کونهما من ألفاظ العموم، و علیه فاعتبار تعدّد الدالّ و المدلول یکون بحسب الغالب، و العامّ فی الحقیقة هو لفظ یحیط بأفراده لا، سواء کانت إحاطته من جهة تعدّد الدالّ و المدلول أو من جهة وضع اللفظ للإحاطة الفعلیّة.

ثمّ الفرق بین العامّ الأُصولی و العامّ المنطقی یکون فی فعلیّة للإحاطة و عدمها، فإذا اعتبرت الإحاطة بالفعل فی التعریف فهو عامّ أصولیّ، و إذا لم یعتبر فیه ذلک - بل عرِّف بأنّه الذی لایمتنع فرض صدقه علی الکثیرین - فهو کلّی منطقیّ.

الأمر الثانی: فی أقسام العمومات

ینقسم العامّ إلی الاستغراقی و المجموعی و البدلی، والأوّل: هو الذی دلّ اللفظ فیه علی استیعاب تمام أفراد الطبیعة فی عرض واحد من دون اعتبار وحدتها و اجتماعها، مثل قولهم: «کلّ عالم».

والثانی: هو الذی دلّ اللفظ فیه علی استیعاب تمام الأفراد مع اعتبار الوحدة و الاجتماع، مثل «مجموع إنسان» أو «مجموع علماء».

والثالث: هو الذی دلّ اللفظ فیه علی استیعاب الأفراد علی البدل، مثل «أیّ رجل».

و امتثال الأوّل: یتمّ بإیتان کلّ واحد من أفراد العامّ، فإذا أتی ببعضٍ امتثل بالنسبة إلیه و عصی بالنسبة إلی غیره.

وامتثال الثانی: یتمّ بإتیان المجموع، ولو أخلّ ببعضه لم یمتثل التکلیف أصلاً.

ص:376

وامتثال الثالث: یتمّ بإتیان فرد واحد من دون اعتبار خصوصیة من خصوصیّات أفراد موضوع الخطاب.

الأمر الثالث: فی منشأ هذا التقسیم

لایخفی أنّ دلالة أدوات العموم علی الأقسام الثلاثة تکون بالوضع، ولاحاجة فیها إلی تعلّق حکم أو ملاحظة متکلّم أو قرینة اخری، و الشاهد لذلک: هو تبادر الاستغراق من لفظة «کلّ رجل»، و تبادر المجموع من لفظة «مجموع»، و تبادر الفرد الواحد من لفظة «أیّ رجل» فی قوله: «تصدَّق علی أیّ رجل رأیته».

و صحّة استعمال بعض هذه الأدوات فی الأُخری مع القرینة لاتکون علامة علی الاشتراک، کما فی اللام فإنّها موضوعة للجنس و قد تستعمل فی الاستغراق مع القرینة، و مع ذلک لیست مشترکة بین الجنس و الاستغراق.

الأمر الرابع: فی خروج أسماء الأعداد عن العمومات

و ذلک لأنّ آحاد مثل العشرة لیست أفراداً لها، بل هی أجزاء کأجزاء الکلّ و مقوِّمة لها، و لفظة العشرة لاتصدق علی کلّ فرد من الآحاد کما تصدق الطبیعة علی أفرادها، و علیه فلاتکون أسماء الأعداد کالعمومات.

و دعوی: أنّ مفهوم «کلّ عالم» لاینطبق أیضاً علی کلّ فرد من العالم، و لایضرّ ذلک بعد انطباق مدخول «کلّ عالم» علی کلّ فرد، و هکذا یکفی فی المقام انطباق عنوان الواحد علی کلّ واحد بعد کون کلّ عدد مؤلّفاً من الآحاد.

مندفعة: بأنّ مراتب الأعداد و إن تألّفت من الآحاد، إلّا أنّ الواحد لیس مادّة لفظ العشرة کی یکون له الشمول، بل العشرة لها مفهوم یباین سائر المفاهیم من مراتب الأعداد حتّی مفهوم الواحد، و بهذه الملاحظة لاینطبق مفهوم العشرة علی آحادها.

ص:377

فالعدد کعنوان الکلّ لاالکلیّ الشامل لأفراده، و هذا بخلاف المدخول فی العامّ الاستغراقی أو المجموعی فإنّه الکلّی الشامل لأفراده، فالفرق بین العام الاستغراقی والمجموعی و بین العشرة و نحوها من أسامی الأعداد واضح.

الأمر الخامس: أنّ أداة العموم مثل لفظة «کلّ» موضوعة فی اللغة لإفادة خصوص العموم، و مقتضی ذلک

أنّ دلالة مثل هذه اللفظة علی العموم من باب الحقیقة، لاالمجاز، و لاالاشتراک بین العموم و الخصوص؛ و إلّا لزم خلف ما قلناه فی کونها موضوعة لخصوص العموم.

و لاینافی ما ذکر استعمالها أحیاناً فی الخصوص بعنایة، سواء کانت العنایة بادّعاء أنّ الخصوص هو العموم، أو بعلاقة العموم و الخصوص؛ لأنّ ذلک بالقرینة فلا ینافی ظهور أداة العموم فی العموم بحسب الوضع.

ودعوی: أنّ شیوع التخصیص - إلی حدٍّ کبیر؛ حتّی قیل: ما من عامّ إلّا و قد خصّ - یمنع عن القول بوضع ألفاظ العموم للعموم، بل الظّاهر یقتضی کونها موضوعة لما هو الغالب تقلیلاً للمجاز.

مندفعة: بمنع استلزام التخصیص للتجوّز؛ لأنّ أداة العموم فی موارد التخصیص مستعملة فی مقام الاستعمال فی العموم لافی الخصوص، و إنّما التخصیص فی الإرادة الجدّیة بتعدّد الدالّ و المدلول، و علیه فلاتجوّز فی استعمال أداة العموم فی معناها.

الأمر السادس: فی تأسیس الأصل

إذا شککنا فی کون العامّ استغراقیّاً أو مجموعیّاً أو بدلیّاً فلایخفی أنّ الأصل هو کونه استغراقیّاً، بدلیل: أنّه لایحتاج إلی تصوّر أمر زائد وراء مرآتیّة المدخول فإنّ مقتضی تکثّر الأفراد - الّتی یکون المدخول مرآة لها و مقتضی إفادة الأداة للعموم و الاستیعاب

ص:378

هو الاستغراق؛ و إلّا لزم الخُلف: إمّا فی مرآتیّة المدخول، أو فی إفادة الأداة للعموم و الاستیعاب، و کلاهما ممنوعان، و هذا بخلاف العموم المجموعی أو البدلی؛ لاعتبار أمر زائد فیهما من وحدة المتکثّرات أو البدلیّة و التردّد.

هذا کلّه علی تقدیر الشکّ، کما إذا قلنا بأنّ الأداة مشترکة بین الاستغراقی و المجموعی کما قد یدّعی فی مثل الجمع المحلّی باللام، أو مشترکة بین الاستغراقی و البدلی کما قد یدعی فی مثل کلمة «أیّ»، أو مشترکة بین الثلاثة کما ذهب إلیه بعض.

و أمّا إذا لم نقل بالاشتراک - کما هو الظّاهر - فلامورد للشکّ؛ فإنّ العامّ إذا کان مدخولاً لأداة الاستغراقی یکون استغراقیّاً، و إذا کان مدخولاً لأداة المجموعی یکون مجموعیّاً، و إذا کان مدخولاً لأداة البدلی یکون بدلیّاً.

ثمّ لایخفی علیک ضعف القول بظهور الکلام فی المجموعی دون الاستغراقی؛ بدعوی أنّ لفظ «کلّ رجل» فی قولنا: «أکرم کلّ رجل» لایصدق إلّا علی مجموع الأفراد دون کلّ فرد فرد.

وذلک لأنّ مفاد «کلّ رجل» لیس مجموع الأفراد حتّی لایصدق إلّا علی المجموع، بل مفاده کلّ فرد فرد من طبیعة الرجل، و هو غیر مجموع الأفراد، و من الواضح أنّ هذا المعنی یصدق علی کلّ واحد واحد من أفراد طبیعة المدخول کالرجل، و اللازم هو صدق المدخول لاأداة العموم؛ لأنّ الأداة تعمِّم صدق المدخول و فعلیّته.

ولاموجب لصدق نفس الأداة علی کلّ واحد حتّی ینکر ذلک و یقال: لیس الفرد کلّ فرد، و السرّ فی ذلک: أنّ العامّ لیس هو لفظ «کلّ» بل، العامّ هو مدخول لفظ «کلّ»، و هو - فی نفسه - قابل للانطباق علی کلّ فرد بعد کونه مرآة للأفراد، و إنّما أداة العموم توجب فعلیّة هذا الانطباق و شموله لجمیع أفراده، و علیه «فکلّ رجل» معناه کلّ فرد

ص:379

من أفراد طبیعة الرجل، و فرد الرجل یصدق علی کلّ واحد واحد من أفراد طبیعة الرجل، و لاحاجة إلی صدق أداة العموم علی کلّ واحد واحد من أفراد مدخولها حتّی یقال: إنّها غیر صادقة علیه، فلاتغفل.

الأمر السابع: فی کیفیّة دلالة نفی الطبیعة و اسم الجنس و النکرة علی العموم

و الأظهر أنّ إسناد النّفی أو النهی إلی الطبیعة و اسم الجنس - سواء قلنا بحکایتهما عن الأفراد أو لم نقل - لایعقل إلّا بانتفاء جمیع الأفراد، و إلّا لکان إسنادُ النّفی أو النهی إلی الطبیعة أو اسم الجنس من دون لحاظ قید و قرینة صارفة غیرَ صحیح، و مع هذه الدلالة العقلیّة لاحاجة فی التعمیم إلی الأخذ بمقدّمات الحکمة کما ذهب إلیه فی الکفایة؛ إذ موضوع المقدّمات هو الشکّ، و مع الدلالة العقلیّة علی التعمیم لاشکّ.

وهکذا الأمر إن قلنا بالدلالة اللفظیّة علی التعمیم، کما ذهب إلیها سیّدنا الاُستاذ المحقّق الداماد قدس سره؛ بدعوی: أنّ الطبیعة اسم الجنس فی متعلّق النّفی و النهی منصرفة إلی الطبیعة الساریة؛ لکثرة استعمالها فیها، دون متعلّق الأوامر، و مع هذا الانصراف لاحاجة أیضاً إلی المقدّمات لإثبات السریان و التعمیم.

و الموضوع فی الأمر و النهی و إن کان واحداً، إلّا أنّ مقتضی نفی الطبیعة أو اسم الجنس أو النهی عنهما مغایر مقتضی طلبهما و البعث نحوهما؛ لأنّ المطلوب فی ناحیة الأمر هو وجود الطبیعة أو اسم الجنس، و هو ناقض للعدم الکلّی و طارد للعدم الأزلی، و هو ینطبق علی أوّل فرد و وجودٍ من الطبیعة أو اسم الجنس، و المطلوب فی ناحیة النهی هو نقیض ذلک؛ و هو طلب عدم وجود ناقض العدم، و معناه مساوق لطلب إبقاء العدم الکلّی علی حاله؛ و بذلک یتحقّق الفرق بین الأمر و النهی فی مقام الامتثال؛ لأنّ لازم صِرف الوجود أو مطلق الوجود هو تحقّق الطبیعة أو اسم الجنس بفردٍ ما، و لازم نقیضه هو انتفاء الطبیعة أو اسم الجنس بانتفاء جمیع أفرادهما.

ص:380

بل یمکن أن یقال: إنّ دلالة نفی الطبیعة و اسم الجنس علی الاستغراق و التعمیم مقدّمة رتبة علی مقدّمات الحکمة؛ لتأخّر الحکم عن الموضوع، و تأخّر جریان المقدّمات عن الحکم المترتّب علی الموضوع، فالمقدّمات متأخّرة عن الموضوع، فلایعقل توقّف دلالة نفی الطبیعة و اسم الجنس علی جریان المقدّمات فی الرتبة المتقدّمة علیه برتبتین.

ثمّ إنّ النکرة إذا وقعت فی سیاق النّفی أو النهی خرجت عن کونها نکرة، و استعملت بمنزلة الطبیعة، فیترتّب علیها ما یترتّب علی الطبیعة، فلامجال للأخذ بمقدّمات الحکمة فیها أیضاً کما لایخفی.

الأمر الثامن: فی أنّ اللام فی الجمع هل تفید العموم أو لا؟

یمکن أن یقال: إنّ الأصل فی اللام أن تکون للتعریف و العهدیّة، سواء کانت ذکریّة أو خارجیّة مستفادة من القرائن.

فإذا کانت اللام موضوعة للتعریف و دخلت علی الجمع أفادت تعریفه، و تعریف الجمع یدلّ بالدلالة العقلیّة علی الاستغراق؛ إذ لاتعیّن إلّا لتلک المرتبة - یعنی جمیع الأفراد - دون سائر المراتب.

لایقال: إنّ تلک المرتبة و إن کانت متعیّنة فی الواقع، ولکنّ التعینّ أیضاً ثابت لأقلّ مرتبة الجمع، و لادلیل علی تقدّم أحد المتعیّنین.

لأنا نقول: إنّ الثلاثة - الّتی هی أقلّ مرتبة الجمع - تصدق فی الخارج علی الأفراد الکثیرة، و لها مصادیق متعدّدة فیه، کهذه الثلاثة و تلک الثلاثة و غیرهما، إذن فالمرتبة الأخیرة متعیّنة دون غیرها.

فالنتیجة: أنّ الجمع المعرّف باللام یدلّ علی إرادة جمیع أفراد مدخوله علی نحو العموم الاستغراقی.

ص:381

و ذهب بعض إلی أنّ الجمیع فی نفسه یدلّ علی العموم، و اللام لاتفید إلّا المنع من دخول علامة التنوین الّتی تدلّ علی وحدة المدخول.

ویمکن أن یقال: إنّا لانسلم دلالة الجمع علی الاستغراق، بل غایته هو صلاحیّة لفظ الجمع للدلالة علی العموم کما یصلح للدلالة علی أقلّ الجمع، و الشاهد علیه أنّ استعمال الجمع فی أقلّ الجمع لایحتاج إلی عنایة.

ومع قابلیّة لفظ الجمع للدلالة علی العموم و أقلّ الجمع فلو لم تفد اللام التعریف لم یکن وجه لاستفادة الاستغراق منه.

فالأولی هو أن یقال: إنّ سبب إفادة اللام فی الجمع للاستغراق هی إفادة اللام للتعریف؛ إذ التعریف هو التعیّن، و هو لایتحقّق إلّا فی الاستغراق لاغیر.

الأمر التاسع: أنّ ألفاظ أدوات العموم مثل لفظة «کلّ» و «جمیع» موضوعة فی اللغة للاستغراق، و إضافتها إلی طبیعة مدخولها - الّتی تکون قابلة للصدق علی الکثیرین - تدلّ علی استغراق أفراد المدخول من دون حاجة إلی ملاحظة مقدّمات الحکمة؛ لأنّ هذه الدلالة وضعیّة لفظیّة، و الدلالة الوضعیّة لاتحتاج إلی مقدّمات الحکمة.

هذا مضافاً إلی أنّ الحکم متأخّر عن الموضع العامّ برتبة، و جریان المقدّمات متأخّر عنه برتبتین، فلایعقل توقّف دلالة الأداة علی العموم علی جریان المقدّمات.

ص:382

الفصل الثانی: فی حجّیة العامّ المخصَّص فی الباقی بعد تخصیصه بالمخصِّص المبیَّن

لایخفی علیک أنّه إذا خصِّص العامّ بأمر معلوم مفهوماً و مصداقاً فلاریب فی عدم حجّیة العامّ فی مورد التخصیص؛ لتقدیم الخاصّ علی العامّ.

و أمّا حجّیة العامّ بالنسبة إلی غیر مورد التخصیص فهی علی حالها عند العقلاء کما علیه بناؤهم، من دون فرق بین کون التخصیص بالمتّصل أو بالمنفصل، و یشهد له: انقطاع عذر العبد - المأمور بإکرام العلماء إلّا زیداً - عند عدم امتثاله فی غیر زید.

و وجه ذلک: هو ظهور العامّ فی معناه، فلاإجمال، و التخصیص لایوجب التضییق إلّا فی ناحیة الإرادة الجدّیة بالنسبة إلی مورد التخصیص.

هذا مضافاً إلی إمکان منع التخصیص حقیقة فی المتّصل؛ لأنّ تضییق المدخول فی المتّصل لاینافی استعمال أداة العموم فی العموم؛ لأنّها موضوعة لإفادة عموم المدخول؛ و لافرق بین قوله: «کلّ رجل» و «کلّ رجل عالم» فی کون لفظة «کلّ» مستعملة فی العموم ویراد بها العموم، و الاختلاف بینهما لایکون إلّا فی المدخول.

ودعوی: إجمال العامّ بعد التخصیص - لتعدّد المجازات، و عدم ترجیحٍ لتعیّن الباقی - ممنوعة: بما عرفت من ظهور العامّ بالوجدان، و الظهور ینافی الإجمال، و لامجال للمجاز بعد استعمال ألفاظ العموم فیما وضعت له من الاستغراق و استعمال العامّ فی معناه.

فقوله: «أکرم کلّ عالم» مع تخصیصه بقوله: «لاتکرم الفاسق منه» لامجاز فیه: لابالنسبة إلی کلمة «کلّ» و لابالنسبة إلی کلمة «عالم» فإنّهما مستعملتان فی معناهما،

ص:383

کما لامجاز فیه باعتبار ادّعاء أنّ غیر الموضوع له هو الموضوع له ثمّ تطبیق المعنی الموضوع له علی المعنی المجازی الادّعائی؛ ضرورة عدم ادّعاء فی مثل «کلّ عالم» المخصَّص ب - «لاتکرم الفاسق منه».

فالقولُ بإجمال العامّ لتعدّد المجازات و عدم ترجیحٍ لتعیّن الباقی ساقطٌ.

ولایحدث فی العامّ و أداة العموم - بعروض التخصیص - تضییق فی ناحیة المستعمل فیه، و إنمّا التضییق فی ناحیة الإرادة الجدّیة، فالظهور فی العامّ المخصَّص باقٍ علی حاله و لامجاز و لاإجمال.

ودعوی: أنّ اللازم من عدم کون البعث حقیقیّاً بالإضافة إلی بعض الأفراد مع کونه متعلّقاً به فی مرحلة الإنشاء، هو صدور الواحد - و هو إنشاء البعث الواحد - عن داعیین بلاجهة جامعة تکون هی الداعی، و قاعدة الواحد لایصدر إلّا عن الواحد تمنع عن تعدّد الدواعی بالنسبة إلی إنشاء البعث الواحد.

مندفعة: بعدم جریان برهان امتناع صدور الواحد عن المتعدّد فی مثل المقام؛ لاختصاصه بالواحد البسیط الشخصی التکوینی، و لایعمّ الواحد النوعی و الاعتباری:

أمّا الواحد النوعی فلامانع من أن یکون معلولاً لعلل متعدّدة؛ کالحرارة بالنسبة إلی الشمس و النار و غیرهما من علل الحرارة.

و أمّا الاعتباری - کالإنشاء الواحد - فجواز صدوره من دواعٍ متعدّدة أوضح.

ثمّ القول بأنّ صدورَ الواحد عن داعٍ جدّی و داعٍ غیر جدّی غیرُ معقول للمناقضة، یمکن دفعه: بأنّ الواحد منحلّ إلی المتعدّد، فیختصّ الجدّ بغیر مورد التخصیص، فلم یجتمع الجدّ و غیره فی مورد واحد، فلاتلزم المناقضة من کون الدعی بالنسبة إلی فردٍ هو ضرب القانون و بالنسبة إلی آخر هو البعث الجدّی؛ إذ لم یجتمع وجود الجدّ و عدمه فی الشیء الواحد فی الحقیقة.

ص:384

الفصل الثالث: فی حجّیة العامّ المخصَّص فی الباقی بعد تخصیصه بالمخصِّص المجمل

و لایخفی علیک أنّ المخصِّص قد یکون مجملاً، و هو إمّا بحسب المفهوم أو بحسب المصداق.

والأوّل: إمّا من جهة دوران المخصِّص بین الأقلّ و الأکثر، کدوران معنی الفاسق بین مرتکب الکبیرة فقط أو الأعمّ من مرتکب الصغیرة.

و إمّا من جهة دوران المخصِّص بین المتباینین، کقولنا: «أکرم العلماء إلّا زیداً» و افترضنا تعدّد زید فی العلماء ثمّ إنّ المجمل المفهومی إمّا متّصل و إمّا منفصل، فهذه أربعة أقسام للمجمل مفهوماً.

و الثانی - و هو المجمل بحسب المصداق - یکون من جهة عروض الاشتباه الخارجی و إن کان مفهو المخصِّص واضحاً، کما إذا شُکّ فی فسق شخص و لم تکن له حالة سابقة لتبادل أحواله، فحینئذٍ یشکّ فی انطباق عنوان العامّ أو الخاصّ من جهة الاشتباه الخارجی، و هو علی قسمین متّصل و منفصل، فمجموع ستّة.

لاإشکال فی سرایة الإجمال حقیقة إلی العامّ فیما إذا کان الخاصّ المجمل متّصلاً، إذ إجمال المخصّص فی هذه الصور یمنع عن انعقاد ظهور العامّ فی العموم بحسب المراد سواء کان الإجمال فی المخصّص من جهة دورانه بین الأقلّ و الأکثر، أو دورانه بین

ص:385

المتباینین، أو شکّ فی الانطباق و الصدق من ناحیّة الاشتباه فی الأمور الخارجیّة، فهذه ثلاث صور:

و أمّا المجمل المفهومی المنفصل، فلاإشکال فی جواز الأخذ بعموم العامّ، لأنّ أصالة عدم التخصیص لامعارض لها، و مورد الاشتباه فیه من قبیل الشبهة البدویّة بعد انحلال المفهوم إلی الأقلّ و الأکثر، و علیه فما لم یعلم خروج فرد من العامّ یجب الأخذ به لعدم وصول المعارض إلینا من جانب المولی، کما علیه جرت طریقة العقلاء فی مقام الامتثال للأوامر.

کما لاإشکال أیضاً فی عدم جواز الأخذ بالعامّ فیما إذا کان المخصّص المنفصل مردّداً بین المتباینین، کقوله: «لاتکرم زیداً»، و هو مردّد بین شخصین من العلماء، و ذلک لسقوط أصالة العموم بالنسبة إلیهما إذ المخصّص المذکور و إن لم یوجب الإجمال فی المفهوم؛ لأنّ الظهور فی العامّ منعقد، ولکن یوجب الإجمال حکماً، لأنّ مع المخصّص المذکور یحصل العلم الإجمالی بخروج أحدهما، و معه یسقط العامّ عن الاعتبار بالنسبة إلی مورد التخصیص، و من المعلوم أنّ تعیین أحدهما بلامرجّح و تعیین أحدهما لا بعینه لیس مورداً للعامّ، فأصالة العموم فی کلّ، طرف تعارض أصالة العموم فی طرف آخر، فإذا تعارضت أصالة العموم فی کلّ طرف صار العامّ، فی حکم المجمل، و لایمکن التمسّک به فی طرف أصلاً، فهذه خمس صور، و بقیت صورة واحدة، و هی ما إذا کان المخصّص منفصلاً و کان الاشتباه و الإجمال من ناحیّة الشبهة الخارجیّة، کأن یشتبه فرد بین أن یکون فرداً للخاص، أو باقیاً تحت العام و لم یکن أصل منقّح فی البین، و هذه هی الشبهة المصداقیّة.

ص:386

الفصل الرابع: فی جواز العمل بالعامّ قبل الفحص و عدمه

و لایخفی أنّ الشارع جرت عادته فی وضع القوانین علی طریقة کافّة العقلاء، فکما أنّ طریقة العقلاء علی ذکر العمومات فی فصل، و ذکر مخصّصاتها فی فصل آخر بالتدریج، - و لذا لم یجوّزوا التمسّک بالعمومات قبل الفحص عن مخصّصاتها، لعدم جریان أصالة التطابق بین الإرادة الاستعمالیّة و الجدّیّة ما دام العمومات فی معرض التخصیص فی وقت الأخذ بها -. فکذلک تکون عادة الشارع.

وعلیه فلایجوز العمل بالعمومات الشرعیّة عند کونها فی معرض التخصیص، لعدم حجّیّتها بعد عدم جریان أصالة التطابق فیها، بل یجب الفحص عن المخصّصات، نعم بعد الفحص و عدم الظفر بها تجری أصالة التطابق و تتمّ الحجّیّة فلو ورد بعد ذلک مخصّص فهو مقدّم علی العامّ من باب کون الخاصّ أقوی الحجّتین، لا من باب کون العامّ معلّقاً علی عدم المخصّص واقعاً، بحیث یکون الظفر علیه کاشفاً عن عدم حجّیّته.

و لذا، لایسری إجمال المخصّص إلی العامّ لتمامیّة الحجّیّة بالفحص و إجمال المخصّص بعد تمامیّة الحجّیّة غیر مضرّ.

و لایجب الفحص عن المخصّصات المتّصلة، کما لایلزم الفحص عن قرینة المجاز إذا لو کان مخصّص متّصل أو قرینة للمجاز لذکره متّصلاً و حیث لم یذکره متّصلاً علم

ص:387

أنّه لاتخصیص و لاقرینة علی المجاز، و احتمال وجودهما و إسقاطهما عمداً مخالف لوثاقة الرواة، کما أنّ احتمال الخطأ و النسیان لایساعده أصالة عدم الخطأ و النسیان.

نعم، یجب الفحص عن القرائن الموجودة فی نفس الروایات کصدرها، أو ذیلها، إذ کثیراً ما یصلح الصدر، أو الذیل للقرینیّة و لذا لایجوز الاکتفاء بالمقطّعات من الروایات، و أیضاً یجب الفحص عن النُّسخ مع احتمال اختلافها فی بعض الفقرات، کالزیادة أو النقیصة و نحوهما، مما له مدخلیّة فی المعنی، لاسیّما مع العلم بوجود قرینة و فقدها.

بل ذهب بعض إلی لزوم الرجوع إلی المصادر الأولیّة، معلّلاً بأنّ لتبویبها و فصولها مدخلیّة فی فهم المراد من الروایات، فتأمّل.

ثمّ إنّ مقدار الفحص اللازم متفاوت باختلاف الموارد، و المعیار فیه، أن یکون الفحص إلی حدّ یخرج العموم عن کون مظنّة للتخصیص، فیکفی الخروج المذکور فی جواز الأخذ به، فلاتغفل.

ص:388

الفصل الخامس: فی عمومیّة التکالیف و الخطابات لغیر الموجودین و الحاضرین

اشارة

و یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی التکالیف الّتی لاتکون مقرونة بأداة الخطاب و لیست بصیغ الأمر، و لاإشکال فی کون هذه التکالیف بنحو القضیّة الحقیقیّة، فلاتختصّ بالمشافهین، بل تعمّ الغائبین و المعدومین.

ثمّ إنّ تعمیم التکالیف بنحو القضیّة الحقیقیّة للمعدومین لیس بلحاظ ظرف عدمهم، بل بلحاظ ظرف وجودهم، و فرض تحقّقهم، ففی مثل قوله تعالی:(وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً)1 ، لیس وجوب الحجّ مقصوراً علی من وجد و استطاع حال نزول الآیة الکریمة، بل الحکم فیها یعمّ الموجود و المعدوم حاله، ولکنّ المعدوم فی ظرف عدمه لایکون مشمولاً للحکم الفعلیّ و لاالإنشائیّ، و إنّما یصیر مشمولاً له علی فرض تحقّقه و وجوده بداهة، أنّ الموضوع للحکم الانشائیّ و الفعلیّ فی الآیة، هو - من کان من الناس - و صدق علیه المستطیع، و المعدوم فی رتبة عدمه لیس من أفراد الناس، و لایصدق علیه أنّه مستطیع، فلاتعقل سرایة الإنشاء إلیه، فإنّ الحکم المنشأ لایسری من موضوعه إلی شیء آخر، نعم إنّما یصیر المعدوم حال الخطاب فی ظرف

ص:389

وجوده، و تحقّق الاستطاعة له مصداقاً لما هو الموضوع فی الآیة، فیتحقّق حینئذٍ بالنسبة إلیه التکلیف الانشائی، و بتحقّق سائر الشرائط العامّة یصیر فعلیّاً.

ومقتضی ما ذکر أنّ القضیّة حقیقیّة، والحکم فیها متعلّق بالمصادیق الموجودة سواء کانت محقّقة الوجود أو مقدّرة الوجود و القضیّة المذکورة فعلیّة بالنسبة إلی المصادیق المحقّقة، و إنشائیّة بالنسبة إلی ما سیوجد فی ظرف وجوده، و علیه فلایتعلّق الحکم بالمعدوم.

و لاحاجة معه فی إمکان تعلّق التکلیف الفعلیّ بالنسبة إلی غیر الموجودین بالفعل إلی تعلیق التکلیف الفعلیّ بالموجود الاستقبالی، نظیر الواجب المعلّق، بدعوی أنّ إرادة شیء فعلاً ممّن یوجد استقبالاً کإرادة ما لم یمکن فعلاً بل یمکن تحقّقه استقبالاً.

و ذلک لما عرفت من أنّ موضوع القضیّة الحقیقیّة، هو الطبیعة بما هی مرآة و حاکیة عن مصادیقها الموجودة بحسب ظروفها، فیشمل التکلیف غیر الموجودین بنفس القضیّة الحقیقیّة.

وأیضاً، لاوجه لجعل الحملیّة، مشروطة بوجود المعدوم لتوجیه التکلیف إلی المعدوم، إذ القضایا الحقیقیّة لیست مشروطة، و إن أمکن تحلیلها إلیها فی العقل.

فتحصّل أنّه یکفی فی شمول التکالیف، بالنسبة إلی غیر الموجودین فی عصر الصدور کون القضایا حقیقیّة لأنّ موضوعاتها تعمّ کلّ موجود فی ظرف وجوده من دون لزوم محذور تعلّق التکلیف بالمعدوم، فالحکم فعلیّ بالنسبة إلی المصادیق الموجودة بالفعل، و إنشائیّ بالنسبة إلی المصادیق الموجودة فی الظروف الآتیة، و القضیّة حملیّة لامشروطة، و تحلیلها إلی المشروطة لایصیّرها مشروطة.

المقام الثانی: أنّ التکالیف المقرونة بأداة النداء و الخطاب، أو التکالیف المنشأة بصیغ الأمر و النهی الّتی تستلزم المخاطبة کقوله تعالی:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا) و قوله عزّوجلّ: (إِنْ

ص:390

تَنْصُرُوا اللّهَ یَنْصُرْکُمْ) و قوله تبارک و تعالی:(وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناکُمْ) و غیر ذلک هل تکون کغیرها من التکالیف الّتی لاتستلزم المخاطبة فی التعمیم بالنسبة إلی الغائبین و المعدومین، أو لاتکون کذلک؟

یمکن القول بالتعمیم علی وجه الحقیقة، بیان ذلک، أنّ أداة الخطاب. و إن کانت موضوعة لأن یخاطب بها، و المخاطبة إنّما تقتضی أن تکون إلی مخاطب یتوجّه إلیه الخطاب، و ذلک لایعقل فی حقّ المعدوم إلّا أنّه یمکن تنزیل المخاطب المعدوم منزلة المخاطب الموجود، و ادّعاء أنّه الموجود، و مجرّد ذلک یکفی فی استعمال اللفظ الموضوع للمخاطبة من دون استلزم، لتصرّف آخر فی اللفظ باستعماله فی غیر معناه.

و الوجه فی التنزیل المذکور، أنّه لایعقل التعمیم فی مدلول أداة الخطاب، لأنّ الخطاب، إمّا من الاُمور الحادثة بالأداة، أو من الاُمور الّتی یکشف عنها الأداة، سواء کانت الأداة علامة أو غیرها، و علی کلّ التقادیر، فالخطاب من المعانی الشخصیّة الجزئیّة الّتی لاتحتمل العموم، نعم یصحّ التعمیم فی مدخول الأداة.

فمع ادّعاء المعدوم بمنزلة الموجود تعمّ الخطابات المذکورة لغیر المشافهین أیضاً.

أُورد علیه بأنّ مجرّد الإمکان، لایکفی و التنزیل المذکور یحتاج إلی الدلیل، هذا مضافاً إلی أنّ المخاطبة الحقیقیّة لاتمکن إلّا إذا کان الغیر موجوداً حقیقة، بحیث یتوجّه إلی الکلام و یلتفت إلیه، و فرض الحضور و الالتفات لایوجب کون الخطاب علی الحقیقة، و إن لم تستعمل أداة الخطاب فی غیر معناها.

فالأولی هو أن یقال، إنّ الخطابات إنشائیّة کالتکالیف الإنشائیة و تصیر فعلیّة، فیما إذا کان المخاطب موجوداً و حاضراً و ملتفتاً و بقیت علی الإنشائیّة فیما إذا لم یکن المخاطب موجوداً و حاضراً و ملتفتاً، إلی أن یصیر کذلک، و بالجملة فالموضوع کالمتعلّق مأخوذ فی القضیّة الحقیقیّة کلّیّاً و هو کلّ من وجد و حضر و التفت، فالخطابات

ص:391

الانشائیّة متصوّرة و شایعة فی مثل الخطابات الکتبیّة إلی کلّ من یری الکتابة، ألا تری أنّ المؤلّفین کانوا یخاطبون کثیراً ما من یقرأ کتابهم بقوله «فافهم» و «اعلم» و غیرهما من الخطابات.

و لاحاجة إلی التنزیل المذکور، بعد کون المتفاهم من أدوات الخطاب الإنشائیّ هو إظهار توجیه الکلام نحو مدخولها بداعی تفهیم المخاطب فی ظرف وجوده عند التفاته، و علیه فلامانع من شموله للغائبین و المعدومین.

و لامنافاة بین جزئیّة النداء و کلّیّة المنادی کما لامنافاة بین جزئیة البعث و کلّیّة المبعوث إلیه.

و علیه فالحقّ، هو التفصیل بین الخطاب الحقیقیّ الفعلیّ و الخطاب الإنشائیّ و اختیار عدم الإمکان فی الأوّل دون الثانی.

وأمّا الخطابات الواردة فی القرآن الکریم، حیث لاتکون متوجّهة إلی الناس من دون وساطة النبی صلی الله علیه و آله و سلم، فهی خطابات إنشائیّة لاحقیقیّة لأنّ الناس لم یکونوا طرفاً لخطابه تعالی، و لافرق فی ذلک بین الحاضرین و غیرهم.

نعم، الخطابات العامّة الصادرة من النبی صلی الله علیه و آله و سلم، تکون فعلیّة حقیقیّة بالنسبة إلی الحاضرین، و إنشائیّة بالنسبة إلی غیرهم، و هذه الخطابات عامّة و لاحاجة مع عمومها إلی تنزیل غیر الحاضر بمنزلة الحاضر، کما لایخفی.

ثمرة البحث عن تعمیم الخطابات

ذکروا للبحث عن تعمیم الخطابات، للمعدومین و الغائبین و عدمه ثمرات:

منها: أنّه بناء علی التعمیم، لاتختصّ حجّیّة ظهور الخطابات بالمشافهین، بخلاف ما إذا لم نقل بالتعمیم، فتختصّ الحجّیّة بهم و لاتشمل الغائبین و غیر الموجودین.

ص:392

اورد علیه بأنّ هذا مبنیّ علی اختصاص حجّیّة الظواهر بمن قصد إفهامه مع أنّه لاوجه له، لأنّ الناس کلّهم مقصودون بالإفهام إلی یوم القیامة و إن قلنا بعدم شمول الخطاب إلّا لخصوص المشافهین.

ومنها: صحّة التمسّک بإطلاق الکتاب و السنّة علی التعمیم بالإضافة إلی الغائبین و غیر الموجودین، بخلاف ما إذا لم نقل به، فإنّه لایصحّ التمسّک بإطلاقهما إلّا مع قاعدة الاشتراک، و هذه القاعدة لاتجری إلّا مع اتّحاد الغائبین و غیر الموجودین مع الحاضرین فی الصنف، و هو مفقود فی المقام من جهة احتمال مدخلیّة وصف حضور الإمام أو نائبه الخاصّ فی مثل صلاة الجمعة، و لایوجد هذا الوصف فی غیر الموجودین.

وفیه: أنّ احتمال مدخلیّة وصف الحضور فی صلاة الجمعة مدفوع بأصالة الإطلاق و عدم التقیید بالنسبة إلی المشافهین و کونهم واجدین لهذا الشرط لایمنع من جریان أصالة عدم التقیید بالنسبة إلیهم لاحتمال عروض عدم بقاء هذا الوصف، إذ المراد من الحضور هو الحضور مع بسط الید و هو ممّا یمکن أن یعرضه العدم، و علیه فلامانع من جریان قاعدة الاشتراک للتساوی بین المشافهین و غیرهم بعد جریان أصالة عدم التقیید، و لیس المراد من الحضور مجّرد الوجود حتّی یقال لایعرض لهذا الوصف، فإذا لم یعرض عدم للوصف الموجود فلاضرورة فی تقییده مع احتمال مدخلیّته، لأنّ الفرض أنّه موجود و لایعرضه العدم، و حینئذٍ فلایمکن إثبات الحکم فی غیرهم بقاعدة الاشتراک لعدم اتّحادهم معهم فی الوصف المذکور.

و ذلک لما عرفت من، أنّ المراد من وصف الحضور هو الحضور مع بسط الید، و من المعلوم أنّه ممّا یتطرّق إلیه العدم فأصالة عدم التقیید جاریة و مع جریانها لافرق بین المشافهین و غیرهم، فتجری قاعدة الاشتراک.

ص:393

هذا مضافاً إلی أنّه لو سلّمنا أنّ الوصف هو وصف وجود الإمام من دون اعتبار بسط الید، فلاإشکال فی أنّه متحقّق فی کلّ زمان، إذ الإمام موجود فی کلّ عصر و علیه فلایصحّ دعوی أنّ غیر المشافهین لایکونون واجدین للوصف، فمع وجود هذا الوصف فی المشافهین و غیرهم تجری قاعدة الاشتراک فلاثمرة.

ص:394

الفصل السادس: أنّ تعقّب العامّ بضمیر لایراد منه إلّا بعض أفراد العامّ، هل یوجب تخصیص العامّ، أو یوجب الإجمال أو لا؟

و قد اختلف فیه الأعلام، و المختار هو عدم لزوم التخصیص و عدم الإجمال فی العامّ فیما إذا استقلّ العامّ.

وتوضیح ذلک، أنّ محلّ الخلاف ما إذا وقع العامّ و الضمیر المذکور فی کلامین أو کلام واحد مع استقلال العامّ بما حکم علیه.

بخلاف ما إذا لم یکن العامّ مستقلاً بما حکم علیه، بل الحکم واحد کقوله تعالی:(وَ الْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ) فإنّه لانزاع فی تخصیص العامّ بعد معلومیّة أنّ حکم التربّص لیس لجمیعهنّ، و علیه فالمطلّقات و إن کانت شاملة للیائسة و غیر المدخول بها ولکن یختصّ بغیرهما بقرینة التربّص، فإنّه حکم بعض المطلّقات.

فإذا عرفت محلّ النزاع، ذهب بعض إلی أنّ ذلک موجب للإجمال، مستدلاً بأنّ الأمر یدور بین التصرّف فی العامّ بالتخصیص و بین التصرّف فی الضمیر بإرجاعه إلی البعض، فیحصل الإجمال، لوجود ما یصلح للقرینیّة فی الکلام و هو الضمیر الراجع إلی العامّ، إذ الضمیر المذکور یجعل القضیّتین بمنزلة کلام متّصل واحد.

ص:395

و یمکن الجواب عنه: بأنّ مجرّد القطع باختصاص الحکم المذکور فی الثانیة ببعض أفراد العام، لایوجب التصرّف فی إحدی القضیّتین فی مدلولهما اللفظی، بل بصحّ حمل کلتا القضیّتین علی إرادة معناهما اللغوی فی مرحلة الاستعمال، و الجدّ مع الالتزام بخروج بعض أفراد العامّ فی الثانیة عن الإرادة الجدّیّة.

وبعبارة اخری: أنّ الضمیر راجع إلی المراد الاستعمإلی من العامّ السابق، و إرادة البعض فی الإرادة الجدّیّة تصرّف فی اللّبّ، لا فی استعمال، و رفع الید عن أصالة التطابق بین الإرادة الاستعمالیّة و بین الإرادة الجدّیّة فی ناحیة الضمیر لایوجب التخصیص فی ناحیّة العامّ بعد استقلاله و انفصال الخاصّ عنه.

ذهب فی الکفایة إلی الاستخدام أو المجاز مستدلاً بأنّ الأمر یدور بین التصرّف فی العامّ بإرادة خصوص ما ارید من الضمیر الراجع إلیه أو التصرّف فی ناحیّة الضمیر، إمّا بإرجاعة إلی بعض ما هو المراد من مرجعه، أو إلی تمامه مع التوسّع فی الإسناد، بإسناد الحکم المسند إلی البعض حقیقة إلی الکلّ توسّعاً و تجوّزاً.

ویمکن الجواب عنه: بماعرفت من أنّ الضمیر راجع إلی المراد الإستعمإلی من العامّ السابق، و التصرّف فی الضمیر هو التصرّف فی الإرادة الجدّیّة لا فی الإرادة الاستعمالیّة، و علیه فلامورد للدوران المذکور فی طرف الضمیر بین إرجاعه إلی بعض المراد حتّی یلزم الاستخدام و بین إرجاعه إلی تمام المراد مع التوسّع و التجوّز.

إذ الضمیر علی المختار راجع إلی تمام ما هو المراد الاستعمإلی من مرجعه بدون توسّع و تجوّز، لافی الکلمة و لا فی الإسناد.

ودعوی: أنّه لو لم یکن استخدام، لزم المحذور، و هو أن یرجع الضمیر عند تخصیص العامّ الأوّل إلی المستعمل فیه العامّ أیضاً و هو کما تری مثلاً لو قیل «أکرم العلماء» و

ص:396

أضف أصدقاءهم، و خصّص العلماء بالعدول، لزم أن یکون الإضافة واجبة، بالنسبة إلی جمیع العلماء مع أنّه لایجب إکرام جمیعهم، إذ کیف یمکن أن یکون الإکرام مختصّاً بالعدول من العلماء، و الإضافة واجبة بالنسبة إلی أصدقاء جمیع العلماء و لو لم یکونوا عادلین، فهذا یکشف عن کون المرجع هو العامّ المخصّص لاالعام المستعمل فیه.

هذا کلّه فیما إذا کان الدالّ علی اختصاص الحکم الثانی ببعض الأفراد فی الإرادة الجدّیّة منفصلاً، و أمّا إذا کان الدالّ علیه مقترناً عقلاً أو لفظاً فقد ذهب سیّدنا الإمام المجاهد قدس سره إلی أنّ الظّاهر طروّ الإجمال فی الغالب لعدم إحراز بناء العقلاء علی إجراء أصالة التطابق فی مثله.

ولکن لقائل أن یقول، إنّ اقتران الحکم الثانی بذلک لایوجب الإجمال فی الحکم الأوّل مع فرض کونهما مستقلّین و عدم اقتران الحکم الأوّل بتلک القرینة.

والقول بأنّ المرتکز فی المقام، هو تقدیم أصالة عدم الاستخدام و رفع الید عن أصالة العموم.

غیرسدید بعد ما عرفت من أنّه لامجال للاستخدام، إذ الضمیر مستعمل فی المعنی العام، و الدلیل الخارجی یدلّ علی عدم الإرادة الجدّیّة فیه، فلا یدور الأمر بین أصالة عدم الاستخدام و أصالة العموم.

ودعوی: أنّ المرتکز العرفیّ فی أمثال المقام هو الأخذ بظهور الکلام فی اتّحاد المراد من الضمیر مع ما یرجع الضمیر إلیه و رفع الید عن ظهور العامّ فی العموم، فهذا الظهور قرینة عرفیّة لرفع الید عن أصالة العموم، إذ أصالة العموم متّبعة فیما لم تقم قرینة علی خلافها و مع قیامها لامجال لها.

ص:397

مندفعة: بأنّ الاتّحاد بحسب الإرادة الاستعمالیّة محفوظ، إذ الضمیر متّحد مع العامّ فی الإرادة الاستعمالیّة و الجدّیّة، و إنّما یرفع الید عن خصوص الإرادة الجدّیّة فی ناحیّة الضمیر بالنسبة إلی بعض الموارد بالدلیل الخارجی، و بقی اتّحادهما بحسب الإرادة الاستعمالیّة و الجدّیّة فی سائر الموارد، و رفع الید عن الإرادة الجدّیّة فی ناحیّة الضمیر لایستلزم التخصیص فی العامّ بعد اختصاص الدلیل الخاصّ بالثانی و انفصال الضمیر عن العامّ.

ثمّ إنّ أصالة العموم متّبعة فیما لم تقم قرینة علی خلافها کما فی المقام، لأنّ قرینة الخلاف مختصّة بالثانی.

وممّا ذکر یظهر ما فی المحکیّ عند العضدی من أنّ الأمر فی المقام یدور بین تعدّد المجاز و وحدته، لأنّ تخصیص العامّ یوجب التجوّز فی الضمیر أیضاً للزوم مطابقته لما هو الظّاهر من المرجع دون المراد، بخلاف التصرّف فی الضمیر بالاستخدام فإنّه لایسری إلی العامّ.

وذلک لما عرفت من إمکان منع المجاز مطلقاً لا فی العامّ و لا فی الضمیر بعد استعمالهما فی المعنی العامّ علی تقدیر التخصیص أیضاً، فلامجاز و لااستخدام، لأنّ التصرّف لیس فی ناحیّة المستعمل فیه، فالأمر إذا دار بین التخصیصین و بین التخصیص الواحد فالمتعیّن هو الثانی إذ لامعارض لأصالة العموم فی الأوّل.

فتحصّل: من جمیع ما ذکرناه أنّ تعقّب العامّ المستقلّ بضمیر، لایراد منه إلّا بعض أفراد العامّ لایوجب إجمالاً بالنسبة ذی العامّ، کما لایوجب تخصیصاً فیه ما لم تقم قرینة تصلح للتخصیص فیه أیضاً، و لایوجب أیضاً مجازاً لا فی العامّ و لا فی الخاصّ و لا فی الکلمة و لا فی الإسناد، لأنّ لفظ العامّ و الخاصّ مستعملان فی معناهما و إنما التصرّف فی ناحیّة أصالة التطابق، فلاتغفل.

ص:398

الفصل السابع: فی تعارض المفهوم مع العموم

اشارة

والکلام فیه یقع فی مقامات:

المقام الأوّل: فی أنواع المفهوم

اشارة

و لایخفی أنّ المفهوم إمّا موافق و إمّا مخالف، و الموافق هو ما دلّ اللفظ بحکم العقل علی ثبوت الحکم فی الأشدّ بطریق أولی. و المخالف، هو الذی دلّ العقل علیه بواسطة تعلیق الحکم فی الخطاب علی العلّیّة المنحصرة، فإنّ مقتضی ذلک هو الانتفاء عند الانتفاء، و إلّا لزم الخف فی التعلیق المذکور.

أقسام المفهوم الموافق:

منها موارد إلغاء الخصوصیّة کقوله رجل شکّ بین الثلاث و الأربع فإنّه لاشبهة فی أنّ الحکم المذکور فیه من البناء علی الأکثر لایختصّ بالرجل، ولکن فی کونه من أقسام المفهوم الموافق تأمّل و نظر.

ومنها: المعنی الکنائیّ الذی سیق الکلام لأجله مع عدم ثبوت الحکم للمنطوق، کقوله تعالی:(فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) بناء علی کونه کنایة عن النهی عن حرمة إیذائهما و لم یکن نفس الأُفّ محکوماً بحکم.

ص:399

ومنها: ما إذا سیق الکلام لأجل إفادة حکم أخفّ المصادیق للانتقال إلی سائر الموارد بالأولویّة، مثل نفس الآیة الکریمة المذکورة آنفاً بناءً علی أنّ الأُفّ محکوم بالحرمة أیضاً.

ومنها: الحکم المستفاد من القضیّة التعلیلیّة، کقوله «الخمر حرام» لأنّه مسکر، فإنّ العلّة تدلّ بمفهوم الموافقة علی مساواة غیر المورد المذکور مع المنطوق فی الحکم.

و لایخفی أنّ التعبیر بالمفهوم الموافق فی مورد إلغاء الخصوصیّة لایخلو عن النظر، لأنّ مرجع الإلغاء هو تعمیم المنطوق، و لایتوسّط فیه شیء مع أنّ اللازم فی المفهوم الموافق هو توسّط شیء آخر، و هکذا الأمر فی التعلیل، فإنّ مثل قوله - فإنّه مسکر - یدلّ علی الکبری الکلّیّة، و هی أنّ کلّ مسکر حرام، و هو منطوق عامّ، فتدبّر جیّداً.

المقام الثانی: فی تقدیم المفاهیم الموافقة

لا کلام فی تقدیم المفاهیم الموافقة علی العمومات فیما إذا کانت أخصّ منها لبناء العقلاء علی ذلک إلّا إذا کانت العمومات أظهر، فتقدّم علی الخاصّ بالتصرّف فی هیئة الخاصّ، کما هو المتعارف فی غیر مفهوم الموافق من المخصّصات.

هذا کلّه فیما إذا کانت النسبة بینهما هی العموم و الخصوص.

وأمّا إذا کانت النسبة بینهما هی العموم من وجه، فقد ذهب بعض إلی أنّه یعامل معهما معاملة المنطوقین، فیحکم بتساقطهما، والرجوع إلی الأصل العملی إن لم یکن مرجّح فی البین، و لامجال للحکم بالتخییر بعد اختصاص الأخبار العلاجیّة بالتعارض التباینی.

والظّاهر من الشیخ الأعظم فی مطارح الأنظار هو تقدیم المفاهیم الموافقة و إن کانت النسبة بینها و بین العمومات عموماً من وجه، و ذلک لقوّة دلالة الکلام علی المفهوم الموافق، لأنّه المقصود بالإفادة، و لأنّه المستفاد من الکلام بالأولویّة.

ص:400

یمکن أن یقال: إنّ ما ذکره الشیخ الأعظم حسن فیما یستفاد بالأولویّة لا بالمساواة لعدم قوّة الدلالة و الأولویّة فیها مع أنّها من أقسام المفهوم الموافق.

وفصّل المحقّق النائینی قدس سره فی المفهوم الموافق، بین ما إذا کانت النسبة بین منطوق المفهوم و بین العموم عموماً و خصوصاً، فیقدّم المفهوم.

و إن کانت النسبة بین المفهوم و بین العموم، عموماً من وجه، کما إذا ورد لاتکرم الفسّاق و ورد أکرم فسّاق خدّام العلماء، الدالّ بمفهومه علی وجوب إکرام العلماء، والوجه فی ذلک أنّه لایمکن التصرّف فی المفهوم نفسه من دون تصرّف فی المنطوق، کما لایمکن التصرّف فی المنطوق لکونه أخصّ، فینحصر الأمر فی التصرّف فی العموم و إبقاء المفهوم علی عمومه.

و بین ما إذا کانت النسبة بین منطوق المفهوم و العموم عموماً من وجه کما إذا کان المنطوق فی مفروض المثال أکرم خدّام العلماء.

وحینئذٍ إن قدّم المنطوق علی العموم فی مورد التعارض و دخل بذلک الخادم الفاسق للعالم فی موضوع وجوب الإکرام، کان المفهوم الثابت بالأولویّة القطعیّة مقدّماً علی العموم أیضاً.

و إن قدّم العموم علی المنطوق، و خرج الخادم الفاسق عن موضوع وجوب إکرام خدّام العلماء و اختصّ الوجوب بإکرام الخدّام العدول لم یثبت الأولویّة إلّا وجوب إکرام العدول من العلماء دون فسّاقهم، هذا هو حقّ القول فی المفهوم بالأولویّة.

یمکن أن یقال: إنّ اللازم هو ملاحظة المنطوق و المفهوم معاً بالنسبة إلی العموم، لأنّهما متوافقان فی التعارض مع العموم و لاوجه لتقدیم المنطوق علی المفهوم أو بالعکس بل هما فی عرض واحد یکونان متنافیین مع العموم إذ التعارض بعد وجود القضیّة و تمامیّة

ص:401

مدلولها منطوقاً و مفهوماً، و بعد هذه التمامیّة یکون المنطوق و المفهوم متعارضین مع العموم فی عرض واحد.

و علیه فیعمل فی کلّ من المنطوق و المفهوم بالنسبة إلی العموم بحسب ما یقتضیه القاعدة من دون نظر إلی الآخر، فالمفهوم مقدّم علی العموم، لکونه أظهر منه من جهة کونه مستفاداً بالأولویّة و إن کانت النسبة بینه و بین العموم هی العموم من وجه.

والمنطوق مقدمّ علی العموم، إن کانت النسبة بینه و بین العموم هی العموم و الخصوص، و إلّا فهما متعارضان، فیتساقطان إن لم یکن احدهما أقوی من الآخر، کما فی سائر الموارد من موارد التعارض بنحو العموم من وجه.

ولادلیل علی ملاحظة المنطوق أوّلاً، ثمّ ملاحظة المفهوم بعد کونهما فی عرض واحد بالنسبة إلی العموم.

فالأقرب هو ما ذهب إلیه الشیخ قدس سره من أنّ المفهوم مقدّم مطلقاً لکونه أقوی من جهة الدلالة اللفظیّة، و لایرتبط تقدیم المفهوم بملاحظة نسبة المنطوق مع العموم و تقدیمه، فتدبّر جیّداً.

المقام الثالث: فی المفهوم المخالف

والظّاهر هو تقدیم المفهوم المخالف علی العامّ فیما إذا کانت النسبة بینهما هی العموم و الخصوص، و إن کان منشأ الظهور هو مقدمات الإطلاق.

ربّما یتوهّم أنّ العامّ أقوی من المفهوم المخالف، لأنّ دلالة العامّ بالوضع دون المفهوم المخالف، لاستفادة المفهوم من العلّیّة المنحصرة الّتی تکون مبتنیة علی الإطلاق الذی یزول بأدنی دلیل معارض.

و هو فاسد لوضوح تقدیم الخاصّ علی العامّ و إن کان الخاصّ مبتنیاً علی مقدّمات الإطلاق، و ذلک لانعقاد الظهور فی کلیهما و أظهریّة الخاصّ بالنسبة إلی العامّ لکونه

ص:402

أخصّ فیتقدّم علی العامّ کسائر الموارد، و لافرق فی الظهور المنعقد بین أن یکون ناشئاً من الوضع أو من مقدّمات الإطلاق، و مقتضی ما ذکر أنّه لو عکس الأمر و کان المفهوم عامّاً و المنطوق خاصّاً فالمقدّم هو المنطوق.

مثلاً إذا قیل - أکرم الناس إن کانوا عدولاً - کان مفهومه أنّه، لایجب إکرام غیر العادل، سواء کان عالماً أو غیره، فإذا ورد - أکرم العالم الفاسق - کان منافیاً مع عموم المفهوم و یقدّم قوله - أکرم العالم الفاسق - علی عموم المفهوم قضاءً لتقدیم الخاصّ علی العامّ. هذا کلّه بناءً علی کون النسبة بین المفهوم المخالف و المنطوق العامّ هی العموم و الخصوص. و أمّا إذا کانت النسبة بینهما هی عموم من وجه، فمقتضی القاعدة، هو الحکم بالتساقط فی مورد التعارض، کما هو مقتضی القاعدة فی المنطوقین بناء علی عدم شمول الأخبار العلاجیّة لغیر التعارض التباینی.

إلّا إذا کان أحدهما حاکماً بالنسبة إلی الآخر فالحاکم مقدّم، أو إذا کان تقدیم أحدهما علی الآخر موجباً للغویّة الآخر دون العکس فالعکس مقدّم، مثلاً قوله علیه السلام «إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء» یدلّ بمفهومه علی اعتبار الکرّیّة فی عدم الانفعال. و إن کان الماء جاریاً، فإن قدّم ذلک علی عموم قوله علیه السلام الماء الجاری لاینفعل لزم اللغویّة، وذلک قرینة علی تقدیم قوله الماء الجاری علی مفهوم قوله إذا کان الماء قدر کرّ ینجّسه مع أنّ النسبة بینهما هی العموم من وجه و مقتضی ذلک هو الجمع بین عنوان الجاری و الکرّ فی التأثیر بمعنی أنّ کلّ واحد منهما مؤثّر فی عدم الانفعال.

ص:403

ص:404

الفصل الثامن: فی الاستثناء المتعقّب للجمل

اشارة

فقد وقع الکلام فی أنّ الاستثناء، ظاهر فی استثناء جمیع الجمل المتقدّمة، أو ظاهر فی خصوص الأخیرة، أو لاظهور له أصلاً؟ یقع البحث فی مقامین:

المقام الأوّل: فی مقام الثبوت

و قد ادّعی أنّ رجوع الاستثناء إلی الجمیع مستلزم لاستعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد و هو غیر ممکن.

یمکن منع ذلک ضرورة، أنّ تعدّد المستثنی منه کتعدّد المستثنی فی أنّه لایوجب تقاوتاً فی ناحیّة الأداة بحسب المعنی، و کان المستعمل فیه الأداة فیما کان المستثنی منه متعدّداً هو المستعمل فیه فیما کان واحداً کما هو الحال فی المستثنی و علیه فدعوی أنّ رجوع الاستثناء إلی الجمیع مستلزم لاستعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد کما تری.

ربّما یتوهّم تعدّد الإخراج بتعدّد الأطراف، فلو لا لحاظ الوحدة فی الجمل المتعدّدة أو المستثنیات المتعدّدة، لایکون الإخراج واحداً، و شمولها حینئذٍ للمتعدّد بما هو متعدّد موجب للاستعمال فی أزید من معنی واحد و لاجامع مفهومیّ بناء علی خصوصیّة الموضوع له.

ص:405

ویمکن الجواب عنه: بأنّ الاستعمال لیس إلّا جعل اللفظ آلة لإفادة المعنی، فإن کان هذا هو المراد من جعله قالباً و فانیاً فلادلیل علی امتناع شیء واحد قالباً لشیئین أو أکثر، و إن کان المراد شیئاً آخر فلابدّ من بیانه.

وعلیه فإفادة المتکثّرات لاتسلتزم تکثّر الإفادة، فلایلزم من رجوع الاستثناء إلی الجمل المتعدّدة إفادة الاستثناء للإخراجات المتعدّدة بل الاستثناء یفید إخراج المتعدّدات، فلاتغفل.

المقام الثانی: فی مقام الاثبات

ولایخفی أنّه یختلف بحسب تکرار الحکم أو الموضوع أو کلیهما و عدمه، أو بحسب ذکر الاسم الظّاهر فی الجملة الاُولی و عطف سائر الجمل علیها مشتملة علی الضمیر الراجع إلیه، أو ذکر الاسم الظّاهر فی جمیع الجمل، و إلی غیر ذلک من التفصیلات، فالأولی هو الإشارة إلی بعضها.

أحدها: ما فی نهایة النهایة من التفصیل بین ما إذا کان الاستثناء قیداً للموضوع لاإخراجاً عن الحکم فهو ظاهر فی الرجوع إلی الأخیرة.

و بین ما إذا کان الاستثناء إخراجاً عن الحکم، فقال فإن لم یتکرّر الحکم فی الجمل، فالظّاهر بل المتعیّن هو رجوعه إلی الجمیع بخلاف ما إذا تکرّر الحکم فی الجمل.

ففی مثل أکرم العلماء و الشرفاء و الشعراء إلّا الفسّاق، یرجع الاستثناء إلی الجمیع، لأنّ المستثنی منه هو الحکم و هو واحد غیر متعدّد.

و فی مثل أکرم العلماء و أکرم الشرفاء و أکرم الشعراء إلّا الفسّاق، فالظّاهر هو رجوع الاسثتناء إلی الأخیرة مدّعیاً بأنّ الظّاهر بمقدّمات الحکمة إذا کان المتکلّم فی مقام البیان و لم یقم قرینة علی الرجوع إلی غیر الأخیرة هو الرجوع إلیها، فإنّ رجوعه إلی غیر الأخیرة یحتاج إلی البیان.

ص:406

وفیه: ما لایخفی حیث إنّ البحث یعم الصورتین و لاوجه للتفرقة المذکورة. هذا مع إمکان منع کون الحکم واحداً فی مثل أکرم العلماء و الشرفاء و الشعراء إلّا الفسّاق لأنّ مقتضی تعدّد الموضوع هو تعدّد الحکم کقوله علیه السلام اغسل للجمعة و الجنابة.

و أیضاً لامجال للأخذ بالمقدّمات مع وجود ما یصلح للرجوع إلی الجمیع فی الکلام.

وثانیها: ما فصّله المحقّق النائینی قدس سره، بین تکرار عقد الوضع، فالظّاهر هو رجوع الاستثناء إلی خصوص الأخیرة، لأنّ تکرار عقد الوضع فی الجملة الأخیرة مستقلاً یوجب أخذ الاستثناء محلّه من الکلام، فیحتاج تخصیص الجمل السابقة علی الجملة الأخیرة إلی دلیل آخر و هو مفقود، و بین عدم تکرار عقد الوضع و اختصاص ذکره بصدر الکلام، کما إذا قیل «أکرم العلماء و أضفهم و أطعمهم إلّا فسّاقهم»، فلا مناص عن الالتزام برجوعه إلی الجمیع.

وفیه: أنّ استقلال الجملة لایمنع من احتمال رجوع الاستثناء إلی السابق، و دعوی لزوم رجوع الاستثناء إلی عقد ا لوضع محلّ منع، إذ لیس الاستثناء إلّا لأخراج الحکم، کقولهم ما جاء فی القوم إلّا زید، لظهوره فی تخصیص مجیء زید لا لتقیید الموضوع ثمّ تعلیق الحکم علیه، کأن یتصوّر القوم باستثناء زید، ثمّ علّق علیه عدم المجیء.

و الشاهد علی إمکان رجوع الاستثناء إلی الجمیع، أنّه لو علمنا أنّ المتکلّم أراد الاستثناء من الجمیع لایلزم منه خلاف أصل من الاُصول، أو ارتکاب تجوّز، و معه لامجال لأصالة العموم، لأنّ الاستثناء المذکور ممّا یصلح للمخصّصیّة.

وثالثها: ما فصّله السیّد المحقّق الخوئی قدس سره بین تعدّد القضیّة بدون تکرار المحمول، کما إذا قیل «أکرم العلماء و الأشراف و الشیوخ إلّا الفسّاق». منهم فالظّاهر فیه هو رجوع الاستثناء إلی الجمیع، لأنّ القضیّة فی الفرض المذکور فی حکم قضیّة واحدة.

ص:407

و بین تعدّد القضیّة مع تکرّر عقد الحمل، کما إذا قیل: «أکرم العلماء و الأشراف و أکرم الشیوخ إلّا الفسّاق منهم»، فالظّاهر هو رجوع الاستثناء إلی خصوص الجملة المتکرّر فیها عقد الحمل و ما بعدها من الجمل لو کانت لأنّ تکرار عقد الحمل قرینة علی قطع الکلام عمّا قبله. و بذلک یأخذ الاستثناء محلّه من الکلام، فیحتاج تخصیص الجمل السابقة علی الجملة المتکرّر فیها عقد الحمل إلی دلیل آخر مفقود علی الفرض.

وفیه: أنّ القضیّة فیما إذا تعدّدت موضوعاتها تتعدّد بتعدّدها، و مع التعدّد یمکن اختلاف الجمل المتعدّدة فی الاستثناء و عدمه.

هذا مضافاً إلی أنّ تعدّد القضایا عند تکرّر محمولاتها، لایمنع عن إمکان رجوع الاستثناء إلی جمیع موضوعاتها، و الشاهد علیه جواز تصریح المتکلّم بذلک.

نعم لایبعد دعوی ظهور رجوع الاستثناء إلی الجملة الأخیرة فیما إذا تغایرت الجمل موضوعاً و محمولاً، کقولهم أکرم العلماء و جالس الأشراف إلّا الفسّاق منهم.

ورابعها: هو التفصیل بین ما إذا اتّحد المحمول مع تکرّر الموضوعات، مثل أن یقال أکرم العلماء و التجّار و الاُدباء إلّا الفسّاق منهم فالاستثناء راجع إلی الجمیع.

و بین ما إذا تکرّر المحمول بدون العطف، سواء اتّحد أم اختلف، مثل أن یقال، أکرم العلماء أضف التجّار احترم الاُدباء إلّا الفسّاق منهم.

فالمتعیّن هو رجوع الضمیر إلی الأخیرة، إذ بیان کلّ حکم بجملة مستقلّة غیر مرتبطة بسابقتها برابط یوجب کون الجملة السابقة فی حکم المغفول عنها و المنتهی عن شؤونها.

و بین ما إذا تکرّر المحمول مع العطف، مثل أن یقال أکرم العلماء و أضف التجّار و احترم الاُدباء إلّا الفسّاق منهم.

ص:408

و فی هذه الصورة یحتمل أن یکون استقلال الأخیرة موجباً لتعیّنه، و یحتمل أن یکون ربط الأخیرة بغیرها بحرف العطف موجباً لعدم تعیّنه لکون الجمیع بمنزلة الجلمة الواحدة، فیکون الکلام مجملاً ولکن تخصیص الأخیرة قدر متیقّن.

وفیه: أنّ دعوی تعیّن رجوع الاستثناء إلی الجمیع فی الصورة الاُولی لاشاهد لها مع کون القضیّة متعدّدة بتعدّد موضوعاتها، إذ عدم تعیّن رجوعه إلی الأخیرة لایلازم تعیّن رجوعه إلی الجمیع، بل یمکن القول بالإجمال إن لم نقل بتعیّن رجوعه إلی الأخیرة. هذا مضافاً إلی أنّ دعوی تعیّن رجوع الاستثناء إلی الجملة الأخیرة فی الصورة الثانیة کما تری إذ لو سلّمنا هذ الترکیب فی الأدبیّات العربیّة لانسلّم کون الجمل السابقة فی حکم المغفول عنها، و حینئذٍ إن کان نوع المحمول متّحداً فلاظهور له فی الرجوع إلی الأخیرة و لا إلی الجمیع.

و إن کان نوع المحمول مختلفاً فدعوی ظهور رجوع الاستثناء إلی الأخیرة غیر بعیدة.

و أیضاً دعوی الإجمال فی الصورة الثالثة مندفعة، بأنّ العطف لایوجب وحدة الجمل بل الواو و تدلّ علی مغایرة الجمل بعضها مع بعض، ولکن مع ذلک لاینافی رجوع الاستثناء إلی الجمیع. نعم لایبعد دعوی ظهور الکلام فی الرجوع إلی الأخیرة بعد تغایرها مع سائر الجمل موضوعاً و محمولاً.

وخامسها: هو التفصیل بین ما إذا ذکر الاسم الظّاهر فی الجملة الاُولی و عطف سائر الجمل علیها مشتملاً علی الضمیر الراجع إلیه و اشتمل المستثنی أیضاً علی الضمیر کقوله أکرم العلماء و سلّم علیهم و ألبسهم إلّا الفسّاق منهم.

فإنّ الظّاهر منه هو رجوع الاستثناء إلی جمیع الجمل.

ص:409

و الوجه فی ذلک أن الضمیر فی المستثنی إشارة إلی شیء و لم یکن فی الجمل شیء صالح للإشارة إلیه إلّا الاسم الظّاهر المذکور فی صدرها، و أمّا سائر الجمل فلاتصلح لإرجاع الضمیر إلیها لعدم عود الضمیر إلی الضمیر.

بل لعلّ الأمر کذلک، فیما إذا لم یکن المستثنی مشتملاً علی الضمیر، ولکن الجمل السابقة تکون مشتملة علی الضمیر و یعود إلی الاسم الظّاهر فی الجملة الاُولی کما یقال فی المثال السابق، إلّا بنی فلان، لأنّ الضمیر فی سائر الجمل غیر صالح لتعلّق الاستثناء به فإنّه بنفسه غیر محکوم بشیء، فلامحالة یرجع الاستثناء إلی ما هو صالح له.

فإذا عاد الضمیر فی المستثنی إلی الاسم الظّاهر المذکور فی صدر الجمل لاینعقد الإطلاق فی الجمل التالیة بل یتّحد المراد بین الجمل.

وفیه: أنّ تقیید الموضوع فی الجملة الأخیرة باستثناء الفاسق من العلماء لا یستلزم تقیید الموضوع فی الجمل السابقة، لأنّ الجمل السابقة معطوفة علی الاسم الظّاهر فی الصدر بما هو مستمعل فی معناه اللغوی، لا بما هو مراد جدّیّ، و رجوع الضمیر إلی الصدر لایوجب رجوع الاستثناء إلی أیضاً. و بالجملة تعریف المستثنی متوقّف علی رجوع الضمیر إلی الصدر، لانفس الاستثناء.

هذا مضافاً إلی إمکان منع عدم صحّة تخصیص الضمیر، إذ الضمیر قائم مقام مرجعه، فإن کان عامّاً فهو بمنزلة العامّ فیجوز تخصیصه.

و کیف کان، فتحصّل صحّة القول برجوع الاستثناء إلی الجملة الأخیرة إذا کانت الجمل المتکرّرة متغایرة موضوعاً و محمولاً، لأنّ الجمل المتغایرة کالجمل المنفصلة، فلادلیل علی رجوع قید فی بعضها إلی الآخر إلّا إذا قامت قرینة مقالیّة أو حالیّة علی ذلک.

و أما سائر الموارد، فالظهور فیها، و المتّبع هو خصوصیّات الموارد فتدبّر.

ص:410

الفصل التاسع: فی وجه تقدیم الخاصّ علی العامّ

ولایخفی علیک أنّ الملاک فی تقدیم الخاصّ علی العامّ هو الأظهریّة لا الأخصیّة، و لذا إن کانت الأظهریّة فی طرف العامّ کما إذا ورد متکرّراً فی مقام الحاجة فهو مقدّم، و إن کانت الأظهریة فی طرف الخاصّ کما هو الغالب فالمقدّم هو الخاصّ.

و لو شکّ فی أظهریّة العامّ و الخاصّ، فمقتضی القاعدة هو التوقّف و الرجوع إلی الأصل العملی.

ثمّ إنّ تقدیم الخاصّ علی العامّ یوجب التخصیص، کما هو معلوم. و أمّا تبدیل العامّ علی الخاصّ یوجب التصرّف فی هیئة الخاصّ، فإن کان الخاصّ أمراً یحمل علی الاستحباب، کما إذا ورد مکرّراً فی مقام الحاجة - أعتق رقبة - من دون تخصیصه بخصوصیّة، ثمّ ورد - أعتق رقبة مؤمنة - فیحمل علی أنّ عتق المؤمنة مستحبّ.

و إن کان الخاصّ نهیاً، یحمل علی الکراهة کما إذا ورد مکرّراً فی مقام الحاجة - أکرم أیّ عالم -، ثمّ ورد - لاتکرم النحویّ -، فیحمل النهی علی الکراهة.

و لامانع من اجتماع کراهة إکرام فرد مع الوجوب بنحو العموم البدلی. نعم لایجتمع مع الوجوب بنحو العموم الاستغراقی إذ طلب کلّ فرد بعینه لایجامع مع طلب ترکه، بخلاف العموم البدلیّ، فإنّ المستفاد منه هو جواز ترک کلّ فرد مع الإتیان بفرد آخر، و من المعلوم أنّه یجتمع مع طلب ترک فرد بعینه.

ص:411

ص:412

الفصل العاشر

فی أنّ التخصیص، فیها إذا لم یکن العاّم آبیاً عن التخصیص و إلّا فلامجال له مثلاً عنوان الظلم یأبی عن التخصیص فلایصحّ أن یقال یحرم الظلم إلّا فی مورد کذا.

نعم ربّما یتزاحم العنوانان، فحینئذٍ یقدّم الأقوی إن کان، و إلّا فیحکم بالتخییر، ومرجع التزاحم لیس إلی التخصیص فی المادّة، لأنّها بقیت علی ما علیها، فمثل حفظ الإسلام إذا تزاحم مع حفظ دماء المسلمین ممّن تترّس بهم الکفار یقدّم علی حفظ دماء المسلمین من باب کونه أقوی ملاکاً، لأهمّیّة حفظ الإسلام بالنسبة إلی حفظ نفوس جماعة من المسلمین.

ص:413

ص:414

الفصل الحادی عشر: فی تخصیص الکتاب بالخبر الواحد

ولایخفی جوازه، فإنّه بعد ما قرّر فی محلّه من حجّیّة یکون کالخبر المحفوف بالقرینة القطعیّة، أو الخبر المتواتر، فی جواز رفع الید عن عموم الکتاب به. و دعوی أنّ الکتاب قطعیّ، السند، و الخبر ظنیّ السند، فکیف یجوز رفع الید عن القطعیّ بالظنیّ.

مندفعة بأنّ الخبر لاینافی الکتاب إلّا فی الدلالة، و الدلالة فی موارد التخصیص لیست بقطعیّة. ضرورة أنّ دلالة الکتاب علی العموم مبتنیة علی أصالة العموم، فیجوز رفع الید عن ذلک بالخبر، و لو لم یجز ذلک لما جاز رفع الید عن العموم بالمتواتر أو الخبر المحفوف بالقرینة القطعیّة أیضاً لأنّ دلالتهما ظنیّة و المعلوم خلافه.

نعم لو کانت دلالة الکتاب قطعیّة، لم یکن رفع الید عنها بالخبر الظنّیّ، بل لابدّ من طرح المخالف أو تأویله کما لایخفی.

لایقال: إنّ تقدیم الخبر الواحد علی العامّ الکتابی ینافی الأخبار الدالّة علی المنع من العمل بما خالف کتاب الله.

لأنّا نقول: إنّ تلک الأخبار مختصّة بالمخالفة التباینیّة، أو المخالفة علی نحو العموم و الخصوص من وجه و لایشمل المخالفة بنحو العموم و الخصوص المطلق.

ص:415

نعم یکون المراد من عنوان المخالفة فی الأخبار العلاجیّة هو العموم و الخصوص، ولکنّه فی مقام تقدیم أحد الخبرین علی الآخر بعد الفراغ عن حجّیّتهما ذاتاً فیرجّح موافق العموم الکتابی علی المخالف کما هو مقرّر فی محلّه.

ص:416

الفصل الثانی عشر: فی الدوران بین التخصیص و النسخ

وهنا صور:

أحدها: أن یکون الخاصّ متّصلاً بالعامّ، أو مقروناً به، ففی هذه الصورة لامورد لکلیهما، إذ مع وجود الخاصّ لاینعقد الظهور الجدّیّ فی العموم، و معه لاحکم فی مورد الخاصّ، حتّی یقع النزاع فی أنّ رفعه من باب التخصیص أو النسخ.

وثانیها: أن یکون الخاصّ وارداً قبل حضور وقت العمل بالعامّ، و فی هذه الصورة ربّما یقال إنّ الخاصّ یدور أمره بین أن یکون ناسخاً أو مخصّصاً.

اورد علیه بأنّه لا مورد لاحتمال النسخ بعد ما قرّر فی محلّه، من أنّ النسخ هو رفع الحکم الثابت المولوی بانتهاء أمده، و المفروض فی المقام، أنّه لاحکم قبل حضور وقت العمل بالعامّ، و علیه فبعد انتفاء النسخ ینحصر الأمر فی التخصیص.

ودعوی: أنّ الأحکام فی القضایا الحقیقیّة الثابتة للموضوعات المقدّر وجدها ثابتة، فلامانع من نسخها بعد جعلها، لأنّ المفروض أنّها أحکام علی موضوعاتها المقدّرة.

مندفعة: بأنّ الأحکام المجعولة فی القاضایا الحقیقیّة مُنشأة بداعی جعل الداعی، فلامحالة یترقّب منها الدعوة عند وجود موضوعها و ما کان بهذا الداعی یستحیل جعل آخر یکون مقتضاه هو عدم فعلیّة هذه الأحکام ضرورة أنّه جمع بین المتنافیین، هذا

ص:417

مضافاً إلی أنّه مع علم الجاعل بانتفاء شرط فعلیّتها یکون جعلها لغواً محضاً و یستحیل أن یصدر اللغو من المولی الحکیم الملتفت و لافرق فی ذلک بین کون القضیّة حقیقیّة أو خارجیّة، فانحصر الأمر فی التخصیص.

وثالثها: أن یکون الخاصّ متأخّراً عن العامّ و کان بعد وقت حضور العمل بالعامّ، و قد فصّل فی الکفایة بین ما إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الواقعیّ فیکون الخاصّ ناسخاً للعامّ و بین ما إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الظاهری من باب ضرب القانون، کما هو الشائع فی غالب العمومات و الخصوصات الواردة فی الشرع فیکون الخاصّ مخصّصاً.

ودعوی: أنّ التخصیص موجب لتأخیر البیان عن وقت الحاجة و هو قبیح، لأنّه إمّا یوجب الوقوع فی الکلفة و المشقّة من دون مقتضٍ لذلک فی الواقع، کما إذا کان العامّ مشتملاً علی حکم إلزامیّ فی الظّاهر مع أنّ مورد التخصیص مشتمل علی حکم ترخیصیّ.

أو یوجب إلقاء المکلّف فی المفسدة، کما إذا کان العامّ مشتملاً علی حکم ترخیصیّ فی الظّاهر و یکون مورد التخصیص محرّماً.

أو یوجب تفویت المصلحة، کما إذا کان العامّ مشتملاً علی حکم ترخیصیّ و یکون مورد التخصیص واجباً.

مندفعة: بأنّ المصلحة الأقوی إذا اقتضت ذلک فلاقبیح فی ذلک أصلاً، و القبح فی تأخیر البیان عن وقت الحاجة حیث إنّه اقتضائیّ و لیس علّة تامّة، فلامانع من تأخّره إذا اقتضت المصلحة الملزمة الّتی تکون أقوی، کما أنّ التدرّج فی بیان أصل الأحکام یکون کذلک.

ص:418

لایقال: إنّ التخصیص فی المقام یشبه النسخ فی العمومات المذکورة، لأنّ البعث الواحد المتعلّق بموضوع متعدّد یکون بعثاً واحداً جدّیّاً ولو لاذلک لزم صدور البعث الواحد عن داعیین بلاجهة جامعة تکون هی الداعی، فإذا کان البعث جدّیّاً بالإضافة إلی الجمیع فالحکم منبعث عن المصالح الواقعیّة الأوّلیّة فی غیر مورد التخصیص و المصالح الثانویّة فی مورد التخصیص، بحیث ینتهی أمد المصالح الثانویّة بقیام المخصّص، و علیه فالتخصیص یرفع الحکم الثابت الثانویّ، و هذا هو معنی النسخ.

لأنّا نقول: أوّلاً، لا، إشکال فی عدم لزوم کون الإنشاء بعثاً حقیقیّاً بالإضافة إلی بعض الأفراد مع وجود أداة العموم کلفظة «کلّ» فی متعلّق الإنشاء مثل أکرم کلّ عالم، لأنّ مع التعدّد لامانع من أن یکون الداعی لفرد هو البعث الجدّیّ و لفرد آخر هو البعث علی نحو ضرب القانون، إذ لایجتمع الداعیان فی واحد، و معه فالتخصیص لا یشبه النسخ.

فالخاصّ المتأخّر عن العامّ فیما إذا کان بعد وقت حضور العمل بالعامّ یکون مخصّصاً أیضاً بالنسبة إلی العامّ لاناسخاً.

و یشهد له ظهور الخاصّ فی مثل لاتکرم العالم الفاسق بعد أکرم العلماء فی حرمة إکرام العالم الفاسق فی الشرع من أوّل الأمر لا من هذا الحین و إن کان فعلیة الحکم من هذا الحین، و حیث إنّ الظهور أظهر من ظهور أکرم العلماء یقدّم علیه و یخصّصه و إن کان متأخّراً عن العامّ، فتدبّر جیّداً.

ورابعها: أن یکون العامّ وارداً بعد الخاصّ و قبل حضور وقت العمل به، ففی هذه الصورة یأتی ما مرّ فی الصورة الثانیة حرفاً بحرف من تقدیم التخصیص، فیکون الخاصّ المتقدّم مخصّصاً للعامّ المتأخّر حیث لاموجب للنسخ و إلّا لزم اللغویّة، إذ جعل الحکم الخاصّ الوارد قبل العامّ و نسخه قبل حضور وقت العمل بالخاصّ لغو، بل جمع بین المتنافیین بل یؤخذ بظهورهما فی حکایتهما عن أنّهما حکمان شرعیّان من الابتداء لا

ص:419

من حین ورودهما، فیقدّم الخاصّ علی العامّ بعد ما عرفت من قوّة ظهوره بالنسبة إلی العامّ، فلامجال لاحتمال نسخ الخاصّ بالعامّ.

وخامسها: أن یکون العامّ وارداً بعد الخاصّ و بعد حضور وقت العمل به ففی هذه الصورة یقع الکلام فی أنّ الخاصّ المذکور مخصّص للعامّ المتأخّر أو أنّ العامّ المتأخّر ناسخ للخاصّ المتقدّم.

ربّما یقال إنّ الأظهر هو التخصیص، لکثرة التخصیص حتّی اشتهر ما من عامّ إلّا و قد خصّ و قلّة النسخ فی الأحکام، و بذلک یصیر ظهور الخاصّ فی الدوام أقوی من ظهور العامّ.

ولکن لقائل أن یقول: إنّ دعوی الکثرة فی مثل المقام مع تأخّر العامّ غیر ثابتة، و هکذا دعوی بناء العقلاء فی مثل المقام غیر محرزة.

فالأولی هو الاستدلال بسیرة المتشرّعة فی توجیه تقدیم التخصیص فی هذه الصورة، بأنّ النسخ فی الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار علیهم السلام ممّا ینکره المتشرّعة و یستوحشون منه، بل الأئمة علیهم السلام أبوا عن ذلک، و هذا یکفی لدعوی قیام السیرة علی ترجیح التخصیص علی النسخ فی العمومات و الخصوصات الشرعیّة.

هذا مضافاً إلی أنّ الخاصّ و العامّ حاکیان عن الحکم فی الشریعة الإسلامیّة من ابتداء الأمر لا من حین ورودهما، و حیث إنّ الخاصّ أظهر من العامّ یقدّم علی العامّ و یخصّص العامّ به.

و علی هذا الضوء فالعامّ المتأخّر الوارد بعد حضور وقت العمل بالخاصّ و إن کان بیانه متأخّراً عن بیان الخاصّ زماناً إلّا أنّه یدلّ علی ثبوت مضمونه فی الشریعة المقدّسة مقارناً لثبوت مضمون الخاصّ، فلاتقدّم و لاتأخّر بینهما فی مقام الثبوت.

ص:420

وعلیه فلاموجب لتوهّم کون العامّ ناسخاً للخاصّ بل لامناص من جعل الخاصّ مخصّصاً له.

بل هذا الوجه یصلح للدلالة علی تقدّم الخاصّ علی العامّ فی جمیع الصور الأربعة عدا الصورة الاُولی مع تسلیم دوران الأمر بین التخصیص و النسخ، من غیر فرق بین أن یکون الخاصّ وارداً قبل حضور وقت العمل بالعامّ أو بعده، کما لاتفاوت بین أن یکون العامّ وارداً قبل حضور وقت العمل بالخاصّ أو وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاصّ.

فإنّ العامّ و الخاصّ حاکیان عن ثبوت الحکم فی الشریعة من أوّل الأمر لا من حین ورودهما، و حیث إنّ الخاصّ أظهر یقدّم علی العامّ و یخصّص العامّ به، فالتقسیمات المذکورة لاتوجب الفرق أصلاً.

و إذا عرفت ذلک فی معلوم التقدیم و التأخیر، فالحکم أوضح فیما إذا جهل و تردّد بین أن یکون الخاصّ، وارداً بعد حضور وقت العمل بالعامّ، أو قبل حضور، أو العامّ وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاصّ، أو قبل حضوره، إذ الخاصّ مقدّم علی کلّ حال، فلاتغفل.

ص:421

ص:422

المقصد الخامس: فی المطلق و المقید و المجمل و المبین

اشارة

ص:423

ص:424

الفصل الأوّل: فی تعریف المطلق

اشارة

حکی عن المشهور، أنّ المطلق هو ما دلّ علی شائع فی جنسه، اورد علیه بعدم الاطّراد لشموله للمقیّد کقوله رقبة مؤمنة، لأنّه أیضاً شائع فی جنسه و لشموله للعامّ فإنّه أیضاً شائع فی جنسه، هذا مضافاً إلی أنّ هذا التعریف غیر منعکس لخروج الأعلام الشخصیّة من هذا التعریف لعدم الشمول فیها إلّا للمعیّنات الخاصّة، والمعهودات الخارجیّة، و لامورد للشیوع فی الجنس فیها.

و عرّفه جماعة، منهم الشهید، أنّه اللفظ الدالّ علی الماهیّة من حیث هی هی اورد علیه بأنّ قولهم من حیث هی هی إن کان جزء مدلول اللفظ فهو ینافی الإطلاق و إن کان صفة للمعنی، فهو یشمل لما هو غیر مقیّد أصلاً و لما هو مقیّد ولکنّه ملحوظ من جهة إطلاقه فی حصصه و أفراده فإنّه یصدق علیه أیضاً أنّه دالّ علی الماهیّة من حیث هی هی و لایوجب انحصار المطلق فیما لاتقیید فیه و لعلّه لذلک عدل الشیخ الأنصاری قدس سره عن التعریف المنطقی، و ذهب إلی التعریف اللغوی.

و هو أنّ المطلق ما ارسل عنانه و هو یشمل الماهیّة المطلقة و النکرة؛ و المقیّد بخلافه، فإنّه ما لم یرسل عنانه، سواء کان مطلقاً و مرسلاً، ثمّ لحقه التقیید فأخذ عنانه و قلّ انتشاره، مثل رقبة مؤمنة، أو لم یکن مرسلاً من أوّل الأمر کالأعلام الشخصیّة و نحوها.

ص:425

قال شیخنا الأعظم: هذا الاستعمال فی غایة الشیوع بینهم، و علیه فیشمل المطلق بهذا المعنی الأعلام الشخصیّة فإنّها من المطلقات باعتبار إطلاق أحوالها من حیث القیام و القعود و السفر و الحضر و نحوهما من الحالات.

و لعلّ هذا هو مراد الشهید، فإنّ المطلق هو ما لم یؤخذ فیه قید و حال خاصّ، بل اخذ من حیث هی هی.

ثمّ إنّ معنی إرسال العنان أنّه لم یؤخذ شیء زائد علی نفس المعنی فیه، فالإطلاق مقتضی ذات المعنی، فإنّه یصدق علی کلّ فرد من أفراده بإطلاقه الذاتی، فالشیوع غیر مأخوذ فی المعنی اللغوی، و علیه فالمطلق لایشمل العموم لأخذ الشیوع فی العموم دون المطلق.

ثمّ إنّ الإطلاق و التقیید یکونان من أوصاف المدلول و المفهوم و إن اتّصف بهما الألفاظ بالتبع، إذ التوسیع و التضییق لا معنی له فی اللفظ مع کونه جزئیّاً و ممّا ذکر یظهر حکم أسامی الأجناس و أعلامها و النکرة من جهة أنّ نفس المعنی مدلولها من دون أخذ الشیاع و السریان أو بعض الخصوصیّات فیها، و إلیک تفصیل ذلک:

أسامی الأجناس:

ولایخفی أنّها موضوعة لنفس المعانی من دون ملاحظة أیّ قید من القیود فیها حتّی اعتبار المقسمیّة للأقسام بل حتّی اعتبار من حیث هی هی.

و لذلک یحمل علی الذاتیّات، من دون نظر إلی الخارج عنها کقولنا الإنسان حیوان ناطق أو الإنسان حیوان أو ناطق مع أنّه لو کان غیر الذات مأخوذاً فیه لما حمل علیه الذاتی کالجنس و الفصل من دون تجرید أو عنایة.

و لذلک أیضاً یحمل علی الأفراد فإنّها من مصادیقها من دون حاجة إلی التجرید و هو شاهد علی أنّ الشیوع و السریان غیر مأخوذین فی معناها، و إلّا لما حمل علیها من دون تجرید أو عنایة.

ص:426

ثمّ إذا اعتبر مع نفس المعنی أمر غیر ما هو مأخوذ فیه فی نفسه، فهو یعدّ من أطوار ذلک المعنی سواء کان ذلک الأمر اعتبار الوجود الذهنی فیه أو الخارجی، أو اعتبار أمر آخر غیرهما، إذ فی جمیع هذه الأطوار نفس المعنی محفوظ من دون تبدّل و تغییر فیه، و إنما التبدّل و التغییر فی أطوار المعنی و عوارضه.

فالموضوع له فی أسماء الأجناس هو معنی یکون فوق اللابشرط المقسمی، واللابشرط القسمیّ، لأنّهما متحقّقان فیما إذا قیس المعنی إلی خارجه، سواء کان الخارج هو الاعتبارات الثلاثة أو القیود الخارجیّة، بل لم یعتبر فیها بالمعنی الذی ذکرناه قید الإهمال و لاالإبهام و لاالإطلاق و الشیوع و لا قید الکلّیّ، إذ الموضوع له للمطلق لیس إلّا هو نفس المعنی و إن دلّت علی الاُمور المذکورة بقیام القرینة من باب تعدّد الدالّ و المدلول.

أعلام الأجناس:

و لایخفی علیک أنّ بعض الفحول من الاُصولیّین ذکر الفرق بین علم الجنس و اسم الجنس، فی أنّ علم الجنس کاُسامة وضع للجنس بملاحظة حضوره و تعیّنه فی الذهن، فمدلوله کمدلول المعرّف بلام الجنس متقیّد بالحضور و التعیّن، و لذا کان من المعارف دون اسم الجنس فإنّه و إن دلّ علی الماهیّة إلّا أنّ مدلوله لم یتقیّد بشرط الحضور.

یمکن أن یقال: إنّ تقیید المعنی بالحضور فی الذهن فی أعلام الجنس و المعرّفات باللام فاسد، إذ مقتضی التقیید بأمر ذهنیّ هو عدم صحّة حملهما علی الأفراد الخارجیّة، و هو کما تری.

فالصحیح هو أن یقال فی الفرق إنّ الموضوع له فی علم الجنس کاُسامة هو، حصة من الطبیعی تعلّقت بها الإشارة الذهنیّة من دون أخذ جهة التقیید بها فی مدلوله ومعناه،

ص:427

و هکذا الأمر فی المشار إلیه فی المعرّف بلام الجنس هذا بخلاف الموضوع له فی اسم الجنس، کأسد، فإنّه الطبیعیّ الذی له سعة إطلاق یشمل الکثیرین.

فالفرق بین اسم الجنس و علم الجنس والمعرّف بلام الجنس یکون بحسب المعنی، حیث إنّه کان لاسم الجنس سعة إطلاق و لیس ذلک لعلم الجنس و المعرّف بلام الجنس، بل یختصّ علم الجنس و المعرّف بلام الجنس بالحصّة الّتی اشیر إلیها.

وحیث إنّ التقیید بالإشارة لایؤخذ فی المعنی، یکون المعنی قابلاً للحمل علی الأفراد و الانطباق علی الخارجیّات.

فما ذکره المشهور من أهل العربیّة من کون التعریف فی علم الجنس و المعرّف بلام الجنس معنویّاً و لیس بلفظیّ متین جدّاً.

المعرّف باللام:

و الظّاهر من کلمات أهل الأدب أنّ الأصل فی اللام أنّه للتعریف إلّا ما خرج، و المعرّف بلام الجنس هو ما دخل علیه لام الجنس و هی الّتی اشیر بها إلی الجنس، فتفید تعریف الجنس و الإشارة إلیه.

وهذا التعریف لایحصل باسم الجنس المعرّی عن اللام و إنّ دلّ علی الجنس، والفرق بین المعرّف، بلام الجنس و علم الجنس هو أنّ فی الأوّل یستفاد التعریف بتعدّد الدالّ و المدلول بخلاف الثانی، لأنّ الدالّ فیه واحد و لافرق بینهما من ناحیة اخری.

و قدعرفت أنّ التعریف فی اللام و علم الجنس لیس من جهة کون التعیّن الذهنی دخیلاً فی المعنی جزءاً و تقیّداً، و إلّا لما صحّ حمل المعرّف باللام أو علم الجنس بما هو معرّف علی الأفراد.

بل التعریف من جهة دلالة اللفظ علی ذات المعنی فی حین ملاحظة تعیّن المعنی عن غیره من المعانی.

ص:428

وهذه الملاحظة توجب کون التعریف تعریفاً معنویّاً فلامجال لحمل اللام علی التعریف اللفظی، و لذا یترتّب علیه أحکام التعریف المعنویّ من جواز کونه مبتدأ و غیر ذلک. ثمّ إنّ معنی المعرّف بلام التعریف أو علم الجنس و إن لم یکن مقیّداً بالتعیّن ولکن مع ذلک لایکون مطلقاً، لأنّ المعنی هو الحصّة الملازمة مع الالتفات إلی خصوصیّات المعنی، فلایشمل غیر حال الالتفات.

ثمّ إنّ لام التعریف تدلّ علی تعریف الجنس إن کان مدخولها هو الجنس، و تدلّ علی الاستغراق إن کان مدخولها الأفراد، لأنّ التعریف الخارجی، فی الأفراد منحصر فی جمیع الأفراد، لعدم تعیّن غیر هذه المرتبة.

و تدلّ علی التعریف الحضوری إن کان مدخولها منطبقاً علی الحاضر، کقولک لمن یشتم رجلاً بحضرتک لاتشتم الرجل.

و تدلّ علی التعریف الخارجی إن کان مدخولها معهوداً فی الخارج کقولک لأهل البلد أکرموا القاضی.

و تدلّ علی التعریف الذکری إن کان مدخولها معهوداً بحسب الذکر قبل ذلک.

و بالجملة أنّ اللام وضعت للدلالة علی أنّ مدخولها واقع موقع التعیین إما جنساً أو استغراقاً أو عهداً بأقسامه ذکراً و خارجاً و ذهناً، و الدلیل علی ذلک هو التبادر الذی یشهد به الاستعمالات المتعارفة و إن لم یکن لها مرادف فی سائر اللغات.

ومع التبادر و الانسباق، لاوقع لحمل اللام علی إفادة مجرّد التزیین و الاعتماد علی القرائن الحالیّة و المقالیّة، و هذا هو المشهور.

النکرة:

هی علی ما ذهب إلیه مشایخننا موضوعة للجزئیّ الحقیقی، و یعبّر عنه بالفرد المردّد.

ص:429

لایقال: إنّ الجزئیّ یتوقّف علی تصوّره تمام تشخّصاته الواقعیّة المعیّنة لأنّا نقول لایتوقّف علی ذلک. ألا تری أنّه لو رأی الإنسان شبحاً من البعید و تردّد أنّه إنسان أو غیره، أو أنّه زید أو عمرو، لایخرجه هذا التردّد عن الجزئیّة.

ودعوی: أنّه لاوجود للفرد المردّد فی الخارج، حیث إنّ کلّ ما هو موجود فیه متعیّن لامردّد بین نفسه و غیره، فإنّه غیر معقول ضرورة. أنّ کلّ واحد هو هو لا هو أو غیره، فلابدّ من أن تکون النکرة الواقعة فی متعلّق الأمر هو الطبیعیّ المقیّد بمثل مفهوم الوحدة، و علیه فتکون النکرة کلّیّاً قابلاً للانطباق.

مندفعة بأنّه لاملازمة بین تردید المفهوم و تردید الخارج، إذ یمکن أن یکون المفهوم مشتملاً علی التردید و لایکون الخارج إلّا متعیّناً، ألاتری الکسور المشاعة أنّها قابلة للانطباق علی الخارج بأشکال مختلفة مع أنّ الخارج لیس إلّا المفروزات و المتعیّنات و لاأثر للإشاعة فی الخارج و علیه فلاإشکال فی تصوّر الفرد المردّد فی الذهن حاکیاً عن الجزئی، الخارجی من دون دخالة لفرد دون فرد.

ویشهد لذلک تبادر الفرق بین رجل من دون تنوین و رجل مع التنوین فی ظهور الأوّل فی الجنس و الماهیّة الکلّیّة الّتی لا یمتنع صدقه علی الکثیرین، و ظهور الثانی فی فرد غیر معیّن خارجیّ و هذا مضافاً إلی ورود الروایة علی صحّة الوصیّة بأحد الشیئین لأحد الشخصین.

ولیس المقصود من الفرد المردّد، وجود المردّد فی الخارج حتّی یقال إنّ المردّد، بما هو مردّد لاوجود له فی الخارج. لأنّ کلّ موجود له ماهیّة ممتازة عن سائر الماهیّات بامتیاز ماهویّ و له وجود ممتاز بنفس هویّة الوجود عن سائر الهویّات.

بل المقصود هو الخارجیّ المشار إلیه بمفهوم الفرد المردّد، و من المعلوم أنّ الخارجیّ من المتعیّنات و لامانع من أن یکون عنوان الفرد المردّد مشیراً إلی المتعیّنات الخارجیّة کما عرفت فی الکسور المشاعة.

ص:430

ثمّ إنّه لافرق بعد تصوّر الفرد المردّد بین وقوع النکرة فی الجملة الخبریّة کقوله تعالی: (وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَی الْمَدِینَةِ یَسْعی)، أو فی الجملة الإنشائیّة کقولهم جئنی برجل فی إفادة الفرد المردّد بحکم التبادر.

و قد یقال إنّ النکرة تدلّ باعتبار الاسم علی معناه الکلّیّ و باعتبار التنوین تدلّ علی اتّصافه بالوحدة، و علیه فالنکرة هی الطبیعة المتقیّدة بعنوان واحد.

وفیه: أنّ التبادر ممّا یشهد علی کون النکرة من الجزئیّات لاالکلّیّات.

هذا مضافاً إلی أنّ لازم ما ذکره القائل هو عدم خروج النکرة عن قابلیّة الانطباق بانطباق عَزضیّ علی القلیل و الکثیر و تقیّده بمفهوم الواحد لایوجب خروجه عن القابلیّة للانطباق عزضاً علی القلیل و الکثیر و هو کما تری فإنّ شأن النکرة إنما هو عدم الانطباق علی المتکثّرات إلّا بانطباق تبادلیّ.

و النکرة علی ما ذکرنا من أنّ معناها هو الفرد المردّد یحتاج فی الإطلاق التبادلی إلی مقدّمات الإطلاق، کما فی الإطلاق الأحوالی، و أیضاً علی قول من ذهب إلی أنّ معناها الکلّیّ المقیّد بقید الوحدة تحتاج إلی المقدّمات فی عدم دخالة قید من القیود کما لایخفی.

ص:431

ص:432

الفصل الثانی: فی مقدّمات الإطلاق

اشارة

ولایذهب علیک أنّ الحاجة إلی المقدّمات فیما إذا لم یکن الإطلاق مستنداً إلی طهور لفظیّ، و إلّا فلامجال لتلک المقدّمات، مثلاً لو قلنا بأنّ الشیاع و الإطلاق من جهة أنّ الموضوع له هو المعنی الشائع ففی إفادة الشیوع لاحاجة إلی المقدّمات، لأنّ اللفظ بالوضع یدلّ علیه ولکن أخذ الشیاع و الاطلاق فی الموضوع له ممنوع کما مرّ.

أو لو قلنا بأنّ الماهیّة فی ذاتها سیّالة ساریة، فإذا توجّه الحکم إلیها سری بتبع سرایة الماهیّة، لأنّ الماهیّة تمام الموضوع و ما هذا شأنه لاینفکّ عن الحکم فلاحاجة إلی المقدّمات، ولکن الثابت هو قابلیّة الماهیّة للشیاع. و علیه فی فعلیّة الإطلاق و الشیاع تحتاج إلی المقدّمات.

أو لو قلنا إنّ المراد لو کان مقیّداً فالإرادة حینئذٍ متعلّقة بالمقیّد بالأصالة و بالطبیعة المطلقة بالتبع لمکان الاتّحاد بینهما. هذا بخلاف ما إذا لم یکن مقیّداً، فإنّ الإرادة متعلّقة بالطبیعة بالأصالة و حیث إنّ ظاهر تعلّق الخطاب و الإرادة بالطبیعة أنّ الطبیعة أوّلاً و بالذات متعلّقة بالطبیعة لا أنّ المراد هو المقیّد، ثمّ اضیفت الإرادة إلیها بالتبع، و علیه فلاحاجة إلی المقدّمات. ولکنّه مدفوع بأنّ استناد الظهور إلی اللفظ غیر ثابت بل هو لأجل حکم العقلاء بأنّ ما جعل موضوعاً للحکم یکون تمام الموضوع لابعضه. و لعلّهم لایحکمون بذلک إلّا بعد تمامیّة کون المتکلّم فی مقام البیان، و الشاهد علی ذلک أنّه

ص:433

لو فرض أنّه یکون فی مقام بیان حکم آخر، أو فی مقام الإهمال لایحکمون بذلک، فهذه المقدّمة ممّا لامناص منها.

فانقدح ممّا ذکر، أنّ الألفاظ فی إفادة الإطلاق تحتاج إلی المقدّمات.

ما هی مقدّمات الإطلاق:

ذهب فی الکفایة إلی أنّ ا لمقدّمات ثلاثة إحداها: کون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد، لاالإهمال و الإجمال و أطلق الکلام.

ثانیتها: انتفاء ما یوجب التعیین.

ثالثتها: انتفاء القدر المتیقّن فی مقام التخاطب دون المتیقّن بملاحظة الخارج.

و لاکلام فی لزوم المقدّمة الاُولی، إذ بدون کون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد لایحکم العقلاء، بأنّ الموضوع المذکور فی الکلام تمام موضوع حکمه و مع عدم حکمهم بذلک لاتتمّ الحجّة العقلائیّة علی المتکلّم.

وعلیه فاکتفاء المتکلّم بالمذکور فی کلامه من دون تقییده بقید مع تمکنّه من التقیید یوجب حکم العقلاء بأنّه بإطلاقه تمام موضوع حکمه.

نعم لو لم یتمکّن من التقیید لایحکم بأنّ المذکور بإطلاقه تمام موضوع حکمه و لاکلام أیضاً فی لزوم المقدّمة الثانیة، إذ مع وجود القرینة لامجال للأخذ بالإطلاق ولکن هذه المقدّمة من محقّقات الإطلاق، إذ مع وجود القرینة سواء کانت داخلیّة أو خارجیّة مقرونة لاینعقد الإطلاق، مع أنّ محطّ الکلام فی التمسّک بالإطلاق ما إذا جعل شیء موضوعاً لحکم و شکّ فی دخالة شیء آخر، فیرفع بالإطلاق.

وأمّا المقدّمة الثالثة، فقد استدلّ لها بکون القدر المتیقّن موجباً لإحراز أنّه من الموضوع و إلن لم یحرز أنّه تمامه، فالعبد لیس له نفی الخصوصیّة الزائدة المحتملة لعدم لزوم الاخلال بالغرض لو کان المتیقّن فی مقام التخاطب تمام موضوع حکمه، و لو أراد

ص:434

المتکلّم المطلق علیه نصب القرینة المانعة عن کون المتیقّن تمام موضوع حکمه، و إلّا لأخلّ بغرضه.

ویمکن أن یقال: إنّ المتکلّم لو أراد القدر المتیقّن لأشار إلیه بنحو من الأنحاء و لم یأخذ موضوعاً آخر أعمّ لکلامه، فإذا لم یشر إلیه و أخذ موضوعاً آخر أعمّ و لم یقیّده بقید کان ذلک موجباً للحکم بالإطلاق و القدر المتیقّن فی مقام التخاطب یوجب العلم بثبوت الحکم فی مورده، ولکن لایثبت خصوصیّة المورد، فمع عدم دلالة القدر المتیقّن علی ذلک لاوجه لرفع الید عن إطلاق المتعلّق المأخوذ فی الحکم. و لعلّه لذلک بنی العقلاء علی عدم الاعتناء بخصوصیّة الأسئلة عند کون الأجوبة مطلقة، و قالوا العبرة بإطلاق الوارد لابخصوصیّة المورد.

نعم لو کان القدر المتیقّن موجباً للانصراف فلاکلام فی کونه موجباً لتقیّد الموضوع و کان مندرجاً فی المقدّمة الثانیة.

فتحصّل: أنّ المقدّمات ثنائیّة لاثلاثیّة، بل المقدّمات منحصرة فی المقدّمة الاُولی بعد ما عرفت من أنّ المقدّمة الثانیة من المحقّقات لاالمقدّمات، و علیه فلیس للإطلاق إلّا مقدّمة واحدة و هی المقدّمة الاُولی.

ثمّ إنّ المراد من المقدّمة الاُولی هو أن یکون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد من الجهة الّتی فی صدد بیانها، و علیه فلایضرّ بذلک عدم کونه کذلک بالنسبة إلی سائر الجهات، و لذا نقول بحلّیّة أکل صید الکلاب باطلاق قوله تعالی:(فَکُلُوا مِمّا أَمْسَکْنَ عَلَیْکُمْ) و لو لم یقع التذکیة و الذبح الشرعی عند عدم المجال لمراعاتها ولکن لانقول بطهارة موضع ملاقاة الکلب للصید لأنّ الآیة الکریمة لیست فی صدد بیان الطهارة.

ص:435

بقی شیء

وأعلم أنّ صاحب الکفایة ذهب إلی أنّه إذا شکّ فی کون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد و إطلاقه أو لا، کان مقتضی الأصل أنّه فی مقام بیان تمام المراد و إطلاقه.

وتبعه سیّدنا الإمام المجاهد قدس سره، و قال علیه جرت سیرة العقلاء، فالأصل بعد إحراز کون المتکلّم بصدد بیان الحکم لاالإهمال و الإجمال أن یکون بصدد بیان تمام ما له المدخلیّة فی الموضوع فی قبال الإهمال و الإجمال.

وبعبارة اخری، أنّ المراد الجدّیّ محقّق، و هو إمّا مقیّد أو مطلق، لکنّه یشکّ فی أنّه بصدد إظهار ذلک المراد الجدّیّ أم بصدد أمر آخر فالعقلاء یحکمون هنا بأنّ المولی الذی له مراد محقّق فهو بالجبلّة و الطبع أی لو خلّی و نفسه یقوم بصدد إظهاره و کونه بصدد إظهار أمر آخر یحتاج إلی التنبیه علیه، فینتجّ أنّ المراد الاستعمإلی غیر مهمل، بل إمّا مطلق أو مقیّد. فبضمیمة عدم التقیید یثبت الإطلاق خصوصاً إذا کان المورد مقام الحاجة و لو بمعنی حاجة السائل إلی فهم حکم المسألة کما هی عادة الرواة المتصدّین لضبط الأحکام عن الإمام علیه السلام.

وعلیه فالمراد من إحراز کون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد فی المقدّمة الاُولی هو الأعمّ من العلم و العلمی، لما عرفت من کفایة بناء العقلاء فی إحراز کون المتکلّم فی مقام البیان.

نعم حکم العقلاء بالإطلاق فیما إذا لو سئل المتکلّم عن مورد الإطلاق لأجاب بأنّه المراد أیضاً و إلّا فحکم العقلاء غیر محرز.

تنبیهات:

التنبیه الأوّل: أنّ النکرة هی الفرد المردّد، و هذا عنوان للأفراد الخارجیّة علی سبیل التبادل، و البواقی أی اسم الجنس و علمه و المعرّف بلام الجنس حاکیات عن حصص معانیها دون الأفراد بما هی الأفراد لخلوّ المعانی عن الخصوصیّات الفردیّة.

ص:436

وعلیه فمقتضی الإطلاق فی النکرة جواز الإتیان بأیّ فرد کان، و مقتضی الإطلاق فی البواقی هو جواز الإتیان بأیّ حصّة من حصص الطبیعة المأمور بها و لاحکایة لها عن خصوصیّات الأفراد.

والمنع عن حکایة البواقی عن الحصص أیضاً بدعوی أنّ نفس الطبیعة تخالف الوجود و التشخّص و سائر عوارضها خارجاً أو ذهناً و لایمکن کاشفیّة الشیء عمّا یخالفه غیر سدید، لأنّه خلط بین الأحکام الفلسفیّة و الأحکام العرفیّة، لأنّ العرف لایفکّک بین الطبیعة و الوجود، و لذا حکم بوجود طبیعة الإنسان فی الخارج مع أنّ الموجود هو الوجود لاالطبیعة بالنظر العقلیّ الدقیق، فمع عدم التفکیک العرفی فلاوجه لإنکار حکایة المعانیّ المذکورة عن حصصها الوجودیّة، فلاتغفل.

التنبیه الثانی: أنّ انعقاد الظهور فی المطلق لایکون منوطاً بعدم وجود القید فی الواقع و إلّا لاختلّ أمر المطلقات باحتمال تقییدها فی الواقع و هو معلوم البطلان، و لذا کان بناء العقلاء علی تمامیّة الإطلاق بعد الفحص و عدم الظفر بالقیود و لیس ذلک إلّا لعدم مانعیّة القید فی الواقع عن انعقاد ظهور المطلق فی الإطلاق. و علیه فإذا ورد بعد مرحلة البیان شیء من القیود کان معارضاً مع الظهور المنعقد فی المطلق و لایرتفع ظهور المطلق بعد انعقاده لوصول القید بعد وقت البیان و دعوی تعلیق انعقاد الظهور بعدم البیان و لو للتإلی تنافی بناء العقلاء علی تقدیم القید من باب کونه أقوی الحجّتین.

إذ لو کان انعقاد الظهور معلّقاً علی عدم ورود القید لکان القید مقدّماً علی المطلق و لو کان أضعف ظهوراً من المطلق.

التنبیه الثالث: أنّ للانصراف مراتب متعدّدة، متفاوتة شدّة و ضعفاً حسب اختلاف مراتب الاُنس الناشی من کثرة الاستعمال أو غیرها و لابدّ من الإشارة إلی معتبّرها:

ص:437

منها: هو الانصراف البدویّ، و هو الذی یزول بأدنی تأمّل، کانصراف الماء إلی ماء خاصّ کماء الفرات فی بعض البلاد.

وهذا لایمنع عن الأخذ بالإطلاق لتمامیّة الإطلاق و عدم وجود المانع.

ومنها: الانصراف الموجب للاُنس اللفظی بمثابة یکون کالتقیید اللفظی و من المعلوم أنّه یمنع عن الاطلاق کانصراف الحیوان عن الإنسان مع أنّ الإنسان من أنواع الحیوان و هذا الانصراف قد یحصل بکثرة الاستعمال و التکرار، و قد یحصل بمناسبة الحکم و الموضوع و لو لم یکن تکرار مثلاً قال الإمام الصادق علیه السلام لزرارة و محمّد بن مسلم، «اللبن و اللباء و البیضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و کل، شیء ینفصل من الشاة و الدابّة ذکیّ، و إن أخذته منه بعد أن یموت، فاغسله و صلِّ فیه» فقوله فاغسله منصرف إلی غیر اللبن و اللباء بمناسبة الحکم و الموضوع.

ومنها: الانصراف الحاصل من الغلبة الخارجیّة و هو لیس بمعتبر ما لم توجب الاُنس اللفظی لأنّه لیس إلّا الظنّ و هو لیس بحجّة. هذا بخلاف ما إذا أوجب الاُنس اللفظی فإنّه من الظهورات، و هی حجّة عند العقلاء.

ثمّ إنّ الانصراف تارة یکون علی الإطلاق من دون اختصاصه بحال دون حال، واُخری یکون مخصوصاً بحال، کحال الإضطرار دون حال، کحال الاختیار.

مثلاً وضع الید فی التیمّم علی الأرض ینصرف منه فی حال الاختیار الوضع بباطن الکفّ لابظاهرها و فی حال الاضطرار و عدم التمکّن من وضع باطن الکفّ ینصرف منه وضع ظاهر الکف و هکذا فلایتقیّد المطلق بالانصراف إلّا فیما إذا تحقّق الانصراف و یکون موجباً للظهور اللفظیّ.

ص:438

التنبیه الرابع: أنّ مقدّمات الحکمة یختلف مقتضاها بحسب اختلاف المتعلّقات والمقامات، فإذا کان مجری المقدّمات هو النکرة تفید العموم البدلی و إذا کان هو الجنس کقوله تعالی:(أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ) تفید العموم الاستیعابی و إذا کان هو صیغة الأمر تفید التعیّنیّة و العینیّة و النفسیّة عند الشکّ فیها، فإنّ إرادة غیرها من التخییریّة و الکفائیّة و الغیریّة تحتاج إلی عنایة زائدة کما قرّر فی محلّه.

التنبیه الخامس: أنّه یختلف امتثال الطبیعة فی الأوامر و النواهی، إذ الأمر یمتثل بإیجاد فرد ما بمقتضی الإطلاق و عدم دخالة فرد خاصّ یحرز بمقدّمات الحکمة نعم ربّما یستفاد من بعض الأوامر بمناسبة الحکم و الموضوع، أنّ الحکم لاینفکّ عن وجود الطبیعة مثل قوله تعالی:(أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ)

أو قولهم «أکرم العالم»، ففی هذه الموارد یتعدّد الحکم الموارد و لایکفی إتیان فرد واحد لامتثال غیره.

ثمّ إنّ النهی عن وجود الطبیعة لایمتثل إلّا بترک جمیع الأفراد عقلاً، ولاحاجة فی هذه الصورة إلی مقدّمات الحکمة، لأنّ الطبیعة فی سیاق النّفی أو النهی خرجت عن الإطلاق و دخلت فی العموم، بل النکرة إذا وقعت فی سیاق النّفی أو النهی کالطبیعة تفید العموم.

التنبیه السادس: أنّ الإطلاق أفرادیّ و أحوإلی و أزمانیّ، و یجتمع الإطلاق من هذه الجهات إذا اخذت الطبیعة فی متعلّق الأمر من دون تقییدها بفرد أو بحال أو زمان کقولهم أکرم العالم فإنّ مقتضاه هو وجوب إکرام کلّ فرد من العالم فی أیّ حال کان، و فی أیّ زمان من الأزمنة.

والتقیید یمکن أن یکون أفرادیّاً و یتبعه الحال و الزمان، إذ الفرد إذا خرج عن تحت الإطلاق خرج حاله و زمانه بالتبع أیضاً.

ص:439

ویمکن أن یکون: التقیید باعتبار حال من أحواله أو زمان من أزمانه، فیقتصر فی التقیید فی خصوص الحال أو الزمان الخارج فبعد زوال الحال أو الزمان الخاصّ یؤخذ بالإطلاق، لأنّ المطلق متعرّض لجمیع الأحوال و الأزمنة و المفروض أنّه لم یخرج عنه إلّا حال أو زمان خاصّ.

التنبیه السابع: أنّه لایختصّ التقیید بالمعانی الاسمیّة والأفرادیّة بالوجدان، إذ یجوز تقیید المعانی الحرفیّة.

و الجمل و المعانی الترکیبیّة أیضاً، و لذا تکون الجمل الجزائیّة مقیّدة و منوطة بالجمل الشرطیّة. وهکذا القضایا الحملیّة مقیّدة بجهاتها من الضروریّة و غیرها، و ذلک لأنّ الالتفات إلی المعانی الحرفیّة و الجمل و تقییدها ممکن باللحاظ الثانی و مع هذا الإمکان لاوجه لاختصاص التقیید بالمعانی الاسمیّة و الأفرادیّة.

التنبیه الثامن: أنّ بعد جریان مقدّمات الإطلاق فی ناحیة الحکم من ناحیة الزمان و المکان یدوم الحکم ما دام موضوعه باقیاً، و لایتغیّر الحکم باختلاف الأزمنة و الأمکنة، کما هو مقتضی مقدّمات الإطلاق، و یدلّ علیه النصوص کقوله صلی الله علیه و آله و سلم «حلال محّمد حلال إلی یوم القیامة و حرام محمّد حرام إلی یوم القیامة»، مثلاً المجتهد یحرم علیه التقلید و العامیّ یجب علیه التقلید، و هذا الحکمان یدومان إلی یوم القیامة مادام موضوعهما باقیاً.

نعم قد یتبدّل مصادیق الموضوعات بأن کان فرد عامیاً فتعلّم فیصیر مجتهداً أو عرض عارض لمجتهد فیزول عنه علمه و یصیر مقلّداً.

إلّا أنّ الاختلاف المذکور فی ناحیة مصادیق الموضوعات، لاالموضوعات أو أحکامها.

ص:440

و ممّا ذکر یظهر ما فی دعوی أنّ الأحکام متغیّرة بتغیّر الزمان و المکان من الخلط بین المصادیق و الموضوعات و الأحکام.

التنبیه التاسع: أنّه إذا علم بالتقیید و دار الأمر بین رفع الید عن إطلاق الهیئة أو إطلاق المادّة و شکّ فی وجوب تحصیل القید و عدمه -، إذ لو کانت الهیئة مقیّدة لایجب تحصیل القید و إن کانت المادّة مقیّدة یجب تحصیل القید -.

ذهب الشیخ الأعظم قدس سره إلی الثانی أعنی رفع الید عن اطلاق المادة و توجیه إطلاق الهیئة بأنّه شمولیّ و مفاده هو الوجوب علی کلّ تقدیر یمکن أن یتوجّه معه الخطاب إلی المکلّف بخلاف إطلاق المادّة، فإنّه بدلیّ بمعنی أیّ فرد من أفراد الطبیعة یصلح للامتثال، فإذا دار الأمر بین المشولیّ و البدلیّ یؤخذ بالشمولیّ، لأنّه أقوی فی العموم و یرفع الید عن البدلیّ.

أورد علیه صاحب الکفایة بأنّ الإطلاق فی کلا المقامین مستفاد من مقدّمات الإطلاق فلایمکن تقدیم أحدهما علی الآخر بمجرّد کونه شمولیّاً و الآخر بدلیّاً.

و علیه، فمقتضی عدم تقدیم أحدهما علی الآخر هو الرجوع إلی مقتضی الأصل، و من المعلوم أنّ بعد العلم الإجمالی بالتقیید یتعارض أصالة الإطلاق فی طرف الهیئة مع أصالة الإطلاق فی طرف المادّة و مع التعارض و التساقط یرجع إلی مقتضی الأصل العملی و هو البراءة، إذ مع احتمال أن یکون القید قیداً للوجوب لاعلم بالوجوب فیجری البراءة.

التنبیه العاشر: أنّ معنی الإطلاق هو أخذ الموضوع من دون لحاظ شیء فیه و علیه فالإطلاق هو رفض القیود لاجمع القیود، إذ الإطلاق لایتوقّف علی لحاظ القیود و تسویة الموضوع باعتبارها کأن یقال إنّ الموضوع الفلانی سواء کان مع کذا أو کذا یترتّب علیه کذا فإنّه خلاف الوجدان.

هذا مضافاً إلی أنّ ملاحظة کلّ قید واحداً بعد واحد تحتاج إلی مؤونة زائدة، و هو لایناسب تعریف المطلق بأنّه أخفّ المؤونة.

ص:441

ص:442

الفصل الثالث: فی کیفیّة الجمع بین المطلق و المقیّد

ولایخفی أنّ المطلق و المقیّد إمّا یتضمّنان حکماً تکلیفیاً و إما حکماً وضعیّاً، ثمّ إنّ کلاً منهما إمّا متخالفان نفیاً و إثباتاً و إمّآ متوافقان.

و التکلیف، إمّا یکون إلزامیّاً و إمّا غیر إلزامیّ، و الکلام یقع فی صور:

الصورة الاُولی: هو ما إذا کان الحکم تکلیفیّاً و مختلفاً فی النّفی و الإثبات و تعلّق النهی بالمطلق و الأمر بالمقیّد کقوله لاتعتق رقبة و أعتق رقبة مؤمنة أو کقوله لایجب عتق الرقبة و یجب عتق الرقبة المؤمنة.

فاللازم هو حمل المطلق علی المقیّد و لافرق فی ذلک بین أن یکون الحکم إلزامیّاً أو غیر إلزامیّ، هذا مع الإغماض عن کون هذه الأمثلة أمثلة العموم، فإنّ النکرة والجنس فی سیاق النّفی تفید العموم.

الصورة الثانیة: هی عکس الصورة الاُولی، و هو ما إذا کان النهی متعلّقاً بالمقیّد و الأمر متعلّقاً بالمطلق کقوله أعتق رقبة و لاتعتق رقبة فاسقة.

فإن کان المراد من النهی هو التحریم فلاإشکال فی أنّ مقتضی الجمع العرفی هو حمل المطلق علی غیر المقیّد.

ص:443

و وجهه واضح، إذ لایجتمع مطلوبیّة الذات مع مبغوضیّة المرکّب من الذات و الخصوصیّة فیحمل المطلق علی غیر المقیّد، و نتیجته أنّ المطلق فی ضمن المقیّد لیس بمطلوب و حمل المبغوضیّة فی المقیّد علی خصوصیّة القید لاالذات خلاف الظّاهر من تعلّق النهی بالمتّصف لاخصوص الوصف.

و أمّا إن کان المراد من النهی الکراهة، فالمطلق یحمل أیضاً علی غیر المقیّد، کما ذهب إلیه شیخ مشایخنا المحقّق الیزدی الحاج الشیخ قدس سره، وجه ذلک أیضاً هو ظهور تعلّق النهی بالطبیعة المقیّدة لابخصوص إضافة الطبیعة إلی قیدها.

نعم لو قامت قرینة علی أنّ الطبیعة الموجودة فی ضمن المقیّد مطلوبة أیضاً کما فی العبادات المکروهة، فاللازم حینئذٍ هو صرف النهی إلی خصوص الإضافة بحکم العقل و إن کان خلاف الظاهر.

وعلیه فلافرق بین النهی التحریمی و التنزیهی فی حمل المطلق علی غیر المقیّد، و ممّا ذکر یظهر حکم ما إذا شکّ فی کون النهی تحریمیّاً أو تنزیهیّاً، فإنّ النهی علی کلا التقدیرین یدلّ علی مرجوحیّة الطبیعة بحسب ما عرفت من ظهور تعلّق النهی بالطبیعة المتقیّدة و هو لایجتمع مع راجحیّة الطبیعة، فاللازم هو حمل المطلق علی غیر المقیّد، فتدبّر جیّداً.

الصورة الثالثة: هی ما إذا کان الدلیلان، أی المطلق و المقیّد، مثبتین إلزامیین کقوله أعتق رقبة، و أعتق رقبة مؤمنة.

ففی هذه الصورة إن احرزت وحدة الحکم فلاإشکال فی حمل المطلق علی المقیّد لأنّه المتفاهم العرفی فی مثله، و لافرق فیه بین کون القید منفصلاً أو متّصلاً، کما لاتفاوت بین کون منشأ إحراز وحدة السبب أو غیرها من سائر القرائن.

ص:444

ودعوی: الإجمال فیما إذا کان منشأ إحراز وحدة الحکم غیر وحدة السبب، لدوران الأمر بین بقاء المطلق علی إطلاقه و التصرّف فی المقیّد، إمّا هیئة بحمل الأمر فیه علی الاستحباب، و إمّا مادّة برفع الید عن ظاهره فی الدخالة، و بین حمل المطلق علی المقیّد، و حیث لاترجیح بینهما لاشتراک الکلّ فی مخالفة الظّاهر یتحقّق الإجمال.

مندفعة: بأنّ مع إحراز وحدة الحکم کما هو المفروض یکون المتفاهم العرفی هو الجمع بینهما بحمل المطلق علی المقیّد کسائر الموارد، وذلک لقوّة ظهور المقیّد بالنسبة إلی ظهور المطلق.

و إن لم یحرز وحدة الحکم فمقتضی ظاهر الأمرین أنّهما تکلیفان مستقلّان، وحیث لایمکن اجتماعهما فی واحد فیقیّد المطلق بغیر مورد المقیّد، و علیه فلایکفی امتثال کلّ عن الآخر، بل اللازم فی امتثال المطلق هو الإتیان بالمطلق فی غیر مورد المقیّد لعدم إطلاق المادّة، فتدبّر.

و إن احرز تعدّد التکلیف مع توافقهما فی الإثبات، فالمتعیّن هو حمل کلّ منهما علی التکلیف المستقلّ و تقیید المطلق بغیر مورد المقیّد أخذاً بظاهر الأمرین.

ففی مثل أعتق رقبة و أعتق رقبة مؤمنة، یکون المراد من الرقبة فی قوله أعتق رقبة هی غیر الرقبة الّتی تکون فی رقبة مؤمنة، فلایجتمع الخطابان بعد حمل المطلق علی غیر المقیّد فی واحد، و مقتضاه هو عدم کفایة امتثال الثانی عن الأوّل لعدم إطلاق المادّة.

هذا بخلاف مثل أکرم العالم و أکرم الهاشمی لعدم اجتماع الخطابین فی واحد من أوّل الأمر، و یجوز التداخل فی امتثالهما، لإطلاق المادّة و عدم تقیّدها بغیر مورد الآخر.

الصورة الرابعة: هی ما إذا کان الدلیلان نافیین إلزامیین، کما إذا ورد لاتشرب المسکر و لاتشرب الخمر.

ص:445

ففی هذه الصورة مع تعدّد التکلیف کما هو ظاهر تعدّد النهی یحمل المطلق علی غیر المقیّد فیحرم المسکر غیر الخمر کما یحرم الخمر.

وذلک لامتناع شمول المطلق لمورد المقیّد من جهة لزوم اجتماع حکمین متماثلین فی الطبیعة المتقیّدة مع أنّها واحدة. و علیه فلایکفی امتثال کلّ واحد عن الآخر لعدم إطلاق مادّة المطلق بالنسبة إلی المقیّد، و لاختصاص المقیّد بمورده، نعم لو احرزت وحدة الحکم، فاللازم هو حمل المطلق علی المقیّد، فلیس التکلیف إلّا بالمقیّد.

الصورة الخامسة: هی ما إذا کان الدلیلان النافیان غیر إلزامیین، فمع تعدّد التکلیف یمتنع اجتماعهما فی واحد، و مع امتناع الاجتماع یحمل المطلق علی غیر مورد المقیّد کما أنّ المقیّد لایشمل المطلق لخصوصیّة مورده.

هذا بخلاف ما إذا احرزت وحدة الحکم، فإنّ اللازم حینئذٍ هو حمل المطلق علی المقیّد إذ لیس فی البین إلّا تکلیف واحد و هو التکلیف بالمقیّد.

الصورة السادسة: هی ما إذا کان الدلیلان مثبتین غیر إلزامیین، فمع التوافق و تعدّد المطلوب هنا تکلیفان مستحبّان، أحدهما: متعلّق بالمطلق الذی یشمل غیر مورد المقیّد، وثانیهما: متعلّق بالمقیّد و لایشمل المطلق لمورد المقیّد للزوم اجتماع المثلین فی واحد.

ومع وحدة المطلوب یحمل المطلق علی المقیّد لأظهریّة المقیّد بالنسبة إلی المطلق، و لایبعد دعوی انصراف المستحبیّن فی تعدّد المطلوب لکثرة استعمال موارد المستحبّ فی الشریعة فی امور یکون مطلوبیّتها عامّة فی جمیع الأفراد لاشتمالها علی الملاک.

الصورة السابعة: هی ما إذا کان الدلیلان المثبتان، أحدهما حکم إلزامیّ و هو المطلق، و الآخر غیر إلزامیّ و هو المقیّد، ففی هذه الصورة یتصرّف فی غیر إلزامیّ بحمله علی بیان أفضل الأفراد من الواجب و لاموجب لرفع الید عن الحکم الإلزامیّ بغیر الإلزامیّ.

ص:446

الصورة الثامنة: أنّه لافرق بین الحکم التکلیفیّ و الوضعیّ، فمع اختلافهما فلامناص من تقیید المطلقات بالمقیّدات، و أمّا مع توافقهما، فمع وحدة الحکم یقدّم المقیّد علی المطلق أیضاً للأظهریّة، مثلاً قوله علیه السلام «إغسل ثوبک بالماء مرّتین عند ملاقاة البول» یقدّم علی قوله علیه السلام «إغسل ثوبک بالماء إذا لاقی بولاً»، لأنّ الحکم واحد فیحمل الثانی علی الأوّل.

و أمّا إذا لم یکن الحکم واحداً فلاوجه لحمل المطلق علی المقیّد، إذ لامنافاة بینهما کقوله علیه السلام «لاتصلّ فیما لایؤکل لحمه» و قوله «لاتصلِّ فی وبر مالا یؤکل لحمه» فیؤخذ بکلیهما، و لاوجه لحمل المطلق علی المقیّد لعدم المنافاة بینهما.

ص:447

ص:448

الفصل الرابع: فی المجمل و المبیّن

و المجمل هو ما لیس له ظاهر و المبیّن هو ما له ظاهر.

ثمّ إنّ المجمل لاحجّیّة له إلّا بالنسبة إلی القدر المتیقّن و هو ما یکون مراداً منه علی کلّ تقدیر، لدلالة اللفظ علیه مع جریان أصالة الجدّ.

بل قد یمکن رفع الإجمال عنه بالرجوع إلی المبیّن. هذا کلّه بالنسبة إلی المجمل الحقیقیّ، و قد یکون المجمل مجملاً حکمیّاً، و هو الذی لیس فی لفظه إجمال، و إنّما صار مجملاً من ناحیة اختلاف المراد الجدّیّ، کما إذا خصّص العامّ بدلیل منفصل یدور أمره بین المتباینین مثلاً إذا ورد «أکرم کلّ عالم» ثمّ ورد فی دلیل آخر «لاتکرم زیداً العالم» و المفروض أنّه مردّد بین الشخصین أی زید بن خالد وزید بن عمرو، صار العامّ مجملاً من ناحیة العلم الإجمالی، بخروج أحدهما، إذ مع العلم الإجمالی، بخروج أحدهما تعارض أصالة الجدّ فی کلّ واحد منهما مع أصالة الجدّ فی الآخر والمفروض عدم ترجیح بینهما و یعامل معه حینئذٍ معاملة المجمل. نعم لو کان مرجّح لأحدهما بالنسبة إلی الآخر فأصالة الجدّ جاریة فیه.

ثمّ إنّ الإجمال کما یکون فی المفردات، کلفظ الصعید، و لفظ الکعب، و لفظ الغناء، فکذلک یکون فی المرکّبات مثل قولهم «لاصلاة لمن لم یقم صلبه» بناءً علی عدم ظهور المقصود منه أنّه نفی الکمال أو نفی الحقیقة.

ص:449

ففی مثل هذه الموارد إن کان ظهور عرفیّ فهو، و إلّا فاللزام هو الرجوع إلی القواعد و الاُصول و هی تختلف باختلاف الموارد.

ثمّ الرجوع إلی العرف فیما إذا لم یکن الموضوع شرعیّاً و إلّا فاللازم هو الرجوع إلی الشرع لأنّه اصطلاح مخصوص به، فلاتغفل.

ثمّ إنّ المهمل، هو ما لایکون المتکلّم فی مقام بیان تفصیله و هو ملحق بالمجمل فی الحکم، لأنّهما مشترکان فی عدم مراد جدّیّ و إن کان لهما ظهور استعمالیّ.

و مع عدم کونهما فی مقام الجدّ فلایکونان حجّة. إلّا أنّ الإهمال بعد إحراز کون المتکلّم فی مقام بیان أصل الحکم خلاف الأصل لبناء العقلاء حینئذٍ علی أنّه فی مقام بیان التفصیلات.

ثمّ إنّ الآیات الکریمة، إن کانت موضوعاتها اموراً اختراعیّة، الّتی تحتاج إلی التفصیل، تکون فی مقام الإهمال بالنسبة إلی تلک الموضوعات.

نعم لو لم یذکر تفصیل له لا فی الکتاب و لا فی السنّة إلی أن یجیء وقت العمل، أمکن التمسّک بالإطلاق المقامی.

هذا بخلاف ما إذا کانت موضوعاتها من الموضوعات العرفیّة کالبیع و الشراء ونحوهما، فلاإهمال فیها لوضوح معانیها عند العقلاء، و یمکن الأخذ بالإطلاق فیما إذا کان المتکلّم فی مقام بیان أصل الحکم و شکّ فی الإهمال و عدمه کسائر موارد الإطلاقات، و یشهد لذلک الترغیب إلی الاستشهاد بالآیات القرآنیّة فی الروایات و الله هو الهادی.

ص:450

المقصد السادس: فی الامارات و الحجج المعتبرة شرعا او عقلا

اشارة

ص:451

ص:452

الباب الأوّل: فی القطع

اشارة

وفیه فصول:

الفصل الأوّل: فی القطع، و یقع البحث فیه من جهات

اشارة

الجهة الأولی: أنّ القطع یکون بنفسه طریقاً إلی الواقع و حیث إنّ الطریقیة المذکورة عین ذات القطع لاتکون قابلة للجعل مطلقاً سواء کان الجعل بسیطاً کجعل طریقیّة القطع، أو مرکّباً کجعل القطع طریقاً لااستقلالاً و لاتبعاً، کما لایتصوّر الجعل فی ذاتیّات کلّ شیء کالحیوانیّة و النطق للإنسان، إذ وجدان الشی لذاته و ذاتیّاته ضروریّ و لایحتاج إلی جعل جاعل.

نعم یجوز تعلّق الجعل بوجود القطع أو بإیجاد المقدّمات الموجبة للقطع.

ودعوی أنّ الذاتیّ لاینفکّ عن الشیء مع أن القطع قد یصیب و قد لایصیب، فمنه علم أنّ الطریقیّة و الکاشفیّة لیستا ذاتیّاً، و کونه کذلک فی نظر القاطع لایثبت کونها من لوازمه الذاتیّة، لأنّ الذاتیّ لایختلف فی نظر دون نظر.

مندفعة: بأنّ کشف القطع فی نظر القاطع لایختلف فی نظر دون نظر، مادام القطع موجوداً عند القاطع، و عدم إصابته بالنسبة إلی الواقع لایجعل القطع غیر کاشف فالقطع أینما تحقّق لاینفکّ عن الکاشفیّة و حیث إنّها ذاتیّة لاتحتاج إلی الجعل.

ص:453

الجهة الثانیة: أنّ بعدما عرفت من کون الطریقیّة و الکاشفیّة عین القطع هل تکون حجیّة القطع ذاتیّة أم لا؟

هنا أقوال:

أحدها: أنّ تأثیر القطع فی الحجّیّة بمعنی تنجّز التکلیف و استحقاق العقوبة علی المخالفة لازم للقطع، و صریح الوجدان شاهد علی ذلک.

و لعلّ الوجه فیه أنّ مخالفة التکلیف المجهول لاتوجب استحقاق العقوبة بحکم العقل، بل الشرط فی تأثیرها فی ذلک، هو القطع بالتکلیف، فالقطع شرط فی تأثیر المخالفة فی حکم العقل باستحقاق العقوبة، فهذا الشرط کسائر الشروط التکوینیّة لایتوقّف تأثیره علی شیءٍ آخر غیر وجود المقتضی. فإذا انضمّ هذا الشرط إلی وجود المقتضی، فالتأثیر لازم قهراً من دون حاجة إلی جعل شرعیّ أو عقلائیّ إذ القطع یجعل المخالفة مصداقاً لهتک حرمة المولی، و من المعلوم أنّه ظلم، و قبح الظلم ذاتیّ و لیس بمجعول.

نعم المنجّزیّة لاتکون من لوازم ماهیّة القطع، بل هی من لوازم وجود القطع، فإذا حصل القطع للإنسان، یحکم العقل بترتّب استحقاق العقوبة علی المخالفة.

هذا کلّه بالنسبة إلی المنجّزیّة، و أمّا المعذّریّة، فظاهر العبارات أنّها کذلک، إذ العقل یحکم بعدم استحقاق العقوبة عند عدم مصادفة قطعه للواقع.

ثانیها: أنّ استحقاق العقوبة لیس من الآثار القهریّة و اللوازم الذاتیّة لمخالفة التکلیف المعلوم قطعاً، بل من اللوازم الجعلیّة من العقلاء، لأنّ حکم العقل باستحقاق العقوبة لیس ممّا اقتضاه البرهان، بل من القضایا المشهورة الّتی تطابقت علیها آراء العقلاء لعموم مصالحها، و مخالفة أمر المولی هتک لحرمته و هو ظلم علیه، و الظلم قبیح، أی ممّا

ص:454

یوجب الذمّ و العقاب عند العقلاء، فدخل القطع فی استحقاق العقوبة جعلیّ عقلائیّ لاذاتیّ قهریّ کسائر الأسباب الواقعیّة و الآثار القهریّة.

فإذا عرفت أنّ الحجّیّة بمعنی المنجّزیّة من اللوازم الجعلیّة العقلائیّة، فبناء علی أنّ جعل العقاب من الشارع یصحّ القول بجعل المنجّزیّة للقطع شرعاً، من دون لزوم محذور.

یمکن أن یقال: إنّ استحقاق العقوبة علی مخالفة التکلیف المعلوم من جهة کونها هتک لحرمة المولی لایحتاج إلی تطابق الآراء، بل العقل مدرک لذلک، و لو لم یکن اجتماع لأنّه من مصادیق قبح الظلم، و قبح الظلم کحسن العدل أمر ثابت و لو لم یکن اجتماع أو لم یوجب اختلالاً فی النظام، و ذلک لملائمة العدل مع القوّة العاقلة ومنافرة الظلم معها و هی تکفی فی إدراج القضیّة فی الیقینیّات.

هذا مضافاً إلی أنّ الأوامر الشرعیّة لیست بتمامها دخیلة فی حفظ النظام، فتدبّر.

ثالثها: أنّ الصحیح أنّ حجّیّة القطع من لوازمه العقلیّة بمعنی أنّ العقل یدرک حسن العمل به و قبح مخالفته و یدرک صحّة العقوبة عند المخالفة لقطعه، لابمعنی إلزام العقل أو تحریکه و بعثه.

ثمّ إنّ إدراک العقل لذلک لایکون بجعل جاعل أو بناء من العقلاء لتکون الحجّیّة من الاُمور المجعولة، أو من القاضایا المشهورة.

بل هو من الاُمور الواقعیّة الأزلیّة، کما هو الحال فی جمیع الإستلزامات العقلیّة و تحرّک الإنسان، نحو ما یراه نفعاً له، أو ابتعاده ممّا یراه ضرراً علیه لیس بإلزام من العقل بل السبب فیه حبّ النفس و لااختصاص لذلک، بالإنسان، بل کلّ حیوان یکون کذلک بفطرته، و هذا التحریک تکوینیّ لابعث تشریعیّ.

ص:455

ولایخفی علیک، أنّ القول الثالث یشبه القول الأوّل، و الفرق بینهما فی أنّ القول الأوّل ظاهر فی أنّ العقل حکم بذلک دون القول الثالث، فإنّه صریح فی عدم حکم العقل بذلک و هو الصحیح ولکن حرکة الإنسان غیر حرکة الحیوان، فإنّ الحرکة فی الإنسان ناشئة عن الإدراک، کإدراک الاستلزامات بخلاف الحیوان فإنّه فی الغالب غریزیّ فتدبّر.

الجهة الثالثة: أنّه هل یجوز للشارع أن ینهی عن العمل بالقطع أو لا؟

قال الشیخ الأعظم، لایجوز ذلک، لاستلزامه التناقض، إذ بمجرّد القطع بکون مائه بولایحصل له صغری و کبری أعنی قوله هذا بول و کلّ بول یجب الاجتناب عنه، فهذا یجب الاجتناب عنه، وعلیه فحکم الشارع بأنّه لایجب الاجتناب عن المقطوع یوجب التناقض إلّا إذا قلنا بأنّ النجاسة و حرمة الاجتناب من أحکام ما علم بولیّته من وجه خاصّ.

قال المحقّق الخراسانی، إنّ المنع عن تأثیر القطع ینافی کون التنجیز ذاتیّاً. هذا مضافاً إلی أنّه یلزم منه اجتماع الضدّین اعتقاداً مطلقاً أی أصاب أو لم یصب، و حقیقة فی صورة الإصابة.

اورد علیه سیّدنا الإمام قدس سره بأنّ وجه الامتناع لیس لزوم اجتماع الضدّین، لأنّ الضدّین، أمران وجودیّان، و الوجوب و الحرمة و غیرهما من الاُمور الاعتباریّة، بل وجه الامتناع هو لزوم اجتماع الإرادتین المختلفتین علی مراد واحد، و الإرادتان، أمران وجودیّان واقعیّان. هذا مضافاً إلی لغویّة الحکم الأوّل لو نهی عن العمل بالقطع.

و کیف ما کان فقد خالفهم صاحب الوقایة بدعوی أنّ التناقض لایلزم علی نحو الکلّیّة، إذ لایکون کلّ قطع مصیباً للواقع، و علیه فلایصحّ الحکم علی کلّیّ القطع بعدم جواز الردع عنه من هذه الجهة.

ص:456

هذا مضافاً إلی أنّ التناقض لایلزم إلّا إذا تعلّق الردع عمّا قطع علیه، و أمّا إذا کان مفادّ الأمارة المعذوریّة أو رفع تنجّز الحرمة فلاتناقض أصلاً. و قد وقع ذلک فی ترخیص الشارع فی ارتکاب مشکوک الحرمة بل و مظنونها فی موارد البراءة و البینّة القائمة علی حلّیّة مظنون الحرمة إذ الترخیص لایختصّ بصورة علی المصادفة مع الحرام، بل مشکوک الحرمة حلال مطلق إذا کان مورد البراءة و مفاد الأمارة، فالتناقض المدّعی وجوده، موجود فیها، إذ من المعلوم وجود محرّمات کثیرة، ونجاسات واقعیّة بین هذه المشکوکات.

فالإشکال مشترک، و طریق الحلّ واحد، و هو أنّ متعلّق القطع و الظّنّ هو الحرمة الواقعیّة، و الردع لایکون عنها أبداً، بل الإذن یکون مؤمناً من عقابها، أو رافعاً لتنجّزها، و التنجّز أو العقاب لم یتعلّق به القطع أبداً.

ودعوی: أنّ مرتبة الحکم الظاهری محفوظة مع الظّن و الشکّ، لوجود الساتر علی الواقع، فیکون بما هو مجهول الحکم حلالاً، بخلاف القطع الذی هو عین الانکشاف، من دون ستر و حجاب الذی لایدع مجالاً للإذن، و لا لموضوع حکم آخر.

مندفعة: بأنّه لاینحصر جعل الحکم الظاهری فی وجود الساتر، بل لیس الوجه فی إمکان أخذ الجهل موضوعاً إلّا تأخّر مرتبة هذا الحکم عن الواقع بسببه، و هذا موجود مع القطع أیضاً فکما أنّ الشی بعنوان أنّه مجهول الحکم متأخّر عنه، فکذلک متأخّر بعنوان أنّه مقطوع الحکم.

و یمکن أن یقال: أوّلاً: إنّ الترخیص فی ارتکاب فعل مقطوع الحرمة ترخیص فی المخالفة بنظر القاطع. إذ الإتیان بالفعل مع القطع بالحرمة علّة تامّة، لتحقّق عنوان المخالفة، و هی قبیحة بحکم العقل، و الإذن فیها یخالف القبح العقلی، و دعوی إمکان رفع التنجّز کما فی مورد الظنّ و الاحتمال لایساعد مع کون التنجّز ذاتیّاً لوجود القطع

ص:457

وعلیه فلایفید تأخّر مرتبة الترخیص عن مرتبة الحکم الواقعی فی رفع المحذور، فإنّ القطع بالحکم علّة تامّة لحکم العقل باستحقاق المذمّة و العقوبة لمخالفة التکلیف، و مع هذا الحکم الواضح العقلی لایقبل الشیء بعنوان مقطوع الحکم ما یخالف الحکم المتعلّق بنفس الشیء المنکشف بالقطع.

وثانیاً: أنّ النهی عن العمل بالقطع یستلزم التناقض فی مرحلة ثبوت الغرض الفعلیّ التامّ من جمیع الجهات و عدمه فی نظر القاطع، لأنّ الغرض الداعی إلی جعل التکلیف بنظر القاطع موجود و هو فعلیّ مطلق، حتّی فی موارد الشکّ و لامعنی للنهی عن القطع، إلّا عدم وجود الغرض الفعلی من جمیع الجهات و لایمکن الجمع بین ثبوت الغرض کما هو مقتضی القطع و بین عدمه کما هو مقتضی النهی عن العمل به کما لایخفی.

لایقال: لازم ما ذکر من عدم إمکان الترخیص فی مخالفة المقطوع هو عدم جواز تصرّف الشارع فی حجّیّة بعض أقسام القطع کالقطع الحاصل من الوسواس، أو القطع القیاسی مع أنّ المعلوم خلافه، إذ الشارع منع عن العمل بالقطع الوسواسیّ و القیاسی بالضرورة.

لأنّا نقول: إنّ الردع عن العمل بالقطع الواسوسی أو القیاسی بالنسبة إلی عمل نفسه لابدّ من أن یکون من جهة طروء عنوان یستوجب تبدّل الواقع عن حکمه إلی حکم آخر، فیکون القواع موضوعاً للحکم، إلّا فی حال الوسواس، فیکون له حکم آخر، نظیر العناوین المأخوذة موضوعات للأحکام الثانویّة، فشرب النجس مثلاً فی نفسه حرام، لکن کما أنّه، إذا اضطرّ إلیه یجب شربه فکذلک إذا کان المکلّف وسواسیّاً یجب علیه أن یشرب النجس و إن علم أنّه نجس، فالوسواسیّ و إن حکم بتنجیز الحکم الواقعیّ فی حقّ نفسه، ولکن للشارع أن یرخّصه فی ترکه لما یری من تبدّل عنوان الواقع المقطوع الموجب لرفع التنجّز واقعاً، و الوسواسیّ و القطّاع و إن حکما بقطعهما علی

ص:458

تنجیز الواقع، ولکن لااعتبار بعد إحراز طروء العناوین المبدّله للحکم الواقعیّ و لایناقض هذا الحکم مع الحکم الواقعیّ بعد کون حکم الشارع عند الوسواس أو القیاس متعلّقاً علی المعنون بعنوان الوسواس و القیاس، و الحکم المقطوع یکون متعلّقاً بعنوان نفس الشیء، و حیث إنّه أعمّ سقط الواقع عن التنجیز و لایلزم منه الترخیص فی المعصیة الفعلیّة، فإنّه فیما إذا لم یتبدّل الموضوع الواقعی.

وثالثاً: أنّ ما ذکرناه من عدم حجّیّة قطع القطّاع، أو قطع الوسواسی، لیس من شواعد عدم کون القطع علّة تامّة للتنجیز، لأنّ القطع عند القاطع یکون منجّزاً بنحو العلّیّة التامّة.

و هکذا ما ذکرناه لیس بمعنی رفع التنجیز، بل معنی ما ذکرناه هو أنّ الحکم بالتنجیز من القاطع لایعتبر عند الشارع فیما إذا کان القطع کثیر الخطأ، ففی هذه الصورة یجوز للشارع النهی عن العمل به، لطروء العناوین المسوّغة لذلک.

فتحصّل: أنّه لایجوز النهی عن العمل بالقطع ما لم یطرء عنوان آخر یسوّغ النهی عنه، کما فی مورد الوسواس أو القطّاع أو من أخذ بالقیاس.

تنبیه فی حقیقة الحکم و مراتبه

ذکر جماعة أنّ مراتب الحکم أربعة: إحدها: مرتبة الاقتضاء، و یعبّر عنها بمرتبة الشأنیّة، ول یس لهذه المرتبة إلّا شأنیّة الثبوت، فمثل طبیعة النظافة مثلاً فی نفسها ذات مصلحة مستعدّة باستعداد ماهویّ لقبول الوجوب فمع وجود المانع عن الوجوب یقال لها شأنیّة الوجوب، ووجوب اقتضائی و لیس لها وراء ذلک ثبوت و وجود، کما لایخفی.

ثانیتها: مرتبة الإنشاء، و هو إیجاد المعنی باللفظ إیجاداً لفظیّاً، بحیث ینسب الوجود الواحد إلی اللفظ بالذات، و إلی المعنی بالعرض.

ص:459

ثالثتها: مرتبة الفعلیّة، و هی الّتی تبلغ مرتبة البعث و الزجر بنحو الجدّ، فإذا أنشأ المولی حکما بداعی جعل الداعی من جدّ و إرادة جزمیّة تمّ الأمر من قبل المولی.

رابعتها: مرتبة التنجّز، و هی ما إذا بلغ الحکم إلی مرتبة الوصول إلی المکلّف و حصول العلم به، و حینئذٍ یکون مخالفته موجبة لاستحقاق العقوبة، و هذا هو معنی التنجیز.

یمکن أن یقال: إنّ مراتب الحکم إثنتان: إحداهما مرتبة الإنشاء و ثانیتهما مرتبة الفعلیّة من قبل المولی، إذ مرتبة التنجّز لیست من مراتب الحکم حیث إنّ علم المکلّف و جهله بالحکم لایوجب تغییراً فی ناحیّة الحکم الفعلیّ من قبل المولی. و هکذا مرتبة الاقتضاء لیست من مراتب الحکم، لأنّه لیس فیها ثبوت حکم أصلاً.

الجهة الرابعة: فی التجرّی، و اعلم أنّه لاإشکال فی أنّ القطع عند الإصابة یوجب التنجیز و استحقاق العقوبة علی المخالفة.

وإنّما الکلام فی أنّ القطع عند عدم الإصابة و التجرّی، هل یوجب استحقاق العقوبة علی المخالفة أو لا؟

ویقع الکلام فی أمور:

الأمر الأوّل: أنهم استدلّوا علی أنّ التجرّی یوجب استحقاق العقوبة بوجوه، منها الاتّفاق و الإجماع، اجیب عنه بأنّ الإجماع المحصّل غیر حاصل، و المنقول لیس بحجّة، هذا مضافاً إلی أنّ المسألة عقلیّة، و الإجماع فیها لایکشف عن رأی المعصوم علیه السلام.

ومنها: حکم العقل بتقریب أنّ العقاب علی المعصیة الوقعیّة لیس إلّا لکونه هتکاً لحرمة المولی و جرأة علیه و هذا الملاک موجود فی التجرّی، و مقتضاه هو استحقاق المتجرّی للعقوبة، لایقال إنّ العقاب علی المعصیة یکون لأجل ذات المخالفة مع الأمر و النهی، أو

ص:460

لأجل تفویت الغرض، أو لأجل ارتکاب المبغوض للمولی، لأنّا نقول لیس کذلک لوجود الکلّ فی صورة الجهل. و مع ذلک لایحکم فیه باستحقاق العقوبة.

فالتجرّی مشترک مع المعصیة الواقعیة فی المناط الذی یحکم العقل لأجله باستحقاق العقوبة و هو الإقدام علی المعصیة و عدم المبالات ینهی المولی و هتک حرمته، و مقتضاه هو استحقاق العقوبة بالتجرّی کما یستحقّها بارتکاب المعصیة الواقعیّة.

ودعوی: أنّ استحقاق المذمّة علی ما کشف عنه الفعل من سوء السریرة لا یوجب استحقاقها علی نفس الفعل، و من المعلوم أنّ الحکم العقلی باستحقاق الذمّ، إنّما یلازم استحقاق العقاب شرعاً إذا تعلّق بالفعل، لابالفاعل.

مندفعة: بما عرفت من حکم العقل باستحقاق العقوبة، بمجرّد القطع بالتکلیف، و الإقدام علی المخالفة، من دون فرق بین الموافقة للواقع عدمها، و ذلک لأنّ الفعل المتجرّی به مضافاً إلی أنّه کاشف عن سوء السریرة یکون مصداقاً للهتک و الإهانة بالنسبة إلی المولی و هذا بنفسه ظلم و هو تمام الموضوع لاستحقاق العقوبة.

الأمر الثانی: فی أنّ الاستحقاق المذکور هل یکون علی الفعل المتجرّی به أو خصوص العزم، و المختار هو الأوّل.

و الوجه فیه، أنّه مصداق للهتک و الإهانة للمولی، و الهتک قبیح و محکوم بالحرمة و لاینافیه عدم اتّصاف الفعل فی نفسه بشیء من موجبات القبح، إذ صیرورة الفعل مصداقاً للهتک یکفی فی کونه موجباً لاستحقاق العقوبة و إن لم یتغیّر وجهه فی نفسه، و حیث إنّ موضوع القبح و الحرمة مع موضوع الحکم النفسی للفعل مختلف فلامنافاة و لاتضادّ بین کون الفعل محکوماً بالجواز فی نفسه، و بین کون محکوماً بالحرمة باعتبار کونه مصداقاً للهتک و الإهانة بالنسبة إلی المولی.

ص:461

و إنّما المنافاة فیما إذا ادّعی القبح بحسب ذات الفعل و هو خلاف المفروض، و دعوی أنّ اتّحاد الفعل المتجرّی به مع عنوان الهتک و الإهانة لیس دائمیّاً، لأنّ من أقدم علی مقطوع الحرمة من جهة شقوة نفسه لامن جهة الاستخفاف بالمولی، لایکون إقدامه هتکاً للمولی.

مندفعة: بأنّ الهتک یصدق مع القطع بکونه معصیة للمولی، و لو لم یقصد الهتک لکفایة مخالفته، مع القطع المذکور فی صدق الهتک و الإهانة.

لایقال: إنّ الجرأة علی المولی، تکون من الصفات النفسانیّة و الأحوال العارضة علی النفس، و الفعل المتجرّی به یکشف عن تحقّقها فی النفس، و لایکون هو بنفسه مصداقاً لها، و القبیح هو الجرأة و لاوجه لسرایة القبح منها إلی الفعل.

لأنّا نقول: أوّلاً: إنّه منقوض بمثل التعظیم و نحوه، فکما أنّ نفس الفعل المأتیّ به للتعظیم محکوم بالحسن و الوجوب، فکذلک نفس الفعل المتجرّی به محکوم بالقبح و الحرمة.

وثانیاً: إنّ لازم ذلک هو عدم القول بحرمة الهتک مطلقاً، لأنّ کلّ هتک یحکی عن الجرأة علی المولی، و هی محکومة بالحرمة لانفس الفعل و هو کما تری، و بالجملة کشف الهتک عن سوء السریرة و الجرأة و الطغیان لاینافی صدق الإهانة علی الفعل المتجرّی به و کفایة ذلک فی الحکم بالقبح أو الحرمة.

فتحصّل: أنّ الفعل المتجرّی به، أو العزم المتعقّب بالفعل، مصداق للهتک و الإهانة، و بهذا الاعتبار یندرج الفعل المتجرّی به تحت عنوان الظلم، و حکم العقل باستحقاق العقوبة علیه.

الأمر الثالث: فی ملازمة حکم العقل مع حکم الشرع و عدمها فی الاستحقاق المذکور.

ربّما یستدلّ علی ذلک فی المقام بقاعدة الملازمة بین الحکم العقلیّ و الحکم الشرعیّ، أعنی کلّما حکم به العقل حکم به الشرع.

ص:462

اورد علیه فی مصباح الاُصول بأنّ القاعدة المذکورة مسلّمة إن کان المراد بها، إدراک العقل فی ناحیة سلسلة علل الأحکام الشرعیّة من المصالح و المفاسد، إذ العقل لو أدرک مصلحة ملزمة فی عمل من الأعمال و أدرک عدم وجود مزاحم لتلک المصلحة فلامحالة علم بوجوبه الشرعی بعد کون مذهب أهل العدل، أنّ الأحکام الشرعیّة تابعة للمصالح و المفاسد.

و هکذا لو أدرک مفسدة ملزمة بلامزاحم علم بالحرمة الشرعیّة لامحالة، فهذه الکبری مسلّمة و لاکلام فیها، و إنّما الکلام فی صغراها، إذ قلّما یوجد مورد یعلم العقل بعدم المزاحم کموارد المستقلاّت العقلیّة، کحسن العدل و قبح الظلم، لأنّ العقل لا یحیط بالمصالح الواقعیّة، و المفاسد النفس الأمریّة، و الجهات المزاحمة لها. و لذا ورد فی الروایات: أنّ دین الله لایصاب بالعقول، و أنّه لیس شیء أبعد عن دین الله من عقول الرجال.

و إن کان المراد بها إدراک العقل فی ناحیة معلولات الأحکام الشرعیّة، کحسن الطاعة و قبح المعصیة و قبح التجرّی و حسن الانقیاد، فإنّ حکم العقل فیها فرع ثبوت الکم الشرعیّ المولوی، فقاعدة الملازمة أجنبیّة عنه. هذا مضافاً إلی لغویّة الجعل الشرعی مع وجود الحکم العقلی.

ودعوی: أنّ کلّما کان الشارع یهتمّ بحفظ الملاک، بأکثر ممّا یقتضیه الحسن و القبح من الحفظ الذاتیّ، و کان ذلک أی الحفظ المذکور یحصل بجعل الشارع أمکن استکشاف جعل شرعی، فی مورد الحکم العقلیّ من غیر فرق بین أن یکون حکم العقل فی مرتبة علل الأحکام أو فی سلسلة معلولاتها.

ففی مسألة التجرّی یمکن للشارع جعل خطاب تحریمیّ له لکی یحفظ ملاکات أحکامه الواقعیّة بمرتبة جدیدة و زائدة من الحفظ و لو فی حقّ من تنجّز علیه التلکیف

ص:463

الواقعی بغیر العلم، فإنّه علم بحرمة التجرّی علیه علی کلّ حال فقد یتحرّک و لایقدّم علی ارتکاب المخالفة، لأنّ للانقیاد و التحرّک عن خطابات المولی درجات، فقد ینقاد المکلّف فی موارد العلم بالتکلیف ولکنّه لاینفاد فی موارد الاحتمال أو الظّنّ و إن کان منجّزاً علیه بحکم العقل، فیکون جعل حرمة التجرّی لمزید الحافظیّة و سدّ أبواب العدم بهذا الخطاب، و فی هذه المرتبة فلالغویّة أصلاً.

مندفعة: بأنّ إمکان ترتّب الفائدة علی الحکم الشرعیّ أحیاناً لاإنکار له، ولکن ذلک لایکفی للحکم بالملازمة بین الحکم العقلیّ و الشرعیّ لجواز اکتفاء الشارع بالحکم العقلی فی إتمام الحجّة، إذ غایة ما تقضیه قاعدة اللطف، و الحکمة هو وجود ما یصلح للداعویّة، و الحکم العقلی فی سلسلة المعولات ممّا یصلح للداعویّة فلاحاجة إلی الجعل الشرعیّ المولویّ. نعم إذا علم باهتمام الشارع بحفظ الملاک بأکثر من ذلک فی بعض الموارد، أمکن استکشاف جعل شرعیّ فی مورد الحکم العقلیّ، ولکن قلّما توجد موارد یقطع بذلک فیها.

فتحصّل: أنّه لادلیل علی الملازمة إلّا فی موارد العلم باهتمام الشارع بحفظ الملاکات، بحیث لایکتفی بالحکم العقلی.

التنبیهات:

التنبیه الأول: أنّ قبح العزم و حسنه تبع لما یتعلّقان به من المعصیة و الطاعة.

و قبح المعصیة بما أنّها هتک لحرمة المولی ذاتیّ، و حسن الطاعة بما أنّها رعایة لحرمة المولی ذاتیّ. و علیه فقبح العزم فی التجرّی مثلاً لیس لما أنّه عزم بما هو عزم، بل لما أنّه عزم للمعصیة و مؤدٍّ إلیها، بالأخرة، إذ المعصیة الواقعیّة أو المعلومة مصداق للهتک، و العزم علی الهتک لیس مصداقاً للهتک، بل قبحه یکون من جهة تعلّقه بالهتک

ص:464

القبیح. و مقتضی ما ذکر، أنّ القبیح، هو العزم المتعقّب بالفعل الخارجی مع زعم کونه معصیة لصدق الهتک حینئذٍ، و إن لم یکن الفعل المذکور معصیة فی الواقع، و الهتک قبیح ذاتاً، و لاوجه لتخصیص القبح بمجرّد العزم و لو مع قطع النظر عن وجود متعلّقه. ودعوی أنّ القبیح یصدق علی ما إذا صار بصدد الجری الخارجی فیما یخالف رضا المولی، ولکن لم یتحقّق منه أیّ عمل خارجیّ أصلاً لمانع أقوی منه، کما لو أراد أن یسبّ المولی، فوضع شخص یده علی فمه و منعه عن التفوّه بأیّ کلمة، فلاإشکال فی صدق التجرّی و الهتک و غیرهما علی مجرّد کون العبد فی مقام الخروج عن العبودیّة، و بصدد مخالفة المولی و مجرّد الجری النفسیّ علی طبق الصفة الکامنة فی النفس، فإذا اتّضح صدق هذه العناوین علی العمل النفسیّ فی مورد کشف ذلک عن أنّ هذه العناوین لسیت من عناوین الفعل الخارجی، بل هی من عناوین النفس.

مندفعة: بأنّ مجرّد العزم مع قطع النظر عن الفعل الخارجیّ لیس بهتک و قبیح، و الحکم بالقبح فی المثال المذکور من جهة أنّ الإشارة تقوم فیه مقام الفعل مع وجود المانع، فلاتغفل.

التنبیه الثانی: أنه قد یقال بحرمة نفس القصد و العزم فی التجرّی من جهة الأدلّة النقلیّة.

أمّا من الآیات الکریمة فقوله تعالی:(تِلْکَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِینَ لا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ)1 یدلّ علی مبغوضیّة إرادة العلوّ و الفساد.

و قوله عزّوجلّ:(إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)2 یدلّ علی أنّ محبّة إشاعة الفحشاء سبب للعذاب.

ص:465

وقوله تبارک و تعالی:(وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحاسِبْکُمْ بِهِ اللّهُ).1

و إلی غیر ذلک من الآیات الدالّة علی استحقاق المؤاخذة بسبب العزم و الإرادة.

و أمّا الروایات فموثّقة السکونی عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم نیّة المؤمن خیر من عمله، و نیّة الکافر شرّ من عمله، و کلّ عامل یعمل علی نیّته»(1) تدلّ علی أنّ نیّة الکافر شرّ.

و خبر زید بن علی، عن آبائه، عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال: «إذا التقی المسلمان بسیفهما علی غیر سنة فالقاتل و المقتول فی النار، قیل یا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال صلی الله علیه و آله و سلم لأنّه أراد قتله».(2)

وخبر جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال: «لعن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فی الخمر عشرة، غارسها، و حارسها، و عاصرها، و شاربها، و ساقیها، و حاملها، و المحمولة له، و بایعها، و مشتریها، و آکل ثمنها».(3)

ومرفوعة محمد بن مسلم، قال قال أمیرالمؤمنین علیه السلام: «إنّما یجمع الناس الرضا و السخط فمن رضی أمراً فقد دخل فیه، و من سخطه فقد خرج منه».(4)

و إلی غیر ذلک، من الأخبار الکثیرة الدالّة علی حرمة نفس العزم، و استحقاق المؤاخذة علیه.

ولکن فی قبالها روایات اخری، تدلّ علی العفو و عدم ترتّب العقاب و المؤاخذة.

ص:466


1- (2) الوسائل، الباب 6 من أبواب مقدمة العبادات، ح 2.
2- (3) الوسائل، الباب 67 من أبواب جهاد العدو، ح 1.
3- (4) الوسائل، الباب 55 من أبواب ما یکتسب به، ح 4.
4- (5) الوسائل، الباب 5 من أبواب الأمر و النهی، ح 10.

منها: صحیحة زرارة عن أحدهما علیهما السلام قال: «إنّ الله تبارک و تعالی جعل لآدم فی ذرّیّته، أنّ من همّ بحسنة فلم یعملها کتبت له حسنة، و من همّ بحسنة و علمها کتبت له عشراً، و من همّ بسیّئة لم تکتب علیه و من همّ بها و عملها کتبت علیه سیّئة».(1)

ومنها: صحیحة جمیل عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «إذا همّ العبد بالسیّئة لم تکتب علیه».(2)

وغیر ذلک من الأخبار الدالّة علی عدم العقوبة و المؤاخذة علی نفس العزم علی المعصیة.

ویمکن الجمع بین الطائفتین باختلاف الموضوع، أی بحمل الأخبار الأخیرة علی صورة ارتداع المتجرّی عن قصده بنفسه، و حمل الأخبار السابقة علی من بقی علی قصده، حتّی عجز عن الفعل باختیاره.

أو بحمل الأخبار الأخیرة علی من اکتفی بمجرّد القصد و لم یشتغل بالمقدّمات و الأسباب، و الأخبار السابقة علی من اشتغل ببعض المقدّمات و الأسباب.

أو بحمل الأخبار الأخیرة علی العزم علی فعل المعصیة من نفسه و الأخبار السابقة علی الرضایة بفعل القوم و معصیة الغیر و غیر ذلک من المحامل الّتی توجب رفع التهافت. هذا مضافاً إلی أنّ النسبة بین الأخبار الدالّة علی مؤاخذة بعض النیّات کإرادة العلوّ و الفساد و بین الأخبار الدالّة علی العفو، عموم و خصوص، و مقتضاه هو تخصیص أخبار العفو بما دلّ علی مؤاخذة إرادة العلوّ و الفساد، و نحوهما.

و لو سلّم أنّ النسبة بینهما هی التباین یمکن الجمع بینهما بحمل أخبار العفو علی بیان عدم فعلیّة استحقاق العقوبة تفضّلاً من الله سبحانه و تعالی، و إن أبیت عن الجمع بین الأخبار و قلت بالتعارض بینهما، فیجری فیهما قواعد الأخبار المتعارضة. فإن قلنا

ص:467


1- (1) الوسائل، الباب 6 من أبواب مقدّمة العبادات، ح 5.
2- (2) الوسائل، الباب 6 من أبواب مقدّمة العبادات، ح 10.

بالتخییر فهو، و إلّا فالتساقط، و الرجوع إلی حکم العقل، و قدعرفت أنّ العقل لایحکم باستحقاق العقوبة علی مجرّد العزم، فتحصّل أنّه لادلیل عقلاً و لانقلاً علی فعلیّة حرمة نفس العزم عداً موارد خاصّة کالکفر، و محبّة إشاعة الفحشاء، و إرادة العلوّ و الفساد. فتختصّ عقوبة المتجرّی بما إذا أتی بالفعل فلایکفی فیه مجرّد العزم.

التنبیه الثالث: أنّ موضوع البحث فی التجرّی هو الحجّة، غیر المطابقة للواقع، سواء کانت هی القطع، أو العلم الإجمالی، أو الظّنّ، أو احتمال التکلیف المنجّز، کالشبهة البدویّة قبل الفحص، و علیه فالموضوع لایختصّ بالقطع.

فإذا قامت الحجّة المذکورة کان الحکم منجّزاً علیه، و لامؤمّن له بالنسبة إلیه، و مع عدم المؤمّن فإذا خالفه و أصاب القطع، أو الظنّ، أو الاحتمال المنجّز للواقع فهو عاصٍ حقیقة، وإلّا فهو من التجرّی، لأنّه لم یعمل بوظیفته و یخرج بارتکابه عن زیّ العبودیّة.

التنبیه الرابع: أنّه لو وجد مؤمّناً، و استند إلیه فی ارتکاب المشتبه کان معذوراً، سواء طابق المؤمّن للواقع، أو لم یطابق، لأنّه اعتمد علی الحجّة. و أمّا إذا لم یستند إلی الحجّة و ارتکب المشتبه برجاء مصادفة الحرام، فلو لم یصادف فهو من مصادیق التجرّی، و إن صادف الحرام فهو عاصِ حقیقة، و مطابقة عمله مع المؤمّن من دون استناد إلیه لایکفی فی صحّة الاعتذار بالنسبة إلی ارتکاب الحرام.

التنبیه الخامس: أنّ العقل حاکم باستحقاق العقوبة عند مخالفة أوامر الله تعالی و نواهیه، لأنّ المخالفة هتک لحرمة المولی، و خروج عن زیّ العبودیّة، ولکن لاحکم له باستحقاق المثوبة بالنسبة إلی موافقة أوامر الله تعالی و نواهیه، لأنّ الموافقة من أداء الوظیفة، کما أنّ إطاعة المملوک لمولاه لایوجب استحقاق المثوبة، لأنّه أتی بوظیفته. نعم غایة الأمر، أنّ العبد یصیر بذلک لائقاً للتفضّل من مولاه، و مقتضی ما ذکر هو حکم العقل باستحقاق العقوبة فی التجرّی دون الانقیاد و ان حکم بلیاقة المنقاد للتفضّل فلاتغفل.

ص:468

التنبیه السادس: أنّ حکم التجرّی یختلف شدّة و ضعفاً، مع اتّحاد المتجرّی به من ناحیة اختلاف حال المتجرّی، و من ناحیة اختلاف المنجزّ احتمالاً، وظنّاً و علماً.

فالتجرّی من العالم أو الشیخ المسنّ، أشدّ من الجاهل أو الشابّ، و المتجری مع الشک أقوی من التجرّی مع الاحتمال الضعیف، و أضعف من الظّنّ، إلّا إذا کان المتجرّی به مختلفاً، فیمکن أن یکون الإقدام الاحتمإلی أشدّ من الإقدام الظنّی، فالتجرّی بالإقدام الاحتمإلی علی قتل المؤمن، أشدّ من الإقدام الظنّیّ علی قتل حیوان محترم کما لایخفی.

التنبیه السابع: أنّه إذا عصی العبد مولاه بسبب غلبة شقوته، استحقّ العقوبة بنفس المخالفة، لصدق الهتک بالنسبة إلی مولاه، و إن لم یقصد الهتک باللحاظ الاستقلالی.

وإذا قصد عنوان التجرّی و المعصیة باللحاظ الاستقلالی، یتعدّد سبب الاستحقاق للعقوبة، و مقتضی التعدّد هو تعدّد استحقاق العقوبة، و لامجال لدعوی التداخل، إذا کان المسبّب قابلاً للتکرار، کما فی المقام.

لایقال: إنّ من العناوین المبغوضة ما یکون مقدّمة لما هو أشدّ مبغوضاً و قبحاً، فعلی تقدیر ترتّبه علیها، لایلاحظ إلّا بلحاظ المقدّمیّة المحضة، و لایوصف إلّا بالحرمة الغیریّة، و تکون مبغوضیّتها مندکّة فی الشدید، اندماج الضعیف فی الشدید، و مع الاندماج المذکور، فلایعدّان إلّا فعلاً واحداً، بخلاف ما إذا لم یترتّب علیها، فإنّها تستقلّ حینئذٍ بنفسها، و تعدّ مبغوضاً مستقلاً یترتّب علیها ما أعدّ لها من العقاب.

وحیث إنّ المعصیة الواقعیّة لایمکن وقوعها إلّا بالتجرّی، و لاینفکّ عنه، أکتفی فی العقاب بالعقاب علیها.

لأنّا نقول: لیس الکلام فی التجرّی بالمعنی الإلی حتّی یصحّ القیاس المذکور، بل الکلام فی التجرّی بالمعنی الاستقلإلی بأن یقصد عنوان التجرّی علی المعصیة بالمعنی

ص:469

الاستقلإلی زائداً علی ما لابدّ منه فی المعصیة من التجرّی بالمعنی الآلی، و حینئذٍ یجتمع سببان، لاستحقاق العقوبة، أحدهما هو المخالفة للأمر و النهی الواقعیّین عن عمد و اختیار، و ثانیهما قصد المتجرّی علی المعصیة باللحاظ الاستقلالی.

ودعوی: اتّحاد التجرّی علی المعصیة مع نفس الفعل المخالف للأمر أو النهی.

مندفعة: بما مرّ من أنّ التجرّی لیس هو الفعل المجرّد عن العزم، کما لیس هو العزم المجرّد عن الفعل، بل هو العزم المتعقّب بالفعل الخارجی. و من المعلوم أنّه مغایر مع الفعل المخالف للأمر و النهی. و مقتضی المغایرة هو التعدّد، و مقتضی التعدّد هو تعدّد استحقاق العقوبة.

و القول بأنّ وحدة العقوبة معلومة بالبداهة، مدفوع بأنّ ذلک فیما إذا لم یتجرّاً علی المعصیة بقصد المعصیة، و إنّما أتی بالمعصیة فقط، و إلّا فلاوجه لوحدة العقوبة. نعم یمکن عفو الشارع عن ذلک، و هو أمر آخر.

و قد ظهر ممّا مرّ، أنّ فی صورة التجرّی علی المعصیة باللحاظ الاستقلإلی و المصادفة، تحقّق السببان لاستحاق العقوبة من دون تداخل. و مقتضاه هو تعدّد استحقاق العقوبة.

هذا بخلاف ما إذا عصی العبد و اتّفق المصادفة، فإنّ السبب للاستحقاق فی هذه الصورة واحد.

فالمتحرّی المذکور أشدّ استحقاقاً فی صورة المصادفة من العاصی. أللّهمّ إلّا أن یدلّ الدلیل الشرعیّ علی عفو إحدی العقوبتین، ولکن لاینافی ما ذکرناه، بل هو مؤکّد للاستحقاق، کما لایخفی.

التنبیه الثامن: أنّ العقل حاکم فی التجریّ باستحقاق العقوبة، کما یکون حاکماً به فی المعاصی الواقعیّة. و أمّا تعیین نوع العقوبة أو مقدارها، فهو موکول إلی تعیین الشارع، لعدم إحاطة العقل بذلک.

ص:470

نعم یحکم العقل بالشدّة و الضعف، تبعاً للمعصیة الّتی تجرّی علیها، فالتجرّی علی الزنا بالمحصنة یوجب استحقاق العقوبة، بنحو أشدّ من التجرّی علی الزنا بالخلّیّة و هکذا.

و بالجملة المعاصی مختلفة فی شدّة استحقاق العقوبة و عدمها، و التجرّی تابع لها فی ذلک.

التنبیه التاسع: أنّه لافرق فی حکم العقل بقبح التجرّی بین کون الفعل المتجرّی به فی الواقع واجباً، أو حراماً، أو مستحبّاً، أو مکروهاً، أو مباحاً، لأنّ ملاک القبح فی التجرّی هو صدق الهتک، و هو متحقّق بإتیان ما علم أنّه محرّم، أو بترک ما علم أنّه مأمور به، من دون دخل، لمصادفة مع الواقع و عدمها. و إنّما اللازم هو إحراز الأمر و النهی فی صقع النفس، و هو حاصل، و معه فاستناد القبح إلی التجرّی ذاتیّ، و لا تأثیر لوجود المصالح فی الواقع فی رفع القبح، أو عدم فعلیّته عن الهتک، إذ المصلحة و المفسدة أمران واقعیّان وجودیّان، بخلاف الحسن و القبح، فإنّهما أمران ذاتیّان حقیقیّان، فی لوح الواقع الذی هو أوسع من لوح الوجود. و علیه فلاوجه للتفصیل المحکیّ عن صاحب الفصول فی التجرّی بین القطع بحرمة شیء غیر واجب واقعاً، و بین القطع بحرمة واجب غیر مشروط بقصد القربة، فرجّح العقاب فی الأوّل، و نفی العبد عن عدم العقاب فی الثانی مطلقاً، أو فی بعض الموارد، نظراً إلی معارضة الجهة الواقعیّة للجهة الظاهریّة، مستدلاً بأنّ قبح التجرّی عندنا لیس ذاتیّاً، بل یختلف بالوجوه و الاعتبار.

و ذلک لما عرفت من اختلاف باب المصالح و المفاسد الواقعیّة مع باب الحسن و القبح، فلامجال للتعامل بینهما و الکسر و الانکسار. هذا مضافاً إلی ما فی کلامه، من إنکار قبح التجرّی ذاتیّاً مع أنّ قبح الهتک ذاتیّ، و لایختلف بالوجوه و الاعتبار، فتدبّر جیّداً.

التبیه العاشر: أنّ الفعل الاختیاری هو الذی أتی به مع القصد، و یکفی فی ذلک تعلّق القصد به و لو بتخیّل کونه مصداقاً، لعنوان من العناوین و إن تخلّف قطعه بکون الفعل

ص:471

الذی قصده مصداقاً لذلک العنوان، فإنّ قطعه بکونه مصداقاً لذلک العنوان حیثیّة تعلیلیّة، لتعلّق القصد بالفعل، و لیس حیثیّة تقیّدیّة حتّی یستلزم تخلّفه عدم تعلّق القصد به، کما إذا أذن صاحب الدار لدخول شخص فی داره، بتخیّل أنّه عمرو، فإنّ الشخص المذکور مأذون فی دخول الدار و لو تخلّف تخیّل صاحب الدار. و علیه فالقطع بکون مائع خمراً یوجب فی المتجرّی أن یتعلّق إرادته بشرب هذا المائع الخارجی، بسبب تخیّل تطبیق الخمر علیه، و مع تعلّق إرادته بشرب المائع الخارجی، فالشرب المذکور مقصود و اختیاریّ، و لامجال لما قیل من أنّ ما قصده المتجرّی لم یقع، و ما وقع لم یقصد، ومع عدم کونه مقصوداً لیس بفعل اختیاریّ، ولایکون موضوعاً للحسن و القبح.

و لعلّ الوجه فی ذلک هو الخلط بین الحیثیّة التعلیلیّة و بین الحیثیّة التقییده، مع أنّ تخیّل المتجرّی لتطبیق عنوان حرام علی الفعل الخارجی لم یؤخذ فی الفعل بنحو التقیید، بل هو یوجب إرادته، نحو الفعل و لیس ذلک إلّا الحیثیة التعلیلیّة، کما لایخفی.

التنبیه الحادی عشر: أنّ المعیار فی نفی الجبر، و اختیاریّة الأفعال و التروک، هو التمکّن الوجدانی من خلافها بالتأمّل فیما یترتّب علیها من المصالح أو المفاسد، و العقوبة أو المثوبة، لوجود القدرة علی إیجاد الأضداد و النقائض عند إرادة الأفعال، أو التروک، و هذا هو حقّ الکلام فی إثبات الاختیار و نفی الجبر، و لافرق فی ذلک بین أفعال الجوارح و أفعال النفس من القصد و العزم و الإرادة. فإنّ اختیاریة کلّ واحد منها بالتمکّن من الخلاف، فما قیل فی تعریف الفعل الاختیاری من أنّه هو ما کان مسبوقاً بالإرادة و هی لیست باختیاریّة، و إلّا لزم التسلسل منظور فیه، لما عرفت من أنّ المعیار فی اختیاریّة الأفعال و التروک و نفی الجبر، هو التمکّن من الخلاف و إیجاد الأضداد أو النقائص، و لاحاجة مع وجود هذا المعیار فی إثبات الاختیار إلی استناد الأفعال و التروک إلی الإرادة، حتّی یقال إنّ الإرادة لیست باختیاریّة، و إلّا لزم التسلسل، بل یکفی فی الاختیاریّة مجرّد التمکّن من الخلاف.

ص:472

وعلیه فالمباحث الّتی أوردها فی الکفایة حول الإرادة ساقطة، إذ الإنسان مختار فی أفعاله و تروکه، بالتمکّن من الخلاف فیهما، و السعادة و الشقاوة لیستا ذاتیین بل هما مکتسبتان بالأعمال و الأفعال، کما فصّل فی محلّه، فلاتغفل.

الجهة الخامسة: فی أقسام القطع

ینقسم القطع إلی أقسام خمسة:

1 - القطع الطریقیّ المحض.

2 - القطع الموضوعی و هو علی أربعة أقسام: تمام الموضوع، أو جزؤه، و علی التقدیرین، إما یؤخذ علی وجه الوصفیّة، أو یؤخذ علی وجه الطریقیّة، فهذه خمسة.

ثمّ إنّه یقع الکلام فی مقامین.

المقام الأوّل: فی قیام الأمارات مقام القطع عند فقدان القطع

لاإشکال فی إمکان قیام الأمارات مقام القطع الطریقیّ المحض، بل القطع الموضوعیّ المأخوذ علی وجه الطریقیّة، لاعلی وجه الوصفیّة، أی بنحو الکشف التامّ الموضوعی.

والوجه فی قیامها مقام القطع الطریقی المحض، أو القطع الموضوعیّ المأخوذ علی وجه الطریقیّة، أنّ القطع المحض، أو المأخوذ علی وجه الطریقیّة فی موضوع حکم من الأحکام ملحوظ بما هو أحد مصادیق طرق منجّزة للواقع، و حیث إنّ الأمارة أیضاً بأدلّة اعتبارها من الطرق، فیفید فائدة القطع و تقوم مقامه، فیتنجّز به الواقع و یتحقّق به موضوع الحکم.

ثمّ إنّ المراد من قیام الأمارات مقام القطع، هو أن یعامل معها معاملة القطع و الیقین فی مقام العمل، و هذا أمر یستفاد من عموم أدلّة حجّیّة الأمارات من دون حاجة إلی تنزیل الظّنّ بمنزلة القطع، إذ بعموم الأدلّة تکون الأمارة من الطرق المعتبرة الّتی یحرز بها

ص:473

الواقع، و بهذه الأمارة یتحقّق مصداق موضوع الأحکام الّتی تترتّب فیها الحکم علی ما یقوم علیه الطریق المعتبر، لأنّ الأمارة طریقة معتبرة أیضاً.

نعم لو أخذ القطع فی موضوع حکم بنحو الصفتیّه أی بنحو یکون للکشف التامّ دخالة فیه فلاتقوم أمارة مقامه بأدلّة اعتبارها، إذ لاتفید الأمارة کشفاً تامّاً و المفروض دخالة الکشف التامّ فی تحقّق الموضوع. و لافرق فیما ذکرناه بین أن یکون القطع تمام الموضوع أو جزئه فلاتغفل.

المقام الثانی: فی قیام الاُصول مقام القطع

ولایخفی أنّ الاُصول علی قسمین: محرزة و غیرمحرزة.

أما الاُولی، فهی ناظرة إلی الواقع، کالاستصحاب و قاعدة الفراغ، و قاعدة عدم اعتبار شکّ کثیر الشکّ، و قاعدة عدم اعتبار شکّ الإمام و المأموم مع حفظ الآخر، و غیر ذلک من الاُصول المحرزة الّتی جعلها الشارع محرزة للواقع. إذ النظر فی الاستصحاب إلی الیقین السابق فی إحراز الواقع و فی قاعدة الفراغ یکون النظر إلی إرتکاز الفاعل حین العمل علی إتیانه بنحو کامل، و النظر فی شکّ الإمام و المأموم إلی حفظ کلّ واحد بالنسبة إلی الآخر فی إحراز الواقع.

والنظر فی شکّ کثیر الشکّ إلی حفظ المتعارف من الناس فی إحراز الواقع، و هکذا و بالجملة هذه الاُصول محرزة تعبّداً و تقوم مقام القطع الطریقی المجرّد، أو المأخوذ فی الموضوع بالشرح المذکور فی قیام الأمارات مقام القطع، و هو أنّ القطع معتبر من باب أنّه أحد الطرق من دون دخالة لوصف القطع، أو تمامیّة الکشف، فالمعتبر هو الطریق المعتبر، ومقتضی ذلک هو قیام الاُصول المحرزة مقام القطع بعد اعتبارها لکونه من الطرق المعتبرة.

ص:474

وأمّا الثانیة أی الاُصول غیر المحرزة الّتی لیس لها نظر إلی الواقع، بل هی مجرّد وظائف عملیّة للجاهل بالواقع کقاعدة الحلّیّة، و قاعدة الطهارة، و قاعدة الاحتیاط فی الشبهة البدویّة قبل الفحص، و البراءة العقلیّة و الشرعیّة بعد الفحص، فلاتصلح للقیام مقام القطع الطریقیّ و الموضوعی.

وذلک لعدم کونها محرزة للواقع، لابالوجدان و لابالتعبّد الشرعی و مع عدم کونها محرزة لیست مصداقاً للطرق، و مع عدم کونها من الطرق لاتکون قائمة مقام القطع الطریقی.

نعم، لو أخذ القطع بعنوان کونه حجّة من الحجج، فالأصول المذکورة تقوم مقامه، لأنّ کلّ واحد منهما حجّة فی مجراها، کما لایخفی.

فتحصّل: أنّ قیام الأمارات، و الاُصول المحرزة مقام القطع الموضوعیّ المأخوذ علی وجه الطریقیّة لاإشکال فیه ثبوتاً و إثباتاً و لاحاجة فیه إلی تجشّم الاستدلال.

الجهة السادسة: فی إمکان أخذ القطع فی موضوع نفسه، أو مثله، أو ضدّه، أو مخالفه و عدمه.

أمّا الأوّل فقد یقال إنّه لایکاد یمکن للزوم الدور، إذ القطع المتعلّق بحکم یکون طریقاً إلیه، و معنی کونه طریقاً إلی الحکم هو فعلیّة الحکم مع قطع النظر عن تعلّق القطع به، و معنی کون القطع مأخوذاً فی موضوع نفسه هو عدم کون الحکم فعلیّاً إلّا بعد تعلّق القطع به، إذ فعلیّة الحکم تابعة لفعلیّة موضوعه، فیلزم توقّف فعلیّة الحکم علی القطع به مع أنّ شأن طریقیّة القطع یقتضی فعلیّة الحکم فی رتبة سابقة علیه، و هذا هو الدور.

اورد علیه بأنّ الدور لازم لو کان القطع مأخوذاً لحکم نفسه علی نحو الجزئیّة، بمعنی أنّ القطع مع نفس الواقع أعنی الحکم الشرعیّ الخارجی موضوع لحکم نفسه، فالقطع حینئذٍ یتوقّف علی وجود الحکم، و لو توقّف الحکم علی القطع لزم الدور.

ص:475

هذا بخلاف ما إذا کان القطع تمام الموضوع لحکم نفسه فإنّه لایلزم الدور، لأنّ ما هو الموضوع هو القطع، سواء طابق للواقع أو لم یطابق. لأنّ الإصابة و عدمها خارجتان من وجود الموضوع، و علیه فلایتوقّف حصول القطع علی الواقع، المقطوع به. و إن توقف علی المقطوع بالذات أعنی الصورة الذهنیّة من الحکم. و أمّا المقطوع بالعرض الذی هو مقطوع به فی الخارج فلایتوقّف القطع علی وجوده فلایلزم الدور.

وبالجملة أنّ التوقّف من طرف واحد، إذ الحکم متوقّف علی القطع بالحکم، ولکن القطع بالحکم لا یتوقّف علی الحکم الخارج، و من المعلوم أنّ التوقف من طرف واحد لایلزم الدور.

و أجیب عنه بأنّ الدور و إن سلّم انتفائه فیما إذا کان القطع تمام الموضوع، ولکن مع ذلک یلزم من أخذ القطع باالحکم فی موضوع نفسه الخلف، و هو محال، لأنّ فرض تعلیق وجوب طبیعیّ الصلاة، علی العلم بوجوب طبیعیّ الصلاة مثلاً یساوی فرض عدم الوجوب لطبیعیّ الصلاة و فرض نفس القید و هو العلم بوجوب الصلاة هو فرض تعلّق الوجوب لطبیعیّ الصلاة و من المعلوم أنّ فرض تعلّق الوجوب لطبیعیّ الصلاة خلف فی فرض عدم الوجوب لطبیعی الصلوة عند تعلیق وجوب الطبیعیّ من الصلاة علی العلم بوجوبه.

وعلیه فجعل الوجوب علی المعلوم الوجوب بنحو القضیّة الحقیقیّة حتّی یصیر الحکم فعلیّاً بفعلیّة موضوعه یستلزم الخلف.

وجعل الوجوب واقعاً علی طبق ما اعتقده القاطع من الوجوب، من باب الاتّفاق، لابنحو القضیّة الحقیقیّة، بحیث لایکون وجوب واقعاً قبل حصول القطع به، فلایلزم منه محذور الخلف.

ص:476

ولکنّه یشکل مضافاً إلی کونه ممّا یشبه بالتصویب، و هو خلاف المذهب من جهة أنّ جعل الحکم بعثاً و زجراً لجعل الداعی، ومع فرض علم المکلّف بالحکم لایفید الجعل أثراً فی ذلک و هو لغو.

فتحصّل: أنّ أخذ القطع فی موضوع نفس الحکم محال، إمّا من جهة الدور، أو من جهة الخلف، أو من جهة اللغویّة.

فموضوع الحکم لایکون مقیّداً بالعلم به، و لابالجهل به، بل هو مطلق و محفوظ فی جمیع الحالات بالبرهان، لابالمقدّمات. فإنّها تجری فیما إذا أمکن التقیید. و قدعرفت عدم إمکان التقیید فی مثل المقام، ثمّ إنّ محذور الدور لایختصّ بالتقیید، بل هو لازم فیما إذا قلنا بنتیجة التقیید، إذ مرجهما إلی اختصاص الحکم بالعالم به، و معناه توقّف الحکم علی العلم به مع أنّ العلم بالحکم متوقّف علی وجود الحکم، و هو دور.

ودعوی أنّ الإهمال الثبوتیّ لایعقل، فلابدّ إما من نتیجة الإطلاق أو من نتیجة التقیید. فإنّ الملاک الذی اقتضی تشریع الأحکام، إمّا یکون محفوظاً فی کلتی حالّتی الجهل و العلم. فلابدّ من نتیجة الإطلاق، و إمّا أن یکون محفوظاً فی حالة العلم فقط، فلابدّ من نتیجة التقیید، و حیث لم یمکن أن یکون الجعل الأوّلی متکفّلاً لبیان ذلک، فلابدّ من جعل آخر یستفاد منه نتیجة الإطلاق أو التقیید، و هو المصطلح علیه بمتمّم الجعل.

فاستکشاف کلّ من نتیجة الإطلاق و التقیید یکون من دلیل آخر. و قد ادّعی تواتر الأدلّة علی اشتراک الأحکام فی حقّ العالم و الجاهل، ولکن تلک الأدلّة قابلة للتخصیص، و قد خصّصت فی غیر مورد، کما فی مورد الجهر و الإخفات و القصر و الإتمام، حیث قام الدلیل علی اختصاص الحکم فی حقّ العالم، فقد أخذ العلم شرطاً فی ثبوت الحکم واقعاً.

ص:477

مندفعة: بأنّ الانقسامات اللاحقة علی ضربین أحدهما: ما لایمکن تقیید الأدلة به، بل و لایمکن فیه تنیجة التقیید، مثل أخذ القطع موضوعاً بالنسبة إلی نفس الحکم، فإنّه غیر معقول لابالتقیید اللحاظی و لابنتیجة التقیید، فإنّ حاصل التقیید، و نتیجته أنّ الحکم مختصّ بالعالم بالحکم، و هذا دور.

وحاصله توقّف الحکم علی العلم به، و هو متوقّف علی وجود الحکم، و هذا الامتناع لایرتفع لابالتقیید اللحاظی و لابالنتیجة التقیید.

وعدم الإعادة فی موضع الجهر و الإخفات، أو القصر و الإتمام، لایستلزم إختصاص الحکم بالعالم، لاحتمال أن یکون ذلک من جهة تقبّل مصداق الجهر مکان الإخفات، أو من جهة التخفیف، أو من جهة عدم قابلیّة المحلّ، للقضاء و الاعادة بعد الإتیان بما کان خلاف الوظیفة.

وأمّا الثانی: أی أخذ القطع بالحکم فی موضوع الحکم المماثل، فقد یقال إنّ ذلک غیر ممکن. بیان ذلک أنّه إذا قیل «إن قطعت بحرمة الخمر حرّمت علیک الخمر بحرمة اخری»، فإن قلنا بتعدّد الحکمین فی موضوع واحد فهو مستحیل، لأنّ الأحکام کالأعراض بلحاظ موضوعاتها، فکما أنّ اجتماع الأعراض فی الموضوع الواحد مستحیل، فکذلک الأحکام الّتی نزلت منزلتها.

و إن لم نقل بتعدّد، بل قلنا بالتأکّد، ففیه أنّ التحریک التنزیلیّ المنتزع عن الإنشاء بداعی جعل الداعی و إن کان یصحّ اعتبار الشدة و الضعف فیه، لکن لیس ذلک بنحو الحرکة و الاشتداد، بداهة أنّ الإنشائین الصادرین لجعل الداعی لیس بینهما اتّصال فی الوجود الوحدانی کی یجری فیها الحرکة و الاشتداد، و إن کان یختلف حمل الطبیعة علی أفراد التحریک التنزیلی بالشدّة و الضعف فیقال إنّ وجوب الصلاة أشدّ و أقوی من وجوب غیرها.

ص:478

و لو فرض فیما نحن فیه، تأکّد الداعی، و تأکّد الإرادة، و صدور التحریک المنزل منزلة التحریک الشدید، و سقوط الإنشاء السابق عن کونه محرّکاً، کان خلفاً، و إلّا لکان من اجتماع المثلین.

ودعوی إمکان انتزاع البعث الأکید عقلاً من مجموع الإنشائین، فلایلزم الخلف و لااجتماع المثلین غیر صحیحة، لأنّ خارجیّة الأمر الانتزاعی بخارجیّة منشأ انتزاعه، ومجموع الإنشائین واحد بالاعتبار لابالحقیقیة، فلامنشأ انتزاع للبعث الأکید حقیقیة حتّی یتحقّق البعث الأکید انتزاعا.

ویمکن الجواب، أمّا عن الأوّل، بأنّا لا نسلّم کون الأحکام، کالأعراض فإنّ الأعراض من الواقعیات، و الأحکام من الاعتباریّات.

فإن کان الکلام بلحاظ عالم الجعل فلایلزم من أخذ القطع بالحکم فی موضوع الحکم المماثل محذور اجتماع مثلین بعد کونهما من الاعتباریّات الّتی تکون خفیفة المؤونة، و إن کان الکلام بلحاظ مبادئ الحکم من الإرادة و الکراهة، ففیه أنّ تعدّد المصلحة لایوجب تعدّد الإرادة المستقلّة فی الداعویّة، بل یصیر منشاً لحصول إرادة أکیدة، و الإرادة الأکیدة توجب إنشاء البعث المؤکّد، أو توجب الإنشائین اللذین یفیدان تأکّد البعث.

و إن کان الکلام بحسب المنتهی أعنی مقام الامتثال، امتنع تحقّق داعیین مستقلّین، نحو فعل واحد لعدم قابلیّة المحلّ، بل یؤول الخطابان إلی تأکّد الداعی، و الحکم، کما یشهد له تأکّد الداعی و الحکم فی مجمع العنوانین، کقولهم: «أکرم العالم و أکرم الهاشمی»، و لذا لم یقل أحد فی المجمع بلزوم الأکرامین، و لم یذهب أحد إلی خروج المورد عن کلا الحکمین بدعوی استلزام اجتماع المثلین.

ص:479

وأمّا الجواب عن الثانی، بأنّ التأکید حاصل من تصادق العنوانین علی مورد الاجتماع، سواء کان من قبیل العموم من وجه، أو العموم المطلق، و توجّه الطلبین إلی مورد الاجتماع یوجب تأکّد الحکم و الطلب، و لایلزم فی التاکّد إمکان الحرکة والاشتداد، بل یکفیه تراکم الطلب، بل لایلزم فی التاکّد شدة الطلب، بل تعدّد الطلبین یفید فی مورد الاجتماع تأکّد الطلب و هو یوجب تأکّد الداعی، کما هو کاشف عن تأکّد الإرادة.

فتحصّل: أنّ اجتماع المثلین مع التزام التأکّد فی المبدأ، أو المنتهی، لایکون مستحیلاً، بل المستحیل، هو التزام التعدّد بنحو الاستقلال.

و علیه فأخذ القطع لحکم فی موضوع حکم آخر مثله ممکن، و یرجع إلی التأکّد، و لامانع منه، لافی مقام الجعل، و لافی المبدأ، و لا فی المنتهی.

و أمّا الثالث و هو أخذ القطع بالحکم فی موضوع ضدّه، کما إذا قال المولی إذا قطعت بوجوب الصلاة تحرم علیک الصلاة.

فقد یقال إنّ ذلک مستحیل لأنّ لازمه هو اجتماع الضدّین، لأنّ الحرمة و إن تعلّقت بالصلاة بما هی مقطوعة الوجوب فی مفروض المثال، إلّا أنّ الوجوب قد تعلّق بها بما هی، و إطلاقه یشمل ما لو تعلّق القطع بوجودبها، فلزم من ذلک اجتماع الضدین. فإنّ مقتضی إطلاق الوجوب، کون الصلاة واجبة و لو حین تعلّق القطع بوجوبها، و القطع طریق محض و مقتضی کون القطع بالوجب مأخوذاً فی موضوع الحرمة کون الصلاة حراماً فی هذا الحین، و هذا هو اجتماع الضدّین.

واُجیب عن ذلک بأنّه، لااستحالة فی اجتماع الضدّین فی الأحکام بعد ما عرفت من کونها من الاعتباریّات، و لاتقاس الأحکام بالأعراض.

ص:480

نعم یشمل ذلک من جهة مقام الإثبات، فإنّ جعل الضدّین لاداعی له عند العقلاء، بل هو نقض للغرض.

هذا مضافاً إلی استحالة ذلک بالنسبة إلی مقام الامتثال لامتناع الامتثال فی الحکم الزاجر الباعث فی عرض واحد لعدم إمکان تحقّق الانزجار و الانبعاث فی آنٍ واحد فتأمّل.

وأمّا الرابع و هو أخذ القطع بحکم فی موضوع حکم مخالف له کما إذا قیل إن قطعت بوجوب الصلاة وجب علیک الصوم، فلاإشکال فی إمکانه.

الجهة السابعة: فی أخذ الظنّ فی موضوع الحکم، و لایذهب علیک أنّ أخذ الظنّ فی موضوع نفسه فهو غیر ممکن لما مرّ فی القطع من الدور أو الخلف، سواء أخذ الظنّ علی نحو الجزئیّة أو تمام الموضوع و سواء کان الظنّ معتبراً أو لم یکن.

وهکذا، لایمکن أخذ الظنّ المعتبر نحکم فی موضوع حکم مضادّ لعدم إمکان اجتماع الانبعاث، نحو عمل مع الانزجار عنه فی مقام الامتثال، کما لایمکن اجتماع الإرادة و الکراهة، بالنسبة إلی عمل واحد بحسب المبادی، و یتبع عدم إمکان الاجتماع بحسب مقام الامتثال و المبادی لم یتعلّق الجعل بالحکمین من المولی الحکیم. نعم لو لم یکن الظنّ المأخوذ معتبراً فقد یقال أمکن أخذه بدعوی أنّ الظنّ غیر المعتبر فی حکم الشکّ، و معه تکون مرتبة الحکم الظاهریّ محفوظة، فلایلزم من جعل الحکم المضادّ، فی فرض الجهل بالواقع اجتماع الضدّین و إلّا فلایمکن الجمع بین الحکم الواقعیّ و الظاهریّ فی جمیع موارد الجهل بالواقع.

اورد علیه، بأنّ الکلام لیس فی إمکان جعل الحکم الظاهریّ و عدمه بل الکلام فی إمکان جعل الحکم الواقعیّ من حیث إنّه یمکن أخذ الظنّ بحکمه فی موضوع حکم واقعیّ آخر یضادّه أم لا. و الصحیح أن یقال: إنّ أخذ الظنّ فی موضوع حکم آخر مضادّ له غیر ممکن و إن کان الظنّ غیر معتبر، و الوجه فی ذلک ما مرّ فی القطع من أنّ إطلاق

ص:481

الحکم الّذی تعلّق به الظنّ یشمل صورة الظنّ به، فلایجتمع مع ضدّه المترتّب علی الظنّ بالحکم حسب الفرض.

وتوهّم أنّ الظنّ یحتمل أن یکون مخالفاً للواقع، و معه لایکون إلّا حکم واحد وهو ما أخذ الظنّ فی موضوعه.

مدفوع بأنّه یکفی فی الاستحالة احتمال مطابقة الظنّ للواقع، فإنّ احتمال اجتماع الضدّین أیضاً محال.

ولکنّ التحقیق هو إمکان الأخذ، لأنّ مع عدم اعتبار الظنّ لایکون فی الواقع حکم فعلیّ، و مع عدم فعلیّة المظنون لایجتمع الإرادة و الکراهة، و لاالانبعاث، و الانزجار بحسب المبادی و المنتهی، فلاوجه لدعوی الاستحالة و أمّا اجتماع الضدّین فی مقام الجعل فقد عرفت أنّه لیس بمحال، لأنّ الأحکام فی نفسها من الاعتباریّات والاستحالة فیها باعتبار المبادی و المنتهی. و المفروض عدم اجتماع الإرادة و الکراهة، و لاالانبعاث و الانزجار بحسبهما.

ثمّ إنّ أخذ الظنّ بحکم فی موضوع حکم یماثله ممکن و یفید التأکید کما مرّ فی القطع و هکذا یمکن أخذ الظنّ فی موضوع حکم مخالف، کما إذا قیل إن ظننت بوجوب الصلاة، یجب علیک التصدّق، و هو تابع للتعبّد الشرعیّ فی کون الظنّ تمام الموضوع، أو جزئه.

الجهة الثامنة:

فی وجوب موافقة القطع بحسب الالتزام القلبیّ المعبّر عنه بعقد القلب علی ما علمه و الخضوع القلبی له، بحیث یکون کلّ حکم علم به علی تقدیر ثبوته منحلاً إلی أمرین: أحدهما هو وجوب الإتیان، أو الاجتناب عنه، بحسب الخارج، و ثانیهما، هو وجوب الخضوع القلبی، و الالتزام بالعمل به فی الجنان.

ص:482

ثمّ إنّ عقد القلب و الخضوع القلبی من الأفعال الاختیاریّة القلبیّة وراء نفس العلم و الیقین، لجواز تفکیکهما عن العلم، و لذلک کان بعض الکفّار غیر مؤمنین فی عین کونهم عالمین بالمبدأ و المعاد و مع ذلک کانوا مکلّفین بالایمان، و هو شاهد علی أنّ الإیمان و هو عقد القلب علی ما کانوا عالمین به، أمر اختیاریّ.

و أیضاً یعتضد ذلک بالوعید بالعقوبة عند التخلّف عن الإیمان و مقدّمات البرهان، لاتفید إلّا العلم، و هو قهریّ. و أما عقد القلب، فهو لایکون قهریّاً، بل یحتاج إلی إرادة العالم.

و دعوی أنّ التسلیم القلبی لایحصل بالإرادة و الاختیار، فمن قام عنده البرهان علی شیء، لایمکن له عقد القلب عن صمیمه بعدم وجوده.

مندفعة: بأنّ ما لایکون اختیاریّاً هو العلم لاعقد القلب.

فإذا عرفت ذلک، فاعلم، أنّه لادلیل علی وجوب الالتزام القلبیّ بالنسبة إلی الاحکام المعلومة، إذ الامتثال فی الأحکام المعلومة حاصل بالإتیان بها أو الاجتناب عنها فی الخارج، و لو مع عدم الالتزام القلبیّ بها و الواجب هو الإتیان بها، أو الاجتناب عنها فی الخارج، و لادلیل علی أزید منه.

والشاهد لذلک حکم الوجدان بعدم استحقاق العقوبتین لو خالف و لم یمتثل.

لایقال: یکفی فی ذلک وجوب تصدیق النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم فیما جاء به، فإنّه یقتضی وجوب الموافقة الالتزامیّة، إذ تصدیق النبی صلی الله علیه و آله و سلم لاینفکّ عن البناء القلبی علی موافقته.

لأنّا نقول: إنّ غایة ما یستفاد من وجوب تصدیق النبی صلی الله علیه و آله و سلم هو وجوب تصدیقه فی «أنّ ما جاء به، و أخبر عنه هو واجب، صادر من قبل الله تعالی»، و هذا المعنی لایرتبط بالالتزام القلبیّ علی العمل بما علمه من الأحکام.

ص:483

ثمّ إنّه علی تقدیر تسلیم ثبوت وجوب الالتزام القلبیّ بالعمل بالأحکام، لا ینافیه جعل حکم ظاهریّ فی مورد الدوران بین المحذورین، أو مورد أطراف المعلوم بالإجمال.

إذ المراد من وجوب الموافقة الالتزامیة، إمّا وجوب الالتزام بما هو الواقع علی الإجمال، و لامنافاة بین الإباحة الظاهریّة، للأصل، و الالتزام بالحکم الواقعیّ علی ما هو علیه من الوجوب أو الحرمة.

أو المراد من وجوب الالتزام، هو وجوب الالتزام بکلّ حکم بعینه و شخصه، فلاإشکال فی سقوط هذا الواجب فی موارد الدوران بین المحذورین، أو أطراف المعلوم بالاجمال، لعدم إمکان معرفة شخص التکلیف، و مع سقوط هذا التکلیف فلا مانع من جریان الحکم الظاهریّ، کما لایخفی.

أو المراد من وجوب الالتزام وجوب الالتزام بأحدهما علی نحو التخییر، و لاکلام فی بطلان ذلک، إذ کلّ تکلیف یقتضی الالتزام به علی تقدیر ثبوت وجوب الالتزام، لاالالتزام، به أو بضدّه علی نحو التخییر.

فتحصّل: أنّه لامانع من جریان الأصل فی موارد دوران الأمر بین المحذورین، و فی موارد العلم الإجمالی من ناحیة الموافقة الالتزامیّة.

الجهة التاسعة:

فی قطع القطّاع و الوسواس و نحوهما، و لایخفی علیک أنّ حکم العقل بالتنجیز، وقبح مخالفة التکلیف المقطوع و استحقاق العقوبة، یکون من باب أنّ المخالفة مع التکلیف المعلوم مصداق لهتک المولی، و هو ظلم، إلّا أنّ هذا الحکم یکون متفرّعاً علی المخالفة للتکلیف من حیث هی هی.

ص:484

فلامنافاة لأن ینطبق علی المخالفة المذکورة حکم آخر من جهة طروّ عنوان آخر أهمّ یزاحمه کالتحرّز عن الوقوع فی کثیر من الموارد فی خلاف الواقع، أو التحرّز عن إطاعة الشیطان و تعوّده لذلک.

ومع أهمّیّة العنوان الآخر الطاری لایبقی حکم العقل بالقبح علی فعلیّته، لوجود تزاحم الأهمّ.

ولاإشکال حینئذٍ فی أن یحکم الشارع المطّلع علی العنوان الطاری بالمنع عن العمل بالمقطوع، بل لاإشکال فی ذلک لکل من یعلم بطروّ العنوان الأهمّ، القاطع الذی لم یلتفت إلی ذلک رأی أنّ وظیفته هو الأخذ بما حکم به عقله، و لایمکن ردعه عن ذلک إلّا بتنبیهه إلی طروّ العنوان الأهمّ، أو یمنعه الشارع قبل صیرورته قاطعاً عن سلوک مقدّمات توجب القطع فلو قصّر فی المقدّمات المذکورة و حصل له القطع، لایکون معذوراً فی ذلک.

بل یمکن أن یقال: لاتنجیز للقطع المذکور، لأنّ التنجیز لیس کالکشف أمراً ذاتیّاً قهریّاً للقطع، بل هو حکم العقل، بملاحظة المصالح و المفاسد و المزاحمات ففی صورة تزاحم مصلحة الإطاعة لله تعالی مع مفسدة، تعوّد إطاعة الشیطان فی وسوسته لاحکم للعقل بالطاعة.

بل لاحکم للعقل مع الالتفات الإجمالی و احتمال عروض بعض العناوین المزاحمة.

ودعوی: أنّ القاطع بالحکم لایمکن إرجاعه إلی أحکام الشکّ من الاُصول العلمیّة لعدم شمولها له.

مندفعة: بأنّ عدم شمول أحکام الشکّ فی حال کون القاطع قاطعاً، لاینافی عدم المعذّریّة فی الجاهل المرکب المقصّر، و الوسواسی، و القطّاع و نحوهم بعد عروض العناوین المزاحمة، أو النهی عن سلوک بعض الطرق المؤدّیة إلی القطع.

ص:485

فیجوز للشارع أن یمنع عن اتّباع القطع الطریقی فی الموارد المذکورة، و القاطع فی هذه الموارد إذا التفت إلی أنّ الشارع لایحکم إلّا بملاحظة العناوین المزاحمة زال قطعه، أو حکمه من المعذّریّة و المنجزیّة. و بالجملة، فدعوی استحالة المنع عن العمل بالقطع صحیحة فیما إذا کان القطع طریقیّاً و لم یعرض عنوان مزاحم آخر.

تعاضد الدین و العقل البدیهیّ

ولایذهب علیک أنّه لاتعارض بین الدلیل العقل البدیهیّ الفطری، و بین الأدلّة النقلیّة لأنّ کلّ واحد مکمّل للآخر لوضوح کون الدین مبنیّاً علی الفطرة. و لایمکن صدور المنع الشرعیّ عن الدلیل العقل البدیهی، و إلّا لزم المناقضة فی الأحکام، و لاکلام فی ذلک إلّا ما عن بعض أصحابنا من المحدّثین حیث ذهبوا إلی إمکان صدور المنع الشرعیّ عن العقل البدیهی، و اللازم، حینئذٍ هو تقدیم الدلیل النقلی علی العقلی البدیهی عند التعارض.

ولعلّ منشأ ذلک هو الأخبار الدالّة علی «أنّه حرام علیکم أن تقولوا بشیء ما لم تسمعوا منّا» و علی «انّه لو أنّ رجلاً قام لیله و نهاره، و تصدّق بجمیع ماله، و حجّ جمیع دهره، و لم یعرف ولایة ولی الله، فیوالیه و یکون جمیع أعماله بدلالته إلیه ما کان له علی الله حقّ فی ثوابه، و لاکان من أهل الإیمان» و علی «أنّه من دان الله بغیر سماع من صادق، فهو کذا و کذا».

وعلیه فکلّ حکم لم یکن الإمام واسطة فی إبلاغه لم یجب امتثاله و لو دلّ علیه العقل البدیهیّ.

والجواب عن هذه الأخبار، أنّ النظر فیها إلی المنع عن الاستبداد بالعقول الناقصة الّتی اکتفت فی کشف الأحکام الشرعیّة بالأقیسة و الاستحسانات و نحوها من دون مراجعة إلی حجج الله تعالی و لانظر فیها ذلی ما یقتضیه العقل البدیهیّ الفطریّ، فلاتغفل.

ص:486

الملازمة بین الحکم العقلیّ و الشرعی

وقد اشتهر کلّ ما حکم به العقل، حکم به الشرع، و العکس، أی کلّ ما حکم به الشرع حکم به العقل.

و هذا یحتوی الملازمتین.

أمّا الملازمة الاُولی، فیمکن تصوّرها فی أقسام ثلاثة:

الأوّل: أنّ العقل کثیراً ما لایکون محیطاً بالنسبة إلی المناطات، و علل الأحکام و موانعها. و لذا لایتمکّن من الحکم فیها، و مع عدم حکم العقل لاملازمة، کما هو واضح. نعم إذا کان العقل محیطاً بالنسبة إلی مورد و حکم به و لایکون الحکم العقلی کافیاً فی جعل الداعی فدعوی الملازمة فیها لیست بمجازفة ولکنّه قلیل الوقوع.

الثانی: أنّ العقل یدرک المستقلاّت العقلیّة کإدراک حسن العدل، و قبح الظلم، وحسن شکر المنعم، و قبح کفرانه، و حسن تصدیق النبیّ بعد إقامة المعجزة، و قبح الکفر به، و حسن الطاعة، و قبح المعصیة.

ولامجال لإنکار حکم العقل فی أمثال هذه الموارد و لو لاذلک لما کان طریقاً إلی إثبات النبوّة و الشریعة و لو لاحکم العقل بقبح الإغراء لم یمکن تصدیق النبیّ بعد إقامة المعجزة، لاحتمال الکذب فی ادّعاء النبوّة. ففی هذه الموارد یصحّ دعوی الملازمة بین الحکم العقل و الشرع.

نعم حکم العقل بحسن الطاعة، و قبح المعصیة یکون فی طول الحکم الشرعی وفی مرتبة معلوله، إذ الموضوع مقدّم علی الحکم، و هو الطاعة و المعصیة، و هما بعد صدور أمر مولویّ من الشارع فلایمکن فی مثل هذا المورد أن یکشف الحکم العقلیّ عن الحکم الشرعیّ، کما لایخفی.

ص:487

لایقال: إنّ دعوی الملازمة و إن کانت ممکنة، ولکن مع إمکان اکتفاء الشارع بالحکم العقلی البدیهی بما هو عاقل، لاملزم علیه أن یحکم به بما هو شارع.

لأنّا نقول: إنّ الإنصاف، أنّ الحکم العقلی کثیراً ما لایکفی فی إمکان جعل الداعی فی أوساط الناس، و علیه فمقتضی قاعدة اللطف و الحکمة، هو أن یحکم الشارع بما هو شارع أیضاً، فما نسب إلی المشهور من وجود الملازمة صحیح عند إحاطة العقل بالعلل و عدم وجود المزاحمات، و کون حکمه فی ناحیة العلل و المناطات، أو الواقعیّات الّتی تکون من المقدّمات و المبادی.

والثالث: أنّ العقل یدرک أموراً واقعیّة، مع قطع النظر عن ثبوت شرع و شریعة، نظیر إدراکه استحالة اجتماع النقیضین، أو الضدّین، أو تقدّم المعلول علی وجود العلّة و غیر ذلک، و یسمّی إدراکه بالنسبة إلی هذه الاُمور عقلاً نظریّاً.

و هذه الاُمور کثیراً ما تنضمّ بصغریات شرعیّة، و بعد تمامیّة الصغری و الکبری یستکشف بها الحکم الشرعیّ و لاکلام و لاخلاف فی ذلک.

وأمّا الملازمة الثانیة، أعنی قاعدة کلّ ما حکم به الشرع، حکم به العقل، فهی صحیحة، إن ارید من الحکم الشرعیّ، الحکم الشرعیّ الحقیقی، و ارید من العقل هو العقل المحیط علی مناطات شرعیّة.

و ذلک لما علیه العدلیّة من ابتناء الأحکام علی المصالح و المفاسد، فکلّ ما حکم به الشرع بحکم حقیقیّ یدرکه العقل المحیط بالمصالح و المفاسد، بلاکلام.

فلایرد علیه أنّ الأوامر الامتحانیّة، أو الصادرة تقیّة، کانت من الأحکام الشرعیّة، و مع ذلک لایحکم العقل بها فدعوی الملازمة غیر تامّة، لأنّ الأوامر الامتحانیّة و الصادرة تقیّة لیست بأحکام حقیقة بل هی إمّا توریة، أو تؤوّل إلی الأوامر المتعلّقة بالمقدّمات، دون ذیها.

ص:488

ودعوی: أنّ الحکم الشرعیّ لایکشف عن المصلحة و المفسدة إلّا إجمالاً و العقل لایمکن له الحکم بحسنه، أو قبحه تفصیلاً.

وأمّا الحکم بحسنه أو قبحه إجمالاً، بدعوی اندراجه تحت القضایا المشهورة فلادلیل له، لأنّ المصالح و المفاسد الّتی هی ملازمات الأحکام الشرعیة المولویّة لایجب أن یکون من المصالح العمومیّة الّتی یحفظ بها النظام، و یبقی بها النوع.

کما أنّ الأحکام الشرعیّة غیر منبعثة عن انفعالات طبیعیّة من رأفة، أو ألفة، أو غیرها. و لاملاک للحسن و القبح العقلیّین إلّا أحد الأمرین. نعم العقل یحکم بأنّ الأحکام الشرعیّة لم تنبعث إلّا عن حکم و مصالح خاصة راجعة إلی المکلّفین بها فالحکم بالعلّة لمکان إحراز المعلول، أمر، و الحکم بالحسن و القبح العقلائیّین، أمر أخر.

مندفعة أوّلاً: بأنّ العقل یحکم بالحسن و القبح، و لو لم یکن نظام و اجتماع، مثلاً العقل یحکم بحسن العدل و قبح الظلم و لایتوقّف حکمه بذلک مع وجود الاجتماع و تطابق آرائهم علی حسن المصالح و قبح المفاسد الّتی یحفظ النظام أو یختلّ بها.

بل العقل یبتهج من العدل، و یشمئزّ من الظلم قبل الاجتماع، و تطابق الآراء. والوجه فیه أنّ الظلم نقص و العدل کمال، وعلیه فلاوجه لتخصیص التحسین، و التقبیح العقلیّین، بموارد القضایا المشهورة المتقوّمة بوجود الاجتماع و تطابق آرائهم.

وثانیاً: أنّ حکم العقلاء بالتحسین و التقبیح فی موارد القضایا المشهور ینتهی إلی صفتی النقص أو الکمال، طبقاً لقاعدة کلّ ما بالعرض ینتهی إلی ما بالذّات، و إلّا لزم التسلسل، فتحصّل أنّ العقل إذا کان محیطاً علی مناطات شرعیّة حکم بما حکم به الشرع لتمامیّة المناطات الشرعیّة، وعلیه ففی الفرض المذکور صحّت الملازمة الثانیة أعنی قاعدة کلّ ما حکم به الشرع حکم به العقل، فلاتغفل.

ص:489

موارد النهی عن العمل بالقطع

بعد ما عرفت من إمکان ورود النهی عن العمل بالقطع فیما إذا کانت مقدّماته و أسبابه غیر صحیحة، أو عرض علی المقطوع عنوان أهمّ، آخر، یطلب حکماً غیر حکم المقطوع. تصل النوبة إلی مقام الإثبات و یمکن أن یقال إنّ الروایات تنهی عن العمل بالقطع فی بعض الموارد:

منها: الروایات الواردة فی العمل بالقیاس و الاستحسان، فإنّ إطلاقها، أو ظاهرها یشمل صورة حصول القطع أیضاً، و إلیک جملة منها:

ففی الکافی عن أبی عبدالله علیه السلام یقول: إنّ أصحاب المقائیس طلبوا العلم بالمقائیس، فلم تزدهم المقائیس من الحقّ إلّا بعداً، و إنّ دین الله لایصاب بالمقائیس.(1)

وفی الکافی عن أبی بصیر قال قلت لأبی عبدالله علیه السلام تردّ علینا أشیاء لیس تعرفها فی کتاب الله و لاسنّته فننظر فیها، قال: لا، أما أنّک إن اصبت لم تؤجر و إن أخطات کذبت علی الله عزّوجلّ.(2)

و فی الکافی أیضاً عن مولانا أمیرالمؤمنین علیه السلام أنّه قال إنّ من أبغض الخلق إلی الله عزّوجلّ لرجلین، رجل یکله الله إلی نفسه فهو حائر (جائر) عن قصد السبیل... إلی أن قال: و إن نزلت به إحدی المبهمات المعضلات هیّأ لها حشواً من رأیه ثمّ قطع به، فهو من لبس الشبهات فی مثل غزل العنکبوت، لایدری أصاب أو أخطا لایحسب العلم فی شیء ممّا أنکر و لایری أنّ وراء ما بلغ فیه مذهباً.(3) الحدیث.

و إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة الدالّة علی النهی عن القیاس مطلقاً و لو کان موجباً للقطع، و حملها علی خصوص القیاس الظنّیّ ینافی إطلاقها، هذا مضافاً إلی دلالة بعض الأخبار علی ملاک النهی، و هو قصور العقل عن الإصابة، و هو یعمّ الظنّ و العلم.

ص:490


1- (1) جامع الأحادیث، ج 1، ص 270.
2- (2) جامع الأحادیث، ج 1، ص 275.
3- (3) جامع الأحادیث، ج 1، ص 302.

علی أنّ قوله علیه السلام إنّ أهل القیاس طلبوا العلم بالمقائیس، یشهد علی أنّ المراد هو النهی عن مطلق القیاس.

وهکذا إنّ تعجّب أبان بن تغلب من بیان الإمام، أنّ دیة قطع أصبع المرأة عشرة من الإبل، و دیة قطع إصبعین عشرون، و دیة قطع ثلاثة أصابع ثلاثون، و دیة قطع أربعة أصابع عشرون، یحکی عن کون قاطعاً قبل بیان الإمام، بحیث قال، إنّ هذا کان یبلغنا، و نحن بالعراق، فنتبرّأ ممّن قاله، و نقول إنّ الذی جاء به شیطان، و مع ذلک نهی الإمام إیّاه عن القیاس.

ودعوی: أنّ الإطلاقات المذکورة معارضة مع ما دلّت علیه النصوص من لزوم اتّباع العلم و یتساقطان، لأنّ النسبة بینهما هی العموم من وجه، و مع التساقط لایبقی نهی بالنسبة إلی القطع الحاصل من القیاس.

مندفعة: بأنّ الأخبار الناهیة عن العمل بالقیاس و لو مع إفادته العلم مرجّحة، لأنّها معلّلات، بأنّ السنّة، إذا قیست محقّ الدین، و بأنّ العقول قاصرة عن الإصابة و نحو ذلک. هذا لو لم نقل بانصراف الأخبار الدالّة علی لزوم اتّباع العلم عن مورد القیاس المنهیّ.

ثمّ إنّ الأخذ بالعلل المنصوصة أو الحکم المنصوص، أو الدلالات الظاهرة من ألفاظ الکتاب و السنّة، خارج عن مورد القیاس، و لاتشمله النواهی الواردة فی القیاس، لأنّ بناء ذلک علی دلالات النصوص لاالمشابهة و المقایسة.

و هکذا إلغاء الخصوصیّة، أو إدراج القیود فی الموضوع لیس بقیاس، بل هو تنقیح موضوع الدلیل.

وأما تنقیح المناط فهو علی قسمین: أحدهما: مبنیّ علی المشابهة و المقایسة، فهو قیاس و مشمول للمطلقات، کما عرفت.

ص:491

وثانیهما: مبنیّ علی کشف العلل الواقعیّة الشرعیّة بالعقل المحیط، فهو لیس بقیاس، ولکنّه قلیل التحقّق و الوقوع، و کیف کان لایشمله الأدلّة الناهیة عن القیاس.

ومنها: الروایات الواردة فی النهی عن اعتناء الوسواسیّ بوسواسه، فإنّ إطلاقها یشمل ما إذا کان قاطعا.

ففی صحیحة ابن سنان ذکرت لأبی عبدالله علیه السلام، رجلاً مبتلی بالوضوء و الصلاة، قلت هو رجل عاقل، فقال أبوعبدالله علیه السلام: و أیّ عقل له، و هو یطیع الشیطان؟ فقلت له و کیف یطیع الشیطان؟ فقال علیه السلام: سله هذا الذی یأتیه من أیّ شیء هو، فإنّه یقول لک من عمل الشیطان.(1)

وغیرذلک من الأخبار الدالّة عن النهی، عن العمل بالوسواس، و إن کان قاطعاً فی ذلک هذا مضافاً إلی عموم التعلیلات الواردة فی کثیر الشکّ، مع أنّه لم یبلغ حدّ الوسواس کصحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: إذا کثر علیک السهو فامض علی صلاتک فإنّه یوشک أن یدعک إنّما هو من الشیطان.(2)

وصحیحة زرارة قال: یمضی علی شکّه، ثمّ قال: لاتعوّدوا الخبیث من أنفسکم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشیطان خبیث معتاد لما عوّد، فلیمض أحدکم فی الوهم و لایکثرن نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلک مرّات لم یعدّ إلیه الشکّ.(3)

و من المعلوم أنّ المستفاد من هذه التعلیلات هی ممنوعیّة الإطاعة عن الشیطان، و هی أمر لایقبل التخصیص، و مع الممنوعیّة المذکورة و إطلاقها لایکون القطع منجّزاً و

ص:492


1- (1) الوسائل، الباب 10 من أبواب مقدّمات العبادات، ح 1.
2- (2) الوسائل، الباب 16 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة، ح 1.
3- (3) الوسائل، الباب 16 من أبواب الخلل، ح 2.

لامعذّراً، لأنّ تلک الممنوعیّة تکشف عن عروض عنوان یمنع ذلک عن فعلیّتهما و أمّا قطع القطّاع، فلم أر نصّاً فیه نعم لایحکم العقل، أو العقلاء بعد کون القاطع قطّاعاً بالتنجیز، أو التعذیر، لموهونیّة قطعه و کشفه عندهم، و مع الموهونیّة لا وقع لقطعه، کما لاوقع لقطع من لم یتعلّم المقدّمات المقرّرة للعلوم و الفنون، و لم یکتسب خبرویّة عند العقلاء، و معذلک حصل له القطع، بل ینهونه عن العمل به، خصوصاً إذا کان موجباً لتضییع مال الغیر أو نفسه، فلاتغفل.

الجهة العاشرة: فی العلم الإجمالی

یقع الکلام فی أمور:

الأمر الأوّل: أنّ العلم الإجمالی کالتفصیلی، فی کونه موجباً لحرمة المخالفة القطعیّة، لأنّ المعتبر فی حکم العقل بقبح المخالفة هو وصول التکلیف، و الوصول کما یتحقّق بالتفصیلی فکذلک بالإجمالی، و عدم تمیّز مصداق المکلّف به فی أطراف المعلوم بالإجمال لاینافی وصول أصل المکلّف به، ألا تَری أنّه لافرق بین ما إذا عرف المکلّف خمراً بعینها، و بین علمه بوجودها فی أحد الکأسین فی حکم العقل بوجوب الاجتناب و قبح المخالفة.

الأمر الثانی: أنّ العلم الإجمالی کالتفصیلی أیضاً فی کونه موجباً لوجوب الموافقة القطعیّة، إذ التکلیف ینتجّز بالإجمالی کالتفصیلی، و مقتضی تنجیز التکلیف، هو وجوب الامتثال، و هو لایتحقّق إلّا بالاحتیاط التامّ فی الأطراف، لأنّ الاشتغال الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی.

ودعوی: التفصیل بین الشبهة الحکمیّة و کفایة الإتیان بأحد الأطراف، و بین الشبهة الموضوعیّة و لزوم الإتیان بجمیع الأطراف، مستدلاً بأنّ المعلوم الوجوب فی الأوّل هو

ص:493

الجامع، و هو الصلاة مثلاً، و ترددت بین الجمعة و الظهر، فحصلت الموفقة القطعیّة فی مثله بالإتیان بالجامع، و هویتحقّق بإتیان أحد الفردین، لأنّ الجامع یوجد بوجوده هذا بخلاف ما إذا کان المعلوم الوجوب هو الفرد و تردّد بین الطرفین فإنّ الإتیان بأحدهما لایکفی فی الامتثال.

مندفعة: بأنّ وجوب الجامع بما هو جامع لایقبل التردید و یکون خارجاً عن محلّ الکلام، لأنّ مقتضاه هو العلم التفصیلیّ بالجامع.

بل محلّ الکلام، هو ما إذا علمنا بنوع خاصّ من الصلاة و تردّدنا فی کونها هی الجمعة أو الظهر، فلاإشکال حینئذٍ فی أنّه یوجب الاحتیاط التامّ.

الأمر الثالث: أنّ العلم الإجمالی یکون مقتضیاً بالنسبة إلی المنجّزیّة و المعذّریّة، و لیس بعلّة تامّة، و ذلک لشوبه بالشکّ، إذ مع هذا الشوب بالشکّ یحکم العقل، أو العقلاء، بجواز أن یمنّ الشارع برفعه، و یسهّل الأمر علی المکلّفین، و یجعل الجهل التفصیلی بالخطاب، سبباً لجواز الترخیص فی ترک الموافقة القطعیّة، أو فعل المخالفة علیه، و لایلزم من ذلک مناقضة، و لاترخیص فی المعصیة، لأنّهما فیما إذا لم یکن فعلیّة علی بقاء التکلیف، و مع الرفع لاموضوع للظلم، کما لایخفی. و علیه فالرفع فی المعلوم یوجب المناقضة، مع أنّ الأحکام الواقعیّة فی الشبهات البدویّة مشترکة بین العالم و الجاهل ومع أنّ الأحکام المعلومة فی الشبهات غیر المحصورة واصلة بالعلم الإجمالی، فکذلک فی المعلوم بالإجمال، فی الشبهات المحصورة، و الملاک فی الکلّ، هو وجود الموضوع للحکم الظاهریّ و هو الشکّ، أو الشوب به.

الأمر الرابع: أنّ بعد ما عرفت من إمکان جعل الترخیص فی أطراف العلم الإجمالی، یقع النوبة إلی مقام الإثبات، و البحث عن شمول أدلّة الاُصول العملیّة لأطراف المعلوم بالإجمال و عدمه.

ص:494

و هذا البحث یناسب باب البراءة و الاشتغال، و سیأتی إن شاء الله تعالی.

أنّ مقتضی الأدلّة العامّة، هو جواز الأخذ بالاُصول فی أطراف المعلوم بالاجمال أیضاً، ولکن یمنع عن ذلک الأدلّة الخاصّة، و الجمع بین الأدلّة العامّة و الخاصّة، یقتضی الحکم بعدم جواز الأخذ بالاُصول فی أطراف المعلوم بالإجمال مطلقاً، فیحرم المخالفة القطعیّة و الاحتمالیّة، و یجب الموافقة القطعیّة. نعم الموارد الّتی تکون خارجة عن مدلول الأخبار الخاصّة، و لو مع إلغا الخصوصیّة، یرجع فیها إلی عمومات البراءة، کموارد الشبهات غیر المحصورة، و الخارج عن محلّ الابتلاء، فتدبّر جیّداً.

الأمر الخامس: فی جواز الاکتفاء بالعلم الإجمالی فی مقام الامتثال مع التمکن من الامتثال التفصیلی.

و یقع الکلام فی جهات:

الجهة الاولی: أنّه لاإشکال فی جواز الاکتفاء بالامتثال الإجمالی فی التوصّلیّات، لوضوح سقوط الأمر و التکلیف بإتیان المأمور به کیفما اتّفق، و المأمور به یؤتی به بالامتثال الإجمالی.

ودعوی: أنّ التوصّلیّات تعمّ الإیقاعات و العقود، و الإتیان بها احتیاطاً یوجب الإخلال بالجزم المعتبر فی الإنشاءات، إذ التردید ینافی الجزم، و لذا ذهبوا إلی عدم صحّة التعلیق فی الإنشاءات.

مندفعة بإمکان أن یأتی بکلّ طرف جازماً، من دون تعلیق و تردید فی الإنشاء. فلافرق بین الإجمالی و التفصیلی فی جواز الاکتفاء، سواء کان فی الإنشائیّات، أو غیرها. و دعوی اعتبار الجزم فی الإنشائیات لاتنافی مع الاکتفاء بالإجمالی، لإمکان أن یاتی بکلّ طرف جازماً لامعلّقاً، فلاتغفل.

ص:495

الجهة الثانیة: فی جواز الاکتفاء بالامتثال الإجمالی فی العبادیّات، و لایذهب علیک أنّ الاحتیاط فیها، إما لایوجب التکرار، کما إذا دار الأمر بین الأقلّ و الأکثر، و إما یوجب التکرار، کما إذا دار الأمر بین المتباینین.

و فی کلّ واحد منهما یجوز الاکتفاء بالامتثال الإجمالی، لصلاحیّة احتمال الأمر للامتثال.

ودعوی: أنّ التکرار مستلزم لللعب و معه لایصدق الامتثال.

مندفعة: أوّلاً: بمنع الإستلزام المذکور، لإمکان أن یترتّب غرض عقلائیّ علی اختیار الامتثال الإجمالی.

وثانیاً: بأنّ مع تسلیم لزوم اللعب، لایضرّ ذلک، لأنّه فی کیفیّة الامتثال وخصوصیّاته، لا فی أصل الامتثال. و لاإشکال فی عدم لزوم قصد القریة فی الخصوصیات، کما إذا اختار المصلّی محلاً حارّاً أو بارداً لصلاته، فلاإشکال فی صحّة صلاته.

لایقال: إنّ التکرار و الاحتیاط ینافی قصد الوجه و التمیز.

لأنّا نقول: لادلیل علی وجوب مراعاتهما. هذا مضافاً إلی إمکان مراعاة قصد الوجه بأن یأتی بالاحتیاط و التکرار، لغایة وجوب العبادة.

ودعوی: أنّ الداعی علی التکرار، لیس هو احتمال الأمر، لأنّه سابق علی العمل، و لیس مترتّباً علیه، خارجاً مع أنّ الداعی یکون متأخّراً عن العمل بوجوده الخارجیّ.

و لیس الداعی علی الإتیان بکلّ واحد منهما تحقّق الموافقة مع الأمر، إذ لاعلم بتعلّق الأمر بکلّ واحد منهما، بل قصد الأمر بکلّ واحد، تشریع محرّم. نعم أحد الفعلین موافق للأمر قطعاً ولکنّه لایعلمه بعینه و علیه فالداعی لإتیان الفعلین أمران، أحدهما تحصیل

ص:496

الموافقة، و الآخر التخلّص من تعب تحصیل العلم مثلاً، و الأوّل داع قربیّ، و الآخر غیر قربیّ، و إن کان عقلائیّاً.

ونسبة هذین الداعیین إلی کلّ واحد من الفعلین علی حدّ سواء، بمعنی أنّه لا تمییز لأحدهما علی الآخر فی مقام الداعویّة، و علیه فیصدر کلّ من الفعلین عن داعیین أحدهما إلهیّ و الآخر دنیویّ، و هو ینافی المقرّبیّة.

مندفعة: بأنّ التکرار بداعی تحصیل الموافقة، لایکون تشریعا محرّماً، لوجود الأمر بین الأطراف، و الأمر المعلوم بینهما یتطلّب الموافقة، و هی تصلح للداعویّة و إن لم یعلم بأنّ الموافق أیّهما کان.

و التخلّص من تعب تحصیل الامتثال التفصیلیّ، من فوائد الامتثال الإجمالی، لا من أسبابه و دواعیه. هذا مع أنّه لو سلّم، ذلک فالداعی المذکور یکون داعیاً لکیفیّة الامتثال، لالأصل الامتثال، فلادلیل علی کون کیفیّة الامتثال قربیّا، فلاتغفل.

الجهة الثالثة: فیما إذا لم یتمکّن المکلّف من الامتثال العلمیّ التفصیلی، و دار الأمر بین الامتثال العلمیّ الإجمالی، و الامتثال الظنّیّ التفصیلی.

و لایخفی علیک أنّه إن کان الامتثال الظنّیّ التفصیلی، ممّا قام علی اعتباره دلیل خاصّ، فإن کان حجّیّة مترتّبة علی عدم إمکان الامتثال العلمیّ الإجمالی، فالمتعیّن، هو الامتثال العلمیّ الإجمالی.

وإن لم تکن کذلک، فالامتثال الظنّیّ التفصیلیّ المعتبر، کالعلم التفصیلی، فکما نقول بجواز الامتثال العلمیّ الإجمالی مع التمکّن من العلمیّ التفصیلی، فکذلک نقول بجواز الامتثال العلمیّ الإجمالی مع التمکّن من الامتثال الظنّیّ التفصیلیّ المعتبر بالدلیل الخاصّ حرفاً بحرف، و أمّا إذا لم یکن الامتثال الظنّیّ التفصیلیّ ممّا قام دلیل خاصّ علی اعتباره، بل یکون من الظنّ الانسدادیّ المعبّر عنه بالظنّ المطلق.

ص:497

فقد فصّل فیه، بین القول بالکشف، فیقدّم الامتثال الظنّیّ التفصیلیّ الانسدادی علی الاحتیاط بالامتثال الإجمالی.

فإنّ الکشف مبنیّ علی عدم جواز الاحتیاط، لکونه مخلّا بالاُمور، و معه یستکشف أنّ الشارع جعل لنا حجّة، و العقل یعیّنها بالسبر و التقسیم فی الظنّ المطلق، دون المشکوکات و الموهومات، لکون الظنّ، أقرب إلی الواقع من الشکّ و الوهم.

وعلیه فلامجال للاحتیاط مع التمکّن من الامتثال الظنّی، بعد ما عرفت من أنّ الکشف مبنیّ علی ممنوعیّة الاحتیاط.

و بین القول بالحکومة، فإنّه مبنیّ علی عدم وجوب الاحتیاط، لکونه عسراً، و معه فلایستکشف منه حجّیّة الظنّ المطلق شرعاً، و لایحکم العقل بجّیّته أیضاً، بل العقل یحکم بتضییق دائرة الاحتیاط فی المظنونات، لرفع العسر دون الموهومات و المشکوکات، و علیه فلامانع من الاحتیاط و الاکتفاء بالامتثال الإجمالی، مع التمکّن من الامتثال الظنّیّ المطلق التفصیلی.

ویتفرّع علی التفصیل المذکور، بطلان عبادة تارک طریقی التقلید و الاجتهاد، و الآتی بالاحتیاط فیما إذا کان الاحتیاط ممنوعاً، لکونه مخلّاً بالنظام فاللازم علیه هو الأخذ بالظنّ، فالعدول عنه إلی الاحتیاط یوجب البطلان، ولکنّه محلّ تأمّل و نظر، لأنّ غایته هو اجتماع الأمر و النهی، و حیث نقوف بجواز اجتماع الأمر و النهی، لامجال للحکم ببطلان العبادة. مع أنّ مرکب النهی هو کیفیّة الامتثال، لاأصل الامتثال، و النهی متوجّه إلیها من جهة کونها موجبة للإخلال بالنظام، لامن جهة خصوص العبادة، فتدبّر جیّداً.

ص:498

الفصل الأوّل: فی أنّ التعبّد به ممکن ذاتاً و لامحذور فیه

لأنّ الظنّ فی نفسه لیس کالقطع فی کون علّة أو مقتضیاً للحجّیّة لوضوح أنّ الظنّ لایکون کشفاً تامّاً عن التکلیف حتّی یثبت به موضوع حکم العقل بقبح مخالفة التکلیف و استحقاق العقوبة علی المخالفة. نعم لو انضمّ إلیه التعبّد الشرعی به فهو صار کالقطع فی کونه موضوعاً للحکم العقلی بقبح المخالفة و استحقاق العقوبة علیها.

فالتعبّد بالظنّ و جعل الحجّیّة له ممکن ذاتاً إذ لایستلزم من ذلک التناقض و لااجتماع المثلین لعدم ثبوت حکم فی الواقع بنفس الظنّ حتّی یلزم المحذورات المذکورة و لافرق فی ذلک بین أن یستفاد التعبّد بالظنّ من ظواهر الکتاب و السنّة أو الإجماع أو مقدّمات الانسداد علی تقدیر الکشف.

ثمّ لاتفاوت فی عدم حجّیّة الظنّ بین مقام إثبات التکلیف و بین مقام سقوطه.

ودعوی: کفایة الظنّ فی مقام سقوط الواقع بعد العلم بثبوته فی مقام الامتثال.

مندفعة: بأنّ مع الاشتغال الیقینیّ بالتکلیف لامجال للاکتفاء بالامتثال الظنّیّ ما لم یرد دلیل علی جواز الاکتفاء به شرعاً.

لایقال: یجوز الاکتفاء بالظنّ فی مقام سقوط الواقع إذ بعد الإتیان بالظنّ غیر المعتبر لایبقی إلّا احتمال الضّرر و دفعه لیس بواجب.

ص:499

لأنّا نقول: عدم وجوب دفع الضّرر المحتمل ممنوع لأنّ الضّرر إن کان دنیویّاً یحکم العقل بنحو الاقتضاء بوجوب دفعه ما لم یعرض عنوان راجح علی تحمّل الضّرر الدنیوی و إلّا فیقدّم علیه. لأنّ الحکم بوجوب دفع الضّرر الدنیویّ اقتضائیّ و تعلیقیّ و یرتفع هذا الحکم بعروض عنوان راجح.

ولکن مفروض الکلام فیما إذا لم یعرض عنوان راجح و معه یجب دفع احتمال الضّرر و معناه عدم جواز الاکتفاء بالظنّ فی مقام السقوط.

وإن کان الضّرر أخرویّاً یحکم العقل بوجوب دفعه بنحو العلّیّة فلایجوز الاکتفاء بالإمتثال الظنّی الذی لادلیل علی اعتباره مع القطع بالتکلیف کما هو واضح و بالجملة فیمکن التعبّد بالظنّ ذاتاً و لایلزم من ذلک محذور أصلاً.

ص:500

الفصل الثانی

فی إمکان التعبّد بالظنّ وقوعاً لعدم لزوم محذور منه کصدور القبیح عن الحکیم المتعال إذ لاقبح فی التعبّد به کما هو الظّاهر بل أدلّ الدلیل علی وقوعه هو قیام الأدلّة القطعیّة علی حجّیّة بعض الظنون کحجّیّة الظنّ الحاصل من الألفاظ إذ لو لم یکن التعبّد به ممکناً لما صدر عن الشارع اعتبار الظنّ کما لایخفی.

و لو شکّ فی أنّ التعبّد بالظنّ ممکن أو ممتنع عند ورود التعبّد بالظنّ ذهب المشهور إلی الإمکان بدعوی أنّا نقطع بأنّ التعبّد المذکور لایلزم منه محال.

أورد علیه الشیخ الأعظم قدس سره بأنّ دعوی القطع بعدم لزوم المحال موقوف علی إحاطة العقل و هی غیر حاصل فالأولی هو أن یقال لانجد فی عقولنا ما یوجب الاستحالة و هذا طریق یسلکه العقلاء فی الحکم بالإمکان.

و حاصل ذلک أنّ فی فرض عدم القطع بعدم المحذور نکتفی بعدم وجدان ما یوجب الاستحالة فی الحکم بالإمکان.

و استشکل علیه بأنّ ثبوت البناء من العقلاء علی ذلک أوّل الکلام. أللّهمّ إلّا أن یقال إنّ مراد الشیخ الأعظم قدس سره هو قیام البناء علی الإمکان عند قیام دلیل معتبر علی الوقوع کما إذا دلّ ظاهر کلام المولی علی حجّیّة الظنّ.

ص:501

ولاینبغی الشکّ حینئذٍ فی ثبوت بناء العقلاء فی مثل ذلک علی الإمکان و العمل بالظواهر ما لم تثبت الاستحالة.

لایقال: أنّه لایعقل الجزم بثبوت الشیء إلّا مع الجزم بإمکانه و علیه فالجزم بالثبوت لایجامع احتمال الاستحالة.

لأنّا نقول: لیس المطلوب فی المقام الجزم بالشیء کما فی العقائد الدینیّة بل المطلوب هو الجری العملی علی وفق الظنّ و العمل علی طبقه من دون حاجة إلی الجزم بتحقیق المظنون و من المعلوم أنّ ذلک یکفی فیه وجود الحجّة علی اعتباره فالدلیل المتکفّل لحجّیّة الظنّ کالظنّ الخبری یکفی فی حجّیّة الخبر ما لم یقم حجّة علی خلافه و احتمال الاستحالة لاینافی حجّیّة الظنّ بقیام الحجّة علیه إذ الحجّة لایزاحمها إلّا الحجّة و احتمال الاستحالة لیس بحجّة.

ص:502

الفصل الثالث

اشارة

فی الوجوه التی استدلّ بها علی استحالة التعبّد بغیر العلم من الأمارات و أجوبتها بناء علی طریقیّة الأمارات.

أحدها: أنّ التعبّد بغیر العلم من الأمارات محال لرجوعه إلی اجتماع المثلین فیما إذا أصاب غیر العلم أو اجتماع الضدّین فیما إذا أخطاً بناء علی القول بالتخطئة و إلّا لزم من التعبّد بغیر العلم أن لایکون هناک أحکام غیر مؤدّیات الأمارات و هو التصویب الذی لانقول به.

و الجواب عنه أنّ التعبّد بالأمارات من باب مجرّد الکشف عن الواقع فلایلاحظ فی التعبّد لها إلّا الإیصال إلی الواقع و لامصلحة فی سلوک هذه الطرق وراء مصلحة الواقعیّات و علیه فلامضادّة و لااجتماع المثلین إذ فی هذا الفرض لایکون إلّا حکم واحد و إنّما التعدّد فی مجرّد الإنشاء لغرض الوصول و الأمر لیس إلّا للإرشاد إلی الواقع.

و دعوی أنّ ذلک منوط بعلم الشارع العالم بالغیب بدوام موافقة هذه الأمارات بالنسبة إلی الواقع أو منوط بعلمه بکونها أغلب مطابقة من غیرها و إلّا فلایصحّ التعبّد بها من باب الإرشاد إلی الواقعیّات إلّا مع تعذّر باب العلم لأنّ لازم مخالفة الأمارات أحیاناً

ص:503

للواقع هو تفویت الواقعیّات علی المکلّف و لو فی موارد النادر و علیه فالتعبّد بالأمارات مع انفتاح باب العلم و بقاء الواقعیات علی الإرادة الجدّیّة مستلزم للتفویت و هو قبیح.

مندفعة بأنّ القبح المذکور فیما إذا لم یکن تحصیل الواقعیّات مستلزماً للأفسد و إلّا فلاإشکال فی التعبّد بغیر العلم و لو فی زمان الانفتاح.

إذ إلزام الناس فی زمان الانفتاح علی العمل بالعلم و السؤال عن أئمّتهم علیهم السلام یوجب ازدحام الشیعة علی بابهم و تجمعهم حول دارهم و هو ممّا یوجب ازدیاد بغض الأعداء و عزمهم علی قتل الأئمّة علیهم السلام و هدمهم بحیث لم یبق معه مجال لنقل الأحکام منهم.

کما أنّه لامجال لوجوب الاحتیاط لکون فساده أظهر لأنّه مستلزم لاختلال النظام أو الحرج الشدید و رغبة الناس عن الدین.

ففی هذه الصورة لامجال لدعوی القبح فی التعبّد بالأمارات و لو مع انفتاح باب العلم.

و الأحکام الواقعیّة فی هذه الموارد تسقط عن الفعلیة إذ لایمکن التحفّظ التامّ بالنسبة إلیها مع تزاحمها مع الأفسد فی مقام الامتثال.

ثانیها: أنّها یلزم من التعبّد بغیر العلم تکلیف بالمحال و هو طلب الضدّین عند عدم الإصابة.

و الجواب عنه واضح بعد ما عرفت من سقوط الأحکام الواقعیّة عن الفعلیّة عند عدم الإصابة.

ثالثها: أنّه یلزم من التعبّد بغیر العلم تفویت المصلحة أو الإلقاء فی المفسدة فیما إذ أدّی التعبّد بغیر العلم إلی عدم وجوب ما هو واجب فی الواقع أو عدم حرمة ما هو حرام فی الواقع.

و الجواب عنه أنّه لامانع منه بعد تزاحمه بما هو أفسد.

ص:504

رابعها: أنّ الأمارة ربّما تقوم علی وجوب ما هو مباح واقعاً أو علی حرمة ما هو مباح کذلک و لازم حجّیّة الأمارة هو الإلزام بشیء من الفعل أو الترک من دون أن تکون فیه مصلحة أو مفسدة ملزمة مع أنّا نقول بتبعیة الأحکام الشرعیّة للمصالح و المفاسد و لعلّ هو مراد من یقول إنّ حجّیّة الأمارات تستلزم تحریم الحلال أو ایجابه.

و الجواب عنه أیضاً بأنّ العقل یحکم بلزوم ذلک بعد تزاحم المفاسد و المصالح الواقعیّة بالأفسد منها و دوران أمر المکلّف بین إدراک الواقع و الوقوع فی الأفسد و بین عدم إدراک الواقع و عدم الوقوع فی مفسدة أعظم.

و ذلک لما عرفت من سقوط الواقع عن الفعلیّة عند مزاحمته مع وجود المانع. هذا کلّه بناء علی عدم القول بالإجزاء فی الأمارات و الاُصول.

و أمّا علی القول بالإجزاء فلامجال للجواب المذکور من أنّه لیس فی متن الواقع إلّا الحکم الواقعی لأنّ الظاهر من أدلّة اعتبار الأمارات أنّ موردها یکفی لتحقّق امتثال التکالیف المعلومة بالإجمال فمع انکشاف الخطأ یحکم بصحّة ما أتی به طبقاً للأمارات و الأصول و هذا لایساعد مع کون الأمارات لإرشاد المحض فإنّ مقتضی کونها للإرشاد أنّ مع التخلّف لامجال للحکم بالصحّة إذ الواقعیّات باقیة علی ما علیها فیجب الإتیان بها ما دامت باقیة.

ولکن الذی یسهّل الخطب أنّ المستفاد من أدلّة اعتبار الأمارات حینئذٍ هو حکومة مفادها علی الواقع و الحاکم و المحکوم ممّا یجتمعان و لامضادّة بینهما و إن کانا مولوین.

و مع الحکومة لایبقی الواقع علی الفعلیّة بل الحکم الظاهری الذی هو حاکم بالنسبة إلی الواقع فعلی فی ظرف الشکّ و یکون العمل علی وفقه مجزیّاً و مع سقوط الواقع عن الفعلیّة فلایرد المحاذیر المذکورة علی القول بالإجزاء أیضاً.

ص:505

و خلاصة الجواب فی الجمع بین الحکم الواقعی و الظاهری بناء علی الطریقیّة و اعتبار الأمارات بلسان أنّها هی الواقعیّات سواء قلنا بالإجزاء أو لم نقل هو أنّ الواقعیات لاتبقی علی الفعلیّة.

و المراد من هذا الجمع لیس أنّ الحکم الواقعی واقف فی مرحلة الإنشاء فیما لو خالفته الأمارات حتّی یقال إنّ هذا لایساعد اشتراک الجاهل و العالم فی الأحکام الواقعیّة إذ الحکم الواقعی الواقف فی مرحلة الإنشاء لیس محرّکاً و لو حصل العلم به.

بل المراد أنّ الحکم الواقعی بلغ مرتبة الفعلیّة کحکم العالم ولکن بعد تزاحمه بمفاسد اخری أو بعد ابتلائه بالأدلّة الحاکمة تسقط عن الفعلیّة بحیث لو علم به و ارتفعت المفاسد أو ارتفع الحاکم کان مأخوذاً و لو فیما سیأتی من الأعمال. و علیه فحدیث الاشتراک فی الأحکام بین العالم و الجاهل باق علی قوّته و لامنافاة بینه و بین الجمع المذکور.

هذا کلّه أیضاً بناء علی اعتبار الأمارات من باب الطریقیّة المحضة کما علیه بناء العقلاء و أمضاه الشارع لأنّه لم یجعل طریقاً خاصّاً فی إحکامه و لم یلاحظ فی التعبّد بالأمارات إلّا الإیصال إلی الواقع فلامصلحة فی سلوک هذه الأمارات و الطرق وراء مصلحة الواقع.

أجوبة الوجوه المذکورة بناء علی السببیّة و اختلاف المرتبة:

و أمّا الجواب عن محذورات التعبّد بالأمارات بناء علی السببّیة بدعوی أنّ التعبّد بالطرق الظنّیّة یکون من جهة وجود المصلحة فیها فی الجملة إمّا فی الفعل أو فی سلوک الطریق فهو موقوف علی تصوّر السببیّة و هی علی وجوه:

منها أن یکون الحکم سواء کان فعلیّاً أو شأنیّاً تابعاً للأمارات بحیث لایکون فی حقّ الجاهل مع قطع النظر عن قیام الأمارات و عدمه حکم فی الواقع و هذا هو التصویب الباطل عند أهل الصواب من التخطئة و قد تواترت الأخبار بوجود الحکم المشترک بین

ص:506

العالم و الجاهل و علیه فلایمکن الجواب عن وجوه استحالة التعبد بالأمارات بهذا الوجه بدعوی أنّ الحکم علیه واحد و هو مفاد الأمارات فلایلزم من التعبّد بالأمارات اجتماع الضدّین أو المثلین لا فی الأحکام و لا فی مبادیها و لا فی ملاکاتها.

ومنها: أن یکون الحکم الفعلی تابعاً للأمارات بمعنی أنّ لله فی کلّ واقعة حکماً یشترک فیه العالم و الجاهل لو لا قیام الأمارات علی خلافها بحیث یکون قیامها مانعاً عن فعلیّة الأحکام لکون مصلحة سلوک الأمارات غالبة علی مصلحة الأحکام الواقعیّة.

و علیه فالأحکام الواقعیّة شأنیّة فی حقّ الظانّ بخلافه و فعلی فی حقّ غیر الظانّ بخلافه.

و هذا أیضاً تصویب مجمع علی خلافه لأنّ الحکم الواقعی لیس بحیث لو علم به لتنجّز لأنّه شأنیّ محض و اللازم فی الاشتراک هو الذی لو علم به لتنجّز.

ومنها: أن یکون العمل علی طبق الأمارة و الالتزام به فی مقام العمل بعنوان أنّه هو الواقع و ترتیب الآثار الشرعیّة المترتّبة علیه واقعاً مشتملاً علی مصلحة سلوکیّة من دون احداث مصلحة فی نفس الفعل فأوجبه الشارع و معنی إیجاب العمل علی الأمارة وجوب تطبیق العمل علیها لاوجوب إیجاد عمل علی طبقها إذ قد لاتتضمّن الأمارة إلزاماً علی المکلّف کما إذا تضمّنت استحباب شیء.

و تلک المصلحة لابدّ أن یکون ممّا یتدارک بها ما یفوت من مصلحة الواقع لو کان الأمر بالعمل به مع التمکّن من العلم و إلّا کان تفویتاً لمصلحة الواقع و هو قبیح.

و هذا الوجه لیس بتصویب إذ المصوّبة لایقولون بوجود حکم الله فی الواقع و فی هذا الوجه الحکم الواقعی موجود و اللازم هو وجوب تطبیق العمل علی الأمارة بعنوان أنّها طریقة إلی الواقع فإذا کانت الأمارة مخالفة للواقع کان الحکم الواقعی موجوداً بحیث

ص:507

لو علم به لما کان معذوراً و مما ذکر من المصلحة السلوکیة یمکن الجواب عن المحذورات المذکورة.

إذ الحکم الواقعی موجود معها و إنّما کان متزاحماً بما یمنع عن تأثیره و هو فی الواقع یکون بحیث لو علم به لایعذر فیه إلّا بإتیانه.

فلایلزم من القول بمصلحة سلوکیّة التصویب کما لزم ذلک من الوجه الأوّل و الثانی لعدم حکم فعلی فیهما غیر مؤدّی الأمارة.

لایقال: إنّ السلوک لیس أمراً وراء نفس الفعل الذی یوجده المکلّف و یکون محکوماً بالحکم الواقعی کصلاة الجمعة مثلاً و فی مقام التحقّق لاینفکّ عنه فصلاة الجمعة التی یوجدها المکلّف هی بعینها محقّقة للسلوک و مصداق له و لیس تحقّق السلوک إلّا بنفس هذا الفعل.

و القول بالسببّیة إنّما یتمّ إذا کان هناک عنوان ذو مصلحة وراء العناوین الواقعیّة حتّی یقال بأنّ المسألة من مصادیق اجتماع الأمر و النهی و لیس الأمر کذلک فإنّ العنوان المتوهمّ هنا هو سلوک الأمارة و لیس السلوک إلّا عبارة أخری عن العمل بمؤدّی الأمارة فلو قامت الأمارة علی وجوب الجمعة ولو فرضت حرمته واقعاً لزمت المحذورات ولو فرض کون قیام الأمارة سبباً لحدوث ملاک فیها وجب الکسر والانکسار بین الملاک الذاتیّ و الطاری و کان الحکم تابعاً لأقواهما فهذا البیان لایصحّح الجمع بین الحکمین.

لأنّا نقول: نمنع عدم کون السلوک عنواناً آخر وراء العناوین الواقعیّة إذ السلوک هو اعتناء بقول العادل و تصدیق عملی له بتطبیق العمل علی وفق قوله و حصر الأعمال فیما أخبر به العادل و هذا العنوان غیر عنوان أصل العمل و المفروض أنّه مشتمل علی مصلحة ملزمة.

ص:508

فکما أنّ التقلید أمر وراء نفس العمل فکذلک اتّباع العادل فی قوله عنوان آخر غیر الإتیان بالمؤدّی. و علیه فلایجتمع الحکمان المتضادّان فی عنوان واحد و الحکمان المذکوران لو وصلا یتزاحمان. و أمّا مع عدم وصول أحدهما و هو الحکم الواقعیّ فلایتزاحمان.

لایقال: إنّ السببیّة بهذا المعنی ممّا لایمکن الالتزام به لکونه مستلزماً لتبدّل الحکم الواقعی بنوع من التصویب إذ لو فرض کون سلوک الأمارة مشتملاً علی مصلحة یتدارک بها مصلحة الواقع الفائتة لایعقل تعلّق الإیجاب بالواقع یقیناً لکونه ترجیحاً بلا مرجّح بل لابدّ من تعلّق الایجاب بالواقع وسلوک الأمارة تخییراً و هذا نوع من التصویب و یدلّ علی بطلانه الإجماع و الروایات الدالّة علی اشتراک الأحکام بین العالم و الجاهل.

لأنّا نقول: و یمکن الجواب عنه بأنّ الأمارات و اعتبارها و سلوکها فی طول الأحکام الواقعیة و التخییر فرع کون سلوک الأمارة فی عرض الأحکام الواقعیّة و المفروض خلافه فتحصّل أنّ التعبّد بالأمارات بناء علی السببیة أیضاً ممکن بعد ما عرفت المراد من المصلحة السلوکیّة فالحکم الواقعی علی هذا المبنی أیضاً موجود و إنّما سقط الأمر به عن التأثیر لمزاحمته مع المصلحة السلوکیّة فیصیر شأنیّاً ولکن یکون بحیث لو علم به لایعذر فی ترکه فیجمع بین الحکم الواقعی و الظاهری باختلاف المرتبة لصیرورة الحکم الواقعی شأنیّاً و الحکم الظاهری فعلیّاً.

أجوبة الوجوه المذکورة بتعدّد الموضوع و اختلاف الرتبة

ثمّ لایذهب علیک أنّ الشیخ الأعظم قدس سره أجاب عن المحذورات بتعدّد الموضوع حیث قال یعتبر فی التضادّ ما یعتبر فی التناقض من الوحدات الثمانیّة و من الوحدات المعتبرة فی التناقض هی وحدة الموضوع و علیه فلاتضادّ بین الحکم الواقعی و الظاهری

ص:509

لتعدّد موضوعهما فإنّ موضوع الأحکام الواقعیة هی الأشیاء بعناوینها الأوّلیّة و موضوع الأحکام الظاهریّة هی الأشیاء بعناوینها الثانویّة أی بعنوان أنّها مشکوک فیها فلاتضادّ بین الحکم الواقعی و الظاهری بعد اختلاف الموضوع فیهما.

أورد علیه بأنّ الإهمال فی مقام الثبوت من نفس الحاکم الجاعل للأحکام غیر معقول بأن یجعل الحکم لموضوع لایدری أنّه مطلق أو مقیّد فالحکم الواقعی بالنسبة إلی حال العلم و الشک إمّا أن یکون مطلقاً فیلزم اجتماع الضدّین إذ الحکم الظاهری و إن لم یکن فی مرتبة الحکم الواقعیّ إلّا أنّ إطلاق الحکم الواقعی یشمل مرتبة الحکم الظاهری و إمّا أن یکون مطلقاً فیلزم اجتماع الضدّین إذ الحکم الظاهری و ان لم یکن فی مرتبة الحکم الواقعیّ إلّا أنّ إطلاق الحکم الواقعی یشمل مرتبة الحکم الظاهری و إمّا أن یکون مقیّداً مجال العلم فیلزم التصویب المجمع علی بطلانه و أجیب عن هذا الإیراد بأنّ تصوّر ما یکون موضوعاً للحکم الواقعی الأوّلی مبنیّ علی قطع النظر عن الحکم لأنّ المفروض کون الموضوع موضوعاً للحکم فتصوّره یلزم أن یکون مجرّداً عن الحکم و تصوّره بعنوان کونه مشکوک الحکم لابدّ و أن یکون للحاظ الحکم و لایمکن الجمع بین لحاظ التجرّد عن الحکم و لحاظ ثبوته فحینئذٍ متی تصوّر الأمر صلاة الجمعة بملاحظة ذاتها تکون مطلوبة و حتّی تصوّرها بملاحظة کونها مشکوک الحکم تکون متعلّقة لحکم آخر، فالموضوع فیهما لیس بواحد بل متعدّد.

ودعوی لزوم الإهمال مندفع بأنّ الموضوع فی الحکم الواقعیّ هو العناوین الذهنیّة ولکن عند تعلّق الحکم بها لایلحظ موضوعات بالتجرّد الاسمیّ بالنسبة إلی الوجودات الخارجیّة و الأحوال المتأخرّة کالشکّ و غیره و إلّا فلایکون قابلاً للامتثال لأنّ موطنها حینئذٍ هو الذهن بل العناوین الذهنیّة تکون موضوعات للأحکام بالتجرّد الحرفی أی فی

ص:510

حال تجرّدها علی الوجودات و الأحوال المتأخّرة و علیه فالعلم و الشکّ یکونان ممّا یکون الموضوع مجرّداً عنه فی حال تعلّق الحکم بالعناوین الذهنیّة.

و علیه فموضوع الحکم الواقعی مباین مع موضوع الحکم الظاهری إذ الموضوع فی الحکم الواقعی مجرّد بنحو التجرّد الحرفی عن الشکّ فی الحکم بخلاف الموضوع فی الحکم الظاهری فإنّه متقیّد بالشکّ فی الحکم موضوعاً أو مورداً و مع المباینة و المغایرة فی الموضوع فالموضوع فی الحکم الواقعی لایشمل حال الشکّ و مع عدم الإطلاق فلامزاحمة و لاتضادّ.

و علیه فالحکم الواقعی فعلیّ کالحکم الظاهری من دون محذور لتعدّد موضوعهما و إنّما لایکون الحکم الواقعی منجّزاً لعدم وصوله بل موضوع الحکم الظاهری مترتّب علی عدم وصول الحکم الواقعی فهما فعلیّان مترتّان کما أنّ حکم المهمّ بناء علی تصویر الترتّب مترتّب علی ترک الأهمّ.

و لایلزم من ذلک إهمال لأنّ المتکلّم فی مقام بیان حکم العناوین الأوّلیّة ولک إطلاقه لایشمل الأحوال المتأخّرة لفرض ملاحظته مجرّداً عن الأحوال المتأخّرة بالتجرّد الحرفی کما عرفت فالموضوع فی الأحکام الواقعیّة لیس مقیّداً بالعلم حتّی یلزم التصویب و لایکون مطلقاً حتّی یلزم اجتماع الضدّین بل یکون مجرّداً بالتجرّد الحرفی فتدبّر جیّداً. فالموضوع فیهما غیر واحد بل رتبة موضوع الحکم الظاهری متأخّر طبعاً عن موضوع الحکم الواقعی بمرتبتین.

و أجاب صاحب الکفایة عن المحاذیر المذکورة بأنّ المجعول فی باب الطرق و الأمارات هو الحجّیّة لاالحکم التکلیفی و الحجّیّة موجبة للمنجّزیّة مع المطابقة مع الواقع و المعذّریّة مع المخالفة.

ص:511

و علیه فالتعبّد بالأمارات لایوجب اجتماع الحکمین سواء کانا مثلین أو ضدّین إذ لیس المجعول إلّا الحکم الواقعی فقط.

و بیان ذلک أنّ اعتبار نفس معنی الحجّیّة لیس معناه إلّا کون الشیء بحیث یصحّ الاحتجاج به و هذا المعنی إمّا یکون ذاتیّاً کما فی القطع و إمّا جعلیّاً انتزاعیاً کحجّیّة الظواهر و حجّیّة الأخبار الواردة عن الثقات أو جعلیّاً اعتباریّاً کقوله علیه السلام إنّهم حجّتی علیکم.

فإذا عرفت ما ذکرناه فی معنی الحجّیّة الاعتباریّة و الانتزاعیّة ظهر لک أنّ الحجّیّة لیست إلّا أمراً وضعیّاً و علیه لیس بین الحجّیّة و الحکم الواقعی تماثل و لاتضادّ حتّی یلزم من التعبّد بالأمارات اجتماع المثلین أو اجتماع الضدّین.

ثم إنّ نظیر ما ذهب إلیه صاحب الکفایة هو ما حکی عن المحقّق النائینی قدس سره من أنّ المجعول فی باب الطرق و الأمارات هو مجرّد الطریقیّة و الکاشفیّة بالأمر بإلغاء الخلاف و علیه أیضاً لایکون هنا حکم تکلیفیّ حتّی یلزم من اجتماع الحکم الظاهری و الواقعی اجتماع المثلین أو الضدّین بل حال الأمارة حال القطع فی عدم جعل الحکم التکلیفی.

و لعلّ وجه عدول المحقّق النائینیّ ممّا ذهب إلیه صاحب الکفایة هو توهّم أنّ المجعول بناء علی جعل الحجّیّة هو المنجّزیّة و المعذّریّة و لازم هذا الجعل هو اخترام قاعدة عقلیّة و هی قبح العقاب بلابیان إذ جعل العقاب بلا بیان تصرّف فی ناحیة الحکم و من المعلوم أنّه تخصیص للقاعدة العقلیّة و هو غیر معقول.

هذا بخلاف جعل الطریقیّة فإنّ تصرّف الشارع حینئذٍ یکون فی ناحیة موضوع القاعدة فإنّه یرجع إلی جعل الموضوع فإنّه جعل شیء طریقاً و أمارة فیشمله القاعدة المذکورة فلایوجب تخصیصاً فی القاعدة بل هو توسعة لها بتوسعة موضوعها.

ص:512

أورد علی صاحب الکفایة و النائینی بأنّه لادلیل علی جعل فی الطرق و الأمارات لابمعنی جعل المنجّزیّة و لابمعنی جعل الطریقیّة بل مدرک حجّیّة الأمارات هو بناء العقلاء و سیرتهم علی العمل بها من دون جعل و الشارع تبعهم فی ذلک و أمضی ما بنوا علیه.

و دعوی أنّ إمضاء بناء العقلاء علی لزوم العمل بالأمارات قد یؤدّی إلی خلاف الواقع.

مندفعة بما مرّ من أنّه لا مانع منه بعد حمل الحکم الواقعی علی الشأنی.

یمکن أن یقال: إنّ لحن طائفة من أدلّة اعتبار الأخبار یساعد مع جعل الطریقیّة کقوله علیه السلام «لاعذر لأحد فی التشکیک فیما یرویه ثقاتنا» لأنّه یرجع إلی الأمر بإلغاء احتمال الخلاف و المعاملة مع الخبر معاملة العلم و الیقین کما أنّ لحن أدلّة اعتبار قول المفتی یساعد مع الحجّیّة کقول مولانا الإمام الثانی عشر عجّل الله تعالی فرجه الشریف «إنّهم حجّتی و أنا حجة الله» و لاینافی ما ذکر الأمر بأخذ الأحکام و تلقّیها لإمکان الجمع بین الأخبار باعتبار الطریقیّة و هی توجب الحجّیّة فیترتّب علیه وجوب الأخذ و التلقّی.

ثمّ لایخفی علیک أنّ إشکال المناقضة أو التضادّ و إن ارتفع بجعل الطریقیّة أو الحجیّة.

ولکن یبقی الإشکال من ناحیة لزوم تحلیل الحرام و تحریم الحلال فإنّه باقٍ علی حاله إذ جعل الطریقیّة أو الحجّیّة ربّما یؤدّی إلی مخالفة الواقع.

و لایدفع هذا الإشکال إلّا بما مرّ من الجمع بین الحکم الواقعی و الظاهری بحمل الواقعی علی الشأنی و علیه فالاکتفاء بمجرّد جعل الحجّیّة أو الطریقیّة و إبقاء الواقع علی الفعلیّة لایدفع الإشکال المذکور بل أساس الجواب عن المحاذیر المذکورة فی التعبّد بالأمارات هو یحمل الأحکام الواقعیّة علی الشأنیّة من ناحیة التزاحم بینها و بین مفاسد لزوم الاتّباع عن العلم و عدم جواز التعبّد بالأمارات فتدبّر جیّداً.

ص:513

إمکان التعبّد بالاُصول

و اعلم أنّه یکفی ما تقدّم من بیان إمکان التعبّد بالأمارات لإمکان التعبّد بالاُصول أیضاً و ذلک لأنّ لزوم الاتّباع عن العلم و عدم جواز التعبّد بالاُصول یوجب ترتّب مفاسد عظیمة من العسر الشدید و الحرج العظیم لایتحمّلها أکثر الناس و معها تسقط الأحکام الواقعیة عن الفعلیّة فمع سقوطها عن الفعلیّة و حملها علی الشأنیّة لا مانع من التعبّد بالاُصول کما لامانع من التعبّد بالأمارات.

ولافرق فی ذلک بین أن یکون الأصول محرزة و بین أن لاتکون کذلک و بالجملة فالجواب الصحیح الکامل عن المحذورات المذکورة فی الأمارات و الأصو. ل هو أن یقال إنّ الواقعیّات بعد منافاتها مع الأحکام الظاهریّة محمولة علی الشأنیّة بمعنی أنّها تسقط عن الفعلیّة من جهة المنافاة بینها و بین الأحکام الظاهریّة.

ودعوی أنّ مقتضی شأنیّة الواقعیّات هو عدم لزوم الإتیان بها عند العلم بها فضلاً عن قیام الأمارات علیها ضرورة عدم لزوم امتثال الأحکام التی لم تصر فعلیّة و لم تبلغ مرتبة البعث و الزجر.

مع أنّ لزوم الإتیان بالواقعیّات عند العلم بها أو قیام الأمارات علیها من الواضحات.

مندفعة بأنّ هذا الإشکال ناشٍ من الخلط بین الشأنیّة التی لم تبلغ مرتبة البعث و الزجر و الشأنیّة التی بلغت مرتبة الفعلیّة ولکن تسقط من جهة التزاحم بین مصالحها و بین المفاسد المترتّبة علی الاقتصار علی غیرها و من المعلوم أنّ الثانیة إذا تعلّق بها العلم أو قامت علیها الأمارة وجب الإتیان بها بلاکلام فلاتغفل.

ص:514

الفصل الرابع: فی تأسیس الأصل

و لاإشکال فی أنّ التعبّد بالظنّ الذی لم یدلّ دلیل علی جواز التعبّدیّة محرّم لما دلّ علیه الأدلّة الأربعة و یکفی من الکتاب قوله تعالی:(قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَی اللّهِ تَفْتَرُونَ) حیث دلّ علی أنّ إسناد حکم إلی الله من دون دلیل افتراء علی الله تعالی.

و من السنّة قوله علیه السلام فی عداد القضاة من أهل النار «و رجل قضی بالحقّ و هو لایعلم» فالقضاء من دون علم و دلیل محرّم و إن طابق الواقع.

و من العقل تقبیح العقلاء من یتکلّف من قبل مولاه بما لایعلم بوروده عن المولی.

و من الإجماع ما ادّعاه الفرید البهبهانی فی بعض رسائله من أنّ عدم جواز التعبّد بالظنّ الذی لادلیل علی اعتباره بدیهیّ عند العوام فضلاً عن العلماء.

ودعوی: أنّ الاحتیاط أیضاً تعبّد بما لادلیل علی اعتباره و مقتضی ما ذکر هو حرمته.

مندفعة: بأنّه فرق بین الالتزام بشیء علی أنّه من قبل المولی مع عدم العلم بأنّه من ناحیته و بین الالتزام بإتیانه لاحتمال کونه منه فتحصّل أنّ التعبّد بالظنّ مع الشکّ فی رضایة الشارع بالعمل به فی الشریعة تعبّد بالشکّ من دون دلیل و هو باطل بحکم العقل و النقل.

ص:515

و أمّا مجرّد العمل علی طبقه فهو غیر محرّم إلّا إذا خالف أصلاً من الاُصول اللفظیّة أو العلمیّة الّتی تدلّ علی وجوب الأخذ بمضمونها حتّی یعلم الرافع.

ثمّ إنّ البحث عن الحرمة التکلیفیّة للتعبّد بالظنّ و عدمها خارج عن البحث الاُصولی إذ الأنسب به هو أن یقال إنّ الأصل فیما لایعلم اعتباره بالخصوص أو بالعموم هو عدم الطریقیّة أو عدم الحجّیّة جزماً و علیه فلایترتّب علی المشکوک اعتباره الآثار المترتّبة علی الطریق و الحجّة نعم یمکن أن یقال إنّ مرجع البحث عن الحرمة التکلیفیّة للتعبّد بالظنب إلی نفی الحجّیّة لوجود الملازمة بینهما بناء علی عدم إمکان جعل الحجّیّة بنفسها إذ الحجّیّة حینئذٍ منتزعة عن الأحکام التکلیفیّة و علیه فلابأس بتقریر الأصل بما ذکره الشیخ فی الفرائد من أنّ الأصل هو حرمة التعبّد والالتزام بشیء بعنوان أنّه من قبل المولی.

ثمّ لایذهب علیک أنّ نفس الشکّ فی جواز التعبّد بالظنّ و عدمه یکفی فی القطع بعدم حجّیّة التعبّد بالظنّ و بعدم ترتیب شیء من الآثار علیه للقطع بانتفاء الموضوع معه لأنّ الطریق أو الحجّة لایتحقّقان من دون الوصول. و علیه فمع الشکّ فی الطریقیّة و الحجّیّة یحصل القطع بانتفاء الموضوع و معه فلامجال لاستصحاب عدم الحجّیّة أو الطریقیّة لأنّ الأثر و هو التنجیز أو التعذیر لم یترتّب علی الطریق أو الحجّة بوجودهما الواقعی بل الأثر مترتّب علی الواصل من الطریق أو الحجّة و العلم بهما فمع الشکّ فی الطریق و الحجّة یقطع بانتفاء الموضوع و مع القطع لامجال لاستصحاب العدم لعدم تمامیّة أرکانه کما لایخفی.

إذ الشیء إذا کان بوجوده العلمی موضوعاً فإذا شکّ فیه حصل العلم بعدم وجود موضوعه و مع العلم بعدم وجود موضوعه لاحاجة إلی الدلیل الاجتهادی فضلاً عن الأصل العملی کما لایخفی.

ص:516

بقی شیء: و هو أنّ الحجّة تتمّ بالوصول و المعیار فی الوصول هو أن تکون الحجة موجودة بحیث لو تفحّص عنها المعکف لظفر بها فإنّ وصول عرفاً و لذا لو لم یتفحصّ و کانت الحجّة موجودة فی الواقع و تفحّص عنها المعکف و لم یظفر بها لم تتمّ الحجّة لعدم صدق الوصول عرفاً بالنسبة إلیها إذ لیست الحجّة بحیث لو تفحّص عنها لظفر بها فوجودها فی الواقع کالعدم.

و لافرق فی ذلک بین مرحلة التنجیز و بین مرحلة الإسقاط و العذر، لأنّ المعیار هو صدق الوصول و هو یعمّ المرحلتین.

ودعوی: أنّ هذا مختصّ بمقام التنجیز و الإثبات دون مقام التعذیر و الإسقاط فإنّ الحجة المجهولة غیر مفیدة من هذا الحیث مطلقاً سواء کانت حجّة فی الواقع أنّه لم تکن و علی الأوّل سواء وصلت علی تقدیر الفحص أم لم تصل و سواء قبل الفحص أو بعده.

أمّا بعد الفحص فواضح و أما قبله مع فرض الوصول لو تفحّص فلأنّ الحجّة الواقعیّة بوجودها الواقعی لاتورث سقوط تبعة ذلک الوجوب الواقعی عن هذا المعکف.

بل لابدّ للتعبد فی ترک الإطاعة مع وجود العلم الإجمالی بالتکلیف من وجود مستند یستند إلیه فی الترک ففی هذا الفرض تحقّق الحجّة علی الإباحة فی الواقع مع شکّ المعکف فیه لیس لهذا المعکف الشاکّ حجّة فی قبال المولی بل یکون العلم الإجمالی حجّة علیه و موجب لصحّة عقابه. فتحصّل أنّ وجود الحجّة الواقعیّة المجهولة لایؤثّر شیئاً فی مرحلة التنجیز و الإثبات إلّا فی صورة واحدة و هی ما إذا کانت موجودة و کان المعکف یظفر بها لو تفحّص عنها و أمّا فی مرحلة الإسقاط فلایؤثر شیئاً أصلاً فی شیء من الصور.

مندفعة: بأنّ العلم الإجمالی مؤثّر فی وجوب الاحتیاط فی جمیع الأطراف لو لم یرد فی بعض الأطراف بیان لعدم وجوبه و إلّا انحصر تأثیره فی الوجوب فی الطرف الآخر.

ص:517

و المفروض فی المقام کذلک فإنّ الحجّة المجهولة الّتی لو تفحّص عنها لظفر بها بیان عرفیّ لعدم وجوب طرف من أطراف العلم الإجمالی و لاتوقّف لکون الحجّة المجهولة بیاناً علی الإستناد و معه لاتأثیر للعلم الإجمالی بالنسبة إلی طرف قامت الحجّة علی عدم وجوبه و علیه فلاوجه للمؤاخذة بالنسبة إلی ترک هذا الطرف بل تکون المواخذة علیه قبیحة لأنّه عقاب بلابیان بل عقاب مع البیان علی الخلاف فالبیان الذی لو تفحّص المعکف عنه لظفر به کفی فی الحجّیّة و رفع المؤاخذة و لیس ذلک إلّا معنی المعذّریّة فلاوجه للفرق بین مقام المنجّزیّة و مقام المعذّریّة.

کما لاتفاوت بین أن یکون المورد من موارد العلم الإجمالی و بین أن لایکون کذلک بل یحتمل التکلیف و لم یفحّص و علی کلّ تقدیر تکفی الحجّة المجهولة للبیان مع فرض کونها بحیث لو تفحّص عنها المعکف لظفر بها.

و بناء علی کفایة الحجّة المجهولة الّتی لو تفحّص عنها لظفر بها فی المعذّریّة لایکون ترک الواجب الذی وردت الحجّة فی الواقع علی إباحته معصیة. نعم غایته هو التجرّی و ذلک لوجود المعذّر الواصل کما هو المفروض و دعوی لزوم الاستناد لبناء العقلاء علیه. مندفعة بأنّه غیر ثابت بل تکفی الحجّة الواصلة عرفاً کما هو المفروض فی المقام و الله هو الهادی.

ص:518

فهرس الموضوعات

الأمر الأوّل: فی تعریف علم الاصول و موضوعه 5

الجهة الاُولی: فی تعریف علم الاصول 5

الجهة الثانیة: فی تعریف موضوع کل علم 7

الجهة الثالثة: فی تمایز العلوم 9

الجهة الرابعة: فی موضوع علم الاُصول 11

الأمر الثانی: فی الوضع 13

المقام الأوّل: فی حقیقة الوضع. 13

عدم الحاجة إلی الالتزام و التعهّد فی الوضع 14

تحلیل الوضع و الدلالة 14

التنزیل و الهوهویة 16

المقام الثانی: فی أقسام الوضع 16

الأمر الثالث: فی مصحّح الاستعمالات المجازیّة 21

الأمر الرابع: فی استعمال اللفظ فی اللفظ 25

ص:519

الأمر الخامس: فی أنّ الألفاظ موضوعة بإزاء معانیها من حیث هی 27

الأمر السادس: فی وضع الهیأة قائمة علی المرکّبات 31

الأمر السابع: فی علائم الحقیقة و المجاز 35

ثمرة العلامات 48

الأمر الثامن: فی تعارض الأحوال 49

دوران الأمر بین الحقیقة و غیرها 49

دوران الأمر بین نفس الاحوال غیر الحقیقة 51

الأمر التاسع: فی الحقیقة الشرعیّة 57

الأمر العاشر: فی الصحیح و الأعمّ 63

أدلّة الصحیحیّ 77

أدلّة الأعمیّ 81

أسامی المعاملات 83

تبصرة 88

الأمر الحادی عشر: فی الاشتراک 91

الأمر الثانی عشر: فی إستعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد 93

وهم و دفع 97

الأمر الثالث عشر: البحث فی المشتق 101

المختار 109

استدلال الأعمّیّ 110

تنبیهات: 111

ص:520

التنبیه الأوّل: فی بساطة المشتقّ والمراد منها 111

التنبیه الثانی: فی الفرق بین المبدأ والمشتقّ 114

التنبیه الثالث: فی ملاک الحمل 114

التنبیه الرابع: 115

التنبیه الخامس: 116

الفصل الأوّل: فیما یتعلّق بمادة الامر 119

الجهة الأولی: 119

الجهة الثانیة: 119

الجهة الرابعة: إنّه یقع البحث فی المقامین: 121

المقام الأوّل: فی مفهوم الطلب و الإرادة 121

المقام الثانی: فی حقیقة الکلام النفسیّ 121

الفصل الثانی: فیما یتعلّق بصیغة الأمر 127

المبحث الأوّل: فی تحقیق معنی صیغة الأمر 127

المبحث الثانی: فی کیفیة استفادة الوجوب من صیغة الأمر 129

المبحث الثالث: فی الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام الطلب و البعث 131

المبحث الرابع: فی التعبدی و التوصلی 132

المقام الأوّل: فی تعریف التعبّدیّ و التوصّلیّ 132

المقام الثانی: فی إمکان أخذ القربة فی متعلّق التکلیف و عدمه 132

وجوه الامتناع فی مقام الأمر 132

وجه الامتناع فی مقام الامتثال 135

ص:521

تصحیح أخذ قصد القربة بتعدد الأمر 136

تصحیح القربة بأخذ دواعی التقرب 136

المقام الثالث: فی الأخذ بالإطلاق عند الشکّ فی اعتبار قصد القربة فی واجب و عدمه 138

المقام الرابع: فی الأصل العملیّ عند فرض عدم جریان مقدّمات الإطلاق 139

المبحث الخامس: فی حمل الأمر علی النفسیّ و العینیّ و التعیینی 140

المبحث السادس: فی الأمر عقیب الحظر أو توهّمه 140

المبحث السابع: فی المرة و التکرار 141

المقام الأوّل: 142

المقام الثانی: 142

المقام الثالث: فی المراد من المرّة و التکرار 143

المقام الرابع: فی تبدیل الامتثال بالامتثال 144

المقام الخامس: فی الامتثال بالأزید 145

المقام السادس: فی عدم اختصاص النزاع بالأمر الوجوبیّ 145

المقام السابع: فی الفرق بین النواهی و الأوامر 145

المبحث الثامن: فی الفور و التراخی 145

الفصل الثالث: فی الاجزاء 147

تحقیق المقام فی الأجزاء و عدمه 150

الموضع الأوّل: 150

الموضع الثانی: 151

المقام الأوّل: فی إجزاء الأوامر الاضطراریّة 151

ص:522

کیفیة دلالة الأوامر الاضطراریّة علی الإجزاء 153

مقتضی الأصل 155

المقام الثانی: فی إجزاء الاصول و الامارات الظاهریّة 156

الفصل الرابع: فی مقدمة الواجب و الحرام 175

المقام الأوّل: 175

المقام الثانی: 175

المقام الثالث: 175

المقام الرابع: 176

المقام الخامس: 176

المقام السادس: 177

المقام السابع: فی تقسیمات المقدمة 178

تبصرة 181

المقام الثامن: فی تقسیمات الواجب 187

مقتضی الأصل 196

و منها تقسیمه إلی نفسیّ و غیریّ 197

تنبیهات: 204

المقام التاسع: فی تبعیة وجوب المقدمة عن وجوب ذیها 208

المقام العاشر: فی ما هو الواجب فی باب المقدّمة 209

دلیل المشهور 209

دلیل اعتبار القصد 209

ص:523

دلیل اعتبار الإیصال 212

اعتبار حال الإیصال 216

الثمرة بین القولین 217

تذنیب فی کیفیّة استکشاف الحکم الکلّیّ الفقهیّ 218

تأسیس الأصل 219

أدلّة وجود الملازمة 221

مقدّمة المستحب 225

مقدّمة الحرام أو المکروه 225

الفصل الخامس: فی أنّ الأمر بالشیء هل یستلزم النهی عن ضدّه أم لا؟ 227

المقام الأوّل: فی الضدّ الخاصّ 228

المقام الثانی: فی الضدّ العامّ 230

مقتضی الأصل 232

ثمرة المسألة 233

الترتّب 235

التنبیهات 239

الفصل السادس: فی جواز الأمر مع انتفاء الشرط و عدمه 245

الفصل السابع: فی متعلّق الأوامر و الطلب 247

الفصل الثامن: فی أنه بعد نسخ الوجوب 251

الفصل التاسع: فی تصویر الوجوب التخییری 253

الفصل العاشر: فی تصویر الواجب الکفائیّ 257

ص:524

الفصل الحادی عشر: فی الموسّع و المضیّق 259

الفصل الثانی عشر: فی دلالة الأمر بالأمر 263

الفصل الثالث عشر: فی الأمر بعد الأمر 265

الفصل الأوّل: فی مفاد مادّة النهی و صیغته و هنا مباحث 269

المبحث الأوّل: فی مادّة النهی 269

المبحث الثانی: فی صیغة النهی 269

المبحث الثالث: فی تفسیر النهی 269

المبحث الرابع: 270

الفصل الثانی: فی جواز اجتماع الأمر و النهی 277

بین المختار و مقدّماته: 290

تصویر اجتماع الأمر و النهی فی العبادات المکروهة 292

تنبیهات 294

الفصل الثالث: فی أنّ النهی هل یکشف عن الفساد أو لا؟ 303

تنبیه فی مجعولیّة الصحّة و الفساد و عدمها 307

المختار فی المسألة 310

المقام الأوّل: فی العبادات 310

المقام الثانی: فی المعاملات 311

الفصل الأوّل: فی تعریف المفهوم و المنطوق 319

الفصل الثانی: فی دلالة الجملة الشرطیّة علی المفهوم وعدمها 323

ص:525

بطلان التفصیل بین اتّحاد الجنس و عدمه 340

بطلان التفصیل بین کون الأسباب الشرعیّة معرّفات أو مؤثّرات 341

مقتضی الأصل فی الشک فی تداخل الأسباب 345

مقتضی الأصل فی الشکّ فی تداخل المسببّات 346

الفصل الثالث: فی مفهوم الوصف 347

هنا تفصیلان 352

الفصل الرابع: فی مفهوم الغایة 355

الفصل الخامس: فی مفهوم الحصر 359

الفصل السادس: فی مفهوم اللقب و العدد 367

الفصل السابع: فی مفهوم العلّة و الحکمة المنصوصیّن 369

المقام الأوّل: فی العلّة المنصوصة 369

المقام الثانی: فی الحکمة المنصوصة 370

الفصل الأوّل: فی تعریف العامّ 375

الأمر الأول: فی تعریف العامّ الاُصولی 375

الأمر الثانی: فی أقسام العمومات 376

الأمر الثالث: فی منشأ هذ التقسیم 377

الأمر الرابع: فی خروج أسماء الأعداد عن العمومات 377

الأمر الخامس: أنّ أداة العموم مثل لفظة «کلّ» موضوعة فی اللغة 378

الأمر السادس: فی تأسیس الأصل 378

ص:526

الأمر السابع: فی کیفیّة دلالة نفی الطبیعة و اسم الجنس و النکرة علی العموم 380

الأمر الثامن: فی أنّ اللام فی الجمع هل تفید العموم أو لا؟ 381

الفصل الثانی: فی حجّیة العامّ المخصَّص فی الباقی بعد تخصیصه بالمخصِّص المبیَّن 383

الفصل الثالث: فی حجّیة العامّ المخصَّص فی الباقی بعد تخصیصه بالمخصِّص المجمل 385

الفصل الرابع: فی جواز العمل بالعامّ قبل الفحص و عدمه 387

الفصل الخامس: فی عمومیّة التکالیف و الخطابات لغیر الموجودین و الحاضرین 389

ثمرة البحث عن تعمیم الخطابات 392

الفصل السادس: أنّ تعقّب العامّ بضمیر لایراد منه إلّا بعض أفراد العامّ 395

الفصل السابع: فی تعارض المفهوم مع العموم 399

المقام الأوّل: فی أنواع المفهوم 399

أقسام المفهوم الموافق 399

المقام الثانی: فی تقدیم المفاهیم الموافقة 400

المقام الثالث: فی المفهوم المخالف 402

الفصل الثامن: فی الاستثناء المتعقّب للجمل 405

المقام الأوّل: فی مقام الثبوت 405

المقام الثانی: فی مقام الاثبات 406

الفصل التاسع: فی وجه تقدیم الخاصّ علی العامّ 411

الفصل العاشر: 413

الفصل الحادی عشر: فی تخصیص الکتاب بالخبر الواحد 415

ص:527

الفصل الثانی عشر: فی الدوران بین التخصیص و النسخ 417

الفصل الأوّل: فی تعریف المطلق 425

أسامی الأجناس: 426

أعلام الأجناس: 427

المعرّف باللام: 428

النکرة: 429

الفصل الثانی: فی مقدّمات الإطلاق 433

بقی شیء 436

تنبیهات: 436

الفصل الثالث: فی کیفیّة الجمع بین المطلق و المقیّد 443

الفصل الرابع: فی المجمل و المبیّن 449

الباب الأوّل: فی القطع 453

الفصل الأوّل: فی القطع، و یقع البحث فیه من جهات 453

هنا أقوال: 454

تنبیه فی حقیقة الحکم و مراتبه 459

التنبیهات 464

تعاضد الدین و العقل البدیهیّ 486

الملازمة بین الحکم العقلیّ و الشرعی 487

موارد النهی عن العمل بالقطع 490

ص:528

الفصل الأوّل: فی أنّ التعبّد به ممکن ذاتاً و لامحذور فیه 499

الفصل الثانی 501

الفصل الثالث 503

إمکان التعبّد بالاُصول 514

الفصل الرابع: فی تأسیس الأصل 515

فهرس الموضوعات... 531

ص:529

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.